Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

Page 1

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪3‬‬


‫ا�سرتاتيجية‬ ‫الأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�صرة‬ ‫ت�صدر كل �شهرين عن «مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية»‬ ‫ال�سنة الأوىل‪ ،‬العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫رئي�س التحرير‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫‪director@shebacss.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫حممد �سيف حيدر‬

‫‪m_saif@shebacss.com‬‬

‫نائب مدير التحرير‬

‫�سقاف عمر ال�سقاف‬

‫‪saqqaf@shebacss.com‬‬

‫الت�صميم والإخراج الفني‬

‫حممد عبدالرحمن الذبحاين‬

‫‪m_aldbhani@shebacss.com‬‬

‫الرتجمة‬

‫�أحمد الباكري‬

‫‪ahmed@shebacss.com‬‬

‫املراجعة اللغوية‬

‫حممد حم�سن علوان‬

‫‪mohammed-al@shebacss.com‬‬

‫�سكرتارية املجلة‬

‫�أ�سماء حممد �إبراهيم‬

‫‪asma@shebacss.com‬‬

‫اال�شرتاكات‪:‬‬ ‫ال�سنة الواحدة (�ستة �أعداد) �شاملة �أجرة الربيد‪:‬‬ ‫داخل اجلمهورية اليمنية‪ 6000 :‬ريال للأفراد‪ 60 ،‬دوالر ًا للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫الدول العربية‪ 50 :‬دوالر ًا للأفراد‪ 90 ،‬دوالر ًا للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫بقية دول العامل‪ 70 :‬دوالر ًا للأفراد‪ 120 ،‬دوالر للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫ير�سل طلب اال�شرتاك �إىل عنوان املجلة مع حوالة م�صرفية �أو �شيك‬ ‫ُم�صدّق بقيمة اال�شرتاك لأمر مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫ولال�ستف�سار ميكن التوا�صل عرب الربيد الإلكرتوين‪:‬‬ ‫‪subscription@shebacss.com‬‬

‫ثمن الن�سخة‪:‬‬ ‫اليمن ‪ 300‬ريال‪ ،‬ال�سعودية ‪ 20‬ريا ًال‪ ،‬الإمارات العربية املتحدة ‪ 20‬درهما‪ً،‬‬ ‫الكويت ‪ 1‬دينار‪ ،‬مملكة البحرين ‪ 1‬دينار‪ ،‬قطر ‪ 20‬ريا ً‬ ‫ال‪� ،‬سلطنة عمان ‪1.5‬‬ ‫ريال‪ ،‬العراق ‪ 2500‬دينار‪ ،‬لبنان ‪ 4000‬لرية‪� ،‬سورية ‪ 200‬لرية‪ ،‬الأردن ‪ 1.5‬دينار‪،‬‬ ‫فل�سطني ‪ 5‬دوالر‪ ،‬م�صر ‪ 10‬جنيهات‪ ،‬ال�سودان ‪ 4‬جنيهات‪ ،‬ليبيا ‪ 2‬دينار‪ ،‬اجلزائر‬ ‫‪ 300‬دينار‪ ،‬تون�س ‪ 5‬دينار‪ ،‬املغرب ‪ 20‬درهم ًا‪ ،‬موريتانيا ‪� 300‬أوقية‪.‬‬ ‫بقية دول العامل‪ 6 :‬دوالر‪.‬‬ ‫متعهد الطباعة واملوزع العام يف الدول العربية‪:‬‬

‫م�ؤ�س�سة الفالح للن�شر والتوزيع‬

‫�ص‪ .‬ب‪ – 113/6590 .‬رمز بريدي ‪1103 2140‬‬

‫تلفاك�س ‪ 3( 00–961–1–856677‬خطوط) – بريوت‪ ،‬لبنان‬

‫‪E- mail: alfalahzoobi@gmail.com‬‬

‫ُعب بال�ضرورة‬ ‫ُعب املقاالت املن�شورة عن �آراء كتّابها‪ ،‬وال ت رِّ‬ ‫ت رِّ‬ ‫عن ر�أي «مدارات ا�سرتاتيجية» �أو مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫جملة مدارات ا�سرتاتيجية‬ ‫مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‬ ‫�ص‪ .‬ب‪ 16822 .‬هاتف‪ +967 1 677466 :‬فاك�س‪+967 1 677466 :‬‬ ‫�صنعاء – اجلمهورية اليمنية‬ ‫الربيد الإلكرتوين‪madarat@shebacss.com :‬‬ ‫‪madaratistrategyya@yahoo.com‬‬ ‫املوقع على الإنرتنت‪www.shebacss.com/madarat :‬‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪4‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪5‬‬


‫يف هذا العدد‬ ‫ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب – كانون الأول‪/‬دي�سمرب‬

‫‪2010‬‬

‫يف ب�ؤرة االهتمام‬ ‫‪06‬‬

‫نظرة على ‪shebacss.com‬‬

‫‪08‬‬

‫�إفتتاحية‬ ‫�أمن اخلليج يف عامل متغري‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫‪98‬‬

‫‪104‬‬

‫اليمن والعامل‬ ‫حتلي�لات‪ :‬يحل���ل حممد �سيف حيدر حادثة «الطرود امل ُفخخة» الت���ي تبناها تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب م�ؤخراً وما خلفته من‬ ‫�ش���ظايا‪ ،‬ويخل����ص �إىل �أن م���ا بدا �أنها «غزوة» مل تكتمل لتنظيم القاعدة الذي �أخذ ي�ستنزف طاقات���ه ودهائه �شيئ ًا ف�شيئاً‪� ،‬أطبقت بظاللها‬ ‫�ضاف ملاذا يجب على‬ ‫ل�سبب لي�س لهم يد فيه؛ وت�شرح ال�سف�ي�رة الأمريكية ال�سابقة باربرا بودين يف مق���ال ٍ‬ ‫القات���ة عل���ى اليمن واليمني�ي�ن ٍ‬ ‫مِ‬ ‫وا�شنط���ن �إع���ادة التفكري يف اليمن‪ ،‬مُقدِّ مة تو�صيات �أكرث واقعية لل�سيا�سة الأمريكية جتاه هذا البلد؛ ويحاول �أحمد علي الأح�صب تو�ضيح‬ ‫ه���ل اليم���ن بحاج���ة للم�س���اعدات اخلارجي���ة‪ ،‬وكيف ميك���ن �إدارتها بطريق���ة تراعي ال�ض���رورات والإمكانات؛ يف ح�ي�ن يعر�ض جرهارد‬ ‫لي�شتنثيلر �صورة �أكرث قرب ًا مل�شكلة املياه التي تواجه اليمن؛ �أما جون �إ�شياما فيبحث يف �سياق مقارن واقع خلفاء الأحزاب ال�شيوعية يف‬ ‫كل من اليمن و�أفغان�ستان بعد نهاية احلرب الباردة‪ .‬ال�صفحات ‪55 - 10‬‬ ‫وجه��ات نظ��ر‪ :‬يقدم �أحمد عبدالكرمي �سيف ر�ؤية عملية مقرتحة لإعادة التوازن لعالقة ال�س���لطة واملجتم���ع يف اليمن؛ وتلقي �شيماء‬ ‫�أحمد منري ال�ضوء على ظاهرة العبودية التي ك�شف م�ؤخر ًا عن وجودها يف بع�ض مناطق اليمن‪ ،‬مبينة �أهمية دور الدولة ومنظمات املجتمع‬ ‫امل���دين واجله���ات الأخ���رى يف الق�ضاء على هذه الظاهرة غ�ي�ر الإن�سانية؛ بينما يقوم ط���ارق عبداهلل احلروي مبُ�س���اءلة طموحات اليمن‬ ‫للإن�ض���واء يف جمل����س التع���اون اخلليجي‪ ،‬جماد ًال ب�أن م�ساعي دوائر �صنع القرار اليمن���ي للح�صول على ع�ضوية املجل�س ال تتعدى م�س�ألة‬ ‫تعظيم املكا�سب االقت�صادية يف حماولة لرفد م�سرية البلد التنموية املن�شودة‪� ،‬أكرث منها حماولة ذات طابع ا�سرتاتيجي‪ ،‬هدفها فر�ض وجود‬ ‫اليمن يف املعادلة الإقليمية اخلليجية‪ .‬ال�صفحات ‪72 - 56‬‬ ‫تفاعالت اليمن والعامل يف ‪ 60‬يوماً‪� :‬شهرا �أيلول‪�/‬سبتمرب وت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪ .2010‬ال�صفحات‬

‫‪77 - 74‬‬

‫ع�ين عل��ى اليمن‪:‬تو�ضح �ألي�س هاكم���ان �أن اليمن هو �أكرث مما نراه يف الأخبار �إذ �أن ل���ه وجه ًا خمتلف ًا يتم جتاهله يف‬ ‫غمار الرتكيز الإعالمي الغربي ال�سلبي على التطورات املرتبطة بها البلد؛ ويجادل �سليمان ال�شق�صي ب�أن الوقت مل يحن‬ ‫بعد لأن يكون اليمن ع�ضواً �سابعاً يف جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬ويقر�أ كري�ستوفر بوت�شيك التطورات الأخرية املرتبطة‬ ‫مب�ش���كلة الإره���اب يف اليم���ن؛ يف ح�ي�ن يجيب رونالد �سوكول عل���ى ال�س�ؤال التايل‪ :‬ه���ل يجوز لوا�ش���نطن اغتيال مواطن‬ ‫�أمريكي يعي�ش يف اليمن؛ �أما حممد ح�سني �أبو العال فيحذر �إدارة �أوباما من حتويل اليمن �إىل م�س���رح �آخر للتدخل يف‬ ‫�ض���وء حادث���ة ط���رود املوت؛ بينما يرى نبيل نايلي �أن م�س���اعي �أم�ي�ركا للتدخل يف اليمن بحجة حمارب���ة «القاعدة» تخفي‬ ‫هدفاً �آخر هو احتواء النفوذ ال�صيني املتعاظم عاملياً؛ و�أخري ًا يحاول معتز �سالمة مقاربة الو�ضع يف‬ ‫اجلنوب يف �ضوء ا�ست�ضافة اليمن لبطولة «خليجي ‪ .»20‬ال�صفحات ‪88 - 78‬‬

‫املراقب الإ�سرتاتيجي‬ ‫‪90‬‬

‫‪6‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫ما بعد االنف�صال‪ :‬التداعيات الإقليمية النف�صال جنوب ال�سودان‬ ‫خالد �أحمد الرماح‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪108‬‬

‫اجلذب والنبذ‪:‬‬ ‫يف العالقة امللتب�سة بني ال�سلطة العربية والعلماء‬ ‫هاين املغل�س‬ ‫الت�صحر احل�ضري‬ ‫حممد الدعمي‬ ‫االلتفات �شرقاً‪:‬‬ ‫التجربة املاليزية والدرو�س امل�ستفادة عربياً‬ ‫حممد �أبو غزله‬

‫املحــور‬

‫الوجوه املتغرية للإ�سالموية‪ :‬حتوالت وجتارب‬ ‫‪116‬‬

‫تنوع الإ�سالميني يف اليمن‪ :‬منطق الدمج حتت ال�ضغط‬ ‫لوران بونفوا‬

‫‪124‬‬

‫ال�سري نحو االعتدال‪:‬‬ ‫جتربة جماعة «الإخوان امل�سلمني» يف اليمن‬

‫‪132‬‬

‫‪138‬‬ ‫‪142‬‬

‫‪146‬‬

‫�ستيج هان�سن و �أتل ميزوي‬ ‫�سيا�سات �إمارة امل�ؤمنني‬ ‫منت�صر حمادة‬ ‫العمق ال�سلفي للحركة الإ�سالمية يف املغرب‬ ‫عبداحلكيم �أبو اللوز‬ ‫ال�سلفيون اجلهاديون يف موريتانيا‬ ‫مراد بطل ال�شي�شاين‬ ‫ظالل العنف‪ :‬هل من �سبيل لإعادة ت�أهيل اجلهاديني؟‬ ‫كاثرين �سيفرت‬

‫جيوبوليتيك‬ ‫‪156‬‬

‫االنعكا�سات اجليو�سيا�سية للأزمة املالية العاملية‬ ‫وو �شينبو‬

‫‪162‬‬

‫القر�صنة يف القرن الأفريقي‬ ‫بيرت �شولك‬

‫اجتاهات عاملية‬ ‫العالقات الدولية من الواقعية‬ ‫�إىل ما بعد الإن�سانية‬ ‫�سالم الرب�ضي‬ ‫�أقنعة اخليبة‪ :‬ر�ؤية نقدية ملكافحة الف�ساد‬ ‫و�إ�شكالياته يف الدول النامية‬ ‫مراد عبدالواحد ظافر‬ ‫فتنة ال�صندوق‪ :‬ملاذا تتحول االنتخابات‬ ‫�إىل �صداع دائم يف البلدان النامية‬ ‫عبدالغني املاوري‬

‫‪170‬‬

‫‪174‬‬

‫‪178‬‬

‫املائدة امل�ستديرة‬ ‫التدخل اخلارجي‪ ،‬هل هو �ش ٌّر البد منه؟‬ ‫ن�صر طه م�صطفى‪ ،‬وطالل عرتي�سي‪،‬‬ ‫و�أحمد الزنداين‪ ،‬وفرج بو الع�شة‬

‫‪184‬‬

‫الفهر�ست‬ ‫مراجعــات‪� :‬صعود العوملة وانهيارها‬ ‫جون رال�ستون �سول‪ /‬هيثم مزاحم‬ ‫بالإ�ضافة �إىل عرو�ض موجزة‬

‫�أُ ُفق‬

‫م�سئوليتنا امل�شرتكة يف عام جديد‬ ‫�أبو بكر القربي‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪192‬‬ ‫‪198‬‬

‫‪202‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪7‬‬


‫‪shebacss.com‬‬

‫نظرة على‬

‫�ألق نظرة على �إ�صداراتنا‬ ‫ي�صدر مركز �سب�أ للدرا�سات‬ ‫الإ�سرتاتيجية �أربع �سال�سل‬ ‫درا�سات حمكمة باللغتني‬ ‫العربية واالجنليزية تعنى‬ ‫بال�ش�ؤون الإ�سرتاتيجية‬ ‫وال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وتركز هذه‬ ‫ال�سال�سل ب�شكل �أ�سا�سي على‬ ‫اليمن‪ ،‬وجمالها احليوي‬ ‫الذي ي�ضم الدول املطلة‬ ‫على البحر الأحمر ودول‬ ‫اخلليج (دول جمل�س التعاون‬ ‫اخلليجي‪ ،‬و�إيران‪ ،‬والعراق)‬ ‫ومنطقة ال�شرق الأو�سط‬ ‫و�شمال �أفريقيا‪ ،‬والالعبني‬ ‫الدوليني الرئي�سيني‪ .‬كما‬ ‫يندرج حتت هذا الت�صنيف‬

‫يف �أيامنا هذه �أ�صبح العاملان الواقعي واالفرتا�ضي متداخالن �إىل حد ال ميكن‬ ‫ف�صلهما عن بع�ضهما البع�ض‪ .‬هذه احلقيقة جتعل ل�شبكة املعلومات الدولية‬ ‫(الإنرتنت) �سحر ًا وجاذبية ال تقاوم‪ ،‬كونها �إحدى نوافذ �إ�شهار الذات‪ ،‬الفردية �أو‬ ‫امل�ؤ�س�سية‪ .‬ولهذا‪ ،‬فقد �أولينا يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �أهمية فائقة‬ ‫للتوا�صل التفاعلي مع رواد العامل االفرتا�ضي‪ ،‬و�إتاحة منتجاتنا الفكرية والتحليلية‬ ‫للجميع داخل اليمن وخارجه‪ ،‬وباللغتني العربية والإجنليزية‪ .‬وعو�ض ًا عن كونه‬ ‫يتيح لنا وللمهتمني بالعمل البحثي يف اليمن وخارجه‪ ،‬التوا�صل والتفاعل البناء‪،‬‬ ‫ف�إننا نعمل دوم ًا على تطوير موقعنا الإلكرتوين بحيث يكون واجهة معربة عن‬ ‫ن�شاطاتنا الهادفة �إىل «رفد ال�سيا�سة باملعرفة»‪ ،‬وبحيث يكون دوم ًا مفعم ًا باحليوية‬ ‫والتجديد‪� ،‬شك ًال وم�ضمون ًا‪.‬‬

‫اطّ لع على �أن�شطتنا وفعالياتنا احلالية وامل�ستقبلية‬

‫تعرَّف‬

‫على �أع�ضاء هيئتنا اال�ست�شارية‬

‫تت�شكل الهيئة اال�ست�شارية ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية من جمموعة �أكادمييني وخرباء معروفني‪ ،‬وهي ال تعك�س خربات من خمتلف‬ ‫احلقول فح�سب بل �أي�ض ًا متثل تنوع ًا من الناحيتني اجلغرافية والثقافية‪ .‬وللتعرف �أكرث على الأ�سماء املرموقة (الواردة يف العمود ي�سار‬ ‫ال�صفحة)‪ ،‬والتي ت�ض ّمها قائمة الهيئة اال�ست�شارية للمركز و�سريها الذاتية‪ ،‬وحقول تخ�ص�صاتها املعرفية والأكادميية‪ُ ،‬قم بزيارة الرابط‬ ‫التايل‪www.shebacss.com/ar/advisors :‬‬

‫�شاركنا �آراءك حول �أهم التطورات اجلارية يف اليمن واملنطقة‬

‫يت�ضمن موقعنا على �صفحته الرئي�سية نافذة جانبية با�سم «ا�ستفتاء»‪ ،‬وحتوي ا�ستطالع ر�أي حي وتفاعلي حول �أهم الق�ضايا وامل�ستجدات‬ ‫على ال�ساحة اليمنية والإقليمية‪ .‬والهدف هو �إتاحة الفر�صة ملت�صفحي موقعنا وزواره للإدالء ب�آرائهم ووجهات نظرهم حول ق�ضايا خمتلفة‬ ‫بكل �شفافية‪ .‬ولعل من املفيد التذكري ب�أن هذه اال�ستطالعات تتغري ب�شكل دوري وفق تطورات الأو�ضاع‪ ،‬بحيث تغطي تباع ًا �أبرز الق�ضايا‬ ‫املطروحة واملثرية للجدل‪.‬‬

‫تابـع �آخر م�ستجدات الأو�ضاع يف اليمن واملنطقة �أو ً‬ ‫ال ب�أول‬ ‫عرب بوابة «املركز الإعالمي»‬ ‫بغر�ض تزويد مت�صفحي وم�شرتكي املوقع الإلكرتوين للمركز بكل امل�ستجدات اخلربية والإعالمية‪ ،‬مت تخ�صي�ص هذه النافذة (التي تكاد‬ ‫تكون موقع ًا م�ستق ًال بذاته) ملتابعة �آخر الأخبار يف ال�صحافة وو�سائل الإعالم �أو ًال ب�أول‪ ،‬وعر�ضها على املوقع على مدار ال�ساعة باللغتني‬ ‫العربية والإجنليزية كما وردت من م�صادرها‪ .‬وغايتنا هي متكني مرتادي املوقع من معاي�شة احلدث ومتابعة تطوراته خالل خمتلف‬ ‫مراحله‪ ،‬ومن ر�ؤى ومنطلقات متعددة‪ .‬ويجري اختيار الأخبار والتقارير بعناية وحرفية من م�صادر متعددة �ضمن �آلية للمتابعة اليومية لكل‬ ‫من‪ :‬وكاالت الأنباء العربية والعاملية‪� ،‬أهم ال�صحف العربية والأجنبية‪ ،‬مواقع �إخبارية متخ�ص�صة‪ ،‬وغريها من امل�صادر‪.‬‬ ‫للإطالع على حمتويات املركز الإعالمي املتجددة‪ُ ،‬قم بزيارة الرابط التايل‪www.shebacss.com/ar/news :‬‬ ‫‪8‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫يتيح موقع املركز لزواره‬ ‫ومت�صفحيه جملة «مدارات‬ ‫ا�سرتاتيجية» مع �إمكانية حتميلها‬ ‫جمان ًا‪� ،‬سواء ب�شكل مفرد (�أي كل‬ ‫مقال على حدة)‪� ،‬أو تنزيل بع�ض‬ ‫�أعداد املجلة كاملة‪.‬‬

‫�سال�سل الدرا�سات‬

‫‪shebacss.com‬‬

‫يوفر املوقع الإلكرتوين ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية لزواره وللمهتمني بن�شاطاته وفعالياته‪ ،‬نافذة متخ�ص�صة مبتابعة و�إبراز الفعاليات‬ ‫والأن�شطة التي ينظمها املركز �أو ينوي تنظيمها م�ستقب ًال وفق خطته البحثية‪ .‬وت�شمل هذه الأن�شطة والفعاليات‪ :‬امل�ؤمترات الإقليمية والدولية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل الندوات وور�ش العمل وحلقات النقا�ش واالجتماعات املختلفة والتي ينظم بع�ضها بالتعاون مع �أبرز مراكز الأبحاث العربية‬ ‫والعاملية‪ ،‬ناهيك عن املحا�ضرات العامة التي يلقيها خرباء مينيني وعرب و�أجانب يف �شتى املجاالت والتخ�ص�صات‪.‬‬

‫مدارات ا�سرتاتيجية‬

‫الهيئة اال�ست�شارية‬ ‫�أنو�ش �إحت�شامي (�إيران‪/‬بريطانيا)‬ ‫�إبراهيم �سيف (الأردن)‬ ‫�إن�صاف عبده قا�سم مر�شد (اليمن)‬ ‫باقر النجار (البحرين)‬ ‫بول �آرت�س (هولندا)‬ ‫جرد نونيمان (اململكة املتحدة)‬ ‫ِ‬ ‫جالل فقرية (اليمن)‬ ‫ح�سني علي حممد (ال�صومال)‬ ‫خلدون النقيب (الكويت)‬ ‫ر�ضوان ال�سيد (لبنان)‬ ‫(عمان)‬ ‫�سامل بن تبوك ُ‬ ‫�شوكت �أ�شتي (لبنان)‬ ‫عبد الغفار فرح (ال�صومال)‬ ‫عبداخلالق عبداهلل (الإمارات)‬ ‫عمرو حمزاوي (م�صر)‬ ‫فائزة بن حديد (اجلزائر)‬ ‫لبنى امل�سيبلي (اليمن)‬ ‫مارينا �أوتاوي (الواليات املتحدة)‬ ‫حمجوب الزويري (الأردن)‬ ‫حممد �أحمد الزعبي (�سورية‪�/‬أملانيا)‬ ‫حممد الأفندي (اليمن)‬ ‫حممد احلاوري (اليمن)‬ ‫حممد �صالح قرعه (اليمن)‬ ‫حممد عبد ال�سالم (م�صر)‬ ‫حممد الرميحي (الكويت)‬ ‫ملحم �شا�ؤول (لبنان)‬

‫�سل�سلتني �أخريني‪،‬‬ ‫هما‪� :‬سل�سلة‬ ‫�أوراق بحثية‪،‬‬ ‫وهي �سل�سلة �أوراق‬ ‫غري دورية وغري‬ ‫حمكمة‪ ،‬تتناول‬ ‫بالتحليل والتقومي‬ ‫ق�ضايا ال�ساعة‬ ‫ذات الطابع‬ ‫الهام‪ ،‬مبا من �ش�أنه تقدمي‬ ‫ر�ؤية �أو�سع ل�صناع القرار‬ ‫واملهتمني من الأكادمييني‬ ‫والباحثني‪ .‬وكذلك �سل�سلة‬ ‫ر�سائل جامعية‪ ،‬التي‬ ‫تهتم بن�شر ر�سائل املاج�ستري‬ ‫و�أطروحات الدكتورة‬ ‫اجلامعية املتميزة يف‬

‫حتليالت �سيا�سية‬

‫املجاالت‬ ‫التي تقع �ضمن اهتمامات‬ ‫املركز‪ ،‬بهدف خلق‬ ‫تراكم علمي ومعريف لدى‬ ‫املخت�صني واملهتمني بهذه‬ ‫املجاالت‪ ،‬و�إتاحة الفر�صة‬ ‫ل�صناع القرار والنخب‬ ‫العلمية والثقافية يف املجتمع‬ ‫لال�ستفادة من نتائجها‪.‬‬

‫تت�ضمن هذه النافذة حتليالت‬ ‫مكثفة يقدمها باحثو املركز حول حدث‬ ‫�سيا�سي حايل الفت �أو ق�ضية جديرة‬ ‫باالنتباه‪ ،‬ومن املحتمل �أن يكون لها‬ ‫ت�ضمينات �إ�سرتاتيجية‬ ‫على املديني القريب �أو البعيد‪.‬‬

‫الكــتــب‬

‫توفر هذه النافذة �إطاللة عامة‬ ‫على الكتب التي ين�شرها مركز �سب�أ‬ ‫للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪� ،‬سواء باللغة‬ ‫العربية �أو الإجنليزية‪ ،‬يف املجاالت‬ ‫املختلفة ال�سيا�سية والإ�سرتاتيجية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪ .‬وبع�ض هذه‬ ‫الكتب متاح بالكامل‬ ‫للتنزيل املجاين‪.‬‬

‫خمتارات من جديد موقعنا‬

‫�أخبار وحتليالت ووجهات نظر‬

‫■ ّاطلع على كل ما تود �أن تعرفه عن «امل�ؤمتر الوطني لإدارة وتنمية‬ ‫املوارد املائية» يف اليمن‪ ،‬الذي ّ‬ ‫ينظمه مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‬

‫ب�صنعاء‪ ،‬واملقرر انعقاده يف الفرتة ‪ 17 -15‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪2011‬‬ ‫(نافذة متخ�ص�صة على «واجهة ال�صفحة الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية‬ ‫والإجنليزية)‪.‬‬

‫■ اقر�أ �أحدث �إ�صداراتنا �ضمن �سل�سلة �أوراق بحثية‪ ،‬درا�سة بعنوان « امل�شكلة‬ ‫الإثنية و�أثرها يف قوة الدولة‪ :‬مقاربة نظرية عامة»‪ ،‬للباحثني حممد‬

‫ج�سار‪( .‬درا�سة متوفرة يف �صفحة‪ :‬املطبوعات‪�/‬سال�سل‬ ‫�سيف حيدر وعلي عبداهلل ّ‬ ‫الدرا�سات‪�/‬سل�سلة �أوراق بحثية)‬

‫■ ت�صفّح النافذة اخلا�صة وامل�سماة «مر�آة الإرهاب»‪ ،‬املُك ّر�سة ملتابعة تطورات‬ ‫ظاهرة الإرهاب حملي ًا و�إقليمي ًا وعاملي ًا‪� ،‬أو ًال ب�أول‪ ،‬حيث جتد �آخر الأخبار والتقارير‬ ‫والتحليالت والدرا�سات (نافذة متخ�ص�صة على «واجهة ال�صفحة الرئي�سية» للموقع‬ ‫باللغتني العربية والإجنليزية)‪.‬‬

‫ت�صويت‬ ‫تفاعلي‬

‫■ ما هي املهددات الأبرز للأمن القومي العربي يف منطقة القرن‬ ‫الأفريقي؟ هذا ما يحاول تو�ضيحه الباحث يف برنامج درا�سات القرن الأفريقي خالد‬

‫الرماح (حتليل متوفر يف نافذة «حتليالت �سيا�سية»)‪.‬‬

‫■ ما هي الفر�ص املتاحة للعمالة اليمنية يف �سوق العمل اخلليجي‪ ،‬وهل‬ ‫ت�ستجيب ملتطلباته وتتجاوز امل�شكالت البنيوية املتعلقة بهذا امللف ال�شائك؟‬

‫كتاب �شامل يبحث الفر�ص والعوائق والتحديات من كافة اجلوانب اقت�صادي ًا وقانوني ًا‬ ‫وم�ؤ�س�ساتي ًا وا�سرتاتيجي ًا‪ ،‬حرره الباحثان يف املركز حفظ اهلل الأحمدي وماجد �سراج‪،‬‬ ‫و�صدر م�ؤخر ًا يف �سل�سلة الكتب (للإطالع على ملخ�صه انظر �صفحة‪ :‬املطبوعات‪/‬‬ ‫الكتب)‪.‬‬

‫■ من يقف وراء التفجريات االنتحارية الأخرية يف حمافظتي اجلوف‬ ‫و�صعدة اليمنيتني‪ ،‬وما �أبعاد هذه الهجمات؟ حتليل يحاول تفكيك طال�سم‬

‫احلدث‪� ،‬أعده الباحث يف وحدة الدرا�سات اال�سرتاتيجية عاي�ش علي عوا�س (حتليل‬ ‫متوفر يف نافذة «حتليالت �سيا�سية»)‪.‬‬

‫�شاركنا بر�أيك على ‪ shebacss.com‬بالت�صويت على �أحدث اال�ستفتاءات التفاعلية‪:‬‬

‫«ه���ل تتوق���ع �إج���راء االنتخاب���ات الربملاني���ة اليمني���ة يف ني�س���ان‪�/‬أبريل ‪2011‬؟»‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪9‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫رئي�س التحرير‬

‫�سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أفكار‬

‫�إفتتاحيـة‬

‫�أمن اخلليج يف عامل متغري‬ ‫يحت���ل �أمن اخلليج مكانة ب���ارزة يف ال�سيا�سة الدولية منذ بداية �ستيني���ات القرن املا�ضي‪ ،‬ولكن‬ ‫االهتم���ام الدويل به تزايد ب�شكل ملحوظ يف الآونة الأخ�ي�رة‪ ،‬وانعك�س ذلك يف م�ؤمترات دولية مت‬ ‫عقده���ا تباع ًا م�ؤخراً‪ ،‬حيث عقدت �أربع م�ؤمترات دولي���ة منذ بداية كانون الأول‪/‬دي�سمرب �أحدها‬ ‫يف ولت���ون بارك (لن���دن)‪ ،‬الثاين يف الكويت‪ ،‬الثالث حوار املنامة (البحرين)‪ ،‬والرابع يف باري�س‪.‬‬ ‫اجلديد يف مو�ضوع �أمن اخلليج هو تغري البيئة الدولية والأمنية عما �سبق‪.‬‬ ‫فاملتغ�ي�ر الأول؛ يتج�س���د يف �أن الأم���ن الوطن���ي لأي دولة مل يع���د وطني ًا خال�ص��� ًا نتيجة لت�شابك‬ ‫العالق���ات وامل�صالح‪ .‬املتغري الثاين واملهم؛ تغري توازن القوى يف املنطقة‪ .‬وال نتحدث عن التوازن‬ ‫االقت�صادي والتقني والب�شري فق���ط‪ ،‬ولكن �أي�ض ًا عن التوازن الع�سكري وم�صادر القوى الأخرى‪.‬‬ ‫فما هي النتائج املرتتبة على تغري التوازن القوى يف املنطقة؟‬ ‫�أوالً‪ :‬جميع الدول العربية خارج �إطار التوازن املذكور‪ .‬ثانياً‪ :‬تركز توازن القوى اجلديد واملتوقع‬ ‫ل���ه �أن ي�ستمر خالل العقد القادم بني املحور الثالثي (�إيران‪ -‬تركيا ‪� -‬إ�سرائيل)‪ ،‬والذي ال ميكن‬ ‫�أن حتافظ فيه القوى الكربى على م�صاحلها دون التعاون مع هذا املحور الثالثي‪ .‬وما يعيق تنفيذ‬ ‫ه���ذا املحور هو ا�ستمرار اخلالف الغربي الإيراين على الربنامج النووي الإيراين‪ .‬وعند احلديث‬ ‫عن ال�سيا�سة الواقعية املعتمدة على امل�صالح البحتة فهي تفرت�ض الو�صول �إىل حلول معقولة لتفعيل‬ ‫هذا املحور الثالثي حتت املظلة الأمريكية‪ .‬ومرة �أخرى اخلا�سر الأكرب هو الوطن العربي‪.‬‬ ‫وال�س�ؤال الذي يواجه �صانع القرار العربي كيف ميكن تقليل اخل�سائر عو�ض ًا عن تعظيم املكا�سب‪.‬‬ ‫والأطروح���ة اخلليجية القائمة على خليج خالٍ من �أ�سلح���ة الدمار ال�شامل مل جتد ا�ستجابة لعدم‬ ‫ربطه���ا بالربنامج الن���ووي الإ�سرائيلي‪ .‬و�أحد البدائ���ل ولي�س �أف�ضلها الدخ���ول يف ترتيبات �أمنية‬ ‫جدي���دة لأمن اخللي���ج ت�ضم ثالث هياكل �أو منظم���ات‪ :‬الأوىل‪ ،‬جمل�س التع���اون اخلليجي ببعديه‬ ‫الإ�سرتاتيجيني اليمن والعراق‪ .‬الثانية‪ ،‬املحور الثالثي املذكور (�إيران‪ -‬تركيا‪� -‬إ�سرائيل)‪ .‬الثالثة‬ ‫والأخرية‪ ،‬حلف الناتو وعلى ر�أ�سه الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫مث���ل ه���ذا الرتتيب �سيبع���د �شبح احلرب ع���ن املنطقة ويخفف م���ن تهمي�ش دور ال���دول العربية‬ ‫ب�شكل عام‪ ،‬ولكنه ي�ستدعي اتفاقات معينة على ر�أ�سها من ميتلك ال�سالح النووي واملعرفة النووية‬ ‫(‪ ،)Know How‬واىل �أي حدود تت�ضمن الرت�سانة النووية من ر�ؤ�ؤ�س نووية ونظم القدرة احلربية‬ ‫التو�صيلي���ة (‪ ،)Delivery System‬وما هي �ضوابط ا�ستخدامها‪ ،‬وحدود هذا اال�ستخدام‪ ،‬وما هي‬ ‫ال�ضمان���ات ملثل ه���ذه الرتتيبات بحيث ين�شئ عنه���ا منظومة �إقليمية فاعل���ة حتافظ على التوازن‬ ‫وقوى الردع‪ ،‬بحيث حتد من �سباق الت�سلح وتتيح املجال لإعادة تخ�صي�ص موارد للتنمية‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪11‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫ت�شريح «غزوة» مل تكتمل‬ ‫حادثة «الطرود املفخخة» وما خلّفته من �شظايا‬ ‫حممد �سيف حيدر‬ ‫‪m_saif@shebacss.com‬‬

‫لي����س الي���وم كالأم�س‪ ،‬لكن «غ���زوات» القاعدة تت�شاب���ه‪ .‬هذا �أول ما ق���د يدور يف خلد امل���رء عند حماولته‬ ‫الإمع���ان يف م�ضام�ي�ن ودالالت وتبعات حدث «طرود امل���وت املفخخة» املر�سلة جو ًا م���ن اليمن �إىل �أمريكا‪،‬‬ ‫والتي �شغلت �أخبارها و�سائل الإعالم العاملية طيلة الأيام والأ�سابيع املا�ضية‪ .‬فقبل نحو عام من الآن‪ ،‬تنقّل‬ ‫�ش���اب نيج�ي�ري – تط���وّع ذاتي ًا لتقدمي خدماته لتنظي���م «القاعدة يف جزيرة الع���رب» ‪ -‬بني عدة مطارات‬ ‫تتمو�ض���ع يف ث�ل�اث قارات (اليمن‪ ،‬ف�إثيوبيا‪ ،‬وغانا‪ ،‬ثم نيجرييا‪ ،‬و�ص���و ًال �إىل هولندا)‪ ،‬لي�ستقر �أخري ًا على‬ ‫م�ت�ن طائرة مدنية تتبع �شركة «دلت���ا»‪ ،‬وقُربَ هبوطها يف مطار مدينة ديرتويت يف الواليات املتحدة‪ ،‬حاول‬ ‫تفج�ي�ر نف�س���ه عرب حتفيز عبوة نا�سفة خمب�أة مبهارة يف مالب�س���ه الداخلية م�ستخدم ًا حمقن ًا يحتوي مادة‬ ‫�سائلة‪ ،‬لكنه ف�شل يف تنفيذ م�أربه‪ ،‬وانتهى به احلال مقبو�ض ًا عليه يف �سجن �أمريكي‪.‬‬ ‫عمالني���اً‪ ،‬ف�شلت عملية عمر الفاروق عبداملطلب‪ ،‬لكنها – من الناحية‬ ‫عطب غري مرئي ٍة يف املنظومة الأمنية‬ ‫اال�سرتاتيجية – �أبانت عن جوانب ٍ‬ ‫العاملية والغربية حتديداً‪ ،‬ودلت على تعاظم خطر تنظيم «قاعدة اجلهاد‬ ‫يف جزيرة الع���رب»‪ ،‬الذي يتخذ من بع�ض زوايا اليم���ن اجلغرافية ملج�أً‬ ‫لقيادات���ه وعنا�صره‪ ،‬ومتكُّن ِه من تطوير تكتيكات���ه التدمريية لتتالءم مع‬ ‫�أجندته «العاملي���ة» وطموحاته الآخذة يف االت�س���اع‪ .‬وقتها اعترب التنظيم‬ ‫العملية – مع �إخفاقه���ا ‪« -‬ن�صر ًا كبرياً»‪ ،‬مُطلِق ًا عليها «غزوة الفاروق»‪،‬‬ ‫ومتوع���د ًا بـ «مفاج�آت» مماثلة قادمة يف الطريق‪ .‬ويف �إ�شارة �ضمنية �إىل‬ ‫نواي���اه امل�ستقبلي���ة‪� ،‬شرح التنظي���م – بعبارة موحية مفعم���ة بالثقة رغم‬ ‫طابعها الفني ال�صرف ‪ -‬قائالً‪�« :‬أُب�شِّ ر امل�سلمني ‪� ..‬أن املجاهدين تو�صلوا‬ ‫�إىل مادة �شديدة االنفجار تف���وق قوتها املتفجرات الكال�سيكية ال�شديدة‬ ‫االنفجار مث���ل (‪ )PETN‬وملينيت و‪ RDX‬وترتايل وغريها‪ ،‬وهي يف طور‬ ‫الإعداد والتجربة»(‪.)1‬‬ ‫كان التحذير وا�ضحاً‪ ،‬فما عجزت عنه عبوة اجلرامات الأربع من مادة‬ ‫‪12‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ال���ـ (‪ )PETN‬الت���ي ا�ستخدمها النيج�ي�ري عمر الف���اروق يف “غزوته”‪،‬‬ ‫�ستطال���ه (قريب���اً) عبوة �أكرث تط���ور ًا ومكراً‪ ،‬و‪ ..‬تدم�ي�راً‪ .‬وهذا ما كان‬ ‫�سيح�ص���ل ‪ -‬رمب���ا ‪ -‬لو و�صل �سيناري���و طرود املوت املفخخ���ة �إىل مداه‪،‬‬ ‫و”الغزوة” املُفرت�ضة �إىل منتهاها‪.‬‬ ‫حدث من ه���ذا النوع‪،‬‬ ‫لك���ن ثم���ة �س�ؤال م�ش���روع يُطِ ل بر�أ�س���ه عقب كل ٍ‬ ‫ُ�صمًّ��� ٌم ل ُيح���دِ ثَ – كما هو احل���ال اليوم – دوي ًا �إعالمي��� ًا هائ ًال ترتدد‬ ‫م َ‬ ‫�أ�ص���داءه يف �أنحاء املعمورة كافة‪ :‬هل الفاع���ل هذه املرة �أي�ض ًا هو تنظيم‬ ‫“القاع���دة يف جزي���رة العرب” حق���اً‪� ،‬أم �أن �أ�صاب���ع االتهام قد ت�شري‬ ‫�إىل جه���ة �أخرى لها م�صلحة ب�شكل �أو ب�آخ���ر يف �إثارة مثل هذا ال�ضجيج‬ ‫والت�سبب بكل هذا الذعر؟‬ ‫ميكن الق���ول �إنه ناهيك ع���ن تبنّي التنظيم ال�صري���ح لعملية «الطرود‬ ‫املفخخ���ة» (والت���ي �أطل���ق عليه���ا م�سم���ى «عب���وات اال�ستن���زاف» �ضمن‬ ‫ا�سرتاتيجية جديدة ملقاتلة الواليات املتحدة وحلفائها تُدعى “ا�سرتاتيجية‬ ‫الأل���ف جرح”)‪ ،‬ف�إنه ل���دى خرباء الإرهاب ما يكفي م���ن امل�ؤ�شرات لكي‬ ‫حممد �سيف حيدر باحث مبركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪،‬‬ ‫ومدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية»‪.‬‬

‫يجزموا ب�أن «القاعدة يف جزيرة العرب» هي من تقف وراء عملية «الطرود‬ ‫املُفخخ���ة»‪ .‬ف�إىل جان���ب وح���دة املكان‪/‬املُنطَ لَ���ق (اليمن‪ ،‬حي���ث ين�شط‬ ‫تنظيم القاع���دة)‪ ،‬ووح���دة املكان‪/‬الهدف (الواليات املتح���دة‪“ ،‬العدو‬ ‫البعي���د” الأكرث تف�ضي�ل�اً للتنظيم)‪ ،‬ف����إن العملية ا�ستخدم���ت التكتيك‬ ‫نف�س���ه‪ ،‬والأدوات ذاتها و�إن ب�صيغة �أكرث تطور ًا ومهارة‪ ،‬اللذين ا�ستعمال‬ ‫من قبل يف حماولة االنتحاري ال�سعودي عبداهلل ع�سريي اغتيال م�ساعد‬ ‫وزير الداخلية ال�سعودي حممد بن نايف يف �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ ،2009‬وكذلك‬ ‫حماولة النيجريي عمر الفاروق تفجري الطائرة الأمريكية فوق ديرتويت‬ ‫يف كان���ون الأول‪ /‬دي�سم�ب�ر من الع���ام نف�سه‪ .‬فاملادة الت���ي عرث عليها يف‬ ‫الطردي���ن املفخخني ه���ي ذاتها م���ادة (‪ ،)PETN‬وه���ي عن�صر ع�ضوي‬ ‫�شدي���د االنفجار‪ ،‬ينتمي �إىل نف����س ال�ساللة الكيمائي���ة للنرتوغل�سريين‪،‬‬ ‫ولكن الفارق هذه املرة – كما �أفاد املحققون ‪� -‬أن «كمية مادة (‪)PETN‬‬ ‫يف العب���وات اجلديدة تبل���غ ‪ 80‬غراماً‪ ،‬وهي �أ�ضع���اف الكمية امل�ستخدمة‬ ‫يف قنبلة عمر الفاروق»‪� .‬أم���ا املادة املُفجِّ رة فهي «�إيزايد الر�صا�ص» وهو‬ ‫مُفجِّ���ر قوي �سه���ل اال�ستخدام‪ ،‬وقد �أعد بحرفي���ة عالية للعمل من خالل‬ ‫دائ���رة كهربائية تت�ص���ل ب�شريحتي هاتف خليوي �أُخفيت���ا يف خرطو�شتي‬ ‫طابعتي جهازي كمبيوتر حتى ال تك�شفهما �أجهزة امل�سح ال�ضوئي‪.‬‬

‫من ناحية التوقيت‪ ،‬ورغم �أن هذا الأمر يف �أحيانٍ كثرية ال ينطوي على‬ ‫�أهمي���ة كربى م���ا دام الطريق للنيل من «اخل�صم» ب���ات �سالك ًا يف حلظة‬ ‫بعينه���ا‪ ،‬م���ا يعني �أن الزمن يظل مالئم ًا يف كل الأح���وال‪� .‬إال �أن التوقيت‬ ‫هن���ا‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬مل يخ��� ُل من ر�سائل م�ضمرة و�إ�ش���ارات كا�شفة؛ فالعملية‬ ‫كان م���راد له���ا �أن تتم يف الأيام الأخرية من ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر‪ ،‬وهو‬ ‫�شه���ر يحف���ل بالإيحاءات الرمزي���ة والذكريات امل�شرتكة ب�ي�ن «القاعدة»‬ ‫و�أمريكا‪/‬الغ���رب (الذكرى العا�شرة لتفجري املدمرة الأمريكية «كول» يف‬ ‫ميناء ع���دن؛ مرور �أ�سابيع قليلة من الذكرى التا�سعة لأحداث ‪� 11‬أيلول‪/‬‬ ‫�سبتم�ب�ر؛ الذكرى الثامنة لتفجري ناقلة النفط الفرن�سية «ليمبورغ» قرب‬ ‫مين���اء املكال‪ .).... ،‬ناهيك ع���ن �أن �أيام هذا ال�شهر ما انفكت مت�ضي ‪-‬‬ ‫ميداني��� ًا ‪ -‬على وقع مواجهات مل تنقطع م���ع ال�سلطات اليمنية املدعومة‬ ‫�إقليمي��� ًا ودولي��� ًا – وبالتحدي���د �أمريكي��� ًا ‪ -‬م���ن �أجل ا�ستئ�ص���ال تنظيم‬ ‫«القاع���دة» م���ن �أرا�ضيها نهائي ًا (وه���و ما �سيُ�ضفي عل���ى احلدث طابع ًا‬ ‫«ث�أرياً» �إ�ضافياً‪ ،‬بحيث يب���دو تنظيم «القاعدة» وك�أنه عاز ٌم على موا�صلة‬ ‫انتقامه ممن حاربوه وما يزالون يفعلون يف جنوب اجلزيرة)‪ .‬ويف الوقت‬ ‫نف�س���ه‪ ،‬ال تغيب داللة ح�صول العملية‪/‬املحاولة قبل �أيام قالئل من موعد‬ ‫�إج���راء انتخابات التجدي���د الن�صفي للكونغر�س‪ ،‬وم���ا �ستلقيه من ظالل‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪13‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫«ا�ستنـزاف»‬ ‫ٌ‬ ‫‪« .1‬القاعــدة» يف خمترب الفاعليـــة‪:‬‬ ‫تُنبي حادثة الطرود املفخخة التي تبنّاها‬ ‫م�ستمر؟‬

‫تنظي���م «قاعدة اجله���اد يف جزيرة العرب»‪� ،‬إىل جان���ب العمليتني اللتني‬ ‫�سبقاه���ا وماثلتاها من حيث التكتيك وامل���واد امل�ستخدمة (وهما العملية‬ ‫الت���ي �أ�سماه���ا التنظيم «غ���زوة الف���اروق» ن�سبة ملجن���ده النيجريي عمر‬ ‫الفاروق عبداملطلب‪ ،‬وكذلك حماولة االنتحاري عبداهلل ع�سريي اغتيال‬ ‫حمم���د بن نايف م�ساعد وزير الداخلية ال�سعودي‪ ،‬انطالق ًا من الأرا�ضي‬ ‫اليمني���ة)‪ ،‬هذه العمليات املتعاقبة واملُت�شابِهة من الناحية التكتيكية تنبي‬ ‫‪14‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫م�ؤك���دة على امل�شهد ال�سيا�سي املحت���دم بال�صراعات والتناف�س احلزبي‪،‬‬ ‫الأمر الذي يُعطي فعل «القاعدة» ‪� -‬سواء جنح �أم ال ‪ -‬زخم ًا �أكرب يتعدى‬ ‫الأث���ر الفعلي له‪ ،‬محُ دث ًا ارتدادات وا�سعة ومتعددة امل�ستويات يف الداخل‬ ‫الأمريكي‪.‬‬ ‫كل ذلك ي�شي ب�أن «القاعدة» يف خ�ضم عراكها مع «خ�صومها» (وبوجه‬ ‫خا����ص الأمريكي�ي�ن‪ /‬الغربي�ي�ن منه���م) توا�ص���ل لعبتها الأث�ي�رة املُثرية‬ ‫للأع�ص���اب‪« :‬كم���ا تذكروننا نذكركم‪ ،‬و�سنُعيد الك���رّة يف كل مرة‪ ،‬ولكن‬ ‫بو�سائلن���ا اخلا�ص���ة‪ ،‬ويف امل���كان الذي نح���دده (نحن)»‪ .‬ورمب���ا مل يكن‬ ‫م�صادف���ة – واحلالة هذه ‪� -‬أن يخ���رج امل�سئول الع�سكري للتنظيم قا�سم‬ ‫الرميي (�أبو هريرة ال�صنعاين)‪ ،‬يف ت�سجيل �صوتي له‪ ،‬بُثّ على الإنرتنت‬ ‫قب���ل ما يناه���ز الأ�سبوعني من حادث���ة الطرود املفخخ���ة‪ ،‬مُلمِّ ح ًا �إىل �أن‬ ‫تنظيم���ه يُعد ل�شن هجمات و�شيك���ة داخل الواليات املتح���دة‪ ،‬قائالً‪�« :‬إن‬ ‫امل���دد ‪ ..‬للعمل اخلارجي (خارج اليم���ن) ال يوقفه �شي ٌء بحول اهلل»‪ ،‬و�أن‬ ‫التنظي���م « ُيعِد الليل م���ع النهار للعملي���ات‪ ،‬وب�إذن اهلل قريب��� ًا ت�سمع �أمة‬ ‫الإ�س�ل�ام ما ي�شف���ي �صدرها من عدوها‪ ،‬فواهلل �أنّ���ا لن نعي�ش احلرب يف‬ ‫دارنا وعدونا �آمنٌ يف داره‪ ،‬كال ورب الكعبة‪ ،‬فلنكن �سواء»(‪.)2‬‬ ‫هك���ذا �إذن تبدو ب�صمة «القاعدة يف جزي���رة العرب» – وفق امل�ؤ�شرات‬ ‫الأولي���ة ال�سالفة ‪ -‬وا�ضح ًة يف هذه «الغ���زوة» التي مل تكتمل كما �سابقتها‬ ‫«غ���زوة الفاروق»‪ ،‬على �أن هذا الو�ضوح يف طبيعة الفعل وهوية الفاعل ما‬ ‫يلب���ث �أن ي�صطدم ب�أمور مهمة �أخرى ما تزال مُبه َم ًة وي�شوبها الكثري من‬ ‫الغمو����ض‪� ،‬أثارته���ا ق�ضية الطرود املفخخة املُر�سَ لة ج���و ًا من �صنعاء �إىل‬ ‫�شيكاغو (ع�ب�ر مطارات الدوحة ودبي ولندن)‪ ،‬كم���ا �أن هناك ت�سا�ؤالت‬ ‫حائ���رة مل تلقَ بعد �إجاب���ات �شافية يف خ�ضم ال�ضجي���ج الذي �أنتجه هذا‬ ‫احل���دث املُريع‪ .‬ف����إذا كانت «القاع���دة يف جزيرة الع���رب» هي من يقف‬ ‫وراء ط���رود املوت هذه‪ ،‬فما الذي يعنيه �إخفاقها جمدد ًا يف بلوغ مراميها‬ ‫النهائي���ة؟ ويف �أي �إط���ار نفهم (ون�ض���ع) الدور ال�سع���ودي املُلتبِ�س الذي‬ ‫لع���ب – بح�سب مزاعم الأمريكيني ‪ -‬دور ًا �أ�سا�سي��� ًا يف �إحباط «امل�ؤامرة‬ ‫الإرهابية»؟ وما انعكا�سات ذلك على جمريات التعامل امليداين مع خاليا‬ ‫«تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب»‪ ،‬وعلى م�سارات التعاون الأمني‬ ‫اليمن���ي – ال�سع���ودي ب�صفة خا�صة‪ ،‬وم���ا طبيعة الإج���راءات الأمريكية‬ ‫املحتملة للتعاطي مع خطر «القاعدة» يف اليمن والذي – بح�سب وا�شنطن‬ ‫‪ -‬مل يعد يُحتَمل؟‬

‫للوهل���ة الأوىل ب�أن قدرات «تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب» على‬ ‫ا�ستهداف خ�صومه و�إيذائه���م‪� ،‬آخذ ٌة يف التطور وعلى نحو نوعي وب�شكل‬ ‫يت���واءم مع طموحات���ه العاملية‪ ،‬لكن جلوء التنظي���م �إىل التكتيك ذاته يف‬ ‫توجي���ه �ضربات���ه املتوالية حتت م�سمى «عب���وات اال�ستن���زاف»‪ ،‬مُ�ستعين ًا‬ ‫بج�س���م و�سيط ذي خ�صائ�ص معين���ة يف كل مرة‪ ،‬يخفي – باملقابل ‪ -‬يف‬ ‫طيات���ه وَهَ ن��� ًا عملياتي ًا ومراوحة تكتيكية‪ ،‬مل يلبث���ا �أن عبرّ ا عن نف�سيهما‬ ‫بو�ض���وح يف خمت�ب�ر الفاعلية‪ :‬فمقابل جن���اح التنظي���م الن�سبي وق�صري‬ ‫الأمد يف معرك���ة الرتويع الإعالمية‪ ،‬ثمة �إخفاق هائل يف حتقيق الغايات‬ ‫املُع َلن���ة واملربجمة للعمليات الث�ل�اث؛ ما ي�شري �إىل �أن التنظيم بات ‪� -‬إن‬ ‫حاكمنا �أقواله ب�أفعاله ‪ -‬يف ورطة ا�سرتاتيجية �شديدة بالفعل‪.‬‬ ‫فمن ناحي���ة‪ ،‬تبدو خيارات تنظيم «القاع���دة» التكتيكية – كما عبواته‬ ‫النا�سف���ة املموهة ذاته���ا ‪ -‬يف حالة «ا�ستنزاف» م�ستم���ر‪ ،‬ولهذا جند �أن‬ ‫منهج���ه يف العمل – كتنظيم مركزي وكفروعٍ �إقليمية على ال�سواء ‪� -‬أخذ‬ ‫ينحدر �شيئ ًا ف�شيئ ًا من تدبري عمليات كربى ذات �صدى عاملي (ك�أحداث‬ ‫احل���ادي ع�ش���ر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬وتفج�ي�رات ال�سف���ن واملدمرات يف‬ ‫عر����ض البحر‪ ،‬وا�ستهداف القطارات كما يف مدريد �أو و�سائل النقل كما‬ ‫يف لندن)‪� ،‬إىل عمليات حم���دودة الت�أثري تديرها فروعه املحلية‪ ،‬ال�سيما‬ ‫يف اليم���ن‪ ،‬وحتاك���ي يف غالبيتها النمط الذي جل�أت ل���ه بع�ض املنظمات‬ ‫واجلماعات الإرهابية التقليدية يف �ستينيات و�سبعينيات القرن املا�ضي‪.‬‬ ‫فه���ي كما نالحظ تعتمد على ا�ستخدام متفج���رات وعبوات نا�سفة �سهلة‬ ‫الرتكي���ب والإخفاء مما خف حمله وات�س���ع نطاق فعله التدمريي‪ ،‬ولذلك‬ ‫ف�إنها ال حتتاج بال�ضرورة �إىل فريق ب�شري كبري‪ ،‬وعمليات ت�ضليل مُعقدة‪،‬‬ ‫وتخطي���ط طويل املدى (وهو ما تطلبت���ه بع�ض عملياته ال�سابقة)؛ فاملهم‬ ‫هن���ا �أن يك���ون لدي���ك �شخ�ص له اطالع جيّ���د بعلم املتفج���رات مع قدرة‬ ‫ضال عن وجود �أج�سام و�سيطة‬ ‫ذهني���ة على االبتكار التقني والعملياتي‪ ،‬ف� ً‬ ‫منا�سبة تُ�سهِّل �إخفاء القنابل ومتويهها‪ ،‬حتى ت�صل �إىل الهدف املطلوب‪.‬‬ ‫وه���ذا الأمر هو ما توفّ���ر م�ؤخر ًا لتنظيم القاع���دة يف جزيرة العرب من‬ ‫خ�ل�ال امتالك���ه – ب�شكل �أ�سا�س���ي ‪ -‬خلربات عدد م���ن �صانعي القنابل‬ ‫واملتفج���رات املُتمرِّ�س�ي�ن كال�سع���ودي �إبراهيم ح�سن طال���ع ع�سريي(‪.)3‬‬ ‫وه���ي خ�ب�رات ما ت���زال حم���دودة يف عنا�ص���ر و�أ�شخا�ص بعينه���م‪ ،‬ولذا‬ ‫يح���اول التنظيم تنميتها وتطويرها �أكرث من خ�ل�ال نداءاته املتكررة ملن‬ ‫يب���دون ا�ستعدادهم لالن�ضمام �إليه ممن لديهم �إطالع و�إملام جيّد بعلوم‬ ‫الفيزياء والكيمياء والتقنيات املتطورة‪.‬‬ ‫ثم �أن هذا التوجه نحو جعل عمليات «القاعدة» املوجهة �ضد خ�صومها‬ ‫الغربي�ي�ن معتم���دة على ق���درات تقنية بحت���ة ي�سهل تعميته���ا ومتريرها‪،‬‬ ‫وتالي��� ًا ف�إنها ال حتتاج �سوى �أقل عدد ممكن من الأ�شخا�ص‪� ،‬إمنا هو �أحد‬ ‫م�ؤ�ش���رات �ضع���ف التنظيم وم�ش���اكل التجنيد التي يواجهه���ا‪ ،‬بل وكذلك‬ ‫وج���ود ن���زوع متنامي يف �صفوف���ه نحو فت���ور الهمّة العملي���ة (بخالف ما‬ ‫عك�ست���ه عمليات �ضخم���ة �سابقة �أظهرت وقتئذٍ «حيويت���ه الفائقة»)‪ ،‬وما‬ ‫ُتع�ّب�رّ عنه هذه احل���ال من خيبة �أم���ل يف �إمكانية تك���رار هجمات دموية‬ ‫كربى‪ ،‬ته��� ّز ثقة الغرب بنف�سه وبقدرته عل���ى مواجهة عدو �أخطبوطي ال‬

‫�إخف��اق طائ��ر‪ :‬رغ���م ما خلّفته عملي���ة الطرود املفخخة من حال���ة ذعر كبرية �إال �أن قطاع���ات حيوية كالطريان امل���دين وال�شحن اجلوي وا�صلت‬ ‫ن�شاطاتها رغم ا�ستمرار التهديدات الفعلية �أو املفرت�ضة‬

‫يرحم!‬ ‫من ناحية �أخرى‪ ،‬وبالنظر �إىل بحث التنظيم املحموم عن نقاط �ضعف‬ ‫يف املنظوم���ة الأمني���ة العاملي���ة (وهو الأمر ال���ذي جعله ي�ستب���دل قنابله‬ ‫الب�شري���ة املُتحمّ�سة ب�أج�سام �أخرى �صعب���ة الر�صد والك�شف – كالطرود‬ ‫ُف�ضل وذي �أولوية‬ ‫املفخخ���ة مث ًال ‪ ،-‬وطائرات الركاب املدنية – كهدف م ّ‬ ‫ بطائرات ال�شحن التجارية) يف حماولة الخرتاق هذه املنظومة متهيد ًا‬‫ل�ضربها يف ال�صميم‪ ،‬جنده من حيث ال يدري يُ�سهِ م – املرة تلو الأخرى‬ ‫– يف �سد مكامن اخللل فيها‪ ،‬وبالتايل رفع كفاءتها وزيادة مناعتها‪ ،‬ما‬ ‫ي�ستدعي قيامه بابتكار و�سائل �أكرث تطور ًا للتعاطي مع الإجراءات الأمنية‬ ‫املُ�ستج���دة‪ ،‬والت���ي و�إن �أثقلت كاه���ل احلكومات وال���دول ب�سبب تكاليفها‬ ‫الباهظة‪ ،‬ف�إنها باملثل �سترُ هِ ق كاهل التنظيم يف املدى املنظور ‪� -‬إن �أمعن‬ ‫يف حم���اوالت اخرتاقها ‪ -‬ب�أعباء قد تف���وق �إمكانياته وقدراته حينها‪� ،‬إذ‬ ‫�أن �إع���ادة الكرّة تتطلب وجود خربات و�أدوات و�إمكانات لوجي�ستية كافية‬ ‫وظروف زمكانية مواتية‪ ،‬وهو ما ال يكون متاح ًا دائماً‪.‬‬ ‫وه���ذا يعن���ي �أن خط���ر «القاعدة يف جزي���رة العرب» يف ه���ذه املرحلة‪،‬‬ ‫وبعك����س التوجه���ات املت�شائمة ال�سائ���دة يف �أوروبا و�أم�ي�ركا‪ ،‬يظل «قاب ًال‬ ‫ل�ل��إدارة»‪ ،‬كم���ا �أن ت�أث�ي�رات عملياته الت���ي ت�ستهدف املنظوم���ة الغربية‬ ‫عموم��� ًا والأمريكي���ة خ�صو�صاً‪ ،‬تب���دو �أي�ض ًا «قابلة لالحت���واء»‪ .‬فرغم ما‬ ‫خلّفته عمليتي عم���ر الفاروق والطرود املفخخة من حالة ذعر كبرية بني‬ ‫قط���اع وا�سع م���ن النا����س‪� ،‬إال �أن قطاعات حيوية كان���ت يف قلب عمليات‬

‫اال�سته���داف «القاع���دي» كالط�ي�ران امل���دين وال�شح���ن اجل���وي وا�صلت‬ ‫ن�شاطاتها رغم ا�ستم���رار التهديدات الفعلية �أو املفرت�ضة(‪ ،)4‬و�إن تطلب‬ ‫الأم���ر اتخاذ املزيد من التدابري االحرتازية ل�ضمان تقييد (واحلد من)‬ ‫قدرة التنظيم �أو �سواه من اخرتاق هذه املنظومة البالغة احل�سا�سية‪.‬‬

‫‪ .2‬اليمن ‪ -‬ال�سعودية‪ :‬التعاون حتت ال�ضغط‬ ‫الأك�ث�ر التبا�س ًا رمبا يف عملي���ة «القاعدة» الأخرية‪ ،‬وعلى نحو �أثار ريبة‬ ‫الكث�ي�ر من املحللني واملراقب�ي�ن يف اليمن‪ ،‬هو ال���دور ال�سعودي يف ك�شف‬ ‫«الط���رود املفخخة»‪ ،‬والذي عبرّ عن نف�سه ب�شكل دعائي �صاخب‪ ،‬عك�سته‬ ‫الرطان���ة الإعالمي���ة التي تعاط���ت بها و�سائ���ل الإعالم التابع���ة للمملكة‬ ‫م���ع هذا احلدث‪ .‬لكن ال���ر�أي العام يف اليمن‪ ،‬كما ُنخ���ب البلد املختلفة‪،‬‬ ‫ا�ستقب�ل�ا م���ا ح�صل بفت���ور �شديد‪ ،‬وكان���ت �أ�سئلة من قبي���ل‪ :‬كيف متكّن‬ ‫ال�سعوديون من معرفة خطة «القاعدة» قبل �أن يعرفها غريهم كاليمنيني‬ ‫والأمريكيني؟ وملاذا �أبلغوا حلفائهم الأمريكيني يف حني كان من املفرت�ض‬ ‫�أن يبلغ���وا �أ�شقائهم اليمني�ي�ن �أوالً‪ ،‬على الأقل من منطلق «الأقربون �أوىل‬ ‫باملعروف»؟ و�أي دالالت تكتنف مثل هذه اخلطوة ال�سعودية‪ ،‬والتي ت�سببت‬ ‫يف �إحراج ال�سلط���ات اليمنية داخلي ًا وخارجي ًا �إحراج ًا بالغاً‪ ،‬بحيث بدت‬ ‫حم�شورة يف الزاوية ومُتلبِّ�سة بتهمة «�آخر من يعلم» املُ�شينة؟‬ ‫هذه الأ�سئلة وغريها كانت الأكرث تردد ًا على �شفاه املراقبني وال�سيا�سيني‬ ‫وغ�صت به���ا كثري من املقاالت والتحلي�ل�ات التي ُدبّجت لنقد‬ ‫اليمني�ي�ن‪ّ ،‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪15‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬ ‫وم���دى قدرتها على درء �أية خماطر وتهدي���دات قد ت�أتيها من خا�صرتها‬ ‫اجلنوبية الرخوة‪� ،‬سواء يف �صورة خماطر �أمنية �أو متغريات جيو�سيا�سية‬ ‫«�سا ِلب���ة» ال تتوافق مع �أجندة اململكة وم�صاحلها الأكرث دميومة يف اليمن‬ ‫والإقليم‪.‬‬

‫الطريقة اال�ستعرا�ضية التي ميّزت التعاطي ال�سعودي مع حادثة الطرود‪،‬‬ ‫وما �أعقبها م���ن تطورات على �أكرث من �صعيد‪ ،‬ر�أى فيها معظم اليمنيني‬ ‫تكري�س ًا ل�صورة بالدهم ال�سلبية عاملياً‪ ،‬مع ما لذلك من �أ�ضرار مبا�شرة‬ ‫وغ�ي�ر مبا�شرة ت�صيب اليم���ن – حكومة و�شعب ًا – عل���ى املديني القريب‬ ‫والبعيد‪.‬‬ ‫و�ضمن ه���ذه ال�صيغة ال�ضاغِ ط���ة جرت (وجتري) معظ���م التفاعالت‬ ‫بي���د �أننا �إذا حاولنا فهم �أ�سباب التعاط���ي ال�سعودي مع ق�ضية الطرود يف عالق���ات �صنعاء م���ع الريا�ض‪ ،‬وين�سح���ب ذلك على التع���اون الأمني‬ ‫املفخخ���ة بال�شكل ال���ذي ظهر عليه‪ ،‬ف�إن���ه ال منا�ص م���ن ا�ستعادة بع�ض بينهم���ا‪ ،‬والذي مثّل – ظاهري ًا عل���ى الأقل – القاطرة التي تقود م�سرية‬ ‫امل�شاه���د التي و�سمت �سريورة التعاون الأمني بني اليمن واململكة‪ ،‬ال�سيما من���و العالقات اليمنية – ال�سعودية خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية‪ .‬لكن‬ ‫خالل العامني الأخريين‪ ،‬وا�ستك�شاف البيئة النف�سية واجليو�سيا�سية التي املراق���ب مل�سارات التعاون الأمني اليمن���ي ‪ -‬ال�سعودي ال يفوته املنحنيات‬ ‫حتيط مب�ضامني هذا التعاون وتبلور اجتاهاته وتوجهاته‪ .‬ويف تقديرنا �أن والتعرج���ات الت���ي م ّر به���ا وال ي���زال‪� ،‬إذ �أن كثري ًا م���ن م�ساراته حمكو ٌم‬ ‫�أق���رب الفر�ضي���ات لتف�سري ما ح�صل ه���و �أن ال�سعوديني ال يُولون‬ ‫ب���ر�ؤى وت�صورات وم�صالح مت�ضاربة؛ وما قد يعزز م�صالح طرف يف‬ ‫– كعادته���م ‪ -‬نظرائهم اليمنيني‪ ،‬م�سئولني �أمنيني‬ ‫املعادل���ة التفاعلية الثنائية يف حلظ��� ٍة بعينها رمبا يخ�صم‪،‬‬ ‫وع�سكريني كان���وا �أم �سيا�سيني‪ ،‬جُ ّل ثقتهم لكي‬ ‫على نحو �أو �آخر‪ ،‬من م�صالح �أو مكا�سب �أو مقت�ضيات‬ ‫يتول���وا �إدارة مل���ف �شائ���ك كمل���ف «تنظيم‬ ‫تهم الط���رف الآخر ويبدي حر�صه على الظفر بها‬ ‫تبدو خيارات تنظيم «القاعدة»‬ ‫قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب»‪ ،‬خا�ص ًة‬ ‫(�أو جتاهلها)‪ .‬وثم���ة م�ؤ�شرات عديدة على هذا‬ ‫التكتيكية – كما عبواته‬ ‫�أن احل���رب الأخرية الت���ي خا�ضوها مع‬ ‫النا�سفة املموهة ذاتها ‪ -‬يف حالة‬ ‫النم���ط م���ن املنحني���ات املت�أرجح���ة يف عالقة‬ ‫ولهذا‬ ‫م�ستمر‪،‬‬ ‫«ا�ستنزاف»‬ ‫احلوثي�ي�ن وحال���ة ال�سيول���ة الت���ي تلتها‬ ‫الريا����ض الأمنية ب�صنعاء‪ ،‬م���ن قبيل ال�سيا�سة‬ ‫جند �أن منهجه يف العمل �أخذ‬ ‫�سيا�سي��� ًا وع�سكري��� ًا وتفاو�ضي���اً‪،‬‬ ‫الأحادية التي تتبعه���ا اململكة يف �إدارة احلدود‬ ‫ينحدر �شيئ ًا ف�شيئ ًا من تدبري‬ ‫رجّ ح���ت ر�ؤية ال�سعودي���ة الفاقعة‬ ‫امل�شرتك���ة‪ ،‬وم���ا تكتنفه���ا م���ن �إج���راءات يت���م‬ ‫عمليات كربى ذات �صدى‬ ‫عاملي �إىل عمليات حمدودة‬ ‫والرا�سخة لليم���ن بو�صفها «ملف ًا‬ ‫تقريرها وتنفيذها دون ت�شاور م�سبق مع اجلانب‬ ‫الت�أثري تديرها فروعه‬ ‫�أمني���اً» �صرف ًا يج���ب التعامل معه‬ ‫اليمن���ي (م�س�أل���ة بناء اجل���دار الإلك�ت�روين العازل‬ ‫املحلية‬ ‫بحذر �شديد‪ ،‬وعلى هذا الأ�سا�س‬ ‫مثالً)‪.‬‬ ‫ال �أك�ث�ر وال �أق���ل‪ .‬ث���م �أن حادث���ة‬ ‫عل���ى �أن مل���ف تنظيم القاع���دة‪ ،‬وق���د �أ�ضحى هاج�س��� ًا �أمني ًا‬ ‫«الط���رود املفخخة» كما مت ت�أطريها‬ ‫م�ش�ت�رك ًا �إث���ر انهيار الفرع ال�سع���ودي للتنظيم وفرار ع���دد من عنا�صره‬ ‫�إعالمي ًا (وهذا ال يعني �أن «القاعدة»‬ ‫ال�سعودي�ي�ن اخلطري���ن �إىل اليم���ن‪ ،‬ليندجم���وا يف وقت الح���ق مع الفرع‬ ‫ال تقف وراءها‪ ،‬بل هي اجلهة الفاعلة بال ريب) عززت حماجّ ة الريا�ض‬ ‫اليمني للقاعدة م�ؤ�س�سني بذلك «تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب»‬ ‫التي مل ت���ك ّل منذ �أحداث احلادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬وت�أكيداتها‬ ‫ال���ذي ي�ضع اململكة ن�صب عينيه من منطل���ق كونها «بالد احلرمني» التي‬ ‫حللفائها الغربيني املُ�ستاءين والقلقني من التوجهات الدينية الراديكالية‬ ‫ي�سع���ى لتحريره���ا من «جن�س الكف���ار» ح�سب تعبري �أدبيات���ه‪ ،‬هذا امللف‬ ‫ال�سائ���دة يف ال�سعودية‪ ،‬ب����أن اليمن الدولة اله�شّ ���ة والفقرية واملعزولة يف‬ ‫الأك�ث�ر تعقيد ًا ج�سّ ���د ذروة التباين والتذبذب يف منحني���ات التعاون بني‬ ‫جنوب اجلزي���رة العربية ‪ -‬ال اململكة – هي «قاع���دة القاعدة»‪ ،‬و�أنها –‬ ‫�صنع���اء والريا�ض(‪ .)7‬وال�سبب – كما يبدو – يكمُن يف حماولة الطرفني‬ ‫�أي اليم���ن ‪� -‬أخذت يف التح���وّل �إىل «ر�أ�س حربة لهجمات «القاعدة» �ضد‬ ‫ا�ستثم���ار هذا املل���ف ال�صعب لتحقي���ق مكا�سب و�سد ثغ���رات‪ ،‬بع�ضها ال‬ ‫الوالي���ات املتحدة»(‪ ،)5‬ولدرء التهدي���د الإرهابي الكامن هناك ال منا�ص‬ ‫يت�أت���ى �إال وفق منطق اللعبة ذات املعادلة ال�صفرية ‪Zero – Sum Game‬‬ ‫م���ن التعويل عل���ى دور اململكة وخربته���ا الوا�سعة بالنظ���ر �إىل كونها من‬ ‫(م���ا يح�صل عليه طرف يخ�سره بال�ضرورة الطرف الآخر)‪ ،‬وهي �صيغة‬ ‫ميلك «مفاتيح هزمية «القاعدة»» يف هذا البلد(‪.)6‬‬ ‫ال مثيل لها �ضمن �صيغ التعاون املعهودة بني الدول والأنظمة ال�سيا�سية‪..‬‬ ‫ورغم �أن الريا�ض حالي ًا هي الداعم املايل الأكرب لليمن‪� ،‬إذ تنفق �سنوي ًا وهنا امل�شكلة الرئي�سية‪.‬‬ ‫– طبق ًا لبع�ض التقديرات ‪ -‬نحو ملياري دوالر كم�ساعدات تنموية للبلد‬ ‫لنت�أمل �سريع ًا بع����ض الأمثلة وال�شواهد احلديثة التي ميكن �إيرادها يف‬ ‫�إىل جانب ما يقرب من ‪ 300‬مليون دوالر مكر�سة لتمويل جهود «التعاون»‬ ‫الأمني بينهما‪� ،‬إال �أن الإطار العام الذي تنتظم فيه هذه املعونات ت�ؤ�س�سه هذا ال�سياق‪:‬‬ ‫الر�ؤية ال�سعودية احلاكمة وامل�ستمرة لليمن كجا ٍر مرهوب اجلانب‪� ،‬أمني ًا‬ ‫ قب���ل نح���و عامني‪ ،‬وحتدي���د ًا يف �شباط‪/‬فرباي���ر ‪ ،2009‬قام املطلوب‬‫وجيو�سرتاتيجي���اً‪ ،‬ولذا ف�إن �أي �صيغة �أو �صورة للتعاون بني البلدين تبقى ال�سع���ودي حممد العويف (ال���ذي عرف – لفرتة ق�ص�ي�رة – ب�أنه القائد‬ ‫مرهون���ة بتلبية حاجات اململك���ة ال�سعودية وتطلعاته���ا �أو ًال ويف الأ�سا�س‪ ،‬املي���داين لتنظي���م القاعدة يف جزي���رة العرب) بت�سليم نف�س���ه لل�سلطات‬ ‫‪16‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ال�سعودية‪ .‬وقد تبينّ الحق ًا �أن عملية ا�ست�سالم العويف قد متت دون تن�سيق‬ ‫�أمن���ي عايل امل�ست���وى وتباديل املنافع بني �سلطات اليم���ن واململكة‪ ،‬الأمر‬ ‫ال���ذي مل يمُ كّن �أجهزة الأمن اليمنية م���ن احل�صول على «معلومات ذات‬ ‫قيمة» من هذا القيادي‪ ،‬ميكن توظيفها يف حربها �ضد تنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫ يف �شهر �شباط‪/‬فربير من العام ‪ 2009‬نف�سه‪ ،‬ن�شرت وزارة الداخلية‬‫ال�سعودي���ة قائمة ت�ضم ‪ 85‬مطلوب��� ًا من املت�شددين‪ ،‬قال���ت “�إن جميعهم‬ ‫خ���ارج اململك���ة‪ ،‬وبع�ضه���م ذه���ب �إىل اليم���ن”‪ .‬وكان الالف���ت يف ه���ذه‬ ‫القائم���ة‪ ،‬واملميز لها عما �سواها م���ن قوائم للمطلوبني ال�سعوديني‪ ،‬ورود‬ ‫ا�سمي اليمنيني نا�صر الوحي�شي‪� ،‬أمري تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب‪،‬‬ ‫وقا�س���م الرميي‪ ،‬القائد الع�سكري للتنظي���م‪ ،‬واملالحقني من قبل �أجهزة‬ ‫الأم���ن اليمنية (باعتبارهم���ا مواطنني مينيني موجودي���ن على �أرا�ضيها‬ ‫ح�ص���راً)‪ ،‬يف قائمة املطلوبني للمملكة‪ ،‬وعلى نح ٍو �أظهر اليمن ‪ -‬كمجالٍ‬ ‫جيو�سيا�س���ي وقان���وين و�أمن���ي – وك�أنه���ا تق���ع حتت �سلط���ة واخت�صا�ص‬ ‫القوانني ال�سعودية‪.‬‬ ‫ عملي���ة ا�ست�سالم “القاعدي” ال�سعودي عب���داهلل ع�سريي لل�سلطات‬‫ال�سعودي���ة يف �آب‪�/‬أغ�سط����س ‪( 2009‬والذي فجّ ر نف�س���ه يف ق�صر الأمري‬ ‫حمم���د بن نايف حم���او ًال اغتياله)‪ ،‬متت – وعن �ساب���ق ت�صميم ر�سمي‬ ‫�سع���ودي ‪ -‬دون علم ال�سلط���ات اليمنية �أو بالرتتيب معه���ا‪ ،‬وهو ما �أثبته‬ ‫الت�سجيل امل�صوّر ال���ذي �سرد فيه التنظيم بع�ض تفا�صيل العملية‪ ،‬وكيف‬ ‫خُ طط���ت و ُنفّ���ذت‪ .‬وكان البي���ان الذي تبنّ���ى من خالل���ه التنظيم عملية‬ ‫ع�سريي‪ ،‬ون�شر بعده���ا ب�أيام قالئل‪ ،‬قد �أملح �إىل �أن املخابرات ال�سعودية‬ ‫لرت�صد وتتبّع من يو�صفون‬ ‫تتح���رك خفي ًة داخل الأو�ساط املحلية اليمنية ّ‬ ‫قاعدي��� ًا بـ “املجاهدي���ن”‪ ،‬دون �أن يكون للأمن اليمن���ي �أي معرفة بهذه‬ ‫التحركات‪ .‬وما قد يقوّي رواية “القاعدة” هذه‪ ،‬املعلومات غري املتواترة‬ ‫الت���ي تداولتها بع�ض الأو�س���اط وتفيد ب�أن �ضب���اط ا�ستخبارات �سعوديني‬ ‫مُتخفّ�ي�ن يف زي مدين وعلى هيئة جتّ���ار و�سُ يّاح ومهربني وخالفه‪� ،‬أخذوا‬ ‫يكثف���ون وجودهم وحتركاته���م يف بع�ض مناطق اليم���ن و�أطرافها‪ ،‬حيث‬ ‫يعتقد �أن قادة “القاعدة” يختبئون وين�شطون فيها‪� ،‬سيما يف حمافظات‬ ‫كم�أرب واجلوف و�أبني و�صعدة‪.‬‬ ‫ يف �شهر ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪ ،2010‬ووفق ًا مل�س�ؤولني يف اال�ستخبارات‬‫الغربي���ة‪ ،‬قامت اال�ستخبارات ال�سعودية – من طرف واحد ودون تن�سيق‬ ‫وا�ض���ح مع �أجهزة اال�ستخبارات اليمني���ة ‪ -‬بتحذير احلكومة الفرن�سية‪،‬‬ ‫وحكوم���ات �أوروبية �أخ���رى‪ ،‬من �أن تنظي���م القاعدة يف جزي���رة العرب‪،‬‬ ‫يخطط ل�شن هجوم �إرهابي على �أرا�ضي القارة انطالق ًا من اليمن‪.‬‬ ‫ يف منت�صف ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر نف�سه‪� ،‬أعلن���ت ال�سلطات اليمنية‬‫�أنه���ا �ألق���ت القب�ض يف مط���ار �صنعاء عل���ى مغرتب ميني يقي���م ب�صورة‬ ‫دائم���ة يف ال�سعودية‪ ،‬ويدعى �صالح الرمي���ي (‪ 33‬عاماً) �أثناء قدومه من‬ ‫اململك���ة‪ .‬وبح�سب وزارة الداخلي���ة اليمنية‪ ،‬ف�إن ا�سم الرميي كان مدرج ًا‬ ‫يف القائمة ال�سوداء‪ ،‬باعتباره مطلوب ًا �أمني ًا بتهمة متويل تنظيم القاعدة‬ ‫يف اليم���ن‪ ،‬لك���ن الداخلية ال�سعودية �سرعان ما نف���ت ب�شكل قاطع تلقيها‬

‫من نظريته���ا اليمنية ما يفيد ب�ضلوع املواط���ن اليمني املقيم يف اململكة‪،‬‬ ‫ب�أي �أن�شطة متويلية لـ«القاعدة»‪.‬‬ ‫ال �ش���ك يف �أن ه���ذه ال�شواه���د وغريه���ا ت�ساعدن���ا على فه���م التعاطي‬ ‫ال�سع���ودي املث�ي�ر للج���دل م���ع ق�ضية الط���رود املفخخ���ة‪ ،‬رغم �أن���ه �أوقع‬ ‫النظام احلاكم يف اليمن يف حرجٍ بالغٍ �أمام مواطنيه وحلفائه الإقليميني‬ ‫والدولي�ي�ن على حدٍّ �سواء‪ ،‬كما �أنه���ا – �أي ال�شواهد الآنفة الذكر ‪ -‬تفتح‬ ‫ك���وّة �أخ���رى يف ج���دار الغمو�ض الذي يكتن���ف تفاعالت التع���اون الأمني‬ ‫اليمني – ال�سعودي‪ ،‬وب�صفة خا�صة خالل ال�سنوات الع�شر الأخرية‪.‬‬ ‫واحلقيق���ة �أنه م���ا دام الإدراك ال�سع���ودي لطبيعة م�صال���ح اململكة يف‬ ‫“فناءه���ا اخللفي” مل يتجاوز عتبة “الأم���ن” وظل حمكوم ًا بهواج�سه‬ ‫ومقت�ضيات���ه و�شكوك���ه‪ ،‬وطامل���ا عج���ز �صنّ���اع ال�سيا�س���ة يف اليم���ن – يف‬ ‫املقاب���ل ‪ -‬ع���ن تغيري ه���ذه امل���دركات �أو التخفي���ف من حدته���ا‪ ،‬و�إعادة‬ ‫الت���وازن للعالقات اليمنية ‪ -‬ال�سعودية تالي ًا بحيث تغدو حمكومة ب�صيغة‬ ‫�أكرث برجماتي���ة تقوم على قاعدة “اجل���وار اال�سرتاتيجي البنّاء” الذي‬ ‫يُلبّ���ي امل�صالح الوطني���ة والتطلع���ات امل�شرتكة نحو اال�ستق���رار والتنمية‬ ‫امل�ستدام���ة؛ مادام ا�ستمر كل ذلك ف����إن التعاون الأمني – حتديد ًا ‪ -‬بني‬ ‫الدولتني �سرياوح منحنياته وتعرجاته ذاتها‪ ،‬ما يعني ‪ -‬يف نهاية املطاف‬ ‫ �أن ال�سل���وك ال�سع���ودي احلذر �إزاء اليمن‪ ،‬مب���ا ينطوي عليه من فر�ص‬‫وخماط���ر‪� ،‬سيظل على حاله‪� :‬أحادي��� ًا غالباً‪ ،‬وا�ستفزازي��� ًا �أحياناً‪ ،‬وغري‬ ‫م�أمون اجلانب على الدوام‪.‬‬

‫‪ .3‬خطوة الأمريكي�ين التالية (املُعتادة)‪« :‬دَعهُم‬ ‫رمب���ا يك���ون‬ ‫يَعمل��ون وراقِ ��بْ م��ن بعي��د»!‬

‫ال�س����ؤال حول خطوة �أم�ي�ركا التالية يف اليمن‪ ،‬يف �ض���وء غزوة «الطرود»‬ ‫القاعدي���ة الفا�شلة‪ ،‬هو الأك�ث�ر �إحلاح ًا يف هذه الآون���ة بالن�سبة لليمنيني‬ ‫والأمريكي�ي�ن مع���اً‪ .‬فم���ا ح�صل للم���رة الثانية خالل �أقل م���ن عام‪ ،‬عزز‬ ‫خم���اوف �سا�سة وا�شنط���ن من �أن اليمن ب���ات يواجه احتم���ا ًال «حقيقياً»‬ ‫ب����أن ي�صبح «�أفغان�ستان �أو باك�ستان �أخرى»‪ ،‬مما قد يهيئ ظروف ًا مواتية‬ ‫لتنظي���م القاعدة يف جزيرة الع���رب ل�شن هجمات دامي���ة تطال الداخل‬ ‫الأمريكي‪ ،‬ناهيك عن تهديد امل�صال���ح الأمريكية والغربية الأكرث حيوية‬ ‫يف �شبه اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫لك���ن الإدارة الأمريكية التي �أعلنت على ل�سان رئي�سها باراك �أوباما �أن‬ ‫هدف يحظى ب�أولوية‪ ،‬تدرك‪ ،‬مع ذلك‪� ،‬أنه‬ ‫«تدمري القاعدة» يف اليمن هو ٌ‬ ‫ينبغي التعاطي مع تهديدات «القاعدة»‬ ‫يف اليمن بواقعية �شديدة خ�شية‬ ‫املراقب مل�سارات التعاون‬ ‫االجن�����رار �إىل خ��و���ض «ح��رب‬ ‫الأمني اليمني ‪ -‬ال�سعودي ال‬ ‫ا�ستنزاف» غ�ير ���ض��روري��ة يف‬ ‫يفوته املنحنيات والتعرجات‬ ‫ه��ذا البلد الهام�شي ال��ذي ‪-‬‬ ‫التي مرّ بها وال يزال‪� ،‬إذ �أن‬ ‫كثري ًا من م�ساراته حمكومٌ‬ ‫وفق ًا للتقديرات الأمريكية ‪-‬‬ ‫بر�ؤى وت�صورات وم�صالح‬ ‫ال يتمتع ب�أي قيمة ا�سرتاتيجية‬ ‫مت�ضاربة‬ ‫ذات �����ش�����أن ����س���وى جم���اورت���ه‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪17‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫خلزانات النفط اخلليجية و�إطاللته على م�ضيق باب املندب و�إ�شرافه على‬ ‫خليج عدن املمر املالحي احليوي للتجارة الدولية‪ ،‬والذي ا�ستباحته ع�صابات‬ ‫القرا�صنة م�ؤخراً‪.‬‬ ‫واحلال �إن الأمريكيني يدرك���ون متام ًا �أن �أي ا�سرتاتيجية طويلة الأمد ملكافحة‬ ‫الإرهاب تقت�ض���ي معاجلة الأ�سباب اجلذرية لعدم اال�ستق���رار االجتماعي الذي‬ ‫ي�سم���ح لتنظيم القاعدة بالنمو واالنت�شار‪ ،‬لكنه���م يعلمون �أنه لي�س يف مقدورهم‬ ‫الذه���اب بعيد ًا جد ًا يف هذا املج���ال يف اليمن‪ .‬ومن ثمّ تبدو اخليارات الأمريكية‬ ‫يف اليم���ن ‪ -‬على املديني القريب واملتو�سط ‪ -‬حمدودة للغاية؛ فالواليات املتحدة‬ ‫املن�شغل���ة ب�أم���ور �أخرى‪ ،‬والرازحة حت���ت عبء العجز‪ ،‬ق���د ال تتحلى بال�صرب وال‬ ‫بامل���وارد ملنع اليمن من االنزالق �إىل م�ص���اف “الدولة الفا�شلة”‪ ،‬والتحوّل تالي ًا‬ ‫�إىل مرتع مثايل للجماعات املتطرفة والإرهابية‪.‬‬ ‫وبهذا تكاد ترتكز خيارات الوالي���ات املتحدة للتعامل مع خطر تنظيم القاعدة‬ ‫يف اليم���ن حالي���اً‪ ،‬يف �أمرين اثنني غ�ي�ر متعار�ضني بال�ضرورة (ب���ل ورمبا يكونا‬ ‫متعا�ضدي���ن)‪� :‬أولهما‪ ،‬اتخاذ تداب�ي�ر انتقامية عاجلة للرد عل���ى عملية الطرود‬ ‫املفخخ���ة‪� ،‬سواء بعلم حلفائه���ا اليمنيني وال�سعوديني – ورمب���ا الباك�ستانيني �إن‬ ‫و�سعنا نطاق الفعل الأمريكي قلي ًال – �أو من دون علمهم �إذا اقت�ضى الأمر ذلك‪.‬‬ ‫خط موازٍ ‪ ،‬املُ�ضي يف �سيا�سة «ال�ضغط الناعم» على ال�سلطات يف اليمن‪ ،‬من‬ ‫ويف ٍّ‬ ‫خالل تقدمي املزيد من امل�ساعدات لها و�ضمان وجود تن�سيق �أكرب يف ا�سرتاتيجية‬ ‫مكافح���ة الإره���اب‪ ،‬بحي���ث يت�ضم���ن زي���ادة م�شاط���رة املعلوم���ات اال�ستخبارية‬ ‫وعمليات التدري���ب و�أ�شكال الدعم الفني واللوجي�ست���ي التي يقدمها الأمريكيني‬ ‫للقوات اليمنية‪.‬‬ ‫ويتمثّل ثاين خيارات وا�شنطن يف �إعطاء ال�ضوء الأخ�ضر حللفائها ال�سعوديني‪،‬‬ ‫مدفوعني برغبة �أمريكية ر�سمية �صريحة هذه املرّة‪ ،‬لت�أدية مهمة «الوكيل املُقاوِل»‬ ‫للوالي���ات املتح���دة يف مكافحة «القاع���دة» يف اليمن‪ ،‬بحيث تت���وىل الريا�ض تتبع‬ ‫م�صادر التهديدات املختلفة املرتبطة بالتنظيم هناك وتبادل امل�شورة ب�ش�أنها مع‬ ‫ضال عن حتميلها عبء متويل جزء مهم من جهود ال�شريك‬ ‫وا�شنطن �أو ًال ب�أول‪ ،‬ف� ً‬ ‫اليمن���ي يف مكافحة الإرهاب‪ ،‬وهي اجله���ود التي �سي�ستمر الأمريكيون يف دعمها‬ ‫بالتجهي���زات الالزم���ة واخلرباء واملُدرّبني‪ ،‬مبا يف ذلك متك�ي�ن ال�شريك اليمني‬ ‫م���ن ا�ستخ���دام طائرات من دون طيّ���ار لأغرا�ض قتالي���ة �إذا ا�ستدعت الظروف‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫ويف التحلي���ل الأخ�ي�ر‪ ،‬ف�إن ما ب���دا �أنها «غزوة» مل تكتم���ل لتنظيم «القاعدة يف‬ ‫جزي���رة العرب» الذي �أخ���ذ ي�ستنزف طاقات���ه ودهائه �شيئ ًا ف�شيئ���اً‪ ،‬قد �أطبقت‬ ‫���ب لي�س له���م يد في���ه‪ ،‬وما عجز‬ ‫القات���ة عل���ى اليم���ن واليمنيني ل�سب ٍ‬ ‫بظالله���ا مِ‬ ‫ال�سعودي���ون عن متريره منذ زم���ن متكنّوا – يف حلظة ميكيافيللية مواتية – من‬ ‫جعل���ه �أ�شبه بـ «حقيق���ة» م�ؤكدة ي�صغي له���ا احللفاء الأمريكي�ي�ن والغربيني بكل‬ ‫اهتم���ام‪ ،‬ويتفاعل���ون معها بكل اجل���وارح‪ .‬وغداة اال�ستعرا����ض ال�سعودي الأخري‬ ‫ب���الأوراق والق���درات يف �سوق «احلرب عل���ى الإرهاب» املزدهرة‪ ،‬ب���ات الغربيون‬ ‫الي���وم بحق يدركون م���ن هو الالعب الأك�ب�ر يف جنوب اجلزي���رة‪ ،‬حيث تتهادى‬ ‫خي���االت «القاعدة» و«الدول���ة الفا�شلة» و«املوت املُتنكِّر العابِ���ر للقارات»‪� ،‬صانع ًة‬ ‫كابو�س ًا جدي���د ًا ال يعرفون متى ي�ستيقظون من تهومياته املُزعجة (واملُربِحة) يف‬ ‫�آن‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫هوام�ش ومالحظات‬ ‫(‪ )1‬اللجن���ة الع�سكرية‪�« ،‬أ�سرار العبوة املبتكرة»‪ ،‬جملة �صدى املالحم‪ ،‬العدد‬ ‫‪� ،12‬صفر ‪ 1431‬هـ‪� ،‬ص ‪.46‬‬ ‫جن علي فقد هلك برويز»‪،‬‬ ‫(‪� )2‬أب���و هريرة ال�صنعاين‪ ،‬كلمة �صوتي���ة بعنوان «ا ُ‬ ‫م�ؤ�س�س���ة املالحم للإنتاج الإعالمي‪ 3 ،‬ذو القع���دة ‪ 1431‬هـ‪ 11 /‬ت�شرين الأول‪/‬‬ ‫�أكتوبر ‪.2010‬‬ ‫(‪ )3‬رمب���ا ال يعد من قبيل امل�صادف���ة �أن تكون اخلربة ال�سعودية هي من يقف‬ ‫وراء تط���ور ق���درات «القاع���دة يف جزي���رة الع���رب» الع�سكري���ة والعملياتية‪ .‬فـ‬ ‫«القاعدي���ون» ال�سعودي���ون راكموا خالل �سنني عدّة من العم���ل احلركي‪� ،‬سواء‬ ‫داخ���ل اململك���ة �أو خارجها‪ ،‬خربات ومهارات مهمة يف ه���ذا اجلانب‪ ،‬وقدرتهم‬ ‫عل���ى الو�صول �إىل �أ�سرار وطرق تركيب العب���وات املتفجرة تتخطى بكثري قدرة‬ ‫العنا�ص���ر اليمني���ة‪ .‬كم���ا �أن العديد منهم در�س���وا يف كليات علمي���ة وتطبيقية‪،‬‬ ‫ويتقن���ون اللغ���ة الإنكليزي���ة الت���ي ي�ستغل���ون معرفته���م بها من �أج���ل احل�صول‬ ‫عل���ى امل�صادر التي تتيح املعرف���ة ب�صناعة املتفجرات واملتوف���رة �أ�سا�س ًا باللغة‬ ‫الإنكليزية‪ .‬ثم هناك �أي�ض ًا �إمكانيات الو�صول �إىل �شبكة الإنرتنت‪ ،‬حيث تتوفر‬ ‫املرجعي���ات والأدبيات الالزم���ة ل�صنع القناب���ل‪ ،‬بو�سائل مبتك���رة ومن �أب�سط‬ ‫املكونات‪ ،‬وهو ما تر�صده اال�ستخبارات الغربية وال�سعودية با�ستمرار من خالل‬ ‫تتبع ما يدور من حوارات ومناق�شات يف املنتديات اجلهادية مثالً‪ ،‬والتي يتبادل‬ ‫املتحدثني فيها الأفكار يف تطوير و�سائل �أكرث ابتكار ًا دائم ًا لإيقاع �أكرب كمٍّ من‬ ‫اخل�سائر ب�أع���داء التنظيم‪ ،‬ال�سيما الغربيني‪ ،‬ويف مقدمته���ا القنابل والعبوات‬ ‫النا�سفة و�سواها مما ميكن التفكري فيه وا�ستخدامه م�ستقبالً‪.‬‬ ‫(‪ )4‬فعل���ى عك����س التوقّعات‪ ،‬ب�ّي�ننّ االحتاد ال���دويل للنقل اجل���وي (�أياتا) يف‬ ‫تقري���ره ال�شه���ري ع���ن النقل اجل���وي ال�ص���ادر يف ‪ 24‬ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب‬ ‫الفائ���ت‪� ،‬أن منو ال�شح���ن اجلوي الدويل ارتف���ع يف ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر بعد‬ ‫هبوطه منذ �أيار‪/‬مايو لتزيد حركة ال�شحن اجلوي ‪ 14.4‬يف املائة عن م�ستواها‬ ‫قب���ل عام‪ .‬راجع يف ه���ذا ال�صدد‪� :‬صحيفة االقت�صادي���ة ال�سعودية‪ 25 ،‬ت�شرين‬ ‫الثاين‪/‬نوفمرب ‪.2010‬‬ ‫(‪ )5‬راج���ع مث�ل�اً ‪« :‬اليمن يتح���ول �إىل ر�أ�س حرب���ة لهجم���ات «القاعدة» �ضد‬ ‫الواليات املتحدة»‪� ،‬صحيفة ال�شرق الأو�سط ال�سعودية‪ 31 ،‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر‬ ‫‪.2010‬‬ ‫(‪ )6‬انظ���ر مث�ل�اً املان�شي���ت العري�ض التايل‪« :‬خ�ب�راء �أم���ن‪ :‬ال�سعودية متلك‬ ‫مفاتي���ح هزمي���ة «القاعدة» يف اليم���ن»‪� ،‬صحيفة ال�شرق الأو�س���ط ال�سعودية‪1 ،‬‬ ‫ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.2010‬‬ ‫(‪ )7‬املفارق���ة التي تدعو لل�سخري���ة هنا‪� ،‬أن ما �أخفق فيه ال�سيا�سيني اليمنيني‬ ‫وال�سعودي�ي�ن عل���ى مدى عق���ود‪ ،‬وه���و الو�صول �إىل �ش���كل من �أ�ش���كال التناغم‬ ‫واالن�سجام يف �سيا�ساتهما ومبا يحفظ م�صالح البلدين معاً؛ جنح جمموعة من‬ ‫الإرهابي�ي�ن من مواطني البلدين يف حتقيقه ولو ب�صورة تخالف طبائع الأ�شياء‬ ‫ومقت�ضي���ات زمننا‪ .‬وهك���ذا‪ ،‬ف�إن التطلع �إىل �صيغ ٍة م���ا للتقارب ورمبا التكامل‬ ‫ب�ي�ن اليم���ن وال�سعودية‪ ،‬وهو �أمر ما يزال يُنظَ ر �إلي���ه اليوم ك�ضرب من اخليال‬ ‫يف قامو����س الواقع ال�سيا�س���ي الراهن‪ ،‬متكّن جمموعة م���ن املطلوبني اليمنيني‬ ‫وال�سعودي�ي�ن م���ن حتويل���ه �إىل «حقيقة» تنظيمي���ة م�ؤكدة جت���اوزت التعقيدات‬ ‫اجليو�سيا�سي���ة القائمة‪ ،‬عبرّ ت عنها عملي���ة «اندماج» ت�شكيالتهم القاعدية يف‬ ‫كي���ان �إقليمي واح���د‪ ،‬لتغدو ‪ -‬بدوره���ا – «كابو�ساً» �أمني ًا متط���او ًال يحاول كال‬ ‫البل���دان درء خماط���ره عنهما ب�شت���ى الط���رق‪ ،‬و�إن ت�شتت الأ�سالي���ب وتفرقت‬ ‫ال�سُّ بُل �أحياناً‪.‬‬

‫ي�صدر قريب ًا‬ ‫عن مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬

‫اليمـن‬ ‫ال�سيا�سة واملجتمع‬ ‫بحوث و�أوراق عمل امل�ؤمتر‬ ‫الذي نظمه املركز خالل الفرتة ‪� 18-17‬أيار‪/‬مايو ‪2010‬‬

‫حترير‪:‬‬ ‫�أحمد عبد الكرمي �سيف‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬ ‫العدد ‪،6‬‬ ‫‪ Relating2010‬ا�سرتاتيجية‬ ‫‪Policy‬‬ ‫‪to Knowledge‬‬

‫‪19‬‬


‫حتليالت‬ ‫اليمن والعامل‬ ‫فـي ‪ 60‬يوما عني على اليمن‬ ‫وجهات نظر‬

‫�إعـــــادة‬ ‫التفكري‬ ‫يف اليمن‬ ‫‪ME Archive‬‬

‫تو�صيات لل�سيا�سة الأمريكية‬ ‫باربرا بودين‬ ‫�إن التقاري����ر التي حتكي عن زوال اليم����ن‪� ،‬إذا ا�ستعرنا كلمات مارك توين‪،‬‬ ‫�أم����ر مبالغ فيه �إىل حد كبري‪ .‬والق����رارات وااللتزامات التي اتخذها املجتمع‬ ‫الدويل واليمنيون للع����ام املقبل‪ ،‬ومت الت�أكيد عليها يف م�ؤمتر لندن‪ ،‬و�إمكانية‬ ‫ا�ستم����رار تلك االلتزامات على امل����دى البعيد هي ما �سيحدد مدى م�صداقية‬ ‫هذه التقارير‪ ،‬وما �إذا �ستتحقق تنب�ؤاتها‪.‬‬ ‫فاليمن لي�س����ت دولة فا�شلة‪ ،‬و�إمنا ه�شّ ة‪ ،‬وتواج����ه العديد من التحديات –‬ ‫عل����ى امل�ست����وى ال�س����كاين وال�سيا�سي والأمن����ي – التي لو نزل����ت بدولة �أخرى‬ ‫لقوّ�ضت �أركانه����ا‪ .‬وهناك من ي�صفونها بالق�ضية اخلا�سرة‪ ،‬وينعتونها بب�ؤرة‬ ‫ف�ساد تبتلع امل�ساعدات‪ ،‬ويوكلون احللول �إىل دول اجلوار‪ ،‬فيما يحولها البع�ض‬ ‫�إىل “جبهة ثالثة” للحرب على الإرهاب مع �أننا مل ننت ِه بعد من اجلبهتني‬ ‫الأوليت��ي�ن يف العراق و�أفغان�ستان �أو نحقق جناح ًا ال غبار عليه هناك‪� .‬إن من‬ ‫ال�ساب����ق لأوانه الق����ول ب�أنها ق�ضية خا�س����رة؛ و�إعالنها ب�ؤرة ف�س����اد �أمر يُبالِغ‬ ‫يف حج����م وثب����ات م�ساعداتن����ا حت����ى الآن؛ وم�س�ألة توكي����ل دول اجلوار يعترب‬

‫(‬

‫)‬

‫ص��ل�ا عن امل�سئولية وهذا له انعكا�ساته؛ و�أما فتح جبهة ثالثة فهو احلماقة‬ ‫تن� ً‬ ‫بعينها‪ .‬والواليات املتحدة‪� ،‬إىل جانب ال�شركاء الدوليني‪ ،‬متتلك القدرة على‬ ‫م�ساع����دة اليمن لالبتعاد عن �شفا الكارث����ة �إذا ما رغبت يف توجيه املوارد –‬ ‫املالي����ة وال�سيا�سية – بطريقة �إ�سرتاتيجي����ة �شاملة وم�ستدامة ومن�سقة تتعلم‬ ‫الدرو�����س ال�صحيحة التي جندها يف اجلبهت��ي�ن الأوليتني‪ ،‬وتتفهم التحديات‬ ‫الت����ي تواجهها اليمن وال�سياق التاريخي ال����ذي ما زال م�ؤثراً‪ ،‬وتُقيّد االندفاع‬ ‫املتهور الرامي �إىل تطبيق مناذج خاطئة للدول اله�شة والفا�شلة‪.‬‬ ‫�إن التحديات الأ�سا�سية التي يواجهها اليمن تتمثل يف احلاجة �إىل املوارد‬ ‫الطبيعي����ة املهمة – الطاقة واملي����اه – ونق�ص �أهلية الدولة والقدرة الب�شرية‪،‬‬ ‫ولي�س انعدام الرغبة‪ .‬وال يغيب عن بال احلكومة اليمنية التهديد الذي ي�شكله‬ ‫تنظي����م القاعدة يف �شبه جزيرة العرب‪ ،‬لكن ه����ذا التهديد لي�س خطر ًا على‬ ‫اليم����ن وحدها‪ ،‬وال ميث����ل تهديد ًا م�صريي ًا (حت����ى الآن)‪ ،‬وال يعادل املخاطر‬ ‫املت�أ�صلة التي ت�شكلها املوارد الطبيعة والقدرة اليمنية‪.‬‬

‫ال�سفرية (املتقاعدة) باربرا بودين حما�ضرة ودبلوما�سية مقيمة يف كلية وودرو ويل�سون لل�ش�ؤون العامة والدولية‪ ،‬جامعة برين�ستون‪� .‬سبق لها �أن عملت �سفري ًة للواليات‬

‫املتحدة لدى اجلمهورية اليمنية خالل الفرتة ‪ .2001 – 1997‬واملقال يف الأ�صل ُن�شِ ر يف جملة ‪ ،PRISM‬ال�صادرة عن مركز العمليات املُعقدة ‪Center for Complex‬‬ ‫‪ Operations‬بوا�شنطن‪ ،‬عدد حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2010‬ال�صفحات ‪.58 – 43‬‬ ‫‪20‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫يرى فيه ال�شعب اليمني �أن وجودنا وجهودنا املبذولة يف بلدهم نابعة من كونه‬ ‫“جبه����ة �أمريكية ثالث����ة” للحرب �ضد القاعدة فح�س����ب‪ ،‬دون �أن يروا التزام ًا‬ ‫��ل�ا جت����اه اليمن و�شعبه‪ .‬وبالفع����ل توجد هناك مناه�ض����ة لأمريكا تعك�س‬ ‫مماث ً‬ ‫الإحب����اط وخيبة الأمل م����ن ال�سيا�سة الأمريكية يف اليم����ن وجتاهها – مبا يف‬ ‫ذلك م�ستوي����ات الدعم امل�ضطربة �إىل حد كبري خالل الآونة الأخرية – بقدر‬ ‫الكراهية جتاه تنفيذ العمليات الع�سكرية الأمريكية يف املنطقة‪.‬‬ ‫�إن �إ�سرتاتيجيتن����ا االقت�صادي����ة والتنموي����ة املعلن����ة تع����د وجه ًا م����ن �أوجه‬ ‫التح�س��ي�ن ولكنه����ا لي�ست ح ًال ناجع����اً‪ .‬ولكي ت�صبح ه����ذه الإ�سرتاتيجية فعالة‬ ‫ومعقول����ة يجب حت�س��ي�ن ال�صورة اخلارجي����ة لأمريكا‪ ،‬وتق����دمي الدعم املادي‬ ‫وااللتزام امل�ستم����ر جتاه تنفيذ الربامج الأمنية‪� ،‬إذ يجب �أن تعمل على تطوير‬ ‫مفاهيم احلوكمة والدولة والقدرة الب�شرية على امل�ستويني الوطني واملحلي‪.‬‬ ‫االرتب����اط الوا�س����ع وامل�ستدام ال ميكن �أن يكون ‪ -‬وال يج����ب �أن يكون ‪ -‬هو‬ ‫العم����ل الوحيد للواليات املتح����دة‪ .‬ويف الواقع تعترب الوالي����ات املتحدة متربع ًا‬ ‫�صغ��ي�ر ًا لليمن‪ .‬وم����ع ذلك علينا �أن نع����ي حمدودية وعواقب توجي����ه �سيا�ستنا‬ ‫وجهودنا �إىل عا�صمة ثالثة‪.‬‬ ‫منذ زمن طويل عندما كنت �سفرية للواليات املتحدة لدى اليمن �أتى لزيارتنا‬ ‫�أح����د كبار م�سئويل االحتاد الأوروبي‪ ،‬و�أثن����اء تناول وجبة الع�شاء مع عدد من‬ ‫�سفراء الدول ومدراء املنظمات املتربعة الكربى ت�ساءل عما �إذا كنا متفائلني‬ ‫�أم مت�شائمني �إزاء م�ستقبل اليمن‪ .‬وبعد �أن �سردنا جمموعة من الإح�صائيات‬ ‫الكئيب����ة انتهى �إىل �أننا جميعنا مت�شائمني‪� .‬إن اليمن دولة كبرية‪ ،‬رمبا بحجم‬ ‫فرن�س����ا �أو تك�سا�����س‪ ،‬وتتخلله����ا مرتفعات جبلي����ة وعرة وموح�شة‪ ،‬كم����ا �أن بها‬ ‫ه�ض����اب يف ال�شم����ال و�صحراء يف الداخ����ل‪� .‬أما عدد �سكانه����ا فيرتاوح ما بني‬ ‫‪ 20‬و‪ 25‬مليون ن�سمة‪� ،‬أي ما يعادل �أو يزيد عن �سكان باقي دول �شبه اجلزيرة‬ ‫العربي����ة جمتمع����ة‪ ،‬وتغلب في����ه كثري ًا فئ����ة ال�شباب وغري املثقف��ي�ن‪ ،‬وما زال‬ ‫ع����دد ال�سكان ينمو مبعدل مذهل‪ .‬كم����ا �أن اليمن تفتقر ملوارد طبيعية كافية‬ ‫لرعاي����ة �شعبها ومتويل �إيرادات الدول����ة وت�صدير منتجات قيّمة وذات مغزى‪.‬‬ ‫وباملثل تفتقر �إىل الأرا�ضي الزراعية واملياه ال�سطحية والبرتول‪ .‬وبالنظر �إىل‬ ‫انعكا�س����ات هذه العوام����ل كلها وتبعاتها‪ ،‬ف�����إن البُنى احلكومي����ة تواجه عجز ًا‬ ‫مالي���� ًا وتنموي ًا م����ا يجعلها غري قادرة على توفري اخلدم����ات الأ�سا�سية والبنية‬ ‫التحتي����ة لأغلبية ال�شعب‪ .‬ع��ل�اوة على ذلك‪ ،‬تعاين الدولة م����ن تف�شي الف�ساد‬ ‫على امل�ستويني املهني والتعاقدي‪ ،‬خا�صة يف �أو�ساط امل�ؤ�س�سة الع�سكرية‪.‬‬ ‫ي�ضاف �إىل هذه امل�شاكل املزمنة ثالثة حتديات �أمنية خطرية‪ ،‬وهي‪ :‬التمرد‬ ‫احلوث����ي يف ال�شم����ال‪ ،‬واحل����راك يف اجلنوب‪ ،‬وتنظي����م القاع����دة‪ ،‬ولكل منها‬ ‫ما�ضي يعود �إىل عقود من الزمان؛ وهذا ما يجعل احلكومة اليمنية تبدو دولة‬ ‫فا�شل����ة رغم �أنه����ا لي�ست كذلك‪ .‬وق����د كان ردنا مل�سئول االحت����اد الأوروبي �أنه‬ ‫بالرغم من وجود الت�شا�ؤم لكن ال وجود للجربية يف قامو�سنا ال�سيا�سي‪.‬‬

‫�إن املقارب����ة الت����ي تركز على الأمن لن تكون كافي����ة �أو ناجحة للتعاطي مع‬ ‫م�صاحلنا الأمنية املبا�ش����رة �أو مع التحديات التي تواجه ا�ستقرار اليمن على‬ ‫املدى املتو�سط والطويل‪ .‬فاجله����ود املبذولة على امل�ستوى الأمني التي ال تتجه‬ ‫ناحية حتقيق اال�ستقرار املبني على ال�شرعية تتجاهل الدر�س الأ�سا�سي الذي‬ ‫تعلمناه يف العراق و�أفغان�ستان‪.‬‬ ‫الب����د �أن تعي ال�شراكة م����ع اليمن حلرمان “القاع����دة يف جزيرة العرب”‬ ‫م����ن احل�صول على مالذ �آمن على الأرا�ض����ي اليمنية و�ش ّل قدرتها على العمل‬ ‫بح�صان����ة �ضد امل�صال����ح اليمنية �أو الدولية‪� ،‬أن اليم����ن تواجه حتديني �أمنيني‬ ‫متناظري����ن �إن مل يكونا �أكرب م����ن التحديات املذكورة �آنف����اً‪ ،‬وهما‪ :‬التمرد يف‬ ‫ال�شمال واحلراك االنف�صايل املتوا�صل يف اجلنوب‪.‬‬ ‫�إن الداف����ع وراء املخاط����ر يف ال�شمال واجلنوب اقت�ص����ادي �أكرث من كونه‬ ‫�أيديولوج����ي‪ .‬وال ميك����ن حل تلك الإ�ش����كاالت ع�سكرياً؛ فه����ي تتطلب �أكرث من‬ ‫لكل دولة فا�شلة‬ ‫ال����رد “الإن�س����اين” �أو ترتيبات تقا�س����م ال�سلطة‪ .‬و�أف�ضل ال�سُ ب����ل للتعاطي مع مناذج ب�س��يطة وحلول ُمبَ�سّ ��طة‬ ‫تل����ك املخاط����ر يت�أتّى من خالل ترك جه����ود الو�ساطة ل�ش����ركاء �إقليميني لي�س طريقتها اخلا�صة يف الف�شل‪ .‬وهناك مناذج ب�سيطة ن�ستمدها من دول �أخرى‪،‬‬ ‫له����م �أجندة مبا�ش����رة يف البلد �أو تاريخ ت�شوبه الإخفاق����ات‪ ،‬ومن �أمثال �أولئك ومنها ن�صل �إىل حلول ُمبَ�سَّ طة‪:‬‬ ‫ال�شركاء دولة الإمارات العربية املتحدة‪.‬‬ ‫العراق‪ :‬تغيب يف اليمن اخلالفات الطائفية التي جندها يف العراق والتي‬ ‫�سوف تزيد ن�سبة االمتعا�ض �إزاء الواليات املتحدة وحلفائها بالقدر الذي �أدت �إىل تدم��ي�ره‪ ،‬حي����ث �أن اليمنيني لي�سوا �سنيني وال �شيعة وال وهابيني؛ ففي‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪21‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫ال�شم����ال جند الزيدية‪ ،‬وهي طائفة م����ن ال�شيعة �أقرب يف معتقداتها الدينية‬ ‫�إىل �أه����ل ال�سنة الأوائل �أكرث منه����ا �إىل ال�شيعة الأوائل‪� .‬أما يف جنوب اليمن‪،‬‬ ‫ابتدا ًء من �إب وتعز من جهة اجلنوب‪ ،‬فنجد ال�شافعية‪ ،‬وهي طائفة من �أهل‬ ‫ال�سنة لهم خ�صائ�ص �أقرب �إىل ال�شيعة‪ .‬وعلى العك�س مما هو عليه احلال يف‬ ‫كثري من باقي دول العامل العربي‪ ،‬جند �أن املذهب الزيدي هو املذهب ال�سائد‬ ‫يف اليم����ن �سيا�سي ًا وفكري���� ًا منذ عهد �آخر الأئمة حت����ى الدولة احلالية‪ .‬ومن‬ ‫اخلط�����أ �أن ننظ����ر �إىل العنف احلوثي يف ال�شمال فقط م����ن املنظور الطائفي‬ ‫�أو التفاع����ل معه وك�أنه حرب وكال����ة �سعودية ‪� -‬إيرانية‪ .‬ومع �أن هذا االحتمال‬ ‫قائم‪ ،‬لكنه لي�س بالق�ضية الو�شيكة وال بالنتيجة احلتمية‪ .‬وعلى نف�س املنوال‪،‬‬ ‫�سيك����ون ت�شويه ًا وحتريف ًا للحقيق����ة �إذا نظرنا �إىل التوت����رات االنف�صالية يف‬

‫للبح����ث ع����ن �شريك من “�أبناء اليمن”‪ ،‬حيث �أن هناك الكثري من املرونة يف‬ ‫املجتم����ع �أكرث مما قد يوحي لنا اللفظ “قبلي”‪ ،‬وتوجد م�شاركة تقليدية �إىل‬ ‫حد بعيد ولكنها فعّالة وتت�صف بامل�سئولية‪.‬‬ ‫وتعت��ب�ر اليم����ن �أك��ث�ر تط����ور ًا �سيا�سي���� ًا من ه����ذه ال����دول الث��ل�اث (العراق‬ ‫و�أفغان�ست����ان وال�صومال)‪ .‬كما �أن الكوجنر�س الأمريكي‪ ،‬والإدارة الأمريكية‬ ‫ال�سابقة واحلالية‪ ،‬واملنظمات الكربى الداعمة للدميقراطية تعترب �أن اليمن‬ ‫دميقراطية نا�شئة‪ .‬ويف ظل جتربة ‪� 20‬سنة من االنتخابات‪ ،‬التي تت�سم �إىل حد‬ ‫معق����ول باحلرية والنزاهة و�شدة املناف�سة‪ ،‬مبا يف ذلك االنتخابات الرئا�سية‬ ‫الأخ��ي�رة‪ ،‬والتعددي����ة احلزبية وح����ق االنتخاب العامل����ي لكافة �أبن����اء ال�شعب‬ ‫ووجود جمتمع مدين قوي‪ ،‬ف�إنه ميكن القول �إن التجربة الدميقراطية لليمن‬ ‫تعد ه�شة وال تخلو من العيوب‪ ،‬لكنها يف نف�س الوقت دميقراطية‬ ‫حقيقية‪ ،‬والأهم من هذا �إنها بالفطرة‪.‬‬

‫م�سائل تاريخية‪� :‬أر�ض قابيل وهابيل‬

‫‪ME Archive‬‬

‫عندم����ا كن����ت �أعم����ل يف العراق �سن����ة ‪ 2003‬ق����ال يل �أحد كبار‬ ‫امل�سئول��ي�ن الأمريكي��ي�ن‪ ،‬بعد �أن حاولت �إقح����ام قليل من التاريخ‬ ‫العراق����ي يف النقا�ش‪� ،‬إننا “�أذكى م����ن التاريخ”‪ .‬واحلقيقة �أننا‬ ‫��ل�ا للتحليل غ��ي�ر �أن ال�سيا�سة‬ ‫ل�سن����ا كذل����ك‪ ،‬والتاريخ لي�����س بدي ً‬ ‫الت����ي يغيب عنها فهم التاريخ ي�شوبها اخلط�أ �إىل درجة خطرية‪،‬‬ ‫وتزداد خط����ورة ذلك الغياب �إذا ما كان يف جمتمع معقد وعتيق‬ ‫كاملجتمع اليمني‪.‬‬ ‫وم����ع �أن م�س�أل����ة حدوده����ا الدولية م����ع ال�سعودية ق����د حُ �سمت‬ ‫�أخ��ي�ر ًا منذ ع�شر �سن����وات �إال �أن اليمن ال تعت��ب�ر كيان ًا م�صطنع ًا‬ ‫خ ّلف����ه العه����د اال�ستعم����اري‪ ،‬فما�ضيه����ا ميت����د �إىل �آالف ال�سنني‬ ‫ولي�����س جمرد عق����ود �أو قرون من الزم����ان‪ ،‬ولها‬ ‫علينا �أن ندرك �إننا نتعامل مع دولة ذات �س��يادة ولي�س دولة فا�ش��لة‪ ،‬بل �إنها تاري����خ مهم ويبعث على الفخر يع����ود �إىل ما قبل‬ ‫دول��ة قد �أثبتت �أنها �ش��ريك مقبول �إن مل يكن ق��ادر ًا على الدوام‪ .‬لذا علينا الإ�سالم‪ ،‬فهي �أر�ض ملكة �سب�أ والرجال احلكماء‬ ‫العم��ل م��ع احلكومة كاملة و�أن ال ننتظر يوم ًا معين ًا �أو حتقيق ب�ض��عة معايري الثالث����ة وعدد من املمال����ك اليهودية‪ ،‬وهي �أي�ض ًا‬ ‫دون تقدمي امل�ساعدة والدعم الذي حتتاجه تلك الدولة لبلوغ تلك املعايري – كم����ا يقول البع�ض – الأر�ض التي دفن فيها‬ ‫قابيل وهابيل‪.‬‬ ‫كم����ا �أن ميناء عدن له مكان����ة كبرية ملا يقارب‬ ‫اجلنوب على �أنها معركة زيدية ‪� -‬شافعية‪.‬‬ ‫نف�س الفرتة‪ ،‬وهناك دليل عل����ى الوجود الروماين لفرتة وجيزة وغري مثمرة‬ ‫�أفغان�س��تان‪ :‬تغيب يف اليم����ن الفوارق العرقية‪/‬اللغوي����ة التي تت�صف بها بق����رب امليناء‪ ،‬وكونها كانت متثل �إح����دى اجلواهر يف التاج الربيطاين‪ ،‬فقد‬ ‫�أفغان�ستان والعراق‪ .‬فبالرغم من االختالفات الإقليمية والتجارب ال�سيا�سية عمل����ت كمحط����ة كبرية لتزوي����د ال�سفن بالفح����م لأكرث من ق����رن‪� .‬أما اجلزء‬ ‫الفريدة – كما هو مو�ضح �أدناه – �إال �أن هناك ح�س ًا قوي ًا جتاه الهوية اليمنية ال�شرق����ي م����ن البالد‪ ،‬خا�صة ح�ضرم����وت‪ ،‬فقد كانت حممي����ة فقط‪ ،‬وانتهت‬ ‫والتقالي����د الت�ضامنية‪ .‬وعلى النقي�ض م����ن املزاعم التقليدية اجلديدة‪ ،‬جند املحاوالت العثمانية لل�سيطرة على ال�شمال بعد تكرر ف�شلها‪.‬‬ ‫�أن �سلطة الدولة متتد �إىل ما بعد العا�صمة‪.‬‬ ‫و�أ�صب����ح علي عب����د اهلل �صالح رئي�س ًا ل�شم����ال اليم����ن (اجلمهورية العربية‬ ‫ال�ص��ومال‪ :‬تغي����ب يف اليم����ن ثقاف����ة العن����ف الع�شائ����ري ال����ذي جنده يف اليمني����ة) ع����ام ‪ 1978‬بعد اغتيال الرئي�س��ي�ن ال�سابقني‪� ،‬أحدهم����ا على �أيدي‬ ‫ال�صومال‪� ،‬أو لدى جتار احلروب يف �أفغان�ستان‪ .‬وعادة ما يو�صف اليمن ب�أنه عنا�ص����ر من اجلنوب والآخ����ر على �أيدي عنا�صر من دول����ة �أخرى‪ ،‬وذلك يف‬ ‫جمتمع قبلي؛ لكن ال ينبغي �أن نفهم �أن هذه القبائل عبارة عن هياكل هرمية غ�ضون ت�سعة �أ�شهر (لقد اغتيل رئي�س اليمن اجلنوبي يف نف�س الفرتة الزمنية‬ ‫له����ا �سلط����ة قيادية قوي����ة �أكرث من �أنها ُبن����ى �أ�سرية تربطها عالق����ات �أفقية‪ .‬م����ن قبل مناف�سه املت�ش����دد امل�سئول عن مقتل الرئي�����س ال�سابق لعلي عبد اهلل‬ ‫�أي�ض���� ًا ال نن�س �أن توايل حقبة اال�ستعمار الربيطاين وفرتة ‪� 25‬سنة من النهج �صال����ح)‪ .‬وبعد ثماني����ة �أ�شهر‪� ،‬أي يف مطلع ‪ ،1979‬ق����ام اجلنوب مدعوم ًا من‬ ‫املارك�س����ي‪ ،‬قد ق�ضت على البني����ة القبلية يف اجلنوب‪ .‬ف��ل�ا ينبغي �أن نذهب ال�سوفي����ت وحلفائها‪ ،‬من �ضمنهم كوبا‪ ،‬بغزو �شم����ال اليمن‪ ،‬وهو ما �أدى �إىل‬ ‫‪22‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫قي����ام خط جوي للتموين الع�سكري الأمريكي املكثف �إىل ال�شمال والدعم من‬ ‫قب����ل عدد كبري من الدول العربي����ة‪ ،‬ومنها م�صر والأردن وال�سعودية‪ .‬وخالل‬ ‫الفرتة من ‪ 1976‬حتى ‪ 1978‬كان اجلنوب �أي�ض ًا يدعم مترد ًا يف ال�شمال‪ .‬وما‬ ‫ورث����ه عل����ي عبد اهلل �صالح عام ‪ 1978‬ونا�ضل من �أجل����ه حتى الثمانينيات هو‬ ‫قيام دولة كانت متتد ب�شكل �أ�سا�سي على طول الطرق التي تربط �صنعاء وتعز‬ ‫واحلدي����دة‪ ،‬وكانت تعتمد اقت�صادي ًا على التحويالت املالية التي كان ير�سلها‬ ‫�أكرث من مليون عامل ميني يف املهجر‪ .‬وكانت احلدود اجلنوبية مع جمهورية‬ ‫اليمن الدميقراطية ال�شعبية مُتق ّلب����ة‪� ،‬أما احلدود مع ال�سعودية املمتدة على‬ ‫طول ‪ 2000‬ميل فقد كان عليها تناف�س وظلت دون تر�سيم‪.‬‬ ‫وما يزيد حتديات التواريخ ال�سيا�سية تعقيد ًا �أن الوحدة اليمنية عام ‪1990‬‬ ‫– التي هي من مبادئ الإميان وتو�صل �إليها قادة ال�شطرين عن طريق احلوار‬ ‫– مل تكن بني طرفني متكافئني‪ .‬فقد كان �سكان اليمن ال�شمايل‪ ،‬الذي عانى‬ ‫م����ن الفقر والتخلف‪ ،‬ي�صل �إىل حوايل ‪ 15‬ملي����ون ن�سمة مقابل مليوين ن�سمة‬ ‫يف اجلن����وب‪ .‬وبتخل����ي راعيه����ا واملح�سن �إليه����ا – االحت����اد ال�سوفيتي – فقد‬ ‫تده����ورت حالة دول����ة اجلنوب كميناء كب��ي�ر نظر ًا لإغالق قن����اة ال�سوي�س يف‬ ‫‪ ،1967‬وتُركت بنيتها الربيطاني����ة تنهار‪ ،‬وازداد عدد موظفيها �إىل ‪300.000‬‬ ‫قُبي����ل الوح����دة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬كانت دولة منب����وذة دولي ًا يف ظل ت�صنيفها‬ ‫الر�سمي واعتبارها الدولة الأوىل الداعمة للإرهاب الدويل والذي �أعتمد �إىل‬ ‫حد كبري على �شبكة من املع�سكرات التدريبية للجماعات الإرهابية املارك�سية‬ ‫ذات اللغ����ة املعق����دة‪ .‬وكانت الوحدة تعني زيادة الأر�����ض �إىل ما يقارب ثالثة‬ ‫�أ�ضع����اف‪ ،‬لك����ن اجلنوب جلب �إىل الوح����دة فوائد قليلة و�أعب����اء ديون كثرية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل توقعات كبرية‪.‬‬ ‫وتعت��ب�ر الوحدة اليمني����ة �أكرث من جم����رد التحام بني اجلمهوري����ة العربية‬ ‫اليمني����ة املعادية للنظام امللكي وبني جمهورية اليم����ن الدميقراطية ال�شعبية‬ ‫املارك�سي����ة اللينيني����ة البائدة لتخل����ق اجلمهورية اليمنية‪ ،‬ب����ل هي عبارة عن‬ ‫وحدة ما ال يقل عن ثالث ثقافات �سيا�سية متميزة وذكريات تاريخية‪.‬‬ ‫�أوالً‪ ،‬كانت الت�ضاري�س الوعرة يف اليمن ال�شمايل تخ�ضع حلكم ديني زيدي‬ ‫وراث����ي منغلق ع����ن العامل اخلارجي حتى ثورة اجلمهوري��ي�ن عام ‪ ،1962‬وهي‬ ‫املناط����ق املرتفع����ة واله�ضاب الت����ي يعي�ش فيه����ا �أغلبية النا�س عل����ى الزراعة‬ ‫يف ق����رى �صغرية متباع����دة‪ .‬وقد ت�شوه����ت بداية تاريخ اجلمهوري����ة بعمليات‬ ‫االغتي����االت و�أح����داث التم����رد املارك�سي وحماوالت االنق��ل�اب والغزو – وكل‬ ‫ذل����ك كان ب�سبب الدول املجاورة‪ ،‬حي����ث كانت ال�سعودية تدعم امللكيني بينما‬ ‫�ساندت م�صر اجلمهوريني‪ .‬وتعت��ب�ر الثورة هي اللحظة احلا�سمة يف التاريخ‬ ‫اليمني احلديث‪.‬‬ ‫ثاني����اً‪ ،‬ولكونه����ا م�ستعمر ًة بريطاني����ة وعا�صم ًة لليمن اجلنوب����ي املارك�سي‪،‬‬ ‫كانت ع����دن مدينة حديثة ن�سبي���� ًا وتزدحم بال�سكان وكان����ت تخ�ضع مبا�شرة‬ ‫حلك����م بريطاني����ا لأكرث من مائ����ة عام‪ .‬ويق����ع ميناء عدن‪ ،‬ال����ذي يعترب �أحد‬ ‫�أف�ضل املوانئ الطبيعية يف العامل‪ ،‬على جانبي باب املندب عند مدخل البحر‬ ‫الأحم����ر‪ ،‬ويبعد عن �سنغاف����ورة ودربني وم�ضيق جبل ط����ارق ب�شكل مت�ساوي‪.‬‬ ‫وظل ميناء عدن حتى فرتة طويلة يف القرن الع�شرين من بني املواين الع�شرة‬ ‫الأك��ث�ر ازدحام ًا يف العامل‪ .‬لكن بحلول ‪� 1990‬أ�صب����ح من ال�صعب املبالغة يف‬ ‫الثناء ب�ش�أن �أهمية امليناء‪.‬‬ ‫ثالث����اً‪ ،‬كان����ت هناك ح����وايل ‪� 23‬سلطنة و�إم����ارة تقع �إىل ال�ش����رق من ميناء‬

‫عدن وخ�ضعت للو�صاية الربيطانية خالل فرتة الثمانينيات والت�سعينيات من‬ ‫القرن التا�سع ع�شر وحتى فرتة ال�ستينيات من القرن الع�شرين‪ .‬ولأنها كانت‬ ‫قليلة االزدح����ام بال�سكان وتتب����ع �سيا�سة تقليدية وحمافظ����ة اجتماعياً‪ ،‬فقد‬ ‫�سُ مِ����ح لها �إىل درجة كبرية باحلكم الذاتي حت����ت ال�سيطرة الربيطانية‪ ،‬ومل‬ ‫تكن على وفاق مع عدن يف الأحداث التي قادت �إىل اال�ستقالل عام ‪ 1967‬وما‬ ‫بع����ده‪ .‬وظلت هن����اك بع�ض ال�ضغائن بني �أبناء الأ�س����ر التي حكمت املحميات‬ ‫ومن تبقّ����ى من املخلوعني من احلكومة املارك�سي����ة التي انتهت بحرب �صيف‬ ‫‪ 1994‬الأهلية‪ ،‬وهي احلرب التي تُلقي بظاللها على البالد اليوم‪.‬‬ ‫يف ظل االنعزال الذاتي‬ ‫الواليات املتحدة واليمن‬ ‫للنظام الإمامي وال�سيطرة الربيطانية على عدن‪ ،‬جتاهلت الواليات املتحدة‬ ‫�شط����ري اليمن نظر ًا لتاريخهما احلديث با�ستثناء �أحد املجاالت املهمة‪ ،‬وهو‬ ‫برنامج املنح الدرا�سية الأمريكي يف �أواخر الأربعينيات واخلم�سينيات‪ ،‬حيث‬ ‫قدم����ت منحة لأربعني �شخ�����ص‪ ،‬معظمهم من الزي����ود‪ ،‬للدرا�سة يف الواليات‬ ‫املتح����دة‪ .‬وقد عادوا جميع ًا تقريب ًا �إىل اليم����ن ولكنهم مل يجربوا حظهم مع‬ ‫امللكي��ي�ن و�إمنا عمل����وا ل�صالح بلدهم ك�أخ�صائيني تقني��ي�ن ووزراء حكوميني‪،‬‬ ‫وكان����وا عن�صر ًا �أ�سا�سي ًا للث����ورة ال�سيا�سية يف اليمن خ��ل�ال اخلم�سني ال�سنة‬ ‫التي تلت‪ ،‬وهي الثورة الت����ي توارثتها الأجيال املتعاقبة‪ .‬وقد اعرتف الرئي�س‬ ‫ج����ون �إف‪ .‬كيني����دي بالنظام اجلمه����وري يف ال�شمال ع����ام ‪ 1962‬بعد حوايل‬ ‫ثالثة �أ�شهر من الثورة رغم رف�ض الربيطانيني والفرن�سيني وال�سعوديني‪ .‬ومع‬ ‫انهيار االحتاد ال�سوفيتي و�أحداث ميدان تينامنن يف ال�صني وحتقيق الوحدة‬ ‫الأملانية‪ ،‬وجمموعة من الأحداث الأخرى عامي ‪ 1989‬و‪ ،1990‬بالكاد الحظت‬ ‫الوالي����ات املتحدة الوحدة الهادئة بني �شطري اليمن‪ ،‬لكنها دعمتها فيما بعد‬ ‫بق����وة وعالنية �ضد املكايد التي حاكتها الدول املجاورة خالل احلرب الأهلية‬ ‫الق�صرية عام ‪.1994‬‬ ‫ومنذ �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب نظرت الواليات املتحدة �إىل‬ ‫اليم����ن على �أنه �شريك بنّ����اء �ضد الإرهاب‪ ،‬وقد �أعط����ى رئي�س هيئة الأركان‬ ‫امل�شرتك����ة الأدم��ي�رال مايكل مولن وغ��ي�ره اليمن عالم����ات اال�ستح�سان‪� .‬أما‬ ‫الكبوة التي حدثت يف منت�صف عام ‪ 2000‬املق�صود تفجري املدمرة الأمريكية‬ ‫“كول” يف ميناء عدن (املحرر) فمرجعها �إىل حد ما التقاع�س الأمريكي‬ ‫يف الرتكي����ز بعد غزو الع����راق‪ ،‬وكذلك نتيجة ملا حدث داخل اليمن نف�سها مع‬ ‫بداي����ات التم����رد احلوثي يف ‪ ،2004‬وتدف����ق الكثري من عنا�ص����ر القاعدة �إىل‬ ‫اليم����ن بعد ت�ضييق اخلناق عليهم من قبل الريا�ض رد ًا على �سل�سلة الأحداث‬ ‫الإرهابية يف اململكة‪.‬‬ ‫كم����ا تزامن الدع����م اليمني للعراق �أثن����اء احلرب الإيراني����ة العراقية‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذل����ك املقاتلني اليمنيني يف اخلطوط الأمامي����ة واملجاهدين اليمنيني �ضد‬ ‫ال�سوفي����ت يف �أفغان�ست����ان (وع����دد منهم جاء م����ن اجلنوب)‪ ،‬م����ع �سيا�سات‬ ‫�أمريكية و�إقليمية �آن����ذاك‪ ،‬ف�أ�صبح ذلك الدعم مبثابة عوائق �أمام العالقات‬ ‫فقط �إذا ما �أعدنا النظر �إىل �أحداث املا�ضي‪.‬‬ ‫ووراء ذلك برزت اليمن كالعب ثاين يف احلرب الباردة الأ�شمل وال�سيا�سات‬ ‫الإقليمي����ة‪� .‬أما م�صر فق����د اتخذت موقف املقاتل �ض����د ال�سعودية ب�ش�أن ثورة‬ ‫اجلمهوريني‪ ،‬لكن امل�صريني ان�سحبوا عام ‪ 1967‬عقب هزميتهم يف حربهم مع‬ ‫�إ�سرائي����ل (ويف تلك املرحلة كان اجلمهوريون قد تغلبوا فعلي ًا على امللكيني)‪.‬‬ ‫وق����د عك�س تدخل اليم����ن اجلنوبي يف ال�شمال التوت����رات امل�صاحبة للخالف‬

‫)‬

‫(‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪23‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫‪24‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫املي��اه‪ :‬هن����اك تقارير تتداول منذ عقود من الزم����ان �أن املياه اجلوفية يف‬ ‫اليم����ن‪� ،‬أو على الأقل يف حو�ض �صنعاء‪ ،‬على و�شك الن�ضوب‪ ،‬و�سيتحقق ذلك‬ ‫يوم ًا م����ا‪ ،‬ولكن ال �أحد يدري متى بال�ضبط‪ ،‬فالطلب على املياه يتجاوز كثري ًا‬ ‫ق����درة الأمطار املو�سمي����ة يف �أن تعو�ض املياه امل�ستهلك����ة‪ ،‬كما �أن و�سائل الري‬ ‫العتيق����ة والوقود املدعوم للم�ضخ����ات يزيد من تفاقم امل�شكل����ة‪� .‬أي�ض ًا تواجه‬ ‫خمططات حتلي����ة املياه عراقي����ل التكاليف الباهظة لنقل املي����اه يف الأنابيب‬ ‫ع��ب�ر ال�سال�سل اجلبلية العديدة �إىل املناطق ال�سكانية والزراعية التي ترتفع‬ ‫ح����وايل ‪� 4.000‬إىل ‪ 8.000‬قدم ف����وق �سطح البحر‪ .‬ومقرتح����ات البع�ض بنقل‬ ‫ال�شع����ب اليمن����ي قاطب����ة �إىل املناطق ال�ساحلية غ��ي�ر قابلة للنقا�����ش هنا‪� ،‬إذ‬ ‫�أن التكالي����ف املالية واالرت����دادات االجتماعية وال�سيا�سي����ة ملثل هذه اخلطوة‬ ‫�ستكون كارثية‪.‬‬ ‫وم����ن املمكن تخفيف ال�ضغط على املوارد املائية عن طريق رفع الدعم عن‬ ‫الوقود‪ ،‬لكن اجلهود املتكررة خالل اخلم�سة ع�شر عام ًا املا�ضية قوبلت بردة‬ ‫فعل عامة قوية وعنيفة �أحياناً‪ ،‬وكذلك مبعار�ضة فعالة من قبل �أولئك الذين‬ ‫ي�ستفيدون – وبع�ضهم بطريقة غري �شرعية – من ا�سترياد الوقود‪ .‬و�سي�سمح‬ ‫الري املح�س����ن بتوفري بع�ض املياه لكنه لن ي�ؤجل الي����وم املحتوم‪ .‬واملناق�شات‬ ‫التي ت����دور حول ا�ستبدال حم�صول القات(*) تت�ص����ف ب�أنها وعظية �أكرث من‬ ‫كونها ح�سابات مدرو�سة لكمية املياه التي يتطلبها املح�صول اجلديد �أو اخللل‬ ‫االقت�صادي املحتمل الذي قد ي�سببه ا�ستئ�صال القات بطريقة خاطئة‪.‬‬ ‫الطاق��ة‪ :‬ال ت�ش����ارك اليمن جريانه����ا بنعم النفط �أو الغ����از التي يتمتعون‬ ‫به����ا‪ ،‬فلي�س لديها �س����وى ما هو يف طريقه �إىل التناق�ص ويقع يف مناطق نائية‬ ‫و�صعب����ة الو�صول‪� ،‬أو ما قد ي�ستهلكه الطل����ب املحلي املتزايد‪ .‬و�إذا نظرنا �إىل‬ ‫ذلك من املنظور املنطقي‪ ،‬ف�إن احتياطي اليمن من النفط يقدر بثالثة مليار‬ ‫برمي����ل‪ ،‬وهو ما يع����ادل تقريب ًا ن�صف ما لدى عمان‪ ،‬م����ع �أن ال�شعب العماين‬

‫ال ي�س����اوي �س����وى عُ �شر ال�شع����ب اليمني‪� .‬أما الع����راق‪ ،‬التي به����ا نف�س الكثافة‬ ‫ضال عن املياه‬ ‫ال�سكاني����ة‪ ،‬فتمتلك ما يقارب ‪ 115‬مليار برميل م����ن النفط‪ ،‬ف� ً‬ ‫والأر�����ض ال�صاحلة للزراعة‪ .‬ومع ذلك ف�إن قطاع النفط يف اليمن يوفر ‪%90‬‬ ‫من �إي����رادات الت�صدير و‪ %75‬من �إيرادات الدول����ة‪ .‬ويقدر البنك الدويل �أن‬ ‫�إيرادات الدولة من النفط والغاز �ستنخف�ض �إىل درجة ال�صفر بحلول ‪،2017‬‬ ‫غري �أن اللحظة احلا�سمة �ستحل قريباً‪ .‬كما �أن �إيرادات �شركة النفط والغاز‬ ‫الطبيع����ي اليمني����ة لن تعو�ض العجز ال����ذي �سي�سببه االنخفا�����ض الو�شيك يف‬ ‫�ص����ادرات النفط‪� .‬صحيح �أن اليمن قد �أعربت ع����ن رغبتها يف �إنتاج الطاقة‬ ‫النووية لكن تكاليف الإن�ش����اء‪ ،‬واملخاوف الأمنية‪ ،‬واحلاجة �إىل نظام توزيع‪،‬‬ ‫ال جتعل ذلك اخليار ممكن ًا يف امل�ستقبل القريب‪.‬‬ ‫ال�س��كان‪ :‬اليمن لديه����ا �أحد �أعل����ى معدالت النم����و ال�سكاين‬ ‫يف الع����امل‪ .‬ومب����ا �أن معظم ال�س����كان هم من الفئ����ة العمرية دون‬ ‫�س����ن اخلام�سة ع�ش����ر‪ ،‬وهناك �سن زواج مبك����ر‪ ،‬ومعدل خ�صوبة‬ ‫�إجنابية ترتاوح بني ‪ 6.7‬و‪ ،7.2‬فمن املحتمل حدوث ارتفاع �صاعق‬ ‫يف ن�سبة املواليد‪� .‬أي�ض ًا فقد تعرقل برنامج تنظيم احلمل املدعوم‬ ‫من قبل الدولة ورج����ال الدين يف �أواخر الت�سعينيات وما بعدها‪،‬‬ ‫وذل����ك نتيجة لعدم توف����ر �شبكة توزيع جيدة وعي����ادات طبية يف‬ ‫الري����ف‪ ،‬ولي�س نتيجة لأي معار�ضة ثقافية �أو دينية‪ .‬ومبا �أن هذا‬ ‫امل�سار يزداد انحدار ًا ف�����إن ال�ضغوط على املوارد املائية والطاقة‬ ‫�ستزداد يف حني �ستنخف�ض تلك املوارد‪.‬‬ ‫والأده����ى من ذلك �أن ال�شعب غري مثق����ف �إىل حد كبري‪ ،‬حيث‬ ‫ال يرت����اد املدار�س االبتدائية �سوى �أقل من ن�صف الفتيات‪ ،‬ورمبا‬ ‫‪ %15‬منه����ن يذهنب �إىل املدار�س الثانوي����ة‪ .‬كما تبلغ ن�سبة الأمية‬ ‫يف �أو�س����اط الذك����ور فوق �س����ن اخلام�سة ع�شرة م����ا ن�سبته ‪.%70‬‬ ‫وم����رة �أخ����رى‪ ،‬جند هنا �أن م����ا يعيق تعلي����م الفتاة �أكرث‬ ‫لي�����س الثقافة والعادات والدين ولك����ن عدم القدرة على طاملا ا ُت ِهم اليمنيون بتبنيهم �سيا�سة الع�شوائية يف حتقيق �أهدافهم‪ ،‬وهناك‬ ‫احل�ص����ول عليه‪ .‬و�أحيان ًا يكمن احلل بب�ساطة يف �إ�ضافة بع�ض امل�ص��داقية يف ذلك‪ .‬فالتاريخ اليمني خالل اخلم�س�ين �س��نة املا�ض��ية‬ ‫حم����ام يف مدر�س����ة �أو حف����ر بئر يف قرية حت����ى ال حتتاج يت�ص��ف بالتدخالت اخلارجية واخلالفات الداخلية والفقر‪ ،‬لكن اليمن مل‬ ‫الفتي����ات �إىل ق�ضاء الي����وم يف جلب املياه م����ن م�سافات يتجاوز ذلك فح�سب بل �أي�ض ًا تطور �أ�ضعاف ما كان عليه و�أ�ستطاع جتنب �أي‬ ‫تدخل ع�سكري مبا�شر وتفادي التدهور االقت�صادي �أو الوقوع يف جماعة‬ ‫بعيدة‪.‬‬ ‫ويعد م�ستوى التعليم املتدين عائق ًا كبري ًا �أمام التنمية‬ ‫يف الب��ل�اد‪ ،‬خا�صة و�أن هناك قل����ة يف املدار�س املتباعدة‪،‬‬ ‫وللأ�س����ف بد�أ ذل����ك االلتزام والتقدم يهت����زان خالل الآون����ة الأخرية رغم‬ ‫ويت����م ا�ست��ي�راد مدر�س��ي�ن ليقوم����وا مبهن����ة التدري�����س �إىل جان����ب املدر�سني‬ ‫اليمني��ي�ن‪ ،‬يف ظل وجود ن�سبة عالية من العاطل��ي�ن اليمنيني عن العمل‪ .‬لهذا االنتخاب����ات الرئا�سي����ة �شديدة التناف�س ع����ام ‪ .2006‬وه����ذا االهتزاز يعك�س‬ ‫جن����د �آفاق اال�ستثمار اخلارج����ي مُعتم ًة نتيجة للقوة العامل����ة التي تفتقر �إىل وج����ود عدد من العوامل املجتمعة‪ ،‬وهي‪ :‬ت�ضييق دائ����رة امل�ست�شارين‪ ،‬وزيادة‬ ‫عدد املقربني الفا�سدي����ن يف القوات الع�سكرية‪ ،‬وعدم قدرة الدولة املتزايدة‬ ‫املهارات والقدرات ال�ضرورية‪.‬‬ ‫البني��ة ال�سيا�س��ية‪ :‬بالرغ����م من النظري����ات التقليدية لعل����م ال�سيا�سة عل����ى توفري اخلدمات الأ�سا�سي����ة‪ ،‬وتوجيه الرتكيز ال�سيا�س����ي وموارد الدولة‬ ‫ف�إن اليم����ن قد �أوجد بنية �سيا�سية تت�سم باله�شا�ش����ة والنق�ص‪ ،‬ولكنها �أي�ض ًا نح����و املخ����اوف الأمنية يف ال�شمال واجلن����وب‪ .‬لكن مع هذا‪ ،‬م����ا زالت القيم‬ ‫بنية �سيا�سية حقيقي����ة وعملية تعك�س ال�شخ�صية والتقاليد اليمنية املتحررة‪ .‬اجلوهرية والتطلعات موجودة �إىل جانب البنى التقليدية التي تعزز العمليات‬ ‫ويج����ب �أن تك����ون �أوجه النق�ص تل����ك هي م�صب تركيز الإعان����ة والدعم بد ًال الدميقراطي����ة‪ ،‬وطاملا هناك تناف�س ممكن على املن�صب يف مين ما بعد علي‬ ‫م����ن �أن تكون عذر ًا لالن�سحاب �أو عدم اال�شرتاك‪ ،‬لأنه حتى يتم �إ�صالح تلك عبد اهلل �صالح فال زال هناك جمال لتطوير مفاهيم احلكم‪.‬‬ ‫ومن املهم املالحظة هنا �أنه يوجد يف اليمن جمتمع مدين قوي يقدر قوامه‬ ‫العي����وب �ستظ����ل �شرعية الدول����ة وا�ستقرارها مُعلّق ِني يف اله����واء‪ ،‬ولن ي�ستقر‬ ‫الدع����م التنموي االقت�ص����ادي والتعاون الأمن����ي من دون االلت����زام بالعن�صر ب�سبع����ة �آالف منظمة حملي����ة غري حكومية وعدد م����ن املنظمات الدولية غري‬

‫‪Flickr‬‬

‫ال����دويل بني ال�شرق والغ����رب بقدر ما عك�س التوت����رات املالزمة للخالف بني‬ ‫�شم����ال اليمن وجنوبه‪ ،‬بينما عك�س القرار الأمريكي لتقدمي الدعم الع�سكري‬ ‫املكث����ف لل�شمال ع����ام ‪ 1979‬ل�صد الغ����زو اجلنوبي‪ ،‬الأح����داث يف �أفغان�ستان‬ ‫والق����رن الأفريق����ي بقدر ما عك�س وجود اهتمام حقيق����ي ب�شمال اليمن (لقد‬ ‫كان �إر�س����ال معدات ع�سكرية وتنفيذ �أن�شطة تدريبية وا�ستخبارية وغري ذلك‬ ‫من دعم عبارة عن خطوة حكيمة مقارنة باملقرتح اخلاطئ واملبالغ فيه الذي‬ ‫كان ي����دور على م�ستويات عالية يف وا�شنطن �آنذاك لإر�سال قوة حممولة جو ًا‬ ‫و�أ�صدقاء “لإيقاف التو�سع ال�شيوعي هناك”)‪.‬‬ ‫�أم����ا الدعم التنموي االقت�صادي الأمريكي والتع����اون الأمني مع اليمن فهو‬ ‫متقلب ومتقطع‪ ،‬وبعد خط التمويل اجلوي عام ‪ 1979‬تركت الواليات املتحدة‬ ‫الق����وات الع�سكرية اليمنية‪ ،‬وكان����ت ال تزال بع�ض تلك املعدات �ضمن تر�سانة‬ ‫القوات اليمنية عندم����ا ذَ هَ بْتُ �إىل اليمن ك�سفرية بعد ع�شرين عام ًا تقريباً‪.‬‬ ‫بعده����ا �أخ����ذت امل�ساعدات االقت�صادي����ة تزداد وتنخف�����ض‪ ،‬وكانت يف �أف�ضل‬ ‫حاالتها �أثناء برنامج فيلق ال�سالم الفاعل والذي ال زال يف الذاكرة‪ ،‬والدعم‬ ‫الكب��ي�ر للتطوير الزراعي وبرنامج املنح الدرا�سية الن�شط‪ .‬ويف �أوقات �أخرى‬ ‫و�صل معدل الدعم �إىل درجة ال�صفر‪.‬‬ ‫ويف �أواخ����ر الت�سعينيات مل يكن هناك �أي برنامج تنموي فعلي‪ ،‬وال موظفني‬ ‫للوكال����ة الأمريكي����ة للتنمي����ة الدولي����ة (‪ ،)USAID‬وال فيلق �س��ل�ام‪ ،‬وال مُنح‬ ‫درا�سية‪ .‬وغالب ًا ما يُعزا ذلك االنخفا�ض ال�شديد �إىل قرار اليمن بالت�صويت‬ ‫ع����ام ‪� 1990‬ضد قرار جمل�س الأمن املتعل����ق بعمليات درع ال�صحراء‪/‬عا�صفة‬ ‫ال�صح����راء‪ ،‬و�إىل ح����رب ‪ 1994‬الأهلي����ة‪ .‬لك����ن مل تكن اليمن الدول����ة العربية‬ ‫الوحي����دة التي اعرت�ضت على العم����ل الع�سكري لتحرير الكويت‪ ،‬فقد اتخذت‬ ‫الأردن وتون�����س نف�����س املوقف‪� .‬أم����ا احلرب الأهلي����ة فلم تدُم �س����وى �شهرين‬ ‫عل����ى الأكرث‪ ،‬ومل تكن متثل �أي تهديد خط��ي�ر �أو مبا�شر �أو م�ستمر للموظفني‬ ‫الأمريكي��ي�ن يف اليم����ن‪ .‬لكن اليمن فق����ط فاتت بهدوء نط����اق �شا�شة الرادار‬ ‫الأمريك����ي‪ ،‬فل����م تكن هناك م�صلح����ة اقت�صادية كب��ي�رة وال �أمنية (للواليات‬ ‫املتح����دة)‪ .‬ومل يك����ن هذا نتيج����ة للتجاهل احلق����ود وال احلمي����د و�إمنا فقط‬ ‫الالمباالة‪.‬‬ ‫وبحل����ول ع����ام ‪ 2001‬و�صلت الإعانة الأمريكية �إىل ح����وايل ‪ 50‬مليون دوالر‪،‬‬ ‫وع����اد برنامج التنمية الدولي����ة ر�سمي ًا عام ‪ ،2003‬لكن معدل الدعم مل ي�صل‬ ‫�إال ملبل����غ ‪ 14.8‬ملي����ون دوالر عام ‪ ،2005‬وانخف�ض �إىل مبل����غ زهيد لي�صل �إىل‬ ‫‪ 9‬ملي����ون دوالر ع����ام ‪ ،2006‬ثم ارتفع ببطء حتى و�ص����ل ‪ 20‬مليون دوالر والآن‬ ‫‪ 40‬ملي����ون دوالر م����ع التزام لفرتة ثالث �سن����وات‪ .‬وال ي�ستطيع �أحد – ال جهة‬ ‫متربع����ة وال منظمة غري حكومية �أو دولة م�ست�ضيفة – �إعداد وتنفيذ برنامج‬ ‫ناجح حتى و�إن كانت ميزانيته تنعم بزخم كبري‪.‬‬ ‫وق����د كانت مهمت����ي خالل فرتت����ي ك�سفرية‪ ،‬م����ع الدعم الكامل م����ن وزارة‬ ‫اخلارجية الأمريكية واجلرنال �أنت����وين زيني يف القيادة املركزية الأمريكية‪،‬‬ ‫ه����ي �إع����ادة بن����اء العالق����ات بني البلدي����ن على �أو�س����ع نطاق ممك����ن‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذل����ك التع����اون الأمني املع����زز ودعم الدميقراطي����ة ال�شامل و�إع����ادة برنامج‬ ‫املنح الدرا�سي����ة وتطوير التنمية االقت�صادية و�أخ��ي�ر ًا �إن�شاء خفر ال�سواحل‪.‬‬ ‫وبالن�سب����ة لليمنيني مل يكن االعتداء على املدم����رة الأمريكية “كول” اعتداء‬ ‫عل����ى الوالي����ات املتحدة فح�سب ب����ل �أي�ض ًا مبثاب����ة اعتداء عليه����م هم‪ ،‬وعلى‬ ‫العالقات التي بد�أت تتغري‪.‬‬

‫التحدي��ات اليمني��ة واخلي��ارات الأمريكي��ة لي�س‬ ‫من ال�صعب تثبيط حما�س����ة �أي �شخ�ص يف ظل م�ضاعفة الدعم االقت�صادي‬ ‫ال�سن����وي الأمريك����ي املعلن عن����ه لي�ص����ل �إىل ‪ 40‬ملي����ون دوالر �إىل جانب ‪120‬‬ ‫ملي����ون دوالر للدعم الع�سك����ري‪ .‬و�إذا ما قبلنا ب�أن هن����اك ما يقارب ‪� 100‬إىل‬ ‫‪ 200‬عن�ص����ر من عنا�صر “القاعدة يف جزيرة العرب” يف اليمن‪ ،‬وما يقارب‬ ‫‪� 20‬إىل ‪ 25‬ملي����ون مين����ي ال ينتمون �إىل ه����ذا التنظيم‪ ،‬ف�إننا نك����ون قد رفعنا‬ ‫م�ست����وى الدع����م لليمني��ي�ن الذين ال ينتم����ون �إىل القاعدة من �أق����ل من واحد‬ ‫دوالر يف ال�سن����ة لكل مين����ي �إىل �ستني دوالراً‪ ،‬وخ�ص�صن����ا �أكرث من ‪500.000‬‬ ‫دوالر يف ال�سن����ة ملحاربة “القاع����دة يف جزيرة العرب” (لو�ضع هذا الأمر يف‬ ‫�سي����اق �آخر‪ ،‬جند �أن حمط����ة ‪ NBC‬الأمريكية قد دفعت لكون����ان �أوبريان ‪45‬‬ ‫مليون دوالر لريحل عن املحطة)‪ .‬ولي�س هناك ارتباط مبا�شر بني الدوالرات‬ ‫املقدم����ة وم�ست����وى احلك����م الفعّال والدع����م املُق����دّم لعملية التنمي����ة والدعم‬ ‫الع�سك����ري‪ ،‬وه����ذا ال يب�شر بخ��ي�ر‪ ،‬وال يدل عل����ى الفطنة‪ ،‬ولن ُيج����دي نفعاً‪.‬‬ ‫يواجه اليمن �أربع حتديات فعلية‪:‬‬ ‫املياه‪ :‬حمدودة‪ ،‬وغري كافية‪ ،‬وتن�ضب ب�سرعة‪.‬‬ ‫الطاقة‪ :‬حمدودة‪ ،‬وغري كافية‪ ،‬وتُ�ستهلك ب�سرعة‪.‬‬ ‫ال�سكان‪ :‬غري حمدود على ما يبدو‪ ،‬وكثري‪ ،‬ويزداد ب�سرعة‪.‬‬ ‫البنية التحتية ال�سيا�سية‪ :‬حمدودة‪ ،‬وغري كافية‪ ،‬ومعر�ضة للتدهور‪.‬‬

‫الثال����ث – احلك����م الر�شي����د والفعّ����ال‪ .‬وه����ذا لي�س هدف���� ًا ي�صع����ب حتقيقه‪،‬‬ ‫فالرئي�����س علي عبد اهلل �صال����ح ونخبة من م�ست�شاري����ه املتنورين قد �أوجدوا‬ ‫عنا�ص����ر الدول����ة الدميقراطي����ة م����ن خ��ل�ال مفاو�ض����ات الوح����دة وحتقيقها‬ ‫ع����ام ‪ .1990‬وق����د كان����ت جهوده����م تخلو م����ن �س����وء �إدارة املراقب����ة الدولية‪،‬‬ ‫وله����ذا كان����ت مثمرة �إىل ح����د كبري‪ .‬ورغ����م �أن املعهد الوطن����ي الدميقراطي‬ ‫‪ National Democratic Institute‬عم����ل م����ع اليمن ملا يق����ارب ع�شرين عام ًا‬ ‫لتعزي����ز البنى الأ�سا�سية‪ ،‬وتوف��ي�ر التدريب والدعم املطلوب��ي�ن جد ًا (خا�صة‬ ‫الدع����م املايل من قبل احلكومة الأمريكي����ة)‪ ،‬لكن االلتزام الأ�سا�سي والفهم‬ ‫ال�ضروري واملتعقل واحلكيم كان ي�أتي من اجلانب اليمني‪.‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪25‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫‪UNHCR‬‬

‫احلكومي����ة ير�أ�سها مينيون‪ ،‬وكثري منه����ا تديرها ن�ساء‪ .‬وتعمل هذا املنظمات وال�شخ�صي����ات القوية حتت مظلة واحدة‪ ،‬مظل����ة وا�سعة جد ًا ت�شمل اجلميع‪.‬‬ ‫على امل�ستويني ال�سيا�سي واخلدمي االجتماعي‪ .‬ويعترب مفهوم املجتمع املدين و�أولئ����ك الذين يخرجون عن امل�سار‪ ،‬ويحاولون تعكري هذا التوازن احل�سا�س‪،‬‬ ‫مفهوم ًا غري حمدد يف �أي مكان‪ ،‬وميكن املبالغة يف تقييمه كم�ؤ�شر �أو �ضامن يتم معاقبتهم ولكن نادر ًا ما يتم تهمي�شهم‪.‬‬ ‫لوجود احلكم الدميقراطي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ميكن القول �إنه بالفعل يقوم بتحقيق‬ ‫وع����ادة ما متي����ل مثل هذه ال�شمولية �إىل عرقلة التق����دم على �أي جبهة‪ ،‬ويف‬ ‫�أحد الوظائف التطبيقية‪ ،‬خا�صة يف اليمن‪ ،‬حيث �أنه يوفر الأر�ضية التدريبية �أي وقت ب�سرعة ق�صوى‪ ،‬في�صبح من ال�ضروري تقدمي امل�ساومات والتنازالت‬ ‫للقيادة امل�ستقبلية يف البلد‪ .‬ويف احلقيقة �أنه قد حقق ذلك‪ ،‬فعلى �سبيل املثال عند بذل اجلهود ل�ضمان �أعلى م�ستوى من الت�أييد �أو على الأقل �أدنى م�ستوى‬ ‫جند �أن وزير املياه يرت�أ�س منظمة غري حكومية تركز على ق�ضايا املياه‪ ،‬بينما للمعار�ضة‪ .‬ويف �أحيانٍ �أخرى يتطلب الأمر االن�سحاب التكتيكي و�إعادة ترتيب‬ ‫�أ�س�����س الوزير احلايل للتخطيط و�أدار “�صندوق التنمية االجتماعية” الرائع ال�صف����وف‪ ،‬وه����ذا يف نظ����ر املتف����رج اخلارجي – كما هو يف نظ����ر الكثري من‬ ‫الذي يتمتع ببع�ض ال�صالحية ال�سيا�سية ويخدم الدولة‪.‬‬ ‫اليمنيني – فيه الكثري من الفو�ضى‪ .‬وهذه ال�شمولية ال تعمل �إال يف ظل وجود‬ ‫ر�ؤي����ة جوهرية وقي����ادة فطنة‪ .‬كما �أنها �أي�ض���� ًا تعني وجود الإميان‬ ‫يف �أو�ساط الأح����زاب والف�صائل املختلفة ب�أن هناك جمال يت�سع‬ ‫لآرائه����م واهتماماته����م لت�ص����ل �إىل مناق�ش����ات الدول����ة‪ .‬وتعترب‬ ‫جل�س����ات الق����ات �آلي����ة تقليدية لتوف��ي�ر ذلك املج����ال‪ ،‬يف حني �أن‬ ‫جمل�����س النواب ميثل الآلية الأخرى‪ .‬وم����ا يف�سر هذا هو انتخاب‬ ‫ال�شيخ الراحل عبد اهلل ب����ن ح�سني الأحمر رئي�س ًا للمجل�س رغم‬ ‫�أقلي����ة حزب����ه الإ�ص��ل�اح‪ ،‬واملع����روف �أن منا�ص����ب الرئا�سة تكون‬ ‫للأغلبية‪.‬‬ ‫و�أف�ض����ل مقارنة لتو�ضيح ه����ذا الو�ضع هو ما يقوم به البهلواين‬ ‫املتالعب بالأطباق على ع�صا‪ ،‬حيث يتعني االنتباه لكل طبق و�إال‬ ‫�سيق����ع ويتحطم‪ ،‬ورمبا تقع مع����ه كل الأطباق الباقي����ة‪ .‬وال�س�ؤال‬ ‫ال����ذي يطرح نف�سه هو عما �إذا هن����اك الآن �أطباق كثرية جد ًا –‬ ‫�أي �ضغ����وط كثرية على الدول����ة‪ ،‬والكثري من التحدي����ات الأمنية‬ ‫واالقت�صادي����ة‪ ،‬والقليل من املوارد – وعم����ا �إذا ال زال البهلواين‬ ‫ميتلك الر�شاقة واخلفة الكافية للحفاظ على تلك الأطباق‪.‬‬ ‫وهن����اك خط����ران ملحان يه����ددان هذا الرتتي����ب‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫ما يدركه الكثري من اليمنيني‪ ،‬مبن فيهم �أ�صدقاءنا‪� ،‬أن نطاق ال�سيا�سة‬ ‫الف�س����اد واملح�سوبي����ة من ناحي����ة‪ ،‬وتغري اجلي����ل من ناحية‬ ‫الأمريكي��ة ق��د بد�أ ينح�ص��ر على الأمن فق��ط �أو الأم��ن �أو ًال‪ ،‬فنحن‬ ‫�أخ����رى‪� .‬أم����ا املح�سوبية فه����ي �أمر واقع يف �أف�ض����ل الأنظمة‬ ‫بحاجة �إىل �أن نعيد تو�سيع ذلك النطاق‪ .‬وقد تعلمنا هذا الدر�س يف ال�سيا�سي����ة‪ ،‬و�أم����ا الف�س����اد فرمبا هو خ�صل����ة من اخل�صال‬ ‫العراق يف �آخر اللعبة‪ ،‬ونحاول تطبيق تلك الدرو�س يف �أفغان�ستان الب�شري����ة الت����ي ال منا�����ص منها‪ .‬ف����كل الق����ادة يف�ضلون �أن‬ ‫يحيط����وا �أنف�سه����م بامل�ست�شارين وامل�ساعدي����ن ممن يثقون‬ ‫به����م‪ .‬ولك����ن بع�����ض الق����ادة الأذكياء يطبق����ون املث����ل القائل‪:‬‬ ‫لي�����س م����ن ال�سهل تويل �سدة احلكم “قَ����رِّب �أ�صدقائ����ك من����ك‪ ،‬وقَ����رِّب �أعدائ����ك �أك��ث�ر”‪ .‬هذا هو ل�س����ان احلال‪،‬‬ ‫احلك��م يف اليم��ن‬ ‫يف اليم����ن‪ ،‬و�إذا قلن����ا بعدم اكتم����ال االندماج ال�سيا�سي‪ ،‬وع����دم كفاية البنية ومراقب����و ال�سيا�س����ة اليمنية �سيعملون جي����د ًا �إذا ما امتنعوا ع����ن الت�أفف من‬ ‫التحتي����ة للحك����م اجليّد‪ ،‬فه����ذا �أمر فيه تقلي����ل للواقع وحُ جّ ����ة ي�ستطيع بع�ض هذا الواقع‪ .‬كما يجب على م�ؤيدي االرتباط الثابت �أن يُقيّموا ب�صدق و�أمانة‬ ‫اليمني��ي�ن معار�ضتها‪ .‬لكن على كل حكومة ميني����ة �أن توازن بني االحتياجات م����ا �إذا انزلقت ال�شمولي����ة احلكيمة تلك و�أ�صبحت يف نط����اق املح�سوبية‪� ،‬أي‬ ‫تعيني الأ�صدقاء والأقرباء نظر ًا للعالقة والقرابة بغ�ض النظر عن امل�ؤهالت‬ ‫واملطالب املتناف�سة ل�شعب متباين وم�شارك �سيا�سي ًا بعمق كال�شعب اليمني‪.‬‬ ‫وطامل����ا ا ُتهِ����م اليمني����ون بتبنيهم �سيا�س����ة الع�شوائية يف حتقي����ق �أهدافهم‪ ،‬والق����درات الت����ي ميتلكها الف����رد (و�إىل �أن جن����رد �أ�صدقائن����ا يف اخلليج من‬ ‫وهن����اك بع�����ض امل�صداقية يف ذل����ك‪ .‬فالتاريخ اليمني خ��ل�ال اخلم�سني �سنة �أهليتهم نظر ًا لعالقاتهم الأ�سرية املنت�شرة عرب حكوماتهم‪ ،‬ف�إنهم لن يكونوا‬ ‫املا�ضي����ة يت�ص����ف بالتدخ��ل�ات اخلارجي����ة واخلالف����ات الداخلي����ة والفق����ر‪ ،‬املعيار الذي يُقا�س عليه)‪ .‬كما يجب عليهم �أي�ض ًا (�أي املراقبني) �أن يحددوا‬ ‫لك����ن اليم����ن مل يتجاوز ذل����ك فح�سب بل �أي�ض���� ًا تطور �أ�ضعاف م����ا كان عليه م����ا �إذا قد تف�ش����ى الف�ساد يف مفا�صل الدول����ة و�أ�صبح قادر ًا عل����ى الت�أثري يف‬ ‫و�أ�ستطاع جتن����ب �أي تدخل ع�سكري مبا�شر وتف����ادي التدهور االقت�صادي �أو توزي����ع مواردها �إىل درجة الت�أث��ي�ر يف �شرعيتها‪ ،‬وتالي ًا حتدي����د ما �إذا كانت‬ ‫الوق����وع يف جماعة‪ .‬ومن العوام����ل التي �ساعدت على ه����ذا البقاء ال�سيا�سي‪ ،‬امل�ؤ�س�سات احلكومي����ة وغري احلكومية متتلك ال�صالحية وامل�صداقية لتمييز‬ ‫اجله����ود الفائقة التي بذل����ت ل�ضم كل الأحزاب والعنا�ص����ر والكتل املعار�ضة ب�ؤر الف�ساد واتخاذ الإجراءات الالزمة �ضدها‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ولطامل����ا كان للرئي�����س �صالح بطانت����ه اخلا�صة به‪ ،‬وقد قي����ل عنهم “فريق‬ ‫البو ِلن����غ”‪ .‬ولطاملا قام بتثقي����ف م�ست�شارين وثلة م����ن التكنوقراط املوهوبني‬ ‫م����ن �أجي����ال خمتلفة‪ .‬وهن����اك حلقة وا�سعة م����ن اليمنيني يعمل����ون كمروِّجني‬ ‫للخ����ارج‪ ،‬وغالب ًا ال ميتلكون القدرة على الت�أثري كما يُ�شاع عنهم‪� .‬أي�ض ًا يحتل‬ ‫�أبناء الأخوة منا�صب �أمنية (وهم م�ؤهلون بكل ما حتمله الكلمة من معنى)‪،‬‬ ‫يف ح��ي�ن �أن بع�����ض الأقارب – دون حتديد – يف وظائ����ف عاطلة‪ .‬لكن هناك‬ ‫بالغات عن ف�ساد م�ست�ش����ري‪ ،‬واغت�صاب �أرا�ضي من قبل �ضباط ع�سكريني‬ ‫كبار‪ ،‬وحتويل للعقود‪ ،‬وغريها من املخالفات املتوا�صلة واملدمرة‪.‬‬ ‫وتتعل����ق املخاوف من مبد�أ املح�سوبية مبا�ش����رة مب�سائل اخلالفة يف احلكم‬ ‫(“تناف�س النخبة” كما يطلق عليها �أحد املراقبني)‪ .‬فمنذ ثالثني �سنة وعلي‬ ‫عبد اهلل �صالح يف �سدة احلكم رغم �أن الكثري من �أف�ضل م�ست�شاريه يكربونه‬ ‫�سناً‪ .‬وق����د �صرح الرئي�س ب�أنه لن يتقدم لالنتخاب����ات عام ‪ ،2013‬ولكن لي�س‬ ‫وا�ضح���� ًا من ه����و اخلليفة – �سواء م����ن داخل الأ�سرة �أو خارجه����ا‪ .‬وبالت�أكيد‬ ‫هناك من����اورات الحتالل املن�صب خالل اجليل الق����ادم – القبلي والتجاري‬ ‫والتكنوق����راط‪� .‬أما ال�شيخ الراحل عبد اهلل الأحم����ر فقد خَ لَفه جمموعة من‬ ‫الأبن����اء‪ ،‬يف حني �أن “الأربعني امل�شهورين” �أخ����ذوا يغادرون امل�شهد ب�سرعة‪،‬‬ ‫مث����ل عنا�صر الثورة اجلمهورية ومعركة اال�ستقالل يف اجلنوب‪ .‬و�سيكون من‬ ‫الوقاحة �أن نفرت�����ض من �سيكون الفائز يف خالفة احلكم‪ ،‬ومن ال�سذاجة �أن‬ ‫نفرت�����ض �أنه ابن الرئي�س‪ ،‬فلي�س لدين����ا �أدنى فكرة عن ذلك‪� ،‬إذ �أن ال�سيا�سة‬ ‫يف اليم����ن تتل����ون وتتغري‪� .‬أي�ض ًا من غري احلكم����ة �أن نُقحِ م �أنف�سنا يف العملية‬ ‫بطريق����ة مبا�ش����رة �أو غري مبا�ش����رة‪ .‬ولكن من يخلف الرئي�����س علي عبد اهلل‬ ‫�صال����ح يحت����اج �إىل ت�أكيد البن����ى الدميقراطي����ة النا�شئة �إىل جان����ب مباركة‬ ‫ال ُنخ����ب املتع����ددة‪� .‬إن �أوراق االعتم����اد اجلمهورية مفخرة ملعظ����م اليمنيني‪،‬‬ ‫وخالف����ة االب����ن البكر لي�ست �أم����ر ًا مفروغ ًا من����ه يف املجتم����ع اليمني‪ .‬ونحن‬ ‫ن�ستطي����ع دعم وت�أييد امل�ؤ�س�س����ات والبنى الهيكلية والعملي����ات الدميقراطية‪،‬‬ ‫لكن ال ن�ستطيع فر�ض الفائزين �أو اختيارهم‪.‬‬ ‫�إن املح�سوبية والف�ساد يعك�سان ويغذيان حتدي ًا كبري ًا يقارب كل التحديات‬ ‫اجلوهري����ة الأربع����ة واملخاطر الأمني����ة الثالثة‪ ،‬وهو عدم ق����درة الدولة على‬ ‫توف��ي�ر اخلدم����ات الأ�سا�سية لعام����ة ال�شعب‪ .‬فاليم����ن تفتق����ر �إىل امل�ؤ�س�سات‬ ‫البريوقراطي����ة لإدارة املوارد وتقدمي اخلدمات الأ�سا�سي����ة بطريقة معقولة‪،‬‬ ‫وه����ي عب����ارة عن كيان مليء بال�س����كان يحمي الكثريين م����ن البطالة املطلقة‬ ‫ض��ل�ا عن كونه فعاالً‪.‬‬ ‫لكن����ه يفتقر للتدري����ب والأدوات لي�صبح كيان ًا م�ؤثراً‪ ،‬ف� ً‬ ‫كم����ا �أن املوهبة التقنية يف قمة امل�ؤ�س�سات واملنظمات غري احلكومية يحبطها‬ ‫كاف‪ ،‬وهو ما يزيد‬ ‫غي����اب املنفذين املحلي��ي�ن‪ .‬و�سلم الأجور منخف�ض وغ��ي�ر ٍ‬ ‫من الف�س����اد امل�ؤ�س�سي‪� .‬أما الكفاءات فتعك�س م�ست����وى نظام التعليم املتدين‪.‬‬ ‫وامل�س�ألة الأ�سا�سية التي وراء كل من التمرد يف ال�شمال واحلركة االنف�صالية‬ ‫يف اجلنوب هي مفهوم بل وواقع عدم توفري اخلدمات احلكومية‪ .‬وكل حركة‬ ‫متث����ل مطالبة بوجود حكومة �أكرث فعالية و�أكرث تفاع ًال وا�ستجابة (لكن لي�س‬ ‫بال�ضرورة �سيطرة حكومية م�شددة)‪ ،‬بحيث ت�ستطيع توفري املوارد من خالل‬ ‫الدع����م املعق����ول للإدارة املحلي����ة واملواطنني‪ .‬وما يزيد امل�شكل����ة تعقيداً‪� ،‬إىل‬ ‫درجة �أن املخاوف الأمنية الكربى الثالثة ت�شكل خطر ًا وجودي ًا لبقاء احلكومة‬ ‫والدول����ة‪ ،‬هو اخلوف لي�س من الأجن����دة ال�سيا�سية للحركات املوجودة‪ ،‬ولكن‬ ‫م����ن قدرته����ا على ت�شتي����ت وتوجيه االنتباه وامل����وارد‪ .‬ول����ن ت�ستطيع احلكومة‬

