العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
3
ا�سرتاتيجية الأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�صرة ت�صدر كل �شهرين عن «مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية» ال�سنة الأوىل ،العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
رئي�س التحرير
�أحمد عبدالكرمي �سيف
director@shebacss.com
مدير التحرير
حممد �سيف حيدر
m_saif@shebacss.com
نائب مدير التحرير
�سقاف عمر ال�سقاف
saqqaf@shebacss.com
الت�صميم والإخراج الفني
حممد عبدالرحمن الذبحاين
m_aldbhani@shebacss.com
الرتجمة
�أحمد الباكري
ahmed@shebacss.com
املراجعة اللغوية
حممد حم�سن علوان
mohammed-al@shebacss.com
�سكرتارية املجلة
�أ�سماء حممد �إبراهيم
asma@shebacss.com
اال�شرتاكات: ال�سنة الواحدة (�ستة �أعداد) �شاملة �أجرة الربيد: داخل اجلمهورية اليمنية 6000 :ريال للأفراد 60 ،دوالر ًا للم�ؤ�س�سات. الدول العربية 50 :دوالر ًا للأفراد 90 ،دوالر ًا للم�ؤ�س�سات. بقية دول العامل 70 :دوالر ًا للأفراد 120 ،دوالر للم�ؤ�س�سات. ير�سل طلب اال�شرتاك �إىل عنوان املجلة مع حوالة م�صرفية �أو �شيك ُم�صدّق بقيمة اال�شرتاك لأمر مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. ولال�ستف�سار ميكن التوا�صل عرب الربيد الإلكرتوين: subscription@shebacss.com
ثمن الن�سخة: اليمن 300ريال ،ال�سعودية 20ريا ًال ،الإمارات العربية املتحدة 20درهماً، الكويت 1دينار ،مملكة البحرين 1دينار ،قطر 20ريا ً ال� ،سلطنة عمان 1.5 ريال ،العراق 2500دينار ،لبنان 4000لرية� ،سورية 200لرية ،الأردن 1.5دينار، فل�سطني 5دوالر ،م�صر 10جنيهات ،ال�سودان 4جنيهات ،ليبيا 2دينار ،اجلزائر 300دينار ،تون�س 5دينار ،املغرب 20درهم ًا ،موريتانيا � 300أوقية. بقية دول العامل 6 :دوالر. متعهد الطباعة واملوزع العام يف الدول العربية:
م�ؤ�س�سة الفالح للن�شر والتوزيع
�ص .ب – 113/6590 .رمز بريدي 1103 2140
تلفاك�س 3( 00–961–1–856677خطوط) – بريوت ،لبنان
E- mail: alfalahzoobi@gmail.com
ُعب بال�ضرورة ُعب املقاالت املن�شورة عن �آراء كتّابها ،وال ت رِّ ت رِّ عن ر�أي «مدارات ا�سرتاتيجية» �أو مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
جملة مدارات ا�سرتاتيجية مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �ص .ب 16822 .هاتف +967 1 677466 :فاك�س+967 1 677466 : �صنعاء – اجلمهورية اليمنية الربيد الإلكرتوينmadarat@shebacss.com : madaratistrategyya@yahoo.com املوقع على الإنرتنتwww.shebacss.com/madarat :
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
4
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
Relating Policy to Knowledge
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
5
يف هذا العدد ت�شرين الثاين/نوفمرب – كانون الأول/دي�سمرب
2010
يف ب�ؤرة االهتمام 06
نظرة على shebacss.com
08
�إفتتاحية �أمن اخلليج يف عامل متغري رئي�س التحرير
98
104
اليمن والعامل حتلي�لات :يحل���ل حممد �سيف حيدر حادثة «الطرود امل ُفخخة» الت���ي تبناها تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب م�ؤخراً وما خلفته من �ش���ظايا ،ويخل����ص �إىل �أن م���ا بدا �أنها «غزوة» مل تكتمل لتنظيم القاعدة الذي �أخذ ي�ستنزف طاقات���ه ودهائه �شيئ ًا ف�شيئاً� ،أطبقت بظاللها �ضاف ملاذا يجب على ل�سبب لي�س لهم يد فيه؛ وت�شرح ال�سف�ي�رة الأمريكية ال�سابقة باربرا بودين يف مق���ال ٍ القات���ة عل���ى اليمن واليمني�ي�ن ٍ مِ وا�شنط���ن �إع���ادة التفكري يف اليمن ،مُقدِّ مة تو�صيات �أكرث واقعية لل�سيا�سة الأمريكية جتاه هذا البلد؛ ويحاول �أحمد علي الأح�صب تو�ضيح ه���ل اليم���ن بحاج���ة للم�س���اعدات اخلارجي���ة ،وكيف ميك���ن �إدارتها بطريق���ة تراعي ال�ض���رورات والإمكانات؛ يف ح�ي�ن يعر�ض جرهارد لي�شتنثيلر �صورة �أكرث قرب ًا مل�شكلة املياه التي تواجه اليمن؛ �أما جون �إ�شياما فيبحث يف �سياق مقارن واقع خلفاء الأحزاب ال�شيوعية يف كل من اليمن و�أفغان�ستان بعد نهاية احلرب الباردة .ال�صفحات 55 - 10 وجه��ات نظ��ر :يقدم �أحمد عبدالكرمي �سيف ر�ؤية عملية مقرتحة لإعادة التوازن لعالقة ال�س���لطة واملجتم���ع يف اليمن؛ وتلقي �شيماء �أحمد منري ال�ضوء على ظاهرة العبودية التي ك�شف م�ؤخر ًا عن وجودها يف بع�ض مناطق اليمن ،مبينة �أهمية دور الدولة ومنظمات املجتمع امل���دين واجله���ات الأخ���رى يف الق�ضاء على هذه الظاهرة غ�ي�ر الإن�سانية؛ بينما يقوم ط���ارق عبداهلل احلروي مبُ�س���اءلة طموحات اليمن للإن�ض���واء يف جمل����س التع���اون اخلليجي ،جماد ًال ب�أن م�ساعي دوائر �صنع القرار اليمن���ي للح�صول على ع�ضوية املجل�س ال تتعدى م�س�ألة تعظيم املكا�سب االقت�صادية يف حماولة لرفد م�سرية البلد التنموية املن�شودة� ،أكرث منها حماولة ذات طابع ا�سرتاتيجي ،هدفها فر�ض وجود اليمن يف املعادلة الإقليمية اخلليجية .ال�صفحات 72 - 56 تفاعالت اليمن والعامل يف 60يوماً� :شهرا �أيلول�/سبتمرب وت�شرين الأول�/أكتوبر .2010ال�صفحات
77 - 74
ع�ين عل��ى اليمن:تو�ضح �ألي�س هاكم���ان �أن اليمن هو �أكرث مما نراه يف الأخبار �إذ �أن ل���ه وجه ًا خمتلف ًا يتم جتاهله يف غمار الرتكيز الإعالمي الغربي ال�سلبي على التطورات املرتبطة بها البلد؛ ويجادل �سليمان ال�شق�صي ب�أن الوقت مل يحن بعد لأن يكون اليمن ع�ضواً �سابعاً يف جمل�س التعاون اخلليجي ،ويقر�أ كري�ستوفر بوت�شيك التطورات الأخرية املرتبطة مب�ش���كلة الإره���اب يف اليم���ن؛ يف ح�ي�ن يجيب رونالد �سوكول عل���ى ال�س�ؤال التايل :ه���ل يجوز لوا�ش���نطن اغتيال مواطن �أمريكي يعي�ش يف اليمن؛ �أما حممد ح�سني �أبو العال فيحذر �إدارة �أوباما من حتويل اليمن �إىل م�س���رح �آخر للتدخل يف �ض���وء حادث���ة ط���رود املوت؛ بينما يرى نبيل نايلي �أن م�س���اعي �أم�ي�ركا للتدخل يف اليمن بحجة حمارب���ة «القاعدة» تخفي هدفاً �آخر هو احتواء النفوذ ال�صيني املتعاظم عاملياً؛ و�أخري ًا يحاول معتز �سالمة مقاربة الو�ضع يف اجلنوب يف �ضوء ا�ست�ضافة اليمن لبطولة «خليجي .»20ال�صفحات 88 - 78
املراقب الإ�سرتاتيجي 90
6
ا�سرتاتيجية
ما بعد االنف�صال :التداعيات الإقليمية النف�صال جنوب ال�سودان خالد �أحمد الرماح
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
108
اجلذب والنبذ: يف العالقة امللتب�سة بني ال�سلطة العربية والعلماء هاين املغل�س الت�صحر احل�ضري حممد الدعمي االلتفات �شرقاً: التجربة املاليزية والدرو�س امل�ستفادة عربياً حممد �أبو غزله
املحــور
الوجوه املتغرية للإ�سالموية :حتوالت وجتارب 116
تنوع الإ�سالميني يف اليمن :منطق الدمج حتت ال�ضغط لوران بونفوا
124
ال�سري نحو االعتدال: جتربة جماعة «الإخوان امل�سلمني» يف اليمن
132
138 142
146
�ستيج هان�سن و �أتل ميزوي �سيا�سات �إمارة امل�ؤمنني منت�صر حمادة العمق ال�سلفي للحركة الإ�سالمية يف املغرب عبداحلكيم �أبو اللوز ال�سلفيون اجلهاديون يف موريتانيا مراد بطل ال�شي�شاين ظالل العنف :هل من �سبيل لإعادة ت�أهيل اجلهاديني؟ كاثرين �سيفرت
جيوبوليتيك 156
االنعكا�سات اجليو�سيا�سية للأزمة املالية العاملية وو �شينبو
162
القر�صنة يف القرن الأفريقي بيرت �شولك
اجتاهات عاملية العالقات الدولية من الواقعية �إىل ما بعد الإن�سانية �سالم الرب�ضي �أقنعة اخليبة :ر�ؤية نقدية ملكافحة الف�ساد و�إ�شكالياته يف الدول النامية مراد عبدالواحد ظافر فتنة ال�صندوق :ملاذا تتحول االنتخابات �إىل �صداع دائم يف البلدان النامية عبدالغني املاوري
170
174
178
املائدة امل�ستديرة التدخل اخلارجي ،هل هو �ش ٌّر البد منه؟ ن�صر طه م�صطفى ،وطالل عرتي�سي، و�أحمد الزنداين ،وفرج بو الع�شة
184
الفهر�ست مراجعــات� :صعود العوملة وانهيارها جون رال�ستون �سول /هيثم مزاحم بالإ�ضافة �إىل عرو�ض موجزة
�أُ ُفق
م�سئوليتنا امل�شرتكة يف عام جديد �أبو بكر القربي العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
192 198
202
ا�سرتاتيجية
7
shebacss.com
نظرة على
�ألق نظرة على �إ�صداراتنا ي�صدر مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية �أربع �سال�سل درا�سات حمكمة باللغتني العربية واالجنليزية تعنى بال�ش�ؤون الإ�سرتاتيجية وال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية ،وتركز هذه ال�سال�سل ب�شكل �أ�سا�سي على اليمن ،وجمالها احليوي الذي ي�ضم الدول املطلة على البحر الأحمر ودول اخلليج (دول جمل�س التعاون اخلليجي ،و�إيران ،والعراق) ومنطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقيا ،والالعبني الدوليني الرئي�سيني .كما يندرج حتت هذا الت�صنيف
يف �أيامنا هذه �أ�صبح العاملان الواقعي واالفرتا�ضي متداخالن �إىل حد ال ميكن ف�صلهما عن بع�ضهما البع�ض .هذه احلقيقة جتعل ل�شبكة املعلومات الدولية (الإنرتنت) �سحر ًا وجاذبية ال تقاوم ،كونها �إحدى نوافذ �إ�شهار الذات ،الفردية �أو امل�ؤ�س�سية .ولهذا ،فقد �أولينا يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �أهمية فائقة للتوا�صل التفاعلي مع رواد العامل االفرتا�ضي ،و�إتاحة منتجاتنا الفكرية والتحليلية للجميع داخل اليمن وخارجه ،وباللغتني العربية والإجنليزية .وعو�ض ًا عن كونه يتيح لنا وللمهتمني بالعمل البحثي يف اليمن وخارجه ،التوا�صل والتفاعل البناء، ف�إننا نعمل دوم ًا على تطوير موقعنا الإلكرتوين بحيث يكون واجهة معربة عن ن�شاطاتنا الهادفة �إىل «رفد ال�سيا�سة باملعرفة» ،وبحيث يكون دوم ًا مفعم ًا باحليوية والتجديد� ،شك ًال وم�ضمون ًا.
اطّ لع على �أن�شطتنا وفعالياتنا احلالية وامل�ستقبلية
تعرَّف
على �أع�ضاء هيئتنا اال�ست�شارية
تت�شكل الهيئة اال�ست�شارية ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية من جمموعة �أكادمييني وخرباء معروفني ،وهي ال تعك�س خربات من خمتلف احلقول فح�سب بل �أي�ض ًا متثل تنوع ًا من الناحيتني اجلغرافية والثقافية .وللتعرف �أكرث على الأ�سماء املرموقة (الواردة يف العمود ي�سار ال�صفحة) ،والتي ت�ض ّمها قائمة الهيئة اال�ست�شارية للمركز و�سريها الذاتية ،وحقول تخ�ص�صاتها املعرفية والأكادمييةُ ،قم بزيارة الرابط التايلwww.shebacss.com/ar/advisors :
�شاركنا �آراءك حول �أهم التطورات اجلارية يف اليمن واملنطقة
يت�ضمن موقعنا على �صفحته الرئي�سية نافذة جانبية با�سم «ا�ستفتاء» ،وحتوي ا�ستطالع ر�أي حي وتفاعلي حول �أهم الق�ضايا وامل�ستجدات على ال�ساحة اليمنية والإقليمية .والهدف هو �إتاحة الفر�صة ملت�صفحي موقعنا وزواره للإدالء ب�آرائهم ووجهات نظرهم حول ق�ضايا خمتلفة بكل �شفافية .ولعل من املفيد التذكري ب�أن هذه اال�ستطالعات تتغري ب�شكل دوري وفق تطورات الأو�ضاع ،بحيث تغطي تباع ًا �أبرز الق�ضايا املطروحة واملثرية للجدل.
تابـع �آخر م�ستجدات الأو�ضاع يف اليمن واملنطقة �أو ً ال ب�أول عرب بوابة «املركز الإعالمي» بغر�ض تزويد مت�صفحي وم�شرتكي املوقع الإلكرتوين للمركز بكل امل�ستجدات اخلربية والإعالمية ،مت تخ�صي�ص هذه النافذة (التي تكاد تكون موقع ًا م�ستق ًال بذاته) ملتابعة �آخر الأخبار يف ال�صحافة وو�سائل الإعالم �أو ًال ب�أول ،وعر�ضها على املوقع على مدار ال�ساعة باللغتني العربية والإجنليزية كما وردت من م�صادرها .وغايتنا هي متكني مرتادي املوقع من معاي�شة احلدث ومتابعة تطوراته خالل خمتلف مراحله ،ومن ر�ؤى ومنطلقات متعددة .ويجري اختيار الأخبار والتقارير بعناية وحرفية من م�صادر متعددة �ضمن �آلية للمتابعة اليومية لكل من :وكاالت الأنباء العربية والعاملية� ،أهم ال�صحف العربية والأجنبية ،مواقع �إخبارية متخ�ص�صة ،وغريها من امل�صادر. للإطالع على حمتويات املركز الإعالمي املتجددةُ ،قم بزيارة الرابط التايلwww.shebacss.com/ar/news : 8
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
يتيح موقع املركز لزواره ومت�صفحيه جملة «مدارات ا�سرتاتيجية» مع �إمكانية حتميلها جمان ًا� ،سواء ب�شكل مفرد (�أي كل مقال على حدة)� ،أو تنزيل بع�ض �أعداد املجلة كاملة.
�سال�سل الدرا�سات
shebacss.com
يوفر املوقع الإلكرتوين ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية لزواره وللمهتمني بن�شاطاته وفعالياته ،نافذة متخ�ص�صة مبتابعة و�إبراز الفعاليات والأن�شطة التي ينظمها املركز �أو ينوي تنظيمها م�ستقب ًال وفق خطته البحثية .وت�شمل هذه الأن�شطة والفعاليات :امل�ؤمترات الإقليمية والدولية، بالإ�ضافة �إىل الندوات وور�ش العمل وحلقات النقا�ش واالجتماعات املختلفة والتي ينظم بع�ضها بالتعاون مع �أبرز مراكز الأبحاث العربية والعاملية ،ناهيك عن املحا�ضرات العامة التي يلقيها خرباء مينيني وعرب و�أجانب يف �شتى املجاالت والتخ�ص�صات.
مدارات ا�سرتاتيجية
الهيئة اال�ست�شارية �أنو�ش �إحت�شامي (�إيران/بريطانيا) �إبراهيم �سيف (الأردن) �إن�صاف عبده قا�سم مر�شد (اليمن) باقر النجار (البحرين) بول �آرت�س (هولندا) جرد نونيمان (اململكة املتحدة) ِ جالل فقرية (اليمن) ح�سني علي حممد (ال�صومال) خلدون النقيب (الكويت) ر�ضوان ال�سيد (لبنان) (عمان) �سامل بن تبوك ُ �شوكت �أ�شتي (لبنان) عبد الغفار فرح (ال�صومال) عبداخلالق عبداهلل (الإمارات) عمرو حمزاوي (م�صر) فائزة بن حديد (اجلزائر) لبنى امل�سيبلي (اليمن) مارينا �أوتاوي (الواليات املتحدة) حمجوب الزويري (الأردن) حممد �أحمد الزعبي (�سورية�/أملانيا) حممد الأفندي (اليمن) حممد احلاوري (اليمن) حممد �صالح قرعه (اليمن) حممد عبد ال�سالم (م�صر) حممد الرميحي (الكويت) ملحم �شا�ؤول (لبنان)
�سل�سلتني �أخريني، هما� :سل�سلة �أوراق بحثية، وهي �سل�سلة �أوراق غري دورية وغري حمكمة ،تتناول بالتحليل والتقومي ق�ضايا ال�ساعة ذات الطابع الهام ،مبا من �ش�أنه تقدمي ر�ؤية �أو�سع ل�صناع القرار واملهتمني من الأكادمييني والباحثني .وكذلك �سل�سلة ر�سائل جامعية ،التي تهتم بن�شر ر�سائل املاج�ستري و�أطروحات الدكتورة اجلامعية املتميزة يف
حتليالت �سيا�سية
املجاالت التي تقع �ضمن اهتمامات املركز ،بهدف خلق تراكم علمي ومعريف لدى املخت�صني واملهتمني بهذه املجاالت ،و�إتاحة الفر�صة ل�صناع القرار والنخب العلمية والثقافية يف املجتمع لال�ستفادة من نتائجها.
تت�ضمن هذه النافذة حتليالت مكثفة يقدمها باحثو املركز حول حدث �سيا�سي حايل الفت �أو ق�ضية جديرة باالنتباه ،ومن املحتمل �أن يكون لها ت�ضمينات �إ�سرتاتيجية على املديني القريب �أو البعيد.
الكــتــب
توفر هذه النافذة �إطاللة عامة على الكتب التي ين�شرها مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية� ،سواء باللغة العربية �أو الإجنليزية ،يف املجاالت املختلفة ال�سيا�سية والإ�سرتاتيجية واالقت�صادية واالجتماعية .وبع�ض هذه الكتب متاح بالكامل للتنزيل املجاين.
خمتارات من جديد موقعنا
�أخبار وحتليالت ووجهات نظر
■ ّاطلع على كل ما تود �أن تعرفه عن «امل�ؤمتر الوطني لإدارة وتنمية املوارد املائية» يف اليمن ،الذي ّ ينظمه مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية
ب�صنعاء ،واملقرر انعقاده يف الفرتة 17 -15كانون الثاين/يناير 2011 (نافذة متخ�ص�صة على «واجهة ال�صفحة الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية والإجنليزية).
■ اقر�أ �أحدث �إ�صداراتنا �ضمن �سل�سلة �أوراق بحثية ،درا�سة بعنوان « امل�شكلة الإثنية و�أثرها يف قوة الدولة :مقاربة نظرية عامة» ،للباحثني حممد
ج�سار( .درا�سة متوفرة يف �صفحة :املطبوعات�/سال�سل �سيف حيدر وعلي عبداهلل ّ الدرا�سات�/سل�سلة �أوراق بحثية)
■ ت�صفّح النافذة اخلا�صة وامل�سماة «مر�آة الإرهاب» ،املُك ّر�سة ملتابعة تطورات ظاهرة الإرهاب حملي ًا و�إقليمي ًا وعاملي ًا� ،أو ًال ب�أول ،حيث جتد �آخر الأخبار والتقارير والتحليالت والدرا�سات (نافذة متخ�ص�صة على «واجهة ال�صفحة الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية والإجنليزية).
ت�صويت تفاعلي
■ ما هي املهددات الأبرز للأمن القومي العربي يف منطقة القرن الأفريقي؟ هذا ما يحاول تو�ضيحه الباحث يف برنامج درا�سات القرن الأفريقي خالد
الرماح (حتليل متوفر يف نافذة «حتليالت �سيا�سية»).
■ ما هي الفر�ص املتاحة للعمالة اليمنية يف �سوق العمل اخلليجي ،وهل ت�ستجيب ملتطلباته وتتجاوز امل�شكالت البنيوية املتعلقة بهذا امللف ال�شائك؟
كتاب �شامل يبحث الفر�ص والعوائق والتحديات من كافة اجلوانب اقت�صادي ًا وقانوني ًا وم�ؤ�س�ساتي ًا وا�سرتاتيجي ًا ،حرره الباحثان يف املركز حفظ اهلل الأحمدي وماجد �سراج، و�صدر م�ؤخر ًا يف �سل�سلة الكتب (للإطالع على ملخ�صه انظر �صفحة :املطبوعات/ الكتب).
■ من يقف وراء التفجريات االنتحارية الأخرية يف حمافظتي اجلوف و�صعدة اليمنيتني ،وما �أبعاد هذه الهجمات؟ حتليل يحاول تفكيك طال�سم
احلدث� ،أعده الباحث يف وحدة الدرا�سات اال�سرتاتيجية عاي�ش علي عوا�س (حتليل متوفر يف نافذة «حتليالت �سيا�سية»).
�شاركنا بر�أيك على shebacss.comبالت�صويت على �أحدث اال�ستفتاءات التفاعلية:
«ه���ل تتوق���ع �إج���راء االنتخاب���ات الربملاني���ة اليمني���ة يف ني�س���ان�/أبريل 2011؟» العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
9
اليمن والعامل
رئي�س التحرير
�سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أفكار
�إفتتاحيـة
�أمن اخلليج يف عامل متغري يحت���ل �أمن اخلليج مكانة ب���ارزة يف ال�سيا�سة الدولية منذ بداية �ستيني���ات القرن املا�ضي ،ولكن االهتم���ام الدويل به تزايد ب�شكل ملحوظ يف الآونة الأخ�ي�رة ،وانعك�س ذلك يف م�ؤمترات دولية مت عقده���ا تباع ًا م�ؤخراً ،حيث عقدت �أربع م�ؤمترات دولي���ة منذ بداية كانون الأول/دي�سمرب �أحدها يف ولت���ون بارك (لن���دن) ،الثاين يف الكويت ،الثالث حوار املنامة (البحرين) ،والرابع يف باري�س. اجلديد يف مو�ضوع �أمن اخلليج هو تغري البيئة الدولية والأمنية عما �سبق. فاملتغ�ي�ر الأول؛ يتج�س���د يف �أن الأم���ن الوطن���ي لأي دولة مل يع���د وطني ًا خال�ص��� ًا نتيجة لت�شابك العالق���ات وامل�صالح .املتغري الثاين واملهم؛ تغري توازن القوى يف املنطقة .وال نتحدث عن التوازن االقت�صادي والتقني والب�شري فق���ط ،ولكن �أي�ض ًا عن التوازن الع�سكري وم�صادر القوى الأخرى. فما هي النتائج املرتتبة على تغري التوازن القوى يف املنطقة؟ �أوالً :جميع الدول العربية خارج �إطار التوازن املذكور .ثانياً :تركز توازن القوى اجلديد واملتوقع ل���ه �أن ي�ستمر خالل العقد القادم بني املحور الثالثي (�إيران -تركيا � -إ�سرائيل) ،والذي ال ميكن �أن حتافظ فيه القوى الكربى على م�صاحلها دون التعاون مع هذا املحور الثالثي .وما يعيق تنفيذ ه���ذا املحور هو ا�ستمرار اخلالف الغربي الإيراين على الربنامج النووي الإيراين .وعند احلديث عن ال�سيا�سة الواقعية املعتمدة على امل�صالح البحتة فهي تفرت�ض الو�صول �إىل حلول معقولة لتفعيل هذا املحور الثالثي حتت املظلة الأمريكية .ومرة �أخرى اخلا�سر الأكرب هو الوطن العربي. وال�س�ؤال الذي يواجه �صانع القرار العربي كيف ميكن تقليل اخل�سائر عو�ض ًا عن تعظيم املكا�سب. والأطروح���ة اخلليجية القائمة على خليج خالٍ من �أ�سلح���ة الدمار ال�شامل مل جتد ا�ستجابة لعدم ربطه���ا بالربنامج الن���ووي الإ�سرائيلي .و�أحد البدائ���ل ولي�س �أف�ضلها الدخ���ول يف ترتيبات �أمنية جدي���دة لأمن اخللي���ج ت�ضم ثالث هياكل �أو منظم���ات :الأوىل ،جمل�س التع���اون اخلليجي ببعديه الإ�سرتاتيجيني اليمن والعراق .الثانية ،املحور الثالثي املذكور (�إيران -تركيا� -إ�سرائيل) .الثالثة والأخرية ،حلف الناتو وعلى ر�أ�سه الواليات املتحدة. مث���ل ه���ذا الرتتيب �سيبع���د �شبح احلرب ع���ن املنطقة ويخفف م���ن تهمي�ش دور ال���دول العربية ب�شكل عام ،ولكنه ي�ستدعي اتفاقات معينة على ر�أ�سها من ميتلك ال�سالح النووي واملعرفة النووية ( ،)Know Howواىل �أي حدود تت�ضمن الرت�سانة النووية من ر�ؤ�ؤ�س نووية ونظم القدرة احلربية التو�صيلي���ة ( ،)Delivery Systemوما هي �ضوابط ا�ستخدامها ،وحدود هذا اال�ستخدام ،وما هي ال�ضمان���ات ملثل ه���ذه الرتتيبات بحيث ين�شئ عنه���ا منظومة �إقليمية فاعل���ة حتافظ على التوازن وقوى الردع ،بحيث حتد من �سباق الت�سلح وتتيح املجال لإعادة تخ�صي�ص موارد للتنمية.
10
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
�أحمد عبدالكرمي �سيف
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب
2010
ا�سرتاتيجية
11
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
ت�شريح «غزوة» مل تكتمل حادثة «الطرود املفخخة» وما خلّفته من �شظايا حممد �سيف حيدر m_saif@shebacss.com
لي����س الي���وم كالأم�س ،لكن «غ���زوات» القاعدة تت�شاب���ه .هذا �أول ما ق���د يدور يف خلد امل���رء عند حماولته الإمع���ان يف م�ضام�ي�ن ودالالت وتبعات حدث «طرود امل���وت املفخخة» املر�سلة جو ًا م���ن اليمن �إىل �أمريكا، والتي �شغلت �أخبارها و�سائل الإعالم العاملية طيلة الأيام والأ�سابيع املا�ضية .فقبل نحو عام من الآن ،تنقّل �ش���اب نيج�ي�ري – تط���وّع ذاتي ًا لتقدمي خدماته لتنظي���م «القاعدة يف جزيرة الع���رب» -بني عدة مطارات تتمو�ض���ع يف ث�ل�اث قارات (اليمن ،ف�إثيوبيا ،وغانا ،ثم نيجرييا ،و�ص���و ًال �إىل هولندا) ،لي�ستقر �أخري ًا على م�ت�ن طائرة مدنية تتبع �شركة «دلت���ا» ،وقُربَ هبوطها يف مطار مدينة ديرتويت يف الواليات املتحدة ،حاول تفج�ي�ر نف�س���ه عرب حتفيز عبوة نا�سفة خمب�أة مبهارة يف مالب�س���ه الداخلية م�ستخدم ًا حمقن ًا يحتوي مادة �سائلة ،لكنه ف�شل يف تنفيذ م�أربه ،وانتهى به احلال مقبو�ض ًا عليه يف �سجن �أمريكي. عمالني���اً ،ف�شلت عملية عمر الفاروق عبداملطلب ،لكنها – من الناحية عطب غري مرئي ٍة يف املنظومة الأمنية اال�سرتاتيجية – �أبانت عن جوانب ٍ العاملية والغربية حتديداً ،ودلت على تعاظم خطر تنظيم «قاعدة اجلهاد يف جزيرة الع���رب» ،الذي يتخذ من بع�ض زوايا اليم���ن اجلغرافية ملج�أً لقيادات���ه وعنا�صره ،ومتكُّن ِه من تطوير تكتيكات���ه التدمريية لتتالءم مع �أجندته «العاملي���ة» وطموحاته الآخذة يف االت�س���اع .وقتها اعترب التنظيم العملية – مع �إخفاقه���ا « -ن�صر ًا كبرياً» ،مُطلِق ًا عليها «غزوة الفاروق»، ومتوع���د ًا بـ «مفاج�آت» مماثلة قادمة يف الطريق .ويف �إ�شارة �ضمنية �إىل نواي���اه امل�ستقبلي���ة� ،شرح التنظي���م – بعبارة موحية مفعم���ة بالثقة رغم طابعها الفني ال�صرف -قائالً�« :أُب�شِّ ر امل�سلمني � ..أن املجاهدين تو�صلوا �إىل مادة �شديدة االنفجار تف���وق قوتها املتفجرات الكال�سيكية ال�شديدة االنفجار مث���ل ( )PETNوملينيت و RDXوترتايل وغريها ،وهي يف طور الإعداد والتجربة»(.)1 كان التحذير وا�ضحاً ،فما عجزت عنه عبوة اجلرامات الأربع من مادة 12
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ال���ـ ( )PETNالت���ي ا�ستخدمها النيج�ي�ري عمر الف���اروق يف “غزوته”، �ستطال���ه (قريب���اً) عبوة �أكرث تط���ور ًا ومكراً ،و ..تدم�ي�راً .وهذا ما كان �سيح�ص���ل -رمب���ا -لو و�صل �سيناري���و طرود املوت املفخخ���ة �إىل مداه، و”الغزوة” املُفرت�ضة �إىل منتهاها. حدث من ه���ذا النوع، لك���ن ثم���ة �س�ؤال م�ش���روع يُطِ ل بر�أ�س���ه عقب كل ٍ ُ�صمًّ��� ٌم ل ُيح���دِ ثَ – كما هو احل���ال اليوم – دوي ًا �إعالمي��� ًا هائ ًال ترتدد م َ �أ�ص���داءه يف �أنحاء املعمورة كافة :هل الفاع���ل هذه املرة �أي�ض ًا هو تنظيم “القاع���دة يف جزي���رة العرب” حق���اً� ،أم �أن �أ�صاب���ع االتهام قد ت�شري �إىل جه���ة �أخرى لها م�صلحة ب�شكل �أو ب�آخ���ر يف �إثارة مثل هذا ال�ضجيج والت�سبب بكل هذا الذعر؟ ميكن الق���ول �إنه ناهيك ع���ن تبنّي التنظيم ال�صري���ح لعملية «الطرود املفخخ���ة» (والت���ي �أطل���ق عليه���ا م�سم���ى «عب���وات اال�ستن���زاف» �ضمن ا�سرتاتيجية جديدة ملقاتلة الواليات املتحدة وحلفائها تُدعى “ا�سرتاتيجية الأل���ف جرح”) ،ف�إنه ل���دى خرباء الإرهاب ما يكفي م���ن امل�ؤ�شرات لكي حممد �سيف حيدر باحث مبركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية، ومدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية».
يجزموا ب�أن «القاعدة يف جزيرة العرب» هي من تقف وراء عملية «الطرود املُفخخ���ة» .ف�إىل جان���ب وح���دة املكان/املُنطَ لَ���ق (اليمن ،حي���ث ين�شط تنظيم القاع���دة) ،ووح���دة املكان/الهدف (الواليات املتح���دة“ ،العدو البعي���د” الأكرث تف�ضي�ل�اً للتنظيم) ،ف����إن العملية ا�ستخدم���ت التكتيك نف�س���ه ،والأدوات ذاتها و�إن ب�صيغة �أكرث تطور ًا ومهارة ،اللذين ا�ستعمال من قبل يف حماولة االنتحاري ال�سعودي عبداهلل ع�سريي اغتيال م�ساعد وزير الداخلية ال�سعودي حممد بن نايف يف �آب�/أغ�سط�س ،2009وكذلك حماولة النيجريي عمر الفاروق تفجري الطائرة الأمريكية فوق ديرتويت يف كان���ون الأول /دي�سم�ب�ر من الع���ام نف�سه .فاملادة الت���ي عرث عليها يف الطردي���ن املفخخني ه���ي ذاتها م���ادة ( ،)PETNوه���ي عن�صر ع�ضوي �شدي���د االنفجار ،ينتمي �إىل نف����س ال�ساللة الكيمائي���ة للنرتوغل�سريين، ولكن الفارق هذه املرة – كما �أفاد املحققون � -أن «كمية مادة ()PETN يف العب���وات اجلديدة تبل���غ 80غراماً ،وهي �أ�ضع���اف الكمية امل�ستخدمة يف قنبلة عمر الفاروق»� .أم���ا املادة املُفجِّ رة فهي «�إيزايد الر�صا�ص» وهو مُفجِّ���ر قوي �سه���ل اال�ستخدام ،وقد �أعد بحرفي���ة عالية للعمل من خالل دائ���رة كهربائية تت�ص���ل ب�شريحتي هاتف خليوي �أُخفيت���ا يف خرطو�شتي طابعتي جهازي كمبيوتر حتى ال تك�شفهما �أجهزة امل�سح ال�ضوئي.
من ناحية التوقيت ،ورغم �أن هذا الأمر يف �أحيانٍ كثرية ال ينطوي على �أهمي���ة كربى م���ا دام الطريق للنيل من «اخل�صم» ب���ات �سالك ًا يف حلظة بعينه���ا ،م���ا يعني �أن الزمن يظل مالئم ًا يف كل الأح���وال� .إال �أن التوقيت هن���ا ،مع ذلك ،مل يخ��� ُل من ر�سائل م�ضمرة و�إ�ش���ارات كا�شفة؛ فالعملية كان م���راد له���ا �أن تتم يف الأيام الأخرية من ت�شري���ن الأول�/أكتوبر ،وهو �شه���ر يحف���ل بالإيحاءات الرمزي���ة والذكريات امل�شرتكة ب�ي�ن «القاعدة» و�أمريكا/الغ���رب (الذكرى العا�شرة لتفجري املدمرة الأمريكية «كول» يف ميناء ع���دن؛ مرور �أ�سابيع قليلة من الذكرى التا�سعة لأحداث � 11أيلول/ �سبتم�ب�ر؛ الذكرى الثامنة لتفجري ناقلة النفط الفرن�سية «ليمبورغ» قرب مين���اء املكال .).... ،ناهيك ع���ن �أن �أيام هذا ال�شهر ما انفكت مت�ضي - ميداني��� ًا -على وقع مواجهات مل تنقطع م���ع ال�سلطات اليمنية املدعومة �إقليمي��� ًا ودولي��� ًا – وبالتحدي���د �أمريكي��� ًا -م���ن �أجل ا�ستئ�ص���ال تنظيم «القاع���دة» م���ن �أرا�ضيها نهائي ًا (وه���و ما �سيُ�ضفي عل���ى احلدث طابع ًا «ث�أرياً» �إ�ضافياً ،بحيث يب���دو تنظيم «القاعدة» وك�أنه عاز ٌم على موا�صلة انتقامه ممن حاربوه وما يزالون يفعلون يف جنوب اجلزيرة) .ويف الوقت نف�س���ه ،ال تغيب داللة ح�صول العملية/املحاولة قبل �أيام قالئل من موعد �إج���راء انتخابات التجدي���د الن�صفي للكونغر�س ،وم���ا �ستلقيه من ظالل العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
13
اليمن والعامل
حتليالت
«ا�ستنـزاف» ٌ « .1القاعــدة» يف خمترب الفاعليـــة: تُنبي حادثة الطرود املفخخة التي تبنّاها م�ستمر؟
تنظي���م «قاعدة اجله���اد يف جزيرة العرب»� ،إىل جان���ب العمليتني اللتني �سبقاه���ا وماثلتاها من حيث التكتيك وامل���واد امل�ستخدمة (وهما العملية الت���ي �أ�سماه���ا التنظيم «غ���زوة الف���اروق» ن�سبة ملجن���ده النيجريي عمر الفاروق عبداملطلب ،وكذلك حماولة االنتحاري عبداهلل ع�سريي اغتيال حمم���د بن نايف م�ساعد وزير الداخلية ال�سعودي ،انطالق ًا من الأرا�ضي اليمني���ة) ،هذه العمليات املتعاقبة واملُت�شابِهة من الناحية التكتيكية تنبي 14
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ME Archive
م�ؤك���دة على امل�شهد ال�سيا�سي املحت���دم بال�صراعات والتناف�س احلزبي، الأمر الذي يُعطي فعل «القاعدة» � -سواء جنح �أم ال -زخم ًا �أكرب يتعدى الأث���ر الفعلي له ،محُ دث ًا ارتدادات وا�سعة ومتعددة امل�ستويات يف الداخل الأمريكي. كل ذلك ي�شي ب�أن «القاعدة» يف خ�ضم عراكها مع «خ�صومها» (وبوجه خا����ص الأمريكي�ي�ن /الغربي�ي�ن منه���م) توا�ص���ل لعبتها الأث�ي�رة املُثرية للأع�ص���اب« :كم���ا تذكروننا نذكركم ،و�سنُعيد الك���رّة يف كل مرة ،ولكن بو�سائلن���ا اخلا�ص���ة ،ويف امل���كان الذي نح���دده (نحن)» .ورمب���ا مل يكن م�صادف���ة – واحلالة هذه � -أن يخ���رج امل�سئول الع�سكري للتنظيم قا�سم الرميي (�أبو هريرة ال�صنعاين) ،يف ت�سجيل �صوتي له ،بُثّ على الإنرتنت قب���ل ما يناه���ز الأ�سبوعني من حادث���ة الطرود املفخخ���ة ،مُلمِّ ح ًا �إىل �أن تنظيم���ه يُعد ل�شن هجمات و�شيك���ة داخل الواليات املتح���دة ،قائالً�« :إن امل���دد ..للعمل اخلارجي (خارج اليم���ن) ال يوقفه �شي ٌء بحول اهلل» ،و�أن التنظي���م « ُيعِد الليل م���ع النهار للعملي���ات ،وب�إذن اهلل قريب��� ًا ت�سمع �أمة الإ�س�ل�ام ما ي�شف���ي �صدرها من عدوها ،فواهلل �أنّ���ا لن نعي�ش احلرب يف دارنا وعدونا �آمنٌ يف داره ،كال ورب الكعبة ،فلنكن �سواء»(.)2 هك���ذا �إذن تبدو ب�صمة «القاعدة يف جزي���رة العرب» – وفق امل�ؤ�شرات الأولي���ة ال�سالفة -وا�ضح ًة يف هذه «الغ���زوة» التي مل تكتمل كما �سابقتها «غ���زوة الفاروق» ،على �أن هذا الو�ضوح يف طبيعة الفعل وهوية الفاعل ما يلب���ث �أن ي�صطدم ب�أمور مهمة �أخرى ما تزال مُبه َم ًة وي�شوبها الكثري من الغمو����ض� ،أثارته���ا ق�ضية الطرود املفخخة املُر�سَ لة ج���و ًا من �صنعاء �إىل �شيكاغو (ع�ب�ر مطارات الدوحة ودبي ولندن) ،كم���ا �أن هناك ت�سا�ؤالت حائ���رة مل تلقَ بعد �إجاب���ات �شافية يف خ�ضم ال�ضجي���ج الذي �أنتجه هذا احل���دث املُريع .ف����إذا كانت «القاع���دة يف جزيرة الع���رب» هي من يقف وراء ط���رود املوت هذه ،فما الذي يعنيه �إخفاقها جمدد ًا يف بلوغ مراميها النهائي���ة؟ ويف �أي �إط���ار نفهم (ون�ض���ع) الدور ال�سع���ودي املُلتبِ�س الذي لع���ب – بح�سب مزاعم الأمريكيني -دور ًا �أ�سا�سي��� ًا يف �إحباط «امل�ؤامرة الإرهابية»؟ وما انعكا�سات ذلك على جمريات التعامل امليداين مع خاليا «تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب» ،وعلى م�سارات التعاون الأمني اليمن���ي – ال�سع���ودي ب�صفة خا�صة ،وم���ا طبيعة الإج���راءات الأمريكية املحتملة للتعاطي مع خطر «القاعدة» يف اليمن والذي – بح�سب وا�شنطن -مل يعد يُحتَمل؟
للوهل���ة الأوىل ب�أن قدرات «تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب» على ا�ستهداف خ�صومه و�إيذائه���م� ،آخذ ٌة يف التطور وعلى نحو نوعي وب�شكل يت���واءم مع طموحات���ه العاملية ،لكن جلوء التنظي���م �إىل التكتيك ذاته يف توجي���ه �ضربات���ه املتوالية حتت م�سمى «عب���وات اال�ستن���زاف» ،مُ�ستعين ًا بج�س���م و�سيط ذي خ�صائ�ص معين���ة يف كل مرة ،يخفي – باملقابل -يف طيات���ه وَهَ ن��� ًا عملياتي ًا ومراوحة تكتيكية ،مل يلبث���ا �أن عبرّ ا عن نف�سيهما بو�ض���وح يف خمت�ب�ر الفاعلية :فمقابل جن���اح التنظي���م الن�سبي وق�صري الأمد يف معرك���ة الرتويع الإعالمية ،ثمة �إخفاق هائل يف حتقيق الغايات املُع َلن���ة واملربجمة للعمليات الث�ل�اث؛ ما ي�شري �إىل �أن التنظيم بات � -إن حاكمنا �أقواله ب�أفعاله -يف ورطة ا�سرتاتيجية �شديدة بالفعل. فمن ناحي���ة ،تبدو خيارات تنظيم «القاع���دة» التكتيكية – كما عبواته النا�سف���ة املموهة ذاته���ا -يف حالة «ا�ستنزاف» م�ستم���ر ،ولهذا جند �أن منهج���ه يف العمل – كتنظيم مركزي وكفروعٍ �إقليمية على ال�سواء � -أخذ ينحدر �شيئ ًا ف�شيئ ًا من تدبري عمليات كربى ذات �صدى عاملي (ك�أحداث احل���ادي ع�ش���ر م���ن �أيلول�/سبتمرب ،وتفج�ي�رات ال�سف���ن واملدمرات يف عر����ض البحر ،وا�ستهداف القطارات كما يف مدريد �أو و�سائل النقل كما يف لندن)� ،إىل عمليات حم���دودة الت�أثري تديرها فروعه املحلية ،ال�سيما يف اليم���ن ،وحتاك���ي يف غالبيتها النمط الذي جل�أت ل���ه بع�ض املنظمات واجلماعات الإرهابية التقليدية يف �ستينيات و�سبعينيات القرن املا�ضي. فه���ي كما نالحظ تعتمد على ا�ستخدام متفج���رات وعبوات نا�سفة �سهلة الرتكي���ب والإخفاء مما خف حمله وات�س���ع نطاق فعله التدمريي ،ولذلك ف�إنها ال حتتاج بال�ضرورة �إىل فريق ب�شري كبري ،وعمليات ت�ضليل مُعقدة، وتخطي���ط طويل املدى (وهو ما تطلبت���ه بع�ض عملياته ال�سابقة)؛ فاملهم هن���ا �أن يك���ون لدي���ك �شخ�ص له اطالع جيّ���د بعلم املتفج���رات مع قدرة ضال عن وجود �أج�سام و�سيطة ذهني���ة على االبتكار التقني والعملياتي ،ف� ً منا�سبة تُ�سهِّل �إخفاء القنابل ومتويهها ،حتى ت�صل �إىل الهدف املطلوب. وه���ذا الأمر هو ما توفّ���ر م�ؤخر ًا لتنظيم القاع���دة يف جزيرة العرب من خ�ل�ال امتالك���ه – ب�شكل �أ�سا�س���ي -خلربات عدد م���ن �صانعي القنابل واملتفج���رات املُتمرِّ�س�ي�ن كال�سع���ودي �إبراهيم ح�سن طال���ع ع�سريي(.)3 وه���ي خ�ب�رات ما ت���زال حم���دودة يف عنا�ص���ر و�أ�شخا�ص بعينه���م ،ولذا يح���اول التنظيم تنميتها وتطويرها �أكرث من خ�ل�ال نداءاته املتكررة ملن يب���دون ا�ستعدادهم لالن�ضمام �إليه ممن لديهم �إطالع و�إملام جيّد بعلوم الفيزياء والكيمياء والتقنيات املتطورة. ثم �أن هذا التوجه نحو جعل عمليات «القاعدة» املوجهة �ضد خ�صومها الغربي�ي�ن معتم���دة على ق���درات تقنية بحت���ة ي�سهل تعميته���ا ومتريرها، وتالي��� ًا ف�إنها ال حتتاج �سوى �أقل عدد ممكن من الأ�شخا�ص� ،إمنا هو �أحد م�ؤ�ش���رات �ضع���ف التنظيم وم�ش���اكل التجنيد التي يواجهه���ا ،بل وكذلك وج���ود ن���زوع متنامي يف �صفوف���ه نحو فت���ور الهمّة العملي���ة (بخالف ما عك�ست���ه عمليات �ضخم���ة �سابقة �أظهرت وقتئذٍ «حيويت���ه الفائقة») ،وما ُتع�ّب�رّ عنه هذه احل���ال من خيبة �أم���ل يف �إمكانية تك���رار هجمات دموية كربى ،ته��� ّز ثقة الغرب بنف�سه وبقدرته عل���ى مواجهة عدو �أخطبوطي ال
�إخف��اق طائ��ر :رغ���م ما خلّفته عملي���ة الطرود املفخخة من حال���ة ذعر كبرية �إال �أن قطاع���ات حيوية كالطريان امل���دين وال�شحن اجلوي وا�صلت ن�شاطاتها رغم ا�ستمرار التهديدات الفعلية �أو املفرت�ضة
يرحم! من ناحية �أخرى ،وبالنظر �إىل بحث التنظيم املحموم عن نقاط �ضعف يف املنظوم���ة الأمني���ة العاملي���ة (وهو الأمر ال���ذي جعله ي�ستب���دل قنابله الب�شري���ة املُتحمّ�سة ب�أج�سام �أخرى �صعب���ة الر�صد والك�شف – كالطرود ُف�ضل وذي �أولوية املفخخ���ة مث ًال ،-وطائرات الركاب املدنية – كهدف م ّ بطائرات ال�شحن التجارية) يف حماولة الخرتاق هذه املنظومة متهيد ًال�ضربها يف ال�صميم ،جنده من حيث ال يدري يُ�سهِ م – املرة تلو الأخرى – يف �سد مكامن اخللل فيها ،وبالتايل رفع كفاءتها وزيادة مناعتها ،ما ي�ستدعي قيامه بابتكار و�سائل �أكرث تطور ًا للتعاطي مع الإجراءات الأمنية املُ�ستج���دة ،والت���ي و�إن �أثقلت كاه���ل احلكومات وال���دول ب�سبب تكاليفها الباهظة ،ف�إنها باملثل �سترُ هِ ق كاهل التنظيم يف املدى املنظور � -إن �أمعن يف حم���اوالت اخرتاقها -ب�أعباء قد تف���وق �إمكانياته وقدراته حينها� ،إذ �أن �إع���ادة الكرّة تتطلب وجود خربات و�أدوات و�إمكانات لوجي�ستية كافية وظروف زمكانية مواتية ،وهو ما ال يكون متاح ًا دائماً. وه���ذا يعن���ي �أن خط���ر «القاعدة يف جزي���رة العرب» يف ه���ذه املرحلة، وبعك����س التوجه���ات املت�شائمة ال�سائ���دة يف �أوروبا و�أم�ي�ركا ،يظل «قاب ًال ل�ل��إدارة» ،كم���ا �أن ت�أث�ي�رات عملياته الت���ي ت�ستهدف املنظوم���ة الغربية عموم��� ًا والأمريكي���ة خ�صو�صاً ،تب���دو �أي�ض ًا «قابلة لالحت���واء» .فرغم ما خلّفته عمليتي عم���ر الفاروق والطرود املفخخة من حالة ذعر كبرية بني قط���اع وا�سع م���ن النا����س� ،إال �أن قطاعات حيوية كان���ت يف قلب عمليات
اال�سته���داف «القاع���دي» كالط�ي�ران امل���دين وال�شح���ن اجل���وي وا�صلت ن�شاطاتها رغم ا�ستم���رار التهديدات الفعلية �أو املفرت�ضة( ،)4و�إن تطلب الأم���ر اتخاذ املزيد من التدابري االحرتازية ل�ضمان تقييد (واحلد من) قدرة التنظيم �أو �سواه من اخرتاق هذه املنظومة البالغة احل�سا�سية.
.2اليمن -ال�سعودية :التعاون حتت ال�ضغط الأك�ث�ر التبا�س ًا رمبا يف عملي���ة «القاعدة» الأخرية ،وعلى نحو �أثار ريبة الكث�ي�ر من املحللني واملراقب�ي�ن يف اليمن ،هو ال���دور ال�سعودي يف ك�شف «الط���رود املفخخة» ،والذي عبرّ عن نف�سه ب�شكل دعائي �صاخب ،عك�سته الرطان���ة الإعالمي���ة التي تعاط���ت بها و�سائ���ل الإعالم التابع���ة للمملكة م���ع هذا احلدث .لكن ال���ر�أي العام يف اليمن ،كما ُنخ���ب البلد املختلفة، ا�ستقب�ل�ا م���ا ح�صل بفت���ور �شديد ،وكان���ت �أ�سئلة من قبي���ل :كيف متكّن ال�سعوديون من معرفة خطة «القاعدة» قبل �أن يعرفها غريهم كاليمنيني والأمريكيني؟ وملاذا �أبلغوا حلفائهم الأمريكيني يف حني كان من املفرت�ض �أن يبلغ���وا �أ�شقائهم اليمني�ي�ن �أوالً ،على الأقل من منطلق «الأقربون �أوىل باملعروف»؟ و�أي دالالت تكتنف مثل هذه اخلطوة ال�سعودية ،والتي ت�سببت يف �إحراج ال�سلط���ات اليمنية داخلي ًا وخارجي ًا �إحراج ًا بالغاً ،بحيث بدت حم�شورة يف الزاوية ومُتلبِّ�سة بتهمة «�آخر من يعلم» املُ�شينة؟ هذه الأ�سئلة وغريها كانت الأكرث تردد ًا على �شفاه املراقبني وال�سيا�سيني وغ�صت به���ا كثري من املقاالت والتحلي�ل�ات التي ُدبّجت لنقد اليمني�ي�نّ ، العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
15
اليمن والعامل
حتليالت وم���دى قدرتها على درء �أية خماطر وتهدي���دات قد ت�أتيها من خا�صرتها اجلنوبية الرخوة� ،سواء يف �صورة خماطر �أمنية �أو متغريات جيو�سيا�سية «�سا ِلب���ة» ال تتوافق مع �أجندة اململكة وم�صاحلها الأكرث دميومة يف اليمن والإقليم.
الطريقة اال�ستعرا�ضية التي ميّزت التعاطي ال�سعودي مع حادثة الطرود، وما �أعقبها م���ن تطورات على �أكرث من �صعيد ،ر�أى فيها معظم اليمنيني تكري�س ًا ل�صورة بالدهم ال�سلبية عاملياً ،مع ما لذلك من �أ�ضرار مبا�شرة وغ�ي�ر مبا�شرة ت�صيب اليم���ن – حكومة و�شعب ًا – عل���ى املديني القريب والبعيد. و�ضمن ه���ذه ال�صيغة ال�ضاغِ ط���ة جرت (وجتري) معظ���م التفاعالت بي���د �أننا �إذا حاولنا فهم �أ�سباب التعاط���ي ال�سعودي مع ق�ضية الطرود يف عالق���ات �صنعاء م���ع الريا�ض ،وين�سح���ب ذلك على التع���اون الأمني املفخخ���ة بال�شكل ال���ذي ظهر عليه ،ف�إن���ه ال منا�ص م���ن ا�ستعادة بع�ض بينهم���ا ،والذي مثّل – ظاهري ًا عل���ى الأقل – القاطرة التي تقود م�سرية امل�شاه���د التي و�سمت �سريورة التعاون الأمني بني اليمن واململكة ،ال�سيما من���و العالقات اليمنية – ال�سعودية خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية .لكن خالل العامني الأخريين ،وا�ستك�شاف البيئة النف�سية واجليو�سيا�سية التي املراق���ب مل�سارات التعاون الأمني اليمن���ي -ال�سعودي ال يفوته املنحنيات حتيط مب�ضامني هذا التعاون وتبلور اجتاهاته وتوجهاته .ويف تقديرنا �أن والتعرج���ات الت���ي م ّر به���ا وال ي���زال� ،إذ �أن كثري ًا م���ن م�ساراته حمكو ٌم �أق���رب الفر�ضي���ات لتف�سري ما ح�صل ه���و �أن ال�سعوديني ال يُولون ب���ر�ؤى وت�صورات وم�صالح مت�ضاربة؛ وما قد يعزز م�صالح طرف يف – كعادته���م -نظرائهم اليمنيني ،م�سئولني �أمنيني املعادل���ة التفاعلية الثنائية يف حلظ��� ٍة بعينها رمبا يخ�صم، وع�سكريني كان���وا �أم �سيا�سيني ،جُ ّل ثقتهم لكي على نحو �أو �آخر ،من م�صالح �أو مكا�سب �أو مقت�ضيات يتول���وا �إدارة مل���ف �شائ���ك كمل���ف «تنظيم تهم الط���رف الآخر ويبدي حر�صه على الظفر بها تبدو خيارات تنظيم «القاعدة» قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب» ،خا�ص ًة (�أو جتاهلها) .وثم���ة م�ؤ�شرات عديدة على هذا التكتيكية – كما عبواته �أن احل���رب الأخرية الت���ي خا�ضوها مع النا�سفة املموهة ذاتها -يف حالة النم���ط م���ن املنحني���ات املت�أرجح���ة يف عالقة ولهذا م�ستمر، «ا�ستنزاف» احلوثي�ي�ن وحال���ة ال�سيول���ة الت���ي تلتها الريا����ض الأمنية ب�صنعاء ،م���ن قبيل ال�سيا�سة جند �أن منهجه يف العمل �أخذ �سيا�سي��� ًا وع�سكري��� ًا وتفاو�ضي���اً، الأحادية التي تتبعه���ا اململكة يف �إدارة احلدود ينحدر �شيئ ًا ف�شيئ ًا من تدبري رجّ ح���ت ر�ؤية ال�سعودي���ة الفاقعة امل�شرتك���ة ،وم���ا تكتنفه���ا م���ن �إج���راءات يت���م عمليات كربى ذات �صدى عاملي �إىل عمليات حمدودة والرا�سخة لليم���ن بو�صفها «ملف ًا تقريرها وتنفيذها دون ت�شاور م�سبق مع اجلانب الت�أثري تديرها فروعه �أمني���اً» �صرف ًا يج���ب التعامل معه اليمن���ي (م�س�أل���ة بناء اجل���دار الإلك�ت�روين العازل املحلية بحذر �شديد ،وعلى هذا الأ�سا�س مثالً). ال �أك�ث�ر وال �أق���ل .ث���م �أن حادث���ة عل���ى �أن مل���ف تنظيم القاع���دة ،وق���د �أ�ضحى هاج�س��� ًا �أمني ًا «الط���رود املفخخة» كما مت ت�أطريها م�ش�ت�رك ًا �إث���ر انهيار الفرع ال�سع���ودي للتنظيم وفرار ع���دد من عنا�صره �إعالمي ًا (وهذا ال يعني �أن «القاعدة» ال�سعودي�ي�ن اخلطري���ن �إىل اليم���ن ،ليندجم���وا يف وقت الح���ق مع الفرع ال تقف وراءها ،بل هي اجلهة الفاعلة بال ريب) عززت حماجّ ة الريا�ض اليمني للقاعدة م�ؤ�س�سني بذلك «تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب» التي مل ت���ك ّل منذ �أحداث احلادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب ،وت�أكيداتها ال���ذي ي�ضع اململكة ن�صب عينيه من منطل���ق كونها «بالد احلرمني» التي حللفائها الغربيني املُ�ستاءين والقلقني من التوجهات الدينية الراديكالية ي�سع���ى لتحريره���ا من «جن�س الكف���ار» ح�سب تعبري �أدبيات���ه ،هذا امللف ال�سائ���دة يف ال�سعودية ،ب����أن اليمن الدولة اله�شّ ���ة والفقرية واملعزولة يف الأك�ث�ر تعقيد ًا ج�سّ ���د ذروة التباين والتذبذب يف منحني���ات التعاون بني جنوب اجلزي���رة العربية -ال اململكة – هي «قاع���دة القاعدة» ،و�أنها – �صنع���اء والريا�ض( .)7وال�سبب – كما يبدو – يكمُن يف حماولة الطرفني �أي اليم���ن � -أخذت يف التح���وّل �إىل «ر�أ�س حربة لهجمات «القاعدة» �ضد ا�ستثم���ار هذا املل���ف ال�صعب لتحقي���ق مكا�سب و�سد ثغ���رات ،بع�ضها ال الوالي���ات املتحدة»( ،)5ولدرء التهدي���د الإرهابي الكامن هناك ال منا�ص يت�أت���ى �إال وفق منطق اللعبة ذات املعادلة ال�صفرية Zero – Sum Game م���ن التعويل عل���ى دور اململكة وخربته���ا الوا�سعة بالنظ���ر �إىل كونها من (م���ا يح�صل عليه طرف يخ�سره بال�ضرورة الطرف الآخر) ،وهي �صيغة ميلك «مفاتيح هزمية «القاعدة»» يف هذا البلد(.)6 ال مثيل لها �ضمن �صيغ التعاون املعهودة بني الدول والأنظمة ال�سيا�سية.. ورغم �أن الريا�ض حالي ًا هي الداعم املايل الأكرب لليمن� ،إذ تنفق �سنوي ًا وهنا امل�شكلة الرئي�سية. – طبق ًا لبع�ض التقديرات -نحو ملياري دوالر كم�ساعدات تنموية للبلد لنت�أمل �سريع ًا بع����ض الأمثلة وال�شواهد احلديثة التي ميكن �إيرادها يف �إىل جانب ما يقرب من 300مليون دوالر مكر�سة لتمويل جهود «التعاون» الأمني بينهما� ،إال �أن الإطار العام الذي تنتظم فيه هذه املعونات ت�ؤ�س�سه هذا ال�سياق: الر�ؤية ال�سعودية احلاكمة وامل�ستمرة لليمن كجا ٍر مرهوب اجلانب� ،أمني ًا قب���ل نح���و عامني ،وحتدي���د ًا يف �شباط/فرباي���ر ،2009قام املطلوبوجيو�سرتاتيجي���اً ،ولذا ف�إن �أي �صيغة �أو �صورة للتعاون بني البلدين تبقى ال�سع���ودي حممد العويف (ال���ذي عرف – لفرتة ق�ص�ي�رة – ب�أنه القائد مرهون���ة بتلبية حاجات اململك���ة ال�سعودية وتطلعاته���ا �أو ًال ويف الأ�سا�س ،املي���داين لتنظي���م القاعدة يف جزي���رة العرب) بت�سليم نف�س���ه لل�سلطات 16
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ال�سعودية .وقد تبينّ الحق ًا �أن عملية ا�ست�سالم العويف قد متت دون تن�سيق �أمن���ي عايل امل�ست���وى وتباديل املنافع بني �سلطات اليم���ن واململكة ،الأمر ال���ذي مل يمُ كّن �أجهزة الأمن اليمنية م���ن احل�صول على «معلومات ذات قيمة» من هذا القيادي ،ميكن توظيفها يف حربها �ضد تنظيم القاعدة. يف �شهر �شباط/فربير من العام 2009نف�سه ،ن�شرت وزارة الداخليةال�سعودي���ة قائمة ت�ضم 85مطلوب��� ًا من املت�شددين ،قال���ت “�إن جميعهم خ���ارج اململك���ة ،وبع�ضه���م ذه���ب �إىل اليم���ن” .وكان الالف���ت يف ه���ذه القائم���ة ،واملميز لها عما �سواها م���ن قوائم للمطلوبني ال�سعوديني ،ورود ا�سمي اليمنيني نا�صر الوحي�شي� ،أمري تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب، وقا�س���م الرميي ،القائد الع�سكري للتنظي���م ،واملالحقني من قبل �أجهزة الأم���ن اليمنية (باعتبارهم���ا مواطنني مينيني موجودي���ن على �أرا�ضيها ح�ص���راً) ،يف قائمة املطلوبني للمملكة ،وعلى نح ٍو �أظهر اليمن -كمجالٍ جيو�سيا�س���ي وقان���وين و�أمن���ي – وك�أنه���ا تق���ع حتت �سلط���ة واخت�صا�ص القوانني ال�سعودية. عملي���ة ا�ست�سالم “القاعدي” ال�سعودي عب���داهلل ع�سريي لل�سلطاتال�سعودي���ة يف �آب�/أغ�سط����س ( 2009والذي فجّ ر نف�س���ه يف ق�صر الأمري حمم���د بن نايف حم���او ًال اغتياله) ،متت – وعن �ساب���ق ت�صميم ر�سمي �سع���ودي -دون علم ال�سلط���ات اليمنية �أو بالرتتيب معه���ا ،وهو ما �أثبته الت�سجيل امل�صوّر ال���ذي �سرد فيه التنظيم بع�ض تفا�صيل العملية ،وكيف خُ طط���ت و ُنفّ���ذت .وكان البي���ان الذي تبنّ���ى من خالل���ه التنظيم عملية ع�سريي ،ون�شر بعده���ا ب�أيام قالئل ،قد �أملح �إىل �أن املخابرات ال�سعودية لرت�صد وتتبّع من يو�صفون تتح���رك خفي ًة داخل الأو�ساط املحلية اليمنية ّ قاعدي��� ًا بـ “املجاهدي���ن” ،دون �أن يكون للأمن اليمن���ي �أي معرفة بهذه التحركات .وما قد يقوّي رواية “القاعدة” هذه ،املعلومات غري املتواترة الت���ي تداولتها بع�ض الأو�س���اط وتفيد ب�أن �ضب���اط ا�ستخبارات �سعوديني مُتخفّ�ي�ن يف زي مدين وعلى هيئة جتّ���ار و�سُ يّاح ومهربني وخالفه� ،أخذوا يكثف���ون وجودهم وحتركاته���م يف بع�ض مناطق اليم���ن و�أطرافها ،حيث يعتقد �أن قادة “القاعدة” يختبئون وين�شطون فيها� ،سيما يف حمافظات كم�أرب واجلوف و�أبني و�صعدة. يف �شهر ت�شرين الأول�/أكتوبر ،2010ووفق ًا مل�س�ؤولني يف اال�ستخباراتالغربي���ة ،قامت اال�ستخبارات ال�سعودية – من طرف واحد ودون تن�سيق وا�ض���ح مع �أجهزة اال�ستخبارات اليمني���ة -بتحذير احلكومة الفرن�سية، وحكوم���ات �أوروبية �أخ���رى ،من �أن تنظي���م القاعدة يف جزي���رة العرب، يخطط ل�شن هجوم �إرهابي على �أرا�ضي القارة انطالق ًا من اليمن. يف منت�صف ت�شري���ن الأول�/أكتوبر نف�سه� ،أعلن���ت ال�سلطات اليمنية�أنه���ا �ألق���ت القب�ض يف مط���ار �صنعاء عل���ى مغرتب ميني يقي���م ب�صورة دائم���ة يف ال�سعودية ،ويدعى �صالح الرمي���ي ( 33عاماً) �أثناء قدومه من اململك���ة .وبح�سب وزارة الداخلي���ة اليمنية ،ف�إن ا�سم الرميي كان مدرج ًا يف القائمة ال�سوداء ،باعتباره مطلوب ًا �أمني ًا بتهمة متويل تنظيم القاعدة يف اليم���ن ،لك���ن الداخلية ال�سعودية �سرعان ما نف���ت ب�شكل قاطع تلقيها
من نظريته���ا اليمنية ما يفيد ب�ضلوع املواط���ن اليمني املقيم يف اململكة، ب�أي �أن�شطة متويلية لـ«القاعدة». ال �ش���ك يف �أن ه���ذه ال�شواه���د وغريه���ا ت�ساعدن���ا على فه���م التعاطي ال�سع���ودي املث�ي�ر للج���دل م���ع ق�ضية الط���رود املفخخ���ة ،رغم �أن���ه �أوقع النظام احلاكم يف اليمن يف حرجٍ بالغٍ �أمام مواطنيه وحلفائه الإقليميني والدولي�ي�ن على حدٍّ �سواء ،كما �أنه���ا – �أي ال�شواهد الآنفة الذكر -تفتح ك���وّة �أخ���رى يف ج���دار الغمو�ض الذي يكتن���ف تفاعالت التع���اون الأمني اليمني – ال�سعودي ،وب�صفة خا�صة خالل ال�سنوات الع�شر الأخرية. واحلقيق���ة �أنه م���ا دام الإدراك ال�سع���ودي لطبيعة م�صال���ح اململكة يف “فناءه���ا اخللفي” مل يتجاوز عتبة “الأم���ن” وظل حمكوم ًا بهواج�سه ومقت�ضيات���ه و�شكوك���ه ،وطامل���ا عج���ز �صنّ���اع ال�سيا�س���ة يف اليم���ن – يف املقاب���ل -ع���ن تغيري ه���ذه امل���دركات �أو التخفي���ف من حدته���ا ،و�إعادة الت���وازن للعالقات اليمنية -ال�سعودية تالي ًا بحيث تغدو حمكومة ب�صيغة �أكرث برجماتي���ة تقوم على قاعدة “اجل���وار اال�سرتاتيجي البنّاء” الذي يُلبّ���ي امل�صالح الوطني���ة والتطلع���ات امل�شرتكة نحو اال�ستق���رار والتنمية امل�ستدام���ة؛ مادام ا�ستمر كل ذلك ف����إن التعاون الأمني – حتديد ًا -بني الدولتني �سرياوح منحنياته وتعرجاته ذاتها ،ما يعني -يف نهاية املطاف �أن ال�سل���وك ال�سع���ودي احلذر �إزاء اليمن ،مب���ا ينطوي عليه من فر�صوخماط���ر� ،سيظل على حاله� :أحادي��� ًا غالباً ،وا�ستفزازي��� ًا �أحياناً ،وغري م�أمون اجلانب على الدوام.
.3خطوة الأمريكي�ين التالية (املُعتادة)« :دَعهُم رمب���ا يك���ون يَعمل��ون وراقِ ��بْ م��ن بعي��د»!
ال�س����ؤال حول خطوة �أم�ي�ركا التالية يف اليمن ،يف �ض���وء غزوة «الطرود» القاعدي���ة الفا�شلة ،هو الأك�ث�ر �إحلاح ًا يف هذه الآون���ة بالن�سبة لليمنيني والأمريكي�ي�ن مع���اً .فم���ا ح�صل للم���رة الثانية خالل �أقل م���ن عام ،عزز خم���اوف �سا�سة وا�شنط���ن من �أن اليمن ب���ات يواجه احتم���ا ًال «حقيقياً» ب����أن ي�صبح «�أفغان�ستان �أو باك�ستان �أخرى» ،مما قد يهيئ ظروف ًا مواتية لتنظي���م القاعدة يف جزيرة الع���رب ل�شن هجمات دامي���ة تطال الداخل الأمريكي ،ناهيك عن تهديد امل�صال���ح الأمريكية والغربية الأكرث حيوية يف �شبه اجلزيرة العربية. لك���ن الإدارة الأمريكية التي �أعلنت على ل�سان رئي�سها باراك �أوباما �أن هدف يحظى ب�أولوية ،تدرك ،مع ذلك� ،أنه «تدمري القاعدة» يف اليمن هو ٌ ينبغي التعاطي مع تهديدات «القاعدة» يف اليمن بواقعية �شديدة خ�شية املراقب مل�سارات التعاون االجن�����رار �إىل خ��و���ض «ح��رب الأمني اليمني -ال�سعودي ال ا�ستنزاف» غ�ير ���ض��روري��ة يف يفوته املنحنيات والتعرجات ه��ذا البلد الهام�شي ال��ذي - التي مرّ بها وال يزال� ،إذ �أن كثري ًا من م�ساراته حمكومٌ وفق ًا للتقديرات الأمريكية - بر�ؤى وت�صورات وم�صالح ال يتمتع ب�أي قيمة ا�سرتاتيجية مت�ضاربة ذات �����ش�����أن ����س���وى جم���اورت���ه العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
17
اليمن والعامل
حتليالت
خلزانات النفط اخلليجية و�إطاللته على م�ضيق باب املندب و�إ�شرافه على خليج عدن املمر املالحي احليوي للتجارة الدولية ،والذي ا�ستباحته ع�صابات القرا�صنة م�ؤخراً. واحلال �إن الأمريكيني يدرك���ون متام ًا �أن �أي ا�سرتاتيجية طويلة الأمد ملكافحة الإرهاب تقت�ض���ي معاجلة الأ�سباب اجلذرية لعدم اال�ستق���رار االجتماعي الذي ي�سم���ح لتنظيم القاعدة بالنمو واالنت�شار ،لكنه���م يعلمون �أنه لي�س يف مقدورهم الذه���اب بعيد ًا جد ًا يف هذا املج���ال يف اليمن .ومن ثمّ تبدو اخليارات الأمريكية يف اليم���ن -على املديني القريب واملتو�سط -حمدودة للغاية؛ فالواليات املتحدة املن�شغل���ة ب�أم���ور �أخرى ،والرازحة حت���ت عبء العجز ،ق���د ال تتحلى بال�صرب وال بامل���وارد ملنع اليمن من االنزالق �إىل م�ص���اف “الدولة الفا�شلة” ،والتحوّل تالي ًا �إىل مرتع مثايل للجماعات املتطرفة والإرهابية. وبهذا تكاد ترتكز خيارات الوالي���ات املتحدة للتعامل مع خطر تنظيم القاعدة يف اليم���ن حالي���اً ،يف �أمرين اثنني غ�ي�ر متعار�ضني بال�ضرورة (ب���ل ورمبا يكونا متعا�ضدي���ن)� :أولهما ،اتخاذ تداب�ي�ر انتقامية عاجلة للرد عل���ى عملية الطرود املفخخ���ة� ،سواء بعلم حلفائه���ا اليمنيني وال�سعوديني – ورمب���ا الباك�ستانيني �إن و�سعنا نطاق الفعل الأمريكي قلي ًال – �أو من دون علمهم �إذا اقت�ضى الأمر ذلك. خط موازٍ ،املُ�ضي يف �سيا�سة «ال�ضغط الناعم» على ال�سلطات يف اليمن ،من ويف ٍّ خالل تقدمي املزيد من امل�ساعدات لها و�ضمان وجود تن�سيق �أكرب يف ا�سرتاتيجية مكافح���ة الإره���اب ،بحي���ث يت�ضم���ن زي���ادة م�شاط���رة املعلوم���ات اال�ستخبارية وعمليات التدري���ب و�أ�شكال الدعم الفني واللوجي�ست���ي التي يقدمها الأمريكيني للقوات اليمنية. ويتمثّل ثاين خيارات وا�شنطن يف �إعطاء ال�ضوء الأخ�ضر حللفائها ال�سعوديني، مدفوعني برغبة �أمريكية ر�سمية �صريحة هذه املرّة ،لت�أدية مهمة «الوكيل املُقاوِل» للوالي���ات املتح���دة يف مكافحة «القاع���دة» يف اليمن ،بحيث تت���وىل الريا�ض تتبع م�صادر التهديدات املختلفة املرتبطة بالتنظيم هناك وتبادل امل�شورة ب�ش�أنها مع ضال عن حتميلها عبء متويل جزء مهم من جهود ال�شريك وا�شنطن �أو ًال ب�أول ،ف� ً اليمن���ي يف مكافحة الإرهاب ،وهي اجله���ود التي �سي�ستمر الأمريكيون يف دعمها بالتجهي���زات الالزم���ة واخلرباء واملُدرّبني ،مبا يف ذلك متك�ي�ن ال�شريك اليمني م���ن ا�ستخ���دام طائرات من دون طيّ���ار لأغرا�ض قتالي���ة �إذا ا�ستدعت الظروف ذلك. ويف التحلي���ل الأخ�ي�ر ،ف�إن ما ب���دا �أنها «غزوة» مل تكتم���ل لتنظيم «القاعدة يف جزي���رة العرب» الذي �أخ���ذ ي�ستنزف طاقات���ه ودهائه �شيئ ًا ف�شيئ���اً ،قد �أطبقت ���ب لي�س له���م يد في���ه ،وما عجز القات���ة عل���ى اليم���ن واليمنيني ل�سب ٍ بظالله���ا مِ ال�سعودي���ون عن متريره منذ زم���ن متكنّوا – يف حلظة ميكيافيللية مواتية – من جعل���ه �أ�شبه بـ «حقيق���ة» م�ؤكدة ي�صغي له���ا احللفاء الأمريكي�ي�ن والغربيني بكل اهتم���ام ،ويتفاعل���ون معها بكل اجل���وارح .وغداة اال�ستعرا����ض ال�سعودي الأخري ب���الأوراق والق���درات يف �سوق «احلرب عل���ى الإرهاب» املزدهرة ،ب���ات الغربيون الي���وم بحق يدركون م���ن هو الالعب الأك�ب�ر يف جنوب اجلزي���رة ،حيث تتهادى خي���االت «القاعدة» و«الدول���ة الفا�شلة» و«املوت املُتنكِّر العابِ���ر للقارات»� ،صانع ًة كابو�س ًا جدي���د ًا ال يعرفون متى ي�ستيقظون من تهومياته املُزعجة (واملُربِحة) يف �آن. 18
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
هوام�ش ومالحظات ( )1اللجن���ة الع�سكرية�« ،أ�سرار العبوة املبتكرة» ،جملة �صدى املالحم ،العدد � ،12صفر 1431هـ� ،ص .46 جن علي فقد هلك برويز»، (� )2أب���و هريرة ال�صنعاين ،كلمة �صوتي���ة بعنوان «ا ُ م�ؤ�س�س���ة املالحم للإنتاج الإعالمي 3 ،ذو القع���دة 1431هـ 11 /ت�شرين الأول/ �أكتوبر .2010 ( )3رمب���ا ال يعد من قبيل امل�صادف���ة �أن تكون اخلربة ال�سعودية هي من يقف وراء تط���ور ق���درات «القاع���دة يف جزي���رة الع���رب» الع�سكري���ة والعملياتية .فـ «القاعدي���ون» ال�سعودي���ون راكموا خالل �سنني عدّة من العم���ل احلركي� ،سواء داخ���ل اململك���ة �أو خارجها ،خربات ومهارات مهمة يف ه���ذا اجلانب ،وقدرتهم عل���ى الو�صول �إىل �أ�سرار وطرق تركيب العب���وات املتفجرة تتخطى بكثري قدرة العنا�ص���ر اليمني���ة .كم���ا �أن العديد منهم در�س���وا يف كليات علمي���ة وتطبيقية، ويتقن���ون اللغ���ة الإنكليزي���ة الت���ي ي�ستغل���ون معرفته���م بها من �أج���ل احل�صول عل���ى امل�صادر التي تتيح املعرف���ة ب�صناعة املتفجرات واملتوف���رة �أ�سا�س ًا باللغة الإنكليزية .ثم هناك �أي�ض ًا �إمكانيات الو�صول �إىل �شبكة الإنرتنت ،حيث تتوفر املرجعي���ات والأدبيات الالزم���ة ل�صنع القناب���ل ،بو�سائل مبتك���رة ومن �أب�سط املكونات ،وهو ما تر�صده اال�ستخبارات الغربية وال�سعودية با�ستمرار من خالل تتبع ما يدور من حوارات ومناق�شات يف املنتديات اجلهادية مثالً ،والتي يتبادل املتحدثني فيها الأفكار يف تطوير و�سائل �أكرث ابتكار ًا دائم ًا لإيقاع �أكرب كمٍّ من اخل�سائر ب�أع���داء التنظيم ،ال�سيما الغربيني ،ويف مقدمته���ا القنابل والعبوات النا�سفة و�سواها مما ميكن التفكري فيه وا�ستخدامه م�ستقبالً. ( )4فعل���ى عك����س التوقّعات ،ب�ّي�ننّ االحتاد ال���دويل للنقل اجل���وي (�أياتا) يف تقري���ره ال�شه���ري ع���ن النقل اجل���وي ال�ص���ادر يف 24ت�شري���ن الثاين/نوفمرب الفائ���ت� ،أن منو ال�شح���ن اجلوي الدويل ارتف���ع يف ت�شري���ن الأول�/أكتوبر بعد هبوطه منذ �أيار/مايو لتزيد حركة ال�شحن اجلوي 14.4يف املائة عن م�ستواها قب���ل عام .راجع يف ه���ذا ال�صدد� :صحيفة االقت�صادي���ة ال�سعودية 25 ،ت�شرين الثاين/نوفمرب .2010 ( )5راج���ع مث�ل�اً « :اليمن يتح���ول �إىل ر�أ�س حرب���ة لهجم���ات «القاعدة» �ضد الواليات املتحدة»� ،صحيفة ال�شرق الأو�سط ال�سعودية 31 ،ت�شرين الأول�/أكتوبر .2010 ( )6انظ���ر مث�ل�اً املان�شي���ت العري�ض التايل« :خ�ب�راء �أم���ن :ال�سعودية متلك مفاتي���ح هزمي���ة «القاعدة» يف اليم���ن»� ،صحيفة ال�شرق الأو�س���ط ال�سعودية1 ، ت�شرين الثاين/نوفمرب .2010 ( )7املفارق���ة التي تدعو لل�سخري���ة هنا� ،أن ما �أخفق فيه ال�سيا�سيني اليمنيني وال�سعودي�ي�ن عل���ى مدى عق���ود ،وه���و الو�صول �إىل �ش���كل من �أ�ش���كال التناغم واالن�سجام يف �سيا�ساتهما ومبا يحفظ م�صالح البلدين معاً؛ جنح جمموعة من الإرهابي�ي�ن من مواطني البلدين يف حتقيقه ولو ب�صورة تخالف طبائع الأ�شياء ومقت�ضي���ات زمننا .وهك���ذا ،ف�إن التطلع �إىل �صيغ ٍة م���ا للتقارب ورمبا التكامل ب�ي�ن اليم���ن وال�سعودية ،وهو �أمر ما يزال يُنظَ ر �إلي���ه اليوم ك�ضرب من اخليال يف قامو����س الواقع ال�سيا�س���ي الراهن ،متكّن جمموعة م���ن املطلوبني اليمنيني وال�سعودي�ي�ن م���ن حتويل���ه �إىل «حقيقة» تنظيمي���ة م�ؤكدة جت���اوزت التعقيدات اجليو�سيا�سي���ة القائمة ،عبرّ ت عنها عملي���ة «اندماج» ت�شكيالتهم القاعدية يف كي���ان �إقليمي واح���د ،لتغدو -بدوره���ا – «كابو�ساً» �أمني ًا متط���او ًال يحاول كال البل���دان درء خماط���ره عنهما ب�شت���ى الط���رق ،و�إن ت�شتت الأ�سالي���ب وتفرقت ال�سُّ بُل �أحياناً.
ي�صدر قريب ًا عن مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية
اليمـن ال�سيا�سة واملجتمع بحوث و�أوراق عمل امل�ؤمتر الذي نظمه املركز خالل الفرتة � 18-17أيار/مايو 2010
حترير: �أحمد عبد الكرمي �سيف
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
نوفمرب/دي�سمرب العدد ،6 Relating2010ا�سرتاتيجية Policy to Knowledge
19
حتليالت اليمن والعامل فـي 60يوما عني على اليمن وجهات نظر
�إعـــــادة التفكري يف اليمن ME Archive
تو�صيات لل�سيا�سة الأمريكية باربرا بودين �إن التقاري����ر التي حتكي عن زوال اليم����ن� ،إذا ا�ستعرنا كلمات مارك توين، �أم����ر مبالغ فيه �إىل حد كبري .والق����رارات وااللتزامات التي اتخذها املجتمع الدويل واليمنيون للع����ام املقبل ،ومت الت�أكيد عليها يف م�ؤمتر لندن ،و�إمكانية ا�ستم����رار تلك االلتزامات على امل����دى البعيد هي ما �سيحدد مدى م�صداقية هذه التقارير ،وما �إذا �ستتحقق تنب�ؤاتها. فاليمن لي�س����ت دولة فا�شلة ،و�إمنا ه�شّ ة ،وتواج����ه العديد من التحديات – عل����ى امل�ست����وى ال�س����كاين وال�سيا�سي والأمن����ي – التي لو نزل����ت بدولة �أخرى لقوّ�ضت �أركانه����ا .وهناك من ي�صفونها بالق�ضية اخلا�سرة ،وينعتونها بب�ؤرة ف�ساد تبتلع امل�ساعدات ،ويوكلون احللول �إىل دول اجلوار ،فيما يحولها البع�ض �إىل “جبهة ثالثة” للحرب على الإرهاب مع �أننا مل ننت ِه بعد من اجلبهتني الأوليت��ي�ن يف العراق و�أفغان�ستان �أو نحقق جناح ًا ال غبار عليه هناك� .إن من ال�ساب����ق لأوانه الق����ول ب�أنها ق�ضية خا�س����رة؛ و�إعالنها ب�ؤرة ف�س����اد �أمر يُبالِغ يف حج����م وثب����ات م�ساعداتن����ا حت����ى الآن؛ وم�س�ألة توكي����ل دول اجلوار يعترب
(
)
ص��ل�ا عن امل�سئولية وهذا له انعكا�ساته؛ و�أما فتح جبهة ثالثة فهو احلماقة تن� ً بعينها .والواليات املتحدة� ،إىل جانب ال�شركاء الدوليني ،متتلك القدرة على م�ساع����دة اليمن لالبتعاد عن �شفا الكارث����ة �إذا ما رغبت يف توجيه املوارد – املالي����ة وال�سيا�سية – بطريقة �إ�سرتاتيجي����ة �شاملة وم�ستدامة ومن�سقة تتعلم الدرو�����س ال�صحيحة التي جندها يف اجلبهت��ي�ن الأوليتني ،وتتفهم التحديات الت����ي تواجهها اليمن وال�سياق التاريخي ال����ذي ما زال م�ؤثراً ،وتُقيّد االندفاع املتهور الرامي �إىل تطبيق مناذج خاطئة للدول اله�شة والفا�شلة. �إن التحديات الأ�سا�سية التي يواجهها اليمن تتمثل يف احلاجة �إىل املوارد الطبيعي����ة املهمة – الطاقة واملي����اه – ونق�ص �أهلية الدولة والقدرة الب�شرية، ولي�س انعدام الرغبة .وال يغيب عن بال احلكومة اليمنية التهديد الذي ي�شكله تنظي����م القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ،لكن ه����ذا التهديد لي�س خطر ًا على اليم����ن وحدها ،وال ميث����ل تهديد ًا م�صريي ًا (حت����ى الآن) ،وال يعادل املخاطر املت�أ�صلة التي ت�شكلها املوارد الطبيعة والقدرة اليمنية.
ال�سفرية (املتقاعدة) باربرا بودين حما�ضرة ودبلوما�سية مقيمة يف كلية وودرو ويل�سون لل�ش�ؤون العامة والدولية ،جامعة برين�ستون� .سبق لها �أن عملت �سفري ًة للواليات
املتحدة لدى اجلمهورية اليمنية خالل الفرتة .2001 – 1997واملقال يف الأ�صل ُن�شِ ر يف جملة ،PRISMال�صادرة عن مركز العمليات املُعقدة Center for Complex Operationsبوا�شنطن ،عدد حزيران/يونيو ،2010ال�صفحات .58 – 43 20
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
يرى فيه ال�شعب اليمني �أن وجودنا وجهودنا املبذولة يف بلدهم نابعة من كونه “جبه����ة �أمريكية ثالث����ة” للحرب �ضد القاعدة فح�س����ب ،دون �أن يروا التزام ًا ��ل�ا جت����اه اليمن و�شعبه .وبالفع����ل توجد هناك مناه�ض����ة لأمريكا تعك�س مماث ً الإحب����اط وخيبة الأمل م����ن ال�سيا�سة الأمريكية يف اليم����ن وجتاهها – مبا يف ذلك م�ستوي����ات الدعم امل�ضطربة �إىل حد كبري خالل الآونة الأخرية – بقدر الكراهية جتاه تنفيذ العمليات الع�سكرية الأمريكية يف املنطقة. �إن �إ�سرتاتيجيتن����ا االقت�صادي����ة والتنموي����ة املعلن����ة تع����د وجه ًا م����ن �أوجه التح�س��ي�ن ولكنه����ا لي�ست ح ًال ناجع����اً .ولكي ت�صبح ه����ذه الإ�سرتاتيجية فعالة ومعقول����ة يجب حت�س��ي�ن ال�صورة اخلارجي����ة لأمريكا ،وتق����دمي الدعم املادي وااللتزام امل�ستم����ر جتاه تنفيذ الربامج الأمنية� ،إذ يجب �أن تعمل على تطوير مفاهيم احلوكمة والدولة والقدرة الب�شرية على امل�ستويني الوطني واملحلي. االرتب����اط الوا�س����ع وامل�ستدام ال ميكن �أن يكون -وال يج����ب �أن يكون -هو العم����ل الوحيد للواليات املتح����دة .ويف الواقع تعترب الوالي����ات املتحدة متربع ًا �صغ��ي�ر ًا لليمن .وم����ع ذلك علينا �أن نع����ي حمدودية وعواقب توجي����ه �سيا�ستنا وجهودنا �إىل عا�صمة ثالثة. منذ زمن طويل عندما كنت �سفرية للواليات املتحدة لدى اليمن �أتى لزيارتنا �أح����د كبار م�سئويل االحتاد الأوروبي ،و�أثن����اء تناول وجبة الع�شاء مع عدد من �سفراء الدول ومدراء املنظمات املتربعة الكربى ت�ساءل عما �إذا كنا متفائلني �أم مت�شائمني �إزاء م�ستقبل اليمن .وبعد �أن �سردنا جمموعة من الإح�صائيات الكئيب����ة انتهى �إىل �أننا جميعنا مت�شائمني� .إن اليمن دولة كبرية ،رمبا بحجم فرن�س����ا �أو تك�سا�����س ،وتتخلله����ا مرتفعات جبلي����ة وعرة وموح�شة ،كم����ا �أن بها ه�ض����اب يف ال�شم����ال و�صحراء يف الداخ����ل� .أما عدد �سكانه����ا فيرتاوح ما بني 20و 25مليون ن�سمة� ،أي ما يعادل �أو يزيد عن �سكان باقي دول �شبه اجلزيرة العربي����ة جمتمع����ة ،وتغلب في����ه كثري ًا فئ����ة ال�شباب وغري املثقف��ي�ن ،وما زال ع����دد ال�سكان ينمو مبعدل مذهل .كم����ا �أن اليمن تفتقر ملوارد طبيعية كافية لرعاي����ة �شعبها ومتويل �إيرادات الدول����ة وت�صدير منتجات قيّمة وذات مغزى. وباملثل تفتقر �إىل الأرا�ضي الزراعية واملياه ال�سطحية والبرتول .وبالنظر �إىل انعكا�س����ات هذه العوام����ل كلها وتبعاتها ،ف�����إن البُنى احلكومي����ة تواجه عجز ًا مالي���� ًا وتنموي ًا م����ا يجعلها غري قادرة على توفري اخلدم����ات الأ�سا�سية والبنية التحتي����ة لأغلبية ال�شعب .ع��ل�اوة على ذلك ،تعاين الدولة م����ن تف�شي الف�ساد على امل�ستويني املهني والتعاقدي ،خا�صة يف �أو�ساط امل�ؤ�س�سة الع�سكرية. ي�ضاف �إىل هذه امل�شاكل املزمنة ثالثة حتديات �أمنية خطرية ،وهي :التمرد احلوث����ي يف ال�شم����ال ،واحل����راك يف اجلنوب ،وتنظي����م القاع����دة ،ولكل منها ما�ضي يعود �إىل عقود من الزمان؛ وهذا ما يجعل احلكومة اليمنية تبدو دولة فا�شل����ة رغم �أنه����ا لي�ست كذلك .وق����د كان ردنا مل�سئول االحت����اد الأوروبي �أنه بالرغم من وجود الت�شا�ؤم لكن ال وجود للجربية يف قامو�سنا ال�سيا�سي.
�إن املقارب����ة الت����ي تركز على الأمن لن تكون كافي����ة �أو ناجحة للتعاطي مع م�صاحلنا الأمنية املبا�ش����رة �أو مع التحديات التي تواجه ا�ستقرار اليمن على املدى املتو�سط والطويل .فاجله����ود املبذولة على امل�ستوى الأمني التي ال تتجه ناحية حتقيق اال�ستقرار املبني على ال�شرعية تتجاهل الدر�س الأ�سا�سي الذي تعلمناه يف العراق و�أفغان�ستان. الب����د �أن تعي ال�شراكة م����ع اليمن حلرمان “القاع����دة يف جزيرة العرب” م����ن احل�صول على مالذ �آمن على الأرا�ض����ي اليمنية و�ش ّل قدرتها على العمل بح�صان����ة �ضد امل�صال����ح اليمنية �أو الدولية� ،أن اليم����ن تواجه حتديني �أمنيني متناظري����ن �إن مل يكونا �أكرب م����ن التحديات املذكورة �آنف����اً ،وهما :التمرد يف ال�شمال واحلراك االنف�صايل املتوا�صل يف اجلنوب. �إن الداف����ع وراء املخاط����ر يف ال�شمال واجلنوب اقت�ص����ادي �أكرث من كونه �أيديولوج����ي .وال ميك����ن حل تلك الإ�ش����كاالت ع�سكرياً؛ فه����ي تتطلب �أكرث من لكل دولة فا�شلة ال����رد “الإن�س����اين” �أو ترتيبات تقا�س����م ال�سلطة .و�أف�ضل ال�سُ ب����ل للتعاطي مع مناذج ب�س��يطة وحلول ُمبَ�سّ ��طة تل����ك املخاط����ر يت�أتّى من خالل ترك جه����ود الو�ساطة ل�ش����ركاء �إقليميني لي�س طريقتها اخلا�صة يف الف�شل .وهناك مناذج ب�سيطة ن�ستمدها من دول �أخرى، له����م �أجندة مبا�ش����رة يف البلد �أو تاريخ ت�شوبه الإخفاق����ات ،ومن �أمثال �أولئك ومنها ن�صل �إىل حلول ُمبَ�سَّ طة: ال�شركاء دولة الإمارات العربية املتحدة. العراق :تغيب يف اليمن اخلالفات الطائفية التي جندها يف العراق والتي �سوف تزيد ن�سبة االمتعا�ض �إزاء الواليات املتحدة وحلفائها بالقدر الذي �أدت �إىل تدم��ي�ره ،حي����ث �أن اليمنيني لي�سوا �سنيني وال �شيعة وال وهابيني؛ ففي العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
21
اليمن والعامل
حتليالت
ال�شم����ال جند الزيدية ،وهي طائفة م����ن ال�شيعة �أقرب يف معتقداتها الدينية �إىل �أه����ل ال�سنة الأوائل �أكرث منه����ا �إىل ال�شيعة الأوائل� .أما يف جنوب اليمن، ابتدا ًء من �إب وتعز من جهة اجلنوب ،فنجد ال�شافعية ،وهي طائفة من �أهل ال�سنة لهم خ�صائ�ص �أقرب �إىل ال�شيعة .وعلى العك�س مما هو عليه احلال يف كثري من باقي دول العامل العربي ،جند �أن املذهب الزيدي هو املذهب ال�سائد يف اليم����ن �سيا�سي ًا وفكري���� ًا منذ عهد �آخر الأئمة حت����ى الدولة احلالية .ومن اخلط�����أ �أن ننظ����ر �إىل العنف احلوثي يف ال�شمال فقط م����ن املنظور الطائفي �أو التفاع����ل معه وك�أنه حرب وكال����ة �سعودية � -إيرانية .ومع �أن هذا االحتمال قائم ،لكنه لي�س بالق�ضية الو�شيكة وال بالنتيجة احلتمية .وعلى نف�س املنوال، �سيك����ون ت�شويه ًا وحتريف ًا للحقيق����ة �إذا نظرنا �إىل التوت����رات االنف�صالية يف
للبح����ث ع����ن �شريك من “�أبناء اليمن” ،حيث �أن هناك الكثري من املرونة يف املجتم����ع �أكرث مما قد يوحي لنا اللفظ “قبلي” ،وتوجد م�شاركة تقليدية �إىل حد بعيد ولكنها فعّالة وتت�صف بامل�سئولية. وتعت��ب�ر اليم����ن �أك��ث�ر تط����ور ًا �سيا�سي���� ًا من ه����ذه ال����دول الث��ل�اث (العراق و�أفغان�ست����ان وال�صومال) .كما �أن الكوجنر�س الأمريكي ،والإدارة الأمريكية ال�سابقة واحلالية ،واملنظمات الكربى الداعمة للدميقراطية تعترب �أن اليمن دميقراطية نا�شئة .ويف ظل جتربة � 20سنة من االنتخابات ،التي تت�سم �إىل حد معق����ول باحلرية والنزاهة و�شدة املناف�سة ،مبا يف ذلك االنتخابات الرئا�سية الأخ��ي�رة ،والتعددي����ة احلزبية وح����ق االنتخاب العامل����ي لكافة �أبن����اء ال�شعب ووجود جمتمع مدين قوي ،ف�إنه ميكن القول �إن التجربة الدميقراطية لليمن تعد ه�شة وال تخلو من العيوب ،لكنها يف نف�س الوقت دميقراطية حقيقية ،والأهم من هذا �إنها بالفطرة.
م�سائل تاريخية� :أر�ض قابيل وهابيل
ME Archive
عندم����ا كن����ت �أعم����ل يف العراق �سن����ة 2003ق����ال يل �أحد كبار امل�سئول��ي�ن الأمريكي��ي�ن ،بعد �أن حاولت �إقح����ام قليل من التاريخ العراق����ي يف النقا�ش� ،إننا “�أذكى م����ن التاريخ” .واحلقيقة �أننا ��ل�ا للتحليل غ��ي�ر �أن ال�سيا�سة ل�سن����ا كذل����ك ،والتاريخ لي�����س بدي ً الت����ي يغيب عنها فهم التاريخ ي�شوبها اخلط�أ �إىل درجة خطرية، وتزداد خط����ورة ذلك الغياب �إذا ما كان يف جمتمع معقد وعتيق كاملجتمع اليمني. وم����ع �أن م�س�أل����ة حدوده����ا الدولية م����ع ال�سعودية ق����د حُ �سمت �أخ��ي�ر ًا منذ ع�شر �سن����وات �إال �أن اليمن ال تعت��ب�ر كيان ًا م�صطنع ًا خ ّلف����ه العه����د اال�ستعم����اري ،فما�ضيه����ا ميت����د �إىل �آالف ال�سنني ولي�����س جمرد عق����ود �أو قرون من الزم����ان ،ولها علينا �أن ندرك �إننا نتعامل مع دولة ذات �س��يادة ولي�س دولة فا�ش��لة ،بل �إنها تاري����خ مهم ويبعث على الفخر يع����ود �إىل ما قبل دول��ة قد �أثبتت �أنها �ش��ريك مقبول �إن مل يكن ق��ادر ًا على الدوام .لذا علينا الإ�سالم ،فهي �أر�ض ملكة �سب�أ والرجال احلكماء العم��ل م��ع احلكومة كاملة و�أن ال ننتظر يوم ًا معين ًا �أو حتقيق ب�ض��عة معايري الثالث����ة وعدد من املمال����ك اليهودية ،وهي �أي�ض ًا دون تقدمي امل�ساعدة والدعم الذي حتتاجه تلك الدولة لبلوغ تلك املعايري – كم����ا يقول البع�ض – الأر�ض التي دفن فيها قابيل وهابيل. كم����ا �أن ميناء عدن له مكان����ة كبرية ملا يقارب اجلنوب على �أنها معركة زيدية � -شافعية. نف�س الفرتة ،وهناك دليل عل����ى الوجود الروماين لفرتة وجيزة وغري مثمرة �أفغان�س��تان :تغيب يف اليم����ن الفوارق العرقية/اللغوي����ة التي تت�صف بها بق����رب امليناء ،وكونها كانت متثل �إح����دى اجلواهر يف التاج الربيطاين ،فقد �أفغان�ستان والعراق .فبالرغم من االختالفات الإقليمية والتجارب ال�سيا�سية عمل����ت كمحط����ة كبرية لتزوي����د ال�سفن بالفح����م لأكرث من ق����رن� .أما اجلزء الفريدة – كما هو مو�ضح �أدناه – �إال �أن هناك ح�س ًا قوي ًا جتاه الهوية اليمنية ال�شرق����ي م����ن البالد ،خا�صة ح�ضرم����وت ،فقد كانت حممي����ة فقط ،وانتهت والتقالي����د الت�ضامنية .وعلى النقي�ض م����ن املزاعم التقليدية اجلديدة ،جند املحاوالت العثمانية لل�سيطرة على ال�شمال بعد تكرر ف�شلها. �أن �سلطة الدولة متتد �إىل ما بعد العا�صمة. و�أ�صب����ح علي عب����د اهلل �صالح رئي�س ًا ل�شم����ال اليم����ن (اجلمهورية العربية ال�ص��ومال :تغي����ب يف اليم����ن ثقاف����ة العن����ف الع�شائ����ري ال����ذي جنده يف اليمني����ة) ع����ام 1978بعد اغتيال الرئي�س��ي�ن ال�سابقني� ،أحدهم����ا على �أيدي ال�صومال� ،أو لدى جتار احلروب يف �أفغان�ستان .وعادة ما يو�صف اليمن ب�أنه عنا�ص����ر من اجلنوب والآخ����ر على �أيدي عنا�صر من دول����ة �أخرى ،وذلك يف جمتمع قبلي؛ لكن ال ينبغي �أن نفهم �أن هذه القبائل عبارة عن هياكل هرمية غ�ضون ت�سعة �أ�شهر (لقد اغتيل رئي�س اليمن اجلنوبي يف نف�س الفرتة الزمنية له����ا �سلط����ة قيادية قوي����ة �أكرث من �أنها ُبن����ى �أ�سرية تربطها عالق����ات �أفقية .م����ن قبل مناف�سه املت�ش����دد امل�سئول عن مقتل الرئي�����س ال�سابق لعلي عبد اهلل �أي�ض���� ًا ال نن�س �أن توايل حقبة اال�ستعمار الربيطاين وفرتة � 25سنة من النهج �صال����ح) .وبعد ثماني����ة �أ�شهر� ،أي يف مطلع ،1979ق����ام اجلنوب مدعوم ًا من املارك�س����ي ،قد ق�ضت على البني����ة القبلية يف اجلنوب .ف��ل�ا ينبغي �أن نذهب ال�سوفي����ت وحلفائها ،من �ضمنهم كوبا ،بغزو �شم����ال اليمن ،وهو ما �أدى �إىل 22
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
قي����ام خط جوي للتموين الع�سكري الأمريكي املكثف �إىل ال�شمال والدعم من قب����ل عدد كبري من الدول العربي����ة ،ومنها م�صر والأردن وال�سعودية .وخالل الفرتة من 1976حتى 1978كان اجلنوب �أي�ض ًا يدعم مترد ًا يف ال�شمال .وما ورث����ه عل����ي عبد اهلل �صالح عام 1978ونا�ضل من �أجل����ه حتى الثمانينيات هو قيام دولة كانت متتد ب�شكل �أ�سا�سي على طول الطرق التي تربط �صنعاء وتعز واحلدي����دة ،وكانت تعتمد اقت�صادي ًا على التحويالت املالية التي كان ير�سلها �أكرث من مليون عامل ميني يف املهجر .وكانت احلدود اجلنوبية مع جمهورية اليمن الدميقراطية ال�شعبية مُتق ّلب����ة� ،أما احلدود مع ال�سعودية املمتدة على طول 2000ميل فقد كان عليها تناف�س وظلت دون تر�سيم. وما يزيد حتديات التواريخ ال�سيا�سية تعقيد ًا �أن الوحدة اليمنية عام 1990 – التي هي من مبادئ الإميان وتو�صل �إليها قادة ال�شطرين عن طريق احلوار – مل تكن بني طرفني متكافئني .فقد كان �سكان اليمن ال�شمايل ،الذي عانى م����ن الفقر والتخلف ،ي�صل �إىل حوايل 15ملي����ون ن�سمة مقابل مليوين ن�سمة يف اجلن����وب .وبتخل����ي راعيه����ا واملح�سن �إليه����ا – االحت����اد ال�سوفيتي – فقد تده����ورت حالة دول����ة اجلنوب كميناء كب��ي�ر نظر ًا لإغالق قن����اة ال�سوي�س يف ،1967وتُركت بنيتها الربيطاني����ة تنهار ،وازداد عدد موظفيها �إىل 300.000 قُبي����ل الوح����دة .عالوة على ذلك ،كانت دولة منب����وذة دولي ًا يف ظل ت�صنيفها الر�سمي واعتبارها الدولة الأوىل الداعمة للإرهاب الدويل والذي �أعتمد �إىل حد كبري على �شبكة من املع�سكرات التدريبية للجماعات الإرهابية املارك�سية ذات اللغ����ة املعق����دة .وكانت الوحدة تعني زيادة الأر�����ض �إىل ما يقارب ثالثة �أ�ضع����اف ،لك����ن اجلنوب جلب �إىل الوح����دة فوائد قليلة و�أعب����اء ديون كثرية، بالإ�ضافة �إىل توقعات كبرية. وتعت��ب�ر الوحدة اليمني����ة �أكرث من جم����رد التحام بني اجلمهوري����ة العربية اليمني����ة املعادية للنظام امللكي وبني جمهورية اليم����ن الدميقراطية ال�شعبية املارك�سي����ة اللينيني����ة البائدة لتخل����ق اجلمهورية اليمنية ،ب����ل هي عبارة عن وحدة ما ال يقل عن ثالث ثقافات �سيا�سية متميزة وذكريات تاريخية. �أوالً ،كانت الت�ضاري�س الوعرة يف اليمن ال�شمايل تخ�ضع حلكم ديني زيدي وراث����ي منغلق ع����ن العامل اخلارجي حتى ثورة اجلمهوري��ي�ن عام ،1962وهي املناط����ق املرتفع����ة واله�ضاب الت����ي يعي�ش فيه����ا �أغلبية النا�س عل����ى الزراعة يف ق����رى �صغرية متباع����دة .وقد ت�شوه����ت بداية تاريخ اجلمهوري����ة بعمليات االغتي����االت و�أح����داث التم����رد املارك�سي وحماوالت االنق��ل�اب والغزو – وكل ذل����ك كان ب�سبب الدول املجاورة ،حي����ث كانت ال�سعودية تدعم امللكيني بينما �ساندت م�صر اجلمهوريني .وتعت��ب�ر الثورة هي اللحظة احلا�سمة يف التاريخ اليمني احلديث. ثاني����اً ،ولكونه����ا م�ستعمر ًة بريطاني����ة وعا�صم ًة لليمن اجلنوب����ي املارك�سي، كانت ع����دن مدينة حديثة ن�سبي���� ًا وتزدحم بال�سكان وكان����ت تخ�ضع مبا�شرة حلك����م بريطاني����ا لأكرث من مائ����ة عام .ويق����ع ميناء عدن ،ال����ذي يعترب �أحد �أف�ضل املوانئ الطبيعية يف العامل ،على جانبي باب املندب عند مدخل البحر الأحم����ر ،ويبعد عن �سنغاف����ورة ودربني وم�ضيق جبل ط����ارق ب�شكل مت�ساوي. وظل ميناء عدن حتى فرتة طويلة يف القرن الع�شرين من بني املواين الع�شرة الأك��ث�ر ازدحام ًا يف العامل .لكن بحلول � 1990أ�صب����ح من ال�صعب املبالغة يف الثناء ب�ش�أن �أهمية امليناء. ثالث����اً ،كان����ت هناك ح����وايل � 23سلطنة و�إم����ارة تقع �إىل ال�ش����رق من ميناء
عدن وخ�ضعت للو�صاية الربيطانية خالل فرتة الثمانينيات والت�سعينيات من القرن التا�سع ع�شر وحتى فرتة ال�ستينيات من القرن الع�شرين .ولأنها كانت قليلة االزدح����ام بال�سكان وتتب����ع �سيا�سة تقليدية وحمافظ����ة اجتماعياً ،فقد �سُ مِ����ح لها �إىل درجة كبرية باحلكم الذاتي حت����ت ال�سيطرة الربيطانية ،ومل تكن على وفاق مع عدن يف الأحداث التي قادت �إىل اال�ستقالل عام 1967وما بع����ده .وظلت هن����اك بع�ض ال�ضغائن بني �أبناء الأ�س����ر التي حكمت املحميات ومن تبقّ����ى من املخلوعني من احلكومة املارك�سي����ة التي انتهت بحرب �صيف 1994الأهلية ،وهي احلرب التي تُلقي بظاللها على البالد اليوم. يف ظل االنعزال الذاتي الواليات املتحدة واليمن للنظام الإمامي وال�سيطرة الربيطانية على عدن ،جتاهلت الواليات املتحدة �شط����ري اليمن نظر ًا لتاريخهما احلديث با�ستثناء �أحد املجاالت املهمة ،وهو برنامج املنح الدرا�سية الأمريكي يف �أواخر الأربعينيات واخلم�سينيات ،حيث قدم����ت منحة لأربعني �شخ�����ص ،معظمهم من الزي����ود ،للدرا�سة يف الواليات املتح����دة .وقد عادوا جميع ًا تقريب ًا �إىل اليم����ن ولكنهم مل يجربوا حظهم مع امللكي��ي�ن و�إمنا عمل����وا ل�صالح بلدهم ك�أخ�صائيني تقني��ي�ن ووزراء حكوميني، وكان����وا عن�صر ًا �أ�سا�سي ًا للث����ورة ال�سيا�سية يف اليمن خ��ل�ال اخلم�سني ال�سنة التي تلت ،وهي الثورة الت����ي توارثتها الأجيال املتعاقبة .وقد اعرتف الرئي�س ج����ون �إف .كيني����دي بالنظام اجلمه����وري يف ال�شمال ع����ام 1962بعد حوايل ثالثة �أ�شهر من الثورة رغم رف�ض الربيطانيني والفرن�سيني وال�سعوديني .ومع انهيار االحتاد ال�سوفيتي و�أحداث ميدان تينامنن يف ال�صني وحتقيق الوحدة الأملانية ،وجمموعة من الأحداث الأخرى عامي 1989و ،1990بالكاد الحظت الوالي����ات املتحدة الوحدة الهادئة بني �شطري اليمن ،لكنها دعمتها فيما بعد بق����وة وعالنية �ضد املكايد التي حاكتها الدول املجاورة خالل احلرب الأهلية الق�صرية عام .1994 ومنذ �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب نظرت الواليات املتحدة �إىل اليم����ن على �أنه �شريك بنّ����اء �ضد الإرهاب ،وقد �أعط����ى رئي�س هيئة الأركان امل�شرتك����ة الأدم��ي�رال مايكل مولن وغ��ي�ره اليمن عالم����ات اال�ستح�سان� .أما الكبوة التي حدثت يف منت�صف عام 2000املق�صود تفجري املدمرة الأمريكية “كول” يف ميناء عدن (املحرر) فمرجعها �إىل حد ما التقاع�س الأمريكي يف الرتكي����ز بعد غزو الع����راق ،وكذلك نتيجة ملا حدث داخل اليمن نف�سها مع بداي����ات التم����رد احلوثي يف ،2004وتدف����ق الكثري من عنا�ص����ر القاعدة �إىل اليم����ن بعد ت�ضييق اخلناق عليهم من قبل الريا�ض رد ًا على �سل�سلة الأحداث الإرهابية يف اململكة. كم����ا تزامن الدع����م اليمني للعراق �أثن����اء احلرب الإيراني����ة العراقية ،مبا يف ذل����ك املقاتلني اليمنيني يف اخلطوط الأمامي����ة واملجاهدين اليمنيني �ضد ال�سوفي����ت يف �أفغان�ست����ان (وع����دد منهم جاء م����ن اجلنوب) ،م����ع �سيا�سات �أمريكية و�إقليمية �آن����ذاك ،ف�أ�صبح ذلك الدعم مبثابة عوائق �أمام العالقات فقط �إذا ما �أعدنا النظر �إىل �أحداث املا�ضي. ووراء ذلك برزت اليمن كالعب ثاين يف احلرب الباردة الأ�شمل وال�سيا�سات الإقليمي����ة� .أما م�صر فق����د اتخذت موقف املقاتل �ض����د ال�سعودية ب�ش�أن ثورة اجلمهوريني ،لكن امل�صريني ان�سحبوا عام 1967عقب هزميتهم يف حربهم مع �إ�سرائي����ل (ويف تلك املرحلة كان اجلمهوريون قد تغلبوا فعلي ًا على امللكيني). وق����د عك�س تدخل اليم����ن اجلنوبي يف ال�شمال التوت����رات امل�صاحبة للخالف
)
(
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
23
اليمن والعامل
حتليالت
24
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
املي��اه :هن����اك تقارير تتداول منذ عقود من الزم����ان �أن املياه اجلوفية يف اليم����ن� ،أو على الأقل يف حو�ض �صنعاء ،على و�شك الن�ضوب ،و�سيتحقق ذلك يوم ًا م����ا ،ولكن ال �أحد يدري متى بال�ضبط ،فالطلب على املياه يتجاوز كثري ًا ق����درة الأمطار املو�سمي����ة يف �أن تعو�ض املياه امل�ستهلك����ة ،كما �أن و�سائل الري العتيق����ة والوقود املدعوم للم�ضخ����ات يزيد من تفاقم امل�شكل����ة� .أي�ض ًا تواجه خمططات حتلي����ة املياه عراقي����ل التكاليف الباهظة لنقل املي����اه يف الأنابيب ع��ب�ر ال�سال�سل اجلبلية العديدة �إىل املناطق ال�سكانية والزراعية التي ترتفع ح����وايل � 4.000إىل 8.000قدم ف����وق �سطح البحر .ومقرتح����ات البع�ض بنقل ال�شع����ب اليمن����ي قاطب����ة �إىل املناطق ال�ساحلية غ��ي�ر قابلة للنقا�����ش هنا� ،إذ �أن التكالي����ف املالية واالرت����دادات االجتماعية وال�سيا�سي����ة ملثل هذه اخلطوة �ستكون كارثية. وم����ن املمكن تخفيف ال�ضغط على املوارد املائية عن طريق رفع الدعم عن الوقود ،لكن اجلهود املتكررة خالل اخلم�سة ع�شر عام ًا املا�ضية قوبلت بردة فعل عامة قوية وعنيفة �أحياناً ،وكذلك مبعار�ضة فعالة من قبل �أولئك الذين ي�ستفيدون – وبع�ضهم بطريقة غري �شرعية – من ا�سترياد الوقود .و�سي�سمح الري املح�س����ن بتوفري بع�ض املياه لكنه لن ي�ؤجل الي����وم املحتوم .واملناق�شات التي ت����دور حول ا�ستبدال حم�صول القات(*) تت�ص����ف ب�أنها وعظية �أكرث من كونها ح�سابات مدرو�سة لكمية املياه التي يتطلبها املح�صول اجلديد �أو اخللل االقت�صادي املحتمل الذي قد ي�سببه ا�ستئ�صال القات بطريقة خاطئة. الطاق��ة :ال ت�ش����ارك اليمن جريانه����ا بنعم النفط �أو الغ����از التي يتمتعون به����ا ،فلي�س لديها �س����وى ما هو يف طريقه �إىل التناق�ص ويقع يف مناطق نائية و�صعب����ة الو�صول� ،أو ما قد ي�ستهلكه الطل����ب املحلي املتزايد .و�إذا نظرنا �إىل ذلك من املنظور املنطقي ،ف�إن احتياطي اليمن من النفط يقدر بثالثة مليار برمي����ل ،وهو ما يع����ادل تقريب ًا ن�صف ما لدى عمان ،م����ع �أن ال�شعب العماين
ال ي�س����اوي �س����وى عُ �شر ال�شع����ب اليمني� .أما الع����راق ،التي به����ا نف�س الكثافة ضال عن املياه ال�سكاني����ة ،فتمتلك ما يقارب 115مليار برميل م����ن النفط ،ف� ً والأر�����ض ال�صاحلة للزراعة .ومع ذلك ف�إن قطاع النفط يف اليمن يوفر %90 من �إي����رادات الت�صدير و %75من �إيرادات الدول����ة .ويقدر البنك الدويل �أن �إيرادات الدولة من النفط والغاز �ستنخف�ض �إىل درجة ال�صفر بحلول ،2017 غري �أن اللحظة احلا�سمة �ستحل قريباً .كما �أن �إيرادات �شركة النفط والغاز الطبيع����ي اليمني����ة لن تعو�ض العجز ال����ذي �سي�سببه االنخفا�����ض الو�شيك يف �ص����ادرات النفط� .صحيح �أن اليمن قد �أعربت ع����ن رغبتها يف �إنتاج الطاقة النووية لكن تكاليف الإن�ش����اء ،واملخاوف الأمنية ،واحلاجة �إىل نظام توزيع، ال جتعل ذلك اخليار ممكن ًا يف امل�ستقبل القريب. ال�س��كان :اليمن لديه����ا �أحد �أعل����ى معدالت النم����و ال�سكاين يف الع����امل .ومب����ا �أن معظم ال�س����كان هم من الفئ����ة العمرية دون �س����ن اخلام�سة ع�ش����ر ،وهناك �سن زواج مبك����ر ،ومعدل خ�صوبة �إجنابية ترتاوح بني 6.7و ،7.2فمن املحتمل حدوث ارتفاع �صاعق يف ن�سبة املواليد� .أي�ض ًا فقد تعرقل برنامج تنظيم احلمل املدعوم من قبل الدولة ورج����ال الدين يف �أواخر الت�سعينيات وما بعدها، وذل����ك نتيجة لعدم توف����ر �شبكة توزيع جيدة وعي����ادات طبية يف الري����ف ،ولي�س نتيجة لأي معار�ضة ثقافية �أو دينية .ومبا �أن هذا امل�سار يزداد انحدار ًا ف�����إن ال�ضغوط على املوارد املائية والطاقة �ستزداد يف حني �ستنخف�ض تلك املوارد. والأده����ى من ذلك �أن ال�شعب غري مثق����ف �إىل حد كبري ،حيث ال يرت����اد املدار�س االبتدائية �سوى �أقل من ن�صف الفتيات ،ورمبا %15منه����ن يذهنب �إىل املدار�س الثانوي����ة .كما تبلغ ن�سبة الأمية يف �أو�س����اط الذك����ور فوق �س����ن اخلام�سة ع�شرة م����ا ن�سبته .%70 وم����رة �أخ����رى ،جند هنا �أن م����ا يعيق تعلي����م الفتاة �أكرث لي�����س الثقافة والعادات والدين ولك����ن عدم القدرة على طاملا ا ُت ِهم اليمنيون بتبنيهم �سيا�سة الع�شوائية يف حتقيق �أهدافهم ،وهناك احل�ص����ول عليه .و�أحيان ًا يكمن احلل بب�ساطة يف �إ�ضافة بع�ض امل�ص��داقية يف ذلك .فالتاريخ اليمني خالل اخلم�س�ين �س��نة املا�ض��ية حم����ام يف مدر�س����ة �أو حف����ر بئر يف قرية حت����ى ال حتتاج يت�ص��ف بالتدخالت اخلارجية واخلالفات الداخلية والفقر ،لكن اليمن مل الفتي����ات �إىل ق�ضاء الي����وم يف جلب املياه م����ن م�سافات يتجاوز ذلك فح�سب بل �أي�ض ًا تطور �أ�ضعاف ما كان عليه و�أ�ستطاع جتنب �أي تدخل ع�سكري مبا�شر وتفادي التدهور االقت�صادي �أو الوقوع يف جماعة بعيدة. ويعد م�ستوى التعليم املتدين عائق ًا كبري ًا �أمام التنمية يف الب��ل�اد ،خا�صة و�أن هناك قل����ة يف املدار�س املتباعدة، وللأ�س����ف بد�أ ذل����ك االلتزام والتقدم يهت����زان خالل الآون����ة الأخرية رغم ويت����م ا�ست��ي�راد مدر�س��ي�ن ليقوم����وا مبهن����ة التدري�����س �إىل جان����ب املدر�سني اليمني��ي�ن ،يف ظل وجود ن�سبة عالية من العاطل��ي�ن اليمنيني عن العمل .لهذا االنتخاب����ات الرئا�سي����ة �شديدة التناف�س ع����ام .2006وه����ذا االهتزاز يعك�س جن����د �آفاق اال�ستثمار اخلارج����ي مُعتم ًة نتيجة للقوة العامل����ة التي تفتقر �إىل وج����ود عدد من العوامل املجتمعة ،وهي :ت�ضييق دائ����رة امل�ست�شارين ،وزيادة عدد املقربني الفا�سدي����ن يف القوات الع�سكرية ،وعدم قدرة الدولة املتزايدة املهارات والقدرات ال�ضرورية. البني��ة ال�سيا�س��ية :بالرغ����م من النظري����ات التقليدية لعل����م ال�سيا�سة عل����ى توفري اخلدمات الأ�سا�سي����ة ،وتوجيه الرتكيز ال�سيا�س����ي وموارد الدولة ف�إن اليم����ن قد �أوجد بنية �سيا�سية تت�سم باله�شا�ش����ة والنق�ص ،ولكنها �أي�ض ًا نح����و املخ����اوف الأمنية يف ال�شمال واجلن����وب .لكن مع هذا ،م����ا زالت القيم بنية �سيا�سية حقيقي����ة وعملية تعك�س ال�شخ�صية والتقاليد اليمنية املتحررة .اجلوهرية والتطلعات موجودة �إىل جانب البنى التقليدية التي تعزز العمليات ويج����ب �أن تك����ون �أوجه النق�ص تل����ك هي م�صب تركيز الإعان����ة والدعم بد ًال الدميقراطي����ة ،وطاملا هناك تناف�س ممكن على املن�صب يف مين ما بعد علي م����ن �أن تكون عذر ًا لالن�سحاب �أو عدم اال�شرتاك ،لأنه حتى يتم �إ�صالح تلك عبد اهلل �صالح فال زال هناك جمال لتطوير مفاهيم احلكم. ومن املهم املالحظة هنا �أنه يوجد يف اليمن جمتمع مدين قوي يقدر قوامه العي����وب �ستظ����ل �شرعية الدول����ة وا�ستقرارها مُعلّق ِني يف اله����واء ،ولن ي�ستقر الدع����م التنموي االقت�ص����ادي والتعاون الأمن����ي من دون االلت����زام بالعن�صر ب�سبع����ة �آالف منظمة حملي����ة غري حكومية وعدد م����ن املنظمات الدولية غري
Flickr
ال����دويل بني ال�شرق والغ����رب بقدر ما عك�س التوت����رات املالزمة للخالف بني �شم����ال اليمن وجنوبه ،بينما عك�س القرار الأمريكي لتقدمي الدعم الع�سكري املكث����ف لل�شمال ع����ام 1979ل�صد الغ����زو اجلنوبي ،الأح����داث يف �أفغان�ستان والق����رن الأفريق����ي بقدر ما عك�س وجود اهتمام حقيق����ي ب�شمال اليمن (لقد كان �إر�س����ال معدات ع�سكرية وتنفيذ �أن�شطة تدريبية وا�ستخبارية وغري ذلك من دعم عبارة عن خطوة حكيمة مقارنة باملقرتح اخلاطئ واملبالغ فيه الذي كان ي����دور على م�ستويات عالية يف وا�شنطن �آنذاك لإر�سال قوة حممولة جو ًا و�أ�صدقاء “لإيقاف التو�سع ال�شيوعي هناك”). �أم����ا الدعم التنموي االقت�صادي الأمريكي والتع����اون الأمني مع اليمن فهو متقلب ومتقطع ،وبعد خط التمويل اجلوي عام 1979تركت الواليات املتحدة الق����وات الع�سكرية اليمنية ،وكان����ت ال تزال بع�ض تلك املعدات �ضمن تر�سانة القوات اليمنية عندم����ا ذَ هَ بْتُ �إىل اليمن ك�سفرية بعد ع�شرين عام ًا تقريباً. بعده����ا �أخ����ذت امل�ساعدات االقت�صادي����ة تزداد وتنخف�����ض ،وكانت يف �أف�ضل حاالتها �أثناء برنامج فيلق ال�سالم الفاعل والذي ال زال يف الذاكرة ،والدعم الكب��ي�ر للتطوير الزراعي وبرنامج املنح الدرا�سية الن�شط .ويف �أوقات �أخرى و�صل معدل الدعم �إىل درجة ال�صفر. ويف �أواخ����ر الت�سعينيات مل يكن هناك �أي برنامج تنموي فعلي ،وال موظفني للوكال����ة الأمريكي����ة للتنمي����ة الدولي����ة ( ،)USAIDوال فيلق �س��ل�ام ،وال مُنح درا�سية .وغالب ًا ما يُعزا ذلك االنخفا�ض ال�شديد �إىل قرار اليمن بالت�صويت ع����ام � 1990ضد قرار جمل�س الأمن املتعل����ق بعمليات درع ال�صحراء/عا�صفة ال�صح����راء ،و�إىل ح����رب 1994الأهلي����ة .لك����ن مل تكن اليمن الدول����ة العربية الوحي����دة التي اعرت�ضت على العم����ل الع�سكري لتحرير الكويت ،فقد اتخذت الأردن وتون�����س نف�����س املوقف� .أم����ا احلرب الأهلي����ة فلم تدُم �س����وى �شهرين عل����ى الأكرث ،ومل تكن متثل �أي تهديد خط��ي�ر �أو مبا�شر �أو م�ستمر للموظفني الأمريكي��ي�ن يف اليم����ن .لكن اليمن فق����ط فاتت بهدوء نط����اق �شا�شة الرادار الأمريك����ي ،فل����م تكن هناك م�صلح����ة اقت�صادية كب��ي�رة وال �أمنية (للواليات املتح����دة) .ومل يك����ن هذا نتيج����ة للتجاهل احلق����ود وال احلمي����د و�إمنا فقط الالمباالة. وبحل����ول ع����ام 2001و�صلت الإعانة الأمريكية �إىل ح����وايل 50مليون دوالر، وع����اد برنامج التنمية الدولي����ة ر�سمي ًا عام ،2003لكن معدل الدعم مل ي�صل �إال ملبل����غ 14.8ملي����ون دوالر عام ،2005وانخف�ض �إىل مبل����غ زهيد لي�صل �إىل 9ملي����ون دوالر ع����ام ،2006ثم ارتفع ببطء حتى و�ص����ل 20مليون دوالر والآن 40ملي����ون دوالر م����ع التزام لفرتة ثالث �سن����وات .وال ي�ستطيع �أحد – ال جهة متربع����ة وال منظمة غري حكومية �أو دولة م�ست�ضيفة – �إعداد وتنفيذ برنامج ناجح حتى و�إن كانت ميزانيته تنعم بزخم كبري. وق����د كانت مهمت����ي خالل فرتت����ي ك�سفرية ،م����ع الدعم الكامل م����ن وزارة اخلارجية الأمريكية واجلرنال �أنت����وين زيني يف القيادة املركزية الأمريكية، ه����ي �إع����ادة بن����اء العالق����ات بني البلدي����ن على �أو�س����ع نطاق ممك����ن ،مبا يف ذل����ك التع����اون الأمني املع����زز ودعم الدميقراطي����ة ال�شامل و�إع����ادة برنامج املنح الدرا�سي����ة وتطوير التنمية االقت�صادية و�أخ��ي�ر ًا �إن�شاء خفر ال�سواحل. وبالن�سب����ة لليمنيني مل يكن االعتداء على املدم����رة الأمريكية “كول” اعتداء عل����ى الوالي����ات املتحدة فح�سب ب����ل �أي�ض ًا مبثاب����ة اعتداء عليه����م هم ،وعلى العالقات التي بد�أت تتغري.
التحدي��ات اليمني��ة واخلي��ارات الأمريكي��ة لي�س من ال�صعب تثبيط حما�س����ة �أي �شخ�ص يف ظل م�ضاعفة الدعم االقت�صادي ال�سن����وي الأمريك����ي املعلن عن����ه لي�ص����ل �إىل 40ملي����ون دوالر �إىل جانب 120 ملي����ون دوالر للدعم الع�سك����ري .و�إذا ما قبلنا ب�أن هن����اك ما يقارب � 100إىل 200عن�ص����ر من عنا�صر “القاعدة يف جزيرة العرب” يف اليمن ،وما يقارب � 20إىل 25ملي����ون مين����ي ال ينتمون �إىل ه����ذا التنظيم ،ف�إننا نك����ون قد رفعنا م�ست����وى الدع����م لليمني��ي�ن الذين ال ينتم����ون �إىل القاعدة من �أق����ل من واحد دوالر يف ال�سن����ة لكل مين����ي �إىل �ستني دوالراً ،وخ�ص�صن����ا �أكرث من 500.000 دوالر يف ال�سن����ة ملحاربة “القاع����دة يف جزيرة العرب” (لو�ضع هذا الأمر يف �سي����اق �آخر ،جند �أن حمط����ة NBCالأمريكية قد دفعت لكون����ان �أوبريان 45 مليون دوالر لريحل عن املحطة) .ولي�س هناك ارتباط مبا�شر بني الدوالرات املقدم����ة وم�ست����وى احلك����م الفعّال والدع����م املُق����دّم لعملية التنمي����ة والدعم الع�سك����ري ،وه����ذا ال يب�شر بخ��ي�ر ،وال يدل عل����ى الفطنة ،ولن ُيج����دي نفعاً. يواجه اليمن �أربع حتديات فعلية: املياه :حمدودة ،وغري كافية ،وتن�ضب ب�سرعة. الطاقة :حمدودة ،وغري كافية ،وتُ�ستهلك ب�سرعة. ال�سكان :غري حمدود على ما يبدو ،وكثري ،ويزداد ب�سرعة. البنية التحتية ال�سيا�سية :حمدودة ،وغري كافية ،ومعر�ضة للتدهور.
الثال����ث – احلك����م الر�شي����د والفعّ����ال .وه����ذا لي�س هدف���� ًا ي�صع����ب حتقيقه، فالرئي�����س علي عبد اهلل �صال����ح ونخبة من م�ست�شاري����ه املتنورين قد �أوجدوا عنا�ص����ر الدول����ة الدميقراطي����ة م����ن خ��ل�ال مفاو�ض����ات الوح����دة وحتقيقها ع����ام .1990وق����د كان����ت جهوده����م تخلو م����ن �س����وء �إدارة املراقب����ة الدولية، وله����ذا كان����ت مثمرة �إىل ح����د كبري .ورغ����م �أن املعهد الوطن����ي الدميقراطي National Democratic Instituteعم����ل م����ع اليمن ملا يق����ارب ع�شرين عام ًا لتعزي����ز البنى الأ�سا�سية ،وتوف��ي�ر التدريب والدعم املطلوب��ي�ن جد ًا (خا�صة الدع����م املايل من قبل احلكومة الأمريكي����ة) ،لكن االلتزام الأ�سا�سي والفهم ال�ضروري واملتعقل واحلكيم كان ي�أتي من اجلانب اليمني.
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
25
اليمن والعامل
حتليالت
UNHCR
احلكومي����ة ير�أ�سها مينيون ،وكثري منه����ا تديرها ن�ساء .وتعمل هذا املنظمات وال�شخ�صي����ات القوية حتت مظلة واحدة ،مظل����ة وا�سعة جد ًا ت�شمل اجلميع. على امل�ستويني ال�سيا�سي واخلدمي االجتماعي .ويعترب مفهوم املجتمع املدين و�أولئ����ك الذين يخرجون عن امل�سار ،ويحاولون تعكري هذا التوازن احل�سا�س، مفهوم ًا غري حمدد يف �أي مكان ،وميكن املبالغة يف تقييمه كم�ؤ�شر �أو �ضامن يتم معاقبتهم ولكن نادر ًا ما يتم تهمي�شهم. لوجود احلكم الدميقراطي .ومع ذلك ،ميكن القول �إنه بالفعل يقوم بتحقيق وع����ادة ما متي����ل مثل هذه ال�شمولية �إىل عرقلة التق����دم على �أي جبهة ،ويف �أحد الوظائف التطبيقية ،خا�صة يف اليمن ،حيث �أنه يوفر الأر�ضية التدريبية �أي وقت ب�سرعة ق�صوى ،في�صبح من ال�ضروري تقدمي امل�ساومات والتنازالت للقيادة امل�ستقبلية يف البلد .ويف احلقيقة �أنه قد حقق ذلك ،فعلى �سبيل املثال عند بذل اجلهود ل�ضمان �أعلى م�ستوى من الت�أييد �أو على الأقل �أدنى م�ستوى جند �أن وزير املياه يرت�أ�س منظمة غري حكومية تركز على ق�ضايا املياه ،بينما للمعار�ضة .ويف �أحيانٍ �أخرى يتطلب الأمر االن�سحاب التكتيكي و�إعادة ترتيب �أ�س�����س الوزير احلايل للتخطيط و�أدار “�صندوق التنمية االجتماعية” الرائع ال�صف����وف ،وه����ذا يف نظ����ر املتف����رج اخلارجي – كما هو يف نظ����ر الكثري من الذي يتمتع ببع�ض ال�صالحية ال�سيا�سية ويخدم الدولة. اليمنيني – فيه الكثري من الفو�ضى .وهذه ال�شمولية ال تعمل �إال يف ظل وجود ر�ؤي����ة جوهرية وقي����ادة فطنة .كما �أنها �أي�ض���� ًا تعني وجود الإميان يف �أو�ساط الأح����زاب والف�صائل املختلفة ب�أن هناك جمال يت�سع لآرائه����م واهتماماته����م لت�ص����ل �إىل مناق�ش����ات الدول����ة .وتعترب جل�س����ات الق����ات �آلي����ة تقليدية لتوف��ي�ر ذلك املج����ال ،يف حني �أن جمل�����س النواب ميثل الآلية الأخرى .وم����ا يف�سر هذا هو انتخاب ال�شيخ الراحل عبد اهلل ب����ن ح�سني الأحمر رئي�س ًا للمجل�س رغم �أقلي����ة حزب����ه الإ�ص��ل�اح ،واملع����روف �أن منا�ص����ب الرئا�سة تكون للأغلبية. و�أف�ض����ل مقارنة لتو�ضيح ه����ذا الو�ضع هو ما يقوم به البهلواين املتالعب بالأطباق على ع�صا ،حيث يتعني االنتباه لكل طبق و�إال �سيق����ع ويتحطم ،ورمبا تقع مع����ه كل الأطباق الباقي����ة .وال�س�ؤال ال����ذي يطرح نف�سه هو عما �إذا هن����اك الآن �أطباق كثرية جد ًا – �أي �ضغ����وط كثرية على الدول����ة ،والكثري من التحدي����ات الأمنية واالقت�صادي����ة ،والقليل من املوارد – وعم����ا �إذا ال زال البهلواين ميتلك الر�شاقة واخلفة الكافية للحفاظ على تلك الأطباق. وهن����اك خط����ران ملحان يه����ددان هذا الرتتي����ب ،وهما: ما يدركه الكثري من اليمنيني ،مبن فيهم �أ�صدقاءنا� ،أن نطاق ال�سيا�سة الف�س����اد واملح�سوبي����ة من ناحي����ة ،وتغري اجلي����ل من ناحية الأمريكي��ة ق��د بد�أ ينح�ص��ر على الأمن فق��ط �أو الأم��ن �أو ًال ،فنحن �أخ����رى� .أم����ا املح�سوبية فه����ي �أمر واقع يف �أف�ض����ل الأنظمة بحاجة �إىل �أن نعيد تو�سيع ذلك النطاق .وقد تعلمنا هذا الدر�س يف ال�سيا�سي����ة ،و�أم����ا الف�س����اد فرمبا هو خ�صل����ة من اخل�صال العراق يف �آخر اللعبة ،ونحاول تطبيق تلك الدرو�س يف �أفغان�ستان الب�شري����ة الت����ي ال منا�����ص منها .ف����كل الق����ادة يف�ضلون �أن يحيط����وا �أنف�سه����م بامل�ست�شارين وامل�ساعدي����ن ممن يثقون به����م .ولك����ن بع�����ض الق����ادة الأذكياء يطبق����ون املث����ل القائل: لي�����س م����ن ال�سهل تويل �سدة احلكم “قَ����رِّب �أ�صدقائ����ك من����ك ،وقَ����رِّب �أعدائ����ك �أك��ث�ر” .هذا هو ل�س����ان احلال، احلك��م يف اليم��ن يف اليم����ن ،و�إذا قلن����ا بعدم اكتم����ال االندماج ال�سيا�سي ،وع����دم كفاية البنية ومراقب����و ال�سيا�س����ة اليمنية �سيعملون جي����د ًا �إذا ما امتنعوا ع����ن الت�أفف من التحتي����ة للحك����م اجليّد ،فه����ذا �أمر فيه تقلي����ل للواقع وحُ جّ ����ة ي�ستطيع بع�ض هذا الواقع .كما يجب على م�ؤيدي االرتباط الثابت �أن يُقيّموا ب�صدق و�أمانة اليمني��ي�ن معار�ضتها .لكن على كل حكومة ميني����ة �أن توازن بني االحتياجات م����ا �إذا انزلقت ال�شمولي����ة احلكيمة تلك و�أ�صبحت يف نط����اق املح�سوبية� ،أي تعيني الأ�صدقاء والأقرباء نظر ًا للعالقة والقرابة بغ�ض النظر عن امل�ؤهالت واملطالب املتناف�سة ل�شعب متباين وم�شارك �سيا�سي ًا بعمق كال�شعب اليمني. وطامل����ا ا ُتهِ����م اليمني����ون بتبنيهم �سيا�س����ة الع�شوائية يف حتقي����ق �أهدافهم ،والق����درات الت����ي ميتلكها الف����رد (و�إىل �أن جن����رد �أ�صدقائن����ا يف اخلليج من وهن����اك بع�����ض امل�صداقية يف ذل����ك .فالتاريخ اليمني خ��ل�ال اخلم�سني �سنة �أهليتهم نظر ًا لعالقاتهم الأ�سرية املنت�شرة عرب حكوماتهم ،ف�إنهم لن يكونوا املا�ضي����ة يت�ص����ف بالتدخ��ل�ات اخلارجي����ة واخلالف����ات الداخلي����ة والفق����ر ،املعيار الذي يُقا�س عليه) .كما يجب عليهم �أي�ض ًا (�أي املراقبني) �أن يحددوا لك����ن اليم����ن مل يتجاوز ذل����ك فح�سب بل �أي�ض���� ًا تطور �أ�ضعاف م����ا كان عليه م����ا �إذا قد تف�ش����ى الف�ساد يف مفا�صل الدول����ة و�أ�صبح قادر ًا عل����ى الت�أثري يف و�أ�ستطاع جتن����ب �أي تدخل ع�سكري مبا�شر وتف����ادي التدهور االقت�صادي �أو توزي����ع مواردها �إىل درجة الت�أث��ي�ر يف �شرعيتها ،وتالي ًا حتدي����د ما �إذا كانت الوق����وع يف جماعة .ومن العوام����ل التي �ساعدت على ه����ذا البقاء ال�سيا�سي ،امل�ؤ�س�سات احلكومي����ة وغري احلكومية متتلك ال�صالحية وامل�صداقية لتمييز اجله����ود الفائقة التي بذل����ت ل�ضم كل الأحزاب والعنا�ص����ر والكتل املعار�ضة ب�ؤر الف�ساد واتخاذ الإجراءات الالزمة �ضدها. 26
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ولطامل����ا كان للرئي�����س �صالح بطانت����ه اخلا�صة به ،وقد قي����ل عنهم “فريق البو ِلن����غ” .ولطاملا قام بتثقي����ف م�ست�شارين وثلة م����ن التكنوقراط املوهوبني م����ن �أجي����ال خمتلفة .وهن����اك حلقة وا�سعة م����ن اليمنيني يعمل����ون كمروِّجني للخ����ارج ،وغالب ًا ال ميتلكون القدرة على الت�أثري كما يُ�شاع عنهم� .أي�ض ًا يحتل �أبناء الأخوة منا�صب �أمنية (وهم م�ؤهلون بكل ما حتمله الكلمة من معنى)، يف ح��ي�ن �أن بع�����ض الأقارب – دون حتديد – يف وظائ����ف عاطلة .لكن هناك بالغات عن ف�ساد م�ست�ش����ري ،واغت�صاب �أرا�ضي من قبل �ضباط ع�سكريني كبار ،وحتويل للعقود ،وغريها من املخالفات املتوا�صلة واملدمرة. وتتعل����ق املخاوف من مبد�أ املح�سوبية مبا�ش����رة مب�سائل اخلالفة يف احلكم (“تناف�س النخبة” كما يطلق عليها �أحد املراقبني) .فمنذ ثالثني �سنة وعلي عبد اهلل �صالح يف �سدة احلكم رغم �أن الكثري من �أف�ضل م�ست�شاريه يكربونه �سناً .وق����د �صرح الرئي�س ب�أنه لن يتقدم لالنتخاب����ات عام ،2013ولكن لي�س وا�ضح���� ًا من ه����و اخلليفة – �سواء م����ن داخل الأ�سرة �أو خارجه����ا .وبالت�أكيد هناك من����اورات الحتالل املن�صب خالل اجليل الق����ادم – القبلي والتجاري والتكنوق����راط� .أما ال�شيخ الراحل عبد اهلل الأحم����ر فقد خَ لَفه جمموعة من الأبن����اء ،يف حني �أن “الأربعني امل�شهورين” �أخ����ذوا يغادرون امل�شهد ب�سرعة، مث����ل عنا�صر الثورة اجلمهورية ومعركة اال�ستقالل يف اجلنوب .و�سيكون من الوقاحة �أن نفرت�����ض من �سيكون الفائز يف خالفة احلكم ،ومن ال�سذاجة �أن نفرت�����ض �أنه ابن الرئي�س ،فلي�س لدين����ا �أدنى فكرة عن ذلك� ،إذ �أن ال�سيا�سة يف اليم����ن تتل����ون وتتغري� .أي�ض ًا من غري احلكم����ة �أن نُقحِ م �أنف�سنا يف العملية بطريق����ة مبا�ش����رة �أو غري مبا�ش����رة .ولكن من يخلف الرئي�����س علي عبد اهلل �صال����ح يحت����اج �إىل ت�أكيد البن����ى الدميقراطي����ة النا�شئة �إىل جان����ب مباركة ال ُنخ����ب املتع����ددة� .إن �أوراق االعتم����اد اجلمهورية مفخرة ملعظ����م اليمنيني، وخالف����ة االب����ن البكر لي�ست �أم����ر ًا مفروغ ًا من����ه يف املجتم����ع اليمني .ونحن ن�ستطي����ع دعم وت�أييد امل�ؤ�س�س����ات والبنى الهيكلية والعملي����ات الدميقراطية، لكن ال ن�ستطيع فر�ض الفائزين �أو اختيارهم. �إن املح�سوبية والف�ساد يعك�سان ويغذيان حتدي ًا كبري ًا يقارب كل التحديات اجلوهري����ة الأربع����ة واملخاطر الأمني����ة الثالثة ،وهو عدم ق����درة الدولة على توف��ي�ر اخلدم����ات الأ�سا�سية لعام����ة ال�شعب .فاليم����ن تفتق����ر �إىل امل�ؤ�س�سات البريوقراطي����ة لإدارة املوارد وتقدمي اخلدمات الأ�سا�سي����ة بطريقة معقولة، وه����ي عب����ارة عن كيان مليء بال�س����كان يحمي الكثريين م����ن البطالة املطلقة ض��ل�ا عن كونه فعاالً. لكن����ه يفتقر للتدري����ب والأدوات لي�صبح كيان ًا م�ؤثراً ،ف� ً كم����ا �أن املوهبة التقنية يف قمة امل�ؤ�س�سات واملنظمات غري احلكومية يحبطها كاف ،وهو ما يزيد غي����اب املنفذين املحلي��ي�ن .و�سلم الأجور منخف�ض وغ��ي�ر ٍ من الف�س����اد امل�ؤ�س�سي� .أما الكفاءات فتعك�س م�ست����وى نظام التعليم املتدين. وامل�س�ألة الأ�سا�سية التي وراء كل من التمرد يف ال�شمال واحلركة االنف�صالية يف اجلنوب هي مفهوم بل وواقع عدم توفري اخلدمات احلكومية .وكل حركة متث����ل مطالبة بوجود حكومة �أكرث فعالية و�أكرث تفاع ًال وا�ستجابة (لكن لي�س بال�ضرورة �سيطرة حكومية م�شددة) ،بحيث ت�ستطيع توفري املوارد من خالل الدع����م املعق����ول للإدارة املحلي����ة واملواطنني .وما يزيد امل�شكل����ة تعقيداً� ،إىل درجة �أن املخاوف الأمنية الكربى الثالثة ت�شكل خطر ًا وجودي ًا لبقاء احلكومة والدول����ة ،هو اخلوف لي�س من الأجن����دة ال�سيا�سية للحركات املوجودة ،ولكن م����ن قدرته����ا على ت�شتي����ت وتوجيه االنتباه وامل����وارد .ول����ن ت�ستطيع احلكومة
احلالي����ة ،وال �أي خليفة منتظ����ر ،التعامل بكل �سهولة ،ومب����ا فيه الكفاية ،مع هذه املخاطر الثالثة وتقدمي اخلدمات الأ�سا�سية يف نف�س الوقت .فالبهلواين ال ي�ستطيع �سوى التحرك ب�سرعة فائقة.
�أي��ن ينبغ��ي عل��ى الوالي��ات املتح��دة الرتكي��ز؟
يعت��ب�ر الرتكيز غري املتنا�سب على القط����اع الع�سكري املبا�شر وبناء القدرات الأمنية نظرة قا�صرة .و�إذا كانت خماوفنا حيال املخاطر التي ي�شكلها اليمن ت�ستح����ق �أن نقدم مبل����غ 120مليون دوالر كمعونة �أمنية ،ونعي �أن عملية تنمية البن����ى الأمني����ة املعقولة ا�ستثمار طويل املدى ،ف�إن رغبتن����ا لإبقاء اليمن على اجلان����ب الآم����ن من حاف����ة الف�شل (مدرك��ي�ن �أن الأمر لن يكون �أب����د ًا ناجح ًا ب����كل جوانبه) ت�ستحق التزام ًا مكافئ ًا لبناء القدرة املدنية بقدر م�شابه لبناء الق����درة الع�سكرية .وعلينا اال�ستثم����ار فيما هو �أكرث من تعزيز �سلطة الدولة، �إذ ينبغ����ي علينا اال�ستثم����ار �أي�ض ًا يف تعزيز �شرعية وق����درة الدولة واملجتمع. ونحن ال نكف����ل “ال�شرعية” لكننا ن�ستطيع امل�ساع����دة يف تطوير جمتمع قوي مب����ا في����ه الكفاية لي�شارك دولت����ه� .إن ا�ستخدام ال�ضم��ي�ر “نحن” هنا ي�شري �إىل احلكوم����ة الأمريكي����ة واملجتمع الدويل والدول الإقليمي����ة املجاورة .ولقد كان م�ؤمتر 2006للمانحني �سخي ًا غري �أنه مل يتم بعد تنفيذ �أي من تعهداته. كما �أن م�ؤمتر لندن 2010قد �أثار نقا�شات �صحيحة حول التن�سيق واالرتباط امل�ست����دام ،لكن الأمر �سيتطلب �أكرث من انعقاد م�ؤمتر لإقناع املواطن اليمني الع����ادي ب�أن هناك تغري ًا معقو ًال يف املوارد ولغ����ة اخلطاب� ،أو �أن ثمة التزام ًا باحلكم الفعّال وعملية التنمية� ،س����واء جلهة احلكومة التي تتهي�أ لالنخراط كلي ًا يف ال�صراع وكذلك بالن�سبة للحكومات جميعاً .ويجب �إقناع اليمنيني �أن كل هذا لن يتبخر يف وجه احلجج والأولويات الأخرى. �إن ما يدركه الكثري من اليمنيني ،مبن فيهم �أ�صدقاءنا� ،أن نطاق ال�سيا�سة الأمريكي����ة ق����د بد�أ ينح�ص����ر على الأمن فق����ط �أو الأم����ن �أوالً ،فنحن بحاجة �إىل �أن نعي����د تو�سيع ذلك النطاق .وقد تعلمنا هذا الدر�س يف العراق يف �آخر اللعب����ة ،ونحاول تطبيق تلك الدرو�س يف �أفغان�ست����ان .ولقد تقدمنا من احلل الع�سك����ري التقليدي �إىل مكافحة التمرد �إىل “ثالثي����ة الدفاع والدبلوما�سية والتنمي����ة” للتعاطي مع �أو�ضاع ما بع����د ال�صراع .ونحن �أمامنا فر�صة لتطبق �أ�سا�سيات تلك الدرو�س قبل ال�صراع وقبل الف�شل يف اليمن. ويج����ب �أن تكون هناك �إ�سرتاتيجية م�ستدام����ة و�شاملة ومن�سقة تعتمد على دبلوما�سي����ة وتنمي����ة بقيادة مدنية وتوجه مدين �أو ًال عل����ى مدى م�سبق ومبكر وطويل .كما ينبغي �أن ت�ساوي م�شاركتنا يف تطوير القدرات الب�شرية وقدرات الدولة التزامنا ببناء القدرات الع�سكرية والأمنية� ،إذا مل تفُق ذلك .وهناك خم�س����ة جماالت رئي�سية ل�شرعية الدولة وبن����اء القدرات الب�شرية غري �سلطة الدولة وال�ش�ؤون الأمنية ميكن الرتكيز عليها ،وهي: .1اخلدم��ة املدني��ة� :إن بن����اء قدرة الدول����ة (كالقدرة املدني����ة) على كل امل�ستويات ،وال يقل عن ذلك تطوير خدمة مدنية م�ؤهلة وجمتمع مدين قوي، تعترب �أمر ًا �أ�سا�سياً� .إن الرتكيز على تطوير القدرة املحلية يحتاج لكي يتحقق �أن يك����ون من�سجم ًا مع تطوير قدرة احلكم املركزي ،فامليل �إىل �أحد اجلهتني يخ����ل بت����وازن الدولة ويخلق فراغ���� ًا يف املركز �أو على امل�ست����وى املحلي .وعلى غ����رار ذلك� ،إن االعتماد املف����رط على اجلانب الع�سك����ري �أو القدرة الأمنية ُيج����رِّد البني����ة التنظيمي����ة املدنية من �شرعيته����ا ،خا�صة �أولئ����ك العاملني يف العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
27
اليمن والعامل
حتليالت
.2التعلي��م :يعت��ب�ر التعليم م����ن املجاالت املهم����ة لبقاء الدول����ة والتنمية االقت�صادي����ة على املدى البعيد .و�أي جهود تبذل مل�ساعدة اليمن لالبتعاد عن هاوية الف�شل يجب �أن ت�ستند على الدعم لنظام التعليم القوي .وهذا ال يعني �أن امل�س�أل����ة ه����ي م�س�ألة �إن�شاء مدار�س ولكنه����ا م�س�ألة توفري مدر�سني مينيني م�ؤهلني للتدري�س يف امل�ستويات االبتدائية والثانوية .كما �أن العمالة وال�صحة وبرامج تنظيم الن�سل وكل عنا�صر التنمية امل�ستدامة الأخرى ،تتطلب �إن�شاء نظام تعليمي مبقايي�س عاملية يعتني بتطوير املهارات املطلوبة.
فم����ع �أنه مت �إعداد هذه الإ�سرتاتيجية للتنفيذ خالل ثالث �سنوات مببالغ مالي����ة طائل����ة لكنها تعتمد عل����ى املخ�ص�صات ال�سنوي����ة للكوجنر�س ،وهو ما يجعلها عر�ضة لتقلبات ميزانيتنا التي ال ميكن التكهن بها ،وكذلك للمطالب اجلديدة املتناف�سة واالنقطاع املفاجئ نظر ًا للخالفات بني الواليات املتحدة واليمن ب�ش�أن �سيا�سات الدعم التنموي. تن�����ص الإ�سرتاتيجي����ة عل����ى �أن هناك ثمان حمافظات له����ا الأولوية عند الوكال����ة الأمريكي����ة للتنمية الدول����ة (وبالت����ايل عند احلكوم����ة الأمريكية)، ولكنها – مُ�ست�شهِ دة مبحدودية املوارد – ال ت�ستهدف �سوى خم�س حمافظات و�صفته����ا “الأك��ث�ر عر�ض����ة للمخاط����ر” (اجلوف وم�����أرب و�صع����دة وعمران و�شب����وة) .واخلوف هو من خماطر هذه الف��ت�رة الزمنية الثالثية ،فقد تكون مبثاب����ة تقدمي مكاف�����آت للت�صرفات ال�سيئة وقد تزيد فتي����ل التناف�س من قبل املحافظ����ات واملناط����ق الأخ����رى التي مل يت����م اختيارها وتو�سع دائ����رة تف�شي الف�س����اد واملح�سوبي����ة ،وبالتايل عرقلة عملية التنفي����ذ .وتوزيع �أ�شمل مل�شاريع �أ�صغ����ر قد ال يكون ل����ه كل “النجاح واملردود” الذي حتقق����ه اال�سرتاتيجيات لكنه قد يتم تفادي اخلالفات ال�سيا�سية ال�سلبية الناجتة عن الرتكيز املفرط على مناطق اخلطر. تت�شدد اال�سرتاتيجية كثري ًا يف م�س�ألة جمع البيانات التي قد تكون متوفرة عرب م�صادر �أخرى ،مثل البنك الدويل و�صندوق التنمية االجتماعية اليمني. هذه اجلهود التي تبذل جلمع البيانات ت�ؤخر تنفيذ امل�شروع. تعتمد �أكرث من الالزم على متعاقدين من �شركة “بلتوي” ،Beltwayمع �أن���ه لي����س بال�ضرورة �أن تكون النتيجة زي���ادة يف فر�ص العمل ومنط احلياة يف مدينة روكفيل بوالية ماريالند �أو مدينة تي�سون�س كورنر بوالية فريجينيا. لي����س هن���اك تن�سيق كايف م���ع قيادة العملي���ات اخلا�صة وال�ش����ؤون املدنية الأمريكي���ة واملجتمع املحلي .ومع �أن اليمن بلد �صعب ،وقد يكون خطرياً ،لكنه لي�س منطقة حرب ،فيجب �أن تكون الربامج الع�سكرية داعمة – ولي�س موازية – جلهود الدولة ووكالة التنمية الدولية الأمريكية.
.3ال�س��يطرة عل��ى الف�س��اد :يج����ب �أن يكون ه����ذا املجال م����ن العنا�صر اجلوهري����ة �ضم����ن عملي����ة التدخل الأ�شم����ل ولي�س �شرط���� ًا م�سبق���� ًا �أو ملحق ًا له����ا� ،إذ �أن الف�س����اد يعترب من الأعرا�ض التي ت�صي����ب البنية التنظيمية وقت الأزمات .له����ذا من املطلوب دعم اجلهود اليمنية ،ولي�����س التهديد والوعيد، م����ن �أجل تقليل فر�����ص الت�سيب والف�ساد م����ن خالل تطوير هي����اكل امل�ساءلة احلكومية وغري احلكومية الناجحة .وقد ا�ستجابت احلكومة وجمل�س النواب يف ه����ذا ال�ص����دد� ،إىل جان����ب عدد من اجله����ات الر�سمية (الهيئ����ة الوطنية ملكافح����ة الف�س����اد ،واللجن����ة العليا للمناق�ص����ات ،واجلهاز املرك����زي للرقابة واملحا�سب����ة) ،و�سيكون لزام ًا عل����ى كل من هذه اجلهات �إثب����ات قدرتها على اتخاذ الإج����راءات املطلوبة جتاه ارتكاب املخالف����ات الوظيفية �أو الالمباالة م����ن �أجل �إعطاء �صورة جميلة لليمني��ي�ن وا�سرت�ضاء للجهات املانحة .كما �أن عل����ى املجتمع الدويل القيام مبا هو �أك��ث�ر من ت�صريحات اال�ستهجان ،وذلك م����ن خ��ل�ال العمل مع تلك اجله����ات الر�سمي����ة والفاعلة امل�ساهم����ة وامللتزمة بعمليات الإ�صالح ك�أولوية �أوىل. .4خف��ر ال�س��واحل :ميثل هذا اجلان����ب عام ًال مهم���� ًا بالن�سبة لالزدهار االقت�ص����ادي يف اليم����ن .والداف����ع وراء اتخاذ الق����رار ب�إن�شاء خف����ر �سواحل يكم����ن يف اجلوان����ب االقت�صادية �أكرث منه����ا اجلوانب الأمني����ة ،كما �أن قيمة ه����ذا القرار على املدى الطوي����ل �ستبقى قيمة اقت�صادية للبل����د� .أي�ض ًا هناك حاجة ملحة �إىل �صد املهربني واملتطرفني والدخالء غري ال�شرعيني ومواجهة تطلع����ات القرا�صن����ة ال�صوماليني لت�شكيل عالقات �أخوي����ة مع اليمنيني .ويف نف�س الوقت تتمتع مياه ال�سواحل اليمنية برثوة �سمكية غنية ميكن ا�ستغاللها كم�صدر متجدد من م�صادر الت�صدير والغذاء �إذا ما متت �إدارته على الوجه املطل����وب .وكما هو ل�سان احلال يف مي����اه ال�سواحل ال�صومالية ،تعاين الرثوة ال�سمكية يف مياه ال�سواحل اليمنية من عمليات ال�سلب والنهب التي تقوم بها بع�����ض ال�سف����ن املُ�صنّعة القادمة من خمتلف �أنح����اء العامل ،وكذلك من رمي املخلفات ال�سامة. .5ميناء عدن :يحتاج هذا امليناء �إىل �إنعا�شه باعتباره مركز ًا جتاري ًا كبري ًا للمحيط الهندي ،وهو من �أهم املوارد الطبيعية يف اليمن .ولدى عدن القدرة عل����ى �أن ت�صبح كمدينة �سنغافورة� .أ�ضف �إىل ذلك� ،أن تطوير امليناء �سيوفر فر�����ص عمل للأيدي العاملة اليمنية و�سي�ش����كل م�صدر ًا من م�صادر �إيرادات الدولة ،كما �سي�ساعد �أكرث يف دمج اجلنوب وال�شمال ك�شريكني مت�ساويني. ت����درك �إ�سرتاتيجية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للفرتة 2012 – 2010 الكثري من التحديات اجلوهرية الت����ي تواجه اليمن ،وحتاول ،كربنامج ميتد 28
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
و�إذا قبلن���ا �أن اله���دف الأ�سا�س���ي ه���و تطوي���ر ق���درة حملية م�ؤث���رة وفاعلة وم�ستدام���ة ذاتي���اً ،فرمبا ميكننا الق���ول �إن �أو�سع فج���وة يف الإ�سرتاتيجية هي قل���ة اال�ستفادة من ال�شركاء اليمنيني رغم �أن الإ�سرتاتيجية تُثني على �صندوق التنمي���ة االجتماعية اليمن���ي بقولها �إنه�“ :صندوق تنمية ق���وي ومدعوم مالي ًا ب�ش���كل خا�ص ،وميث���ل منوذج ًا للآلية امل�ؤ�س�سية الفعال���ة والفاعلة التي تت�صف بال�شفافية وتقدم خدمات اجتماعية تق���وم بتمكني املجتمعات املحلية ،ويُعترب من �أف�ض���ل هيئات احلكومة اليمنية الفعالة يف جم���االت تطوير املجتمع وبناء الق���درات وامل�شاري���ع ال�صغ�ي�رة واملتو�سط���ة” .لك���ن يف نهاي���ة املط���اف جند الإ�سرتاتيجية تقول �أن هذا ال�صندوق ال يُعترب م�ؤ�س�سة م�شاركة .وخالل فرتتي ك�سف�ي�رة لدى اليمن عملت ال�سفارة الأمريكية ب�شكل وثيق مع �صندوق التنمية االجتماعي����ة لإعداد وتنفيذ الكثري من م�شاريعنا التنموية يف اليمن ،وذلك مت دون ح�ض����ور ر�سمي كبري �أو تكاليف عام����ة ،ولكن مع العرفان الكايف للواليات املتح����دة ،وو�ضع الب�صم����ة الأمريكية اخلفيفة وال�شفافي����ة وامل�سئولية .كما �أن هن����اك قوة �سيا�سية يف اليمن كافية للدفع والتقدم بعجلة التنمية �إىل الأمام،
هذا برنامج خماط��ر االت��كال عل��ى الغ�ير طموح ويف���وق قدرات �أي دولة لتقدمي الدعم ،خا�صة �إذا ما كانت حكومة متقلبة كحكومتنا .فمن الأهمية مبكان ،وجود �شركاء دوليني ،خا�صة وهم موجودون ،حيث �أنه يف الوقت الذي كانت الواليات املتحدة تهب �إىل اليمن وتخرج منه لعقود من الزمان كان يوجد هناك عدد من ال�شركاء الأوروبيني واليابان� ،إىل جان���ب البنك الدويل واالحتاد الأوروبي ،وكذلك بع�ض دول اخلليج ،وب�صفة خا�صة قط���ر والإمارات العربية املتحدة وال�سعودية� ،إىل درجة �أن م�ستوى دعمنا يتقزم �أمام الدعم الذي قدمته هذه الدول لليمن. والرتحيب مب�شاركة تلك الدول (من اجلانب اليمني) لي�س عذر ًا للواليات املتح���دة باالن�سح���اب والتخلي .وم���ع �أن م�صاحلنا (وم�صال���ح باق���ي ال���دول) متوازي���ة لكنه���ا لي�ست متطابقة ،وهذا وا�ضح على وجه اخل�صو�ص �إذا ما نظرن���ا لل�سعودية ،التي تقا�سم اليمن حدود ًا طويلة وتاريخ��� ًا �صعباً .كما �أن ال�سيا�س���ات والربامج التي مت���ر عرب الريا�ض يف طريقه���ا �إىل �صنعاء �ستعاين من ت�أثري التحريف الذي ال يخدم امل�صالح اليمنية وال�سعودي���ة والأمريكي���ة على حد �س���واء� .إننا ل�سنا بحاج���ة �إىل من ُي َفل�ِت�ررِ وي�ؤكد عالقاتن���ا وبراجمنا م���ع اليمن ،وبالت�أكي���د فنحن ل�سن���ا بحاجة لتدخل ع�سكري من ِقبَل دولة �أخرى للقيام بذلك.
يف حماولتن���ا �أف��كار ختامي��ة لتوجي���ه الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية للمُ�ض���ي قدماً ،احلكومة اليمنية �س��تقوم مبا ي�صب يف م�صلحتها الوطنية ،ونحن ن�شرتك علين���ا �أن نتذك���ر بع����ض الدرو����س الت���ي تعلمناها معها يف نف�س الأولويات التي قد تختلف فقط يف الرتتيب .وعلى ال�سيا�سة م���ن تاريخن���ا الأمريك���ي حدي���ث العه���د وتاري���خ اليم���ن الطويل ،فنحن ل�سنا �أذك���ى من تاريخنا �أو الأمريكي��ة �أن ال تعتم��د عل��ى �إقناع احلكوم��ة اليمنية بتبن��ي �أولوياتنا ولكن عليها �أن تبحث عن م�صالح م�شرتكة و�أن تتفهم الرتابط امل�شرتك تاريخهم. علين���ا �أن ن���درك �إنن���ا نتعامل م���ع دولة ذات �سيادة ولي�س دولة فا�شلة ،بل �إنها دولة قد �أثبتت �أنها �شري���ك مقبول �إن مل يكن قادر ًا على الدوام .لذا علينا العمل مع احلكومة �أو ن�ستطي���ع حتمل���ه .والف�شل مع���روف بطبيعته ،فهو ينط���وي على الفو�ضى كاملة و�أن ال ننتظر يوم ًا معين ًا �أو حتقيق ب�ضعة معايري دون تقدمي امل�ساعدة التي متنح “القاعدة يف جزيرة العرب” املجال لتنفيذ خمططاتها ،ويُ�شعِل والدعم الذي حتتاجه تل���ك الدولة لبلوغ تلك املعايري .وهذا لي�س تفوي�ض ًا فتي���ل خيبة الأمل والغ�ضب الذي يقود �إىل التط���رف ،ويُفاقِم من التوترات مطلق ًا على الإطالق ،و�إمنا اعرتاف ب�أن ال�صفاء املطلق يف ال�شريك نادر ًا الداخلي���ة ،ويُ�ضعِف كثري ًا الدميقراطي���ة النا�شئة ،وي�ضمن التدهور الدائم حت���ى الو�صول �إىل م�ست���وى الفقر .و�إذا كانت هذه الو�صف���ات تبدو مكلفة، ما يكون خيار ًا والزمن ال يُحالف �أحداً. احلكوم���ة اليمنية �ستقوم مب���ا ي�صب يف م�صلحته���ا الوطنية ،ونحن وم�ستهلك���ة للوقت ،وتتطلب عم ًال مكثف ًا – وهي كذلك بالفعل ،ف�إن تكاليف التعامل مع تبعات ف�شل الدولة �ستكون �أعظم بكثري.
Flickr
البني����ة املدنية الذين ميثل����ون الأمل الأف�ضل لبناء م�ؤ�س�س����ات حكومية دائمة (�سيا�سي���� ًا واقت�صادي ًا واجتماعي����اً) .ويت�ضمن تعزيز الق����درة املدنية تعزيز �إدارة النظام الق�ضائي ولي�س فقط اجلانب الأمني.
لف��ت�رة ث��ل�اث �سنوات ،معاجلة الكث��ي�ر من هذه التحدي����ات بطريقة منطقية ومنظمة .وتعترب هذه الإ�سرتاتيجية �أف�ضل بكثري من �سابقاتها ،لكن ال ميكن القول ب�أنها تتمتع بالكمال التام:
ولهذا ل�سنا م�ضطرين – بل وال يجب – �أن ن�سعى �إىل �إعادة اخرتاعها.
ن�ش�ت�رك معه���ا يف نف�س الأولوي���ات التي قد تختل���ف فق���ط يف الرتتيب .وعل���ى ال�سيا�سة التايل بقلم� :أحمد الأح�صب الأمريكي���ة �أن ال تعتمد عل���ى �إقناع احلكومة اليمني���ة بتبن���ي �أولوياتنا ولكن عليه���ا �أن تبحث عن م�صالح م�شرتكة و�أن تتفهم الرتابط امل�شرتك. �إن �أي��� ًا من هذه النقاط ال ي�ضمن النجاح مهم���ا كان حمدداً� ،أو ي�ست�أ�صل �ش�أفة عنا�صر تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب� ،أو ينهي التطرف� ،أو ير�ضي القبائل� ،أو يحد من معدل املواليد .لكن االرتباط مع اليمن بطريقة ق�ص�ي�رة النظ���ر ،ترتكز على اجلان���ب الأمني فقط وب�ص���ورة متقطعة ،قد تخل���ق دولة فا�شلة فعالً ،الأمر الذي ال نح���ن وال اليمنيون نرغب يف حدوثه اليمن وم�ساعدات التنمية اخلارجية
مالحظــة (*) يحتوي القات على مادة خمدرة نوع ًا ما ت�شبه يف تركيبتها الكيميائية القهوة .وهناك «جل�سات قات» متتد ل�ساعات يف اليمن وبع�ض دول القرن الأفريقي املجاورة. ولق���د �ش���ددت زراعة القات اخلناق على �إنتاج املحا�صيل الأخرى ،وجل�ساته ت�س���رق �ساعات طويلة كل يوم وت�ستهلك املوارد املالية للأ�سرة واملوارد املائية والوقود الذي يُ�ستخ���دم لت�شغي���ل م�ضخ���ات املياه .وتعترب اجلهود التي تبذلها الدولة للح���د من تعاطي القات فاترة ،ولي�س هناك برامج حقيقي���ة ال�ستبدال القات مبحا�صيل �أخرى، و�سيكون لزام ًا على �أي برنامج درا�سة ما هو املح�صول� ،إن وجد ذلك املح�صول ،الذي �سي�ستهلك كمية مياه �أقل (وبالتايل وقود ًا �أقل لت�شغيل امل�ضخات) ،ويوفر القدر الذي يوفره القات من املال املبا�شر من املناطق الريفية �إىل املناطق املدنية ،ويحل حمل البيئة الفريدة واحل�سا�سة �سيا�سي ًا التي يوفرها القات يف املجتمع. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
29
اليمن والعامل
حتليالت فـي 60يوما
وجهات نظر عني على اليمن
وتق���دم الوالي���ات املتح���دة وحدها م���ا يتجاوز 19ملي���ار دوالر كم�ساع���دات خارجي���ة كل �سنة، ولك���ن -وكن�سب���ة م���ن الن���اجت القوم���ي -تعترب م�ساع���دات الواليات املتح���دة منخف�ضة مقارنة بالدول الأخرى .لكن الهبات املقدمة من الأفراد واملنظمات اخلا�صة ورجال الأعمال تعترب عالية ج���د ًا وال تقارن مبا تقدمه البلدان الأخرى .ومن املفرت�ض لتدفق���ات �أموال امل�ساع���دات �أن تعمل كمُ�س ِّرع القت�ص���ادات الدول امل�ستفيدة والتي هي يف غالب احلاالت دو ًال نامية.
ا ل � ض ر و ر ا ت واملمكنات
�أن��واع امل�س��اعدات تتع���دد وتختلف �أنواع م�ساعدات التنمية ،ولكن عاد ًة ما ت�أخذ واحد من الأ�شكال التالية: – 1امل�س��اعدات الر�س��مية :وت�شم���ل املن���ح والقرو����ض املقدمة من احلكوم���ات وامل�ؤ�س�سات الدولي���ة احلكومي���ة (ذات ع�ضوي���ة حكومي���ة) �إىل ال���دول الأخ���رى به���دف حت�س�ي�ن وتطوي���ر اقت�صادياتها .الإعفاء م���ن الديون وامل�ساعدات الع�سكرية تعت�ب�ر �أي�ض ًا من �أ�ش���كال امل�ساعدات الر�سمية. –2امل�س��اعدات غ�ير الر�س��مية :وه���ي كل تلك الأموال الت���ي يكون م�صدرها غري حكومي، وت�أخذ �صور ًا متعددة لعل �أهمها: �أ .هب���ات وم�ساع���دات وبرام���ج الأف���راد وامل�ؤ�س�سات اخلا�صة ورجال الأعمال واملنظمات اخلريي���ة .وق���د بلغ���ت امل�ساع���دات الأمريكي���ة اخلا�ص���ة 34.8مليار دوالر يف عام 2006مقارنة مبتو�سط �سنوي للم�ساعدات الر�سمية الأمريكية
اليمن وم�ساعدات التنمية اخلارجية �أحمد علي الأح�صب alahssab@yahoo.com
30
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
�أحمد علي الأح�صب خبري يف التنمية والتعاون الدويل ،اليمن.
ME Archive
يوج���د يف الع���امل �أكرث من ثمانني ممو ًال ومانح ًا ما ب�ي�ن دول ومنظمات حكومية وغري حكومية ،وقد قدّم عامل املانحني خ�ل�ال الأربعني �سن���ة املا�ضية ما يزيد ع���ن 4.1تريليون دوالر كم�ساع���دات تنموية .ويبلغ �إجم���ايل م�ساعدات التنمية الدولي���ة 100ملي���ار �سنوياً ،ويف �سنة 2008قدمت البلدان الغني���ة 119.8مليار دوالر كم�ساعدات خارجية .وهو ما يزيد بن�سب���ة %10عن �سن���ة 2007ويعترب ذلك �أكرب مبلغ مت تقدميه خالل �سنة واح���دة ،وهو ميثل %0.47من الناجت املحلي الإجمايل للدول املانحة .ومع ذلك يظل هذا الرقم �أقل بكثري من الرقم امل�ستهدف من قبل الأمم املتحدة وهو .%0.7
19مليار دوالر. ب .التمويل الأجنبي املبا�شر وهو ا�ستثمار خا�ص يف البلدان الأخرى. ج .حتوي�ل�ات املهاجرين والعمال تعت�ب�ر نوع من �أنواع امل�ساعدات غري الر�سمي���ة ،واملالح���ظ تزايد �أهمية هذا النوع م���ن امل�ساعدات يف بع�ض البلدان امل�ستقبلة حتى تتج���اوز �أهمية امل�ساعدات الر�سمية املقدمة من احلكوم���ات .وقد بلغت تلك التحويالت ما يقارب 100مليار دوالر خالل الثمانينيات والت�سعينيات من القرن املا�ضي. وميك���ن مالحظ���ة �أن تدفقات الأموال م���ن العامل املتق���دم ب�صورها
املختلفة قد قفزت خم�س���ة �أ�ضعاف يف بداية هذا العقد عما كانت عليه ع���ام � ،1980أي من حوايل 50مليار دوالر �إىل ما يقارب 300مليار عام .2002 ت�أتي امل�ساعدات م�صادر امل�ساعدات بطبيعة احل���ال من الدول الغنية ،وهكذا ف����إن دول غرب �أوروبا و�شمال �أمريكا بالإ�ضافة �إىل اليابان و�أ�سرتاليا ودول اخلليج تعترب �أهم املمولني �أو املانح�ي�ن .والت�س���ا�ؤل الت���ايل ال���ذي يطرح نف�س���ه �سيكون ع���ن �أكرب م�صادر �أم���وال امل�ساعدات .بالن�سبة مل�ساعدات التنمية الر�سمية هناك طريقت�ي�ن لقيا�س من ه���م �أكرب املانحني .الطريق���ة الأوىل -وهي �أكرث عدالة -تقي�س م�ساع���دات التنمية التي تقدمها الدول ن�سبة �إىل الناجت املحلي ،حيث ي�ستهدف املجتمع الدويل الو�صول بحجم تلك امل�ساعدات �إىل %0.7م���ن الناجت القومي الإجم���ايل للدول .ووفق هذا املقيا�س ت�أتي ال�سويد ولوك�سمبورغ والرنويج والدمن���ارك وهولندا على ر�أ�س القائمة. طريق���ة القيا�س الثانية هي ح�ساب �ص���ايف امل�ساعدات الإجمالية ،وعلى هذا الأ�سا�س ت�أتي الواليات املتحدة ثم اليابان وفرن�سا وبريطانيا و�أملانيا بالتوايل على ر�أ�س القائمة.
امل�ستفيدون من امل�ساعدات اخلارجية امل�ساعدة ب�شكل مطلق تقدم ملن هو بحاجة �إليها بطبيعة احلال ،ويف �إطار التعاون الدويل فالدول النامية ه���ي من يجب م�ساعدته .وبالن�سبة للم�ساعدات الر�سمي���ة ،وح�سب �إح�ص���اءات منظمة التع���اون االقت�ص���ادي والتنمية ( ،)OECDفق���د توجه���ت %46م���ن تل���ك امل�ساع���دات الر�سمي���ة �إىل �أفريقي���ا ،بينما ح�صدت الدول الآ�سيوي���ة ،%35ودول �أمريكا الالتينية ،%11ودول �ش���رق �أوروبا .%7الحظ �أن التق�سيمات اجلغرافية ال�سالفة ت�ضم تكتالت الدول النامية والأقل منواً. وعدالة امل�ساعدات لي�ست مو�ضوع ًا مطروح ًا يف �سياق التعاون الدويل، فهي ال ت�سته���دف بال�ضرورة الدول الأقل من���واً .ت�شري الإح�صاءات عن العالق���ة بني ن�صيب الفرد من امل�ساع���دات ون�صيبه من �إجمايل الدخل القوم���ي �إىل �أن امل�ساعدات ب�شكل عام مل تك���ن موجهة �إىل الدول الأقل دخ�ل�اً خالل الأعوام ال���ـ ( )25املا�ضية .وعلى �سبي���ل املثال ،فقد بلغت تقديرات امل�ساع���دات الأمريكية لل�شرق الأو�س���ط 7286مليون دوالر يف ،2002ولك���ن �إ�سرائي���ل وم�صر ت�ستح���وذان على %57منه���ا� ،أي 4183 ملي���ون دوالر (�أي 2580ملي���ون و 1603ملي���ون على الت���وايل) ،وهاتان الدولتان حتم ًا لي�ستا �أفقر دول ال�شرق الأو�سط .وعلى الدول التي تعتقد �أنه���ا بحاجة للم�ساعدات اخلارجية �أن تبذل جهود ًا �إ�ضافية ال�ستقطاب تلك امل�ساعدات و�إقناع املمولني الدوليني بق�ضاياها. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
31
ولك���ن �إىل �أي مدى تعتمد الدول النامية عل���ى امل�ساعدات اخلارجية؟ تتفاوت الدول امل�ستفيدة يف درجة اعتمادها على امل�ساعدات اخلارجية، ففي حني متثل امل�ساعدات الر�سمية %60من الناجت القومي يف موزمبيق ( )2002مث�ل�اً ف�إننا جند تراجع مع���دل ن�سبة االعتماد على امل�ساعدات خ�ل�ال الفرتة بني عامي 2000و 2004يف معظم الدول العربية با�ستثناء موريتاني���ا ،حيث ال تزال ن�سبة امل�ساع���دات �إىل �إجمايل الدخل القومي يف ح���دود .%30.6وبالن�سبة لليمن فهي بلد غري معتمد على امل�ساعدات الأجنبية ،فتقديرات ميزانية 2009ت�شري �إىل �أن املنح ت�شكل فقط %5.1 من �إيرادات احلكومة و %1.4من �إجمايل الناجت املحلي (.)GDP
ME Archive
�أ�صبحت م�ساعدات التنمية م�صدر ًا متنامي الأهمية للدول الفقرية وال غنى عنه �أحيان ًا� ،إال �أن ما حتتاجه تلك الدول هو اال�ستثمار يف �إدارة تلك امل�ساعدات، فم�ساعدات تنمية من دون �إدارة جيدة قد ال تعني �شيئ ًا �سوى �أنها هدر للأموال وكلفة �إ�ضافية على االقت�صاد والأجيال القادمة 32
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
مفيدة �أم �ضارة؟ هل ميكن �أن تكون م�ساع���دات التنمية �ضارة؟ نعم ميكن �أن ت�صبح كذلك� .أما كي���ف فتختلف الإجابة ح�سب الزاوية التي نقف فيها وننظر للم�س�أل���ة منها .ف�إح���دى وجهات النظر ت���رى �أن م�ساعدات التنمية تقود �إىل تف�شّ ي الدكتاتوريات وبقاء الأنظمة الفا�شلة يف الدول النامية جلهة �أنها ت�ساعدهم على اال�ستقرار ،وك�أن الأمر �سيك���ون �أف�ضل لو ترك �أولئك احل���كام وتلك الأنظمة الفا�شلة ملواجهة ف�شلهم ال���ذي �سيق�ضي عليهم .ومن وجهة نظ���ر قريبة من ذلك ،ي���رى البع�ض �أن م�ساع���دات التنمية تق���ود �إىل الإ�ضرار بالنظ���ام ال�ضريبي للدول امل�ستفيدة من حي���ث �أنها ترك���ن �إىل امل�ساعدات الآتية م���ن وراء احلدود، وال حت���اول تطوير نظامها الإيرادي وال�ضريبي ب�شكل خا�ص وزي���ادة كفاءته كم���ا ينبغي للدول���ة �أن تفع���ل .ويظل هناك
على اليمن �أن تتجنب االنزالق �إىل الو�ضع الذي ت�صبح فيه امل�ساعدات اخلارجية نوع ًا من اال�ستثمار الأمني ملجتمع املانحني. وهذا للأ�سف هو ما ُيخربنا به امل�شهد احلايل الذي ي�شهد ن�شاط ًا غري م�سبوق يف عالقة اليمن مبجتمع املانحني اتف���اق عام مف���اده �أن الإدارة ال�سيئ���ة للم�ساعدات قد تق���ود �إىل نتائج �سلبي���ة ت�ضر باقت�صادات ال���دول امل�ستفيدة من حيث ت���دري وال تدري. وعل���ى �سبي���ل املث���ال ،فامل�ساعدات الت���ي ت�أتي عل���ى �شكل �سلع���ي وتوزع باملجّ ���ان م�ضرة ب�شكل ال جدال فيه (ونحن هنا ال نتكلم على م�ساعدات الط���وارئ والكوارث) .وما ح�صل يف ناميبيا ،الدولة الواقعة يف �صحراء جن���وب غرب �إفريقي���ا ،من �أو�ضح احلاالت الدالة عل���ى خطورة الإدارة ال�سيئ���ة للم�ساعدات .فقد ا�ستفاقت تل���ك الدولة على و�ضع خ�سرت فيه ثروته���ا احليوانية بعد �سنتني من تلقي م�ساعدات اللحوم الأوروبية التي وزعت باملجان. معظم املخاوف و�أك�ث�ر النقد الذي تواجهه م�ساعدات التنمية ين�صب على م���ا ي�سمى بامل�ساع���دات امل�شروط���ة ،وخ�صو�ص ًا تل���ك القادمة من البنك ال���دويل و�صندوق النقد الدويل .و�أهم معايب م�ساعدات التنمية ح�سب االجت���اه النقدي العام هي تلك ال�ش���روط وال�سيا�سات امل�صاحبة لها والتي ت�صاغ يف مكاتب زجاجية خلف �أعايل البحار وبعيدة عن واقع الدول امل�ستفيدة ومن قبل متخ�ص�صني ال يعرفون �شيئ ًا عن واقع احلال ومعطيات اجلغرافيا واالجتم���اع وال�سيا�سة يف الدول التي ي�ستهدفونها. لق���د ف�شل���ت �سيا�سات امل�ؤ�س�س���ات الدولية يف بع�ض ال���دول التي تدخلت فيه���ا ،ولك���ن وللإن�صاف هن���اك اقت�صادات جنح���ت التدخالت فيها. ف�أين تكم���ن احلقيقة؟ لعل الأمر يقودنا ثاني���ة �إىل الت�أكيد على الإدارة اجليدة مل�ساعدات التنمية واالنتقائية املحرتفة. �إن اللجوء �إىل م�ساعدات التنمية اخلارجية �سيكون �أمر ًا يف غاية الغباء يف حال كان���ت الدولة ال حتتاجها ويف حال توفرت البدائل .فم�ساعدات التنمي���ة يف النهاية ما هي �إال دي���ون �أخالقية ونف�سية قبل �أن تكون ديون ًا مادي���ة على عات���ق الأجيال .لكن ،ومن زاوية �أخ���رى ،ت�صبح م�ساعدات التنمية اخلارجية مهمة وم�صدر ًا ال غنى عنه عندما ال تتوفر الإيرادات
ME Archive
يثار كثري دوافع امل�ساعدات اخلارجية من اجلدل واملناظرات حول م�ساعدات التنمية املقدمة للدول الفقرية، ورغ���م �أن هن���اك ما ي�شبه الإجماع حول �أهميته���ا� ،إال �أنه وعندما يتعلق الأم���ر بدوافعها �ستجد ت�شتت ًا وا�ضح ًا حد التناق�ض بني من يرجعها �إىل دواف���ع �إن�سانية وبني من يحي���ل دوافعها �إىل نظري���ة الت�آمر والأجندات اخلفي���ة التي يحملها املانح���ون .وكثري م���ن الآراء واحلجج �صادرة عن انطباعات م�سبقة وبع�ضها �صادر عن معلومات ناق�صة ،وال يخلو م�شهد اجلدل هذا من مقدار ال ب�أ�س به �سوء الفهم. يف درا�س���ة �أعدته���ا املفو�ضي���ة الأوروبي���ة ال�ستق�ص���اء �آراء املواطنني الأوروبي�ي�ن حول الدوافع الكامنة وراء م�ساعدات التنمية املقدمة للدول الفقرية �أجاب %28م���ن امل�ستطلعة �آراءهم �أن امل�صلحة القومية للدول املانحة �أهم دوافع تقدمي امل�ساعدات ،ونف�س الن�سبة ح�صل عليها الدافع الآخ���ر واملتعلق بامل�ساهم���ة يف اال�ستقرار العاملي� .أم���ا الدافع الثالث يف ر�أي الأوروبي�ي�ن ف���كان ت�شجي���ع الدميقراطية واحلك���م اجليد (.)%22 وبالن�سب���ة للدافع الرابع فقد كان جتنّب هجرة مواطني الدول امل�ستقبلة للم�ساع���دات �إىل الدول الغني���ة (� .)%20أما العمل من �أجل عدم توفري بيئة مالئمة للإرهاب فقد كان الدافع اخلام�س يف ر�أي الأوروبيني. وبالنظ���رة العام���ة ،هناك نق����ص يف املعلومات ل���دى كال من مواطني
ال���دول املتلقية للم�ساعدات ومواطني الدول املانحة .ففي الطرف الأول (ال���دول امل�ستفيدة) يوجد تفاوت حد التطرف يف نظرة النا�س لأهداف امل�ساع���دات قد ت�صل بع�ض الآراء حد ال�ش���ك يف دوافع تلك امل�ساعدات وو�صفه���ا بالعمل الت�آمري �ض���د اقت�صادات بلدانه���م �أو ك�أنها جزء من خط���ة امربيالية ل�ضمان ا�ستمرار تف���وق دول ال�شمال .يكاد يكون هناك �إجم���اع حول �أحد �أن���واع امل�ساعدات وهي امل�ساع���دات الر�سمية �أي تلك الت���ي تقدمها احلكومات ،وه���ذا الإجماع يدور حول فك���رة واحدة وهي �أنه���ا خا�ضعة لالعتبارات ال�سيا�سية ،ودوافعها بالأ�سا�س �سيا�سية تتعلق بح�ساب���ات امل�صال���ح القومية لل���دول املانحة .وت�ش�ي�ر الإح�صاءات عن العالق���ة بني ن�صيب الفرد من امل�ساع���دات ون�صيبه من �إجمايل الدخل القوم���ي �إىل �أن امل�ساعدات ب�شكل عام مل تك���ن موجهة �إىل الدول الأقل دخ ًال خالل الأعوام الـ ( )25املا�ضية ،مبعنى �أنه مل يتم الأخذ �أو العمل وفق االعتبار اخلا�ص مبدى احلاجة الفعلية لتلك امل�ساعدات. ال ميك���ن �أن يجم���ع كل �أن���واع امل�ساعدات اخلارجي���ة تو�صيف واحد �أو �إرجاعها �إىل دوافع معينة .ولك���ن وباملقابل فالدول امل�ستفيدة يف طلبها �أو قبوله���ا تل���ك امل�ساعدات تنطل���ق يف غالب الأحوال م���ن اقت�صاداتها املتوا�ضع���ة ومواردها املحدودة .وميكننا �إيج���از دوافع الدول املانحة يف ث�ل�اث �أن���واع :الأوىل �سيا�سية ،والثاني���ة اقت�صادي���ة ،والثالثة �أخالقية. الدواف���ع ال�سيا�سي���ة غالب���ة على امل�ساع���دات الر�سمية الت���ي تخرج من خزائن احلكومات املانحة باجتاه احلكومات امل�ستفيدة ،وهذه ت�ستخدم ل�شراء مواقف �سيا�سية� ،أو تبنّي �سيا�سات �أمنية ،ولدعم و�ضع �سيا�سي �أو �أيديولوجي���ة معينة� .أما حزمة الدوافع االقت�صادية فغايتها النهائية هو اال�ستثم���ار يف فتح وتنمية �أ�سواق حمتملة للآل���ة االقت�صادية للمانحني. احلزم���ة الثالثة تقف �أ�سا�س ًا وراء امل�ساعدات غري الر�سمية (تخرج من م�ص���ادر غري حكومية) وم�ساعدات الطوارئ والكوارث وهدفها وا�ضح. وب�شكل �إجم���ايل فم�ساعدات التنمية هي نوع من اال�ستثمار يف ال�سيا�سة واالقت�صاد والأخالق.
الالزمة والكافية لأي دولة لتمويل براجمها وخططها التنموية ،ويف هذه احل���ال على الدول���ة وقبل ال�شروع يف الدخ���ول يف �أي برنامج م�ساعدات �أن متتل���ك فل�سف���ة وا�ضحة ت�ضمن تقدمي �إجاب���ات وا�ضحة ودقيقة على الأ�سئلة التالية :هل هي بحاجة �إىل تلك امل�ساعدات؟ ما نوع امل�ساعدات الت���ي حتتاجها؟ كيف �ستدير تل���ك امل�ساعدات بحيث تك���ون م�ساعدات منتج���ة تُ�ضيف �شيئ ًا لالقت�ص���اد؟ ما هي الكيفية الت���ي �س�أعيد للممول �أموال���ه وفوائده���ا يف حال القرو����ض ويح�صل بها عل���ى الر�ضا يف حال الهبات؟ لق���د �أ�صبحت م�ساع���دات التنمي���ة م�ص���در ًا متنامي الأهمي���ة للدول الفقرية وال غنى عنه �أحياناً� ،إال �أن ما حتتاجه تلك الدول هو اال�ستثمار يف �إدارة تل���ك امل�ساع���دات ،فم�ساعدات تنمية م���ن دون �إدارة جيدة قد ال تعن���ي �شيئ ًا �س���وى �أنها هدر للأم���وال وكلفة �إ�ضافية عل���ى االقت�صاد والأجيال القادمة. �أخ�ي�راً ،قد يكون م���ن الإن�صاف والواقعية يف نف����س الوقت �أن نلخ�ص امل�شه���د؛ فهن���اك حاجات متنامية لدى الدول الأقل من���و ًا و�أو�ضاع قد ال ت�ت�رك لها خيار ًا �إال اللج���وء �إىل هذا امل�صدر التمويل���ي اخلارجي .فما ال���ذي ميكنك عمل���ه عندم���ا ال تتوفر لديك امل���وارد يف ح�ي�ن �أن هناك م�ص���ادر متويل يقدمها الع���امل الغني م�شكوراً؟! وتبق���ى �إمكانية النظر �إىل الأم���ر على الطريق���ة التالية :ف�أنت ل�ست جم�ب�ر ًا على �أخذ �أو طلب تلك امل�ساعدات وال ي�ستطيع الط���رف الآخر �إكراهك عليها ،ويف اجلهة املقابلة من امل�شه���د يقف الطرف الآخر غري ملزم ب�أن يقدم امل�ساعدة. ويبقى على ال�سيا�سة والإدارة الناجحة للبلدان النامية �أن تقرر طريقتها يف �إدارة ال�ضرورات واملمكنات.
م�ساعدات التنمية اخلارجية لليمن و�صل ن�صيب اليمن من امل�ساعدات الدولية الر�سمية �إىل 18مليار و 840مليون العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
33
اليمن والعامل
حتليالت
ه��ل اليم��ن بحاج��ة �إىل امل�س��اعدات اخلارجي��ة
دعونا نتحدث ب�صورة �شديدة الإيجاز عن م�صادر الدخل؛ تواجه البلد م�ش���اكل انخفا�ض متوا�صل للإنتاج النفط���ي (يتوقع �أن تنخف�ض ح�صة احلكوم���ة م���ن الإنت���اج �إىل 195000برميل يومي��� ًا يف )2010م�صحوب ًا بانخفا����ض وع���دم ا�ستقرار �أ�سعار النف���ط ،وهو م���ا �أدى �إىل انخفا�ض �إي���رادات البلد بن�سب���ة %22ح�سب تقدي���رات ( 2009الحظ���وا �أن ثلثي �إي���رادات احلكومة ت�أتي من النفط) ،وهذا يقود �إىل عجز مت�صاعد يف امليزاني���ة (قدر يف نف�س الع���ام بـ .)%13.7ي�ضاف �إىل ذلك ،وجود خلل يف ال�سيط���رة االقت�صادية نتيجته �إهدار املوارد .وح�سب درا�سة جلامعة لين�س���ت يف النم�سا لـ 145بلد ًا ميثل االقت�ص���اد غري الر�سمي (التهريب وخالفه) يف اليمن %27.3من الناجت املحلي الإجمايل. �إن امل�شه���د االقت�صادي احلايل يقل�ص من اخليارات التي لدى البلد، وبع����ض تلك اخلي���ارات �ستكون قا�سي���ة من قبيل �إع���ادة النظر يف دعم البنزي���ن الذي ميثل %14من النفق���ات الإجمالية (كما يقرتح �صندوق النقد الدويل). �إذن م���ا ال���ذي يجب على اليم���ن فعله ،وما هي اخلي���ارات التي �أمامه
Michael Shakes
�أهم معايب م�ساعدات التنمية ح�سب االجتاه النقدي العام هي تلك ال�شروط وال�سيا�سات امل�صاحبة لها والتي ت�صاغ يف مكاتب زجاجية خلف �أعايل البحار وبعيدة عن واقع الدول امل�ستفيدة ومن قبل متخ�ص�صني ال يعرفون �شيئ ًا عن واقع احلال ومعطيات اجلغرافيا واالجتماع وال�سيا�سة يف الدول التي ي�ستهدفونها 34
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
على الدولة وقبل ال�شروع يف الدخول يف �أي برنامج م�ساعدات �أن متتلك فل�سفة وا�ضحة ت�ضمن تقدمي �إجابات وا�ضحة ودقيقة على الأ�سئلة التالية :هل هي بحاجة �إىل تلك امل�ساعدات؟ ما نوع امل�ساعدات التي حتتاجها؟ كيف �ستدير تلك امل�ساعدات بحيث تكون م�ساعدات منتجة ُت�ضيف �شيئ ًا لالقت�صاد؟ ما هي الكيفية التي �س�أعيد للممول �أمواله وفوائدها يف حال القرو�ض ويح�صل بها على الر�ضا يف حال الهبات؟
ملواجه���ة الأزم���ة االقت�صادية؟ هل علين���ا �أن نبد�أ التفك�ي�ر مب�ساعدات التنمية الدولية والتعامل معها بطريقة جادة وجديدة؟ نعم ،م�ساعدات التنمية اخلارجية �إىل حد الآن هي �أهم اخليارات املتاحة لنا والأقل كلفة �سيا�سياً ،خ�صو�ص ًا واليمن مل ي�ستنفذ ومل يطرق عدد كبري من م�صادر التموي���ل ال���دويل .فعدد �شركاءه يف التنمية �صغ�ي�ر حتى الآن وميكن �أن ي���زداد عدده���م .و�إذا مل يكن �أمامن���ا يف املدى املنظ���ور �إال اللجوء �إىل امل�ساعدات الدولية فعلينا �أن جنيب م�سبق ًا على �س�ؤالني ب�سيطني :ماذا نريد؟ وكيف؟ املالحظ حتى الآن �أننا ال منتلك فل�سفة وال منهج خا�ص بنا يف تعاملنا وفهمن���ا مل�ساع���دات التنمي���ة الدولية .وعل���ى اليمن �أن تتبن���ى منهجها وفل�سفته���ا الوا�ضح���ة التي توجه وتر�س���م اخلطوط الأ�سا�سي���ة لتعاملنا م���ع م�ساعدات التنمي���ة اخلارجية ،وتق���ود �إىل �إع���داد �سيا�سة وخطط تنموي���ة وا�ضحة والت���ي بدورها �ست�سهل عملية ان�ضم���ام �شركاء التنمية اجل���دد وي�سه���ل العمل معه���م� .إن �أهم م���ا ينبغي لأي �سيا�س���ة نعتمدها ح���ول م�ساع���دات التنمية ه���و �أن عليه���ا ،وبالدرج���ة الأوىل ،ا�ستهداف القطاع���ات االقت�صادي���ة املُف�ضية �إىل زي���ادة معدالت النم���و ،بد ًال من تركيزها عل���ى القطاعات االجتماعية .ولتو�ضي���ح تلك الفكرة� ،سنذكر هن���ا ب�أن م�ساعدات التنمية تواجه الكث�ي�ر من االنتقادات حول جدواها و�ضرورته���ا لل���دول النامية ،ولكن �أغل���ب تلك االنتق���ادات ال تدور حول قيمته���ا ،ولك���ن ترتكز حول نوعي���ة تل���ك امل�ساع���دات وال�سيا�سات التي
Mikey G Ottawa
دوالر بني عامي 1970و .2004وقد تعادلت ح�صتا املنح والقرو�ض خالل تلك الفرتة ،وازدادت ن�سب���ة القرو�ض غري امل�شروطة منذ ،2002فمث ًال بلغ���ت تلك الن�سبة %78ب�ي�ن 2002و� .2005إال �أن ذلك ال يقلل من �أعباء القرو�ض امل�شروطة التي ال تزال ت�شكل رقم ًا يدور حول .%22 لقد تقل�صت م�ساعدات التنمي���ة املقدمة لليمن حيث انخف�ض ن�صيب الفرد من م�ساعدات التنمية من 170دوالر عام � 1976إىل 12دوالر عام � ،2004ساعد يف ذلك ارتفاع معدل النمو ال�سكاين ولكنها عادت لت�شهد ارتفاع��� ًا وفق ًا لوثيقة �سيا�سة امل�ساع���دات التنموية (وزارة التخطيط)؛ فهن���اك زي���ادة يف املع���دل ال�ص���ايف للتموي���ل اخلارج���ي (خ�صو�ص��� ًا امل�ساع���دات) م���ن ن�سبة % 1.1م���ن �إجمايل الن���اجت املحلي ( )GDPيف � 2006إىل % 7.8من �إجمايل الناجت املحلي ( )GDPيف .2010 وينبغ���ي التنويه �إىل �أنه مهما بلغ حج���م امل�ساعدات التي تلقتها اليمن �إال �أن النظر �إىل الأمر من زاوية �أخرى �سيو�ضح لنا �أن م�ستويات وحجم امل�ساعدات واملعون���ات التي تتلقاها اليمن يقل كثري ًا عن م�ستوى وحجم تل���ك التي تتلقاه���ا الدول الأق���ل منو ًا (اليم���ن �إحدى ال���دول الع�شرين الأق���ل منو ًا يف العامل) .يت�ضح ذلك عندما نقارن ن�صيب الفرد من تلك امل�ساعدات ،فف���ي حني بلغ ن�صيب الفرد يف اليمن عام 2004حوايل 12 دوالر �أي ما يعادل %2.2من �إجمايل الناجت املحلي ( )GDPيبلغ متو�سط ن�صيب الفرد يف الدول الأخرى الأقل منو ًا 33.4دوالر �أو ما يعادل %18.7 من �إجمايل الناجت املحلي� .إن الدول ذات الأو�ضاع امل�شابهة لليمن تتلقى ما ب�ي�ن � 5إىل � 15ضعف م���ا يتلقاه اليمن من م�ساع���دات .وب�شكل عام، ووفق��� ًا للأمم املتحدة فاليمن حتتل مرتب���ة متدنية جد ًا يف قائمة الدول الأقل منو ًا التي تتلقي م�ساعدات خارجية ،حيث ت�أتي يف املرتبة 155من جمم���وع 177دولة .وحتتل املرتبة 44مبتو�س���ط 3.3درجات يف ت�صنيف البن���ك ال���دويل ،املبن���ي على 16عام�ل�اً ت�ستخ���دم كمح���ددات قيا�سية لتخ�صي����ص م�ساعدات هيئ���ة التنمية الدولية �( IDAإح���دى م�ؤ�س�سات البن���ك الدويل التي تخت�ص بالتعامل مع الدول الأفقر ،والتي يبلغ معدل دخل الفرد فيها �أقل من 750دوالر �أمريكي) .فاليمن �إذن ال يعترب بلد ًا
معتم���د ًا عل���ى امل�ساعدات اخلارجي���ة لت�سيري اقت�ص���اده ،ووفق ميزانية ( 2009املقدم���ة ملجل�س النواب) فلم متثل املن���ح اخلارجية �سوى %1.4 من الناجت املحل���ي الإجمايل ،ومثّلت فقط %5.1من �إيرادات احلكومة. فه���ل �سي�ستمر الو�ض���ع بهذا اال�ستقالل الن�سبي ع���ن م�ساعدات التنمية اخلارجية. ال يتمن���ى �أي بلد يف الع���امل �أن يجد نف�سه معتم���د ًا على معونات الغري لت�سي�ي�ر اقت�صاده �أو �أن متلى عليه �شروط من خارج حدوده اجلغرافية. ولك���ن م���ا الذي على هذا البل���د عمله �إذا وجد نف�سه م���ن دون موارد �أو مب���وارد تن�ضب م���ع تقدم الوق���ت .وعلين���ا �أن نت�ساءل هل م���وارد البلد يف �أعل���ى قيم���ة متفائل���ة تكفي لإح���داث تنمي���ة وتكفل ت�سي�ي�ر اقت�صاد متنامي؟!
تديره���ا وح���ول القطاعات التي ت�ستهدفها .فمث�ل�اً يف الفرتة بني عامي 1980و� 2004أظه���رت الإح�ص���اءات �أن امل�ساع���دات الإمنائية يف اليمن والأردن وفل�سطني وُجّ ه���ت ب�شكل ت�صاعدي على القطاعات االجتماعية م�صحوبة برتاج���ع امل�ساعدات املخ�ص�صة للقطاعات االقت�صادية ،وهو م���ا قلل من فر�ص تطوير القاعدة االقت�صادي���ة وحتقيق ن�سب �أعلى من النمو .ويف نف�س ال�سياق ،ف�إجمايل امل�ساعدات الأمريكية امل�ستهدفة لعام 2010مل�صر مث�ل�اً تبلغ 1552مليون دوالر منه���ا 1300مليون م�ساعدات ع�سكري���ة وذلك ميث���ل %83.7من �إجم���ايل تلك امل�ساع���دات ،فهل كان الأمر �سي�شكل فرق ًا لو وجهت تلك الأموال لقطاعات �إنتاجية؟ وهك���ذا ف����إن مل تكن امل�ساع���دات الت���ي نتلقاها منتجة ف�ل�ا نحتاجها بال�ضرورة ،وبالعك�س قد متثل عبئ ًا �إ�ضافي ًا على اقت�صادنا وعلى �أجيالنا القادم���ة (فن�صي���ب الفرد يف اليم���ن من الديون حت���ى الآن ي�صل رقم ًا يتجاوز 300دوالر). الأم���ر الث���اين الغاية يف الأهمي���ة لأي �سيا�سة قد نتبناه���ا هو التعامل م���ع �إدارة تلك امل�ساعدات باح�ت�راف ،و�إذا ظللنا ندير التنمية بو�سائلنا وطرقن���ا التقليدية غري املعتمدة على التخ�ص�ص واملهارات فلن يكون ما نق���وم به �شيئ ًا غري �إه���دار ملوارد �أخرى .على اليمن �أن ي�ستثمر يف �إدارة التنمي���ة و�أال يبخل عليها ،ف�إدارة تنمية ناجحة وحمرتفة تعني اقت�صاد ًا متنامي ًا وم�صادر دخل متزايدة. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
35
اليمن والعامل
حتليالت
مل معوقات م�ساعدات التنمية يف اليمن تكن ومل تنح�صر امل�شكلة يف اليمن فقط يف �شحة املوارد ،ف�إدارة املوارد متثل م�شكلة موازية .ورغ���م عدم اعتماد اليمن على م�ساعدات التنمية اخلارجي���ة (فقط %5من الناجت املحلي الإجمايل ع���ام � )2008إال �أنها تظل مورد ًا حمتم ًال ميكن اللجوء �إليه يف امل�ستقبل �إذا مل ي�شهد القطاع النفط���ي �أي اكت�شافات معتربة تعوّ����ض التناق�ص امل�ستمر يف �إنتاج البلد م���ن النفط ال���ذي ي�شكل ثلثي الإيرادات .ويتوق���ع �صندوق النقد الدويل �أن���ه لن يك���ون �أمام اليم���ن يف امل�ستقبل القريب �س���وى اللجوء �إىل طلب متويالت خارجية. �إن الغاي���ة التي ت�سع���ي الدول النامي���ة والدول الأقل من���و ًا بلوغها هي �إقن���اع املجتمع الدويل بتقدمي املزيد من امل�ساعدات .ولكن زيادة موارد وم�ص���ادر امل�ساع���دات م�س�ألة مرتبط���ة بالفاعلية وكف���اءة املخرجات. والعالق���ة ت�صاعدي���ة؛ فكلم���ا زادت فعالية و�أثر امل�ساع���دات على �أر�ض
من �أعجب و�أخطر امل�سائ���ل ،وال �أعرف كيف ا�ستوعب البلد ا�ستثمارات م�ش���روع الغاز بب�ضعة مليارات من ال���دوالرات يف ال�سنوات املا�ضية ،يف حني عجز االقت�صاد عن ا�ستيعاب مبالغ �أقل من ذلك بكثري حتت حجة الق���درة اال�ستيعابية املحدودة لالقت�صاد .ح�سن���اً ،ملاذا �إذن طلبنا تلك الأم���وال من الأ�سا�س .ومل���اذا ال ميكن تف�سري تردد احلكومة يف ا�ستثمار تلك املخ�ص�صات يف م�شاريع عمالقة للبنية التحتية. يواج���ه تنفيذ امل�شاريع العديد من ال�صعوب���ات ،وهذا م�ؤ�شر �آخر على وج���ود معوقات ،والأمر يتفاقم لدرجة خروج �شكوى العديد من املمولني �إىل العل���ن ،ولقد كان �أمرّها �شكوى رئي�س البنك الدويل عام 2004عند زيارت���ه لليمن .لق���د �أو�ضح بج�ل�اء يف معر�ض �شكواه من ع���دم التزام احلكوم���ة بتعهداته���ا ،و�أن البنك ال ميك���ن �أن ي�ستم���ر مب�ساعدة اليمن �إىل م���ا ال نهاي���ة وعل���ى اليمنيني م�ساع���دة �أنف�سهم قب���ل �أن ي�ساعدهم الغ�ي�ر .وهك���ذا ب���د�أت احلكوم���ة اليمنية وهيئ���ة التنمي���ة الدولية IDA
ال ميكن �أن يجمع كل �أنواع امل�ساعدات اخلارجية تو�صيف واحد �أو �إرجاعها �إىل دوافع معينة .ولكن باملقابل فالدول امل�ستفيدة يف طلبها �أو قبولها تلك امل�ساعدات تنطلق يف غالب الأحوال من اقت�صاداتها املتوا�ضعة ومواردها املحدودة Flickr
الواق���ع كلما زادت حواف���ز املمولني لزيادة متويالته���م ،لي�س هذا فقط بل ت���زداد عوامل �إغ���راء وت�شجيع ممولني جدد للدخ���ول وامل�ساهمة يف ق�صة النجاح التي تتم يف هذا البلد �أو ذاك ،فم�ؤ�س�سات التمويل متعددة الأط���راف ت�ستفي���د �أي�ضاً؛ فنجاحها هنا �أو هن���اك يحفز �أع�ضائها على زيادة م�ساهماتهم فيها. وهكذا ال ميكن اختزال م�ساعدات التنمية كم�س�ألة عر�ض وطلب وك�أن الأمر فقط �أنه متى وجدت امل�ساعدات ف�إن اال�ستفادة منها تكون م�س�ألة حت�صيل حا�صل ،وكما �سبقت الإ�شارة فم�شاكل البلد ال تنح�صر يف �شحة امل���وارد بل يتعدى الأم���ر �إىل �إدارة املوارد� .إذا مل تكن �إدارة امل�ساعدات كف���وءة وفعالة ف�إن احل�صيلة منه���ا �ستكون ال �شيء �س���وى عبئ ًا �إ�ضافي ًا عل���ى البلد وعلى الأجيال القادم���ة .وبالن�سبة لليمن فما هو وا�ضح حتى الآن وقاب���ل للمالحظة هو وجود م�ؤ�شرات ومظاهر ل�شيء ال ي�سري ب�شكل �صحيح .و�أحد �أهم امل�ؤ�شرات تلك هي ظاهرة العجز يف ن�سبة ال�سحوبات من القرو�ض وامل�ساعدات اخلارجية (املخ�ص�صات املتاحة) ,وهذه تعد 36
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
مبراجع���ة حقيبة القرو�ض املمنوحة بهدف الوق���وف على املعوقات التي رافقت تنفي���ذ امل�شاريع ،و�أدت �إىل تدين م�ست���وى ال�سحب من القرو�ض وامل�ساعدات اخلارجية . تتع���دد �أ�شكال ومعوقات م�ساع���دات التنمية اخلارجي���ة يف اليمن من حيث طبيعتها و�أ�سبابها فال يقع اللوم على الطرف اليمني وحده ،فقدر ًا حمرتم��� ًا منها يعود �إىل �أ�سباب خارجة عن ال�سيطرة اليمنية ،وحتديد ًا �إىل امل�ؤ�س�س���ات املانح���ة .وتُ�صنّف املعوق���ات التي تواجهه���ا م�ساعدات التنمية يف اليمن يف ثالث حزم: احلزم��ة الأوىل :معوق��ات نا�ش��ئة ع��ن الأداء الإداري للم�ؤ�س�سات اليمنية • فم���ن وجه���ة نظ���ر املمول�ي�ن ،ح�س���ب ا�ستط�ل�اع وزارة التخطيط والتع���اون الدويل عن املعوق���ات التي حتد من فاعلي���ة امل�ساعدات ،ف�إن هن���اك �ضعف��� ًا عام��� ًا يف التن�سيق ب�ي�ن امل�ؤ�س�سات احلكومي���ة واختالف �أولوياتها ،وعدم التزام م�ؤ�س�س���ات اجلانب اليمني بنظام معني لتقدمي
طلباتها للمانحني وتن�سيق �ضعيف لتلك الطلبات. • عدم التزام اليمن بالوفاء بتعهداتها التي تقطعها للمانحني (كما يظه���ر م���ن تقارير البن���ك الدويل مث�ل�اً ) ،ولعل ذلك يع���ود �إىل �سببني رئي�سي�ي�ن ميكن التفك�ي�ر فيهما ،الأول �أن تلك التعه���دات قد تكون ذات كلف���ة �سيا�سية م���ن قبيل رف���ع الدعم ع���ن امل�شتقات النفطي���ة .ال�سبب الثاين :وجود خلل يف اتخاذ القرارات يف النظام الإداري للبلد ،ففقدان ال�سيط���رة عل���ى وحدة القرار هو ما يقود غالب��� ًا �إىل فقدان قدرتنا على الوفاء مبا نقطعه من وعود. • االفتقاد �إىل نظام دقيق و�شامل للمتابعة والتقييم واملحا�سبة خا�ص بامل�ساعدات ،ي�صاحب ذلك �آلية �ضعيفة لتدفق املعلومات وترابطها. احلزم��ة الثانية :معوقات خارجية وترتبط مب�ص��ادر تلك امل�ساعدات • احلجم املتوا�ضع للم�ساعدات املقدمة من جمتمع املانحني لليمن. �إن ال���دول ذات الأو�ض���اع امل�شابهة لليمن تتلقى ما ب�ي�ن � 5إىل � 15ضعف م���ا يتلقاه اليمن م���ن م�ساعدات .وب�ش���كل عام ،ووفق ًا ل�ل��أمم املتحدة، فاليم���ن حتتل مرتبة متدنية جد ًا يف قائمة الدول التي تتلقي م�ساعدات خارجي���ة حيث ت�أتي يف املرتب���ة 155من جمموع .177واحلجم املتوا�ضع للم�ساعدات بطبيعة احلال يجعل من م�ساعدات التنمية ذات �أثر حمدود يف بلد حتتاج التنمية فيه �إىل تدخالت جذرية ووا�سعة النطاق بتمويالت �أ�ضخم� .أما �إذا بحثنا عن �أ�سباب هذا التوا�ضع يف حجم تدفقات �أموال التنمي���ة �إىل اليم���ن ف�سيقودن���ا ذل���ك �إىل احلديث عن كف���اءة وقدرات املفاو����ض اليمني ،و�سيحيلنا بنف�س القدر �إىل �أجندات املانحني املحملة بكثري من االعتبارات ال�سيا�سية وكم ال ب�أ�س به من ال�شروط. • عدم انتظام امل�ساعدات ،فقد ات�سمت امل�ساعدات التنموية املقدمة للبل���د عموم��� ًا بعدم االنتظام م���ا �أثر �سلب��� ًا يف تخطي���ط وتنفيذ برامج التنمي���ة ،و�صاحب ذلك عدم التزام املانح�ي�ن بتعهداتهم .كل ذلك قاد �إىل غي���اب �آلي���ة لتوقع ان�سياب امل�ساعدات .وال نن�س���ى عام ًال مهم ًا �آخر متعلق بعدم مرونة �سيا�سات و�إجراءات املانحني. • تراج���ع امل�ساع���دات املخ�ص�صة للقطاع���ات االقت�صادية .وح�سب الإ�سك���وا ،ف����إن امل�ساع���دات الإمنائي���ة وُجه���ت ب�ش���كل ت�صاع���دي على القطاع���ات االجتماعية (خ�صو�ص ًا بعد تبنّ���ي برنامج الألفية) ،وهو ما قل���ل من فر�ص متوي���ل القطاعات االقت�صادية وحتقي���ق ن�سب �أعلى من النمو. احلزمة الثالثة :عوائق متعلقة بالنظام العام • غي���اب فل�سف���ة حمددة خا�ص���ة بالبلد تر�سم اخلط���وط الأ�سا�سية لتعاملن���ا م���ع امل�ساع���دات ،ومتثل �إط���ار ًا �سيا�سي ًا اقت�صادي��� ًا ميكن من تقيي���م امل�ساع���دات املختلفة من حي���ث نوعيتها وقطاعاته���ا امل�ستهدفة و�شروطه���ا ،ويمُ كّن البلد م���ن معرفة نوعية وم�ص���ادر امل�ساعدات التي ت�شمله���ا طلبات���ه .ينبغ���ي �أن حتدد تل���ك الفل�سف���ة �أمن���اط امل�ساعدات املطلوب���ة واملف�ضل���ة ،وت�شتم���ل على تو�صيف���ات وت�صنيف���ات و�إجراءات مف�صل���ة ع���ن امل�ساعدات .وعل���ى تلك الفل�سف���ة �أو املرجعي���ة �أن تو�ضح
وت�سبب التف�ضيالت وال�سيا�س���ات والإجراءات .فمث ًال ملاذا يعترب تقدمي امل�ساع���دات املبا�ش���رة للموازنة غري ممكن ًا حالي ًا وغ�ي�ر مف�ضل؟ وملاذا نف�ض���ل الدعم امل�ش�ت�رك (بني املانحني) لقطاع م���ن القطاعات؟ وعلى �سبي���ل املثال ،وفق ًا ل���وزارة التخطيط ف�إنه «ال يوجد حالي��� ًا �إر�شادات �أو توجيه���ات عاملة عن كيفية ت�صميم �أو عمل امل�ساعدات الفنية يف اليمن ك�أداة م���ن �أدوات امل�ساع���دات ،وخا�ص���ة للت�أكد ب�أن امل�ساع���دات الفنية مقدمة بطريقه ت�ضمن زيادة ت�أثري تطوير القدرات». • ح�سب وزارة التخطيط ،ف�إن وجود التدخالت ال�سيا�سية يعد �أمر ًا معيق ًا �إ�ضافي ًا خ�صو�ص��� ًا عندما يتعلق الأمر املياه يف اليمن بني ال�صراع والتعاون بالتدخل يف و�ضع �أولويات امل�شاريع وطرق التايل بقلم :جرهارد لي�شتنثيلر تنفيذها. • غياب قواعد البيانات (على امل�ستوى الكل���ي والقطاعي للبلد) والت���ي ت�شكل حجر زاوي���ة لي�س فقط لالقت�ص���اد وال�سيا�سة بل يف كل مناحي احلياة يف هذا الع�صر ،فهي بو�صلة التنمية و�أداتها. ذك���ر �أحد التقاري���ر الدولية يف معر�ض حديثه ع���ن فاعلية م�ساعدات التنمية �أن الدول النامية تقود املمولني الدوليني �إىل ال�شك يف م�صداقيتها ويف امل���ردود الذي ينتج ع���ن �أموالهم التي خ�ص�صوها لل���دول النامية. وذلك ب�سبب عدم وجود قواعد بيانات لل�ش�ؤون العامة وللم�ؤ�س�سات ،و�إن وج���دت ف�إنها تكون غري جديرة بامل�صداقية .ي�ضرب التقرير مثال على ذل���ك يف �أوغندا ،فبني الف�ت�رة 1991و 1995كان���ت ال�سجالت الر�سمية ت�ش�ي�ر �إىل �أن الزي���ادة يف ن�سب���ة االلتحاق بالتعليم كان���ت �صفراً� ،إال �أن م�سح��� ًا حمايد ًا �أظهر زيادة يف ن�سبة االلتحاق بالتعليم و�صلت �إىل %60 يف تلك الفرتة. �إن قواع���د البيان���ات ال�سليمة هي بو�صلة التنمي���ة والأمن ،وتوفّر املال والوقت واجلهود ،و�أهم من ذلك توفّر لنا احلقائق .و�أول قاعدة بيانات يج���ب �أن ميتلكه���ا البلد هي ع���ن عنا�صر الدول���ة الرئي�سي���ة (الأر�ض، ال�س���كان ،امل�ؤ�س�س���ات) ،بعده���ا ت�أتي �ض���رورة ت�أ�سي�س و�إع���داد قاعدة بيان���ات قطاعي���ة يف كل م�ؤ�س�س���ة و�أخرى خا�صة بامل�ساع���دات يف وزارة التخطيط والتعاون الدويل. �أخ�ي�راً ،على اليم���ن �أن تتجنب االنزالق �إىل الو�ض���ع الذي ت�صبح فيه امل�ساعدات اخلارجية نوع ًا من اال�ستثمار الأمني ملجتمع املانحني .وهذا للأ�سف هو ما يُخربنا به امل�شهد احلايل الذي ي�شهد ن�شاط ًا غري م�سبوق يف عالق���ة اليمن مبجتمع املانحني ،فالتح���ركات واملبادرات وامل�ؤمترات املتالحق���ة مرتبط���ة بقوة بالو�ض���ع الأمن���ي وبن�شاط تنظي���م القاعدة. والو�ص���ول بق�ضية امل�ساع���دات اخلارجية �إىل هذا الو�ض���ع ينطوي على كث�ي�ر م���ن املخاط���ر .وال ينبغي بالبل���د �أن يجد نف�س���ه ال يعي�ش �إال حتت ظ�ل�ال الق�ضاي���ا واالخت�ل�االت الأمنية .عل���ى احلكوم���ة �أن ت�سعى بقوة وبد�أب �إىل �إدخال ق�ضايا االقت�صاد يف هذا امل�شهد ،و�إىل جر امل�ساعدات �إىل حظرية االقت�صاد .وال ميكن القبول بفكرة غياب �إمكانية العي�ش �إال حتت ظالل ال�سيوف. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
37
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
حتى �آخر
املياه يف اليمن بني ال�صراع والتعاون تعت�ب�ر اليم���ن من �أقدم احل�ضارات يف العامل الت���ي اعتمدت على نظام الري ،فمن���ذ �آالف ال�سنني والفالح اليمني يق���وم بالزراعة امل�ستدام���ة م�ستخدم ًا موارد املياه وم�ساحة الأر�ض املتوفرة .وم���ن خالل �آالف املدرجات اجلبلية، وتقنيات ح�صد املياه املعقدة ،و�إدارة مياه ال�سيول و�أنظمة الري الربيعي ،ا�ستطاع اليمن توفري لقمة العي�ش ل�شعبه الكبري ن�سبياً .لكنه �أ�صبح الآن يف مواجهة كارثة مائية مل ي�سبق له �أن �شهدها من قبل. جرهارد لي�شتنثيلر
وتعت�ب�ر بلدان ال�شرق الأو�سط ب�شكل عام منطقة جافة وتعاين من قلة املي���اه ،لكن اليمن هو البل���د الذي يربز لكرب حجم م�شكلت���ه املائية ،بل �إن���ه من بني البلدان الع�شرة يف العامل التي تعاين من �أقل من�سوب مياه، حي���ث ت�صل ن�سبة مي���اه ال�شرب املتوفرة يف كثري م���ن مناطقه اجلبلية، والت���ي يتم عادة �سحبها من الآبار �أو اخلزانات� ،إىل �أقل من ربع جالون للف���رد يف اليوم .كما �أن���ه يتم ا�ستنزاف خزاناته املائي���ة� ،إىل درجة �أن م�ست���وى املي���اه اجلوفي���ة ينخف�ض م���ن � 10إىل 20قدم ًا �سنوي���اً ،مهدد ًا القط���اع الزراع���ي وت���ارك ًا املدن الك�ب�رى دون كمية مياه �ش���رب �صحية كافي���ة ،في�صبح لزام ًا حفر الكثري من الآبار �إىل عمق � 2.600إىل 3.900 ق���دم ،وهو العمق الذي يفوق املعايري الدولية كثرياً� .أي�ض ًا يختلف اليمن ع���ن باقي بلدان �شبه اجلزي���رة العربية نتيجة ت�ض���ا�ؤل �شرعية الدولة،
38
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ومعار�ض���ة النا�س ال�شديدة للت�شريعات والقوان�ي�ن التي ت�صدرها القمة �إىل القاع���دة .ونظر ًا لهذه الأ�سباب ،تتبن���ى وزارة املياه والبيئة ،بدعم متربع�ي�ن دوليني من بينهم �أملانيا عرب منظم���ة التعاون الفني الأملانية، ا�سرتاتيجي���ة لإدارة املوارد املائية الالمركزية ،وذلك من خالل ت�شجيع امل�ساهم�ي�ن وال�شراك���ة املجتمعي���ة .وقد ب���د�أت املحافظ���ات والأحوا�ض املائية والق���رى العمل للحفاظ على املخزون املحلي من م�صدر احلياة، لكن ال نعلم �إىل �أي مدى ميكن لهذه اجلهود �أن تدر�أ الكارثة.
ال�سباق �إىل الأعماق حت�صل الزراعة على ن�صيب الأ�س���د من املوارد املائية يف اليمن ،حيث متت�ص ما يقارب .%90وقب���ل فرتة ال�سبعينيات كان���ت الأ�ساليب التقليدية حتقق التوازن ب�ي�ن كمية العر����ض والطلب على املياه ،غ�ي�ر �أن و�صول الآب���ار الأنبوبية جره���ارد لي�شتنثيلر نال درجة الدكتوراه يف جغرافي���ة املياه من كلية الدرا�سات ال�شرقية والأفريقية ،جامعة لن���دن .يعمل لي�شتنثيلر يف اليمن لدى املنظمة الأملانية للتعاون الفني ( .)GTZوالآراء الواردة يف هذه املقالة متثل �آرائه ال�شخ�صية.
العميق���ة (الآب���ار الأرتوازي���ة) �أدى �إىل تو�سع غري ع���ادي يف م�ساحات الأرا�ض���ي املزروع���ة ،حي���ث زادت خ�ل�ال الف�ت�رة 2004 - 1970م�ساحة الأرا�ضي املعتمدة عل���ى الري ع�شرة �أ�ضعاف ،من � 37.000إىل 407.000 هكت���ار ،و ن�سب���ة %40منه���ا كان���ت تعتمد عل���ى �أحو�ض املي���اه اجلوفية العميق���ة .ومن العوامل امل�شجعة على مثل هذا التو�سع �أن �آالف اليمنيني العامل�ي�ن يف اخلارج كانوا ي�ستثمرون حواالته���م املالية يف عملية الري، ناهيك عن احلوافز التي ت�أتي على �شكل دعم زراعي ودعم للوقود .وبد�أ الفالح���ون يقللون من زراعة �أنواع حما�صيل احلنطة املقاومة للجفاف، يف مقابل الإكثار من زراعة املحا�صيل النقدية كالليمون واملوز. عالوة عل���ى ذلك� ،أدى االقت�صاد النقدي النا�شئ �إىل زيادة كبرية يف م�ساح���ات �أرا�ضي زراعة الق���ات – ال�شجرة املنع�شة نوع ًا ما ،والتي يتم م�ضغ �أوراقها يف اليمن .وتقول التقارير �أن �إنتاج �أ�شجار القات ي�ستهلك ما ن�سبته %37من كمية املياه امل�ستخدمة يف الري .كما �أن حقول القات الآن يف �أحوا����ض املناط���ق املرتفعة التي تعاين من �ش���حّ املياه (�صنعاء، �صعدة ،عمران ،ذمار) حتتل ن�صف �إجمايل م�ساحة الأرا�ضي املزروعة. وق���د انخف�ض من�سوب املياه اجلوفي���ة يف هذه املرتفعات ب�شكل كبري �إىل درجة �أنه ال ُيربِّر حتمل تكاليف ت�شغيل و�صيانة �آبار املياه �سوى العائدات املربحة من حم�صول القات. ويعترب القات م���ن �أهم العوامل امل�ساعدة يف االقت�صاد الوطني ،حيث ي�ستفي���د ب�صورة مبا�ش���رة �أو غري مبا�ش���رة من �إنتاجه ونقل���ه وبيعه ما يق���ارب %15م���ن ال�شعب اليمني .كم���ا �أن ثلث �إجم���ايل الإنتاج املحلي الزراعي وما ن�سبته %6من �إجمايل الإنتاج املحلي العام ي�أتي من �شجرة الق���ات ،وهو م���ا ي�شكل %10م���ن النفق���ات الأ�سرية .وله���ذه الأ�سباب، ونظ���ر ًا حل���ب اليمني�ي�ن لتن���اول �أوراق الق���ات ،يعت�ب�ر مو�ض���وع القات مو�ضوع��� ًا �سيا�سي ًا ح�سا�س ًا جداً .ومع �أن املعايري الثقافية تعطي الأولوية لل�شرب واالحتياجات املنزلية الأخ���رى� ،إال �أن �أهمية القات واملحا�صيل النقدية الأخ���رى بالن�سبة لالقت�صاد تعني خ�سارة تلك املدن ،على وجه اخل�صو�ص ،قطاع الزراعة يف التناف�س على املوارد املائية. وتتم �أي�ض ًا زراعة القات يف حو�ض �صنعاء ،عا�صمة البلد وحمل �إقامة %10م���ن ال�شعب اليمني .وقد بلغ �إجمايل ع���دد الآبار يف هذا احلو�ض 13.500بئ���ر� ،أغلبها تخ���دم م�صلحة الفالحني يف ح�ي�ن ي�ستمر اختفاء املي���اه .ويف الت�سعينيات من القرن املا�ضي فاقت كمية املياه امل�ستخرجة م���ن منطقة جتميع مياه الأمطار كمية املي���اه العائدة من الأمطار ب�أكرث
من .%400وتقول املعلومات املتوفرة �أن �أمام مياه حو�ض �صنعاء عقدين من الزمن حتى تنتهي ،وبالتايل تختفي املحا�صيل املزروعة هناك .فثلث الآب���ار ( 125بئراً) التي تقوم امل�ؤ�س�سة املحلية للمياه وال�صرف ال�صحي التابع���ة للدولة يف �صنع���اء بت�شغيلها لتزويد العا�صم���ة باملياه ت�صل �إىل �أعم���اق ترتاوح بني 2.600و 3.900قدم ،وبال���كاد تغطي الكمية التي يتم �ضخها من كل تلك الآبار %35من احتياج املدينة املتنامية ،ويتم تغطية الف���ارق عن طريق �شبكات مياه �صغرية غري حكومية �أو مئات اخلزانات املتنقل���ة .ويف الفرتة الأخ�ي�رة ،ونظر ًا لتدهور جودة املي���اه ،تكاثرت يف �صنع���اء وغريها م���ن املدن حم�ل�ات تنقية املي���اه غ�ي�ر احلكومية التي ت�ستخدم طريقة “التنا�ضح العك�سي” يف تنقية املياه. تت�ضم���ن اخليارات امل�ستقبلية لتمويل املياه املطلوبة �ضخ املياه املحالة من البحر الأحمر على بعد 115ميالً ،عرب جبال ترتفع �أكرث من 9.000 قدم� ،إىل العا�صمة التي تقع على ارتفاع 7.226قدم ًا فوق �سطح البحر. لك���ن تكلفة ال�ضخ ال�ضخم���ة �ستدفع ب�سعر املي���اه �إىل 10دوالرات للمرت املكع���ب (ما يق���ارب 35قدم ًا مكعب���اً) .واليمن قد تك���ون على ا�ستعداد لدف���ع هذا الثمن م���ن �أجل اال�ستخ���دام املنزيل� ،أم���ا بالن�سبة للزراعة فمن امل�ستحيل حتمل التكلف���ة الباهظة لأن تكلفة الكمية املطلوبة للفرد �ست�ص���ل على الأقل �إىل مائة �ضعف� .أي�ض ًا هن���اك خيار توفري املياه من املناطق املجاورة للعا�صمة ،وهو خيار حمفوف بامل�صاعب نظر ًا ملراعاة حقوق امتالك املياه .فمع �أن الدين الإ�سالمي يقول �إن املاء هبة من اهلل وال ميك���ن لأحد امتالكه ،لكن امتالك الأرا�ض���ي موجود ،وعندما يقوم مال���ك الأر����ض بحفر بئر على �أر�ض���ه فهو له احلق يف �ض���خ وا�ستخدام م���ا يريده من مياه يف تلك البئ���ر .و�أدى ارتفاع م�ستوى الوعي يف البالد حول �شحة املياه �إىل �سباق نحو الأعماق ،كل فرد بنف�سه .و�أ�صبح مُالك الآب���ار يحاول���ون احل�صول على م���ا تبقى من هذا امل���ورد الثمني قبل �أن يفعل جريانهم.
م�سئولية احلفاظ على املياه من القمة �إىل توج���د يف اليم���ن الي���وم القاع��دة
م���ا ب�ي�ن 45.000و 70.000بئر ،معظمها غري حكومي���ة .والواقع �أنه لي�س هن���اك رقم م�ؤكد لعدد الآبار لأن جميعها تقريب��� ًا حُ ِف َر دون تراخي�ص، حي���ث مل يك���ن لزام ًا على �أح���د طلب ترخي�ص �إال من���ذ 2002عندما مت �إ�صدار قانون املياه الوطني الذي يلزم باحل�صول على ترخي�ص للحفر، بل وحتى لتعميق �أو �إ�صالح البئر املوجودة .ومل تفلح اجلهود التي بذلت
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
39
اليمن والعامل
حتليالت
40
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
اليمن من بني البلدان الع�شرة يف العامل التي تعاين من �أقل من�سوب مياه ،حيث ت�صل ن�سبة مياه ال�شرب املتوفرة يف كثري من مناطقه اجلبلية، والتي يتم عادة �سحبها من الآبار �أو اخلزانات، �إىل �أقل من ربع جالون للفرد يف اليوم
م�س��ئولية احلفاظ على املياه من القاعدة �إىل بني ميمون قرية �صغرية و�أهلها من �أ�صل القمة
واحد ،ويف مثل حالتها يعترب االتفاق ال�شفهي حول جتارة املياه اجلوفية كافي��� ًا وملزم���اً .ويف حال���ة ال�صراعات الأخ���رى على م���وارد املياه تلج�أ املجتمع���ات القبلي���ة �إىل كتابة م���ا يتو�صلون �إليه من اتفاق���ات ،ي�سمونه “املرق���وم” بالعربية .وتعترب قرية هجرة املنت�صر ،الواقعة على ارتفاع 9.842قدم ًا فوق �سطح البحر يف املنطقة الغربية من جممع مياه حو�ض عم���ران ،من الأماكن التي تعر�ضت فيه���ا موارد مياه ال�شرب املهمة �إىل تهديد حفر الآبار. وعندم���ا زرتُ هج���رة املنت�صر ع���ام 2007كانت مع���دات احلفر ت�سد الطري���ق اجلبل���ي ال�ضي���ق ،وجتمَّع حول تل���ك املعدات الثقيل���ة مُزارعي القات وك�أنه���م يحمونها .ويف جرف يعلو املوق���ع ،متركز خم�سون رج ًال كان بع�ضه���م يحم���ل ر�شا�شات من ن���وع .AK-47وبدا الأم���ر وك�أن كال الفريق�ي�ن كانا يف انتظار و�صولنا ،حيث خفّت حدة التوتر عندئذٍ ،ونزل بع�ض املتمركزين لتقدمي وجهة نظرهم .وكان املزارعون ،اليائ�سون �إثر جفاف �أحد �آبارهم م�ؤخراً ،على و�شك البدء يف احلفر عميق ًا يف احلجر اجل�ي�ري� .أما القروي���ون من �أبناء هج���رة املنت�صر فقد كان���وا يخ�شون �أن ي����ؤدي �ضخ املزيد م���ن املياه اجلوفية �إىل الق�ض���اء على منبع مائهم ال�صغ�ي�ر ،وهو امل�صدر الوحي���د ملياه ال�شرب التي ت�سق���ي 700فرد من �أبناء القرية .ولهذا قاموا بح�شد رجالهم ملنع احلفر ،واتهموا املزارعني ومالك �آالت احلفر بعدم احل�صول على ترخي�ص �شرعي. وبع���د �أن �أقلتن���ا ال�سيارة عرب طريق ق�صري ووع���ر �إىل القرية ،وجدنا الن�ساء والأطفال يحملون الع�شرات من �أواين املاء الفارغة ويقفون على ط���ول الطريق القريبة من املنبع ،حاملني رايات معار�ضة ملفتة لالنتباه �أعده���ا تالمي���ذ املدار�س ،وكان مكت���وب على �أحد تل���ك الرايات عبارة “نحن نحملكم م�سئولية م�ستقبلنا” باللغة العربية. ومبج���رد اال�ستطالع ال�سريع ات�ضحت خطورة املوقف .فتم توزيع مياه النب���ع بعناي���ة ،و�أح�ضر �صالح املنت�ص���ري� ،أحد �أعي���ان املنطقة ،وثيق ًة تن����ص عل���ى ن�صيب كل �أ�سرة م���ن املاء – تقريب��� ًا جالونني ون�صف لكل
(Gavin Hales (YAVA
لت�سجي���ل ع���دد الآبار املوجودة قب���ل �أن ي�صبح القانون �س���اري املفعول .املهتم�ي�ن .ويتم عقد لقاءات كل �شهرين ملناق�شة الق�ضايا املتعلقة باملياه ويخ�شى الفالح���ون �أن عملية ت�سجيل الآبار �ست�ؤدي يف النهاية �إىل قيام ومراجعة التطبيقيات اجلديدة يف عملية حفر الآبار. الدولة بتحديد كمية املياه التي يحق لهم �ضخها ،ومن ثم حتديد حقوق وال �ش���ك �أن م���وارد املي���اه املت�ضائلة مدع���اة للقل���ق يف �أو�ساط كل من ال�ضخ وفق ًا مل�ساحة الأر�ض التي ميتلكونها ويزرعونها منذ عهود طويلة، �أع�ض���اء جلن���ة احلو�ض واملزارعني يف املنطقة ،فهن���اك �أكرث من 2.600 وبالت���ايل ف�إن الفالح الذي ميتلك ع���دد ًا من الآبار على م�ساحة �صغرية م�ضخة ت�ستفي���د من خمزون املياه اجلوفي���ة ال�ضئيلة يف منطقة جتميع من الأر�ض �سيح�صل على حقوق ل�ضخ املياه �أقل من الفالح الذي ميتلك املياه ،وهو ما ي�ؤدي �إىل حفر الآبار �إىل �أعماق ممنوعة ال تقل عن 1.200 بئر ًا واحدة �أو ال ميتلكها على م�ساحة �أر�ض �أكرب. ق���دم يف بع�ض املناطق .وخالل الفرتة 2005 – 1991كان البد من تعميق وقد �شهد عام 2003ت�أ�سي�س وزارة املياه والبيئة ،ومت تخويلها الإ�شراف معظ���م الآب���ار املوجودة مبعدل 295قدم���اً .ويف نف�س الوق���ت قل موفور عل���ى �إدارة امل���وارد بالإ�ضافة �إىل املي���اه وال�صرف ال�صح���ي يف الريف الآب���ار� ،أي كمي���ة املياه التي تتوفر كل ثانية .وخ�ل�ال هذه الفرتة نف�سها وامل���دن� .أم���ا م�سئولية �أكرب م�ستهلك للمي���اه – الزراعة – فهي ال زالت زاد ع���دد الآبار مبع���دل %126يف حني مل يرتفع من�س���وب خمزون املياه م�سئولي���ة وزارة الزراعة وال���ري التي تركز كثري ًا على كفاءة الري وبناء �سوى بن�سبة .%26 ال�سدود ،و�إدارة منطقة م�ستجمع املياه .كما �أن معدل اال�ستهالك نف�سه وعندما يكت�شف القرويون ،ممن �أ�صبحوا يدركون فع ًال احلاجة للعمل ما زال مهم�ل�اً يف القطاع الزراعي .ويف �شباط/فرباير 2007مت تقدمي اجلماع���ي� ،أن���ه مت حفر �أكرث م���ن مائة بئر معظمها م���ن دون ترخي�ص م�ش���روع قانون �سيمن���ع� ،إىل جانب �أ�شياء �أخ���رى ،ا�ستحداث �أي زراعة خ�ل�ال ع���ام � 2009سي�ست�شيطون غ�ضب���اً .ويزرع و�ص���ول معدات احلفر للق���ات يف �سهول املرتفعات اخل�صبة .لكن مت �إرجاء مناق�شته يف جمل�س ب���ذور الفتنة ب�ي�ن املزارعني والقرويني الذين يعرب���ون عن قلقهم للجنة النواب �إىل �أجل غري م�سمى. احلو����ض .ويعترب بكر علي بك���ر – وكيل املحافظة ورج���ل القبيلة الذي وقب���ل ذلك يف عام 2005كان قد مت اتخاذ خط���وة جبارة �إىل الأمام ،يتوىل �أعم���ال اللجنة اليومية – �أحد املفاو�ض�ي�ن الأ�سا�سيني يف تلطيف وه���ي تبني �إ�سرتاتيجية وطنية وبرنامج ا�ستثم���ار لقطاع املياه� .إذ ت�ؤكد �أزمة املياه يف حو�ض عمران. الإ�سرتاتيجية على جعل �إدارة املياه المركزية ،و�إعطاء بع�ض ال�صالحيات وتقب���ع على قمة ب���ركان غري ن�شط قري���ة بني ميمون ،وه���ي تعود �إىل جلهات متخ�ص�صة على امل�ستوى املحلي ،مثل جمعيات م�ستخدمي املياه مديرية عيال �سريح ،موطن قبيلة بكيل ومنطقة جممع مياه الأمطار بني وجل���ان الأحوا�ض ،وخا�ص���ة ال�صالحيات املتعلقة بو�ض���ع خطط العمل حو�ضي �صنع���اء وعمران .وتعترب الرتبة الربكاني���ة هي الأن�سب لزراعة املحلي���ة وتنفيذها .ومن �أجود �أنواع القات ،ال�شجرة �أه���م نتائ���ج ذل���ك خلق املعايري الثقافية تعطي الأولوية لل�شرب واالحتياجات املنزلية التي تو�سّ عت زراعتها كثرياً. تعاون �أكرث ب�ي�ن وزارتي الأخ��رى� ،إال �أن �أهمي��ة الق��ات واملحا�ص��يل النقدي��ة الأخ��رى وغالب ًا ما تق���وم اجلرافات املي���اه والزراع���ة ،فم���ن بالن�س��بة لالقت�ص��اد تعني خ�س��ارة قطاع الزراع��ة يف التناف�س بت�سوية املنحدرات من �أجل خالل املراجعة ال�سنوية ا�ست�صالح حق���ول جديدة، املائية املوارد على امل�شرتكة تقوم الوزارتان وم���ن ثم يت���م جل���ب الكثري ومرافقهم���ا الر�سمي���ة م���ن الرتب���ة الإ�ضافي���ة عن بتقيي���م م�ستوى التقدم املحق���ق يف جمال املياه .ومب���ا �أن م�سئولية بناء بع���د لتعبئة املدرج���ات امل�ست�صلح���ة .ويف ظل قلة هط���ول الأمطار غري ال�س���دود وحت�س�ي�ن �أنظمة الري ال زال���ت تقع على عات���ق وزارة الزراعة املتوقع���ة ،والتي ال تزيد عن �ست بو�صات �سنوياً ،البد من نقل مياه الري وال���ري ،ف�إن���ه مطلوب م���ن الوزارة تق���دمي تقييم للآث���ار املحتملة حتى ع�ب�ر الطرقات الوع���رة با�ستخ���دام ال�شاحنات الكب�ي�رة .والنتيجة هي تتف���ادى ح���دوث خل���ل يف ت���وازن املي���اه وت�ضم���ن امل�شارك���ة املحلية من وج���ود �س���وق مياه جديد فقط م���ن �أجل زراعة الق���ات .ويف مطلع 2007 البداية. �أ�شع���ل ارتفاع �سع���ر مياه الري �صراع ًا �أظهر خِ َ�ص���ال املجتمع .فقد بد�أ يقع حو�ض عمران على م�ل�اك الآب���ار من �أهل الق���رى بفر����ض 5.000ريال مين���ي ( 25دوالراً) حو�ض عمران بعد 30مي ًال �شمال �صنعاء ,وعلى ارتفاع 6.560قدم ًا فوق �سطح البحر .مقاب���ل ح�صة ملدة �ساعة تعمل فيها امل�ضخة على �سحب مياه الري .وقد ويف � 2008شكلت املحافظة جلنة حو�ض عمران برئا�سة املحافظ من �أجل كان املبل���غ املتعارف عليه قبل ذلك الوقت يف �أو�ساط الفالحني الذين ال تنظيم عملية ا�ستخدام املياه .كما �ضمت ع�ضوية اللجنة ك ًال من مدراء ميتلكون �آبار ًا هو ن�صف هذا املبلغ (�أي 2.500ريال) .لكن مالك الآبار املديري���ات التي ت�شكل احلو�ض ،وممثلني من الوزارات واجلهات املعنية مل يلتزموا بهذا ،وكانت حجتهم �أن طوابري ناقالت املياه امل�صطفة �أمام باملياه والزراعة ،وقائد ال�شرطة املحلي ،وكذلك الفالحني وغريهم من الآب���ار تُ�سوّغ الزيادة يف ال�سعر؛ فباتوا “جتار مياه” يتكيفون مع ظروف
الأ�سواق النا�شئة. ويف احل���ال و�صل خ�ب�ر الن���زاع �إىل م�سامع بكر علي بك���ر ،فا�ستدعى �أعيان القبائل والقرويني وطلب منهم التو�صل �إىل �إجماع قبلي .وتو�صلوا �إىل �أن���ه ال يجوز ملالك الآب���ار تعبئة الناقالت لري حق���ول القات خارج منطقتهم ،ومت تثبيت �سعر ح�صة ال�ساعة من املياه على ال�سعر ال�سابق. وق���د قال بكر� :إن���ه غالب ًا يتم االلت���زام من قبل �أف���راد املجتمع مبا يتم االتفاق عليه من �ضوابط؛ وعندما حاول �أحد مالك الآبار خرق االتفاق ق���ام رجال من بني ميمون ب�إط�ل�اق الر�صا�ص على �إطارات ناقلة املياه، وهذا و�ضع حد ًا لتجارة املياه.
�شخ����ص يف اليوم .وكان علي ،حار�س بواب���ة اخلزان ،يقوم بعناية بالغة مبراقب���ة وت�سجي���ل كمية املياه الت���ي تخرج من اخل���زان امل�سقوف الذي يغذيه النبع اجلبلي. وب���د�أت معاناة �أ�صحاب الق���ات تظهر عندما قام �أبن���اء قرية القرين مبن���ع االتجّ���ار مبي���اه الآبار املحلي���ة وبيعها مل���ن ي�أتوا من اخل���ارج ،ومت �صياغة “مرقوم” موقّع من �أعيان القرية لتنظيم تفا�صيل ذلك العقد. وق���د انخف�ض من�س���وب املي���اه اجلوفية املحيط���ة بقرية القري���ن ب�شكل ملح���وظ ،م���ا �أثار املخ���اوف حول م�ستقب���ل املنطقة .ويف نف����س الوقت، كانت الأ�سر امل�ؤثرة يف املنطقة تقوم بحفر �آبار جديدة وبيع املياه ملُالك العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
41
اليمن والعامل
حتليالت
يحتاج اليمن �إىل �إثبات القدرة على التكيّف على امل�ستوى الوطني. وقد بد�أ التخطيط لعقد نقا�ش وطني حول املياه يف مطلع عام ،2011 ي�شارك فيه الرئي�س و�صنّاع القرار الكبار, ُ وميثل هذا امل�ؤمتر اختبار ًا حا�سم ًا للإرادة ال�سيا�سية
42
ا�سرتاتيجية
2010 العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2011
ME Archive
الناق�ل�ات الذي���ن ينقلونه �إىل مزارع القات اجلدي���دة يف مناطق �أخرى �إىل جانب احلقول املوجودة بقرب هجرة املنت�صر .وعندما �أ�صبح قرار املنع �ساري املفع���ول ،قرر مزارعو القات املحاولة مرة �أخرى حلفر �آبار جدي���دة .وعند �سم���اع ذلك اخلرب �أر�س���ل �أهايل هج���رة املنت�صر وفد ًا مفو�ض ًا �إىل بكر علي بكر. وبع���د ع���دة �أ�سابيع من املفاو�ض���ات ،اتفق الطرفان عل���ى قبول نتيجة وتو�صي���ات درا�سة فنية حكومية .وكانت �أط���راف النزاع تلتقي يف موقع مع���دات احلف���ر ع���دة م���رات ،وحت���ول حم���ور نقا�شاته���م تدريجي ًا من اجلوانب الفنيّة �إىل الإدارة امل�ستدامة ملوارد مياه القرية. ويف ربيع 2009متت دعوتي للعودة لتد�شني م�شروع يف القرية ال�صغرية، وكانت هي الزيارة الأوىل بالن�سبة لوكيل املحافظة وبع�ض ال�شخ�صيات، وذب���ح �أهايل هج���رة املنت�صر ثورينِ بهذه املنا�سب���ة ،وا�صطفت الرايات للرتحي���ب بال�ضي���وف .وكان اخل�ب�ر ال�س���ار ه���و توقّ���ف عملي���ة احلفر. بالإ�ضافة �إىل ذلك ،قامت كل �أ�سرة ببناء خزانات ال�صرف ال�صحي من �أجل حت�س�ي�ن الظروف ال�صحية عموماً .وق���ام منظمو املجتمع العاملني ل���دى ال�صندوق االجتماعي للتنمية بعدد من الزيارات لن�شر الوعي حول فوائد حت�سّ ن �أو�ضاع النظافة. لك���ن �أي�ض ًا كانت هناك �أخبار �سيئة .فعندما قام علي – حار�س خزان املي���اه – بفتح البوابة احلديدية التي ت�صدر �صري���ر ًا عالياً ،اندفع نحوه ع���دد من ن�ساء القرية يحملن �أواين بال�ستيكية �صفراء فارغة ،لكن علي �ص���رخ قائالً“ :لي����س هناك ماء اليوم – ارجع���ن �إىل منازلكن”“ .غد ًا ال�صب���اح �إن �ش���اء اهلل” .وال�سب���ب �أن تدف���ق املياه اليومي م���ن النبع قد ت�ضاءل ،وانخف�ض ن�صيب الفرد من جالونني ون�صف �إىل جالون وربع .وال يعلم �أحد م���ا �إذا كان �سبب االنخفا�ض :االفتقار امل�ؤقت لهطول الأمطار �أم التغري املناخي الدائم .وقال �صالح املنت�صري« :ال�شيء الأكيد هو �أنه
برعاية كرمية من فخامة الأخ الرئي�س/ ينظم مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية
ل���وال دعمك ملنع احلف���ر قبل �سنتني لألقينا باللوم عل���ى مُزارعي القات. وحلدثت م�شاكل وخالفات ،يعلم اهلل ما هي نهايتها».
�أي �شُ ��حٍّ ه��و؟ تتعام���ل املجتمع���ات املحلي���ة – كقرية هجرة املنت�صر – برباعة م���ع نبعهم املتال�شي .وبلغة عل���م االجتماع ،فه���م ميتلكون “قدرة قوية على التكيّ���ف” ،والتي تُعرف ب�أنه���ا جمموع امل���وارد االجتماعية املتاحة ملواجهة �ش���ح املوارد الطبيعية املتزاي���د .ويُفرّق علم���اء االجتماع متام ًا بني “الدرج���ة الأوىل” من �شح املوارد الطبيعية وبني ت�ضا�ؤل القدرة على التكيّف من “الدرجة الثانية”. فالأخ�ي�ر ،بح�سب طوين �آالن بجامعة لندن و�أح���د �أبرز خرباء العامل يف املي���اه ،يعت�ب�ر عام ًال �أكرث حتدي���د ًا للنتائج .وتطوير �آلي���ات التكيّف على م�ستوى املجتمع املحلي هي خطوة يف االجتاه ال�صحيح. لكن �آليات التعامل هذه لي�ست كافية حلل م�شكلة �أزمة املياه يف اليمن. فينبغ���ي معاجلة الإ�شكالي���ات البنيوي���ة ،ومن بينها ا�ستن���زاف خمزون املي���اه لري حق���ول املحا�صيل النقدي���ة مثل القات .وكما �أك���د كري�ستوفر وارد ،حمل���ل ق�ضاي���ا املي���اه يف اليم���ن منذ وق���ت طويل ،ف����إن «منهجية الالمركزي���ة وال�شراكة ميكن �أن ينظر �إليها باعتبارها عنا�صر ممار�سة احلد من ال�ض���رر التي تهدف �إبطاء معدل ن�ض���وب املوارد ،حتى يك�سب اليم���ن وقت ًا كافي ًا لتطوير مناذج اقت�صادي���ة �أقل اعتماد ًا على ا�ستخراج املي���اه» .وبكلم���ات �أخرى ،يحتاج اليم���ن �إىل �إثبات الق���درة على التكيّف عل���ى امل�ستوى الوطني .وقد بد�أ التخطيط لعق���د نقا�ش وطني حول املياه و�صنّاع القرار الكبار .وميثل يف مطل���ع عام ،2011ي�شارك فيه الرئي����س ُ ه���ذا امل�ؤمتر اختبار ًا حا�سم ًا للإرادة ال�سيا�سي���ة� ،إذ يتعني على الطبقة ال�سيا�سية يف اليم���ن �إعطاء �أولوية ق�صوى لتطوي���ر اخليارات والبدائل الناجع���ة حل���ل م�شكل���ة الزراعة حت���ى ال ينزل���ق البلد �إىل م���ا يعرف بـ “الكارثة املالتو�سية”.
بالتعاون مع وزارة املياه والبيئة ،ووزارة الزراعة والري ،وال�صندوق االجتماعي للتنمية، وباال�شرتاك مع املكتب الأملاين للتعاون الفني GTZ
امل�ؤمتر الوطني لإدارة وتنمية املوارد املائية يف اليمن واملقرر انعقاده يف �صنعاء 17 – 15 ،كانون الثاين/يناير 2011
حمـاور امل�ؤمتــر املحور الأول :املوارد املائية يف اليمن :الأو�ضاع والتحديات. املحور الثاين :الإدارة املتكاملة للموارد املائية. املحور الثالث� :إ�سرتاتيجيات و�سيا�سات و�إجراءات �إدارة وتطوير املوارد املائية. للمزيد من املعلومات ،الرجاء التوا�صل مع من�سقة امل�ؤمتر: �سهري عاطف ،مديرة وحدة الدرا�سات االجتماعية ،مبركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية هاتف +967-1-682144 :حتويلة ()113
فاك�س+967-1-677879 :
الربيد الإلكرتوينsuhair@shebacss.com :
�أو تف�ضلوا بزيارة املوقع الإلكرتوين للم�ؤمتر
�ضمن موقع املركز على الرابطwww.shebacss.com/water :
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية هاتف +967-1-682144 :فاك�س+967-1-677879 : �ص.ب� 16822 :صنعاء -اجلمهورية اليمنية www.shebacss.com
E-mail: info@shebacss.com العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
43
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
املنجل واملئذنة ُخلفاء الأحزاب ال�شيوعية يف اليمن و�أفغان�ستان بعد احلرب الباردة
(
جون �إ�شياما
44
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
جون �إ�شياما مدير برنامج رونالد �إيه ماكنري ،و�أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف ق�سم االجتماع بجامعة ترومان �ستيت الأمريكية.
ME Archive
تتن���اول هذه الورق���ة تطور احلزب�ي�ن احلاكم�ي�ن املارك�سيني-الليني�ي�ن الوحيدين �سابق��� ًا يف العامل الإ�سالمي ،وهما احلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين (حزب الوطن) واحلزب اال�شرتاكي اليمني بع���د انهيار االحتاد ال�سوفيت���ي .حيث تقوم الورقة بتتبع تطورهما التاريخ���ي وقدرتهما على الت�أقلم مع متغريات ظروف «عامل حقبة ما بعد احلرب الباردة» الذي حقق فيه احلزب اال�شرتاكي اليمني جناح��� ًا �أك�ب�ر من نظريه الأفغ���اين ،وذلك نظر ًا للكثري م���ن الأ�سباب ،لعل �أبرزه���ا يكمن يف الإرث الذي خلفه النظام ال�سابق� ،إذ �أن احلزب اال�شرتاكي اليمني كان �أف�ضل بكثري يف م�أ�س�سة موقعه يف املجتمع اليمني مما هو عليه احلال بالن�سبة للحزب ال�شعبي الدميقراطي يف املجتمع الأفغاين.
رغم وجود الكثري من الدرا�س���ات التي تتناول مو�ضوع تطور الأحزاب ال�شيوعي���ة بع���د انهي���ار االحت���اد ال�سوفيتي ع���ام ،1991لك���ن معظمها رك���زت كثري ًا على بلدان القارة الأوروبية ومل تتناول ما حدث للأحزاب املارك�سي���ة اللينينية التي كان���ت �سابق ًا ت�سود البل���دان النامية ،وخا�صة الأح���زاب ال�شيوعية يف العامل الإ�سالمي ،وه���ي الأحزاب التي يوفر لنا تطوره���ا موا�ضيع مهمة و�شيق���ة .فعلى عك�س الأح���زاب ال�شيوعية التي ظه���رت يف �أوروبا �أو يف بلدان جن���وب ال�صحراء الأفريقية ما بعد حقبة النظام ال�شيوعي ،تواجه الأحزاب املناظرة لها يف بلدان ال�شرق الأو�سط الإ�سالمية تيار ًا ديني ًا مت�شدداً ،ويعيق تطورها االفتقار �إىل ثقافة التيار الي�س���اري العلم���اين القوي .ولهذا ف����إن املحيط الذي ظه���رت فيه هذه الأح���زاب يختلف متام ًا عن جتارب الأحزاب ال�شيوعية يف بلدان �أوروبا و�أفريقيا. �إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك ،وكم���ا ق���ال هاليدي وتان�ي�ن ،ف�إن نظام���ي احلكم املارك�سيني/اللينيني�ي�ن الراديكالي�ي�ن يف كل م���ن اليم���ن ()1962 و�أفغان�ست���ان ( )1978ظه���را يف بلدينِ يفتقران لتجرب���ة الدول القوية، فق���د حدث يف كليهما« :حماول���ة للثورة من القمة يف جمتمعني مزقتهما عوامل عرقية وقبلية ،ويف بلدين ولّد �ضغط الدولة فيهما مقاومة متفككة ولكن وا�سعة النطاق� .أي�ض ًا مل يكن املحيط التاريخي مواتياً ،فقد تفاقم ال�ص���راع بني النهج الراديكايل الأيديولوج���ي يف القمة واملجتمع املحلي يف القاع���دة يف كال البلدين .زاد التدخ���ل اخلارجي من تفاقمه يف كال احلالتني ،وانته���ى الأمر يف �أحد البلدين �أفغان�ستان بهزمية ع�سكرية وت�شتي���ت �شم���ل املجتمع ،بينما تف���ادى البلد الآخر اليم���ن فقط هذا امل�صري �إىل حد ما ،نتيجة للتو�صل �إىل ت�سوية من الداخل �أكدت ال�سيادة الالمركزية للمجتمع القبلي وامل�سلح على �سيادة الدولة املركزية». وكما قلنا �آنفاً ،تتناول هذه املقالة تطور احلزبني املارك�سيني/اللينيني ال�سابق�ي�ن الوحيدي���ن اللذين ظه���را يف العامل الإ�سالمي خ���ارج نطاق نف���وذ االحتاد ال�سوفيت���ي ،وهما :احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي/حزب الوطن يف �أفغان�ست���ان واحلزب اال�شرتاكي اليمني .وقد حكم كل منهما يف دول���ة �أعلنت نف�سها مارك�سية/لينينية يحكمها حزب واحد ،ولكنهما خ�سرا ال�سلطة يف نهاية املطاف� .إن هذين احلزبني ي�شرتكان يف الكثري م���ن اخل�صائ�ص ،ولك���ن يف نف�س الوقت هناك الكث�ي�ر من االختالفات بينهم���ا .فقد كان كال احلزبني يعتمدان -بن�سب متفاوتة -على الدعم ال�سوفيت���ي للبقاء يف ال�سلطة (وكان هذا احلال جلي ًا يف �أفغان�ستان �أكرث منه يف اليمن) .كما �شدد كالهما ،على الأقل فيما يتعلق بالأيديولوجية الر�سمي���ة ،على توثيق العالق���ات بجموع اجلماه�ي�ر العاملة والكادحة، وواجه���ا التيار الإ�سالم���ي املتنامي .لكن بعد االن�سح���اب ال�سوفيتي من املنطق���ة ( ،)1990 - 1989واج���ه كل حزب منهما م�ص�ي�ر ًا وم�ستجدات تختلف متام ًا عن ما واجهه احلزب الآخر .ففي �أفغان�ستان تفكك نظام احل���زب ال�شعبي الدميقراط���ي ب�سرعة كبرية ،ومل يظهر ل���ه �أي خليفة
)
( )
ناجح بعد ذلك� .أما يف اليمن فقد ا�ستطاع احلزب اال�شرتاكي �أن ينجو من تلك التغريات وانتقل �إىل واقع حقبة ما بعد ال�شيوعية (مع �أنه واقع غام�ض).
موروث��ات املا�ض��ي كم���ا �أ�ش���ار ع���دد م���ن الباحث�ي�ن ،امت���دت ال�شيوعية عرب ف�ت�رة تاريخية طويل���ة ن�سبي ًا يف الع���امل الإ�سالم���ي خارج نطاق نف���وذ االحتاد ال�سوفيت���ي ،حيث ظهرت احل���ركات ال�شيوعي���ة خالل احلقب���ة اال�ستعمارية (ف�ت�رة الع�شرينيات والثالثينيات من القرن املا�ضي) ،وكانت تلك احلركات معار�ضة ب�شدة لل�سيط���رة اال�ستعماري���ة الت���ي كان يفر�ضها الربيطاني���ون والفرن�سيون بعد انهي���ار الإمرباطوري���ة العثمانية ،وكانت تنظر لالحت���اد ال�سوفيتي عل���ى �أن���ه ن�صريها الأول .ت���وىل قيادة ومنا�ص���رة الأح���زاب ال�شيوعية املثقفون املنتمون �إىل الطبقات الو�سطى والدنيا ،وازدادت هذه الطبقة االجتماعي���ة تو�سع ًا عندم���ا �أحدثت عملية التحدي���ث يف ظل اال�ستعمار حت���و ًال كب�ي�ر ًا يف املجتمع الذي كان يف الأ�سا����س جمتمع ًا زراعياً .عالوة عل���ى ذلك� ،أدى دخول القطاعات ال�صناعي���ة الإنتاجية احلديثة خالل فرتة الع�شرينيات والثالثينيات �إىل خلق طبقة عاملة جديدة تركزت يف قط���اع النفط واملواين وطرق ال�س���كك احلديدية .ومبا �أن ن�ضال الطبقة العامل���ة كان موجه��� ًا �ضد ر�أ�س امل���ال الأجنبي فقد �أ�صب���ح يف الأ�سا�س ن�ضا ًال قومي��� ًا �أي�ضاً .كما �أن الأحزاب ال�شيوعي���ة يف املنطقة ا�ستطاعت ج���ذب تلك الطبق���ات املهم�شة واملحرومة من الرق���ي �إىل الأعلى ،وعلى وجه اخل�صو�ص جمموعات الأقليات وطبقة الفقراء. ويف كال البلدي���ن -اليمن و�أفغان�ست���ان -ظهرت التنظيمات احلزبية ال�شيوعي���ة يف بلدان م�سلم���ة لت�صبح �أحزاب ًا حاكم���ة .ففي اليمن ،منت احلرك���ة ال�شيوعية من اجلناح الراديكايل جلبه���ة التحرير القومية يف جنوب اليمن (عدن) ،لت�شكل حتدي ًا للحكم الربيطاين الذي كان يفر�ض �سيطرته على جنوب اليمن واملناطق ال�شرقية بعد اال�ستيالء على ميناء ع���دن يف .1839وظل���ت اليمن حتى 1937جزء ًا م���ن الهند الربيطانية، ويف ه���ذا الع���ام �أ�صبحت عدن م�ستعمرة بريطاني���ة ومت ت�سمية ما تبقى م���ن الأرا�ضي مبحمية عدن ال�شرقية وحممي���ة عدن الغربية .ويف 1965 �ش���كل الربيطاني���ون االحتاد العربي الذي متتع بحك���م �شبه ذاتي وجمع معظ���م الدوي�ل�ات القبلية �ضمن حممي���ات تابعة مل�ستعم���رة عدن .وقد كان اله���دف من هذا تف���ادي انت�صار جبهة التحري���ر القومية ،اجلبهة الي�سارية املناه�ضة لال�ستعمار. ويف 1965ب���د�أت جبهتان وطنيتان متناف�ستان -جبهة حترير اجلنوب املحتل وجبهة التحرير القومية -باالنتفا�ضة �ضد اال�ستعمار الربيطاين �أدت �إىل نهاية احلكم الربيطاين .ويف 1967ا�ضطر اجلنود الربيطانيون �إىل االن�سح���اب حتت �ضغط العنف املتزايد ،وانهار االحتاد الذي �شكله الربيطاني���ون .ويف �أواخر هذا العام ،ا�ستطاعت جبهة التحرير القومية العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
45
اليمن والعامل
حتليالت
التخل����ص من مناف�سيها يف جبهة حترير اجلنوب و�أُعلنت دولة اجلنوب العرب���ي ،التي �ضمت عدن ،دولة م�ستقل���ة يف 30ت�شرين الثاين/نوفمرب ،1967و�سُ مّيت الدولة اجلديدة جمهورية اليمن اجلنوبي ال�شعبية. ويف حزيران/يوني���و 1969ت���وىل ال�سلط���ة اجلن���اح الراديكايل جلبهة التحرير القومية املارك�سية ،ويف الأول من كانون الأول/دي�سمرب 1970مت تغي�ي�ر ا�سم الدولة يف اليمن اجلنوبي �إىل جمهورية اليمن الدميقراطية ال�شعبي���ة ،وكان الق���ادة الرئي�سيني فيها عبد الفت���اح �إ�سماعيل -املفكر الأيديولوجي الأول جلمهورية اليمن اجلديدة ،وهو من منطقة احلُجَ ريّة بجنوب اليمن -و�سامل رُبيّع علي وعلي عنرت وعلي نا�صر حممد .ويف ظل جمهوري���ة اليمن الدميقراطية ال�شعبية دجم���ت كل الأحزاب ال�سيا�سية يف احل���زب اال�شرتاكي اليمني ،الذي �أ�صبح احل���زب ال�شرعي الوحيد. وبع���د ذلك �أقام نظام احلك���م عالقات مع االحت���اد ال�سوفيتي وال�صني وكوبا والفل�سطينيني الراديكاليني. �أما يف �أفغان�ستان فق���د ت�أ�س�س احلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين يف كان���ون الثاين/يناي���ر 1965على �أيدي جمموعة م���ن املثقفني الذين كان م���ن �ضمنهم م�ي�ر �أكرب خيرب وبابراك كارمَ ���ل ونور حممد طرقي، وق���د كان عنا�ص���ر هذا احل���زب ينظرون �إلي���ه على �أن���ه و�سيلة للرتويج لعملي���ة التحدي���ث العلماني���ة يف �أفغان�ست���ان .لك���ن �سرعان م���ا انق�سم احلزب �إىل جناحني :جناح «بر�شَ م» (الراية) وجناح «خلق» (ال�شعب)، وه���ذه �أ�سم���اء �صحيفتني تر�أ�سهم���ا كارمَ ل وطرقي عل���ى التوايل .وعلى عك����س احل���زب اال�شرتاك���ي اليمن���ي ،ال���ذي كان���ت نتاج يف الوق��ت ال��ذي ا�س��تطاع ن�ضال حتري���ري وطني ،كان احل��زب اال�ش�تراكي اليمني احلزب ال�شعبي الدميقراطي تر�س��يخ ج��ذوره �إىل حد ما، الأفغ���اين يت�شكل يف الأ�سا�س على الأق��ل يف بع�ض املناطق م���ن جمموعة مثقف�ي�ن �سعوا الريفية (كح�ضرموت) ،ظل �إىل حتديث �أفغان�ستان .ويف احلزب ال�شعبي الدميقراطي عام ،1973وبدعم من جناح الأفغ��اين متقوقع�� ًا يف �إط��ار «بر�شم» نظّ ���م ابن عم امللك ثلة من املثقفني واملتخ�ص�صني ظاهر �شاه -حممد داوود - احل�ضريني وبع�ض ال�ضباط ون�صب نف�سه رئي�س ًا انقالب��� ًا ّ عل���ى الب�ل�اد ،وان�ض���م �إىل حكومته عدد من �شخ�صيات جناح «بر�شم» البارزة بينما مت ا�ستبعاد الكثري من عنا�صر جناح «خلق». لك���ن يف ،1977ورغم كل ه���ذا االن�شقاق ،اندمج احلزب���ان مع بع�ضهما حتت �ضغوط ال�سوفيت. ويف 19ني�سان�/أبريل 1978مثّلت جنازة مري �أكرب خيرب ،املُنظِّ ر البارز جلن���اح «بر�شم» و�أح���د م�ؤ�س�سي احل���زب ال�شعب���ي الدميقراطي ،الذي اُغتي���ل ،نقطة ح�شد لل�شيوعيني الأفغ���ان .فقد و�صل عدد الذين جتمّعوا ل�سماع خطابات طرقي وكارمل التي تدين حكومة داوود ما بني 10.000 46
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
و� 30.000شخ�ص تقريباً .وعلى �إثر ذلك� ،أمر داوود ب�إلقاء القب�ض على قادة احلزب ال�شعبي الدميقراطي ،لكن كانت العملية بطيئة جداً ،فقد ا�ستغرق اعتقال طرقي �أكرث من �أ�سبوع ،بينما مت و�ضع نائبه حفيظ اهلل �أمني حتت الإقامة اجلربية فقط ،وهو الذي كانت تربطه عالقات قوية بفيال���ق ال�ضباط وا�ستط���اع تدبري انقالب وهو يف بيت���ه حتت احلرا�سة امل�سلح���ة ،مُ�ستخدِ م ًا �أفراد �أ�سرته كرُ�سُ ���ل .ويف 27ني�سان�/أبريل 1978 ب���د�أت الوح���دات الع�سكري���ة املوالي���ة للح���زب ال�شعب���ي الدميقراط���ي الأفغ���اين االنق�ل�اب الع�سك���ري ،وبعد القت���ال ال�شر�س ال���ذي ن�شب بني اجلانبني انهزمت القوات امللكية ومت �إعدام داوود ومعظم �أفراد �أ�سرته يف الي���وم الت���ايل داخ���ل ق�ص���ر الرئا�سة .وبع���د �إمتام ما ت�سم���ى «ثورة �س���اور» �أعلن احلزب ال�شعبي الدميقراطي ت�أ�سي�س جمهورية �أفغان�ستان الدميقراطية ،ومت �إعالن طرقي رئي�س ًا للمجل�س الثوري ومناف�سه الدائم كارمل نائب ًا له ،يف حني �أ�صبح حفيظ اهلل �أمني وزير ًا للخارجية.
نظام حكم احلزب ال�سابق والتغلغل يف املجتمع بع���د ت�أ�سي����س جمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية عام 1970جعل نظام احلكم من �إعادة هيكلة العالقات االجتماعية يف اجلنوب �أولويته الأوىل .كم���ا �أن قيادة جبهة التحرير القومية كانت تتكون �إىل حد كبري م���ن ما �أ�سم���اه فولك���ر �ستانزل الطبق���ة الدنيا املحلي���ة ،ومعظمهم من املدر�س�ي�ن والبريوقراطيني �أي���ام نظام اال�ستعمار .وم���ع �أنه كان هناك الكثري من الت�أكيد على «الطبقات الكادحة» �أو العمال والفالحني الذين يقوده���م املفك���رون الثوري���ون� ،إال �أن���ه مل يك���ن هناك �س���وى القليل من نظ���ام الربوليتاريا ،بل �أن معظم �أولئك الذي���ن �شكلوا الطبقة الكادحة والفالحية يف �أهم مدن اجلنوب -عدن -كانوا قد جاءوا من ال�شمال. وعل���ى الرغم من وجود نوع من طبقة الفالحني يف ح�ضرموت واملناطق املنتج���ة للقطن كلحج و�أبني ،لك���ن الأغلبية العظمى م���ن �سكان الريف كان���وا هم م�ل�اك الأرا�ض���ي ال�صغار القبلي�ي�ن الذين مل مييل���وا لنظام احلكم الثوري يف عدن. وحت���رك النظام اجلدي���د يف جمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية ب�سرع���ة لإخ�ضاع االقت�صاد للنهج اال�شرتاكي ،حيث قام يف مطلع 1969 بت�أميم امل�شاريع التجارية (خا�صة الأجنبية منها) ،و�إعادة توزيع وا�سعة النطاق للأرا�ضي (تقريب ًا ن�صف الأرا�ضي الزراعية مت توزيعها حلوايل � 27.000أ�س���رة فقرية خالل الف�ت�رة .)1973 - 1970لكن كان لذلك ثمن باه���ظ عل���ى االقت�ص���اد اليمني يف اجلن���وب ،فقد �سبب���ت الإ�صالحات االقت�صادي���ة الت���ي مت القيام بها خ�ل�ال فرتة ال�سبعيني���ات ا�ضطرابات اجتماعي���ة كب�ي�رة يف الري���ف وقلة يف �إنت���اج املحا�صي���ل الغذائية خالل ف�ت�رة الثمانينيات ،الأمر الذي �أجرب نظ���ام احلكم على االعتماد كثري ًا عل���ى املواد الغذائية امل�ست���وردة� .أي�ض ًا كانت هن���اك مقاومة علنية �ضد حتويل املجتم���ع الزراعي �إىل ا�شرتاكي ،وبح�سب بول دري�ش ،فقد هرب م���ا يق���ارب ربع �س���كان اليمن اجلنوب���ي نتيجة للإ�صالح���ات التي متت مطل���ع ف�ت�رة ال�سبعينيات .ومع هذا ،غ�ّي�ررّ ت الإج���راءات التي اتخذتها
جبهة التحرير القومية (وبع���د 1978احلزب اال�شرتاكي اليمني) البنية االجتماعي���ة ع���ن طريق �إزاحة احلُ���كّام ال�سابقني م���ن كرا�سي ال�سلطة: ال�سالط�ي�ن ،والع�شائ���ر �أ�صح���اب احلظ���وة ،ورجال الدي���ن .ومن خالل انتفا�ضات عفوية وعنيفة متكّنت الطبقات االجتماعية الدنيا والأقل قوة – الفالح���ون وال�صي���ادون والعمال – من الو�صول �إىل ال�سلطة ،وقامت جمعيات الإ�صالح الزراعي والت�سويق التعاونية ب�إعادة توزيع الرثوة. وم���ن ال�سم���ات املهم���ة الأخ���رى للإج���راءات املبك���رة الت���ي اتخذه���ا نظ���ام احلك���م لتحويل اليم���ن ،نظرة احلزب ل���دور الإ�س�ل�ام يف الدولة اال�شرتاكية .فقبل اال�ستق�ل�ال ،كان الإ�سالم ميثل الت�شريع الأيديولوجي الأ�سا�س���ي للنظام االجتماعي وكذلك للدولة� ،أما يف ظل جمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبي���ة فقد تبنّ���ى النظ���ام مقاربة حذرة ولين���ة ن�سبي ًا جت���اه الإ�سالم ،م�ؤك���د ًا بالتحديد عل���ى اجلوانب امل�شرتك���ة بني النظام اال�شرتاك���ي والإ�س�ل�ام (خا�ص���ة فيما يتعل���ق مبب���د�أ امل�س���اواة والعدالة االجتماعية) .ون�ص د�ستور جمهورية اليمن الدميقراطية لعام � 1970أن الإ�س�ل�ام هو الدي���ن الر�سمي يف البالد وله حق احلماي���ة طاملا �أنه متفق م���ع الد�ستور ،وكان���ت تعاليم الإ�سالم مطلوبة يف مناه���ج التعليم العام. كما �أن جمهورية اليمن الدميقراطية ا�ستخدمت الإ�سالم لدعم جهودها الثوري���ة ،وطبق ًا ملا قال���ه عبد الفت���اح �إ�سماعيل ،كب�ي�ر مُنظِّ ري احلزب الإيديولوجي�ي�ن وخليف���ة �س���امل ربيّع كرئي����س للجمهورية ،فق���د «تعر�ض الإ�سالم للتحريف والتزوير ...ففي عهد العبا�سيني والأمويني ا�ستطاعت القوى االر�ستقراطية توجيه الإ�سالم �إىل غايات ومفاهيم غري التي جاء الإ�س�ل�ام من �أجله���ا .وقد فعلوا ذلك خلدم���ة م�صاحلهم وللحفاظ على كرا�سي حكمهم ومماليكهم واخلالف���ة الوراثية ،التي مل يكن لها عالقة بالإ�س�ل�ام مطلقاً .والإ�سالم ،الذي هو يف الأ�سا�س �أتى كثورة ،مت حتويله م���ن قبل �أيدي القوى الإقطاعية واالر�ستقراطي���ة التي �سلبت الإ�سالم روحه الثورية ووجهته خلدمة �أغرا�ض �أخرى». �أما امليزة الثالثة لإ�سرتاتيجية الدولة اجلديدة فهي التغلغل يف املجتمع عن طريق ت�أ�سي�س تنظيم حزبي جماهريي ،حيث �أن�ش�أ احلزب اال�شرتاكي اليمني (الذي مت ت�أ�سي�س���ه بعد �إعدام �سامل رُبيّع علي عام )1978بع�ض اخلاليا يف كل من الدوائر اجلغرافية والوظيفية (كامل�صانع والتعاونيات واجلي����ش) ،وو�صل���ت الع�ضوية احلزبي���ة �إىل 26.000ع�ض���و ًا عام 1977 و %3.5م���ن ال�شعب ع���ام .1983وكانت الن�سبة الأكرب م���ن الأع�ضاء هم من «عمال املكاتب» ( %36من الع�ضوية احلزبية) ،بينما فقط %26من الأع�ضاء هم من الطبقة العاملة و %14.6هم من طبقة الفالحني .ولكن رغ���م كل هذه اجلهود مل يكن لنظام احلكم �أث���ر كبري يف املجتمع ،وهذا �إىل ح���د م���ا نتيجة للحرب احلزبي���ة العنيفة يف �صف���وف جبهة التحرير القومي���ة واحلزب اال�شرتاكي اليمني ،وهو ما جع���ل النظام يعتمد كثري ًا عل���ى اجلانب الع�سك���ري .عالوة على ذل���ك ،تراجعت اجله���ود املبذولة لتبنّي املبادئ اال�شرتاكية يف اليمن بحلول الثمانينيات ،وا�ستطاع النظام البق���اء يف الأ�سا�س لأنه تقبل بوج���ود املجتمع الالمركزي القبلي امل�سلح. وم���ع ذلك ،ورغم عدم حت���ول النظام كام�ل�ا ً ،فقد ا�ستط���اع ك�سب والء
( )
الكثري من العنا�صر القبلية بوا�سطة هذه اال�سرتاتيجية ،وذلك من خالل منح �صالحية كبرية للقي���ادات احلزبية املحلية (الذين كانوا يف الغالب م�شايخ قبليني حمليني) يف مناطق مثل ح�ضرموت. ويف �أفغان�ست���ان ،كما حدث يف اليمن ،ح���اول النظام ال�شيوعي �إحداث ث���ورة م���ن القمة .وكما ح�ص���ل يف �أماكن �أخ���رى يف مثل ه���ذا النوع من الث���ورات ،فقد كان الراديكاليون يف كل من اليمن و�أفغان�ستان نتاج نظام التعلي���م املتب���ع يف العا�صمة، وكان معظمه���م ع�سكري�ي�ن وبريوقراطي�ي�ن ح�ضري�ي�ن احل��زب اال�ش�تراكي اليمن��ي ت�أثروا بفك���رة �ضرورة حتويل كان �أك�ثر “تنظيم�� ًا” بف��ارق ّ الوط���ن ملواكب���ة باق���ي العامل مقارنة باحلزب ال�ش��عبي كب�ير الدميقراط��ي الأفغ��اين قب��ل ب�أ�س���رع م���ا ميك���ن .وكان التغ�يرات الكربى الت��ي طر�أت �أتب���اع احل���زب الدميقراطي عام .1991وكان لهذا دور كبري الأفغ���اين �إىل ح���د كب�ي�ر من يف تف�س�ير م��ا ح��دث خلليفت��ي الأقلي���ة املثقف���ة ,املقيمني يف احلزبني يف �أعقاب خ�س��ارتهما املناط���ق احل�ضرية .وب�صورة لل�س��لطة يف عق��د الت�س��عينيات عامة تعار�ضت مفاهيم وقيم من القرن الع�شرين ه���ذه املجموع���ة م���ع مفاهيم وقي���م الأغلبي���ة العظم���ى م���ن الأفغاني�ي�ن املحافظ�ي�ن الريفي�ي�ن .كما �أ�ضعفت ك�ث�رة التناف�س الداخلي ،والعني���ف �أحياناً ،قوة احل���زب .وبعد م���رور �سنتني على ت�أ�سي�سه يف كان���ون الثاين/يناير 1965 انق�س���م احل���زب الدميقراط���ي �إىل ف�صيل�ي�ن عمال من حي���ث الع�ضوية والفكر كحزبني منف�صلني :حزب خلق الراديكايل بقيادة طرقي ،وحزب بر�ش���م الأكرث اعتدا ًال بقيادة كارمَ ل .وت�شكل جناح خلق من الب�شتون من غري طبقات النخبة ،بينما �ضم عنا�صر جناح بر�شم اجلماعات العرقية الأخرى ممن مييلون للطبقات العليا ذات الثقافة الغربية. وعندم���ا توىل احلزب ال�شعبي الدميقراطي �س���دة ال�سلطة يف ني�سان/ �أبري���ل 1978كان �أع�ضائ���ه الفاعلني قلة رغم امل�سان���دة الكبرية من قبل ال�سوفيي���ت .وتوجد تقديرات خمتلفة لكن و�صل عدد الأع�ضاء يف �أف�ضل احل���االت ح���وايل 18.000ع�ض���واً ،ورمبا لي����س �أكرث م���ن 10.000ع�ضو. ومهم���ا كان���ت ن�سب���ة الع�ضوية فه���ي مل ت�ش���كل �سوى واح���د يف املائة من �إجم���ايل ال�شعب الأفغاين ،ويُقدر �أن الدع���م الفعال يف �أح�سن حاالته مل يك���ن �إال من حوايل � %3إىل %5من �إجمايل ال�شعب .وعند توليه ال�سلطة بع���د ثورة �ساور العنيفة ع���ام 1978تقدم نظام احلكم يف البداية بحذر، موازي��� ًا بني التيارات احلزبية املختلفة يف احلزب ال�شعبي الدميقراطي. وعل���ى ما يبدو �أن���ه مت ت�شكيل جمل�س ال���وزراء الأويل بعناية خللق توازن مت�س���اوي يف تويل املنا�صب بني �أن�صار حزب خلق و�أن�صار حزب بر�شم، حيث مت اختيار طرقي كرئي�س وزراء وكارمل نائب رئي�س وزراء ،يف حني عُ ينّ حفي���ظ اهلل ،ع�ضو حزب خلق ،وزير ًا للخارجية .وقام نظام احلكم ب�إ�ص���دار �سل�سلة من الق���رارات خالل �شه���ري ني�سان�/أبريل و�أيار/مايو العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
47
اليمن والعامل
حتليالت
48
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
اخل�لاف احلزب��ي الداخل��ي لق���د �أت�ص���ف كل من احل���زب اال�شرتاكي اليمني واحلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين بنزع���ة حتزّب فئوية Factionalismمتطرفة (�أي وجود خالفات حزبية داخلي���ة �شدي���دة) .فف���ي اليم���ن ب���د�أ اخلالف حول عالقات الدولة اجلديدة مع االحت���اد ال�سوفيتي ،حي���ث كان �أول رئي�س جلمهورية اليم���ن الدميقراطية ال�شعبي���ة� ،س���امل رُبيّ���ع عل���ي ،ت���راوده �شكوك عميقة حول النموذج ال�سوفيتي وانتق���د ب�شدة من���و التخطيط املركزي ال���ذي ازداد يف اليم���ن م���ع �أول خط���ة خم�سية عام ،1974وركز انتقاداته على جناح جبه���ة التحرير القومية املنا�صر لل�سوفي���ت ال���ذي قاده مُنظِّ���ر احلزب، عب���د الفتاح �إ�سماعي���ل .ويف حزيران/ يوني���و 1978ح���اول �س���امل رُبيّ���ع عل���ي القيام بانق�ل�اب للإطاح���ة بخ�صومة نور حممد طرقي لك���ن حماولته ف�شلت ،ونتيجة لذلك مت اعتقال���ه واثنني من رفاقه ومن ثمّ ُنفِّذ فيهم حكم الإعدام .وخلفه بعد ذلك جمل�س انتقايل من خم�سة �أع�ضاء بقيادة علي نا�صر حممد .ويف ت�شرين الأول�/أكتوبر 1978حتولت جبهة
Wikipedia, Google
م���ن عام � 1978أعلنت مبد�أ امل�س���اواة بني اجلماعات العرقية .وكما كان احل���ال يف اليم���ن� ،سعى النظ���ام يف �أفغان�ستان – عل���ى الأقل يف بداية الأم���ر – �إىل الت�أكيد على �إمكانية الإ�س�ل�ام الثورية ،حيث قال طرقي: «نري���د تطه�ي�ر الإ�سالم مما عل���ق به من ع���ادات وتقاليد وخراف���ات ومعتقدات خاطئة .وبعده���ا �سنح�صل على �إ�سالم طاه���ر وتقدمي وحدي���ث» .ب���ل �أن �أول ثالث���ة ق���رارات �أ�صدره���ا نظ���ام حكم احلزب الدميقراطي ب���د�أت بالبَ�سمَلة، بينم���ا حُ ذف���ت يف الق���رارات اخلم�س���ة الباقية. و�سرع���ان م���ا تخلى احل���زب ال�شعبي الدميقراطي عن الطريقة الأولية جتاه الإ�سالم التي كانت تبدو معتدلة ،وذلك عندم���ا �سع���ى عنا�صر ح���زب خلق �إىل بابراك كارمل �إح���كام �سيطرتهم عل���ى ال�سلطة .وبعد انق�ل�اب �ساور بفرتة وجي���زة بد�أ جناح حزب خل���ق ،الذي كان يحظى بوالء معظم ال�ضب���اط ،بت�صفية عنا�صر ح���زب بر�شم .وعق���ب م�ؤامرة ح���زب بر�شم املزعوم���ة يف �صيف 1978 ِال الكثري ق���ام طرقي بت�صفية الكثري م���ن القادة الكبار للح���زب ،مُر�س ً منه���م �إىل املنفى الر�سمي ك�سفراء ،ومنه���م بابراك كارمَ ل (�أر�سل �إىل ت�شيكو�سلوفاكيا) و�أناهيتا راتِبزاد (�إىل يوغ�سالفيا) .كما اُعتقل وعُ ذِّ ب �آخ���رون ،من �أمثال �سلط���ان علي كي�شتماند ونور �أحم���د نور .ومت تنحية عبد الق���ادر عن من�صبه كوزير دف���اع يف �آب�/أغ�سط�س ،1978وت�سريح �أع�ضاء حزب بر�شم من املدار����س ومرافق اخلدمة املدنية والع�سكرية، ب���ل ويف �أغلب الأحي���ان مت اعتقالهم وتعذيبه���م .ويف التا�سع من متوز/ يولي���و قال طرق���ي متفاخراً« :مل يكن هناك �ش���ي ا�سمه حزب بر�شَ م يف �أفغان�ستان ،ولي�س هناك �شيء من هذا القبيل الآن». الآخ���رون قمع���وا �أي�ض���اً ،ومت �إع�ل�ان �أربع جماع���ات ك�أع���داء لنظام احلك���م نهاي���ة ،1978وهي :الإ�سالمي���ون؛ واملاويون؛ وجماع���ة ال�سيتام ميل���ي (وه���ي جماع���ة كان له���ا ميول ماوي���ة و�أي���دت نزع���ة االنف�صال الطاجيكي���ة والأوزبكية)؛ وجماع���ة التنظيم الدميقراط���ي اال�شرتاكي الأفغ���اين «ميالت» .و�إثر ب���دء املقاومة وا�سعة النطاق �ضد نظام احلكم يف منت�ص���ف ،1978مت اختي���ار الإ�سالمي�ي�ن ب�شكل خا����ص ،حيث �أعلن طرق���ي بنف�سه احلرب �ضد «�أهل الذقون»� ،أي رجال الدين ،ويف خطاب تلفزي���وين يوجه فيه عنا�صر حزب خلق قال�« :إن من يت�آمرون �ضدنا يف الظالم يجب �أن يُ�ست�أ�صلوا يف الظالم». وبع���د ا�ستئ�ص���ال املعار�ضة و�إزاح���ة �أي عوائق �شكله���ا عنا�صر حزب بر�ش���م ،بد�أ حزب خلق وب�سرعة �سل�سلة م���ن الإجراءات لن�شر املفاهيم اال�شرتاكي���ة يف الب�ل�اد ب�سرعة� ،إذ حددت الق���رارات التي �أ�صدرت بني
12متوز/يولي���و و 28ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر � 1978إج���راءات �شامل���ة لتحويل املناطق الريفية ب�سرعة .فمنع �أحد تلك القرارات نظام الفائدة والره���ن الذي عُ مل به قبل ،1973وعفا الفالحني الذي ال ميلكون �أر�ض ًا من الديون .وه���ذا الإجراء �أق�صى العديد م���ن النخب الريفية ،و�سبب خل�ل�اً يف نظام العالقات الثنائي���ة وااللتزامات التي كانت تنظم احلياة الريفي���ة .كم���ا �شجع ق���رار �آخ���ر امل�ساواة ب�ي�ن اجلن�سني ،وح���دد �أعلى م�ست���وى مله���ر العرو����س و�أدنى �سن لل���زواج (� 18سنة للرج���ال و� 16سنة للن�س���اء) ،ومنع الزواج الإجباري .ويف الوقت نف�سه ،ركز �أحد القرارات عل���ى ا�ست�صالح الأرا�ضي و�سعى �إىل توزيعها على الفئة الأكرث فقر ًا من �سكان الريف .وعلى غرار احلال يف اليمن ،كان الهدف من هذا القرار تطوي���ر طبقة جدي���دة من ُم�ل�اك الأرا�ضي ال�صغار الذي���ن من املمكن تنظيمه���م يف تعاونيات زراعية ،وجعله���م يعملون كقاعدة دعم للنظام. وقد ب���د�أت عملي���ة ا�ست�صالح الأرا�ض���ي يف كان���ون الثاين/يناير 1979 لكنه���ا واجهت معار�ضة كبرية حتولت �إىل ع�صيان م�سلح علني .فمع �أن النظ���ام احلاكم �سع���ى ملهاجمة �أنظمة الفقر وع���دم امل�ساواة يف الريف �إال �أن الكثريي���ن اعتربوا �سيا�ست���ه الرمزية هجوم ًا على الإ�سالم نف�سه، و�أ�صب���ح حت���ى الأفغان مم���ن مل يكن له���م ن�شاط يف املقاوم���ة ينظرون للنظام بازدراء ،وهي النظرة الت���ي تفاقمت بتعاون النظام مع ال�سلطة امللحدة (االحتاد ال�سوفيتي).
التحري���ر �إىل احل���زب اال�شرتاك���ي اليمني ال���ذي �أعلن عنده���ا احتكاره لل�سلط���ة ال�سيا�سية .ويف كان���ون الأول/دي�سمرب عُ ينِّ عب���د الفتاح رئي�س ًا و�أ�صبح علي نا�صر حممد رئي�س ًا للوزراء. ومع �أنهما كانا مييالن �إىل االحتاد ال�سوفيتي لكنهما اختلفا فيما يتعلق بال�سيا�س���ة الداخلي���ة واخلارجي���ة� ،إذ �أيّد عبد الفتاح -ال���ذي نظر �إليه باعتباره عقائدي ًا ومت�شدد ًا -تطبيق النموذج ال�سوفيتي يف اليمن .وعبد الفتاح ه���و مواطن �شمايل (ككثري م���ن العنا�صر الي�ساري���ة الراديكالية يف جبه���ة التحري���ر القومية) من منطق���ة احلُجَ ريّ���ة يف اليمن ال�شمايل (�آن���ذاك) ،وهاج���ر مثل غريه من ال�شمالي�ي�ن �إىل اليمن اجلنوبي للعمل يف م�صفاة البرتول الربيطانية .ثم قام بالتدري�س يف املدار�س احلكومية وترق���ى �إىل ال�صفوف الأمامية جلبه���ة التحرير بعد قيامه باغتيال قائد االحتاد املنا�ص���ر للبعث عام .1966وبالن�سب���ة لل�سيا�سة اخلارجية ،فقد ُف�ضل الت�شدد �إزاء اليمن ال�شمايل والبلدان املجاورة الغنية بالنفط. كان ي ّ وعل���ى النقي����ض من ذلك ،كان عل���ي نا�صر حممد م���ن منطقة دثينة يف وف�ضل نهج��� ًا �أكرث تدرجي���ة يف تطبيق املفاهي���م اال�شرتاكية، اجلن���وبّ ، كم���ا دعا �إىل ت�شجي���ع االقت�صاد املختل���ط واحلد من ت�أمي���م القطاعات ال�صناعي���ة الكب�ي�رة .عالوة على ذل���ك ،كان يُف�ضِّ ل التق���ارب مع اليمن ال�شمايل وتطبيع العالقات مع ال�سعودية وعمان. ويف � 1980أُجبرِ عبد الفت���اح �إ�سماعيل على التنحي من ال�سلطة وذهب �إىل مو�سك���و بحجة “الدرا�سة” هناك .وخلف���ه علي نا�صر حممد ،الذي بقي �أي�ض ًا يف من�صبه كرئي�س وزراء و�أمين ًا عام ًا للحزب اال�شرتاكي .ويف ظ���ل حكم علي نا�صر تراخت قب�ضة ال�سيطرة املفرو�ضة على االقت�صاد، خا�صة جمال الإن�شاء ،ومت ت�شجيع القطاع التجاري اخلا�ص� ،إذ متت دعوة ال�ش���ركات الأجنبية (مبا فيها الربيطانية) للعم���ل يف جمال ا�ستك�شاف النفط ،وقام اليمن اجلنوب���ي بتطبيع العالقات مع دول اجلوار .لكن مع تراخ���ي �سيطرة الدولة قام من تبقّى م���ن حلفاء عبد الفتاح باتهام علي نا�صر باملقاي�ضة والف�ساد وخيانة الثورة .ويف عام 1984بد�أ وزير الدفاع القوي علي عنرت بتوجيه النقد لعلي نا�صر حممد لتجاوزاته ال�شخ�صية. ويف �شباط/فرباي���ر � 1985أُج�ِب رِ عل���ي نا�ص���ر على التخلي ع���ن من�صبه كرئي����س لل���وزراء .ويف نف�س العام �سُ مِ���ح لعبد الفت���اح �إ�سماعيل بالعودة �إىل الوط���ن ،ومت �إعادت���ه كع�ضو �سكرتارية احل���زب اال�شرتاكي اليمني. وبعد م�ؤمت���ر ت�شري���ن الأول�/أكتوبر 1985ازداد ال�ضغ���ط داخل احلزب عل���ى عل���ي نا�صر لكي يتنازل ع���ن من�صبه ك�أمني عام ،وم���ن �أجل ترقية عبد الفتاح �إىل من�ص���ب ال�سكرتري الأيديولوجي (ثاين �أعلى من�صب يف احل���زب) .ويف كانون الثاين/يناير 1986حتول ه���ذا ال�صراع ال�سيا�سي �إىل �ص���راع م�سلح عندما ق���ام �أن�صار علي نا�صر بقت���ل عدد من �أع�ضاء املكت���ب ال�سيا�س���ي ،م���ن بينهم عبد الفت���اح وعلي عنرت .و ُقت���ل �آالف من عنا�صر احل���زب وامللي�شيات خالل احلرب الأهلية التي دامت �أ�سبوعني. وقد �سان���د اجلي�ش اجلناح ال�شمايل يف احل���زب ،وف ّر علي نا�صر حممد والآالف م���ن �أن�صاره �إىل اليم���ن ال�شمايل �أو �إثيوبي���ا .ومت ت�شكيل قيادة �سيا�سية جديدة بقيادة علي �سامل البي�ض� ،أحد �أن�صار عبد الفتاح ،لكنه
رغم ذلك ،وب�صورة عامة ،وا�صل �سيا�سات علي نا�صر. وبرغ���م �أن النزع���ة الفئوي���ة املث�ي�رة للخ�ل�اف احلزبي ق���د �شاعت يف احل���زب اال�شرتاك���ي اليمني ،لكنه���ا كانت �أك�ث�ر و�ضوح��� ًا وم�ؤ�س�سي ًة يف احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي الأفغاين. وقد متح���ور اخلالف حول ال�شخ�صيتني القياديتني – نور حممد طرقي وبابراك كارمَ ���ل .فعل���ى امل�ست���وى الأيديولوجي، اختلف���ت �آرائهم���ا جت���اه حتقي���ق الثورة الأفغاني���ة ،فق���د �أعتقد طرق���ي �أنه من املمكن حتقيق الثورة بالطريقة اللينينية التقليدية من خالل بناء حزب للطبقات العاملة محُ كَ���م التنظيم ،يف حني �أعتقد كارمَ ���ل �أن �أفغان�ستان متخلفة كثري جد ًا لك���ي تتبن���ى �إ�سرتاتيجي���ة لينيني���ة و�أنه البد من تعزيز جبهة دميقراطية قومية د .جنيب اهلل حممد للق���وى الوطني���ة واملعادي���ة للإمربيالية حت���ى تدفع بالبلد خطو ًة باجت���اه الثورة اال�شرتاكية .وق���د فاقمت جهود كارمل ع���ام 1967لإقناع اللجنة املركزية للح���زب ال�شعبي الدميقراطي بتعني���ف التط���رّف املُفرَط لطرقي ،ح���دة االنق�س���ام يف �أفغان�ستان .لكن نتائ���ج الت�صويت داخل اللجن���ة كانت متقاربة ،وح���اول طرقي �إبطال ت�أث�ي�ر كارمَ ل عن طريق تعيني �أع�ضاء جدد يف اللجن���ة من �أن�صاره� .أما كارمَ ���ل فقد قدم ا�ستقالته ومت قبولها ،وت���رك احلزب مع عدد كبري من �أع�ض���اء اللجنة املركزية للح���زب .وعقب ذلك عم���ل الفريقان كحزبني �سيا�سيني منف�صلني ،لكل منهما �سكرتريه�/أمينه العام وجلنته املركزية و�أع�ضائه. �إن ق���ادة احلزب يف �أفغان�ستان مل يختلفوا �أيديولوجي ًا فح�سب بل �أي�ض ًا ح���ول م�سائل عرقي���ة وطبقية ،ومل متث���ل الأيديولوجيا العام���ل الوحيد، ورمب���ا مل تكن الأهم ،يف اخلالف بني ح���زب خلق وحزب بر�شم .كما �أن طرق���ي وكارمل لهما خلفيات خمتلفة ج���داً ،حيث ي�أتي طرقي من �أ�سرة قروي���ة فق�ي�رة من �إقليم غ���زين ،و�أبوه تاجر موا�شي و ُمه���رّب فا�شل كان كث�ي�ر ال�سفر �إىل الهن���د الربيطاني���ة .ودر�س طرقي املراح���ل االبتدائية واملتو�سط���ة يف مدار�س عام���ة يف قندهار ،ولفت االنتباه العاملي لأول مرة عندما بد�أ يكت���ب ق�ص�ص ًا ق�صرية يف الأربعينيات عن ظروف الفالحني املعي�شية يف �أفغان�ستان ،وحظيت ق�ص�صه ب�إعجاب ُنقّاد الأدب ال�سوفيت يف ذلك احلني. �أم���ا مُ�ساعِ د طرقي ،املالزم حفيظ اهلل �أم�ي�ن فهو -كطرقي -ينحدر م���ن طبقة الب�سطاء ،وكان �أبوه موظف ًا حكومياً .وقد ولد �أمني عام 1921 يف مدين���ة بغمان قُ���رب كاب���ول .وبعد االنتهاء م���ن درا�س���ة الريا�ضيات والفيزي���اء يف جامعة كاب���ول �أ�صبح مدر�س ًا يف �إح���دى املدار�س الثانوية، ث���م ترقّى �إىل مدير مدر�س���ة .ويف �سنة 1957ذهب يف منحة درا�سية �إىل
(
)
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
49
اليمن والعامل
حتليالت
كلي���ة املعلمني بجامعة كولومبيا يف نيوي���ورك .ويف مطلع ال�ستينيات عاد �إىل الوالي���ات املتح���دة ليوا�صل درا�سة الدكت���وراه يف كولومبيا ،وعندما كان عل���ى و�شك الب���دء يف الر�سالة طُ لِب منه الع���ودة �إىل الوطن ليعالج م�س�أل���ة عائلية .وعند عودت���ه ان�ضم �إىل احل���زب ال�شعبي الدميقراطي وركّز على ال�سيا�سة وجنّ���د لن�صرة احلزب طالبه الب�شتون يف املدار�س الثانوي���ة احلكومية حيث خدم كمُدرّ�س ومدير لعدد من ال�سنني .ونظر ًا لكونه ب�شتوين م���ن �أهل الريف ،فقد جنح �أمني يف الت�أثري على الطالب الب�شت���ون الذين �أ�صبح الكثري منهم �ضباط ًا يف اجلي�ش بعد التخرج من الأكادميية الع�سكرية يف كابول. وق���د �أجتمع طرقي و�أمني يف نزعتهما املنا�ص���رة للطبقة الو�سطى من الب�شت���ون يف الريف ،وهي الطبقة التي جترّعت مرارة الفقر وطالتها يد اال�ستبداد .وبف�ضل جهود �أمني ح�صل �أن�صار حزب خلق على دعم قوي يف �صف���وف فرقة ال�ضباط .و�أ�صبحت لغتهم الأوىل اللغة الب�شتونية بد ًال من «الدارية» التي تعترب لهجة فار�سية يتخاطب بها �سكان املدن الأفغانية وامل�سئولني احلكوميني .وك�أغلبية عنا�صر حزب خلق ،كان طرقي ينتمي �إىل القبيلة الب�شتونية «غيلزي» التي اُ�ستبعِدت من منا�صب ال�سلطة على �أيدي مناف�سيها من الدورانيني .وغالب ًا ما كان يُنظَ ر لفكرهما املارك�سي على �أنه و�سيلة لنقل اال�ستياء القبلي. �أم���ا الأ�ص���ول االجتماعية والعرقي���ة لعنا�صر جناح بر�ش���م فقد كانت تختل���ف متام���اً .فعلى �سبيل املثال ،عانى كارم���ل -رغم انتمائه لأحدى الأ�س���ر الغني���ة الب�شتونية من �أ�ص���ول ك�شمريية واملقيم���ة يف قرية قرب كاب���ول – من �ضن���ك العي�ش بعد وفاة �أمه ،ومل يك���ن من الدورانيني وال من الغيليزيني ،فهو ابن اجلرنال حممد ح�سني خان الذي توىل من�صب حاك���م مقاطعة «باكتيا» وكانت تربطه عالقات بالعائلة امللكية .ومبا �أنه كان طالب��� ًا يف كلية احلقوق بجامعة كاب���ول فقد اكت�سب �سمعة كخطيب ونا�ش���ط يف احت���اد الط�ل�اب ع���ام .1951وعل���ى عك����س عنا�صر حزب خل���ق ،انحدر كارمل (كمعظم �أع�ضاء ح���زب بر�شم) من طبقة النخبة احل�ضرية ومل يكن يتمتع بح�س الهوية القبلية القوية �أو الوالء لها. �أم���ا �أبناء الدائ���رة االنتخابية امل�ؤي���دة لرب�شم فقد كان���وا من الطبقة الو�سط���ى �أو الو�سطى-العلي���ا احل�ضري���ة ،ومييل���ون للتخاط���ب بلهج���ة «داري» ب���د ًال من اللغة الب�شتونية .وكان���وا �أكرث ثقافة من عنا�صر حزب خل���ق ،وطغت عل���ى عاداتهم ومنط حياته���م ال�صبغ���ة «الغربية» .وعلى الرغ���م من اهتم���ام جناحي احل���زب ال�شعب���ي الدميقراط���ي الأفغاين كليهما بتغيري �أدوار الن���وع االجتماعي genderو�إعطاء املر�أة دور ًا �أكرث فعالي���ة يف مناحي ال�سيا�س���ة� ،إال �أن الن�ساء (من �أمثال �أناهيتا راتِبزاد، حمبوب���ة كارم���ل ،و�أحد �أع�ضاء احل���زب ال�شعب���ي الدميقراطي الأربعة الذي���ن اُنتخبوا لع�ضوية الربمل���ان عام )1965كنّ �أك�ث�ر بروز ًا يف جناح بر�ش���م ،وكانت الرتكيب���ة العرقية يف هذا الف�صيل �أك�ث�ر تنوع ًا مما هو علي���ه احل���ال بالن�سبة جلناح خلق .وم���ع �أن �أن �أغلبي���ة �أع�ضاء الربملان كانوا من �أبناء �إقليم كابول من الب�شتون املتحدثني باللهجة “الدارية”، 50
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
لكن �أي�ض��� ًا كان يتم انتخاب ممُ ثلني ب�شكل كبري من الهزارا والطاجيك وغريهم من الأقليات الأخرى (مبن فيهم قادة بر�شم من �أمثال �سلطان علي ك�شتماند ،رئي�س الوزراء م�ستقبالً ،وهو من الهزارا). ويف مطلع �أيلول�/سبتمرب 1978اندلع التمرد امل�سلح �ضد نظام احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي الأفغ���اين يف �إقليم “نور�ستان” ،ثم �شمل يف عام � 1979أقالي���م “باكتيا” و”غزين” و”بدرك�ش���ان” .ويف �شباط/فرباير 1979اُختطِ���ف ال�سفري الأمريكي لدى �أفغان�ستان� ،أدولف دوبز ،على يد بع�ض املتمردين ،وقُتل �أثناء حماولة �إنقاذ فا�شلة يف �أحد فنادق كابول. وبعد ذلك بد�أت االنتفا�ضة يف �إقليم “هريات” يف �آذار/مار�س عام 1979 وراح �ضحيته���ا مئات من امل�ست�شارين ال�سوفيت وذويهم ،ومل يتم �إخماد تلك االنتفا�ضة �إال ب�شق الأنف�س .ويف �أيلول�/سبتمرب 1979اُغتيل طرقي، ال���ذي كان يج���د نف�سه عاجز ًا ع���ن التجاوب مع التحدي���ات التي تواجه نظ���ام احلكم ،على يد عم�ل�اء موالني ملُ�ساعد ِه حفي���ظ اهلل �أمني الذي كان يُعترب قومي ًا مت�شدد ًا �أكرث منه ا�شرتاكي ًا وحاول تطبيع العالقات مع املتمردي���ن الإ�سالميني .وبالفعل كان �أمني يحاول تو�سيع قاعدة النظام من خالل جذب املتمردين �إىل �صفوفه ،لكنه �أي�ض ًا قام بت�صفية م�ؤيدي طرقي من الدولة واحلزب .ويف احلقيقة ،انخف�ض عدد �أع�ضاء احلزب خالل تويل �أمني �سدة احلكم (بني �شهري �أيلول�/سبتمرب وكانون الأول/ دي�سمرب )1979نظر ًا حلمالت الت�صفية الوح�شية التي قام بها �ضد كلٍّ م���ن �أع�ضاء جناح بر�شم واملوال�ي�ن لطرقي من “اخللقيني” .ويف كانون الأول/دي�سمرب 1979اجتاح االحتاد ال�سوفيتي البالد لإنقاذ نظام حكم احل���زب ال�شعب���ي الدميقراطي ،ومت �إعدام �أمني و�أعي���د بابراك كارمل �إىل �سدة احلكم م�صحوب ًا بالقوات ال�سوفيتية. ق���ام كارمل بت�شكيل ائتالف جديد م���ن عنا�صر جناح بر�شم وعنا�صر جناح خل���ق املُعار�ضني لنظام �أمني .وبحلول ع���ام 1984كان ثمانية من الأع�ض���اء الثالثة ع�شر يف “املكتب ال�سيا�سي” ،بالإ�ضافة �إىل الأع�ضاء البدالء ،من عنا�صر جناح بر�شم :كارمل؛ �سلطان علي كي�شتماند؛ جنيب اهلل؛ نور �أحمد نور؛ حممد رايف؛ �أناهيتا راتِبزاد؛ عبد القادر؛ وحممود باري���االي (�شقيق كارمل) .وقد كان من بني عنا�صر حزب خلق :حممد �إ�س�ل�ام وطنجار� ،صالح حممد زياري ،حممد �إ�سماعيل داني�ش ،وغالم دا�ستاج���ر بان�شريي (�أما انتماء الع�ضو البدي���ل ،عبد الزهور رازجمو، فلم يكن وا�ضحاً) .وعالوة على ذلك ،حاول كارمل تو�سيع قاعدة نظامه ع���ن طريق امل�ض���ي يف عملية التقارب مع املتمردي���ن .ويف الأثناء� ،أُعيد العلم الأفغاين القدمي ذو الألوان الثالثة ،مع اللون الأخ�ضر الإ�سالمي، ويف املقاب���ل مت التخل���ي ع���ن العل���م الأحمر (علم حزب خل���ق) ومل يعد ميث���ل العلم الوطني .ويف بداية ني�سان�/أبريل � 1980أ�صبحت كل الوثائق الر�سمي���ة تبد�أ بالب�سملة ،وه���و التقليد الذي تخلى عنه طرقي .ويف عام � 1982أع���اد النظام �صياغة الد�ستور احلزبي وحذف منه �أي �إ�شارة �إىل املارك�سية اللينينية (وهي خط���وة عار�ضها عنا�صر حزب خلق ب�شدة). على �أن �إ�سرتاتيجية اجلبه���ة املوحدة التي تبنّاها احلزب الدميقراطي ال�شعب���ي بع���د االجتي���اح ال�سوفيت���ي� ،أعتربه���ا املراقب���ون �إ�سرتاتيجية
جدول رقم (� :)1أبعاد �إرث احلزب/النظام ال�سابق احلزب
احلزب اال�شرتاكي اليمني
احلزب الدميقراطي ال�شعبي الأفغاين
االعتماد على االحتاد ال�سوفيتي درجة اعتماد �أقل ن�سبي ًا من احلزب الدميقراطي ال�شعبي: )1تقدير عدد القوات ال�سوفيتية �أو الكوبية /ال�سكان يف ( 1990تقدير�أكرب عدد للقوات يف الثمانينيات)=.0002 (.)2000 )2الأن�شطة التجارية مع االحتاد ال�سوفيتي ال ت�ستحق الذكر. درجة اعتماد �أعلى ن�سبي ًا من احلزب الإ�شرتاكي اليمني: )1تقدير عدد القوات ال�سوفيتية �أو الكوبية /ال�سكان يف ( 1990تقدير�أكرب عدد للقوات يف الثمانينيات)= .005 (.)125000 )2العالقات التجارية واالقت�صادية مع االحتاد ال�سوفيتي متينة :احتلت �أفغان�ستان مكانة يف جمل�س التعاون االقت�صادي ).(CMEA
عقيم���ة �إىل حدٍّ كبري .ويف ،1986وحت���ت �ضغط االحتاد ال�سوفيتي ،متت تنحية كارمل عن ال�سلط���ة ل�صالح الرئي�س ال�سابق للمخابرات الأفغانية ( ،)KHADالدكتور جنيب اهلل. ويلخ����ص اجلدول رق���م ( )1الإرث الذي خلفه النظ���ام املا�ضي يف ظل االعتماد الن�سبي على االحتاد ال�سوفيتي ،ودرجة اخلالف احلزبي داخل الأح���زاب ال�سيا�سية ،و�إىل �أي مدى ا�ستط���اع احلزب/الدولة التغلغل يف املجتمع .وكما هو مو�ضح يف اجلدول رقم ( ،)1فعند القيام باملقارنة بني احلزب اال�شرتاكي اليمني واحلزب الدميقراطي ال�شعبي الأفغاين ف�إننا جن���د �أن الأول �أق���ل اعتماد ًا عل���ى الدعم ال�سوفيتي .فل���م يكن يف اليمن �س���وى القليل من امل�ست�شارين الع�سكري�ي�ن ال�سوفيتيني (لكن امل�ست�شارين الكوبي�ي�ن كانوا �أك�ث�ر) مقارنة بالدع���م الع�سكري ال�ضخ���م الذي قدمه ال�سوفي���ت للنظام الأفغاين بع���د .1979كما �أن االقت�ص���اد الأفغاين كان �أك�ث�ر اعتم���اد ًا بكثري على االحت���اد ال�سوفيتي (وهذا �إىل ح���دٍّ كبري يعود بب�ساط���ة للتقارب اجلغ���رايف) و�أكرث اندماج ًا مع االقت�ص���اد ال�سوفيتي، وه���و مل يكن فقط معتمد ًا علي���ه فيما يتعلق بالوقود وامل���واد الغذائية بل ارتب���ط بامل�ؤ�س�س���ات العابرة للحدود التي يرعاه���ا ال�سوفيت مثل جمل�س التعاون االقت�صادي امل�شرتك(.)CMEA وق���د �صعّب االعتم���اد على االحتاد ال�سوفيتي الأم���ر كثري ًا على احلزب ال�شعبي الدميقراطي يف �أن يخلق هوية احلركة الثورية الوطنية .وبالت�أكيد كان هناك عنا�صر قيادية موالية لل�سوفيت يف احلزب اال�شرتاكي اليمني وربطته���م عالقات وثيقة باالحتاد ال�سوفيت���ي (كعبد الفتاح �إ�سماعيل)، غري �أن معظم قادة احل���زب اكت�سبوا �سمعتهم كمقاتلني يف احلرب التي خا�ضوه���ا �ض���د الإمربيالي���ة الربيطانية �أي���ام جبهة التحري���ر القومية. وكم���ا الحظ �أحد املراقب�ي�ن ،ف�إن العنا�صر القيادي���ة يف احلزب ال�شعبي
اخلالف احلزبي
التغلغل يف املجتمع
يرتكز على الإنتماءات الإقليمية والقبلية ,لكنه �أقل ن�سبي ًا مما هو عليه احلال يف احلزب الدميقراطي ال�شعبي.
م�ستوى اندماج �أعلى ن�سبي ًا من م�ستوى اندماج احلزب الدميقراطي ال�شعبي ,يعززه �إرث الن�ضال الثوري/التحرري واملنهجية املعتدلة ن�سبي ًا جتاه الإ�سالم ,بلغت ن�سبية ع�ضوية احلزب %3.5يف �أو�ساط ال�شعب.
ن�سبة اخلالف �أعلى مما هو عليه احلال يف احلزب الإ�شرتاكي اليمني ,ويرتكز على اخلالفات العرقية/ اللغوية والقبلية والطبقية. و�أكرث تنظيم ًا م�ؤ�س�سي ًا (عنا�صر جناح خلق مقابل عنا�صر جناح بر�شم).
م�ستوى اندماج �أدنى ن�سبي ًا, يعيقه الإعتماد على االحتاد ال�سوفيتي واملنهجية املت�شددة يف تبني املعتقدات الإ�سالمية. و�صلت ن�سبة ع�ضوية احلزب �إىل �أقل من %1يف �أو�ساط ال�شعب.
الدميقراط���ي كانوا �إم���ا “مت�شددين غري عمليني ،مثل طرق���ي� ،أو �أبناء م���دن لي�س���وا متفهم�ي�ن �أو متعاطف�ي�ن م���ع احلي���اة القروية ،م���ن �أمثال كارم���ل” .ويف الوقت ال���ذي ا�ستطاع احلزب اال�شرتاك���ي اليمني تر�سيخ ج���ذوره �إىل حد ما ،على الأقل يف بع�ض املناطق الريفية (كح�ضرموت)، ظل احل���زب ال�شعب���ي الدميقراطي الأفغ���اين متقوقع ًا يف �إط���ار ثلة من املثقفني واملتخ�ص�صني احل�ضريني وبع�ض ال�ضباط. ف�ض�ل�اً عن ذلك ،كان اخلالف احلزبي �أك�ث�ر �شدة يف �أو�ساط عنا�صر احلزب ال�شعبي الدميقراطي مما كان عليه احلال يف احلزب اال�شرتاكي اليمني .ومما ال �ش���ك فيه �أنه كانت هناك خالفات وا�ضحة بني جناحي احلزب اال�شرتاكي يف ال�شمال واجلنوب ،لكن مت على الأقل تهدئة معظم تلك اخلالف���ات �أم���ام املقاومة امل�شرتكة �ض���د الربيطاني�ي�ن �أيام جبهة التحري���ر القومي���ة .ورغم التناف����س الذي متخّ �ض عن���ه يف النهاية عنف �شدي���د عام 1979ب�إعدام �س���امل رُبيّع علي واحلرب الأهلية املفتوحة عام ،1986لكن ه���ذه الأحداث �ساعدت �إىل حد ما ،وب�شكل غري متوقع ،على ق�ضت م�ضجع �إنه���اء النزعة الفئوية املثرية للخ�ل�اف احلزبي التي طاملا ّ احل���زب اال�شرتاك���ي ،و�إىل ح���د كب�ي�ر طهّرت ه���ذه التقلب���ات الداخلية العنيفة احلزبَ من �شوائب التيارات احلزبية املتناف�سة ،حتى �أنه عندما ح���ل وقت الوح���دة كان معظم من تبقى من عنا�ص���ر احلزب اال�شرتاكي اليمن���ي ،بطريق���ة �أو ب�أخرى ،مرتبط��� ًا بالإرث ال�سيا�س���ي والأيديولوجي الذي تركه عبد الفتاح �إ�سماعيل. وم���ن ناحية �أخرى ،كانت جذور اخلالفات احلزبية يف �أو�ساط �أع�ضاء احلزب ال�شعبي الدميقراطي �أعمق مقارنة مبا كان عليه احلال يف احلزب اال�شرتاكي اليمني ،حيث مل تكن التحزّبات نتاج االختالف الأيديولوجي فح�س���ب بل واالختالف اللغوي والعرقي والطبقي .عالوة على ذلك ،ف�إن العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
51
اليمن والعامل
حتليالت
ت�أ�سي�س حزبي خلق وبر�شم املختلفني كل االختالف عن بع�ضهما بقيادة طرق���ي وكارمل على التوايل بعد عام 1967ج���ذّر اخلالف احلزبي ،ما خل���ق يف نهاية املطاف �صدع��� ًا ي�صعب ر�أبه .ورغم اجله���ود ال�سوفيتية وا�صل احلزب���ان احلفاظ على هويتهما التنظيمي���ة ككيانني منف�صلني، حتى حتت قناع الوحدة الزائف الذي فر�ضه ال�سوفيت عام .1977 �أخ�ي�راً ،تفاوت���ت درج���ة التغلغ���ل املجتمع���ي �إىل ح���دٍّ كب�ي�ر �أي�ض��� ًا ب�ي�ن احل���زب اال�شرتاك���ي اليمني واحلزب ال�شعب���ي الدميقراط���ي تراجعت اجلهود املبذولة لتبنّي الأفغ���اين .ف����إىل جان���ب املب��ادئ اال�ش�تراكية يف اليم��ن ال�شرعي���ة التي نالها احلزب بحل��ول الثمانينيات ،وا�س��تطاع اال�شرتاك���ي ع���ن طري���ق النظ��ام البق��اء يف الأ�س��ا�س الن�ض���ال التح���رري ،وكذلك لأن��ه تقب��ل بوج��ود املجتم��ع عالق���ات الرتاب���ط الت���ي الالمركزي القبلي امل�سلح ر�سخها مع �أبناء الأرياف يف اجلن���وب بوا�سط���ة الروابط القبلي���ة ،مل يتخ���ذ احل���زب خطى جادة بخ�صو�ص دور الإ�س�ل�ام .وهذا الأمر تناق�ض ب�شكل �صارخ م���ع الهج���وم �شبه التام الذي ق���ام به عنا�صر حزب خل���ق �ضد الإ�سالم خ�ل�ال الف�ت�رة � .1989 - 1978إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك ،فق���د حق���ق احل���زب اال�شرتاكي جناح ًا كبري ًا يف عملية بناء تنظيمات احلزب التي تغلغلت يف �أو�س���اط ال�سكان ،على الأقل باملقارنة مع احلزب ال�شعبي الدميقراطي. ويف فرتة الثمانينيات �أ�صبح %3.5من �أبناء اجلنوب �أع�ضا ًء يف احلزب اال�شرتاك���ي ،يف حني كان �أع�ضاء احل���زب ال�شعبي الدميقراطي يمُ ثلون �أقل من واحد يف املائة من �أبناء ال�شعب الأفغاين البالغني. وله���ذا ،فيمكننا الق���ول ب�صورة ن�سبية �إن احل���زب اال�شرتاكي اليمني كان �أك�ث�ر “تنظيماً” بفارق كبري مقارن ّة باحلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغ���اين قبل التغريات الكربى التي طر�أت ع���ام .1991وكان لهذا دور كبري يف تف�سري ما حدث خلليفتي احلزبني يف �أعقاب خ�سارتهما لل�سلطة يف عقد الت�سعينيات من القرن الع�شرين.