‫احلالي����ة‪ ،‬وال �أي خليفة منتظ����ر‪ ،‬التعامل بكل �سهولة‪ ،‬ومب����ا فيه الكفاية‪ ،‬مع‬ ‫هذه املخاطر الثالثة وتقدمي اخلدمات الأ�سا�سية يف نف�س الوقت‪ .‬فالبهلواين‬ ‫ال ي�ستطيع �سوى التحرك ب�سرعة فائقة‪.‬‬

‫�أي��ن ينبغ��ي عل��ى الوالي��ات املتح��دة الرتكي��ز؟‬

‫يعت��ب�ر الرتكيز غري املتنا�سب على القط����اع الع�سكري املبا�شر وبناء القدرات‬ ‫الأمنية نظرة قا�صرة‪ .‬و�إذا كانت خماوفنا حيال املخاطر التي ي�شكلها اليمن‬ ‫ت�ستح����ق �أن نقدم مبل����غ ‪ 120‬مليون دوالر كمعونة �أمنية‪ ،‬ونعي �أن عملية تنمية‬ ‫البن����ى الأمني����ة املعقولة ا�ستثمار طويل املدى‪ ،‬ف�إن رغبتن����ا لإبقاء اليمن على‬ ‫اجلان����ب الآم����ن من حاف����ة الف�شل (مدرك��ي�ن �أن الأمر لن يكون �أب����د ًا ناجح ًا‬ ‫ب����كل جوانبه) ت�ستحق التزام ًا مكافئ ًا لبناء القدرة املدنية بقدر م�شابه لبناء‬ ‫الق����درة الع�سكرية‪ .‬وعلينا اال�ستثم����ار فيما هو �أكرث من تعزيز �سلطة الدولة‪،‬‬ ‫�إذ ينبغ����ي علينا اال�ستثم����ار �أي�ض ًا يف تعزيز �شرعية وق����درة الدولة واملجتمع‪.‬‬ ‫ونحن ال نكف����ل “ال�شرعية” لكننا ن�ستطيع امل�ساع����دة يف تطوير جمتمع قوي‬ ‫مب����ا في����ه الكفاية لي�شارك دولت����ه‪� .‬إن ا�ستخدام ال�ضم��ي�ر “نحن” هنا ي�شري‬ ‫�إىل احلكوم����ة الأمريكي����ة واملجتمع الدويل والدول الإقليمي����ة املجاورة‪ .‬ولقد‬ ‫كان م�ؤمتر ‪ 2006‬للمانحني �سخي ًا غري �أنه مل يتم بعد تنفيذ �أي من تعهداته‪.‬‬ ‫كما �أن م�ؤمتر لندن ‪ 2010‬قد �أثار نقا�شات �صحيحة حول التن�سيق واالرتباط‬ ‫امل�ست����دام‪ ،‬لكن الأمر �سيتطلب �أكرث من انعقاد م�ؤمتر لإقناع املواطن اليمني‬ ‫الع����ادي ب�أن هناك تغري ًا معقو ًال يف املوارد ولغ����ة اخلطاب‪� ،‬أو �أن ثمة التزام ًا‬ ‫باحلكم الفعّال وعملية التنمية‪� ،‬س����واء جلهة احلكومة التي تتهي�أ لالنخراط‬ ‫كلي ًا يف ال�صراع وكذلك بالن�سبة للحكومات جميعاً‪ .‬ويجب �إقناع اليمنيني �أن‬ ‫كل هذا لن يتبخر يف وجه احلجج والأولويات الأخرى‪.‬‬ ‫�إن ما يدركه الكثري من اليمنيني‪ ،‬مبن فيهم �أ�صدقاءنا‪� ،‬أن نطاق ال�سيا�سة‬ ‫الأمريكي����ة ق����د بد�أ ينح�ص����ر على الأمن فق����ط �أو الأم����ن �أوالً‪ ،‬فنحن بحاجة‬ ‫�إىل �أن نعي����د تو�سيع ذلك النطاق‪ .‬وقد تعلمنا هذا الدر�س يف العراق يف �آخر‬ ‫اللعب����ة‪ ،‬ونحاول تطبيق تلك الدرو�س يف �أفغان�ست����ان‪ .‬ولقد تقدمنا من احلل‬ ‫الع�سك����ري التقليدي �إىل مكافحة التمرد �إىل “ثالثي����ة الدفاع والدبلوما�سية‬ ‫والتنمي����ة” للتعاطي مع �أو�ضاع ما بع����د ال�صراع‪ .‬ونحن �أمامنا فر�صة لتطبق‬ ‫�أ�سا�سيات تلك الدرو�س قبل ال�صراع وقبل الف�شل يف اليمن‪.‬‬ ‫ويج����ب �أن تكون هناك �إ�سرتاتيجية م�ستدام����ة و�شاملة ومن�سقة تعتمد على‬ ‫دبلوما�سي����ة وتنمي����ة بقيادة مدنية وتوجه مدين �أو ًال عل����ى مدى م�سبق ومبكر‬ ‫وطويل‪ .‬كما ينبغي �أن ت�ساوي م�شاركتنا يف تطوير القدرات الب�شرية وقدرات‬ ‫الدولة التزامنا ببناء القدرات الع�سكرية والأمنية‪� ،‬إذا مل تفُق ذلك‪ .‬وهناك‬ ‫خم�س����ة جماالت رئي�سية ل�شرعية الدولة وبن����اء القدرات الب�شرية غري �سلطة‬ ‫الدولة وال�ش�ؤون الأمنية ميكن الرتكيز عليها‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ .1‬اخلدم��ة املدني��ة‪� :‬إن بن����اء قدرة الدول����ة (كالقدرة املدني����ة) على كل‬ ‫امل�ستويات‪ ،‬وال يقل عن ذلك تطوير خدمة مدنية م�ؤهلة وجمتمع مدين قوي‪،‬‬ ‫تعترب �أمر ًا �أ�سا�سياً‪� .‬إن الرتكيز على تطوير القدرة املحلية يحتاج لكي يتحقق‬ ‫�أن يك����ون من�سجم ًا مع تطوير قدرة احلكم املركزي‪ ،‬فامليل �إىل �أحد اجلهتني‬ ‫يخ����ل بت����وازن الدولة ويخلق فراغ���� ًا يف املركز �أو على امل�ست����وى املحلي‪ .‬وعلى‬ ‫غ����رار ذلك‪� ،‬إن االعتماد املف����رط على اجلانب الع�سك����ري �أو القدرة الأمنية‬ ‫ُيج����رِّد البني����ة التنظيمي����ة املدنية من �شرعيته����ا‪ ،‬خا�صة �أولئ����ك العاملني يف‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪27‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫‪ .2‬التعلي��م‪ :‬يعت��ب�ر التعليم م����ن املجاالت املهم����ة لبقاء الدول����ة والتنمية‬ ‫االقت�صادي����ة على املدى البعيد‪ .‬و�أي جهود تبذل مل�ساعدة اليمن لالبتعاد عن‬ ‫هاوية الف�شل يجب �أن ت�ستند على الدعم لنظام التعليم القوي‪ .‬وهذا ال يعني‬ ‫�أن امل�س�أل����ة ه����ي م�س�ألة �إن�شاء مدار�س ولكنه����ا م�س�ألة توفري مدر�سني مينيني‬ ‫م�ؤهلني للتدري�س يف امل�ستويات االبتدائية والثانوية‪ .‬كما �أن العمالة وال�صحة‬ ‫وبرامج تنظيم الن�سل وكل عنا�صر التنمية امل�ستدامة الأخرى‪ ،‬تتطلب �إن�شاء‬ ‫نظام تعليمي مبقايي�س عاملية يعتني بتطوير املهارات املطلوبة‪.‬‬

‫فم����ع �أنه مت �إعداد هذه الإ�سرتاتيجية للتنفيذ خالل ثالث �سنوات مببالغ‬ ‫مالي����ة طائل����ة لكنها تعتمد عل����ى املخ�ص�صات ال�سنوي����ة للكوجنر�س‪ ،‬وهو ما‬ ‫يجعلها عر�ضة لتقلبات ميزانيتنا التي ال ميكن التكهن بها‪ ،‬وكذلك للمطالب‬ ‫اجلديدة املتناف�سة واالنقطاع املفاجئ نظر ًا للخالفات بني الواليات املتحدة‬ ‫واليمن ب�ش�أن �سيا�سات الدعم التنموي‪.‬‬ ‫تن�����ص الإ�سرتاتيجي����ة عل����ى �أن هناك ثمان حمافظات له����ا الأولوية عند‬ ‫الوكال����ة الأمريكي����ة للتنمية الدول����ة (وبالت����ايل عند احلكوم����ة الأمريكية)‪،‬‬ ‫ولكنها – مُ�ست�شهِ دة مبحدودية املوارد – ال ت�ستهدف �سوى خم�س حمافظات‬ ‫و�صفته����ا “الأك��ث�ر عر�ض����ة للمخاط����ر” (اجلوف وم�����أرب و�صع����دة وعمران‬ ‫و�شب����وة)‪ .‬واخلوف هو من خماطر هذه الف��ت�رة الزمنية الثالثية‪ ،‬فقد تكون‬ ‫مبثاب����ة تقدمي مكاف�����آت للت�صرفات ال�سيئة وقد تزيد فتي����ل التناف�س من قبل‬ ‫املحافظ����ات واملناط����ق الأخ����رى التي مل يت����م اختيارها وتو�سع دائ����رة تف�شي‬ ‫الف�س����اد واملح�سوبي����ة‪ ،‬وبالتايل عرقلة عملية التنفي����ذ‪ .‬وتوزيع �أ�شمل مل�شاريع‬ ‫�أ�صغ����ر قد ال يكون ل����ه كل “النجاح واملردود” الذي حتقق����ه اال�سرتاتيجيات‬ ‫لكنه قد يتم تفادي اخلالفات ال�سيا�سية ال�سلبية الناجتة عن الرتكيز املفرط‬ ‫على مناطق اخلطر‪.‬‬ ‫تت�شدد اال�سرتاتيجية كثري ًا يف م�س�ألة جمع البيانات التي قد تكون متوفرة‬ ‫عرب م�صادر �أخرى‪ ،‬مثل البنك الدويل و�صندوق التنمية االجتماعية اليمني‪.‬‬ ‫هذه اجلهود التي تبذل جلمع البيانات ت�ؤخر تنفيذ امل�شروع‪.‬‬ ‫تعتمد �أكرث من الالزم على متعاقدين من �شركة “بلتوي” ‪ ،Beltway‬مع‬ ‫�أن���ه لي����س بال�ضرورة �أن تكون النتيجة زي���ادة يف فر�ص العمل ومنط احلياة يف‬ ‫مدينة روكفيل بوالية ماريالند �أو مدينة تي�سون�س كورنر بوالية فريجينيا‪.‬‬ ‫لي����س هن���اك تن�سيق كايف م���ع قيادة العملي���ات اخلا�صة وال�ش����ؤون املدنية‬ ‫الأمريكي���ة واملجتمع املحلي‪ .‬ومع �أن اليمن بلد �صعب‪ ،‬وقد يكون خطرياً‪ ،‬لكنه‬ ‫لي�س منطقة حرب‪ ،‬فيجب �أن تكون الربامج الع�سكرية داعمة – ولي�س موازية‬ ‫– جلهود الدولة ووكالة التنمية الدولية الأمريكية‪.‬‬

‫‪ .3‬ال�س��يطرة عل��ى الف�س��اد‪ :‬يج����ب �أن يكون ه����ذا املجال م����ن العنا�صر‬ ‫اجلوهري����ة �ضم����ن عملي����ة التدخل الأ�شم����ل ولي�س �شرط���� ًا م�سبق���� ًا �أو ملحق ًا‬ ‫له����ا‪� ،‬إذ �أن الف�س����اد يعترب من الأعرا�ض التي ت�صي����ب البنية التنظيمية وقت‬ ‫الأزمات‪ .‬له����ذا من املطلوب دعم اجلهود اليمنية‪ ،‬ولي�����س التهديد والوعيد‪،‬‬ ‫م����ن �أجل تقليل فر�����ص الت�سيب والف�ساد م����ن خالل تطوير هي����اكل امل�ساءلة‬ ‫احلكومية وغري احلكومية الناجحة‪ .‬وقد ا�ستجابت احلكومة وجمل�س النواب‬ ‫يف ه����ذا ال�ص����دد‪� ،‬إىل جان����ب عدد من اجله����ات الر�سمية (الهيئ����ة الوطنية‬ ‫ملكافح����ة الف�س����اد‪ ،‬واللجن����ة العليا للمناق�ص����ات‪ ،‬واجلهاز املرك����زي للرقابة‬ ‫واملحا�سب����ة)‪ ،‬و�سيكون لزام ًا عل����ى كل من هذه اجلهات �إثب����ات قدرتها على‬ ‫اتخاذ الإج����راءات املطلوبة جتاه ارتكاب املخالف����ات الوظيفية �أو الالمباالة‬ ‫م����ن �أجل �إعطاء �صورة جميلة لليمني��ي�ن وا�سرت�ضاء للجهات املانحة‪ .‬كما �أن‬ ‫عل����ى املجتمع الدويل القيام مبا هو �أك��ث�ر من ت�صريحات اال�ستهجان‪ ،‬وذلك‬ ‫م����ن خ��ل�ال العمل مع تلك اجله����ات الر�سمي����ة والفاعلة امل�ساهم����ة وامللتزمة‬ ‫بعمليات الإ�صالح ك�أولوية �أوىل‪.‬‬ ‫‪ .4‬خف��ر ال�س��واحل‪ :‬ميثل هذا اجلان����ب عام ًال مهم���� ًا بالن�سبة لالزدهار‬ ‫االقت�ص����ادي يف اليم����ن‪ .‬والداف����ع وراء اتخاذ الق����رار ب�إن�شاء خف����ر �سواحل‬ ‫يكم����ن يف اجلوان����ب االقت�صادية �أكرث منه����ا اجلوانب الأمني����ة‪ ،‬كما �أن قيمة‬ ‫ه����ذا القرار على املدى الطوي����ل �ستبقى قيمة اقت�صادية للبل����د‪� .‬أي�ض ًا هناك‬ ‫حاجة ملحة �إىل �صد املهربني واملتطرفني والدخالء غري ال�شرعيني ومواجهة‬ ‫تطلع����ات القرا�صن����ة ال�صوماليني لت�شكيل عالقات �أخوي����ة مع اليمنيني‪ .‬ويف‬ ‫نف�س الوقت تتمتع مياه ال�سواحل اليمنية برثوة �سمكية غنية ميكن ا�ستغاللها‬ ‫كم�صدر متجدد من م�صادر الت�صدير والغذاء �إذا ما متت �إدارته على الوجه‬ ‫املطل����وب‪ .‬وكما هو ل�سان احلال يف مي����اه ال�سواحل ال�صومالية‪ ،‬تعاين الرثوة‬ ‫ال�سمكية يف مياه ال�سواحل اليمنية من عمليات ال�سلب والنهب التي تقوم بها‬ ‫بع�����ض ال�سف����ن املُ�صنّعة القادمة من خمتلف �أنح����اء العامل‪ ،‬وكذلك من رمي‬ ‫املخلفات ال�سامة‪.‬‬ ‫‪ .5‬ميناء عدن‪ :‬يحتاج هذا امليناء �إىل �إنعا�شه باعتباره مركز ًا جتاري ًا كبري ًا‬ ‫للمحيط الهندي‪ ،‬وهو من �أهم املوارد الطبيعية يف اليمن‪ .‬ولدى عدن القدرة‬ ‫عل����ى �أن ت�صبح كمدينة �سنغافورة‪� .‬أ�ضف �إىل ذلك‪� ،‬أن تطوير امليناء �سيوفر‬ ‫فر�����ص عمل للأيدي العاملة اليمنية و�سي�ش����كل م�صدر ًا من م�صادر �إيرادات‬ ‫الدولة‪ ،‬كما �سي�ساعد �أكرث يف دمج اجلنوب وال�شمال ك�شريكني مت�ساويني‪.‬‬ ‫ت����درك �إ�سرتاتيجية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للفرتة ‪2012 – 2010‬‬ ‫الكثري من التحديات اجلوهرية الت����ي تواجه اليمن‪ ،‬وحتاول‪ ،‬كربنامج ميتد‬ ‫‪28‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫و�إذا قبلن���ا �أن اله���دف الأ�سا�س���ي ه���و تطوي���ر ق���درة حملية م�ؤث���رة وفاعلة‬ ‫وم�ستدام���ة ذاتي���اً‪ ،‬فرمبا ميكننا الق���ول �إن �أو�سع فج���وة يف الإ�سرتاتيجية هي‬ ‫قل���ة اال�ستفادة من ال�شركاء اليمنيني رغم �أن الإ�سرتاتيجية تُثني على �صندوق‬ ‫التنمي���ة االجتماعية اليمن���ي بقولها �إنه‪�“ :‬صندوق تنمية ق���وي ومدعوم مالي ًا‬ ‫ب�ش���كل خا�ص‪ ،‬وميث���ل منوذج ًا للآلية امل�ؤ�س�سية الفعال���ة والفاعلة التي تت�صف‬ ‫بال�شفافية وتقدم خدمات اجتماعية تق���وم بتمكني املجتمعات املحلية‪ ،‬ويُعترب‬ ‫من �أف�ض���ل هيئات احلكومة اليمنية الفعالة يف جم���االت تطوير املجتمع وبناء‬ ‫الق���درات وامل�شاري���ع ال�صغ�ي�رة واملتو�سط���ة”‪ .‬لك���ن يف نهاي���ة املط���اف جند‬ ‫الإ�سرتاتيجية تقول �أن هذا ال�صندوق ال يُعترب م�ؤ�س�سة م�شاركة‪ .‬وخالل فرتتي‬ ‫ك�سف�ي�رة لدى اليمن عملت ال�سفارة الأمريكية ب�شكل وثيق مع �صندوق التنمية‬ ‫االجتماعي����ة لإعداد وتنفيذ الكثري من م�شاريعنا التنموية يف اليمن‪ ،‬وذلك مت‬ ‫دون ح�ض����ور ر�سمي كبري �أو تكاليف عام����ة‪ ،‬ولكن مع العرفان الكايف للواليات‬ ‫املتح����دة‪ ،‬وو�ضع الب�صم����ة الأمريكية اخلفيفة وال�شفافي����ة وامل�سئولية‪ .‬كما �أن‬ ‫هن����اك قوة �سيا�سية يف اليمن كافية للدفع والتقدم بعجلة التنمية �إىل الأمام‪،‬‬

‫هذا برنامج‬ ‫خماط��ر االت��كال عل��ى الغ�ير‬ ‫طموح ويف���وق قدرات �أي دولة لتقدمي الدعم‪ ،‬خا�صة �إذا ما كانت حكومة‬ ‫متقلبة كحكومتنا‪ .‬فمن الأهمية مبكان‪ ،‬وجود �شركاء دوليني‪ ،‬خا�صة وهم‬ ‫موجودون‪ ،‬حيث �أنه يف الوقت الذي كانت الواليات املتحدة تهب �إىل اليمن‬ ‫وتخرج منه لعقود من الزمان كان يوجد هناك عدد من ال�شركاء الأوروبيني‬ ‫واليابان‪� ،‬إىل جان���ب البنك الدويل واالحتاد الأوروبي‪ ،‬وكذلك بع�ض دول‬ ‫اخلليج‪ ،‬وب�صفة خا�صة قط���ر والإمارات العربية املتحدة وال�سعودية‪� ،‬إىل‬ ‫درجة �أن م�ستوى دعمنا يتقزم �أمام الدعم الذي قدمته هذه الدول لليمن‪.‬‬ ‫والرتحيب مب�شاركة تلك الدول (من اجلانب اليمني) لي�س عذر ًا للواليات‬ ‫املتح���دة باالن�سح���اب والتخلي‪ .‬وم���ع �أن م�صاحلنا‬ ‫(وم�صال���ح باق���ي ال���دول) متوازي���ة لكنه���ا لي�ست‬ ‫متطابقة‪ ،‬وهذا وا�ضح على وجه اخل�صو�ص �إذا ما‬ ‫نظرن���ا لل�سعودية‪ ،‬التي تقا�سم اليمن حدود ًا طويلة‬ ‫وتاريخ��� ًا �صعباً‪ .‬كما �أن ال�سيا�س���ات والربامج التي‬ ‫مت���ر عرب الريا�ض يف طريقه���ا �إىل �صنعاء �ستعاين‬ ‫من ت�أثري التحريف الذي ال يخدم امل�صالح اليمنية‬ ‫وال�سعودي���ة والأمريكي���ة على حد �س���واء‪� .‬إننا ل�سنا‬ ‫بحاج���ة �إىل من ُي َفل�ِت�ررِ وي�ؤكد عالقاتن���ا وبراجمنا‬ ‫م���ع اليمن‪ ،‬وبالت�أكي���د فنحن ل�سن���ا بحاجة لتدخل‬ ‫ع�سكري من ِقبَل دولة �أخرى للقيام بذلك‪.‬‬

‫يف حماولتن���ا‬ ‫�أف��كار ختامي��ة‬ ‫لتوجي���ه الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية للمُ�ض���ي قدماً‪ ،‬احلكومة اليمنية �س��تقوم مبا ي�صب يف م�صلحتها الوطنية‪ ،‬ونحن ن�شرتك‬ ‫علين���ا �أن نتذك���ر بع����ض الدرو����س الت���ي‬ ‫تعلمناها معها يف نف�س الأولويات التي قد تختلف فقط يف الرتتيب‪ .‬وعلى ال�سيا�سة‬ ‫م���ن تاريخن���ا الأمريك���ي حدي���ث العه���د وتاري���خ‬ ‫اليم���ن الطويل‪ ،‬فنحن ل�سنا �أذك���ى من تاريخنا �أو الأمريكي��ة �أن ال تعتم��د عل��ى �إقناع احلكوم��ة اليمنية بتبن��ي �أولوياتنا‬ ‫ولكن عليها �أن تبحث عن م�صالح م�شرتكة و�أن تتفهم الرتابط امل�شرتك‬ ‫تاريخهم‪.‬‬ ‫علين���ا �أن ن���درك �إنن���ا نتعامل م���ع دولة ذات‬ ‫�سيادة ولي�س دولة فا�شلة‪ ،‬بل �إنها دولة قد �أثبتت �أنها‬ ‫�شري���ك مقبول �إن مل يكن قادر ًا على الدوام‪ .‬لذا علينا العمل مع احلكومة �أو ن�ستطي���ع حتمل���ه‪ .‬والف�شل مع���روف بطبيعته‪ ،‬فهو ينط���وي على الفو�ضى‬ ‫كاملة و�أن ال ننتظر يوم ًا معين ًا �أو حتقيق ب�ضعة معايري دون تقدمي امل�ساعدة التي متنح “القاعدة يف جزيرة العرب” املجال لتنفيذ خمططاتها‪ ،‬ويُ�شعِل‬ ‫والدعم الذي حتتاجه تل���ك الدولة لبلوغ تلك املعايري‪ .‬وهذا لي�س تفوي�ض ًا فتي���ل خيبة الأمل والغ�ضب الذي يقود �إىل التط���رف‪ ،‬ويُفاقِم من التوترات‬ ‫مطلق ًا على الإطالق‪ ،‬و�إمنا اعرتاف ب�أن ال�صفاء املطلق يف ال�شريك نادر ًا الداخلي���ة‪ ،‬ويُ�ضعِف كثري ًا الدميقراطي���ة النا�شئة‪ ،‬وي�ضمن التدهور الدائم‬ ‫حت���ى الو�صول �إىل م�ست���وى الفقر‪ .‬و�إذا كانت هذه الو�صف���ات تبدو مكلفة‪،‬‬ ‫ما يكون خيار ًا والزمن ال يُحالف �أحداً‪.‬‬ ‫احلكوم���ة اليمنية �ستقوم مب���ا ي�صب يف م�صلحته���ا الوطنية‪ ،‬ونحن وم�ستهلك���ة للوقت‪ ،‬وتتطلب عم ًال مكثف ًا – وهي كذلك بالفعل‪ ،‬ف�إن تكاليف‬ ‫التعامل مع تبعات ف�شل الدولة �ستكون �أعظم بكثري‪.‬‬

‫‪Flickr‬‬

‫البني����ة املدنية الذين ميثل����ون الأمل الأف�ضل لبناء م�ؤ�س�س����ات حكومية دائمة‬ ‫(�سيا�سي���� ًا واقت�صادي ًا واجتماعي����اً)‪ .‬ويت�ضمن تعزيز الق����درة املدنية تعزيز‬ ‫�إدارة النظام الق�ضائي ولي�س فقط اجلانب الأمني‪.‬‬

‫لف��ت�رة ث��ل�اث �سنوات‪ ،‬معاجلة الكث��ي�ر من هذه التحدي����ات بطريقة منطقية‬ ‫ومنظمة‪ .‬وتعترب هذه الإ�سرتاتيجية �أف�ضل بكثري من �سابقاتها‪ ،‬لكن ال ميكن‬ ‫القول ب�أنها تتمتع بالكمال التام‪:‬‬

‫ولهذا ل�سنا م�ضطرين – بل وال يجب – �أن ن�سعى �إىل �إعادة اخرتاعها‪.‬‬

‫ن�ش�ت�رك معه���ا يف نف�س الأولوي���ات التي قد‬ ‫تختل���ف فق���ط يف الرتتيب‪ .‬وعل���ى ال�سيا�سة التايل‬ ‫بقلم‪� :‬أحمد الأح�صب‬ ‫الأمريكي���ة �أن ال تعتمد عل���ى �إقناع احلكومة‬ ‫اليمني���ة بتبن���ي �أولوياتنا ولكن عليه���ا �أن تبحث‬ ‫عن م�صالح م�شرتكة و�أن تتفهم الرتابط امل�شرتك‪.‬‬ ‫�إن �أي��� ًا من هذه النقاط ال ي�ضمن النجاح مهم���ا كان حمدداً‪� ،‬أو ي�ست�أ�صل‬ ‫�ش�أفة عنا�صر تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب‪� ،‬أو ينهي التطرف‪� ،‬أو‬ ‫ير�ضي القبائل‪� ،‬أو يحد من معدل املواليد‪ .‬لكن االرتباط مع اليمن بطريقة‬ ‫ق�ص�ي�رة النظ���ر‪ ،‬ترتكز على اجلان���ب الأمني فقط وب�ص���ورة متقطعة‪ ،‬قد‬ ‫تخل���ق دولة فا�شلة فعالً‪ ،‬الأمر الذي ال نح���ن وال اليمنيون نرغب يف حدوثه‬ ‫اليمن وم�ساعدات‬ ‫التنمية اخلارجية‬

‫مالحظــة‬ ‫(*) يحتوي القات على مادة خمدرة نوع ًا ما ت�شبه يف تركيبتها الكيميائية القهوة‪ .‬وهناك «جل�سات قات» متتد ل�ساعات يف اليمن وبع�ض دول القرن الأفريقي املجاورة‪.‬‬ ‫ولق���د �ش���ددت زراعة القات اخلناق على �إنتاج املحا�صيل الأخرى‪ ،‬وجل�ساته ت�س���رق �ساعات طويلة كل يوم وت�ستهلك املوارد املالية للأ�سرة واملوارد املائية والوقود الذي‬ ‫يُ�ستخ���دم لت�شغي���ل م�ضخ���ات املياه‪ .‬وتعترب اجلهود التي تبذلها الدولة للح���د من تعاطي القات فاترة‪ ،‬ولي�س هناك برامج حقيقي���ة ال�ستبدال القات مبحا�صيل �أخرى‪،‬‬ ‫و�سيكون لزام ًا على �أي برنامج درا�سة ما هو املح�صول‪� ،‬إن وجد ذلك املح�صول‪ ،‬الذي �سي�ستهلك كمية مياه �أقل (وبالتايل وقود ًا �أقل لت�شغيل امل�ضخات)‪ ،‬ويوفر القدر‬ ‫الذي يوفره القات من املال املبا�شر من املناطق الريفية �إىل املناطق املدنية‪ ،‬ويحل حمل البيئة الفريدة واحل�سا�سة �سيا�سي ًا التي يوفرها القات يف املجتمع‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪29‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬ ‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫وجهات نظر‬ ‫عني على اليمن‬

‫وتق���دم الوالي���ات املتح���دة وحدها م���ا يتجاوز‬ ‫‪ 19‬ملي���ار دوالر كم�ساع���دات خارجي���ة كل �سنة‪،‬‬ ‫ولك���ن ‪ -‬وكن�سب���ة م���ن الن���اجت القوم���ي ‪ -‬تعترب‬ ‫م�ساع���دات الواليات املتح���دة منخف�ضة مقارنة‬ ‫بالدول الأخرى‪ .‬لكن الهبات املقدمة من الأفراد‬ ‫واملنظمات اخلا�صة ورجال الأعمال تعترب عالية‬ ‫ج���د ًا وال تقارن مبا تقدمه البلدان الأخرى‪ .‬ومن‬ ‫املفرت�ض لتدفق���ات �أموال امل�ساع���دات �أن تعمل‬ ‫كمُ�س ِّرع القت�ص���ادات الدول امل�ستفيدة والتي هي‬ ‫يف غالب احلاالت دو ًال نامية‪.‬‬

‫ا‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫واملمكنات‬

‫�أن��واع امل�س��اعدات‬ ‫تتع���دد‬ ‫وتختلف �أنواع م�ساعدات التنمية‪ ،‬ولكن عاد ًة ما‬ ‫ت�أخذ واحد من الأ�شكال التالية‪:‬‬ ‫‪ – 1‬امل�س��اعدات الر�س��مية‪ :‬وت�شم���ل املن���ح‬ ‫والقرو����ض املقدمة من احلكوم���ات وامل�ؤ�س�سات‬ ‫الدولي���ة احلكومي���ة (ذات ع�ضوي���ة حكومي���ة)‬ ‫�إىل ال���دول الأخ���رى به���دف حت�س�ي�ن وتطوي���ر‬ ‫اقت�صادياتها‪ .‬الإعفاء م���ن الديون وامل�ساعدات‬ ‫الع�سكرية تعت�ب�ر �أي�ض ًا من �أ�ش���كال امل�ساعدات‬ ‫الر�سمية‪.‬‬ ‫‪ –2‬امل�س��اعدات غ�ير الر�س��مية‪ :‬وه���ي كل‬ ‫تلك الأموال الت���ي يكون م�صدرها غري حكومي‪،‬‬ ‫وت�أخذ �صور ًا متعددة لعل �أهمها‪:‬‬ ‫�أ‌‪ .‬هب���ات وم�ساع���دات وبرام���ج الأف���راد‬ ‫وامل�ؤ�س�سات اخلا�صة ورجال الأعمال واملنظمات‬ ‫اخلريي���ة‪ .‬وق���د بلغ���ت امل�ساع���دات الأمريكي���ة‬ ‫اخلا�ص���ة ‪ 34.8‬مليار دوالر يف عام ‪ 2006‬مقارنة‬ ‫مبتو�سط �سنوي للم�ساعدات الر�سمية الأمريكية‬

‫اليمن وم�ساعدات‬ ‫التنمية اخلارجية‬ ‫�أحمد علي الأح�صب‬ ‫‪alahssab@yahoo.com‬‬

‫‪30‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫�أحمد علي الأح�صب خبري يف التنمية والتعاون الدويل‪ ،‬اليمن‪.‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫يوج���د يف الع���امل �أكرث من ثمانني ممو ًال ومانح ًا ما ب�ي�ن دول ومنظمات حكومية وغري حكومية‪ ،‬وقد قدّم عامل املانحني‬ ‫خ�ل�ال الأربعني �سن���ة املا�ضية ما يزيد ع���ن ‪ 4.1‬تريليون دوالر كم�ساع���دات تنموية‪ .‬ويبلغ �إجم���ايل م�ساعدات التنمية‬ ‫الدولي���ة ‪ 100‬ملي���ار �سنوياً‪ ،‬ويف �سنة ‪ 2008‬قدمت البلدان الغني���ة ‪ 119.8‬مليار دوالر كم�ساعدات خارجية‪ .‬وهو ما يزيد‬ ‫بن�سب���ة ‪ %10‬عن �سن���ة ‪ 2007‬ويعترب ذلك �أكرب مبلغ مت تقدميه خالل �سنة واح���دة‪ ،‬وهو ميثل ‪ %0.47‬من الناجت املحلي‬ ‫الإجمايل للدول املانحة‪ .‬ومع ذلك يظل هذا الرقم �أقل بكثري من الرقم امل�ستهدف من قبل الأمم املتحدة وهو ‪.%0.7‬‬

‫‪ 19‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬التمويل الأجنبي املبا�شر وهو ا�ستثمار خا�ص يف البلدان الأخرى‪.‬‬ ‫ج‪ .‬حتوي�ل�ات املهاجرين والعمال تعت�ب�ر نوع من �أنواع امل�ساعدات غري‬ ‫الر�سمي���ة‪ ،‬واملالح���ظ تزايد �أهمية هذا النوع م���ن امل�ساعدات يف بع�ض‬ ‫البلدان امل�ستقبلة حتى تتج���اوز �أهمية امل�ساعدات الر�سمية املقدمة من‬ ‫احلكوم���ات‪ .‬وقد بلغت تلك التحويالت ما يقارب ‪ 100‬مليار دوالر خالل‬ ‫الثمانينيات والت�سعينيات من القرن املا�ضي‪.‬‬ ‫وميك���ن مالحظ���ة �أن تدفقات الأموال م���ن العامل املتق���دم ب�صورها‬

‫املختلفة قد قفزت خم�س���ة �أ�ضعاف يف بداية هذا العقد عما كانت عليه‬ ‫ع���ام ‪� ،1980‬أي من حوايل ‪ 50‬مليار دوالر �إىل ما يقارب ‪ 300‬مليار عام‬ ‫‪.2002‬‬ ‫ت�أتي امل�ساعدات‬ ‫م�صادر امل�ساعدات‬ ‫بطبيعة احل���ال من الدول الغنية‪ ،‬وهكذا ف����إن دول غرب �أوروبا و�شمال‬ ‫�أمريكا بالإ�ضافة �إىل اليابان و�أ�سرتاليا ودول اخلليج تعترب �أهم املمولني‬ ‫�أو املانح�ي�ن‪ .‬والت�س���ا�ؤل الت���ايل ال���ذي يطرح نف�س���ه �سيكون ع���ن �أكرب‬ ‫م�صادر �أم���وال امل�ساعدات‪ .‬بالن�سبة مل�ساعدات التنمية الر�سمية هناك‬ ‫طريقت�ي�ن لقيا�س من ه���م �أكرب املانحني‪ .‬الطريق���ة الأوىل ‪ -‬وهي �أكرث‬ ‫عدالة ‪ -‬تقي�س م�ساع���دات التنمية التي تقدمها الدول ن�سبة �إىل الناجت‬ ‫املحلي‪ ،‬حيث ي�ستهدف املجتمع الدويل الو�صول بحجم تلك امل�ساعدات‬ ‫�إىل ‪ %0.7‬م���ن الناجت القومي الإجم���ايل للدول‪ .‬ووفق هذا املقيا�س ت�أتي‬ ‫ال�سويد ولوك�سمبورغ والرنويج والدمن���ارك وهولندا على ر�أ�س القائمة‪.‬‬ ‫طريق���ة القيا�س الثانية هي ح�ساب �ص���ايف امل�ساعدات الإجمالية‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا الأ�سا�س ت�أتي الواليات املتحدة ثم اليابان وفرن�سا وبريطانيا و�أملانيا‬ ‫بالتوايل على ر�أ�س القائمة‪.‬‬

‫امل�ستفيدون من امل�ساعدات اخلارجية‬ ‫امل�ساعدة‬ ‫ب�شكل مطلق تقدم ملن هو بحاجة �إليها بطبيعة احلال‪ ،‬ويف �إطار التعاون‬ ‫الدويل فالدول النامية ه���ي من يجب م�ساعدته‪ .‬وبالن�سبة للم�ساعدات‬ ‫الر�سمي���ة‪ ،‬وح�سب �إح�ص���اءات منظمة التع���اون االقت�ص���ادي والتنمية‬ ‫(‪ ،)OECD‬فق���د توجه���ت ‪ %46‬م���ن تل���ك امل�ساع���دات الر�سمي���ة �إىل‬ ‫�أفريقي���ا‪ ،‬بينما ح�صدت الدول الآ�سيوي���ة ‪ ،%35‬ودول �أمريكا الالتينية‬ ‫‪ ،%11‬ودول �ش���رق �أوروبا ‪ .%7‬الحظ �أن التق�سيمات اجلغرافية ال�سالفة‬ ‫ت�ضم تكتالت الدول النامية والأقل منواً‪.‬‬ ‫وعدالة امل�ساعدات لي�ست مو�ضوع ًا مطروح ًا يف �سياق التعاون الدويل‪،‬‬ ‫فهي ال ت�سته���دف بال�ضرورة الدول الأقل من���واً‪ .‬ت�شري الإح�صاءات عن‬ ‫العالق���ة بني ن�صيب الفرد من امل�ساع���دات ون�صيبه من �إجمايل الدخل‬ ‫القوم���ي �إىل �أن امل�ساعدات ب�شكل عام مل تك���ن موجهة �إىل الدول الأقل‬ ‫دخ�ل�اً خالل الأعوام ال���ـ (‪ )25‬املا�ضية‪ .‬وعلى �سبي���ل املثال‪ ،‬فقد بلغت‬ ‫تقديرات امل�ساع���دات الأمريكية لل�شرق الأو�س���ط ‪ 7286‬مليون دوالر يف‬ ‫‪ ،2002‬ولك���ن �إ�سرائي���ل وم�صر ت�ستح���وذان على ‪ %57‬منه���ا‪� ،‬أي ‪4183‬‬ ‫ملي���ون دوالر (�أي ‪ 2580‬ملي���ون و‪ 1603‬ملي���ون على الت���وايل)‪ ،‬وهاتان‬ ‫الدولتان حتم ًا لي�ستا �أفقر دول ال�شرق الأو�سط‪ .‬وعلى الدول التي تعتقد‬ ‫�أنه���ا بحاجة للم�ساعدات اخلارجية �أن تبذل جهود ًا �إ�ضافية ال�ستقطاب‬ ‫تلك امل�ساعدات و�إقناع املمولني الدوليني بق�ضاياها‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪31‬‬


‫ولك���ن �إىل �أي مدى تعتمد الدول النامية عل���ى امل�ساعدات اخلارجية؟‬ ‫تتفاوت الدول امل�ستفيدة يف درجة اعتمادها على امل�ساعدات اخلارجية‪،‬‬ ‫ففي حني متثل امل�ساعدات الر�سمية ‪ %60‬من الناجت القومي يف موزمبيق‬ ‫(‪ )2002‬مث�ل�اً ف�إننا جند تراجع مع���دل ن�سبة االعتماد على امل�ساعدات‬ ‫خ�ل�ال الفرتة بني عامي ‪ 2000‬و‪ 2004‬يف معظم الدول العربية با�ستثناء‬ ‫موريتاني���ا‪ ،‬حيث ال تزال ن�سبة امل�ساع���دات �إىل �إجمايل الدخل القومي‬ ‫يف ح���دود ‪ .%30.6‬وبالن�سبة لليمن فهي بلد غري معتمد على امل�ساعدات‬ ‫الأجنبية‪ ،‬فتقديرات ميزانية ‪ 2009‬ت�شري �إىل �أن املنح ت�شكل فقط ‪%5.1‬‬ ‫من �إيرادات احلكومة و‪ %1.4‬من �إجمايل الناجت املحلي (‪.)GDP‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫�أ�صبحت م�ساعدات التنمية م�صدر ًا‬ ‫متنامي الأهمية للدول الفقرية‬ ‫وال غنى عنه �أحيان ًا‪� ،‬إال �أن ما‬ ‫حتتاجه تلك الدول هو اال�ستثمار‬ ‫يف �إدارة تلك امل�ساعدات‪،‬‬ ‫فم�ساعدات تنمية من دون �إدارة‬ ‫جيدة قد ال تعني �شيئ ًا �سوى �أنها‬ ‫هدر للأموال وكلفة �إ�ضافية على‬ ‫االقت�صاد والأجيال القادمة‬ ‫‪32‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫مفيدة �أم �ضارة؟‬ ‫هل ميكن �أن تكون‬ ‫م�ساع���دات التنمية �ضارة؟ نعم ميكن �أن ت�صبح كذلك‪� .‬أما‬ ‫كي���ف فتختلف الإجابة ح�سب الزاوية التي نقف فيها وننظر‬ ‫للم�س�أل���ة منها‪ .‬ف�إح���دى وجهات النظر ت���رى �أن م�ساعدات‬ ‫التنمية تقود �إىل تف�شّ ي الدكتاتوريات وبقاء الأنظمة الفا�شلة‬ ‫يف الدول النامية جلهة �أنها ت�ساعدهم على اال�ستقرار‪ ،‬وك�أن‬ ‫الأمر �سيك���ون �أف�ضل لو ترك �أولئك احل���كام وتلك الأنظمة‬ ‫الفا�شلة ملواجهة ف�شلهم ال���ذي �سيق�ضي عليهم‪ .‬ومن وجهة‬ ‫نظ���ر قريبة من ذلك‪ ،‬ي���رى البع�ض �أن م�ساع���دات التنمية‬ ‫تق���ود �إىل الإ�ضرار بالنظ���ام ال�ضريبي للدول امل�ستفيدة من‬ ‫حي���ث �أنها ترك���ن �إىل امل�ساعدات الآتية م���ن وراء احلدود‪،‬‬ ‫وال حت���اول تطوير نظامها الإيرادي وال�ضريبي ب�شكل خا�ص‬ ‫وزي���ادة كفاءته كم���ا ينبغي للدول���ة �أن تفع���ل‪ .‬ويظل هناك‬

‫على اليمن �أن تتجنب االنزالق‬ ‫�إىل الو�ضع الذي ت�صبح فيه‬ ‫امل�ساعدات اخلارجية نوع ًا من‬ ‫اال�ستثمار الأمني ملجتمع املانحني‪.‬‬ ‫وهذا للأ�سف هو ما ُيخربنا به‬ ‫امل�شهد احلايل الذي ي�شهد ن�شاط ًا‬ ‫غري م�سبوق يف عالقة اليمن‬ ‫مبجتمع املانحني‬ ‫اتف���اق عام مف���اده �أن الإدارة ال�سيئ���ة للم�ساعدات قد تق���ود �إىل نتائج‬ ‫�سلبي���ة ت�ضر باقت�صادات ال���دول امل�ستفيدة من حيث ت���دري وال تدري‪.‬‬ ‫وعل���ى �سبي���ل املث���ال‪ ،‬فامل�ساعدات الت���ي ت�أتي عل���ى �شكل �سلع���ي وتوزع‬ ‫باملجّ ���ان م�ضرة ب�شكل ال جدال فيه (ونحن هنا ال نتكلم على م�ساعدات‬ ‫الط���وارئ والكوارث)‪ .‬وما ح�صل يف ناميبيا‪ ،‬الدولة الواقعة يف �صحراء‬ ‫جن���وب غرب �إفريقي���ا‪ ،‬من �أو�ضح احلاالت الدالة عل���ى خطورة الإدارة‬ ‫ال�سيئ���ة للم�ساعدات‪ .‬فقد ا�ستفاقت تل���ك الدولة على و�ضع خ�سرت فيه‬ ‫ثروته���ا احليوانية بعد �سنتني من تلقي م�ساعدات اللحوم الأوروبية التي‬ ‫وزعت باملجان‪.‬‬ ‫معظم املخاوف و�أك�ث�ر النقد الذي تواجهه م�ساعدات التنمية ين�صب‬ ‫على م���ا ي�سمى بامل�ساع���دات امل�شروط���ة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا تل���ك القادمة من‬ ‫البنك ال���دويل و�صندوق النقد الدويل‪ .‬و�أهم معايب م�ساعدات التنمية‬ ‫ح�سب االجت���اه النقدي العام هي تلك ال�ش���روط وال�سيا�سات امل�صاحبة‬ ‫لها والتي ت�صاغ يف مكاتب زجاجية خلف �أعايل البحار وبعيدة عن واقع‬ ‫الدول امل�ستفيدة ومن قبل متخ�ص�صني ال يعرفون �شيئ ًا عن واقع احلال‬ ‫ومعطيات اجلغرافيا واالجتم���اع وال�سيا�سة يف الدول التي ي�ستهدفونها‪.‬‬ ‫لق���د ف�شل���ت �سيا�سات امل�ؤ�س�س���ات الدولية يف بع�ض ال���دول التي تدخلت‬ ‫فيه���ا‪ ،‬ولك���ن وللإن�صاف هن���اك اقت�صادات جنح���ت التدخالت فيها‪.‬‬ ‫ف�أين تكم���ن احلقيقة؟ لعل الأمر يقودنا ثاني���ة �إىل الت�أكيد على الإدارة‬ ‫اجليدة مل�ساعدات التنمية واالنتقائية املحرتفة‪.‬‬ ‫�إن اللجوء �إىل م�ساعدات التنمية اخلارجية �سيكون �أمر ًا يف غاية الغباء‬ ‫يف حال كان���ت الدولة ال حتتاجها ويف حال توفرت البدائل‪ .‬فم�ساعدات‬ ‫التنمي���ة يف النهاية ما هي �إال دي���ون �أخالقية ونف�سية قبل �أن تكون ديون ًا‬ ‫مادي���ة على عات���ق الأجيال‪ .‬لكن‪ ،‬ومن زاوية �أخ���رى‪ ،‬ت�صبح م�ساعدات‬ ‫التنمية اخلارجية مهمة وم�صدر ًا ال غنى عنه عندما ال تتوفر الإيرادات‬

‫‪ME Archive‬‬

‫يثار كثري‬ ‫دوافع امل�ساعدات اخلارجية‬ ‫من اجلدل واملناظرات حول م�ساعدات التنمية املقدمة للدول الفقرية‪،‬‬ ‫ورغ���م �أن هن���اك ما ي�شبه الإجماع حول �أهميته���ا‪� ،‬إال �أنه وعندما يتعلق‬ ‫الأم���ر بدوافعها �ستجد ت�شتت ًا وا�ضح ًا حد التناق�ض بني من يرجعها �إىل‬ ‫دواف���ع �إن�سانية وبني من يحي���ل دوافعها �إىل نظري���ة الت�آمر والأجندات‬ ‫اخلفي���ة التي يحملها املانح���ون‪ .‬وكثري م���ن الآراء واحلجج �صادرة عن‬ ‫انطباعات م�سبقة وبع�ضها �صادر عن معلومات ناق�صة‪ ،‬وال يخلو م�شهد‬ ‫اجلدل هذا من مقدار ال ب�أ�س به �سوء الفهم‪.‬‬ ‫يف درا�س���ة �أعدته���ا املفو�ضي���ة الأوروبي���ة ال�ستق�ص���اء �آراء املواطنني‬ ‫الأوروبي�ي�ن حول الدوافع الكامنة وراء م�ساعدات التنمية املقدمة للدول‬ ‫الفقرية �أجاب ‪ %28‬م���ن امل�ستطلعة �آراءهم �أن امل�صلحة القومية للدول‬ ‫املانحة �أهم دوافع تقدمي امل�ساعدات‪ ،‬ونف�س الن�سبة ح�صل عليها الدافع‬ ‫الآخ���ر واملتعلق بامل�ساهم���ة يف اال�ستقرار العاملي‪� .‬أم���ا الدافع الثالث يف‬ ‫ر�أي الأوروبي�ي�ن ف���كان ت�شجي���ع الدميقراطية واحلك���م اجليد (‪.)%22‬‬ ‫وبالن�سب���ة للدافع الرابع فقد كان جتنّب هجرة مواطني الدول امل�ستقبلة‬ ‫للم�ساع���دات �إىل الدول الغني���ة (‪� .)%20‬أما العمل من �أجل عدم توفري‬ ‫بيئة مالئمة للإرهاب فقد كان الدافع اخلام�س يف ر�أي الأوروبيني‪.‬‬ ‫وبالنظ���رة العام���ة‪ ،‬هناك نق����ص يف املعلومات ل���دى كال من مواطني‬

‫ال���دول املتلقية للم�ساعدات ومواطني الدول املانحة‪ .‬ففي الطرف الأول‬ ‫(ال���دول امل�ستفيدة) يوجد تفاوت حد التطرف يف نظرة النا�س لأهداف‬ ‫امل�ساع���دات قد ت�صل بع�ض الآراء حد ال�ش���ك يف دوافع تلك امل�ساعدات‬ ‫وو�صفه���ا بالعمل الت�آمري �ض���د اقت�صادات بلدانه���م �أو ك�أنها جزء من‬ ‫خط���ة امربيالية ل�ضمان ا�ستمرار تف���وق دول ال�شمال‪ .‬يكاد يكون هناك‬ ‫�إجم���اع حول �أحد �أن���واع امل�ساعدات وهي امل�ساع���دات الر�سمية �أي تلك‬ ‫الت���ي تقدمها احلكومات‪ ،‬وه���ذا الإجماع يدور حول فك���رة واحدة وهي‬ ‫�أنه���ا خا�ضعة لالعتبارات ال�سيا�سية‪ ،‬ودوافعها بالأ�سا�س �سيا�سية تتعلق‬ ‫بح�ساب���ات امل�صال���ح القومية لل���دول املانحة‪ .‬وت�ش�ي�ر الإح�صاءات عن‬ ‫العالق���ة بني ن�صيب الفرد من امل�ساع���دات ون�صيبه من �إجمايل الدخل‬ ‫القوم���ي �إىل �أن امل�ساعدات ب�شكل عام مل تك���ن موجهة �إىل الدول الأقل‬ ‫دخ ًال خالل الأعوام الـ (‪ )25‬املا�ضية‪ ،‬مبعنى �أنه مل يتم الأخذ �أو العمل‬ ‫وفق االعتبار اخلا�ص مبدى احلاجة الفعلية لتلك امل�ساعدات‪.‬‬ ‫ال ميك���ن �أن يجم���ع كل �أن���واع امل�ساعدات اخلارجي���ة تو�صيف واحد �أو‬ ‫�إرجاعها �إىل دوافع معينة‪ .‬ولك���ن وباملقابل فالدول امل�ستفيدة يف طلبها‬ ‫�أو قبوله���ا تل���ك امل�ساعدات تنطل���ق يف غالب الأحوال م���ن اقت�صاداتها‬ ‫املتوا�ضع���ة ومواردها املحدودة‪ .‬وميكننا �إيج���از دوافع الدول املانحة يف‬ ‫ث�ل�اث �أن���واع‪ :‬الأوىل �سيا�سية‪ ،‬والثاني���ة اقت�صادي���ة‪ ،‬والثالثة �أخالقية‪.‬‬ ‫الدواف���ع ال�سيا�سي���ة غالب���ة على امل�ساع���دات الر�سمية الت���ي تخرج من‬ ‫خزائن احلكومات املانحة باجتاه احلكومات امل�ستفيدة‪ ،‬وهذه ت�ستخدم‬ ‫ل�شراء مواقف �سيا�سية‪� ،‬أو تبنّي �سيا�سات �أمنية‪ ،‬ولدعم و�ضع �سيا�سي �أو‬ ‫�أيديولوجي���ة معينة‪� .‬أما حزمة الدوافع االقت�صادية فغايتها النهائية هو‬ ‫اال�ستثم���ار يف فتح وتنمية �أ�سواق حمتملة للآل���ة االقت�صادية للمانحني‪.‬‬ ‫احلزم���ة الثالثة تقف �أ�سا�س ًا وراء امل�ساعدات غري الر�سمية (تخرج من‬ ‫م�ص���ادر غري حكومية) وم�ساعدات الطوارئ والكوارث وهدفها وا�ضح‪.‬‬ ‫وب�شكل �إجم���ايل فم�ساعدات التنمية هي نوع من اال�ستثمار يف ال�سيا�سة‬ ‫واالقت�صاد والأخالق‪.‬‬

‫الالزمة والكافية لأي دولة لتمويل براجمها وخططها التنموية‪ ،‬ويف هذه‬ ‫احل���ال على الدول���ة وقبل ال�شروع يف الدخ���ول يف �أي برنامج م�ساعدات‬ ‫�أن متتل���ك فل�سف���ة وا�ضحة ت�ضمن تقدمي �إجاب���ات وا�ضحة ودقيقة على‬ ‫الأ�سئلة التالية‪ :‬هل هي بحاجة �إىل تلك امل�ساعدات؟ ما نوع امل�ساعدات‬ ‫الت���ي حتتاجها؟ كيف �ستدير تل���ك امل�ساعدات بحيث تك���ون م�ساعدات‬ ‫منتج���ة تُ�ضيف �شيئ ًا لالقت�ص���اد؟ ما هي الكيفية الت���ي �س�أعيد للممول‬ ‫�أموال���ه وفوائده���ا يف حال القرو����ض ويح�صل بها عل���ى الر�ضا يف حال‬ ‫الهبات؟‬ ‫لق���د �أ�صبحت م�ساع���دات التنمي���ة م�ص���در ًا متنامي الأهمي���ة للدول‬ ‫الفقرية وال غنى عنه �أحياناً‪� ،‬إال �أن ما حتتاجه تلك الدول هو اال�ستثمار‬ ‫يف �إدارة تل���ك امل�ساع���دات‪ ،‬فم�ساعدات تنمية م���ن دون �إدارة جيدة قد‬ ‫ال تعن���ي �شيئ ًا �س���وى �أنها هدر للأم���وال وكلفة �إ�ضافية عل���ى االقت�صاد‬ ‫والأجيال القادمة‪.‬‬ ‫�أخ�ي�راً‪ ،‬قد يكون م���ن الإن�صاف والواقعية يف نف����س الوقت �أن نلخ�ص‬ ‫امل�شه���د؛ فهن���اك حاجات متنامية لدى الدول الأقل من���و ًا و�أو�ضاع قد ال‬ ‫ت�ت�رك لها خيار ًا �إال اللج���وء �إىل هذا امل�صدر التمويل���ي اخلارجي‪ .‬فما‬ ‫ال���ذي ميكنك عمل���ه عندم���ا ال تتوفر لديك امل���وارد يف ح�ي�ن �أن هناك‬ ‫م�ص���ادر متويل يقدمها الع���امل الغني م�شكوراً؟! وتبق���ى �إمكانية النظر‬ ‫�إىل الأم���ر على الطريق���ة التالية‪ :‬ف�أنت ل�ست جم�ب�ر ًا على �أخذ �أو طلب‬ ‫تلك امل�ساعدات وال ي�ستطيع الط���رف الآخر �إكراهك عليها‪ ،‬ويف اجلهة‬ ‫املقابلة من امل�شه���د يقف الطرف الآخر غري ملزم ب�أن يقدم امل�ساعدة‪.‬‬ ‫ويبقى على ال�سيا�سة والإدارة الناجحة للبلدان النامية �أن تقرر طريقتها‬ ‫يف �إدارة ال�ضرورات واملمكنات‪.‬‬

‫م�ساعدات التنمية اخلارجية لليمن‬ ‫و�صل‬ ‫ن�صيب اليمن من امل�ساعدات الدولية الر�سمية �إىل ‪ 18‬مليار و‪ 840‬مليون‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪33‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫ه��ل اليم��ن بحاج��ة �إىل امل�س��اعدات اخلارجي��ة‬

‫دعونا نتحدث ب�صورة �شديدة الإيجاز عن م�صادر الدخل؛ تواجه البلد‬ ‫م�ش���اكل انخفا�ض متوا�صل للإنتاج النفط���ي (يتوقع �أن تنخف�ض ح�صة‬ ‫احلكوم���ة م���ن الإنت���اج �إىل ‪ 195000‬برميل يومي��� ًا يف ‪ )2010‬م�صحوب ًا‬ ‫بانخفا����ض وع���دم ا�ستقرار �أ�سعار النف���ط‪ ،‬وهو م���ا �أدى �إىل انخفا�ض‬ ‫�إي���رادات البلد بن�سب���ة ‪ %22‬ح�سب تقدي���رات ‪( 2009‬الحظ���وا �أن ثلثي‬ ‫�إي���رادات احلكومة ت�أتي من النفط)‪ ،‬وهذا يقود �إىل عجز مت�صاعد يف‬ ‫امليزاني���ة (قدر يف نف�س الع���ام بـ ‪ .)%13.7‬ي�ضاف �إىل ذلك‪ ،‬وجود خلل‬ ‫يف ال�سيط���رة االقت�صادية نتيجته �إهدار املوارد‪ .‬وح�سب درا�سة جلامعة‬ ‫لين�س���ت يف النم�سا لـ ‪ 145‬بلد ًا ميثل االقت�ص���اد غري الر�سمي (التهريب‬ ‫وخالفه) يف اليمن ‪ %27.3‬من الناجت املحلي الإجمايل‪.‬‬ ‫�إن امل�شه���د االقت�صادي احلايل يقل�ص من اخليارات التي لدى البلد‪،‬‬ ‫وبع����ض تلك اخلي���ارات �ستكون قا�سي���ة من قبيل �إع���ادة النظر يف دعم‬ ‫البنزي���ن الذي ميثل ‪ %14‬من النفق���ات الإجمالية (كما يقرتح �صندوق‬ ‫النقد الدويل)‪.‬‬ ‫�إذن م���ا ال���ذي يجب على اليم���ن فعله‪ ،‬وما هي اخلي���ارات التي �أمامه‬

‫‪Michael Shakes‬‬

‫�أهم معايب م�ساعدات التنمية‬ ‫ح�سب االجتاه النقدي العام هي‬ ‫تلك ال�شروط وال�سيا�سات امل�صاحبة‬ ‫لها والتي ت�صاغ يف مكاتب زجاجية‬ ‫خلف �أعايل البحار وبعيدة عن‬ ‫واقع الدول امل�ستفيدة ومن قبل‬ ‫متخ�ص�صني ال يعرفون �شيئ ًا عن‬ ‫واقع احلال ومعطيات اجلغرافيا‬ ‫واالجتماع وال�سيا�سة يف الدول التي‬ ‫ي�ستهدفونها‬ ‫‪34‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫على الدولة وقبل ال�شروع يف‬ ‫الدخول يف �أي برنامج م�ساعدات‬ ‫�أن متتلك فل�سفة وا�ضحة ت�ضمن‬ ‫تقدمي �إجابات وا�ضحة ودقيقة‬ ‫على الأ�سئلة التالية‪ :‬هل هي‬ ‫بحاجة �إىل تلك امل�ساعدات؟ ما‬ ‫نوع امل�ساعدات التي حتتاجها؟‬ ‫كيف �ستدير تلك امل�ساعدات‬ ‫بحيث تكون م�ساعدات منتجة‬ ‫ُت�ضيف �شيئ ًا لالقت�صاد؟ ما هي‬ ‫الكيفية التي �س�أعيد للممول‬ ‫�أمواله وفوائدها يف حال القرو�ض‬ ‫ويح�صل بها على الر�ضا يف حال‬ ‫الهبات؟‬

‫ملواجه���ة الأزم���ة االقت�صادية؟ هل علين���ا �أن نبد�أ التفك�ي�ر مب�ساعدات‬ ‫التنمية الدولية والتعامل معها بطريقة جادة وجديدة؟ نعم‪ ،‬م�ساعدات‬ ‫التنمية اخلارجية �إىل حد الآن هي �أهم اخليارات املتاحة لنا والأقل كلفة‬ ‫�سيا�سياً‪ ،‬خ�صو�ص ًا واليمن مل ي�ستنفذ ومل يطرق عدد كبري من م�صادر‬ ‫التموي���ل ال���دويل‪ .‬فعدد �شركاءه يف التنمية �صغ�ي�ر حتى الآن وميكن �أن‬ ‫ي���زداد عدده���م‪ .‬و�إذا مل يكن �أمامن���ا يف املدى املنظ���ور �إال اللجوء �إىل‬ ‫امل�ساعدات الدولية فعلينا �أن جنيب م�سبق ًا على �س�ؤالني ب�سيطني‪ :‬ماذا‬ ‫نريد؟ وكيف؟‬ ‫املالحظ حتى الآن �أننا ال منتلك فل�سفة وال منهج خا�ص بنا يف تعاملنا‬ ‫وفهمن���ا مل�ساع���دات التنمي���ة الدولية‪ .‬وعل���ى اليمن �أن تتبن���ى منهجها‬ ‫وفل�سفته���ا الوا�ضح���ة التي توجه وتر�س���م اخلطوط الأ�سا�سي���ة لتعاملنا‬ ‫م���ع م�ساعدات التنمي���ة اخلارجية‪ ،‬وتق���ود �إىل �إع���داد �سيا�سة وخطط‬ ‫تنموي���ة وا�ضحة والت���ي بدورها �ست�سهل عملية ان�ضم���ام �شركاء التنمية‬ ‫اجل���دد وي�سه���ل العمل معه���م‪� .‬إن �أهم م���ا ينبغي لأي �سيا�س���ة نعتمدها‬ ‫ح���ول م�ساع���دات التنمية ه���و �أن عليه���ا‪ ،‬وبالدرج���ة الأوىل‪ ،‬ا�ستهداف‬ ‫القطاع���ات االقت�صادي���ة املُف�ضية �إىل زي���ادة معدالت النم���و‪ ،‬بد ًال من‬ ‫تركيزها عل���ى القطاعات االجتماعية‪ .‬ولتو�ضي���ح تلك الفكرة‪� ،‬سنذكر‬ ‫هن���ا ب�أن م�ساعدات التنمية تواجه الكث�ي�ر من االنتقادات حول جدواها‬ ‫و�ضرورته���ا لل���دول النامية‪ ،‬ولكن �أغل���ب تلك االنتق���ادات ال تدور حول‬ ‫قيمته���ا‪ ،‬ولك���ن ترتكز حول نوعي���ة تل���ك امل�ساع���دات وال�سيا�سات التي‬

‫‪Mikey G Ottawa‬‬

‫دوالر بني عامي ‪ 1970‬و‪ .2004‬وقد تعادلت ح�صتا املنح والقرو�ض خالل‬ ‫تلك الفرتة‪ ،‬وازدادت ن�سب���ة القرو�ض غري امل�شروطة منذ ‪ ،2002‬فمث ًال‬ ‫بلغ���ت تلك الن�سبة ‪ %78‬ب�ي�ن ‪ 2002‬و‪� .2005‬إال �أن ذلك ال يقلل من �أعباء‬ ‫القرو�ض امل�شروطة التي ال تزال ت�شكل رقم ًا يدور حول ‪.%22‬‬ ‫لقد تقل�صت م�ساعدات التنمي���ة املقدمة لليمن حيث انخف�ض ن�صيب‬ ‫الفرد من م�ساعدات التنمية من ‪ 170‬دوالر عام ‪� 1976‬إىل ‪ 12‬دوالر عام‬ ‫‪� ،2004‬ساعد يف ذلك ارتفاع معدل النمو ال�سكاين ولكنها عادت لت�شهد‬ ‫ارتفاع��� ًا وفق ًا لوثيقة �سيا�سة امل�ساع���دات التنموية (وزارة التخطيط)؛‬ ‫فهن���اك زي���ادة يف املع���دل ال�ص���ايف للتموي���ل اخلارج���ي (خ�صو�ص��� ًا‬ ‫امل�ساع���دات) م���ن ن�سبة ‪ % 1.1‬م���ن �إجمايل الن���اجت املحلي (‪ )GDP‬يف‬ ‫‪� 2006‬إىل ‪ % 7.8‬من �إجمايل الناجت املحلي (‪ )GDP‬يف ‪.2010‬‬ ‫وينبغ���ي التنويه �إىل �أنه مهما بلغ حج���م امل�ساعدات التي تلقتها اليمن‬ ‫�إال �أن النظر �إىل الأمر من زاوية �أخرى �سيو�ضح لنا �أن م�ستويات وحجم‬ ‫امل�ساعدات واملعون���ات التي تتلقاها اليمن يقل كثري ًا عن م�ستوى وحجم‬ ‫تل���ك التي تتلقاه���ا الدول الأق���ل منو ًا (اليم���ن �إحدى ال���دول الع�شرين‬ ‫الأق���ل منو ًا يف العامل)‪ .‬يت�ضح ذلك عندما نقارن ن�صيب الفرد من تلك‬ ‫امل�ساعدات‪ ،‬فف���ي حني بلغ ن�صيب الفرد يف اليمن عام ‪ 2004‬حوايل ‪12‬‬ ‫دوالر �أي ما يعادل ‪ %2.2‬من �إجمايل الناجت املحلي (‪ )GDP‬يبلغ متو�سط‬ ‫ن�صيب الفرد يف الدول الأخرى الأقل منو ًا ‪ 33.4‬دوالر �أو ما يعادل ‪%18.7‬‬ ‫من �إجمايل الناجت املحلي‪� .‬إن الدول ذات الأو�ضاع امل�شابهة لليمن تتلقى‬ ‫ما ب�ي�ن ‪� 5‬إىل ‪� 15‬ضعف م���ا يتلقاه اليمن من م�ساع���دات‪ .‬وب�شكل عام‪،‬‬ ‫ووفق��� ًا للأمم املتحدة فاليمن حتتل مرتب���ة متدنية جد ًا يف قائمة الدول‬ ‫الأقل منو ًا التي تتلقي م�ساعدات خارجية‪ ،‬حيث ت�أتي يف املرتبة ‪ 155‬من‬ ‫جمم���وع ‪ 177‬دولة‪ .‬وحتتل املرتبة ‪ 44‬مبتو�س���ط ‪ 3.3‬درجات يف ت�صنيف‬ ‫البن���ك ال���دويل‪ ،‬املبن���ي على ‪ 16‬عام�ل�اً ت�ستخ���دم كمح���ددات قيا�سية‬ ‫لتخ�صي����ص م�ساعدات هيئ���ة التنمية الدولية ‪�( IDA‬إح���دى م�ؤ�س�سات‬ ‫البن���ك الدويل التي تخت�ص بالتعامل مع الدول الأفقر‪ ،‬والتي يبلغ معدل‬ ‫دخل الفرد فيها �أقل من ‪ 750‬دوالر �أمريكي)‪ .‬فاليمن �إذن ال يعترب بلد ًا‬

‫معتم���د ًا عل���ى امل�ساعدات اخلارجي���ة لت�سيري اقت�ص���اده‪ ،‬ووفق ميزانية‬ ‫‪( 2009‬املقدم���ة ملجل�س النواب) فلم متثل املن���ح اخلارجية �سوى ‪%1.4‬‬ ‫من الناجت املحل���ي الإجمايل‪ ،‬ومثّلت فقط ‪ %5.1‬من �إيرادات احلكومة‪.‬‬ ‫فه���ل �سي�ستمر الو�ض���ع بهذا اال�ستقالل الن�سبي ع���ن م�ساعدات التنمية‬ ‫اخلارجية‪.‬‬ ‫ال يتمن���ى �أي بلد يف الع���امل �أن يجد نف�سه معتم���د ًا على معونات الغري‬ ‫لت�سي�ي�ر اقت�صاده �أو �أن متلى عليه �شروط من خارج حدوده اجلغرافية‪.‬‬ ‫ولك���ن م���ا الذي على هذا البل���د عمله �إذا وجد نف�سه م���ن دون موارد �أو‬ ‫مب���وارد تن�ضب م���ع تقدم الوق���ت‪ .‬وعلين���ا �أن نت�ساءل هل م���وارد البلد‬ ‫يف �أعل���ى قيم���ة متفائل���ة تكفي لإح���داث تنمي���ة وتكفل ت�سي�ي�ر اقت�صاد‬ ‫متنامي؟!‬

‫تديره���ا وح���ول القطاعات التي ت�ستهدفها‪ .‬فمث�ل�اً يف الفرتة بني عامي‬ ‫‪ 1980‬و‪� 2004‬أظه���رت الإح�ص���اءات �أن امل�ساع���دات الإمنائية يف اليمن‬ ‫والأردن وفل�سطني وُجّ ه���ت ب�شكل ت�صاعدي على القطاعات االجتماعية‬ ‫م�صحوبة برتاج���ع امل�ساعدات املخ�ص�صة للقطاعات االقت�صادية‪ ،‬وهو‬ ‫م���ا قلل من فر�ص تطوير القاعدة االقت�صادي���ة وحتقيق ن�سب �أعلى من‬ ‫النمو‪ .‬ويف نف�س ال�سياق‪ ،‬ف�إجمايل امل�ساعدات الأمريكية امل�ستهدفة لعام‬ ‫‪ 2010‬مل�صر مث�ل�اً تبلغ ‪ 1552‬مليون دوالر منه���ا ‪ 1300‬مليون م�ساعدات‬ ‫ع�سكري���ة وذلك ميث���ل ‪ %83.7‬من �إجم���ايل تلك امل�ساع���دات‪ ،‬فهل كان‬ ‫الأمر �سي�شكل فرق ًا لو وجهت تلك الأموال لقطاعات �إنتاجية؟‬ ‫وهك���ذا ف����إن مل تكن امل�ساع���دات الت���ي نتلقاها منتجة ف�ل�ا نحتاجها‬ ‫بال�ضرورة‪ ،‬وبالعك�س قد متثل عبئ ًا �إ�ضافي ًا على اقت�صادنا وعلى �أجيالنا‬ ‫القادم���ة (فن�صي���ب الفرد يف اليم���ن من الديون حت���ى الآن ي�صل رقم ًا‬ ‫يتجاوز ‪ 300‬دوالر)‪.‬‬ ‫الأم���ر الث���اين الغاية يف الأهمي���ة لأي �سيا�سة قد نتبناه���ا هو التعامل‬ ‫م���ع �إدارة تلك امل�ساعدات باح�ت�راف‪ ،‬و�إذا ظللنا ندير التنمية بو�سائلنا‬ ‫وطرقن���ا التقليدية غري املعتمدة على التخ�ص�ص واملهارات فلن يكون ما‬ ‫نق���وم به �شيئ ًا غري �إه���دار ملوارد �أخرى‪ .‬على اليمن �أن ي�ستثمر يف �إدارة‬ ‫التنمي���ة و�أال يبخل عليها‪ ،‬ف�إدارة تنمية ناجحة وحمرتفة تعني اقت�صاد ًا‬ ‫متنامي ًا وم�صادر دخل متزايدة‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪35‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫مل‬ ‫معوقات م�ساعدات التنمية يف اليمن‬ ‫تكن ومل تنح�صر امل�شكلة يف اليمن فقط يف �شحة املوارد‪ ،‬ف�إدارة املوارد‬ ‫متثل م�شكلة موازية‪ .‬ورغ���م عدم اعتماد اليمن على م�ساعدات التنمية‬ ‫اخلارجي���ة (فقط ‪ %5‬من الناجت املحلي الإجمايل ع���ام ‪� )2008‬إال �أنها‬ ‫تظل مورد ًا حمتم ًال ميكن اللجوء �إليه يف امل�ستقبل �إذا مل ي�شهد القطاع‬ ‫النفط���ي �أي اكت�شافات معتربة تعوّ����ض التناق�ص امل�ستمر يف �إنتاج البلد‬ ‫م���ن النفط ال���ذي ي�شكل ثلثي الإيرادات‪ .‬ويتوق���ع �صندوق النقد الدويل‬ ‫�أن���ه لن يك���ون �أمام اليم���ن يف امل�ستقبل القريب �س���وى اللجوء �إىل طلب‬ ‫متويالت خارجية‪.‬‬ ‫�إن الغاي���ة التي ت�سع���ي الدول النامي���ة والدول الأقل من���و ًا بلوغها هي‬ ‫�إقن���اع املجتمع الدويل بتقدمي املزيد من امل�ساعدات‪ .‬ولكن زيادة موارد‬ ‫وم�ص���ادر امل�ساع���دات م�س�ألة مرتبط���ة بالفاعلية وكف���اءة املخرجات‪.‬‬ ‫والعالق���ة ت�صاعدي���ة؛ فكلم���ا زادت فعالية و�أثر امل�ساع���دات على �أر�ض‬

‫من �أعجب و�أخطر امل�سائ���ل‪ ،‬وال �أعرف كيف ا�ستوعب البلد ا�ستثمارات‬ ‫م�ش���روع الغاز بب�ضعة مليارات من ال���دوالرات يف ال�سنوات املا�ضية‪ ،‬يف‬ ‫حني عجز االقت�صاد عن ا�ستيعاب مبالغ �أقل من ذلك بكثري حتت حجة‬ ‫الق���درة اال�ستيعابية املحدودة لالقت�صاد‪ .‬ح�سن���اً‪ ،‬ملاذا �إذن طلبنا تلك‬ ‫الأم���وال من الأ�سا�س‪ .‬ومل���اذا ال ميكن تف�سري تردد احلكومة يف ا�ستثمار‬ ‫تلك املخ�ص�صات يف م�شاريع عمالقة للبنية التحتية‪.‬‬ ‫يواج���ه تنفيذ امل�شاريع العديد من ال�صعوب���ات‪ ،‬وهذا م�ؤ�شر �آخر على‬ ‫وج���ود معوقات‪ ،‬والأمر يتفاقم لدرجة خروج �شكوى العديد من املمولني‬ ‫�إىل العل���ن‪ ،‬ولقد كان �أمرّها �شكوى رئي�س البنك الدويل عام ‪ 2004‬عند‬ ‫زيارت���ه لليمن‪ .‬لق���د �أو�ضح بج�ل�اء يف معر�ض �شكواه من ع���دم التزام‬ ‫احلكوم���ة بتعهداته���ا‪ ،‬و�أن البنك ال ميك���ن �أن ي�ستم���ر مب�ساعدة اليمن‬ ‫�إىل م���ا ال نهاي���ة وعل���ى اليمنيني م�ساع���دة �أنف�سهم قب���ل �أن ي�ساعدهم‬ ‫الغ�ي�ر‪ .‬وهك���ذا ب���د�أت احلكوم���ة اليمنية وهيئ���ة التنمي���ة الدولية ‪IDA‬‬

‫ال ميكن �أن يجمع كل �أنواع‬ ‫امل�ساعدات اخلارجية تو�صيف‬ ‫واحد �أو �إرجاعها �إىل دوافع‬ ‫معينة‪ .‬ولكن باملقابل فالدول‬ ‫امل�ستفيدة يف طلبها �أو قبولها‬ ‫تلك امل�ساعدات تنطلق يف‬ ‫غالب الأحوال من اقت�صاداتها‬ ‫املتوا�ضعة ومواردها املحدودة‬ ‫‪Flickr‬‬

‫الواق���ع كلما زادت حواف���ز املمولني لزيادة متويالته���م‪ ،‬لي�س هذا فقط‬ ‫بل ت���زداد عوامل �إغ���راء وت�شجيع ممولني جدد للدخ���ول وامل�ساهمة يف‬ ‫ق�صة النجاح التي تتم يف هذا البلد �أو ذاك‪ ،‬فم�ؤ�س�سات التمويل متعددة‬ ‫الأط���راف ت�ستفي���د �أي�ضاً؛ فنجاحها هنا �أو هن���اك يحفز �أع�ضائها على‬ ‫زيادة م�ساهماتهم فيها‪.‬‬ ‫وهكذا ال ميكن اختزال م�ساعدات التنمية كم�س�ألة عر�ض وطلب وك�أن‬ ‫الأمر فقط �أنه متى وجدت امل�ساعدات ف�إن اال�ستفادة منها تكون م�س�ألة‬ ‫حت�صيل حا�صل‪ ،‬وكما �سبقت الإ�شارة فم�شاكل البلد ال تنح�صر يف �شحة‬ ‫امل���وارد بل يتعدى الأم���ر �إىل �إدارة املوارد‪� .‬إذا مل تكن �إدارة امل�ساعدات‬ ‫كف���وءة وفعالة ف�إن احل�صيلة منه���ا �ستكون ال �شيء �س���وى عبئ ًا �إ�ضافي ًا‬ ‫عل���ى البلد وعلى الأجيال القادم���ة‪ .‬وبالن�سبة لليمن فما هو وا�ضح حتى‬ ‫الآن وقاب���ل للمالحظة هو وجود م�ؤ�شرات ومظاهر ل�شيء ال ي�سري ب�شكل‬ ‫�صحيح‪ .‬و�أحد �أهم امل�ؤ�شرات تلك هي ظاهرة العجز يف ن�سبة ال�سحوبات‬ ‫من القرو�ض وامل�ساعدات اخلارجية (املخ�ص�صات املتاحة)‪ ,‬وهذه تعد‬ ‫‪36‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫مبراجع���ة حقيبة القرو�ض املمنوحة بهدف الوق���وف على املعوقات التي‬ ‫رافقت تنفي���ذ امل�شاريع‪ ،‬و�أدت �إىل تدين م�ست���وى ال�سحب من القرو�ض‬ ‫وامل�ساعدات اخلارجية ‪.‬‬ ‫تتع���دد �أ�شكال ومعوقات م�ساع���دات التنمية اخلارجي���ة يف اليمن من‬ ‫حيث طبيعتها و�أ�سبابها فال يقع اللوم على الطرف اليمني وحده‪ ،‬فقدر ًا‬ ‫حمرتم��� ًا منها يعود �إىل �أ�سباب خارجة عن ال�سيطرة اليمنية‪ ،‬وحتديد ًا‬ ‫�إىل امل�ؤ�س�س���ات املانح���ة‪ .‬وتُ�صنّف املعوق���ات التي تواجهه���ا م�ساعدات‬ ‫التنمية يف اليمن يف ثالث حزم‪:‬‬ ‫احلزم��ة الأوىل‪ :‬معوق��ات نا�ش��ئة ع��ن الأداء الإداري‬ ‫للم�ؤ�س�سات اليمنية‬ ‫• فم���ن وجه���ة نظ���ر املمول�ي�ن‪ ،‬ح�س���ب ا�ستط�ل�اع وزارة التخطيط‬ ‫والتع���اون الدويل عن املعوق���ات التي حتد من فاعلي���ة امل�ساعدات‪ ،‬ف�إن‬ ‫هن���اك �ضعف��� ًا عام��� ًا يف التن�سيق ب�ي�ن امل�ؤ�س�سات احلكومي���ة واختالف‬ ‫�أولوياتها‪ ،‬وعدم التزام م�ؤ�س�س���ات اجلانب اليمني بنظام معني لتقدمي‬

‫طلباتها للمانحني وتن�سيق �ضعيف لتلك الطلبات‪.‬‬ ‫• عدم التزام اليمن بالوفاء بتعهداتها التي تقطعها للمانحني (كما‬ ‫يظه���ر م���ن تقارير البن���ك الدويل مث�ل�اً )‪ ،‬ولعل ذلك يع���ود �إىل �سببني‬ ‫رئي�سي�ي�ن ميكن التفك�ي�ر فيهما‪ ،‬الأول �أن تلك التعه���دات قد تكون ذات‬ ‫كلف���ة �سيا�سية م���ن قبيل رف���ع الدعم ع���ن امل�شتقات النفطي���ة‪ .‬ال�سبب‬ ‫الثاين‪ :‬وجود خلل يف اتخاذ القرارات يف النظام الإداري للبلد‪ ،‬ففقدان‬ ‫ال�سيط���رة عل���ى وحدة القرار هو ما يقود غالب��� ًا �إىل فقدان قدرتنا على‬ ‫الوفاء مبا نقطعه من وعود‪.‬‬ ‫• االفتقاد �إىل نظام دقيق و�شامل للمتابعة والتقييم واملحا�سبة خا�ص‬ ‫بامل�ساعدات‪ ،‬ي�صاحب ذلك �آلية �ضعيفة لتدفق املعلومات وترابطها‪.‬‬ ‫احلزم��ة الثانية‪ :‬معوقات خارجية وترتبط مب�ص��ادر تلك‬ ‫امل�ساعدات‬ ‫• احلجم املتوا�ضع للم�ساعدات املقدمة من جمتمع املانحني لليمن‪.‬‬ ‫�إن ال���دول ذات الأو�ض���اع امل�شابهة لليمن تتلقى ما ب�ي�ن ‪� 5‬إىل ‪� 15‬ضعف‬ ‫م���ا يتلقاه اليمن م���ن م�ساعدات‪ .‬وب�ش���كل عام‪ ،‬ووفق ًا ل�ل��أمم املتحدة‪،‬‬ ‫فاليم���ن حتتل مرتبة متدنية جد ًا يف قائمة الدول التي تتلقي م�ساعدات‬ ‫خارجي���ة حيث ت�أتي يف املرتب���ة ‪ 155‬من جمموع ‪ .177‬واحلجم املتوا�ضع‬ ‫للم�ساعدات بطبيعة احلال يجعل من م�ساعدات التنمية ذات �أثر حمدود‬ ‫يف بلد حتتاج التنمية فيه �إىل تدخالت جذرية ووا�سعة النطاق بتمويالت‬ ‫�أ�ضخم‪� .‬أما �إذا بحثنا عن �أ�سباب هذا التوا�ضع يف حجم تدفقات �أموال‬ ‫التنمي���ة �إىل اليم���ن ف�سيقودن���ا ذل���ك �إىل احلديث عن كف���اءة وقدرات‬ ‫املفاو����ض اليمني‪ ،‬و�سيحيلنا بنف�س القدر �إىل �أجندات املانحني املحملة‬ ‫بكثري من االعتبارات ال�سيا�سية وكم ال ب�أ�س به من ال�شروط‪.‬‬ ‫• عدم انتظام امل�ساعدات‪ ،‬فقد ات�سمت امل�ساعدات التنموية املقدمة‬ ‫للبل���د عموم��� ًا بعدم االنتظام م���ا �أثر �سلب��� ًا يف تخطي���ط وتنفيذ برامج‬ ‫التنمي���ة‪ ،‬و�صاحب ذلك عدم التزام املانح�ي�ن بتعهداتهم‪ .‬كل ذلك قاد‬ ‫�إىل غي���اب �آلي���ة لتوقع ان�سياب امل�ساعدات‪ .‬وال نن�س���ى عام ًال مهم ًا �آخر‬ ‫متعلق بعدم مرونة �سيا�سات و�إجراءات املانحني‪.‬‬ ‫• تراج���ع امل�ساع���دات املخ�ص�صة للقطاع���ات االقت�صادية‪ .‬وح�سب‬ ‫الإ�سك���وا‪ ،‬ف����إن امل�ساع���دات الإمنائي���ة وُجه���ت ب�ش���كل ت�صاع���دي على‬ ‫القطاع���ات االجتماعية (خ�صو�ص ًا بعد تبنّ���ي برنامج الألفية)‪ ،‬وهو ما‬ ‫قل���ل من فر�ص متوي���ل القطاعات االقت�صادية وحتقي���ق ن�سب �أعلى من‬ ‫النمو‪.‬‬ ‫احلزمة الثالثة‪ :‬عوائق متعلقة بالنظام العام‬ ‫• غي���اب فل�سف���ة حمددة خا�ص���ة بالبلد تر�سم اخلط���وط الأ�سا�سية‬ ‫لتعاملن���ا م���ع امل�ساع���دات‪ ،‬ومتثل �إط���ار ًا �سيا�سي ًا اقت�صادي��� ًا ميكن من‬ ‫تقيي���م امل�ساع���دات املختلفة من حي���ث نوعيتها وقطاعاته���ا امل�ستهدفة‬ ‫و�شروطه���ا‪ ،‬ويمُ كّن البلد م���ن معرفة نوعية وم�ص���ادر امل�ساعدات التي‬ ‫ت�شمله���ا طلبات���ه‪ .‬ينبغ���ي �أن حتدد تل���ك الفل�سف���ة �أمن���اط امل�ساعدات‬ ‫املطلوب���ة واملف�ضل���ة‪ ،‬وت�شتم���ل على تو�صيف���ات وت�صنيف���ات و�إجراءات‬ ‫مف�صل���ة ع���ن امل�ساعدات‪ .‬وعل���ى تلك الفل�سف���ة �أو املرجعي���ة �أن تو�ضح‬

‫وت�سبب التف�ضيالت وال�سيا�س���ات والإجراءات‪ .‬فمث ًال ملاذا يعترب تقدمي‬ ‫امل�ساع���دات املبا�ش���رة للموازنة غري ممكن ًا حالي ًا وغ�ي�ر مف�ضل؟ وملاذا‬ ‫نف�ض���ل الدعم امل�ش�ت�رك (بني املانحني) لقطاع م���ن القطاعات؟ وعلى‬ ‫�سبي���ل املثال‪ ،‬وفق ًا ل���وزارة التخطيط ف�إنه «ال يوجد حالي��� ًا �إر�شادات �أو‬ ‫توجيه���ات عاملة عن كيفية ت�صميم �أو عمل امل�ساعدات الفنية يف اليمن‬ ‫ك�أداة م���ن �أدوات امل�ساع���دات‪ ،‬وخا�ص���ة للت�أكد ب�أن امل�ساع���دات الفنية‬ ‫مقدمة بطريقه ت�ضمن زيادة ت�أثري تطوير القدرات»‪.‬‬ ‫• ح�سب وزارة التخطيط‪ ،‬ف�إن وجود التدخالت ال�سيا�سية يعد �أمر ًا‬ ‫معيق ًا �إ�ضافي ًا خ�صو�ص��� ًا عندما يتعلق الأمر‬ ‫املياه يف اليمن‬ ‫بني ال�صراع والتعاون‬ ‫بالتدخل يف و�ضع �أولويات امل�شاريع وطرق التايل‬ ‫بقلم‪ :‬جرهارد لي�شتنثيلر‬ ‫تنفيذها‪.‬‬ ‫• غياب قواعد البيانات (على امل�ستوى‬ ‫الكل���ي والقطاعي للبلد) والت���ي ت�شكل حجر‬ ‫زاوي���ة لي�س فقط لالقت�ص���اد وال�سيا�سة بل يف كل مناحي احلياة يف هذا‬ ‫الع�صر‪ ،‬فهي بو�صلة التنمية و�أداتها‪.‬‬ ‫ذك���ر �أحد التقاري���ر الدولية يف معر�ض حديثه ع���ن فاعلية م�ساعدات‬ ‫التنمية �أن الدول النامية تقود املمولني الدوليني �إىل ال�شك يف م�صداقيتها‬ ‫ويف امل���ردود الذي ينتج ع���ن �أموالهم التي خ�ص�صوها لل���دول النامية‪.‬‬ ‫وذلك ب�سبب عدم وجود قواعد بيانات لل�ش�ؤون العامة وللم�ؤ�س�سات‪ ،‬و�إن‬ ‫وج���دت ف�إنها تكون غري جديرة بامل�صداقية‪ .‬ي�ضرب التقرير مثال على‬ ‫ذل���ك يف �أوغندا‪ ،‬فبني الف�ت�رة ‪ 1991‬و‪ 1995‬كان���ت ال�سجالت الر�سمية‬ ‫ت�ش�ي�ر �إىل �أن الزي���ادة يف ن�سب���ة االلتحاق بالتعليم كان���ت �صفراً‪� ،‬إال �أن‬ ‫م�سح��� ًا حمايد ًا �أظهر زيادة يف ن�سبة االلتحاق بالتعليم و�صلت �إىل ‪%60‬‬ ‫يف تلك الفرتة‪.‬‬ ‫�إن قواع���د البيان���ات ال�سليمة هي بو�صلة التنمي���ة والأمن‪ ،‬وتوفّر املال‬ ‫والوقت واجلهود‪ ،‬و�أهم من ذلك توفّر لنا احلقائق‪ .‬و�أول قاعدة بيانات‬ ‫يج���ب �أن ميتلكه���ا البلد هي ع���ن عنا�صر الدول���ة الرئي�سي���ة (الأر�ض‪،‬‬ ‫ال�س���كان‪ ،‬امل�ؤ�س�س���ات)‪ ،‬بعده���ا ت�أتي �ض���رورة ت�أ�سي�س و�إع���داد قاعدة‬ ‫بيان���ات قطاعي���ة يف كل م�ؤ�س�س���ة و�أخرى خا�صة بامل�ساع���دات يف وزارة‬ ‫التخطيط والتعاون الدويل‪.‬‬ ‫�أخ�ي�راً‪ ،‬على اليم���ن �أن تتجنب االنزالق �إىل الو�ض���ع الذي ت�صبح فيه‬ ‫امل�ساعدات اخلارجية نوع ًا من اال�ستثمار الأمني ملجتمع املانحني‪ .‬وهذا‬ ‫للأ�سف هو ما يُخربنا به امل�شهد احلايل الذي ي�شهد ن�شاط ًا غري م�سبوق‬ ‫يف عالق���ة اليمن مبجتمع املانحني‪ ،‬فالتح���ركات واملبادرات وامل�ؤمترات‬ ‫املتالحق���ة مرتبط���ة بقوة بالو�ض���ع الأمن���ي وبن�شاط تنظي���م القاعدة‪.‬‬ ‫والو�ص���ول بق�ضية امل�ساع���دات اخلارجية �إىل هذا الو�ض���ع ينطوي على‬ ‫كث�ي�ر م���ن املخاط���ر‪ .‬وال ينبغي بالبل���د �أن يجد نف�س���ه ال يعي�ش �إال حتت‬ ‫ظ�ل�ال الق�ضاي���ا واالخت�ل�االت الأمنية‪ .‬عل���ى احلكوم���ة �أن ت�سعى بقوة‬ ‫وبد�أب �إىل �إدخال ق�ضايا االقت�صاد يف هذا امل�شهد‪ ،‬و�إىل جر امل�ساعدات‬ ‫�إىل حظرية االقت�صاد‪ .‬وال ميكن القبول بفكرة غياب �إمكانية العي�ش �إال‬ ‫حتت ظالل ال�سيوف‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪37‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫حتى �آخر‬

‫املياه يف اليمن بني ال�صراع والتعاون‬ ‫تعت�ب�ر اليم���ن من �أقدم احل�ضارات يف العامل الت���ي اعتمدت على نظام الري‪ ،‬فمن���ذ �آالف ال�سنني والفالح اليمني‬ ‫يق���وم بالزراعة امل�ستدام���ة م�ستخدم ًا موارد املياه وم�ساحة الأر�ض املتوفرة‪ .‬وم���ن خالل �آالف املدرجات اجلبلية‪،‬‬ ‫وتقنيات ح�صد املياه املعقدة‪ ،‬و�إدارة مياه ال�سيول و�أنظمة الري الربيعي‪ ،‬ا�ستطاع اليمن توفري لقمة العي�ش ل�شعبه‬ ‫الكبري ن�سبياً‪ .‬لكنه �أ�صبح الآن يف مواجهة كارثة مائية مل ي�سبق له �أن �شهدها من قبل‪.‬‬ ‫جرهارد لي�شتنثيلر‬

‫وتعت�ب�ر بلدان ال�شرق الأو�سط ب�شكل عام منطقة جافة وتعاين من قلة‬ ‫املي���اه‪ ،‬لكن اليمن هو البل���د الذي يربز لكرب حجم م�شكلت���ه املائية‪ ،‬بل‬ ‫�إن���ه من بني البلدان الع�شرة يف العامل التي تعاين من �أقل من�سوب مياه‪،‬‬ ‫حي���ث ت�صل ن�سبة مي���اه ال�شرب املتوفرة يف كثري م���ن مناطقه اجلبلية‪،‬‬ ‫والت���ي يتم عادة �سحبها من الآبار �أو اخلزانات‪� ،‬إىل �أقل من ربع جالون‬ ‫للف���رد يف اليوم‪ .‬كما �أن���ه يتم ا�ستنزاف خزاناته املائي���ة‪� ،‬إىل درجة �أن‬ ‫م�ست���وى املي���اه اجلوفي���ة ينخف�ض م���ن ‪� 10‬إىل ‪ 20‬قدم ًا �سنوي���اً‪ ،‬مهدد ًا‬ ‫القط���اع الزراع���ي وت���ارك ًا املدن الك�ب�رى دون كمية مياه �ش���رب �صحية‬ ‫كافي���ة‪ ،‬في�صبح لزام ًا حفر الكثري من الآبار �إىل عمق ‪� 2.600‬إىل ‪3.900‬‬ ‫ق���دم‪ ،‬وهو العمق الذي يفوق املعايري الدولية كثرياً‪� .‬أي�ض ًا يختلف اليمن‬ ‫ع���ن باقي بلدان �شبه اجلزي���رة العربية نتيجة ت�ض���ا�ؤل �شرعية الدولة‪،‬‬

‫‪38‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ومعار�ض���ة النا�س ال�شديدة للت�شريعات والقوان�ي�ن التي ت�صدرها القمة‬ ‫�إىل القاع���دة‪ .‬ونظر ًا لهذه الأ�سباب‪ ،‬تتبن���ى وزارة املياه والبيئة‪ ،‬بدعم‬ ‫متربع�ي�ن دوليني من بينهم �أملانيا عرب منظم���ة التعاون الفني الأملانية‪،‬‬ ‫ا�سرتاتيجي���ة لإدارة املوارد املائية الالمركزية‪ ،‬وذلك من خالل ت�شجيع‬ ‫امل�ساهم�ي�ن وال�شراك���ة املجتمعي���ة‪ .‬وقد ب���د�أت املحافظ���ات والأحوا�ض‬ ‫املائية والق���رى العمل للحفاظ على املخزون املحلي من م�صدر احلياة‪،‬‬ ‫لكن ال نعلم �إىل �أي مدى ميكن لهذه اجلهود �أن تدر�أ الكارثة‪.‬‬

‫ال�سباق �إىل الأعماق‬ ‫حت�صل الزراعة‬ ‫على ن�صيب الأ�س���د من املوارد املائية يف اليمن‪ ،‬حيث متت�ص ما يقارب‬ ‫‪ .%90‬وقب���ل فرتة ال�سبعينيات كان���ت الأ�ساليب التقليدية حتقق التوازن‬ ‫ب�ي�ن كمية العر����ض والطلب على املياه‪ ،‬غ�ي�ر �أن و�صول الآب���ار الأنبوبية‬ ‫جره���ارد لي�شتنثيلر نال درجة الدكتوراه يف جغرافي���ة املياه من كلية الدرا�سات ال�شرقية‬ ‫والأفريقية‪ ،‬جامعة لن���دن‪ .‬يعمل لي�شتنثيلر يف اليمن لدى املنظمة الأملانية للتعاون الفني‬ ‫(‪ .)GTZ‬والآراء الواردة يف هذه املقالة متثل �آرائه ال�شخ�صية‪.‬‬

‫العميق���ة (الآب���ار الأرتوازي���ة) �أدى �إىل تو�سع غري ع���ادي يف م�ساحات‬ ‫الأرا�ض���ي املزروع���ة‪ ،‬حي���ث زادت خ�ل�ال الف�ت�رة ‪ 2004 - 1970‬م�ساحة‬ ‫الأرا�ضي املعتمدة عل���ى الري ع�شرة �أ�ضعاف‪ ،‬من ‪� 37.000‬إىل ‪407.000‬‬ ‫هكت���ار‪ ،‬و ن�سب���ة ‪ %40‬منه���ا كان���ت تعتمد عل���ى �أحو�ض املي���اه اجلوفية‬ ‫العميق���ة‪ .‬ومن العوامل امل�شجعة على مثل هذا التو�سع �أن �آالف اليمنيني‬ ‫العامل�ي�ن يف اخلارج كانوا ي�ستثمرون حواالته���م املالية يف عملية الري‪،‬‬ ‫ناهيك عن احلوافز التي ت�أتي على �شكل دعم زراعي ودعم للوقود‪ .‬وبد�أ‬ ‫الفالح���ون يقللون من زراعة �أنواع حما�صيل احلنطة املقاومة للجفاف‪،‬‬ ‫يف مقابل الإكثار من زراعة املحا�صيل النقدية كالليمون واملوز‪.‬‬ ‫عالوة عل���ى ذلك‪� ،‬أدى االقت�صاد النقدي النا�شئ �إىل زيادة كبرية يف‬ ‫م�ساح���ات �أرا�ضي زراعة الق���ات – ال�شجرة املنع�شة نوع ًا ما‪ ،‬والتي يتم‬ ‫م�ضغ �أوراقها يف اليمن‪ .‬وتقول التقارير �أن �إنتاج �أ�شجار القات ي�ستهلك‬ ‫ما ن�سبته ‪ %37‬من كمية املياه امل�ستخدمة يف الري‪ .‬كما �أن حقول القات‬ ‫الآن يف �أحوا����ض املناط���ق املرتفعة التي تعاين من �ش���حّ املياه (�صنعاء‪،‬‬ ‫�صعدة‪ ،‬عمران‪ ،‬ذمار) حتتل ن�صف �إجمايل م�ساحة الأرا�ضي املزروعة‪.‬‬ ‫وق���د انخف�ض من�سوب املياه اجلوفي���ة يف هذه املرتفعات ب�شكل كبري �إىل‬ ‫درجة �أنه ال ُيربِّر حتمل تكاليف ت�شغيل و�صيانة �آبار املياه �سوى العائدات‬ ‫املربحة من حم�صول القات‪.‬‬ ‫ويعترب القات م���ن �أهم العوامل امل�ساعدة يف االقت�صاد الوطني‪ ،‬حيث‬ ‫ي�ستفي���د ب�صورة مبا�ش���رة �أو غري مبا�ش���رة من �إنتاجه ونقل���ه وبيعه ما‬ ‫يق���ارب ‪ %15‬م���ن ال�شعب اليمني‪ .‬كم���ا �أن ثلث �إجم���ايل الإنتاج املحلي‬ ‫الزراعي وما ن�سبته ‪ %6‬من �إجمايل الإنتاج املحلي العام ي�أتي من �شجرة‬ ‫الق���ات‪ ،‬وهو م���ا ي�شكل ‪ %10‬م���ن النفق���ات الأ�سرية‪ .‬وله���ذه الأ�سباب‪،‬‬ ‫ونظ���ر ًا حل���ب اليمني�ي�ن لتن���اول �أوراق الق���ات‪ ،‬يعت�ب�ر مو�ض���وع القات‬ ‫مو�ضوع��� ًا �سيا�سي ًا ح�سا�س ًا جداً‪ .‬ومع �أن املعايري الثقافية تعطي الأولوية‬ ‫لل�شرب واالحتياجات املنزلية الأخ���رى‪� ،‬إال �أن �أهمية القات واملحا�صيل‬ ‫النقدية الأخ���رى بالن�سبة لالقت�صاد تعني خ�سارة تلك املدن‪ ،‬على وجه‬ ‫اخل�صو�ص‪ ،‬قطاع الزراعة يف التناف�س على املوارد املائية‪.‬‬ ‫وتتم �أي�ض ًا زراعة القات يف حو�ض �صنعاء‪ ،‬عا�صمة البلد وحمل �إقامة‬ ‫‪ %10‬م���ن ال�شعب اليمني‪ .‬وقد بلغ �إجمايل ع���دد الآبار يف هذا احلو�ض‬ ‫‪ 13.500‬بئ���ر‪� ،‬أغلبها تخ���دم م�صلحة الفالحني يف ح�ي�ن ي�ستمر اختفاء‬ ‫املي���اه‪ .‬ويف الت�سعينيات من القرن املا�ضي فاقت كمية املياه امل�ستخرجة‬ ‫م���ن منطقة جتميع مياه الأمطار كمية املي���اه العائدة من الأمطار ب�أكرث‬

‫من ‪ .%400‬وتقول املعلومات املتوفرة �أن �أمام مياه حو�ض �صنعاء عقدين‬ ‫من الزمن حتى تنتهي‪ ،‬وبالتايل تختفي املحا�صيل املزروعة هناك‪ .‬فثلث‬ ‫الآب���ار (‪ 125‬بئراً) التي تقوم امل�ؤ�س�سة املحلية للمياه وال�صرف ال�صحي‬ ‫التابع���ة للدولة يف �صنع���اء بت�شغيلها لتزويد العا�صم���ة باملياه ت�صل �إىل‬ ‫�أعم���اق ترتاوح بني ‪ 2.600‬و‪ 3.900‬قدم‪ ،‬وبال���كاد تغطي الكمية التي يتم‬ ‫�ضخها من كل تلك الآبار ‪ %35‬من احتياج املدينة املتنامية‪ ،‬ويتم تغطية‬ ‫الف���ارق عن طريق �شبكات مياه �صغرية غري حكومية �أو مئات اخلزانات‬ ‫املتنقل���ة‪ .‬ويف الفرتة الأخ�ي�رة‪ ،‬ونظر ًا لتدهور جودة املي���اه‪ ،‬تكاثرت يف‬ ‫�صنع���اء وغريها م���ن املدن حم�ل�ات تنقية املي���اه غ�ي�ر احلكومية التي‬ ‫ت�ستخدم طريقة “التنا�ضح العك�سي” يف تنقية املياه‪.‬‬ ‫تت�ضم���ن اخليارات امل�ستقبلية لتمويل املياه املطلوبة �ضخ املياه املحالة‬ ‫من البحر الأحمر على بعد ‪ 115‬ميالً‪ ،‬عرب جبال ترتفع �أكرث من ‪9.000‬‬ ‫قدم‪� ،‬إىل العا�صمة التي تقع على ارتفاع ‪ 7.226‬قدم ًا فوق �سطح البحر‪.‬‬ ‫لك���ن تكلفة ال�ضخ ال�ضخم���ة �ستدفع ب�سعر املي���اه �إىل ‪ 10‬دوالرات للمرت‬ ‫املكع���ب (ما يق���ارب ‪ 35‬قدم ًا مكعب���اً)‪ .‬واليمن قد تك���ون على ا�ستعداد‬ ‫لدف���ع هذا الثمن م���ن �أجل اال�ستخ���دام املنزيل‪� ،‬أم���ا بالن�سبة للزراعة‬ ‫فمن امل�ستحيل حتمل التكلف���ة الباهظة لأن تكلفة الكمية املطلوبة للفرد‬ ‫�ست�ص���ل على الأقل �إىل مائة �ضعف‪� .‬أي�ض ًا هن���اك خيار توفري املياه من‬ ‫املناطق املجاورة للعا�صمة‪ ،‬وهو خيار حمفوف بامل�صاعب نظر ًا ملراعاة‬ ‫حقوق امتالك املياه‪ .‬فمع �أن الدين الإ�سالمي يقول �إن املاء هبة من اهلل‬ ‫وال ميك���ن لأحد امتالكه‪ ،‬لكن امتالك الأرا�ض���ي موجود‪ ،‬وعندما يقوم‬ ‫مال���ك الأر����ض بحفر بئر على �أر�ض���ه فهو له احلق يف �ض���خ وا�ستخدام‬ ‫م���ا يريده من مياه يف تلك البئ���ر‪ .‬و�أدى ارتفاع م�ستوى الوعي يف البالد‬ ‫حول �شحة املياه �إىل �سباق نحو الأعماق‪ ،‬كل فرد بنف�سه‪ .‬و�أ�صبح مُالك‬ ‫الآب���ار يحاول���ون احل�صول على م���ا تبقى من هذا امل���ورد الثمني قبل �أن‬ ‫يفعل جريانهم‪.‬‬

‫م�سئولية احلفاظ على املياه من القمة �إىل‬ ‫توج���د يف اليم���ن الي���وم‬ ‫القاع��دة‬

‫م���ا ب�ي�ن ‪ 45.000‬و‪ 70.000‬بئر‪ ،‬معظمها غري حكومي���ة‪ .‬والواقع �أنه لي�س‬ ‫هن���اك رقم م�ؤكد لعدد الآبار لأن جميعها تقريب��� ًا حُ ِف َر دون تراخي�ص‪،‬‬ ‫حي���ث مل يك���ن لزام ًا على �أح���د طلب ترخي�ص �إال من���ذ ‪ 2002‬عندما مت‬ ‫�إ�صدار قانون املياه الوطني الذي يلزم باحل�صول على ترخي�ص للحفر‪،‬‬ ‫بل وحتى لتعميق �أو �إ�صالح البئر املوجودة‪ .‬ومل تفلح اجلهود التي بذلت‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪39‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫‪40‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫اليمن من بني البلدان الع�شرة يف العامل التي‬ ‫تعاين من �أقل من�سوب مياه‪ ،‬حيث ت�صل ن�سبة مياه‬ ‫ال�شرب املتوفرة يف كثري من مناطقه اجلبلية‪،‬‬ ‫والتي يتم عادة �سحبها من الآبار �أو اخلزانات‪،‬‬ ‫�إىل �أقل من ربع جالون للفرد يف اليوم‬

‫م�س��ئولية احلفاظ على املياه من القاعدة �إىل‬ ‫بني ميمون قرية �صغرية و�أهلها من �أ�صل‬ ‫القمة‬

‫واحد‪ ،‬ويف مثل حالتها يعترب االتفاق ال�شفهي حول جتارة املياه اجلوفية‬ ‫كافي��� ًا وملزم���اً‪ .‬ويف حال���ة ال�صراعات الأخ���رى على م���وارد املياه تلج�أ‬ ‫املجتمع���ات القبلي���ة �إىل كتابة م���ا يتو�صلون �إليه من اتفاق���ات‪ ،‬ي�سمونه‬ ‫“املرق���وم” بالعربية‪ .‬وتعترب قرية هجرة املنت�صر‪ ،‬الواقعة على ارتفاع‬ ‫‪ 9.842‬قدم ًا فوق �سطح البحر يف املنطقة الغربية من جممع مياه حو�ض‬ ‫عم���ران‪ ،‬من الأماكن التي تعر�ضت فيه���ا موارد مياه ال�شرب املهمة �إىل‬ ‫تهديد حفر الآبار‪.‬‬ ‫وعندم���ا زرتُ هج���رة املنت�صر ع���ام ‪ 2007‬كانت مع���دات احلفر ت�سد‬ ‫الطري���ق اجلبل���ي ال�ضي���ق‪ ،‬وجتمَّع حول تل���ك املعدات الثقيل���ة مُزارعي‬ ‫القات وك�أنه���م يحمونها‪ .‬ويف جرف يعلو املوق���ع‪ ،‬متركز خم�سون رج ًال‬ ‫كان بع�ضه���م يحم���ل ر�شا�شات من ن���وع ‪ .AK-47‬وبدا الأم���ر وك�أن كال‬ ‫الفريق�ي�ن كانا يف انتظار و�صولنا‪ ،‬حيث خفّت حدة التوتر عندئذٍ ‪ ،‬ونزل‬ ‫بع�ض املتمركزين لتقدمي وجهة نظرهم‪ .‬وكان املزارعون‪ ،‬اليائ�سون �إثر‬ ‫جفاف �أحد �آبارهم م�ؤخراً‪ ،‬على و�شك البدء يف احلفر عميق ًا يف احلجر‬ ‫اجل�ي�ري‪� .‬أما القروي���ون من �أبناء هج���رة املنت�صر فقد كان���وا يخ�شون‬ ‫�أن ي����ؤدي �ضخ املزيد م���ن املياه اجلوفية �إىل الق�ض���اء على منبع مائهم‬ ‫ال�صغ�ي�ر‪ ،‬وهو امل�صدر الوحي���د ملياه ال�شرب التي ت�سق���ي ‪ 700‬فرد من‬ ‫�أبناء القرية‪ .‬ولهذا قاموا بح�شد رجالهم ملنع احلفر‪ ،‬واتهموا املزارعني‬ ‫ومالك �آالت احلفر بعدم احل�صول على ترخي�ص �شرعي‪.‬‬ ‫وبع���د �أن �أقلتن���ا ال�سيارة عرب طريق ق�صري ووع���ر �إىل القرية‪ ،‬وجدنا‬ ‫الن�ساء والأطفال يحملون الع�شرات من �أواين املاء الفارغة ويقفون على‬ ‫ط���ول الطريق القريبة من املنبع‪ ،‬حاملني رايات معار�ضة ملفتة لالنتباه‬ ‫�أعده���ا تالمي���ذ املدار�س‪ ،‬وكان مكت���وب على �أحد تل���ك الرايات عبارة‬ ‫“نحن نحملكم م�سئولية م�ستقبلنا” باللغة العربية‪.‬‬ ‫ومبج���رد اال�ستطالع ال�سريع ات�ضحت خطورة املوقف‪ .‬فتم توزيع مياه‬ ‫النب���ع بعناي���ة‪ ،‬و�أح�ضر �صالح املنت�ص���ري‪� ،‬أحد �أعي���ان املنطقة‪ ،‬وثيق ًة‬ ‫تن����ص عل���ى ن�صيب كل �أ�سرة م���ن املاء – تقريب��� ًا جالونني ون�صف لكل‬

‫(‪Gavin Hales (YAVA‬‬

‫لت�سجي���ل ع���دد الآبار املوجودة قب���ل �أن ي�صبح القانون �س���اري املفعول‪ .‬املهتم�ي�ن‪ .‬ويتم عقد لقاءات كل �شهرين ملناق�شة الق�ضايا املتعلقة باملياه‬ ‫ويخ�شى الفالح���ون �أن عملية ت�سجيل الآبار �ست�ؤدي يف النهاية �إىل قيام ومراجعة التطبيقيات اجلديدة يف عملية حفر الآبار‪.‬‬ ‫الدولة بتحديد كمية املياه التي يحق لهم �ضخها‪ ،‬ومن ثم حتديد حقوق‬ ‫وال �ش���ك �أن م���وارد املي���اه املت�ضائلة مدع���اة للقل���ق يف �أو�ساط كل من‬ ‫ال�ضخ وفق ًا مل�ساحة الأر�ض التي ميتلكونها ويزرعونها منذ عهود طويلة‪،‬‬ ‫�أع�ض���اء جلن���ة احلو�ض واملزارعني يف املنطقة‪ ،‬فهن���اك �أكرث من ‪2.600‬‬ ‫وبالت���ايل ف�إن الفالح الذي ميتلك ع���دد ًا من الآبار على م�ساحة �صغرية م�ضخة ت�ستفي���د من خمزون املياه اجلوفي���ة ال�ضئيلة يف منطقة جتميع‬ ‫من الأر�ض �سيح�صل على حقوق ل�ضخ املياه �أقل من الفالح الذي ميتلك‬ ‫املياه‪ ،‬وهو ما ي�ؤدي �إىل حفر الآبار �إىل �أعماق ممنوعة ال تقل عن ‪1.200‬‬ ‫بئر ًا واحدة �أو ال ميتلكها على م�ساحة �أر�ض �أكرب‪.‬‬ ‫ق���دم يف بع�ض املناطق‪ .‬وخالل الفرتة ‪ 2005 – 1991‬كان البد من تعميق‬ ‫وقد �شهد عام ‪ 2003‬ت�أ�سي�س وزارة املياه والبيئة‪ ،‬ومت تخويلها الإ�شراف معظ���م الآب���ار املوجودة مبعدل ‪ 295‬قدم���اً‪ .‬ويف نف�س الوق���ت قل موفور‬ ‫عل���ى �إدارة امل���وارد بالإ�ضافة �إىل املي���اه وال�صرف ال�صح���ي يف الريف الآب���ار‪� ،‬أي كمي���ة املياه التي تتوفر كل ثانية‪ .‬وخ�ل�ال هذه الفرتة نف�سها‬ ‫وامل���دن‪� .‬أم���ا م�سئولية �أكرب م�ستهلك للمي���اه – الزراعة – فهي ال زالت زاد ع���دد الآبار مبع���دل ‪ %126‬يف حني مل يرتفع من�س���وب خمزون املياه‬ ‫م�سئولي���ة وزارة الزراعة وال���ري التي تركز كثري ًا على كفاءة الري وبناء �سوى بن�سبة ‪.%26‬‬ ‫ال�سدود‪ ،‬و�إدارة منطقة م�ستجمع املياه‪ .‬كما �أن معدل اال�ستهالك نف�سه‬ ‫وعندما يكت�شف القرويون‪ ،‬ممن �أ�صبحوا يدركون فع ًال احلاجة للعمل‬ ‫ما زال مهم�ل�اً يف القطاع الزراعي‪ .‬ويف �شباط‪/‬فرباير ‪ 2007‬مت تقدمي اجلماع���ي‪� ،‬أن���ه مت حفر �أكرث م���ن مائة بئر معظمها م���ن دون ترخي�ص‬ ‫م�ش���روع قانون �سيمن���ع‪� ،‬إىل جانب �أ�شياء �أخ���رى‪ ،‬ا�ستحداث �أي زراعة خ�ل�ال ع���ام ‪� 2009‬سي�ست�شيطون غ�ضب���اً‪ .‬ويزرع و�ص���ول معدات احلفر‬ ‫للق���ات يف �سهول املرتفعات اخل�صبة‪ .‬لكن مت �إرجاء مناق�شته يف جمل�س ب���ذور الفتنة ب�ي�ن املزارعني والقرويني الذين يعرب���ون عن قلقهم للجنة‬ ‫النواب �إىل �أجل غري م�سمى‪.‬‬ ‫احلو����ض‪ .‬ويعترب بكر علي بك���ر – وكيل املحافظة ورج���ل القبيلة الذي‬ ‫وقب���ل ذلك يف عام ‪ 2005‬كان قد مت اتخاذ خط���وة جبارة �إىل الأمام‪ ،‬يتوىل �أعم���ال اللجنة اليومية – �أحد املفاو�ض�ي�ن الأ�سا�سيني يف تلطيف‬ ‫وه���ي تبني �إ�سرتاتيجية وطنية وبرنامج ا�ستثم���ار لقطاع املياه‪� .‬إذ ت�ؤكد �أزمة املياه يف حو�ض عمران‪.‬‬ ‫الإ�سرتاتيجية على جعل �إدارة املياه المركزية‪ ،‬و�إعطاء بع�ض ال�صالحيات‬ ‫وتقب���ع على قمة ب���ركان غري ن�شط قري���ة بني ميمون‪ ،‬وه���ي تعود �إىل‬ ‫جلهات متخ�ص�صة على امل�ستوى املحلي‪ ،‬مثل جمعيات م�ستخدمي املياه مديرية عيال �سريح‪ ،‬موطن قبيلة بكيل ومنطقة جممع مياه الأمطار بني‬ ‫وجل���ان الأحوا�ض‪ ،‬وخا�ص���ة ال�صالحيات املتعلقة بو�ض���ع خطط العمل حو�ضي �صنع���اء وعمران‪ .‬وتعترب الرتبة الربكاني���ة هي الأن�سب لزراعة‬ ‫املحلي���ة وتنفيذها‪ .‬ومن‬ ‫�أجود �أنواع القات‪ ،‬ال�شجرة‬ ‫�أه���م نتائ���ج ذل���ك خلق املعايري الثقافية تعطي الأولوية لل�شرب واالحتياجات املنزلية التي تو�سّ عت زراعتها كثرياً‪.‬‬ ‫تعاون �أكرث ب�ي�ن وزارتي الأخ��رى‪� ،‬إال �أن �أهمي��ة الق��ات واملحا�ص��يل النقدي��ة الأخ��رى وغالب ًا ما تق���وم اجلرافات‬ ‫املي���اه والزراع���ة‪ ،‬فم���ن بالن�س��بة لالقت�ص��اد تعني خ�س��ارة قطاع الزراع��ة يف التناف�س بت�سوية املنحدرات من �أجل‬ ‫خالل املراجعة ال�سنوية‬ ‫ا�ست�صالح حق���ول جديدة‪،‬‬ ‫املائية‬ ‫املوارد‬ ‫على‬ ‫امل�شرتكة تقوم الوزارتان‬ ‫وم���ن ثم يت���م جل���ب الكثري‬ ‫ومرافقهم���ا الر�سمي���ة‬ ‫م���ن الرتب���ة الإ�ضافي���ة عن‬ ‫بتقيي���م م�ستوى التقدم املحق���ق يف جمال املياه‪ .‬ومب���ا �أن م�سئولية بناء بع���د لتعبئة املدرج���ات امل�ست�صلح���ة‪ .‬ويف ظل قلة هط���ول الأمطار غري‬ ‫ال�س���دود وحت�س�ي�ن �أنظمة الري ال زال���ت تقع على عات���ق وزارة الزراعة املتوقع���ة‪ ،‬والتي ال تزيد عن �ست بو�صات �سنوياً‪ ،‬البد من نقل مياه الري‬ ‫وال���ري‪ ،‬ف�إن���ه مطلوب م���ن الوزارة تق���دمي تقييم للآث���ار املحتملة حتى ع�ب�ر الطرقات الوع���رة با�ستخ���دام ال�شاحنات الكب�ي�رة‪ .‬والنتيجة هي‬ ‫تتف���ادى ح���دوث خل���ل يف ت���وازن املي���اه وت�ضم���ن امل�شارك���ة املحلية من‬ ‫وج���ود �س���وق مياه جديد فقط م���ن �أجل زراعة الق���ات‪ .‬ويف مطلع ‪2007‬‬ ‫البداية‪.‬‬ ‫�أ�شع���ل ارتفاع �سع���ر مياه الري �صراع ًا �أظهر خِ َ�ص���ال املجتمع‪ .‬فقد بد�أ‬ ‫يقع حو�ض عمران على م�ل�اك الآب���ار من �أهل الق���رى بفر����ض ‪ 5.000‬ريال مين���ي (‪ 25‬دوالراً)‬ ‫حو�ض عمران‬ ‫بعد ‪ 30‬مي ًال �شمال �صنعاء‪ ,‬وعلى ارتفاع ‪ 6.560‬قدم ًا فوق �سطح البحر‪ .‬مقاب���ل ح�صة ملدة �ساعة تعمل فيها امل�ضخة على �سحب مياه الري‪ .‬وقد‬ ‫ويف ‪� 2008‬شكلت املحافظة جلنة حو�ض عمران برئا�سة املحافظ من �أجل كان املبل���غ املتعارف عليه قبل ذلك الوقت يف �أو�ساط الفالحني الذين ال‬ ‫تنظيم عملية ا�ستخدام املياه‪ .‬كما �ضمت ع�ضوية اللجنة ك ًال من مدراء ميتلكون �آبار ًا هو ن�صف هذا املبلغ (�أي ‪ 2.500‬ريال)‪ .‬لكن مالك الآبار‬ ‫املديري���ات التي ت�شكل احلو�ض‪ ،‬وممثلني من الوزارات واجلهات املعنية مل يلتزموا بهذا‪ ،‬وكانت حجتهم �أن طوابري ناقالت املياه امل�صطفة �أمام‬ ‫باملياه والزراعة‪ ،‬وقائد ال�شرطة املحلي‪ ،‬وكذلك الفالحني وغريهم من الآب���ار تُ�سوّغ الزيادة يف ال�سعر؛ فباتوا “جتار مياه” يتكيفون مع ظروف‬

‫الأ�سواق النا�شئة‪.‬‬ ‫ويف احل���ال و�صل خ�ب�ر الن���زاع �إىل م�سامع بكر علي بك���ر‪ ،‬فا�ستدعى‬ ‫�أعيان القبائل والقرويني وطلب منهم التو�صل �إىل �إجماع قبلي‪ .‬وتو�صلوا‬ ‫�إىل �أن���ه ال يجوز ملالك الآب���ار تعبئة الناقالت لري حق���ول القات خارج‬ ‫منطقتهم‪ ،‬ومت تثبيت �سعر ح�صة ال�ساعة من املياه على ال�سعر ال�سابق‪.‬‬ ‫وق���د قال بكر‪� :‬إن���ه غالب ًا يتم االلت���زام من قبل �أف���راد املجتمع مبا يتم‬ ‫االتفاق عليه من �ضوابط؛ وعندما حاول �أحد مالك الآبار خرق االتفاق‬ ‫ق���ام رجال من بني ميمون ب�إط�ل�اق الر�صا�ص على �إطارات ناقلة املياه‪،‬‬ ‫وهذا و�ضع حد ًا لتجارة املياه‪.‬‬

‫�شخ����ص يف اليوم‪ .‬وكان علي‪ ،‬حار�س بواب���ة اخلزان‪ ،‬يقوم بعناية بالغة‬ ‫مبراقب���ة وت�سجي���ل كمية املياه الت���ي تخرج من اخل���زان امل�سقوف الذي‬ ‫يغذيه النبع اجلبلي‪.‬‬ ‫وب���د�أت معاناة �أ�صحاب الق���ات تظهر عندما قام �أبن���اء قرية القرين‬ ‫مبن���ع االتجّ���ار مبي���اه الآبار املحلي���ة وبيعها مل���ن ي�أتوا من اخل���ارج‪ ،‬ومت‬ ‫�صياغة “مرقوم” موقّع من �أعيان القرية لتنظيم تفا�صيل ذلك العقد‪.‬‬ ‫وق���د انخف�ض من�س���وب املي���اه اجلوفية املحيط���ة بقرية القري���ن ب�شكل‬ ‫ملح���وظ‪ ،‬م���ا �أثار املخ���اوف حول م�ستقب���ل املنطقة‪ .‬ويف نف����س الوقت‪،‬‬ ‫كانت الأ�سر امل�ؤثرة يف املنطقة تقوم بحفر �آبار جديدة وبيع املياه ملُالك‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪41‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫يحتاج اليمن �إىل �إثبات‬ ‫القدرة على التكيّف‬ ‫على امل�ستوى الوطني‪.‬‬ ‫وقد بد�أ التخطيط‬ ‫لعقد نقا�ش وطني حول‬ ‫املياه يف مطلع عام ‪،2011‬‬ ‫ي�شارك فيه الرئي�س‬ ‫و�صنّاع القرار الكبار‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫وميثل هذا امل�ؤمتر‬ ‫اختبار ًا حا�سم ًا للإرادة‬ ‫ال�سيا�سية‬

‫‪42‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪2010‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2011‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫الناق�ل�ات الذي���ن ينقلونه �إىل مزارع القات اجلدي���دة يف مناطق �أخرى‬ ‫�إىل جانب احلقول املوجودة بقرب هجرة املنت�صر‪ .‬وعندما �أ�صبح قرار‬ ‫املنع �ساري املفع���ول‪ ،‬قرر مزارعو القات املحاولة مرة �أخرى حلفر �آبار‬ ‫جدي���دة‪ .‬وعند �سم���اع ذلك اخلرب �أر�س���ل �أهايل هج���رة املنت�صر وفد ًا‬ ‫مفو�ض ًا �إىل بكر علي بكر‪.‬‬ ‫وبع���د ع���دة �أ�سابيع من املفاو�ض���ات‪ ،‬اتفق الطرفان عل���ى قبول نتيجة‬ ‫وتو�صي���ات درا�سة فنية حكومية‪ .‬وكانت �أط���راف النزاع تلتقي يف موقع‬ ‫مع���دات احلف���ر ع���دة م���رات‪ ،‬وحت���ول حم���ور نقا�شاته���م تدريجي ًا من‬ ‫اجلوانب الفنيّة �إىل الإدارة امل�ستدامة ملوارد مياه القرية‪.‬‬ ‫ويف ربيع ‪ 2009‬متت دعوتي للعودة لتد�شني م�شروع يف القرية ال�صغرية‪،‬‬ ‫وكانت هي الزيارة الأوىل بالن�سبة لوكيل املحافظة وبع�ض ال�شخ�صيات‪،‬‬ ‫وذب���ح �أهايل هج���رة املنت�صر ثورينِ بهذه املنا�سب���ة‪ ،‬وا�صطفت الرايات‬ ‫للرتحي���ب بال�ضي���وف‪ .‬وكان اخل�ب�ر ال�س���ار ه���و توقّ���ف عملي���ة احلفر‪.‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬قامت كل �أ�سرة ببناء خزانات ال�صرف ال�صحي من‬ ‫�أجل حت�س�ي�ن الظروف ال�صحية عموماً‪ .‬وق���ام منظمو املجتمع العاملني‬ ‫ل���دى ال�صندوق االجتماعي للتنمية بعدد من الزيارات لن�شر الوعي حول‬ ‫فوائد حت�سّ ن �أو�ضاع النظافة‪.‬‬ ‫لك���ن �أي�ض ًا كانت هناك �أخبار �سيئة‪ .‬فعندما قام علي – حار�س خزان‬ ‫املي���اه – بفتح البوابة احلديدية التي ت�صدر �صري���ر ًا عالياً‪ ،‬اندفع نحوه‬ ‫ع���دد من ن�ساء القرية يحملن �أواين بال�ستيكية �صفراء فارغة‪ ،‬لكن علي‬ ‫�ص���رخ قائالً‪“ :‬لي����س هناك ماء اليوم – ارجع���ن �إىل منازلكن”‪“ .‬غد ًا‬ ‫ال�صب���اح �إن �ش���اء اهلل”‪ .‬وال�سب���ب �أن تدف���ق املياه اليومي م���ن النبع قد‬ ‫ت�ضاءل‪ ،‬وانخف�ض ن�صيب الفرد من جالونني ون�صف �إىل جالون وربع‪ .‬وال‬ ‫يعلم �أحد م���ا �إذا كان �سبب االنخفا�ض‪ :‬االفتقار امل�ؤقت لهطول الأمطار‬ ‫�أم التغري املناخي الدائم‪ .‬وقال �صالح املنت�صري‪« :‬ال�شيء الأكيد هو �أنه‬

‫برعاية كرمية من فخامة الأخ الرئي�س‪/‬‬ ‫ينظم مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬

‫ل���وال دعمك ملنع احلف���ر قبل �سنتني لألقينا باللوم عل���ى مُزارعي القات‪.‬‬ ‫وحلدثت م�شاكل وخالفات‪ ،‬يعلم اهلل ما هي نهايتها»‪.‬‬

‫�أي �شُ ��حٍّ ه��و؟‬ ‫تتعام���ل املجتمع���ات‬ ‫املحلي���ة – كقرية هجرة املنت�صر – برباعة م���ع نبعهم املتال�شي‪ .‬وبلغة‬ ‫عل���م االجتماع‪ ،‬فه���م ميتلكون “قدرة قوية على التكيّ���ف”‪ ،‬والتي تُعرف‬ ‫ب�أنه���ا جمموع امل���وارد االجتماعية املتاحة ملواجهة �ش���ح املوارد الطبيعية‬ ‫املتزاي���د‪ .‬ويُفرّق علم���اء االجتماع متام ًا بني “الدرج���ة الأوىل” من �شح‬ ‫املوارد الطبيعية وبني ت�ضا�ؤل القدرة على التكيّف من “الدرجة الثانية”‪.‬‬ ‫فالأخ�ي�ر‪ ،‬بح�سب طوين �آالن بجامعة لندن و�أح���د �أبرز خرباء العامل يف‬ ‫املي���اه‪ ،‬يعت�ب�ر عام ًال �أكرث حتدي���د ًا للنتائج‪ .‬وتطوير �آلي���ات التكيّف على‬ ‫م�ستوى املجتمع املحلي هي خطوة يف االجتاه ال�صحيح‪.‬‬ ‫لكن �آليات التعامل هذه لي�ست كافية حلل م�شكلة �أزمة املياه يف اليمن‪.‬‬ ‫فينبغ���ي معاجلة الإ�شكالي���ات البنيوي���ة‪ ،‬ومن بينها ا�ستن���زاف خمزون‬ ‫املي���اه لري حق���ول املحا�صيل النقدي���ة مثل القات‪ .‬وكما �أك���د كري�ستوفر‬ ‫وارد‪ ،‬حمل���ل ق�ضاي���ا املي���اه يف اليم���ن منذ وق���ت طويل‪ ،‬ف����إن «منهجية‬ ‫الالمركزي���ة وال�شراكة ميكن �أن ينظر �إليها باعتبارها عنا�صر ممار�سة‬ ‫احلد من ال�ض���رر التي تهدف �إبطاء معدل ن�ض���وب املوارد‪ ،‬حتى يك�سب‬ ‫اليم���ن وقت ًا كافي ًا لتطوير مناذج اقت�صادي���ة �أقل اعتماد ًا على ا�ستخراج‬ ‫املي���اه»‪ .‬وبكلم���ات �أخرى‪ ،‬يحتاج اليم���ن �إىل �إثبات الق���درة على التكيّف‬ ‫عل���ى امل�ستوى الوطني‪ .‬وقد بد�أ التخطيط لعق���د نقا�ش وطني حول املياه‬ ‫و�صنّاع القرار الكبار‪ .‬وميثل‬ ‫يف مطل���ع عام ‪ ،2011‬ي�شارك فيه الرئي����س ُ‬ ‫ه���ذا امل�ؤمتر اختبار ًا حا�سم ًا للإرادة ال�سيا�سي���ة‪� ،‬إذ يتعني على الطبقة‬ ‫ال�سيا�سية يف اليم���ن �إعطاء �أولوية ق�صوى لتطوي���ر اخليارات والبدائل‬ ‫الناجع���ة حل���ل م�شكل���ة الزراعة حت���ى ال ينزل���ق البلد �إىل م���ا يعرف بـ‬ ‫“الكارثة املالتو�سية”‪.‬‬

‫بالتعاون مع وزارة املياه والبيئة‪ ،‬ووزارة الزراعة والري‪ ،‬وال�صندوق االجتماعي للتنمية‪،‬‬ ‫وباال�شرتاك مع املكتب الأملاين للتعاون الفني ‪GTZ‬‬

‫امل�ؤمتر الوطني لإدارة وتنمية املوارد املائية يف اليمن‬ ‫واملقرر انعقاده يف �صنعاء‪ 17 – 15 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪2011‬‬

‫حمـاور امل�ؤمتــر‬ ‫املحور الأول‪ :‬املوارد املائية يف اليمن‪ :‬الأو�ضاع والتحديات‪.‬‬ ‫املحور الثاين‪ :‬الإدارة املتكاملة للموارد املائية‪.‬‬ ‫املحور الثالث‪� :‬إ�سرتاتيجيات و�سيا�سات و�إجراءات �إدارة وتطوير املوارد املائية‪.‬‬ ‫للمزيد من املعلومات‪ ،‬الرجاء التوا�صل مع من�سقة امل�ؤمتر‪:‬‬ ‫�سهري عاطف‪ ،‬مديرة وحدة الدرا�سات االجتماعية‪ ،‬مبركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫هاتف‪ +967-1-682144 :‬حتويلة (‪)113‬‬

‫فاك�س‪+967-1-677879 :‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪suhair@shebacss.com :‬‬

‫�أو تف�ضلوا بزيارة املوقع الإلكرتوين للم�ؤمتر‬

‫�ضمن موقع املركز على الرابط‪www.shebacss.com/water :‬‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫هاتف‪ +967-1-682144 :‬فاك�س‪+967-1-677879 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب‪� 16822 :‬صنعاء ‪ -‬اجلمهورية اليمنية‬ ‫‪www.shebacss.com‬‬

‫‪E-mail: info@shebacss.com‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪43‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫املنجل‬ ‫واملئذنة‬ ‫ُخلفاء الأحزاب ال�شيوعية يف اليمن‬ ‫و�أفغان�ستان بعد احلرب الباردة‬

‫(‬

‫جون �إ�شياما‬

‫‪44‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫جون �إ�شياما مدير برنامج رونالد �إيه ماكنري‪ ،‬و�أ�ستاذ العلوم‬ ‫ال�سيا�سية يف ق�سم االجتماع بجامعة ترومان �ستيت الأمريكية‪.‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫تتن���اول هذه الورق���ة تطور احلزب�ي�ن احلاكم�ي�ن املارك�سيني‪-‬الليني�ي�ن الوحيدين �سابق��� ًا يف العامل‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬وهما احلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين (حزب الوطن) واحلزب اال�شرتاكي اليمني‬ ‫بع���د انهيار االحتاد ال�سوفيت���ي‪ .‬حيث تقوم الورقة بتتبع تطورهما التاريخ���ي وقدرتهما على الت�أقلم‬ ‫مع متغريات ظروف «عامل حقبة ما بعد احلرب الباردة» الذي حقق فيه احلزب اال�شرتاكي اليمني‬ ‫جناح��� ًا �أك�ب�ر من نظريه الأفغ���اين‪ ،‬وذلك نظر ًا للكثري م���ن الأ�سباب‪ ،‬لعل �أبرزه���ا يكمن يف الإرث‬ ‫الذي خلفه النظام ال�سابق‪� ،‬إذ �أن احلزب اال�شرتاكي اليمني كان �أف�ضل بكثري يف م�أ�س�سة موقعه يف‬ ‫املجتمع اليمني مما هو عليه احلال بالن�سبة للحزب ال�شعبي الدميقراطي يف املجتمع الأفغاين‪.‬‬

‫رغم وجود الكثري من الدرا�س���ات التي تتناول مو�ضوع تطور الأحزاب‬ ‫ال�شيوعي���ة بع���د انهي���ار االحت���اد ال�سوفيتي ع���ام ‪ ،1991‬لك���ن معظمها‬ ‫رك���زت كثري ًا على بلدان القارة الأوروبية ومل تتناول ما حدث للأحزاب‬ ‫املارك�سي���ة اللينينية التي كان���ت �سابق ًا ت�سود البل���دان النامية‪ ،‬وخا�صة‬ ‫الأح���زاب ال�شيوعية يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬وه���ي الأحزاب التي يوفر لنا‬ ‫تطوره���ا موا�ضيع مهمة و�شيق���ة‪ .‬فعلى عك�س الأح���زاب ال�شيوعية التي‬ ‫ظه���رت يف �أوروبا �أو يف بلدان جن���وب ال�صحراء الأفريقية ما بعد حقبة‬ ‫النظام ال�شيوعي‪ ،‬تواجه الأحزاب املناظرة لها يف بلدان ال�شرق الأو�سط‬ ‫الإ�سالمية تيار ًا ديني ًا مت�شدداً‪ ،‬ويعيق تطورها االفتقار �إىل ثقافة التيار‬ ‫الي�س���اري العلم���اين القوي‪ .‬ولهذا ف����إن املحيط الذي ظه���رت فيه هذه‬ ‫الأح���زاب يختلف متام ًا عن جتارب الأحزاب ال�شيوعية يف بلدان �أوروبا‬ ‫و�أفريقيا‪.‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك‪ ،‬وكم���ا ق���ال هاليدي وتان�ي�ن‪ ،‬ف�إن نظام���ي احلكم‬ ‫املارك�سيني‪/‬اللينيني�ي�ن الراديكالي�ي�ن يف كل م���ن اليم���ن (‪)1962‬‬ ‫و�أفغان�ست���ان (‪ )1978‬ظه���را يف بلدينِ يفتقران لتجرب���ة الدول القوية‪،‬‬ ‫فق���د حدث يف كليهما‪« :‬حماول���ة للثورة من القمة يف جمتمعني مزقتهما‬ ‫عوامل عرقية وقبلية‪ ،‬ويف بلدين ولّد �ضغط الدولة فيهما مقاومة متفككة‬ ‫ولكن وا�سعة النطاق‪� .‬أي�ض ًا مل يكن املحيط التاريخي مواتياً‪ ،‬فقد تفاقم‬ ‫ال�ص���راع بني النهج الراديكايل الأيديولوج���ي يف القمة واملجتمع املحلي‬ ‫يف القاع���دة يف كال البلدين‪ .‬زاد التدخ���ل اخلارجي من تفاقمه يف كال‬ ‫احلالتني‪ ،‬وانته���ى الأمر يف �أحد البلدين �أفغان�ستان بهزمية ع�سكرية‬ ‫وت�شتي���ت �شم���ل املجتمع‪ ،‬بينما تف���ادى البلد الآخر اليم���ن فقط هذا‬ ‫امل�صري �إىل حد ما‪ ،‬نتيجة للتو�صل �إىل ت�سوية من الداخل �أكدت ال�سيادة‬ ‫الالمركزية للمجتمع القبلي وامل�سلح على �سيادة الدولة املركزية»‪.‬‬ ‫وكما قلنا �آنفاً‪ ،‬تتناول هذه املقالة تطور احلزبني املارك�سيني‪/‬اللينيني‬ ‫ال�سابق�ي�ن الوحيدي���ن اللذين ظه���را يف العامل الإ�سالمي خ���ارج نطاق‬ ‫نف���وذ االحتاد ال�سوفيت���ي‪ ،‬وهما‪ :‬احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي‪/‬حزب‬ ‫الوطن يف �أفغان�ست���ان واحلزب اال�شرتاكي اليمني‪ .‬وقد حكم كل منهما‬ ‫يف دول���ة �أعلنت نف�سها مارك�سية‪/‬لينينية يحكمها حزب واحد‪ ،‬ولكنهما‬ ‫خ�سرا ال�سلطة يف نهاية املطاف‪� .‬إن هذين احلزبني ي�شرتكان يف الكثري‬ ‫م���ن اخل�صائ�ص‪ ،‬ولك���ن يف نف�س الوقت هناك الكث�ي�ر من االختالفات‬ ‫بينهم���ا‪ .‬فقد كان كال احلزبني يعتمدان ‪ -‬بن�سب متفاوتة ‪ -‬على الدعم‬ ‫ال�سوفيت���ي للبقاء يف ال�سلطة (وكان هذا احلال جلي ًا يف �أفغان�ستان �أكرث‬ ‫منه يف اليمن)‪ .‬كما �شدد كالهما‪ ،‬على الأقل فيما يتعلق بالأيديولوجية‬ ‫الر�سمي���ة‪ ،‬على توثيق العالق���ات بجموع اجلماه�ي�ر العاملة والكادحة‪،‬‬ ‫وواجه���ا التيار الإ�سالم���ي املتنامي‪ .‬لكن بعد االن�سح���اب ال�سوفيتي من‬ ‫املنطق���ة (‪ ،)1990 - 1989‬واج���ه كل حزب منهما م�ص�ي�ر ًا وم�ستجدات‬ ‫تختلف متام ًا عن ما واجهه احلزب الآخر‪ .‬ففي �أفغان�ستان تفكك نظام‬ ‫احل���زب ال�شعبي الدميقراط���ي ب�سرعة كبرية‪ ،‬ومل يظهر ل���ه �أي خليفة‬

‫)‬

‫( )‬

‫ناجح بعد ذلك‪� .‬أما يف اليمن فقد ا�ستطاع احلزب اال�شرتاكي �أن ينجو‬ ‫من تلك التغريات وانتقل �إىل واقع حقبة ما بعد ال�شيوعية (مع �أنه واقع‬ ‫غام�ض)‪.‬‬

‫موروث��ات املا�ض��ي‬ ‫كم���ا �أ�ش���ار ع���دد‬ ‫م���ن الباحث�ي�ن‪ ،‬امت���دت ال�شيوعية عرب ف�ت�رة تاريخية طويل���ة ن�سبي ًا يف‬ ‫الع���امل الإ�سالم���ي خارج نطاق نف���وذ االحتاد ال�سوفيت���ي‪ ،‬حيث ظهرت‬ ‫احل���ركات ال�شيوعي���ة خالل احلقب���ة اال�ستعمارية (ف�ت�رة الع�شرينيات‬ ‫والثالثينيات من القرن املا�ضي)‪ ،‬وكانت تلك احلركات معار�ضة ب�شدة‬ ‫لل�سيط���رة اال�ستعماري���ة الت���ي كان يفر�ضها الربيطاني���ون والفرن�سيون‬ ‫بعد انهي���ار الإمرباطوري���ة العثمانية‪ ،‬وكانت تنظر لالحت���اد ال�سوفيتي‬ ‫عل���ى �أن���ه ن�صريها الأول‪ .‬ت���وىل قيادة ومنا�ص���رة الأح���زاب ال�شيوعية‬ ‫املثقفون املنتمون �إىل الطبقات الو�سطى والدنيا‪ ،‬وازدادت هذه الطبقة‬ ‫االجتماعي���ة تو�سع ًا عندم���ا �أحدثت عملية التحدي���ث يف ظل اال�ستعمار‬ ‫حت���و ًال كب�ي�ر ًا يف املجتمع الذي كان يف الأ�سا����س جمتمع ًا زراعياً‪ .‬عالوة‬ ‫عل���ى ذلك‪� ،‬أدى دخول القطاعات ال�صناعي���ة الإنتاجية احلديثة خالل‬ ‫فرتة الع�شرينيات والثالثينيات �إىل خلق طبقة عاملة جديدة تركزت يف‬ ‫قط���اع النفط واملواين وطرق ال�س���كك احلديدية‪ .‬ومبا �أن ن�ضال الطبقة‬ ‫العامل���ة كان موجه��� ًا �ضد ر�أ�س امل���ال الأجنبي فقد �أ�صب���ح يف الأ�سا�س‬ ‫ن�ضا ًال قومي��� ًا �أي�ضاً‪ .‬كما �أن الأحزاب ال�شيوعي���ة يف املنطقة ا�ستطاعت‬ ‫ج���ذب تلك الطبق���ات املهم�شة واملحرومة من الرق���ي �إىل الأعلى‪ ،‬وعلى‬ ‫وجه اخل�صو�ص جمموعات الأقليات وطبقة الفقراء‪.‬‬ ‫ويف كال البلدي���ن ‪ -‬اليمن و�أفغان�ست���ان ‪ -‬ظهرت التنظيمات احلزبية‬ ‫ال�شيوعي���ة يف بلدان م�سلم���ة لت�صبح �أحزاب ًا حاكم���ة‪ .‬ففي اليمن‪ ،‬منت‬ ‫احلرك���ة ال�شيوعية من اجلناح الراديكايل جلبه���ة التحرير القومية يف‬ ‫جنوب اليمن (عدن)‪ ،‬لت�شكل حتدي ًا للحكم الربيطاين الذي كان يفر�ض‬ ‫�سيطرته على جنوب اليمن واملناطق ال�شرقية بعد اال�ستيالء على ميناء‬ ‫ع���دن يف ‪ .1839‬وظل���ت اليمن حتى ‪ 1937‬جزء ًا م���ن الهند الربيطانية‪،‬‬ ‫ويف ه���ذا الع���ام �أ�صبحت عدن م�ستعمرة بريطاني���ة ومت ت�سمية ما تبقى‬ ‫م���ن الأرا�ضي مبحمية عدن ال�شرقية وحممي���ة عدن الغربية‪ .‬ويف ‪1965‬‬ ‫�ش���كل الربيطاني���ون االحتاد العربي الذي متتع بحك���م �شبه ذاتي وجمع‬ ‫معظ���م الدوي�ل�ات القبلية �ضمن حممي���ات تابعة مل�ستعم���رة عدن‪ .‬وقد‬ ‫كان اله���دف من هذا تف���ادي انت�صار جبهة التحري���ر القومية‪ ،‬اجلبهة‬ ‫الي�سارية املناه�ضة لال�ستعمار‪.‬‬ ‫ويف ‪ 1965‬ب���د�أت جبهتان وطنيتان متناف�ستان ‪ -‬جبهة حترير اجلنوب‬ ‫املحتل وجبهة التحرير القومية ‪ -‬باالنتفا�ضة �ضد اال�ستعمار الربيطاين‬ ‫�أدت �إىل نهاية احلكم الربيطاين‪ .‬ويف ‪ 1967‬ا�ضطر اجلنود الربيطانيون‬ ‫�إىل االن�سح���اب حتت �ضغط العنف املتزايد‪ ،‬وانهار االحتاد الذي �شكله‬ ‫الربيطاني���ون‪ .‬ويف �أواخر هذا العام‪ ،‬ا�ستطاعت جبهة التحرير القومية‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪45‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫التخل����ص من مناف�سيها يف جبهة حترير اجلنوب و�أُعلنت دولة اجلنوب‬ ‫العرب���ي‪ ،‬التي �ضمت عدن‪ ،‬دولة م�ستقل���ة يف ‪ 30‬ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب‬ ‫‪ ،1967‬و�سُ مّيت الدولة اجلديدة جمهورية اليمن اجلنوبي ال�شعبية‪.‬‬ ‫ويف حزيران‪/‬يوني���و ‪ 1969‬ت���وىل ال�سلط���ة اجلن���اح الراديكايل جلبهة‬ ‫التحرير القومية املارك�سية‪ ،‬ويف الأول من كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ 1970‬مت‬ ‫تغي�ي�ر ا�سم الدولة يف اليمن اجلنوبي �إىل جمهورية اليمن الدميقراطية‬ ‫ال�شعبي���ة‪ ،‬وكان الق���ادة الرئي�سيني فيها عبد الفت���اح �إ�سماعيل ‪ -‬املفكر‬ ‫الأيديولوجي الأول جلمهورية اليمن اجلديدة‪ ،‬وهو من منطقة احلُجَ ريّة‬ ‫بجنوب اليمن ‪ -‬و�سامل رُبيّع علي وعلي عنرت وعلي نا�صر حممد‪ .‬ويف ظل‬ ‫جمهوري���ة اليمن الدميقراطية ال�شعبية دجم���ت كل الأحزاب ال�سيا�سية‬ ‫يف احل���زب اال�شرتاكي اليمني‪ ،‬الذي �أ�صبح احل���زب ال�شرعي الوحيد‪.‬‬ ‫وبع���د ذلك �أقام نظام احلك���م عالقات مع االحت���اد ال�سوفيتي وال�صني‬ ‫وكوبا والفل�سطينيني الراديكاليني‪.‬‬ ‫�أما يف �أفغان�ستان فق���د ت�أ�س�س احلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين‬ ‫يف كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر ‪ 1965‬على �أيدي جمموعة م���ن املثقفني الذين‬ ‫كان م���ن �ضمنهم م�ي�ر �أكرب خيرب وبابراك كارمَ ���ل ونور حممد طرقي‪،‬‬ ‫وق���د كان عنا�ص���ر هذا احل���زب ينظرون �إلي���ه على �أن���ه و�سيلة للرتويج‬ ‫لعملي���ة التحدي���ث العلماني���ة يف �أفغان�ست���ان‪ .‬لك���ن �سرعان م���ا انق�سم‬ ‫احلزب �إىل جناحني‪ :‬جناح «بر�شَ م» (الراية) وجناح «خلق» (ال�شعب)‪،‬‬ ‫وه���ذه �أ�سم���اء �صحيفتني تر�أ�سهم���ا كارمَ ل وطرقي عل���ى التوايل‪ .‬وعلى‬ ‫عك����س احل���زب اال�شرتاك���ي‬ ‫اليمن���ي‪ ،‬ال���ذي كان���ت نتاج‬ ‫يف الوق��ت ال��ذي ا�س��تطاع‬ ‫ن�ضال حتري���ري وطني‪ ،‬كان‬ ‫احل��زب اال�ش�تراكي اليمني‬ ‫احلزب ال�شعبي الدميقراطي‬ ‫تر�س��يخ ج��ذوره �إىل حد ما‪،‬‬ ‫الأفغ���اين يت�شكل يف الأ�سا�س‬ ‫على الأق��ل يف بع�ض املناطق‬ ‫م���ن جمموعة مثقف�ي�ن �سعوا‬ ‫الريفية (كح�ضرموت)‪ ،‬ظل‬ ‫�إىل حتديث �أفغان�ستان‪ .‬ويف‬ ‫احلزب ال�شعبي الدميقراطي‬ ‫عام ‪ ،1973‬وبدعم من جناح‬ ‫الأفغ��اين متقوقع�� ًا يف �إط��ار‬ ‫«بر�شم» نظّ ���م ابن عم امللك‬ ‫ثلة من املثقفني واملتخ�ص�صني‬ ‫ظاهر �شاه ‪ -‬حممد داوود ‪-‬‬ ‫احل�ضريني وبع�ض ال�ضباط‬ ‫ون�صب نف�سه رئي�س ًا‬ ‫انقالب��� ًا ّ‬ ‫عل���ى الب�ل�اد‪ ،‬وان�ض���م �إىل‬ ‫حكومته عدد من �شخ�صيات‬ ‫جناح «بر�شم» البارزة بينما مت ا�ستبعاد الكثري من عنا�صر جناح «خلق»‪.‬‬ ‫لك���ن يف ‪ ،1977‬ورغم كل ه���ذا االن�شقاق‪ ،‬اندمج احلزب���ان مع بع�ضهما‬ ‫حتت �ضغوط ال�سوفيت‪.‬‬ ‫ويف ‪ 19‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪1978‬مثّلت جنازة مري �أكرب خيرب‪ ،‬املُنظِّ ر البارز‬ ‫جلن���اح «بر�شم» و�أح���د م�ؤ�س�سي احل���زب ال�شعب���ي الدميقراطي‪ ،‬الذي‬ ‫اُغتي���ل‪ ،‬نقطة ح�شد لل�شيوعيني الأفغ���ان‪ .‬فقد و�صل عدد الذين جتمّعوا‬ ‫ل�سماع خطابات طرقي وكارمل التي تدين حكومة داوود ما بني ‪10.000‬‬ ‫‪46‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫و‪� 30.000‬شخ�ص تقريباً‪ .‬وعلى �إثر ذلك‪� ،‬أمر داوود ب�إلقاء القب�ض على‬ ‫قادة احلزب ال�شعبي الدميقراطي‪ ،‬لكن كانت العملية بطيئة جداً‪ ،‬فقد‬ ‫ا�ستغرق اعتقال طرقي �أكرث من �أ�سبوع‪ ،‬بينما مت و�ضع نائبه حفيظ اهلل‬ ‫�أمني حتت الإقامة اجلربية فقط‪ ،‬وهو الذي كانت تربطه عالقات قوية‬ ‫بفيال���ق ال�ضباط وا�ستط���اع تدبري انقالب وهو يف بيت���ه حتت احلرا�سة‬ ‫امل�سلح���ة‪ ،‬مُ�ستخدِ م ًا �أفراد �أ�سرته كرُ�سُ ���ل‪ .‬ويف ‪ 27‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪1978‬‬ ‫ب���د�أت الوح���دات الع�سكري���ة املوالي���ة للح���زب ال�شعب���ي الدميقراط���ي‬ ‫الأفغ���اين االنق�ل�اب الع�سك���ري‪ ،‬وبعد القت���ال ال�شر�س ال���ذي ن�شب بني‬ ‫اجلانبني انهزمت القوات امللكية ومت �إعدام داوود ومعظم �أفراد �أ�سرته‬ ‫يف الي���وم الت���ايل داخ���ل ق�ص���ر الرئا�سة‪ .‬وبع���د �إمتام ما ت�سم���ى «ثورة‬ ‫�س���اور» �أعلن احلزب ال�شعبي الدميقراطي ت�أ�سي�س جمهورية �أفغان�ستان‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬ومت �إعالن طرقي رئي�س ًا للمجل�س الثوري ومناف�سه الدائم‬ ‫كارمل نائب ًا له‪ ،‬يف حني �أ�صبح حفيظ اهلل �أمني وزير ًا للخارجية‪.‬‬

‫نظام حكم احلزب ال�سابق والتغلغل يف املجتمع‬ ‫بع���د ت�أ�سي����س جمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية عام ‪ 1970‬جعل‬ ‫نظام احلكم من �إعادة هيكلة العالقات االجتماعية يف اجلنوب �أولويته‬ ‫الأوىل‪ .‬كم���ا �أن قيادة جبهة التحرير القومية كانت تتكون �إىل حد كبري‬ ‫م���ن ما �أ�سم���اه فولك���ر �ستانزل الطبق���ة الدنيا املحلي���ة‪ ،‬ومعظمهم من‬ ‫املدر�س�ي�ن والبريوقراطيني �أي���ام نظام اال�ستعمار‪ .‬وم���ع �أنه كان هناك‬ ‫الكثري من الت�أكيد على «الطبقات الكادحة» �أو العمال والفالحني الذين‬ ‫يقوده���م املفك���رون الثوري���ون‪� ،‬إال �أن���ه مل يك���ن هناك �س���وى القليل من‬ ‫نظ���ام الربوليتاريا‪ ،‬بل �أن معظم �أولئك الذي���ن �شكلوا الطبقة الكادحة‬ ‫والفالحية يف �أهم مدن اجلنوب ‪ -‬عدن ‪ -‬كانوا قد جاءوا من ال�شمال‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغم من وجود نوع من طبقة الفالحني يف ح�ضرموت واملناطق‬ ‫املنتج���ة للقطن كلحج و�أبني‪ ،‬لك���ن الأغلبية العظمى م���ن �سكان الريف‬ ‫كان���وا هم م�ل�اك الأرا�ض���ي ال�صغار القبلي�ي�ن الذين مل مييل���وا لنظام‬ ‫احلكم الثوري يف عدن‪.‬‬ ‫وحت���رك النظام اجلدي���د يف جمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية‬ ‫ب�سرع���ة لإخ�ضاع االقت�صاد للنهج اال�شرتاكي‪ ،‬حيث قام يف مطلع ‪1969‬‬ ‫بت�أميم امل�شاريع التجارية (خا�صة الأجنبية منها)‪ ،‬و�إعادة توزيع وا�سعة‬ ‫النطاق للأرا�ضي (تقريب ًا ن�صف الأرا�ضي الزراعية مت توزيعها حلوايل‬ ‫‪� 27.000‬أ�س���رة فقرية خالل الف�ت�رة ‪ .)1973 - 1970‬لكن كان لذلك ثمن‬ ‫باه���ظ عل���ى االقت�ص���اد اليمني يف اجلن���وب‪ ،‬فقد �سبب���ت الإ�صالحات‬ ‫االقت�صادي���ة الت���ي مت القيام بها خ�ل�ال فرتة ال�سبعيني���ات ا�ضطرابات‬ ‫اجتماعي���ة كب�ي�رة يف الري���ف وقلة يف �إنت���اج املحا�صي���ل الغذائية خالل‬ ‫ف�ت�رة الثمانينيات‪ ،‬الأمر الذي �أجرب نظ���ام احلكم على االعتماد كثري ًا‬ ‫عل���ى املواد الغذائية امل�ست���وردة‪� .‬أي�ض ًا كانت هن���اك مقاومة علنية �ضد‬ ‫حتويل املجتم���ع الزراعي �إىل ا�شرتاكي‪ ،‬وبح�سب بول دري�ش‪ ،‬فقد هرب‬ ‫م���ا يق���ارب ربع �س���كان اليمن اجلنوب���ي نتيجة للإ�صالح���ات التي متت‬ ‫مطل���ع ف�ت�رة ال�سبعينيات‪ .‬ومع هذا‪ ،‬غ�ّي�ررّ ت الإج���راءات التي اتخذتها‬

‫جبهة التحرير القومية (وبع���د ‪ 1978‬احلزب اال�شرتاكي اليمني) البنية‬ ‫االجتماعي���ة ع���ن طريق �إزاحة احلُ���كّام ال�سابقني م���ن كرا�سي ال�سلطة‪:‬‬ ‫ال�سالط�ي�ن‪ ،‬والع�شائ���ر �أ�صح���اب احلظ���وة‪ ،‬ورجال الدي���ن‪ .‬ومن خالل‬ ‫انتفا�ضات عفوية وعنيفة متكّنت الطبقات االجتماعية الدنيا والأقل قوة‬ ‫– الفالح���ون وال�صي���ادون والعمال – من الو�صول �إىل ال�سلطة‪ ،‬وقامت‬ ‫جمعيات الإ�صالح الزراعي والت�سويق التعاونية ب�إعادة توزيع الرثوة‪.‬‬ ‫وم���ن ال�سم���ات املهم���ة الأخ���رى للإج���راءات املبك���رة الت���ي اتخذه���ا‬ ‫نظ���ام احلك���م لتحويل اليم���ن‪ ،‬نظرة احلزب ل���دور الإ�س�ل�ام يف الدولة‬ ‫اال�شرتاكية‪ .‬فقبل اال�ستق�ل�ال‪ ،‬كان الإ�سالم ميثل الت�شريع الأيديولوجي‬ ‫الأ�سا�س���ي للنظام االجتماعي وكذلك للدولة‪� ،‬أما يف ظل جمهورية اليمن‬ ‫الدميقراطي���ة ال�شعبي���ة فقد تبنّ���ى النظ���ام مقاربة حذرة ولين���ة ن�سبي ًا‬ ‫جت���اه الإ�سالم‪ ،‬م�ؤك���د ًا بالتحديد عل���ى اجلوانب امل�شرتك���ة بني النظام‬ ‫اال�شرتاك���ي والإ�س�ل�ام (خا�ص���ة فيما يتعل���ق مبب���د�أ امل�س���اواة والعدالة‬ ‫االجتماعية)‪ .‬ون�ص د�ستور جمهورية اليمن الدميقراطية لعام ‪� 1970‬أن‬ ‫الإ�س�ل�ام هو الدي���ن الر�سمي يف البالد وله حق احلماي���ة طاملا �أنه متفق‬ ‫م���ع الد�ستور‪ ،‬وكان���ت تعاليم الإ�سالم مطلوبة يف مناه���ج التعليم العام‪.‬‬ ‫كما �أن جمهورية اليمن الدميقراطية ا�ستخدمت الإ�سالم لدعم جهودها‬ ‫الثوري���ة‪ ،‬وطبق ًا ملا قال���ه عبد الفت���اح �إ�سماعيل‪ ،‬كب�ي�ر مُنظِّ ري احلزب‬ ‫الإيديولوجي�ي�ن وخليف���ة �س���امل ربيّع كرئي����س للجمهورية‪ ،‬فق���د «تعر�ض‬ ‫الإ�سالم للتحريف والتزوير ‪ ...‬ففي عهد العبا�سيني والأمويني ا�ستطاعت‬ ‫القوى االر�ستقراطية توجيه الإ�سالم �إىل غايات ومفاهيم غري التي جاء‬ ‫الإ�س�ل�ام من �أجله���ا‪ .‬وقد فعلوا ذلك خلدم���ة م�صاحلهم وللحفاظ على‬ ‫كرا�سي حكمهم ومماليكهم واخلالف���ة الوراثية‪ ،‬التي مل يكن لها عالقة‬ ‫بالإ�س�ل�ام مطلقاً‪ .‬والإ�سالم‪ ،‬الذي هو يف الأ�سا�س �أتى كثورة‪ ،‬مت حتويله‬ ‫م���ن قبل �أيدي القوى الإقطاعية واالر�ستقراطي���ة التي �سلبت الإ�سالم‬ ‫روحه الثورية ووجهته خلدمة �أغرا�ض �أخرى»‪.‬‬ ‫�أما امليزة الثالثة لإ�سرتاتيجية الدولة اجلديدة فهي التغلغل يف املجتمع‬ ‫عن طريق ت�أ�سي�س تنظيم حزبي جماهريي‪ ،‬حيث �أن�ش�أ احلزب اال�شرتاكي‬ ‫اليمني (الذي مت ت�أ�سي�س���ه بعد �إعدام �سامل رُبيّع علي عام ‪ )1978‬بع�ض‬ ‫اخلاليا يف كل من الدوائر اجلغرافية والوظيفية (كامل�صانع والتعاونيات‬ ‫واجلي����ش)‪ ،‬وو�صل���ت الع�ضوية احلزبي���ة �إىل ‪ 26.000‬ع�ض���و ًا عام ‪1977‬‬ ‫و‪ %3.5‬م���ن ال�شعب ع���ام ‪ .1983‬وكانت الن�سبة الأكرب م���ن الأع�ضاء هم‬ ‫من «عمال املكاتب» (‪ %36‬من الع�ضوية احلزبية)‪ ،‬بينما فقط ‪ %26‬من‬ ‫الأع�ضاء هم من الطبقة العاملة و‪ %14.6‬هم من طبقة الفالحني‪ .‬ولكن‬ ‫رغ���م كل هذه اجلهود مل يكن لنظام احلكم �أث���ر كبري يف املجتمع‪ ،‬وهذا‬ ‫�إىل ح���د م���ا نتيجة للحرب احلزبي���ة العنيفة يف �صف���وف جبهة التحرير‬ ‫القومي���ة واحلزب اال�شرتاكي اليمني‪ ،‬وهو ما جع���ل النظام يعتمد كثري ًا‬ ‫عل���ى اجلانب الع�سك���ري‪ .‬عالوة على ذل���ك‪ ،‬تراجعت اجله���ود املبذولة‬ ‫لتبنّي املبادئ اال�شرتاكية يف اليمن بحلول الثمانينيات‪ ،‬وا�ستطاع النظام‬ ‫البق���اء يف الأ�سا�س لأنه تقبل بوج���ود املجتمع الالمركزي القبلي امل�سلح‪.‬‬ ‫وم���ع ذلك‪ ،‬ورغم عدم حت���ول النظام كام�ل�ا ً‪ ،‬فقد ا�ستط���اع ك�سب والء‬

‫( )‬

‫الكثري من العنا�صر القبلية بوا�سطة هذه اال�سرتاتيجية‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫منح �صالحية كبرية للقي���ادات احلزبية املحلية (الذين كانوا يف الغالب‬ ‫م�شايخ قبليني حمليني) يف مناطق مثل ح�ضرموت‪.‬‬ ‫ويف �أفغان�ست���ان‪ ،‬كما حدث يف اليمن‪ ،‬ح���اول النظام ال�شيوعي �إحداث‬ ‫ث���ورة م���ن القمة‪ .‬وكما ح�ص���ل يف �أماكن �أخ���رى يف مثل ه���ذا النوع من‬ ‫الث���ورات‪ ،‬فقد كان الراديكاليون يف كل من اليمن و�أفغان�ستان نتاج نظام‬ ‫التعلي���م املتب���ع يف العا�صمة‪،‬‬ ‫وكان معظمه���م ع�سكري�ي�ن‬ ‫وبريوقراطي�ي�ن ح�ضري�ي�ن‬ ‫احل��زب اال�ش�تراكي اليمن��ي‬ ‫ت�أثروا بفك���رة �ضرورة حتويل‬ ‫كان �أك�ثر “تنظيم�� ًا” بف��ارق‬ ‫ّ‬ ‫الوط���ن ملواكب���ة باق���ي العامل‬ ‫مقارنة باحلزب ال�ش��عبي‬ ‫كب�ير‬ ‫الدميقراط��ي الأفغ��اين قب��ل‬ ‫ب�أ�س���رع م���ا ميك���ن‪ .‬وكان‬ ‫التغ�يرات الكربى الت��ي طر�أت‬ ‫�أتب���اع احل���زب الدميقراطي‬ ‫عام ‪ .1991‬وكان لهذا دور كبري‬ ‫الأفغ���اين �إىل ح���د كب�ي�ر من‬ ‫يف تف�س�ير م��ا ح��دث خلليفت��ي‬ ‫الأقلي���ة املثقف���ة‪ ,‬املقيمني يف‬ ‫احلزبني يف �أعقاب خ�س��ارتهما‬ ‫املناط���ق احل�ضرية‪ .‬وب�صورة‬ ‫لل�س��لطة يف عق��د الت�س��عينيات‬ ‫عامة تعار�ضت مفاهيم وقيم‬ ‫من القرن الع�شرين‬ ‫ه���ذه املجموع���ة م���ع مفاهيم‬ ‫وقي���م الأغلبي���ة العظم���ى‬ ‫م���ن الأفغاني�ي�ن املحافظ�ي�ن‬ ‫الريفي�ي�ن‪ .‬كما �أ�ضعفت ك�ث�رة التناف�س الداخلي‪ ،‬والعني���ف �أحياناً‪ ،‬قوة‬ ‫احل���زب‪ .‬وبعد م���رور �سنتني على ت�أ�سي�سه يف كان���ون الثاين‪/‬يناير ‪1965‬‬ ‫انق�س���م احل���زب الدميقراط���ي �إىل ف�صيل�ي�ن عمال من حي���ث الع�ضوية‬ ‫والفكر كحزبني منف�صلني‪ :‬حزب خلق الراديكايل بقيادة طرقي‪ ،‬وحزب‬ ‫بر�ش���م الأكرث اعتدا ًال بقيادة كارمَ ل‪ .‬وت�شكل جناح خلق من الب�شتون من‬ ‫غري طبقات النخبة‪ ،‬بينما �ضم عنا�صر جناح بر�شم اجلماعات العرقية‬ ‫الأخرى ممن مييلون للطبقات العليا ذات الثقافة الغربية‪.‬‬ ‫وعندم���ا توىل احلزب ال�شعبي الدميقراطي �س���دة ال�سلطة يف ني�سان‪/‬‬ ‫�أبري���ل ‪ 1978‬كان �أع�ضائ���ه الفاعلني قلة رغم امل�سان���دة الكبرية من قبل‬ ‫ال�سوفيي���ت‪ .‬وتوجد تقديرات خمتلفة لكن و�صل عدد الأع�ضاء يف �أف�ضل‬ ‫احل���االت ح���وايل ‪ 18.000‬ع�ض���واً‪ ،‬ورمبا لي����س �أكرث م���ن ‪ 10.000‬ع�ضو‪.‬‬ ‫ومهم���ا كان���ت ن�سب���ة الع�ضوية فه���ي مل ت�ش���كل �سوى واح���د يف املائة من‬ ‫�إجم���ايل ال�شعب الأفغاين‪ ،‬ويُقدر �أن الدع���م الفعال يف �أح�سن حاالته مل‬ ‫يك���ن �إال من حوايل ‪� %3‬إىل ‪ %5‬من �إجمايل ال�شعب‪ .‬وعند توليه ال�سلطة‬ ‫بع���د ثورة �ساور العنيفة ع���ام ‪ 1978‬تقدم نظام احلكم يف البداية بحذر‪،‬‬ ‫موازي��� ًا بني التيارات احلزبية املختلفة يف احلزب ال�شعبي الدميقراطي‪.‬‬ ‫وعل���ى ما يبدو �أن���ه مت ت�شكيل جمل�س ال���وزراء الأويل بعناية خللق توازن‬ ‫مت�س���اوي يف تويل املنا�صب بني �أن�صار حزب خلق و�أن�صار حزب بر�شم‪،‬‬ ‫حيث مت اختيار طرقي كرئي�س وزراء وكارمل نائب رئي�س وزراء‪ ،‬يف حني‬ ‫عُ ينّ حفي���ظ اهلل‪ ،‬ع�ضو حزب خلق‪ ،‬وزير ًا للخارجية‪ .‬وقام نظام احلكم‬ ‫ب�إ�ص���دار �سل�سلة من الق���رارات خالل �شه���ري ني�سان‪�/‬أبريل و�أيار‪/‬مايو‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪47‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫‪48‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫اخل�لاف احلزب��ي الداخل��ي‬ ‫لق���د �أت�ص���ف كل‬ ‫من احل���زب اال�شرتاكي اليمني واحلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين‬ ‫بنزع���ة حتزّب فئوية ‪ Factionalism‬متطرفة (�أي وجود خالفات حزبية‬ ‫داخلي���ة �شدي���دة)‪ .‬فف���ي اليم���ن ب���د�أ‬ ‫اخلالف حول عالقات الدولة اجلديدة‬ ‫مع االحت���اد ال�سوفيتي‪ ،‬حي���ث كان �أول‬ ‫رئي�س جلمهورية اليم���ن الدميقراطية‬ ‫ال�شعبي���ة‪� ،‬س���امل رُبيّ���ع عل���ي‪ ،‬ت���راوده‬ ‫�شكوك عميقة حول النموذج ال�سوفيتي‬ ‫وانتق���د ب�شدة من���و التخطيط املركزي‬ ‫ال���ذي ازداد يف اليم���ن م���ع �أول خط���ة‬ ‫خم�سية عام ‪ ،1974‬وركز انتقاداته على‬ ‫جناح جبه���ة التحرير القومية املنا�صر‬ ‫لل�سوفي���ت ال���ذي قاده مُنظِّ���ر احلزب‪،‬‬ ‫عب���د الفتاح �إ�سماعي���ل‪ .‬ويف حزيران‪/‬‬ ‫يوني���و ‪ 1978‬ح���اول �س���امل رُبيّ���ع عل���ي‬ ‫القيام بانق�ل�اب للإطاح���ة بخ�صومة‬ ‫نور حممد طرقي‬ ‫لك���ن حماولته ف�شلت‪ ،‬ونتيجة لذلك مت‬ ‫اعتقال���ه واثنني من رفاقه ومن ثمّ ُنفِّذ‬ ‫فيهم حكم الإعدام‪ .‬وخلفه بعد ذلك جمل�س انتقايل من خم�سة �أع�ضاء‬ ‫بقيادة علي نا�صر حممد‪ .‬ويف ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪ 1978‬حتولت جبهة‬

‫‪Wikipedia, Google‬‬

‫م���ن عام ‪� 1978‬أعلنت مبد�أ امل�س���اواة بني اجلماعات العرقية‪ .‬وكما كان‬ ‫احل���ال يف اليم���ن‪� ،‬سعى النظ���ام يف �أفغان�ستان – عل���ى الأقل يف بداية‬ ‫الأم���ر – �إىل الت�أكيد على �إمكانية الإ�س�ل�ام الثورية‪ ،‬حيث قال طرقي‪:‬‬ ‫«نري���د تطه�ي�ر الإ�سالم مما عل���ق به من‬ ‫ع���ادات وتقاليد وخراف���ات ومعتقدات‬ ‫خاطئة‪ .‬وبعده���ا �سنح�صل على �إ�سالم‬ ‫طاه���ر وتقدمي وحدي���ث»‪ .‬ب���ل �أن �أول‬ ‫ثالث���ة ق���رارات �أ�صدره���ا نظ���ام حكم‬ ‫احلزب الدميقراطي ب���د�أت بالبَ�سمَلة‪،‬‬ ‫بينم���ا حُ ذف���ت يف الق���رارات اخلم�س���ة‬ ‫الباقية‪.‬‬ ‫و�سرع���ان م���ا تخلى احل���زب ال�شعبي‬ ‫الدميقراطي عن الطريقة الأولية جتاه‬ ‫الإ�سالم التي كانت تبدو معتدلة‪ ،‬وذلك‬ ‫عندم���ا �سع���ى عنا�صر ح���زب خلق �إىل‬ ‫بابراك كارمل‬ ‫�إح���كام �سيطرتهم عل���ى ال�سلطة‪ .‬وبعد‬ ‫انق�ل�اب �ساور بفرتة وجي���زة بد�أ جناح‬ ‫حزب خل���ق‪ ،‬الذي كان يحظى بوالء معظم ال�ضب���اط‪ ،‬بت�صفية عنا�صر‬ ‫ح���زب بر�شم‪ .‬وعق���ب م�ؤامرة ح���زب بر�شم املزعوم���ة يف �صيف ‪1978‬‬ ‫ِال الكثري‬ ‫ق���ام طرقي بت�صفية الكثري م���ن القادة الكبار للح���زب‪ ،‬مُر�س ً‬ ‫منه���م �إىل املنفى الر�سمي ك�سفراء‪ ،‬ومنه���م بابراك كارمَ ل (�أر�سل �إىل‬ ‫ت�شيكو�سلوفاكيا) و�أناهيتا راتِبزاد (�إىل يوغ�سالفيا)‪ .‬كما اُعتقل وعُ ذِّ ب‬ ‫�آخ���رون‪ ،‬من �أمثال �سلط���ان علي كي�شتماند ونور �أحم���د نور‪ .‬ومت تنحية‬ ‫عبد الق���ادر عن من�صبه كوزير دف���اع يف �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ ،1978‬وت�سريح‬ ‫�أع�ضاء حزب بر�شم من املدار����س ومرافق اخلدمة املدنية والع�سكرية‪،‬‬ ‫ب���ل ويف �أغلب الأحي���ان مت اعتقالهم وتعذيبه���م‪ .‬ويف التا�سع من متوز‪/‬‬ ‫يولي���و قال طرق���ي متفاخراً‪« :‬مل يكن هناك �ش���ي ا�سمه حزب بر�شَ م يف‬ ‫�أفغان�ستان‪ ،‬ولي�س هناك �شيء من هذا القبيل الآن»‪.‬‬ ‫الآخ���رون قمع���وا �أي�ض���اً‪ ،‬ومت �إع�ل�ان �أربع جماع���ات ك�أع���داء لنظام‬ ‫احلك���م نهاي���ة ‪ ،1978‬وهي‪ :‬الإ�سالمي���ون؛ واملاويون؛ وجماع���ة ال�سيتام‬ ‫ميل���ي (وه���ي جماع���ة كان له���ا ميول ماوي���ة و�أي���دت نزع���ة االنف�صال‬ ‫الطاجيكي���ة والأوزبكية)؛ وجماع���ة التنظيم الدميقراط���ي اال�شرتاكي‬ ‫الأفغ���اين «ميالت»‪ .‬و�إثر ب���دء املقاومة وا�سعة النطاق �ضد نظام احلكم‬ ‫يف منت�ص���ف ‪ ،1978‬مت اختي���ار الإ�سالمي�ي�ن ب�شكل خا����ص‪ ،‬حيث �أعلن‬ ‫طرق���ي بنف�سه احلرب �ضد «�أهل الذقون»‪� ،‬أي رجال الدين‪ ،‬ويف خطاب‬ ‫تلفزي���وين يوجه فيه عنا�صر حزب خلق قال‪�« :‬إن من يت�آمرون �ضدنا يف‬ ‫الظالم يجب �أن يُ�ست�أ�صلوا يف الظالم»‪.‬‬ ‫وبع���د ا�ستئ�ص���ال املعار�ضة و�إزاح���ة �أي عوائق �شكله���ا عنا�صر حزب‬ ‫بر�ش���م‪ ،‬بد�أ حزب خلق وب�سرعة �سل�سلة م���ن الإجراءات لن�شر املفاهيم‬ ‫اال�شرتاكي���ة يف الب�ل�اد ب�سرعة‪� ،‬إذ حددت الق���رارات التي �أ�صدرت بني‬