احل��زب اال�ش�تراكي اليمن��ي واحل��زب ال�ش��عبي �سلك االحتاد الدميقراط��ي الأفغ��اين منذ 1986
ال�سوفيتي م�سلك ًا جديد ًا يف عالقاته مع الغرب بعد ،1985الأمر الذي كان له �أثر عميق على النظام�ي�ن املارك�سيني اللينيني يف اليمن و�أفغان�ستان. فف���ي اليم���ن �أدى تن�صي���ب عل���ي �س���امل البي����ض ك�أم�ي�ن ع���ام للحزب اال�شرتاك���ي اليمني ،م�صحوب ًا بالتغيريات الت���ي حدثت يف مو�سكو� ،إىل �إ�س���راع اخلطى باجتاه توحيد �شط���ري اليمن ال�شمايل واجلنوبي ،حيث متخ�ض ع���ن املفاو�ضات عام « 1981د�ستور م�ؤق���ت» لليمن املوحد ،لكن كال اجلانب�ي�ن رف�ض قب���ول م�سودة الد�ست���ور .ويف �أيلول�/سبتمرب 1989 52
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
انعق���د اجتم���اع قمة يف �صنع���اء ،وبحلول ت�شري���ن الثاين/نوفمرب 1989
(نف�س ال�شهر الذي �سقط فيه جدار برلني) �أعلن رئي�س اليمن ال�شمايل علي عبد اهلل �صالح وعلي �سامل البي�ض يف عدن �أنه �سيتم تنفيذ اتفاقية الوحدة التي يعود تاريخها �إىل عام 1981بحلول عام .1990وفع ًال متت الوحدة ب�شكل ر�سمي يف � 22أيار/مايو .1990 بعد ذلك مت تقا�سم ال�سلطة بالت�ساوي بني قادة ال�شمال وقادة اجلنوب، فت���وىل عل���ي عبد اهلل �صالح من�ص���ب رئي�س اليمن املوح���د و�أ�صبح علي �س���امل البي�ض نائب ًا له ،بينما مت تعي�ي�ن العطا�س الذي كان رئي�س اليمن اجلنوب���ي ورئي�س هيئ���ة رئا�سة جمل�س ال�شع���ب الأعلى رئي�س��� ًا للوزراء. ومبوج���ب االتفاقي���ة ت�شارك املنا�ص���ب الوزارية بالت�س���اوي ممثلون من كال ال�شطري���ن ،وتبن���ت كل وزارة نظام تعيني مت���زن ،بحيث على �سبيل املث���ال �إذا كان الوزير من ال�شمال يكون نائبه من اجلنوب .ويف اجلانب الع�سك���ري كان وزير الدفاع م���ن �أبناء اجلنوب ورئي����س الأركان العامة من ال�شمال. ويف �أيار/ماي���و � 1991أُقِر الد�ستور املق�ت�رح من خالل عملية ا�ستفتاء. ويف ني�سان�/أبريل 1993عُ قدت �أول انتخابات عامة يف اليمن تناف�س فيها املر�شح���ون على 301مقعد ًا نيابي ًا لق�ضاء ف�ت�رة �أربع �سنوات يف جمل�س الن���واب .وقد ح�صل امل�ؤمتر ال�شعبي العام ،احلزب احلاكم بقيادة علي عبد اهلل �صالح ،على �أغلبية املقاعد التي بلغت 123مقعداً� .أما احلزب اال�شرتاك���ي فقد ح�ص���ل على 56مقع���د ًا فقط ،فهبط م���ن مرتبة ثاين �أك�ب�ر حزب يف البلد �إىل ثالث �أكرب حزب ،و�أ�صبح حزب الإ�صالح حمل احلزب اال�شرتاكي بح�صوله على 62مقعداً .ثم قرر احلزب اال�شرتاكي التخل���ي عن املب���ادئ اال�شرتاكية يف اجتماع جلنت���ه املركزية ،لكن هذا القرار قُوبل باالنتقاد من قبل الكثري من العنا�صر الي�سارية يف احلزب. ويف برناجم���ه االنتخاب���ي ع���ام � 1993أعلن احلزب �أن هدف���ه الأ�سا�سي ه���و ت�شجيع الوح���دة الوطنية واملب���ادئ الدميقراطية وحتقي���ق العدالة االجتماعي���ة ،و�أعترب القبلية م�شكلة (على عك����س امل�ؤمتر ال�شعبي العام الذي �أثنى عليها بو�صفها «العائلة املمتدة») ،معلن ًا يف حملته عام 1993 �أنه يبحث عن «�إيجاد حل مل�شكلة الت�سلط القبلي والفو�ضى الناجمة عن ذل���ك» .وعل���ى عك�س حزبي امل�ؤمت���ر والإ�صالح اللذين اعت�ب�را الإ�سالم جوه���ر احلي���اة� ،سعى احلزب اال�شرتاك���ي �إىل �إيجاد جامع���ة �إ�سالمية فقط يف اليمن. لكن اخلالف���ات التي ا�شتعلت يف �أو�ساط عنا�ص���ر احلزب اال�شرتاكي بني �أن�ص���ار اجلناح الي�ساري بقيادة علي البي����ض وبني العنا�صر الأكرث اعت���دا ًال املتبنني �سيا�سة اال�سرت�ضاء بقي���ادة جار اهلل عمر �أعاقت عقد م�ؤمتر احلزب .ث���م �أدت الإ�شكاالت ال�سيا�سية ب�ي�ن احلزب اال�شرتاكي والإ�ص�ل�اح وكذلك امل�ؤمتر ال�شعبي الع���ام �إىل �سل�سلة من عمليات القتل واالغتي���ال للم�سئول�ي�ن يف احلزب اال�شرتاكي ،وبل���غ الأمر ذروته عندما رف����ض نائب الرئي�س عل���ي �سامل البي����ض ت�أدية واجبات���ه وان�سحب �إىل مدين���ة عدن .وعل���ى �إثر ذلك �إنطلق���ت مبادرات و�ساطة حل���ل الأزمة،
غ�ي�ر �أن املناو�ش���ات ا�ستمرت ب�ي�ن وح���دات اجلي�ش ال�شم���ايل واجلي�ش اجلنوب���ي ،واندلعت ح���رب �أهلية يف �أيار/ماي���و .1994وقد ان�ضم رئي�س الوزراء العطا�س وغريه من العنا�صر القيادية يف احلزب �إىل قوات نائب الرئي�س البي�ض ال���ذي كان يف عدن و�أعلن عن ا�ستقالل جمهورية اليمن الدميقراطية اجلديدة يف اجلنوب. لك���ن معظم �أع�ضاء احلزب اال�شرتاكي رف�ض���وا االن�ضمام �إىل البي�ض وف�ضلوا البقاء يف �صنعاء .ويف اجلنوب رف�ض القادة يف �أبني وح�ضرموت ّ وبع����ض املحافظات الأخرى منا�صرة جماع���ة البي�ض .ويف نهاية املطاف متكن���ت قوات الرئي����س �صالح من التغل���ب على قوات البي����ض يف ميدان املعرك���ة ،وف ّر البي����ض يف متوز/يولي���و � 1994إىل �سلطن���ة عُ مان كالجئ �سيا�س���ي ،وبه���ذا انتهت احل���رب التي دام���ت �شهري���ن وا�ضطر احلزب اال�شرتاك���ي �إىل ت���رك حكوم���ة االئت�ل�اف ومت اال�ستيالء عل���ى ممتلكاته مبا فيها مبنى مق���ره احلزبي .و�سُ مِ ح لأع�ضاء احلزب الربملانيني الذين معظمهم قياديني يف احلزب ( 53من )56مبوا�صلة �أن�شطتهم ال�سيا�سية والبقاء يف جمل�س النواب كونهم اختاروا املكوث يف �صنعاء خالل الأزمة ال�سيا�سية. ومن���ذ 1994واحلزب اال�شرتاكي اليمني يعاين م���ن االنق�سامات نظر ًا للخالف���ات الأيديولوجية واملناطقية امل�ستم���رة .وبعد مغادرة البي�ض �إىل عمان حل حمل���ه علي �صالح عباد (مُقبِل) الذي اختار البقاء يف �صنعاء �أثن���اء ح���رب 1994الأهلية .وق���د تبنّى عُ باد وبع����ض املتم�سكني باحلزب اال�شرتاكي م���ن �أبناء �شبوة وح�ضرموت و�أبني (ممن كانت لهم عالقات بالبي����ض) �سيا�سة مقاطع���ة االنتخابات ،راف�ضني التخاط���ب مع الدولة ومعار�ض�ي�ن �أي تغي�ي�ر يف �أيديولوجية احلزب .وقد كان لعلي �صالح عُ باد دور يف تنظي���م مظاهرات احلزب اال�شرتاكي ع���ام 1997يف املكال ودعا �إىل مقاطعة انتخابات 1997الربملانية. وم���ن ناحي���ة �أخ���رى ،كان من �ضم���ن الإ�صالحي�ي�ن داخ���ل املجموعة القيادي���ة الراحل جار اهلل عمر والدكتور �سي���ف �صائل ،وهما من �شمال اليم���ن .وهذه املجموعة �أيدوا بفعالي���ة �إ�شراك ال�شباب والن�ساء و�ضمهم �إىل جمموع���ة القي���ادة ،كما �أيدوا التخفيف م���ن �أ�سلوب احلر�س القدمي للحزب ،و�شجعوا تبني لغة خطاب �سلمية مع الدولة لكي ي�ستعيدوا مكانة وممتل���كات احل���زب املفقودة ،وعمل���وا على جتدي���د �أيديولوجية احلزب و�أي���دوا االن�ضم���ام لال�شرتاكية الدولية .ويعترب ج���ار اهلل عمر �شخ�صية ذات �أهمي���ة خا�صة يف عملية تطور احل���زب اال�شرتاكي منذ عام .1994 وجار اهلل عمر من �أبناء ال�شمال وولد عام 1942يف قرية كهال مبحافظة �إب ،ويف �شباب���ه د َر����س الفق���ه الإ�سالمي يف ذمار .وخ�ل�ال فرتة احلرب الأهلي���ة يف ال�شم���ال ( )1968 - 1962تعر����ض ج���ار اهلل لالعتقال نظر ًا ملواقفه ال�سيا�سي���ة الي�سارية ،واطلع �أثناء �إقامت���ه يف ال�سجن على الفكر املارك�س���ي ،وعندما خرج من ال�سجن ع���ام 1968جل�أ �إىل اجلنوب ،ومن هناك ق���اد فرقة املغاوير التابعة لقوات الدفاع الوطني يف ال�شمال ،وهي خليط من خم�س فرق منف�صلة خُ �ص�صت للإطاحة باحلكومة الع�سكرية
يف �صنع���اء ،لكن���ه ا�ضطر للفرار �إىل اجلنوب يف ف�ت�رة ال�سبعينيات .ويف الثمانيني���ات �أرتق���ى �إىل املكت���ب ال�سيا�سي للحزب اال�شرتاك���ي اليمني، وربطت���ه عالقة بجناح عبد الفتاح �إ�سماعي���ل ،وان�ضم �إىل جانب البي�ض يف ح���رب 1986الأهلي���ة .لكن���ه تخلى ع���ن البي�ض يف ح���رب 1994كونه كان معار�ض��� ًا لفك���رة االنف�صال الت���ي تبناها البي�ض .وم���ع ذلك ف ّر �إىل خ���ارج البلد عام 1994ومل يعد �إال بعد �سنة .ونظر ًا ملكانته وكونه يحظى باحرتام وا�سع بني �صف���وف عنا�صر احلزب واملعار�ضة ،فقد كان له دور مهم يف التو�صل �إىل حتالف 2002بني احلزب اال�شرتاكي اليمني وحزب الإ�صالح .وقد اغتيل جار اهلل عمر عام 2002وهو يُلقي خطاب ًا يف م�ؤمتر حلزب الإ�صالح (تقول امل�صادر الر�سمية �أن ذلك مت على يد علي اجلار اهلل� ،أحد الإ�صالحيني ،لكن الإ�صالح �أنكر ذلك ب�شدة). وبالإ�ضاف���ة �إىل تلك االختالفات الأيديولوجي���ة ،كانت هناك خالفات مناطقية وقبلي���ة يف �أو�ساط عنا�صر احلزب اال�شرتاكي .وقد ذكر حزام اليمن���ي م���ا ال يقل عن ث�ل�اث جماعات مناطقية خمتلف���ة ،وهي ف�صائل ت�شابه العنا�صر املحافظة والإ�صالحية داخل احلزب اال�شرتاكي .ومنها اجلماع���ة الثقافية/الفكرية ال�شمالي���ة� ،أو �أولئك الذين �أتوا من ال�شمال للعم���ل يف م�ص���ايف �شركة الب�ت�رول الربيطاني���ة ( )BPيف اجلنوب �أثناء حقب���ة االحت�ل�ال الربيطاين (من �أمث���ال عبد الفت���اح �إ�سماعيل) .وكان �أغل���ب ه����ؤالء الأع�ضاء ،مث���ل جار اهلل عم���ر ،عنا�صر قيادي���ة يف جبهة التحري���ر القومي���ة� .أم���ا اجلماعة الثاني���ة فقد كانت اجلماع���ة الفكرية اجلنوبي���ة (�أو احل�ضرمي���ة) فقد ارتبطت ب�شخ�صي���ات كالبي�ض وعباد. واجلماعة الثالثة هي اجلماعة الع�سكرية القبلي���ة اجلنوبية، و�ضمت عنا�صر قبلية تقليدية ق���ادة احل���زب يف �أفغان�ستان مت�شددة من �أبناء املحافظات مل ي��خ��ت��ل��ف��وا �أي��دي��ول��وج��ي�� ًا ً فح�سب بل �أي�ضا حول م�سائل اجلنوبي���ة (حل���ج؛ ال�ضال���ع؛ عرقية وطبقية ،ومل متثل ياف���ع) .واحت���ل عنا�صر هذه الأيديولوجيا العامل الوحيد، اجلماع���ة منا�صب رئي�سية يف ورمبا مل تكن الأهم ،يف اخلالف اجلي����ش اجلنوبي ،وم���ا زالوا بني حزب خلق وحزب بر�شم موجودي���ن بق���وة يف �صف���وف احل���زب اال�شرتاك���ي .وغالب ًا ما تخلق هذه اجلماعة توازن ًا ب�ي�ن العنا�ص���ر الإ�صالحي���ة ال�شمالية والعنا�صر املُحافِظة اجلنوبية. ومن���ذ امل�ؤمتر احلزب���ي الرابع للحزب اال�شرتاكي اليمن���ي (الذي عُ قِد يف ت�شري���ن الثاين/نوفمرب 1998و�آب�/أغ�سط����س )2000بدا �أن اجلناح الإ�صالح���ي ه���و �صاح���ب الي���د العلي���ا يف ال�ص���راع داخل احل���زب ،ومت تبنّي برنام���ج حزبي �سيا�سي جديد �أظهر في���ه احلزب اال�شرتاكي هوية دميقراطية اجتماعية ،و�أعل���ن نف�سه «حزب ًا دميقراطي ًا ينا�ضل من �أجل العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
53
اليمن والعامل
حتليالت جدول ( :)2املقاعد التي ح�صل عليها احلزب الإ�شرتاكي اليمني يف االنتخابات الربملانية العامة ( )2003 – 1993يف ال�شمال واجلنوب املقاعد احلا�صل عليها يف االنتخابات الربملانية عام 1993
املقاعد احلا�صل عليها يف االنتخابات الربملانية عام 1997
املقاعد احلا�صل عليها يف االنتخابات الربملانية عام 2003
يف ال�شمال
15
0
1
يف اجلنوب
41
0
7
54
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
عبدالفتاح �إ�سماعيل
Life, Google
بناء دولة دميقراطية حديث���ة ،ترتكز على مبادئ الد�ستور ،ويُعزز فيها االنتخاب���ات املحلية �سنة 2001ح�ص���ل احلزب على عدد من املقاعد يف دور امل�ؤ�س�س���ات ،و ُيق���ام احلكم املحل���ي الدميقراطي ،وي�س���ود القانون ،املجال����س املحلية عل���ى م�ستوى املحافظات واملديري���ات (�أنظر اجلدول ويت�س���اوى املواطنون يف احلق���وق والواجبات ،وتُ�صان حق���وق الإن�سان ،رق���م ،)3كم���ا ح�ص���ل عل���ى � 227.223صوت��� ًا ( %3.85م���ن الأ�صوات) وتزده���ر م�ؤ�س�س���ات املجتمع امل���دين» .ويف اجلول���ة الثانية م���ن امل�ؤمتر وثماني���ة مقاعد (من �أ�صل )301يف االنتخاب���ات الربملانية التي عُ قدت العام الذي عُ قد يف �آب�/أغ�سط�س 2000حدث تغري قيادي كبري ل�صالح يف ني�سان�/أبري���ل �( 2003أنظ���ر اجل���دول رقم .)2وما م���ن �شك يف �أن العنا�ص���ر الإ�صالحية ،وذلك عندما ترقّ���ى جار اهلل عمر و�سيف �صائل م���وت جار اهلل عمر ق���د خلّف �أثر ًا بعيد املدى عل���ى احلزب اال�شرتاكي �إىل نائب���ي �أم�ي�ن عام ،ال يفوقه���م �سوى عباد .وك�إ�ش���ارة قبول للعنا�صر اليمن���ي .ويف �أيار/مايو � 2003أ�صدر الرئي�س �صالح عفو ًا عام ًا عن قادة املُحافِظة ،اُنتخِ ب علي �سامل البي�ض وحيدر �أبو بكر العطا�س ك�أع�ضاء يف مت���رد - 1994علي �سامل البي�ض وحيدر العطا�س و�أربع ع�شرة قيادي ًا يف احلزب ،داعي ًا �إياهم للعودة من املنفى يف الإمارات العربية املتحدة �إىل اللجنة املركزية ،يف حني مت �إخراج �أع�ضاء �آخرين عنو ًة من اللجنة. ومنذ 1994بد�أ احلزب اال�شرتاكي اليمني يعود �إىل ال�ساحة ال�سيا�سية� ،أر�ض الوطن .لكن عودتهم جميع ًا ك�أع�ضاء يف اللجنة املركزية قد تُعمّق وي ّدع���ي الآن �أن لدي���ه 300.000ع�ض���و ،و�أن الإن���اث مي ّثل���ن %25 - 20ال�صراعات الداخلية يف �صفوف احلزب اال�شرتاكي اليمني. عل���ى غ���رار ما ح���ل يف احل���زب اال�شرتاك���ي اليمن���ي ،ظل���ت الفئوية م���ن �أع�ضائ���ه� ،أما ما ن�سبت���ه %65 - 60فهم حتت عم���ر الثالثني �سنة. وباعتب���اره كان احلزب احلاك���م يف ظل جمهورية اليم���ن الدميقراطية احلزبية املث�ي�رة للخالف الداخلي مع�ضلة كبرية �أي�ض ًا بالن�سبة للحزب ال�شعبي���ة (اليمن اجلنوب���ي) �سابقاً ،ال زال احل���زب اال�شرتاكي اليمني الدميقراط���ي ال�شعب���ي الأفغ���اين خالل ف�ت�رة كارم���ل ،وا�ستمر احلال يج���ذب �أغلبية عنا�ص���ره من �أبناء اجلن���وب .ويف انتخاب���ات 1993بعد بع���د �أن �أخ���ذ مكان���ه الدكت���ور جنيب اهلل حمم���د ،ع�ضو ح���زب بر�شم الوح���دة حق���ق احلزب اال�شرتاك���ي جناح ًا لأب�أ�س ب���ه بح�صوله على 56ال���ذي تر�أ����س �إدارة املخاب���رات الأفغاني���ة (خدمات �إطالع���ات دولتي مقع���د ًا من �أ�صل 301مقعد ًا نيابي���اً ،معظمها يف اجلنوب (�أنظر جدول ،)Khadamate Ettelaate Dowlatiوه���ي م�صلح���ة للبولي����س ال�سري. رق���م .)2ويف عام 1997قررت العنا�ص���ر املُحافِظة ،التي كانت ت�سيطر وقد كان لنجي���ب اهلل ،وهو ب�شتوين من قبيلة غيلزَ ي مثل طرقي و�أمني، عل���ى قيادة احلزب �آنذاك ،مُقاطَ عة االنتخاب���ات النيابية ،احتجاج ًا يف عالق���ات مع �أع�ضاء حزب بر�شم منذ بداي���ة مهنته العملية ،وقد حظي الأ�سا�س على قمع احلزب بعد حرب 1994واحلكم غيابي ًا على قادة من الحق ًا ب�سمعة كرئي�س مُتمكّن وقا�سي جلهاز اال�ستخبارات .ولكونه طبيب ًا �أمثال البي����ض بالإعدام .وكان هذا الأمر خط����أً ا�سرتاتيجي ًا فادحاً� ،إذ مل تك���ن لديه �سوى خربة قليلة يف كيفية احل�صول على الدعم احلزبي. مل يكن ل���دى احلزب اال�شرتاكي ممثلني وال موارد (فقد متت م�صادرة وق���د ظل الكثري من عنا�صر حزب بر�شم يدعمون كارمل رغم ان�سحابه معظ���م ممتلكات احل���زب من قب���ل الدولة بع���د التم���رد املُجهَ�ض عام �إىل مو�سكو عام .1987ويف بادئ الأمر قاوم �أن�صار كارمل تعيني جنيب ،)1994واختار الكثري من كوادر احلزب (خا�صة املوالني ال�سابقني لعلي اهلل ،و�أج�ب�روه على تق�سيم �سيا�ساته ب�ي�ن كل ما قد ي�ؤيده �أع�ضاء جناح نا�صر حممد) االن�ضمام �إىل �صفوف حزب امل�ؤمتر ال�شعبي العام. بر�ش���م وي�ستطي���ع تلبيته وب�ي�ن التحالف���ات التي ي�ستطيع الف���وز بها من ونظ���ر ًا لل�ضع���ف ال���ذي حلق باحل���زب اال�شرتاك���ي نتيج���ة امل�ضايقة عنا�ص���ر حزب خلق ،وفيم���ا بعد من ال�سيا�سيني غ�ي�ر املُتحزبني .ورغم احلكومي���ة له واخل�سائر يف الأع�ض���اء� ،سعى احلزب يف � 1998إىل تغيري النجاح الن�سبي الذي حققه جنيب اهلل يف مفاو�ضاته مع زعماء القبائل اجتاه م�ساره ال�سيا�سي .فبع���د املكا�سب الإ�صالحية التي حتققت داخل الب�شتوني���ة لالن�سحاب من املقاوم���ة ،ف�إنه يعترب ب�ص���ورة عامة �صنيعة احلزب ،والتي تلتها حركة بقيادة جار اهلل عمر لت�شكيل ق�ضية م�شرتكة ال�سوفي���ت ،ومل يك���ن اختي���اره من قب���ل الأخريين �إال لنجاح���ه الوا�ضح يف �إدارة املخاب���رات الأفغانية مع الأحزاب املعار�ضة (كحزب ) جدول ( :)3نتائج االنتخابات املحلية (2001 ( ،)KHADبكف���اءة �أكرث من الإ�ص�ل�اح) ،ب���د�أ احل���زب ً 16 426 ( املحافظات م�ستوى على ) ا مقعد غريه من عنا�صر نظام احلزب اال�شرتاك���ي ي�ستعي���د بع����ض ما 218 على م�ستوى املجال�س املحلية يف املديريات ()6734 ال�شعبي الدميقراطي .وبهذا ال فقده من قاع���دة �سيا�سية .ويف
علي نا�صر حممد
ميكنن���ا الق���ول �إن تعيينه مل يك���ن يف الأ�سا�س نتيج���ة ال�سيا�سة الداخلية للح���زب مثلما كان علي���ه احلال يف املا�ض���ي ،لكنه بالأح���رى كان نتيجة مبا�شرة لل�ضغط ال�سوفيتي. ورغم ه���ذا كله ،فقد كان جنيب اهلل �أكرث فعالية من �أ�سالفه يف �إقامة بع�ض الروابط بني الدولة واملجتمع .ويف �أيلول�/سبتمرب 1986قام ب�إن�شاء “جمعي���ة الت�سوية الوطني���ة” للتوا�صل مع خ�صوم النظ���ام .ويف ت�شرين الثاين/نوفمرب �أُ�ستُبدِ ل كارمل كرئي�س ر�سمي بالع�ضو غري احلزبي حجي حممد �سامكاين ،يف �إ�شارة �إىل رغبة احلزب الدميقراطي لفتح احلكومة �أمام العنا�صر غري املارك�سي���ة ،وكُ�شف النقاب عن برنامج “للم�صاحلة َ����ض وقف ًا لإطالق النار ملدة �ست���ة �أ�شهر وخو�ض حمادثات الوطني���ة” عَ ر َ تف�ض���ي �إىل حكومة ائتالفية ممكنة� .إ�ضافة �إىل ذلك� ،أقرتح جنيب اهلل منح قوات املقاومة حق االحتفاظ باملناطق التي ت�سيطر عليها .وب�صورة �أدق اتبع���ت حكومة جنيب اهلل �أ�سلوب اال�سرت�ض���اء مع قادة املجاهدين اليائ�س�ي�ن مم���ن �سيوافق���ون على التع���اون للعم���ل كملي�شي���ات حكومية. وبالفعل ت���وىل قادة جماهدين �سابقني قيادة �أف�ض���ل القوات احلكومية، وكان م���ن بينهم عبد الر�شيد دو�ستم (ال���ذي يحظى حالي ًا ب�سمعة �سيئة باعتباره �أحد لوردات احلرب يف �أفغان�ستان ما بعد طالبان). وقد �أكد جني���ب اهلل لأع�ضاء احلزب (خا�صة عنا�صر جناح خلق) �أنه لن يقبل ب�أي م�ساومة جتاه “منجزات” ثورة �ساور .وجنحت �إ�سرتاتيجية جنيب اهلل املتعلقة بامل�صاحلة الوطنية يف نيل �إعجاب املثقفني واملقيمني يف امل���دن ،كم���ا زادت من عدد ق���وات امللي�شي���ا التي ميك���ن �أن تُ�ستخدم للدف���اع ع���ن النظام .لك���ن الأهم م���ن هذا كل���ه� ،أنها كان���ت عبارة عن و�سيلة لك�سب الوق���ت من �أجل اال�ستعداد حلرب �أهلية بعد رحيل القوات ال�سوفيتية� .أ�ضف �إىل ذلك� ،أعلن جنيب اهلل يف امل�ؤمتر احلزبي املنعقد يف متوز/يوليو � 1990أن احلزب ال�شعبي الدميقراطي �سينبذ كل املفاهيم املارك�سية اللينينية وغيرّ ا�سمه �إىل “حزب الوطن”. مهّ���د التوقيع عل���ى اتفاقيات جنيف ب�ي�ن �أفغان�ست���ان وباك�ستان (دون م�شارك���ة املجاهدي���ن يف املفاو�ض���ات) عام ،1988والت���ي �أتفق مبوجبها
جاراهلل عمر
الطرف���ان على عدم التدخل يف �ش�ؤون بع�ضهما ،مهّد الطريق لالن�سحاب الع�سك���ري ال�سوفيتي الذي اكتم���ل بالفع���ل يف � 15شباط/فرباير .1989 وكان���ت توقّعات معظم املراقبني ،ال�سوفي���ت والغربيني� ،أن نظام احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي/ح���زب الوط���ن يف كابول �سينه���ار ب�سرعة .ولكن �سرع���ان ما تبخ���رت هذه التوقع���ات �أمام حقيق���ة االنت�ص���ار الع�سكري للدول���ة على املجاهدي���ن يف معركة جالل �أباد ،وه���و الن�صر الذي �صعق املجاهدي���ن و�أظه���ر مواطن �ضعفه���م الإ�سرتاتيجي���ة والتكتيكية التي مل ي�ستطيع���وا التغل���ب عليها متام��� ًا خالل ال�سن���وات الث�ل�اث التالية .ومن ناحية �أخرى� ،أنع�ش االنت�صار يف معركة جالل �أباد الروح املعنوية لنظام احلزب ال�شعبي الدميقراطي/حزب الوطن كثرياً .وبالتايل جت ّر�أ جنيب اهلل عل���ى ك�شف النق���اب عن وجه احلكوم���ة امل�شرتكة و�أق�ص���ى الوزراء غ�ي�ر احلزبيني من جمل�س الوزراء ،وما ق���وّى موقفه �أكرث قوافل التمويل الع�سك���ري واالقت�صادي املقدمة من االحتاد ال�سوفيتي بعد معركة جالل �أب���اد .وبحلول 1990بلغ مقدار الدعم ال�سوفيتي لنظام جنيب اهلل ثالثة مليار دوالر �سنوياً. لك���ن انهيار االحت���اد ال�سوفيتي عام � 1991أنه���ى كل ذلك الدعم ،ففي الأول م���ن كان���ون الثاين/يناي���ر 1992توق���ف االحت���اد ال�سوفيت���ي ومعه الوالي���ات املتحدة ع���ن تقدمي كل الإعانات التي كان���وا يقدمونها لزعماء احل���رب الأهلية الأفغاني���ة .وبرتكها ع�سكري��� ًا و�سيا�سياً ،ب���د�أت حكومة جنيب اهلل تتداعى بفعل ظهور التناف�سات القدمية داخل �صفوف احلزب نف�س���ه .وكانت هذه االنق�سامات تت�ضمن ب�ي�ن الفينة والأخرى تعاون ًا بني املجاهدين وبع�ض املنتمني للحزب ،ففي �آذار/مار�س 1990تعاون زعيم املجاهدين غُ لب الدين حكمتيار يف حماولة االنقالب التي قام بها ع�ضو حزب خل���ق ووزير الدفاع �شاه نواز تاناي ،لكن االنقالب ف�شل وف ّر تاناي �إىل باك�ستان. وكانت الإ�سرتاتيجية التي اعتمد عليها جنيب اهلل هي حماولة �شراء والء ودعم الكثري من جماع���ات املجاهدين عن طريق تقدمي امل�ؤن والأ�سلحة وامل���ال لهم لي�صبح���وا ملي�شيات تابع���ة للدولة .لكن بحل���ول 1992جفّت العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
55
اليمن والعامل
حتليالت
امل���وارد املالية وتفكك���ت التحالفات .ويف ربي���ع 1992ح�صلت ارتدادات وعملي���ات هروب جماعية من قبل الكثري من امللي�شيات و�ضباط اجلي�ش (م���ن بينهم عب���د الر�شيد دو�ست���م) ،محُ دث ًة خ�س���ارة كارثية يف الروح املعنوي���ة للجي����ش .ويف � 18آذار/مار�س �أعلن جني���ب اهلل عن ا�ستعداده لتقدمي ا�ستقالته من �أجل �إعطاء فر�صة لت�شكيل حكومة م�ؤقتة حمايدة. ويف 17ني�سان�/أبريل ح���اول جنيب اهلل الفرار يف �إحدى الطائرات من كاب���ول ،ولكن جنود دو�ستم امل�سيطرين عل���ى مطار كابول بقيادة �شقيق بابراك كارمل ،حممود برياالي (كان برياالي قائد ًا جلماعة من عنا�صر جن���اح بر�شم الذين تخلوا عن حزبهم لين�ضموا للمجاهدين) منعوه من اله���رب ،فلج�أ جنيب اهلل �إىل مقر بعث���ة الأمم املتحدة يف كابول ومكث هن���اك حتى �أعدمته حركة طالبان ع���ام .1996ويف ني�سان�/أبريل دخل قائ���دا املجاهدين �أحمد �ش���اه م�سعود وعبد الر�شي���د د�ستم �إىل كابول، وبذلك انتهى نظام احلزب ال�شعبي الدميقراطي/حزب الوطن. ماذا ح ّل مبن تبقى من عنا�صر احلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين بعد انهيار نظام احلكم و�إعدام جنيب اهلل يف 1996؟ لقد التحق الكثري منه���م بكتائ���ب املجاهدي���ن ،وعمل بع����ض عنا�صر جناح خل���ق ،خا�صة الع�سكري�ي�ن منهم ،لدى جيو�ش ل���وردات احلرب املختلف���ة ،وبالتحديد مع زعم���اء احلرب الب�شتوني�ي�ن يف اجلنوب .فعلى �سبي���ل املثال ،ان�ضم يف ب���ادئ الأمر �شاه نواز تاناي ،وزير الدف���اع ال�سابق وع�ضو حزب خلق ال���ذي حاول االنقالب �ضد جني���ب اهلل ع���ام � ،1990إىل �صف حكمتيار ومن ثمّ التحق بحركة طالبان .وعندما كان يف باك�ستان منت�صف 1994 �ش���كل تاناي حزب ًا حتت م�سمى «حرك���ة ال�سالم يف �أفغان�ستان» وكان هو قائده .ويقال �إن ه���ذا احلزب زوّد حركة طالبان ب�ضباط مدربني كانوا عنا�صر يف جناح خلق �سابقاً، وخ�صو�ص��� ًا ق���ادة و�أطق���م م�س��تقبل احل��زب ال�ش��عبي فيالق الدبابات ،والطيارين، الدميقراط��ي الأفغ��اين/ وجنود املدفعية. ح��زب الوط��ن وخلفائ��ه احلزبي�ين يظ��ل غري وا�ض��ح يف حني ن�سج عنا�صر حزب �إىل ح��د كب�ير .فق��د تفت��ت خل���ق الآخري���ن عالق���ات ال احلرك��ة وهن��اك القلي��ل من ب�أ����س به���ا مع نظ���ام احلكم التقدم جتاه الوحدة القائ���م ،ومنه���م باب���راك �شن���واري ،الرئي����س ال�سابق لق�س���م �ش����ؤون ال�شب���اب يف احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي بقيادة طرقي و�أم�ي�ن ،والذي هاجر �إىل بي�ش���اور يف باك�ست���ان �شتاء ع���ام 1992حيث ظل متواري ًا ع���ن الأنظار. وق���د �شارك فيما بعد يف ت�أ�س�س جمعية ال�صداقة الأفغانية الباك�ستانية، واُنتخِ���ب ع�ضو ًا يف جمل�س اللوي���ا جريجا ( )Loya Jirgaمن قبل جمل�س �أعيان منطقة نازيان �شيواري التابعة ملقاطعة ناجنار بعد هزمية طالبان وتويل حام���د كرزاي ال�سلطة عام .2002ومن ق���ادة حزب خلق ال�سابق ممن متتع���وا بحق حماية ال�سيا�سيني الكبار يف ظ���ل احلكومة الأفغانية 56
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
احلالي���ة ،حمافظ قندهار ال�سابق نور احلق علومي ،الذي يتمتع برعاية وزي���ر الدفاع حممد قا�سم فهيم .وعلومي هو م�ؤ�س�س التنظيم ال�سيا�سي امل�سمى «احلزب الوطني املوحد الأفغاين». كما ذهب �آخرون ،خا�صة عنا�صر جناح بر�شم� ،إىل املنفى يف البلدان الأوروبي���ة (وعلى وج���ه اخل�صو�ص اململكة املتح���دة وهولندا) .يف حني ف ّر عدد من عنا�ص���ر حزب بر�شم �إىل اخلارج ،وكان من بينهم �سلطان علي ك�شتماند ،رئي�س الوزراء ال�سابق �أثناء حكم بابراك كارمَ ل وجنيب اهلل ،والذي ا�ستقر يف لندن؛ وكذلك �سليمان اليق ،وزير الثقافة ال�سابق وال�شاع���ر الذي كتب كلمات الن�شيد الوطن���ي الأفغاين والذي ا�ستقر يف �أملاني���ا؛ وحممود بري���االي �شقيق باب���راك كارمَ ل ،نائ���ب رئي�س الوزراء �سابق���اً ،والذي ع���اد �إىل �أفغان�ستان عام .2002وبح�س���ب �أحد التقارير فقد ق���ام الرو�س بت�سهيل الع���ودة ملحمود برياالي ،وه���م الذين �شجّ عوا التحال���ف بني حتالف ال�شم���ال و�أع�ضاء احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي �سابق��� ًا (من كال اجلناحني :جن���اح بر�شَ م وجناح خلق) ،وذلك ملواجهة حركة طالبان. لكن ،ب�صورة عامة ،توجد هناك مفارقة بني عنا�صر جناح خلق وجناح بر�ش���م .فبينم���ا ان�ضم �أو حتال���ف �أع�ضاء حزب خلق م���ع طالبان �أو مع زعماء احلرب الآخرين من املجاهدين ،قام �أع�ضاء حزب بر�شم �إىل حد كبري بتنظيم �صفوفهم وهم يف املنفى خارج �أفغان�ستان ،وب�شكل �أ�سا�سي يف الدول الأوروبي���ة والواليات املتحدة .ومن �أكرب التنظيمات ال�سيا�سية التي ظهرت �إىل حيز الوجود ،حزب الوطن الدميقراطي الأفغاين الذي يعمل خارج �أملاني���ا ويعترب خليفة للحزب ال�شعب���ي الدميقراطي/حزب الوطن .وقد قام احلزب ب�إر�سال مبعوثني حل�ضور العديد من امل�ؤمترات الي�ساري���ة الأوروبي���ة منذ ع���ام 1995وحل�ضور م�ؤمت���ر الوحدة اخلا�ص بالي�ساري�ي�ن الأفغ���ان والباك�ستانيني الذي انعق���د يف باك�ستان يف �آذار/ مار����س .1999ويتزعم احلزب حالي ًا حممد عي�س���ى ،وهو �أحد م�سئويل جناح بر�شم �سابق ًا ويعترب من امل�سئولني ال�صغار ن�سبياً. ويف ت�شري���ن الأول�/أكتوب���ر 2002عُ قِ���د م�ؤمت���ر للح���زب يف مدين���ة فرانكف���ورت ب�أملاني���ا ،وفي���ه �أب���دى احل���زب رف�ضه الفك���ر املارك�سي صال دعوته للم�صاحلة الوطنية يف �أفغان�ستان و�إقامة واللينين���ي ،موا� ً دول���ة علماني���ة هناك .وم���ع �أن الإ�س�ل�ام معرتف به كق���وة مهمة يف �أفغان�ستان ،لكن برنامج احلزب ي�صر على «عدم ال�سماح لأي �شخ�ص ب����أن يُ�سيء ا�ستخ���دام الإ�سالم �أو �أي ديانة �أخ���رى من �أجل م�صلحة �شخ�صي���ة» ،ويح���ثّ على �إبقاء الدي���ن بعيد ًا ع���ن ال�سيا�سة واحلكم. وهن���اك حزب �شكلت���ه جماعة �أخرى من عنا�ص���ر جناح بر�شم حتت م�سمى «احلزب الدميقراطي ال�شعبي الأفغاين» بقيادة �سليمان اليق، وه���و حزب من�شق ع���ن حزب الوطن الدميقراط���ي الأفغاين وتدعمه �شخ�صيات من النظام ال�سابق مثل ك�شتماند. وبرغ���م كل ه���ذه الن�شاط���ات ،ف����إن ال�شيوعي�ي�ن الأفغ���ان ال زال���وا منق�سم�ي�ن ب�شدة ،لي�س على منط اخل�ل�اف بني عنا�صر جناحي خلق
وبر�ش���م فح�سب ولكن �أي�ض��� ًا يف مناحي تتعلق بالأجي���ال .فعلى �سبيل املث���ال ،م���ا زال هن���اك توتر يف اجلالي���ة املهاجرة ب�ي�ن عنا�صر جناح بر�ش���م ال�سابقني الكبار م���ن �أمثال اليق وك�شتمان���د وقادة من اجليل اجلدي���د من �أمث���ال عي�سى .ومع ذلك ،مل ي�ستط���ع �أي من التنظيمات ال�شيوعي���ة الالحق���ة – ال حزب خل���ق وال حزب بر�ش���م – �أن يحظى بفر�ص���ة لتنظيم نف�سه علن ًا ا�ستعداد ًا خلو����ض االنتخابات الت�شريعية ع���ام ،2004وذلك ب�سبب احلظ���ر املفرو�ض على الن�شاط���ات ال�شيوعية م���ن قبل حكومة كرزاي يف �شباط/فرباير ،2002والذي عار�ضه احلزب الوطني الأفغاين املوحد ،لكن يف � 25آب�/أغ�سط�س 2003ق�ضت املحكمة العلي����ا يف �أفغان�ست����ان برف�����ض االلتما�س الذي قدّمه احل����زب للمطالبة تكتف املحكمة برف�ض االلتما�س بالت�سجيل لالنتخابات الت�شريعية .ومل ِ ولكنه����ا �أي�ض ًا �أعلن����ت عزمها حماكمة ال�شيوعي��ي�ن ال�سابقني من �أمثال علوم����ي .وله����ذا ال زال الو�ضع يف غاي����ة ال�صعوبة �أم����ام خلفاء احلزب ال�شعب����ي الدميقراط����ي كي يجدوا جم����ا ًال للعمل يف �أفغان�ست����ان ما بعد طالبان.
اخلامتة بعد املقارنة بني جتارب كل من احلزب اال�شرتاكي اليمني واحلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين ،من الوا�ض����ح �أن الأول قد حقق جناح ًا �أف�ضل بكث��ي�ر من الأخري بعد انهيار االحت����اد ال�سوفيتي .وكما �أ�شرنا �سابق����اً ،هناك عدة �أ�سباب وراء ذلك، لع����ل �أهمها قدرة احل����زب اال�شرتاك����ي اليمني على ت�أ�سي�����س موقعه يف �أو�ساط املجتمع اليمن����ي ب�شكل �أف�ضل بكثري من نظريه الأفغاين .ورغم �أن التدخ����ل امل�ستم����ر يف ال�سيا�سة الأفغانية من قب����ل االحتاد ال�سوفيتي �ساهم بالت�أكيد يف �إ�ضعاف و�ض����ع احلزب ال�شعبي الدميقراطي و�أعاق قدرته على �إثبات هويته احلزبية امل�ستقلة عن مو�سكو� ،إال �أن اخليارات التي �سلكها احلزب مل تجُ دِ نفعاً .فمواجهة جناح خلق مع ال�شخ�صيات الديني����ة الإ�سالمية ،وعدم قدرة احلزب ال�شعبي الدميقراطي على مد جذوره االجتماعية �أبعد من قاعدته الفكرية ال�ضيقة ودعمه الع�سكري ال�ضئي����ل ،بالإ�ضافة �إىل اخلالفات احلزبية امل�ؤ�س�سية امل�ستمرة (والتي جتلّت يف املنفى �أي�ضاً) ،كانت كلها �إرها�صات تدل على �أن �سحب الدعم ال�سوفيتي يعني عدم قدرة النظام على البقاء بنجاح .وعلى الرغم من وج����ود دليل على �أنه ال زال يوجد نوع م����ن التعاطف واحلنني عند كثري م����ن الأفغاين يف البالد لأيام نظام حكم احلزب ال�شعبي الدميقراطي، و�أي�ض���� ًا على الرغم م����ن حقيقة ا�ستع����داد الواليات املتح����دة يف الوقت الراه����ن للتعاون مع العنا�صر ال�شيوعية ال�سابق����ة كدروع علمانية واقية �ض����د الفكر الإ�سالم����ي املتطرف ،ف�����إن احلزب ال�شعب����ي الدميقراطي يبق����ى غري فعال �إىل حد كبري ويبدو غري ق����ادر على ا�ستغالل الظروف املتغرية بعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب .2001 �إذن ما هو م�ستقبل كل من احلزب اال�شرتاكي اليمني واحلزب ال�شعبي الدميقراطي/حزب الوطن الأفغاين؟ بالن�سبة للحزب اال�شرتاكي اليمني فم���ازال لدي���ه الكثري من مواطن الق���وة التي ي�ستطي���ع ا�ستغاللها .فهو،
�أوالً ،يعترب احلزب الي�ساري الوحيد يف اليمن و�أيديولوجيته العلمانية ما زالت تروق لبع�ض املثقفني والن�ساء .وهو ،ثانياً ،يظل احلزب الوطني يف جن���وب اليمن ويحظى بدعم قوي يف تلك املناط���ق .وثالثاً ،عمل احلزب كث�ي�ر ًا لتجديد نف�سه بع���د ،1998وحتوّله هذا جعله �أك��ث�ر حترر ًا وحزب ًا دميقراطياً. لكن من ناحية �أخرى ،ال زال احلزب يواجه �أزم ًة مالية حادة ،وا�ضطراب ًا يف القيادة (خا�صة بعد مقتل جار اهلل عمر) ،وت�صدّع ًا مُربِك ًا بني احلر�س القدمي املت�شدد واملُ�صلحني الدميقراطيني الليرباليني ،وعداوة م�ستمرة م���ن قب���ل حكومة حزب امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام .ومع ذل���ك ،من امل�ستبعد �أن يختفي احلزب اال�شرتاكي اليمني من ال�ساحة ال�سيا�سية م��ن امل�س��تبعد �أن يختف��ي يف حلظ���ة م���ن اللحظ���ات، احل��زب اال�ش�تراكي اليمن��ي ب���ل م���ن املحتم���ل ا�ستم���راره م��ن ال�س��احة ال�سيا�س��ية يف كخليف���ة حزب���ي �شيوعي �أكرث حلظة من اللحظات ،باعتباره جناح ًا يف االنتخابات مقارنة يلع��ب دور ًا مهم�� ًا يف جترب��ة بغريه من الأحزاب ال�شيوعية اليمن اله�شّ ة يف الدميقراطية يف العامل الإ�سالمي ،باعتباره االنتخابية يلع���ب دور ًا مهم��� ًا يف جترب���ة اليمن اله�شّ ة يف الدميقراطية االنتخابية. �أم���ا بالن�سبة مل�ستقبل احل���زب ال�شعبي الدميقراط���ي الأفغاين/حزب الوط���ن وخلفائ���ه احلزبيني فه���و غري وا�ض���ح �إىل حد كب�ي�ر .فقد تفتت احلرك���ة وهن���اك القليل من التقدم جت���اه الوحدة (رغ���م بع�ض اجلهود الفات���رة يف ف�ت�رة الت�سعيني���ات) .كم���ا �أن الكث�ي�ر م���ن قيادي���ي احلزب ال�شعب���ي �سابق��� ًا (خا�ص���ة �أن�ص���ار جناح خل���ق) رموا حظهم ب�ي�ن �أيدي زعم���اء احل���رب ،ومن غري املحتم���ل �أن يرتكوا رعاتهم اجل���دد من �أجل الرتوي���ج للدميقراطية االجتماعية يف �أفغان�ستان ما بعد طالبان� .إ�ضافة �إىل ذل���ك ،ف����إن احلكومة اجلديدة يف كابول لي�س���ت متحم�سة �إزاء فكرة ع���ودة �أن�صار احلزب «الطبيعيني» (خا�صة جن���اح بر�شَ م) من املفكرين واملثقف�ي�ن الذي���ن هاجروا بع���د انهيار النظ���ام ع���ام .1992ناهيك عن املعوق���ات القانونية التي تواج���ه ال�شيوعيني ال�سابق�ي�ن يف �أفغان�ستان ،ما خلف �سيا�سي حلزب ال�شعب الدميقراطي. يُ�صعِّب عليهم تنظيم ٍ لك���ن بالنظ���ر �إىل حقيق���ة �أن نظ���ام حكم ك���رزاي يحت���اج �إىل �إداريني م���ن ذوي اخلربة ومثقف�ي�ن متمر�سني لإع���ادة بناء البل���د ،و�أن ال�سيا�سة التي تتبناه���ا الواليات املتحدة حالي ًا تدعم الق���وى ال�سيا�سية يف املنطقة الت���ي ت�شجع الفكر العلماين ،ف�إن هناك فر�ص���ة بنيوية متكن التنظيمات احلزبي���ة من الظه���ور كخلفاء للح���زب ال�شعبي الدميقراط���ي الأفغاين. �أم���ا عن مدى قدرتهم على ا�ستغالل تل���ك الفر�صة ،والقيام بدور بنّاء يف الرقي بالدميقراطية الأفغانية (كما فعل ال�شيوعيون ال�سابقون يف �أوروبا ال�شرقية) ،فما زال يف علم الغيب وي�صعب التكهن به. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
57
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
البحث عن اال�ستقرار يف معظ���م الأقطار العربية مل يكتمل بناء الدولة حت���ى الآن على امل�ستويني امل�ؤ�س�سي القانوين والوظيفي ،وما جنده لي�س �سوى �سلطات ترتاوح بني الإكراه واملرونة تبعاً لظروف كل جمتمع، حي���ث يتم عادة اتخاذ القرارات خارج نطاق امل�ؤ�س�س���ات الر�سمية .كما �أن �ضعف الدولة يحد من قدرتها على النفاذ �إىل �أو�ساط �رشائح املجتمع ،الأمر الذي �أدى �إىل ظهور فراغ متلئه عنا�رص و�سيطة ت�ستفيد من دميومة نظام احلكم ومتار�س نفوذها يف املجتمع نيابة عن ذلك النظام. �أحمد عبدالكرمي �سيف director@shebacss.com
وقد �سمحت �شرعية النظم ال�سيا�سية العربية املت�آكلة على ا�ستمرار الوالءات دون الوطني���ة وه���ي ثانوية و�ضيق���ة الأفق ،يف حني �أدى ف�ش���ل حتقيق التنمية و�ضعف الهيئات التمثيلية �إىل �إقامة قواعد قبلية و�إقليمية وطائفية عمقت من االنق�سام���ات يف �أو�ساط املجتمع ،وهو ما �أ�ضع���ف ال�سلطة املركزية وعزز من ال���والءات املحلية على ح�ساب التما�سك الوطن���ي .وتكون نتيجة هذا الت�شظي وج���ود �أفراد وجماع���ات يف الوظائف احلكومي���ة يقومون بتوجي���ه م�ؤ�س�سات الدول���ة ومواردها وفق ًا لوالءاتهم القبلي���ة واجلهوية .وال عجب �إذن� ،إن كانت الدميقراطي���ة والتعديالت الهيكلي���ة يف اليمن ال تزال متعرثة ،مما ي�ؤدي �إىل وج���ود الدولة بوظيفتها الق�سري���ة وغيابها يف املج���االت الإنتاجية والتوزيعية واخلدمي���ة .واملجتم���ع – باملقاب���ل – ي�سلك م�سل���ك ًا منف�ص�ل�اً ،حيث ف�شلت م�ؤ�س�سات الدولة ال�ضعيفة وقدراتها املحدودة يف ا�ستيعاب املجتمع وتنظيمه. ونظر ًا لتعدد االنق�سامات الداخلية ،عجز املجتمع عن ت�شكيل منظمات مدنية ت�ستطيع ال�ضغط على الدولة من �أجل ال�صالح العام .ويف هذا املحيط ،يتقيد املجتمع بالهويات املت�شظية املبني���ة على �إنتماءات دون وطنية و�ضيقة ،وبهذا ي�صبح �أكرث �إحباط ًا وبعداً. تع���د اليم���ن من �أق���ل دول املنطقة من���واً ،وقد زاد ع���دد �سكانه���ا منذ عام � 1980إىل م���ا يقارب ثالثة �أ�ضع���اف ،حيث ارتفع من 8.4مليون ن�سمة �إىل 23 ملي���ون ن�سمة ،و�إذا ما ا�ستمر معدل النمو ال�سكاين احلايل ف�إان عدد ال�سكان �سيت�ضاعف خالل الع�شرين ال�سنة املقبلة .وتعترب تبعات البنية التحتية ،التي
ترتك���ز ال�سلط���ة يف �أي���دي ت��وازن ال�س��لطات اجلهات التنفيذية ،حيث ت�ضمن الرتتيبات امل�ؤ�س�سية �إ�شراك �أطراف عديدة
illiams
�أحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير ،واملدير التنفيذي ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.
م���ع ال�سلطة التنفيذية يف كل الق���رارات املهمة .ويف ظل غياب الف�صل الوا�ضح بني ال�سلطات تفلت الكثري من �أعمال ال�سلطة التنفيذي���ة م���ن الرقابة ،وه���و ما �أنت���ج ثقافة �سيا�سي���ة تُظهر �سم���ات تركيز ال�سلط���ة على م�ست���وى الوزارة والهيئ���ة العامة والدائرة (ع���دم ال�شفافية؛ الالم�سئولي���ة؛ الف�ساد؛ احل�صانة غري القانونية من امل�ساءلة). والطريقة التي مُتار�س بها ال�سلطة يف اليمن لها تبعات مهمة عل���ى عملية �صنع الق���رار ،الأمر الذي جعل م���ن ال�صعب على نظ���ام احلكم �أن يتعامل مع حتديات املدى البعيد ذات الطابع الإ�سرتاتيج���ي .وامل�شكلة احلقيقي���ة ال تكمن يف عدم معرفة ما ه���و مطلوب القيام به ،ولك���ن يف نوعية الدوافع واحلوافز التي تواج���ه من لهم �سلطة ونفوذ ومتنعهم م���ن الرُّقي �إىل م�ستوى التحدي بعك����س التوجهات احلالية .وقد و�صفت ذلك باخت�ص���ار �سارة فيليب����س يف قولها« :يعترب نظ���ام املح�سوبي���ة يف الأ�سا����س طريق���ة لإدارة الأزم���ات – وه���ي طريق���ة جي���دة الحت���واء الأزمات �أو عل���ى الأقل ح�صرها، ولكنه���ا غ�ي�ر كافي���ة ال�ستب���اق الأزمات من خ�ل�ال و�ض���ع ال�سيا�س���ات البديل���ة .فحل���ول امل�شاكل تكون من خالل توزيع املوارد والفوائد واملكانات ،وطريقة جذب ه���ذه الأ�شياء هو عن طريق خلق الأزمة ومن ثم اخلو�ض يف مفاو�ضات مع القيادة للتو�صل �إىل حل». وم���ن الأو�ضاع الت���ي خلقتها الوح���دة وجود قطاع ع���ام مكت���ظ ،فم���ع وج���ود ح���وايل 800.000وظيف���ة حكومي���ة جن���د �أن تكلفة قوة عمل به���ذا احلجم �شيء مذه���ل .لكن ه���ذا �أدى �إىل خل���ق قطاع ع���ام مت�ضخم م���ع مهارات متوا�ضعة ،وبالتايل ظل���ت القدرات الإدارية متدني���ة وامل�ؤ�س�س���ات ال تعم���ل يف الغال���ب �إال بطريقة ردة الفع���ل للأزم���ات النا�شئة .وبذل���ك ال�سائ���د احلفاظ على الإ�ستقرار من خ�ل�ال املح�سوبية واالختيار ،وهذا الو�ضع هو م���ا يفر�ض الرتكيز التكتيكي ق�صري املدى ويعيق م�شروع بناء الدول���ة القادرة عل���ى معاجلة التحدي���ات الإ�سرتاتيجية ،وهي حتديات حقيقية وتزداد منواً. Paul W
58
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ه���ي يف الأ�صل �ضعيفة ج���داً ،خميفة .ومتثل واردات النفط %70من �إجمايل واردات الدول���ة ،وي�شكل النفط %90من �إجمايل �صادرات البالد ،وهو املورد ال���ذي من املتوق���ع ن�ضوبه خالل عقد م���ن الزمان ،ما مل حت�ص���ل �إكت�شافات جدي���دة .كما �أن هناك حتديات تنموية مهمة تتمثل يف م�ستوى الفقر العايل، ومع���دل الأمية املرتفع ،واملخ���زون املائي املت�ضائل وال���ذي يُ�ستنزف ب�سرعة، واالرتف���اع احل���اد يف مع���دل البطال���ة نتيجة للنم���و ال�سكاين املت�س���ارع مع ما يرافقه من تدهور اقت�صادي. ويف اليم���ن لي�س ل���دى الدولة املركزية �سيطرة كامل���ة على مناطقها ،وتكاد تنح�ص���ر هذه ال�سيطرة على املناطق احل�ضرية الكربى .ويف ظل وجود ثالثة �أرب���اع ال�سكان يعي�شون يف خارج امل���دن ي�صعب جد ًا توفري وتو�صيل اخلدمات �إىل املناطق الطرفية نظر ًا للعوائق املالية .ومبا �أن القبائل تقوم مبلء الفراغ الذي خلفته الدولة فما زالت تلعب دور ًا قوياً ،وقد تغلغلت يف م�ؤ�س�سات الدولة حي���ث تلعب �أدوار ًا مهمة يف الهيئات الت�شريعي���ة والتنفيذية والقوات امل�سلحة و�أجه���زة الأمن والنظام ال�سيا�سي �إجماالً .لهذا ف�إن �صناعة القرار ال�سيا�سي تتطلب االن�صياع للت�شاور وتقدمي التنازالت وامل�ساومات يف التحالفات املتقلبة ب�صورة م�ستمرة.
�إعادة التوازن لعالقة ال�سلطة واملجتمع يف اليمن
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
59
اليمن والعامل
وجهات نظر
ل���ن يتحقق متالزم��ة ال�ض��عف امل�ؤ�س�س��ي يف اليم��ن اال�ستق���رار يف اليمن �إال �إذا تر�سخت الثقة ب�ي�ن الدولة ومواطنيها ،فقد �أدت عقود ال�صراع املتوا�صل �إىل انعدام الأمن و�ضياع فر�صة بناء الدولة وال�سقوط يف وي�ل�ات الفق���ر .وه�شا�ش���ة الدول���ة هو ما يق���ف وراء �أزم���ة احلوكمة هذه. وتعت�ب�ر م�س�ألة ال�شرعي���ة املنفذ الرئي�سي له�شا�شة و�ضع���ف الدولة يف اليمن. وتب���د�أ احللقة املفرغ���ة مع تراجع ثق���ة املواطنني يف ق���درة دولتهم على خلق نظ���ام �سيا�سي واجتماع���ي واقت�صادي �شامل ميكن حتقيق���ه بتطبيق �سيا�سة القان���ون .وهن���اك دالئل ت�ش�ي�ر �إىل خطورة الأم���ر ،منها :زي���ادة املمار�سات غري القانوني���ة وغري الر�سمية والإجرامية يف االقت�ص���اد؛ عدم فعالية تقدمي اخلدم���ات الأ�سا�سية مثل ال�صحة وال�ص���رف ال�صحي والتعليم؛ التقاع�س يف احلفاظ عل���ى �أو تو�سيع البنية التحتية الأ�سا�سي���ة؛ تف�شي الف�ساد؛ اال�ستيالء عل���ى الأم�ل�اك العام���ة وتخ�صي�صه���ا للم�صلح���ة اخلا�صة .ونتيج���ة لذلك، ت�ضعف ال�سيطرة الإدارية وتُ�ستخدم البريوقراطية كو�سيلة لإ�ساءة ا�ستخدام ال�سلط���ة ،وبالتايل ت�ؤدي �إىل حدوث �أزمة يف الأموال العامة ،حيث ي�صبح من ال�صعب توقع الواردات والنفقات وي�صبح و�ضع املوازنات الطارئة والإ�ضافية ممار�س���ة دائمة يف �إدارة الط���وارئ� .أما العالمة اجلوهري���ة فتكمن يف عدم �إحت���كار العن���ف امل�شروع من قبل الدولة وظهور اجلماع���ات امل�سلحة التي من خالل اللجوء �إىل العنف ت�سخر علن ًا من �سلطة الدولة وتفر�ض �سيطرتها على العديد من املناطق. تعت�ب�ر الدولة هي الآلي���ة الفعالة ل�ضم���ان حتقيق الأم���ن ،وحماربة الفقر، وتوف�ي�ر الفر�ص ،واال�ستثمار يف الرثوة الب�شرية ،وتو�سيع امل�شاركة يف الفر�ص الت���ي يوفّرها ال�س���وق .كما �أن املجتمع���ات املدنية والأ�س���واق ال�شرعية احلرة والفاعل���ة متثل عنا�صر �أ�سا�سي���ة لأي �إ�سرتاتيجية تنموي���ة .لكن هذا املقرتح ي�شرتط بناء الدولة ،الذي ميثل �شرط �أ�سا�سي خللق امل�ؤ�س�ستني الأخريتني. ويف البل���دان الت���ي تعاين م���ن �صراع م�ستم���ر تتطور �سل�سلة م���ن العالقات الر�سمي���ة وغري الر�سمية تث�ي�ر �أعرا�ض ًا مر�ضية م�ؤ�س�سية ،وم���ن الوا�ضح �أن ه���ذه العالق���ات �أ�صبح���ت ت�شكل عائق��� ًا مل�شروع عملي���ة اال�ستق���رار وال�سالم الإجتماع���ي وبن���اء الدول���ة .واال�ستيعاب الوا�ض���ح لهذه الأعرا����ض امل�ؤ�س�سية �أ�سا�س���ي لإعداد اال�سرتاتيجيات من �أجل التغلب على هذه العوائق التي ت�ؤدي �إىل خل���ق دول���ة فاعل���ة ،وت�صبح مبثاب���ة �آلي���ات لال�ستق���رار واالزدهار .ومن العوام���ل امل�ساعدة على التغلب عل���ى هذه العوائق :فتح املجال �أمام املواطنني للم�شارك���ة يف العملية ال�سيا�سية ،وخل���ق جمال وا�سع للقطاع اخلا�ص امل�شروع للظه���ور .ومن دون ذلك ف�إن خماطر الإق�صاء والأعمال غري القانونية �سوف تزيد من فر�ص تعرّ�ض بناء ال�سالم االجتماعي وعملية اال�ستقرار �إىل اخلطر
املالزم ملثل هذه الت�صرفات. ويت�صف تزامن مثل هذه الأعرا�ض بالتايل )1( :ظهور اجلماعات امل�سلحة الت���ي تدخل يف �صراعات مع بع�ضه���ا ومع الدولة؛ ( )2ب���روز نزعة مناطقية قوي���ة داخ���ل الوطن ،م���ع الرتكيز ب�شكل خا����ص على املناطق الغني���ة باملوارد (اجلن���وب) ،وامل�ساح���ة ذات الت�ضاري����س الوعرة املنا�سبة لتح���ركات التمرد (ال�شمال)؛ ( )3تنامي �شبكات الدعم اللوج�ستي وعمليات التمويل والتهريب الت���ي تعمل خ���ارج القانون؛ ( )4زي���ادة االعتماد على البل���دان املجاورة التي غالب��� ًا ما تتخ���ذ �شكل عالقة «ال�سي���د والتابع»؛ ( )5ع���دم ال�شفافية يف �صنع الق���رار وهيمنة النخ���ب والأقليات عل���ى عملية �صنع���ه؛ ( )6تال�شي وفقدان الثق���ة يف امل�ؤ�س�سات من ناحية ،والرغبة ال�شدي���دة للح�صول على دولة فعالة من ناحية �أخرى.
الطري��ق �إىل زيادة فعالي��ة الدولة وا�س��تقرار اليمن
هن���اك ثالثة ع�ش���ر وظيفة جوهرية نقرتحها هنا ،والت���ي على الدولة اليمنية القي���ام بها حتى ت�ستطيع البقاء واملناف�سة يف العامل احلديث .وهذه الوظائف ه���ي )1( :الإحت���كار امل�شروع لو�سائ���ل العنف؛ ( )2ال�سيط���رة الإدارية؛ ()3 كف���اءة و�شفافية �إدارة امل���ال العام؛ ( )4اال�ستثمار يف ال�ث�روة الب�شرية؛ ()5 تو�ضي���ح حقوق وواجبات املواطنني والإلت���زام القانوين بتطبيقها؛ ( )6توفري خدم���ات البنية التحتية وحتديثها؛ ( )7ت�شكي���ل �أ�سواق حرة فعالة وم�ستقلة؛ (� )8إدارة ممتل���كات الدول���ة بكفاءة (ومن �ضمنها البيئ���ة واملوارد الطبيعية واملمتل���كات الثقافية)؛ (� )9إقامة عالقات دولي���ة متزنة (مبا يف ذلك �إبرام العق���ود الدولي���ة واالقرتا����ض)؛ ( )10تطبيق �سلط���ة القان���ون؛ (� )11إقامة عالق���ات متزنة ب�ي�ن الدولة واملجتم���ع؛ ( )12امل�ساواة ب�ي�ن املواطنني قانوني ًا و�إقت�صادي���اً؛ ( )13توزي���ع ع���ادل لل�ث�روة م���ن �أج���ل حتقيق تنمي���ة مناطقية مت�ساوية. واالتف���اق اجلماعي على هذه الوظائف �أعاله� ،أو �أي جمموعة من الوظائف امل�شابه���ة� ،سيق���ود �إىل �إجماع حول هيكل���ة الدولة .ومن املمك���ن تو�صيف كل وظيف���ة م���ن خالل برام���ج بناء الق���درة مع �إط���ار زمني ومعاي�ي�ر وم�ؤ�شرات تعمل كالأه���داف التي يتم ح�شد اجلماهري نحوه���ا ،وكذلك كو�سائل ح�ساب يت���م من خاللها تقدمي التقارير لعامة النا����س عن معدل الزخم واالجنازات الت���ي حققها الربنام���ج .ويتطلب �إع���داد �إ�سرتاتيجية بناء الدول���ة البدء من الإتفاق حول الهدف من حتقيق بناء الدولة والوظائف التي يتعني على الدولة القي���ام بها ،واالتفاق حول الأطر الزمنية لتحقيق تلك القدرة ،وطرق التحول امل�ؤ�س�سي .ولكي يتم ك�سب ثقة عامة النا�س واحلفاظ على ا�ستمرارها وتنفيذ برام���ج معقول���ة حتقق لهم فوائ���د وم�شارك���ة متزايدة ،على الق���ادة واملدراء اكت�ساب مهارات جديدة متكنهم من تنفيذ كل ذلك.
لبن��اء الدول��ة ،ال ب��د م��ن تق��دمي الدع��م م��ن خ�لال احل��وار الدبلوما�س��ي والو�س��ائل التقنية لتطوير ر�ؤية مل�س��تقبل اليمن متت��د �إىل م��ا وراء الأه��داف املح��ددة ،وت�ست�ش��رف الو�س��ائل املنا�س��بة للو�ص��ول �إىل ذل��ك .ويج��ب �أن تثب��ت لالعب�ين الأ�سا�س��يني يف اللعب��ة ال�سيا�س��ية �أن التغري ممك��ن دون فقدان ال�سلطة واملكانة 60
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
االنتقال من ال�صراع/اله�شا�شة �إىل اال�ستقرار
االفتتان ب�شخ�صية القائد؛ البطل الفرد
الوظيفة ال�سيا�سة واملجتمع؛ االحتكار امل�شروع لو�سائل العنف �إدارة م�ؤ�س�سية فعالة وفق ًا للد�ستور والقانون
الأعرا�ض املتالزمة ال�صراع؛ الت�شظي التعتيم؛ عدم القدرة على التنب�ؤ
�إدارة وا�ضحة و�شفافة للمال العام
هجرة الأدمغة؛ البيئة الطاردة
اال�ستثمار يف ر�أ�س املال الب�شري
غياب اخلدمات
الرعاية؛ التمويل ،اجلودة؛ التنظيم ،التحديث امل�ستمر
الهويات املتعار�ضة
حقوق املواطنني؛ ت�شكيل جمتمع مدين
الدمار
خلق بنية حتتية واحلفاظ عليها وحتديثها
االقت�صاد احلربي
�إن�شاء وتنظيم اقت�صاد ال�سوق
التهمي�ش؛ انعدام ال�شرعية
عالقات دولية بناءة متوازنة قدر الإمكان �سلطة القانون؛ ال�سلطة التنفيذية املركزية/املحلية؛ ال�سلطة الت�شريعية؛ �سلطة ق�ضاء حتكمها الإجراءات العادلة
لغة ال�سالح؛ و�ساطة غري ر�سمية امل�صدر بت�صرف:
Ashraf Ghani, Clare Lockhart and Michael Carnahan, ‘An Agenda for State-Building in the
Twenty-First Century’, The Princeton Project on National Security, vol. 30:1, winter 2006, p. 108.
تخلق هذه الوظائف دولة من الوظائف �إىل الهيكلة م�سئول���ة و�شفافة من خالل عمليات �شمولية ت�شرك املواطنني قاطبة يف عملية �صنع القرار .و�سي�سمح قبول هذه الوظائف من قبل الهيئات ال�سيا�سية واملدنية �إىل تقنينه���ا وت�أ�سي�سها من خالل برنامج بناء القدرة مع �إطار زمني ومعايري وخط���ة مراقبة وتقيي���م .ويف نف�س الوقت يجب �إطالع عام���ة النا�س با�ستمرار عن التق���دم و�/أو املعوقات حتى يتم ح�شد دعمه���م واحلفاظ على ا�ستمرارية زخ���م االجنازات .وت�صبح مثل هذه العملية مهمة جد ًا لإقامة ج�سور الثقة بني الدولة – باعتبارها ال�سلطة املنظمة للمجتمع – واملواطنني. بن���ا ًء عل���ى تعري���ف منظم���ة تعري��ف بن��اء الدول��ة التع���اون االقت�صادي والتنمية/جلنة امل�ساعدة التنموية ( )OECD/DACف�إن «�أب�س���ط �صيغ���ة لتعريف بناء الدولة ه���و �أن تعمل الدولة بفعالي���ة �أكرب .وبهذا ميك���ن تعريفه ب�أنه عملية داخلية لتطوير قدرة الدولة وم�ؤ�س�ساتها و�شرعيتها، تدفعه���ا وتعززها العالق���ات املتوازنة بني الدولة واملجتم���ع .وتت�ضمن عمليات بناء الدولة الإيجابية العالقات الثنائية بني الدولة التي تقوم بتقدمي اخلدمات ل�شعبه���ا والكتل االجتماعي���ة وال�سيا�سية الت���ي ت�شارك دولتها ب�ص���ورة بناءة. وهذا بال�ض���رورة يتطلب وجود عمليات �سيا�سي���ة واقت�صادية تفاعلية �شمولية و�إيجابية بني الدولة واملجتمع». ولبن���اء الدول���ة ،ال ب���د من تق���دمي الدع���م من خ�ل�ال احل���وار الدبلوما�سي والو�سائ���ل التقني���ة لتطوي���ر ر�ؤية مل�ستقبل اليم���ن متتد �إىل م���ا وراء الأهداف املح���ددة ،وت�ست�ش���رف الو�سائل املنا�سب���ة للو�صول �إىل ذلك .ويج���ب �أن تثبت لالعب�ي�ن الأ�سا�سيني يف اللعبة ال�سيا�سية �أن التغري ممكن دون فقدان ال�سلطة واملكان���ة .كما يج���ب احلثّ على �أن تتم عملية الإ�ص�ل�اح وتُن�سّ ق من امل�ستويات الأعلى .وهذا مهم جد ًا لي�س لتقدمي الدافع ال�سيا�سي فح�سب بل �أي�ض ًا ل�ضمان معاجلة الإ�صالحات ال�سيا�سية والتقنية دون و�ضع عوائق �أمامها. و�أول امل�ش���اكل التي يجب تناولها دع���م النمو االقت�صادي الذي ال يعتمد على
النف���ط والقادر عل���ى توفري فر�ص العم���ل والإيرادات احلكومي���ة املتنوعة� .إذ توف���ر بالفعل “القطاع���ات الواع���دة” (الزراعة والرثوة ال�سمكي���ة وال�سياحة واملع���ادن) بع����ض الفر����ص وينبغ���ي دعمه���ا .لكن هن���اك عوائق كب�ي�رة تعيق معظ���م ه���ذه القطاعات ،ويجب حله���ا �أوالً .كما �أن ه���ذه القطاعات مبفردها ل���ن تكون كافية ملواكب���ة عدد الداخلني اجلدد �إىل �س���وق العمل ،ولهذا ال�سبب الب���د م���ن ا�ستك�ش���اف �سب���ل �أخ���رى ،التي منه���ا بالتحدي���د :تعزي���ز امل�شاريع التجاري���ة اخلا�صة ال�صغ�ي�رة يف االقت�صاد (بالإ�ضاف���ة �إىل امل�شاريع الكبرية واملتو�سط���ة) ،ودع���م الهجرة .ويحت���اج برنام���ج اال�ستثمار الع���ام �إىل �إعادة هيكل���ة لدعم تخفيف الفقر .وتعت�ب�ر الهجرة املجال املبا�ش���ر ال�سريع الوحيد الذي ميث���ل �صمام �أمان �ضد معدل البطالة املتنام���ي .وميكن للتدريب املهني �أن ي�ساع���د يف زي���ادة هج���رة الأيدي العامل���ة ،لكن متا�شي ًا مع قط���اع التجارة ف����إن قطاع التدريب املهني بحاجة �إىل �إ�صالح من �أجل جعل منهجه الدرا�سي �أك�ث�ر توجه ًا جتاه �سوق العمل وملبي ًا لطلبات���ه .وعلى اال�سرتاتيجيات �أن ت�أخذ بع�ي�ن االعتبار �أن االن�ضمام �إىل جمل�س التع���اون اخلليجي لن يتم قريباً ،وقد ال يت���م ،لذا ينبغي �أن ن�سلك م�سارات �أخ���رى مثل طريق الهجرة التقليدي بني ح�ضرموت والهند و�شرق �آ�سيا .واملبادئ االقت�صادية وحدها لن توفِّر عمليات اال�ستثم���ار ال�ضروري���ة لتحريك االقت�ص���اد ،واليمن تتطلب تدخ���ل ا�ستثماري كبري ،وهو ال�شيء الذي متلك موارده دول اخلليج فقط وكذلك الرغبة الذاتية (للحفاظ على ا�ستقرار �أمنه���ا �إزاء اخلطر الذي ي�شكله الو�ضع امل�ضطرب يف البل���د املجاور) .ولهذا ال�سبب ،ف���ان احلوار على م�ستوى عايل مع دول اخلليج يعترب �أولوية �إ�سرتاتيجية. �أما �إ�صالح امليزانية فهو جمال وا�سع .ومن العوامل ذات الأهمية الإ�سرتاتيجية البالغة يف هذا ال�صدد :بذل اجلهود لتقليل معدل الإنفاق “امل�سي�س” ،وهو ما يتعل���ق ب�ص���ورة خا�صة بحجم �سل���م �أجور وخم�ص�صات كب���ار م�سئويل الدولة (املح�سوبي���ة) ،والإنف���اق من �أجل دع���م م�شتقات الوق���ود .و�سيوفر ذلك وفر ًا للميزاني���ة يق���ود �إىل توفر خدم���ات �أف�ضل ومنو اقت�صادي �أك�ب�ر ،وكذلك �إىل العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
61
اليمن والعامل
وجهات نظر
حت�سني �سلم الأجور لباقي موظفي الدولة .لكن كال وجهي الإ�صالح ح�سا�سان جداً ،فعلى املجتمع الدويل دعم هذه الإ�صالحات مع الإدراك التام للمخاطر املحتملة واحلاجة للت�سل�س���ل التدريجي .كما يجب حت�سني املجاالت اخلدمية الأ�سا�سي���ة لال�ستثمار اخلدم���ي لأ�سباب ا�سرتاتيجية ،والت���ي تتمثل يف توفري املي���اه والتعليم وال�صحة الإجنابي���ة .ومع �أنه من املمكن حت�س�ي�ن �إدارة املياه �إال �أن���ه لي����س وا�ضح لنا عم���ا �إذا كان بالإمكان التغل���ب ب�سرعة على املعوقات ال�سيا�سية الكربى �أمام اال�ستخ���دام امل�ستدام للمياه ،ولهذا ال�سبب ف�إن املياه تقع يف فئة الأعمال امل�ساعدة. ومن ناحي���ة �أخرى ،ف����إن حت�سني التعليم وجودت���ه يعترب عن�ص���ر ًا �أ�سا�سي ًا لوجه�ي�ن من �أوجه عملية الإ�ص�ل�اح ،هما :العمالة والنم���و ال�سكاين .ومبا �أن �أحد �أهداف عملية حت�سني اخلدم���ات يكمن يف تعزيز “العقد االجتماعي”، ف�ل�ا ين�صح البتة �أن تقوم احلكومة �أو اجله���ات املانحة بتوفري هذا التح�سني م���ن خالل بُنى متوازية بد ًال من الوزارات املخت�ص���ة .وندرك �أن هناك حجة ت�ؤي���د الف�صل التكتيكي ق�ص�ي�ر املدى بني جهات التنفي���ذ الفعالة ،فالبد من وج���ود �إ�سرتاتيجية لكل تل���ك الوحدات ،مع معامل لقيا����س مدى التقدم جتاه تطوير قدرة الوزارات املخت�صة وذلك للتنمية امل�ستدامة. وتعت�ب�ر احلكوم���ات املحلي���ة والتخطي���ط املحل���ي امل�ش���ارك م���ن العنا�صر الأ�سا�سي���ة يف عملي���ة بناء ال�شرعي���ة وخلق ت�صميم خدم���ي منا�سب .وينبغي دع���م ا�سرتاتيجية الالمركزي���ة وتو�سيعها بطريقة ت�ضم���ن تخلي�ص امليزانية م���ن املركزية مع حتم���ل امل�سئولية ،وت�ضمن كذلك �إحال���ة حما�سبة امل�سئولني املحلي�ي�ن ب�ش���كل كبري �إىل عامة ال�شعب بد ًال م���ن �إحالتها فقط �إىل ال�سلطات املركزية .كم���ا ينبغي دعمها ل�ضمان القدرة عل���ى امل�ستوى املحلي للإ�شراف والعم���ل ،وعلى امل�ست���وى املركزي للقيام بعملية التخطي���ط .وللمجتمع املدين دور مه���م هن���ا� ،إذ �أن فعالية املجتمع امل���دين يف الت�سوي���ات ال�سيا�سية (على الأق���ل يف الوق���ت الراهن) �أقل بكثري مما يفرت�ض .ورمب���ا يكون دعم �أن�شطة الرقاب���ة ال�شعبي���ة على الإنف���اق العام ورقاب���ة املجتمع املدين مدخ�ل�اً نافعاً،
تعت�بر م�س���ألة ال�ش��رعية املنف��ذ الرئي�س��ي له�شا�ش��ة و�ض��عف الدولة يف اليمن .وتب��د�أ احللقة املفرغة مع تراجع ثقة املواطنني يف قدرة دولتهم على خلق نظام �سيا�س��ي واجتماعي واقت�صادي �ش��امل ميكن حتقيقه بتطبيق �سيا�سة القانون
62
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
والبح���ث امل�ستمر ع���ن �إمكانية وج���ود ال�شب���كات واالحتادات عندم���ا ت�سمح الظروف لوجود ال�شفافية احلقيقية ومبد�أ احل�ساب والعقاب. ووثي���ق ال�صلة بذلك ،معاجلة ال�ص���راع وتر�سيخ اال�ستقرار .ومع �أن �أ�سباب انعدام الأمن متعددة �إال �أن العامل الرئي�سي يتمثل يف الفقر واحلاجة لعملية التنمي���ة (�أو امل�ساواة فيها) .والإجراءات املذك���ورة �آنف ًا �ست�ساعد يف معاجلة بع����ض هذه املظامل .كم���ا �أن احلكومة الأك�ث�ر �شرعية تعت�ب�ر �أي�ض ًا احلكومة الأكرث �أمناً .لكن ال يجب �إغفال التايل: �إن تنفي���ذ �أي برنامج تنمي���ة ب�صورة غري مالئمة ق���د ي�شجع على انعدام الأمن .فعلى جميع الربامج �إدراج ح�سا�سية ال�صراع �ضمن �أدواتها. �إن عملية الإ�صالح �سوف تخلف خا�سرين كون دائرة املح�سوبية �ستتقل�ص، واالجت���اه نحو تو�سع رقع���ة ال�صراعات املناطقية �سي���زداد .وتفادي مثل هذه ال�صراع���ات �سيتطل���ب -وبحكم���ة -اقتطاع ج���زء من قاعدة دع���م �أي قوى حملية حمتملة ،وذلك من خالل العمل املعزز من قبل الدولة. �أي�ض��� ًا �سوف تخلف عملي���ة الإ�صالح خا�سرين من خ�ل�ال تغيري الثقافة، حيث �أن عملية متكني املر�أة �سوف تواجه (بل وهذا ما يح�صل الآن) مقاومة من قبل بع�ض العنا�صر املحافظة. هناك توترات �إقليمية قوية ،خا�صة العالقة املتوترة بني ال�شمال واجلنوب. وعملي���ات اال�ستثمار يف اجلنوب (خا�صة يف مين���اء عدن احلر) �سوف يوازن تلك التي يف ال�شمال. لذا ينبغي القيام بالبحث والتحقيق يف عدد من املجاالت: تو�صي���ف الدول���ة املوازية ،مع فهم �أف�ضل لت���وازن املتغريات بني الالعبني الأ�سا�سي�ي�ن ،وم�صاحله���م ومناف�سيهم ،وكذل���ك فهم العوام���ل القبلية التي تكمن وراء الت�سوية ال�سيا�سية؛ فهل الزال يخ�ضع اليمن حلكم مر�شح الت�سوية بني حا�شد وبكيل؟ فهم ثقافة ال�شباب وت�صميم الربامج التي ت�ساعد ال�شباب �أن يلعبوا دور ًا بنا ًء يف �صياغة م�ستقبل اليمن. التحقي���ق يف اليم���ن “التقلي���دي” :كي���ف ي�ستطي���ع النا����س العي����ش وحل النزاعات لكي يتم التعرف على الربامج الداعمة املمكنة. خو����ض غمار جتربة متكني املر�أة :هل هي ت�أتي من تغري املكانة ال�سيا�سية �أم �أنها – وهو ما ن�شك فيه – ت�أتي من التمكني االقت�صادي؟
بناء دولة فعالة ومتجاوبة �إن عملية التعرف على التحدي���ات النظامية اخلا�صة بالقطاعات مهمة ج���د ًا “للحوكمة”� ،أي كيف تعمل القوان�ي�ن وامل�ؤ�س�سات و�أجهزة الدولة ،وكي���ف ترتبط الدولة باملواطنني واملجتمع امل���دين والقطاع اخلا�ص فيما يتعل���ق بال�شفافية واملحا�سبية� .سوف تتطل���ب التح�سينات املهمة يف تقدمي اخلدمات �إ�صالح���ات �أ�سا�سية يف �إدارة امل���ال العام والإدارة العامة .فينبغي على الدولة �أن )1( :تزيد الإيرادات؛ ()2 حت�سّ ���ن �أداء امليزانية حت���ى يتم توفري التمويل املايل للوح���دات الت�شغيلية يف الوق���ت املنا�س���ب وب�شكل كام���ل؛ ( )3تكييف النفقات العام���ة بح�سب �أولويات ال�سيا�سة العامة؛ ( )4حت�سني �سلم الأجور و�إدارة اخلدمة املدنية جذرياً. يعت�ب�ر الف�ساد من الأعرا�ض الدالة على مواط���ن �ضعف الدولة .لكن حجم امل�شكل���ة يف نظر املواطن�ي�ن وال�شركات التجارية واجله���ات املانحة كبري جد ًا وت�ستح���ق االهتمام بحد ذاتها .والف�ساد ي����ؤدي �إىل فقر ال�شعب ،حيث عليهم
الأزمة املالية التي تواجهها اليمن حالي ًا هي �أزمة حقيقية لأن امل�صادر ال�سابقة للدخل اخلارجي بد�أت جتف .وبالتايل فاخليارات ب�سيطة جداً :ف�إما �أن تُ قل�ص الدولة من نفقاتها� ،أو تزيد من الدخل املحلي� ،أو كالهما �أن يدفع���وا (�أو يدفعوا �أكرث من) تكاليف ال�سل���ع واخلدمات املقدمة .كما �أن الفوائ���د املق�ص���ودة �أن توجّ ه له���م تُ�ستخدم لأغرا�ض �أخ���رى ،ويتم �سلبها يف ال�صراع���ات م���ع فئات �أخ���رى .وبالتايل يت���م دعم اخلدم���ات مببالغ زهيدة و�ضياع جمع الإيرادات وهروب اال�ستثمار و�إنخفا�ض الفر�ص الوظيفية. وال ميك���ن حل م�ش���اكل احلكم كاملة من خالل الإ�صالح���ات من القمة �إىل القاع���دة داخل الدولة .لكن ا�ستغ�ل�ال مدخالت املواطنني – فردي ًا وجماعي ًا – �س���وف ي�ساعد على خلق �آليات ال�شفافية واملحا�سبية التي ميكن �أن تعمل كق���وة كبرية للحد من دائرة الف�ساد وحت�س�ي�ن الفعالية وامل�ساواة .ومن �آليات رف���ع م�ست���وى ا�ستجابة الدول���ة جت���اه احتياجات املواطن�ي�ن ،كم���ا �أ�شار نيل مكدونالد ورنا خليل( ،)1ف�إن الإ�صالحات ال�ضرورية والأ�سا�سية معروفة: توفري امليزانية الوطنية لال�ستثمار وتقدمي خدمات �أف�ضل. تقليل �أعداد موظفي اخلدمة املدنية. تقلي�ص �أو رفع الدعم للوقود وامل�شتقات النفطية. تقلي�ص دائرة الف�ساد والعقاب عليه. توف�ي�ر املناخ املالئم لال�ستثم���ار ،خا�صة يف القطاعات غري النفطية التي ت�ستطيع خلق فر�ص عمل و�إيرادات للدولة. تطوير نظام �ضريبي �شفاف وعادل كقاعدة للعقد االجتماعي بني الدولة وال�شعب. زي���ادة مع���دل امل�شاركة االجتماعي���ة يف احلياة ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية، خا�صة م�شاركة املر�أة وال�شباب. �إن معظ���م العوائ���ق الت���ي تعرت�ض �سبي���ل تنفيذ احلل���ول منبعه���ا �سيا�سي، والأ�سالي���ب ال�سيا�سية والإرادة ال�سيا�سية تف���وق كل �شيء .لكن مع ذلك ،ف�إن �أجن���دة النمو متداخل���ة ب�أجندة احلكم :فم���ن دون زيادة ع���دد الوظائف يف القطاع اخلا�ص من ال�صعب ت�صوّر كيف ميكن تقلي�ص حجم اخلدمة املدنية ب�شكل كب�ي�ر .ف�إذا كان غياب النمو يُقوّي من احلاج���ة للمح�سوبية ف�إن النمو – باملقابل -يخفف من تكاليف الت�سوية ال�سيا�سية من خالل تقلي�ص عدد �أولئك الذين يجب ت�سليمهم م�ستحقاتهم. كم���ا �أ�شرن���ا �سابق���اً، �إي��رادات ونفق��ات الدول��ة ف����إن قدرة الدولة على رفع معدل �إيراداتها حم���دودة ،وتوفر �إيرادات النفط “ريع���اً” يزي���د من االنق�سام ب�ي�ن النخبة وجمهور الناخب�ي�ن� .أما الإيرادات ال�ضريبية فلم ت�شكل بعد �سوى ح�صة قليلة من دخل الدولة ،والقليل من هذا عب���ارة عن �ضرائب دخل مبا�شرة ،مع احتم���ال وجود حوايل �ستة مليار دوالر �أمريك���ي ك�ضريبة دخل .ولنفر�ض جد ًال �أن اعتماد الدولة الزائد على النظام ال�ضريب���ي �سيعزز وثاق العقد االجتماعي الذي مبوجبه يوافق املحكومني على دفع ال�ضريبة مقابل ا�ستجابة الدولة ملتطلباتهم وتقدميها على �شكل خدمات، باملقابل عندما ت�شمل الإيرادات ال�ضريبية املح�صلة �أقل من %10مما ميكن حت�صيله ف�إن هذا يعترب دلي ًال على اله�شا�شة ،كما �سيتم تبيانه الحقاً. وي�ش���كل الإنفاق املُ�سي�س جزء كب�ي�ر ًا من نفقات الدولة ،حيث �أن هذا �إنفاق ل���ه �أهداف �سيا�سية ب���د ًال من �أهداف الإدارة العامة .وه���ذا يحد من القدرة
على اال�ستثمار من �أجل النمو االقت�صادي والوظيف���ي �أو حت�س�ي�ن ج���ودة اخلدم���ات وتغطيته���ا .والعنا�ص���ر الأ�سا�سي���ة له���ذا الإنف���اق امل�سي����س تتمثل يف الأج���ور والرواتب العام���ة والدعم ،خا�صة دعم الوقود .فت�ضخم �أعداد موظفي اخلدمة املدنية لي����س ناجم ًا ع���ن احلاجة لتقدمي اخلدمات بقدر ما ه���و مالذ �أخري وم�صدر للرعاي���ة الوظيفية وك�سب ال���والءات .وقد �شكلت الأج���ور والرواتب ما ن�سبته %32م���ن موازن���ة ،2008بينما �شكل دعم الوقود ما ن�سبت���ه .%36.8و�إ�صالح ه���ذه النفق���ات يعد �أمر ًا ح�سا�س��� ًا �سيا�سياً ،وقد متت معار�ضت���ه ب�شدة .فعلى �سبي���ل املث���ال ،لو �أن �إ�ص�ل�اح اخلدمة املدنية مت من خالل نظ���ام قيا�س فرتة احلي���اة لتم حذف ما بني 27.000و 60.000موظف حكومي من قائمة الأجور. وهذا الع���دد ال ي�شكل �سوى ثلم ب�سيط يف عدد موظفي الدولة البالغ 500.000 موظف���اً ،وهي القوة الوظيفية التي يرى الكثري من املراقبني �أنه يجب تقلي�ص على الأقل ن�صفها �أو حتى ثلثيها. وبالإجمال ف�إن القوة الوظيفية للدولة تبلغ حوايل 1.2مليون موظف .وميكن مقارن���ة مبالغ الإنفاق امل�سي�س مببل���غ الإنفاق على ال�صحة العامة الذي ي�صل �إىل ،%1.9ومبل���غ الإنفاق على التعليم الذي ي�صل %9.6من امليزانية العامة. و ُيق���ال �أن ميزانية الدف���اع و�صلت �إىل %6.6من �إجم���ايل الإنتاج املحلي عام .2006ومتيل �أرقام املوازنة �إىل الغمو�ض ،ومن بني الأ�سباب وراء ذلك �إقرار موازن���ات تكميلية .كما �أن هناك عنا�ص���ر يف امليزانية �إ�ضافية وغري خا�ضعة للفح����ص ت�أتي من �إي���رادات النفط وتقلب �أ�سع���اره� .إ�ضافة �إىل ذلك ،تواجه امليزاني���ة �ضغوط ًا من قبل تكاليف خدمة املديونية واحلفاظ على قيمة العملة اليمنية مقابل الدوالر الأمريكي.
العالق��ة بني احلك��م املحلي واملجتمع امل��دين والنظام �إن املربر وراء تبنّي حكم حملي خموّل تخوي ًال ال�ضريبي
كام ًال ك�أ�سا�س لرت�سيخ الدميقراطية هو �أن ذلك عبارة عن مقاربة �أكرث دقة يف حمتواها ،و�أقل عر�ضة للف�س���اد ،و�أكرث مالئمة للم�شاركة .ولهذا ف�إنها قد متث���ل �أ�سا�س ًا �أكرث مالئم���ة لعملية التنمية و�سيادة القان���ون .و�أكرث �شيوع ًا يف نظ���ام احلكم املحل���ي الت�أكيد على توزيع ال�سلطة والقي���م واملمار�سات التي ال تعت�ب�ر مطلقة .ويف ه���ذا احلالة ،يك���ون الت�شديد على املحا�سب���ة وال�شفافية، وحتى التنمية ،بد ًال من الرتكيز على �إ�صالحات م�ؤ�س�سية حمددة ،وهو الأمر ال���ذي من خالله ت�ستطيع �أدوات املحا�سبة رف���ع �صوتها عالياً .وي�شكل احلكم املحل���ي ،الذي يتكون من عنا�صر وا�ضحة وحم���ددة يف �أهدافها� ،أ�سلوب ًا �أكرث �إ�سهاب��� ًا للممار�س���ات الدميقراطية وحق���وق الإن�سان ،وي�سم���ح للدميقراطية الإع���راب عن نف�سها من خالل قنوات مبا�ش���رة وهامة .فاحلكم املحلي بهذا ال يهت���م بالفعالية الإدارية فح�سب ،بل وبكيفية عالقة ال�شعب بعمليات ت�سيري الدولة. وهن���ا م���ن امله���م التميي���ز ب�ي�ن الدميقراطي���ة الليربالي���ة والدميقراطي���ة االنتخابية .فالأوىل ال تقت�صر على االنتخابات ولكنها تفر�ض قيود ًا على مدى العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
63
اليمن والعامل
وجهات نظر
64
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
من �إ�ص�لاح العالقات املدنية -الع�س��كرية بني امل�شاكل القدمية التي يواجهها اليمن� ،إخ�ضاع القوات الع�سكرية لل�سلطة املدني���ة .و�أثناء حقبة ما قبل الوحدة كانت دول���ة احلزب الواحد يف اجلنوب تنظ���ر �إىل اجلان���ب الع�سك���ري على �أن���ه �أداة للح���زب :فكان عل���ى ال�ضباط الع�سكري�ي�ن االنتم���اء �إىل احلزب ،وكان املفو�ض���ون واخلاليا احلزبية توازي �سل�سلة القيادة الع�سكرية الطبيعية ،وكان الوالء للحزب ولي�س للدولة ،وداخل �صفوف احلزب كان الوالء ينق�سم على جماعات معينة ،وهو ما �سيّ�س اجلي�ش �إىل درج���ة عالية .كم���ا مت جتنيد املجتمع يف ملي�شي���ات �شعبية �سادت احلياة اليومية يف كل القرى النائية. وعلى غرار ذل���ك ،و�إن كان ب�إتباع منط خمتلف ،كان اليمن ال�شمايل لأكرث م���ن �أل���ف عام يت�صف بالطاب���ع الع�سكري .ومع �أن الأئم���ة مل يكونوا ميتلكون جيو����ش نظامية متخ�ص�ص���ة �إال �أنهم كانوا ي�شن���ون حروبهم من خالل ح�شد القبائ���ل املقاتلة .وكانت ح���رب 1970 – 1962الأهلية هي نقطة التحول ،فقد
ME Archive
�صالحي���ات ال�سلط���ة التنفيذية و�سلطاتها؛ وت�شرتط �أنظم���ة ق�ضائية م�ستقلة ت�سان���د �سي���ادة القانون؛ وحتمي حق���وق الف���رد وحرية التعب�ي�ر واالنتماءات واملعتقدات وامل�شاركة؛ وت�أخذ يف االعتبار حقوق الأقليات؛ وحتد من التالعب بالعملي���ة االنتخابية؛ وه���ي �ضامنة حلق���وق املواطن �ضد عملي���ات االعتقال الع�شوائ���ي؛ وال ت�سمح بالرقابة على املطبوع���ات؛ وحتد من �سيطرة احلكومة عل���ى و�سائ���ل الإعالم� .أم���ا الدميقراطي���ة االنتخابية فهي حكوم���ة ت�أتي من انتخاب���ات �أقل حري���ة وعدالة ،وتفتقر لكثري من ال�ضمان���ات الأخرى للحقوق واحلريات التي تتوفر يف الدميقراطية الليربالية. والآن مل���اذا نحتاج �إىل ربط احلكم املحل���ي ب�إن�شاء نظام �ضريبي فعال؟ �إن نظ���ام احلكم املحلي ينطوي على �إعادة ترتيب العالقات بني الدولة واملجتمع م���ن ناحية ،وبني الوح���دات املجتمعية من ناحية �أخرى .ويجب �أن يحكم هذه الرتتيب���ات �إطار عمل توافقي ميثل عقد ًا اجتماعي ًا جديد ًا يذهب �إىل ما وراء القانون .فاملجاالت الهيكلية والثقافية متثل �إ�شكاالت حقيقية ،وال ميكن الرقي به���ا �إال من خالل تطوير جمتمعات مدني���ة حقيقية .واملجتمعات املدنية تن�ش�أ من مطالب كُتل متعددة لتمثيل امل�صالح املختلفة يف حميط عالقات متغرية. والعالق���ة بني احلكم املحلي واملجتمع املدين جليّة هنا ،واملجتمعات املدنية ال ت�أت���ي من العدم ،و�إال لكانت جمرد دمى ،ولكن ميكن تعزيزها باحلوافز التي منها النظام ال�ضريبي الفعال. وللتو�ضي���ح �أكرث ،ف�إن امل�شكل���ة تعود �إىل بدء ن�شوء وتط���ور الدولة يف اليمن الت���ي بد�أت وهي مفتقرة �إىل موظف�ي�ن بريوقراطيني ماهرين .فكال اليمنني، �سابق���اً ،واجه���ا �صعوبة يف �إن�ش���اء دولة بكادر �إداري فاع���ل وكانا مييالن �إىل تف�ضي���ل بناء الأجهزة القهري���ة وتطوير القدرات الع�سكري���ة والأمنية .ومنذ البداي���ة مل يت���م االعتماد على امل���وارد املحلية فقط يف دف���ع رواتب املوظفني الع�سكري�ي�ن والأمنيني واملدنيني ،ومت االعتماد �شب���ه الكامل على مبد�أ الريع. وله���ذا ف����إن االنق�سامات داخ���ل املجتم���ع التي كان���ت �ستعك����س االختالفات الداخلية يف الدولة مل تكن مبنية على نظام �ضريبي حملي ،ومن ثمّ مل يتطور �أي متايز بني املواطني�ي�ن �أو �إ�صطفاف �سيا�سي �أو م�ؤ�س�سي يعك�س ال�سيا�سات ال�ضريبية للحكومة. ومب���ا �أنه مل يتم فر�ض ال�ضرائب مبا�شرة على ال�شعب مقابل نفقات الدولة فه���م مل يطالبوا باال�ش�ت�راك يف �صنع الق���رارات التي كان���ت الدولة تتخذها ب�ش����أن تلك النفقات .وكان دي���دن ال�سيا�سة قبل الوح���دة �إىل حد كبري ح�شد العنا�ص���ر املعار�ضة للإمربيالية يف اجلنوب ،والعنا�ص���ر املعار�ضة لل�شيوعية يف ال�شم���ال .وكان ال�صراع ال�سيا�سي عل���ى احلقوق الفردية غائب ًا فعلياً ،وهو م���ا يعني �أن احل�ش���د اجلماهريي ال�سيا�سي وخلق جمتم���ع �شمويل �سبق ومنع ت�أم�ي�ن احلريات الفردية .وه���ذا �أدى �إىل م�شاركة كبرية دون حترير �سيا�سي ودون �سيا�سة ليربالية. عالوة عل���ى ذلك ،ف����إن �إدماج االقت�ص���اد ال�سيا�سي لليمن�ي�ن ال�سابقني يف االقت�صاد العاملي كان يعني وجود حكومات غري م�سئولة داخلياً .فقد اعتمدت احلكومتان منذ البداية على الإيرادات اخلارجية ،بينما كانت ن�سبة �إيرادات الدول���ة م���ن ال�ضرائ���ب املفرو�ضة عل���ى ال�شعب منخف�ض���ة ج���د ًا( .)2و�أثناء احلرب الباردة اعتمدت احلكومتان على املبالغ املالية التي جنتها عن طريق �إ�ستقط���اب القوى العظم���ى لدول العامل الثالث �ض���د بع�ضها البع�ض .وخالل ال�سبعيني���ات ا�ستفادتا بطريقة غري مبا�شرة م���ن الطفرة النفطية من خالل الإعان���ة اخلارجية واحلواالت املالية الت���ي كان ير�سلها املغرتبني يف اخلارج.
ويف الثمانيني���ات والت�سعيني���ات – �أثن���اء تده���ور �أ�سعار النف���ط – �أ�صبحت الديون قناة مهمة تزيد من نفقات الدولة. بالطب���ع هناك نظام �ضريب���ي ونظام مايل يف اليمن ،لكن م���ن الوا�ضح �أن الدول���ة ال تعتم���د على ال�ضرائ���ب كم�صدر �إيراد ،لهذا فالنظ���ام املايل يعترب عتيق��� ًا جد ًا وغ�ي�ر فعَال .والنتيج���ة املنطقية لع���دم دفع ال�ضرائ���ب هو عدم التمثي���ل يف �صن���ع القرار .لكن الأزم���ة املالية التي تواجهه���ا اليمن حالي ًا هي �أزم���ة حقيقي���ة لأن امل�صادر ال�سابقة للدخل اخلارجي ب���د�أت جتف .وبالتايل فاخلي���ارات ب�سيطة ج���داً :ف�إما �أن تُقل����ص الدولة من نفقاته���ا� ،أو تزيد من الدخ���ل املحلي� ،أو كالهما .ولي�س من الغري���ب �أن ي�ستمر ما ي�سمى بالهام�ش الدميقراط���ي يف اليمن ،فمقابل فر�ض �سيا�سات �إ�صالح اقت�صادية ت�ستجيب الدول���ة لعملية التمثيل يف �أدنى م�ستوى .وه���ذه نقطة حتول مهمة ،و�إذا ما مت الدفع بها �إىل الإمام �أكرث �ست�صبح �صفقة مربحة قد تبدو متوا�ضعة يف بادئ الأم���ر لكن �أثره���ا يف االقت�صاد ال�سيا�س���ي وا�ضح .وهنا تت�ض���ح العالقة بني احلك���م املحلي والنظام ال�ضريبي :فمع تطوير املجتمع املدين الذي يلعب دور الو�سيط ،تتجلى العالقة بني نظام احلكم املحلي والنظام ال�ضريبي واملجتمع املدين. ومع ذلك لي�س هناك م�صالح اقت�صادية متيّز املواطنني� ،أفراد ًا وجماعات، عن بع�ضهم البع�ض جتاه الدولة .وهناك �أي�ض ًا غياب للح�س الفري بامل�صلحة امل�شرتك���ة مع بع����ض اجلماعات املنظم���ة يف املجتمع جتاه جماع���ات �أخرى، وه���و احل�س والوع���ي اللذين يعتربا م���ن خ�صائ�ص املجتمع امل���دين .وهناك خربة قليلة بني املواطنني ب�ش����أن التباينات يف فر�ض ال�ضرائب ،يرتافق ذلك مع غي���اب �أن���واع ال�سيا�س���ات احلكومية التي حتق���ق ال�صفق���ات والتي تخلق اجلماعات امل�ستعدة للقيام ب�إبرام �صفقات مع احلكومة .كما �أن هناك خربة قليل���ة ن�سبياً ،يف �إطار عم���ل م�ؤ�س�سي ،للتعبري عن املطالبة بامل�شاركة يف �صنع القرارات املتعلقة بفر�ض ال�ضرائب. ويف اليم���ن ال تعتم���د احل���ركات ال�سيا�سي���ة واالجتماعية عل���ى امل�صالح بل عل���ى القيم .ومع وجود ا�سرتاتيجية لنظ���ام احلكم املحلي والنظام ال�ضريبي �سيك���ون هناك تنظيم بطيء ولك���ن ملحوظ للمجتمع امل���دين للإلتفاف حول امل�صالح االقت�صادية ولي�س حول القيم .وعلى املدى الطويل �سينتظم ال�شعب ح���ول ال�سيا�سات ال�ضريبة احلكومية ،و�سيظهر املجتمع املدين ككتل م�ستعدة للمقاي�ضة واالتفاق مع كل من احلكومة الوطنية واملحلية ب�ش�أن �سيا�ساتهما.
الب��د م��ن بذل اجلهود من �أجل �إعادة هيكلة وتوجيه القوات الع�س��كرية جتاه املهام الع�س��كرية وتعزيز املهارة الع�س��كرية وتقليل الدور الذي تلعبه القوات الع�س��كرية يف املجتمع ،حيث �أن واجب القوات الع�س��كرية الدفاع عن املجتمع ولي�س حتديده وتعريفه دفع���ت باملع�سكري���ن املتحاربني (امللكيني واجلمهوري�ي�ن) �إىل االعتماد كثري ًا عل���ى القوى القبلية .ومنذ تلك الفرتة توا�صل���ت احلالة هذه حتت ظل �ضغط بع����ض العنا�صر القبلي���ة لتويل منا�صب م�ؤث���رة يف م�ؤ�س�س���ات الدولة وحاجة نظ���ام احلكم �إىل دعم تلك العنا�صر ،مثلم���ا حدث يف حروب 1972و– 1978 1979و .1994وه���ذا �أدى �إىل وج���ود مراكز قوى تتكون من خليط من العنا�صر القبلية والع�سكرية تفر����ض �سيطرتها ،لي�س فقط على �أجهزة و�إدارات الدولة، بل �أي�ض ًا على الأن�شطة ال�سيا�سية والتجارية وحتى على الثقافية م�ؤخراً. وبع���د الوح���دة اليمني���ة �ساد النمط ال���ذي �س���اد �سابق ًا يف اليم���ن ال�شمايل، وه���ذا خل���ق عالقات ن�سبي���ة عك�سية بني ق���وة اجلي�ش النظام���ي وت�أثري مراكز الق���وى املبنية قبلياً .وتدرك العنا�صر القبلية ،التي ت�شكل خمزون اجلي�ش غري الر�سمي� ،أنه ال يجب ال�سماح لقوة اجلي�ش النظامي �أن تتجاوز حدود معينة. ل���ذا ظل املجتم���ع وحيد ًا يع�ص���ف به العن���ف وال�صراعات امل�سلح���ة ،وهو ما �أ�ضف���ى على املجتمع الطاب���ع الع�سكري حيث تتطلع الفئ���ات االجتماعية للقوة امل�سلحة ،نظامية و�شعبية وقبلية ،من �أجل �ضمان الأمن يف الأطراف. وبه���ذا تواج���ه الدميقراطي���ة يف اليمن حتدي ًا كب�ي�ر ًا ي�ستدع���ي احلاجة �إىل �إ�صالح ج���ذري للعالقات املدين���ة الع�سكرية .وقد �أوج���د الأداء غري العقالين والفاق���د للحيوي���ة الذي تقوم ب���ه �إدارة ال�ضب���اط الع�سكري�ي�ن لإدارات الدولة املدني���ة ،احلن�ي�ن وال�شوق ب�ي�ن �أو�ساط ال�شع���ب �إىل احلكم غ�ي�ر الدميقراطي ال�ساب���ق الذي وفّر االحتياجات الأ�سا�سي���ة والأمن ،و�سيرّ الأمور ب�صورة �أف�ضل مم���ا هي عليه اليوم .ل���ذا البد من بذل اجلهود من �أج���ل �إعادة هيكلة وتوجيه القوات الع�سكرية جتاه املهام الع�سكرية وتعزيز املهارة الع�سكرية وتقليل الدور
ال���ذي تلعبه القوات الع�سكري���ة يف املجتمع ،حيث �أن واج���ب القوات الع�سكرية الدفاع عن املجتمع ولي�س حتديده وتعريفه. �إن ال�سيطرة املدنية مهمة جداً� :إذ يجب �أن يتخذ ويقر القرارات احلكومية، مب���ا يف ذل���ك القرارات الت���ي مت� ّ���س الأمن القوم���ي ،متخ�ص�ص���ون من خارج دائ���رة الق���وات امل�سلحة .وهذا �أي�ض��� ًا يتطلب نظام ًا حكومي��� ًا م�ستقر ًا و�شرعي ًا ملن���ع التدخل الع�سكري بحجة حماية املجتمع م���ن الفو�ضى .كما يجب �إخ�ضاع القوات الع�سكرية للم�ساءلة �أمام جمل�س النواب املنتخب ،وفر�ض مناق�شة عامة وفح����ص ل�سيا�سات الدف���اع واملوازنات وح���االت الأخط���اء الع�سكرية وارتكاب املحظور. العبودية وحتديات ما بعد الثورة اليمنية عالوة على ذلك ،ال ينبغي ملوظفي الدوائر التايل الع�سكري���ة القائمة باخلدمة اال�شرتاك ب�أي بقلم� :شيماء �أحمد منري ح���ال م���ن الأح���وال يف ال�ش����ؤون ال�سيا�سي���ة ك�أع�ضاء لأحزاب �سيا�سية يف ال�سلطات املنتخبة �أو حت���ى يف �إدارة �سيا�سية على امل�ستوى املحلي �أو الوطني ،وهذا ي�شمل وزارات الدفاع والداخلية .وحني ال ت�ستطيع ال�سلطات التنفيذية والت�شريعية �ضبط �أين ومتى وكيف يتم ا�ستخدام القوات الع�سكرية ،فال ميكن القول �أن هناك �سيطرة مدني���ة .فيجب تقدمي الدعم الفعال والعلني ملبد�أ الإخ�ضاع الع�سكري للحكومة املدني���ة من قبل �أدوات الفكر :و�سائل الإعالم واجلامعات والأحزاب ال�سيا�سية واجلمعي���ات التجارية واملتخ�ص�ص���ة وغريها م���ن الأدوات .وبينما من املمكن وج���ود �سيطرة مدنية على الق���وى الع�سكرية م���ن دون الدميقراطية� ،إال �أنه ال ميكن وجود الدميقراطية من دون ال�سيطرة املدنية على القوى الع�سكرية.
الهوامــ�ش ( )1راجع:
Neil MacDonald and Rana Khalil, ‘Report of the assessment towards a ‘whole of EU’ approach to state building in Yemen: addressing fragility to prevent state failure’, European Commission, July 2009.
( )2ال ت�شكل ال�ضرائب الفعلية �سوى %10من ال�ضرائب املقدرة والتي قد ت�صل �إىل 6بليون دوالر .لكن �سيا�سة جمع ال�ضرائب هذه ت�شابه كثري ًا تلك التي اتبعتها الدولة العثمانية (امل�سماة بالإلتزام) والتي كانت تتعاقد مع جامعي ال�ضرائب على حت�صيل مبلغ معني وما زاد يكون من ن�صيب العامل. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
65
حتليالت
اليمن والعامل
فـي 60يوما
وجهات نظر
نداء احلرية
عني على اليمن
العبودية وحتديات ما بعد الثورة اليمنية ME Archive
�شيماء �أحمد منري
shimaa.monir@yahoo.com
عل���ى الرغم من اجلهود التى بذلتها اجلمهورية اليمنية منذ الإعالن عن قيامها �إثر اندالع ثورة � 26أيلول�/سبتمرب 1962من �أجل تفعيل �أول هدف م���ن �أهداف الثورة ال�ست���ة ،وهو “�إقامة حك���م جمهوري عادل، و�إزال���ة الف���وارق واالمتي���ازات بني الطبق���ات” ،وجناحه���ا يف تقلي�ص ظاه���رة العبودية التي كانت متف�شية يف عه���ود �سابقة� ،إال �أنه ما زالت هن���اك عدد من مناط���ق اليمن تئن من �آثار العبودي���ة ،ومل ت�ستفد من �أه���م مميزات الثورة؛ وذلك ب�سبب ت�ضافر العدي���د من العوامل ،ت�أتى يف مقدمته���ا �سيطرة م�شاي���خ القبائل على تلك املناط���ق نتيجة �ضعف �أو غي���اب �سلط���ة الدولة بها .وه���ذا ي�شري بدوره �إىل حج���م التحديات الت���ي واجهت وال تزال تواجه الدولة اليمنية املعا�صرة يف �سبيل تد�شني دول���ة وطنية على �أ�س����س د�ستورية وقانونية حديث���ة و�سليمة؛ �إذ يتطلب ذلك �إحتواء امل�شايخ و�إدماجهم داخل نطاق الدولة املركزية من خالل ب�س���ط �سيطرتها على تلك املناطق املهم�شة حت���ى ت�ستفيد من امل�شاريع 66
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
التنموية التى تنعم بها العا�صمة وبع�ض حوا�ضر البالد الأخرى� .إال �أنه يف الوقت نف�سه يجب �أن ن�شري �إىل �أن جمرد ال�سماح بو�صول ال�صحافة ومنظم���ات املجتمع املدنى �إىل تل���ك املناطق ،وجناحها يف الك�شف عن تل���ك الظاهرة ما هو �إال ترجمة لنب�ض الدميقراطية املرت�سخة يف قلب ال�شعب اليمني والتي هي بحاجة �إىل �إبرازها وتفعيلها �أكرث ف�أكرث. ويف ه���ذه املقال���ة �سوف نلق���ي ال�ضوء على هذه الظاه���رة ،من خالل درا�سة املحاور التالية :حدود ونطاق انت�شار العبودية يف اليمن املعا�صر، و�أ�سب���اب ا�ستمرارها حتى الوقت الراهن ،و�أخري ًا دور الدولة واملجتمع املدين يف الت�صدي لها.
�أوالً :حدود انت�شار ظاهرة العبودية يف اليمن املعا�صر
تعود �إرها�صات ظاهرة العبودية �إىل القرنني املا�ضيني ،عندما دعت حاج���ة ال�سكان �آنذاك �إىل من يقوم بزراع���ة �أرا�ضي تهامة التى تت�سم �شيماء �أحمد منري باحثة وكاتبة من م�صر.
ب�إرتف���اع درجة حرارته���ا وخ�صوبة �أرا�ضيها .ومع قي���ام الثورة اليمنية الأ�سر� ،إال �أنهم يعتربون �أقلية وي�سيطر عليهم �شيوخ القبائل ،وتعد حالة كان يف مقدمة القرارات التي �أ�صدرها جمل�س قيادة الثورة هو ان�ضمام ا�ستعباد �شاملة يتم فيها البيع وال�شراء والعتق واالهداء ب�صكوك ر�سمية. اليم���ن �إىل املعاهدة الدولية لتحرمي الرق .وكنتيجة لثقافة الثورة التى �أم���ا الفئة الثانية من املُ�ستعبدين فه���م عائالت وجماعات كاملة يطلق �ص���ك للملكية� ،إال كانت �سائدة ،بادرت بع�ض الأ�سر �إىل حترير الرقيق طوعياً ،وكان من عليه���م “عبي���د القبيلة” ،وه����ؤالء لي�س لديهم �أي ٍّ بينه���ا �أ�سرة بيت الهيج حيث كانوا �أكرث النا����س امتالك ًا للم�ستعبدين� ،أنه���م نظر ًا لفقره���م املدقع وعدم متلكهم �شيء ف�إنه���م ينفذون �إرادة القبيل���ة ،ويطلق ه�ؤالء على �أنف�سهم “عبيد �أ�سرة كذا” ،و”عبيد قبيلة ضال عن �أ�سرة �أبو را�س يف �إب. ف� ً وعل���ى الرغم من جن���اح الثورة اليمني���ة يف تقلي�ص تل���ك الظاهرة ،ك���ذا” ،وهم ع���ادة ال يتقا�ضون �أي �أجر مقاب���ل عملهم و�إمنا يح�صلون �إال �أن العدي���د م���ن الأ�سر ظلت حتتف���ظ بامل�ستعبدين خا�صة يف اجلزء عل���ى امل�سكن وامل����أكل .وعدد ه����ؤالء يقدر ب���الآالف� .أما الفئ���ة الثالثة ال�شم���ايل الغربي من البالد ،ثم انتقلت ملكيته���م بالتبعية �إىل القبيلة فه���م “املهمّ�ش���ون” �أو “الأخدام” ،وه���ذه فئة اجتماعي���ة قائمة بحد �أوالعائل���ة ككل بد ًال م���ن التبعية لفرد ،وبد ًال م���ن توارثهم من �شخ�ص ذاته���ا يف اليم���ن وينظر �إىل �أفراده���ا وينظ���رون �إىل �أنف�سهم بدونية، �إىل �آخ���ر� ،صاروا يتوارثون ع�ب�ر الأ�سر .ويعود الف�ضل يف اكت�شاف تلك كما يطلق عليهم �أي�ض��� ًا “املجاربة” ،وهم يتمركزون مبناطق هام�شية الظاه���رة يف الوق���ت الراه���ن �إىل “املر�صد اليمني حلق���وق الإن�سان” وغ�ي�ر مبنية وهم منب���وذون بالكام���ل وعر�ضة للإق�ص���اء حتى �ضمن ال���ذي ك�ش���ف عن حال���ة رق مثبت���ة ب�شكل ر�سم���ي يف �إح���دى مديريات الطبق���ات الدنيا� ،إذ يرف�ض التعامل معهم �أو حتى التزاوج منهم .وهم حمافظ���ة حج���ة وم�سجلة ب�سج���ل الب�صائر برق���م 1420 /98ه���ـ .وتعود متخ�ص�صون ب����أداء الأعمال الدونية ويعتربون �أدنى م�ستويات املجتمع اليمن���ي ،ويعتم���دون يف معي�شته���م عل���ى ال�صدق���ات ب�ش���كل �أ�سا�سي. تل���ك الواقعة �إىل �أن �أح���د الأ�شخا�ص ت�سبب ويقت�ص���ر متلّ���ك ه����ؤالء امل�ستعبدي���ن عل���ى يف قت���ل رجل عن طريق اخلط����أ ،وقيل له �إن على الرغم من جناح الثورة كب���ار امل�شايخ وبع����ض الأع�ض���اء يف الربملان اليمنية يف تقلي�ص ظاهرة علي���ه عت���ق رقبة ،ودلّ���ه �أحدهم عل���ى العبد واملجال����س املحلي���ة يف املديري���ات وجمل����س “قنّ���اف” اب���ن (اجلارية) �سي���ار فقرر �أن العبودية� ،إال �أن العديد من ي�شرتيه ليح���رره مببلغ وقدره خم�سمائة �ألف الأ�سر ظلت حتتفظ بامل�ستعبدين املحافظ���ة ،وترتكز تل���ك احلاالت يف مناطق ال�ساحل وتهامة املتاخم���ة لع�سري بال�سعودية ريال من قبل القا�ضي هادي �أبو ع�ساج الذي خا�صة يف اجلزء ال�شمايل الغربي والت���ي ت�ض���م منطقت���ي حج���ة واحلدي���دة، قدم ا�ستقالته من �سلك الق�ضاة نتيجة حملة من البالد ،ثم انتقلت ملكيتهم ويختل���ف ه�ؤالء امل�ستعبدي���ن من حيث درجة االنتقادات التى ان�صبت عليه ،نظر ًا ملخالفة بالتبعية �إىل القبيلة �أوالعائلة الوعي والرغبة يف التحرر. ذلك العقد لل�شريعة والقانون. ال من التبعية لفرد ككل بد ً وتختل���ف حجم هذه الظاه���رة من منطقة ث���م تبنّ���ت اجلمعي���ة الوطنية للدف���اع عن لأخرى ،حيث جند �أن مديرية كعيدنة تعاين من ات�ساع حاالت العبودية احلق���وق واحلريات “هود” ،باال�شرتاك مع �صحيفة “امل�صدر” حملة ب�شكل ملفت مع تن���وع �صورها و�أ�شكالها ،حيث يتمركز امل�ستعبدين يف: ملناه�ض���ة جرمية العبودي���ة ،وذلك يف �سياق التحقيق���ات التى ن�شرتها “جمعة ،الثلث ،الغربي� ،صواخ” .ويتميز العبيد يف تلك املناطق بنزعة لل�صحف���ي عمر العمق���ي ،حيث ر�صد خاللها وجود م���ا يقرب من 500 التم���رد على �أ�سيادهم ،ويرتجم ذلك عملي��� ًا بهروبهم من كعيدنة �إىل عب���د وجارية يف مديريتي كعيدنة والزه���رة يف حمافظة احلديدة� ،أما اململك���ة ال�سعودي���ة �أو �إىل مديرية الزهرة التابع���ة ملحافظة احلديدة. حمافظة حجة فلديها العدد الأكرب وهو ما يزيد عن ثالثة �آالف حالة. �إال �أن تل���ك النزعة التحررية تقل يف مديريات “عب�س ،املحاب�شة ،قفل �إال �أن تل���ك الأرقام ما زال���ت تقديرية وحتتاج �إىل م�سح ميداين ملعرفة �شمر ،املفتاح”. الأرق���ام الفعلية .والواقع ي�شري �إىل �أن ذلك الع���دد قابل للزيادة نظر ًا �أما حمافظة حجة – التي ي�صل عدد مديرياتها �إىل - 31ف�إنه يوجد لوجود ما ي�سمى بفئة املُعلّقني ،وهم ممن كانوا عبيد ًا ثم حترّروا �إال �أنَّ الكثري منهم ال يزالون “مُعلّقني” �أي لي�سوا عبيد ًا وال �أحراراً ،ويعي�شون به���ا ما يتجاوز ثالثة �آالف عبد وجاري���ة ،وهم منت�شرون يف مديرياتها كافة �إال �أنهم يتمرك���زون بكثافة يف مديريات :كعيدنة� ،أ�سلم ،حر�ض، ظروف ًا اقت�صاديَّة �صعبة ال ت�ؤهلهم لكفالة �أنف�سهم. م�ستب�أ ،ميدي ،خريان املحرق ،ك�شر ،والأخرية فيها مئات العبيد .ويعد وميكنت�صنيفحاالتالعبوديةيفاملجتمعاليمنيحالي ًا�إىلثالثةفئات :و�ضع حمافظة حجة الأ�سو�أ نظر ًا النت�شار اجلهل بني �أبنائها ،واالفتقار الفئة الأوىل تت�ضمن املُ�ستعبدين اململوكني من خالل �صكوك �أو تتوارثهم للخدمات ال�صحية ،وتلوث املياه .وب�سبب �شدة الفقر ف�إنه ال يوجد لدى العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
67
اليمن والعامل
وجهات نظر
العبي���د هناك رغب���ة يف التح���رر خوف ًا من م�صريهم املجهول. �أما الو�ضع يف حمافظة احلديدة فهو على العك�س من حمافظة حجة ،فعلى الرغم من تكتم ال�سكان �أو املالك على حد �سواء على فئة املُ�ستعبدين� ،إال �أنه مت الت�أكد من وجود �أع���داد كب�ي�رة يف مديرية الزه���رة ،حيث يتجنّب املُ�ستعبدين الإف�صاح عن عبوديتهم خ�شية من عقوبة مُالكِ هم� .أما يف حمافظة �صع���دة فيتمركز املُ�ستعبدي���ن يف مديريتي �شدا والظاهر ،حيث يتباهى امل�شايخ هناك بامتالكه���م للعبيد واجل���واري ،ويتناف�سون عل���ى زي���ادة �أعداده���م ،م���ن خ�ل�ال دفع عبيده���م �إىل التزاوج و�إجن���اب املزيد من املُ�ستعبدين.
ثانيا� :أ�س��باب ا�ستمرار العبودية حتى الوقت الراهن
الأمية ،ف�ض�ل�اً عن �إنع���دام مظاهر احلياة امل�شايخ الذين ال يزالون ميتلكون امل�ستعبدين ي�شغلون منا�صب مهمة يف الع�صري���ة التي تتمتع به���ا العا�صمة �صنعاء اجلهاز الإداري للدولة مثل الربملان واحلوا�ض���ر الأخ���رى كعدن وتع���ز وغريها؛ و�أجهزة ال�سلطة املحلية وامل�ؤ�س�سة وذل���ك ب�سب���ب عج���ز الدول���ة ع���ن مبا�شرة الع�سكرية؛ �أى �أنهم من املح�سوبني على مهامه���ا االقت�صادي���ة واالجتماعية يف تلك ال�سلطة واملعار�ضة يف �آن واحد املناط���ق الهام�شي���ة ،وع���دم متكنه���ا م���ن �إيجاد بيئة �سيا�سية وثقافية و�أمنية منا�سبة ت�ساع���د على �إدارة �ش����ؤون الدولة من خالل �سلط���ة القانون ،وعلى الرغم من تبعية تلك املناطق ا�سمي ًا للدولة �إال �أنها ظلت – ب�شكل �أو ب�آخ���ر -م�ستقل���ة عنها؛ ونتيج���ة ملا �سبق يفتقد املواطن �شعوره باالنتماء الوطني.
68
ا�سرتاتيجية
وق���د ب���ذل الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح من���ذ و�صول���ه �إىل احلك���م ي���وم 17مت���وز/ يولي���و 1978جهود ًا م�ضنية م���ن �أجل تفعيل �أه���داف الث���ورة اليمني���ة به���دف �إنقاذه���ا من �سل�سل���ة االنتكا�سات الت���ى تعر�ضت لها ب�سبب احلرب الأهلية وامل�ؤامرات الداخلية واخلارجي���ة التي ا�ستهدفت �إ�سقاط النظام اجلمه���وري� ،إال �أن م�ساعي���ه الرامي���ة نحو تفعي���ل م�شروع بناء الدولة الوطنية احلديثة الت���ى ت�ستند على مبد�أ ت�ساوي جمي���ع املواطنني يف احلقوق والواجبات �أم���ام الد�ستور والقانون ،ووجهت مب�شروع �سيا�سي �آخر عبرّ عنه التيار ال�سلفي احلركي يف حزب التجم���ع اليمني للإ�صالح الذي يعترب القوة الرئي�سي���ة يف تكتل �أحزاب املعار�ضة الذى ي�سمى بـ” اللقاء امل�شرتك”؛ �إذ دع���م فك���رة توريث امل�ستعبدي���ن وفق وثائق ت�سم���ى «قاعدة ف�صل»، وهى قاعدة تُكرّ�س عملية توارث وتقا�سم العبيد. وعل���ى الرغم من متت���ع �شيوخ القبائل ب�سلط���ات وا�سعة على امل�ستوى املحل���ي مع قيام ث���ورة �أيلول�/سبتم�ب�ر � 1962إال �أنه���م مل ين�ضموا �أبد ًا للكي���ان ال�سيا�سي للدولة ومل ين�صاعوا ل�سلطتها؛ نظر ًا لعدم اعتيادهم عل���ى احلكم املرك���زي واخل�ضوع ل�سلطة مركزي���ة ،ونتيجة لذلك �سعوا �إىل مقاوم���ة بناء دولة مركزية قوية .ويت�ضح يف هذا ال�سياق حتدٍّ �آخر وه���و �أن ه�ؤالء امل�شايخ الذي���ن ال يزالون ميتلك���ون امل�ستعبدين ي�شغلون منا�صب مهمة يف اجلهاز الإداري للدولة مثل الربملان و�أجهزة ال�سلطة املحلي���ة وامل�ؤ�س�س���ة الع�سكرية؛ �أى �أنه���م من املح�سوبني عل���ى ال�سلطة واملعار�ض���ة يف �آن واح���د ،وهذا ما يف�سر حر�ص بع����ض م�شايخ القبائل وكب���ار الإقطاعيني يف اليمن على الو�ص���ول �إىل مقاعد جمل�س النواب، وتوظي���ف ع�ضويتهم فيه ،من �أجل �شرعن���ة ممار�ساتهم اخلارجة عن
Flickr
عل���ى الرغ���م م���ن اجله���ود الت���ى بذلتها الثورة اليمنية ودولتها الوليدة للق�ضاء على تلك الظاهرة ،وكانت يف طريقها لالندثار متام��� ًا �إال �أنه ت�ضافرت ع���دة عوامل �ساهمت يف بقاءها حتى الوقت الراهن ،وميكن �شرحها على النحو التاىل: �أ .تع رّ�ّثر تنفيذ م�ش��روع بن��اء الدولة الوطني��ة احلديثة: ويع���ود �سبب تعرث هذا امل�شروع �إىل طبيع���ة البيئة االجتماعية املوروثة، والت���ي كان ي�سيط���ر عليها حتال���ف تقليدي م���ن �شيوخ القبائ���ل وكبار ال�ضب���اط ال�سابق�ي�ن يف اجلي����ش العثم���اين وجيو����ش مل���وك الطوائف والأ�شراف وجتار املدن والوجه���اء؛ الذين كانوا ي�شكلون نخب ًا �سيا�سية غ�ي�ر من�سجم���ة حاول���ت ا�ستع���ادة موقعه���ا االجتماع���ي واالقت�صادي وال�سيا�س���ي من خ�ل�ال اال�ستف���ادة من ت�أث�ي�رات االنق�سام���ات القبلية والإثني���ة والطائفي���ة واملذهبي���ة .وو�س���ط تل���ك ال�صعوب���ات مل ت�ستطع الدول���ة ب�سط �سيطرته���ا على ال�ت�راب اليمني كامالً ،ب�سب���ب �سيطرة فك���رة القبلي���ة وامل�شايخ على العدي���د من املناط���ق .وتت�صاعد خطورة ه���ذه امل�شكلة يف ظل وجود �صراعات داخلي���ة تغذيها النزاعات القبلية ضال عن �إ�شكالية االندماج الوطني ،والتى كانت نتيجة والع�شائري���ة ،ف� ً لإنع���زال املناطق ال�صحراوية والقبلي���ة والبدوية؛ حيث �صارت �أطراف ًا �شب���ه م�ستقلة تقع خ���ارج خارطة الدولة اليمني���ة ،حمرومة من العديد من احلقوق واخلدمات التى توفرها الدولة ،حيث افتقرت تلك املناطق لوج���ود امل�ؤ�س�سات احلكومية ،وبالتاىل �إنع���دام و�سائل التنمية ،وتف�شّ ي
التحري�ضي �ضد �سلطة الدولة. وخروج��� ًا من هذا امل�أزق ،ف�إن على الدول���ة اليمنية �أن ت�صوغ معادلة جدي���دة ت�ستن���د �أرقامها على �إيج���اد �صيغ توفيقية للتفاه���م مع ه�ؤالء امل�شائ���خ م���ن �أجل احتوائه���م داخل ح���دود الدولة املركزي���ة الأم ،و�أن تك���ون الكلمة العليا للدولة املركزي���ة ،ومن ثمّ �ضمان متتع تلك املناطق املحروم���ة مبزاي���ا حماي���ة الدول���ة القومية ،ف�ض�ل�اً عم���ا يحمله ذلك م���ن تداعيات �إيجابي���ة على �صعي���د ال�سيطرة على التوت���ر والنزاعات الداخلية داخل تلك القبائ���ل .و�صار حتمي ًا على الدولة �إذا مل ي�ستجب ه����ؤالء امل�شايخ مل�ساعيها ال�سلمي���ة� ،أن ت�ستكمل الثورة اليمنية فاعليتها مبواجه���ة ه�ؤالء امل�شايخ الذين ي�سيئ���ون ل�سمعة اجلمهورية اليمنية من �أجل تعظيم منافعهم ال�شخ�صية ،فهى �إذن دعوة لتحرير تلك املناطق واملحافظ���ات من �سيط���رة القبلية عليها وب�سط نف���وذ الدولة عليها مع تكثيف حمالت التوعية بداخل تلك املناطق والداعية �إىل نبذ العبودية والت�أكيد على قيم التحرر.
الد�ست���ور والقان���ون ،واملناه�ض���ة ملبادئ الث���ورة اليمنية وقي���م النظام اجلمه���وري الدميقراطي ،والتى تتمث���ل يف ت�سهيل امتالك و�شراء وبيع وت���وارث امل�ستعبدين .وهذا م���ا ي�ؤكد �أن ال�سلط���ة القبلية هى التى تعد احلا�ضن الرئي�سي لهذه الواقعة الالن�سانية .كما يعد ذلك دلي ًال قاطع ًا عل���ى �إدانة امل�ش���روع ال�سيا�سي ال���ذي تتبناه رموز م�شايخي���ة معار�ضة وب���ارزة يف امل�ؤ�س�سة القبلي���ة ،والتي ت�صر على الوق���وف دائم ًا مبوازاة �سلطة الدولة ،ومقاومة م�شروع بناء الدولة الوطنية احلديثة. ب .انت�شار الفقر املدقع :ويعد ذلك �سبب ًا ناجت ًا عن غياب الدولة ضال عن انت�شار اجلهل والأمية ،وقد �شكل يف تلك املناطق املهم�ش���ة؛ ف� ً ذل���ك عام ًال �ساهم يف تكوين حالة م���ن الر�ضى لدى امل�ستعبدين نظر ًا لعدم وجود بديل �أمامهم �سوى العبودية ،و�صار لديهم �شعور ب�أن و�ضعهم طبيعي ولي�س من حقهم الزواج ممن ي�ستعبدونهم �أو النظر �إىل �أنف�سهم عل���ى قدم امل�ساواة معه���م؛ ونتيجة لذلك جل�أ بع�ضه���م مبح�ض �إرادته �إىل �شيوخ القبائ���ل فمنحوهم قطع �أر�ض لل�سكن عليها و�أ�صبحوا حتت حماي���ة �شيخ القبيلة ويعملون لديه ويتبعونه ،وبالتايل فهم مل ي�ستعبدوا بط���رق العبودية العادية �أي عرب ال�شراء من �أ�سواق النخا�سة �أو الأ�سر .ثالثاً :دور الدولة واملجتمع املدين يف مواجهة العبودية عان���ت املناطق الت���ي انت�ش���ر فيها اال�ستعب���اد من حمدوي���ة اخلدمات وهذه الفئة من املُ�ستعبدين الذين ارت�ضوا بالعبودية ويرف�ضون التحرر ضال عن انت�شار الأمية بني �أفرادها؛ االجتماعية وامل�شاريع التنموية ،ف� ً يعت�ب�رون عقبة رئي�سية يف �سبيل مكافح���ة تلك الظاهرة ،فالفقر مهما وذلك نتيجة لطبيع���ة البنية االجتماعية لليمن التى حالت دون متكنها كان���ت �صعوبته ف�إنه �أه���ون بكثري من مرارة العبودي���ة .وا�ستغل امل�شايخ م���ن فر����ض االندم���اج االجتماعى وب�س���ط طابعها الثقايف ع�ب�ر �أنحاء تلك احلالة من اال�ست�سالم والر�ضوخ ومت�سّ كوا بالعبيد ،حيث �أدركوا �أن الب�ل�اد ،واقت�ص���ر ح�ضور �سلطاته���ا ال�سيا�سية على امل���دن واحلوا�ضر املجتمع ما يزال متقب ًال لبقاء هذه الظاهرة بينهم .وعلى الرغم من �أن الكربى .فه�ؤالء امل�ستعبدون لي�س ب�إمكانهم احل�صول على بطاقة �إثبات بع����ض الأ�سر مل ي�صبحوا بذلك النفوذ الذي كان عليه �آبا�ؤهم� ،إال �أنهم �شخ�صية ،وال على جواز �سفر �أو بطاقة �ضمان اجتماعي ،ب�سبب التمييز �أ�ص���روا على االحتفاظ بامل�ستعبدين نتيج���ة �سيطرة الرغبة يف التباهي ضال عن عدم وجود ن�سب لهم، �ضدهم .ف� ً والتفاخر والنظرة اال�ستعالئية� .إال �أنه على وعادة ما يتم توظيفهم �سيا�سي ًا من خالل عانت املناطق التي انت�شر فيها اجلان���ب الآخر ،هن���اك بع����ض الأ�سر التي منحه���م بطاق���ة انتخابية فقط م���ن �أجل اال�ستعباد من حمدوية اخلدمات ا�ضطرت �إىل ت�سريح عبيدها ،وبع�ضها قام الت�صوي���ت ل�صالح �أ�شخا�ص بعينهم .وتعد االجتماعية وامل�شاريع التنموية، بعتقهم ،نظر ًا للظ���روف املعي�شية ال�صعبة الن�س���اء �أكرث الفئات ت�ض���رر ًاَ ،نظر ًا لعدم ضال عن انت�شار الأمية بني ف� ً التي مرت بها. �أفرادها؛ وذلك نتيجة لطبيعة قدرتهم على البحث عن م�صدر رزق بعيد ًا ج .انت�شار املفاهيم الدينية املغلوطة: البنية االجتماعية لليمن التى ع���ن حالة اال�سرتقاق ،ف�ض�ل�اً عن حرمان االندماج فر�ض من متكنها دون حالت وال��ت��ي ت���رى �أن���ه ال ي��وج��د �أى م�شكلة يف �أطفالهن من االنت�ساب لآبائهم ،حيث يتم االجتماعى وب�سط طابعها العبودية ،و�أنها كانت موجودة على نطاق �إحلاقهم ب�أمهاتهم ،مما يت�سبب يف �إهدار الثقايف عرب �أنحاء البالد وا�سع على م�� ّر التاريخ الإ���س�لام��ي ،حيث حقوقهم. ي�ستند رجال الدين يف تلك املحافظات �إىل ويف �ضوء ما �سبق� ،صار حتمي ًا �أن تت�ضافر ال�شريعة من �أجل تربير هذه الظاهرة نظر ًا جه���ود كل م���ن الدولة اليمني���ة ومنظمات للفوائد التى تعود على امل�شايخ ،وي�ؤكدون �أن املجتم���ع املدين من �أجل حل تلك الظاهرة حترميها ي�شري �إىل حالة ر�ضوخ للت�شريعات ب�أبعاده���ا االجتماعية اخلطرية .ويتمحور الو�ضعية من �أج��ل تقييد ما هو مباح يف دور الدولة يف املعاجلة االقت�صادية و�إعادة �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية؛ وذل��ك وفق ًا دجمهم اجتماعي ًا داخل كنفها ،من خالل لت�صوراتهم ،مع توظيف اخلطاب الديني العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
69
ME Archive
اليمن والعامل
وجهات نظر
عدم قدرة الدولة اليمنية على التعامل الفعّال مع ت�أثريات القبلية على انت�شار العبودية ،ال يعود �إىل تق�صري من جانبها بقدر ما يعود �إىل حمدودية �إمكانياتها وقدراتها يف التكيّف والتعامل مع هذه الو�ضعية التي تتوغل جذورها يف �أزمنة وعهود �سبقت وجودها هي ذاتها
Flickr
70
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
الوا�ضح �أن ظاهرة العبودية بحاجة �إىل تكاتف جميع خامتة �أركان الدول���ة اليمنية بهيئاتها وم�ؤ�س�ساته���ا الر�سمية وغري الر�سمية. وعلى الرغم من قتام���ة امل�شهد الذى خيّم على �أجواء املجتمع اليمني، ف�ض�ل�اً عن ال�صعوبات اجلمة الت���ى تقف حائ ًال دون التخل�ص من هذه الآف���ة االجتماعي���ة� ،إال �أن الواقع ي�شري �إىل �أنه من ب�ي�ن تلك الظلمات يوج���د العديد من نوافذ الأمل التي فتحت �أمام �سبل الق�ضاء على هذه الظاهرة؛ وذلك من خالل ن�شاط �أجهزة الدولة ممثلة يف وزارة حقوق
Flickr
تعوي�ض ه�ؤالء املهم�شني وتوفري فر�ص عمل كرمية لهم حتى ال ير�ضخوا ويع���ودوا بعد حتريرهم طوع ًا �إىل العبودي���ة كبديل مثايل حلالة الفقر املدقع ،وه���ذا يتطلب بدوره اقتالع العبودية م���ن الثقافة املرت�سخة يف فك���ر وعقيدة كل من املالكني وامل�ستعبدين على حد �سواء .ف�إذا جنحت الدولة -التى �صارت م�سئولة �شرع ًا وقانون ًا بتحرير ه�ؤالء امل�ستعبدين وتعوي�ضهم عن االنتهاكات التي تعر�ضوا لها -يف حتقيق ما �سبق ف�إنها �ستك���ون بذلك جنحت يف مواجهة حتدٍّ رئي�سيٍّ يتمثل يف “الق�ضاء على الف���روق والإختالفات ب�ي�ن الطبقات االجتماعية” ،وال���ذي يعد واحد ًا من �أهم �أهداف ثورة .1962 وقد ب���ادرت الدولة فعلي ًا باتخاذ خط���وات ملعاجلة تلك الظاهرة من خ�ل�ال حترير بالغ �إىل النائب العام م���ن �أجل ت�شكيل فريقني ملالحقة امل�ستعبدي���ن ،وق���د �أم���ر النائب الع���ام بت�شكيل فريق قان���وين ملالحقة ه���ذه الظاهرة والفاعلني �أو املمار�سني له���ا ،و مت ا�ستهالل ذلك العمل مبطالب���ة فريق منظمة “هود” احلقوقية يف حج���ة واحلديدة بت�شكيل فرق ا�ستطالعية تذهب �إىل الق���رى من �أجل معرفة الأرقام احلقيقية لتلك الظاهرة من خالل م�ساع���دة النا�شطني احلقوقيني و�أهل القرى هن���اك .كما كلف جمل�س ال���وزراء وزارة حقوق الإن�سان من �أجل �إعداد تقري���ر �شامل ع���ن امل�ستعبدين ،وت�شكي���ل جلنة ملتابع���ة ومالحقة هذه الظاه���رة ،من خ�ل�ال التوجُّ ه �إىل جميع املديري���ات التي حتت�ضن هذه الظاهرة والك�شف عن عدد احلاالت بها .كما دعت احلكومة يف الوقت نف�س���ه �إىل عق���د الن���دوات واللق���اءات العلمي���ة لدرا�سة �أبع���اد ظاهرة العبودية وتداعياتها.
ويف ه���ذا ال�سياق ،تت�ض���ح �أهمية م�شروع رئي����س اجلمهورية املعروف ب���ـ “م�ش���روع ال�صالح” من خالل �إعط���اء الأولوية الق�ص���وى يف توزيع الأرا�ض���ي للأ�شخا����ص الذي���ن �ستعم���ل الدول���ة والنياب���ة والهيئ���ات االجتماعية عل���ى حتريرهم مع توفري م�صادر لل���رزق و�إعادة دجمهم باملجتمع� .إذ يعد ذلك خطوة مهمة الحتوائهم داخل كنف الدولة. وم���ن �أج���ل تفعي���ل اخلط���وات ال�سابق���ة ،ف�إنه يج���ب �أن تتع���اون كل م�ؤ�س�سات الدولة الت�شريعية والتنفيذية والق�ضائية يف مواجهة العبودية. فبالن�سب���ة للم�ؤ�س�سة الت�شريعية يج���ب �أن تقوم بتفعيل القانون 248من قان���ون اجلرائم والعقوبات الذى يُجرِّم هذه الظاهرة ويعاقب باحلب�س ع�ش���ر �سنوت كل من ي�شرتي �أو يبيع �أو يت�ص���رف يف عبد� ،إال �أن تفعيل ذل���ك الن����ص القانوين يف ظل الع���دد املتزايد م���ن امل�ستعبدين يتطلب انته���اج �سيا�سة ر�شيدة تعتمد على الت�شاور وحماولة �إقناع م�ستعبديهم ب�ض���رورة التخلي عنهم وحترريهم طوع���اً .وتت�ضح هنا مهمة احلكومة اليمني���ة من خالل وزارة حقوق الإن�سان ووزارة العدل من �أجل مراقبة م�س�ألة تطبيق هذا القانون. ع�ل�اوة عل���ى هذا ،ي�أت���ي دور كل م���ن امل�ؤ�س�سة الديني���ة والرتبوية يف مواجهة ظاهرة العبودية؛ وذلك من خالل ت�صحيح ال�شق الديني لهذه الظاه���رة غ�ي�ر الإن�سانية ،وهو �أم���ر يتطلب تفعيل دور الق���وى الدينية والفقه���اء للعمل عل���ى حترميها وتوعي���ة امل�ستعبدين ب����أن احلرية حق �شرع���ي لهم ،والت�أكي���د على �أن حترمي الأمم املتح���دة للعبودية يتوافق م���ع قواعد ال�شريعة الإ�سالمية ،مع رف�ض حماوالت �إيجاد �سند �شرعي لل���رق ،والت�شديد على �أن الن�صو����ص الواردة يف ال�شريعة حول املو�ضوع �إمن���ا كانت ملعاجلة ظاهرة كانت موجودة قب���ل الإ�سالم ،و�أن ال�شريعة �شرع���ت �إىل �إلغاء العبودي���ة تدريجياً؛ وذلك من خ�ل�ال التحفيز على حتري���ر ال ِّرق���اب وجعلها كف���ارة للذنوب .وق���د توجّ ه عدد م���ن فقهاء ال�شريعة له�ؤالء املُ�ستعبِدين ليقنعوهم ب�إعتاق املُ�ستعبَدين. وتعتم���د الدولة يف ت�صديها للعبودية على ركيزت�ي�ن� ،أولهما الد�ستور اليمن���ي الذى ن�ص على �أن املواطن�ي�ن �سوا�سية ال فرق بينهم ،وثانيهما �أن���ه ال يوجد ن�ص �شرعى يدعو للعبودية ،و�أن الإ�سالم يرف�ض العبودية ويدعو �إىل حترير الإن�سان� .إال �أن ما يعقد من حل م�شكلة العبودية هو عدم فاعلية املعار�ضة اليمنية يف الت�صدي لتلك الظاهرة؛ نظر ًا لكونها تعد م�سئولة ولو جزئي ًا عن اجلرائم واالنتهاكات التي حتدث ،حيث �أن بع����ض القوى املعار�ض���ة ت�سهل وت�شارك يف ا�ستم���رار ظاهرة العبودية، بالنظر �إىل �أن بع�ض املح�سوبني عليها قد توارثوا عبيد ًا وما زالوا حتت حمايتهم. وبالن�سبة ملنظمات املجتمع املدين ،ف�إنها تعانى من حمدودية ن�شاطها نظر ًا القت�صار عملها على املراكز ب�سبب احلماية الإعالمية واحلزبية وغريه���ا من متطلبات عمل ه���ذه املنظمات ،ومل تتّ�س���ع لت�شمل العديد
من الق���رى نظر ًا ل�صعوب���ة الو�صول �إليها الفتقاده���ا ملظاهر التح�ضر والتم���دن الأ�سا�سية .ويتمحور دور تل���ك املنظمات يف حتفيز املتربعني و�أ�صحاب الأعمال اخلريية يف �إن�شاء �صندوق خا�ص ملعاجلة امل�شكالت االقت�صادية له�ؤالء امل�ستعبدين ،وتطوير برامج ت�أهيل من �أجل ت�أهيلهم للخروج من عزلتهم االجتماعية واالختالط مع عموم النا�س من خالل تطوي���ر القدرات الفكرية له�ؤالء املحرري���ن وتوعيتهم ب�أهمية و�ضرورة التحرر ،حيث �أن معظمه���م يرف�ضون التحرر خ�شية املوت جوعاً ،ومن ث���مّ فهم بحاجة �إىل �إتاحة بدائل �أمامهم من خالل تنمية تلك املناطق وتوفري فر�ص عمل لهم. وت�أت���ي يف مقدمة تلك املنظمات “املر�ص���د اليمني حلقوق الإن�سان” الذي كان ل���ه الف�ضل يف الك�شف عن تلك الظاهرة ،والذي ي�ستند على �أن ال���رق يخال���ف الد�ستور اليمني الذي يلتزم يف امل���ادة ال�ساد�سة منه بالإعالن العاملي حلقوق الإن�سان والذي ن�ص يف املادة الرابعة منه على �أنه“ :اليجوز ا�سرتقاق �أو ا�ستعباد �أي �شخ�ص ،بكافة �أو�ضاعهما” ،وهو ما ن�صت عليه املادة الثامنة من العهد الدويل اخلا�ص باحلقوق املدنية ضال عن �أن ال���رق يناه�ض حرية الإن�سان وكرامته ،وكل وال�سيا�سية ،ف� ً قيم احل�ضارة والدميقراطية. ف�ض�ل�اً ع���ن دور “الهيئة الوطني���ة للدفاع عن احلق���وق واحلريات” (هود) التي نظمت حملة تهدف �إىل �إنهاء العبودية يف اليمن من خالل حتفيز احلكوم���ة على تطبيق اخلدمات االجتماعي���ة وت�أمني امل�ساعدة القانونية ،والت�أكيد على تنفيذ القانون اليمني الذي يعاقب مالك العبد بال�سج���ن لع�ش���ر �سنوات كح���د �أدنى وتعميمه عل���ى اجلميع؛ وذلك من خالل تعاونه���ا مع اجلهات احلكومية واللجنة امل�شكلة من وزارة حقوق الإن�سان ،وكل منظمات املجتمع املدين الأخرى لتحرير جميع العبيد. وق���د تعه���دت املنظم���ة بالعم���ل عل���ى �إح�ص���اء كل ح���االت ال���رق يف املحافظ���ات التى ما زالت تعاين من العبودي���ة ،كما �ست�سعى يف الوقت ذاته �إىل تقدمي امل�ساع���دات الإن�سانية عرب دعوة املتطوعني من فقهاء ال�شريعة للنزول �إىل الق���رى وال�سعي مع كل من يدّعي ملكيته ل�شخ�ص ضال عن لإقناع���ه بالتخلي عن���ه طوعاً ،و�إال يت���م مالحقته قانوني���اً .ف� ً �ض���رورة تعاون ال�سلط���ات املحلية من �أجل مواجه���ة تلك الظاهرة من خالل ال�صمود يف وجه ذوي النفوذ من العالئالت الكبرية.
تعتمد الدولة يف ت�صديها للعبودية على ركيزتني، �أولهما الد�ستور اليمني الذى ن�ص على �أن املواطنني �سوا�سية ال فرق بينهم ،وثانيهما �أنه ال يوجد ن�ص �شرعى يدعو للعبودية ،و�أن الإ�سالم يرف�ض العبودية ويدعو �إىل حترير الإن�سان
الإن�س���ان ،والتعاون م���ع منظمات املجتمع املدين للدخ���ول �إىل املناطق التي تنت�شر �أو توجد فيها العبودية من �أجل مبا�شرة �أعمالها. �إال �أن���ه ،ويف الوقت ذاته� ،سيظل جن���اح تلك اجلهود مرهون ًا بعاملني رئي�سي�ي�ن� ،أولهما ه���و املعادلة ال�صعبة التى حتك���م العالقة احل�سا�سة ب�ي�ن �سلط���ة الدول���ة ونفوذ م�شاي���خ القبائل ،ف����إذا متكن���ت الدولة من ا�ستخ���دام �سلطاتها م���ن �أجل احتوائهم و�إقناعهم ب����أن الو�ضع مل يعد يحتم���ل التكتم علي���ه و�صار واجب ًا وطني��� ًا اال�ستجابة لن���داءات الدولة والتعاون معها من �أجل ت�سريح ه�ؤالء امل�ستعبدين ،و�إيجاد م�صدر رزق لهم وت�أهيله���م اجتماعي ًا واقت�صادي ًا من �أجل ا�ستثمار طاقاتهم ب�شكل متمدن و�آدمي خلدمة اليمن كلها ولي�س احتكارهم لفئة بعينها ،خا�صة يف �ضوء احلملة التى �شنتها ال�صحافة وحتولها �إىل ق�ضية ر�أى عام. �أم���ا العامل الث���اين؛ فيعد مكم ًال ل�ل��أول ،وهو �ض���رورة توعية �أفراد املجتم���ع من �أجل الت�ص���دي للعبودية ورف�ضها ذاتي��� ًا حتى ي�شكل ذلك ق���وة �ضغط داخلية على ه�ؤالء امل�شايخ .ومن ثمّ ف�إن ذلك يتطلب موجة رف����ض �شعبية ت�سته���دف امل�شايخ املت�سرتين على جرمي���ة العبودية� ،إذ �أن ذل���ك �سيك���ون ت�أكيد ًا من جانب ال�شعب بع���دم �شرعية �سلطة ه�ؤالء امل�شاي���خ ورغبة �صريحة من جانبهم الحت���واء الدولة لهم ،الأمر الذي �سي�سه���ل على الدول���ة القيام بتطبي���ق القوانني والت�شريع���ات ومعاقبة ه�ؤالء امل�شايخ الذين يظنون �أنهم فوق �سلطة القانون. �أخرياً ،يج���ب الت�أكيد على �أن عدم قدرة الدولة اليمنية على التعامل الفعّ���ال مع ت�أثريات القبلية على انت�ش���ار العبودية ،ال يعود �إىل تق�صري من جانبها بقدر ما يعود �إىل حمدودية �إمكانياتها وقدراتها يف التكيّف والتعامل مع هذه الو�ضعية التي تتوغل جذورها يف �أزمنة وعهود �سبقت وجودها هي ذاتها. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
71
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
تكتيك �آين �أم رهان ا�سرتاتيجي؟
ME Archive
�ساءلة طموحات اليمن اخلليجية ُم َ طارق عبداهلل ثابت احلروي d.tat2010@gmail.com
لع���ل الت�سا�ؤل املحوري الذي �أ�صبح من الواج���ب �إثارته �أمام الباحثني واملهتمني بال�ش�أن اخلليجي ،كي يت�سنى لنا من خالله حتديد بع�ض �أهم اخلطوط العامة احلاكمة لهذا املو�ضوع ،و�صو ًال �إىل حماولة الك�شف عن ماهية وطبيعة املنظمة التي ت�سعى اليمن لالن�ضواء حتت �سمائها� ،سيما يف �ض���وء ا�ستمرار تنام���ي حاالت التذبذب احلادة الت���ي تنتاب املواقف اخلليجي���ة �إزاء بع�ضه���ا البع�ض يف العديد من الق�ضاي���ا الرئي�سة ،ذات العالق���ة الوثيق���ة ال�صلة ببق���اء وا�ستم���رار املنظمة م���ن �أ�سا�سها ،هذا 72
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
الت�س���ا�ؤل هو «هل ي�سعن���ا القول �إنه بعد مرور ثالثة عق���ود على ت�أ�سي�س منظم���ة جمل����س التعاون لدول اخللي���ج العربية� ،أننا نق���ف بالفعل �أمام جترب���ة �إقليمي���ة مكتملة الر�ؤي���ة والأه���داف والأبعاد من حي���ث ال�شكل وامل�ضمون ،قادرة ب�صورة عملية وفعلية على العطاء والبقاء يف �آن واحد، بعيد ًا عن تلك العوامل الدولية والأمريكية منها بوجه خا�ص املن�شئة لها �أو تل���ك الت���ي مثلت – وما تزال متثل � -سبب��� ًا جوهري ًا وراء بقائها حتى الآن ،ونخ�ص بالذكر منها العامل االقت�صادي ب�شقه النفطي يف �ضوء ما طارق عبد اهلل احلروي باحث ميني يف العالقات الدولية وال�ش�ؤون اال�سرتاتيجية.
يدره من عوائد مالية �ضخمة تكفي لتغطية �أعبائها� ،أم �أننا ما زلنا نقف �أمام نف�س التجربة الوليدة التي غلب عليها الطابع الأمني ،الذي �أن�شئت لأجل���ه على الرغم مما طر�أ عليها من تغيريات كثرية م�سّ ت ال�شكل �أكرث من امل�ضمون ،ال�سيما �أنه مل يت�سنّ لها امل�سا�س بجوهر االتفاقية الأمنية املن�شئة لها؟». يف الب���دء ،حري بن���ا الت�أكيد على �أن من�ش�أ ه���ذا الت�سا�ؤل هو حماولة �أولية من قبلن���ا للإحاطة بحيثيات ماهية وطبيعة امل�ساعي اليمنية ومن ث���م م�ستقبلها على املدى املنظور ،والت���ي تقف وراء ا�ستماتة دوائر �صنع الق���رار للح�صول على ع�ضوي���ة املنظمة منذ مطل���ع الن�صف الثاين من عقد الت�سعينيات� ،أو مبعنى �آخر :هل الهدف الرئي�س الكامن ورائها هو البحث عن منظومة �إقليمية فعلية وفاعلة يف �آن واحد ،يف حماولة لإبراز الهوية اخلليجي���ة لليمن ،ت�ستطيع من خاللها تلبية طموحاتها الإقليمية امل�شروع���ة يف تقا�س���م -ه���ذا �إن مل نق���ل ت�أدي���ة -دور حم���وري �إقليمي ط���ال انتظاره يت�سق مع جممل ما لديه���ا من مزايا �إ�سرتاتيجية (متاحة وغ�ي�ر متاح���ة) ،و�صو ًال �إىل تعظي���م مكا�سبها اال�سرتاتيجي���ة املن�شودة، االقت�صادي���ة منها على وجه خا�ص؟ �أم �أن الأمر كان وما يزال ال يتعدى يف املح�صلة النهائية -جمرد حماولة جمتز�أة �أخرى يف اجتاه البحثعن بع�ض املزايا االقت�صادية املتوقعة الأكرث �أهمية و�إحلاحاً ،والتي لي�س لها عالقة وثيقة ال�صلة من قريب �أو بعيد بطبيعة وواقع ومن ثمّ م�ستقبل املنظمة والدور اليمني املن�شود فيها؟ �أو االثنني معاً؟ واجلدير بالذكر �إن �أية حماولة يف اجتاه �إعادة بلورة ،ومن ثم �صياغة طبيعة وواقع خط �سري بع�ض �أهم الأحداث الرئي�سة التي ارتبطت بن�ش�أة املجل����س �أو مراحل تطوره ،و�صو ًال �إىل حماولة و�ضع اليد على بع�ض �أهم املع���امل الرئي�سة املُف�سِّ رة لطبيعة املح���ددات املحيطة مب�ستقبله يف �ضوء ما �أ�صبح ميثله املجال احليوي للخليج العربي من �أهمية متزايدة لدوائر �صن���ع القرار يف اليمن ،كانت وما زالت واحدة من �أهم امل�سائل ال�شائكة الت���ي �أ�صبح من املهم الت�أين كثري ًا قب���ل خو�ض غمارها ،نظر ًا ملا يحيط به���ا من ح���االت تعقيد ح���ادة وح�سا�سية مفرطة� ،سيم���ا يف حال ارتبط ه���ذا الأمر بطبيعة املوا�ضيع التي �سيت���م �إثارتها يف �ضوء �إحجام الكثري م���ن الباحثني واملهتمني عن مناق�شتها من ه���ذه الزاوية لأي �سبب كان، واالكتف���اء مبا هو متاح لهم من بيان���ات وتراكم معريف يحدد من خالله طبيع���ة وواقع خ���ط �سري �أي���ة ر�ؤى ودرا�س���ات تتعلق بال�ش����أن اخلليجي، باعتبارها حقائق مو�ضوعية ن�سبية ال غبار عليها. و�ضم���ن ه���ذا ال�سي���اق ،يت�سنى لنا الق���ول من خالل تتب���ع بع�ض �أهم املح���ددات الرئي�س���ة احلاكمة وراء ن�ش���وء وتطور جمل����س التعاون لدول اخللي���ج العربية ،و�صو ًال �إىل ا�ستمرارية بقاءه على حاله دون حدوث �أية تغي�ي�رات جذرية ن�سبي���ة مت�س جوهر االتفاقية املُن�شئ���ة له منذ ت�أ�سي�سه
ع���ام � ،1981س���واء يف اجت���اه حتقي���ق �أوا�ص���ر الوح���دة االندماجية بني دول���ه� ،أو يف زوال���ه نهائي ًا من عل���ى اخلارطة الإقليمي���ة منذ مطلع عقد الت�سعيني���ات م���ن القرن املا�ضي؛ عل���ى خلفية انتفاء ال�سب���ب الرئي�س - �إن مل نق���ل الوحيد -الكام���ن وراء ن�شوءه وبقاءه ،ممث�ل�اً بخروج القوة العراقي���ة م���ن املعادلة الإقليمية ع���ام ،1991باعتباره���ا القوة الوحيدة التي مثلت تهديد ًا حقيقي��� ًا للمخططات الأمريكية -الغربية املتبعة �إزاء عم���وم املنطقة وما يجاوره���ا� .أو ب�سبب ا�ستمرار تنامي عوامل ومظاهر التناف���ر والفرقة بني دول���ه �أكرث منها التج���اذب والتوحد ،لدرجة عجز عنده���ا الكثريين عن تف�سري ال�سبب �أو اللغز وراء ا�ستمرار بقاء املجل�س دون حدوث انتكا�سة حادة له طوال هذه الفرتة ،وهو الأمر الذي يجعلنا نق���ف �أمامه طوي ًال يف حماول���ة لإمعان الفكر والب�ص�ي�رة معاً� ،سيما يف ح���ال تبينّ بع����ض احلقائق التي ت�ؤك���د �إن ا�ستمرار بقائ���ه قد ارتبط يف الأ�سا����س با�ستم���رار بقاء ال���دور املحوري ال���ذي تلعبه اململك���ة العربية ال�سعودي���ة �ضم���ن نطاق ح���دود �إ�سرتاتيجية املح���ور الأمريكي -الغربي وحلفائه ،باعتبارها القوة الإقليمي���ة الوحيدة �صاحبة الإنتاج واملخزون النفط���ي ومن ث���م القدرة املالي���ة الهائل���ة – �أو ًال ،-و�صاحب���ة امل�شروع الدين���ي -ال�سيا�سي ومن ث���مّ النفوذ والطموح الإقليم���ي – ثاني ًا ،-و�إال كيف ي�سعن���ا �إعطاء �أية تف�س�ي�رات حول ا�ستمرار تنام���ي حجم الأعباء ال�ضخم���ة (املادية/املعنوي���ة) التي يتحملها الط���رف ال�سعودي بالنيابة م�ساعي دوائر �صنع القرار اليمني الرامية �إىل احل�صول على ع�ضوية املجل�س مل – ولن -تتعدى م�س�ألة تعظيم جزء مهم من املكا�سب االقت�صادية املتوقعة على �أكرث تقدير ،يف حماولة لرفد م�سرية البلد التنموية املن�شودة عن باقي دول املجل�س. وانطالق��� ًا م���ن كل ذلك ،تت�ضح لنا طبيعة و�أبع���اد هذه ال�صورة �أكرث من ه���ول وفداحة احلقائ���ق التي نق���ف �أمامها؛ جراء ا�ستم���رار تنامي �سع���ة الفجوة القائم���ة بني دول املجل�س على املج���االت كافة �ضمن �إطار املنظمة التي ت�ستظل به���ا ،لدرجة ي�صعب معها القول �إننا نقف ب�صورة فعلي���ة بعد مرور ثالثة عق���ود تقريباً� ،أمام نظ���ام �إقليمي حموري يغلب علي���ه الطابع اال�سرتاتيجي �أكرث منه ال�سيا�س���ي -الأمني ،مكتمل الر�ؤية والأه���داف والأبع���اد من حيث ال�ش���كل وامل�ضمون -ولو ب�ص���ورة ن�سبية؟ خا�صة �إنه ما يزال عاجز ًا عن تلبية �أجزاء جوهرية من متطلبات الأمن العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
73
اليمن والعامل
وجهات نظر
�س��عة الفج��وة القائم��ة بني دول املجل�س على املجاالت كافة �ضمن �إط��ار املنظمة التي ت�س��تظل بها، تنامت لدرجة ي�صعب معها القول �إنن��ا نق��ف ب�ص��ورة فعلي��ة بع��د م��رور ثالثة عقود تقريب��اً� ،أمام نظ��ام �إقليمي حموري يغلب عليه الطاب��ع اال�س�تراتيجي �أكرث منه ال�سيا�سي -الأمني
�صدر حديث ًا عن مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية
2space.net
القوم���ي لدول���ه ،ج���راء ارتباطه لي�س مب���ا ا�ستطاعت دول���ه منفردة �أن حتققه م���ن مظاهر للنه�ضة التنموية �شملت كاف���ة نواحي احلياة فيها، بحك���م ما �أ�صبح متوفر ًا لديها من موارد مالية هائلة� ،أو مبا ا�ستطاعت �أن حتقق���ه من خطوات نوعي���ة عملية ذات طاب���ع ا�سرتاتيجي يف اجتاه حتقي���ق هدف الوحدة االندماجية بني دوله ال�ضعيفة املتنافرة ،بل بتلك الهي���اكل ال�شكلية التي عجزت حتى عن بن���اء منظومة ع�سكرية� -أمنية يُعتد به���ا ،على الرغم م���ن �ضخامة طبيعة وحجم النفق���ات الع�سكرية والأمنية الهائلة التي و�صلت �إىل تريليونات الدوالرات يف الفرتة الواقعة بني عام���ي ( ،)2010-1973وعل���ى الرغم من توقي���ع �أول اتفاقية �أمنية للدف���اع امل�شرتك ب�ي�ن دول املجل�س ع���ام .2000غري �أن معظ���م الدالئل التاريخي���ة ت�شري �إىل �أنها مل تكن �سوى جمرد خطوة �شكلية ،ا�ستطاعت مبوجبها تقنني ا�ستم���رار عمليات اال�ستنزاف الهائل���ة ملواردها املالية؛ م���ن حيث �أن جمرد الإع�ل�ان عن تبني م�شروع ع�سك���ري� -أمني �ضخم �أطلق عليه «درع اجلزيرة» ال يتعدى كونه جمرد عملية ا�ستباقية تتمحور ح���ول �إع���ادة تهيئة للم�س���رح العملياتي للقوات الأمريكي���ة -الغربية يف املنطق���ة ،مبا تت�ضمنه م���ن �سل�سلة �ضخمة من البن���ي التحتية واملخازن والأ�سلح���ة والعتاد ،...و�إال �سوف تظل الت�س���ا�ؤالت املهمة يف هذا ال�ش�أن مثارة تبح���ث لها عن �إجابات وافية عن �أهمي���ة وجدوى ا�ستمرار وجود منظوم���ة �إقليمي���ة ع�سكرية� -أمنية بهذا احلج���م (ملن و�ضد من؟) ،ثم م���ا م�صري تر�سان���ات الأ�سلحة ال�سابقة ،ال�سيما يف ظ���ل انتفاء الأ�سا�س املو�ضوع���ي لإمكاني���ة التقريب ولي�س توحيد العقي���دة الع�سكرية لها ،يف �ضوء �أجيال الأ�سلحة ال�ضخمة التي متتلكها دول املجل�س كل واحدة على حده؟ �إذن يف �ض���وء بق���اء االقت�صاد القومي لدول جمل�س التعاون اخلليجي �أح���ادي اجلانب ،وع���دم وجود منظوم���ة ع�سكرية� -أمني���ة واقت�صادية م�شرتك���ة ،وبالتايل ال جي�ش موحد وال عقي���دة ع�سكرية موحدة ومن ثم 74
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
تر�سانة �أ�سلحة موحدة ،وال �سوق م�شرتكة وال عملة موحدة ،..و�أخري ًا ال مواقف �سيا�سية موحدة يعتد بها ،و�صو ًال �إىل �ضعف وندرة وجود م�صالح حقيقي���ة م�شرتكة فيما بني دوله ال�ست امل�ؤ�س�سة له ،يبقى ال�س�ؤال الأكرث �إث���ارة وجد ًال يدور حول الأ�سا�س املادي واملعن���وي �أو املو�ضوعي والذاتي ال���ذي تقف علي���ه دول املجل�س يف مواجهة �أي���ة حتديات �أو خماطر ذات طابع �أمني قد تهدد بلدانها يف ال�صميم؟ وعلي���ه ،ال ي�سعني �إال الق���ول ب�أن م�ساعي دوائر �صن���ع القرار اليمني الرامي���ة �إىل احل�صول على ع�ضوية املجل����س مل – ولن -تتعدى م�س�ألة تعظيم جزء مه���م من املكا�سب االقت�صادية املتوقع���ة على �أكرث تقدير، يف حماول���ة لرف���د م�سرية البل���د التنموية املن�ش���ودة ،م�ستندين يف ذلك عل���ى طبيعة ما �أ�صبحت تت�سم به العالقات اليمنية -الدولية واخلليجية منه���ا بوجه خا�ص م���ن ان�سيابية عالية ن�سبياً� ،أك�ث�ر منها حماولة ذات طابع ا�سرتاتيجي ،ت�سعى م���ن ورائها �إىل حماولة فر�ض نف�سها بقوة يف املعادلة اخلليجية ،بهدف تبوء موقع مميز يت�سق �سواء مع ما متتلكه وما �ستوظفه من موارد يف هذا ال�ش�أن� ،أو مع ما تطمح للقيام به ،خ�صو�ص ًا يف حال تعلق هذا الأمر مبحاولة لعب دور حموري فيها؛ و�سواء �أخذ هيئة الفاعل/امل�ساوم على �أكرث تقدير� ،أو هيئة املوازِن على �أقل تقدير ،نظر ًا لأن ه���ذا الأمر يتوقع له �أن يتعار�ض بقوة مع طموحات �أدوار قوى فاعلة �أخرى (ال�سعودية بوجه خا����ص) ،بالإ�ضافة �إىل ارتباط مثل هذا الأمر بح���دوث تغري ج���ذري يف االتفاقية املُن�شِ ئة للمجل����س ،ب�صورة يتوقع لها �أن تف�ض���ي �إىل زوال ال�صيغة احلالي���ة ،ون�شوء منظومة جديدة تتما�شى م���ع املعطيات اجلديدة ،وبالت���ايل ت�صبح احتمالية دخول ك ًال من �إيران والعراق فيها �أمر ًا �أكرث ورود ًا يف �ضوء الرتتيبات الإقليمية اجلارية على قدم و�س���اق �ضمن �إ�سرتاتيجية املحور الأمريكي -الغربي وحلفائه ،وهو الأمر الذي ن�ستبعده عل���ى املدى املنظور يف ظل بقاء م�صري امل�شروعني الأمريكي -الغربي والإيراين يف العراق معلق ًا على كف عفريت.
العمالة اليمنية ومتطلبات �سوق العمل اخلليجي الفر�ص والتحديات بحوث و�أوراق عمل امل�ؤمتر الذي نظمه املركز خالل الفرتة � 23-22شباط/فرباير 2010
حترير: حفـظ اهلل الأحمدي و ماجـد �سراج
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
نوفمرب/دي�سمرب العدد ،6 Relating2010ا�سرتاتيجية Policy to Knowledge
75
اليمن والعامل حتليالت
وجهات نظر
عني على اليمن
فـي 60يومـا
21الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صالح ي�ستقبل �سف�ي�ر جمهورية �أملاني���ا االحتادية ب�صنع���اء مايكل كل���ور بري�شتول ،ج���رى خالل اللق���اء مناق�شة العالق���ات الثنائية وجم���االت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدين ،وك���ذا دور �أملانيا يف جمموع���ة �أ�صدقاء اليم���ن ،بالإ�ضافة �إىل الق�ضايا املت�صلة باالجتماع القادم ملجموعة �أ�صدقاء اليمن املقرر انعقاده يف نيويورك.
تفاعالت اليمن والعامل فـي �شهرا �أيلول�/سبتمرب
60
يوم ًا
-ت�شرين الأول�/أكتوبر 2010
�أيلول�/سبتمرب 2010
1ناق����ش وزي���ر الداخلية مطهر ر�ش���اد امل�صري يف لقائه م���ع ال�سفري الربيطاين ب�صنع���اء تي���م تريلوت جم���االت التعاون الأمن���ي بني البلدي���ن ،وخا�صة يف جمايل الت�أهيل والتدريب وال�شرطة املجتمعية. 2اتفقت حكومات اجلمهورية اليمنية واململكة العربية ال�سعودية واململكة املتحدة، عل���ى عقد االجتماع الق���ادم لوزراء خارجية ال���دول الأع�ضاء مبجموع���ة �أ�صدقاء اليمن يف مدينة نيويورك الأمريكية يف الـ 24من �أيلول�/سبتمرب .وحددت حكومات ال���دول الثالث يف بيان م�شرتك� ,أجندة االجتماع والتي تت�ضمن ا�ستعرا�ض التقدم املح���رز منذ االجتماع رفيع امل�ستوى بلندن يف كان���ون الثاين/يناير ،2010و�إعطاء دفعة قوية للعمل امل�ستقبلي لأ�صدقاء اليمن. 5التقى نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالك���رمي الأرحبي ،ال�سفري الربيطاين ب�صنعاء تيم تريلوت .جرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض جملة من الق�ضايا املت�صلة بتعزيز التعاون الثنائي ،كما ناق�ش اجلانبان الرتتيبات النهائية النعقاد االجتماع املرتقب نهاية ال�شهر ملجموعة �أ�صدقاء اليمن يف نيويورك وطبيعة الق�ضايا املدرجة على جدول الأعمال. 6الرئي�س علي عبد اهلل �صالح يجري ات�صا ًال هاتفي ًا بالعاهل البحريني حمد بن عي�س���ى �آل خليفة� ،أطمئن خالله على الأو�ض���اع يف البحرين عقب اكت�شاف �أحدى اخلالي���ا التي ت�ستهدف �أمن وا�ستقرار البحرين .و�أكد الرئي�س وقوف اليمن قياد ًة وحكوم ًة و�شعب ًا �إىل جانب البحرين يف كل ما ي�صون �أمنها وا�ستقرارها. 6وق���ع يف �صنع���اء على اتفاقي���ة تقدمي منحة مالي���ة تبلغ مائة �أل���ف و 396دوالر لتمويل م�شروع حت�سني نظام متوين املياه يف وادي ال�شجن مبديرية احلزم حمافظة اجل���وف .وت�أت���ي االتفاقية يف �إط���ار الربنامج الياب���اين اخلا�ص ب���ـ «املنح املقدمة مل�شاري���ع الأمن الب�شري الأهلية» الهادف �إىل دعم امل�شاريع الأهلية �صغرية احلجم 76
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
يف املجاالت املرتبطة بال�صحة ،واملياه ،والتعليم الأ�سا�سي يف الدول النامية. 15ناق����ش الدكتور علي حممد جم���ور رئي�س جمل�س ال���وزراء ب�صنعاء مع وفد وزارة اخلزان���ة الأمريكي���ة برئا�س���ة وكيل ال���وزارة �أندرو باوكول عالق���ات التعاون ب�ي�ن البلدين يف املجالني االقت�صادي والتنم���وي و�أولوياتها للفرتة القادمة يف �إطار جمموع���ة �أ�صدقاء اليمن .وركز اللقاء على املوا�ضيع التي �سيقف �أمامها االجتماع الق���ادم للمجموع���ة املقرر انعق���اده يف مدينة نيوي���ورك الأمريكي���ة ،وبوجه خا�ص املقرتح الأمريكي لإن�شاء �صندوق لدعم التنمية يف اليمن. 16انتخ���ب �سفري اليم���ن ومندوبها الدائم لدى املق���ر الأوروبي للأمم املتحدة واملنظمات الدولية يف جنيف الدكتور �إبراهيم العدويف ,نائب ًا لرئي�س منظمة الأمم املتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد». 16بحث وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري ،مع ال�سفري الربيطاين ب�صنعاء تي���م تريلوت ،عالقات التع���اون الأمني ب�ي�ن البلدين وخا�صة يف جم���ايل الإرهاب وخفر ال�سواحل. 20الرئي����س عل���ي عبد اهلل �صال���ح ي�ستقبل م�ساع���د رئي�س الوالي���ات املتحدة الأمريكي���ة ل�ش�ؤون مكافحة الإره���اب و�ش�ؤون الأمن الداخلي ج���ون بريينان ،الذي نقل له ر�سالة خطية من الرئي�س باراك �أوباما ,ت�ضمنت جوانب العالقات وجماالت التعاون امل�شرتك وال�شراكة القائمة بني البلدين على خمتلف الأ�صعدة. 20وقع���ت اجلمهورية اليمنية وجمهورية كوريا اجلنوبي���ة مبقر البعثة اليمنية لدى املقر الأوروبي للأمم املتحدة بجنيف على االتفاق الثنائي الن�ضمام اليمن �إىل منظمة التجارة العاملية ،وتت�ضم���ن االتفاقية �سقوف التعرفة اجلمركية �أو «الربط التعريفي» للبنود ال�سلعية التي مت االتفاق عليها بني البلدين.
22وقع يف العا�صمة القطرية الدوحة ،على الربنامج التنفيذي الثالث لالتفاق الرتب���وي والعلم���ي للأع���وام الدرا�سي���ة 2012 - 2010بني وزارة الرتبي���ة والتعليم ووزارة التعلي���م والتعليم الع���ايل القطرية ،وذلك على هام�ش امل�ؤمتر الرتبوي حول جودة التعليم يف البالد العربية. 22الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صال���ح ي�ستقبل ال�سي���د لي�س كامب���ل ،نائب مدير املعه���د الدميقراط���ي الأمريكي ل�ش����ؤون ال�شرق الأو�س���ط و�شم���ال �أفريقيا ،جرى خ�ل�ال املقابلة ا�ستعرا�ض جوانب العالقات بني اليمن والواليات املتحدة الأمريكية و�أن�شط���ة املعهد الدميقراطي الأمريكي لدع���م النهج الدميقراطي واالنتخابات يف اليم���ن ،كما تن���اول اللقاء بحث �سري عمليات احلوار الوطن���ي ال�شامل تعزيز ًا ملبد�أ الدميقراطية و�إجراء االنتخابات يف موعدها املحدد عام .2011 22وقعت اجلمهورية اليمنية و�إيطاليا على اتفاقية متويل م�شروع التنوع البيئي يف �أرخبي���ل �سقطرى ،تق�ضي بتقدمي �إيطاليا مبل���غ ثالثة مليون يورو للم�ساهمة يف دعم م�شروع التنوع البيئي يف الأرخبيل. 22بح���ث وزي���ر الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري ،ب�صنع���اء ،مع م�سئول التعاون يف وزارة اخلارجي���ة االيطالية امل�ست�شار فران�شي�سكوفورت���ي� ،أوجه التعاون الأمني ب�ي�ن البلدي���ن ،وخا�صة يف جمال خف���ر ال�سواح���ل والتدريب والت�أهي���ل ،كما ناق�ش اجلانبان املرحلة الثانية م���ن م�شروع منظومة الرادارات للرقابة ال�ساحلية والذي �سيبد�أ من �شقرة مبحافظة �أبني �إىل ن�شطون مبحافظة املهرة بتمويل من احلكومة االيطالية. 23وقع���ت اليمن ولبنان يف العا�صمة بريوت ،على حم�ض���ر تبادل وثائق �إبرام اتفاقي���ة ت�أ�سي�س اللجنة العلي���ا امل�شرتكة للتعاون االقت�ص���ادي والعلمي والفني بني البلدي���ن ،وقعه���ا �سف�ي�ر اليمن ل���دى بريوت في�ص���ل �أبو ر�أ����س ،و�أمني ع���ام وزارة اخلارجية اللبنانية بالوكالة ال�سفري وليم حبيب. 24عق���د يف مدينة نيوي���ورك الأمريكية ،االجتماع ال���وزاري ملجموعة �أ�صدقاء اليم���ن برئا�سة م�شرتكة من قب���ل وزير اخلارجية الدكتور �أب���و بكر القربي ،ووكيل وزارة اخلارجي���ة ال�سع���ودي الأم�ي�ر تركي بن حمم���د �آل �سعود ،ووزي���ر اخلارجية الربيطاين ولييم هييج ،و�شارك يف امل�ؤمتر وزراء خارجية وممثلني عن 27دولة من ال���دول الأع�ضاء يف جمموعة �أ�صدقاء اليمن وعن االحتاد الأوروبي والبنك الدويل واملنظم���ات الدولية املانحة .و�أكد امل�شاركون دع���م حكومات بالدهم وم�ؤ�س�ساتهم الدولية جله���ود اليمن الرامية للدفع بعملية الإ�صالح���ات االقت�صادية وال�سيا�سية والتخفي���ف من الفقر وم�ساندة جهودها يف مكافح���ة التطرف والإرهاب ،وجددوا مواق���ف دوله���م الداعمة لليم���ن وم�ساندة جه���وده للحفاظ على وحدت���ه و�سيادته وحتقيق �أمنه وا�ستقراره. � 25أك���دت اليمن على احل���ق الثابت جلميع الدول يف امت�ل�اك الطاقة النووية للأغرا�ض ال�سلمية ،واحلد من انت�شار الأ�سلحة النووية ،و�إن�شاء مناطق خالية من �أ�سلح���ة الدم���ار ال�شامل خا�صة يف منطق���ة ال�شرق الأو�سط .ج���اء ذلك يف الكلمة
الت���ي �ألقاه���ا �سف�ي�ر اليم���ن ل���دى النم�س���ا ومندوبه���ا الدائ���م ل���دى الأمم املتحدة واملنظم���ات الدولية عب���د احلكي���م الإري���اين يف الدورة الـ 54للم�ؤمتر الع���ام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي عقد يف فينا خالل الفرتة � 24 - 20أيلول�/سبتمرب. 25وزي���ر الداخلي���ة مطهر ر�ش���اد امل�صري يبح���ث ب�صنعاء مع الوف���د الأمني ال�سع���ودي برئا�سة العميد �أحمد الزهراين م�ساع���د املدير العام للمديرية العامة ملكافح���ة املخ���درات �أوج���ه التعاون الأمني ب�ي�ن البلدين ،خا�ص���ة يف جمال جرائم مكافحة املخدرات والإرهاب. 25وزي���ر النقل خال���د الوزير يلتقي ب�صنعاء اخلبري ال���دويل يف �سيا�سة الأمن وال�سالم���ة البحرية باالحتاد الأوروبي �أدمريال هوبرت دوغوليري ،ومديرة برنامج و�سائل حتقي���ق اال�ستقرار يف املفو�ضي���ة الأوروبية ب�صنعاء �سيل���ك بيكوالي .جرى خ�ل�ال اللقاء مناق�شة الإجراءات النهائية لتجهيز املركز الإقليمي للتن�سيق وتبادل املعلوم���ات ملكافحة القر�صنة البحرية وال�سطو امل�سل���ح على ال�سفن مبنطقة غربي املحيط الهندي وخليج عدن قبالة ال�سواحل ال�صومالية ومقره الرئي�س �صنعاء. 28الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صالح يتلق���ى ات�ص���ا ًال هاتفي ًا من رئي����س املكتب ال�سيا�س���ي حلركة املقاوم���ة الإ�سالمية الفل�سطينية «حما�س» خال���د م�شعل� ،أطلعه خالله على م�ستجدات الأو�ضاع على ال�ساحة الفل�سطينية وجهود حتقيق امل�صاحلة ضال عن �إطالع���ه على املعاناة الإن�سانية والأو�ضاع الفل�سطيني���ة – الفل�سطينية ،ف� ً ال�صعب���ة الت���ي يعي�شه���ا �أبناء ال�شع���ب الفل�سطين���ي يف قطاع غزة ج���راء احل�صار الإ�سرائيلي اجلائر املفرو�ض على القطاع. 29وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري يلتقي ب�صنعاء نائب قائد قوات عملية �أتالنتا يف البحرية الأوروبي���ة الأدمريال توما�س ارن�ست والوفد املرافق له بح�ضور رئي�س بعثة االحتاد الأوروبي ب�صنعاء ميكيليه �سريفونه دور�سو ،جرى خالل اللقاء بحث �أوجه التعاون والتن�سيق الأمني بني اليمن واالحتاد الأوروبي �سيما يف ما يتعلق بالتع���اون الثنائ���ي والتدريب والت�أهيل يف جمال خف���ر ال�سواحل ومكافحة الإرهاب والقر�صنة البحرية.
ت�شرين الأول�/أكتوبر
2010
3اختتم���ت ب�صنع���اء جل�س���ات �أعم���ال امل�ش���اورات الر�سمي���ة اليمني���ة -الأملانية برئا�سة نائب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالك���رمي الأرحب���ي ،وال�سفري الأمل���اين ب�صنعاء مايكل كل���ور بري�شتولد وم�سئول منطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقي���ا بوزارة التعاون االقت�صادي الأملانية برون زوول .ووق���ع اجلانبان يف ختام اجلل�س���ات على ثالث اتفاقيات للتعاون الثنائي بني البلدين ،منها اتفاقية الدعم الإ�ضايف الأملاين املقدم لربنامج الأمن الغذائي مببلغ مليون�ي�ن وخم�سمائ���ة �ألف يورو ،واالتفاقي���ة التنفيذية لربنام���ج دعم الإ�صالحات مببل���غ ثالثة مالي�ي�ن و�سبعمائة �ألف يورو� ،إىل جانب االتفاقي���ة التمويلية اخلا�صة مب�شروع تو�سعة حمطة املجاري يف مدينة �إب مببلغ مليونني وثمامنائة �ألف يورو. 5الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صالح ي�ستقب���ل ع�ضو اللجن���ة املركزي���ة حلركة فتح العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
77
اليمن والعامل
فـي 60يومـا
الفل�سطيني���ة الدكتور نبيل �شعث ،املبعوث ال�شخ�ص���ي للرئي�س الفل�سطيني ،والذي نق���ل �إليه ر�سالة من الرئي�س حممود عبا�س �أبو مازن تتعلق بتطورات الأو�ضاع على ال�ساح���ة الفل�سطينية يف �ضوء املفاو�ض���ات الفل�سطينية -الإ�سرائيلية التي ترعاها الواليات املتحدة الأمريكية. 5الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صال���ح ي�ستقب���ل وليم برين���ز وكي���ل وزارة اخلارجية الأمريكي���ة ،وبح���ث مع���ه جوانب العالق���ات الثنائية وجم���االت التع���اون امل�شرتك القائ���م بني البلدي���ن ،ونتائج اجتماع جمموعة �أ�صدقاء اليم���ن الذي انعقد م�ؤخر ًا يف نيويورك. 5جمل����س الن���واب يواف���ق على ان�ضم���ام اليم���ن �إىل اتفاقي���ة املنظم���ة الدولية لالت�ص���االت املتنقلة عرب الأقمار اال�صطناعية «الأم�س���و» ب�صيغتها املعدلة يف عام .2008 � 5أ�ش���ادت الواليات املتحدة الأمريكية بجهود اليم���ن يف مكافحة الإرهاب و�أداء �أجهزت���ه الأمني���ة يف مالحقة عنا�صر تنظيم القاعدة ،ج���اء ذلك على ل�سان وكيل �أول وزارة اخلارجي���ة الأمريكي���ة وليم برين���ز ،يف م�ؤمتر �صحفي عق���ده بال�سفارة الأمريكية ب�صنعاء يف �إطار زيارته لليمن. 6بلغ���ت مديونية اليم���ن اخلارجية ،خم�س���ة مليارات و 914ملي���ون دوالر بنهاية متوز/يولي���و ،2010اجل���زء الأكرب منه���ا مل�ؤ�س�سات التمويل الدولي���ة مبقدار ثالثة ملي���ارات و 126مليون دوالر .وبح�سب تقرير �صادر عن البنك املركزي اليمني فقد توزع���ت بقية املديونية على ال���دول الأع�ضاء يف نادي باري����س ،مبقدار مليار و742 ملي���ون دوالر ،بينم���ا بلغت املديونية ل�صالح الدول غ�ي�ر الأع�ضاء يف نادي باري�س، 844مليون دوالر ،و�أورد التقرير 201مليون دوالر مديونية جلهات مل ي�سمها. 6وقع���ت وزارة النف���ط واملع���ادن ،مع �شركة كوي���ت �إنرجي للطاق���ة على مذكرة تفاه���م لتنفيذ درا�سة ع���ن ا�ستخدامات واحتياطيات الغ���از يف اليمن تق�ضي قيام ال�شرك���ة بتنفيذ درا�سة ا�ستخدامات الغاز حملي��� ًا وزيادة املوارد الوطنية من الغاز الطبيعي �إىل �أق�صى حد ممكن. � 6أدان الربملان الأوربي ب�شدة االعتداءات التي ا�ستهدفت دبلوما�سيني وموظفني �أوروبيني يف �صنعاء ،وقال رئي����س الربملان الأوروبي جري�سي بوزيك يف ت�صريحات �أدىل بها يف بروك�سل «�إن اعتداءات �صباح الأربعاء وا�ستهداف دبلوما�سيني ورعايا �أوروبي�ي�ن يف اليم���ن ,يوجه �إنذار ًا للمجتمع الدويل ويدع���وه للتحرك العاجل لدعم اليم���ن وتعزيز قدراته يف مواجهة الإره���اب والت�صدي للأعمال الإرهابية» ،و�شدد عل���ى �ض���رورة م�ساعدة احلكوم���ة اليمنية من �أج���ل معاجلة الو�ض���ع الأمني وبناء الدولة. 6دان���ت اململكة املتحدة وجمهورية فرن�سا ،وا�ستنكرت���ا ب�شدة الأعمال الإرهابية التي يتبناها تنظيم القاع���دة يف اليمن والتي كان �آخرها ا�ستهداف بريطانيني يف �صنعاء ,م�ؤكدتني �أن تلك الأعمال تزيد من �إ�صرار املجتمع الدويل على دعم اليمن وتعزيز قدراته ملواجهة التحديات الراهنة ويف مقدمتها الإرهاب وم�ساندة جهوده على ال�صعد التنموية املختلفة. 7الرئي����س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل عبد الرحمن حممد حممود رئي�س والية 78
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
بونت الن���د بال�صومال ،وجرى يف اللق���اء تناول العالقات اليمني���ة – ال�صومالية، والأو�ضاع يف ال�صومال ومنه���ا الأو�ضاع يف والية بونت الند ،ونتائج املباحثات التي �أجراه���ا رئي�س والية بون���ت الند مع امل�س�ؤول�ي�ن يف اليمن ،بالإ�ضاف���ة �إىل الق�ضايا املت�صل���ة مبكافحة القر�صنة البحري���ة يف خليج عدن وتن�سي���ق اجلهود املبذولة يف هذا املجال. 7الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح ي�ستقبل الدكتور حممد بره���ان الدين� ,سلطان البه���رة ،الذي يزور اليمن .وجرى يف اللقاء احلديث ح���ول طائفة البهرة والعديد من الق�ضايا التي تهم الأمة الإ�سالمية. 7عقد يف العا�صمة الأمريكية لقاء مو�سع ملمثلي جمموعة �أ�صدقاء اليمن نظمته وزارة اخلزان���ة الأمريكية عل���ى هام�ش االجتماع ال�سنوي للبن���ك الدويل و�صندوق النقد الدويل املنعقد حالي ًا يف وا�شنطن ،بح�ضور الوفد اليمني برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي الأرحبي، ووكيلة وزارة اخلزانة الأمريكية ل�ش�ؤون العالقات الدولية ليل برينارد. 8عق���د الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح والرئي�س الليبي معم���ر القذايف يف مدينة �س���رت الليبية قمة مينية -ليبي���ة بحثا فيها تطورات الأو�ض���اع الراهنة يف املنطقة والق�ضايا وامل�ستجدات الإقليمية والدولية التي تهم البلدين والأمة العربية. 9الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح يلقي كلمة اليمن يف القم���ة العربية اال�ستثنائية الت���ي ب���د�أت �أعمالها يف مدينة �سرت الليبية� ،أكد فيها عل���ى الأهمية التي تكت�سبها ه���ذه القم���ة اال�ستثنائي���ة نظر ًا لأهمي���ة املو�ضوعات الت���ي تناق�شه���ا ويف مقدمتها مو�ضوع تفعيل العمل العربي امل�شرتك وتطوير �آلياته. 11الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح ي�ستقبل مبق���ر �إقامته بباري����س ال�شيخ حمد ب���ن جا�س���م بن جرب �آل ثاين رئي�س الوزراء وزي���ر اخلارجية بدولة قطر ،الذي نقل ل���ه ر�سالة م���ن ال�شيخ حمد ب���ن خليفة �آل ثاين �أم�ي�ر دولة قطر تتعل���ق بالعالقات الثنائي���ة وجماالت التع���اون امل�شرتك ويف مقدمتها التع���اون يف املجال االقت�صادي واال�ستثماري. 11الرئي����س عل���ي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل مبقر �إقامت���ه يف العا�صمة الفرن�سية باري����س هوم بوليه ،م�ست�شار الرئي�س الفرن�سي للأمن القومي وال�سيد كورما كونقو رئي����س الأمن اخلارجي الفرن�س���ي وال�سيد �سوار زينيه رئي�س الأمن الداخلي ،جرى خ�ل�ال اللقاء بحث جماالت التعاون اليمن���ي– الفرن�سي ،ال�سيما يف املجال الأمني ومكافح���ة الإرهاب والقر�صنة البحرية ،بالإ�ضافة �إىل بحث الأو�ضاع يف ال�صومال ومنطق���ة القرن الإفريق���ي ،والعديد من الق�ضايا التي تهم الأمن يف اليمن وفرن�سا ومنها التعاون يف جمال تبادل املعلومات والتدريب. 12عق���د الرئي����س الفرن�س���ي نيكوال �سارك���وزي والرئي�س علي عب���داهلل �صالح بق�ص���ر الإليزيه قمة مينية فرن�سية بحثت �سب���ل تعزيز العالقات الثنائية والتعاون وال�شراك���ة القائمة بني البلدين عل���ى خمتلف الأ�صعدة ،ومنه���ا التعاون يف املجال االقت�ص���ادي والأمني ومكافح���ة الإره���اب والقر�صنة ،بالإ�ضاف���ة �إىل بحث الدور الفرن�س���ي لدع���م اليمن يف �إطار االحت���اد الأوروبي وجمموع���ة �أ�صدقاء اليمن ،يف �ضوء نتائج اجتماع نيويورك وما �سيتم بحثه يف االجتماع القادم يف الريا�ض.
12رئي����س الوزراء الفرن�سي ال�سيد فران�سوا فيون يلتقي الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ،وجرى يف اللقاء بح���ث العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك وعلى خمتل���ف الأ�صعدة ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية والثقافية والأمني���ة ومكافحة الإرهاب والقر�صن���ة البحري���ة ,و�سب���ل تعزيزها وتطويره���ا ،وملا يحقق امل�صال���ح امل�شرتكة للبلدين. 13وق���ع اليمن وبرنامج الأغذية العاملي ب�صنع���اء مذكرة تفاهم لدعم الفئات املت�أث���رة بتداعي���ات االرتفاع العامل���ي يف �أ�سعار املواد الغذائي���ة بكلفة ت�صل �إىل 37 ملي���ون دوالر ،تق�ضي بتخ�صي�ص الربنامج مبلغ 37ملي���ون دوالر للتو�سع يف عملية تق���دمي الدعم الغذائ���ي ومتديد الربنامج املع���د يف هذا ال�صدد حت���ى نهاية �شهر كان���ون الأول/دي�سمرب ،2010وبحيث ي�شمل الدعم ما يقدر مبليون و�سبعمائة �ألف م�ستفي���د ويوزع على 11حمافظة هي رمية� ،إب ،عمران ،ال�ضالع ،حجة ،املحويت، البي�ضاء ،حلج ،احلديدة ،تعز ،و�شبوة. 17وقع���ت اللجنة العلي���ا لالنتخاب���ات واال�ستفتاء والربنام���ج الإمنائي للأمم املتحدة ومفو�ضية االحتاد الأوروبي ب�صنعاء وثيقة م�شروع الدعم االنتخابي بكلفة �إجمالي���ة ت�صل �إىل م���ا يقارب 3مالي�ي�ن دوالر �أمريكي ،تخ�ص����ص لدعم �أن�شطة م�ش���روع الدعم االنتخابي ،واملتمثل���ة بتعزيز قدرات اللجن���ة العليا لالنتخابات يف عملية التوعية االنتخابية ،ودعم الأطر القانونية والتنظيمية ،ودعم عملية حتديث �سجل الناخبني� ،إىل جانب تثقيف الناخبني واملراقبة املحلية ،ودعم زيادة م�شاركة املر�أة يف العملية االنتخابية. 17وقع���ت يف �صنع���اء مذكرة تفاهم يف جمال النقل اجل���وي بني الهيئة العامة للطريان املدين والأر�صاد و�سلطة الطريان املدين مبملكة البحرين ،ت�ضمنت تعيني الناق�ل�ات اجلوية بحيث تقب���ل اجلمهورية اليمنية �أن تك���ون �شركة طريان اخلليج و�شرك���ة طريان البحرين كناقالت وطنية معينة من قب���ل حكومة مملكة البحرين وتقب���ل احلكومة البحريني���ة ب�أن تكون اخلطوط اجلوية اليمني���ة وطريان ال�سعيدة كناقالت وطنية معينة من قبل اجلمهورية اليمنية. 18وقع���ت اجلمهوري���ة اليمنية يف العا�صم���ة الكويتية ،حم�ض���ر م�ساهمتها يف احل�س���اب اخلا�ص بتمويل م�شاريع القطاع اخلا����ص ال�صغرية واملتو�سطة يف الدول العربية ومببلغ قدره خم�سة ماليني دوالر. 18افتت���ح ب�صنع���اء �أعمال امل�ؤمتر الثالث للنفط والغ���از واملعادن الذي تنظمه وزارة النف���ط واملعادن مب�شاركة � 75شرك���ة عاملية وعربية و�أكرث من � 500شخ�صية عربية ودولية وحملية يف جمال البرتول والطاقة ،ويعر�ض امل�ؤمتر على مدى يومني 21فر�ص���ة جاه���زة لال�ستثم���ار منها ع�شر يف جم���ال النفط والغ���از ت�شمل ع�شرة قطاع���ات نفطية مفتوحة �ستة قطاعات برية و�أربع���ة قطاعات بحرية ،و 11فر�صة يف جمال ا�ستغالل املعادن وال�صخور ال�صناعية والإن�شائية. 18وق���ع ب�صنعاء على هام����ش امل�ؤمتر الثالث للنفط والغ���از واملعادن مذكرتي تفاه���م لإن�شاء م�صن���ع للرخام واجلراني���ت و�إن�شاء �أول م�صن���ع للجب�س يف اليمن بتكلفة ا�ستثمارية تقدر بـ 38مليون دوالر ،تنفذ امل�شاريع �شركة تريند بلوم ليمتيد، و�شركة ثروة لل�صناعات اال�ستخراجية.
21وقع���ت جلن���ة املتابع���ة املنبثقة عن اللجن���ة العليا اليمنية- ال�سوري���ة امل�شرتك���ة املح�ضر اخلتامي الجتماعاته���ا الت���ي عق���دت بدم�ش���ق، وال���ذي ت�ضم���ن االتفاق عل���ى �آلي���ة املتابعة ب�ي�ن اجلانب�ي�ن وحتديد �إج���راءات تنفيذ ما مت االتفاق علي���ه يف اجتماعات ال���دورة العا�شرة للجنة العلي���ا اليمنية ال�سورية امل�شرتك���ة املنعقدة يف �آب�/أغ�سط�س املا�ضي ب�صنعاء. � 21أو�ص���ى االجتماع الدويل للفريق العامل ملحاربة القر�صنة امل�شكل من الأمم املتح���دة ,باعتماد الإ�سرتاتيجية الوطنية اليمني���ة ملحاربة القر�صنة .و�أكد الفريق خ�ل�ال اجتماعه يف مقر املنظمة البحرية الدولي���ة بلندن �أن الإ�سرتاتيجية اليمنية ملحارب���ة القر�صنة تعترب خطة فاعلة ،وحتتاج اىل تق���دمي الدعم الالزم لتنفيذها من املجتمع الدويل. 24وق���ع ب�صنع���اء ،عل���ى اتفاقيتي متويل يف جم���ال الأمن الغذائ���ي بني اليمن واملفو�ضي���ة الأوروبي���ة بتكلف���ة �إجمالية 24ملي���ون يورو ،تقدم املفو�ضي���ة الأوروبية مبوج���ب االتفاقية الأويل متوي���ل بقيمة 17مليون يورو تكر����س لدعم برامج الأمن الغذائي يف اليمن ،فيما ت�ضمن���ت اتفاقية التمويل الثانية تخ�صي�ص �سبعة ماليني ي���ورو م���ن املفو�ضية لتموي���ل برام���ج و�أن�شطة يف جم���ال الأمن الغذائ���ي يف اليمن وبخا�صة التغذية ال�صحية. 28عقدت بالعا�صمة الأريرتي���ة �أ�سمرة ،قمة مينية � -إريرتية برئا�سة الرئي�س عل���ي عبد اهلل �صال���ح والرئي����س �إ�سيا�س �أفورقي بح���ث خاللها عالق���ات التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدي���ن يف خمتلف املجاالت و�سبل تعزيزه���ا ،خ�صو�ص ًا التعاون يف املجال التجاري واال�ستثمار واال�صطياد ال�سمكي والتعاون الأمني. 29وقع �سفري اليمن ومندوبها الدائم باملقر الأوروبي للأمم املتحدة واملنظمات الدولية الدكت���ور �إبراهيم العدويف ،و�سفري اليابان باملنظمة �شيني�شي كتاجيما ،يف جني���ف ،عل���ى االتفاقية الثنائي���ة يف �إطار عملي���ة ان�ضمام اليمن ملنظم���ة التجارة العاملية. 30الرئي����س عل���ي عبد اهلل �صال���ح يتلقى ات�ص���ا ًال هاتفي ًا من رئي����س الوزراء الربيطاين ديفيد كامريون ،جرى خالله بحث عالقات التعاون الثنائي بني البلدين وخ�صو�ص��� ًا يف جم���ال مكافح���ة الإرهاب ،يف �ض���وء ما تردد عن �ضب���ط ال�سلطات الربيطانية طرد م�شبوه على منت طائرة �شحن كانت متجهة �إىل الواليات املتحدة. و�أك���د الرئي�س ورئي����س الوزراء الربيط���اين احلر�ص امل�شرتك عل���ى تنمية وتو�سيع التعاون الثنائي بني البلدين يف مكافحة الإرهاب يف �إطار ال�شراكة الدولية ملكافحة هذا اخلطر الذي يهدد الأمن وال�سلم الدوليني. 30الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صال���ح يتلقى ات�ص���ا ًال هاتفي ًا م���ن م�ساعد رئي�س الوالي���ات املتح���دة الأمريكي���ة ل�ش����ؤون مكافحة الإره���اب و�ش�ؤون الأم���ن الداخلي ج���ون بريينان ،بحث االت�صال جوانب التع���اون وال�شراكة القائمة بني البلدين ويف مقدمته���ا اجلوانب الأمنية ومكافحة الإرهاب .وتناول االت�صال ما ذكر عن �ضبط طردين م�شبوهني ،كانا يف طريقهما �إىل الواليات املتحدة. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
79
اليمن والعامل حتليالت
وجهات نظر
فـي 60يومـا
عني على اليمن
التي يقوده����ا ال�شباب مث����ل Resonate! Yemen
حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*
اليمن هو �أكثـر مما نراه يف الأخبار �ألي�س هاكمان خدمة «الأر�ضية امل�شرتكة» الإخبارية 10كانون الأول/دي�سمرب \2010 ُيربِز تركيز الإعالم الربيطاين على امر�أة م�سلمة بريطاني���ة �شاب���ة قامت بطعن ع�ض���و يف الربملان الربيط���اين ال�شه���ر املا�ضي مرة �أخ���رى منظور ًا مظلم ًا عل���ى اليمن .وبح�سب �صحيفة الغارديان، قالت رو�شون���ارا ت�شاودري ،الطالب���ة البالغة من العمر 21عام��� ًا والتي طعن���ت ال�سيا�سي لدعمه احل���رب يف العراق ،لل�شرطة �أنها «كانت ت�صغي عال �إ�سالمي ملحا�ضرات �أنور العولق���ي � ...إنه مِ يعي�ش يف اليمن». وبينم���ا يركّ���ز الإع�ل�ام عل���ى خط���ب العولقي عل���ى �شبك���ة الإنرتن���ت ودوره يف �إط�ل�اق جملة القاع���دة اجلدي���دة وعل���ى معرك���ة احلكوم���ة اليمني���ة املتوا�صلة �ضد القاع���دة ،جرى �إغراق اليم���ن احلقيقي يف ظالم �إعالم���ي� .إال �أن هذا الطرح بال���ذات ،وهو اخلا����ص بغالبية ال�سكان ولي�س جم���رد ب�ضع مئ���ات م���ن املت�شددين ،هو الذي ميلك مفتاح تفهّم �أف�ضل ،فيك�سر ال�صور النمطي���ة ورمب���ا ي����ؤدي يف النهاي���ة �إىل تطرف �أقل. يجل����س �أب���و بك���ر ال�شماح���ي ،اليمن���ي املولود يف بريطاني���ا والبالغ من العمر 21عام ًا داخل مقهى قرب حمطة «كينغز كرو�س» بو�سط لندن يحت�سي ال�شوكوال ال�ساخنة ويتح���دث بعاطفة جيا�شة عن 80
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
وطنه الأ�صلي .وهو ال يتحدث بتات ًا عن التطرف. ب���د ًال من ذلك يتح���دث عن الف�س���اد وخوفه من �أال تُ�ص���رَف �أموال املانحني ب�ش���كل �صحيح على التنمي���ة على امل���دى البعي���د .وي�ضح���ك �أبو بكر من حماوالت الأهايل اليمنيني ترتيب العالقات الزوجية ،ويتغنّى بجمال مدينة �صنعاء القدمية. مل يت�أثر �أحد يعرفه بخطب العولقي املتطرفة. ه���ذا هو اليم���ن احلقيق���ي .لي�س ه���و طروحات العولق���ي الزائفة حول مين يك���ره الغرب ويدرّب املتمردي���ن املت�شددي���ن� .إن���ه بل���د يقطن���ه م���ا يزي���د على 22ملي���ون �شخ�ص� ،أك�ث�ر من �سبعني باملائ���ة منهم حت���ت �س���ن اخلام�س���ة والع�شرين، ينا�ض���ل من �أجل التط���ور واالن�ضمام �إىل منظمة التج���ارة العاملية .هذا ما يخرب ب���ه �شباب اليمن ال���ذي يتح���دث الإجنليزية العامل عل���ى �صفحات الفي�سب���وك .اجت���ذب الكندي من �أ�ص���ول مينية، ع�صمت الأخايل ،وعمره � 32سنة� ،أكرث من 4500 م�ستخ���دِ م عل���ى �صفحت���ه وعنوانها «�أن���ا �أعرف �شخ�ص ًا يف اليمن ،وهو/هي لي�س �إرهابياً!» ،التي �أطلقها يف كانون الثاين/يناير .وم�ؤخراً� ،أطلقت ال�شابة اليمني���ة �أطياف �أ .م�شروع فيديو �أ�سمته: «�أنا مينية ،ل�ست �إرهابية». م���ع ذلك ،يق���ول العولقي يف مقابل���ة �أجراها يف
�شه���ر �أيار/مايو املا�ضي �أنه متتع بحرية احلركة ب�ي�ن القبائ���ل اليمنية لأن «�أه���ل اليمن يكرهون الأمريكيني ».هذا لي�س �صحيحاً .ف�أغلب �شباب اليم���ن يتعلمون اللغة الإجنليزي���ة لأنهم ،وفيما ع���دا كونها اللغة العاملي���ة يف عامل الأعمال ،هم يحلمون بالهجرة �إىل الواليات املتحدة �أو �أوروبا للدرا�سة �أو العمل. تعت�ب�ر ال�ش���كاوى اليومي���ة بالن�سب���ة لليمن���ي ال�شاب العادي �أك�ث�ر �أهمية من ال�سيا�سة .ي�أمل اخلريج���ون �أن يج���دوا عمالً ،ويكاف���ح ال�شباب لتجميع ما يكفي من الوظائف حتى يتمكنوا من ال���زواج .ويكافح املتزوجون اجل���دد �ضد زيادة الأ�سع���ار .يعي�ش حوايل ن�صف ال�سكان على �أقل م���ن دوالري���ن يف الي���وم ،بينما تبق���ى م�ؤ�شرات النم���و االقت�ص���ادي ،مث���ل �س���وء التغذي���ة عند الأطفال ون�سبة الوفي���ات عند الوالدة ومعدالت التح�صيل العلم���ي� ،ضعيفة جد ًا ح�سب برنامج الغذاء العاملي التابع للأمم املتحدة. ويف �شمال البالد ،نزح مئات الآالف من اليمنيني نتيجة ل�ست ج����والت من احلروب بني احلكومة واملتمردي����ن احلوثيني� .أم����ا يف اجلنوب فتهدد حركة انف�صالية متنامي����ة وحدة الدولة ،بينما ي�ص����ل �آالف الالجئني وال�ساعني للح�صول على اللجوء واملهاجرين االقت�صاديني� ،إىل ال�ساحل من القرن الإفريقي .وعلى م�ستوى الدولة ككل، �س����وف يكافح اجليل الت����ايل للح�صول على ماء ال�شرب بينما ي�ستمر �س����كان الدولة يف الزيادة وبينم����ا تُ�ستنف����ذ مياهه����ا اجلوفي����ة امل�ستهلكة صال وب�سرعة. �أ� ً وبد ًال م����ن الرتكيز دائم ًا على القاعدة ،يتوجب عل����ى الإعالم الدويل �أن ي��ب�رِز جهود املبادرات * التحليالت الواردة تعرب عن �آراء كتابها فقط.
و»�أن���ا من �أجل بلدي» ،و»عي���ون �شابة» ،و»برملان �أطفال اليمن» للتعامل م���ع بع�ض ق�ضايا الدولة الأخ���رى .ويتوجب عليه عر����ض جهود �أ�صحاب الأعم���ال املبدع�ي�ن مث���ل حي���اة احلب�ش���ي التي �أن�ش�أت جمعية مل�ساعدة الفتيات من املجتمعات املهمّ�شة على الذهاب �إىل املدار�س.
يتوج���ب على الإع�ل�ام كذلك �أن ي�ب�رز التبادل الإيجاب���ي بني املجتمعات امل�سلم���ة يف بريطانيا واليم���ن ،مثل اجلمعية الربيطاني���ة ال�صومالية اخلريي���ة الت���ي �ساع���دت عل���ى �إن�ش���اء مراك���ز ح�ضانة يومية للأمه���ات الالجئات ال�صغريات يف �صنعاء يف بداية هذه ال�سنة. وميكن للمزيد م���ن تركيز الإعالم على التغيري
اليمن :ع�ضو يف املنظومة اخلليجية �سليمان ال�شق�صي جملة «�آراء حول اخلليج» كانون الأول/دي�سمرب 2010 ك�شفت جملة «ال�سيا�سة اخلارجية» م�ؤخر ًا عن �ضغوط خارجية ,خا�صة من قب���ل الواليات املتحدة الأمريكية و�أوروبا ,متارَ�س �ضد �أع�ضاء جمل�س التعاون اخلليجي للتعجي���ل يف قب���ول اليمن كع�ضو كام���ل يف هذا التكتل اخلليج���ي ,حيث يُتوقع �أن �أع�ض���اء املجل�س �سيتخذون قراره���م النهائي بهذا ال�ش�أن يف القم���ة املقبلة املقرر انعقادها يف �أبو ظبي يف كانون الأول/دي�سمرب.2010 �أذكر ب�أن قادة اخللي���ج وافقوا يف 2001بقمة م�سقط, عل���ى االن�ضمام اجلزئي لليم���ن �إىل منظومة اخلليج, لذل���ك نرى اليم���ن ع�ض���و ًا يف كل من جل���ان التعليم, ال�صح���ة ,ال�ش�ؤون االجتماعية والعم���ل ومباريات كرة القدم .لك���ن قبل �أن يكون هن���اك ان�ضمام كامل لهذا اجلار اجلنوب���ي ,يجب �أن نرجع �إىل الهدف الأ�سا�سي الذي من �أجله مت �إن�شاء املجل�س .ويف الوقت ذاته ,البد من ت�سطري الو�ض���ع الداخلي يف اليمن والتهديد الذي م���ن املمك���ن �أن ي�شكله على ا�ستق���رار ووحدة اخلليج. وثم���ة �س�ؤال يطرح نف�سه :هل هن���اك �شرعية للواليات املتح���دة الأمريكي���ة واحت���اد الأوروب���ي لأن ميار�س���ا �ضغوط��� ًا على دول املجل�س للتعجيل يف ان�ضمام اليمن �إىل النادي اخلليجي؟
النظام الأ�سا�سي ملجل�س التعاون
ت�شري امل���ادة اخلام�سة م���ن النظ���ام الأ�سا�سي ملجل�س التع���اون اخلليج���ي �إىل �أن املجل�س (يتك���ون من الدول
التي ا�شرتكت يف اجتماع وزراء اخلارجية يف الريا�ض بتاري���خ ،)1981/2/4وال يتط���رق ه���ذا النظ���ام �إىل �إمكاني���ة ان�ضم���ام ال���دول الأخرى �إىل ه���ذا التحالف الإقليم���ي ,لك���ن ,ت�سمح امل���ادة ال�سابعة ,م���ن النظام ذاته ,للمجل�س الأعلى ب���ـ «تعديل هذا النظام» .تعدي ٌل يف �إمكاني���ة االن�ضمام ي�سمح لل���دول الأخرى ,كاليمن مثالً ,بتق���دمي طلباتها باالن�ضم���ام �إىل هذه امللحمة. �أ�ض���ف �إىل ذلك �أن النظ���ام الأ�سا�سي ي�شري ,يف بداية الديباج���ة �إىل �أن الأ�سا����س يف بناء ه���ذا التحالف هو ت�شابه �أنظمة الدول الأع�ض���اء فيما بينها .وهذا يعني �أنه م���ن دون هذا الت�شابه ,ي�ستحي���ل �إن�شاء وا�ستمرار مث���ل ه���ذا التكتل ,مما ي���دل على �أن ال���دول الأع�ضاء تنظر �إىل عن�صر الت�شابه بني الأنظمة ك�شرط �أ�سا�سي يف بناء وحدة املجل�س. غ�ي�ر �أنه وقبل �أن يبا�شر املجل����س الأعلى يف قبول هذا الطل���ب �أو رف�ض���ه ,يج���ب �أن يفكر يف تعدي���ل النظام الأ�سا�س���ي و�إدراج م���ادة ت�سمح لدول اجل���وار بتقدمي طلب���ات ان�ضم���ام مقاب���ل �أن يواف���ق املجل����س الأعل���ى على ه���ذا الطلب بغ����ض النظر ع���ن موا�صفات نظام ال���دول املتقدم���ة بالطل���ب .ويج���ب الإ�ش���ارة هنا �إىل الهدف الأ�سا�س���ي الأويل الذي �أن�شئ من �أجله جمل�س التع���اون اخلليجي :الأم���ن الإقليمي .ونذك���ر ب�أن هذا التكت���ل ال�سيا�سي قد �أن�شئ يف ف�ت�رة احلرب العراقية -الإيراني���ة ,وخوف دول املجل�س م���ن �أن يكون هناك
ال���ذي تق���وده املجتمع���ات يف اليم���ن ،ب���د ًال من الإره���اب� ،أن يجاب���ه ال�صور النمطي���ة ال�سلبية لكل من اليمني�ي�ن وامل�سلمني يف الغرب .و�سوف ينتج عن ذل���ك املزيد من االح�ت�رام للم�سلمني يف الغ���رب وم�شاعر �أقل من االنعزال �أو الغ�ضب ب�ي�ن �أطفالهم ،ورمبا �أ�سباب �أقل للإن�صات �إىل واعظ متطرف من حيث املبد�أ.
ت�صدي���ر للث���ورة الإيراني���ة� ,أو على �أق���ل تقدير تدخل يف ال�ش�ؤون الداخلية م���ن قبل القوة اجلديدة املهيمنة �إقليمي���اً .لذل���ك قامت دول اخللي���ج مب�ساندة العراق, عل���ى �أقل تقدي���ر مالي ًا و�سيا�سي���اً ,يف حربه ال�ضرو�س �ضد �إيران يف ثمانينيات القرن املا�ضي. �إذن ,ال�س�ؤال الذي يط���رح نف�سه ,يف هذه املرحلة ,هو هل من املمكن �أن يقبل املجل�س الأعلى ملنظومة اخلليج التعدي���ل على النظام الأ�سا�سي مب���ا يتطابق وان�ضمام �أع�ضاء جوار جدد؟ �إذا كانت الإجابة على هذا ال�س�ؤال «نع���م» ,فيج���ب عل���ى الق���ادة �أن يفك���روا يف م�ستقبل املنظومة ودورها يف احت���واء مع�ضالت املنطقة .حيث م���ن املمكن �أن ن�سمع م�ستقب ًال بطلب العراق� ,إيران �أو باك�ست���ان باالن�ضمام �إىل ه���ذه امللحمة .فملف العراق على �سبيل املثال من املمك���ن �أن ي�أخذ منهج ًا �سيا�سي ًا واقت�صادي��� ًا يف الوقت ذاته .فاملنه���ج ال�سيا�سي يتمثل يف �إمكان دول اخلليج تقومي ال�سيا�سة الداخلية للعراق بع���د ويالت الغزو الأمريكي .وه���ذا يعني جعل العراق يبتع���د �شيئ ًا ف�شيئ ًا عن التدخ�ل�ات الإيرانية يف �ش�ؤونه الداخلي���ة وجلبه �إىل �صداق���ة �سيا�سية مع دول اخلليج العربية ،مما يعني �ضمني ًا �صداقة مع القوى الأجنبية. �أم���ا املنه���ج االقت�ص���ادي ,فيتمث���ل يف دور امللحم���ة اخلليجي���ة يف �إجبار تق���ومي االقت�ص���اد العراقي حتى يتطابق ومتطلبات املجل�س اخلليجي� .أ�ضف �إىل ذلك, املوقع اجلغ���رايف واملكانة احل�ضاري���ة التي حتظى بها بالد الرافدي���ن .لكن ,هل من املمكن �أن ي�ستبعد قادة اخلليج طلب ان�ضمام العراق ملجل�س التعاون اخلليجي يف امل�ستقبل القريب؟ �أم���ا امللف الإيراين ,على الرغم من تعار�ضه مع هدف الإن�ش���اء الأ�سا�س���ي للمجل�س والنظ���رة الإيرانية لأمن املنطق���ة الت���ي تتعار�ض م���ع نظرة الع���رب ،فالبد �أن نواجه هذا الطلب بكل مو�ضوعية .ف�إيران قوة �أ�سا�سية العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
81
اليمن والعامل
عني على اليمن
يف مي���اه اخللي���ج ،وحت�سنت عالقاته���ا م�ؤخر ًا مع دول اخلليج العربي���ة .وجند �أنها حتظ���ى بعالقات وطيدة م���ع �سلطنة عمان ودولة قط���ر ،وحت�سنت عالقاتها مع بع����ض دول اخلليج كالكويت وقط���ر وال�سعودية .لكن، الربنامج الن���ووي الإيراين -على الرغم من اختالف وجهة نظر قادة اخلليج حول هذا الربنامج -واالحتالل الإي���راين للج���زر الإماراتي���ة الثالث يف مي���اه اخلليج العربي ،هما مو�ضوع���ان يعرقالن ،ب�شكل قاطع ،ملف االن�ضم���ام �إىل املجل�س اخلليجي .لك���ن جتدر الإ�شارة هنا �إىل رغبة �إيران يف �إن�شاء نظام �سيا�سي موحد بني دول املنطق���ة حفاظ ًا على �أمن الإقليم اخلليجي ،بعيد ًا عن التدخالت الأجنبية فيه. و�أخ�ي�راً ،نظ���ر ًا لل���دور الذي م���ن املمك���ن �أن تقوم به باك�ستان يف حماية �أم���ن اخلليج ،وذلك نظر ًا الرتباط مياه اخلليج وبحر عمان بال�سواحل الباك�ستانية ،فالبد �أن ننظ���ر ،وب�ش���كل ج���دي� ،إىل احتم���ال تق���دمي طلب ان�ضمام �إ�سالم �أباد �إىل امللحمة اخلليجية. كل ه���ذه ال���دول ت�ش�ت�رك يف حماي���ة �أم���ن اخللي���ج العربي� .أ�ض���ف �إىل ذلك ا�سترياد دول اخلليج العربية للي���د العامل���ة م���ن بع�ض هذه ال���دول ،بجان���ب القرب اجلغ���رايف ه���ل هذا يكفي لتق���دمي طل���ب ان�ضمام �إىل جمل����س التع���اون؟ يج���ب �أن ينظ���ر الق���ادة �إىل مل���ف ان�ضم���ام �أع�ضاء جدد بحذر �شديد ،حي���ث �إن التو�سع م���ن املمكن �أن يفق���د الرتابط ب�ي�ن الأع�ضاء احلاليني مم���ا يعني بداي���ة �ضع���ف جمل����س كمنظم���ة �إقليمية. ولي�س���ت ملفات �إيران والعراق وباك�ست���ان �إال �أمثلة من املمك���ن �أن تطبق على �أر����ض الواقع ويكون هناك طلب ان�ضمام� .أما بالن�سب���ة مللف اليمن لن�ضع عد�ستنا على الو�ض���ع الداخلي يف اليمن الذي م���ن املمكن �أن ي�شكل العائ���ق الأ�سا�س���ي الن�ضمام ه���ذه الدول���ة العربية �إىل الن���ادي اخلليجي ،فعدم اال�ستق���رار ال�سيا�سي و�ضعف االقت�صاد وانت�ش���ار الف�ساد ،كل ه���ذه العوامل ت�ضعف احتمال قبول ان�ضمام اليمن.
الو�ضع الداخلي يف اليمن واال�ستقرار اخلليجي
ال ميك���ن �أن يتجاه���ل قادة اخللي���ج الو�ض���ع الداخلي يف اليم���ن �أثن���اء مناق�شتهم ان�ضمام ه���ذه الدولة �إىل جمل�س التعاون .فلو نظرنا �إىل تقييم جملة «ال�سيا�سة اخلارجية» لليمن يف درا�ستها للدول الفا�شلة يف العامل لل�سن���وات الأربع املا�ضي���ة ،لوجدن���ا �أن م�ستوى اليمن يف تده���ور م�ستم���ر ،حيث �أن اليمن حت���ول من املرتبة 82
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ال���ـ 24يف ع���ام � 2007إىل املرتب���ة ال���ـ 15يف 2010يف مقيا�س الدولة الفا�شلة ،فالو�ضع الداخلي يف اليمن ال ميكن �أن ي�ستهان به يف مل���ف الع�ضوية ملنظومة �أمنية كمجل�س التعاون اخلليجي. وكنظ���رة داخلي���ة يف ال�ش����ؤون اليمنية ،م���ا زال اليمن يعاين م���ن م�ش���كالت ف�ساد تثق���ل الكاه���ل ال�سيا�سي للدول���ة ،حي���ث ي�شري تقرير مل���ف الف�س���اد يف اليمن، ال�صادر ع���ن مكتب امل�ساع���دات الأمريكية لليمن �إىل �أن «هي���اكل الدول���ة اليمني���ة �ضعيفة ج���داً»� ،إذ ي�شري ه���ذا التقري���ر �إىل �أن ال�سيط���رة االجتماعي���ة يف هذه الدولة تتم عن طري���ق توزيع امل�صالح للنخب بد ًال من ا�ستخ���دام الإج���راءات امل�ؤ�س�ساتي���ة لتوف�ي�ر مثل هذه اخلدم���ات .و�أدت هذه العملية �إىل �إ�ضعاف امل�ؤ�س�سات الر�سمية ،مما جعل عملية بن���اء الدولة �صعبة� .أ�ضف �إىل ذلك ،وهذا ما �أ�شار �إليه التقرير نف�سه� ،أن اليمن يع���اين من ف�س���اد �إداري وا�ض���ح – ب�شكل تع���وّد عليه ال�شع���ب ومل ينك���روه يف جم���االت �أ�سا�سي���ة كالق�ضاء، ال�شرطة والربملان .وكتقيي���م مل�ؤ�شر الف�ساد يف اليمن، ق���درت منظم���ة ال�شفافي���ة العاملية ،يف ع���ام � 2009أن حج���م الف�ساد يف اليمن كبري ج���داً ،حيث احتل اليمن املرتب���ة الـ 154عاملي��� ًا يف مكافحة الف�س���اد ،من �أ�صل 180دولة. وبع���د �أن توح���د �شطرا اليمن ،من���ا االقت�صاد الوطني اليمني نوع��� ًا ما ،لكن �سرعان ما انهار هذا االقت�صاد من عدة نواح لعدة �أ�سباب منها 1- :ترحيل ال�سعودية ملا يق���ارب امللي���ون ميني م���ن بالدها وذل���ك مل�ساندة احلكوم���ة اليمني���ة الع���راق يف غزوه �ض���د الكويت2-. احل���رب الأهلي���ة الت���ي ن�شب���ت بالب�ل�اد ع���ام ،1994 �أحدث���ت هذه احلرب دم���ار ًا كب�ي�ر ًا يف البنية التحتية للجار اجلنوبي� .أ�ض���ف �إىل هذه القائمة الهجرة غري �شرعي���ة التي يعاين منها اليمن ب�شكل م�ستمر من قبل الالجئني ال�صومالي�ي�ن .فاليمن يفتقر �إىل اال�ستقرار ال�سيا�س���ي حتى ي�ستطيع �أن ي�شبع حاجاته االقت�صادية ب�شكل ع�صري .لهذا� ،ضمت الأمم املتحدة اليمن �إىل قائمة الدول الأكرث فقر ًا يف العامل. وتطبيق��� ًا لنظرية (الدومينو) الت���ي تقول �إذا «�صففنا قط���ع الدومين���و واقف���ة �أم���ام بع�ضها بع�ض��� ًا وحركت القطع���ة الأوىل ب�إ�صبع���ك ،ف�إن قط���ع الدومينو �سوف تتح���رك كله���ا وراء بع�ضه���ا نتيج���ة حلرك���ة القطع���ة الأوىل ،مم���ا ي����ؤدي �إىل انهي���ار كل القط���ع» ،فاملوقف الداخلي يف اليمن من املمكن �أن ي�ؤثر �سلب ًا يف ا�ستقرار دول اخللي���ج العربية .وبكلم���ات �أخرى ،من املمكن �أن
تت�أث���ر دول اجلوار بـ «الف�شل» اليمني مما يعني تدهور الأو�ض���اع الداخلية لدول املنطقة ،م���ا يعطي االنطباع بتطبيق نظرية الدومينو ب�أف�ضل م�ستوياتها.
ال�ضغوط اخلارجية
يف عامل يت�سم بالفو�ض���ى ،بح�سب ما تنتهجه املدر�سة الواقعي���ة للعالق���ات الدولي���ة ،ن���رى �أن املرجعي���ة الأ�سا�سي���ة ه���ي �سي���ادة الدول���ة .فكم���ا ذك���رت جملة «ال�سيا�سة اخلارجية» �أن دول املجل�س تتعر�ض ل�ضغوط خارجية من قبل الواليات املتح���دة واالحتاد الأوروبي للتعجي���ل بقبول اليمن يف امللحم���ة اخلليجية .وتعوّدت دول اخلليج يف �ش�ؤونها اخلارجية �أن تنتهج منهج عدم التدخ���ل يف �ش����ؤون الغ�ي�ر مقابل �أن يعاملن���ا الآخرون باملث���ل .لك���ن ن���رى �أن مث���ل ه���ذه ال�ضغ���وط تتعار�ض م���ع املنهجي���ة اخلليجية الت���ي من املمك���ن �أن ت�ؤدي يف حال���ة قب���ول ال�ضغ���وط �أو رف�ضها �إىل �إعاق���ة امل�صالح اخلليجي���ة امل�شرتك���ة .ومل يقب���ل االحت���اد الأوروبي �أي �ضغ���وط خارجية ب�ش����أن امللف الرتك���ي لالن�ضمام �إىل �أوروب���ا .ومل تقم الواليات املتح���دة با�ستخدام طاقتها الدبلوما�سي���ة لل�ضغ���ط على �أوروبا يف ه���ذا امللف .ومت رف�ض املل���ف الرتكي من قب���ل �أوروبا لأ�سب���اب تختلف تباع ًا مع كل ما تدعو �إليه الدميقراطية الأوروبية .لكن باملقابل ,يف ملف اليمن ,جند �أن �أوروبا ت�سعى جاهدة مع وا�شنطن ,لل�ضغ���ط دبلوما�سي ًا على دول اخلليج يف م�س�ألة امللف اليمني. ال ميكن �أن جنزم بالرد اخلليجي جتاه هذه ال�ضغوط. لكن ,وبكل ت�أكيد ,ت�ؤثر هذه ال�ضغوط يف العالقات بني الطرف�ي�ن .فاخللي���ج يعتمد يف م�س�أل���ة الأمن على قوى خارجي���ة قد ي�ضط���ر اخلليج للقب���ول باليمن رغبة من ال���دول امل�ؤ�س�سة يف عدم اخلد����ش مب�صاحلها الوطنية مبكع���ب الأمن مع ال���دول العظمى ,مم���ا يعني فقدان الأهمي���ة التي توليه���ا كل دولة يف الوق���ت الراهن لدى املجل����س ,فت�صبح هذه املنظومة بناي���ة خاوية لي�س لها �أي قوة يف تطبيق قراراتها. �أخ�ي�ر ًا ال ي���زال اليم���ن «دولة قليل���ة التط���ور» بح�سب اللف���ظ امل�ستخ���دم ملنظمة التج���ارة العاملي���ة ,التي مل ين�ضم �إليها اليمن بع���د .وتعرت�ض هذه الدولة عقبات كثرية حتى يتمكن من تقومي اقت�صاده الوطني ,ون�شري هن���ا �إىل �أن ع���دد �سكان اليم���ن ي�ص���ل �إىل 20مليون ن�سم���ة ,ربعه���م يعي�ش حت���ت م�ستوى الفق���ر وربع �آخر يعاين من البطالة .وي�صل الناجت الإجمايل لهذا البلد �إىل 26.5ملي���ار دوالر لع���ام ,2008ه���ذا يجعل ن�صيب
الفرد من الناجت املحلي 1160دوالر ًا �سنوياً .و�إذا قارنا هذه الأرق���ام ب�أرقام دول اخلليج ,ف�إنن���ا �سنجد فرق ًا �شا�سع���اً ,يجعلنا نفكر يف م�س�ألة ان�ضمام اليمن ب�شكل �أمن���ي واقت�ص���ادي يف الوق���ت نف�سه� .أ�ض���ف �إىل هذه الت�سل�س�ل�ات الرتكيبة الطبقي���ة االجتماعية يف اليمن التي تختلف جد ًا مقارنة بجريانها اخلليجيني.
ال �أود �أن �أعرق���ل م�شروع االن�ضمام اليمني �إىل امللحمة اخلليجية .لكن ,ما �أود ت�سطريه هنا هو �أن الوقت لي�س منا�سب��� ًا ملثل ه���ذا االن�ضمام لأ�سباب �أمني���ة و�سيا�سية واقت�صادي���ة .و�أقرتح ,من ه���ذا املنرب �أن يقوم املجل�س بو�ضع �ش���روط اقت�صادية و�أمنية يج���ب على اليمن �أن يح���اول حتقيقها ,حتى يحق ل���ه االن�ضمام �إىل امللحمة
خطر الإرهاب املتنامي يف اليمن كري�ستوفر بوت�شيك جملة «�سي تي �سي �سينتي ِنل» الأمريكية �أيلول�/سبتمرب 2010 يف 25كان���ون الأول/دي�سم�ب�ر 2009ح���اول الإرهاب���ي املر�س���ل من قب���ل تنظي���م “القاعدة يف �شب���ه جزيرة الع���رب” تفجري رحلة رقم 253التابعة ل�شركة “نورث وي�س���ت �إيرالي���ن” يف �سم���اء مدين���ة ديرتوي���ت بوالية مِ �شيغ���ن الأمريكية ،ومن���ذ ذلك احلني ب���رزت ق�ضية اال�ستق���رار يف اليم���ن ك�أح���د �أولويات الأم���ن القومي الأمريك���ي .ورغم تال�شي املخ���اوف التي تلت احلادثة �إال �أن الأ�سابي���ع الأخرية �شهدت ما يُوحي ب�أن التهديد ال���ذي ت�شكله “القاعدة يف جزي���رة العرب” يف اليمن ق���د ف���اق التهديد ال���ذي ت�شكله “القاع���دة املركزية” كتهدي���د رئي�سي للأمن القوم���ي الأمريكي .وي�أتي هذا التقيي���م م���ن منطل���ق ا�ستم���رار تده���ور الأو�ض���اع يف اليمن ،وت�ض���اءل خي���ارات ال�سيا�س���ة الأمريكية �أمام تزامن الأزمات يف اليمن. كما باتت “القاع���دة يف جزيرة العرب” متثل تنظيم ًا خطري ًا �سريع التفكري والتحركات ،وذلك نظر ًا ل�سجل العمليات املتزايدة �سواء عل���ى امل�ستوى املحلي اليمني �أو امل�ستوي�ي�ن الإقليمي والدويل ،حي���ث كانت القاعدة وا�ضح���ة يف �أهدافه���ا املر�سوم���ة ،ب���ل ونف���ذت مرار ًا وعيدها .وقد عمق هذه املخاوف وجود الداعية الديني اليمن���ي -الأمريك���ي املقي���م يف اليمن �أن���ور العولقي، ودوره املزع���وم يف حتري�ض الأجان���ب الناطقني باللغة الإجنليزية على االنخ���راط يف �أعمال العنف والقتال. وهناك �أي�ض ًا خماوف متنامية حول تورط عنا�صر من
جن�سي���ات غربية ،خا�ص���ة ذوي اجلن�سي���ة الأمريكية، يف املخطط���ات الإرهابي���ة املحلي���ة املزعوم���ة املتعلقة �أو املرتبط���ة باليم���ن و”القاعدة يف جزي���رة العرب” و�أنور العولقي .عالوة على ذلك ،حتولت اليمن نف�سها م���ن مي���دان لال�سرتاح���ة والتدريب �إىل م�س���رح فعلي للجهاد. وتتناول هذه املقالة تط���ور وتغري التهديد الذي ت�شكله “القاع���دة يف جزيرة الع���رب” ،مبا يف ذلك احتمال قي���ام اجلماع���ة بتجنيد ع���دد من الأمريكي�ي�ن� .أي�ض ًا ت�ستعر�ض كيف �أن القاعدة ا�ستطاعت �أن حتول اليمن �إىل م�سرح للجهاد من خالل �إتباع ا�سرتاتيجية تهدف �إىل خل���ق حالة من عدم اال�ستق���رار يف الدولة وقواتها الأمنية.
قيا�س مدى التهديد
وفق ًا لتقارير و�سائل الإعالم� ،أ�شارت م�ؤخر ًا تقديرات جمتم���ع املخاب���رات الأمريكية �إىل وج���ود حوايل 100 مقات���ل م���ن مقاتل���ي القاع���دة يف �أفغان�ست���ان ،وم���ا يقرب م���ن 300مقاتل يف باك�ست���ان .ورغم االعرتاف ب�صعوبة احل�صول على �أرقام دقيقة حلجم “القاعدة يف جزي���رة الع���رب” لك���ن التقدي���رات امل�ست�شهد بها دوم��� ًا ت�شري �إىل وج���ود مئات املقاتل�ي�ن يف اليمن ،من بينه���م ميني�ي�ن و�سعودي�ي�ن وجن�سي���ات عربي���ة �أخرى �إىل جان���ب بع�ض الأجانب مبن فيه���م الغربيني ،حيث
اخلليجي���ة وم���ن دون �أي معوقات .ف����إذا كانت الرغبة اليمنية �صادقة يف االن�ضم���ام مع حتمل م�س�ألة اليمن, ف�س�ن�رى حت�سن��� ًا يف االقت�ص���اد الوطن���ي ويف امل�سائ���ل الأمنية ,غ�ي�ر �أن التعجيل يف م�س�ألة القبول قد ي�ضعف قوة املجل�س.
مت من���ذ كان���ون الثاين/يناي���ر 2009قت���ل و�أ�سر ما ال يق���ل عن 12م�شتبه ًا من جن�سي���ات عربية غري مينية، يف ح�ي�ن اعتقل���ت ال�سلطات اليمني���ة � 50أجنبي ًا ي�شتبه يف تورطهم م���ع “القاعدة يف جزي���رة العرب” ،وهم م���ن جن�سيات بريطاني���ة وفرن�سي���ة وماليزية وغريها م���ن اجلن�سيات الأخرى .و ُيق���ال �إن هناك � 12أمريكي ًا من بني اخلم�سني �أجنبي��� ًا املحتجزين يف اليمن ،رغم قل���ة املعلومات املتوفرة ح���ول و�ضعهم القانوين و�سبب اعتقالهم. ولق���ي نوع الإغ���راء الذي يوف���ره اليم���ن تغطية كبرية نظر ًا للقلق الكبري حيال الغربيني الذين ي�سافرون �إىل اليم���ن ،ففي كان���ون الثاين/يناي���ر � 2010أ�شار تقرير �ص���در عن جلنة العالق���ات اخلارجية مبجل�س ال�شيوخ الأمريك���ي �إىل �أن م���ا ال يق���ل ع���ن � 36أمريكي��� ًا ممن �أدين���وا �سابق��� ًا واعتنقوا الإ�س�ل�ام �أثن���اء �إقامتهم يف ال�سج���ن �سافروا �إىل اليمن ع���ام 2009بغر�ض درا�سة اللغ���ة العربية .وبح�س���ب التقرير املقدم م���ن اللجنة، فقد اختفى بع�ض �أولئك املدانني �سابق ًا وي�شتبه ب�أنهم ان�ضموا �إىل “القاعدة يف جزيرة العرب”. وقد اتخذت احلكومة اليمنية بع�ض الإجراءات ملعاجلة ه���ذه الق�ضاي���ا� ،إذ �أ�صبحت فرتة االنتظ���ار للح�صول عل���ى الت�أ�شرية �أط���ول الآن؛ وبح�سب احلكومة اليمنية مل يعد �إعط���اء الت�أ�شرية ممكن ًا مبج���رد الو�صول �إىل مطار �صنعاء الدويل� .إ�ضافة �إىل ذلك ،ونظر ًا لتدهور الو�ضع الأمني يف البالد (والتقارير املبالغ فيها �أحيان ًا عن �س���وء الأو�ضاع هناك) ،ق ّل عدد الطالب الأجانب الدار�سني اللغة العربية يف اليمن. وعند املقارن���ة مبا تواجهه القي���ادة العليا للقاعدة يف جنوب �آ�سي���ا ،جند �أن “القاع���دة يف جزيرة العرب” تواج���ه �ضغط��� ًا �أق���ل بكثري ،فق���د كان لوج���ود القوات الع�سكري���ة الأمريكي���ة الكبري يف �أفغان�ست���ان واحلملة العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
83
ال�شر�س���ة التي تق���وم بها الطائرات م���ن دون طيار يف باك�ست���ان دور ًا كب�ي�ر ًا يف احل���ط من مق���درة القاعدة املركزي���ة هن���اك ،بينما لي����س هناك وج���ود ع�سكري �أمريك���ي يف اليمن ما عدا م���ا يتعلق مبهمات تدريبية. وبعد القيام بعدد من ال�ضربات اجلوية يف عامي 2009 و 2010التي �سهلت تنفيذها الواليات املتحدة ،يُقال �إن تل���ك املهام تقريب ًا توقفت عقب ال�ضربة اجلوية يف 25 �أيار/مايو ،التي قتلت دون ق�صد وكيل حمافظة م�أرب جاب���ر ال�شب���واين .ولكن رغم الهجم���ات ال�شاملة التي نفذته���ا احلكومة اليمني���ة �ضد عنا�ص���ر ي�شتبه ب�أنهم ينتمون �إىل “القاع���دة يف جزيرة العرب” يف مدينتي لودر واحلوطة جنوب اليم���ن� ،إال �أنه لي�س وا�ضح ًا من هي العنا�صر احلقيقية التي تقاتلها احلكومة اليمنية: �أه���ي عنا�ص���ر “القاع���دة يف جزي���رة الع���رب”� ،أم االنف�صاليني من �أبناء اجلنوب� ،أم القبائل ال�ساخطة على الدولة؟. وبح�سب بع�ض التقارير ال�صادرة م�ؤخراً ،ف�إن اجلدل القائ���م ب�ش�أن �أي م���ن ف�صائل القاع���دة متثل اخلطر الأكرب عل���ى الأمن القومي الأمريك���ي يركز على مدى خط���ورة وقرب التهدي���د الذي ت�شكل���ه كل جماعة� ،إذ ي�سود اعتق���اد ب�أن “القاعدة” املركزي���ة ما زالت هي م�ص���در اخلطر الأكرب نظ���ر ًا لقدرته���ا على تخطيط وتنفي���ذ عمليات معقدة و�شاملة مث���ل �أحداث احلادي ع�ش���ر م���ن �أيلول�/سبتم�ب�ر .لك���ن باملقاب���ل ُيق���ال �إن “القاع���دة يف جزي���رة الع���رب” يف اليم���ن هي من ي�ش���كل التهديد املبا�شر ،وهي اجلماعة الأكرث احتما ًال قيامه���ا مبهاجم���ة الوالي���ات املتحدة ،رغ���م �أ�ساليبها الأق���ل تعقي���داً .وعالوة عل���ى ذلك ،ثم���ة خماوف من �أن “القاع���دة يف جزي���رة العرب” ق���د حققت جناح ًا يف عملي���ة جتني���د عنا�ص���ر غربية ،مبن فيه���م �أولئك الذين تخلوا ع���ن دياناتهم ،والذي���ن ال تنطبق عليهم �صفة الإره���اب املعروفة ،الأمر الذي يزيد من �صعوبة املهمة �أم���ام ال�سلطات الأمنية الأمريكية للتعرف على املخططات التي يقوم بها �أولئك الأفراد و�إجها�ضها.
انت�ش��ار عن��ف «قاعدة �ش��به جزيرة العرب» يف اليمن
ا�ستطاع���ت «القاع���دة يف جزي���رة الع���رب» ا�ستغالل غياب �سلطة الدولة املركزي���ة يف اليمن لتو�سيع دائرة 84
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
نط���اق وجودها يف مناطق وا�سع���ة من البالد ،ومن ثمّ القيام بالتخطيط والإعداد والتنفيذ لعمليات على كل امل�ستوي���ات املحلية والإقليمية والدولي���ة .فمنذ �إعالن ت�شكيله���ا يف كان���ون الثاين/يناي���ر 2009زادت وترية الهجم���ات� ،إذ يبني �أحد التقييم���ات م�ؤخر ًا �أن هناك �أكرث من ثالث�ي�ن حادثة قامت به���ا القاعدة يف اليمن حتى الآن خالل هذا العام. ويبدو وا�ضح��� ًا �أن �أهداف القاع���دة متطابقة �إىل حد كب�ي�ر ،وت�شم���ل الأجانب واملغرتب�ي�ن والبني���ة التحتية للطاق���ة وقوات الأم���ن احلكومية .ومن���ذ الدمج الذي نت���ج عن���ه «القاع���دة يف جزي���رة الع���رب» ،ا�ستهدفت هجمات اجلماعة �أي�ض ًا ال�سعودية ،ومنها تنفيذ حملة تفجريات انتحارية يف اململكة وحماولة اغتيال م�سئول مكافحة الإرهاب الأمري حممد بن نايف .ومن نواحي عدة تعلم���ت «القاعدة يف جزيرة الع���رب» درو�س ًا من احلمل���ة الفا�شلة التي قامت به���ا القاعدة (الأم) على الرتبة ال�سعودية؛ فهي تتحا�شى االعتداء على املدنيني، وط���ورت كثري ًا من �أنظمته���ا الإعالمية ،وحتر�ص على ع���دم تكرار نف�س الأخطاء الت���ي حدثت يف ال�سعودية. وما يثري املخ���اوف �أكرث �أنه عندم���ا �أخفقت العمليات الأولية ،قام���ت «القاعدة يف جزيرة العرب» مرة ثانية مبهاجم���ة نف����س الأهداف ،مث���ل ال�سف���ارة الأمريكية يف �صنع���اء ،والأمري حممد يف ال�سعودي���ة .وهذا ميثل حتذي���ر ًا �صارخ ًا فيم���ا يتعلق بف�شل حماول���ة ليلة عيد امليالد لتفجري الرحلة رقم 253التابعة ل�شركة «نورث وي�ست �إيرالين». وخ�ل�ال معظم فرتة ع���ام 2010كان هناك �سجال بني الهجم���ات التي قامت بها «القاعدة يف جزيرة العرب» والهجم���ات امل�ض���ادة الت���ي قامت بها الدول���ة (بدعم وثيق م���ن قبل الوالي���ات املتحدة) .وتدع���ي احلكومة اليمنية قيامه���ا بتوجيه �ضربات قا�سي���ة للتنظيم� ،إال �أن الواق���ع �أثبت عادة مبالغة احلكومة يف هذا ال�ش�أن. فف���ي 26ني�سان�/أبريل 2010جن���ا ال�سفري الربيطاين تيم تورلوت م���ن حماولة اغتيال ،عندما قام انتحاري مبهاجم���ة موكب���ه �أثن���اء عب���وره يف �ش���وارع �صنع���اء وتفج�ي�ر نف�س���ه ،لك���ن دون �إحل���اق �أي �أذى بال�سف�ي�ر وجرح عدد م���ن املارة .وعقب ذلك ،ع���زت «القاعدة يف جزي���رة العرب» م�سئولي���ة احلادثة �إىل نف�سها ،ويف �أيلول�/سبتمرب اتهمت ال�سلط���ات اليمنية �أربعة �أفراد
بامل�شاركة يف التخطيط لعملية االغتيال. وهذه احلادث���ة �شديدة ال�شبه باحل���ادث الذي ح�صل يف �آذار/مار�س ،2009عندما قام انتحاري باعرتا�ض حرك���ة ال�سري وفجّ ر ما كان يحمله م���ن مواد متفجرة متام ًا يف الوقت الذي كان موكب �سفارة كوريا اجلنوبية مي���ر يف طريق���ه �إىل املط���ار حام�ل�اً املحقق�ي�ن وذوي �ضحاي���ا التفجري االنتح���اري ال�سابق له���ذه احلادثة، ال���ذي مت تنفيذه يف مدينة �شب���ام وت�سبب مبقتل �أربعة كوري�ي�ن جنوبيني .ويف كال احلادثتني كان االنتحاريان يعرفان املركبات امل�ستهدفة وطريقها وموعد مرورها، وهو ما ينم عن معرف���ة �سابقة لكل التفا�صيل .وتعترب هاتان احلادثت���ان ب�صورة خا�صة م�ص���در قلق ،نظر ًا ل�سهولة التعر�ض للهجمات الإرهابية مبجرد الرتب�ص �أثناء حركة ال�سري يف �شوارع �صنعاء. ويف منت�صف حزيران/يونيو هاجم عنا�صر «القاعدة يف جزي���رة الع���رب» مقر الأم���ن ال�سيا�س���ي يف مدينة عدن ،ومتكّنوا من �إخراج عدد من زمالئهم امل�سجونني هناك .ويُقال �إن مُنفِّ���ذي الهجوم كانوا يرتدون الزي الع�سك���ري الر�سم���ي ،وقتل���وا عل���ى الأق���ل ع�شرة من موظفي الأمن .وا�ستمرت �أعمال العنف يف عدن خالل فرتة ف�صل ال�صيف ،وكان م���ن �ضمنها انفجار خارج مبنى الأمن ال�سيا�سي. ويف �أواخ���ر ف�ت�رة ال�صي���ف نف���ذت احلكوم���ة اليمنية عمليت�ي�ن وا�سعت���ي النط���اق يف املدن التي قي���ل �إن بها عنا�صر ي�شتبه انتمائه���م لتنظيم «القاعدة يف جزيرة الع���رب» ،حي���ث ن�ش���ب اقتت���ال �شدي���د يف �شه���ر �آب/ �أغ�سط�س مبدينة لودر مبحافظة �أبني وقُتل فيه ،بح�سب التقاري���ر ال�صحفية� ،أكرث م���ن ثالثني �شخ�صاً ،منهم ت�سع���ة ع�شر مقات ًال من مقاتلي القاع���دة .ويف �أيلول/ �سبتمرب نفذت ق���وات الأمن اليمنية عملية م�شابهة يف مدينة احلوطة مبحافظة �شبوة .وخالل كال العمليتني حا�صرت القوات اليمنية املدينتني بعد �إبالغ املواطنني ب����أن يل���وذوا بالف���رار ،ونتج ع���ن ذلك القت���ال ت�شريد �آالف م���ن مواطن���ي مدينة احلوط���ة .وبح�سب تقارير ال�صحاف���ة اليمني���ة ،كان م���ن ب�ي�ن عنا�ص���ر القاعدة �سعوديون و�صوماليون يقاتلون �ضد الدولة يف احلوطة. وبعد ا�ستع���ادة ال�سيطرة على املدين���ة قالت احلكومة اليمني���ة �إنه���ا قتلت خم�سة م���ن مقاتل���ي القاعدة �إىل جان���ب اعتقال اثن�ي�ن وثالثني �آخري���ن .ولكن رغم �أن
هات�ي�ن الهجمت�ي�ن وا�سعت���ا النط���اق �إال �أن امل�ؤ�ش���رات املبك���رة ت�شري �إىل �أن الكثري م���ن عنا�صر «القاعدة يف جزيرة العرب» الذي���ن يُعتقد ب�أنهم كانوا يف املدينتني متكنوا من االن�سحاب �إىل الريف.
حملة االغتياالت
خ�ل�ال فرتة �صي���ف � 2010شنت «القاع���دة يف جزيرة الع���رب» حملة اغتياالت من�سق���ة يف املناطق اجلنوبية م���ن اليم���ن ،ا�ستهدفت كب���ار رجال الأم���ن وم�سئويل خماب���رات الدول���ة .ويف الكث�ي�ر م���ن الهجم���ات كان �إط�ل�اق النار عل���ى ال�ضحايا يتم م���ن راكبي دراجات نارية .وقال �أحد امل�صادر الإعالمية يف اليمن �إن عدد �ضحاي���ا احلملة و�صل �إىل حوايل خم�سني م�سئوالً� .أما بح�س���ب �أحد امل�سئول�ي�ن اليمنيني ،ف�إن الع���دد الفعلي و�ص���ل �إىل �أكرث من �ستني �ضحية .وقد �أجربت احلملة ال�سلطات احلكومية على منع حركة الدراجات النارية يف املناطق احل�ضرية مبحافظة �أبني. وخ�ل�ال �شه���ر رم�ض���ان ( 2010املواف���ق تقريب��� ًا �أول �أ�سب���وع م���ن �آب�/أغ�سط����س وحت���ى �أول �أ�سب���وع م���ن �أيلول�/سبتمرب) ،نف���ذت «القاعدة يف جزيرة العرب» م���ا يقارب اثنا ع�ش���ر هجوم ًا ا�ستهدف���ت �أمن الدولة، و�صعّ���دت القاع���دة تلك احلمل���ة يف �أيام عي���د الفطر عندم���ا �أ�صدرت قائمة حتتوي على �أ�سماء امل�ستهدفني بلغ عددهم خم�سة وخم�س�ي�ن م�سئو ًال من رجال الأمن يف �أب�ي�ن ،م���ن بينهم واح���د وثالثني م�سئ���و ًال يف جهاز
الأمن ال�سيا�سي وخم�سة ع�شر م�سئو ًال يف �إدارة البحث اجلنائ���ي وت�سعة م���ن م�سئويل املخاب���رات الع�سكرية. وقد ا�ستمرت حملة �أعمال العنف حتى �أيلول�/سبتمرب عندم���ا �أطلق املقاتل���ون قنابل �صاروخي���ة على موكب وكي���ل حمافظ �أبني �أحم���د غالب الره���وي ،لكنه جنا م���ن الهج���وم مثلما جن���ا م���ن حماولة االغتي���ال التي ا�ستهدفته من قبل يف �آب�/أغ�سط�س .2009 واله���دف الرئي�سي وراء حمل���ة االغتياالت هو �إ�ضعاف ا�ستق���رار الدول���ة يف اليم���ن ،ويف نف����س الوقت تفادي وق���وع �ضحايا م���ن املدنيني حتى ال يث���ور عامة ال�شعب �ض���د «القاعدة يف جزيرة الع���رب» .وتدل حدة ووترية الهجم���ات على ق���درة القاعدة على توجي���ه ال�ضربات متى �ش���اءت �ضد �أولئك الذين يخدمون «نظام احلكم غ�ي�ر ال�شرعي»� .أي�ض��� ًا متثل تذكري ًا جلي��� ًا ملن يوا�صل العمل يف �أجهزة الأمن واملجال الع�سكري مبا ينتظرهم م���ن م�صري �إذا مل ي�سحبوا �أنف�سهم من خدمة الدولة. كم���ا تعترب ه���ذه احلملة مث���ا ًال وا�ضح ًا عل���ى ا�ستمرار تال�شي �سلطة الدولة يف جنوب اليمن.
اخلامتة
يف مطل���ع �أيلول�/سبتمرب 2010ق���ال جوناثان �إيفانز، مدير ع���ام الأمن الربيطاين� ،إن م�ص���در التهديدات الت���ي تتعر�ض له���ا اململك���ة املتحدة �إىل ح���د كبري هو اليم���ن وال�صومال .وبح�سب �إيفان���ز� ،شهد هذا العام «موج���ة» كبرية يف درا�سة احلالة االجتماعية يف اليمن
هل يجوز لوا�شنطن اغتيال مواطن �أمريكي يعي�ش يف اليمن؟ رونالد �سوكول �صحيفة «كري�ستيان �ساين�س مونيتور» الأمريكية � 29أيلول�/سبتمرب 2010 تقدمت جمموعات الدفاع عن احلريات املدنية و�أ�سرة ال�شي���خ �أن���ور العولقي� ،شه���ر �آب�/أغ�سط����س الفائت، بدع���وى ملنع احلكوم���ة الأمريكي���ة من قت���ل العولقي، حام���ل اجلن�سية الأمريكية ويعي����ش يف اليمن ،وتعتربه هذه احلكومة ،التي حتاول رد الدعوى ،مبنزلة تهديد
لتورط���ه املزع���وم يف م�ؤام���رات �إرهابي���ة وحتري�ض���ه املجاهدين املعادين للواليات املتح���دة .يُعتقد بالتايل ب�أنه هدف للقتل خارج الإطار الق�ضائي. تثري ه���ذه الدع���وى �س����ؤا ًال مهم���اً :متى يج���وز قانون ًا للحكوم���ة� ،إن �صح ذلك ،تنفيذ عملي���ة اغتيال؟ بينما
�أم���ام مكت���ب املخاب���رات الربيط���اين ( .)MI5وعلى غ���رار ما قال���ه �إيفان���ز� ،أ�ش���ار مدير مرك���ز مكافحة الإره���اب مايكل ليرت يف �شهادة له �إىل �ضعف القاعدة يف باك�ست���ان بينما �أكد على حال���ة اليمن ب�أنها “�أر�ض املعرك���ة الأ�سا�سية” ،م�ست�شه���د ًا ب�أ�سلوب القاعدة يف حادث���ة ليل���ة عي���د امليالد ك�أ�سل���وب يزيد م���ن �صعوبة جناح ردع عمليات القاعدة و�إجها�ضها. وال �شك يف وجود التهديد املتنامي الذي ي�شكله اليمن، حي���ث �أن “القاع���دة يف جزي���رة العرب” ق���د �أعادت ت�شكي���ل البل���د بفعالية كم�س���رح �شرع���ي للم�شاركة يف اجلهاد �ضد “احلاكم غري ال�شرعي” ،وكمكان ملقاومة “العدوان” الأمريكي .وال بد �أن ندرك �أنه �إذا ما ظل تركي���ز امل�ساعدات الأمريكية املقدم���ة لليمن ملكافحة الإرهاب فق���ط يف جمال التع���اون الع�سكري والأمني، ف�إن ه���ذا لن يزيد �سوى املظامل الت���ي تثري القتال من قب���ل القاعدة وجبه���ات معار�ضة �أخ���رى .وهناك قلة قليلة م���ن اخلي���ارات ال�سيا�سية امللفت���ة لالنتباه فيما يتعل���ق بال�سيا�سات جتاه اليمن ،غ�ي�ر �إنها ال تقدم �أي وع���ود تُب�شِّ ر بح���ل التحديات الت���ي ت�شكله���ا الأو�ضاع املتده���ورة يف البلد .لكن مع ذل���ك ،ف�أول خطوة مهمة ه���ي �إدراك �أن جتاه���ل الأم���ر يف اليمن لي����س اخليار ال�صحي���ح ،فعلى الوالي���ات املتح���دة واملجتمع الدويل تق���دمي امل�شارك���ة الكامل���ة يف اليم���ن ،حي���ث مل يع���د بالإمكان احتواء م�شكالت البلد داخل حدوده. ال يح���ق لأي فرد من القطاع اخلا����ص القتل با�ستثناء ح���االت الدف���اع ع���ن النف�س ،ف����إن حق �أولئ���ك الذين يعمل���ون حتت عب���اءة القان���ون مثل �ضب���اط ال�شرطة، واجلن���ود �أو وكالة اال�ستخب���ارات املركزية الأمريكية، �أك�ث�ر تعقيد ًا بكثري .ال ميلك حتى اجلندي الذي يقاتل يف حرب معلنة حق ًا مطلق ًا يف قتل العدو.
معيار نورميبريغ
مع نهاية احل���رب العاملية الثانية ،وح�ي�ن �أُثري ال�س�ؤال ح���ول كيفي���ة التعام���ل م���ع الق���ادة النازي�ي�ن ،اق�ت�رح رئي�س ال���وزراء الربيطاين ،وين�ست���ون ت�شر�شل ،قتلهم بالر�صا�ص .وافقه ال���ر�أي يف ذلك الزعيم ال�سوفياتي جوزي���ف �ستال�ي�ن ،لك���ن الوالي���ات املتح���دة �أي���دت العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
85
�إخ�ضاعهم ملحاكمة .يف هذا الإطار ،جادلت وا�شنطن احلكومت�ي�ن الربيطاني���ة وال�سوفياتي���ة ،و�أقنعتهما يف النهاية ،ب�أن الرد الأعمى لي�س امل�سار ال�صحيح ،و�إمنا حك���م القانون .ر�أت الواليات املتحدة �ضرورة حماكمة قادة احلكومت�ي�ن واجلي�شني الأمل���اين والياباين ب�شكل قانوين ل�شنهم حرب ًا عدواني���ة وارتكابهم جرائم �ضد الإن�ساني���ة .ف�ل�ا يُعاقبون �إال حني يتب�ي�ن �أنهم مذنبون بع���د حماكمة يحق له���م خاللها الدفاع ع���ن �أنف�سهم وتقدمي الأدلة. طغ���ى املوق���ف الأمريك���ي يف ذل���ك احل�ي�ن ،وو�ضعت املحاكمات يف نورنبريغ وطوكيو معيار ًا ذهبي ًا تاريخي ًا بعد احلرب ملا بات يُدعى حركة حكم القانون .يق�ضي املبد�أ الأ�سا�سي ب�ض���رورة �أن حترتم احلكومة القانون على القادة عينها كما الأفراد .وهكذا تبنت هذا املبد�أ جميع الإدارات الأمريكية التي تعاقبت منذ عام ،1945 لكن الواليات املتحدة وجدت �صعوبة يف االلتزام به. بع���د م�ض���ي خم�س���ة وع�شرين عام��� ًا عل���ى حماكمات نورنبريغ ،حاولت وكالة اال�ستخبارات املركزية اغتيال الزعي���م الكوبي فيدي���ل كا�سرتو .لكن ه���ذا االنتهاك ُ�صحّ ���ح يف ع���ام 1976حني �أ�صدر الرئي����س فورد �أمر ًا تنفيذي��� ًا مين���ع في���ه جمي���ع املوظف�ي�ن احلكوميني من تنفي���ذ عمليات اغتيال .دامت تلك ال�سيا�سة حتى عام 2002حني طلب الرئي�س بو�ش من وكالة اال�ستخبارات املركزية اغتيال قادة املجموعات الإرهابية الذين ترد �أ�سما�ؤه���م يف «قائمة الأهداف العالي���ة القيمة» ،لكن مل يت�ض���ح �أبد ًا عل���ى �أي �أ�سا�س يرد ا�س���م يف الالئحة �أو يُ�شطَ ب.
ال حماكمة قانونية للعولقي
ع�ب�ر �إعطاء الإذن على ما يُفرت����ض باغتيال العولقي،
وه���و مواطن �أمريكي يعي�ش يف اليم���ن ،تظهر الإدارة الأمريكية الراهنة ب�أن ال�سيا�سة الأمريكية مل تعد بعد �إىل معي���ار نورميب�ي�رغ .يب���دو �أن الإدارة ا�ستندت يف قراره���ا �إىل واقع جوهري� ،أال وه���و �أن العولقي يقيم يف اليم���ن .فلو كان ه���ذا املواطن يقي���م يف �شيكاغو، مل���ا اقرتح���ت الإدارة اغتيال���ه .كان �سيُعتقَ���ل ،ويُتهم بارتكابه جرم ًا م���ا ،ويُحاكَم ،و�إن وُجد مذنباً ،يُعاقب ويُ�سجَ ���ن .ينطبق الأمر عين���ه على ما يُفرت�ض �إن كان يقي���م يف فرن�سا� ،أو �إنكل�ت�را� ،أو �أملاني���ا� ،إذ قد يُعتقَل ويُحاكَ���م �أو يُرح���ل .ال �ش���ك �أن كون اليم���ن دولة تعم فيه���ا الفو�ضى يزيد امل�سائل تعقيداً ،لكن حتى لو كان املواطن يف �إيران �أو �سورية فذلك لن يغري من امل�س�ألة �شيئاً .كيف تُربر �إذن عملية االغتيال؟ لعل القتل خارج الإطار الق�ضائي يتما�شى مع «معايري املافي���ا»� ،إمن���ا ال يتما�ش���ى م���ع متطلب���ات املحاكم���ة القانوني���ة يف م���ا يتعل���ق باحل���ق ال���وارد يف التعدي���ل اخلام����س �أو ال�ساد����س م���ن الد�ست���ور الأمريك���ي يف اخل�ض���وع ملحاكم���ة ومواجه���ة ال�شهود .وحت���ى بغ�ض النظر ع���ن حقوق املواطن�ي�ن الد�ستوري���ة ،من املقلق جد ًا �أن تعطي احلكومة الأمريكية لنف�سها احلق بقتل �أي �شخ�ص قررت زج ا�سمه يف الئحة الإرهاب. منطقي���اً ،ي�ستحي���ل �إن���كار ح���ق احلكوم���ة يف اللجوء �إىل القت���ل يف ظروف معينة ،لكن يج���ب �أن يتم ذلك بهدف حماية نف�سها ومواطنيها من �أي خطر و�شيك، م���ع �ضرورة �أن تتكاف�أ الإج���راءات الوقائية مع طبيعة هذا اخلطر� .أما يف حال���ة العولقي ،فتطالب الدعوى ب�إ�ص���دار �أم���ر مين���ع احلكومة م���ن قتله م���ا مل ي�شكل تهدي���د ًا مبا�ش���راً .فاملواطن الأمريكي ال���ذي يختبئ يف اليم���ن الغ���ارق يف الفو�ضى ال يه���دد ب�شكل مبا�شر
�أوباما وببليوغرافيا الأخطاء ... اليمن منوذج ًا حممد ح�سني �أبو العال �صحيفة «احلياة» اللندنية 24نوفمرب 2010 �سيظ����ل التاريخ يكرر نف�سه لك����ن يف �شكل م�أ�ساة. هكذا قيل .ذلك �أنها بداية جديدة مل�سل�سل الف�شل 86
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
الأمريكي القدمي املت�شكل حلظي ًا والذي مل ت�ستطع الواليات املتحدة �أن حتجم جموحها ال�سيا�سي فيه
عل���ى وجود احلكوم���ة الأمريكي���ة� ،إمنا ي�ش���كل �أفراد مثل العولقي خط���ر ًا ع�شوائي ًا على مواطنني يف بلدان عدة ،وذلك التهديد يربر �أخ���ذ احلكومات �إجراءات وقائية.
احلاجة �إىل الإ�شراف الق�ضائي
�إن كان الإج���راء الواجب اتخ���اذه عملية اغتيال ،ف�إنه ينبغ���ي تطبيقه حتت �إ�شراف اجله���از الق�ضائي .وما يقل���ق يف عملي���ات االغتيال الت���ي تُنفّذ خ���ارج الإطار الق�ضائ���ي �أن الف���رع التنفي���ذي يق���وم مق���ام املدعي الع���ام ،والقا�ض���ي ،ومنفذ الإع���دام .ال يوجد بالتايل رقي���ب �أو ح�سي���ب ،وال �أح���د يعلم معي���ار الأدلة الذي ي�ستن���د �إليه ،فهل يجيز االغتيال عل���ى �أ�سا�س �أ�سباب مرجح���ة للجرمي���ة املرتكبة �أم باال�ستن���اد �إىل �أدلة ال تقبل ال�شك؟ من جهته���م ،يزع���م امل�س�ؤولون ب����أن �أح���د املواطنني الأمريكي�ي�ن يف اليم���ن يدع���م �أعم���ا ًال �إرهابية ورمبا ي�ش���ارك فيها� ،إمنا ال يقدمون �أي دليل على ذلك ،فما من ط���رف م�ستقل يحك���م �إن كان هن���اك �أدلة كافية ت�ب�رر القتل ،وال �أحد يك�شف عن املعيار املحدد للأدلة ال���ذي ي�ستخدم���ه الف���رع التنفيذي .بالفع���ل ،يطالب املُدّعى عليهم يف ق�ضي���ة العولقي �أن ت�ضفي احلكومة �شفافي���ة عل���ى امل�سار املُتب���ع لتحديد م���ا �إذا كان من امل�سموح قتل مواطن من دون حماكمة. حني ت�ص���ر احلكوم���ة الأمريكية عل���ى �صالحية غري قابلة للمراجع���ة بقتل مواطنيها ،فه���ي تزدري بذلك حك���م القان���ون ،ومتن���ح نف�سه���ا �سلطة م�ألوف���ة عاد ًة ل���دى الأنظم���ة اال�ستبدادي���ة �أك�ث�ر من���ه ل���دى تل���ك الدميقراطية.
حتى لو قادها نحو االرتداد الذاتي وع�صف بهيبتها ودعمه����ا ك�أكذوبة ك��ب�رى يف العق����ل اال�سرتاتيجي �إذ �أنه����ا دائم ًا م����ا تلج�أ حلل م�شكالته����ا العار�ضة بالطريقة نف�سها الت����ي كانت �سبب ًا مبا�شر ًا ملا حل بها من م�آزق وحمن وتوعكات ما�ضية! فبذريعة مقاومة الإرهاب تفتح �أمريكا خط ًا ناري ًا الجتث����اث ج����ذوره با�ستئن����اف ال�شغب م����ع تنظيم «القاع����دة» ذلك التنظيم الف����والذي اجلبار الذي ا�ستع�ص����ى عل����ى الرت�سان����ة الع�سكري����ة الأمريكية طيلة عقود وعقود .فها هي تزعم اليوم �أن كوادره
الأ�صيلة تغلغلت يف �شعاب اليمن ال�سعيد ،م�صدرة م����ا قد �سم����ي جماز ًا بط����رود املوت ،م����ن ثم ال بد م����ن تو�سيع اخليارات الع�سكري����ة املت�ضمنة لفريق م����ن نخبة الق����وات اخلا�صة املنوط����ة بتعقب وقتل املت�شددي����ن الإ�سالميني يف �شكل �سري واعتبار �أن اليم����ن لها اليد العليا يف الرد على حماولة �إر�سال تل����ك الط����رود وهو م����ا �أطلق����ه ل�س����ان �أوباما نحو الإعالن عن �ضرورة تدمري القاعدة و�إبادتها على الأرا�ضي اليمني����ة وهي الرتجم����ة ال�ساذجة لتلك الني����ات الأمريكي����ة القامتة نحو ال�سم����اح �أو حتى ع����دم ال�سماح له����ا باختيار م�سرح �آخ����ر تدور فيه الأحداث املقبلة. وطبق���� ًا للعدي����د م����ن ال����ر�ؤى ال�سيا�سي����ة فهل تعد الطرود امل�شبوهة هي امل�صطلح اجلديد للمخطط الأمريكي الإقليم����ي مبا ي�ستهدف النيل من اليمن و�سيادت����ه ،ذل����ك على غ����رار م�صطلح����ات �أخرى كال�ش����رق الأو�س����ط الكبري �أو الفو�ض����ى اخلالقة؟ وملاذا كانت اليمن ه����ذه املرة هي موقع االختيار؟ وما �أ�س�س هذا االختيار؟ وما هي البواعث اخلفية نحو �أن تك����ون اليمن هي اجلوك����ر ال�سيا�سي؟ وما ه����ي العوائد اال�سرتاتيجي����ة وراء ذلك؟ وهل متثل هذه الط����رود �صيغة خا�صة لأعم����ال ا�ستخباراتية
على درجة من امله����ارة والإتقان؟ وهل يكفي ذلك ملنح ح����ق التدخ����ل املبا�شر يف ال�سيا�س����ة اليمنية؟ وماذا جنت بريطاني����ا من عرى التحالف املقد�س م����ع �أمريكا حت����ى تدعم ذل����ك اخلي����ار الع�سكري يف اليم����ن؟ وما هو �س����ر الرعون����ة ال�سيا�سية وراء دع����وة �أوبام����ا �إىل �ض����رورة اغتي����ال رج����ل الدين اليمني �أن����ور العولقي واعتباره الفاع����ل الأ�سا�سي يف عملي����ة الطرود املفخخ����ة بينما مل تب����د�أ جلنة املحقق��ي�ن الأمريكيني �أعماله����ا يف �ش�أن املتورطني يف ه����ذه العملية؟ وملاذا تتجدد حماوالت ا�ستعداء ال����دول بينما �أم��ي�ركا مل تبلغ غايته����ا نحو تطهري وتنقي����ة �سمعته����ا يف املحي����ط ال����دويل؟ ب����ل كيف تخو�����ض مغام����رة جديدة وهي مل تن����ج من ويالت امل�ستنق����ع العراقي؟ وم����ا هي الإجن����ازات الفعلية التي حققتها م����ع القاعدة يف �أفغان�ستان؟ وما هي الفروق اجلوهرية ب��ي�ن مالحقة وتتبع القاعدة يف �أفغان�ستان �أو اليمن؟! و�إذا كان املوقف اليمني جاء معتمد ًا على مبد�أين �أولهم����ا رف�ض الأعمال الإرهابي����ة و�إعالنه اعتماد �سب����ل التعاون وال�شراكة كافة م����ع املجتمع الدويل ملواجه����ة ظاه����رة الإره����اب ،ث����م رف�ض����ه املطل����ق التدخ����ل يف ال�ش�����أن اليمني حت����ت �أي م�سمى وهو
التدخل الأمريكي باليمن: بعبع القاعدة �أم احتواء ال�صني؟ نبيل نايلي �صحيفة «العرب �أونالين» الإلكرتونية 5ت�شرين الأول�/أكتوبر 2010
«�إن الوالي���ات املتحدة الأمريكي���ة تركز ب�صورة مل ي�سب���ق لها مثيل على اليمن» دانيال بنجامني، من�س���ق �ش����ؤون مكافح���ة الإره���اب يف وزارة اخلارجية الأمريكية .مبوجب ما ت�سمّيه الإدارة الأمريكي���ة برنامج مكافحة «الإرهاب» ،عر�ضت قيادتها املركزي���ة الع�سكرية حزمة «م�ساعدات» جدي���دة على احلكومة اليمنية ،بلغت قيمتها 2.1 مليار دوالر على امتداد اخلم�س �سنوات القادمة،
كم���ا ورد مبق���ال� :آالك����س �سبيليو����س ،ال�صادر ب�صحيف���ة ديلي تلغ���راف .2010 /16/9وكان �أن �أثار ه���ذا الق���رار وال يزال حفيظ���ة العديد من امل�س�ؤول�ي�ن داخل امل�ؤ�س�س���ة الر�سمية والع�سكرية الأمريكي���ة ممّ ن اعت�ب�روا ذلك «ا�ستثم���اراً» يف حكوم���ة متداعية ودولة فا�شل���ة ،وتدخّ ًال �سافر ًا ق���د ي�ؤجّ ج ن���ار الفتن���ة الداخلية �شم���ا ًال وجنوب ًا وينذر بحرب �أهلية غري حممودة العواقب �أخذ ًا
موق����ف يف كل �أحوال����ه يب����دو متوازن���� ًا ومو�ضوعي ًا بالإ�ضاف����ة لتل����ك الفاعلي����ة نحو تطبيق����ه حا�ضر ًا ��ل�ا ذلك درء ًا لل�شكوك والهواج�س امل�سولة وم�ستقب ً للكي����ان الأمريك����ي �ش����ن احل����روب يف �أي حلظ����ة و�ض����د �أي كيان مهما يكن باعتبار �أن كل الكيانات الدولي����ة ه����ي يف ح����ال ع����داوة �ساف����رة للوالي����ات املتح����دة ما مل ت�ؤكد العك�س دائم ًا و�أبداً ،وذلك ما هو حادث بالفعل مع دولة كاليمن ،لكن كيف يكون ميكاني����زم التو�صي����ف وامت����د الأمر حت����ى اليونان وح�شدت ل����ه �أوروب����ا �آلي����ات اال�ستع����داد والت�أهب ورف����ع درجة التوتر الأمني وه����و ما يقطع يف داللة �صادق����ة �أن الإرهاب لي�س له وطن و�إمنا له م�سرية زمنية ات�سقت مع م�سرية الظلم الدويل والبلطجة ال�سيا�سية والقهر املعنوي و�شيوع مفهومات الإبادة والعن�صرية التي مل ت�ستطع بكل �سطوتها �أن متحو حت����ى مالمح ذلك الف�شل الأمريكي الذي ال مياثل يف توجهات����ه ال�شع����واء �ض����د القاعدة بع����د تعقبها هب����اء يف كل من �أفغان�ستان وباك�ستان لتظل هناك معاجل����ات �أخرى ه����ي الأوق����ع والأف�ض����ل والأكرث منطق���� ًا و�إن�ساني����ة وحت�ضر ًا وج����دارة يف �سيادتها لعامل يعي�ش احلداثة وما بعد احلداثة فكر ًا ويعي�ش الوح�شية ع�شقاً و�سلوكاً وممار�سة!
بعني االعتبار م�صالح الواليات املتحدة احليوية وو�ضع املنطقة القابل لالنفجار. الإدارة الأمريكية ت�ضخّ كل هذه الأموال الطائلة مربّرة ذل���ك ،ر�سمياً ،مبا ت�س ّمي���ه «تنامي نفوذ تنظي���م القاع���دة يف �شب���ه اجلزي���رة العربي���ة» وعزمه���ا ا�ستئ�صال���ه بامله���د ،وح���ق الوالي���ات املتح���دة بالتدخّ ل �أينم���ا �شاءت �صيان���ة للأمن القوم���ي الأمريك���ي ،وه���ي تت���ذرّع ب���ك ّل احلجج والتع�ل�اّ ت ،املختلق���ة يف �أغلبها ،لت�ض���ع لنف�سها موط���ئ قدم باليمن لن يلب���ث ويتحوّل �إىل وجود ع�سك���ري ي�أخذ �ش���كل اال�ستعمار املقنّ���ع ،ولي�س من باب اجل���ود �أو الر�أفة ب�أمن اليمنيني و�صون ًا لوحدته���م ،وال حر�ص��� ًا عل���ى �أمن املنطق���ة� ،أن املخ�ص�ص لـ»معونة» اليمن قد قفز بقدرة املبل���غ ّ قادر ممّ ا يق ّل عن 5ماليني دوالر �سنة � 2006إىل � 70سن���ة � ،2009إىل 190هذه ال�سنة ،فمليارين، العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
87
م�ستقبالً! داني���ال بنجام�ي�ن ،ي�ص���رّح ودون موارب���ة�« :إن الوالي���ات املتح���دة ترك���ز ب�ص���ورة مل ي�سبق لها مثيل عل���ى اليمن» .جدير بالإ�شارة �إىل �أن خطة امل�ساعدة يقف وراءها كل من رئي�س هيئة الأركان امل�شرتكة الأدمريال مايك مولني ،وقائد القوات الأمريكي���ة احل���ايل يف �أفغان�ست���ان ،اجل�ن�رال ديفي���د برتايو����س ،كم���ا حتظى بدع���م واهتمام اجلرنال جيم����س ناتي�س� .أما حم���اور الربنامج املخ�ص�ص للع�سكريني اليمنيني والذي التدريبي ّ ك�شفه �إريك �شميت ،و�سك���وت �شني ،بتقريرهما ال�صادر بنيويورك تامي���ز ،2010 /15/9في�شمل النقاط التالية: معاجلة جوانب الق�صور ونق�ص الكفاءة الذييعاين منه الطريان احلربي اليمني. التن�ص���ت واجلو�س�س���ة و�صقل تطوي���ر �آلي���ات ّقدرات و�أ�ساليب االت�صال. حت�س�ي�ن قاع���دة جم���ع املعلوم���ات ،حتدي���دالأهداف ب�شكل �أجنع ور�ص���د العنا�صر ومن ثم �ضربها. �إع���ادة بن���اء وت�أهي���ل �أرب���ع �أو خم����س قواعدع�سكري���ة داخل العمق اليمن���ي لـ»مواجهة خطر تنظيم القاعدة». �إع���داد الع�سكري�ي�ن ممّ ن تن���اط بعهدتهم مات�سمّى بالعمليات التكتيكية. رغم ال�س ّري���ة والتكتّم ال�شديدي���ن� ،إ ّال �أنّ لوليتا بال���دور ق���د ك�شف���ت يف الوا�شنط���ن تامي���ز� ،أن الوالي���ات املتحدة تبع���ث بالنخبة م���ن املدرّبني الع�سكري�ي�ن ،و�أن عددهم ق���د ت�ضاعف ليبلغ 50 عن�ص���راً ،يركّ���زون يف تدريبه���م لليمني�ي�ن على التكتيكات الأر�ضية والعمليات اجلوية با�ستخدام الطائ���رات من دون طيار والقوات اخلا�صة التي يناه���ز عددها � 200أو يزي���د ،ومتويل متعاقدين للتج�س����س وتدري���ب لعم�ل�اء حملي�ي�ن ملالحق���ة «الإرهابيني». و�أه���م من يعتق���د �أن التغلغل الأمريك���ي باليمن 88
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
يقت�ص���ر عل���ى مكافح���ة م���ا ت�س ّمي���ه الإدارة الأمريكي���ة مبكافح���ة «الإره���اب» ،لأن خط���ة امل�ساعدة تتعدّى املعلن وتخفي بني طياتها حرب ًا �شع���واء �ضد الزحف ال�صيني الذي اخرتق نحو �أفريقيا ويحاول �أن يلج مياه اخلليج الدافئة. الوالي���ات املتح���دة الأمريكية تعم���ل على خنق التن�ي�ن ال�صيني وذلك مبنع �سيطرة بيكني على مين���اء عدن ،مرف����أ العبور نح���و �آ�سيا ،وم�ضيق ملقا ،وهي العليمة ب����أن طرق املالحة باملحيط الهندي ت�شكل ع�صب حياة االقت�صاد ال�صيني، وبو�ض���ع اليد على هذه املناف���ذ ،تبعث الواليات املتح���دة ر�سال���ة وا�ضح���ة لبيكني مفاده���ا� :أ ّال نب �إىل ظ���نّ �صانع القرار بال�صني� ،أن قوة يذه ّ الواليات املتحدة قد �أزفت وحان �أوان مرياثها. لذل���ك ت�سع���ى الإدارة الأمريكي���ة وحليفه���ا اال�سرتاتيج���ي الهن���دي لإحب���اط املح���اوالت ال�صينية الرامية لتقوية العالقات مع �سريالنكا وميامن���ار وذل���ك بغي���ة فت���ح طري���ق جت���اري جدي���د نحو ال�شرق الأو�س���ط ،واخلليج العربي، ف�أفريقي���ا .و�إذا كان���ت بيك�ي�ن حتل���م بخف����ض م�ست���وى مدى اعتم���اد مبادالته���ا التجارية مع �أوروب���ا و�آ�سيا الو�سطى على م�ضي���ق ملقا ،ف�إن الوالي���ات املتحدة عازمة عل���ى �أن تظ ّل ال�صني حما�صرة حتى تختنق بني �إندوني�سيا وماليزيا. الأمريكي���ون مل يغف���روا �سعي ال�ص�ي�ن املحموم لبل���وغ مي���اه اخلليج الدافئ���ة مرور ًا ع�ب�ر �آ�سيا الو�سط���ى وباك�ستان وهذا ما يف�سّ ر �أن للواليات نف�س برنامج «امل�ساع���دات» اخلا�ص بباك�ستان وال���ذي تغلّفه نف�س �شع���ارات الربنامج اليمني، و�إن اختلف���ت الأ�ساليب واحلجم اال�سرتاتيجي. لع��� ّل �أبل���غ م���ا قي���ل تعليق ًا عل���ى ه���ذا التكالب الأمريك���ي عل���ى اليم���ن م���ا ورد بتقري���ر خطّ ه ال�سف�ي�ر الهندي ،بادراكومار �« :أنت ال ت�ستطيع �أن حتارب ال�صني دون �أن حتت ّل اليمن»! �إن املحور الأمريك���ي -ال�صهيوين -الهندي هو م���ن يق���ف وراء كل هذه التح���رّكات والربامج،
لتظ��� ّل املنطق���ة العربي���ة رقعة ال�شط���رجن التي يح���رّك عليه���ا �صانع���و الق���رار قطعه���م وراء دخ���ان كثي���ف يخنقن���ا من���ذ �أن ا�ستكان���ت �أمة ب�أكمله���ا لتقب���ل �أن ت�ؤخ���ذ بجري���رة املجموع���ة الت���ي كان���ت وراء �أح���داث � 11أيلول�/سبتم�ب�ر، ه���ذا �إذا افرت�ضنا �أنها فع�ل�اً من وقف وراءها، ذل���ك الدخان املعتّم هو ما ي�سمّونه احلرب على «الإره���اب» ،الإره���اب الذي ف ّرخ���وه وكانوا هم �أوّل من و�ضع لبناته وموّلوه و�أ�شرفوا على قواعد تدريبه. م���ن ي�ش���كّك فليع���د ليطّ ل���ع على ن����ص احلوار ال�صحف���ي ال���ذي �أجرت���ه �صحيف���ة لونوف���ال �أوب�سارفات���وار الفرن�سي���ة ،م���ع �صاحب نظرية �أورا�سي���ا الك�ب�رى ،ع���رّاب بعب���ع «الإ�س�ل�ام» الرادي���كايل ،م�ست�ش���ار كارتر للأم���ن القومي وكب�ي�ر م�ست�شاري �أوباما ،زبيغنيو بريجن�سكي، لعلّ���ه يقتن���ع .تذك���رة فح�س���ب ،ن���ورد ردّه على �س����ؤال ال�صحف���ي الفرن�سي ،فان�س���ون جوفار، ع���ن الأ�صولية الإ�سالمية وخطر «الإ�سالميني» الذي���ن ي�صفه���م بـ���ـ «بع����ض املت�شنّج�ي�ن» على العامل� ،أج���اب بريجن�سكي�« :أية حماقة هذه.. لي�س هن���اك �إ�سالم عاملي موحّ ���د� ..أيهما �أهم بنظ���ر التاري���خ :طالب���ان �أم �سق���وط الإحت���اد ال�سوفيت���ي؟ حفنة من املت�شنّجني «الإ�سالميني» (�صنيعتن���ا يق�ص���د) �أم حترير �أوروب���ا ونهاية احلرب الباردة؟ اليمن كما ال�س���ودان وال�صومال وباقي الأواين امل�ستطرق���ة ،يف خطر ،والأمريكي���ون تاريخهم ي�شه���د �أنّهم ما مدّوا يوم ًا �أياديهم مل�ساعدة �أمة ما �إ ّال ودفعت ال�ضريبة باهظة :قواعد ع�سكرية �أو تدخّ ًال مبا�شراً .فهل �سنظ ّل يتامى «�سايك�س- بيكو» حت���ى الأزل ،بيادق رقع���ة �شطرجن اللعبة الدولي���ة ،ال خي���ار لن���ا �إ ّال مطرق���ة اال�ستعم���ار املقنّ���ع �أو �سندان التح���وّل �إىل دول فا�شلة؟ من ميلك ت���رف الالمباالة اليوم ،ل���ن يجد لنف�سه ملج�أ حني ت�سري النار يف اله�شيم!
هل يتمكن «احلراك» يف اليمن من ا�ستعادة دولة اجلنوب؟ معتز �سالمة ملف الأهرام اال�سرتاتيجي ت�شرين الثاين/نوفمرب 2010
م���ع كل يوم تزداد ال�شواهد على �أهمية طرح هذا ال�س����ؤال ,فاملواجهة بني ال�سلط���ات اليمنية وقوى صال جدي���د ًا مع «احل���راك اجلنوب���ي» تدخ���ل ف� ً ازدياد العنف املوج���ه �إىل رموز ال�سلطة و�شموله لكل حمافظ���ات اجلنوب تقريباً ,كال�ضالع وحلج و�أبني التي تعد معق ًال لأكرث اجلماعات اجلهادية الأ�صولي���ة املتطرف���ة ,وم�ؤخ���ر ًا حمافظات �شبوة وعدن وح�ضرموت. ويكت�س���ب ه���ذا امل�شه���د �أهمية خا�ص���ة مع قرب موعد �إج���راء بطولة «خليجي »20التي ينتظر �أن ت�ست�ضيفه���ا حمافظ���ات عدن و�أب�ي�ن اجلنوبيتني يف الف�ت�رة م���ن 22ت�شري���ن الثاين/نوفمرب حتى 4كان���ون الأول/دي�سم�ب�ر .2010فبينما تتوعد ق���وى احل���راك ب�إف�ش���ال البطولة وت���رى يف ذلك فر�ص���ة لإثبات قدرتها و�إنعا�ش �آمالها بـ «حترير» اجلنوب ,تعترب الدولة �إقامة «خليجي »20ق�ضية وطني���ة ,ت�ؤكد م���ن خالله���ا قدرته���ا على حفظ الأم���ن واال�ستقرار يف قلب عا�صمة دولة اجلنوب ال�سابقة ،وفيما يبدو يرى كل جانب �أنه يف �سباق م���ع الزم���ن ,الأول يف �سب���اق نحو ت�أكي���د الدولة وب�س���ط الهيمنة ,وثاين يف �سباق نحو �إثبات عجز الدولة و�إنهاء ما ي�سميه باحتالل اجلنوب. و�سوف حت���دد نتيجة هذه املواجهة ج���زء ًا كبري ًا من م�شهد ال�صراع امل�ستقبلي يف اليمن؛ ف�إما �أن تتمك���ن الدولة من ت�أكي���د �أن ال م�ستقبل للحراك املنادي بـ «فك االرتباط» بني �شمال اليمن وجنوبه و�إنه���اء «االحتالل» م���ن قبل ال�شم���ال وا�ستعادة دول���ة اجلن���وب� ،أو �أن تتمكن ق���وى احلراك من �إحراج الدولة و�إف�شال �إقامة البطولة.
«احلراك» و«القاعدة»
تكت�سب نوعية العالقة بني قوى احلراك اجلنوبي وتنظي���م القاع���دة يف اجلزيرة العربي���ة -الذي يتخ���ذ من اليمن مقر ًا ل���ه � -أهمية خا�صة ب�ش�أن م�ستقبل مطالب احل���راك .ومن الناحية املعلنة, حتر����ص قوى احل���راك عل���ى متيي���ز نف�سها عن تنظيم القاعدة وتعل���ن �أنها ذات طابع �سلمي وال تنتهج العن���ف و�سيلة لـ «التحرير» ,ويرتدد �أنه يف ع���ام � 2009سعى تنظي���م القاع���دة للتقارب من احلراكيني ولكنهم رف�ضوه ,ويف الوقت الذي تعلن في���ه قوى احل���راك ابتعادها عن القاع���دة ف�إنها تته���م النظام ب�أنه هو ال���ذي يرعى هذا التنظيم وي�ؤوي���ه ليجد مربرات ال�ستم���رار حربه ولي�ستدر التعاط���ف ال���دويل ,وي�صل بع����ض رموز احلراك �إىل اته���ام الرئي�س عل���ي عب���د اهلل �صالح نف�سه برعاية القاعدة ,وي�ؤك���دون �أن الق�صر الرئا�سي وم�ست�شاريه متورطون يف ذلك. ولي����س م���ن ال�صع���ب �إدراك الف���وارق الفكري���ة والأيديولوجية الدالة على التباعد بني �أغلب قوى احل���راك اجلنوبي وتنظيم القاعدة ,بالنظر �إىل مرياث االعت���دال والتح�ضر والفك���ر اال�شرتاكي يف اجلنوب مقارن���ة بحركة �سلفية تتبنى العنف, ولكن م���ن املمكن �أي�ض��� ًا �إدراك بع����ض التداخل خ�صو�ص��� ًا مع ا�شتمال احلراك على قوى متعددة بع�ضها ذو خلفيات دينية ,ومتثل مناطق اجلنوب خمزون ًا هائ�ل�اً لل�صغ���ار الذين يحمل���ون دوافع خا�ص���ة ولديه���م الرغب���ة يف القت���ال .وقد الحظ البع����ض �أن م�ضمون االحتج���اج اجلنوبي اليمني بد�أ يتطعّم م�ؤخر ًا بنكهة �أ�صولية �سلفية جهادية,
حيث جنح التنظيم يف التغلغل يف تلك اجلماعات ليجعلها رديف ًا ل���ه يف عمليات ا�ستهداف اجلي�ش والأجهزة الأمنية. م���ن الناحي���ة الواقعي���ة ,مل تعلن ق���وى احلراك اجلنوبي م�س�ؤوليتها عن �أعمال العنف ,وال يرتك تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب فر�صة لأي عمل من �أعمال العنف �إال ويعلن م�س�ؤوليته عنه� ,سواء التفجريات واالغتياالت الواقعة �ضد جهاز الأمن العام �أو الأمن ال�سيا�س���ي الذي تعر�ض ل�ضربات عنيف���ة على مدى الأ�شه���ر الثالثة املا�ضية ب�شكل خا�ص .لذلك ال ميكن القول �إن �أعمال العنف هي م���ن فعل قوى احل���راك ,على الأقل م���ن الناحية ال�شكلي���ة ,الت���ي تتمث���ل يف ت�أكيدات تل���ك القوى ذاتها وخطاب الدولة نف�سه ,الذي يعلن �أنه ي�شن احلرب على تنظيم القاعدة ولي�س احلراك. وعل���ى امل�ست���وى الفعل���ي ،ف����إن هن���اك حالة من التماه���ي بني قوى احلراك و�أعم���ال العنف التي يقوم به���ا تنظيم القاع���دة� ,صحي���ح �أن �أهداف احلراك اجلنوبي تختل���ف عن �أهداف القاعدة, لك���ن هناك جوان���ب لاللتقاء ب�ي�ن الطرفني على الأق���ل يف املرحل���ة احلالي���ة الت���ي يتواف���ق فيه���ا اجلانب���ان على الرغب���ة يف الإجهاز عل���ى �سلطة الدول���ة .فمن جانبه يهدف تنظي���م القاعدة �إىل جع���ل اليم���ن موطن ًا وقاع���دة للجه���اد امل�سلح يف منطق���ة اجلزيرة ،ولتنظيم القاعدة يف اجلزيرة العربي���ة �أحالم تتجاوز اليم���ن ،وهذا ما بدا من �إع�ل�ان امل�س�ؤول الع�سكري لف���رع تنظيم القاعدة يف اليمن م�ؤخر ًا عن �إن�شاء جي�ش �أطلق عليه ا�سم «جي����ش عدن� -أب�ي�ن» بهدف حتري���ر اليمن «من ال�صليبيني وعمالئهم املرتدين» .ويعمل التنظيم عل���ى �إقن���اع ال�شب���اب اجلنوبي ب����أن الوقت حان خلروج اجلي�ش الذي ب�ش���رت به بع�ض الأحاديث النبوية ال�شريفة من وجهة نظرهم. بالطب���ع ال ميكن ت�ص���وّر وجود التق���اء يف الر�ؤية النهائي���ة ب�ي�ن دول���ة اجله���اد ودول���ة اجلن���وب, فالتوليف���ة الأيديولوجي���ة لقوى احل���راك تختلف متام��� ًا ع���ن الرتكيب���ة الأيديولوجي���ة لتنظي���م العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
89
اليمن والعامل
املحــور
عني على اليمن
املراقب الإ�سرتاتيجي وم�سارات الغد اليومـة العــدد �سيا�ساتق�ضي ـ
القاعدة .مع ذلك ,ف�إن التعاون التكتيكي بينهما ميك���ن �أن يح���دث ب�ص���ورة ملمو�س���ة يف بع����ض املناط���ق .وطبق ًا ملا ذكره �أح���د �أع�ضاء احلراك اجلنوب���ي ,ف����إن احلركة قد تتحال���ف مع تنظيم «القاع���دة الإي���راين� ,أو حتى م���ع ال�شيطان» من �أج���ل حتقي���ق �أهدافها .ومن الناحي���ة امليدانية، ف�إن جزء ًا كبري ًا م���ن �شباب احلراك ينخرطون يف تنظي���م القاعدة كلما ازداد الي�أ�س من �سرعة جني النتائج. ومن الناحي���ة التكتيكية ،ف����إن �أ�سلوب الدولة يف املواجه���ة ال يُفرِّق ب�ي�ن احل���راك والقاعدة على نحو ميك���ن �أن يخلق قاع���دة لتغذي���ة الإح�سا�س امل�ش�ت�رك بني اجلانب�ي�ن يقوي التع���اون بينهما, فم���ن املتوق���ع �أن يت�سع نطاق العن���ف ومطالبات الث�أر مع �سق���وط عنا�صر من القاعدة �أو �ضحايا �أبرياء وراءه���م قبائل متنفذة .وم���ن املتوقع �أن تكون بطول���ة «خليجي »20فر�ص���ة ملعرفة الكثري م���ن �أبع���اد التداخ���ل ب�ي�ن احل���راك اجلنوب���ي والقاع���دة� .إذ يهدد احل���راك ب�إف�شال البطولة, وه���و �أم���ر ميكن �أن يق���رّب منهج���ه يف «حترير» اجلن���وب م���ن منهج تنظي���م القاع���دة يف �إقامة دويل���ة �إ�سالمية ,وميكن للأي���ام والأ�شهر املقبلة �أن تزي���د من فر�ص االنخراط واالندماج اليومي ب�ي�ن القاع���دة واحل���راك اجلنوب���ي ,لذلك على الرغ���م م���ن �أن الف�ت�رة املقبلة تت�ضم���ن فر�صة لقوى احلراك لإثبات ذاته���ا عربي ًا ودولي ًا ف�إنها تت�ضم���ن االختيار الأ�صعب لها املتمثل يف القدرة على متييز ذاتها عن تنظيم القاعدة.
�آفاق االنف�صال
ي�ض���ل الو�ضع يف اجلن���وب �إزاء معادلة خمتلفة؛ ففي كل ي���وم يت�أكد �أن حتقي���ق �أهداف احلراك باالنف�ص���ال لن يكون عم ًال �سه�ل�اً على الأقل يف الأمد املنظور .فم���ع كل انهيار �أمني يف اجلنوب يبتع���د اجلنوبيون �أك�ث�ر عن حتقي���ق �أهدافهم, وبق���در ما يتمكن احل���راك اجلنوبي م���ن �إطالة �أم���ده كحراك �سلم���ي يمُ يّز نف�سه ع���ن القاعدة بق���در قدرته عل���ى �إح���راج النظ���ام يف �صنعاء, وه���و اختبار �صعب له م���ع جتاهل الدولة ملطالبه 90
ا�سرتاتيجية
ومواجهته���ا بالعن���ف الر�سم���ي .والبدي���ل �أم���ام التح�صن ّ احل���راك هو تطوي���ر خطابه بد ًال م���ن خل���ف ه���دف االنف�ص���ال ,فيمكن���ه بن���اء توافق وطني يجتذب �إليه �أطياف ًا من القوى يف ال�شمال, على �سبيل املثال �إعادة النظر يف م�شروع الوحدة والتخل���ي عن ه���دف االنف�ص���ال به���دف �إ�صابة �أهداف �أخ���رى يف الدولة الوحدوية ,بهذا يمُ كنه �سح���ب الب�س���اط م���ن حت���ت �أق���دام النظام يف �صنعاء. لق���د جنحت قوى احلراك ,من الناحية الفعلية, يف �إع���ادة طرح ال�س�ؤال حول دولة الوحدة وطرح ه���دف «التحرير» على اجلنوبي�ي�ن ,وهو ما ميثل تطور ًا يف �أهدافه���ا احلقيقية التي بد�أت يف عام 2007مبجموعة من املطالب املعتدلة متثلت فقط بـ :املطالب���ة بتحقيق قدر من العدال���ة وامل�ساواة يف التنمي���ة مع ال�شمال ,وب�إع���ادة املُ�سرَّحني من اجلي�ش �إىل اخلدمة ,وتوفري الوظائف ,وتدعيم �صالحيات �سلط���ة �صنع الق���رار املحلي ,ومزيد من ال�سيطرة على م���وارد اجلنوب االقت�صادية, مب���ا فيه���ا �أك�ب�ر حق���ل نف���ط مين���ي يف امل�سيل���ة بح�ضرم���وت .وعل���ى الرغم من جن���اح احلركة يف �إع���ادة ال�س����ؤال ح���ول الوح���دة �إىل الواجهة، ف�إن حتقي���ق االنف�صال يبدو بعي���د املنال يف ظل الأو�ضاع الراهنة والتداخ���ل امليداين واملناطقي بني احل���راك والقاعدة ,وذلك عل���ى الرغم من كل م�شكالت اليمن املتمثلة يف ثالوث :احلوثيني, احل���راك ,القاع���دة .والآن جن���د �أن �ص���وت االنف�صال يطغى على �ص���وت الوحدة ,وال�صوت اجلنوبي هو الأعلى والأبرز. م���ع ذلك ,ف�إن ه���ذا االجت���اه �إىل االنف�صال من املنتظ���ر �أن يت�صاع���د �إذا مل تتمك���ن الدولة من تقدمي ر�ؤي���ة �شاملة تعي���د تدار����س الأ�س�س التي قام���ت عليها الوح���دة ,وت�ض���ع مرة ثاني���ة قرار الوحدة على حم���ك الت�سا�ؤل ,وت�أخذ يف االعتبار متاي���زات حمافظات اجلن���وب ,و ُتط���وّر خطاب ًا مع اجلنوبيني يتجاوز احل���ل الأمني والع�سكري, ليت�ضم���ن ح�ل�اً تنموي��� ًا و�سيا�سي ًا �أ�شم���ل ,وهذا يتطلب تغيري ًا يف قواع���د توزيع ال�سلطة واحلكم
يف �صنعاء ,قد ال يكون املركز يف ال�شمال مُ�ستعد ًا له حالي���اً .وبقدر قدرة الدولة على حتقيق تنمية متوازنة يف ال�شم���ال واجلنوب بقدر قدرتها على كبح جماح احلراك. يف الأم���د املنظ���ور ميك���ن الق���ول �إن الأ�شهر - ورمب���ا ال�سن���وات املقبلة -جتع���ل �سلطة الدولة هي الأقوى ,حيث ال ي�ستطيع املجتمع الدويل �أن يطلب من اليمن اال�ستجابة ملطالب قوى احلراك اجلنوبي يف ظل احل���رب ال�شر�سة مع القاعدة, وهذا ي�ضع قيود ًا على خيارات اجلنوبيني ,ولكن يف الأمد الأبعد �سي���زداد انتباه املجتمع الدويل وتركيزه على الو�ض���ع الإن�ساين للجنوب ,ورمبا ينتهي الأم���ر اىل التعاطي مع الهدف ال�سيا�سي باالنف�صال والتعامل معه على غرار التعامل مع جن���وب ال�سودان ,خ�صو�ص ًا ح�ي�ن يفرغ النظام م���ن الق�ض���اء عل���ى تنظي���م القاع���دة ,و�سوف يتوق���ف امل�ستقبل على مدى ق���درة النظام على ا�ستمرار خلط املعركة يف اجلنوب باملعركة �ضد القاعدة ,على الأقل خالل هذه الفرتة احلرجة الت���ي ال تتواف���ر فيه���ا الفر�ص���ة لتطوي���ر الأفق ال�سيا�سي للنظام ,كما �سيتوقف امل�ستقبل �أي�ض ًا على مدى ق���درة اجلنوبيني على متييز �أنف�سهم يف �سياق الن�ضال ال�سلمي. وتبق���ى احلال���ة الراهن���ة حال���ة �أف�ض���ل ن�سبي ًا لل�سلط���ة ,لأنه يف الوق���ت الذي �س���وف يتم فيه الق�ض���اء عل���ى تنظي���م القاعدة �س���وف تتجلى �أك�ث�ر مطالبات اجلن���وب .لذلك م���ن م�صلحة الدولة اليمنية �أن توج���د عنا�صر تداخل دائمة ب�ي�ن القاع���دة واحل���راك خ�صو�ص��� ًا يف ف�ت�رة ال�ضعف الراهن���ة ,ومن املهم �أن ترتافق حربها م���ع القاعدة مب�ساعيه���ا لال�ستجاب���ة للمطالب املعتدل���ة للحراكي�ي�ن ,عرب �إ�صالح���ات حقيقية تعي���د ثقة قوى احلراك بدولة الوحدة .وبالطبع هن���اك �أبع���اد كث�ي�رة جتع���ل م���ن املمك���ن لهذا الط���رف �أو ذاك �إح���راز انت�ص���ارات تكتيكية, لكن االنت�صار احلقيقي �سوف يتمثل يف القدرة عل���ى حتقيق اخ�ت�راق ا�سرتاتيجي على اجلانب الآخر. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب
2010
ا�سرتاتيجية
91
املراقب اال�سرتاتيجي
ما بعـد االنف�صال التداعيات الإقليمية النف�صال جنوب ال�سودان �سابقة «تقرير امل�صري» وانعكا�ساتها الإقليمية
خالد �أحمد الرماح
Khaled_rammah@shebacss.com
92
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
خالد الرماح باحث ومدير برنامج درا�سات القرن الأفريقي مبركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.
S. ALEXANDRE / Flickr
ُينظر �إىل التا�سع من كانون الثاين/يناير ،2011كيوم مف�صلي يف تاريخ ال�سودان احلديث .ففي ه���ذا الي���وم �سيقرر �س���كان اجلنوب االنف�صال �أو البق���اء يف دولة واحدة مع ال�شم���ال .امل�ؤ�شرات والدالئ���ل ت�ؤك���د �أن الكفة ترج���ح ل�صالح االنف�صال ،م���ا يعني الإعالن الر�سم���ي عن والدة دولة جدي���دة ت�ضاف �إىل دول املنطق���ة (�ستكون الدولة رقم 193يف الأ�س���رة الدولية) .وهذا احلدث �سيك���ون مبثابة زلزال �سيا�س���ي وا�سرتاتيجي يهدد ا�ستقرار ال�سودان وحميط���ه الإقليمي ،ويعيد تركي���ب املعادل���ة اجليو�سرتاتيجية يف منطقة الق���رن الأفريقي .ومن املتوق���ع �أن متتد تداعياته و�آث���اره �إىل املنطقة برمتها ،بالنظ���ر �إىل �أ�سلوب والدة الدولة ،وموقعه���ا اجلغرايف ،واجتاهاتها ال�سيا�سية املتوقعة ،وطبيعة عالقاتها بالدول املجاورة والفاعلني الدوليني ،وعلى �شبكة التحالفات الإقليمية ،وانعكا�سات كل ذلك على الأمن القومي العربي واال�ستقرار الإقليمي ب�شكل عام.
ابت���دا ًء ف����إن الت�أث�ي�ر الإلهامي لأ�سل���وب والدة دولة جن���وب ال�سودان عرب اال�ستفت���اء عل���ى حق تقرير امل�ص�ي�ر� ،سيثري تطلع���ات وطموحات مناطق �صراع���ات �أخ���رى يف املنطقة ،ويعط���ي اجلماع���ات االنف�صالية يف بع�ض دولها م�ب�رر ًا و�سند ًا قانوني ًا للمطالبة باالنف�صال با�ستخدام نف�س احلق، ال���ذي حظي يف حالة ال�سودان بقبول وت�أيي���د دويل وا�سع .ومن املتوقع �أن يخل���ق هذا احلدث �سابقة خط�ي�رة يف �أفريقيا قد تنتقل �إيل دول �أفريقية جماورة ،خ�صو�ص ًا تلك التي تزخر بتباينات عرقية ودينية عميقة �شبيهة بال�س���ودان .وميثل اخل���رق الأول من نوعه – رمب���ا -ملبد�أ حرمة احلدود اال�ستعماري���ة امل�صطنع���ة ب�ي�ن دول الق���ارة الأفريقية ،وال���ذي ن�ص عليه ميث���اق االحتاد الأفريقي يف م�ؤمتر القم���ة الأفريقية الأوىل الذي عقد يف القاه���رة يف متوز/يولي���و .1964ولهذا هناك خم���اوف �أن يفتح انف�صال اجلن���وب الباب �أمام �أقلي���ات دينية وعرقية �أخ���ري يف �أفريقيا للمطالبة باالنف�ص���ال وتكوين كيانات م�ستقل���ة �أ�سوة بجنوب ال�س���ودان� ،أو يطالب بع�ضها االنف�صال واالن�ضمام �إىل دولة �أخرى تنتمي �إليها عرقي ًا �أو دينياً. وق���د يكون هذا احل���دث مبثابة �شرارة ت�شعل ن�ي�ران اخلالفات واحلروب ب�ي�ن الأقلي���ات والدول ،ورغب���ة بع�ضها تعدي���ل حدودها الت���ي ورثتها عن اال�ستعمار مبا من �ش�أنه تهديد اال�ستقرار الإقليمي. وهناك خماوف �أن ي�ص���ل الت�أثري الإلهامي ال�ستفتاء جنوب ال�سودان �إىل
دول �أخرى يف املنطقة ،كاليمن والعراق واملغرب ولبنان على �سبيل املثال. وه���ي خماوف موج���ود ومربرة لكنها مبالغ فيها –عل���ى الأقل فيما يتعلق باليم���ن -ب�سبب الف���ارق بني الو�ضعني ،وطبيعة م�شكل���ة جنوب ال�سودان، الناجت���ة يف الأ�سا����س ع���ن التباين الكبري ب�ي�ن ال�شمال واجلن���وب دينياً، وعرقي��� ًا وثقافي���اً ،وف�شل الطرف�ي�ن يف التمازج واالن�صه���ار على امل�ستوى االجتماع���ي ،وال يقت�ص���ر الأم���ر عند رغبة فئ���ة من ال�س���كان االنف�صال لأ�سب���اب �سيا�سي���ة �أو اقت�صادية ،لذلك ي�أتي االنف�ص���ال رمبا كحل �أخري لإنه���اء معاناة ما يقارب 22عام ًا من احلرب الأهلية ،وهو و�ضع ال ينطبق عل���ى اليمن .لكن ذلك ال مين���ع من القول �أن الت�أث�ي�ر الإلهامي النف�صال جن���وب ال�س���ودان عرب حق تقري���ر امل�صري� ،سيث�ي�ر تطلع���ات العديد من القوى الطاحمة لت�شكيل كيانات م�ستقلة مبا فيها اليمن .ومن الأف�ضل �أن يكون هذا احل���دث حمفز ًا للحكومات – بد ًال �أن يكون حمفز ًا للجماعات االنف�صالي���ة -م���ن �أجل ال�سع���ي اجلاد حل���ل م�شاكلها الداخلي���ة ما دام مبقدورها ذلك ،قبل �أن ت�ستفح���ل وتخرج عن ال�سيطرة وتتيح للأطراف اخلارجية التدخل وتوجيهها مبا يخدم م�صاحلها.
ال�سودان ب�ؤرة مرجّ حة للتوتر و�ضع ال�سودان بع���د اال�ستفتاء ه���و الآخر يثري العديد م���ن الت�س���ا�ؤالت ،وال�سيناريوهات املتوقعة التي قد حتوله فع ًال �إىل ب�ؤرة للتوتر وعدم اال�ستقرار يف املنطقة. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
93
املراقب اال�سرتاتيجي اجلنوبية يف جبهة واحدة متما�سكة. �أما ال�شمال ف�أو�ضاعه لن تكون �أح�سن حاالً ،فانف�صال اجلنوب عرب حق تقري���ر امل�صري �سيفتح الباب وا�سع ًا �أم���ام مطالبة �أقاليم �سودانية �أخرى باالنف�ص���ال با�ستخدام نف�س احلق �أ�سوة باجلن���وب ،وحتديد ًا يف مناطق التوت���ر الرئي�سية (دارف���ور ،وجنوب كردف���ان ،ومنطقة الني���ل الأزرق)، و�أقربه���ا متمردي دارف���ور ،حيث طالبت فع ًال حركة الع���دل وامل�ساواة يف �أح���د بياناتها بهذا احلق �صراحةً .ويف حال �أ�سفر االنف�صال عن عالقات متوت���رة م���ع اجلنوب ب�سب���ب الق�ضاي���ا اخلالفي���ة العالقة ،ف����إن اجلبهة ال�شعبي���ة احلاكمة يف اجلنوب �ستعم���د �إىل تقدمي الدعم وامل�ساعدة وفتح �أرا�ضيها كم�أوى وقاعدة انطالق حلركات التمرد الأخرى. ودون الت���زام الطرف�ي�ن ب�ضم���ان �أمن وا�ستق���رار الطرف الآخ���ر ف�إنهما �سيكونان مع ًا عر�ض���ة للقالقل وعدم اال�ستقرار ،فيوجد على �سبيل املثال �أعداد كب�ي�رة من �أبناء الوالي���ات ال�شمالية املتاخمة للح���دود (من �أبناء النوب���ة والنيل الأزرق) �ضمن اجلبهة ال�شعبي���ة لتحرير ال�سودان ،وميكن �أن يك���ون ه�ؤالء م�صدر لإث���ارة القالقل وعدم اال�ستقرار يف حال ال�صراع ب�ي�ن ال�شم���ال واجلن���وب .بالإ�ضافة �إىل وج���ود عدد من ح���ركات دارفور غري املوقعة على اتفاقي���ة ال�سالم يف اجلنوب ،وت�أمل احل�صول على دعم اجلبهة ال�شعبية لتتمكن من خو�ض جولة جديدة من احلرب �ضد احلكومة املركزية يف اخلرطوم .واجت���اه حكومة اجلنوب لتبني ق�ضايا املجموعات املتمردة يف ال�شم���ال� ،سي�شكل خطورة كبرية على ا�ستقراره ،وعلى جهود حكومة اخلرطوم لل�سيطرة على م�شاكلها الداخلية. و�سيعم���ق من خط���ورة الأو�ضاع يف ال�شم���ال تردي �أو�ضاع���ه االقت�صادية ج���راء انقطاع عائ���دات النفط القادم���ة من حقول اجلن���وب ،والت���ي متثل نحو %80م���ن كل عائدات النف���ط (وت�ش���كل بالن�سبة لل�شم���ال نحو %45من امل���وارد ،ونح���و %95م���ن ال�ص���ادرات) ،و�إذا ما ُفقِدتت عائدات النفط ف����إن ذلك �سينعك�س �سلب ًا على قدرات الدولة الأمنية والع�سكرية ،ويعمق من ه�شا�شة الأو�ضاع ال�سيا�سية.
فعل���ى م�ست���وى اجلنوب ،هناك من ي���رى �أن االنف�صال �سي����ؤدي �إىل خلق دول���ة فا�شلة غري ق���ادرة على احلياة ،متث���ل تهديد ًا للأم���ن االقت�صادي وال�سيا�س���ي لل�س���ودان والأقاليم املجاورة ،خ�صو�ص��� ًا يف حال عجزها عن ت�صدير نفطها الذي ميثل %95من مواردها ،كونها دولة حبي�سة ال منافذ بحري���ة له���ا� ،إال عرب ال�شم���ال� ،أو كيني���ا يف �أق�صى ال�ش���رق على املحيط الهن���دي .باال�ضاف���ة �إىل �ضع���ف بنيتها التحتي���ة وهياكله���ا االقت�صادية (كامل�ست�شفي���ات ،املدار����س ،الط���رق ،خط���وط الكهرباء� ،شب���كات املياه وال�ص���رف ...،الخ) ،وافتقارها �إىل الكوادر الب�شرية امل�ؤهلة (املدر�سون، الأطباء ،املهند�سون ،ال�صيادلة ....ال���خ) ال�ضرورية ملواجهة احتياجات بن���اء الدولة .و�إن كان �سكوت غري�شون مبعوث الإدارة الأمريكية لل�سودان قد ا�ستبعد ميالد دولة فا�شلة يف اجلنوب ،ب�سبب �أن هذا الربنامج مدعوم عل���ى حد قوله -دعم ًا كام ًال على �أعل���ى م�ستوى من االدارة الأمريكية،وب�إ�شراف ومتابعة �شخ�صية من نائب الرئي�س جو بايدن. بينم���ا يذه���ب البع����ض �إىل �أن اخلط���ر الأك�ب�ر يف اجلن���وب ال ي�أت���ي من احتم���االت ف�ش���ل الدولة الولي���دة ،و�إمنا من قدرتها عل���ى خلق االن�سجام والتما�سك الداخلي على ال�صعيدين االجتماعي وال�سيا�سي ،والقدرة على حتقيق اال�ستقرار يف اجلنوب بعد االنف�صال ،يف ظل تركيبته االجتماعية املعقدة والت���ي ت�ضم حوايل 500جمموعة �أثني���ة �أكربها قبائل الدنكا ثم قبائ���ل النوير فقبائل ال�شل���ك ،ولها امتدادات عرقي���ة يف الدول املجاورة ك�أوغندا و�إثيوبيا وكينيا والكونغو ،وي�سود العالقات فيما بينها عدم الوفاق والتناح���ر �أحياناً ،وكثري ًا م���ا حتدث حاالت مترد م���ن بع�ضها على قبيلة الدنكا امل�سيطرة على احلركة ال�شعبية وعلى املوارد وال�سلطة يف اجلنوب، كما حدث على �سبيل املثال عام 1991عندما قاد بع�ض �أبناء قبيلة النوير (رياك م�شار و�آخرون) ومعهم عنا�صر من ال�شلك مت���رد ًا �ض���د ج���ون قرنق تعب�ي�ر ًا ع���ن التذمر من هيمن���ة الدنكا ،وال���ذي تطور �إىل ح���رب �إثنية يف الف�ت�رة م���ن ،1999-1992وفاق فيها ع���دد القتلى ب�ي�ن الدينكا والنوير كل من قتلوا بوا�سطة اجلي�ش ال�س���وداين يف الف�ت�رة م���ن .1999-1983والتم���رد الأخ�ي�ر ال���ذي يقوده ج���ورج �أطور داخ���ل اجلي�ش العالق��ات ب�ين ال�ش��مال واجلنوب ال�شعبي نف�سه �ض���د �سيطرة الدنكا ،يثري ال�شكوك ي�ش�ي�ر ت�صري���ح الرئي�س عم���ر الب�ش�ي�ر منت�صف ح���ول �إمكانية بقاء احلركة ال�شعبية متما�سكة بعد كان���ون الأول/دي�سم�ب�ر ،2010وال���ذي دع���ا في���ه االنف�ص���ال ،خ�صو�ص ًا �أنها تتك���ون من خليط غري اجلنوبيني للبقاء حتت �سقف الوحدة مقابل تنازل متجان����س قاب���ل للت�شظي يف �أي وق���ت ،ت�ضم حتت احلكومة املركزي���ة يف اخلرطوم عن ح�صتها من عباءته���ا ما يق���ارب 40ف�صي ًال م�سلح��� ًا تنت�شر يف عوائ���د النف���ط القادمة من حق���ول اجلنوب� ،إىل اجلنوب ،جميعها م�شكلة على �أ�سا�س �أثني. رغب���ة حقيقة وج���ادة للحف���اظ عل���ى الوحدة مع ل���ذا يذهب الكث�ي�ر من املراقب�ي�ن �إىل �أن ال�صراع اجلن���وب حت���ت �أي �صيغة يختاره���ا ،كخيار بديل ب�ي�ن الدينكا وب�ي�ن ال�شل���ك والنوير قد ي����ؤدي �إىل ن�شوب نزاع عرقي داخ���ل اجلبهة ال�شعبية ،يحول اجلنوب �إىل �ساح���ة للمعارك ب�ي�ن �أبنائه وقبائله التم��رد ال��ذي يقوده جورج �أطور داخل اجلي�ش ال�ش��عبي يثري ال�ش��كوك من �أجل ال�سيطرة على ال�سلطة ال�سيا�سية والرثوة حول �إمكانية بقاء احلركة ال�ش��عبية متما�سكة بعد االنف�صال ،خ�صو�ص ًا بعد زوال تهدي���د ال�شمال الذي كان يوحد القبائل �أنها تتكون من خليط غري متجان�س قابل للت�شظي يف �أي وقت 94
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ع���ن االنف�صال وت�شكي���ل دولة م�ستقل���ة .لكن ردة الفع���ل اجلنوبية على هذا العر�ض توحي ب�أنه جاء مت�أخ���ر ًا جد ًا لي�ستطيع �إقن���اع القيادات اجلنوبية بالعدول عن االنف�صال ،والتي طالبت -عو�ض ًا عن اال�ستجابة له -بقرارات �أكرث �شجاعة من الرئي�س الب�ش�ي�ر حل�س���م اخلالف احلدودي ح���ول منطقة �أبيي املتنازع عليها. وترغ���ب حكوم���ة اخلرط���وم يف احلف���اظ عل���ى عالق���ات ودي���ة ومتط���ور م���ع اجلن���وب يف ح���ال االنف�ص���ال ،لك���ن ذل���ك حم���ل �شك كب�ي�ر يف ظل الإرث العدائي العميق الناجت عن �أكرث من � 22سنة م���ن احلرب ،ووجود العديد م���ن الق�ضايا العالقة املثرية للخ�ل�اف املتعلقة باحل���دود وبالنزاع حول منطق���ة �أبيي الغنية بالنفط .وح���دوث االنف�صال
�أرا�ضيها .وكال الدولتان -كينيا و�أوغندا -ي�ستفيد من و�ضع جنوب ال�سودان بعيد ًا عن اخلرطوم� ،أما �أثيوبيا فتطمح يف احل�صول على ن�سبة من النفط ال�س���وداين لتغطية حاجاتها الداخلي���ة املتزايدة. وترغ���ب هذه الدول يف جذب جن���وب ال�سودان يف ح���ال انف�صاله �إىل جمموع���ة دول �شرق �أفريقيا. وم���ن املحتمل ظهور جماعة �أمنية جديدة يف هذه املنطقة ت�ضم جنوب ال�سودان مع باقي دولها حتت �إ�شراف ورعاية �أمريكية.