‫‪ 12‬متوز‪/‬يولي���و و‪ 28‬ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفم�ب�ر ‪� 1978‬إج���راءات �شامل���ة‬ ‫لتحويل املناطق الريفية ب�سرعة‪ .‬فمنع �أحد تلك القرارات نظام الفائدة‬ ‫والره���ن الذي عُ مل به قبل ‪ ،1973‬وعفا الفالحني الذي ال ميلكون �أر�ض ًا‬ ‫من الديون‪ .‬وه���ذا الإجراء �أق�صى العديد م���ن النخب الريفية‪ ،‬و�سبب‬ ‫خل�ل�اً يف نظام العالقات الثنائي���ة وااللتزامات التي كانت تنظم احلياة‬ ‫الريفي���ة‪ .‬كم���ا �شجع ق���رار �آخ���ر امل�ساواة ب�ي�ن اجلن�سني‪ ،‬وح���دد �أعلى‬ ‫م�ست���وى مله���ر العرو����س و�أدنى �سن لل���زواج (‪� 18‬سنة للرج���ال و‪� 16‬سنة‬ ‫للن�س���اء)‪ ،‬ومنع الزواج الإجباري‪ .‬ويف الوقت نف�سه‪ ،‬ركز �أحد القرارات‬ ‫عل���ى ا�ست�صالح الأرا�ضي و�سعى �إىل توزيعها على الفئة الأكرث فقر ًا من‬ ‫�سكان الريف‪ .‬وعلى غرار احلال يف اليمن‪ ،‬كان الهدف من هذا القرار‬ ‫تطوي���ر طبقة جدي���دة من ُم�ل�اك الأرا�ضي ال�صغار الذي���ن من املمكن‬ ‫تنظيمه���م يف تعاونيات زراعية‪ ،‬وجعله���م يعملون كقاعدة دعم للنظام‪.‬‬ ‫وقد ب���د�أت عملي���ة ا�ست�صالح الأرا�ض���ي يف كان���ون الثاين‪/‬يناير ‪1979‬‬ ‫لكنه���ا واجهت معار�ضة كبرية حتولت �إىل ع�صيان م�سلح علني‪ .‬فمع �أن‬ ‫النظ���ام احلاكم �سع���ى ملهاجمة �أنظمة الفقر وع���دم امل�ساواة يف الريف‬ ‫�إال �أن الكثريي���ن اعتربوا �سيا�ست���ه الرمزية هجوم ًا على الإ�سالم نف�سه‪،‬‬ ‫و�أ�صب���ح حت���ى الأفغان مم���ن مل يكن له���م ن�شاط يف املقاوم���ة ينظرون‬ ‫للنظام بازدراء‪ ،‬وهي النظرة الت���ي تفاقمت بتعاون النظام مع ال�سلطة‬ ‫امللحدة (االحتاد ال�سوفيتي)‪.‬‬

‫التحري���ر �إىل احل���زب اال�شرتاك���ي اليمني ال���ذي �أعلن عنده���ا احتكاره‬ ‫لل�سلط���ة ال�سيا�سية‪ .‬ويف كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب عُ ينِّ عب���د الفتاح رئي�س ًا‬ ‫و�أ�صبح علي نا�صر حممد رئي�س ًا للوزراء‪.‬‬ ‫ومع �أنهما كانا مييالن �إىل االحتاد ال�سوفيتي لكنهما اختلفا فيما يتعلق‬ ‫بال�سيا�س���ة الداخلي���ة واخلارجي���ة‪� ،‬إذ �أيّد عبد الفتاح ‪ -‬ال���ذي نظر �إليه‬ ‫باعتباره عقائدي ًا ومت�شدد ًا ‪ -‬تطبيق النموذج ال�سوفيتي يف اليمن‪ .‬وعبد‬ ‫الفتاح ه���و مواطن �شمايل (ككثري م���ن العنا�صر الي�ساري���ة الراديكالية‬ ‫يف جبه���ة التحري���ر القومية) من منطق���ة احلُجَ ريّ���ة يف اليمن ال�شمايل‬ ‫(�آن���ذاك)‪ ،‬وهاج���ر مثل غريه من ال�شمالي�ي�ن �إىل اليمن اجلنوبي للعمل‬ ‫يف م�صفاة البرتول الربيطانية‪ .‬ثم قام بالتدري�س يف املدار�س احلكومية‬ ‫وترق���ى �إىل ال�صفوف الأمامية جلبه���ة التحرير بعد قيامه باغتيال قائد‬ ‫االحتاد املنا�ص���ر للبعث عام ‪ .1966‬وبالن�سب���ة لل�سيا�سة اخلارجية‪ ،‬فقد‬ ‫ُف�ضل الت�شدد �إزاء اليمن ال�شمايل والبلدان املجاورة الغنية بالنفط‪.‬‬ ‫كان ي ّ‬ ‫وعل���ى النقي����ض من ذلك‪ ،‬كان عل���ي نا�صر حممد م���ن منطقة دثينة يف‬ ‫وف�ضل نهج��� ًا �أكرث تدرجي���ة يف تطبيق املفاهي���م اال�شرتاكية‪،‬‬ ‫اجلن���وب‪ّ ،‬‬ ‫كم���ا دعا �إىل ت�شجي���ع االقت�صاد املختل���ط واحلد من ت�أمي���م القطاعات‬ ‫ال�صناعي���ة الكب�ي�رة‪ .‬عالوة على ذل���ك‪ ،‬كان يُف�ضِّ ل التق���ارب مع اليمن‬ ‫ال�شمايل وتطبيع العالقات مع ال�سعودية وعمان‪.‬‬ ‫ويف ‪� 1980‬أُجبرِ عبد الفت���اح �إ�سماعيل على التنحي من ال�سلطة وذهب‬ ‫�إىل مو�سك���و بحجة “الدرا�سة” هناك‪ .‬وخلف���ه علي نا�صر حممد‪ ،‬الذي‬ ‫بقي �أي�ض ًا يف من�صبه كرئي�س وزراء و�أمين ًا عام ًا للحزب اال�شرتاكي‪ .‬ويف‬ ‫ظ���ل حكم علي نا�صر تراخت قب�ضة ال�سيطرة املفرو�ضة على االقت�صاد‪،‬‬ ‫خا�صة جمال الإن�شاء‪ ،‬ومت ت�شجيع القطاع التجاري اخلا�ص‪� ،‬إذ متت دعوة‬ ‫ال�ش���ركات الأجنبية (مبا فيها الربيطانية) للعم���ل يف جمال ا�ستك�شاف‬ ‫النفط‪ ،‬وقام اليمن اجلنوب���ي بتطبيع العالقات مع دول اجلوار‪ .‬لكن مع‬ ‫تراخ���ي �سيطرة الدولة قام من تبقّى م���ن حلفاء عبد الفتاح باتهام علي‬ ‫نا�صر باملقاي�ضة والف�ساد وخيانة الثورة‪ .‬ويف عام ‪ 1984‬بد�أ وزير الدفاع‬ ‫القوي علي عنرت بتوجيه النقد لعلي نا�صر حممد لتجاوزاته ال�شخ�صية‪.‬‬ ‫ويف �شباط‪/‬فرباي���ر ‪� 1985‬أُج�ِب رِ عل���ي نا�ص���ر على التخلي ع���ن من�صبه‬ ‫كرئي����س لل���وزراء‪ .‬ويف نف�س العام �سُ مِ���ح لعبد الفت���اح �إ�سماعيل بالعودة‬ ‫�إىل الوط���ن‪ ،‬ومت �إعادت���ه كع�ضو �سكرتارية احل���زب اال�شرتاكي اليمني‪.‬‬ ‫وبعد م�ؤمت���ر ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر ‪ 1985‬ازداد ال�ضغ���ط داخل احلزب‬ ‫عل���ى عل���ي نا�صر لكي يتنازل ع���ن من�صبه ك�أمني عام‪ ،‬وم���ن �أجل ترقية‬ ‫عبد الفتاح �إىل من�ص���ب ال�سكرتري الأيديولوجي (ثاين �أعلى من�صب يف‬ ‫احل���زب)‪ .‬ويف كانون الثاين‪/‬يناير ‪ 1986‬حتول ه���ذا ال�صراع ال�سيا�سي‬ ‫�إىل �ص���راع م�سلح عندما ق���ام �أن�صار علي نا�صر بقت���ل عدد من �أع�ضاء‬ ‫املكت���ب ال�سيا�س���ي‪ ،‬م���ن بينهم عبد الفت���اح وعلي عنرت‪ .‬و ُقت���ل �آالف من‬ ‫عنا�صر احل���زب وامللي�شيات خالل احلرب الأهلية التي دامت �أ�سبوعني‪.‬‬ ‫وقد �سان���د اجلي�ش اجلناح ال�شمايل يف احل���زب‪ ،‬وف ّر علي نا�صر حممد‬ ‫والآالف م���ن �أن�صاره �إىل اليم���ن ال�شمايل �أو �إثيوبي���ا‪ .‬ومت ت�شكيل قيادة‬ ‫�سيا�سية جديدة بقيادة علي �سامل البي�ض‪� ،‬أحد �أن�صار عبد الفتاح‪ ،‬لكنه‬

‫رغم ذلك‪ ،‬وب�صورة عامة‪ ،‬وا�صل �سيا�سات علي نا�صر‪.‬‬ ‫وبرغ���م �أن النزع���ة الفئوي���ة املث�ي�رة للخ�ل�اف احلزبي ق���د �شاعت يف‬ ‫احل���زب اال�شرتاك���ي اليمني‪ ،‬لكنه���ا كانت �أك�ث�ر و�ضوح��� ًا وم�ؤ�س�سي ًة يف‬ ‫احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي الأفغاين‪.‬‬ ‫وقد متح���ور اخلالف حول ال�شخ�صيتني‬ ‫القياديتني – نور حممد طرقي وبابراك‬ ‫كارمَ ���ل‪ .‬فعل���ى امل�ست���وى الأيديولوجي‪،‬‬ ‫اختلف���ت �آرائهم���ا جت���اه حتقي���ق الثورة‬ ‫الأفغاني���ة‪ ،‬فق���د �أعتقد طرق���ي �أنه من‬ ‫املمكن حتقيق الثورة بالطريقة اللينينية‬ ‫التقليدية من خالل بناء حزب للطبقات‬ ‫العاملة محُ كَ���م التنظيم‪ ،‬يف حني �أعتقد‬ ‫كارمَ ���ل �أن �أفغان�ستان متخلفة كثري جد ًا‬ ‫لك���ي تتبن���ى �إ�سرتاتيجي���ة لينيني���ة و�أنه‬ ‫البد من تعزيز جبهة دميقراطية قومية‬ ‫د‪ .‬جنيب اهلل حممد‬ ‫للق���وى الوطني���ة واملعادي���ة للإمربيالية‬ ‫حت���ى تدفع بالبلد خطو ًة باجت���اه الثورة اال�شرتاكية‪ .‬وق���د فاقمت جهود‬ ‫كارمل ع���ام ‪ 1967‬لإقناع اللجنة املركزية للح���زب ال�شعبي الدميقراطي‬ ‫بتعني���ف التط���رّف املُفرَط لطرقي‪ ،‬ح���دة االنق�س���ام يف �أفغان�ستان‪ .‬لكن‬ ‫نتائ���ج الت�صويت داخل اللجن���ة كانت متقاربة‪ ،‬وح���اول طرقي �إبطال‬ ‫ت�أث�ي�ر كارمَ ل عن طريق تعيني �أع�ضاء جدد يف اللجن���ة من �أن�صاره‪� .‬أما‬ ‫كارمَ ���ل فقد قدم ا�ستقالته ومت قبولها‪ ،‬وت���رك احلزب مع عدد كبري من‬ ‫�أع�ض���اء اللجنة املركزية للح���زب‪ .‬وعقب ذلك عم���ل الفريقان كحزبني‬ ‫�سيا�سيني منف�صلني‪ ،‬لكل منهما �سكرتريه‪�/‬أمينه العام وجلنته املركزية‬ ‫و�أع�ضائه‪.‬‬ ‫�إن ق���ادة احلزب يف �أفغان�ستان مل يختلفوا �أيديولوجي ًا فح�سب بل �أي�ض ًا‬ ‫ح���ول م�سائل عرقي���ة وطبقية‪ ،‬ومل متث���ل الأيديولوجيا العام���ل الوحيد‪،‬‬ ‫ورمب���ا مل تكن الأهم‪ ،‬يف اخلالف بني ح���زب خلق وحزب بر�شم‪ .‬كما �أن‬ ‫طرق���ي وكارمل لهما خلفيات خمتلفة ج���داً‪ ،‬حيث ي�أتي طرقي من �أ�سرة‬ ‫قروي���ة فق�ي�رة من �إقليم غ���زين‪ ،‬و�أبوه تاجر موا�شي و ُمه���رّب فا�شل كان‬ ‫كث�ي�ر ال�سفر �إىل الهن���د الربيطاني���ة‪ .‬ودر�س طرقي املراح���ل االبتدائية‬ ‫واملتو�سط���ة يف مدار�س عام���ة يف قندهار‪ ،‬ولفت االنتباه العاملي لأول مرة‬ ‫عندما بد�أ يكت���ب ق�ص�ص ًا ق�صرية يف الأربعينيات عن ظروف الفالحني‬ ‫املعي�شية يف �أفغان�ستان‪ ،‬وحظيت ق�ص�صه ب�إعجاب ُنقّاد الأدب ال�سوفيت‬ ‫يف ذلك احلني‪.‬‬ ‫�أم���ا مُ�ساعِ د طرقي‪ ،‬املالزم حفيظ اهلل �أم�ي�ن فهو ‪ -‬كطرقي ‪ -‬ينحدر‬ ‫م���ن طبقة الب�سطاء‪ ،‬وكان �أبوه موظف ًا حكومياً‪ .‬وقد ولد �أمني عام ‪1921‬‬ ‫يف مدين���ة بغمان قُ���رب كاب���ول‪ .‬وبعد االنتهاء م���ن درا�س���ة الريا�ضيات‬ ‫والفيزي���اء يف جامعة كاب���ول �أ�صبح مدر�س ًا يف �إح���دى املدار�س الثانوية‪،‬‬ ‫ث���م ترقّى �إىل مدير مدر�س���ة‪ .‬ويف �سنة ‪ 1957‬ذهب يف منحة درا�سية �إىل‬

‫(‬

‫)‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪49‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫كلي���ة املعلمني بجامعة كولومبيا يف نيوي���ورك‪ .‬ويف مطلع ال�ستينيات عاد‬ ‫�إىل الوالي���ات املتح���دة ليوا�صل درا�سة الدكت���وراه يف كولومبيا‪ ،‬وعندما‬ ‫كان عل���ى و�شك الب���دء يف الر�سالة طُ لِب منه الع���ودة �إىل الوطن ليعالج‬ ‫م�س�أل���ة عائلية‪ .‬وعند عودت���ه ان�ضم �إىل احل���زب ال�شعبي الدميقراطي‬ ‫وركّز على ال�سيا�سة وجنّ���د لن�صرة احلزب طالبه الب�شتون يف املدار�س‬ ‫الثانوي���ة احلكومية حيث خدم كمُدرّ�س ومدير لعدد من ال�سنني‪ .‬ونظر ًا‬ ‫لكونه ب�شتوين م���ن �أهل الريف‪ ،‬فقد جنح �أمني يف الت�أثري على الطالب‬ ‫الب�شت���ون الذين �أ�صبح الكثري منهم �ضباط ًا يف اجلي�ش بعد التخرج من‬ ‫الأكادميية الع�سكرية يف كابول‪.‬‬ ‫وق���د �أجتمع طرقي و�أمني يف نزعتهما املنا�ص���رة للطبقة الو�سطى من‬ ‫الب�شت���ون يف الريف‪ ،‬وهي الطبقة التي جترّعت مرارة الفقر وطالتها يد‬ ‫اال�ستبداد‪ .‬وبف�ضل جهود �أمني ح�صل �أن�صار حزب خلق على دعم قوي‬ ‫يف �صف���وف فرقة ال�ضباط‪ .‬و�أ�صبحت لغتهم الأوىل اللغة الب�شتونية بد ًال‬ ‫من «الدارية» التي تعترب لهجة فار�سية يتخاطب بها �سكان املدن الأفغانية‬ ‫وامل�سئولني احلكوميني‪ .‬وك�أغلبية عنا�صر حزب خلق‪ ،‬كان طرقي ينتمي‬ ‫�إىل القبيلة الب�شتونية «غيلزي» التي اُ�ستبعِدت من منا�صب ال�سلطة على‬ ‫�أيدي مناف�سيها من الدورانيني‪ .‬وغالب ًا ما كان يُنظَ ر لفكرهما املارك�سي‬ ‫على �أنه و�سيلة لنقل اال�ستياء القبلي‪.‬‬ ‫�أم���ا الأ�ص���ول االجتماعية والعرقي���ة لعنا�صر جناح بر�ش���م فقد كانت‬ ‫تختل���ف متام���اً‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬عانى كارم���ل ‪ -‬رغم انتمائه لأحدى‬ ‫الأ�س���ر الغني���ة الب�شتونية من �أ�ص���ول ك�شمريية واملقيم���ة يف قرية قرب‬ ‫كاب���ول – من �ضن���ك العي�ش بعد وفاة �أمه‪ ،‬ومل يك���ن من الدورانيني وال‬ ‫من الغيليزيني‪ ،‬فهو ابن اجلرنال حممد ح�سني خان الذي توىل من�صب‬ ‫حاك���م مقاطعة «باكتيا» وكانت تربطه عالقات بالعائلة امللكية‪ .‬ومبا �أنه‬ ‫كان طالب��� ًا يف كلية احلقوق بجامعة كاب���ول فقد اكت�سب �سمعة كخطيب‬ ‫ونا�ش���ط يف احت���اد الط�ل�اب ع���ام ‪ .1951‬وعل���ى عك����س عنا�صر حزب‬ ‫خل���ق‪ ،‬انحدر كارمل (كمعظم �أع�ضاء ح���زب بر�شم) من طبقة النخبة‬ ‫احل�ضرية ومل يكن يتمتع بح�س الهوية القبلية القوية �أو الوالء لها‪.‬‬ ‫�أم���ا �أبناء الدائ���رة االنتخابية امل�ؤي���دة لرب�شم فقد كان���وا من الطبقة‬ ‫الو�سط���ى �أو الو�سطى‪-‬العلي���ا احل�ضري���ة‪ ،‬ومييل���ون للتخاط���ب بلهج���ة‬ ‫«داري» ب���د ًال من اللغة الب�شتونية‪ .‬وكان���وا �أكرث ثقافة من عنا�صر حزب‬ ‫خل���ق‪ ،‬وطغت عل���ى عاداتهم ومنط حياته���م ال�صبغ���ة «الغربية»‪ .‬وعلى‬ ‫الرغ���م من اهتم���ام جناحي احل���زب ال�شعب���ي الدميقراط���ي الأفغاين‬ ‫كليهما بتغيري �أدوار الن���وع االجتماعي ‪ gender‬و�إعطاء املر�أة دور ًا �أكرث‬ ‫فعالي���ة يف مناحي ال�سيا�س���ة‪� ،‬إال �أن الن�ساء (من �أمثال �أناهيتا راتِبزاد‪،‬‬ ‫حمبوب���ة كارم���ل‪ ،‬و�أحد �أع�ضاء احل���زب ال�شعب���ي الدميقراطي الأربعة‬ ‫الذي���ن اُنتخبوا لع�ضوية الربمل���ان عام ‪ )1965‬كنّ �أك�ث�ر بروز ًا يف جناح‬ ‫بر�ش���م‪ ،‬وكانت الرتكيب���ة العرقية يف هذا الف�صيل �أك�ث�ر تنوع ًا مما هو‬ ‫علي���ه احل���ال بالن�سبة جلناح خلق‪ .‬وم���ع �أن �أن �أغلبي���ة �أع�ضاء الربملان‬ ‫كانوا من �أبناء �إقليم كابول من الب�شتون املتحدثني باللهجة “الدارية”‪،‬‬ ‫‪50‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫لكن �أي�ض��� ًا كان يتم انتخاب ممُ ثلني ب�شكل كبري من الهزارا والطاجيك‬ ‫وغريهم من الأقليات الأخرى (مبن فيهم قادة بر�شم من �أمثال �سلطان‬ ‫علي ك�شتماند‪ ،‬رئي�س الوزراء م�ستقبالً‪ ،‬وهو من الهزارا)‪.‬‬ ‫ويف مطلع �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 1978‬اندلع التمرد امل�سلح �ضد نظام احلزب‬ ‫ال�شعب���ي الدميقراطي الأفغ���اين يف �إقليم “نور�ستان”‪ ،‬ثم �شمل يف عام‬ ‫‪� 1979‬أقالي���م “باكتيا” و”غزين” و”بدرك�ش���ان”‪ .‬ويف �شباط‪/‬فرباير‬ ‫‪ 1979‬اُختطِ���ف ال�سفري الأمريكي لدى �أفغان�ستان‪� ،‬أدولف دوبز‪ ،‬على يد‬ ‫بع�ض املتمردين‪ ،‬وقُتل �أثناء حماولة �إنقاذ فا�شلة يف �أحد فنادق كابول‪.‬‬ ‫وبعد ذلك بد�أت االنتفا�ضة يف �إقليم “هريات” يف �آذار‪/‬مار�س عام ‪1979‬‬ ‫وراح �ضحيته���ا مئات من امل�ست�شارين ال�سوفيت وذويهم‪ ،‬ومل يتم �إخماد‬ ‫تلك االنتفا�ضة �إال ب�شق الأنف�س‪ .‬ويف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 1979‬اُغتيل طرقي‪،‬‬ ‫ال���ذي كان يج���د نف�سه عاجز ًا ع���ن التجاوب مع التحدي���ات التي تواجه‬ ‫نظ���ام احلكم‪ ،‬على يد عم�ل�اء موالني ملُ�ساعد ِه حفي���ظ اهلل �أمني الذي‬ ‫كان يُعترب قومي ًا مت�شدد ًا �أكرث منه ا�شرتاكي ًا وحاول تطبيع العالقات مع‬ ‫املتمردي���ن الإ�سالميني‪ .‬وبالفعل كان �أمني يحاول تو�سيع قاعدة النظام‬ ‫من خالل جذب املتمردين �إىل �صفوفه‪ ،‬لكنه �أي�ض ًا قام بت�صفية م�ؤيدي‬ ‫طرقي من الدولة واحلزب‪ .‬ويف احلقيقة‪ ،‬انخف�ض عدد �أع�ضاء احلزب‬ ‫خالل تويل �أمني �سدة احلكم (بني �شهري �أيلول‪�/‬سبتمرب وكانون الأول‪/‬‬ ‫دي�سمرب ‪ )1979‬نظر ًا حلمالت الت�صفية الوح�شية التي قام بها �ضد كلٍّ‬ ‫م���ن �أع�ضاء جناح بر�شم واملوال�ي�ن لطرقي من “اخللقيني”‪ .‬ويف كانون‬ ‫الأول‪/‬دي�سمرب ‪ 1979‬اجتاح االحتاد ال�سوفيتي البالد لإنقاذ نظام حكم‬ ‫احل���زب ال�شعب���ي الدميقراطي‪ ،‬ومت �إعدام �أمني و�أعي���د بابراك كارمل‬ ‫�إىل �سدة احلكم م�صحوب ًا بالقوات ال�سوفيتية‪.‬‬ ‫ق���ام كارمل بت�شكيل ائتالف جديد م���ن عنا�صر جناح بر�شم وعنا�صر‬ ‫جناح خل���ق املُعار�ضني لنظام �أمني‪ .‬وبحلول ع���ام ‪ 1984‬كان ثمانية من‬ ‫الأع�ض���اء الثالثة ع�شر يف “املكتب ال�سيا�سي”‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الأع�ضاء‬ ‫البدالء‪ ،‬من عنا�صر جناح بر�شم‪ :‬كارمل؛ �سلطان علي كي�شتماند؛ جنيب‬ ‫اهلل؛ نور �أحمد نور؛ حممد رايف؛ �أناهيتا راتِبزاد؛ عبد القادر؛ وحممود‬ ‫باري���االي (�شقيق كارمل)‪ .‬وقد كان من بني عنا�صر حزب خلق‪ :‬حممد‬ ‫�إ�س�ل�ام وطنجار‪� ،‬صالح حممد زياري‪ ،‬حممد �إ�سماعيل داني�ش‪ ،‬وغالم‬ ‫دا�ستاج���ر بان�شريي (�أما انتماء الع�ضو البدي���ل‪ ،‬عبد الزهور رازجمو‪،‬‬ ‫فلم يكن وا�ضحاً)‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬حاول كارمل تو�سيع قاعدة نظامه‬ ‫ع���ن طريق امل�ض���ي يف عملية التقارب مع املتمردي���ن‪ .‬ويف الأثناء‪� ،‬أُعيد‬ ‫العلم الأفغاين القدمي ذو الألوان الثالثة‪ ،‬مع اللون الأخ�ضر الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ويف املقاب���ل مت التخل���ي ع���ن العل���م الأحمر (علم حزب خل���ق) ومل يعد‬ ‫ميث���ل العلم الوطني‪ .‬ويف بداية ني�سان‪�/‬أبريل ‪� 1980‬أ�صبحت كل الوثائق‬ ‫الر�سمي���ة تبد�أ بالب�سملة‪ ،‬وه���و التقليد الذي تخلى عنه طرقي‪ .‬ويف عام‬ ‫‪� 1982‬أع���اد النظام �صياغة الد�ستور احلزبي وحذف منه �أي �إ�شارة �إىل‬ ‫املارك�سية اللينينية (وهي خط���وة عار�ضها عنا�صر حزب خلق ب�شدة)‪.‬‬ ‫على �أن �إ�سرتاتيجية اجلبه���ة املوحدة التي تبنّاها احلزب الدميقراطي‬ ‫ال�شعب���ي بع���د االجتي���اح ال�سوفيت���ي‪� ،‬أعتربه���ا املراقب���ون �إ�سرتاتيجية‬

‫جدول رقم (‪� :)1‬أبعاد �إرث احلزب‪/‬النظام ال�سابق‬ ‫احلزب‬

‫احلزب‬ ‫اال�شرتاكي‬ ‫اليمني‬

‫احلزب‬ ‫الدميقراطي‬ ‫ال�شعبي‬ ‫الأفغاين‬

‫االعتماد على االحتاد ال�سوفيتي‬ ‫درجة اعتماد �أقل ن�سبي ًا من احلزب‬ ‫الدميقراطي ال�شعبي‪:‬‬ ‫‪ )1‬تقدير عدد القوات ال�سوفيتية �أو‬ ‫الكوبية‪ /‬ال�سكان يف ‪( 1990‬تقدير�أكرب‬ ‫عدد للقوات يف الثمانينيات)=‪.0002‬‬ ‫(‪.)2000‬‬ ‫‪ )2‬الأن�شطة التجارية مع االحتاد ال�سوفيتي‬ ‫ال ت�ستحق الذكر‪.‬‬ ‫درجة اعتماد �أعلى ن�سبي ًا من احلزب‬ ‫الإ�شرتاكي اليمني‪:‬‬ ‫‪ )1‬تقدير عدد القوات ال�سوفيتية �أو‬ ‫الكوبية‪ /‬ال�سكان يف ‪( 1990‬تقدير�أكرب‬ ‫عدد للقوات يف الثمانينيات)= ‪.005‬‬ ‫(‪.)125000‬‬ ‫‪ )2‬العالقات التجارية واالقت�صادية مع‬ ‫االحتاد ال�سوفيتي متينة‪ :‬احتلت �أفغان�ستان‬ ‫مكانة يف جمل�س التعاون االقت�صادي‬ ‫)‪.(CMEA‬‬

‫عقيم���ة �إىل حدٍّ كبري‪ .‬ويف ‪ ،1986‬وحت���ت �ضغط االحتاد ال�سوفيتي‪ ،‬متت‬ ‫تنحية كارمل عن ال�سلط���ة ل�صالح الرئي�س ال�سابق للمخابرات الأفغانية‬ ‫(‪ ،)KHAD‬الدكتور جنيب اهلل‪.‬‬ ‫ويلخ����ص اجلدول رق���م (‪ )1‬الإرث الذي خلفه النظ���ام املا�ضي يف ظل‬ ‫االعتماد الن�سبي على االحتاد ال�سوفيتي‪ ،‬ودرجة اخلالف احلزبي داخل‬ ‫الأح���زاب ال�سيا�سية‪ ،‬و�إىل �أي مدى ا�ستط���اع احلزب‪/‬الدولة التغلغل يف‬ ‫املجتمع‪ .‬وكما هو مو�ضح يف اجلدول رقم (‪ ،)1‬فعند القيام باملقارنة بني‬ ‫احلزب اال�شرتاكي اليمني واحلزب الدميقراطي ال�شعبي الأفغاين ف�إننا‬ ‫جن���د �أن الأول �أق���ل اعتماد ًا عل���ى الدعم ال�سوفيتي‪ .‬فل���م يكن يف اليمن‬ ‫�س���وى القليل من امل�ست�شارين الع�سكري�ي�ن ال�سوفيتيني (لكن امل�ست�شارين‬ ‫الكوبي�ي�ن كانوا �أك�ث�ر) مقارنة بالدع���م الع�سكري ال�ضخ���م الذي قدمه‬ ‫ال�سوفي���ت للنظام الأفغاين بع���د ‪ .1979‬كما �أن االقت�ص���اد الأفغاين كان‬ ‫�أك�ث�ر اعتم���اد ًا بكثري على االحت���اد ال�سوفيتي (وهذا �إىل ح���دٍّ كبري يعود‬ ‫بب�ساط���ة للتقارب اجلغ���رايف) و�أكرث اندماج ًا مع االقت�ص���اد ال�سوفيتي‪،‬‬ ‫وه���و مل يكن فقط معتمد ًا علي���ه فيما يتعلق بالوقود وامل���واد الغذائية بل‬ ‫ارتب���ط بامل�ؤ�س�س���ات العابرة للحدود التي يرعاه���ا ال�سوفيت مثل جمل�س‬ ‫التعاون االقت�صادي امل�شرتك(‪.)CMEA‬‬ ‫وق���د �صعّب االعتم���اد على االحتاد ال�سوفيتي الأم���ر كثري ًا على احلزب‬ ‫ال�شعبي الدميقراطي يف �أن يخلق هوية احلركة الثورية الوطنية‪ .‬وبالت�أكيد‬ ‫كان هناك عنا�صر قيادية موالية لل�سوفيت يف احلزب اال�شرتاكي اليمني‬ ‫وربطته���م عالقات وثيقة باالحتاد ال�سوفيت���ي (كعبد الفتاح �إ�سماعيل)‪،‬‬ ‫غري �أن معظم قادة احل���زب اكت�سبوا �سمعتهم كمقاتلني يف احلرب التي‬ ‫خا�ضوه���ا �ض���د الإمربيالي���ة الربيطانية �أي���ام جبهة التحري���ر القومية‪.‬‬ ‫وكم���ا الحظ �أحد املراقب�ي�ن‪ ،‬ف�إن العنا�صر القيادي���ة يف احلزب ال�شعبي‬

‫اخلالف احلزبي‬

‫التغلغل يف املجتمع‬

‫يرتكز على الإنتماءات‬ ‫الإقليمية والقبلية‪ ,‬لكنه �أقل‬ ‫ن�سبي ًا مما هو عليه احلال يف‬ ‫احلزب الدميقراطي ال�شعبي‪.‬‬

‫م�ستوى اندماج �أعلى ن�سبي ًا‬ ‫من م�ستوى اندماج احلزب‬ ‫الدميقراطي ال�شعبي‪ ,‬يعززه‬ ‫�إرث الن�ضال الثوري‪/‬التحرري‬ ‫واملنهجية املعتدلة ن�سبي ًا جتاه‬ ‫الإ�سالم‪ ,‬بلغت ن�سبية ع�ضوية‬ ‫احلزب ‪ %3.5‬يف �أو�ساط ال�شعب‪.‬‬

‫ن�سبة اخلالف �أعلى مما‬ ‫هو عليه احلال يف احلزب‬ ‫الإ�شرتاكي اليمني‪ ,‬ويرتكز‬ ‫على اخلالفات العرقية‪/‬‬ ‫اللغوية والقبلية والطبقية‪.‬‬ ‫و�أكرث تنظيم ًا م�ؤ�س�سي ًا‬ ‫(عنا�صر جناح خلق مقابل‬ ‫عنا�صر جناح بر�شم)‪.‬‬

‫م�ستوى اندماج �أدنى ن�سبي ًا‪,‬‬ ‫يعيقه الإعتماد على االحتاد‬ ‫ال�سوفيتي واملنهجية املت�شددة‬ ‫يف تبني املعتقدات الإ�سالمية‪.‬‬ ‫و�صلت ن�سبة ع�ضوية احلزب �إىل‬ ‫�أقل من ‪ %1‬يف �أو�ساط ال�شعب‪.‬‬

‫الدميقراط���ي كانوا �إم���ا “مت�شددين غري عمليني‪ ،‬مثل طرق���ي‪� ،‬أو �أبناء‬ ‫م���دن لي�س���وا متفهم�ي�ن �أو متعاطف�ي�ن م���ع احلي���اة القروية‪ ،‬م���ن �أمثال‬ ‫كارم���ل”‪ .‬ويف الوقت ال���ذي ا�ستطاع احلزب اال�شرتاك���ي اليمني تر�سيخ‬ ‫ج���ذوره �إىل حد ما‪ ،‬على الأقل يف بع�ض املناطق الريفية (كح�ضرموت)‪،‬‬ ‫ظل احل���زب ال�شعب���ي الدميقراطي الأفغ���اين متقوقع ًا يف �إط���ار ثلة من‬ ‫املثقفني واملتخ�ص�صني احل�ضريني وبع�ض ال�ضباط‪.‬‬ ‫ف�ض�ل�اً عن ذلك‪ ،‬كان اخلالف احلزبي �أك�ث�ر �شدة يف �أو�ساط عنا�صر‬ ‫احلزب ال�شعبي الدميقراطي مما كان عليه احلال يف احلزب اال�شرتاكي‬ ‫اليمني‪ .‬ومما ال �ش���ك فيه �أنه كانت هناك خالفات وا�ضحة بني جناحي‬ ‫احلزب اال�شرتاكي يف ال�شمال واجلنوب‪ ،‬لكن مت على الأقل تهدئة معظم‬ ‫تلك اخلالف���ات �أم���ام املقاومة امل�شرتكة �ض���د الربيطاني�ي�ن �أيام جبهة‬ ‫التحري���ر القومي���ة‪ .‬ورغم التناف����س الذي متخّ �ض عن���ه يف النهاية عنف‬ ‫�شدي���د عام ‪ 1979‬ب�إعدام �س���امل رُبيّع علي واحلرب الأهلية املفتوحة عام‬ ‫‪ ،1986‬لكن ه���ذه الأحداث �ساعدت �إىل حد ما‪ ،‬وب�شكل غري متوقع‪ ،‬على‬ ‫ق�ضت م�ضجع‬ ‫�إنه���اء النزعة الفئوية املثرية للخ�ل�اف احلزبي التي طاملا ّ‬ ‫احل���زب اال�شرتاك���ي‪ ،‬و�إىل ح���د كب�ي�ر طهّرت ه���ذه التقلب���ات الداخلية‬ ‫العنيفة احلزبَ من �شوائب التيارات احلزبية املتناف�سة‪ ،‬حتى �أنه عندما‬ ‫ح���ل وقت الوح���دة كان معظم من تبقى من عنا�ص���ر احلزب اال�شرتاكي‬ ‫اليمن���ي‪ ،‬بطريق���ة �أو ب�أخرى‪ ،‬مرتبط��� ًا بالإرث ال�سيا�س���ي والأيديولوجي‬ ‫الذي تركه عبد الفتاح �إ�سماعيل‪.‬‬ ‫وم���ن ناحية �أخرى‪ ،‬كانت جذور اخلالفات احلزبية يف �أو�ساط �أع�ضاء‬ ‫احلزب ال�شعبي الدميقراطي �أعمق مقارنة مبا كان عليه احلال يف احلزب‬ ‫اال�شرتاكي اليمني‪ ،‬حيث مل تكن التحزّبات نتاج االختالف الأيديولوجي‬ ‫فح�س���ب بل واالختالف اللغوي والعرقي والطبقي‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ف�إن‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪51‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫ت�أ�سي�س حزبي خلق وبر�شم املختلفني كل االختالف عن بع�ضهما بقيادة‬ ‫طرق���ي وكارمل على التوايل بعد عام ‪ 1967‬ج���ذّر اخلالف احلزبي‪ ،‬ما‬ ‫خل���ق يف نهاية املطاف �صدع��� ًا ي�صعب ر�أبه‪ .‬ورغم اجله���ود ال�سوفيتية‬ ‫وا�صل احلزب���ان احلفاظ على هويتهما التنظيمي���ة ككيانني منف�صلني‪،‬‬ ‫حتى حتت قناع الوحدة الزائف الذي فر�ضه ال�سوفيت عام ‪.1977‬‬ ‫�أخ�ي�راً‪ ،‬تفاوت���ت درج���ة‬ ‫التغلغ���ل املجتمع���ي �إىل ح���دٍّ‬ ‫كب�ي�ر �أي�ض��� ًا ب�ي�ن احل���زب‬ ‫اال�شرتاك���ي اليمني واحلزب‬ ‫ال�شعب���ي الدميقراط���ي‬ ‫تراجعت اجلهود املبذولة لتبنّي الأفغ���اين‪ .‬ف����إىل جان���ب‬ ‫املب��ادئ اال�ش�تراكية يف اليم��ن ال�شرعي���ة التي نالها احلزب‬ ‫بحل��ول الثمانينيات‪ ،‬وا�س��تطاع اال�شرتاك���ي ع���ن طري���ق‬ ‫النظ��ام البق��اء يف الأ�س��ا�س الن�ض���ال التح���رري‪ ،‬وكذلك‬ ‫لأن��ه تقب��ل بوج��ود املجتم��ع عالق���ات الرتاب���ط الت���ي‬ ‫الالمركزي القبلي امل�سلح‬ ‫ر�سخها مع �أبناء الأرياف يف‬ ‫اجلن���وب بوا�سط���ة الروابط‬ ‫القبلي���ة‪ ،‬مل يتخ���ذ احل���زب‬ ‫خطى جادة بخ�صو�ص دور الإ�س�ل�ام‪ .‬وهذا الأمر تناق�ض ب�شكل �صارخ‬ ‫م���ع الهج���وم �شبه التام الذي ق���ام به عنا�صر حزب خل���ق �ضد الإ�سالم‬ ‫خ�ل�ال الف�ت�رة ‪� .1989 - 1978‬إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك‪ ،‬فق���د حق���ق احل���زب‬ ‫اال�شرتاكي جناح ًا كبري ًا يف عملية بناء تنظيمات احلزب التي تغلغلت يف‬ ‫�أو�س���اط ال�سكان‪ ،‬على الأقل باملقارنة مع احلزب ال�شعبي الدميقراطي‪.‬‬ ‫ويف فرتة الثمانينيات �أ�صبح ‪ %3.5‬من �أبناء اجلنوب �أع�ضا ًء يف احلزب‬ ‫اال�شرتاك���ي‪ ،‬يف حني كان �أع�ضاء احل���زب ال�شعبي الدميقراطي يمُ ثلون‬ ‫�أقل من واحد يف املائة من �أبناء ال�شعب الأفغاين البالغني‪.‬‬ ‫وله���ذا‪ ،‬فيمكننا الق���ول ب�صورة ن�سبية �إن احل���زب اال�شرتاكي اليمني‬ ‫كان �أك�ث�ر “تنظيماً” بفارق كبري مقارن ّة باحلزب ال�شعبي الدميقراطي‬ ‫الأفغ���اين قبل التغريات الكربى التي طر�أت ع���ام ‪ .1991‬وكان لهذا دور‬ ‫كبري يف تف�سري ما حدث خلليفتي احلزبني يف �أعقاب خ�سارتهما لل�سلطة‬ ‫يف عقد الت�سعينيات من القرن الع�شرين‪.‬‬

‫احل��زب اال�ش�تراكي اليمن��ي واحل��زب ال�ش��عبي‬ ‫�سلك االحتاد‬ ‫الدميقراط��ي الأفغ��اين منذ ‪1986‬‬

‫ال�سوفيتي م�سلك ًا جديد ًا يف عالقاته مع الغرب بعد ‪ ،1985‬الأمر الذي كان‬ ‫له �أثر عميق على النظام�ي�ن املارك�سيني اللينيني يف اليمن و�أفغان�ستان‪.‬‬ ‫فف���ي اليم���ن �أدى تن�صي���ب عل���ي �س���امل البي����ض ك�أم�ي�ن ع���ام للحزب‬ ‫اال�شرتاك���ي اليمني‪ ،‬م�صحوب ًا بالتغيريات الت���ي حدثت يف مو�سكو‪� ،‬إىل‬ ‫�إ�س���راع اخلطى باجتاه توحيد �شط���ري اليمن ال�شمايل واجلنوبي‪ ،‬حيث‬ ‫متخ�ض ع���ن املفاو�ضات عام ‪« 1981‬د�ستور م�ؤق���ت» لليمن املوحد‪ ،‬لكن‬ ‫كال اجلانب�ي�ن رف�ض قب���ول م�سودة الد�ست���ور‪ .‬ويف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪1989‬‬ ‫‪52‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫انعق���د اجتم���اع قمة يف �صنع���اء‪ ،‬وبحلول ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب ‪1989‬‬

‫(نف�س ال�شهر الذي �سقط فيه جدار برلني) �أعلن رئي�س اليمن ال�شمايل‬ ‫علي عبد اهلل �صالح وعلي �سامل البي�ض يف عدن �أنه �سيتم تنفيذ اتفاقية‬ ‫الوحدة التي يعود تاريخها �إىل عام ‪ 1981‬بحلول عام ‪ .1990‬وفع ًال متت‬ ‫الوحدة ب�شكل ر�سمي يف ‪� 22‬أيار‪/‬مايو ‪.1990‬‬ ‫بعد ذلك مت تقا�سم ال�سلطة بالت�ساوي بني قادة ال�شمال وقادة اجلنوب‪،‬‬ ‫فت���وىل عل���ي عبد اهلل �صالح من�ص���ب رئي�س اليمن املوح���د و�أ�صبح علي‬ ‫�س���امل البي�ض نائب ًا له‪ ،‬بينما مت تعي�ي�ن العطا�س الذي كان رئي�س اليمن‬ ‫اجلنوب���ي ورئي�س هيئ���ة رئا�سة جمل�س ال�شع���ب الأعلى رئي�س��� ًا للوزراء‪.‬‬ ‫ومبوج���ب االتفاقي���ة ت�شارك املنا�ص���ب الوزارية بالت�س���اوي ممثلون من‬ ‫كال ال�شطري���ن‪ ،‬وتبن���ت كل وزارة نظام تعيني مت���زن‪ ،‬بحيث على �سبيل‬ ‫املث���ال �إذا كان الوزير من ال�شمال يكون نائبه من اجلنوب‪ .‬ويف اجلانب‬ ‫الع�سك���ري كان وزير الدفاع م���ن �أبناء اجلنوب ورئي����س الأركان العامة‬ ‫من ال�شمال‪.‬‬ ‫ويف �أيار‪/‬ماي���و ‪� 1991‬أُقِر الد�ستور املق�ت�رح من خالل عملية ا�ستفتاء‪.‬‬ ‫ويف ني�سان‪�/‬أبريل ‪ 1993‬عُ قدت �أول انتخابات عامة يف اليمن تناف�س فيها‬ ‫املر�شح���ون على ‪ 301‬مقعد ًا نيابي ًا لق�ضاء ف�ت�رة �أربع �سنوات يف جمل�س‬ ‫الن���واب‪ .‬وقد ح�صل امل�ؤمتر ال�شعبي العام‪ ،‬احلزب احلاكم بقيادة علي‬ ‫عبد اهلل �صالح‪ ،‬على �أغلبية املقاعد التي بلغت ‪ 123‬مقعداً‪� .‬أما احلزب‬ ‫اال�شرتاك���ي فقد ح�ص���ل على ‪ 56‬مقع���د ًا فقط‪ ،‬فهبط م���ن مرتبة ثاين‬ ‫�أك�ب�ر حزب يف البلد �إىل ثالث �أكرب حزب‪ ،‬و�أ�صبح حزب الإ�صالح حمل‬ ‫احلزب اال�شرتاكي بح�صوله على ‪ 62‬مقعداً‪ .‬ثم قرر احلزب اال�شرتاكي‬ ‫التخل���ي عن املب���ادئ اال�شرتاكية يف اجتماع جلنت���ه املركزية‪ ،‬لكن هذا‬ ‫القرار قُوبل باالنتقاد من قبل الكثري من العنا�صر الي�سارية يف احلزب‪.‬‬ ‫ويف برناجم���ه االنتخاب���ي ع���ام ‪� 1993‬أعلن احلزب �أن هدف���ه الأ�سا�سي‬ ‫ه���و ت�شجيع الوح���دة الوطنية واملب���ادئ الدميقراطية وحتقي���ق العدالة‬ ‫االجتماعي���ة‪ ،‬و�أعترب القبلية م�شكلة (على عك����س امل�ؤمتر ال�شعبي العام‬ ‫الذي �أثنى عليها بو�صفها «العائلة املمتدة»)‪ ،‬معلن ًا يف حملته عام ‪1993‬‬ ‫�أنه يبحث عن «�إيجاد حل مل�شكلة الت�سلط القبلي والفو�ضى الناجمة عن‬ ‫ذل���ك»‪ .‬وعل���ى عك�س حزبي امل�ؤمت���ر والإ�صالح اللذين اعت�ب�را الإ�سالم‬ ‫جوه���ر احلي���اة‪� ،‬سعى احلزب اال�شرتاك���ي �إىل �إيجاد جامع���ة �إ�سالمية‬ ‫فقط يف اليمن‪.‬‬ ‫لكن اخلالف���ات التي ا�شتعلت يف �أو�ساط عنا�ص���ر احلزب اال�شرتاكي‬ ‫بني �أن�ص���ار اجلناح الي�ساري بقيادة علي البي����ض وبني العنا�صر الأكرث‬ ‫اعت���دا ًال املتبنني �سيا�سة اال�سرت�ضاء بقي���ادة جار اهلل عمر �أعاقت عقد‬ ‫م�ؤمتر احلزب‪ .‬ث���م �أدت الإ�شكاالت ال�سيا�سية ب�ي�ن احلزب اال�شرتاكي‬ ‫والإ�ص�ل�اح وكذلك امل�ؤمتر ال�شعبي الع���ام �إىل �سل�سلة من عمليات القتل‬ ‫واالغتي���ال للم�سئول�ي�ن يف احلزب اال�شرتاكي‪ ،‬وبل���غ الأمر ذروته عندما‬ ‫رف����ض نائب الرئي�س عل���ي �سامل البي����ض ت�أدية واجبات���ه وان�سحب �إىل‬ ‫مدين���ة عدن‪ .‬وعل���ى �إثر ذلك �إنطلق���ت مبادرات و�ساطة حل���ل الأزمة‪،‬‬

‫غ�ي�ر �أن املناو�ش���ات ا�ستمرت ب�ي�ن وح���دات اجلي�ش ال�شم���ايل واجلي�ش‬ ‫اجلنوب���ي‪ ،‬واندلعت ح���رب �أهلية يف �أيار‪/‬ماي���و ‪ .1994‬وقد ان�ضم رئي�س‬ ‫الوزراء العطا�س وغريه من العنا�صر القيادية يف احلزب �إىل قوات نائب‬ ‫الرئي�س البي�ض ال���ذي كان يف عدن و�أعلن عن ا�ستقالل جمهورية اليمن‬ ‫الدميقراطية اجلديدة يف اجلنوب‪.‬‬ ‫لك���ن معظم �أع�ضاء احلزب اال�شرتاكي رف�ض���وا االن�ضمام �إىل البي�ض‬ ‫وف�ضلوا البقاء يف �صنعاء‪ .‬ويف اجلنوب رف�ض القادة يف �أبني وح�ضرموت‬ ‫ّ‬ ‫وبع����ض املحافظات الأخرى منا�صرة جماع���ة البي�ض‪ .‬ويف نهاية املطاف‬ ‫متكن���ت قوات الرئي����س �صالح من التغل���ب على قوات البي����ض يف ميدان‬ ‫املعرك���ة‪ ،‬وف ّر البي����ض يف متوز‪/‬يولي���و ‪� 1994‬إىل �سلطن���ة عُ مان كالجئ‬ ‫�سيا�س���ي‪ ،‬وبه���ذا انتهت احل���رب التي دام���ت �شهري���ن وا�ضطر احلزب‬ ‫اال�شرتاك���ي �إىل ت���رك حكوم���ة االئت�ل�اف ومت اال�ستيالء عل���ى ممتلكاته‬ ‫مبا فيها مبنى مق���ره احلزبي‪ .‬و�سُ مِ ح لأع�ضاء احلزب الربملانيني الذين‬ ‫معظمهم قياديني يف احلزب (‪ 53‬من ‪ )56‬مبوا�صلة �أن�شطتهم ال�سيا�سية‬ ‫والبقاء يف جمل�س النواب كونهم اختاروا املكوث يف �صنعاء خالل الأزمة‬ ‫ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫ومن���ذ ‪ 1994‬واحلزب اال�شرتاكي اليمني يعاين م���ن االنق�سامات نظر ًا‬ ‫للخالف���ات الأيديولوجية واملناطقية امل�ستم���رة‪ .‬وبعد مغادرة البي�ض �إىل‬ ‫عمان حل حمل���ه علي �صالح عباد (مُقبِل) الذي اختار البقاء يف �صنعاء‬ ‫�أثن���اء ح���رب ‪ 1994‬الأهلية‪ .‬وق���د تبنّى عُ باد وبع����ض املتم�سكني باحلزب‬ ‫اال�شرتاكي م���ن �أبناء �شبوة وح�ضرموت و�أبني (ممن كانت لهم عالقات‬ ‫بالبي����ض) �سيا�سة مقاطع���ة االنتخابات‪ ،‬راف�ضني التخاط���ب مع الدولة‬ ‫ومعار�ض�ي�ن �أي تغي�ي�ر يف �أيديولوجية احلزب‪ .‬وقد كان لعلي �صالح عُ باد‬ ‫دور يف تنظي���م مظاهرات احلزب اال�شرتاكي ع���ام ‪ 1997‬يف املكال ودعا‬ ‫�إىل مقاطعة انتخابات ‪ 1997‬الربملانية‪.‬‬ ‫وم���ن ناحي���ة �أخ���رى‪ ،‬كان من �ضم���ن الإ�صالحي�ي�ن داخ���ل املجموعة‬ ‫القيادي���ة الراحل جار اهلل عمر والدكتور �سي���ف �صائل‪ ،‬وهما من �شمال‬ ‫اليم���ن‪ .‬وهذه املجموعة �أيدوا بفعالي���ة �إ�شراك ال�شباب والن�ساء و�ضمهم‬ ‫�إىل جمموع���ة القي���ادة‪ ،‬كما �أيدوا التخفيف م���ن �أ�سلوب احلر�س القدمي‬ ‫للحزب‪ ،‬و�شجعوا تبني لغة خطاب �سلمية مع الدولة لكي ي�ستعيدوا مكانة‬ ‫وممتل���كات احل���زب املفقودة‪ ،‬وعمل���وا على جتدي���د �أيديولوجية احلزب‬ ‫و�أي���دوا االن�ضم���ام لال�شرتاكية الدولية‪ .‬ويعترب ج���ار اهلل عمر �شخ�صية‬ ‫ذات �أهمي���ة خا�صة يف عملية تطور احل���زب اال�شرتاكي منذ عام ‪.1994‬‬ ‫وجار اهلل عمر من �أبناء ال�شمال وولد عام ‪ 1942‬يف قرية كهال مبحافظة‬ ‫�إب‪ ،‬ويف �شباب���ه د َر����س الفق���ه الإ�سالمي يف ذمار‪ .‬وخ�ل�ال فرتة احلرب‬ ‫الأهلي���ة يف ال�شم���ال (‪ )1968 - 1962‬تعر����ض ج���ار اهلل لالعتقال نظر ًا‬ ‫ملواقفه ال�سيا�سي���ة الي�سارية‪ ،‬واطلع �أثناء �إقامت���ه يف ال�سجن على الفكر‬ ‫املارك�س���ي‪ ،‬وعندما خرج من ال�سجن ع���ام ‪ 1968‬جل�أ �إىل اجلنوب‪ ،‬ومن‬ ‫هناك ق���اد فرقة املغاوير التابعة لقوات الدفاع الوطني يف ال�شمال‪ ،‬وهي‬ ‫خليط من خم�س فرق منف�صلة خُ �ص�صت للإطاحة باحلكومة الع�سكرية‬

‫يف �صنع���اء‪ ،‬لكن���ه ا�ضطر للفرار �إىل اجلنوب يف ف�ت�رة ال�سبعينيات‪ .‬ويف‬ ‫الثمانيني���ات �أرتق���ى �إىل املكت���ب ال�سيا�سي للحزب اال�شرتاك���ي اليمني‪،‬‬ ‫وربطت���ه عالقة بجناح عبد الفتاح �إ�سماعي���ل‪ ،‬وان�ضم �إىل جانب البي�ض‬ ‫يف ح���رب ‪ 1986‬الأهلي���ة‪ .‬لكن���ه تخلى ع���ن البي�ض يف ح���رب ‪ 1994‬كونه‬ ‫كان معار�ض��� ًا لفك���رة االنف�صال الت���ي تبناها البي�ض‪ .‬وم���ع ذلك ف ّر �إىل‬ ‫خ���ارج البلد عام ‪ 1994‬ومل يعد �إال بعد �سنة‪ .‬ونظر ًا ملكانته وكونه يحظى‬ ‫باحرتام وا�سع بني �صف���وف عنا�صر احلزب واملعار�ضة‪ ،‬فقد كان له دور‬ ‫مهم يف التو�صل �إىل حتالف ‪ 2002‬بني احلزب اال�شرتاكي اليمني وحزب‬ ‫الإ�صالح‪ .‬وقد اغتيل جار اهلل عمر عام ‪ 2002‬وهو يُلقي خطاب ًا يف م�ؤمتر‬ ‫حلزب الإ�صالح (تقول امل�صادر الر�سمية �أن ذلك مت على يد علي اجلار‬ ‫اهلل‪� ،‬أحد الإ�صالحيني‪ ،‬لكن الإ�صالح �أنكر ذلك ب�شدة)‪.‬‬ ‫وبالإ�ضاف���ة �إىل تلك االختالفات الأيديولوجي���ة‪ ،‬كانت هناك خالفات‬ ‫مناطقية وقبلي���ة يف �أو�ساط عنا�صر احلزب اال�شرتاكي‪ .‬وقد ذكر حزام‬ ‫اليمن���ي م���ا ال يقل عن ث�ل�اث جماعات مناطقية خمتلف���ة‪ ،‬وهي ف�صائل‬ ‫ت�شابه العنا�صر املحافظة والإ�صالحية داخل احلزب اال�شرتاكي‪ .‬ومنها‬ ‫اجلماع���ة الثقافية‪/‬الفكرية ال�شمالي���ة‪� ،‬أو �أولئك الذين �أتوا من ال�شمال‬ ‫للعم���ل يف م�ص���ايف �شركة الب�ت�رول الربيطاني���ة (‪ )BP‬يف اجلنوب �أثناء‬ ‫حقب���ة االحت�ل�ال الربيطاين (من �أمث���ال عبد الفت���اح �إ�سماعيل)‪ .‬وكان‬ ‫�أغل���ب ه����ؤالء الأع�ضاء‪ ،‬مث���ل جار اهلل عم���ر‪ ،‬عنا�صر قيادي���ة يف جبهة‬ ‫التحري���ر القومي���ة‪� .‬أم���ا اجلماعة الثاني���ة فقد كانت اجلماع���ة الفكرية‬ ‫اجلنوبي���ة (�أو احل�ضرمي���ة) فقد ارتبطت ب�شخ�صي���ات كالبي�ض وعباد‪.‬‬ ‫واجلماعة الثالثة هي اجلماعة‬ ‫الع�سكرية القبلي���ة اجلنوبية‪،‬‬ ‫و�ضمت عنا�صر قبلية تقليدية‬ ‫ق���ادة احل���زب يف �أفغان�ستان‬ ‫مت�شددة من �أبناء املحافظات‬ ‫مل ي��خ��ت��ل��ف��وا �أي��دي��ول��وج��ي�� ًا‬ ‫ً‬ ‫فح�سب بل �أي�ضا حول م�سائل‬ ‫اجلنوبي���ة (حل���ج؛ ال�ضال���ع؛‬ ‫عرقية وطبقية‪ ،‬ومل متثل‬ ‫ياف���ع)‪ .‬واحت���ل عنا�صر هذه‬ ‫الأيديولوجيا العامل الوحيد‪،‬‬ ‫اجلماع���ة منا�صب رئي�سية يف‬ ‫ورمبا مل تكن الأهم‪ ،‬يف اخلالف‬ ‫اجلي����ش اجلنوبي‪ ،‬وم���ا زالوا‬ ‫بني حزب خلق وحزب بر�شم‬ ‫موجودي���ن بق���وة يف �صف���وف‬ ‫احل���زب اال�شرتاك���ي‪ .‬وغالب ًا‬ ‫ما تخلق هذه اجلماعة توازن ًا‬ ‫ب�ي�ن العنا�ص���ر الإ�صالحي���ة‬ ‫ال�شمالية والعنا�صر املُحافِظة‬ ‫اجلنوبية‪.‬‬ ‫ومن���ذ امل�ؤمتر احلزب���ي الرابع للحزب اال�شرتاكي اليمن���ي (الذي عُ قِد‬ ‫يف ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب ‪ 1998‬و�آب‪�/‬أغ�سط����س ‪ )2000‬بدا �أن اجلناح‬ ‫الإ�صالح���ي ه���و �صاح���ب الي���د العلي���ا يف ال�ص���راع داخل احل���زب‪ ،‬ومت‬ ‫تبنّي برنام���ج حزبي �سيا�سي جديد �أظهر في���ه احلزب اال�شرتاكي هوية‬ ‫دميقراطية اجتماعية‪ ،‬و�أعل���ن نف�سه «حزب ًا دميقراطي ًا ينا�ضل من �أجل‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪53‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬ ‫جدول (‪ :)2‬املقاعد التي ح�صل عليها احلزب الإ�شرتاكي اليمني‬ ‫يف االنتخابات الربملانية العامة (‪ )2003 – 1993‬يف ال�شمال واجلنوب‬ ‫املقاعد احلا�صل‬ ‫عليها يف االنتخابات‬ ‫الربملانية عام ‪1993‬‬

‫املقاعد احلا�صل عليها‬ ‫يف االنتخابات الربملانية‬ ‫عام ‪1997‬‬

‫املقاعد احلا�صل عليها‬ ‫يف االنتخابات الربملانية‬ ‫عام ‪2003‬‬

‫يف ال�شمال‬

‫‪15‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫يف اجلنوب‬

‫‪41‬‬

‫‪0‬‬

‫‪7‬‬

‫‪54‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫عبدالفتاح �إ�سماعيل‬

‫‪Life, Google‬‬

‫بناء دولة دميقراطية حديث���ة‪ ،‬ترتكز على مبادئ الد�ستور‪ ،‬ويُعزز فيها االنتخاب���ات املحلية �سنة ‪ 2001‬ح�ص���ل احلزب على عدد من املقاعد يف‬ ‫دور امل�ؤ�س�س���ات‪ ،‬و ُيق���ام احلكم املحل���ي الدميقراطي‪ ،‬وي�س���ود القانون‪ ،‬املجال����س املحلية عل���ى م�ستوى املحافظات واملديري���ات (�أنظر اجلدول‬ ‫ويت�س���اوى املواطنون يف احلق���وق والواجبات‪ ،‬وتُ�صان حق���وق الإن�سان‪ ،‬رق���م ‪ ،)3‬كم���ا ح�ص���ل عل���ى ‪� 227.223‬صوت��� ًا (‪ %3.85‬م���ن الأ�صوات)‬ ‫وتزده���ر م�ؤ�س�س���ات املجتمع امل���دين»‪ .‬ويف اجلول���ة الثانية م���ن امل�ؤمتر وثماني���ة مقاعد (من �أ�صل ‪ )301‬يف االنتخاب���ات الربملانية التي عُ قدت‬ ‫العام الذي عُ قد يف �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ 2000‬حدث تغري قيادي كبري ل�صالح يف ني�سان‪�/‬أبري���ل ‪�( 2003‬أنظ���ر اجل���دول رقم ‪ .)2‬وما م���ن �شك يف �أن‬ ‫العنا�ص���ر الإ�صالحية‪ ،‬وذلك عندما ترقّ���ى جار اهلل عمر و�سيف �صائل م���وت جار اهلل عمر ق���د خلّف �أثر ًا بعيد املدى عل���ى احلزب اال�شرتاكي‬ ‫�إىل نائب���ي �أم�ي�ن عام‪ ،‬ال يفوقه���م �سوى عباد‪ .‬وك�إ�ش���ارة قبول للعنا�صر اليمن���ي‪ .‬ويف �أيار‪/‬مايو ‪� 2003‬أ�صدر الرئي�س �صالح عفو ًا عام ًا عن قادة‬ ‫املُحافِظة‪ ،‬اُنتخِ ب علي �سامل البي�ض وحيدر �أبو بكر العطا�س ك�أع�ضاء يف مت���رد ‪ - 1994‬علي �سامل البي�ض وحيدر العطا�س و�أربع ع�شرة قيادي ًا يف‬ ‫احلزب‪ ،‬داعي ًا �إياهم للعودة من املنفى يف الإمارات العربية املتحدة �إىل‬ ‫اللجنة املركزية‪ ،‬يف حني مت �إخراج �أع�ضاء �آخرين عنو ًة من اللجنة‪.‬‬ ‫ومنذ ‪ 1994‬بد�أ احلزب اال�شرتاكي اليمني يعود �إىل ال�ساحة ال�سيا�سية‪� ،‬أر�ض الوطن‪ .‬لكن عودتهم جميع ًا ك�أع�ضاء يف اللجنة املركزية قد تُعمّق‬ ‫وي ّدع���ي الآن �أن لدي���ه ‪ 300.000‬ع�ض���و‪ ،‬و�أن الإن���اث مي ّثل���ن ‪ %25 - 20‬ال�صراعات الداخلية يف �صفوف احلزب اال�شرتاكي اليمني‪.‬‬ ‫عل���ى غ���رار ما ح���ل يف احل���زب اال�شرتاك���ي اليمن���ي‪ ،‬ظل���ت الفئوية‬ ‫م���ن �أع�ضائ���ه‪� ،‬أما ما ن�سبت���ه ‪ %65 - 60‬فهم حتت عم���ر الثالثني �سنة‪.‬‬ ‫وباعتب���اره كان احلزب احلاك���م يف ظل جمهورية اليم���ن الدميقراطية احلزبية املث�ي�رة للخالف الداخلي مع�ضلة كبرية �أي�ض ًا بالن�سبة للحزب‬ ‫ال�شعبي���ة (اليمن اجلنوب���ي) �سابقاً‪ ،‬ال زال احل���زب اال�شرتاكي اليمني الدميقراط���ي ال�شعب���ي الأفغ���اين خالل ف�ت�رة كارم���ل‪ ،‬وا�ستمر احلال‬ ‫يج���ذب �أغلبية عنا�ص���ره من �أبناء اجلن���وب‪ .‬ويف انتخاب���ات ‪ 1993‬بعد بع���د �أن �أخ���ذ مكان���ه الدكت���ور جنيب اهلل حمم���د‪ ،‬ع�ضو ح���زب بر�شم‬ ‫الوح���دة حق���ق احلزب اال�شرتاك���ي جناح ًا لأب�أ�س ب���ه بح�صوله على ‪ 56‬ال���ذي تر�أ����س �إدارة املخاب���رات الأفغاني���ة (خدمات �إطالع���ات دولتي‬ ‫مقع���د ًا من �أ�صل ‪ 301‬مقعد ًا نيابي���اً‪ ،‬معظمها يف اجلنوب (�أنظر جدول ‪ ،)Khadamate Ettelaate Dowlati‬وه���ي م�صلح���ة للبولي����س ال�سري‪.‬‬ ‫رق���م ‪ .)2‬ويف عام ‪ 1997‬قررت العنا�ص���ر املُحافِظة‪ ،‬التي كانت ت�سيطر وقد كان لنجي���ب اهلل‪ ،‬وهو ب�شتوين من قبيلة غيلزَ ي مثل طرقي و�أمني‪،‬‬ ‫عل���ى قيادة احلزب �آنذاك‪ ،‬مُقاطَ عة االنتخاب���ات النيابية‪ ،‬احتجاج ًا يف عالق���ات مع �أع�ضاء حزب بر�شم منذ بداي���ة مهنته العملية‪ ،‬وقد حظي‬ ‫الأ�سا�س على قمع احلزب بعد حرب ‪ 1994‬واحلكم غيابي ًا على قادة من الحق ًا ب�سمعة كرئي�س مُتمكّن وقا�سي جلهاز اال�ستخبارات‪ .‬ولكونه طبيب ًا‬ ‫�أمثال البي����ض بالإعدام‪ .‬وكان هذا الأمر خط����أً ا�سرتاتيجي ًا فادحاً‪� ،‬إذ مل تك���ن لديه �سوى خربة قليلة يف كيفية احل�صول على الدعم احلزبي‪.‬‬ ‫مل يكن ل���دى احلزب اال�شرتاكي ممثلني وال موارد (فقد متت م�صادرة وق���د ظل الكثري من عنا�صر حزب بر�شم يدعمون كارمل رغم ان�سحابه‬ ‫معظ���م ممتلكات احل���زب من قب���ل الدولة بع���د التم���رد املُجهَ�ض عام �إىل مو�سكو عام ‪ .1987‬ويف بادئ الأمر قاوم �أن�صار كارمل تعيني جنيب‬ ‫‪ ،)1994‬واختار الكثري من كوادر احلزب (خا�صة املوالني ال�سابقني لعلي اهلل‪ ،‬و�أج�ب�روه على تق�سيم �سيا�ساته ب�ي�ن كل ما قد ي�ؤيده �أع�ضاء جناح‬ ‫نا�صر حممد) االن�ضمام �إىل �صفوف حزب امل�ؤمتر ال�شعبي العام‪.‬‬ ‫بر�ش���م وي�ستطي���ع تلبيته وب�ي�ن التحالف���ات التي ي�ستطيع الف���وز بها من‬ ‫ونظ���ر ًا لل�ضع���ف ال���ذي حلق باحل���زب اال�شرتاك���ي نتيج���ة امل�ضايقة عنا�ص���ر حزب خلق‪ ،‬وفيم���ا بعد من ال�سيا�سيني غ�ي�ر املُتحزبني‪ .‬ورغم‬ ‫احلكومي���ة له واخل�سائر يف الأع�ض���اء‪� ،‬سعى احلزب يف ‪� 1998‬إىل تغيري النجاح الن�سبي الذي حققه جنيب اهلل يف مفاو�ضاته مع زعماء القبائل‬ ‫اجتاه م�ساره ال�سيا�سي‪ .‬فبع���د املكا�سب الإ�صالحية التي حتققت داخل الب�شتوني���ة لالن�سحاب من املقاوم���ة‪ ،‬ف�إنه يعترب ب�ص���ورة عامة �صنيعة‬ ‫احلزب‪ ،‬والتي تلتها حركة بقيادة جار اهلل عمر لت�شكيل ق�ضية م�شرتكة ال�سوفي���ت‪ ،‬ومل يك���ن اختي���اره من قب���ل الأخريين �إال لنجاح���ه الوا�ضح‬ ‫يف �إدارة املخاب���رات الأفغانية‬ ‫مع الأحزاب املعار�ضة (كحزب‬ ‫)‬ ‫جدول (‪ :)3‬نتائج االنتخابات املحلية (‪2001‬‬ ‫(‪ ،)KHAD‬بكف���اءة �أكرث من‬ ‫الإ�ص�ل�اح)‪ ،‬ب���د�أ احل���زب‬ ‫ً‬ ‫‪16‬‬ ‫‪426‬‬ ‫(‬ ‫املحافظات‬ ‫م�ستوى‬ ‫على‬ ‫)‬ ‫ا‬ ‫مقعد‬ ‫غريه من عنا�صر نظام احلزب‬ ‫اال�شرتاك���ي ي�ستعي���د بع����ض ما‬ ‫‪218‬‬ ‫على م�ستوى املجال�س املحلية يف املديريات (‪)6734‬‬ ‫ال�شعبي الدميقراطي‪ .‬وبهذا ال‬ ‫فقده من قاع���دة �سيا�سية‪ .‬ويف‬

‫علي نا�صر حممد‬

‫ميكنن���ا الق���ول �إن تعيينه مل يك���ن يف الأ�سا�س نتيج���ة ال�سيا�سة الداخلية‬ ‫للح���زب مثلما كان علي���ه احلال يف املا�ض���ي‪ ،‬لكنه بالأح���رى كان نتيجة‬ ‫مبا�شرة لل�ضغط ال�سوفيتي‪.‬‬ ‫ورغم ه���ذا كله‪ ،‬فقد كان جنيب اهلل �أكرث فعالية من �أ�سالفه يف �إقامة‬ ‫بع�ض الروابط بني الدولة واملجتمع‪ .‬ويف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 1986‬قام ب�إن�شاء‬ ‫“جمعي���ة الت�سوية الوطني���ة” للتوا�صل مع خ�صوم النظ���ام‪ .‬ويف ت�شرين‬ ‫الثاين‪/‬نوفمرب �أُ�ستُبدِ ل كارمل كرئي�س ر�سمي بالع�ضو غري احلزبي حجي‬ ‫حممد �سامكاين‪ ،‬يف �إ�شارة �إىل رغبة احلزب الدميقراطي لفتح احلكومة‬ ‫�أمام العنا�صر غري املارك�سي���ة‪ ،‬وكُ�شف النقاب عن برنامج “للم�صاحلة‬ ‫َ����ض وقف ًا لإطالق النار ملدة �ست���ة �أ�شهر وخو�ض حمادثات‬ ‫الوطني���ة” عَ ر َ‬ ‫تف�ض���ي �إىل حكومة ائتالفية ممكنة‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪� ،‬أقرتح جنيب اهلل‬ ‫منح قوات املقاومة حق االحتفاظ باملناطق التي ت�سيطر عليها‪ .‬وب�صورة‬ ‫�أدق اتبع���ت حكومة جنيب اهلل �أ�سلوب اال�سرت�ض���اء مع قادة املجاهدين‬ ‫اليائ�س�ي�ن مم���ن �سيوافق���ون على التع���اون للعم���ل كملي�شي���ات حكومية‪.‬‬ ‫وبالفعل ت���وىل قادة جماهدين �سابقني قيادة �أف�ض���ل القوات احلكومية‪،‬‬ ‫وكان م���ن بينهم عبد الر�شيد دو�ستم (ال���ذي يحظى حالي ًا ب�سمعة �سيئة‬ ‫باعتباره �أحد لوردات احلرب يف �أفغان�ستان ما بعد طالبان)‪.‬‬ ‫وقد �أكد جني���ب اهلل لأع�ضاء احلزب (خا�صة عنا�صر جناح خلق) �أنه‬ ‫لن يقبل ب�أي م�ساومة جتاه “منجزات” ثورة �ساور‪ .‬وجنحت �إ�سرتاتيجية‬ ‫جنيب اهلل املتعلقة بامل�صاحلة الوطنية يف نيل �إعجاب املثقفني واملقيمني‬ ‫يف امل���دن‪ ،‬كم���ا زادت من عدد ق���وات امللي�شي���ا التي ميك���ن �أن تُ�ستخدم‬ ‫للدف���اع ع���ن النظام‪ .‬لك���ن الأهم م���ن هذا كل���ه‪� ،‬أنها كان���ت عبارة عن‬ ‫و�سيلة لك�سب الوق���ت من �أجل اال�ستعداد حلرب �أهلية بعد رحيل القوات‬ ‫ال�سوفيتية‪� .‬أ�ضف �إىل ذلك‪� ،‬أعلن جنيب اهلل يف امل�ؤمتر احلزبي املنعقد‬ ‫يف متوز‪/‬يوليو ‪� 1990‬أن احلزب ال�شعبي الدميقراطي �سينبذ كل املفاهيم‬ ‫املارك�سية اللينينية وغيرّ ا�سمه �إىل “حزب الوطن”‪.‬‬ ‫مهّ���د التوقيع عل���ى اتفاقيات جنيف ب�ي�ن �أفغان�ست���ان وباك�ستان (دون‬ ‫م�شارك���ة املجاهدي���ن يف املفاو�ض���ات) عام ‪ ،1988‬والت���ي �أتفق مبوجبها‬

‫جاراهلل عمر‬

‫الطرف���ان على عدم التدخل يف �ش�ؤون بع�ضهما‪ ،‬مهّد الطريق لالن�سحاب‬ ‫الع�سك���ري ال�سوفيتي الذي اكتم���ل بالفع���ل يف ‪� 15‬شباط‪/‬فرباير ‪.1989‬‬ ‫وكان���ت توقّعات معظم املراقبني‪ ،‬ال�سوفي���ت والغربيني‪� ،‬أن نظام احلزب‬ ‫ال�شعب���ي الدميقراطي‪/‬ح���زب الوط���ن يف كابول �سينه���ار ب�سرعة‪ .‬ولكن‬ ‫�سرع���ان ما تبخ���رت هذه التوقع���ات �أمام حقيق���ة االنت�ص���ار الع�سكري‬ ‫للدول���ة على املجاهدي���ن يف معركة جالل �أباد‪ ،‬وه���و الن�صر الذي �صعق‬ ‫املجاهدي���ن و�أظه���ر مواطن �ضعفه���م الإ�سرتاتيجي���ة والتكتيكية التي مل‬ ‫ي�ستطيع���وا التغل���ب عليها متام��� ًا خالل ال�سن���وات الث�ل�اث التالية‪ .‬ومن‬ ‫ناحية �أخرى‪� ،‬أنع�ش االنت�صار يف معركة جالل �أباد الروح املعنوية لنظام‬ ‫احلزب ال�شعبي الدميقراطي‪/‬حزب الوطن كثرياً‪ .‬وبالتايل جت ّر�أ جنيب‬ ‫اهلل عل���ى ك�شف النق���اب عن وجه احلكوم���ة امل�شرتكة و�أق�ص���ى الوزراء‬ ‫غ�ي�ر احلزبيني من جمل�س الوزراء‪ ،‬وما ق���وّى موقفه �أكرث قوافل التمويل‬ ‫الع�سك���ري واالقت�صادي املقدمة من االحتاد ال�سوفيتي بعد معركة جالل‬ ‫�أب���اد‪ .‬وبحلول ‪ 1990‬بلغ مقدار الدعم ال�سوفيتي لنظام جنيب اهلل ثالثة‬ ‫مليار دوالر �سنوياً‪.‬‬ ‫لك���ن انهيار االحت���اد ال�سوفيتي عام ‪� 1991‬أنه���ى كل ذلك الدعم‪ ،‬ففي‬ ‫الأول م���ن كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر ‪ 1992‬توق���ف االحت���اد ال�سوفيت���ي ومعه‬ ‫الوالي���ات املتحدة ع���ن تقدمي كل الإعانات التي كان���وا يقدمونها لزعماء‬ ‫احل���رب الأهلية الأفغاني���ة‪ .‬وبرتكها ع�سكري��� ًا و�سيا�سياً‪ ،‬ب���د�أت حكومة‬ ‫جنيب اهلل تتداعى بفعل ظهور التناف�سات القدمية داخل �صفوف احلزب‬ ‫نف�س���ه‪ .‬وكانت هذه االنق�سامات تت�ضمن ب�ي�ن الفينة والأخرى تعاون ًا بني‬ ‫املجاهدين وبع�ض املنتمني للحزب‪ ،‬ففي �آذار‪/‬مار�س ‪ 1990‬تعاون زعيم‬ ‫املجاهدين غُ لب الدين حكمتيار يف حماولة االنقالب التي قام بها ع�ضو‬ ‫حزب خل���ق ووزير الدفاع �شاه نواز تاناي‪ ،‬لكن االنقالب ف�شل وف ّر تاناي‬ ‫�إىل باك�ستان‪.‬‬ ‫وكانت الإ�سرتاتيجية التي اعتمد عليها جنيب اهلل هي حماولة �شراء والء‬ ‫ودعم الكثري من جماع���ات املجاهدين عن طريق تقدمي امل�ؤن والأ�سلحة‬ ‫وامل���ال لهم لي�صبح���وا ملي�شيات تابع���ة للدولة‪ .‬لكن بحل���ول ‪ 1992‬جفّت‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪55‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫امل���وارد املالية وتفكك���ت التحالفات‪ .‬ويف ربي���ع ‪ 1992‬ح�صلت ارتدادات‬ ‫وعملي���ات هروب جماعية من قبل الكثري من امللي�شيات و�ضباط اجلي�ش‬ ‫(م���ن بينهم عب���د الر�شيد دو�ست���م)‪ ،‬محُ دث ًة خ�س���ارة كارثية يف الروح‬ ‫املعنوي���ة للجي����ش‪ .‬ويف ‪� 18‬آذار‪/‬مار�س �أعلن جني���ب اهلل عن ا�ستعداده‬ ‫لتقدمي ا�ستقالته من �أجل �إعطاء فر�صة لت�شكيل حكومة م�ؤقتة حمايدة‪.‬‬ ‫ويف ‪ 17‬ني�سان‪�/‬أبريل ح���اول جنيب اهلل الفرار يف �إحدى الطائرات من‬ ‫كاب���ول‪ ،‬ولكن جنود دو�ستم امل�سيطرين عل���ى مطار كابول بقيادة �شقيق‬ ‫بابراك كارمل‪ ،‬حممود برياالي (كان برياالي قائد ًا جلماعة من عنا�صر‬ ‫جن���اح بر�شم الذين تخلوا عن حزبهم لين�ضموا للمجاهدين) منعوه من‬ ‫اله���رب‪ ،‬فلج�أ جنيب اهلل �إىل مقر بعث���ة الأمم املتحدة يف كابول ومكث‬ ‫هن���اك حتى �أعدمته حركة طالبان ع���ام ‪ .1996‬ويف ني�سان‪�/‬أبريل دخل‬ ‫قائ���دا املجاهدين �أحمد �ش���اه م�سعود وعبد الر�شي���د د�ستم �إىل كابول‪،‬‬ ‫وبذلك انتهى نظام احلزب ال�شعبي الدميقراطي‪/‬حزب الوطن‪.‬‬ ‫ماذا ح ّل مبن تبقى من عنا�صر احلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين‬ ‫بعد انهيار نظام احلكم و�إعدام جنيب اهلل يف ‪1996‬؟ لقد التحق الكثري‬ ‫منه���م بكتائ���ب املجاهدي���ن‪ ،‬وعمل بع����ض عنا�صر جناح خل���ق‪ ،‬خا�صة‬ ‫الع�سكري�ي�ن منهم‪ ،‬لدى جيو�ش ل���وردات احلرب املختلف���ة‪ ،‬وبالتحديد‬ ‫مع زعم���اء احلرب الب�شتوني�ي�ن يف اجلنوب‪ .‬فعلى �سبي���ل املثال‪ ،‬ان�ضم‬ ‫يف ب���ادئ الأمر �شاه نواز تاناي‪ ،‬وزير الدف���اع ال�سابق وع�ضو حزب خلق‬ ‫ال���ذي حاول االنقالب �ضد جني���ب اهلل ع���ام ‪� ،1990‬إىل �صف حكمتيار‬ ‫ومن ثمّ التحق بحركة طالبان‪ .‬وعندما كان يف باك�ستان منت�صف ‪1994‬‬ ‫�ش���كل تاناي حزب ًا حتت م�سمى «حرك���ة ال�سالم يف �أفغان�ستان» وكان هو‬ ‫قائده‪ .‬ويقال �إن ه���ذا احلزب زوّد حركة طالبان ب�ضباط مدربني كانوا‬ ‫عنا�صر يف جناح خلق �سابقاً‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص��� ًا ق���ادة و�أطق���م‬ ‫م�س��تقبل احل��زب ال�ش��عبي‬ ‫فيالق الدبابات‪ ،‬والطيارين‪،‬‬ ‫الدميقراط��ي الأفغ��اين‪/‬‬ ‫وجنود املدفعية‪.‬‬ ‫ح��زب الوط��ن وخلفائ��ه‬ ‫احلزبي�ين يظ��ل غري وا�ض��ح‬ ‫يف حني ن�سج عنا�صر حزب‬ ‫�إىل ح��د كب�ير‪ .‬فق��د تفت��ت‬ ‫خل���ق الآخري���ن عالق���ات ال‬ ‫احلرك��ة وهن��اك القلي��ل من‬ ‫ب�أ����س به���ا مع نظ���ام احلكم‬ ‫التقدم جتاه الوحدة‬ ‫القائ���م‪ ،‬ومنه���م باب���راك‬ ‫�شن���واري‪ ،‬الرئي����س ال�سابق‬ ‫لق�س���م �ش����ؤون ال�شب���اب يف‬ ‫احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي بقيادة طرقي و�أم�ي�ن‪ ،‬والذي هاجر �إىل‬ ‫بي�ش���اور يف باك�ست���ان �شتاء ع���ام ‪ 1992‬حيث ظل متواري ًا ع���ن الأنظار‪.‬‬ ‫وق���د �شارك فيما بعد يف ت�أ�س�س جمعية ال�صداقة الأفغانية الباك�ستانية‪،‬‬ ‫واُنتخِ���ب ع�ضو ًا يف جمل�س اللوي���ا جريجا (‪ )Loya Jirga‬من قبل جمل�س‬ ‫�أعيان منطقة نازيان �شيواري التابعة ملقاطعة ناجنار بعد هزمية طالبان‬ ‫وتويل حام���د كرزاي ال�سلطة عام ‪ .2002‬ومن ق���ادة حزب خلق ال�سابق‬ ‫ممن متتع���وا بحق حماية ال�سيا�سيني الكبار يف ظ���ل احلكومة الأفغانية‬ ‫‪56‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫احلالي���ة‪ ،‬حمافظ قندهار ال�سابق نور احلق علومي‪ ،‬الذي يتمتع برعاية‬ ‫وزي���ر الدفاع حممد قا�سم فهيم‪ .‬وعلومي هو م�ؤ�س�س التنظيم ال�سيا�سي‬ ‫امل�سمى «احلزب الوطني املوحد الأفغاين»‪.‬‬ ‫كما ذهب �آخرون‪ ،‬خا�صة عنا�صر جناح بر�شم‪� ،‬إىل املنفى يف البلدان‬ ‫الأوروبي���ة (وعلى وج���ه اخل�صو�ص اململكة املتح���دة وهولندا)‪ .‬يف حني‬ ‫ف ّر عدد من عنا�ص���ر حزب بر�شم �إىل اخلارج‪ ،‬وكان من بينهم �سلطان‬ ‫علي ك�شتماند‪ ،‬رئي�س الوزراء ال�سابق �أثناء حكم بابراك كارمَ ل وجنيب‬ ‫اهلل‪ ،‬والذي ا�ستقر يف لندن؛ وكذلك �سليمان اليق‪ ،‬وزير الثقافة ال�سابق‬ ‫وال�شاع���ر الذي كتب كلمات الن�شيد الوطن���ي الأفغاين والذي ا�ستقر يف‬ ‫�أملاني���ا؛ وحممود بري���االي �شقيق باب���راك كارمَ ل‪ ،‬نائ���ب رئي�س الوزراء‬ ‫�سابق���اً‪ ،‬والذي ع���اد �إىل �أفغان�ستان عام ‪ .2002‬وبح�س���ب �أحد التقارير‬ ‫فقد ق���ام الرو�س بت�سهيل الع���ودة ملحمود برياالي‪ ،‬وه���م الذين �شجّ عوا‬ ‫التحال���ف بني حتالف ال�شم���ال و�أع�ضاء احلزب ال�شعب���ي الدميقراطي‬ ‫�سابق��� ًا (من كال اجلناحني‪ :‬جن���اح بر�شَ م وجناح خلق)‪ ،‬وذلك ملواجهة‬ ‫حركة طالبان‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬ب�صورة عامة‪ ،‬توجد هناك مفارقة بني عنا�صر جناح خلق وجناح‬ ‫بر�ش���م‪ .‬فبينم���ا ان�ضم �أو حتال���ف �أع�ضاء حزب خلق م���ع طالبان �أو مع‬ ‫زعماء احلرب الآخرين من املجاهدين‪ ،‬قام �أع�ضاء حزب بر�شم �إىل حد‬ ‫كبري بتنظيم �صفوفهم وهم يف املنفى خارج �أفغان�ستان‪ ،‬وب�شكل �أ�سا�سي‬ ‫يف الدول الأوروبي���ة والواليات املتحدة‪ .‬ومن �أكرب التنظيمات ال�سيا�سية‬ ‫التي ظهرت �إىل حيز الوجود‪ ،‬حزب الوطن الدميقراطي الأفغاين الذي‬ ‫يعمل خارج �أملاني���ا ويعترب خليفة للحزب ال�شعب���ي الدميقراطي‪/‬حزب‬ ‫الوطن‪ .‬وقد قام احلزب ب�إر�سال مبعوثني حل�ضور العديد من امل�ؤمترات‬ ‫الي�ساري���ة الأوروبي���ة منذ ع���ام ‪ 1995‬وحل�ضور م�ؤمت���ر الوحدة اخلا�ص‬ ‫بالي�ساري�ي�ن الأفغ���ان والباك�ستانيني الذي انعق���د يف باك�ستان يف �آذار‪/‬‬ ‫مار����س ‪ .1999‬ويتزعم احلزب حالي ًا حممد عي�س���ى‪ ،‬وهو �أحد م�سئويل‬ ‫جناح بر�شم �سابق ًا ويعترب من امل�سئولني ال�صغار ن�سبياً‪.‬‬ ‫ويف ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوب���ر ‪ 2002‬عُ قِ���د م�ؤمت���ر للح���زب يف مدين���ة‬ ‫فرانكف���ورت ب�أملاني���ا‪ ،‬وفي���ه �أب���دى احل���زب رف�ضه الفك���ر املارك�سي‬ ‫صال دعوته للم�صاحلة الوطنية يف �أفغان�ستان و�إقامة‬ ‫واللينين���ي‪ ،‬موا� ً‬ ‫دول���ة علماني���ة هناك‪ .‬وم���ع �أن الإ�س�ل�ام معرتف به كق���وة مهمة يف‬ ‫�أفغان�ستان‪ ،‬لكن برنامج احلزب ي�صر على «عدم ال�سماح لأي �شخ�ص‬ ‫ب����أن يُ�سيء ا�ستخ���دام الإ�سالم �أو �أي ديانة �أخ���رى من �أجل م�صلحة‬ ‫�شخ�صي���ة»‪ ،‬ويح���ثّ على �إبقاء الدي���ن بعيد ًا ع���ن ال�سيا�سة واحلكم‪.‬‬ ‫وهن���اك حزب �شكلت���ه جماعة �أخرى من عنا�ص���ر جناح بر�شم حتت‬ ‫م�سمى «احلزب الدميقراطي ال�شعبي الأفغاين» بقيادة �سليمان اليق‪،‬‬ ‫وه���و حزب من�شق ع���ن حزب الوطن الدميقراط���ي الأفغاين وتدعمه‬ ‫�شخ�صيات من النظام ال�سابق مثل ك�شتماند‪.‬‬ ‫وبرغ���م كل ه���ذه الن�شاط���ات‪ ،‬ف����إن ال�شيوعي�ي�ن الأفغ���ان ال زال���وا‬ ‫منق�سم�ي�ن ب�شدة‪ ،‬لي�س على منط اخل�ل�اف بني عنا�صر جناحي خلق‬

‫وبر�ش���م فح�سب ولكن �أي�ض��� ًا يف مناحي تتعلق بالأجي���ال‪ .‬فعلى �سبيل‬ ‫املث���ال‪ ،‬م���ا زال هن���اك توتر يف اجلالي���ة املهاجرة ب�ي�ن عنا�صر جناح‬ ‫بر�ش���م ال�سابقني الكبار م���ن �أمثال اليق وك�شتمان���د وقادة من اجليل‬ ‫اجلدي���د من �أمث���ال عي�سى‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مل ي�ستط���ع �أي من التنظيمات‬ ‫ال�شيوعي���ة الالحق���ة – ال حزب خل���ق وال حزب بر�ش���م – �أن يحظى‬ ‫بفر�ص���ة لتنظيم نف�سه علن ًا ا�ستعداد ًا خلو����ض االنتخابات الت�شريعية‬ ‫ع���ام ‪ ،2004‬وذلك ب�سبب احلظ���ر املفرو�ض على الن�شاط���ات ال�شيوعية‬ ‫م���ن قبل حكومة كرزاي يف �شباط‪/‬فرباير ‪ ،2002‬والذي عار�ضه احلزب‬ ‫الوطني الأفغاين املوحد‪ ،‬لكن يف ‪� 25‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ 2003‬ق�ضت املحكمة‬ ‫العلي����ا يف �أفغان�ست����ان برف�����ض االلتما�س الذي قدّمه احل����زب للمطالبة‬ ‫تكتف املحكمة برف�ض االلتما�س‬ ‫بالت�سجيل لالنتخابات الت�شريعية‪ .‬ومل ِ‬ ‫ولكنه����ا �أي�ض ًا �أعلن����ت عزمها حماكمة ال�شيوعي��ي�ن ال�سابقني من �أمثال‬ ‫علوم����ي‪ .‬وله����ذا ال زال الو�ضع يف غاي����ة ال�صعوبة �أم����ام خلفاء احلزب‬ ‫ال�شعب����ي الدميقراط����ي كي يجدوا جم����ا ًال للعمل يف �أفغان�ست����ان ما بعد‬ ‫طالبان‪.‬‬

‫اخلامتة‬ ‫بعد املقارنة بني جتارب كل من‬ ‫احلزب اال�شرتاكي اليمني واحلزب ال�شعبي الدميقراطي الأفغاين‪ ،‬من‬ ‫الوا�ض����ح �أن الأول قد حقق جناح ًا �أف�ضل بكث��ي�ر من الأخري بعد انهيار‬ ‫االحت����اد ال�سوفيتي‪ .‬وكما �أ�شرنا �سابق����اً‪ ،‬هناك عدة �أ�سباب وراء ذلك‪،‬‬ ‫لع����ل �أهمها قدرة احل����زب اال�شرتاك����ي اليمني على ت�أ�سي�����س موقعه يف‬ ‫�أو�ساط املجتمع اليمن����ي ب�شكل �أف�ضل بكثري من نظريه الأفغاين‪ .‬ورغم‬ ‫�أن التدخ����ل امل�ستم����ر يف ال�سيا�سة الأفغانية من قب����ل االحتاد ال�سوفيتي‬ ‫�ساهم بالت�أكيد يف �إ�ضعاف و�ض����ع احلزب ال�شعبي الدميقراطي و�أعاق‬ ‫قدرته على �إثبات هويته احلزبية امل�ستقلة عن مو�سكو‪� ،‬إال �أن اخليارات‬ ‫التي �سلكها احلزب مل تجُ دِ نفعاً‪ .‬فمواجهة جناح خلق مع ال�شخ�صيات‬ ‫الديني����ة الإ�سالمية‪ ،‬وعدم قدرة احلزب ال�شعبي الدميقراطي على مد‬ ‫جذوره االجتماعية �أبعد من قاعدته الفكرية ال�ضيقة ودعمه الع�سكري‬ ‫ال�ضئي����ل‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل اخلالفات احلزبية امل�ؤ�س�سية امل�ستمرة (والتي‬ ‫جتلّت يف املنفى �أي�ضاً)‪ ،‬كانت كلها �إرها�صات تدل على �أن �سحب الدعم‬ ‫ال�سوفيتي يعني عدم قدرة النظام على البقاء بنجاح‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫وج����ود دليل على �أنه ال زال يوجد نوع م����ن التعاطف واحلنني عند كثري‬ ‫م����ن الأفغاين يف البالد لأيام نظام حكم احلزب ال�شعبي الدميقراطي‪،‬‬ ‫و�أي�ض���� ًا على الرغم م����ن حقيقة ا�ستع����داد الواليات املتح����دة يف الوقت‬ ‫الراه����ن للتعاون مع العنا�صر ال�شيوعية ال�سابق����ة كدروع علمانية واقية‬ ‫�ض����د الفكر الإ�سالم����ي املتطرف‪ ،‬ف�����إن احلزب ال�شعب����ي الدميقراطي‬ ‫يبق����ى غري فعال �إىل حد كبري ويبدو غري ق����ادر على ا�ستغالل الظروف‬ ‫املتغرية بعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪.2001‬‬ ‫�إذن ما هو م�ستقبل كل من احلزب اال�شرتاكي اليمني واحلزب ال�شعبي‬ ‫الدميقراطي‪/‬حزب الوطن الأفغاين؟ بالن�سبة للحزب اال�شرتاكي اليمني‬ ‫فم���ازال لدي���ه الكثري من مواطن الق���وة التي ي�ستطي���ع ا�ستغاللها‪ .‬فهو‪،‬‬

‫�أوالً‪ ،‬يعترب احلزب الي�ساري الوحيد يف اليمن و�أيديولوجيته العلمانية ما‬ ‫زالت تروق لبع�ض املثقفني والن�ساء‪ .‬وهو‪ ،‬ثانياً‪ ،‬يظل احلزب الوطني يف‬ ‫جن���وب اليمن ويحظى بدعم قوي يف تلك املناط���ق‪ .‬وثالثاً‪ ،‬عمل احلزب‬ ‫كث�ي�ر ًا لتجديد نف�سه بع���د ‪ ،1998‬وحتوّله هذا جعله �أك��ث�ر حترر ًا وحزب ًا‬ ‫دميقراطياً‪.‬‬ ‫لكن من ناحية �أخرى‪ ،‬ال زال احلزب يواجه �أزم ًة مالية حادة‪ ،‬وا�ضطراب ًا‬ ‫يف القيادة (خا�صة بعد مقتل جار اهلل عمر)‪ ،‬وت�صدّع ًا مُربِك ًا بني احلر�س‬ ‫القدمي املت�شدد واملُ�صلحني الدميقراطيني الليرباليني‪ ،‬وعداوة م�ستمرة‬ ‫م���ن قب���ل حكومة حزب امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام‪ .‬ومع ذل���ك‪ ،‬من امل�ستبعد‬ ‫�أن يختفي احلزب اال�شرتاكي‬ ‫اليمني من ال�ساحة ال�سيا�سية‬ ‫م��ن امل�س��تبعد �أن يختف��ي‬ ‫يف حلظ���ة م���ن اللحظ���ات‪،‬‬ ‫احل��زب اال�ش�تراكي اليمن��ي‬ ‫ب���ل م���ن املحتم���ل ا�ستم���راره‬ ‫م��ن ال�س��احة ال�سيا�س��ية يف‬ ‫كخليف���ة حزب���ي �شيوعي �أكرث‬ ‫حلظة من اللحظات‪ ،‬باعتباره‬ ‫جناح ًا يف االنتخابات مقارنة‬ ‫يلع��ب دور ًا مهم�� ًا يف جترب��ة‬ ‫بغريه من الأحزاب ال�شيوعية‬ ‫اليمن اله�شّ ة يف الدميقراطية‬ ‫يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬باعتباره‬ ‫االنتخابية‬ ‫يلع���ب دور ًا مهم��� ًا يف جترب���ة‬ ‫اليمن اله�شّ ة يف الدميقراطية‬ ‫االنتخابية‪.‬‬ ‫�أم���ا بالن�سبة مل�ستقبل احل���زب ال�شعبي الدميقراط���ي الأفغاين‪/‬حزب‬ ‫الوط���ن وخلفائ���ه احلزبيني فه���و غري وا�ض���ح �إىل حد كب�ي�ر‪ .‬فقد تفتت‬ ‫احلرك���ة وهن���اك القليل من التقدم جت���اه الوحدة (رغ���م بع�ض اجلهود‬ ‫الفات���رة يف ف�ت�رة الت�سعيني���ات)‪ .‬كم���ا �أن الكث�ي�ر م���ن قيادي���ي احلزب‬ ‫ال�شعب���ي �سابق��� ًا (خا�ص���ة �أن�ص���ار جناح خل���ق) رموا حظهم ب�ي�ن �أيدي‬ ‫زعم���اء احل���رب‪ ،‬ومن غري املحتم���ل �أن يرتكوا رعاتهم اجل���دد من �أجل‬ ‫الرتوي���ج للدميقراطية االجتماعية يف �أفغان�ستان ما بعد طالبان‪� .‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ذل���ك‪ ،‬ف����إن احلكومة اجلديدة يف كابول لي�س���ت متحم�سة �إزاء فكرة‬ ‫ع���ودة �أن�صار احلزب «الطبيعيني» (خا�صة جن���اح بر�شَ م) من املفكرين‬ ‫واملثقف�ي�ن الذي���ن هاجروا بع���د انهيار النظ���ام ع���ام ‪ .1992‬ناهيك عن‬ ‫املعوق���ات القانونية التي تواج���ه ال�شيوعيني ال�سابق�ي�ن يف �أفغان�ستان‪ ،‬ما‬ ‫خلف �سيا�سي حلزب ال�شعب الدميقراطي‪.‬‬ ‫يُ�صعِّب عليهم تنظيم ٍ‬ ‫لك���ن بالنظ���ر �إىل حقيق���ة �أن نظ���ام حكم ك���رزاي يحت���اج �إىل �إداريني‬ ‫م���ن ذوي اخلربة ومثقف�ي�ن متمر�سني لإع���ادة بناء البل���د‪ ،‬و�أن ال�سيا�سة‬ ‫التي تتبناه���ا الواليات املتحدة حالي ًا تدعم الق���وى ال�سيا�سية يف املنطقة‬ ‫الت���ي ت�شجع الفكر العلماين‪ ،‬ف�إن هناك فر�ص���ة بنيوية متكن التنظيمات‬ ‫احلزبي���ة من الظه���ور كخلفاء للح���زب ال�شعبي الدميقراط���ي الأفغاين‪.‬‬ ‫�أم���ا عن مدى قدرتهم على ا�ستغالل تل���ك الفر�صة‪ ،‬والقيام بدور بنّاء يف‬ ‫الرقي بالدميقراطية الأفغانية (كما فعل ال�شيوعيون ال�سابقون يف �أوروبا‬ ‫ال�شرقية)‪ ،‬فما زال يف علم الغيب وي�صعب التكهن به‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪57‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫البحث عن اال�ستقرار‬ ‫يف معظ���م الأقطار العربية مل يكتمل بناء الدولة حت���ى الآن على امل�ستويني امل�ؤ�س�سي القانوين‬ ‫والوظيفي‪ ،‬وما جنده لي�س �سوى �سلطات ترتاوح بني الإكراه واملرونة تبعاً لظروف كل جمتمع‪،‬‬ ‫حي���ث يتم عادة اتخاذ القرارات خارج نطاق امل�ؤ�س�س���ات الر�سمية‪ .‬كما �أن �ضعف الدولة يحد‬ ‫من قدرتها على النفاذ �إىل �أو�ساط �رشائح املجتمع‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل ظهور فراغ متلئه عنا�رص‬ ‫و�سيطة ت�ستفيد من دميومة نظام احلكم ومتار�س نفوذها يف املجتمع نيابة عن ذلك النظام‪.‬‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬ ‫‪director@shebacss.com‬‬

‫وقد �سمحت �شرعية النظم ال�سيا�سية العربية املت�آكلة على ا�ستمرار الوالءات‬ ‫دون الوطني���ة وه���ي ثانوية و�ضيق���ة الأفق‪ ،‬يف حني �أدى ف�ش���ل حتقيق التنمية‬ ‫و�ضعف الهيئات التمثيلية �إىل �إقامة قواعد قبلية و�إقليمية وطائفية عمقت من‬ ‫االنق�سام���ات يف �أو�ساط املجتمع‪ ،‬وهو ما �أ�ضع���ف ال�سلطة املركزية وعزز من‬ ‫ال���والءات املحلية على ح�ساب التما�سك الوطن���ي‪ .‬وتكون نتيجة هذا الت�شظي‬ ‫وج���ود �أفراد وجماع���ات يف الوظائف احلكومي���ة يقومون بتوجي���ه م�ؤ�س�سات‬ ‫الدول���ة ومواردها وفق ًا لوالءاتهم القبلي���ة واجلهوية‪ .‬وال عجب �إذن‪� ،‬إن كانت‬ ‫الدميقراطي���ة والتعديالت الهيكلي���ة يف اليمن ال تزال متعرثة‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل‬ ‫وج���ود الدولة بوظيفتها الق�سري���ة وغيابها يف املج���االت الإنتاجية والتوزيعية‬ ‫واخلدمي���ة‪ .‬واملجتم���ع – باملقاب���ل – ي�سلك م�سل���ك ًا منف�ص�ل�اً ‪ ،‬حيث ف�شلت‬ ‫م�ؤ�س�سات الدولة ال�ضعيفة وقدراتها املحدودة يف ا�ستيعاب املجتمع وتنظيمه‪.‬‬ ‫ونظر ًا لتعدد االنق�سامات الداخلية‪ ،‬عجز املجتمع عن ت�شكيل منظمات مدنية‬ ‫ت�ستطيع ال�ضغط على الدولة من �أجل ال�صالح العام‪ .‬ويف هذا املحيط‪ ،‬يتقيد‬ ‫املجتمع بالهويات املت�شظية املبني���ة على �إنتماءات دون وطنية و�ضيقة‪ ،‬وبهذا‬ ‫ي�صبح �أكرث �إحباط ًا وبعداً‪.‬‬ ‫تع���د اليم���ن من �أق���ل دول املنطقة من���واً‪ ،‬وقد زاد ع���دد �سكانه���ا منذ عام‬ ‫‪� 1980‬إىل م���ا يقارب ثالثة �أ�ضع���اف‪ ،‬حيث ارتفع من ‪ 8.4‬مليون ن�سمة �إىل ‪23‬‬ ‫ملي���ون ن�سمة‪ ،‬و�إذا ما ا�ستمر معدل النمو ال�سكاين احلايل ف�إان عدد ال�سكان‬ ‫�سيت�ضاعف خالل الع�شرين ال�سنة املقبلة‪ .‬وتعترب تبعات البنية التحتية‪ ،‬التي‬

‫ترتك���ز ال�سلط���ة يف �أي���دي‬ ‫ت��وازن ال�س��لطات‬ ‫اجلهات التنفيذية‪ ،‬حيث ت�ضمن الرتتيبات امل�ؤ�س�سية �إ�شراك �أطراف عديدة‬

‫‪illiams‬‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير‪ ،‬واملدير التنفيذي‬ ‫ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪.‬‬

‫م���ع ال�سلطة التنفيذية يف كل الق���رارات املهمة‪ .‬ويف ظل غياب‬ ‫الف�صل الوا�ضح بني ال�سلطات تفلت الكثري من �أعمال ال�سلطة‬ ‫التنفيذي���ة م���ن الرقابة‪ ،‬وه���و ما �أنت���ج ثقافة �سيا�سي���ة تُظهر‬ ‫�سم���ات تركيز ال�سلط���ة على م�ست���وى الوزارة والهيئ���ة العامة‬ ‫والدائرة (ع���دم ال�شفافية؛ الالم�سئولي���ة؛ الف�ساد؛ احل�صانة‬ ‫غري القانونية من امل�ساءلة)‪.‬‬ ‫والطريقة التي مُتار�س بها ال�سلطة يف اليمن لها تبعات مهمة‬ ‫عل���ى عملية �صنع الق���رار‪ ،‬الأمر الذي جعل م���ن ال�صعب على‬ ‫نظ���ام احلكم �أن يتعامل مع حتديات املدى البعيد ذات الطابع‬ ‫الإ�سرتاتيج���ي‪ .‬وامل�شكلة احلقيقي���ة ال تكمن يف عدم معرفة ما‬ ‫ه���و مطلوب القيام به‪ ،‬ولك���ن يف نوعية الدوافع واحلوافز التي‬ ‫تواج���ه من لهم �سلطة ونفوذ ومتنعهم م���ن الرُّقي �إىل م�ستوى‬ ‫التحدي بعك����س التوجهات احلالية‪ .‬وقد و�صفت ذلك‬ ‫باخت�ص���ار �سارة فيليب����س يف قولها‪« :‬يعترب‬ ‫نظ���ام املح�سوبي���ة يف الأ�سا����س طريق���ة‬ ‫لإدارة الأزم���ات – وه���ي طريق���ة جي���دة‬ ‫الحت���واء الأزمات �أو عل���ى الأقل ح�صرها‪،‬‬ ‫ولكنه���ا غ�ي�ر كافي���ة ال�ستب���اق الأزمات من‬ ‫خ�ل�ال و�ض���ع ال�سيا�س���ات البديل���ة‪ .‬فحل���ول‬ ‫امل�شاكل تكون من خالل توزيع املوارد والفوائد‬ ‫واملكانات‪ ،‬وطريقة جذب ه���ذه الأ�شياء هو عن‬ ‫طريق خلق الأزمة ومن ثم اخلو�ض يف مفاو�ضات‬ ‫مع القيادة للتو�صل �إىل حل»‪.‬‬ ‫وم���ن الأو�ضاع الت���ي خلقتها الوح���دة وجود قطاع‬ ‫ع���ام مكت���ظ‪ ،‬فم���ع وج���ود ح���وايل ‪ 800.000‬وظيف���ة‬ ‫حكومي���ة جن���د �أن تكلفة قوة عمل به���ذا احلجم �شيء‬ ‫مذه���ل‪ .‬لكن ه���ذا �أدى �إىل خل���ق قطاع ع���ام مت�ضخم‬ ‫م���ع مهارات متوا�ضعة‪ ،‬وبالتايل ظل���ت القدرات الإدارية‬ ‫متدني���ة وامل�ؤ�س�س���ات ال تعم���ل يف الغال���ب �إال بطريقة ردة‬ ‫الفع���ل للأزم���ات النا�شئة‪ .‬وبذل���ك ال�سائ���د احلفاظ على‬ ‫الإ�ستقرار من خ�ل�ال املح�سوبية واالختيار‪ ،‬وهذا الو�ضع هو‬ ‫م���ا يفر�ض الرتكيز التكتيكي ق�صري املدى ويعيق م�شروع بناء‬ ‫الدول���ة القادرة عل���ى معاجلة التحدي���ات الإ�سرتاتيجية‪ ،‬وهي‬ ‫حتديات حقيقية وتزداد منواً‪.‬‬ ‫‪Paul‬‬ ‫‪W‬‬

‫‪58‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ه���ي يف الأ�صل �ضعيفة ج���داً‪ ،‬خميفة‪ .‬ومتثل واردات النفط ‪ %70‬من �إجمايل‬ ‫واردات الدول���ة‪ ،‬وي�شكل النفط ‪ %90‬من �إجمايل �صادرات البالد‪ ،‬وهو املورد‬ ‫ال���ذي من املتوق���ع ن�ضوبه خالل عقد م���ن الزمان‪ ،‬ما مل حت�ص���ل �إكت�شافات‬ ‫جدي���دة‪ .‬كما �أن هناك حتديات تنموية مهمة تتمثل يف م�ستوى الفقر العايل‪،‬‬ ‫ومع���دل الأمية املرتفع‪ ،‬واملخ���زون املائي املت�ضائل وال���ذي يُ�ستنزف ب�سرعة‪،‬‬ ‫واالرتف���اع احل���اد يف مع���دل البطال���ة نتيجة للنم���و ال�سكاين املت�س���ارع مع ما‬ ‫يرافقه من تدهور اقت�صادي‪.‬‬ ‫ويف اليم���ن لي�س ل���دى الدولة املركزية �سيطرة كامل���ة على مناطقها‪ ،‬وتكاد‬ ‫تنح�ص���ر هذه ال�سيطرة على املناطق احل�ضرية الكربى‪ .‬ويف ظل وجود ثالثة‬ ‫�أرب���اع ال�سكان يعي�شون يف خارج امل���دن ي�صعب جد ًا توفري وتو�صيل اخلدمات‬ ‫�إىل املناطق الطرفية نظر ًا للعوائق املالية‪ .‬ومبا �أن القبائل تقوم مبلء الفراغ‬ ‫الذي خلفته الدولة فما زالت تلعب دور ًا قوياً‪ ،‬وقد تغلغلت يف م�ؤ�س�سات الدولة‬ ‫حي���ث تلعب �أدوار ًا مهمة يف الهيئات الت�شريعي���ة والتنفيذية والقوات امل�سلحة‬ ‫و�أجه���زة الأمن والنظام ال�سيا�سي �إجماالً‪ .‬لهذا ف�إن �صناعة القرار ال�سيا�سي‬ ‫تتطلب االن�صياع للت�شاور وتقدمي التنازالت وامل�ساومات يف التحالفات املتقلبة‬ ‫ب�صورة م�ستمرة‪.‬‬

‫�إعادة التوازن لعالقة‬ ‫ال�سلطة واملجتمع يف اليمن‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪59‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫ل���ن يتحقق‬ ‫متالزم��ة ال�ض��عف امل�ؤ�س�س��ي يف اليم��ن‬ ‫اال�ستق���رار يف اليمن �إال �إذا تر�سخت الثقة ب�ي�ن الدولة ومواطنيها‪ ،‬فقد �أدت‬ ‫عقود ال�صراع املتوا�صل �إىل انعدام الأمن و�ضياع فر�صة بناء الدولة وال�سقوط‬ ‫يف وي�ل�ات الفق���ر‪ .‬وه�شا�ش���ة الدول���ة هو ما يق���ف وراء �أزم���ة احلوكمة هذه‪.‬‬ ‫وتعت�ب�ر م�س�ألة ال�شرعي���ة املنفذ الرئي�سي له�شا�شة و�ضع���ف الدولة يف اليمن‪.‬‬ ‫وتب���د�أ احللقة املفرغ���ة مع تراجع ثق���ة املواطنني يف ق���درة دولتهم على خلق‬ ‫نظ���ام �سيا�سي واجتماع���ي واقت�صادي �شامل ميكن حتقيق���ه بتطبيق �سيا�سة‬ ‫القان���ون‪ .‬وهن���اك دالئل ت�ش�ي�ر �إىل خطورة الأم���ر‪ ،‬منها‪ :‬زي���ادة املمار�سات‬ ‫غري القانوني���ة وغري الر�سمية والإجرامية يف االقت�ص���اد؛ عدم فعالية تقدمي‬ ‫اخلدم���ات الأ�سا�سية مثل ال�صحة وال�ص���رف ال�صحي والتعليم؛ التقاع�س يف‬ ‫احلفاظ عل���ى �أو تو�سيع البنية التحتية الأ�سا�سي���ة؛ تف�شي الف�ساد؛ اال�ستيالء‬ ‫عل���ى الأم�ل�اك العام���ة وتخ�صي�صه���ا للم�صلح���ة اخلا�صة‪ .‬ونتيج���ة لذلك‪،‬‬ ‫ت�ضعف ال�سيطرة الإدارية وتُ�ستخدم البريوقراطية كو�سيلة لإ�ساءة ا�ستخدام‬ ‫ال�سلط���ة‪ ،‬وبالتايل ت�ؤدي �إىل حدوث �أزمة يف الأموال العامة‪ ،‬حيث ي�صبح من‬ ‫ال�صعب توقع الواردات والنفقات وي�صبح و�ضع املوازنات الطارئة والإ�ضافية‬ ‫ممار�س���ة دائمة يف �إدارة الط���وارئ‪� .‬أما العالمة اجلوهري���ة فتكمن يف عدم‬ ‫�إحت���كار العن���ف امل�شروع من قبل الدولة وظهور اجلماع���ات امل�سلحة التي من‬ ‫خالل اللجوء �إىل العنف ت�سخر علن ًا من �سلطة الدولة وتفر�ض �سيطرتها على‬ ‫العديد من املناطق‪.‬‬ ‫تعت�ب�ر الدولة هي الآلي���ة الفعالة ل�ضم���ان حتقيق الأم���ن‪ ،‬وحماربة الفقر‪،‬‬ ‫وتوف�ي�ر الفر�ص‪ ،‬واال�ستثمار يف الرثوة الب�شرية‪ ،‬وتو�سيع امل�شاركة يف الفر�ص‬ ‫الت���ي يوفّرها ال�س���وق‪ .‬كما �أن املجتمع���ات املدنية والأ�س���واق ال�شرعية احلرة‬ ‫والفاعل���ة متثل عنا�صر �أ�سا�سي���ة لأي �إ�سرتاتيجية تنموي���ة‪ .‬لكن هذا املقرتح‬ ‫ي�شرتط بناء الدولة‪ ،‬الذي ميثل �شرط �أ�سا�سي خللق امل�ؤ�س�ستني الأخريتني‪.‬‬ ‫ويف البل���دان الت���ي تعاين م���ن �صراع م�ستم���ر تتطور �سل�سلة م���ن العالقات‬ ‫الر�سمي���ة وغري الر�سمية تث�ي�ر �أعرا�ض ًا مر�ضية م�ؤ�س�سية‪ ،‬وم���ن الوا�ضح �أن‬ ‫ه���ذه العالق���ات �أ�صبح���ت ت�شكل عائق��� ًا مل�شروع عملي���ة اال�ستق���رار وال�سالم‬ ‫الإجتماع���ي وبن���اء الدول���ة‪ .‬واال�ستيعاب الوا�ض���ح لهذه الأعرا����ض امل�ؤ�س�سية‬ ‫�أ�سا�س���ي لإعداد اال�سرتاتيجيات من �أجل التغلب على هذه العوائق التي ت�ؤدي‬ ‫�إىل خل���ق دول���ة فاعل���ة‪ ،‬وت�صبح مبثاب���ة �آلي���ات لال�ستق���رار واالزدهار‪ .‬ومن‬ ‫العوام���ل امل�ساعدة على التغلب عل���ى هذه العوائق‪ :‬فتح املجال �أمام املواطنني‬ ‫للم�شارك���ة يف العملية ال�سيا�سية‪ ،‬وخل���ق جمال وا�سع للقطاع اخلا�ص امل�شروع‬ ‫للظه���ور‪ .‬ومن دون ذلك ف�إن خماطر الإق�صاء والأعمال غري القانونية �سوف‬ ‫تزيد من فر�ص تعرّ�ض بناء ال�سالم االجتماعي وعملية اال�ستقرار �إىل اخلطر‬

‫املالزم ملثل هذه الت�صرفات‪.‬‬ ‫ويت�صف تزامن مثل هذه الأعرا�ض بالتايل‪ )1( :‬ظهور اجلماعات امل�سلحة‬ ‫الت���ي تدخل يف �صراعات مع بع�ضه���ا ومع الدولة؛ (‪ )2‬ب���روز نزعة مناطقية‬ ‫قوي���ة داخ���ل الوطن‪ ،‬م���ع الرتكيز ب�شكل خا����ص على املناطق الغني���ة باملوارد‬ ‫(اجلن���وب)‪ ،‬وامل�ساح���ة ذات الت�ضاري����س الوعرة املنا�سبة لتح���ركات التمرد‬ ‫(ال�شمال)؛ (‪ )3‬تنامي �شبكات الدعم اللوج�ستي وعمليات التمويل والتهريب‬ ‫الت���ي تعمل خ���ارج القانون؛ (‪ )4‬زي���ادة االعتماد على البل���دان املجاورة التي‬ ‫غالب��� ًا ما تتخ���ذ �شكل عالقة «ال�سي���د والتابع»؛ (‪ )5‬ع���دم ال�شفافية يف �صنع‬ ‫الق���رار وهيمنة النخ���ب والأقليات عل���ى عملية �صنع���ه؛ (‪ )6‬تال�شي وفقدان‬ ‫الثق���ة يف امل�ؤ�س�سات من ناحية‪ ،‬والرغبة ال�شدي���دة للح�صول على دولة فعالة‬ ‫من ناحية �أخرى‪.‬‬

‫الطري��ق �إىل زيادة فعالي��ة الدولة وا�س��تقرار اليمن‬

‫هن���اك ثالثة ع�ش���ر وظيفة جوهرية نقرتحها هنا‪ ،‬والت���ي على الدولة اليمنية‬ ‫القي���ام بها حتى ت�ستطيع البقاء واملناف�سة يف العامل احلديث‪ .‬وهذه الوظائف‬ ‫ه���ي‪ )1( :‬الإحت���كار امل�شروع لو�سائ���ل العنف؛ (‪ )2‬ال�سيط���رة الإدارية؛ (‪)3‬‬ ‫كف���اءة و�شفافية �إدارة امل���ال العام؛ (‪ )4‬اال�ستثمار يف ال�ث�روة الب�شرية؛ (‪)5‬‬ ‫تو�ضي���ح حقوق وواجبات املواطنني والإلت���زام القانوين بتطبيقها؛ (‪ )6‬توفري‬ ‫خدم���ات البنية التحتية وحتديثها؛ (‪ )7‬ت�شكي���ل �أ�سواق حرة فعالة وم�ستقلة؛‬ ‫(‪� )8‬إدارة ممتل���كات الدول���ة بكفاءة (ومن �ضمنها البيئ���ة واملوارد الطبيعية‬ ‫واملمتل���كات الثقافية)؛ (‪� )9‬إقامة عالقات دولي���ة متزنة (مبا يف ذلك �إبرام‬ ‫العق���ود الدولي���ة واالقرتا����ض)؛ (‪ )10‬تطبيق �سلط���ة القان���ون؛ (‪� )11‬إقامة‬ ‫عالق���ات متزنة ب�ي�ن الدولة واملجتم���ع؛ (‪ )12‬امل�ساواة ب�ي�ن املواطنني قانوني ًا‬ ‫و�إقت�صادي���اً؛ (‪ )13‬توزي���ع ع���ادل لل�ث�روة م���ن �أج���ل حتقيق تنمي���ة مناطقية‬ ‫مت�ساوية‪.‬‬ ‫واالتف���اق اجلماعي على هذه الوظائف �أعاله‪� ،‬أو �أي جمموعة من الوظائف‬ ‫امل�شابه���ة‪� ،‬سيق���ود �إىل �إجماع حول هيكل���ة الدولة‪ .‬ومن املمك���ن تو�صيف كل‬ ‫وظيف���ة م���ن خالل برام���ج بناء الق���درة مع �إط���ار زمني ومعاي�ي�ر وم�ؤ�شرات‬ ‫تعمل كالأه���داف التي يتم ح�شد اجلماهري نحوه���ا‪ ،‬وكذلك كو�سائل ح�ساب‬ ‫يت���م من خاللها تقدمي التقارير لعامة النا����س عن معدل الزخم واالجنازات‬ ‫الت���ي حققها الربنام���ج‪ .‬ويتطلب �إع���داد �إ�سرتاتيجية بناء الدول���ة البدء من‬ ‫الإتفاق حول الهدف من حتقيق بناء الدولة والوظائف التي يتعني على الدولة‬ ‫القي���ام بها‪ ،‬واالتفاق حول الأطر الزمنية لتحقيق تلك القدرة‪ ،‬وطرق التحول‬ ‫امل�ؤ�س�سي‪ .‬ولكي يتم ك�سب ثقة عامة النا�س واحلفاظ على ا�ستمرارها وتنفيذ‬ ‫برام���ج معقول���ة حتقق لهم فوائ���د وم�شارك���ة متزايدة‪ ،‬على الق���ادة واملدراء‬ ‫اكت�ساب مهارات جديدة متكنهم من تنفيذ كل ذلك‪.‬‬

‫لبن��اء الدول��ة‪ ،‬ال ب��د م��ن تق��دمي الدع��م م��ن خ�لال احل��وار‬ ‫الدبلوما�س��ي والو�س��ائل التقنية لتطوير ر�ؤية مل�س��تقبل اليمن‬ ‫متت��د �إىل م��ا وراء الأه��داف املح��ددة‪ ،‬وت�ست�ش��رف الو�س��ائل‬ ‫املنا�س��بة للو�ص��ول �إىل ذل��ك‪ .‬ويج��ب �أن تثب��ت لالعب�ين‬ ‫الأ�سا�س��يني يف اللعب��ة ال�سيا�س��ية �أن التغري ممك��ن دون فقدان‬ ‫ال�سلطة واملكانة‬ ‫‪60‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫االنتقال من ال�صراع‪/‬اله�شا�شة �إىل اال�ستقرار‬

‫االفتتان ب�شخ�صية القائد؛ البطل الفرد‬

‫الوظيفة‬ ‫ال�سيا�سة واملجتمع؛ االحتكار امل�شروع لو�سائل العنف‬ ‫�إدارة م�ؤ�س�سية فعالة وفق ًا للد�ستور والقانون‬

‫الأعرا�ض املتالزمة‬ ‫ال�صراع؛ الت�شظي‬ ‫التعتيم؛ عدم القدرة على التنب�ؤ‬

‫�إدارة وا�ضحة و�شفافة للمال العام‬

‫هجرة الأدمغة؛ البيئة الطاردة‬

‫اال�ستثمار يف ر�أ�س املال الب�شري‬

‫غياب اخلدمات‬

‫الرعاية؛ التمويل‪ ،‬اجلودة؛ التنظيم‪ ،‬التحديث امل�ستمر‬

‫الهويات املتعار�ضة‬

‫حقوق املواطنني؛ ت�شكيل جمتمع مدين‬

‫الدمار‬

‫خلق بنية حتتية واحلفاظ عليها وحتديثها‬

‫االقت�صاد احلربي‬

‫�إن�شاء وتنظيم اقت�صاد ال�سوق‬

‫التهمي�ش؛ انعدام ال�شرعية‬

‫عالقات دولية بناءة متوازنة قدر الإمكان‬ ‫�سلطة القانون؛ ال�سلطة التنفيذية املركزية‪/‬املحلية؛ ال�سلطة الت�شريعية؛‬ ‫�سلطة ق�ضاء حتكمها الإجراءات العادلة‬

‫لغة ال�سالح؛ و�ساطة غري ر�سمية‬ ‫امل�صدر بت�صرف‪:‬‬

‫‪Ashraf Ghani, Clare Lockhart and Michael Carnahan, ‘An Agenda for State-Building in the‬‬

‫‪Twenty-First Century’, The Princeton Project on National Security, vol. 30:1, winter 2006, p. 108.‬‬

‫تخلق هذه الوظائف دولة‬ ‫من الوظائف �إىل الهيكلة‬ ‫م�سئول���ة و�شفافة من خالل عمليات �شمولية ت�شرك املواطنني قاطبة يف عملية‬ ‫�صنع القرار‪ .‬و�سي�سمح قبول هذه الوظائف من قبل الهيئات ال�سيا�سية واملدنية‬ ‫�إىل تقنينه���ا وت�أ�سي�سها من خالل برنامج بناء القدرة مع �إطار زمني ومعايري‬ ‫وخط���ة مراقبة وتقيي���م‪ .‬ويف نف�س الوقت يجب �إطالع عام���ة النا�س با�ستمرار‬ ‫عن التق���دم و‪�/‬أو املعوقات حتى يتم ح�شد دعمه���م واحلفاظ على ا�ستمرارية‬ ‫زخ���م االجنازات‪ .‬وت�صبح مثل هذه العملية مهمة جد ًا لإقامة ج�سور الثقة بني‬ ‫الدولة – باعتبارها ال�سلطة املنظمة للمجتمع – واملواطنني‪.‬‬ ‫بن���ا ًء عل���ى تعري���ف منظم���ة‬ ‫تعري��ف بن��اء الدول��ة‬ ‫التع���اون االقت�صادي والتنمية‪/‬جلنة امل�ساعدة التنموية (‪ )OECD/DAC‬ف�إن‬ ‫«�أب�س���ط �صيغ���ة لتعريف بناء الدولة ه���و �أن تعمل الدولة بفعالي���ة �أكرب‪ .‬وبهذا‬ ‫ميك���ن تعريفه ب�أنه عملية داخلية لتطوير قدرة الدولة وم�ؤ�س�ساتها و�شرعيتها‪،‬‬ ‫تدفعه���ا وتعززها العالق���ات املتوازنة بني الدولة واملجتم���ع‪ .‬وتت�ضمن عمليات‬ ‫بناء الدولة الإيجابية العالقات الثنائية بني الدولة التي تقوم بتقدمي اخلدمات‬ ‫ل�شعبه���ا والكتل االجتماعي���ة وال�سيا�سية الت���ي ت�شارك دولتها ب�ص���ورة بناءة‪.‬‬ ‫وهذا بال�ض���رورة يتطلب وجود عمليات �سيا�سي���ة واقت�صادية تفاعلية �شمولية‬ ‫و�إيجابية بني الدولة واملجتمع»‪.‬‬ ‫ولبن���اء الدول���ة‪ ،‬ال ب���د من تق���دمي الدع���م من خ�ل�ال احل���وار الدبلوما�سي‬ ‫والو�سائ���ل التقني���ة لتطوي���ر ر�ؤية مل�ستقبل اليم���ن متتد �إىل م���ا وراء الأهداف‬ ‫املح���ددة‪ ،‬وت�ست�ش���رف الو�سائل املنا�سب���ة للو�صول �إىل ذلك‪ .‬ويج���ب �أن تثبت‬ ‫لالعب�ي�ن الأ�سا�سيني يف اللعبة ال�سيا�سية �أن التغري ممكن دون فقدان ال�سلطة‬ ‫واملكان���ة‪ .‬كما يج���ب احلثّ على �أن تتم عملية الإ�ص�ل�اح وتُن�سّ ق من امل�ستويات‬ ‫الأعلى‪ .‬وهذا مهم جد ًا لي�س لتقدمي الدافع ال�سيا�سي فح�سب بل �أي�ض ًا ل�ضمان‬ ‫معاجلة الإ�صالحات ال�سيا�سية والتقنية دون و�ضع عوائق �أمامها‪.‬‬ ‫و�أول امل�ش���اكل التي يجب تناولها دع���م النمو االقت�صادي الذي ال يعتمد على‬

‫النف���ط والقادر عل���ى توفري فر�ص العم���ل والإيرادات احلكومي���ة املتنوعة‪� .‬إذ‬ ‫توف���ر بالفعل “القطاع���ات الواع���دة” (الزراعة والرثوة ال�سمكي���ة وال�سياحة‬ ‫واملع���ادن) بع����ض الفر����ص وينبغ���ي دعمه���ا‪ .‬لكن هن���اك عوائق كب�ي�رة تعيق‬ ‫معظ���م ه���ذه القطاعات‪ ،‬ويجب حله���ا �أوالً‪ .‬كما �أن ه���ذه القطاعات مبفردها‬ ‫ل���ن تكون كافية ملواكب���ة عدد الداخلني اجلدد �إىل �س���وق العمل‪ ،‬ولهذا ال�سبب‬ ‫الب���د م���ن ا�ستك�ش���اف �سب���ل �أخ���رى‪ ،‬التي منه���ا بالتحدي���د‪ :‬تعزي���ز امل�شاريع‬ ‫التجاري���ة اخلا�صة ال�صغ�ي�رة يف االقت�صاد (بالإ�ضاف���ة �إىل امل�شاريع الكبرية‬ ‫واملتو�سط���ة)‪ ،‬ودع���م الهجرة‪ .‬ويحت���اج برنام���ج اال�ستثمار الع���ام �إىل �إعادة‬ ‫هيكل���ة لدعم تخفيف الفقر‪ .‬وتعت�ب�ر الهجرة املجال املبا�ش���ر ال�سريع الوحيد‬ ‫الذي ميث���ل �صمام �أمان �ضد معدل البطالة املتنام���ي‪ .‬وميكن للتدريب املهني‬ ‫�أن ي�ساع���د يف زي���ادة هج���رة الأيدي العامل���ة‪ ،‬لكن متا�شي ًا مع قط���اع التجارة‬ ‫ف����إن قطاع التدريب املهني بحاجة �إىل �إ�صالح من �أجل جعل منهجه الدرا�سي‬ ‫�أك�ث�ر توجه ًا جتاه �سوق العمل وملبي ًا لطلبات���ه‪ .‬وعلى اال�سرتاتيجيات �أن ت�أخذ‬ ‫بع�ي�ن االعتبار �أن االن�ضمام �إىل جمل�س التع���اون اخلليجي لن يتم قريباً‪ ،‬وقد‬ ‫ال يت���م‪ ،‬لذا ينبغي �أن ن�سلك م�سارات �أخ���رى مثل طريق الهجرة التقليدي بني‬ ‫ح�ضرموت والهند و�شرق �آ�سيا‪ .‬واملبادئ االقت�صادية وحدها لن توفِّر عمليات‬ ‫اال�ستثم���ار ال�ضروري���ة لتحريك االقت�ص���اد‪ ،‬واليمن تتطلب تدخ���ل ا�ستثماري‬ ‫كبري‪ ،‬وهو ال�شيء الذي متلك موارده دول اخلليج فقط وكذلك الرغبة الذاتية‬ ‫(للحفاظ على ا�ستقرار �أمنه���ا �إزاء اخلطر الذي ي�شكله الو�ضع امل�ضطرب يف‬ ‫البل���د املجاور)‪ .‬ولهذا ال�سبب‪ ،‬ف���ان احلوار على م�ستوى عايل مع دول اخلليج‬ ‫يعترب �أولوية �إ�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫�أما �إ�صالح امليزانية فهو جمال وا�سع‪ .‬ومن العوامل ذات الأهمية الإ�سرتاتيجية‬ ‫البالغة يف هذا ال�صدد‪ :‬بذل اجلهود لتقليل معدل الإنفاق “امل�سي�س”‪ ،‬وهو ما‬ ‫يتعل���ق ب�ص���ورة خا�صة بحجم �سل���م �أجور وخم�ص�صات كب���ار م�سئويل الدولة‬ ‫(املح�سوبي���ة)‪ ،‬والإنف���اق من �أجل دع���م م�شتقات الوق���ود‪ .‬و�سيوفر ذلك وفر ًا‬ ‫للميزاني���ة يق���ود �إىل توفر خدم���ات �أف�ضل ومنو اقت�صادي �أك�ب�ر‪ ،‬وكذلك �إىل‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪61‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫حت�سني �سلم الأجور لباقي موظفي الدولة‪ .‬لكن كال وجهي الإ�صالح ح�سا�سان‬ ‫جداً‪ ،‬فعلى املجتمع الدويل دعم هذه الإ�صالحات مع الإدراك التام للمخاطر‬ ‫املحتملة واحلاجة للت�سل�س���ل التدريجي‪ .‬كما يجب حت�سني املجاالت اخلدمية‬ ‫الأ�سا�سي���ة لال�ستثمار اخلدم���ي لأ�سباب ا�سرتاتيجية‪ ،‬والت���ي تتمثل يف توفري‬ ‫املي���اه والتعليم وال�صحة الإجنابي���ة‪ .‬ومع �أنه من املمكن حت�س�ي�ن �إدارة املياه‬ ‫�إال �أن���ه لي����س وا�ضح لنا عم���ا �إذا كان بالإمكان التغل���ب ب�سرعة على املعوقات‬ ‫ال�سيا�سية الكربى �أمام اال�ستخ���دام امل�ستدام للمياه‪ ،‬ولهذا ال�سبب ف�إن املياه‬ ‫تقع يف فئة الأعمال امل�ساعدة‪.‬‬ ‫ومن ناحي���ة �أخرى‪ ،‬ف����إن حت�سني التعليم وجودت���ه يعترب عن�ص���ر ًا �أ�سا�سي ًا‬ ‫لوجه�ي�ن من �أوجه عملية الإ�ص�ل�اح‪ ،‬هما‪ :‬العمالة والنم���و ال�سكاين‪ .‬ومبا �أن‬ ‫�أحد �أهداف عملية حت�سني اخلدم���ات يكمن يف تعزيز “العقد االجتماعي”‪،‬‬ ‫ف�ل�ا ين�صح البتة �أن تقوم احلكومة �أو اجله���ات املانحة بتوفري هذا التح�سني‬ ‫م���ن خالل بُنى متوازية بد ًال من الوزارات املخت�ص���ة‪ .‬وندرك �أن هناك حجة‬ ‫ت�ؤي���د الف�صل التكتيكي ق�ص�ي�ر املدى بني جهات التنفي���ذ الفعالة‪ ،‬فالبد من‬ ‫وج���ود �إ�سرتاتيجية لكل تل���ك الوحدات‪ ،‬مع معامل لقيا����س مدى التقدم جتاه‬ ‫تطوير قدرة الوزارات املخت�صة وذلك للتنمية امل�ستدامة‪.‬‬ ‫وتعت�ب�ر احلكوم���ات املحلي���ة والتخطي���ط املحل���ي امل�ش���ارك م���ن العنا�صر‬ ‫الأ�سا�سي���ة يف عملي���ة بناء ال�شرعي���ة وخلق ت�صميم خدم���ي منا�سب‪ .‬وينبغي‬ ‫دع���م ا�سرتاتيجية الالمركزي���ة وتو�سيعها بطريقة ت�ضم���ن تخلي�ص امليزانية‬ ‫م���ن املركزية مع حتم���ل امل�سئولية‪ ،‬وت�ضمن كذلك �إحال���ة حما�سبة امل�سئولني‬ ‫املحلي�ي�ن ب�ش���كل كبري �إىل عامة ال�شعب بد ًال م���ن �إحالتها فقط �إىل ال�سلطات‬ ‫املركزية‪ .‬كم���ا ينبغي دعمها ل�ضمان القدرة عل���ى امل�ستوى املحلي للإ�شراف‬ ‫والعم���ل‪ ،‬وعلى امل�ست���وى املركزي للقيام بعملية التخطي���ط‪ .‬وللمجتمع املدين‬ ‫دور مه���م هن���ا‪� ،‬إذ �أن فعالية املجتمع امل���دين يف الت�سوي���ات ال�سيا�سية (على‬ ‫الأق���ل يف الوق���ت الراهن) �أقل بكثري مما يفرت�ض‪ .‬ورمب���ا يكون دعم �أن�شطة‬ ‫الرقاب���ة ال�شعبي���ة على الإنف���اق العام ورقاب���ة املجتمع املدين مدخ�ل�اً نافعاً‪،‬‬

‫تعت�بر م�س���ألة ال�ش��رعية املنف��ذ الرئي�س��ي له�شا�ش��ة‬ ‫و�ض��عف الدولة يف اليمن‪ .‬وتب��د�أ احللقة املفرغة مع‬ ‫تراجع ثقة املواطنني يف قدرة دولتهم على خلق نظام‬ ‫�سيا�س��ي واجتماعي واقت�صادي �ش��امل ميكن حتقيقه‬ ‫بتطبيق �سيا�سة القانون‬

‫‪62‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫والبح���ث امل�ستمر ع���ن �إمكانية وج���ود ال�شب���كات واالحتادات عندم���ا ت�سمح‬ ‫الظروف لوجود ال�شفافية احلقيقية ومبد�أ احل�ساب والعقاب‪.‬‬ ‫ووثي���ق ال�صلة بذلك‪ ،‬معاجلة ال�ص���راع وتر�سيخ اال�ستقرار‪ .‬ومع �أن �أ�سباب‬ ‫انعدام الأمن متعددة �إال �أن العامل الرئي�سي يتمثل يف الفقر واحلاجة لعملية‬ ‫التنمي���ة (�أو امل�ساواة فيها)‪ .‬والإجراءات املذك���ورة �آنف ًا �ست�ساعد يف معاجلة‬ ‫بع����ض هذه املظامل‪ .‬كم���ا �أن احلكومة الأك�ث�ر �شرعية تعت�ب�ر �أي�ض ًا احلكومة‬ ‫الأكرث �أمناً‪ .‬لكن ال يجب �إغفال التايل‪:‬‬ ‫�إن تنفي���ذ �أي برنامج تنمي���ة ب�صورة غري مالئمة ق���د ي�شجع على انعدام‬ ‫الأمن‪ .‬فعلى جميع الربامج �إدراج ح�سا�سية ال�صراع �ضمن �أدواتها‪.‬‬ ‫�إن عملية الإ�صالح �سوف تخلف خا�سرين كون دائرة املح�سوبية �ستتقل�ص‪،‬‬ ‫واالجت���اه نحو تو�سع رقع���ة ال�صراعات املناطقية �سي���زداد‪ .‬وتفادي مثل هذه‬ ‫ال�صراع���ات �سيتطل���ب ‪ -‬وبحكم���ة ‪-‬اقتطاع ج���زء من قاعدة دع���م �أي قوى‬ ‫حملية حمتملة‪ ،‬وذلك من خالل العمل املعزز من قبل الدولة‪.‬‬ ‫�أي�ض��� ًا �سوف تخلف عملي���ة الإ�صالح خا�سرين من خ�ل�ال تغيري الثقافة‪،‬‬ ‫حيث �أن عملية متكني املر�أة �سوف تواجه (بل وهذا ما يح�صل الآن) مقاومة‬ ‫من قبل بع�ض العنا�صر املحافظة‪.‬‬ ‫هناك توترات �إقليمية قوية‪ ،‬خا�صة العالقة املتوترة بني ال�شمال واجلنوب‪.‬‬ ‫وعملي���ات اال�ستثمار يف اجلنوب (خا�صة يف مين���اء عدن احلر) �سوف يوازن‬ ‫تلك التي يف ال�شمال‪.‬‬ ‫لذا ينبغي القيام بالبحث والتحقيق يف عدد من املجاالت‪:‬‬ ‫تو�صي���ف الدول���ة املوازية‪ ،‬مع فهم �أف�ضل لت���وازن املتغريات بني الالعبني‬ ‫الأ�سا�سي�ي�ن‪ ،‬وم�صاحله���م ومناف�سيهم‪ ،‬وكذل���ك فهم العوام���ل القبلية التي‬ ‫تكمن وراء الت�سوية ال�سيا�سية؛ فهل الزال يخ�ضع اليمن حلكم مر�شح الت�سوية‬ ‫بني حا�شد وبكيل؟‬ ‫فهم ثقافة ال�شباب وت�صميم الربامج التي ت�ساعد ال�شباب �أن يلعبوا دور ًا‬ ‫بنا ًء يف �صياغة م�ستقبل اليمن‪.‬‬ ‫التحقي���ق يف اليم���ن “التقلي���دي”‪ :‬كي���ف ي�ستطي���ع النا����س العي����ش وحل‬ ‫النزاعات لكي يتم التعرف على الربامج الداعمة املمكنة‪.‬‬ ‫خو����ض غمار جتربة متكني املر�أة‪ :‬هل هي ت�أتي من تغري املكانة ال�سيا�سية‬ ‫�أم �أنها – وهو ما ن�شك فيه – ت�أتي من التمكني االقت�صادي؟‬

‫بناء دولة فعالة ومتجاوبة‬ ‫�إن عملية التعرف على‬ ‫التحدي���ات النظامية اخلا�صة بالقطاعات مهمة ج���د ًا “للحوكمة”‪� ،‬أي كيف‬ ‫تعمل القوان�ي�ن وامل�ؤ�س�سات و�أجهزة الدولة‪ ،‬وكي���ف ترتبط الدولة باملواطنني‬ ‫واملجتمع امل���دين والقطاع اخلا�ص فيما يتعل���ق بال�شفافية واملحا�سبية‪� .‬سوف‬ ‫تتطل���ب التح�سينات املهمة يف تقدمي اخلدمات �إ�صالح���ات �أ�سا�سية يف �إدارة‬ ‫امل���ال العام والإدارة العامة‪ .‬فينبغي على الدولة �أن‪ )1( :‬تزيد الإيرادات؛ (‪)2‬‬ ‫حت�سّ ���ن �أداء امليزانية حت���ى يتم توفري التمويل املايل للوح���دات الت�شغيلية يف‬ ‫الوق���ت املنا�س���ب وب�شكل كام���ل؛ (‪ )3‬تكييف النفقات العام���ة بح�سب �أولويات‬ ‫ال�سيا�سة العامة؛ (‪ )4‬حت�سني �سلم الأجور و�إدارة اخلدمة املدنية جذرياً‪.‬‬ ‫يعت�ب�ر الف�ساد من الأعرا�ض الدالة على مواط���ن �ضعف الدولة‪ .‬لكن حجم‬ ‫امل�شكل���ة يف نظر املواطن�ي�ن وال�شركات التجارية واجله���ات املانحة كبري جد ًا‬ ‫وت�ستح���ق االهتمام بحد ذاتها‪ .‬والف�ساد ي����ؤدي �إىل فقر ال�شعب‪ ،‬حيث عليهم‬

‫الأزمة املالية التي تواجهها اليمن حالي ًا هي �أزمة حقيقية لأن امل�صادر‬ ‫ال�سابقة للدخل اخلارجي بد�أت جتف‪ .‬وبالتايل فاخليارات ب�سيطة‬ ‫جداً‪ :‬ف�إما �أن تُ قل�ص الدولة من نفقاتها‪� ،‬أو تزيد من الدخل املحلي‪� ،‬أو كالهما‬ ‫�أن يدفع���وا (�أو يدفعوا �أكرث من) تكاليف ال�سل���ع واخلدمات املقدمة‪ .‬كما �أن‬ ‫الفوائ���د املق�ص���ودة �أن توجّ ه له���م تُ�ستخدم لأغرا�ض �أخ���رى‪ ،‬ويتم �سلبها يف‬ ‫ال�صراع���ات م���ع فئات �أخ���رى‪ .‬وبالتايل يت���م دعم اخلدم���ات مببالغ زهيدة‬ ‫و�ضياع جمع الإيرادات وهروب اال�ستثمار و�إنخفا�ض الفر�ص الوظيفية‪.‬‬ ‫وال ميك���ن حل م�ش���اكل احلكم كاملة من خالل الإ�صالح���ات من القمة �إىل‬ ‫القاع���دة داخل الدولة‪ .‬لكن ا�ستغ�ل�ال مدخالت املواطنني – فردي ًا وجماعي ًا‬ ‫– �س���وف ي�ساعد على خلق �آليات ال�شفافية واملحا�سبية التي ميكن �أن تعمل‬ ‫كق���وة كبرية للحد من دائرة الف�ساد وحت�س�ي�ن الفعالية وامل�ساواة‪ .‬ومن �آليات‬ ‫رف���ع م�ست���وى ا�ستجابة الدول���ة جت���اه احتياجات املواطن�ي�ن‪ ،‬كم���ا �أ�شار نيل‬ ‫مكدونالد ورنا خليل(‪ ،)1‬ف�إن الإ�صالحات ال�ضرورية والأ�سا�سية معروفة‪:‬‬ ‫توفري امليزانية الوطنية لال�ستثمار وتقدمي خدمات �أف�ضل‪.‬‬ ‫تقليل �أعداد موظفي اخلدمة املدنية‪.‬‬ ‫تقلي�ص �أو رفع الدعم للوقود وامل�شتقات النفطية‪.‬‬ ‫تقلي�ص دائرة الف�ساد والعقاب عليه‪.‬‬ ‫توف�ي�ر املناخ املالئم لال�ستثم���ار‪ ،‬خا�صة يف القطاعات غري النفطية التي‬ ‫ت�ستطيع خلق فر�ص عمل و�إيرادات للدولة‪.‬‬ ‫تطوير نظام �ضريبي �شفاف وعادل كقاعدة للعقد االجتماعي بني الدولة‬ ‫وال�شعب‪.‬‬ ‫زي���ادة مع���دل امل�شاركة االجتماعي���ة يف احلياة ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية‪،‬‬ ‫خا�صة م�شاركة املر�أة وال�شباب‪.‬‬ ‫�إن معظ���م العوائ���ق الت���ي تعرت�ض �سبي���ل تنفيذ احلل���ول منبعه���ا �سيا�سي‪،‬‬ ‫والأ�سالي���ب ال�سيا�سية والإرادة ال�سيا�سية تف���وق كل �شيء‪ .‬لكن مع ذلك‪ ،‬ف�إن‬ ‫�أجن���دة النمو متداخل���ة ب�أجندة احلكم‪ :‬فم���ن دون زيادة ع���دد الوظائف يف‬ ‫القطاع اخلا�ص من ال�صعب ت�صوّر كيف ميكن تقلي�ص حجم اخلدمة املدنية‬ ‫ب�شكل كب�ي�ر‪ .‬ف�إذا كان غياب النمو يُقوّي من احلاج���ة للمح�سوبية ف�إن النمو‬ ‫– باملقابل ‪ -‬يخفف من تكاليف الت�سوية ال�سيا�سية من خالل تقلي�ص عدد‬ ‫�أولئك الذين يجب ت�سليمهم م�ستحقاتهم‪.‬‬ ‫كم���ا �أ�شرن���ا �سابق���اً‪،‬‬ ‫�إي��رادات ونفق��ات الدول��ة‬ ‫ف����إن قدرة الدولة على رفع معدل �إيراداتها حم���دودة‪ ،‬وتوفر �إيرادات النفط‬ ‫“ريع���اً” يزي���د من االنق�سام ب�ي�ن النخبة وجمهور الناخب�ي�ن‪� .‬أما الإيرادات‬ ‫ال�ضريبية فلم ت�شكل بعد �سوى ح�صة قليلة من دخل الدولة‪ ،‬والقليل من هذا‬ ‫عب���ارة عن �ضرائب دخل مبا�شرة‪ ،‬مع احتم���ال وجود حوايل �ستة مليار دوالر‬ ‫�أمريك���ي ك�ضريبة دخل‪ .‬ولنفر�ض جد ًال �أن اعتماد الدولة الزائد على النظام‬ ‫ال�ضريب���ي �سيعزز وثاق العقد االجتماعي الذي مبوجبه يوافق املحكومني على‬ ‫دفع ال�ضريبة مقابل ا�ستجابة الدولة ملتطلباتهم وتقدميها على �شكل خدمات‪،‬‬ ‫باملقابل عندما ت�شمل الإيرادات ال�ضريبية املح�صلة �أقل من ‪ %10‬مما ميكن‬ ‫حت�صيله ف�إن هذا يعترب دلي ًال على اله�شا�شة‪ ،‬كما �سيتم تبيانه الحقاً‪.‬‬ ‫وي�ش���كل الإنفاق املُ�سي�س جزء كب�ي�ر ًا من نفقات الدولة‪ ،‬حيث �أن هذا �إنفاق‬ ‫ل���ه �أهداف �سيا�سية ب���د ًال من �أهداف الإدارة العامة‪ .‬وه���ذا يحد من القدرة‬

‫على اال�ستثمار من �أجل النمو االقت�صادي‬ ‫والوظيف���ي �أو حت�س�ي�ن ج���ودة اخلدم���ات‬ ‫وتغطيته���ا‪ .‬والعنا�ص���ر الأ�سا�سي���ة له���ذا‬ ‫الإنف���اق امل�سي����س تتمثل يف الأج���ور والرواتب‬ ‫العام���ة والدعم‪ ،‬خا�صة دعم الوقود‪ .‬فت�ضخم �أعداد موظفي اخلدمة املدنية‬ ‫لي����س ناجم ًا ع���ن احلاجة لتقدمي اخلدمات بقدر ما ه���و مالذ �أخري وم�صدر‬ ‫للرعاي���ة الوظيفية وك�سب ال���والءات‪ .‬وقد �شكلت الأج���ور والرواتب ما ن�سبته‬ ‫‪ %32‬م���ن موازن���ة ‪ ،2008‬بينما �شكل دعم الوقود ما ن�سبت���ه ‪ .%36.8‬و�إ�صالح‬ ‫ه���ذه النفق���ات يعد �أمر ًا ح�سا�س��� ًا �سيا�سياً‪ ،‬وقد متت معار�ضت���ه ب�شدة‪ .‬فعلى‬ ‫�سبي���ل املث���ال‪ ،‬لو �أن �إ�ص�ل�اح اخلدمة املدنية مت من خالل نظ���ام قيا�س فرتة‬ ‫احلي���اة لتم حذف ما بني ‪ 27.000‬و‪ 60.000‬موظف حكومي من قائمة الأجور‪.‬‬ ‫وهذا الع���دد ال ي�شكل �سوى ثلم ب�سيط يف عدد موظفي الدولة البالغ ‪500.000‬‬ ‫موظف���اً‪ ،‬وهي القوة الوظيفية التي يرى الكثري من املراقبني �أنه يجب تقلي�ص‬ ‫على الأقل ن�صفها �أو حتى ثلثيها‪.‬‬ ‫وبالإجمال ف�إن القوة الوظيفية للدولة تبلغ حوايل ‪ 1.2‬مليون موظف‪ .‬وميكن‬ ‫مقارن���ة مبالغ الإنفاق امل�سي�س مببل���غ الإنفاق على ال�صحة العامة الذي ي�صل‬ ‫�إىل ‪ ،%1.9‬ومبل���غ الإنفاق على التعليم الذي ي�صل ‪ %9.6‬من امليزانية العامة‪.‬‬ ‫و ُيق���ال �أن ميزانية الدف���اع و�صلت �إىل ‪ %6.6‬من �إجم���ايل الإنتاج املحلي عام‬ ‫‪ .2006‬ومتيل �أرقام املوازنة �إىل الغمو�ض‪ ،‬ومن بني الأ�سباب وراء ذلك �إقرار‬ ‫موازن���ات تكميلية‪ .‬كما �أن هناك عنا�ص���ر يف امليزانية �إ�ضافية وغري خا�ضعة‬ ‫للفح����ص ت�أتي من �إي���رادات النفط وتقلب �أ�سع���اره‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬تواجه‬ ‫امليزاني���ة �ضغوط ًا من قبل تكاليف خدمة املديونية واحلفاظ على قيمة العملة‬ ‫اليمنية مقابل الدوالر الأمريكي‪.‬‬

‫العالق��ة بني احلك��م املحلي واملجتمع امل��دين والنظام‬ ‫�إن املربر وراء تبنّي حكم حملي خموّل تخوي ًال‬ ‫ال�ضريبي‬

‫كام ًال ك�أ�سا�س لرت�سيخ الدميقراطية هو �أن ذلك عبارة عن مقاربة �أكرث دقة‬ ‫يف حمتواها‪ ،‬و�أقل عر�ضة للف�س���اد‪ ،‬و�أكرث مالئمة للم�شاركة‪ .‬ولهذا ف�إنها قد‬ ‫متث���ل �أ�سا�س ًا �أكرث مالئم���ة لعملية التنمية و�سيادة القان���ون‪ .‬و�أكرث �شيوع ًا يف‬ ‫نظ���ام احلكم املحل���ي الت�أكيد على توزيع ال�سلطة والقي���م واملمار�سات التي ال‬ ‫تعت�ب�ر مطلقة‪ .‬ويف ه���ذا احلالة‪ ،‬يك���ون الت�شديد على املحا�سب���ة وال�شفافية‪،‬‬ ‫وحتى التنمية‪ ،‬بد ًال من الرتكيز على �إ�صالحات م�ؤ�س�سية حمددة‪ ،‬وهو الأمر‬ ‫ال���ذي من خالله ت�ستطيع �أدوات املحا�سبة رف���ع �صوتها عالياً‪ .‬وي�شكل احلكم‬ ‫املحل���ي‪ ،‬الذي يتكون من عنا�صر وا�ضحة وحم���ددة يف �أهدافها‪� ،‬أ�سلوب ًا �أكرث‬ ‫�إ�سهاب��� ًا للممار�س���ات الدميقراطية وحق���وق الإن�سان‪ ،‬وي�سم���ح للدميقراطية‬ ‫الإع���راب عن نف�سها من خالل قنوات مبا�ش���رة وهامة‪ .‬فاحلكم املحلي بهذا‬ ‫ال يهت���م بالفعالية الإدارية فح�سب‪ ،‬بل وبكيفية عالقة ال�شعب بعمليات ت�سيري‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫وهن���ا م���ن امله���م التميي���ز ب�ي�ن الدميقراطي���ة الليربالي���ة والدميقراطي���ة‬ ‫االنتخابية‪ .‬فالأوىل ال تقت�صر على االنتخابات ولكنها تفر�ض قيود ًا على مدى‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪63‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫‪64‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫من‬ ‫�إ�ص�لاح العالقات املدنية ‪ -‬الع�س��كرية‬ ‫بني امل�شاكل القدمية التي يواجهها اليمن‪� ،‬إخ�ضاع القوات الع�سكرية لل�سلطة‬ ‫املدني���ة‪ .‬و�أثناء حقبة ما قبل الوحدة كانت دول���ة احلزب الواحد يف اجلنوب‬ ‫تنظ���ر �إىل اجلان���ب الع�سك���ري على �أن���ه �أداة للح���زب‪ :‬فكان عل���ى ال�ضباط‬ ‫الع�سكري�ي�ن االنتم���اء �إىل احلزب‪ ،‬وكان املفو�ض���ون واخلاليا احلزبية توازي‬ ‫�سل�سلة القيادة الع�سكرية الطبيعية‪ ،‬وكان الوالء للحزب ولي�س للدولة‪ ،‬وداخل‬ ‫�صفوف احلزب كان الوالء ينق�سم على جماعات معينة‪ ،‬وهو ما �سيّ�س اجلي�ش‬ ‫�إىل درج���ة عالية‪ .‬كم���ا مت جتنيد املجتمع يف ملي�شي���ات �شعبية �سادت احلياة‬ ‫اليومية يف كل القرى النائية‪.‬‬ ‫وعلى غرار ذل���ك‪ ،‬و�إن كان ب�إتباع منط خمتلف‪ ،‬كان اليمن ال�شمايل لأكرث‬ ‫م���ن �أل���ف عام يت�صف بالطاب���ع الع�سكري‪ .‬ومع �أن الأئم���ة مل يكونوا ميتلكون‬ ‫جيو����ش نظامية متخ�ص�ص���ة �إال �أنهم كانوا ي�شن���ون حروبهم من خالل ح�شد‬ ‫القبائ���ل املقاتلة‪ .‬وكانت ح���رب ‪ 1970 – 1962‬الأهلية هي نقطة التحول‪ ،‬فقد‬

‫‪ME Archive‬‬

‫�صالحي���ات ال�سلط���ة التنفيذية و�سلطاتها؛ وت�شرتط �أنظم���ة ق�ضائية م�ستقلة‬ ‫ت�سان���د �سي���ادة القانون؛ وحتمي حق���وق الف���رد وحرية التعب�ي�ر واالنتماءات‬ ‫واملعتقدات وامل�شاركة؛ وت�أخذ يف االعتبار حقوق الأقليات؛ وحتد من التالعب‬ ‫بالعملي���ة االنتخابية؛ وه���ي �ضامنة حلق���وق املواطن �ضد عملي���ات االعتقال‬ ‫الع�شوائ���ي؛ وال ت�سمح بالرقابة على املطبوع���ات؛ وحتد من �سيطرة احلكومة‬ ‫عل���ى و�سائ���ل الإعالم‪� .‬أم���ا الدميقراطي���ة االنتخابية فهي حكوم���ة ت�أتي من‬ ‫انتخاب���ات �أقل حري���ة وعدالة‪ ،‬وتفتقر لكثري من ال�ضمان���ات الأخرى للحقوق‬ ‫واحلريات التي تتوفر يف الدميقراطية الليربالية‪.‬‬ ‫والآن مل���اذا نحتاج �إىل ربط احلكم املحل���ي ب�إن�شاء نظام �ضريبي فعال؟ �إن‬ ‫نظ���ام احلكم املحلي ينطوي على �إعادة ترتيب العالقات بني الدولة واملجتمع‬ ‫م���ن ناحية‪ ،‬وبني الوح���دات املجتمعية من ناحية �أخرى‪ .‬ويجب �أن يحكم هذه‬ ‫الرتتيب���ات �إطار عمل توافقي ميثل عقد ًا اجتماعي ًا جديد ًا يذهب �إىل ما وراء‬ ‫القانون‪ .‬فاملجاالت الهيكلية والثقافية متثل �إ�شكاالت حقيقية‪ ،‬وال ميكن الرقي‬ ‫به���ا �إال من خالل تطوير جمتمعات مدني���ة حقيقية‪ .‬واملجتمعات املدنية تن�ش�أ‬ ‫من مطالب كُتل متعددة لتمثيل امل�صالح املختلفة يف حميط عالقات متغرية‪.‬‬ ‫والعالق���ة بني احلكم املحلي واملجتمع املدين جليّة هنا‪ ،‬واملجتمعات املدنية ال‬ ‫ت�أت���ي من العدم‪ ،‬و�إال لكانت جمرد دمى‪ ،‬ولكن ميكن تعزيزها باحلوافز التي‬ ‫منها النظام ال�ضريبي الفعال‪.‬‬ ‫وللتو�ضي���ح �أكرث‪ ،‬ف�إن امل�شكل���ة تعود �إىل بدء ن�شوء وتط���ور الدولة يف اليمن‬ ‫الت���ي بد�أت وهي مفتقرة �إىل موظف�ي�ن بريوقراطيني ماهرين‪ .‬فكال اليمنني‪،‬‬ ‫�سابق���اً‪ ،‬واجه���ا �صعوبة يف �إن�ش���اء دولة بكادر �إداري فاع���ل وكانا مييالن �إىل‬ ‫تف�ضي���ل بناء الأجهزة القهري���ة وتطوير القدرات الع�سكري���ة والأمنية‪ .‬ومنذ‬ ‫البداي���ة مل يت���م االعتماد على امل���وارد املحلية فقط يف دف���ع رواتب املوظفني‬ ‫الع�سكري�ي�ن والأمنيني واملدنيني‪ ،‬ومت االعتماد �شب���ه الكامل على مبد�أ الريع‪.‬‬ ‫وله���ذا ف����إن االنق�سامات داخ���ل املجتم���ع التي كان���ت �ستعك����س االختالفات‬ ‫الداخلية يف الدولة مل تكن مبنية على نظام �ضريبي حملي‪ ،‬ومن ثمّ مل يتطور‬ ‫�أي متايز بني املواطني�ي�ن �أو �إ�صطفاف �سيا�سي �أو م�ؤ�س�سي يعك�س ال�سيا�سات‬ ‫ال�ضريبية للحكومة‪.‬‬ ‫ومب���ا �أنه مل يتم فر�ض ال�ضرائب مبا�شرة على ال�شعب مقابل نفقات الدولة‬ ‫فه���م مل يطالبوا باال�ش�ت�راك يف �صنع الق���رارات التي كان���ت الدولة تتخذها‬ ‫ب�ش����أن تلك النفقات‪ .‬وكان دي���دن ال�سيا�سة قبل الوح���دة �إىل حد كبري ح�شد‬ ‫العنا�ص���ر املعار�ضة للإمربيالية يف اجلنوب‪ ،‬والعنا�ص���ر املعار�ضة لل�شيوعية‬ ‫يف ال�شم���ال‪ .‬وكان ال�صراع ال�سيا�سي عل���ى احلقوق الفردية غائب ًا فعلياً‪ ،‬وهو‬ ‫م���ا يعني �أن احل�ش���د اجلماهريي ال�سيا�سي وخلق جمتم���ع �شمويل �سبق ومنع‬ ‫ت�أم�ي�ن احلريات الفردية‪ .‬وه���ذا �أدى �إىل م�شاركة كبرية دون حترير �سيا�سي‬ ‫ودون �سيا�سة ليربالية‪.‬‬ ‫عالوة عل���ى ذلك‪ ،‬ف����إن �إدماج االقت�ص���اد ال�سيا�سي لليمن�ي�ن ال�سابقني يف‬ ‫االقت�صاد العاملي كان يعني وجود حكومات غري م�سئولة داخلياً‪ .‬فقد اعتمدت‬ ‫احلكومتان منذ البداية على الإيرادات اخلارجية‪ ،‬بينما كانت ن�سبة �إيرادات‬ ‫الدول���ة م���ن ال�ضرائ���ب املفرو�ضة عل���ى ال�شعب منخف�ض���ة ج���د ًا(‪ .)2‬و�أثناء‬ ‫احلرب الباردة اعتمدت احلكومتان على املبالغ املالية التي جنتها عن طريق‬ ‫�إ�ستقط���اب القوى العظم���ى لدول العامل الثالث �ض���د بع�ضها البع�ض‪ .‬وخالل‬ ‫ال�سبعيني���ات ا�ستفادتا بطريقة غري مبا�شرة م���ن الطفرة النفطية من خالل‬ ‫الإعان���ة اخلارجية واحلواالت املالية الت���ي كان ير�سلها املغرتبني يف اخلارج‪.‬‬

‫ويف الثمانيني���ات والت�سعيني���ات – �أثن���اء تده���ور �أ�سعار النف���ط – �أ�صبحت‬ ‫الديون قناة مهمة تزيد من نفقات الدولة‪.‬‬ ‫بالطب���ع هناك نظام �ضريب���ي ونظام مايل يف اليمن‪ ،‬لكن م���ن الوا�ضح �أن‬ ‫الدول���ة ال تعتم���د على ال�ضرائ���ب كم�صدر �إيراد‪ ،‬لهذا فالنظ���ام املايل يعترب‬ ‫عتيق��� ًا جد ًا وغ�ي�ر فعَال‪ .‬والنتيج���ة املنطقية لع���دم دفع ال�ضرائ���ب هو عدم‬ ‫التمثي���ل يف �صن���ع القرار‪ .‬لكن الأزم���ة املالية التي تواجهه���ا اليمن حالي ًا هي‬ ‫�أزم���ة حقيقي���ة لأن امل�صادر ال�سابقة للدخل اخلارجي ب���د�أت جتف‪ .‬وبالتايل‬ ‫فاخلي���ارات ب�سيطة ج���داً‪ :‬ف�إما �أن تُقل����ص الدولة من نفقاته���ا‪� ،‬أو تزيد من‬ ‫الدخ���ل املحلي‪� ،‬أو كالهما‪ .‬ولي�س من الغري���ب �أن ي�ستمر ما ي�سمى بالهام�ش‬ ‫الدميقراط���ي يف اليمن‪ ،‬فمقابل فر�ض �سيا�سات �إ�صالح اقت�صادية ت�ستجيب‬ ‫الدول���ة لعملية التمثيل يف �أدنى م�ستوى‪ .‬وه���ذه نقطة حتول مهمة‪ ،‬و�إذا ما مت‬ ‫الدفع بها �إىل الإمام �أكرث �ست�صبح �صفقة مربحة قد تبدو متوا�ضعة يف بادئ‬ ‫الأم���ر لكن �أثره���ا يف االقت�صاد ال�سيا�س���ي وا�ضح‪ .‬وهنا تت�ض���ح العالقة بني‬ ‫احلك���م املحلي والنظام ال�ضريبي‪ :‬فمع تطوير املجتمع املدين الذي يلعب دور‬ ‫الو�سيط‪ ،‬تتجلى العالقة بني نظام احلكم املحلي والنظام ال�ضريبي واملجتمع‬ ‫املدين‪.‬‬ ‫ومع ذلك لي�س هناك م�صالح اقت�صادية متيّز املواطنني‪� ،‬أفراد ًا وجماعات‪،‬‬ ‫عن بع�ضهم البع�ض جتاه الدولة‪ .‬وهناك �أي�ض ًا غياب للح�س الفري بامل�صلحة‬ ‫امل�شرتك���ة مع بع����ض اجلماعات املنظم���ة يف املجتمع جتاه جماع���ات �أخرى‪،‬‬ ‫وه���و احل�س والوع���ي اللذين يعتربا م���ن خ�صائ�ص املجتمع امل���دين‪ .‬وهناك‬ ‫خربة قليلة بني املواطنني ب�ش����أن التباينات يف فر�ض ال�ضرائب‪ ،‬يرتافق ذلك‬ ‫مع غي���اب �أن���واع ال�سيا�س���ات احلكومية التي حتق���ق ال�صفق���ات والتي تخلق‬ ‫اجلماعات امل�ستعدة للقيام ب�إبرام �صفقات مع احلكومة‪ .‬كما �أن هناك خربة‬ ‫قليل���ة ن�سبياً‪ ،‬يف �إطار عم���ل م�ؤ�س�سي‪ ،‬للتعبري عن املطالبة بامل�شاركة يف �صنع‬ ‫القرارات املتعلقة بفر�ض ال�ضرائب‪.‬‬ ‫ويف اليم���ن ال تعتم���د احل���ركات ال�سيا�سي���ة واالجتماعية عل���ى امل�صالح بل‬ ‫عل���ى القيم‪ .‬ومع وجود ا�سرتاتيجية لنظ���ام احلكم املحلي والنظام ال�ضريبي‬ ‫�سيك���ون هناك تنظيم بطيء ولك���ن ملحوظ للمجتمع امل���دين للإلتفاف حول‬ ‫امل�صالح االقت�صادية ولي�س حول القيم‪ .‬وعلى املدى الطويل �سينتظم ال�شعب‬ ‫ح���ول ال�سيا�سات ال�ضريبة احلكومية‪ ،‬و�سيظهر املجتمع املدين ككتل م�ستعدة‬ ‫للمقاي�ضة واالتفاق مع كل من احلكومة الوطنية واملحلية ب�ش�أن �سيا�ساتهما‪.‬‬

‫الب��د م��ن بذل اجلهود من �أجل �إعادة هيكلة وتوجيه القوات الع�س��كرية جتاه املهام الع�س��كرية وتعزيز املهارة‬ ‫الع�س��كرية وتقليل الدور الذي تلعبه القوات الع�س��كرية يف املجتمع‪ ،‬حيث �أن واجب القوات الع�س��كرية الدفاع‬ ‫عن املجتمع ولي�س حتديده وتعريفه‬ ‫دفع���ت باملع�سكري���ن املتحاربني (امللكيني واجلمهوري�ي�ن) �إىل االعتماد كثري ًا‬ ‫عل���ى القوى القبلية‪ .‬ومنذ تلك الفرتة توا�صل���ت احلالة هذه حتت ظل �ضغط‬ ‫بع����ض العنا�صر القبلي���ة لتويل منا�صب م�ؤث���رة يف م�ؤ�س�س���ات الدولة وحاجة‬ ‫نظ���ام احلكم �إىل دعم تلك العنا�صر‪ ،‬مثلم���ا حدث يف حروب ‪ 1972‬و‪– 1978‬‬ ‫‪ 1979‬و‪ .1994‬وه���ذا �أدى �إىل وج���ود مراكز قوى تتكون من خليط من العنا�صر‬ ‫القبلية والع�سكرية تفر����ض �سيطرتها‪ ،‬لي�س فقط على �أجهزة و�إدارات الدولة‪،‬‬ ‫بل �أي�ض ًا على الأن�شطة ال�سيا�سية والتجارية وحتى على الثقافية م�ؤخراً‪.‬‬ ‫وبع���د الوح���دة اليمني���ة �ساد النمط ال���ذي �س���اد �سابق ًا يف اليم���ن ال�شمايل‪،‬‬ ‫وه���ذا خل���ق عالقات ن�سبي���ة عك�سية بني ق���وة اجلي�ش النظام���ي وت�أثري مراكز‬ ‫الق���وى املبنية قبلياً‪ .‬وتدرك العنا�صر القبلية‪ ،‬التي ت�شكل خمزون اجلي�ش غري‬ ‫الر�سمي‪� ،‬أنه ال يجب ال�سماح لقوة اجلي�ش النظامي �أن تتجاوز حدود معينة‪.‬‬ ‫ل���ذا ظل املجتم���ع وحيد ًا يع�ص���ف به العن���ف وال�صراعات امل�سلح���ة‪ ،‬وهو ما‬ ‫�أ�ضف���ى على املجتمع الطاب���ع الع�سكري حيث تتطلع الفئ���ات االجتماعية للقوة‬ ‫امل�سلحة‪ ،‬نظامية و�شعبية وقبلية‪ ،‬من �أجل �ضمان الأمن يف الأطراف‪.‬‬ ‫وبه���ذا تواج���ه الدميقراطي���ة يف اليمن حتدي ًا كب�ي�ر ًا ي�ستدع���ي احلاجة �إىل‬ ‫�إ�صالح ج���ذري للعالقات املدين���ة الع�سكرية‪ .‬وقد �أوج���د الأداء غري العقالين‬ ‫والفاق���د للحيوي���ة الذي تقوم ب���ه �إدارة ال�ضب���اط الع�سكري�ي�ن لإدارات الدولة‬ ‫املدني���ة‪ ،‬احلن�ي�ن وال�شوق ب�ي�ن �أو�ساط ال�شع���ب �إىل احلكم غ�ي�ر الدميقراطي‬ ‫ال�ساب���ق الذي وفّر االحتياجات الأ�سا�سي���ة والأمن‪ ،‬و�سيرّ الأمور ب�صورة �أف�ضل‬ ‫مم���ا هي عليه اليوم‪ .‬ل���ذا البد من بذل اجلهود من �أج���ل �إعادة هيكلة وتوجيه‬ ‫القوات الع�سكرية جتاه املهام الع�سكرية وتعزيز املهارة الع�سكرية وتقليل الدور‬

‫ال���ذي تلعبه القوات الع�سكري���ة يف املجتمع‪ ،‬حيث �أن واج���ب القوات الع�سكرية‬ ‫الدفاع عن املجتمع ولي�س حتديده وتعريفه‪.‬‬ ‫�إن ال�سيطرة املدنية مهمة جداً‪� :‬إذ يجب �أن يتخذ ويقر القرارات احلكومية‪،‬‬ ‫مب���ا يف ذل���ك القرارات الت���ي مت� ّ���س الأمن القوم���ي‪ ،‬متخ�ص�ص���ون من خارج‬ ‫دائ���رة الق���وات امل�سلحة‪ .‬وهذا �أي�ض��� ًا يتطلب نظام ًا حكومي��� ًا م�ستقر ًا و�شرعي ًا‬ ‫ملن���ع التدخل الع�سكري بحجة حماية املجتمع م���ن الفو�ضى‪ .‬كما يجب �إخ�ضاع‬ ‫القوات الع�سكرية للم�ساءلة �أمام جمل�س النواب املنتخب‪ ،‬وفر�ض مناق�شة عامة‬ ‫وفح����ص ل�سيا�سات الدف���اع واملوازنات وح���االت الأخط���اء الع�سكرية وارتكاب‬ ‫املحظور‪.‬‬ ‫العبودية وحتديات‬ ‫ما بعد الثورة اليمنية‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬ال ينبغي ملوظفي الدوائر التايل‬ ‫الع�سكري���ة القائمة باخلدمة اال�شرتاك ب�أي‬ ‫بقلم‪� :‬شيماء �أحمد منري‬ ‫ح���ال م���ن الأح���وال يف ال�ش����ؤون ال�سيا�سي���ة‬ ‫ك�أع�ضاء لأحزاب �سيا�سية يف ال�سلطات املنتخبة‬ ‫�أو حت���ى يف �إدارة �سيا�سية على امل�ستوى املحلي �أو الوطني‪ ،‬وهذا ي�شمل وزارات‬ ‫الدفاع والداخلية‪ .‬وحني ال ت�ستطيع ال�سلطات التنفيذية والت�شريعية �ضبط �أين‬ ‫ومتى وكيف يتم ا�ستخدام القوات الع�سكرية‪ ،‬فال ميكن القول �أن هناك �سيطرة‬ ‫مدني���ة‪ .‬فيجب تقدمي الدعم الفعال والعلني ملبد�أ الإخ�ضاع الع�سكري للحكومة‬ ‫املدني���ة من قبل �أدوات الفكر‪ :‬و�سائل الإعالم واجلامعات والأحزاب ال�سيا�سية‬ ‫واجلمعي���ات التجارية واملتخ�ص�ص���ة وغريها م���ن الأدوات‪ .‬وبينما من املمكن‬ ‫وج���ود �سيطرة مدنية على الق���وى الع�سكرية م���ن دون الدميقراطية‪� ،‬إال �أنه ال‬ ‫ميكن وجود الدميقراطية من دون ال�سيطرة املدنية على القوى الع�سكرية‪.‬‬

‫الهوامــ�ش‬ ‫(‪ )1‬راجع‪:‬‬

‫‪Neil MacDonald and Rana Khalil, ‘Report of the assessment towards a ‘whole of EU’ approach to state building in‬‬ ‫‪Yemen: addressing fragility to prevent state failure’, European Commission, July 2009.‬‬

‫(‪ )2‬ال ت�شكل ال�ضرائب الفعلية �سوى ‪ %10‬من ال�ضرائب املقدرة والتي قد ت�صل �إىل ‪ 6‬بليون دوالر‪ .‬لكن �سيا�سة جمع ال�ضرائب هذه ت�شابه كثري ًا تلك التي اتبعتها الدولة العثمانية‬ ‫(امل�سماة بالإلتزام) والتي كانت تتعاقد مع جامعي ال�ضرائب على حت�صيل مبلغ معني وما زاد يكون من ن�صيب العامل‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪65‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫وجهات نظر‬

‫نداء احلرية‬

‫عني على اليمن‬

‫العبودية وحتديات‬ ‫ما بعد الثورة اليمنية‬ ‫‪ME Archive‬‬

‫�شيماء �أحمد منري‬

‫‪shimaa.monir@yahoo.com‬‬

‫عل���ى الرغم من اجلهود التى بذلتها اجلمهورية اليمنية منذ الإعالن‬ ‫عن قيامها �إثر اندالع ثورة ‪� 26‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 1962‬من �أجل تفعيل �أول‬ ‫هدف م���ن �أهداف الثورة ال�ست���ة‪ ،‬وهو “�إقامة حك���م جمهوري عادل‪،‬‬ ‫و�إزال���ة الف���وارق واالمتي���ازات بني الطبق���ات”‪ ،‬وجناحه���ا يف تقلي�ص‬ ‫ظاه���رة العبودية التي كانت متف�شية يف عه���ود �سابقة‪� ،‬إال �أنه ما زالت‬ ‫هن���اك عدد من مناط���ق اليمن تئن من �آثار العبودي���ة‪ ،‬ومل ت�ستفد من‬ ‫�أه���م مميزات الثورة؛ وذلك ب�سبب ت�ضافر العدي���د من العوامل‪ ،‬ت�أتى‬ ‫يف مقدمته���ا �سيطرة م�شاي���خ القبائل على تلك املناط���ق نتيجة �ضعف‬ ‫�أو غي���اب �سلط���ة الدولة بها‪ .‬وه���ذا ي�شري بدوره �إىل حج���م التحديات‬ ‫الت���ي واجهت وال تزال تواجه الدولة اليمنية املعا�صرة يف �سبيل تد�شني‬ ‫دول���ة وطنية على �أ�س����س د�ستورية وقانونية حديث���ة و�سليمة؛ �إذ يتطلب‬ ‫ذلك �إحتواء امل�شايخ و�إدماجهم داخل نطاق الدولة املركزية من خالل‬ ‫ب�س���ط �سيطرتها على تلك املناطق املهم�شة حت���ى ت�ستفيد من امل�شاريع‬ ‫‪66‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫التنموية التى تنعم بها العا�صمة وبع�ض حوا�ضر البالد الأخرى‪� .‬إال �أنه‬ ‫يف الوقت نف�سه يجب �أن ن�شري �إىل �أن جمرد ال�سماح بو�صول ال�صحافة‬ ‫ومنظم���ات املجتمع املدنى �إىل تل���ك املناطق‪ ،‬وجناحها يف الك�شف عن‬ ‫تل���ك الظاهرة ما هو �إال ترجمة لنب�ض الدميقراطية املرت�سخة يف قلب‬ ‫ال�شعب اليمني والتي هي بحاجة �إىل �إبرازها وتفعيلها �أكرث ف�أكرث‪.‬‬ ‫ويف ه���ذه املقال���ة �سوف نلق���ي ال�ضوء على هذه الظاه���رة‪ ،‬من خالل‬ ‫درا�سة املحاور التالية‪ :‬حدود ونطاق انت�شار العبودية يف اليمن املعا�صر‪،‬‬ ‫و�أ�سب���اب ا�ستمرارها حتى الوقت الراهن‪ ،‬و�أخري ًا دور الدولة واملجتمع‬ ‫املدين يف الت�صدي لها‪.‬‬