التداعي��ات عل��ى الأم��ن القوم��ي ت�أت���ي الأهمي���ة العرب��ي
الإ�سرتاتيجي���ة لل�س���ودان م���ن كونه البل���د الأكرب م�ساح���ة يف كل �أفريقي���ا والع���امل العرب���ي ،بحيث ت�ص���ل م�ساحت���ه �إىل �أكرث من ملي���وين مرت مربع، كما ي�ش���كل بحدوده مع ع�شر دول �أفريقية وعربية النزاع��ات احلدودية والتداخل الدميوغرايف بني ال�ش��مال واجلنوب مف�ت�رق ط���رق ا�سرتاتيج���ي ،وج�س���ر ًا يربط بني �أقوى التحديات التي تواجه عملية االنف�صال ،ومن املرجح �أن تتحول الدول العربية والأفريقي���ة مبوقعها اال�سرتاتيجي �إىل مناطق نزاعات وتوترات بعده يف قل���ب القارة الأفريقية .بالإ�ضافة �إىل ما ميلكه م���ن م�ص���ادر �أولي���ة واحتياطيات نفطي���ة (يقدر االحتياط���ي النفطي لل�سودان مبا يقارب 2ملي���ار برميل ح�سب تقديرات قب���ل ح�سم هذه الق�ضايا بطرق ودي���ة ير�شح لعالقات عدائية ورمبا عودة ضال عن ثرواته احليوانية والزراعية والتعدينية. ،)2006ف� ً احلرب جمدد ًا بني اجلانبني. والقيم���ة االقت�صادي���ة وال�سيا�سي���ة والإ�سرتاتيجية التي ميثله���ا ال�سودان وتعد النزاعات احلدودية والتداخ���ل الدميوغرايف بني ال�شمال واجلنوب للنظ���ام العربي ترتب���ط ارتباط ًا مبا�شر ًا بحجم���ه وموقعه اال�سرتاتيجي، وحتديد ًا يف مناطق �أبيي ،والنيل الأزرق ،وجنوب كردفان� ،أقوى التحديات وموارده الواقعة داخل ح���دوده .ودون �شك ف�إن انف�صال جنوبه وحرمانه التي تواجه عملية االنف�صال ،ومن املرجح �أن تتحول �إىل مناطق نزاعات م���ن %33 – 21 :من موارده الب�شرية ،و %25م���ن الأر�ض البكر ال�صاحلة وتوت���رات بعد االنف�صال ،وت�ؤدي �إىل ه�شا�ش���ة يف الأو�ضاع احلدودية ،يف للزراع���ة ط���ول الع���ام لوجود الأمط���ار ،و %60م���ن الغاب���ات ،و %70من ظ���ل تداخل ال�سكان وملكيات الأرا�ض���ي على جانبي احلدود ،وتعوّد بع�ض احلي���اة الربي���ة ،و %55من الرثوة احليوانية ،و %30م���ن الرثوة ال�سمكية القبائ���ل التي متتهن الرع���ي التنقل بحرية بحث ًا عن امل���اء واملرعي ،دون النهري���ة ،و %80من النف���ط ،وحرمان ال�شمال من عمق���ه اال�سرتاتيجي؛ مراعاة للفوا�صل احلدودية. �إذ ميث���ل اجلنوب %26م���ن الكتلة احليوية ،يعني ذل���ك انتقا�ص ًا من قوة كما يوجد �أعداد كبرية من اجلنوبيني يف ال�شمال ،و�أعداد من ال�شماليني ال�سودان ال�شاملة االقت�صادية وال�سيا�سية والإ�سرتاتيجية واالجتماعية... يف اجلن���وب ،م���ن ال�صعب ترتي���ب �أو�ضاعه���م دون تفاه���م م�شرتك بني الخ ،وبالت���ايل اقتطاع ًا من ر�صيد الوطن العرب���ي وعمقه اال�سرتاتيجي، احلكومت�ي�ن ،وميكن �أن ت�صبح يف حال ال�صراع م�صادر تهديد ،ويف نف�س خ�صو�ص��� ًا �أن انف�صال جنوب ال�سودان لن ي����ؤدي �إىل �إ�ضافة دولة عربية الوقت عر�ضة لالنتهاك والإ�ساءة بذرائع �أمنية. جدي���دة ،بل يف الواقع ق�ضم �أو ف�صل جزء من ه���ذا الكيان خارج الإطار الأو�ضاع العربي والإ�سالمي ،ووالدة دولة �أفريقية جديدة ،من املتوقع �أن تكون �أبعد خريطة حتالفات �إقليمية جديدة اجلديدة �ست�ؤثر حتم ًا يف ال���دول املحيطة بال�سودان ،وقد ت�ؤدي �إىل ن�شوء ما تكون ع���ن الثقافة العربية والإ�سالمية ،ويف و�ض���ع �أقرب �إىل القطيعة خريط���ة حتالف���ات �إقليمية جدي���دة ،نتيجة التق���ارب الثق���ايف والعرقي ،والع���داء معها ،لع���دة �أ�سب���اب �أهمها :طبيع���ة النخبة احلاكم���ة املعادية ونتيج���ة لدعم العدي���د منها انف�ص���ال جنوب ال�سودان .فق���د �صدرت يف للثقاف���ة العربي���ة والإ�سالمية ،وتركيبته���ا العرقية والقبلي���ة الأقرب �إىل الآون���ة الأخرية ت�صريحات ومواقف من جان���ب �أوغندا تو�ضح مبا ال يدع الدول الأفريقي���ة املحيطة بال�سودان ،وثالثها طبيع���ة القوى الدولية التي جماال لل�شك �أنه���ا تدفع باجتاه انف�صال جنوب ال�سودان ،وحماولة جذبه تدعمها وتقف خلفه���ا كالواليات املتحدة ،وال���دول الأوروبية ،و�إ�سرائيل، �إليه���ا م���ن �أجل اال�ستف���ادة من ثروات���ه النفطية .وتطمح كيني���ا �أن تكون واحت���اد الكنائ����س العاملي ،كل هذه الق���وى �ستجذب الكي���ان اجلديد �إىل الدول���ة الوليدة �سوق ًا ملنتجاتها ومنفذ ًا لت�صدي���ر منتجاتها النفطية عرب قيمه���ا وم�صاحله���ا ،لذل���ك فالأق���رب �أن تتح���ول �إيل مرك���ز للح���ركات العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
95
املراقب اال�سرتاتيجي التب�شريية والتن�صريية ومركز نفوذ للدول الغربية.
96
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ي�ش�ي�ر ت�صري���ح ال��دور الإ�س��رائيلي �سيلفا كري رئي�س جمهورية جنوب ال�سودان املرتقبة “�أن �أول دولة �سيقيم معها عالقات دبلوما�سية ف���ور االنف�صال هي �إ�سرائيل”� ،إىل حقيقة دور �إ�سرائي���ل ،وحجم وجودها يف جن���وب ال�سودان ،وما �إذا كان �سيتحول �إىل موطئ قدم ومرتع للدولة العربية يف خا�صرة ال�سودان والعرب؟ وحقيق���ة الوجود الإ�سرائيلي يف جنوب ال�سودان يعود �إىل البدايات الأوىل لن�شوء حركات التمرد اجلنوبي ،يو�ضح ذلك العميد الإ�سرائيلي املتقاعد (مو�ش���ي فرج���ي) يف كتابه “�إ�سرائي���ل وحركة حترير جن���وب ال�سودان: نقط���ة البداي���ة ومرحلة االنط�ل�اق” ،وال�صادر عن مركز دي���ان لأبحاث ال�ش���رق الأو�سط و�أفريقيا بجامعة تل �أبيب ،والذي يو�ضح فيه كيف قامت �إ�سرائي���ل بتطوي���ر اجلي�ش ال�شعب���ي وامل�ساعدة يف ت�شكي���ل جي�ش نظامي جنوب���ي ،وم�ساع���دة احلركة اجلنوبي���ة بال�سيا�س���ة والأ�سلح���ة والتدريب واملعلومات وغريها حتى تنمو وتزداد قوة وت�أثري. وق���د تلقى قرن���ق نف�س���ه دورات ع�سكرية خا�ص���ة يف كلية الأم���ن القومي الإ�سرائيلي ،وقال قرنق يف بداية عام 2002يف �أ�سمرة العا�صمة االريرتية �أثن���اء لقائ���ه م�سئ���ول �إ�سرائيل���ي كب�ي�ر يف وزارة الدفاع ،معرتف��� ًا بف�ضل �إ�سرائي���ل عليه وعلى حركته�« :أنتم ظهر اجلماع���ات والأقليات املقهورة، ولوالك���م ملا حترر الأك���راد من العبودية العربية ومل���ا نف�ض اجلنوبيون يف ال�س���ودان ع���ن كاهلهم غبار اخل�ض���وع واخلنوع وال���ذل والعبودية ،ونحن نتطل���ع �إىل ا�ستمرار هذا الدور حتى بعد �أن يتمكن اجلنوبيون من ت�شكيل صال عن �سيطرة ال�شمال». كيان �سيا�سي وقومي خا�ص بهم مت�سلح ًا ومنف� ً وقد توىل �ضباط �إ�سرائيليون من �أ�صل �أثيوبي (من يهود الفال�شا) مهمة تدري���ب اجلي�ش ال�شعب���ي وت�سليحه .وتت�أك���د �أوا�صر التع���اون الإ�سرائيلي ومتمردي جنوب ال�سودان ب�صورة �أكرب ،حني نعلم �أن من بني قادة التمرد ديفي���د ب�سيون���ى اليهودي الأ�ص���ل ،وال���ذي كان مر�شح��� ًا لرئا�سة حكومة اجلنوب التي �شكلتها احلركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان يف ني�سان�/أبريل .2001 وتوج���د �إ�سرائي���ل حالي��� ًا بق���وة يف جن���وب ال�س���ودان �أمني��� ًا وا�ستخباري ًا واقت�صادي���اً ،وت�ش���ارك بفعالي���ة يف التح�ضري لقيام الدول���ة اجلديدة من خ�ل�ال التدري���ب وتقدمي اال�ست�ش���ارات الفني���ة وال�سيا�سية ،وله���ا العديد م���ن اال�ستثمارات وامل�صالح االقت�صادي���ة يف جوبا .ودورها رئي�سي وكبري يف �إع���داد وتدريب وتكوين اجلي�ش اجلنوب���ي ،وحتويله �إىل جي�ش نظامي ليكون �صناعة �إ�سرائيلية كاملة. واخلط���ط الإ�سرائيلي���ة لتفتي���ت و�إ�ضع���اف ال�س���ودان ت�س�ي�ر وف���ق نظرة �إ�سرتاتيجي���ة ،تع�ب�ر عنها كلم���ات وزير الأم���ن الداخل���ي الإ�سرائيلي �آيف ديخ�ت�ر ،يف حما�ضرة ل���ه يف � 4أيلول�/سبتم�ب�ر � ،2008إذ قال“ :ال�سودان
العا�ص��فة املقبلة :اخلطر الأكرب يف جنوب ال�س���ودان ال ي�أتي من احتماالت ف�شل الدولة الوليدة، و�إمنا من قدرتها على خلق االن�سجام والتما�سك الداخلي على ال�صعيدين االجتماعي وال�سيا�سي مب���وارده وم�ساحته ال�شا�سعة وعدد �سكانه ميك���ن �أن ي�صبح دولة �إقليمية قوي���ة مناف�سة مل�صر والعراق وال�سعودية ...وي�ش���كل ال�سودان مل�صر عمق ًا �إ�سرتاتيجي���اً ،جتلى ذلك بعد حرب 1967حي���ث حتول �إىل قواعد تدريب و�إي���واء �س�ل�اح اجلو امل�صري والق���وات الربية ،و�أر�سل ق���وات �إىل منطقة القن���اة �أثناء ح���رب اال�ستنزاف ... ،و�إ�ضعاف ال�س���ودان وانتزاع املبادرة من���ه لبن���اء دولة قوي���ة موح���دة �ض���روري لدعم وتقوي���ة الأم���ن القومي الإ�سرائيلي”. وم���ن الوا�ضح �أن �إ�سرائيل لن تكتف���ي بدعم انف�صال جنوب ال�سودان ،بل �ستمتد يدها �إىل �أجزاء �أخرى ،ال�ستكمال املخطط يف �إ�ضعاف ال�سودان، وتطوي���ق م�صر ،ونزع م�صادر اخلطر امل�ستقبل���ي املحتمل �ضد �إ�سرائيل، وا�ستكم���ال �إ�سرتاتيجيته���ا امل�سماة “التحالف الدائ���ري” التي تقوم على بناء حتالفات حول الدول العربية املهمة ،ومبوجبها قامت بتكوين عالقات متمي���زة مع �إثيوبيا و�أوغندا واريرتيا وجن���وب ال�سودان .وخطوتها التالية �ستك���ون دعم حركات التمرد االنف�صالية يف غ���رب ال�سودان وحتديد ًا يف �إقليم دارف���ور ،والتي لبع�ضها ممثلني حالي ًا يف ت���ل �أبيب ،كحركة حترير ال�سودان التي يتزعمها عبد الواحد �أحمد نور.
انف�ص��ال اجلن��وب وق�ض��ية تقا�س��م مي��اه الني��ل
كم���ا هو معروف فقد �أث�ي�رت �إ�شكالية مي���اه النيل على نط���اق وا�سع منذ �أيار/مايو ،2010بعد قيام خم�س دول من دول حو�ض النيل ،هي� :إثيوبيا، و�أوغندا ،وروان���دا ،وتنزانيا ،وكينيا بالتوقيع على اتفاق �إطاري جديد يف مدينة عنتيب���ي الأوغندية ،يعي���د توزيع ح�ص�ص مياه نه���ر النيل ،يف ظل مقاطعة كل من م�صر وال�سودان اللتني تتم�سكان باتفاق تقا�سم مياه النيل املوقع عام 1929بني م�صر وبريطانيا.
ME Archive
يقدر ن�سبة امل�سلمني يف تغريب اجلنوب جنوب ال�سودان بـ ،%18مقابل %17من امل�سيحيني ،و %65من الإحيائيني (وثني�ي�ن و�أرواحيني) .كما توجد قبائل عربي���ة تعي�ش يف اجلنوب ،ورغم انت�ش���ار لهج���ات متعددة يف اجلن���وب ي�صل عدده���ا �إىل 12لهجة� ،إال �أن اللغة العربية “املحلية” الت���ي تنطق بلكنة �أفريقية هي اللغة التي يتعامل بها �أغلب ال�سكان تقريباً ،بينما تعد اللغة الإجنليزية لغة النخبة ،وتو�ضح اجتاهاته���ا �أنها ت�سع���ى جلعل االجنليزي���ة اللغة الر�سمي���ة الأوىل ،بينما ترتاج���ع اللغة العربية لتكون اللغة الثاني���ة �أو الثالثة على حد تعبري ممثل جنوب ال�سودان يف وا�شنطن �إيزكيل لول جاتكوث. وم���ن املتوقع �أن تعمل النخبة احلاكمة اجلدي���دة يف جنوب ال�سودان على تر�سي���خ قي���م ثقافية جدي���دة اق���رب �إىل الغ���رب ،وتقلي�ص فر����ص ن�شر الإ�س�ل�ام ،مقابل فتح الباب على م�صراعيه للحركات التب�شريية .وح�سب موقع «تقرير وا�شنطن» ف�إن زعماء تيار املحافظني اجلدد املتدينني لديهم خط���ط مع���ده �سلف ًا لإعادة بن���اء مئ���ات الكنائ�س التي دمرته���ا احلكومة ال�سودانية وامللي�شيات املوالية لها يف جنوب ال�سودان �أثناء احلرب. وق���د كان جن���وب ال�س���ودان منذ وق���ت مبكر �ساح���ة مفتوح���ة للمب�شرين امل�سيحيني لن�شر الن�صرانية ب�ي�ن ال�سكان ،ولعب جمل�س الكنائ�س العاملي دور ًا كب�ي�ر ًا يف دع���م حرك���ة التمرد يف اجلن���وب بو�سائ���ل خمتلفة ،بينما دخلت منظم���ات الدعوة الإ�سالمية يف فرتة مت�أخرة حلبة املناف�سة لن�شر الإ�س�ل�ام يف اجلنوب .ومن املتوق���ع �أن ي�ؤدي االنف�صال �إىل الت�ضييق على املنظم���ات الدعوي���ة الإ�سالمية ،ليك���ون اجلنوب حكر ًا ب�ش���كل كامل على املنظم���ات التب�شريية امل�سيحية ،وليتحول ما تبقى من ال�سكان الالدينيني �إىل الن�صراني���ة خ�ل�ال �سنوات قليل���ة ،وي�صبح امل�سلم���ون �أقلية معر�ضة لال�ضطهاد .وتتبدا مالمح هذا اال�ضطهاد من الآن ،حيث ت�شري التقارير الر�سمية ال�سودانية �إىل وجود «عمليات ت�ضييق على امل�سلمني يف اجلنوب، تتمث���ل يف من���ع الأذان يف ع���دد من والي���ات اجلنوب ،و�إغ�ل�اق اخلالوي (�أماك���ن تعليم القر�آن) ،واجلامع���ات والكليات وامل�ص���ارف الإ�سالمية، وا�ستبدال املنهج ال�سوداين العربي باملناهج الكينية والأوغندية». و�سبق �أن ك�شفت وثيقة �صادرة عن رئا�سة اجلمهورية ال�سودانية يف �أيلول/ �سبتمرب 2007عن «خروقات» قامت بها «احلركة ال�شعبية» التفاقية �سالم «نيفا�ش���ا»� ،ضد امل�سلمني يف اجلن���وب ،وا�ضطرت احلكوم���ة املركزية يف اخلرط���وم للتدخل عدة م���رات لوقف هذه االنته���اكات ،والتي تف�سر على �أنه���ا حماولة لإجب���ار امل�سلمني عل���ى الرحيل من اجلن���وب ،بخالف منع ارتداء احلجاب بالن�سبة للفتيات الطالبات ،والت�ضييق على وجود مكاتب ديوان الزكاة .ومن املتوقع �أن يجلب االنف�صال مزيد ًا من املخاطر مل�سلمي جن���وب ال�سودان ،يف ظل دولة قد تكون معادي���ة للإ�سالم وتفتح ذراعيها للمب�شري���ن ،و�سي�ب�رز م�سلمو اجلنوب ككيان ل���ه �إ�شكاالته ،ورمبا يجدون �أنف�سه���م مواطن�ي�ن من الدرج���ة الثاني���ة ،يف و�ضع حتكمه نظ���رة الريبة واتهامهم بالعمالة لل�شمال. ومع تراجع البع���د العربي والإ�سالمي يف دولة اجلن���وب �ست�صبح الفجوة
الفا�صلة بينها وبني الع���امل العربي والإ�سالمي وا�سعة و�ستكون �أقرب �إىل حميطه���ا الأفريقي .كما �أن االنف�ص���ال �سيعزل ال�شمال ثقافي ًا عن جواره الأفريقي ،وتكون دولة اجلنوب مبثابة جدار عازل بني ال�شمال واالت�صال املبا�ش���ر ب�شرق �أفريقيا ،وحرمانه م���ن لعب دوره كج�سر يو�صل احل�ضارة والثقاف���ة العربي���ة لأفريقي���ا .ومن���ع الإ�سالم م���ن التم���دد واالنت�شار من ال�شمال �إىل اجلنوب ،و�إىل دول اجلوار الأفريقية.
وق���د جتددت املخاوف م���ع ت�صريح���ات الناطق الر�سم���ي با�سم احلركة ال�شعبي���ة لتحرير ال�سودان ب�أن اجلن���وب �سيكون الدولة رقم 11يف حو�ض النيل ،وهو ما ي�ستلزم �إعادة توزيع ح�ص�ص املياه يف �ضوء الواقع اجلديد، واملطالب���ة بتعديل اتفاقية حو�ض النيل ا�ستع���داد ًا الن�ضمام دولة جديدة. لذا يرجح البع�ض �أن ين�ضم جنوب ال�سودان �إىل دول املنبع ،بحكم �صالته القوية معها ،يف مواجهة دول امل�صب (م�صر و�شمال ال�سودان). �إال �أنه ،ومن جانب �آخر ،هناك من يقلل من خطورة ت�أثر انف�صال جنوب ال�س���ودان على مياه الني���ل ،باعتبار �أن النيل الأزرق (الذي ميثل %86من مياه النيل الوا�صلة �إىل م�صر و�شمال ال�سودان) ال مير بجنوب ال�سودان، كم���ا �أن معظ���م �أجزاء جن���وب ال�سودان غني���ة بالأمط���ار ،وحاجتها ملياه الني���ل يف الري حمدودة ،وبالتايل فان اخلط���ر ال ي�أتي من احتمال �سعيه لتق�سي���م ح�صة م�ص���ر وال�سودان يف مياه النيل عل���ى ثالث دول ،بد ًال من دولت�ي�ن كما هو حا�صل حالياً ،و�إمنا اخلطر احلقيقي ي�أتي من احتمال �أن ي�صبح اجلنوب مرتع ًا خ�صب ًا لإ�سرائيل ،والتي ت�سعى لتعظيم وجودها يف ال���دول املهمة بالن�سبة للأمن القومي امل�ص���ري ،ك�أداة لل�ضغط عليه فيما �إذا تغ�ي�رت التوجه���ات امل�صرية احلالية جتاه �إ�سرائي���ل ،و�أي�ض ًا حتدوها �آم���ال وا�سع���ة يف احل�صول عل���ى مياه الني���ل عرب م�ص���ر� ،إذا ا�ستطاعت الت�ضييق وال�ضغط عليه���ا بوا�سطة دول املنبع وباقي دول احلو�ض ،وذلك يف ظ���ل حالة الندرة ال�شديدة للمياه التي تعانيه���ا �إ�سرائيل ،والذي يهدد م�ستقبلها ،ويحول دون تو�سعها و�إمكانية ا�ستقدام مزيد من اليهود �إليها. ويع�ت�رف اخلبري الإ�سرائيلي �آرنون �شوف�ي�ر يف كتابه “�صراعات املياه يف ال�شرق الأو�سط” ،ب�أن حدوث �أزمة مياه يف م�صر تُعد م�صلحة �إ�سرائيلية �إ�سرتاتيجي���ة ،لأن ذل���ك �سي����ؤدي �إىل حتجيم دوره���ا يف املنطقة .وكانت العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
97
املراقب اال�سرتاتيجي �إ�سرائيل قد عر�ضت على م�صر التدخل لإنهاء اخلالفات بينها وبني دول املنب���ع حول االتفاقية الإطارية مقابل موافق���ة م�صر على �إقامة �إ�سرائيل م�شاري���ع مائية يف �إثيوبي���ا ،وكان الرد امل�صري على ل�سان الرئي�س ح�سني مبارك “�أن مياه النيل لن تتجاوز حدود م�صر”. ميكن القول التعاطي مع انف�ص��ال قادم ال حمالة �أن انف�ص���ال جنوب ال�س���ودان �أ�صبح �أمر ًا واقع ًا ال مف���ر منه ،وال يعدو �أن يك���ون م�س�أل���ة وق���ت ال �أكرث ،ومن ال�صع���ب احليلول���ة دون حدوثه يف ظل معطي���ات الواقع الراهن ،بحيث مل تعد اخلي���ارات املتاحة بني الوحدة �أو االنف�ص���ال ،بل ب�ي�ن انف�صال ودي و�سل�س وانف�ص���ال متوتر وعنيف .ومن الإن�ص���اف القول �أن النظام ال�س���وداين ال يتحمل وحده م�سئولية انف�صال اجلن���وب ،فالنظام العربي يتحمل جزء ًا من امل�سئولية ،فقد وقفت معظم ال���دول العربية لأكرث من 22عام ًا موقف املتفرج ,وك�أن احلرب وال�صراع الدائ���ر يف ال�س���ودان ال يعنيه���ا .ورمب���ا �شج���ع بع�ضه���ا ح���ركات التم���رد االنف�صالي���ة ومدها باملال وال�س�ل�اح .و�أ�صبحت م�شكل���ة جنوب ال�سودان بفعل التدخل الكثيف للقوى اخلارجية و�ضعف املوقف العربي ،فوق قدرة ال�شمال مبفرده على التعاطي معها ،بل و�أ�صبحت عبئ ًا ثقي ًال على كاهله، ا�ستنزف���ت موارده و�إمكانياته وطاقات���ه الب�شرية ،و�أعاقت جهود التنمية. وعج���ز ال�سودان عن ح�سمه���ا ع�سكري ًا خالل 22عام��� ًا من احلرب ،وهو �أعجز عن ذلك الآن يف ظل ظروفه الراهنة. وق���د اختار ال�سودان يف اتف���اق نيفا�شا ،2005طري���ق ال�سالم والتفاو�ض ك�سبيل حل���ل هذه امل�شكلة وقدم من �أجل ذلك تن���ازالت �ضخمة ،هي التي �أو�صل���ت خيار االنف�صال يف واقع الأمر �إىل مرحلة الالعودة ،ولي�س �أمامه �سوى امل�ضي يف هذا الطريق حتى النهاية .فاالنف�صال ال�شك ي�شكل خ�سارة كبرية لل�س���ودان وللوطن العربي ،لكن اخل�سارة �ستكون �أكرب و�أ�شد فداحة �إذا قاد االنف�صال �إىل عالقات متوترة �أو عدائية مع اجلنوب� ،أو �أدى �إىل ابتعاد الدولة الوليدة عن العامل العربي ،وارمتائها يف �أح�ضان قوى �أخرى معادية للم�صالح العربية وللأمن القومي العربي .وذلك يحتم على العرب خلق مزيد من التقارب مع دولة اجلنوب املرتقبة ،والت�أ�سي�س لوجود عربي قوي وفاعل اقت�صادي ًا وجتاري ًا و�سيا�سياً ،يوازي الوجود الإ�سرائيلي فيها، ويحول دون حتولها �إىل موطئ قدم لقوى مناف�سة �أخرى. وعلى الدول العربية �أي�ض��� ًا اتخاذ مواقف جادة وم�سئولة ت�ساعد ال�سودان يف جت���اوز مرحل���ة م���ا بعد االنف�ص���ال ،وامل�ساهم���ة يف تخفي���ف ال�ضغوط الداخلي���ة واخلارجي���ة علي���ه للحيلول���ة دون انف�ص���ال �أجزء �أخ���رى منه، فاخلطوة التالية �ستكون دارفور ،ويجب دعم اجلهود املبذولة حلل وت�سوية هذه الق�ضية يف �أ�سرع وقت ممكن ،قبل �أن ت�ستفحل وتخرج عن ال�سيطرة. و�أي�ض��� ًا بذل و�ساطات عربية وتدخل عربي مبكر حلل امل�شاكل العالقة بني �شمال وجنوب ال�سودان ،والرتتيب حلدوث انف�صال �آمن يحافظ على قدر م���ن العالقات الأخوية بني الطرفني .وم�ساع���دة اخلرطوم اقت�صادي ًا من خالل �ضخ مزيد من اال�ستثمارات وامل�ساعدات والقرو�ض ،ت�ساعدها على جتاوز �ضائقتها االقت�صادية املتوقعة يف مرحلة ما بعد االنف�صال. وبالن�سبة حلكومة اخلرطوم فاخليار الأف�ضل بالن�سبة لها يف ظل معطيات الواق���ع ،ه���و العمل على االحتف���اظ بعالقات ودية ومتط���ورة مع اجلنوب، 98
ا�سرتاتيجية
وجتن���ب �إث���ارة التوتر �أو اخلالف���ات ،وح���ل الق�ضايا العالق���ة بطرق ودية م���ا �أمكن ،ك�سبيل وحي���د لتقليل خ�سائر االنف�ص���ال �إىل �أدنى حد ممكن. م���ع االعرتاف ب����أن مهمة اخلرطوم يف حماول���ة االحتفاظ بعالقات جيدة وودي���ة مع دولة اجلن���وب لي�ست بالهينة ،وتكتنفها عقب���ات كبرية ،ت�سببها ح�سا�سيات االنف�صال وامل�شاعر االنفعالية لدى الطرفني ،وكذلك الق�ضايا العالق���ة وال�شائكة التي حتت���اج �إىل تنازالت كبرية وم�ؤمل���ة ،بالإ�ضافة �إىل وج���ود �أطراف خارجي���ة دولية و�إقليمي���ة لها م�صلح���ة يف ابتعاد اجلنوب ع���ن ال�شمال ،وتتمنى لي�س فق���ط ف�صله ،و�إمنا الدفع باجتاه خلق عالقات عدائية ومتوترة بينه وبني ال�شمال. لك���ن ي�ساعد الطرفان يف الدفع باجتاه عالقات تعاون ودية ،وجود ق�ضايا عدي���دة متداخل���ة ،ي�أت���ي يف مقدمتها ق�ضي���ة النفط ,باعتباره���ا الأكرث ح�سا�سية و�أهمية ،ويحتاج ا�ستمرار اال�ستفادة منه تعاون الطرفني ،ب�سبب وج���ود حوايل %80من حقول النفط يف اجلن���وب ،بينما منافذ الت�صدير وم�صايف التكري���ر يف ال�شمال .ومن م�صلحة الطرف�ي�ن ا�ستمرار التعاون امل�ش�ت�رك يف هذا اجلانب ،خا�صة �أن اخليارات الأخرى بالن�سبة للجنوب مكلفة وعالية اخلطورة .وبالن�سبة لل�شمال الذي �سيخ�سر جزء ًا كبري ًا من موارده النفطية ي�ستطيع التعوي�ض عنها من خالل �أجور مرور النفط عرب �أرا�ضيه ،والتكرار واملعاجلة الكيميائية ،والتخزين ،والت�صدير. كما يواجه الطرفان العديد من التحديات الأمنية امل�شرتكة ،ودون التزام كل منهما ب�ضمان �أمن وا�ستقرار الطرف الآخر؛ ف�إن الطرفني مع ًا �سيكونا عر�ض���ة للقالقل وع���دم اال�ستقرار ،وذلك ب�سبب وج���ود �أعداد كبرية من اجلنوبيني يف ال�شمال ،و�أع���داد من ال�شماليني يف اجلنوب ،ومن ال�صعب ترتي���ب �أو�ضاعهم دون تفاهم م�شرتك بني احلكومتني ،وكونها ت�صبح يف حال ال�صراع م�صادر تهديد ،ويف نف�س الوقت عر�ضة لالنتهاك والإ�ساءة بذرائع �أمنية. �أخ�ي�راً ،م���ن م�صلح���ة حكومة اخلرط���وم اال�ستم���رار يف احلف���اظ على النم���وذج امل�ش���رق والنا�صع لتعام���ل ال�شمال مع م�شكل���ة اجلنوب ،والذي �ض���رب مث�ل�اً رائع��� ًا للت�سامح والتع���اون ,والرغب���ة يف ال�س�ل�ام� ,سواء يف اتف���اق نيفا�شا لل�سالم ال�شام���ل �أو �أثناء الفرتة االنتقالي���ة ،والتي �أعطت اجلنوبي�ي�ن الكث�ي�ر م���ن احلق���وق وال�صالحيات الت���ي ما كان���ت اجلبهة ال�شعبية لتحلم بها ،كال�سم���اح لها ببناء هياكل دولة اجلنوب ,وامل�شاركة يف احلكومة املركزي���ة وحكومات الواليات االنتقالية ،و�إعطا�ؤها %50من �إيرادات النفط اجلنوبي ،وف���وق ذلك �إعطا�ؤها حق تقرير امل�صري ،وهي �ص���ورة �ستبقى را�سخة يف الذاكرة .ويف حال ف�شل بناء الدولة يف اجلنوب لأ�سب���اب اجتماعية نتيج���ة التعدد الإثن���ي الكبري �أو لأ�سب���اب �سيا�سية �أو غريها� ،سيكون النموذج امل�شرق عام���ل جذب م�ستقب ًال لإمكانية الرجوع �إىل �صيغ���ة م���ن �صيغ التوح���د الفي���درايل �أو الكونفيدرايل م���ع ال�شمال، خ�صو�ص��� ًا �أن قطاع ًا كبري ًا من النخبة اجلنوبي���ة عا�ش جزء ًا من حياته, وتلق���ى تعليمه يف ال�شمال ،وتربط بع�ضهم عالقات �صداقة وم�صاهرة مع �شمالي�ي�ن ،ويف�ضل جزء منهم -و�إن كان���وا �أقلية اليوم -بقاء الوحدة مع ال�شم���ال حتت �أي �صيغة من �صيغ التوحد� .إال �أن ما �ست�سفر عنه الأو�ضاع يف اجلن���وب ،قد ت����ؤدي �إىل تعاظم هذه ال�شريح���ة الراغبة يف العودة �إىل الوحدة م�ستقبالً.
فـي ب�ؤرة االهتمام قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�صاد وال�ش�ؤون اجلارية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب
2010
ا�سرتاتيجية
99
فـي ب�ؤرة االهتمام
اجلذب والنبذ يف العالقة امللتب�سة بني ال�سلطة العربية والعلماء هاين املغل�س
hanymokhls@yahoo.com
��ل�ا وثابت ًا يف جممل الإ�شكالي����ات التي ي�شهدها ت����كاد تكون ال�سلط����ة ال�سيا�سية طرف ًا �أ�صي ً املجتم����ع العربي ،لذلك ميكن احلديث ع����ن �إ�شكالية ال�سلطة واملجتمع ،وال�سلطة واملثقف، وال�سلط����ة والعامل ،وال�سلطة واملر�أة ،وال�سلطة وال�صحاف����ة .وال يعود ال�سبب -يف تقديرنا �إىل طبيع����ة ق����ارّة يف ال�سلط����ة ال�سيا�سية بقدر ما يرجع �إىل نهمه����ا و�سعيها الدءوب �إىلال�سيط����رة .ونزع����ة ال�سيطرة تلك تختل����ف �آلياتها من جمتمع �إىل �آخر لك����ن نتائجها تكاد تكون متطابقة ،فال�سلطة اال�شرتاكية جعلت من �أدوات الإنتاج �أداة لل�سيطرة بزعم حترير الفرد من اال�ستغالل االقت�صادي لكنها يف نهاية املطاف �سيطرت على الفرد والدولة معا، �أم����ا الدولة الليربالي����ة ف�أداتها يف ال�سيطرة هي القانون ،ذلك الذي قال عنه برودون ذات يوم �إنه ال يعك�س �سوى رغبات القوى امل�سيطرة وهي الربجوازية يف حال الدولة الليربالية، لذل����ك ال غراب����ة �أن جند مفكرا ليرباليا ك����ـ «دونو» يف كتابه «بحث ح����ول الد�ستور» ،الذي واكب مرحلة ما بع����د الثورة الفرن�سية ( ،)1789يطالب بتقلي�ص م�ساحة القانون لأن ميل احلكومة الوا�سع �إىل �إ�صدار القوانني يعني الت�ضييق على الفرد واملجتمع. ME Archive
100
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
هاين املغل�س باحث ميني يف العلوم ال�سيا�سية.
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
101
فـي ب�ؤرة االهتمام
102
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
الإذن بالفت��وى ق�ضي���ة الإذن بالفت���وى �أثاره ًا م�ؤخرا مر�سوم ملكي �سعودي ق�ضى بح�صر احلق يف الإفتاء يف ال�ش�ؤون العامة على هيئة كبار العلماء ...« -ومن ن�أذن لهم بالفتوى» بح�سب �صيغة املر�سوم .تال ذلك اجتاه ال�سلطة يف اليمن �إىل ت�شكيل جلنة مرجعية من العلماء لق�ضاي���ا احلوار الوطني ،و�إن�شاء جمال�س للإفتاء يف جميع حمافظات اجلمهورية بح�سب امل�شاورات التي متت بني ال�سلطة والعلماء خالل �شهر �آب�/أغ�سط�س املا�ضي. امل�ش���روع ال�سعودي انطل���ق ظاهري ًا مما بات يطل���ق عليه «فو�ضى الفتاوى» ،خا�صة بع���د �أن بد�أت بع�ض الفتاوى مت�س �سيا�سات الدولة
ME Archive
يف الدول���ة ع�ب�ر ال�س��لطة والعلم��اء التاري���خ الإ�سالمي تنوعت �أدوات ال�سيطرة لكن �أهمها على الإطالق كان الدي���ن .ت�ستوعب ال�سلطة الدين لتعيد �إنتاج���ه ك�أيديولوجيا� ،أو لتمار�س���ه ك�شع���ار ي�ؤمّن لها قدر ًا من ال�شرعي���ة ،ويف �أح�سن الأحوال ت�ستدع���ي الفق���ه �أو ج���زء ًا منه لي�صب���ح قانون ًا موجه��� ًا �ضد املجتمع ولي����س قانون ًا له ،مبعنى �أن ينظم الفق���ه �ش�ؤون املجتمع يف معامالته وعالقاته و�صراعاته دون �أن مي�س �ش�ؤون ال�سلطة �أو عالقاتها .هكذا ح�ضرت �أحكام العقوبات وغابت ال�شورى ،ومتدد فقه العبادات على ح�س���اب نظرية يف ال�سيا�س���ة ،واُختزِ ل مبد�أ الأم���ر باملعروف والنهي ع���ن املنكر يف بع���ده االجتماعي (احل�سب���ة) ،و�أ�صبح ك���رم ال�سلطة بدي ًال عن عدلها ،و«�أخالق امللوك» عو�ض ًا عن قوانني الإن�صاف. لكن ا�ستخدام الدين كان مير غالب ًا عرب و�سيط حيوي هم العلماء، فقدمي ًا حاول���ت ال�سلطة الأموية ا�ستح�ضار الدي���ن لت�أكيد �شرعيتها فف�شلت ب�سبب توتر عالقتها بالعلماء وعلى ر�أ�سهم الفقهاء من �أبناء ال�صحاب���ة الذين رف�ضوا توجهات الدولة الأموية نحو التوريث و�إلغاء ال�ش���ورى ،فلج�أت �إىل العنف املفرط الذي طال العلماء واملجتمع ومل ي�ستثنِ حتى املقد�سات. لي����س ب�إم���كان ال�سلط���ة يف الف�ضاء الإ�سالم���ي �أن تُبا�شِ���ر عالق ًة تلقائي ًة بالدين ،وهذا مينح العلماء دور ًا مبالغ ًا فيه يف بع�ض الأحيان لكنه �أي�ض ًا يجعلهم عر�ض���ة للم�ساومة واالبتزاز ورمبا القمع ،وفكرة الو�سيط املرفو�ضة يف املجال االجتماعي ال�سيما التعبدي منه معرتف به���ا يف املجال ال�سيا�سي ،بحيث ي�صعب ت�ص���ور �أن دولة ما ميكن �أن تك���ون �إ�سالمية – �أو تزعم لنف�سه���ا تلك ال�صفة -يف حني هي تقمع �أو تق�ص���ي العلماء .وطوال التاريخ الإ�سالم���ي كان تقريب العلماء - وهم هنا �أهل الفقه واحلديث حتديد ًا -م�ؤ�شر ًا على ا�ستقامة الدولة �أخالقي��� ًا ومعرفياً ،وكان التنكيل به���م �أو ترجيح كفة خ�صومهم من املتكلمني والفال�سفة وغريهم عالمة انحراف �شائنة. هك���ذا ن�ش����أت �إىل جوار ال�سلط���ة ال�سيا�سية ورمب���ا بالتوازي معها �سلط���ة علمي���ة كان ميثلها العلم���اء يف امل�ساج���د والزواي���ا والأربطة واملدار����س الدينية التي ن�ش�أ بع�ضها برعاية ال�سلطة لأهداف تعليمية كم���ا هو احل���ال بالن�سب���ة للمدر�س���ة النظامي���ة يف بغ���داد وني�سابور وغريه���ا .والنظ���م املختلف���ة مب���ا فيها تل���ك التي مل تع�ت�رف بوجود مثل تل���ك ال�سلطة �أو قللت م���ن �ش�أنها عملت عل���ى احتوائها وحلمها ببنيته���ا لتغدو جزء ًا منه���ا ال �ضد ًا عليها .لكن عملي���ة االحتواء تلك كان���ت ن�سبية ،وكان الق�ضاء هو �ساحتها الك�ب�رى بينما ظلت الفتوى رغم حم���اوالت ا�ستيعابها م�ؤ�شر ًا على ا�ستق�ل�ال العلماء وفاعليتهم االجتماعي���ة والعلمي���ة؛ فالفتوى ،مبا هي عملي���ة تفاعل مبا�شرة بني املفت���ي وامل�ستفت���ي (ف���رد ًا �أو جماع���ة) جت���ري حتت �سق���ف الن�ص وت�ستجيب حلقائ���ق الواقع املتغرية ،مُتثل عم���ق العملية االجتهادية،
و�أداة الو�صل بني العامل وبيئته االجتماعية. لق���د ظ���ل التفك�ي�ر الإ�سالمي بعي���د ًا ع���ن حماولة ت�أط�ي�ر الفتوى �سيا�سي���اً ،وخلت كتب الأح���كام ال�سلطانية وال�سيا�س���ة ال�شرعية من �أي تنظي���م �إداري �أو �سيا�سي للفتوى كم���ا هو احلال بالن�سبة للق�ضاء �أو �إم���ارة احل���ج �أو احل�سب���ة التي ا�ش�ت�رط النعقادها جميع��� ًا تعيني ال�سلط���ان ،فلم ينظر للفتوى على الإطالق بو�صفها والية �سلطانية �أو من�صب ديني يدخل يف البنية الر�سمية لل�سلطة. كذل���ك مل يكن مت�ص���ور ًا تقييد الفت���وى �أو ح�صرها م���ن الناحية العلمي���ة ،فاب���ن القيم الذي يعد من �أبرز الفقه���اء الذين عمدوا �إىل التنظي���م الفقهي للفتوى �أبقى على الفتوى الفردية دون �أن يدعو �إىل ح�صره���ا ،و�إن �أورد كالم��� ًا يُفهم منه �إعط���اء ال�سلطان حق منع من يت�ص���در للفتوى �إن مل يكن �أه ًال لها م���ن الناحية العلمية وال�شرعية، وه���ي احلالة التي جارى فيها ابن القيم كل من ابن اجلوزي والنووي واخلطيب البغ���دادي ،لكنه فيما عدا تلك احلال���ة -وكما هو احلال بالن�سبة ل�سابقيه �أي�ض ًا -مل مينح ال�سلطة حق ح�صر الفتوى يف عدد من العلماء ،كما مل يُطالب ب�إيجاد كيان مرجعي للفتوى ،بل �إنه رف�ض �أن يكون ر�أي احلاكم معيار ًا ل�صحة الفتوى مُ�ستهجِ ن ًا القول بالرجوع �إىل احلاك���م يف حال الفت���وى املعلقة ب�شرط ،وذل���ك على الرغم من فو�ضى الفتاوى العارمة يف ع�صره. لق���د كان املجتمع العربي لأ�سباب منها متركز ال�سلطة وعدم تعقد �أجهزته���ا �أقل قابلي���ة لل�سيطرة عما ه���و عليه الي���وم ،لذلك مل تكن ال�سلطة تقوى على تقييد الفتوى كما مل يكن ب�إمكانها �إحكام ال�سيطرة عليها ب�سهولة( .)1م���ا قامت به ال�سلطة طوال تاريخنا الإ�سالمي هو حماولة �إخراج �ش�ؤون احلكم ع���ن دائرة الفتوى ،لقد تركت الفقهاء يختلفون كما ي�شاءون يف �أمور العبادات واملعامالت لكنها فيما يت�صل ب�ش����ؤون احلكم كان���ت تدفع باجتاه �إحداث تواف���ق حول ق�ضايا مت�س جوه���ر ال�سلط���ة من قبي���ل طاعة «ويل الأم���ر» والت�شدي���د على عدم اخل���روج ووجوب البيعة ،هكذا �أمكنه���ا �أن توجد م�شرتك ًا فقهي ًا حول ق�ضايا ال�سلطة بات يطلق عليه فيما بعد «الإجماع».
لي�س ب�إمكان ال�س��لطة يف الف�ض��اء الإ�س�لامي �أن تُبا�شِ ��ر عالقةً تلقائيةً بالدين ،وهذا مينح العلم��اء دور ًا مبالغ ًا فيه يف بع�ض الأحيان لكنه �أي�ض ًا يجعلهم عر�ضة للم�ساومة واالبتزاز ورمبا القمع ،وفكرة الو�سيط املرفو�ضة يف املجال االجتماعي ال�سيما التعبدي منه معرتف بها يف املجال ال�سيا�سي ،بحيث ي�صعب ت�صور �أن دولة ما ميكن �أن تكون �إ�سالمية – �أو تزعم لنف�سها تلك ال�صفة -يف حني هي تقمع �أو تق�صي العلماء كما هو احلال بالن�سبة جلامعة امللك عبد اهلل املختلطة ،وهي ق�ضية كان���ت �سبب��� ًا يف �إقالة �أحد كب���ار العلماء من من�صب���ه يف �سابقة من نوعه���ا� .أما امل�شروع اليمن���ي فينطلق من «فو�ض���ى ال�سيا�سة» ،ويجد م�ب�رره فيما تنظر �إليه ال�سلطة على �أن���ه دور تدخلي �أكرب للعلماء يف ال�سيا�س���ة ،وحتديد ًا فيما مي�س عالقاته���ا اخلارجية املثرية للجدل، وهي النقطة اجلوهري���ة التي حافظ عليها النظام بعيد ًا عن متناول �أي طرف داخلي وجنح يف ا�ستثمار عائداتها طوال عقود. تع���ود نقط���ة البداي���ة �إىل بيان العلم���اء الذي �صدر بع���د الق�صف اجلوي ملنطق���ة املعجلة يف �أبني 17كان���ون الأول/دي�سمرب 2009على خلفي���ة ما ي�سم���ى بـ «احلرب عل���ى الإره���اب» ،وال���ذي راح �ضحيته الع�شرات �أغلبهم من الن�ساء والأطفال .يف ذلك البيان طالب العلماء «احلكوم���ة» بالتوقف عن قتل الأبرياء خ���ارج الق�ضاء ال�شرعي ودون حماكم���ات عادلة ،كم���ا طالبوا بدور لأهل احل���ل والعقد من العلماء وامل�شايخ والوجه���اء �إىل جانب جمل�سي النواب وال�شورى فيما يت�صل ب����أي تع���اون �أمني مع ط���رف خارج���ي ،و�أر�سل �إ�ش���ارة حتذيرية �إىل م�ؤمتر لندن مفادها �أن �أي تدخل يف ال�ش�ؤون اليمنية �سيعترب عدوان ًا ي�ستوجب �إعالن اجلهاد ،ومن جهة �أخرى طالب البيان برفع املظامل ورد احلقوق �إىل �أهلها واال�ستجابة للمطالب امل�شروعة من �أي طرف كان يف �إ�شارة وا�ضحة �إىل البعد املطلبي للق�ضية اجلنوبية. كان وا�ضح ًا �أن البيان �أطاح بحدود كثرية حافظ عليها العلماء يف عالقته���م الطويلة واملتعرجة بال�سلطة ،والم����س ال�سيا�سة يف مناطق تفوق ق���درة ال�سلطة عل���ى االحتم���ال .ويف عمومه ابتع���د البيان عن التقلي���د املراتبي يف العالقة مع ال�سلطة ،فج���اء خالي ًا من �أي �إ�شارة
مل���ا ي�سم���ى يف الفقه التقلي���دي بـ «ويل الأم���ر» ،كم���ا مل ي�أخذ �صورة الن�صيحة فطالب احلكومة اليمنية �صراح ًة االلتزام بال�ضوابط التي �أو�ضحه���ا العلماء يف البيان ،وتوجّ ���ه �إىل ال�شعب طالب ًا منه االلتفاف حول مطالب العلماء. بع���د ذلك ب�أيام خرجت �صحيفة «الثورة» الر�سمية بكلمة افتتاحية و�ض���ع لها عن���وان الفت «مل���اذا التباكي عل���ى الإره���اب» ،حملت فيه عل���ى بيان العلماء ،ثم جت���اوزت البيان الذي وقّعه ما يربو على املائة وخم�سون عامل ًا �إىل العلماء �أنف�سهم فاتهمتهم بالتحري�ض على العنف، ومل تن� َ���س الإملاح �إىل �أن بع�ض الإرهابي�ي�ن خرجوا من عباءة العلماء وت�أثروا بفتاواهم التحري�ضية على العنف والت�شدد والإرهاب. كان البي���ان والكلمة االفتتاحية تعبري ًا ع���ن انعطافة غري م�سبوقة يف العالق���ة بني العلماء وال�سلط���ة اليمنية ،فالث���ورة – ال�صحيفة - مل تك���ن متار����س عم ًال مهني ًا �صرف���اً ،كما �إن العلم���اء كانوا يدركون دون �ش���ك �أبعاد بيانه���م التاريخي .واحلال �أن ع�ي�ن ال�سلطة مل تكن لتخط���ئ الطاق���ة العلمائي���ة التي ك�ش���ف عنها ذلك البي���ان وما تاله من ا�صطفافات وبيانات( ،)2فتدعه���ا طليقة ومتحفّزة خارج منطق اال�ستيع���اب ،لذل���ك ج���رى توجيهها �إىل دائ���رة افرتا�ضي���ة مرحلية (دائرة احل���وار الوطني) ليتم التلويح لها ب���دور تاريخي لي�س بو�سع العق���ل الفقهي بطبيعته الرتكيبية �سوى الإذعان له ،وهو الدعوة �إىل االحتكام ل�ش���رع اهلل يف الق�ضايا الوطنية ،مع م���ا ميثله هذا ال�شعار من جاذبية خا�صة بغ�ض النظر عن �أغرا�ضه احلقيقية. لي�س وا�ضح ًا ما �إذا كان العلماء بحاجة �إىل �إذن للتدخل يف ق�ضايا وطني���ة هم بطبيعة احل���ال جزء ال يتجز�أ منه���ا ،ول�سنا ندرك معنى العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
103
فـي ب�ؤرة االهتمام
الديني وال�سيا�سي يف عالقة ال�سلطة بالعلماء
Flickr
ترف�ض الدولة تدخل الدي���ن يف ال�سيا�سة �إال بالطريقة التي تراها منا�سب���ة ،فالدول���ة العربية مبا فيها تلك الت���ي تدّعي لنف�سها احلكم بال�شريعة حتتفظ لنف�سها باحلق يف الإجابة على �س�ؤال :ما ال�شريعة؟ لذل���ك ي�ستقيم يف الالوع���ي املت�ساوق مع منطق ال�سلط���ة �أن دولة ما حتكم بال�شريعة ،يف حني هي متار�س الف�ساد ،وتنمي الفقر ،وتنتهك احلقوق ،وجتايف قواعد العدل. تلك �إ�شكالية قدمية يقبع جذرها املعريف يف املمار�سة الأموية التي �أدارت ظهره���ا للخالفة الرا�شدة وحاول���ت يف ذات الوقت ا�ستلحاق ال�شريع���ة وا�ستتباع قيمه���ا� ،صحيح �أن تلك املحاول���ة مل تنجز كاملة يف حين���ه حيث جوبه���ت ب�سل�سلة من الثورات� ،إال �أنه���ا تركت �آثارها املعرفي���ة الت���ي من �أهمه���ا قبول مب���د�أ حرا�س���ة الدول���ة للدين على �إطالق���ه ،وهو مبد�أ ال تزال تلح عليه بع�ض النظم الد�ستورية العربية حتى اليوم.
104
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
منذ �أن�ش���أت الدول��ة العثمانية �أول من�ص��ب للإفتاء �أواخر القرن اخلام�س ع�شر امليالدي حافظت دولة اال�ستقالل العربية – مبا فيها العلمانية -على هذا املن�صب ،و�أ�ضافت �إليه بع�ض التنويعات بح�سب مقت�ضى احلال حت���ت ه���ذا املب���د�أ مار�س���ت ال�سلط���ة اال�ستب���داد ،والتوريث (والي���ة العه���د) ،والقمع امل���ادي واملعنوي ،واال�ستئث���ار و�إق�صاء املجتمع ،والتنكيل باخل�صوم ،مع ذلك كله كان يكفي �أن يحارب «ال�سلط���ان» الزنادقة واملبتدعة والثنوي���ة واملالحدة والفال�سفة ليعت�ب�ر يف نظ���ر الكثريي���ن حار�س��� ًا للدي���ن وحامي ًا للمل���ة .هذا املنطق التباديل ب�ي�ن الدين والدولة �أر�ساه املاوردي الذي جارى التط���ورات ال�سيا�سية يف عه���د انهيار مركز اخلالف���ة العبا�سية وتناثره بني �أمراء الأقاليم ووزراء التفوي�ض ،ف�أطلق احلديث يف حاجة الدين للدولة بعد �أن كان العقل الإ�سالمي يدور حول حاجة الدول���ة للدين .طبق ًا لذل���ك الت�صور ،ف�إن حاج���ة الدولة للدين ال تق���ل عن حاجته �إليه���ا «الدين وال�سلطان تو�أم���ان» ،وتلك �أول خطوة يف طريق حترير ال�سلطة من الدين واملجتمع يف �آن ،رغم �إقرارنا �أن املاوردي �أراد غري ذلك قطعاً .هنا تكف ال�شريعة عن �أن تك���ون �ضابط ًا للفعل ال�سيا�سي ،وترتاجع �إىل م�ستوى التوجيه الطوعي �أو اال�ستجداء �أو الن�صح يف �أح�سن الأحوال ،ليهيمن يف
Luke Robinson
تدعي الدول��ة العربي��ة مبا فيه��ا تلك الت��ي ّ لنف�س��ها احلك��م بال�ش��ريعة حتتفظ لنف�س��ها باحلق يف الإجابة على �س���ؤال :ما ال�شريعة؟ لذلك ي�ستقيم يف الالوعي املت�ساوق مع منطق ال�سلطة �أن دولة ما حتكم بال�شريعة ،يف حني ه��ي متار�س الف�س��اد ،وتنمي الفق��ر ،وتنتهك احلقوق ،وجتايف قواعد العدل
املرجعي���ة يف مثل هذه احلال���ة ،وما �إذا كان الأمر يتطل���ب حوار ًا �أم فت���اوى ،وما دور املرجعية العلمائية يف وجود د�ستور وقوانني يُفرت�ض �أنها جت�سد ال�شريعة يف بلد ين�ص د�ستوره على �أن ال�شريعة الإ�سالمية هي امل�صدر الوحيد للت�شريع؟! يف �أواخ���ر �أيلول�/سبتمرب � 2010صدر ق���رار رئا�سي ب�إن�شاء «جلنة العلم���اء املرجعية لتقدمي الن�صح وامل�شورة»� ،أو�ضحت ديباجة القرار الغر����ض من���ه ،وهو «متكني العلماء م���ن �أداء �أمانته���م بحق املجتمع والدول���ة ،وخا�صة يف مواجهة الغلو والتطرف والأعمال الإرهابية ... “ ،وا�ستكملت املواد والبنود الالحقة دائرة اال�ستيعاب .فالنظر يف الق�ضاي���ا العامة املت�صلة بالق�ضايا الوطنية بح�سب املادة الثالثة من القرار ،ي�أتي بطلب من رئي�س اجلمهورية الذي له �أن يحيل �إىل اللجنة م���ا يراه م���ن ق�ضايا ويطلب تدخلها فيها ب�إبداء ال���ر�أي �أو امل�شورة �أو الن�صيح���ة ،وبعد �أن مي�ضي القرار يف الت�شديد على �أن يكون الن�صح خال�ص��� ًا لوج���ه اهلل ي�شرتط �أن يت���م �إ�سداء الن�ص���ح �إىل �أويل الأمر كتابة بعد تدار�س اللجنة ملو�ضوع الن�صيحة و�إقرارها لذلك. يف ال�صيغ���ة اليمنية التي �أردنا �إحداث ال�صل���ة بينها وبني احلالة ال�سعودية – وهي �صلة غري مفتعلة يف �ضوء ما نادى به بع�ض العلماء م���ن �ضرورة الأخ���ذ بالتجرب���ة ال�سعودية يف ح�صر الفت���وى يف كبار العلم���اء -جت���اوز الأمر م�س�ألة الإذن بالفت���وى ،الذي �أ�صبح مبوجب القرار حق ًا ح�صري ًا يف جمل�س الإفتاء اليمني� ،إىل �إعادة تر�سيم دور العلم���اء وتنظيم عالقتهم بال�سلطة .م���ا �أرادت ال�سلطة قوله بجالء هو �أن املمار�سة الآمنة واملرجعية لل�سيا�سة حتت �شعار احلاكمية ويف �إطار تكوين ترعاه وتعرتف به� ،أف�ضل من املمار�سة املجردة لل�سيا�سة عرب بيانات وجتمعات خارج الف�ضاء الر�سمي.
نهاية املطاف منطق ال�سلطة الذي تعبرّ عنه املقولة الآتية« :يزع اهلل بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن». ت�ستمرئ الدولة العربية احلديثة هذا النوع من املمار�سة، وي��روق لها مثل ه��ذا املنطق ،فمنذ �أن�ش�أت الدولة العثمانية �أول م��ن�����ص��ب ل�ل��إف���ت���اء �أواخ������ر القرن الت�صحر احل�ضري اخل��ام�����س ع�����ش��ر امل���ي�ل�ادي حافظت التايل بقلم :حممد الدعمي دول��ة اال�ستقالل العربية – مبا فيها العلمانية -على هذا املن�صب ،و�أ�ضافت �إليه بع�ض التنويعات بح�سب مقت�ضى احلال .هكذا تلتقي الدولة التي تزعم تطبيق ال�شريعة – بال�صورة التي حتدثنا عنها -مع الدولة العلمانية يف هذا الفهم ،الأوىل تزعم �أنها حتمي العقيدة وت�صون بي�ضة الدين� ،أما الثانية فرتى �أنها عن طريق �إبعاد الدين عن ال�سيا�سة تطهر الدين من رج�س ال�سيا�سة وحتفظ له روحانيته .يف كل الأحوال لكل من الدولتني منطقها اخلا�ص، ولكل منها �أزمتها مع الدين وم�شكالتها مع املجتمع.
مالحظـــــات ( )1تنام���ت قدرة ال�سلط���ة يف املجتمعات العربية عل���ى ال�سيطرة ب�سبب ات�ساع منظوماتها القانونية وتكويناتها امل�ؤ�س�ساتية .ب�إمكان ال�سلطة اليوم �أن جتم���ع قوى املجتمع و�أطيافه وطوائف���ه املختلفة حتت قبة برملان واحد حتك���م ال�سيطرة عليه ،وهذا مل يكن متاح��� ًا يف ال�سابق ،لذا ينبغي النظر �إىل امل�ؤ�س�س���ات ال�سيا�سية ومنها املُنتخَ ب���ة ،و�أي�ض ًا امل�ؤ�س�سات ذات الطابع الديني على �أنها متثل – يف الو�ضع العربي الراهن « -م�ؤ�س�سات �سيطرة» �أكرث مما تعني �شيئ ًا �آخر. ( )2وج���ه العلم���اء يف ني�سان�/أبريل 2010خطاب��� ًا �إىل رئي�س اجلمهورية، طرحوا فيه جملة من الق�ضايا طالبوا معاجلتها على وجه ال�سرعة� ،أهمها حماية املنظومة القانونية امل�ستمدة من ال�شريعة الإ�سالمية و�صيانتها من العب���ث والتعدي�ل�ات املخالفة لل�شريع���ة ب�ضغط من املنظم���ات الأجنبية،
كم�شروع تعدي���ل قانون اجلرائم والعقوبات وقان���ون الأحوال ال�شخ�صية، وم�ش���روع حتديد �سن ال���زواج .لكن اخلطاب بعد �أن تن���اول ق�ضايا تتعلق بالرتبية والتعلي���م والرقابة على املدار�س الأجنبي���ة ،والتحذير من خطر التن�ص�ي�ر ،وامل�ؤامرة على احلجاب والأخ�ل�اق الإ�سالمية ،وما تتعر�ض له مراكز حتفي���ظ القر�آن الكرمي من �إهمال ،وتقلي����ص املقررات الدرا�سية يف الق���ر�آن الك���رمي والرتبي���ة الإ�سالمي���ة واللغ���ة العربي���ة ،طال���ب برفع املعان���اة االقت�صادية و�إيجاد �سيا�سة اقت�صادية وا�ستثمارية هادفة ونافعة ومن�ضبط���ة ب�أحكام ال�ش���رع ،والتعجيل برفع املظ���امل و�إعادة احلقوق �إىل �أهله���ا ،و�إط�ل�اق �سراح امل�سجون�ي�ن دون �أم���ر ق�ضائي ،و�إحال���ة �أ�صحاب الق�ضايا منهم �إىل املحاكم ال�شرعية اتقاء لدعوة املظلوم التي لي�س بينها وبني اهلل حجاب كما جاء يف اخلطاب. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
105
فـي ب�ؤرة االهتمام
ما وراء هيمنة البادية على املدينة يف عاملنا العربي املعا�صر حممد الدعمي
maldaami@yahoo.com
ال ميك���ن مل�ؤرخ الأفكار ،العربي �أو امل�سلم خا�صة� ،أن يفلت من مالحظة ظاهرة الت�صحّ ر احل�ضري التي �أملت باملراكز املدينية العربية منذ ع�صر فجر ال�سالالت يف بالد ما بني النهرين ،وهي الظاهرة الت���ي حا�صرته���ا وحمقتها حت���ى الع�صر احلديث كي تق���دم �أغلب املدن العربي���ة م�شرقية كانت �أم مغربية ،نف�سها كقرى �أو واحات مت�ضخمة ،فيزياوي ًا و�إجتماعياً ،تتناءى حافاتها و�ضواحيها حمتلطة ب�أل�سنة ال�صحارى املكونة من الرمال ال�صماء التي ال تالم�س مكان ًا �إال وتركته مت�صحراً. 106
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
حممد الدعمي باحث و�أكادميي عراقي.
ME Archive
الت�صحر احل�ضري
ال ميك���ن مل����ؤرخ الأف���كار ،العرب���ي �أو امل�سل���م خا�ص���ة� ،أن يفل���ت من مالحظة ظاهرة الت�صحّ ر احل�ضري التي �أملت باملراكز املدينية العربية منذ ع�صر فجر ال�سالالت يف بالد ما بني النهرين ،وهي الظاهرة التي حا�صرتها وحمقتها حتى الع�صر احلديث كي تقدم �أغلب املدن العربية م�شرقية كانت �أم مغربي���ة ،نف�سها كقرى �أو واحات مت�ضخمة ،فيزياوي ًا و�إجتماعي���اً ،تتن���اءى حافاته���ا و�ضواحيها حمتلطة ب�أل�سن���ة ال�صحارى املكونة من الرمال ال�صماء التي ال تالم�س مكان ًا �إال وتركته مت�صحراً. لق���د تواترت هذه احلال عرب احلق���ب التاريخية ومتغرياتها الكربى نظ���ر ًا حلقائق جتاور املراكز املدينية يف الع���امل العربي مع البوادي� ،أو على حافات ال�صحارى الكربى القادرة على �إبتالع كل �شيء عرب ربوعها اخلالي���ة ،الأمر ال���ذي يف�سر طغيان «فيزياء البادي���ة» الرملي املت�صحر اجل���اف عل���ى هذه امل���دن ،الغي��� ًا املناطق والأنطق���ة اخل�ض���راء ودافن ًا ب�أتربت���ه ال�صفراء اخلانق���ة منابع املياه والرطوبة الن���ادرة يف الفيزياء املديني���ة ال�ش���رق �أو�سطي���ة� .إنها ح���ال طوبوغرافية ت�ستح���ق املالحظة والر�صد والدرا�سة عل���ى �سبيل حماولة كنه �سر هيمنة قيم البادية على �أ�شب���اه احلوا�ضر �أو �أن�صاف املدن الت���ي نفتخر بها �أحياناً ،تلك املراكز الت���ي ن�ستورد لها ناطحات ال�سحاب اجلاه���زة امل�سلفنة كي تبدو �شبيهة مبدن العامل الغربي العمالقة ولكن دون جدوى ،للأ�سف. لقد حاولت الأقوام القدمية يف بالد �أودية الأنهار اخل�صبة (الرافدين وال�شام والنيل) الت�أ�سي�س حلوا�ض���ر ت�سودها قيم احلا�ضرة والتح�ضر، وفع ًال جنحت بع�ض املحاوالت حتى ظهرت يف منطقتنا مراكز ح�ضرية كوزموبوليتاني���ة يف الع�ص���ور الغاب���رة ،ومنه���ا باب���ل و�آ�ش���ور والقد����س (�أور�شلي���م حقب���ة ذاك) والإ�سكندري���ة م���ن بني مدن عظيم���ة �أخرى، منتفع���ة من جم���اورة م�ص���ادر املياه املاحل���ة وغري املاحلة عل���ى �سبيل �إقامة حوا�ض���ر ومراكز �إ�شعاع ح�ضري وثقايف عظمى تن�أى بنف�سها عن ال�صح���راء و�سكانها عل���ى �سبيل تقدمي �أمنوذج مدين���ي عمالق ي�ستحق الدرا�سة وحتى املحاكاة. وللم���رء �أن يالح���ظ يف �سياق كهذا �أن ظاه���رة ت�صحر املدينة يف هذا الإقليم قد تبلورت فيما بعد عرب ع�صر الفتوحات الإ�سالمية� ،إذ الحظ الفاحت���ون الآتون من بطون البوادي لدح���ر جيو�ش الفر�س على الفرات والروم عل���ى �سهول ووديان بالد ال�شام وحوايل دلت���ا النيل ،الحظوا �أن عليه���م �أن ي�ؤ�س�سوا «مع�سك���رات» (ولي�س مدن) يرتك���ز فيها الفاحتون وعوائلهم بطريقة جتعلهم دائم ًا على حافات ال�صحارى حتى ميكن من ه���ذه املراكز �أو املع�سك���رات ممار�سة عمليات الكر والف���ر �أمام جيو�ش الإمرباطوريات القدمية .وهكذا ظهرت �أوىل املدن العربية على �سواحل الف���رات والنيل :مت�صح���رة مقفرة ،حتت عن���وان «الأم�ص���ار» :الكوفة والب�صرة والف�سطاط ثم القريوان .حول هذه النوى (جمع نواة) �أخذت
امل���دن العربي���ة اجلديدة تت�ضخم وتتو�سع .ويف الوق���ت الذي انتخب فيه الإم���ام علي ب���ن �أبي طال���ب (كرم اهلل وجه���ه) الكوف���ة عا�صمة لدولة اخلالفة الفتية ،كانت تل���ك املدينة/املع�سكر مق�سمة على نحو �أحياء �أو مناطق ب�أ�سم���اء القبائل العربية التي قطنتها وكون���ت �أو �شكلت القوات الفاحتة التي جاءت �إىل العراق و�إنتقت موقع الكوفة مع�سكر ًا ثم مدينة له���ا .وتنطب���ق ذات احل���ال على بقي���ة الأم�ص���ار الرئي�سية ب�ي�ن الكوفة والقريوان. املهم يف هذا ال�سياق التاريخي هو �أن هذه املدن النا�شئة بقيت �ضحية لفيزياء البادية الداهم الذي كان يغزوها من �آن لآخر على نحو عوا�صف رملية خانقة �أو موجات بدوية� ،أو �أحيان ًا على نحو جراد �صحراوي جائع ال يبق���ي وال يذر� .أما بقاء �أو توا�صل عن�ص���ر البادية داخل هذه املراكز احل�ضري���ة ،فقد عبرّ ع���ن نف�سه يف خط���ط هذه امل���دن املق�سمة ح�سب �أ�سماء الع�شائر والقبائل :فهذا حي متيم ،وذاك حي بنو ا�سد� ،أو ج�شعم �أو طي ،وهكذا. مل حت���اول �أم�ص���ار الع���رب امل�سلم�ي�ن القادمني من بط���ون البوادي ن���زع جلدها ال�صحراوي على �سبيل حم���اكاة حوا�ضر الرافدين وال�شام وم�ص���ر املتط���ورة القدمي���ة الغنّاء ،بل ه���ي مت�سكت به���ذا اجللد ون�أت بنف�سه���ا عما ظهر ل�سكانها وك�أنه «ت���رف» �أو نعومة �أهل الكفر وال�شرك م���ن بقايا الثقاف���ات القدمي���ة التي هزمها الع���رب على �أر����ض العراق وب�ل�اد ال�شام .لذا راح���ت املراكز املدنية العربي���ة اجلديدة متد ج�سور ال�صل���ة والتوا�صل م���ع ال�صحراء ولي�س مع ب�سات�ي�ن الوديان اخل�صيبة، الأم���ر الذي قاد �إىل �سي���ادة قيم البادية يف هذه امل���دن �أو �أ�شباه املدن، بدي ًال عن قيم التمدن والإ�ستقرار :وهكذا راح �سكان هذه املدن يعرفون بانت�ساباته���م القبلية و�ألقابهم الع�شائرية ،لي����س فقط بحدود التعريف والهوي���ة ،و�إمن���ا كذلك بحدود ال�سل���وك و�أمناطه الفردي���ة واجلماعية، حي���ث هيمنت وحتى الآن قيم البداوة على م���دن و�سط وجنوب العراق، مث�ل�اً ،بدي ًال عن قي���م املدينة الثقافي���ة املتح�ضرة ،الأم���ر الذي يف�سر دوافع و�إرها�صات التم�س���ك باملمار�سات البدوية العتيقة كالث�أر ون�صرة �أقرب���اء ال���دم وغ�سل العار من ب�ي�ن �سواها من املمار�س���ات والقيم التي نهى الإ�سالم عن بع�ضه���ا ،ولكنها بقيت متوا�صلة تتحرك وت�سري حتت «رادار الرقيب امل�سلم» القادم من املدينة. ق���د تك���ون هذه مداخلة مهم���ة الآن بقدر تعلق الأم���ر مبا نالحظه من ت�شب���ث الإن�س���ان املدين���ي يف امل�ش���رق العرب���ي خا�صة بقي���م ال�صحراء وب�أ�صولها البدوية التي قد تتناهى �إىل «جاهلية» من النوع املخيف الذي يراد جتنبه واحلذر منه اليوم. رمب���ا كانت ه���ذه املداخلة مهمة كذلك من ناحي���ة �ضرورات مالحظة �أويل الأم���ر يف احلكومات العربية عملي���ة و�أهمية التخطيط احل�ضري: العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
107
فـي ب�ؤرة االهتمام م�صادر املياه ،الأنطقة وامل�ساحات اخل�ضراء التي متنح الإن�سان املديني م���ا يحتاج �إليه من �صف���اء ورواق املدينة القابلة للرتجمة على نحو علوم وفنون و�إبداع ،مدار�س وجامع���ات .كم من خمططينا احل�ضريني و�ضع ن�ص���ب عيني���ه �أو يف �أولوياته وج���ود مكتبة عامة ،للن����شء وللكبار؟ وكم م���ن ه�ؤالء فكّ���ر مبدار�س للمو�سيقى والبالي���ه يف خططه ملدننا القدمية واجلدي���دة؟ ه���ل نتذك���ر بن���اء م�س���ارح ودور �سينم���ا كافي���ة للأن�شطة الإجتماعي���ة يف جمتمعات تقيم �أعلى اجلدران الفا�صلة بني اجلن�سني.. ه���ذه ق�ضايا ت�ستح���ق املالحظة و�أن�شط���ة تبادل الر�أي م���ا دامت مدننا ت�ستجيب للت�صحر وال�صحرنة ،فيزيائي��� ًا و�إجتماعي ًا على نحو متوا�صل خميف. لي�س هناك ثمة �شك يف �أن بغداد قد بنيت لتكون مدينة ،بل وعا�صمة، باملعن���ى احلقيق���ي للكلم���ة ،كم���ا �أراده���ا اخلليف���ة �أبو جعف���ر املن�صور
العبا�س���ي؛ وتنطب���ق ذات احل���ال عل���ى القاه���رة كم���ا �أراده���ا اخلليفة الفاطمي .بغداد مدينة والقاهرة مدينة ،ولكن الكوفة والب�صرة (الإبلة يف الأ�ص���ل) مل تكن مدن ًا باملعن���ى احلقيقي للكلمة ،ذلك �أن عدد ًا كبري ًا م���ن املدن العربي���ة العريقة بنيت كمع�سكرات .ه���ذه احلال تنطبق على الكوف���ة والب�ص���رة ،بكل ت�أكيد ،وه���ي تنطبق كذلك عل���ى �سامراء (�سُ ّر م���ن ر�أى)� ،إذ يتح���ول املع�سكر �إىل ن���واة للمدينة كي تت�ضخ���م وتتو�سع حت���ى تدخل �إليه���ا الأ�سواق واحلواري والأحياء ،ث���م ليتبع ذلك موجات الهجرات من الريف �إىل املدينة كي تختلط الدماء كما تختلط الثقافات والعادات والتقاليد. من هنا يتوجب علينا �أن نناق�ش مو�ضوع ًا مهم ًا �سبق و�أن طرح من قبل 108
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
Lucie Debelkova
القيم ال�صحراوية اجلرداء تتج�سد ،لي�س فقط يف االعتزاز والتباهي الذي يعك�س��ه الإن�سان احل�ضري العربي بانت�سابه لل�ص��حراء؛ ب��ل كذل��ك يف الإهتمام ال��ذي يخ�ص به �س��كان املدن العربية الألقاب الع�ش��ائرية والقبلية ،وهي من بقايا �سيادة روح القبيلة يف البادية وع�صبياتها
�أذكى العقول العربية املعا�صرة؛ وهو مو�ضوع مفتوح للجميع ممن يودون امل�ساهمة يف �أن�شطة تبادل الر�أي حوله .املو�ضوع ،باخت�صار هو :ملاذا ال منلك يف العامل العربي “مدناً” �أو “حوا�ضراً” باملعنى الدقيق للفظني، �أي مدن ًا مثل لندن �أو نيويورك ،حيث ي�شعر املرء �أنه يف ظل ح�ضارة مدنية �أخ���اذة باملعنى ال�صحيح؟ ثمة �شعور بالإنغمار يف �أجواء املدينة يعرتيك و�أن���ت تتم�ش���ى بني �أنواع خمتلفة م���ن املارة يف �ش���وارع “مونامارتر” �أو يف �أزق���ة “�سوهو” :هل تكت�س���ب املدينة �صفتها “املدينية” من �سكانها، �أم مم���ا يحملوه يف دواخلهم من �أخالقيات وقي���م �إجتماعية؟ وهل هذا ق���د حتقق يف �أي���ة مدينة عربية �سابق ًا كي ندّعي ب����أن لنا مدن ًا ميكن �أن تقارن بامل���دن الأوربية �أو الأمريكية؟ بلى ،حاول���ت بريوت ما قبل 1973 �أن تبل���ور �صورة ملدينة عربية� ،شرق �أو�سطي���ة ميكن �أن تقارن �شوارعها (احلم���را خا�صة) ب�شوارع ومقاهي مدن �أوربية جميلة� ،إال انها �سرعان م���ا ابتلعت يف غياه���ب الع�صبيات الطائفي���ة وال�سيا�سية كي تبقى اليوم طل�ل�اً من حلم مديني عرب���ي كان يجتذب اجلميع �إليه بحث ًا عن الراحة و�شيء من احلرية. ه���ذا �س�ؤال ي�ستدع���ي الكثري م���ن املناق�شات واجلدل ال���ذي ميكن �أن يقودنا ،من منظور �أول� ،إىل نظرية الفيل�سوف الإجتماعي العراقي ،علي الوردي ،الذي الحظ “�إزدواجية ال�شخ�صية العراقية” ،مبعنى ال�شرخ امل�ؤمل الذي تعانيه وتئ����ن حتت وط�أته بني الإنتماء للمدينة من ناحية، وب��ي�ن الوالء لقي����م البداوة من الناحي����ة الثانية� .أهمي����ة هذه النظرية الوردية ،بر�أيي ،ال تنطلق من ر�صد ال�شخ�صية املدينية العراقية فقط، �إذ �أن الإزدواج ال يتح����دد باب����ن بغ����داد �أو املو�صل فق����ط ،لأنه ينطبق كذل����ك على �أبناء دم�شق وعمّ����ان والقاهرة وب��ي�روت و�صنعاء من بني �سواه����ا من امل����دن العربية التي مل تفلح احلي����اة يف دواخلها من تنقية الإن�س����ان املديني العربي من قيم البداوة املختفية يف �أعماق �أعماقها. �إن الأدل����ة على ما نذهب اليه اليوم من تو�سيع وتعميم لنظرية الوردي على جميع دول ال�ش����رق الأو�سط ت�أخذ مدياتها كاملة يف حنو الإن�سان املدين����ي يف �أغلب امل����دن العربية لأخالقيات ال�صح����راء ،وت�سييده لها بد ًال من ت�سييد قيم احلا�ضرة واملدينة. ه����ذه القيم ال�صحراوية اجل����رداء تتج�سد ،لي�س فق����ط يف الإعتزاز والتباهي الذي يعك�سه الإن�سان احل�ضري العربي بانت�سابه لل�صحراء؛ ب����ل كذلك يف الإهتم����ام الذي يخ�ص به �سكان امل����دن العربية الألقاب الع�شائري����ة والقبلي����ة ،وهي من بقايا �سي����ادة روح القبيل����ة يف البادية وع�صبياته����ا ،الأمر ال����ذي يدل ،كم����ا �أرى ،على �أن البادي����ة هي التي حتك����م املدينة يف العامل العربي ،ولذا كانت قيم الث�أر والإنتقام وغ�سل الع����ار والإ�ستخدام الق�سري املهني للمر�أة كـ”ديّ����ة” �أو ك�أداة لت�صفية النزاعات القبلية ولت�سوية اخلالفات الع�شائرية والعائلية! الح����ظ ،يف هذا ال�سي����اق ،دموية طرائق ت�سوي����ة احل�سابات يف املدن العربي����ة ،والح����ظ كذل����ك رف����ع الكلف����ة م����ع القان����ون و�أدوات تنفيذه كال�شرط����ة واجلي�ش والدرك .الإن�سان املدين����ي العربي يف�ضل ت�صفية ح�سابات����ه بنف�س����ه لأنه مل ي����زل ي�شعر بحماية اجلار واب����ن العم ،وهي
راح��ت املراك��ز املدني��ة العربية اجلديدة متد ج�س��ور ال�ص��لة والتوا�ص��ل م��ع ال�ص��حراء ولي�س مع ب�س��اتني الوديان اخل�صيبة ،الأمر الذي قاد �إىل �سيادة قيم البادية يف هذه املدن �أو �أ�شباه املدن ،بدي ً ال عن قيم التمدن واال�ستقرار الأه����م من حماي����ة القانون واجلي�����ش وال�شرطة بالن�سب����ة له :ال داعي لالرجت����اع �إىل عدد كبري م����ن الأحداث الدموية الت����ي ع�صفت مبدن عربي����ة ب�سب����ب تف�ضي����ل الإن�س����ان العربي ،بغ�����ض النظر ع����ن دينه �أو والئ����ه املذهبي� ،أدواته اخلا�صة لت�صفي����ة احل�سابات .هذه هي عدالة البادي����ة امل�ستوحاة من خلو البادية من ال�سلطة املركزية ومن قدراتها الالحمدودة على توفري املخابيء ملن يريد �أن ال يرى! �إذا كان����ت ه����ذه هي الآف����اق الوا�سع����ة التي قد يقودن����ا �إليها عقل الوردي الذكي (الحظ تعدد الدهاليز واملنعطفات الفكرية الرثة التي ميك����ن �أن تظه����ر وترتى) ،ف�إن علينا �أن نرد مع�ضل����ة هيمنة القرية �أو �سيادتها على املدينة العربية �إىل �أ�صل �آخر ،وهو� :أن الغالبية العظمى م����ن املدن العربية �إمنا كانت ق����رى مل تلبث و�أن ت�ضخمت على ح�ساب جوارها الريفي لت�ضم الريفي��ي�ن وقيمهم �إىل دواخلها ،كي تخرج من ناحي����ة ثانية “قري����ة مت�ضخمة” ،قرية يف�ضل �سكانه����ا تربية اخليول والأبق����ار والنع����اج عل����ى التعامل م����ع ال�سي����ارة وو�سائل النق����ل العام، من الطائ����رة �إىل القاطرة والرتم����واي ،بينما ي�ستبدل����ون الديوانيات باملقاهي والعابها. �أعتقد �أن علينا جميع ًا ونحن نقود �سياراتنا يف �شوارع مدن زاهرة كم�سق����ط �أو دب����ي �أو الريا�����ض� ،أن نُعي����د تقييم ال����ذات ،لي�س فقط يف
قوة و�سيادة قيم القري����ة و�أمناطها ال�سلوكية (وهي قيم و�أمناط طاملا تبخرتن����ا باملحافظة عليها حتت عناوين من نوع “نظرية الرتاث”!). هي �أمناط �سلوكية ميكن �أن يح�سدنا عليها �أهل البادية ب�سبب تفوقها لدين����ا (نح����ن �سكان املدن) عل����ى �أمناط ال�سلوك الب����دوي يف القفار، حيث الأر�ض اليباب التي ال تتيح ل�ساكنها �شيئ ًا قط �سوى الإ�ستذكارات والت�أمل وال�شعر املتناغم مع ذبذبة حركة اجلمل. ه����ذه �أ�سئل����ة تقودنا كذلك �إىل �س�ؤال �أكرث �أهمية ،وهو :هل املدينة العربي����ة حتك����م نف�سه����ا بنف�سه����ا؛ �أم �أن القري����ة �أو البادي����ة هي التي حتكمها؟ ه����ل �أن الأنظمة ال�سائدة يف هذه امل����دن يقودها “مدنيون” باملعن����ى ال�صحيح للكلمة ،من نواحي القيم العرب ودرو�س التجربة املاليزية امل�ستن��ي�رة يف دواخله����م وم����ن نواحي التايل بقلم :حممد �أبو غزله �آفاقهم الفكرية والثقافية� ،أم �أن �أغلب ه�ؤالء يحتفظون بقيم ال مدنية ،بل قروية �أو بدوي����ة غري قادرة على حتمّل التو�سّ ع امل����دين �أو املديني الذي يطر�أ عل����ى العقلي����ات قبل �أن يتج�س����د يف بناء اجلامعات الكب��ي�رة والأبراج العالي����ة ،م����ن بني �سواها م����ن م�شتمالت امل����دن الغربي����ة ،كاملراق�ص والن����وادي الليلي����ة ،وكظواهر االختالط يف جمي����ع نواحي احلياة .هي �أ�سئلة ت�ستحق الت�أمل والإرتدادات الفكرية الذكية. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
109
وكنتيج���ة لذل���ك ،انخف�ض عدد العاطلني عن العم���ل �إىل حوايل مليون م���ن 26.5مليون هو ع���دد �سكان ماليزيا� ،أي بن�سب���ة �أقل من .% 4كما تطورت ماليزيا �سيا�سي ًا ب�شكل كب�ي�ر ،فمنذ اال�ستقالل وماليزيا تتمتع بانتخابات دميقراطية حرة ونزيهة ،وتداول �سلمي لل�سلطة على الر غم م���ن الرتكيب���ة الدميوغرافية املعقدة ن�سبي ًا مقارن���ة بغريها من البالد الإ�سالمي���ة .فكي���ف متكن���ت ماليزيا من حتقي���ق هذا التط���ور ،وكيف ميك���ن للعامل العرب���ي �أن ي�ستفيد من هذه التجرب���ة الفريدة يف حتقيق اال�ستقرار ال�سيا�سي والتطور االقت�صادي وال�سلم االجتماعي؟ �سنحاول يف ه���ذه الورقة ا�ستك�ش���اف بع�ض �أهم جماالت الت���ي ميكن اال�ستفادة منها يف هذه التجربة ،ولن نخو�ض يف �أ�سباب جناحها ،فقد �سبق وقمنا به���ذا يف درا�سة ن�شرت عام ،2008وهي متوف���رة على ال�شبكة الدولية. و�سيقت�ص���ر احلدي���ث على م�ستوي�ي�ن هامني ،وهما امل�ست���وى ال�سيا�سي وامل�ستوى االقت�صادي. �أوالً :امل�س��توى ال�سيا�س��ي :نظام �سيا�س��ي يجمع بني ال�س��لطة املدنية/العلمانية وال�سلطة الدينية يعترب النظام ال�سيا�سي املاليزي فريد ًا يف �شكله ورمبا يف جوهره �أي�ضاً، وقد كان لهذا دور ًا هام ًا يف حتقيق اال�ستقرار ال�سيا�سي ومن ثمّ ال�سري بثبات يف عملية التحديث .فهو خليط من دميقراطية برملانية فدرالية، وملكية د�ستورية :فمن حيث ال�شكل ،هناك برملان يتم انتخابه بطريقة ح���رة ونزي���ه مبا�شرة من ال�شع���ب ،ومنه تنبثق احلكوم���ة وفق ًا لقاعدة الغالبي���ة ،ولهذا ف�إن رئي����س الوزراء هو احلاكم الفعل���ي للبالد و�صانع الق���رار داخلي��� ًا وخارجياً .وهن���اك ملك للبالد يت���م انتخابه كل خم�س �سن���وات من قبل جمل����س ال�سالطني الت�سعة (هن���اك �سلطان لكل والية من الوالي���ات الت�سعة ذات الغالبية امل�سلمة) .وعلى عك�س ما هو احلال يف النظ���م امللكية �سواء الدميقراطية منها كربيطانيا �أو التي يتمتع فيه املل���ك باحلكم املطلق �أو �شبه���ه كما هو احلال يف امللكيات العربية ،ف�إن امللك يف ماليزيا ،و�إن كان ال يحكم فعلياً ،فهو يتمتع ب�صالحيات مهمة لي�س فق���ط كرئي�س للدولة و�إمنا كزعيم لل�سلط���ة الدينية على امل�ستوى الفدرايل ،وهي ال�سلطة التي تتمثل يف حماية الدين الإ�سالمي و�ضمان تطبيق تعاليم���ه يف بع�ض جماالت كالأحوال ال�شخ�صية والآداب العامة كاخللوة ال�شرعية ،حيث يوج���د �شرطة خا�صة ت�سمى “�أجاما �إ�سالم” �أي ال�شرطة الدينية ،وتتبع امللك مبا�شرة. وميك���ن �أن ي�ستف���اد م���ن النظ���ام املالي���زي يف الع���امل العرب���ي على م�ستوي�ي�ن :م�ست���وى الدول���ة القطري���ة ،وم�ست���وى الوح���دة الفدرالية. ويف كال امل�ستوي�ي�ن ،ال ب���د م���ن وج���ود دميقراطي���ة حقيقة تق���وم على انتخاب���ات حرة ونزيهة ومبا�شرة ت�أخذ بع�ي�ن االعتبار الطبيعة الدينية واخل�صو�صية الثقافي���ة للمجتمع العربي .وه���ذا يت�ضمن �إيجاد برملان ف���درايل على امل�ستوى الأول يتكون من جمل�س�ي�ن :جمل�س ال�شيوخ الذي
فـي ب�ؤرة االهتمام
االلتفات �شرق ًا
ً عربيا التجربة املاليزية والدرو�س امل�ستفادة حممد �أبو غزله
ghazlehm@yahoo.com
رمبا ال يوجد هناك دولة يف العامل الإ�سالمي ،ورمبا العامل النام���ي ككل ،متكنت من حتقيق تطور �سيا�سي واقت�صادي يف فرتة وجي���زة ن�سبي��� ًا كماليزيا .فبعد �سن���وات قليلة من اال�ستق�ل�ال عن بريطاني���ا ع���ام � ،1957أ�صبح���ت ماليزيا ت�صن���ف -وفق��� ًا ملعاي�ي�ر البن���ك ال���دويل �آن���ذاك -كدولة متو�سط���ة الدخل .ومنذ ذلك التاريخ حافظت ماليزيا على معدالت منو �سنوية عالية ن�سبي ًا تراوحت ما بني 7-6باملائة يف الفرتة من � 1970إىل .2000 Flickr, Google, ME Archive
110
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
حممد �أبو غزله مدير املركز الرتبوي الثقايف ،دارم�شتات � -أملانيا.
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
111
فـي ب�ؤرة االهتمام يت���م تعيني ن�ص���ف �أع�ضائه من امللك �أو الرئي����س ،بينما تختار املجال�س الت�شريعي���ة للوالي���ات الن�صف الثاين؛ وجمل�س للن���واب الذي يتكون من ن���واب فدراليني يتم انتخابه���م مبا�شرة من ال�شع���ب يف دوائر انتخابية فردي���ة وفق ًا للتعددية احلزبي���ة .وتعقد االنتخاب���ات كل خم�س �سنوات. ول���كل والية جمعية ت�شريعي���ة �أو برملان حملي ينتخ���ب �أع�ضائه مبا�شرة بالتزامن مع االنتخابات الفدرالية ،وجمال�س حملية تنفيذية يتم تعينها وفق��� ًا ملعايري معينة من قبل جمل�س الوزراء .ويتم اختيار �أع�ضاء جمل�س الوزراء م���ن بني �أع�ضاء الربملان .واملجل�س ورئي�س���ه م�سئولون م�سئولية مبا�شرة �أمام الربملان. �أم���ا بالن�سب���ة للوالية العام���ة التي تتمث���ل يف امللك �أو الرئي����س� ،سواء على امل�ست���وى الوطني القطري �أو حتى على امل�ست���وى الفدرايل املن�شود يف الع���امل العرب���ي ،فيمكن للمل���ك �أو الرئي�س كر�أ�س للدول���ة �أن ميتلك �صالحي���ات �أ�سا�سية يف �إدارة ال�سلط���ة الدينية وال�ش�ؤون الثقافية ،وتتبع له املحاكم ال�شرعية وال�شرطة الدينية. وبن���اء عل���ى م���ا �سبق ،ف����إن هذا النظ���ام املختل���ط ميك���ن �أن ي�ضمن املحافظ���ة عل���ى اخل�صو�صي���ة الديني���ة والثقافي���ة للع���امل العربي كما ه���و احل���ال يف ماليزيا ،ويعمل يف نف����س الوقت على حتقي���ق اال�ستقرار ال�سيا�سي ال�ض���روري لأية تنمية اقت�صادي���ة �أو علمية؛ فهو نظام ب�سيط يقوم عل���ى تفعيل العالقة بني الدوائر االنتخابي���ة وممثليها يف الربملان م���ن جهة ،وي�ساعد على توحيد والتقاء امل�صالح اجلماعات املتعددة من جهة �أخرى ،بب�ساطة لأن الأحزاب ال�سيا�سية التي متثل هذه اجلماعات والت���ي تعم���ل يف ظل نظام الأغلبية تعتمد على قاع���دة �شعبية وا�سعة و/ �أو تبح���ث يف الغالب عن ائتالف���ات �سيا�سية وا�سعة عادة ما تتيح املجال
يف الوق���ت الذي ميار����س فيه �أمناط ًا اقت�صادي���ة ر�أ�سمالية ،حيث يجمع مث�ل�اً يف ال�سيا�س���ة االقت�صادي���ة ب�ي�ن الر�أ�سمالية الليربالي���ة من جهة، وبني التدخل احلكوم���ي يف االقت�صاد من جهة �أخرى؛ وهو نظام يحمي اخل�صو�صية الإثنية والثقافية للأعراق املختلفة ،بينما يعمل على غر�س امل�شاعر الوطنية يف �أذهان املواطنني على اختالف م�شاربهم. ويت�ضح من هذا �أن النظام ال�سيا�سي واالنتخابي يف ماليزيا لعب دور ًا هام��� ًا و�أ�سا�سي ًا يف حتقيق اال�ستقرار االجتماعي وال�سيا�سي واحلكومي، كما �ساعد على حتقيق �أه���داف ال�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة وعملية التحدي���ث التي ب���د�أت يف ال�سبعينيات وهو ما ميك���ن �أن يُ�ستَفاد منه يف العامل العربي.
ثانياً :على امل�ستوى االقت�صادي
112
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ماليزي���ا دولة تقع يف جنوب �شرق �آ�سيا وه���ي تتكون من 13والية وثالث���ة �أقاليم احتادية ،مب�ساحة كلية تبلغ 329.845كيلو مرت مربع ( 127.354مي���ل مرب���ع) .العا�صمة ه���ي كواالملب���ور ،وي�صل تعداد ال�س���كان �أكرث من 28مليون ن�سمة .ينق�سم البلد �إىل ق�سمني يف�صل بينهما بح���ر ال�صني اجلنوبي ،هما �شبه اجلزيرة املاليزية وبورنيو املاليزي���ة (املعروفة �أي�ض ًا با�سم ماليزي���ا ال�شرقية) .يحد ماليزيا كل من تايلند� ،إندوني�سيا� ،سنغافورة و�سلطنة بروناي .تقع ماليزيا بالقرب من خ���ط اال�ستواء ،ومناخها مداري .ر�أ�س الهرم املاليزي ه���و يان���غ دي بريت���وان �أغونغ ،وه���و ملك منتخ���ب ،بينم���ا يرت�أ�س احلكومة رئي�س الوزراء. مل يك���ن ملاليزيا كدولة موحدة وجود حتى عام .1963يف ال�سابق، ب�سطت اململكة املتح���دة نفوذها يف م�ستعمرات تلك املناطق �أواخر القرن الثامن ع�ش���ر .ويتكون الن�صف الغربي من ماليزيا احلديثة من عدة ممال���ك م�ستقلة .عرفت هذه املجموع���ة من امل�ستعمرات با�س���م مااليا الربيطانية حت���ى حلها عام ،1946عندم���ا مت �إعادة تنظيمه���ا �ضمن احت���اد املاليو .نظ���ر ًا للمعار�ضة الوا�سع���ة� ،أعيد تنظيمها م���رة �أخرى �ضمن احتاد مااليا الف���درايل يف عام ،1948 ث���م ح�صلت عل���ى اال�ستقالل يف وق���ت الح���ق يف � 31آب�/أغ�سط�س .1957ودجم���ت كل م���ن �سنغاف���ورة� ،ساراواك ،وبورني���و ال�شمالية الربيطانية واحت���اد مااليا جميعها لت�شكل ماليزي���ا يوم � 16أيلول/ �سبتمرب .1963 خ�ل�ال �أواخ���ر الق���رن � ،20شه���دت ماليزي���ا طف���رة اقت�صادي���ة وخ�ضعت لتطور �سريع .حيث يحدها م�ضيق ملقا ،وهو طريق بحري مه���م يف املالحة الدولية ،كما �أن التجارة الدولية جزء �أ�سا�سي من اقت�صادها .وت�شكل ال�صناعة �أحد القطاعات الرئي�سية يف اقت�صاد البالد.كما متتلك ماليزيا تنوع��� ًا حيوي ًا من النباتات واحليوانات، حيث تعترب من بني الدول 17الأكرث تنوع ًا يف العامل. اللغة الر�سمية :املالوية. نظ��ام احلك��م :ملك���ي د�ست���وري ،في���درايل ،برمل���اين دميقراطي. �سلطان ماليزيا :ميزان زين العابدين. رئي���س ال��وزراء :حمم���د جني���ب ب���ن ت���ان عبد الرزاق. الن��اجت املحلي الإجم��ايل (تقدير :)2009 384.119مليار دوالر. العملة :رينغيت ماليزي. امل�صدر :ويكيبيديا ،املو�سوعة احلرة. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
Wikipedia, Google
لع���ل االقت�صاد هو من �أك�ث�ر املجاالت التي ميك���ن �أن يُ�ستفاد منها يف التجرب���ة املاليزي���ة .فالنموذج املالي���زي يف هذا املجال لي����س فريد ًا يف هيكل���ه و�إطاره ،ولكن���ه فعّال يف تطبيقه وممار�ست���ه .فهناك الكثري من ال���دول التي حاولت تبني نظام خمتلط يجمع ما بني مميزات االقت�صاد احل���ر ويف نف�س الوقت يعتمد عل���ى التدخل والتوجي���ه احلكومي ،ولكن قلي�ل�اً من هذه الدول من ا�ستطاعت تطبيق���ه بنجاح على �أر�ض الواقع، ولعلن���ا ال نبال���غ �إذا قلن���ا �إن ماليزيا م���ن �أكرث الدول -ه���ذا �إن مل تكن �أبرزه���ا -التي متكنت من حتقيق هذا بفعالية وجناح م�شهودين .وفيما يلي �أهم جماالت التي ميكن اال�ستفادة منها: النمو امل�ستدام والتوزيع العادل للدخل والرثوة :يعترب النمو االقت�صادي حج���ز الزاوية يف �أية تنمية .فمن دون �سيا�سات وم�ؤ�س�سات وا�ستثمارات اقت�صادية فعّالة من ال�صعب على �أية النظام ال�سيا�س��ي واالنتخاب��ي يف ماليزيا لعب دور ًا هام ًا و�أ�سا�س��ي ًا يف حتقيق دولة �أن تقوم بتح�سني امل�ستوى املعي�شي ملواطنيها. اال�س��تقرار االجتماعي وال�سيا�سي واحلكومي ،كما �ساعد على حتقيق �أهداف فالأ�صل يف النمو الدائم �أن يزيد من الدخل ويوفر ال�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة وعملية التحديث التي بد�أت يف ال�سبعينيات فر����ص عم���ل ،ويع���زز الأم���ن الغذائ���ي ،ويخف�ض وهو ما ميكن �أن ُي�س َتفاد منه يف العامل العربي الفق���ر .ولكن ه���ذا ال يتحق���ق دائم ًا كم���ا نرى يف العدي���د م���ن البل���دان العربي���ة .وله���ذا فالتنمية مل�شاركة الأحزاب ال�صغرية التي يتم تهمي�شها يف ظل الأنظمة الرئا�سية. هذه امليزات تزيد من فر�ص اال�ستقرار احلكومي وال�سيا�سي الذي يعترب االقت�صادي���ة احلقيقية هي التي ته���دف �إىل تخ�صي�ص املوارد بطريقة متطلب��� ًا �أ�سا�سي��� ًا لتطور املجتمعات النامية .ورمب���ا ينا�سب هذا النظام ت�ضمن منو الدخل احلقيقي لكل فرد ،وتت�أكد من �أن الدخل والرثوة يتم فع�ل�اً الدميقراطي���ات النا�شئة .وله���ذا جند �أن هذا النظ���ام قد �ساعد توزيعها بطريقة عادلة و�شاملة .ولقد كانت الإ�سرتاتيجية املاليزية دائم ًا عل���ى �إيجاد ائتالف حكومي وا�سع يف حال���ة ماليزيا ولفرتة طويلة نادر ًا ت�أخذ بعني االعتب���ار هذين الهدفني ،وقد �صاغت ال�سيا�سة االقت�صادية م���ا حتدث يف الدول الت���ي تتبنى هذا النظام .فف���ي الوقت الذي يخدم اجلدي���دة الت���ي طبقت يف الفرتة ما ب�ي�ن 1971و 1990منوذج��� ًا ناجح ًا فيه ه���ذا النظام احلزب �أو االئتالف احلاكم ،ف�إن���ه �أي�ض ًا ميثل حافز ًا لإعادة توزيع الدخل والرثوة ولكن دون الت�ضحية بالنمو ،وهي ال�سيا�سة قوي ًا لأحزاب املعار�ضة لالندماج �أو ت�شكيل ائتالف موازى من املعار�ضة الت���ي ميكن �أن تكون منوذج��� ًا قاب ًال للتطبيق يف الع���امل العربي .فبينما ملناف�س���ة احلكوم���ة ،والعمل عل���ى حما�سبته���ا �إن جت���اوزت حدودها �أو حتق���ق العديد م���ن ال���دول العربية معدالت من���و عالية ن�سبي��� ًا وبع�ضها معق���ول ،ف�إن معدالت البطالة والفقر يف ازدياد م�ستمر ،وهو ما ينعك�س اخرتقت القانون. ب�شكل �سلبي على الأمن االجتماعي وحتى على الوحدة الوطنية يف بع�ض كما �أن مثل هذا النظام يعمل على ا�ستيعاب التباينات العرقية والدينية البلدان .ولهذا حتتاج ال���دول العربية �إيل �سيا�سة اقت�صادية ت�ؤدي لي�س والثقافي���ة املتع���ددة �إن وج���دت ،ويحاف���ظ على اال�ستق���رار االجتماعي فقط �إىل حتقيق معدالت منو مرتفعة �أو م�ستقرة وهذا �أمر مطلوب ،و�إمنا ال�ضروري لعملية التحديث :فهو نظام يروج للقيم واملفاهيم الإ�سالمية
�أي�ض��� ًا �سيا�سة ت�ضمن توزيع ًا ع���اد ًال للدخل والرثوة ،ومن ثم ت�ساعد على تخفي�ض مع���دالت البطالة والفقر وبالنتيجة حتقي���ق الرفاه االقت�صادي واالجتماعي للمواطن�ي�ن .وهذا النمو امل�ستدام هو ال���ذي ينتج بالأ�سا�س عن �سيا�سات وم�ؤ�س�سات تدعم الأ�س���واق اخلا�صة ،وتهتم باال�ستثمارات العام���ة يف املوارد الب�شري���ة والبنى التحتية .فما هي �أه���م الدرو�س التي ميكن �أن تُ�ستفاد من التجربة املاليزية يف النمو االقت�صادي امل�ستدام؟ �أوالً ،قام���ت احلكومة بخل���ق بيئة من�سجمة مع مع���دالت منو عالية من خ�ل�ال �سيا�س���ات مرنة ،وا�ستثم���ارات رئي�سي���ة يف البن���ى التحتية ،ومنو �سري���ع لر�أ�س امل���ال الب�شري .وقد اعتربت العديد م���ن الدرا�سات مرونة احلكومة املاليزية على �أن���ه العن�صر احلا�سم يف حتقيق النمو امل�ستدام. فقد �أظهرت احلكومة خا�صة خالل فرتة ال�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة قدرته���ا عل���ى التكيف مع الظروف املتغرية .فكان عليه���ا �أن تو ِفّق ما بني النمو من جهة ،واعتبارات امل�ساواة والعدل من جهة �أخرى ،بينما دفعتها الظ���روف املتغرية �إىل حتوي���ل تركيزها واهتمامها من ف�ت�رة �إىل �أخرى فق���د قاومت بقوة املنا�ش���دات للتخلي عن �أحد الهدف�ي�ن .وعندما ننظر �إىل �سيا�س���ة احلكوم���ة ،فمن املهم �أن منيز ب�ي�ن التدخل وبني التغطية �أو التعتيم .فالأول هو حماولة من حلكومة للت�أثري يف الأداء االقت�صادي من خالل �سيا�سات الإنفاق ،بينما يتعلق الثاين بتغطية �أو رمبا ت�سرت حكومي عل���ى الإ�ش���ارات ال�سلبية التي قد ير�سلها �أدائه���ا االقت�صادي ،من خالل على �سبيل املثال ال�سيطرة على العملة �أو الأ�سعار. ع�ل�اوة على ما �سبق ،ف����إن �سيا�سة احلكوم���ة ال�ضريبية مل تكن م�ضرة بقط���اع الزراعة ،وذلك من �أجل متكينه م���ن النمو ومن ثم امل�ساعدة يف متويل التطور االقت�صادي يف القطاعات الأخرى .فنجاح ماليزيا يف تعزيز النمو و�إعادة توزيع الدخل ،وكذلك �إنهاء الفقر يف الأماكن الريفية يعود ب�شكل كبري �أي�ض��� ًا �إىل االهتمام الذي �أُعطي للتنمية الزراعية والريفية. كما �أن اال�ستثمار يف البنية التحتية �شجع القطاع اخلا�ص على اال�ستثمار يف الزراعة الذي مكن احلكومة باملقابل من متويل بع�ض جوانب القطاع ال�صناع���ي� .إن النجاح ال���ذي حققته ال�سيا�سة اجلدي���دة يف هذا املجال �ساع���د على حتقي���ق اال�ستقرار ال�سيا�س���ي الذي �أ�صبح فيم���ا بعد عام ًال هام ًا يف جذب اال�ستثمارات اخلارجية ،خا�صة يف القطاع ال�صناعي. بينم���ا وفّ���ر النم���و يف القطاع الريف���ي املزيد من فر����ص العمل، ومكّن م���ن تخفي�ض ورمب���ا احلد ب�شكل كب�ي�ر جد ًا من الفقر ،ف�إن النمو يف قطاع احل�ضري احلديث خلق �أي�ض ًا الكثري من فر����ص العمل الإنتاجية .وهذا ما �ساعد احلكوم���ة على خلق فر�ص العمل مع املحافظ���ة على اقت�صاد مفت���وح ولكن بنظام تعرف���ة منخف�ضة ن�سبياً ،بينم���ا وفرت البنى التحتية ال�ضروري���ة ،و�شجعت بقوة النمو عن طري���ق ال�صادرات .فتوف�ي�ر التعليم وال�صحة وغريه���ا م���ن الت�سهي�ل�ات مكنت جمي���ع فئات املجتم���ع ،خا�صة الفقراء ،م���ن اال�ستفادة من تلك
معلومات �أ�سا�سية
113
فـي ب�ؤرة االهتمام �أثبت��ت التجرب��ة املاليزية �أن تبني العنا�ص��ر الإيجابية يف �سيا�س��ة ال�س��وق احلر م��ع منهج مدرو�س لتدخل الدولة ل�ضبط م�ساره ميكن �أن يكون منوذج ًا ناجح ًا لتحقيق التنمية والرفاه االقت�صادي الفر�ص .م���ن جهة �أخرى ،ف�إن ال�سيطرة عل���ى الت�ضخم وكذلك ت�شجيع اال�ستثم���ارات اخلارجي���ة املبا�شرة �ساعد ب�شكل كب�ي�ر على طلب الأيدي العامل���ة .وعليه ميكننا �أن ن�ؤكد هن���ا �أن معدالت النمو العالية امل�ستدامة الت���ي عمل���ت ال�سيا�سات احلكومية بج���د على حتقيقها و�ضم���ان التوزيع الع���ادل للدخ���ل وال�ث�روة امل�صاحب���ة لها ،جعل م���ن املمكن خل���ق فر�ص كب�ي�رة �أدت يف النهاي���ة �إىل تخفي����ض ن�سبة الفقر ب�ش���كل قيا�سي .وهذه ه���ي ال�سيا�س���ات التي حتتاجها ال���دول العربية لتحقيق �أه���داف التنمية امل�ستدامة فيها و�ضمان رفاهية �شعوبها. اخل�صخ�ص��ة امل�ش��روطة للقط��اع الع��ام :تق���وم االقت�صادي���ات الر�أ�سمالية على مبد�أ امللكي���ة الفردية وبالتايل اخل�صخ�صة .وقد تبنت احلكوم���ة املاليزية هذا املبد�أ منذ البداية ولك���ن ب�صيغة مطورة ت�ضمن تدخل الدولة امل�شروط عند احلاجة ،وقد مت تطبيق وتفعيل هذا ال�سيا�سة ب�ش���كل وا�سع يف عه���د مهاتري حممد ،حيث قام���ت حكومته بخ�صخ�صة �شب���ه كامل���ة للقط���اع العام ،ولكن م���ع �ضمان ح���ق الدول���ة واملجتمع يف عائدات هذه القطاعات .فعل���ى �سبيل املثال ال احل�صر ،قامت احلكومة بخ�صخ�ص���ة الط���رق املعبدة ال�سريعة التي تربط امل���دن والواليات ولكن �ضمن �شروط ت�ضمن حق���وق ال�شركات امل�ستثمرة وحق املجتمع والدولة. فق���د كانت العقود تقوم على عن�صري���ن :حت�صل ال�شركات على عائدات ا�ستخدام الط���رق الرئي�سية مدة ع�شرين عاماً ،وهي مدة كافية ل�ضمان ا�س�ت�رداد ر�أ�س املال وحتقيق ربح م�ضمون للم�ستثمرين مع تطبيق �صارم لنظ���ام ال�ضريب���ة امل�صاح���ب ،ومن ثم تنتق���ل امللكية والعوائ���د كلي ًا �إىل الدولة .وحيث �أن غالبية الدول العربية تعي�ش مرحلة انتقالية فيما يتعلق بخ�صخ�ص���ة القطاع العام ،فيمكن اال�ستفادة م���ن التجربة املاليزية يف هذا املجال بحيث يتم خ�صخ�ص���ة القطاعات املكلفة التي ترهق خزينة الدول���ة ،مبا ي�ضمن حق���وق امل�ستثمري���ن وحقوق الدول���ة ،بيمنا حتتفظ الدول���ة �أو يك���ون لها الن�صيب الأك�ب�ر يف القطاعات الأق���ل كلفة والأكرث ربحية مثل قطاع االت�صاالت. املحافظة على ا�ستقرار االقت�صاد الكلي :واحد من �أهم الدرو�س التي ميكن �أن ن�ستفيدها من التجربة املاليزية وحتى الآ�سيوية ب�شكل عام ه���و الدور املركزي الذي يلعبه ا�ستقرار االقت�صاد الكلي يف ت�سهيل النمو االقت�ص���ادي امل�ستدام .وهناك ثالثة �أ�سب���اب هامة تدعونا �إىل االعتقاد بحاجة النمو امل�ستدام �إىل ا�ستقرار يف االقت�صاد الكلي للبالد :فالأ�سعار الن�سبي���ة مث���ل مع���دالت ال�ص���رف والفائدة تك���ون �أو�ضح عندم���ا يكون الت�ضخم منخف�ض ًا وم�ستقراً .هذا الو�ضوح يف ال�سعر يقلل من حالة عدم الت�أكد ،وبالتايل ي�شجع اال�ستثمار اخلا�ص .ثانيًا� ،إن ا�ستقرار االقت�صاد الكل���ي خا�صة فيما يتعلق باملحافظة على معدل ت�ضخم منخف�ض ي�ساهم 114
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
يف �إيجاد م�ستويات �إدخار �أعلى يف القطاع العام ،وذلك من خالل تو�سيع القاع���دة ال�ضريبة وزيادة عملية حت�صيله���ا .كما �أن الت�ضخم املنخف�ض ي�سه���ل االدخار اخلا����ص والأ�صول املالية املحلية .وبالت���ايل ف�إن االدخار العايل يعزز من النمو من خالل توفري املوارد املحلية لال�ستثمار .و�أخري ًا ال بد من الإ�شارة �إىل �أن معدل ال�صرف احلقيقي ي�سمح بتوجيه االقت�صاد خارجي���اً .وعليه ،ف�إن التقييم املتدرج ملعدالت ال�صرف كان من�سجم ًا مع منو ال�صادرات ال�سريع يف ماليزيا وغريها من النمور الآ�سيوية. وله���ذا كان���ت ماليزي���ا �أقل ال���دول ت�ض���رر ًا يف �أزم���ة �آ�سي���ا يف �أواخر الت�سعيني���ات ،كم���ا كان���ت �أول دول �آ�سي���ان انتعا�شاً ،ويع���ود ذلك ب�شكل رئي�س���ي �إىل تدخ���ل الدول���ة املن�ضبط خا�ص���ة فيما يتعل���ق بتثبيت �سعر ال�ص���رف ،حي���ث كان ل���ه دور حا�س���م يف تخفيف خم���اوف امل�ستثمرين اخلارجيني من جهة ،ومن ثم ت�شجيع ال�صادرات من جهة �أخرى. تنمي��ة امل��وارد الب�ش��رية� :إن تنمي���ة وتطوير امله���ارات الب�شرية كان���ت عن�صر ًا هام ًا جد ًا يف الإ�سرتاتيجي���ة املاليزية على املدى البعيد. فمع���دالت الإنفاق العالية م���ن قبل الدولة على تنمية امل���وارد الب�شرية، �أدت �إىل م�شارك���ة وا�سع���ة للماالويني -الذين كان���وا قبل هذا مه�شمني �أ�ص�ل�اً -يف القطاعات احلديث���ة لالقت�صاد ،وكذل���ك يف عملية الإنتاج العالية يف القطاعات التقليدية .فاال�ستثمار يف التعليم وال�صحة كان له نتائج مهمة على النمو والإنتاجية �أي�ضاً. برجماتي��ة الدولة� :إن اخل�ب�رة املاليزية ت�ش�ي�ر �إىل �أن للحكومة دور رئي�س���ي و�إيجاب���ي يف الإ�صالح���ات االقت�صادي���ة .ف���دور احلكوم���ة كان حا�سم��� ًا يف تفعي���ل عمل الأ�سواق ،والتعامل م���ع امل�ؤثرات اخلارجية وت�سهي���ل اال�ستثمارات العامة .فق���د �أجنزت احلكوم���ة املاليزية مهام ًا اقت�صادي���ة رئي�سية مث���ل توفري ال�سل���ع العامة والبن���ى التحتية ،وقامت ب�إن�ش���اء م�ؤ�س�س���ات تدع���م تطوير االقت�ص���اد وتفعيل القط���اع اخلا�ص، بينم���ا حتافظ على معايري عالية يف �إدارة القطاع العام .فتوفري التعليم واخلدمات �صحية العالية امل�ستوى هو دليل على التزام احلكومة بتنمية االقت�ص���اد وتطويره .كم���ا �أن احلكوم���ة �ساهمت بفعالي���ة يف الإنتاجية م���ن خالل ت�أ�سي����س قطاع عام ت�سيط���ر عليه �شركات وقط���اع الأعمال. فعندما تبنت الدولة �سيا�سة �إدارية �أكرث مرونة خا�صة منذ تويل مهاتري احلكم يف بداية الثمانينيات من القرن املا�ضي ،كانت تنظر �إىل القطاع اخلا�ص ك�شريك �أ�سا�سي يف تنمية وتطوير االقت�صاد .ويف هذا ال�سياق، جن���د �أن م���ن �أهم ممي���زات احلكومة املاليزي���ة وكذل���ك حكومات دول النمور الآ�سيوية ب�شكل ع���ام هي ا�ستجابتها ال�سريعة والفعالة للتحديات اجلديدة فور ظهورها.
هناك عوامل عديدة �ساعدت اخلال�صة عل���ى حتقيق النمو االقت�صادي يف ماليزي���ا وخف�ض معدالت الفقر خالل فرتة ال�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة .ولعل �أهم در�س ميكن اال�ستف���ادة منه يف البالد العربية ه���و �أهمية النمو وا�سرتاتيجيات تعزي���زه ،ولك���ن يف �إطار �سيا�س���ات ت�ضمن التوزيع الع���ادل للدخل وال�ث�روة .فالنمو االقت�صادي الع���ايل وامل�ستدام يوف���ر للحكومات عوائد عالية ميكنه���ا من توزيعه يف جماالت مغذية للتنمية خا�صة يف التعلي���م والتدريب ،والرعاية ال�صحية والإ�سكان .ولأنه من غري املتوق���ع حتقيق الدول العربية املعنية معدالت منو عالية كتلك التي حققته���ا ماليزيا خالل ال�سيا�سة اجلديدة ،ف�إن الوقت الذي �سوف ت�أخذه �سيا�سات خف�ض الفقر رمبا تكون �أطول. لق���د �أظه���رت التجرب���ة املاليزي���ة �أن م�ست���وى عالي ًا م���ن كفاءة اخلدمة العامة يعترب �أ�سا�سي ًا لنجاح ال�سيا�سات احلكومية يف هذا املجال .ويف هذا ال�سياق ،ف�إن التعليم والتدريب والربامج احلديثة والعملي���ة يُفرت�ض �أن تهدف �إىل تغيري النم���ط ال�سائد يف اخلدمة املدني���ة �إىل من���ط يُثم���ن الفعالي���ة والتوجه للخدم���ات .فالتنظيم التناف�س���ي واملعني واملوج���ه ب�شكل وا�ضح يعزز تطبي���ق ال�سيا�سات والربامج العامة التي تهدف �إىل حت�سني م�ستوى حياة املاليني من العاطلني عن العمل يف العامل العربي. �أم���ا يف جم���ال الزراع���ة ف����إن عملي���ات ا�ست�ص�ل�اح الأرا�ض���ي، واال�ستثم���ار يف نظ���م الري والإنت���اج والدعم امل���ايل وتوفري البنى التحتية الأ�سا�سي���ة خا�صة ل�صغار املزارعني ،تعترب �أمور ًا �أ�سا�سية لتح�س�ي�ن الأداء وتطوي���ر قطاع الزراعة املهم���ل يف العامل العربي. فه���ذا �سي�ساه���م من دون �شك يف الق�ضاء عل���ى الفقر الذي ترتفع ن�سبت���ه يف املناط���ق الريفي���ة ،و�سيخل���ق فر����ص عم���ل جديدة .يف حال���ة ماليزيا يُنظ���ر �إىل حت�سني �إنتاجية قط���اع الزراعة على �أنه يف احلقيق���ة داع���م لقطاع���ات �أخ���رى يف االقت�ص���اد الوطني مثل ال�صناعة واخلدمات. كم���ا �أن على ال���دول العربي���ة تعزيز قط���اع ال�ص���ادرات املتدين ج���داً ،ف����إذا م���ا ا�ستثنين���ا قطاع النف���ط يف بع����ض الأقط���ار ف�إن
العامل العرب���ي يف احلقيقة عامل م�ست���ورد وم�ستهلك يف �آن واحد، وهو يحت���اج بالطب���ع �إىل ا�ستثمار حكومي يف البني���ة التحتية التي يحتاجه���ا قط���اع ال�صناع���ات .و�إذا م���ا �أرادت الب�ل�اد العربية �أن تزيد من ن�سب���ة �صادراتها ب�شكل كبري فعليها �أن جتذب ر�أ�س املال الأجنب���ي املبا�شر وبالتايل تعزيز الثقة ل���دى الراغبني باال�ستثمار م���ن اخل���ارج والداخل ،وه���ذا يتحقق فقط من خ�ل�ال بناء �سمعة جي���دة لإدارة االقت�ص���اد الكلي كما فعلت ماليزي���ا .وجتدر الإ�شارة هن���ا ونحن نتح���دث عن جترب���ة ماليزيا الناجحة يف جم���ال التنمية واالقت�ص���اد� ،إىل توفر الأيدي العاملة الرخي�ص���ة مقارنة بنظرياتها يف ال���دول ال�صناعي���ة ،وهو الأمر الذي تت�شابه ب���ه ماليزيا مع العامل العربي ب�شكل كب�ي�ر ،وهذا يعترب عام ًال م�ساعد ًا على جذب وت�شجيع اال�ستثمار. و�أخ�ي�راً ،ف�إن ماليزي���ا حققت منوها وطبق���ت ا�سرتاتيجيات �إعادة التوزي���ع اعتم���اد على تدخل حكوم���ي كبري يف االقت�ص���اد احلر ،فقد �ضمن���ت احلكومة املتطلبات الأ�سا�سية لأي اقت�صاد فعال ومن �أهمها اال�ستق���رار ال�سيا�س���ي ،وا�ستقرار جوانب اقت�صاده���ا الكلي ،وعملت عل���ى �إيج���اد قط���اع زراعي منت���ج ،وحافظت عل���ى الفعالي���ة يف �أداء اخلدم���ات العامة .كما كانت احلكوم���ة برجماتية يف عملها ،فهي مل تلتزم بو�صفات امل�ؤ�س�س���ات الدولية كالبنك و�صندوق النقد الدوليني الت���ي ترف�ض عاد ًة التدخل احلكوم���ي يف االقت�صاد ،بل ومل ترتدد يف تعدي���ل �أو التخلي ع���ن �أي �سيا�سات غري فعالة .فق���د �أثبتت التجربة املاليزي���ة �أن تبن���ي العنا�ص���ر الإيجابي���ة يف �سيا�سة ال�س���وق احلر مع منه���ج مدرو�س لتدخل الدولة ل�ضبط م�س���اره ميكن �أن يكون منوذج ًا ناجح ًا لتحقيق التنمية والرفاه االقت�صادي. ه���ذه هي التجرب���ة املاليزية وبع�ض مظاهره���ا احليوية التي ميكن للعامل العربي �أن ي�ستفيد منها .فهل منلك الإرادة ال�سيا�سة ،وال�شجاعة القيادي���ة لكي نتقارب من ه���ذا النموذج ونتفاعل مع���ه بحيوية .لقد �أمتثلنا للعديد م���ن النماذج الغربية والو�صفات اخلارجية ولكن دون نتائج فعالة؛ �أفال جنّ رب النموذج الآ�سيوي الإ�سالمي الفريد كما فعل غرينا� ،أما �آن لنا �أن ننظر �شرق ًا -ال غرباً -كما فعلت ماليزيا!
املراجــــع مهاتري حممد ،امل�ستقبل امل�سروق ،ترجمة �أمري �صديق وحممد اخلادم (د .م :.ال�شاهد الدويل للخدمات االعالمية ،دون تاريخ). حممد �أبوغزله« ،ال�سيا�سة الداخلية املاليزية :عوامل التطور والنجاح» ،جملة العلوم الإن�سانية ،ال�سنة ،5العدد ،36كانون الثاين/يناير .2008-Zin, Ragayah H. M. Growth with Equity: Policy Lessons from the Experience of Malaysia, in Growth with Equity: Policy Lessons from the Experiences of Selected Asian Countries, Economic And Social Commissionm, United Nations Publications. - Crouch, A. Government and Security in Malaysia. Ithaca: Cornell University Press, 1996. - Federal Constitution of Malaysia, Part I and Part XII. - Government of Malaysia. Yearbook of Statistics. Malaysia: Department of Statistics, 2000. - Milne, R. S. and Diane K. Mauzy. Malaysian Politics under Mahathir. London: Routledge, 1999. - Muzaffar, Chandra. Challenge and Choices in Malaysian Politics and Societies. Gelugor, Penang: ALIRAN, 1989. - Yong, Joseph. Continuity and Change in Malaysia Politics. Singapore: Institute of Defense and Strategic Studies, 1999.
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
115
املحـــور ق�ضيــــة العـــدد
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة درا�سات �إ�سرتاتيجية
جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل الأ�سلحة واحلد من انت�شارها
الدوافع ،ال�سيا�سات ،املعوقات عاي�ش على عوا�س
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
116
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
الوجوه املتغرية للإ�سالموية حتــوالت وجتــارب
Relating Policy to Knowledge
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
نوفمرب/دي�سمرب العدد 6 ا�سرتاتيجية أكتوبر العددان ،5 - 4،يوليو�/
2010 2010
ا�سرتاتيجية
117
املحــور
تنوع الإ�سالميني يف اليمن منطق الدمج حتت ال�ضغط
لوران بونفوا
jl.bonnefoy@gmail.com
118
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
لوران بونفوا باحث فرن�سي متخ�ص�ص يف �ش�ؤون اجلماعات الإ�سالمية.
ME Archive
م���ن �أب���رز ال�سم���ات امللحوظة يف النظ���ام ال�سيا�سي اليمن���ي احلايل هي قدرته عل���ى التعامل مع كل �أن���واع املذاهب والطوائ���ف الديني���ة من خ�ل�ال االعتماد على مب���د�أ االختالط والتعاي�ش واختي���ار �أي منها على ح���د �سواء بد ًال من قم���ع مذهب �أو طائف���ة ل�صالح مذهب �أو طائفة �أخرى .وق���د كانت خمتلف الطوائف كالإخ���وان امل�سلمني وال�سلفية واجلماع���ات اجلهادي���ة املت�شددة وال�صوفية والزيدية املجددين تتعاون مع الدولة �إىل حد ما .ومنذ ال�سبعينيات من الق���رن املا�ضي وهذا النوع من التوازن يثب���ت �أنه حل عملي� ،إذ �أنه خفف من حدة العنف ال�سيا�سي و�سمح مب�شاركة الأغلبي���ة وحاف���ظ على ا�ستقرار الدولة .ولك���ن نظر ًا للتطورات الداخلية وال�ضغ���وط اخلارجية بعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب �أ�صبح هذا التوازن يف خطر مع �إمكانية ح�صول تبعات مل تزل يف علم الغيب.
يف ربي���ع ع���ام ،2005ويف �أح���د الزواي���ا النائي���ة من اليم���ن اجلنوبي �سابق���اً ،كان �سائق �سيارة قدمية من نوع “الن���د كروزر” ي�ضع �صورتني متناق�ضتني على ما يبدو على الإطار الزجاجي الأمامي لل�سيارة .وكانت ال�ص���ورة الأوىل لعلي عبد اهلل �صال���ح ،الرئي�س اليمني منذ متوز/يوليو 1978واحللي���ف اجلدي���د للواليات املتح���دة فيما ي�سم���ى “احلرب على الإرهاب” ،بينما كانت ال�صورة الثانية لأ�سامة بن الدن ،الذي هو عبارة عن جت�سيد معروف عاملي ًا للإرهاب العابر للحدود .وهذا يو�ضح الكثري ع���ن طبيعة املجتمع اليمني ونظام���ه ال�سيا�سي .لكن يف نف�س الوقت من املمكن �أن ُي�ؤطِّ ر ويُف�سِّ ر ذلك ب�صور خمتلفة. فم���ن ناحية ،ق���د يُف�سر الت�سام���ح الن�سبي من قب���ل ال�سلطات املحلية (التي البد �أنها كان���ت على علم مبرور تلك ال�شاحنة عرب القرية) جتاه مث���ل ذلك الوالء املزدوج على �أنه دليل على ت�سلل اجلماعات الإ�سالمية املت�ش���ددة �إىل البالد ،وكذلك على الت�سامح جت���اه ما ي�سمى باحلركات “اجلهادي���ة” .وق���د �أ�صبحت هذه اجلماعات يف اليمن حتظى بالكثري من االهتمام منذ عمليات التحقيق يف تفجري املدمرة الأمريكية “كول” يف ت�شري���ن الأول�/أكتوب���ر 2000يف خليج عدن على �أي���دي عنا�صر �أحد اخلالي���ا الإرهابية املرتبطة بتنظيم القاعدة .ويف هذا الإطار ،عادة ما تُتهم ال�سلط���ات اليمنية ب�أنها ال تقدم للأجندة الأمريكية �ضد الإرهاب �س���وى �أدنى املجامالت ال�شفهية املتملقة بينما هناك الكثري من عنا�صر الدولة مبا�شرة ي�ؤيدون العنف ويغ�ضون الطرف جتاه من يقدمون الدعم الن�ش���ط للعنا�صر املقاتلة .وبالتايل ،من املمكن القول �أن ق�صة ال�سيارة التي حتمل ال�صورتني (مع �أن ذلك لي�س �أمر ًا �شائع ًا بال�ضرورة) عبارة ع���ن �صورة وا�ضحة للعالقات املتذبذبة ب�ي�ن الدولة والإ�سالميني� .أي�ض ًا ق���د يرمز ذلك �إىل التع���دد الوظيفي للدولة واحلكوم���ة .وينبغي اعتبار دمج اجلماعات الإ�سالمية املتعددة يف �أجهزة الدولة عام ًال من عوامل اال�ستقرار ،فهو و�سيلة لتقليل العنف �إىل �أدنى م�ستوياته من خالل الدمج االجتماعي وال�سيا�سي بد ًال من ت�شجيعه من خالل الت�شويه والقمع. من���ذ زم���ن طويل والدين يف املرتفع���ات واملناط���ق ال�ساحلية يف اليمن عل���ى عالقة وثيق���ة بال�سلطة ال�سيا�سية ،فبعد حك���م دام لأكرث من مائة ع���ام (حتى �سنة � )1962أف�سح �سقوط مملكة الأئمة الزيدية املجال �أما الف�ص���ل املبا�شر بني ال�سيا�سة والدين يف البالد ،وذلك من خالل ظهور احلكم اجلمهوري الذي ا�ستلهم نظامه من حكم جمال عبد النا�صر يف م�ص���ر .لكن عملية التحديث الت���ي حدثت يف الدولة واملجتمع يف كل من اليمن ال�شمايل واليمن اجلنوبي املارك�سي (الذي كان �أحد امل�ستعمرات الربيطاني���ة �سابق ًا حتى ن���ال ا�ستقالله عام 1967وظ���ل الدولة العربية ال�شيوعية الوحيدة حتى �سقوطه عام ،)1990مل ت�ضعف ت�أثري الأطراف واجله���ات الديني���ة وال�سيا�سية الفاعلة .وميكننا ق���ول ال�شيء ذاته على وحدة �أيار/مايو 1990بني �شطري اليمن ال�شمايل واجلنوبي. ومن منظ���ور تاريخي ينق�سم املجتمع اليمن���ي �إىل مذهبني �أ�سا�سيني، هم���ا :املذهب الزي���دي واملذهب ال�شافع���ي .والزيدية ه���م من طوائف ال�شيع���ة ويُو�صف���ون ب�أنه���م الطائف���ة املعتدلة يف فقهه���ا ،ويختلفون عن
ال�شيع���ة االثنا ع�شرية يف �إيران ،فهم �أق���رب �إىل �أهل ال�سنة من نواحي كث�ي�رة� .أم���ا ال�شافعية فهم من �أهل ال�سنة .لك���ن اخلالف بني املذهبني تال�شى كثري ًا خالل القرن الع�شرين ،حتى �أنه مل يعد للخالف �أثر كبري كم���ا كان يف املا�ضي �أثن���اء حكم الأئمة الزيدي�ي�ن يف ال�شمال .وبالرغم م���ن عدم وجود �إح�صائيات دقيقة يعتمد عليها �إال �أن ال�شافعية ي�شكلون الأغلبي���ة العظمى من بني �أربعة وع�شري���ن مليون ن�سمة يف اليمن ،بينما ي�شكل الزيدية ما ن�سبته %35من ال�شعب اليمني ،مع مراكزها يف اليمن ال�شمايل. ونظ���ر ًا للتغ�ي�رات الأخرية – خا�ص���ة الهجرة الداخلي���ة واخلارجية، والتميي���ز ب�ي�ن الهويات الديني���ة والرتويج لها ،وكذلك تط���ور م�ستويات التعلي���م – �أ�صبح معظم اليمني�ي�ن الآن يعتربون اخلالف جمرد خالف رمزي ،ويب���دو �أن امل�صاعب الأخرية نتيجة لل�ص���راع ال�شر�س يف �شمال اليم���ن �ضد قوات اجلي����ش من قبل جماع���ة الزيدية املج���ددة امل�سلحة امل�سم���اة “ال�شباب امل�ؤمن” مل يكن لها �أثر كبري يف بنية تقارب املذاهب الديني���ة يف اليم���ن ،بل �أنه على الرغم من رواي���ات الت�شويه التي ت�ؤلفها بع����ض اجلماعات املتطرفة �إال �أن ذل���ك مل يُف�سِ د للود ق�ضية يف �أو�ساط الأغلبي���ة الك�ب�رى من عامة ال�شع���ب .فعلى �سبيل املث���ال ،جند الرئي�س نف�س���ه زي���دي الأ�صل لكن���ه ال ي�شري �إىل ذل���ك مطلقاً� .أم���ا على م�ستوى العام���ة ،فنجد الكثري م���ن ال�سُّ نّ���ة ال ميانعون من ال�ص�ل�اة يف م�ساجد الزيدية والعك�س �صحيح ،وبالتايل ف�إن اخلالف الديني يبني االنتماءات ال�سيا�سية ب�شكل هام�شي فقط ويلت�صق بجماعات �إ�سالمية معينة.
الطوائف واجلماعات الإ�سالمية الرئي�سية يف اليمن
يوج���د يف املحيط اليمن���ي تعددية يف الطوائف واجلماع���ات الإ�سالمية تتج�سد م���ن خالل خم����س طوائف/جماع���ات رئي�سية خمتلف���ة ،وهي: جماعة الأخوان امل�سلمون ،واجلماع���ات اجلهادية املتطرفة ،وال�سلفية، وال�صوفي���ة ،والزيدي���ة املجددي���ن .وكل ه���ذه الطوائ���ف اخلم����س له���ا ج���ذور را�سخة يف تاريخ البالد القدمي وامل ّعق���د والغني ،ولكنها يف نف�س الوق���ت تعترب نتاج عوام���ل ديناميكية معا�صرة عاملي���ة وعابرة للحدود. وق���د تتداخل هذه الطوائ���ف مع بع�ضها وتتغري الأو�ض���اع ب�سرعة نتيجة لل���والءات املتقلب���ة ،لكن لكل طائفة منها طريقته���ا اخلا�صة وحتاول �أن تربز بنف�سها من بني باقي الطوائف من خالل القيام بعدد من الأ�شياء الرئي�سي���ة ،مث���ل :امل�شارك���ة يف ال�سيا�س���ات احلزبية ،وال���والء للحاكم، �سال�س���ل املواجه���ات م���ع الدول���ة ،والت�شويه ال�ساف���ر للهوي���ات الدينية وال�سيا�سية الأخرى. �إن اجلماع���ات الأخ��وان امل�س��لمون الت���ي �ألهمته���ا تعاليم حرك���ة الأخ���وان امل�سلمني هي الأك�ث�ر انت�شار ًا يف الطي���ف العري����ض للإ�سالمي���ة اليمنية .ومن���ذ الأربعيني���ات من القرن املا�ض���ي واحل���ركات الإ�صالحي���ة والثوري���ة املعار�ضة للحك���م الإمامي مرتبطة باملفكرين الإ�سالميني .وبينما كان الإ�صالحييون – مبن فيهم حممد �أحمد نعمان (�شافعي املذهب) وحممد حممود الزبريي (زيدي العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
119
املحــور جدول رقم ( :)1ملخ�ص ا�سرتاتيجيات الطوائف الإ�سالمية املختلفة يف اليمن املعا�صر القادة �أو التنظيمات الأ�سا�سية
امل�شاركة املبا�شرة والعلنية يف ال�سيا�سات احلزبية والدميقراطية
الوالء التلقائي للحاكم اجلمهوري
املواجهات العنيفة مع الدولة
امل�شاركة يف �أعمال العنف والت�شويه الطائفية
الأخوان امل�سلمون
حزب الإ�صالح
نعم
ال
ال
نعم
اجلماعات اجلهادية املتطرفة
فروع تنظيم القاعدة
ال
ال
نعم
نعم
ال�سلفيون
مقبل الوادعي (تويف عام )2001
ال
نعم
ال
نعم
ال�صوفيون
دار امل�صطفى
ال
نعم
ال
ال
الزيدية املجددون
حزب احلق؛ ح�سني بدر الدين احلوثي (قتل عام )2004
نعم
ال
نعم
نعم
املذه���ب) -يدر�سون يف القاهرة ،اطل���ع الكثري منهم على �أفكار ح�سن البنا ،مع �أن معظمهم على ما يبدو مل ينتموا ر�سمي ًا للإخوان امل�سلمني. وق���د ا�ستلهم���ت – على الأق���ل من بع�ض النواح���ي – كل من ثورة 1948 الفا�شل���ة �ضد الإم���ام يحيى وث���ورة 1962الناجحة �ض���د حفيده حممد الب���در (بعد توليه احلكم بب�ضع���ة �أيام)� ،أفكارها م���ن تعاليم الأخوان امل�سلمني. و�أثن���اء ث���ورة � 26أيلول�/سبتم�ب�ر ،1962عندم���ا توحّ ���د القومي���ون والنا�صري���ون والأخوان امل�سلمني واحلداثيون للإطاحة باحلكم الإمامي وت�أ�سي�س النظام اجلمهوري ،دبّت اخلالفات ب�سرعة يف �أو�ساط الزعماء اجل���دد .ومن خ�ل�ال ت�أ�سي�س حزب اهلل ع���ام 1964كان الزبريي ،الذي اعتقد �أن النظام املدعوم من قبل م�صر يفتقر لل�شرعية ،ينوي ّمل �شمل ف�صائل املجتمع املختلفة وطبقة املفكرين (الذين ميكن ت�سمية �أكرثهم بالإ�سالمي�ي�ن) والعنا�صر القبلية على وج���ه اخل�صو�ص .وعندما اغتيل الزب�ي�ري ع���ام � ،1965أ�صبح م�شروع���ه للتوفيق بني الأح���زاب ودجمها املب���د�أ امل�ؤ�س����س للجمهوري���ة .ويف ذل���ك الإطار ،مت ا�ستقط���اب عنا�صر الأخ���وان امل�سلمني �إىل عدد م���ن امل�ؤ�س�سات املختلف���ة ،ال�سيما يف نظام التعليم وقوات الأمن. ويب���دو �أن هذا التنظيم حق���ق جناح ًا وما زال باقي��� ًا من خالل حزب التجم���ع اليمني للإ�ص�ل�اح ،والذي يو�صف ب�أنه الف���رع اليمني للإخوان امل�سلم�ي�ن .وقد ت�أ�س�س هذا احل���زب يف �أيلول�/سبتمرب ،1990وجمع بني �شخ�صيات �إ�سالمية وم�شايخ قبلية ورجال �أعمال .ومنذ �أن ت�أ�س�س حتى ع���ام 2007كان يتزعمه ال�شيخ عبد اهلل ب���ن ح�سني الأحمر ،زعيم �أبرز احتاد قبلي (قبيلة حا�شد ،التي تعترب قبيلة الرئي�س علي عبد اهلل �صالح – �سنح���ان – فرع��� ًا منها) ورئي�س جمل����س النواب .وبرغم مرور عدة �سنوات منذ �أن توفى ال�شيخ عبد اهلل يف 29كانون الأول/دي�سمرب 2007 �إال �أن التبعات ال�سيا�سية والقبلية ما زالت غري وا�ضحة متام الو�ضوح. ويجمع احلزب دون متييز عنا�صر لهم �أجندة وا�سرتاتيجيات خمتلفة، وقد �أثبت قدرته على التكيف مع املحيط الداخلي والدويل املتغري .ومنذ ت�أ�سي�س���ه �أخذ ي�شارك بفعالية يف عملية التطور الدميقراطي ،والتناف�س يف االنتخاب���ات احل���رة ،وامل�شاركة يف مقاعد جمل�س الن���واب .ومع �أنها ق���د توج���د داخل ح���زب الإ�صالح نقا�شات ح���ول ما �إذا هن���اك �شرعية ديني���ة للنظام الدميقراط���ي� ،إال �أنه يقبل علن��� ًا بالتعددية احلزبية ومل 120
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ي�سب���ق له ت�أييد املواجهة امل�سلحة املبا�شرة م���ع الدولة ويتعاون مع نظام احلك���م ،بل وميكن اعتباره جزء ًا �أ�سا�سي ًا من النظام ،ففي �صيف 1994 �أثناء حرب االنف�صال قام���ت ملي�شيات مدعومة من الإ�صالح مب�ساندة الق���وات احلكومية للتغلب على االنف�صالي�ي�ن اال�شرتاكيني .واليوم جند جذور حزب الإ�ص�ل�اح را�سخة يف معظم حمافظات اجلمهورية اليمنية (مب���ا فيها حمافظات اجلنوب املارك�س���ي �سابقاً ،حيث توجد ردة الفعل املناه�ض���ة للنظ���ام اال�شرتاكي بق���وة وت�ؤي���د عنا�صر النه���ج الإ�سالمي ومنابره) .وعلى ال�صعيد الوطني ،ح�صل حزب الإ�صالح على ما ن�سبته %18من الأ�صوات يف االنتخابات الربملانية للأعوام 1993و 1997و2003 (مع �أن عدم ال�شفافية يقلل من �صحة هذه املعلومات). وم���ع حل���ول الألفي���ة اجلدي���دة ظه���رت يف �أو�س���اط قي���ادة احل���زب �إ�سرتاتيجية جديدة للتحالف والتعاون مع احلركات املعار�ضة الأخرى، خا�ص��� ًة مع احلزب اال�شرتاكي اليمن���ي الذي قاد اليمن اجلنوبي والعدو ال�سابق حل���زب الإ�صالح .ورغم �أنه مل يكن بال�ض���رورة يحظى ب�شعبية يف �أو�س���اط النا�شطني� ،إال �أنه مت ت�شكي���ل منرب م�شرتك (�أحزاب اللقاء امل�ش�ت�رك) ،واختري في�صل بن �شمالن (وزي���ر النفط الأ�سبق) مر�شح ًا للم�ش�ت�رك �ضد الرئي����س �صالح يف االنتخاب���ات الرئا�سية التي جرت يف �أيلول�/سبتم�ب�ر ،2006وك�سب ما ن�سبت���ه %22من الأ�صوات االنتخابية. وق���د فت���ح جناح���ه الن�سب���ي (�إذا م���ا �أخذن���ا بع�ي�ن االعتب���ار الو�سائل املحتك���رة لتحقيق �إعادة انتخاب الرئي�س) �آفاق ًا جديدة �أمام املعار�ضة والإ�سالمي�ي�ن .و�ستمث���ل االنتخاب���ات الربملاني���ة املقبلة اختب���ار ًا مهم ًا ال�سرتاتيجية املعار�ضة الأمامية والتحالف التي يتبناها احلزب بد ًال من عملية االختيار يف الت�سعينيات ،وقد هددت املعار�ضة مبقاطعة �صناديق االقرتاع بحجة غياب ال�شفافية. وبالإ�ضاف���ة �إىل ال�شي���خ الراحل عبد اهلل الأحم���ر و�أبنائه (مبن فيهم حميد ،رجل الأعمال الناجح) ،ف�إن من �أبرز �شخ�صيات حزب الإ�صالح يحيى لطف���ي الفُ�سيّل ،وحممد قحطان ،وحمم���د اليدومي (الذي توىل قيادة احل���زب بعد وفاة الأحمر) ،وعبد املجي���د الزنداين ،الذي يعترب �أب���رز هذه ال�شخ�صي���ات ويُقال �إنه يُج�سِّ د اجلن���اح املتطرف للإ�صالح. والزنداين – ال���ذي كان من رفاق الزبريي – هو رئي�س جامعة الإميان يف �صنع���اء وق�ضى ف�ت�رة طويلة ج���د ًا يف ال�سعودية ،وهو ال���ذي رتّب يف الثمانيني���ات ل�سفر املقاتل�ي�ن اليمنيني �إىل �أفغان�ست���ان ،وهذا ما �أك�سبه
مكان���ة وحظ���وة يف املجتم���ع .وبع���د �أحداث احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول/ �سبتم�ب�ر و�صف���ت الإدارة الأمريكي���ة الزنداين عدة م���رات ب�أنه �شريك اب���ن الدن .لك���ن دوره التاريخي �شفع له وج ّنب���ه التعر�ض ل�ضغط الدولة املبا�شر .ويلعب الزنداين دور ًا غام�ضاً ،فهو يت�صرّف ك�شخ�صية حتظى ب�شعبي���ة (وانتق���اده لل�سيا�س���ة اخلارجي���ة الأمريكية مقب���ول يف �أو�ساط ال�شع���ب اليمني) ,كما �أنه ميثل ج�سر ًا لنوع م���ن القتال العنيف الذي ال يروق للكثري من اليمنيني.
م���ن قب���ل منفذي الهج���وم� ،أظه���را �أن نظ���ام احلكم يف اليم���ن �أ�صبح هدف��� ًا للجماع���ات اجلهادية �أكرث م���ن ال�سابق .وبالت�أكي���د ف�إن عمليات قمع املقاتل�ي�ن ،وتبنّي الدولة لل�سيا�سات اجلدي���دة املناه�ضة للإرهاب، وال�سج���ن والتعذي���ب ،كله���ا عوام���ل زادت م���ن تط���رّف �إ�سرتاتيجيات اجلماعات اجلهادية .ووراء هذا التوجه ،ا�ستمر البع�ض يف الت�أكيد على وج���ود عالقات بني هذه احل���ركات والدولة ،قائل�ي�ن �إن موجات العنف مل تك���ن متام ًا دخيلة عل���ى التناف�س وال�صراعات داخ���ل �أجهزة الدولة الوا�سعة. وب�شكل عام ،ت�شتهر اجلماعات اجلهادية يف املناطق املعزولة التي تقل فيه���ا التنمية (مثل م����أرب و�شبوة واجلوف و�أب�ي�ن) ،ويف �أو�ساط قبائل املناطق النائية الت���ي ال ت�ستفيد من م�شاريع الدولة اال�ستثمارية والبنية التحتية .هذه املناطق هي التي ت�ستهدفها اجلهات املتربعة الدولية لكي تقلل م���ن �أعمال العنف والدع���م الذي تتلقاه اجلماع���ات املتطرفة من خالل �إقامة امل�شاريع التنموية.
بالرغم اجلماعات اجلهادية املتطرفة من قلة عدد ه���ذه اجلماعات اجلهادية لكنها تلعب دور ًا مهم ًا يف تاريخ اليم���ن ،وغالب��� ًا ما ت�ض���ع البلد عل���ى خارط���ة الإرهاب العامل���ي .ومنذ ت�سعيني���ات الق���رن املا�ض���ي وهذه اجلماعات ت���زداد ظه���ور ًا يف و�سائل الإع�ل�ام؛ وهذه حقيق���ة تُعتِّم عل���ى الطوائف الإ�سالمي���ة الأخرى .وقد �أث���رت م�شارك���ة اليمنيني يف احلرب الأفغاني���ة يف الثمانينيات ،ومن ثمّ يف البو�سنة وال�شي�ش���ان والعراق ،على ال�سيا�سة الداخلية يف اليمن .ويف غالب��� ًا وم���ن دون دق���ة ع���ام � ،1994أثناء احلرب الأهلية �ضد حرك���ة االنف�صال اال�شرتاكية يف ال�س��لفية اجلن���وب� ،ساع���دت امللي�شيات (املكون بع�ضها م���ن “الأفغان العرب”) تُو�ص���ف الطائفة الثالثة – �أي ال�سلفي���ة (التي ي�سميها �أحيان ًا خ�صومها اجلي����ش الوطن���ي وقتلت العنا�ص���ر اال�شرتاكي���ة وخرب���ت مدينة عدن“ ،الوهابي���ة” نظر ًا الرتباطها الفعلي �أو املزعوم بالعربية ال�سعودية) – وان�ضم بع����ض عنا�صرها لقوات الأمن وامل�ؤ�س�سات القبلية املحلية .ومن ب����أن لها عالقة باجلماعات اجلهادية ،ورغ���م احتمال وجود روابط بني ه���ذه العنا�صر طارق الف�ضلي ،وري���ث �سلطان �أبني وقائد املجاهدين يف اجلماعات �إال �أنه قد توجد �أي�ض ًا خالفات �شديدة. �أفغان�ستان ،والذي عيّنه الرئي�س فيما بعد كع�ضو يف جمل�س ال�شورى. وق���د ظه���رت ال�سلفي���ة يف اليم���ن مطل���ع الثمانينيات ح���ول �شخ�صية وتقي���م بع����ض العنا�صر الأخ���رى خاليا له���ا تربطها عالقات عابرة للحدود ،مثل جي�ش عدن �أبني الإ�سالمي �إذا كان يف اليمن نوع من الدميقراطية ،وتعاين من الف�ساد امل�ست�شري وغ�ي�ره من اجلماع���ات الت���ي تنتمي لتنظي���م القاعدة وانقلب���ت يف الأخري �ض���د م�صالح الدول���ة وا�ستهدفت وتدين م�ستوى التنمية وارتفاع ن�سبة الق�سوة� ،إال �أنها مل ُتعانِ من رعاي���ا الغرب ب�ش���كل علني .كما �شارك���ت يف اختطاف م�ستويات عالية من العنف املدعوم من الدولة مقارنة بعراق �صدام ال�سياح عام ،1998وتفجري املدمرة “كول” عام ،2000ح�سني� ،أو من �سلب احلريات ال�سيا�سية مقارنة بال�سعودية وعملي���ات االغتيال �أو حماوالت التفجريات (التي ف�شل معظمه���ا) يف �أنحاء البالد منذ �أيلول�/سبتم�ب�ر ،2001والتي ا�ستهدف مقب���ل الوادعي ،الذي تلقى تعليم���ه يف ال�سعودية خالل فرتة ال�ستينيات بع�ضه���ا البنية التحتية .ويف ت�شري���ن الثاين/نوفمرب 2002قامت طائرة وال�سبعينيات ،وظلت له عالق���ات غام�ضة باحلكام ال�سعوديني والنخبة �أمريكية من دون طيار ب�إطالق �صاروخ قتل �أبو علي احلارثي يف حمافظة من رج���ال الدين حتى تويف عام .2001ومن معتق���دات ال�سلفية :طاعة م����أرب ،ال���ذي ُيق���ال �أنه زعي���م القاع���دة يف اليمن .ويف الوق���ت نف�سه ،ويل الأم���ر ،حتى ل���و كان فا�سد ًا �أو ظاملاً� ،إ�ضاف���ة �إىل الرغبة يف جتاوز قام���ت ال�سلطات باعتق���ال بع�ض النا�شطني وحاكمته���م ،لكن ال�سيطرة ال�سياق���ات املحلية والوطنية م���ن خالل �إي�صال ر�سال���ة عاملية للجميع. الأمني���ة حلليف �أمريكا اجلديد اعتربت غري كافية ،وقد �أثار هروب 23وبه���ذا ف�إن ه���دف ال�سلفية هو احلف���اظ على كل امل�سلمني م���ن الفتنة، م���ن مقاتلي القاع���دة يف �شباط/فرباير ،2006وبينه���م القيادي جمال من خالل االبتعاد عن �أي مي���ول �سيا�سي وعدم امل�شاركة يف االنتخابات الب���دوي ،من �سجن محُ ّ�صن و�شديد احلرا�س���ة يف اليمن� ،أثار ت�سا�ؤالت واملظاه���رات والثورات .وبد ًال من كل هذا ،فه���م ي�ؤمنون ب�أنهم قادرون على �أن يلعبوا دور ًا يف توجيه �سيا�سات الدولة عن طريق �إ�سداء الن�صح عن اخرتاق �أجهزة الدولة. ويف �سن���ة ،2008و�إثر حملة منخف�ض���ة امل�ستوى (وفا�شلة يف معظمها) ل���ويل الأمر .كما �أنهم يرف�ض���ون ا�ستخدام العن���ف وينتقدون العمليات من الهجم���ات �ضد م�صالح الدولة والغرب ،مب���ا يف ذلك عملية تفجري الإرهابية التي ت�ستهدف املدنيني. ويف الواقع لقد ظل الوادعي� ،شيخ ال�سلفية� ،شديد االنتقاد لإ�سرتاتيجية ال�سف���ارة الأمريكية يف �صنعاء يف ال�سابع ع�شر من �أيلول�/سبتمرب والتي �أودت بحي���اة ت�سعة ع�شر �شخ�ص���اً ،بدا �أنها مثّلت مرحل���ة ا�سرتاتيجية اجلهادي�ي�ن عل���ى امل�ست���وى العامل���ي واملحل���ي داخ���ل اليمن من���ذ مطلع جدي���دة .فالهج���وم الذي وق���ع يف مدينة �سيئ���ون يف �شه���ر متوز/يوليو الت�سعينيات حتى وفاته .ويف ذلك الوقت ،وجّ ه االتهام لأ�سامة بن الدن، من نف����س العام وا�ستهدف مباين اخلدمات الأمني���ة ،والإدعاء الالحق الذي كان يح���اول بعد �أفغان�ستان �أن يبد�أ بح���روب جديدة ،ب�أنه يُف�ضِّ ل العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
121
املحــور
ال�صوفية ي�شكل ال�صوفيون الطائفة الرابع���ة يف اليمن املعا�صر .ومثل ال�سلفيني – خ�صوم ال�صوفية – ي�ؤيد ال�صوفي���ون العقي���دة التي ال تهتم ب�أمور ال�سيا�سة ،لك���ن لهم دور ًا مهم ًا يف ال�سيا�س���ة اليمنية .ونظر ًا لل�شعبية التي كان���وا يتمتعون بها يف اليمن اجلنوبي �سابقاً ،خا�صة يف ح�ضرموت ،عانوا من التع�سف ال�شديد يف ظل النظ���ام اال�شرتاكي وجل�أ الكثري من رج���ال الدين �إىل ال�سعودية واليمن ال�شمايل .وبع���د الوحدة اليمنية وا�صل بع�ض زعم���اء ال�صوفية دعمهم لالنف�صالي�ي�ن عام ( 1994نظر ًا لعالقاتهم برج���ال �أعمال �سعوديني)، غ�ضت الدولة الطرف جتاه وعندما انتهت احلرب بهزمية االنف�صاليني ّ عمليات تدم�ي�ر املقد�سات الدينية لل�صوفية يف ع���دن وح�ضرموت على �أيدي ال�سلفيني وبع�ض الإخوان امل�سلمني املت�شددين. ومن���ذ �أواخر الت�سعينيات من القرن املا�ض���ي انتع�شت ال�صوفية كثري ًا ممثل���ة مبعه���د دار امل�صطفى يف مدين���ة ترمي .ونظ���ر ًا لأن �إدارة املعهد تديره���ا �شخ�صيت���ان معروفت���ان عاملي���اً ،هما احلبيب عم���ر بن حفيظ واحلبي���ب عل���ي اجلفري ،ح�ضي ه���ذا املعه���د الديني باهتم���ام الدولة ودعمه���ا .ومقابل ذلك ح�صل مر�شحي حزب امل�ؤمتر احلاكم على دعم يف االنتخابات النيابية عام � 2003ضد مر�شحي حزب الإ�صالح .ومع �أن كث�ي�ر ًا من املحللني و�صفوا ال�صوفية ب�أنها جماعة يُحدِ ق بها اخلطر من كل جان���ب نتيجة ل�سيا�سات الدولة واجلماع���ات الإ�سالمية الأخرى� ،إال �أن احلال���ة تغريت متاماً .ففي ،2003وبرغم قل���ة خربته ،عُ ينِّ احلبيب عم���ر كمذي���ع ومن�سِّ ق للربامج الديني���ة التي يذيعه���ا التلفزيون الوطني يف �شه���ر رم�ض���ان .وكم�ؤ�شر على العالق���ة اجلديدة بني ه���ذه الطائفة الديني���ة والدولة ق���ام الرئي�س علي عبد اهلل �صالح بع���دد من الزيارات ل���دار امل�صطف���ى م�ستفيد ًا م���ن عالقاته���ا (�أي ال�صوفي���ة) اخلارجية التاريخية. يب��دو �أن عامل العالقات ب�ين الدولة والفئات ال�سيا�س��ية املتعددة ،وكمعتقدات ال�سلفي���ة ،يبدو �أن املعتق���دات ال�صوفية خا�صة الفئات الإ�سالمية ،ودجمها يف امل�ؤ�س�سات العمومية (كاجلي�ش لها فائدة م���ن الناحية ال�سيا�سي���ة .فال�صوفية ت�ساعد على �إ�ضعاف الدعم احلكومي للمجموعات الإ�سالمية وال�ش��رطة واجلامعات وغريها) هو ال�سبيل �إىل فهم ا�ستقرار اليمن، الأخ���رى بينم���ا تن�ش���ر ر�ؤي���ة �إ�سالمي���ة معتدل���ة� ،أكرث فت�شارك ال�سلطة هو من خ�صال النظام الرئي�سية ت�ساحم��� ًا و�سلمية .وبالفعل ترك���ز ال�صوفية على تعليم الروحاني���ة الفردي���ة وتقومي الذات بد ًال م���ن االن�شغال – دور ًا �سيا�سي��� ًا قوي���اً ،وق���د تلقوا م�ساعدة غري مبا�ش���رة والت�سامح ب�أم���ور �سيا�سية .ع�ل�اوة على ذلك ،ال تتعار����ض ال�صوفية مع االقت�صاد م���ن قبل الدول���ة ،وعقيدته���م منا�سبة باعتب���ار �أنها تقلل م���ن م�ساندة احلر وامل�شاريع التجارية ولهذا تروق لطبقات املجتمع العليا والو�سطى. اجلماع���ات الإ�سالمي���ة ال�سيا�سي���ة مثل الأخ���وان امل�سلم�ي�ن والزيديني و�إحي���اء ال�صوفية هو جزء من عملية ن�شر الدعوة الوا�سعة التي تعي�شها املجددي���ن واال�شرتاكي�ي�ن يف جن���وب اليم���ن .وبالفعل ت�ساع���د العقيدة كل املجتمع���ات امل�سلم���ة ،و�أف�ضل من يج�سدها الداعي���ة امل�صري عمرو ال�سلفي���ة احلديثة على �إبق���اء �شرائح معينة من املجتم���ع اليمني بعيدة خالد والداعية الكويتي طارق ال�سويدان. ميكن ت�صنيف ع���ن ال�سيا�سة ،وتعت�ب�ر �أن كل �أنواع املعار�ضة ل���ويل الأمر غري �شرعية .الزيدية املجددون وبالت���ايل ،ف�إن االمتناع ع���ن امل�شاركة يف االنتخاب���ات املحلية والوطنية الطائفة الديني���ة اخلام�سة يف اليمن بالزيدية املجددين ،وهي الطائفة يخ���دم مر�شح���ي احلزب احلاك���م .ومنذ زم���ن طويل و�سيا�س���ة تفريق الوحيدة من ب�ي�ن اخلم�س الطوائف التي ميكن و�صف �أ�صولها ب�أنها من خ�صوم احلزب احلاكم هي الإ�سرتاتيجية التي يتبعها النظام احلاكم ،منبع مين���ي لكن لها عالقات خارج حدود اليم���ن ،وهي ردة فعل فكرية
122
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
Krivic Matjaz
اال�ستثم���ار يف ال�سالح ولي����س امل�ساجد ،بل �أن الوادع���ي ا�ستطاع �إف�شال خطط بن الدن الهادفة للجهاد �ضد اال�شرتاكيني يف جنوب اليمن .وبعد �أحداث احل���ادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب (بعد وف���اة الوادعي) �أ�صبح �شجب العنف �أ�سل���وب ال�سلفية لإ�صباغ ال�شرعية على موقفها يف حميط م�ضطرب .فق���د دعم �أبو احل�سن املاربي الرئي����س اليمني يف انتخابات 2006الرئا�سي���ة ،بينما عقد خ�صمه حمم���د الإمام ،الذي رمبا هو الآن �أه���م �شخ�صيات ال�سلفية يف اليمن ،لقا ًء عام � 2003أدان فيه اجلهاد يف الع���راق �ضد قوات االحت�ل�ال الذي تتزعمه الوالي���ات املتحدة ،وقال �إن �شرعي���ة اجلهاد تتوقف على موافقة احلكومة اليمنية ،التي من الوا�ضح �أنها لن جتر�ؤ على فعل ذلك باعتبارها حليف جديد للواليات املتحدة يف “احلرب على الإرهاب” .ويف ظل هذا املحيط ،مل يكن اليمنيون الذين �سافروا �إىل العراق جماهدين �شرعيني. ودون �شك فقد حولت هذه املواقف ال�سلفيني �إىل حلفاء جدد للحكومة اليمنية يف م�س�ألة تذكرنا بقدرة ال�سلطة الدينية يف ال�سعودية على ت�أييد �سيا�س���ات وقرارات الدولة يف ظل كل الظ���روف .ويف نف�س الوقت �ساند ال�سلفي���ون عمليات �ض���د �أفراد زيدي�ي�ن و�أ�ضرحة �صوفي���ة ،وي�شتهرون بت�شوي���ه كل الطوائ���ف الديني���ة وال�سيا�سي���ة الأخرى ،خا�ص���ة الأخوان امل�سلم�ي�ن ،وو�سمه���م ب�أنه���م م�سلم���ون خمالف���ون وفا�س���دون �أخالقياً. ويف املجتم���ع اليمن���ي املعا�ص���ر يتميز ال�سلفي���ون بعدد م���ن املمار�سات املتميزة ،وب�أ�سلوبه���م يف اللب�س والألفاظ اللغوية والعادات االجتماعية. ويعربون �صراحة ع���ن رغبتهم يف االبتعاد عن املجتمع “الفا�سد” بقدر الإمكان من خ�ل�ال رف�ضهم للم�شاركة يف املحاف���ل االجتماعية الكبرية كاالحتف���االت الديني���ة واملهرجان���ات املو�سيقية التقليدي���ة واالنتخابات وجل�سات القات. ويلع���ب ال�سلفيون – الذين يزعمون عدم اهتمامهم بالأمور ال�سيا�سية
ويبدو �أنها �إ�سرتاتيجية ناجحة نوع ًا ما.