‫�أوالً‪ :‬حدود انت�شار ظاهرة العبودية يف اليمن املعا�صر‬

‫تعود �إرها�صات ظاهرة العبودية �إىل القرنني املا�ضيني‪ ،‬عندما دعت‬ ‫حاج���ة ال�سكان �آنذاك �إىل من يقوم بزراع���ة �أرا�ضي تهامة التى تت�سم‬ ‫�شيماء �أحمد منري باحثة وكاتبة من م�صر‪.‬‬

‫ب�إرتف���اع درجة حرارته���ا وخ�صوبة �أرا�ضيها‪ .‬ومع قي���ام الثورة اليمنية الأ�سر‪� ،‬إال �أنهم يعتربون �أقلية وي�سيطر عليهم �شيوخ القبائل‪ ،‬وتعد حالة‬ ‫كان يف مقدمة القرارات التي �أ�صدرها جمل�س قيادة الثورة هو ان�ضمام ا�ستعباد �شاملة يتم فيها البيع وال�شراء والعتق واالهداء ب�صكوك ر�سمية‪.‬‬ ‫اليم���ن �إىل املعاهدة الدولية لتحرمي الرق‪ .‬وكنتيجة لثقافة الثورة التى �أم���ا الفئة الثانية من املُ�ستعبدين فه���م عائالت وجماعات كاملة يطلق‬ ‫�ص���ك للملكية‪� ،‬إال‬ ‫كانت �سائدة‪ ،‬بادرت بع�ض الأ�سر �إىل حترير الرقيق طوعياً‪ ،‬وكان من عليه���م “عبي���د القبيلة”‪ ،‬وه����ؤالء لي�س لديهم �أي ٍّ‬ ‫بينه���ا �أ�سرة بيت الهيج حيث كانوا �أكرث النا����س امتالك ًا للم�ستعبدين‪� ،‬أنه���م نظر ًا لفقره���م املدقع وعدم متلكهم �شيء ف�إنه���م ينفذون �إرادة‬ ‫القبيل���ة‪ ،‬ويطلق ه�ؤالء على �أنف�سهم “عبيد �أ�سرة كذا”‪ ،‬و”عبيد قبيلة‬ ‫ضال عن �أ�سرة �أبو را�س يف �إب‪.‬‬ ‫ف� ً‬ ‫وعل���ى الرغم من جن���اح الثورة اليمني���ة يف تقلي�ص تل���ك الظاهرة‪ ،‬ك���ذا”‪ ،‬وهم ع���ادة ال يتقا�ضون �أي �أجر مقاب���ل عملهم و�إمنا يح�صلون‬ ‫�إال �أن العدي���د م���ن الأ�سر ظلت حتتف���ظ بامل�ستعبدين خا�صة يف اجلزء عل���ى امل�سكن وامل����أكل‪ .‬وعدد ه����ؤالء يقدر ب���الآالف‪� .‬أما الفئ���ة الثالثة‬ ‫ال�شم���ايل الغربي من البالد‪ ،‬ثم انتقلت ملكيته���م بالتبعية �إىل القبيلة فه���م “املهمّ�ش���ون” �أو “الأخدام”‪ ،‬وه���ذه فئة اجتماعي���ة قائمة بحد‬ ‫�أوالعائل���ة ككل بد ًال م���ن التبعية لفرد‪ ،‬وبد ًال م���ن توارثهم من �شخ�ص ذاته���ا يف اليم���ن وينظر �إىل �أفراده���ا وينظ���رون �إىل �أنف�سهم بدونية‪،‬‬ ‫�إىل �آخ���ر‪� ،‬صاروا يتوارثون ع�ب�ر الأ�سر‪ .‬ويعود الف�ضل يف اكت�شاف تلك كما يطلق عليهم �أي�ض��� ًا “املجاربة”‪ ،‬وهم يتمركزون مبناطق هام�شية‬ ‫الظاه���رة يف الوق���ت الراه���ن �إىل “املر�صد اليمني حلق���وق الإن�سان” وغ�ي�ر مبنية وهم منب���وذون بالكام���ل وعر�ضة للإق�ص���اء حتى �ضمن‬ ‫ال���ذي ك�ش���ف عن حال���ة رق مثبت���ة ب�شكل ر�سم���ي يف �إح���دى مديريات الطبق���ات الدنيا‪� ،‬إذ يرف�ض التعامل معهم �أو حتى التزاوج منهم‪ .‬وهم‬ ‫حمافظ���ة حج���ة وم�سجلة ب�سج���ل الب�صائر برق���م ‪1420 /98‬ه���ـ‪ .‬وتعود متخ�ص�صون ب����أداء الأعمال الدونية ويعتربون �أدنى م�ستويات املجتمع‬ ‫اليمن���ي‪ ،‬ويعتم���دون يف معي�شته���م عل���ى ال�صدق���ات ب�ش���كل �أ�سا�سي‪.‬‬ ‫تل���ك الواقعة �إىل �أن �أح���د الأ�شخا�ص ت�سبب‬ ‫ويقت�ص���ر متلّ���ك ه����ؤالء امل�ستعبدي���ن عل���ى‬ ‫يف قت���ل رجل عن طريق اخلط����أ‪ ،‬وقيل له �إن على الرغم من جناح الثورة‬ ‫كب���ار امل�شايخ وبع����ض الأع�ض���اء يف الربملان‬ ‫اليمنية يف تقلي�ص ظاهرة‬ ‫علي���ه عت���ق رقبة‪ ،‬ودلّ���ه �أحدهم عل���ى العبد‬ ‫واملجال����س املحلي���ة يف املديري���ات وجمل����س‬ ‫“قنّ���اف” اب���ن (اجلارية) �سي���ار فقرر �أن العبودية‪� ،‬إال �أن العديد من‬ ‫ي�شرتيه ليح���رره مببلغ وقدره خم�سمائة �ألف الأ�سر ظلت حتتفظ بامل�ستعبدين املحافظ���ة‪ ،‬وترتكز تل���ك احلاالت يف مناطق‬ ‫ال�ساحل وتهامة املتاخم���ة لع�سري بال�سعودية‬ ‫ريال من قبل القا�ضي هادي �أبو ع�ساج الذي خا�صة يف اجلزء ال�شمايل الغربي‬ ‫والت���ي ت�ض���م منطقت���ي حج���ة واحلدي���دة‪،‬‬ ‫قدم ا�ستقالته من �سلك الق�ضاة نتيجة حملة من البالد‪ ،‬ثم انتقلت ملكيتهم‬ ‫ويختل���ف ه�ؤالء امل�ستعبدي���ن من حيث درجة‬ ‫االنتقادات التى ان�صبت عليه‪ ،‬نظر ًا ملخالفة بالتبعية �إىل القبيلة �أوالعائلة‬ ‫الوعي والرغبة يف التحرر‪.‬‬ ‫ذلك العقد لل�شريعة والقانون‪.‬‬ ‫ال من التبعية لفرد‬ ‫ككل بد ً‬ ‫وتختل���ف حجم هذه الظاه���رة من منطقة‬ ‫ث���م تبنّ���ت اجلمعي���ة الوطنية للدف���اع عن‬ ‫لأخرى‪ ،‬حيث جند �أن مديرية كعيدنة تعاين من ات�ساع حاالت العبودية‬ ‫احلق���وق واحلريات “هود”‪ ،‬باال�شرتاك مع �صحيفة “امل�صدر” حملة‬ ‫ب�شكل ملفت مع تن���وع �صورها و�أ�شكالها‪ ،‬حيث يتمركز امل�ستعبدين يف‪:‬‬ ‫ملناه�ض���ة جرمية العبودي���ة‪ ،‬وذلك يف �سياق التحقيق���ات التى ن�شرتها‬ ‫“جمعة‪ ،‬الثلث‪ ،‬الغربي‪� ،‬صواخ”‪ .‬ويتميز العبيد يف تلك املناطق بنزعة‬ ‫لل�صحف���ي عمر العمق���ي‪ ،‬حيث ر�صد خاللها وجود م���ا يقرب من ‪500‬‬ ‫التم���رد على �أ�سيادهم‪ ،‬ويرتجم ذلك عملي��� ًا بهروبهم من كعيدنة �إىل‬ ‫عب���د وجارية يف مديريتي كعيدنة والزه���رة يف حمافظة احلديدة‪� ،‬أما‬ ‫اململك���ة ال�سعودي���ة �أو �إىل مديرية الزهرة التابع���ة ملحافظة احلديدة‪.‬‬ ‫حمافظة حجة فلديها العدد الأكرب وهو ما يزيد عن ثالثة �آالف حالة‪.‬‬ ‫�إال �أن تل���ك النزعة التحررية تقل يف مديريات “عب�س‪ ،‬املحاب�شة‪ ،‬قفل‬ ‫�إال �أن تل���ك الأرقام ما زال���ت تقديرية وحتتاج �إىل م�سح ميداين ملعرفة‬ ‫�شمر‪ ،‬املفتاح”‪.‬‬ ‫الأرق���ام الفعلية‪ .‬والواقع ي�شري �إىل �أن ذلك الع���دد قابل للزيادة نظر ًا‬ ‫�أما حمافظة حجة – التي ي�صل عدد مديرياتها �إىل ‪ - 31‬ف�إنه يوجد‬ ‫لوجود ما ي�سمى بفئة املُعلّقني‪ ،‬وهم ممن كانوا عبيد ًا ثم حترّروا �إال �أنَّ‬ ‫الكثري منهم ال يزالون “مُعلّقني” �أي لي�سوا عبيد ًا وال �أحراراً‪ ،‬ويعي�شون به���ا ما يتجاوز ثالثة �آالف عبد وجاري���ة‪ ،‬وهم منت�شرون يف مديرياتها‬ ‫كافة �إال �أنهم يتمرك���زون بكثافة يف مديريات‪ :‬كعيدنة‪� ،‬أ�سلم‪ ،‬حر�ض‪،‬‬ ‫ظروف ًا اقت�صاديَّة �صعبة ال ت�ؤهلهم لكفالة �أنف�سهم‪.‬‬ ‫م�ستب�أ‪ ،‬ميدي‪ ،‬خريان املحرق‪ ،‬ك�شر‪ ،‬والأخرية فيها مئات العبيد‪ .‬ويعد‬ ‫وميكنت�صنيفحاالتالعبوديةيفاملجتمعاليمنيحالي ًا�إىلثالثةفئات‪ :‬و�ضع حمافظة حجة الأ�سو�أ نظر ًا النت�شار اجلهل بني �أبنائها‪ ،‬واالفتقار‬ ‫الفئة الأوىل تت�ضمن املُ�ستعبدين اململوكني من خالل �صكوك �أو تتوارثهم للخدمات ال�صحية‪ ،‬وتلوث املياه‪ .‬وب�سبب �شدة الفقر ف�إنه ال يوجد لدى‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪67‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫العبي���د هناك رغب���ة يف التح���رر خوف ًا من‬ ‫م�صريهم املجهول‪.‬‬ ‫�أما الو�ضع يف حمافظة احلديدة فهو على‬ ‫العك�س من حمافظة حجة‪ ،‬فعلى الرغم من‬ ‫تكتم ال�سكان �أو املالك على حد �سواء على‬ ‫فئة املُ�ستعبدين‪� ،‬إال �أنه مت الت�أكد من وجود‬ ‫�أع���داد كب�ي�رة يف مديرية الزه���رة‪ ،‬حيث‬ ‫يتجنّب املُ�ستعبدين الإف�صاح عن عبوديتهم‬ ‫خ�شية من عقوبة مُالكِ هم‪� .‬أما يف حمافظة‬ ‫�صع���دة فيتمركز املُ�ستعبدي���ن يف مديريتي‬ ‫�شدا والظاهر‪ ،‬حيث يتباهى امل�شايخ هناك‬ ‫بامتالكه���م للعبيد واجل���واري‪ ،‬ويتناف�سون‬ ‫عل���ى زي���ادة �أعداده���م‪ ،‬م���ن خ�ل�ال دفع‬ ‫عبيده���م �إىل التزاوج و�إجن���اب املزيد من‬ ‫املُ�ستعبدين‪.‬‬

‫ثانيا‪� :‬أ�س��باب ا�ستمرار العبودية‬ ‫حتى الوقت الراهن‬

‫الأمية‪ ،‬ف�ض�ل�اً عن �إنع���دام مظاهر احلياة‬ ‫امل�شايخ الذين ال يزالون ميتلكون‬ ‫امل�ستعبدين ي�شغلون منا�صب مهمة يف الع�صري���ة التي تتمتع به���ا العا�صمة �صنعاء‬ ‫اجلهاز الإداري للدولة مثل الربملان واحلوا�ض���ر الأخ���رى كعدن وتع���ز وغريها؛‬ ‫و�أجهزة ال�سلطة املحلية وامل�ؤ�س�سة‬ ‫وذل���ك ب�سب���ب عج���ز الدول���ة ع���ن مبا�شرة‬ ‫الع�سكرية؛ �أى �أنهم من املح�سوبني على مهامه���ا االقت�صادي���ة واالجتماعية يف تلك‬ ‫ال�سلطة واملعار�ضة يف �آن واحد‬ ‫املناط���ق الهام�شي���ة‪ ،‬وع���دم متكنه���ا م���ن‬ ‫�إيجاد بيئة �سيا�سية وثقافية و�أمنية منا�سبة‬ ‫ت�ساع���د على �إدارة �ش����ؤون الدولة من خالل‬ ‫�سلط���ة القانون‪ ،‬وعلى الرغم من تبعية تلك‬ ‫املناطق ا�سمي ًا للدولة �إال �أنها ظلت – ب�شكل‬ ‫�أو ب�آخ���ر ‪ -‬م�ستقل���ة عنها؛ ونتيج���ة ملا �سبق‬ ‫يفتقد املواطن �شعوره باالنتماء الوطني‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫وق���د ب���ذل الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح‬ ‫من���ذ و�صول���ه �إىل احلك���م ي���وم ‪ 17‬مت���وز‪/‬‬ ‫يولي���و ‪ 1978‬جهود ًا م�ضنية م���ن �أجل تفعيل‬ ‫�أه���داف الث���ورة اليمني���ة به���دف �إنقاذه���ا‬ ‫من �سل�سل���ة االنتكا�سات الت���ى تعر�ضت لها‬ ‫ب�سبب احلرب الأهلية وامل�ؤامرات الداخلية‬ ‫واخلارجي���ة التي ا�ستهدفت �إ�سقاط النظام‬ ‫اجلمه���وري‪� ،‬إال �أن م�ساعي���ه الرامي���ة نحو‬ ‫تفعي���ل م�شروع بناء الدولة الوطنية احلديثة‬ ‫الت���ى ت�ستند على مبد�أ ت�ساوي جمي���ع املواطنني يف احلقوق والواجبات‬ ‫�أم���ام الد�ستور والقانون‪ ،‬ووجهت مب�شروع �سيا�سي �آخر عبرّ عنه التيار‬ ‫ال�سلفي احلركي يف حزب التجم���ع اليمني للإ�صالح الذي يعترب القوة‬ ‫الرئي�سي���ة يف تكتل �أحزاب املعار�ضة الذى ي�سمى بـ” اللقاء امل�شرتك”؛‬ ‫�إذ دع���م فك���رة توريث امل�ستعبدي���ن وفق وثائق ت�سم���ى «قاعدة ف�صل»‪،‬‬ ‫وهى قاعدة تُكرّ�س عملية توارث وتقا�سم العبيد‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغم من متت���ع �شيوخ القبائل ب�سلط���ات وا�سعة على امل�ستوى‬ ‫املحل���ي مع قيام ث���ورة �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪� 1962‬إال �أنه���م مل ين�ضموا �أبد ًا‬ ‫للكي���ان ال�سيا�سي للدولة ومل ين�صاعوا ل�سلطتها؛ نظر ًا لعدم اعتيادهم‬ ‫عل���ى احلكم املرك���زي واخل�ضوع ل�سلطة مركزي���ة‪ ،‬ونتيجة لذلك �سعوا‬ ‫�إىل مقاوم���ة بناء دولة مركزية قوية‪ .‬ويت�ضح يف هذا ال�سياق حتدٍّ �آخر‬ ‫وه���و �أن ه�ؤالء امل�شايخ الذي���ن ال يزالون ميتلك���ون امل�ستعبدين ي�شغلون‬ ‫منا�صب مهمة يف اجلهاز الإداري للدولة مثل الربملان و�أجهزة ال�سلطة‬ ‫املحلي���ة وامل�ؤ�س�س���ة الع�سكرية؛ �أى �أنه���م من املح�سوبني عل���ى ال�سلطة‬ ‫واملعار�ض���ة يف �آن واح���د‪ ،‬وهذا ما يف�سر حر�ص بع����ض م�شايخ القبائل‬ ‫وكب���ار الإقطاعيني يف اليمن على الو�ص���ول �إىل مقاعد جمل�س النواب‪،‬‬ ‫وتوظي���ف ع�ضويتهم فيه‪ ،‬من �أجل �شرعن���ة ممار�ساتهم اخلارجة عن‬

‫‪Flickr‬‬

‫عل���ى الرغ���م م���ن اجله���ود الت���ى بذلتها‬ ‫الثورة اليمنية ودولتها الوليدة للق�ضاء على‬ ‫تلك الظاهرة‪ ،‬وكانت يف طريقها لالندثار‬ ‫متام��� ًا �إال �أنه ت�ضافرت ع���دة عوامل �ساهمت‬ ‫يف بقاءها حتى الوقت الراهن‪ ،‬وميكن �شرحها على النحو التاىل‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬تع رّ�ّثر تنفيذ م�ش��روع بن��اء الدولة الوطني��ة احلديثة‪:‬‬ ‫ويع���ود �سبب تعرث هذا امل�شروع �إىل طبيع���ة البيئة االجتماعية املوروثة‪،‬‬ ‫والت���ي كان ي�سيط���ر عليها حتال���ف تقليدي م���ن �شيوخ القبائ���ل وكبار‬ ‫ال�ضب���اط ال�سابق�ي�ن يف اجلي����ش العثم���اين وجيو����ش مل���وك الطوائف‬ ‫والأ�شراف وجتار املدن والوجه���اء؛ الذين كانوا ي�شكلون نخب ًا �سيا�سية‬ ‫غ�ي�ر من�سجم���ة حاول���ت ا�ستع���ادة موقعه���ا االجتماع���ي واالقت�صادي‬ ‫وال�سيا�س���ي من خ�ل�ال اال�ستف���ادة من ت�أث�ي�رات االنق�سام���ات القبلية‬ ‫والإثني���ة والطائفي���ة واملذهبي���ة‪ .‬وو�س���ط تل���ك ال�صعوب���ات مل ت�ستطع‬ ‫الدول���ة ب�سط �سيطرته���ا على ال�ت�راب اليمني كامالً‪ ،‬ب�سب���ب �سيطرة‬ ‫فك���رة القبلي���ة وامل�شايخ على العدي���د من املناط���ق‪ .‬وتت�صاعد خطورة‬ ‫ه���ذه امل�شكلة يف ظل وجود �صراعات داخلي���ة تغذيها النزاعات القبلية‬ ‫ضال عن �إ�شكالية االندماج الوطني‪ ،‬والتى كانت نتيجة‬ ‫والع�شائري���ة‪ ،‬ف� ً‬ ‫لإنع���زال املناطق ال�صحراوية والقبلي���ة والبدوية؛ حيث �صارت �أطراف ًا‬ ‫�شب���ه م�ستقلة تقع خ���ارج خارطة الدولة اليمني���ة‪ ،‬حمرومة من العديد‬ ‫من احلقوق واخلدمات التى توفرها الدولة‪ ،‬حيث افتقرت تلك املناطق‬ ‫لوج���ود امل�ؤ�س�سات احلكومية‪ ،‬وبالتاىل �إنع���دام و�سائل التنمية‪ ،‬وتف�شّ ي‬

‫التحري�ضي �ضد �سلطة الدولة‪.‬‬ ‫وخروج��� ًا من هذا امل�أزق‪ ،‬ف�إن على الدول���ة اليمنية �أن ت�صوغ معادلة‬ ‫جدي���دة ت�ستن���د �أرقامها على �إيج���اد �صيغ توفيقية للتفاه���م مع ه�ؤالء‬ ‫امل�شائ���خ م���ن �أجل احتوائه���م داخل ح���دود الدولة املركزي���ة الأم‪ ،‬و�أن‬ ‫تك���ون الكلمة العليا للدولة املركزي���ة‪ ،‬ومن ثمّ �ضمان متتع تلك املناطق‬ ‫املحروم���ة مبزاي���ا حماي���ة الدول���ة القومية‪ ،‬ف�ض�ل�اً عم���ا يحمله ذلك‬ ‫م���ن تداعيات �إيجابي���ة على �صعي���د ال�سيطرة على التوت���ر والنزاعات‬ ‫الداخلية داخل تلك القبائ���ل‪ .‬و�صار حتمي ًا على الدولة �إذا مل ي�ستجب‬ ‫ه����ؤالء امل�شايخ مل�ساعيها ال�سلمي���ة‪� ،‬أن ت�ستكمل الثورة اليمنية فاعليتها‬ ‫مبواجه���ة ه�ؤالء امل�شايخ الذين ي�سيئ���ون ل�سمعة اجلمهورية اليمنية من‬ ‫�أجل تعظيم منافعهم ال�شخ�صية‪ ،‬فهى �إذن دعوة لتحرير تلك املناطق‬ ‫واملحافظ���ات من �سيط���رة القبلية عليها وب�سط نف���وذ الدولة عليها مع‬ ‫تكثيف حمالت التوعية بداخل تلك املناطق والداعية �إىل نبذ العبودية‬ ‫والت�أكيد على قيم التحرر‪.‬‬

‫الد�ست���ور والقان���ون‪ ،‬واملناه�ض���ة ملبادئ الث���ورة اليمنية وقي���م النظام‬ ‫اجلمه���وري الدميقراطي‪ ،‬والتى تتمث���ل يف ت�سهيل امتالك و�شراء وبيع‬ ‫وت���وارث امل�ستعبدين‪ .‬وهذا م���ا ي�ؤكد �أن ال�سلط���ة القبلية هى التى تعد‬ ‫احلا�ضن الرئي�سي لهذه الواقعة الالن�سانية‪ .‬كما يعد ذلك دلي ًال قاطع ًا‬ ‫عل���ى �إدانة امل�ش���روع ال�سيا�سي ال���ذي تتبناه رموز م�شايخي���ة معار�ضة‬ ‫وب���ارزة يف امل�ؤ�س�سة القبلي���ة‪ ،‬والتي ت�صر على الوق���وف دائم ًا مبوازاة‬ ‫�سلطة الدولة‪ ،‬ومقاومة م�شروع بناء الدولة الوطنية احلديثة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬انت�شار الفقر املدقع‪ :‬ويعد ذلك �سبب ًا ناجت ًا عن غياب الدولة‬ ‫ضال عن انت�شار اجلهل والأمية‪ ،‬وقد �شكل‬ ‫يف تلك املناطق املهم�ش���ة؛ ف� ً‬ ‫ذل���ك عام ًال �ساهم يف تكوين حالة م���ن الر�ضى لدى امل�ستعبدين نظر ًا‬ ‫لعدم وجود بديل �أمامهم �سوى العبودية‪ ،‬و�صار لديهم �شعور ب�أن و�ضعهم‬ ‫طبيعي ولي�س من حقهم الزواج ممن ي�ستعبدونهم �أو النظر �إىل �أنف�سهم‬ ‫عل���ى قدم امل�ساواة معه���م؛ ونتيجة لذلك جل�أ بع�ضه���م مبح�ض �إرادته‬ ‫�إىل �شيوخ القبائ���ل فمنحوهم قطع �أر�ض لل�سكن عليها و�أ�صبحوا حتت‬ ‫حماي���ة �شيخ القبيلة ويعملون لديه ويتبعونه‪ ،‬وبالتايل فهم مل ي�ستعبدوا‬ ‫بط���رق العبودية العادية �أي عرب ال�شراء من �أ�سواق النخا�سة �أو الأ�سر‪ .‬ثالثاً‪ :‬دور الدولة واملجتمع املدين يف مواجهة العبودية‬ ‫عان���ت املناطق الت���ي انت�ش���ر فيها اال�ستعب���اد من حمدوي���ة اخلدمات‬ ‫وهذه الفئة من املُ�ستعبدين الذين ارت�ضوا بالعبودية ويرف�ضون التحرر‬ ‫ضال عن انت�شار الأمية بني �أفرادها؛‬ ‫االجتماعية وامل�شاريع التنموية‪ ،‬ف� ً‬ ‫يعت�ب�رون عقبة رئي�سية يف �سبيل مكافح���ة تلك الظاهرة‪ ،‬فالفقر مهما‬ ‫وذلك نتيجة لطبيع���ة البنية االجتماعية لليمن التى حالت دون متكنها‬ ‫كان���ت �صعوبته ف�إنه �أه���ون بكثري من مرارة العبودي���ة‪ .‬وا�ستغل امل�شايخ‬ ‫م���ن فر����ض االندم���اج االجتماعى وب�س���ط طابعها الثقايف ع�ب�ر �أنحاء‬ ‫تلك احلالة من اال�ست�سالم والر�ضوخ ومت�سّ كوا بالعبيد‪ ،‬حيث �أدركوا �أن‬ ‫الب�ل�اد‪ ،‬واقت�ص���ر ح�ضور �سلطاته���ا ال�سيا�سية على امل���دن واحلوا�ضر‬ ‫املجتمع ما يزال متقب ًال لبقاء هذه الظاهرة بينهم‪ .‬وعلى الرغم من �أن‬ ‫الكربى‪ .‬فه�ؤالء امل�ستعبدون لي�س ب�إمكانهم احل�صول على بطاقة �إثبات‬ ‫بع����ض الأ�سر مل ي�صبحوا بذلك النفوذ الذي كان عليه �آبا�ؤهم‪� ،‬إال �أنهم‬ ‫�شخ�صية‪ ،‬وال على جواز �سفر �أو بطاقة �ضمان اجتماعي‪ ،‬ب�سبب التمييز‬ ‫�أ�ص���روا على االحتفاظ بامل�ستعبدين نتيج���ة �سيطرة الرغبة يف التباهي‬ ‫ضال عن عدم وجود ن�سب لهم‪،‬‬ ‫�ضدهم‪ .‬ف� ً‬ ‫والتفاخر والنظرة اال�ستعالئية‪� .‬إال �أنه على‬ ‫وعادة ما يتم توظيفهم �سيا�سي ًا من خالل‬ ‫عانت املناطق التي انت�شر فيها‬ ‫اجلان���ب الآخر‪ ،‬هن���اك بع����ض الأ�سر التي‬ ‫منحه���م بطاق���ة انتخابية فقط م���ن �أجل‬ ‫اال�ستعباد من حمدوية اخلدمات‬ ‫ا�ضطرت �إىل ت�سريح عبيدها‪ ،‬وبع�ضها قام‬ ‫الت�صوي���ت ل�صالح �أ�شخا�ص بعينهم‪ .‬وتعد‬ ‫االجتماعية وامل�شاريع التنموية‪،‬‬ ‫بعتقهم‪ ،‬نظر ًا للظ���روف املعي�شية ال�صعبة‬ ‫الن�س���اء �أكرث الفئات ت�ض���رر ًاَ‪ ،‬نظر ًا لعدم‬ ‫ضال عن انت�شار الأمية بني‬ ‫ف� ً‬ ‫التي مرت بها‪.‬‬ ‫�أفرادها؛ وذلك نتيجة لطبيعة‬ ‫قدرتهم على البحث عن م�صدر رزق بعيد ًا‬ ‫ج‪ .‬انت�شار املفاهيم الدينية املغلوطة‪:‬‬ ‫البنية االجتماعية لليمن التى‬ ‫ع���ن حالة اال�سرتقاق‪ ،‬ف�ض�ل�اً عن حرمان‬ ‫االندماج‬ ‫فر�ض‬ ‫من‬ ‫متكنها‬ ‫دون‬ ‫حالت‬ ‫وال��ت��ي ت���رى �أن���ه ال ي��وج��د �أى م�شكلة يف‬ ‫�أطفالهن من االنت�ساب لآبائهم‪ ،‬حيث يتم‬ ‫االجتماعى وب�سط طابعها‬ ‫العبودية‪ ،‬و�أنها كانت موجودة على نطاق‬ ‫�إحلاقهم ب�أمهاتهم‪ ،‬مما يت�سبب يف �إهدار‬ ‫الثقايف عرب �أنحاء البالد‬ ‫وا�سع على م�� ّر التاريخ الإ���س�لام��ي‪ ،‬حيث‬ ‫حقوقهم‪.‬‬ ‫ي�ستند رجال الدين يف تلك املحافظات �إىل‬ ‫ويف �ضوء ما �سبق‪� ،‬صار حتمي ًا �أن تت�ضافر‬ ‫ال�شريعة من �أجل تربير هذه الظاهرة نظر ًا‬ ‫جه���ود كل م���ن الدولة اليمني���ة ومنظمات‬ ‫للفوائد التى تعود على امل�شايخ‪ ،‬وي�ؤكدون �أن‬ ‫املجتم���ع املدين من �أجل حل تلك الظاهرة‬ ‫حترميها ي�شري �إىل حالة ر�ضوخ للت�شريعات‬ ‫ب�أبعاده���ا االجتماعية اخلطرية‪ .‬ويتمحور‬ ‫الو�ضعية من �أج��ل تقييد ما هو مباح يف‬ ‫دور الدولة يف املعاجلة االقت�صادية و�إعادة‬ ‫�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية؛ وذل��ك وفق ًا‬ ‫دجمهم اجتماعي ًا داخل كنفها‪ ،‬من خالل‬ ‫لت�صوراتهم‪ ،‬مع توظيف اخلطاب الديني‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪69‬‬

‫‪ME Archive‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫عدم قدرة الدولة اليمنية على التعامل الفعّال‬ ‫مع ت�أثريات القبلية على انت�شار العبودية‪ ،‬ال يعود‬ ‫�إىل تق�صري من جانبها بقدر ما يعود �إىل حمدودية‬ ‫�إمكانياتها وقدراتها يف التكيّف والتعامل مع هذه‬ ‫الو�ضعية التي تتوغل جذورها يف �أزمنة وعهود‬ ‫�سبقت وجودها هي ذاتها‬

‫‪Flickr‬‬

‫‪70‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫الوا�ضح �أن ظاهرة العبودية بحاجة �إىل تكاتف جميع‬ ‫خامتة‬ ‫�أركان الدول���ة اليمنية بهيئاتها وم�ؤ�س�ساته���ا الر�سمية وغري الر�سمية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من قتام���ة امل�شهد الذى خيّم على �أجواء املجتمع اليمني‪،‬‬ ‫ف�ض�ل�اً عن ال�صعوبات اجلمة الت���ى تقف حائ ًال دون التخل�ص من هذه‬ ‫الآف���ة االجتماعي���ة‪� ،‬إال �أن الواقع ي�شري �إىل �أنه من ب�ي�ن تلك الظلمات‬ ‫يوج���د العديد من نوافذ الأمل التي فتحت �أمام �سبل الق�ضاء على هذه‬ ‫الظاهرة؛ وذلك من خالل ن�شاط �أجهزة الدولة ممثلة يف وزارة حقوق‬

‫‪Flickr‬‬

‫تعوي�ض ه�ؤالء املهم�شني وتوفري فر�ص عمل كرمية لهم حتى ال ير�ضخوا‬ ‫ويع���ودوا بعد حتريرهم طوع ًا �إىل العبودي���ة كبديل مثايل حلالة الفقر‬ ‫املدقع‪ ،‬وه���ذا يتطلب بدوره اقتالع العبودية م���ن الثقافة املرت�سخة يف‬ ‫فك���ر وعقيدة كل من املالكني وامل�ستعبدين على حد �سواء‪ .‬ف�إذا جنحت‬ ‫الدولة ‪ -‬التى �صارت م�سئولة �شرع ًا وقانون ًا بتحرير ه�ؤالء امل�ستعبدين‬ ‫وتعوي�ضهم عن االنتهاكات التي تعر�ضوا لها ‪ -‬يف حتقيق ما �سبق ف�إنها‬ ‫�ستك���ون بذلك جنحت يف مواجهة حتدٍّ رئي�سيٍّ يتمثل يف “الق�ضاء على‬ ‫الف���روق والإختالفات ب�ي�ن الطبقات االجتماعية”‪ ،‬وال���ذي يعد واحد ًا‬ ‫من �أهم �أهداف ثورة ‪.1962‬‬ ‫وقد ب���ادرت الدولة فعلي ًا باتخاذ خط���وات ملعاجلة تلك الظاهرة من‬ ‫خ�ل�ال حترير بالغ �إىل النائب العام م���ن �أجل ت�شكيل فريقني ملالحقة‬ ‫امل�ستعبدي���ن‪ ،‬وق���د �أم���ر النائب الع���ام بت�شكيل فريق قان���وين ملالحقة‬ ‫ه���ذه الظاهرة والفاعلني �أو املمار�سني له���ا‪ ،‬و مت ا�ستهالل ذلك العمل‬ ‫مبطالب���ة فريق منظمة “هود” احلقوقية يف حج���ة واحلديدة بت�شكيل‬ ‫فرق ا�ستطالعية تذهب �إىل الق���رى من �أجل معرفة الأرقام احلقيقية‬ ‫لتلك الظاهرة من خالل م�ساع���دة النا�شطني احلقوقيني و�أهل القرى‬ ‫هن���اك‪ .‬كما كلف جمل�س ال���وزراء وزارة حقوق الإن�سان من �أجل �إعداد‬ ‫تقري���ر �شامل ع���ن امل�ستعبدين‪ ،‬وت�شكي���ل جلنة ملتابع���ة ومالحقة هذه‬ ‫الظاه���رة‪ ،‬من خ�ل�ال التوجُّ ه �إىل جميع املديري���ات التي حتت�ضن هذه‬ ‫الظاهرة والك�شف عن عدد احلاالت بها‪ .‬كما دعت احلكومة يف الوقت‬ ‫نف�س���ه �إىل عق���د الن���دوات واللق���اءات العلمي���ة لدرا�سة �أبع���اد ظاهرة‬ ‫العبودية وتداعياتها‪.‬‬

‫ويف ه���ذا ال�سياق‪ ،‬تت�ض���ح �أهمية م�شروع رئي����س اجلمهورية املعروف‬ ‫ب���ـ “م�ش���روع ال�صالح” من خالل �إعط���اء الأولوية الق�ص���وى يف توزيع‬ ‫الأرا�ض���ي للأ�شخا����ص الذي���ن �ستعم���ل الدول���ة والنياب���ة والهيئ���ات‬ ‫االجتماعية عل���ى حتريرهم مع توفري م�صادر لل���رزق و�إعادة دجمهم‬ ‫باملجتمع‪� .‬إذ يعد ذلك خطوة مهمة الحتوائهم داخل كنف الدولة‪.‬‬ ‫وم���ن �أج���ل تفعي���ل اخلط���وات ال�سابق���ة‪ ،‬ف�إنه يج���ب �أن تتع���اون كل‬ ‫م�ؤ�س�سات الدولة الت�شريعية والتنفيذية والق�ضائية يف مواجهة العبودية‪.‬‬ ‫فبالن�سب���ة للم�ؤ�س�سة الت�شريعية يج���ب �أن تقوم بتفعيل القانون ‪ 248‬من‬ ‫قان���ون اجلرائم والعقوبات الذى يُجرِّم هذه الظاهرة ويعاقب باحلب�س‬ ‫ع�ش���ر �سنوت كل من ي�شرتي �أو يبيع �أو يت�ص���رف يف عبد‪� ،‬إال �أن تفعيل‬ ‫ذل���ك الن����ص القانوين يف ظل الع���دد املتزايد م���ن امل�ستعبدين يتطلب‬ ‫انته���اج �سيا�سة ر�شيدة تعتمد على الت�شاور وحماولة �إقناع م�ستعبديهم‬ ‫ب�ض���رورة التخلي عنهم وحترريهم طوع���اً‪ .‬وتت�ضح هنا مهمة احلكومة‬ ‫اليمني���ة من خالل وزارة حقوق الإن�سان ووزارة العدل من �أجل مراقبة‬ ‫م�س�ألة تطبيق هذا القانون‪.‬‬ ‫ع�ل�اوة عل���ى هذا‪ ،‬ي�أت���ي دور كل م���ن امل�ؤ�س�سة الديني���ة والرتبوية يف‬ ‫مواجهة ظاهرة العبودية؛ وذلك من خالل ت�صحيح ال�شق الديني لهذه‬ ‫الظاه���رة غ�ي�ر الإن�سانية‪ ،‬وهو �أم���ر يتطلب تفعيل دور الق���وى الدينية‬ ‫والفقه���اء للعمل عل���ى حترميها وتوعي���ة امل�ستعبدين ب����أن احلرية حق‬ ‫�شرع���ي لهم‪ ،‬والت�أكي���د على �أن حترمي الأمم املتح���دة للعبودية يتوافق‬ ‫م���ع قواعد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬مع رف�ض حماوالت �إيجاد �سند �شرعي‬ ‫لل���رق‪ ،‬والت�شديد على �أن الن�صو����ص الواردة يف ال�شريعة حول املو�ضوع‬ ‫�إمن���ا كانت ملعاجلة ظاهرة كانت موجودة قب���ل الإ�سالم‪ ،‬و�أن ال�شريعة‬ ‫�شرع���ت �إىل �إلغاء العبودي���ة تدريجياً؛ وذلك من خ�ل�ال التحفيز على‬ ‫حتري���ر ال ِّرق���اب وجعلها كف���ارة للذنوب‪ .‬وق���د توجّ ه عدد م���ن فقهاء‬ ‫ال�شريعة له�ؤالء املُ�ستعبِدين ليقنعوهم ب�إعتاق املُ�ستعبَدين‪.‬‬ ‫وتعتم���د الدولة يف ت�صديها للعبودية على ركيزت�ي�ن‪� ،‬أولهما الد�ستور‬ ‫اليمن���ي الذى ن�ص على �أن املواطن�ي�ن �سوا�سية ال فرق بينهم‪ ،‬وثانيهما‬ ‫�أن���ه ال يوجد ن�ص �شرعى يدعو للعبودية‪ ،‬و�أن الإ�سالم يرف�ض العبودية‬ ‫ويدعو �إىل حترير الإن�سان‪� .‬إال �أن ما يعقد من حل م�شكلة العبودية هو‬ ‫عدم فاعلية املعار�ضة اليمنية يف الت�صدي لتلك الظاهرة؛ نظر ًا لكونها‬ ‫تعد م�سئولة ولو جزئي ًا عن اجلرائم واالنتهاكات التي حتدث‪ ،‬حيث �أن‬ ‫بع����ض القوى املعار�ض���ة ت�سهل وت�شارك يف ا�ستم���رار ظاهرة العبودية‪،‬‬ ‫بالنظر �إىل �أن بع�ض املح�سوبني عليها قد توارثوا عبيد ًا وما زالوا حتت‬ ‫حمايتهم‪.‬‬ ‫وبالن�سبة ملنظمات املجتمع املدين‪ ،‬ف�إنها تعانى من حمدودية ن�شاطها‬ ‫نظر ًا القت�صار عملها على املراكز ب�سبب احلماية الإعالمية واحلزبية‬ ‫وغريه���ا من متطلبات عمل ه���ذه املنظمات‪ ،‬ومل تتّ�س���ع لت�شمل العديد‬

‫من الق���رى نظر ًا ل�صعوب���ة الو�صول �إليها الفتقاده���ا ملظاهر التح�ضر‬ ‫والتم���دن الأ�سا�سية‪ .‬ويتمحور دور تل���ك املنظمات يف حتفيز املتربعني‬ ‫و�أ�صحاب الأعمال اخلريية يف �إن�شاء �صندوق خا�ص ملعاجلة امل�شكالت‬ ‫االقت�صادية له�ؤالء امل�ستعبدين‪ ،‬وتطوير برامج ت�أهيل من �أجل ت�أهيلهم‬ ‫للخروج من عزلتهم االجتماعية واالختالط مع عموم النا�س من خالل‬ ‫تطوي���ر القدرات الفكرية له�ؤالء املحرري���ن وتوعيتهم ب�أهمية و�ضرورة‬ ‫التحرر‪ ،‬حيث �أن معظمه���م يرف�ضون التحرر خ�شية املوت جوعاً‪ ،‬ومن‬ ‫ث���مّ فهم بحاجة �إىل �إتاحة بدائل �أمامهم من خالل تنمية تلك املناطق‬ ‫وتوفري فر�ص عمل لهم‪.‬‬ ‫وت�أت���ي يف مقدمة تلك املنظمات “املر�ص���د اليمني حلقوق الإن�سان”‬ ‫الذي كان ل���ه الف�ضل يف الك�شف عن تلك الظاهرة‪ ،‬والذي ي�ستند على‬ ‫�أن ال���رق يخال���ف الد�ستور اليمني الذي يلتزم يف امل���ادة ال�ساد�سة منه‬ ‫بالإعالن العاملي حلقوق الإن�سان والذي ن�ص يف املادة الرابعة منه على‬ ‫�أنه‪“ :‬اليجوز ا�سرتقاق �أو ا�ستعباد �أي �شخ�ص‪ ،‬بكافة �أو�ضاعهما”‪ ،‬وهو‬ ‫ما ن�صت عليه املادة الثامنة من العهد الدويل اخلا�ص باحلقوق املدنية‬ ‫ضال عن �أن ال���رق يناه�ض حرية الإن�سان وكرامته‪ ،‬وكل‬ ‫وال�سيا�سية‪ ،‬ف� ً‬ ‫قيم احل�ضارة والدميقراطية‪.‬‬ ‫ف�ض�ل�اً ع���ن دور “الهيئة الوطني���ة للدفاع عن احلق���وق واحلريات”‬ ‫(هود) التي نظمت حملة تهدف �إىل �إنهاء العبودية يف اليمن من خالل‬ ‫حتفيز احلكوم���ة على تطبيق اخلدمات االجتماعي���ة وت�أمني امل�ساعدة‬ ‫القانونية‪ ،‬والت�أكيد على تنفيذ القانون اليمني الذي يعاقب مالك العبد‬ ‫بال�سج���ن لع�ش���ر �سنوات كح���د �أدنى وتعميمه عل���ى اجلميع؛ وذلك من‬ ‫خالل تعاونه���ا مع اجلهات احلكومية واللجنة امل�شكلة من وزارة حقوق‬ ‫الإن�سان‪ ،‬وكل منظمات املجتمع املدين الأخرى لتحرير جميع العبيد‪.‬‬ ‫وق���د تعه���دت املنظم���ة بالعم���ل عل���ى �إح�ص���اء كل ح���االت ال���رق يف‬ ‫املحافظ���ات التى ما زالت تعاين من العبودي���ة‪ ،‬كما �ست�سعى يف الوقت‬ ‫ذاته �إىل تقدمي امل�ساع���دات الإن�سانية عرب دعوة املتطوعني من فقهاء‬ ‫ال�شريعة للنزول �إىل الق���رى وال�سعي مع كل من يدّعي ملكيته ل�شخ�ص‬ ‫ضال عن‬ ‫لإقناع���ه بالتخلي عن���ه طوعاً‪ ،‬و�إال يت���م مالحقته قانوني���اً‪ .‬ف� ً‬ ‫�ض���رورة تعاون ال�سلط���ات املحلية من �أجل مواجه���ة تلك الظاهرة من‬ ‫خالل ال�صمود يف وجه ذوي النفوذ من العالئالت الكبرية‪.‬‬

‫تعتمد الدولة يف ت�صديها للعبودية على ركيزتني‪،‬‬ ‫�أولهما الد�ستور اليمني الذى ن�ص على �أن املواطنني‬ ‫�سوا�سية ال فرق بينهم‪ ،‬وثانيهما �أنه ال يوجد‬ ‫ن�ص �شرعى يدعو للعبودية‪ ،‬و�أن الإ�سالم يرف�ض‬ ‫العبودية ويدعو �إىل حترير الإن�سان‬

‫الإن�س���ان‪ ،‬والتعاون م���ع منظمات املجتمع املدين للدخ���ول �إىل املناطق‬ ‫التي تنت�شر �أو توجد فيها العبودية من �أجل مبا�شرة �أعمالها‪.‬‬ ‫�إال �أن���ه‪ ،‬ويف الوقت ذاته‪� ،‬سيظل جن���اح تلك اجلهود مرهون ًا بعاملني‬ ‫رئي�سي�ي�ن‪� ،‬أولهما ه���و املعادلة ال�صعبة التى حتك���م العالقة احل�سا�سة‬ ‫ب�ي�ن �سلط���ة الدول���ة ونفوذ م�شاي���خ القبائل‪ ،‬ف����إذا متكن���ت الدولة من‬ ‫ا�ستخ���دام �سلطاتها م���ن �أجل احتوائهم و�إقناعهم ب����أن الو�ضع مل يعد‬ ‫يحتم���ل التكتم علي���ه و�صار واجب ًا وطني��� ًا اال�ستجابة لن���داءات الدولة‬ ‫والتعاون معها من �أجل ت�سريح ه�ؤالء امل�ستعبدين‪ ،‬و�إيجاد م�صدر رزق‬ ‫لهم وت�أهيله���م اجتماعي ًا واقت�صادي ًا من �أجل ا�ستثمار طاقاتهم ب�شكل‬ ‫متمدن و�آدمي خلدمة اليمن كلها ولي�س احتكارهم لفئة بعينها‪ ،‬خا�صة‬ ‫يف �ضوء احلملة التى �شنتها ال�صحافة وحتولها �إىل ق�ضية ر�أى عام‪.‬‬ ‫�أم���ا العامل الث���اين؛ فيعد مكم ًال ل�ل��أول‪ ،‬وهو �ض���رورة توعية �أفراد‬ ‫املجتم���ع من �أجل الت�ص���دي للعبودية ورف�ضها ذاتي��� ًا حتى ي�شكل ذلك‬ ‫ق���وة �ضغط داخلية على ه�ؤالء امل�شايخ‪ .‬ومن ثمّ ف�إن ذلك يتطلب موجة‬ ‫رف����ض �شعبية ت�سته���دف امل�شايخ املت�سرتين على جرمي���ة العبودية‪� ،‬إذ‬ ‫�أن ذل���ك �سيك���ون ت�أكيد ًا من جانب ال�شعب بع���دم �شرعية �سلطة ه�ؤالء‬ ‫امل�شاي���خ ورغبة �صريحة من جانبهم الحت���واء الدولة لهم‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫�سي�سه���ل على الدول���ة القيام بتطبي���ق القوانني والت�شريع���ات ومعاقبة‬ ‫ه�ؤالء امل�شايخ الذين يظنون �أنهم فوق �سلطة القانون‪.‬‬ ‫�أخرياً‪ ،‬يج���ب الت�أكيد على �أن عدم قدرة الدولة اليمنية على التعامل‬ ‫الفعّ���ال مع ت�أثريات القبلية على انت�ش���ار العبودية‪ ،‬ال يعود �إىل تق�صري‬ ‫من جانبها بقدر ما يعود �إىل حمدودية �إمكانياتها وقدراتها يف التكيّف‬ ‫والتعامل مع هذه الو�ضعية التي تتوغل جذورها يف �أزمنة وعهود �سبقت‬ ‫وجودها هي ذاتها‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪71‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫تكتيك �آين‬ ‫�أم رهان ا�سرتاتيجي؟‬

‫‪ME Archive‬‬

‫�ساءلة طموحات اليمن اخلليجية‬ ‫ُم َ‬ ‫طارق عبداهلل ثابت احلروي‬ ‫‪d.tat2010@gmail.com‬‬

‫لع���ل الت�سا�ؤل املحوري الذي �أ�صبح من الواج���ب �إثارته �أمام الباحثني‬ ‫واملهتمني بال�ش�أن اخلليجي‪ ،‬كي يت�سنى لنا من خالله حتديد بع�ض �أهم‬ ‫اخلطوط العامة احلاكمة لهذا املو�ضوع‪ ،‬و�صو ًال �إىل حماولة الك�شف عن‬ ‫ماهية وطبيعة املنظمة التي ت�سعى اليمن لالن�ضواء حتت �سمائها‪� ،‬سيما‬ ‫يف �ض���وء ا�ستمرار تنام���ي حاالت التذبذب احلادة الت���ي تنتاب املواقف‬ ‫اخلليجي���ة �إزاء بع�ضه���ا البع�ض يف العديد من الق�ضاي���ا الرئي�سة‪ ،‬ذات‬ ‫العالق���ة الوثيق���ة ال�صلة ببق���اء وا�ستم���رار املنظمة م���ن �أ�سا�سها‪ ،‬هذا‬ ‫‪72‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫الت�س���ا�ؤل هو «هل ي�سعن���ا القول �إنه بعد مرور ثالثة عق���ود على ت�أ�سي�س‬ ‫منظم���ة جمل����س التعاون لدول اخللي���ج العربية‪� ،‬أننا نق���ف بالفعل �أمام‬ ‫جترب���ة �إقليمي���ة مكتملة الر�ؤي���ة والأه���داف والأبعاد من حي���ث ال�شكل‬ ‫وامل�ضمون‪ ،‬قادرة ب�صورة عملية وفعلية على العطاء والبقاء يف �آن واحد‪،‬‬ ‫بعيد ًا عن تلك العوامل الدولية والأمريكية منها بوجه خا�ص املن�شئة لها‬ ‫�أو تل���ك الت���ي مثلت – وما تزال متثل ‪� -‬سبب��� ًا جوهري ًا وراء بقائها حتى‬ ‫الآن‪ ،‬ونخ�ص بالذكر منها العامل االقت�صادي ب�شقه النفطي يف �ضوء ما‬ ‫طارق عبد اهلل احلروي باحث ميني يف العالقات الدولية‬ ‫وال�ش�ؤون اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫يدره من عوائد مالية �ضخمة تكفي لتغطية �أعبائها‪� ،‬أم �أننا ما زلنا نقف‬ ‫�أمام نف�س التجربة الوليدة التي غلب عليها الطابع الأمني‪ ،‬الذي �أن�شئت‬ ‫لأجل���ه على الرغم مما طر�أ عليها من تغيريات كثرية م�سّ ت ال�شكل �أكرث‬ ‫من امل�ضمون‪ ،‬ال�سيما �أنه مل يت�سنّ لها امل�سا�س بجوهر االتفاقية الأمنية‬ ‫املن�شئة لها؟»‪.‬‬ ‫يف الب���دء‪ ،‬حري بن���ا الت�أكيد على �أن من�ش�أ ه���ذا الت�سا�ؤل هو حماولة‬ ‫�أولية من قبلن���ا للإحاطة بحيثيات ماهية وطبيعة امل�ساعي اليمنية ومن‬ ‫ث���م م�ستقبلها على املدى املنظور‪ ،‬والت���ي تقف وراء ا�ستماتة دوائر �صنع‬ ‫الق���رار للح�صول على ع�ضوي���ة املنظمة منذ مطل���ع الن�صف الثاين من‬ ‫عقد الت�سعينيات‪� ،‬أو مبعنى �آخر‪ :‬هل الهدف الرئي�س الكامن ورائها هو‬ ‫البحث عن منظومة �إقليمية فعلية وفاعلة يف �آن واحد‪ ،‬يف حماولة لإبراز‬ ‫الهوية اخلليجي���ة لليمن‪ ،‬ت�ستطيع من خاللها تلبية طموحاتها الإقليمية‬ ‫امل�شروع���ة يف تقا�س���م ‪ -‬ه���ذا �إن مل نق���ل ت�أدي���ة ‪ -‬دور حم���وري �إقليمي‬ ‫ط���ال انتظاره يت�سق مع جممل ما لديه���ا من مزايا �إ�سرتاتيجية (متاحة‬ ‫وغ�ي�ر متاح���ة)‪ ،‬و�صو ًال �إىل تعظي���م مكا�سبها اال�سرتاتيجي���ة املن�شودة‪،‬‬ ‫االقت�صادي���ة منها على وجه خا�ص؟ �أم �أن الأمر كان وما يزال ال يتعدى‬ ‫ يف املح�صلة النهائية‪ -‬جمرد حماولة جمتز�أة �أخرى يف اجتاه البحث‬‫عن بع�ض املزايا االقت�صادية املتوقعة الأكرث �أهمية و�إحلاحاً‪ ،‬والتي لي�س‬ ‫لها عالقة وثيقة ال�صلة من قريب �أو بعيد بطبيعة وواقع ومن ثمّ م�ستقبل‬ ‫املنظمة والدور اليمني املن�شود فيها؟ �أو االثنني معاً؟‬ ‫واجلدير بالذكر �إن �أية حماولة يف اجتاه �إعادة بلورة‪ ،‬ومن ثم �صياغة‬ ‫طبيعة وواقع خط �سري بع�ض �أهم الأحداث الرئي�سة التي ارتبطت بن�ش�أة‬ ‫املجل����س �أو مراحل تطوره‪ ،‬و�صو ًال �إىل حماولة و�ضع اليد على بع�ض �أهم‬ ‫املع���امل الرئي�سة املُف�سِّ رة لطبيعة املح���ددات املحيطة مب�ستقبله يف �ضوء‬ ‫ما �أ�صبح ميثله املجال احليوي للخليج العربي من �أهمية متزايدة لدوائر‬ ‫�صن���ع القرار يف اليمن‪ ،‬كانت وما زالت واحدة من �أهم امل�سائل ال�شائكة‬ ‫الت���ي �أ�صبح من املهم الت�أين كثري ًا قب���ل خو�ض غمارها‪ ،‬نظر ًا ملا يحيط‬ ‫به���ا من ح���االت تعقيد ح���ادة وح�سا�سية مفرطة‪� ،‬سيم���ا يف حال ارتبط‬ ‫ه���ذا الأمر بطبيعة املوا�ضيع التي �سيت���م �إثارتها يف �ضوء �إحجام الكثري‬ ‫م���ن الباحثني واملهتمني عن مناق�شتها من ه���ذه الزاوية لأي �سبب كان‪،‬‬ ‫واالكتف���اء مبا هو متاح لهم من بيان���ات وتراكم معريف يحدد من خالله‬ ‫طبيع���ة وواقع خ���ط �سري �أي���ة ر�ؤى ودرا�س���ات تتعلق بال�ش����أن اخلليجي‪،‬‬ ‫باعتبارها حقائق مو�ضوعية ن�سبية ال غبار عليها‪.‬‬ ‫و�ضم���ن ه���ذا ال�سي���اق‪ ،‬يت�سنى لنا الق���ول من خالل تتب���ع بع�ض �أهم‬ ‫املح���ددات الرئي�س���ة احلاكمة وراء ن�ش���وء وتطور جمل����س التعاون لدول‬ ‫اخللي���ج العربية‪ ،‬و�صو ًال �إىل ا�ستمرارية بقاءه على حاله دون حدوث �أية‬ ‫تغي�ي�رات جذرية ن�سبي���ة مت�س جوهر االتفاقية املُن�شئ���ة له منذ ت�أ�سي�سه‬

‫ع���ام ‪� ،1981‬س���واء يف اجت���اه حتقي���ق �أوا�ص���ر الوح���دة االندماجية بني‬ ‫دول���ه‪� ،‬أو يف زوال���ه نهائي ًا من عل���ى اخلارطة الإقليمي���ة منذ مطلع عقد‬ ‫الت�سعيني���ات م���ن القرن املا�ضي؛ عل���ى خلفية انتفاء ال�سب���ب الرئي�س ‪-‬‬ ‫�إن مل نق���ل الوحيد ‪ -‬الكام���ن وراء ن�شوءه وبقاءه‪ ،‬ممث�ل�اً بخروج القوة‬ ‫العراقي���ة م���ن املعادلة الإقليمية ع���ام ‪ ،1991‬باعتباره���ا القوة الوحيدة‬ ‫التي مثلت تهديد ًا حقيقي��� ًا للمخططات الأمريكية‪ -‬الغربية املتبعة �إزاء‬ ‫عم���وم املنطقة وما يجاوره���ا‪� .‬أو ب�سبب ا�ستمرار تنامي عوامل ومظاهر‬ ‫التناف���ر والفرقة بني دول���ه �أكرث منها التج���اذب والتوحد‪ ،‬لدرجة عجز‬ ‫عنده���ا الكثريين عن تف�سري ال�سبب �أو اللغز وراء ا�ستمرار بقاء املجل�س‬ ‫دون حدوث انتكا�سة حادة له طوال هذه الفرتة‪ ،‬وهو الأمر الذي يجعلنا‬ ‫نق���ف �أمامه طوي ًال يف حماول���ة لإمعان الفكر والب�ص�ي�رة معاً‪� ،‬سيما يف‬ ‫ح���ال تبينّ بع����ض احلقائق التي ت�ؤك���د �إن ا�ستمرار بقائ���ه قد ارتبط يف‬ ‫الأ�سا����س با�ستم���رار بقاء ال���دور املحوري ال���ذي تلعبه اململك���ة العربية‬ ‫ال�سعودي���ة �ضم���ن نطاق ح���دود �إ�سرتاتيجية املح���ور الأمريكي‪ -‬الغربي‬ ‫وحلفائه‪ ،‬باعتبارها القوة الإقليمي���ة الوحيدة �صاحبة الإنتاج واملخزون‬ ‫النفط���ي ومن ث���م القدرة املالي���ة الهائل���ة – �أو ًال ‪ ،-‬و�صاحب���ة امل�شروع‬ ‫الدين���ي‪ -‬ال�سيا�سي ومن ث���مّ النفوذ والطموح الإقليم���ي – ثاني ًا ‪ ،-‬و�إال‬ ‫كيف ي�سعن���ا �إعطاء �أية تف�س�ي�رات حول ا�ستمرار تنام���ي حجم الأعباء‬ ‫ال�ضخم���ة (املادية‪/‬املعنوي���ة) التي يتحملها الط���رف ال�سعودي بالنيابة‬ ‫م�ساعي دوائر �صنع القرار اليمني الرامية‬ ‫�إىل احل�صول على ع�ضوية املجل�س مل –‬ ‫ولن ‪ -‬تتعدى م�س�ألة تعظيم جزء مهم من‬ ‫املكا�سب االقت�صادية املتوقعة على �أكرث‬ ‫تقدير‪ ،‬يف حماولة لرفد م�سرية البلد‬ ‫التنموية املن�شودة‬ ‫عن باقي دول املجل�س‪.‬‬ ‫وانطالق��� ًا م���ن كل ذلك‪ ،‬تت�ضح لنا طبيعة و�أبع���اد هذه ال�صورة �أكرث‬ ‫من ه���ول وفداحة احلقائ���ق التي نق���ف �أمامها؛ جراء ا�ستم���رار تنامي‬ ‫�سع���ة الفجوة القائم���ة بني دول املجل�س على املج���االت كافة �ضمن �إطار‬ ‫املنظمة التي ت�ستظل به���ا‪ ،‬لدرجة ي�صعب معها القول �إننا نقف ب�صورة‬ ‫فعلي���ة بعد مرور ثالثة عق���ود تقريباً‪� ،‬أمام نظ���ام �إقليمي حموري يغلب‬ ‫علي���ه الطابع اال�سرتاتيجي �أكرث منه ال�سيا�س���ي‪ -‬الأمني‪ ،‬مكتمل الر�ؤية‬ ‫والأه���داف والأبع���اد من حيث ال�ش���كل وامل�ضمون‪ -‬ولو ب�ص���ورة ن�سبية؟‬ ‫خا�صة �إنه ما يزال عاجز ًا عن تلبية �أجزاء جوهرية من متطلبات الأمن‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪73‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫�س��عة الفج��وة القائم��ة بني دول‬ ‫املجل�س على املجاالت كافة �ضمن‬ ‫�إط��ار املنظمة التي ت�س��تظل بها‪،‬‬ ‫تنامت لدرجة ي�صعب معها القول‬ ‫�إنن��ا نق��ف ب�ص��ورة فعلي��ة بع��د‬ ‫م��رور ثالثة عقود تقريب��اً‪� ،‬أمام‬ ‫نظ��ام �إقليمي حموري يغلب عليه‬ ‫الطاب��ع اال�س�تراتيجي �أكرث منه‬ ‫ال�سيا�سي‪ -‬الأمني‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫عن مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬

‫‪2space.net‬‬

‫القوم���ي لدول���ه‪ ،‬ج���راء ارتباطه لي�س مب���ا ا�ستطاعت دول���ه منفردة �أن‬ ‫حتققه م���ن مظاهر للنه�ضة التنموية �شملت كاف���ة نواحي احلياة فيها‪،‬‬ ‫بحك���م ما �أ�صبح متوفر ًا لديها من موارد مالية هائلة‪� ،‬أو مبا ا�ستطاعت‬ ‫�أن حتقق���ه من خطوات نوعي���ة عملية ذات طاب���ع ا�سرتاتيجي يف اجتاه‬ ‫حتقي���ق هدف الوحدة االندماجية بني دوله ال�ضعيفة املتنافرة‪ ،‬بل بتلك‬ ‫الهي���اكل ال�شكلية التي عجزت حتى عن بن���اء منظومة ع�سكرية‪� -‬أمنية‬ ‫يُعتد به���ا‪ ،‬على الرغم م���ن �ضخامة طبيعة وحجم النفق���ات الع�سكرية‬ ‫والأمنية الهائلة التي و�صلت �إىل تريليونات الدوالرات يف الفرتة الواقعة‬ ‫بني عام���ي (‪ ،)2010-1973‬وعل���ى الرغم من توقي���ع �أول اتفاقية �أمنية‬ ‫للدف���اع امل�شرتك ب�ي�ن دول املجل�س ع���ام‪ .2000‬غري �أن معظ���م الدالئل‬ ‫التاريخي���ة ت�شري �إىل �أنها مل تكن �سوى جمرد خطوة �شكلية‪ ،‬ا�ستطاعت‬ ‫مبوجبها تقنني ا�ستم���رار عمليات اال�ستنزاف الهائل���ة ملواردها املالية؛‬ ‫م���ن حيث �أن جمرد الإع�ل�ان عن تبني م�شروع ع�سك���ري‪� -‬أمني �ضخم‬ ‫�أطلق عليه «درع اجلزيرة» ال يتعدى كونه جمرد عملية ا�ستباقية تتمحور‬ ‫ح���ول �إع���ادة تهيئة للم�س���رح العملياتي للقوات الأمريكي���ة ‪ -‬الغربية يف‬ ‫املنطق���ة‪ ،‬مبا تت�ضمنه م���ن �سل�سلة �ضخمة من البن���ي التحتية واملخازن‬ ‫والأ�سلح���ة والعتاد‪ ،...‬و�إال �سوف تظل الت�س���ا�ؤالت املهمة يف هذا ال�ش�أن‬ ‫مثارة تبح���ث لها عن �إجابات وافية عن �أهمي���ة وجدوى ا�ستمرار وجود‬ ‫منظوم���ة �إقليمي���ة ع�سكرية‪� -‬أمنية بهذا احلج���م (ملن و�ضد من؟)‪ ،‬ثم‬ ‫م���ا م�صري تر�سان���ات الأ�سلحة ال�سابقة‪ ،‬ال�سيما يف ظ���ل انتفاء الأ�سا�س‬ ‫املو�ضوع���ي لإمكاني���ة التقريب ولي�س توحيد العقي���دة الع�سكرية لها‪ ،‬يف‬ ‫�ضوء �أجيال الأ�سلحة ال�ضخمة التي متتلكها دول املجل�س كل واحدة على‬ ‫حده؟‬ ‫�إذن يف �ض���وء بق���اء االقت�صاد القومي لدول جمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫�أح���ادي اجلانب‪ ،‬وع���دم وجود منظوم���ة ع�سكرية‪� -‬أمني���ة واقت�صادية‬ ‫م�شرتك���ة‪ ،‬وبالتايل ال جي�ش موحد وال عقي���دة ع�سكرية موحدة ومن ثم‬ ‫‪74‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫تر�سانة �أ�سلحة موحدة‪ ،‬وال �سوق م�شرتكة وال عملة موحدة‪ ،..‬و�أخري ًا ال‬ ‫مواقف �سيا�سية موحدة يعتد بها‪ ،‬و�صو ًال �إىل �ضعف وندرة وجود م�صالح‬ ‫حقيقي���ة م�شرتكة فيما بني دوله ال�ست امل�ؤ�س�سة له‪ ،‬يبقى ال�س�ؤال الأكرث‬ ‫�إث���ارة وجد ًال يدور حول الأ�سا�س املادي واملعن���وي �أو املو�ضوعي والذاتي‬ ‫ال���ذي تقف علي���ه دول املجل�س يف مواجهة �أي���ة حتديات �أو خماطر ذات‬ ‫طابع �أمني قد تهدد بلدانها يف ال�صميم؟‬ ‫وعلي���ه‪ ،‬ال ي�سعني �إال الق���ول ب�أن م�ساعي دوائر �صن���ع القرار اليمني‬ ‫الرامي���ة �إىل احل�صول على ع�ضوية املجل����س مل – ولن ‪ -‬تتعدى م�س�ألة‬ ‫تعظيم جزء مه���م من املكا�سب االقت�صادية املتوقع���ة على �أكرث تقدير‪،‬‬ ‫يف حماول���ة لرف���د م�سرية البل���د التنموية املن�ش���ودة‪ ،‬م�ستندين يف ذلك‬ ‫عل���ى طبيعة ما �أ�صبحت تت�سم به العالقات اليمنية‪ -‬الدولية واخلليجية‬ ‫منه���ا بوجه خا�ص م���ن ان�سيابية عالية ن�سبياً‪� ،‬أك�ث�ر منها حماولة ذات‬ ‫طابع ا�سرتاتيجي‪ ،‬ت�سعى م���ن ورائها �إىل حماولة فر�ض نف�سها بقوة يف‬ ‫املعادلة اخلليجية‪ ،‬بهدف تبوء موقع مميز يت�سق �سواء مع ما متتلكه وما‬ ‫�ستوظفه من موارد يف هذا ال�ش�أن‪� ،‬أو مع ما تطمح للقيام به‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫يف حال تعلق هذا الأمر مبحاولة لعب دور حموري فيها؛ و�سواء �أخذ هيئة‬ ‫الفاعل‪/‬امل�ساوم على �أكرث تقدير‪� ،‬أو هيئة املوازِن على �أقل تقدير‪ ،‬نظر ًا‬ ‫لأن ه���ذا الأمر يتوقع له �أن يتعار�ض بقوة مع طموحات �أدوار قوى فاعلة‬ ‫�أخرى (ال�سعودية بوجه خا����ص)‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ارتباط مثل هذا الأمر‬ ‫بح���دوث تغري ج���ذري يف االتفاقية املُن�شِ ئة للمجل����س‪ ،‬ب�صورة يتوقع لها‬ ‫�أن تف�ض���ي �إىل زوال ال�صيغة احلالي���ة‪ ،‬ون�شوء منظومة جديدة تتما�شى‬ ‫م���ع املعطيات اجلديدة‪ ،‬وبالت���ايل ت�صبح احتمالية دخول ك ًال من �إيران‬ ‫والعراق فيها �أمر ًا �أكرث ورود ًا يف �ضوء الرتتيبات الإقليمية اجلارية على‬ ‫قدم و�س���اق �ضمن �إ�سرتاتيجية املحور الأمريكي‪ -‬الغربي وحلفائه‪ ،‬وهو‬ ‫الأمر الذي ن�ستبعده عل���ى املدى املنظور يف ظل بقاء م�صري امل�شروعني‬ ‫الأمريكي‪ -‬الغربي والإيراين يف العراق معلق ًا على كف عفريت‪.‬‬

‫العمالة اليمنية ومتطلبات �سوق العمل اخلليجي‬ ‫الفر�ص والتحديات‬ ‫بحوث و�أوراق عمل امل�ؤمتر‬ ‫الذي نظمه املركز خالل الفرتة ‪� 23-22‬شباط‪/‬فرباير ‪2010‬‬

‫حترير‪:‬‬ ‫حفـظ اهلل الأحمدي و ماجـد �سراج‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬ ‫العدد ‪،6‬‬ ‫‪ Relating2010‬ا�سرتاتيجية‬ ‫‪Policy‬‬ ‫‪to Knowledge‬‬

‫‪75‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬

‫وجهات نظر‬

‫عني على اليمن‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫‪ 21‬الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صالح ي�ستقبل �سف�ي�ر جمهورية �أملاني���ا االحتادية‬ ‫ب�صنع���اء مايكل كل���ور بري�شتول‪ ،‬ج���رى خالل اللق���اء مناق�شة العالق���ات الثنائية‬ ‫وجم���االت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدين‪ ،‬وك���ذا دور �أملانيا يف جمموع���ة �أ�صدقاء‬ ‫اليم���ن‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الق�ضايا املت�صلة باالجتماع القادم ملجموعة �أ�صدقاء اليمن‬ ‫املقرر انعقاده يف نيويورك‪.‬‬

‫تفاعالت اليمن‬ ‫والعامل فـي‬ ‫�شهرا �أيلول‪�/‬سبتمرب‬

‫‪60‬‬

‫يوم ًا‬

‫‪ -‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�أيلول‪�/‬سبتمرب ‪2010‬‬

‫‪ 1‬ناق����ش وزي���ر الداخلية مطهر ر�ش���اد امل�صري يف لقائه م���ع ال�سفري الربيطاين‬ ‫ب�صنع���اء تي���م تريلوت جم���االت التعاون الأمن���ي بني البلدي���ن‪ ،‬وخا�صة يف جمايل‬ ‫الت�أهيل والتدريب وال�شرطة املجتمعية‪.‬‬ ‫‪ 2‬اتفقت حكومات اجلمهورية اليمنية واململكة العربية ال�سعودية واململكة املتحدة‪،‬‬ ‫عل���ى عقد االجتماع الق���ادم لوزراء خارجية ال���دول الأع�ضاء مبجموع���ة �أ�صدقاء‬ ‫اليمن يف مدينة نيويورك الأمريكية يف الـ‪ 24‬من �أيلول‪�/‬سبتمرب‪ .‬وحددت حكومات‬ ‫ال���دول الثالث يف بيان م�شرتك‪� ,‬أجندة االجتماع والتي تت�ضمن ا�ستعرا�ض التقدم‬ ‫املح���رز منذ االجتماع رفيع امل�ستوى بلندن يف كان���ون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2010‬و�إعطاء‬ ‫دفعة قوية للعمل امل�ستقبلي لأ�صدقاء اليمن‪.‬‬ ‫‪ 5‬التقى نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل‬ ‫عبدالك���رمي الأرحبي‪ ،‬ال�سفري الربيطاين ب�صنعاء تيم تريلوت‪ .‬جرى خالل اللقاء‬ ‫ا�ستعرا�ض جملة من الق�ضايا املت�صلة بتعزيز التعاون الثنائي‪ ،‬كما ناق�ش اجلانبان‬ ‫الرتتيبات النهائية النعقاد االجتماع املرتقب نهاية ال�شهر ملجموعة �أ�صدقاء اليمن‬ ‫يف نيويورك وطبيعة الق�ضايا املدرجة على جدول الأعمال‪.‬‬ ‫‪ 6‬الرئي�س علي عبد اهلل �صالح يجري ات�صا ًال هاتفي ًا بالعاهل البحريني حمد بن‬ ‫عي�س���ى �آل خليفة‪� ،‬أطمئن خالله على الأو�ض���اع يف البحرين عقب اكت�شاف �أحدى‬ ‫اخلالي���ا التي ت�ستهدف �أمن وا�ستقرار البحرين‪ .‬و�أكد الرئي�س وقوف اليمن قياد ًة‬ ‫وحكوم ًة و�شعب ًا �إىل جانب البحرين يف كل ما ي�صون �أمنها وا�ستقرارها‪.‬‬ ‫‪ 6‬وق���ع يف �صنع���اء على اتفاقي���ة تقدمي منحة مالي���ة تبلغ مائة �أل���ف و‪ 396‬دوالر‬ ‫لتمويل م�شروع حت�سني نظام متوين املياه يف وادي ال�شجن مبديرية احلزم حمافظة‬ ‫اجل���وف‪ .‬وت�أت���ي االتفاقية يف �إط���ار الربنامج الياب���اين اخلا�ص ب���ـ «املنح املقدمة‬ ‫مل�شاري���ع الأمن الب�شري الأهلية» الهادف �إىل دعم امل�شاريع الأهلية �صغرية احلجم‬ ‫‪76‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫يف املجاالت املرتبطة بال�صحة‪ ،‬واملياه‪ ،‬والتعليم الأ�سا�سي يف الدول النامية‪.‬‬ ‫‪ 15‬ناق����ش الدكتور علي حممد جم���ور رئي�س جمل�س ال���وزراء ب�صنعاء مع وفد‬ ‫وزارة اخلزان���ة الأمريكي���ة برئا�س���ة وكيل ال���وزارة �أندرو باوكول عالق���ات التعاون‬ ‫ب�ي�ن البلدين يف املجالني االقت�صادي والتنم���وي و�أولوياتها للفرتة القادمة يف �إطار‬ ‫جمموع���ة �أ�صدقاء اليمن‪ .‬وركز اللقاء على املوا�ضيع التي �سيقف �أمامها االجتماع‬ ‫الق���ادم للمجموع���ة املقرر انعق���اده يف مدينة نيوي���ورك الأمريكي���ة‪ ،‬وبوجه خا�ص‬ ‫املقرتح الأمريكي لإن�شاء �صندوق لدعم التنمية يف اليمن‪.‬‬ ‫‪ 16‬انتخ���ب �سفري اليم���ن ومندوبها الدائم لدى املق���ر الأوروبي للأمم املتحدة‬ ‫واملنظمات الدولية يف جنيف الدكتور �إبراهيم العدويف‪ ,‬نائب ًا لرئي�س منظمة الأمم‬ ‫املتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»‪.‬‬ ‫‪ 16‬بحث وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري‪ ،‬مع ال�سفري الربيطاين ب�صنعاء‬ ‫تي���م تريلوت‪ ،‬عالقات التع���اون الأمني ب�ي�ن البلدين وخا�صة يف جم���ايل الإرهاب‬ ‫وخفر ال�سواحل‪.‬‬ ‫‪ 20‬الرئي����س عل���ي عبد اهلل �صال���ح ي�ستقبل م�ساع���د رئي�س الوالي���ات املتحدة‬ ‫الأمريكي���ة ل�ش�ؤون مكافحة الإره���اب و�ش�ؤون الأمن الداخلي ج���ون بريينان‪ ،‬الذي‬ ‫نقل له ر�سالة خطية من الرئي�س باراك �أوباما‪ ,‬ت�ضمنت جوانب العالقات وجماالت‬ ‫التعاون امل�شرتك وال�شراكة القائمة بني البلدين على خمتلف الأ�صعدة‪.‬‬ ‫‪ 20‬وقع���ت اجلمهورية اليمنية وجمهورية كوريا اجلنوبي���ة مبقر البعثة اليمنية‬ ‫لدى املقر الأوروبي للأمم املتحدة بجنيف على االتفاق الثنائي الن�ضمام اليمن �إىل‬ ‫منظمة التجارة العاملية‪ ،‬وتت�ضم���ن االتفاقية �سقوف التعرفة اجلمركية �أو «الربط‬ ‫التعريفي» للبنود ال�سلعية التي مت االتفاق عليها بني البلدين‪.‬‬

‫‪ 22‬وقع يف العا�صمة القطرية الدوحة‪ ،‬على الربنامج التنفيذي الثالث لالتفاق‬ ‫الرتب���وي والعلم���ي للأع���وام الدرا�سي���ة ‪ 2012 - 2010‬بني وزارة الرتبي���ة والتعليم‬ ‫ووزارة التعلي���م والتعليم الع���ايل القطرية‪ ،‬وذلك على هام�ش امل�ؤمتر الرتبوي حول‬ ‫جودة التعليم يف البالد العربية‪.‬‬ ‫‪ 22‬الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صال���ح ي�ستقبل ال�سي���د لي�س كامب���ل‪ ،‬نائب مدير‬ ‫املعه���د الدميقراط���ي الأمريكي ل�ش����ؤون ال�شرق الأو�س���ط و�شم���ال �أفريقيا‪ ،‬جرى‬ ‫خ�ل�ال املقابلة ا�ستعرا�ض جوانب العالقات بني اليمن والواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫و�أن�شط���ة املعهد الدميقراطي الأمريكي لدع���م النهج الدميقراطي واالنتخابات يف‬ ‫اليم���ن‪ ،‬كما تن���اول اللقاء بحث �سري عمليات احلوار الوطن���ي ال�شامل تعزيز ًا ملبد�أ‬ ‫الدميقراطية و�إجراء االنتخابات يف موعدها املحدد عام ‪.2011‬‬ ‫‪ 22‬وقعت اجلمهورية اليمنية و�إيطاليا على اتفاقية متويل م�شروع التنوع البيئي‬ ‫يف �أرخبي���ل �سقطرى‪ ،‬تق�ضي بتقدمي �إيطاليا مبل���غ ثالثة مليون يورو للم�ساهمة يف‬ ‫دعم م�شروع التنوع البيئي يف الأرخبيل‪.‬‬ ‫‪ 22‬بح���ث وزي���ر الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري‪ ،‬ب�صنع���اء‪ ،‬مع م�سئول التعاون‬ ‫يف وزارة اخلارجي���ة االيطالية امل�ست�شار فران�شي�سكوفورت���ي‪� ،‬أوجه التعاون الأمني‬ ‫ب�ي�ن البلدي���ن‪ ،‬وخا�صة يف جمال خف���ر ال�سواح���ل والتدريب والت�أهي���ل‪ ،‬كما ناق�ش‬ ‫اجلانبان املرحلة الثانية م���ن م�شروع منظومة الرادارات للرقابة ال�ساحلية والذي‬ ‫�سيبد�أ من �شقرة مبحافظة �أبني �إىل ن�شطون مبحافظة املهرة بتمويل من احلكومة‬ ‫االيطالية‪.‬‬ ‫‪ 23‬وقع���ت اليمن ولبنان يف العا�صمة بريوت‪ ،‬على حم�ض���ر تبادل وثائق �إبرام‬ ‫اتفاقي���ة ت�أ�سي�س اللجنة العلي���ا امل�شرتكة للتعاون االقت�ص���ادي والعلمي والفني بني‬ ‫البلدي���ن‪ ،‬وقعه���ا �سف�ي�ر اليمن ل���دى بريوت في�ص���ل �أبو ر�أ����س‪ ،‬و�أمني ع���ام وزارة‬ ‫اخلارجية اللبنانية بالوكالة ال�سفري وليم حبيب‪.‬‬ ‫‪ 24‬عق���د يف مدينة نيوي���ورك الأمريكية‪ ،‬االجتماع ال���وزاري ملجموعة �أ�صدقاء‬ ‫اليم���ن برئا�سة م�شرتكة من قب���ل وزير اخلارجية الدكتور �أب���و بكر القربي‪ ،‬ووكيل‬ ‫وزارة اخلارجي���ة ال�سع���ودي الأم�ي�ر تركي بن حمم���د �آل �سعود‪ ،‬ووزي���ر اخلارجية‬ ‫الربيطاين ولييم هييج‪ ،‬و�شارك يف امل�ؤمتر وزراء خارجية وممثلني عن ‪ 27‬دولة من‬ ‫ال���دول الأع�ضاء يف جمموعة �أ�صدقاء اليمن وعن االحتاد الأوروبي والبنك الدويل‬ ‫واملنظم���ات الدولية املانحة‪ .‬و�أكد امل�شاركون دع���م حكومات بالدهم وم�ؤ�س�ساتهم‬ ‫الدولية جله���ود اليمن الرامية للدفع بعملية الإ�صالح���ات االقت�صادية وال�سيا�سية‬ ‫والتخفي���ف من الفقر وم�ساندة جهودها يف مكافح���ة التطرف والإرهاب‪ ،‬وجددوا‬ ‫مواق���ف دوله���م الداعمة لليم���ن وم�ساندة جه���وده للحفاظ على وحدت���ه و�سيادته‬ ‫وحتقيق �أمنه وا�ستقراره‪.‬‬ ‫‪� 25‬أك���دت اليمن على احل���ق الثابت جلميع الدول يف امت�ل�اك الطاقة النووية‬ ‫للأغرا�ض ال�سلمية‪ ،‬واحلد من انت�شار الأ�سلحة النووية‪ ،‬و�إن�شاء مناطق خالية من‬ ‫�أ�سلح���ة الدم���ار ال�شامل خا�صة يف منطق���ة ال�شرق الأو�سط‪ .‬ج���اء ذلك يف الكلمة‬

‫الت���ي �ألقاه���ا �سف�ي�ر اليم���ن ل���دى‬ ‫النم�س���ا ومندوبه���ا الدائ���م ل���دى‬ ‫الأمم املتحدة واملنظم���ات الدولية‬ ‫عب���د احلكي���م الإري���اين يف الدورة‬ ‫الـ‪ 54‬للم�ؤمتر الع���ام للوكالة الدولية‬ ‫للطاقة الذرية الذي عقد يف فينا خالل‬ ‫الفرتة ‪� 24 - 20‬أيلول‪�/‬سبتمرب‪.‬‬ ‫‪ 25‬وزي���ر الداخلي���ة مطهر ر�ش���اد امل�صري‬ ‫يبح���ث ب�صنعاء مع الوف���د الأمني ال�سع���ودي برئا�سة‬ ‫العميد �أحمد الزهراين م�ساع���د املدير العام للمديرية العامة‬ ‫ملكافح���ة املخ���درات �أوج���ه التعاون الأمني ب�ي�ن البلدين‪ ،‬خا�ص���ة يف جمال جرائم‬ ‫مكافحة املخدرات والإرهاب‪.‬‬ ‫‪ 25‬وزي���ر النقل خال���د الوزير يلتقي ب�صنعاء اخلبري ال���دويل يف �سيا�سة الأمن‬ ‫وال�سالم���ة البحرية باالحتاد الأوروبي �أدمريال هوبرت دوغوليري‪ ،‬ومديرة برنامج‬ ‫و�سائل حتقي���ق اال�ستقرار يف املفو�ضي���ة الأوروبية ب�صنعاء �سيل���ك بيكوالي‪ .‬جرى‬ ‫خ�ل�ال اللقاء مناق�شة الإجراءات النهائية لتجهيز املركز الإقليمي للتن�سيق وتبادل‬ ‫املعلوم���ات ملكافحة القر�صنة البحرية وال�سطو امل�سل���ح على ال�سفن مبنطقة غربي‬ ‫املحيط الهندي وخليج عدن قبالة ال�سواحل ال�صومالية ومقره الرئي�س �صنعاء‪.‬‬ ‫‪ 28‬الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صالح يتلق���ى ات�ص���ا ًال هاتفي ًا من رئي����س املكتب‬ ‫ال�سيا�س���ي حلركة املقاوم���ة الإ�سالمية الفل�سطينية «حما�س» خال���د م�شعل‪� ،‬أطلعه‬ ‫خالله على م�ستجدات الأو�ضاع على ال�ساحة الفل�سطينية وجهود حتقيق امل�صاحلة‬ ‫ضال عن �إطالع���ه على املعاناة الإن�سانية والأو�ضاع‬ ‫الفل�سطيني���ة – الفل�سطينية‪ ،‬ف� ً‬ ‫ال�صعب���ة الت���ي يعي�شه���ا �أبناء ال�شع���ب الفل�سطين���ي يف قطاع غزة ج���راء احل�صار‬ ‫الإ�سرائيلي اجلائر املفرو�ض على القطاع‪.‬‬ ‫‪ 29‬وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري يلتقي ب�صنعاء نائب قائد قوات عملية‬ ‫�أتالنتا يف البحرية الأوروبي���ة الأدمريال توما�س ارن�ست والوفد املرافق له بح�ضور‬ ‫رئي�س بعثة االحتاد الأوروبي ب�صنعاء ميكيليه �سريفونه دور�سو‪ ،‬جرى خالل اللقاء‬ ‫بحث �أوجه التعاون والتن�سيق الأمني بني اليمن واالحتاد الأوروبي �سيما يف ما يتعلق‬ ‫بالتع���اون الثنائ���ي والتدريب والت�أهيل يف جمال خف���ر ال�سواحل ومكافحة الإرهاب‬ ‫والقر�صنة البحرية‪.‬‬

‫ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر‬

‫‪2010‬‬

‫‪ 3‬اختتم���ت ب�صنع���اء جل�س���ات �أعم���ال امل�ش���اورات الر�سمي���ة اليمني���ة‪ -‬الأملانية‬ ‫برئا�سة نائب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل‬ ‫عبدالك���رمي الأرحب���ي‪ ،‬وال�سفري الأمل���اين ب�صنعاء مايكل كل���ور بري�شتولد وم�سئول‬ ‫منطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقي���ا بوزارة التعاون االقت�صادي الأملانية برون‬ ‫زوول‪ .‬ووق���ع اجلانبان يف ختام اجلل�س���ات على ثالث اتفاقيات للتعاون الثنائي بني‬ ‫البلدين‪ ،‬منها اتفاقية الدعم الإ�ضايف الأملاين املقدم لربنامج الأمن الغذائي مببلغ‬ ‫مليون�ي�ن وخم�سمائ���ة �ألف يورو‪ ،‬واالتفاقي���ة التنفيذية لربنام���ج دعم الإ�صالحات‬ ‫مببل���غ ثالثة مالي�ي�ن و�سبعمائة �ألف يورو‪� ،‬إىل جانب االتفاقي���ة التمويلية اخلا�صة‬ ‫مب�شروع تو�سعة حمطة املجاري يف مدينة �إب مببلغ مليونني وثمامنائة �ألف يورو‪.‬‬ ‫‪ 5‬الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صالح ي�ستقب���ل ع�ضو اللجن���ة املركزي���ة حلركة فتح‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪77‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫الفل�سطيني���ة الدكتور نبيل �شعث‪ ،‬املبعوث ال�شخ�ص���ي للرئي�س الفل�سطيني‪ ،‬والذي‬ ‫نق���ل �إليه ر�سالة من الرئي�س حممود عبا�س �أبو مازن تتعلق بتطورات الأو�ضاع على‬ ‫ال�ساح���ة الفل�سطينية يف �ضوء املفاو�ض���ات الفل�سطينية ‪ -‬الإ�سرائيلية التي ترعاها‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫‪ 5‬الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صال���ح ي�ستقب���ل وليم برين���ز وكي���ل وزارة اخلارجية‬ ‫الأمريكي���ة‪ ،‬وبح���ث مع���ه جوانب العالق���ات الثنائية وجم���االت التع���اون امل�شرتك‬ ‫القائ���م بني البلدي���ن‪ ،‬ونتائج اجتماع جمموعة �أ�صدقاء اليم���ن الذي انعقد م�ؤخر ًا‬ ‫يف نيويورك‪.‬‬ ‫‪ 5‬جمل����س الن���واب يواف���ق على ان�ضم���ام اليم���ن �إىل اتفاقي���ة املنظم���ة الدولية‬ ‫لالت�ص���االت املتنقلة عرب الأقمار اال�صطناعية «الأم�س���و» ب�صيغتها املعدلة يف عام‬ ‫‪.2008‬‬ ‫‪� 5‬أ�ش���ادت الواليات املتحدة الأمريكية بجهود اليم���ن يف مكافحة الإرهاب و�أداء‬ ‫�أجهزت���ه الأمني���ة يف مالحقة عنا�صر تنظيم القاعدة‪ ،‬ج���اء ذلك على ل�سان وكيل‬ ‫�أول وزارة اخلارجي���ة الأمريكي���ة وليم برين���ز‪ ،‬يف م�ؤمتر �صحفي عق���ده بال�سفارة‬ ‫الأمريكية ب�صنعاء يف �إطار زيارته لليمن‪.‬‬ ‫‪ 6‬بلغ���ت مديونية اليم���ن اخلارجية‪ ،‬خم�س���ة مليارات و‪ 914‬ملي���ون دوالر بنهاية‬ ‫متوز‪/‬يولي���و ‪ ،2010‬اجل���زء الأكرب منه���ا مل�ؤ�س�سات التمويل الدولي���ة مبقدار ثالثة‬ ‫ملي���ارات و‪ 126‬مليون دوالر‪ .‬وبح�سب تقرير �صادر عن البنك املركزي اليمني فقد‬ ‫توزع���ت بقية املديونية على ال���دول الأع�ضاء يف نادي باري����س‪ ،‬مبقدار مليار و‪742‬‬ ‫ملي���ون دوالر‪ ،‬بينم���ا بلغت املديونية ل�صالح الدول غ�ي�ر الأع�ضاء يف نادي باري�س‪،‬‬ ‫‪ 844‬مليون دوالر‪ ،‬و�أورد التقرير ‪ 201‬مليون دوالر مديونية جلهات مل ي�سمها‪.‬‬ ‫‪ 6‬وقع���ت وزارة النف���ط واملع���ادن‪ ،‬مع �شركة كوي���ت �إنرجي للطاق���ة على مذكرة‬ ‫تفاه���م لتنفيذ درا�سة ع���ن ا�ستخدامات واحتياطيات الغ���از يف اليمن تق�ضي قيام‬ ‫ال�شرك���ة بتنفيذ درا�سة ا�ستخدامات الغاز حملي��� ًا وزيادة املوارد الوطنية من الغاز‬ ‫الطبيعي �إىل �أق�صى حد ممكن‪.‬‬ ‫‪� 6‬أدان الربملان الأوربي ب�شدة االعتداءات التي ا�ستهدفت دبلوما�سيني وموظفني‬ ‫�أوروبيني يف �صنعاء‪ ،‬وقال رئي����س الربملان الأوروبي جري�سي بوزيك يف ت�صريحات‬ ‫�أدىل بها يف بروك�سل «�إن اعتداءات �صباح الأربعاء وا�ستهداف دبلوما�سيني ورعايا‬ ‫�أوروبي�ي�ن يف اليم���ن‪ ,‬يوجه �إنذار ًا للمجتمع الدويل ويدع���وه للتحرك العاجل لدعم‬ ‫اليم���ن وتعزيز قدراته يف مواجهة الإره���اب والت�صدي للأعمال الإرهابية»‪ ،‬و�شدد‬ ‫عل���ى �ض���رورة م�ساعدة احلكوم���ة اليمنية من �أج���ل معاجلة الو�ض���ع الأمني وبناء‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫‪ 6‬دان���ت اململكة املتحدة وجمهورية فرن�سا‪ ،‬وا�ستنكرت���ا ب�شدة الأعمال الإرهابية‬ ‫التي يتبناها تنظيم القاع���دة يف اليمن والتي كان �آخرها ا�ستهداف بريطانيني يف‬ ‫�صنعاء‪ ,‬م�ؤكدتني �أن تلك الأعمال تزيد من �إ�صرار املجتمع الدويل على دعم اليمن‬ ‫وتعزيز قدراته ملواجهة التحديات الراهنة ويف مقدمتها الإرهاب وم�ساندة جهوده‬ ‫على ال�صعد التنموية املختلفة‪.‬‬ ‫‪ 7‬الرئي����س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل عبد الرحمن حممد حممود رئي�س والية‬ ‫‪78‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫بونت الن���د بال�صومال‪ ،‬وجرى يف اللق���اء تناول العالقات اليمني���ة – ال�صومالية‪،‬‬ ‫والأو�ضاع يف ال�صومال ومنه���ا الأو�ضاع يف والية بونت الند‪ ،‬ونتائج املباحثات التي‬ ‫�أجراه���ا رئي�س والية بون���ت الند مع امل�س�ؤول�ي�ن يف اليمن‪ ،‬بالإ�ضاف���ة �إىل الق�ضايا‬ ‫املت�صل���ة مبكافحة القر�صنة البحري���ة يف خليج عدن وتن�سي���ق اجلهود املبذولة يف‬ ‫هذا املجال‪.‬‬ ‫‪ 7‬الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح ي�ستقبل الدكتور حممد بره���ان الدين‪� ,‬سلطان‬ ‫البه���رة‪ ،‬الذي يزور اليمن‪ .‬وجرى يف اللقاء احلديث ح���ول طائفة البهرة والعديد‬ ‫من الق�ضايا التي تهم الأمة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫‪ 7‬عقد يف العا�صمة الأمريكية لقاء مو�سع ملمثلي جمموعة �أ�صدقاء اليمن نظمته‬ ‫وزارة اخلزان���ة الأمريكية عل���ى هام�ش االجتماع ال�سنوي للبن���ك الدويل و�صندوق‬ ‫النقد الدويل املنعقد حالي ًا يف وا�شنطن‪ ،‬بح�ضور الوفد اليمني برئا�سة نائب رئي�س‬ ‫الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي الأرحبي‪،‬‬ ‫ووكيلة وزارة اخلزانة الأمريكية ل�ش�ؤون العالقات الدولية ليل برينارد‪.‬‬ ‫‪ 8‬عق���د الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح والرئي�س الليبي معم���ر القذايف يف مدينة‬ ‫�س���رت الليبية قمة مينية‪ -‬ليبي���ة بحثا فيها تطورات الأو�ض���اع الراهنة يف املنطقة‬ ‫والق�ضايا وامل�ستجدات الإقليمية والدولية التي تهم البلدين والأمة العربية‪.‬‬ ‫‪ 9‬الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح يلقي كلمة اليمن يف القم���ة العربية اال�ستثنائية‬ ‫الت���ي ب���د�أت �أعمالها يف مدينة �سرت الليبية‪� ،‬أكد فيها عل���ى الأهمية التي تكت�سبها‬ ‫ه���ذه القم���ة اال�ستثنائي���ة نظر ًا لأهمي���ة املو�ضوعات الت���ي تناق�شه���ا ويف مقدمتها‬ ‫مو�ضوع تفعيل العمل العربي امل�شرتك وتطوير �آلياته‪.‬‬ ‫‪ 11‬الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح ي�ستقبل مبق���ر �إقامته بباري����س ال�شيخ حمد‬ ‫ب���ن جا�س���م بن جرب �آل ثاين رئي�س الوزراء وزي���ر اخلارجية بدولة قطر‪ ،‬الذي نقل‬ ‫ل���ه ر�سالة م���ن ال�شيخ حمد ب���ن خليفة �آل ثاين �أم�ي�ر دولة قطر تتعل���ق بالعالقات‬ ‫الثنائي���ة وجماالت التع���اون امل�شرتك ويف مقدمتها التع���اون يف املجال االقت�صادي‬ ‫واال�ستثماري‪.‬‬ ‫‪ 11‬الرئي����س عل���ي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل مبقر �إقامت���ه يف العا�صمة الفرن�سية‬ ‫باري����س هوم بوليه‪ ،‬م�ست�شار الرئي�س الفرن�سي للأمن القومي وال�سيد كورما كونقو‬ ‫رئي����س الأمن اخلارجي الفرن�س���ي وال�سيد �سوار زينيه رئي�س الأمن الداخلي‪ ،‬جرى‬ ‫خ�ل�ال اللقاء بحث جماالت التعاون اليمن���ي– الفرن�سي‪ ،‬ال�سيما يف املجال الأمني‬ ‫ومكافح���ة الإرهاب والقر�صنة البحرية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل بحث الأو�ضاع يف ال�صومال‬ ‫ومنطق���ة القرن الإفريق���ي‪ ،‬والعديد من الق�ضايا التي تهم الأمن يف اليمن وفرن�سا‬ ‫ومنها التعاون يف جمال تبادل املعلومات والتدريب‪.‬‬ ‫‪ 12‬عق���د الرئي����س الفرن�س���ي نيكوال �سارك���وزي والرئي�س علي عب���داهلل �صالح‬ ‫بق�ص���ر الإليزيه قمة مينية فرن�سية بحثت �سب���ل تعزيز العالقات الثنائية والتعاون‬ ‫وال�شراك���ة القائمة بني البلدين عل���ى خمتلف الأ�صعدة‪ ،‬ومنه���ا التعاون يف املجال‬ ‫االقت�ص���ادي والأمني ومكافح���ة الإره���اب والقر�صنة‪ ،‬بالإ�ضاف���ة �إىل بحث الدور‬ ‫الفرن�س���ي لدع���م اليمن يف �إطار االحت���اد الأوروبي وجمموع���ة �أ�صدقاء اليمن‪ ،‬يف‬ ‫�ضوء نتائج اجتماع نيويورك وما �سيتم بحثه يف االجتماع القادم يف الريا�ض‪.‬‬

‫‪ 12‬رئي����س الوزراء الفرن�سي ال�سيد فران�سوا فيون يلتقي الرئي�س علي عبد اهلل‬ ‫�صالح‪ ،‬وجرى يف اللقاء بح���ث العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك وعلى‬ ‫خمتل���ف الأ�صعدة ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية والثقافية والأمني���ة ومكافحة الإرهاب‬ ‫والقر�صن���ة البحري���ة‪ ,‬و�سب���ل تعزيزها وتطويره���ا‪ ،‬وملا يحقق امل�صال���ح امل�شرتكة‬ ‫للبلدين‪.‬‬ ‫‪ 13‬وق���ع اليمن وبرنامج الأغذية العاملي ب�صنع���اء مذكرة تفاهم لدعم الفئات‬ ‫املت�أث���رة بتداعي���ات االرتفاع العامل���ي يف �أ�سعار املواد الغذائي���ة بكلفة ت�صل �إىل ‪37‬‬ ‫ملي���ون دوالر‪ ،‬تق�ضي بتخ�صي�ص الربنامج مبلغ ‪ 37‬ملي���ون دوالر للتو�سع يف عملية‬ ‫تق���دمي الدعم الغذائ���ي ومتديد الربنامج املع���د يف هذا ال�صدد حت���ى نهاية �شهر‬ ‫كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ ،2010‬وبحيث ي�شمل الدعم ما يقدر مبليون و�سبعمائة �ألف‬ ‫م�ستفي���د ويوزع على ‪ 11‬حمافظة هي رمية‪� ،‬إب‪ ،‬عمران‪ ،‬ال�ضالع‪ ،‬حجة‪ ،‬املحويت‪،‬‬ ‫البي�ضاء‪ ،‬حلج‪ ،‬احلديدة‪ ،‬تعز‪ ،‬و�شبوة‪.‬‬ ‫‪ 17‬وقع���ت اللجنة العلي���ا لالنتخاب���ات واال�ستفتاء والربنام���ج الإمنائي للأمم‬ ‫املتحدة ومفو�ضية االحتاد الأوروبي ب�صنعاء وثيقة م�شروع الدعم االنتخابي بكلفة‬ ‫�إجمالي���ة ت�صل �إىل م���ا يقارب ‪ 3‬مالي�ي�ن دوالر �أمريكي‪ ،‬تخ�ص����ص لدعم �أن�شطة‬ ‫م�ش���روع الدعم االنتخابي‪ ،‬واملتمثل���ة بتعزيز قدرات اللجن���ة العليا لالنتخابات يف‬ ‫عملية التوعية االنتخابية‪ ،‬ودعم الأطر القانونية والتنظيمية‪ ،‬ودعم عملية حتديث‬ ‫�سجل الناخبني‪� ،‬إىل جانب تثقيف الناخبني واملراقبة املحلية‪ ،‬ودعم زيادة م�شاركة‬ ‫املر�أة يف العملية االنتخابية‪.‬‬ ‫‪ 17‬وقع���ت يف �صنع���اء مذكرة تفاهم يف جمال النقل اجل���وي بني الهيئة العامة‬ ‫للطريان املدين والأر�صاد و�سلطة الطريان املدين مبملكة البحرين‪ ،‬ت�ضمنت تعيني‬ ‫الناق�ل�ات اجلوية بحيث تقب���ل اجلمهورية اليمنية �أن تك���ون �شركة طريان اخلليج‬ ‫و�شرك���ة طريان البحرين كناقالت وطنية معينة من قب���ل حكومة مملكة البحرين‬ ‫وتقب���ل احلكومة البحريني���ة ب�أن تكون اخلطوط اجلوية اليمني���ة وطريان ال�سعيدة‬ ‫كناقالت وطنية معينة من قبل اجلمهورية اليمنية‪.‬‬ ‫‪ 18‬وقع���ت اجلمهوري���ة اليمنية يف العا�صم���ة الكويتية‪ ،‬حم�ض���ر م�ساهمتها يف‬ ‫احل�س���اب اخلا�ص بتمويل م�شاريع القطاع اخلا����ص ال�صغرية واملتو�سطة يف الدول‬ ‫العربية ومببلغ قدره خم�سة ماليني دوالر‪.‬‬ ‫‪ 18‬افتت���ح ب�صنع���اء �أعمال امل�ؤمتر الثالث للنفط والغ���از واملعادن الذي تنظمه‬ ‫وزارة النف���ط واملعادن مب�شاركة ‪� 75‬شرك���ة عاملية وعربية و�أكرث من ‪� 500‬شخ�صية‬ ‫عربية ودولية وحملية يف جمال البرتول والطاقة‪ ،‬ويعر�ض امل�ؤمتر على مدى يومني‬ ‫‪ 21‬فر�ص���ة جاه���زة لال�ستثم���ار منها ع�شر يف جم���ال النفط والغ���از ت�شمل ع�شرة‬ ‫قطاع���ات نفطية مفتوحة �ستة قطاعات برية و�أربع���ة قطاعات بحرية‪ ،‬و‪ 11‬فر�صة‬ ‫يف جمال ا�ستغالل املعادن وال�صخور ال�صناعية والإن�شائية‪.‬‬ ‫‪ 18‬وق���ع ب�صنعاء على هام����ش امل�ؤمتر الثالث للنفط والغ���از واملعادن مذكرتي‬ ‫تفاه���م لإن�شاء م�صن���ع للرخام واجلراني���ت و�إن�شاء �أول م�صن���ع للجب�س يف اليمن‬ ‫بتكلفة ا�ستثمارية تقدر بـ‪ 38‬مليون دوالر‪ ،‬تنفذ امل�شاريع �شركة تريند بلوم ليمتيد‪،‬‬ ‫و�شركة ثروة لل�صناعات اال�ستخراجية‪.‬‬

‫‪ 21‬وقع���ت جلن���ة املتابع���ة‬ ‫املنبثقة عن اللجن���ة العليا اليمنية‪-‬‬ ‫ال�سوري���ة امل�شرتك���ة املح�ضر اخلتامي‬ ‫الجتماعاته���ا الت���ي عق���دت بدم�ش���ق‪،‬‬ ‫وال���ذي ت�ضم���ن االتفاق عل���ى �آلي���ة املتابعة‬ ‫ب�ي�ن اجلانب�ي�ن وحتديد �إج���راءات تنفيذ ما مت‬ ‫االتفاق علي���ه يف اجتماعات ال���دورة العا�شرة للجنة‬ ‫العلي���ا اليمنية ال�سورية امل�شرتك���ة املنعقدة يف �آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫املا�ضي ب�صنعاء‪.‬‬ ‫‪� 21‬أو�ص���ى االجتماع الدويل للفريق العامل ملحاربة القر�صنة امل�شكل من الأمم‬ ‫املتح���دة‪ ,‬باعتماد الإ�سرتاتيجية الوطنية اليمني���ة ملحاربة القر�صنة‪ .‬و�أكد الفريق‬ ‫خ�ل�ال اجتماعه يف مقر املنظمة البحرية الدولي���ة بلندن �أن الإ�سرتاتيجية اليمنية‬ ‫ملحارب���ة القر�صنة تعترب خطة فاعلة‪ ،‬وحتتاج اىل تق���دمي الدعم الالزم لتنفيذها‬ ‫من املجتمع الدويل‪.‬‬ ‫‪ 24‬وق���ع ب�صنع���اء‪ ،‬عل���ى اتفاقيتي متويل يف جم���ال الأمن الغذائ���ي بني اليمن‬ ‫واملفو�ضي���ة الأوروبي���ة بتكلف���ة �إجمالية ‪ 24‬ملي���ون يورو‪ ،‬تقدم املفو�ضي���ة الأوروبية‬ ‫مبوج���ب االتفاقية الأويل متوي���ل بقيمة ‪ 17‬مليون يورو تكر����س لدعم برامج الأمن‬ ‫الغذائي يف اليمن‪ ،‬فيما ت�ضمن���ت اتفاقية التمويل الثانية تخ�صي�ص �سبعة ماليني‬ ‫ي���ورو م���ن املفو�ضية لتموي���ل برام���ج و�أن�شطة يف جم���ال الأمن الغذائ���ي يف اليمن‬ ‫وبخا�صة التغذية ال�صحية‪.‬‬ ‫‪ 28‬عقدت بالعا�صمة الأريرتي���ة �أ�سمرة‪ ،‬قمة مينية ‪� -‬إريرتية برئا�سة الرئي�س‬ ‫عل���ي عبد اهلل �صال���ح والرئي����س �إ�سيا�س �أفورقي بح���ث خاللها عالق���ات التعاون‬ ‫امل�ش�ت�رك بني البلدي���ن يف خمتلف املجاالت و�سبل تعزيزه���ا‪ ،‬خ�صو�ص ًا التعاون يف‬ ‫املجال التجاري واال�ستثمار واال�صطياد ال�سمكي والتعاون الأمني‪.‬‬ ‫‪ 29‬وقع �سفري اليمن ومندوبها الدائم باملقر الأوروبي للأمم املتحدة واملنظمات‬ ‫الدولية الدكت���ور �إبراهيم العدويف‪ ،‬و�سفري اليابان باملنظمة �شيني�شي كتاجيما‪ ،‬يف‬ ‫جني���ف‪ ،‬عل���ى االتفاقية الثنائي���ة يف �إطار عملي���ة ان�ضمام اليمن ملنظم���ة التجارة‬ ‫العاملية‪.‬‬ ‫‪ 30‬الرئي����س عل���ي عبد اهلل �صال���ح يتلقى ات�ص���ا ًال هاتفي ًا من رئي����س الوزراء‬ ‫الربيطاين ديفيد كامريون‪ ،‬جرى خالله بحث عالقات التعاون الثنائي بني البلدين‬ ‫وخ�صو�ص��� ًا يف جم���ال مكافح���ة الإرهاب‪ ،‬يف �ض���وء ما تردد عن �ضب���ط ال�سلطات‬ ‫الربيطانية طرد م�شبوه على منت طائرة �شحن كانت متجهة �إىل الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫و�أك���د الرئي�س ورئي����س الوزراء الربيط���اين احلر�ص امل�شرتك عل���ى تنمية وتو�سيع‬ ‫التعاون الثنائي بني البلدين يف مكافحة الإرهاب يف �إطار ال�شراكة الدولية ملكافحة‬ ‫هذا اخلطر الذي يهدد الأمن وال�سلم الدوليني‪.‬‬ ‫‪ 30‬الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صال���ح يتلقى ات�ص���ا ًال هاتفي ًا م���ن م�ساعد رئي�س‬ ‫الوالي���ات املتح���دة الأمريكي���ة ل�ش����ؤون مكافحة الإره���اب و�ش�ؤون الأم���ن الداخلي‬ ‫ج���ون بريينان‪ ،‬بحث االت�صال جوانب التع���اون وال�شراكة القائمة بني البلدين ويف‬ ‫مقدمته���ا اجلوانب الأمنية ومكافحة الإرهاب‪ .‬وتناول االت�صال ما ذكر عن �ضبط‬ ‫طردين م�شبوهني‪ ،‬كانا يف طريقهما �إىل الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪79‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫عني على اليمن‬

‫التي يقوده����ا ال�شباب مث����ل ‪Resonate! Yemen‬‬

‫حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*‬

‫اليمن هو �أكثـر مما نراه يف الأخبار‬ ‫�ألي�س هاكمان‬ ‫خدمة «الأر�ضية امل�شرتكة» الإخبارية‬ ‫‪ 10‬كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪\2010‬‬ ‫ُيربِز تركيز الإعالم الربيطاين على امر�أة م�سلمة‬ ‫بريطاني���ة �شاب���ة قامت بطعن ع�ض���و يف الربملان‬ ‫الربيط���اين ال�شه���ر املا�ضي مرة �أخ���رى منظور ًا‬ ‫مظلم ًا عل���ى اليمن‪ .‬وبح�سب �صحيفة الغارديان‪،‬‬ ‫قالت رو�شون���ارا ت�شاودري‪ ،‬الطالب���ة البالغة من‬ ‫العمر ‪ 21‬عام��� ًا والتي طعن���ت ال�سيا�سي لدعمه‬ ‫احل���رب يف العراق‪ ،‬لل�شرطة �أنها «كانت ت�صغي‬ ‫عال �إ�سالمي‬ ‫ملحا�ضرات �أنور العولق���ي ‪� ...‬إنه مِ‬ ‫يعي�ش يف اليمن»‪.‬‬ ‫وبينم���ا يركّ���ز الإع�ل�ام عل���ى خط���ب العولقي‬ ‫عل���ى �شبك���ة الإنرتن���ت ودوره يف �إط�ل�اق جملة‬ ‫القاع���دة اجلدي���دة وعل���ى معرك���ة احلكوم���ة‬ ‫اليمني���ة املتوا�صلة �ضد القاع���دة‪ ،‬جرى �إغراق‬ ‫اليم���ن احلقيقي يف ظالم �إعالم���ي‪� .‬إال �أن هذا‬ ‫الطرح بال���ذات‪ ،‬وهو اخلا����ص بغالبية ال�سكان‬ ‫ولي�س جم���رد ب�ضع مئ���ات م���ن املت�شددين‪ ،‬هو‬ ‫الذي ميلك مفتاح تفهّم �أف�ضل‪ ،‬فيك�سر ال�صور‬ ‫النمطي���ة ورمب���ا ي����ؤدي يف النهاي���ة �إىل تطرف‬ ‫�أقل‪.‬‬ ‫يجل����س �أب���و بك���ر ال�شماح���ي‪ ،‬اليمن���ي املولود يف‬ ‫بريطاني���ا والبالغ من العمر ‪ 21‬عام ًا داخل مقهى‬ ‫قرب حمطة «كينغز كرو�س» بو�سط لندن يحت�سي‬ ‫ال�شوكوال ال�ساخنة ويتح���دث بعاطفة جيا�شة عن‬ ‫‪80‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫وطنه الأ�صلي‪ .‬وهو ال يتحدث بتات ًا عن التطرف‪.‬‬ ‫ب���د ًال من ذلك يتح���دث عن الف�س���اد وخوفه من‬ ‫�أال تُ�ص���رَف �أموال املانحني ب�ش���كل �صحيح على‬ ‫التنمي���ة على امل���دى البعي���د‪ .‬وي�ضح���ك �أبو بكر‬ ‫من حماوالت الأهايل اليمنيني ترتيب العالقات‬ ‫الزوجية‪ ،‬ويتغنّى بجمال مدينة �صنعاء القدمية‪.‬‬ ‫مل يت�أثر �أحد يعرفه بخطب العولقي املتطرفة‪.‬‬ ‫ه���ذا هو اليم���ن احلقيق���ي‪ .‬لي�س ه���و طروحات‬ ‫العولق���ي الزائفة حول مين يك���ره الغرب ويدرّب‬ ‫املتمردي���ن املت�شددي���ن‪� .‬إن���ه بل���د يقطن���ه م���ا‬ ‫يزي���د على ‪ 22‬ملي���ون �شخ�ص‪� ،‬أك�ث�ر من �سبعني‬ ‫باملائ���ة منهم حت���ت �س���ن اخلام�س���ة والع�شرين‪،‬‬ ‫ينا�ض���ل من �أجل التط���ور واالن�ضمام �إىل منظمة‬ ‫التج���ارة العاملية‪ .‬هذا ما يخرب ب���ه �شباب اليمن‬ ‫ال���ذي يتح���دث الإجنليزية العامل عل���ى �صفحات‬ ‫الفي�سب���وك‪ .‬اجت���ذب الكندي من �أ�ص���ول مينية‪،‬‬ ‫ع�صمت الأخايل‪ ،‬وعمره ‪� 32‬سنة‪� ،‬أكرث من ‪4500‬‬ ‫م�ستخ���دِ م عل���ى �صفحت���ه وعنوانها «�أن���ا �أعرف‬ ‫�شخ�ص ًا يف اليمن‪ ،‬وهو‪/‬هي لي�س �إرهابياً!»‪ ،‬التي‬ ‫�أطلقها يف كانون الثاين‪/‬يناير‪ .‬وم�ؤخراً‪� ،‬أطلقت‬ ‫ال�شابة اليمني���ة �أطياف �أ‪ .‬م�شروع فيديو �أ�سمته‪:‬‬ ‫«�أنا مينية‪ ،‬ل�ست �إرهابية»‪.‬‬ ‫م���ع ذلك‪ ،‬يق���ول العولقي يف مقابل���ة �أجراها يف‬

‫�شه���ر �أيار‪/‬مايو املا�ضي �أنه متتع بحرية احلركة‬ ‫ب�ي�ن القبائ���ل اليمنية لأن «�أه���ل اليمن يكرهون‬ ‫الأمريكيني‪ ».‬هذا لي�س �صحيحاً‪ .‬ف�أغلب �شباب‬ ‫اليم���ن يتعلمون اللغة الإجنليزي���ة لأنهم‪ ،‬وفيما‬ ‫ع���دا كونها اللغة العاملي���ة يف عامل الأعمال‪ ،‬هم‬ ‫يحلمون بالهجرة �إىل الواليات املتحدة �أو �أوروبا‬ ‫للدرا�سة �أو العمل‪.‬‬ ‫تعت�ب�ر ال�ش���كاوى اليومي���ة بالن�سب���ة لليمن���ي‬ ‫ال�شاب العادي �أك�ث�ر �أهمية من ال�سيا�سة‪ .‬ي�أمل‬ ‫اخلريج���ون �أن يج���دوا عمالً‪ ،‬ويكاف���ح ال�شباب‬ ‫لتجميع ما يكفي من الوظائف حتى يتمكنوا من‬ ‫ال���زواج‪ .‬ويكافح املتزوجون اجل���دد �ضد زيادة‬ ‫الأ�سع���ار‪ .‬يعي�ش حوايل ن�صف ال�سكان على �أقل‬ ‫م���ن دوالري���ن يف الي���وم‪ ،‬بينما تبق���ى م�ؤ�شرات‬ ‫النم���و االقت�ص���ادي‪ ،‬مث���ل �س���وء التغذي���ة عند‬ ‫الأطفال ون�سبة الوفي���ات عند الوالدة ومعدالت‬ ‫التح�صيل العلم���ي‪� ،‬ضعيفة جد ًا ح�سب برنامج‬ ‫الغذاء العاملي التابع للأمم املتحدة‪.‬‬ ‫ويف �شمال البالد‪ ،‬نزح مئات الآالف من اليمنيني‬ ‫نتيجة ل�ست ج����والت من احلروب بني احلكومة‬ ‫واملتمردي����ن احلوثيني‪� .‬أم����ا يف اجلنوب فتهدد‬ ‫حركة انف�صالية متنامي����ة وحدة الدولة‪ ،‬بينما‬ ‫ي�ص����ل �آالف الالجئني وال�ساعني للح�صول على‬ ‫اللجوء واملهاجرين االقت�صاديني‪� ،‬إىل ال�ساحل‬ ‫من القرن الإفريقي‪ .‬وعلى م�ستوى الدولة ككل‪،‬‬ ‫�س����وف يكافح اجليل الت����ايل للح�صول على ماء‬ ‫ال�شرب بينما ي�ستمر �س����كان الدولة يف الزيادة‬ ‫وبينم����ا تُ�ستنف����ذ مياهه����ا اجلوفي����ة امل�ستهلكة‬ ‫صال وب�سرعة‪.‬‬ ‫�أ� ً‬ ‫وبد ًال م����ن الرتكيز دائم ًا على القاعدة‪ ،‬يتوجب‬ ‫عل����ى الإعالم الدويل �أن ي��ب�رِز جهود املبادرات‬ ‫* التحليالت الواردة تعرب عن �آراء كتابها فقط‪.‬‬

‫و»�أن���ا من �أجل بلدي»‪ ،‬و»عي���ون �شابة»‪ ،‬و»برملان‬ ‫�أطفال اليمن» للتعامل م���ع بع�ض ق�ضايا الدولة‬ ‫الأخ���رى‪ .‬ويتوجب عليه عر����ض جهود �أ�صحاب‬ ‫الأعم���ال املبدع�ي�ن مث���ل حي���اة احلب�ش���ي التي‬ ‫�أن�ش�أت جمعية مل�ساعدة الفتيات من املجتمعات‬ ‫املهمّ�شة على الذهاب �إىل املدار�س‪.‬‬

‫يتوج���ب على الإع�ل�ام كذلك �أن ي�ب�رز التبادل‬ ‫الإيجاب���ي بني املجتمعات امل�سلم���ة يف بريطانيا‬ ‫واليم���ن‪ ،‬مثل اجلمعية الربيطاني���ة ال�صومالية‬ ‫اخلريي���ة الت���ي �ساع���دت عل���ى �إن�ش���اء مراك���ز‬ ‫ح�ضانة يومية للأمه���ات الالجئات ال�صغريات‬ ‫يف �صنعاء يف بداية هذه ال�سنة‪.‬‬ ‫وميكن للمزيد م���ن تركيز الإعالم على التغيري‬

‫اليمن‪ :‬ع�ضو يف املنظومة اخلليجية‬ ‫�سليمان ال�شق�صي‬ ‫جملة «�آراء حول اخلليج»‬ ‫كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬ ‫ك�شفت جملة «ال�سيا�سة اخلارجية» م�ؤخر ًا عن �ضغوط‬ ‫خارجية‪ ,‬خا�صة من قب���ل الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫و�أوروبا‪ ,‬متارَ�س �ضد �أع�ضاء جمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫للتعجي���ل يف قب���ول اليمن كع�ضو كام���ل يف هذا التكتل‬ ‫اخلليج���ي‪ ,‬حيث يُتوقع �أن �أع�ض���اء املجل�س �سيتخذون‬ ‫قراره���م النهائي بهذا ال�ش�أن يف القم���ة املقبلة املقرر‬ ‫انعقادها يف �أبو ظبي يف كانون الأول‪/‬دي�سمرب‪.2010‬‬ ‫�أذكر ب�أن قادة اخللي���ج وافقوا يف ‪ 2001‬بقمة م�سقط‪,‬‬ ‫عل���ى االن�ضمام اجلزئي لليم���ن �إىل منظومة اخلليج‪,‬‬ ‫لذل���ك نرى اليم���ن ع�ض���و ًا يف كل من جل���ان التعليم‪,‬‬ ‫ال�صح���ة‪ ,‬ال�ش�ؤون االجتماعية والعم���ل ومباريات كرة‬ ‫القدم‪ .‬لك���ن قبل �أن يكون هن���اك ان�ضمام كامل لهذا‬ ‫اجلار اجلنوب���ي‪ ,‬يجب �أن نرجع �إىل الهدف الأ�سا�سي‬ ‫الذي من �أجله مت �إن�شاء املجل�س‪ .‬ويف الوقت ذاته‪ ,‬البد‬ ‫من ت�سطري الو�ض���ع الداخلي يف اليمن والتهديد الذي‬ ‫م���ن املمك���ن �أن ي�شكله على ا�ستق���رار ووحدة اخلليج‪.‬‬ ‫وثم���ة �س�ؤال يطرح نف�سه‪ :‬هل هن���اك �شرعية للواليات‬ ‫املتح���دة الأمريكي���ة واحت���اد الأوروب���ي لأن ميار�س���ا‬ ‫�ضغوط��� ًا على دول املجل�س للتعجيل يف ان�ضمام اليمن‬ ‫�إىل النادي اخلليجي؟‬

‫النظام الأ�سا�سي ملجل�س التعاون‬

‫ت�شري امل���ادة اخلام�سة م���ن النظ���ام الأ�سا�سي ملجل�س‬ ‫التع���اون اخلليج���ي �إىل �أن املجل�س (يتك���ون من الدول‬

‫التي ا�شرتكت يف اجتماع وزراء اخلارجية يف الريا�ض‬ ‫بتاري���خ ‪ ،)1981/2/4‬وال يتط���رق ه���ذا النظ���ام �إىل‬ ‫�إمكاني���ة ان�ضم���ام ال���دول الأخرى �إىل ه���ذا التحالف‬ ‫الإقليم���ي‪ ,‬لك���ن‪ ,‬ت�سمح امل���ادة ال�سابعة‪ ,‬م���ن النظام‬ ‫ذاته‪ ,‬للمجل�س الأعلى ب���ـ «تعديل هذا النظام»‪ .‬تعدي ٌل‬ ‫يف �إمكاني���ة االن�ضمام ي�سمح لل���دول الأخرى‪ ,‬كاليمن‬ ‫مثالً‪ ,‬بتق���دمي طلباتها باالن�ضم���ام �إىل هذه امللحمة‪.‬‬ ‫�أ�ض���ف �إىل ذلك �أن النظ���ام الأ�سا�سي ي�شري‪ ,‬يف بداية‬ ‫الديباج���ة �إىل �أن الأ�سا����س يف بناء ه���ذا التحالف هو‬ ‫ت�شابه �أنظمة الدول الأع�ض���اء فيما بينها‪ .‬وهذا يعني‬ ‫�أنه م���ن دون هذا الت�شابه‪ ,‬ي�ستحي���ل �إن�شاء وا�ستمرار‬ ‫مث���ل ه���ذا التكتل‪ ,‬مما ي���دل على �أن ال���دول الأع�ضاء‬ ‫تنظر �إىل عن�صر الت�شابه بني الأنظمة ك�شرط �أ�سا�سي‬ ‫يف بناء وحدة املجل�س‪.‬‬ ‫غ�ي�ر �أنه وقبل �أن يبا�شر املجل����س الأعلى يف قبول هذا‬ ‫الطل���ب �أو رف�ض���ه‪ ,‬يج���ب �أن يفكر يف تعدي���ل النظام‬ ‫الأ�سا�س���ي و�إدراج م���ادة ت�سمح لدول اجل���وار بتقدمي‬ ‫طلب���ات ان�ضم���ام مقاب���ل �أن يواف���ق املجل����س الأعل���ى‬ ‫على ه���ذا الطلب بغ����ض النظر ع���ن موا�صفات نظام‬ ‫ال���دول املتقدم���ة بالطل���ب‪ .‬ويج���ب الإ�ش���ارة هنا �إىل‬ ‫الهدف الأ�سا�س���ي الأويل الذي �أن�شئ من �أجله جمل�س‬ ‫التع���اون اخلليجي‪ :‬الأم���ن الإقليمي‪ .‬ونذك���ر ب�أن هذا‬ ‫التكت���ل ال�سيا�سي قد �أن�شئ يف ف�ت�رة احلرب العراقية‬ ‫‪ -‬الإيراني���ة‪ ,‬وخوف دول املجل�س م���ن �أن يكون هناك‬

‫ال���ذي تق���وده املجتمع���ات يف اليم���ن‪ ،‬ب���د ًال من‬ ‫الإره���اب‪� ،‬أن يجاب���ه ال�صور النمطي���ة ال�سلبية‬ ‫لكل من اليمني�ي�ن وامل�سلمني يف الغرب‪ .‬و�سوف‬ ‫ينتج عن ذل���ك املزيد من االح�ت�رام للم�سلمني‬ ‫يف الغ���رب وم�شاعر �أقل من االنعزال �أو الغ�ضب‬ ‫ب�ي�ن �أطفالهم‪ ،‬ورمبا �أ�سباب �أقل للإن�صات �إىل‬ ‫واعظ متطرف من حيث املبد�أ‪.‬‬

‫ت�صدي���ر للث���ورة الإيراني���ة‪� ,‬أو على �أق���ل تقدير تدخل‬ ‫يف ال�ش�ؤون الداخلية م���ن قبل القوة اجلديدة املهيمنة‬ ‫�إقليمي���اً‪ .‬لذل���ك قامت دول اخللي���ج مب�ساندة العراق‪,‬‬ ‫عل���ى �أقل تقدي���ر مالي ًا و�سيا�سي���اً‪ ,‬يف حربه ال�ضرو�س‬ ‫�ضد �إيران يف ثمانينيات القرن املا�ضي‪.‬‬ ‫�إذن‪ ,‬ال�س�ؤال الذي يط���رح نف�سه‪ ,‬يف هذه املرحلة‪ ,‬هو‬ ‫هل من املمكن �أن يقبل املجل�س الأعلى ملنظومة اخلليج‬ ‫التعدي���ل على النظام الأ�سا�سي مب���ا يتطابق وان�ضمام‬ ‫�أع�ضاء جوار جدد؟ �إذا كانت الإجابة على هذا ال�س�ؤال‬ ‫«نع���م»‪ ,‬فيج���ب عل���ى الق���ادة �أن يفك���روا يف م�ستقبل‬ ‫املنظومة ودورها يف احت���واء مع�ضالت املنطقة‪ .‬حيث‬ ‫م���ن املمكن �أن ن�سمع م�ستقب ًال بطلب العراق‪� ,‬إيران �أو‬ ‫باك�ست���ان باالن�ضمام �إىل ه���ذه امللحمة‪ .‬فملف العراق‬ ‫على �سبيل املثال من املمك���ن �أن ي�أخذ منهج ًا �سيا�سي ًا‬ ‫واقت�صادي��� ًا يف الوقت ذاته‪ .‬فاملنه���ج ال�سيا�سي يتمثل‬ ‫يف �إمكان دول اخلليج تقومي ال�سيا�سة الداخلية للعراق‬ ‫بع���د ويالت الغزو الأمريكي‪ .‬وه���ذا يعني جعل العراق‬ ‫يبتع���د �شيئ ًا ف�شيئ ًا عن التدخ�ل�ات الإيرانية يف �ش�ؤونه‬ ‫الداخلي���ة وجلبه �إىل �صداق���ة �سيا�سية مع دول اخلليج‬ ‫العربية‪ ،‬مما يعني �ضمني ًا �صداقة مع القوى الأجنبية‪.‬‬ ‫�أم���ا املنه���ج االقت�ص���ادي‪ ,‬فيتمث���ل يف دور امللحم���ة‬ ‫اخلليجي���ة يف �إجبار تق���ومي االقت�ص���اد العراقي حتى‬ ‫يتطابق ومتطلبات املجل�س اخلليجي‪� .‬أ�ضف �إىل ذلك‪,‬‬ ‫املوقع اجلغ���رايف واملكانة احل�ضاري���ة التي حتظى بها‬ ‫بالد الرافدي���ن‪ .‬لكن‪ ,‬هل من املمكن �أن ي�ستبعد قادة‬ ‫اخلليج طلب ان�ضمام العراق ملجل�س التعاون اخلليجي‬ ‫يف امل�ستقبل القريب؟‬ ‫�أم���ا امللف الإيراين‪ ,‬على الرغم من تعار�ضه مع هدف‬ ‫الإن�ش���اء الأ�سا�س���ي للمجل�س والنظ���رة الإيرانية لأمن‬ ‫املنطق���ة الت���ي تتعار�ض م���ع نظرة الع���رب‪ ،‬فالبد �أن‬ ‫نواجه هذا الطلب بكل مو�ضوعية‪ .‬ف�إيران قوة �أ�سا�سية‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪81‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫يف مي���اه اخللي���ج‪ ،‬وحت�سنت عالقاته���ا م�ؤخر ًا مع دول‬ ‫اخلليج العربي���ة‪ .‬وجند �أنها حتظ���ى بعالقات وطيدة‬ ‫م���ع �سلطنة عمان ودولة قط���ر‪ ،‬وحت�سنت عالقاتها مع‬ ‫بع����ض دول اخلليج كالكويت وقط���ر وال�سعودية‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫الربنامج الن���ووي الإيراين ‪ -‬على الرغم من اختالف‬ ‫وجهة نظر قادة اخلليج حول هذا الربنامج‪ -‬واالحتالل‬ ‫الإي���راين للج���زر الإماراتي���ة الثالث يف مي���اه اخلليج‬ ‫العربي‪ ،‬هما مو�ضوع���ان يعرقالن‪ ،‬ب�شكل قاطع‪ ،‬ملف‬ ‫االن�ضم���ام �إىل املجل�س اخلليجي‪ .‬لك���ن جتدر الإ�شارة‬ ‫هنا �إىل رغبة �إيران يف �إن�شاء نظام �سيا�سي موحد بني‬ ‫دول املنطق���ة حفاظ ًا على �أمن الإقليم اخلليجي‪ ،‬بعيد ًا‬ ‫عن التدخالت الأجنبية فيه‪.‬‬ ‫و�أخ�ي�راً‪ ،‬نظ���ر ًا لل���دور الذي م���ن املمك���ن �أن تقوم به‬ ‫باك�ستان يف حماية �أم���ن اخلليج‪ ،‬وذلك نظر ًا الرتباط‬ ‫مياه اخلليج وبحر عمان بال�سواحل الباك�ستانية‪ ،‬فالبد‬ ‫�أن ننظ���ر‪ ،‬وب�ش���كل ج���دي‪� ،‬إىل احتم���ال تق���دمي طلب‬ ‫ان�ضمام �إ�سالم �أباد �إىل امللحمة اخلليجية‪.‬‬ ‫كل ه���ذه ال���دول ت�ش�ت�رك يف حماي���ة �أم���ن اخللي���ج‬ ‫العربي‪� .‬أ�ض���ف �إىل ذلك ا�سترياد دول اخلليج العربية‬ ‫للي���د العامل���ة م���ن بع�ض هذه ال���دول‪ ،‬بجان���ب القرب‬ ‫اجلغ���رايف ه���ل هذا يكفي لتق���دمي طل���ب ان�ضمام �إىل‬ ‫جمل����س التع���اون؟ يج���ب �أن ينظ���ر الق���ادة �إىل مل���ف‬ ‫ان�ضم���ام �أع�ضاء جدد بحذر �شديد‪ ،‬حي���ث �إن التو�سع‬ ‫م���ن املمكن �أن يفق���د الرتابط ب�ي�ن الأع�ضاء احلاليني‬ ‫مم���ا يعني بداي���ة �ضع���ف جمل����س كمنظم���ة �إقليمية‪.‬‬ ‫ولي�س���ت ملفات �إيران والعراق وباك�ست���ان �إال �أمثلة من‬ ‫املمك���ن �أن تطبق على �أر����ض الواقع ويكون هناك طلب‬ ‫ان�ضمام‪� .‬أما بالن�سب���ة مللف اليمن لن�ضع عد�ستنا على‬ ‫الو�ض���ع الداخلي يف اليمن الذي م���ن املمكن �أن ي�شكل‬ ‫العائ���ق الأ�سا�س���ي الن�ضمام ه���ذه الدول���ة العربية �إىل‬ ‫الن���ادي اخلليجي‪ ،‬فعدم اال�ستق���رار ال�سيا�سي و�ضعف‬ ‫االقت�صاد وانت�ش���ار الف�ساد‪ ،‬كل ه���ذه العوامل ت�ضعف‬ ‫احتمال قبول ان�ضمام اليمن‪.‬‬

‫الو�ضع الداخلي يف اليمن واال�ستقرار‬ ‫اخلليجي‬

‫ال ميك���ن �أن يتجاه���ل قادة اخللي���ج الو�ض���ع الداخلي‬ ‫يف اليم���ن �أثن���اء مناق�شتهم ان�ضمام ه���ذه الدولة �إىل‬ ‫جمل�س التعاون‪ .‬فلو نظرنا �إىل تقييم جملة «ال�سيا�سة‬ ‫اخلارجية» لليمن يف درا�ستها للدول الفا�شلة يف العامل‬ ‫لل�سن���وات الأربع املا�ضي���ة‪ ،‬لوجدن���ا �أن م�ستوى اليمن‬ ‫يف تده���ور م�ستم���ر‪ ،‬حيث �أن اليمن حت���ول من املرتبة‬ ‫‪82‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ال���ـ‪ 24‬يف ع���ام ‪� 2007‬إىل املرتب���ة ال���ـ‪ 15‬يف ‪ 2010‬يف‬ ‫مقيا�س الدولة الفا�شلة‪ ،‬فالو�ضع الداخلي يف اليمن ال‬ ‫ميكن �أن ي�ستهان به يف مل���ف الع�ضوية ملنظومة �أمنية‬ ‫كمجل�س التعاون اخلليجي‪.‬‬ ‫وكنظ���رة داخلي���ة يف ال�ش����ؤون اليمنية‪ ،‬م���ا زال اليمن‬ ‫يعاين م���ن م�ش���كالت ف�ساد تثق���ل الكاه���ل ال�سيا�سي‬ ‫للدول���ة‪ ،‬حي���ث ي�شري تقرير مل���ف الف�س���اد يف اليمن‪،‬‬ ‫ال�صادر ع���ن مكتب امل�ساع���دات الأمريكية لليمن �إىل‬ ‫�أن «هي���اكل الدول���ة اليمني���ة �ضعيفة ج���داً»‪� ،‬إذ ي�شري‬ ‫ه���ذا التقري���ر �إىل �أن ال�سيط���رة االجتماعي���ة يف هذه‬ ‫الدولة تتم عن طري���ق توزيع امل�صالح للنخب بد ًال من‬ ‫ا�ستخ���دام الإج���راءات امل�ؤ�س�ساتي���ة لتوف�ي�ر مثل هذه‬ ‫اخلدم���ات‪ .‬و�أدت هذه العملية �إىل �إ�ضعاف امل�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمية‪ ،‬مما جعل عملية بن���اء الدولة �صعبة‪� .‬أ�ضف‬ ‫�إىل ذلك‪ ،‬وهذا ما �أ�شار �إليه التقرير نف�سه‪� ،‬أن اليمن‬ ‫يع���اين من ف�س���اد �إداري وا�ض���ح – ب�شكل تع���وّد عليه‬ ‫ال�شع���ب ومل ينك���روه يف جم���االت �أ�سا�سي���ة كالق�ضاء‪،‬‬ ‫ال�شرطة والربملان‪ .‬وكتقيي���م مل�ؤ�شر الف�ساد يف اليمن‪،‬‬ ‫ق���درت منظم���ة ال�شفافي���ة العاملية‪ ،‬يف ع���ام ‪� 2009‬أن‬ ‫حج���م الف�ساد يف اليمن كبري ج���داً‪ ،‬حيث احتل اليمن‬ ‫املرتب���ة الـ ‪ 154‬عاملي��� ًا يف مكافحة الف�س���اد‪ ،‬من �أ�صل‬ ‫‪ 180‬دولة‪.‬‬ ‫وبع���د �أن توح���د �شطرا اليمن‪ ،‬من���ا االقت�صاد الوطني‬ ‫اليمني نوع��� ًا ما‪ ،‬لكن �سرعان ما انهار هذا االقت�صاد‬ ‫من عدة نواح لعدة �أ�سباب منها ‪ 1- :‬ترحيل ال�سعودية‬ ‫ملا يق���ارب امللي���ون ميني م���ن بالدها وذل���ك مل�ساندة‬ ‫احلكوم���ة اليمني���ة الع���راق يف غزوه �ض���د الكويت‪2-.‬‬ ‫احل���رب الأهلي���ة الت���ي ن�شب���ت بالب�ل�اد ع���ام ‪،1994‬‬ ‫�أحدث���ت هذه احلرب دم���ار ًا كب�ي�ر ًا يف البنية التحتية‬ ‫للجار اجلنوبي‪� .‬أ�ض���ف �إىل هذه القائمة الهجرة غري‬ ‫�شرعي���ة التي يعاين منها اليمن ب�شكل م�ستمر من قبل‬ ‫الالجئني ال�صومالي�ي�ن‪ .‬فاليمن يفتقر �إىل اال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�س���ي حتى ي�ستطيع �أن ي�شبع حاجاته االقت�صادية‬ ‫ب�شكل ع�صري‪ .‬لهذا‪� ،‬ضمت الأمم املتحدة اليمن �إىل‬ ‫قائمة الدول الأكرث فقر ًا يف العامل‪.‬‬ ‫وتطبيق��� ًا لنظرية (الدومينو) الت���ي تقول �إذا «�صففنا‬ ‫قط���ع الدومين���و واقف���ة �أم���ام بع�ضها بع�ض��� ًا وحركت‬ ‫القطع���ة الأوىل ب�إ�صبع���ك‪ ،‬ف�إن قط���ع الدومينو �سوف‬ ‫تتح���رك كله���ا وراء بع�ضه���ا نتيج���ة حلرك���ة القطع���ة‬ ‫الأوىل‪ ،‬مم���ا ي����ؤدي �إىل انهي���ار كل القط���ع»‪ ،‬فاملوقف‬ ‫الداخلي يف اليمن من املمكن �أن ي�ؤثر �سلب ًا يف ا�ستقرار‬ ‫دول اخللي���ج العربية‪ .‬وبكلم���ات �أخرى‪ ،‬من املمكن �أن‬

‫تت�أث���ر دول اجلوار بـ «الف�شل» اليمني مما يعني تدهور‬ ‫الأو�ض���اع الداخلية لدول املنطقة‪ ،‬م���ا يعطي االنطباع‬ ‫بتطبيق نظرية الدومينو ب�أف�ضل م�ستوياتها‪.‬‬

‫ال�ضغوط اخلارجية‬

‫يف عامل يت�سم بالفو�ض���ى‪ ،‬بح�سب ما تنتهجه املدر�سة‬ ‫الواقعي���ة للعالق���ات الدولي���ة‪ ،‬ن���رى �أن املرجعي���ة‬ ‫الأ�سا�سي���ة ه���ي �سي���ادة الدول���ة‪ .‬فكم���ا ذك���رت جملة‬ ‫«ال�سيا�سة اخلارجية» �أن دول املجل�س تتعر�ض ل�ضغوط‬ ‫خارجية من قبل الواليات املتح���دة واالحتاد الأوروبي‬ ‫للتعجي���ل بقبول اليمن يف امللحم���ة اخلليجية‪ .‬وتعوّدت‬ ‫دول اخلليج يف �ش�ؤونها اخلارجية �أن تنتهج منهج عدم‬ ‫التدخ���ل يف �ش����ؤون الغ�ي�ر مقابل �أن يعاملن���ا الآخرون‬ ‫باملث���ل‪ .‬لك���ن ن���رى �أن مث���ل ه���ذه ال�ضغ���وط تتعار�ض‬ ‫م���ع املنهجي���ة اخلليجية الت���ي من املمك���ن �أن ت�ؤدي يف‬ ‫حال���ة قب���ول ال�ضغ���وط �أو رف�ضها �إىل �إعاق���ة امل�صالح‬ ‫اخلليجي���ة امل�شرتك���ة‪ .‬ومل يقب���ل االحت���اد الأوروبي �أي‬ ‫�ضغ���وط خارجية ب�ش����أن امللف الرتك���ي لالن�ضمام �إىل‬ ‫�أوروب���ا‪ .‬ومل تقم الواليات املتح���دة با�ستخدام طاقتها‬ ‫الدبلوما�سي���ة لل�ضغ���ط على �أوروبا يف ه���ذا امللف‪ .‬ومت‬ ‫رف�ض املل���ف الرتكي من قب���ل �أوروبا لأ�سب���اب تختلف‬ ‫تباع ًا مع كل ما تدعو �إليه الدميقراطية الأوروبية‪ .‬لكن‬ ‫باملقابل‪ ,‬يف ملف اليمن‪ ,‬جند �أن �أوروبا ت�سعى جاهدة‬ ‫مع وا�شنطن‪ ,‬لل�ضغ���ط دبلوما�سي ًا على دول اخلليج يف‬ ‫م�س�ألة امللف اليمني‪.‬‬ ‫ال ميكن �أن جنزم بالرد اخلليجي جتاه هذه ال�ضغوط‪.‬‬ ‫لكن‪ ,‬وبكل ت�أكيد‪ ,‬ت�ؤثر هذه ال�ضغوط يف العالقات بني‬ ‫الطرف�ي�ن‪ .‬فاخللي���ج يعتمد يف م�س�أل���ة الأمن على قوى‬ ‫خارجي���ة قد ي�ضط���ر اخلليج للقب���ول باليمن رغبة من‬ ‫ال���دول امل�ؤ�س�سة يف عدم اخلد����ش مب�صاحلها الوطنية‬ ‫مبكع���ب الأمن مع ال���دول العظمى‪ ,‬مم���ا يعني فقدان‬ ‫الأهمي���ة التي توليه���ا كل دولة يف الوق���ت الراهن لدى‬ ‫املجل����س‪ ,‬فت�صبح هذه املنظومة بناي���ة خاوية لي�س لها‬ ‫�أي قوة يف تطبيق قراراتها‪.‬‬ ‫�أخ�ي�ر ًا ال ي���زال اليم���ن «دولة قليل���ة التط���ور» بح�سب‬ ‫اللف���ظ امل�ستخ���دم ملنظمة التج���ارة العاملي���ة‪ ,‬التي مل‬ ‫ين�ضم �إليها اليمن بع���د‪ .‬وتعرت�ض هذه الدولة عقبات‬ ‫كثرية حتى يتمكن من تقومي اقت�صاده الوطني‪ ,‬ون�شري‬ ‫هن���ا �إىل �أن ع���دد �سكان اليم���ن ي�ص���ل �إىل ‪ 20‬مليون‬ ‫ن�سم���ة‪ ,‬ربعه���م يعي�ش حت���ت م�ستوى الفق���ر وربع �آخر‬ ‫يعاين من البطالة‪ .‬وي�صل الناجت الإجمايل لهذا البلد‬ ‫�إىل ‪26.5‬ملي���ار دوالر لع���ام ‪ ,2008‬ه���ذا يجعل ن�صيب‬

‫الفرد من الناجت املحلي ‪ 1160‬دوالر ًا �سنوياً‪ .‬و�إذا قارنا‬ ‫هذه الأرق���ام ب�أرقام دول اخلليج‪ ,‬ف�إنن���ا �سنجد فرق ًا‬ ‫�شا�سع���اً‪ ,‬يجعلنا نفكر يف م�س�ألة ان�ضمام اليمن ب�شكل‬ ‫�أمن���ي واقت�ص���ادي يف الوق���ت نف�سه‪� .‬أ�ض���ف �إىل هذه‬ ‫الت�سل�س�ل�ات الرتكيبة الطبقي���ة االجتماعية يف اليمن‬ ‫التي تختلف جد ًا مقارنة بجريانها اخلليجيني‪.‬‬

‫ال �أود �أن �أعرق���ل م�شروع االن�ضمام اليمني �إىل امللحمة‬ ‫اخلليجية‪ .‬لكن‪ ,‬ما �أود ت�سطريه هنا هو �أن الوقت لي�س‬ ‫منا�سب��� ًا ملثل ه���ذا االن�ضمام لأ�سباب �أمني���ة و�سيا�سية‬ ‫واقت�صادي���ة‪ .‬و�أقرتح‪ ,‬من ه���ذا املنرب �أن يقوم املجل�س‬ ‫بو�ضع �ش���روط اقت�صادية و�أمنية يج���ب على اليمن �أن‬ ‫يح���اول حتقيقها‪ ,‬حتى يحق ل���ه االن�ضمام �إىل امللحمة‬

‫خطر الإرهاب املتنامي يف اليمن‬ ‫كري�ستوفر بوت�شيك‬ ‫جملة «�سي تي �سي �سينتي ِنل» الأمريكية‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب ‪2010‬‬ ‫يف ‪ 25‬كان���ون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ 2009‬ح���اول الإرهاب���ي‬ ‫املر�س���ل من قب���ل تنظي���م “القاعدة يف �شب���ه جزيرة‬ ‫الع���رب” تفجري رحلة رقم ‪ 253‬التابعة ل�شركة “نورث‬ ‫وي�س���ت �إيرالي���ن” يف �سم���اء مدين���ة ديرتوي���ت بوالية‬ ‫مِ �شيغ���ن الأمريكية‪ ،‬ومن���ذ ذلك احلني ب���رزت ق�ضية‬ ‫اال�ستق���رار يف اليم���ن ك�أح���د �أولويات الأم���ن القومي‬ ‫الأمريك���ي‪ .‬ورغم تال�شي املخ���اوف التي تلت احلادثة‬ ‫�إال �أن الأ�سابي���ع الأخرية �شهدت ما يُوحي ب�أن التهديد‬ ‫ال���ذي ت�شكله “القاعدة يف جزي���رة العرب” يف اليمن‬ ‫ق���د ف���اق التهديد ال���ذي ت�شكله “القاع���دة املركزية”‬ ‫كتهدي���د رئي�سي للأمن القوم���ي الأمريكي‪ .‬وي�أتي هذا‬ ‫التقيي���م م���ن منطل���ق ا�ستم���رار تده���ور الأو�ض���اع يف‬ ‫اليمن‪ ،‬وت�ض���اءل خي���ارات ال�سيا�س���ة الأمريكية �أمام‬ ‫تزامن الأزمات يف اليمن‪.‬‬ ‫كما باتت “القاع���دة يف جزيرة العرب” متثل تنظيم ًا‬ ‫خطري ًا �سريع التفكري والتحركات‪ ،‬وذلك نظر ًا ل�سجل‬ ‫العمليات املتزايدة �سواء عل���ى امل�ستوى املحلي اليمني‬ ‫�أو امل�ستوي�ي�ن الإقليمي والدويل‪ ،‬حي���ث كانت القاعدة‬ ‫وا�ضح���ة يف �أهدافه���ا املر�سوم���ة‪ ،‬ب���ل ونف���ذت مرار ًا‬ ‫وعيدها‪ .‬وقد عمق هذه املخاوف وجود الداعية الديني‬ ‫اليمن���ي ‪ -‬الأمريك���ي املقي���م يف اليمن �أن���ور العولقي‪،‬‬ ‫ودوره املزع���وم يف حتري�ض الأجان���ب الناطقني باللغة‬ ‫الإجنليزية على االنخ���راط يف �أعمال العنف والقتال‪.‬‬ ‫وهناك �أي�ض ًا خماوف متنامية حول تورط عنا�صر من‬

‫جن�سي���ات غربية‪ ،‬خا�ص���ة ذوي اجلن�سي���ة الأمريكية‪،‬‬ ‫يف املخطط���ات الإرهابي���ة املحلي���ة املزعوم���ة املتعلقة‬ ‫�أو املرتبط���ة باليم���ن و”القاعدة يف جزي���رة العرب”‬ ‫و�أنور العولقي‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬حتولت اليمن نف�سها‬ ‫م���ن مي���دان لال�سرتاح���ة والتدريب �إىل م�س���رح فعلي‬ ‫للجهاد‪.‬‬ ‫وتتناول هذه املقالة تط���ور وتغري التهديد الذي ت�شكله‬ ‫“القاع���دة يف جزيرة الع���رب”‪ ،‬مبا يف ذلك احتمال‬ ‫قي���ام اجلماع���ة بتجنيد ع���دد من الأمريكي�ي�ن‪� .‬أي�ض ًا‬ ‫ت�ستعر�ض كيف �أن القاعدة ا�ستطاعت �أن حتول اليمن‬ ‫�إىل م�سرح للجهاد من خالل �إتباع ا�سرتاتيجية تهدف‬ ‫�إىل خل���ق حالة من عدم اال�ستق���رار يف الدولة وقواتها‬ ‫الأمنية‪.‬‬

‫قيا�س مدى التهديد‬

‫وفق ًا لتقارير و�سائل الإعالم‪� ،‬أ�شارت م�ؤخر ًا تقديرات‬ ‫جمتم���ع املخاب���رات الأمريكية �إىل وج���ود حوايل ‪100‬‬ ‫مقات���ل م���ن مقاتل���ي القاع���دة يف �أفغان�ست���ان‪ ،‬وم���ا‬ ‫يقرب م���ن ‪ 300‬مقاتل يف باك�ست���ان‪ .‬ورغم االعرتاف‬ ‫ب�صعوبة احل�صول على �أرقام دقيقة حلجم “القاعدة‬ ‫يف جزي���رة الع���رب” لك���ن التقدي���رات امل�ست�شهد بها‬ ‫دوم��� ًا ت�شري �إىل وج���ود مئات املقاتل�ي�ن يف اليمن‪ ،‬من‬ ‫بينه���م ميني�ي�ن و�سعودي�ي�ن وجن�سي���ات عربي���ة �أخرى‬ ‫�إىل جان���ب بع�ض الأجانب مبن فيه���م الغربيني‪ ،‬حيث‬

‫اخلليجي���ة وم���ن دون �أي معوقات‪ .‬ف����إذا كانت الرغبة‬ ‫اليمنية �صادقة يف االن�ضم���ام مع حتمل م�س�ألة اليمن‪,‬‬ ‫ف�س�ن�رى حت�سن��� ًا يف االقت�ص���اد الوطن���ي ويف امل�سائ���ل‬ ‫الأمنية‪ ,‬غ�ي�ر �أن التعجيل يف م�س�ألة القبول قد ي�ضعف‬ ‫قوة املجل�س‪.‬‬

‫مت من���ذ كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر ‪ 2009‬قت���ل و�أ�سر ما ال‬ ‫يق���ل عن ‪ 12‬م�شتبه ًا من جن�سي���ات عربية غري مينية‪،‬‬ ‫يف ح�ي�ن اعتقل���ت ال�سلطات اليمني���ة ‪� 50‬أجنبي ًا ي�شتبه‬ ‫يف تورطهم م���ع “القاعدة يف جزي���رة العرب”‪ ،‬وهم‬ ‫م���ن جن�سيات بريطاني���ة وفرن�سي���ة وماليزية وغريها‬ ‫م���ن اجلن�سيات الأخرى‪ .‬و ُيق���ال �إن هناك ‪� 12‬أمريكي ًا‬ ‫من بني اخلم�سني �أجنبي��� ًا املحتجزين يف اليمن‪ ،‬رغم‬ ‫قل���ة املعلومات املتوفرة ح���ول و�ضعهم القانوين و�سبب‬ ‫اعتقالهم‪.‬‬ ‫ولق���ي نوع الإغ���راء الذي يوف���ره اليم���ن تغطية كبرية‬ ‫نظر ًا للقلق الكبري حيال الغربيني الذين ي�سافرون �إىل‬ ‫اليم���ن‪ ،‬ففي كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر ‪� 2010‬أ�شار تقرير‬ ‫�ص���در عن جلنة العالق���ات اخلارجية مبجل�س ال�شيوخ‬ ‫الأمريك���ي �إىل �أن م���ا ال يق���ل ع���ن ‪� 36‬أمريكي��� ًا ممن‬ ‫�أدين���وا �سابق��� ًا واعتنقوا الإ�س�ل�ام �أثن���اء �إقامتهم يف‬ ‫ال�سج���ن �سافروا �إىل اليمن ع���ام ‪ 2009‬بغر�ض درا�سة‬ ‫اللغ���ة العربية‪ .‬وبح�س���ب التقرير املقدم م���ن اللجنة‪،‬‬ ‫فقد اختفى بع�ض �أولئك املدانني �سابق ًا وي�شتبه ب�أنهم‬ ‫ان�ضموا �إىل “القاعدة يف جزيرة العرب”‪.‬‬ ‫وقد اتخذت احلكومة اليمنية بع�ض الإجراءات ملعاجلة‬ ‫ه���ذه الق�ضاي���ا‪� ،‬إذ �أ�صبحت فرتة االنتظ���ار للح�صول‬ ‫عل���ى الت�أ�شرية �أط���ول الآن؛ وبح�سب احلكومة اليمنية‬ ‫مل يعد �إعط���اء الت�أ�شرية ممكن ًا مبج���رد الو�صول �إىل‬ ‫مطار �صنعاء الدويل‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬ونظر ًا لتدهور‬ ‫الو�ضع الأمني يف البالد (والتقارير املبالغ فيها �أحيان ًا‬ ‫عن �س���وء الأو�ضاع هناك)‪ ،‬ق ّل عدد الطالب الأجانب‬ ‫الدار�سني اللغة العربية يف اليمن‪.‬‬ ‫وعند املقارن���ة مبا تواجهه القي���ادة العليا للقاعدة يف‬ ‫جنوب �آ�سي���ا‪ ،‬جند �أن “القاع���دة يف جزيرة العرب”‬ ‫تواج���ه �ضغط��� ًا �أق���ل بكثري‪ ،‬فق���د كان لوج���ود القوات‬ ‫الع�سكري���ة الأمريكي���ة الكبري يف �أفغان�ست���ان واحلملة‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪83‬‬


‫ال�شر�س���ة التي تق���وم بها الطائرات م���ن دون طيار يف‬ ‫باك�ست���ان دور ًا كب�ي�ر ًا يف احل���ط من مق���درة القاعدة‬ ‫املركزي���ة هن���اك‪ ،‬بينما لي����س هناك وج���ود ع�سكري‬ ‫�أمريك���ي يف اليمن ما عدا م���ا يتعلق مبهمات تدريبية‪.‬‬ ‫وبعد القيام بعدد من ال�ضربات اجلوية يف عامي ‪2009‬‬ ‫و‪ 2010‬التي �سهلت تنفيذها الواليات املتحدة‪ ،‬يُقال �إن‬ ‫تل���ك املهام تقريب ًا توقفت عقب ال�ضربة اجلوية يف ‪25‬‬ ‫�أيار‪/‬مايو‪ ،‬التي قتلت دون ق�صد وكيل حمافظة م�أرب‬ ‫جاب���ر ال�شب���واين‪ .‬ولكن رغم الهجم���ات ال�شاملة التي‬ ‫نفذته���ا احلكومة اليمني���ة �ضد عنا�ص���ر ي�شتبه ب�أنهم‬ ‫ينتمون �إىل “القاع���دة يف جزيرة العرب” يف مدينتي‬ ‫لودر واحلوطة جنوب اليم���ن‪� ،‬إال �أنه لي�س وا�ضح ًا من‬ ‫هي العنا�صر احلقيقية التي تقاتلها احلكومة اليمنية‪:‬‬ ‫�أه���ي عنا�ص���ر “القاع���دة يف جزي���رة الع���رب”‪� ،‬أم‬ ‫االنف�صاليني من �أبناء اجلنوب‪� ،‬أم القبائل ال�ساخطة‬ ‫على الدولة؟‪.‬‬ ‫وبح�سب بع�ض التقارير ال�صادرة م�ؤخراً‪ ،‬ف�إن اجلدل‬ ‫القائ���م ب�ش�أن �أي م���ن ف�صائل القاع���دة متثل اخلطر‬ ‫الأكرب عل���ى الأمن القومي الأمريك���ي يركز على مدى‬ ‫خط���ورة وقرب التهدي���د الذي ت�شكل���ه كل جماعة‪� ،‬إذ‬ ‫ي�سود اعتق���اد ب�أن “القاعدة” املركزي���ة ما زالت هي‬ ‫م�ص���در اخلطر الأكرب نظ���ر ًا لقدرته���ا على تخطيط‬ ‫وتنفي���ذ عمليات معقدة و�شاملة مث���ل �أحداث احلادي‬ ‫ع�ش���ر م���ن �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر‪ .‬لك���ن باملقاب���ل ُيق���ال �إن‬ ‫“القاع���دة يف جزي���رة الع���رب” يف اليم���ن هي من‬ ‫ي�ش���كل التهديد املبا�شر‪ ،‬وهي اجلماعة الأكرث احتما ًال‬ ‫قيامه���ا مبهاجم���ة الوالي���ات املتحدة‪ ،‬رغ���م �أ�ساليبها‬ ‫الأق���ل تعقي���داً‪ .‬وعالوة عل���ى ذلك‪ ،‬ثم���ة خماوف من‬ ‫�أن “القاع���دة يف جزي���رة العرب” ق���د حققت جناح ًا‬ ‫يف عملي���ة جتني���د عنا�ص���ر غربية‪ ،‬مبن فيه���م �أولئك‬ ‫الذين تخلوا ع���ن دياناتهم‪ ،‬والذي���ن ال تنطبق عليهم‬ ‫�صفة الإره���اب املعروفة‪ ،‬الأمر الذي يزيد من �صعوبة‬ ‫املهمة �أم���ام ال�سلطات الأمنية الأمريكية للتعرف على‬ ‫املخططات التي يقوم بها �أولئك الأفراد و�إجها�ضها‪.‬‬

‫انت�ش��ار عن��ف «قاعدة �ش��به جزيرة‬ ‫العرب» يف اليمن‬

‫ا�ستطاع���ت «القاع���دة يف جزي���رة الع���رب» ا�ستغالل‬ ‫غياب �سلطة الدولة املركزي���ة يف اليمن لتو�سيع دائرة‬ ‫‪84‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫نط���اق وجودها يف مناطق وا�سع���ة من البالد‪ ،‬ومن ثمّ‬ ‫القيام بالتخطيط والإعداد والتنفيذ لعمليات على كل‬ ‫امل�ستوي���ات املحلية والإقليمية والدولي���ة‪ .‬فمنذ �إعالن‬ ‫ت�شكيله���ا يف كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر ‪ 2009‬زادت وترية‬ ‫الهجم���ات‪� ،‬إذ يبني �أحد التقييم���ات م�ؤخر ًا �أن هناك‬ ‫�أكرث من ثالث�ي�ن حادثة قامت به���ا القاعدة يف اليمن‬ ‫حتى الآن خالل هذا العام‪.‬‬ ‫ويبدو وا�ضح��� ًا �أن �أهداف القاع���دة متطابقة �إىل حد‬ ‫كب�ي�ر‪ ،‬وت�شم���ل الأجانب واملغرتب�ي�ن والبني���ة التحتية‬ ‫للطاق���ة وقوات الأم���ن احلكومية‪ .‬ومن���ذ الدمج الذي‬ ‫نت���ج عن���ه «القاع���دة يف جزي���رة الع���رب»‪ ،‬ا�ستهدفت‬ ‫هجمات اجلماعة �أي�ض ًا ال�سعودية‪ ،‬ومنها تنفيذ حملة‬ ‫تفجريات انتحارية يف اململكة وحماولة اغتيال م�سئول‬ ‫مكافحة الإرهاب الأمري حممد بن نايف‪ .‬ومن نواحي‬ ‫عدة تعلم���ت «القاعدة يف جزيرة الع���رب» درو�س ًا من‬ ‫احلمل���ة الفا�شلة التي قامت به���ا القاعدة (الأم) على‬ ‫الرتبة ال�سعودية؛ فهي تتحا�شى االعتداء على املدنيني‪،‬‬ ‫وط���ورت كثري ًا من �أنظمته���ا الإعالمية‪ ،‬وحتر�ص على‬ ‫ع���دم تكرار نف�س الأخطاء الت���ي حدثت يف ال�سعودية‪.‬‬ ‫وما يثري املخ���اوف �أكرث �أنه عندم���ا �أخفقت العمليات‬ ‫الأولية‪ ،‬قام���ت «القاعدة يف جزيرة العرب» مرة ثانية‬ ‫مبهاجم���ة نف����س الأهداف‪ ،‬مث���ل ال�سف���ارة الأمريكية‬ ‫يف �صنع���اء‪ ،‬والأمري حممد يف ال�سعودي���ة‪ .‬وهذا ميثل‬ ‫حتذي���ر ًا �صارخ ًا فيم���ا يتعلق بف�شل حماول���ة ليلة عيد‬ ‫امليالد لتفجري الرحلة رقم ‪ 253‬التابعة ل�شركة «نورث‬ ‫وي�ست �إيرالين»‪.‬‬ ‫وخ�ل�ال معظم فرتة ع���ام ‪ 2010‬كان هناك �سجال بني‬ ‫الهجم���ات التي قامت بها «القاعدة يف جزيرة العرب»‬ ‫والهجم���ات امل�ض���ادة الت���ي قامت بها الدول���ة (بدعم‬ ‫وثيق م���ن قبل الوالي���ات املتحدة)‪ .‬وتدع���ي احلكومة‬ ‫اليمنية قيامه���ا بتوجيه �ضربات قا�سي���ة للتنظيم‪� ،‬إال‬ ‫�أن الواق���ع �أثبت عادة مبالغة احلكومة يف هذا ال�ش�أن‪.‬‬ ‫فف���ي ‪ 26‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪ 2010‬جن���ا ال�سفري الربيطاين‬ ‫تيم تورلوت م���ن حماولة اغتيال‪ ،‬عندما قام انتحاري‬ ‫مبهاجم���ة موكب���ه �أثن���اء عب���وره يف �ش���وارع �صنع���اء‬ ‫وتفج�ي�ر نف�س���ه‪ ،‬لك���ن دون �إحل���اق �أي �أذى بال�سف�ي�ر‬ ‫وجرح عدد م���ن املارة‪ .‬وعقب ذلك‪ ،‬ع���زت «القاعدة‬ ‫يف جزي���رة العرب» م�سئولي���ة احلادثة �إىل نف�سها‪ ،‬ويف‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب اتهمت ال�سلط���ات اليمنية �أربعة �أفراد‬

‫بامل�شاركة يف التخطيط لعملية االغتيال‪.‬‬ ‫وهذه احلادث���ة �شديدة ال�شبه باحل���ادث الذي ح�صل‬ ‫يف �آذار‪/‬مار�س ‪ ،2009‬عندما قام انتحاري باعرتا�ض‬ ‫حرك���ة ال�سري وفجّ ر ما كان يحمله م���ن مواد متفجرة‬ ‫متام ًا يف الوقت الذي كان موكب �سفارة كوريا اجلنوبية‬ ‫مي���ر يف طريق���ه �إىل املط���ار حام�ل�اً املحقق�ي�ن وذوي‬ ‫�ضحاي���ا التفجري االنتح���اري ال�سابق له���ذه احلادثة‪،‬‬ ‫ال���ذي مت تنفيذه يف مدينة �شب���ام وت�سبب مبقتل �أربعة‬ ‫كوري�ي�ن جنوبيني‪ .‬ويف كال احلادثتني كان االنتحاريان‬ ‫يعرفان املركبات امل�ستهدفة وطريقها وموعد مرورها‪،‬‬ ‫وهو ما ينم عن معرف���ة �سابقة لكل التفا�صيل‪ .‬وتعترب‬ ‫هاتان احلادثت���ان ب�صورة خا�صة م�ص���در قلق‪ ،‬نظر ًا‬ ‫ل�سهولة التعر�ض للهجمات الإرهابية مبجرد الرتب�ص‬ ‫�أثناء حركة ال�سري يف �شوارع �صنعاء‪.‬‬ ‫ويف منت�صف حزيران‪/‬يونيو هاجم عنا�صر «القاعدة‬ ‫يف جزي���رة الع���رب» مقر الأم���ن ال�سيا�س���ي يف مدينة‬ ‫عدن‪ ،‬ومتكّنوا من �إخراج عدد من زمالئهم امل�سجونني‬ ‫هناك‪ .‬ويُقال �إن مُنفِّ���ذي الهجوم كانوا يرتدون الزي‬ ‫الع�سك���ري الر�سم���ي‪ ،‬وقتل���وا عل���ى الأق���ل ع�شرة من‬ ‫موظفي الأمن‪ .‬وا�ستمرت �أعمال العنف يف عدن خالل‬ ‫فرتة ف�صل ال�صيف‪ ،‬وكان م���ن �ضمنها انفجار خارج‬ ‫مبنى الأمن ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫ويف �أواخ���ر ف�ت�رة ال�صي���ف نف���ذت احلكوم���ة اليمنية‬ ‫عمليت�ي�ن وا�سعت���ي النط���اق يف املدن التي قي���ل �إن بها‬ ‫عنا�صر ي�شتبه انتمائه���م لتنظيم «القاعدة يف جزيرة‬ ‫الع���رب»‪ ،‬حي���ث ن�ش���ب اقتت���ال �شدي���د يف �شه���ر �آب‪/‬‬ ‫�أغ�سط�س مبدينة لودر مبحافظة �أبني وقُتل فيه‪ ،‬بح�سب‬ ‫التقاري���ر ال�صحفية‪� ،‬أكرث م���ن ثالثني �شخ�صاً‪ ،‬منهم‬ ‫ت�سع���ة ع�شر مقات ًال من مقاتلي القاع���دة‪ .‬ويف �أيلول‪/‬‬ ‫�سبتمرب نفذت ق���وات الأمن اليمنية عملية م�شابهة يف‬ ‫مدينة احلوطة مبحافظة �شبوة‪ .‬وخالل كال العمليتني‬ ‫حا�صرت القوات اليمنية املدينتني بعد �إبالغ املواطنني‬ ‫ب����أن يل���وذوا بالف���رار‪ ،‬ونتج ع���ن ذلك القت���ال ت�شريد‬ ‫�آالف م���ن مواطن���ي مدينة احلوط���ة‪ .‬وبح�سب تقارير‬ ‫ال�صحاف���ة اليمني���ة‪ ،‬كان م���ن ب�ي�ن عنا�ص���ر القاعدة‬ ‫�سعوديون و�صوماليون يقاتلون �ضد الدولة يف احلوطة‪.‬‬ ‫وبعد ا�ستع���ادة ال�سيطرة على املدين���ة قالت احلكومة‬ ‫اليمني���ة �إنه���ا قتلت خم�سة م���ن مقاتل���ي القاعدة �إىل‬ ‫جان���ب اعتقال اثن�ي�ن وثالثني �آخري���ن‪ .‬ولكن رغم �أن‬

‫هات�ي�ن الهجمت�ي�ن وا�سعت���ا النط���اق �إال �أن امل�ؤ�ش���رات‬ ‫املبك���رة ت�شري �إىل �أن الكثري م���ن عنا�صر «القاعدة يف‬ ‫جزيرة العرب» الذي���ن يُعتقد ب�أنهم كانوا يف املدينتني‬ ‫متكنوا من االن�سحاب �إىل الريف‪.‬‬

‫حملة االغتياالت‬

‫خ�ل�ال فرتة �صي���ف ‪� 2010‬شنت «القاع���دة يف جزيرة‬ ‫الع���رب» حملة اغتياالت من�سق���ة يف املناطق اجلنوبية‬ ‫م���ن اليم���ن‪ ،‬ا�ستهدفت كب���ار رجال الأم���ن وم�سئويل‬ ‫خماب���رات الدول���ة‪ .‬ويف الكث�ي�ر م���ن الهجم���ات كان‬ ‫�إط�ل�اق النار عل���ى ال�ضحايا يتم م���ن راكبي دراجات‬ ‫نارية‪ .‬وقال �أحد امل�صادر الإعالمية يف اليمن �إن عدد‬ ‫�ضحاي���ا احلملة و�صل �إىل حوايل خم�سني م�سئوالً‪� .‬أما‬ ‫بح�س���ب �أحد امل�سئول�ي�ن اليمنيني‪ ،‬ف�إن الع���دد الفعلي‬ ‫و�ص���ل �إىل �أكرث من �ستني �ضحية‪ .‬وقد �أجربت احلملة‬ ‫ال�سلطات احلكومية على منع حركة الدراجات النارية‬ ‫يف املناطق احل�ضرية مبحافظة �أبني‪.‬‬ ‫وخ�ل�ال �شه���ر رم�ض���ان ‪( 2010‬املواف���ق تقريب��� ًا �أول‬ ‫�أ�سب���وع م���ن �آب‪�/‬أغ�سط����س وحت���ى �أول �أ�سب���وع م���ن‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب)‪ ،‬نف���ذت «القاعدة يف جزيرة العرب»‬ ‫م���ا يقارب اثنا ع�ش���ر هجوم ًا ا�ستهدف���ت �أمن الدولة‪،‬‬ ‫و�صعّ���دت القاع���دة تلك احلمل���ة يف �أيام عي���د الفطر‬ ‫عندم���ا �أ�صدرت قائمة حتتوي على �أ�سماء امل�ستهدفني‬ ‫بلغ عددهم خم�سة وخم�س�ي�ن م�سئو ًال من رجال الأمن‬ ‫يف �أب�ي�ن‪ ،‬م���ن بينهم واح���د وثالثني م�سئ���و ًال يف جهاز‬

‫الأمن ال�سيا�سي وخم�سة ع�شر م�سئو ًال يف �إدارة البحث‬ ‫اجلنائ���ي وت�سعة م���ن م�سئويل املخاب���رات الع�سكرية‪.‬‬ ‫وقد ا�ستمرت حملة �أعمال العنف حتى �أيلول‪�/‬سبتمرب‬ ‫عندم���ا �أطلق املقاتل���ون قنابل �صاروخي���ة على موكب‬ ‫وكي���ل حمافظ �أبني �أحم���د غالب الره���وي‪ ،‬لكنه جنا‬ ‫م���ن الهج���وم مثلما جن���ا م���ن حماولة االغتي���ال التي‬ ‫ا�ستهدفته من قبل يف �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2009‬‬ ‫واله���دف الرئي�سي وراء حمل���ة االغتياالت هو �إ�ضعاف‬ ‫ا�ستق���رار الدول���ة يف اليم���ن‪ ،‬ويف نف����س الوقت تفادي‬ ‫وق���وع �ضحايا م���ن املدنيني حتى ال يث���ور عامة ال�شعب‬ ‫�ض���د «القاعدة يف جزيرة الع���رب»‪ .‬وتدل حدة ووترية‬ ‫الهجم���ات على ق���درة القاعدة على توجي���ه ال�ضربات‬ ‫متى �ش���اءت �ضد �أولئك الذين يخدمون «نظام احلكم‬ ‫غ�ي�ر ال�شرعي»‪� .‬أي�ض��� ًا متثل تذكري ًا جلي��� ًا ملن يوا�صل‬ ‫العمل يف �أجهزة الأمن واملجال الع�سكري مبا ينتظرهم‬ ‫م���ن م�صري �إذا مل ي�سحبوا �أنف�سهم من خدمة الدولة‪.‬‬ ‫كم���ا تعترب ه���ذه احلملة مث���ا ًال وا�ضح ًا عل���ى ا�ستمرار‬ ‫تال�شي �سلطة الدولة يف جنوب اليمن‪.‬‬

‫اخلامتة‬

‫يف مطل���ع �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 2010‬ق���ال جوناثان �إيفانز‪،‬‬ ‫مدير ع���ام الأمن الربيطاين‪� ،‬إن م�ص���در التهديدات‬ ‫الت���ي تتعر�ض له���ا اململك���ة املتحدة �إىل ح���د كبري هو‬ ‫اليم���ن وال�صومال‪ .‬وبح�سب �إيفان���ز‪� ،‬شهد هذا العام‬ ‫«موج���ة» كبرية يف درا�سة احلالة االجتماعية يف اليمن‬

‫هل يجوز لوا�شنطن اغتيال‬ ‫مواطن �أمريكي يعي�ش يف اليمن؟‬ ‫رونالد �سوكول‬ ‫�صحيفة «كري�ستيان �ساين�س مونيتور» الأمريكية‬ ‫‪� 29‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪2010‬‬ ‫تقدمت جمموعات الدفاع عن احلريات املدنية و�أ�سرة‬ ‫ال�شي���خ �أن���ور العولقي‪� ،‬شه���ر �آب‪�/‬أغ�سط����س الفائت‪،‬‬ ‫بدع���وى ملنع احلكوم���ة الأمريكي���ة من قت���ل العولقي‪،‬‬ ‫حام���ل اجلن�سية الأمريكية ويعي����ش يف اليمن‪ ،‬وتعتربه‬ ‫هذه احلكومة‪ ،‬التي حتاول رد الدعوى‪ ،‬مبنزلة تهديد‬

‫لتورط���ه املزع���وم يف م�ؤام���رات �إرهابي���ة وحتري�ض���ه‬ ‫املجاهدين املعادين للواليات املتح���دة‪ .‬يُعتقد بالتايل‬ ‫ب�أنه هدف للقتل خارج الإطار الق�ضائي‪.‬‬ ‫تثري ه���ذه الدع���وى �س����ؤا ًال مهم���اً‪ :‬متى يج���وز قانون ًا‬ ‫للحكوم���ة‪� ،‬إن �صح ذلك‪ ،‬تنفيذ عملي���ة اغتيال؟ بينما‬

‫�أم���ام مكت���ب املخاب���رات الربيط���اين (‪ .)MI5‬وعلى‬ ‫غ���رار ما قال���ه �إيفان���ز‪� ،‬أ�ش���ار مدير مرك���ز مكافحة‬ ‫الإره���اب مايكل ليرت يف �شهادة له �إىل �ضعف القاعدة‬ ‫يف باك�ست���ان بينما �أكد على حال���ة اليمن ب�أنها “�أر�ض‬ ‫املعرك���ة الأ�سا�سية”‪ ،‬م�ست�شه���د ًا ب�أ�سلوب القاعدة يف‬ ‫حادث���ة ليل���ة عي���د امليالد ك�أ�سل���وب يزيد م���ن �صعوبة‬ ‫جناح ردع عمليات القاعدة و�إجها�ضها‪.‬‬ ‫وال �شك يف وجود التهديد املتنامي الذي ي�شكله اليمن‪،‬‬ ‫حي���ث �أن “القاع���دة يف جزي���رة العرب” ق���د �أعادت‬ ‫ت�شكي���ل البل���د بفعالية كم�س���رح �شرع���ي للم�شاركة يف‬ ‫اجلهاد �ضد “احلاكم غري ال�شرعي”‪ ،‬وكمكان ملقاومة‬ ‫“العدوان” الأمريكي‪ .‬وال بد �أن ندرك �أنه �إذا ما ظل‬ ‫تركي���ز امل�ساعدات الأمريكية املقدم���ة لليمن ملكافحة‬ ‫الإرهاب فق���ط يف جمال التع���اون الع�سكري والأمني‪،‬‬ ‫ف�إن ه���ذا لن يزيد �سوى املظامل الت���ي تثري القتال من‬ ‫قب���ل القاعدة وجبه���ات معار�ضة �أخ���رى‪ .‬وهناك قلة‬ ‫قليلة م���ن اخلي���ارات ال�سيا�سية امللفت���ة لالنتباه فيما‬ ‫يتعل���ق بال�سيا�سات جتاه اليمن‪ ،‬غ�ي�ر �إنها ال تقدم �أي‬ ‫وع���ود تُب�شِّ ر بح���ل التحديات الت���ي ت�شكله���ا الأو�ضاع‬ ‫املتده���ورة يف البلد‪ .‬لكن مع ذل���ك‪ ،‬ف�أول خطوة مهمة‬ ‫ه���ي �إدراك �أن جتاه���ل الأم���ر يف اليمن لي����س اخليار‬ ‫ال�صحي���ح‪ ،‬فعلى الوالي���ات املتح���دة واملجتمع الدويل‬ ‫تق���دمي امل�شارك���ة الكامل���ة يف اليم���ن‪ ،‬حي���ث مل يع���د‬ ‫بالإمكان احتواء م�شكالت البلد داخل حدوده‪.‬‬ ‫ال يح���ق لأي فرد من القطاع اخلا����ص القتل با�ستثناء‬ ‫ح���االت الدف���اع ع���ن النف�س‪ ،‬ف����إن حق �أولئ���ك الذين‬ ‫يعمل���ون حتت عب���اءة القان���ون مثل �ضب���اط ال�شرطة‪،‬‬ ‫واجلن���ود �أو وكالة اال�ستخب���ارات املركزية الأمريكية‪،‬‬ ‫�أك�ث�ر تعقيد ًا بكثري‪ .‬ال ميلك حتى اجلندي الذي يقاتل‬ ‫يف حرب معلنة حق ًا مطلق ًا يف قتل العدو‪.‬‬

‫معيار نورميبريغ‬

‫مع نهاية احل���رب العاملية الثانية‪ ،‬وح�ي�ن �أُثري ال�س�ؤال‬ ‫ح���ول كيفي���ة التعام���ل م���ع الق���ادة النازي�ي�ن‪ ،‬اق�ت�رح‬ ‫رئي�س ال���وزراء الربيطاين‪ ،‬وين�ست���ون ت�شر�شل‪ ،‬قتلهم‬ ‫بالر�صا�ص‪ .‬وافقه ال���ر�أي يف ذلك الزعيم ال�سوفياتي‬ ‫جوزي���ف �ستال�ي�ن‪ ،‬لك���ن الوالي���ات املتح���دة �أي���دت‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪85‬‬


‫�إخ�ضاعهم ملحاكمة‪ .‬يف هذا الإطار‪ ،‬جادلت وا�شنطن‬ ‫احلكومت�ي�ن الربيطاني���ة وال�سوفياتي���ة‪ ،‬و�أقنعتهما يف‬ ‫النهاية‪ ،‬ب�أن الرد الأعمى لي�س امل�سار ال�صحيح‪ ،‬و�إمنا‬ ‫حك���م القانون‪ .‬ر�أت الواليات املتحدة �ضرورة حماكمة‬ ‫قادة احلكومت�ي�ن واجلي�شني الأمل���اين والياباين ب�شكل‬ ‫قانوين ل�شنهم حرب ًا عدواني���ة وارتكابهم جرائم �ضد‬ ‫الإن�ساني���ة‪ .‬ف�ل�ا يُعاقبون �إال حني يتب�ي�ن �أنهم مذنبون‬ ‫بع���د حماكمة يحق له���م خاللها الدفاع ع���ن �أنف�سهم‬ ‫وتقدمي الأدلة‪.‬‬ ‫طغ���ى املوق���ف الأمريك���ي يف ذل���ك احل�ي�ن‪ ،‬وو�ضعت‬ ‫املحاكمات يف نورنبريغ وطوكيو معيار ًا ذهبي ًا تاريخي ًا‬ ‫بعد احلرب ملا بات يُدعى حركة حكم القانون‪ .‬يق�ضي‬ ‫املبد�أ الأ�سا�سي ب�ض���رورة �أن حترتم احلكومة القانون‬ ‫على القادة عينها كما الأفراد‪ .‬وهكذا تبنت هذا املبد�أ‬ ‫جميع الإدارات الأمريكية التي تعاقبت منذ عام ‪،1945‬‬ ‫لكن الواليات املتحدة وجدت �صعوبة يف االلتزام به‪.‬‬ ‫بع���د م�ض���ي خم�س���ة وع�شرين عام��� ًا عل���ى حماكمات‬ ‫نورنبريغ‪ ،‬حاولت وكالة اال�ستخبارات املركزية اغتيال‬ ‫الزعي���م الكوبي فيدي���ل كا�سرتو‪ .‬لكن ه���ذا االنتهاك‬ ‫ُ�صحّ ���ح يف ع���ام ‪ 1976‬حني �أ�صدر الرئي����س فورد �أمر ًا‬ ‫تنفيذي��� ًا مين���ع في���ه جمي���ع املوظف�ي�ن احلكوميني من‬ ‫تنفي���ذ عمليات اغتيال‪ .‬دامت تلك ال�سيا�سة حتى عام‬ ‫‪ 2002‬حني طلب الرئي�س بو�ش من وكالة اال�ستخبارات‬ ‫املركزية اغتيال قادة املجموعات الإرهابية الذين ترد‬ ‫�أ�سما�ؤه���م يف «قائمة الأهداف العالي���ة القيمة»‪ ،‬لكن‬ ‫مل يت�ض���ح �أبد ًا عل���ى �أي �أ�سا�س يرد ا�س���م يف الالئحة‬ ‫�أو يُ�شطَ ب‪.‬‬

‫ال حماكمة قانونية للعولقي‬

‫ع�ب�ر �إعطاء الإذن على ما يُفرت����ض باغتيال العولقي‪،‬‬

‫وه���و مواطن �أمريكي يعي�ش يف اليم���ن‪ ،‬تظهر الإدارة‬ ‫الأمريكية الراهنة ب�أن ال�سيا�سة الأمريكية مل تعد بعد‬ ‫�إىل معي���ار نورميب�ي�رغ‪ .‬يب���دو �أن الإدارة ا�ستندت يف‬ ‫قراره���ا �إىل واقع جوهري‪� ،‬أال وه���و �أن العولقي يقيم‬ ‫يف اليم���ن‪ .‬فلو كان ه���ذا املواطن يقي���م يف �شيكاغو‪،‬‬ ‫مل���ا اقرتح���ت الإدارة اغتيال���ه‪ .‬كان �سيُعتقَ���ل‪ ،‬ويُتهم‬ ‫بارتكابه جرم ًا م���ا‪ ،‬ويُحاكَم‪ ،‬و�إن وُجد مذنباً‪ ،‬يُعاقب‬ ‫ويُ�سجَ ���ن‪ .‬ينطبق الأمر عين���ه على ما يُفرت�ض �إن كان‬ ‫يقي���م يف فرن�سا‪� ،‬أو �إنكل�ت�را‪� ،‬أو �أملاني���ا‪� ،‬إذ قد يُعتقَل‬ ‫ويُحاكَ���م �أو يُرح���ل‪ .‬ال �ش���ك �أن كون اليم���ن دولة تعم‬ ‫فيه���ا الفو�ضى يزيد امل�سائل تعقيداً‪ ،‬لكن حتى لو كان‬ ‫املواطن يف �إيران �أو �سورية فذلك لن يغري من امل�س�ألة‬ ‫�شيئاً‪ .‬كيف تُربر �إذن عملية االغتيال؟‬ ‫لعل القتل خارج الإطار الق�ضائي يتما�شى مع «معايري‬ ‫املافي���ا»‪� ،‬إمن���ا ال يتما�ش���ى م���ع متطلب���ات املحاكم���ة‬ ‫القانوني���ة يف م���ا يتعل���ق باحل���ق ال���وارد يف التعدي���ل‬ ‫اخلام����س �أو ال�ساد����س م���ن الد�ست���ور الأمريك���ي يف‬ ‫اخل�ض���وع ملحاكم���ة ومواجه���ة ال�شهود‪ .‬وحت���ى بغ�ض‬ ‫النظر ع���ن حقوق املواطن�ي�ن الد�ستوري���ة‪ ،‬من املقلق‬ ‫جد ًا �أن تعطي احلكومة الأمريكية لنف�سها احلق بقتل‬ ‫�أي �شخ�ص قررت زج ا�سمه يف الئحة الإرهاب‪.‬‬ ‫منطقي���اً‪ ،‬ي�ستحي���ل �إن���كار ح���ق احلكوم���ة يف اللجوء‬ ‫�إىل القت���ل يف ظروف معينة‪ ،‬لكن يج���ب �أن يتم ذلك‬ ‫بهدف حماية نف�سها ومواطنيها من �أي خطر و�شيك‪،‬‬ ‫م���ع �ضرورة �أن تتكاف�أ الإج���راءات الوقائية مع طبيعة‬ ‫هذا اخلطر‪� .‬أما يف حال���ة العولقي‪ ،‬فتطالب الدعوى‬ ‫ب�إ�ص���دار �أم���ر مين���ع احلكومة م���ن قتله م���ا مل ي�شكل‬ ‫تهدي���د ًا مبا�ش���راً‪ .‬فاملواطن الأمريكي ال���ذي يختبئ‬ ‫يف اليم���ن الغ���ارق يف الفو�ضى ال يه���دد ب�شكل مبا�شر‬

‫�أوباما وببليوغرافيا الأخطاء ‪...‬‬ ‫اليمن منوذج ًا‬ ‫حممد ح�سني �أبو العال‬ ‫�صحيفة «احلياة» اللندنية‬ ‫‪ 24‬نوفمرب ‪2010‬‬ ‫�سيظ����ل التاريخ يكرر نف�سه لك����ن يف �شكل م�أ�ساة‪.‬‬ ‫هكذا قيل‪ .‬ذلك �أنها بداية جديدة مل�سل�سل الف�شل‬ ‫‪86‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫الأمريكي القدمي املت�شكل حلظي ًا والذي مل ت�ستطع‬ ‫الواليات املتحدة �أن حتجم جموحها ال�سيا�سي فيه‬

‫عل���ى وجود احلكوم���ة الأمريكي���ة‪� ،‬إمنا ي�ش���كل �أفراد‬ ‫مثل العولقي خط���ر ًا ع�شوائي ًا على مواطنني يف بلدان‬ ‫عدة‪ ،‬وذلك التهديد يربر �أخ���ذ احلكومات �إجراءات‬ ‫وقائية‪.‬‬

‫احلاجة �إىل الإ�شراف الق�ضائي‬

‫�إن كان الإج���راء الواجب اتخ���اذه عملية اغتيال‪ ،‬ف�إنه‬ ‫ينبغ���ي تطبيقه حتت �إ�شراف اجله���از الق�ضائي‪ .‬وما‬ ‫يقل���ق يف عملي���ات االغتيال الت���ي تُنفّذ خ���ارج الإطار‬ ‫الق�ضائ���ي �أن الف���رع التنفي���ذي يق���وم مق���ام املدعي‬ ‫الع���ام‪ ،‬والقا�ض���ي‪ ،‬ومنفذ الإع���دام‪ .‬ال يوجد بالتايل‬ ‫رقي���ب �أو ح�سي���ب‪ ،‬وال �أح���د يعلم معي���ار الأدلة الذي‬ ‫ي�ستن���د �إليه‪ ،‬فهل يجيز االغتيال عل���ى �أ�سا�س �أ�سباب‬ ‫مرجح���ة للجرمي���ة املرتكبة �أم باال�ستن���اد �إىل �أدلة ال‬ ‫تقبل ال�شك؟‬ ‫من جهته���م‪ ،‬يزع���م امل�س�ؤولون ب����أن �أح���د املواطنني‬ ‫الأمريكي�ي�ن يف اليم���ن يدع���م �أعم���ا ًال �إرهابية ورمبا‬ ‫ي�ش���ارك فيها‪� ،‬إمنا ال يقدمون �أي دليل على ذلك‪ ،‬فما‬ ‫من ط���رف م�ستقل يحك���م �إن كان هن���اك �أدلة كافية‬ ‫ت�ب�رر القتل‪ ،‬وال �أحد يك�شف عن املعيار املحدد للأدلة‬ ‫ال���ذي ي�ستخدم���ه الف���رع التنفيذي‪ .‬بالفع���ل‪ ،‬يطالب‬ ‫املُدّعى عليهم يف ق�ضي���ة العولقي �أن ت�ضفي احلكومة‬ ‫�شفافي���ة عل���ى امل�سار املُتب���ع لتحديد م���ا �إذا كان من‬ ‫امل�سموح قتل مواطن من دون حماكمة‪.‬‬ ‫حني ت�ص���ر احلكوم���ة الأمريكية عل���ى �صالحية غري‬ ‫قابلة للمراجع���ة بقتل مواطنيها‪ ،‬فه���ي تزدري بذلك‬ ‫حك���م القان���ون‪ ،‬ومتن���ح نف�سه���ا �سلطة م�ألوف���ة عاد ًة‬ ‫ل���دى الأنظم���ة اال�ستبدادي���ة �أك�ث�ر من���ه ل���دى تل���ك‬ ‫الدميقراطية‪.‬‬

‫حتى لو قادها نحو االرتداد الذاتي وع�صف بهيبتها‬ ‫ودعمه����ا ك�أكذوبة ك��ب�رى يف العق����ل اال�سرتاتيجي‬ ‫�إذ �أنه����ا دائم ًا م����ا تلج�أ حلل م�شكالته����ا العار�ضة‬ ‫بالطريقة نف�سها الت����ي كانت �سبب ًا مبا�شر ًا ملا حل‬ ‫بها من م�آزق وحمن وتوعكات ما�ضية!‬ ‫فبذريعة مقاومة الإرهاب تفتح �أمريكا خط ًا ناري ًا‬ ‫الجتث����اث ج����ذوره با�ستئن����اف ال�شغب م����ع تنظيم‬ ‫«القاع����دة» ذلك التنظيم الف����والذي اجلبار الذي‬ ‫ا�ستع�ص����ى عل����ى الرت�سان����ة الع�سكري����ة الأمريكية‬ ‫طيلة عقود وعقود‪ .‬فها هي تزعم اليوم �أن كوادره‬

‫الأ�صيلة تغلغلت يف �شعاب اليمن ال�سعيد‪ ،‬م�صدرة‬ ‫م����ا قد �سم����ي جماز ًا بط����رود املوت‪ ،‬م����ن ثم ال بد‬ ‫م����ن تو�سيع اخليارات الع�سكري����ة املت�ضمنة لفريق‬ ‫م����ن نخبة الق����وات اخلا�صة املنوط����ة بتعقب وقتل‬ ‫املت�شددي����ن الإ�سالميني يف �شكل �سري واعتبار �أن‬ ‫اليم����ن لها اليد العليا يف الرد على حماولة �إر�سال‬ ‫تل����ك الط����رود وهو م����ا �أطلق����ه ل�س����ان �أوباما نحو‬ ‫الإعالن عن �ضرورة تدمري القاعدة و�إبادتها على‬ ‫الأرا�ضي اليمني����ة وهي الرتجم����ة ال�ساذجة لتلك‬ ‫الني����ات الأمريكي����ة القامتة نحو ال�سم����اح �أو حتى‬ ‫ع����دم ال�سماح له����ا باختيار م�سرح �آخ����ر تدور فيه‬ ‫الأحداث املقبلة‪.‬‬ ‫وطبق���� ًا للعدي����د م����ن ال����ر�ؤى ال�سيا�سي����ة فهل تعد‬ ‫الطرود امل�شبوهة هي امل�صطلح اجلديد للمخطط‬ ‫الأمريكي الإقليم����ي مبا ي�ستهدف النيل من اليمن‬ ‫و�سيادت����ه‪ ،‬ذل����ك على غ����رار م�صطلح����ات �أخرى‬ ‫كال�ش����رق الأو�س����ط الكبري �أو الفو�ض����ى اخلالقة؟‬ ‫وملاذا كانت اليمن ه����ذه املرة هي موقع االختيار؟‬ ‫وما �أ�س�س هذا االختيار؟ وما هي البواعث اخلفية‬ ‫نحو �أن تك����ون اليمن هي اجلوك����ر ال�سيا�سي؟ وما‬ ‫ه����ي العوائد اال�سرتاتيجي����ة وراء ذلك؟ وهل متثل‬ ‫هذه الط����رود �صيغة خا�صة لأعم����ال ا�ستخباراتية‬

‫على درجة من امله����ارة والإتقان؟ وهل يكفي ذلك‬ ‫ملنح ح����ق التدخ����ل املبا�شر يف ال�سيا�س����ة اليمنية؟‬ ‫وماذا جنت بريطاني����ا من عرى التحالف املقد�س‬ ‫م����ع �أمريكا حت����ى تدعم ذل����ك اخلي����ار الع�سكري‬ ‫يف اليم����ن؟ وما هو �س����ر الرعون����ة ال�سيا�سية وراء‬ ‫دع����وة �أوبام����ا �إىل �ض����رورة اغتي����ال رج����ل الدين‬ ‫اليمني �أن����ور العولقي واعتباره الفاع����ل الأ�سا�سي‬ ‫يف عملي����ة الطرود املفخخ����ة بينما مل تب����د�أ جلنة‬ ‫املحقق��ي�ن الأمريكيني �أعماله����ا يف �ش�أن املتورطني‬ ‫يف ه����ذه العملية؟ وملاذا تتجدد حماوالت ا�ستعداء‬ ‫ال����دول بينما �أم��ي�ركا مل تبلغ غايته����ا نحو تطهري‬ ‫وتنقي����ة �سمعته����ا يف املحي����ط ال����دويل؟ ب����ل كيف‬ ‫تخو�����ض مغام����رة جديدة وهي مل تن����ج من ويالت‬ ‫امل�ستنق����ع العراقي؟ وم����ا هي الإجن����ازات الفعلية‬ ‫التي حققتها م����ع القاعدة يف �أفغان�ستان؟ وما هي‬ ‫الفروق اجلوهرية ب��ي�ن مالحقة وتتبع القاعدة يف‬ ‫�أفغان�ستان �أو اليمن؟!‬ ‫و�إذا كان املوقف اليمني جاء معتمد ًا على مبد�أين‬ ‫�أولهم����ا رف�ض الأعمال الإرهابي����ة و�إعالنه اعتماد‬ ‫�سب����ل التعاون وال�شراكة كافة م����ع املجتمع الدويل‬ ‫ملواجه����ة ظاه����رة الإره����اب‪ ،‬ث����م رف�ض����ه املطل����ق‬ ‫التدخ����ل يف ال�ش�����أن اليمني حت����ت �أي م�سمى وهو‬

‫التدخل الأمريكي باليمن‪:‬‬ ‫بعبع القاعدة �أم احتواء ال�صني؟‬ ‫نبيل نايلي‬ ‫�صحيفة «العرب �أونالين» الإلكرتونية‬ ‫‪ 5‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫«�إن الوالي���ات املتحدة الأمريكي���ة تركز ب�صورة‬ ‫مل ي�سب���ق لها مثيل على اليمن» دانيال بنجامني‪،‬‬ ‫من�س���ق �ش����ؤون مكافح���ة الإره���اب يف وزارة‬ ‫اخلارجية الأمريكية‪ .‬مبوجب ما ت�سمّيه الإدارة‬ ‫الأمريكي���ة برنامج مكافحة «الإرهاب»‪ ،‬عر�ضت‬ ‫قيادتها املركزي���ة الع�سكرية حزمة «م�ساعدات»‬ ‫جدي���دة على احلكومة اليمنية‪ ،‬بلغت قيمتها ‪2.1‬‬ ‫مليار دوالر على امتداد اخلم�س �سنوات القادمة‪،‬‬

‫كم���ا ورد مبق���ال‪� :‬آالك����س �سبيليو����س‪ ،‬ال�صادر‬ ‫ب�صحيف���ة ديلي تلغ���راف ‪ .2010 /16/9‬وكان �أن‬ ‫�أثار ه���ذا الق���رار وال يزال حفيظ���ة العديد من‬ ‫امل�س�ؤول�ي�ن داخل امل�ؤ�س�س���ة الر�سمية والع�سكرية‬ ‫الأمريكي���ة ممّ ن اعت�ب�روا ذلك «ا�ستثم���اراً» يف‬ ‫حكوم���ة متداعية ودولة فا�شل���ة‪ ،‬وتدخّ ًال �سافر ًا‬ ‫ق���د ي�ؤجّ ج ن���ار الفتن���ة الداخلية �شم���ا ًال وجنوب ًا‬ ‫وينذر بحرب �أهلية غري حممودة العواقب �أخذ ًا‬

‫موق����ف يف كل �أحوال����ه يب����دو متوازن���� ًا ومو�ضوعي ًا‬ ‫بالإ�ضاف����ة لتل����ك الفاعلي����ة نحو تطبيق����ه حا�ضر ًا‬ ‫��ل�ا ذلك درء ًا لل�شكوك والهواج�س امل�سولة‬ ‫وم�ستقب ً‬ ‫للكي����ان الأمريك����ي �ش����ن احل����روب يف �أي حلظ����ة‬ ‫و�ض����د �أي كيان مهما يكن باعتبار �أن كل الكيانات‬ ‫الدولي����ة ه����ي يف ح����ال ع����داوة �ساف����رة للوالي����ات‬ ‫املتح����دة ما مل ت�ؤكد العك�س دائم ًا و�أبداً‪ ،‬وذلك ما‬ ‫هو حادث بالفعل مع دولة كاليمن‪ ،‬لكن كيف يكون‬ ‫ميكاني����زم التو�صي����ف وامت����د الأمر حت����ى اليونان‬ ‫وح�شدت ل����ه �أوروب����ا �آلي����ات اال�ستع����داد والت�أهب‬ ‫ورف����ع درجة التوتر الأمني وه����و ما يقطع يف داللة‬ ‫�صادق����ة �أن الإرهاب لي�س له وطن و�إمنا له م�سرية‬ ‫زمنية ات�سقت مع م�سرية الظلم الدويل والبلطجة‬ ‫ال�سيا�سية والقهر املعنوي و�شيوع مفهومات الإبادة‬ ‫والعن�صرية التي مل ت�ستطع بكل �سطوتها �أن متحو‬ ‫حت����ى مالمح ذلك الف�شل الأمريكي الذي ال مياثل‬ ‫يف توجهات����ه ال�شع����واء �ض����د القاعدة بع����د تعقبها‬ ‫هب����اء يف كل من �أفغان�ستان وباك�ستان لتظل هناك‬ ‫معاجل����ات �أخرى ه����ي الأوق����ع والأف�ض����ل والأكرث‬ ‫منطق���� ًا و�إن�ساني����ة وحت�ضر ًا وج����دارة يف �سيادتها‬ ‫لعامل يعي�ش احلداثة وما بعد احلداثة فكر ًا ويعي�ش‬ ‫الوح�شية ع�شقاً و�سلوكاً وممار�سة!‬

‫بعني االعتبار م�صالح الواليات املتحدة احليوية‬ ‫وو�ضع املنطقة القابل لالنفجار‪.‬‬ ‫الإدارة الأمريكية ت�ضخّ كل هذه الأموال الطائلة‬ ‫مربّرة ذل���ك‪ ،‬ر�سمياً‪ ،‬مبا ت�س ّمي���ه «تنامي نفوذ‬ ‫تنظي���م القاع���دة يف �شب���ه اجلزي���رة العربي���ة»‬ ‫وعزمه���ا ا�ستئ�صال���ه بامله���د‪ ،‬وح���ق الوالي���ات‬ ‫املتح���دة بالتدخّ ل �أينم���ا �شاءت �صيان���ة للأمن‬ ‫القوم���ي الأمريك���ي‪ ،‬وه���ي تت���ذرّع ب���ك ّل احلجج‬ ‫والتع�ل�اّ ت‪ ،‬املختلق���ة يف �أغلبها‪ ،‬لت�ض���ع لنف�سها‬ ‫موط���ئ قدم باليمن لن يلب���ث ويتحوّل �إىل وجود‬ ‫ع�سك���ري ي�أخذ �ش���كل اال�ستعمار املقنّ���ع‪ ،‬ولي�س‬ ‫من باب اجل���ود �أو الر�أفة ب�أمن اليمنيني و�صون ًا‬ ‫لوحدته���م‪ ،‬وال حر�ص��� ًا عل���ى �أمن املنطق���ة‪� ،‬أن‬ ‫املخ�ص�ص لـ»معونة» اليمن قد قفز بقدرة‬ ‫املبل���غ ّ‬ ‫قادر ممّ ا يق ّل عن ‪ 5‬ماليني دوالر �سنة ‪� 2006‬إىل‬ ‫‪� 70‬سن���ة ‪� ،2009‬إىل ‪ 190‬هذه ال�سنة‪ ،‬فمليارين‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪87‬‬


‫م�ستقبالً!‬ ‫داني���ال بنجام�ي�ن‪ ،‬ي�ص���رّح ودون موارب���ة‪�« :‬إن‬ ‫الوالي���ات املتح���دة ترك���ز ب�ص���ورة مل ي�سبق لها‬ ‫مثيل عل���ى اليمن»‪ .‬جدير بالإ�شارة �إىل �أن خطة‬ ‫امل�ساعدة يقف وراءها كل من رئي�س هيئة الأركان‬ ‫امل�شرتكة الأدمريال مايك مولني‪ ،‬وقائد القوات‬ ‫الأمريكي���ة احل���ايل يف �أفغان�ست���ان‪ ،‬اجل�ن�رال‬ ‫ديفي���د برتايو����س‪ ،‬كم���ا حتظى بدع���م واهتمام‬ ‫اجلرنال جيم����س ناتي�س‪� .‬أما حم���اور الربنامج‬ ‫املخ�ص�ص للع�سكريني اليمنيني والذي‬ ‫التدريبي ّ‬ ‫ك�شفه �إريك �شميت‪ ،‬و�سك���وت �شني‪ ،‬بتقريرهما‬ ‫ال�صادر بنيويورك تامي���ز ‪ ،2010 /15/9‬في�شمل‬ ‫النقاط التالية‪:‬‬ ‫ معاجلة جوانب الق�صور ونق�ص الكفاءة الذي‬‫يعاين منه الطريان احلربي اليمني‪.‬‬ ‫التن�ص���ت واجلو�س�س���ة و�صقل‬ ‫ تطوي���ر �آلي���ات ّ‬‫قدرات و�أ�ساليب االت�صال‪.‬‬ ‫ حت�س�ي�ن قاع���دة جم���ع املعلوم���ات‪ ،‬حتدي���د‬‫الأهداف ب�شكل �أجنع ور�ص���د العنا�صر ومن ثم‬ ‫�ضربها‪.‬‬ ‫ �إع���ادة بن���اء وت�أهي���ل �أرب���ع �أو خم����س قواعد‬‫ع�سكري���ة داخل العمق اليمن���ي لـ»مواجهة خطر‬ ‫تنظيم القاعدة»‪.‬‬ ‫ �إع���داد الع�سكري�ي�ن ممّ ن تن���اط بعهدتهم ما‬‫ت�سمّى بالعمليات التكتيكية‪.‬‬ ‫رغم ال�س ّري���ة والتكتّم ال�شديدي���ن‪� ،‬إ ّال �أنّ لوليتا‬ ‫بال���دور ق���د ك�شف���ت يف الوا�شنط���ن تامي���ز‪� ،‬أن‬ ‫الوالي���ات املتحدة تبع���ث بالنخبة م���ن املدرّبني‬ ‫الع�سكري�ي�ن‪ ،‬و�أن عددهم ق���د ت�ضاعف ليبلغ ‪50‬‬ ‫عن�ص���راً‪ ،‬يركّ���زون يف تدريبه���م لليمني�ي�ن على‬ ‫التكتيكات الأر�ضية والعمليات اجلوية با�ستخدام‬ ‫الطائ���رات من دون طيار والقوات اخلا�صة التي‬ ‫يناه���ز عددها ‪� 200‬أو يزي���د‪ ،‬ومتويل متعاقدين‬ ‫للتج�س����س وتدري���ب لعم�ل�اء حملي�ي�ن ملالحق���ة‬ ‫«الإرهابيني»‪.‬‬ ‫و�أه���م من يعتق���د �أن التغلغل الأمريك���ي باليمن‬ ‫‪88‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫يقت�ص���ر عل���ى مكافح���ة م���ا ت�س ّمي���ه الإدارة‬ ‫الأمريكي���ة مبكافح���ة «الإره���اب»‪ ،‬لأن خط���ة‬ ‫امل�ساعدة تتعدّى املعلن وتخفي بني طياتها حرب ًا‬ ‫�شع���واء �ضد الزحف ال�صيني الذي اخرتق نحو‬ ‫�أفريقيا ويحاول �أن يلج مياه اخلليج الدافئة‪.‬‬ ‫الوالي���ات املتح���دة الأمريكية تعم���ل على خنق‬ ‫التن�ي�ن ال�صيني وذلك مبنع �سيطرة بيكني على‬ ‫مين���اء عدن‪ ،‬مرف����أ العبور نح���و �آ�سيا‪ ،‬وم�ضيق‬ ‫ملقا‪ ،‬وهي العليمة ب����أن طرق املالحة باملحيط‬ ‫الهندي ت�شكل ع�صب حياة االقت�صاد ال�صيني‪،‬‬ ‫وبو�ض���ع اليد على هذه املناف���ذ‪ ،‬تبعث الواليات‬ ‫املتح���دة ر�سال���ة وا�ضح���ة لبيكني مفاده���ا‪� :‬أ ّال‬ ‫نب �إىل ظ���نّ �صانع القرار بال�صني‪� ،‬أن قوة‬ ‫يذه ّ‬ ‫الواليات املتحدة قد �أزفت وحان �أوان مرياثها‪.‬‬ ‫لذل���ك ت�سع���ى الإدارة الأمريكي���ة وحليفه���ا‬ ‫اال�سرتاتيج���ي الهن���دي لإحب���اط املح���اوالت‬ ‫ال�صينية الرامية لتقوية العالقات مع �سريالنكا‬ ‫وميامن���ار وذل���ك بغي���ة فت���ح طري���ق جت���اري‬ ‫جدي���د نحو ال�شرق الأو�س���ط‪ ،‬واخلليج العربي‪،‬‬ ‫ف�أفريقي���ا‪ .‬و�إذا كان���ت بيك�ي�ن حتل���م بخف����ض‬ ‫م�ست���وى مدى اعتم���اد مبادالته���ا التجارية مع‬ ‫�أوروب���ا و�آ�سيا الو�سطى على م�ضي���ق ملقا‪ ،‬ف�إن‬ ‫الوالي���ات املتحدة عازمة عل���ى �أن تظ ّل ال�صني‬ ‫حما�صرة حتى تختنق بني �إندوني�سيا وماليزيا‪.‬‬ ‫الأمريكي���ون مل يغف���روا �سعي ال�ص�ي�ن املحموم‬ ‫لبل���وغ مي���اه اخلليج الدافئ���ة مرور ًا ع�ب�ر �آ�سيا‬ ‫الو�سط���ى وباك�ستان وهذا ما يف�سّ ر �أن للواليات‬ ‫نف�س برنامج «امل�ساع���دات» اخلا�ص بباك�ستان‬ ‫وال���ذي تغلّفه نف�س �شع���ارات الربنامج اليمني‪،‬‬ ‫و�إن اختلف���ت الأ�ساليب واحلجم اال�سرتاتيجي‪.‬‬ ‫لع��� ّل �أبل���غ م���ا قي���ل تعليق ًا عل���ى ه���ذا التكالب‬ ‫الأمريك���ي عل���ى اليم���ن م���ا ورد بتقري���ر خطّ ه‬ ‫ال�سف�ي�ر الهندي‪ ،‬بادراكومار ‪�« :‬أنت ال ت�ستطيع‬ ‫�أن حتارب ال�صني دون �أن حتت ّل اليمن»!‬ ‫�إن املحور الأمريك���ي‪ -‬ال�صهيوين‪ -‬الهندي هو‬ ‫م���ن يق���ف وراء كل هذه التح���رّكات والربامج‪،‬‬

‫لتظ��� ّل املنطق���ة العربي���ة رقعة ال�شط���رجن التي‬ ‫يح���رّك عليه���ا �صانع���و الق���رار قطعه���م وراء‬ ‫دخ���ان كثي���ف يخنقن���ا من���ذ �أن ا�ستكان���ت �أمة‬ ‫ب�أكمله���ا لتقب���ل �أن ت�ؤخ���ذ بجري���رة املجموع���ة‬ ‫الت���ي كان���ت وراء �أح���داث ‪� 11‬أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر‪،‬‬ ‫ه���ذا �إذا افرت�ضنا �أنها فع�ل�اً من وقف وراءها‪،‬‬ ‫ذل���ك الدخان املعتّم هو ما ي�سمّونه احلرب على‬ ‫«الإره���اب»‪ ،‬الإره���اب الذي ف ّرخ���وه وكانوا هم‬ ‫�أوّل من و�ضع لبناته وموّلوه و�أ�شرفوا على قواعد‬ ‫تدريبه‪.‬‬ ‫م���ن ي�ش���كّك فليع���د ليطّ ل���ع على ن����ص احلوار‬ ‫ال�صحف���ي ال���ذي �أجرت���ه �صحيف���ة لونوف���ال‬ ‫�أوب�سارفات���وار الفرن�سي���ة‪ ،‬م���ع �صاحب نظرية‬ ‫�أورا�سي���ا الك�ب�رى‪ ،‬ع���رّاب بعب���ع «الإ�س�ل�ام»‬ ‫الرادي���كايل‪ ،‬م�ست�ش���ار كارتر للأم���ن القومي‬ ‫وكب�ي�ر م�ست�شاري �أوباما‪ ،‬زبيغنيو بريجن�سكي‪،‬‬ ‫لعلّ���ه يقتن���ع‪ .‬تذك���رة فح�س���ب‪ ،‬ن���ورد ردّه على‬ ‫�س����ؤال ال�صحف���ي الفرن�سي‪ ،‬فان�س���ون جوفار‪،‬‬ ‫ع���ن الأ�صولية الإ�سالمية وخطر «الإ�سالميني»‬ ‫الذي���ن ي�صفه���م بـ���ـ «بع����ض املت�شنّج�ي�ن» على‬ ‫العامل‪� ،‬أج���اب بريجن�سكي‪�« :‬أية حماقة هذه‪..‬‬ ‫لي�س هن���اك �إ�سالم عاملي موحّ ���د‪� ..‬أيهما �أهم‬ ‫بنظ���ر التاري���خ‪ :‬طالب���ان �أم �سق���وط الإحت���اد‬ ‫ال�سوفيت���ي؟ حفنة من املت�شنّجني «الإ�سالميني»‬ ‫(�صنيعتن���ا يق�ص���د) �أم حترير �أوروب���ا ونهاية‬ ‫احلرب الباردة؟‬ ‫اليمن كما ال�س���ودان وال�صومال وباقي الأواين‬ ‫امل�ستطرق���ة‪ ،‬يف خطر‪ ،‬والأمريكي���ون تاريخهم‬ ‫ي�شه���د �أنّهم ما مدّوا يوم ًا �أياديهم مل�ساعدة �أمة‬ ‫ما �إ ّال ودفعت ال�ضريبة باهظة‪ :‬قواعد ع�سكرية‬ ‫�أو تدخّ ًال مبا�شراً‪ .‬فهل �سنظ ّل يتامى «�سايك�س‪-‬‬ ‫بيكو» حت���ى الأزل‪ ،‬بيادق رقع���ة �شطرجن اللعبة‬ ‫الدولي���ة‪ ،‬ال خي���ار لن���ا �إ ّال مطرق���ة اال�ستعم���ار‬ ‫املقنّ���ع �أو �سندان التح���وّل �إىل دول فا�شلة؟ من‬ ‫ميلك ت���رف الالمباالة اليوم‪ ،‬ل���ن يجد لنف�سه‬ ‫ملج�أ حني ت�سري النار يف اله�شيم!‬

‫هل يتمكن «احلراك» يف اليمن من ا�ستعادة‬ ‫دولة اجلنوب؟‬ ‫معتز �سالمة‬ ‫ملف الأهرام اال�سرتاتيجي‬ ‫ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪2010‬‬

‫م���ع كل يوم تزداد ال�شواهد على �أهمية طرح هذا‬ ‫ال�س����ؤال‪ ,‬فاملواجهة بني ال�سلط���ات اليمنية وقوى‬ ‫صال جدي���د ًا مع‬ ‫«احل���راك اجلنوب���ي» تدخ���ل ف� ً‬ ‫ازدياد العنف املوج���ه �إىل رموز ال�سلطة و�شموله‬ ‫لكل حمافظ���ات اجلنوب تقريباً‪ ,‬كال�ضالع وحلج‬ ‫و�أبني التي تعد معق ًال لأكرث اجلماعات اجلهادية‬ ‫الأ�صولي���ة املتطرف���ة‪ ,‬وم�ؤخ���ر ًا حمافظات �شبوة‬ ‫وعدن وح�ضرموت‪.‬‬ ‫ويكت�س���ب ه���ذا امل�شه���د �أهمية خا�ص���ة مع قرب‬ ‫موعد �إج���راء بطولة «خليجي ‪ »20‬التي ينتظر �أن‬ ‫ت�ست�ضيفه���ا حمافظ���ات عدن و�أب�ي�ن اجلنوبيتني‬ ‫يف الف�ت�رة م���ن ‪ 22‬ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب حتى‬ ‫‪ 4‬كان���ون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ .2010‬فبينما تتوعد‬ ‫ق���وى احل���راك ب�إف�ش���ال البطولة وت���رى يف ذلك‬ ‫فر�ص���ة لإثبات قدرتها و�إنعا�ش �آمالها بـ «حترير»‬ ‫اجلنوب‪ ,‬تعترب الدولة �إقامة «خليجي ‪ »20‬ق�ضية‬ ‫وطني���ة‪ ,‬ت�ؤكد م���ن خالله���ا قدرته���ا على حفظ‬ ‫الأم���ن واال�ستقرار يف قلب عا�صمة دولة اجلنوب‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬وفيما يبدو يرى كل جانب �أنه يف �سباق‬ ‫م���ع الزم���ن‪ ,‬الأول يف �سب���اق نحو ت�أكي���د الدولة‬ ‫وب�س���ط الهيمنة‪ ,‬وثاين يف �سباق نحو �إثبات عجز‬ ‫الدولة و�إنهاء ما ي�سميه باحتالل اجلنوب‪.‬‬ ‫و�سوف حت���دد نتيجة هذه املواجهة ج���زء ًا كبري ًا‬ ‫من م�شهد ال�صراع امل�ستقبلي يف اليمن؛ ف�إما �أن‬ ‫تتمك���ن الدولة من ت�أكي���د �أن ال م�ستقبل للحراك‬ ‫املنادي بـ «فك االرتباط» بني �شمال اليمن وجنوبه‬ ‫و�إنه���اء «االحتالل» م���ن قبل ال�شم���ال وا�ستعادة‬ ‫دول���ة اجلن���وب‪� ،‬أو �أن تتمكن ق���وى احلراك من‬ ‫�إحراج الدولة و�إف�شال �إقامة البطولة‪.‬‬

‫«احلراك» و«القاعدة»‬

‫تكت�سب نوعية العالقة بني قوى احلراك اجلنوبي‬ ‫وتنظي���م القاع���دة يف اجلزيرة العربي���ة ‪ -‬الذي‬ ‫يتخ���ذ من اليمن مقر ًا ل���ه ‪� -‬أهمية خا�صة ب�ش�أن‬ ‫م�ستقبل مطالب احل���راك‪ .‬ومن الناحية املعلنة‪,‬‬ ‫حتر����ص قوى احل���راك عل���ى متيي���ز نف�سها عن‬ ‫تنظيم القاعدة وتعل���ن �أنها ذات طابع �سلمي وال‬ ‫تنتهج العن���ف و�سيلة لـ «التحرير»‪ ,‬ويرتدد �أنه يف‬ ‫ع���ام ‪� 2009‬سعى تنظي���م القاع���دة للتقارب من‬ ‫احلراكيني ولكنهم رف�ضوه‪ ,‬ويف الوقت الذي تعلن‬ ‫في���ه قوى احل���راك ابتعادها عن القاع���دة ف�إنها‬ ‫تته���م النظام ب�أنه هو ال���ذي يرعى هذا التنظيم‬ ‫وي�ؤوي���ه ليجد مربرات ال�ستم���رار حربه ولي�ستدر‬ ‫التعاط���ف ال���دويل‪ ,‬وي�صل بع����ض رموز احلراك‬ ‫�إىل اته���ام الرئي�س عل���ي عب���د اهلل �صالح نف�سه‬ ‫برعاية القاعدة‪ ,‬وي�ؤك���دون �أن الق�صر الرئا�سي‬ ‫وم�ست�شاريه متورطون يف ذلك‪.‬‬ ‫ولي����س م���ن ال�صع���ب �إدراك الف���وارق الفكري���ة‬ ‫والأيديولوجية الدالة على التباعد بني �أغلب قوى‬ ‫احل���راك اجلنوبي وتنظيم القاعدة‪ ,‬بالنظر �إىل‬ ‫مرياث االعت���دال والتح�ضر والفك���ر اال�شرتاكي‬ ‫يف اجلنوب مقارن���ة بحركة �سلفية تتبنى العنف‪,‬‬ ‫ولكن م���ن املمكن �أي�ض��� ًا �إدراك بع����ض التداخل‬ ‫خ�صو�ص��� ًا مع ا�شتمال احلراك على قوى متعددة‬ ‫بع�ضها ذو خلفيات دينية‪ ,‬ومتثل مناطق اجلنوب‬ ‫خمزون ًا هائ�ل�اً لل�صغ���ار الذين يحمل���ون دوافع‬ ‫خا�ص���ة ولديه���م الرغب���ة يف القت���ال‪ .‬وقد الحظ‬ ‫البع����ض �أن م�ضمون االحتج���اج اجلنوبي اليمني‬ ‫بد�أ يتطعّم م�ؤخر ًا بنكهة �أ�صولية �سلفية جهادية‪,‬‬

‫حيث جنح التنظيم يف التغلغل يف تلك اجلماعات‬ ‫ليجعلها رديف ًا ل���ه يف عمليات ا�ستهداف اجلي�ش‬ ‫والأجهزة الأمنية‪.‬‬ ‫م���ن الناحي���ة الواقعي���ة‪ ,‬مل تعلن ق���وى احلراك‬ ‫اجلنوبي م�س�ؤوليتها عن �أعمال العنف‪ ,‬وال يرتك‬ ‫تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب فر�صة لأي عمل‬ ‫من �أعمال العنف �إال ويعلن م�س�ؤوليته عنه‪� ,‬سواء‬ ‫التفجريات واالغتياالت الواقعة �ضد جهاز الأمن‬ ‫العام �أو الأمن ال�سيا�س���ي الذي تعر�ض ل�ضربات‬ ‫عنيف���ة على مدى الأ�شه���ر الثالثة املا�ضية ب�شكل‬ ‫خا�ص‪ .‬لذلك ال ميكن القول �إن �أعمال العنف هي‬ ‫م���ن فعل قوى احل���راك‪ ,‬على الأقل م���ن الناحية‬ ‫ال�شكلي���ة‪ ,‬الت���ي تتمث���ل يف ت�أكيدات تل���ك القوى‬ ‫ذاتها وخطاب الدولة نف�سه‪ ,‬الذي يعلن �أنه ي�شن‬ ‫احلرب على تنظيم القاعدة ولي�س احلراك‪.‬‬ ‫وعل���ى امل�ست���وى الفعل���ي‪ ،‬ف����إن هن���اك حالة من‬ ‫التماه���ي بني قوى احلراك و�أعم���ال العنف التي‬ ‫يقوم به���ا تنظيم القاع���دة‪� ,‬صحي���ح �أن �أهداف‬ ‫احلراك اجلنوبي تختل���ف عن �أهداف القاعدة‪,‬‬ ‫لك���ن هناك جوان���ب لاللتقاء ب�ي�ن الطرفني على‬ ‫الأق���ل يف املرحل���ة احلالي���ة الت���ي يتواف���ق فيه���ا‬ ‫اجلانب���ان على الرغب���ة يف الإجهاز عل���ى �سلطة‬ ‫الدول���ة‪ .‬فمن جانبه يهدف تنظي���م القاعدة �إىل‬ ‫جع���ل اليم���ن موطن ًا وقاع���دة للجه���اد امل�سلح يف‬ ‫منطق���ة اجلزيرة‪ ،‬ولتنظيم القاعدة يف اجلزيرة‬ ‫العربي���ة �أحالم تتجاوز اليم���ن‪ ،‬وهذا ما بدا من‬ ‫�إع�ل�ان امل�س�ؤول الع�سكري لف���رع تنظيم القاعدة‬ ‫يف اليمن م�ؤخر ًا عن �إن�شاء جي�ش �أطلق عليه ا�سم‬ ‫«جي����ش عدن‪� -‬أب�ي�ن» بهدف حتري���ر اليمن «من‬ ‫ال�صليبيني وعمالئهم املرتدين»‪ .‬ويعمل التنظيم‬ ‫عل���ى �إقن���اع ال�شب���اب اجلنوبي ب����أن الوقت حان‬ ‫خلروج اجلي�ش الذي ب�ش���رت به بع�ض الأحاديث‬ ‫النبوية ال�شريفة من وجهة نظرهم‪.‬‬ ‫بالطب���ع ال ميكن ت�ص���وّر وجود التق���اء يف الر�ؤية‬ ‫النهائي���ة ب�ي�ن دول���ة اجله���اد ودول���ة اجلن���وب‪,‬‬ ‫فالتوليف���ة الأيديولوجي���ة لقوى احل���راك تختلف‬ ‫متام��� ًا ع���ن الرتكيب���ة الأيديولوجي���ة لتنظي���م‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪89‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫املحــور‬

‫عني على اليمن‬

‫املراقب الإ�سرتاتيجي‬ ‫وم�سارات الغد‬ ‫اليومـة العــدد‬ ‫�سيا�ساتق�ضي ـ‬

‫القاعدة‪ .‬مع ذلك‪ ,‬ف�إن التعاون التكتيكي بينهما‬ ‫ميك���ن �أن يح���دث ب�ص���ورة ملمو�س���ة يف بع����ض‬ ‫املناط���ق‪ .‬وطبق ًا ملا ذكره �أح���د �أع�ضاء احلراك‬ ‫اجلنوب���ي‪ ,‬ف����إن احلركة قد تتحال���ف مع تنظيم‬ ‫«القاع���دة الإي���راين‪� ,‬أو حتى م���ع ال�شيطان» من‬ ‫�أج���ل حتقي���ق �أهدافها‪ .‬ومن الناحي���ة امليدانية‪،‬‬ ‫ف�إن جزء ًا كبري ًا م���ن �شباب احلراك ينخرطون‬ ‫يف تنظي���م القاعدة كلما ازداد الي�أ�س من �سرعة‬ ‫جني النتائج‪.‬‬ ‫ومن الناحي���ة التكتيكية‪ ،‬ف����إن �أ�سلوب الدولة يف‬ ‫املواجه���ة ال يُفرِّق ب�ي�ن احل���راك والقاعدة على‬ ‫نحو ميك���ن �أن يخلق قاع���دة لتغذي���ة الإح�سا�س‬ ‫امل�ش�ت�رك بني اجلانب�ي�ن يقوي التع���اون بينهما‪,‬‬ ‫فم���ن املتوق���ع �أن يت�سع نطاق العن���ف ومطالبات‬ ‫الث�أر مع �سق���وط عنا�صر من القاعدة �أو �ضحايا‬ ‫�أبرياء وراءه���م قبائل متنفذة‪ .‬وم���ن املتوقع �أن‬ ‫تكون بطول���ة «خليجي‪ »20‬فر�ص���ة ملعرفة الكثري‬ ‫م���ن �أبع���اد التداخ���ل ب�ي�ن احل���راك اجلنوب���ي‬ ‫والقاع���دة‪� .‬إذ يهدد احل���راك ب�إف�شال البطولة‪,‬‬ ‫وه���و �أم���ر ميكن �أن يق���رّب منهج���ه يف «حترير»‬ ‫اجلن���وب م���ن منهج تنظي���م القاع���دة يف �إقامة‬ ‫دويل���ة �إ�سالمية‪ ,‬وميكن للأي���ام والأ�شهر املقبلة‬ ‫�أن تزي���د من فر�ص االنخراط واالندماج اليومي‬ ‫ب�ي�ن القاع���دة واحل���راك اجلنوب���ي‪ ,‬لذلك على‬ ‫الرغ���م م���ن �أن الف�ت�رة املقبلة تت�ضم���ن فر�صة‬ ‫لقوى احلراك لإثبات ذاته���ا عربي ًا ودولي ًا ف�إنها‬ ‫تت�ضم���ن االختيار الأ�صعب لها املتمثل يف القدرة‬ ‫على متييز ذاتها عن تنظيم القاعدة‪.‬‬

‫�آفاق االنف�صال‬

‫ي�ض���ل الو�ضع يف اجلن���وب �إزاء معادلة خمتلفة؛‬ ‫ففي كل ي���وم يت�أكد �أن حتقي���ق �أهداف احلراك‬ ‫باالنف�ص���ال لن يكون عم ًال �سه�ل�اً على الأقل يف‬ ‫الأمد املنظور‪ .‬فم���ع كل انهيار �أمني يف اجلنوب‬ ‫يبتع���د اجلنوبيون �أك�ث�ر عن حتقي���ق �أهدافهم‪,‬‬ ‫وبق���در ما يتمكن احل���راك اجلنوبي م���ن �إطالة‬ ‫�أم���ده كحراك �سلم���ي يمُ يّز نف�سه ع���ن القاعدة‬ ‫بق���در قدرته عل���ى �إح���راج النظ���ام يف �صنعاء‪,‬‬ ‫وه���و اختبار �صعب له م���ع جتاهل الدولة ملطالبه‬ ‫‪90‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫ومواجهته���ا بالعن���ف الر�سم���ي‪ .‬والبدي���ل �أم���ام‬ ‫التح�صن‬ ‫ّ‬ ‫احل���راك هو تطوي���ر خطابه بد ًال م���ن‬ ‫خل���ف ه���دف االنف�ص���ال‪ ,‬فيمكن���ه بن���اء توافق‬ ‫وطني يجتذب �إليه �أطياف ًا من القوى يف ال�شمال‪,‬‬ ‫على �سبيل املثال �إعادة النظر يف م�شروع الوحدة‬ ‫والتخل���ي عن ه���دف االنف�ص���ال به���دف �إ�صابة‬ ‫�أهداف �أخ���رى يف الدولة الوحدوية‪ ,‬بهذا يمُ كنه‬ ‫�سح���ب الب�س���اط م���ن حت���ت �أق���دام النظام يف‬ ‫�صنعاء‪.‬‬ ‫لق���د جنحت قوى احلراك‪ ,‬من الناحية الفعلية‪,‬‬ ‫يف �إع���ادة طرح ال�س�ؤال حول دولة الوحدة وطرح‬ ‫ه���دف «التحرير» على اجلنوبي�ي�ن‪ ,‬وهو ما ميثل‬ ‫تطور ًا يف �أهدافه���ا احلقيقية التي بد�أت يف عام‬ ‫‪ 2007‬مبجموعة من املطالب املعتدلة متثلت فقط‬ ‫بـ‪ :‬املطالب���ة بتحقيق قدر من العدال���ة وامل�ساواة‬ ‫يف التنمي���ة مع ال�شمال‪ ,‬وب�إع���ادة املُ�سرَّحني من‬ ‫اجلي�ش �إىل اخلدمة‪ ,‬وتوفري الوظائف‪ ,‬وتدعيم‬ ‫�صالحيات �سلط���ة �صنع الق���رار املحلي‪ ,‬ومزيد‬ ‫من ال�سيطرة على م���وارد اجلنوب االقت�صادية‪,‬‬ ‫مب���ا فيه���ا �أك�ب�ر حق���ل نف���ط مين���ي يف امل�سيل���ة‬ ‫بح�ضرم���وت‪ .‬وعل���ى الرغم من جن���اح احلركة‬ ‫يف �إع���ادة ال�س����ؤال ح���ول الوح���دة �إىل الواجهة‪،‬‬ ‫ف�إن حتقي���ق االنف�صال يبدو بعي���د املنال يف ظل‬ ‫الأو�ضاع الراهنة والتداخ���ل امليداين واملناطقي‬ ‫بني احل���راك والقاعدة‪ ,‬وذلك عل���ى الرغم من‬ ‫كل م�شكالت اليمن املتمثلة يف ثالوث‪ :‬احلوثيني‪,‬‬ ‫احل���راك‪ ,‬القاع���دة‪ .‬والآن جن���د �أن �ص���وت‬ ‫االنف�صال يطغى على �ص���وت الوحدة‪ ,‬وال�صوت‬ ‫اجلنوبي هو الأعلى والأبرز‪.‬‬ ‫م���ع ذلك‪ ,‬ف�إن ه���ذا االجت���اه �إىل االنف�صال من‬ ‫املنتظ���ر �أن يت�صاع���د �إذا مل تتمك���ن الدولة من‬ ‫تقدمي ر�ؤي���ة �شاملة تعي���د تدار����س الأ�س�س التي‬ ‫قام���ت عليها الوح���دة‪ ,‬وت�ض���ع مرة ثاني���ة قرار‬ ‫الوحدة على حم���ك الت�سا�ؤل‪ ,‬وت�أخذ يف االعتبار‬ ‫متاي���زات حمافظات اجلن���وب‪ ,‬و ُتط���وّر خطاب ًا‬ ‫مع اجلنوبيني يتجاوز احل���ل الأمني والع�سكري‪,‬‬ ‫ليت�ضم���ن ح�ل�اً تنموي��� ًا و�سيا�سي ًا �أ�شم���ل‪ ,‬وهذا‬ ‫يتطلب تغيري ًا يف قواع���د توزيع ال�سلطة واحلكم‬

‫يف �صنعاء‪ ,‬قد ال يكون املركز يف ال�شمال مُ�ستعد ًا‬ ‫له حالي���اً‪ .‬وبقدر قدرة الدولة على حتقيق تنمية‬ ‫متوازنة يف ال�شم���ال واجلنوب بقدر قدرتها على‬ ‫كبح جماح احلراك‪.‬‬ ‫يف الأم���د املنظ���ور ميك���ن الق���ول �إن الأ�شهر ‪-‬‬ ‫ورمب���ا ال�سن���وات املقبلة ‪ -‬جتع���ل �سلطة الدولة‬ ‫هي الأقوى‪ ,‬حيث ال ي�ستطيع املجتمع الدويل �أن‬ ‫يطلب من اليمن اال�ستجابة ملطالب قوى احلراك‬ ‫اجلنوبي يف ظل احل���رب ال�شر�سة مع القاعدة‪,‬‬ ‫وهذا ي�ضع قيود ًا على خيارات اجلنوبيني‪ ,‬ولكن‬ ‫يف الأمد الأبعد �سي���زداد انتباه املجتمع الدويل‬ ‫وتركيزه على الو�ض���ع الإن�ساين للجنوب‪ ,‬ورمبا‬ ‫ينتهي الأم���ر اىل التعاطي مع الهدف ال�سيا�سي‬ ‫باالنف�صال والتعامل معه على غرار التعامل مع‬ ‫جن���وب ال�سودان‪ ,‬خ�صو�ص ًا ح�ي�ن يفرغ النظام‬ ‫م���ن الق�ض���اء عل���ى تنظي���م القاع���دة‪ ,‬و�سوف‬ ‫يتوق���ف امل�ستقبل على مدى ق���درة النظام على‬ ‫ا�ستمرار خلط املعركة يف اجلنوب باملعركة �ضد‬ ‫القاعدة‪ ,‬على الأقل خالل هذه الفرتة احلرجة‬ ‫الت���ي ال تتواف���ر فيه���ا الفر�ص���ة لتطوي���ر الأفق‬ ‫ال�سيا�سي للنظام‪ ,‬كما �سيتوقف امل�ستقبل �أي�ض ًا‬ ‫على مدى ق���درة اجلنوبيني على متييز �أنف�سهم‬ ‫يف �سياق الن�ضال ال�سلمي‪.‬‬ ‫وتبق���ى احلال���ة الراهن���ة حال���ة �أف�ض���ل ن�سبي ًا‬ ‫لل�سلط���ة‪ ,‬لأنه يف الوق���ت الذي �س���وف يتم فيه‬ ‫الق�ض���اء عل���ى تنظي���م القاعدة �س���وف تتجلى‬ ‫�أك�ث�ر مطالبات اجلن���وب‪ .‬لذلك م���ن م�صلحة‬ ‫الدولة اليمنية �أن توج���د عنا�صر تداخل دائمة‬ ‫ب�ي�ن القاع���دة واحل���راك خ�صو�ص��� ًا يف ف�ت�رة‬ ‫ال�ضعف الراهن���ة‪ ,‬ومن املهم �أن ترتافق حربها‬ ‫م���ع القاعدة مب�ساعيه���ا لال�ستجاب���ة للمطالب‬ ‫املعتدل���ة للحراكي�ي�ن‪ ,‬عرب �إ�صالح���ات حقيقية‬ ‫تعي���د ثقة قوى احلراك بدولة الوحدة‪ .‬وبالطبع‬ ‫هن���اك �أبع���اد كث�ي�رة جتع���ل م���ن املمك���ن لهذا‬ ‫الط���رف �أو ذاك �إح���راز انت�ص���ارات تكتيكية‪,‬‬ ‫لكن االنت�صار احلقيقي �سوف يتمثل يف القدرة‬ ‫عل���ى حتقيق اخ�ت�راق ا�سرتاتيجي على اجلانب‬ ‫الآخر‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪91‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫ما بعـد‬ ‫االنف�صال‬ ‫التداعيات الإقليمية النف�صال جنوب ال�سودان‬ ‫�سابقة «تقرير امل�صري» وانعكا�ساتها الإقليمية‬

‫خالد �أحمد الرماح‬

‫‪Khaled_rammah@shebacss.com‬‬

‫‪92‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫خالد الرماح باحث ومدير برنامج درا�سات القرن الأفريقي‬ ‫مبركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪.‬‬

‫‪S. ALEXANDRE / Flickr‬‬

‫ُينظر �إىل التا�سع من كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2011‬كيوم مف�صلي يف تاريخ ال�سودان احلديث‪ .‬ففي‬ ‫ه���ذا الي���وم �سيقرر �س���كان اجلنوب االنف�صال �أو البق���اء يف دولة واحدة مع ال�شم���ال‪ .‬امل�ؤ�شرات‬ ‫والدالئ���ل ت�ؤك���د �أن الكفة ترج���ح ل�صالح االنف�صال‪ ،‬م���ا يعني الإعالن الر�سم���ي عن والدة دولة‬ ‫جدي���دة ت�ضاف �إىل دول املنطق���ة (�ستكون الدولة رقم ‪ 193‬يف الأ�س���رة الدولية)‪ .‬وهذا احلدث‬ ‫�سيك���ون مبثابة زلزال �سيا�س���ي وا�سرتاتيجي يهدد ا�ستقرار ال�سودان وحميط���ه الإقليمي‪ ،‬ويعيد‬ ‫تركي���ب املعادل���ة اجليو�سرتاتيجية يف منطقة الق���رن الأفريقي‪ .‬ومن املتوق���ع �أن متتد تداعياته‬ ‫و�آث���اره �إىل املنطقة برمتها‪ ،‬بالنظ���ر �إىل �أ�سلوب والدة الدولة‪ ،‬وموقعه���ا اجلغرايف‪ ،‬واجتاهاتها‬ ‫ال�سيا�سية املتوقعة‪ ،‬وطبيعة عالقاتها بالدول املجاورة والفاعلني الدوليني‪ ،‬وعلى �شبكة التحالفات‬ ‫الإقليمية‪ ،‬وانعكا�سات كل ذلك على الأمن القومي العربي واال�ستقرار الإقليمي ب�شكل عام‪.‬‬

‫ابت���دا ًء ف����إن الت�أث�ي�ر الإلهامي لأ�سل���وب والدة دولة جن���وب ال�سودان عرب‬ ‫اال�ستفت���اء عل���ى حق تقرير امل�ص�ي�ر‪� ،‬سيثري تطلع���ات وطموحات مناطق‬ ‫�صراع���ات �أخ���رى يف املنطقة‪ ،‬ويعط���ي اجلماع���ات االنف�صالية يف بع�ض‬ ‫دولها م�ب�رر ًا و�سند ًا قانوني ًا للمطالبة باالنف�صال با�ستخدام نف�س احلق‪،‬‬ ‫ال���ذي حظي يف حالة ال�سودان بقبول وت�أيي���د دويل وا�سع‪ .‬ومن املتوقع �أن‬ ‫يخل���ق هذا احلدث �سابقة خط�ي�رة يف �أفريقيا قد تنتقل �إيل دول �أفريقية‬ ‫جماورة‪ ،‬خ�صو�ص ًا تلك التي تزخر بتباينات عرقية ودينية عميقة �شبيهة‬ ‫بال�س���ودان‪ .‬وميثل اخل���رق الأول من نوعه – رمب���ا ‪ -‬ملبد�أ حرمة احلدود‬ ‫اال�ستعماري���ة امل�صطنع���ة ب�ي�ن دول الق���ارة الأفريقية‪ ،‬وال���ذي ن�ص عليه‬ ‫ميث���اق االحتاد الأفريقي يف م�ؤمتر القم���ة الأفريقية الأوىل الذي عقد يف‬ ‫القاه���رة يف متوز‪/‬يولي���و ‪ .1964‬ولهذا هناك خم���اوف �أن يفتح انف�صال‬ ‫اجلن���وب الباب �أمام �أقلي���ات دينية وعرقية �أخ���ري يف �أفريقيا للمطالبة‬ ‫باالنف�ص���ال وتكوين كيانات م�ستقل���ة �أ�سوة بجنوب ال�س���ودان‪� ،‬أو يطالب‬ ‫بع�ضها االنف�صال واالن�ضمام �إىل دولة �أخرى تنتمي �إليها عرقي ًا �أو دينياً‪.‬‬ ‫وق���د يكون هذا احل���دث مبثابة �شرارة ت�شعل ن�ي�ران اخلالفات واحلروب‬ ‫ب�ي�ن الأقلي���ات والدول‪ ،‬ورغب���ة بع�ضها تعدي���ل حدودها الت���ي ورثتها عن‬ ‫اال�ستعمار مبا من �ش�أنه تهديد اال�ستقرار الإقليمي‪.‬‬ ‫وهناك خماوف �أن ي�ص���ل الت�أثري الإلهامي ال�ستفتاء جنوب ال�سودان �إىل‬

‫دول �أخرى يف املنطقة‪ ،‬كاليمن والعراق واملغرب ولبنان على �سبيل املثال‪.‬‬ ‫وه���ي خماوف موج���ود ومربرة لكنها مبالغ فيها –عل���ى الأقل فيما يتعلق‬ ‫باليم���ن‪ -‬ب�سبب الف���ارق بني الو�ضعني‪ ،‬وطبيعة م�شكل���ة جنوب ال�سودان‪،‬‬ ‫الناجت���ة يف الأ�سا����س ع���ن التباين الكبري ب�ي�ن ال�شمال واجلن���وب دينياً‪،‬‬ ‫وعرقي��� ًا وثقافي���اً‪ ،‬وف�شل الطرف�ي�ن يف التمازج واالن�صه���ار على امل�ستوى‬ ‫االجتماع���ي‪ ،‬وال يقت�ص���ر الأم���ر عند رغبة فئ���ة من ال�س���كان االنف�صال‬ ‫لأ�سب���اب �سيا�سي���ة �أو اقت�صادية‪ ،‬لذلك ي�أتي االنف�ص���ال رمبا كحل �أخري‬ ‫لإنه���اء معاناة ما يقارب ‪ 22‬عام ًا من احلرب الأهلية‪ ،‬وهو و�ضع ال ينطبق‬ ‫عل���ى اليمن‪ .‬لكن ذلك ال مين���ع من القول �أن الت�أث�ي�ر الإلهامي النف�صال‬ ‫جن���وب ال�س���ودان عرب حق تقري���ر امل�صري‪� ،‬سيث�ي�ر تطلع���ات العديد من‬ ‫القوى الطاحمة لت�شكيل كيانات م�ستقلة مبا فيها اليمن‪ .‬ومن الأف�ضل �أن‬ ‫يكون هذا احل���دث حمفز ًا للحكومات – بد ًال �أن يكون حمفز ًا للجماعات‬ ‫االنف�صالي���ة‪ -‬م���ن �أجل ال�سع���ي اجلاد حل���ل م�شاكلها الداخلي���ة ما دام‬ ‫مبقدورها ذلك‪ ،‬قبل �أن ت�ستفح���ل وتخرج عن ال�سيطرة وتتيح للأطراف‬ ‫اخلارجية التدخل وتوجيهها مبا يخدم م�صاحلها‪.‬‬

‫ال�سودان ب�ؤرة مرجّ حة للتوتر‬ ‫و�ضع ال�سودان‬ ‫بع���د اال�ستفتاء ه���و الآخر يثري العديد م���ن الت�س���ا�ؤالت‪ ،‬وال�سيناريوهات‬ ‫املتوقعة التي قد حتوله فع ًال �إىل ب�ؤرة للتوتر وعدم اال�ستقرار يف املنطقة‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪93‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫اجلنوبية يف جبهة واحدة متما�سكة‪.‬‬ ‫�أما ال�شمال ف�أو�ضاعه لن تكون �أح�سن حاالً‪ ،‬فانف�صال اجلنوب عرب حق‬ ‫تقري���ر امل�صري �سيفتح الباب وا�سع ًا �أم���ام مطالبة �أقاليم �سودانية �أخرى‬ ‫باالنف�ص���ال با�ستخدام نف�س احلق �أ�سوة باجلن���وب‪ ،‬وحتديد ًا يف مناطق‬ ‫التوت���ر الرئي�سية (دارف���ور‪ ،‬وجنوب كردف���ان‪ ،‬ومنطقة الني���ل الأزرق)‪،‬‬ ‫و�أقربه���ا متمردي دارف���ور‪ ،‬حيث طالبت فع ًال حركة الع���دل وامل�ساواة يف‬ ‫�أح���د بياناتها بهذا احلق �صراحةً‪ .‬ويف حال �أ�سفر االنف�صال عن عالقات‬ ‫متوت���رة م���ع اجلنوب ب�سب���ب الق�ضاي���ا اخلالفي���ة العالقة‪ ،‬ف����إن اجلبهة‬ ‫ال�شعبي���ة احلاكمة يف اجلنوب �ستعم���د �إىل تقدمي الدعم وامل�ساعدة وفتح‬ ‫�أرا�ضيها كم�أوى وقاعدة انطالق حلركات التمرد الأخرى‪.‬‬ ‫ودون الت���زام الطرف�ي�ن ب�ضم���ان �أمن وا�ستق���رار الطرف الآخ���ر ف�إنهما‬ ‫�سيكونان مع ًا عر�ض���ة للقالقل وعدم اال�ستقرار‪ ،‬فيوجد على �سبيل املثال‬ ‫�أعداد كب�ي�رة من �أبناء الوالي���ات ال�شمالية املتاخمة للح���دود (من �أبناء‬ ‫النوب���ة والنيل الأزرق) �ضمن اجلبهة ال�شعبي���ة لتحرير ال�سودان‪ ،‬وميكن‬ ‫�أن يك���ون ه�ؤالء م�صدر لإث���ارة القالقل وعدم اال�ستقرار يف حال ال�صراع‬ ‫ب�ي�ن ال�شم���ال واجلن���وب‪ .‬بالإ�ضافة �إىل وج���ود عدد من ح���ركات دارفور‬ ‫غري املوقعة على اتفاقي���ة ال�سالم يف اجلنوب‪ ،‬وت�أمل احل�صول على دعم‬ ‫اجلبهة ال�شعبية لتتمكن من خو�ض جولة جديدة من احلرب �ضد احلكومة‬ ‫املركزية يف اخلرطوم‪ .‬واجت���اه حكومة اجلنوب لتبني ق�ضايا املجموعات‬ ‫املتمردة يف ال�شم���ال‪� ،‬سي�شكل خطورة كبرية على ا�ستقراره‪ ،‬وعلى جهود‬ ‫حكومة اخلرطوم لل�سيطرة على م�شاكلها الداخلية‪.‬‬ ‫و�سيعم���ق من خط���ورة الأو�ضاع يف ال�شم���ال تردي �أو�ضاع���ه االقت�صادية‬ ‫ج���راء انقطاع عائ���دات النفط القادم���ة من حقول‬ ‫اجلن���وب‪ ،‬والت���ي متثل نحو ‪ %80‬م���ن كل عائدات‬ ‫النف���ط (وت�ش���كل بالن�سبة لل�شم���ال نحو ‪ %45‬من‬ ‫امل���وارد‪ ،‬ونح���و ‪ %95‬م���ن ال�ص���ادرات)‪ ،‬و�إذا ما‬ ‫ُفقِدتت عائدات النفط ف����إن ذلك �سينعك�س �سلب ًا‬ ‫على قدرات الدولة الأمنية والع�سكرية‪ ،‬ويعمق من‬ ‫ه�شا�شة الأو�ضاع ال�سيا�سية‪.‬‬

‫فعل���ى م�ست���وى اجلنوب‪ ،‬هناك من ي���رى �أن االنف�صال �سي����ؤدي �إىل خلق‬ ‫دول���ة فا�شلة غري ق���ادرة على احلياة‪ ،‬متث���ل تهديد ًا للأم���ن االقت�صادي‬ ‫وال�سيا�س���ي لل�س���ودان والأقاليم املجاورة‪ ،‬خ�صو�ص��� ًا يف حال عجزها عن‬ ‫ت�صدير نفطها الذي ميثل ‪ %95‬من مواردها‪ ،‬كونها دولة حبي�سة ال منافذ‬ ‫بحري���ة له���ا‪� ،‬إال عرب ال�شم���ال‪� ،‬أو كيني���ا يف �أق�صى ال�ش���رق على املحيط‬ ‫الهن���دي‪ .‬باال�ضاف���ة �إىل �ضع���ف بنيتها التحتي���ة وهياكله���ا االقت�صادية‬ ‫(كامل�ست�شفي���ات‪ ،‬املدار����س‪ ،‬الط���رق‪ ،‬خط���وط الكهرباء‪� ،‬شب���كات املياه‬ ‫وال�ص���رف‪ ...،‬الخ)‪ ،‬وافتقارها �إىل الكوادر الب�شرية امل�ؤهلة (املدر�سون‪،‬‬ ‫الأطباء‪ ،‬املهند�سون‪ ،‬ال�صيادلة‪ ....‬ال���خ) ال�ضرورية ملواجهة احتياجات‬ ‫بن���اء الدولة‪ .‬و�إن كان �سكوت غري�شون مبعوث الإدارة الأمريكية لل�سودان‬ ‫قد ا�ستبعد ميالد دولة فا�شلة يف اجلنوب‪ ،‬ب�سبب �أن هذا الربنامج مدعوم‬ ‫ عل���ى حد قوله‪ -‬دعم ًا كام ًال على �أعل���ى م�ستوى من االدارة الأمريكية‪،‬‬‫وب�إ�شراف ومتابعة �شخ�صية من نائب الرئي�س جو بايدن‪.‬‬ ‫بينم���ا يذه���ب البع����ض �إىل �أن اخلط���ر الأك�ب�ر يف اجلن���وب ال ي�أت���ي من‬ ‫احتم���االت ف�ش���ل الدولة الولي���دة‪ ،‬و�إمنا من قدرتها عل���ى خلق االن�سجام‬ ‫والتما�سك الداخلي على ال�صعيدين االجتماعي وال�سيا�سي‪ ،‬والقدرة على‬ ‫حتقيق اال�ستقرار يف اجلنوب بعد االنف�صال‪ ،‬يف ظل تركيبته االجتماعية‬ ‫املعقدة والت���ي ت�ضم حوايل ‪ 500‬جمموعة �أثني���ة �أكربها قبائل الدنكا ثم‬ ‫قبائ���ل النوير فقبائل ال�شل���ك‪ ،‬ولها امتدادات عرقي���ة يف الدول املجاورة‬ ‫ك�أوغندا و�إثيوبيا وكينيا والكونغو‪ ،‬وي�سود العالقات فيما بينها عدم الوفاق‬ ‫والتناح���ر �أحياناً‪ ،‬وكثري ًا م���ا حتدث حاالت مترد م���ن بع�ضها على قبيلة‬ ‫الدنكا امل�سيطرة على احلركة ال�شعبية وعلى املوارد وال�سلطة يف اجلنوب‪،‬‬ ‫كما حدث على �سبيل املثال عام ‪ 1991‬عندما قاد بع�ض �أبناء قبيلة النوير‬ ‫(رياك م�شار و�آخرون) ومعهم عنا�صر من ال�شلك‬ ‫مت���رد ًا �ض���د ج���ون قرنق تعب�ي�ر ًا ع���ن التذمر من‬ ‫هيمن���ة الدنكا‪ ،‬وال���ذي تطور �إىل ح���رب �إثنية يف‬ ‫الف�ت�رة م���ن ‪ ،1999-1992‬وفاق فيها ع���دد القتلى‬ ‫ب�ي�ن الدينكا والنوير كل من قتلوا بوا�سطة اجلي�ش‬ ‫ال�س���وداين يف الف�ت�رة م���ن ‪ .1999-1983‬والتم���رد‬ ‫الأخ�ي�ر ال���ذي يقوده ج���ورج �أطور داخ���ل اجلي�ش‬ ‫العالق��ات ب�ين ال�ش��مال واجلنوب‬ ‫ال�شعبي نف�سه �ض���د �سيطرة الدنكا‪ ،‬يثري ال�شكوك‬ ‫ي�ش�ي�ر ت�صري���ح الرئي�س عم���ر الب�ش�ي�ر منت�صف‬ ‫ح���ول �إمكانية بقاء احلركة ال�شعبية متما�سكة بعد‬ ‫كان���ون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ ،2010‬وال���ذي دع���ا في���ه‬ ‫االنف�ص���ال‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أنها تتك���ون من خليط غري‬ ‫اجلنوبيني للبقاء حتت �سقف الوحدة مقابل تنازل‬ ‫متجان����س قاب���ل للت�شظي يف �أي وق���ت‪ ،‬ت�ضم حتت‬ ‫احلكومة املركزي���ة يف اخلرطوم عن ح�صتها من‬ ‫عباءته���ا ما يق���ارب ‪ 40‬ف�صي ًال م�سلح��� ًا تنت�شر يف‬ ‫عوائ���د النف���ط القادمة من حق���ول اجلنوب‪� ،‬إىل‬ ‫اجلنوب‪ ،‬جميعها م�شكلة على �أ�سا�س �أثني‪.‬‬ ‫رغب���ة حقيقة وج���ادة للحف���اظ عل���ى الوحدة مع‬ ‫ل���ذا يذهب الكث�ي�ر من املراقب�ي�ن �إىل �أن ال�صراع‬ ‫اجلن���وب حت���ت �أي �صيغة يختاره���ا‪ ،‬كخيار بديل‬ ‫ب�ي�ن الدينكا وب�ي�ن ال�شل���ك والنوير قد ي����ؤدي �إىل‬ ‫ن�شوب نزاع عرقي داخ���ل اجلبهة ال�شعبية‪ ،‬يحول‬ ‫اجلنوب �إىل �ساح���ة للمعارك ب�ي�ن �أبنائه وقبائله التم��رد ال��ذي يقوده جورج �أطور داخل اجلي�ش ال�ش��عبي يثري ال�ش��كوك‬ ‫من �أجل ال�سيطرة على ال�سلطة ال�سيا�سية والرثوة حول �إمكانية بقاء احلركة ال�ش��عبية متما�سكة بعد االنف�صال‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫بعد زوال تهدي���د ال�شمال الذي كان يوحد القبائل �أنها تتكون من خليط غري متجان�س قابل للت�شظي يف �أي وقت‬ ‫‪94‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ع���ن االنف�صال وت�شكي���ل دولة م�ستقل���ة‪ .‬لكن ردة‬ ‫الفع���ل اجلنوبية على هذا العر�ض توحي ب�أنه جاء‬ ‫مت�أخ���ر ًا جد ًا لي�ستطيع �إقن���اع القيادات اجلنوبية‬ ‫بالعدول عن االنف�صال‪ ،‬والتي طالبت ‪-‬عو�ض ًا عن‬ ‫اال�ستجابة له‪ -‬بقرارات �أكرث �شجاعة من الرئي�س‬ ‫الب�ش�ي�ر حل�س���م اخلالف احلدودي ح���ول منطقة‬ ‫�أبيي املتنازع عليها‪.‬‬ ‫وترغ���ب حكوم���ة اخلرط���وم يف احلف���اظ عل���ى‬ ‫عالق���ات ودي���ة ومتط���ور م���ع اجلن���وب يف ح���ال‬ ‫االنف�ص���ال‪ ،‬لك���ن ذل���ك حم���ل �شك كب�ي�ر يف ظل‬ ‫الإرث العدائي العميق الناجت عن �أكرث من ‪� 22‬سنة‬ ‫م���ن احلرب‪ ،‬ووجود العديد م���ن الق�ضايا العالقة‬ ‫املثرية للخ�ل�اف املتعلقة باحل���دود وبالنزاع حول‬ ‫منطق���ة �أبيي الغنية بالنفط‪ .‬وح���دوث االنف�صال‬

‫�أرا�ضيها‪ .‬وكال الدولتان ‪ -‬كينيا و�أوغندا‪ -‬ي�ستفيد‬ ‫من و�ضع جنوب ال�سودان بعيد ًا عن اخلرطوم‪� ،‬أما‬ ‫�أثيوبيا فتطمح يف احل�صول على ن�سبة من النفط‬ ‫ال�س���وداين لتغطية حاجاتها الداخلي���ة املتزايدة‪.‬‬ ‫وترغ���ب هذه الدول يف جذب جن���وب ال�سودان يف‬ ‫ح���ال انف�صاله �إىل جمموع���ة دول �شرق �أفريقيا‪.‬‬ ‫وم���ن املحتمل ظهور جماعة �أمنية جديدة يف هذه‬ ‫املنطقة ت�ضم جنوب ال�سودان مع باقي دولها حتت‬ ‫�إ�شراف ورعاية �أمريكية‪.‬‬

‫التداعي��ات عل��ى الأم��ن القوم��ي‬ ‫ت�أت���ي الأهمي���ة‬ ‫العرب��ي‬

‫الإ�سرتاتيجي���ة لل�س���ودان م���ن كونه البل���د الأكرب‬ ‫م�ساح���ة يف كل �أفريقي���ا والع���امل العرب���ي‪ ،‬بحيث‬ ‫ت�ص���ل م�ساحت���ه �إىل �أكرث من ملي���وين مرت مربع‪،‬‬ ‫كما ي�ش���كل بحدوده مع ع�شر دول �أفريقية وعربية‬ ‫النزاع��ات احلدودية والتداخل الدميوغرايف بني ال�ش��مال واجلنوب‬ ‫مف�ت�رق ط���رق ا�سرتاتيج���ي‪ ،‬وج�س���ر ًا يربط بني‬ ‫�أقوى التحديات التي تواجه عملية االنف�صال‪ ،‬ومن املرجح �أن تتحول‬ ‫الدول العربية والأفريقي���ة مبوقعها اال�سرتاتيجي‬ ‫�إىل مناطق نزاعات وتوترات بعده‬ ‫يف قل���ب القارة الأفريقية‪ .‬بالإ�ضافة �إىل ما ميلكه‬ ‫م���ن م�ص���ادر �أولي���ة واحتياطيات نفطي���ة (يقدر‬ ‫االحتياط���ي النفطي لل�سودان مبا يقارب ‪ 2‬ملي���ار برميل ح�سب تقديرات‬ ‫قب���ل ح�سم هذه الق�ضايا بطرق ودي���ة ير�شح لعالقات عدائية ورمبا عودة‬ ‫ضال عن ثرواته احليوانية والزراعية والتعدينية‪.‬‬ ‫‪ ،)2006‬ف� ً‬ ‫احلرب جمدد ًا بني اجلانبني‪.‬‬ ‫والقيم���ة االقت�صادي���ة وال�سيا�سي���ة والإ�سرتاتيجية التي ميثله���ا ال�سودان‬ ‫وتعد النزاعات احلدودية والتداخ���ل الدميوغرايف بني ال�شمال واجلنوب للنظ���ام العربي ترتب���ط ارتباط ًا مبا�شر ًا بحجم���ه وموقعه اال�سرتاتيجي‪،‬‬ ‫وحتديد ًا يف مناطق �أبيي‪ ،‬والنيل الأزرق‪ ،‬وجنوب كردفان‪� ،‬أقوى التحديات وموارده الواقعة داخل ح���دوده‪ .‬ودون �شك ف�إن انف�صال جنوبه وحرمانه‬ ‫التي تواجه عملية االنف�صال‪ ،‬ومن املرجح �أن تتحول �إىل مناطق نزاعات م���ن‪ %33 – 21 :‬من موارده الب�شرية‪ ،‬و‪ %25‬م���ن الأر�ض البكر ال�صاحلة‬ ‫وتوت���رات بعد االنف�صال‪ ،‬وت�ؤدي �إىل ه�شا�ش���ة يف الأو�ضاع احلدودية‪ ،‬يف للزراع���ة ط���ول الع���ام لوجود الأمط���ار‪ ،‬و‪ %60‬م���ن الغاب���ات‪ ،‬و‪ %70‬من‬ ‫ظ���ل تداخل ال�سكان وملكيات الأرا�ض���ي على جانبي احلدود‪ ،‬وتعوّد بع�ض احلي���اة الربي���ة‪ ،‬و‪ %55‬من الرثوة احليوانية‪ ،‬و‪ %30‬م���ن الرثوة ال�سمكية‬ ‫القبائ���ل التي متتهن الرع���ي التنقل بحرية بحث ًا عن امل���اء واملرعي‪ ،‬دون النهري���ة‪ ،‬و‪ %80‬من النف���ط‪ ،‬وحرمان ال�شمال من عمق���ه اال�سرتاتيجي؛‬ ‫مراعاة للفوا�صل احلدودية‪.‬‬ ‫�إذ ميث���ل اجلنوب ‪ %26‬م���ن الكتلة احليوية‪ ،‬يعني ذل���ك انتقا�ص ًا من قوة‬ ‫كما يوجد �أعداد كبرية من اجلنوبيني يف ال�شمال‪ ،‬و�أعداد من ال�شماليني ال�سودان ال�شاملة االقت�صادية وال�سيا�سية والإ�سرتاتيجية واالجتماعية‪...‬‬ ‫يف اجلن���وب‪ ،‬م���ن ال�صعب ترتي���ب �أو�ضاعه���م دون تفاه���م م�شرتك بني الخ‪ ،‬وبالت���ايل اقتطاع ًا من ر�صيد الوطن العرب���ي وعمقه اال�سرتاتيجي‪،‬‬ ‫احلكومت�ي�ن‪ ،‬وميكن �أن ت�صبح يف حال ال�صراع م�صادر تهديد‪ ،‬ويف نف�س خ�صو�ص��� ًا �أن انف�صال جنوب ال�سودان لن ي����ؤدي �إىل �إ�ضافة دولة عربية‬ ‫الوقت عر�ضة لالنتهاك والإ�ساءة بذرائع �أمنية‪.‬‬ ‫جدي���دة‪ ،‬بل يف الواقع ق�ضم �أو ف�صل جزء من ه���ذا الكيان خارج الإطار‬ ‫الأو�ضاع العربي والإ�سالمي‪ ،‬ووالدة دولة �أفريقية جديدة‪ ،‬من املتوقع �أن تكون �أبعد‬ ‫خريطة حتالفات �إقليمية جديدة‬ ‫اجلديدة �ست�ؤثر حتم ًا يف ال���دول املحيطة بال�سودان‪ ،‬وقد ت�ؤدي �إىل ن�شوء ما تكون ع���ن الثقافة العربية والإ�سالمية‪ ،‬ويف و�ض���ع �أقرب �إىل القطيعة‬ ‫خريط���ة حتالف���ات �إقليمية جدي���دة‪ ،‬نتيجة التق���ارب الثق���ايف والعرقي‪ ،‬والع���داء معها‪ ،‬لع���دة �أ�سب���اب �أهمها‪ :‬طبيع���ة النخبة احلاكم���ة املعادية‬ ‫ونتيج���ة لدعم العدي���د منها انف�ص���ال جنوب ال�سودان‪ .‬فق���د �صدرت يف للثقاف���ة العربي���ة والإ�سالمية‪ ،‬وتركيبته���ا العرقية والقبلي���ة الأقرب �إىل‬ ‫الآون���ة الأخرية ت�صريحات ومواقف من جان���ب �أوغندا تو�ضح مبا ال يدع الدول الأفريقي���ة املحيطة بال�سودان‪ ،‬وثالثها طبيع���ة القوى الدولية التي‬ ‫جماال لل�شك �أنه���ا تدفع باجتاه انف�صال جنوب ال�سودان‪ ،‬وحماولة جذبه تدعمها وتقف خلفه���ا كالواليات املتحدة‪ ،‬وال���دول الأوروبية‪ ،‬و�إ�سرائيل‪،‬‬ ‫�إليه���ا م���ن �أجل اال�ستف���ادة من ثروات���ه النفطية‪ .‬وتطمح كيني���ا �أن تكون واحت���اد الكنائ����س العاملي‪ ،‬كل هذه الق���وى �ستجذب الكي���ان اجلديد �إىل‬ ‫الدول���ة الوليدة �سوق ًا ملنتجاتها ومنفذ ًا لت�صدي���ر منتجاتها النفطية عرب قيمه���ا وم�صاحله���ا‪ ،‬لذل���ك فالأق���رب �أن تتح���ول �إيل مرك���ز للح���ركات‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪95‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫التب�شريية والتن�صريية ومركز نفوذ للدول الغربية‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ي�ش�ي�ر ت�صري���ح‬ ‫ال��دور الإ�س��رائيلي‬ ‫�سيلفا كري رئي�س جمهورية جنوب ال�سودان املرتقبة “�أن �أول دولة �سيقيم‬ ‫معها عالقات دبلوما�سية ف���ور االنف�صال هي �إ�سرائيل”‪� ،‬إىل حقيقة دور‬ ‫�إ�سرائي���ل‪ ،‬وحجم وجودها يف جن���وب ال�سودان‪ ،‬وما �إذا كان �سيتحول �إىل‬ ‫موطئ قدم ومرتع للدولة العربية يف خا�صرة ال�سودان والعرب؟‬ ‫وحقيق���ة الوجود الإ�سرائيلي يف جنوب ال�سودان يعود �إىل البدايات الأوىل‬ ‫لن�شوء حركات التمرد اجلنوبي‪ ،‬يو�ضح ذلك العميد الإ�سرائيلي املتقاعد‬ ‫(مو�ش���ي فرج���ي) يف كتابه “�إ�سرائي���ل وحركة حترير جن���وب ال�سودان‪:‬‬ ‫نقط���ة البداي���ة ومرحلة االنط�ل�اق”‪ ،‬وال�صادر عن مركز دي���ان لأبحاث‬ ‫ال�ش���رق الأو�سط و�أفريقيا بجامعة تل �أبيب‪ ،‬والذي يو�ضح فيه كيف قامت‬ ‫�إ�سرائي���ل بتطوي���ر اجلي�ش ال�شعب���ي وامل�ساعدة يف ت�شكي���ل جي�ش نظامي‬ ‫جنوب���ي‪ ،‬وم�ساع���دة احلركة اجلنوبي���ة بال�سيا�س���ة والأ�سلح���ة والتدريب‬ ‫واملعلومات وغريها حتى تنمو وتزداد قوة وت�أثري‪.‬‬ ‫وق���د تلقى قرن���ق نف�س���ه دورات ع�سكرية خا�ص���ة يف كلية الأم���ن القومي‬ ‫الإ�سرائيلي‪ ،‬وقال قرنق يف بداية عام ‪ 2002‬يف �أ�سمرة العا�صمة االريرتية‬ ‫�أثن���اء لقائ���ه م�سئ���ول �إ�سرائيل���ي كب�ي�ر يف وزارة الدفاع‪ ،‬معرتف��� ًا بف�ضل‬ ‫�إ�سرائي���ل عليه وعلى حركته‪�« :‬أنتم ظهر اجلماع���ات والأقليات املقهورة‪،‬‬ ‫ولوالك���م ملا حترر الأك���راد من العبودية العربية ومل���ا نف�ض اجلنوبيون يف‬ ‫ال�س���ودان ع���ن كاهلهم غبار اخل�ض���وع واخلنوع وال���ذل والعبودية‪ ،‬ونحن‬ ‫نتطل���ع �إىل ا�ستمرار هذا الدور حتى بعد �أن يتمكن اجلنوبيون من ت�شكيل‬ ‫صال عن �سيطرة ال�شمال»‪.‬‬ ‫كيان �سيا�سي وقومي خا�ص بهم مت�سلح ًا ومنف� ً‬ ‫وقد توىل �ضباط �إ�سرائيليون من �أ�صل �أثيوبي (من يهود الفال�شا) مهمة‬ ‫تدري���ب اجلي�ش ال�شعب���ي وت�سليحه‪ .‬وتت�أك���د �أوا�صر التع���اون الإ�سرائيلي‬ ‫ومتمردي جنوب ال�سودان ب�صورة �أكرب‪ ،‬حني نعلم �أن من بني قادة التمرد‬ ‫ديفي���د ب�سيون���ى اليهودي الأ�ص���ل‪ ،‬وال���ذي كان مر�شح��� ًا لرئا�سة حكومة‬ ‫اجلنوب التي �شكلتها احلركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان يف ني�سان‪�/‬أبريل‬ ‫‪.2001‬‬ ‫وتوج���د �إ�سرائي���ل حالي��� ًا بق���وة يف جن���وب ال�س���ودان �أمني��� ًا وا�ستخباري ًا‬ ‫واقت�صادي���اً‪ ،‬وت�ش���ارك بفعالي���ة يف التح�ضري لقيام الدول���ة اجلديدة من‬ ‫خ�ل�ال التدري���ب وتقدمي اال�ست�ش���ارات الفني���ة وال�سيا�سية‪ ،‬وله���ا العديد‬ ‫م���ن اال�ستثمارات وامل�صالح االقت�صادي���ة يف جوبا‪ .‬ودورها رئي�سي وكبري‬ ‫يف �إع���داد وتدريب وتكوين اجلي�ش اجلنوب���ي‪ ،‬وحتويله �إىل جي�ش نظامي‬ ‫ليكون �صناعة �إ�سرائيلية كاملة‪.‬‬ ‫واخلط���ط الإ�سرائيلي���ة لتفتي���ت و�إ�ضع���اف ال�س���ودان ت�س�ي�ر وف���ق نظرة‬ ‫�إ�سرتاتيجي���ة‪ ،‬تع�ب�ر عنها كلم���ات وزير الأم���ن الداخل���ي الإ�سرائيلي �آيف‬ ‫ديخ�ت�ر‪ ،‬يف حما�ضرة ل���ه يف ‪� 4‬أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪� ،2008‬إذ قال‪“ :‬ال�سودان‬

‫العا�ص��فة املقبلة‪ :‬اخلطر الأكرب يف جنوب ال�س���ودان ال ي�أتي من احتماالت ف�شل الدولة الوليدة‪،‬‬ ‫و�إمنا من قدرتها على خلق االن�سجام والتما�سك الداخلي على ال�صعيدين االجتماعي وال�سيا�سي‬ ‫مب���وارده وم�ساحته ال�شا�سعة وعدد �سكانه ميك���ن �أن ي�صبح دولة �إقليمية‬ ‫قوي���ة مناف�سة مل�صر والعراق وال�سعودية‪ ...‬وي�ش���كل ال�سودان مل�صر عمق ًا‬ ‫�إ�سرتاتيجي���اً‪ ،‬جتلى ذلك بعد حرب ‪ 1967‬حي���ث حتول �إىل قواعد تدريب‬ ‫و�إي���واء �س�ل�اح اجلو امل�صري والق���وات الربية‪ ،‬و�أر�سل ق���وات �إىل منطقة‬ ‫القن���اة �أثناء ح���رب اال�ستنزاف‪ ... ،‬و�إ�ضعاف ال�س���ودان وانتزاع املبادرة‬ ‫من���ه لبن���اء دولة قوي���ة موح���دة �ض���روري لدعم وتقوي���ة الأم���ن القومي‬ ‫الإ�سرائيلي”‪.‬‬ ‫وم���ن الوا�ضح �أن �إ�سرائيل لن تكتف���ي بدعم انف�صال جنوب ال�سودان‪ ،‬بل‬ ‫�ستمتد يدها �إىل �أجزاء �أخرى‪ ،‬ال�ستكمال املخطط يف �إ�ضعاف ال�سودان‪،‬‬ ‫وتطوي���ق م�صر‪ ،‬ونزع م�صادر اخلطر امل�ستقبل���ي املحتمل �ضد �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫وا�ستكم���ال �إ�سرتاتيجيته���ا امل�سماة “التحالف الدائ���ري” التي تقوم على‬ ‫بناء حتالفات حول الدول العربية املهمة‪ ،‬ومبوجبها قامت بتكوين عالقات‬ ‫متمي���زة مع �إثيوبيا و�أوغندا واريرتيا وجن���وب ال�سودان‪ .‬وخطوتها التالية‬ ‫�ستك���ون دعم حركات التمرد االنف�صالية يف غ���رب ال�سودان وحتديد ًا يف‬ ‫�إقليم دارف���ور‪ ،‬والتي لبع�ضها ممثلني حالي ًا يف ت���ل �أبيب‪ ،‬كحركة حترير‬ ‫ال�سودان التي يتزعمها عبد الواحد �أحمد نور‪.‬‬

‫انف�ص��ال اجلن��وب وق�ض��ية تقا�س��م مي��اه الني��ل‬

‫كم���ا هو معروف فقد �أث�ي�رت �إ�شكالية مي���اه النيل على نط���اق وا�سع منذ‬ ‫�أيار‪/‬مايو ‪ ،2010‬بعد قيام خم�س دول من دول حو�ض النيل‪ ،‬هي‪� :‬إثيوبيا‪،‬‬ ‫و�أوغندا‪ ،‬وروان���دا‪ ،‬وتنزانيا‪ ،‬وكينيا بالتوقيع على اتفاق �إطاري جديد يف‬ ‫مدينة‪ ‬عنتيب���ي الأوغندية‪ ،‬يعي���د توزيع ح�ص�ص مياه نه���ر النيل‪ ،‬يف ظل‬ ‫مقاطعة كل من م�صر وال�سودان اللتني تتم�سكان باتفاق تقا�سم مياه النيل‬ ‫املوقع عام ‪ 1929‬بني م�صر وبريطانيا‪.‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫يقدر ن�سبة امل�سلمني يف‬ ‫تغريب اجلنوب‬ ‫جنوب ال�سودان بـ‪ ،%18‬مقابل ‪ %17‬من امل�سيحيني‪ ،‬و‪ %65‬من الإحيائيني‬ ‫(وثني�ي�ن و�أرواحيني)‪ .‬كما توجد قبائل عربي���ة تعي�ش يف اجلنوب‪ ،‬ورغم‬ ‫انت�ش���ار لهج���ات متعددة يف اجلن���وب ي�صل عدده���ا �إىل ‪ 12‬لهجة‪� ،‬إال �أن‬ ‫اللغة العربية “املحلية” الت���ي تنطق بلكنة �أفريقية هي اللغة التي يتعامل‬ ‫بها �أغلب ال�سكان تقريباً‪ ،‬بينما تعد اللغة الإجنليزية لغة النخبة‪ ،‬وتو�ضح‬ ‫اجتاهاته���ا �أنها ت�سع���ى جلعل االجنليزي���ة اللغة الر�سمي���ة الأوىل‪ ،‬بينما‬ ‫ترتاج���ع اللغة العربية لتكون اللغة الثاني���ة �أو الثالثة على حد تعبري ممثل‬ ‫جنوب ال�سودان يف وا�شنطن �إيزكيل لول جاتكوث‪.‬‬ ‫وم���ن املتوقع �أن تعمل النخبة احلاكمة اجلدي���دة يف جنوب ال�سودان على‬ ‫تر�سي���خ قي���م ثقافية جدي���دة اق���رب �إىل الغ���رب‪ ،‬وتقلي�ص فر����ص ن�شر‬ ‫الإ�س�ل�ام‪ ،‬مقابل فتح الباب على م�صراعيه للحركات التب�شريية‪ .‬وح�سب‬ ‫موقع «تقرير وا�شنطن» ف�إن زعماء تيار املحافظني اجلدد املتدينني لديهم‬ ‫خط���ط مع���ده �سلف ًا لإعادة بن���اء مئ���ات الكنائ�س التي دمرته���ا احلكومة‬ ‫ال�سودانية وامللي�شيات املوالية لها يف جنوب ال�سودان �أثناء احلرب‪.‬‬ ‫وق���د كان جن���وب ال�س���ودان منذ وق���ت مبكر �ساح���ة مفتوح���ة للمب�شرين‬ ‫امل�سيحيني لن�شر الن�صرانية ب�ي�ن ال�سكان‪ ،‬ولعب جمل�س الكنائ�س العاملي‬ ‫دور ًا كب�ي�ر ًا يف دع���م حرك���ة التمرد يف اجلن���وب بو�سائ���ل خمتلفة‪ ،‬بينما‬ ‫دخلت منظم���ات الدعوة الإ�سالمية يف فرتة مت�أخرة حلبة املناف�سة لن�شر‬ ‫الإ�س�ل�ام يف اجلنوب‪ .‬ومن املتوق���ع �أن ي�ؤدي االنف�صال �إىل الت�ضييق على‬ ‫املنظم���ات الدعوي���ة الإ�سالمية‪ ،‬ليك���ون اجلنوب حكر ًا ب�ش���كل كامل على‬ ‫املنظم���ات التب�شريية امل�سيحية‪ ،‬وليتحول ما تبقى من ال�سكان الالدينيني‬ ‫�إىل الن�صراني���ة خ�ل�ال �سنوات قليل���ة‪ ،‬وي�صبح امل�سلم���ون �أقلية معر�ضة‬ ‫لال�ضطهاد‪ .‬وتتبدا مالمح هذا اال�ضطهاد من الآن‪ ،‬حيث ت�شري التقارير‬ ‫الر�سمية ال�سودانية �إىل وجود «عمليات ت�ضييق على امل�سلمني يف اجلنوب‪،‬‬ ‫تتمث���ل يف من���ع الأذان يف ع���دد من والي���ات اجلنوب‪ ،‬و�إغ�ل�اق اخلالوي‬ ‫(�أماك���ن تعليم القر�آن)‪ ،‬واجلامع���ات والكليات وامل�ص���ارف الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وا�ستبدال املنهج ال�سوداين العربي باملناهج الكينية والأوغندية»‪.‬‬ ‫و�سبق �أن ك�شفت وثيقة �صادرة عن رئا�سة اجلمهورية ال�سودانية يف �أيلول‪/‬‬ ‫�سبتمرب ‪ 2007‬عن «خروقات» قامت بها «احلركة ال�شعبية» التفاقية �سالم‬ ‫«نيفا�ش���ا»‪� ،‬ضد امل�سلمني يف اجلن���وب‪ ،‬وا�ضطرت احلكوم���ة املركزية يف‬ ‫اخلرط���وم للتدخل عدة م���رات لوقف هذه االنته���اكات‪ ،‬والتي تف�سر على‬ ‫�أنه���ا حماولة لإجب���ار امل�سلمني عل���ى الرحيل من اجلن���وب‪ ،‬بخالف منع‬ ‫ارتداء احلجاب بالن�سبة للفتيات الطالبات‪ ،‬والت�ضييق على وجود مكاتب‬ ‫ديوان الزكاة‪ .‬ومن املتوقع �أن يجلب االنف�صال مزيد ًا من املخاطر مل�سلمي‬ ‫جن���وب ال�سودان‪ ،‬يف ظل دولة قد تكون معادي���ة للإ�سالم وتفتح ذراعيها‬ ‫للمب�شري���ن‪ ،‬و�سي�ب�رز م�سلمو اجلنوب ككيان ل���ه �إ�شكاالته‪ ،‬ورمبا يجدون‬ ‫�أنف�سه���م مواطن�ي�ن من الدرج���ة الثاني���ة‪ ،‬يف و�ضع حتكمه نظ���رة الريبة‬ ‫واتهامهم بالعمالة لل�شمال‪.‬‬ ‫ومع تراجع البع���د العربي والإ�سالمي يف دولة اجلن���وب �ست�صبح الفجوة‬

‫الفا�صلة بينها وبني الع���امل العربي والإ�سالمي وا�سعة و�ستكون �أقرب �إىل‬ ‫حميطه���ا الأفريقي‪ .‬كما �أن االنف�ص���ال �سيعزل ال�شمال ثقافي ًا عن جواره‬ ‫الأفريقي‪ ،‬وتكون دولة اجلنوب مبثابة جدار عازل بني ال�شمال واالت�صال‬ ‫املبا�ش���ر ب�شرق �أفريقيا‪ ،‬وحرمانه م���ن لعب دوره كج�سر يو�صل احل�ضارة‬ ‫والثقاف���ة العربي���ة لأفريقي���ا‪ .‬ومن���ع الإ�سالم م���ن التم���دد واالنت�شار من‬ ‫ال�شمال �إىل اجلنوب‪ ،‬و�إىل دول اجلوار الأفريقية‪.‬‬

‫وق���د جتددت املخاوف م���ع ت�صريح���ات الناطق الر�سم���ي با�سم احلركة‬ ‫ال�شعبي���ة لتحرير ال�سودان ب�أن اجلن���وب �سيكون الدولة رقم ‪ 11‬يف حو�ض‬ ‫النيل‪ ،‬وهو ما ي�ستلزم �إعادة توزيع ح�ص�ص املياه يف �ضوء الواقع اجلديد‪،‬‬ ‫واملطالب���ة بتعديل اتفاقية حو�ض النيل ا�ستع���داد ًا الن�ضمام دولة جديدة‪.‬‬ ‫لذا يرجح البع�ض �أن ين�ضم جنوب ال�سودان �إىل دول املنبع‪ ،‬بحكم �صالته‬ ‫القوية معها‪ ،‬يف مواجهة دول امل�صب (م�صر و�شمال ال�سودان)‪.‬‬ ‫�إال �أنه‪ ،‬ومن جانب �آخر‪ ،‬هناك من يقلل من خطورة ت�أثر انف�صال جنوب‬ ‫ال�س���ودان على مياه الني���ل‪ ،‬باعتبار �أن النيل الأزرق (الذي ميثل ‪ %86‬من‬ ‫مياه النيل الوا�صلة �إىل م�صر و�شمال ال�سودان) ال مير بجنوب ال�سودان‪،‬‬ ‫كم���ا �أن معظ���م �أجزاء جن���وب ال�سودان غني���ة بالأمط���ار‪ ،‬وحاجتها ملياه‬ ‫الني���ل يف الري حمدودة‪ ،‬وبالتايل فان اخلط���ر ال ي�أتي من احتمال �سعيه‬ ‫لتق�سي���م ح�صة م�ص���ر وال�سودان يف مياه النيل عل���ى ثالث دول‪ ،‬بد ًال من‬ ‫دولت�ي�ن كما هو حا�صل حالياً‪ ،‬و�إمنا اخلطر احلقيقي ي�أتي من احتمال �أن‬ ‫ي�صبح اجلنوب مرتع ًا خ�صب ًا لإ�سرائيل‪ ،‬والتي ت�سعى لتعظيم وجودها يف‬ ‫ال���دول املهمة بالن�سبة للأمن القومي امل�ص���ري‪ ،‬ك�أداة لل�ضغط عليه فيما‬ ‫�إذا تغ�ي�رت التوجه���ات امل�صرية احلالية جتاه �إ�سرائي���ل‪ ،‬و�أي�ض ًا حتدوها‬ ‫�آم���ال وا�سع���ة يف احل�صول عل���ى مياه الني���ل عرب م�ص���ر‪� ،‬إذا ا�ستطاعت‬ ‫الت�ضييق وال�ضغط عليه���ا بوا�سطة دول املنبع وباقي دول احلو�ض‪ ،‬وذلك‬ ‫يف ظ���ل حالة الندرة ال�شديدة للمياه التي تعانيه���ا �إ�سرائيل‪ ،‬والذي يهدد‬ ‫م�ستقبلها‪ ،‬ويحول دون تو�سعها و�إمكانية ا�ستقدام مزيد من اليهود �إليها‪.‬‬ ‫ويع�ت�رف اخلبري الإ�سرائيلي �آرنون �شوف�ي�ر يف كتابه “�صراعات املياه يف‬ ‫ال�شرق الأو�سط”‪ ،‬ب�أن حدوث �أزمة مياه يف م�صر تُعد م�صلحة �إ�سرائيلية‬ ‫�إ�سرتاتيجي���ة‪ ،‬لأن ذل���ك �سي����ؤدي �إىل حتجيم دوره���ا يف املنطقة‪ .‬وكانت‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪97‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫�إ�سرائيل قد عر�ضت على م�صر التدخل لإنهاء اخلالفات بينها وبني دول‬ ‫املنب���ع حول االتفاقية الإطارية مقابل موافق���ة م�صر على �إقامة �إ�سرائيل‬ ‫م�شاري���ع مائية يف �إثيوبي���ا‪ ،‬وكان الرد امل�صري على ل�سان الرئي�س ح�سني‬ ‫مبارك “�أن مياه النيل لن تتجاوز حدود م�صر”‪.‬‬ ‫ميكن القول‬ ‫التعاطي مع انف�ص��ال قادم ال حمالة‬ ‫�أن انف�ص���ال جنوب ال�س���ودان �أ�صبح �أمر ًا واقع ًا ال مف���ر منه‪ ،‬وال يعدو �أن‬ ‫يك���ون م�س�أل���ة وق���ت ال �أكرث‪ ،‬ومن ال�صع���ب احليلول���ة دون حدوثه يف ظل‬ ‫معطي���ات الواقع الراهن‪ ،‬بحيث مل تعد اخلي���ارات املتاحة بني الوحدة �أو‬ ‫االنف�ص���ال‪ ،‬بل ب�ي�ن انف�صال ودي و�سل�س وانف�ص���ال متوتر وعنيف‪ .‬ومن‬ ‫الإن�ص���اف القول �أن النظام ال�س���وداين ال يتحمل وحده م�سئولية انف�صال‬ ‫اجلن���وب‪ ،‬فالنظام العربي يتحمل جزء ًا من امل�سئولية‪ ،‬فقد وقفت معظم‬ ‫ال���دول العربية لأكرث من ‪ 22‬عام ًا موقف املتفرج‪ ,‬وك�أن احلرب وال�صراع‬ ‫الدائ���ر يف ال�س���ودان ال يعنيه���ا‪ .‬ورمب���ا �شج���ع بع�ضه���ا ح���ركات التم���رد‬ ‫االنف�صالي���ة ومدها باملال وال�س�ل�اح‪ .‬و�أ�صبحت م�شكل���ة جنوب ال�سودان‬ ‫بفعل التدخل الكثيف للقوى اخلارجية و�ضعف املوقف العربي‪ ،‬فوق قدرة‬ ‫ال�شمال مبفرده على التعاطي معها‪ ،‬بل و�أ�صبحت عبئ ًا ثقي ًال على كاهله‪،‬‬ ‫ا�ستنزف���ت موارده و�إمكانياته وطاقات���ه الب�شرية‪ ،‬و�أعاقت جهود التنمية‪.‬‬ ‫وعج���ز ال�سودان عن ح�سمه���ا ع�سكري ًا خالل ‪ 22‬عام��� ًا من احلرب‪ ،‬وهو‬ ‫�أعجز عن ذلك الآن يف ظل ظروفه الراهنة‪.‬‬ ‫وق���د اختار ال�سودان يف اتف���اق نيفا�شا ‪ ،2005‬طري���ق ال�سالم والتفاو�ض‬ ‫ك�سبيل حل���ل هذه امل�شكلة وقدم من �أجل ذلك تن���ازالت �ضخمة‪ ،‬هي التي‬ ‫�أو�صل���ت خيار االنف�صال يف واقع الأمر �إىل مرحلة الالعودة‪ ،‬ولي�س �أمامه‬ ‫�سوى امل�ضي يف هذا الطريق حتى النهاية‪ .‬فاالنف�صال ال�شك ي�شكل خ�سارة‬ ‫كبرية لل�س���ودان وللوطن العربي‪ ،‬لكن اخل�سارة �ستكون �أكرب و�أ�شد فداحة‬ ‫�إذا قاد االنف�صال �إىل عالقات متوترة �أو عدائية مع اجلنوب‪� ،‬أو �أدى �إىل‬ ‫ابتعاد الدولة الوليدة عن العامل العربي‪ ،‬وارمتائها يف �أح�ضان قوى �أخرى‬ ‫معادية للم�صالح العربية وللأمن القومي العربي‪ .‬وذلك يحتم على العرب‬ ‫خلق مزيد من التقارب مع دولة اجلنوب املرتقبة‪ ،‬والت�أ�سي�س لوجود عربي‬ ‫قوي وفاعل اقت�صادي ًا وجتاري ًا و�سيا�سياً‪ ،‬يوازي الوجود الإ�سرائيلي فيها‪،‬‬ ‫ويحول دون حتولها �إىل موطئ قدم لقوى مناف�سة �أخرى‪.‬‬ ‫وعلى الدول العربية �أي�ض��� ًا اتخاذ مواقف جادة وم�سئولة ت�ساعد ال�سودان‬ ‫يف جت���اوز مرحل���ة م���ا بعد االنف�ص���ال‪ ،‬وامل�ساهم���ة يف تخفي���ف ال�ضغوط‬ ‫الداخلي���ة واخلارجي���ة علي���ه للحيلول���ة دون انف�ص���ال �أجزء �أخ���رى منه‪،‬‬ ‫فاخلطوة التالية �ستكون دارفور‪ ،‬ويجب دعم اجلهود املبذولة حلل وت�سوية‬ ‫هذه الق�ضية يف �أ�سرع وقت ممكن‪ ،‬قبل �أن ت�ستفحل وتخرج عن ال�سيطرة‪.‬‬ ‫و�أي�ض��� ًا بذل و�ساطات عربية وتدخل عربي مبكر حلل امل�شاكل العالقة بني‬ ‫�شمال وجنوب ال�سودان‪ ،‬والرتتيب حلدوث انف�صال �آمن يحافظ على قدر‬ ‫م���ن العالقات الأخوية بني الطرفني‪ .‬وم�ساع���دة اخلرطوم اقت�صادي ًا من‬ ‫خالل �ضخ مزيد من اال�ستثمارات وامل�ساعدات والقرو�ض‪ ،‬ت�ساعدها على‬ ‫جتاوز �ضائقتها االقت�صادية املتوقعة يف مرحلة ما بعد االنف�صال‪.‬‬ ‫وبالن�سبة حلكومة اخلرطوم فاخليار الأف�ضل بالن�سبة لها يف ظل معطيات‬ ‫الواق���ع‪ ،‬ه���و العمل على االحتف���اظ بعالقات ودية ومتط���ورة مع اجلنوب‪،‬‬ ‫‪98‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫وجتن���ب �إث���ارة التوتر �أو اخلالف���ات‪ ،‬وح���ل الق�ضايا العالق���ة بطرق ودية‬ ‫م���ا �أمكن‪ ،‬ك�سبيل وحي���د لتقليل خ�سائر االنف�ص���ال �إىل �أدنى حد ممكن‪.‬‬ ‫م���ع االعرتاف ب����أن مهمة اخلرطوم يف حماول���ة االحتفاظ بعالقات جيدة‬ ‫وودي���ة مع دولة اجلن���وب لي�ست بالهينة‪ ،‬وتكتنفها عقب���ات كبرية‪ ،‬ت�سببها‬ ‫ح�سا�سيات االنف�صال وامل�شاعر االنفعالية لدى الطرفني‪ ،‬وكذلك الق�ضايا‬ ‫العالق���ة وال�شائكة التي حتت���اج �إىل تنازالت كبرية وم�ؤمل���ة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫وج���ود �أطراف خارجي���ة دولية و�إقليمي���ة لها م�صلح���ة يف ابتعاد اجلنوب‬ ‫ع���ن ال�شمال‪ ،‬وتتمنى لي�س فق���ط ف�صله‪ ،‬و�إمنا الدفع باجتاه خلق عالقات‬ ‫عدائية ومتوترة بينه وبني ال�شمال‪.‬‬ ‫لك���ن ي�ساعد الطرفان يف الدفع باجتاه عالقات تعاون ودية‪ ،‬وجود ق�ضايا‬ ‫عدي���دة متداخل���ة‪ ،‬ي�أت���ي يف مقدمتها ق�ضي���ة النفط‪ ,‬باعتباره���ا الأكرث‬ ‫ح�سا�سية و�أهمية‪ ،‬ويحتاج ا�ستمرار اال�ستفادة منه تعاون الطرفني‪ ،‬ب�سبب‬ ‫وج���ود حوايل ‪ %80‬من حقول النفط يف اجلن���وب‪ ،‬بينما منافذ الت�صدير‬ ‫وم�صايف التكري���ر يف ال�شمال‪ .‬ومن م�صلحة الطرف�ي�ن ا�ستمرار التعاون‬ ‫امل�ش�ت�رك يف هذا اجلانب‪ ،‬خا�صة �أن اخليارات الأخرى بالن�سبة للجنوب‬ ‫مكلفة وعالية اخلطورة‪ .‬وبالن�سبة لل�شمال الذي �سيخ�سر جزء ًا كبري ًا من‬ ‫موارده النفطية ي�ستطيع التعوي�ض عنها من خالل �أجور مرور النفط عرب‬ ‫�أرا�ضيه‪ ،‬والتكرار واملعاجلة الكيميائية‪ ،‬والتخزين‪ ،‬والت�صدير‪.‬‬ ‫كما يواجه الطرفان العديد من التحديات الأمنية امل�شرتكة‪ ،‬ودون التزام‬ ‫كل منهما ب�ضمان �أمن وا�ستقرار الطرف الآخر؛ ف�إن الطرفني مع ًا �سيكونا‬ ‫عر�ض���ة للقالقل وع���دم اال�ستقرار‪ ،‬وذلك ب�سبب وج���ود �أعداد كبرية من‬ ‫اجلنوبيني يف ال�شمال‪ ،‬و�أع���داد من ال�شماليني يف اجلنوب‪ ،‬ومن ال�صعب‬ ‫ترتي���ب �أو�ضاعهم دون تفاهم م�شرتك بني احلكومتني‪ ،‬وكونها ت�صبح يف‬ ‫حال ال�صراع م�صادر تهديد‪ ،‬ويف نف�س الوقت عر�ضة لالنتهاك والإ�ساءة‬ ‫بذرائع �أمنية‪.‬‬ ‫�أخ�ي�راً‪ ،‬م���ن م�صلح���ة حكومة اخلرط���وم اال�ستم���رار يف احلف���اظ على‬ ‫النم���وذج امل�ش���رق والنا�صع لتعام���ل ال�شمال مع م�شكل���ة اجلنوب‪ ،‬والذي‬ ‫�ض���رب مث�ل�اً رائع��� ًا للت�سامح والتع���اون‪ ,‬والرغب���ة يف ال�س�ل�ام‪� ,‬سواء يف‬ ‫اتف���اق نيفا�شا لل�سالم ال�شام���ل �أو �أثناء الفرتة االنتقالي���ة‪ ،‬والتي �أعطت‬ ‫اجلنوبي�ي�ن الكث�ي�ر م���ن احلق���وق وال�صالحيات الت���ي ما كان���ت اجلبهة‬ ‫ال�شعبية لتحلم بها‪ ،‬كال�سم���اح لها ببناء هياكل دولة اجلنوب‪ ,‬وامل�شاركة‬ ‫يف احلكومة املركزي���ة وحكومات الواليات االنتقالية‪ ،‬و�إعطا�ؤها ‪ %50‬من‬ ‫�إيرادات النفط اجلنوبي‪ ،‬وف���وق ذلك �إعطا�ؤها حق تقرير امل�صري‪ ،‬وهي‬ ‫�ص���ورة �ستبقى را�سخة يف الذاكرة‪ .‬ويف حال ف�شل بناء الدولة يف اجلنوب‬ ‫لأ�سب���اب اجتماعية نتيج���ة التعدد الإثن���ي الكبري �أو لأ�سب���اب �سيا�سية �أو‬ ‫غريها‪� ،‬سيكون النموذج امل�شرق عام���ل جذب م�ستقب ًال لإمكانية الرجوع‬ ‫�إىل �صيغ���ة م���ن �صيغ التوح���د الفي���درايل �أو الكونفيدرايل م���ع ال�شمال‪،‬‬ ‫خ�صو�ص��� ًا �أن قطاع ًا كبري ًا من النخبة اجلنوبي���ة عا�ش جزء ًا من حياته‪,‬‬ ‫وتلق���ى تعليمه يف ال�شمال‪ ،‬وتربط بع�ضهم عالقات �صداقة وم�صاهرة مع‬ ‫�شمالي�ي�ن‪ ،‬ويف�ضل جزء منهم ‪ -‬و�إن كان���وا �أقلية اليوم‪ -‬بقاء الوحدة مع‬ ‫ال�شم���ال حتت �أي �صيغة من �صيغ التوحد‪� .‬إال �أن ما �ست�سفر عنه الأو�ضاع‬ ‫يف اجلن���وب‪ ،‬قد ت����ؤدي �إىل تعاظم هذه ال�شريح���ة الراغبة يف العودة �إىل‬ ‫الوحدة م�ستقبالً‪.‬‬

‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�صاد وال�ش�ؤون اجلارية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪99‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫اجلذب والنبذ‬ ‫يف العالقة امللتب�سة‬ ‫بني ال�سلطة العربية والعلماء‬ ‫هاين املغل�س‬

‫‪hanymokhls@yahoo.com‬‬

‫��ل�ا وثابت ًا يف جممل الإ�شكالي����ات التي ي�شهدها‬ ‫ت����كاد تكون ال�سلط����ة ال�سيا�سية طرف ًا �أ�صي ً‬ ‫املجتم����ع العربي‪ ،‬لذلك ميكن احلديث ع����ن �إ�شكالية ال�سلطة واملجتمع‪ ،‬وال�سلطة واملثقف‪،‬‬ ‫وال�سلط����ة والعامل‪ ،‬وال�سلطة واملر�أة‪ ،‬وال�سلطة وال�صحاف����ة‪ .‬وال يعود ال�سبب ‪ -‬يف تقديرنا‬ ‫ �إىل طبيع����ة ق����ارّة يف ال�سلط����ة ال�سيا�سية بقدر ما يرجع �إىل نهمه����ا و�سعيها الدءوب �إىل‬‫ال�سيط����رة‪ .‬ونزع����ة ال�سيطرة تلك تختل����ف �آلياتها من جمتمع �إىل �آخر لك����ن نتائجها تكاد‬ ‫تكون متطابقة‪ ،‬فال�سلطة اال�شرتاكية جعلت من �أدوات الإنتاج �أداة لل�سيطرة بزعم حترير‬ ‫الفرد من اال�ستغالل االقت�صادي لكنها يف نهاية املطاف �سيطرت على الفرد والدولة معا‪،‬‬ ‫�أم����ا الدولة الليربالي����ة ف�أداتها يف ال�سيطرة هي القانون‪ ،‬ذلك الذي قال عنه برودون ذات‬ ‫يوم �إنه ال يعك�س �سوى رغبات القوى امل�سيطرة وهي الربجوازية يف حال الدولة الليربالية‪،‬‬ ‫لذل����ك ال غراب����ة �أن جند مفكرا ليرباليا ك����ـ «دونو» يف كتابه «بحث ح����ول الد�ستور»‪ ،‬الذي‬ ‫واكب مرحلة ما بع����د الثورة الفرن�سية (‪ ،)1789‬يطالب بتقلي�ص م�ساحة القانون لأن ميل‬ ‫احلكومة الوا�سع �إىل �إ�صدار القوانني يعني الت�ضييق على الفرد واملجتمع‪.‬‬ ‫‪ME Archive‬‬

‫‪100‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫هاين املغل�س باحث ميني يف العلوم ال�سيا�سية‪.‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪101‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫‪102‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫الإذن بالفت��وى‬ ‫ق�ضي���ة الإذن بالفت���وى‬ ‫�أثاره ًا م�ؤخرا مر�سوم ملكي �سعودي ق�ضى بح�صر احلق يف الإفتاء يف‬ ‫ال�ش�ؤون العامة على هيئة كبار العلماء ‪ ...« -‬ومن ن�أذن لهم بالفتوى»‬ ‫بح�سب �صيغة املر�سوم‪ .‬تال ذلك اجتاه ال�سلطة يف اليمن �إىل ت�شكيل‬ ‫جلنة مرجعية من العلماء لق�ضاي���ا احلوار الوطني‪ ،‬و�إن�شاء جمال�س‬ ‫للإفتاء يف جميع حمافظات اجلمهورية بح�سب امل�شاورات التي متت‬ ‫بني ال�سلطة والعلماء خالل �شهر �آب‪�/‬أغ�سط�س املا�ضي‪.‬‬ ‫امل�ش���روع ال�سعودي انطل���ق ظاهري ًا مما بات يطل���ق عليه «فو�ضى‬ ‫الفتاوى»‪ ،‬خا�صة بع���د �أن بد�أت بع�ض الفتاوى مت�س �سيا�سات الدولة‬

‫‪ME Archive‬‬

‫يف الدول���ة ع�ب�ر‬ ‫ال�س��لطة والعلم��اء‬ ‫التاري���خ الإ�سالمي تنوعت �أدوات ال�سيطرة لكن �أهمها على الإطالق‬ ‫كان الدي���ن‪ .‬ت�ستوعب ال�سلطة الدين لتعيد �إنتاج���ه ك�أيديولوجيا‪� ،‬أو‬ ‫لتمار�س���ه ك�شع���ار ي�ؤمّن لها قدر ًا من ال�شرعي���ة‪ ،‬ويف �أح�سن الأحوال‬ ‫ت�ستدع���ي الفق���ه �أو ج���زء ًا منه لي�صب���ح قانون ًا موجه��� ًا �ضد املجتمع‬ ‫ولي����س قانون ًا له‪ ،‬مبعنى �أن ينظم الفق���ه �ش�ؤون املجتمع يف معامالته‬ ‫وعالقاته و�صراعاته دون �أن مي�س �ش�ؤون ال�سلطة �أو عالقاتها‪ .‬هكذا‬ ‫ح�ضرت �أحكام العقوبات وغابت ال�شورى‪ ،‬ومتدد فقه العبادات على‬ ‫ح�س���اب نظرية يف ال�سيا�س���ة‪ ،‬واُختزِ ل مبد�أ الأم���ر باملعروف والنهي‬ ‫ع���ن املنكر يف بع���ده االجتماعي (احل�سب���ة)‪ ،‬و�أ�صبح ك���رم ال�سلطة‬ ‫بدي ًال عن عدلها‪ ،‬و«�أخالق امللوك» عو�ض ًا عن قوانني الإن�صاف‪.‬‬ ‫لكن ا�ستخدام الدين كان مير غالب ًا عرب و�سيط حيوي هم العلماء‪،‬‬ ‫فقدمي ًا حاول���ت ال�سلطة الأموية ا�ستح�ضار الدي���ن لت�أكيد �شرعيتها‬ ‫فف�شلت ب�سبب توتر عالقتها بالعلماء وعلى ر�أ�سهم الفقهاء من �أبناء‬ ‫ال�صحاب���ة الذين رف�ضوا توجهات الدولة الأموية نحو التوريث و�إلغاء‬ ‫ال�ش���ورى‪ ،‬فلج�أت �إىل العنف املفرط الذي طال العلماء واملجتمع ومل‬ ‫ي�ستثنِ حتى املقد�سات‪.‬‬ ‫لي����س ب�إم���كان ال�سلط���ة يف الف�ضاء الإ�سالم���ي �أن تُبا�شِ���ر عالق ًة‬ ‫تلقائي ًة بالدين‪ ،‬وهذا مينح العلماء دور ًا مبالغ ًا فيه يف بع�ض الأحيان‬ ‫لكنه �أي�ض ًا يجعلهم عر�ض���ة للم�ساومة واالبتزاز ورمبا القمع‪ ،‬وفكرة‬ ‫الو�سيط املرفو�ضة يف املجال االجتماعي ال�سيما التعبدي منه معرتف‬ ‫به���ا يف املجال ال�سيا�سي‪ ،‬بحيث ي�صعب ت�ص���ور �أن دولة ما ميكن �أن‬ ‫تك���ون �إ�سالمية – �أو تزعم لنف�سه���ا تلك ال�صفة ‪ -‬يف حني هي تقمع‬ ‫�أو تق�ص���ي العلماء‪ .‬وطوال التاريخ الإ�سالم���ي كان تقريب العلماء ‪-‬‬ ‫وهم هنا �أهل الفقه واحلديث حتديد ًا ‪ -‬م�ؤ�شر ًا على ا�ستقامة الدولة‬ ‫�أخالقي��� ًا ومعرفياً‪ ،‬وكان التنكيل به���م �أو ترجيح كفة خ�صومهم من‬ ‫املتكلمني والفال�سفة وغريهم عالمة انحراف �شائنة‪.‬‬ ‫هك���ذا ن�ش����أت �إىل جوار ال�سلط���ة ال�سيا�سية ورمب���ا بالتوازي معها‬ ‫�سلط���ة علمي���ة كان ميثلها العلم���اء يف امل�ساج���د والزواي���ا والأربطة‬ ‫واملدار����س الدينية التي ن�ش�أ بع�ضها برعاية ال�سلطة لأهداف تعليمية‬ ‫كم���ا هو احل���ال بالن�سب���ة للمدر�س���ة النظامي���ة يف بغ���داد وني�سابور‬ ‫وغريه���ا‪ .‬والنظ���م املختلف���ة مب���ا فيها تل���ك التي مل تع�ت�رف بوجود‬ ‫مثل تل���ك ال�سلطة �أو قللت م���ن �ش�أنها عملت عل���ى احتوائها وحلمها‬ ‫ببنيته���ا لتغدو جزء ًا منه���ا ال �ضد ًا عليها‪ .‬لكن عملي���ة االحتواء تلك‬ ‫كان���ت ن�سبية‪ ،‬وكان الق�ضاء هو �ساحتها الك�ب�رى بينما ظلت الفتوى‬ ‫رغم حم���اوالت ا�ستيعابها م�ؤ�شر ًا على ا�ستق�ل�ال العلماء وفاعليتهم‬ ‫االجتماعي���ة والعلمي���ة؛ فالفتوى‪ ،‬مبا هي عملي���ة تفاعل مبا�شرة بني‬ ‫املفت���ي وامل�ستفت���ي (ف���رد ًا �أو جماع���ة) جت���ري حتت �سق���ف الن�ص‬ ‫وت�ستجيب حلقائ���ق الواقع املتغرية‪ ،‬مُتثل عم���ق العملية االجتهادية‪،‬‬

‫و�أداة الو�صل بني العامل وبيئته االجتماعية‪.‬‬ ‫لق���د ظ���ل التفك�ي�ر الإ�سالمي بعي���د ًا ع���ن حماولة ت�أط�ي�ر الفتوى‬ ‫�سيا�سي���اً‪ ،‬وخلت كتب الأح���كام ال�سلطانية وال�سيا�س���ة ال�شرعية من‬ ‫�أي تنظي���م �إداري �أو �سيا�سي للفتوى كم���ا هو احلال بالن�سبة للق�ضاء‬ ‫�أو �إم���ارة احل���ج �أو احل�سب���ة التي ا�ش�ت�رط النعقادها جميع��� ًا تعيني‬ ‫ال�سلط���ان‪ ،‬فلم ينظر للفتوى على الإطالق بو�صفها والية �سلطانية �أو‬ ‫من�صب ديني يدخل يف البنية الر�سمية لل�سلطة‪.‬‬ ‫كذل���ك مل يكن مت�ص���ور ًا تقييد الفت���وى �أو ح�صرها م���ن الناحية‬ ‫العلمي���ة‪ ،‬فاب���ن القيم الذي يعد من �أبرز الفقه���اء الذين عمدوا �إىل‬ ‫التنظي���م الفقهي للفتوى �أبقى على الفتوى الفردية دون �أن يدعو �إىل‬ ‫ح�صره���ا‪ ،‬و�إن �أورد كالم��� ًا يُفهم منه �إعط���اء ال�سلطان حق منع من‬ ‫يت�ص���در للفتوى �إن مل يكن �أه ًال لها م���ن الناحية العلمية وال�شرعية‪،‬‬ ‫وه���ي احلالة التي جارى فيها ابن القيم كل من ابن اجلوزي والنووي‬ ‫واخلطيب البغ���دادي‪ ،‬لكنه فيما عدا تلك احلال���ة ‪ -‬وكما هو احلال‬ ‫بالن�سبة ل�سابقيه �أي�ض ًا ‪ -‬مل مينح ال�سلطة حق ح�صر الفتوى يف عدد‬ ‫من العلماء‪ ،‬كما مل يُطالب ب�إيجاد كيان مرجعي للفتوى‪ ،‬بل �إنه رف�ض‬ ‫�أن يكون ر�أي احلاكم معيار ًا ل�صحة الفتوى مُ�ستهجِ ن ًا القول بالرجوع‬ ‫�إىل احلاك���م يف حال الفت���وى املعلقة ب�شرط‪ ،‬وذل���ك على الرغم من‬ ‫فو�ضى الفتاوى العارمة يف ع�صره‪.‬‬ ‫لق���د كان املجتمع العربي لأ�سباب منها متركز ال�سلطة وعدم تعقد‬ ‫�أجهزته���ا �أقل قابلي���ة لل�سيطرة عما ه���و عليه الي���وم‪ ،‬لذلك مل تكن‬ ‫ال�سلطة تقوى على تقييد الفتوى كما مل يكن ب�إمكانها �إحكام ال�سيطرة‬ ‫عليها ب�سهولة(‪ .)1‬م���ا قامت به ال�سلطة طوال تاريخنا الإ�سالمي هو‬ ‫حماولة �إخراج �ش�ؤون احلكم ع���ن دائرة الفتوى‪ ،‬لقد تركت الفقهاء‬ ‫يختلفون كما ي�شاءون يف �أمور العبادات واملعامالت لكنها فيما يت�صل‬ ‫ب�ش����ؤون احلكم كان���ت تدفع باجتاه �إحداث تواف���ق حول ق�ضايا مت�س‬ ‫جوه���ر ال�سلط���ة من قبي���ل طاعة «ويل الأم���ر» والت�شدي���د على عدم‬ ‫اخل���روج ووجوب البيعة‪ ،‬هكذا �أمكنه���ا �أن توجد م�شرتك ًا فقهي ًا حول‬ ‫ق�ضايا ال�سلطة بات يطلق عليه فيما بعد «الإجماع»‪.‬‬

‫لي�س ب�إمكان ال�س��لطة يف الف�ض��اء الإ�س�لامي �أن تُبا�شِ ��ر عالقةً تلقائيةً بالدين‪ ،‬وهذا مينح العلم��اء دور ًا مبالغ ًا‬ ‫فيه يف بع�ض الأحيان لكنه �أي�ض ًا يجعلهم عر�ضة للم�ساومة واالبتزاز ورمبا القمع‪ ،‬وفكرة الو�سيط املرفو�ضة يف‬ ‫املجال االجتماعي ال�سيما التعبدي منه معرتف بها يف املجال ال�سيا�سي‪ ،‬بحيث ي�صعب ت�صور �أن دولة ما ميكن �أن‬ ‫تكون �إ�سالمية – �أو تزعم لنف�سها تلك ال�صفة ‪ -‬يف حني هي تقمع �أو تق�صي العلماء‬ ‫كما هو احلال بالن�سبة جلامعة امللك عبد اهلل املختلطة‪ ،‬وهي ق�ضية‬ ‫كان���ت �سبب��� ًا يف �إقالة �أحد كب���ار العلماء من من�صب���ه يف �سابقة من‬ ‫نوعه���ا‪� .‬أما امل�شروع اليمن���ي فينطلق من «فو�ض���ى ال�سيا�سة»‪ ،‬ويجد‬ ‫م�ب�رره فيما تنظر �إليه ال�سلطة على �أن���ه دور تدخلي �أكرب للعلماء يف‬ ‫ال�سيا�س���ة‪ ،‬وحتديد ًا فيما مي�س عالقاته���ا اخلارجية املثرية للجدل‪،‬‬ ‫وهي النقطة اجلوهري���ة التي حافظ عليها النظام بعيد ًا عن متناول‬ ‫�أي طرف داخلي وجنح يف ا�ستثمار عائداتها طوال عقود‪.‬‬ ‫تع���ود نقط���ة البداي���ة �إىل بيان العلم���اء الذي �صدر بع���د الق�صف‬ ‫اجلوي ملنطق���ة املعجلة يف �أبني ‪ 17‬كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ 2009‬على‬ ‫خلفي���ة ما ي�سم���ى بـ «احلرب عل���ى الإره���اب»‪ ،‬وال���ذي راح �ضحيته‬ ‫الع�شرات �أغلبهم من الن�ساء والأطفال‪ .‬يف ذلك البيان طالب العلماء‬ ‫«احلكوم���ة» بالتوقف عن قتل الأبرياء خ���ارج الق�ضاء ال�شرعي ودون‬ ‫حماكم���ات عادلة‪ ،‬كم���ا طالبوا بدور لأهل احل���ل والعقد من العلماء‬ ‫وامل�شايخ والوجه���اء �إىل جانب جمل�سي النواب وال�شورى فيما يت�صل‬ ‫ب����أي تع���اون �أمني مع ط���رف خارج���ي‪ ،‬و�أر�سل �إ�ش���ارة حتذيرية �إىل‬ ‫م�ؤمتر لندن مفادها �أن �أي تدخل يف ال�ش�ؤون اليمنية �سيعترب عدوان ًا‬ ‫ي�ستوجب �إعالن اجلهاد‪ ،‬ومن جهة �أخرى طالب البيان برفع املظامل‬ ‫ورد احلقوق �إىل �أهلها واال�ستجابة للمطالب امل�شروعة من �أي طرف‬ ‫كان يف �إ�شارة وا�ضحة �إىل البعد املطلبي للق�ضية اجلنوبية‪.‬‬ ‫كان وا�ضح ًا �أن البيان �أطاح بحدود كثرية حافظ عليها العلماء يف‬ ‫عالقته���م الطويلة واملتعرجة بال�سلطة‪ ،‬والم����س ال�سيا�سة يف مناطق‬ ‫تفوق ق���درة ال�سلطة عل���ى االحتم���ال‪ .‬ويف عمومه ابتع���د البيان عن‬ ‫التقلي���د املراتبي يف العالقة مع ال�سلطة‪ ،‬فج���اء خالي ًا من �أي �إ�شارة‬

‫مل���ا ي�سم���ى يف الفقه التقلي���دي بـ «ويل الأم���ر»‪ ،‬كم���ا مل ي�أخذ �صورة‬ ‫الن�صيحة فطالب احلكومة اليمنية �صراح ًة االلتزام بال�ضوابط التي‬ ‫�أو�ضحه���ا العلماء يف البيان‪ ،‬وتوجّ ���ه �إىل ال�شعب طالب ًا منه االلتفاف‬ ‫حول مطالب العلماء‪.‬‬ ‫بع���د ذلك ب�أيام خرجت �صحيفة «الثورة» الر�سمية بكلمة افتتاحية‬ ‫و�ض���ع لها عن���وان الفت «مل���اذا التباكي عل���ى الإره���اب»‪ ،‬حملت فيه‬ ‫عل���ى بيان العلماء‪ ،‬ثم جت���اوزت البيان الذي وقّعه ما يربو على املائة‬ ‫وخم�سون عامل ًا �إىل العلماء �أنف�سهم فاتهمتهم بالتحري�ض على العنف‪،‬‬ ‫ومل تن� َ���س الإملاح �إىل �أن بع�ض الإرهابي�ي�ن خرجوا من عباءة العلماء‬ ‫وت�أثروا بفتاواهم التحري�ضية على العنف والت�شدد والإرهاب‪.‬‬ ‫كان البي���ان والكلمة االفتتاحية تعبري ًا ع���ن انعطافة غري م�سبوقة‬ ‫يف العالق���ة بني العلماء وال�سلط���ة اليمنية‪ ،‬فالث���ورة – ال�صحيفة ‪-‬‬ ‫مل تك���ن متار����س عم ًال مهني ًا �صرف���اً‪ ،‬كما �إن العلم���اء كانوا يدركون‬ ‫دون �ش���ك �أبعاد بيانه���م التاريخي‪ .‬واحلال �أن ع�ي�ن ال�سلطة مل تكن‬ ‫لتخط���ئ الطاق���ة العلمائي���ة التي ك�ش���ف عنها ذلك البي���ان وما تاله‬ ‫من ا�صطفافات وبيانات(‪ ،)2‬فتدعه���ا طليقة ومتحفّزة خارج منطق‬ ‫اال�ستيع���اب‪ ،‬لذل���ك ج���رى توجيهها �إىل دائ���رة افرتا�ضي���ة مرحلية‬ ‫(دائرة احل���وار الوطني) ليتم التلويح لها ب���دور تاريخي لي�س بو�سع‬ ‫العق���ل الفقهي بطبيعته الرتكيبية �سوى الإذعان له‪ ،‬وهو الدعوة �إىل‬ ‫االحتكام ل�ش���رع اهلل يف الق�ضايا الوطنية‪ ،‬مع م���ا ميثله هذا ال�شعار‬ ‫من جاذبية خا�صة بغ�ض النظر عن �أغرا�ضه احلقيقية‪.‬‬ ‫لي�س وا�ضح ًا ما �إذا كان العلماء بحاجة �إىل �إذن للتدخل يف ق�ضايا‬ ‫وطني���ة هم بطبيعة احل���ال جزء ال يتجز�أ منه���ا‪ ،‬ول�سنا ندرك معنى‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪103‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫الديني وال�سيا�سي يف عالقة ال�سلطة بالعلماء‬

‫‪Flickr‬‬

‫ترف�ض الدولة تدخل الدي���ن يف ال�سيا�سة �إال بالطريقة التي تراها‬ ‫منا�سب���ة‪ ،‬فالدول���ة العربية مبا فيها تلك الت���ي تدّعي لنف�سها احلكم‬ ‫بال�شريعة حتتفظ لنف�سها باحلق يف الإجابة على �س�ؤال‪ :‬ما ال�شريعة؟‬ ‫لذل���ك ي�ستقيم يف الالوع���ي املت�ساوق مع منطق ال�سلط���ة �أن دولة ما‬ ‫حتكم بال�شريعة‪ ،‬يف حني هي متار�س الف�ساد‪ ،‬وتنمي الفقر‪ ،‬وتنتهك‬ ‫احلقوق‪ ،‬وجتايف قواعد العدل‪.‬‬ ‫تلك �إ�شكالية قدمية يقبع جذرها املعريف يف املمار�سة الأموية التي‬ ‫�أدارت ظهره���ا للخالفة الرا�شدة وحاول���ت يف ذات الوقت ا�ستلحاق‬ ‫ال�شريع���ة وا�ستتباع قيمه���ا‪� ،‬صحيح �أن تلك املحاول���ة مل تنجز كاملة‬ ‫يف حين���ه حيث جوبه���ت ب�سل�سلة من الثورات‪� ،‬إال �أنه���ا تركت �آثارها‬ ‫املعرفي���ة الت���ي من �أهمه���ا قبول مب���د�أ حرا�س���ة الدول���ة للدين على‬ ‫�إطالق���ه‪ ،‬وهو مبد�أ ال تزال تلح عليه بع�ض النظم الد�ستورية العربية‬ ‫حتى اليوم‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫منذ �أن�ش���أت الدول��ة العثمانية �أول من�ص��ب‬ ‫للإفتاء �أواخر القرن اخلام�س ع�شر امليالدي‬ ‫حافظت دولة اال�ستقالل العربية – مبا فيها‬ ‫العلمانية ‪ -‬على هذا املن�صب‪ ،‬و�أ�ضافت �إليه‬ ‫بع�ض التنويعات بح�سب مقت�ضى احلال‬ ‫حت���ت ه���ذا املب���د�أ مار�س���ت ال�سلط���ة اال�ستب���داد‪ ،‬والتوريث‬ ‫(والي���ة العه���د)‪ ،‬والقمع امل���ادي واملعنوي‪ ،‬واال�ستئث���ار و�إق�صاء‬ ‫املجتمع‪ ،‬والتنكيل باخل�صوم‪ ،‬مع ذلك كله كان يكفي �أن يحارب‬ ‫«ال�سلط���ان» الزنادقة واملبتدعة والثنوي���ة واملالحدة والفال�سفة‬ ‫ليعت�ب�ر يف نظ���ر الكثريي���ن حار�س��� ًا للدي���ن وحامي ًا للمل���ة‪ .‬هذا‬ ‫املنطق التباديل ب�ي�ن الدين والدولة �أر�ساه املاوردي الذي جارى‬ ‫التط���ورات ال�سيا�سية يف عه���د انهيار مركز اخلالف���ة العبا�سية‬ ‫وتناثره بني �أمراء الأقاليم ووزراء التفوي�ض‪ ،‬ف�أطلق احلديث يف‬ ‫حاجة الدين للدولة بعد �أن كان العقل الإ�سالمي يدور حول حاجة‬ ‫الدول���ة للدين‪ .‬طبق ًا لذل���ك الت�صور‪ ،‬ف�إن حاج���ة الدولة للدين‬ ‫ال تق���ل عن حاجته �إليه���ا «الدين وال�سلطان تو�أم���ان»‪ ،‬وتلك �أول‬ ‫خطوة يف طريق حترير ال�سلطة من الدين واملجتمع يف �آن‪ ،‬رغم‬ ‫�إقرارنا �أن املاوردي �أراد غري ذلك قطعاً‪ .‬هنا تكف ال�شريعة عن‬ ‫�أن تك���ون �ضابط ًا للفعل ال�سيا�سي‪ ،‬وترتاجع �إىل م�ستوى التوجيه‬ ‫الطوعي �أو اال�ستجداء �أو الن�صح يف �أح�سن الأحوال‪ ،‬ليهيمن يف‬

‫‪Luke Robinson‬‬

‫تدعي‬ ‫الدول��ة العربي��ة مبا فيه��ا تلك الت��ي ّ‬ ‫لنف�س��ها احلك��م بال�ش��ريعة حتتفظ لنف�س��ها‬ ‫باحلق يف الإجابة على �س���ؤال‪ :‬ما ال�شريعة؟‬ ‫لذلك ي�ستقيم يف الالوعي املت�ساوق مع منطق‬ ‫ال�سلطة �أن دولة ما حتكم بال�شريعة‪ ،‬يف حني‬ ‫ه��ي متار�س الف�س��اد‪ ،‬وتنمي الفق��ر‪ ،‬وتنتهك‬ ‫احلقوق‪ ،‬وجتايف قواعد العدل‬

‫املرجعي���ة يف مثل هذه احلال���ة‪ ،‬وما �إذا كان الأمر يتطل���ب حوار ًا �أم‬ ‫فت���اوى‪ ،‬وما دور املرجعية العلمائية يف وجود د�ستور وقوانني يُفرت�ض‬ ‫�أنها جت�سد ال�شريعة يف بلد ين�ص د�ستوره على �أن ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫هي امل�صدر الوحيد للت�شريع؟!‬ ‫يف �أواخ���ر �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪� 2010‬صدر ق���رار رئا�سي ب�إن�شاء «جلنة‬ ‫العلم���اء املرجعية لتقدمي الن�صح وامل�شورة»‪� ،‬أو�ضحت ديباجة القرار‬ ‫الغر����ض من���ه‪ ،‬وهو «متكني العلماء م���ن �أداء �أمانته���م بحق املجتمع‬ ‫والدول���ة‪ ،‬وخا�صة يف مواجهة الغلو والتطرف والأعمال الإرهابية ‪...‬‬ ‫“‪ ،‬وا�ستكملت املواد والبنود الالحقة دائرة اال�ستيعاب‪ .‬فالنظر يف‬ ‫الق�ضاي���ا العامة املت�صلة بالق�ضايا الوطنية بح�سب املادة الثالثة من‬ ‫القرار‪ ،‬ي�أتي بطلب من رئي�س اجلمهورية الذي له �أن يحيل �إىل اللجنة‬ ‫م���ا يراه م���ن ق�ضايا ويطلب تدخلها فيها ب�إبداء ال���ر�أي �أو امل�شورة �أو‬ ‫الن�صيح���ة‪ ،‬وبعد �أن مي�ضي القرار يف الت�شديد على �أن يكون الن�صح‬ ‫خال�ص��� ًا لوج���ه اهلل ي�شرتط �أن يت���م �إ�سداء الن�ص���ح �إىل �أويل الأمر‬ ‫كتابة بعد تدار�س اللجنة ملو�ضوع الن�صيحة و�إقرارها لذلك‪.‬‬ ‫يف ال�صيغ���ة اليمنية التي �أردنا �إحداث ال�صل���ة بينها وبني احلالة‬ ‫ال�سعودية – وهي �صلة غري مفتعلة يف �ضوء ما نادى به بع�ض العلماء‬ ‫م���ن �ضرورة الأخ���ذ بالتجرب���ة ال�سعودية يف ح�صر الفت���وى يف كبار‬ ‫العلم���اء ‪ -‬جت���اوز الأمر م�س�ألة الإذن بالفت���وى‪ ،‬الذي �أ�صبح مبوجب‬ ‫القرار حق ًا ح�صري ًا يف جمل�س الإفتاء اليمني‪� ،‬إىل �إعادة تر�سيم دور‬ ‫العلم���اء وتنظيم عالقتهم بال�سلطة‪ .‬م���ا �أرادت ال�سلطة قوله بجالء‬ ‫هو �أن املمار�سة الآمنة واملرجعية لل�سيا�سة حتت �شعار احلاكمية ويف‬ ‫�إطار تكوين ترعاه وتعرتف به‪� ،‬أف�ضل من املمار�سة املجردة لل�سيا�سة‬ ‫عرب بيانات وجتمعات خارج الف�ضاء الر�سمي‪.‬‬

‫نهاية املطاف منطق ال�سلطة الذي تعبرّ عنه املقولة الآتية‪« :‬يزع‬ ‫اهلل بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن»‪.‬‬ ‫ت�ستمرئ الدولة العربية احلديثة هذا النوع من املمار�سة‪،‬‬ ‫وي��روق لها مثل ه��ذا املنطق‪ ،‬فمنذ �أن�ش�أت الدولة العثمانية‬ ‫�أول م��ن�����ص��ب ل�ل��إف���ت���اء �أواخ������ر القرن‬ ‫الت�صحر احل�ضري‬ ‫اخل��ام�����س ع�����ش��ر امل���ي�ل�ادي حافظت التايل‬ ‫بقلم‪ :‬حممد الدعمي‬ ‫دول��ة اال�ستقالل العربية – مبا فيها‬ ‫العلمانية ‪ -‬على هذا املن�صب‪ ،‬و�أ�ضافت‬ ‫�إليه بع�ض التنويعات بح�سب مقت�ضى احلال‪ .‬هكذا تلتقي الدولة‬ ‫التي تزعم تطبيق ال�شريعة – بال�صورة التي حتدثنا عنها ‪ -‬مع‬ ‫الدولة العلمانية يف هذا الفهم‪ ،‬الأوىل تزعم �أنها حتمي العقيدة‬ ‫وت�صون بي�ضة الدين‪� ،‬أما الثانية فرتى �أنها عن طريق �إبعاد‬ ‫الدين عن ال�سيا�سة تطهر الدين من رج�س ال�سيا�سة وحتفظ‬ ‫له روحانيته‪ .‬يف كل الأحوال لكل من الدولتني منطقها اخلا�ص‪،‬‬ ‫ولكل منها �أزمتها مع الدين وم�شكالتها مع املجتمع‪.‬‬

‫مالحظـــــات‬ ‫(‪ )1‬تنام���ت قدرة ال�سلط���ة يف املجتمعات العربية عل���ى ال�سيطرة ب�سبب‬ ‫ات�ساع منظوماتها القانونية وتكويناتها امل�ؤ�س�ساتية‪ .‬ب�إمكان ال�سلطة اليوم‬ ‫�أن جتم���ع قوى املجتمع و�أطيافه وطوائف���ه املختلفة حتت قبة برملان واحد‬ ‫حتك���م ال�سيطرة عليه‪ ،‬وهذا مل يكن متاح��� ًا يف ال�سابق‪ ،‬لذا ينبغي النظر‬ ‫�إىل امل�ؤ�س�س���ات ال�سيا�سية ومنها املُنتخَ ب���ة‪ ،‬و�أي�ض ًا امل�ؤ�س�سات ذات الطابع‬ ‫الديني على �أنها متثل – يف الو�ضع العربي الراهن ‪« -‬م�ؤ�س�سات �سيطرة»‬ ‫�أكرث مما تعني �شيئ ًا �آخر‪.‬‬ ‫(‪ )2‬وج���ه العلم���اء يف ني�سان‪�/‬أبريل ‪ 2010‬خطاب��� ًا �إىل رئي�س اجلمهورية‪،‬‬ ‫طرحوا فيه جملة من الق�ضايا طالبوا معاجلتها على وجه ال�سرعة‪� ،‬أهمها‬ ‫حماية املنظومة القانونية امل�ستمدة من ال�شريعة الإ�سالمية و�صيانتها من‬ ‫العب���ث والتعدي�ل�ات املخالفة لل�شريع���ة ب�ضغط من املنظم���ات الأجنبية‪،‬‬

‫كم�شروع تعدي���ل قانون اجلرائم والعقوبات وقان���ون الأحوال ال�شخ�صية‪،‬‬ ‫وم�ش���روع حتديد �سن ال���زواج‪ .‬لكن اخلطاب بعد �أن تن���اول ق�ضايا تتعلق‬ ‫بالرتبية والتعلي���م والرقابة على املدار�س الأجنبي���ة‪ ،‬والتحذير من خطر‬ ‫التن�ص�ي�ر‪ ،‬وامل�ؤامرة على احلجاب والأخ�ل�اق الإ�سالمية‪ ،‬وما تتعر�ض له‬ ‫مراكز حتفي���ظ القر�آن الكرمي من �إهمال‪ ،‬وتقلي����ص املقررات الدرا�سية‬ ‫يف الق���ر�آن الك���رمي والرتبي���ة الإ�سالمي���ة واللغ���ة العربي���ة‪ ،‬طال���ب برفع‬ ‫املعان���اة االقت�صادية و�إيجاد �سيا�سة اقت�صادية وا�ستثمارية هادفة ونافعة‬ ‫ومن�ضبط���ة ب�أحكام ال�ش���رع‪ ،‬والتعجيل برفع املظ���امل و�إعادة احلقوق �إىل‬ ‫�أهله���ا‪ ،‬و�إط�ل�اق �سراح امل�سجون�ي�ن دون �أم���ر ق�ضائي‪ ،‬و�إحال���ة �أ�صحاب‬ ‫الق�ضايا منهم �إىل املحاكم ال�شرعية اتقاء لدعوة املظلوم التي لي�س بينها‬ ‫وبني اهلل حجاب كما جاء يف اخلطاب‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪105‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫ما وراء هيمنة البادية على املدينة يف عاملنا العربي املعا�صر‬ ‫حممد الدعمي‬

‫‪maldaami@yahoo.com‬‬

‫ال ميك���ن مل�ؤرخ الأفكار‪ ،‬العربي �أو امل�سلم خا�صة‪� ،‬أن يفلت من مالحظة ظاهرة الت�صحّ ر احل�ضري‬ ‫التي �أملت باملراكز املدينية العربية منذ ع�صر فجر ال�سالالت يف بالد ما بني النهرين‪ ،‬وهي الظاهرة‬ ‫الت���ي حا�صرته���ا وحمقتها حت���ى الع�صر احلديث كي تق���دم �أغلب املدن العربي���ة م�شرقية كانت �أم‬ ‫مغربية‪ ،‬نف�سها كقرى �أو واحات مت�ضخمة‪ ،‬فيزياوي ًا و�إجتماعياً‪ ،‬تتناءى حافاتها و�ضواحيها حمتلطة‬ ‫ب�أل�سنة ال�صحارى املكونة من الرمال ال�صماء التي ال تالم�س مكان ًا �إال وتركته مت�صحراً‪.‬‬ ‫‪106‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫حممد الدعمي باحث و�أكادميي عراقي‪.‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫الت�صحر احل�ضري‬

‫ال ميك���ن مل����ؤرخ الأف���كار‪ ،‬العرب���ي �أو امل�سل���م خا�ص���ة‪� ،‬أن يفل���ت من‬ ‫مالحظة ظاهرة الت�صحّ ر احل�ضري التي �أملت باملراكز املدينية العربية‬ ‫منذ ع�صر فجر ال�سالالت يف بالد ما بني النهرين‪ ،‬وهي الظاهرة التي‬ ‫حا�صرتها وحمقتها حتى الع�صر احلديث كي تقدم �أغلب املدن العربية‬ ‫م�شرقية كانت �أم مغربي���ة‪ ،‬نف�سها كقرى �أو واحات مت�ضخمة‪ ،‬فيزياوي ًا‬ ‫و�إجتماعي���اً‪ ،‬تتن���اءى حافاته���ا و�ضواحيها حمتلطة ب�أل�سن���ة ال�صحارى‬ ‫املكونة من الرمال ال�صماء التي ال تالم�س مكان ًا �إال وتركته مت�صحراً‪.‬‬ ‫لق���د تواترت هذه احلال عرب احلق���ب التاريخية ومتغرياتها الكربى‬ ‫نظ���ر ًا حلقائق جتاور املراكز املدينية يف الع���امل العربي مع البوادي‪� ،‬أو‬ ‫على حافات ال�صحارى الكربى القادرة على �إبتالع كل �شيء عرب ربوعها‬ ‫اخلالي���ة‪ ،‬الأمر ال���ذي يف�سر طغيان «فيزياء البادي���ة» الرملي املت�صحر‬ ‫اجل���اف عل���ى هذه امل���دن‪ ،‬الغي��� ًا املناطق والأنطق���ة اخل�ض���راء ودافن ًا‬ ‫ب�أتربت���ه ال�صفراء اخلانق���ة منابع املياه والرطوبة الن���ادرة يف الفيزياء‬ ‫املديني���ة ال�ش���رق �أو�سطي���ة‪� .‬إنها ح���ال طوبوغرافية ت�ستح���ق املالحظة‬ ‫والر�صد والدرا�سة عل���ى �سبيل حماولة كنه �سر هيمنة قيم البادية على‬ ‫�أ�شب���اه احلوا�ضر �أو �أن�صاف املدن الت���ي نفتخر بها �أحياناً‪ ،‬تلك املراكز‬ ‫الت���ي ن�ستورد لها ناطحات ال�سحاب اجلاه���زة امل�سلفنة كي تبدو �شبيهة‬ ‫مبدن العامل الغربي العمالقة ولكن دون جدوى‪ ،‬للأ�سف‪.‬‬ ‫لقد حاولت الأقوام القدمية يف بالد �أودية الأنهار اخل�صبة (الرافدين‬ ‫وال�شام والنيل) الت�أ�سي�س حلوا�ض���ر ت�سودها قيم احلا�ضرة والتح�ضر‪،‬‬ ‫وفع ًال جنحت بع�ض املحاوالت حتى ظهرت يف منطقتنا مراكز ح�ضرية‬ ‫كوزموبوليتاني���ة يف الع�ص���ور الغاب���رة‪ ،‬ومنه���ا باب���ل و�آ�ش���ور والقد����س‬ ‫(�أور�شلي���م حقب���ة ذاك) والإ�سكندري���ة م���ن بني مدن عظيم���ة �أخرى‪،‬‬ ‫منتفع���ة من جم���اورة م�ص���ادر املياه املاحل���ة وغري املاحلة عل���ى �سبيل‬ ‫�إقامة حوا�ض���ر ومراكز �إ�شعاع ح�ضري وثقايف عظمى تن�أى بنف�سها عن‬ ‫ال�صح���راء و�سكانها عل���ى �سبيل تقدمي �أمنوذج مدين���ي عمالق ي�ستحق‬ ‫الدرا�سة وحتى املحاكاة‪.‬‬ ‫وللم���رء �أن يالح���ظ يف �سياق كهذا �أن ظاه���رة ت�صحر املدينة يف هذا‬ ‫الإقليم قد تبلورت فيما بعد عرب ع�صر الفتوحات الإ�سالمية‪� ،‬إذ الحظ‬ ‫الفاحت���ون الآتون من بطون البوادي لدح���ر جيو�ش الفر�س على الفرات‬ ‫والروم عل���ى �سهول ووديان بالد ال�شام وحوايل دلت���ا النيل‪ ،‬الحظوا �أن‬ ‫عليه���م �أن ي�ؤ�س�سوا «مع�سك���رات» (ولي�س مدن) يرتك���ز فيها الفاحتون‬ ‫وعوائلهم بطريقة جتعلهم دائم ًا على حافات ال�صحارى حتى ميكن من‬ ‫ه���ذه املراكز �أو املع�سك���رات ممار�سة عمليات الكر والف���ر �أمام جيو�ش‬ ‫الإمرباطوريات القدمية‪ .‬وهكذا ظهرت �أوىل املدن العربية على �سواحل‬ ‫الف���رات والنيل‪ :‬مت�صح���رة مقفرة‪ ،‬حتت عن���وان «الأم�ص���ار»‪ :‬الكوفة‬ ‫والب�صرة والف�سطاط ثم القريوان‪ .‬حول هذه النوى (جمع نواة) �أخذت‬

‫امل���دن العربي���ة اجلديدة تت�ضخم وتتو�سع‪ .‬ويف الوق���ت الذي انتخب فيه‬ ‫الإم���ام علي ب���ن �أبي طال���ب (كرم اهلل وجه���ه) الكوف���ة عا�صمة لدولة‬ ‫اخلالفة الفتية‪ ،‬كانت تل���ك املدينة‪/‬املع�سكر مق�سمة على نحو �أحياء �أو‬ ‫مناطق ب�أ�سم���اء القبائل العربية التي قطنتها وكون���ت �أو �شكلت القوات‬ ‫الفاحتة التي جاءت �إىل العراق و�إنتقت موقع الكوفة مع�سكر ًا ثم مدينة‬ ‫له���ا‪ .‬وتنطب���ق ذات احل���ال على بقي���ة الأم�ص���ار الرئي�سية ب�ي�ن الكوفة‬ ‫والقريوان‪.‬‬ ‫املهم يف هذا ال�سياق التاريخي هو �أن هذه املدن النا�شئة بقيت �ضحية‬ ‫لفيزياء البادية الداهم الذي كان يغزوها من �آن لآخر على نحو عوا�صف‬ ‫رملية خانقة �أو موجات بدوية‪� ،‬أو �أحيان ًا على نحو جراد �صحراوي جائع‬ ‫ال يبق���ي وال يذر‪� .‬أما بقاء �أو توا�صل عن�ص���ر البادية داخل هذه املراكز‬ ‫احل�ضري���ة‪ ،‬فقد عبرّ ع���ن نف�سه يف خط���ط هذه امل���دن املق�سمة ح�سب‬ ‫�أ�سماء الع�شائر والقبائل‪ :‬فهذا حي متيم‪ ،‬وذاك حي بنو ا�سد‪� ،‬أو ج�شعم‬ ‫�أو طي‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫مل حت���اول �أم�ص���ار الع���رب امل�سلم�ي�ن القادمني من بط���ون البوادي‬ ‫ن���زع جلدها ال�صحراوي على �سبيل حم���اكاة حوا�ضر الرافدين وال�شام‬ ‫وم�ص���ر املتط���ورة القدمي���ة الغنّاء‪ ،‬بل ه���ي مت�سكت به���ذا اجللد ون�أت‬ ‫بنف�سه���ا عما ظهر ل�سكانها وك�أنه «ت���رف» �أو نعومة �أهل الكفر وال�شرك‬ ‫م���ن بقايا الثقاف���ات القدمي���ة التي هزمها الع���رب على �أر����ض العراق‬ ‫وب�ل�اد ال�شام‪ .‬لذا راح���ت املراكز املدنية العربي���ة اجلديدة متد ج�سور‬ ‫ال�صل���ة والتوا�صل م���ع ال�صحراء ولي�س مع ب�سات�ي�ن الوديان اخل�صيبة‪،‬‬ ‫الأم���ر الذي قاد �إىل �سي���ادة قيم البادية يف هذه امل���دن �أو �أ�شباه املدن‪،‬‬ ‫بدي ًال عن قيم التمدن والإ�ستقرار‪ :‬وهكذا راح �سكان هذه املدن يعرفون‬ ‫بانت�ساباته���م القبلية و�ألقابهم الع�شائرية‪ ،‬لي����س فقط بحدود التعريف‬ ‫والهوي���ة‪ ،‬و�إمن���ا كذلك بحدود ال�سل���وك و�أمناطه الفردي���ة واجلماعية‪،‬‬ ‫حي���ث هيمنت وحتى الآن قيم البداوة على م���دن و�سط وجنوب العراق‪،‬‬ ‫مث�ل�اً ‪ ،‬بدي ًال عن قي���م املدينة الثقافي���ة املتح�ضرة‪ ،‬الأم���ر الذي يف�سر‬ ‫دوافع و�إرها�صات التم�س���ك باملمار�سات البدوية العتيقة كالث�أر ون�صرة‬ ‫�أقرب���اء ال���دم وغ�سل العار من ب�ي�ن �سواها من املمار�س���ات والقيم التي‬ ‫نهى الإ�سالم عن بع�ضه���ا‪ ،‬ولكنها بقيت متوا�صلة تتحرك وت�سري حتت‬ ‫«رادار الرقيب امل�سلم» القادم من املدينة‪.‬‬ ‫ق���د تك���ون هذه مداخلة مهم���ة الآن بقدر تعلق الأم���ر مبا نالحظه من‬ ‫ت�شب���ث الإن�س���ان املدين���ي يف امل�ش���رق العرب���ي خا�صة بقي���م ال�صحراء‬ ‫وب�أ�صولها البدوية التي قد تتناهى �إىل «جاهلية» من النوع املخيف الذي‬ ‫يراد جتنبه واحلذر منه اليوم‪.‬‬ ‫رمب���ا كانت ه���ذه املداخلة مهمة كذلك من ناحي���ة �ضرورات مالحظة‬ ‫�أويل الأم���ر يف احلكومات العربية عملي���ة و�أهمية التخطيط احل�ضري‪:‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪107‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫م�صادر املياه‪ ،‬الأنطقة وامل�ساحات اخل�ضراء التي متنح الإن�سان املديني‬ ‫م���ا يحتاج �إليه من �صف���اء ورواق املدينة القابلة للرتجمة على نحو علوم‬ ‫وفنون و�إبداع‪ ،‬مدار�س وجامع���ات‪ .‬كم من خمططينا احل�ضريني و�ضع‬ ‫ن�ص���ب عيني���ه �أو يف �أولوياته وج���ود مكتبة عامة‪ ،‬للن����شء وللكبار؟ وكم‬ ‫م���ن ه�ؤالء فكّ���ر مبدار�س للمو�سيقى والبالي���ه يف خططه ملدننا القدمية‬ ‫واجلدي���دة؟ ه���ل نتذك���ر بن���اء م�س���ارح ودور �سينم���ا كافي���ة للأن�شطة‬ ‫الإجتماعي���ة يف جمتمعات تقيم �أعلى اجلدران الفا�صلة بني اجلن�سني‪..‬‬ ‫ه���ذه ق�ضايا ت�ستح���ق املالحظة و�أن�شط���ة تبادل الر�أي م���ا دامت مدننا‬ ‫ت�ستجيب للت�صحر وال�صحرنة‪ ،‬فيزيائي��� ًا و�إجتماعي ًا على نحو متوا�صل‬ ‫خميف‪.‬‬ ‫لي�س هناك ثمة �شك يف �أن بغداد قد بنيت لتكون مدينة‪ ،‬بل وعا�صمة‪،‬‬ ‫باملعن���ى احلقيق���ي للكلم���ة‪ ،‬كم���ا �أراده���ا اخلليف���ة �أبو جعف���ر املن�صور‬

‫العبا�س���ي؛ وتنطب���ق ذات احل���ال عل���ى القاه���رة كم���ا �أراده���ا اخلليفة‬ ‫الفاطمي‪ .‬بغداد مدينة والقاهرة مدينة‪ ،‬ولكن الكوفة والب�صرة (الإبلة‬ ‫يف الأ�ص���ل) مل تكن مدن ًا باملعن���ى احلقيقي للكلمة‪ ،‬ذلك �أن عدد ًا كبري ًا‬ ‫م���ن املدن العربي���ة العريقة بنيت كمع�سكرات‪ .‬ه���ذه احلال تنطبق على‬ ‫الكوف���ة والب�ص���رة‪ ،‬بكل ت�أكيد‪ ،‬وه���ي تنطبق كذلك عل���ى �سامراء (�سُ ّر‬ ‫م���ن ر�أى)‪� ،‬إذ يتح���ول املع�سكر �إىل ن���واة للمدينة كي تت�ضخ���م وتتو�سع‬ ‫حت���ى تدخل �إليه���ا الأ�سواق واحلواري والأحياء‪ ،‬ث���م ليتبع ذلك موجات‬ ‫الهجرات من الريف �إىل املدينة كي تختلط الدماء كما تختلط الثقافات‬ ‫والعادات والتقاليد‪.‬‬ ‫من هنا يتوجب علينا �أن نناق�ش مو�ضوع ًا مهم ًا �سبق و�أن طرح من قبل‬ ‫‪108‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪Lucie Debelkova‬‬

‫القيم ال�صحراوية اجلرداء تتج�سد‪ ،‬لي�س فقط يف االعتزاز‬ ‫والتباهي الذي يعك�س��ه الإن�سان احل�ضري العربي بانت�سابه‬ ‫لل�ص��حراء؛ ب��ل كذل��ك يف الإهتمام ال��ذي يخ�ص به �س��كان‬ ‫املدن العربية الألقاب الع�ش��ائرية والقبلية‪ ،‬وهي من بقايا‬ ‫�سيادة روح القبيلة يف البادية وع�صبياتها‬

‫�أذكى العقول العربية املعا�صرة؛ وهو مو�ضوع مفتوح للجميع ممن يودون‬ ‫امل�ساهمة يف �أن�شطة تبادل الر�أي حوله‪ .‬املو�ضوع‪ ،‬باخت�صار هو‪ :‬ملاذا ال‬ ‫منلك يف العامل العربي “مدناً” �أو “حوا�ضراً” باملعنى الدقيق للفظني‪،‬‬ ‫�أي مدن ًا مثل لندن �أو نيويورك‪ ،‬حيث ي�شعر املرء �أنه يف ظل ح�ضارة مدنية‬ ‫�أخ���اذة باملعنى ال�صحيح؟ ثمة �شعور بالإنغمار يف �أجواء املدينة يعرتيك‬ ‫و�أن���ت تتم�ش���ى بني �أنواع خمتلفة م���ن املارة يف �ش���وارع “مونامارتر” �أو‬ ‫يف �أزق���ة “�سوهو”‪ :‬هل تكت�س���ب املدينة �صفتها “املدينية” من �سكانها‪،‬‬ ‫�أم مم���ا يحملوه يف دواخلهم من �أخالقيات وقي���م �إجتماعية؟ وهل هذا‬ ‫ق���د حتقق يف �أي���ة مدينة عربية �سابق ًا كي ندّعي ب����أن لنا مدن ًا ميكن �أن‬ ‫تقارن بامل���دن الأوربية �أو الأمريكية؟ بلى‪ ،‬حاول���ت بريوت ما قبل ‪1973‬‬ ‫�أن تبل���ور �صورة ملدينة عربية‪� ،‬شرق �أو�سطي���ة ميكن �أن تقارن �شوارعها‬ ‫(احلم���را خا�صة) ب�شوارع ومقاهي مدن �أوربية جميلة‪� ،‬إال انها �سرعان‬ ‫م���ا ابتلعت يف غياه���ب الع�صبيات الطائفي���ة وال�سيا�سية كي تبقى اليوم‬ ‫طل�ل�اً من حلم مديني عرب���ي كان يجتذب اجلميع �إليه بحث ًا عن الراحة‬ ‫و�شيء من احلرية‪.‬‬ ‫ه���ذا �س�ؤال ي�ستدع���ي الكثري م���ن املناق�شات واجلدل ال���ذي ميكن �أن‬ ‫يقودنا‪ ،‬من منظور �أول‪� ،‬إىل نظرية الفيل�سوف الإجتماعي العراقي‪ ،‬علي‬ ‫الوردي‪ ،‬الذي الحظ “�إزدواجية ال�شخ�صية العراقية”‪ ،‬مبعنى ال�شرخ‬ ‫امل�ؤمل الذي تعانيه وتئ����ن حتت وط�أته بني الإنتماء للمدينة من ناحية‪،‬‬ ‫وب��ي�ن الوالء لقي����م البداوة من الناحي����ة الثانية‪� .‬أهمي����ة هذه النظرية‬ ‫الوردية‪ ،‬بر�أيي‪ ،‬ال تنطلق من ر�صد ال�شخ�صية املدينية العراقية فقط‪،‬‬ ‫�إذ �أن الإزدواج ال يتح����دد باب����ن بغ����داد �أو املو�صل فق����ط‪ ،‬لأنه ينطبق‬ ‫كذل����ك على �أبناء دم�شق وعمّ����ان والقاهرة وب��ي�روت و�صنعاء من بني‬ ‫�سواه����ا من امل����دن العربية التي مل تفلح احلي����اة يف دواخلها من تنقية‬ ‫الإن�س����ان املديني العربي من قيم البداوة املختفية يف �أعماق �أعماقها‪.‬‬ ‫�إن الأدل����ة على ما نذهب اليه اليوم من تو�سيع وتعميم لنظرية الوردي‬ ‫على جميع دول ال�ش����رق الأو�سط ت�أخذ مدياتها كاملة يف حنو الإن�سان‬ ‫املدين����ي يف �أغلب امل����دن العربية لأخالقيات ال�صح����راء‪ ،‬وت�سييده لها‬ ‫بد ًال من ت�سييد قيم احلا�ضرة واملدينة‪.‬‬ ‫ه����ذه القيم ال�صحراوية اجل����رداء تتج�سد‪ ،‬لي�س فق����ط يف الإعتزاز‬ ‫والتباهي الذي يعك�سه الإن�سان احل�ضري العربي بانت�سابه لل�صحراء؛‬ ‫ب����ل كذلك يف الإهتم����ام الذي يخ�ص به �سكان امل����دن العربية الألقاب‬ ‫الع�شائري����ة والقبلي����ة‪ ،‬وهي من بقايا �سي����ادة روح القبيل����ة يف البادية‬ ‫وع�صبياته����ا‪ ،‬الأمر ال����ذي يدل‪ ،‬كم����ا �أرى‪ ،‬على �أن البادي����ة هي التي‬ ‫حتك����م املدينة يف العامل العربي‪ ،‬ولذا كانت قيم الث�أر والإنتقام وغ�سل‬ ‫الع����ار والإ�ستخدام الق�سري املهني للمر�أة كـ”ديّ����ة” �أو ك�أداة لت�صفية‬ ‫النزاعات القبلية ولت�سوية اخلالفات الع�شائرية والعائلية!‬ ‫الح����ظ‪ ،‬يف هذا ال�سي����اق‪ ،‬دموية طرائق ت�سوي����ة احل�سابات يف املدن‬ ‫العربي����ة‪ ،‬والح����ظ كذل����ك رف����ع الكلف����ة م����ع القان����ون و�أدوات تنفيذه‬ ‫كال�شرط����ة واجلي�ش والدرك‪ .‬الإن�سان املدين����ي العربي يف�ضل ت�صفية‬ ‫ح�سابات����ه بنف�س����ه لأنه مل ي����زل ي�شعر بحماية اجلار واب����ن العم‪ ،‬وهي‬