�سلطة التقاليد :وجود «جمتمع متمدن» تقليدي قوي على �شكل جماعات قبلية و�إ�سالمية – وهي يف معظمها م�سلحة �أو قادرة على معار�ضة الدولة – قلل من قدرة نظام احلكم على احتكار كل القوى املحركة لل�سلطة
ل�سقوط النظام الإمامي يف عام .1962ومعظم �أن�صار الزيدية هم ممن ينتم���ون �إىل �شريحة معينة م���ن املجتمع اليمن ،وهم ال�سادة� ،آل البيت. وم���ع خ�سارتهم يف احلرب الأهلي���ة بعد ثورة 1962وموت قادتهم ونهاية م���ا كان ي�شكل العن�ص���ر املركزي ملذهبه���م الديني ،كان عل���ى الزيدية البحث عن طرق جديدة لت�أكيد �شرعية موقفهم ووجودهم .و�شعر بع�ض الزيدي���ة �أن النظ���ام اجلمهوري يف الأ�سا�س مناه����ض للمذهب الزيدي و�أنه ي�ؤيد الإخوان امل�سلمني وال�سلفية والوهابية التي تدعمها ال�سعودية، وذلك من �أجل طم�س املذهب الزيدي ومعتقداته الدينية. يف ذل���ك املحيط� ،شرع الزيدي���ة املجددين يف الرّد وتنظيم �صفوفهم. ويف الثمانيني���ات عل���ى وج���ه اخل�صو����ص ،اجته���ت �أقلية �صغ�ي�رة نحو املذهب ال�شيعي الإيراين ،تاركني الكثري من املعتقدات الزيدية ومُبدين �إعجابهم بثورة 1979الإيرانية .وبينما يتوق البع�ض �إىل ت�صوير الزيدية عل���ى �أنه���ا مذهب ديني حدي���ث لديه الق���درة على الإ�ص�ل�اح والتنوير، ف�إنه���م كمثقفني متحررين �أخ���ذوا يذيقون الدولة �أ�ش���د ل�سعات النقد. وتق���وم جماع���ة �أخ���رى – ما زالت موالي���ة للمذهب الزي���دي – ب�إن�شاء معاه���د ديني���ة وطبع الكتب ،ويف �سن���ة � 1990أ�س�ست احل���زب ال�سيا�سي امل�سم���ى “حزب احل���ق” .ويف 1993انتخب اثنان م���ن قادة احلزب يف جمل����س الن���واب ،ويف 1997مت اختيار الأمني العام حل���زب احلق وزير ًا للأوقاف.
لك���ن ان�شقاق ًا حدث يف �صفوف حزب احل���ق يف منت�صف الت�سعينيات و�أدى �إىل ت�شكي���ل جماع���ة �أكرث ت�شدد ًا حتت م�سم���ى “ال�شباب امل�ؤمن” بزعام���ة ح�سني بدر الدين احلوثي ،ممثل حزب احلق �سابق ًا يف جمل�س الن���واب .وكان اله���دف من ه���ذه اجلماع���ة ،التي يدعمه���ا املثقفني يف �صعدة ،مقاومة انت�شار ال�سلفية .وقد تلقت هذه اجلماعة دعم الدولة يف ب���ادي الأمر ،لكن بعد احلادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب بد�أت الأو�ضاع تتوت���ر ،وانتقد احلوث���ي و�أن�ص���اره ا�سرتاتيجية نظ���ام احلكم اجلديدة وتعاونها يف “احلرب على الإرهاب” .ويف حزيران/يونيو من عام 2004 حاول���ت الدولة القب����ض على ح�سني احلوث���ي ،الذي اتهمت���ه الدولة �أنه تلقى دعم ًا من �إيران ومن حزب اهلل اللبناين و�سعيه ال�سرتجاع الإمامة الزيدي���ة (وهي التهمة التي �أنكرها احلوثي) .وبد�أ احلوثيون باملقاومة، وم���ا بد�أ كعملية على م�ستوى ال�شرطة حتولت وب�سرعة �إىل حرب �شاملة خلّفت �آالف القتلى واجلرحى .ويف �شهر �أيار/مايو 2005اعرتف رئي�س الوزراء عل���ى �شا�شة التلفاز مبقتل 525جندي ًا من اجلي�ش اليمني ،لكنه ُعط �أي تقديرات عن ال�ضحايا املدنيني واملتمردين. مل ي ِ وم���ع �أن “ال�شباب امل�ؤم���ن” يختلف كثري ًا عن تنظي���م القاعدة �إال �أن ُتحمّ�سَ ���ة لإظهار احلكوم���ة اليمني���ة ،حتت �ضغ���ط الواليات املتح���دة ،م ِ م�شاركتها يف العمليات التي ت�ستهدف مكافحة الإرهاب .وظهر الزيدية املج���ددون كهدف بديل يف احل���رب العاملية على الإره���اب ،باعتبارهم العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
123
املحــور الع���دو ال���ذي لن ي�ؤثر يف العالق���ات القائمة بني بع����ض عنا�صر ال�سلطة واحل���ركات الإ�سالمية الأخرى .ورغم مقتل ح�س�ي�ن احلوثي يف �أيلول/ �سبتم�ب�ر � 2004إال �أن ال�ص���راع مل يُح�سم بعد وما زالت تن�شب �صدامات جديدة وعنيفة ب�ي�ن الفينة والأخرى ..وخالل جوالت احلرب املتعاقبة، جن���ح الزيدية املجددون يف �إيجاد دعم بني �أو�ساط �شرائح قبلية �سئمت م���ن القمع احلكومي وغياب م�شاريع اال�ستثمار يف املناطق ال�شمالية من اليم���ن .وبرغم ما �شهدته هذه احلروب – الت���ي بكل املقايي�س ال ميكن اعتبارها عملي���ة �شرعية ملكافحة الإرهاب – من عنف �شديد ،ف�إنها مل تنل �سوى القليل من نقد القوى الغربية واهتمام ًا �إعالمي ًا �ضئيالً .ولكن م���ن املمكن �أن ُتخِ���ل هذه احلرب بالت���وازن ال�سيا�س���ي والطائفي الذي �أثبت فعاليته حتى فرتة قريبة.
يف امل�ؤ�س�س���ات العمومي���ة (كاجلي����ش وال�شرط���ة واجلامع���ات وغريها) هو ال�سبي���ل �إىل فهم هذا اال�ستقرار ،فت�ش���ارك ال�سلطة هو من خ�صال النظ���ام الرئي�سية .كم���ا �أن وجود “جمتمع متم���دن” تقليدي قوي على �شكل جماعات قبلية و�إ�سالمية – وهي يف معظمها م�سلحة �أو قادرة على معار�ض���ة الدولة – قل���ل من قدرة نظام احلكم عل���ى احتكار كل القوى املحرك���ة لل�سلطة وحتقيق �أي �أحالم ا�ستبدادية .ولكن ل�سوء احلظ يبدو �أن هناك قوى داخلية وكذلك �ضغوط خارجية تهز كفّتي الو�ضع املتوازن بد ًال من حماولة احلفاظ عليه. �أم���ا يف ال�ساب���ق فق���د ح�ض���ت ث���ورة 1962اجلمهوري���ة بدع���م م�صر النا�صري���ة ،التي �أر�سلت جنوده���ا �إىل اليمن ملدة خم�س �سنوات ملحاربة امللكي�ي�ن املدعومني من ال�سعودية .وكان نظ���ام احلكم اجلديد مت�شدد ًا يف ب���ادئ الأم���ر لكن���ه �سرع���ان م���ا فتح ب���اب احل���وار م���ع الإ�سالميني بالإ�ضاف���ة �إىل املجامي���ع القبلية ،التي كان بع�ضه���ا يف البداية معار�ض ًا للجمهورية .ومنذ عام 1967و�صاعداً� ،سعت احلكومة اليمنية �إىل دمج امللكيني ال�سابقني عن طريق الرتا�ضي بني الطرفني� ،إذ مت �إعطاء بع�ض رج���ال الدين الزيديني منا�صب رفيعة يف الدول���ة ،ومنها من�صب مفتي اجلمهورية. �أي�ض���ا كان هن���اك الإخ���وان امل�سلم�ي�ن وكان���وا م���ن �أن�ص���ار النظ���ام الرئي�سي�ي�ن ،وركزوا جُ ل اهتمامهم – كما يفعلون يف البلدان الأخرى –
يف الوقت الذي ي�صور الكثري منطق الدمج من املحللني وال�صحفيني اليمن ب�أنه على �شفا الهاوية جند �أن اليمن يف الواقع ما زال ثابت ًا ب�صورة مده�شة .وبرغم وجود معار�ضة داخلية قوية (�سيا�سي��� ًا وقبلي���اً) ،والعداء املتكرر مع الدول املج���اورة وب�صفة خا�صة العربي���ة ال�سعودية ،ا�ستطاع النظام اجلمهوري وحكم الرئي�س علي عبد اهلل �صال���ح موا�صلة املقاومة والتغلب على الكثري من الأزمات :احلروب الت���ي ن�شبت بني الأنظم���ة اليمنية املتعادية ،وال�صدام���ات مع ال�سعودية و�إريرتي���ا ،وتوحيد �شطري اليم���ن ،وحرب اخلليج وما تاله���ا من ط���رد ما يق���ارب 800.000عام���ل ميني من ظ��ل قمع اجلماع��ات الإ�س�لامية يف �إطار حمدود ،وا�س��تطاع ال�سعودي���ة والكويت ،و�أزمة ف�ت�رة ما بعد احلادي ع�شر ال�س��لفيون وال�ص��وفيون والزيدي��ة املج��ددون والإخ��وان من �أيلول�/سبتمرب. مبا يح���دث لأنظمة احلك���م يف العامل امل�س��لمون ،بل وحتى �أفراد متعاطفون م��ع املبادئ اجلهادية، و�إذا م���ا قارنا العرب���ي ب�ص���ورة عامة لوجدن���ا �أن الثمن ال���ذي دفعه التو�صل �إىل مواقع النخب ال�سيا�سية والقبلية ال�شعب اليمني لتحقيق ه���ذا اال�ستقرار امل�ؤ�س�سي قليل ن�سبي���اً .و�إذا كان يف اليمن ن���وع من الدميقراطية ،وتع���اين من الف�ساد عل���ى �إ�صالح نظام التعليم ل�صاحلهم .ويف نف�س العام ال�سابق عُ ينّ �أحد امل�ست�ش���ري وتدين م�ست���وى التنمية وارتف���اع ن�سبة الق�س���وة� ،إال �أنها مل زعمائهم ،عبد امللك الطيب ،وزير ًا للرتبية والتعليم يف اليمن ال�شمايل. ُتع���انِ من م�ستويات عالية من العن���ف املدعوم من الدولة مقارنة بعراق ويف ال�سبعينيات توىل عبد املجيد الزنداين ،الذي يعترب ع�ضو ًا مت�شدد ًا �ص���دام ح�سني� ،أو من �سلب احلريات ال�سيا�سية مقارنة باململكة العربية يف حزب الإخوان امل�سلمني ،م�سئولية الإ�شراف على التعليم الديني ،ومت ال�سعودي���ة .كما مل تواجه الكثري م���ن �سفك الدماء وعمليات القمع التي توظيف مدر�سني م�صريني و�سودانيني ممن تلقوا تعليمهم يف اجلامعات �شهدته���ا اجلزائر خ�ل�ال الت�سعينيات م���ن القرن املا�ض���ي �أو يف م�صر الديني���ة كجامع���ة الأزه���ر .ويف نف����س الوقت تر�أ����س �أف���راد م�شابهون خالل ال�سبعينيات� ،سواء من قبل الدولة �أو اجلي�ش �أو املتمردين .وحتى للإخ���وان امل�سلمني نظام التعليم املوازي للمدار����س ،وهو نظام املعاهد يف ح���رب 1994بني اجلي�ش ال�شم���ايل واالنف�صاليني يف اجلنوب مل تكن العلمي���ة .وق���د كان الغر�ض من �إن�ش���اء هذه املعاه���د يف البداية ت�شكيل ن�سب���ة ال�ضحايا عالي���ة ،بل �إنه مت دم���ج الكثري من ق���ادة االنف�صال يف معار�ض���ة ملنع تو�سع النظام اال�شرتاك���ي يف املناطق احلدودية مع اليمن �أجه���زة الدولة و�أ�صبح البع�ض الآخر م���ن م�ست�شاري الرئي�س املقربني .اجلنوبي �سابقاً ،وكانت ال�سعودية هي امل�صدر املمول الرئي�سي لها ،حتى وله���ذا ال�سب���ب على الأقل ميك���ن اعتبار ع���دد امل�شردي���ن داخلي ًا الذي مع حتقيق الوحدة اليمنية عام .1990وبعد نقا�ش حاد �أ�صبحت املعاهد ي�ص���ل حوايل مائة �أل���ف وتدمري بع�ض القرى خالل ح���رب �صعدة منذ العلمي���ة ،التي قي���ل �أن بها حوايل 600.000طالب���اً� ،ضمن نظام التعليم حزيران/يوني���و � 2004صدع��� ًا وا�سع��� ًا يف ج���دار العالقات ب�ي�ن الدولة العام يف .2002 وخ�ل�ال الت�سعينيات �سلكت هذه ال�شراك���ة يف ال�سلطة مع الإ�سالميني و�شرائح املجتمع. م�سل���ك ًا �سيا�سي��� ًا ب�ص���ورة مبا�ش���رة .فم���ع �أن الوحدة اليمني���ة بُنيت يف م�ش��اركة الإ�س�لاميني بالنظر الأ�سا����س عل���ى ال�شراكة بني احلزب�ي�ن احلاكمني يف ال�شم���ال واجلنوب الدولة بني ���ات ق العال عامل أن � ���دو ب ي إطار �إىل و�ض���ع اليم���ن يف ذلك ال �إال �أن النخب���ة ال�سيا�سي���ة يف ال�شمال كانت تت���وق �إىل �إيجاد حلفاء جدد والفئ���ات ال�سيا�سية املتعددة ،خا�صة منها الفئ���ات الإ�سالمية ،ودجمها له���ا .ويف 1993بع���د �أول انتخاب���ات عامة �أ�صبح عب���د املجيد الزنداين 124
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
�أح���د الأع�ض���اء اخلم�سة يف جمل�س الرئا�سة بينم���ا مت انتخاب عبد اهلل ب���ن ح�س�ي�ن الأحمر – رئي����س حزب الإ�صالح – رئي�س��� ًا ملجل�س النواب، م�ستفيد ًا من �أ�ص���وات �أع�ضاء جمل�س النواب امل�ؤمتريني .وعندما بد�أت العالق���ات مع قادة احل���زب اال�شرتاكي تتوتر ،واف���ق الرئي�س علي عبد اهلل �صال���ح على م�شارك���ة احلكم مع حزب الإ�ص�ل�اح ،ف�شارك الإخوان امل�سلم�ي�ن مبا�ش���رة يف احلكوم���ة خ�ل�ال الف�ت�رة 1993 – ،1997ولعب���وا دور ًا �أك�ب�ر بع���د ح���رب 1994وزوال يف ظل ال�ضغط الذي ي�شكله كل من املجتمع اليمني واحلليف اال�شرتاكي�ي�ن .كم���ا عُ �ّي�ننّ عبد الوه���اب االن�س���ي نائب الأمريكي اجلديد ،حاولت احلكومة اليمنية �إثبات م�شاركتها لرئي�س ال���وزراء ،وتوىل الإ�صالحيون منا�صب مهمة يف م�ؤ�س�س���ات الدولة (كوزارة الع���دل ،والرتبية والتعليم ،يف احل��رب عل��ى الإره��اب ،ويف نف���س الوقت ظل��ت تتوق �إىل والتجارة ،والأوقاف). �إثبات ا�ستقالليتها عن القوى الغربية وم���ع �أن م�شارك���ة الإ�صالحي�ي�ن يف احلكومة تعرقلت ع���ام � 1997إال �أن دمج كل فئات اجلماعات الإ�سالمية يف �أجهزة الدولة اال�ستقرار و�أعمال العنف من قبل عنا�صر �إ�سالمية ينتمون �إىل القاعدة ا�ستمر ب�صورة ر�سمية وغري ر�سمية ،وما زال الكثري من املنا�صب الهامة �أو ي�ستلهم���ون �أفكارهم من خطابها� ،إذ تدل تفج�ي�رات �أيلول�/سبتمرب يف اجلي�ش وقوات الأمن يتواله���ا �أ�شخا�ص معروف �أنهم �إ�سالميون من 2006الت���ي ا�ستهدفت من�ش�آت نفطية ،والعملي���ات االنتحارية يف متوز/ كل امل�ش���ارب ال�سيا�سي���ة .وهذا هو حال �أهم �شخ�صي���ات النظام الأكرث يولي���و 2007التي ا�ستهدفت �سياح �أ�سبان وخ ّلف���ت ع�شرة قتلى ،والقتال ج���د ًال – وهو عل���ي حم�سن الأحمر� ،أحد �أن�س���اب الرئي�س علي عبد اهلل الذي ن�شب بني املقاتلني وقوات اجلي�ش يف �آب�/أغ�سط�س ،2007وهجوم �صال���ح وقائد �أحد الألوية يف العا�صمة �صنع���اء .ونتيجة لذلك ،ظل قمع �أيلول�/سبتم�ب�ر 2008عل���ى ال�سف���ارة الأمريكي���ة ،ت���دل كله���ا على هذه اجلماعات الإ�سالمية يف �إطار حمدود ،وا�ستطاع ال�سلفيون وال�صوفيون التوت���رات يف البالد .ويف خ�ضم ذلك يب���دو �أن الدولة تفقد توا�صلها مع والزيدي���ة املجددون والإخوان امل�سلمون ،ب���ل وحتى �أفراد متعاطفون مع جماع���ات العنف التي كان���ت ذات مرة ت�سيطر عليه���ا من خالل الدمج املبادئ اجلهادية ،التو�صل �إىل مواقع النخب ال�سيا�سية والقبلية. ال�سيا�سي واالقت�صادي. وطاملا �أن اخلالف مع اجلماعات اجلهادية ما زال حمل ت�سا�ؤل ،وغري الت��وازن حت��ت ال�ض��غط عل���ى تام ورمبا قابل للإبطال (باعتبار �أن عدد ًا من املنتمني للأجهزة الأمنية الرغم من �أن الأزم���ة التي حدثت يف �أعقاب هجمات احلادي ع�شر من ما زالوا على توا�صل مع هذه اخلاليا املتطرفة) ،ف�إن احلرب يف �صعدة �أيلول�/سبتم�ب�ر قد �أثرت يف تل���ك الرتتيبات ال�سيا�سية ،لكنها حتى الآن �ض���د احلوث���ي و�أن�صاره من���ذ 2004يبدو �أنه���ا تزيد من ات�س���اع الفجوة مل ت�ش���كل تهديد ًا لبقائه���ا وا�ستمرارها .ويف ظل ال�ضغ���ط الذي ي�شكله الت���ي تعطيها طابع ًا طائفي ًا مناه�ض ًا لل�شيع���ة يذكرنا باحلال يف العراق كل م���ن املجتم���ع اليمني واحلليف الأمريكي اجلدي���د ،حاولت احلكومة ومناط���ق �أخ���رى يف ال�شرق الأو�س���ط .و�إىل جانب املجددي���ن الزيديني اليمني���ة �إثب���ات م�شاركتها يف احل���رب على الإره���اب ،ويف نف�س الوقت املت�شددي���ن ،ي�ستهدف نظام احلكم رجال الدي���ن الزيديني واملنظمات ظل���ت تتوق �إىل �إثب���ات ا�ستقالليتها ع���ن القوى الغربي���ة .وبالتعاون مع التي كانت ذات مرة من حلفائه .كما يثري العنف الذي ميار�سه اجلي�ش الوالي���ات املتحدة نفذت الدول���ة �أي�ض ًا ا�سرتاتيجي���ة ت�صالح جديدة مع دون متييز �سخط الفئات القبلية واالجتماعية التي هي يف الأ�صل ت�شعر املتطرفني عام ،2002وق���ام بتطبيقها على �أر�ض الواقع القا�ضي حمود ب�إق�صاء الدولة لها. الهت���ار ،ال���ذي �أ�صبح وزير ًا للأوق���اف والإر�شاد ع���ام ،2007وذلك من ويبدو �أن قيام احلكومة مبهاجمة الزيديني املجددين يعر�ضها ملخاطر �أج���ل �إثبات جن���اح مبد�أ احلوار بد ًال من �أ�سل���وب القمع املح�ض .وغالب ًا �أق���ل مم���ا لو كانت ت�سع���ى لتلبية كل مطال���ب حلفائها الغربي�ي�ن �أو قمع م���ا تُعر�ض اتفاقيات على املقاتلني العائدي���ن �إىل اليمن بعد م�شاركتهم جماع���ات �إ�سالمية لها متثي���ل �أكرب يف �أو�ساط ال�شع���ب اليمني ،خا�صة يف اجله���اد خارج وطنهم ،وه���ي اتفاقيات تقدّم من قبل م�سئولني كبار :تل���ك اجلماعات الت���ي لها عالق���ة بالإخوان ال�سري نحو ومن ه���ذه االتفاقيات تقدمي مُنح مالية للب���دء ب�أعمال جتارية �صغرية ،امل�سلمني ،وكانت �ستُعرِّ�ض بهذا قاعدتها االعتدال و�إعط���اء ال�ضمانات ب�ت�رك املقاتلني العائدين و�ش�أنه���م ب�شرط توقفهم ال�سيا�سي���ة كامل���ة للخطر ورمب���ا املزيد التايل بقلم� :ستيج هان�سن و �أتل ميزوي عن ممار�سة الأن�شطة غري امل�شروعة على الأقل داخل اليمن .لكن عادة من �أعم���ال العن���ف .وبالفع���ل يتم عزل م���ا ُيغَ�ض الطرف عن املقاتلني امل�سافرين �إىل العراق �أو غريها ملمار�سة الزيدي�ي�ن ،بل �أنه���م يف الأ�صل ق���د تعر�ضوا �أعم���ال عن���ف .وقد �أثبت هذا الت�صرف جناح��� ًا �إىل حد كبري ،حيث مل للتدم�ي�ر �إىل حد كبري من خالل التط���ورات التاريخية التي حدثت ،وما يعد نظام احلكم يواجه �سوى القليل من �أعمال العنف الداخلي من قبل تق���وم به الدولة �ضدهم ال يعر�ضها لأي تهديد حقيقي طاملا �أنها توا�صل بع�ض اجلماعات الإ�سالمية. جهوده���ا يف حت�سني عالقته���ا بباق���ي الطوائف الديني���ة الإ�سالمية يف لكن ال�ضغط والنقد الدويل املتنامي (خا�صة من قبل الرئي�س الأمريكي اليمن. ال�سابق جورج بو�ش ،الذي وجه خطاب ًا لنظريه اليمني عام 2006يت�ساءل في���ه عن م�صداقية التزام اليمن باحلرب على الإرهاب) بد�أ ي�ؤدي �إىل تغيري .وقد دفع ذلك التوجه نخبة من داخل احلكومة اليمنية �إىل تعزيز �سلطته���م اخلا�صة .ومنذ 2004يبدو �أن عمليات حماربة الإرهاب ،التي اتخ���ذت �شكل اعتق���االت ،و�إغالق للمعاه���د الدينية (مب���ا فيها التابعة حل���زب الإ�صالح) ،وغارات للجي����ش ،تتزامن مع ارتف���اع م�ستوى عدم
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
125
املحــور
ال�سري نحو االعتدال
جتربة جماعة «الإخوان امل�سلمني» يف اليمن �ستيج هان�سن و �أتل ميزوي
يتتب���ع املق���ال الت���ايل ،من وجهة نظر غربية ،تاريخ جماع���ة «الإخوان امل�سلمني» يف اليمن -وذل���ك �ضمن خارطة �أو�سع ت�ضم تنظيمات جماعة الأخوان يف منطقة القرن الأفريقي الكبري -بغية التعرف على ما �إذا كان من املمكن للجماعة �أن تعمل �ش���ريكاً يف اجلهود الرامية �إىل تعزيز اال�س���تقرار والتنمية يف البالد .وي�ستك�ش���ف املقال كذلك �س���جل «الإخوان اليمنيني» ،وحزبهم املُ�ؤطِّ ر لن�ش���اطهم ال�سيا�س���ي (التجمع اليمني للإ�ص�ل�اح) ،ب�ش����أن �إمكاناتهم ك�ص���انعني حمتملني لل�س�ل�ام ،ويتو�ص���ل �إىل �أن �أجندتهم ال�سيا�س���ية ت�ؤثر يف و�س���طيتهم ،على الرغم من �أن الإخوان يظلون طرفاً مهماً يف تفاعالت ال�سيا�س���ة املحلية .وتعد �إمكانات التجمع اليمني للإ�ص�ل�اح كحزب �سيا�س���ي يف �صنع ال�سالم – كما يرى كاتبا املقال -عظيمة على امل�س���توى املحلي ويف املفاو�ض���ات مع �أقرانهم من امل�س���لمني ال�سّ ���نة ،بالنظر �إىل اعتدالهم الن�س���بي مقارنة بجماعات �إ�سالمية �أخرى. 126
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
�ستيج هان�سن و �أتل ميزوي باحثان يف املعهد الرنويجي للبحوث املدنية والإقليمية� ،أو�سلو.
ُيعَ��� ُّد التاري���خ بداي��ات متوا�ض��عة املبكر جلماعة الإخوان امل�سلمني يف اليمن مُثري ًا لاللتبا�س �إىل حد ما، فرمب���ا تعود جذوره الأوىل �إىل نادي الإ�صالح الذي ت�أ�س�س يف القاهرة ع���ام ،1934الذي كان يقوم على فل�سفة ر�شيد ر�ضا وحممد عبده �أكرث من���ه على فل�سفة ح�سن البنا .ويف ع���ام ،1939غيرَّ التنظيم ا�سمه �إىل الكتيب���ة الأوىل .وكان من قادة ه���ذه اجلماعة زعيم الإخوان امل�سلمني اجلزائري�ي�ن ،الف�ضي���ل الورتالين ،الزمي���ل املقرب من ح�س���ن البنا، املر�شد العام جلماعة الإخوان امل�سلمني. وعلى الرغم من �أن عمر تلك اجلماعة كان ق�صرياً� ،إال �أن الورتالين ا�ضطل���ع ب���دو ٍر مهمٍ يف ن�ش���ر فكرة الإخ���وان يف اليم���ن ،النخراطه يف الأن�شطة املناه�ضة لل�شيعة مع جماعة الإخوان امل�صرية .كذلك� ،شارك �أفراد الإخوان يف الكفاح �ضد الإمام حتى مت خلعه عام .1962 ويب���دو �أن هناك تنظيمات عدي���دة ذات عالقة بالإخوان ظلت تظهر ثم تختفي �إىل �أن مت ت�أ�سي�س تنظيم منظم للإخوان امل�سلمني يف �أواخر ال�ستيني���ات من الق���رن املا�ضي كما تتف���ق امل�صادر عل���ى ذلك ب�صفة عامة .وبحل���ول بداية ال�سبعيني���ات ،قاد التنظيم اليمن���ي عبد املجيد الزن���داين ،الذي كان الإخوان امل�صريون م�صدر �إلهام له �أثناء �إقامته يف م�ص���ر على الرغم من �أنه كان �أكرث ت�ش���دد ًا من التنظيم امل�صري. ونظر ًا �إىل �سجله املث�ي�ر للجدل واملت�شدد ،فقد حل حمله الحق ًا يا�سني عب���د العزيز القباطي .وخالل الثمانينيات من القرن الع�شرين ،تو�سع تنظي���م الإخوان ،ف�أن�ش����أ يف عام 1985جريدته اخلا�ص���ة «ال�صحوة»، الت���ي ما زالت موجودة حتى اليوم .ويف ع���ام ،1988فاز الإخوان بعدد كبري من املقاعد يف انتخابات املجل�س اال�ست�شاري. ت�أ�س����س التجمع اليمني للإ�ص�ل�اح يف 13كانون الأول/دي�سمرب 1990 ح�ي�ن �سُ مِ ح بتكوين الأح���زاب ال�سيا�سي���ة يف اليم���ن .وكان التنظيم - ترا�ض ب�ي�ن ال�شيخ عبداهلل الأحمر، بالعدي���د من الطرق -زواج ًا عن ٍ �شي���خ احت���اد قبائل حا�شد ،التي ُت َع ُّد من �أك�ب�ر القبائل يف اليمن ،وبني جماعة الإخوان الأكرث مدنية ،التي كان يقودها ال�شيخ يا�سني القباطي، الذي ال يزال هو الزعيم الروحي لها حتى اليوم .وعلى الرغم من كونه اندماج ًا بني �إح���دى جماعات الإخوان وجماعة ال تنتمي �إىل الإخوان، �إال �أن الإخوان قبلوه بو�صفه من �إخوان اليمن ،وهو كثري ًا ما يذكر بهذه ال�صفة يف موقع الإخوان امل�صريني. ويف الواق���ع ،كان التجمع اليمن���ي للإ�صالح -وال يزال -ي�ضم بع�ض ًا م���ن العنا�صر ال�صريحة التي ال تنتم���ي �إىل الإخوان .وقد جذب �سجل الإ�صالح ،املناه�ض لل�شيعة ،الكثري من العنا�صر الوهابية ،الأمر الذي �أدى �إىل ن�ش���وء جماع���ة وهابي���ة فرعية داخ���ل التنظي���م .وقد تعززت
هذه اجلماع���ة الفرعية برغبة اململك���ة العربية ال�سعودي���ة يف ت�أ�سي�س م�شروع���ات �أطلقها �أع�ضاء الإ�صالح .وكان الحتاد قبائل حا�شد متثيل ق���وي داخ���ل التنظي���م .ويف هذا ال�صدد يج���ب �أال يُن�س���ى �أن العنا�صر القبلية لها نفوذ قوي يف ال�سيا�سة اليمنية ب�صفة عامة ،فالقبائل متثل قوى مقابلة للدولة الأتوقراطية .ومتثل القبائل بالن�سبة �إىل العديد من املواطنني درع ًا يقيهم من اال�ضطهاد والطموحات ال�شمولية للحكومة. كم���ا يظل التوريث والروابط العائلية م���ن العنا�صر املهمة للديناميكية الداخلية للتنظيم. وعل���ى الرغم م���ن وجود ه���ذه التجمع���ات الغريبة بع����ض ال�شيء يف تنظيمه���م� ،إال �أن ال�سيطرة على التنظيم تب���دو يف يد الإخوان .ف�أثناء الدرا�س���ات امليداني���ة التي �أجري���ت من �أجل هذا التقري���ر ،كان يزعم كث�ي�ر ًا �أن الإخ���وان كان���وا ،وما زالوا ،ه���م امل�سيطرين عل���ى التنظيم. ويقال غالب��� ًا �إن الإ�صالح كان ميتلك غالب��� ًا جمموعة غري ر�سمية من �أع�ض���اء الإخوان ،الذي���ن امتلك���وا ،وحافظوا عل���ى امتالكهم� ،سج ًال �إخواني ًا داخل احلزب. ح���ذا احلزب حذو جماعات الإخوان الأخرى يف تركيزه على النظام الإ�سالم���ي وال�شريع���ة؛ �إذ �أكد عل���ى �أن ال�شريعة ه���ي �أ�سا�س الد�ستور اليمن���ي ،ال ب���ل �إن���ه ق���اد حملة غ�ي�ر ناجحة ملقاطع���ة اال�ستفت���اء على الد�ستور الذي �أجري يف عام ،1991لأن الد�ستور ذكر ال�شريعة بو�صفها امل�ص���در «الرئي�سي» ولي�س امل�صدر «الوحي���د» للد�ستور .وبحلول كانون الأول/دي�سم�ب�ر ،1992نظم الإ�صالح م�ؤمت���ر ًا لل�سالم والوحدة ،حتت �شعار «القر�آن وال�سن���ة يجُ بّان الد�ستور والقانون» .كما �أن احلزب كان قريب ًا من احل���زب احلاكم ،امل�ؤمتر ال�شعبي العام ،وال غرابة يف ذلك؛ حي���ث كان الإخوان قريبني بل ومندجمني مع دوائر �صنع القرار داخل النظ���ام احلاكم منذ �أواخ���ر ال�ستينيات من الق���رن الع�شرين� .إ�ضافة �إىل ذلك ،فقد قام الأع�ضاء ،ب�صفاتهم الفردية ،بدور مهمٍ يف ت�أ�سي�س اجلبه���ة الإ�سالمية يف عام ،1979وهو تنظي��� ٌم حارب كحليف للرئي�س احل���ايل علي عبد اهلل �صالح �ض���د دولة اليمن اجلنوبي يف ال�صدامات املختلف���ة الت���ي وقعت خ�ل�ال الثمانينيات م���ن الق���رن الع�شرين .ومن ث���مّ ،كان �أع�ضاء الإ�صالح غالب ًا ب�ي�ن حلفاء الرئي�س �صالح يف معركته �ض���د املارك�سيني يف اجلن���وب ،وكانوا قريبني من احل���كام منذ �أواخر ال�ستينيات على الأقل. كذل���ك ،كانت هناك عالقات عائلية و�شخ�صية بني �أع�ضاء الإ�صالح وامل�ؤمتر ال�شعبي العام .وكان هناك زعماء بارزون ،ومنهم مث ًال �أبو بكر القرب���ي� ،أع�ضا ًء يف احلزبني .ال ،ب���ل �إن مر�شحني من حزب الإ�صالح ان�سحب���وا يف دوائر انتخابي���ة عديدة مل�صلحة مر�شح���ي حزب امل�ؤمتر يف ع���ام .1993وكان القُ���رب م���ن ح���زب امل�ؤمتر ،ومناه�ض���ة العقيدة العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
127
املحــور ومت عر����ض املن�ص���ب على احلزب ال�شيعي -الزي���دي املحافظ ،حزب احل���ق .ح���اول الإ�صالح على م�ض����ض االجتاه مرة �أخ���رى نحو جمل�س التن�سي���ق الأعل���ى للمعار�ضة عل���ى الرغم من معار�ضت���ه الأيديولوجية له���ذا التحال���ف .وبحلول عام 2000اعرتف التجم���ع اليمني للإ�صالح باملظ���امل التي وقعت بحق اال�شرتاكيني ،بل وهدد مبقاطعة االنتخابات املحلية التي �أُجريت يف عام ( 2001على الرغم من �أنه �شارك فيها يف النهاية).
128
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
يف احل�صول على مر�شحات .ومع ذلك ،يبدو �أن التغيريات التي حدثت يف جمل����س �شورى التجمع اليمني للإ�ص�ل�اح – ومنها ا�ستبدال حممد عل���ي عجالن نائب رئي�س املجل�س بالزن���داين رئي�س املجل�س ،وانتخاب 13امر�أة �أع�ضاء يف الهيئة التي تت�ألف من 130مقعد ًا للمرة الأوىل يف تاري���خ حزب التجمع اليمن���ي للإ�صالح ،وهذا ي�ش�ي�ر �إىل �أن املعتدلني كانوا يكت�سبون قوة. ويف النهاي���ة� ،أ�صبح الزنداين عبئ��� ًا على احلزب بعد اتهامه من قبل الواليات املتحدة الأمريكية بتموي���ل تنظيم القاعدة ،وب�إ�صدار بيانات تن ُّم عن تغيريات مت�شددة ن�سبياً ،زعم فيها ،من بني �أمور �أخرى ،عدم االعت���داد ب�شهادة املر�أة الواحدة يف الق�ضاي���ا املعرو�ضة �أمام املحاكم ب�سب���ب �ضعف املر�أة العقلي .وقد واجه الزنداين كذلك معار�ضة داخل التجم���ع اليمني للإ�صالح .ففي خري���ف ،2008كانت هناك دعوة �إىل �إن�شاء جلنة للأمر باملع���روف والنهي عن املنكر ،لتكون جهاز ًا للرقابة الأخالقي���ة ،وكان من املق���رر �أن يكون الزنداين هو رئي�س اللجنة ،غري �أن التجمع اليمني للإ�صالح رف�ض الفكرة من البداية ،ما يدل عالنية على �أن نفوذ الزنداين كان حمدوداً. ويبدو �أن التجمع اليمني للإ�صالح �آخذ اليوم يف االعتدال؛ بيد �أنه ال ي���زال فيه جناح �أكرث تطرف��� ًا وجناح قبلي ال يزال حمافظاً .ويف الوقت الذي يبدو فيه الزنداين ،الذي يعد �أبرز العنا�صر املتطرفة ،ال يحظى بالنفوذ ال�ل�ازم ،فقد ظل العن�صر القبلي بقي���ادة ال�شيخ عبد اهلل بن ح�سني الأحمر على قوته حتى تويف الأخري يف 29كانون الأول/دي�سمرب .2007 ويتزع���م التجم���ع اليمن���ي للإ�ص�ل�اح الوج���ه املعت���دل ،اليدومي ،يف الوق���ت احلايل ،وه���و الأمر الذي رمبا ي�شري �إىل وج���ود رغبة متجددة للتع���اون على �إيج���اد حلول �سيا�سية لليمن .ومع ذل���ك ،ينبغي �أال يغيب ع���ن الأذه���ان �أن التنظي���م ال ي���زال حمافظ ًا عل���ى اهتمام���ه ال�شديد بتطبي���ق ال�شريع���ة ،و�أن �إرادة التو�صل �إىل حل و�س���ط قد ت�أ�س�ست بناء على ر�أي التجمع اليمني للإ�صالح ب�أن هذا الإطار كان موجود ًا بالفعل يف الد�ستور اليمني .ماذا يق���ول تاريخ التجمع اليمني للإ�صالح ب�ش�أن �إمكاناته يف �صنع ال�سالم؟ �أوالً� ،أن التنظيم كان �أحد الأطراف املتحاربة يف ال�صراعات اليمنية، و�أنه كان �شبه دينيٍّ يف طبيعته ،و�أنه كان مناه�ض ًا لل�شيعة واملارك�سيني، و�أنه قدم عنا�صر للحكومة اليمنية يف حروبها مع كال املجموعتني .بيد
ME Archive
املارك�سي���ة يعني���ان �أن الإ�ص�ل�اح �أحد امل�صادر التي تق���ف خلف التوتر ال���ذي �أدى �إىل احلرب الأهلية الق�ص�ي�رة يف ،1994حني هاجم م�ؤيدو �أحد �أبن���اء الأحمر مكاتب احلزب اال�شرتاك���ي اليمني يف مدينة حجة ال�شمالي���ة بقاذف���ات ال�صواري���خ .و�أثناء احل���رب ،كان زعماء التجمع اليمن���ي للإ�ص�ل�اح ،مثل عبدالوه���اب الديلمي ،يُجنِّ���دون الإ�سالميني ضال عن كونه �إحدى قوى لقت���ال اجلنوبيني .ومن ثمّ ،ف�إن الإ�صالح ،ف� ً ال�س�ل�ام ،كان �شريك ًا فاع ًال يف اجله���ود احلربية للنظام احلاكم .ومع ذلك ،يبدو �أن ذلك كان مدفوع ًا بعنا�صر قبلية ،ولي�س من قبل الإخوان �سيا�س��ات متغ�يرة تعر�ض���ت �سيا�س���ات املت�شددين. الإ�ص�ل�اح لتغيريين حا�سمني خ�ل�ال تلك ال�سنوات :التغي�ي�ر الأول هو وعل���ى الرغ���م م���ن �أن التجمع اليمن���ي للإ�صالح كان يب���دو م�ستقر ًا قب���ول اال�شرتاكيني بو�صفهم حلفاء حمتملني؛ فقد كان التجمع اليمني للعي���ان� ،إال �أن���ه كان���ت هن���اك �شائع���ات عن وج���ود خالف���ات داخله .للإ�ص�ل�اح ينظر �إىل اال�شرتاكيني ،الذي���ن �سبق �أن اتهمهم ب�أنهم غري فكان���ت هن���اك مزاعم ب����أن امل�ست�ش���ار الع���ام حلزب الإ�ص�ل�اح ،عبد م�ؤمن�ي�ن ،ب�أنه���م �أك�ث�ر قيمة م���ن امل�ؤمنني يف احل���زب احلاكم ،وذلك املجي���د الزنداين ،كان معار�ض ًا ملجل�س ال�شورى الدويل للإخوان .وبعد يع���ود يف الأ�سا����س �إىل الأ�سالي���ب واملمار�سات القمعي���ة واال�ستبدادية حم���اوالت ح�سن الرتاب���ي �إن�شاء تنظيم���ات موازية ،ن�ش���ط الأخري يف التي ميار�سها احل���زب احلاكم .والتغيري الثاين كان بالرتكيز املتزايد رعاية حماوالت الزنداين لل�سيطرة الكاملة على التجمع لتجم���ع الإ�ص�ل�اح عل���ى الدميقراطي���ة .فعندما �شعر اليمني للإ�صالح م�ستخدم ًا يف جانب من ذلك الأموال التجم���ع اليمن���ي للإ�ص�ل�اح ب�أن���ه يتعر����ض للخديعة، ال�سعودية حتى ي�صبح احلزب مرتبط ًا بالوهابية .وبهذا كان التجمع اليمني رك���ز يف خطابه على القي���م الدميقراطية ،وكان هذا للإ�صالح يركز املعنى� ،أ�صبح الزنداين العب ًا فاع ًال يف دعم الرتابي يف الرتكي���ز عل���ى القي���م امل�شرتكة هو ال���ذي حافظ على عملية وجود على �صراعه �ضد جماعة الإخ���وان امل�سلمني امل�صرية .و�أدى عالقت���ه باال�شرتاكيني .ويجب �أال يغي���ب عن البال �أن �شورية دميقراطية ه���ذا �إىل �إ�ضع���اف موقف الزن���داين يف التنظيم ،ولكن التجمع اليمني للإ�صالح قد حقق بالفعل هدف �إر�ساء ا ً أ�سا�س � و�شرعية الزنداين ظل على الرغم من ذلك رئي�س ًا ملجل�س �شورى الد�ست���ور اليمن���ي عل���ى ال�شريع���ة الإ�سالمي���ة ،ولكن تركيز ولكن للدولة، التجمع اليمني للإ�صالح حتى �شباط/فرباير .2007 بع���د حتقيق هذا اله���دف ،ركز التنظي���م على العملية ين�صب آن ل ا احلزب نظ���ر ًا �إىل ت�ضا�ؤل حاجة حزب امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام اجلدلي���ة لالنتخاب تركيز ًا كبري ًا حتى �إنه اختار دعم الدميقراطية على �إىل التجم���ع اليمن���ي للإ�ص�ل�اح فق���د تدن���ت العالق���ة �أعدائه القدامى ،اال�شرتاكيني. احلزبية اجليدة بني الطرفني .وقد �أدت املمار�سات اخلاطئة يف وبو�صفه���ا الفك���رة املركزية للإخ���وان ،كان التجمع عملية ت�سجيل الناخبني �إىل دخول الإ�صالح يف ترتيبات اليمني للإ�ص�ل�اح يركز على وجود عملية دميقراطية تعاون م���ع جماع���ات املعار�ض���ة الأخ���رى ،فان�ضم �إىل �شوري���ة و�شرعي���ة �أ�سا�س��� ًا للدولة ،ولك���ن تركيز احلزب جمل�س التن�سيق الأعلى للمعار�ضة يف ني�سان�/أبريل .1997وكان دخول الآن ين�ص���ب عل���ى الدميقراطية احلزبية .ويب���دو �أن اجلناح احلداثي الإ�ص�ل�اح يف ه���ذا املجل�س يعني تع���اون التجمع اليمن���ي للإ�صالح مع يف التجم���ع اليمني للإ�صالح ،الذي كان ي�ضم ك ًال من حممد اليدومي ضال عن �أع�ض���اء �أ�سا�سيني احل���زب اال�شرتاكي اليمني ،وهو احلزب القائ���م على �أنقا�ض الأعداء وعب���د الوهاب الآن�سي وحمم���د قحطان ف� ً القدام���ى للتجم���ع اليمني للإ�صالح يف اجلن���وب .وكانت تلك اخلطوة م���ن جماعة الإخوان داخ���ل احلزب ،هو الذي دفع ه���ذه العملية .وقد تعب�ي�ر ًا عن ح���دوث تغيري جذري ي���دل على رغب���ة يف التو�صل �إىل حل ق���ام اليدومي بدو ٍر مهمٍ بو�صفه رئي�س ًا لتحرير جريدة ال�صحوة ،وهي و�سط حول الق�ضايا الإيديولوجية. جريدة الإخ���وان امل�سلمني التي �سبقت الإ�شارة �إليه���ا� ،إذ �أُتيحت لديه بي���د �أن التجمع اليمن���ي للإ�صالح عاد لفرتة وجي���زة بعد عام 1997فر�صة ممتازة للت�أثري يف �أع�ضاء احلزب. �إىل حلفائ���ه يف ح���زب امل�ؤمت���ر ال�شعبي الع���ام ،و�أب���رم اتفاقات تعاون كذلك ،ق���ام املعهد الدميقراطي الوطني الأمريك���ي بدور رئي�سي يف م���ع امل�ؤمتر ال�شعب���ي يف العديد م���ن املناطق .ومع ذل���ك ،كان التجمع ه���ذه العملية عن طريق جمعه بني الإ�صالح والأطراف الأخرى ،الأمر اليمن���ي للإ�ص�ل�اح ي�شعر بالإهان���ة العميقة لأن امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام الذي �أدى �إىل ت�شكيل �أحزاب اللقاء امل�شرتك .وقد حقق التعاون يف هذا مل يق���دم له �أي �ش���يء يف مقابل هذه التنازالت؛ ال ب���ل �إن �أحد الوزراء الت�شكيل جناحات كما تعرَّ�ض لإخفاقات؛ فلم ينجح اجلناح املعتدل يف التابع�ي�ن للتجمع اليمني للإ�صالح (وزير الأوقاف) عُ زِ ل من من�صبه؛ حزب الإ�صالح يف دفع وجهات نظرهم ،وف�شل املعتدلون يف عام 2003
ظ��ل العن�ص��ر القبل��ي داخ��ل التجم��ع اليمني للإ�ص�لاح بقي��ادة ال�ش��يخ عبد اهلل بن ح�س�ين الأحم��ر على قوته حتى تويف الأخري يف �أواخر كانون الأول/دي�سمرب 2007
�أن تاريخ���ه يربهن كذلك على قدرته على تخفيف موقفه الإيديولوجي يف فك���ر جماعة الإخ���وان امل�سلمني الكب�ي�ر ،الذي يتخذ م���ن ال�شريعة الإ�سالمي���ة �أ�سا�س ًا له� .إن عنا�صر التجمع املعت���دل تزداد قوة ،والأمن يف اليم���ن �آخ ٌذ يف التدين ،و�أعلن التجمع اليمني للإ�صالح م�ؤخر ًا عن ا�ستعداده للقيام بدور �صانع ال�سالم. �إن اليمن اليوم بلد ه�ش ويتعر�ض للت�صدّع مبا ي�سمى التمرد احلوثي (ال�شباب امل�ؤمن) املتنامي يف ال�سنوات الأخرية يف ال�شمال .لقد حتول هذا ال�ص���راع يف ال�سنوات الأخرية �إىل �ص���راع قبلي ،وذلك بانخراط العديد من القبائ���ل ال�شمالية يف ال�صراع ب�شكل جماعي .وبحلول عام ،2009مت جَ ��� ُّر اململك���ة العربية ال�سعودي���ة �إىل ال�صراع يف الوقت الذي كان���ت تتهم في���ه احلكومة اليمني���ة ك ًال من ليبيا و�إي���ران بدعم حركة التمرد. كذل���ك ،ت�صاعدت وترية ال�صراع بني اليمنيني اجلنوبيني واحلكومة من���ذ عام 2007ب�سب���ب ا�ستياء اجلنوبيني مما يعتربون���ه ف�ساد ًا و�سوء �إدارة يف املحافظ���ات اجلنوبي���ة .ويف خ�ض���م ذل���ك ،تكون���ت معار�ضة جنوبي���ة رخ���وة �ضد احلكومة ،يطل���ق عليها «احل���راك اجلنوبي» .ويف ع���ام ،2009عمل التجمع اليمني للإ�صالح على كبح القوى املندفعة يف اليم���ن ،ولكنه قام بذلك يف �إطار �أح���زاب اللقاء امل�شرتك ،حيث نظم عدة م�ؤمترات واجتماعات وطنية للحوار كان �أكربها «ملتقى احلوار»، وم�ؤمت���ر «الإنق���اذ الوطن���ي» ،و�أُطلِقت خط���ة �إنقاذ وطن���ي يف �أيلول/ �سبتم�ب�ر 2009و�أُن�شئِت جلن���ة لل�سالم حتت م�سم���ى «جلنة التح�ضري العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
129
املحــور
للحوار». كان���ت �أحزاب اللقاء امل�شرتك تدع���و �إىل تدويل عملية ال�سالم وعقد م�ؤمترات لتحديد امل�ش���اكل و�إيجاد حلول لها .وكان الرتكيز الرئي�سي، �سواء با�س���م التجمع اليمني للإ�صالح �أو حت���ت املظلة الأكرب لأحزاب اللق���اء امل�ش�ت�رك ،من�صب��� ًا على �صن���ع ال�سالم بني احلرك���ة اجلنوبية ال�شعبية واحلكومة .هذا رمب���ا يو�ضح �ضعف التجمع اليمني للإ�صالح يف التعام���ل مع جماعة �إ�سالمي���ة �أخرى ،هي جماع���ة احلوثيني ،التي ضال عن قدرة حليف التجمع خا����ض التجمع قتا ًال �ضدها يف ال�سابق ،ف� ً اليمن���ي للإ�صالح يف �أحزاب اللقاء امل�شرتك ،وهم اال�شرتاكيون ،على التعامل مع احللفاء القدامى يف اجلنوب. وعل���ى الرغم من ذلك ،ف�إن جميع الأط���راف املتحاربة رف�ضت حتى الآن حم���اوالت ال�س�ل�ام التي قام���ت بها �أحزاب اللق���اء امل�شرتك .فال يزال التجمع اليمني للإ�صالح يُنظَ ر �إليه نظرة �شك من قبل جماعات التم���رد ال�شيعي ،يف حني تتهمه با�ستغالل الأزمة الراهنة للو�صول �إىل ال�سلط���ة .ومع ذلك ،يبقى الإ�صالح �أح���د التنظيمات القليلة امل�ستقرة يف اليم���ن ،وال بد من �أن يك���ون جزء ًا من �أي ح���ل لل�صراعات اليمنية املختلفة .كما �أنه يعد �أكرث اعتدا ًال من معظم التنظيمات الإ�سالمية يف اليم���ن .وبهذا املعنى� ،أ�صبح التجمع اليمني للإ�صالح على الرغم من ال�صعوب���ات التي يتعر�ض لها ،عن�ص���ر ًا حا�سم ًا يف مفاو�ضات ال�سالم، �سواء بو�صفه �شريك ًا يف التفاو�ض �أو جزء ًا من �أحزاب اللقاء امل�شرتك، بو�صفه و�سيط ًا يف مفاو�ضات ال�سالم بني احلكومة واجلنوب. تظ���ل الأعم���ال الأعم��ال اخلريي��ة اخلريية �سمة مهمة م���ن �سمات التجمع اليمني للإ�صالح؛ فعلى �سبيل املث���ال ،ين����ص برنامج احلزب عل���ى �أنه يه���دف �إىل“ :العمل اخلريي
املنتظ���م ،واالعت�صام باهلل .و�شحذ طاقات الف���رد الروحية من خالل تعزي���ز الإميان ال�صحيح ب���اهلل ،وتعزيز مبد�أ التعددي���ة ،يف �إطار من االلتزام بعقيدة املجتمع وال�شريع���ة ،والعدالة ،التي يق�صد بها �إعطاء الأولوية لتحقيق التوازن االجتماعي على املطالب الأخرى ،و�أن الهدف م���ن التنمية ال ينبغ���ي �أن يكون فق���ط زيادة الناجت املحل���ي الإجمايل. وف���ق كل ذل���ك ،ف�إنه من امله���م الت�ص���دي للفقر واحلرم���ان واختالل التوازن االجتماع���ي ،وحتقيق تنظيم توزيع ثم���ار التنمية االقت�صادية واالجتماعي���ة ب�ي�ن املناط���ق الريفي���ة واحل�ضري���ة وب�ي�ن حمافظ���ات اجلمهورية اليمنية”. ينظر ن�شطاء التجمع اليمني للإ�صالح �إىل �أنف�سهم على �أنهم يقدمون للمنظمات غري احلكومي���ة العلمانية بدي ًال يعتمد على الإميان ،ويرون �أعم���ال مكافح���ة الف�س���اد �أداة رئي�سية لزيادة رف���اه اليمنيني ،وكذلك �إ�سرتاتيجي���ات النمو االقت�ص���ادي التقليدية .وهن���اك �أي�ض ًا جماعات ر�سمية داخل احل���زب تتعامل مع ق�ضايا التنمية؛ فبناء على �أحد �أرفع القادة ال�سيا�سيني يف التجمع اليمني للإ�صالح ،حممد حممد قحطان، تعمل الدائ���رة االقت�صادية داخل احل���زب ،املتمثلة يف جمموعة عمل، عل���ى التنمية ،كما تفعل دائرة العمل مع املجتمع املدين .ووفق ًا للقانون رقم 1لعام ،2001مبوجب املادة رقم 19من القانون اليمني للمنظمات غري احلكومية ،تحُ ظر اجلمعيات اخلريية القائمة على �أ�سا�س �سيا�سي �أو الت���ي تقوم ب�أن�شطة ت���روج ل�شخ�صيات دينية .وه���ذا بطبيعة احلال يدفع التجمع اليمني للإ�صالح �إىل الرتدد يف �إعالنه عن االنخراط يف الأعمال اخلريية ،غري �أن هذه الروابط توجد بالفعل. وعلى الرغم من ذلك ،فقد �شاركت بع�ض ال�شخ�صيات البارزة داخل التجمع اليمني للإ�صالح ب�صفتهم ال�شخ�صية؛ ف�شارك الزنداين نف�سه يف �أعم���ال ذات عالق���ة ب�أعمال خريي���ة ،وتعد جامعة الإمي���ان التابعة
Google
130
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ويب���دو �أن جمعي���ة الإ�صالح االجتماع���ي اخلريية ت�ستخ���دم املبادئ للزن���داين ،والتي ت�ضم ع���دد ًا من الطالب ي�ت�راوح عددهم بني 4000 و 5000طالب ،على حد قول الباحثة �سارة فيليب�س ،معروفة بتعليماتها الإ�سالمي���ة يف بع����ض م�شاريعه���ا ،ولكن ه���ذه املبادئ تغي���ب على نحو ملف���ت عن م�شاري���ع التع���اون التي تنفذها م���ع الأمم املتح���دة .كتبت غري املت�ساحمة. ويوج���د يف اليمن �أي�ض��� ًا اثنتان من كربى املنظم���ات اخلريية ،هما :جانني كالرك �أن الكثري من الأعمال التي ت�ضطلع بها املر�أة يف جمعية اجلمعي���ة اخلريية للرعاية االجتماعية (جمعي���ة الإ�صالح االجتماعي الإ�ص�ل�اح االجتماع���ي اخلريية ميكن �أن ينظ���ر �إليها عل���ى �أنها �شكل اخلريي���ة) وم�ؤ�س�س���ة ال�صال���ح االجتماعية للتنمي���ة ،وترتبط الأخرية م���ن �أ�ش���كال عمل النا�شط ،من وجه���ة النظر الديني���ة �أو ال�سيا�سية �أو باحلزب احلاكم .ويدعي مدي���ر جمعية الإ�صالح االجتماعي اخلريية منهم���ا معاً .وتعمل جمعية الإ�ص�ل�اح االجتماعي اخلريية مع الغربيني عب���د املجيد عبد القوي فرحان عدم وجود عالقة بني امل�ؤ�س�ستني .وقد يف م�شروع�ي�ن :امل�شروع الأول ،م�ساعدة الأطفال على اخلروج من حيز العم���ل واالندم���اج يف املجتمع ،وهو م�شروع تعاوين ب�ي�ن م�ؤ�س�سة CHF �أعطت املقابالت التي �أجريت خالل الدرا�سات امليدانية �إ�شارات قوية Internationalوهي منظمة غري حكومية �سوي�سرية، �إىل عك����س ذل���ك ،حيث �إن اثنني م���ن الأع�ضاء اخلم�سة وجمعية الإ�صالح االجتماعي اخلريية .وت�ضع اجلهة ع�شر الذين يت�أل���ف منهم جمل�س �إدارة امل�ؤ�س�سة �أع�ضاء أحد � إ�صالح ل ا يبقى املانح���ة للم�ش���روع ،وزارة العم���ل الأمريكية ،مبادئ يف امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام ،و�أن امل�ؤ�س�سة لها ات�صال جيد القليلة التنظيمات �صارم���ة .وقد �أعرب���ت م�صادر دولي���ة ،معرفة وثيقة بالرئي�س. اليمن، يف امل�ستقرة بامل�ش���روع عن �سرورها بكثري م���ن التعاون مع جمعية وتع���د اجلمعي���ة اخلريي���ة للرعاي���ة االجتماعي���ة ثاين وال بد من �أن يكون الإ�صالح االجتماعي اخلريية. �أك�ب�ر منظمة غري حكومية يف اليم���ن ،وهي م�ؤ�س�سة غري جزء ًا من �أي حل وم���ع ذل���ك ،ف����إن اجلان���ب املتعل���ق بامل�س���اواة بني مركزية تق���دم معظم خدماتها داخ���ل القطاع اخلريي ،لل�صراعات اليمنية ولكن يف �إطار التنمية يف الوقت نف�سه .وجلمعية الإ�صالح املختلفة .كما �أنه الرج���ل وامل���ر�أة (اجلن���در) يب���دو �أنه ميث���ل م�شكلة؛ االجتماع���ي اخلريية مكاتب يف جميع املحافظات� ،إذ بلغ يعد �أكرث اعتدا ً ضال عن ال من حي���ث مل يت���م توظيف �أي ام���ر�أة مدي���راً ،ف� ً التنظيمات عدد فروع وجلان اجلمعية 23فرع ًا و 236جلنة يف .2007معظم وجود دالئ���ل على وجود حم���اوالت ملمار�س���ة الدعوة الإ�سالمية يف البالد من خ�ل�ال امل�شروع .لقد ترك���ت الأيديولوجية �أثرها ويق���ود اجلمعي���ة جمعية عام���ة وجلنة للرقاب���ة وجمل�س عل���ى امل�شروع ،ال���ذي مور�س فيه الف�ص���ل الإ�سالمي �إداري وجمل����س ا�ست�ش���اري �أعلى .وحتت ه���ذه الهيئات، ب�ي�ن الأوالد ،حي���ث تق�ضي القاعدة ب����أن يكون هناك يوج���د جمل����س تنفي���ذي ،حتت���ه املدي���ر الع���ام للجمعية. عالوة عل���ى ذلك ،تنق�سم جمعي���ة الإ�صالح االجتماع���ي اخلريية �إىل مباع���دة ملدة عام�ي�ن بني كل طفل و�آخ���ر .وكانوا يعم���دون �إىل تثقيف ثماني���ة �أق�سام هي :ق�سم تنمية الأ�سرة ،وق�س���م تنمية ال�شباب ،وق�سم الأئم���ة ،ولكنهم كانوا ي�ستخدم���ون توجيهات الأمم املتحدة وتوجيهات التنمي���ة امل�ستدامة والرعاي���ة االجتماعية ،وق�س���م املعلومات واملوارد ،حق���وق الإن�سان يف هذا املج���ال .و�شاركت ال�سف���ارة الهولندية جمعية وق�سم كفالة الأيتام ،وق�سم ال�ش�ؤون ال�صحية واملالية والإدارية ،وق�سم الإ�صالح االجتماعي اخلريية يف م�شروع �إمنائي بعنوان “ختان الإناث وزيادة الوعي يف ح�ضرموت” .وكانت ال�سفارة الهولندية �إيجابية جد ًا التخطيط والتطوير. كم���ا ُت َع ُّد ه���ذه اجلمعية واحدة من املنظمات غ�ي�ر احلكومية القليلة نظ���ر ًا �إىل �أهمية االت�صاالت املحلية يف حتقيق نتائج عملية ،وقد �أثبت الت���ي تعمل يف كل حمافظات اليمن .وق���د �شدد مدير اجلمعية على �أن ا�ستخ���دام اخلط���اب الإ�سالمي لتغي�ي�ر �آراء ال�شي���وخ املحليني فاعلية اجلمعي���ة ت�ساعد جميع املحتاج�ي�ن ،و�أنه لي�س لديه���ا فل�سفة �إ�سالمية �شديدة .ومع ذلك ،ي�شدد الدبلوما�سيون الهولنديون �أي�ض ًا على حتفظ توج���ه عملها .كم���ا �أو�ضح �أن املنظمة بد�أت على �ش���كل برنامج �إغاثة ،جمعية الإ�صالح االجتماعي اخلريية على املعايري الغربية ،وعلى وجود و�أنه���ا �شارك���ت يف �أعم���ال اخل�ي�ر وتق���دمي القرو�ض ال�صغ�ي�رة وبناء جماع���ة قوية م���ن املحافظني داخل التجمع اليمن���ي للإ�صالح .بيد �أن امل�ست�شفي���ات واملدار����س .وت�ش���ارك امل�ؤ�س�س���ة �أي�ض ًا يف جامع���ة العلوم ه���ذا كان يُنظ���ر �إليه عل���ى �أنه ت�ضحي���ة �ضروري���ة لأن املجتمع اليمني والتكنولوجي���ا ،التي ُت َع ُّد واحدة من �أكرب اجلامعات يف �صنعاء ،ولكنها جمتمع حمافظ جد ًا ب�صفة عامة. وعن���د تقييم �أثر الأعم���ال التنموية واخلريية الت���ي يقوم بها التجمع تزع���م �أنها ت�سيطر على �أقل من 50يف املائ���ة من منها .ووفق ًا للباحث �أناه���ي �ألفي�س���و مارين���و ،يرجع جن���اح جمعي���ة الإ�ص�ل�اح االجتماعي اليمن���ي للإ�ص�ل�اح يف اليم���ن ،ينبغ���ي �أو ًال �أن نتذك���ر �أن اليم���ن واحد اخلريية �إىل خطابها ال�سيا�س���ي املعتدل ودورها املركزي الذي تربطه من �أفقر ال���دول الإ�سالمية و�أ�شدها حمافظ���ةً ،و�أن احلكومة ال متلك ال�سيط���رة ال�سيا�سي���ة الكامل���ة عل���ى الب�ل�اد وال على امل���وارد الالزمة بالإ�سالم. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
131
املحــور
مل�ساعدة كل من يحتاج �إىل م�ساعدة .ف�إذا ا�ستطاعت م�ؤ�س�سة م�ساعدة املحتاجني �أو متكنت من �أن تقوم بدور مهمٍ يف تطوير قرية على �سبيل املثال ،ف�سوف حتظى تلك امل�ؤ�س�سة باحرتام كبري لدى النا�س .كما �أنه ال ب���د من �أن يك���ون العاملون يف جمعية الإ�ص�ل�اح االجتماعي اخلريية من نف����س اخللفية الثقافي���ة والدينية التي ينتمي �إليه���ا الذين يتلقون امل�ساعدة. ونتيجة لذل���ك ،تبدو جمعي���ة الإ�صالح االجتماع���ي اخلريية مُتمتعة مبكان���ة قوية بني اليمنيني .ولك���ي ي�ستفيد حزب الإ�صالح من هذا ،قد يكون كافي ًا له �إميان اليمنيني ب�صفة عامة بوجود هذه العالقة .كذلك، رمب���ا يكون للعم���ل اخلريي والتنم���وي الذي ي�ؤديه الإ�ص�ل�اح يف اليمن جانب �سلبي .فقد عبرّ ت �إحدى امل�ستجوَبات عن وجهة �شديدة االنتقاد للح���زب“ :هن���اك قواعد �صارمة عل���ى الذين يري���دون احل�صول على �أموال �أو م�ساعدات من امل�ؤ�س�سات اخلريية وم�ؤ�س�سات التنمية التابعة للإ�ص�ل�اح”“ ،تُعطى الأم���وال للطفل حتى ي�صبح ق���ادر ًا على ح�ضور املدر�سة ،ولكن هناك �أنظمة �إ�سالمية �صارمة بخ�صو�ص ال�سلوك”. وم�ضى ع�ضو �سابق يف حزب التجمع والإخوان يقول“ :لكنني اكت�شفت بعد حني �أن م�صلحة النا�س لدى التجمع اليمني للإ�صالح كانت عائق ًا �أمام الإ�صالح والتنمي���ة ،”...و”لكونك رجالً ،فال تذهب مع الن�ساء، 132
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ME Archive
واجه عبداملجيد الزنداين معار�ضة داخل التجمع اليمني للإ�صالح .ففي خريف ،2008 كانت هناك دعوة �إىل �إن�شاء جلنة للأمر باملعروف والنهي عن املنكر ،لتكون جهاز ًا للرقابة الأخالقية ،وكان من املقرر �أن يكون الزنداين رئي�س اللجنة، غري �أن التجمع اليمني للإ�صالح رف�ض الفكرة من البداية، ما يدل عالنية على �أن نفوذ الزنداين كان حمدود ًا ويجب عدم التدخني �أو اال�ستم���اع �إىل املو�سيقى .هذه ال�شروط للنا�س العادي�ي�ن ،ولي�س للأبن���اء وال�شيوخ”“ ،وبعبارة �أخ���رى ،يرتبط تقدمي العمل اخلريي والتنموي بقيود معينة”. من اجلوانب الأخرى املثرية لالهتمام التي تتميز بها الأعمال اخلريية الت���ي يقوم بها الإ�صالح ،هو ال���دور الذي ت�ؤديه الطبقة الو�سطى .ترى جانني كالرك� ،إحدى الباحثات القالئل الذين در�سوا حزب الإ�صالح واملنظم���ة اخلريي���ة التابع���ة ل���ه� ،أن العم���ل اخلريي ال���ذي ت�ضطلع به املر�أة املرتبطة بجمعية الإ�صالح االجتماعي اخلريية ي�ؤدي �إىل تعزيز الطبق���ة الو�سط���ى .وتخل�ص �إىل �أن العمل اخلريي ه���و املجال الوحيد املفتوح �أمام املر�أة لتحقيق دخل معني ،كما �أنه �سُ لّم ي�ؤدي �إىل التطوير الذاتي للن�ساء اللواتي ي�ستطعن امل�شاركة يف الأعمال اخلريية. وه���ي تت�ص���ور �أن الأعم���ال اخلريية التي تق���وم بها امل���ر�أة تعد نوع ًا من �أن���واع الن�شاط املقبولة لدى الأ�سرة واملجتم���ع .وبهذا ،ف�إن جمعية الإ�ص�ل�اح االجتماعي اخلريية تخفق يف متكني ال�سكان املحليني الذين حتاول �أن ت�ساعدهم؛ �إذ �إنها تعاملهم على �أنهم عمالء ولي�سوا �شركاء يف عملي���ة التنمي���ة ،وه���ي ممار�سة �شائع���ة يف �أو�س���اط املنظمات غري احلكومي���ة الغربية ،ولك���ن لها �آثار �سلبية كثرية وم���ن ذلك منع ملكية العمالء لربامج خريية.
م����ا هي النتائج املرتتب����ة على م�شاركة �ش����ركاء غربيني حمتملني يف �أع�ض���اء جمل�س ال�شورى من الن�ساء ،وهو عدد مرتفع يدعو للده�شة يف عملي����ة التنمية؟ لق����د �أثبتت املنظمات غري احلكومي����ة التابعة للتجمع جمتمع مثل اليمن. اليمني للإ�صالح �أنها �شريكٌ يتمتع بالكفاءة واملوثوقية ،ولكنها تنطلق ع�ل�اوة على ذلك ،يت�أث���ر اعتدال التجمع �سيا�سات م����ن �أجندة �أيديولوجية .ومع ذلك ،ف�إن هذه الأجندة قد تخفُّ حدتها «�إمارة امل�ؤمنني» اليمني للإ�صالح ع���ن طريق الأحزاب التايل عن����د التعاون مع منظمات غربية يف م�شروع����ات حمددة ،الأمر الذي ال�سيا�سي���ة الأخ���رى امل�شارك���ة معه يف بقلم :منت�رص حمادة يعني �أن امل�شاركة �أمر يُن�صح به ،و�سوف يكون لها ت�أثري معتدل يف تلك حتالف �أحزاب اللقاء امل�شرتك ،وتتجه املنظمات .والأه����م من ذلك� ،أنه من غري امل�ؤكد �أن تلك امل�شاركة من م�شاري���ع حم���ددة ت�ش�ت�رك فيه���ا جمعي���ة �ش�أنها �أن تخفف �أيديولوجية الإ�صالح نف�سه؛ �إذ �إنه �أمر يطول اجلدل الإ�صالح االجتماعي اخلريي���ة �إىل االعتدال بفعل العديد من اجلهات حول����ه ،بي����د �أنها قد ت�����ؤدي �إىل االعت����دال يف م�شروع����ات حمددة ،ما املانحة الغربية والأمم املتحدة. ميكّن الإ�صالح وال�ش����ركاء الغربيني من حتقيق مكا�سب متبادلة .ثمة �إن الأعم���ال اخلريي���ة والتنموي���ة الت���ي تقوم به���ا جمعي���ة الإ�صالح خالفات داخل التجمع اليمني للإ�صالح ،ورمبا تكون هناك منظمات االجتماعي اخلريية ودعمها من هم يف حاجة ما�سة �إىل امل�ساعدة من غري حكومية تابعة له خا�ضعة لهيمنة عنا�صر خمتلفة .وبالتايل ،يجب ال�س���كان ،ي�ساهم يف خل���ق اال�ستقرار .وعلى الرغم من ذلك ،توجد يف توخي احلذر عند اختيار املنظمات غري احلكومية ،وعدم التعامل مع احلق���ل التعليمي �إمكاني���ة �أن تكون املناهج الدرا�سي���ة واملعلمني داخل العنا�صر املتطرفة يف التجمع اليمني للإ�صالح .وميكن دعم العنا�صر املنظمات غ�ي�ر احلكومية التابع���ة للتجمع اليمن���ي للإ�صالح �شديدي القبلي����ة بطريق����ة حذرة ،م����ع الوعي ب�أنه����ا قد ت�ستبع����د املتربعني من املحافظة. خارج القبيلة. وم���ن امل�ب�رر �أن نتوق���ع ت�أثر امل�ستفيدي���ن من الأعم���ال اخلريية التي النتيج��ة النهائي��ة عل����ى الرغ����م م����ن يقدمه���ا التجم���ع اليمن���ي للإ�صالح بدرج���ة �إتباعهم للتجم���ع اليمني تناق�����ص عدد الناخبني� ،إال �أن التجم����ع اليمني للإ�صالح يعد تنظيم ًا للإ�صالح و�أف���كاره الأيديولوجية وال�سيا�سي���ة� .إ�ضافة �إىل ذلك ،يت�أثر قوي ًا يعمل يف ظروف �صعب����ة .ويحظى احلزب بالتقدير واالحرتام يف ه����ؤالء امل�ستفيدون من خالل العمل مع ًا يف مهمة مقد�سة و�إن�سانية ،قد �أو�ساط الإخوان الأخ����رى ،على الرغم من وجود عنا�صر يُنظ���ر يف الوق���ت نف�سه على �أنها نوع م���ن الن�شاط الذي تع����د غريبة ن�سبي ًا عن فك����رة جماعة الإخوان امل�سلمني ت�ؤدي���ه من �أج���ل تطوير الب�ل�اد والأم���ة .وت�ستلزم �أية ب��ي�ن �صفوفه .ورمبا تكون ق����وة التنظيم هي ال�سبب يف ميكن �أن يكون الإ�صالح �شراكة تنموية �إجراء حوار وثيق بني ال�شركاء الغربيني واملنظم���ات غ�ي�ر احلكومية التابع���ة للتجم���ع اليمني ف�شل فريق البحث يف التعرف على الروابط التنظيمية �شريك ًا مهم ًا يف �أية بين����ه وبني جماعات الإخ����وان الأخرى خ����ارج التن�سيق عملية لل�سالم جتري للإ�ص�ل�اح م���ن �أج���ل رعاي���ة م�صال���ح كال الطرفني، يف اليمن؛ بيد �أن املعلومات����ي واملناق�شات الأيديولوجي����ة الودية ،ومل يكن ويتعني عدم �إغفال امليول الأيديولوجية للتجمع اليمني إ�سهام ل ا على قدرته احل����زب يف حاج����ة �إىل دع����م خارج����ي م����ن منظمات للإ�صالح. املبا�شر يف �صنع ال�سالم الإخوان الأخرى. حمل �شك ،لأن روابطه ومع ذل���ك ،يع���د التجمع اليمن���ي للإ�ص�ل�اح �شريك ًا عند حماولة ا�ستك�شاف نتيجة العمل اخلريي و�أعمال مهم��� ًا يف تطوير املجتمع اليمن���ي ،وينبغي عدم جتاهل القبلية ومنهجه التنمي����ة الت����ي يقوم به����ا التجمع اليمن����ي للإ�صالح ،ال الأيديولوجي يجعل قدراته .كذل���ك ،ميكن �أن يكون الإ�صالح �شريك ًا مهم ًا ب����د من التعرف عل����ى وجهات نظر احل����زب ال�سيا�سية احلزب مثار جدل كبري يف �أي���ة عملية لل�سالم جتري يف اليم���ن؛ بيد �أن قدرته والديني����ة .ونظ����ر ًا �إىل �أن احل����زب ي�ض����م جمموع����ة عل���ى الإ�سهام املبا�شر يف �صنع ال�سالم حمل �شك ،لأن �شدي����دة التنوع من الأف����راد ،فمن املمك����ن العثور على روابط���ه القبلية ومنهج���ه الأيديولوجي يجعل احلزب �آراء خمتلف����ة داخله .وتتنوع درجة املحافظ����ة الدينية بني املجموعات مثار جدل كبري. الفرعي����ة داخل التجمع .وتت�أثر درجة اعت����دال كل من التجمع اليمني وبالتايل ،ف�إن تعزيز تعاونه مع امل�ؤ�س�سات الأخرى ورمبا �إقامة روابط للإ�ص��ل�اح وجمعي����ة الإ�ص��ل�اح االجتماع����ي اخلريية باملجتم����ع الذي م���ع امل�ؤ�س�س���ات ال�شيعية ،من ال�سم���ات املهمة .ومن امله���م �أي�ض ًا عدم يعمالن ويعي�شان فيه. ال�سذاج���ة عند التعاون مع التجمع اليمن���ي للإ�صالح ،الذي ي�ضم بني وم����ن اجلوان����ب التي يظه����ر فيه����ا التجم����ع اليمني للإ�ص��ل�اح هذا �صفوف���ه عنا�صر متطرفة و�أخرى معتدلة ،وينبغ���ي �أن يُدعَ م �أي تعاون االعت����دال هو م�شارك����ة املر�أة .فامل����ر�أة ممثلة متثي ًال جي����د ًا ن�سبي ًا يف م���ع �أفراد احلزب املعتدلني فيه .وم���ع ذلك ،ف�إن �أيديولوجية الإ�صالح �أو�س����اط القي����ادة العليا حل����زب الإ�ص��ل�اح؛ حي����ث �إن 20يف املائة من يف حد ذاتها من بني �أكرث نظم االعتقاد اعتدا ًال يف اليمن. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
133
املحــور
حدود االختالف و�إمكانية االتفاق بيـن الإ�سالميني والنظام املغربــي
�سيا�سـات «�إمارة امل�ؤمنني» منت�صر حمادة
moun_hamada@yahoo.fr Olaf Schuelke/VII
ثمة تو�ضيحات منهجية ال بد من التوقف عندها بداية ،قبل احلديث عن ح����دود االختالف و�إمكانية االتفاق ب��ي�ن النظام والإ�سالميني يف ال�ساحة املغربية ،وتتعلق بطبيعة النظام ال�سيا�سي احلاكم من جهة، وطبيعة الواقع الإ�سالمي احلركي من جهة ثانية؛ .1فف����ي احلالة الأوىل ،نح����ن �إزاء �سلطة زمنية يتداخل فيها البعد ال�سيا�س����ي بالبع����د الديني ،عل����ى اعتب����ار �أن ملك البالد ،ه����و �أي�ض ًا “�أم��ي�ر امل�ؤمن��ي�ن” ،مبا يُكر�س واقع “ملكي����ة تنفيذية” (�أي ملكية ت�س����ود وحتكم) ،ولي�����س “ملكية د�ستورية” (ملكي����ة ت�سود وال حتكم، كم����ا هو احل����ال يف بريطانيا �أو هولندا �أو �إ�سباني����ا ،على �سبيل املثال ال احل�ص����ر) ،ووا�ضح �أن هذا النمط من احلكم يكاد يُكر�س “ملكية ذات �سم����ت علماين” ،حيث يجتمع فيها البعدين ال�سيا�سي والديني، وه����ذا ما ق����ام بتزكيته وزير الأوق����اف وال�ش�����ؤون الإ�سالمية املغربي، �أحم����د التوفي����ق ،يف م�ستهل �سل�سل����ة الدرو�س الرم�ضاني����ة التي تُلقى 134
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
�أم����ام ملك البالد ،وحتدي����د ًا يف الدر�س الرم�ض����اين ل�سنة ،2004يف حما�ض����رة حتت عن����وان“ :تدبري العالق����ة بني ال�سيا�سي����ة والدين”، عندم����ا �أكد على �أن “مقام �أمري امل�ؤمنني الديني وال�سيا�سي ،مقام ال ينف�صل يف م�ستواه الأمران ،يف �أي عمل من �أعماله ،فهو عندما ي�أمر ببن����اء مدر�س����ة �أو عندما يد�ش����ن م�سجد ًا �أو يخط����ط ملر�سى �أو ي�شيد �س����داً ،ال يمُ يِّ����ز يف عمله بني ما ه����و ديني وما هو �سيا�س����ي ،فالتاريخ والوحي يف �أفقه و�شخ�صه مندجمان”. جل����يٌّ �إذن �أن متيّز ال�سلطة الزمني����ة املغربية بهذه ال�صفة (تداخل البعد ال�سيا�سي بالبعد الديني)� ،سوف ُي�ؤ�س�س لأهم معامل االختالف مع احلركات الإ�سالمية ،على الأقل يف بدايات ت�أ�سي�س هذه احلركات، قب����ل �أن تتط����ور الأمور اليوم نح����و حركات تدافع ع����ن م�ؤ�س�سة �إمارة امل�ؤمن��ي�ن ،وبالت����ايل عن امل�ؤ�س�س����ة امللكية (منوذج حرك����ة “التوحيد والإ�ص��ل�اح” التي تعترب مبثابة النواة ال�صلبة واحلليف اال�سرتاتيجي منت�صر حمادة باحث من املغرب.
حل����زب “العدال����ة والتنمية” الإ�سالمي) ،مقاب����ل حركات ت�شكك يف �شرعية ذات امل�ؤ�س�سة (من����وذج جماعة “العدل والإح�سان” ،وتعترب كربى احلركات الإ�سالمية باملغرب). . 2بالن�سب����ة لواقع احلركات الإ�سالمي����ة يف ال�ساحة املغربية ،ف�إنه م�ؤ�س�����س عل����ى تيارين اثنني ،ال ينف����ك عن طبيعة عالقة ه����ذا التيار ب�صن����اع القرار ،بني حركات و�أحزاب �إ�سالمي����ة معرتف بها ر�سمياً، مقابل حركات و�أحزاب �إ�سالمية غري معرتف بها. توجد حركة “التوحيد والإ�صالح” ومعها حزب “العدالة والتنمية” (معار�ض����ة حكومية) ،عل����ى ر�أ�س احل����ركات والأح����زاب الإ�سالمية املع��ت�رف بها ر�سمياً� ،إىل جانب حزب “النه�ضة والف�ضيلة” ،ويقوده قي����ادي �ساب����ق بح����زب “العدالة والتنمي����ة” ،يف حني توج����د جماعة “العدل والإح�سان” ب�شيخها الكاريزمي عبد ال�سالم يا�سني ،على ر�أ�س احلركات الإ�سالمية غري املعرتف بها ر�سمياً� ،إىل جانب حزبي
“البدي����ل احل�ضاري ،وحزب “الأمة” ،والتيار “ال�سلفي اجلهادي”، اخلارج لتوه منذ منعطف اعتداءات نيويورك ووا�شنطن ،من معطف “ال�سلفي����ة العلمي����ة” (�أو “ال�سلفي����ة التقليدي����ة”) ،وم����ع �أن التيار “ال�سلف����ي العلمي” يرتبط ارتباط���� ًا مذهبي ًا وثيق ًا باململكة العربية ال�سعودي����ة� ،إال �أن م����ا ي�شفع له �أمني ًا ومذهبي ًا جت����اه النظام املغربي، كونه ي�شتغ����ل يف �إطار م�ؤ�س�سات دينية ر�سمية باملغرب �أو حتت غطاء جمعيات دينية معرتف بها ر�سمي ًا من طرف ال�سلطات الإدارية.
حدود االختالف يقف موقف الإ�سالميني املغارب����ة من م�ؤ�س�س����ة «�إمارة امل�ؤمنني» ،يف مقدم����ة الأ�سباب الباعثة عل����ى االختالف ب��ي�ن ال�سلطة الزمني����ة احلاكمة (امل�ؤ�س�س����ة امللكية/ �إم����ارة امل�ؤمن��ي�ن) ،وخمتل����ف �أطي����اف التي����ار الإ�سالم����ي احلركي، العتب����ار بَدَ هي ،مف����اده �أن عدم االعرتاف ب�شرعية ه����ذه امل�ؤ�س�سة �أو حت����ى الت�شكيك فيهاُ ،ي�ؤ�س�س بال�ضرورة للت�شكيك يف �شرعية ال�سلطة العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
135
املحــور
136
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
الإ�سالميون املغاربة يف�ضلون العمل مع ملكية تنفيذية ت�سود وحتكم ،عو�ض نظام �سيا�سي جمهوري �أو ليربايل ،تغيب فيه م�ؤ�س�سة �إمارة امل�ؤمنني ،وي�ؤ�س�س حلكم علماين قد يع�صف مبجمل احلركات والأحزاب الإ�سالمية الإ�سالمي����ة ،دار احلديث احل�سنية ،املجل�س العلمي الأعلى ،املجال�س العلمية املحلية) ،وذلك عرب م�شروع «جامعة ال�صحوة» ،وهي �سل�سلة حما�ض����رات يف ق�ضاي����ا �إ�سالمية كان����ت يُ�ستدعى �إليه����ا العديد من الإ�سالمي��ي�ن امل�شارقة ،مع م�شاركة �إ�سالميي ال�ساحة ،ويف مقدمتهم املح�سوب����ون على حركة «التوحيد والإ�ص��ل�اح» :نحن �إزاء حما�ضرات ظاهره����ا الدر�س الفقه����ي والنظ����ري ،وباطنها الإدم����اج الإ�سالمي والعملي!
�إمكانية االتفاق من ح�سن حظ الطرفني مع���� ًا (النظام والإ�سالمي��ي�ن)� ،أن �إمكانيات االتف����اق �أكرث بكثري من ح����دود االخت��ل�اف ،خا�ص����ة يف الظرف الزمن����ي الراه����ن ،والذي ال تخرج معاملها عن الئحة من اال�ستحقاقات املرتبطة مبا�شرة ب�صدمة اعتداءات نيويورك ووا�شنطن. وبداي����ة ،وبا�ستثناء جماعة «الع����دل والإح�سان» ،ف�����إن الإ�سالميني املغاربة يعرتفون ب�شرعية امل�ؤ�س�سة امللكية ومبنظومة �إمارة امل�ؤمنني، يف �شقه����ا التنفي����ذي« :نحن مع م�ؤ�س�س����ة ملكية ت�س����ود وحتكم» ،كما �أك����د على ذلك م����رار ًا القيادي عبد الإله بنك��ي�ران� ،أمني عام حزب «العدال����ة والتنمية» ،والرجل القوي يف حرك����ة «التوحيد والإ�صالح»، واملتحكم يف كل دوالي����ب امل�ؤ�س�سات املتفرعة عن احلركة («التوحيد والإ�صالح») واحلزب («العدالة والتنمية») ،من منظمات طالبية �أو
ME Archive
احلاكمة ،ويمُ هد بالتايل لت�أ�س����ي�س �ش����رعية دينية موازية �أو مناف�سة ملنظوم����ة «�إم����ارة امل�ؤمنني» ،وهذا ما ي�ص����در باخل�صو�ص عن ال�شيخ عب����د ال�سالم يا�س��ي�ن ،مر�ش����د جماعة «الع����دل والإح�س����ان» ،والذي ا�شته����ر ل����دى املراقبني وال����ر�أي العام وقب����ل ه�ؤالء جميع����اً ،النظام، بتوجيه �سل�سلة ر�سائل ن�صح �إىل ملك البالد� ،سواء تعلق الأمر بامللك الراح����ل احل�س����ن الثاين ،ال����ذي تو�ص����ل بر�سالة �صادم����ة من مر�شد اجلماعة جاءت حتت عنوان« :الإ�سالم �أو الطوفان»� ،أو امللك احلايل حمم����د ال�ساد�س ،الذي ا�ستقبل �أوىل �أي����ام واليته احلكم ،بعد رحيل املل����ك احل�سن الث����اين ،بر�سالة ن�صح من نف�����س ال�شيخ ،وجاءت هذه امل����رة حتت عنوان�« :إىل م����ن يهمه الأمر» ،حيث الدع����وة ال�صريحة �إىل م����ا و�صفه �آنذاك بـ»التوبة العمري����ة» ،ن�سبة �إىل اخلليفة عمر بن عبد العزيز. مواق����ف مر�شد «العدل والإح�سان» من النظ����ام املغربي ،تقف وراء ع����دم اعرتاف هذا الأخري باجلماع����ة ،وتقف وراء �سل�سلة حماكمات تعر�ض لها قياديون يف اجلماعة ،ويف مقدمتهم كرمية املر�شد ،نادية يا�س��ي�ن( ،ب�سبب �إدالئها بحوار �ص����ادم ،يف منت�صف � ،2005أكدت يف ثناي����اه على �أن «النظام امللكي فا�شل» ،و�أن امل�ؤ�س�سة «امللكية ال ت�صلح للمغ����رب») وغريه����ا من املحاكم����ات التي ال زال بع�ضه����ا قائم ًا حتى اليوم. ومل ي�شف����ع للجماع����ة من الت�صدي له����ذه املحاكم����ات� ،سوى تدخل امل�س�ؤول��ي�ن الأمريكي��ي�ن ،عرب بواب����ة ال�سفارة الأمريكي����ة يف الرباط، وه����ذا �أمر معلوم لدى مُتتبع����ي �أداء الإ�سالميني املغاربة ،ولو �أنه غري معلن عن����ه ر�سمياً ،با�ستثناء ما ن�سمع عن����ه يف كوالي�س الإ�سالميني، ل����وال �أن الن�سخة املغربية من ن�شر غ�سي����ل موقع «ويكيليك�س» ال�شهري، ج����اءت لت�ؤكد هذا املعطى املثري ،ك����ون الإدارة الأمريكية ،عرب نافذة ال�سف����ارة يف الرباط ،جَ �سّ ����دت حاجر ًا �أمام ت�ضيي����ق النظام املغربي اخلن����اق على �أع�ضاء جماعة «العدل والإح�س����ان» ،باعتبار �أنها تدين اللج����وء �إىل العن����ف وتدعو يف �أدبياته����ا �إىل «القوم����ة» (�أو الثورة يف ن�سخته����ا الإ�سالمي����ة احلركية) ،بخ��ل�اف موق����ف ذات ال�سفارة من تعام����ل النظ����ام املغربي مع �أغل����ب الإ�سالميني املح�سوب��ي�ن على تيار «ال�سلفي����ة اجلهادي����ة» ،حي����ث طبقت ال�سف����ارة ال�صمت جت����اه خيار «املقاربة الأمنية ال�صارمة» التي كانت عنوان تعامل ال�سلطة مع هذا التيار. عل����ى �صعي����د �آخ����ر ،يقف التعاط����ف العلن����ي لبع�ض قي����ادات حزب «البدي����ل احل�ضاري» وحزب «الأمة» مع الثورة الإيرانية ،و�صدور هذا التعاطف يف عز حقبة ومقت�ضيات م�شروع «ت�صدير الثورة الإ�سالمية الإيراني����ة» ،وراء ت�أخ����ر �صدور االعرتاف الر�سم����ي بهذين احلزبني، وم����رد ذلك ،العالق����ة ال�سيا�سية املتوترة بني الرب����اط وطهران ،على
خلفية انخراط القادة الإيرانيني يف ت�صدير امل�شروع �إياه� ،إىل درجة قط����ع العالق����ات الدبلوما�سية ب��ي�ن البلدي����ن يف مطل����ع �آذار/مار�س .2009 وتط����ورت الأم����ور نح����و الأ�س����و�أ ل����دى حزب����ي «البدي����ل احل�ضاري» و»الأم����ة» ،عندما مت اعتق����ال بع�ض قيادات احلزب��ي�ن يف � 18شباط/ فرباي����ر ،2008عل����ى هام�����ش تفكيك خلية و�صفت م����ن طرف و�سائل الإعالم الر�سمي����ة ب�أنها «�إرهابية» ،ومتت �إدانة القيادات وح ّل حزب «البدي����ل احل�ضاري» بقرار ا�ستعجايل �صادر عن الوزير الأول عبا�س الفا�س����ي ،مقابل الإبق����اء على خيار عدم االع��ت�راف بحزب «الأمة». واملث��ي�ر �أن الئحة االتهام����ات املوجهة �إىل قي����ادات احلزبني ،ترتبط ب�����أوىل بدايات العمل الإ�سالم����ي احلركي ،ومرت عليه����ا عقود ،قبل تدخ����ل بع�ض �صانعي القرار لإعادة فت����ح ملفات املا�ضي ،يف �سيناريو �أمني�/سيا�س����ي ال زال مفتوح���� ًا عل����ى جمي����ع االحتم����االت ،قد يكون �أبرزه����ا� ،سيناريو التدخل امللكي للعفو عن املعتقلني الإ�سالميني ،من ك��ث�رة ال�شكوك وعالمات اال�ستفهام الكثرية التي حتوم حول الدوافع احلقيقية لإعادة فتح ملفات قدمية� ،ضد �إ�سالميني دون �سواهم. تختلف حال����ة حركة «التوحيد والإ�ص��ل�اح» وبالتايل حزب «العدالة والتنمية» مع احلاالت �سالفة الذكر ،فالأمر يتعلق ب�أول حركة �إ�سالمية مع��ت�رف بها ر�سمي ًا م����ن ال�سلطة ،بل و�صل «التطبي����ع ال�سيا�سي» بني النظ����ام واحلركة �إىل درجة دعوة رئي�سه����ا ال�سابق� ،أحمد الري�سوين �أح����د �أ�شهر القي����ادات الإ�سالمية احلركية يف املغ����رب � -إىل �إلقاءدر�����س رم�ض����اين �أمام املل����ك يف كان����ون الأول/دي�سم��ب�ر ،1999فيما اعترب حت�صي����ل حا�صل بتعبري املناطقة ،فالرج����ل كان يقود احلركة الإ�سالمية الوحيدة الأكرث دفاع ًا عن م�ؤ�س�سة �إمارة امل�ؤمنني وبالتايل امل�ؤ�س�س����ة امللكي����ة� ،إ�ضافة �إىل قيادت����ه للحركة الإ�سالمي����ة الوحيدة املعرتف بها ر�سمياً. مه����م جد ًا اال�ست�شه����اد ب�شهادة الري�سوين يف املو�ض����وع ،لأنها غنية بال����دالالت والإ�شارات« :يف �أحد الأيام من خري����ف ،1999ات�صل بي م�س�����ؤول رفيع بالق�ص����ر امللكي وطلب مني اللقاء ،فلم����ا التقينا ،ذكر يل �أن����ه ق����ر�أ كتابي (نظري����ة املقا�صد عن����د الإمام ال�شاطب����ي) و�أنه �أعجبه ،ثم قال يل �إنه يريد �أن يقرتحني لإلقاء در�س ح�سني بني يدي جالل����ة املل����ك ،فرحبت ووافقت فوراً ،ثم عر�ض����ت الأمر على الإخوة يف املكت����ب التنفي����ذي للحركة فرحبوا وتفاءلوا خ��ي�ر ًا بهذه اخلطوة. وبعد �أيام جاءتني دعوة كتابية من وزير الأوقاف الدكتور عبد الكبري العل����وي املدغري ،ف�أجبته باملوافقة» ،وعب����د الكبري العلوي املدغري، ه����و الوزير ال�سابق للأوقاف وال�ش�����ؤون الإ�سالمية ،ويعترب �أحد �أذرع النظ����ام الت����ي �ساهمت يف م�سل�س����ل �إ�شراك الإ�سالمي��ي�ن و�إدماجهم يف امل�ؤ�س�س����ات الديني����ة الر�سمية (وخا�ص����ة وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون
جمعيات ن�سائية� ،أو حتى قطاعات نقابية. ووحده����ا هذه الت�صريحات ،والت����ي ت�صدر �أي�ض ًا عن قيادات حزب «النه�ضة والف�ضيلة» (ال ي�ضم �إال ع�ضو ًا برملاني ًا واحد ًا مقابل 45نائب ًا لدى «العدالة والتنمية» ،ولذلك يتم الرتكيز �أكرث على هذا الأخري)، وحده����ا هذه الت�صريحات �إذن ،ت�ؤ�س�����س لآفاق رحبة من االتفاق بني النظام املغرب����ي (امل�ؤ�س�سة امللكية حتدي����داً) ،والإ�سالميني املغاربة، �ض����د م�شاريع املناف�س��ي�ن الإيديولوجيني ،م����ن ذوي التوجه العلماين الذي يدعو �إىل حتمية ف�صل الدين عن الدولة ،واالنتقال من «وزارة الأوق����اف وال�ش�����ؤون الإ�سالمية» نحو «وزارة ال�ش�����ؤون الدينية» ،و�ضد ال�ضغ����وط الغربية (الأوروبية على اخل�صو�����ص) ،التي ي�صعب عليها «تقب����ل» وجود نظام �سيا�سي تتداخل فيه �أبعاد �سيا�سية ب�أبعاد دينية، وي�ؤ�س�����س يف �آن مللكي����ة تنفيذي����ة ،ت�س����ود وحتك����م ،وهو و�ض����ع ال تردد قيادات احلركات والأحزاب الإ�سالمية املغربية يف الدفاع عنه �أثناء اللق����اءات احلواري����ة والت�صريح����ات الر�سمية التي يدل����ون بها ملنابر �إعالمية غربية �أو على هام�ش لقاءات مع م�س�ؤولني غربيني. وحت����ى بالن�سبة جلماعة «الع����دل والإح�سان» ،وبالرغم من القالقل ال�سيا�سية واملذهبية الت����ي تثريها للنظام ب�سبب ت�شكيكها يف �شرعية �إمارة امل�ؤمنني ،ف�إن �أغلب املراقبني يرجحون تطور الأمور نحو اجتاه معاك�����س يف مرحلة «ما بعد عبد ال�س��ل�ام يا�سني» (يبلغ من العمر 82 عاماً) ،وت�صب بع�ض الت�سريبات التي �صدرت عن موقع «ويكيليك�س» العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
137
املحــور يف تزكي����ة خي����ار انخراط اجلماع����ة يف العمل ال�سيا�س����ي ،على غرار ال�سب����ق الإ�سالم����ي احلرك����ي ال�ص����ادر �سلف���� ًا ع����ن حرك����ة «التوحيد والإ�صالح»/ح����زب «العدالة والتنمية» ،حيث �أكدت هذه الت�سريبات، �أن فتح اهلل �أر�سالن ،الناطق الر�سمي با�سم اجلماعة� ،أكد يف لقاء له مبقر �إقامت����ه م����ع م�س�ؤول��ي�ن يف ال�سف����ارة الأمريكي����ة �إن جماعت����ه «طلبت �سنة 1981م����ن احلكوم����ة املغربية التحول �إىل ح����زب �سيا�سي ،لك����ن ال�سلطات املغربية رف�ضت ذل����ك»( .يف تعليقها عبدال�سالم يا�سني عل����ى مواق����ف الناطق الر�س����م با�سم �أب����رز حركة �إ�سالمية مغربي����ة ،قالت ال�سف����ارة الأمريكية� ،إن «قبول اجلماع����ة بالنظ����ام امللك����ي ،وحتوله����ا �إىل ح����زب �سيا�س����ي معرتف ب����ه قانونياً� ،سيزيد م����ن اال�ستق����رار يف املغرب ،لكن����ه �سيقوي ت�أثري الإ�سالمي��ي�ن يف احلي����اة ال�سيا�سي����ة املغربية»). لي�����س ه����ذا وح�س����ب� ،إن جم����رد ت�أ�سي�����س «الدائ����رة ال�سيا�سي����ة» يف اجلماع����ة ،بامل����وازاة م����ع الدائ����رة الدعوي����ة واحلقوقي����ة والن�سائي����ة والطالبية� ..إلخ ،يمُ هّد يف مرحلة «ما بعد عب����د ال�سالم يا�س��ي�ن» ،لت�أ�سي�س عبدالإله بنكريان ح����زب �سيا�سي �إ�سالم����ي ،لالنخراط فيما بعد ،مع باق����ي �إ�سالميي ال�ساحة ،يف االنقياد لبع�ض مقت�ضيات االتف����اق �أو التعاون مع النظام ،ويبق����ى االتفاق ال�صارم حول املوقف م����ن التي����ارات العلمانية يف الداخل واخل����ارج� ،أوىل �أوليات التحالف املرتق����ب (�أو االفرتا�ض����ي) ب��ي�ن النظ����ام والإ�سالمي��ي�ن :فالنظ����ام ي�ؤ�س�����س �شرعيته ال�سيا�سية كما �سلف الذكر ،عل����ى �شرعية ديني����ة موازية، ب����ل �إنها تعت��ب�ر امليزة الأب����رز لنظام عرب����ي �إ�سالم����ي �إذا عقدنا مقارنات عاجل����ة م����ع باق����ي �أ�س�����س ال�شرعي����ة ال�سيا�سية لدى �أغلب الأنظمة العربية �أحمد الري�سوين والإ�سالمية ،من ال�سنغال �إىل �سلطنة بروناي. �أم����ا الإ�سالمي����ون ،وكم����ا ج����اءت ذل����ك يف العديد م����ن احلوارات والإق����رارات الكوالي�سي����ة والر�سمية يف �آن ،ف�إنه����م يف�ضلون العمل يف 138
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ظ����ل نظ����ام �سيا�سي/دين����ي من هذه الطين����ة (ملكي����ة تنفيذية ت�سود وحتك����م) ،عو�����ض نظ����ام �سيا�س����ي جمه����وري �أو لي��ب�رايل ،تغيب فيه م�ؤ�س�س����ة �إمارة امل�ؤمنني ،وي�ؤ�س�س حلك����م علماين قد يع�صف مبجمل احلركات والأحزاب الإ�سالمي����ة ،ويف �أح�سن الأحوال ،يتبنى مقاربة �أمني����ة �صارمة �ضد خمتلف التيارات الإ�سالمية ،بال�صيغة التي نطلع عليها جلي ًا يف بع�ض النماذج العربية. ومن ح�سن �ص����دف ،لدى النظام بالتحدي����د� ،أن �صدمة اعتداءات الدار البي�ضاء ،يف � 16أيار/مايو ،2003تقف وراء نوع من ال�صراع على �إم����ارة امل�ؤمنني بني التيارين الإ�سالم����ي احلركي والعلماين احلداثي يف املغرب ،حي����ث �إنه قبل منعطف هذه االعتداءات الإرهابية ،كانت العدي����د من الأ�صوات العلمانية تدعو �إىل حتمية تبني منوذج علماين يف احلك����م ،ال عالقة ل����ه مبنظومة «�إمارة امل�ؤمن��ي�ن»� ،أو الإبقاء على ذات املنظوم����ة� ،شرط االنتقال �إىل مرتبة/من����وذج «ملكية د�ستورية ت�سود وال حتكم» ،وكذلك احل����ال مع بع�ض التيارات الإ�سالمية (ويف مقدمته����ا جماعة «العدل والإح�سان» بالطبع) ،لوال �أن الأمور انقلبت ر�أ�س ًا على عقب مبا�شرة بعد اعتداءات الدار البي�ضاء ،حيث �أ�صبحت نف�س الأقالم امل�شككة بالأم�س يف �شرعية و�أدوار «�إمارة امل�ؤمنني» ،من �أ�شد الأقالم املدافعة عن امل�ؤ�س�سة ،لأغرا�ض �إيديولوجية للمفارقة: الأقالم/التي����ارات العلماني����ة �أ�صبح����ت تداف����ع ع����ن «�إم����ارةامل�ؤمنني» �ضد ًا عل����ى �إ�صرار الإ�سالميني ال�شهري بخ�صو�ص جلوءهم امل�����ؤرق الحتكار النط����ق با�سم الإ�سالم ،بدلي����ل احلديث عن �أحزاب �سيا�سي����ة �إ�سالمية( ،بالن�سبة حلالتي «العدال����ة والتنمية» و»النه�ضة والف�ضيلة»)؛ يف حني دافعت وتدافع الأقالم/التيارات الإ�سالمية عن امل�ؤ�س�سة�ضد ًا على الأطماع القدمية للتي����ار العلماين بخ�صو�ص حتمية ف�صل الدي����ن ع����ن الدولة يف املغ����رب ،والت�أ�سي�س مللكي����ة د�ستورية ت�سود وال حتك����م ،وهذا م�ش����روع يثري الرعب لدى جمي����ع الإ�سالميني املغاربة، م����ن دون ا�ستثن����اء ،ويق����ف لوح����ده � -ضم����ن عوام����ل �أخ����رى -وراء االنتق����ال التدريج����ي لأغلب ه�����ؤالء نحو العم����ل يف �إط����ار امل�ؤ�س�سات الديني����ة الر�سمية (ينطبق الأمر للمفارق����ة ،حتى على قيادات وازنة يف جماعة «الع����دل والإح�سان» ،من الذين مت �إدماجهم يف م�ؤ�س�سات دينية ر�سمية ،بالرغم من �أن اجلماعة غري معرتف بها ر�سمياً ،حتى �أن ب�ض����ع ه�ؤالء ،يحتلون مواقع وازنة يف ال����وزارة الو�صية على ال�ش�أن الديني :الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية). بالنتيجة ،نحن �إزاء فورة يف العوامل واملقدمات التي تُغلِّب �سيناريو االتفاق ب��ي�ن النظام املغربي والإ�سالميني ،عل����ى �سيناريو االختالف واالحرتاب الذي ال يخدم م�صاحلهما معاً.
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة درا�سات اجتماعية
الآلية ال�شرعية فـي مكافحة الف�ساد
حممد غالب ال�شرعبي
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
139
املحــور
كان �أول عمل �إ�سالمي قانوين باملغرب �سلفي العقيدة ،وقد مثّله علمني �إ�سالميني ،الأول هو عل���ي الري�س���وين رئي�س جمعية الدعوة ب�شف�ش���اون والذي ت�أثر يف ذل���ك بطريقة عبد الرحيم الوكي���ل رئي�س جمعية �أن�ص���ار ال�س���نة املحمدية مب�ص���ر بالن�س���بة جلمعية الدع���وة .والدكتور �إ�س���ماعيل اخلطي���ب من خ�ل�ال رئي�س جمعية البعث بتطوان الذي ت�ش���رب العقائد ال�س���لفية من خالل درا�س���ته باملدينة املنورة .وكان يزور اجلمعيتني �ش���يوخ الدعوة ال�س���لفية املعروفني مثل ال�ش���يخ مفتي زاده وحممود ال�ص���واف والألباين ،فكانت هاتان اجلمعيتان وغريهما ذات طابع �سلفي وا�ضح تنا�ضل �ضد البدع واالنحرافات العقائدية وال�صوفية.
العمق ال�سلفي للحركة الإ�سالمية يف املـغرب عبد احلكيم �أبو اللوز
aboullouz41@yahoo.fr
140
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
عبد احلكيم �أبو اللوز باحث يف املركز املغربي يف العلوم االجتماعية ،الدار البي�ضاء.
Rafa Llano/Flickr
وقب����ل ت�أ�سي�����س ال�شبيبة الإ�سالمي����ة ع����ام ،1972كان منا�ضلوها قد ت�شرب����وا الرتبية الدينية والدعوية من ه����ذه اجلمعيات يف حني تلقاها �آخرون من درو�س تق����ي الدين الهاليل يف خطبه يوم اجلمعة ودرو�سه بعد �صالة الفجر يف مكنا�س الدار البي�ضاء ،وكذا درو�س بع�ض امل�شايخ ال�سلفيني ال�سعودي��ي�ن وال�سودانيني ،مما �ساه����م يف تزويدهم بر�صيد مهم من الثقافة ال�شرعية ال�سلفية. وبع����د ت�أ�سي�س ال�شبيب����ة كان لل�شي����خ حممد زحل الأث����ر الكبري على ال�شبيب����ة الإ�سالمي����ة وكذلك ال�شي����خ الزبري� ،إذ كان �أع�ض����اء ال�شبيبة يح�ضرون درو�سهم املطبوعة بال�سلفية كما كان ال�شيخ الوهابي �أبو بكر اجلزائري يزورهم يف رم�ض����ان ،ومن ثم كوّن �أع�ضاء ال�شبيبة ر�صيد ًا �أ�سا�سي���� ًا يف فه����م الدين وفقه االلت����زام به .كان �أ�سا�����س هذه الدرو�س مناه�ض����ة البدع����ة والدع����وة �إىل ال�سنة ال�صحيحة كم����ا درو�س حممد
الأم��ي�ن بوخب����زة ال�سلفي العقيدة الت����ي تُعلّم االلتزام بال�سن����ة ،و�أي�ض ًا ح�سن النتيفي بالدار البي�ضاء وال�شيخ الزبري .كما تردد �إ�سالميون يف طنجة على الفقيه حممد الزمزمي ثم حممد اجلردي يف ذات املدينة، وكان����ت حم�صلة الدرو�س حماربة التدي����ن التقليدي وما يرتبط به من �شركي����ات وب����دع وخمالفات عقائدي����ة كالإمي����ان بالأ�ضرحة وحت�صني �شب����اب ال�شبيب����ة �ضد الفك����ر ال�شيعي ال����ذي ازدهر بعد جن����اح الثورة الإيرانية. بفع����ل الثقاف����ة ال�سلفية اجلدي����دة ،غ����ادر بع�ض ه�ؤالء مم����ن كانوا ي��ت�رددون بحك����م ت�أث��ي�ر الأه����ل وال�صغر يف ال�س����ن ما د�أب����وا عليه من زيارة الزوايا و�أولي����اء الت�صوف ،بعدما كانوا يُعجبون برتانيم الأذكار والدع����وات .فق����د ر�أى ال�شب����اب الإ�سالم����ي يف كل ذل����ك “�شركيات” تخالف العقي����دة ال�صحيحة� .أم����ا بع�ض الإ�سالمي��ي�ن الآخرين الذين العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
141
املحــور
142
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
عل��ى الرغم من ا�س��تمرار االقتن��اع باملعتقد ال�س��لفي ،فق��د �أعاد الن�ش��طاء الإ�س�لاميون املغاربة النظر تدريجي ًا يف ما غلب على هذا املنه��ج من �ص��رامة و�ش��كالنية ونظ��ر جزئي �أحيان��اً ،واقتنعوا ب���أن هذا التوجه ال يرقى �إىل النظرة ال�ش��مولية وال ميكن �أن يتفاعل مع بيئة مغربية وريثة تقليد مالكي �أ�شعري �صويف وه����و االجتاه ال�سلف����ي يف العقائد .لقد كانت درو�����س ال�شيوخ ال�سلفيني م�سل����ك ًا تعليمي ًا نهل من����ه الإ�سالميون املغاربة ثقاف����ة عقائدية �سلفية، ليتم االنتقال �إىل ال�شبيبة �أو �إىل �أ�سر اجلماعة اليا�سينية ،والتي كانت م�سل����ك ًا �آخر موازي ًا نهلوا منه ثقافتهم ال�سيا�سية ،كما مكّنهم ن�ضالهم اليوم����ي يف اجلامع����ة ويف ال�شارع م����ن الت�أدلج الإ�سالم����ي ومن الت�شبع بالوعي احلركي. وب�سب����ب االرتياد املبكر من العقيدة ال�سلفية ،نخل�ص �إىل القول ب�أن التي����ار ال�سلف����ي ال ينح�صر يف اجلماع����ات التي حتمل لوائ����ه و�شعاره، ولكن����ه يدخل يف الرتكي����ب الع�ضوي لكل اجلماع����ات والتنظيمات التي تتنازع ال�ساحة الدعوية عموماً .فعلى �سبيل املثال ،ف�إن عامة الأع�ضاء يف التوحيد والإ�صالح مث ًال ال يعرفون غري العقيدة ال�سلفية ،وال يدينون �إال به����ا ،بل �إن �أك��ث�ر الأتباع يف جماعة الع����دل والإح�سان ال يدينون �إال بالعقيدة ال�سلفية ،و�إن �أك��ث�ر الذين ان�ضموا �إىل يا�سني وان�ضووا حتت لوائه كانوا م����ن فلول ال�شبيبة الإ�سالمية وم����ن ال�سلفيني ،وقد رغّ بهم يف ذل����ك النهج ال�سيا�س����ي ليا�سني ومواقفه املعار�ض����ة وح�صانته جتاه امل�ساومات. لكن اخلط����اب الإ�سالمي املغربي �سجّ ل متاي����زات مهمة مقارنة مع املذهبية ال�سلفي����ة الراديكالية كما يروج له����ا يف امل�شرق العربي ،ومن ذلك :تراجع حدة الرف�����ض الفكري للتقاليد املذهبية والعقائدية التي
ME Archive
كان����وا ينتمون �إىل جماعة التبلي����غ والدعوة فكانوا يت�صورون �أن ال فرق الهاليل الإ�صالحية و�أمثاله من علماء ال�سلفية باملغرب ،مُغذية للوعي بني عقائد التبليغ وبني ال�سلفية ،فكانوا يقومون بتنظيم معر�ض للكتب الديني احلركي ال����ذي انطلق فيما بعد يف �صورة حديثة متام ًا كحركة يحوي الكت����ب اجلدي����دة ذات ال�صلة باحلرك����ة الإ�سالمي����ة و�أدبياتها ال�شبيب����ة الإ�سالمي����ة وغريها ،ف����كان قادة احلرك����ة الإ�سالمية �آنذاك العقائدية ،لكن جماعة التبليغ مل تكن تتحمل تعدد الوالءات فلم ي�صرب وامل�ؤطري����ن له����ا على امل�ستويني الفك����ري والت�صوري (زح����ل ،القا�ضي تابعوه����ا على احللق����ات الرتبوية التي كان يعقدها ه�����ؤالء يف امل�ساجد برهون ،عالل العمراين) تالمذة لل�شيخ الهاليل. التابع����ة للجماعة ،وفق����دوا قدرتهم على حتمل ه����ذه اللقاءات فطلبت فمن����ذ ت�أ�سي�س ال�شبيبة الإ�سالمية �سن����ة ،1972كانت تلك املجموعة منه����م اجلماعة مغادرة ه����ذه امل�ساجد ،و�أ�صبحت اللق����اءات تُعقد يف تتلقى العقيدة من خالل الدرو�س التي كان يلقيها الهاليل يف كل زيارة البي����وت والثانوية واملكتبة العمومي����ة ودار ال�شباب .وهنا ن�ضجت فكرة له �إىل الدار البي�ضاء ،وذلك يف م�ساجد متفرقة .يقول زحل يف �شهادته ت�أ�سي�����س اجلمعية الإ�سالمية بالق�صر الكبري الت����ي ت�أ�س�ست فع ًال عام حول ه����ذه الفرتة« :عند بداي����ة ال�شبيبة الإ�سالمي����ة حر�صنا �أن تكون ،1976ومل تكن لها �أي عالقة وقتئذ بال�شبيبة. النبتة طبية ومتميزة يف �سلوكها ومعتقدها ،حتى �إن التقيّد باملذهب ال ومع ت�أ�سي�س ال�شبيبة الإ�سالمية عام 1992كذلك ،بد�أ االنفتاح على نعريه �أي اهتمام يف مناهجنا ودرو�سنا الرتبوية ،وال ن�أبه ب�أقوال الأئمة الكتاب����ات احلركية الإ�سالمي����ة خ�صو�ص ًا كتاب����ات �سيد قطب وحممد �إذا تعار�ض����ت م����ع هذه الأدلة .كم����ا �أن البناء العق����دي الذي اعتمدناه قط����ب ورم�ض����ان البوطي و�سعي����د حوى وفتح����ي يكن وكتيب����ات حزب يف اجلماع����ة كان ي�أخ����ذ من كت����ب العقيدة ال�صحيح����ة ومنها« :كتاب التحرير مما �ساهم يف تقوية الإميان بالدور الثوري الذي يلعبه الدين التوحيد» لل�شيخ الإم����ام حممد بن عبد الوهاب ،و»العقيدة الطحاوية» يف التغي��ي�رُ ، و�صوِّرت كتابات عبد اهلل الع����روي وحممد عابد اجلابري ور�سائل �شيخ الإ�سالم ابن تيمية كالوا�سطية ..و�أذكر �أنني التقيت مرة ككتب حماربة للإ�سالم .واملح�صلة �أن تعدد املرجعيات �أ�صبح ي�ساهم الدكت����ور تقي الدين الهاليل �أثناء زيارت����ي له مبكنا�س وال�شبيبة بارزة بقوة يف تكوين مرجعية مزدوجة �شرعية وحركية ت�شبعت بهما ال�شبيبة �آنذاك ،ف�س�ألني عن عقيدتنا ف�أخربته مب�صادرنا ومعتمدنا يف العقيد الإ�سالمية. فقال يل ،جزاكم اهلل خرياً». و�إذا كان����ت املواع����ظ ال�شرعي����ة تلقن �أثن����اء ح�ضور درو�����س امل�شايخ ن�ش�أت احلركة الإ�سالمية �إذن وهي حاملة للفكر ال�سلفي ،ومنقطعة الذي����ن ذكرناهم �سابقاً ،كانت ال�شبيبة توزع من�شورات احلركة لت�ؤطّ ر ال�صل����ة برتاث الإ�سالم املحلي .وقد تعمقت �سلفية هذه احلركة حينما بها عنا�صرها يف جمال�سها الرتبوية .كما مل يفت قادة ال�شبيبة حتفيز بد�أت �أطر ال�شبيبة تتجه �إىل ال�سعودية من �أجل الدرا�سة ،والتي بد�أت الذي����ن يُقبِلون على التعليم ال�شرعي وح����ده� ،إذ كان احلركيون ومنهم بع����د رجوعها يف تدري�س العقيدة يف املق����رات ال�سرية واخلاليا التابعة عب����د الإله بن ك��ي�ران يتدخلون كث��ي�ر ًا لتنبيه من �أغرق����وا �أنف�سهم يف للحرك����ة .وا�ستم����ر احلال عل����ى هذا النح����و حتى هروب القي����ادة �إىل اخلارج .يقول زحل« :كان املنهج نبتة طيبة مل يف�سده �إال التيار ال�س��لفي ال ينح�ص��ر يف اجلماعات التي حتمل لوائه التوجّ ه ال�سيا�سي لعب����د الكرمي مطيع ..فوقع بعد حادثة و�شعاره ،ولكنه يدخل يف الرتكيب الع�ضوي لكل اجلماعات اغتي����ال بنجل����ون خلط كبري ،ف�آثر التي����ار الدعوي داخل ال�شبيب����ة التوقف �إىل حني واخت����ار العمل الدعوي احلر، والتنظيمات التي تتنازع ال�ساحة الدعوية عموم ًا م����ن دون �أن يح�سبوا عل����ى التنظيمات الت����ي تكونت بعد انحالل ال�شبيبة». حت�صي����ل الثقاف����ة ال�شرعية ب�����أن العمل الفردي ال ميك����ن �أن يُثمِ ر و�أنه عل����ى العموم فقد �سمحت الرتبية الدينية الت����ي تلقاها اجليل الأول ال ب����د م����ن حركة وعمل منظ����م .وقد ا�ستج����اب �أغلب ه�����ؤالء مت�أثرين م����ن الإ�سالميني ،وتدربهم عل����ى قراءة املت����ون الإيديولوجية للإخوان بقراءاته����م ال�سابقة لأبجدي����ات العمل احلركي املنظ����م والنظر له يف امل�سلم��ي�ن ،يف �أن يك����ون لديهم تعاطف مع ال�شبيبة وم����ع عموم الفكرة كتاب����ات �سيد قط����ب و�سعيد حوى وفتحي يك����ن ،واملبثوث عرب املجالت الإ�سالمية .وقد كانت االنتماءات الدينية ال�سابقة (التبليغ وال�صوفية) امل�شرقية كمجل����ة “ال�شهاب” اللبنانية وجمل����ة “التجمع” و”البالغ” ه����ي امل��ل�اذ الوحيد ال����ذي كان متوفر ًا له�����ؤالء يف ف��ت�رة ال�صبا بحكم الكويتيتني ،و�أي�ض ًا �أ�شرطة عبد احلميد ك�شك. العائل����ة واملن�ش�أ ،قبل �أن يختاروا احل����ل الإ�سالمي يف جانبية ال�شرعي وب�شكل عام ،ميكن القول �إن احلركة الإ�سالمية املغربية قد ن�ش�أت يف واحلركي عن وعي كامل. ال�سبعينيات وهي حاملة للمعتق����د ال�سلفي .مل تكن احلركة الإ�سالمية �إن ت�شبّ����ع الإ�سالمي��ي�ن املغارب����ة باملعتق����د ال�سلف����ي �أدى �إىل نوع من باملغ����رب من ثمار الإ�س��ل�ام املحلي ،بل مل يكن له����ذا الإ�سالم �أي دور التمايز ل����دى احلركة الإ�سالمي����ة املغربية ،وهو لي�س متاي����ز ًا �سيا�سي ًا يف ن�ش�أته����ا (ال�صوفية ،عبادة الأولي����اء)� ،إذ كانت انعكا�س ًا لأثر الفكر �أو اجتماعي���� ًا �أو حركي����اً ،بل هو متايز عقائ����دي .بحيث ميكن احلديث الإ�صالح����ي بامل�شرق ومن����ه الفكر ال�سلف����ي .كانت درو�����س تقي الدين ع����ن وجود ن�سبي الجتاه غالب ي�ضم غالبية التيار الإ�سالمي يف املغرب
تق����وم على وجود الو�سائ����ط بني اخلالق واملخلوق ،وحت����رّي الت�شدد يف اجلزئي����ات على الرغم من ا�ستمرار مظاه����ر التقوى والتوكل والذكر، واالن�صراف عن التعر�ض بالنقد للمذهبية وال�صوفية و�إعالن اعتماد املذه����ب املالك����ي ،واالنقطاع جملة ع����ن التعرّ�����ض لل�صوفية ،واحرتام الع����ادات الديني����ة يف االحتف����ال باملوا�س����م والأعياد وحُ �س����ن توظيفها، وتخفيف التوتر �إىل �أق�صى حد جتاه بع�ض البدع يف التو�سّ ل والزيارات واملمار�س����ات الطرقية واعتبارها جزئي����ات ال ت�ست�أهل احلرب �ضدها، حت����ى �إن عدد ًا من ال�صوفي����ة دخلوا يف احلرك����ة الإ�سالمية و�أ�صبحوا �أ�صدقاء لها. ال�سلفيون اجلهاديون يف موريتانيا فعلى الرغ����م من ا�ستمرار االقتناع التايل بقلم :مراد بطل ال�شي�شاين باملعتقد ال�سلفي ،فقد �أعاد الن�شطاء الإ�سالميون املغارب����ة النظر تدريجي ًا يف م����ا غلب على ه����ذا املنهج من �صرامة و�شكالنية ونظ����ر جزئي �أحياناً، واقتنع����وا ب�أن هذا التوجه ال يرقى �إىل النظ����رة ال�شمولية وال ميكن �أن يتفاعل مع بيئ����ة مغربية وريثة تقليد مالكي �أ�شعري �صويف .فاقت�صروا من����ه اجلوان����ب العقدية ،مبا تت�س����م به من �صفاء بعي����د ًا عن التخريف واجلدل الكالمي على جانب منه����ج التحقيق احلديثي يف تناول الآثار الإ�سالمي����ة .لكنه����م مع ذلك وا�صل����وا الدفاع عن احل����ركات ال�سلفية، خ�صو�ص ًا تلك تقرتب منهم �أيديولوجي ًا وتنظيمياً. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
143
املحــور
ال�سلفيون اجلهاديون يف موريتانيا �صراع دويل وتو�سع �إقليمي وعجز حملي
ولعل فهم هذا التطور .Iال�سياق ي�ستدع���ي فهم��� ًا لتطور تاريخ اجلهادي�ي�ن� ،أو التي���ار ال�سلفي-اجلهادي يف اجلزائ���ر ،حيث مر مبراحل ثالثة ،ب���د�أت الأوىل ما بني 1989وحتى ،1994وهي مرحلة «اجلماع���ة الإ�سالمية امل�سلحة» ،والتي تعرف با�سم الأح���رف الأوىل من ا�سمها باللغ���ة الفرن�سي���ة ،GIAوكانت تعبري ًا عن جتمع ملجموع���ات من العائدين من �أفغان�ستان الذي���ن بد�أوا العمل منذ ع���ام 1991ب�شن هجمات متنوع���ة ،ومن ثمّ توحدوا حتت ا�سم اجلماعة ع���ام ،1992وق���د �سيط���رت اجلماعة عل���ى امل�شهد يف اجلزائ���ر وتولت “احلرك���ة اجلهادي���ة فيها” .وقد ا�ستطاعت بحك���م عملياتها العنيفة والدموي���ة� ،أن تت�سيد امل�شهد ،وكانت لها فت���اوى ت�صدر لها من عوا�صم غربية خا�صة لندن ،كما �أن من�شوراتها كانت ت�صدر من هناك ،وهو ما دفع املجموعات الإ�سالمية يف العام � 1994إىل التوحد حتت ا�سمها ،على الرغ���م من �أن جماع���ات -خا�ص ًة الإنقاذ -تن�صلت من ذلك� ،إىل �أنها البداية لذوبان تل���ك املجموعات ل�صالح “اجلماعة الإ�سالمية امل�سلحة يف اجلزائر”. وق���د ت���وىل �أ�شخا�ص ع���دة قيادة اجلماع���ة ،وتبدُّله���م واالن�شقاقات يف اجلماع���ة �أذنت ببدء املرحلة الثانية من تطور التيار ال�سلفي-اجلهادي
يف اجلزائ���ر ،والتي كانت تره����ص با�ستيعاب الإيديولوجي���ة ال�سلفية- اجلهادي���ة ،وهي مرحلة ت�أ�سي�س “اجلماع���ة ال�سلفية للدعوة والقتال”، والت���ي جاءت ان�شقاق ًا عن الغلو يف �أ�ساليب قائد اجلماعة جمال زيتوين – ي�ش���ك ب�أنه قتل على يد رفاقه ،-وعنرت زوابري ،الذي ورث جماعة تع���اين العديد من االن�شقاقات وفقدت دعمه���ا من اخلارج ،عام ،1997 وه���و نف�سه تبنى �سيا�سات �سلف���ه ،بارتكاب عمليات دموية �ضد مدنيني، مم���ا و�سع دائرة االن�شقاق يف اجلماعة ،حتى ان�شق عنها ح�سان حطاب ال���ذي �أ�س����س “اجلماعة ال�سلفية للدع���وة والقتال” ،وبق���ي على ر�أ�سها حت���ى ع���ام ،2003وا�ستقال ثم تراجع عن �أف���كاره القتالية ،وان�ضم �إىل فك���رة العفو عن امل�سلحني الت���ي طرحها الرئي�س اجلزائري عبد العزيز بوتفليقة. وبع���د ا�ستقال���ة حط���اب اخت���ار “جمل����س الأعي���ان” باجلماع���ة ،نبيل �صح���راوي املدعو م�صطفى �أبو �إبراهيم قائدا جديداً ،وبد�أت اجلماعة ترتب���ط �شيئ ًا ف�شيئ ًا مع �أجندة تنظي���م “القاعدة” الدولية ،وتف�سرياته الفقهي���ة .وبع���د مقت���ل �صح���راوي ع���ام ،2004عُ �ّي�نّ خري���ج الكيمياء، عب���د امللك دروكدال املع���روف ب�أبي م�صعب عبد ال���ودود زعيم ًا جديد ًا للجماع���ة ،ال���ذي ما لب���ث بعد ما يزيد ع���ن العامني بقلي���ل ،ويف خطوة
مراد بطل ال�شي�شاين
muradbatal@gmail.com
ارتب���ط تط���ور الأيديولوجي���ة ال�سلفية-اجلهادي���ة يف موريتاني���ا ،وب���روز التيار فيه بتطورها يف اجلزائ���ر املجاورة والتي برز فيها التيار ال�سلفي- اجله���ادي مبكر ًا منذ بداي���ة الت�سعينيات .ومل ت�شه���د موريتانيا زخم ًا يف بروز اجلهاديني� ،إال مع حتول التيار ال�سلفي-اجلهادي يف اجلزائر لتبني �أجن���دة �إقليمية �أو�سع �شملت دول ال�ساحل جن���وب ال�صحراء ،وموريتانيا كانت يف القلب من هذه اال�سرتاتيجية اجلديدة. 144
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
مراد بطل ال�شي�شاين حملل متخ�ص�ص يف �ش�ؤون اجلماعات الإ�سالمية -لندن.
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
145
املحــور متوقع���ة م���ن املتابع�ي�ن� ،أن غ�ّي�ررّ ا�س���م اجلماع���ة ،ليعلن ع���ن ت�أ�سي�س “القاع���دة يف بالد املغرب الإ�سالمي” ،ويقدم الوالء لأ�سامة بن الدن، والأه���م ط���ر�أ تغري على ا�سرتاجتي���ات اجلماعة ،لتك���ون املرحلة الثالثة يف تط���ورات اجلهاديني باجلزائر ويتبنى �أجن���دة �إقليمية ودولية �أو�سع، تت�سق ور�ؤى القاعدة اجليوبوليتيكية ،وانطالق ًا من اجلزائر باتت حركة �إقليمية ميتد ن�شاطها لي�س �إىل دول اجلوار فح�سب بل �إىل دول ال�ساحل جن���وب ال�صح���راء ،وهنا ب���د�أ دور ال�سلفيون-اجلهادي���ون يف موريتانيا بالربوز.
موريتاني���ا، .IIIالعام��ل اجليوبوليتيك��ي وبحكم تراميها اجلغرايف ،وامل�شاكل االقت�صادية-ال�سيا�سية التي تعاين منها ،ك�ضعف احلكومة املوريتانية ووجود �أكرث من مليون كيلومرت مربع م���ن الأرا�ض���ي ال�صحراوية غري خا�ضع���ة للحكومة ،بات���ت بيئة جاذبة لل�سلفيني-اجلهادي�ي�ن ،ف�أول ظهور للح���ركات ال�سلفية-اجلهادية فيها يعود �إىل منت�ص���ف الت�سعينيات ،عندما �أعلن���ت ال�سلطات القب�ض على �أع�ض���اء يف منظم���ات جهادية عدة ،مثل لواء م�صع���ب بن عمري وجي�ش حمم���د ،وجهاد .يف وقت الحق ،ظهر �أكرث احلركات ال�سلفية-اجلهادية تنظيم��� ًا يف موريتاني���ا ،و�أي�ض��� ًا ارتباط��� ًا بتنظيم القاع���دة ،حتت ا�سم «املرابط���ون» ،ومن ث���م مت تغي�ي�ره �إىل «اجلماع���ة املوريتاني���ة ال�سلفية للدعوة والقتال» ،وذلك يف العام .2000 146
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
تك�شف .IVال�سيا�سات احلكومية الوثائق الأمريكية التي �سربه���ا موقع ويكليك�س تقدير ًا �أمريكي ًا للموقف يف دول ال�ساح���ل ي���رى ب�أن كل م���ن الواليات املتح���دة وفرن�سا تريان يف موريتاني���ا ر�أ�س حرب���ة يف مواجهة القاعدة .فقد �أ�ش���ارت وثيقة �سربها
Caravinagre/Flickr
منذ تبني .IIموريتانيا :اخللفية التاريخية «القاع���دة يف بالد املغرب الإ�سالمي» �سيا�سة التو�سع الإقليمي ،تزايدت �أن�شطة التي���ار ال�سلفي-اجله���ادي يف موريتاني���ا ،ودول ال�ساحل جنوب ال�صح���راء ،ب�شكل ملحوظ خالل العامني املا�ضيني ،ب�شكل يدلل على �أن اجلماعات التابعة لتنظيم القاعدة �أ�صبحت �أكرث فعالية يف تلك الدول، كما �أن وترية الهجمات وطبيعة الأ�ساليب امل�ستخدمة ت�شري �إىل �أن عدد امل�سلحني ال�سلفيني-اجلهاديني يف موريتانيا �آخذ يف االزدياد. ومع بروز النزوع التو�سعي للتنظيم يف دول ال�ساحل وجنوب ال�صحراء، فق���د تبنى عمليات يف موريتاني���ا ،ويف النيجر ،و�أ�شارت تقارير عدة �إىل وج���ود مع�سكرات تدريب للتنظيم يف مايل .والأه���م �أ�شارت تقارير �إىل �أن قيادات �سلفية-جهادية حملي���ة من تلك الدول ،وحتديد ًا موريتانيا، تدربت يف مع�سكرات تدريب �سلفية-جهادية يف اجلزائر. يف �آذار/مار����س � 2010أ�صدرت «م�ؤ�س�سة الأندل����س للإنتاج الإعالمي»، وه���ي الذراع الإعالمي لـ «القاعدة يف بالد املغرب الإ�سالمي» ،ت�سجي ًال م�ص���ور ًا لأبي عبيدة يو�سف� ،أحد قيادات التنظيم ،بعنوان «خطاب �إىل �شعوب وحكام منطقة ال�ساحل وجنوب ال�صحراء» ،حذر فيه تلك الدول م���ن «االن�ضمام للجزائر ودول غربية مث���ل الواليات املتحدة وفرن�سا يف حربه���ا �ضد تنظيم القاعدة» .وقال يو�س���ف �إنه مل يكن هدف «القاعدة يف املغ���رب الإ�سالمي» ج ّر دول ال�ساحل �إىل �ساحة املعركة« ،لأنها كانت ت�ستهدف فقط ال�صليبي�ي�ن وم�صاحلهم يف تلك البلدان» .وذكر يو�سف �أن «بع����ض احلوادث املح���دودة» التي وقعت يف وق���ت �سابق �ضد جيو�ش دول ال�ساحل كانت دفاع ًا عن النف�س.
ه���ذه املجموعة ،وكما يوح���ي اال�سم ،ا�ستن���دت على �شب���ان موريتانيني تدربوا يف مع�سك���رات «اجلماعة ال�سلفية للدع���وة والقتال» اجلزائرية، ب�شكل ي�ؤكد التحول يف �أجندة اجلهاديني يف اجلزائر ،منذ تويل حطاب وان�شقاق���ه عن «اجلماعة الإ�سالمية امل�سلحة» .ويف �أعقاب ذلك� ،أ�صبح ال�سلفيون-اجلهادي���ون يف موريتانيا �أك�ث�ر تنظيماً ،ويف عام � 2005شنوا هجم���ات على قاعدة للجي�ش يف ملغيط���ي �شمال البالد التي قتل فيها 15 جندياً. ويف ع���ام ،2007بد�أ ال�سلفيون-اجلهادي���ون يف موريتانيا تنفيذ هجمات �أك�ث�ر تط���وراً ،مثل قتل �أربعة �سي���اح الفرن�سي�ي�ن يف �أالك (جنوب �شرق نواك�ش���وط ،قرب احلدود م���ع ال�سنغال) ،وقد �ألق���ي القب�ض على ت�سعة م���ن �أع�ضاء القاع���دة يف املغرب الإ�سالمي يف عالقة م���ع عملية القتل. وبع���د ب�ضعة �أيام ،قتل ثالثة جنود موريتانيني اجلهاديني يف هجوم على قاع���دة للجي����ش بالغالوية .وق���د �أدى هذا الن�شاط املتزاي���د لل�سلفيني- اجلهادي�ي�ن� ،إىل �إلغاء رايل دكار للمرة الأوىل منذ ت�أ�سي�سه قبل ثالثني عاماً .بعد ذلك ،هاجم اجلهاديون يف موريتانيا ال�سفارة الإ�سرائيلية يف نواك�شوط �شباط/فرباير ،2008وذلك قبل �إغالقها ر�سمياً. منذ كان���ون الأول/دي�سمرب عام ،2009ب���د�أ اجلهاديون بخطف العديد م���ن الغربيني وهم ي�سعون ملبادلتهم بزمالئهم امل�سجونني يف موريتانيا. ويف � 18آب�/أغ�سط����س ،2009كان���ت «القاعدة يف املغرب الإ�سالمي» قد �أ�صدرت ت�سجي�ل�اً مرئي ًا من �أجل الك�شف عن ا�س���م موريتاين انتحاري با�سم �أبو عبيدة ،والذي ف�شل يف الو�صول �إىل هدفه ،ال�سفارة الفرن�سية يف نواك�ش���وط ،وفجّ ���ر نف�سه يف ال�شارع �أمام ال�سف���ارة يف �آب�/أغ�سط�س .2009 وي�ب�رز ارتباط تط���ور احلرك���ة ال�سلفية-اجلهادي���ة يف موريتانيا مع تطوره���ا يف اجلزائ���ر ،يف �أن كب���ار ق���ادة اجلهادي�ي�ن يف موريتانيا مثل اخل���ادم ولد ال�سم���ان �أحد م�ؤ�س�سي «اجلماعة ال�سلفي���ة للدعوة والقتال يف موريتاني���ا» ،تلقوا تدريبات يف اجلزائر ،حي���ث ت�ستقطب مع�سكرات اجلهاديني اجلزائريني الأكرث خربة ال�شبان من دول اجلوار ،بالتزامن مع تبني القاعدة يف اجلزائر لأجندة �إقليمية تعك�س ت�صورات القاعدة. وقد تبدى الأمر �أي�ض ًا يف تعيني يحيى جوداي (�أبو عمار) من قبل زعيم تنظي���م القاع���دة يف بالد املغ���رب الإ�سالم���ي �أبو م�صعب عب���د الودود (عبد املل���ك دوركال)� ،أمري ًا ملنطقة ال�ساحل وجن���وب ال�صحراء ،بد ًال م���ن خمتار بلمخت���ار (خالد �أبو العبا�س) ،حيث ت�ش�ي�ر التقارير �إىل �أن الأول ،وح�س���ب نظرة عبد الودود �أقدر على تو�سعة ن�شاطات التنظيم يف املنطق���ة ،عدا ع���ن �أن بلمختار رف�ض «مبايع���ة» الزعيم اجلديد ،ويقال �إنه فتح خط تفاو�ضي مع ال�سلطات اجلزائرية لي�ستفيد من العفو الذي �أعلنه الرئي�س اجلزائري عبد العزيز بوتفليقة.
اجلهازان الأمني والق�ضائي يف موريتانيا يعانيان من م�شكالت بنيوية ،ت�ضعف منهما ك�آليتني ملواجهة التي��ار ال�س��لفي-اجلهادي ،كم��ا برز يف ح��وادث هروب من ال�س��جن ،واملواجهات الأمني��ة التي �أودت بحياة مدنيني موق���ع ويكيليك����س �إىل �أن الواليات املتحدة وفرن�س���ا تفاهمتا على الدفع مبوريتاني���ا لتكون «ر�أ�س احلرب���ة» يف مواجهة تنظي���م القاعدة يف بالد املغ���رب الإ�سالم���ي ،وذل���ك يف اجتم���اع ب�ي�ن م�س�ؤولني كبار م���ن قيادة الأركان الأمريكية اخلا�صة ب�أفريقيا «�أفريكوم» وم�س�ؤولني فرن�سيني. ويف ه���ذا ال�سياق ،ف����إن �أنظمة احلكم املتعاقب���ة يف موريتانيا ،منذ عام � 2003س���واء �أجاءت باالنقالب �أم باالنتخ���اب ،انتهجت �أمناط ًا خمتلفة من التعامل مع ال�سلفيني-اجلهاديني ،ولعل ما يجمع بينها على امل�ستوى امل�ؤ�س�س���ي ،ثالثة �أمناط :التعامل الفكري ،والتعامل القانوين ،والتعامل الأمني. هذه الأمن���اط الثالثة ،مل ت�سجل ن�شاط ًا ملحوظ���اً ،فالتعامل الفكري و�إن �أف���رز ح���وار ًا ب�ي�ن ال�سلط���ات وال�سلفيني-اجلهادي�ي�ن ،عل���ى غرار ما ح���دث يف ليبيا وم�ص���ر ،بغي���ة �إي�صالهم �إىل نوع م���ن «املراجعات»، ف����إن نتائج احل���وار مل تكن حا�سم���ة ل�سببني� ،أولهما ارتب���اط ال�سلفية- اجلهادي���ة يف موريتاني���ا بالقاع���دة يف املغ���رب الإ�سالم���ي املوج���ود يف اجلزائ���ر املجاورة والقرارات الأ�سا�سية بي���د قياداتها ،وال�سبب الثاين، �أن منظ���ري ال�سلفيني-اجلهادي�ي�ن املوريتانيني اجلدد فيم���ا يبدو �أنهم خارج موريتانيا. و�أم���ا فيم���ا يتعلق بالتعام���ل الق�ضائي والأمني ،على ح���د �سواء ،ف�إنه يب���دو �أن اجلهازين يعانيان من م�شكالت بنيوية ،ت�ضعف منهما ك�آليتني ملواجه���ة التي���ار ال�سلفي-اجله���ادي ،كم���ا ب���رز يف حوادث ه���روب من
ال�سج���ن ،واملواجه���ات الأمني���ة الت���ي �أودت بحياة مدني�ي�ن .وعلى ذلك ف����إن الر�ؤية الأمريكية والفرن�سية باتت تقوم عل���ى دعم موريتانيا مالي ًا وتدريب قواتها الأمنية. وج���ود القاع���دة �أو التي���ار ال�سلفي- .Vاخلامت��ة اجله���ادي يف موريتانيا يرتبط بوج���وده يف اجلزائر الذي بد�أ ومنذ عام 2009يرتب���ط �أك�ث�ر بتنظي���م القاع���دة الأم يف �أفغان�ست���ان وباك�ست���ان، وبالت���ايل باتت موريتانيا يف القلب م���ن ا�سرتاتيجية القاعدة يف التو�سع الإقليم���ي وفتح جبهات خمتلفة ومالذات �آمن���ة متفرقة .وباملقابل ،ف�إن الوالي���ات املتح���دة ،ومعها فرن�س���ا ،ذات هل ميكن �إعادة التاري���خ الطويل يف املنطق���ة ،ت�سعيان ت�أهيل اجلهاديني؟ لالعتم���اد عل���ى موريتاني���ا ك�ش���كل التايل بقلم :كاثرين �سيفرت من �أ�ش���كال «احل���رب بالنياب���ة» ،من خالل تقدمي الدع���م املادي واللوجي�ستي، والتدريب للأجهزة الأمنية. وب�ي�ن هذا وذاك يزداد العبء على احلكوم���ة املوريتانية ،وخا�صة �أن بيئتها اجلغرافي���ة وظروفها االجتماعية-ال�سيا�سي���ة جاذبة لل�سلفيني- اجلهادي�ي�ن ،كم���ا �أن «القاع���دة يف املغ���رب الإ�سالم���ي» ت�سع���ى �إىل ا�ستخدامه���ا كمالذ �آمن تلج�أ له كلما ا�شتد ال�ضغط عليها يف اجلزائر. وعل���ى ذلك ،ف�إن موريتانيا يتوقع �أن ي���زداد دورها ك�أر�ض لأحد ف�صول ال�صراع بني القاعدة والغرب امل�ستمر واملنت�شر. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
147
املحــور
هل من �سبيل لإعادة ت�أهيل اجلهاديني؟ كاثرين �سيفرت
بينما ي�صبح ُ�صنّاع ال�سيا�سة الأمريكيني قلقني على نحو متزايد ب�ش�أن م�صري من تبق���ى من املحتجزين حالي ًا يف معتقل غوانتانام���و� ،أخذت ما ت�سمى برامج �إعادة ت�أهي���ل اجلهاديني التي ُتق���ام يف اخلارج حتظى باهتمامٍ �أك�ب�ر من ذي قبل .فقد تبنت الكثري من الدول مثل ال�سعودية واليمن و�سنغافورة وكندا وبريطانيا ،برامج ت�سع���ى لت�أهي���ل الإرهابيني الإ�سالميني �أو احلد من تط���رف املزيد من املتعاطفني مع اجلهادي�ي�ن .وحتاول دول خمتلف���ة تكييف براجمها مب���ا يتنا�سب واحتياجات جمتمعاتها ،فالبلدان ذات الأغلبية امل�سلمة تركز على املتطرفني الذين �أخذوا يف االنخ���راط يف ن�شاطات �إرهابية فعلية �أو الأع�ضاء الفاعلني املنتمني �إىل تنظيمات �إ�سالمي���ة ت�شكل تهديد ًا للدولة� .أما املب���ادرات الغربية فرتكز على الأفراد الذين قد ي�سعون لإن�شاء عالقة �صداقة مع اجلماعات املتطرفة عرب الإنرتنت �أو امل�ساجد املحلي���ة ،حي���ث ت�سعى براجمه���ا ملنع حدوث املزي���د من التطرف .ورغ���م التباين الوا�ض���ح بني املنهجيتني ،ف�إن ال�س�ؤال الذي يج���ب على كال اجلانبني الإجابة عنه مف���اده :ه���ل �أثمرت جهودهما� ،أم فق���ط مت �إطالق �سراح املعتقل�ي�ن لين�ضمّوا �إىل جمتمعاتهم الأ�صلية التي تدعي التخل�ص من «ال�سموم» لكن التزامهم باجلهاد ال زال يعم���ل يف اخلفاء؟ �إن �أي �إجابة خاطئة عن هذا ال�س�ؤال ت�شكل تهديد ًا خطري ًا للأمن العاملي واملحلي �أي�ضاً.