‫راح��ت املراك��ز املدني��ة العربية اجلديدة متد ج�س��ور ال�ص��لة والتوا�ص��ل م��ع ال�ص��حراء ولي�س مع ب�س��اتني الوديان‬ ‫اخل�صيبة‪ ،‬الأمر الذي قاد �إىل �سيادة قيم البادية يف هذه املدن �أو �أ�شباه املدن‪ ،‬بدي ً‬ ‫ال عن قيم التمدن واال�ستقرار‬ ‫الأه����م من حماي����ة القانون واجلي�����ش وال�شرطة بالن�سب����ة له‪ :‬ال داعي‬ ‫لالرجت����اع �إىل عدد كبري م����ن الأحداث الدموية الت����ي ع�صفت مبدن‬ ‫عربي����ة ب�سب����ب تف�ضي����ل الإن�س����ان العربي‪ ،‬بغ�����ض النظر ع����ن دينه �أو‬ ‫والئ����ه املذهبي‪� ،‬أدواته اخلا�صة لت�صفي����ة احل�سابات‪ .‬هذه هي عدالة‬ ‫البادي����ة امل�ستوحاة من خلو البادية من ال�سلطة املركزية ومن قدراتها‬ ‫الالحمدودة على توفري املخابيء ملن يريد �أن ال يرى!‬ ‫�إذا كان����ت ه����ذه هي الآف����اق الوا�سع����ة التي قد يقودن����ا �إليها عقل‬ ‫الوردي الذكي (الحظ تعدد الدهاليز واملنعطفات الفكرية الرثة التي‬ ‫ميك����ن �أن تظه����ر وترتى)‪ ،‬ف�إن علينا �أن نرد مع�ضل����ة هيمنة القرية �أو‬ ‫�سيادتها على املدينة العربية �إىل �أ�صل �آخر‪ ،‬وهو‪� :‬أن الغالبية العظمى‬ ‫م����ن املدن العربية �إمنا كانت ق����رى مل تلبث و�أن ت�ضخمت على ح�ساب‬ ‫جوارها الريفي لت�ضم الريفي��ي�ن وقيمهم �إىل دواخلها‪ ،‬كي تخرج من‬ ‫ناحي����ة ثانية “قري����ة مت�ضخمة”‪ ،‬قرية يف�ضل �سكانه����ا تربية اخليول‬ ‫والأبق����ار والنع����اج عل����ى التعامل م����ع ال�سي����ارة وو�سائل النق����ل العام‪،‬‬ ‫من الطائ����رة �إىل القاطرة والرتم����واي‪ ،‬بينما ي�ستبدل����ون الديوانيات‬ ‫باملقاهي والعابها‪.‬‬ ‫�أعتقد �أن علينا جميع ًا ونحن نقود �سياراتنا يف �شوارع مدن زاهرة‬ ‫كم�سق����ط �أو دب����ي �أو الريا�����ض‪� ،‬أن نُعي����د تقييم ال����ذات‪ ،‬لي�س فقط يف‬

‫قوة و�سيادة قيم القري����ة و�أمناطها ال�سلوكية (وهي قيم و�أمناط طاملا‬ ‫تبخرتن����ا باملحافظة عليها حتت عناوين من نوع “نظرية الرتاث”!)‪.‬‬ ‫هي �أمناط �سلوكية ميكن �أن يح�سدنا عليها �أهل البادية ب�سبب تفوقها‬ ‫لدين����ا (نح����ن �سكان املدن) عل����ى �أمناط ال�سلوك الب����دوي يف القفار‪،‬‬ ‫حيث الأر�ض اليباب التي ال تتيح ل�ساكنها �شيئ ًا قط �سوى الإ�ستذكارات‬ ‫والت�أمل وال�شعر املتناغم مع ذبذبة حركة اجلمل‪.‬‬ ‫ه����ذه �أ�سئل����ة تقودنا كذلك �إىل �س�ؤال �أكرث �أهمية‪ ،‬وهو‪ :‬هل املدينة‬ ‫العربي����ة حتك����م نف�سه����ا بنف�سه����ا؛ �أم �أن القري����ة �أو البادي����ة هي التي‬ ‫حتكمها؟ ه����ل �أن الأنظمة ال�سائدة يف هذه امل����دن يقودها “مدنيون”‬ ‫باملعن����ى ال�صحيح للكلمة‪ ،‬من نواحي القيم‬ ‫العرب ودرو�س‬ ‫التجربة املاليزية‬ ‫امل�ستن��ي�رة يف دواخله����م وم����ن نواحي التايل‬ ‫بقلم‪ :‬حممد �أبو غزله‬ ‫�آفاقهم الفكرية والثقافية‪� ،‬أم �أن �أغلب‬ ‫ه�ؤالء يحتفظون بقيم ال مدنية‪ ،‬بل قروية‬ ‫�أو بدوي����ة غري قادرة على حتمّل التو�سّ ع امل����دين �أو املديني الذي يطر�أ‬ ‫عل����ى العقلي����ات قبل �أن يتج�س����د يف بناء اجلامعات الكب��ي�رة والأبراج‬ ‫العالي����ة‪ ،‬م����ن بني �سواها م����ن م�شتمالت امل����دن الغربي����ة‪ ،‬كاملراق�ص‬ ‫والن����وادي الليلي����ة‪ ،‬وكظواهر االختالط يف جمي����ع نواحي احلياة‪ .‬هي‬ ‫�أ�سئلة ت�ستحق الت�أمل والإرتدادات الفكرية الذكية‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪109‬‬


‫وكنتيج���ة لذل���ك‪ ،‬انخف�ض عدد العاطلني عن العم���ل �إىل حوايل مليون‬ ‫م���ن ‪ 26.5‬مليون هو ع���دد �سكان ماليزيا‪� ،‬أي بن�سب���ة �أقل من ‪ .% 4‬كما‬ ‫تطورت ماليزيا �سيا�سي ًا ب�شكل كب�ي�ر‪ ،‬فمنذ اال�ستقالل وماليزيا تتمتع‬ ‫بانتخابات دميقراطية حرة ونزيهة‪ ،‬وتداول �سلمي لل�سلطة على الر غم‬ ‫م���ن الرتكيب���ة الدميوغرافية املعقدة ن�سبي ًا مقارن���ة بغريها من البالد‬ ‫الإ�سالمي���ة‪ .‬فكي���ف متكن���ت ماليزيا من حتقي���ق هذا التط���ور‪ ،‬وكيف‬ ‫ميك���ن للعامل العرب���ي �أن ي�ستفيد من هذه التجرب���ة الفريدة يف حتقيق‬ ‫اال�ستقرار ال�سيا�سي والتطور االقت�صادي وال�سلم االجتماعي؟ �سنحاول‬ ‫يف ه���ذه الورقة ا�ستك�ش���اف بع�ض �أهم جماالت الت���ي ميكن اال�ستفادة‬ ‫منها يف هذه التجربة‪ ،‬ولن نخو�ض يف �أ�سباب جناحها‪ ،‬فقد �سبق وقمنا‬ ‫به���ذا يف درا�سة ن�شرت عام ‪ ،2008‬وهي متوف���رة على ال�شبكة الدولية‪.‬‬ ‫و�سيقت�ص���ر احلدي���ث على م�ستوي�ي�ن هامني‪ ،‬وهما امل�ست���وى ال�سيا�سي‬ ‫وامل�ستوى االقت�صادي‪.‬‬ ‫�أوالً‪ :‬امل�س��توى ال�سيا�س��ي‪ :‬نظام �سيا�س��ي يجمع بني ال�س��لطة‬ ‫املدنية‪/‬العلمانية وال�سلطة الدينية‬ ‫يعترب النظام ال�سيا�سي املاليزي فريد ًا يف �شكله ورمبا يف جوهره �أي�ضاً‪،‬‬ ‫وقد كان لهذا دور ًا هام ًا يف حتقيق اال�ستقرار ال�سيا�سي ومن ثمّ ال�سري‬ ‫بثبات يف عملية التحديث‪ .‬فهو خليط من دميقراطية برملانية فدرالية‪،‬‬ ‫وملكية د�ستورية‪ :‬فمن حيث ال�شكل‪ ،‬هناك برملان يتم انتخابه بطريقة‬ ‫ح���رة ونزي���ه مبا�شرة من ال�شع���ب‪ ،‬ومنه تنبثق احلكوم���ة وفق ًا لقاعدة‬ ‫الغالبي���ة‪ ،‬ولهذا ف�إن رئي����س الوزراء هو احلاكم الفعل���ي للبالد و�صانع‬ ‫الق���رار داخلي��� ًا وخارجياً‪ .‬وهن���اك ملك للبالد يت���م انتخابه كل خم�س‬ ‫�سن���وات من قبل جمل����س ال�سالطني الت�سعة (هن���اك �سلطان لكل والية‬ ‫من الوالي���ات الت�سعة ذات الغالبية امل�سلمة)‪ .‬وعلى عك�س ما هو احلال‬ ‫يف النظ���م امللكية �سواء الدميقراطية منها كربيطانيا �أو التي يتمتع فيه‬ ‫املل���ك باحلكم املطلق �أو �شبه���ه كما هو احلال يف امللكيات العربية‪ ،‬ف�إن‬ ‫امللك يف ماليزيا‪ ،‬و�إن كان ال يحكم فعلياً‪ ،‬فهو يتمتع ب�صالحيات مهمة‬ ‫لي�س فق���ط كرئي�س للدولة و�إمنا كزعيم لل�سلط���ة الدينية على امل�ستوى‬ ‫الفدرايل‪ ،‬وهي ال�سلطة التي تتمثل يف حماية الدين الإ�سالمي و�ضمان‬ ‫تطبيق تعاليم���ه يف بع�ض جماالت كالأحوال ال�شخ�صية والآداب العامة‬ ‫كاخللوة ال�شرعية‪ ،‬حيث يوج���د �شرطة خا�صة ت�سمى “�أجاما �إ�سالم”‬ ‫�أي ال�شرطة الدينية‪ ،‬وتتبع امللك مبا�شرة‪.‬‬ ‫وميك���ن �أن ي�ستف���اد م���ن النظ���ام املالي���زي يف الع���امل العرب���ي على‬ ‫م�ستوي�ي�ن‪ :‬م�ست���وى الدول���ة القطري���ة‪ ،‬وم�ست���وى الوح���دة الفدرالية‪.‬‬ ‫ويف كال امل�ستوي�ي�ن‪ ،‬ال ب���د م���ن وج���ود دميقراطي���ة حقيقة تق���وم على‬ ‫انتخاب���ات حرة ونزيهة ومبا�شرة ت�أخذ بع�ي�ن االعتبار الطبيعة الدينية‬ ‫واخل�صو�صية الثقافي���ة للمجتمع العربي‪ .‬وه���ذا يت�ضمن �إيجاد برملان‬ ‫ف���درايل على امل�ستوى الأول يتكون من جمل�س�ي�ن‪ :‬جمل�س ال�شيوخ الذي‬

‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫االلتفات �شرق ًا‬

‫ً‬ ‫عربيا‬ ‫التجربة املاليزية والدرو�س امل�ستفادة‬ ‫حممد �أبو غزله‬

‫‪ghazlehm@yahoo.com‬‬

‫رمبا ال يوجد هناك دولة يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬ورمبا العامل‬ ‫النام���ي ككل‪ ،‬متكنت من حتقيق تطور �سيا�سي واقت�صادي‬ ‫يف فرتة وجي���زة ن�سبي��� ًا كماليزيا‪ .‬فبعد �سن���وات قليلة من‬ ‫اال�ستق�ل�ال عن بريطاني���ا ع���ام ‪� ،1957‬أ�صبح���ت ماليزيا‬ ‫ت�صن���ف ‪ -‬وفق��� ًا ملعاي�ي�ر البن���ك ال���دويل �آن���ذاك‪ -‬كدولة‬ ‫متو�سط���ة الدخل‪ .‬ومنذ ذلك التاريخ حافظت ماليزيا على‬ ‫معدالت منو �سنوية عالية ن�سبي ًا تراوحت ما بني ‪ 7-6‬باملائة‬ ‫يف الفرتة من ‪� 1970‬إىل ‪.2000‬‬ ‫‪Flickr, Google, ME Archive‬‬

‫‪110‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫حممد �أبو غزله مدير املركز الرتبوي الثقايف‪ ،‬دارم�شتات ‪� -‬أملانيا‪.‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪111‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫يت���م تعيني ن�ص���ف �أع�ضائه من امللك �أو الرئي����س‪ ،‬بينما تختار املجال�س‬ ‫الت�شريعي���ة للوالي���ات الن�صف الثاين؛ وجمل�س للن���واب الذي يتكون من‬ ‫ن���واب فدراليني يتم انتخابه���م مبا�شرة من ال�شع���ب يف دوائر انتخابية‬ ‫فردي���ة وفق ًا للتعددية احلزبي���ة‪ .‬وتعقد االنتخاب���ات كل خم�س �سنوات‪.‬‬ ‫ول���كل والية جمعية ت�شريعي���ة �أو برملان حملي ينتخ���ب �أع�ضائه مبا�شرة‬ ‫بالتزامن مع االنتخابات الفدرالية‪ ،‬وجمال�س حملية تنفيذية يتم تعينها‬ ‫وفق��� ًا ملعايري معينة من قبل جمل�س الوزراء‪ .‬ويتم اختيار �أع�ضاء جمل�س‬ ‫الوزراء م���ن بني �أع�ضاء الربملان‪ .‬واملجل�س ورئي�س���ه م�سئولون م�سئولية‬ ‫مبا�شرة �أمام الربملان‪.‬‬ ‫�أم���ا بالن�سب���ة للوالية العام���ة التي تتمث���ل يف امللك �أو الرئي����س‪� ،‬سواء‬ ‫على امل�ست���وى الوطني القطري �أو حتى على امل�ست���وى الفدرايل املن�شود‬ ‫يف الع���امل العرب���ي‪ ،‬فيمكن للمل���ك �أو الرئي�س كر�أ�س للدول���ة �أن ميتلك‬ ‫�صالحي���ات �أ�سا�سية يف �إدارة ال�سلط���ة الدينية وال�ش�ؤون الثقافية‪ ،‬وتتبع‬ ‫له املحاكم ال�شرعية وال�شرطة الدينية‪.‬‬ ‫وبن���اء عل���ى م���ا �سبق‪ ،‬ف����إن هذا النظ���ام املختل���ط ميك���ن �أن ي�ضمن‬ ‫املحافظ���ة عل���ى اخل�صو�صي���ة الديني���ة والثقافي���ة للع���امل العربي كما‬ ‫ه���و احل���ال يف ماليزيا‪ ،‬ويعمل يف نف����س الوقت على حتقي���ق اال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�سي ال�ض���روري لأية تنمية اقت�صادي���ة �أو علمية؛ فهو نظام ب�سيط‬ ‫يقوم عل���ى تفعيل العالقة بني الدوائر االنتخابي���ة وممثليها يف الربملان‬ ‫م���ن جهة‪ ،‬وي�ساعد على توحيد والتقاء امل�صالح اجلماعات املتعددة من‬ ‫جهة �أخرى‪ ،‬بب�ساطة لأن الأحزاب ال�سيا�سية التي متثل هذه اجلماعات‬ ‫والت���ي تعم���ل يف ظل نظام الأغلبية تعتمد على قاع���دة �شعبية وا�سعة و‪/‬‬ ‫�أو تبح���ث يف الغالب عن ائتالف���ات �سيا�سية وا�سعة عادة ما تتيح املجال‬

‫يف الوق���ت الذي ميار����س فيه �أمناط ًا اقت�صادي���ة ر�أ�سمالية‪ ،‬حيث يجمع‬ ‫مث�ل�اً يف ال�سيا�س���ة االقت�صادي���ة ب�ي�ن الر�أ�سمالية الليربالي���ة من جهة‪،‬‬ ‫وبني التدخل احلكوم���ي يف االقت�صاد من جهة �أخرى؛ وهو نظام يحمي‬ ‫اخل�صو�صية الإثنية والثقافية للأعراق املختلفة‪ ،‬بينما يعمل على غر�س‬ ‫امل�شاعر الوطنية يف �أذهان املواطنني على اختالف م�شاربهم‪.‬‬ ‫ويت�ضح من هذا �أن النظام ال�سيا�سي واالنتخابي يف ماليزيا لعب دور ًا‬ ‫هام��� ًا و�أ�سا�سي ًا يف حتقيق اال�ستقرار االجتماعي وال�سيا�سي واحلكومي‪،‬‬ ‫كما �ساعد على حتقيق �أه���داف ال�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة وعملية‬ ‫التحدي���ث التي ب���د�أت يف ال�سبعينيات وهو ما ميك���ن �أن يُ�ستَفاد منه يف‬ ‫العامل العربي‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬على امل�ستوى االقت�صادي‬

‫‪112‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ماليزي���ا دولة تقع يف جنوب �شرق �آ�سيا وه���ي تتكون من ‪ 13‬والية‬ ‫وثالث���ة �أقاليم احتادية‪ ،‬مب�ساحة كلية تبلغ ‪ 329.845‬كيلو مرت مربع‬ ‫(‪ 127.354‬مي���ل مرب���ع)‪ .‬العا�صمة ه���ي كواالملب���ور‪ ،‬وي�صل تعداد‬ ‫ال�س���كان �أكرث من ‪ 28‬مليون ن�سمة‪ .‬ينق�سم البلد �إىل ق�سمني يف�صل‬ ‫بينهما بح���ر ال�صني اجلنوبي‪ ،‬هما �شبه اجلزيرة املاليزية وبورنيو‬ ‫املاليزي���ة (املعروفة �أي�ض ًا با�سم ماليزي���ا ال�شرقية)‪ .‬يحد ماليزيا‬ ‫كل من تايلند‪� ،‬إندوني�سيا‪� ،‬سنغافورة و�سلطنة بروناي‪ .‬تقع ماليزيا‬ ‫بالقرب من خ���ط اال�ستواء‪ ،‬ومناخها مداري‪ .‬ر�أ�س الهرم املاليزي‬ ‫ه���و يان���غ دي بريت���وان �أغونغ‪ ،‬وه���و ملك منتخ���ب‪ ،‬بينم���ا يرت�أ�س‬ ‫احلكومة رئي�س الوزراء‪.‬‬ ‫مل يك���ن ملاليزيا كدولة موحدة وجود حتى عام ‪ .1963‬يف ال�سابق‪،‬‬ ‫ب�سطت اململكة املتح���دة نفوذها يف م�ستعمرات تلك املناطق �أواخر‬ ‫القرن الثامن ع�ش���ر‪ .‬ويتكون الن�صف الغربي من ماليزيا احلديثة‬ ‫من عدة ممال���ك م�ستقلة‪ .‬عرفت هذه املجموع���ة من امل�ستعمرات‬ ‫با�س���م مااليا الربيطانية حت���ى حلها عام ‪ ،1946‬عندم���ا مت �إعادة‬ ‫تنظيمه���ا �ضمن احت���اد املاليو‪ .‬نظ���ر ًا للمعار�ضة الوا�سع���ة‪� ،‬أعيد‬ ‫تنظيمها م���رة �أخرى �ضمن احتاد مااليا الف���درايل يف عام ‪،1948‬‬ ‫ث���م ح�صلت عل���ى اال�ستقالل يف وق���ت الح���ق يف ‪� 31‬آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫‪ .1957‬ودجم���ت كل م���ن �سنغاف���ورة‪� ،‬ساراواك‪ ،‬وبورني���و ال�شمالية‬ ‫الربيطانية واحت���اد مااليا جميعها لت�شكل ماليزي���ا يوم ‪� 16‬أيلول‪/‬‬ ‫�سبتمرب ‪.1963‬‬ ‫خ�ل�ال �أواخ���ر الق���رن ‪� ،20‬شه���دت ماليزي���ا طف���رة اقت�صادي���ة‬ ‫وخ�ضعت لتطور �سريع‪ .‬حيث يحدها م�ضيق ملقا‪ ،‬وهو طريق بحري‬ ‫مه���م يف املالحة الدولية‪ ،‬كما �أن التجارة الدولية جزء �أ�سا�سي من‬ ‫اقت�صادها‪ .‬وت�شكل ال�صناعة �أحد القطاعات الرئي�سية يف اقت�صاد‬ ‫البالد‪.‬كما متتلك ماليزيا تنوع��� ًا حيوي ًا من النباتات واحليوانات‪،‬‬ ‫حيث تعترب من بني الدول ‪ 17‬الأكرث تنوع ًا يف العامل‪.‬‬ ‫اللغة الر�سمية‪ :‬املالوية‪.‬‬ ‫نظ��ام احلك��م‪ :‬ملك���ي د�ست���وري‪ ،‬في���درايل‪ ،‬برمل���اين‬ ‫دميقراطي‪.‬‬ ‫�سلطان ماليزيا‪ :‬ميزان زين العابدين‪.‬‬ ‫رئي���س ال��وزراء‪ :‬حمم���د جني���ب ب���ن ت���ان عبد‬ ‫الرزاق‪.‬‬ ‫الن��اجت املحلي الإجم��ايل (تقدير ‪:)2009‬‬ ‫‪ 384.119‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫العملة‪ :‬رينغيت ماليزي‪.‬‬ ‫امل�صدر‪ :‬ويكيبيديا‪ ،‬املو�سوعة احلرة‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪Wikipedia, Google‬‬

‫لع���ل االقت�صاد هو من �أك�ث�ر املجاالت التي ميك���ن �أن يُ�ستفاد منها يف‬ ‫التجرب���ة املاليزي���ة‪ .‬فالنموذج املالي���زي يف هذا املجال لي����س فريد ًا يف‬ ‫هيكل���ه و�إطاره‪ ،‬ولكن���ه فعّال يف تطبيقه وممار�ست���ه‪ .‬فهناك الكثري من‬ ‫ال���دول التي حاولت تبني نظام خمتلط يجمع ما بني مميزات االقت�صاد‬ ‫احل���ر ويف نف�س الوقت يعتمد عل���ى التدخل والتوجي���ه احلكومي‪ ،‬ولكن‬ ‫قلي�ل�اً من هذه الدول من ا�ستطاعت تطبيق���ه بنجاح على �أر�ض الواقع‪،‬‬ ‫ولعلن���ا ال نبال���غ �إذا قلن���ا �إن ماليزيا م���ن �أكرث الدول ‪ -‬ه���ذا �إن مل تكن‬ ‫�أبرزه���ا‪ -‬التي متكنت من حتقيق هذا بفعالية وجناح م�شهودين‪ .‬وفيما‬ ‫يلي �أهم جماالت التي ميكن اال�ستفادة منها‪:‬‬ ‫النمو امل�ستدام والتوزيع العادل للدخل والرثوة‪ :‬يعترب النمو‬ ‫االقت�صادي حج���ز الزاوية يف �أية تنمية‪ .‬فمن دون �سيا�سات وم�ؤ�س�سات‬ ‫وا�ستثمارات اقت�صادية فعّالة من ال�صعب على �أية‬ ‫النظام ال�سيا�س��ي واالنتخاب��ي يف ماليزيا لعب دور ًا هام ًا و�أ�سا�س��ي ًا يف حتقيق دولة �أن تقوم بتح�سني امل�ستوى املعي�شي ملواطنيها‪.‬‬ ‫اال�س��تقرار االجتماعي وال�سيا�سي واحلكومي‪ ،‬كما �ساعد على حتقيق �أهداف فالأ�صل يف النمو الدائم �أن يزيد من الدخل ويوفر‬ ‫ال�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة وعملية التحديث التي بد�أت يف ال�سبعينيات فر����ص عم���ل‪ ،‬ويع���زز الأم���ن الغذائ���ي‪ ،‬ويخف�ض‬ ‫وهو ما ميكن �أن ُي�س َتفاد منه يف العامل العربي‬ ‫الفق���ر‪ .‬ولكن ه���ذا ال يتحق���ق دائم ًا كم���ا نرى يف‬ ‫العدي���د م���ن البل���دان العربي���ة‪ .‬وله���ذا فالتنمية‬ ‫مل�شاركة الأحزاب ال�صغرية التي يتم تهمي�شها يف ظل الأنظمة الرئا�سية‪.‬‬ ‫هذه امليزات تزيد من فر�ص اال�ستقرار احلكومي وال�سيا�سي الذي يعترب االقت�صادي���ة احلقيقية هي التي ته���دف �إىل تخ�صي�ص املوارد بطريقة‬ ‫متطلب��� ًا �أ�سا�سي��� ًا لتطور املجتمعات النامية‪ .‬ورمب���ا ينا�سب هذا النظام ت�ضمن منو الدخل احلقيقي لكل فرد‪ ،‬وتت�أكد من �أن الدخل والرثوة يتم‬ ‫فع�ل�اً الدميقراطي���ات النا�شئة‪ .‬وله���ذا جند �أن هذا النظ���ام قد �ساعد توزيعها بطريقة عادلة و�شاملة‪ .‬ولقد كانت الإ�سرتاتيجية املاليزية دائم ًا‬ ‫عل���ى �إيجاد ائتالف حكومي وا�سع يف حال���ة ماليزيا ولفرتة طويلة نادر ًا ت�أخذ بعني االعتب���ار هذين الهدفني‪ ،‬وقد �صاغت ال�سيا�سة االقت�صادية‬ ‫م���ا حتدث يف الدول الت���ي تتبنى هذا النظام‪ .‬فف���ي الوقت الذي يخدم اجلدي���دة الت���ي طبقت يف الفرتة ما ب�ي�ن ‪ 1971‬و‪ 1990‬منوذج��� ًا ناجح ًا‬ ‫فيه ه���ذا النظام احلزب �أو االئتالف احلاكم‪ ،‬ف�إن���ه �أي�ض ًا ميثل حافز ًا لإعادة توزيع الدخل والرثوة ولكن دون الت�ضحية بالنمو‪ ،‬وهي ال�سيا�سة‬ ‫قوي ًا لأحزاب املعار�ضة لالندماج �أو ت�شكيل ائتالف موازى من املعار�ضة الت���ي ميكن �أن تكون منوذج��� ًا قاب ًال للتطبيق يف الع���امل العربي‪ .‬فبينما‬ ‫ملناف�س���ة احلكوم���ة‪ ،‬والعمل عل���ى حما�سبته���ا �إن جت���اوزت حدودها �أو حتق���ق العديد م���ن ال���دول العربية معدالت من���و عالية ن�سبي��� ًا وبع�ضها‬ ‫معق���ول‪ ،‬ف�إن معدالت البطالة والفقر يف ازدياد م�ستمر‪ ،‬وهو ما ينعك�س‬ ‫اخرتقت القانون‪.‬‬ ‫ب�شكل �سلبي على الأمن االجتماعي وحتى على الوحدة الوطنية يف بع�ض‬ ‫كما �أن مثل هذا النظام يعمل على ا�ستيعاب التباينات العرقية والدينية‬ ‫البلدان‪ .‬ولهذا حتتاج ال���دول العربية �إيل �سيا�سة اقت�صادية ت�ؤدي لي�س‬ ‫والثقافي���ة املتع���ددة �إن وج���دت‪ ،‬ويحاف���ظ على اال�ستق���رار االجتماعي‬ ‫فقط �إىل حتقيق معدالت منو مرتفعة �أو م�ستقرة وهذا �أمر مطلوب‪ ،‬و�إمنا‬ ‫ال�ضروري لعملية التحديث‪ :‬فهو نظام يروج للقيم واملفاهيم الإ�سالمية‬

‫�أي�ض��� ًا �سيا�سة ت�ضمن توزيع ًا ع���اد ًال للدخل والرثوة‪ ،‬ومن ثم ت�ساعد على‬ ‫تخفي�ض مع���دالت البطالة والفقر وبالنتيجة حتقي���ق الرفاه االقت�صادي‬ ‫واالجتماعي للمواطن�ي�ن‪ .‬وهذا النمو امل�ستدام هو ال���ذي ينتج بالأ�سا�س‬ ‫عن �سيا�سات وم�ؤ�س�سات تدعم الأ�س���واق اخلا�صة‪ ،‬وتهتم باال�ستثمارات‬ ‫العام���ة يف املوارد الب�شري���ة والبنى التحتية‪ .‬فما هي �أه���م الدرو�س التي‬ ‫ميكن �أن تُ�ستفاد من التجربة املاليزية يف النمو االقت�صادي امل�ستدام؟‬ ‫�أوالً‪ ،‬قام���ت احلكومة بخل���ق بيئة من�سجمة مع مع���دالت منو عالية من‬ ‫خ�ل�ال �سيا�س���ات مرنة‪ ،‬وا�ستثم���ارات رئي�سي���ة يف البن���ى التحتية‪ ،‬ومنو‬ ‫�سري���ع لر�أ�س امل���ال الب�شري‪ .‬وقد اعتربت العديد م���ن الدرا�سات مرونة‬ ‫احلكومة املاليزية على �أن���ه العن�صر احلا�سم يف حتقيق النمو امل�ستدام‪.‬‬ ‫فقد �أظهرت احلكومة خا�صة خالل فرتة ال�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة‬ ‫قدرته���ا عل���ى التكيف مع الظروف املتغرية‪ .‬فكان عليه���ا �أن تو ِفّق ما بني‬ ‫النمو من جهة‪ ،‬واعتبارات امل�ساواة والعدل من جهة �أخرى‪ ،‬بينما دفعتها‬ ‫الظ���روف املتغرية �إىل حتوي���ل تركيزها واهتمامها من ف�ت�رة �إىل �أخرى‬ ‫فق���د قاومت بقوة املنا�ش���دات للتخلي عن �أحد الهدف�ي�ن‪ .‬وعندما ننظر‬ ‫�إىل �سيا�س���ة احلكوم���ة‪ ،‬فمن املهم �أن منيز ب�ي�ن التدخل وبني التغطية �أو‬ ‫التعتيم‪ .‬فالأول هو حماولة من حلكومة للت�أثري يف الأداء االقت�صادي من‬ ‫خالل �سيا�سات الإنفاق‪ ،‬بينما يتعلق الثاين بتغطية �أو رمبا ت�سرت حكومي‬ ‫عل���ى الإ�ش���ارات ال�سلبية التي قد ير�سلها �أدائه���ا االقت�صادي‪ ،‬من خالل‬ ‫على �سبيل املثال ال�سيطرة على العملة �أو الأ�سعار‪.‬‬ ‫ع�ل�اوة على ما �سبق‪ ،‬ف����إن �سيا�سة احلكوم���ة ال�ضريبية مل تكن م�ضرة‬ ‫بقط���اع الزراعة‪ ،‬وذلك من �أجل متكينه م���ن النمو ومن ثم امل�ساعدة يف‬ ‫متويل التطور االقت�صادي يف القطاعات الأخرى‪ .‬فنجاح ماليزيا يف تعزيز‬ ‫النمو و�إعادة توزيع الدخل‪ ،‬وكذلك �إنهاء الفقر يف الأماكن الريفية يعود‬ ‫ب�شكل كبري �أي�ض��� ًا �إىل االهتمام الذي �أُعطي للتنمية الزراعية والريفية‪.‬‬ ‫كما �أن اال�ستثمار يف البنية التحتية �شجع القطاع اخلا�ص على اال�ستثمار‬ ‫يف الزراعة الذي مكن احلكومة باملقابل من متويل بع�ض جوانب القطاع‬ ‫ال�صناع���ي‪� .‬إن النجاح ال���ذي حققته ال�سيا�سة اجلدي���دة يف هذا املجال‬ ‫�ساع���د على حتقي���ق اال�ستقرار ال�سيا�س���ي الذي �أ�صبح فيم���ا بعد عام ًال‬ ‫هام ًا يف جذب اال�ستثمارات اخلارجية‪ ،‬خا�صة يف القطاع ال�صناعي‪.‬‬ ‫بينم���ا وفّ���ر النم���و يف القطاع الريف���ي املزيد من فر����ص العمل‪،‬‬ ‫ومكّن م���ن تخفي�ض ورمب���ا احلد ب�شكل كب�ي�ر جد ًا من‬ ‫الفقر‪ ،‬ف�إن النمو يف قطاع احل�ضري احلديث خلق‬ ‫�أي�ض ًا الكثري من فر����ص العمل الإنتاجية‪ .‬وهذا‬ ‫ما �ساعد احلكوم���ة على خلق فر�ص العمل مع‬ ‫املحافظ���ة على اقت�صاد مفت���وح ولكن بنظام‬ ‫تعرف���ة منخف�ضة ن�سبياً‪ ،‬بينم���ا وفرت البنى‬ ‫التحتية ال�ضروري���ة‪ ،‬و�شجعت بقوة النمو عن‬ ‫طري���ق ال�صادرات‪ .‬فتوف�ي�ر التعليم وال�صحة‬ ‫وغريه���ا م���ن الت�سهي�ل�ات مكنت جمي���ع فئات‬ ‫املجتم���ع‪ ،‬خا�صة الفقراء‪ ،‬م���ن اال�ستفادة من تلك‬

‫معلومات �أ�سا�سية‬

‫‪113‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫�أثبت��ت التجرب��ة املاليزية �أن تبني العنا�ص��ر الإيجابية يف �سيا�س��ة ال�س��وق احلر م��ع منهج مدرو�س‬ ‫لتدخل الدولة ل�ضبط م�ساره ميكن �أن يكون منوذج ًا ناجح ًا لتحقيق التنمية والرفاه االقت�صادي‬ ‫الفر�ص‪ .‬م���ن جهة �أخرى‪ ،‬ف�إن ال�سيطرة عل���ى الت�ضخم وكذلك ت�شجيع‬ ‫اال�ستثم���ارات اخلارجي���ة املبا�شرة �ساعد ب�شكل كب�ي�ر على طلب الأيدي‬ ‫العامل���ة‪ .‬وعليه ميكننا �أن ن�ؤكد هن���ا �أن معدالت النمو العالية امل�ستدامة‬ ‫الت���ي عمل���ت ال�سيا�سات احلكومية بج���د على حتقيقها و�ضم���ان التوزيع‬ ‫الع���ادل للدخ���ل وال�ث�روة امل�صاحب���ة لها‪ ،‬جعل م���ن املمكن خل���ق فر�ص‬ ‫كب�ي�رة �أدت يف النهاي���ة �إىل تخفي����ض ن�سبة الفقر ب�ش���كل قيا�سي‪ .‬وهذه‬ ‫ه���ي ال�سيا�س���ات التي حتتاجها ال���دول العربية لتحقيق �أه���داف التنمية‬ ‫امل�ستدامة فيها و�ضمان رفاهية �شعوبها‪.‬‬ ‫اخل�صخ�ص��ة امل�ش��روطة للقط��اع الع��ام‪ :‬تق���وم االقت�صادي���ات‬ ‫الر�أ�سمالية على مبد�أ امللكي���ة الفردية وبالتايل اخل�صخ�صة‪ .‬وقد تبنت‬ ‫احلكوم���ة املاليزية هذا املبد�أ منذ البداية ولك���ن ب�صيغة مطورة ت�ضمن‬ ‫تدخل الدولة امل�شروط عند احلاجة‪ ،‬وقد مت تطبيق وتفعيل هذا ال�سيا�سة‬ ‫ب�ش���كل وا�سع يف عه���د مهاتري حممد‪ ،‬حيث قام���ت حكومته بخ�صخ�صة‬ ‫�شب���ه كامل���ة للقط���اع العام‪ ،‬ولكن م���ع �ضمان ح���ق الدول���ة واملجتمع يف‬ ‫عائدات هذه القطاعات‪ .‬فعل���ى �سبيل املثال ال احل�صر‪ ،‬قامت احلكومة‬ ‫بخ�صخ�ص���ة الط���رق املعبدة ال�سريعة التي تربط امل���دن والواليات ولكن‬ ‫�ضمن �شروط ت�ضمن حق���وق ال�شركات امل�ستثمرة وحق املجتمع والدولة‪.‬‬ ‫فق���د كانت العقود تقوم على عن�صري���ن‪ :‬حت�صل ال�شركات على عائدات‬ ‫ا�ستخدام الط���رق الرئي�سية مدة ع�شرين عاماً‪ ،‬وهي مدة كافية ل�ضمان‬ ‫ا�س�ت�رداد ر�أ�س املال وحتقيق ربح م�ضمون للم�ستثمرين مع تطبيق �صارم‬ ‫لنظ���ام ال�ضريب���ة امل�صاح���ب‪ ،‬ومن ثم تنتق���ل امللكية والعوائ���د كلي ًا �إىل‬ ‫الدولة‪ .‬وحيث �أن غالبية الدول العربية تعي�ش مرحلة انتقالية فيما يتعلق‬ ‫بخ�صخ�ص���ة القطاع العام‪ ،‬فيمكن اال�ستفادة م���ن التجربة املاليزية يف‬ ‫هذا املجال بحيث يتم خ�صخ�ص���ة القطاعات املكلفة التي ترهق خزينة‬ ‫الدول���ة‪ ،‬مبا ي�ضمن حق���وق امل�ستثمري���ن وحقوق الدول���ة‪ ،‬بيمنا حتتفظ‬ ‫الدول���ة �أو يك���ون لها الن�صيب الأك�ب�ر يف القطاعات الأق���ل كلفة والأكرث‬ ‫ربحية مثل قطاع االت�صاالت‪.‬‬ ‫املحافظة على ا�ستقرار االقت�صاد الكلي‪ :‬واحد من �أهم الدرو�س‬ ‫التي ميكن �أن ن�ستفيدها من التجربة املاليزية وحتى الآ�سيوية ب�شكل عام‬ ‫ه���و الدور املركزي الذي يلعبه ا�ستقرار االقت�صاد الكلي يف ت�سهيل النمو‬ ‫االقت�ص���ادي امل�ستدام‪ .‬وهناك ثالثة �أ�سب���اب هامة تدعونا �إىل االعتقاد‬ ‫بحاجة النمو امل�ستدام �إىل ا�ستقرار يف االقت�صاد الكلي للبالد‪ :‬فالأ�سعار‬ ‫الن�سبي���ة مث���ل مع���دالت ال�ص���رف والفائدة تك���ون �أو�ضح عندم���ا يكون‬ ‫الت�ضخم منخف�ض ًا وم�ستقراً‪ .‬هذا الو�ضوح يف ال�سعر يقلل من حالة عدم‬ ‫الت�أكد‪ ،‬وبالتايل ي�شجع اال�ستثمار اخلا�ص‪ .‬ثانيًا‪� ،‬إن ا�ستقرار االقت�صاد‬ ‫الكل���ي خا�صة فيما يتعلق باملحافظة على معدل ت�ضخم منخف�ض ي�ساهم‬ ‫‪114‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫يف �إيجاد م�ستويات �إدخار �أعلى يف القطاع العام‪ ،‬وذلك من خالل تو�سيع‬ ‫القاع���دة ال�ضريبة وزيادة عملية حت�صيله���ا‪ .‬كما �أن الت�ضخم املنخف�ض‬ ‫ي�سه���ل االدخار اخلا����ص والأ�صول املالية املحلية‪ .‬وبالت���ايل ف�إن االدخار‬ ‫العايل يعزز من النمو من خالل توفري املوارد املحلية لال�ستثمار‪ .‬و�أخري ًا‬ ‫ال بد من الإ�شارة �إىل �أن معدل ال�صرف احلقيقي ي�سمح بتوجيه االقت�صاد‬ ‫خارجي���اً‪ .‬وعليه‪ ،‬ف�إن التقييم املتدرج ملعدالت ال�صرف كان من�سجم ًا مع‬ ‫منو ال�صادرات ال�سريع يف ماليزيا وغريها من النمور الآ�سيوية‪.‬‬ ‫وله���ذا كان���ت ماليزي���ا �أقل ال���دول ت�ض���رر ًا يف �أزم���ة �آ�سي���ا يف �أواخر‬ ‫الت�سعيني���ات‪ ،‬كم���ا كان���ت �أول دول �آ�سي���ان انتعا�شاً‪ ،‬ويع���ود ذلك ب�شكل‬ ‫رئي�س���ي �إىل تدخ���ل الدول���ة املن�ضبط خا�ص���ة فيما يتعل���ق بتثبيت �سعر‬ ‫ال�ص���رف‪ ،‬حي���ث كان ل���ه دور حا�س���م يف تخفيف خم���اوف امل�ستثمرين‬ ‫اخلارجيني من جهة‪ ،‬ومن ثم ت�شجيع ال�صادرات من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫تنمي��ة امل��وارد الب�ش��رية‪� :‬إن تنمي���ة وتطوير امله���ارات الب�شرية‬ ‫كان���ت عن�صر ًا هام ًا جد ًا يف الإ�سرتاتيجي���ة املاليزية على املدى البعيد‪.‬‬ ‫فمع���دالت الإنفاق العالية م���ن قبل الدولة على تنمية امل���وارد الب�شرية‪،‬‬ ‫�أدت �إىل م�شارك���ة وا�سع���ة للماالويني ‪ -‬الذين كان���وا قبل هذا مه�شمني‬ ‫�أ�ص�ل�اً ‪ -‬يف القطاعات احلديث���ة لالقت�صاد‪ ،‬وكذل���ك يف عملية الإنتاج‬ ‫العالية يف القطاعات التقليدية‪ .‬فاال�ستثمار يف التعليم وال�صحة كان له‬ ‫نتائج مهمة على النمو والإنتاجية �أي�ضاً‪.‬‬ ‫برجماتي��ة الدولة‪� :‬إن اخل�ب�رة املاليزية ت�ش�ي�ر �إىل �أن للحكومة‬ ‫دور رئي�س���ي و�إيجاب���ي يف الإ�صالح���ات االقت�صادي���ة‪ .‬ف���دور احلكوم���ة‬ ‫كان حا�سم��� ًا يف تفعي���ل عمل الأ�سواق‪ ،‬والتعامل م���ع امل�ؤثرات اخلارجية‬ ‫وت�سهي���ل اال�ستثمارات العامة‪ .‬فق���د �أجنزت احلكوم���ة املاليزية مهام ًا‬ ‫اقت�صادي���ة رئي�سية مث���ل توفري ال�سل���ع العامة والبن���ى التحتية‪ ،‬وقامت‬ ‫ب�إن�ش���اء م�ؤ�س�س���ات تدع���م تطوير االقت�ص���اد وتفعيل القط���اع اخلا�ص‪،‬‬ ‫بينم���ا حتافظ على معايري عالية يف �إدارة القطاع العام‪ .‬فتوفري التعليم‬ ‫واخلدمات �صحية العالية امل�ستوى هو دليل على التزام احلكومة بتنمية‬ ‫االقت�ص���اد وتطويره‪ .‬كم���ا �أن احلكوم���ة �ساهمت بفعالي���ة يف الإنتاجية‬ ‫م���ن خالل ت�أ�سي����س قطاع عام ت�سيط���ر عليه �شركات وقط���اع الأعمال‪.‬‬ ‫فعندما تبنت الدولة �سيا�سة �إدارية �أكرث مرونة خا�صة منذ تويل مهاتري‬ ‫احلكم يف بداية الثمانينيات من القرن املا�ضي‪ ،‬كانت تنظر �إىل القطاع‬ ‫اخلا�ص ك�شريك �أ�سا�سي يف تنمية وتطوير االقت�صاد‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪،‬‬ ‫جن���د �أن م���ن �أهم ممي���زات احلكومة املاليزي���ة وكذل���ك حكومات دول‬ ‫النمور الآ�سيوية ب�شكل ع���ام هي ا�ستجابتها ال�سريعة والفعالة للتحديات‬ ‫اجلديدة فور ظهورها‪.‬‬

‫هناك عوامل عديدة �ساعدت‬ ‫اخلال�صة‬ ‫عل���ى حتقيق النمو االقت�صادي يف ماليزي���ا وخف�ض معدالت الفقر‬ ‫خالل فرتة ال�سيا�سة االقت�صادية اجلديدة‪ .‬ولعل �أهم در�س ميكن‬ ‫اال�ستف���ادة منه يف البالد العربية ه���و �أهمية النمو وا�سرتاتيجيات‬ ‫تعزي���زه‪ ،‬ولك���ن يف �إطار �سيا�س���ات ت�ضمن التوزيع الع���ادل للدخل‬ ‫وال�ث�روة‪ .‬فالنمو االقت�صادي الع���ايل وامل�ستدام يوف���ر للحكومات‬ ‫عوائد عالية ميكنه���ا من توزيعه يف جماالت مغذية للتنمية خا�صة‬ ‫يف التعلي���م والتدريب‪ ،‬والرعاية ال�صحية والإ�سكان‪ .‬ولأنه من غري‬ ‫املتوق���ع حتقيق الدول العربية املعنية معدالت منو عالية كتلك التي‬ ‫حققته���ا ماليزيا خالل ال�سيا�سة اجلديدة‪ ،‬ف�إن الوقت الذي �سوف‬ ‫ت�أخذه �سيا�سات خف�ض الفقر رمبا تكون �أطول‪.‬‬ ‫لق���د �أظه���رت التجرب���ة املاليزي���ة �أن م�ست���وى عالي ًا م���ن كفاءة‬ ‫اخلدمة العامة يعترب �أ�سا�سي ًا لنجاح ال�سيا�سات احلكومية يف هذا‬ ‫املجال‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬ف�إن التعليم والتدريب والربامج احلديثة‬ ‫والعملي���ة يُفرت�ض �أن تهدف �إىل تغيري النم���ط ال�سائد يف اخلدمة‬ ‫املدني���ة �إىل من���ط يُثم���ن الفعالي���ة والتوجه للخدم���ات‪ .‬فالتنظيم‬ ‫التناف�س���ي واملعني واملوج���ه ب�شكل وا�ضح يعزز تطبي���ق ال�سيا�سات‬ ‫والربامج العامة التي تهدف �إىل حت�سني م�ستوى حياة املاليني من‬ ‫العاطلني عن العمل يف العامل العربي‪.‬‬ ‫�أم���ا يف جم���ال الزراع���ة ف����إن عملي���ات ا�ست�ص�ل�اح الأرا�ض���ي‪،‬‬ ‫واال�ستثم���ار يف نظ���م الري والإنت���اج والدعم امل���ايل وتوفري البنى‬ ‫التحتية الأ�سا�سي���ة خا�صة ل�صغار املزارعني‪ ،‬تعترب �أمور ًا �أ�سا�سية‬ ‫لتح�س�ي�ن الأداء وتطوي���ر قطاع الزراعة املهم���ل يف العامل العربي‪.‬‬ ‫فه���ذا �سي�ساه���م من دون �شك يف الق�ضاء عل���ى الفقر الذي ترتفع‬ ‫ن�سبت���ه يف املناط���ق الريفي���ة‪ ،‬و�سيخل���ق فر����ص عم���ل جديدة‪ .‬يف‬ ‫حال���ة ماليزيا يُنظ���ر �إىل حت�سني �إنتاجية قط���اع الزراعة على �أنه‬ ‫يف احلقيق���ة داع���م لقطاع���ات �أخ���رى يف االقت�ص���اد الوطني مثل‬ ‫ال�صناعة واخلدمات‪.‬‬ ‫كم���ا �أن على ال���دول العربي���ة تعزيز قط���اع ال�ص���ادرات املتدين‬ ‫ج���داً‪ ،‬ف����إذا م���ا ا�ستثنين���ا قطاع النف���ط يف بع����ض الأقط���ار ف�إن‬

‫العامل العرب���ي يف احلقيقة عامل م�ست���ورد وم�ستهلك يف �آن واحد‪،‬‬ ‫وهو يحت���اج بالطب���ع �إىل ا�ستثمار حكومي يف البني���ة التحتية التي‬ ‫يحتاجه���ا قط���اع ال�صناع���ات‪ .‬و�إذا م���ا �أرادت الب�ل�اد العربية �أن‬ ‫تزيد من ن�سب���ة �صادراتها ب�شكل كبري فعليها �أن جتذب ر�أ�س املال‬ ‫الأجنب���ي املبا�شر وبالتايل تعزيز الثقة ل���دى الراغبني باال�ستثمار‬ ‫م���ن اخل���ارج والداخل‪ ،‬وه���ذا يتحقق فقط من خ�ل�ال بناء �سمعة‬ ‫جي���دة لإدارة االقت�ص���اد الكلي كما فعلت ماليزي���ا‪ .‬وجتدر الإ�شارة‬ ‫هن���ا ونحن نتح���دث عن جترب���ة ماليزيا الناجحة يف جم���ال التنمية‬ ‫واالقت�ص���اد‪� ،‬إىل توفر الأيدي العاملة الرخي�ص���ة مقارنة بنظرياتها‬ ‫يف ال���دول ال�صناعي���ة‪ ،‬وهو الأمر الذي تت�شابه ب���ه ماليزيا مع العامل‬ ‫العربي ب�شكل كب�ي�ر‪ ،‬وهذا يعترب عام ًال م�ساعد ًا على جذب وت�شجيع‬ ‫اال�ستثمار‪.‬‬ ‫و�أخ�ي�راً‪ ،‬ف�إن ماليزي���ا حققت منوها وطبق���ت ا�سرتاتيجيات �إعادة‬ ‫التوزي���ع اعتم���اد على تدخل حكوم���ي كبري يف االقت�ص���اد احلر‪ ،‬فقد‬ ‫�ضمن���ت احلكومة املتطلبات الأ�سا�سية لأي اقت�صاد فعال ومن �أهمها‬ ‫اال�ستق���رار ال�سيا�س���ي‪ ،‬وا�ستقرار جوانب اقت�صاده���ا الكلي‪ ،‬وعملت‬ ‫عل���ى �إيج���اد قط���اع زراعي منت���ج‪ ،‬وحافظت عل���ى الفعالي���ة يف �أداء‬ ‫اخلدم���ات العامة‪ .‬كما كانت احلكوم���ة برجماتية يف عملها‪ ،‬فهي مل‬ ‫تلتزم بو�صفات امل�ؤ�س�س���ات الدولية كالبنك و�صندوق النقد الدوليني‬ ‫الت���ي ترف�ض عاد ًة التدخل احلكوم���ي يف االقت�صاد‪ ،‬بل ومل ترتدد يف‬ ‫تعدي���ل �أو التخلي ع���ن �أي �سيا�سات غري فعالة‪ .‬فق���د �أثبتت التجربة‬ ‫املاليزي���ة �أن تبن���ي العنا�ص���ر الإيجابي���ة يف �سيا�سة ال�س���وق احلر مع‬ ‫منه���ج مدرو�س لتدخل الدولة ل�ضبط م�س���اره ميكن �أن يكون منوذج ًا‬ ‫ناجح ًا لتحقيق التنمية والرفاه االقت�صادي‪.‬‬ ‫ه���ذه هي التجرب���ة املاليزية وبع�ض مظاهره���ا احليوية التي ميكن‬ ‫للعامل العربي �أن ي�ستفيد منها‪ .‬فهل منلك الإرادة ال�سيا�سة‪ ،‬وال�شجاعة‬ ‫القيادي���ة لكي نتقارب من ه���ذا النموذج ونتفاعل مع���ه بحيوية‪ .‬لقد‬ ‫�أمتثلنا للعديد م���ن النماذج الغربية والو�صفات اخلارجية ولكن دون‬ ‫نتائج فعالة؛ �أفال جنّ رب النموذج الآ�سيوي الإ�سالمي الفريد كما فعل‬ ‫غرينا‪� ،‬أما �آن لنا �أن ننظر �شرق ًا ‪ -‬ال غرباً‪ -‬كما فعلت ماليزيا!‬

‫املراجــــع‬ ‫ مهاتري حممد‪ ،‬امل�ستقبل امل�سروق‪ ،‬ترجمة �أمري �صديق وحممد اخلادم (د‪ .‬م‪ :.‬ال�شاهد الدويل للخدمات االعالمية‪ ،‬دون تاريخ)‪.‬‬‫ حممد �أبوغزله‪« ،‬ال�سيا�سة الداخلية املاليزية‪ :‬عوامل التطور والنجاح»‪ ،‬جملة العلوم الإن�سانية‪ ،‬ال�سنة ‪ ،5‬العدد ‪ ،36‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2008‬‬‫‪-Zin, Ragayah H. M. Growth with Equity: Policy Lessons from the Experience of Malaysia, in Growth with Equity: Policy Les‬‬‫‪sons from the Experiences of Selected Asian Countries, Economic And Social Commissionm, United Nations Publications.‬‬ ‫‪- Crouch, A. Government and Security in Malaysia. Ithaca: Cornell University Press, 1996.‬‬ ‫‪- Federal Constitution of Malaysia, Part I and Part XII.‬‬ ‫‪- Government of Malaysia. Yearbook of Statistics. Malaysia: Department of Statistics, 2000.‬‬ ‫‪- Milne, R. S. and Diane K. Mauzy. Malaysian Politics under Mahathir. London: Routledge, 1999.‬‬ ‫‪- Muzaffar, Chandra. Challenge and Choices in Malaysian Politics and Societies. Gelugor, Penang: ALIRAN, 1989.‬‬ ‫‪- Yong, Joseph. Continuity and Change in Malaysia Politics. Singapore: Institute of Defense and Strategic Studies, 1999.‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪115‬‬


‫املحـــور‬ ‫ق�ضيــــة العـــدد‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة درا�سات �إ�سرتاتيجية‬

‫جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل الأ�سلحة واحلد من انت�شارها‬

‫الدوافع‪ ،‬ال�سيا�سات‪ ،‬املعوقات‬ ‫عاي�ش على عوا�س‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪116‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫الوجوه املتغرية للإ�سالموية‬ ‫حتــوالت وجتــارب‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬ ‫العدد ‪6‬‬ ‫ا�سرتاتيجية‬ ‫أكتوبر‬ ‫العددان‪ ،5 - 4،‬يوليو‪�/‬‬

‫‪2010‬‬ ‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪117‬‬


‫املحــور‬

‫تنوع الإ�سالميني يف اليمن‬ ‫منطق الدمج حتت ال�ضغط‬

‫لوران بونفوا‬

‫‪jl.bonnefoy@gmail.com‬‬

‫‪118‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫لوران بونفوا باحث فرن�سي متخ�ص�ص يف �ش�ؤون اجلماعات الإ�سالمية‪.‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫م���ن �أب���رز ال�سم���ات امللحوظة يف النظ���ام ال�سيا�سي اليمن���ي احلايل هي قدرته عل���ى التعامل مع كل �أن���واع املذاهب‬ ‫والطوائ���ف الديني���ة من خ�ل�ال االعتماد على مب���د�أ االختالط والتعاي�ش واختي���ار �أي منها على ح���د �سواء بد ًال من‬ ‫قم���ع مذهب �أو طائف���ة ل�صالح مذهب �أو طائفة �أخرى‪ .‬وق���د كانت خمتلف الطوائف كالإخ���وان امل�سلمني وال�سلفية‬ ‫واجلماع���ات اجلهادي���ة املت�شددة وال�صوفية والزيدية املجددين تتعاون مع الدولة �إىل حد ما‪ .‬ومنذ ال�سبعينيات من‬ ‫الق���رن املا�ضي وهذا النوع من التوازن يثب���ت �أنه حل عملي‪� ،‬إذ �أنه خفف من حدة العنف ال�سيا�سي و�سمح مب�شاركة‬ ‫الأغلبي���ة وحاف���ظ على ا�ستقرار الدولة‪ .‬ولك���ن نظر ًا للتطورات الداخلية وال�ضغ���وط اخلارجية بعد �أحداث احلادي‬ ‫ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب �أ�صبح هذا التوازن يف خطر مع �إمكانية ح�صول تبعات مل تزل يف علم الغيب‪.‬‬

‫يف ربي���ع ع���ام ‪ ،2005‬ويف �أح���د الزواي���ا النائي���ة من اليم���ن اجلنوبي‬ ‫�سابق���اً‪ ،‬كان �سائق �سيارة قدمية من نوع “الن���د كروزر” ي�ضع �صورتني‬ ‫متناق�ضتني على ما يبدو على الإطار الزجاجي الأمامي لل�سيارة‪ .‬وكانت‬ ‫ال�ص���ورة الأوىل لعلي عبد اهلل �صال���ح‪ ،‬الرئي�س اليمني منذ متوز‪/‬يوليو‬ ‫‪ 1978‬واحللي���ف اجلدي���د للواليات املتح���دة فيما ي�سم���ى “احلرب على‬ ‫الإرهاب”‪ ،‬بينما كانت ال�صورة الثانية لأ�سامة بن الدن‪ ،‬الذي هو عبارة‬ ‫عن جت�سيد معروف عاملي ًا للإرهاب العابر للحدود‪ .‬وهذا يو�ضح الكثري‬ ‫ع���ن طبيعة املجتمع اليمني ونظام���ه ال�سيا�سي‪ .‬لكن يف نف�س الوقت من‬ ‫املمكن �أن ُي�ؤطِّ ر ويُف�سِّ ر ذلك ب�صور خمتلفة‪.‬‬ ‫فم���ن ناحية‪ ،‬ق���د يُف�سر الت�سام���ح الن�سبي من قب���ل ال�سلطات املحلية‬ ‫(التي البد �أنها كان���ت على علم مبرور تلك ال�شاحنة عرب القرية) جتاه‬ ‫مث���ل ذلك الوالء املزدوج على �أنه دليل على ت�سلل اجلماعات الإ�سالمية‬ ‫املت�ش���ددة �إىل البالد‪ ،‬وكذلك على الت�سامح جت���اه ما ي�سمى باحلركات‬ ‫“اجلهادي���ة”‪ .‬وق���د �أ�صبحت هذه اجلماعات يف اليمن حتظى بالكثري‬ ‫من االهتمام منذ عمليات التحقيق يف تفجري املدمرة الأمريكية “كول”‬ ‫يف ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوب���ر ‪ 2000‬يف خليج عدن على �أي���دي عنا�صر �أحد‬ ‫اخلالي���ا الإرهابية املرتبطة بتنظيم القاعدة‪ .‬ويف هذا الإطار‪ ،‬عادة ما‬ ‫تُتهم ال�سلط���ات اليمنية ب�أنها ال تقدم للأجندة الأمريكية �ضد الإرهاب‬ ‫�س���وى �أدنى املجامالت ال�شفهية املتملقة بينما هناك الكثري من عنا�صر‬ ‫الدولة مبا�شرة ي�ؤيدون العنف ويغ�ضون الطرف جتاه من يقدمون الدعم‬ ‫الن�ش���ط للعنا�صر املقاتلة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬من املمكن القول �أن ق�صة ال�سيارة‬ ‫التي حتمل ال�صورتني (مع �أن ذلك لي�س �أمر ًا �شائع ًا بال�ضرورة) عبارة‬ ‫ع���ن �صورة وا�ضحة للعالقات املتذبذبة ب�ي�ن الدولة والإ�سالميني‪� .‬أي�ض ًا‬ ‫ق���د يرمز ذلك �إىل التع���دد الوظيفي للدولة واحلكوم���ة‪ .‬وينبغي اعتبار‬ ‫دمج اجلماعات الإ�سالمية املتعددة يف �أجهزة الدولة عام ًال من عوامل‬ ‫اال�ستقرار‪ ،‬فهو و�سيلة لتقليل العنف �إىل �أدنى م�ستوياته من خالل الدمج‬ ‫االجتماعي وال�سيا�سي بد ًال من ت�شجيعه من خالل الت�شويه والقمع‪.‬‬ ‫من���ذ زم���ن طويل والدين يف املرتفع���ات واملناط���ق ال�ساحلية يف اليمن‬ ‫عل���ى عالقة وثيق���ة بال�سلطة ال�سيا�سية‪ ،‬فبعد حك���م دام لأكرث من مائة‬ ‫ع���ام (حتى �سنة ‪� )1962‬أف�سح �سقوط مملكة الأئمة الزيدية املجال �أما‬ ‫الف�ص���ل املبا�شر بني ال�سيا�سة والدين يف البالد‪ ،‬وذلك من خالل ظهور‬ ‫احلكم اجلمهوري الذي ا�ستلهم نظامه من حكم جمال عبد النا�صر يف‬ ‫م�ص���ر‪ .‬لكن عملية التحديث الت���ي حدثت يف الدولة واملجتمع يف كل من‬ ‫اليمن ال�شمايل واليمن اجلنوبي املارك�سي (الذي كان �أحد امل�ستعمرات‬ ‫الربيطاني���ة �سابق ًا حتى ن���ال ا�ستقالله عام ‪ 1967‬وظ���ل الدولة العربية‬ ‫ال�شيوعية الوحيدة حتى �سقوطه عام ‪ ،)1990‬مل ت�ضعف ت�أثري الأطراف‬ ‫واجله���ات الديني���ة وال�سيا�سية الفاعلة‪ .‬وميكننا ق���ول ال�شيء ذاته على‬ ‫وحدة �أيار‪/‬مايو ‪ 1990‬بني �شطري اليمن ال�شمايل واجلنوبي‪.‬‬ ‫ومن منظ���ور تاريخي ينق�سم املجتمع اليمن���ي �إىل مذهبني �أ�سا�سيني‪،‬‬ ‫هم���ا‪ :‬املذهب الزي���دي واملذهب ال�شافع���ي‪ .‬والزيدية ه���م من طوائف‬ ‫ال�شيع���ة ويُو�صف���ون ب�أنه���م الطائف���ة املعتدلة يف فقهه���ا‪ ،‬ويختلفون عن‬

‫ال�شيع���ة االثنا ع�شرية يف �إيران‪ ،‬فهم �أق���رب �إىل �أهل ال�سنة من نواحي‬ ‫كث�ي�رة‪� .‬أم���ا ال�شافعية فهم من �أهل ال�سنة‪ .‬لك���ن اخلالف بني املذهبني‬ ‫تال�شى كثري ًا خالل القرن الع�شرين‪ ،‬حتى �أنه مل يعد للخالف �أثر كبري‬ ‫كم���ا كان يف املا�ضي �أثن���اء حكم الأئمة الزيدي�ي�ن يف ال�شمال‪ .‬وبالرغم‬ ‫م���ن عدم وجود �إح�صائيات دقيقة يعتمد عليها �إال �أن ال�شافعية ي�شكلون‬ ‫الأغلبي���ة العظمى من بني �أربعة وع�شري���ن مليون ن�سمة يف اليمن‪ ،‬بينما‬ ‫ي�شكل الزيدية ما ن�سبته ‪ %35‬من ال�شعب اليمني‪ ،‬مع مراكزها يف اليمن‬ ‫ال�شمايل‪.‬‬ ‫ونظ���ر ًا للتغ�ي�رات الأخرية – خا�ص���ة الهجرة الداخلي���ة واخلارجية‪،‬‬ ‫والتميي���ز ب�ي�ن الهويات الديني���ة والرتويج لها‪ ،‬وكذلك تط���ور م�ستويات‬ ‫التعلي���م – �أ�صبح معظم اليمني�ي�ن الآن يعتربون اخلالف جمرد خالف‬ ‫رمزي‪ ،‬ويب���دو �أن امل�صاعب الأخرية نتيجة لل�ص���راع ال�شر�س يف �شمال‬ ‫اليم���ن �ضد قوات اجلي����ش من قبل جماع���ة الزيدية املج���ددة امل�سلحة‬ ‫امل�سم���اة “ال�شباب امل�ؤمن” مل يكن لها �أثر كبري يف بنية تقارب املذاهب‬ ‫الديني���ة يف اليم���ن‪ ،‬بل �أنه على الرغم من رواي���ات الت�شويه التي ت�ؤلفها‬ ‫بع����ض اجلماعات املتطرفة �إال �أن ذل���ك مل يُف�سِ د للود ق�ضية يف �أو�ساط‬ ‫الأغلبي���ة الك�ب�رى من عامة ال�شع���ب‪ .‬فعلى �سبيل املث���ال‪ ،‬جند الرئي�س‬ ‫نف�س���ه زي���دي الأ�صل لكن���ه ال ي�شري �إىل ذل���ك مطلقاً‪� .‬أم���ا على م�ستوى‬ ‫العام���ة‪ ،‬فنجد الكثري م���ن ال�سُّ نّ���ة ال ميانعون من ال�ص�ل�اة يف م�ساجد‬ ‫الزيدية والعك�س �صحيح‪ ،‬وبالتايل ف�إن اخلالف الديني يبني االنتماءات‬ ‫ال�سيا�سية ب�شكل هام�شي فقط ويلت�صق بجماعات �إ�سالمية معينة‪.‬‬

‫الطوائف واجلماعات الإ�سالمية الرئي�سية يف اليمن‬

‫يوج���د يف املحيط اليمن���ي تعددية يف الطوائف واجلماع���ات الإ�سالمية‬ ‫تتج�سد م���ن خالل خم����س طوائف‪/‬جماع���ات رئي�سية خمتلف���ة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫جماعة الأخوان امل�سلمون‪ ،‬واجلماع���ات اجلهادية املتطرفة‪ ،‬وال�سلفية‪،‬‬ ‫وال�صوفي���ة‪ ،‬والزيدي���ة املجددي���ن‪ .‬وكل ه���ذه الطوائ���ف اخلم����س له���ا‬ ‫ج���ذور را�سخة يف تاريخ البالد القدمي وامل ّعق���د والغني‪ ،‬ولكنها يف نف�س‬ ‫الوق���ت تعترب نتاج عوام���ل ديناميكية معا�صرة عاملي���ة وعابرة للحدود‪.‬‬ ‫وق���د تتداخل هذه الطوائ���ف مع بع�ضها وتتغري الأو�ض���اع ب�سرعة نتيجة‬ ‫لل���والءات املتقلب���ة‪ ،‬لكن لكل طائفة منها طريقته���ا اخلا�صة وحتاول �أن‬ ‫تربز بنف�سها من بني باقي الطوائف من خالل القيام بعدد من الأ�شياء‬ ‫الرئي�سي���ة‪ ،‬مث���ل‪ :‬امل�شارك���ة يف ال�سيا�س���ات احلزبية‪ ،‬وال���والء للحاكم‪،‬‬ ‫�سال�س���ل املواجه���ات م���ع الدول���ة‪ ،‬والت�شويه ال�ساف���ر للهوي���ات الدينية‬ ‫وال�سيا�سية الأخرى‪.‬‬ ‫�إن اجلماع���ات‬ ‫الأخ��وان امل�س��لمون‬ ‫الت���ي �ألهمته���ا تعاليم حرك���ة الأخ���وان امل�سلمني هي الأك�ث�ر انت�شار ًا يف‬ ‫الطي���ف العري����ض للإ�سالمي���ة اليمنية‪ .‬ومن���ذ الأربعيني���ات من القرن‬ ‫املا�ض���ي واحل���ركات الإ�صالحي���ة والثوري���ة املعار�ضة للحك���م الإمامي‬ ‫مرتبطة باملفكرين الإ�سالميني‪ .‬وبينما كان الإ�صالحييون – مبن فيهم‬ ‫حممد �أحمد نعمان (�شافعي املذهب) وحممد حممود الزبريي (زيدي‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪119‬‬


‫املحــور‬ ‫جدول رقم (‪ :)1‬ملخ�ص ا�سرتاتيجيات الطوائف الإ�سالمية املختلفة يف اليمن املعا�صر‬ ‫القادة �أو التنظيمات‬ ‫الأ�سا�سية‬

‫امل�شاركة املبا�شرة‬ ‫والعلنية يف ال�سيا�سات‬ ‫احلزبية والدميقراطية‬

‫الوالء التلقائي‬ ‫للحاكم اجلمهوري‬

‫املواجهات العنيفة‬ ‫مع الدولة‬

‫امل�شاركة يف �أعمال‬ ‫العنف والت�شويه‬ ‫الطائفية‬

‫الأخوان امل�سلمون‬

‫حزب الإ�صالح‬

‫نعم‬

‫ال‬

‫ال‬

‫نعم‬

‫اجلماعات‬ ‫اجلهادية املتطرفة‬

‫فروع تنظيم القاعدة‬

‫ال‬

‫ال‬

‫نعم‬

‫نعم‬

‫ال�سلفيون‬

‫مقبل الوادعي‬ ‫(تويف عام ‪)2001‬‬

‫ال‬

‫نعم‬

‫ال‬

‫نعم‬

‫ال�صوفيون‬

‫دار امل�صطفى‬

‫ال‬

‫نعم‬

‫ال‬

‫ال‬

‫الزيدية املجددون‬

‫حزب احلق؛ ح�سني بدر‬ ‫الدين احلوثي‬ ‫(قتل عام ‪)2004‬‬

‫نعم‬

‫ال‬

‫نعم‬

‫نعم‬

‫املذه���ب) ‪ -‬يدر�سون يف القاهرة‪ ،‬اطل���ع الكثري منهم على �أفكار ح�سن‬ ‫البنا‪ ،‬مع �أن معظمهم على ما يبدو مل ينتموا ر�سمي ًا للإخوان امل�سلمني‪.‬‬ ‫وق���د ا�ستلهم���ت – على الأق���ل من بع�ض النواح���ي – كل من ثورة ‪1948‬‬ ‫الفا�شل���ة �ضد الإم���ام يحيى وث���ورة ‪ 1962‬الناجحة �ض���د حفيده حممد‬ ‫الب���در (بعد توليه احلكم بب�ضع���ة �أيام)‪� ،‬أفكارها م���ن تعاليم الأخوان‬ ‫امل�سلمني‪.‬‬ ‫و�أثن���اء ث���ورة ‪� 26‬أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ ،1962‬عندم���ا توحّ ���د القومي���ون‬ ‫والنا�صري���ون والأخوان امل�سلمني واحلداثيون للإطاحة باحلكم الإمامي‬ ‫وت�أ�سي�س النظام اجلمهوري‪ ،‬دبّت اخلالفات ب�سرعة يف �أو�ساط الزعماء‬ ‫اجل���دد‪ .‬ومن خ�ل�ال ت�أ�سي�س حزب اهلل ع���ام ‪ 1964‬كان الزبريي‪ ،‬الذي‬ ‫اعتقد �أن النظام املدعوم من قبل م�صر يفتقر لل�شرعية‪ ،‬ينوي ّمل �شمل‬ ‫ف�صائل املجتمع املختلفة وطبقة املفكرين (الذين ميكن ت�سمية �أكرثهم‬ ‫بالإ�سالمي�ي�ن) والعنا�صر القبلية على وج���ه اخل�صو�ص‪ .‬وعندما اغتيل‬ ‫الزب�ي�ري ع���ام ‪� ،1965‬أ�صبح م�شروع���ه للتوفيق بني الأح���زاب ودجمها‬ ‫املب���د�أ امل�ؤ�س����س للجمهوري���ة‪ .‬ويف ذل���ك الإطار‪ ،‬مت ا�ستقط���اب عنا�صر‬ ‫الأخ���وان امل�سلمني �إىل عدد م���ن امل�ؤ�س�سات املختلف���ة‪ ،‬ال�سيما يف نظام‬ ‫التعليم وقوات الأمن‪.‬‬ ‫ويب���دو �أن هذا التنظيم حق���ق جناح ًا وما زال باقي��� ًا من خالل حزب‬ ‫التجم���ع اليمني للإ�ص�ل�اح‪ ،‬والذي يو�صف ب�أنه الف���رع اليمني للإخوان‬ ‫امل�سلم�ي�ن‪ .‬وقد ت�أ�س�س هذا احل���زب يف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ ،1990‬وجمع بني‬ ‫�شخ�صيات �إ�سالمية وم�شايخ قبلية ورجال �أعمال‪ .‬ومنذ �أن ت�أ�س�س حتى‬ ‫ع���ام ‪ 2007‬كان يتزعمه ال�شيخ عبد اهلل ب���ن ح�سني الأحمر‪ ،‬زعيم �أبرز‬ ‫احتاد قبلي (قبيلة حا�شد‪ ،‬التي تعترب قبيلة الرئي�س علي عبد اهلل �صالح‬ ‫– �سنح���ان – فرع��� ًا منها) ورئي�س جمل����س النواب‪ .‬وبرغم مرور عدة‬ ‫�سنوات منذ �أن توفى ال�شيخ عبد اهلل يف ‪ 29‬كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪2007‬‬ ‫�إال �أن التبعات ال�سيا�سية والقبلية ما زالت غري وا�ضحة متام الو�ضوح‪.‬‬ ‫ويجمع احلزب دون متييز عنا�صر لهم �أجندة وا�سرتاتيجيات خمتلفة‪،‬‬ ‫وقد �أثبت قدرته على التكيف مع املحيط الداخلي والدويل املتغري‪ .‬ومنذ‬ ‫ت�أ�سي�س���ه �أخذ ي�شارك بفعالية يف عملية التطور الدميقراطي‪ ،‬والتناف�س‬ ‫يف االنتخاب���ات احل���رة‪ ،‬وامل�شاركة يف مقاعد جمل�س الن���واب‪ .‬ومع �أنها‬ ‫ق���د توج���د داخل ح���زب الإ�صالح نقا�شات ح���ول ما �إذا هن���اك �شرعية‬ ‫ديني���ة للنظام الدميقراط���ي‪� ،‬إال �أنه يقبل علن��� ًا بالتعددية احلزبية ومل‬ ‫‪120‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ي�سب���ق له ت�أييد املواجهة امل�سلحة املبا�شرة م���ع الدولة ويتعاون مع نظام‬ ‫احلك���م‪ ،‬بل وميكن اعتباره جزء ًا �أ�سا�سي ًا من النظام‪ ،‬ففي �صيف ‪1994‬‬ ‫�أثناء حرب االنف�صال قام���ت ملي�شيات مدعومة من الإ�صالح مب�ساندة‬ ‫الق���وات احلكومية للتغلب على االنف�صالي�ي�ن اال�شرتاكيني‪ .‬واليوم جند‬ ‫جذور حزب الإ�ص�ل�اح را�سخة يف معظم حمافظات اجلمهورية اليمنية‬ ‫(مب���ا فيها حمافظات اجلنوب املارك�س���ي �سابقاً‪ ،‬حيث توجد ردة الفعل‬ ‫املناه�ض���ة للنظ���ام اال�شرتاكي بق���وة وت�ؤي���د عنا�صر النه���ج الإ�سالمي‬ ‫ومنابره)‪ .‬وعلى ال�صعيد الوطني‪ ،‬ح�صل حزب الإ�صالح على ما ن�سبته‬ ‫‪ %18‬من الأ�صوات يف االنتخابات الربملانية للأعوام ‪ 1993‬و‪ 1997‬و‪2003‬‬ ‫(مع �أن عدم ال�شفافية يقلل من �صحة هذه املعلومات)‪.‬‬ ‫وم���ع حل���ول الألفي���ة اجلدي���دة ظه���رت يف �أو�س���اط قي���ادة احل���زب‬ ‫�إ�سرتاتيجية جديدة للتحالف والتعاون مع احلركات املعار�ضة الأخرى‪،‬‬ ‫خا�ص��� ًة مع احلزب اال�شرتاكي اليمن���ي الذي قاد اليمن اجلنوبي والعدو‬ ‫ال�سابق حل���زب الإ�صالح‪ .‬ورغم �أنه مل يكن بال�ض���رورة يحظى ب�شعبية‬ ‫يف �أو�س���اط النا�شطني‪� ،‬إال �أنه مت ت�شكي���ل منرب م�شرتك (�أحزاب اللقاء‬ ‫امل�ش�ت�رك)‪ ،‬واختري في�صل بن �شمالن (وزي���ر النفط الأ�سبق) مر�شح ًا‬ ‫للم�ش�ت�رك �ضد الرئي����س �صالح يف االنتخاب���ات الرئا�سية التي جرت يف‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ ،2006‬وك�سب ما ن�سبت���ه ‪ %22‬من الأ�صوات االنتخابية‪.‬‬ ‫وق���د فت���ح جناح���ه الن�سب���ي (�إذا م���ا �أخذن���ا بع�ي�ن االعتب���ار الو�سائل‬ ‫املحتك���رة لتحقيق �إعادة انتخاب الرئي�س) �آفاق ًا جديدة �أمام املعار�ضة‬ ‫والإ�سالمي�ي�ن‪ .‬و�ستمث���ل االنتخاب���ات الربملاني���ة املقبلة اختب���ار ًا مهم ًا‬ ‫ال�سرتاتيجية املعار�ضة الأمامية والتحالف التي يتبناها احلزب بد ًال من‬ ‫عملية االختيار يف الت�سعينيات‪ ،‬وقد هددت املعار�ضة مبقاطعة �صناديق‬ ‫االقرتاع بحجة غياب ال�شفافية‪.‬‬ ‫وبالإ�ضاف���ة �إىل ال�شي���خ الراحل عبد اهلل الأحم���ر و�أبنائه (مبن فيهم‬ ‫حميد‪ ،‬رجل الأعمال الناجح)‪ ،‬ف�إن من �أبرز �شخ�صيات حزب الإ�صالح‬ ‫يحيى لطف���ي الفُ�سيّل‪ ،‬وحممد قحطان‪ ،‬وحمم���د اليدومي (الذي توىل‬ ‫قيادة احل���زب بعد وفاة الأحمر)‪ ،‬وعبد املجي���د الزنداين‪ ،‬الذي يعترب‬ ‫�أب���رز هذه ال�شخ�صي���ات ويُقال �إنه يُج�سِّ د اجلن���اح املتطرف للإ�صالح‪.‬‬ ‫والزنداين – ال���ذي كان من رفاق الزبريي – هو رئي�س جامعة الإميان‬ ‫يف �صنع���اء وق�ضى ف�ت�رة طويلة ج���د ًا يف ال�سعودية‪ ،‬وهو ال���ذي رتّب يف‬ ‫الثمانيني���ات ل�سفر املقاتل�ي�ن اليمنيني �إىل �أفغان�ست���ان‪ ،‬وهذا ما �أك�سبه‬

‫مكان���ة وحظ���وة يف املجتم���ع‪ .‬وبع���د �أحداث احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول‪/‬‬ ‫�سبتم�ب�ر و�صف���ت الإدارة الأمريكي���ة الزنداين عدة م���رات ب�أنه �شريك‬ ‫اب���ن الدن‪ .‬لك���ن دوره التاريخي �شفع له وج ّنب���ه التعر�ض ل�ضغط الدولة‬ ‫املبا�شر‪ .‬ويلعب الزنداين دور ًا غام�ضاً‪ ،‬فهو يت�صرّف ك�شخ�صية حتظى‬ ‫ب�شعبي���ة (وانتق���اده لل�سيا�س���ة اخلارجي���ة الأمريكية مقب���ول يف �أو�ساط‬ ‫ال�شع���ب اليمني)‪ ,‬كما �أنه ميثل ج�سر ًا لنوع م���ن القتال العنيف الذي ال‬ ‫يروق للكثري من اليمنيني‪.‬‬

‫م���ن قب���ل منفذي الهج���وم‪� ،‬أظه���را �أن نظ���ام احلكم يف اليم���ن �أ�صبح‬ ‫هدف��� ًا للجماع���ات اجلهادية �أكرث م���ن ال�سابق‪ .‬وبالت�أكي���د ف�إن عمليات‬ ‫قمع املقاتل�ي�ن‪ ،‬وتبنّي الدولة لل�سيا�سات اجلدي���دة املناه�ضة للإرهاب‪،‬‬ ‫وال�سج���ن والتعذي���ب‪ ،‬كله���ا عوام���ل زادت م���ن تط���رّف �إ�سرتاتيجيات‬ ‫اجلماعات اجلهادية‪ .‬ووراء هذا التوجه‪ ،‬ا�ستمر البع�ض يف الت�أكيد على‬ ‫وج���ود عالقات بني هذه احل���ركات والدولة‪ ،‬قائل�ي�ن �إن موجات العنف‬ ‫مل تك���ن متام ًا دخيلة عل���ى التناف�س وال�صراعات داخ���ل �أجهزة الدولة‬ ‫الوا�سعة‪.‬‬ ‫وب�شكل عام‪ ،‬ت�شتهر اجلماعات اجلهادية يف املناطق املعزولة التي تقل‬ ‫فيه���ا التنمية (مثل م����أرب و�شبوة واجلوف و�أب�ي�ن)‪ ،‬ويف �أو�ساط قبائل‬ ‫املناطق النائية الت���ي ال ت�ستفيد من م�شاريع الدولة اال�ستثمارية والبنية‬ ‫التحتية‪ .‬هذه املناطق هي التي ت�ستهدفها اجلهات املتربعة الدولية لكي‬ ‫تقلل م���ن �أعمال العنف والدع���م الذي تتلقاه اجلماع���ات املتطرفة من‬ ‫خالل �إقامة امل�شاريع التنموية‪.‬‬

‫بالرغم‬ ‫اجلماعات اجلهادية املتطرفة‬ ‫من قلة عدد ه���ذه اجلماعات اجلهادية لكنها تلعب دور ًا مهم ًا يف تاريخ‬ ‫اليم���ن‪ ،‬وغالب��� ًا ما ت�ض���ع البلد عل���ى خارط���ة الإرهاب العامل���ي‪ .‬ومنذ‬ ‫ت�سعيني���ات الق���رن املا�ض���ي وهذه اجلماعات ت���زداد ظه���ور ًا يف و�سائل‬ ‫الإع�ل�ام؛ وهذه حقيق���ة تُعتِّم عل���ى الطوائف الإ�سالمي���ة الأخرى‪ .‬وقد‬ ‫�أث���رت م�شارك���ة اليمنيني يف احلرب الأفغاني���ة يف الثمانينيات‪ ،‬ومن ثمّ‬ ‫يف البو�سنة وال�شي�ش���ان والعراق‪ ،‬على ال�سيا�سة الداخلية يف اليمن‪ .‬ويف‬ ‫غالب��� ًا وم���ن دون دق���ة‬ ‫ع���ام ‪� ،1994‬أثناء احلرب الأهلية �ضد حرك���ة االنف�صال اال�شرتاكية يف ال�س��لفية‬ ‫اجلن���وب‪� ،‬ساع���دت امللي�شيات (املكون بع�ضها م���ن “الأفغان العرب”) تُو�ص���ف الطائفة الثالثة – �أي ال�سلفي���ة (التي ي�سميها �أحيان ًا خ�صومها‬ ‫اجلي����ش الوطن���ي وقتلت العنا�ص���ر اال�شرتاكي���ة وخرب���ت مدينة عدن‪“ ،‬الوهابي���ة” نظر ًا الرتباطها الفعلي �أو املزعوم بالعربية ال�سعودية) –‬ ‫وان�ضم بع����ض عنا�صرها لقوات الأمن وامل�ؤ�س�سات القبلية املحلية‪ .‬ومن ب����أن لها عالقة باجلماعات اجلهادية‪ ،‬ورغ���م احتمال وجود روابط بني‬ ‫ه���ذه العنا�صر طارق الف�ضلي‪ ،‬وري���ث �سلطان �أبني وقائد املجاهدين يف اجلماعات �إال �أنه قد توجد �أي�ض ًا خالفات �شديدة‪.‬‬ ‫�أفغان�ستان‪ ،‬والذي عيّنه الرئي�س فيما بعد كع�ضو يف جمل�س ال�شورى‪.‬‬ ‫وق���د ظه���رت ال�سلفي���ة يف اليم���ن مطل���ع الثمانينيات ح���ول �شخ�صية‬ ‫وتقي���م بع����ض العنا�صر الأخ���رى خاليا له���ا تربطها‬ ‫عالقات عابرة للحدود‪ ،‬مثل جي�ش عدن �أبني الإ�سالمي �إذا كان يف اليمن نوع من الدميقراطية‪ ،‬وتعاين من الف�ساد امل�ست�شري‬ ‫وغ�ي�ره من اجلماع���ات الت���ي تنتمي لتنظي���م القاعدة‬ ‫وانقلب���ت يف الأخري �ض���د م�صالح الدول���ة وا�ستهدفت وتدين م�ستوى التنمية وارتفاع ن�سبة الق�سوة‪� ،‬إال �أنها مل ُتعانِ من‬ ‫رعاي���ا الغرب ب�ش���كل علني‪ .‬كما �شارك���ت يف اختطاف م�ستويات عالية من العنف املدعوم من الدولة مقارنة بعراق �صدام‬ ‫ال�سياح عام ‪ ،1998‬وتفجري املدمرة “كول” عام ‪ ،2000‬ح�سني‪� ،‬أو من �سلب احلريات ال�سيا�سية مقارنة بال�سعودية‬ ‫وعملي���ات االغتيال �أو حماوالت التفجريات (التي ف�شل‬ ‫معظمه���ا) يف �أنحاء البالد منذ �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ ،2001‬والتي ا�ستهدف مقب���ل الوادعي‪ ،‬الذي تلقى تعليم���ه يف ال�سعودية خالل فرتة ال�ستينيات‬ ‫بع�ضه���ا البنية التحتية‪ .‬ويف ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب ‪ 2002‬قامت طائرة وال�سبعينيات‪ ،‬وظلت له عالق���ات غام�ضة باحلكام ال�سعوديني والنخبة‬ ‫�أمريكية من دون طيار ب�إطالق �صاروخ قتل �أبو علي احلارثي يف حمافظة من رج���ال الدين حتى تويف عام ‪ .2001‬ومن معتق���دات ال�سلفية‪ :‬طاعة‬ ‫م����أرب‪ ،‬ال���ذي ُيق���ال �أنه زعي���م القاع���دة يف اليمن‪ .‬ويف الوق���ت نف�سه‪ ،‬ويل الأم���ر‪ ،‬حتى ل���و كان فا�سد ًا �أو ظاملاً‪� ،‬إ�ضاف���ة �إىل الرغبة يف جتاوز‬ ‫قام���ت ال�سلطات باعتق���ال بع�ض النا�شطني وحاكمته���م‪ ،‬لكن ال�سيطرة ال�سياق���ات املحلية والوطنية م���ن خالل �إي�صال ر�سال���ة عاملية للجميع‪.‬‬ ‫الأمني���ة حلليف �أمريكا اجلديد اعتربت غري كافية‪ ،‬وقد �أثار هروب ‪ 23‬وبه���ذا ف�إن ه���دف ال�سلفية هو احلف���اظ على كل امل�سلمني م���ن الفتنة‪،‬‬ ‫م���ن مقاتلي القاع���دة يف �شباط‪/‬فرباير ‪ ،2006‬وبينه���م القيادي جمال من خالل االبتعاد عن �أي مي���ول �سيا�سي وعدم امل�شاركة يف االنتخابات‬ ‫الب���دوي‪ ،‬من �سجن محُ ّ�صن و�شديد احلرا�س���ة يف اليمن‪� ،‬أثار ت�سا�ؤالت واملظاه���رات والثورات‪ .‬وبد ًال من كل هذا‪ ،‬فه���م ي�ؤمنون ب�أنهم قادرون‬ ‫على �أن يلعبوا دور ًا يف توجيه �سيا�سات الدولة عن طريق �إ�سداء الن�صح‬ ‫عن اخرتاق �أجهزة الدولة‪.‬‬ ‫ويف �سن���ة ‪ ،2008‬و�إثر حملة منخف�ض���ة امل�ستوى (وفا�شلة يف معظمها) ل���ويل الأمر‪ .‬كما �أنهم يرف�ض���ون ا�ستخدام العن���ف وينتقدون العمليات‬ ‫من الهجم���ات �ضد م�صالح الدولة والغرب‪ ،‬مب���ا يف ذلك عملية تفجري الإرهابية التي ت�ستهدف املدنيني‪.‬‬ ‫ويف الواقع لقد ظل الوادعي‪� ،‬شيخ ال�سلفية‪� ،‬شديد االنتقاد لإ�سرتاتيجية‬ ‫ال�سف���ارة الأمريكية يف �صنعاء يف ال�سابع ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب والتي‬ ‫�أودت بحي���اة ت�سعة ع�شر �شخ�ص���اً‪ ،‬بدا �أنها مثّلت مرحل���ة ا�سرتاتيجية اجلهادي�ي�ن عل���ى امل�ست���وى العامل���ي واملحل���ي داخ���ل اليمن من���ذ مطلع‬ ‫جدي���دة‪ .‬فالهج���وم الذي وق���ع يف مدينة �سيئ���ون يف �شه���ر متوز‪/‬يوليو الت�سعينيات حتى وفاته‪ .‬ويف ذلك الوقت‪ ،‬وجّ ه االتهام لأ�سامة بن الدن‪،‬‬ ‫من نف����س العام وا�ستهدف مباين اخلدمات الأمني���ة‪ ،‬والإدعاء الالحق الذي كان يح���اول بعد �أفغان�ستان �أن يبد�أ بح���روب جديدة‪ ،‬ب�أنه يُف�ضِّ ل‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪121‬‬


‫املحــور‬

‫ال�صوفية‬ ‫ي�شكل ال�صوفيون الطائفة‬ ‫الرابع���ة يف اليمن املعا�صر‪ .‬ومثل ال�سلفيني – خ�صوم ال�صوفية – ي�ؤيد‬ ‫ال�صوفي���ون العقي���دة التي ال تهتم ب�أمور ال�سيا�سة‪ ،‬لك���ن لهم دور ًا مهم ًا‬ ‫يف ال�سيا�س���ة اليمنية‪ .‬ونظر ًا لل�شعبية التي كان���وا يتمتعون بها يف اليمن‬ ‫اجلنوبي �سابقاً‪ ،‬خا�صة يف ح�ضرموت‪ ،‬عانوا من التع�سف ال�شديد يف ظل‬ ‫النظ���ام اال�شرتاكي وجل�أ الكثري من رج���ال الدين �إىل ال�سعودية واليمن‬ ‫ال�شمايل‪ .‬وبع���د الوحدة اليمنية وا�صل بع�ض زعم���اء ال�صوفية دعمهم‬ ‫لالنف�صالي�ي�ن عام ‪( 1994‬نظر ًا لعالقاتهم برج���ال �أعمال �سعوديني)‪،‬‬ ‫غ�ضت الدولة الطرف جتاه‬ ‫وعندما انتهت احلرب بهزمية االنف�صاليني ّ‬ ‫عمليات تدم�ي�ر املقد�سات الدينية لل�صوفية يف ع���دن وح�ضرموت على‬ ‫�أيدي ال�سلفيني وبع�ض الإخوان امل�سلمني املت�شددين‪.‬‬ ‫ومن���ذ �أواخر الت�سعينيات من القرن املا�ض���ي انتع�شت ال�صوفية كثري ًا‬ ‫ممثل���ة مبعه���د دار امل�صطفى يف مدين���ة ترمي‪ .‬ونظ���ر ًا لأن �إدارة املعهد‬ ‫تديره���ا �شخ�صيت���ان معروفت���ان عاملي���اً‪ ،‬هما احلبيب عم���ر بن حفيظ‬ ‫واحلبي���ب عل���ي اجلفري‪ ،‬ح�ضي ه���ذا املعه���د الديني باهتم���ام الدولة‬ ‫ودعمه���ا‪ .‬ومقابل ذلك ح�صل مر�شحي حزب امل�ؤمتر احلاكم على دعم‬ ‫يف االنتخابات النيابية عام ‪� 2003‬ضد مر�شحي حزب الإ�صالح‪ .‬ومع �أن‬ ‫كث�ي�ر ًا من املحللني و�صفوا ال�صوفية ب�أنها جماعة يُحدِ ق بها اخلطر من‬ ‫كل جان���ب نتيجة ل�سيا�سات الدولة واجلماع���ات الإ�سالمية الأخرى‪� ،‬إال‬ ‫�أن احلال���ة تغريت متاماً‪ .‬ففي ‪ ،2003‬وبرغم قل���ة خربته‪ ،‬عُ ينِّ احلبيب‬ ‫عم���ر كمذي���ع ومن�سِّ ق للربامج الديني���ة التي يذيعه���ا التلفزيون الوطني‬ ‫يف �شه���ر رم�ض���ان‪ .‬وكم�ؤ�شر على العالق���ة اجلديدة بني ه���ذه الطائفة‬ ‫الديني���ة والدولة ق���ام الرئي�س علي عبد اهلل �صالح بع���دد من الزيارات‬ ‫ل���دار امل�صطف���ى م�ستفيد ًا م���ن عالقاته���ا (�أي ال�صوفي���ة) اخلارجية‬ ‫التاريخية‪.‬‬ ‫يب��دو �أن عامل العالقات ب�ين الدولة والفئات ال�سيا�س��ية املتعددة‪ ،‬وكمعتقدات ال�سلفي���ة‪ ،‬يبدو �أن املعتق���دات ال�صوفية‬ ‫خا�صة الفئات الإ�سالمية‪ ،‬ودجمها يف امل�ؤ�س�سات العمومية (كاجلي�ش لها فائدة م���ن الناحية ال�سيا�سي���ة‪ .‬فال�صوفية ت�ساعد‬ ‫على �إ�ضعاف الدعم احلكومي للمجموعات الإ�سالمية‬ ‫وال�ش��رطة واجلامعات وغريها) هو ال�سبيل �إىل فهم ا�ستقرار اليمن‪،‬‬ ‫الأخ���رى بينم���ا تن�ش���ر ر�ؤي���ة �إ�سالمي���ة معتدل���ة‪� ،‬أكرث‬ ‫فت�شارك ال�سلطة هو من خ�صال النظام الرئي�سية‬ ‫ت�ساحم��� ًا و�سلمية‪ .‬وبالفعل ترك���ز ال�صوفية على تعليم‬ ‫الروحاني���ة الفردي���ة وتقومي الذات بد ًال م���ن االن�شغال‬ ‫– دور ًا �سيا�سي��� ًا قوي���اً‪ ،‬وق���د تلقوا م�ساعدة غري مبا�ش���رة والت�سامح ب�أم���ور �سيا�سية‪ .‬ع�ل�اوة على ذلك‪ ،‬ال تتعار����ض ال�صوفية مع االقت�صاد‬ ‫م���ن قبل الدول���ة‪ ،‬وعقيدته���م منا�سبة باعتب���ار �أنها تقلل م���ن م�ساندة احلر وامل�شاريع التجارية ولهذا تروق لطبقات املجتمع العليا والو�سطى‪.‬‬ ‫اجلماع���ات الإ�سالمي���ة ال�سيا�سي���ة مثل الأخ���وان امل�سلم�ي�ن والزيديني و�إحي���اء ال�صوفية هو جزء من عملية ن�شر الدعوة الوا�سعة التي تعي�شها‬ ‫املجددي���ن واال�شرتاكي�ي�ن يف جن���وب اليم���ن‪ .‬وبالفعل ت�ساع���د العقيدة كل املجتمع���ات امل�سلم���ة‪ ،‬و�أف�ضل من يج�سدها الداعي���ة امل�صري عمرو‬ ‫ال�سلفي���ة احلديثة على �إبق���اء �شرائح معينة من املجتم���ع اليمني بعيدة خالد والداعية الكويتي طارق ال�سويدان‪.‬‬ ‫ميكن ت�صنيف‬ ‫ع���ن ال�سيا�سة‪ ،‬وتعت�ب�ر �أن كل �أنواع املعار�ضة ل���ويل الأمر غري �شرعية‪ .‬الزيدية املجددون‬ ‫وبالت���ايل‪ ،‬ف�إن االمتناع ع���ن امل�شاركة يف االنتخاب���ات املحلية والوطنية الطائفة الديني���ة اخلام�سة يف اليمن بالزيدية املجددين‪ ،‬وهي الطائفة‬ ‫يخ���دم مر�شح���ي احلزب احلاك���م‪ .‬ومنذ زم���ن طويل و�سيا�س���ة تفريق الوحيدة من ب�ي�ن اخلم�س الطوائف التي ميكن و�صف �أ�صولها ب�أنها من‬ ‫خ�صوم احلزب احلاكم هي الإ�سرتاتيجية التي يتبعها النظام احلاكم‪ ،‬منبع مين���ي لكن لها عالقات خارج حدود اليم���ن‪ ،‬وهي ردة فعل فكرية‬

‫‪122‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪Krivic Matjaz‬‬

‫اال�ستثم���ار يف ال�سالح ولي����س امل�ساجد‪ ،‬بل �أن الوادع���ي ا�ستطاع �إف�شال‬ ‫خطط بن الدن الهادفة للجهاد �ضد اال�شرتاكيني يف جنوب اليمن‪ .‬وبعد‬ ‫�أحداث احل���ادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب (بعد وف���اة الوادعي) �أ�صبح‬ ‫�شجب العنف �أ�سل���وب ال�سلفية لإ�صباغ ال�شرعية على موقفها يف حميط‬ ‫م�ضطرب‪ .‬فق���د دعم �أبو احل�سن املاربي الرئي����س اليمني يف انتخابات‬ ‫‪ 2006‬الرئا�سي���ة‪ ،‬بينما عقد خ�صمه حمم���د الإمام‪ ،‬الذي رمبا هو الآن‬ ‫�أه���م �شخ�صيات ال�سلفية يف اليمن‪ ،‬لقا ًء عام ‪� 2003‬أدان فيه اجلهاد يف‬ ‫الع���راق �ضد قوات االحت�ل�ال الذي تتزعمه الوالي���ات املتحدة‪ ،‬وقال �إن‬ ‫�شرعي���ة اجلهاد تتوقف على موافقة احلكومة اليمنية‪ ،‬التي من الوا�ضح‬ ‫�أنها لن جتر�ؤ على فعل ذلك باعتبارها حليف جديد للواليات املتحدة يف‬ ‫“احلرب على الإرهاب”‪ .‬ويف ظل هذا املحيط‪ ،‬مل يكن اليمنيون الذين‬ ‫�سافروا �إىل العراق جماهدين �شرعيني‪.‬‬ ‫ودون �شك فقد حولت هذه املواقف ال�سلفيني �إىل حلفاء جدد للحكومة‬ ‫اليمنية يف م�س�ألة تذكرنا بقدرة ال�سلطة الدينية يف ال�سعودية على ت�أييد‬ ‫�سيا�س���ات وقرارات الدولة يف ظل كل الظ���روف‪ .‬ويف نف�س الوقت �ساند‬ ‫ال�سلفي���ون عمليات �ض���د �أفراد زيدي�ي�ن و�أ�ضرحة �صوفي���ة‪ ،‬وي�شتهرون‬ ‫بت�شوي���ه كل الطوائ���ف الديني���ة وال�سيا�سي���ة الأخرى‪ ،‬خا�ص���ة الأخوان‬ ‫امل�سلم�ي�ن‪ ،‬وو�سمه���م ب�أنه���م م�سلم���ون خمالف���ون وفا�س���دون �أخالقياً‪.‬‬ ‫ويف املجتم���ع اليمن���ي املعا�ص���ر يتميز ال�سلفي���ون بعدد م���ن املمار�سات‬ ‫املتميزة‪ ،‬وب�أ�سلوبه���م يف اللب�س والألفاظ اللغوية والعادات االجتماعية‪.‬‬ ‫ويعربون �صراحة ع���ن رغبتهم يف االبتعاد عن املجتمع “الفا�سد” بقدر‬ ‫الإمكان من خ�ل�ال رف�ضهم للم�شاركة يف املحاف���ل االجتماعية الكبرية‬ ‫كاالحتف���االت الديني���ة واملهرجان���ات املو�سيقية التقليدي���ة واالنتخابات‬ ‫وجل�سات القات‪.‬‬ ‫ويلع���ب ال�سلفيون – الذين يزعمون عدم اهتمامهم بالأمور ال�سيا�سية‬

‫ويبدو �أنها �إ�سرتاتيجية ناجحة نوع ًا ما‪.‬‬

‫�سلطة التقاليد‪ :‬وجود «جمتمع متمدن» تقليدي قوي على �شكل جماعات قبلية و�إ�سالمية – وهي يف معظمها م�سلحة �أو قادرة على معار�ضة الدولة –‬ ‫قلل من قدرة نظام احلكم على احتكار كل القوى املحركة لل�سلطة‬

‫ل�سقوط النظام الإمامي يف عام ‪ .1962‬ومعظم �أن�صار الزيدية هم ممن‬ ‫ينتم���ون �إىل �شريحة معينة م���ن املجتمع اليمن‪ ،‬وهم ال�سادة‪� ،‬آل البيت‪.‬‬ ‫وم���ع خ�سارتهم يف احلرب الأهلي���ة بعد ثورة ‪ 1962‬وموت قادتهم ونهاية‬ ‫م���ا كان ي�شكل العن�ص���ر املركزي ملذهبه���م الديني‪ ،‬كان عل���ى الزيدية‬ ‫البحث عن طرق جديدة لت�أكيد �شرعية موقفهم ووجودهم‪ .‬و�شعر بع�ض‬ ‫الزيدي���ة �أن النظ���ام اجلمهوري يف الأ�سا�س مناه����ض للمذهب الزيدي‬ ‫و�أنه ي�ؤيد الإخوان امل�سلمني وال�سلفية والوهابية التي تدعمها ال�سعودية‪،‬‬ ‫وذلك من �أجل طم�س املذهب الزيدي ومعتقداته الدينية‪.‬‬ ‫يف ذل���ك املحيط‪� ،‬شرع الزيدي���ة املجددين يف الرّد وتنظيم �صفوفهم‪.‬‬ ‫ويف الثمانيني���ات عل���ى وج���ه اخل�صو����ص‪ ،‬اجته���ت �أقلية �صغ�ي�رة نحو‬ ‫املذهب ال�شيعي الإيراين‪ ،‬تاركني الكثري من املعتقدات الزيدية ومُبدين‬ ‫�إعجابهم بثورة ‪ 1979‬الإيرانية‪ .‬وبينما يتوق البع�ض �إىل ت�صوير الزيدية‬ ‫عل���ى �أنه���ا مذهب ديني حدي���ث لديه الق���درة على الإ�ص�ل�اح والتنوير‪،‬‬ ‫ف�إنه���م كمثقفني متحررين �أخ���ذوا يذيقون الدولة �أ�ش���د ل�سعات النقد‪.‬‬ ‫وتق���وم جماع���ة �أخ���رى – ما زالت موالي���ة للمذهب الزي���دي – ب�إن�شاء‬ ‫معاه���د ديني���ة وطبع الكتب‪ ،‬ويف �سن���ة ‪� 1990‬أ�س�ست احل���زب ال�سيا�سي‬ ‫امل�سم���ى “حزب احل���ق”‪ .‬ويف ‪ 1993‬انتخب اثنان م���ن قادة احلزب يف‬ ‫جمل����س الن���واب‪ ،‬ويف ‪ 1997‬مت اختيار الأمني العام حل���زب احلق وزير ًا‬ ‫للأوقاف‪.‬‬

‫لك���ن ان�شقاق ًا حدث يف �صفوف حزب احل���ق يف منت�صف الت�سعينيات‬ ‫و�أدى �إىل ت�شكي���ل جماع���ة �أكرث ت�شدد ًا حتت م�سم���ى “ال�شباب امل�ؤمن”‬ ‫بزعام���ة ح�سني بدر الدين احلوثي‪ ،‬ممثل حزب احلق �سابق ًا يف جمل�س‬ ‫الن���واب‪ .‬وكان اله���دف من ه���ذه اجلماع���ة‪ ،‬التي يدعمه���ا املثقفني يف‬ ‫�صعدة‪ ،‬مقاومة انت�شار ال�سلفية‪ .‬وقد تلقت هذه اجلماعة دعم الدولة يف‬ ‫ب���ادي الأمر‪ ،‬لكن بعد احلادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب بد�أت الأو�ضاع‬ ‫تتوت���ر‪ ،‬وانتقد احلوث���ي و�أن�ص���اره ا�سرتاتيجية نظ���ام احلكم اجلديدة‬ ‫وتعاونها يف “احلرب على الإرهاب”‪ .‬ويف حزيران‪/‬يونيو من عام ‪2004‬‬ ‫حاول���ت الدولة القب����ض على ح�سني احلوث���ي‪ ،‬الذي اتهمت���ه الدولة �أنه‬ ‫تلقى دعم ًا من �إيران ومن حزب اهلل اللبناين و�سعيه ال�سرتجاع الإمامة‬ ‫الزيدي���ة (وهي التهمة التي �أنكرها احلوثي)‪ .‬وبد�أ احلوثيون باملقاومة‪،‬‬ ‫وم���ا بد�أ كعملية على م�ستوى ال�شرطة حتولت وب�سرعة �إىل حرب �شاملة‬ ‫خلّفت �آالف القتلى واجلرحى‪ .‬ويف �شهر �أيار‪/‬مايو ‪ 2005‬اعرتف رئي�س‬ ‫الوزراء عل���ى �شا�شة التلفاز مبقتل ‪ 525‬جندي ًا من اجلي�ش اليمني‪ ،‬لكنه‬ ‫ُعط �أي تقديرات عن ال�ضحايا املدنيني واملتمردين‪.‬‬ ‫مل ي ِ‬ ‫وم���ع �أن “ال�شباب امل�ؤم���ن” يختلف كثري ًا عن تنظي���م القاعدة �إال �أن‬ ‫ُتحمّ�سَ ���ة لإظهار‬ ‫احلكوم���ة اليمني���ة‪ ،‬حتت �ضغ���ط الواليات املتح���دة‪ ،‬م ِ‬ ‫م�شاركتها يف العمليات التي ت�ستهدف مكافحة الإرهاب‪ .‬وظهر الزيدية‬ ‫املج���ددون كهدف بديل يف احل���رب العاملية على الإره���اب‪ ،‬باعتبارهم‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪123‬‬


‫املحــور‬ ‫الع���دو ال���ذي لن ي�ؤثر يف العالق���ات القائمة بني بع����ض عنا�صر ال�سلطة‬ ‫واحل���ركات الإ�سالمية الأخرى‪ .‬ورغم مقتل ح�س�ي�ن احلوثي يف �أيلول‪/‬‬ ‫�سبتم�ب�ر ‪� 2004‬إال �أن ال�ص���راع مل يُح�سم بعد وما زالت تن�شب �صدامات‬ ‫جديدة وعنيفة ب�ي�ن الفينة والأخرى‪ ..‬وخالل جوالت احلرب املتعاقبة‪،‬‬ ‫جن���ح الزيدية املجددون يف �إيجاد دعم بني �أو�ساط �شرائح قبلية �سئمت‬ ‫م���ن القمع احلكومي وغياب م�شاريع اال�ستثمار يف املناطق ال�شمالية من‬ ‫اليم���ن‪ .‬وبرغم ما �شهدته هذه احلروب – الت���ي بكل املقايي�س ال ميكن‬ ‫اعتبارها عملي���ة �شرعية ملكافحة الإرهاب – من عنف �شديد‪ ،‬ف�إنها مل‬ ‫تنل �سوى القليل من نقد القوى الغربية واهتمام ًا �إعالمي ًا �ضئيالً‪ .‬ولكن‬ ‫م���ن املمكن �أن ُتخِ���ل هذه احلرب بالت���وازن ال�سيا�س���ي والطائفي الذي‬ ‫�أثبت فعاليته حتى فرتة قريبة‪.‬‬

‫يف امل�ؤ�س�س���ات العمومي���ة (كاجلي����ش وال�شرط���ة واجلامع���ات وغريها)‬ ‫هو ال�سبي���ل �إىل فهم هذا اال�ستقرار‪ ،‬فت�ش���ارك ال�سلطة هو من خ�صال‬ ‫النظ���ام الرئي�سية‪ .‬كم���ا �أن وجود “جمتمع متم���دن” تقليدي قوي على‬ ‫�شكل جماعات قبلية و�إ�سالمية – وهي يف معظمها م�سلحة �أو قادرة على‬ ‫معار�ض���ة الدولة – قل���ل من قدرة نظام احلكم عل���ى احتكار كل القوى‬ ‫املحرك���ة لل�سلطة وحتقيق �أي �أحالم ا�ستبدادية‪ .‬ولكن ل�سوء احلظ يبدو‬ ‫�أن هناك قوى داخلية وكذلك �ضغوط خارجية تهز كفّتي الو�ضع املتوازن‬ ‫بد ًال من حماولة احلفاظ عليه‪.‬‬ ‫�أم���ا يف ال�ساب���ق فق���د ح�ض���ت ث���ورة ‪ 1962‬اجلمهوري���ة بدع���م م�صر‬ ‫النا�صري���ة‪ ،‬التي �أر�سلت جنوده���ا �إىل اليمن ملدة خم�س �سنوات ملحاربة‬ ‫امللكي�ي�ن املدعومني من ال�سعودية‪ .‬وكان نظ���ام احلكم اجلديد مت�شدد ًا‬ ‫يف ب���ادئ الأم���ر لكن���ه �سرع���ان م���ا فتح ب���اب احل���وار م���ع الإ�سالميني‬ ‫بالإ�ضاف���ة �إىل املجامي���ع القبلية‪ ،‬التي كان بع�ضه���ا يف البداية معار�ض ًا‬ ‫للجمهورية‪ .‬ومنذ عام ‪ 1967‬و�صاعداً‪� ،‬سعت احلكومة اليمنية �إىل دمج‬ ‫امللكيني ال�سابقني عن طريق الرتا�ضي بني الطرفني‪� ،‬إذ مت �إعطاء بع�ض‬ ‫رج���ال الدين الزيديني منا�صب رفيعة يف الدول���ة‪ ،‬ومنها من�صب مفتي‬ ‫اجلمهورية‪.‬‬ ‫�أي�ض���ا كان هن���اك الإخ���وان امل�سلم�ي�ن وكان���وا م���ن �أن�ص���ار النظ���ام‬ ‫الرئي�سي�ي�ن‪ ،‬وركزوا جُ ل اهتمامهم – كما يفعلون يف البلدان الأخرى –‬

‫يف الوقت الذي ي�صور الكثري‬ ‫منطق الدمج‬ ‫من املحللني وال�صحفيني اليمن ب�أنه على �شفا الهاوية جند �أن اليمن يف‬ ‫الواقع ما زال ثابت ًا ب�صورة مده�شة‪ .‬وبرغم وجود معار�ضة داخلية قوية‬ ‫(�سيا�سي��� ًا وقبلي���اً)‪ ،‬والعداء املتكرر مع الدول املج���اورة وب�صفة خا�صة‬ ‫العربي���ة ال�سعودية‪ ،‬ا�ستطاع النظام اجلمهوري وحكم الرئي�س علي عبد‬ ‫اهلل �صال���ح موا�صلة املقاومة والتغلب على الكثري من الأزمات‪ :‬احلروب‬ ‫الت���ي ن�شبت بني الأنظم���ة اليمنية املتعادية‪ ،‬وال�صدام���ات مع ال�سعودية‬ ‫و�إريرتي���ا‪ ،‬وتوحيد �شطري اليم���ن‪ ،‬وحرب اخلليج وما‬ ‫تاله���ا من ط���رد ما يق���ارب ‪ 800.000‬عام���ل ميني من ظ��ل قمع اجلماع��ات الإ�س�لامية يف �إطار حمدود‪ ،‬وا�س��تطاع‬ ‫ال�سعودي���ة والكويت‪ ،‬و�أزمة ف�ت�رة ما بعد احلادي ع�شر ال�س��لفيون وال�ص��وفيون والزيدي��ة املج��ددون والإخ��وان‬ ‫من �أيلول‪�/‬سبتمرب‪.‬‬ ‫مبا يح���دث لأنظمة احلك���م يف العامل امل�س��لمون‪ ،‬بل وحتى �أفراد متعاطفون م��ع املبادئ اجلهادية‪،‬‬ ‫و�إذا م���ا قارنا‬ ‫العرب���ي ب�ص���ورة عامة لوجدن���ا �أن الثمن ال���ذي دفعه التو�صل �إىل مواقع النخب ال�سيا�سية والقبلية‬ ‫ال�شعب اليمني لتحقيق ه���ذا اال�ستقرار امل�ؤ�س�سي قليل‬ ‫ن�سبي���اً‪ .‬و�إذا كان يف اليمن ن���وع من الدميقراطية‪ ،‬وتع���اين من الف�ساد عل���ى �إ�صالح نظام التعليم ل�صاحلهم‪ .‬ويف نف�س العام ال�سابق عُ ينّ �أحد‬ ‫امل�ست�ش���ري وتدين م�ست���وى التنمية وارتف���اع ن�سبة الق�س���وة‪� ،‬إال �أنها مل زعمائهم‪ ،‬عبد امللك الطيب‪ ،‬وزير ًا للرتبية والتعليم يف اليمن ال�شمايل‪.‬‬ ‫ُتع���انِ من م�ستويات عالية من العن���ف املدعوم من الدولة مقارنة بعراق ويف ال�سبعينيات توىل عبد املجيد الزنداين‪ ،‬الذي يعترب ع�ضو ًا مت�شدد ًا‬ ‫�ص���دام ح�سني‪� ،‬أو من �سلب احلريات ال�سيا�سية مقارنة باململكة العربية يف حزب الإخوان امل�سلمني‪ ،‬م�سئولية الإ�شراف على التعليم الديني‪ ،‬ومت‬ ‫ال�سعودي���ة‪ .‬كما مل تواجه الكثري م���ن �سفك الدماء وعمليات القمع التي توظيف مدر�سني م�صريني و�سودانيني ممن تلقوا تعليمهم يف اجلامعات‬ ‫�شهدته���ا اجلزائر خ�ل�ال الت�سعينيات م���ن القرن املا�ض���ي �أو يف م�صر الديني���ة كجامع���ة الأزه���ر‪ .‬ويف نف����س الوقت تر�أ����س �أف���راد م�شابهون‬ ‫خالل ال�سبعينيات‪� ،‬سواء من قبل الدولة �أو اجلي�ش �أو املتمردين‪ .‬وحتى للإخ���وان امل�سلمني نظام التعليم املوازي للمدار����س‪ ،‬وهو نظام املعاهد‬ ‫يف ح���رب ‪ 1994‬بني اجلي�ش ال�شم���ايل واالنف�صاليني يف اجلنوب مل تكن العلمي���ة‪ .‬وق���د كان الغر�ض من �إن�ش���اء هذه املعاه���د يف البداية ت�شكيل‬ ‫ن�سب���ة ال�ضحايا عالي���ة‪ ،‬بل �إنه مت دم���ج الكثري من ق���ادة االنف�صال يف معار�ض���ة ملنع تو�سع النظام اال�شرتاك���ي يف املناطق احلدودية مع اليمن‬ ‫�أجه���زة الدولة و�أ�صبح البع�ض الآخر م���ن م�ست�شاري الرئي�س املقربني‪ .‬اجلنوبي �سابقاً‪ ،‬وكانت ال�سعودية هي امل�صدر املمول الرئي�سي لها‪ ،‬حتى‬ ‫وله���ذا ال�سب���ب على الأقل ميك���ن اعتبار ع���دد امل�شردي���ن داخلي ًا الذي مع حتقيق الوحدة اليمنية عام ‪ .1990‬وبعد نقا�ش حاد �أ�صبحت املعاهد‬ ‫ي�ص���ل حوايل مائة �أل���ف وتدمري بع�ض القرى خالل ح���رب �صعدة منذ العلمي���ة‪ ،‬التي قي���ل �أن بها حوايل ‪ 600.000‬طالب���اً‪� ،‬ضمن نظام التعليم‬ ‫حزيران‪/‬يوني���و ‪� 2004‬صدع��� ًا وا�سع��� ًا يف ج���دار العالقات ب�ي�ن الدولة العام يف ‪.2002‬‬ ‫وخ�ل�ال الت�سعينيات �سلكت هذه ال�شراك���ة يف ال�سلطة مع الإ�سالميني‬ ‫و�شرائح املجتمع‪.‬‬ ‫م�سل���ك ًا �سيا�سي��� ًا ب�ص���ورة مبا�ش���رة‪ .‬فم���ع �أن الوحدة اليمني���ة بُنيت يف‬ ‫م�ش��اركة الإ�س�لاميني‬ ‫بالنظر الأ�سا����س عل���ى ال�شراكة بني احلزب�ي�ن احلاكمني يف ال�شم���ال واجلنوب‬ ‫الدولة‬ ‫بني‬ ‫���ات‬ ‫ق‬ ‫العال‬ ‫عامل‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫���دو‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫إطار‬ ‫�إىل و�ض���ع اليم���ن يف ذلك ال‬ ‫�إال �أن النخب���ة ال�سيا�سي���ة يف ال�شمال كانت تت���وق �إىل �إيجاد حلفاء جدد‬ ‫والفئ���ات ال�سيا�سية املتعددة‪ ،‬خا�صة منها الفئ���ات الإ�سالمية‪ ،‬ودجمها له���ا‪ .‬ويف ‪ 1993‬بع���د �أول انتخاب���ات عامة �أ�صبح عب���د املجيد الزنداين‬ ‫‪124‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫�أح���د الأع�ض���اء اخلم�سة يف جمل�س الرئا�سة بينم���ا مت انتخاب عبد اهلل‬ ‫ب���ن ح�س�ي�ن الأحمر – رئي����س حزب الإ�صالح – رئي�س��� ًا ملجل�س النواب‪،‬‬ ‫م�ستفيد ًا من �أ�ص���وات �أع�ضاء جمل�س النواب امل�ؤمتريني‪ .‬وعندما بد�أت‬ ‫العالق���ات مع قادة احل���زب اال�شرتاكي تتوتر‪ ،‬واف���ق الرئي�س علي عبد‬ ‫اهلل �صال���ح على م�شارك���ة احلكم مع حزب الإ�ص�ل�اح‪ ،‬ف�شارك الإخوان‬ ‫امل�سلم�ي�ن مبا�ش���رة يف احلكوم���ة خ�ل�ال الف�ت�رة ‪1993‬‬ ‫– ‪ ،1997‬ولعب���وا دور ًا �أك�ب�ر بع���د ح���رب ‪ 1994‬وزوال يف ظل ال�ضغط الذي ي�شكله كل من املجتمع اليمني واحلليف‬ ‫اال�شرتاكي�ي�ن‪ .‬كم���ا عُ �ّي�ننّ عبد الوه���اب االن�س���ي نائب الأمريكي اجلديد‪ ،‬حاولت احلكومة اليمنية �إثبات م�شاركتها‬ ‫لرئي�س ال���وزراء‪ ،‬وتوىل الإ�صالحيون منا�صب مهمة يف‬ ‫م�ؤ�س�س���ات الدولة (كوزارة الع���دل‪ ،‬والرتبية والتعليم‪ ،‬يف احل��رب عل��ى الإره��اب‪ ،‬ويف نف���س الوقت ظل��ت تتوق �إىل‬ ‫والتجارة‪ ،‬والأوقاف)‪.‬‬ ‫�إثبات ا�ستقالليتها عن القوى الغربية‬ ‫وم���ع �أن م�شارك���ة الإ�صالحي�ي�ن يف احلكومة تعرقلت‬ ‫ع���ام ‪� 1997‬إال �أن دمج كل فئات اجلماعات الإ�سالمية يف �أجهزة الدولة اال�ستقرار و�أعمال العنف من قبل عنا�صر �إ�سالمية ينتمون �إىل القاعدة‬ ‫ا�ستمر ب�صورة ر�سمية وغري ر�سمية‪ ،‬وما زال الكثري من املنا�صب الهامة �أو ي�ستلهم���ون �أفكارهم من خطابها‪� ،‬إذ تدل تفج�ي�رات �أيلول‪�/‬سبتمرب‬ ‫يف اجلي�ش وقوات الأمن يتواله���ا �أ�شخا�ص معروف �أنهم �إ�سالميون من ‪ 2006‬الت���ي ا�ستهدفت من�ش�آت نفطية‪ ،‬والعملي���ات االنتحارية يف متوز‪/‬‬ ‫كل امل�ش���ارب ال�سيا�سي���ة‪ .‬وهذا هو حال �أهم �شخ�صي���ات النظام الأكرث يولي���و ‪ 2007‬التي ا�ستهدفت �سياح �أ�سبان وخ ّلف���ت ع�شرة قتلى‪ ،‬والقتال‬ ‫ج���د ًال – وهو عل���ي حم�سن الأحمر‪� ،‬أحد �أن�س���اب الرئي�س علي عبد اهلل الذي ن�شب بني املقاتلني وقوات اجلي�ش يف �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ ،2007‬وهجوم‬ ‫�صال���ح وقائد �أحد الألوية يف العا�صمة �صنع���اء‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ظل قمع �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ 2008‬عل���ى ال�سف���ارة الأمريكي���ة‪ ،‬ت���دل كله���ا على هذه‬ ‫اجلماعات الإ�سالمية يف �إطار حمدود‪ ،‬وا�ستطاع ال�سلفيون وال�صوفيون التوت���رات يف البالد‪ .‬ويف خ�ضم ذلك يب���دو �أن الدولة تفقد توا�صلها مع‬ ‫والزيدي���ة املجددون والإخوان امل�سلمون‪ ،‬ب���ل وحتى �أفراد متعاطفون مع جماع���ات العنف التي كان���ت ذات مرة ت�سيطر عليه���ا من خالل الدمج‬ ‫املبادئ اجلهادية‪ ،‬التو�صل �إىل مواقع النخب ال�سيا�سية والقبلية‪.‬‬ ‫ال�سيا�سي واالقت�صادي‪.‬‬ ‫وطاملا �أن اخلالف مع اجلماعات اجلهادية ما زال حمل ت�سا�ؤل‪ ،‬وغري‬ ‫الت��وازن حت��ت ال�ض��غط‬ ‫عل���ى تام ورمبا قابل للإبطال (باعتبار �أن عدد ًا من املنتمني للأجهزة الأمنية‬ ‫الرغم من �أن الأزم���ة التي حدثت يف �أعقاب هجمات احلادي ع�شر من ما زالوا على توا�صل مع هذه اخلاليا املتطرفة)‪ ،‬ف�إن احلرب يف �صعدة‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر قد �أثرت يف تل���ك الرتتيبات ال�سيا�سية‪ ،‬لكنها حتى الآن �ض���د احلوث���ي و�أن�صاره من���ذ ‪ 2004‬يبدو �أنه���ا تزيد من ات�س���اع الفجوة‬ ‫مل ت�ش���كل تهديد ًا لبقائه���ا وا�ستمرارها‪ .‬ويف ظل ال�ضغ���ط الذي ي�شكله الت���ي تعطيها طابع ًا طائفي ًا مناه�ض ًا لل�شيع���ة يذكرنا باحلال يف العراق‬ ‫كل م���ن املجتم���ع اليمني واحلليف الأمريكي اجلدي���د‪ ،‬حاولت احلكومة ومناط���ق �أخ���رى يف ال�شرق الأو�س���ط‪ .‬و�إىل جانب املجددي���ن الزيديني‬ ‫اليمني���ة �إثب���ات م�شاركتها يف احل���رب على الإره���اب‪ ،‬ويف نف�س الوقت املت�شددي���ن‪ ،‬ي�ستهدف نظام احلكم رجال الدي���ن الزيديني واملنظمات‬ ‫ظل���ت تتوق �إىل �إثب���ات ا�ستقالليتها ع���ن القوى الغربي���ة‪ .‬وبالتعاون مع التي كانت ذات مرة من حلفائه‪ .‬كما يثري العنف الذي ميار�سه اجلي�ش‬ ‫الوالي���ات املتحدة نفذت الدول���ة �أي�ض ًا ا�سرتاتيجي���ة ت�صالح جديدة مع دون متييز �سخط الفئات القبلية واالجتماعية التي هي يف الأ�صل ت�شعر‬ ‫املتطرفني عام ‪ ،2002‬وق���ام بتطبيقها على �أر�ض الواقع القا�ضي حمود ب�إق�صاء الدولة لها‪.‬‬ ‫الهت���ار‪ ،‬ال���ذي �أ�صبح وزير ًا للأوق���اف والإر�شاد ع���ام ‪ ،2007‬وذلك من‬ ‫ويبدو �أن قيام احلكومة مبهاجمة الزيديني املجددين يعر�ضها ملخاطر‬ ‫�أج���ل �إثبات جن���اح مبد�أ احلوار بد ًال من �أ�سل���وب القمع املح�ض‪ .‬وغالب ًا �أق���ل مم���ا لو كانت ت�سع���ى لتلبية كل مطال���ب حلفائها الغربي�ي�ن �أو قمع‬ ‫م���ا تُعر�ض اتفاقيات على املقاتلني العائدي���ن �إىل اليمن بعد م�شاركتهم جماع���ات �إ�سالمية لها متثي���ل �أكرب يف �أو�ساط ال�شع���ب اليمني‪ ،‬خا�صة‬ ‫يف اجله���اد خارج وطنهم‪ ،‬وه���ي اتفاقيات تقدّم من قبل م�سئولني كبار‪ :‬تل���ك اجلماعات الت���ي لها عالق���ة بالإخوان‬ ‫ال�سري نحو‬ ‫ومن ه���ذه االتفاقيات تقدمي مُنح مالية للب���دء ب�أعمال جتارية �صغرية‪ ،‬امل�سلمني‪ ،‬وكانت �ستُعرِّ�ض بهذا قاعدتها‬ ‫االعتدال‬ ‫و�إعط���اء ال�ضمانات ب�ت�رك املقاتلني العائدين و�ش�أنه���م ب�شرط توقفهم ال�سيا�سي���ة كامل���ة للخطر ورمب���ا املزيد التايل‬ ‫بقلم‪� :‬ستيج هان�سن و �أتل ميزوي‬ ‫عن ممار�سة الأن�شطة غري امل�شروعة على الأقل داخل اليمن‪ .‬لكن عادة من �أعم���ال العن���ف‪ .‬وبالفع���ل يتم عزل‬ ‫م���ا ُيغَ�ض الطرف عن املقاتلني امل�سافرين �إىل العراق �أو غريها ملمار�سة الزيدي�ي�ن‪ ،‬بل �أنه���م يف الأ�صل ق���د تعر�ضوا‬ ‫�أعم���ال عن���ف‪ .‬وقد �أثبت هذا الت�صرف جناح��� ًا �إىل حد كبري‪ ،‬حيث مل للتدم�ي�ر �إىل حد كبري من خالل التط���ورات التاريخية التي حدثت‪ ،‬وما‬ ‫يعد نظام احلكم يواجه �سوى القليل من �أعمال العنف الداخلي من قبل تق���وم به الدولة �ضدهم ال يعر�ضها لأي تهديد حقيقي طاملا �أنها توا�صل‬ ‫بع�ض اجلماعات الإ�سالمية‪.‬‬ ‫جهوده���ا يف حت�سني عالقته���ا بباق���ي الطوائف الديني���ة الإ�سالمية يف‬ ‫لكن ال�ضغط والنقد الدويل املتنامي (خا�صة من قبل الرئي�س الأمريكي‬ ‫اليمن‪.‬‬ ‫ال�سابق جورج بو�ش‪ ،‬الذي وجه خطاب ًا لنظريه اليمني عام ‪ 2006‬يت�ساءل‬ ‫في���ه عن م�صداقية التزام اليمن باحلرب على الإرهاب) بد�أ ي�ؤدي �إىل‬ ‫تغيري‪ .‬وقد دفع ذلك التوجه نخبة من داخل احلكومة اليمنية �إىل تعزيز‬ ‫�سلطته���م اخلا�صة‪ .‬ومنذ ‪ 2004‬يبدو �أن عمليات حماربة الإرهاب‪ ،‬التي‬ ‫اتخ���ذت �شكل اعتق���االت‪ ،‬و�إغالق للمعاه���د الدينية (مب���ا فيها التابعة‬ ‫حل���زب الإ�صالح)‪ ،‬وغارات للجي����ش‪ ،‬تتزامن مع ارتف���اع م�ستوى عدم‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪125‬‬


‫املحــور‬

‫ال�سري نحو االعتدال‬

‫جتربة جماعة «الإخوان امل�سلمني» يف اليمن‬ ‫�ستيج هان�سن و �أتل ميزوي‬

‫يتتب���ع املق���ال الت���ايل‪ ،‬من وجهة نظر غربية‪ ،‬تاريخ جماع���ة «الإخوان امل�سلمني» يف اليمن ‪ -‬وذل���ك �ضمن خارطة �أو�سع‬ ‫ت�ضم تنظيمات جماعة الأخوان يف منطقة القرن الأفريقي الكبري ‪ -‬بغية التعرف على ما �إذا كان من املمكن للجماعة‬ ‫�أن تعمل �ش���ريكاً يف اجلهود الرامية �إىل تعزيز اال�س���تقرار والتنمية يف البالد‪ .‬وي�ستك�ش���ف املقال كذلك �س���جل «الإخوان‬ ‫اليمنيني»‪ ،‬وحزبهم املُ�ؤطِّ ر لن�ش���اطهم ال�سيا�س���ي (التجمع اليمني للإ�ص�ل�اح)‪ ،‬ب�ش����أن �إمكاناتهم ك�ص���انعني حمتملني‬ ‫لل�س�ل�ام‪ ،‬ويتو�ص���ل �إىل �أن �أجندتهم ال�سيا�س���ية ت�ؤثر يف و�س���طيتهم‪ ،‬على الرغم من �أن الإخوان يظلون طرفاً مهماً يف‬ ‫تفاعالت ال�سيا�س���ة املحلية‪ .‬وتعد �إمكانات التجمع اليمني للإ�ص�ل�اح كحزب �سيا�س���ي يف �صنع ال�سالم – كما يرى كاتبا‬ ‫املقال ‪ -‬عظيمة على امل�س���توى املحلي ويف املفاو�ض���ات مع �أقرانهم من امل�س���لمني ال�سّ ���نة‪ ،‬بالنظر �إىل اعتدالهم الن�س���بي‬ ‫مقارنة بجماعات �إ�سالمية �أخرى‪.‬‬ ‫‪126‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫�ستيج هان�سن و �أتل ميزوي باحثان يف املعهد الرنويجي‬ ‫للبحوث املدنية والإقليمية‪� ،‬أو�سلو‪.‬‬

‫ُيعَ��� ُّد التاري���خ‬ ‫بداي��ات متوا�ض��عة‬ ‫املبكر جلماعة الإخوان امل�سلمني يف اليمن مُثري ًا لاللتبا�س �إىل حد ما‪،‬‬ ‫فرمب���ا تعود جذوره الأوىل �إىل نادي الإ�صالح الذي ت�أ�س�س يف القاهرة‬ ‫ع���ام ‪ ،1934‬الذي كان يقوم على فل�سفة ر�شيد ر�ضا وحممد عبده �أكرث‬ ‫من���ه على فل�سفة ح�سن البنا‪ .‬ويف ع���ام ‪ ،1939‬غيرَّ التنظيم ا�سمه �إىل‬ ‫الكتيب���ة الأوىل‪ .‬وكان من قادة ه���ذه اجلماعة زعيم الإخوان امل�سلمني‬ ‫اجلزائري�ي�ن‪ ،‬الف�ضي���ل الورتالين‪ ،‬الزمي���ل املقرب من ح�س���ن البنا‪،‬‬ ‫املر�شد العام جلماعة الإخوان امل�سلمني‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن عمر تلك اجلماعة كان ق�صرياً‪� ،‬إال �أن الورتالين‬ ‫ا�ضطل���ع ب���دو ٍر مهمٍ يف ن�ش���ر فكرة الإخ���وان يف اليم���ن‪ ،‬النخراطه يف‬ ‫الأن�شطة املناه�ضة لل�شيعة مع جماعة الإخوان امل�صرية‪ .‬كذلك‪� ،‬شارك‬ ‫�أفراد الإخوان يف الكفاح �ضد الإمام حتى مت خلعه عام ‪.1962‬‬ ‫ويب���دو �أن هناك تنظيمات عدي���دة ذات عالقة بالإخوان ظلت تظهر‬ ‫ثم تختفي �إىل �أن مت ت�أ�سي�س تنظيم منظم للإخوان امل�سلمني يف �أواخر‬ ‫ال�ستيني���ات من الق���رن املا�ضي كما تتف���ق امل�صادر عل���ى ذلك ب�صفة‬ ‫عامة‪ .‬وبحل���ول بداية ال�سبعيني���ات‪ ،‬قاد التنظيم اليمن���ي عبد املجيد‬ ‫الزن���داين‪ ،‬الذي كان الإخوان امل�صريون م�صدر �إلهام له �أثناء �إقامته‬ ‫يف م�ص���ر على الرغم من �أنه كان �أكرث ت�ش���دد ًا من التنظيم امل�صري‪.‬‬ ‫ونظر ًا �إىل �سجله املث�ي�ر للجدل واملت�شدد‪ ،‬فقد حل حمله الحق ًا يا�سني‬ ‫عب���د العزيز القباطي‪ .‬وخالل الثمانينيات من القرن الع�شرين‪ ،‬تو�سع‬ ‫تنظي���م الإخوان‪ ،‬ف�أن�ش����أ يف عام ‪ 1985‬جريدته اخلا�ص���ة «ال�صحوة»‪،‬‬ ‫الت���ي ما زالت موجودة حتى اليوم‪ .‬ويف ع���ام ‪ ،1988‬فاز الإخوان بعدد‬ ‫كبري من املقاعد يف انتخابات املجل�س اال�ست�شاري‪.‬‬ ‫ت�أ�س����س التجمع اليمني للإ�ص�ل�اح يف ‪ 13‬كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪1990‬‬ ‫ح�ي�ن �سُ مِ ح بتكوين الأح���زاب ال�سيا�سي���ة يف اليم���ن‪ .‬وكان التنظيم ‪-‬‬ ‫ترا�ض ب�ي�ن ال�شيخ عبداهلل الأحمر‪،‬‬ ‫بالعدي���د من الطرق ‪ -‬زواج ًا عن ٍ‬ ‫�شي���خ احت���اد قبائل حا�شد‪ ،‬التي ُت َع ُّد من �أك�ب�ر القبائل يف اليمن‪ ،‬وبني‬ ‫جماعة الإخوان الأكرث مدنية‪ ،‬التي كان يقودها ال�شيخ يا�سني القباطي‪،‬‬ ‫الذي ال يزال هو الزعيم الروحي لها حتى اليوم‪ .‬وعلى الرغم من كونه‬ ‫اندماج ًا بني �إح���دى جماعات الإخوان وجماعة ال تنتمي �إىل الإخوان‪،‬‬ ‫�إال �أن الإخوان قبلوه بو�صفه من �إخوان اليمن‪ ،‬وهو كثري ًا ما يذكر بهذه‬ ‫ال�صفة يف موقع الإخوان امل�صريني‪.‬‬ ‫ويف الواق���ع‪ ،‬كان التجمع اليمن���ي للإ�صالح ‪ -‬وال يزال ‪ -‬ي�ضم بع�ض ًا‬ ‫م���ن العنا�صر ال�صريحة التي ال تنتم���ي �إىل الإخوان‪ .‬وقد جذب �سجل‬ ‫الإ�صالح‪ ،‬املناه�ض لل�شيعة‪ ،‬الكثري من العنا�صر الوهابية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫�أدى �إىل ن�ش���وء جماع���ة وهابي���ة فرعية داخ���ل التنظي���م‪ .‬وقد تعززت‬

‫هذه اجلماع���ة الفرعية برغبة اململك���ة العربية ال�سعودي���ة يف ت�أ�سي�س‬ ‫م�شروع���ات �أطلقها �أع�ضاء الإ�صالح‪ .‬وكان الحتاد قبائل حا�شد متثيل‬ ‫ق���وي داخ���ل التنظي���م‪ .‬ويف هذا ال�صدد يج���ب �أال يُن�س���ى �أن العنا�صر‬ ‫القبلية لها نفوذ قوي يف ال�سيا�سة اليمنية ب�صفة عامة‪ ،‬فالقبائل متثل‬ ‫قوى مقابلة للدولة الأتوقراطية‪ .‬ومتثل القبائل بالن�سبة �إىل العديد من‬ ‫املواطنني درع ًا يقيهم من اال�ضطهاد والطموحات ال�شمولية للحكومة‪.‬‬ ‫كم���ا يظل التوريث والروابط العائلية م���ن العنا�صر املهمة للديناميكية‬ ‫الداخلية للتنظيم‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغم م���ن وجود ه���ذه التجمع���ات الغريبة بع����ض ال�شيء يف‬ ‫تنظيمه���م‪� ،‬إال �أن ال�سيطرة على التنظيم تب���دو يف يد الإخوان‪ .‬ف�أثناء‬ ‫الدرا�س���ات امليداني���ة التي �أجري���ت من �أجل هذا التقري���ر‪ ،‬كان يزعم‬ ‫كث�ي�ر ًا �أن الإخ���وان كان���وا‪ ،‬وما زالوا‪ ،‬ه���م امل�سيطرين عل���ى التنظيم‪.‬‬ ‫ويقال غالب��� ًا �إن الإ�صالح كان ميتلك غالب��� ًا جمموعة غري ر�سمية من‬ ‫�أع�ض���اء الإخوان‪ ،‬الذي���ن امتلك���وا‪ ،‬وحافظوا عل���ى امتالكهم‪� ،‬سج ًال‬ ‫�إخواني ًا داخل احلزب‪.‬‬ ‫ح���ذا احلزب حذو جماعات الإخوان الأخرى يف تركيزه على النظام‬ ‫الإ�سالم���ي وال�شريع���ة؛ �إذ �أكد عل���ى �أن ال�شريعة ه���ي �أ�سا�س الد�ستور‬ ‫اليمن���ي‪ ،‬ال ب���ل �إن���ه ق���اد حملة غ�ي�ر ناجحة ملقاطع���ة اال�ستفت���اء على‬ ‫الد�ستور الذي �أجري يف عام ‪ ،1991‬لأن الد�ستور ذكر ال�شريعة بو�صفها‬ ‫امل�ص���در «الرئي�سي» ولي�س امل�صدر «الوحي���د» للد�ستور‪ .‬وبحلول كانون‬ ‫الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ ،1992‬نظم الإ�صالح م�ؤمت���ر ًا لل�سالم والوحدة‪ ،‬حتت‬ ‫�شعار «القر�آن وال�سن���ة يجُ بّان الد�ستور والقانون»‪ .‬كما �أن احلزب كان‬ ‫قريب ًا من احل���زب احلاكم‪ ،‬امل�ؤمتر ال�شعبي العام‪ ،‬وال غرابة يف ذلك؛‬ ‫حي���ث كان الإخوان قريبني بل ومندجمني مع دوائر �صنع القرار داخل‬ ‫النظ���ام احلاكم منذ �أواخ���ر ال�ستينيات من الق���رن الع�شرين‪� .‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ذلك‪ ،‬فقد قام الأع�ضاء‪ ،‬ب�صفاتهم الفردية‪ ،‬بدور مهمٍ يف ت�أ�سي�س‬ ‫اجلبه���ة الإ�سالمية يف عام ‪ ،1979‬وهو تنظي��� ٌم حارب كحليف للرئي�س‬ ‫احل���ايل علي عبد اهلل �صالح �ض���د دولة اليمن اجلنوبي يف ال�صدامات‬ ‫املختلف���ة الت���ي وقعت خ�ل�ال الثمانينيات م���ن الق���رن الع�شرين‪ .‬ومن‬ ‫ث���مّ ‪ ،‬كان �أع�ضاء الإ�صالح غالب ًا ب�ي�ن حلفاء الرئي�س �صالح يف معركته‬ ‫�ض���د املارك�سيني يف اجلن���وب‪ ،‬وكانوا قريبني من احل���كام منذ �أواخر‬ ‫ال�ستينيات على الأقل‪.‬‬ ‫كذل���ك‪ ،‬كانت هناك عالقات عائلية و�شخ�صية بني �أع�ضاء الإ�صالح‬ ‫وامل�ؤمتر ال�شعبي العام‪ .‬وكان هناك زعماء بارزون‪ ،‬ومنهم مث ًال �أبو بكر‬ ‫القرب���ي‪� ،‬أع�ضا ًء يف احلزبني‪ .‬ال‪ ،‬ب���ل �إن مر�شحني من حزب الإ�صالح‬ ‫ان�سحب���وا يف دوائر انتخابي���ة عديدة مل�صلحة مر�شح���ي حزب امل�ؤمتر‬ ‫يف ع���ام ‪ .1993‬وكان القُ���رب م���ن ح���زب امل�ؤمتر‪ ،‬ومناه�ض���ة العقيدة‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪127‬‬


‫املحــور‬ ‫ومت عر����ض املن�ص���ب على احلزب ال�شيعي ‪ -‬الزي���دي املحافظ‪ ،‬حزب‬ ‫احل���ق‪ .‬ح���اول الإ�صالح على م�ض����ض االجتاه مرة �أخ���رى نحو جمل�س‬ ‫التن�سي���ق الأعل���ى للمعار�ضة عل���ى الرغم من معار�ضت���ه الأيديولوجية‬ ‫له���ذا التحال���ف‪ .‬وبحلول عام ‪ 2000‬اعرتف التجم���ع اليمني للإ�صالح‬ ‫باملظ���امل التي وقعت بحق اال�شرتاكيني‪ ،‬بل وهدد مبقاطعة االنتخابات‬ ‫املحلية التي �أُجريت يف عام ‪( 2001‬على الرغم من �أنه �شارك فيها يف‬ ‫النهاية)‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫يف احل�صول على مر�شحات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يبدو �أن التغيريات التي حدثت‬ ‫يف جمل����س �شورى التجمع اليمني للإ�ص�ل�اح – ومنها ا�ستبدال حممد‬ ‫عل���ي عجالن نائب رئي�س املجل�س بالزن���داين رئي�س املجل�س‪ ،‬وانتخاب‬ ‫‪ 13‬امر�أة �أع�ضاء يف الهيئة التي تت�ألف من ‪ 130‬مقعد ًا للمرة الأوىل يف‬ ‫تاري���خ حزب التجمع اليمن���ي للإ�صالح‪ ،‬وهذا ي�ش�ي�ر �إىل �أن املعتدلني‬ ‫كانوا يكت�سبون قوة‪.‬‬ ‫ويف النهاي���ة‪� ،‬أ�صبح الزنداين عبئ��� ًا على احلزب بعد اتهامه من قبل‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية بتموي���ل تنظيم القاعدة‪ ،‬وب�إ�صدار بيانات‬ ‫تن ُّم عن تغيريات مت�شددة ن�سبياً‪ ،‬زعم فيها‪ ،‬من بني �أمور �أخرى‪ ،‬عدم‬ ‫االعت���داد ب�شهادة املر�أة الواحدة يف الق�ضاي���ا املعرو�ضة �أمام املحاكم‬ ‫ب�سب���ب �ضعف املر�أة العقلي‪ .‬وقد واجه الزنداين كذلك معار�ضة داخل‬ ‫التجم���ع اليمني للإ�صالح‪ .‬ففي خري���ف ‪ ،2008‬كانت هناك دعوة �إىل‬ ‫�إن�شاء جلنة للأمر باملع���روف والنهي عن املنكر‪ ،‬لتكون جهاز ًا للرقابة‬ ‫الأخالقي���ة‪ ،‬وكان من املق���رر �أن يكون الزنداين هو رئي�س اللجنة‪ ،‬غري‬ ‫�أن التجمع اليمني للإ�صالح رف�ض الفكرة من البداية‪ ،‬ما يدل عالنية‬ ‫على �أن نفوذ الزنداين كان حمدوداً‪.‬‬ ‫ويبدو �أن التجمع اليمني للإ�صالح �آخذ اليوم يف االعتدال؛ بيد �أنه ال‬ ‫ي���زال فيه جناح �أكرث تطرف��� ًا وجناح قبلي ال يزال حمافظاً‪ .‬ويف الوقت‬ ‫الذي يبدو فيه الزنداين‪ ،‬الذي يعد �أبرز العنا�صر املتطرفة‪ ،‬ال يحظى‬ ‫بالنفوذ ال�ل�ازم‪ ،‬فقد ظل العن�صر القبلي بقي���ادة ال�شيخ عبد اهلل بن‬ ‫ح�سني الأحمر على قوته حتى تويف الأخري يف ‪ 29‬كانون الأول‪/‬دي�سمرب‬ ‫‪.2007‬‬ ‫ويتزع���م التجم���ع اليمن���ي للإ�ص�ل�اح الوج���ه املعت���دل‪ ،‬اليدومي‪ ،‬يف‬ ‫الوق���ت احلايل‪ ،‬وه���و الأمر الذي رمبا ي�شري �إىل وج���ود رغبة متجددة‬ ‫للتع���اون على �إيج���اد حلول �سيا�سية لليمن‪ .‬ومع ذل���ك‪ ،‬ينبغي �أال يغيب‬ ‫ع���ن الأذه���ان �أن التنظي���م ال ي���زال حمافظ ًا عل���ى اهتمام���ه ال�شديد‬ ‫بتطبي���ق ال�شريع���ة‪ ،‬و�أن �إرادة التو�صل �إىل حل و�س���ط قد ت�أ�س�ست بناء‬ ‫على ر�أي التجمع اليمني للإ�صالح ب�أن هذا الإطار كان موجود ًا بالفعل‬ ‫يف الد�ستور اليمني‪ .‬ماذا يق���ول تاريخ التجمع اليمني للإ�صالح ب�ش�أن‬ ‫�إمكاناته يف �صنع ال�سالم؟‬ ‫�أوالً‪� ،‬أن التنظيم كان �أحد الأطراف املتحاربة يف ال�صراعات اليمنية‪،‬‬ ‫و�أنه كان �شبه دينيٍّ يف طبيعته‪ ،‬و�أنه كان مناه�ض ًا لل�شيعة واملارك�سيني‪،‬‬ ‫و�أنه قدم عنا�صر للحكومة اليمنية يف حروبها مع كال املجموعتني‪ .‬بيد‬

‫‪ME Archive‬‬

‫املارك�سي���ة يعني���ان �أن الإ�ص�ل�اح �أحد امل�صادر التي تق���ف خلف التوتر‬ ‫ال���ذي �أدى �إىل احلرب الأهلية الق�ص�ي�رة يف ‪ ،1994‬حني هاجم م�ؤيدو‬ ‫�أحد �أبن���اء الأحمر مكاتب احلزب اال�شرتاك���ي اليمني يف مدينة حجة‬ ‫ال�شمالي���ة بقاذف���ات ال�صواري���خ‪ .‬و�أثناء احل���رب‪ ،‬كان زعماء التجمع‬ ‫اليمن���ي للإ�ص�ل�اح‪ ،‬مثل عبدالوه���اب الديلمي‪ ،‬يُجنِّ���دون الإ�سالميني‬ ‫ضال عن كونه �إحدى قوى‬ ‫لقت���ال اجلنوبيني‪ .‬ومن ثمّ ‪ ،‬ف�إن الإ�صالح‪ ،‬ف� ً‬ ‫ال�س�ل�ام‪ ،‬كان �شريك ًا فاع ًال يف اجله���ود احلربية للنظام احلاكم‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬يبدو �أن ذلك كان مدفوع ًا بعنا�صر قبلية‪ ،‬ولي�س من قبل الإخوان‬ ‫�سيا�س��ات متغ�يرة‬ ‫تعر�ض���ت �سيا�س���ات‬ ‫املت�شددين‪.‬‬ ‫الإ�ص�ل�اح لتغيريين حا�سمني خ�ل�ال تلك ال�سنوات‪ :‬التغي�ي�ر الأول هو‬ ‫وعل���ى الرغ���م م���ن �أن التجمع اليمن���ي للإ�صالح كان يب���دو م�ستقر ًا قب���ول اال�شرتاكيني بو�صفهم حلفاء حمتملني؛ فقد كان التجمع اليمني‬ ‫للعي���ان‪� ،‬إال �أن���ه كان���ت هن���اك �شائع���ات عن وج���ود خالف���ات داخله‪ .‬للإ�ص�ل�اح ينظر �إىل اال�شرتاكيني‪ ،‬الذي���ن �سبق �أن اتهمهم ب�أنهم غري‬ ‫فكان���ت هن���اك مزاعم ب����أن امل�ست�ش���ار الع���ام حلزب الإ�ص�ل�اح‪ ،‬عبد م�ؤمن�ي�ن‪ ،‬ب�أنه���م �أك�ث�ر قيمة م���ن امل�ؤمنني يف احل���زب احلاكم‪ ،‬وذلك‬ ‫املجي���د الزنداين‪ ،‬كان معار�ض ًا ملجل�س ال�شورى الدويل للإخوان‪ .‬وبعد يع���ود يف الأ�سا����س �إىل الأ�سالي���ب واملمار�سات القمعي���ة واال�ستبدادية‬ ‫حم���اوالت ح�سن الرتاب���ي �إن�شاء تنظيم���ات موازية‪ ،‬ن�ش���ط الأخري يف التي ميار�سها احل���زب احلاكم‪ .‬والتغيري الثاين كان بالرتكيز املتزايد‬ ‫رعاية حماوالت الزنداين لل�سيطرة الكاملة على التجمع‬ ‫لتجم���ع الإ�ص�ل�اح عل���ى الدميقراطي���ة‪ .‬فعندما �شعر‬ ‫اليمني للإ�صالح م�ستخدم ًا يف جانب من ذلك الأموال‬ ‫التجم���ع اليمن���ي للإ�ص�ل�اح ب�أن���ه يتعر����ض للخديعة‪،‬‬ ‫ال�سعودية حتى ي�صبح احلزب مرتبط ًا بالوهابية‪ .‬وبهذا كان التجمع اليمني رك���ز يف خطابه على القي���م الدميقراطية‪ ،‬وكان هذا‬ ‫للإ�صالح يركز‬ ‫املعنى‪� ،‬أ�صبح الزنداين العب ًا فاع ًال يف دعم الرتابي يف‬ ‫الرتكي���ز عل���ى القي���م امل�شرتكة هو ال���ذي حافظ على‬ ‫عملية‬ ‫وجود‬ ‫على‬ ‫�صراعه �ضد جماعة الإخ���وان امل�سلمني امل�صرية‪ .‬و�أدى‬ ‫عالقت���ه باال�شرتاكيني‪ .‬ويجب �أال يغي���ب عن البال �أن‬ ‫�شورية‬ ‫دميقراطية‬ ‫ه���ذا �إىل �إ�ضع���اف موقف الزن���داين يف التنظيم‪ ،‬ولكن‬ ‫التجمع اليمني للإ�صالح قد حقق بالفعل هدف �إر�ساء‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫أ�سا�س‬ ‫�‬ ‫و�شرعية‬ ‫الزنداين ظل على الرغم من ذلك رئي�س ًا ملجل�س �شورى‬ ‫الد�ست���ور اليمن���ي عل���ى ال�شريع���ة الإ�سالمي���ة‪ ،‬ولكن‬ ‫تركيز‬ ‫ولكن‬ ‫للدولة‪،‬‬ ‫التجمع اليمني للإ�صالح حتى �شباط‪/‬فرباير ‪.2007‬‬ ‫بع���د حتقيق هذا اله���دف‪ ،‬ركز التنظي���م على العملية‬ ‫ين�صب‬ ‫آن‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫احلزب‬ ‫نظ���ر ًا �إىل ت�ضا�ؤل حاجة حزب امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام‬ ‫اجلدلي���ة لالنتخاب تركيز ًا كبري ًا حتى �إنه اختار دعم‬ ‫الدميقراطية‬ ‫على‬ ‫�إىل التجم���ع اليمن���ي للإ�ص�ل�اح فق���د تدن���ت العالق���ة‬ ‫�أعدائه القدامى‪ ،‬اال�شرتاكيني‪.‬‬ ‫احلزبية‬ ‫اجليدة بني الطرفني‪ .‬وقد �أدت املمار�سات اخلاطئة يف‬ ‫وبو�صفه���ا الفك���رة املركزية للإخ���وان‪ ،‬كان التجمع‬ ‫عملية ت�سجيل الناخبني �إىل دخول الإ�صالح يف ترتيبات‬ ‫اليمني للإ�ص�ل�اح يركز على وجود عملية دميقراطية‬ ‫تعاون م���ع جماع���ات املعار�ض���ة الأخ���رى‪ ،‬فان�ضم �إىل‬ ‫�شوري���ة و�شرعي���ة �أ�سا�س��� ًا للدولة‪ ،‬ولك���ن تركيز احلزب‬ ‫جمل�س التن�سيق الأعلى للمعار�ضة يف ني�سان‪�/‬أبريل ‪ .1997‬وكان دخول الآن ين�ص���ب عل���ى الدميقراطية احلزبية‪ .‬ويب���دو �أن اجلناح احلداثي‬ ‫الإ�ص�ل�اح يف ه���ذا املجل�س يعني تع���اون التجمع اليمن���ي للإ�صالح مع يف التجم���ع اليمني للإ�صالح‪ ،‬الذي كان ي�ضم ك ًال من حممد اليدومي‬ ‫ضال عن �أع�ض���اء �أ�سا�سيني‬ ‫احل���زب اال�شرتاكي اليمني‪ ،‬وهو احلزب القائ���م على �أنقا�ض الأعداء وعب���د الوهاب الآن�سي وحمم���د قحطان ف� ً‬ ‫القدام���ى للتجم���ع اليمني للإ�صالح يف اجلن���وب‪ .‬وكانت تلك اخلطوة م���ن جماعة الإخوان داخ���ل احلزب‪ ،‬هو الذي دفع ه���ذه العملية‪ .‬وقد‬ ‫تعب�ي�ر ًا عن ح���دوث تغيري جذري ي���دل على رغب���ة يف التو�صل �إىل حل ق���ام اليدومي بدو ٍر مهمٍ بو�صفه رئي�س ًا لتحرير جريدة ال�صحوة‪ ،‬وهي‬ ‫و�سط حول الق�ضايا الإيديولوجية‪.‬‬ ‫جريدة الإخ���وان امل�سلمني التي �سبقت الإ�شارة �إليه���ا‪� ،‬إذ �أُتيحت لديه‬ ‫بي���د �أن التجمع اليمن���ي للإ�صالح عاد لفرتة وجي���زة بعد عام ‪ 1997‬فر�صة ممتازة للت�أثري يف �أع�ضاء احلزب‪.‬‬ ‫�إىل حلفائ���ه يف ح���زب امل�ؤمت���ر ال�شعبي الع���ام‪ ،‬و�أب���رم اتفاقات تعاون‬ ‫كذلك‪ ،‬ق���ام املعهد الدميقراطي الوطني الأمريك���ي بدور رئي�سي يف‬ ‫م���ع امل�ؤمتر ال�شعب���ي يف العديد م���ن املناطق‪ .‬ومع ذل���ك‪ ،‬كان التجمع ه���ذه العملية عن طريق جمعه بني الإ�صالح والأطراف الأخرى‪ ،‬الأمر‬ ‫اليمن���ي للإ�ص�ل�اح ي�شعر بالإهان���ة العميقة لأن امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام الذي �أدى �إىل ت�شكيل �أحزاب اللقاء امل�شرتك‪ .‬وقد حقق التعاون يف هذا‬ ‫مل يق���دم له �أي �ش���يء يف مقابل هذه التنازالت؛ ال ب���ل �إن �أحد الوزراء الت�شكيل جناحات كما تعرَّ�ض لإخفاقات؛ فلم ينجح اجلناح املعتدل يف‬ ‫التابع�ي�ن للتجمع اليمني للإ�صالح (وزير الأوقاف) عُ زِ ل من من�صبه؛‬ ‫حزب الإ�صالح يف دفع وجهات نظرهم‪ ،‬وف�شل املعتدلون يف عام ‪2003‬‬

‫ظ��ل العن�ص��ر القبل��ي داخ��ل التجم��ع اليمني للإ�ص�لاح‬ ‫بقي��ادة ال�ش��يخ عبد اهلل بن ح�س�ين الأحم��ر على قوته‬ ‫حتى تويف الأخري يف �أواخر كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪2007‬‬

‫�أن تاريخ���ه يربهن كذلك على قدرته على تخفيف موقفه الإيديولوجي‬ ‫يف فك���ر جماعة الإخ���وان امل�سلمني الكب�ي�ر‪ ،‬الذي يتخذ م���ن ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمي���ة �أ�سا�س ًا له‪� .‬إن عنا�صر التجمع املعت���دل تزداد قوة‪ ،‬والأمن‬ ‫يف اليم���ن �آخ ٌذ يف التدين‪ ،‬و�أعلن التجمع اليمني للإ�صالح م�ؤخر ًا عن‬ ‫ا�ستعداده للقيام بدور �صانع ال�سالم‪.‬‬ ‫�إن اليمن اليوم بلد ه�ش ويتعر�ض للت�صدّع مبا ي�سمى التمرد احلوثي‬ ‫(ال�شباب امل�ؤمن) املتنامي يف ال�سنوات الأخرية يف ال�شمال‪ .‬لقد حتول‬ ‫هذا ال�ص���راع يف ال�سنوات الأخرية �إىل �ص���راع قبلي‪ ،‬وذلك بانخراط‬ ‫العديد من القبائ���ل ال�شمالية يف ال�صراع ب�شكل جماعي‪ .‬وبحلول عام‬ ‫‪ ،2009‬مت جَ ��� ُّر اململك���ة العربية ال�سعودي���ة �إىل ال�صراع يف الوقت الذي‬ ‫كان���ت تتهم في���ه احلكومة اليمني���ة ك ًال من ليبيا و�إي���ران بدعم حركة‬ ‫التمرد‪.‬‬ ‫كذل���ك‪ ،‬ت�صاعدت وترية ال�صراع بني اليمنيني اجلنوبيني واحلكومة‬ ‫من���ذ عام ‪ 2007‬ب�سب���ب ا�ستياء اجلنوبيني مما يعتربون���ه ف�ساد ًا و�سوء‬ ‫�إدارة يف املحافظ���ات اجلنوبي���ة‪ .‬ويف خ�ض���م ذل���ك‪ ،‬تكون���ت معار�ضة‬ ‫جنوبي���ة رخ���وة �ضد احلكومة‪ ،‬يطل���ق عليها «احل���راك اجلنوبي»‪ .‬ويف‬ ‫ع���ام ‪ ،2009‬عمل التجمع اليمني للإ�صالح على كبح القوى املندفعة يف‬ ‫اليم���ن‪ ،‬ولكنه قام بذلك يف �إطار �أح���زاب اللقاء امل�شرتك‪ ،‬حيث نظم‬ ‫عدة م�ؤمترات واجتماعات وطنية للحوار كان �أكربها «ملتقى احلوار»‪،‬‬ ‫وم�ؤمت���ر «الإنق���اذ الوطن���ي»‪ ،‬و�أُطلِقت خط���ة �إنقاذ وطن���ي يف �أيلول‪/‬‬ ‫�سبتم�ب�ر ‪ 2009‬و�أُن�شئِت جلن���ة لل�سالم حتت م�سم���ى «جلنة التح�ضري‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪129‬‬


‫املحــور‬

‫للحوار»‪.‬‬ ‫كان���ت �أحزاب اللقاء امل�شرتك تدع���و �إىل تدويل عملية ال�سالم وعقد‬ ‫م�ؤمترات لتحديد امل�ش���اكل و�إيجاد حلول لها‪ .‬وكان الرتكيز الرئي�سي‪،‬‬ ‫�سواء با�س���م التجمع اليمني للإ�صالح �أو حت���ت املظلة الأكرب لأحزاب‬ ‫اللق���اء امل�ش�ت�رك‪ ،‬من�صب��� ًا على �صن���ع ال�سالم بني احلرك���ة اجلنوبية‬ ‫ال�شعبية واحلكومة‪ .‬هذا رمب���ا يو�ضح �ضعف التجمع اليمني للإ�صالح‬ ‫يف التعام���ل مع جماعة �إ�سالمي���ة �أخرى‪ ،‬هي جماع���ة احلوثيني‪ ،‬التي‬ ‫ضال عن قدرة حليف التجمع‬ ‫خا����ض التجمع قتا ًال �ضدها يف ال�سابق‪ ،‬ف� ً‬ ‫اليمن���ي للإ�صالح يف �أحزاب اللقاء امل�شرتك‪ ،‬وهم اال�شرتاكيون‪ ،‬على‬ ‫التعامل مع احللفاء القدامى يف اجلنوب‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغم من ذلك‪ ،‬ف�إن جميع الأط���راف املتحاربة رف�ضت حتى‬ ‫الآن حم���اوالت ال�س�ل�ام التي قام���ت بها �أحزاب اللق���اء امل�شرتك‪ .‬فال‬ ‫يزال التجمع اليمني للإ�صالح يُنظَ ر �إليه نظرة �شك من قبل جماعات‬ ‫التم���رد ال�شيعي‪ ،‬يف حني تتهمه با�ستغالل الأزمة الراهنة للو�صول �إىل‬ ‫ال�سلط���ة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يبقى الإ�صالح �أح���د التنظيمات القليلة امل�ستقرة‬ ‫يف اليم���ن‪ ،‬وال بد من �أن يك���ون جزء ًا من �أي ح���ل لل�صراعات اليمنية‬ ‫املختلفة‪ .‬كما �أنه يعد �أكرث اعتدا ًال من معظم التنظيمات الإ�سالمية يف‬ ‫اليم���ن‪ .‬وبهذا املعنى‪� ،‬أ�صبح التجمع اليمني للإ�صالح على الرغم من‬ ‫ال�صعوب���ات التي يتعر�ض لها‪ ،‬عن�ص���ر ًا حا�سم ًا يف مفاو�ضات ال�سالم‪،‬‬ ‫�سواء بو�صفه �شريك ًا يف التفاو�ض �أو جزء ًا من �أحزاب اللقاء امل�شرتك‪،‬‬ ‫بو�صفه و�سيط ًا يف مفاو�ضات ال�سالم بني احلكومة واجلنوب‪.‬‬ ‫تظ���ل الأعم���ال‬ ‫الأعم��ال اخلريي��ة‬ ‫اخلريية �سمة مهمة م���ن �سمات التجمع اليمني للإ�صالح؛ فعلى �سبيل‬ ‫املث���ال‪ ،‬ين����ص برنامج احلزب عل���ى �أنه يه���دف �إىل‪“ :‬العمل اخلريي‬

‫املنتظ���م‪ ،‬واالعت�صام باهلل‪ .‬و�شحذ طاقات الف���رد الروحية من خالل‬ ‫تعزي���ز الإميان ال�صحيح ب���اهلل‪ ،‬وتعزيز مبد�أ التعددي���ة‪ ،‬يف �إطار من‬ ‫االلتزام بعقيدة املجتمع وال�شريع���ة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬التي يق�صد بها �إعطاء‬ ‫الأولوية لتحقيق التوازن االجتماعي على املطالب الأخرى‪ ،‬و�أن الهدف‬ ‫م���ن التنمية ال ينبغ���ي �أن يكون فق���ط زيادة الناجت املحل���ي الإجمايل‪.‬‬ ‫وف���ق كل ذل���ك‪ ،‬ف�إنه من امله���م الت�ص���دي للفقر واحلرم���ان واختالل‬ ‫التوازن االجتماع���ي‪ ،‬وحتقيق تنظيم توزيع ثم���ار التنمية االقت�صادية‬ ‫واالجتماعي���ة ب�ي�ن املناط���ق الريفي���ة واحل�ضري���ة وب�ي�ن حمافظ���ات‬ ‫اجلمهورية اليمنية”‪.‬‬ ‫ينظر ن�شطاء التجمع اليمني للإ�صالح �إىل �أنف�سهم على �أنهم يقدمون‬ ‫للمنظمات غري احلكومي���ة العلمانية بدي ًال يعتمد على الإميان‪ ،‬ويرون‬ ‫�أعم���ال مكافح���ة الف�س���اد �أداة رئي�سية لزيادة رف���اه اليمنيني‪ ،‬وكذلك‬ ‫�إ�سرتاتيجي���ات النمو االقت�ص���ادي التقليدية‪ .‬وهن���اك �أي�ض ًا جماعات‬ ‫ر�سمية داخل احل���زب تتعامل مع ق�ضايا التنمية؛ فبناء على �أحد �أرفع‬ ‫القادة ال�سيا�سيني يف التجمع اليمني للإ�صالح‪ ،‬حممد حممد قحطان‪،‬‬ ‫تعمل الدائ���رة االقت�صادية داخل احل���زب‪ ،‬املتمثلة يف جمموعة عمل‪،‬‬ ‫عل���ى التنمية‪ ،‬كما تفعل دائرة العمل مع املجتمع املدين‪ .‬ووفق ًا للقانون‬ ‫رقم ‪ 1‬لعام ‪ ،2001‬مبوجب املادة رقم ‪ 19‬من القانون اليمني للمنظمات‬ ‫غري احلكومية‪ ،‬تحُ ظر اجلمعيات اخلريية القائمة على �أ�سا�س �سيا�سي‬ ‫�أو الت���ي تقوم ب�أن�شطة ت���روج ل�شخ�صيات دينية‪ .‬وه���ذا بطبيعة احلال‬ ‫يدفع التجمع اليمني للإ�صالح �إىل الرتدد يف �إعالنه عن االنخراط يف‬ ‫الأعمال اخلريية‪ ،‬غري �أن هذه الروابط توجد بالفعل‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فقد �شاركت بع�ض ال�شخ�صيات البارزة داخل‬ ‫التجمع اليمني للإ�صالح ب�صفتهم ال�شخ�صية؛ ف�شارك الزنداين نف�سه‬ ‫يف �أعم���ال ذات عالق���ة ب�أعمال خريي���ة‪ ،‬وتعد جامعة الإمي���ان التابعة‬

‫‪Google‬‬

‫‪130‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ويب���دو �أن جمعي���ة الإ�صالح االجتماع���ي اخلريية ت�ستخ���دم املبادئ‬ ‫للزن���داين‪ ،‬والتي ت�ضم ع���دد ًا من الطالب ي�ت�راوح عددهم بني ‪4000‬‬ ‫و‪ 5000‬طالب‪ ،‬على حد قول الباحثة �سارة فيليب�س‪ ،‬معروفة بتعليماتها الإ�سالمي���ة يف بع����ض م�شاريعه���ا‪ ،‬ولكن ه���ذه املبادئ تغي���ب على نحو‬ ‫ملف���ت عن م�شاري���ع التع���اون التي تنفذها م���ع الأمم املتح���دة‪ .‬كتبت‬ ‫غري املت�ساحمة‪.‬‬ ‫ويوج���د يف اليمن �أي�ض��� ًا اثنتان من كربى املنظم���ات اخلريية‪ ،‬هما‪ :‬جانني كالرك �أن الكثري من الأعمال التي ت�ضطلع بها املر�أة يف جمعية‬ ‫اجلمعي���ة اخلريية للرعاية االجتماعية (جمعي���ة الإ�صالح االجتماعي الإ�ص�ل�اح االجتماع���ي اخلريية ميكن �أن ينظ���ر �إليها عل���ى �أنها �شكل‬ ‫اخلريي���ة) وم�ؤ�س�س���ة ال�صال���ح االجتماعية للتنمي���ة‪ ،‬وترتبط الأخرية م���ن �أ�ش���كال عمل النا�شط‪ ،‬من وجه���ة النظر الديني���ة �أو ال�سيا�سية �أو‬ ‫باحلزب احلاكم‪ .‬ويدعي مدي���ر جمعية الإ�صالح االجتماعي اخلريية منهم���ا معاً‪ .‬وتعمل جمعية الإ�ص�ل�اح االجتماعي اخلريية مع الغربيني‬ ‫عب���د املجيد عبد القوي فرحان عدم وجود عالقة بني امل�ؤ�س�ستني‪ .‬وقد يف م�شروع�ي�ن‪ :‬امل�شروع الأول‪ ،‬م�ساعدة الأطفال على اخلروج من حيز‬ ‫العم���ل واالندم���اج يف املجتمع‪ ،‬وهو م�شروع تعاوين ب�ي�ن م�ؤ�س�سة ‪CHF‬‬ ‫�أعطت املقابالت التي �أجريت خالل الدرا�سات امليدانية �إ�شارات قوية‬ ‫‪ International‬وهي منظمة غري حكومية �سوي�سرية‪،‬‬ ‫�إىل عك����س ذل���ك‪ ،‬حيث �إن اثنني م���ن الأع�ضاء اخلم�سة‬ ‫وجمعية الإ�صالح االجتماعي اخلريية‪ .‬وت�ضع اجلهة‬ ‫ع�شر الذين يت�أل���ف منهم جمل�س �إدارة امل�ؤ�س�سة �أع�ضاء‬ ‫أحد‬ ‫�‬ ‫إ�صالح‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يبقى‬ ‫املانح���ة للم�ش���روع‪ ،‬وزارة العم���ل الأمريكية‪ ،‬مبادئ‬ ‫يف امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام‪ ،‬و�أن امل�ؤ�س�سة لها ات�صال جيد‬ ‫القليلة‬ ‫التنظيمات‬ ‫�صارم���ة‪ .‬وقد �أعرب���ت م�صادر دولي���ة‪ ،‬معرفة وثيقة‬ ‫بالرئي�س‪.‬‬ ‫اليمن‪،‬‬ ‫يف‬ ‫امل�ستقرة‬ ‫بامل�ش���روع عن �سرورها بكثري م���ن التعاون مع جمعية‬ ‫وتع���د اجلمعي���ة اخلريي���ة للرعاي���ة االجتماعي���ة ثاين وال بد من �أن يكون‬ ‫الإ�صالح االجتماعي اخلريية‪.‬‬ ‫�أك�ب�ر منظمة غري حكومية يف اليم���ن‪ ،‬وهي م�ؤ�س�سة غري جزء ًا من �أي حل‬ ‫وم���ع ذل���ك‪ ،‬ف����إن اجلان���ب املتعل���ق بامل�س���اواة بني‬ ‫مركزية تق���دم معظم خدماتها داخ���ل القطاع اخلريي‪ ،‬لل�صراعات اليمنية‬ ‫ولكن يف �إطار التنمية يف الوقت نف�سه‪ .‬وجلمعية الإ�صالح املختلفة‪ .‬كما �أنه‬ ‫الرج���ل وامل���ر�أة (اجلن���در) يب���دو �أنه ميث���ل م�شكلة؛‬ ‫االجتماع���ي اخلريية مكاتب يف جميع املحافظات‪� ،‬إذ بلغ يعد �أكرث اعتدا ً‬ ‫ضال عن‬ ‫ال من حي���ث مل يت���م توظيف �أي ام���ر�أة مدي���راً‪ ،‬ف� ً‬ ‫التنظيمات‬ ‫عدد فروع وجلان اجلمعية ‪ 23‬فرع ًا و‪ 236‬جلنة يف ‪ .2007‬معظم‬ ‫وجود دالئ���ل على وجود حم���اوالت ملمار�س���ة الدعوة‬ ‫الإ�سالمية يف البالد‬ ‫من خ�ل�ال امل�شروع‪ .‬لقد ترك���ت الأيديولوجية �أثرها‬ ‫ويق���ود اجلمعي���ة جمعية عام���ة وجلنة للرقاب���ة وجمل�س‬ ‫عل���ى امل�شروع‪ ،‬ال���ذي مور�س فيه الف�ص���ل الإ�سالمي‬ ‫�إداري وجمل����س ا�ست�ش���اري �أعلى‪ .‬وحتت ه���ذه الهيئات‪،‬‬ ‫ب�ي�ن الأوالد‪ ،‬حي���ث تق�ضي القاعدة ب����أن يكون هناك‬ ‫يوج���د جمل����س تنفي���ذي‪ ،‬حتت���ه املدي���ر الع���ام للجمعية‪.‬‬ ‫عالوة عل���ى ذلك‪ ،‬تنق�سم جمعي���ة الإ�صالح االجتماع���ي اخلريية �إىل مباع���دة ملدة عام�ي�ن بني كل طفل و�آخ���ر‪ .‬وكانوا يعم���دون �إىل تثقيف‬ ‫ثماني���ة �أق�سام هي‪ :‬ق�سم تنمية الأ�سرة‪ ،‬وق�س���م تنمية ال�شباب‪ ،‬وق�سم الأئم���ة‪ ،‬ولكنهم كانوا ي�ستخدم���ون توجيهات الأمم املتحدة وتوجيهات‬ ‫التنمي���ة امل�ستدامة والرعاي���ة االجتماعية‪ ،‬وق�س���م املعلومات واملوارد‪ ،‬حق���وق الإن�سان يف هذا املج���ال‪ .‬و�شاركت ال�سف���ارة الهولندية جمعية‬ ‫وق�سم كفالة الأيتام‪ ،‬وق�سم ال�ش�ؤون ال�صحية واملالية والإدارية‪ ،‬وق�سم الإ�صالح االجتماعي اخلريية يف م�شروع �إمنائي بعنوان “ختان الإناث‬ ‫وزيادة الوعي يف ح�ضرموت”‪ .‬وكانت ال�سفارة الهولندية �إيجابية جد ًا‬ ‫التخطيط والتطوير‪.‬‬ ‫كم���ا ُت َع ُّد ه���ذه اجلمعية واحدة من املنظمات غ�ي�ر احلكومية القليلة نظ���ر ًا �إىل �أهمية االت�صاالت املحلية يف حتقيق نتائج عملية‪ ،‬وقد �أثبت‬ ‫الت���ي تعمل يف كل حمافظات اليمن‪ .‬وق���د �شدد مدير اجلمعية على �أن ا�ستخ���دام اخلط���اب الإ�سالمي لتغي�ي�ر �آراء ال�شي���وخ املحليني فاعلية‬ ‫اجلمعي���ة ت�ساعد جميع املحتاج�ي�ن‪ ،‬و�أنه لي�س لديه���ا فل�سفة �إ�سالمية �شديدة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ي�شدد الدبلوما�سيون الهولنديون �أي�ض ًا على حتفظ‬ ‫توج���ه عملها‪ .‬كم���ا �أو�ضح �أن املنظمة بد�أت على �ش���كل برنامج �إغاثة‪ ،‬جمعية الإ�صالح االجتماعي اخلريية على املعايري الغربية‪ ،‬وعلى وجود‬ ‫و�أنه���ا �شارك���ت يف �أعم���ال اخل�ي�ر وتق���دمي القرو�ض ال�صغ�ي�رة وبناء جماع���ة قوية م���ن املحافظني داخل التجمع اليمن���ي للإ�صالح‪ .‬بيد �أن‬ ‫امل�ست�شفي���ات واملدار����س‪ .‬وت�ش���ارك امل�ؤ�س�س���ة �أي�ض ًا يف جامع���ة العلوم ه���ذا كان يُنظ���ر �إليه عل���ى �أنه ت�ضحي���ة �ضروري���ة لأن املجتمع اليمني‬ ‫والتكنولوجي���ا‪ ،‬التي ُت َع ُّد واحدة من �أكرب اجلامعات يف �صنعاء‪ ،‬ولكنها جمتمع حمافظ جد ًا ب�صفة عامة‪.‬‬ ‫وعن���د تقييم �أثر الأعم���ال التنموية واخلريية الت���ي يقوم بها التجمع‬ ‫تزع���م �أنها ت�سيطر على �أقل من ‪ 50‬يف املائ���ة من منها‪ .‬ووفق ًا للباحث‬ ‫�أناه���ي �ألفي�س���و مارين���و‪ ،‬يرجع جن���اح جمعي���ة الإ�ص�ل�اح االجتماعي اليمن���ي للإ�ص�ل�اح يف اليم���ن‪ ،‬ينبغ���ي �أو ًال �أن نتذك���ر �أن اليم���ن واحد‬ ‫اخلريية �إىل خطابها ال�سيا�س���ي املعتدل ودورها املركزي الذي تربطه من �أفقر ال���دول الإ�سالمية و�أ�شدها حمافظ���ةً‪ ،‬و�أن احلكومة ال متلك‬ ‫ال�سيط���رة ال�سيا�سي���ة الكامل���ة عل���ى الب�ل�اد وال على امل���وارد الالزمة‬ ‫بالإ�سالم‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪131‬‬