الل العنف .. ِظ ُ
ون�شر يف ف�صلية ال�شرق الأو�سط ،The Middle East Quarterlyعدد ربيع ،2010ال�صفحات .30 - 21 ME Archive
148
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
كاثري���ن �سيفرت
طالبة بكلي���ة براين مور ومتدربة يف منتدى ال�شرق الأو�سط .والعنوان الأ�صلي للمق���ال ?Can Jihadis Be Rehabilitated
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
149
املحــور
150
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
واجه����ت احلكوم����ة النم��وذج ال�س��عودي ال�سعودية نوع ًا من ال�شك والريبة من قبل �سُ جنائها عندما بد�أت لأول مرة “مب����ادرة املنا�صح����ة” يف �سجونها ع����ام ،2004لك����ن منذ ذل����ك الوقت ا�ستطاع����ت �إقن����اع املعتقل��ي�ن ب�����أن العلم����اء القائمني على الربنامج هم فع ًال رج����ال دين حمرتم��ي�ن ولي�سوا جم����رد “ ُدم����ى حكومي����ة”(.)17 و ُتع����رف الإ�سرتاتيجي����ة ال�شامل����ة الت����ي تتبعه����ا اململك����ة ب����ـ “الوقاية، و�إع����ادة الت�أهي����ل ،والنقاهة”(.)18 وتت�ضم����ن حما�ضرات تنظمها وزارة التعلي����م وبع�����ض املطبوع����ات الت����ي ت�شجب العن����ف� ،إىل جانب الربامج احلكومية الهادفة �إىل ردع املواطنني م����ن تبنّ����ي الفك����ر املتط����رف .ولكن لي�����س وا�ضح���� ًا بال�ضب����ط كي����ف يتم �إجن����از هذا� ،إذ �أن التف�سري الوهابي للإ�سالم والذي يعم����ل ك�أ�سا�س لكل الداء والدواء� :أعتقد امل�سئولون اليمنيون �أن احلوار وت�صحيح املعتقدات �سيدفع باجلهاديني املعتقلني �إىل نبذ العنف هذه اجلهود ،هو �أحد �أكرث املذاهب ت�ش����دد ًا كما �أنه �أي�ض ًا املذهب الر�سمي يف ال�سعودية .فعلى �سبيل املثال ،ال خليط���� ًا م����ن الو�سائ����ل عُ رفت مبرك����ز الرعاي����ة ،ملوا�صلة عملي����ة الت�أهيل ت�ستطيع احلكومة �شجب اجلهاد بحد ذاته لأنه مفهوم مت�أ�صل يف القر�آن، فيم����ا بعد فرتة ال�سج����ن .ويف ت�شرين الثاين/نوفم��ب�ر )24( 2008و�صفت وبد ًال من ذلك ،يقوم رجال الدين يف املبادرة بو�ضع �شروط يكون اجلهاد كاثري����ن زوبف املركز ب�أنه يحت����وي على م�سابح ومالع����ب للكرة الطائرة مبوجبها م�شروع ًا بد ًال من �إنكاره جملة وتف�صي ًال(.)19 و�ألع����اب “بالي �ستي�ش����ن” وطاوالت التن�����س .وعند و�ص����ول املعتقلني يتم ويق����وم برنام����ج املنا�صح����ة يف ال�سج����ون ال�سعودي����ة الت����ي مت حتديثه����ا �إعطائه����م مالب�����س و�ساع����ات وبع�����ض احلل����وى ملنحه����م بع�����ض الراحة. لتتنا�س����ب م����ع احتياج����ات اجلهاديني املعتقل��ي�ن ،حيث يخ�ض����ع ال�سجناء وتت�ضمن املحا�ض����رات املقدمة تف�سري بع�ض امل�صطلحات مثل “اجلهاد” اجل����دد للمقابلة والفح�����ص النف�سي ويتم تقيي����م معتقداتهم ال�شخ�صية. و”التكفري” ،وذلك بالطريقة التي تتطابق مع تعريف احلكومة ال�سعودية وعلى خالف ال�سجون املعتادة ،يحتوي كل جناح على جهاز تلفزيوين يبث العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
ME Archive
يف عام � 1997أ�صبحت الواق����ع� ،إذ قال“ :نحن نرحب بتلك املراجع����ات لأننا قد دعونا منذ زمن املنهجية امل�صرية «اللينة» م�ص����ر مكان ميالد نهج جديد ملكافحة الإرهاب عندما �سمحت للأع�ضاء طويل لوقف العنف� ...إال �أنها لي�ست مكتملة .فهي ترف�ض العنف لكن دون امل�سجون��ي�ن م����ن اجلماع����ة الإ�سالمية� ،أح����د الف����روع العنيف����ة للإخوان تقدمي �إ�سرتاتيجية جديدة للإ�صالح والتغيري”(.)5 وبرغ����م ما يُقال ع����ن برنامج مكافحة التطرف امل�ص����ري ،و�أنه “الأكرث امل�سلم��ي�ن ،بااللتقاء لإعادة تقييم �أيديولوجيته����م الأ�سا�سية ،على �أمل �أن يتخل����وا عن مبد�أ العنف مثلم����ا فعل التنظيم الأب يف ف��ت�رة ال�سبعينيات� .شم����و ًال من �أي بل����د عربي �آخ����ر”(� ،)6إال �أنه من ال�صع����ب احل�صول على ففي تلك ال�سن����ة� ،أعلن قادة التنظيم امل�سجونني وقف �إطالق النار ،وبعد مع����دالت دقيقة حول انتكا�س املعتقلني �سابق ًا من عنا�صر تلك التنظيمات �سن����وات م����ن ذلك وبعد الت�ش����اور مع علم����اء م�سلمني من جامع����ة الأزهر الإرهابي����ة .ويقول �أحد امل�صادر �إن الربنام����ج مل “يتوا�صل بفعالية”(.)7 �أ�ص����در كبار قادة التنظيم خم�سة وع�شرين جملد ًا حتت عنوان “ت�صحيح ويف ه����ذه الأثناء� ،أطلق����ت احلكومة امل�صرية مئ����ات املعتقلني ممن كانوا ذات مرة حتت قي����ادة مقاتلني رف�ضوا املفاهي����م” تت�ضم����ن ()8 �أ�سلوب العنف . مراجعات لفل�سفتهم(.)1 وتقول ه����ذه املراجعات ،من ال�صعب جد ًا معرفة ما �إذا كانت حوارات ال�سجن وم����ن ال�صعب ج����د ًا معرفة م����ا �إذا عل����ى �سبي����ل املث����ال� ،إن عبارة عن جزء من اجلهود اجلماعية لإظهار تعاون زائف كان����ت ح����وارات ال�سج����ن عب����ارة عن جزء م����ن اجلهود اجلماعي����ة لإظهار الإ�س��ل�ام ال يجي����ز قت����ل و�ضمان �إطالق املعتقلني ب�سرعة �أم �أنها فع ًال �صادقة تعاون زائف و�ضمان �إطالق املعتقلني املدني��ي�ن غ��ي�ر امل�سلمني ��ل�ا �صادق����ة .ومع ب�سرع����ة �أم �أنه����ا فع ً �أو �إرهابه����م ،وتتن����اول املخاطر التي يُ�شكلها تنظي����م القاعدة على امل�سلمني يف �أنحاء العامل( .)2ه����ذا ف�إن هن����اك دو ًال ذات �أغلبية م�سلمة تقتدي مب�ص����ر يف هذا املنحى، و�سُ مِ����ح للجماع����ة �أي�ض ًا ب�إبق����اء قيادتها يف ال�سجن ،على �أم����ل �أنه يُ�ساعد مُ�ستخدِ مة املُوجّ ه��ي�ن ورجال الدين لإقناع الإرهابي��ي�ن املُعتَقلني بالرجوع نب����ذ كبار �أع�ض����اء اجلماعة للعن����ف يف �إقناع الآخرين عل����ى �إتباع طريقة عن فكرهم وحماولة تو�صيل الر�سالة ال�صحيحة. يف مطل����ع ع����ام 2000 �أك��ث�ر و�سطية واعتداالً .ويف ع����ام � 2007سار ق����ادة م�سجونني ينتمون �إىل املح��اوالت اليمني��ة جماعة اجلهاد الإ�سالمي امل�صرية ،وهي جماعة �إ�سالمية �أخرى ت�أ�س�ست ب����د�أ القا�ض����ي حمود الهت����ار بزي����ارة ال�سجن����اء املتطرف��ي�ن يف املعتقالت يف �أواخر ال�سبعينيات ،على خطى عنا�صر اجلماعة الإ�سالمية من خالل اليمني����ة وخو�ض حوارات دينية معه����م( .)9ويف 2002تر�أّ�س جلنة احلوار، �إط��ل�اق ما �سم����وه “الإ�صالح اجلماع����ي” اخلا�ص به����م .وبدعم �سلطات وه����ي املبادرة التي انطلق����ت بقرار رئا�سي ،مع القليل م����ن �إعادة الت�أهيل الأم����ن امل�صري����ة مت ال�سم����اح لقادة جماع����ة اجلهاد الإ�سالم����ي امل�صرية للجهادي��ي�ن املعتقل��ي�ن( .)10ويف ظ����ل وج����ود �أيديولوجي����ة تتم�س����ك به����ا امل�سجون��ي�ن – ومن بينهم م�ؤ�س�س اجلماعة �سيد �إمام ال�شريف (املعروف التنظيم����ات املتطرف����ة� ،أعتقد امل�سئول����ون اليمنيون �أن احل����وار وت�صحيح �أي�ض���� ًا با�س����م الدكت����ور ف�ض����ل) – بعق����د لقاءات م����ع �أع�ض����اء �آخرين يف املعتق����دات �سيدف����ع باملعتقلني �إىل نبذ العنف بعد �إط��ل�اق �سراحهم .وقد ال�سجن .ويف �أيار/مايو � 2007أعلن ال�شريف عن �شجبه للعنف ،مُ�ستخدِ م ًا اخت����ارت اللجنة املُ�ش ّكل����ة للحوار جمموع����ة �صغرية م����ن ال�سجناء ملعرفة ()3 �صفح����ات �صحيفة “ال�شرق الأو�سط” اللندني����ة ال�شهرية .وتفاع ًال مع �آرائهم ب�ش�أن الإ�سالم ،ولتح����دّي ا�ستخدامهم للقر�آن واال�ست�شهاد ب�آياته ذلك ،قامت �سلطات �أمن ال�سجون بف�صل �أولئك الذين رف�ضوا فكرة هذه لتربير جلوئهم �إىل العنف. املب����ادرة اجلديدة ع����ن �أولئك الذين يرغبون يف االقت����داء بال�شريف ونبذ للأ�سف مل يحقق الربنامج النتائج املرجوة منه ،باعرتاف الرئي�س علي العنف(.)4 عب����داهلل �صالح �أن ن�سبة النجاح و�صلت %60فقط( .)11فقد �أطلق اليمن وم����ن خالل عملية ت�شجيع املتطرفني على �إعادة النظر يف �أيديولوجيات خم�سمائة معتقل ،عاد �أكرث املعروفني منهم �إىل ما�ضيهم العنيف ،ما جعل جماعاته����م ،متكّنت ال�سلط����ات امل�صرية من �إقناع بع�����ض قادة اجلماعة اليم����ن واحد ًة من �أهم معاقل جتنيد عنا�ص����ر القاعدة( .)12وتكمن عدم الإ�سالمية وجماعة اجلهاد الإ�سالمي امل�صرية ظاهري ًا على �إعادة النظر فعالي����ة املبادرة اليمنية يف الأ�سلوب املُت�ساهِ ل م����ع املعتقلني ،فقد خ�ضعوا يف ا�سرتاتيجياته����م و�إبعاد �أع�ضائهما عن م�سار العنف .ويف نف�س الوقت ،لعملي����ة الت�أهي����ل مبج����رد التوقيع على وريق����ة متنحهم احلري����ة وتلزمهم رمبا �ساعد ال�سماح للقياديني بالبقاء دون �أن يلحق بهم �أذى ،على �شرعنة مبراجع����ة امل�سئولني عن �إط��ل�اق �سراحهم امل�شروط ب�ش����كل منتظم .لكن ه����ذه اجلماع����ات ور�سائلها التي حت����اول �إي�صالها .لكن م����ع مرور الزمن الع�شرات منهم عادوا لأ�سلوب العنف اجلهادي ومتكنت القوات الأمريكية ضال عن �أن الربنامج بات مو�ضع �سخرية بني ت�شظ����ت تل����ك اجلماع����ات �إىل فئات و�أجنح����ة يرف�ض بع�ضه����ا االعرتاف م����ن �إلقاء القب�ض عليهم؛ ف� ً بالإ�صالح����ات ال�سلميّة .فعلى �سبيل املثال ،تذمّر الع�ضو البارز يف جماعة املعتقل��ي�ن .وقد قال �أحد املعتقل��ي�ن يف مقابلة �أجرته����ا جملة “نيوزويك” الأخ����وان امل�سلمني ع�صام العريان ،والذي �أب����دى تخوفه من �أن مبادرات الأمريكية“ :ب�صراحة� ،أ�صبح (القا�ضي الهتار) جمرد م�سخرة يف �أو�ساط الإ�ص��ل�اح ال تُقدم حل����و ًال للأع�ضاء الذين ينتظ����رون الإ�صالح على �أر�ض املعتقلني”(.)13
و�أ�ضط����ر الربنام����ج للإغ��ل�اق ع����ام ،2005غ��ي�ر �أن ال�سلط����ات اليمنية تتعر�ض الآن لل�ضغط من قبل م�سئويل مكافحة الإرهاب الأمريكيني لبناء من�ش�أة جديدة للمعتقلني العائدين من معتقل غوانتنامو (هناك ما يقارب مائ����ة معتقل ميني من بني ح����وايل 229معتق ًال ما زالوا هناك)( .)14لكن الرئي�����س �صال����ح يرف�ض البدء يف عملي����ة �إن�شاء مرك����ز دون الدعم املايل الأمريكي� ،إذ يقول �إنه قد مت �إعطائه وعد بتقدمي مبلغ �أحدى ع�شر مليون دوالر ًا لبن����اء املرك����ز( .)15وبح�سب �أحد امل�صادر ،فق����د ر�أى ال�سجناء �أن الربنامج الأ�صلي جمرد حماول����ة غري �صادقة لتح�سني �سمعة اليمن كبلدٍ يق�سو عل����ى الإرهابيني فيه .ويُ�ضفي رف�ض الرئي�س �صالح للعمل على بناء املركز نوع ًا من امل�صداقية على �إدعاء �أحد طالب الهتار ال�سابقني ،حيث ق����ال“ :كنا ندرك جميع ًا �أن امل�س�ألة جمرد ابت����زاز للمال من الأمريكيني. لقد كانوا فقط يلعبون معنا”(.)16
حما�ض����رات دينية( ،)20وي�ستطيع الن����زالء مناق�شة الآراء مع العلماء عرب االت�ص����ال الداخل����ي .وتقول ال�سلطات ال�سعودية �إن����ه من عام 2004وحتى 2007مل يع����د �إىل �أعمال التطرف �سوى � %3إىل %5ممن �أطلق �سراحهم امل�ش����روط( ،)21لك����ن من ال�ضروري الإ�ش����ارة �إىل �أن املبادرة ذاتها تعتمد على االختيار الذاتي(� .)22إن الإح�صائيات املوثوقة لي�ست متوفرة ،ويريد ال�سعوديون �إعط����اء �صورة �إيجابية عن �أنف�سه����م ،فهم معر�ضون لالتهام ب�����أن رج����ال الدي����ن عندهم هم من ب��ي�ن الأك��ث�ر تطرف����اً .وامل�شاركون يف الربنامج هم م����ن �أولئك الراغبني يف التخلي ع����ن معتقداتهم ،و�أكرثهم كانوا مجُ ندين ج����دد ًا لن�شاطات جهادية ،وهناك دلي����ل على �أنهم قابلني للت�أث����ر بالإر�ش����اد الذي يقوم ب����ه برنامج املنا�صح����ة مثلما ت�أث����روا �سابق ًا مبدربيه����م املتطرف��ي�ن( .)23ويبدو �أن الكثري م����ن امل�شاركني يف الربنامج لي�س لديهم خلفية دينية كبرية ،وذلك على عك�س القادة املت�شددين ممن �ألق����ي القب�ض عليهم خ����ارج البالد ثم مت ترحيلهم م����ن معتقل غوانتنامو وت�سليمهم �إىل الأيدي ال�سعودية. ويف 2007ات�س����ع نطاق عملية الإر�شاد للإرهابيني يف ال�سعودية ،و�شملت
151
املحــور للإ�س��ل�ام “ال�صحي����ح” (وهو الذي يرى �أن امل�سلم��ي�ن من غري الوهابيني مُبتدع��ي�ن) .والربنام����ج ،عل����ى �سبيل املثال ،ب����د ًال من �أن ُيح����رّم اجلهاد يقوم بتدري�س ال�شروط التي مبوجبها ي�صبح اجلهاد مقبو ًال (�أي مبوافقة احلكوم����ة ال�سعودي����ة و�أحد الوالدي����ن) .ويتم ت�شجيع �أف����راد الأ�سرة على زي����ارة املن�ش�أة بحيث يتعهد ك ٌّل من املعتق����ل وذويه بنبذ العنف قبل �إخالء �سبيل ال�سجني. وعند اخلروج م����ن الربنامج يمُ نَح املتخرج ب�ضع����ة �آالف من الدوالرات و�سي����ارة و�أحيان ًا مبلغ���� ًا �إ�ضافي ًا لل����زواج( .)25كما يتم ت�شجي����ع من �شُ في يق�صوا حكاياتهم م����ن املتخرجني على مع����اودة زيارة مركز العناية لك����ي ّ للمُ�سجّ ل��ي�ن يف الربنامج بغر�����ض تعليمهم .و�إذا ع����اد املُعتَق من الربنامج ب�ش����روط �إىل �أعم����ال العنف فقد تتعر�����ض الأ�سرة ب�أكمله����ا للعقاب(.)26 وعندما ظهر املُتخرِّجان من الربنامج حممد العويف و�سعيد ال�شهري على �أحد �أ�شرطة الفيديو التابعة للقاعدة يف كانون الثاين/يناير ،2009قامت �أ�سرهما ب�إ�صدار بيان للت��ب�ر�ؤ منهما باعتبارهما “منحرفني عن املجتمع وال �سبيل �إىل تقوميهما”( .)27ويف �شريط الفيديو �أ�شار العويف بالتحديد
يع�ض����ا اليد التي امتدت النت�شالهما .هذا دليل على �أنهما لي�سا �أه ًال للثقة و�أنهما ال ي�ستحقان هذه املعاملة الكرمية والنبيلة”(.)29 وقد ادعى برنامج مركز الرعاية يف البداية �أن معدل انتكا�س امل�شاركني منخف�����ض ،ويف مطل����ع ع����ام � 2009أ�ص����در ال�سعوديون قائم����ة حتتوي على ا�س����م خم�سة وثمانني م�شتبه ًا ب����ه(� ،)30أحد ع�شر �شخ�ص ًا منهم كانوا من خريج����ي مبادرة التنا�صح .وم����ا زال امل�سئولون ال�سعودي����ون مقتنعني ب�أن برناجمهم يعمل بنجاح ،و�أن معدل انتكا�س امل�شاركني يرتاوح ما بني %10 �إىل )31(،%20وهو املعدل الذي يدعي البع�ض �أنه مرتفع �إىل حد ما نظر ًا الرتف����اع ن�سبة املتطرف��ي�ن املت�شددين العائدين مبا�ش����رة من معتقل خليج غوانتنام����و ،وكذلك بت�ضم��ي�ن �أولئك الذين ف�شل����وا �أو رف�ضوا امل�شاركة يف الربنامج وبق����وا محُ تجَ زين .ويعترب معدل االنتكا�س ه����ذا �ضئيل جد ًا �إذا م����ا نظرنا لل����دور الأ�سا�سي الذي يلعبه املتطرف����ون ال�سعوديون يف اجلهاد العامل����ي لوال �أنه لي�����س من الوا�ضح كي����ف �سيتمكّن خريج����و الربنامج من الوف����اء بالتزامهم بالو�سطية واالعتدال وه����م يعي�شون يف �أو�ساط املجتمع ال�سع����ودي الوهابي ،املجتم����ع املت�ساهل علن ًا مع التط����رف �إذا كان �سيوقع الأذى بالغرب. ورغم هذا فقد �أثنت وزارتي الدفاع والعدل الأمريكيتني يف كانون الثاين/ يناي����ر 2009عل����ى مرك����ز الرعاية وما يبذل����ه من جه����ود ل����ردع املعتقلني عن التطرف( .)32ولي�س وا�ضح ًا ما الذي يقف وراء هذا املديح العلني ،وما يثري التخم��ي�ن �أن �إدارة اوباما كانت ت�سعى وراء �إيج����اد طريق����ة �سريع����ة للوف����اء بوعده����ا ب�إخ��ل�اء معتق����ل غوانتنام����و بحلول كانون الثاين/يناير .2010
الربامج الأمريكية يف العراق
ME Archive
ُي�ص����ر اجلي�����ش الأمريك����ي عل����ى �أن الربام����ج الت����ي طوّرها �أثم����رت نتائج �إيجابي����ة( .)33ويف البداي����ة �أعرتف «برنامج رعاية» :مت حتديث ال�سجون ال�سعودية لتتنا�سب مع احتياجات اجلهاديني املعتقلني امل�سئول����ون الع�سكري����ون الأمريكيون �أن مراك����ز االعتق����ال الت����ي �أداروها كان����ت تُفرّخ متطرف��ي�ن ،حيث عمل الإرهابيون املعتقل����ون كعوامل لتحفيز �إىل الربنامج ،حم����ذر ًا من املحاوالت ال�سعودية لتقومي املتطرفني ،قائالً: مجُ نّدي����ن جدد ،وكان����وا يحولون املعتقل��ي�ن املعتدلني �سابق���� ًا �إىل عنا�صر “�إنن����ا ُنح����ذِّ ر �إخوانن����ا ال�سجناء (العائدي����ن من غوانتنام����و) من برنامج متطرف����ة .وتال ه����ذا االكت�شاف وب�سرع����ة تطوير برنامج لإع����ادة الت�أهيل العناي����ة هذا ...فق����د مت ا�ستغاللنا ...وحاولوا �إبعادنا عن الإ�سالم ،لكن مُ�ستَله���� ٌم من النم����وذج ال�سعودي ،ونافحت وحدة ق����وة املهام – 134وهي احلم����د هلل �أنن����ا ا�ستطعنا �أن نفلت منه����م”( .)28ويف املقابل� ،أعرب �أحد الوحدة امل�سئولة عن الإ�شراف على عمليات االعتقال التي تقوم بها قوات العائدي����ن م����ن غوانتنامو عن احتقاره مل����ا يفعله الع����ويف وال�شهري ،حيث االئتالف -عن طريقة جديدة تهدف �إىل دمج املعتقل �ضمن �إ�سرتاتيجية قال“ :لقد ن�سيا جهود الدولة املبذولة لإطالق �سراحهما .كان ينبغي لهما �أمريكية �أو�سع ملكافحة التمرد .وتعتمد اخلطة على التكتيكات التي تهدف تق����دمي ال�شكر والعرفان للدولة على الثقة الت����ي �أولتها �إياهما بد ًال من �أن �إىل ف�ص����ل املتطرفني عن بع�ضهم ،وتتعهّد املعتدلني وت�ساعدهم ،وت�ضمن
152
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
توفر رعاية وعناية من الدرجة الأوىل لكل معتقل .كما يخ�ضع كل معتقل جديد لعملي����ة تدقيق كامل خللفيت����ه ،ويقوم متخ�ص�صون مراقبة املُطلَق �س��راحهم ب�شروط وكذلك �أن�شطة االنرتنت نف�ساني����ون بتحليل التعليم واملهارات والدوافع والتدين املفرط ،ما عوام��ل م�س��اعدة لتحدي��د م�س��توى جن��اح برام��ج �إع��ادة يمُ كِّن ال�سلطات من عزل النزالء عن ا (.)34ملُجنِّدين الذين يبحثون عن الت�أهي��ل ،ولكن الطريقة الرئي�س��ية لقيا���س عدد املعتقلني �سجناء لتحري�ضهم على التطرف وتق����وم وحدة ق����وة امله����ام ،134الت����ي ُت�ش����رِ ف عل����ى ُمعَ�سكَرينِ اخلريج�ين الذي��ن ال زالوا متطرفني ومدمن�ين على العنف للمعتقل��ي�ن ،بتقدمي ما هو �أكرث من احل����وارات الدينية التي تعتمد هي عودتهم للعنف عليه����ا برامج �إعادة الت�أهيل الأخ����رى .فبالإ�ضافة �إىل املناق�شات الديني �إىل معاجلة امل�شكلة من جذورها .وكما �أو�ضح �أحد �ضباط الأمن، الديني����ة التي يُجريها �أئمة عراقيون حتققت الواليات املتحدة من ما�ضيه����م ،يتم تعلي����م ال�شعب العراق����ي القراءة والكتابة (تب��ّي نّ �أن %64ف�إن����ه “عندما ت�أخذ اليمني وحتلف ب����اهلل ،ف�إن الأمر يتطلب �شخ�ص ًا �آخر منه����م كان����وا �أُمي��ي�ن)( ،)35وذلك لي�ستطيع����وا قراءة الن�صو�����ص الدينية من ال�صاحلني لإبطاله (�أي اليمني)”(.)42 ويعق����د املر�شدون جل�سات م����ن �شخ�صني فقط مع النزالء (واحد مقابل ب�أنف�سه����م لأول مرة دون م�ساعدة �أح����د( .)36كما يدر�سون منهج ًا تعليمي ًا يحتوي على مادتي اللغة الإجنليزي����ة والريا�ضيات ومواد �أ�سا�سية �أخرى .واح����د) لدح�ض حججهم الأيديولوجية املتطرف����ة ،ويقومون مبقابلة �أ�سر كذلك تعترب برامج العمل من �أهم مقومات برنامج وحدة قوة املهام ،134املعتقل��ي�ن للت�أك����د م����ن �أن “عدوى” التط����رف مل تنتقل بع����د �إىل ذويهم. حيث يتدرّب العراقيون يف عدة حقول مهنية مثل النجارة والبناء واللحام وتق����دم احلكوم����ة الدعم امل����ايل للأ�س����ر ،و ُت�ؤمِّ ن وظائ����ف للمعتقلني عند الإف����راج عنهم ،وت�ش��ت�رط موا�صلة تق����دمي الن�صح بعد الإف����راج .وقد مت و�صناعة الغزل والن�سيج. وبح�سب احلكومة الأمريكية ،فق����د �أثبتت هذه املبادرة التوعوية جناح ًا ت�أهي����ل و�إطالق �س����راح �أربعني �إرهابي���� ًا (�أي ثلثي املعتقل��ي�ن منذ ،)2001 كبرياً،؛ فهناك من الأهايل العراقيني من طالب بت�سجيل �أبنائهم (الذين وابت����دا ًء من �أيار/مايو 2009ال يب����دو �أن �أحد ًا عاد لأعمال التطرف(.)43 مل ي�سب����ق اعتقاله����م) يف الربنام����ج( ،)37بينما بقي بع�����ض املعتقلني بعد �أما الثلث الباقي ،الذين لي�سوا جاهزين لالندماج يف املجتمع ،فما يزالون انته����اء فرتة ال�سج����ن لإنهاء درا�سته����م يف الربنامج .وخ��ل�ال الفرتة بني يف الربنامج .و�إذا �صدقت هذه الأرقام ف�إن مقاربة �سنغافورة تعترب فعالة كان����ون الثاين/يناير و�أيلول�/سبتم��ب�ر � 2008أُلقي القب�ض مرة �أخرى على ن�سبي����اً .وبح�سب م����ا قاله ويليام دوب�س����ون ،مدير التحري����ر ال�سابق ملجلة م����ا يقارب مائة معتق����ل من �أ�صل خم�س����ة ع�شر �ألف �أطل����ق �سراحهم من “فورِن بولي�سي” (ال�سيا�سة اخلارجية) ،ف�إنه “ال يُطلق �سراح املعتقل يف برنامج “مكافحة اجلهاد الأمريك����ي” (كما ي�سميه بع�ض اجلنود)(� .)38سنغافورة حتى يوق����ع امل�سئول عن ق�ضيته والأخ�صائي النف�ساين واملر�شد وق����د �أ�شار اللواء دوغال�س �ستون ،امل�سئول ال�سابق عن املُع�سكَرين� ،إىل �أن الدين����ي .وحتى بعد ذلك يرجع القرار �إىل جمل�س الوزراء لإقراره”(.)44 مع����دل االنتكا�س بني املعتقلني املُفرج عنهم من الربنامج مبكر ًا و�صل �إىل وع��ل�اوة على هذا ،تعطي قوان��ي�ن اخل�صو�صية يف �سنغاف����ورة حرية �أكرب حوايل ،%15 – 10لكنه قال يف �آذار/مار�س � 2009إن هذا املعدل انخف�ض ملراقبة الأفراد وت�ساعد احلكومة على مراقبة من مت �إطالق �سراحهم. ()39 على �إىل ح����وايل ، %1وه����ي ن�سبة انخفا�ض كب��ي�رة ،يجب -رمبا -النظر الأ�سلوب الربيطاين« :درهم وقاية» �إليها ب�شك. عك�����س الربامج التي تق����ام يف البلدان ذات الأغلبي����ة امل�سلمة و�سنغافورة، �إن ق�ضي����ة �إط��ل�اق منهجي��ة �س��نغافورة �س����راح املعتقل��ي�ن املتطرفني للعي�����ش يف �أو�ساط جمتمعات فيه����ا �أقلية من امل�سلم��ي�ن ت�ش����كل جمموع����ة منف�صل����ة من امل�ش����كالت .فبع����د االعتقاالت 2002/2001الت����ي طالت �أكرث من ثالثني ع�ضو ًا من �أع�ضاء فرع اجلماعة الإ�سالمية املتطرفة يف جنوب �شرق �آ�سيا ،كانوا يخططون لتنفيذ هجمات �إرهابية يف �سنغافورة( ،)40قام����ت احلكومة هناك بت�أ�سي�س فريق لإعادة الت�أهي����ل الديني بهدف ردع الإرهابيني عن نهج التطرف( .)41ونظر ًا لأن امل�سلمني ي�شكل����ون %16من ال�شعب ال�سنغاف����وري ،فقد اختارت احلكومة خي����ار التعامل بحذر مع عملية ت�أهيل املعتقلني ،وذلك من خالل ت�صحيح معتقداته����م بد ًال من اتخ����اذ �إجراءات قا�سية بح ّقه����م .وهناك ما يقارب �أربعني عامل ًا ومر�شد ًا ديني ًا مخُ �ص�صني لإبطال “برجمة” املعتقلني ،فمن خالل التعامل مع اجلهاديني من منطلق ديني ي�سعى فريق �إعادة الت�أهيل
�أو اجله����ود الأمريكية يف العراق ،ف�إن برنامج “تطهري ال�سموم” الذي مت تطوي����ره يف بريطانيا العظمى يعتمد عل����ى اتخاذ الإجراءات الوقائية قبل �أن يلج�����أ الأفراد املُعرّ�ض��ي�ن كثري ًا خلطر التط����رف �إىل ممار�سة العنف. لكن حتدي����د ن�سبة جناح هذا الربنامج �أ�صعب من غريه ،لأنه لي�س هناك طريقة وا�ضح����ة لقيا�س ما �إذا كان ال�شخ�ص املتعاطف مع اجلهاديني قد تخطى فع ًال عتبة بوابة الدخول يف دائرة الإرهاب. ب����د�أ برنام����ج “م�ش����روع القن����اة” ،The Channel Projectوهي مبادرة �إجنليزي����ة طُ ����وِّرت عام 2007حت����ت �إدارة رابطة م����دراء ال�شرطة ،بد�أ يف “المبث” (منطقة يف لندن) و”النك�شاير” وتو�سّ ع الربنامج لي�شمل �أحد ع�ش����ر (وقريب ًا خم�سة ع�ش����ر) موقع ًا يف �أرجاء اململك����ة املتحدة .وبح�سب وزارة الداخلي����ة الربيطانية( ،)45فق����د مت حتويل �أكرث من مائتي �شخ�ص ًا (م����ا بني �سن 50 - 13عام����اً) �إىل الربنامج ،الذي يُقال �إنه ي�شمل �ضباط العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
153
املحــور اجلماع����ات العلمانية مثل “احتاد حماربة الألع����اب الريا�ضية القا�سية” (الذي يناه�ض �صيد الثعالب).
154
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
�إن ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه بقوة اخلامتة �أمام احلكومة الأمريكية ،هو :يف حال �إغالق معتقل غوانتنامو� ،أين يجب �إر�سال املعتقلني؟ وهل �سيتم كبح الرغبة يف الرجوع �إىل �أعمال العنف عن طريق التنا�صح الأيديولوجي؟ ويف ح��ي�ن يبدو �أن برامج ردع التطرف تُ�سهِّ����ل على اجلهاديني املعتقلني الع����ودة �إىل املجتم����ع� ،إال �أن ال�سجن����اء ال�سابق��ي�ن رمب����ا ال يزال����ون يكنون التعاط����ف الأيديولوج����ي للجماع����ات الإرهابية ،وبالتايل ق����د يعودون �إىل �سلوك التطرف ال����ذي تبنّوه من قبل� .إن الربنامج ال�سعودي ،الذي حظي �سابق���� ًا بثناء �صناع ال�سيا�سة ،تعرّ�ض م�ؤخر ًا لنريان النقد الالذع ،خا�ص ًة و�أن �سعي����د ال�شهري “خريج” الربنامج ال�سعودي و�أحد النزالء ال�سابقني يف معتقل غوانتنامو هو نائب زعيم القاعدة يف اليمن وله عالقة مبحاولة تفجري الطائرة املتجهة �إىل مدينة ديرتويت ليلة عيد امليالد(.)62 وحت����ى ل����و فر�ضن����ا �أن الربنام����ج ال�سعودي حقق جناح ًا ال غبار عليه، ف��ل�ا ن�ستطي����ع الق����ول �إن كل ال����دول قادرة على توفري الدعم الالزم لقيام مب����ادرات مكثفة مثل تل����ك التي قام بها برنام����ج “النقاه����ة” ال�سعودي. �أ�ض����ف �إىل هذا ،هن����اك ق�ضية عدم معرف����ة طبيع����ة التعالي����م الإ�سالمية التي من املمك����ن �أن يتبعها ال�سجناء املطلق �سراحهم ومدى ت�أثري ذلك يف الأمن العامل����ي .فالنموذج ال�سعودي، على �سبي����ل املثال ،مبني على منظور �سلف����ي ل����ه ر�ؤيت����ه ال�ضيق����ة جتاه من الذي يعترب كافر ًا ومن الذي ال يعترب ����ك ،وكي����ف ينبغ����ي معامل����ة مثل كذل ً ه�ؤالء “الف�سقة”. وقد تكون الربام����ج يف الدول ذات وماذا بعد؟ :الأرقام التي تقدمها احلكومات حول معدل االنتكا�س لي�ست معياراً دقيقاً ملدى جناح جهود ردع التطرف الأقلي����ة امل�سلم����ة م�صدر ق����وة فعلية تبن����ي “اجلهاد اللني” من خالل االنخراط يف دعاوى ق�ضائية تافهة �ضد للجه����ود املبذول����ة ملكافح����ة التط����رف الداخل����ي ،حيث ال يج����د خريجيها خ�صومه����م ،مُغلِق��ي�ن بذلك منابر احل����وار والنقد احل����ر ومثريين قوانني ضال عن العمل من �أجل فر�ض ال�شريعة الإ�سالمية يف نف�س الإغراء للع����ودة �إىل �أعمال العنف �أو حتى منا�صرتها مثلما هو عليه خط����ب الكراهية ،ف� ً احل����ال يف الدول ذات الأغلبية امل�سلمة .ومع ذلك ،تظل ال�ضغوط موجودة �أو�ساط ال�شعوب الغربي����ة .ومبهاجمة امل�شكلة من املنظورين الأيديولوجي طامل����ا و�أن امل�ؤ�س�سات العمومية امل�سلمة يف هذه البلدان تت�أرجح بني رف�ض واملجتمع����ي معاً ،ف�إن هذه الربامج ق����د تكون م�صدر عون جلهود مكافحة الأيديولوجيات اجلهادية والتعاطف مع �أهدافها طويلة املدى. الإره����اب .لك����ن الأكيد �أن الزمن وح����ده كفيل ب�إخبارنا ع����ن مدى فعالية وال تعترب الأرقام التي تقدمها احلكومات حول معدل االنتكا�س والوعود برام����ج �إعادة الت�أهيل ،لهذا ينبغي �إف�ساح املجال لبع�ض التحفظ �إزاء �أي املُوقّعة معايري ًا دقيقة ملدى جن����اح جهود ردع التطرف .ومعدالت النجاح برنامج قبل �إيداع الثقة فيه كعالج ناجع للتطرّف. التي ن�شرتها بع�ض ال�سلط����ات ال تغطي �سوى فرتة زمنية ق�صرية ،وبذلك العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
ME Archive
�شرطة يعملون �إىل جانب �أع�ضاء من اجلاليات امل�سلمة ليتعرفوا على من قد يكون عر�ضة لتعاليم املتطرف��ي�ن الإ�سالميني( .)46وقد لفت الربنامج اهتمام عامة النا�س عندما �شرح �أحد املراهقني علن ًا كل التفا�صيل ب�ش�أن عل����ى اجله����ة كيفي����ة �إعداده للجهاد يف �أح����د امل�ساجد بجنوب لن����دن( .)47لكن ال�شاب اجله��ود الكندي��ة الأخرى للمحيط الأطل�س����ي ،قدّم ال�شيخ �سيد �أحمد �أمري الدين يف كانون تلق����ى جل�س����ات �إعادة ت�أهيل م����ع خم�سة و�أربع��ي�ن �شاب ًا �آخري����ن يف مركز الأول/دي�سم��ب�ر 2008برناجم���� ًا لإع����ادة الت�أهي����ل مكوّن م����ن اثنتي ع�شر تعليمي مال�صق لنف�س امل�سجد الذي جُ نِّد فيه للجهاد. خطوة ،لأفراد اجلاليات الكندية امل�سلمة املختلفة و�شرطة اخليالة امللكية ويق����ول امل�سئول����ون ع����ن الربنامج �إن����ه مُ�صمّم لي�����س ملعاجلة م����ا تلقنه الكندي����ة .ويعترب �أمري الدين -رجل الدين ال�ص����ويف -من �أ�شد مُنتقدي ال�شباب عن الإ�سالم فح�سب بل ي�شمل �أن�شطة تهدف �إىل حماربة ال�شعور التف�س��ي�رات الوهابية للن�صو�ص القر�آنية وامل�ست����وردة من ال�سعودية ،وقد “بالنف����ور م����ن الأ�سرة �أو تعرّ�����ض ه����و �أي�ض���� ًا للنق����د م����ن قب����ل املجتم����ع املحل����ي”(،)48 الزمن وحده كفيل ب�إخبارنا عن مدى فعالية برامج �إعادة مواطني����ه بو�صف����ه خائ����ن للم�سلمني رغم وج����ود �أدل����ة كثرية الكندي��ي�ن( .)56وي�ؤك����د امل�شروع على عل����ى �أن جهاديي اململكة الت�أهيل ،لهذا ينبغي �إف�ساح املجال لبع�ض التحفظ �إزاء �أي �أهمية ال�س��ل�ام والت�سامح يف �أو�ساط املتح����دة الفعلي��ي�ن �أو برنامج قبل �إيداع الثقة فيه كعالج ناجع للتطرّف جمتم����ع علم����اين مث����ل كن����دا ،وعلى املتوق����ع جتنيده����م يف التنا�ص����ح �ض����د “النم����ط العقائ����دي امل�ستقب����ل اندجم����وا يف ال�ضي����ق”( .)57وق����د مت تبني اخلطة ()49 املجتم����ع الربيطاين .وهناك خماوف تُثار حول نوعية املعلمني الذين م����ن ِقبَل حممد �شي����خ� ،إمام م�سجد الن����ور يف تورنتو ،وال����ذي حتدث عن اختارتهم ال�سلطات الربيطانية لردع املعتقلني عن انتهاج �سبيل التطرف. املتطرفني امل�سلمني ،قائالً“ :يتقوقع تفكري مُدمني الكحول يف �إطار منط فط����ارق رم�ضان عل����ى �سبيل املثال ،والذي ت�شوب الإف����ادة ب�أنه “معتدل” تفك��ي�ر مع��ي�ن يجعلهم يعتمدون عل����ى الكحول .وذات ال�ش����يء ينطبق على الكث��ي�ر م����ن ال�شوائ����ب( ،)50ا�ستخدم من قب����ل احلكومة بع����د تفجريات املتطرف��ي�ن الذين ال ي�ستطيعون التفك��ي�ر فيما يدور حولهم من �أحداث �إال 7متوز/يولي����و يف لن����دن ،ليج����ادل �ض����د الإرهاب �أم����ام م�سلم����ي اململكة من زاوية واحدة”(.)58 املتحدة(.)51 وق����د ا�ستخ����دم �شي����خ والكن����دي روب����رت هِ ف����ت ال����ذي اعتن����ق الإ�سالم ورغم وجود املزاعم القائلة �إنه منذ حزيران/يونيو 2009مل يُرتكب جرم ا�سرتاتيجي����ات �أم��ي�ر الدي����ن يف برناجمهم����ا امل�سم����ى “برنام����ج التدخل من قبل �أي من الأفراد الذين �أحيلوا �إىل برنامج القناة( ،)52ف�إنه بالكاد املتخ�ص�����ص الجتثاث التط����رف” ،وذلك للت�أكيد على قب����ول التعاي�ش بني يوج����د وق����ت كايف لتقييم مدى جن����اح الربنامج ب�ص����ورة دقيقة� .أكرث من املعتق����دات و�إظهار خط�أ تعالي����م تنظيم القاعدة من منظ����ور ديني(.)59 هذا ،فقد �صدر تقرير م�ؤخر ًا عن رف�ض الكثري من امل�سلمني الربيطانيني وته����دف اخلطوات التي يت�ضمنه����ا برنامج هِ فت �إىل ت�شجي����ع مبد�أ تفهم املعتقل��ي�ن امل�شارك����ة يف جل�سات �إع����ادة الت�أهيل �أو ال����دورات التي تنظمها الديانات الأخرى ،وتو�ضيح كيف ي�سيء املتطرفون فهم وتف�سري الأحداث املحكمة املُكرّ�سة لتقييم املواقف الفكري����ة والتغريات ال�سلوكية للمعتقلني يف التاري����خ الإ�سالم����ي بغر�����ض الرتوي����ج لأجندته����م اخلا�ص����ة .ومن بني و�ضح �أحد ال�سجناء ف�����إن “هناك مفهوم ًا ثابت ًا وم����دى ت�أثرهم بها ،وكما ّ اخلط����وات الت����ي يت�ضمنها الربنام����ج “ا�ستخ����دام الآي����ات القر�آنية التي يف ال�شريع����ة يق�ض����ي ب�أنه ال يجوز للم�سلم اخلو�����ض يف احلرام ،وبالت�أكيد تتحدث ع����ن ال�سالم وال�سلوك احل�سن” ،وتعلي����م خ�صال الر�سول حممد ال ينبغ����ي �إع��ل�ان الأخط����اء املا�ضي����ة للأق����ران”( .)53ويف نف�����س الوقت، من “رحمة ودماثة وتوا�ضع وحكمة و�صرب” ،وكذلك “ا�ستخدام الأحاديث تق����ول بع�ض التقارير �إن امل�سلمني يف ال�سج����ون الربيطانية يقومون ب�إقناع النبوي����ة التي حتث عل����ى الأخالق وقيم التهذيب الأخ����رى” ،والبحث عن الآخرين بتغيري دياناتهم ويتحكمون يف �أمور �إجرامية متعددة(.)54 ق�ص�����ص من التاريخ لفهم “املحيط والعوامل الأ�سا�سية ،التي قد ال تكون ورغ����م الفعالي����ة غري الأكي����دة مل�شروع القن����اة لكن وح����دة ردع التطرف دائم���� ًا لتمجيد اهلل” ،وكذلك ا�ستك�شاف “م����دى الرتابط بني اليهودية العني����ف اال�سكتلندية قررت تطوير منطه����ا اخلا�ص للربنامج .وبالإ�ضافة وامل�سيحية والإ�سالم”(.)60 �إىل امل�سلمني املتطرفني� ،سي�ستهدف الربنامج من يتم “ا�ستدراجهم �إىل وي�أم����ل هِ ف����ت و�شي����خ �أن يتم حتوي����ل عنا�ص����ر جمموعة “تورنت����و ،”18 �أ�ش����كال العنف ال�سيا�س����ي الأخرى ،مثل املتع�صبني للقومي����ة اال�سكتلندية اجلماع����ة الإرهابي����ة التي خطط����ت ل�شن هجمات تفجري مل����دة ثالثة �أيام وح����ركات حق����وق احلي����وان”( .)55وي�أم����ل منظم����و امل�ش����روع �أن ي�ساه����م يف كن����دا(� ،)61إىل الربنامج حال �إطالق �سراحهم م����ن ال�سجن .ويتمنيا عنا�ص����ر املجتمعات املحلي����ة كاملدر�سني والأهايل يف حتوي����ل امل�شتبه بهم �أن يع����اد دم����ج ه�����ؤالء اجلهاديني يف املجتم����ع الكندي .وم����ع �أن الربنامج �إىل الربنامج “للتدخل” .لكن لي�س وا�ضح ًا ما مدى النجاح املكتوب لهذا يحظ����ى بتغطية �إعالمي����ة من عدد م����ن ال�صحف الكندي����ة �إال �أنه مل يتم الربنام����ج ،كونه يجم����ع الفئات القابل����ة للت�أثر بال�شخ�صي����ات الدينية مع ن�ش����ر معلومات عن مع����دل االنتكا�����س (�إىل الإرهاب والتط����رف) ،وذلك
لأن الربنام����ج حتى الآن مل يُخّ رج ر�سمي ًا �أي ًا من امل�شاركني ،وهو ما يجعل تقييم فعالية الربنامج �أمر ًا م�ستحيالً.
فه����ي تقريب ًا ال معنى له����ا .وقد تكون الأرقام الدقيق����ة التي جمعت خالل ف��ت�رة زمنية �أط����ول ،يف النهاية ،معي����ار ًا �أ�صدق لقيا�س م����دى االجناز �أو الف�ش����ل ،لكن يف ظل ع����دم وجود طريقة ملقارنة �سلوك م����ن خ�ضعوا لهذه الربامج ب�سلوك مم����ن مل يخ�ضعوا لها ف�إن تقييم معدالت النجاح ي�صبح غري مقنعاً. وتعت��ب�ر مراقب����ة اجلمعيات للمُط َل����ق �سراحهم ب�ش����روط وكذلك �أن�شطة االنرتنت �إىل حد ما عوامل م�ساعدة لتحديد م�ستوى جناح هذه الربامج، ولك����ن يف نهاي����ة املطاف ف�����إن الطريق����ة الرئي�سية لقيا�س ع����دد املعتقلني اخلريج��ي�ن الذي����ن ال زالوا متطرف��ي�ن ومدمنني على العن����ف هي عودتهم للعن����ف .وبينما ت�شري البيانات املحدودة �إىل �أن الأغلبية مل يعودوا لذلك، ف�إن����ه من املمك����ن �أن البع�ض ما زالوا يوا�صلون دع����م احلركات اجلهادية املتطرف����ة بطرق غري عنيف����ة ولكن فعالة� ،إذ �أن جماع����ات -كالقاعدة - �ستظ����ل بحاج����ة �إىل مجُ نّدين ج����دد وجامعي تربعات حت����ى حتافظ على �إدارة عملياته����ا .ويف احلني ذاته ،قد ي�سعى املُطلَق �سراحهم ب�شروط �إىل
155
جيوبوليتيك
الهوامـــ�ش (� )1صحيفة “�سرتيت تاميز” ال�سنغافورية� 3 ،آب�/أغ�سط�س .2009 ( )2موقع �إ�سالم �أونالين 9 ،متوز/يوليو .2007 ( )3لورن�س رايت« ،التمرد من الداخل» ،جملة “نيويوركر” 2 ،حزيران/يونيو .2008 ( )4نيك���ول �شرتاك���ه« ،ال�سج���ون العربية� :أماك���ن للحوار والإ�ص�ل�اح» ،جملة “بري�سبِكتيف�س �أون تريورزم” ،العدد .2007 ،4 ( )5رايت« ،التمرد من الداخل». (� )6صحيفة “اجلارديان” اللندنية 27 ،متوز/يوليو .2007 (� )7صحيفة “�سرتيت تاميز” ال�سنغافورية� 3 ،آب�/أغ�سط�س .2009 ( )8هويل فليت�شر« ،اجلماعة الإ�سالمية» ،جمل�س العالقات اخلارجية، � 30أيار/مايو .2008 ( )9كيفن بريينو�« ،إعادة ت�أهيل �أبو جندل» ،جملة “نيوزويك” الأمريكية، � 29أيار/مايو .2009 (� )10صحيف���ة “مين تاميز” اليمنية� 12 ،آب�/أغ�سط�س 2009؛ غريغوري دي. جون�س���ن« ،ال���دور اليمني الفاتر يف احلرب على الإره���اب» ،تريوريزم مونيتور (مراقب الإرهاب) ،م�ؤ�س�سة جيم�ستاون� 23 ،شباط/فرباير .2006 ( )11بريينو�« ،إعادة ت�أهيل �أبو جندل». (� )12صحيفة “مين تاميز”� 12 ،آب�/أغ�سط�س .2009 ( )13بريينو�« ،إعادة ت�أهيل �أبو جندل». ( )14جملة “التامي” الأمريكية 7 ،كانون الثاين/يناير .2010 ( )15بريينو�« ،إعادة ت�أهيل �أبو جندل». ( )16امل�صدر ال�سابق نف�سه. ( )17لورن�س �إي .كالين« ،تغيري ال�سلوك اجلهادي :النموذج ال�سعودي» ،جملة احلروب ال�صغرية 10 ،ني�سان�/أبريل .2009 ( )18كري�ستوفر بوت�شيك« ،الإ�سرتاتيجية ال�سعودية اللينة يف حماربة الإرهاب: الوقاي���ة والت�أهيل والنقاهة»� ،أوراق كارنيغي ،م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم العاملي، �أيلول�/سبتمرب .2008 (� )19صحيفة “نيويورك تاميز” 7 ،ت�شرين الثاين/نوفمرب .2008 (� )20شرياز ماهر« ،عيادة بيتي فورد للجهاديني»� ،صحيفة “�صنداي تاميز” اللندنية 6 ،متوز/يوليو .2008 (� )21شرتاكه« ،ال�سجون العربية� :أماكن للحوار والإ�صالح». ( )22كالين« ،تغيري ال�سلوك اجلهادي :النموذج ال�سعودي». ( )23امل�صدر ال�سابق. (� )24صحيفة “نيويورك تاميز” 7 ،ت�شرين الثاين/نوفمرب .2008 ( )25امل�صدر ال�سابق نف�سه. ( )26بريينو�« ،إعادة ت�أهيل �أبو جندل». (� )27صحيفة “�سعودي جازيت” 29 ،كانون الثاين/يناير ،2009مت احل�صول عليها يف 11ت�شرين الأول�/أكتوبر .2009 ( )28كيلي مكيفري« ،حاولوا �إجبار حممد العويف للذهاب �إىل مركز الت�أهيل»، موقع ،freedetainees.orgمت الدخول �إليه يف � 3شباط/فرباير .2010 (� )29صحيف���ة “�سعودي جازت” 29 ،كانون الثاين/يناير ،2009مت احل�صول عليها يف 11ت�شرين الأول�/أكتوبر .2009 (� )30صحيفة “نيويورك تاميز”� 3 ،شباط/فرباير .2009 ( )31بوت�شيك« ،الإ�سرتاتيجية ال�سعودية اللينة يف حماربة الإرهاب :الوقاية 156
ا�سرتاتيجية
والت�أهيل والنقاهة». (« )32امل�سئول���ون الأمريكيون يثنون على برنامج ت�أهي���ل املعتقلني ال�سعودي»، ال�سفارة ال�سعودية بالعا�صمة وا�شنطن 8 ،متوز/يوليو .2009 ( )33جيف���ري �أزارف���ا« ،هل �سيا�سة االعتقال الأمريكي���ة يف العراق ناجحة؟»، ف�صلية ال�شرق الأو�سط� ،شتاء � ،2009ص .14 - 5 ( )34امل�صدر ال�سابق. ( )35جودي���ث ميلر« ،مكافحة اجله���اد الأمريكي» ،جملة “�سيتي” الأمريكية، � 2أيار/مايو .2008 (� )36أزارفا« ،هل �سيا�سة االعتقال الأمريكية يف العراق ناجحة؟». ( )37امل�صدر ال�سابق. ( )38امل�صدر ال�سابق. ( )39موقع مالي�شيان �إن�سايدر � 22 ،آذار/مار�س .2009 ( )40فال�ي�ري ت�شو« ،م�ؤام���رة اجلماعة الإ�سالمية لتفج�ي�ر بعثات دبلوما�سية يف �سنغاف���ورة ،»2001/2002 ،مو�سوعة «�إنفوبيديا �سنغافورة» ،جمل�س املكتبات الوطنية يف �سنغافورة 20 ،كانون الثاين/يناير .2009 (« )41ح���ول جماع���ة الت�أهيل الدين���ي»� ،سنغافورة ،مت احل�ص���ول عليها يف 12 ت�شرين الأول�/أكتوبر .2009 ( )42ولي���م جي .دوب�سون�« ،أف�ضل مر�شد جليتمو؟ انظر ل�سنغافورة»� ،صحيفة “وا�شنطن بو�ست”� 17 ،أيار/مايو .2009 ( )43امل�صدر ال�سابق نف�سه. ( )44امل�صدر ال�سابق نف�سه. (� )45إ�سرتاتيجي���ة الردع :مر�شد لل�ش���ركاء املحليني يف �إجنلرتا (لندن :وزارة الداخلية الربيطانية� ،أيار/مايو � ،)2008ص .28 (� )46صحيفة “الإندبندينت” اللندنية� 28 ،آذار/مار�س .2009 (� )47صحيفة “�صنداي تاميز” الربيطانية� 17 ،أيار/مايو .2009 (� )48إ�سرتاتيجي���ة ال���ردع :مر�ش���د لل�ش���ركاء املحلي�ي�ن يف �إجنل�ت�را� ،ص 28؛ �صحيفة “�صنداي تاميز”� 17 ،أيار/مايو .2009 (� )49أنظر مث ًال �صحيفة “التليغراف” اللندنية� 28 ،شباط/فرباير .2008 (� )50ستيفن �شوارتز« ،التخلي عن طارق رم�ضان» ،جملة “�أمريكان ثينكر”، � 28آب�/أغ�سط�س .2009 (� )51صحيفة “اجلارديان” الربيطانية� 31 ،آب�/أغ�سط�س .2005 (� )52صحيفة “�سكوتالند �أون �صنداي”� ،إدنربة 14 ،حزيران/يونيو .2009 (� )53صحيفة “التليغراف” 11 ،كانون الثاين/يناير .2010 ( )54بي بي �سي .الإخبارية� 12 ،آذار/مار�س .2010 (� )55صحيفة “�سكوتالند �أون �صنداي” 14 ،حزيران/يونيو .2009 ( )56مدونة “لتل جرين فوتبول” 9 ،حزيران/يونيو .2006 (� )57صحيفة “تورنتو �ستار” الكندية 3 ،حزيران/يونيو .2009 ( )58موقع العربية نت ،دبي� 11 ،آذار/مار�س .2009 (� )59سي بي �إ�س الإخبارية 20 ،متوز/يوليو 2006؛ موقع العربية نت، � 11آذار/مار�س .2009 (� )60صحيفة “نا�شنل بو�ست” الكندية� 11 ،شباط/فرباير .2009 (� )61صحيفة “تورنتو �ستار” الكندية 23 ،حزيران/يونيو .2009 ( )62بي بي �سي الإخبارية 2 ،كانون الثاين/يناير .2010
نظرات فـي ق�ضايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�صرة
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب
2010
ا�سرتاتيجية
157
جيوبوليتيك
االنعكا�سات اجليو�سيا�سية للأزمة املالية العاملية وو �شينبو
xbwu@fudan.edu.cn
عل���ى الرغ���م م���ن �أنّ الأزمة املالية العاملية التي تفجّ رت يف خريف العام 2008تتّجه نحو االنح�س���ار و�ص���و ًال �إىل نهايتها ،فما زال من املبكر جداً معرفة مدى حجم اخل�س���ائر التي ت�س���ببت بها لالقت�ص���اد العاملي بدّقة .فمن منظور ماكرو�سيا�س���ي واقت�ص���ادي ،و�ضع اال�ضطراب املايل العاملي هذا وب�شكل ر�س���مي ح ّداً للأحادية القطبية حلقبة ما بعد احلرب الباردة التي �ش���هدت هيمنة القوة الأمريكية ومنوذجها التنموي ال�سيا�س���ي واالقت�صادي العاملي املزعوم ،ونفوذها الدويل ال�س���احق والذي �ش���كّل عالمة فارقة يف تلك احلقبة .وتتميّز احلقبة اجلديدة التي تلوح يف الأفق بربوز بنية قوّة متعدّدة الأقطاب ،وبنماذج �سيا�سية واقت�صادية متعددة ،وبالعبني متعدّدين على ال�ساحة الدولية. ارتكز موقع الواليات معاناة الواليات املتّحدة امل ّتح���دة الب���ارز يف العامل على دعامتني �أ�سا�سيت�ي�ن :قوتها االقت�صادية والع�سكري���ة ال�ساحقة .وم���ع ذلك ،فقد تعرّ�ضت هات�ي�ن الركيزتني �إىل التحطّ ���م خالل العقد املا�ضي .فبينما اخت�ب�رت احلروب يف �أفغان�ستان والعراق حدود القوة الع�سكرية الأمريكية ،ك�شفت الأزمة املالية العاملية ه�شا�شة االقت�صاد الأمريكي. فف���ي ال�سبعيني���ات والثمانيني���ات ،فر�ض���ت كل م���ن الياب���ان و�أملانيا حتدي���ات متزايدة عل���ى الواليات املتّحدة مقوّ�ض���ة تفوقها االقت�صادي. لك���ن يف الت�سعيني���ات� ،شهدت الوالي���ات املتّحدة �أط���ول دورة لالزدهار االقت�ص���ادي على الإطالق متفوقة على الياب���ان و�أملانيا ب�أ�شواط وتاركة �إياهما خلفها. �ش���كّل الناجت املحلي الإجمايل ال�سنوي للواليات املتّحدة يف تلك الفرتة املمت���دة من الع���ام 1999وحت���ى � 2001أكرث من %28م���ن حجم الناجت املحلي الإجمايل العاملي ،وه���ي الن�سبة الأعلى امل�سجّ لة منذ عقود .لكن
158
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
�سل�سل���ة التغيرّ ات البعيدة املدى لالقت�صاد العاملي .ومن املمكن اجلدال يف هذا املجال ب�أنّ الأزمة مل تطلق اجتاه ًا جديد ًا و�إمنا �أدّت �إىل ت�سريع صال كا�شفة ع���ن عمق وات�ساع التحوالت التي االجت���اه الذي كان قائم ًا �أ� ً �أدت �إىل بروزها. لكن ولكون الواليات املتّحدة يف �صلب الأزمة املالية العاملية ،فقد وُجِّ هت انتقادات وا�سع���ة لنموذجها التنموي .فقد عززت نهاية احلرب الباردة �سابق ًا والطف���رة االقت�صادية الت���ي �شهدتها البالد خ�ل�ال الت�سعينيات موقع الوالي���ات املتّحدة باعتبارها مركز ال�سيا�س���ة االقت�صادية والأداء االقت�ص���ادي يف العامل ،وقد دفع ذل���ك وا�شنطن �إىل الرتويج لنموذجها التنموي بحما�سة .ويقوم لب هذا النموذج على �أ�سطورة الأ�سواق احلرّة الت���ي تقول �إنّ ال�سوق هي العن�صر الأك�ث�ر فعالية وكفاءة يف توليد النمو االقت�ص���ادي ،بينم���ا يجب �أن ينح�صر دور الدول���ة واحلكومة يف احلياة االقت�صادية يف حدّه الأدنى .لكنّ اال�ضطراب املايل الذي ح�صل ،ك�شف
اجل�ش���ع غ�ي�ر املح���دود والتدمري الهائل ال���ذي �أحدثت���ه «وول �سرتيت»، و�سلّطت ال�ضوء على الوجه الب�شع واخلطر لل�سوق احلرّة .ومتثّل الدر�س يف �أن دور الدول���ة ال يكمن فقط يف التدخل و�إعداد خطّ ة الإنقاذ عندما يقع االقت�صاد يف ورط���ة كبرية ،لكنّ الأهم من ذلك مراقبة ال�سوق عن كثب يف خمتلف الأوقات. ومن الأ�سباب الرئي�سية التي يعتقد �أنّها م�س�ؤولة عن الت�سبب بالكارثة املالي���ة ،ع���دم وجود رقاب���ة فعّالة عل���ى ال�سوق م���ن جه���ة� ،إ�ضافة �إىل االعتم���اد الزائد على االقت�ص���اد االفرتا�ضي .فمن���ذ ال�سبعينيات حيث كان القط���اع ال�صناعي ميثّل %23.8من �إجم���ايل الناجت املحلي للبالد، غ�ي�ر �أن هذا القطاع ب���د�أ يف الرتاجع ل�صالح القط���اع املايل الذي �أخذ يتحول �إىل العن�صر الأك�ث�ر م�ساهمة يف املخرجات االقت�صادية للبالد. ففي العام � ،2007أي قبل عام واحد من الأزمة املالية العاملية ،بلغ حجم االقت�ص���اد االفرتا�ض���ي حوايل %8من الناجت املحل���ي الإجمايل للبالد،
ح�صة الواليات املتّحدة من حجم الناجت املحلي ومنذ العام � ،2002أخذت ّ الإجمايل العاملي باالنخفا�ض ن�سبي ًا نظر ًا لتباط�ؤ منوها االقت�صادي من جه���ة ،و�صعود االقت�صادات النامية من جهة �أخرى ويف طليعتها ال�صني والهن���د .لقد �س ّلط���ت الأزمة ال�ضوء بكل ب�ساطة عل���ى �ضعف االقت�صاد الأمريك���ي والتغ�ّي�ررّ الكب�ي�ر يف امل�شه���د االقت�ص���ادي العامل���ي ،لعدد من الأ�سباب منها: � .1أنّ الوالي���ات املتح���دة اعتمدت على الدعم املايل من ال�صني وعدد من الدول الأخرى ملواجهة الأزمة. � .2أنّ �أداء ال�ص�ي�ن االقت�ص���ادي و�أداء االقت�ص���ادات النامي���ة الأخرى خ�ل�ال الأزم���ة يف الع���ام 2008و 2009كان �أف�ض���ل م���ن �أداء الوالي���ات املتّحدة. � .3أن ال�صني واالقت�صادات النامي���ة الأخرى ولي�س الواليات املتّحدة، هي التي ا�ستلمت زمام املبادرة يف قيادة االقت�صاد العاملي للتعايف. لك���ن وب�ش���كل ع���ام ،قد تبق���ى الأزمة املالي���ة العاملية جم���رّد حلقة يف
وو �شينب���و �أ�ست���اذ ونائب رئي�س مركز الدرا�سات الأمريكية يف جامعة فودان ب�شنغهاي .وقد ن�ش���ر املقال يف ف�صلي���ة «وا�شنطن كوارتريل» يف عددها ال�ص���ادر يف ت�شرين الأول�/أكتوبر ،2010وقام بنقله �إىل العربية الباحث يف العالقات الدولية ،علي ح�سني باكري.
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
159
جيوبوليتيك م��ن الأ�س��باب الرئي�س��ية الت��ي يعتق��د �أنّه��ا م�س���ؤولة ع��ن الت�س��بب بالكارث��ة املالي��ة العاملي��ة ب��دء ًا من �أم�يركا ،عدم وج��ود رقاب��ة ف ّعال��ة عل��ى ال�س��وق م��ن جهة� ،إ�ض��افة �إىل االعتماد الزائد على االقت�صاد االفرتا�ضي
160
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
ME Archive
بينم���ا انخف�ضت م�ساهم���ة القطاع ال�صناع���ي �إىل ( %11.7يف املقابل، بلغ���ت ن�سب���ة م�ساهمة هذين القطاعني يف ال�ص�ي�ن يف نف�س العام %4.4 و %43عل���ى التوايل) ،وبدا وا�ضح ًا �أنّ االعتماد املتزايد على االقت�صاد االفرتا�ض���ي �أدى �إىل ن�شوء فقّاعة مالية �ضخمة انفجرت يف نهاية الأمر يف خريف عام .2008 �أدّى اال�ضطراب املايل �أي�ض ًا �إىل الت�شكيك يف ا�ستقرار الدوالر ،الأمر ال���ذي دف���ع ب���دوره �إىل �إ�ضعاف ثقة الع���امل به ك�أكرب عمل���ة احتياط يف العامل .ففي � 24آذار /مار�س ،2009وقبل �أ�سبوع واحد من قمّة الع�شرين ( )G-20يف لن���دن ،طال���ب ت�ش���و �شياو�ش���وان حاكم امل�ص���رف املركزي ال�صين���ي ب�إيج���اد عملة جديدة حتل حمل ال���دوالر يف التعامالت املالية العاملي���ة .وكان �سابق ًا قد اق�ت�رح تو�سيع حقوق ال�سح���ب اخلا�صة (وهو ن���وع م�صطنع م���ن العملة �أوجده �صندوق النقد ال���دويل يف ال�ستينيات) لت�سهيل االنتقال من االعتماد على نظام احتياطي الدوالر �إىل االعتماد على نظام احتياط عاملي جديد .ويعك�س اقرتاح حاكم امل�صرف املركزي قل���ق ال�صني على ا�ستقرار النظام امل���ايل العاملي ،وهو قلق تت�شاطره مع العدي���د من الدول كرو�سيا ،و ّمت تك���راره يف تقرير للأمم املتحدة اقرتح يف حينه “�إمكانية �إن�شاء نظام احتياط عاملي جديد ،نظام ال يعتمد على الدوالر فقط كعملة رئي�سية وحيدة لالحتياط العاملي”. ويف الوق���ت الذي يعت�ب�ر فيه �إن�شاء عملة احتي���اط دولية جديدة هدف ًا بعي���د امل���دى ،دعت ال�ص�ي�ن -التي متتل���ك ح�صة كبرية م���ن ال�سندات احلكومي���ة الأمريكي���ة -وا�شنطن العتماد �سيا�س���ات مالية واقت�صادية م�س�ؤول���ة ب�ش���كل �أكرب لتف���ادي ح�ص���ول املزيد من االنخفا����ض يف قيمة ال���دوالر .ويف القم���ة الرابعة ملجموع���ة الع�شري���ن ( )G-20التي عقدت يف تورونت���و يف حزيران /يونيو � ،2010أع���اد الرئي�س ال�صيني هو جِ نتاو ط���رح مالحظات���ه الت���ي كان �أعلنها يف اجتم���اع بطر�سب���ورغ يف �أيلول/ �سبتمرب 2009داعي��� ًا «البلدان الرئي�سية التي متتلك احتياطي كبري من العم�ل�ات �إىل �ضرورة �أن ت�أخذ بعني االعتبار وتوازن بني �آثار �سيا�ساتها النقدي���ة بالن�سبة القت�صاداتها وبالن�سبة لالقت�ص���اد العاملي ،عرب ر�ؤية تعم���ل عل���ى دع���م ا�ستق���رار الأ�س���واق املالية العاملي���ة» .كما �ش���دد على
احلاجة �إىل «ت�شدي���د الرقابة على ال�سيا�سات املاكرو اقت�صادية جلميع البل���دان ،خا�صة تل���ك االقت�صادات الرئي�سية الت���ي ت�ستخدم عملتها يف االحتياطات العاملية» .يف املا�ض���ي ،غالب ًا ما كانت الواليات املتّحدة هي التي ت�شري ب�إ�صبعه���ا �إىل ال�سيا�سات االقت�صادية واملالية للآخرين� .أمّا الآن ،فق���د �أعطت الأزمة الفر�صة لل���دول الأخرى لكي تلوّح ب�أ�صبعها يف وج���ه وا�شنطن .فالأزمة مل تُ�ضعِف فقط ثقة الآخرين فقط يف ا�ستقرار الدوالر الأمريكي ،و�إمنا �أثارت املخاوف والقلق �أي�ض ًا حول مدى �سالمة ال�سيا�سات املاكرو اقت�صادية لوا�شنطن. لق���د �أدّى اال�ضطراب املايل �إىل تقوي�ض الت�أث�ي�ر الأمريكي يف احلكم االقت�ص���ادي العاملي .وقد ن�سبت العديد من الدول ،ال�سيما تلك النامية الأزم���ة �إىل عي���وب النظام امل���ايل العاملي ال���ذي تهيمن علي���ه الواليات امل ّتح���دة ،ون���ادت ب�إن�شاء نظام م���ايل عاملي جديد �أك�ث�ر �شمولية وعد ًال و�إن�صاف���اً .يف قمّة جمموعة الع�شري���ن التي عقدت يف بطر�سبورج ،قدّم القادة هذا التجمّع «كمنتدى رئي�سي للتعاون االقت�صادي العاملي» ووعدوا ح�صة الكوت���ا يف �صندوق النقد الدويل �إىل بنق���ل ما ال يقل عن %5من ّ ح�صة الأ�س���واق ال�صاعدة وال���دول النامية ،وزيادة على الأق���ل %3من ّ الت�صويت �إىل الدول النامي���ة يف البنك الدويل .ا�ستخدم الغرب �سابق ًا لأك�ث�ر م���ن ثالثة عق���ود جتمّعات ال���ـ ( )G-5وال���ـ ( )G-7وال���ـ ()G-8 الحت���كار التن�سي���ق يف ال�سيا�سات املاكرو اقت�صادي���ة الدولية ،وب�صفتها قائدة للعامل الغربي ،ا�ستطاعت وا�شنطن �أن ت�سوّق �أفكارها فيما يتعلّق بال�سيا�سات املاكرو اقت�صادية الدولية بني �أتباعها من الدول النامية. كمن�صة �أمّا الآن ،ومع حلول جتمّع الع�شرين ( )G-20مكان الـ (ّ )G-8 �أ�سا�سيّ���ة ملناق�شة االقت�ص���اد العاملي� ،أ�صبح ل���دى االقت�صادات النامية منت���دى ت�ستطيع م���ن خالل���ه �أن تو�صل خماوفه���ا واهتماماته���ا ب�شكل �أك�ث�ر فعالي���ة وت�أثري .عل���ى عك�س االقت�ص���ادات املتط���ورة ،ف�إنهم �أكرث ت�شكي���ك ًا بال���دور الأمريكي �سواء فيم���ا يتعلّق بكونه منوذج��� ًا للتنمية �أو ح�صة قائد ًا لعمليّة احلوكم���ة االقت�صادية العاملية .وعلى الرغم من �أنّ ّ الوالي���ات املتّحدة يف الت�صوي���ت يف البنك ال���دويل مل تتقلّ�ص (وكذلك حل�صتها يف �صندوق النقد الدويل يف امل�ستقبل القريب)، الأمر بالن�سبة ّ
ف����إن زيادة ثقل الأ�س���واق ال�صاعدة والدول النامية يف ه���ذه امل�ؤ�س�سات �سيجع���ل حماوالت وا�شنطن احل�صول على دعم ملوقفها �أكرث �صعوبة يف امل�ستقبل. كما �أثارت الأزمة انتقادات لنمط احلياة الأمريكي املتمثّل باالقرتا�ض الزائ���د عن ح���دّه واالدخ���ار املنخف����ض� .إذ ي�سود االعتق���اد على نطاق وا�س���ع ب����أن اال�ستهالك املفرط املم���ول من االقرتا����ض الزائد عن حده يع���د جزء ًا من امل�شكلة التي تقف خلف تفجّ ر الأزمة املالية العاملية .ويف حقيق���ة الأمر ،ف�إن ثقافة بطاقة االئتم���ان جعلت الكثري من الأمريكيني العاديني يعتربون �أنّ الإنفاق املفرط واالدخار القليل �أمر ًا مفروغ ًا منه. ولف�ت�رة طويل���ة ،ظل احلل���م الأمريكي – العي�ش يف من���زل كبري واقتناء �سي���ارة فخم���ة -يغ���ري النا�س على احلي���اة بطريقة �أكرب من �أن يتحملوه���ا فعلي���اً .بالن�سبة للأ�شخا����ص خ���ارج الوالي���ات املتّحدة الأمريكي���ة ،ف�إن ذلك لي����س جم���رد مو�ض���وع م���ايل فردي فقط ،و�إمنا مو�ضوع بيئة وطاقة �أي�ضاً ،طاملا �أنّ الواليات امل ّتح���دة ت�ستهل���ك الكث�ي�ر من الوارد وتنتج الكثري من الغازات الدفيئ���ة �إن م���ن حيث املجموع ح�صة الفرد الكليّ �أو من حيث ّ من هذا املجم���وع .يف املا�ضي، �شكّل من���ط احلي���اة الع�صرية يف الوالي���ات امل ّتح���دة منوذج ًا مغري��� ًا للنا����س يف البل���دان النامي���ة مم���ا حفّزه���م عل���ى كمن�صة �أ�سا�سيّة ملناق�شة العمل اجلاد لتحقيق االزدهار العبون قدامى والعبون جدد :مع حلول جمموعة الع�رشين مكان جمموعة الثمان الكبار ّ االقت�صادي والفورة يف املواد .االقت�صاد العاملي� ،أ�صبح لدى االقت�صادات النامية منتدى ت�ستطيع من خالله �أن تو�صل خماوفها واهتماماتها ب�شكل �أكرث فعالية �أمّا الآن ،ف�إن احلياة الب�سيطة وال�صديق���ة للبيئة ت�صبح منط ًا �أكثري تقدّمية م���ن املثال ال�سابق� ،إذ �أنّ والتل���وث البيئ���ي اخلط�ي�ر والف�ساد امل�ست�ش���ري .ومع ذلك ،ف����إنّ �سجّ له من���ط احلياة الأمريكي بالن�سب���ة له �أ�صبح مرادف��� ًا للإ�سراف والتبذير يف التغلب عل���ى �أزمتني ماليتني (الأزمة املالي���ة الآ�سيوية )1999-1998 و(الأزم���ة املالي���ة العاملي���ة )2009-2008ت�شهد على ق ّوت���ه .فعلى عك�س ضال عن تبديد املوارد والطاقة. ف� ً وا�شنط���ن ،ال حتبّذ بك�ّي�ننّ ترويج منوذجها وفر�ضه عل���ى الآخرين ،لكنّ مكت�س��بات ال�ص�ين �صحي���ح �أنّ ال�ص�ي�ن ال�سمع���ة املتزاي���دة للتجربة ال�صيني���ة �ستعزز بالت�أكيد م���ن و�ضع بكني عان���ت اقت�صادي ًا من الأزمة و�إن ب�شكل متو�سط ،لكنها ك�سبت يف املقابل العاملي وتزيد من نفوذها بني الدول النامية. عنا�ص���ر اقت�صادية و�سيا�سية ب�شكل ملحوظ .فالنموذج التنموي لل�صني صال حول �ضرورة ف�ص���ل االقت�صادات لق���د كان هناك نقا�ش دائ���ر �أ� ً الذي يركّز على الدور املحوري للدولة يف التنمية االقت�صادية ،ويرتكزعل���ى االقت�صاد احلقيقي بد ًال من االقت�ص���اد االفرتا�ضي ،ارتفاع معدّل الآ�سيوي���ة ع���ن الوالي���ات امل ّتح���دة قب���ل مرحل���ة الأزمة الأخ�ي�رة نظر ًا االدخ���ار ،التحري���ر املدرو����س للأ�سواق املالي���ة.. ،الخ -جع���ل ال�صني للن�شاط���ات االقت�صادي���ة املتنامي���ة م���ا ب�ي�ن ال���دول الآ�سيوي���ة نف�سها. تتمو�ض���ع يف موق���ع �أف�ضل ملواجه���ة العا�صف���ة املالية العاملي���ة ،وتقلّ�ص اخل�سائ���ر املرتبطة بها �إىل �أقل قدر ممكن .وكدولة نامية ،بدا النموذج ال�صيني �أكرث مالءمة للعامل النامي .فكما الحظ �أليك�س بريي من جملة الت���امي « Timeف����إن احلكوم���ات الأفريقية نظرت اىل ع���دم اال�ستقرار االقت�صادي للغرب خالل العام�ي�ن املا�ضيني ووجدت منوذج ًا �أف�ضل يف النمو االقت�صادي املذهل لآ�سيا». يف حقب���ة ما بعد احل���رب الباردةّ ،مت تظهري النم���وذج الأمريكي على �أنّ���ه ال�سبي���ل الوحيد لتحقي���ق االزدهار االقت�ص���ادي� .أمّ���ا الآن ،فيبدو �أنّ النم���وذج ال�صيني يق���دّم بديالً� .صحيح �أنّ النم���وذج ال�صيني لي�س مثالي���اً ،فهو يعاين حقيقة من حتديات كبرية كات�ساع الفجوة يف الدخل
161
جيوبوليتيك لت�صب���ح ثالث �أكرب م�صوّت ،ومن املتوقع �أن يقوم �صندوق النقد الدويل بنف�س الأمر فيعزز متثيل ال�صني فيه. �إجم���االً ،فقد �أفادت الأزمة املالية ال�صني بت�سريعها املرحلة االنتقالية للق���وة االقت�صادية واملالية حموّلة ال�صني م���ن العب هام�شي �إىل العب �أ�سا�سي� .أخ�ي�ر ًا ولي�س �آخراً� ،أعطت الأزمة العمل���ة ال�صينية (اليوان) �سمع���ة ح�سن���ة لقوّته���ا وا�ستقراره���ا� .صحي���ح �أنّ���ه خالل الف�ت�رة التي ثانيها :الدور املتحوّل للواليات املتّحدة يف ال�ش�ؤون الدولية� ،إذ ّمت اعتبار �سبقت الأزمة �أي�ض��� ًا كان «اليوان» ي�ستخدم يف التجارة الثائية بني عدد �أم�ي�ركا جزء ًا من امل�شكلة وجزء ًا من احل���ل �أي�ضاً .فمن احتالل العراق من ج�ي�ران ال�صني ،لكنّ الأزم���ة املالية ك�شفت ع���دم ا�ستقرار الدوالر �إىل الأزمة املالية العاملية ت�شوّهت �صورة الواليات املتّحدة كمنارة للأداء الأمريك���ي و�سلّطت ال�ضوء يف املقابل على ق���وّة «اليوان» ال�صيني .وعلى االقت�ص���ادي وال�سيا�سي يف العامل .فقد �أظهرت احلرب على العراق ب�أنّ الرغم من انّ الي���وان ال�صيني ال يتمتع بحريّة التحويل ،فقد �أبدا بع�ض ب�إمكان الواليات املتّحدة �إ�ساءة ا�ستخدام قوتها وحتدي املجتمع الدويل كب���ار ال�ش���ركاء التجاريني لل�ص�ي�ن رغبتهم يف زي���ادة االعتماد عليه يف ل�صال���ح �أولوياتها ،بينم���ا برهن اال�ضطراب املايل العامل���ي ب�أنها قادرة الوقت الذي كان يعاين في���ه الدوالر الأمريكي من ال�ضعف ،الأمر الذي على �إحلاق الأذى االقت�صادي بالعامل مبا يفوق قدرة �أي طرف على فعل �أثار قلق ًا من �أن ي�ؤدي عدم ا�ستقرار الدوالر �إىل رفع التكاليف واملخاطر ذلك .ومبا �أنّه مل يعد ب�إمكان وا�شنطن �أن تلعب يف التجارة .ومنذ بدء الأزمة ،وقّعت ال�صني دور النا�ص���ح يف امل�سائ���ل املتعلقة باحلوكمة واقت�صادي، ماكرو�سيا�سي منظور من اتفاقيات تبادل عمالت ثنائية مع الأرجنتني املحليّة �أو العاملية ،ف�إنه لن يكون ب�إمكانها �أن وبيالرو�سيا و�أي�سلن���دا و�إندوني�سيا وماليزيا و�ضع اال�ضطراب املايل العاملي وب�شكل توجّ ه الأوامر للآخرين حولها .وباعتبار �أنّ الواليات املتّحدة قوة اقت�صادية وع�سكرية، حد ًا للأحادية القطبية وهون���غ كون���غ و�سنغافورة وكوري���ا اجلنوبية ر�سمي ّ بحج���م �إجمايل كلي بلغ حوايل 803.5مليار ف�إنه لن يكون بالإمكان اال�ستغناء عنها فيما «ي���وان» (�أي ح���وايل 118.1ملي���ار دوالر) .حلقبة ما بعد احلرب الباردة التي يتعل���ق بحل امل�شاكل التي تواجه العامل ،لكن �شهدت هيمنة القوة الأمريكية وقامت بع�ض ال���دول �أي�ض��� ًا باالعتماد على امل�ؤكّ���د �أن موقعها ونفوذها يف العامل تراجع اليوان ال�صيني كواح���دة من العمالت التي ب�شكل كبري. ومنوذجها التنموي ال�سيا�سي ميك���ن االعتماد عليه���ا يف احتياطياتها من ثالثها� :أنّ العامل �أ�صبح ي�شهد الآن جهود ًا واالقت�صادي العاملي املزعوم العمالت الأجنبية. �أكرث جديّة يف البحث عن مناذج جديدة يف لق���د دفعت الأزمة بكّني �إىل التفكري جدّي ًا احلكم والتع���اون الإقليمي والتنمية املحلّية. يف جع���ل الي���وان ال�صيني عملة �إقليمية .ويف بداي���ة العام ،2009وافقت كم���ا ي�شهد دع���وات ملفاهي���م تقدّمية مثل «العم���ل اجلماع���ي الفعّال»، ال�ص�ي�ن عل���ى طموح �شنغه���اي بالتح���وّل �إىل مركز م���ايل عاملي بحلول و»امل�س�ؤولي���ات امل�شرتك���ة لك���ن املتباين���ة» ،و»الرب���ح املتب���ادل» ،و»توازن العام 2020والتوفيق بني نف���وذ ال�صني االقت�صادي ومكانة عملتها على امل�صالح» ،و»عامل متناغم»� ،إىل جانب �إن�شاء نظام اقت�صادي و�سيا�سي ال�صعي���د العاملي� .ستكون رحل���ة اليوان ال�صيني لي�صب���ح عملة رئي�سية دويل م�ستق���ر وع���ادل ومُن�صِ���ف ي�ستطي���ع �أن يعزز التع���اون يف احلكم لالحتي���اط ال���دويل طويلة بطبيعة احل���ال ،لكن من الوا�ض���ح �أنّ اندالع ال���دويل �إىل �أعلى م�ستوى .كما يتم توجيه التع���اون الإقليمي لي�س فقط الأزمة املالية �شكّل نقطة االنطالق لهذه الرحلة. باجت���اه تعزيز النم���و االقت�ص���ادي و�إمنا القر�صنة م���ن املنظ���ور التاريخي �أي�ض ًا باجتاه املحافظة على اال�ستقرار م��ا ال��ذي يتغ�ّي�رّ يف الع��امل؟ يف القرن الأفريقي التايل الوا�سع ،ف�إن الأزم���ة املالية العاملية �سجّ لت بع�ض التطورات وعجّ لت من الإقليمي االقت�صادي واملايل. بقلم :بيرت �شولك �أمّا فيما يتعلّق بالتنمية االقت�صادية �أخ���رى �سيكون لها ت�أثري كب�ي�ر على املدى البعيد فيم���ا يتعلق بال�سيا�سة وال�سيا�سي���ة الداخلي���ة املحليّ���ة ،يالح���ظ العاملية وبالو�ضع االقت�صادي. �أوىل ه���ذه التطورات :تط���وّر البنية الهيكلية للق���وة الدولية .ف�إذا كان ابتع���اد ال���دول عن فك���رة تبنّ���ي �أو �إتب���اع منوذج عامل���ي باتجّ���اه اتّخاذ هن���اك �أحادية قطبي���ة يف ف�ت�رة الت�سعينيات فقد ذهبت ه���ذه احلالة ،موقف �أكرث واقعي���ة وا�ستك�شاف طرق �أكرث مالءمة ملعطياتهم الداخلية والع���امل يتّجه الآن بعي���د ًا عنها ب�سرع���ة .و�سواء كانت البني���ة الهيكلية وظروفه���م املحليّة .كم���ا �سي�أخذ النقا�ش حول من���اذج التنمية املختلفة اجلديدة للقوة يف العامل متعددة الأقطاب �أو ال قطبية �أو �شيئ ًا �آخر ،فهي حي���ز ًا من وقت �إىل �آخر ،وبا�ستثن���اء حفنة من الأيديولوجيني ،ف�إن مثل �أكّ���دت على �شيئ واحد على الأقل ب�ش���كل وا�ضح وهو �أنّ قيادة احلوكمة ه���ذه التطورات �ستكون مدفوع���ة مبدى الفعالية الت���ي �ستحققها ولي�س الدولي���ة �سيع���اد هيكلته���ا ،و�ستحتل ال���دول النامي���ة �أو دول العامل غري بالأيديولوجيا. الغربي���ة موقع ًا متقدّم ًا يف القيادة اجلديدة و�سيك���ون �صوتها م�سموعاً. فال�صع���ود االقت�صادي للأ�س���واق النا�شئة والدول النامي���ة بدا وا�ضح ًا حت���ى قبل ان���دالع الأزمة املالي���ة العاملية ،ومع ذلك فق���د �أتاحت الأزمة الفر�ص���ة لهم ترجم���ة وزنهم االقت�صادي املتنام���ي �إىل نفوذ اقت�صادي و�سيا�سي.
ME Archive
التطلع للقمة� :أفادت الأزمة املالية ال�صني بت�رسيعها املرحلة االنتقالية للقوة االقت�صادية واملالية ،حموّ لة ال�صني من العب هام�شي �إىل العب �أ�سا�سي
وحقيق���ة �أنّ ال�ص�ي�ن �أ�صبحت بالفعل ال�شريك التج���اري الأوّل لعدد من االقت�ص���ادات الرئي�سية يف املنطقة كاليابان وكوري���ا اجلنوبية وتايوان، �ش ّكل���ت حافز ًا �إ�ضافي ًا لزيادة التعاون بني اقت�صادات �شرق �آ�سيا .وحتى يف اليابان حيث و�صل احلزب الدميقراطي الياباين �إىل احلكم يف �آب/ �أغ�سط����س املا�ضي ،فقد الحظ رئي�س الوزراء يوكيو هاتوياما �أنّ «الأزمة املالي���ة احلالية �أظهرت للكث�ي�ر من النا�س �أنّ حقب���ة الأحادية القطبية الأمريكية قد تنتهي .كما �أثارت ال�شكوك لدى النا�س حول قدرة الدوالر على البقاء كعملة عاملية رئي�سية� .أ�شعر �أي�ضاً ،وكنتيجة للف�شل يف حرب الع���راق والأزمة املالية العاملية ،ب�أنّ حقب���ة العوملة التي تقودها الواليات امل ّتح���دة �ستنته���ي ،وب�أنّنا نبتعد عن حقبة الأحادي���ة القطبية �إىل حقبة التعددي���ة القطبية» .و�أ�ضاف رئي�س ال���وزراء« :تظهر التطورات احلالية بو�ض���وح� ،أنّ ال�ص�ي�ن التي ت�ضم �أك�ب�ر عدد من �سكّان الع���امل �ست�صبح واحدة من الدول الرائدة يف االقت�صاد العاملي ،يف الوقت الذي �ست�ستمر في���ه �أي�ض ًا بالتو�سع يف قوّتها الع�سكرية» .لقد تعهد رئي�س الوزراء بتقوية عالق���ات ب�ل�اده مع دول �آ�سي���ا ،وخا�صة مع ال�صني لبن���اء جمتمع �شرق �آ�سي���ا .وال �شك �أنّه و�ضع هذا ويف ذهنه �أهمية ال�صني املتزايدة بالن�سبة لالقت�صاد الياباين م�ستقبالً. وكم���ا اليابان� ،أعرب���ت كوريا اجلنوبية ع���ن حما�ستها بعق���د اتفاقية للتجارة احلرة مع ال�صني يف �أقرب وقت ممكن .ووقعت تايوان �أي�ض ًا يف حزيران/يوني���و 2009مع ال�صني الأم اتفاقية �إطار التعاون االقت�صادي ( ،)ECFAم���ا يع��� ّد خطوة كبرية �إىل الأم���ام يف العالقات بني الكيانني ع�ب�ر امل�ضي���ق .وين�ص االتف���اق على توحي���د التعرف���ة اجلمركية ،وعلى �ضمان �سهول الو�صول �إىل الأ�سواق ،على �أن يتم �إلغاء التعرفة اجلمركية مبوجبه خالل �سنتني وتطب���ق على �أكرث من � 539سلعة تايوانية م�صدّرة �إىل ال�صني بقيمة 13.84مليار دوالر كما على � 267سلعة �صينية م�صدّرة �إىل تاي���وان بقيمة 2.86مليار دوالر .و�سيتيح االتف���اق �أي�ض ًا للم�ؤ�س�سات وال�ش���ركات التايوانية الو�ص���ول �إىل 11قطاع خدم���ات يف ال�صني الأم، 162
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
من بينها البنوك ،واملحا�سبة ،والت�أمني واال�ست�شفاء .وال �شك �أنّ الأزمة املالي���ة �سمحت لبكّني بت�شجي���ع اال�ستهالك الداخلي �أي�ض���اً ،وهو الأمر الذي �سي�سمح لل�صني -طاملا �أنّه يف ت�صاعد م�ستمر � -أن تعزز روابطها االقت�صادية مع �شركائها الإقليميني ويقوي من دورها كمحور اقت�صادي يف �شرق �آ�سيا. باخت�صار� ،أكّد اال�ضطراب املايل واالقت�صادي موقع ال�صني كمحرّك لالقت�ص���اد الإقليمي الآ�سي���وي ،ولالقت�صاد العاملي �أي�ض���اً .على �صعيد ال�سيا�س���ة الدولية ،فمن املعروف �أنّ العالق���ات ال�سيا�سية واالقت�صادية تتبع���ان بع�ضهما البع�ض .بعد احلرب العاملية الثانية ،قامت العديد من ال���دول الإقليمية بتطوير عالقات وثيقة م���ع الواليات املتحدة الأمريكية تبعه���ا ترتيبات �أمنيّ���ة و�سيا�سية مع وا�شنطن .وم���ن نف�س املنظور ،ف�إن تعمي���ق الروابط االقت�صادية ال�صينية م���ع �شركائها الإقليميني حا�ضر ًا وم�ستقب ًال يعد بتو�سيع نفوذها ال�سيا�سي يف �شرق �آ�سيا. �آخذي���ن بعني االعتبار من���و حجم ال�صني االقت�ص���ادي و�أدائها املمتاز خالل الأزمة ،ف�إنه لي�س من امل�ستغرب �أنّ اال�ضطراب املايل العاملي �أدى �إىل رف���ع مكانة ال�ص�ي�ن يف احلوكمة االقت�صادي���ة العاملية .كما �أظهرت الأزمة جمموعة الع�شرين ( )G-20كمنتدى رئي�سي للتعاون االقت�صادي العاملي ،مُغطّ ية على الدور التقليدي ملجموعة الثماين الكبار ( )G-8يف االقت�صاد العاملي .واحتلت ال�صني قلب جمموعة الع�شرين لكونها حتتل املرتب���ة الثالث���ة يف االقت�صاد العامل���ي ،ولكونها �صاحب���ة �أكرب احتياطي عم�ل�ات �أجنبي���ة يف الع���امل .كما راجت فك���رة �إن�ش���اء جمموعة االثنني الكب���ار ( )G-2التي ت�ضم الواليات امل ّتح���دة وال�صني ،لإدارة االقت�صاد العامل���ي واجليوبوليتي���كا الدولية ب�ي�ن الباحثني الأمريكي�ي�ن وامل�سئولني ال�سابق�ي�ن (عل���ى الرغم من �أنّها مل تلق ترحيب��� ًا ال من وا�شنطن وال من بكني) ،وهذه الفكرة – على �أية حال -متثّل اعرتاف ًا بالوزن االقت�صادي واجليوبوليتيكي ال���ذي اكت�سبته بكني حديثاً .ففي ني�سان� /أبريل ،2010 ح�صة الت�صوي���ت اخلا�صة بها يف هذه امل�ؤ�س�سة ق���رر البنك الدويل رفع ّ
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
163
جيوبوليتيك
القر�صنة يف القرن الأفريقي Official U.S. Navy
الأمن البحري يف مواجهة تهديد متفاقم بيرت �شولك
ت�شكل املياه املحيطة مبنطقة القرن الأفريقي حالي ًا املنطقة الأكرث عر�ض ًة يف العامل ملخاطر ظاهرة القر�صنة البحرية ،فقد بلغ عدد هجمات القر�صنة -املنفذة منها وحماوالت التنفيذ -حوايل 420حادثة خالل الفرتة املمت���دة بني �سنة 2008وحزيران/يونيو ،2010وكلها هجمات جرت يف هذه املنطقة اال�سرتاتيجية التي ت�شمل خلي���ج عدن ومنطقة جنوب البحر الأحمر واملياه الإقليمية ال�صومالية ،وهو ما يُ�شكِّل حوايل %70من حوادث 164
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
الع���امل خ�ل�ال نف�س هذه الفرتة( .)1وبلغ عدد ال�سفن وطواقمها التي وقع���ت يف قب�ضة القرا�صنة ال�صوماليني حت���ى �آب�/أغ�سط����س 2010ح���وايل � 18سفينة و� 379شخ�ص ًا عل���ى التوايل ،وذلك للح�ص���ول على فدية مقابل �إطالق �سراحها�/سراحِ هِ م ،وقد و�صل متو�سط مبالغ الفدى حتى الآن ما بني ثالثة مليون دوالر ون�صف و�أربعة مليون دوالر مقابل ال�سفينة الواحدة( .)2وقد �أظهرت اجلماعات التي ترتكب مثل هذه الأعمال قدرتها على العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
165
جيوبوليتيك
بي�ت�ر �شول���ك م���ن كبار املحللني ال�سيا�سيني يف م�ؤ�س�سة «راند» الأمريكية؛ ويعمل يف عدد من امل�شاريع الدرا�سية حول التهدي���دات الأمنية العابرة للحدود يف �أمريكا الالتينية و�أفريقيا و�آ�سيا. وهو م�ساعد حترير جملة «درا�سات يف ال�صراعات والإرهاب ،»Studies in Conflict and Terrorismوهي من �أهم املجالت املتخ�ص�صة يف جمال الأمن الدويل؛ كما يعمل ك�أ�ستاذ م�ساعد يف الكلية البحرية للدرا�سات العليا مبدينة مونرتي ،والية كاليفورنيا الأمريكية. 166
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
Flickr
العم����ل بعيد ًا عن ال�ساحل والنيل حتى م����ن �أكرب �سفن ال�شحن التي جتوب وال�سفن الأكرث عر�ضة لأعمال القر�صنة هي ال�سفن التي ي�سهل اعرتا�ضها املحيطات .ولهذا تتناول ه����ذه املقالة كيف تعمل هذه اجلماعات ،وكذلك وركوبه����ا وتلك التي متث����ل �أكرث �إمكانية يف احل�صول عل����ى ربح كبري .ويف ما �إذا كان توظيف جهات �أمنية خا�صة متعاقدة حلماية ال�سفن ميثِّل ح ًال معظ����م احل����االت ،هذا يعن����ي �أنها تلك ال�سف����ن التي جتوب املي����اه ب�سرعة ناجع ًا للتهدي����د الذي ت�شكله �أعمال القر�صن����ة امل�ستمرة يف منطقة القرن خم�س����ة ع�ش����ر عقدة بحري����ة �أو �أقل وهيكله����ا الطايف (امل�ساف����ة بني �أعلى الأفريقي. ظه����ر ال�سفين����ة وخط امل����اء) منخف�����ض ،وتك����ون حمولتها ب��ي�ن املتو�سطة ()9 واملرتفعة . ال��ق��ر���ص��ن��ة يف ال��ق��رن الأف���ري���ق���ي :مرتكبيها من الناحية التاريخية ،كان ورغ����م �أن معظم حوادث القر�صن����ة حت�صل حالي ًا بالق����رب من ال�سواحل وديناميكيات الهجوم احتاد «هوبيو-هارادير» (الذي يدعى �أحيان ًا «مارينز» �أو جنود بحرية ال�صومالية لكن الع�صابات �أظهرت قدرتها على العمل بعيد ًا عن ال�ساحل ال�صومال) وجمعيات مقيمة يف �إقليم بونت الند ي�سيطرون على معظم يف �أع����ايل البحار ،فق����د متكن القرا�صنة ال�صومالي����ون -كما يُقال -من م�سرح �أعمال القر�صنة ال�صومالية .وقد كان احتاد هوبيو-هارادير �إىل الو�ص����ول �إىل ج����زر املالديف غرب���� ًا وقناة موزمبيق جنوب����اً ،وهم عازمون حد كبري من �إنتاج رجل واح��د ،وهو حممد عبدي ح�سن� ،أحد موظفي عل����ى «الهج����رة» -نظ����ر ًا ل�س����وء �أح����وال الطق�س -ح����ول منطق����ة القرن الدولة �سابقاً؛ وكان هذا االحتاد يعمل ب�صورة �أ�سا�سية خارج مدينتي الأفريقي خالل فرتة الري����اح املو�سمية ال�شمالية ال�شرقية( .)10ومن �أبرز �سيل-هور و�سيل-جان (اللتني تقعان على بعد حوايل 250مي ًال �شمال ال�شواه����د الدالة على هذه املقدرة هو االعتداء املعروف عام 2008عندما مت اختطاف الناقلة ال�سعودية العمالق����ة امل�سجلة (�سرييو�س �ستار Sirius العا�صمة مقدي�شو) .ويف نهاية �آب�/أغ�سط�س 2006تراوح عدد عنا�صره ما بني خم�سة و�سبعني رج ًال ومائة رجل م�سلح ،وامتلك �أ�سطو ًال من ما )Starعل����ى بعد �أكرث من خم�سمائة ميل بحري عن ال�ساحل( .)11وعندما يت����م تنفيذ مث����ل ه����ذه الهجمات، ال يقل عن مائة زورق بخاري( .)3وك���ان انخرط��ت �ش��ركات الأم��ن اخلا�ص��ة ب�ش��كل عجي��ب يف وعلى بع����د هذه امل�ساف����ة ،ف�سوف ي�ستطي����ع القرا�صن����ة تنفي����ذ ف���رح ح��ر���س��ي ك��والن (امل�����ع�����روف �أي�������ض��� ًا �ص��ناعة ال�س��فن ،مُدّ عية �إنها تُ�ش�� ِكّل عن�ص��ر ًا حيوي ًا يف عملياتهم م����ن “�سفينة �أم” ومن با�سم «ب��وي��اه» ،وكان م�ض��اعفة ق��وة الدوري��ات البحرية املوج��ودة يف خليج ثمّ �إطالق زوارقهم عند اقرتابهم يعترب «�أب��و القر�صنة ع��دن ،وذلك من خ�لال تقدمي احلماي��ة املحرتفة التي من هدفهم املن�شود. وعن����د اعتالئه����م ظه����ر ال�سفينة يف ب��ون��ت الن���د») من تتنا�سب ب�صورة فريدة مع متطلبات زبائنها اخلا�صة �سيق����وم القرا�صن����ة ،كم����ا يحدث الالعبني الأ�سا�سيني ع����ادة ،بجم����ع طاق����م ال�سفين����ة على م�سرح القر�صنة يف بونت الن��د ،باعتباره الفاعل واملُ�شغّل الرئي�سي يف عملية التجنيد واعتقاله����م يف �أ�سفله����ا .وبح�س����ب حج����م ال�سفين����ة املختطف����ة ف�إنهم �إما واملُنظّ م واملمول ملهام مئات القرا�صنة العاملني خارج منطقة �إيل(� .)4أما �سيكره����ون ال ُّرب����ان وم�ساع����ده الأول عل����ى قي����ادة ال�سفين����ة �إىل املي����اه اليوم فقد بات ه�ؤالء الالعبون مناف�سني للجماعات املنت�شرة يف عدد من ال�صومالي����ة �أو �سيبح����رون هم بها لرت�سوا يف �أح����د املوانئ التي تقع حتت القرى ال�صغرية ال�ساحلية الواقعة على طول ال�ساحل ال�صومايل املمتد �سيط����رة القرا�صنة؛ لتقبع هناك حت����ى يتم االنتهاء من مفاو�ضات �إطالق على طول 1900ميل ،حتى �إن ب�ؤر القر�صنة الأ�سا�سية �أ�صبحت ت�شمل �سراحه����ا( .)12وحالي���� ًا توج����د معظم ال�سف����ن املختطفة يف ق����رى �صغرية متت����د على طول ال�ساحل ال�شم����ايل ال�شرقي لل�صومال( .)13ومبا �أن تنفيذ مناطق �إيل وجارارد ور�أ�س ع�سري(.)5 وعل����ى الرغم من �أن معظ����م عنا�صر هذه الع�صابات ه����م من ال�صيادين الهجمات ال ي�ستغرق �سوى فرتة ق�صرية ،وحتدث يف نطاق م�ساحة بحرية وتربطه����م ب�صورة عام����ة ع�شرية م�شرتك����ة و�صل����ة دم ووالءات قبلية( ،)6وا�سع����ة ،ف�إن �إمكانية اعرتا�ض عملية االختطاف �أثناء تنفيذها تقل ب�شكل لكن ع�ضويتها تظل غام�ضة وغري حمددة� ،إذ ال ي�ؤيد �أع�ضائها �أي �أجندة كبري جداً ،ما يعني �أن تلك الع�صابات الإجرامية لن ت�أبه كثرياً ،يف معظم �أيديولوجية معينة وال تربطهم عالقات مبُتمرّدي حركة ال�شباب الإ�سالمية احل����االت ،ب�أ�ساطيل القوات البحري����ة الدولية التي تق����وم حالي ًا بحرا�سة املياه قبالة منطقة القرن الأفريقي(.)14 الذين يقاتلون حالي ًا احلكومة ال�صومالية املفرت�ضة يف مقدي�شو(.)7 وعل����ى عك�س ما يحدث يف مي����اه جنوب �شرق �آ�سيا التي تع����ج بالقرا�صنة ،وبالت�أكي����د ف�����إن تكلف����ة الهجمات تتف����اوت وفق���� ًا لطبيعتها املعق����دة ،لكن ف�إن �أغلبية حوادث القر�صنة (�أكرث من )%93يف منطقة القرن الأفريقي معظمه����ا ال تكل����ف �أكرث من ثالثمائ����ة دوالر �إىل خم�سمائ����ة دوالر باعتبار حت����دث جهار ًا نهاراً ،وت�ستم����ر من ثالثني �إىل خم�����س و�أربعني دقيقة(� .)8أن الع�صاب����ة متتل����ك قواربه����ا اخلا�ص����ة به����ا .و�أك��ث�ر ما يكل����ف يف عملية
االختطاف هو �صيانة ال�سفينة قبل و�أثناء املفاو�ضات ،وهو م����ا ي�ضيف حوايل مائة دوالر يومي���� ًا �إىل املبل����غ ال�ساب����ق ،وذل����ك �أي�ض ًا يعتم����د على حج����م ال�سفينة وعدد الرهائن املعتقل��ي�ن( .)15ويف حال تنفيذ عملي����ات اختط����اف �أ�صغ����ر فق����د يق����وم زعي����م القرا�صن����ة (الذي يح�ص����ل �أي�ض ًا على ن�صيب الأ�سد م����ن الفدية) بتغطية التكالي����ف �أو يتحمّلها عنا�ص����ر الع�صابة ب�ش����كل جماع����ي� .أم����ا يف حال����ة عمليات القر�صن����ة التي ت�سته����دف �سفن ال�شحن العمالق����ة ،ف�����إن “م�ستثمري����ن” �آخرين يقوم����ون ع����اد ًة بتوف��ي�ر امل����وارد املالي����ة ال�ضرورية لتنفي����ذ عملية االختطاف� ،إذ يتم التمويل نقد ًا وعرب نظام التحويالت املالية غري الر�سمي ،الأمر الذي ي�صعب «يف �أي� ٍ �د �أمين��ة؟» :معظم ع�صاب���ات القر�صنة ال�صومالية ال ته���دف حالياً �إىل �إحلاق ال�رضر بهي���اكل ال�سفن التي عملية تعق����ب �أماكن املبالغ املالية .ويعتقد تختطفها وال الرهائن ،فالهدف الأ�سا�سي هو رفع م�ستوى الفدية مقابل هذه «الأ�صول املادية» امل�سئول����ون عن تنفي����ذ القان����ون �إن الدعم ع����ام 2009ومنت�ص����ف عام � 2010س����وى خم�سة �أ�شخا�ص م����ن �أ�صل 1381 يف الأ�سا�س ي�أتي م����ن “زعماء” ع�صابات بحّ ار ًا اُخذوا كرهائن(.)20 ()16 املافيا يف ال�صومال ولبنان ودبي و�أوروبا . ويتمتع القرا�صن����ة ال�صوماليون ب�سهولة احل�صول على ت�شكيلة وا�سعة من مكافحة القر�صنة قبالة القرن الأفريقي :دور �شجّ ع القلق الدويل الأ�سلح����ة الب�سيط����ة واملتطورة ،مب����ا يف ذلك بندقيات الهج����وم والأ�سلحة �شركات الأمن اخلا�صة الر�شا�شة اخلفيفة منها والثقيلة وم�ضادات ال�سفن وقذائف �صاروخية (�آر املتنامي الذي ت�شكله مُع�ضِ لة القر�صنة قبالة �سواحل القرن الأفريقي بي جي) .ويبدو �أن م�صدر معظم هذه الأ�سلحة هي الأ�سواق غري ال�شرعية عدد ًا من �شركات الأمن اخلا�صة على تقدمي خدماتها حلماية ال�سفن وخمازن الأ�سلحة يف ال�صومال و�أثيوبيا وال�سودان� ،أو يتم �شرائها مبا�شرة التجارية التي تعرب املنطقة ،من �أبرزها �شركة �إو�س لإدارة املخاطر Eos م����ن جتار الأ�سلح����ة اليمنيني .ورغ����م تر�سانة الأ�سلحة ومع����دات وذخائر Risk Managementوهولوبوينت للحماية Hollowpoint Protection املعارك الت����ي متتلكها جماعات القرا�صنة ،لكن ه����ذه اجلماعات ب�صورة و�أنتي باير�سي ماريتامي �سكيورتي �سلو�شِ ن ز eAnti-Piracy Maritime S عام����ة تفتقر �إىل التقنيات عالية امل�ست����وى ،فمن النادر ا�ستخدام نظارات curity Solutionsو�سيكوبِك�س Secopexوجمموعة خليج عدن للنقل Gulf الر�ؤية الليلية و�أنظمة حتديد املواقع العاملية والهواتف التي تعمل بوا�سطة of Aden Group Transitsوجمموعة هارت ،Hart Groupوجمموعة الأقمار ال�صناعية ووحدات التعرّف الآيل على ال�سفن(.)17 �أوالي ف ،Olive Groupو�آي �إ�س �إ�س جي القاب�ضة املحدودة dISSG Hol ،ings Ltdوجمموعة ميوز بروف�شنل املتحدة Muse Professional Group �إن اله����دف الأ�سا�سي وراء الهجوم على ال�سف����ن وحمولتها هو ابتزاز املال ) (21 م����ن مالكي ال�سف����ن� ،إذ ي�صل الآن متو�سط مبالغ الت�سوي����ات ،كما �أ�شرنا ،Inc ،وزي �سِ رفي�سِ ز .Xe Servicesوبح�سب ما قاله املدير التنفيذي �إىل ح����وايل �أربعة ماليني دوالر ،وهو �ضعف ما كان عليه احلال قبل اثنني ل�شركة «�إو�س رِ�سك ماناجمنت» ديفيد جون�سون ،فقد زادت فر�ص العمل �أمام هذه ال�شركات �إىل �أكرث من ثالثة �أ�ضعاف ما كانت عليه منذ 2008 وع�شرين �شهراً .وق����د بلغ �إجمايل مبالغ الفدية التي امت�صتها الع�صابات ال�صومالي����ة الع����ام املا�ضي ما ُيق����در بخم�سني مليون���� ًا �إىل مائة وخم�سني (.)22 ملي����ون دوالر ،م����ن �ضمنه����ا �سبعة ملي����ون دوالر كفدية لل�سفين����ة اليونانية لق����د انخرطت �ش����ركات الأمن اخلا�صة ب�شكل عجي����ب يف �صناعة ال�سفن، “ماران �سنتاري�س” ( .)Maran Centarus)(18ومبا �أن الهدف الرئي�سي ُمدّعي����ة �إنها ُت�ش����كِّل عن�صر ًا حيوي���� ًا يف م�ضاعفة قوة الدوري����ات البحرية وراء احتجاز ال�سفن هو احل�صول على �أكرب مبلغ مايل ممكن ،ف�إن العنف املوج����ودة يف خلي����ج عدن ،وذلك من خالل تق����دمي احلماية املحرتفة التي عموم���� ًا لي�س �سمة من �سمات الهجمات (بعك�����س ما يح�صل قبالة �سواحل تتنا�س����ب ب�صورة فريدة م����ع متطلبات زبائنها اخلا�ص����ة .وقد ات�سع نطاق غرب �أفريقي����ا و�إندوني�سي����ا) ،ويف �أغلب احلاالت تك����ون معاملة الرهائن اخلدمات املعرو�ض����ة حالي ًا من تقدمي الن�ص����ح والتدريب لي�شمل عمليات جي����دة ن�سبياً ،ويب����دو �أن التقاري����ر ال�صادرة ع����ن �سوء معامل����ة الرهائن الدف����اع الفعالة (املميتة منها وغري املميت����ة) ،ومرافقة ال�سفن ،وعمليات وجتويعه����م بالإك����راه لي�س لها �أ�سا�س من ال�صح����ة( ،)19حيث مل يُقتل بني �إنق����اذ الرهائن .وما ينطوي عليه ح�ض����ور ال�شركات الأمنية اخلا�صة على
167
جيوبوليتيك ال�ساحة� ،أن مالكي ال�سفن لن يحتاجوا �إىل جتهيز طاقمهم بال�سالح( ،)23البحرية على مدار ال�ساعة يف منطقة ت�صل م�ساحتها �إىل �أكرث من مليوين وهو االعتبار املهم �إذ �أن معظم البحارة ب�صورة عامة ال يتقنون اال�ستخدام مي����ل مربع ،وت�شهد عبور م����ا يزيد عن ع�شرين �ألف �سفينة يف ال�سنة(.)25 املحك����م للأ�سلحة اخلفيف����ة ولي�س لديهم خربة يف القت����ال ،الأمر الذي ال وحتظى هذه الفك����رة بت�أييد مماثل من قبل مُالك ال�سفن الأوربيني ،ففي يُعرِّ�����ض ال�سف����ن للخطر ال�شديد فح�س����ب بل وحياة �أف����راد الطاقم الذين �أملاني����ا على �سبيل املثال ثمة توج����ه متزايد جتاه ت�أ�ش��ي�ر ال�سفن بالرايات يجدون �أنف�سهم يف موقف ال ميتلكون �سوى القليل من التدريب (�إن وجد) يف بل����دان الت�سجيل املفتوح حتى تتمكن القوات امل�ست�أجرة (املرتزقة) من للتعامل معه(.)24 الركوب يف ال�سفن املعنية حلماية طاقمها وحمولتها (الأمر الذي ال يجيزه وهناك عدد من الأطراف التي تدعم وبفعالية احل�ضور املتنامي ل�شركات القانون الأملاين)(.)26 الأمن اخلا�صة قُبالة �سواحل القرن الأفريقي ،ال�سيما الواليات املتحدة� ،إذ وق����د رحّ ����ب عدد من �ش����ركات الت�أم��ي�ن البح����ري بالرغب����ة املتنامية التي اعرتف اللواء البحري وليم غورتني ،قائد الأ�سطول اخلام�س ،ب�أن القوات تبديه����ا �شركات الأم����ن اخلا�صة يف خلي����ج عدن ،وقام بع�ضه����ا بتخفي�ض البحري����ة االئتالفية بكل ب�ساطة ال متتلك امل�صادر الكافية لتوفري الرقابة �أق�ساط الت�أمني كثري ًا (مبا يعادل )%40على ال�سفن التي ت�ستخدم رجال �أم����ن تابعني له����ا ،مُعارِ�ضة بذل����ك التوجه الذي يرى �أن مع����دالت الت�أمني ت�صاعدت مبا يعادل %400منذ .)27( 2008ويف �أواخر هذا العام �أطلقت �شركة ه����ارت غروب الربيطانية �أول عم����ل م�شرتك لها مع رغ��م �أن معظم حوادث القر�ص��نة حت�ص��ل حالي ًا بالقرب �إح����دى �ش����ركات الت�أمني ،حي����ث عر�ضت الأخ��ي�رة مبوجب ذل����ك تخفي�ضات يف �أق�ساط الت�أمني على ال�سفن التي تُبحِ ر من ال�س��واحل ال�ص��ومالية لكن الع�صابات �أظهرت قدرتها عرب مياه ال�صومال مُ�ستخِ دمة رجال �أمن الأوىل(.)28 عل��ى العم��ل بعي��د ًا ع��ن ال�س��احل يف �أعايل البح��ار ،فقد ورغ����م كل هذه النواح����ي الإيجابي����ة الداعمة ،ف�����إن هناك عدد ًا من احلج����ج �ضد ا�ستخدام �ش����ركات الأمن اخلا�صة متكن القرا�ص��نة ال�ص��وماليون -كما يُقال -من الو�ص��ول للقيام بواجبات �ضبط الأمن يف القرن الأفريقي .ف�أوالً ،مل تطوّر الكثري من ال�شركات حتى الآن قواعد وا�ضحة ل�ضبط �إىل جزر املالديف غرب ًا وقناة موزمبيق جنوب ًا عملي����ة التدخل الأمني �أو ت�سعى للح�ص����ول على اال�ست�شارة القانونية ملعرفة التبعات القانونية لعملية �إطالق النار على املجرم��ي�ن امل�شتبه به����م .فقد تتعر�ض �ش����ركات النقل البح����ري للم�ساءلة القانوني����ة ،ورمب����ا لتهم جنائية ،نتيجة لقتل �أو ج����رح امل�شتبه بهم ولو دون عمد(.)29 ثاني����اً ،الكث��ي�ر من الدول ال ت�سم����ح لل�سفن املُ�سلّحة بالدخ����ول �إىل مياهها الإقليمي����ة باعتب����ار ذل����ك يخال����ف حق «امل����رور ال��ب�ريء» .ونظ����ر ًا لوجود حر�����س م�سلح��ي�ن على منت ال�سفين����ة ،فمن املحتمل �أن تق����وم بتعزيز كثري م����ن التعقيدات القانونية وتكاليف �أي رحل����ة تت�ضمن التعريج على العديد م����ن املوانئ ،وهو حال معظم الناقالت التجاري����ة( .)30فم�صر تطلب من كل ال�سف����ن التجاري����ة التخلّي عن �أي �سالح متتلكه قب����ل الدخول �إىل قناة ال�سوي�س ،ما يتطلب فرتة عمل مكثف يرتاوح ما بني ثمان وع�شر �ساعات. كم����ا �أعلنت �أبو ظبي م�ؤخ����ر ًا �أنها تنوي م�ص����ادرة الأ�سلحة املوجودة على م��ت�ن �أي �سفينة مت����ر عرب مياهها الإقليمية ،الأمر ال����ذي قد ي�ؤخّ ر ال�سفن فرتة زمنية ت�صل �إىل �ست �ساعات(.)31 ثالث����اً ،وب�صورة عامة ،ال تق����وم دول حمطات الإ�ش����ارة التقليدية بت�سجيل ال�سف����ن الت����ي حتمل �أ�سلح����ة( ،)32وله����ذا من املحتم����ل �أن تُ�شجِّ����ع عملية حر�س م�سل����حٍ التحوّل �إىل البلدان التي توفر «الت�سجيل املفتوح» ا�ستخدام ٍ (�أو �ش����ارات املُالئم����ة )Flags of Convenienceمث����ل بالي����ز وهندورا�س وليبريي����ا وبنما وج����زر البهام����ا وبرمودا ،وكله����ا تتبع معاي��ي�ر ومتطلبات قانوني����ة �أك��ث�ر ت�ساهالً ،وهو توجه كما �أ�شرنا �سابق���� ًا بد�أ يظهر يف �أوروبا، 168
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
و�إذا ما ا�ستمر ف�إن����ه �سيوف ي�ؤدي �إىل تفاقم و�ضع الن�شاط البحري الذي هو يف الأ�صل غام�ض وغري منظم(.)33 رابع����اً ،تعت��ب�ر �أج����ور �شركات الأم����ن اخلا�ص����ة باهظة� ،إذ ت�ص����ل تكاليف احلرا�س����ة املرافق����ة اخلارجية والقوية من ع�ش����رة �آالف �إىل خم�سني �ألف دوالر ،وذلك يتوقف على طول الرحلة البحرية .يف حني �أن تكلفة قوة �أمن ال�سفين����ة املكونة من ثالثة �أ�شخا�ص ت�ص����ل �إىل واحد وع�شرين �ألف دوالر يومي���� ًا( .)34ورغم �أن مالكي �ش����ركات الت�شغيل الكربى قد يكونون قادرين على حتمّل مثل هذه النفقات ،لكن ذلك يفوق كثري ًا مقدرة حتمل �شركات النق����ل البحري اخلا�صة ال�صغرى ،وهي ال�ش����ركات التي -ل�سوء احلظ - �أك��ث�ر عر�ضة لهجمات القر�صن����ة يف القرن الأفريقي ،حي����ث ت�شكل حالي ًا ثلثي �إجمايل ال�سفن التي تعر�ضت لالختطاف يف املنطقة(.)35 خام�ساً ،ق����د تت�سبب �شركات الأمن اخلا�صة يف �إح����داث �سباق ت�سلح غري مق�ص����ود م����ع القرا�صنة ،مُع ِّر�ض����ة بذلك ال�سفن �إىل خماط����ر �أكرب ملا قد يح����دث من تبادل �إطالق نار �شر�س .وق����د ذكرنا �آنف ًا �أن معظم ع�صابات القر�صن����ة يف الوقت احل����ايل ال تهدف �إىل �إحلاق ال�ض����رر بهياكل ال�سفن الت����ي تختطفها وال الرهائن ،فاله����دف الأ�سا�سي هو رف����ع م�ستوى الفدية مقاب����ل هذه «الأ�ص����ول املادية»( .)36ولك����ن �إذا ما واج����ه القرا�صنة �سفن ًا م����زودة بو�سائ����ل �أمنية ثقيل����ة الت�سليح ،فثمة احتمال كب��ي�ر �أن ينتقلوا من ه����ذا امل�ستوى من العن����ف �إىل م�ستوى �أعلى و�أن يُغريوا على ال�سفن بق�صد ا�ستخدام قوة �ضارية �ضد من يقف يف طريقهم .فيجب الأخذ يف االعتبار، كم����ا جاء على ل�س����ان �سايرو�س م����ودي� ،أحد كبار م����دراء املكتب البحري ال����دويل ،ماذا «لو �أ�شه����ر �أحد ما على منت �سفينة بندقيت����ه ،فهل �سيُ�شهِ ر اجلان����ب الآخر قنبلة يدوية؟»( .)37ومثل هذا املنظور بالفعل �أ�شعر مالكي ال�سف����ن باخلطر ،ويتم «بكل �سرور» دفع الفدية ب����د ًال من حتمّل التكاليف
الت����ي ق����د تنتج عن الت����ورط يف قتال ي�����ؤدي �إىل �ضياع ال�سفين����ة وحمولتها و�أفراد طاقمها(.)38 �أخرياً ،لي�����س هناك مكان ت�سجيل عام لكل ال�ش����ركات املختلفة التي تزود ال�سف����ن التجاري����ة باحلرا�س امل�سلحني ،وبالتايل م����ن ال�صعب التدقيق يف معايريها وموظفيه����ا .ويف معظم احلاالت ت�ضطر �شركات النقل البحري لالعتماد على �أ�سلوب الإقناع الذي تتبعه �شركات الأمن اخلا�صة ،وهذا ال يبدو �أنه ميثل �أ�سا�س ًا يُعط����ي تقييم ًا مو�ضوعي ًا مل�ستوى الأمن(� .)39إ�ضافة �إىل ذل����ك ،ومب����ا �أن مالك����ي �شركات النق����ل ي�سع����ون �إىل تخفي�ض تكاليف الت�شغي����ل العامة �إىل �أدن����ى م�ستوى ممكن ،فالأرجح �أن����ه �سيتم ا�ستخدام ال�شرك����ة الأرخ�����ص .ويف ظل غياب �إج����راء فح�ص ر�سم����ي ،فلي�س هناك و�سيل����ة للت�أك����د من �أن ه����ذا ال�سعر فع ًال مرب����ح ب�أقل تكلف����ة �أم �أنه جمرد عاك�����س لـ «ذباب����ة تطري لي ًال يف لبا�����س راعي بقر» (�أي �أن����ه بعبارة �أو�ضح جمرد «�ضحك على الذقون» لك�سب الربح املرتجم )(.)40
(
)
ظل����ت ظاه����رة القر�صن����ة لف��ت�رة طويل����ة اخلامت��ة من وي��ل�ات املا�ضي ،لكنها اليوم توا�صل ازدهاره����ا قبالة �سواحل منطقة القرن الأفريقي .و�أ�صبحت ع�صاباتها متتلك تر�سانة كبرية من الأ�سلحة، وم�ستعدة للعم����ل على بعد م�سافات من ال�شاطئ ،بل وقادرة على مهاجمة �أك��ب�ر الناقالت البحرية التي جتوب املحيطات .ومع �أن ا�ستخدام �شركات الأم����ن اخلا�ص����ة يعترب نوع���� ًا من الق����وة الرادعة ،لكن يب����دو �أن التكاليف املحتملة مقابل ا�ستئجار هذه ال�شركات يفوق كثري ًا معدل الفوائد .عالوة على ذلك ،لي�س لهذه ال�شركات الأمنية �أي ت�أثري على «العوامل الدافِعة» يف ال�صوم����ال ،وهي العوامل التي تغذي جذور امل�شكلة ،خا�صة الفقر وانعدام التنمية ،وقبل كل �شيء غياب احلكم املحلي.
الهوامـــ�ش ( )1املكتب البحري الدويل ،القر�صنة وال�سطو امل�سلح يف البحر :التقرير ال�سنوي لع���ام ( 2009لن���دن :الغرفة التجاري���ة الدولية)2010 ،؛ املكت���ب البحري الدويل، القر�صن���ة وال�سطو امل�سلح على ال�سفن :تقرير للفرتة 1كانون الثاين/يناير – 30 حزيران/يونيو ( 2010لندن :الغرفة التجارية الدولية.)2010 ، ( )2كارول�ي�ن باندل وكيفن كرويل�« ،إغراق القرا�صنة ال�صوماليني �سفينة كبرية يرفع م�صاريف الت�أمني �إىل عنان ال�سماء» ،بلومبريغ� 2 ،آب�/أغ�سط�س .2010 ( )3برون���و �سكيم�سك���ي« ،مد القر�صن���ة املت�صاعد :تطور القر�صن���ة ال�صومالية وتنوعها» ،جينز �إنتليجن�س ريفيو 20 ،كانون الثاين/يناير .2009 ( )4كريين باكهو�س« ،القر�صنة يف �إقليم بونت الند ال�صومايل» ،موقع OilPrice. �،comأ � 12أيار/مايو .2010 ( )5تعت�ب�ر مدينة بو�صا�صو �أي�ض ًا م�أوى لع�صابات القر�صنة ،لكنها لي�ست قاعدة عملي���ات يف ح���د ذاتها� .أم���ا كي�سمايو فكان���ت ذات مرة وكر ًا ب���ارزاً ،لكن معظم اجلماع���ات تركت هذه املدينة من���ذ �أن �سيطرت عليها حرك���ة ال�شباب قبل ب�ضع �سنوات. ( )6بي�ت�ر �شولك« ،القر�صنة قبالة منطقة القرن الأفريقي»� ،2010 ،ص .92 – 91 �أنظ���ر �أي�ضاً� :ستيغ هان�سن ،القر�صنة يف خليج عدن الأعظم :الأ�ساطري والأوهام واحللول (�أو�سل���و :املعهد الرنويجي للبحوث املدني���ة والإقليمية .)2009 ،اجلدير بالذكر �أن هناك عدد ًا من الع�صابات ال�صومالية قامت بتجنيد عنا�صر جدد من �شتى ال�سالالت لت�ضمن وجود الأف�ضل والأكرث خربة يف �صفوفها.
( )7تعار����ض حركة ال�شب���اب ب�شدة القرا�صنة ال�صومالي�ي�ن ،وتعتربهم ل�صو�ص ًا خمالف�ي�ن للمب���ادئ الإ�سالمي���ة .و�أثناء فرتة احلك���م الق�صرية الحت���اد املحاكم الإ�سالمي���ة انخف�ض���ت ن�سب���ة ظاه���رة القر�صن���ة كث�ي�ر ًا يف ال�صوم���ال ،وتعهدت حرك���ة ال�شباب بالتح���رك مبا�شرة جتاه ت�صفية �أي ع�صاب���ات تعمل يف ال�سواحل ال�صومالي���ة �إذا م���ا �سيط���رة احلركة كام�ل�اً على البل���د .وثمة تقاري���ر عن قيام بع����ض الع�صابات بتقا�سم الفدى م���ع املتمردين الإ�سالميني م���ن �أجل احل�صول عل���ى املزيد من الأ�سلحة القوية ،لكن لي�س هناك دليل مادي يدعم هذه املزاعم. ع�ل�اوة عل���ى ذلك ،ل���دى القرا�صنة ال�صومالي���ون م�صادر �سالح م���ن قبل ،منها اليمني�ي�ن امل�سلح�ي�ن و�أ�سواق/خمازن ال�سالح غ�ي�ر ال�شرعية يف �ش���رق �أفريقيا، خا�ص���ة يف ال�س���ودان و�أثيوبيا .وملزيد م���ن التفا�صيل حول العالق���ة املزعومة بني القرا�صن���ة واملتمردين يف ال�صومال ،انظر :جيفري غيتلمان« ،يف احلرب الأهلية ال�صومالي���ة :كال الطرف�ي�ن يحت�ضنان القرا�صن���ة»� ،صحيفة نيوي���ورك تاميز1 ، �أيلول�/سبتمرب .2010 ( )8مقاب�ل�ات �شخ�صية مع متخ�ص�صني بحريني ،كوبنهاجن ،الدمنارك� ،آذار/ مار�س .2010 ( )9مقابل���ة �شخ�صية مع م�سئول الق���وات البحرية امللكي���ة الأ�سرتالية ،كانبريا، �أ�سرتاليا ،متوز/يوليو .2010انظر �أي�ضاً« :حماربة ظاهرة القر�صنة قبالة القرن الأفريقي :ال�شراكة وخطة العمل» ،جمل�س الأمن القومي الأمريكي ،كانون الأول/ دي�سمرب .2008 العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
169
اجتاهات عاملية
جيوبوليتيك ( )10مقاب�ل�ات �شخ�صية م���ع متخ�ص�ص�ي�ن بحريني ،كوبنهاج���ن ،الدمنارك، �آذار/مار����س 2010؛ املكت���ب البحري ال���دويل“ ،القر�صنة وال�سط���و امل�سلح على ال�سف���ن :تقرير للفرتة كان���ون الثاين/يناي���ر – 30حزيران/يونيو ( 2010لندن: الغرفة التجارية الدولية� ،)2010 ،ص .21 – 20 ( )11روب���رت وورث“ ،القرا�صنة يحتج���زون ناقلة �سعودية قبالة �سواحل كينيا: �أك�ب�ر �سفينة تُخ َتط���ف”� ،صحيفة نيوي���ورك تاميز 18 ،ت�شري���ن الثاين/نوفمرب 2008؛ �ش���ارون �أوترم���ان وم���ارك ماكدونال���د“ ،الناقل���ة العمالق���ة تر�سو قبالة ال�صومال”� ،صحيفة نيويورك تاميز 19 ،ت�شرين الثاين/نوفمرب .2008 ( )12مقاب�ل�ات �شخ�صي���ة م���ع م�سئ���ول الق���وات البحري���ة امللكي���ة الأ�سرتالي���ة ومتخ�ص�ص�ي�ن بحري�ي�ن ،كانب�ي�را� ،أ�سرتالي���ا ،متوز/يولي���و 2009وكوبنهاجن، الدمن���ارك� ،آذار/مار�س .2010بينم���ا تقبع ال�سفينة يف ر�صيف امليناء ،يتم �أخذ امل�ؤن من الباعة املوجودين على ال�ساحل .يف كثري من احلاالت� ،أنع�شت القر�صنة العم���ل املحل���ي يف �أوكار القر�صن���ة مثل �إيل وج���ارارد ،وال ي�شع���ر معظم ال�سكان املحلي�ي�ن يف هذه املجتمعات بدافع كب�ي�ر يحفزهم على ا�ستئ�صال هذه املمار�سة (باعتبارها م�صدر احلياة االقت�صادية). ( )13هن���اك بع����ض ال�سفن حمتجزة يف منطقة هوبو (عل���ى �ساحل بونت الند) ومنطقة هوبيو. ( )14هن���اك ما يقارب �أربعة ع�شر ق���وة بحرية دولية وفرقة جماعية من حوايل ثالث�ي�ن �سفينة تقوم بدوريات حرا�سة يف خلي���ج عدن �أو بالقرب منه .ومن بينها انت�ش���ارات �أحادي���ة اجلانب وق���وات �إئتالفية تعم���ل برعاية قوة امله���ام اخلا�صة امل�شرتكة ،151و�أ�سطول “�أتالنتا” ال�صغري التابع لالحتاد الأوروبي ،وقوة عملية درع املحيط التابعة حللف �شمال الأطل�سي (النيتو). ( )15هان�سن� ،ص .38 (� )16شول���ك“ ،القر�صنة قبالة منطقة القرن الأفريقي”� ،ص 91؛ باتريك ميو، “ال�ش���ركات الكيني���ة حتقق �أرباح ًا طائلة من ظاه���رة القر�صنة”� ،صحيفة ديلي ني�ش���ن 23 ،متوز/يوليو 2010؛ جين���دي كي�سرو“ ،لغز تهريب 164مليار �شلن �إىل كيني���ا”� ،صحيف���ة ديلي ني�ش���ن 9 ،حزيران/يونيو 2010؛ رميون���د غلنب ،ح�ساب تكالي���ف القر�صنة ال�صومالية (وا�شنط���ن العا�صمة :معه���د ال�سالم الأمريكي، � ،)2009ص .2 ( )17مقاب�ل�ات �شخ�صي���ة م���ع متخ�ص�ص�ي�ن يف الأم���ن البح���ري ،كوبنهاجن، الدمنارك� ،آذار/مار�س .2010 (“ )18القرا�صن���ة ي�سيطرون على �سفينة �شحن ل�سنغافورة يف خليج عدن” ،بي ب���ي �سي 28 ،حزيران/يونيو 2010؛ تري�ستان مكوني���ل“ ،احتدام املعركة يف ب�ؤرة القر�صن���ة على فدية مببلغ 7مالي�ي�ن دوالر” ،التاميز 19 ،كان���ون الثاين/يناير .2010 (� )19شول���ك“ ،القر�صنة قبالة منطقة القرن الأفريقي”� ،ص 93؛ انظر �أي�ضاً: جيف���ري غيتلم���ان“ ،القرا�صنة ال�صومالي���ون ي�سيطرون على م���ا يقارب خم�س �سفن �إ�ضافية”� ،صحيفة نيويورك تاميز 7 ،ني�سان�/أبريل .2009 ( )20القر�صنة وال�سطو امل�سلح على ال�سفن :التقرير ال�سنوي لعام � ،2009ص13؛ القر�صنة وال�سطو امل�سلح على ال�سفن :تقرير الفرتة 1كانون الثاين/يناير – 30 حزيران/يونيو � ،2010ص .11 (�“ )21ش���ركات الأمن اخلا�ص���ة تدعى ملحاربة القر�صن���ة ال�صومالية” ،جملة ذا ا�سرتاتيج���ي� 10 ،أيلول�/سبتم�ب�ر 2009؛ كاثرين هورلد�“ ،ش���ركات ت�ست�أجر “راكب�ي�ن” �ض���د القرا�صنة ال�صوم���ال”� ،أ�سو�شيتيد بر����س 5 ،حزيران/يونيو 2009؛ �سان���درا جونت���ز“ ،ا�ستئجار م�سلحني ي�ؤمنون ال�سفن يثري اجلدل”� ،ستار �آند �سرتايبز� 15 ،شباط/فرباير .2010 (“ )22املهاو�شة واملناو�شة يف املياه العكرة” ،الإيكونومي�ست� 20 ،آب�/أغ�سط�س .2009 ( )23انظ���ر عل���ى �سبي���ل املث���ال”“ :ال�سف���ن بحاج���ة �إىل حر����س م�سل���ح”، كم���ا ق���ال �أح���د ر�ؤ�س���اء �ش���ركات الأم���ن” ،موق���ع ،FeralJundi.com 170
ا�سرتاتيجية
20ت�شرين الأول�/أكتوبر .2008 ( )24مقاب�ل�ات �شخ�صية مع م�سئويل الدفاع والأمن البحري ،لندن� ،أيار/مايو .2009 ( )25جاكل�ي�ن ب���ورث“ ،القر�صن���ة قبال���ة الق���رن الأفريق���ي ته���دد جه���ود الإغاث���ة والتج���ارة” ،موق���ع �أم�ي�ركا دوت غ���وف ،America.gov 31ت�شرين الأول�/أكتوبر .2008 ( )26باتري���ك هيغن“ ،مُ�ل�اك �أملان يتبادل���ون ال�شارات حلماي���ة القرا�صنة”، لويدز لي�ست 14 ،حزيران/يونيو .2010 (�“ )27شركات الأمن اخلا�صة تن�ضم �إىل املعركة �ضد القرا�صنة ال�صوماليني”، فوك����س نيوز 26 ،ت�شرين الأول�/أكتوب���ر 2008؛ “الت�أثري االقت�صادي للقر�صنة يف خلي���ج عدن على التجارة الدولي���ة” ،وزارة التجارة الأمريكي���ة ،من دون تاريخ؛ “القر�صنة قد ت�ضيف 400مليون دوالر لتكاليف تغطية الت�أمني” ،ليودز لي�ست، 21ت�شرين الثاين/نوفمرب .2008 (�“ )28شركات الأمن اخلا�صة تن�ضم �إىل املعركة �ضد القرا�صنة ال�صوماليني”؛ “ارتفاعات حمتملة يف معدالت ال�شحن ت�ؤثر على رحالت العبور يف خليج عدن”، جمموعة غري�سون ليهرمان� 29 ،أيلول�/سبتمرب .2008 (�« )29شركات الأمن اخلا�صة تن�ضم �إىل املعركة �ضد القرا�صنة ال�صوماليني»؛ هوريلد؛ جونتز. ( )30انظ���ر عل���ى �سبيل املث���ال :نِك بالكمور« ،خ���دع جديدة :درا�س���ة تكتيكات مكافحة القر�صنة» ،جينز �إنتليجين�س ريفيو 21 ،كانون الأول/دي�سمرب .2009 (« )31قان���ون ال�سوي�س لل�سالح يقب�ض على حاملي���ه» ،جملة �أمريكان �شيرب12 ، �آب�/أغ�سط�س .2010 ( )32انظ���ر على �سبيل املثال :بيرت �شول���ك ،ولورن�س �سموملان ونيكوال�س بريغر، مواجه���ة ظاه���رة القر�صن���ة يف الع�ص���ر احلدي���ث :مالحظات م���ن ور�شة عمل عقدته���ا م�ؤ�س�سة ران���د ملناق�شة �أف�ضل ال�سب���ل للتعاطي م���ع القر�صنة يف القرن احل���ادي والع�شرين (�سانتا موني���كا ،كاليفورنيا :م�ؤ�س�سة ران���د� ،)2009 ،ص 5؛ و«ال�سفن حتتاج �إىل حر�س م�سلح». ( )33للح�ص���ول على حتليل مه���م حول فائدة بلدان الت�سجي���ل املفتوح وتفاعلها املحتم���ل مع اجلرمية والإره���اب ،انظر :كاثرين ميل���درم« ،املياه العكرة :متويل الإرهاب البحري واجلرمية» ،جينز �إنتليجين�س ريفيو� 15 ،أيار/مايو .2007 ( )34مقاب�ل�ات �شخ�صي���ة ،املكت���ب البحري ال���دويل ،لن���دن� ،أيار/مايو ،2009 وم�ست�ش���ار الأمن اخلا�ص ،هون���غ كونغ� ،شباط/فرباير .2010انظ���ر �أي�ضاً :تيم في����ش�« ،شركات الأمن اخلا�صة تزيد من اخلي���ارات يف خليج عدن» ،جينز نايف �إنرتنا�شيونال� 18 ،آب�/أغ�سط�س .2010 (� )35شولك� ،سموملان وبريغر� ،ص .3 ( )36غيتلم���ان« ،القرا�صنة ال�صوماليون ي�سيطرون على ما يقارب خم�س �سفن �إ�ضافية»؛ بالكمور. (� )37ساير����س موود ،مقتب�س من «�ش���ركات الأمن اخلا�صة تن�ضم للمعركة �ضد القرا�صنة ال�صوماليني». ( )38مداخ�ل�ات يف« :مواجه���ة ظاه���رة القر�صنة يف الع�ص���ر احلديث� :أف�ضل ال�سب���ل للتعاطي مع القر�صنة يف القرن احلادي والع�شرين» ،ور�شة عمل عقدتها م�ؤ�س�سة راند ،البنتاغون �سيتي ،والية فرجينيا� ،آذار/مار�س .2009 ( )39هوريل���د؛ �ستيفن جونز« ،تداعيات و�آثار الأم���ن البحري على عمل و�إدارة ال�سف���ن» ،يف :روب���رت هريبرت-برينز ،و�سام بيتمان وبيرت ل�ي�ر ،كتاب �أم �آي يو لويد للأمن البحري (لندن� :سي�.آر�.سي بر�س� ،)2009 ،ص .107 (� )40أ�ص���درت اجلمعية الدولية للمقاولني البحري�ي�ن ( )IMCAقائمة ب�سيطة لتقييم مدى مالئمة �شركات الأمن اخلا�صة .وحتتوي وثيقة الفح�ص على بع�ض امل�سائ���ل مثل هيكل���ة ال�شركة املتعاق���دة ،ومعايري التوظيف و�إج���راءات التدريب وكفاءة حر�سها .ورغم فائ���دة هذه القائمة �إال �أنها تغفل م�س�ألة التقييم الذاتي، وهو ما قد يجعلها تفتقر للدقة.
�أفكار ور�ؤى عابرة للحدود
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب
2010
ا�سرتاتيجية
171
اجتاهات عاملية
العالقات الدولية
من الواقعية �إىل ما بعد الإن�سانية
الواق���ع العاملي يع�ب�ر عن مرحلة �إنتقالية ،تتميز بها معظم امللف���ات الدولية� ،إن مل نقل ال�سيا�سة العاملية ،والق�ضايا املطروحة عاملي ًا كالإرهاب ،والأ�سلحة النووية ،والبيئة ،والفقر ،و�إ�صالح الأمم املتح���دة ،وحق���وق الإن�سان ،والعوملة...الخ ،كل تلك الق�ضايا جتعلن���ا نت�ساءل عن الواقع النظري املُف�سِّ ر لق�ضايا العامل؟ �ســالم الرب�ضـــي
للبيئة .1998وحمالت �إلغاء ديون الدول الفقرية .وكذلك ت�أثري ال�شركات ع��ب�ر الوطنية يف االقت�صاد العاملي ،يعك�س واق����ع طبيعة العالقات الدولية املعا�ص����رة .كما �إن الق�ضايا العالقة او امل�ش����كالت الدولية تهم العامل كله، ومل تعد وقف ًا على الدول بذاتها .وطبيعة تلك الق�ضايا �أو الظواهر ،خرجت عم����ا هو م�ألوف يف العالقات الدولية ،فمث ًال م�شاكل البيئة هي م�شكلة بني الإن�سان والطبيعة .ولي�ست م�شكلة بني الدول ،وذلك من خالل الت�شخي�ص الدقيق لتلك الظاهرة. وفيم����ا يتعلق بظاهرة الإرهاب ،فنح����ن �أمام وقائع تتم لي�ست على �أيدي دول� ،إمن����ا على �أي����دي منظمات �أو �شبكات �أو �أفراد غ��ي�ر معروفة العنوان �أو الهوي����ة� .أو حت����ى لي�س لها مرك����ز واحد ل�صنع الق����رار .وبالتايل فنحن �أم����ام عالقات دولية جدي����دة ال تزال يف طور الإكت�ش����اف ،وهذا النوع من العالق����ات يتناق�ض مع منطق العقل التقليدي ،مما ي�ؤدي �إىل ت�آكل مفهوم الدول����ة التقلي����دي .بالإ�ضاف����ة �إىل التغيري الذي يح�ص����ل يف مواجهة تلك الظاهرة ،ومن هنا ت�أتي �إ�شكاليات تعريف الإرهاب والعدوان. وبنظرة للواقع العاملي ،نرى �أنه حدث حتول كبري ملفهوم الأمن اجلماعي �أو العامل����ي ،بحيث مل تع����د النظرة الكال�سيكية املرتك����زة على حتقيق �أمن
الدولة الأمن ال�سيا�س����ي باملعنى ال�ضيق ،هي التي حتكم واقعنا ،بل �أ�صبح مفهوم الأمن الإن�ساين بجميع �أبعاده االقت�صادية ،الثقافية ،االجتماعية، ال�سيا�سي����ة ،هو ال�سائد يف ع�صرنا احلا�ض����ر .فالأمن مل يعد يقا�س مبدى تقلي�ص التهدي����دات بل مبدى اال�ستجابة للحاجي����ات الأ�سا�سية للإن�سان. و�أ�صب����ح مفهوم التنمية امل�ستدامة اكرث رواج����اً ،وهو الذي يحاول التوفيق ب��ي�ن تلك احلاجيات الأ�سا�سي����ة للإن�سان ،وبني قدرة البيئ����ة على تلبيتها، وفق���� ًا ملبد�أ املحافظ����ة على �إمكان����ات �أر�ضنا م����ن �أجل �إ�ستف����ادة �أحفادنا منها. بني����ة املجتمع العاملي املعا�صر ت�ضعنا �أمام ت�س����ا�ؤل حول نظرية الواقعية يف العالق����ات الدولية ،فالواقعية ترى الع����امل على هيئة نظام تُهيمن عليه الدول����ة ،وهدف هذه الأخرية حتقي����ق الأمن والقوة وال�سل����م .لكنها اليوم مل تع����د هي حم����ور النظام وحده����ا ،و�أمام هذا الواقع جن����د انف�سنا �أمام حالتني: .1ح���ال تخ�ض���ع لدواف���ع تقليدي���ة يف البح���ث ع���ن الق���وة وامل�صال���ح وال�سيادة. .2حال تخ�ضع لدوافع اال�ستقاللية وجتاوز الدول.
jordani_alrabadi@hotmail.com
لقد بتن���ا ن�شهد حتوالت عميقة يف بنية املجتم���ع العاملي ،حيث انتقلنا من املجتمع ال�صناعي �إىل جمتمع املعرفة ،بالرتافق مع �صعود ما ي�سمى باقت�صاد املعرفة ،بالإ�ضافة لإنتقالنا من الثنائية القطبية �إىل الأحادية الن�سبية ،واالنتقال من احلداثة �إىل ما بعد احلداثة .ولقد انتقلنا �أي�ض ًا م���ن مفهوم جمتم���ع الأمن الن�سب���ي �إىل مفهوم جمتم���ع اخلطر ،خطر التل���وث البيئي ،الإرهاب ،جنون البقر ،الب���ذور امل�سرطنة ،اال�ستن�ساخ، التقنيات احليوية..الخ. وم���ن الوا�ضح �إن كل تل���ك املتغريات واملعطيات عل���ى ال�صعيد العاملي ت�ضعن���ا �أمام ت�سا�ؤل حول نظرية الواقعي���ة يف العالقات الدولية القائمة عل���ى ن�سق وتوازن دولي�ي�ن .ويق�ص���د بالن�سق الدويل انتظ���ام �آيل يعرب ع���ن طبيعة العالقة بني الدول ،وه���ذه العالقة خا�ضعة لنوع من التوازن تعرب عن واقع القوة .وم���ا مييز تلك الطروحات النظرية �إرتكازها على مبد�أين: .1مبد�أ الدولة الالعب الوحيد على ال�صعيد الدويل. .2مبد�أ القوة� ،أي توازن دويل قائم على القوة املادية. ولكن من خالل حماكاة الواقع العاملي املعا�صر ،جند �أنه �أ�صبح زاخر ًا 172
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
بكثري م���ن التطورات وعلى كاف���ة الأ�صعدة ،الذي يلزمن���ا التوقف عند بع�ض املعطيات التي ميكن التعبري عنها بال�س�ؤالني التاليني :هل ما زالت الدولة وحدها القادرة على حتديد العالقات الدولية؟ وهل ميكن حتليل هذا الواقع امل�ستجد من خالل الإرتكاز على معيار القوة املادية فقط؟ �إن �أكرب �إ�شكالية �أوالً :على �صعيد الدولة مطروحة يف ع�صر العوملة هي جدلية العالقة بني الدولة والعوملة ،لدرجة �أن كثري ًا من النظريات تب�شر بزوال الدولة �أو ت�آكل و�أفول مكانتها .وكثري م����ن الق�ضايا التي جتعل من مقولة “الدولة الالعب الوحيد يف العالقات الدولي����ة” هي مو�ض����ع ت�سا�ؤل؟ �سواء عل����ى �صعيد الفاعل��ي�ن� ،أم من باب طبيعة الق�ضايا العالقة ،فهناك تزايد لنفوذ فاعلني غري دوليني �أ�صبحوا حمددين رئي�سيني للعالقات الدولية كاملنظمات غري احلكومية ،الأفراد، ال�شركات عرب الوطنية ،امل�ؤ�س�سات الإعالمية. ت�أكي����د ًا عل����ى هذا الو�ضع ميك����ن مراجعة ومتابعة الكث��ي�ر من الأحداث منذ منت�صف الت�سعينيات من القرن الع�شرين كمفاو�ضات جولة الدوحة ل����ـ “ منظمة التجارة العاملي����ة” لرنى ت�أثري املجتمع امل����دين ،واالتفاقيات الدولية كـ “ حظر الألغام” “ ،1997التنوع البيولوجي” “ ،2000كيوتو” �سالم الرب�ضي باحث يف العالقات الدولية ,الأردن.
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
173
اجتاهات عاملية
ُف�س لق�ضايا العامل النووية ،باتت تدفع الكثريين للت�سا�ؤل عن الواقع النظري امل ِرّ
الق�ضايا املطروحة عاملياً كتلوث البيئة ،والإرهاب ،والفقر ،وحقوق الإن�سان ،والأ�سلحة
174
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ME Archive, Flickr, Google
امل�شكلة ال تكمن ثانياً :على �صعيد القوة يف مدى �أهمية القوة يف ال�سيا�سة العاملية ،و�إمنا حول �إمكانية تف�سري �أمناط القوة و�أ�ش���كال �إ�ستمرارها باالعتماد فقط على االعتبارات املادية فقط�.أم يجب �أي�ضاً ،الرتكيز و�إدراج اجلوانب الثقافية عند التحليل؟ فالتفاعل على امل�س���رح الدويل هو تفاعل ثقايف ولي�س تفاع ًال مادي ًا فقط ،ف�إذا �أخذنا �أكرث الق�ضايا �سخونة على امل�ستوى العاملي كالإرهاب ،والأ�سلحة النووية ،والبيئة، ال ميك���ن �إيجاد مقاربة نظرية لها ،بعيد ًا من البعد الثقايف �سواء يف حتليلها �أو حلولها. فق�ضي���ة الأ�سلح���ة النووي���ة مل تعد مطروحة م���ن منطلق وج���ود الأ�سلحة النووية بحد ذاتها� ،إمنا الأهم يف كيفية فهم وجود هذه الأ�سلحة؟ فالواليات املتح���دة ال تقلق كثري ًا من امت�ل�اك دول مثل بريطاني���ا �أو فرن�سا للأ�سلحة النووي���ة ،على عك�س موقفها من �إيران �أو كوب���ا� ،أو ليبيا �أو كوريا ال�شمالية. كما �إن ق�ضية الإرهاب منذ احداث � 11أيلول�/سبتمرب تعطي دالالت جديدة لي����س �أقلها التعبري ع���ن �إنبثاق الثقاف���ة كعامل �أ�سا�س���ي يف حتليل وحتديد العالق���ات الدولي���ة .والعومل���ة باملفهوم الوا�س���ع �أ�صبحت م�سكون���ة بهاج�س التعاي�ش الثقايف ،ال باالقت�صاد والتكنولوجيا فح�سب ،فنحن �أمام مفهومني نقي�ض�ي�ن )1 :مفهوم الإمربيالية الثقافية ويق�صد بها ح�صر ًا “الإمربيالية الثقافي���ة الأمريكي���ة” .و )2مفهوم الأ�صولية الثقافي���ة ،ممثلة بالأ�صوليات الدينية ،كالأ�صولية الإ�سالمية اليوم ,كم���ا الأ�صولية الأرثوذك�سية البارحة والكاثوليكية من قبلها .وبالتايل ،ف�إن م�س�ألة الإرهاب ال ميكن �إيجاد مقاربة لها وفق ًا ملبد�أ القوة املادية (التوازن). وفيم���ا يخ�ص م�س�ألة البيئ���ة والتنمي���ة امل�ستدامة ،ف�إنها تط���رح وب�إحلاح م�س�أل���ة القي���م وحتوالته���ا ،فل���م تع���د الق�ضية تق���ف عند حدود ال���دول بل �أ�صبح���ت مرتك���زة �إىل الإن�سان بذات���ه .فالبيئة وخماطره���ا تعك�س عالقة الإن�س���ان ب�أر�ض���ه ،وق�ضاي���ا التنمية امل�ستدام���ة والفقر ،فلم يع���د بالإمكان �إيج���اد حلول لها على �صعي���د الدول فقط .وامل�س�ألة لي�س���ت مطروحة عملي ًا وعلمي��� ًا بني دول غنية ودول فقرية ،بل بني �إن�سان فقري و�آخر غني ،وتقارير الأمم املتحدة زاخرة يف حتليل هذا الواقع ،كما �إن التنمية امل�ستدامة قائمة عل���ى هاج�س ال�س�ؤال الآتي :كيف ميكننا و�ضع ح���د النتهاك املوارد القائمة الذي قد يق�ضي نهائي ًا على �إمكانيات التنمية امل�ستدامة؟ وهل ميكن حدوث
ذل���ك للحفاظ على حظوظ الأجيال القادمة ،من دون عقد ثقايف �أخالقي؟ وما ه���ي ال�سبل التي منلكه���ا ملواجهة متطلبات �أخالقي���ة و�إن�سانية تت�ضمن �إطار ًا عام ًا للأمن الب�شري؟ البع����د الثقايف �أ�صبح يف �صل����ب التحوالت العاملية ،و�إ�ستدع����ا�ؤه يف التحليل �ضروري لفهم هذه الدينامي����ات اجلديدة التي يتحول بها العامل .و�إذا كانت العالق����ات الدولية قائمة على امل�صالح و�ستبقى كذلك يف كثري من املجاالت، لكن ال بد م����ن درا�سة املثل وهويات الدول ولي�س فقد امل�صالح ،فالهوية تعرب ع����ن الواقع االجتماعي (من هم الفاعل����ون)� ،أما امل�صالح فتعرب عن الرغبة وعن م����اذا نريد ،وبالتايل فالهوية ت�سبق امل�صال����ح ،حيث ال�شخ�ص ال ميكن �أن يح����دد م����ا هي رغبات����ه و�أهدافه وم�صاحله م����ن دون معرفته هويته (من هو) �أوالً. �إن التحدي����ات العاملية اجلديدة ،تتطلب �أجوبة جديدة� ،أي علينا �أن نعرف م����ا �إذا كان الع����امل اجلديد الذي تر�سم مالحمه ،يفرت�����ض منا �إعادة تقومي جذرية للعق����ود االجتماعية التي ت�ش����كل عماد جمتمعاتن����ا املحلية والعاملية؟ وتلك التحوالت ال�شاملة ت�ستوجب جهد ًا �إ�ضافي ًا على ال�صعيد النظري ،فهل نحن يف حاجة لن�سق فكري جديد؟ م����ن الوا�ضح �أن الإن�ساق الفكرية املغلقة على طراز مقولة �أن “املارك�سية” هي احلل �أو �أن “الر�أ�سمالية” هي احلل ،و�أي�ض ًا من يقول ب�أن “الإ�سالم» هو احلل ،هذه الإن�ساق املغلقة ،مل تعد �أبواب عاملنا املعا�صر مفتوحة لها ،كما �إن الثنائيات الزائفة التي �سادت القرن الع�شرين� ،أما الر�أ�سمالية �أو املارك�سية، �أم����ا القطاع الع����ام �أو القطاع اخلا�ص� ،أما العلمانية و�أم����ا الدين� ،أي�ض ًا كلها �سقط����ت �إم����ام دينامي����ة الواقع احلايل .لق����د انتقلنا ،وال جم����ال لل�شك� ،إىل مرحلة الإن�ساق الفكرية املفتوحة ،وجديدها الأهم ,هو �أنه �سيح�صل تركيب ب��ي�ن عنا�ص����ر مت�ضادة م����ا كان ميكن الظن يوم���� ًا �إنه ميك����ن �أن ترتكب منها �أطروحة واحدة. ه����ذه الأطروحة التي جتنح نحو القول ب�أن تفكي����ك الإن�ساق املغلقة ي�ستبقه ت�شكيل «منظوم����ات» ,جتتمع فيها عنا�صر مت�ض����ادة مل يكن يح�سب يوم ًا لها �أن جتتم����ع� .أال ت�ستحق التجربة ال�صينية التوق����ف عندها؟ ف�إن واقع ال�صني الراهن ،وكيف تتجاوز وتتعاي�ش الر�أ�سمالية يف �أكرث �أ�شكالها جتلي ًا وو�ضوح ًا
يف النظ����ام االقت�صادي مع نظام �سيا�سي �شيوع����ي� ،إذ مل يكن يدور يف ذهن �أحد �أن يقود هذا النظام عملية تنمية ر�أ�سمالية. وهناك منوذج �آخر لي�س ببعيد عن عاملنا العربي� ،أال وهو تركيا ،فالإ�سالم الرتك����ي حيث تتج����اور الفك����رة العلمانية مع الفك����رة الإ�سالمي����ة ،يف م�شهد �سيا�سي ال ت�شهد فيه �إ�ضطراب ًا �أو تنازع ًا �أو ت�ضاد ًا �أو جتافي ًا ما بني الفكرين. ونح����ن يف انتظار عامل الزمن الذي �سوف يحكم على تلك الإن�ساق املفتوحة التي �سيكون لها الت�أثري الكبري ،على ال�صعيد النظري املف�سر لق�ضايا العامل، كما بالن�سبة لتجديد موازين القوى يف العالقات الدولية. لق����د �أعاد القرن الع�شرين النظر يف ثوابتن����ا اليقينية يف ما يتعلق باملجتمع والتاري����خ والإن�س����ان والقي����م .و�إذا كان����ت العلمانية حاولت �أن تك����ون البديل ع����ن �إخالقيات الديانـ����ات الكربى (العل����م ،التقدم ،التح����رر ،الإن�سانوية). لك����ن على ما يبدو ف�����إن تطور العلم والتكنولوجيا وه����و العامل احلا�سم وغري املتوق����ع ،وال����ذي ال ميكن كبح جماحة يف التغيري ،يه����دد م�ستقبلنا وي�ؤدي بنا �إىل �إن�ساني����ة ال نعرف ماهيته����ا .فهناك كثري من النظريات التي حتاول ملء الفراغ الفك����ري لعاملنا املعا�صر ،منها نظرية نهاي����ة التاريخ ،ونظرية �صدام احل�ض����ارات ،ونظرية ما بعد احلداثة ،ولك����ن قد يكون �أخطرها نظرية يحلو للبع�����ض �أن يطلق عليها ت�سمية «م����ا بعد الإن�سانية» .فلقد دخلنا مرحلة تطور ثوري لعلوم احلياة خ�صو�ص���� ًا «البيوتكنولوجيا» ،مما �سينتج حتوالت جذرية يف حي����اة الإن�سان ,تتيح يف الأ�سا�س �إمكانية تغيري الطبيعة الإن�سانية؛ لندخل بذلك مرحل����ة تاريخية يك����ون لها ت�أث��ي�رات �إجتماعية� ،أخالقي����ة� ،سيا�سية، اقت�صادية جذرية. فه����ل يف امل�ستقب����ل القري����ب علين����ا �أن نواجه خي����ارات �أخالقي����ة يف الثورة البيوتقني����ة �أي يف جم����ال التقني����ات احليوي����ة ومنه����ا الهند�س����ة الوراثي����ة. وال�س�����ؤال ال����ذي يطرح هو� :إىل �أي حد ميكن ا�ستعم����ال التكنولوجيا لتح�سني اخل�صائ�����ص الوراثي����ة؟ و�إذا كانت تل����ك الأبحاث قائمة عل����ى �إمكانية تغيري الطبيع����ة الإن�سانية ،فجدلي����ات عديدة فل�سفية و�سيا�سي����ة �سوف تطرح حول العديد من املفاهيم الأ�سا�سية: �أ .امل�ساواة بني الب�شر. ب .القدرة على االختيار الأخالقي.
ج .تغيري �إدراكنا وفهمنا لل�شخ�صية والهوية الإن�سانية. د .الت�أثري يف وترية التطور الفكري واملادي ،ويف ال�سيا�سة العاملية ب�صفة عامة. وق����د يكون �أخطر م����ا يف جعبة تلك الث����ورة «البيوتقنية» ه����و �أنها تزيد من اله����وة املوجودة بني املجتمع����ات والأفراد ،الأغنياء والفق����راء ،حيث ب�إمكان الأغني����اء توظيف ثرواتهم للتحك����م يف اجلينات ،و�إع����ادة الهند�سة الوراثية له����م ولأوالده����م .وبالتايل ف�����إن التح����والت « البيوتقنية» قد تزي����د من حدة الالم�س����اواة بني الأغني����اء والفقراء ،بحي����ث ت�ضاف �إىل اله����وة االجتماعية واالقت�صادي����ة واملعرفية والرقمية ،هوة بيولوجي����ة� ،ستكر�س لالم�ساواة على م�ستوى تكويننا البيولوجي. �إذن م�ستقب ًال نحن �أمام عامل «ما بعد الإن�سانية» �سيكون �أكرث تراتبية ومليئ ًا بال�صراع����ات االجتماعية .وال م����كان يف داخله لأي مفهوم ح����ول «الإن�سانية امل�شرتكة»� ،إذ �سيتم تركيب جينات ب�شرية مع جينات �أخرى ،ب�شكل يجعلنا ال نعلم ما معنى وماهية الكائن الإن�ساين. ه����ذا الواقع امل�ستجد الذي يعرب عن مالمح جمتمعنا العاملي ،وحتديد ًا من منظ����ور فن الت�سا�ؤل حول الواق����ع النظري املف�سر لق�ضايا العامل ،ال ميكن �أن يقت�صر النقا�ش فيه حول مالمح هذا الن�سق اجلديد ،بل �إن التحدي اجلديد يف زم����ن العوملة يكمن يف :كيف وم����ا هي ال�سبل ملواجهة هذا الن�سق اجلديد؟ وهل حتمل النظريات التقليدية ومنها الواقعية يف طياتها الإجابة؟ و�إذا كان الطم����وح ،هو ن�شوء ن�سق كوين من القيم ,يحكم �سلوك ال�شعوب وامل�ؤ�س�سات. فه����ل �ستكون م�س�أل����ة القيم وحتوالتها يف �ص����دارة الأ�سئل����ة الفكرية الراهنة وامل�ستقبلي����ة؟ وه����ل انتقل الرتكي����ز واالهتمام يف �أقنعة اخليبة حتدي����د العالق����ات الدولي����ة ،م����ن العوام����ل يف مكافحة الف�ساد التايل االقت�صادي����ة والتكنولوجي����ة �إىل العوام����ل بقلم :مراد ظافر الثقافي����ة ،كق����وة م�ؤث����رة ودافع����ة يف ال�ش�ؤون الدولية؟ و�إذا كانت امل�سافة الزمنية ملالمح هذا الن�سق اجلديد مل تتجاوز 20عاماً، وه����ي م����دة ،وفق ًا للمنه����ج التاريخي ،ال ميك����ن �أن تعط����ي دالالت ثابتة ميكن البن����اء عليها ،فهل نك����ون �سقطنا يف فخ �إ�شكالي����ة اال�ستعجال يف ملء الفراغ النظري املف�سر لق�ضايا عاملنا املعا�صر؟! العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
175
اجتاهات عاملية
�أقنعة اخليبة ر�ؤية نقدية ملكافحة الف�ساد و�إ�شكالياته يف الدول النامية
arcmurad@hotmail.com
176
ا�سرتاتيجية
يف ه����ذا املق����ام ،وجدت امل�ؤ�س�س����ات املالية -التي كانت ت����رى �أن الف�ساد العام ال مفر منه ،ووجدت �شماعة القول ب�أن الف�ساد زيت التنمية -مربط الفر�����س �أي ال�سب����ب اجلوه����ري يف ع����دم حتقي����ق اال�ستغ��ل�ال الأمثل لتلك امل�ساع����دات الفني����ة واملالية م����ن امل�ؤ�س�س����ات املانحة .وق����د ارتبط «مربط الفر�س» للم�ساعدات الفنية والع����ون املايل بزاوية مغرقة باحلكم القيمي- الذات����ي ،فالف�س����اد غدا ع�صي ًا عل����ى التحديد املو�ضوع����ي و�أثقله التو�صيف الذاتي ،حت����ى تباينت ر�ؤى املجاهدين -الأخالقي��ي�ن �ضد الف�ساد ومع�سكر امل�ستفيدين منه ،لكنهم يف نهاية املطاف يعملون على نحو منف�صل ومتواتر ودون دراية -لت�أ�سي�س القواعد الأ�سا�سية لبنية الف�ساد العام.يف مطلع �إ�شكالية املدخل ملواجهة الف�ساد الألفي����ة اجلديدة ا�ستطاعت املنظمات الدولية �أن حتقق ال�ضغط ال�سيا�سي الدويل العام ملجابهة الف�ساد ،فيما متكنت منظمات مثل ال�شفافية الدولية وغريه����ا من حتقيق التعبئ����ة الأخالقية واملو�ضوعية ملكافح����ة الف�ساد .ومع ذل����ك ،مل تتمكن تلك املنظمات الدولية من حتقي����ق الإجماع ال�سيا�سي بني املنظمات الدولي����ة املانحة والدول النامية امل�ستفي����دة يف مكافحة الف�ساد، و�إذا ا�ستطاع����ت حتقي����ق مراده����ا ف�����إن ذل����ك كان يتم من خ��ل�ال ال�ضغط ال�سيا�س����ي lobbyingولي�س من خالل املنا�ص����رة والت�أييد advocacyالذي يحق����ق الإقناع واالقتناع لدى الأطراف املعنية كافة ،و�إن �أدركت هذا الأمر يف حلظة مت�أخرة ،ويف نهاية املطاف. ومهم����ا يكن من �أم����ر ،ال مندوحة من الق����ول �إن �أن�شط����ة تلك املنظمات الدولي����ة يف مطلع الألفي����ة ا�ستطاعت �أن حتقق ال�ضغ����ط ال�سيا�سي الدويل ال����ذي قاد �إىل امل�صادقة على العهد الدويل ملكافحة الف�ساد ،وتوجه العديد م����ن الدول املوقع����ة على ذاك العه����د �إىل �إر�ساء البنية التحتي����ة الت�شريعية ملكافح����ة الف�س����اد ،وقد تتوج ذل����ك التوج����ه بت�شكيل جلان قومي����ة ملكافحة ض��ل�ا عن ذل����ك ،متكنت تل����ك احلملة الف�س����اد يف �أك��ث�ر م����ن 40دول����ة .وف� ً الدولي����ة من جتنيد املُحبَطني من �أنظمتهم حتى توجهوا حلمل لواء اجلهاد الأخالق����ي �ضد الف�ساد ،لكن اجلهاد الأخالق����ي القيمي �ضد الف�ساد ي�شبه «قمي�ص عثمان» وتختفي بني طياته كلمات حق يراد بها باطل ،كما تنطوي بني ثناياه تعاريج االلتحاق بالظنون الآثمة. لق����د ا�ستط����اع ذلك اجله����اد الأخالقي القيم����ي �أن يدفع جم����وع اجلهاد الأخالقي����ة -القيم����ة والذاتية �إىل رفع م�صاحف التطه����ر الذاتي يف الدول الوطنية النامية وامل�ستفيدة ،ومل يختلف �صف حكام تلك الدول عن �صفوف معار�ضيه����م يف حمالت الرباءة من الف�س����اد �سوى �أن ال�صف الأول ينكرها
مراد عبدالواحد ظافر
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
تعر�ض��ت �سيا�س��ة الدع��م وامل�س��اعدات والعون الفن��ي قبل انته��اء القرن الع�ش��رين ملراجعة نقدية وا�س��عة من امل�ؤ�س�سات الدولية املانحة التي تبنت تغيريات جوهرية يف طرق تقدمي الدعم وامل�ساعدات الفنية الذي مل يعد حكر ًا على القنوات الر�س��مية املحددة من الدول امل�س��تفيدة ،واقرتن ذلك الدعم الفني ب�ضرورة تبني �سيا�سات عامة من الدول امل�ستفيدة �أُطلِق عليها م�صطلح التنازالت التمويلية .Concessional Financingتلك التنازالت التمويلية من الدول النامية امل�س��تفيدة ارتبطت -على العموم ،ويف م�س��تهل الأمر -ب�إجراءات معاجلة تدابري حترير ال�س��وق مثل �سيا�س��ة التخفيف من الفقر ،لكنها انتقلت -حتم ًا � -إىل مو�ض��وعات �ش��ائكة تتعلق بجوهر الأ�سباب التي حتول دون حتقيق اال�ستغالل الأمثل للعون الفني من الدول النامية وامل�ستفيدة.
مراد ظافر باحث مبركز الدرا�سات والبحوث اليمني.
وال�صف����وف الأخ����رى ت�شري ب�سباب����ة االتهام جت����اه ال�ص����ف الأول .وتفادت املنظم����ات الدولية املانحة ذاك اجلدل املثايل -الأخالقي الذاتي باالنتقال �إىل مو�ضوعي����ة التدخ����ل الإمنائ����ي من خ��ل�ال احلكم الر�شي����د و�آلياته مثل املُ�ساءَلة ،وامل�شاركة الوا�سعة (االنفتاح الت�ضميني) ،وال�شفافية .ويف جممل الأحوال ،مل تكن �آليات احلكم الر�شيد �سوى التفاتة جاءت مت�أخرة ،تطمح �إىل حتقي����ق توطي����د الآليات الرقابية و�سبل امل�ساءل����ة العامة يف الإجراءات امل�ؤ�س�سية لل�سيطرة على الف�ساد العام. ومع ذلك ،فقد تطورت ثقافة فلكلورية وا�سعة بت�أثري متبادل من حمالت ال��ب�راءة التي ن�ش�أت مع املد العامل����ي الوا�سع ملكافحة الف�ساد ،والذي ا�ستمد وج����وده العلن����ي الوا�سع م����ن �أن�شطة املنظم����ات الدولية يف م�سته����ل الألفية اجلدي����دة .ذاك الن�شاط الذي اعتم����د �سب ًال خمتلفة من الت�أييد واملنا�صرة املرتافق����ة مع �ضغ����وط املانحني الدولي��ي�ن حتى تو�صل يف ذروت����ه �إىل توقيع وم�صادق����ة العدي����د م����ن دول العامل على العه����د الدويل ملكافح����ة الف�ساد. لكن مكافحة الف�ساد ميث����ل عملية طويلة ولي�ست حدث ًا حمدد ًا �ضمن نطاق زمني معني .وكما ذكرن����ا �سلفاً ،هرعت العديد من تلك الدول �إىل ت�أ�سي�س القواعد القانونية ملكافحة الف�ساد ،غري �أن ذاك الربنامج العملي الطموح، كان �أ�شبه بعملية جتميلية ق�صرية الأجل ،و�إن كان حري ًا بها توطيد القواعد الإجرائي����ة العامة للتحك����م يف الف�ساد ،طاملا وقد تل����ك�أت عن خو�ض املهمة ال�صعبة. وعلى �أية حال ف�إن املوقف املثايل -الأخالقي اُ�ستِغل – �ضمناً -يف بع�ض الدول لتحقيق م�آرب �سيا�سية وحزبية ،من قبيل تطهري ال�ساحة العامة من �سيا�سي��ي�ن مناف�سني على غ����رار ما حدث يف باك�ست����ان �أو ماليزيا .لقد ظل العون الفني من املانح��ي�ن يت�أرجح بني �أدلة عاملية لطبخات حملية ،تلتم�س بالتعميم اجلزايف للف�ساد �سُ ب ًال ملجابهته وال�سيطرة عليه يف ظروف حملية ووطني����ة ال متل����ك �أدنى مقوم����ات العم����ل الأ�سا�سية لإر�س����اء عملية التحكم يف الف�س����اد �أو الق�ض����اء علي����ه .ناهيك عن الق����ول ب�سيادة ثقاف����ة فلكلورية و�شعبي����ة ُت�ؤمن ب�أن جمابهة الف�ساد ت�صل �إىل حركة ت�صحيحية وتطهريية، وظل����ت متواطئ����ة مع هيمنة الف�س����اد من خالل موقفه����ا الأخالقي -املثايل والتطهريي.
معرفة نطاق وحجم املواجهة �ضد الف�ساد العام
يع����د الف�ساد �أكرث �شيوع ًا وانت�ش����ار ًا يف الدول النامية ،وذلك ال يعني خلو الدول املتقدمة من ممار�سات الف�ساد ،و�إمنا يعني �ضمن ًا �أن الدميقراطيات احلديث����ة متلك حت�صين ًا م�ؤ�س�سي ًا يُحقق قدر ًا كبري ًا من املُ�ساءَلة واملالحقة العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
177
اجتاهات عاملية حتى يغدو الفا�سدون واملف�سدون خلف ق�ضبان الق�ضاء .لكننا حني نتحدث ع����ن �إدارة احلك����م وممار�ساته يف ال����دول اله�شة ،غالب ًا م����ا ترتدد عبارات مرتبطة ب�ضعف امل�ؤ�س�سات وانت�شار العنف واجلرمية املنظمة والف�ساد .ويف املقاب����ل ،ن�سمع لهجات اال�ستن����كار التي تنفي وجود الف�س����اد و�إن كانت ُتقِر وتع��ت�رف ب�ضعف وه�شا�شة امل�ؤ�س�سات .وهذا الزعم �أ�شبه بالذي ي�ؤكد نفوق الأحياء البحرية وموتها ،ثم يذهب �إىل �إنكار الأ�سباب امل�ؤدية �إىل ذلك. �إن كث��ي�ر ًا من اللغ����ط واجلدل الدائر ح����ول مو�ضوع الف�س����اد ومكافحته يت�شب����ث � -أحيان ًا -مبفهوم الف�ساد ذاته .فه����ذا املفهوم مثقل بالتو�صيف، وممتن����ع ع����ن التحدي����د والتعري����ف لتو�س����ع ت�شعبات����ه وت�شاب����ك ممار�ساته وتع����دد �ص����وره .ول�سن����ا يف حاج����ة �إىل املنه����ج الأر�سطوطالي�س����ي لتحدي����د الف�س����اد بتعريف جام����ع مانع ،فالتج����ارب الإن�سانية املت�شابه����ة قادرة على تعي��ي�ن املمار�س����ة النزيه����ة وانحرافات تل����ك املمار�سات حتى تق����ع يف مغبة الف�س����اد .غري �أننا �سنكتف����ي هنا بالتعري����ف ال�سائد للف�س����اد ،والذي يقول ب�أنه «ا�ستغالل املن�صب الوظيف����ي العام مل�صلحة خا�صة» .وهذه العبارة يف �صورتها الب�سيطة تعني �أن الف�س����اد يعد �إخال ًال بامل�سئولية العامة وانحراف ًا عن املقا�صد الر�سمية للوظيفة �أو املن�صب العام لتحقيق م�صالح خا�صة �أو �ضيق����ة قد ت�سع����ى لتوطيد املن�صب ،ورمبا تنطوي عل����ى ممار�سات خمالفة للقانون والعرف العام مقابل اال�ستجابة لت�أثريات �شخ�صية .وبذلك يحتمل �أن تت�ضمن تلك املمار�سات ا�ستخدام الر�شوة للت�أثري يف قرار �شخ�ص ي�ؤدي وظيفة عام����ة� ،أو ا�ستخدام املح�سوبية واملحاب����اة والتي تنطوي على تقدمي ال�صل����ة التقليدي����ة على �أ�س�س اال�ستحقاق الع����ام� ،أو اختال�س املال العام �أو توجيهه لأغرا�ض مق�صورة على االنتفاع ال�شخ�صي. وغالب ًا ما تتوطد بني����ة الف�ساد يف هيئة هرمية تت�سع قاعدتها يف الأ�سفل حي����ث ت�سود ممار�سات الف�س����اد الأ�صغر ،التي تعد �أق����ل �صخب ًا ورمبا تغدو خالي����ة من �صخ����ب الف�ضائح .لكن تلك املمار�س����ات -وال ريب -تُع�ش�ش يف ال�سل����وك العام وامل�ألوف لت�شي����ع ثقافة القبول مبمار�س����ات الف�ساد ،وتغذي �شرعي����ة الف�ساد الأكرب .وبفعل هذه البنية الهرمية للف�ساد ،وات�ساع قاعدته للح�صول عل����ى االحتياج����ات الأ�سا�سية واخلدمات ،تتال�ش����ى النزاهة من املمار�س����ات ال�سلوكية حت����ى تغدو م�ستهجن���� ًة على �صعيد الواق����ع امللمو�س. وتُبحلق العيون يف قمة ه����رم الف�ساد لل�شروع يف الرجم �أو التعزير بالف�ساد الأك��ب�ر الوا�ضح للعي����ان ،وقد غفلت تلك العيون ب�أن ع����ورة الف�ساد م�ستورة من قاعدته الوا�سعة. لن ت�صيبك الظن����ون الآثمة حني تذهب �إىل القول بوجود ما يثري الريبة �أو اجل����زم بوج����ود ممار�سات ملوثة بالف�ساد خ��ل�ال تعاملكم مع امل�ؤ�س�سات العام����ة يف دولٍ تفتق����ر فيها الإج����راءات الر�سمية �إىل مقوم����ات ال�شفافية والو�ض����وح ،وتغيب فيها �آلي����ات املُ�ساءَلة .وباقت�ضاب يعن����ي ذاك� ،أن غياب �شفافية الإج����راءات ،وتال�شي امل�ساواة يف تنفيذ تلك الإجراءات الر�سمية، ر�ض ًة للمزاج والتقدير ال�شخ�صي. يجعل القرارات العامة و�أداء امل�ؤ�س�سات عُ َ والف�ساد لي�س جرم ًا مق�صور ًا على احلدوث بني طرفني �أو �أكرث ،حيث ميكن �أن ي�ص����در من ممار�سة طرف واحد عند ت�أديته للمهام العامة التي �أوكلت �إليه باالنتخاب �أو التعيني .وبب�ساطة نذهب �إىل الت�أكيد على معادلة روبرت كليتغ����ارد ،Robert Klitgaardوالتي تفيد ب�أن �سلطة محُ كمة التخاذ القرار +م����ع احتكار مطلق لتلك ال�سلطة -يف غياب تام للم�ساءلة العامة = ت�ؤدي 178
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
وال �شك � -إىل �شيوع الف�ساد.على ذل����ك كله ،نذهب �إىل ت�أكي����د ما ذكرناه �سلف ًا ب�����أن مو�ضوع الف�ساد الإداري يق����ود املرء -غالب ًا � -إىل التخب����ط بني مظاهره وتو�صيفه ،فتنقاد �سبل مكافحته �إىل تعقب مظاه����ره و�أعرا�ضه :مثل الر�شوة واختال�س املال العام .وبذلك نتجاهل جذوره و�أ�سبابه احلقيقية التي تتوطد يف املمار�سات ال�سلوكية العامة؛ نت�ساهل يف البدء معها حتى تتف�شى وت�شيع لت�سود مُ�ستمِ دة �شرعيتها من املمار�سات العملية لت�صبح هي القانون البديل والعرف ال�سائد الذي ي�سري تنفيذه عو�ض ًا عن القانون الت�شريعي .وعند هذا املوقف ينبغي �أن حتدد الدول الوطنية خياراتها ،وفق حتليلها حلجم الف�ساد وا�ست�شرائه، وتعيني تلك اخلي����ارات وفق مكافحة الف�ساد �أو التحكم و�ضبط ممار�ساته. والتحك����م يف ممار�سات الف�ساد العام ،يعني و�ضع وتفعيل �آليات الإجراءات العام����ة وامل�ؤ�س�سية لنظام النزاهة املتكامل بني اجلهات الر�سمية وال�شعبية كافة.
اللجان والهيئات الوطنية ملكافحة الف�ساد
م����ع �إن�شاء اللجان الوطنية املتخ�ص�ص����ة ملكافحة الف�ساد ان�صرفت الأنظار �إليها ،ت�أمل ر�ؤية امل�شانق �أمامها ل ُتدليّ منها جثث كبار الفا�سدين .واحلال �أن هيمنة هذه الثقافة الفلكلورية املتعلقة ب�سبل جمابهة الف�ساد ظلت �أحادية يف ر�ؤيته����ا ال�ضيقة ،ومل تتمك����ن من ا�ستيعاب بناء �أعم����دة النزاهة الوطنية. ع��ل�اوة عل����ى ذلك ،جن����د �أن تلك اللج����ان الوطني����ة التي �أن�شئ����ت ملجابهة الف�س����اد ،قد قام����ت وت�شكلت خارج املنظومة �أو الإط����ار الوطني الذي �صنعت م����ن �أجل حتقي����ق منفعته يف �سبل جمابه����ة الف�ساد .لقد �أن�شئ����ت تلك اللجان الوطنية ا�ستجاب����ة ل�ضغوط املانحني ،وغدت مث����ل �إ�سرتاتيجية التخفيف من الفق����ر جم����رد واجهة لتن����ازالت من �أجل تلقّ����ي متويالت املانح��ي�ن وهباتهم. فغ����دت تل����ك اللج����ان الوطنية ملكافح����ة الف�س����اد فارغة من م�ضم����ون الإرادة ال�سيا�سي����ة �أو ال�شعبية .كم����ا �أ�صبح و�ضع تلك اللجان الوطني����ة �إ�ضافة زائدة بني موق����ع امل�ؤ�س�سات واجلهات التنفيذية التقليدي����ة ال�سائدة يف �أي بلد ،وقد كان م����ن ال�سه����ل ترتيب تبعية �أي م����ن تلك اللجان ملرك����ز ال�سلطة التنفيذية، لك����ن مل يت����م و�ض����ع الإط����ار امل�ؤ�س�س����ي والإجرائ����ي لأي م����ن تل����ك اللج����ان الوطني����ة وعالقته����ا املحددة ببقي����ة اجلهات الرقابية يف �أي م����ن تلك الدول. ث����م �أن فقدان الإرادة ال�سيا�سية الوطنية يف ت�شكيل جلان مكافحة الف�ساد، �أفق����د تلك اللجان عن�ص����ر التبني الوطني لها ،وغ����دت كل واحدة منها حتت رعاي����ة ر�أ�س ال�سلطة التنفيذية ،وهي يف موقع ميكن �أن يطلق عليه «االغرتاب امل�ؤ�س�س����ي» .وذاك املوق����ع يعم����ل عل����ى حرمانها م����ن فر�صة النم����و الطبيعي للم�ؤ�س�س����ات ال�سائدة يف �أي من تلك البل����دان .كما �أن العديد من تلك اللجان الوطني����ة ملكافحة الف�ساد ت�شكلت خارج نطاق اجل����دل الوطني فربزت كفِطْ رٍ غري����ب ،مل ي�ستوعبها القبول والإجماع الوطني حتى متنح �شرعية من الإرادة ال�شعبية العامة .وخالف ًا لذلك ،فقد ظهرت كل جلنة يف �صعيد وطني «طارد» يتوق����ع منه����ا �أن تكون جمل�س���� ًا ت�شريعي ًا و�سلط����ة ق�ضائية وك����ذا جهة لل�ضبط والرب����ط واملالحقة للف�ساد واملف�سدي����ن .وميكننا القول باقت�ضاب� ،أن الثقافة ال�شعبية ال�سائدة نظرت �إىل تلك اللجان مبثابة منقذ تطهريي ،فغدت حمملة بثقل كبري من التوقعات التي تراجعت عنها -يف نهاية املطاف� -إىل االنكفاء والإحباط. ولأن معظم تلك اللجان الوطنية ملكافحة الف�ساد ظهرت يف حميط الظروف
اخلارجي����ة ،ولأ�سباب تتعلق بالتن����ازالت التمويلية ،غدت يف مواقعها الوطنية مث����ل �إ�ضافات جتميلية مل جت����د موقعها الطبيعي بني امل�ؤ�س�س����ات العام����ة الت�شريعية والق�ضائي����ة والتنفيذية .ورمبا �أثارت الغ��ي�رة والتحفّظ عند بع�ض امل�ؤ�س�سات الرقابية العامة الت����ي توجّ �ست منها ريبة ،مُع َتقِ����دة �أنها بديل �إحاليل ميتلك موقع ًا قريب���� ًا من ر�أ�س ال�سلطة التنفيذية ،والقوة يف معظم الدول النامية تُقا�����س مب�ساحة القرب م����ن مركز ال�سلطة ،ف�ص���ارت ا�ستقاللية اللجان الوطنية ملكافحة الف�ساد يف هذه البلدان تعاين من عزلة �شبه تام���ة ومنف�صمة العرى والتن�سيق م���ع امل�ؤ�س�سات الرقابية املماثل���ة .وعل���ى ذل���ك ،جن���د �أن البني���ة التحتي���ة لت�شريعات مكافح���ة الف�س���اد مل متنح العديد م���ن تلك اللج���ان الوطنية موقع احليادي���ة والفعالية يف تطبيق تلك الت�شريعات والقوانني دون مباركة وتدخل وا�ضح من ر�أ�س ال�سلطة التنفيذية. �إن تدخل ر�أ����س ال�سلطة التنفيذية لتقدمي الع���ون للجان الوطنية ملكافحة الف�س���اد مل يتوق���ف عن���د تفعي���ل الت�شريع���ات الإجرائية مثل «�إع�ل�ان براءة الذم���ة» ،بل امتد ملعاجل���ة امل�شكلة امل�ؤ�س�سي���ة لإن�شاء تلك اللج���ان الوطنية، بتعي�ي�ن �إ�ضافات ظاهرية وهيكلية ال تعال���ج جوهر امل�شكلة ،بل ت�ضيف �أعبا ًء و�أحم���ا ًال جديدة من التوقع���ات اجلماهريية ،التي ت����ؤدي �إىل ات�ساع م�ساحة الف�ص���ل والعزل لأي من تلك اللجان حتى تغدو -يف نهاية املطاف -عُ ر�ضة للخيبة واالنك�سار. تلك الإ�ضافات الظاهرية قام���ت بتو�سيع ومد �صالحيات اللجنة الوطنية ملكافحة الف�ساد من خالل �إن�شاء زوائد ق�ضائية ونيابية متخ�ص�صة باجلنايات الت���ي تقع يف نطاق اخت�صا�ص اللجنة الوطنية .وبهذا فُرِ َ�ض على تلك اللجنة الوطنية دور املحت�سب العام �ضد الف�ساد ،وعزلت � -ضمن ًا -من الدور العام الذي يق�ضي بامل�ساهمة يف تعزيز �آليات املُ�ساءَلة العامة وال�شفافية وامل�شاركة الوا�سعة يف توطيد �سبل الرقابة يف الت�شريعات واجلوانب الإجرائية العامة. و�إن كان���ت هناك مبادرة وطني���ة لتوطيد وتعيني �سب���ل �إن�شاء تلك اللجان الوطني���ة ملكافح���ة الف�س���اد �ضمن م�ب�ررات قومي���ة داخلية� ،إال �أن���ه كان من املمكن حتقي���ق الإجماع الوطن���ي الداخلي لتحقيق النم���و والن�شوء الطبيعي لتل���ك امل�ؤ�س�س���ات املعنية مبكافحة الف�س���اد .لي�س هذا الأم���ر فح�سب ،و�إمنا �س���وف تتهي����أ ظ���روف النمو الوظيف���ي الطبيعي وف���ق االحتياج���ات الوطنية والداخلية لها. كذل���ك ،جند يف -الغال���ب� -أن العديد من تلك اللج���ان الوطنية واملعنية مبكافح���ة الف�س���اد ق���د �أُن�شِ ئ���ت �ضمن معطي���ات �سيا�سي���ة داخلي���ة متغرية وديناميكي���ة ،فب���دت ظ���روف ن�ش�أتها القانوني���ة م�شوهة تن�س���اق وراء حركة امل���د ال�سيا�س���ي وال�ضغوط اخلارجية والتوقعات الداخلي���ة .وبذلك مل تت�ضح خطوط �صالحيات تلك اللجان بدقة� ،إن كانت يف موقع احل�سبة العامة �ضد الف�س���اد التي تقت�ضي الرقاب���ة والتحقيق واملالحقة وال�ضب���ط للفا�سدين� ،أو �إن كان���ت معنية مبراجعة الإجراءات والقوانني لتعيني �آليات امل�ساءلة العامة والرقابة وال�شفافية للتحكم يف الف�ساد �أو بكال الأمرين معاً. يف جممل الأح��وال� ،أُلبِ�ست تلك اللجان الوطنية بدالت خمتلفة لت�أدية �أدوار متقاطعة مع م�ؤ�س�سات خمتلفة ،حتى غدت يف نهاية املطاف عر�ضة للق�صور يف املوارد الالزمة لت�أدية �أدوارها والقيام ب�صالحياتها املت�شابكة
بفعل البنية الهرمية للف�ساد وات�ساع قاعدته ،تتال�شى النزاهة من املمار�سات ال�سلوكية حتى تغدو م�ستهجنةً على �صعيد الواقع امللمو�س .وتُبحلق العيون يف قمة هرم الف�ساد لل�شروع يف الرجم �أو التعزير بالف�ساد الأكربالوا�ضح للعيان، وقد غفلت تلك العيون ب�أن عورة الف�ساد م�ستورة من قاعدته الوا�سعة م���ع م�ؤ�س�سات وطنية خمتلفة ،وبدت مثل زوائد دودية حتاول �إر�ضاء النظام العام على م�ستوى دعائي وجتميلي. و�إن كانت �أي من تلك اللجان الوطنية خمولة بالقيام مبالحقة الفا�سدين وتعيني الآليات الوقائية الإجرائية والقانونية ،ف�إنها ال بد �أن تتمتع با�ستقاللية تتي���ح لها النمو الطبيعي ل�صالحياتها يف تن�سي���ق وتعاون مع بقية امل�ؤ�س�سات العام���ة والقطاع اخلا����ص واملجتمع امل���دين� .إن الفهم البدائ���ي ال�ستقاللية اللجان الوطنية �أدى �إىل خلل وا�ضح يف و�ضعها امل�ؤ�س�سي .فتلك اال�ستقاللية مل تك���ن تعن���ي التمادي �إىل نط���اق اال�ستقالل الذاتي ال���ذي يعني االنف�صام والقطيع���ة مع امل�ؤ�س�سات العامة الأخرى ،والتي متثل رديف ًا يعني تلك اللجان يف عملها� ،أو تلك امل�ؤ�س�سات الأخرى التي تقع يف نطاق �صالحية تلك اللجان و�إجراءاته���ا املعني���ة بالرقاب���ة ومكافحة الف�س���اد .و�أعني بذل���ك امل�ؤ�س�سات العامة الت���ي تنطوي مهامها و�أعمالها يف نطاق يلتقي فيه املواطن �أو القطاع اخلا����ص بالقطاع العام ،ويف ذاك النطاق تتف�شى ممار�سات الف�ساد الأ�صغر وكذا الف�ساد الأكرب. خال�صة القول� ،إن غياب الإرادة ال�سيا�سية الوطنية ملكافحة الف�ساد� ،أدى �إىل تكوين جلان �إ�ضافية �أُث ِقلَت بالتوقعات العامة والوا�سعة ،حتى كادت تلك اللج���ان حتل موقع اجلرم ذات���ه ،ففقدت الر�ؤي���ة الإ�سرتاتيجية ،وت�أرجحت خطواته���ا الأوىل ب�ي�ن تلك التوقع���ات العام���ة واختالل متو�ضعه���ا الر�سمي والع���ام ،وخا�ص��� ًة فيما يتعل���ق بالفهم اخلاط���ئ لال�ستق�ل�ال امل�ؤ�س�سي لتلك اللجان .وكل ذلك يقودنا �إىل اجلزم ب�أن ال�ضغوط اخلارجية �ساهمت يف فتح الأع�ي�ن لر�ؤية النمو املتعاظم عام ًا بعد عام للم�ؤ�شرات العاملية للف�ساد ،طاملا واجلبه���ات الوطنية والداخلية مل تتمكن من اخلروج من �أطمارها التقليدية والبالية ملواكبة تلك التوجهات العاملية. وبالرغ���م م���ن ذل���ك ،فقد ا�ستطاع���ت العديد م���ن تلك اللج���ان الوطنية ملكافحة الف�ساد النهو�ض من موقع الإحباط مبد عالقات التعاون مع منظمات املجتم���ع املدين .و�أدرك���ت بع�ضها �أهمية ذاك الأمر ،ح�ي�ن ا�ستبدلت مدخل اخلبري -اال�ست�ش���اري باملدخل الت�شاركي الوطني حني ر�سمت ا�سرتاتيجيتها الوطنية ملكافحة الف�ساد .ذاك املدخل الذي اعتمد �أ�سلوب امل�شاركة ال�شعبية الوا�سع���ة �إىل جانب و�ض���ع ا�سرتاتيجيات وطنية ملمو�س���ة ومنطقية ،كما �أن ذاك املدخل الت�شاركي الوا�سع حقق �إجماع ًا وطني ًا وا�سع ًا ي�ساند مهام تلك اللجان وي�ستوعب وظائفها الرئي�سية. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
179
اجتاهات عاملية
فتنة ال�صندوق
ال ت����كاد تخلو دولة م����ن دول العامل من انتخاب����ات ما .لكن ه����ذا االنت�شار لفك����رة االنتخابات ال يعني بح����ال من الأحوال �أن الدميقراطي����ة �أ�صبحت القيمة املهيمن����ة على العامل .على العك�س من ذلك ،فق����د حتولت االنتخابات يف كثري من الدول النامي����ة �إىل م�شكل����ة ال ته����دد عملي����ة التح����ول الدميقراط����ي وح�س����ب ،و�إمن����ا ته����دد اال�ستقرار عل����ى نحو ال يقب����ل ال�شك. ذل����ك �أن االنتخاب����ات لي�ست �إال �آلية من �آلي����ات الدميقراطية املتع����ددة واملتنوعة .و بكلمات �أكرث و�ضوح����اً ،ميكن القول �إن االنتخابات الدميقراطية ه����ي نتاج نظام دميقراطي يتم فيه اح��ت�رام �سيادة القان����ون ،واح��ت�رام الف�صل ب��ي�ن ال�سلطات، وحقوق الإن�سان ،وكذا توفري كل ال�ضمانات التي حتقق �أف�ضل ال�شروط للعمل ال�سيا�سي ،وكذا حرية التعبري والإعالم .وتبع ًا لذل����ك ،ال ميك����ن لأي انتخاب����ات مهم����ا كانت عل����ى قدر كبري م����ن النزاه����ة ،دون �أن يك����ون ذل����ك م�سنود ًا بنظ����ام وجمتمع يحتكم����ان �إىل تقالي����د ليربالية را�سخة ت�ؤم����ن بالدولة املدنية وبالتعدد واحلري����ات� ،أن تحُ دث التغيري املن�شود .فكيف يكون احل����ال� ،إذا افتقدت االنتخاب����ات املعايري التي ينبغي توافرها يف االنتخاب����ات الدميقراطية؟ ال �ش����ك �أن ذلك �سوف يت�سبب يف م�شكالت ال ح�صر لها. يف الواق����ع� ،إن االنتخاب����ات م����ن �أك��ث�ر املج����االت اخل�صبة للج����دل ،فحتى الدول التي لديها جت����ارب دميقراطية عريقة ت�شه����د -وم����ا ت����زال -نقا�شات ح����ول ق����درة االنتخابات على تر�شي����د احلكم ،وعلى الت�أث��ي�ر �إيجابي ًا يف �سل����وك املجتمعات وطريق����ة تفكريها .وعل����ى �سبيل املثال ،يج����ادل امل�����ؤرخ الربيطاين �إريك هوبزباوم الذين لديهم نظرة طوباوية �إزاء االنتخابات ،ب�أن الدميقراطية االنتخابي����ة لي�ست بال�ضرورة من ي�ضم����ن احلرية الفعالة للإعالم وحقوق املواطنني والق�ضاء امل�ستقل .يعتقد هوبزباوم على عك�س كثري من املفكرين الغربيني �أن منوذج “�سيادة ال�س����وق” لي�س متمم ًا لليربالية الدميقراطية وح�س����ب ،و�إمنا هو بديل عنها ،وعن �أي ل����ون من �ألوان ال�سيا�سة .ويكت�سب ه����ذا الر�أي مزيد ًا م����ن امل�ؤيدين نتيجة جتاهل بع�����ض ال�سيا�سيني يف تلك ال����دول لرغب����ات �شعوبه����م يف حلظ����ات دقيقة ،ويف ه����ذا الإط����ار مل يكن مفهوم���� ًا �إ�صرار حكومات الواليات املتحدة الأمريكية وبريطانيا مث ًال على �ش����ن احلرب على الع����راق برغم املظاهرات الكب��ي�رة التي اجتاحت املدن الأمريكية والربيطانية ،والتي مل تكن م�ؤيدة لهذا القرار. �أم����ا االنتخابات يف الدول النامية ،ف�إنه����ا �أ�شبه ما تكون مبهرجان ليوم واح����د ،حيث يبدو امل�شهد االنتخابي وك�أنه خ����ارج عن ال�سياق العام الذي
ملاذا تتحول االنتخابات �إىل ُ�صداع دائم فـي البلدان النامية abda_m111@yahoo.com
Toonpool
180
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
عبد الغني املاوري
وطريقة مقاربته ملا حوله من الظواهر والأحداث يف م�سار �أي عملي����ة حتول �سواء كانت ذات طبيع����ة �سيا�سية �أو غري وتوقعات غيبية ٍ ذلك ،فاملجتمعات التي ت�ستح�ضر �أحكام ًا تك����ون االنتخاب����ات فيها �أ�شب����ه مبغامرة ،ودائم���� ًا ما تكون مغامرة فا�شلة. فاحل����دث االنتخابي يف حد ذاته مهما متتّع مبوا�صفات عالي����ة من النزاه����ة ال ميكن����ه �إحداث تغي��ي�ر جوهري يف حي����اة �أي �شعب من ال�شعوب ،ذلك �أن عملية التغيري يف �أي جمتم����ع هي عملية مركبة ومعق����دة ،والأهم من ذلك �أنها عملية تراكمية ت�ستوعب التحديات والعالقات التي تتحكم يف جمتمعٍ ما .وعليه ،ف�إن االنق�سامات احلادة التي ت�سود ضال عن بع�����ض املجتمع����ات على �أ�س�س غ��ي�ر �سيا�سي����ة ،ف� ً احلروب واال�ضطرابات الأمنية ت�ساهم على نحو م�ضطرد يف وجود ت�شكيك دائم لي�س بنتائج االنتخابات ،و�إمنا فيما ه����و �أهم ،كم�شروعية الدولة مث��ل�اً ،وهو ما يزيد من حدة ال�صراعات ومن تداعياتها. وبالع����ودة �إىل انتخاب����ات �ساحل الع����اج الرئا�سية ،ف�إن االعرتا�����ض الذي يبديه الرئي�س جباجب����و -والذي يعاين من عزلة دولية غري م�سبوقة -على نتائج االنتخابات التي �أعطت����ه ن�سبة �أ�صوات �أقل من مناف�س����ه ،هو افتقاد عملية احت�س����اب الأ�ص����وات يف ال�شم����ال الذي يقع حت����ت �سيطرة خ�صومه لل�شفافية الكافية. ال �ش����ك �أن اعرتا�����ض جباجب����و منطق����ي ب�ش����كل كبري، وميك����ن اجل����زم �أن����ه يف حمله متام����اً ،لكن ه����ل ميلك جباجب����و ال�شجاعة الكافي����ة للق����ول �أن����ه مل يتدخل ب�شكل غ��ي�ر قانوين يف جمري����ات احت�ساب الأ�ص����وات يف اجلنوب الذي ي�سيطر عليه �سيطرة تامة .يف الواقع� ،سيكون م����ن اخلط�أ اعتبار م����ا قاله جباجبو ال�سبب احلقيق����ي الذي يجعله يواجه العامل ويرف�ض التنح����ي وت�سليم ال�سلطة ملناف�سه وترة ،فامل�شهد ال�سيا�سي يف �ساحل العاج معقد للغاية� ،إذ يخفي التناف�س بني جباجبو ووترة �صراع ًا طائفي���� ًا بني جنوب م�سيحي و�شمال م�سلم ،ما يزال برغم حماوالت كثرية للتخفيف من وط�أته حا�ضر ًا بقوة يف كل املنا�سبات املهمة ،ويف االنتخابات على وجه اخل�صو�ص ،وهذا يجعل من �أي انتخابات جتري يف �ساحل العاج حرب ًا م�ستمرة. وعلى نف�س املنوال ،تبدو االنتخابات يف دول مل حت�سم خياراتها الكربى ومل تتمك����ن من �إر�س����اء قواعد حياة مدنية يف جمتمعاته����ا ،وك�أنها حمطة ال�ستعرا�����ض القوة غ��ي�ر العاقلة ال غري .يف العراق مث��ل�اً ،مل يكن الرئي�س
يب����دو غارق���� ًا يف اال�ستبداد والفو�ضى� ،إذ حتول����ت االنتخابات يف كثري من الدول النامية �إىل حمطة الكت�ساب �شرعية زائفة ،و�إىل تكري�س اال�ستبداد بحي����ث تقوم االنتخابات بوظيفة �شبيهة بعملية غ�سل الأموال ،حيث تغطي العملي����ة االنتخابية الو�ضع البائ�س الذي تعي�شه �شعوب تلك الدول .وبرغم �أن ه����ذا ه����و طابع االنتخاب����ات يف دول العامل النام����ي� ،إال �أن االنق�سامات الت����ي تع����اين منها جعلت م����ن االنتخاب����ات م�شكلة ال تهدد عملي����ة التحول الدميقراطي فقط ،و�إمنا تهدد اال�ستقرار فعلياً .ففي �ساحل العاج �أدخلت االنتخابات الرئا�سية التي جرت نهاية ت�شرين الثاين /نوفمرب 2010البالد يف �أج����واء احلرب الأهلي����ة التي اندلع����ت عام����ي 2002و ، 2003فالرئي�س املنتهية واليته لوران جباجبو م�صم����م على التم�سك بال�سلطة على الرغم من �إع��ل�ان اللجنة امل�ستقلة فوز مناف�سه احل�س����ن وترة مبن�صب الرئي�س، وه����و الأمر ال����ذي ال يلقى ت�أييد املجتمع الدويل ال����ذي ال يخفي غ�ضبه من طريقة تعامل جباجبو مع نتائج االنتخابات ،متهم ًا �إياه بالت�سبب يف مقتل الع�ش����رات من املدنني ،وكذا تكري�س حالة االنق�سام بني ال�شمال واجلنوب مما يزيد الو�ضع تعقيداً. عبدالغني املاوري �صحفي وكاتب من اليمن.
وبعي����د ًا عن ال�صورة النهائية التي �ست�ؤول �إليها الأو�ضاع يف هذه الدولة الأفريقية ،وبغ�ض النظر عن املت�سبب يف عدم الإفادة من هذه االنتخابات يف دعم العملية الدميقراطية وال�سيا�سية ،ف�إن �إعادة احلياة الطبيعية �إىل الو�ضع العاجي مرة �أخرى لن يكون �أمر ًا ي�سرياً. واحل����ال �أن من����وذج �ساحل العاج يكاد يتكرر ب�ص����ورة �أو ب�أخرى يف دول كث��ي�رة ،الأمر الذي يدعون����ا للت�أمل يف الأ�سباب والعوام����ل احلقيقية التي جتعل م����ن االنتخابات م�شكلة ولي�س �آلية حل����ل ال�صراعات ال�سيا�سية كما هو احلال يف الدميقراطيات العريقة. عواق��ب االنتخاب��ات غ�ير الدميقراطي��ة ت��ب�رز م�س�أل����ة �إجراء االنتخابات يف ظل ظروف غري طبيعية ك�أحد الأ�سباب التي ت�����ؤدي �إىل االنتقا�ص من نتائ����ج االنتخابات� .إن الظ����روف الطبيعية التي نق�صده����ا هنا ،ميك����ن تلخي�صها يف وجود دولة م�ستق����رة ،ونظام �سيا�سي ي�ؤمن بالقيم الليربالية ،ولديه ر�صي ٌد هائ ٌل من احرتام القانون واحلريات العامة ،وجمتمع ت�سوده الأفكار العقالنية� ،إذ غالب ًا ما ت�ؤثر ثقافة املجتمع
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
181
اجتاهات عاملية
182
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
الأنظمة الديكتاتورية والت�سلطية ت�سعى ال�ستغالل فكرة االنتخابات لتح�سني �صورتها واكت�ساب أم�س �شرعية هي يف � ّ احلاجة �إليها بعد �ضمور ال�شرعيات الثورية
ME Archive
العراقي الراحل �صدام ح�سني من امل�ؤمنني بالدميقراطية كمعظم احلكام خارجية ال ت�صب بال�ضرورة يف م�صلحة اللبنانيني ،تدرك �أن ذلك �سي�ؤدي الع����رب ،وكان ي����رى يف نف�سه القائ����د الذي يحبه �شعب����ه دون احلاجة �إىل �إىل الق�ض����اء عليها .وبهذا املعنى ،ف�����إن وجود حزب اهلل الذي ميثل وجهة انتخابات ،لكن ال�ضغوط الدولية دفعته �إىل تنظيم ا�ستفتاء �شعبي ،ح�صل نظ����ر دينية ذات طابع �شيعي ميث����ل حاجة حلزب الق����وات اللبنانية الذي في����ه على %100م����ن الأ�ص����وات ،وهي ن�سب����ة بح�سابات عقلي����ة ب�سيطة ال يحب �أن ي�صنف نف�سه كحامٍ للم�سيحيني ،ووجود تيار امل�ستقبل الذي مييل ميكن �أن حت�صل �أبداً .عندما �سقط نظام �صدام بوا�سطة الأمريكيني ،مت �إىل تبن����ي فكرة قيادة ال�سنة للبنان حاجة �ضرورية لتيار الزعيم امل�سيحي الرتويج ملقولة �أن العراق �أ�صبح بل����د ًا دميقراطياً ،ولرت�سيخ هذه ال�صورة مي�شي����ل ع����ون ،والعك�س� .إن ه����ذه الطريقة يف التفكري تخ����رج االنتخابات عن العراق اجلديد مت تنظيم انتخابات برملانية ملرتني ،وانتخابات حملية من كونه����ا �آلية ت�ساعد على اختيار احلكام وت�سوي����ة اخلالفات ال�سيا�سية وحي����دة منذ 2003وهو العام الذي �شهد احتالل العراق وحتى الآن .وعلى بطريقة �سلمية� ،إىل حمطة يتم فيها حماولة ت�شويه الآخر و�إعالن احلرب الرغ����م من احلما�سة التي �أبداه����ا املواطنون العراقيون للم�شاركة يف هذه عليه .ولي�س من قبيل امل�صادف����ة �أن معظم الأزمات احلروب الأهلية التي االنتخاب����ات� ،إال �أن الظروف غري الطبيعية التي يعي�شونها نتيجة الأو�ضاع �شهدها لبنان كانت تعقب االنتخابات ،كحربي 1958و.1975 الأمني����ة غري امل�ستقرة ،وكذا االنق�سامات احل����ادة جتاه ق�ضايا كربى مثل بالت�أكي����د لي�س����ت االنتخاب����ات يف ح����د ذاتها ه����ي �سبب ه����ذه الأزمات االحت��ل�ال واملقاومة والد�ست����ور ،و �إعطاء هذه االنق�سام����ات بعد ًا طائفياً ،واحل����روب ،ولك����ن قد ت�صب����ح �أحد الأ�سب����اب التي ت�ساه����م يف زيادة حدة جعلهم حتت �ضغ����وط معنوية هائلة .فقد بدت الأح����زاب العراقية وك�أنها ال�صراع����ات الداخلي����ة �إذا �أجريت يف ظروف تت�سم بالتوت����ر والع�شوائية، مدافعة عن الدين وعن وجود الطائفة ،وهذا انعك�س بدوره على الناخبني خ�صو�ص���� ًا يف ح����ال ت�شب����ع املجتمع����ات ب�أف����كار ذات طبيع����ة فا�شي����ة .ويف الذي����ن رغم ت�أكدهم من �أن خيار الت�صوي����ت على هذا الأ�سا�س لي�س �أمر ًا ه����ذا الإطار ،يلح����ظ الكاتب واملفك����ر الأمريكي املعروف فري����د زكريا يف �صائب ًا �إال �أنهم قاموا بذلك ،خوف ًا من �أن يتهمهم �أحد بالت�سبب يف هزمية كتابه”م�ستقب����ل احلرية” ا�ست�سالم العرب ملثل ه����ذه الأفكار� ،إذ يرى �أن الطائف����ة الت����ي ينتمون �إليه����ا .وبنجاح منقط����ع النظري ا�ستغ����ل الالعبون الع����امل العربي يجد نف�سه اليوم حما�صر ًا بني دول حكم الفرد وجمتمعات ال�سيا�سي����ون العراقي����ون االنتخابات التي متثل منا�سب����ة للتعبئة ال�سيا�سية غ��ي�ر ليربالية ال ميثل �أي منها �أر�ض ًا خ�صبة للدميقراطية الليربالية .هذه وحل�ش����د اجلماهري وامل�ؤيدين �أي�ض ًا يف التعبئة املذهبية ،وعلى �سبيل املثال الدينامية بني هاتني القوتني التي ي�صفها زكريا باخلطرية� ،أفرزت مناخ ًا �أثناء االنتخابات الربملانية الأخرية التي جرت يف �آذار /مار�س 2010كان �سيا�سي ًا م�شحون ًا بالتطرف الديني والعنف .فطوال الوقت تدافع الأنظمة �شع����ار الكثري م����ن و�سائل الإع��ل�ام امل�ؤيدة لرئي�س ال����وزراء العراقي نوري عن نف�سها بو�صفها املفو�ضة من اهلل وال�شعب بنف�س القدر رمبا ،فيما على املالكي ،ولقادة �آخرين من الطائفة ال�شيعية هو الت�صويت الكثيف حتى ال اجلانب الآخر ،حتاول اجلماع����ات الدينية جر النا�س ملنطقها الذي يبعد يفوز �أعداء الإمام علي بن �أبي طالب اخلليفة الرابع. كثري ًا عن الأر�ض. م����ا يزعج كثري م����ن العراقيني حتى �أولئ����ك الذين وافق����وا على الإدالء وم����ن �ضمن العوام����ل التي ال ت�سم����ح بوجود انتخابات حت����وز على ر�ضا ب�أ�صواته����م بن����ا ًء على خي����ارات طائفية� ،أن االنتخابات ب����د ًال من �أن تكون غالبي����ة النا�����س� ،أنه����ا جت����ري وف����ق �ش����روط جمحف����ة .فافتق����اد العملية خط����وة يف �إط����ار بناء دول����ة حديثة ،وطريق����ة مثلى ال�ستيع����اب اخلالفات االنتخابي����ة لأب�سط معايري ال�شفافي����ة والنزاهة يجعل منها عملية ال ميكن ال�سيا�سية والو�صول �إىل ت�سوية ب�ش�أنها ،باتت منا�سبة الوثوق بها .وهذا �سي�ؤدي بال�ضرورة �إىل الت�شكيك للتحري�����ض الطائفي ،وا�ستنف����ار النا�س �ضد بع�ضهم تبدو االنتخابات يف دول مل بنتائجه����ا ،وقد ي�صل الأم����ر بالبع�ض �إىل مقاومة البع�����ض ،وه����و الأم����ر الذي يه����دد وحدته����م و�أمنهم حت�سم خياراتها الكربى ومل ه����ذه النتائج بالقوة .تتمثل ه����ذه ال�شروط التي ال وا�ستقراره����م .وباملث����ل ،يب����دو لبنان هو الآخ����ر بلد ًا تت�ص����ف بالعدالة يف �إ�صدار قوانني حتد من حرية قواعد إر�ساء � من تتمكن يع����اين من عدم قدرت����ه على فهم معن����ى االنتخابات املتناف�سني جلهة امل�شاركة يف الرت�شح واالنتخاب. الدميقراطية ،فالأحزاب والقوى ال�سيا�سية اللبنانية حياة مدنية يف جمتمعاتها ،فاالنتخاب����ات الإيراني����ة ب�صف����ة عام����ة ت�شه����د تبن����ي خطابه����ا ال�سيا�س����ي عل����ى الت�شكي����ك بالآخ����ر وك�أنها حمطة ال�ستعرا�ض با�ستم����رار ع����دم ال�سماح لبع�ض الذي����ن يتقدمون والتحري�ض علي����ه خ�صو�ص ًا يف موا�س����م االنتخابات. بطلبات الرت�شح حتت دعاوى واهية .وعلى الرغم غري ال العاقلة غري القوة لكن املفارقة �أن هذه الطبقة ال�سيا�سية التي ت�ستخدم م����ن �أن هذا الإج����راء الذي بات �سم����ة من �سمات �أحيان���� ًا و�سائل غري �أخالقية �ضد بع�ضها البع�ض ،مبا االنتخابات يف �إيران ق����د �أعطى �صورة غري جيدة يف ذل����ك الت�آمر والتواط�ؤ مع جهات خارجية ،تق����وم باتخاذ موقف موحد ع����ن الدميقراطي����ة الإيرانية ،ف�����إن دو ًال عدة ب����د�أت يف الفرتة الأخرية يف �ضد �أي �إ�صالحات تط����ال النظام ال�سيا�سي �أو قانون االنتخاب .ومن غري تطبيق �سيا�سة التمييز هذه. جتنٍ ،ف�����إن هذه القوى باخت��ل�اف تنويعاتها وم�سمياتها ت����درك �أن �إجراء وبالإ�ضاف����ة �إىل ذل����ك ،تع����د الطريق����ة التي يت����م فيها �إع����داد �سجالت تعديالت جوهرية على القانون الذي ينظم االنتخابات مبا ي�سمح بالتفلت الهيئ����ات الناخبة غ��ي�ر ذات م�صداقية ،حي����ث متتلىء ب�أ�سم����اء وهمية ال م����ن القي����ود الطائفي����ة ،ومبا ي�����ؤدي �إىل تو�سي����ع اخليارات �أم����ام خمتلف وج����ود لها على �أر�ض احلقيقة ،الأمر ال����ذي يف�سر ح�صول مر�شح ما على قطاع����ات ال�شع����ب ،الأمر الذي ي�ساعد يف �إنتاج خي����ارات �سيا�سية جديدة ن�سب����ة �أ�ص����وات �أكرث م����ن املتوقع بكثري .ومم����ا يزيد ال�شع����ور بالغنب لدى تكون �أكرث مدنية و�أكرث مي ًال للتحدث بلغة وطنية بعيد ًا عن الت�أثر مبواقف
كثري م����ن التيارات ال�سيا�سي����ة �أن اللجان التي يُعهد �إليه����ا الإ�شراف على العملي����ة االنتخابية يف كثري من الدول ت�ساه����م يف �شرعنة هذه املخالفات ال�صارخة .وال يتوقف الأمر عند هذا احلد ،بل �أن بع�ض اللجان تقوم بكل الأعم����ال التي من �ش�أنه����ا حتويل عملية انتخابي����ة �إىل عملية قذرة �أو على الأقل �إىل مهزلة ال ت�ضحك �أحداً. ت�سعى الأنظمة االنتخابات و�ص��ناعة اخلوف الديكتاتوري���ة والت�سلطي���ة ب���كل ثق���ة ممكن���ة ال�ستغالل فك���رة االنتخابات أم�س احلاجة �إليها بعد �ضمور لتح�س�ي�ن �صورتها واكت�ساب �شرعية ه���ي يف � ّ ال�شرعي���ات الثوري���ة ،فلم يع���د مقبو ًال يف ع���امل اليوم �أن يك���ون اال�ستبداد ال�سيا�س���ي بالو�ضوح ال���ذي كان يف املا�ضي .و�إىل جان���ب ذلك ،تعتقد هذه الأنظم���ة �أن االنتخابات فر�صة ال يجب ت�ضييعها للح�صول على م�ساعدات اقت�صادي���ة معتربة .وهكذا ،ف�إن االنتخابات التي جتري يف كثري من الدول الت���ي تت�س���م �أنظمتها بالأحادي���ة ال عالقة له���ا بتطوير احلي���اة ال�سيا�سية الداخلي���ة .وم���ا يجع���ل هذه الأنظم���ة تتم�سك به���ذه ال�سيا�سة ه���و قدرتها عل���ى قمع معار�ضيها بق�س���وة بالغة من دون التعر����ض لالنتقادات من قبل ال���دول الكربى التي تق���دم نف�سها على �أنها راعية القي���م الدميقراطية يف العامل .وال�ش���ك �أن هذه الأنظمة ،وعلى وجه اخل�صو����ص الأنظمة العربية وبخبث حت�سد عليه ،متكنت من �إقناع الأمريكيني والأوربيني ٍ والإ�سالمية، ب����أن الدميقراطية ق���د ت�أتي ب�أ�شخا�ص معادين ل�سيا�سته���م .ويبدو �أن هذا ال���كالم قد وجد �آذان ًا �صاغية ،فعلى الرغم م���ن عدم قدرتهم على �إخفاء امتعا�ضه���م من الطريقة التي يتم فيه���ا التعامل مع االنتخابات على �سبيل املث���ال ،لكنهم �صاروا �أكرث اقتناع ًا م���ن ذي قبل ،ب�أن االنتخابات قد تكون ج�سر ًا لو�صول �أعداء �أمريكا �إىل ال�سلطة ،وهو ما ينبغي العمل دون ح�صوله ب�أي ثمن. ويف هذا ال�سي���اق ،يقول الدبلوما�سي الأمريكي ريت�شارد هولربوك الذي لعب �أدوار ًا مهمة يف البو�سنة و�أفغان�ستان وباك�ستان ،والذي تويف يف الثالث ع�ش���ر من كانون الأول /دي�سمرب ،2010يف �سياق حديثه عن يوغ�سالفيا يف
ت�سعينيات القرن املا�ضي« :لنفرت�ض �أن االنتخابات حرة ونزيهة ،و�أن الذين يت���م انتخابهم عن�صريون وفا�شيون وانف�صاليون .هنا تكمن املع�ضلة ،و�إنها كذلك بالفعل ،لي�س يف يوغ�سالفيا وح�سب ،و�إمنا يف العامل .ت�أمل على �سبيل املث���ال ،التحدي الذي نواجهه عرب العامل الإ�سالمي .نحن نعرتف باحلاجة �إىل الدميقراطي���ة يف تلك البلدان الت���ي ت�شكو دائم ًا القمع ،لكن ماذا لو �أن الدميقراطي���ة �أف���رزت ثيوقراطية �إ�سالمي���ة �أو �شيئ ًا من ه���ذا القبيل� .إنها لي�ست ق�ضية تافهة» (�أنظر :كتاب “م�ستقبل احلرية” لفريد زكريا) .ومن نافل���ة الق���ول� ،أن هذه املخاوف ق���د ا�ستولت على تفك�ي�ر الرئي�س الأمريكي ب���اراك �أوباما ومن قبله الرئي�س جورج بو�ش االب���ن ،وهو الأمر الذي يف�سر تراجع الواليات املتحدة عن التزامات �سابقة بدعم الدميقراطية يف ال�شرق الأو�سط. والواق���ع �أن �إدراك ه���ذه الأنظمة لهذه املتغريات جع���ل �سلوكها يف الآونة الأخرية يت�سم بالغرور ،وقد و�صل اال�ستخفاف بقواعد العمل ال�سيا�سي �إىل �أن تق���وم باختي���ار من يحق له �أن يك���ون معار�ض ًا ل�سيا�سته���ا .لكن جناحها يف ه���ذا الأمر ال يجب �أن يدعوها لالطمئنان ب�ش���كل �أكيد .فال�شرعية التي تعتق���د هذه الأنظم���ة ب�أنها اكت�سبته���ا نتيجة انتخابات غ�ي�ر نظيفة ،لي�ست �شرعي���ة نهائية .فاملعار�ضون له���ذه الأنظمة بد�أوا يبن���ون �شرعية وجودهم على هذه االنتخابات �أي�ضاً. وق���د �سمح ابتذال الطبقات احلاكمة يف بلدان كثرية للمعار�ضة �أن حتقق تقدم ًا على ه���ذا ال�صعيد .فبد�أ التفكري ب�شكل جدي لإن�شاء كيانات موازية للم�ؤ�س�سات الر�سمية ،وبغ�ض النظر عن ا�ستمرار هذه الكيانات املوازية ف�إن ثم���ة حتو ًال ب���د�أ يطر�أ على تفكري املعار�ضة التي يبدو �أنها مل تعد قادرة على اال�ستم���رار يف لعب دور املتفرج املُتبرّ م با�ستم���رار .هذا التطور املحدود يف تفك�ي�ر املعار�ض���ة ي�شي رمبا مبواجه���ة �أكرث حدة يف امل�ستقب���ل ،ما يعني �أن االنتخابات رمبا فقدت وظيفتها الأ�سا�سية وهي امل�ساعدة على التغيري ،ويف ح���ال ا�ست�شرى هذا الإح�سا�س القامت لدى قطاع���ات وا�سعة من املجتمعات ف�إن الأمور لن تكون م�أمونة العواقب. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
183
املائدة امل�ستديرة نقا�ش * ق�ضية
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة ر�سائل جامعية
�سيا�سة اليمن اخلارجية جتاه دول القرن الإفريقي: م�ساهمة يف درا�سة القرار ال�سيا�سي
حممد علي عمر احل�ضرمي
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
184
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
Relating Policy to Knowledge
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب
2010
ا�سرتاتيجية
185
امل�ستديرة
املائدة
امل�ستديرة
املائدة
ُ الغرباء جُمدداً ال تقت�رص ظاهرة التدخل اخلارجي على بقعة جغرافية واحدة ،كما �أنها ال ترتبط بفرتة زمنية حمددة ،فهذه الظاهرة قدمية قدم العالقات الدولية التي تت�سم �إما بال�رصاع �أو بالتعاون ،ويف كال احلالتني كان التدخل اخلارجي حا�رضاً ،وعاد ًة ما كان يمُ ار����س من قبل ال���دول الأقوى على ح�ساب الدول ال�صغرية والأ�ضعف .وقد �أح���دث هذا التدخل انق�سامات �شتى بني الق���وى املحلية ،فمنهم من طالب بهذا التدخل وا�ستدعاه بهدف ال�ضغ���ط �أو التخل�ص من ال�سلطة “امل�ستبدة احلاكمة”، وفريق �آخر يرى يف هذا التدخل م�سا�س بال�سيادة الوطنية ،وال ميكن القبول به حتت �أي ظرف من الظروف ،وفريق ثالث ال يعتربه �رشاً مطلقاً وال خري مطلقاً� ،أي ميكن القبول به ب�رشوط ووفق حدود و�ضوابط معينة. والي���وم ،ويف ظ���ل تزايد حدة التدخل اخلارج���ي والغربي حتديداً بكاف���ة �أ�شكاله و�صوره يف �ش����ؤون املنطقة والدول العربية ،عادت م�س�ألة التدخل الأجنبي لتطرح نف�سها بقوة يف امل�شهد ال�سيا�سي والفكري العربي ،وبالتايل ف�إن هناك عدة �أ�سئل���ة ما فتئت تُطرح حول هذا املو�ضوع� ،أهمها :ملاذا تتدخل القوى العظمى و�أمريكا حتديداً يف �ش�ؤون منطقتنا العربية به���ذا ال�ش���كل ال�سافر (�سيا�سياً واقت�صادياً وع�سكري���اً) ،وهل �أن هذا التدخل بات �سمة ثابت���ة يف التعامل مع دول املنطقة وجمتمعاتها ،وهل هناك عوائد �إيجابية من هذا التدخل� ،أم �إنها �سلبية دائماً ،و�أخرياً ما هي انعكا�سات التدخل اخلارجي على م�ستقبل الدول العربية واملنطقة برمتها؟ �أ�سئل���ة توجهت بها «مدارات ا�س�تراتيجية» �إىل نخبة من الك ّتاب والباحثني املهتمني ،وق���د تف�ضل بالإجابة عليها كل من :ن�ص��ر طه م�ص��طفى الكاتب اليمني املعروف ،والدكتور طالل عرتي�س��ي �أ�ستاذ علم االجتماع يف اجلامعة اللبنانية، والدكتور �أحمد عبدالواحد الزنداين �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية بجامعة �صنعاء ،وفرج بوال َع�شّ ��ة الكاتب الليبي املقيم يف �أملانيا .وبح�صيلة �إجاباتهم الرثية ،خرجنا مبائدتنا امل�ستديرة لهذا العدد. 186
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ME Archive
�رش البد منه؟ التدخل اخلارجي ،هل هو ٌّ طالل عرتي�سي
لهذه الأ�سباب يتدخلون يف منطقتنا ثمة �أ�سباب ع��دة جتعل املنطقة العربية الإ�سالمية (ال�شرق الأو�سط) مو�ضع اه���ت���م���ام دويل �إىل ح���د التدخل املبا�شر لكل القوى اال�ستعمارية من �أوروب���ا يف القرن التا�سع ع�شر �إىل الواليات املتحدة يف هذا القرن .ومن هذه الأ�سباب ما هو ثابت مثل املوقع اال�سرتاتيجي الذي يدفع القوى اال�ستعمارية �أو القوى الكربى �إىل االحتالل تارة ملواجهة جيو�ش دول �أخرى �أو متهيد ًا للو�صول �إىل مناطق �أخرى ،خ�صو�ص ًا و�أن ال�شرق الأو�سط هو بوابة �أفريقيا من جهة وعلى تخوم �أوروبا من جهة ثانية، وهو ممر بري �إلزامي �إىل ال�شرق الأق�صى .وهذه املنطقة �أي�ضا غنية بالرثوات التي تثري الأطماع وال�صراعات بني الدول الكربى. �إىل ه���ذا املوق���ع اال�سرتاتيج���ي لدين���ا �أي�ض��� ًا ثالثة عوام���ل �أو ذرائع
�أ�سا�سية جتذب هذا التدخل الدويل: الكيان الإ�س���رائيلي (ويقابله ق�ض���ية فل�سطني) :فمن املعلوم �أن �إن�شاء هذه الدولة كان قرار ًا غربي��� ًا �أوروبياً .و�أن الأوروبيني يعتربون احلفاظ على وجود هذه الدولة وحمايته ًا مبثابة تكفري عما فعلوه بحق اليهود يف بلدانه���م .كما �أن الواليات املتح���دة ت�ؤكد دائم ًا �أن من ثوابت م�صاحلها اال�سرتاتيجي���ة يف ال�شرق الأو�سط هو حماي���ة �أمن �إ�سرائيل .وهذا يعني �أن الكث�ي�ر م���ن ال�سيا�سات الدولي���ة ومن حاالت التدخ���ل ومن احلروب واملواجهات �سببها وجود �إ�سرائيل واحلماية التي حتظى بها من الغرب. وال ينف���ي الق���ادة الأوروبي���ون �أن �إ�سرائيل هي موقع الغ���رب املتقدم يف منطقتن���ا ،و�أنها حتم���ي نفوذ هذا الغ���رب ،و�أن �أي تراجع لإ�سرائيل هو تراج���ع للغرب ولنف���وذه (كما قال بو�ض���وح ماري خو�س���ي �آزنار رئي�س احلكومة اال�سب���اين ال�سابق يف �« :2010/6/18إذا �سقطت �إ�سرائيل �ضاع الغرب»). وج���ود النف���ط :وهو عامل التدخ���ل املعا�صر منذ اكت�ش���اف هذه الرثوة يف مطل���ع الق���رن املا�ض���ي .فب�سبب���ه حتولت منطق���ة ال�ش���رق الأو�سط، وخ�صو�ص��� ًا دول اخللي���ج و�إي���ران ومناطق �أخ���رى� ،إىل ب����ؤرة االهتمام والتدخ���ل الدوليني ،وذل���ك مع تزايد احلاجة �إىل النف���ط وم�شتقاته يف ت�شغي���ل امل�صان���ع والطائرات وال�سيارات ،ويف حتقي���ق املزيد من الرفاه للأوروبيني والأمريكيني يف حياتهم اليومية .لذا تعترب الواليات املتحدة �أن الركي���زة الثانية مل�صاحلها اال�سرتاتيجية بع���د حماية �أمن �إ�سرائيل العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
187
املائدة
طالل عرتي�سي �أ�ستاذ علم االجتماع يف اجلامعة اللبنانية ،وباحث وحملل يف ق�ضايا ال�شرق الأو�سط.
�أحمد عبد الواحد الزنداين
التدخل الأجنبي الذي نرف�ضه يرتبط التدخل الأجنبي يف �ش�ؤون املنطقة العربي���ة ارتباط ًا وثيق��� ًا بطبيعة النظام ال���دويل الذي يق���وده الغ���رب اليوم, فلقد بينّ علماء العالقات الدولية (من الغرب وال�ش���رق على ال�سواء) �أن النظ���ام ال���دويل املعا�ص���ر ولي���د �صراع مرير خا�ضته �أوروبا يف ع�صور الظ�ل�ام وانته���ى ذل���ك ال�ص���راع بن�صر 188
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ق���وى ليربالية متكنت من فر����ض مبد�أ العلمانية ال���ذي انبثق عنه مبد�أ ال�سيادة كنظام �سيا�س���ي للمجتمع الأوروبي ,ولقد �أقـُ ّر ذلك يف معاهدة وي�ستفالي���ا �سن���ة ,1648وعل���ى هذا الأ�سا����س ظهر يف �أوروب���ا ما يعرف بالعائلة الأوروبية كمجتمع من الدول لها نف�س الثقافة ،وتقيم العالقات فيما بينها عل���ى �أ�سا�س املبادئ الليربالية ,كما متكنت القوى الليربالية من ه���دم نظام الإقطاع االقت�ص���ادي لتحل حمله مب���ادئ الر�أ�سمالية، وبذل���ك اكتملت مالمح نظام العائلة الأوروبية ,وظل ذلك النظام حكر ًا عل���ى �أوروب���ا دون غريها لكي ال ي�ستفيد الغري من مب���د�أ ال�سيادة� ،إذ �أن قوى �أوروبا اعتربت �أقاليم الع���امل مباحة حلمالتها اال�ستعمارية ,وبعد �أن تع���ذّر على �أوروبا اال�ستم���رار يف ا�ستعمار ال�شع���وب ع�سكرياً ،عملت قدر امل�ستطاع على تو�سيع نظامها تدريجي ًا من خالل �ضم كل من يخنع لثقافة ومبادئ العائلة الأوروبية �إىل ما �أ�سمته الحق ًا “املجتمع الدويل”. وكان���ت �أوروبا قد مدت ج�سورها �إىل الأمريكيتني و�أ�سرتاليا لي�ستوطنها الأوروبي���ون ويهيمنوا عليها بل وينطلقوا منها ,ولعل �آخر املتهاوين �أمام الق���وى الليربالية هو االحتاد ال�سوفيت���ي ،لينفرد الغرب الليربايل وعلى ر�أ�سه الواليات املتحدة ب�إدارة املجتمع الدويل. وحت���ت قيادة الواليات املتحدة ظهرت موجة جديدة من متدد املبادئ الليربالية متجه���ة نحو العامل الإ�سالمي ،احللق���ة ال�ضعيفة يف ال�ساحة الدولي���ة ،ال���ذي ف�ش���ل وذهبت ريح���ه من���ذ �أن دب ال�ضع���ف يف الدولة العثماني���ة وحتول���ت �إىل دويالت �ضعيف���ة كانت قد رزح���ت لال�ستعمار لعقود عدة ,تلك الدويالت مل تكن لتقوى على البقاء يف ال�ساحة الدولية �إال بف�ض���ل التوازن الدويل الذي �أوجدته احل���رب الباردة ,وما �أن اختل ذل���ك الت���وازن حتى بدت تل���ك الدويالت وعل���ى ر�أ�سها ال���دول العربية هدف ًا م�شروع ًا لقادة النظام الدويل لتفر�ض على �شعوبه مبادئ العائلة الأوروبية� ,إال �أن ثقافتها بقي���ت خمتلفة وظلت ترف�ض العلمانية وتربط الدي���ن بالدولة ،وظلت مبادئها امل�ستقاة من ال�شريعة الإ�سالمية تختلف اختالف��� ًا �صارخ ًا مع ثقاف���ة العائلة الأوروبية ،الأم���ر الذي اعتربه قادة النظام الدويل مُعيق ًا ل�سيطرتهم على املجتمع الدويل ,ولعل هذا ما دعا ق���ادة حلف النيتو �إىل اعتبار الع���امل الإ�سالمي العدو البديل لل�شيوعية، الأمر ال���ذي ا�ستوجب بقاء حل���ف النيتو قائم ًا بعد انهي���ار حلف وار�سو ،1991ب���ل ومت تغي�ي�ر مهمته م���ن دفاعية �إىل هجومية خ���ارج �أوروبا يف قم���ة �أو�سلو 1992ومت حتديد الأقالي���م التي متدد فيها العامل الإ�سالمي وح�ضارته باعتبارها خطر ًا يهدد احل�ضارة الغربية ،وهذا ما مل�سه وعبرّ عنه بو�ضوح كبار منظري الغرب املعا�صرين ,كفران�سي�س فوكوياما الذي يقول «�إن الإ�سالم هو احل�ضارة الرئي�سية الوحيدة يف العامل التي لديها بع�ض امل�ش���كالت الأ�سا�سية مع احلداثة الليربالي���ة ...ف�إما �أن يت�صالح مع قيم تل���ك احل�ضارة ...و�إما الدمار» .ويق���ول �صامويل هنتنجتون يف نظريته �صراع احل�ضارات �إن «الإ�سالم هو قوة الظالم يف العامل ب�سبب
وح�صل لهم التغلب وامللك» .ولعل هذا ما اعتربه الكاتب الغربي ال�شهري فريد زكريا ،يف م�ؤلفه م�ستقبل احلرية ،م�شكلة للح�ضارة الغربية ،حيث �أكد �أن امل�شكلة �أمام الغرب يف العامل الإ�سالمي هي «العقل العربي» الذي يعتز بح�ضارته ويرف�ض الت�سليم للح�ضارة الغربية ،و�إن كانت ر�ؤيته تلك قد �سيقت بهدف احلث على التدخل يف �ش�ؤون املنطقة العربية ،وهو �أم ٌر نرف�ضه جميعاً.
Evert-Jan Daniels/vii
ه���ي حماية �إنتاج النفط ومن���ع �أي عرقلة لت�صديره ،وه���ذا يفرت�ض �أن يكون الغرب مطمئن ًا �إىل طبيعة من يحكم بلدان هذه املنطقة. الإ�س�ل�ام :فهذه املنطقة هي قل���ب العامل الإ�سالمي وفيها �أهم دول هذا الع���امل من الدول العربية �إىل تركيا و�إيران وباك�ستان و�أفغان�ستان .ومن املعل���وم �أن الإ�سالم ال���ذي و�صل �إىل تخ���وم �أوروبا يف الق���رون املا�ضية ي�شهد اليوم عودة �إىل حيويت���ه بعد انت�صار الثورة الإ�سالمية يف �إيران، وبعد ات�ساع دور احلركات الإ�سالمية االحتجاجي ال�سيا�سي يف كثري من بل���دان املنطقة� ،إىل ات�ساع املخاوف الغربية م���ن دور ون�شاط اجلاليات الإ�سالمي���ة يف ال���دول الغربي���ة .وترافق ذلك كله م���ع موجات التطرف الإ�سالم���ي ،ومع العنف ال���ذي مار�سته منظم���ات �إ�سالمية مثل منظمة القاع���دة ،ما جع���ل الإ�س�ل�ام عموم ًا مو�ض���ع قلق واهتم���ام وتدخل من جان���ب الواليات املتح���دة ومن خلفها �أوروبا من���ذ 2001بذريعة حماربة “الإرهاب”. وثمة عامل �آخر ال ميكن �إغفال �أهميته يف جذب التدخل اخلارجي هو �سيا�س���ات احلكام و�شخ�صياتهم .فكلما كانت �أنظمة احلكم �أقل �شعبية و�أق���ل �شرعية ،ت�ضاع���ف االعتماد عل���ى اخلارج للحماي���ة .وكلما كانت �شخ�صية الر�ؤ�ساء �أكرث �ضعف ًا وجبن ًا و�أقل قدرة على رف�ض “الطلبات” �أو “التمنيات” ،زادت تبعيتهم للخارج الذي ي�ؤمن لهم احلماية والبقاء يف مواقعهم.
امل�ستديرة
املائدة
امل�ستديرة
�أحمد الزنداين �أ�ستاذ يف ق�سم العلوم ال�سيا�سية ،جامعة �صنعاء.
ن���زوع امل�سلمني نحو ال�صراع العنيف وم���ن هنا (ي�أتي) ال�صدام املحتوم بني الإ�سالم والغرب». لكن مل���اذا املنطقة العربية بالذات حمل تدخ���ل الغرب ب�شكل �سافر؟! فم���ن �أبرز مظاهر ذلك التدخ���ل ،زرع �إ�سرائيل ودعم الدور الذي تقوم به ب�شكل مطلق .يعتقد البع�ض �أن املوقع اجلغرايف والرثوات الكبرية هي ال�سب���ب يف التدخ���ل ,و�إن كانت هذه الر�ؤية ال تخلو م���ن ال�صحة� ,إال �أن ل���كل منطقة موقعها املهم وثرواتها الغني���ة كذلك ,لذا نعتقد �أن ال�سبب الرئي�س���ي ه���و �أن هذه املنطقة ه���ي منبع الإ�سالم ال���ذي يرف�ض مبادئ الليربالي���ة ،و�أن لغته���ا العربي���ة مكّنت الع���رب من فه���م ال�شريعة دون م�ؤ�س�سات و�سيطة .فالعربي ,على �سبيل املثال ,يقر�أ قوله تعاىل «ومن مل يحكم مبا �أنزل اهلل ف�أولئك هم الظاملون» ويفهمه بي�سر .ومن هنا ،تظل ه���ذه املنطقة يف نظر الغرب هي الأخطر عل���ى امل�شروع الغربي العاملي. ولق���د الحظن���ا �أن الغرب حتى خ���ارج املنطقة العربي���ة ي�ستهدف ب�شكل �أ�سا�س���ي الفئات التي تعلمت على �أيدي الع���رب وت�شربت لغتهم و�أخذت م���ن ثقافتهم الإ�سالمية ,ومن هنا ن���درك �أن اللغة هي ثقافة وتعد �أهم الأدوات لن�ش���ر احل�ضارة بكل مدلوالتها من دين و�سلوك وقيم و�أخالق، و�أن املنطق���ة العربية هي �صاحبة هذه اللغ���ة ,وهكذا ي�أتي الرتكيز على املنطق���ة العربي���ة دون غريها لأنها مبثابة القلب م���ن اجل�سد للح�ضارة الإ�سالمي���ة ،والتدخل يتم لإجبارها على هجر ثقافته���ا وقبولها بثقافة العائلة الأوروبية ،ثقافة املجتمع الدويل املعا�صر. ومل يفت ذلك على علماء امل�سلمني ,فالعالمة املودودي انكب على و�ضع خط���ة تعليمية للجامع���ات الإ�سالمية العاملية ،كان �أح���د �أهم تو�صياتها «�أن تك���ون لغ���ة الدرا�سة بلغة ثقافتنا اللغة العربي���ة» ,وهنا �أت�ساءل ملاذا قال «لغة ثقافتنا؟» وهو هندي املولد والل�سان! يف تقديرنا �أنه يعي متام ًا ارتب���اط ال�شريعة الإ�سالمي���ة بلغة ثقافتها اللغة العربي���ة ,كما يرى ابن خل���دون �أن للعرب �سجاي���ا ك�سالمة الفطرة والأنف���ة وال�شهامة والكرم، و�إذا م���ا قادهم الدي���ن �أزاحوا غريهم من احل�ض���ارات و�سادوا العامل. وه���ذا ما عرب عنه اب���ن خلدون بقوله «ف����إذا كان فيهم النب���ي �أو الويل ال���ذي يبعثهم على القيام ب�أمر اهلل ,ويذه���ب عنهم مذمومات الأخالق وي�أخذه���م مبحموده���ا ,وي�ؤل���ف كلمته���م لإظهار احل���ق ,مت اجتماعهم
فرج بوالعَ�شّ ة
التدخل اخلارجي واال�ستبداد الداخلي �سيّان! �إن العرب �أما �أن يقودوا منطقتهم متوحدين يف م�شروع ح�ضاري جامع �أو �أن يكونوا �أدوات��� ًا يف لعبة الأمم الكربى ،عاملي ًا و�إقليمياً� .سواء كانت حولهم ،حتايثهم وت��داخ��ل��ه��م� ،أو �أت���ت �إل��ي��ه��م غازية م��ن وراء ال��ب��ح��ار وامل��ح��ي��ط��ات .قبل الإ�سالم كان العرب قبائل مت�شرذمة خ��ارج التاريخ .لكل قبيلة �إل��ه خا�صتها. يتقاتلون قبائل وممالك� ،أحيان ًا لأتفه الأ�سباب: داح�س والغرباء مثاالً .فهيمن على منطقتهم الروم والفر�س ،ال�سيما ممالكهم احل�ضرية ،فتحولوا �إىل �أدوات ل�صراع نفوذ الإمرباطوريتني (الرومانية والفار�سية) على املنطقة العربية .فكان منهم فريق (مملكة الغ�سا�سنة) عمي ًال للروم ،و�آخر (مملكة احلرية) عمي ًال للفر�س .ومل يدخل العرب التاريخ �إال عندما توحدوا يف م�شروع ح�ضاري جامع حتت عنوان الإ�سالم ال��ذي توافق ظهور نبيه مع معركة ذي قار (هو �أول يوم انت�صف فيه العرب من العجم)� ،أي �أول يوم توحدت فيه القبائل العربية املتعددة يف م�صري واحد م�شرتك ،بالتناظر مع �إزهاق الإلهة املتعددة بوحي الإله الواحد الأحد .والنتيجة ظهور �أمة «�إمنا امل�سلمون �إخوة». العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
189
املائدة
190
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
واقت�صادي��� ًا وع�سكرياً� ،سمة ثابتة يف التعامل م���ع العرب .وبالقطع لي�س هناك من عوائد �إيجابية لهذا التدخل .فهو قائم على ا�سرتاتيجية �إبقاء الع���رب �شعوب ًا �ضعيف���ة ،وخانعة لأنظمتها اال�ستبدادي���ة اخلانعة بدورها لل�سيد الأمريكي كو�صفة مثالية ال�ستمرارية الهيمنة الأمريكية واحلفاظ على م�صاحله���ا احليوية التي هي م�صالح �إ�سرائي���ل بال�ضرورة .وعليه، ف�إن املنطقة العربية تواجه يف امل�ستقبل املنظور خيارين م�صرييني :ف�إما �أن حتق���ق ال�شعوب خال�صها الدميقراطي من �أنظمة اال�ستبداد وطبائعه وبالتايل اخلال�ص من التبعية للأجنبي� ،أو هي الفو�ضى واخلراب. فرج بوالعَ�شّ ة كاتب وباحث ليبي مقيم يف �أملانيا.
ن�صر طه م�صطفى
ال�سلبي والإيجابي يف التدخل الأجنبي يف ت�صوري �أن غياب احل��د الأدن��ى من التن�سيق والتكامل العربي هو ال�سبب الرئي�س للفراغ احلا�صل يف املنطقة العربية ،وال��ذي ينتج عنه تلقائي ًا م��ث��ل ه����ذا ال���ت���دخ���ل ال���غ���رب���ي يف �ش�ؤونها .و�إىل كل ذل��ك ،فاملنطقة ال��ع��رب��ي��ة ك��م��ا ه��و م��ع��روف حتتفظ ب�أكرب احتياطي �إ�سرتاتيجي من نفط العامل ،وهي كذلك �أخطر ب�ؤرة �صراع وتوتر يف الوقت احلا�ضر ،وال ميكن للقوى العظمى ويف مقدمتها الواليات املتحدة الأمريكية �أن ترتكها بعيد ًا عن �أنظارها ،وقد جاءت الوثائق التي ن�شرها موقع «ويكيليك�س» لتعزز القناعة بحجم التدخل الكبري لوا�شنطن يف �ش�ؤون املنطقة العربية. ويف الوق���ت نف�س���ه ،ال ميك���ن الق���ول ب����أن ه���ذا التدخل �أم���ر جديد. فال�ص���راع على املنطقة خالل احلرب الب���اردة كان وا�ضح ًا وقوياً ،رغم امتالك الواليات املتح���دة ملعظم �أوراق النفوذ منذ منت�صف �سبعينيات القرن املا�ض���ي .وبالتايل ال �أظننا �أمام متغري جديد يف الوقت احلا�ضر �س���وى �أن التدخ���ل يف �ش�ؤون املنطق���ة �أ�صبح �أكرب و�أو�ض���ح من ذي قبل، نتيجة املخا�ضات ال�صعبة التي متر بها دول املنطقة ب�سبب �شيوع مبادئ الدميقراطية والتعددية وحري���ة ال�صحافة والإعالم ،وما نتج عنها من
Flickr
وهك���ذا متكّن الع���رب يف �سرعة تاريخية خاطفة م���ن طرد الروم حتى �أ�سوار الق�سطنطينية والق�ضاء نهائي ًا على عر�ش الأكا�سر ،ومن ثم دخول �أه���ل فار�س يف الإ�س�ل�ام لي�صريوا �إخوة الع���رب يف الإ�سالم .ثم ملا وهن العرب وانحطت دولتهم العبا�سية� ،آلت مقاليد ال�سلطة يف بغداد للعن�صر الفار�س���ي يف العه���د البويه���ي ،بحي���ث كان اخللف���اء العبا�سي���ون العرب جم���رد واجه���ة �سيا�سية حلكمهم ،الذي دام قرابة ق���رن ون�صف (- 320 447ه���ـ .)1055 - 932/وملا وهن���ت �شوكة الفر�س �آل حك���م الإمرباطورية العبا�سي���ة �إىل ال�سالجقة -الأت���راك الذين تفرّخ عنه���م حكم املماليك ملعظ���م الأم�ص���ار العربية .لكنن���ا ال نقول �إن حكم الفر����س �أو ال�سالجقة حكم���ا �أجنبياً ،فهم �إمنا كانوا يحكمون ب�صفتهم م�سلمني ولي�سوا �أعراق ًا دخيل���ة �أو م�ستعمِ رة .وق���د كان للمماليك دور تاريخ���ي مف�صلي يف دحر املغ���ول وط���رد ال�صليبيني من ال�شرق العربي .ث���م �أنتقل ثقل مركز القوة الإ�سالمي���ة �إىل العثماني�ي�ن الذي���ن �صف���وا وجود ال���روم البيزنطيني من ال�ش���رق بعد فت���ح الق�سطنطينية الع���ام ،1453لتتحول معظ���م الأم�صار العربي���ة �إىل والي���ات تابعة للدولة العثمانية .وقد قبل���ت ال�شعوب العربية بحك���م الإمرباطورية العثمانية لقرابة �أربعة قرون بح�سبانها حاملة لواء اخلالف���ة الإ�سالمي���ة ،ومنق���ذ ًا يف نظر تلك ال�شعوب م���ن حكم املماليك امل�ستبدين �أو امل�ستعمر الأجنبي ،لك���ن الإمرباطورية العثمانية تبقى قوة خارجي���ة يف نهاية التحليل التاريخ���ي املو�ضوعي .وقد عا�ش العرب حتت �سلطانه���ا م�سلوبي الإرادة القومية يف الت�شكل ك�أم���ة عربية م�ستقلة .وملا وه���ن العثمانيون وتفككت �إمرباطوريتهم الإ�سالمية� ،أنك�شف العرب من جديد �ضعف���اء متخلفني مت�شرذمني ،ليقعوا ب�سهولة يف قب�ضة اال�ستعمار الأوروبي رغم املقاومات اجلهادية البطولية. وهكذا ف����إن العرب ،ما ع���دا حلظتهم التاريخية الذهبي���ة املمتدة من دولة النب���ي �إىل دولة �آخر خليفة عربي (امل�ستع�صم باهلل )1258 - 1213 خ�ضع���وا للتدخ���ل الأجنبي .فمن فر����س وروم الأم�س ،ما قب���ل الإ�سالم، �إىل ال�سالجق���ة والأت���راك .ث���م الإنكلي���ز والفرن�ساوية فيما ب�ي�ن القرن التا�س���ع ع�شر ومنت�ص���ف القرن الع�شرين� ،إىل الأم�ي�ركان وال�سوفيت ما بعد نهاي���ة احلرب العاملية الثاني���ة حتى نهاية احلرب الب���اردة .وبعدها �إىل الي���وم تفردت �أمريكا با�ستباحة عاملهم ومواليها بني �صهيون .ورغم الإدع���اء بوجود �أنظمة ا�ستقالل الوطني ف�إن العرب ال يحظون من معنى اال�ستق�ل�ال �شيئ���ا يُذك���ر ،لأن �إرادته���م يف تقري���ر م�صريه���م ال�سيا�سي دميقراطي��� ًا م�ص���ادرة من امل�ستب���د الداخلي الذي يرهن ب���دوره الإرادة الوطنية بيد املهيمن اخلارجي .وهو هنا الواليات املتحدة الأمريكية. وهكذا ال �أرى م�ستقب ًال للعرب يف منطقتهم �إال �إذا تخل�صوا من التدخل الداخلي (اال�ستبداد) ك�شرط �شارط للخال�ص من التدخل الأجنبي ،الذي لن يك���ف عن تدخله ال�سافر �أو امل�سترت ما دام العرب (�شعوباً) قا�صرين ع���ن اخلال�ص م���ن طغاتهم .ول�س���وف يظل التدخ���ل الأجنب���ي� ،سيا�سي ًا
امل�ستديرة
املائدة
امل�ستديرة
ح���راك وا�سع �أحدث الكثري من االهتزازات و�إن مل ينجح يف �إحداث �أي تغيري يذكر .فالواليات املتحدة الأمريكية نف�سها �أ�صبحت مرتبكة باجتاه اخليار الأف�ض���ل للمنطقة فيما يخ�ص ق�ضايا الدميقراطية وم�شتقاتها، �إذ ق���د ال تنت���ج ه���ذه الدميقراطي���ة -عل���ى عالته���ا � -أنظم���ة �صديقة لوا�شنط���ن مما يعن���ي ال�صدام املبا�شر مع م�صاحله���ا يف املنطقة ،كما جت���د من ال�صعوبة �أن تقبل ب�أنظمة م�ستبدة دكتاتورية باعتباره يخالف قيمه���ا ومبادئه���ا املعلنة يف جمال الدميقراطية وحق���وق الإن�سان .وكما يبدو فحتى مثل ه���ذا الأمر يتطلب تدخلها وتف�صيل دميقراطية خا�صة للمنطق���ة مبقا�س���ات وم�ستوي���ات خمتلفة ،ففي حني جت���د وا�شنطن �أنه ي�صع���ب عليها ال�ضغ���ط على القاهرة لإدارة ح���وار �سيا�سي بني احلزب احلاك���م و�أحزاب املعار�ضة ،ف�إنها متار�س مث���ل هذا ال�ضغط دون تردد على �صنعاء لذات الأمر ،وهكذا. عل���ى كل ح���ال ،فلي����س كل تدخل �سلب���ي .فهناك �أذرع كث�ي�رة متار�س الوالي���ات املتح���دة واالحت���اد الأوروب���ي �ضغوطهم���ا م���ن خالله���ا مثل امل�ؤ�س�س���ات الدولية املانحة على �سبي���ل املثال ،وبع�ض متطلبات و�شروط ه���ذه امل�ؤ�س�س���ات ت�صب يف م�صلح���ة دول املنطقة على امل���دى البعيد يف جماالت م���ن نوع الإ�صالح���ات االقت�صادية وحمارب���ة الف�ساد و�إ�صالح الق�ض���اء والإ�صالح���ات الإداري���ة؛ فنحن نعل���م حجم م���ا حتتاجه دول املنطق���ة من �إ�صالحات يف هذه املج���االت .لكن كان الأوىل والأف�ضل �أن تبادر هذه الدول لإجراء هذه الإ�صالحات ذاتي ًا دون �أن تنتظر مثل هذه ال�ضغ���وط� ،إذ �أن ه���ذه ال�ضغوط جتعل �صورة ه���ذه الإ�صالحات وك�أنها
�ض���د ال�سي���ادة الوطني���ة وا�ستقالل الق���رار الوطن���ي� ،إال �أن امل�ؤ�سف �أن التج���ارب �أثبت���ت �أن مثل ه���ذه الإ�صالحات ال�ضروري���ة ال ميكن �أن تتم دون �ضغ���وط خارجية ،ولو �أن دول املنطقة متتل���ك ر�ؤى �إ�سرتاتيجية يف جم���ال الإ�صالحات مل�ضت يف �إجنازها ب�إرادة داخلية حم�ضة ،وحلققت نتائ���ج �أف�ضل ،ولك�شفت يف الوقت نف�سه ع���ن �أي نوايا �سلبية لدى القوى الدولية يف حال �ضغطت باجتاه الإ�صالحات لأغرا�ض تتعلق مب�صاحلها ال�سيا�سية واالقت�صادية والأمنية والع�سكرية يف املنطقة. ال�ش���ك �أن التدخ���ل الع�سكري والأمني املبا�شر ه���و ال�صورة ال�سيئة يف مب���د�أ التدخ���ل ،لي�س فقط لأنه ي�ستفز امل�شاع���ر الوطنية عامة يف داخل كل ُقط���ر يحدث فيه مثل ه���ذا التدخل ،بل لأنه �أي�ض��� ًا مل ي�ؤ ِّد �إىل نتائج �إيجابية يف الدول التي حدث فيها مثل هذا التدخل ولن ي�ؤدي �أي�ض ًا �إىل نتائ���ج �إيجابية يف �أي دولة تفكر وا�شنطن بالتدخل فيها ع�سكرياً .ورغم �أن م���ا ح���دث يف العراق ويحدث يف �أفغان�ستان ي�ؤكد م���ا ذهبنا �إليه� ،إال �أن احل�سابات الأمريكية كما يبدو يف هذا الأمر هي ح�سابات اقت�صادية �أك�ث�ر منها �سيا�سية وع�سكري���ة؛ فاالقت�صاد الأمريكي ال�ضخم ال يتحمل �أزم���ات ح���ادة ،وهو �أح���وج ما يكون خلل���ق مناطق �صراع���ات يف �أنحاء خمتلف���ة م���ن العامل تك���ون كفيلة ب����إدارة حمركات املئات م���ن امل�صانع خمتلف���ة الأغرا�ض وامت�صا����ص البطالة وخلق فر�ص عم���ل ،وهذا �أمر تعجز �إرادات �أهل املنطقة ودولها -يف ظروفها احلالية -عن مواجهته واحلد منه. ن�صر طه م�صطفى كاتب ميني ،ورئي�س جمل�س �إدارة وكالة الأنباء اليمنية (�سب�أ). العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
191
الفهر�ست مراجعات للكتب وعرو�ض موجزة
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة درا�سات �إ�سرتاتيجية
الأ�سلحة ال�صغرية فـي اليمن
درا�سة ميدانية ل�سوء اال�ستخدام ومعوقات التنمية عبدال�سالم الدار احلكيمي
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 192
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
2010 2010 أكتوبر نوفمرب/دي�سمرب العددان ،5 - 4،يوليو�/ العدد 6
ا�سرتاتيجية العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب
2010
ا�سرتاتيجية
193
الفهر�ست
مراجعات
�صعود العوملة
عرو�ض موجزة
وانهيارها هيثم مزاحم
hmzahem@yahoo.com
كت���اب «انهي���ار العومل���ة و�إع���ادة اخرتاع العامل» ،الذي ن�ش���ر باللغ���ة االجنليزية يف الع���ام ،2005وترجم �إىل العربي���ة يف �أواخر عام ،2009ميثل ر�ؤية نقدية وا�ست�ش���رافية لظاهرة العوملة ،دوِّنت قبل نحو ثالث �س���نوات من انهيار العوملة واالقت�ص���ادات العاملية، خ�صو�ص���اً يف الوالي���ات املتح���دة الأمريكي���ة وعدد من الدول الأوروبية .وم�ؤلف الكتاب جون رال�س���تون �س���ول ،الكندي اجلن�س���ية واحلا�ص���ل على الدكتوراه يف االقت�ص���اد والعلوم ال�سيا�س���ية من جامعة لندن ،يع ُّد فيل�س���وفاً وم�ؤرخاً وكاتباً �سيا�س��� ّياً و�أحد �أبرز املهتمني بتحليل تاريخ احل�ضارة وهيكل ال�سلطة يف الغرب ،وما يتفرّع عن هذه الظواهر من ق�ضايا ثقافية ومعرفية ،خ�صو�صاً فيما يتعلق مبا حلق هذه الأو�ضاع من ف�ساد .وقد نال الكاتب عدداً من اجلوائز والأو�سمة يف كل من كندا وفرن�سا وت�شيلي. وتق���وم الفكرة الرئي�س���ة للكتاب عل���ى حتذير امل�ؤلف من حت���وّل ظاهرة العوملة �إىل ما ي�شبه الأيديولوجيا �أو العقيدة الدينية� ،إذ جرت املبالغة يف االنفالت من النظم وال�ضوابط ،بدعوى حترر التجارة واالقت�صاد ،مما �أدى �إىل �إ�ضع���اف دور الدول���ة وم�ؤ�س�ساتها وقوانينه���ا التي تكفل حماية الن�ش���اط االقت�ص���ادي للمجتمع من �أطماع الأفراد .وق���د نبّه الكاتب من خ�ل�ال اال�ستدالل بالأمثل���ة الواقعية �إىل خطورة تكري����س الن�شاط املايل عل���ى ح�ساب الإنت���اج ،واعتبار النقود �أ�صو ًال �أ�سا�سي���ة بد ًال من اعتبارها و�سائ���ل للتعامل و�أداة للتبادل ،مم���ا �أدى �إىل الأزمة املالية الأخرية التي �أ�صاب���ت دوائر املال يف الواليات املتحدة ،وانتقلت تداعياتها �إىل خمتلف �أنحاء العامل. يق���ع الكت���اب يف حوايل خم�سمائ���ة �صفحة من القط���ع املتو�سط ،ويتكون حوا�ش ت�ض���م تعريف ًا بعدد من م���ن خم�سة �أج���زاء كربى بالإ�ضاف���ة �إىل ٍ امل�صطلح���ات باللغت�ي�ن الإجنليزية والعربية ،و�أج���زاء الكتاب الرئي�سية ه���ي :ال�سياق ،ال�صع���ود ،اله�ضبة ،ال�سقوط� ،أين نذه���ب الآن .ويف �إطار 194
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
هذه الأجزاء اخلم�سة جاءت عدد من العناوين الفرعية. ج���اء اجل���ز ُء اخل��روج م��ن الفردو���س الأول ،حتت عنوان «ال�سياق» ،وقد ت�ضمن عناوين جانبية عدة ،من بينها عنوان دال هو «جنة الفردو�س» ،وك�أن الكاتب ي�شبه العوملة ب�إبلي�س عندما �أغرى �آدم وحواء يف الفردو�س ف�أخرجهما من اجلنة ثم تركهما يالقيان م�صرييهما يف عامل مل���يء باملخاطر وال�صعاب ،ومل يريا ما وعدهما به من خلود ونعيم دائمني. يقول جون رال�ستون �سول «ظهرت العوملة �إىل الوجود يف عقد ال�سبعينيات ك�أمن���ا جاءت من ال م���كان ،ومع ذلك فق���د بدت كاملة الن�ض���ج! وك�أمنا ترت���دي ثوب ًا كام���ل الأو�صاف واملعاين .يومه���ا كان دعاتها وامل�ؤمنون بها يتح َّلوْن بقدر ال يخفى من اجلَ ْر�أة ويطرحون �أفكارَهم من منظور مدر�سة معين���ة م���ن مدار�س االقت�ص���اد ،قائل�ي�ن� :إن املجتمعات يف ط���ول العامل وعر�ضِ���ه م���ن �ش�أنها �أن تتج���ه �إىل م�سارات الإيجابي���ة م�ستجدَّة الطابع هيثم مزاحم كاتب لبناين.
ومت�شابكة االجتاهات ،وهذه الر�ؤية ما لبثت �أن حتولت لت�صبح �سيا�سات وقوانني على م���دار ال�سنوات الع�شرين التي ا�ستغرقها عقدا الثمانينيات والت�سعينيات مدفوع ًة بقوة من احلتمية التي ذاع �صيتُها». وي�ضي���ف �س���ول «على �أن هذه الفك���رة الربَّاقة للعوملة بات���ت الآن ت�شحب وين���زوي بري ُقه���ا ،ب���ل �إن كث�ي�ر ًا م���ن �صفاتها انته���ت بالفع���ل ،وكم من �شخ�صي���ات قيادية ممن درج �أ�صحابها على القول ب�أنه ينبغي �أن تخ�ضع الدول القومية للق���وى االقت�صادية �إال �أن هذه القيادات باتت الآن تقول: �إن هذه ال���دول ال ب َّد من م�ؤازرتها لكي تواجه الفو�ضى ال�ضاربة �أطنابها على �صعيد العامل كله!». ويقول �إنه بعد م�ضي ثالثة عقود �أ�صبحنا قادرين على ر�صد النتائج التي حتقق���ت ،بينه���ا عدد من النجاح���ات التي ال ميكن �إنكاره���ا� ،إىل جانب ع���دد مقلق من �أوجه الف�ش���ل� .أما دعاة العوملة الذين ظلوا يرددون دعوة «اخل�صخ�ص���ة وال �ش���يء غري اخل�صخ�صة» فها ه���م يدركون �أنهم كانوا عل���ى خط�أ ،وب���د�أ ين�شب بني االقت�صاديني اخل�ل�اف الغا�ضب ،من حيث �إنه���م منق�سمون ما بني �أهمية تخفيف �أو ت�شدي���د قواعد �ضبط الأ�سواق الر�أ�سمالية ،وثمة دول قومية قوية ال�شكيمة مثل الهند والربازيل �أ�صبحت ترف�ض الت�سليم بحكمة اقت�صاديات العوملة.
�أحالم �أم كوابي�س؟ وحتت عنوان موجَ ز «امل�ستقبل املوعود» ،يقول امل�ؤلف «بو�سعِك �أنك تتعرف على وعود العوملة، �إذا ،م���ا جُ مِ عَت يف بوتقة واحدة ،تلك الزمرة من الوعود امل�ؤكدة والآمال املطروح���ة والذي ظ َّل يعرِ ب عنها القادة ال�سيا�سيون والأكادمييون و�أهل ال���ر�أي وقادة قطاع الأعمال والناطقون با�سمهم منذ ال�سبعينيات ،والتي تتجل���ي عل���ى النحو التايل� :سلط���ة الدول القومي���ة �إىل ا�ضمحالل وهذه ال���دول كما نعرفها ق���د ت�صل حت���ى �إىل حافة االحت�ض���ار ،و�أن القوة يف امل�ستقب���ل �ست�صب���ح بيد الأ�سواق العومل���ة ،وعليه ف����إن االقت�صاد ولي�ست ال�سيا�سة �أو اجلي�ش هو الذي �سي�شكل الأحداث الإن�سانية ،وهذه الأ�سواق
املعومل���ة ،وقد �أ�ضحت متح���ررة من امل�صالح الوطني���ة والقومية ال�ضيقة وم���ن القواع���د التنظيمي���ة الكابحة �س���وف تعمل بالتدري���ج على حتقيق التوازنات االقت�صادية الدولي���ة» .وعلى �ضوء ما �سبق ،فالنتيجة هي� :أن العومل���ة �شك ٌل حمتو ٌم من �أ�ش���كال النزعة الدولية ،يتم يف �إطارها �إ�صالح احل�ض���ارة من منظور قيادة االقت�صاد ،والقي���ادة هنا ال ي�شكلها النا�س، ولكن جت�سِّ دها ال�سوق بو�صفها القوة الكامنة لأداء االقت�صاد. ويف اجل���زء الث���اين يق���ول امل�ؤلف «من قبي���ل التب�سيط البال���غ �أن يرتبط ظهور العوملة بف�شل الكينزية ،ومن اخلط�أ �أن ننظر �إليها كمجرد ر ّد فعل للأزمات العديدة التي �شهدها عقد ال�سبعينيات؛ لأن ثمة تغريات عميقة �أخرى مهدت الطريق» .وي�ضيف« :هذه الأزمات املروِّعة وقد �أحدقت بها �أزم���ات �أخرى خلقت االعتق���اد العام يف الغرب ،بل ويف �أنحاء العامل ب�أن انق�ض بنيانه و�أن القوة الأمريكية كانت يف حالة من نظام ما بعد احلرب َّ االنكما����ش فيما كان���ت تواجه مناف�سة متنامية م���ن �أوروبا واليابان ،و�أن كثري ًا من �أرجاء الع���امل النامي يتطور بطريقة غري متوقعة ،بعد �أن كان الع���امل النامي ملك ًا للقوى الكولونيالية منذ ع�شر �إىل ع�شرين �سنة خلَت من ال�سنني .ومن واقع هذه الأزمات ،ن�ش�أت جمموعة مركبة وخميفة من ح���االت الت�ضخم والك�ساد وهذه احلاالت جمتمعة �أنتجت �شعور ًا بالعجز ب�ي�ن ظهراين ال�صفوة ،التي مل تتور ْع عن �أن تن�شر هذا الإح�سا�س ب�شكل تلقائي». يف ف�صل «امل�سكوت عنه» يو�ضح امل�سكوت عنه ج���ون �سول �أن دعاة العوملة د�أب���وا على تقدميها للب�شرية على �أنها حتمية �أيديولوجي���ة ،و�أنه ال طريق �آخر �سواه���ا ،وعليك �أن ت�سلم بهذه احلقيقة – املزعومة – �أو ًال ثم تناق�ش ما �شئت من تف�صيالت بعد ذلك .ويذهب امل�ؤل���ف �إىل �أن هالة احلتمية التي ظل���ت حمدقة بالعوملة كانت من القوة لدرج���ة �أنه حتى �أهل امله���ن ،الذين كانوا يعار�ض���ون يف جمموعهم مثل ه���ذه الأيديولوجيا� ،صاروا م�ضطرين �إىل �أن يب���د�أوا معار�ضتهم ب�إبداء غالف الطبعة الإجنليزية
غالف الطبعة العربية
انهيار العوملة و�إعادة اخرتاع العامل جون رال�ستون �سول ترجمة :حممد اخلويل النا�شر :الدار امل�صرية اللبنانية (القاهرة) ،وم�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم (دبي) الطبعة الأوىل2009 ، � 496صفحة
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
195
الفهر�ست
مراجعات
املوافقة ،ومنهم على �سبيل املثال اثنان من االقت�صاديني احلا�صلني على جائ���زة نوبل وهما جوزيف �ستجلتز الذي يق���ول« :ال ن�ستطيع �أن نرتاجع ع���ن العوملة فق���د جاءت هنا لتبق���ى وامل�س�ألة هي تفعيله���ا» ،ومارتيا �سن ال���ذي يق���ول «احلل غ�ي�ر املتاح هو ذلك احل���ل الذي يتعل���ق بوقف عوملة التجارة واالقت�صاد». وانتقد �سول هذه احلتمية املزعومة قائ ًال «�إن كثري ًا مما يقال ب�أنه حتمي ال يع���دو �أن يكون نتيجة مبادرات لغوية لي�س �إال» .ور�أى �أن الوقوع يف �أ�سر ه���ذه القناعة ي�ؤدي �إىل نتائ���ج وخيمة متاماً ،فـ «ت�أم���ل كيف فُرِ �ض على املوازن���ات الوطنية �أن تدخل باحلتم� ،ضمن منط التخ�ص�ص املايل عرب ال�سنوات املا�ضية لتلبي مقت�ضيات الأ�سواق الدولية ،وقد �أدى ذلك يف بلد مثل الواليات املتح���دة الأمريكية ،وهو البلد الذي يعدونه من�ش�أ نظريات املوازن���ة املالية احلتمية ،ترك���ت نف�سها لأ�سو�أ ح���االت العجز ب�أكرث مما �شه���ده �أي بل���د على مر التاري���خ» .وهذه احلتمية يعتربه���ا امل�ؤلف «كذبة ك�ب�رى» ،لأن «رغبتن���ا يف الت�صدي���ق يف حتمية الأ�شياء ميك���ن تلخي�صها على �أف�ضل وجه بو�صفها متوالية ال�شم�س التي ال تغرب قط ،وامل�شكلة �أن ال�شم�س تغرب دائماً».
ن�ش���ر �أفكارهم ،وي�صفها امل�ؤلف ب�أنها اللغة الدينية اجلديدة ،مبعنى لغة االخت�صا�ص���ي املتجرد الذي ينه�ض وقد �أحدقت به كتائب تبدو يف �إهاب قرائن ت�ستند �إىل حقائ���ق ،كان ذلك �سلوك ًا «جيزوتياً» (كهنوتياً) ولكنه قابل لتف�س�ي�رات �شعبوية ،وما عليك �سوى �أن تتعامل معه على �أنه ن�سخة معدلة م���ن �شعار «�إىل الأم���ام �أيها اجلنود امل�سيحي���ون» ،وك�أنها حقائق تق���ول �إن الرب – بزعمه���م -كفيل ب�سحق الكفرة املارقني ،حيث يتجلى املنط���ق املطلق الذي �سبق �أن اتبعه كوبدن مدعي ًا امتالك زمام احلقيقة وال�سيط���رة على قوى احلتم التي ت�ش���ق طريقها بال هوادة .ويرى كوبدن وه���و �أح���د مفكري العومل���ة «�أن �أي قانون يعار�ض العومل���ة �إمنا يتدخل يف حكمة العناية الإلهية ،ويحل قانون الأ�شرار حمل قانون الطبيعة» .وي�صل الأم���ر �إىل �أن يقول فرن�سي�س فوكوياما يف كتابه «نهاية التاريخ والإن�سان الأخ�ي�ر»« :ثم���ة عملية �أ�سا�سية تفع���ل فعلها وتفر�ض منط��� ًا م�شرتك ًا من التط���ور على جميع املجتمعات» .ويف هذا الإط���ار ،ي�ست�شهد امل�ؤلف بر�أي الفيل�س���وف ج���ورج �شتايرن الذي ي���رى ب�أن «ما يحدث الي���وم هو �أ�صولية تتح���رك بخطى عمي���اء ،و�أنها �أ�صولي���ة دينية اقت�صادي���ة �شبيهة بنزعة ال�سكول�ستني التي �شهدتها �أوروبا يف الع�صور الو�سطى».
196
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
Flickr
يف اجل���زء يف ف�صل العومل��ة وتف��كُّك القومي��ات التاريخ «املُقدّ �س» لالقت�ص��اد “موج���ز تاريخ االقت�صاد وقد �أ�صب���ح ديانة” ،ي�شري امل�ؤلف �إىل �أنه “مل الثال���ث من الكت���اب� ،أو�ضح امل�ؤلف �أ�سباب �شع���ور امل�ؤمنني بفكر العوملة يك���ن �أحد يدري حت���ى منت�صف القرن التا�سع ع�ش���ر ب�إمكانية �أن يتحول باالرتي���اح �إزاء ما حققوه خ�ل�ال ال�سبعينيات والثمانيني���ات وما بعدها االقت�ص���اد لي�صب���ح م�صدر ًا م���ن م�صادر احلقيق���ة احل�ضارية” .ويرى حت���ى الت�سعينيات من جناح مب���ا ميار�سونه من �إ�ص�ل�اح بعد �آخر ،مثل �أن م���ا نكت�شفه يف �أمن���اط التب�شري بالعوملة “هما نوع���ان من القناعات ،تخفي����ض اجلمارك ،ومن��� ّو التجارة ،والتح���رر من ال�ضواب���ط والتحول نح���و اخل�صخ�ص���ة ،وتخفي����ض معدل ال�ضرائ���ب املفرو�ض���ة عل���ى الن�ص���ف نبّه رال�ستون �سول من خالل اال�ستدالل الأعل���ى من قمَّ���ة املجتم���ع ،وكان ذلك بالأمثلة الواقعية �إىل خطورة تكري�س الن�شاط املايل على ح�ساب الإنتاج ،واعتبار جناحً ا بالن�سبة لفكرة العوملة وبالن�سبة و�صاحَ ب ذلك انهي���ار االحتاد لل�س���وق َ النقود �أ�صو ًال �أ�سا�سية بد ًال من اعتبارها ال�سوفيات���ي �سن���ة ،1989فق���د ج���اءت و�سائل للتعامل و�أداة للتبادل ،مما �أدى �إىل نهاي���ة النظام ال�سوفيات���ي مبثابة ن�صر الأزمة املالية الأخرية التي �أ�صابت دوائر املال يف الواليات املتحدة ،وانتقلت تداعياتها م�ؤزَّر للعوملة. �إىل خمتلف �أنحاء العامل يقول امل�ؤلف« :هكذا كان املناخ ال�سائد خ�ل�ال �أواخ���ر الثمانيني���ات و�أوائ���ل الت�سعينيات ،مناخ ًا �إيجابي ًا للعوملة �إىل �أوالهم���ا تتمث���ل يف النزعة الدولية االقت�صادية الت���ي تعبرّ عنها �صراحة ح���دٍّ كبري ،وعندما الحت خيباتُ الأمل ،كان الر ّد هو� :أعطونا مزيدً ا من التج���ارة احلرة وهذا اعتقاد را�سخ ت�شوبه م�سحة بروت�ستانتية وتوراتية ،الوق���ت! ولكن �إذا �أمعن���ت النظر بعني حمايدة لأ�صب���ح بو�سعك �أن تلمح وهذا ه���و العامل الذي يدفع الأفراد الأ�سوي���اء �إىل �أن يبادروا ب�صراحة حتركات متناق�ضة �إىل ح���دٍّ كبري� :صحيح �أن العوملة كان ي�شتد �ساعدها أي�ض���ا تتحلَّل وتتف���كك �أوا�صره���ا ثم ترتاجع لك���ي يعتنقوه ويب�ش���روا ب���ه .والقناعة الثاني���ة �أكرث تنوع��� ًا ورمبا جاءت با�ستم���رار ،ولكنه���ا كانت � ً حم�صل���ة للأوىل ،وهي تتعلق بالأمر البديه���ي ،مبعنى �أنها القناعة التي خطاها». ال ب���د من الت�سليم بها ،فاالعتق���اد قائم وموجود ،ولكن الأمر كله يتطلب وحول تفكك القوميات �أمام العوملة يرى امل�ؤلف �أنه يف عام 1991عاودت فقط معبد ًا ترتدد يف جنباته تراتيل املتعبدين”. نزعة القومية ظهورها على غري انتظار ولكن يف �أ�سو�أ �صورها ،كان �أ�شد وقد ا�ستخدم �أن�صار العوملة لغة دينية متام ًا يف احلوار مع الآخرين �أو يف دع���اة العوملة ال�سيا�سيني ي َّت ِبعُون نهج ًا ثنائياً .ظلُّوا يتكلمون بغري انقطاع
يح��دد رال�س��تون �س��ول عام 2003ب�أنه عام انك�ش��اف زيف العوملة ،وخروج ع��دد من الدول على هذا النظام من �أمث��ال الهند وماليزيا وال�ص�ين والربازي��ل ،ومن ثمّ �إعادة االعتبار للنزع��ة الوطنية والقومية ،و�أنه بحلول عام 2005كان ق��د مت الت�أكد من وفاة العوملة ع���ن التكامل االقت�صادي ال���دويل ،ويف الوقت نف�سه كان���وا عاكفني على كَب����س الأزرار القدمية لقومي���ة القرن التا�سع ع�شر م���ن �أجل �أن يك�سبوا االنتخاب���ات ،كان هذا وا�ضحً ا يف حالتي رونالد ريغان ومارغريت تات�شر ضال عن منو النزعة ال�شعبوية «رواد العومل���ة» .وحدث ذلك يف �إيطاليا ،ف� ً الزائفة يف كثري من املناطق من العامل. وم���ع �أوائ���ل الت�سعينيات الحت عالمات متزايدة ب�ش����أن �أقوام كانوا على م�شارف الإح�سا����س باالغرتاب يف عامل ت�سوده نظريات العوملة املجردة، فجاء االرتدا ُد �إىل النزعة القومية يف �صيغتها العتيقَة .وي�شري امل�ؤلف �إىل احلالة اليوغو�سالفية وانف�صال �سلوفينيا ،وكرواتيا والبو�سنة والهر�سك، وم���ن عالمات هذا التفكك �أي�ض ًا م���ا كان يتمثل يف تزايد االنف�صال بني نظ���ام العومل���ة وحياة النا�س .ومل يكنْ �أي م�سئ���ول �أو �أي من دعاة العوملة شال لنظرية العوملة .جتلَّى ق���ادر ًا على تدبر �أمرِ هذه الظواهر بو�صفها ف� ً ذلك يف اتفاق دايتون الذي مت تكييفه من واقع منوذج الزعماء القوميني يف البو�سن���ة ،وكذل���ك جرائم الإبادة اجلماعي���ة يف رواندا ،حيث ُقتِل ما بني ن�صف مليون ومليون من الب�شر دون حترك العامل املتقدم .ويخل�ص امل�ؤل���ف �إىل طرح الت�س���ا�ؤل التايل« :خالل كل هذه الك���وارث� ،أين كانت �إذن جميع القوى القادرة وامل�ؤمنة باحلتمية االقت�صادية؟!».
يف اجلزء الرابع من الكتاب انهيار العوملة والذي يحم���ل عنوان «ال�سقوط» ،يق���ول امل�ؤلف« :بدا الأم��� ُر وك�أمنا �ساد ال�ساحة ارتباكٌ وا�س���ع النطاق ورمبا كان الأهم هو االنطباع الأو�سع ب�أن حقائ���ق العوملة الكربى مل جتدْ طري َقه���ا �إىل التج�سيد .ورمبا كان �أب�سط الأمثل���ة ما جت�سَّ ���د نتيجة ذلك التو�س���ع يف خ�صخ�صة �ش���ركات الدولة. وكذل���ك بالن�سبة �إىل املبالغ الطائل���ة التي حقنوا بها اخلزائن احلكومية يف �أنح���اء الع���امل ،بد�أت ه���ذه املبالغ تتبخ���ر دون �أن تخل���ق �أي �أثر ،وال �صع���ود ًا اقت�صاد ّياً ،وكان �أ�سو�أ �ضروب الف�شل ،هو االعرتاف باالنف�صال بني التجارة والنمو ،وكذلك االنف�صال بني النقود والنموّ. وم���ع منت�ص���ف الت�سعينيات كان ه���ذا النظام العقائ���دي ينهار ،وحينئذ ا�ستم���ع النا�س �إىل �أ�صوات املعار�ضني .ومن �أو�ضح العوامل التي دفعتهم �إىل الت�ش���كك يف �ص���واب العومل���ة ما ر�أوه م���ن عجز نظريته���ا عن زيادة الرثوة ،وكذلك عجزها عن احلفاظ على جانب العمالة ،لقد كانت فرتة العوملة �إحدى فرتات زيادة البطالة»! وي�ستعر����ض امل�ؤل���ف الت�سل�سل الزمن���ي لالنحدار ،لأح���داث لها دالالتها ب���د�أت ع���ام .1995فيق���ول :كانت تل���ك �سن ًة فا�صل���ة ،فقد وقع���ت �أربع ُة �أح���داث حم���دَّدة جاءت لتفيدَ نا ب����أن العامل ي�شهد اجتاه��� ًا جديداً .عام العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
197
الفهر�ست
مراجعات
،1995كان هن���اك �أزمة التك�سي�ل�ا ونعني بها انهيار املك�سيك ،و�سقوطها م���ن ذروة املجد الدويل �إىل قاع كارثة وطني���ة ،ثم جاء م�صرف التنمية للبلدان الأمريكية ليعزِّ ز الت�ص���ورات ب�أن التجربة االقت�صادية اجلديدة مل تكن ت�ؤدي دورَها. وع���ام 1996ات�ضح �أن النزعة القومية كانت عل���ى طريق العودة للقومية يف كل �أنحاء العامل ،فقد جاءت انتفا�ضة ال�شي�شان لت�صبح حرب ًا كاملة، حيث لق���ي خم�سون �ألف فرد م�صرعهم يف ثماني���ة ع�شر �شهراً .وكذلك ف����إن امل�سار الدويل كان يتجه �صوب ن���وع من القومية الأكرث ا�ستناد ًا �إىل الدين ،كما يف �إ�سرائي���ل ،والهند ،وتركيا .ويف عام � 1997أ�صبح وا�ضح ًا كي���ف �أن الأم���ور خرجت ع���ن ال�سيط���رة ،ويف �أواخر تل���ك ال�سنة ،بد�أت �إ�شارات التنائي بعيد ًا عن نظام العوملة تبدو على ماليزيا. ويف ا�ستم���رار الت�سل�سل الزمن���يّ لالنحدار ،بد�أت ق���وى الطرد املركزي تت�سارع خُ طاها .ويف عام 1999اكت�سبتْ مفرداتُ العوملة يف النطاق العام طابع ًا �سلبي��� ًا ودفاعياً ،وكان يل كوان يو ،زعيم �سنغافورة ،يحذر من �أن «العومل���ة ميك���ن �أن تب���دِّ َد القيم الأ�صيلة الت���ي جمعت بلدن���ا على �صعيدٍ واحد».
198
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
دعاة العومل��ة د�أبوا على تقدميها للب�ش��رية على �أنه��ا حتمي��ة �أيديولوجي��ة ،و�أن��ه ال طريق �آخر �سواها ،وعليك �أن ت�سلم بهذه احلقيقة املزعومة �أو ًال ثم تناق�ش ما �شئت من تف�صيالت بعد ذلك
Flickr
الفج��ر ال��كاذب الذي���ن روج���وا للعومل���ة قال���وا �إنها �ست�ؤدي �إىل رخاء العامل كل���ه ،وتقليل عدد الفقراء وحل �أزمة الدي���ون و�أن ه���ذه �أح�ل�ام تقت�ض���ي الت�ضحية بنم���ط الدول���ة القومية �أو الرتكيب التقلي���دي للنقابات وامل�ؤ�س�سات الوطنية .ولكن بعد عقدين من ظه���ور العوملة ،كانت املح�صلة م�ؤ�سفة .يقول جون �سول“ :كانت النتيجة ه���و الو�صول باقت�صاديات معظ���م الدول وخا�ص���ة دول �أفريقيا و�أمريكا الالتينية وبع�ض دول �آ�سيا �إىل حالة من التوقف ،ومعظمها ال يزال حتى الآن �شبه متوقف ملا يقرب من � 20سنة”. وي�ض���رب امل�ؤلف عدد ًا من الأمثلة ا�ستناد ًا �إىل �إح�صائيات رقمية ،قائ ًال “يف الفرتة من � 1950إىل � ،1980أي قبل العوملة ،ارتفع ن�صيب الفرد مث ًال يف �أم�ي�ركا الالتينية بن�سب���ة � %12.4سنوياً� .أما يف الأعوام من � 1980إىل ع���ام � ،2000أعوام ذروة العوملة ،فقد انخف�ض���ت تلك الن�سبة �إىل ،%0.4 ويف �أفريقيا ارتفع يف الفرتة من � 1950إىل 1980بن�سبة %1.8وما لبث �أن انخف�ض يف الفرتة من � 1980إىل عام 2000بن�سبة .”%6.2 وهناك �إح�صاءات بغري ح�صر له���ذا النوع وكلها حتمل الر�سالة نف�سها: �إن حقب���ة العوملة دمرت �أ�صقاع ًا وا�سعة النطاق يف العامل ،و�أ�شد الأرقام �إيالم��� ًا تق���ول لنا �أو ًال �أن���ه بحل���ول الت�سعينيات كانت �أفق���ر البلدان تنوء بدي���ون مل تكن قادرة على خدمته���ا� ،إال ب�أن تدمر نف�سه���ا ،وتقول ثانياً: �إن ه���ذه الديون مل يطر�أ عليه���ا تغيري حقيقي حتى اليوم رغم ما يثار يف الغ���رب من �أحاديث ،وما يط���رح من طائفة وا�سع���ة النطاق من احللول اجلزئية ،ويف كل الأحوال فقد تدهورت الأحوال ال�سيا�سية واالجتماعية، ومت تخفي����ض الربام���ج ال�صحي���ة والتعليمية ،حي���ث �أن القاعدة الدولية املطبق���ة� ،أو هكذا تبدو� ،أن املتاح لي�س �سوى حيز �ضئيل لتنفيذ مثل هذه الربامج� ،إذا كان الأمر يقت�ضي خدمة الديون.
تتخ���ذ �شك ًال �إيجابي��� ًا بحيث ي�ؤ�سِّ �س االنتماء االلت���زام بالتوا�صل وبتخيل الآخ���ر يف �إط���ا ٍر من القبول والتعددي���ة .لكنها – �أي النزع���ة القومية - ميك���ن �أن تتخذ �شك ًال �سلبي��� ًا �إىل حدِّ الإغراق يف النزعة العرقية ،وجعل االنتم���اء تعبري ًا عن اال�ستع�ل�اء واال�ستبعاد ،فال�ش���كل الإيجابي للقومية يرتب���ط بالثقة يف النف����س واالنفتاح ،وبفكرة ال�صالح الع���ام� .أما ال�شك ُل ال�سلب���ي فينطلق م���ن م�شاعر التوج�س والغ�ض���ب ،ويت�صل بقناعة يائ�سة ب����أن حقوق �أمة ال تتج�سد �سوى باملقارنة بحق���وق �أمة �أخرى ،كما لو كان الأمر احتدام مناف�سة ال تنتج �سوى رابحني وخا�سرين. ومن���ذ ع���ام 1995وما بع���ده ما زال م���ن ال�سهل متابعة �صع���ود النزعات القومي���ة ب�شكلها الإيجابي وال�سلبي ،ويتعني �أن يحتدم القتال بينهما من جديد؛ فهل هذا يعني �أننا ندخل يف حقبة قومية جديدة؟ الإجاب���ة كما يق���ول �سول هي �أننا ال نع���رف الإجابة بعد ،وم���ا نعرفه هو �أن القوى الت���ي �سوف ت�شكِّل على الأرجح احلقبة اجلديدة تبدو ظاهرة، وق���د الحت للعيان ،ولكنها ما زالت يف حالة �سيولة ومل ندخلْ بع ُد مرحل َة الت�شكيل.
�أين نذهب الآن؟! اجلزء اخلام�س والأخري م���ن الكت���اب ،جاء حتت عن���وان «و�أين نذه���ب الآن؟!» ،وكان���ت عناوينه الفرعي���ة :الف���راغ اجلدي���د ..فرتة فا�صل���ة من عالم���ات االعتدال ،هل عادت الدولة القومية؟ القومي���ة ال�سلبية ،تطبيع احلرب غري النظامية، القومية الإيجابية. وفي���ه يرى امل�ؤلف عك�س ما كان يتوقع مفكرو العوملة من �ضعف القوميات وذوبانه���ا� ،إذ حدث ما مل يكن م���ن ال�سهل ا�ستيعابه ،ففي غ�ضون ب�ضعة �أ�شه���ر م���ن انهيار االحتاد ال�سوفيت���ي و�سقوط �سور برل�ي�ن ،خرجت �إىل الوج���ود خم�س وع�شرون دولة قومي���ة جديدة! ومع نهاية القرن الع�شرين �أ�صبحت القومية والدول القومية �أقوى مما كانت عليه عندما بد�أ ع�صر العومل���ة ،وما زال هذا عن�صر ًا غالب ًا بينما نتعرث نحن داخل الفراغ الذي نعي����ش فيه .فالإميان بحقائ���ق االقت�صاد العوملي ما لب���ثَ �أن تقل�ص �إىل حي���ث يتبدَّد ،وي�ؤكد امل�ؤل���ف �أن للقومية �أ�شكال �إيجابي���ة و�أخرى �سلبية، و�أن جمي���ع �أ�ش���كال القومية تتعل���ق ب�شعو ٍر من االنتم���اء ،ويف هذه احلالة
عوملة ميتة ،تنتظر مرا�سيم الدفن! يحدد امل�ؤلف عام 2003ب�أنه عام انك�شاف زيف العوملة ،وخروج عدد من الدول عل���ى هذا النظ���ام من �أمثال الهن���د وماليزيا وال�ص�ي�ن والربازيل ،ومن ث���مّ �إع���ادة االعتبار للنزع���ة الوطني���ة والقومية ،و�أنه بحل���ول عام 2005 كان ق���د مت الت�أك���د م���ن وفاة العومل���ة .ومنذ ع���ام 2001تزاي���دت �أخبار االنهي���ار االقت�ص���ادي ،حيث �أ�صاب التده���ور احلاد الأعم���ال التجارية الت���ي ت�ستخدم التكنولوجيا الرفيعة على م�ستوى العامل .وكانت قطاعات احلوا�سي���ب الإلكرتونية يف �أ�سو�أ �أحوالها رغم حياتها الق�صرية ،وكذلك قطاع���ات ال�سفر اجل���وي حتى يف �ضوء معايريه الكارثي���ة ،وبعد حتريره م���ن �أي �ضواب���ط ،وكان ت�سريح املوظف�ي�ن يف كل االجتاهات .وثبت خط�أ الق���ول القائل ب�أن ال�ش���ركات عرب الوطنية �أ�صبحت ه���ي الدول القومية اجلدي���دة ،وقد عادت احلكوم���ات التي ت�سلمت مقاليد ال���دول القومية، ع���ادت من جديد لتت�سل���م مقاليد ال�سلطة .وجت���ر�أ مهاتري حممد رئي�س وزراء ماليزيا عام 2003ف�أ�سهب يف نقد �سيا�سات العوملة ،وتباهى بنجاح ماليزي���ا عقب اتباعها منوذج��� ًا وطنياً ،فلم تعد العومل���ة دين ًا جديداً� ،أو حتمية �أيديولوجية بل جمرد جتربة فا�شلة تخ�ضع للنقد. وعل���ى نف�س املنوال ،قال ل���وال دي �سيلفا رئي�س الربازي���ل �إن هناك نوع ًا جدي���د ًا م���ن ال�شعبوية امل�ستن���دة �إىل الدولة القومي���ة ،وكان ذلك رف�ض ًا للحكم���ة التقليدية للعوملة .وبعبارة �أخ���رى� ،أعلنت النماذج احلديثة من الدميقراطي���ة �أن احلك���م الأخري للدولة القومية ولي����س لالقت�صاد ،و�أن الدول���ة القومي���ة وامل�صلحة الوطنية ،واملحلي مقاب���ل العوملي ،هي النهج الذي ن�ستند �إليه كمنظ���ور نطل منه لكي نتعامل مع الإجراءات الدولية. وبحل���ول 2005اُختزلت متام ًا االفرتا�ض���ات القدمية بحتمية االقت�صاد، وتبدد ب�شكل عام ذل���ك الإميان بقيادة ال�شركات ثم عودة ال�سيا�سة لكي متلأ الفراغ.
ويقول امل�ؤلف يف الف�صل الأخري الذي يحمل عنوان «القومية الإيجابية»: «نح���ن حما�ص���رون يف �إط���ار لعب���ة ب�شري���ة ،مل تكتم���ل بع���د ف�صوله���ا. وب�صورة م���ن ال�صور فاحلالة �أ�سو�أ مما نحن عل���ى ا�ستعداد لالعرتاف ب���ه ،فالإ�شارات الدالة على القومي���ة ال�سلبية حتدق بنا من كل جانب يف جمتمعاتنا .ومع ذلك ،فكم نحر�ص على �أال نتعرف عليها� ،إال على �أ�سا�س كل حال���ة عل���ى حدة ،كي نتجن���ب ال�شعور بحدوث �أي تط���ور ي�شهده هذا املج���ال ،كما �أننا نخفف كثري ًا من ت�صورنا مل�ستويات العنف املنظم حول الع���امل .كيف؟ عندما نتب���ع ن�صيحة �صامويل هانتنغت���ون فنقت�صر على �إح�صاء املوتى ،الذين ي�سقطون يف جمتمعاتنا� ،أو فيما �صوّره هانتنغتون ب�أنها ح�ضارتنا التي متيزنا عن �سوانا». ويعت�ب�ر �أن العوملة ظلت تدور دائم ًا حول تب�سيط التجربة الإن�سانية ،مما جعل م���ن ال�صعوبة مب���كان على الدميقراطي���ة �أن تتعامل م���ع احلقائق الفردية بطريق���ة بناءة .وعلى الرغم من �أن م�ؤ�س�سات دولية مثل البنك الدويل �أ�صلحت نف�سها� ،إال �أنها ال تزال تتطلع �إىل حلول كربى .ويرى �أن التح���دي املاثل الي���وم يت�سم بالتعقيد والأهمي���ة يف �آن معاً .وقد ال ن�شهد حالي��� ًا نهاية ف�ت�رة العوملة ،ولكننا ن�شه���د �أي�ض ًا نهاية الف�ت�رة العقالنية الغربية ،بكل �إ�صرارها على التم�سك بوجود هياكل وحيدة اجلانب جلية املعامل ب�ش�أن كل مو�ضوع. وي�ؤك���د امل�ؤلف �أن ما يحتاجه و�ضعنا احلايل ه���و بال�ضبط ما و�صفه �آدم �سمي���ث ب�أن���ه امل�صلحة العام���ة ،وهو �أي�ض��� ًا اخليال ال���ذي طالب به دي توكفيل ،بقدر ما �أنه النزعة الإن�سانية التي تكلم عنها رورتي .ومن �ش�أن ق���راءة تقليدية لهذه العبارات� ،أن تدفع البع�ض للقول ب�أنه ما بد�أ بتبيان عودة الدولة القومية� ،إال لكي يرتاجع عن هذا القول .لكن احلقيقة على خالف ذلك ،فكلم���ا زاد تعقيد عالقاتنا القومية والدولية ،زاد عدد من يحت���اج منا لالنطالق م���ن �أدق م�شاعر االنتماء� ،س���واء لي�شعر يف وطنه باالرتي���اح� ،أو ليجد �سب ًال متعددة كي ي�شع���ر باالرتياح ،يف �إطار التعامل مع �أو�سع ت�شكيلة من الب�شر والظروف. وي�ش�ي�ر امل�ؤل���ف �إىل �أن الدعوة ال�شائعة اليوم تق���ول بتدار�س القيم ،وهو �أم���ر ال يزال ملتب�س ًا بالن�سبة �إليه ،و�إن كان يردد �صدى من قومية القرن التا�س���ع ع�شر ،التي كانت تتوخى خدمة نف�سه���ا ،يف حني �أن من الأف�ضل الرتكيز على ق�ضية �أكرث واقعية مثل خدمة ال�صالح العام .وقد ذكر �آدم �سميث «�إنه لي�س بالت�أكيد مواطن ًا �صاحل ًا ذلك الذي يعزف عن ا�ستخدام كل م���ا ي�سع���ه من �إمكانات ،لكي يع���زز رفاه املجتمع ب�أ�س���ره حيث يعي�ش رفاق���ه املواطنون» .وي�ضيف �سول�« :إذا كان الذين يتعارفون (من �شعوب و�أمم) �س���وف ي�سهرون على م�صالح مواطنيهم ،ف����إن عليهم �أن يتعلموا �شيئ ًا غري متوق���ع بخ�صو�ص تعامل كل منهم مع الآخر ،ورمبا بخ�صو�ص االختالف���ات التي متيز ك ًال منهم ،ف�إذا مل يع���رف النا�س بع�ضهم بع�ض ًا كم���ا ينبغي ،رمبا لأنهم جا�ؤوا من ثقافات خمتلفة ،ثم عملوا على خدمة م�صال���ح مواطنيه���م ،فرمبا يكت�شف���ون من بعد �أن القي���م التي ينطلقون منه���ا هي قي���م متماثل���ة» .ويختم الكات���ب ب�أن���ه يف كال احلالتني تتجلى القومية الإيجابية ،فتنه�ض حق ًا باملهام املوكلة �إليها. العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
199
الفهر�ست
عرو�ض موجزة الأحزاب القومية يف اليمن :الن�ش�أة -التطور -امل�صائر قادري �أحمد حيدر الآفاق للطباعة والن�شر (�صنعاء)2010 ، � 356صفحة ي�أت���ي هذا الكتاب – كما يق���ول �صاحبه -يف ظ���روف ومناخات يج���ري فيها ت�شوي���ه �صورة احلرك���ة القومي���ة ،وتاري���خ الأح���زاب القومية والتقدمي���ة ،وذل���ك بالدع���وة �إىل �إ�سق���اط امل�س�أل���ة القومية من ج���دول العم���ل ال�سيا�سي والوطن���ي ،ك���ون زم���ن القومي���ة ق���د وىل �إىل غ�ي�ر رجع���ة – كما يقول���ون -بع���د اعتبارهم، امل�س�أل���ة القومية �سبب انك�ساراتن���ا ال�سيا�سية، والوطني���ة ،والدميقراطي���ة ،والتنموي���ة ،و�أ�س م�شاكلنا كلها ،و�صو ًال �إىل جترمي الق�ضية القومية العربية ،جري ًا مع خطاب العوملة يف بعدها اال�ستعماري الوح�شي ،يف قدح وذم احلال���ة القومية التحررية العربية ،وم�ساي���رة �سلبية خلطاب ما بعد احلداثة يف احلديث ع���ن نهاية التاريخ ونهاية الأيديولوجي���ا ،وموت القومية ،وت�صور اندحارها واختفائها كق�ضية حتررية ودميقراطية. والكتاب هو عبارة ع���ن درا�سة �سو�سيو� -سيا�سية ،فكرية ،تاريخية ،حاولت تتب���ع امل�س���ار التاريخي لن�ش����أة ،وتطور الأح���زاب القومية ودوره���ا ال�سيا�سي والوطن���ي يف اليم���ن ،حتى م�صائره���ا الراهن���ة ،ب�صورة مكثف���ة ،وموجزة، حيث ركزت الدرا�س���ة على العناوين الرئي�سية� ،أو االجتاهات الأ�سا�سية ،لكل منه���ا ،ودورها يف التاريخ ال�سيا�سي واالجتماع���ي ،والوطني اليمني املعا�صر، �شم���ا ًال وجنوب ًا ،م�ؤكدة الدرا�سة على وح���دة �إرادة الثورة اليمنية ،التنظيمية وال�سيا�سية ،والأيديولوجية ،وعلى طابعها الوطني اليمني ،وم�ؤكدة كذلك على �أن الفك���رة الوطنية اليمنية املعا�صرة ،واحلالة الوحدوية اليمنية يف اخلطاب �إمن���ا هي ولي���دة التاري���خ التنظيم���ي ،والفك���ري ،وال�سيا�س���ي ،واالجتماعي، والكفاح���ي الوطني لن�ش�أة احلركة ال�سيا�سية الدميقراطية اليمنية املعا�صرة، (القومية ،والي�سارية) ،بكل ايجابياتها و�سلبياتها ،واملطلوب اليوم ا�ستنها�ض دوره���ا ال�سيا�سي ،والوطني ،والدميقراطي والقوم���ي ،والتقدمي ،على �أ�س�س دميقراطي���ة حتررية ،تركز عل���ى ثقافة االعرتاف بالآخر والقبول به كما هو، ال كم���ا نحن نري���د ،ثقافة قومي���ة دميقراطية تعددية منفتح���ة على اجلميع، وت�ؤ�س����س -ملرحلة نوعية �إبداعية يف تاريخن���ا ال�سيا�سي ،والوطني والقومي،- ثقافة ،و�أحزاب��� ًا جاهزة وقادرة على الكفاح على م�ستويني :مقامة اال�ستبداد الداخلي ،ومقارعة اال�ستعمار اخلارج���ي ،وكالهما وجهان لعملية مو�ضوعية �سيا�سية كفاحية تاريخية واحدة. 200
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
حت��والت اخلط��اب ال�س��لفي ..احل��ركات اجلهادي��ة -حال��ة درا�س��ة ()2007 -1990 مروان �شحادة ال�شبكة العربية للأبحاث والن�شر (بريوت)2010 ، � 350صفحة يف ظ���ل اللغ���ط الفك���ري وال�سيا�س���ي الذي يكتن���ف ظاه���رة ال�سلفية اجلهادي���ة عموم ًا، وتنظيم القاعدة على وجه اخل�صو�ص ،ت�أتي ه���ذه الدرا�س���ة التي �ألفه���ا الباح���ث مروان �شحادة كمحاول���ة لإعادة النظر يف اخلطاب ال�سلف���ي وجتدي���ده ،وبل���ورة مفاهي���م قادرة عل���ى النهو�ض�،آخذ ًة يف ع�ي�ن االعتبار -كما يق���ول امل�ؤل���ف -جمم���ل التط���ورات والتقدم ال���ذي ح�ص���ل يف حق���ل العل���وم الإن�ساني���ة، وذلك للتخل�ص من عمليات البرت والتجزيء ملكونات الرتاث الإ�سالمي واحلداثة ،ويف �سبيل تر�سيخ منظومة فكرية قادرة على مواجهة التحديات التي حتيط باملجتمعات العربية والإ�سالمية. ومن الناحية العلمية ،ت�أتي �أهمية هذه الدرا�سة كون اخلطاب ال�سلفي طرح فك���ر ًا �سيا�سي��� ًا مغاير ًا للخطاب ال�سلفي التقليدي ،فق���د عمل على �سد اخللل والنق����ص ال���ذي الزم ال�سلفية التقليدي���ة -بح�سب م�ؤيدي���ه -ومار�س العمل اجلماع���ي واحلركي وال�سيا�سي واجله���ادي ،وهو الأمر ال���ذي �أهملته الر�ؤية ال�سلفية التقليدية وحاربته على مدى عقود طويلة. وم���ن الناحي���ة العملي���ة ،ف����إن داف���ع الباح���ث كما يق���ول للخو����ض يف هذه الدرا�سة ،هو طبيعة الظاهرة اجلهادية التي �أ�صبحت حمط اهتمام الباحثني واملتخ�ص�صني و�صناع القرار .ف� ً ضال عن �أ�صالة ومعا�صرة الدرا�سة ومعاي�شة الباح���ث لبع����ض �أحداثه���ا ،ومعرفت���ه ال�شخ�صي���ة ببع�ض الرم���وز امل�ؤثرة يف م�س�ي�رة احلركات ال�سلفية� ،إ�ضافة �إىل �أن احل���ركات ال�سلفية �أ�صبحت العب ًا �أ�سا�سي��� ًا يف حقل العالقات الدولية ،و�شكلت حدث ًا تاريخي ًا كبري ًا �أثر بعمق يف جممل العالقات الوطنية والإقليمية والدولية برف�ضها العملية الدميقراطية، وامل�شارك���ة ال�سيا�سي���ة ،والو�ص���ول �إىل ال�سلطة بالطرق ال�سلمي���ة ،وال تر�ضى بدي ًال عن خيار اجلهاد والقتال يف حتقيق �أهدافها. �إجم���ا ًال فقد ح���اول الباحث م���ن خالل يف ه���ذه الدرا�سة حتلي���ل الأ�سباب وامل�ؤثرات الإقليمي���ة والدولية يف اخلطاب ال�سلفي اجله���ادي على امل�ستويات الفكري���ة وال�سيا�سي���ة وم�ؤ�شرات حتول اخلطاب ال�سلف���ي الذي �أحدثه تنظيم القاع���دة ،وكذلك حتليل �أبرز مع���امل ومرتكزات خطاب احل���ركات ال�سلفية اجلهادي���ة املعا�صرة ،وتقدمي بع�ض االقرتاحات املو�ضوعية للو�صول �إىل حالة من الأمن وال�سلم واال�ستقرار على امل�ستوى املحلي والإقليمي والدويل.
االقت�صاد ال�صيني فران�سواز لوموان ترجمة� :صباح ممدوح كعدان الهيئة العامة ال�سورية للكتاب (دم�شق)2010 ، � 215صفحة ب�أ�سلوب �سهل ومب�سط ي�شرح فران�سواز لوموان التجرب����ة ال�صيني����ة وما حققته م����ن اجنازات يف امل�ستوي��ي�ن االقت�صادي واالجتماع����ي خالل هذه الفرتة الق�صرية من الزمن ،و�ضعتها على طريق مقارع����ة ال����دول االقت�صادي����ة العظم����ى العاملية، ففي نهاي����ة �سبعينيات الق����رن الع�شرين ،و�ضعت ال�صني حتدي����ث اقت�صادها يف املرك����ز الأول من �أولوياتها ،وعملت كل ما بو�سعها من �أجل حتقيق هذا الهدف :عندما تخل����ت تدريجي ًا عن خطتها يف اجت����اه اقت�ص����اد ال�س����وق ،وعب�����أت م�صادرها ال�ضخم����ة من اليد العامل����ة ،وا�ستغلت عالني����ة العوملة لت�صب����ح م�صنع ًا للعامل. وبذل����ت جه����د ًا ا�ستثماري���� ًا هائ ًال م����ن �أجل حتدي����ث ال�صناعة ،وتطوي����ر البنى التحتي����ة ،وا�ستخدام العاملني الذين ت�ضاعف عددهم منذ ع�شرين عام ًا وو�صل �إىل 770ملي����ون ن�سمة .وزادت �إنتاجية العمل بف�ضل الهجرة الريفية وا�ستخدام تقان����ات �إنتاج و�إدارة جديدة .وجذبت ال�صني ر�ؤو�س �أموال �أجنبية كثيفة خلقت ق����درات �إنتاجي����ة جديدة يف القطاع����ات التي ت�ستجيب للطل����ب املحلي والعاملي. وبالت����ايل ف�إن ال�ص��ي�ن ،كما ي�ش��ي�ر امل�ؤلف� ،أ�صبح����ت دولة ك��ب�رى بحكم العدد قب����ل �أن ت�صبح دولة غنية .من هنا ف�إن �صعوده����ا احلايل يتميز عن �صعود قوة اليابان خالل خم�سينيات و�ستينيات القرن الع�شرين .عندما كانت اليابان بلد ًا متط����ور ًا مع دخل �أعلى من املتو�سط العاملي .يف ح��ي�ن �أن التحوالت االقت�صادية واالجتماعية والهجرة الريفية والتح�ضر يف ال�صني كانت ال تزال يف بدايتها. مع انفتاح ال�صني �أ�صبح ما يزيد عن 100مليون عامل �صناعي (�أكرب من عدد العمال يف الدول ال�سبع ال�صناعية الكربى) مندجم ًا يف االقت�صاد العاملي .وهذا م����ا يف�سر ال�سبب يف �أنها �أ�صبحت �أكرب من�صة عاملية للإنتاج بالن�سبة لل�شركات ال�صناعية الباحثة عن مواقع �إنتاج منخف�ضة الكلفة ،يزيد العر�ض ال�صيني من املناف�سة الدولي����ة ،وميار�س �ضغط ًا بخف�ض �سعر العديد من املنتجات امل�صنعة، ويدفع �إىل �إعادة تنظيم الإنتاجيات ال�صناعية فيها بالن�سبة للم�ستوى العاملي. �إن التحدي الذي يواج����ه ال�صني من الآن و�صاعد ًا بح�سب امل�ؤلف هو االنتقال م����ن النم����و الفائ����ق ال�سرعة الذي عرفت����ه خالل ال�سن����وات الأخ��ي�رة �إىل تنمية متوازن����ة .ومن �أجل ذلك عليها تقلي�����ص خطوط االنك�سار التي جتتاز االقت�صاد واملجتم����ع (بني فالحني و�أبناء مدن ،و�أثرياء وفقراء ،بني الواجهة البحرية وما تبق����ى من ال�ص��ي�ن) ،و�إعادة مرك����زة النمو على اال�ستهالك املحل����ي وجعله �أقل تبعية للأ�سواق العاملية ،و�إبطاء ا�ستهالك الطاقة ،و�صيانة بيئة متدهورة.
�أبرياء يف اخلارج :رواية �شخ�صية لدبلوما�سية ال�سالم الأمريكية يف ال�شرق الأو�سط مارتن �إنديك ترجمة :عمر �سعيد الأيوبي دار الكتاب العربي (بريوت)2010 ، � 527صفحة ي�ستفي����د مارتن �إنديك من ال�سنوات العدي����دة من امل�شاركة املكثفة يف املنطقة
كي يعر�����ض ق�صة داخلية للم����رة الأخرية التي ا�ستخدمت فيها الواليات املتحدة الدبلوما�سية امل�ستدامة لإنهاء ال�ص����راع العربي الإ�سرائيلي وتغي��ي�ر �سل����وك النظام��ي�ن البعث����ي يف العراق والإ�سالمي يف �إيران. “�أبري����اء يف اخل����ارج” ،بح�س����ب تقري�����ض النا�ش����ر ،تاريخ ثاقب الب�ص��ي�رة وذكرى م�ؤملة، يقدم فيه �إنديك ا�ستق�ص����اء للنتائج ال�ساخرة للق����اء ال�سذاج����ة الأمريكي����ة والريب����ة ال�ش����رق �أو�سطي����ة يف ب����ازارات املنطق����ة ال�سيا�سي����ة. ويحل����ل اال�سرتاتيجيات املختلفة جد ًا التي اتبعها بيل كلينتون وجورج دبليو بو�ش ليو�ض����ح ملاذا واجه كالهما م�صاعب جم����ة يف �إعادة �صنع ال�شرق الأو�سط وفق ًا لت�صوريهم����ا يف جعل����ه مكان ًا ينع����م مبزيد من ال�س��ل�ام �أو الدميقراطية ،ويقدم تفا�صي����ل جديدة ح����ول انهيار حمادث����ات ال�سالم العربي����ة الإ�سرائيلية يف كمب ديفي����د ،وف�شل ال�س����ي �آي �إيه يف الإطاح����ة ب�صدام ح�سني ،وحم����اوالت كلينتون التفاو�ض مع الرئي�س الإيراين. يلج اي�ض ًا �إنديك يف هذا الكتاب �إىل داخل املكتب البي�ضاوي ،وغرفة الأو�ضاع، وق�ص����ور احلكام العرب ،ومكات����ب ر�ؤ�ساء الوزراء الإ�سرائيلي��ي�ن .وير�سم �صور ًا �شخ�صية ع����ن القادة الأمريكي��ي�ن والإ�سرائيليني والعرب الذي����ن تعامل معهم، مبن فيهم �إ�سحاق رابني و�إيهود باراك و�أرييل �شارون ،والرئي�س ال�سوري حافظ الأ�س����د .ويقدم تفا�صيل �شيق����ة عن االجتماعات العالي����ة امل�ستوى ،ويبني مقدار ال�صعوبة التي يواجهها الر�ؤ�ساء الأمريكيون يف فهم دوافع قادة ال�شرق الأو�سط ونواياه����م ،وكيف �أنهم ميكن �أن يفوتوا ب�سهولة تل����ك اللحظات التي يبدي فيها ه�ؤالء القادة اال�ستعداد للعمل بطرق ميكن �أن ت�ؤدي �إىل �إحداث اخرتاقات نحو ال�سالم.
تركيا بني حتديات الداخل ورهانات اخلارج جمموعة من الباحثني حترير :حممد عبد العاطي مركز اجلزيرة للدرا�سات (الدوحة) ،والدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)2010 ، � 240صفحة مع �صع����ود حزب العدال����ة والتنمية �إىل هرم ال�سلطة التنفيذية يف تركيا عام ،2002وحدوث بع�����ض املتغ��ي�رات الالفت����ة على �صعي����د الدولة واملجتم����ع ،وكذل����ك زي����ادة احل�ض����ور الرتك����ي �إقليمي���� ًا ودولي���� ًا عل����ى امل�ستوي����ات ال�سيا�سي����ة واالقت�صادي����ة والأمنية كافة� ،ص����درت العديد م����ن امل�ؤلفات عن تركيا وعن دورها اجلديد يف املنطقة .ومن بني �أه����م هذه املقاربات العلمية التي �سع����ت �إىل تقييم التح����ول الرتكي داخلي ًا وخارجي���� ًا كتاب “تركيا ب��ي�ن حتديات الداخل ورهان����ات اخل����ارج” ،ويهدف هذا الكت����اب من خالل جمموعة م����ن الدرا�سات والبحوث املحكمة التي �شارك يف �إعدادها نخبة من الباحثني العرب والأتراك، �إىل معرفة ما �إذا كانت املتغريات التي �شهدتها تركيا منذ جميء حزب العدالة العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
201
الفهر�ست
عرو�ض موجزة
والتنمية ذي اجلذور الإ�سالمية �شيئ ًا طارئ ًا معر�ض ًا لأن يزول بزوال هذا احلزب لأي �سبب من الأ�سباب� ،أم �أن ما حدث من تغريات هي من العمق واملتانة بحيث ال ي�ؤثر فيها تغري ال�سيا�سات التي تتغري بتغري الأحزاب املتداولة على ال�سلطة. ولتحقي����ق هذا الهدف مت تق�سي����م الكتاب �إىل ق�سم��ي�ن �أ�سا�سيني ،ركز الق�سم الأول عل����ى التفاع��ل�ات الداخلي����ة يف تركيا و�إب����راز �أهم التحدي����ات التي تواجه تركيا/العدال����ة والتنمية ،وكيفية تعامله معها ،وذل����ك من خالل طرح موا�ضيع يف غاي����ة الأهمية مثل :املقومات اجليو� -سيا�سي����ة واجليو– �إ�سرتاتيجة لرتكيا، واالقت�صاد الرتكي ،ودور اجلي�����ش يف احلياة ال�سيا�سية ،وم�س�ألة الهوية الرتكية وكذلك ناق�ش ه����ذا الق�سم م�س�ألة �صعود الإ�سالمي��ي�ن وعالقتهم امل�ضطربة مع امل�ؤ�س�س����ة العلمانية� .أم����ا الق�سم الثاين فت����م تخ�صي�صه للخ����ارج وذلك ملعرفة البيئ����ة الإقليمية والدولي����ة التي متار�س فيها تركي����ا �سيا�ستها اخلارجية ،وكيف �ستتعامل مع ملفاتها ال�شائك����ة وق�ضاياها املعقدة .ومتثلت �أهم مو�ضوعات هذا الق�س����م يف الت����ايل� :أ�س�س ومرتك����زات ال�سيا�سة اخلارجي����ة الرتكية ،والعالقات الرتكي����ة الأمريكي����ة ،والعالق����ات الرتكية مع االحت����اد الأوربي ،كم����ا ناق�ش هذا الق�سم طبيعة العالقات والتحركات الرتكية يف �آ�سيا الو�سطى ،و�إىل جانب ذلك مل يغفل الق�سم الثاين من الكتاب عالقات تركيا بالعرب و�إيران.
تطور الفكر ال�سيا�سي ال�سني ..نحو خالفة دميقراطية �أحمد الكاتب م�ؤ�س�سة االنت�شار العربي (بريوت)2008 ، � 307صفحات كعادته يف معظم م�ؤلفاته التي تثري االهتمام وتفتح �آف����اق وا�سعة للنقا�����ش واالختالف مع ًا، يجادل �أحمد الكاتب يف هذا الكتاب ،بل وي�صر على �أن الدميقراطية من �صميم الإ�سالم ،لأن الإ�س��ل�ام ي�أمر بالعدل وال�شورى ،وال عدالة مع اال�ستبداد .ويزعم الكاتب �أن الفكر ال�سيا�سي ال�سني مل يكن يوم ًا فكر اجلماهري “ال�سنية” امل�سلم����ة ،و�إمنا نت����اج الفقه����اء املتحالفني مع الأنظمة امل�ستبدة ،والنخ����ب الثقافية املحيطة به����ا ،وذل����ك لأن اجلماهري تبح����ث دائم ًا عن احلري����ة والعدالة وامل�شاركة ال�سيا�سية ،وه����و ما ال يوفره ذلك الفكر الذي يدعو �إىل اخلن����وع وتقب����ل الظلم والطاع����ة للح����كام امل�ستبدين الذي����ن ي�ستولون على ال�سلطة بالقوة والقهر والغلبة .غري �أن الفكر ال�سني بح�سب الكاتب �شهد خالل القرن املا�ض����ي ،وخا�صة بعد �سقوط “اخلالفة العثماني����ة” ثورة داخلية متثلث يف الدع����وة �إىل الدميقراطية ورف�ض اال�ستب����داد ،والتخلي عن م�صادر الت�شريع “ال�سني����ة” امل�سئول����ة عن �إنتاج الفكر اال�ستبدادي والرتويج له ،بحيث مل يعد الفك����ر ال�سني املعا�صر يحمل من نف�سه �س����وى اال�سم .ومل تعد تربطه �أية رابطة بذلك الفكر القدمي. وبكلم����ة �أخرى – يجادل الكاتب� -إن الفك����ر ال�سيا�سي ال�سني مل يعد “�سني ًا” و�إمن����ا �أ�صب����ح “دميقراطي ًا” ،وهناك ف����رق كبري بني االثن��ي�ن ،ال يدركه �إال من يتم�س����ك ب�أ�صول����ه ال�سني����ة ،وه����م فئ����ة م����ن ال�سلفيني الذي����ن يعلن����ون عداءهم للدميقراطية ب����كل قوة ،ويتهمون الدعاة امل�سلمني لها بالكفر وال�شرك والإحلاد اعتق����اد ًا منه����م بوج����ود نظ����ام �سيا�س����ي “ �إ�سالمي” فري����د ومتميز ه����و نظام “اخلالف����ة” ،وتناق�ض����ه مع الدميقراطي����ة .يف احلقيقة �إنه����م ين�سجمون مع 202
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
�أنف�سه����م يف رف�ض الدميقراطي����ة ،ولكنهم يخطئون يف اعتب����ار الفكر ال�سيا�سي الذي يحملونه با�س����م “اخلالفة” ب�أنه ميثل الإ�سالم� ،أو ي�شكل الفكر ال�سيا�سي الإ�سالمي كما يقول الكاتب. باخت�ص����ار هذا الكت����اب يتهم الفك����ر ال�سيا�سي ال�سني الق����دمي بالتناق�ض مع الدميقراطية ،كما يتهم نظام اخلالفة “اال�ستبدادي” بالتناق�ض مع الإ�سالم. ويدع����و �إىل قي����ام خالفة �شعبي����ة دميقراطية ،كما يحاول �إجم����ا ًال تقدمي �صورة جديدة عن الفكر ال�سيا�سي الإ�سالمي.
الفيل والتنني� :صعود الهند وال�صني وداللة ذلك لنا جميع ًا روبني مرييديث ترجمة� :شوقي جالل املجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت)2009 ، � 355صفحة يحك����ي هذا الكت����اب ق�صة ال�ص��ي�ن والهند، وكيف تغ��ّي�رّ م�صريهما ،وكيف تغريان م�صري الع����امل .فبينما تنتقالن من بني �صفوف بلدان الع����امل النام����ي لتحتال موقع الق����وى العظمى، جن����د �أن الهند كما تقول امل�ؤلفة تتحرك ببطء ولك����ن يف ثبات مطرد ،على عك�س ال�صني التي ت�صع����د ب�سرعة ال�ص����اروخ .ونلح����ظ �أن الهند وال�صني ،من ن����واح كث��ي�رة ،متعار�ضتان �ش�أن التعار�����ض بني غاندي وماو .الهند دميقراطية وال�ص��ي�ن تتب����ع نظ����ام حك����م ديكتاتوري .وتق����ف الهن����د يف �أغلب الأحي����ان �ضد م�شروع����ات الأعم����ال ،بينما ال�ص��ي�ن ال�شيوعية تقف ع����ادة يف �صف م�شروعات الأعم����ال .ومتث����ل الهند �أمة غني����ة ب�ألوانها النا�صعة والنغم����ات املتنافرة ،حيث يتح����دث �شعبه����ا �أكرث من ثالثني لغة خمتلف����ة .و�أكرث من هذا ف�����إن التوقيت يف �أنح����اء الهند لغ����ز مثري� :إذ ينق�ص ن�صف �ساعة ع����ن �أي توقيت �آخر يف العامل، وبينم����ا مظاهر قوة ال�صني وا�ضحة للعيان �أمام ال�سي����د فاجبايي وبقية العامل، غ��ي�ر �أن مظاه����ر قوة الهند �أقل و�ضوح���� ًا .ولكن على الرغم م����ن كل ذلك تقول امل�ؤلفة ثمة �شيئ ًا واحد ًا فقط م�شرتكا بني البلدين :وهو �أن حتوالتهما والطريقة الت����ي �سيح����والن بها الكوكب ح����دث يذهل العامل ال����ذي مل ي�شهد مثل����ه منذ �أن ظهرت �أمريكا ذاتها على م�سرح االقت�صاد العاملي. الكت����اب �إجما ًال يق����دم ر�ؤية �أمريكي����ة كا�شفة عن ال�سيا�س����ة املحتملة للواليات املتح����دة يف ال�سن����وات القادم����ة م����ن حك����م �أوبام����ا ،كما يق����دم �ص����ورة واقعية ال�ستجاب����ة ال�صني والهند للعوملة لتظهر عمالقني على ال�ساحة االقت�صادية �إىل جان����ب الواليات املتحدة ،وليمثل تطورهما �إع�صار ًا �آخر يغري من بنية املنظومة العاملية ،وت�صبح املناف�سة وال�صراع وال�شراكة عاملي ًا بني القمم/القوى الثالث. بالإ�ضاف����ة �إىل ذل����ك ،تعر�ض امل�ؤلفة تغ��ي�رات البنى االقت�صادي����ة ونظام حركة و�إدارة م�شروع����ات الأعمال ،وهجرة ماليني الوظائف �إىل ال�صني والهند مقابل ماليني العاطلني يف العامل املتقدم ،والتحوالت العميقة يف البنى الطبقية وطبيعة التحالفات الطبقي����ة اجلديدة املحتملة على ال�صعيد العاملي ،والتحدي الوا�ضح �أم����ام الواليات املتحدة لكي حتافظ على موقعها املتقدم ،وخماطر �ضياع احللم الأمريكي ..ثم م�شروع الإنقاذ املقرتح.
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة �أوراق بحثية
امل�شكلة الإثنية و�أثرها يف قوة الدولة
مقاربة نظرية عامة حممد �سيف حيدر و علي عبداهلل ج�سار
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
203
�أُفـ ُــق
�أبو بكر القربي
م�سئوليتنا امل�شرتكة يف عام جديد ي�أت���ي العام اجلديد وعاملنا يواجه حتديات كبرية ومتعددة ,منها التغريات املناخية التي نرى ,وب�صورة م�ستمرة� ,آثارها املدم���رة يف �أنح���اء املعمورة م���ن �شرقها �إىل غربها ,وم���ن �شمالها �إىل جنوبه���ا ,وكذلك الآثار االقت�صادي���ة للأزمة املالية الت���ي زادت ال���دول الأفقر يف العامل فقر ًا ,وو�سعت من قاعدة الفق���راء والبطالة ,وحدت من النمو االقت�صادي ,ي�ضاف �إىل ذل���ك العجز الدويل يف ظ���ل الأزمات املزمنة وب�ؤر ال�صراعات ,ويف مقدمتها ال�ص���راع العربي الإ�سرائيلي ,و�أخري ًا ظاهرة الإرهاب والتطرف التي �أ�صبحت ظاهرة ت�شمل الأديان والأعراق كافة ,ولي�ست كما ي�سعى البع�ض لربطها بامل�سلمني والدين الإ�سالمي احلنيف. هذا الو�ضع الدويل املُع ّقد فر�ض على املجتمع الدويل التداعي وعقد م�ؤمترات واجتماعات عديدة لالتفاق على معاجلات له���ذه الأو�ض���اع جتنب عاملنا الدمار وال�صراع���ات التي �إذا ما بد�أت فلن يكون من املمكن �إخماده���ا� ,إال �أنه من امل�ؤ�سف �أن القوى النافذة يف العامل من �أ�صحاب امل�صالح قد �أعاقوا الو�صول �إىل توافق يتحقق فيه الأمن ,وتراعى فيه م�صالح الدول الأق���ل من���و ًا حت���ى ال تكون هي التي تدفع ثمن �أخطاء ال���دول الأغنى يف العامل والتي ت�ضع ال�ث�روة ونعيم احلياة همها بغ�ض النظر عما ي�سببه من تدهور يف حياة الفقراء. من امل�ؤكد �أن التدهور امل�ستمر يف �أو�ضاعنا لن يتوقف مبجرد �إعالن النوايا الطيبة �أو املبادرات الطموحة ما مل يواكبها االلت���زام الأخالقي ب�آليات عم���ل حقيقية لتحقيق التنمية ورفع م�ستوى معي�شة الفقراء يف العامل النامي ,لي�س باعتبار ذلك ً عم�ل�ا �إن�ساني��� ًا فقط ,لكن لكونه يخدم م�صلحة الدول الغنية ,ويحمي ا�ستقراره���ا ,لأن زعزعة اال�ستقرار يف الدول الأفقر نتيج���ة غي���اب التنمية �سيك���ون له �آثار مدمرة على العامل ب�أ�س���ره ,خا�صة �إذا ما اتّ�سعت م�ساح���ة الفقر ,ومنت بني الفقراء م�شاعر الي�أ�س وفقدان الأمل. وبق���در م���ا على املجتمع الدويل من م�سئولية يتحمله���ا يف ت�صحيح م�سار العالقات االقت�صادي���ة والتنموية والبيئية ,ف�إن عل���ى ال���دول يف العامل النامي م�سئوليات يج���ب �أن تتحملها حلماية �شعوبه���ا وم�ستقبل �أمنها القومي ,والت���ي تبد�أ من بناء �أنظم���ة احلكم على �أ�س����س ال�شراكة والعدالة والدميقراطي���ة ومكافحة الف�ساد ,وتوجيه ثرواتها لبن���اء اقت�صادها وحتقيق التنمي���ة ال�شاملة ,لأنه بقدر ما حتم���ل ويتحمل املجتمع الدويل م�سئوليته نحو الدول النامية؛ عليها من جانبها �أن تدرك �أن ق���درة الدول على البقاء مرهون بقدرته���ا و�أ�سلوب �إدارتها لأمورها الداخلية ,وعالقاته���ا بالآخرين لأنه ما مل يكن هنالك تناغم وتعاون و�شراكة حقيقية لت�صحيح املعادلة بني الأغنياء والفقراء ,ف�إن اجلميع �سيدفع ثمن ال�سيا�سات اخلاطئة على م�ستوياتها الوطنية والإقليمية والدولية. وم���ع بداية العقد الثاين م���ن القرن احلادي والع�شرين يجب �أن نتحمل ك�أفراد وجمتمع���ات وحكومات م�سئوليتنا لإعادة النظ���ر يف مواقفن���ا مبا يكفل حماية احلق���وق وامل�صالح للجميع ,و�أن نعي���د �صياغة العالقات بني احل���كام واملحكومني من الفق���راء والأغنياء على امل�ستوى الوطني والدويل لالتفاق على �أ�سلوب معاجلة هذا الو�ضع الدويل املعقد ,لأنه �إذا مل ننجح يف ذل���ك؛ ف�إن م�ستقب���ل عاملنا مهدد باملزيد من الكوارث وال�صراعات ,ولكن يحدونا الأم���ل ب�أن ت�سود ت�صرفاتنا ومواقفنا احلكمة وامل�سئولية. �أبوبكر القربي وزير اخلارجية اليمني.
ت�صفحوا املوقع الإلكرتوين ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية w w w . s h e b a c s s . c o m
204
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010
ا�سرتاتيجية
205
w w w . s h e b a c s s . c o m
مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية Sheba Center for Strategic Studies
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 206
ا�سرتاتيجية
العدد ،6نوفمرب/دي�سمرب 2010