‫املحــور‬

‫مل�ساعدة كل من يحتاج �إىل م�ساعدة‪ .‬ف�إذا ا�ستطاعت م�ؤ�س�سة م�ساعدة‬ ‫املحتاجني �أو متكنت من �أن تقوم بدور مهمٍ يف تطوير قرية على �سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬ف�سوف حتظى تلك امل�ؤ�س�سة باحرتام كبري لدى النا�س‪ .‬كما �أنه‬ ‫ال ب���د من �أن يك���ون العاملون يف جمعية الإ�ص�ل�اح االجتماعي اخلريية‬ ‫من نف����س اخللفية الثقافي���ة والدينية التي ينتمي �إليه���ا الذين يتلقون‬ ‫امل�ساعدة‪.‬‬ ‫ونتيجة لذل���ك‪ ،‬تبدو جمعي���ة الإ�صالح االجتماع���ي اخلريية مُتمتعة‬ ‫مبكان���ة قوية بني اليمنيني‪ .‬ولك���ي ي�ستفيد حزب الإ�صالح من هذا‪ ،‬قد‬ ‫يكون كافي ًا له �إميان اليمنيني ب�صفة عامة بوجود هذه العالقة‪ .‬كذلك‪،‬‬ ‫رمب���ا يكون للعم���ل اخلريي والتنم���وي الذي ي�ؤديه الإ�ص�ل�اح يف اليمن‬ ‫جانب �سلبي‪ .‬فقد عبرّ ت �إحدى امل�ستجوَبات عن وجهة �شديدة االنتقاد‬ ‫للح���زب‪“ :‬هن���اك قواعد �صارمة عل���ى الذين يري���دون احل�صول على‬ ‫�أموال �أو م�ساعدات من امل�ؤ�س�سات اخلريية وم�ؤ�س�سات التنمية التابعة‬ ‫للإ�ص�ل�اح”‪“ ،‬تُعطى الأم���وال للطفل حتى ي�صبح ق���ادر ًا على ح�ضور‬ ‫املدر�سة‪ ،‬ولكن هناك �أنظمة �إ�سالمية �صارمة بخ�صو�ص ال�سلوك”‪.‬‬ ‫وم�ضى ع�ضو �سابق يف حزب التجمع والإخوان يقول‪“ :‬لكنني اكت�شفت‬ ‫بعد حني �أن م�صلحة النا�س لدى التجمع اليمني للإ�صالح كانت عائق ًا‬ ‫�أمام الإ�صالح والتنمي���ة‪ ،”...‬و”لكونك رجالً‪ ،‬فال تذهب مع الن�ساء‪،‬‬ ‫‪132‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫واجه عبداملجيد الزنداين‬ ‫معار�ضة داخل التجمع اليمني‬ ‫للإ�صالح‪ .‬ففي خريف ‪،2008‬‬ ‫كانت هناك دعوة �إىل �إن�شاء‬ ‫جلنة للأمر باملعروف والنهي‬ ‫عن املنكر‪ ،‬لتكون جهاز ًا للرقابة‬ ‫الأخالقية‪ ،‬وكان من املقرر �أن‬ ‫يكون الزنداين رئي�س اللجنة‪،‬‬ ‫غري �أن التجمع اليمني للإ�صالح‬ ‫رف�ض الفكرة من البداية‪،‬‬ ‫ما يدل عالنية على �أن نفوذ‬ ‫الزنداين كان حمدود ًا‬ ‫ويجب عدم التدخني �أو اال�ستم���اع �إىل املو�سيقى‪ .‬هذه ال�شروط للنا�س‬ ‫العادي�ي�ن‪ ،‬ولي�س للأبن���اء وال�شيوخ”‪“ ،‬وبعبارة �أخ���رى‪ ،‬يرتبط تقدمي‬ ‫العمل اخلريي والتنموي بقيود معينة”‪.‬‬ ‫من اجلوانب الأخرى املثرية لالهتمام التي تتميز بها الأعمال اخلريية‬ ‫الت���ي يقوم بها الإ�صالح‪ ،‬هو ال���دور الذي ت�ؤديه الطبقة الو�سطى‪ .‬ترى‬ ‫جانني كالرك‪� ،‬إحدى الباحثات القالئل الذين در�سوا حزب الإ�صالح‬ ‫واملنظم���ة اخلريي���ة التابع���ة ل���ه‪� ،‬أن العم���ل اخلريي ال���ذي ت�ضطلع به‬ ‫املر�أة املرتبطة بجمعية الإ�صالح االجتماعي اخلريية ي�ؤدي �إىل تعزيز‬ ‫الطبق���ة الو�سط���ى‪ .‬وتخل�ص �إىل �أن العمل اخلريي ه���و املجال الوحيد‬ ‫املفتوح �أمام املر�أة لتحقيق دخل معني‪ ،‬كما �أنه �سُ لّم ي�ؤدي �إىل التطوير‬ ‫الذاتي للن�ساء اللواتي ي�ستطعن امل�شاركة يف الأعمال اخلريية‪.‬‬ ‫وه���ي تت�ص���ور �أن الأعم���ال اخلريية التي تق���وم بها امل���ر�أة تعد نوع ًا‬ ‫من �أن���واع الن�شاط املقبولة لدى الأ�سرة واملجتم���ع‪ .‬وبهذا‪ ،‬ف�إن جمعية‬ ‫الإ�ص�ل�اح االجتماعي اخلريية تخفق يف متكني ال�سكان املحليني الذين‬ ‫حتاول �أن ت�ساعدهم؛ �إذ �إنها تعاملهم على �أنهم عمالء ولي�سوا �شركاء‬ ‫يف عملي���ة التنمي���ة‪ ،‬وه���ي ممار�سة �شائع���ة يف �أو�س���اط املنظمات غري‬ ‫احلكومي���ة الغربية‪ ،‬ولك���ن لها �آثار �سلبية كثرية وم���ن ذلك منع ملكية‬ ‫العمالء لربامج خريية‪.‬‬

‫م����ا هي النتائج املرتتب����ة على م�شاركة �ش����ركاء غربيني حمتملني يف �أع�ض���اء جمل�س ال�شورى من الن�ساء‪ ،‬وهو عدد مرتفع يدعو للده�شة يف‬ ‫عملي����ة التنمية؟ لق����د �أثبتت املنظمات غري احلكومي����ة التابعة للتجمع جمتمع مثل اليمن‪.‬‬ ‫اليمني للإ�صالح �أنها �شريكٌ يتمتع بالكفاءة واملوثوقية‪ ،‬ولكنها تنطلق‬ ‫ع�ل�اوة على ذلك‪ ،‬يت�أث���ر اعتدال التجمع‬ ‫�سيا�سات‬ ‫م����ن �أجندة �أيديولوجية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ف�إن هذه الأجندة قد تخفُّ حدتها‬ ‫«�إمارة امل�ؤمنني»‬ ‫اليمني للإ�صالح ع���ن طريق الأحزاب التايل‬ ‫عن����د التعاون مع منظمات غربية يف م�شروع����ات حمددة‪ ،‬الأمر الذي ال�سيا�سي���ة الأخ���رى امل�شارك���ة معه يف‬ ‫بقلم‪ :‬منت�رص حمادة‬ ‫يعني �أن امل�شاركة �أمر يُن�صح به‪ ،‬و�سوف يكون لها ت�أثري معتدل يف تلك حتالف �أحزاب اللقاء امل�شرتك‪ ،‬وتتجه‬ ‫املنظمات‪ .‬والأه����م من ذلك‪� ،‬أنه من غري امل�ؤكد �أن تلك امل�شاركة من م�شاري���ع حم���ددة ت�ش�ت�رك فيه���ا جمعي���ة‬ ‫�ش�أنها �أن تخفف �أيديولوجية الإ�صالح نف�سه؛ �إذ �إنه �أمر يطول اجلدل الإ�صالح االجتماعي اخلريي���ة �إىل االعتدال بفعل العديد من اجلهات‬ ‫حول����ه‪ ،‬بي����د �أنها قد ت�����ؤدي �إىل االعت����دال يف م�شروع����ات حمددة‪ ،‬ما املانحة الغربية والأمم املتحدة‪.‬‬ ‫ميكّن الإ�صالح وال�ش����ركاء الغربيني من حتقيق مكا�سب متبادلة‪ .‬ثمة‬ ‫�إن الأعم���ال اخلريي���ة والتنموي���ة الت���ي تقوم به���ا جمعي���ة الإ�صالح‬ ‫خالفات داخل التجمع اليمني للإ�صالح‪ ،‬ورمبا تكون هناك منظمات االجتماعي اخلريية ودعمها من هم يف حاجة ما�سة �إىل امل�ساعدة من‬ ‫غري حكومية تابعة له خا�ضعة لهيمنة عنا�صر خمتلفة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يجب ال�س���كان‪ ،‬ي�ساهم يف خل���ق اال�ستقرار‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬توجد يف‬ ‫توخي احلذر عند اختيار املنظمات غري احلكومية‪ ،‬وعدم التعامل مع احلق���ل التعليمي �إمكاني���ة �أن تكون املناهج الدرا�سي���ة واملعلمني داخل‬ ‫العنا�صر املتطرفة يف التجمع اليمني للإ�صالح‪ .‬وميكن دعم العنا�صر املنظمات غ�ي�ر احلكومية التابع���ة للتجمع اليمن���ي للإ�صالح �شديدي‬ ‫القبلي����ة بطريق����ة حذرة‪ ،‬م����ع الوعي ب�أنه����ا قد ت�ستبع����د املتربعني من املحافظة‪.‬‬ ‫خارج القبيلة‪.‬‬ ‫وم���ن امل�ب�رر �أن نتوق���ع ت�أثر امل�ستفيدي���ن من الأعم���ال اخلريية التي‬ ‫النتيج��ة النهائي��ة‬ ‫عل����ى الرغ����م م����ن يقدمه���ا التجم���ع اليمن���ي للإ�صالح بدرج���ة �إتباعهم للتجم���ع اليمني‬ ‫تناق�����ص عدد الناخبني‪� ،‬إال �أن التجم����ع اليمني للإ�صالح يعد تنظيم ًا للإ�صالح و�أف���كاره الأيديولوجية وال�سيا�سي���ة‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬يت�أثر‬ ‫قوي ًا يعمل يف ظروف �صعب����ة‪ .‬ويحظى احلزب بالتقدير واالحرتام يف ه����ؤالء امل�ستفيدون من خالل العمل مع ًا يف مهمة مقد�سة و�إن�سانية‪ ،‬قد‬ ‫�أو�ساط الإخوان الأخ����رى‪ ،‬على الرغم من وجود عنا�صر‬ ‫يُنظ���ر يف الوق���ت نف�سه على �أنها نوع م���ن الن�شاط الذي‬ ‫تع����د غريبة ن�سبي ًا عن فك����رة جماعة الإخوان امل�سلمني‬ ‫ت�ؤدي���ه من �أج���ل تطوير الب�ل�اد والأم���ة‪ .‬وت�ستلزم �أية‬ ‫ب��ي�ن �صفوفه‪ .‬ورمبا تكون ق����وة التنظيم هي ال�سبب يف ميكن �أن يكون الإ�صالح �شراكة تنموية �إجراء حوار وثيق بني ال�شركاء الغربيني‬ ‫واملنظم���ات غ�ي�ر احلكومية التابع���ة للتجم���ع اليمني‬ ‫ف�شل فريق البحث يف التعرف على الروابط التنظيمية �شريك ًا مهم ًا يف �أية‬ ‫بين����ه وبني جماعات الإخ����وان الأخرى خ����ارج التن�سيق عملية لل�سالم جتري للإ�ص�ل�اح م���ن �أج���ل رعاي���ة م�صال���ح كال الطرفني‪،‬‬ ‫يف اليمن؛ بيد �أن‬ ‫املعلومات����ي واملناق�شات الأيديولوجي����ة الودية‪ ،‬ومل يكن‬ ‫ويتعني عدم �إغفال امليول الأيديولوجية للتجمع اليمني‬ ‫إ�سهام‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫على‬ ‫قدرته‬ ‫احل����زب يف حاج����ة �إىل دع����م خارج����ي م����ن منظمات‬ ‫للإ�صالح‪.‬‬ ‫املبا�شر يف �صنع ال�سالم‬ ‫الإخوان الأخرى‪.‬‬ ‫حمل �شك‪ ،‬لأن روابطه ومع ذل���ك‪ ،‬يع���د التجمع اليمن���ي للإ�ص�ل�اح �شريك ًا‬ ‫عند حماولة ا�ستك�شاف نتيجة العمل اخلريي و�أعمال‬ ‫مهم��� ًا يف تطوير املجتمع اليمن���ي‪ ،‬وينبغي عدم جتاهل‬ ‫القبلية ومنهجه‬ ‫التنمي����ة الت����ي يقوم به����ا التجمع اليمن����ي للإ�صالح‪ ،‬ال الأيديولوجي يجعل قدراته‪ .‬كذل���ك‪ ،‬ميكن �أن يكون الإ�صالح �شريك ًا مهم ًا‬ ‫ب����د من التعرف عل����ى وجهات نظر احل����زب ال�سيا�سية احلزب مثار جدل كبري يف �أي���ة عملية لل�سالم جتري يف اليم���ن؛ بيد �أن قدرته‬ ‫والديني����ة‪ .‬ونظ����ر ًا �إىل �أن احل����زب ي�ض����م جمموع����ة‬ ‫عل���ى الإ�سهام املبا�شر يف �صنع ال�سالم حمل �شك‪ ،‬لأن‬ ‫�شدي����دة التنوع من الأف����راد‪ ،‬فمن املمك����ن العثور على‬ ‫روابط���ه القبلية ومنهج���ه الأيديولوجي يجعل احلزب‬ ‫�آراء خمتلف����ة داخله‪ .‬وتتنوع درجة املحافظ����ة الدينية بني املجموعات مثار جدل كبري‪.‬‬ ‫الفرعي����ة داخل التجمع‪ .‬وتت�أثر درجة اعت����دال كل من التجمع اليمني‬ ‫وبالتايل‪ ،‬ف�إن تعزيز تعاونه مع امل�ؤ�س�سات الأخرى ورمبا �إقامة روابط‬ ‫للإ�ص��ل�اح وجمعي����ة الإ�ص��ل�اح االجتماع����ي اخلريية باملجتم����ع الذي م���ع امل�ؤ�س�س���ات ال�شيعية‪ ،‬من ال�سم���ات املهمة‪ .‬ومن امله���م �أي�ض ًا عدم‬ ‫يعمالن ويعي�شان فيه‪.‬‬ ‫ال�سذاج���ة عند التعاون مع التجمع اليمن���ي للإ�صالح‪ ،‬الذي ي�ضم بني‬ ‫وم����ن اجلوان����ب التي يظه����ر فيه����ا التجم����ع اليمني للإ�ص��ل�اح هذا �صفوف���ه عنا�صر متطرفة و�أخرى معتدلة‪ ،‬وينبغ���ي �أن يُدعَ م �أي تعاون‬ ‫االعت����دال هو م�شارك����ة املر�أة‪ .‬فامل����ر�أة ممثلة متثي ًال جي����د ًا ن�سبي ًا يف م���ع �أفراد احلزب املعتدلني فيه‪ .‬وم���ع ذلك‪ ،‬ف�إن �أيديولوجية الإ�صالح‬ ‫�أو�س����اط القي����ادة العليا حل����زب الإ�ص��ل�اح؛ حي����ث �إن ‪ 20‬يف املائة من يف حد ذاتها من بني �أكرث نظم االعتقاد اعتدا ًال يف اليمن‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪133‬‬


‫املحــور‬

‫حدود االختالف و�إمكانية االتفاق‬ ‫بيـن الإ�سالميني والنظام املغربــي‬

‫�سيا�سـات‬ ‫«�إمارة امل�ؤمنني»‬ ‫منت�صر حمادة‬

‫‪moun_hamada@yahoo.fr‬‬ ‫‪Olaf Schuelke/VII‬‬

‫ثمة تو�ضيحات منهجية ال بد من التوقف عندها بداية‪ ،‬قبل احلديث‬ ‫عن ح����دود االختالف و�إمكانية االتفاق ب��ي�ن النظام والإ�سالميني يف‬ ‫ال�ساحة املغربية‪ ،‬وتتعلق بطبيعة النظام ال�سيا�سي احلاكم من جهة‪،‬‬ ‫وطبيعة الواقع الإ�سالمي احلركي من جهة ثانية؛‬ ‫‪ .1‬فف����ي احلالة الأوىل‪ ،‬نح����ن �إزاء �سلطة زمنية يتداخل فيها البعد‬ ‫ال�سيا�س����ي بالبع����د الديني‪ ،‬عل����ى اعتب����ار �أن ملك البالد‪ ،‬ه����و �أي�ض ًا‬ ‫“�أم��ي�ر امل�ؤمن��ي�ن”‪ ،‬مبا يُكر�س واقع “ملكي����ة تنفيذية” (�أي ملكية‬ ‫ت�س����ود وحتكم)‪ ،‬ولي�����س “ملكية د�ستورية” (ملكي����ة ت�سود وال حتكم‪،‬‬ ‫كم����ا هو احل����ال يف بريطانيا �أو هولندا �أو �إ�سباني����ا‪ ،‬على �سبيل املثال‬ ‫ال احل�ص����ر)‪ ،‬ووا�ضح �أن هذا النمط من احلكم يكاد يُكر�س “ملكية‬ ‫ذات �سم����ت علماين”‪ ،‬حيث يجتمع فيها البعدين ال�سيا�سي والديني‪،‬‬ ‫وه����ذا ما ق����ام بتزكيته وزير الأوق����اف وال�ش�����ؤون الإ�سالمية املغربي‪،‬‬ ‫�أحم����د التوفي����ق‪ ،‬يف م�ستهل �سل�سل����ة الدرو�س الرم�ضاني����ة التي تُلقى‬ ‫‪134‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫�أم����ام ملك البالد‪ ،‬وحتدي����د ًا يف الدر�س الرم�ض����اين ل�سنة ‪ ،2004‬يف‬ ‫حما�ض����رة حتت عن����وان‪“ :‬تدبري العالق����ة بني ال�سيا�سي����ة والدين”‪،‬‬ ‫عندم����ا �أكد على �أن “مقام �أمري امل�ؤمنني الديني وال�سيا�سي‪ ،‬مقام ال‬ ‫ينف�صل يف م�ستواه الأمران‪ ،‬يف �أي عمل من �أعماله‪ ،‬فهو عندما ي�أمر‬ ‫ببن����اء مدر�س����ة �أو عندما يد�ش����ن م�سجد ًا �أو يخط����ط ملر�سى �أو ي�شيد‬ ‫�س����داً‪ ،‬ال يمُ يِّ����ز يف عمله بني ما ه����و ديني وما هو �سيا�س����ي‪ ،‬فالتاريخ‬ ‫والوحي يف �أفقه و�شخ�صه مندجمان”‪.‬‬ ‫جل����يٌّ �إذن �أن متيّز ال�سلطة الزمني����ة املغربية بهذه ال�صفة (تداخل‬ ‫البعد ال�سيا�سي بالبعد الديني)‪� ،‬سوف ُي�ؤ�س�س لأهم معامل االختالف‬ ‫مع احلركات الإ�سالمية‪ ،‬على الأقل يف بدايات ت�أ�سي�س هذه احلركات‪،‬‬ ‫قب����ل �أن تتط����ور الأمور اليوم نح����و حركات تدافع ع����ن م�ؤ�س�سة �إمارة‬ ‫امل�ؤمن��ي�ن‪ ،‬وبالت����ايل عن امل�ؤ�س�س����ة امللكية (منوذج حرك����ة “التوحيد‬ ‫والإ�ص��ل�اح” التي تعترب مبثابة النواة ال�صلبة واحلليف اال�سرتاتيجي‬ ‫منت�صر حمادة باحث من املغرب‪.‬‬

‫حل����زب “العدال����ة والتنمية” الإ�سالمي)‪ ،‬مقاب����ل حركات ت�شكك يف‬ ‫�شرعية ذات امل�ؤ�س�سة (من����وذج جماعة “العدل والإح�سان”‪ ،‬وتعترب‬ ‫كربى احلركات الإ�سالمية باملغرب)‪.‬‬ ‫‪ . 2‬بالن�سب����ة لواقع احلركات الإ�سالمي����ة يف ال�ساحة املغربية‪ ،‬ف�إنه‬ ‫م�ؤ�س�����س عل����ى تيارين اثنني‪ ،‬ال ينف����ك عن طبيعة عالقة ه����ذا التيار‬ ‫ب�صن����اع القرار‪ ،‬بني حركات و�أحزاب �إ�سالمي����ة معرتف بها ر�سمياً‪،‬‬ ‫مقابل حركات و�أحزاب �إ�سالمية غري معرتف بها‪.‬‬ ‫توجد حركة “التوحيد والإ�صالح” ومعها حزب “العدالة والتنمية”‬ ‫(معار�ض����ة حكومية)‪ ،‬عل����ى ر�أ�س احل����ركات والأح����زاب الإ�سالمية‬ ‫املع��ت�رف بها ر�سمياً‪� ،‬إىل جانب حزب “النه�ضة والف�ضيلة”‪ ،‬ويقوده‬ ‫قي����ادي �ساب����ق بح����زب “العدالة والتنمي����ة”‪ ،‬يف حني توج����د جماعة‬ ‫“العدل والإح�سان” ب�شيخها الكاريزمي عبد ال�سالم يا�سني‪ ،‬على‬ ‫ر�أ�س احلركات الإ�سالمية غري املعرتف بها ر�سمياً‪� ،‬إىل جانب حزبي‬

‫“البدي����ل احل�ضاري‪ ،‬وحزب “الأمة”‪ ،‬والتيار “ال�سلفي اجلهادي”‪،‬‬ ‫اخلارج لتوه منذ منعطف اعتداءات نيويورك ووا�شنطن‪ ،‬من معطف‬ ‫“ال�سلفي����ة العلمي����ة” (�أو “ال�سلفي����ة التقليدي����ة”)‪ ،‬وم����ع �أن التيار‬ ‫“ال�سلف����ي العلمي” يرتبط ارتباط���� ًا مذهبي ًا وثيق ًا باململكة العربية‬ ‫ال�سعودي����ة‪� ،‬إال �أن م����ا ي�شفع له �أمني ًا ومذهبي ًا جت����اه النظام املغربي‪،‬‬ ‫كونه ي�شتغ����ل يف �إطار م�ؤ�س�سات دينية ر�سمية باملغرب �أو حتت غطاء‬ ‫جمعيات دينية معرتف بها ر�سمي ًا من طرف ال�سلطات الإدارية‪.‬‬

‫حدود االختالف‬ ‫يقف موقف الإ�سالميني‬ ‫املغارب����ة من م�ؤ�س�س����ة «�إمارة امل�ؤمنني»‪ ،‬يف مقدم����ة الأ�سباب الباعثة‬ ‫عل����ى االختالف ب��ي�ن ال�سلطة الزمني����ة احلاكمة (امل�ؤ�س�س����ة امللكية‪/‬‬ ‫�إم����ارة امل�ؤمن��ي�ن)‪ ،‬وخمتل����ف �أطي����اف التي����ار الإ�سالم����ي احلركي‪،‬‬ ‫العتب����ار بَدَ هي‪ ،‬مف����اده �أن عدم االعرتاف ب�شرعية ه����ذه امل�ؤ�س�سة �أو‬ ‫حت����ى الت�شكيك فيها‪ُ ،‬ي�ؤ�س�س بال�ضرورة للت�شكيك يف �شرعية ال�سلطة‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪135‬‬


‫املحــور‬

‫‪136‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫الإ�سالميون‬ ‫املغاربة يف�ضلون‬ ‫العمل مع ملكية‬ ‫تنفيذية ت�سود‬ ‫وحتكم‪ ،‬عو�ض نظام‬ ‫�سيا�سي جمهوري‬ ‫�أو ليربايل‪ ،‬تغيب‬ ‫فيه م�ؤ�س�سة �إمارة‬ ‫امل�ؤمنني‪ ،‬وي�ؤ�س�س‬ ‫حلكم علماين قد‬ ‫يع�صف مبجمل‬ ‫احلركات والأحزاب‬ ‫الإ�سالمية‬ ‫الإ�سالمي����ة‪ ،‬دار احلديث احل�سنية‪ ،‬املجل�س العلمي الأعلى‪ ،‬املجال�س‬ ‫العلمية املحلية)‪ ،‬وذلك عرب م�شروع «جامعة ال�صحوة»‪ ،‬وهي �سل�سلة‬ ‫حما�ض����رات يف ق�ضاي����ا �إ�سالمية كان����ت يُ�ستدعى �إليه����ا العديد من‬ ‫الإ�سالمي��ي�ن امل�شارقة‪ ،‬مع م�شاركة �إ�سالميي ال�ساحة‪ ،‬ويف مقدمتهم‬ ‫املح�سوب����ون على حركة «التوحيد والإ�ص��ل�اح»‪ :‬نحن �إزاء حما�ضرات‬ ‫ظاهره����ا الدر�س الفقه����ي والنظ����ري‪ ،‬وباطنها الإدم����اج الإ�سالمي‬ ‫والعملي!‬

‫�إمكانية االتفاق‬ ‫من ح�سن حظ الطرفني‬ ‫مع���� ًا (النظام والإ�سالمي��ي�ن)‪� ،‬أن �إمكانيات االتف����اق �أكرث بكثري من‬ ‫ح����دود االخت��ل�اف‪ ،‬خا�ص����ة يف الظرف الزمن����ي الراه����ن‪ ،‬والذي ال‬ ‫تخرج معاملها عن الئحة من اال�ستحقاقات املرتبطة مبا�شرة ب�صدمة‬ ‫اعتداءات نيويورك ووا�شنطن‪.‬‬ ‫وبداي����ة‪ ،‬وبا�ستثناء جماعة «الع����دل والإح�سان»‪ ،‬ف�����إن الإ�سالميني‬ ‫املغاربة يعرتفون ب�شرعية امل�ؤ�س�سة امللكية ومبنظومة �إمارة امل�ؤمنني‪،‬‬ ‫يف �شقه����ا التنفي����ذي‪« :‬نحن مع م�ؤ�س�س����ة ملكية ت�س����ود وحتكم»‪ ،‬كما‬ ‫�أك����د على ذلك م����رار ًا القيادي عبد الإله بنك��ي�ران‪� ،‬أمني عام حزب‬ ‫«العدال����ة والتنمية»‪ ،‬والرجل القوي يف حرك����ة «التوحيد والإ�صالح»‪،‬‬ ‫واملتحكم يف كل دوالي����ب امل�ؤ�س�سات املتفرعة عن احلركة («التوحيد‬ ‫والإ�صالح») واحلزب («العدالة والتنمية»)‪ ،‬من منظمات طالبية �أو‬

‫‪ME Archive‬‬

‫احلاكمة‪ ،‬ويمُ هد بالتايل لت�أ�س����ي�س �ش����رعية دينية موازية �أو مناف�سة‬ ‫ملنظوم����ة «�إم����ارة امل�ؤمنني»‪ ،‬وهذا ما ي�ص����در باخل�صو�ص عن ال�شيخ‬ ‫عب����د ال�سالم يا�س��ي�ن‪ ،‬مر�ش����د جماعة «الع����دل والإح�س����ان»‪ ،‬والذي‬ ‫ا�شته����ر ل����دى املراقبني وال����ر�أي العام وقب����ل ه�ؤالء جميع����اً‪ ،‬النظام‪،‬‬ ‫بتوجيه �سل�سلة ر�سائل ن�صح �إىل ملك البالد‪� ،‬سواء تعلق الأمر بامللك‬ ‫الراح����ل احل�س����ن الثاين‪ ،‬ال����ذي تو�ص����ل بر�سالة �صادم����ة من مر�شد‬ ‫اجلماعة جاءت حتت عنوان‪« :‬الإ�سالم �أو الطوفان»‪� ،‬أو امللك احلايل‬ ‫حمم����د ال�ساد�س‪ ،‬الذي ا�ستقبل �أوىل �أي����ام واليته احلكم‪ ،‬بعد رحيل‬ ‫املل����ك احل�سن الث����اين‪ ،‬بر�سالة ن�صح من نف�����س ال�شيخ‪ ،‬وجاءت هذه‬ ‫امل����رة حتت عنوان‪�« :‬إىل م����ن يهمه الأمر»‪ ،‬حيث الدع����وة ال�صريحة‬ ‫�إىل م����ا و�صفه �آنذاك بـ»التوبة العمري����ة»‪ ،‬ن�سبة �إىل اخلليفة عمر بن‬ ‫عبد العزيز‪.‬‬ ‫مواق����ف مر�شد «العدل والإح�سان» من النظ����ام املغربي‪ ،‬تقف وراء‬ ‫ع����دم اعرتاف هذا الأخري باجلماع����ة‪ ،‬وتقف وراء �سل�سلة حماكمات‬ ‫تعر�ض لها قياديون يف اجلماعة‪ ،‬ويف مقدمتهم كرمية املر�شد‪ ،‬نادية‬ ‫يا�س��ي�ن‪( ،‬ب�سبب �إدالئها بحوار �ص����ادم‪ ،‬يف منت�صف ‪� ،2005‬أكدت يف‬ ‫ثناي����اه على �أن «النظام امللكي فا�شل»‪ ،‬و�أن امل�ؤ�س�سة «امللكية ال ت�صلح‬ ‫للمغ����رب») وغريه����ا من املحاكم����ات التي ال زال بع�ضه����ا قائم ًا حتى‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫ومل ي�شف����ع للجماع����ة من الت�صدي له����ذه املحاكم����ات‪� ،‬سوى تدخل‬ ‫امل�س�ؤول��ي�ن الأمريكي��ي�ن‪ ،‬عرب بواب����ة ال�سفارة الأمريكي����ة يف الرباط‪،‬‬ ‫وه����ذا �أمر معلوم لدى مُتتبع����ي �أداء الإ�سالميني املغاربة‪ ،‬ولو �أنه غري‬ ‫معلن عن����ه ر�سمياً‪ ،‬با�ستثناء ما ن�سمع عن����ه يف كوالي�س الإ�سالميني‪،‬‬ ‫ل����وال �أن الن�سخة املغربية من ن�شر غ�سي����ل موقع «ويكيليك�س» ال�شهري‪،‬‬ ‫ج����اءت لت�ؤكد هذا املعطى املثري‪ ،‬ك����ون الإدارة الأمريكية‪ ،‬عرب نافذة‬ ‫ال�سف����ارة يف الرباط‪ ،‬جَ �سّ ����دت حاجر ًا �أمام ت�ضيي����ق النظام املغربي‬ ‫اخلن����اق على �أع�ضاء جماعة «العدل والإح�س����ان»‪ ،‬باعتبار �أنها تدين‬ ‫اللج����وء �إىل العن����ف وتدعو يف �أدبياته����ا �إىل «القوم����ة» (�أو الثورة يف‬ ‫ن�سخته����ا الإ�سالمي����ة احلركية)‪ ،‬بخ��ل�اف موق����ف ذات ال�سفارة من‬ ‫تعام����ل النظ����ام املغربي مع �أغل����ب الإ�سالميني املح�سوب��ي�ن على تيار‬ ‫«ال�سلفي����ة اجلهادي����ة»‪ ،‬حي����ث طبقت ال�سف����ارة ال�صمت جت����اه خيار‬ ‫«املقاربة الأمنية ال�صارمة» التي كانت عنوان تعامل ال�سلطة مع هذا‬ ‫التيار‪.‬‬ ‫عل����ى �صعي����د �آخ����ر‪ ،‬يقف التعاط����ف العلن����ي لبع�ض قي����ادات حزب‬ ‫«البدي����ل احل�ضاري» وحزب «الأمة» مع الثورة الإيرانية‪ ،‬و�صدور هذا‬ ‫التعاطف يف عز حقبة ومقت�ضيات م�شروع «ت�صدير الثورة الإ�سالمية‬ ‫الإيراني����ة»‪ ،‬وراء ت�أخ����ر �صدور االعرتاف الر�سم����ي بهذين احلزبني‪،‬‬ ‫وم����رد ذلك‪ ،‬العالق����ة ال�سيا�سية املتوترة بني الرب����اط وطهران‪ ،‬على‬

‫خلفية انخراط القادة الإيرانيني يف ت�صدير امل�شروع �إياه‪� ،‬إىل درجة‬ ‫قط����ع العالق����ات الدبلوما�سية ب��ي�ن البلدي����ن يف مطل����ع �آذار‪/‬مار�س‬ ‫‪.2009‬‬ ‫وتط����ورت الأم����ور نح����و الأ�س����و�أ ل����دى حزب����ي «البدي����ل احل�ضاري»‬ ‫و»الأم����ة»‪ ،‬عندما مت اعتق����ال بع�ض قيادات احلزب��ي�ن يف ‪� 18‬شباط‪/‬‬ ‫فرباي����ر ‪ ،2008‬عل����ى هام�����ش تفكيك خلية و�صفت م����ن طرف و�سائل‬ ‫الإعالم الر�سمي����ة ب�أنها «�إرهابية»‪ ،‬ومتت �إدانة القيادات وح ّل حزب‬ ‫«البدي����ل احل�ضاري» بقرار ا�ستعجايل �صادر عن الوزير الأول عبا�س‬ ‫الفا�س����ي‪ ،‬مقابل الإبق����اء على خيار عدم االع��ت�راف بحزب «الأمة»‪.‬‬ ‫واملث��ي�ر �أن الئحة االتهام����ات املوجهة �إىل قي����ادات احلزبني‪ ،‬ترتبط‬ ‫ب�����أوىل بدايات العمل الإ�سالم����ي احلركي‪ ،‬ومرت عليه����ا عقود‪ ،‬قبل‬ ‫تدخ����ل بع�ض �صانعي القرار لإعادة فت����ح ملفات املا�ضي‪ ،‬يف �سيناريو‬ ‫�أمني‪�/‬سيا�س����ي ال زال مفتوح���� ًا عل����ى جمي����ع االحتم����االت‪ ،‬قد يكون‬ ‫�أبرزه����ا‪� ،‬سيناريو التدخل امللكي للعفو عن املعتقلني الإ�سالميني‪ ،‬من‬ ‫ك��ث�رة ال�شكوك وعالمات اال�ستفهام الكثرية التي حتوم حول الدوافع‬ ‫احلقيقية لإعادة فتح ملفات قدمية‪� ،‬ضد �إ�سالميني دون �سواهم‪.‬‬ ‫تختلف حال����ة حركة «التوحيد والإ�ص��ل�اح» وبالتايل حزب «العدالة‬ ‫والتنمية» مع احلاالت �سالفة الذكر‪ ،‬فالأمر يتعلق ب�أول حركة �إ�سالمية‬ ‫مع��ت�رف بها ر�سمي ًا م����ن ال�سلطة‪ ،‬بل و�صل «التطبي����ع ال�سيا�سي» بني‬ ‫النظ����ام واحلركة �إىل درجة دعوة رئي�سه����ا ال�سابق‪� ،‬أحمد الري�سوين‬ ‫ �أح����د �أ�شهر القي����ادات الإ�سالمية احلركية يف املغ����رب ‪� -‬إىل �إلقاء‬‫در�����س رم�ض����اين �أمام املل����ك يف كان����ون الأول‪/‬دي�سم��ب�ر ‪ ،1999‬فيما‬ ‫اعترب حت�صي����ل حا�صل بتعبري املناطقة‪ ،‬فالرج����ل كان يقود احلركة‬ ‫الإ�سالمية الوحيدة الأكرث دفاع ًا عن م�ؤ�س�سة �إمارة امل�ؤمنني وبالتايل‬ ‫امل�ؤ�س�س����ة امللكي����ة‪� ،‬إ�ضافة �إىل قيادت����ه للحركة الإ�سالمي����ة الوحيدة‬ ‫املعرتف بها ر�سمياً‪.‬‬ ‫مه����م جد ًا اال�ست�شه����اد ب�شهادة الري�سوين يف املو�ض����وع‪ ،‬لأنها غنية‬ ‫بال����دالالت والإ�شارات‪« :‬يف �أحد الأيام من خري����ف ‪ ،1999‬ات�صل بي‬ ‫م�س�����ؤول رفيع بالق�ص����ر امللكي وطلب مني اللقاء‪ ،‬فلم����ا التقينا‪ ،‬ذكر‬ ‫يل �أن����ه ق����ر�أ كتابي (نظري����ة املقا�صد عن����د الإمام ال�شاطب����ي) و�أنه‬ ‫�أعجبه‪ ،‬ثم قال يل �إنه يريد �أن يقرتحني لإلقاء در�س ح�سني بني يدي‬ ‫جالل����ة املل����ك‪ ،‬فرحبت ووافقت فوراً‪ ،‬ثم عر�ض����ت الأمر على الإخوة‬ ‫يف املكت����ب التنفي����ذي للحركة فرحبوا وتفاءلوا خ��ي�ر ًا بهذه اخلطوة‪.‬‬ ‫وبعد �أيام جاءتني دعوة كتابية من وزير الأوقاف الدكتور عبد الكبري‬ ‫العل����وي املدغري‪ ،‬ف�أجبته باملوافقة»‪ ،‬وعب����د الكبري العلوي املدغري‪،‬‬ ‫ه����و الوزير ال�سابق للأوقاف وال�ش�����ؤون الإ�سالمية‪ ،‬ويعترب �أحد �أذرع‬ ‫النظ����ام الت����ي �ساهمت يف م�سل�س����ل �إ�شراك الإ�سالمي��ي�ن و�إدماجهم‬ ‫يف امل�ؤ�س�س����ات الديني����ة الر�سمية (وخا�ص����ة وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون‬

‫جمعيات ن�سائية‪� ،‬أو حتى قطاعات نقابية‪.‬‬ ‫ووحده����ا هذه الت�صريحات‪ ،‬والت����ي ت�صدر �أي�ض ًا عن قيادات حزب‬ ‫«النه�ضة والف�ضيلة» (ال ي�ضم �إال ع�ضو ًا برملاني ًا واحد ًا مقابل ‪ 45‬نائب ًا‬ ‫لدى «العدالة والتنمية»‪ ،‬ولذلك يتم الرتكيز �أكرث على هذا الأخري)‪،‬‬ ‫وحده����ا هذه الت�صريحات �إذن‪ ،‬ت�ؤ�س�����س لآفاق رحبة من االتفاق بني‬ ‫النظام املغرب����ي (امل�ؤ�س�سة امللكية حتدي����داً)‪ ،‬والإ�سالميني املغاربة‪،‬‬ ‫�ض����د م�شاريع املناف�س��ي�ن الإيديولوجيني‪ ،‬م����ن ذوي التوجه العلماين‬ ‫الذي يدعو �إىل حتمية ف�صل الدين عن الدولة‪ ،‬واالنتقال من «وزارة‬ ‫الأوق����اف وال�ش�����ؤون الإ�سالمية» نحو «وزارة ال�ش�����ؤون الدينية»‪ ،‬و�ضد‬ ‫ال�ضغ����وط الغربية (الأوروبية على اخل�صو�����ص)‪ ،‬التي ي�صعب عليها‬ ‫«تقب����ل» وجود نظام �سيا�سي تتداخل فيه �أبعاد �سيا�سية ب�أبعاد دينية‪،‬‬ ‫وي�ؤ�س�����س يف �آن مللكي����ة تنفيذي����ة‪ ،‬ت�س����ود وحتك����م‪ ،‬وهو و�ض����ع ال تردد‬ ‫قيادات احلركات والأحزاب الإ�سالمية املغربية يف الدفاع عنه �أثناء‬ ‫اللق����اءات احلواري����ة والت�صريح����ات الر�سمية التي يدل����ون بها ملنابر‬ ‫�إعالمية غربية �أو على هام�ش لقاءات مع م�س�ؤولني غربيني‪.‬‬ ‫وحت����ى بالن�سبة جلماعة «الع����دل والإح�سان»‪ ،‬وبالرغم من القالقل‬ ‫ال�سيا�سية واملذهبية الت����ي تثريها للنظام ب�سبب ت�شكيكها يف �شرعية‬ ‫�إمارة امل�ؤمنني‪ ،‬ف�إن �أغلب املراقبني يرجحون تطور الأمور نحو اجتاه‬ ‫معاك�����س يف مرحلة «ما بعد عبد ال�س��ل�ام يا�سني» (يبلغ من العمر ‪82‬‬ ‫عاماً)‪ ،‬وت�صب بع�ض الت�سريبات التي �صدرت عن موقع «ويكيليك�س»‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪137‬‬


‫املحــور‬ ‫يف تزكي����ة خي����ار انخراط اجلماع����ة يف العمل ال�سيا�س����ي‪ ،‬على غرار‬ ‫ال�سب����ق الإ�سالم����ي احلرك����ي ال�ص����ادر �سلف���� ًا ع����ن حرك����ة «التوحيد‬ ‫والإ�صالح»‪/‬ح����زب «العدالة والتنمية»‪ ،‬حيث �أكدت هذه الت�سريبات‪،‬‬ ‫�أن فتح اهلل �أر�سالن‪ ،‬الناطق الر�سمي‬ ‫با�سم اجلماعة‪� ،‬أكد يف لقاء له مبقر‬ ‫�إقامت����ه م����ع م�س�ؤول��ي�ن يف ال�سف����ارة‬ ‫الأمريكي����ة �إن جماعت����ه «طلبت �سنة‬ ‫‪ 1981‬م����ن احلكوم����ة املغربية التحول‬ ‫�إىل ح����زب �سيا�سي‪ ،‬لك����ن ال�سلطات‬ ‫املغربية رف�ضت ذل����ك»‪( .‬يف تعليقها‬ ‫عبدال�سالم يا�سني‬ ‫عل����ى مواق����ف الناطق الر�س����م با�سم‬ ‫�أب����رز حركة �إ�سالمية مغربي����ة‪ ،‬قالت ال�سف����ارة الأمريكية‪� ،‬إن «قبول‬ ‫اجلماع����ة بالنظ����ام امللك����ي‪ ،‬وحتوله����ا �إىل ح����زب �سيا�س����ي معرتف‬ ‫ب����ه قانونياً‪� ،‬سيزيد م����ن اال�ستق����رار يف املغرب‪ ،‬لكن����ه �سيقوي ت�أثري‬ ‫الإ�سالمي��ي�ن يف احلي����اة ال�سيا�سي����ة‬ ‫املغربية»)‪.‬‬ ‫لي�����س ه����ذا وح�س����ب‪� ،‬إن جم����رد‬ ‫ت�أ�سي�����س «الدائ����رة ال�سيا�سي����ة» يف‬ ‫اجلماع����ة‪ ،‬بامل����وازاة م����ع الدائ����رة‬ ‫الدعوي����ة واحلقوقي����ة والن�سائي����ة‬ ‫والطالبية‪� ..‬إلخ‪ ،‬يمُ هّد يف مرحلة «ما‬ ‫بعد عب����د ال�سالم يا�س��ي�ن»‪ ،‬لت�أ�سي�س‬ ‫عبدالإله بنكريان‬ ‫ح����زب �سيا�سي �إ�سالم����ي‪ ،‬لالنخراط‬ ‫فيما بعد‪ ،‬مع باق����ي �إ�سالميي ال�ساحة‪ ،‬يف االنقياد لبع�ض مقت�ضيات‬ ‫االتف����اق �أو التعاون مع النظام‪ ،‬ويبق����ى االتفاق ال�صارم حول املوقف‬ ‫م����ن التي����ارات العلمانية يف الداخل واخل����ارج‪� ،‬أوىل �أوليات التحالف‬ ‫املرتق����ب (�أو االفرتا�ض����ي) ب��ي�ن‬ ‫النظ����ام والإ�سالمي��ي�ن‪ :‬فالنظ����ام‬ ‫ي�ؤ�س�����س �شرعيته ال�سيا�سية كما �سلف‬ ‫الذكر‪ ،‬عل����ى �شرعية ديني����ة موازية‪،‬‬ ‫ب����ل �إنها تعت��ب�ر امليزة الأب����رز لنظام‬ ‫عرب����ي �إ�سالم����ي �إذا عقدنا مقارنات‬ ‫عاجل����ة م����ع باق����ي �أ�س�����س ال�شرعي����ة‬ ‫ال�سيا�سية لدى �أغلب الأنظمة العربية‬ ‫�أحمد الري�سوين‬ ‫والإ�سالمية‪ ،‬من ال�سنغال �إىل �سلطنة‬ ‫بروناي‪.‬‬ ‫�أم����ا الإ�سالمي����ون‪ ،‬وكم����ا ج����اءت ذل����ك يف العديد م����ن احلوارات‬ ‫والإق����رارات الكوالي�سي����ة والر�سمية يف �آن‪ ،‬ف�إنه����م يف�ضلون العمل يف‬ ‫‪138‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ظ����ل نظ����ام �سيا�سي‪/‬دين����ي من هذه الطين����ة (ملكي����ة تنفيذية ت�سود‬ ‫وحتك����م)‪ ،‬عو�����ض نظ����ام �سيا�س����ي جمه����وري �أو لي��ب�رايل‪ ،‬تغيب فيه‬ ‫م�ؤ�س�س����ة �إمارة امل�ؤمنني‪ ،‬وي�ؤ�س�س حلك����م علماين قد يع�صف مبجمل‬ ‫احلركات والأحزاب الإ�سالمي����ة‪ ،‬ويف �أح�سن الأحوال‪ ،‬يتبنى مقاربة‬ ‫�أمني����ة �صارمة �ضد خمتلف التيارات الإ�سالمية‪ ،‬بال�صيغة التي نطلع‬ ‫عليها جلي ًا يف بع�ض النماذج العربية‪.‬‬ ‫ومن ح�سن �ص����دف‪ ،‬لدى النظام بالتحدي����د‪� ،‬أن �صدمة اعتداءات‬ ‫الدار البي�ضاء‪ ،‬يف ‪� 16‬أيار‪/‬مايو ‪ ،2003‬تقف وراء نوع من ال�صراع على‬ ‫�إم����ارة امل�ؤمنني بني التيارين الإ�سالم����ي احلركي والعلماين احلداثي‬ ‫يف املغرب‪ ،‬حي����ث �إنه قبل منعطف هذه االعتداءات الإرهابية‪ ،‬كانت‬ ‫العدي����د من الأ�صوات العلمانية تدعو �إىل حتمية تبني منوذج علماين‬ ‫يف احلك����م‪ ،‬ال عالقة ل����ه مبنظومة «�إمارة امل�ؤمن��ي�ن»‪� ،‬أو الإبقاء على‬ ‫ذات املنظوم����ة‪� ،‬شرط االنتقال �إىل مرتبة‪/‬من����وذج «ملكية د�ستورية‬ ‫ت�سود وال حتكم»‪ ،‬وكذلك احل����ال مع بع�ض التيارات الإ�سالمية (ويف‬ ‫مقدمته����ا جماعة «العدل والإح�سان» بالطبع)‪ ،‬لوال �أن الأمور انقلبت‬ ‫ر�أ�س ًا على عقب مبا�شرة بعد اعتداءات الدار البي�ضاء‪ ،‬حيث �أ�صبحت‬ ‫نف�س الأقالم امل�شككة بالأم�س يف �شرعية و�أدوار «�إمارة امل�ؤمنني»‪ ،‬من‬ ‫�أ�شد الأقالم املدافعة عن امل�ؤ�س�سة‪ ،‬لأغرا�ض �إيديولوجية للمفارقة‪:‬‬ ‫ الأقالم‪/‬التي����ارات العلماني����ة �أ�صبح����ت تداف����ع ع����ن «�إم����ارة‬‫امل�ؤمنني» �ضد ًا عل����ى �إ�صرار الإ�سالميني ال�شهري بخ�صو�ص جلوءهم‬ ‫امل�����ؤرق الحتكار النط����ق با�سم الإ�سالم‪ ،‬بدلي����ل احلديث عن �أحزاب‬ ‫�سيا�سي����ة �إ�سالمية‪( ،‬بالن�سبة حلالتي «العدال����ة والتنمية» و»النه�ضة‬ ‫والف�ضيلة»)؛‬ ‫ يف حني دافعت وتدافع الأقالم‪/‬التيارات الإ�سالمية عن امل�ؤ�س�سة‬‫�ضد ًا على الأطماع القدمية للتي����ار العلماين بخ�صو�ص حتمية ف�صل‬ ‫الدي����ن ع����ن الدولة يف املغ����رب‪ ،‬والت�أ�سي�س مللكي����ة د�ستورية ت�سود وال‬ ‫حتك����م‪ ،‬وهذا م�ش����روع يثري الرعب لدى جمي����ع الإ�سالميني املغاربة‪،‬‬ ‫م����ن دون ا�ستثن����اء‪ ،‬ويق����ف لوح����ده ‪� -‬ضم����ن عوام����ل �أخ����رى ‪ -‬وراء‬ ‫االنتق����ال التدريج����ي لأغلب ه�����ؤالء نحو العم����ل يف �إط����ار امل�ؤ�س�سات‬ ‫الديني����ة الر�سمية (ينطبق الأمر للمفارق����ة‪ ،‬حتى على قيادات وازنة‬ ‫يف جماعة «الع����دل والإح�سان»‪ ،‬من الذين مت �إدماجهم يف م�ؤ�س�سات‬ ‫دينية ر�سمية‪ ،‬بالرغم من �أن اجلماعة غري معرتف بها ر�سمياً‪ ،‬حتى‬ ‫�أن ب�ض����ع ه�ؤالء‪ ،‬يحتلون مواقع وازنة يف ال����وزارة الو�صية على ال�ش�أن‬ ‫الديني‪ :‬الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية)‪.‬‬ ‫بالنتيجة‪ ،‬نحن �إزاء فورة يف العوامل واملقدمات التي تُغلِّب �سيناريو‬ ‫االتفاق ب��ي�ن النظام املغربي والإ�سالميني‪ ،‬عل����ى �سيناريو االختالف‬ ‫واالحرتاب الذي ال يخدم م�صاحلهما معاً‪.‬‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة درا�سات اجتماعية‬

‫الآلية ال�شرعية فـي مكافحة الف�ساد‬

‫حممد غالب ال�شرعبي‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪139‬‬


‫املحــور‬

‫كان �أول عمل �إ�سالمي قانوين باملغرب �سلفي العقيدة‪ ،‬وقد مثّله علمني �إ�سالميني‪ ،‬الأول هو‬ ‫عل���ي الري�س���وين رئي�س جمعية الدعوة ب�شف�ش���اون والذي ت�أثر يف ذل���ك بطريقة عبد الرحيم‬ ‫الوكي���ل رئي�س جمعية �أن�ص���ار ال�س���نة املحمدية مب�ص���ر بالن�س���بة جلمعية الدع���وة‪ .‬والدكتور‬ ‫�إ�س���ماعيل اخلطي���ب من خ�ل�ال رئي�س جمعية البعث بتطوان الذي ت�ش���رب العقائد ال�س���لفية‬ ‫من خالل درا�س���ته باملدينة املنورة‪ .‬وكان يزور اجلمعيتني �ش���يوخ الدعوة ال�س���لفية املعروفني‬ ‫مثل ال�ش���يخ مفتي زاده وحممود ال�ص���واف والألباين‪ ،‬فكانت هاتان اجلمعيتان وغريهما ذات‬ ‫طابع �سلفي وا�ضح تنا�ضل �ضد البدع واالنحرافات العقائدية وال�صوفية‪.‬‬

‫العمق ال�سلفي للحركة‬ ‫الإ�سالمية يف املـغرب‬ ‫عبد احلكيم �أبو اللوز‬

‫‪aboullouz41@yahoo.fr‬‬

‫‪140‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫عبد احلكيم �أبو اللوز باحث يف املركز املغربي يف العلوم االجتماعية‪ ،‬الدار البي�ضاء‪.‬‬

‫‪Rafa Llano/Flickr‬‬

‫وقب����ل ت�أ�سي�����س ال�شبيبة الإ�سالمي����ة ع����ام ‪ ،1972‬كان منا�ضلوها قد‬ ‫ت�شرب����وا الرتبية الدينية والدعوية من ه����ذه اجلمعيات يف حني تلقاها‬ ‫�آخرون من درو�س تق����ي الدين الهاليل يف خطبه يوم اجلمعة ودرو�سه‬ ‫بعد �صالة الفجر يف مكنا�س الدار البي�ضاء‪ ،‬وكذا درو�س بع�ض امل�شايخ‬ ‫ال�سلفيني ال�سعودي��ي�ن وال�سودانيني‪ ،‬مما �ساه����م يف تزويدهم بر�صيد‬ ‫مهم من الثقافة ال�شرعية ال�سلفية‪.‬‬ ‫وبع����د ت�أ�سي�س ال�شبيب����ة كان لل�شي����خ حممد زحل الأث����ر الكبري على‬ ‫ال�شبيب����ة الإ�سالمي����ة وكذلك ال�شي����خ الزبري‪� ،‬إذ كان �أع�ض����اء ال�شبيبة‬ ‫يح�ضرون درو�سهم املطبوعة بال�سلفية كما كان ال�شيخ الوهابي �أبو بكر‬ ‫اجلزائري يزورهم يف رم�ض����ان‪ ،‬ومن ثم كوّن �أع�ضاء ال�شبيبة ر�صيد ًا‬ ‫�أ�سا�سي���� ًا يف فه����م الدين وفقه االلت����زام به‪ .‬كان �أ�سا�����س هذه الدرو�س‬ ‫مناه�ض����ة البدع����ة والدع����وة �إىل ال�سنة ال�صحيحة كم����ا درو�س حممد‬

‫الأم��ي�ن بوخب����زة ال�سلفي العقيدة الت����ي تُعلّم االلتزام بال�سن����ة‪ ،‬و�أي�ض ًا‬ ‫ح�سن النتيفي بالدار البي�ضاء وال�شيخ الزبري‪ .‬كما تردد �إ�سالميون يف‬ ‫طنجة على الفقيه حممد الزمزمي ثم حممد اجلردي يف ذات املدينة‪،‬‬ ‫وكان����ت حم�صلة الدرو�س حماربة التدي����ن التقليدي وما يرتبط به من‬ ‫�شركي����ات وب����دع وخمالفات عقائدي����ة كالإمي����ان بالأ�ضرحة وحت�صني‬ ‫�شب����اب ال�شبيب����ة �ضد الفك����ر ال�شيعي ال����ذي ازدهر بعد جن����اح الثورة‬ ‫الإيرانية‪.‬‬ ‫بفع����ل الثقاف����ة ال�سلفية اجلدي����دة‪ ،‬غ����ادر بع�ض ه�ؤالء مم����ن كانوا‬ ‫ي��ت�رددون بحك����م ت�أث��ي�ر الأه����ل وال�صغر يف ال�س����ن ما د�أب����وا عليه من‬ ‫زيارة الزوايا و�أولي����اء الت�صوف‪ ،‬بعدما كانوا يُعجبون برتانيم الأذكار‬ ‫والدع����وات‪ .‬فق����د ر�أى ال�شب����اب الإ�سالم����ي يف كل ذل����ك “�شركيات”‬ ‫تخالف العقي����دة ال�صحيحة‪� .‬أم����ا بع�ض الإ�سالمي��ي�ن الآخرين الذين‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪141‬‬


‫املحــور‬

‫‪142‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫عل��ى الرغم من ا�س��تمرار االقتن��اع باملعتقد‬ ‫ال�س��لفي‪ ،‬فق��د �أعاد الن�ش��طاء الإ�س�لاميون‬ ‫املغاربة النظر تدريجي ًا يف ما غلب على هذا‬ ‫املنه��ج من �ص��رامة و�ش��كالنية ونظ��ر جزئي‬ ‫�أحيان��اً‪ ،‬واقتنعوا ب���أن هذا التوجه ال يرقى‬ ‫�إىل النظرة ال�ش��مولية وال ميكن �أن يتفاعل‬ ‫مع بيئة مغربية وريثة تقليد مالكي �أ�شعري‬ ‫�صويف‬ ‫وه����و االجتاه ال�سلف����ي يف العقائد‪ .‬لقد كانت درو�����س ال�شيوخ ال�سلفيني‬ ‫م�سل����ك ًا تعليمي ًا نهل من����ه الإ�سالميون املغاربة ثقاف����ة عقائدية �سلفية‪،‬‬ ‫ليتم االنتقال �إىل ال�شبيبة �أو �إىل �أ�سر اجلماعة اليا�سينية‪ ،‬والتي كانت‬ ‫م�سل����ك ًا �آخر موازي ًا نهلوا منه ثقافتهم ال�سيا�سية‪ ،‬كما مكّنهم ن�ضالهم‬ ‫اليوم����ي يف اجلامع����ة ويف ال�شارع م����ن الت�أدلج الإ�سالم����ي ومن الت�شبع‬ ‫بالوعي احلركي‪.‬‬ ‫وب�سب����ب االرتياد املبكر من العقيدة ال�سلفية‪ ،‬نخل�ص �إىل القول ب�أن‬ ‫التي����ار ال�سلف����ي ال ينح�صر يف اجلماع����ات التي حتمل لوائ����ه و�شعاره‪،‬‬ ‫ولكن����ه يدخل يف الرتكي����ب الع�ضوي لكل اجلماع����ات والتنظيمات التي‬ ‫تتنازع ال�ساحة الدعوية عموماً‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬ف�إن عامة الأع�ضاء‬ ‫يف التوحيد والإ�صالح مث ًال ال يعرفون غري العقيدة ال�سلفية‪ ،‬وال يدينون‬ ‫�إال به����ا‪ ،‬بل �إن �أك��ث�ر الأتباع يف جماعة الع����دل والإح�سان ال يدينون �إال‬ ‫بالعقيدة ال�سلفية‪ ،‬و�إن �أك��ث�ر الذين ان�ضموا �إىل يا�سني وان�ضووا حتت‬ ‫لوائه كانوا م����ن فلول ال�شبيبة الإ�سالمية وم����ن ال�سلفيني‪ ،‬وقد رغّ بهم‬ ‫يف ذل����ك النهج ال�سيا�س����ي ليا�سني ومواقفه املعار�ض����ة وح�صانته جتاه‬ ‫امل�ساومات‪.‬‬ ‫لكن اخلط����اب الإ�سالمي املغربي �سجّ ل متاي����زات مهمة مقارنة مع‬ ‫املذهبية ال�سلفي����ة الراديكالية كما يروج له����ا يف امل�شرق العربي‪ ،‬ومن‬ ‫ذلك‪ :‬تراجع حدة الرف�����ض الفكري للتقاليد املذهبية والعقائدية التي‬

‫‪ME Archive‬‬

‫كان����وا ينتمون �إىل جماعة التبلي����غ والدعوة فكانوا يت�صورون �أن ال فرق الهاليل الإ�صالحية و�أمثاله من علماء ال�سلفية باملغرب‪ ،‬مُغذية للوعي‬ ‫بني عقائد التبليغ وبني ال�سلفية‪ ،‬فكانوا يقومون بتنظيم معر�ض للكتب الديني احلركي ال����ذي انطلق فيما بعد يف �صورة حديثة متام ًا كحركة‬ ‫يحوي الكت����ب اجلدي����دة ذات ال�صلة باحلرك����ة الإ�سالمي����ة و�أدبياتها ال�شبيب����ة الإ�سالمي����ة وغريها‪ ،‬ف����كان قادة احلرك����ة الإ�سالمية �آنذاك‬ ‫العقائدية‪ ،‬لكن جماعة التبليغ مل تكن تتحمل تعدد الوالءات فلم ي�صرب وامل�ؤطري����ن له����ا على امل�ستويني الفك����ري والت�صوري (زح����ل‪ ،‬القا�ضي‬ ‫تابعوه����ا على احللق����ات الرتبوية التي كان يعقدها ه�����ؤالء يف امل�ساجد برهون‪ ،‬عالل العمراين) تالمذة لل�شيخ الهاليل‪.‬‬ ‫التابع����ة للجماعة‪ ،‬وفق����دوا قدرتهم على حتمل ه����ذه اللقاءات فطلبت‬ ‫فمن����ذ ت�أ�سي�س ال�شبيبة الإ�سالمية �سن����ة ‪ ،1972‬كانت تلك املجموعة‬ ‫منه����م اجلماعة مغادرة ه����ذه امل�ساجد‪ ،‬و�أ�صبحت اللق����اءات تُعقد يف تتلقى العقيدة من خالل الدرو�س التي كان يلقيها الهاليل يف كل زيارة‬ ‫البي����وت والثانوية واملكتبة العمومي����ة ودار ال�شباب‪ .‬وهنا ن�ضجت فكرة له �إىل الدار البي�ضاء‪ ،‬وذلك يف م�ساجد متفرقة‪ .‬يقول زحل يف �شهادته‬ ‫ت�أ�سي�����س اجلمعية الإ�سالمية بالق�صر الكبري الت����ي ت�أ�س�ست فع ًال عام حول ه����ذه الفرتة‪« :‬عند بداي����ة ال�شبيبة الإ�سالمي����ة حر�صنا �أن تكون‬ ‫‪ ،1976‬ومل تكن لها �أي عالقة وقتئذ بال�شبيبة‪.‬‬ ‫النبتة طبية ومتميزة يف �سلوكها ومعتقدها‪ ،‬حتى �إن التقيّد باملذهب ال‬ ‫ومع ت�أ�سي�س ال�شبيبة الإ�سالمية عام ‪ 1992‬كذلك‪ ،‬بد�أ االنفتاح على نعريه �أي اهتمام يف مناهجنا ودرو�سنا الرتبوية‪ ،‬وال ن�أبه ب�أقوال الأئمة‬ ‫الكتاب����ات احلركية الإ�سالمي����ة خ�صو�ص ًا كتاب����ات �سيد قطب وحممد �إذا تعار�ض����ت م����ع هذه الأدلة‪ .‬كم����ا �أن البناء العق����دي الذي اعتمدناه‬ ‫قط����ب ورم�ض����ان البوطي و�سعي����د حوى وفتح����ي يكن وكتيب����ات حزب يف اجلماع����ة كان ي�أخ����ذ من كت����ب العقيدة ال�صحيح����ة ومنها‪« :‬كتاب‬ ‫التحرير مما �ساهم يف تقوية الإميان بالدور الثوري الذي يلعبه الدين التوحيد» لل�شيخ الإم����ام حممد بن عبد الوهاب‪ ،‬و»العقيدة الطحاوية»‬ ‫يف التغي��ي�ر‪ُ ،‬‬ ‫و�صوِّرت كتابات عبد اهلل الع����روي وحممد عابد اجلابري ور�سائل �شيخ الإ�سالم ابن تيمية كالوا�سطية‪ ..‬و�أذكر �أنني التقيت مرة‬ ‫ككتب حماربة للإ�سالم‪ .‬واملح�صلة �أن تعدد املرجعيات �أ�صبح ي�ساهم الدكت����ور تقي الدين الهاليل �أثناء زيارت����ي له مبكنا�س وال�شبيبة بارزة‬ ‫بقوة يف تكوين مرجعية مزدوجة �شرعية وحركية ت�شبعت بهما ال�شبيبة �آنذاك‪ ،‬ف�س�ألني عن عقيدتنا ف�أخربته مب�صادرنا ومعتمدنا يف العقيد‬ ‫الإ�سالمية‪.‬‬ ‫فقال يل‪ ،‬جزاكم اهلل خرياً»‪.‬‬ ‫و�إذا كان����ت املواع����ظ ال�شرعي����ة تلقن �أثن����اء ح�ضور درو�����س امل�شايخ‬ ‫ن�ش�أت احلركة الإ�سالمية �إذن وهي حاملة للفكر ال�سلفي‪ ،‬ومنقطعة‬ ‫الذي����ن ذكرناهم �سابقاً‪ ،‬كانت ال�شبيبة توزع من�شورات احلركة لت�ؤطّ ر ال�صل����ة برتاث الإ�سالم املحلي‪ .‬وقد تعمقت �سلفية هذه احلركة حينما‬ ‫بها عنا�صرها يف جمال�سها الرتبوية‪ .‬كما مل يفت قادة ال�شبيبة حتفيز بد�أت �أطر ال�شبيبة تتجه �إىل ال�سعودية من �أجل الدرا�سة‪ ،‬والتي بد�أت‬ ‫الذي����ن يُقبِلون على التعليم ال�شرعي وح����ده‪� ،‬إذ كان احلركيون ومنهم بع����د رجوعها يف تدري�س العقيدة يف املق����رات ال�سرية واخلاليا التابعة‬ ‫عب����د الإله بن ك��ي�ران يتدخلون كث��ي�ر ًا لتنبيه من �أغرق����وا �أنف�سهم يف للحرك����ة‪ .‬وا�ستم����ر احلال عل����ى هذا النح����و حتى هروب القي����ادة �إىل‬ ‫اخلارج‪ .‬يقول زحل‪« :‬كان املنهج نبتة طيبة مل يف�سده �إال‬ ‫التيار ال�س��لفي ال ينح�ص��ر يف اجلماعات التي حتمل لوائه التوجّ ه ال�سيا�سي لعب����د الكرمي مطيع‪ ..‬فوقع بعد حادثة‬ ‫و�شعاره‪ ،‬ولكنه يدخل يف الرتكيب الع�ضوي لكل اجلماعات اغتي����ال بنجل����ون خلط كبري‪ ،‬ف�آثر التي����ار الدعوي داخل‬ ‫ال�شبيب����ة التوقف �إىل حني واخت����ار العمل الدعوي احلر‪،‬‬ ‫والتنظيمات التي تتنازع ال�ساحة الدعوية عموم ًا‬ ‫م����ن دون �أن يح�سبوا عل����ى التنظيمات الت����ي تكونت بعد‬ ‫انحالل ال�شبيبة»‪.‬‬ ‫حت�صي����ل الثقاف����ة ال�شرعية ب�����أن العمل الفردي ال ميك����ن �أن يُثمِ ر و�أنه‬ ‫عل����ى العموم فقد �سمحت الرتبية الدينية الت����ي تلقاها اجليل الأول‬ ‫ال ب����د م����ن حركة وعمل منظ����م‪ .‬وقد ا�ستج����اب �أغلب ه�����ؤالء مت�أثرين م����ن الإ�سالميني‪ ،‬وتدربهم عل����ى قراءة املت����ون الإيديولوجية للإخوان‬ ‫بقراءاته����م ال�سابقة لأبجدي����ات العمل احلركي املنظ����م والنظر له يف امل�سلم��ي�ن‪ ،‬يف �أن يك����ون لديهم تعاطف مع ال�شبيبة وم����ع عموم الفكرة‬ ‫كتاب����ات �سيد قط����ب و�سعيد حوى وفتحي يك����ن‪ ،‬واملبثوث عرب املجالت الإ�سالمية‪ .‬وقد كانت االنتماءات الدينية ال�سابقة (التبليغ وال�صوفية)‬ ‫امل�شرقية كمجل����ة “ال�شهاب” اللبنانية وجمل����ة “التجمع” و”البالغ” ه����ي امل��ل�اذ الوحيد ال����ذي كان متوفر ًا له�����ؤالء يف ف��ت�رة ال�صبا بحكم‬ ‫الكويتيتني‪ ،‬و�أي�ض ًا �أ�شرطة عبد احلميد ك�شك‪.‬‬ ‫العائل����ة واملن�ش�أ‪ ،‬قبل �أن يختاروا احل����ل الإ�سالمي يف جانبية ال�شرعي‬ ‫وب�شكل عام‪ ،‬ميكن القول �إن احلركة الإ�سالمية املغربية قد ن�ش�أت يف واحلركي عن وعي كامل‪.‬‬ ‫ال�سبعينيات وهي حاملة للمعتق����د ال�سلفي‪ .‬مل تكن احلركة الإ�سالمية‬ ‫�إن ت�شبّ����ع الإ�سالمي��ي�ن املغارب����ة باملعتق����د ال�سلف����ي �أدى �إىل نوع من‬ ‫باملغ����رب من ثمار الإ�س��ل�ام املحلي‪ ،‬بل مل يكن له����ذا الإ�سالم �أي دور التمايز ل����دى احلركة الإ�سالمي����ة املغربية‪ ،‬وهو لي�س متاي����ز ًا �سيا�سي ًا‬ ‫يف ن�ش�أته����ا (ال�صوفية‪ ،‬عبادة الأولي����اء)‪� ،‬إذ كانت انعكا�س ًا لأثر الفكر �أو اجتماعي���� ًا �أو حركي����اً‪ ،‬بل هو متايز عقائ����دي‪ .‬بحيث ميكن احلديث‬ ‫الإ�صالح����ي بامل�شرق ومن����ه الفكر ال�سلف����ي‪ .‬كانت درو�����س تقي الدين ع����ن وجود ن�سبي الجتاه غالب ي�ضم غالبية التيار الإ�سالمي يف املغرب‬

‫تق����وم على وجود الو�سائ����ط بني اخلالق واملخلوق‪ ،‬وحت����رّي الت�شدد يف‬ ‫اجلزئي����ات على الرغم من ا�ستمرار مظاه����ر التقوى والتوكل والذكر‪،‬‬ ‫واالن�صراف عن التعر�ض بالنقد للمذهبية وال�صوفية و�إعالن اعتماد‬ ‫املذه����ب املالك����ي‪ ،‬واالنقطاع جملة ع����ن التعرّ�����ض لل�صوفية‪ ،‬واحرتام‬ ‫الع����ادات الديني����ة يف االحتف����ال باملوا�س����م والأعياد وحُ �س����ن توظيفها‪،‬‬ ‫وتخفيف التوتر �إىل �أق�صى حد جتاه بع�ض البدع يف التو�سّ ل والزيارات‬ ‫واملمار�س����ات الطرقية واعتبارها جزئي����ات ال ت�ست�أهل احلرب �ضدها‪،‬‬ ‫حت����ى �إن عدد ًا من ال�صوفي����ة دخلوا يف احلرك����ة الإ�سالمية و�أ�صبحوا‬ ‫�أ�صدقاء لها‪.‬‬ ‫ال�سلفيون اجلهاديون‬ ‫يف موريتانيا‬ ‫فعلى الرغ����م من ا�ستمرار االقتناع التايل‬ ‫بقلم‪ :‬مراد بطل ال�شي�شاين‬ ‫باملعتقد ال�سلفي‪ ،‬فقد �أعاد الن�شطاء‬ ‫الإ�سالميون املغارب����ة النظر تدريجي ًا يف‬ ‫م����ا غلب على ه����ذا املنهج من �صرامة و�شكالنية ونظ����ر جزئي �أحياناً‪،‬‬ ‫واقتنع����وا ب�أن هذا التوجه ال يرقى �إىل النظ����رة ال�شمولية وال ميكن �أن‬ ‫يتفاعل مع بيئ����ة مغربية وريثة تقليد مالكي �أ�شعري �صويف‪ .‬فاقت�صروا‬ ‫من����ه اجلوان����ب العقدية‪ ،‬مبا تت�س����م به من �صفاء بعي����د ًا عن التخريف‬ ‫واجلدل الكالمي على جانب منه����ج التحقيق احلديثي يف تناول الآثار‬ ‫الإ�سالمي����ة‪ .‬لكنه����م مع ذلك وا�صل����وا الدفاع عن احل����ركات ال�سلفية‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا تلك تقرتب منهم �أيديولوجي ًا وتنظيمياً‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪143‬‬


‫املحــور‬

‫ال�سلفيون اجلهاديون‬ ‫يف موريتانيا‬ ‫�صراع دويل وتو�سع �إقليمي وعجز حملي‬

‫ولعل فهم هذا التطور‬ ‫‪ .I‬ال�سياق‬ ‫ي�ستدع���ي فهم��� ًا لتطور تاريخ اجلهادي�ي�ن‪� ،‬أو التي���ار ال�سلفي‪-‬اجلهادي‬ ‫يف اجلزائ���ر‪ ،‬حيث مر مبراحل ثالثة‪ ،‬ب���د�أت الأوىل ما بني ‪ 1989‬وحتى‬ ‫‪ ،1994‬وهي مرحلة «اجلماع���ة الإ�سالمية امل�سلحة»‪ ،‬والتي تعرف با�سم‬ ‫الأح���رف الأوىل من ا�سمها باللغ���ة الفرن�سي���ة ‪ ،GIA‬وكانت تعبري ًا عن‬ ‫جتمع ملجموع���ات من العائدين من �أفغان�ستان الذي���ن بد�أوا العمل منذ‬ ‫ع���ام ‪ 1991‬ب�شن هجمات متنوع���ة‪ ،‬ومن ثمّ توحدوا حتت ا�سم اجلماعة‬ ‫ع���ام ‪ ،1992‬وق���د �سيط���رت اجلماعة عل���ى امل�شهد يف اجلزائ���ر وتولت‬ ‫“احلرك���ة اجلهادي���ة فيها”‪ .‬وقد ا�ستطاعت بحك���م عملياتها العنيفة‬ ‫والدموي���ة‪� ،‬أن تت�سيد امل�شهد‪ ،‬وكانت لها فت���اوى ت�صدر لها من عوا�صم‬ ‫غربية خا�صة لندن‪ ،‬كما �أن من�شوراتها كانت ت�صدر من هناك‪ ،‬وهو ما‬ ‫دفع املجموعات الإ�سالمية يف العام ‪� 1994‬إىل التوحد حتت ا�سمها‪ ،‬على‬ ‫الرغ���م من �أن جماع���ات ‪ -‬خا�ص ًة الإنقاذ ‪ -‬تن�صلت من ذلك‪� ،‬إىل �أنها‬ ‫البداية لذوبان تل���ك املجموعات ل�صالح “اجلماعة الإ�سالمية امل�سلحة‬ ‫يف اجلزائر”‪.‬‬ ‫وق���د ت���وىل �أ�شخا�ص ع���دة قيادة اجلماع���ة‪ ،‬وتبدُّله���م واالن�شقاقات يف‬ ‫اجلماع���ة �أذنت ببدء املرحلة الثانية من تطور التيار ال�سلفي‪-‬اجلهادي‬

‫يف اجلزائ���ر‪ ،‬والتي كانت تره����ص با�ستيعاب الإيديولوجي���ة ال�سلفية‪-‬‬ ‫اجلهادي���ة‪ ،‬وهي مرحلة ت�أ�سي�س “اجلماع���ة ال�سلفية للدعوة والقتال”‪،‬‬ ‫والت���ي جاءت ان�شقاق ًا عن الغلو يف �أ�ساليب قائد اجلماعة جمال زيتوين‬ ‫– ي�ش���ك ب�أنه قتل على يد رفاقه‪ ،-‬وعنرت زوابري‪ ،‬الذي ورث جماعة‬ ‫تع���اين العديد من االن�شقاقات وفقدت دعمه���ا من اخلارج‪ ،‬عام ‪،1997‬‬ ‫وه���و نف�سه تبنى �سيا�سات �سلف���ه‪ ،‬بارتكاب عمليات دموية �ضد مدنيني‪،‬‬ ‫مم���ا و�سع دائرة االن�شقاق يف اجلماعة‪ ،‬حتى ان�شق عنها ح�سان حطاب‬ ‫ال���ذي �أ�س����س “اجلماعة ال�سلفية للدع���وة والقتال”‪ ،‬وبق���ي على ر�أ�سها‬ ‫حت���ى ع���ام ‪ ،2003‬وا�ستقال ثم تراجع عن �أف���كاره القتالية‪ ،‬وان�ضم �إىل‬ ‫فك���رة العفو عن امل�سلحني الت���ي طرحها الرئي�س اجلزائري عبد العزيز‬ ‫بوتفليقة‪.‬‬ ‫وبع���د ا�ستقال���ة حط���اب اخت���ار “جمل����س الأعي���ان” باجلماع���ة‪ ،‬نبيل‬ ‫�صح���راوي املدعو م�صطفى �أبو �إبراهيم قائدا جديداً‪ ،‬وبد�أت اجلماعة‬ ‫ترتب���ط �شيئ ًا ف�شيئ ًا مع �أجندة تنظي���م “القاعدة” الدولية‪ ،‬وتف�سرياته‬ ‫الفقهي���ة‪ .‬وبع���د مقت���ل �صح���راوي ع���ام ‪ ،2004‬عُ �ّي�نّ خري���ج الكيمياء‪،‬‬ ‫عب���د امللك دروكدال املع���روف ب�أبي م�صعب عبد ال���ودود زعيم ًا جديد ًا‬ ‫للجماع���ة‪ ،‬ال���ذي ما لب���ث بعد ما يزيد ع���ن العامني بقلي���ل‪ ،‬ويف خطوة‬

‫مراد بطل ال�شي�شاين‬

‫‪muradbatal@gmail.com‬‬

‫ارتب���ط تط���ور الأيديولوجي���ة ال�سلفية‪-‬اجلهادي���ة يف موريتاني���ا‪ ،‬وب���روز‬ ‫التيار فيه بتطورها يف اجلزائ���ر املجاورة والتي برز فيها التيار ال�سلفي‪-‬‬ ‫اجله���ادي مبكر ًا منذ بداي���ة الت�سعينيات‪ .‬ومل ت�شه���د موريتانيا زخم ًا يف‬ ‫بروز اجلهاديني‪� ،‬إال مع حتول التيار ال�سلفي‪-‬اجلهادي يف اجلزائر لتبني‬ ‫�أجن���دة �إقليمية �أو�سع �شملت دول ال�ساحل جن���وب ال�صحراء‪ ،‬وموريتانيا‬ ‫كانت يف القلب من هذه اال�سرتاتيجية اجلديدة‪.‬‬ ‫‪144‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫مراد بطل ال�شي�شاين حملل متخ�ص�ص يف �ش�ؤون اجلماعات الإ�سالمية‪ -‬لندن‪.‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪145‬‬


‫املحــور‬ ‫متوقع���ة م���ن املتابع�ي�ن‪� ،‬أن غ�ّي�ررّ ا�س���م اجلماع���ة‪ ،‬ليعلن ع���ن ت�أ�سي�س‬ ‫“القاع���دة يف بالد املغرب الإ�سالمي”‪ ،‬ويقدم الوالء لأ�سامة بن الدن‪،‬‬ ‫والأه���م ط���ر�أ تغري على ا�سرتاجتي���ات اجلماعة‪ ،‬لتك���ون املرحلة الثالثة‬ ‫يف تط���ورات اجلهاديني باجلزائر ويتبنى �أجن���دة �إقليمية ودولية �أو�سع‪،‬‬ ‫تت�سق ور�ؤى القاعدة اجليوبوليتيكية‪ ،‬وانطالق ًا من اجلزائر باتت حركة‬ ‫�إقليمية ميتد ن�شاطها لي�س �إىل دول اجلوار فح�سب بل �إىل دول ال�ساحل‬ ‫جن���وب ال�صح���راء‪ ،‬وهنا ب���د�أ دور ال�سلفيون‪-‬اجلهادي���ون يف موريتانيا‬ ‫بالربوز‪.‬‬

‫موريتاني���ا‪،‬‬ ‫‪ .III‬العام��ل اجليوبوليتيك��ي‬ ‫وبحكم تراميها اجلغرايف‪ ،‬وامل�شاكل االقت�صادية‪-‬ال�سيا�سية التي تعاين‬ ‫منها‪ ،‬ك�ضعف احلكومة املوريتانية ووجود �أكرث من مليون كيلومرت مربع‬ ‫م���ن الأرا�ض���ي ال�صحراوية غري خا�ضع���ة للحكومة‪ ،‬بات���ت بيئة جاذبة‬ ‫لل�سلفيني‪-‬اجلهادي�ي�ن‪ ،‬ف�أول ظهور للح���ركات ال�سلفية‪-‬اجلهادية فيها‬ ‫يعود �إىل منت�ص���ف الت�سعينيات‪ ،‬عندما �أعلن���ت ال�سلطات القب�ض على‬ ‫�أع�ض���اء يف منظم���ات جهادية عدة‪ ،‬مثل لواء م�صع���ب بن عمري وجي�ش‬ ‫حمم���د‪ ،‬وجهاد‪ .‬يف وقت الحق‪ ،‬ظهر �أكرث احلركات ال�سلفية‪-‬اجلهادية‬ ‫تنظيم��� ًا يف موريتاني���ا‪ ،‬و�أي�ض��� ًا ارتباط��� ًا بتنظيم القاع���دة‪ ،‬حتت ا�سم‬ ‫«املرابط���ون»‪ ،‬ومن ث���م مت تغي�ي�ره �إىل «اجلماع���ة املوريتاني���ة ال�سلفية‬ ‫للدعوة والقتال»‪ ،‬وذلك يف العام ‪.2000‬‬ ‫‪146‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫تك�شف‬ ‫‪ .IV‬ال�سيا�سات احلكومية‬ ‫الوثائق الأمريكية التي �سربه���ا موقع ويكليك�س تقدير ًا �أمريكي ًا للموقف‬ ‫يف دول ال�ساح���ل ي���رى ب�أن كل م���ن الواليات املتح���دة وفرن�سا تريان يف‬ ‫موريتاني���ا ر�أ�س حرب���ة يف مواجهة القاعدة‪ .‬فقد �أ�ش���ارت وثيقة �سربها‬

‫‪Caravinagre/Flickr‬‬

‫منذ تبني‬ ‫‪ .II‬موريتانيا‪ :‬اخللفية التاريخية‬ ‫«القاع���دة يف بالد املغرب الإ�سالمي» �سيا�سة التو�سع الإقليمي‪ ،‬تزايدت‬ ‫�أن�شطة التي���ار ال�سلفي‪-‬اجله���ادي يف موريتاني���ا‪ ،‬ودول ال�ساحل جنوب‬ ‫ال�صح���راء‪ ،‬ب�شكل ملحوظ خالل العامني املا�ضيني‪ ،‬ب�شكل يدلل على �أن‬ ‫اجلماعات التابعة لتنظيم القاعدة �أ�صبحت �أكرث فعالية يف تلك الدول‪،‬‬ ‫كما �أن وترية الهجمات وطبيعة الأ�ساليب امل�ستخدمة ت�شري �إىل �أن عدد‬ ‫امل�سلحني ال�سلفيني‪-‬اجلهاديني يف موريتانيا �آخذ يف االزدياد‪.‬‬ ‫ومع بروز النزوع التو�سعي للتنظيم يف دول ال�ساحل وجنوب ال�صحراء‪،‬‬ ‫فق���د تبنى عمليات يف موريتاني���ا‪ ،‬ويف النيجر‪ ،‬و�أ�شارت تقارير عدة �إىل‬ ‫وج���ود مع�سكرات تدريب للتنظيم يف مايل‪ .‬والأه���م �أ�شارت تقارير �إىل‬ ‫�أن قيادات �سلفية‪-‬جهادية حملي���ة من تلك الدول‪ ،‬وحتديد ًا موريتانيا‪،‬‬ ‫تدربت يف مع�سكرات تدريب �سلفية‪-‬جهادية يف اجلزائر‪.‬‬ ‫يف �آذار‪/‬مار����س ‪� 2010‬أ�صدرت «م�ؤ�س�سة الأندل����س للإنتاج الإعالمي»‪،‬‬ ‫وه���ي الذراع الإعالمي لـ «القاعدة يف بالد املغرب الإ�سالمي»‪ ،‬ت�سجي ًال‬ ‫م�ص���ور ًا لأبي عبيدة يو�سف‪� ،‬أحد قيادات التنظيم‪ ،‬بعنوان «خطاب �إىل‬ ‫�شعوب وحكام منطقة ال�ساحل وجنوب ال�صحراء»‪ ،‬حذر فيه تلك الدول‬ ‫م���ن «االن�ضمام للجزائر ودول غربية مث���ل الواليات املتحدة وفرن�سا يف‬ ‫حربه���ا �ضد تنظيم القاعدة»‪ .‬وقال يو�س���ف �إنه مل يكن هدف «القاعدة‬ ‫يف املغ���رب الإ�سالمي» ج ّر دول ال�ساحل �إىل �ساحة املعركة‪« ،‬لأنها كانت‬ ‫ت�ستهدف فقط ال�صليبي�ي�ن وم�صاحلهم يف تلك البلدان»‪ .‬وذكر يو�سف‬ ‫�أن «بع����ض احلوادث املح���دودة» التي وقعت يف وق���ت �سابق �ضد جيو�ش‬ ‫دول ال�ساحل كانت دفاع ًا عن النف�س‪.‬‬

‫ه���ذه املجموعة‪ ،‬وكما يوح���ي اال�سم‪ ،‬ا�ستن���دت على �شب���ان موريتانيني‬ ‫تدربوا يف مع�سك���رات «اجلماعة ال�سلفية للدع���وة والقتال» اجلزائرية‪،‬‬ ‫ب�شكل ي�ؤكد التحول يف �أجندة اجلهاديني يف اجلزائر‪ ،‬منذ تويل حطاب‬ ‫وان�شقاق���ه عن «اجلماعة الإ�سالمية امل�سلحة»‪ .‬ويف �أعقاب ذلك‪� ،‬أ�صبح‬ ‫ال�سلفيون‪-‬اجلهادي���ون يف موريتانيا �أك�ث�ر تنظيماً‪ ،‬ويف عام ‪� 2005‬شنوا‬ ‫هجم���ات على قاعدة للجي�ش يف ملغيط���ي �شمال البالد التي قتل فيها ‪15‬‬ ‫جندياً‪.‬‬ ‫ويف ع���ام ‪ ،2007‬بد�أ ال�سلفيون‪-‬اجلهادي���ون يف موريتانيا تنفيذ هجمات‬ ‫�أك�ث�ر تط���وراً‪ ،‬مثل قتل �أربعة �سي���اح الفرن�سي�ي�ن يف �أالك (جنوب �شرق‬ ‫نواك�ش���وط‪ ،‬قرب احلدود م���ع ال�سنغال)‪ ،‬وقد �ألق���ي القب�ض على ت�سعة‬ ‫م���ن �أع�ضاء القاع���دة يف املغرب الإ�سالمي يف عالقة م���ع عملية القتل‪.‬‬ ‫وبع���د ب�ضعة �أيام‪ ،‬قتل ثالثة جنود موريتانيني اجلهاديني يف هجوم على‬ ‫قاع���دة للجي����ش بالغالوية‪ .‬وق���د �أدى هذا الن�شاط املتزاي���د لل�سلفيني‪-‬‬ ‫اجلهادي�ي�ن‪� ،‬إىل �إلغاء رايل دكار للمرة الأوىل منذ ت�أ�سي�سه قبل ثالثني‬ ‫عاماً‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬هاجم اجلهاديون يف موريتانيا ال�سفارة الإ�سرائيلية يف‬ ‫نواك�شوط �شباط‪/‬فرباير ‪ ،2008‬وذلك قبل �إغالقها ر�سمياً‪.‬‬ ‫منذ كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب عام ‪ ،2009‬ب���د�أ اجلهاديون بخطف العديد‬ ‫م���ن الغربيني وهم ي�سعون ملبادلتهم بزمالئهم امل�سجونني يف موريتانيا‪.‬‬ ‫ويف ‪� 18‬آب‪�/‬أغ�سط����س ‪ ،2009‬كان���ت «القاعدة يف املغرب الإ�سالمي» قد‬ ‫�أ�صدرت ت�سجي�ل�اً مرئي ًا من �أجل الك�شف عن ا�س���م موريتاين انتحاري‬ ‫با�سم �أبو عبيدة‪ ،‬والذي ف�شل يف الو�صول �إىل هدفه‪ ،‬ال�سفارة الفرن�سية‬ ‫يف نواك�ش���وط‪ ،‬وفجّ ���ر نف�سه يف ال�شارع �أمام ال�سف���ارة يف �آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫‪.2009‬‬ ‫وي�ب�رز ارتباط تط���ور احلرك���ة ال�سلفية‪-‬اجلهادي���ة يف موريتانيا مع‬ ‫تطوره���ا يف اجلزائ���ر‪ ،‬يف �أن كب���ار ق���ادة اجلهادي�ي�ن يف موريتانيا مثل‬ ‫اخل���ادم ولد ال�سم���ان �أحد م�ؤ�س�سي «اجلماعة ال�سلفي���ة للدعوة والقتال‬ ‫يف موريتاني���ا»‪ ،‬تلقوا تدريبات يف اجلزائر‪ ،‬حي���ث ت�ستقطب مع�سكرات‬ ‫اجلهاديني اجلزائريني الأكرث خربة ال�شبان من دول اجلوار‪ ،‬بالتزامن‬ ‫مع تبني القاعدة يف اجلزائر لأجندة �إقليمية تعك�س ت�صورات القاعدة‪.‬‬ ‫وقد تبدى الأمر �أي�ض ًا يف تعيني يحيى جوداي (�أبو عمار) من قبل زعيم‬ ‫تنظي���م القاع���دة يف بالد املغ���رب الإ�سالم���ي �أبو م�صعب عب���د الودود‬ ‫(عبد املل���ك دوركال)‪� ،‬أمري ًا ملنطقة ال�ساحل وجن���وب ال�صحراء‪ ،‬بد ًال‬ ‫م���ن خمتار بلمخت���ار (خالد �أبو العبا�س)‪ ،‬حيث ت�ش�ي�ر التقارير �إىل �أن‬ ‫الأول‪ ،‬وح�س���ب نظرة عبد الودود �أقدر على تو�سعة ن�شاطات التنظيم يف‬ ‫املنطق���ة‪ ،‬عدا ع���ن �أن بلمختار رف�ض «مبايع���ة» الزعيم اجلديد‪ ،‬ويقال‬ ‫�إنه فتح خط تفاو�ضي مع ال�سلطات اجلزائرية لي�ستفيد من العفو الذي‬ ‫�أعلنه الرئي�س اجلزائري عبد العزيز بوتفليقة‪.‬‬

‫اجلهازان الأمني والق�ضائي يف موريتانيا يعانيان من م�شكالت بنيوية‪ ،‬ت�ضعف منهما ك�آليتني ملواجهة‬ ‫التي��ار ال�س��لفي‪-‬اجلهادي‪ ،‬كم��ا برز يف ح��وادث هروب من ال�س��جن‪ ،‬واملواجهات الأمني��ة التي �أودت‬ ‫بحياة مدنيني‬ ‫موق���ع ويكيليك����س �إىل �أن الواليات املتحدة وفرن�س���ا تفاهمتا على الدفع‬ ‫مبوريتاني���ا لتكون «ر�أ�س احلرب���ة» يف مواجهة تنظي���م القاعدة يف بالد‬ ‫املغ���رب الإ�سالم���ي‪ ،‬وذل���ك يف اجتم���اع ب�ي�ن م�س�ؤولني كبار م���ن قيادة‬ ‫الأركان الأمريكية اخلا�صة ب�أفريقيا «�أفريكوم» وم�س�ؤولني فرن�سيني‪.‬‬ ‫ويف ه���ذا ال�سياق‪ ،‬ف����إن �أنظمة احلكم املتعاقب���ة يف موريتانيا‪ ،‬منذ عام‬ ‫‪� 2003‬س���واء �أجاءت باالنقالب �أم باالنتخ���اب‪ ،‬انتهجت �أمناط ًا خمتلفة‬ ‫من التعامل مع ال�سلفيني‪-‬اجلهاديني‪ ،‬ولعل ما يجمع بينها على امل�ستوى‬ ‫امل�ؤ�س�س���ي‪ ،‬ثالثة �أمناط‪ :‬التعامل الفكري‪ ،‬والتعامل القانوين‪ ،‬والتعامل‬ ‫الأمني‪.‬‬ ‫هذه الأمن���اط الثالثة‪ ،‬مل ت�سجل ن�شاط ًا ملحوظ���اً‪ ،‬فالتعامل الفكري‬ ‫و�إن �أف���رز ح���وار ًا ب�ي�ن ال�سلط���ات وال�سلفيني‪-‬اجلهادي�ي�ن‪ ،‬عل���ى غرار‬ ‫ما ح���دث يف ليبيا وم�ص���ر‪ ،‬بغي���ة �إي�صالهم �إىل نوع م���ن «املراجعات»‪،‬‬ ‫ف����إن نتائج احل���وار مل تكن حا�سم���ة ل�سببني‪� ،‬أولهما ارتب���اط ال�سلفية‪-‬‬ ‫اجلهادي���ة يف موريتاني���ا بالقاع���دة يف املغ���رب الإ�سالم���ي املوج���ود يف‬ ‫اجلزائ���ر املجاورة والقرارات الأ�سا�سية بي���د قياداتها‪ ،‬وال�سبب الثاين‪،‬‬ ‫�أن منظ���ري ال�سلفيني‪-‬اجلهادي�ي�ن املوريتانيني اجلدد فيم���ا يبدو �أنهم‬ ‫خارج موريتانيا‪.‬‬ ‫و�أم���ا فيم���ا يتعلق بالتعام���ل الق�ضائي والأمني‪ ،‬على ح���د �سواء‪ ،‬ف�إنه‬ ‫يب���دو �أن اجلهازين يعانيان من م�شكالت بنيوية‪ ،‬ت�ضعف منهما ك�آليتني‬ ‫ملواجه���ة التي���ار ال�سلفي‪-‬اجله���ادي‪ ،‬كم���ا ب���رز يف حوادث ه���روب من‬

‫ال�سج���ن‪ ،‬واملواجه���ات الأمني���ة الت���ي �أودت بحياة مدني�ي�ن‪ .‬وعلى ذلك‬ ‫ف����إن الر�ؤية الأمريكية والفرن�سية باتت تقوم عل���ى دعم موريتانيا مالي ًا‬ ‫وتدريب قواتها الأمنية‪.‬‬ ‫وج���ود القاع���دة �أو التي���ار ال�سلفي‪-‬‬ ‫‪ .V‬اخلامت��ة‬ ‫اجله���ادي يف موريتانيا يرتبط بوج���وده يف اجلزائر الذي بد�أ ومنذ عام‬ ‫‪ 2009‬يرتب���ط �أك�ث�ر بتنظي���م القاع���دة الأم يف �أفغان�ست���ان وباك�ست���ان‪،‬‬ ‫وبالت���ايل باتت موريتانيا يف القلب م���ن ا�سرتاتيجية القاعدة يف التو�سع‬ ‫الإقليم���ي وفتح جبهات خمتلفة ومالذات �آمن���ة متفرقة‪ .‬وباملقابل‪ ،‬ف�إن‬ ‫الوالي���ات املتح���دة‪ ،‬ومعها فرن�س���ا‪ ،‬ذات‬ ‫هل ميكن �إعادة‬ ‫التاري���خ الطويل يف املنطق���ة‪ ،‬ت�سعيان‬ ‫ت�أهيل اجلهاديني؟‬ ‫لالعتم���اد عل���ى موريتاني���ا ك�ش���كل التايل‬ ‫بقلم‪ :‬كاثرين �سيفرت‬ ‫من �أ�ش���كال «احل���رب بالنياب���ة»‪ ،‬من‬ ‫خالل تقدمي الدع���م املادي واللوجي�ستي‪،‬‬ ‫والتدريب للأجهزة الأمنية‪.‬‬ ‫وب�ي�ن هذا وذاك يزداد العبء على احلكوم���ة املوريتانية‪ ،‬وخا�صة �أن‬ ‫بيئتها اجلغرافي���ة وظروفها االجتماعية‪-‬ال�سيا�سي���ة جاذبة لل�سلفيني‪-‬‬ ‫اجلهادي�ي�ن‪ ،‬كم���ا �أن «القاع���دة يف املغ���رب الإ�سالم���ي» ت�سع���ى �إىل‬ ‫ا�ستخدامه���ا كمالذ �آمن تلج�أ له كلما ا�شتد ال�ضغط عليها يف اجلزائر‪.‬‬ ‫وعل���ى ذلك‪ ،‬ف�إن موريتانيا يتوقع �أن ي���زداد دورها ك�أر�ض لأحد ف�صول‬ ‫ال�صراع بني القاعدة والغرب امل�ستمر واملنت�شر‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪147‬‬


‫املحــور‬

‫هل من �سبيل لإعادة‬ ‫ت�أهيل اجلهاديني؟‬ ‫كاثرين �سيفرت‬

‫بينما ي�صبح ُ�صنّاع ال�سيا�سة الأمريكيني قلقني على نحو متزايد ب�ش�أن م�صري من‬ ‫تبق���ى من املحتجزين حالي ًا يف معتقل غوانتانام���و‪� ،‬أخذت ما ت�سمى برامج �إعادة‬ ‫ت�أهي���ل اجلهاديني التي ُتق���ام يف اخلارج حتظى باهتمامٍ �أك�ب�ر من ذي قبل‪ .‬فقد‬ ‫تبنت الكثري من الدول مثل ال�سعودية واليمن و�سنغافورة وكندا وبريطانيا‪ ،‬برامج‬ ‫ت�سع���ى لت�أهي���ل الإرهابيني الإ�سالميني �أو احلد من تط���رف املزيد من املتعاطفني‬ ‫مع اجلهادي�ي�ن‪ .‬وحتاول دول خمتلف���ة تكييف براجمها مب���ا يتنا�سب واحتياجات‬ ‫جمتمعاتها‪ ،‬فالبلدان ذات الأغلبية امل�سلمة تركز على املتطرفني الذين �أخذوا يف‬ ‫االنخ���راط يف ن�شاطات �إرهابية فعلية �أو الأع�ضاء الفاعلني املنتمني �إىل تنظيمات‬ ‫�إ�سالمي���ة ت�شكل تهديد ًا للدولة‪� .‬أما املب���ادرات الغربية فرتكز على الأفراد الذين‬ ‫قد ي�سعون لإن�شاء عالقة �صداقة مع اجلماعات املتطرفة عرب الإنرتنت �أو امل�ساجد‬ ‫املحلي���ة‪ ،‬حي���ث ت�سعى براجمه���ا ملنع حدوث املزي���د من التطرف‪ .‬ورغ���م التباين‬ ‫الوا�ض���ح بني املنهجيتني‪ ،‬ف�إن ال�س�ؤال الذي يج���ب على كال اجلانبني الإجابة عنه‬ ‫مف���اده‪ :‬ه���ل �أثمرت جهودهما‪� ،‬أم فق���ط مت �إطالق �سراح املعتقل�ي�ن لين�ضمّوا �إىل‬ ‫جمتمعاتهم الأ�صلية التي تدعي التخل�ص من «ال�سموم» لكن التزامهم باجلهاد ال‬ ‫زال يعم���ل يف اخلفاء؟ �إن �أي �إجابة خاطئة عن هذا ال�س�ؤال ت�شكل تهديد ًا خطري ًا‬ ‫للأمن العاملي واملحلي �أي�ضاً‪.‬‬

‫الل العنف ‪..‬‬ ‫ِظ ُ‬

‫ون�شر يف ف�صلية ال�شرق الأو�سط ‪ ،The Middle East Quarterly‬عدد ربيع ‪ ،2010‬ال�صفحات ‪.30 - 21‬‬ ‫‪ME Archive‬‬

‫‪148‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫كاثري���ن �سيفرت‬

‫طالبة بكلي���ة براين مور ومتدربة يف منتدى ال�شرق الأو�سط‪ .‬والعنوان الأ�صلي للمق���ال ?‪Can Jihadis Be Rehabilitated‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪149‬‬


‫املحــور‬

‫‪150‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫واجه����ت احلكوم����ة‬ ‫النم��وذج ال�س��عودي‬ ‫ال�سعودية نوع ًا من ال�شك والريبة من قبل �سُ جنائها عندما بد�أت لأول مرة‬ ‫“مب����ادرة املنا�صح����ة” يف �سجونها‬ ‫ع����ام ‪ ،2004‬لك����ن منذ ذل����ك الوقت‬ ‫ا�ستطاع����ت �إقن����اع املعتقل��ي�ن ب�����أن‬ ‫العلم����اء القائمني على الربنامج هم‬ ‫فع ًال رج����ال دين حمرتم��ي�ن ولي�سوا‬ ‫جم����رد “ ُدم����ى حكومي����ة”(‪.)17‬‬ ‫و ُتع����رف الإ�سرتاتيجي����ة ال�شامل����ة‬ ‫الت����ي تتبعه����ا اململك����ة ب����ـ “الوقاية‪،‬‬ ‫و�إع����ادة الت�أهي����ل‪ ،‬والنقاهة”(‪.)18‬‬ ‫وتت�ضم����ن حما�ضرات تنظمها وزارة‬ ‫التعلي����م وبع�����ض املطبوع����ات الت����ي‬ ‫ت�شجب العن����ف‪� ،‬إىل جانب الربامج‬ ‫احلكومية الهادفة �إىل ردع املواطنني‬ ‫م����ن تبنّ����ي الفك����ر املتط����رف‪ .‬ولكن‬ ‫لي�����س وا�ضح���� ًا بال�ضب����ط كي����ف يتم‬ ‫�إجن����از هذا‪� ،‬إذ �أن التف�سري الوهابي‬ ‫للإ�سالم والذي يعم����ل ك�أ�سا�س لكل الداء والدواء‪� :‬أعتقد امل�سئولون اليمنيون �أن احلوار وت�صحيح املعتقدات �سيدفع باجلهاديني املعتقلني �إىل نبذ العنف‬ ‫هذه اجلهود‪ ،‬هو �أحد �أكرث املذاهب‬ ‫ت�ش����دد ًا كما �أنه �أي�ض ًا املذهب الر�سمي يف ال�سعودية‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬ال‬ ‫خليط���� ًا م����ن الو�سائ����ل عُ رفت مبرك����ز الرعاي����ة‪ ،‬ملوا�صلة عملي����ة الت�أهيل‬ ‫ت�ستطيع احلكومة �شجب اجلهاد بحد ذاته لأنه مفهوم مت�أ�صل يف القر�آن‪،‬‬ ‫فيم����ا بعد فرتة ال�سج����ن‪ .‬ويف ت�شرين الثاين‪/‬نوفم��ب�ر ‪ )24( 2008‬و�صفت‬ ‫وبد ًال من ذلك‪ ،‬يقوم رجال الدين يف املبادرة بو�ضع �شروط يكون اجلهاد‬ ‫كاثري����ن زوبف املركز ب�أنه يحت����وي على م�سابح ومالع����ب للكرة الطائرة‬ ‫مبوجبها م�شروع ًا بد ًال من �إنكاره جملة وتف�صي ًال(‪.)19‬‬ ‫و�ألع����اب “بالي �ستي�ش����ن” وطاوالت التن�����س‪ .‬وعند و�ص����ول املعتقلني يتم‬ ‫ويق����وم برنام����ج املنا�صح����ة يف ال�سج����ون ال�سعودي����ة الت����ي مت حتديثه����ا‬ ‫�إعطائه����م مالب�����س و�ساع����ات وبع�����ض احلل����وى ملنحه����م بع�����ض الراحة‪.‬‬ ‫لتتنا�س����ب م����ع احتياج����ات اجلهاديني املعتقل��ي�ن‪ ،‬حيث يخ�ض����ع ال�سجناء‬ ‫وتت�ضمن املحا�ض����رات املقدمة تف�سري بع�ض امل�صطلحات مثل “اجلهاد”‬ ‫اجل����دد للمقابلة والفح�����ص النف�سي ويتم تقيي����م معتقداتهم ال�شخ�صية‪.‬‬ ‫و”التكفري”‪ ،‬وذلك بالطريقة التي تتطابق مع تعريف احلكومة ال�سعودية‬ ‫وعلى خالف ال�سجون املعتادة‪ ،‬يحتوي كل جناح على جهاز تلفزيوين يبث‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪ME Archive‬‬

‫يف عام ‪� 1997‬أ�صبحت الواق����ع‪� ،‬إذ قال‪“ :‬نحن نرحب بتلك املراجع����ات لأننا قد دعونا منذ زمن‬ ‫املنهجية امل�صرية «اللينة»‬ ‫م�ص����ر مكان ميالد نهج جديد ملكافحة الإرهاب عندما �سمحت للأع�ضاء طويل لوقف العنف‪� ...‬إال �أنها لي�ست مكتملة‪ .‬فهي ترف�ض العنف لكن دون‬ ‫امل�سجون��ي�ن م����ن اجلماع����ة الإ�سالمية‪� ،‬أح����د الف����روع العنيف����ة للإخوان تقدمي �إ�سرتاتيجية جديدة للإ�صالح والتغيري”(‪.)5‬‬ ‫وبرغ����م ما يُقال ع����ن برنامج مكافحة التطرف امل�ص����ري‪ ،‬و�أنه “الأكرث‬ ‫امل�سلم��ي�ن‪ ،‬بااللتقاء لإعادة تقييم �أيديولوجيته����م الأ�سا�سية‪ ،‬على �أمل �أن‬ ‫يتخل����وا عن مبد�أ العنف مثلم����ا فعل التنظيم الأب يف ف��ت�رة ال�سبعينيات‪� .‬شم����و ًال من �أي بل����د عربي �آخ����ر”(‪� ،)6‬إال �أنه من ال�صع����ب احل�صول على‬ ‫ففي تلك ال�سن����ة‪� ،‬أعلن قادة التنظيم امل�سجونني وقف �إطالق النار‪ ،‬وبعد مع����دالت دقيقة حول انتكا�س املعتقلني �سابق ًا من عنا�صر تلك التنظيمات‬ ‫�سن����وات م����ن ذلك وبعد الت�ش����اور مع علم����اء م�سلمني من جامع����ة الأزهر الإرهابي����ة‪ .‬ويقول �أحد امل�صادر �إن الربنام����ج مل “يتوا�صل بفعالية”(‪.)7‬‬ ‫�أ�ص����در كبار قادة التنظيم خم�سة وع�شرين جملد ًا حتت عنوان “ت�صحيح ويف ه����ذه الأثناء‪� ،‬أطلق����ت احلكومة امل�صرية مئ����ات املعتقلني ممن كانوا‬ ‫ذات مرة حتت قي����ادة مقاتلني رف�ضوا‬ ‫املفاهي����م” تت�ضم����ن‬ ‫(‪)8‬‬ ‫�أ�سلوب العنف ‪.‬‬ ‫مراجعات لفل�سفتهم(‪.)1‬‬ ‫وتقول ه����ذه املراجعات‪ ،‬من ال�صعب جد ًا معرفة ما �إذا كانت حوارات ال�سجن‬ ‫وم����ن ال�صعب ج����د ًا معرفة م����ا �إذا‬ ‫عل����ى �سبي����ل املث����ال‪� ،‬إن عبارة عن جزء من اجلهود اجلماعية لإظهار تعاون زائف كان����ت ح����وارات ال�سج����ن عب����ارة عن‬ ‫جزء م����ن اجلهود اجلماعي����ة لإظهار‬ ‫الإ�س��ل�ام ال يجي����ز قت����ل و�ضمان �إطالق املعتقلني ب�سرعة �أم �أنها فع ًال �صادقة‬ ‫تعاون زائف و�ضمان �إطالق املعتقلني‬ ‫املدني��ي�ن غ��ي�ر امل�سلمني‬ ‫��ل�ا �صادق����ة‪ .‬ومع‬ ‫ب�سرع����ة �أم �أنه����ا فع ً‬ ‫�أو �إرهابه����م‪ ،‬وتتن����اول‬ ‫املخاطر التي يُ�شكلها تنظي����م القاعدة على امل�سلمني يف �أنحاء العامل(‪ .)2‬ه����ذا ف�إن هن����اك دو ًال ذات �أغلبية م�سلمة تقتدي مب�ص����ر يف هذا املنحى‪،‬‬ ‫و�سُ مِ����ح للجماع����ة �أي�ض ًا ب�إبق����اء قيادتها يف ال�سجن‪ ،‬على �أم����ل �أنه يُ�ساعد مُ�ستخدِ مة املُوجّ ه��ي�ن ورجال الدين لإقناع الإرهابي��ي�ن املُعتَقلني بالرجوع‬ ‫نب����ذ كبار �أع�ض����اء اجلماعة للعن����ف يف �إقناع الآخرين عل����ى �إتباع طريقة عن فكرهم وحماولة تو�صيل الر�سالة ال�صحيحة‪.‬‬ ‫يف مطل����ع ع����ام ‪2000‬‬ ‫�أك��ث�ر و�سطية واعتداالً‪ .‬ويف ع����ام ‪� 2007‬سار ق����ادة م�سجونني ينتمون �إىل املح��اوالت اليمني��ة‬ ‫جماعة اجلهاد الإ�سالمي امل�صرية‪ ،‬وهي جماعة �إ�سالمية �أخرى ت�أ�س�ست ب����د�أ القا�ض����ي حمود الهت����ار بزي����ارة ال�سجن����اء املتطرف��ي�ن يف املعتقالت‬ ‫يف �أواخر ال�سبعينيات‪ ،‬على خطى عنا�صر اجلماعة الإ�سالمية من خالل اليمني����ة وخو�ض حوارات دينية معه����م(‪ .)9‬ويف ‪ 2002‬تر�أّ�س جلنة احلوار‪،‬‬ ‫�إط��ل�اق ما �سم����وه “الإ�صالح اجلماع����ي” اخلا�ص به����م‪ .‬وبدعم �سلطات وه����ي املبادرة التي انطلق����ت بقرار رئا�سي‪ ،‬مع القليل م����ن �إعادة الت�أهيل‬ ‫الأم����ن امل�صري����ة مت ال�سم����اح لقادة جماع����ة اجلهاد الإ�سالم����ي امل�صرية للجهادي��ي�ن املعتقل��ي�ن(‪ .)10‬ويف ظ����ل وج����ود �أيديولوجي����ة تتم�س����ك به����ا‬ ‫امل�سجون��ي�ن – ومن بينهم م�ؤ�س�س اجلماعة �سيد �إمام ال�شريف (املعروف التنظيم����ات املتطرف����ة‪� ،‬أعتقد امل�سئول����ون اليمنيون �أن احل����وار وت�صحيح‬ ‫�أي�ض���� ًا با�س����م الدكت����ور ف�ض����ل) – بعق����د لقاءات م����ع �أع�ض����اء �آخرين يف املعتق����دات �سيدف����ع باملعتقلني �إىل نبذ العنف بعد �إط��ل�اق �سراحهم‪ .‬وقد‬ ‫ال�سجن‪ .‬ويف �أيار‪/‬مايو ‪� 2007‬أعلن ال�شريف عن �شجبه‬ ‫للعنف‪ ،‬مُ�ستخدِ م ًا اخت����ارت اللجنة املُ�ش ّكل����ة للحوار جمموع����ة �صغرية م����ن ال�سجناء ملعرفة‬ ‫(‪)3‬‬ ‫�صفح����ات �صحيفة “ال�شرق الأو�سط” اللندني����ة ال�شهرية ‪ .‬وتفاع ًال مع �آرائهم ب�ش�أن الإ�سالم‪ ،‬ولتح����دّي ا�ستخدامهم للقر�آن واال�ست�شهاد ب�آياته‬ ‫ذلك‪ ،‬قامت �سلطات �أمن ال�سجون بف�صل �أولئك الذين رف�ضوا فكرة هذه لتربير جلوئهم �إىل العنف‪.‬‬ ‫املب����ادرة اجلديدة ع����ن �أولئك الذين يرغبون يف االقت����داء بال�شريف ونبذ‬ ‫للأ�سف مل يحقق الربنامج النتائج املرجوة منه‪ ،‬باعرتاف الرئي�س علي‬ ‫العنف(‪.)4‬‬ ‫عب����داهلل �صالح �أن ن�سبة النجاح و�صلت ‪ %60‬فقط(‪ .)11‬فقد �أطلق اليمن‬ ‫وم����ن خالل عملية ت�شجيع املتطرفني على �إعادة النظر يف �أيديولوجيات خم�سمائة معتقل‪ ،‬عاد �أكرث املعروفني منهم �إىل ما�ضيهم العنيف‪ ،‬ما جعل‬ ‫جماعاته����م‪ ،‬متكّنت ال�سلط����ات امل�صرية من �إقناع بع�����ض قادة اجلماعة اليم����ن واحد ًة من �أهم معاقل جتنيد عنا�ص����ر القاعدة(‪ .)12‬وتكمن عدم‬ ‫الإ�سالمية وجماعة اجلهاد الإ�سالمي امل�صرية ظاهري ًا على �إعادة النظر فعالي����ة املبادرة اليمنية يف الأ�سلوب املُت�ساهِ ل م����ع املعتقلني‪ ،‬فقد خ�ضعوا‬ ‫يف ا�سرتاتيجياته����م و�إبعاد �أع�ضائهما عن م�سار العنف‪ .‬ويف نف�س الوقت‪ ،‬لعملي����ة الت�أهي����ل مبج����رد التوقيع على وريق����ة متنحهم احلري����ة وتلزمهم‬ ‫رمبا �ساعد ال�سماح للقياديني بالبقاء دون �أن يلحق بهم �أذى‪ ،‬على �شرعنة مبراجع����ة امل�سئولني عن �إط��ل�اق �سراحهم امل�شروط ب�ش����كل منتظم‪ .‬لكن‬ ‫ه����ذه اجلماع����ات ور�سائلها التي حت����اول �إي�صالها‪ .‬لكن م����ع مرور الزمن الع�شرات منهم عادوا لأ�سلوب العنف اجلهادي ومتكنت القوات الأمريكية‬ ‫ضال عن �أن الربنامج بات مو�ضع �سخرية بني‬ ‫ت�شظ����ت تل����ك اجلماع����ات �إىل فئات و�أجنح����ة يرف�ض بع�ضه����ا االعرتاف م����ن �إلقاء القب�ض عليهم؛ ف� ً‬ ‫بالإ�صالح����ات ال�سلميّة‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬تذمّر الع�ضو البارز يف جماعة املعتقل��ي�ن‪ .‬وقد قال �أحد املعتقل��ي�ن يف مقابلة �أجرته����ا جملة “نيوزويك”‬ ‫الأخ����وان امل�سلمني ع�صام العريان‪ ،‬والذي �أب����دى تخوفه من �أن مبادرات الأمريكية‪“ :‬ب�صراحة‪� ،‬أ�صبح (القا�ضي الهتار) جمرد م�سخرة يف �أو�ساط‬ ‫الإ�ص��ل�اح ال تُقدم حل����و ًال للأع�ضاء الذين ينتظ����رون الإ�صالح على �أر�ض املعتقلني”(‪.)13‬‬

‫و�أ�ضط����ر الربنام����ج للإغ��ل�اق ع����ام ‪ ،2005‬غ��ي�ر �أن ال�سلط����ات اليمنية‬ ‫تتعر�ض الآن لل�ضغط من قبل م�سئويل مكافحة الإرهاب الأمريكيني لبناء‬ ‫من�ش�أة جديدة للمعتقلني العائدين من معتقل غوانتنامو (هناك ما يقارب‬ ‫مائ����ة معتقل ميني من بني ح����وايل ‪ 229‬معتق ًال ما زالوا هناك)(‪ .)14‬لكن‬ ‫الرئي�����س �صال����ح يرف�ض البدء يف عملي����ة �إن�شاء مرك����ز دون الدعم املايل‬ ‫الأمريكي‪� ،‬إذ يقول �إنه قد مت �إعطائه وعد بتقدمي مبلغ �أحدى ع�شر مليون‬ ‫دوالر ًا لبن����اء املرك����ز(‪ .)15‬وبح�سب �أحد امل�صادر‪ ،‬فق����د ر�أى ال�سجناء �أن‬ ‫الربنامج الأ�صلي جمرد حماول����ة غري �صادقة لتح�سني �سمعة اليمن كبلدٍ‬ ‫يق�سو عل����ى الإرهابيني فيه‪ .‬ويُ�ضفي رف�ض الرئي�س �صالح للعمل على بناء‬ ‫املركز نوع ًا من امل�صداقية على �إدعاء �أحد طالب الهتار ال�سابقني‪ ،‬حيث‬ ‫ق����ال‪“ :‬كنا ندرك جميع ًا �أن امل�س�ألة جمرد ابت����زاز للمال من الأمريكيني‪.‬‬ ‫لقد كانوا فقط يلعبون معنا”(‪.)16‬‬

‫حما�ض����رات دينية(‪ ،)20‬وي�ستطيع الن����زالء مناق�شة الآراء مع العلماء عرب‬ ‫االت�ص����ال الداخل����ي‪ .‬وتقول ال�سلطات ال�سعودية �إن����ه من عام ‪ 2004‬وحتى‬ ‫‪ 2007‬مل يع����د �إىل �أعمال التطرف �سوى ‪� %3‬إىل ‪ %5‬ممن �أطلق �سراحهم‬ ‫امل�ش����روط(‪ ،)21‬لك����ن من ال�ضروري الإ�ش����ارة �إىل �أن املبادرة ذاتها تعتمد‬ ‫على االختيار الذاتي(‪� .)22‬إن الإح�صائيات املوثوقة لي�ست متوفرة‪ ،‬ويريد‬ ‫ال�سعوديون �إعط����اء �صورة �إيجابية عن �أنف�سه����م‪ ،‬فهم معر�ضون لالتهام‬ ‫ب�����أن رج����ال الدي����ن عندهم هم من ب��ي�ن الأك��ث�ر تطرف����اً‪ .‬وامل�شاركون يف‬ ‫الربنامج هم م����ن �أولئك الراغبني يف التخلي ع����ن معتقداتهم‪ ،‬و�أكرثهم‬ ‫كانوا مجُ ندين ج����دد ًا لن�شاطات جهادية‪ ،‬وهناك دلي����ل على �أنهم قابلني‬ ‫للت�أث����ر بالإر�ش����اد الذي يقوم ب����ه برنامج املنا�صح����ة مثلما ت�أث����روا �سابق ًا‬ ‫مبدربيه����م املتطرف��ي�ن(‪ .)23‬ويبدو �أن الكثري م����ن امل�شاركني يف الربنامج‬ ‫لي�س لديهم خلفية دينية كبرية‪ ،‬وذلك على عك�س القادة املت�شددين ممن‬ ‫�ألق����ي القب�ض عليهم خ����ارج البالد ثم مت ترحيلهم م����ن معتقل غوانتنامو‬ ‫وت�سليمهم �إىل الأيدي ال�سعودية‪.‬‬ ‫ويف ‪ 2007‬ات�س����ع نطاق عملية الإر�شاد للإرهابيني يف ال�سعودية‪ ،‬و�شملت‬

‫‪151‬‬


‫املحــور‬ ‫للإ�س��ل�ام “ال�صحي����ح” (وهو الذي يرى �أن امل�سلم��ي�ن من غري الوهابيني‬ ‫مُبتدع��ي�ن)‪ .‬والربنام����ج‪ ،‬عل����ى �سبيل املثال‪ ،‬ب����د ًال من �أن ُيح����رّم اجلهاد‬ ‫يقوم بتدري�س ال�شروط التي مبوجبها ي�صبح اجلهاد مقبو ًال (�أي مبوافقة‬ ‫احلكوم����ة ال�سعودي����ة و�أحد الوالدي����ن)‪ .‬ويتم ت�شجيع �أف����راد الأ�سرة على‬ ‫زي����ارة املن�ش�أة بحيث يتعهد ك ٌّل من املعتق����ل وذويه بنبذ العنف قبل �إخالء‬ ‫�سبيل ال�سجني‪.‬‬ ‫وعند اخلروج م����ن الربنامج يمُ نَح املتخرج ب�ضع����ة �آالف من الدوالرات‬ ‫و�سي����ارة و�أحيان ًا مبلغ���� ًا �إ�ضافي ًا لل����زواج(‪ .)25‬كما يتم ت�شجي����ع من �شُ في‬ ‫يق�صوا حكاياتهم‬ ‫م����ن املتخرجني على مع����اودة زيارة مركز العناية لك����ي ّ‬ ‫للمُ�سجّ ل��ي�ن يف الربنامج بغر�����ض تعليمهم‪ .‬و�إذا ع����اد املُعتَق من الربنامج‬ ‫ب�ش����روط �إىل �أعم����ال العنف فقد تتعر�����ض الأ�سرة ب�أكمله����ا للعقاب(‪.)26‬‬ ‫وعندما ظهر املُتخرِّجان من الربنامج حممد العويف و�سعيد ال�شهري على‬ ‫�أحد �أ�شرطة الفيديو التابعة للقاعدة يف كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2009‬قامت‬ ‫�أ�سرهما ب�إ�صدار بيان للت��ب�ر�ؤ منهما باعتبارهما “منحرفني عن املجتمع‬ ‫وال �سبيل �إىل تقوميهما”(‪ .)27‬ويف �شريط الفيديو �أ�شار العويف بالتحديد‬

‫يع�ض����ا اليد التي امتدت النت�شالهما‪ .‬هذا دليل على �أنهما لي�سا �أه ًال للثقة‬ ‫و�أنهما ال ي�ستحقان هذه املعاملة الكرمية والنبيلة”(‪.)29‬‬ ‫وقد ادعى برنامج مركز الرعاية يف البداية �أن معدل انتكا�س امل�شاركني‬ ‫منخف�����ض‪ ،‬ويف مطل����ع ع����ام ‪� 2009‬أ�ص����در ال�سعوديون قائم����ة حتتوي على‬ ‫ا�س����م خم�سة وثمانني م�شتبه ًا ب����ه(‪� ،)30‬أحد ع�شر �شخ�ص ًا منهم كانوا من‬ ‫خريج����ي مبادرة التنا�صح‪ .‬وم����ا زال امل�سئولون ال�سعودي����ون مقتنعني ب�أن‬ ‫برناجمهم يعمل بنجاح‪ ،‬و�أن معدل انتكا�س امل�شاركني يرتاوح ما بني ‪%10‬‬ ‫�إىل ‪ )31(،%20‬وهو املعدل الذي يدعي البع�ض �أنه مرتفع �إىل حد ما نظر ًا‬ ‫الرتف����اع ن�سبة املتطرف��ي�ن املت�شددين العائدين مبا�ش����رة من معتقل خليج‬ ‫غوانتنام����و‪ ،‬وكذلك بت�ضم��ي�ن �أولئك الذين ف�شل����وا �أو رف�ضوا امل�شاركة يف‬ ‫الربنامج وبق����وا محُ تجَ زين‪ .‬ويعترب معدل االنتكا�س ه����ذا �ضئيل جد ًا �إذا‬ ‫م����ا نظرنا لل����دور الأ�سا�سي الذي يلعبه املتطرف����ون ال�سعوديون يف اجلهاد‬ ‫العامل����ي لوال �أنه لي�����س من الوا�ضح كي����ف �سيتمكّن خريج����و الربنامج من‬ ‫الوف����اء بالتزامهم بالو�سطية واالعتدال وه����م يعي�شون يف �أو�ساط املجتمع‬ ‫ال�سع����ودي الوهابي‪ ،‬املجتم����ع املت�ساهل علن ًا مع التط����رف �إذا كان �سيوقع‬ ‫الأذى بالغرب‪.‬‬ ‫ورغم هذا فقد �أثنت وزارتي الدفاع‬ ‫والعدل الأمريكيتني يف كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناي����ر ‪ 2009‬عل����ى مرك����ز الرعاية وما‬ ‫يبذل����ه من جه����ود ل����ردع املعتقلني عن‬ ‫التطرف(‪ .)32‬ولي�س وا�ضح ًا ما الذي‬ ‫يقف وراء هذا املديح العلني‪ ،‬وما يثري‬ ‫التخم��ي�ن �أن �إدارة اوباما كانت ت�سعى‬ ‫وراء �إيج����اد طريق����ة �سريع����ة للوف����اء‬ ‫بوعده����ا ب�إخ��ل�اء معتق����ل غوانتنام����و‬ ‫بحلول كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2010‬‬

‫الربامج الأمريكية يف العراق‬

‫‪ME Archive‬‬

‫ُي�ص����ر اجلي�����ش الأمريك����ي عل����ى �أن‬ ‫الربام����ج الت����ي طوّرها �أثم����رت نتائج‬ ‫�إيجابي����ة(‪ .)33‬ويف البداي����ة �أعرتف‬ ‫«برنامج رعاية»‪ :‬مت حتديث ال�سجون ال�سعودية لتتنا�سب مع احتياجات اجلهاديني املعتقلني‬ ‫امل�سئول����ون الع�سكري����ون الأمريكيون‬ ‫�أن مراك����ز االعتق����ال الت����ي �أداروها‬ ‫كان����ت تُفرّخ متطرف��ي�ن‪ ،‬حيث عمل الإرهابيون املعتقل����ون كعوامل لتحفيز‬ ‫�إىل الربنامج‪ ،‬حم����ذر ًا من املحاوالت ال�سعودية لتقومي املتطرفني‪ ،‬قائالً‪:‬‬ ‫مجُ نّدي����ن جدد‪ ،‬وكان����وا يحولون املعتقل��ي�ن املعتدلني �سابق���� ًا �إىل عنا�صر‬ ‫“�إنن����ا ُنح����ذِّ ر �إخوانن����ا ال�سجناء (العائدي����ن من غوانتنام����و) من برنامج‬ ‫متطرف����ة‪ .‬وتال ه����ذا االكت�شاف وب�سرع����ة تطوير برنامج لإع����ادة الت�أهيل‬ ‫العناي����ة هذا ‪ ...‬فق����د مت ا�ستغاللنا ‪ ...‬وحاولوا �إبعادنا عن الإ�سالم‪ ،‬لكن‬ ‫مُ�ستَله���� ٌم من النم����وذج ال�سعودي‪ ،‬ونافحت وحدة ق����وة املهام ‪ – 134‬وهي‬ ‫احلم����د هلل �أنن����ا ا�ستطعنا �أن نفلت منه����م”(‪ .)28‬ويف املقابل‪� ،‬أعرب �أحد‬ ‫الوحدة امل�سئولة عن الإ�شراف على عمليات االعتقال التي تقوم بها قوات‬ ‫العائدي����ن م����ن غوانتنامو عن احتقاره مل����ا يفعله الع����ويف وال�شهري‪ ،‬حيث‬ ‫االئتالف ‪ -‬عن طريقة جديدة تهدف �إىل دمج املعتقل �ضمن �إ�سرتاتيجية‬ ‫قال‪“ :‬لقد ن�سيا جهود الدولة املبذولة لإطالق �سراحهما‪ .‬كان ينبغي لهما‬ ‫�أمريكية �أو�سع ملكافحة التمرد‪ .‬وتعتمد اخلطة على التكتيكات التي تهدف‬ ‫تق����دمي ال�شكر والعرفان للدولة على الثقة الت����ي �أولتها �إياهما بد ًال من �أن‬ ‫�إىل ف�ص����ل املتطرفني عن بع�ضهم‪ ،‬وتتعهّد املعتدلني وت�ساعدهم‪ ،‬وت�ضمن‬

‫‪152‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫توفر رعاية وعناية من الدرجة الأوىل لكل معتقل‪ .‬كما يخ�ضع كل‬ ‫معتقل جديد لعملي����ة تدقيق كامل خللفيت����ه‪ ،‬ويقوم متخ�ص�صون مراقبة املُطلَق �س��راحهم ب�شروط وكذلك �أن�شطة االنرتنت‬ ‫نف�ساني����ون بتحليل التعليم واملهارات والدوافع والتدين املفرط‪ ،‬ما عوام��ل م�س��اعدة لتحدي��د م�س��توى جن��اح برام��ج �إع��ادة‬ ‫يمُ كِّن ال�سلطات من عزل النزالء عن ا‬ ‫(‪.)34‬ملُجنِّدين الذين يبحثون عن الت�أهي��ل‪ ،‬ولكن الطريقة الرئي�س��ية لقيا���س عدد املعتقلني‬ ‫�سجناء لتحري�ضهم على التطرف‬ ‫وتق����وم وحدة ق����وة امله����ام ‪ ،134‬الت����ي ُت�ش����رِ ف عل����ى ُمعَ�سكَرينِ اخلريج�ين الذي��ن ال زالوا متطرفني ومدمن�ين على العنف‬ ‫للمعتقل��ي�ن‪ ،‬بتقدمي ما هو �أكرث من احل����وارات الدينية التي تعتمد هي عودتهم للعنف‬ ‫عليه����ا برامج �إعادة الت�أهيل الأخ����رى‪ .‬فبالإ�ضافة �إىل املناق�شات‬ ‫الديني �إىل معاجلة امل�شكلة من جذورها‪ .‬وكما �أو�ضح �أحد �ضباط الأمن‪،‬‬ ‫الديني����ة التي يُجريها �أئمة عراقيون حتققت الواليات املتحدة من‬ ‫ما�ضيه����م‪ ،‬يتم تعلي����م ال�شعب العراق����ي القراءة والكتابة (تب��ّي نّ �أن ‪ %64‬ف�إن����ه “عندما ت�أخذ اليمني وحتلف ب����اهلل‪ ،‬ف�إن الأمر يتطلب �شخ�ص ًا �آخر‬ ‫منه����م كان����وا �أُمي��ي�ن)(‪ ،)35‬وذلك لي�ستطيع����وا قراءة الن�صو�����ص الدينية من ال�صاحلني لإبطاله (�أي اليمني)”(‪.)42‬‬ ‫ويعق����د املر�شدون جل�سات م����ن �شخ�صني فقط مع النزالء (واحد مقابل‬ ‫ب�أنف�سه����م لأول مرة دون م�ساعدة �أح����د(‪ .)36‬كما يدر�سون منهج ًا تعليمي ًا‬ ‫يحتوي على مادتي اللغة الإجنليزي����ة والريا�ضيات ومواد �أ�سا�سية �أخرى‪ .‬واح����د) لدح�ض حججهم الأيديولوجية املتطرف����ة‪ ،‬ويقومون مبقابلة �أ�سر‬ ‫كذلك تعترب برامج العمل من �أهم مقومات برنامج وحدة قوة املهام ‪ ،134‬املعتقل��ي�ن للت�أك����د م����ن �أن “عدوى” التط����رف مل تنتقل بع����د �إىل ذويهم‪.‬‬ ‫حيث يتدرّب العراقيون يف عدة حقول مهنية مثل النجارة والبناء واللحام وتق����دم احلكوم����ة الدعم امل����ايل للأ�س����ر‪ ،‬و ُت�ؤمِّ ن وظائ����ف للمعتقلني عند‬ ‫الإف����راج عنهم‪ ،‬وت�ش��ت�رط موا�صلة تق����دمي الن�صح بعد الإف����راج‪ .‬وقد مت‬ ‫و�صناعة الغزل والن�سيج‪.‬‬ ‫وبح�سب احلكومة الأمريكية‪ ،‬فق����د �أثبتت هذه املبادرة التوعوية جناح ًا ت�أهي����ل و�إطالق �س����راح �أربعني �إرهابي���� ًا (�أي ثلثي املعتقل��ي�ن منذ ‪،)2001‬‬ ‫كبرياً‪،‬؛ فهناك من الأهايل العراقيني من طالب بت�سجيل �أبنائهم (الذين وابت����دا ًء من �أيار‪/‬مايو ‪ 2009‬ال يب����دو �أن �أحد ًا عاد لأعمال التطرف(‪.)43‬‬ ‫مل ي�سب����ق اعتقاله����م) يف الربنام����ج(‪ ،)37‬بينما بقي بع�����ض املعتقلني بعد �أما الثلث الباقي‪ ،‬الذين لي�سوا جاهزين لالندماج يف املجتمع‪ ،‬فما يزالون‬ ‫انته����اء فرتة ال�سج����ن لإنهاء درا�سته����م يف الربنامج‪ .‬وخ��ل�ال الفرتة بني يف الربنامج‪ .‬و�إذا �صدقت هذه الأرقام ف�إن مقاربة �سنغافورة تعترب فعالة‬ ‫كان����ون الثاين‪/‬يناير و�أيلول‪�/‬سبتم��ب�ر ‪� 2008‬أُلقي القب�ض مرة �أخرى على ن�سبي����اً‪ .‬وبح�سب م����ا قاله ويليام دوب�س����ون‪ ،‬مدير التحري����ر ال�سابق ملجلة‬ ‫م����ا يقارب مائة معتق����ل من �أ�صل خم�س����ة ع�شر �ألف �أطل����ق �سراحهم من “فورِن بولي�سي” (ال�سيا�سة اخلارجية)‪ ،‬ف�إنه “ال يُطلق �سراح املعتقل يف‬ ‫برنامج “مكافحة اجلهاد الأمريك����ي” (كما ي�سميه بع�ض اجلنود)(‪� .)38‬سنغافورة حتى يوق����ع امل�سئول عن ق�ضيته والأخ�صائي النف�ساين واملر�شد‬ ‫وق����د �أ�شار اللواء دوغال�س �ستون‪ ،‬امل�سئول ال�سابق عن املُع�سكَرين‪� ،‬إىل �أن الدين����ي‪ .‬وحتى بعد ذلك يرجع القرار �إىل جمل�س الوزراء لإقراره”(‪.)44‬‬ ‫مع����دل االنتكا�س بني املعتقلني املُفرج عنهم من الربنامج مبكر ًا و�صل �إىل وع��ل�اوة على هذا‪ ،‬تعطي قوان��ي�ن اخل�صو�صية يف �سنغاف����ورة حرية �أكرب‬ ‫حوايل ‪ ،%15 – 10‬لكنه قال يف �آذار‪/‬مار�س ‪� 2009‬إن هذا املعدل انخف�ض ملراقبة الأفراد وت�ساعد احلكومة على مراقبة من مت �إطالق �سراحهم‪.‬‬ ‫(‪)39‬‬ ‫على‬ ‫�إىل ح����وايل ‪ ، %1‬وه����ي ن�سبة انخفا�ض كب��ي�رة‪ ،‬يجب ‪ -‬رمبا ‪ -‬النظر الأ�سلوب الربيطاين‪« :‬درهم وقاية»‬ ‫�إليها ب�شك‪.‬‬ ‫عك�����س الربامج التي تق����ام يف البلدان ذات الأغلبي����ة امل�سلمة و�سنغافورة‪،‬‬ ‫�إن ق�ضي����ة �إط��ل�اق‬ ‫منهجي��ة �س��نغافورة‬ ‫�س����راح املعتقل��ي�ن املتطرفني للعي�����ش يف �أو�ساط جمتمعات فيه����ا �أقلية من‬ ‫امل�سلم��ي�ن ت�ش����كل جمموع����ة منف�صل����ة من امل�ش����كالت‪ .‬فبع����د االعتقاالت‬ ‫‪ 2002/2001‬الت����ي طالت �أكرث من ثالثني ع�ضو ًا من �أع�ضاء فرع اجلماعة‬ ‫الإ�سالمية املتطرفة يف جنوب �شرق �آ�سيا‪ ،‬كانوا يخططون لتنفيذ هجمات‬ ‫�إرهابية يف �سنغافورة(‪ ،)40‬قام����ت احلكومة هناك بت�أ�سي�س فريق لإعادة‬ ‫الت�أهي����ل الديني بهدف ردع الإرهابيني عن نهج التطرف(‪ .)41‬ونظر ًا لأن‬ ‫امل�سلمني ي�شكل����ون ‪ %16‬من ال�شعب ال�سنغاف����وري‪ ،‬فقد اختارت احلكومة‬ ‫خي����ار التعامل بحذر مع عملية ت�أهيل املعتقلني‪ ،‬وذلك من خالل ت�صحيح‬ ‫معتقداته����م بد ًال من اتخ����اذ �إجراءات قا�سية بح ّقه����م‪ .‬وهناك ما يقارب‬ ‫�أربعني عامل ًا ومر�شد ًا ديني ًا مخُ �ص�صني لإبطال “برجمة” املعتقلني‪ ،‬فمن‬ ‫خالل التعامل مع اجلهاديني من منطلق ديني ي�سعى فريق �إعادة الت�أهيل‬

‫�أو اجله����ود الأمريكية يف العراق‪ ،‬ف�إن برنامج “تطهري ال�سموم” الذي مت‬ ‫تطوي����ره يف بريطانيا العظمى يعتمد عل����ى اتخاذ الإجراءات الوقائية قبل‬ ‫�أن يلج�����أ الأفراد املُعرّ�ض��ي�ن كثري ًا خلطر التط����رف �إىل ممار�سة العنف‪.‬‬ ‫لكن حتدي����د ن�سبة جناح هذا الربنامج �أ�صعب من غريه‪ ،‬لأنه لي�س هناك‬ ‫طريقة وا�ضح����ة لقيا�س ما �إذا كان ال�شخ�ص املتعاطف مع اجلهاديني قد‬ ‫تخطى فع ًال عتبة بوابة الدخول يف دائرة الإرهاب‪.‬‬ ‫ب����د�أ برنام����ج “م�ش����روع القن����اة” ‪ ،The Channel Project‬وهي مبادرة‬ ‫�إجنليزي����ة طُ ����وِّرت عام ‪ 2007‬حت����ت �إدارة رابطة م����دراء ال�شرطة‪ ،‬بد�أ يف‬ ‫“المبث” (منطقة يف لندن) و”النك�شاير” وتو�سّ ع الربنامج لي�شمل �أحد‬ ‫ع�ش����ر (وقريب ًا خم�سة ع�ش����ر) موقع ًا يف �أرجاء اململك����ة املتحدة‪ .‬وبح�سب‬ ‫وزارة الداخلي����ة الربيطانية(‪ ،)45‬فق����د مت حتويل �أكرث من مائتي �شخ�ص ًا‬ ‫(م����ا بني �سن ‪ 50 - 13‬عام����اً) �إىل الربنامج‪ ،‬الذي يُقال �إنه ي�شمل �ضباط‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪153‬‬


‫املحــور‬ ‫اجلماع����ات العلمانية مثل “احتاد حماربة الألع����اب الريا�ضية القا�سية”‬ ‫(الذي يناه�ض �صيد الثعالب)‪.‬‬

‫‪154‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫�إن ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه بقوة‬ ‫اخلامتة‬ ‫�أمام احلكومة الأمريكية‪ ،‬هو‪ :‬يف حال �إغالق معتقل غوانتنامو‪� ،‬أين يجب‬ ‫�إر�سال املعتقلني؟ وهل �سيتم كبح الرغبة يف الرجوع �إىل �أعمال العنف عن‬ ‫طريق التنا�صح الأيديولوجي؟‬ ‫ويف ح��ي�ن يبدو �أن برامج ردع التطرف تُ�سهِّ����ل على اجلهاديني املعتقلني‬ ‫الع����ودة �إىل املجتم����ع‪� ،‬إال �أن ال�سجن����اء ال�سابق��ي�ن رمب����ا ال يزال����ون يكنون‬ ‫التعاط����ف الأيديولوج����ي للجماع����ات الإرهابية‪ ،‬وبالتايل ق����د يعودون �إىل‬ ‫�سلوك التطرف ال����ذي تبنّوه من قبل‪� .‬إن الربنامج ال�سعودي‪ ،‬الذي حظي‬ ‫�سابق���� ًا بثناء �صناع ال�سيا�سة‪ ،‬تعرّ�ض م�ؤخر ًا لنريان النقد الالذع‪ ،‬خا�ص ًة‬ ‫و�أن �سعي����د ال�شهري “خريج” الربنامج ال�سعودي و�أحد النزالء ال�سابقني‬ ‫يف معتقل غوانتنامو هو نائب زعيم القاعدة يف اليمن وله عالقة مبحاولة‬ ‫تفجري الطائرة املتجهة �إىل مدينة ديرتويت ليلة عيد امليالد(‪.)62‬‬ ‫وحت����ى ل����و فر�ضن����ا �أن الربنام����ج‬ ‫ال�سعودي حقق جناح ًا ال غبار عليه‪،‬‬ ‫ف��ل�ا ن�ستطي����ع الق����ول �إن كل ال����دول‬ ‫قادرة على توفري الدعم الالزم لقيام‬ ‫مب����ادرات مكثفة مثل تل����ك التي قام‬ ‫بها برنام����ج “النقاه����ة” ال�سعودي‪.‬‬ ‫�أ�ض����ف �إىل هذا‪ ،‬هن����اك ق�ضية عدم‬ ‫معرف����ة طبيع����ة التعالي����م الإ�سالمية‬ ‫التي من املمك����ن �أن يتبعها ال�سجناء‬ ‫املطلق �سراحهم ومدى ت�أثري ذلك يف‬ ‫الأمن العامل����ي‪ .‬فالنموذج ال�سعودي‪،‬‬ ‫على �سبي����ل املثال‪ ،‬مبني على منظور‬ ‫�سلف����ي ل����ه ر�ؤيت����ه ال�ضيق����ة جتاه من‬ ‫الذي يعترب كافر ًا ومن الذي ال يعترب‬ ‫����ك‪ ،‬وكي����ف ينبغ����ي معامل����ة مثل‬ ‫كذل ً‬ ‫ه�ؤالء “الف�سقة”‪.‬‬ ‫وقد تكون الربام����ج يف الدول ذات وماذا بعد؟‪ :‬الأرقام التي تقدمها احلكومات حول معدل االنتكا�س لي�ست معياراً دقيقاً ملدى جناح جهود ردع التطرف‬ ‫الأقلي����ة امل�سلم����ة م�صدر ق����وة فعلية‬ ‫تبن����ي “اجلهاد اللني” من خالل االنخراط يف دعاوى ق�ضائية تافهة �ضد‬ ‫للجه����ود املبذول����ة ملكافح����ة التط����رف الداخل����ي‪ ،‬حيث ال يج����د خريجيها خ�صومه����م‪ ،‬مُغلِق��ي�ن بذلك منابر احل����وار والنقد احل����ر ومثريين قوانني‬ ‫ضال عن العمل من �أجل فر�ض ال�شريعة الإ�سالمية يف‬ ‫نف�س الإغراء للع����ودة �إىل �أعمال العنف �أو حتى منا�صرتها مثلما هو عليه خط����ب الكراهية‪ ،‬ف� ً‬ ‫احل����ال يف الدول ذات الأغلبية امل�سلمة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تظل ال�ضغوط موجودة �أو�ساط ال�شعوب الغربي����ة‪ .‬ومبهاجمة امل�شكلة من املنظورين الأيديولوجي‬ ‫طامل����ا و�أن امل�ؤ�س�سات العمومية امل�سلمة يف هذه البلدان تت�أرجح بني رف�ض واملجتمع����ي معاً‪ ،‬ف�إن هذه الربامج ق����د تكون م�صدر عون جلهود مكافحة‬ ‫الأيديولوجيات اجلهادية والتعاطف مع �أهدافها طويلة املدى‪.‬‬ ‫الإره����اب‪ .‬لك����ن الأكيد �أن الزمن وح����ده كفيل ب�إخبارنا ع����ن مدى فعالية‬ ‫وال تعترب الأرقام التي تقدمها احلكومات حول معدل االنتكا�س والوعود برام����ج �إعادة الت�أهيل‪ ،‬لهذا ينبغي �إف�ساح املجال لبع�ض التحفظ �إزاء �أي‬ ‫املُوقّعة معايري ًا دقيقة ملدى جن����اح جهود ردع التطرف‪ .‬ومعدالت النجاح برنامج قبل �إيداع الثقة فيه كعالج ناجع للتطرّف‪.‬‬ ‫التي ن�شرتها بع�ض ال�سلط����ات ال تغطي �سوى فرتة زمنية ق�صرية‪ ،‬وبذلك‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪ME Archive‬‬

‫�شرطة يعملون �إىل جانب �أع�ضاء من اجلاليات امل�سلمة ليتعرفوا على من‬ ‫قد يكون عر�ضة لتعاليم املتطرف��ي�ن الإ�سالميني(‪ .)46‬وقد لفت الربنامج‬ ‫اهتمام عامة النا�س عندما �شرح �أحد املراهقني علن ًا كل التفا�صيل ب�ش�أن‬ ‫عل����ى اجله����ة‬ ‫كيفي����ة �إعداده للجهاد يف �أح����د امل�ساجد بجنوب لن����دن(‪ .)47‬لكن ال�شاب اجله��ود الكندي��ة‬ ‫الأخرى للمحيط الأطل�س����ي‪ ،‬قدّم ال�شيخ �سيد �أحمد �أمري الدين يف كانون‬ ‫تلق����ى جل�س����ات �إعادة ت�أهيل م����ع خم�سة و�أربع��ي�ن �شاب ًا �آخري����ن يف مركز‬ ‫الأول‪/‬دي�سم��ب�ر ‪ 2008‬برناجم���� ًا لإع����ادة الت�أهي����ل مكوّن م����ن اثنتي ع�شر‬ ‫تعليمي مال�صق لنف�س امل�سجد الذي جُ نِّد فيه للجهاد‪.‬‬ ‫خطوة‪ ،‬لأفراد اجلاليات الكندية امل�سلمة املختلفة و�شرطة اخليالة امللكية‬ ‫ويق����ول امل�سئول����ون ع����ن الربنامج �إن����ه مُ�صمّم لي�����س ملعاجلة م����ا تلقنه‬ ‫الكندي����ة‪ .‬ويعترب �أمري الدين ‪ -‬رجل الدين ال�ص����ويف ‪ -‬من �أ�شد مُنتقدي‬ ‫ال�شباب عن الإ�سالم فح�سب بل ي�شمل �أن�شطة تهدف �إىل حماربة ال�شعور‬ ‫التف�س��ي�رات الوهابية للن�صو�ص القر�آنية وامل�ست����وردة من ال�سعودية‪ ،‬وقد‬ ‫“بالنف����ور م����ن الأ�سرة �أو‬ ‫تعرّ�����ض ه����و �أي�ض���� ًا للنق����د م����ن قب����ل‬ ‫املجتم����ع املحل����ي”(‪،)48‬‬ ‫الزمن وحده كفيل ب�إخبارنا عن مدى فعالية برامج �إعادة مواطني����ه بو�صف����ه خائ����ن للم�سلمني‬ ‫رغم وج����ود �أدل����ة كثرية‬ ‫الكندي��ي�ن(‪ .)56‬وي�ؤك����د امل�شروع على‬ ‫عل����ى �أن جهاديي اململكة‬ ‫الت�أهيل‪ ،‬لهذا ينبغي �إف�ساح املجال لبع�ض التحفظ �إزاء �أي �أهمية ال�س��ل�ام والت�سامح يف �أو�ساط‬ ‫املتح����دة الفعلي��ي�ن �أو برنامج قبل �إيداع الثقة فيه كعالج ناجع للتطرّف‬ ‫جمتم����ع علم����اين مث����ل كن����دا‪ ،‬وعلى‬ ‫املتوق����ع جتنيده����م يف‬ ‫التنا�ص����ح �ض����د “النم����ط العقائ����دي‬ ‫امل�ستقب����ل اندجم����وا يف‬ ‫ال�ضي����ق”(‪ .)57‬وق����د مت تبني اخلطة‬ ‫(‪)49‬‬ ‫املجتم����ع الربيطاين ‪ .‬وهناك خماوف تُثار حول نوعية املعلمني الذين‬ ‫م����ن ِقبَل حممد �شي����خ‪� ،‬إمام م�سجد الن����ور يف تورنتو‪ ،‬وال����ذي حتدث عن‬ ‫اختارتهم ال�سلطات الربيطانية لردع املعتقلني عن انتهاج �سبيل التطرف‪.‬‬ ‫املتطرفني امل�سلمني‪ ،‬قائالً‪“ :‬يتقوقع تفكري مُدمني الكحول يف �إطار منط‬ ‫فط����ارق رم�ضان عل����ى �سبيل املثال‪ ،‬والذي ت�شوب الإف����ادة ب�أنه “معتدل”‬ ‫تفك��ي�ر مع��ي�ن يجعلهم يعتمدون عل����ى الكحول‪ .‬وذات ال�ش����يء ينطبق على‬ ‫الكث��ي�ر م����ن ال�شوائ����ب(‪ ،)50‬ا�ستخدم من قب����ل احلكومة بع����د تفجريات‬ ‫املتطرف��ي�ن الذين ال ي�ستطيعون التفك��ي�ر فيما يدور حولهم من �أحداث �إال‬ ‫‪ 7‬متوز‪/‬يولي����و يف لن����دن‪ ،‬ليج����ادل �ض����د الإرهاب �أم����ام م�سلم����ي اململكة‬ ‫من زاوية واحدة”(‪.)58‬‬ ‫املتحدة(‪.)51‬‬ ‫وق����د ا�ستخ����دم �شي����خ والكن����دي روب����رت هِ ف����ت ال����ذي اعتن����ق الإ�سالم‬ ‫ورغم وجود املزاعم القائلة �إنه منذ حزيران‪/‬يونيو ‪ 2009‬مل يُرتكب جرم‬ ‫ا�سرتاتيجي����ات �أم��ي�ر الدي����ن يف برناجمهم����ا امل�سم����ى “برنام����ج التدخل‬ ‫من قبل �أي من الأفراد الذين �أحيلوا �إىل برنامج القناة(‪ ،)52‬ف�إنه بالكاد‬ ‫املتخ�ص�����ص الجتثاث التط����رف”‪ ،‬وذلك للت�أكيد على قب����ول التعاي�ش بني‬ ‫يوج����د وق����ت كايف لتقييم مدى جن����اح الربنامج ب�ص����ورة دقيقة‪� .‬أكرث من‬ ‫املعتق����دات و�إظهار خط�أ تعالي����م تنظيم القاعدة من منظ����ور ديني(‪.)59‬‬ ‫هذا‪ ،‬فقد �صدر تقرير م�ؤخر ًا عن رف�ض الكثري من امل�سلمني الربيطانيني‬ ‫وته����دف اخلطوات التي يت�ضمنه����ا برنامج هِ فت �إىل ت�شجي����ع مبد�أ تفهم‬ ‫املعتقل��ي�ن امل�شارك����ة يف جل�سات �إع����ادة الت�أهيل �أو ال����دورات التي تنظمها‬ ‫الديانات الأخرى‪ ،‬وتو�ضيح كيف ي�سيء املتطرفون فهم وتف�سري الأحداث‬ ‫املحكمة املُكرّ�سة لتقييم املواقف الفكري����ة والتغريات ال�سلوكية للمعتقلني‬ ‫يف التاري����خ الإ�سالم����ي بغر�����ض الرتوي����ج لأجندته����م اخلا�ص����ة‪ .‬ومن بني‬ ‫و�ضح �أحد ال�سجناء ف�����إن “هناك مفهوم ًا ثابت ًا‬ ‫وم����دى ت�أثرهم بها‪ ،‬وكما ّ‬ ‫اخلط����وات الت����ي يت�ضمنها الربنام����ج “ا�ستخ����دام الآي����ات القر�آنية التي‬ ‫يف ال�شريع����ة يق�ض����ي ب�أنه ال يجوز للم�سلم اخلو�����ض يف احلرام‪ ،‬وبالت�أكيد‬ ‫تتحدث ع����ن ال�سالم وال�سلوك احل�سن”‪ ،‬وتعلي����م خ�صال الر�سول حممد‬ ‫ال ينبغ����ي �إع��ل�ان الأخط����اء املا�ضي����ة للأق����ران”(‪ .)53‬ويف نف�����س الوقت‪،‬‬ ‫من “رحمة ودماثة وتوا�ضع وحكمة و�صرب”‪ ،‬وكذلك “ا�ستخدام الأحاديث‬ ‫تق����ول بع�ض التقارير �إن امل�سلمني يف ال�سج����ون الربيطانية يقومون ب�إقناع‬ ‫النبوي����ة التي حتث عل����ى الأخالق وقيم التهذيب الأخ����رى”‪ ،‬والبحث عن‬ ‫الآخرين بتغيري دياناتهم ويتحكمون يف �أمور �إجرامية متعددة(‪.)54‬‬ ‫ق�ص�����ص من التاريخ لفهم “املحيط والعوامل الأ�سا�سية‪ ،‬التي قد ال تكون‬ ‫ورغ����م الفعالي����ة غري الأكي����دة مل�شروع القن����اة لكن وح����دة ردع التطرف‬ ‫دائم���� ًا لتمجيد اهلل”‪ ،‬وكذلك ا�ستك�شاف “م����دى الرتابط بني اليهودية‬ ‫العني����ف اال�سكتلندية قررت تطوير منطه����ا اخلا�ص للربنامج‪ .‬وبالإ�ضافة‬ ‫وامل�سيحية والإ�سالم”(‪.)60‬‬ ‫�إىل امل�سلمني املتطرفني‪� ،‬سي�ستهدف الربنامج من يتم “ا�ستدراجهم �إىل‬ ‫وي�أم����ل هِ ف����ت و�شي����خ �أن يتم حتوي����ل عنا�ص����ر جمموعة “تورنت����و ‪،”18‬‬ ‫�أ�ش����كال العنف ال�سيا�س����ي الأخرى‪ ،‬مثل املتع�صبني للقومي����ة اال�سكتلندية‬ ‫اجلماع����ة الإرهابي����ة التي خطط����ت ل�شن هجمات تفجري مل����دة ثالثة �أيام‬ ‫وح����ركات حق����وق احلي����وان”(‪ .)55‬وي�أم����ل منظم����و امل�ش����روع �أن ي�ساه����م‬ ‫يف كن����دا(‪� ،)61‬إىل الربنامج حال �إطالق �سراحهم م����ن ال�سجن‪ .‬ويتمنيا‬ ‫عنا�ص����ر املجتمعات املحلي����ة كاملدر�سني والأهايل يف حتوي����ل امل�شتبه بهم‬ ‫�أن يع����اد دم����ج ه�����ؤالء اجلهاديني يف املجتم����ع الكندي‪ .‬وم����ع �أن الربنامج‬ ‫�إىل الربنامج “للتدخل”‪ .‬لكن لي�س وا�ضح ًا ما مدى النجاح املكتوب لهذا‬ ‫يحظ����ى بتغطية �إعالمي����ة من عدد م����ن ال�صحف الكندي����ة �إال �أنه مل يتم‬ ‫الربنام����ج‪ ،‬كونه يجم����ع الفئات القابل����ة للت�أثر بال�شخ�صي����ات الدينية مع‬ ‫ن�ش����ر معلومات عن مع����دل االنتكا�����س (�إىل الإرهاب والتط����رف)‪ ،‬وذلك‬

‫لأن الربنام����ج حتى الآن مل يُخّ رج ر�سمي ًا �أي ًا من امل�شاركني‪ ،‬وهو ما يجعل‬ ‫تقييم فعالية الربنامج �أمر ًا م�ستحيالً‪.‬‬

‫فه����ي تقريب ًا ال معنى له����ا‪ .‬وقد تكون الأرقام الدقيق����ة التي جمعت خالل‬ ‫ف��ت�رة زمنية �أط����ول‪ ،‬يف النهاية‪ ،‬معي����ار ًا �أ�صدق لقيا�س م����دى االجناز �أو‬ ‫الف�ش����ل‪ ،‬لكن يف ظل ع����دم وجود طريقة ملقارنة �سلوك م����ن خ�ضعوا لهذه‬ ‫الربامج ب�سلوك مم����ن مل يخ�ضعوا لها ف�إن تقييم معدالت النجاح ي�صبح‬ ‫غري مقنعاً‪.‬‬ ‫وتعت��ب�ر مراقب����ة اجلمعيات للمُط َل����ق �سراحهم ب�ش����روط وكذلك �أن�شطة‬ ‫االنرتنت �إىل حد ما عوامل م�ساعدة لتحديد م�ستوى جناح هذه الربامج‪،‬‬ ‫ولك����ن يف نهاي����ة املطاف ف�����إن الطريق����ة الرئي�سية لقيا�س ع����دد املعتقلني‬ ‫اخلريج��ي�ن الذي����ن ال زالوا متطرف��ي�ن ومدمنني على العن����ف هي عودتهم‬ ‫للعن����ف‪ .‬وبينما ت�شري البيانات املحدودة �إىل �أن الأغلبية مل يعودوا لذلك‪،‬‬ ‫ف�إن����ه من املمك����ن �أن البع�ض ما زالوا يوا�صلون دع����م احلركات اجلهادية‬ ‫املتطرف����ة بطرق غري عنيف����ة ولكن فعالة‪� ،‬إذ �أن جماع����ات ‪ -‬كالقاعدة ‪-‬‬ ‫�ستظ����ل بحاج����ة �إىل مجُ نّدين ج����دد وجامعي تربعات حت����ى حتافظ على‬ ‫�إدارة عملياته����ا‪ .‬ويف احلني ذاته‪ ،‬قد ي�سعى املُطلَق �سراحهم ب�شروط �إىل‬

‫‪155‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫الهوامـــ�ش‬ ‫(‪� )1‬صحيفة “�سرتيت تاميز” ال�سنغافورية‪� 3 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2009‬‬ ‫(‪ )2‬موقع �إ�سالم �أونالين‪ 9 ،‬متوز‪/‬يوليو ‪.2007‬‬ ‫(‪ )3‬لورن�س رايت‪« ،‬التمرد من الداخل»‪ ،‬جملة “نيويوركر”‪ 2 ،‬حزيران‪/‬يونيو‬ ‫‪.2008‬‬ ‫(‪ )4‬نيك���ول �شرتاك���ه‪« ،‬ال�سج���ون العربية‪� :‬أماك���ن للحوار والإ�ص�ل�اح»‪ ،‬جملة‬ ‫“بري�سبِكتيف�س �أون تريورزم”‪ ،‬العدد ‪.2007 ،4‬‬ ‫(‪ )5‬رايت‪« ،‬التمرد من الداخل»‪.‬‬ ‫(‪� )6‬صحيفة “اجلارديان” اللندنية‪ 27 ،‬متوز‪/‬يوليو ‪.2007‬‬ ‫(‪� )7‬صحيفة “�سرتيت تاميز” ال�سنغافورية‪� 3 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2009‬‬ ‫(‪ )8‬هويل فليت�شر‪« ،‬اجلماعة الإ�سالمية»‪ ،‬جمل�س العالقات اخلارجية‪،‬‬ ‫‪� 30‬أيار‪/‬مايو ‪.2008‬‬ ‫(‪ )9‬كيفن بريينو‪�« ،‬إعادة ت�أهيل �أبو جندل»‪ ،‬جملة “نيوزويك” الأمريكية‪،‬‬ ‫‪� 29‬أيار‪/‬مايو ‪.2009‬‬ ‫(‪� )10‬صحيف���ة “مين تاميز” اليمنية‪� 12 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪2009‬؛ غريغوري دي‪.‬‬ ‫جون�س���ن‪« ،‬ال���دور اليمني الفاتر يف احلرب على الإره���اب»‪ ،‬تريوريزم مونيتور‬ ‫(مراقب الإرهاب)‪ ،‬م�ؤ�س�سة جيم�ستاون‪� 23 ،‬شباط‪/‬فرباير ‪.2006‬‬ ‫(‪ )11‬بريينو‪�« ،‬إعادة ت�أهيل �أبو جندل»‪.‬‬ ‫(‪� )12‬صحيفة “مين تاميز”‪� 12 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2009‬‬ ‫(‪ )13‬بريينو‪�« ،‬إعادة ت�أهيل �أبو جندل»‪.‬‬ ‫(‪ )14‬جملة “التامي” الأمريكية‪ 7 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2010‬‬ ‫(‪ )15‬بريينو‪�« ،‬إعادة ت�أهيل �أبو جندل»‪.‬‬ ‫(‪ )16‬امل�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬ ‫(‪ )17‬لورن�س �إي‪ .‬كالين‪« ،‬تغيري ال�سلوك اجلهادي‪ :‬النموذج ال�سعودي»‪ ،‬جملة‬ ‫احلروب ال�صغرية‪ 10 ،‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪.2009‬‬ ‫(‪ )18‬كري�ستوفر بوت�شيك‪« ،‬الإ�سرتاتيجية ال�سعودية اللينة يف حماربة الإرهاب‪:‬‬ ‫الوقاي���ة والت�أهيل والنقاهة»‪� ،‬أوراق كارنيغي‪ ،‬م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم العاملي‪،‬‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب ‪.2008‬‬ ‫(‪� )19‬صحيفة “نيويورك تاميز”‪ 7 ،‬ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.2008‬‬ ‫(‪� )20‬شرياز ماهر‪« ،‬عيادة بيتي فورد للجهاديني»‪� ،‬صحيفة “�صنداي تاميز”‬ ‫اللندنية‪ 6 ،‬متوز‪/‬يوليو ‪.2008‬‬ ‫(‪� )21‬شرتاكه‪« ،‬ال�سجون العربية‪� :‬أماكن للحوار والإ�صالح»‪.‬‬ ‫(‪ )22‬كالين‪« ،‬تغيري ال�سلوك اجلهادي‪ :‬النموذج ال�سعودي»‪.‬‬ ‫(‪ )23‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬ ‫(‪� )24‬صحيفة “نيويورك تاميز”‪ 7 ،‬ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.2008‬‬ ‫(‪ )25‬امل�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬ ‫(‪ )26‬بريينو‪�« ،‬إعادة ت�أهيل �أبو جندل»‪.‬‬ ‫(‪� )27‬صحيفة “�سعودي جازيت”‪ 29 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2009‬مت احل�صول‬ ‫عليها يف ‪ 11‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪.2009‬‬ ‫(‪ )28‬كيلي مكيفري‪« ،‬حاولوا �إجبار حممد العويف للذهاب �إىل مركز الت�أهيل»‪،‬‬ ‫موقع ‪ ،freedetainees.org‬مت الدخول �إليه يف ‪� 3‬شباط‪/‬فرباير ‪.2010‬‬ ‫(‪� )29‬صحيف���ة “�سعودي جازت”‪ 29 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2009‬مت احل�صول‬ ‫عليها يف ‪ 11‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪.2009‬‬ ‫(‪� )30‬صحيفة “نيويورك تاميز”‪� 3 ،‬شباط‪/‬فرباير ‪.2009‬‬ ‫(‪ )31‬بوت�شيك‪« ،‬الإ�سرتاتيجية ال�سعودية اللينة يف حماربة الإرهاب‪ :‬الوقاية‬ ‫‪156‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫والت�أهيل والنقاهة»‪.‬‬ ‫(‪« )32‬امل�سئول���ون الأمريكيون يثنون على برنامج ت�أهي���ل املعتقلني ال�سعودي»‪،‬‬ ‫ال�سفارة ال�سعودية بالعا�صمة وا�شنطن‪ 8 ،‬متوز‪/‬يوليو ‪.2009‬‬ ‫(‪ )33‬جيف���ري �أزارف���ا‪« ،‬هل �سيا�سة االعتقال الأمريكي���ة يف العراق ناجحة؟»‪،‬‬ ‫ف�صلية ال�شرق الأو�سط‪� ،‬شتاء ‪� ،2009‬ص ‪.14 - 5‬‬ ‫(‪ )34‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬ ‫(‪ )35‬جودي���ث ميلر‪« ،‬مكافحة اجله���اد الأمريكي»‪ ،‬جملة “�سيتي” الأمريكية‪،‬‬ ‫‪� 2‬أيار‪/‬مايو ‪.2008‬‬ ‫(‪� )36‬أزارفا‪« ،‬هل �سيا�سة االعتقال الأمريكية يف العراق ناجحة؟»‪.‬‬ ‫(‪ )37‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬ ‫(‪ )38‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬ ‫(‪ )39‬موقع مالي�شيان �إن�سايدر ‪� 22 ،‬آذار‪/‬مار�س ‪.2009‬‬ ‫(‪ )40‬فال�ي�ري ت�شو‪« ،‬م�ؤام���رة اجلماعة الإ�سالمية لتفج�ي�ر بعثات دبلوما�سية‬ ‫يف �سنغاف���ورة‪ ،»2001/2002 ،‬مو�سوعة «�إنفوبيديا �سنغافورة»‪ ،‬جمل�س املكتبات‬ ‫الوطنية يف �سنغافورة‪ 20 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2009‬‬ ‫(‪« )41‬ح���ول جماع���ة الت�أهيل الدين���ي»‪� ،‬سنغافورة‪ ،‬مت احل�ص���ول عليها يف ‪12‬‬ ‫ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪.2009‬‬ ‫(‪ )42‬ولي���م جي‪ .‬دوب�سون‪�« ،‬أف�ضل مر�شد جليتمو؟ انظر ل�سنغافورة»‪� ،‬صحيفة‬ ‫“وا�شنطن بو�ست”‪� 17 ،‬أيار‪/‬مايو ‪.2009‬‬ ‫(‪ )43‬امل�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬ ‫(‪ )44‬امل�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬ ‫(‪� )45‬إ�سرتاتيجي���ة الردع‪ :‬مر�شد لل�ش���ركاء املحليني يف �إجنلرتا (لندن‪ :‬وزارة‬ ‫الداخلية الربيطانية‪� ،‬أيار‪/‬مايو ‪� ،)2008‬ص ‪.28‬‬ ‫(‪� )46‬صحيفة “الإندبندينت” اللندنية‪� 28 ،‬آذار‪/‬مار�س ‪.2009‬‬ ‫(‪� )47‬صحيفة “�صنداي تاميز” الربيطانية‪� 17 ،‬أيار‪/‬مايو ‪.2009‬‬ ‫(‪� )48‬إ�سرتاتيجي���ة ال���ردع‪ :‬مر�ش���د لل�ش���ركاء املحلي�ي�ن يف �إجنل�ت�را‪� ،‬ص ‪28‬؛‬ ‫�صحيفة “�صنداي تاميز”‪� 17 ،‬أيار‪/‬مايو ‪.2009‬‬ ‫(‪� )49‬أنظر مث ًال �صحيفة “التليغراف” اللندنية‪� 28 ،‬شباط‪/‬فرباير ‪.2008‬‬ ‫(‪� )50‬ستيفن �شوارتز‪« ،‬التخلي عن طارق رم�ضان»‪ ،‬جملة “�أمريكان ثينكر”‪،‬‬ ‫‪� 28‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2009‬‬ ‫(‪� )51‬صحيفة “اجلارديان” الربيطانية‪� 31 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2005‬‬ ‫(‪� )52‬صحيفة “�سكوتالند �أون �صنداي”‪� ،‬إدنربة‪ 14 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2009‬‬ ‫(‪� )53‬صحيفة “التليغراف”‪ 11 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2010‬‬ ‫(‪ )54‬بي بي �سي‪ .‬الإخبارية‪� 12 ،‬آذار‪/‬مار�س ‪.2010‬‬ ‫(‪� )55‬صحيفة “�سكوتالند �أون �صنداي”‪ 14 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2009‬‬ ‫(‪ )56‬مدونة “لتل جرين فوتبول”‪ 9 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2006‬‬ ‫(‪� )57‬صحيفة “تورنتو �ستار” الكندية‪ 3 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2009‬‬ ‫(‪ )58‬موقع العربية نت‪ ،‬دبي‪� 11 ،‬آذار‪/‬مار�س ‪.2009‬‬ ‫(‪� )59‬سي بي �إ�س الإخبارية‪ 20 ،‬متوز‪/‬يوليو ‪2006‬؛ موقع العربية نت‪،‬‬ ‫‪� 11‬آذار‪/‬مار�س ‪.2009‬‬ ‫(‪� )60‬صحيفة “نا�شنل بو�ست” الكندية‪� 11 ،‬شباط‪/‬فرباير ‪.2009‬‬ ‫(‪� )61‬صحيفة “تورنتو �ستار” الكندية‪ 23 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2009‬‬ ‫(‪ )62‬بي بي �سي الإخبارية‪ 2 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2010‬‬

‫نظرات فـي ق�ضايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�صرة‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪157‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫االنعكا�سات اجليو�سيا�سية‬ ‫للأزمة املالية العاملية‬ ‫وو �شينبو‬

‫‪xbwu@fudan.edu.cn‬‬

‫عل���ى الرغ���م م���ن �أنّ الأزمة املالية العاملية التي تفجّ رت يف خريف العام ‪ 2008‬تتّجه نحو االنح�س���ار و�ص���و ًال �إىل‬ ‫نهايتها‪ ،‬فما زال من املبكر جداً معرفة مدى حجم اخل�س���ائر التي ت�س���ببت بها لالقت�ص���اد العاملي بدّقة‪ .‬فمن‬ ‫منظور ماكرو�سيا�س���ي واقت�ص���ادي‪ ،‬و�ضع اال�ضطراب املايل العاملي هذا وب�شكل ر�س���مي ح ّداً للأحادية القطبية‬ ‫حلقبة ما بعد احلرب الباردة التي �ش���هدت هيمنة القوة الأمريكية ومنوذجها التنموي ال�سيا�س���ي واالقت�صادي‬ ‫العاملي املزعوم‪ ،‬ونفوذها الدويل ال�س���احق والذي �ش���كّل عالمة فارقة يف تلك احلقبة‪ .‬وتتميّز احلقبة اجلديدة‬ ‫التي تلوح يف الأفق بربوز بنية قوّة متعدّدة الأقطاب‪ ،‬وبنماذج �سيا�سية واقت�صادية متعددة‪ ،‬وبالعبني متعدّدين‬ ‫على ال�ساحة الدولية‪.‬‬ ‫ارتكز موقع الواليات‬ ‫معاناة الواليات املتّحدة‬ ‫امل ّتح���دة الب���ارز يف العامل على دعامتني �أ�سا�سيت�ي�ن‪ :‬قوتها االقت�صادية‬ ‫والع�سكري���ة ال�ساحقة‪ .‬وم���ع ذلك‪ ،‬فقد تعرّ�ضت هات�ي�ن الركيزتني �إىل‬ ‫التحطّ ���م خالل العقد املا�ضي‪ .‬فبينما اخت�ب�رت احلروب يف �أفغان�ستان‬ ‫والعراق حدود القوة الع�سكرية الأمريكية‪ ،‬ك�شفت الأزمة املالية العاملية‬ ‫ه�شا�شة االقت�صاد الأمريكي‪.‬‬ ‫فف���ي ال�سبعيني���ات والثمانيني���ات‪ ،‬فر�ض���ت كل م���ن الياب���ان و�أملانيا‬ ‫حتدي���ات متزايدة عل���ى الواليات املتّحدة مقوّ�ض���ة تفوقها االقت�صادي‪.‬‬ ‫لك���ن يف الت�سعيني���ات‪� ،‬شهدت الوالي���ات املتّحدة �أط���ول دورة لالزدهار‬ ‫االقت�ص���ادي على الإطالق متفوقة على الياب���ان و�أملانيا ب�أ�شواط وتاركة‬ ‫�إياهما خلفها‪.‬‬ ‫�ش���كّل الناجت املحلي الإجمايل ال�سنوي للواليات املتّحدة يف تلك الفرتة‬ ‫املمت���دة من الع���ام ‪ 1999‬وحت���ى ‪� 2001‬أكرث من ‪ %28‬م���ن حجم الناجت‬ ‫املحلي الإجمايل العاملي‪ ،‬وه���ي الن�سبة الأعلى امل�سجّ لة منذ عقود‪ .‬لكن‬

‫‪158‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫�سل�سل���ة التغيرّ ات البعيدة املدى لالقت�صاد العاملي‪ .‬ومن املمكن اجلدال‬ ‫يف هذا املجال ب�أنّ الأزمة مل تطلق اجتاه ًا جديد ًا و�إمنا �أدّت �إىل ت�سريع‬ ‫صال كا�شفة ع���ن عمق وات�ساع التحوالت التي‬ ‫االجت���اه الذي كان قائم ًا �أ� ً‬ ‫�أدت �إىل بروزها‪.‬‬ ‫لكن ولكون الواليات املتّحدة يف �صلب الأزمة املالية العاملية‪ ،‬فقد وُجِّ هت‬ ‫انتقادات وا�سع���ة لنموذجها التنموي‪ .‬فقد عززت نهاية احلرب الباردة‬ ‫�سابق ًا والطف���رة االقت�صادية الت���ي �شهدتها البالد خ�ل�ال الت�سعينيات‬ ‫موقع الوالي���ات املتّحدة باعتبارها مركز ال�سيا�س���ة االقت�صادية والأداء‬ ‫االقت�ص���ادي يف العامل‪ ،‬وقد دفع ذل���ك وا�شنطن �إىل الرتويج لنموذجها‬ ‫التنموي بحما�سة‪ .‬ويقوم لب هذا النموذج على �أ�سطورة الأ�سواق احلرّة‬ ‫الت���ي تقول �إنّ ال�سوق هي العن�صر الأك�ث�ر فعالية وكفاءة يف توليد النمو‬ ‫االقت�ص���ادي‪ ،‬بينم���ا يجب �أن ينح�صر دور الدول���ة واحلكومة يف احلياة‬ ‫االقت�صادية يف حدّه الأدنى‪ .‬لكنّ اال�ضطراب املايل الذي ح�صل‪ ،‬ك�شف‬

‫اجل�ش���ع غ�ي�ر املح���دود والتدمري الهائل ال���ذي �أحدثت���ه «وول �سرتيت»‪،‬‬ ‫و�سلّطت ال�ضوء على الوجه الب�شع واخلطر لل�سوق احلرّة‪ .‬ومتثّل الدر�س‬ ‫يف �أن دور الدول���ة ال يكمن فقط يف التدخل و�إعداد خطّ ة الإنقاذ عندما‬ ‫يقع االقت�صاد يف ورط���ة كبرية‪ ،‬لكنّ الأهم من ذلك مراقبة ال�سوق عن‬ ‫كثب يف خمتلف الأوقات‪.‬‬ ‫ومن الأ�سباب الرئي�سية التي يعتقد �أنّها م�س�ؤولة عن الت�سبب بالكارثة‬ ‫املالي���ة‪ ،‬ع���دم وجود رقاب���ة فعّالة عل���ى ال�سوق م���ن جه���ة‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫االعتم���اد الزائد على االقت�ص���اد االفرتا�ضي‪ .‬فمن���ذ ال�سبعينيات حيث‬ ‫كان القط���اع ال�صناعي ميثّل ‪ %23.8‬من �إجم���ايل الناجت املحلي للبالد‪،‬‬ ‫غ�ي�ر �أن هذا القطاع ب���د�أ يف الرتاجع ل�صالح القط���اع املايل الذي �أخذ‬ ‫يتحول �إىل العن�صر الأك�ث�ر م�ساهمة يف املخرجات االقت�صادية للبالد‪.‬‬ ‫ففي العام ‪� ،2007‬أي قبل عام واحد من الأزمة املالية العاملية‪ ،‬بلغ حجم‬ ‫االقت�ص���اد االفرتا�ض���ي حوايل ‪ %8‬من الناجت املحل���ي الإجمايل للبالد‪،‬‬

‫ح�صة الواليات املتّحدة من حجم الناجت املحلي‬ ‫ومنذ العام ‪� ،2002‬أخذت ّ‬ ‫الإجمايل العاملي باالنخفا�ض ن�سبي ًا نظر ًا لتباط�ؤ منوها االقت�صادي من‬ ‫جه���ة‪ ،‬و�صعود االقت�صادات النامية من جهة �أخرى ويف طليعتها ال�صني‬ ‫والهن���د‪ .‬لقد �س ّلط���ت الأزمة ال�ضوء بكل ب�ساطة عل���ى �ضعف االقت�صاد‬ ‫الأمريك���ي والتغ�ّي�ررّ الكب�ي�ر يف امل�شه���د االقت�ص���ادي العامل���ي‪ ،‬لعدد من‬ ‫الأ�سباب منها‪:‬‬ ‫‪� .1‬أنّ الوالي���ات املتح���دة اعتمدت على الدعم املايل من ال�صني وعدد‬ ‫من الدول الأخرى ملواجهة الأزمة‪.‬‬ ‫‪� .2‬أنّ �أداء ال�ص�ي�ن االقت�ص���ادي و�أداء االقت�ص���ادات النامي���ة الأخرى‬ ‫خ�ل�ال الأزم���ة يف الع���ام ‪ 2008‬و‪ 2009‬كان �أف�ض���ل م���ن �أداء الوالي���ات‬ ‫املتّحدة‪.‬‬ ‫‪� .3‬أن ال�صني واالقت�صادات النامي���ة الأخرى ولي�س الواليات املتّحدة‪،‬‬ ‫هي التي ا�ستلمت زمام املبادرة يف قيادة االقت�صاد العاملي للتعايف‪.‬‬ ‫لك���ن وب�ش���كل ع���ام‪ ،‬قد تبق���ى الأزمة املالي���ة العاملية جم���رّد حلقة يف‬

‫وو �شينب���و �أ�ست���اذ ونائب رئي�س مركز الدرا�سات الأمريكية يف جامعة فودان ب�شنغهاي‪ .‬وقد‬ ‫ن�ش���ر املقال يف ف�صلي���ة «وا�شنطن كوارتريل» يف عددها ال�ص���ادر يف ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر‬ ‫‪ ،2010‬وقام بنقله �إىل العربية الباحث يف العالقات الدولية‪ ،‬علي ح�سني باكري‪.‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪159‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫م��ن الأ�س��باب الرئي�س��ية الت��ي يعتق��د‬ ‫�أنّه��ا م�س���ؤولة ع��ن الت�س��بب بالكارث��ة‬ ‫املالي��ة العاملي��ة ب��دء ًا من �أم�يركا‪ ،‬عدم‬ ‫وج��ود رقاب��ة ف ّعال��ة عل��ى ال�س��وق م��ن‬ ‫جهة‪� ،‬إ�ض��افة �إىل االعتماد الزائد على‬ ‫االقت�صاد االفرتا�ضي‬

‫‪160‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪ME Archive‬‬

‫بينم���ا انخف�ضت م�ساهم���ة القطاع ال�صناع���ي �إىل ‪( %11.7‬يف املقابل‪،‬‬ ‫بلغ���ت ن�سب���ة م�ساهمة هذين القطاعني يف ال�ص�ي�ن يف نف�س العام ‪%4.4‬‬ ‫و‪ %43‬عل���ى التوايل) ‪ ،‬وبدا وا�ضح ًا �أنّ االعتماد املتزايد على االقت�صاد‬ ‫االفرتا�ض���ي �أدى �إىل ن�شوء فقّاعة مالية �ضخمة انفجرت يف نهاية الأمر‬ ‫يف خريف عام ‪.2008‬‬ ‫�أدّى اال�ضطراب املايل �أي�ض ًا �إىل الت�شكيك يف ا�ستقرار الدوالر‪ ،‬الأمر‬ ‫ال���ذي دف���ع ب���دوره �إىل �إ�ضعاف ثقة الع���امل به ك�أكرب عمل���ة احتياط يف‬ ‫العامل‪ .‬ففي ‪� 24‬آذار‪ /‬مار�س ‪ ،2009‬وقبل �أ�سبوع واحد من قمّة الع�شرين‬ ‫(‪ )G-20‬يف لن���دن‪ ،‬طال���ب ت�ش���و �شياو�ش���وان حاكم امل�ص���رف املركزي‬ ‫ال�صين���ي ب�إيج���اد عملة جديدة حتل حمل ال���دوالر يف التعامالت املالية‬ ‫العاملي���ة‪ .‬وكان �سابق ًا قد اق�ت�رح تو�سيع حقوق ال�سح���ب اخلا�صة (وهو‬ ‫ن���وع م�صطنع م���ن العملة �أوجده �صندوق النقد ال���دويل يف ال�ستينيات)‬ ‫لت�سهيل االنتقال من االعتماد على نظام احتياطي الدوالر �إىل االعتماد‬ ‫على نظام احتياط عاملي جديد‪ .‬ويعك�س اقرتاح حاكم امل�صرف املركزي‬ ‫قل���ق ال�صني على ا�ستقرار النظام امل���ايل العاملي‪ ،‬وهو قلق تت�شاطره مع‬ ‫العدي���د من الدول كرو�سيا‪ ،‬و ّمت تك���راره يف تقرير للأمم املتحدة اقرتح‬ ‫يف حينه “�إمكانية �إن�شاء نظام احتياط عاملي جديد‪ ،‬نظام ال يعتمد على‬ ‫الدوالر فقط كعملة رئي�سية وحيدة لالحتياط العاملي”‪.‬‬ ‫ويف الوق���ت الذي يعت�ب�ر فيه �إن�شاء عملة احتي���اط دولية جديدة هدف ًا‬ ‫بعي���د امل���دى‪ ،‬دعت ال�ص�ي�ن ‪ -‬التي متتل���ك ح�صة كبرية م���ن ال�سندات‬ ‫احلكومي���ة الأمريكي���ة ‪ -‬وا�شنطن العتماد �سيا�س���ات مالية واقت�صادية‬ ‫م�س�ؤول���ة ب�ش���كل �أكرب لتف���ادي ح�ص���ول املزيد من االنخفا����ض يف قيمة‬ ‫ال���دوالر‪ .‬ويف القم���ة الرابعة ملجموع���ة الع�شري���ن (‪ )G-20‬التي عقدت‬ ‫يف تورونت���و يف حزيران‪ /‬يونيو ‪� ،2010‬أع���اد الرئي�س ال�صيني هو جِ نتاو‬ ‫ط���رح مالحظات���ه الت���ي كان �أعلنها يف اجتم���اع بطر�سب���ورغ يف �أيلول‪/‬‬ ‫�سبتمرب ‪ 2009‬داعي��� ًا «البلدان الرئي�سية التي متتلك احتياطي كبري من‬ ‫العم�ل�ات �إىل �ضرورة �أن ت�أخذ بعني االعتبار وتوازن بني �آثار �سيا�ساتها‬ ‫النقدي���ة بالن�سبة القت�صاداتها وبالن�سبة لالقت�ص���اد العاملي‪ ،‬عرب ر�ؤية‬ ‫تعم���ل عل���ى دع���م ا�ستق���رار الأ�س���واق املالية العاملي���ة»‪ .‬كما �ش���دد على‬

‫احلاجة �إىل «ت�شدي���د الرقابة على ال�سيا�سات املاكرو اقت�صادية جلميع‬ ‫البل���دان‪ ،‬خا�صة تل���ك االقت�صادات الرئي�سية الت���ي ت�ستخدم عملتها يف‬ ‫االحتياطات العاملية»‪ .‬يف املا�ض���ي‪ ،‬غالب ًا ما كانت الواليات املتّحدة هي‬ ‫التي ت�شري ب�إ�صبعه���ا �إىل ال�سيا�سات االقت�صادية واملالية للآخرين‪� .‬أمّا‬ ‫الآن‪ ،‬فق���د �أعطت الأزمة الفر�صة لل���دول الأخرى لكي تلوّح ب�أ�صبعها يف‬ ‫وج���ه وا�شنطن‪ .‬فالأزمة مل تُ�ضعِف فقط ثقة الآخرين فقط يف ا�ستقرار‬ ‫الدوالر الأمريكي‪ ،‬و�إمنا �أثارت املخاوف والقلق �أي�ض ًا حول مدى �سالمة‬ ‫ال�سيا�سات املاكرو اقت�صادية لوا�شنطن‪.‬‬ ‫لق���د �أدّى اال�ضطراب املايل �إىل تقوي�ض الت�أث�ي�ر الأمريكي يف احلكم‬ ‫االقت�ص���ادي العاملي‪ .‬وقد ن�سبت العديد من الدول‪ ،‬ال�سيما تلك النامية‬ ‫الأزم���ة �إىل عي���وب النظام امل���ايل العاملي ال���ذي تهيمن علي���ه الواليات‬ ‫امل ّتح���دة‪ ،‬ون���ادت ب�إن�شاء نظام م���ايل عاملي جديد �أك�ث�ر �شمولية وعد ًال‬ ‫و�إن�صاف���اً‪ .‬يف قمّة جمموعة الع�شري���ن التي عقدت يف بطر�سبورج‪ ،‬قدّم‬ ‫القادة هذا التجمّع «كمنتدى رئي�سي للتعاون االقت�صادي العاملي» ووعدوا‬ ‫ح�صة الكوت���ا يف �صندوق النقد الدويل �إىل‬ ‫بنق���ل ما ال يقل عن ‪ %5‬من ّ‬ ‫ح�صة‬ ‫الأ�س���واق ال�صاعدة وال���دول النامية‪ ،‬وزيادة على الأق���ل ‪ %3‬من ّ‬ ‫الت�صويت �إىل الدول النامي���ة يف البنك الدويل‪ .‬ا�ستخدم الغرب �سابق ًا‬ ‫لأك�ث�ر م���ن ثالثة عق���ود جتمّعات ال���ـ (‪ )G-5‬وال���ـ (‪ )G-7‬وال���ـ (‪)G-8‬‬ ‫الحت���كار التن�سي���ق يف ال�سيا�سات املاكرو اقت�صادي���ة الدولية‪ ،‬وب�صفتها‬ ‫قائدة للعامل الغربي‪ ،‬ا�ستطاعت وا�شنطن �أن ت�سوّق �أفكارها فيما يتعلّق‬ ‫بال�سيا�سات املاكرو اقت�صادية الدولية بني �أتباعها من الدول النامية‪.‬‬ ‫كمن�صة‬ ‫�أمّا الآن‪ ،‬ومع حلول جتمّع الع�شرين (‪ )G-20‬مكان الـ (‪ّ )G-8‬‬ ‫�أ�سا�سيّ���ة ملناق�شة االقت�ص���اد العاملي‪� ،‬أ�صبح ل���دى االقت�صادات النامية‬ ‫منت���دى ت�ستطيع م���ن خالل���ه �أن تو�صل خماوفه���ا واهتماماته���ا ب�شكل‬ ‫�أك�ث�ر فعالي���ة وت�أثري‪ .‬عل���ى عك�س االقت�ص���ادات املتط���ورة‪ ،‬ف�إنهم �أكرث‬ ‫ت�شكي���ك ًا بال���دور الأمريكي �سواء فيم���ا يتعلّق بكونه منوذج��� ًا للتنمية �أو‬ ‫ح�صة‬ ‫قائد ًا لعمليّة احلوكم���ة االقت�صادية العاملية‪ .‬وعلى الرغم من �أنّ ّ‬ ‫الوالي���ات املتّحدة يف الت�صوي���ت يف البنك ال���دويل مل تتقلّ�ص (وكذلك‬ ‫حل�صتها يف �صندوق النقد الدويل يف امل�ستقبل القريب)‪،‬‬ ‫الأمر بالن�سبة ّ‬

‫ف����إن زيادة ثقل الأ�س���واق ال�صاعدة والدول النامية يف ه���ذه امل�ؤ�س�سات‬ ‫�سيجع���ل حماوالت وا�شنطن احل�صول على دعم ملوقفها �أكرث �صعوبة يف‬ ‫امل�ستقبل‪.‬‬ ‫كما �أثارت الأزمة انتقادات لنمط احلياة الأمريكي املتمثّل باالقرتا�ض‬ ‫الزائ���د عن ح���دّه واالدخ���ار املنخف����ض‪� .‬إذ ي�سود االعتق���اد على نطاق‬ ‫وا�س���ع ب����أن اال�ستهالك املفرط املم���ول من االقرتا����ض الزائد عن حده‬ ‫يع���د جزء ًا من امل�شكلة التي تقف خلف تفجّ ر الأزمة املالية العاملية‪ .‬ويف‬ ‫حقيق���ة الأمر‪ ،‬ف�إن ثقافة بطاقة االئتم���ان جعلت الكثري من الأمريكيني‬ ‫العاديني يعتربون �أنّ الإنفاق املفرط واالدخار القليل �أمر ًا مفروغ ًا منه‪.‬‬ ‫ولف�ت�رة طويل���ة‪ ،‬ظل احلل���م الأمريكي – العي�ش يف من���زل كبري واقتناء‬ ‫�سي���ارة فخم���ة‪ -‬يغ���ري النا�س‬ ‫على احلي���اة بطريقة �أكرب من‬ ‫�أن يتحملوه���ا فعلي���اً‪ .‬بالن�سبة‬ ‫للأ�شخا����ص خ���ارج الوالي���ات‬ ‫املتّحدة الأمريكي���ة‪ ،‬ف�إن ذلك‬ ‫لي����س جم���رد مو�ض���وع م���ايل‬ ‫فردي فقط‪ ،‬و�إمنا مو�ضوع بيئة‬ ‫وطاقة �أي�ضاً‪ ،‬طاملا �أنّ الواليات‬ ‫امل ّتح���دة ت�ستهل���ك الكث�ي�ر من‬ ‫الوارد وتنتج الكثري من الغازات‬ ‫الدفيئ���ة �إن م���ن حيث املجموع‬ ‫ح�صة الفرد‬ ‫الكليّ �أو من حيث ّ‬ ‫من هذا املجم���وع‪ .‬يف املا�ضي‪،‬‬ ‫�شكّل من���ط احلي���اة الع�صرية‬ ‫يف الوالي���ات امل ّتح���دة منوذج ًا‬ ‫مغري��� ًا للنا����س يف البل���دان‬ ‫النامي���ة مم���ا حفّزه���م عل���ى‬ ‫كمن�صة �أ�سا�سيّة ملناق�شة‬ ‫العمل اجلاد لتحقيق االزدهار العبون قدامى والعبون جدد‪ :‬مع حلول جمموعة الع�رشين مكان جمموعة الثمان الكبار ّ‬ ‫االقت�صادي والفورة يف املواد‪ .‬االقت�صاد العاملي‪� ،‬أ�صبح لدى االقت�صادات النامية منتدى ت�ستطيع من خالله �أن تو�صل خماوفها واهتماماتها ب�شكل �أكرث فعالية‬ ‫�أمّا الآن‪ ،‬ف�إن احلياة الب�سيطة‬ ‫وال�صديق���ة للبيئة ت�صبح منط ًا �أكثري تقدّمية م���ن املثال ال�سابق‪� ،‬إذ �أنّ والتل���وث البيئ���ي اخلط�ي�ر والف�ساد امل�ست�ش���ري‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ف����إنّ �سجّ له‬ ‫من���ط احلياة الأمريكي بالن�سب���ة له �أ�صبح مرادف��� ًا للإ�سراف والتبذير يف التغلب عل���ى �أزمتني ماليتني (الأزمة املالي���ة الآ�سيوية ‪)1999-1998‬‬ ‫و(الأزم���ة املالي���ة العاملي���ة ‪ )2009-2008‬ت�شهد على ق ّوت���ه‪ .‬فعلى عك�س‬ ‫ضال عن تبديد املوارد والطاقة‪.‬‬ ‫ف� ً‬ ‫وا�شنط���ن‪ ،‬ال حتبّذ بك�ّي�ننّ ترويج منوذجها وفر�ضه عل���ى الآخرين‪ ،‬لكنّ‬ ‫مكت�س��بات ال�ص�ين‬ ‫�صحي���ح �أنّ ال�ص�ي�ن‬ ‫ال�سمع���ة املتزاي���دة للتجربة ال�صيني���ة �ستعزز بالت�أكيد م���ن و�ضع بكني‬ ‫عان���ت اقت�صادي ًا من الأزمة و�إن ب�شكل متو�سط‪ ،‬لكنها ك�سبت يف املقابل‬ ‫العاملي وتزيد من نفوذها بني الدول النامية‪.‬‬ ‫عنا�ص���ر اقت�صادية و�سيا�سية ب�شكل ملحوظ‪ .‬فالنموذج التنموي لل�صني‬ ‫صال حول �ضرورة ف�ص���ل االقت�صادات‬ ‫لق���د كان هناك نقا�ش دائ���ر �أ� ً‬ ‫ الذي يركّز على الدور املحوري للدولة يف التنمية االقت�صادية‪ ،‬ويرتكز‬‫عل���ى االقت�صاد احلقيقي بد ًال من االقت�ص���اد االفرتا�ضي‪ ،‬ارتفاع معدّل الآ�سيوي���ة ع���ن الوالي���ات امل ّتح���دة قب���ل مرحل���ة الأزمة الأخ�ي�رة نظر ًا‬ ‫االدخ���ار‪ ،‬التحري���ر املدرو����س للأ�سواق املالي���ة‪.. ،‬الخ ‪ -‬جع���ل ال�صني للن�شاط���ات االقت�صادي���ة املتنامي���ة م���ا ب�ي�ن ال���دول الآ�سيوي���ة نف�سها‪.‬‬ ‫تتمو�ض���ع يف موق���ع �أف�ضل ملواجه���ة العا�صف���ة املالية العاملي���ة‪ ،‬وتقلّ�ص‬ ‫اخل�سائ���ر املرتبطة بها �إىل �أقل قدر ممكن‪ .‬وكدولة نامية‪ ،‬بدا النموذج‬ ‫ال�صيني �أكرث مالءمة للعامل النامي‪ .‬فكما الحظ �أليك�س بريي من جملة‬ ‫الت���امي ‪« Time‬ف����إن احلكوم���ات الأفريقية نظرت اىل ع���دم اال�ستقرار‬ ‫االقت�صادي للغرب خالل العام�ي�ن املا�ضيني ووجدت منوذج ًا �أف�ضل يف‬ ‫النمو االقت�صادي املذهل لآ�سيا»‪.‬‬ ‫يف حقب���ة ما بعد احل���رب الباردة‪ّ ،‬مت تظهري النم���وذج الأمريكي على‬ ‫�أنّ���ه ال�سبي���ل الوحيد لتحقي���ق االزدهار االقت�ص���ادي‪� .‬أمّ���ا الآن‪ ،‬فيبدو‬ ‫�أنّ النم���وذج ال�صيني يق���دّم بديالً‪� .‬صحيح �أنّ النم���وذج ال�صيني لي�س‬ ‫مثالي���اً‪ ،‬فهو يعاين حقيقة من حتديات كبرية كات�ساع الفجوة يف الدخل‬

‫‪161‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫لت�صب���ح ثالث �أكرب م�صوّت‪ ،‬ومن املتوقع �أن يقوم �صندوق النقد الدويل‬ ‫بنف�س الأمر فيعزز متثيل ال�صني فيه‪.‬‬ ‫�إجم���االً‪ ،‬فقد �أفادت الأزمة املالية ال�صني بت�سريعها املرحلة االنتقالية‬ ‫للق���وة االقت�صادية واملالية حموّلة ال�صني م���ن العب هام�شي �إىل العب‬ ‫�أ�سا�سي‪� .‬أخ�ي�ر ًا ولي�س �آخراً‪� ،‬أعطت الأزمة العمل���ة ال�صينية (اليوان)‬ ‫�سمع���ة ح�سن���ة لقوّته���ا وا�ستقراره���ا‪� .‬صحي���ح �أنّ���ه خالل الف�ت�رة التي‬ ‫ثانيها‪ :‬الدور املتحوّل للواليات املتّحدة يف ال�ش�ؤون الدولية‪� ،‬إذ ّمت اعتبار‬ ‫�سبقت الأزمة �أي�ض��� ًا كان «اليوان» ي�ستخدم يف التجارة الثائية بني عدد �أم�ي�ركا جزء ًا من امل�شكلة وجزء ًا من احل���ل �أي�ضاً‪ .‬فمن احتالل العراق‬ ‫من ج�ي�ران ال�صني‪ ،‬لكنّ الأزم���ة املالية ك�شفت ع���دم ا�ستقرار الدوالر �إىل الأزمة املالية العاملية ت�شوّهت �صورة الواليات املتّحدة كمنارة للأداء‬ ‫الأمريك���ي و�سلّطت ال�ضوء يف املقابل على ق���وّة «اليوان» ال�صيني‪ .‬وعلى االقت�ص���ادي وال�سيا�سي يف العامل‪ .‬فقد �أظهرت احلرب على العراق ب�أنّ‬ ‫الرغم من انّ الي���وان ال�صيني ال يتمتع بحريّة التحويل‪ ،‬فقد �أبدا بع�ض ب�إمكان الواليات املتّحدة �إ�ساءة ا�ستخدام قوتها وحتدي املجتمع الدويل‬ ‫كب���ار ال�ش���ركاء التجاريني لل�ص�ي�ن رغبتهم يف زي���ادة االعتماد عليه يف ل�صال���ح �أولوياتها‪ ،‬بينم���ا برهن اال�ضطراب املايل العامل���ي ب�أنها قادرة‬ ‫الوقت الذي كان يعاين في���ه الدوالر الأمريكي من ال�ضعف‪ ،‬الأمر الذي على �إحلاق الأذى االقت�صادي بالعامل مبا يفوق قدرة �أي طرف على فعل‬ ‫�أثار قلق ًا من �أن ي�ؤدي عدم ا�ستقرار الدوالر �إىل رفع التكاليف واملخاطر‬ ‫ذلك‪ .‬ومبا �أنّه مل يعد ب�إمكان وا�شنطن �أن تلعب‬ ‫يف التجارة‪ .‬ومنذ بدء الأزمة‪ ،‬وقّعت ال�صني‬ ‫دور النا�ص���ح يف امل�سائ���ل املتعلقة باحلوكمة‬ ‫واقت�صادي‪،‬‬ ‫ماكرو�سيا�سي‬ ‫منظور‬ ‫من‬ ‫اتفاقيات تبادل عمالت ثنائية مع الأرجنتني‬ ‫املحليّة �أو العاملية‪ ،‬ف�إنه لن يكون ب�إمكانها �أن‬ ‫وبيالرو�سيا و�أي�سلن���دا و�إندوني�سيا وماليزيا و�ضع اال�ضطراب املايل العاملي وب�شكل توجّ ه الأوامر للآخرين حولها‪ .‬وباعتبار �أنّ‬ ‫الواليات املتّحدة قوة اقت�صادية وع�سكرية‪،‬‬ ‫حد ًا للأحادية القطبية‬ ‫وهون���غ كون���غ و�سنغافورة وكوري���ا اجلنوبية ر�سمي ّ‬ ‫بحج���م �إجمايل كلي بلغ حوايل ‪ 803.5‬مليار‬ ‫ف�إنه لن يكون بالإمكان اال�ستغناء عنها فيما‬ ‫«ي���وان» (�أي ح���وايل ‪ 118.1‬ملي���ار دوالر)‪ .‬حلقبة ما بعد احلرب الباردة التي‬ ‫يتعل���ق بحل امل�شاكل التي تواجه العامل‪ ،‬لكن‬ ‫�شهدت هيمنة القوة الأمريكية‬ ‫وقامت بع�ض ال���دول �أي�ض��� ًا باالعتماد على‬ ‫امل�ؤكّ���د �أن موقعها ونفوذها يف العامل تراجع‬ ‫اليوان ال�صيني كواح���دة من العمالت التي‬ ‫ب�شكل كبري‪.‬‬ ‫ومنوذجها التنموي ال�سيا�سي‬ ‫ميك���ن االعتماد عليه���ا يف احتياطياتها من‬ ‫ثالثها‪� :‬أنّ العامل �أ�صبح ي�شهد الآن جهود ًا‬ ‫واالقت�صادي العاملي املزعوم‬ ‫العمالت الأجنبية‪.‬‬ ‫�أكرث جديّة يف البحث عن مناذج جديدة يف‬ ‫لق���د دفعت الأزمة بكّني �إىل التفكري جدّي ًا‬ ‫احلكم والتع���اون الإقليمي والتنمية املحلّية‪.‬‬ ‫يف جع���ل الي���وان ال�صيني عملة �إقليمية‪ .‬ويف بداي���ة العام ‪ ،2009‬وافقت كم���ا ي�شهد دع���وات ملفاهي���م تقدّمية مثل «العم���ل اجلماع���ي الفعّال»‪،‬‬ ‫ال�ص�ي�ن عل���ى طموح �شنغه���اي بالتح���وّل �إىل مركز م���ايل عاملي بحلول و»امل�س�ؤولي���ات امل�شرتك���ة لك���ن املتباين���ة»‪ ،‬و»الرب���ح املتب���ادل»‪ ،‬و»توازن‬ ‫العام ‪ 2020‬والتوفيق بني نف���وذ ال�صني االقت�صادي ومكانة عملتها على امل�صالح»‪ ،‬و»عامل متناغم»‪� ،‬إىل جانب �إن�شاء نظام اقت�صادي و�سيا�سي‬ ‫ال�صعي���د العاملي‪� .‬ستكون رحل���ة اليوان ال�صيني لي�صب���ح عملة رئي�سية دويل م�ستق���ر وع���ادل ومُن�صِ���ف ي�ستطي���ع �أن يعزز التع���اون يف احلكم‬ ‫لالحتي���اط ال���دويل طويلة بطبيعة احل���ال‪ ،‬لكن من الوا�ض���ح �أنّ اندالع ال���دويل �إىل �أعلى م�ستوى‪ .‬كما يتم توجيه التع���اون الإقليمي لي�س فقط‬ ‫الأزمة املالية �شكّل نقطة االنطالق لهذه الرحلة‪.‬‬ ‫باجت���اه تعزيز النم���و االقت�ص���ادي و�إمنا‬ ‫القر�صنة‬ ‫م���ن املنظ���ور التاريخي �أي�ض ًا باجتاه املحافظة على اال�ستقرار‬ ‫م��ا ال��ذي يتغ�ّي�رّ يف الع��امل؟‬ ‫يف القرن الأفريقي‬ ‫التايل‬ ‫الوا�سع‪ ،‬ف�إن الأزم���ة املالية العاملية �سجّ لت بع�ض التطورات وعجّ لت من الإقليمي االقت�صادي واملايل‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬بيرت �شولك‬ ‫�أمّا فيما يتعلّق بالتنمية االقت�صادية‬ ‫�أخ���رى �سيكون لها ت�أثري كب�ي�ر على املدى البعيد فيم���ا يتعلق بال�سيا�سة‬ ‫وال�سيا�سي���ة الداخلي���ة املحليّ���ة‪ ،‬يالح���ظ‬ ‫العاملية وبالو�ضع االقت�صادي‪.‬‬ ‫�أوىل ه���ذه التطورات‪ :‬تط���وّر البنية الهيكلية للق���وة الدولية‪ .‬ف�إذا كان ابتع���اد ال���دول عن فك���رة تبنّ���ي �أو �إتب���اع منوذج عامل���ي باتجّ���اه اتّخاذ‬ ‫هن���اك �أحادية قطبي���ة يف ف�ت�رة الت�سعينيات فقد ذهبت ه���ذه احلالة‪ ،‬موقف �أكرث واقعي���ة وا�ستك�شاف طرق �أكرث مالءمة ملعطياتهم الداخلية‬ ‫والع���امل يتّجه الآن بعي���د ًا عنها ب�سرع���ة‪ .‬و�سواء كانت البني���ة الهيكلية وظروفه���م املحليّة‪ .‬كم���ا �سي�أخذ النقا�ش حول من���اذج التنمية املختلفة‬ ‫اجلديدة للقوة يف العامل متعددة الأقطاب �أو ال قطبية �أو �شيئ ًا �آخر‪ ،‬فهي حي���ز ًا من وقت �إىل �آخر‪ ،‬وبا�ستثن���اء حفنة من الأيديولوجيني‪ ،‬ف�إن مثل‬ ‫�أكّ���دت على �شيئ واحد على الأقل ب�ش���كل وا�ضح وهو �أنّ قيادة احلوكمة ه���ذه التطورات �ستكون مدفوع���ة مبدى الفعالية الت���ي �ستحققها ولي�س‬ ‫الدولي���ة �سيع���اد هيكلته���ا‪ ،‬و�ستحتل ال���دول النامي���ة �أو دول العامل غري بالأيديولوجيا‪.‬‬ ‫الغربي���ة موقع ًا متقدّم ًا يف القيادة اجلديدة و�سيك���ون �صوتها م�سموعاً‪.‬‬ ‫فال�صع���ود االقت�صادي للأ�س���واق النا�شئة والدول النامي���ة بدا وا�ضح ًا‬ ‫حت���ى قبل ان���دالع الأزمة املالي���ة العاملية‪ ،‬ومع ذلك فق���د �أتاحت الأزمة‬ ‫الفر�ص���ة لهم ترجم���ة وزنهم االقت�صادي املتنام���ي �إىل نفوذ اقت�صادي‬ ‫و�سيا�سي‪.‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫التطلع للقمة‪� :‬أفادت الأزمة املالية ال�صني بت�رسيعها املرحلة االنتقالية للقوة االقت�صادية واملالية‪ ،‬حموّ لة ال�صني من العب هام�شي �إىل العب �أ�سا�سي‬

‫وحقيق���ة �أنّ ال�ص�ي�ن �أ�صبحت بالفعل ال�شريك التج���اري الأوّل لعدد من‬ ‫االقت�ص���ادات الرئي�سية يف املنطقة كاليابان وكوري���ا اجلنوبية وتايوان‪،‬‬ ‫�ش ّكل���ت حافز ًا �إ�ضافي ًا لزيادة التعاون بني اقت�صادات �شرق �آ�سيا‪ .‬وحتى‬ ‫يف اليابان حيث و�صل احلزب الدميقراطي الياباين �إىل احلكم يف �آب‪/‬‬ ‫�أغ�سط����س املا�ضي‪ ،‬فقد الحظ رئي�س الوزراء يوكيو هاتوياما �أنّ «الأزمة‬ ‫املالي���ة احلالية �أظهرت للكث�ي�ر من النا�س �أنّ حقب���ة الأحادية القطبية‬ ‫الأمريكية قد تنتهي‪ .‬كما �أثارت ال�شكوك لدى النا�س حول قدرة الدوالر‬ ‫على البقاء كعملة عاملية رئي�سية‪� .‬أ�شعر �أي�ضاً‪ ،‬وكنتيجة للف�شل يف حرب‬ ‫الع���راق والأزمة املالية العاملية‪ ،‬ب�أنّ حقب���ة العوملة التي تقودها الواليات‬ ‫امل ّتح���دة �ستنته���ي‪ ،‬وب�أنّنا نبتعد عن حقبة الأحادي���ة القطبية �إىل حقبة‬ ‫التعددي���ة القطبية»‪ .‬و�أ�ضاف رئي�س ال���وزراء‪« :‬تظهر التطورات احلالية‬ ‫بو�ض���وح‪� ،‬أنّ ال�ص�ي�ن التي ت�ضم �أك�ب�ر عدد من �سكّان الع���امل �ست�صبح‬ ‫واحدة من الدول الرائدة يف االقت�صاد العاملي‪ ،‬يف الوقت الذي �ست�ستمر‬ ‫في���ه �أي�ض ًا بالتو�سع يف قوّتها الع�سكرية»‪ .‬لقد تعهد رئي�س الوزراء بتقوية‬ ‫عالق���ات ب�ل�اده مع دول �آ�سي���ا‪ ،‬وخا�صة مع ال�صني لبن���اء جمتمع �شرق‬ ‫�آ�سي���ا‪ .‬وال �شك �أنّه و�ضع هذا ويف ذهنه �أهمية ال�صني املتزايدة بالن�سبة‬ ‫لالقت�صاد الياباين م�ستقبالً‪.‬‬ ‫وكم���ا اليابان‪� ،‬أعرب���ت كوريا اجلنوبية ع���ن حما�ستها بعق���د اتفاقية‬ ‫للتجارة احلرة مع ال�صني يف �أقرب وقت ممكن‪ .‬ووقعت تايوان �أي�ض ًا يف‬ ‫حزيران‪/‬يوني���و ‪ 2009‬مع ال�صني الأم اتفاقية �إطار التعاون االقت�صادي‬ ‫(‪ ،)ECFA‬م���ا يع��� ّد خطوة كبرية �إىل الأم���ام يف العالقات بني الكيانني‬ ‫ع�ب�ر امل�ضي���ق‪ .‬وين�ص االتف���اق على توحي���د التعرف���ة اجلمركية‪ ،‬وعلى‬ ‫�ضمان �سهول الو�صول �إىل الأ�سواق‪ ،‬على �أن يتم �إلغاء التعرفة اجلمركية‬ ‫مبوجبه خالل �سنتني وتطب���ق على �أكرث من ‪� 539‬سلعة تايوانية م�صدّرة‬ ‫�إىل ال�صني بقيمة ‪ 13.84‬مليار دوالر كما على ‪� 267‬سلعة �صينية م�صدّرة‬ ‫�إىل تاي���وان بقيمة ‪ 2.86‬مليار دوالر‪ .‬و�سيتيح االتف���اق �أي�ض ًا للم�ؤ�س�سات‬ ‫وال�ش���ركات التايوانية الو�ص���ول �إىل ‪ 11‬قطاع خدم���ات يف ال�صني الأم‪،‬‬ ‫‪162‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫من بينها البنوك‪ ،‬واملحا�سبة‪ ،‬والت�أمني واال�ست�شفاء‪ .‬وال �شك �أنّ الأزمة‬ ‫املالي���ة �سمحت لبكّني بت�شجي���ع اال�ستهالك الداخلي �أي�ض���اً‪ ،‬وهو الأمر‬ ‫الذي �سي�سمح لل�صني ‪ -‬طاملا �أنّه يف ت�صاعد م�ستمر ‪� -‬أن تعزز روابطها‬ ‫االقت�صادية مع �شركائها الإقليميني ويقوي من دورها كمحور اقت�صادي‬ ‫يف �شرق �آ�سيا‪.‬‬ ‫باخت�صار‪� ،‬أكّد اال�ضطراب املايل واالقت�صادي موقع ال�صني كمحرّك‬ ‫لالقت�ص���اد الإقليمي الآ�سي���وي‪ ،‬ولالقت�صاد العاملي �أي�ض���اً‪ .‬على �صعيد‬ ‫ال�سيا�س���ة الدولية‪ ،‬فمن املعروف �أنّ العالق���ات ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫تتبع���ان بع�ضهما البع�ض‪ .‬بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬قامت العديد من‬ ‫ال���دول الإقليمية بتطوير عالقات وثيقة م���ع الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫تبعه���ا ترتيبات �أمنيّ���ة و�سيا�سية مع وا�شنطن‪ .‬وم���ن نف�س املنظور‪ ،‬ف�إن‬ ‫تعمي���ق الروابط االقت�صادية ال�صينية م���ع �شركائها الإقليميني حا�ضر ًا‬ ‫وم�ستقب ًال يعد بتو�سيع نفوذها ال�سيا�سي يف �شرق �آ�سيا‪.‬‬ ‫�آخذي���ن بعني االعتبار من���و حجم ال�صني االقت�ص���ادي و�أدائها املمتاز‬ ‫خالل الأزمة‪ ،‬ف�إنه لي�س من امل�ستغرب �أنّ اال�ضطراب املايل العاملي �أدى‬ ‫�إىل رف���ع مكانة ال�ص�ي�ن يف احلوكمة االقت�صادي���ة العاملية‪ .‬كما �أظهرت‬ ‫الأزمة جمموعة الع�شرين (‪ )G-20‬كمنتدى رئي�سي للتعاون االقت�صادي‬ ‫العاملي‪ ،‬مُغطّ ية على الدور التقليدي ملجموعة الثماين الكبار (‪ )G-8‬يف‬ ‫االقت�صاد العاملي‪ .‬واحتلت ال�صني قلب جمموعة الع�شرين لكونها حتتل‬ ‫املرتب���ة الثالث���ة يف االقت�صاد العامل���ي‪ ،‬ولكونها �صاحب���ة �أكرب احتياطي‬ ‫عم�ل�ات �أجنبي���ة يف الع���امل‪ .‬كما راجت فك���رة �إن�ش���اء جمموعة االثنني‬ ‫الكب���ار (‪ )G-2‬التي ت�ضم الواليات امل ّتح���دة وال�صني‪ ،‬لإدارة االقت�صاد‬ ‫العامل���ي واجليوبوليتي���كا الدولية ب�ي�ن الباحثني الأمريكي�ي�ن وامل�سئولني‬ ‫ال�سابق�ي�ن (عل���ى الرغم من �أنّها مل تلق ترحيب��� ًا ال من وا�شنطن وال من‬ ‫بكني)‪ ،‬وهذه الفكرة – على �أية حال ‪ -‬متثّل اعرتاف ًا بالوزن االقت�صادي‬ ‫واجليوبوليتيكي ال���ذي اكت�سبته بكني حديثاً‪ .‬ففي ني�سان‪� /‬أبريل ‪،2010‬‬ ‫ح�صة الت�صوي���ت اخلا�صة بها يف هذه امل�ؤ�س�سة‬ ‫ق���رر البنك الدويل رفع ّ‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪163‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫القر�صنة‬ ‫يف القرن الأفريقي‬ ‫‪Official U.S. Navy‬‬

‫الأمن البحري يف مواجهة تهديد متفاقم‬ ‫بيرت �شولك‬

‫ت�شكل املياه املحيطة مبنطقة القرن الأفريقي حالي ًا املنطقة الأكرث عر�ض ًة يف العامل ملخاطر ظاهرة القر�صنة‬ ‫البحرية‪ ،‬فقد بلغ عدد هجمات القر�صنة ‪ -‬املنفذة منها وحماوالت التنفيذ ‪ -‬حوايل ‪ 420‬حادثة خالل الفرتة‬ ‫املمت���دة بني �سنة ‪ 2008‬وحزيران‪/‬يونيو ‪ ،2010‬وكلها هجمات جرت يف هذه املنطقة اال�سرتاتيجية التي ت�شمل‬ ‫خلي���ج عدن ومنطقة جنوب البحر الأحمر واملياه الإقليمية ال�صومالية‪ ،‬وهو ما يُ�شكِّل حوايل ‪ %70‬من حوادث‬ ‫‪164‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫الع���امل خ�ل�ال نف�س هذه الفرتة(‪ .)1‬وبلغ عدد ال�سفن وطواقمها التي وقع���ت يف قب�ضة القرا�صنة ال�صوماليني‬ ‫حت���ى �آب‪�/‬أغ�سط����س ‪ 2010‬ح���وايل ‪� 18‬سفينة و‪� 379‬شخ�ص ًا عل���ى التوايل‪ ،‬وذلك للح�ص���ول على فدية مقابل‬ ‫�إطالق �سراحها‪�/‬سراحِ هِ م‪ ،‬وقد و�صل متو�سط مبالغ الفدى حتى الآن ما بني ثالثة مليون دوالر ون�صف و�أربعة‬ ‫مليون دوالر مقابل ال�سفينة الواحدة(‪ .)2‬وقد �أظهرت اجلماعات التي ترتكب مثل هذه الأعمال قدرتها على‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪165‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫بي�ت�ر �شول���ك م���ن كبار املحللني ال�سيا�سيني يف م�ؤ�س�سة «راند» الأمريكية؛ ويعمل يف عدد من امل�شاريع الدرا�سية حول التهدي���دات الأمنية العابرة للحدود يف �أمريكا الالتينية و�أفريقيا و�آ�سيا‪.‬‬ ‫وهو م�ساعد حترير جملة «درا�سات يف ال�صراعات والإرهاب ‪ ،»Studies in Conflict and Terrorism‬وهي من �أهم املجالت املتخ�ص�صة يف جمال الأمن الدويل؛ كما يعمل ك�أ�ستاذ م�ساعد‬ ‫يف الكلية البحرية للدرا�سات العليا مبدينة مونرتي‪ ،‬والية كاليفورنيا الأمريكية‪.‬‬ ‫‪166‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪Flickr‬‬

‫العم����ل بعيد ًا عن ال�ساحل والنيل حتى م����ن �أكرب �سفن ال�شحن التي جتوب وال�سفن الأكرث عر�ضة لأعمال القر�صنة هي ال�سفن التي ي�سهل اعرتا�ضها‬ ‫املحيطات‪ .‬ولهذا تتناول ه����ذه املقالة كيف تعمل هذه اجلماعات‪ ،‬وكذلك وركوبه����ا وتلك التي متث����ل �أكرث �إمكانية يف احل�صول عل����ى ربح كبري‪ .‬ويف‬ ‫ما �إذا كان توظيف جهات �أمنية خا�صة متعاقدة حلماية ال�سفن ميثِّل ح ًال معظ����م احل����االت‪ ،‬هذا يعن����ي �أنها تلك ال�سف����ن التي جتوب املي����اه ب�سرعة‬ ‫ناجع ًا للتهدي����د الذي ت�شكله �أعمال القر�صن����ة امل�ستمرة يف منطقة القرن خم�س����ة ع�ش����ر عقدة بحري����ة �أو �أقل وهيكله����ا الطايف (امل�ساف����ة بني �أعلى‬ ‫الأفريقي‪.‬‬ ‫ظه����ر ال�سفين����ة وخط امل����اء) منخف�����ض‪ ،‬وتك����ون حمولتها ب��ي�ن املتو�سطة‬ ‫(‪)9‬‬ ‫واملرتفعة ‪.‬‬ ‫ال��ق��ر���ص��ن��ة يف ال��ق��رن الأف���ري���ق���ي‪ :‬مرتكبيها‬ ‫من الناحية التاريخية‪ ،‬كان ورغ����م �أن معظم حوادث القر�صن����ة حت�صل حالي ًا بالق����رب من ال�سواحل‬ ‫وديناميكيات الهجوم‬ ‫احتاد «هوبيو‪-‬هارادير» (الذي يدعى �أحيان ًا «مارينز» �أو جنود بحرية ال�صومالية لكن الع�صابات �أظهرت قدرتها على العمل بعيد ًا عن ال�ساحل‬ ‫ال�صومال) وجمعيات مقيمة يف �إقليم بونت الند ي�سيطرون على معظم يف �أع����ايل البحار‪ ،‬فق����د متكن القرا�صنة ال�صومالي����ون ‪ -‬كما يُقال ‪ -‬من‬ ‫م�سرح �أعمال القر�صنة ال�صومالية‪ .‬وقد كان احتاد هوبيو‪-‬هارادير �إىل الو�ص����ول �إىل ج����زر املالديف غرب���� ًا وقناة موزمبيق جنوب����اً‪ ،‬وهم عازمون‬ ‫حد كبري من �إنتاج رجل واح��د‪ ،‬وهو حممد عبدي ح�سن‪� ،‬أحد موظفي عل����ى «الهج����رة» ‪ -‬نظ����ر ًا ل�س����وء �أح����وال الطق�س ‪ -‬ح����ول منطق����ة القرن‬ ‫الدولة �سابقاً؛ وكان هذا االحتاد يعمل ب�صورة �أ�سا�سية خارج مدينتي الأفريقي خالل فرتة الري����اح املو�سمية ال�شمالية ال�شرقية(‪ .)10‬ومن �أبرز‬ ‫�سيل‪-‬هور و�سيل‪-‬جان (اللتني تقعان على بعد حوايل ‪ 250‬مي ًال �شمال ال�شواه����د الدالة على هذه املقدرة هو االعتداء املعروف عام ‪ 2008‬عندما‬ ‫مت اختطاف الناقلة ال�سعودية العمالق����ة امل�سجلة (�سرييو�س �ستار ‪Sirius‬‬ ‫العا�صمة مقدي�شو)‪ .‬ويف نهاية �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ 2006‬تراوح عدد عنا�صره‬ ‫ما بني خم�سة و�سبعني رج ًال ومائة رجل م�سلح‪ ،‬وامتلك �أ�سطو ًال من ما ‪ )Star‬عل����ى بعد �أكرث من خم�سمائة ميل بحري عن ال�ساحل(‪ .)11‬وعندما‬ ‫يت����م تنفيذ مث����ل ه����ذه الهجمات‪،‬‬ ‫ال يقل عن مائة زورق‬ ‫بخاري(‪ .)3‬وك���ان انخرط��ت �ش��ركات الأم��ن اخلا�ص��ة ب�ش��كل عجي��ب يف وعلى بع����د هذه امل�ساف����ة‪ ،‬ف�سوف‬ ‫ي�ستطي����ع القرا�صن����ة تنفي����ذ‬ ‫ف���رح ح��ر���س��ي ك��والن‬ ‫(امل�����ع�����روف �أي�������ض��� ًا �ص��ناعة ال�س��فن‪ ،‬مُدّ عية �إنها تُ�ش�� ِكّل عن�ص��ر ًا حيوي ًا يف عملياتهم م����ن “�سفينة �أم” ومن‬ ‫با�سم «ب��وي��اه»‪ ،‬وكان م�ض��اعفة ق��وة الدوري��ات البحرية املوج��ودة يف خليج ثمّ �إطالق زوارقهم عند اقرتابهم‬ ‫يعترب «�أب��و القر�صنة ع��دن‪ ،‬وذلك من خ�لال تقدمي احلماي��ة املحرتفة التي من هدفهم املن�شود‪.‬‬ ‫وعن����د اعتالئه����م ظه����ر ال�سفينة‬ ‫يف ب��ون��ت الن���د») من تتنا�سب ب�صورة فريدة مع متطلبات زبائنها اخلا�صة‬ ‫�سيق����وم القرا�صن����ة‪ ،‬كم����ا يحدث‬ ‫الالعبني الأ�سا�سيني‬ ‫ع����ادة‪ ،‬بجم����ع طاق����م ال�سفين����ة‬ ‫على م�سرح القر�صنة‬ ‫يف بونت الن��د‪ ،‬باعتباره الفاعل واملُ�شغّل الرئي�سي يف عملية التجنيد واعتقاله����م يف �أ�سفله����ا‪ .‬وبح�س����ب حج����م ال�سفين����ة املختطف����ة ف�إنهم �إما‬ ‫واملُنظّ م واملمول ملهام مئات القرا�صنة العاملني خارج منطقة �إيل(‪� .)4‬أما �سيكره����ون ال ُّرب����ان وم�ساع����ده الأول عل����ى قي����ادة ال�سفين����ة �إىل املي����اه‬ ‫اليوم فقد بات ه�ؤالء الالعبون مناف�سني للجماعات املنت�شرة يف عدد من ال�صومالي����ة �أو �سيبح����رون هم بها لرت�سوا يف �أح����د املوانئ التي تقع حتت‬ ‫القرى ال�صغرية ال�ساحلية الواقعة على طول ال�ساحل ال�صومايل املمتد �سيط����رة القرا�صنة؛ لتقبع هناك حت����ى يتم االنتهاء من مفاو�ضات �إطالق‬ ‫على طول ‪ 1900‬ميل‪ ،‬حتى �إن ب�ؤر القر�صنة الأ�سا�سية �أ�صبحت ت�شمل �سراحه����ا(‪ .)12‬وحالي���� ًا توج����د معظم ال�سف����ن املختطفة يف ق����رى �صغرية‬ ‫متت����د على طول ال�ساحل ال�شم����ايل ال�شرقي لل�صومال(‪ .)13‬ومبا �أن تنفيذ‬ ‫مناطق �إيل وجارارد ور�أ�س ع�سري(‪.)5‬‬ ‫وعل����ى الرغم من �أن معظ����م عنا�صر هذه الع�صابات ه����م من ال�صيادين الهجمات ال ي�ستغرق �سوى فرتة ق�صرية‪ ،‬وحتدث يف نطاق م�ساحة بحرية‬ ‫وتربطه����م ب�صورة عام����ة ع�شرية م�شرتك����ة و�صل����ة دم ووالءات قبلية(‪ ،)6‬وا�سع����ة‪ ،‬ف�إن �إمكانية اعرتا�ض عملية االختطاف �أثناء تنفيذها تقل ب�شكل‬ ‫لكن ع�ضويتها تظل غام�ضة وغري حمددة‪� ،‬إذ ال ي�ؤيد �أع�ضائها �أي �أجندة كبري جداً‪ ،‬ما يعني �أن تلك الع�صابات الإجرامية لن ت�أبه كثرياً‪ ،‬يف معظم‬ ‫�أيديولوجية معينة وال تربطهم عالقات مبُتمرّدي حركة ال�شباب الإ�سالمية احل����االت‪ ،‬ب�أ�ساطيل القوات البحري����ة الدولية التي تق����وم حالي ًا بحرا�سة‬ ‫املياه قبالة منطقة القرن الأفريقي(‪.)14‬‬ ‫الذين يقاتلون حالي ًا احلكومة ال�صومالية املفرت�ضة يف مقدي�شو(‪.)7‬‬ ‫وعل����ى عك�س ما يحدث يف مي����اه جنوب �شرق �آ�سيا التي تع����ج بالقرا�صنة‪ ،‬وبالت�أكي����د ف�����إن تكلف����ة الهجمات تتف����اوت وفق���� ًا لطبيعتها املعق����دة‪ ،‬لكن‬ ‫ف�إن �أغلبية حوادث القر�صنة (�أكرث من ‪ )%93‬يف منطقة القرن الأفريقي معظمه����ا ال تكل����ف �أكرث من ثالثمائ����ة دوالر �إىل خم�سمائ����ة دوالر باعتبار‬ ‫حت����دث جهار ًا نهاراً‪ ،‬وت�ستم����ر من ثالثني �إىل خم�����س و�أربعني دقيقة(‪� .)8‬أن الع�صاب����ة متتل����ك قواربه����ا اخلا�ص����ة به����ا‪ .‬و�أك��ث�ر ما يكل����ف يف عملية‬

‫االختطاف هو �صيانة ال�سفينة قبل و�أثناء‬ ‫املفاو�ضات‪ ،‬وهو م����ا ي�ضيف حوايل مائة‬ ‫دوالر يومي���� ًا �إىل املبل����غ ال�ساب����ق‪ ،‬وذل����ك‬ ‫�أي�ض ًا يعتم����د على حج����م ال�سفينة وعدد‬ ‫الرهائن املعتقل��ي�ن(‪ .)15‬ويف حال تنفيذ‬ ‫عملي����ات اختط����اف �أ�صغ����ر فق����د يق����وم‬ ‫زعي����م القرا�صن����ة (الذي يح�ص����ل �أي�ض ًا‬ ‫على ن�صيب الأ�سد م����ن الفدية) بتغطية‬ ‫التكالي����ف �أو يتحمّلها عنا�ص����ر الع�صابة‬ ‫ب�ش����كل جماع����ي‪� .‬أم����ا يف حال����ة عمليات‬ ‫القر�صن����ة التي ت�سته����دف �سفن ال�شحن‬ ‫العمالق����ة‪ ،‬ف�����إن “م�ستثمري����ن” �آخرين‬ ‫يقوم����ون ع����اد ًة بتوف��ي�ر امل����وارد املالي����ة‬ ‫ال�ضرورية لتنفي����ذ عملية االختطاف‪� ،‬إذ‬ ‫يتم التمويل نقد ًا وعرب نظام التحويالت‬ ‫املالية غري الر�سمي‪ ،‬الأمر الذي ي�صعب «يف �أي� ٍ‬ ‫�د �أمين��ة؟»‪ :‬معظم ع�صاب���ات القر�صنة ال�صومالية ال ته���دف حالياً �إىل �إحلاق ال�رضر بهي���اكل ال�سفن التي‬ ‫عملية تعق����ب �أماكن املبالغ املالية‪ .‬ويعتقد تختطفها وال الرهائن‪ ،‬فالهدف الأ�سا�سي هو رفع م�ستوى الفدية مقابل هذه «الأ�صول املادية»‬ ‫امل�سئول����ون عن تنفي����ذ القان����ون �إن الدعم‬ ‫ع����ام ‪ 2009‬ومنت�ص����ف عام ‪� 2010‬س����وى خم�سة �أ�شخا�ص م����ن �أ�صل ‪1381‬‬ ‫يف الأ�سا�س ي�أتي م����ن “زعماء” ع�صابات‬ ‫بحّ ار ًا اُخذوا كرهائن(‪.)20‬‬ ‫(‪)16‬‬ ‫املافيا يف ال�صومال ولبنان ودبي و�أوروبا ‪.‬‬ ‫ويتمتع القرا�صن����ة ال�صوماليون ب�سهولة احل�صول على ت�شكيلة وا�سعة من مكافحة القر�صنة قبالة القرن الأفريقي‪ :‬دور‬ ‫�شجّ ع القلق الدويل‬ ‫الأ�سلح����ة الب�سيط����ة واملتطورة‪ ،‬مب����ا يف ذلك بندقيات الهج����وم والأ�سلحة �شركات الأمن اخلا�صة‬ ‫الر�شا�شة اخلفيفة منها والثقيلة وم�ضادات ال�سفن وقذائف �صاروخية (�آر املتنامي الذي ت�شكله مُع�ضِ لة القر�صنة قبالة �سواحل القرن الأفريقي‬ ‫بي جي)‪ .‬ويبدو �أن م�صدر معظم هذه الأ�سلحة هي الأ�سواق غري ال�شرعية عدد ًا من �شركات الأمن اخلا�صة على تقدمي خدماتها حلماية ال�سفن‬ ‫وخمازن الأ�سلحة يف ال�صومال و�أثيوبيا وال�سودان‪� ،‬أو يتم �شرائها مبا�شرة‬ ‫التجارية التي تعرب املنطقة‪ ،‬من �أبرزها �شركة �إو�س لإدارة املخاطر ‪Eos‬‬ ‫م����ن جتار الأ�سلح����ة اليمنيني‪ .‬ورغ����م تر�سانة الأ�سلحة ومع����دات وذخائر‬ ‫‪ Risk Management‬وهولوبوينت للحماية ‪Hollowpoint Protection‬‬ ‫املعارك الت����ي متتلكها جماعات القرا�صنة‪ ،‬لكن ه����ذه اجلماعات ب�صورة‬ ‫و�أنتي باير�سي ماريتامي �سكيورتي �سلو�شِ ن ز ‪eAnti-Piracy Maritime S‬‬ ‫عام����ة تفتقر �إىل التقنيات عالية امل�ست����وى‪ ،‬فمن النادر ا�ستخدام نظارات‬ ‫‪ curity Solutions‬و�سيكوبِك�س ‪ Secopex‬وجمموعة خليج عدن للنقل ‪Gulf‬‬ ‫الر�ؤية الليلية و�أنظمة حتديد املواقع العاملية والهواتف التي تعمل بوا�سطة ‪ of Aden Group Transits‬وجمموعة هارت ‪ ،Hart Group‬وجمموعة‬ ‫الأقمار ال�صناعية ووحدات التعرّف الآيل على ال�سفن(‪.)17‬‬ ‫�أوالي ف ‪ ،Olive Group‬و�آي �إ�س �إ�س جي القاب�ضة املحدودة ‪dISSG Hol‬‬ ‫‪ ،ings Ltd‬وجمموعة ميوز بروف�شنل املتحدة ‪Muse Professional Group‬‬ ‫�إن اله����دف الأ�سا�سي وراء الهجوم على ال�سف����ن وحمولتها هو ابتزاز املال‬ ‫)‬ ‫(‪21‬‬ ‫م����ن مالكي ال�سف����ن‪� ،‬إذ ي�صل الآن متو�سط مبالغ الت�سوي����ات‪ ،‬كما �أ�شرنا‪ ،Inc ،‬وزي �سِ رفي�سِ ز ‪ .Xe Services‬وبح�سب ما قاله املدير التنفيذي‬ ‫�إىل ح����وايل �أربعة ماليني دوالر‪ ،‬وهو �ضعف ما كان عليه احلال قبل اثنني ل�شركة «�إو�س رِ�سك ماناجمنت» ديفيد جون�سون‪ ،‬فقد زادت فر�ص العمل‬ ‫�أمام هذه ال�شركات �إىل �أكرث من ثالثة �أ�ضعاف ما كانت عليه منذ ‪2008‬‬ ‫وع�شرين �شهراً‪ .‬وق����د بلغ �إجمايل مبالغ الفدية التي امت�صتها الع�صابات‬ ‫ال�صومالي����ة الع����ام املا�ضي ما ُيق����در بخم�سني مليون���� ًا �إىل مائة وخم�سني (‪.)22‬‬ ‫ملي����ون دوالر‪ ،‬م����ن �ضمنه����ا �سبعة ملي����ون دوالر كفدية لل�سفين����ة اليونانية لق����د انخرطت �ش����ركات الأمن اخلا�صة ب�شكل عجي����ب يف �صناعة ال�سفن‪،‬‬ ‫“ماران �سنتاري�س” (‪ .)Maran Centarus)(18‬ومبا �أن الهدف الرئي�سي‬ ‫ُمدّعي����ة �إنها ُت�ش����كِّل عن�صر ًا حيوي���� ًا يف م�ضاعفة قوة الدوري����ات البحرية‬ ‫وراء احتجاز ال�سفن هو احل�صول على �أكرب مبلغ مايل ممكن‪ ،‬ف�إن العنف املوج����ودة يف خلي����ج عدن‪ ،‬وذلك من خالل تق����دمي احلماية املحرتفة التي‬ ‫عموم���� ًا لي�س �سمة من �سمات الهجمات (بعك�����س ما يح�صل قبالة �سواحل تتنا�س����ب ب�صورة فريدة م����ع متطلبات زبائنها اخلا�ص����ة‪ .‬وقد ات�سع نطاق‬ ‫غرب �أفريقي����ا و�إندوني�سي����ا)‪ ،‬ويف �أغلب احلاالت تك����ون معاملة الرهائن اخلدمات املعرو�ض����ة حالي ًا من تقدمي الن�ص����ح والتدريب لي�شمل عمليات‬ ‫جي����دة ن�سبياً‪ ،‬ويب����دو �أن التقاري����ر ال�صادرة ع����ن �سوء معامل����ة الرهائن الدف����اع الفعالة (املميتة منها وغري املميت����ة)‪ ،‬ومرافقة ال�سفن‪ ،‬وعمليات‬ ‫وجتويعه����م بالإك����راه لي�س لها �أ�سا�س من ال�صح����ة(‪ ،)19‬حيث مل يُقتل بني �إنق����اذ الرهائن‪ .‬وما ينطوي عليه ح�ض����ور ال�شركات الأمنية اخلا�صة على‬

‫‪167‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫ال�ساحة‪� ،‬أن مالكي ال�سفن لن يحتاجوا �إىل جتهيز طاقمهم بال�سالح(‪ ،)23‬البحرية على مدار ال�ساعة يف منطقة ت�صل م�ساحتها �إىل �أكرث من مليوين‬ ‫وهو االعتبار املهم �إذ �أن معظم البحارة ب�صورة عامة ال يتقنون اال�ستخدام مي����ل مربع‪ ،‬وت�شهد عبور م����ا يزيد عن ع�شرين �ألف �سفينة يف ال�سنة(‪.)25‬‬ ‫املحك����م للأ�سلحة اخلفيف����ة ولي�س لديهم خربة يف القت����ال‪ ،‬الأمر الذي ال وحتظى هذه الفك����رة بت�أييد مماثل من قبل مُالك ال�سفن الأوربيني‪ ،‬ففي‬ ‫يُعرِّ�����ض ال�سف����ن للخطر ال�شديد فح�س����ب بل وحياة �أف����راد الطاقم الذين �أملاني����ا على �سبيل املثال ثمة توج����ه متزايد جتاه ت�أ�ش��ي�ر ال�سفن بالرايات‬ ‫يجدون �أنف�سهم يف موقف ال ميتلكون �سوى القليل من التدريب (�إن وجد) يف بل����دان الت�سجيل املفتوح حتى تتمكن القوات امل�ست�أجرة (املرتزقة) من‬ ‫للتعامل معه(‪.)24‬‬ ‫الركوب يف ال�سفن املعنية حلماية طاقمها وحمولتها (الأمر الذي ال يجيزه‬ ‫وهناك عدد من الأطراف التي تدعم وبفعالية احل�ضور املتنامي ل�شركات القانون الأملاين)(‪.)26‬‬ ‫الأمن اخلا�صة قُبالة �سواحل القرن الأفريقي‪ ،‬ال�سيما الواليات املتحدة‪� ،‬إذ وق����د رحّ ����ب عدد من �ش����ركات الت�أم��ي�ن البح����ري بالرغب����ة املتنامية التي‬ ‫اعرتف اللواء البحري وليم غورتني‪ ،‬قائد الأ�سطول اخلام�س‪ ،‬ب�أن القوات تبديه����ا �شركات الأم����ن اخلا�صة يف خلي����ج عدن‪ ،‬وقام بع�ضه����ا بتخفي�ض‬ ‫البحري����ة االئتالفية بكل ب�ساطة ال متتلك امل�صادر الكافية لتوفري الرقابة �أق�ساط الت�أمني كثري ًا (مبا يعادل ‪ )%40‬على ال�سفن التي ت�ستخدم رجال‬ ‫�أم����ن تابعني له����ا‪ ،‬مُعارِ�ضة بذل����ك التوجه الذي يرى �أن مع����دالت الت�أمني‬ ‫ت�صاعدت مبا يعادل ‪ %400‬منذ ‪ .)27( 2008‬ويف �أواخر هذا العام �أطلقت‬ ‫�شركة ه����ارت غروب الربيطانية �أول عم����ل م�شرتك لها مع‬ ‫رغ��م �أن معظم حوادث القر�ص��نة حت�ص��ل حالي ًا بالقرب �إح����دى �ش����ركات الت�أمني‪ ،‬حي����ث عر�ضت الأخ��ي�رة مبوجب‬ ‫ذل����ك تخفي�ضات يف �أق�ساط الت�أمني على ال�سفن التي تُبحِ ر‬ ‫من ال�س��واحل ال�ص��ومالية لكن الع�صابات �أظهرت قدرتها‬ ‫عرب مياه ال�صومال مُ�ستخِ دمة رجال �أمن الأوىل(‪.)28‬‬ ‫عل��ى العم��ل بعي��د ًا ع��ن ال�س��احل يف �أعايل البح��ار‪ ،‬فقد ورغ����م كل هذه النواح����ي الإيجابي����ة الداعمة‪ ،‬ف�����إن هناك‬ ‫عدد ًا من احلج����ج �ضد ا�ستخدام �ش����ركات الأمن اخلا�صة‬ ‫متكن القرا�ص��نة ال�ص��وماليون ‪ -‬كما يُقال ‪ -‬من الو�ص��ول للقيام بواجبات �ضبط الأمن يف القرن الأفريقي‪ .‬ف�أوالً‪ ،‬مل‬ ‫تطوّر الكثري من ال�شركات حتى الآن قواعد وا�ضحة ل�ضبط‬ ‫�إىل جزر املالديف غرب ًا وقناة موزمبيق جنوب ًا‬ ‫عملي����ة التدخل الأمني �أو ت�سعى للح�ص����ول على اال�ست�شارة‬ ‫القانونية ملعرفة التبعات القانونية لعملية �إطالق النار على‬ ‫املجرم��ي�ن امل�شتبه به����م‪ .‬فقد تتعر�ض �ش����ركات النقل البح����ري للم�ساءلة‬ ‫القانوني����ة‪ ،‬ورمب����ا لتهم جنائية‪ ،‬نتيجة لقتل �أو ج����رح امل�شتبه بهم ولو دون‬ ‫عمد(‪.)29‬‬ ‫ثاني����اً‪ ،‬الكث��ي�ر من الدول ال ت�سم����ح لل�سفن املُ�سلّحة بالدخ����ول �إىل مياهها‬ ‫الإقليمي����ة باعتب����ار ذل����ك يخال����ف حق «امل����رور ال��ب�ريء»‪ .‬ونظ����ر ًا لوجود‬ ‫حر�����س م�سلح��ي�ن على منت ال�سفين����ة‪ ،‬فمن املحتمل �أن تق����وم بتعزيز كثري‬ ‫م����ن التعقيدات القانونية وتكاليف �أي رحل����ة تت�ضمن التعريج على العديد‬ ‫م����ن املوانئ‪ ،‬وهو حال معظم الناقالت التجاري����ة(‪ .)30‬فم�صر تطلب من‬ ‫كل ال�سف����ن التجاري����ة التخلّي عن �أي �سالح متتلكه قب����ل الدخول �إىل قناة‬ ‫ال�سوي�س‪ ،‬ما يتطلب فرتة عمل مكثف يرتاوح ما بني ثمان وع�شر �ساعات‪.‬‬ ‫كم����ا �أعلنت �أبو ظبي م�ؤخ����ر ًا �أنها تنوي م�ص����ادرة الأ�سلحة املوجودة على‬ ‫م��ت�ن �أي �سفينة مت����ر عرب مياهها الإقليمية‪ ،‬الأمر ال����ذي قد ي�ؤخّ ر ال�سفن‬ ‫فرتة زمنية ت�صل �إىل �ست �ساعات(‪.)31‬‬ ‫ثالث����اً‪ ،‬وب�صورة عامة‪ ،‬ال تق����وم دول حمطات الإ�ش����ارة التقليدية بت�سجيل‬ ‫ال�سف����ن الت����ي حتمل �أ�سلح����ة(‪ ،)32‬وله����ذا من املحتم����ل �أن تُ�شجِّ����ع عملية‬ ‫حر�س م�سل����حٍ التحوّل �إىل البلدان التي توفر «الت�سجيل املفتوح»‬ ‫ا�ستخدام ٍ‬ ‫(�أو �ش����ارات املُالئم����ة ‪ )Flags of Convenience‬مث����ل بالي����ز وهندورا�س‬ ‫وليبريي����ا وبنما وج����زر البهام����ا وبرمودا‪ ،‬وكله����ا تتبع معاي��ي�ر ومتطلبات‬ ‫قانوني����ة �أك��ث�ر ت�ساهالً‪ ،‬وهو توجه كما �أ�شرنا �سابق���� ًا بد�أ يظهر يف �أوروبا‪،‬‬ ‫‪168‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫و�إذا ما ا�ستمر ف�إن����ه �سيوف ي�ؤدي �إىل تفاقم و�ضع الن�شاط البحري الذي‬ ‫هو يف الأ�صل غام�ض وغري منظم(‪.)33‬‬ ‫رابع����اً‪ ،‬تعت��ب�ر �أج����ور �شركات الأم����ن اخلا�ص����ة باهظة‪� ،‬إذ ت�ص����ل تكاليف‬ ‫احلرا�س����ة املرافق����ة اخلارجية والقوية من ع�ش����رة �آالف �إىل خم�سني �ألف‬ ‫دوالر‪ ،‬وذلك يتوقف على طول الرحلة البحرية‪ .‬يف حني �أن تكلفة قوة �أمن‬ ‫ال�سفين����ة املكونة من ثالثة �أ�شخا�ص ت�ص����ل �إىل واحد وع�شرين �ألف دوالر‬ ‫يومي���� ًا(‪ .)34‬ورغم �أن مالكي �ش����ركات الت�شغيل الكربى قد يكونون قادرين‬ ‫على حتمّل مثل هذه النفقات‪ ،‬لكن ذلك يفوق كثري ًا مقدرة حتمل �شركات‬ ‫النق����ل البحري اخلا�صة ال�صغرى‪ ،‬وهي ال�ش����ركات التي ‪ -‬ل�سوء احلظ ‪-‬‬ ‫�أك��ث�ر عر�ضة لهجمات القر�صن����ة يف القرن الأفريقي‪ ،‬حي����ث ت�شكل حالي ًا‬ ‫ثلثي �إجمايل ال�سفن التي تعر�ضت لالختطاف يف املنطقة(‪.)35‬‬ ‫خام�ساً‪ ،‬ق����د تت�سبب �شركات الأمن اخلا�صة يف �إح����داث �سباق ت�سلح غري‬ ‫مق�ص����ود م����ع القرا�صنة‪ ،‬مُع ِّر�ض����ة بذلك ال�سفن �إىل خماط����ر �أكرب ملا قد‬ ‫يح����دث من تبادل �إطالق نار �شر�س‪ .‬وق����د ذكرنا �آنف ًا �أن معظم ع�صابات‬ ‫القر�صن����ة يف الوقت احل����ايل ال تهدف �إىل �إحلاق ال�ض����رر بهياكل ال�سفن‬ ‫الت����ي تختطفها وال الرهائن‪ ،‬فاله����دف الأ�سا�سي هو رف����ع م�ستوى الفدية‬ ‫مقاب����ل هذه «الأ�ص����ول املادية»(‪ .)36‬ولك����ن �إذا ما واج����ه القرا�صنة �سفن ًا‬ ‫م����زودة بو�سائ����ل �أمنية ثقيل����ة الت�سليح‪ ،‬فثمة احتمال كب��ي�ر �أن ينتقلوا من‬ ‫ه����ذا امل�ستوى من العن����ف �إىل م�ستوى �أعلى و�أن يُغريوا على ال�سفن بق�صد‬ ‫ا�ستخدام قوة �ضارية �ضد من يقف يف طريقهم‪ .‬فيجب الأخذ يف االعتبار‪،‬‬ ‫كم����ا جاء على ل�س����ان �سايرو�س م����ودي‪� ،‬أحد كبار م����دراء املكتب البحري‬ ‫ال����دويل‪ ،‬ماذا «لو �أ�شه����ر �أحد ما على منت �سفينة بندقيت����ه‪ ،‬فهل �سيُ�شهِ ر‬ ‫اجلان����ب الآخر قنبلة يدوية؟»(‪ .)37‬ومثل هذا املنظور بالفعل �أ�شعر مالكي‬ ‫ال�سف����ن باخلطر‪ ،‬ويتم «بكل �سرور» دفع الفدية ب����د ًال من حتمّل التكاليف‬

‫الت����ي ق����د تنتج عن الت����ورط يف قتال ي�����ؤدي �إىل �ضياع ال�سفين����ة وحمولتها‬ ‫و�أفراد طاقمها(‪.)38‬‬ ‫�أخرياً‪ ،‬لي�����س هناك مكان ت�سجيل عام لكل ال�ش����ركات املختلفة التي تزود‬ ‫ال�سف����ن التجاري����ة باحلرا�س امل�سلحني‪ ،‬وبالتايل م����ن ال�صعب التدقيق يف‬ ‫معايريها وموظفيه����ا‪ .‬ويف معظم احلاالت ت�ضطر �شركات النقل البحري‬ ‫لالعتماد على �أ�سلوب الإقناع الذي تتبعه �شركات الأمن اخلا�صة‪ ،‬وهذا ال‬ ‫يبدو �أنه ميثل �أ�سا�س ًا يُعط����ي تقييم ًا مو�ضوعي ًا مل�ستوى الأمن(‪� .)39‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ذل����ك‪ ،‬ومب����ا �أن مالك����ي �شركات النق����ل ي�سع����ون �إىل تخفي�ض تكاليف‬ ‫الت�شغي����ل العامة �إىل �أدن����ى م�ستوى ممكن‪ ،‬فالأرجح �أن����ه �سيتم ا�ستخدام‬ ‫ال�شرك����ة الأرخ�����ص‪ .‬ويف ظل غياب �إج����راء فح�ص ر�سم����ي‪ ،‬فلي�س هناك‬ ‫و�سيل����ة للت�أك����د من �أن ه����ذا ال�سعر فع ًال مرب����ح ب�أقل تكلف����ة �أم �أنه جمرد‬ ‫عاك�����س لـ «ذباب����ة تطري لي ًال يف لبا�����س راعي بقر» (�أي �أن����ه بعبارة �أو�ضح‬ ‫جمرد «�ضحك على الذقون» لك�سب الربح املرتجم )(‪.)40‬‬

‫(‬

‫)‬

‫ظل����ت ظاه����رة القر�صن����ة لف��ت�رة طويل����ة‬ ‫اخلامت��ة‬ ‫من وي��ل�ات املا�ضي‪ ،‬لكنها اليوم توا�صل ازدهاره����ا قبالة �سواحل منطقة‬ ‫القرن الأفريقي‪ .‬و�أ�صبحت ع�صاباتها متتلك تر�سانة كبرية من الأ�سلحة‪،‬‬ ‫وم�ستعدة للعم����ل على بعد م�سافات من ال�شاطئ‪ ،‬بل وقادرة على مهاجمة‬ ‫�أك��ب�ر الناقالت البحرية التي جتوب املحيطات‪ .‬ومع �أن ا�ستخدام �شركات‬ ‫الأم����ن اخلا�ص����ة يعترب نوع���� ًا من الق����وة الرادعة‪ ،‬لكن يب����دو �أن التكاليف‬ ‫املحتملة مقابل ا�ستئجار هذه ال�شركات يفوق كثري ًا معدل الفوائد‪ .‬عالوة‬ ‫على ذلك‪ ،‬لي�س لهذه ال�شركات الأمنية �أي ت�أثري على «العوامل الدافِعة» يف‬ ‫ال�صوم����ال‪ ،‬وهي العوامل التي تغذي جذور امل�شكلة‪ ،‬خا�صة الفقر وانعدام‬ ‫التنمية‪ ،‬وقبل كل �شيء غياب احلكم املحلي‪.‬‬

‫الهوامـــ�ش‬ ‫(‪ )1‬املكتب البحري الدويل‪ ،‬القر�صنة وال�سطو امل�سلح يف البحر‪ :‬التقرير ال�سنوي‬ ‫لع���ام ‪( 2009‬لن���دن‪ :‬الغرفة التجاري���ة الدولية‪)2010 ،‬؛ املكت���ب البحري الدويل‪،‬‬ ‫القر�صن���ة وال�سطو امل�سلح على ال�سفن‪ :‬تقرير للفرتة ‪ 1‬كانون الثاين‪/‬يناير – ‪30‬‬ ‫حزيران‪/‬يونيو ‪( 2010‬لندن‪ :‬الغرفة التجارية الدولية‪.)2010 ،‬‬ ‫(‪ )2‬كارول�ي�ن باندل وكيفن كرويل‪�« ،‬إغراق القرا�صنة ال�صوماليني �سفينة كبرية‬ ‫يرفع م�صاريف الت�أمني �إىل عنان ال�سماء»‪ ،‬بلومبريغ‪� 2 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2010‬‬ ‫(‪ )3‬برون���و �سكيم�سك���ي‪« ،‬مد القر�صن���ة املت�صاعد‪ :‬تطور القر�صن���ة ال�صومالية‬ ‫وتنوعها»‪ ،‬جينز �إنتليجن�س ريفيو‪ 20 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2009‬‬ ‫(‪ )4‬كريين باكهو�س‪« ،‬القر�صنة يف �إقليم بونت الند ال�صومايل»‪ ،‬موقع ‪OilPrice.‬‬ ‫‪�،com‬أ ‪� 12‬أيار‪/‬مايو ‪.2010‬‬ ‫(‪ )5‬تعت�ب�ر مدينة بو�صا�صو �أي�ض ًا م�أوى لع�صابات القر�صنة‪ ،‬لكنها لي�ست قاعدة‬ ‫عملي���ات يف ح���د ذاتها‪� .‬أم���ا كي�سمايو فكان���ت ذات مرة وكر ًا ب���ارزاً‪ ،‬لكن معظم‬ ‫اجلماع���ات تركت هذه املدينة من���ذ �أن �سيطرت عليها حرك���ة ال�شباب قبل ب�ضع‬ ‫�سنوات‪.‬‬ ‫(‪ )6‬بي�ت�ر �شولك‪« ،‬القر�صنة قبالة منطقة القرن الأفريقي»‪� ،2010 ،‬ص ‪.92 – 91‬‬ ‫�أنظ���ر �أي�ضاً‪� :‬ستيغ هان�سن‪ ،‬القر�صنة يف خليج عدن الأعظم‪ :‬الأ�ساطري والأوهام‬ ‫واحللول (�أو�سل���و‪ :‬املعهد الرنويجي للبحوث املدني���ة والإقليمية‪ .)2009 ،‬اجلدير‬ ‫بالذكر �أن هناك عدد ًا من الع�صابات ال�صومالية قامت بتجنيد عنا�صر جدد من‬ ‫�شتى ال�سالالت لت�ضمن وجود الأف�ضل والأكرث خربة يف �صفوفها‪.‬‬

‫(‪ )7‬تعار����ض حركة ال�شب���اب ب�شدة القرا�صنة ال�صومالي�ي�ن‪ ،‬وتعتربهم ل�صو�ص ًا‬ ‫خمالف�ي�ن للمب���ادئ الإ�سالمي���ة‪ .‬و�أثناء فرتة احلك���م الق�صرية الحت���اد املحاكم‬ ‫الإ�سالمي���ة انخف�ض���ت ن�سب���ة ظاه���رة القر�صن���ة كث�ي�ر ًا يف ال�صوم���ال‪ ،‬وتعهدت‬ ‫حرك���ة ال�شباب بالتح���رك مبا�شرة جتاه ت�صفية �أي ع�صاب���ات تعمل يف ال�سواحل‬ ‫ال�صومالي���ة �إذا م���ا �سيط���رة احلركة كام�ل�اً على البل���د‪ .‬وثمة تقاري���ر عن قيام‬ ‫بع����ض الع�صابات بتقا�سم الفدى م���ع املتمردين الإ�سالميني م���ن �أجل احل�صول‬ ‫عل���ى املزيد من الأ�سلحة القوية‪ ،‬لكن لي�س هناك دليل مادي يدعم هذه املزاعم‪.‬‬ ‫ع�ل�اوة عل���ى ذلك‪ ،‬ل���دى القرا�صنة ال�صومالي���ون م�صادر �سالح م���ن قبل‪ ،‬منها‬ ‫اليمني�ي�ن امل�سلح�ي�ن و�أ�سواق‪/‬خمازن ال�سالح غ�ي�ر ال�شرعية يف �ش���رق �أفريقيا‪،‬‬ ‫خا�ص���ة يف ال�س���ودان و�أثيوبيا‪ .‬وملزيد م���ن التفا�صيل حول العالق���ة املزعومة بني‬ ‫القرا�صن���ة واملتمردين يف ال�صومال‪ ،‬انظر‪ :‬جيفري غيتلمان‪« ،‬يف احلرب الأهلية‬ ‫ال�صومالي���ة‪ :‬كال الطرف�ي�ن يحت�ضنان القرا�صن���ة»‪� ،‬صحيفة نيوي���ورك تاميز‪1 ،‬‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب ‪.2010‬‬ ‫(‪ )8‬مقاب�ل�ات �شخ�صية مع متخ�ص�صني بحريني‪ ،‬كوبنهاجن‪ ،‬الدمنارك‪� ،‬آذار‪/‬‬ ‫مار�س ‪.2010‬‬ ‫(‪ )9‬مقابل���ة �شخ�صية مع م�سئول الق���وات البحرية امللكي���ة الأ�سرتالية‪ ،‬كانبريا‪،‬‬ ‫�أ�سرتاليا‪ ،‬متوز‪/‬يوليو ‪ .2010‬انظر �أي�ضاً‪« :‬حماربة ظاهرة القر�صنة قبالة القرن‬ ‫الأفريقي‪ :‬ال�شراكة وخطة العمل»‪ ،‬جمل�س الأمن القومي الأمريكي‪ ،‬كانون الأول‪/‬‬ ‫دي�سمرب ‪.2008‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪169‬‬


‫اجتاهات عاملية‬

‫جيوبوليتيك‬ ‫(‪ )10‬مقاب�ل�ات �شخ�صية م���ع متخ�ص�ص�ي�ن بحريني‪ ،‬كوبنهاج���ن‪ ،‬الدمنارك‪،‬‬ ‫�آذار‪/‬مار����س ‪2010‬؛ املكت���ب البحري ال���دويل‪“ ،‬القر�صنة وال�سط���و امل�سلح على‬ ‫ال�سف���ن‪ :‬تقرير للفرتة كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر – ‪ 30‬حزيران‪/‬يونيو ‪( 2010‬لندن‪:‬‬ ‫الغرفة التجارية الدولية‪� ،)2010 ،‬ص ‪.21 – 20‬‬ ‫(‪ )11‬روب���رت وورث‪“ ،‬القرا�صنة يحتج���زون ناقلة �سعودية قبالة �سواحل كينيا‪:‬‬ ‫�أك�ب�ر �سفينة تُخ َتط���ف”‪� ،‬صحيفة نيوي���ورك تاميز‪ 18 ،‬ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب‬ ‫‪2008‬؛ �ش���ارون �أوترم���ان وم���ارك ماكدونال���د‪“ ،‬الناقل���ة العمالق���ة تر�سو قبالة‬ ‫ال�صومال”‪� ،‬صحيفة نيويورك تاميز‪ 19 ،‬ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.2008‬‬ ‫(‪ )12‬مقاب�ل�ات �شخ�صي���ة م���ع م�سئ���ول الق���وات البحري���ة امللكي���ة الأ�سرتالي���ة‬ ‫ومتخ�ص�ص�ي�ن بحري�ي�ن‪ ،‬كانب�ي�را‪� ،‬أ�سرتالي���ا‪ ،‬متوز‪/‬يولي���و ‪ 2009‬وكوبنهاجن‪،‬‬ ‫الدمن���ارك‪� ،‬آذار‪/‬مار�س ‪ .2010‬بينم���ا تقبع ال�سفينة يف ر�صيف امليناء‪ ،‬يتم �أخذ‬ ‫امل�ؤن من الباعة املوجودين على ال�ساحل‪ .‬يف كثري من احلاالت‪� ،‬أنع�شت القر�صنة‬ ‫العم���ل املحل���ي يف �أوكار القر�صن���ة مثل �إيل وج���ارارد‪ ،‬وال ي�شع���ر معظم ال�سكان‬ ‫املحلي�ي�ن يف هذه املجتمعات بدافع كب�ي�ر يحفزهم على ا�ستئ�صال هذه املمار�سة‬ ‫(باعتبارها م�صدر احلياة االقت�صادية)‪.‬‬ ‫(‪ )13‬هن���اك بع����ض ال�سفن حمتجزة يف منطقة هوبو (عل���ى �ساحل بونت الند)‬ ‫ومنطقة هوبيو‪.‬‬ ‫(‪ )14‬هن���اك ما يقارب �أربعة ع�شر ق���وة بحرية دولية وفرقة جماعية من حوايل‬ ‫ثالث�ي�ن �سفينة تقوم بدوريات حرا�سة يف خلي���ج عدن �أو بالقرب منه‪ .‬ومن بينها‬ ‫انت�ش���ارات �أحادي���ة اجلانب وق���وات �إئتالفية تعم���ل برعاية قوة امله���ام اخلا�صة‬ ‫امل�شرتكة ‪ ،151‬و�أ�سطول “�أتالنتا” ال�صغري التابع لالحتاد الأوروبي‪ ،‬وقوة عملية‬ ‫درع املحيط التابعة حللف �شمال الأطل�سي (النيتو)‪.‬‬ ‫(‪ )15‬هان�سن‪� ،‬ص ‪.38‬‬ ‫(‪� )16‬شول���ك‪“ ،‬القر�صنة قبالة منطقة القرن الأفريقي”‪� ،‬ص ‪91‬؛ باتريك ميو‪،‬‬ ‫“ال�ش���ركات الكيني���ة حتقق �أرباح ًا طائلة من ظاه���رة القر�صنة”‪� ،‬صحيفة ديلي‬ ‫ني�ش���ن‪ 23 ،‬متوز‪/‬يوليو ‪2010‬؛ جين���دي كي�سرو‪“ ،‬لغز تهريب ‪ 164‬مليار �شلن �إىل‬ ‫كيني���ا”‪� ،‬صحيف���ة ديلي ني�ش���ن‪ 9 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪2010‬؛ رميون���د غلنب‪ ،‬ح�ساب‬ ‫تكالي���ف القر�صنة ال�صومالية (وا�شنط���ن العا�صمة‪ :‬معه���د ال�سالم الأمريكي‪،‬‬ ‫‪� ،)2009‬ص ‪.2‬‬ ‫(‪ )17‬مقاب�ل�ات �شخ�صي���ة م���ع متخ�ص�ص�ي�ن يف الأم���ن البح���ري‪ ،‬كوبنهاجن‪،‬‬ ‫الدمنارك‪� ،‬آذار‪/‬مار�س ‪.2010‬‬ ‫(‪“ )18‬القرا�صن���ة ي�سيطرون على �سفينة �شحن ل�سنغافورة يف خليج عدن”‪ ،‬بي‬ ‫ب���ي �سي‪ 28 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪2010‬؛ تري�ستان مكوني���ل‪“ ،‬احتدام املعركة يف ب�ؤرة‬ ‫القر�صن���ة على فدية مببلغ ‪ 7‬مالي�ي�ن دوالر”‪ ،‬التاميز‪ 19 ،‬كان���ون الثاين‪/‬يناير‬ ‫‪.2010‬‬ ‫(‪� )19‬شول���ك‪“ ،‬القر�صنة قبالة منطقة القرن الأفريقي”‪� ،‬ص ‪93‬؛ انظر �أي�ضاً‪:‬‬ ‫جيف���ري غيتلم���ان‪“ ،‬القرا�صنة ال�صومالي���ون ي�سيطرون على م���ا يقارب خم�س‬ ‫�سفن �إ�ضافية”‪� ،‬صحيفة نيويورك تاميز‪ 7 ،‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪.2009‬‬ ‫(‪ )20‬القر�صنة وال�سطو امل�سلح على ال�سفن‪ :‬التقرير ال�سنوي لعام ‪� ،2009‬ص‪13‬؛‬ ‫القر�صنة وال�سطو امل�سلح على ال�سفن‪ :‬تقرير الفرتة ‪ 1‬كانون الثاين‪/‬يناير – ‪30‬‬ ‫حزيران‪/‬يونيو ‪� ،2010‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪�“ )21‬ش���ركات الأمن اخلا�ص���ة تدعى ملحاربة القر�صن���ة ال�صومالية”‪ ،‬جملة‬ ‫ذا ا�سرتاتيج���ي‪� 10 ،‬أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪2009‬؛ كاثرين هورلد‪�“ ،‬ش���ركات ت�ست�أجر‬ ‫“راكب�ي�ن” �ض���د القرا�صنة ال�صوم���ال”‪� ،‬أ�سو�شيتيد بر����س‪ 5 ،‬حزيران‪/‬يونيو‬ ‫‪2009‬؛ �سان���درا جونت���ز‪“ ،‬ا�ستئجار م�سلحني ي�ؤمنون ال�سفن يثري اجلدل”‪� ،‬ستار‬ ‫�آند �سرتايبز‪� 15 ،‬شباط‪/‬فرباير ‪.2010‬‬ ‫(‪“ )22‬املهاو�شة واملناو�شة يف املياه العكرة”‪ ،‬الإيكونومي�ست‪� 20 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫‪.2009‬‬ ‫(‪ )23‬انظ���ر عل���ى �سبي���ل املث���ال‪”“ :‬ال�سف���ن بحاج���ة �إىل حر����س م�سل���ح”‪،‬‬ ‫كم���ا ق���ال �أح���د ر�ؤ�س���اء �ش���ركات الأم���ن”‪ ،‬موق���ع ‪،FeralJundi.com‬‬ ‫‪170‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪ 20‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪.2008‬‬ ‫(‪ )24‬مقاب�ل�ات �شخ�صية مع م�سئويل الدفاع والأمن البحري‪ ،‬لندن‪� ،‬أيار‪/‬مايو‬ ‫‪.2009‬‬ ‫(‪ )25‬جاكل�ي�ن ب���ورث‪“ ،‬القر�صن���ة قبال���ة الق���رن الأفريق���ي ته���دد‬ ‫جه���ود الإغاث���ة والتج���ارة”‪ ،‬موق���ع �أم�ي�ركا دوت غ���وف ‪،America.gov‬‬ ‫‪ 31‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪.2008‬‬ ‫(‪ )26‬باتري���ك هيغن‪“ ،‬مُ�ل�اك �أملان يتبادل���ون ال�شارات حلماي���ة القرا�صنة”‪،‬‬ ‫لويدز لي�ست‪ 14 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2010‬‬ ‫(‪�“ )27‬شركات الأمن اخلا�صة تن�ضم �إىل املعركة �ضد القرا�صنة ال�صوماليني”‪،‬‬ ‫فوك����س نيوز‪ 26 ،‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوب���ر ‪2008‬؛ “الت�أثري االقت�صادي للقر�صنة يف‬ ‫خلي���ج عدن على التجارة الدولي���ة”‪ ،‬وزارة التجارة الأمريكي���ة‪ ،‬من دون تاريخ؛‬ ‫“القر�صنة قد ت�ضيف ‪ 400‬مليون دوالر لتكاليف تغطية الت�أمني”‪ ،‬ليودز لي�ست‪،‬‬ ‫‪ 21‬ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.2008‬‬ ‫(‪�“ )28‬شركات الأمن اخلا�صة تن�ضم �إىل املعركة �ضد القرا�صنة ال�صوماليني”؛‬ ‫“ارتفاعات حمتملة يف معدالت ال�شحن ت�ؤثر على رحالت العبور يف خليج عدن”‪،‬‬ ‫جمموعة غري�سون ليهرمان‪� 29 ،‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪.2008‬‬ ‫(‪�« )29‬شركات الأمن اخلا�صة تن�ضم �إىل املعركة �ضد القرا�صنة ال�صوماليني»؛‬ ‫هوريلد؛ جونتز‪.‬‬ ‫(‪ )30‬انظ���ر عل���ى �سبيل املث���ال‪ :‬نِك بالكمور‪« ،‬خ���دع جديدة‪ :‬درا�س���ة تكتيكات‬ ‫مكافحة القر�صنة»‪ ،‬جينز �إنتليجين�س ريفيو‪ 21 ،‬كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪.2009‬‬ ‫(‪« )31‬قان���ون ال�سوي�س لل�سالح يقب�ض على حاملي���ه»‪ ،‬جملة �أمريكان �شيرب‪12 ،‬‬ ‫�آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2010‬‬ ‫(‪ )32‬انظ���ر على �سبيل املثال‪ :‬بيرت �شول���ك‪ ،‬ولورن�س �سموملان ونيكوال�س بريغر‪،‬‬ ‫مواجه���ة ظاه���رة القر�صن���ة يف الع�ص���ر احلدي���ث‪ :‬مالحظات م���ن ور�شة عمل‬ ‫عقدته���ا م�ؤ�س�سة ران���د ملناق�شة �أف�ضل ال�سب���ل للتعاطي م���ع القر�صنة يف القرن‬ ‫احل���ادي والع�شرين (�سانتا موني���كا‪ ،‬كاليفورنيا‪ :‬م�ؤ�س�سة ران���د‪� ،)2009 ،‬ص ‪5‬؛‬ ‫و«ال�سفن حتتاج �إىل حر�س م�سلح»‪.‬‬ ‫(‪ )33‬للح�ص���ول على حتليل مه���م حول فائدة بلدان الت�سجي���ل املفتوح وتفاعلها‬ ‫املحتم���ل مع اجلرمية والإره���اب‪ ،‬انظر‪ :‬كاثرين ميل���درم‪« ،‬املياه العكرة‪ :‬متويل‬ ‫الإرهاب البحري واجلرمية»‪ ،‬جينز �إنتليجين�س ريفيو‪� 15 ،‬أيار‪/‬مايو ‪.2007‬‬ ‫(‪ )34‬مقاب�ل�ات �شخ�صي���ة‪ ،‬املكت���ب البحري ال���دويل‪ ،‬لن���دن‪� ،‬أيار‪/‬مايو ‪،2009‬‬ ‫وم�ست�ش���ار الأمن اخلا�ص‪ ،‬هون���غ كونغ‪� ،‬شباط‪/‬فرباير ‪ .2010‬انظ���ر �أي�ضاً‪ :‬تيم‬ ‫في����ش‪�« ،‬شركات الأمن اخلا�صة تزيد من اخلي���ارات يف خليج عدن»‪ ،‬جينز نايف‬ ‫�إنرتنا�شيونال‪� 18 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2010‬‬ ‫(‪� )35‬شولك‪� ،‬سموملان وبريغر‪� ،‬ص ‪.3‬‬ ‫(‪ )36‬غيتلم���ان‪« ،‬القرا�صنة ال�صوماليون ي�سيطرون على ما يقارب خم�س �سفن‬ ‫�إ�ضافية»؛ بالكمور‪.‬‬ ‫(‪� )37‬ساير����س موود‪ ،‬مقتب�س من «�ش���ركات الأمن اخلا�صة تن�ضم للمعركة �ضد‬ ‫القرا�صنة ال�صوماليني»‪.‬‬ ‫(‪ )38‬مداخ�ل�ات يف‪« :‬مواجه���ة ظاه���رة القر�صنة يف الع�ص���ر احلديث‪� :‬أف�ضل‬ ‫ال�سب���ل للتعاطي مع القر�صنة يف القرن احلادي والع�شرين»‪ ،‬ور�شة عمل عقدتها‬ ‫م�ؤ�س�سة راند‪ ،‬البنتاغون �سيتي‪ ،‬والية فرجينيا‪� ،‬آذار‪/‬مار�س ‪.2009‬‬ ‫(‪ )39‬هوريل���د؛ �ستيفن جونز‪« ،‬تداعيات و�آثار الأم���ن البحري على عمل و�إدارة‬ ‫ال�سف���ن»‪ ،‬يف‪ :‬روب���رت هريبرت‪-‬برينز‪ ،‬و�سام بيتمان وبيرت ل�ي�ر‪ ،‬كتاب �أم �آي يو‬ ‫لويد للأمن البحري (لندن‪� :‬سي‪�.‬آر‪�.‬سي بر�س‪� ،)2009 ،‬ص ‪.107‬‬ ‫(‪� )40‬أ�ص���درت اجلمعية الدولية للمقاولني البحري�ي�ن (‪ )IMCA‬قائمة ب�سيطة‬ ‫لتقييم مدى مالئمة �شركات الأمن اخلا�صة‪ .‬وحتتوي وثيقة الفح�ص على بع�ض‬ ‫امل�سائ���ل مثل هيكل���ة ال�شركة املتعاق���دة‪ ،‬ومعايري التوظيف و�إج���راءات التدريب‬ ‫وكفاءة حر�سها‪ .‬ورغم فائ���دة هذه القائمة �إال �أنها تغفل م�س�ألة التقييم الذاتي‪،‬‬ ‫وهو ما قد يجعلها تفتقر للدقة‪.‬‬

‫�أفكار ور�ؤى عابرة للحدود‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪171‬‬


‫اجتاهات عاملية‬

‫العالقات الدولية‬

‫من الواقعية‬ ‫�إىل ما بعد الإن�سانية‬

‫الواق���ع العاملي يع�ب�ر عن مرحلة �إنتقالية‪ ،‬تتميز بها معظم امللف���ات الدولية‪� ،‬إن مل نقل ال�سيا�سة‬ ‫العاملية‪ ،‬والق�ضايا املطروحة عاملي ًا كالإرهاب‪ ،‬والأ�سلحة النووية‪ ،‬والبيئة‪ ،‬والفقر‪ ،‬و�إ�صالح الأمم‬ ‫املتح���دة‪ ،‬وحق���وق الإن�سان‪ ،‬والعوملة‪...‬الخ‪ ،‬كل تلك الق�ضايا جتعلن���ا نت�ساءل عن الواقع النظري‬ ‫املُف�سِّ ر لق�ضايا العامل؟‬ ‫�ســالم الرب�ضـــي‬

‫للبيئة ‪ .1998‬وحمالت �إلغاء ديون الدول الفقرية‪ .‬وكذلك ت�أثري ال�شركات‬ ‫ع��ب�ر الوطنية يف االقت�صاد العاملي‪ ،‬يعك�س واق����ع طبيعة العالقات الدولية‬ ‫املعا�ص����رة‪ .‬كما �إن الق�ضايا العالقة او امل�ش����كالت الدولية تهم العامل كله‪،‬‬ ‫ومل تعد وقف ًا على الدول بذاتها‪ .‬وطبيعة تلك الق�ضايا �أو الظواهر‪ ،‬خرجت‬ ‫عم����ا هو م�ألوف يف العالقات الدولية‪ ،‬فمث ًال م�شاكل البيئة هي م�شكلة بني‬ ‫الإن�سان والطبيعة‪ .‬ولي�ست م�شكلة بني الدول‪ ،‬وذلك من خالل الت�شخي�ص‬ ‫الدقيق لتلك الظاهرة‪.‬‬ ‫وفيم����ا يتعلق بظاهرة الإرهاب‪ ،‬فنح����ن �أمام وقائع تتم لي�ست على �أيدي‬ ‫دول‪� ،‬إمن����ا على �أي����دي منظمات �أو �شبكات �أو �أفراد غ��ي�ر معروفة العنوان‬ ‫�أو الهوي����ة‪� .‬أو حت����ى لي�س لها مرك����ز واحد ل�صنع الق����رار‪ .‬وبالتايل فنحن‬ ‫�أم����ام عالقات دولية جدي����دة ال تزال يف طور الإكت�ش����اف‪ ،‬وهذا النوع من‬ ‫العالق����ات يتناق�ض مع منطق العقل التقليدي‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل ت�آكل مفهوم‬ ‫الدول����ة التقلي����دي‪ .‬بالإ�ضاف����ة �إىل التغيري الذي يح�ص����ل يف مواجهة تلك‬ ‫الظاهرة‪ ،‬ومن هنا ت�أتي �إ�شكاليات تعريف الإرهاب والعدوان‪.‬‬ ‫وبنظرة للواقع العاملي‪ ،‬نرى �أنه حدث حتول كبري ملفهوم الأمن اجلماعي‬ ‫�أو العامل����ي‪ ،‬بحيث مل تع����د النظرة الكال�سيكية املرتك����زة على حتقيق �أمن‬

‫الدولة الأمن ال�سيا�س����ي باملعنى ال�ضيق‪ ،‬هي التي حتكم واقعنا‪ ،‬بل �أ�صبح‬ ‫مفهوم الأمن الإن�ساين بجميع �أبعاده االقت�صادية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬االجتماعية‪،‬‬ ‫ال�سيا�سي����ة‪ ،‬هو ال�سائد يف ع�صرنا احلا�ض����ر‪ .‬فالأمن مل يعد يقا�س مبدى‬ ‫تقلي�ص التهدي����دات بل مبدى اال�ستجابة للحاجي����ات الأ�سا�سية للإن�سان‪.‬‬ ‫و�أ�صب����ح مفهوم التنمية امل�ستدامة اكرث رواج����اً‪ ،‬وهو الذي يحاول التوفيق‬ ‫ب��ي�ن تلك احلاجيات الأ�سا�سي����ة للإن�سان‪ ،‬وبني قدرة البيئ����ة على تلبيتها‪،‬‬ ‫وفق���� ًا ملبد�أ املحافظ����ة على �إمكان����ات �أر�ضنا م����ن �أجل �إ�ستف����ادة �أحفادنا‬ ‫منها‪.‬‬ ‫بني����ة املجتمع العاملي املعا�صر ت�ضعنا �أمام ت�س����ا�ؤل حول نظرية الواقعية‬ ‫يف العالق����ات الدولية‪ ،‬فالواقعية ترى الع����امل على هيئة نظام تُهيمن عليه‬ ‫الدول����ة‪ ،‬وهدف هذه الأخرية حتقي����ق الأمن والقوة وال�سل����م‪ .‬لكنها اليوم‬ ‫مل تع����د هي حم����ور النظام وحده����ا‪ ،‬و�أمام هذا الواقع جن����د انف�سنا �أمام‬ ‫حالتني‪:‬‬ ‫‪ .1‬ح���ال تخ�ض���ع لدواف���ع تقليدي���ة يف البح���ث ع���ن الق���وة وامل�صال���ح‬ ‫وال�سيادة‪.‬‬ ‫‪ .2‬حال تخ�ضع لدوافع اال�ستقاللية وجتاوز الدول‪.‬‬

‫‪jordani_alrabadi@hotmail.com‬‬

‫لقد بتن���ا ن�شهد حتوالت عميقة يف بنية املجتم���ع العاملي‪ ،‬حيث انتقلنا‬ ‫من املجتمع ال�صناعي �إىل جمتمع املعرفة‪ ،‬بالرتافق مع �صعود ما ي�سمى‬ ‫باقت�صاد املعرفة‪ ،‬بالإ�ضافة لإنتقالنا من الثنائية القطبية �إىل الأحادية‬ ‫الن�سبية‪ ،‬واالنتقال من احلداثة �إىل ما بعد احلداثة‪ .‬ولقد انتقلنا �أي�ض ًا‬ ‫م���ن مفهوم جمتم���ع الأمن الن�سب���ي �إىل مفهوم جمتم���ع اخلطر‪ ،‬خطر‬ ‫التل���وث البيئي‪ ،‬الإرهاب‪ ،‬جنون البقر‪ ،‬الب���ذور امل�سرطنة‪ ،‬اال�ستن�ساخ‪،‬‬ ‫التقنيات احليوية‪..‬الخ‪.‬‬ ‫وم���ن الوا�ضح �إن كل تل���ك املتغريات واملعطيات عل���ى ال�صعيد العاملي‬ ‫ت�ضعن���ا �أمام ت�سا�ؤل حول نظرية الواقعي���ة يف العالقات الدولية القائمة‬ ‫عل���ى ن�سق وتوازن دولي�ي�ن‪ .‬ويق�ص���د بالن�سق الدويل انتظ���ام �آيل يعرب‬ ‫ع���ن طبيعة العالقة بني الدول‪ ،‬وه���ذه العالقة خا�ضعة لنوع من التوازن‬ ‫تعرب عن واقع القوة‪ .‬وم���ا مييز تلك الطروحات النظرية �إرتكازها على‬ ‫مبد�أين‪:‬‬ ‫‪ .1‬مبد�أ الدولة الالعب الوحيد على ال�صعيد الدويل‪.‬‬ ‫‪ .2‬مبد�أ القوة‪� ،‬أي توازن دويل قائم على القوة املادية‪.‬‬ ‫ولكن من خالل حماكاة الواقع العاملي املعا�صر‪ ،‬جند �أنه �أ�صبح زاخر ًا‬ ‫‪172‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫بكثري م���ن التطورات وعلى كاف���ة الأ�صعدة‪ ،‬الذي يلزمن���ا التوقف عند‬ ‫بع�ض املعطيات التي ميكن التعبري عنها بال�س�ؤالني التاليني‪ :‬هل ما زالت‬ ‫الدولة وحدها القادرة على حتديد العالقات الدولية؟ وهل ميكن حتليل‬ ‫هذا الواقع امل�ستجد من خالل الإرتكاز على معيار القوة املادية فقط؟‬ ‫�إن �أكرب �إ�شكالية‬ ‫�أوالً‪ :‬على �صعيد الدولة‬ ‫مطروحة يف ع�صر العوملة هي جدلية العالقة بني الدولة والعوملة‪ ،‬لدرجة‬ ‫�أن كثري ًا من النظريات تب�شر بزوال الدولة �أو ت�آكل و�أفول مكانتها‪ .‬وكثري‬ ‫م����ن الق�ضايا التي جتعل من مقولة “الدولة الالعب الوحيد يف العالقات‬ ‫الدولي����ة” هي مو�ض����ع ت�سا�ؤل؟ �سواء عل����ى �صعيد الفاعل��ي�ن‪� ،‬أم من باب‬ ‫طبيعة الق�ضايا العالقة‪ ،‬فهناك تزايد لنفوذ فاعلني غري دوليني �أ�صبحوا‬ ‫حمددين رئي�سيني للعالقات الدولية كاملنظمات غري احلكومية‪ ،‬الأفراد‪،‬‬ ‫ال�شركات عرب الوطنية‪ ،‬امل�ؤ�س�سات الإعالمية‪.‬‬ ‫ت�أكي����د ًا عل����ى هذا الو�ضع ميك����ن مراجعة ومتابعة الكث��ي�ر من الأحداث‬ ‫منذ منت�صف الت�سعينيات من القرن الع�شرين كمفاو�ضات جولة الدوحة‬ ‫ل����ـ “ منظمة التجارة العاملي����ة” لرنى ت�أثري املجتمع امل����دين‪ ،‬واالتفاقيات‬ ‫الدولية كـ “ حظر الألغام” ‪“ ،1997‬التنوع البيولوجي” ‪“ ،2000‬كيوتو”‬ ‫�سالم الرب�ضي باحث يف العالقات الدولية‪ ,‬الأردن‪.‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪173‬‬


‫اجتاهات عاملية‬

‫ُف�س لق�ضايا العامل‬ ‫النووية‪ ،‬باتت تدفع الكثريين للت�سا�ؤل عن الواقع النظري امل ِرّ‬

‫الق�ضايا املطروحة عاملياً كتلوث البيئة‪ ،‬والإرهاب‪ ،‬والفقر‪ ،‬وحقوق الإن�سان‪ ،‬والأ�سلحة‬

‫‪174‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪ME Archive, Flickr, Google‬‬

‫امل�شكلة ال تكمن‬ ‫ثانياً‪ :‬على �صعيد القوة‬ ‫يف مدى �أهمية القوة يف ال�سيا�سة العاملية‪ ،‬و�إمنا حول �إمكانية تف�سري �أمناط‬ ‫القوة و�أ�ش���كال �إ�ستمرارها باالعتماد فقط على االعتبارات املادية فقط‪�.‬أم‬ ‫يجب �أي�ضاً‪ ،‬الرتكيز و�إدراج اجلوانب الثقافية عند التحليل؟ فالتفاعل على‬ ‫امل�س���رح الدويل هو تفاعل ثقايف ولي�س تفاع ًال مادي ًا فقط‪ ،‬ف�إذا �أخذنا �أكرث‬ ‫الق�ضايا �سخونة على امل�ستوى العاملي كالإرهاب‪ ،‬والأ�سلحة النووية‪ ،‬والبيئة‪،‬‬ ‫ال ميك���ن �إيجاد مقاربة نظرية لها‪ ،‬بعيد ًا من البعد الثقايف �سواء يف حتليلها‬ ‫�أو حلولها‪.‬‬ ‫فق�ضي���ة الأ�سلح���ة النووي���ة مل تعد مطروحة م���ن منطلق وج���ود الأ�سلحة‬ ‫النووية بحد ذاتها‪� ،‬إمنا الأهم يف كيفية فهم وجود هذه الأ�سلحة؟ فالواليات‬ ‫املتح���دة ال تقلق كثري ًا من امت�ل�اك دول مثل بريطاني���ا �أو فرن�سا للأ�سلحة‬ ‫النووي���ة‪ ،‬على عك�س موقفها من �إيران �أو كوب���ا‪� ،‬أو ليبيا �أو كوريا ال�شمالية‪.‬‬ ‫كما �إن ق�ضية الإرهاب منذ احداث ‪� 11‬أيلول‪�/‬سبتمرب تعطي دالالت جديدة‬ ‫لي����س �أقلها التعبري ع���ن �إنبثاق الثقاف���ة كعامل �أ�سا�س���ي يف حتليل وحتديد‬ ‫العالق���ات الدولي���ة‪ .‬والعومل���ة باملفهوم الوا�س���ع �أ�صبحت م�سكون���ة بهاج�س‬ ‫التعاي�ش الثقايف‪ ،‬ال باالقت�صاد والتكنولوجيا فح�سب‪ ،‬فنحن �أمام مفهومني‬ ‫نقي�ض�ي�ن‪ )1 :‬مفهوم الإمربيالية الثقافية ويق�صد بها ح�صر ًا “الإمربيالية‬ ‫الثقافي���ة الأمريكي���ة”‪ .‬و‪ )2‬مفهوم الأ�صولية الثقافي���ة‪ ،‬ممثلة بالأ�صوليات‬ ‫الدينية‪ ،‬كالأ�صولية الإ�سالمية اليوم‪ ,‬كم���ا الأ�صولية الأرثوذك�سية البارحة‬ ‫والكاثوليكية من قبلها‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ف�إن م�س�ألة الإرهاب ال ميكن �إيجاد مقاربة‬ ‫لها وفق ًا ملبد�أ القوة املادية (التوازن)‪.‬‬ ‫وفيم���ا يخ�ص م�س�ألة البيئ���ة والتنمي���ة امل�ستدامة‪ ،‬ف�إنها تط���رح وب�إحلاح‬ ‫م�س�أل���ة القي���م وحتوالته���ا‪ ،‬فل���م تع���د الق�ضية تق���ف عند حدود ال���دول بل‬ ‫�أ�صبح���ت مرتك���زة �إىل الإن�سان بذات���ه‪ .‬فالبيئة وخماطره���ا تعك�س عالقة‬ ‫الإن�س���ان ب�أر�ض���ه‪ ،‬وق�ضاي���ا التنمية امل�ستدام���ة والفقر‪ ،‬فلم يع���د بالإمكان‬ ‫�إيج���اد حلول لها على �صعي���د الدول فقط‪ .‬وامل�س�ألة لي�س���ت مطروحة عملي ًا‬ ‫وعلمي��� ًا بني دول غنية ودول فقرية‪ ،‬بل بني �إن�سان فقري و�آخر غني‪ ،‬وتقارير‬ ‫الأمم املتحدة زاخرة يف حتليل هذا الواقع‪ ،‬كما �إن التنمية امل�ستدامة قائمة‬ ‫عل���ى هاج�س ال�س�ؤال الآتي‪ :‬كيف ميكننا و�ضع ح���د النتهاك املوارد القائمة‬ ‫الذي قد يق�ضي نهائي ًا على �إمكانيات التنمية امل�ستدامة؟ وهل ميكن حدوث‬

‫ذل���ك للحفاظ على حظوظ الأجيال القادمة‪ ،‬من دون عقد ثقايف �أخالقي؟‬ ‫وما ه���ي ال�سبل التي منلكه���ا ملواجهة متطلبات �أخالقي���ة و�إن�سانية تت�ضمن‬ ‫�إطار ًا عام ًا للأمن الب�شري؟‬ ‫البع����د الثقايف �أ�صبح يف �صل����ب التحوالت العاملية‪ ،‬و�إ�ستدع����ا�ؤه يف التحليل‬ ‫�ضروري لفهم هذه الدينامي����ات اجلديدة التي يتحول بها العامل‪ .‬و�إذا كانت‬ ‫العالق����ات الدولية قائمة على امل�صالح و�ستبقى كذلك يف كثري من املجاالت‪،‬‬ ‫لكن ال بد م����ن درا�سة املثل وهويات الدول ولي�س فقد امل�صالح‪ ،‬فالهوية تعرب‬ ‫ع����ن الواقع االجتماعي (من هم الفاعل����ون)‪� ،‬أما امل�صالح فتعرب عن الرغبة‬ ‫وعن م����اذا نريد‪ ،‬وبالتايل فالهوية ت�سبق امل�صال����ح‪ ،‬حيث ال�شخ�ص ال ميكن‬ ‫�أن يح����دد م����ا هي رغبات����ه و�أهدافه وم�صاحله م����ن دون معرفته هويته (من‬ ‫هو) �أوالً‪.‬‬ ‫�إن التحدي����ات العاملية اجلديدة‪ ،‬تتطلب �أجوبة جديدة‪� ،‬أي علينا �أن نعرف‬ ‫م����ا �إذا كان الع����امل اجلديد الذي تر�سم مالحمه‪ ،‬يفرت�����ض منا �إعادة تقومي‬ ‫جذرية للعق����ود االجتماعية التي ت�ش����كل عماد جمتمعاتن����ا املحلية والعاملية؟‬ ‫وتلك التحوالت ال�شاملة ت�ستوجب جهد ًا �إ�ضافي ًا على ال�صعيد النظري‪ ،‬فهل‬ ‫نحن يف حاجة لن�سق فكري جديد؟‬ ‫م����ن الوا�ضح �أن الإن�ساق الفكرية املغلقة على طراز مقولة �أن “املارك�سية”‬ ‫هي احلل �أو �أن “الر�أ�سمالية” هي احلل‪ ،‬و�أي�ض ًا من يقول ب�أن “الإ�سالم» هو‬ ‫احلل‪ ،‬هذه الإن�ساق املغلقة‪ ،‬مل تعد �أبواب عاملنا املعا�صر مفتوحة لها‪ ،‬كما �إن‬ ‫الثنائيات الزائفة التي �سادت القرن الع�شرين‪� ،‬أما الر�أ�سمالية �أو املارك�سية‪،‬‬ ‫�أم����ا القطاع الع����ام �أو القطاع اخلا�ص‪� ،‬أما العلمانية و�أم����ا الدين‪� ،‬أي�ض ًا كلها‬ ‫�سقط����ت �إم����ام دينامي����ة الواقع احلايل‪ .‬لق����د انتقلنا‪ ،‬وال جم����ال لل�شك‪� ،‬إىل‬ ‫مرحلة الإن�ساق الفكرية املفتوحة‪ ،‬وجديدها الأهم‪ ,‬هو �أنه �سيح�صل تركيب‬ ‫ب��ي�ن عنا�ص����ر مت�ضادة م����ا كان ميكن الظن يوم���� ًا �إنه ميك����ن �أن ترتكب منها‬ ‫�أطروحة واحدة‪.‬‬ ‫ه����ذه الأطروحة التي جتنح نحو القول ب�أن تفكي����ك الإن�ساق املغلقة ي�ستبقه‬ ‫ت�شكيل «منظوم����ات»‪ ,‬جتتمع فيها عنا�صر مت�ض����ادة مل يكن يح�سب يوم ًا لها‬ ‫�أن جتتم����ع‪� .‬أال ت�ستحق التجربة ال�صينية التوق����ف عندها؟ ف�إن واقع ال�صني‬ ‫الراهن‪ ،‬وكيف تتجاوز وتتعاي�ش الر�أ�سمالية يف �أكرث �أ�شكالها جتلي ًا وو�ضوح ًا‬

‫يف النظ����ام االقت�صادي مع نظام �سيا�سي �شيوع����ي‪� ،‬إذ مل يكن يدور يف ذهن‬ ‫�أحد �أن يقود هذا النظام عملية تنمية ر�أ�سمالية‪.‬‬ ‫وهناك منوذج �آخر لي�س ببعيد عن عاملنا العربي‪� ،‬أال وهو تركيا‪ ،‬فالإ�سالم‬ ‫الرتك����ي حيث تتج����اور الفك����رة العلمانية مع الفك����رة الإ�سالمي����ة‪ ،‬يف م�شهد‬ ‫�سيا�سي ال ت�شهد فيه �إ�ضطراب ًا �أو تنازع ًا �أو ت�ضاد ًا �أو جتافي ًا ما بني الفكرين‪.‬‬ ‫ونح����ن يف انتظار عامل الزمن الذي �سوف يحكم على تلك الإن�ساق املفتوحة‬ ‫التي �سيكون لها الت�أثري الكبري‪ ،‬على ال�صعيد النظري املف�سر لق�ضايا العامل‪،‬‬ ‫كما بالن�سبة لتجديد موازين القوى يف العالقات الدولية‪.‬‬ ‫لق����د �أعاد القرن الع�شرين النظر يف ثوابتن����ا اليقينية يف ما يتعلق باملجتمع‬ ‫والتاري����خ والإن�س����ان والقي����م‪ .‬و�إذا كان����ت العلمانية حاولت �أن تك����ون البديل‬ ‫ع����ن �إخالقيات الديانـ����ات الكربى (العل����م‪ ،‬التقدم‪ ،‬التح����رر‪ ،‬الإن�سانوية)‪.‬‬ ‫لك����ن على ما يبدو ف�����إن تطور العلم والتكنولوجيا وه����و العامل احلا�سم وغري‬ ‫املتوق����ع‪ ،‬وال����ذي ال ميكن كبح جماحة يف التغيري‪ ،‬يه����دد م�ستقبلنا وي�ؤدي بنا‬ ‫�إىل �إن�ساني����ة ال نعرف ماهيته����ا‪ .‬فهناك كثري من النظريات التي حتاول ملء‬ ‫الفراغ الفك����ري لعاملنا املعا�صر‪ ،‬منها نظرية نهاي����ة التاريخ‪ ،‬ونظرية �صدام‬ ‫احل�ض����ارات‪ ،‬ونظرية ما بعد احلداثة‪ ،‬ولك����ن قد يكون �أخطرها نظرية يحلو‬ ‫للبع�����ض �أن يطلق عليها ت�سمية «م����ا بعد الإن�سانية»‪ .‬فلقد دخلنا مرحلة تطور‬ ‫ثوري لعلوم احلياة خ�صو�ص���� ًا «البيوتكنولوجيا»‪ ،‬مما �سينتج حتوالت جذرية‬ ‫يف حي����اة الإن�سان‪ ,‬تتيح يف الأ�سا�س �إمكانية تغيري الطبيعة الإن�سانية؛ لندخل‬ ‫بذلك مرحل����ة تاريخية يك����ون لها ت�أث��ي�رات �إجتماعية‪� ،‬أخالقي����ة‪� ،‬سيا�سية‪،‬‬ ‫اقت�صادية جذرية‪.‬‬ ‫فه����ل يف امل�ستقب����ل القري����ب علين����ا �أن نواجه خي����ارات �أخالقي����ة يف الثورة‬ ‫البيوتقني����ة �أي يف جم����ال التقني����ات احليوي����ة ومنه����ا الهند�س����ة الوراثي����ة‪.‬‬ ‫وال�س�����ؤال ال����ذي يطرح هو‪� :‬إىل �أي حد ميكن ا�ستعم����ال التكنولوجيا لتح�سني‬ ‫اخل�صائ�����ص الوراثي����ة؟ و�إذا كانت تل����ك الأبحاث قائمة عل����ى �إمكانية تغيري‬ ‫الطبيع����ة الإن�سانية‪ ،‬فجدلي����ات عديدة فل�سفية و�سيا�سي����ة �سوف تطرح حول‬ ‫العديد من املفاهيم الأ�سا�سية‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬امل�ساواة بني الب�شر‪.‬‬ ‫ب‪ .‬القدرة على االختيار الأخالقي‪.‬‬

‫ج‪ .‬تغيري �إدراكنا وفهمنا لل�شخ�صية والهوية الإن�سانية‪.‬‬ ‫د‪ .‬الت�أثري يف وترية التطور الفكري واملادي‪ ،‬ويف ال�سيا�سة العاملية ب�صفة عامة‪.‬‬ ‫وق����د يكون �أخطر م����ا يف جعبة تلك الث����ورة «البيوتقنية» ه����و �أنها تزيد من‬ ‫اله����وة املوجودة بني املجتمع����ات والأفراد‪ ،‬الأغنياء والفق����راء‪ ،‬حيث ب�إمكان‬ ‫الأغني����اء توظيف ثرواتهم للتحك����م يف اجلينات‪ ،‬و�إع����ادة الهند�سة الوراثية‬ ‫له����م ولأوالده����م‪ .‬وبالتايل ف�����إن التح����والت « البيوتقنية» قد تزي����د من حدة‬ ‫الالم�س����اواة بني الأغني����اء والفقراء‪ ،‬بحي����ث ت�ضاف �إىل اله����وة االجتماعية‬ ‫واالقت�صادي����ة واملعرفية والرقمية‪ ،‬هوة بيولوجي����ة‪� ،‬ستكر�س لالم�ساواة على‬ ‫م�ستوى تكويننا البيولوجي‪.‬‬ ‫�إذن م�ستقب ًال نحن �أمام عامل «ما بعد الإن�سانية» �سيكون �أكرث تراتبية ومليئ ًا‬ ‫بال�صراع����ات االجتماعية‪ .‬وال م����كان يف داخله لأي مفهوم ح����ول «الإن�سانية‬ ‫امل�شرتكة»‪� ،‬إذ �سيتم تركيب جينات ب�شرية مع جينات �أخرى‪ ،‬ب�شكل يجعلنا ال‬ ‫نعلم ما معنى وماهية الكائن الإن�ساين‪.‬‬ ‫ه����ذا الواقع امل�ستجد الذي يعرب عن مالمح جمتمعنا العاملي‪ ،‬وحتديد ًا من‬ ‫منظ����ور فن الت�سا�ؤل حول الواق����ع النظري املف�سر لق�ضايا العامل‪ ،‬ال ميكن �أن‬ ‫يقت�صر النقا�ش فيه حول مالمح هذا الن�سق اجلديد‪ ،‬بل �إن التحدي اجلديد‬ ‫يف زم����ن العوملة يكمن يف‪ :‬كيف وم����ا هي ال�سبل ملواجهة هذا الن�سق اجلديد؟‬ ‫وهل حتمل النظريات التقليدية ومنها الواقعية يف طياتها الإجابة؟ و�إذا كان‬ ‫الطم����وح‪ ،‬هو ن�شوء ن�سق كوين من القيم‪ ,‬يحكم �سلوك ال�شعوب وامل�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫فه����ل �ستكون م�س�أل����ة القيم وحتوالتها يف �ص����دارة الأ�سئل����ة الفكرية الراهنة‬ ‫وامل�ستقبلي����ة؟ وه����ل انتقل الرتكي����ز واالهتمام يف‬ ‫�أقنعة اخليبة‬ ‫حتدي����د العالق����ات الدولي����ة‪ ،‬م����ن العوام����ل‬ ‫يف مكافحة الف�ساد‬ ‫التايل‬ ‫االقت�صادي����ة والتكنولوجي����ة �إىل العوام����ل‬ ‫بقلم‪ :‬مراد ظافر‬ ‫الثقافي����ة‪ ،‬كق����وة م�ؤث����رة ودافع����ة يف ال�ش�ؤون‬ ‫الدولية؟‬ ‫و�إذا كانت امل�سافة الزمنية ملالمح هذا الن�سق اجلديد مل تتجاوز ‪ 20‬عاماً‪،‬‬ ‫وه����ي م����دة‪ ،‬وفق ًا للمنه����ج التاريخي‪ ،‬ال ميك����ن �أن تعط����ي دالالت ثابتة ميكن‬ ‫البن����اء عليها‪ ،‬فهل نك����ون �سقطنا يف فخ �إ�شكالي����ة اال�ستعجال يف ملء الفراغ‬ ‫النظري املف�سر لق�ضايا عاملنا املعا�صر؟!‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪175‬‬


‫اجتاهات عاملية‬

‫�أقنعة اخليبة‬ ‫ر�ؤية نقدية ملكافحة الف�ساد و�إ�شكالياته يف الدول النامية‬

‫‪arcmurad@hotmail.com‬‬

‫‪176‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫يف ه����ذا املق����ام‪ ،‬وجدت امل�ؤ�س�س����ات املالية ‪ -‬التي كانت ت����رى �أن الف�ساد‬ ‫العام ال مفر منه‪ ،‬ووجدت �شماعة القول ب�أن الف�ساد زيت التنمية ‪ -‬مربط‬ ‫الفر�����س �أي ال�سب����ب اجلوه����ري يف ع����دم حتقي����ق اال�ستغ��ل�ال الأمثل لتلك‬ ‫امل�ساع����دات الفني����ة واملالية م����ن امل�ؤ�س�س����ات املانحة‪ .‬وق����د ارتبط «مربط‬ ‫الفر�س» للم�ساعدات الفنية والع����ون املايل بزاوية مغرقة باحلكم القيمي‪-‬‬ ‫الذات����ي‪ ،‬فالف�س����اد غدا ع�صي ًا عل����ى التحديد املو�ضوع����ي و�أثقله التو�صيف‬ ‫الذاتي‪ ،‬حت����ى تباينت ر�ؤى املجاهدين ‪-‬الأخالقي��ي�ن �ضد الف�ساد ومع�سكر‬ ‫امل�ستفيدين منه‪ ،‬لكنهم يف نهاية املطاف يعملون على نحو منف�صل ومتواتر‬ ‫ ودون دراية‪ -‬لت�أ�سي�س القواعد الأ�سا�سية لبنية الف�ساد العام‪.‬‬‫يف مطلع‬ ‫�إ�شكالية املدخل ملواجهة الف�ساد‬ ‫الألفي����ة اجلديدة ا�ستطاعت املنظمات الدولية �أن حتقق ال�ضغط ال�سيا�سي‬ ‫الدويل العام ملجابهة الف�ساد‪ ،‬فيما متكنت منظمات مثل ال�شفافية الدولية‬ ‫وغريه����ا من حتقيق التعبئ����ة الأخالقية واملو�ضوعية ملكافح����ة الف�ساد‪ .‬ومع‬ ‫ذل����ك‪ ،‬مل تتمكن تلك املنظمات الدولية من حتقي����ق الإجماع ال�سيا�سي بني‬ ‫املنظمات الدولي����ة املانحة والدول النامية امل�ستفي����دة يف مكافحة الف�ساد‪،‬‬ ‫و�إذا ا�ستطاع����ت حتقي����ق مراده����ا ف�����إن ذل����ك كان يتم من خ��ل�ال ال�ضغط‬ ‫ال�سيا�س����ي ‪ lobbying‬ولي�س من خالل املنا�ص����رة والت�أييد ‪ advocacy‬الذي‬ ‫يحق����ق الإقناع واالقتناع لدى الأطراف املعنية كافة‪ ،‬و�إن �أدركت هذا الأمر‬ ‫يف حلظة مت�أخرة‪ ،‬ويف نهاية املطاف‪.‬‬ ‫ومهم����ا يكن من �أم����ر‪ ،‬ال مندوحة من الق����ول �إن �أن�شط����ة تلك املنظمات‬ ‫الدولي����ة يف مطلع الألفي����ة ا�ستطاعت �أن حتقق ال�ضغ����ط ال�سيا�سي الدويل‬ ‫ال����ذي قاد �إىل امل�صادقة على العهد الدويل ملكافحة الف�ساد‪ ،‬وتوجه العديد‬ ‫م����ن الدول املوقع����ة على ذاك العه����د �إىل �إر�ساء البنية التحتي����ة الت�شريعية‬ ‫ملكافح����ة الف�س����اد‪ ،‬وقد تتوج ذل����ك التوج����ه بت�شكيل جلان قومي����ة ملكافحة‬ ‫ض��ل�ا عن ذل����ك‪ ،‬متكنت تل����ك احلملة‬ ‫الف�س����اد يف �أك��ث�ر م����ن ‪ 40‬دول����ة‪ .‬وف� ً‬ ‫الدولي����ة من جتنيد املُحبَطني من �أنظمتهم حتى توجهوا حلمل لواء اجلهاد‬ ‫الأخالق����ي �ضد الف�ساد‪ ،‬لكن اجلهاد الأخالق����ي القيمي �ضد الف�ساد ي�شبه‬ ‫«قمي�ص عثمان» وتختفي بني طياته كلمات حق يراد بها باطل‪ ،‬كما تنطوي‬ ‫بني ثناياه تعاريج االلتحاق بالظنون الآثمة‪.‬‬ ‫لق����د ا�ستط����اع ذلك اجله����اد الأخالقي القيم����ي �أن يدفع جم����وع اجلهاد‬ ‫الأخالقي����ة‪ -‬القيم����ة والذاتية �إىل رفع م�صاحف التطه����ر الذاتي يف الدول‬ ‫الوطنية النامية وامل�ستفيدة‪ ،‬ومل يختلف �صف حكام تلك الدول عن �صفوف‬ ‫معار�ضيه����م يف حمالت الرباءة من الف�س����اد �سوى �أن ال�صف الأول ينكرها‬

‫مراد عبدالواحد ظافر‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫تعر�ض��ت �سيا�س��ة الدع��م وامل�س��اعدات والعون الفن��ي قبل انته��اء القرن الع�ش��رين ملراجعة نقدية وا�س��عة من‬ ‫امل�ؤ�س�سات الدولية املانحة التي تبنت تغيريات جوهرية يف طرق تقدمي الدعم وامل�ساعدات الفنية الذي مل يعد‬ ‫حكر ًا على القنوات الر�س��مية املحددة من الدول امل�س��تفيدة‪ ،‬واقرتن ذلك الدعم الفني ب�ضرورة تبني �سيا�سات‬ ‫عامة من الدول امل�ستفيدة �أُطلِق عليها م�صطلح التنازالت التمويلية ‪ .Concessional Financing‬تلك التنازالت‬ ‫التمويلية من الدول النامية امل�س��تفيدة ارتبطت ‪ -‬على العموم‪ ،‬ويف م�س��تهل الأمر ‪ -‬ب�إجراءات معاجلة تدابري‬ ‫حترير ال�س��وق مثل �سيا�س��ة التخفيف من الفقر‪ ،‬لكنها انتقلت ‪ -‬حتم ًا ‪� -‬إىل مو�ض��وعات �ش��ائكة تتعلق بجوهر‬ ‫الأ�سباب التي حتول دون حتقيق اال�ستغالل الأمثل للعون الفني من الدول النامية وامل�ستفيدة‪.‬‬

‫مراد ظافر باحث مبركز الدرا�سات والبحوث اليمني‪.‬‬

‫وال�صف����وف الأخ����رى ت�شري ب�سباب����ة االتهام جت����اه ال�ص����ف الأول‪ .‬وتفادت‬ ‫املنظم����ات الدولية املانحة ذاك اجلدل املثايل‪ -‬الأخالقي الذاتي باالنتقال‬ ‫�إىل مو�ضوعي����ة التدخ����ل الإمنائ����ي من خ��ل�ال احلكم الر�شي����د و�آلياته مثل‬ ‫املُ�ساءَلة‪ ،‬وامل�شاركة الوا�سعة (االنفتاح الت�ضميني)‪ ،‬وال�شفافية‪ .‬ويف جممل‬ ‫الأحوال‪ ،‬مل تكن �آليات احلكم الر�شيد �سوى التفاتة جاءت مت�أخرة‪ ،‬تطمح‬ ‫�إىل حتقي����ق توطي����د الآليات الرقابية و�سبل امل�ساءل����ة العامة يف الإجراءات‬ ‫امل�ؤ�س�سية لل�سيطرة على الف�ساد العام‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فقد تطورت ثقافة فلكلورية وا�سعة بت�أثري متبادل من حمالت‬ ‫ال��ب�راءة التي ن�ش�أت مع املد العامل����ي الوا�سع ملكافحة الف�ساد‪ ،‬والذي ا�ستمد‬ ‫وج����وده العلن����ي الوا�سع م����ن �أن�شطة املنظم����ات الدولية يف م�سته����ل الألفية‬ ‫اجلدي����دة‪ .‬ذاك الن�شاط الذي اعتم����د �سب ًال خمتلفة من الت�أييد واملنا�صرة‬ ‫املرتافق����ة مع �ضغ����وط املانحني الدولي��ي�ن حتى تو�صل يف ذروت����ه �إىل توقيع‬ ‫وم�صادق����ة العدي����د م����ن دول العامل على العه����د الدويل ملكافح����ة الف�ساد‪.‬‬ ‫لكن مكافحة الف�ساد ميث����ل عملية طويلة ولي�ست حدث ًا حمدد ًا �ضمن نطاق‬ ‫زمني معني‪ .‬وكما ذكرن����ا �سلفاً‪ ،‬هرعت العديد من تلك الدول �إىل ت�أ�سي�س‬ ‫القواعد القانونية ملكافحة الف�ساد‪ ،‬غري �أن ذاك الربنامج العملي الطموح‪،‬‬ ‫كان �أ�شبه بعملية جتميلية ق�صرية الأجل‪ ،‬و�إن كان حري ًا بها توطيد القواعد‬ ‫الإجرائي����ة العامة للتحك����م يف الف�ساد‪ ،‬طاملا وقد تل����ك�أت عن خو�ض املهمة‬ ‫ال�صعبة‪.‬‬ ‫وعلى �أية حال ف�إن املوقف املثايل‪ -‬الأخالقي اُ�ستِغل – �ضمناً‪ -‬يف بع�ض‬ ‫الدول لتحقيق م�آرب �سيا�سية وحزبية‪ ،‬من قبيل تطهري ال�ساحة العامة من‬ ‫�سيا�سي��ي�ن مناف�سني على غ����رار ما حدث يف باك�ست����ان �أو ماليزيا‪ .‬لقد ظل‬ ‫العون الفني من املانح��ي�ن يت�أرجح بني �أدلة عاملية لطبخات حملية‪ ،‬تلتم�س‬ ‫بالتعميم اجلزايف للف�ساد �سُ ب ًال ملجابهته وال�سيطرة عليه يف ظروف حملية‬ ‫ووطني����ة ال متل����ك �أدنى مقوم����ات العم����ل الأ�سا�سية لإر�س����اء عملية التحكم‬ ‫يف الف�س����اد �أو الق�ض����اء علي����ه‪ .‬ناهيك عن الق����ول ب�سيادة ثقاف����ة فلكلورية‬ ‫و�شعبي����ة ُت�ؤمن ب�أن جمابهة الف�ساد ت�صل �إىل حركة ت�صحيحية وتطهريية‪،‬‬ ‫وظل����ت متواطئ����ة مع هيمنة الف�س����اد من خالل موقفه����ا الأخالقي‪ -‬املثايل‬ ‫والتطهريي‪.‬‬

‫معرفة نطاق وحجم املواجهة �ضد الف�ساد العام‬

‫يع����د الف�ساد �أكرث �شيوع ًا وانت�ش����ار ًا يف الدول النامية‪ ،‬وذلك ال يعني خلو‬ ‫الدول املتقدمة من ممار�سات الف�ساد‪ ،‬و�إمنا يعني �ضمن ًا �أن الدميقراطيات‬ ‫احلديث����ة متلك حت�صين ًا م�ؤ�س�سي ًا يُحقق قدر ًا كبري ًا من املُ�ساءَلة واملالحقة‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪177‬‬


‫اجتاهات عاملية‬ ‫حتى يغدو الفا�سدون واملف�سدون خلف ق�ضبان الق�ضاء‪ .‬لكننا حني نتحدث‬ ‫ع����ن �إدارة احلك����م وممار�ساته يف ال����دول اله�شة‪ ،‬غالب ًا م����ا ترتدد عبارات‬ ‫مرتبطة ب�ضعف امل�ؤ�س�سات وانت�شار العنف واجلرمية املنظمة والف�ساد‪ .‬ويف‬ ‫املقاب����ل‪ ،‬ن�سمع لهجات اال�ستن����كار التي تنفي وجود الف�س����اد و�إن كانت ُتقِر‬ ‫وتع��ت�رف ب�ضعف وه�شا�شة امل�ؤ�س�سات‪ .‬وهذا الزعم �أ�شبه بالذي ي�ؤكد نفوق‬ ‫الأحياء البحرية وموتها‪ ،‬ثم يذهب �إىل �إنكار الأ�سباب امل�ؤدية �إىل ذلك‪.‬‬ ‫�إن كث��ي�ر ًا من اللغ����ط واجلدل الدائر ح����ول مو�ضوع الف�س����اد ومكافحته‬ ‫يت�شب����ث ‪� -‬أحيان ًا ‪ -‬مبفهوم الف�ساد ذاته‪ .‬فه����ذا املفهوم مثقل بالتو�صيف‪،‬‬ ‫وممتن����ع ع����ن التحدي����د والتعري����ف لتو�س����ع ت�شعبات����ه وت�شاب����ك ممار�ساته‬ ‫وتع����دد �ص����وره‪ .‬ول�سن����ا يف حاج����ة �إىل املنه����ج الأر�سطوطالي�س����ي لتحدي����د‬ ‫الف�س����اد بتعريف جام����ع مانع‪ ،‬فالتج����ارب الإن�سانية املت�شابه����ة قادرة على‬ ‫تعي��ي�ن املمار�س����ة النزيه����ة وانحرافات تل����ك املمار�سات حتى تق����ع يف مغبة‬ ‫الف�س����اد‪ .‬غري �أننا �سنكتف����ي هنا بالتعري����ف ال�سائد للف�س����اد‪ ،‬والذي يقول‬ ‫ب�أنه «ا�ستغالل املن�صب الوظيف����ي العام مل�صلحة خا�صة»‪ .‬وهذه العبارة يف‬ ‫�صورتها الب�سيطة تعني �أن الف�س����اد يعد �إخال ًال بامل�سئولية العامة وانحراف ًا‬ ‫عن املقا�صد الر�سمية للوظيفة �أو املن�صب العام لتحقيق م�صالح خا�صة �أو‬ ‫�ضيق����ة قد ت�سع����ى لتوطيد املن�صب‪ ،‬ورمبا تنطوي عل����ى ممار�سات خمالفة‬ ‫للقانون والعرف العام مقابل اال�ستجابة لت�أثريات �شخ�صية‪ .‬وبذلك يحتمل‬ ‫�أن تت�ضمن تلك املمار�سات ا�ستخدام الر�شوة للت�أثري يف قرار �شخ�ص ي�ؤدي‬ ‫وظيفة عام����ة‪� ،‬أو ا�ستخدام املح�سوبية واملحاب����اة والتي تنطوي على تقدمي‬ ‫ال�صل����ة التقليدي����ة على �أ�س�س اال�ستحقاق الع����ام‪� ،‬أو اختال�س املال العام �أو‬ ‫توجيهه لأغرا�ض مق�صورة على االنتفاع ال�شخ�صي‪.‬‬ ‫وغالب ًا ما تتوطد بني����ة الف�ساد يف هيئة هرمية تت�سع قاعدتها يف الأ�سفل‬ ‫حي����ث ت�سود ممار�سات الف�س����اد الأ�صغر‪ ،‬التي تعد �أق����ل �صخب ًا ورمبا تغدو‬ ‫خالي����ة من �صخ����ب الف�ضائح‪ .‬لكن تلك املمار�س����ات ‪ -‬وال ريب ‪ -‬تُع�ش�ش يف‬ ‫ال�سل����وك العام وامل�ألوف لت�شي����ع ثقافة القبول مبمار�س����ات الف�ساد‪ ،‬وتغذي‬ ‫�شرعي����ة الف�ساد الأكرب‪ .‬وبفعل هذه البنية الهرمية للف�ساد‪ ،‬وات�ساع قاعدته‬ ‫للح�صول عل����ى االحتياج����ات الأ�سا�سية واخلدمات‪ ،‬تتال�ش����ى النزاهة من‬ ‫املمار�س����ات ال�سلوكية حت����ى تغدو م�ستهجن���� ًة على �صعيد الواق����ع امللمو�س‪.‬‬ ‫وتُبحلق العيون يف قمة ه����رم الف�ساد لل�شروع يف الرجم �أو التعزير بالف�ساد‬ ‫الأك��ب�ر الوا�ضح للعي����ان‪ ،‬وقد غفلت تلك العيون ب�أن ع����ورة الف�ساد م�ستورة‬ ‫من قاعدته الوا�سعة‪.‬‬ ‫لن ت�صيبك الظن����ون الآثمة حني تذهب �إىل القول بوجود ما يثري الريبة‬ ‫�أو اجل����زم بوج����ود ممار�سات ملوثة بالف�ساد خ��ل�ال تعاملكم مع امل�ؤ�س�سات‬ ‫العام����ة يف دولٍ تفتق����ر فيها الإج����راءات الر�سمية �إىل مقوم����ات ال�شفافية‬ ‫والو�ض����وح‪ ،‬وتغيب فيها �آلي����ات املُ�ساءَلة‪ .‬وباقت�ضاب يعن����ي ذاك‪� ،‬أن غياب‬ ‫�شفافية الإج����راءات‪ ،‬وتال�شي امل�ساواة يف تنفيذ تلك الإجراءات الر�سمية‪،‬‬ ‫ر�ض ًة للمزاج والتقدير ال�شخ�صي‪.‬‬ ‫يجعل القرارات العامة و�أداء امل�ؤ�س�سات عُ َ‬ ‫والف�ساد لي�س جرم ًا مق�صور ًا على احلدوث بني طرفني �أو �أكرث‪ ،‬حيث ميكن‬ ‫�أن ي�ص����در من ممار�سة طرف واحد عند ت�أديته للمهام العامة التي �أوكلت‬ ‫�إليه باالنتخاب �أو التعيني‪ .‬وبب�ساطة نذهب �إىل الت�أكيد على معادلة روبرت‬ ‫كليتغ����ارد ‪ ،Robert Klitgaard‬والتي تفيد ب�أن �سلطة محُ كمة التخاذ القرار‬ ‫‪ +‬م����ع احتكار مطلق لتلك ال�سلطة ‪ -‬يف غياب تام للم�ساءلة العامة = ت�ؤدي‬ ‫‪178‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ وال �شك ‪� -‬إىل �شيوع الف�ساد‪.‬‬‫على ذل����ك كله‪ ،‬نذهب �إىل ت�أكي����د ما ذكرناه �سلف ًا ب�����أن مو�ضوع الف�ساد‬ ‫الإداري يق����ود املرء ‪ -‬غالب ًا ‪� -‬إىل التخب����ط بني مظاهره وتو�صيفه‪ ،‬فتنقاد‬ ‫�سبل مكافحته �إىل تعقب مظاه����ره و�أعرا�ضه‪ :‬مثل الر�شوة واختال�س املال‬ ‫العام‪ .‬وبذلك نتجاهل جذوره و�أ�سبابه احلقيقية التي تتوطد يف املمار�سات‬ ‫ال�سلوكية العامة؛ نت�ساهل يف البدء معها حتى تتف�شى وت�شيع لت�سود مُ�ستمِ دة‬ ‫�شرعيتها من املمار�سات العملية لت�صبح هي القانون البديل والعرف ال�سائد‬ ‫الذي ي�سري تنفيذه عو�ض ًا عن القانون الت�شريعي‪ .‬وعند هذا املوقف ينبغي‬ ‫�أن حتدد الدول الوطنية خياراتها‪ ،‬وفق حتليلها حلجم الف�ساد وا�ست�شرائه‪،‬‬ ‫وتعيني تلك اخلي����ارات وفق مكافحة الف�ساد �أو التحكم و�ضبط ممار�ساته‪.‬‬ ‫والتحك����م يف ممار�سات الف�ساد العام‪ ،‬يعني و�ضع وتفعيل �آليات الإجراءات‬ ‫العام����ة وامل�ؤ�س�سية لنظام النزاهة املتكامل بني اجلهات الر�سمية وال�شعبية‬ ‫كافة‪.‬‬

‫اللجان والهيئات الوطنية ملكافحة الف�ساد‬

‫م����ع �إن�شاء اللجان الوطنية املتخ�ص�ص����ة ملكافحة الف�ساد ان�صرفت الأنظار‬ ‫�إليها‪ ،‬ت�أمل ر�ؤية امل�شانق �أمامها ل ُتدليّ منها جثث كبار الفا�سدين‪ .‬واحلال‬ ‫�أن هيمنة هذه الثقافة الفلكلورية املتعلقة ب�سبل جمابهة الف�ساد ظلت �أحادية‬ ‫يف ر�ؤيته����ا ال�ضيقة‪ ،‬ومل تتمك����ن من ا�ستيعاب بناء �أعم����دة النزاهة الوطنية‪.‬‬ ‫ع��ل�اوة عل����ى ذلك‪ ،‬جن����د �أن تلك اللج����ان الوطني����ة التي �أن�شئ����ت ملجابهة‬ ‫الف�س����اد‪ ،‬قد قام����ت وت�شكلت خارج املنظومة �أو الإط����ار الوطني الذي �صنعت‬ ‫م����ن �أجل حتقي����ق منفعته يف �سبل جمابه����ة الف�ساد‪ .‬لقد �أن�شئ����ت تلك اللجان‬ ‫الوطنية ا�ستجاب����ة ل�ضغوط املانحني‪ ،‬وغدت مث����ل �إ�سرتاتيجية التخفيف من‬ ‫الفق����ر جم����رد واجهة لتن����ازالت من �أجل تلقّ����ي متويالت املانح��ي�ن وهباتهم‪.‬‬ ‫فغ����دت تل����ك اللج����ان الوطنية ملكافح����ة الف�س����اد فارغة من م�ضم����ون الإرادة‬ ‫ال�سيا�سي����ة �أو ال�شعبية‪ .‬كم����ا �أ�صبح و�ضع تلك اللجان الوطني����ة �إ�ضافة زائدة‬ ‫بني موق����ع امل�ؤ�س�سات واجلهات التنفيذية التقليدي����ة ال�سائدة يف �أي بلد‪ ،‬وقد‬ ‫كان م����ن ال�سه����ل ترتيب تبعية �أي م����ن تلك اللجان ملرك����ز ال�سلطة التنفيذية‪،‬‬ ‫لك����ن مل يت����م و�ض����ع الإط����ار امل�ؤ�س�س����ي والإجرائ����ي لأي م����ن تل����ك اللج����ان‬ ‫الوطني����ة وعالقته����ا املحددة ببقي����ة اجلهات الرقابية يف �أي م����ن تلك الدول‪.‬‬ ‫ث����م �أن فقدان الإرادة ال�سيا�سية الوطنية يف ت�شكيل جلان مكافحة الف�ساد‪،‬‬ ‫�أفق����د تلك اللجان عن�ص����ر التبني الوطني لها‪ ،‬وغ����دت كل واحدة منها حتت‬ ‫رعاي����ة ر�أ�س ال�سلطة التنفيذية‪ ،‬وهي يف موقع ميكن �أن يطلق عليه «االغرتاب‬ ‫امل�ؤ�س�س����ي»‪ .‬وذاك املوق����ع يعم����ل عل����ى حرمانها م����ن فر�صة النم����و الطبيعي‬ ‫للم�ؤ�س�س����ات ال�سائدة يف �أي من تلك البل����دان‪ .‬كما �أن العديد من تلك اللجان‬ ‫الوطني����ة ملكافحة الف�ساد ت�شكلت خارج نطاق اجل����دل الوطني فربزت كفِطْ رٍ‬ ‫غري����ب‪ ،‬مل ي�ستوعبها القبول والإجماع الوطني حتى متنح �شرعية من الإرادة‬ ‫ال�شعبية العامة‪ .‬وخالف ًا لذلك‪ ،‬فقد ظهرت كل جلنة يف �صعيد وطني «طارد»‬ ‫يتوق����ع منه����ا �أن تكون جمل�س���� ًا ت�شريعي ًا و�سلط����ة ق�ضائية وك����ذا جهة لل�ضبط‬ ‫والرب����ط واملالحقة للف�ساد واملف�سدي����ن‪ .‬وميكننا القول باقت�ضاب‪� ،‬أن الثقافة‬ ‫ال�شعبية ال�سائدة نظرت �إىل تلك اللجان مبثابة منقذ تطهريي‪ ،‬فغدت حمملة‬ ‫بثقل كبري من التوقعات التي تراجعت عنها ‪ -‬يف نهاية املطاف‪� -‬إىل االنكفاء‬ ‫والإحباط‪.‬‬ ‫ولأن معظم تلك اللجان الوطنية ملكافحة الف�ساد ظهرت يف حميط الظروف‬

‫اخلارجي����ة‪ ،‬ولأ�سباب تتعلق بالتن����ازالت التمويلية‪ ،‬غدت يف مواقعها‬ ‫الوطنية مث����ل �إ�ضافات جتميلية مل جت����د موقعها الطبيعي بني‬ ‫امل�ؤ�س�س����ات العام����ة الت�شريعية والق�ضائي����ة والتنفيذية‪ .‬ورمبا‬ ‫�أثارت الغ��ي�رة والتحفّظ عند بع�ض امل�ؤ�س�سات الرقابية العامة‬ ‫الت����ي توجّ �ست منها ريبة‪ ،‬مُع َتقِ����دة �أنها بديل �إحاليل ميتلك موقع ًا‬ ‫قريب���� ًا من ر�أ�س ال�سلطة التنفيذية‪ ،‬والقوة يف معظم الدول النامية‬ ‫تُقا�����س مب�ساحة القرب م����ن مركز ال�سلطة‪ ،‬ف�ص���ارت ا�ستقاللية‬ ‫اللجان الوطنية ملكافحة الف�ساد يف هذه البلدان تعاين من عزلة‬ ‫�شبه تام���ة ومنف�صمة العرى والتن�سيق م���ع امل�ؤ�س�سات الرقابية‬ ‫املماثل���ة‪ .‬وعل���ى ذل���ك‪ ،‬جن���د �أن البني���ة التحتي���ة لت�شريعات‬ ‫مكافح���ة الف�س���اد مل متنح العديد م���ن تلك اللج���ان الوطنية‬ ‫موقع احليادي���ة والفعالية يف تطبيق تلك الت�شريعات والقوانني‬ ‫دون مباركة وتدخل وا�ضح من ر�أ�س ال�سلطة التنفيذية‪.‬‬ ‫�إن تدخل ر�أ����س ال�سلطة التنفيذية لتقدمي الع���ون للجان الوطنية ملكافحة‬ ‫الف�س���اد مل يتوق���ف عن���د تفعي���ل الت�شريع���ات الإجرائية مثل «�إع�ل�ان براءة‬ ‫الذم���ة»‪ ،‬بل امتد ملعاجل���ة امل�شكلة امل�ؤ�س�سي���ة لإن�شاء تلك اللج���ان الوطنية‪،‬‬ ‫بتعي�ي�ن �إ�ضافات ظاهرية وهيكلية ال تعال���ج جوهر امل�شكلة‪ ،‬بل ت�ضيف �أعبا ًء‬ ‫و�أحم���ا ًال جديدة من التوقع���ات اجلماهريية‪ ،‬التي ت����ؤدي �إىل ات�ساع م�ساحة‬ ‫الف�ص���ل والعزل لأي من تلك اللجان حتى تغدو ‪ -‬يف نهاية املطاف ‪ -‬عُ ر�ضة‬ ‫للخيبة واالنك�سار‪.‬‬ ‫تلك الإ�ضافات الظاهرية قام���ت بتو�سيع ومد �صالحيات اللجنة الوطنية‬ ‫ملكافحة الف�ساد من خالل �إن�شاء زوائد ق�ضائية ونيابية متخ�ص�صة باجلنايات‬ ‫الت���ي تقع يف نطاق اخت�صا�ص اللجنة الوطنية‪ .‬وبهذا فُرِ َ�ض على تلك اللجنة‬ ‫الوطنية دور املحت�سب العام �ضد الف�ساد‪ ،‬وعزلت ‪� -‬ضمن ًا ‪ -‬من الدور العام‬ ‫الذي يق�ضي بامل�ساهمة يف تعزيز �آليات املُ�ساءَلة العامة وال�شفافية وامل�شاركة‬ ‫الوا�سعة يف توطيد �سبل الرقابة يف الت�شريعات واجلوانب الإجرائية العامة‪.‬‬ ‫و�إن كان���ت هناك مبادرة وطني���ة لتوطيد وتعيني �سب���ل �إن�شاء تلك اللجان‬ ‫الوطني���ة ملكافح���ة الف�س���اد �ضمن م�ب�ررات قومي���ة داخلية‪� ،‬إال �أن���ه كان من‬ ‫املمكن حتقي���ق الإجماع الوطن���ي الداخلي لتحقيق النم���و والن�شوء الطبيعي‬ ‫لتل���ك امل�ؤ�س�س���ات املعنية مبكافحة الف�س���اد‪ .‬لي�س هذا الأم���ر فح�سب‪ ،‬و�إمنا‬ ‫�س���وف تتهي����أ ظ���روف النمو الوظيف���ي الطبيعي وف���ق االحتياج���ات الوطنية‬ ‫والداخلية لها‪.‬‬ ‫كذل���ك‪ ،‬جند يف ‪ -‬الغال���ب‪� -‬أن العديد من تلك اللج���ان الوطنية واملعنية‬ ‫مبكافح���ة الف�س���اد ق���د �أُن�شِ ئ���ت �ضمن معطي���ات �سيا�سي���ة داخلي���ة متغرية‬ ‫وديناميكي���ة‪ ،‬فب���دت ظ���روف ن�ش�أتها القانوني���ة م�شوهة تن�س���اق وراء حركة‬ ‫امل���د ال�سيا�س���ي وال�ضغوط اخلارجية والتوقعات الداخلي���ة‪ .‬وبذلك مل تت�ضح‬ ‫خطوط �صالحيات تلك اللجان بدقة‪� ،‬إن كانت يف موقع احل�سبة العامة �ضد‬ ‫الف�س���اد التي تقت�ضي الرقاب���ة والتحقيق واملالحقة وال�ضب���ط للفا�سدين‪� ،‬أو‬ ‫�إن كان���ت معنية مبراجعة الإجراءات والقوانني لتعيني �آليات امل�ساءلة العامة‬ ‫والرقابة وال�شفافية للتحكم يف الف�ساد �أو بكال الأمرين معاً‪.‬‬ ‫يف جممل الأح��وال‪� ،‬أُلبِ�ست تلك اللجان الوطنية بدالت خمتلفة لت�أدية‬ ‫�أدوار متقاطعة مع م�ؤ�س�سات خمتلفة‪ ،‬حتى غدت يف نهاية املطاف عر�ضة‬ ‫للق�صور يف املوارد الالزمة لت�أدية �أدوارها والقيام ب�صالحياتها املت�شابكة‬

‫بفعل البنية الهرمية للف�ساد وات�ساع‬ ‫قاعدته‪ ،‬تتال�شى النزاهة من املمار�سات‬ ‫ال�سلوكية حتى تغدو م�ستهجنةً على‬ ‫�صعيد الواقع امللمو�س‪ .‬وتُبحلق العيون‬ ‫يف قمة هرم الف�ساد لل�شروع يف الرجم �أو‬ ‫التعزير بالف�ساد الأكربالوا�ضح للعيان‪،‬‬ ‫وقد غفلت تلك العيون ب�أن عورة الف�ساد‬ ‫م�ستورة من قاعدته الوا�سعة‬ ‫م���ع م�ؤ�س�سات وطنية خمتلفة‪ ،‬وبدت مثل زوائد دودية حتاول �إر�ضاء النظام‬ ‫العام على م�ستوى دعائي وجتميلي‪.‬‬ ‫و�إن كانت �أي من تلك اللجان الوطنية خمولة بالقيام مبالحقة الفا�سدين‬ ‫وتعيني الآليات الوقائية الإجرائية والقانونية‪ ،‬ف�إنها ال بد �أن تتمتع با�ستقاللية‬ ‫تتي���ح لها النمو الطبيعي ل�صالحياتها يف تن�سي���ق وتعاون مع بقية امل�ؤ�س�سات‬ ‫العام���ة والقطاع اخلا����ص واملجتمع امل���دين‪� .‬إن الفهم البدائ���ي ال�ستقاللية‬ ‫اللجان الوطنية �أدى �إىل خلل وا�ضح يف و�ضعها امل�ؤ�س�سي‪ .‬فتلك اال�ستقاللية‬ ‫مل تك���ن تعن���ي التمادي �إىل نط���اق اال�ستقالل الذاتي ال���ذي يعني االنف�صام‬ ‫والقطيع���ة مع امل�ؤ�س�سات العامة الأخرى‪ ،‬والتي متثل رديف ًا يعني تلك اللجان‬ ‫يف عملها‪� ،‬أو تلك امل�ؤ�س�سات الأخرى التي تقع يف نطاق �صالحية تلك اللجان‬ ‫و�إجراءاته���ا املعني���ة بالرقاب���ة ومكافحة الف�س���اد‪ .‬و�أعني بذل���ك امل�ؤ�س�سات‬ ‫العامة الت���ي تنطوي مهامها و�أعمالها يف نطاق يلتقي فيه املواطن �أو القطاع‬ ‫اخلا����ص بالقطاع العام‪ ،‬ويف ذاك النطاق تتف�شى ممار�سات الف�ساد الأ�صغر‬ ‫وكذا الف�ساد الأكرب‪.‬‬ ‫خال�صة القول‪� ،‬إن غياب الإرادة ال�سيا�سية الوطنية ملكافحة الف�ساد‪� ،‬أدى‬ ‫�إىل تكوين جلان �إ�ضافية �أُث ِقلَت بالتوقعات العامة والوا�سعة‪ ،‬حتى كادت تلك‬ ‫اللج���ان حتل موقع اجلرم ذات���ه‪ ،‬ففقدت الر�ؤي���ة الإ�سرتاتيجية‪ ،‬وت�أرجحت‬ ‫خطواته���ا الأوىل ب�ي�ن تلك التوقع���ات العام���ة واختالل متو�ضعه���ا الر�سمي‬ ‫والع���ام‪ ،‬وخا�ص��� ًة فيما يتعل���ق بالفهم اخلاط���ئ لال�ستق�ل�ال امل�ؤ�س�سي لتلك‬ ‫اللجان‪ .‬وكل ذلك يقودنا �إىل اجلزم ب�أن ال�ضغوط اخلارجية �ساهمت يف فتح‬ ‫الأع�ي�ن لر�ؤية النمو املتعاظم عام ًا بعد عام للم�ؤ�شرات العاملية للف�ساد‪ ،‬طاملا‬ ‫واجلبه���ات الوطنية والداخلية مل تتمكن من اخلروج من �أطمارها التقليدية‬ ‫والبالية ملواكبة تلك التوجهات العاملية‪.‬‬ ‫وبالرغ���م م���ن ذل���ك‪ ،‬فقد ا�ستطاع���ت العديد م���ن تلك اللج���ان الوطنية‬ ‫ملكافحة الف�ساد النهو�ض من موقع الإحباط مبد عالقات التعاون مع منظمات‬ ‫املجتم���ع املدين‪ .‬و�أدرك���ت بع�ضها �أهمية ذاك الأمر‪ ،‬ح�ي�ن ا�ستبدلت مدخل‬ ‫اخلبري‪ -‬اال�ست�ش���اري باملدخل الت�شاركي الوطني حني ر�سمت ا�سرتاتيجيتها‬ ‫الوطنية ملكافحة الف�ساد‪ .‬ذاك املدخل الذي اعتمد �أ�سلوب امل�شاركة ال�شعبية‬ ‫الوا�سع���ة �إىل جانب و�ض���ع ا�سرتاتيجيات وطنية ملمو�س���ة ومنطقية‪ ،‬كما �أن‬ ‫ذاك املدخل الت�شاركي الوا�سع حقق �إجماع ًا وطني ًا وا�سع ًا ي�ساند مهام تلك‬ ‫اللجان وي�ستوعب وظائفها الرئي�سية‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪179‬‬


‫اجتاهات عاملية‬

‫فتنة ال�صندوق‬

‫ال ت����كاد تخلو دولة م����ن دول العامل من انتخاب����ات ما‪ .‬لكن‬ ‫ه����ذا االنت�شار لفك����رة االنتخابات ال يعني بح����ال من الأحوال‬ ‫�أن الدميقراطي����ة �أ�صبحت القيمة املهيمن����ة على العامل‪ .‬على‬ ‫العك�س من ذلك‪ ،‬فق����د حتولت االنتخابات يف كثري من الدول‬ ‫النامي����ة �إىل م�شكل����ة ال ته����دد عملي����ة التح����ول الدميقراط����ي‬ ‫وح�س����ب‪ ،‬و�إمن����ا ته����دد اال�ستقرار عل����ى نحو ال يقب����ل ال�شك‪.‬‬ ‫ذل����ك �أن االنتخاب����ات لي�ست �إال �آلية من �آلي����ات الدميقراطية‬ ‫املتع����ددة واملتنوعة‪ .‬و بكلمات �أكرث و�ضوح����اً‪ ،‬ميكن القول �إن‬ ‫االنتخابات الدميقراطية ه����ي نتاج نظام دميقراطي يتم فيه‬ ‫اح��ت�رام �سيادة القان����ون‪ ،‬واح��ت�رام الف�صل ب��ي�ن ال�سلطات‪،‬‬ ‫وحقوق الإن�سان‪ ،‬وكذا توفري كل ال�ضمانات التي حتقق �أف�ضل‬ ‫ال�شروط للعمل ال�سيا�سي‪ ،‬وكذا حرية التعبري والإعالم‪ .‬وتبع ًا‬ ‫لذل����ك‪ ،‬ال ميك����ن لأي انتخاب����ات مهم����ا كانت عل����ى قدر كبري‬ ‫م����ن النزاه����ة‪ ،‬دون �أن يك����ون ذل����ك م�سنود ًا بنظ����ام وجمتمع‬ ‫يحتكم����ان �إىل تقالي����د ليربالية را�سخة ت�ؤم����ن بالدولة املدنية‬ ‫وبالتعدد واحلري����ات‪� ،‬أن تحُ دث التغيري املن�شود‪ .‬فكيف يكون‬ ‫احل����ال‪� ،‬إذا افتقدت االنتخاب����ات املعايري التي ينبغي توافرها‬ ‫يف االنتخاب����ات الدميقراطية؟ ال �ش����ك �أن ذلك �سوف يت�سبب‬ ‫يف م�شكالت ال ح�صر لها‪.‬‬ ‫يف الواق����ع‪� ،‬إن االنتخاب����ات م����ن �أك��ث�ر املج����االت اخل�صبة‬ ‫للج����دل‪ ،‬فحتى الدول التي لديها جت����ارب دميقراطية عريقة‬ ‫ت�شه����د ‪ -‬وم����ا ت����زال‪ -‬نقا�شات ح����ول ق����درة االنتخابات على‬ ‫تر�شي����د احلكم‪ ،‬وعلى الت�أث��ي�ر �إيجابي ًا يف �سل����وك املجتمعات‬ ‫وطريق����ة تفكريها‪ .‬وعل����ى �سبيل املثال‪ ،‬يج����ادل امل�����ؤرخ الربيطاين �إريك‬ ‫هوبزباوم الذين لديهم نظرة طوباوية �إزاء االنتخابات‪ ،‬ب�أن الدميقراطية‬ ‫االنتخابي����ة لي�ست بال�ضرورة من ي�ضم����ن احلرية الفعالة للإعالم وحقوق‬ ‫املواطنني والق�ضاء امل�ستقل‪ .‬يعتقد هوبزباوم على عك�س كثري من املفكرين‬ ‫الغربيني �أن منوذج “�سيادة ال�س����وق” لي�س متمم ًا لليربالية الدميقراطية‬ ‫وح�س����ب‪ ،‬و�إمنا هو بديل عنها‪ ،‬وعن �أي ل����ون من �ألوان ال�سيا�سة‪ .‬ويكت�سب‬ ‫ه����ذا الر�أي مزيد ًا م����ن امل�ؤيدين نتيجة جتاهل بع�����ض ال�سيا�سيني يف تلك‬ ‫ال����دول لرغب����ات �شعوبه����م يف حلظ����ات دقيقة‪ ،‬ويف ه����ذا الإط����ار مل يكن‬ ‫مفهوم���� ًا �إ�صرار حكومات الواليات املتحدة الأمريكية وبريطانيا مث ًال على‬ ‫�ش����ن احلرب على الع����راق برغم املظاهرات الكب��ي�رة التي اجتاحت املدن‬ ‫الأمريكية والربيطانية‪ ،‬والتي مل تكن م�ؤيدة لهذا القرار‪.‬‬ ‫�أم����ا االنتخابات يف الدول النامية‪ ،‬ف�إنه����ا �أ�شبه ما تكون مبهرجان ليوم‬ ‫واح����د‪ ،‬حيث يبدو امل�شهد االنتخابي وك�أنه خ����ارج عن ال�سياق العام الذي‬

‫ملاذا تتحول االنتخابات‬ ‫�إىل ُ�صداع دائم فـي‬ ‫البلدان النامية‬ ‫‪abda_m111@yahoo.com‬‬

‫‪Toonpool‬‬

‫‪180‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫عبد الغني املاوري‬

‫وطريقة مقاربته ملا حوله من الظواهر والأحداث يف م�سار‬ ‫�أي عملي����ة حتول �سواء كانت ذات طبيع����ة �سيا�سية �أو غري‬ ‫وتوقعات غيبية‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك‪ ،‬فاملجتمعات التي ت�ستح�ضر �أحكام ًا‬ ‫تك����ون االنتخاب����ات فيها �أ�شب����ه مبغامرة‪ ،‬ودائم���� ًا ما تكون‬ ‫مغامرة فا�شلة‪.‬‬ ‫فاحل����دث االنتخابي يف حد ذاته مهما متتّع مبوا�صفات‬ ‫عالي����ة من النزاه����ة ال ميكن����ه �إحداث تغي��ي�ر جوهري يف‬ ‫حي����اة �أي �شعب من ال�شعوب‪ ،‬ذلك �أن عملية التغيري يف �أي‬ ‫جمتم����ع هي عملية مركبة ومعق����دة‪ ،‬والأهم من ذلك �أنها‬ ‫عملية تراكمية ت�ستوعب التحديات والعالقات التي تتحكم‬ ‫يف جمتمعٍ ما‪ .‬وعليه‪ ،‬ف�إن االنق�سامات احلادة التي ت�سود‬ ‫ضال عن‬ ‫بع�����ض املجتمع����ات على �أ�س�س غ��ي�ر �سيا�سي����ة‪ ،‬ف� ً‬ ‫احلروب واال�ضطرابات الأمنية ت�ساهم على نحو م�ضطرد‬ ‫يف وجود ت�شكيك دائم لي�س بنتائج االنتخابات‪ ،‬و�إمنا فيما‬ ‫ه����و �أهم‪ ،‬كم�شروعية الدولة مث��ل�اً‪ ،‬وهو ما يزيد من حدة‬ ‫ال�صراعات ومن تداعياتها‪.‬‬ ‫وبالع����ودة �إىل انتخاب����ات �ساحل الع����اج الرئا�سية‪ ،‬ف�إن‬ ‫االعرتا�����ض الذي يبديه الرئي�س جباجب����و ‪ -‬والذي يعاين‬ ‫من عزلة دولية غري م�سبوقة ‪ -‬على نتائج االنتخابات التي‬ ‫�أعطت����ه ن�سبة �أ�صوات �أقل من مناف�س����ه‪ ،‬هو افتقاد عملية‬ ‫احت�س����اب الأ�ص����وات يف ال�شم����ال الذي يقع حت����ت �سيطرة‬ ‫خ�صومه لل�شفافية الكافية‪.‬‬ ‫ال �ش����ك �أن اعرتا�����ض جباجب����و منطق����ي ب�ش����كل كبري‪،‬‬ ‫وميك����ن اجل����زم �أن����ه يف حمله متام����اً‪ ،‬لكن ه����ل ميلك جباجب����و ال�شجاعة‬ ‫الكافي����ة للق����ول �أن����ه مل يتدخل ب�شكل غ��ي�ر قانوين يف جمري����ات احت�ساب‬ ‫الأ�ص����وات يف اجلنوب الذي ي�سيطر عليه �سيطرة تامة‪ .‬يف الواقع‪� ،‬سيكون‬ ‫م����ن اخلط�أ اعتبار م����ا قاله جباجبو ال�سبب احلقيق����ي الذي يجعله يواجه‬ ‫العامل ويرف�ض التنح����ي وت�سليم ال�سلطة ملناف�سه وترة‪ ،‬فامل�شهد ال�سيا�سي‬ ‫يف �ساحل العاج معقد للغاية‪� ،‬إذ يخفي التناف�س بني جباجبو ووترة �صراع ًا‬ ‫طائفي���� ًا بني جنوب م�سيحي و�شمال م�سلم‪ ،‬ما يزال برغم حماوالت كثرية‬ ‫للتخفيف من وط�أته حا�ضر ًا بقوة يف كل املنا�سبات املهمة‪ ،‬ويف االنتخابات‬ ‫على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬وهذا يجعل من �أي انتخابات جتري يف �ساحل العاج‬ ‫حرب ًا م�ستمرة‪.‬‬ ‫وعلى نف�س املنوال‪ ،‬تبدو االنتخابات يف دول مل حت�سم خياراتها الكربى‬ ‫ومل تتمك����ن من �إر�س����اء قواعد حياة مدنية يف جمتمعاته����ا‪ ،‬وك�أنها حمطة‬ ‫ال�ستعرا�����ض القوة غ��ي�ر العاقلة ال غري‪ .‬يف العراق مث��ل�اً‪ ،‬مل يكن الرئي�س‬

‫يب����دو غارق���� ًا يف اال�ستبداد والفو�ضى‪� ،‬إذ حتول����ت االنتخابات يف كثري من‬ ‫الدول النامية �إىل حمطة الكت�ساب �شرعية زائفة‪ ،‬و�إىل تكري�س اال�ستبداد‬ ‫بحي����ث تقوم االنتخابات بوظيفة �شبيهة بعملية غ�سل الأموال‪ ،‬حيث تغطي‬ ‫العملي����ة االنتخابية الو�ضع البائ�س الذي تعي�شه �شعوب تلك الدول‪ .‬وبرغم‬ ‫�أن ه����ذا ه����و طابع االنتخاب����ات يف دول العامل النام����ي‪� ،‬إال �أن االنق�سامات‬ ‫الت����ي تع����اين منها جعلت م����ن االنتخاب����ات م�شكلة ال تهدد عملي����ة التحول‬ ‫الدميقراطي فقط‪ ،‬و�إمنا تهدد اال�ستقرار فعلياً‪ .‬ففي �ساحل العاج �أدخلت‬ ‫االنتخابات الرئا�سية التي جرت نهاية ت�شرين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ 2010‬البالد‬ ‫يف �أج����واء احلرب الأهلي����ة التي اندلع����ت عام����ي ‪ 2002‬و‪ ، 2003‬فالرئي�س‬ ‫املنتهية واليته لوران جباجبو م�صم����م على التم�سك بال�سلطة على الرغم‬ ‫من �إع��ل�ان اللجنة امل�ستقلة فوز مناف�سه احل�س����ن وترة مبن�صب الرئي�س‪،‬‬ ‫وه����و الأمر ال����ذي ال يلقى ت�أييد املجتمع الدويل ال����ذي ال يخفي غ�ضبه من‬ ‫طريقة تعامل جباجبو مع نتائج االنتخابات‪ ،‬متهم ًا �إياه بالت�سبب يف مقتل‬ ‫الع�ش����رات من املدنني‪ ،‬وكذا تكري�س حالة االنق�سام بني ال�شمال واجلنوب‬ ‫مما يزيد الو�ضع تعقيداً‪.‬‬ ‫عبدالغني املاوري �صحفي وكاتب من اليمن‪.‬‬

‫وبعي����د ًا عن ال�صورة النهائية التي �ست�ؤول �إليها الأو�ضاع يف هذه الدولة‬ ‫الأفريقية‪ ،‬وبغ�ض النظر عن املت�سبب يف عدم الإفادة من هذه االنتخابات‬ ‫يف دعم العملية الدميقراطية وال�سيا�سية‪ ،‬ف�إن �إعادة احلياة الطبيعية �إىل‬ ‫الو�ضع العاجي مرة �أخرى لن يكون �أمر ًا ي�سرياً‪.‬‬ ‫واحل����ال �أن من����وذج �ساحل العاج يكاد يتكرر ب�ص����ورة �أو ب�أخرى يف دول‬ ‫كث��ي�رة‪ ،‬الأمر الذي يدعون����ا للت�أمل يف الأ�سباب والعوام����ل احلقيقية التي‬ ‫جتعل م����ن االنتخابات م�شكلة ولي�س �آلية حل����ل ال�صراعات ال�سيا�سية كما‬ ‫هو احلال يف الدميقراطيات العريقة‪.‬‬ ‫عواق��ب االنتخاب��ات غ�ير الدميقراطي��ة ت��ب�رز‬ ‫م�س�أل����ة �إجراء االنتخابات يف ظل ظروف غري طبيعية ك�أحد الأ�سباب التي‬ ‫ت�����ؤدي �إىل االنتقا�ص من نتائ����ج االنتخابات‪� .‬إن الظ����روف الطبيعية التي‬ ‫نق�صده����ا هنا‪ ،‬ميك����ن تلخي�صها يف وجود دولة م�ستق����رة‪ ،‬ونظام �سيا�سي‬ ‫ي�ؤمن بالقيم الليربالية‪ ،‬ولديه ر�صي ٌد هائ ٌل من احرتام القانون واحلريات‬ ‫العامة‪ ،‬وجمتمع ت�سوده الأفكار العقالنية‪� ،‬إذ غالب ًا ما ت�ؤثر ثقافة املجتمع‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪181‬‬


‫اجتاهات عاملية‬

‫‪182‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫الأنظمة الديكتاتورية‬ ‫والت�سلطية ت�سعى‬ ‫ال�ستغالل فكرة االنتخابات‬ ‫لتح�سني �صورتها واكت�ساب‬ ‫أم�س‬ ‫�شرعية هي يف � ّ‬ ‫احلاجة �إليها بعد �ضمور‬ ‫ال�شرعيات الثورية‬

‫‪ME Archive‬‬

‫العراقي الراحل �صدام ح�سني من امل�ؤمنني بالدميقراطية كمعظم احلكام خارجية ال ت�صب بال�ضرورة يف م�صلحة اللبنانيني‪ ،‬تدرك �أن ذلك �سي�ؤدي‬ ‫الع����رب‪ ،‬وكان ي����رى يف نف�سه القائ����د الذي يحبه �شعب����ه دون احلاجة �إىل �إىل الق�ض����اء عليها‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬ف�����إن وجود حزب اهلل الذي ميثل وجهة‬ ‫انتخابات‪ ،‬لكن ال�ضغوط الدولية دفعته �إىل تنظيم ا�ستفتاء �شعبي‪ ،‬ح�صل نظ����ر دينية ذات طابع �شيعي ميث����ل حاجة حلزب الق����وات اللبنانية الذي‬ ‫في����ه على ‪ %100‬م����ن الأ�ص����وات‪ ،‬وهي ن�سب����ة بح�سابات عقلي����ة ب�سيطة ال يحب �أن ي�صنف نف�سه كحامٍ للم�سيحيني‪ ،‬ووجود تيار امل�ستقبل الذي مييل‬ ‫ميكن �أن حت�صل �أبداً‪ .‬عندما �سقط نظام �صدام بوا�سطة الأمريكيني‪ ،‬مت �إىل تبن����ي فكرة قيادة ال�سنة للبنان حاجة �ضرورية لتيار الزعيم امل�سيحي‬ ‫الرتويج ملقولة �أن العراق �أ�صبح بل����د ًا دميقراطياً‪ ،‬ولرت�سيخ هذه ال�صورة مي�شي����ل ع����ون‪ ،‬والعك�س‪� .‬إن ه����ذه الطريقة يف التفكري تخ����رج االنتخابات‬ ‫عن العراق اجلديد مت تنظيم انتخابات برملانية ملرتني‪ ،‬وانتخابات حملية من كونه����ا �آلية ت�ساعد على اختيار احلكام وت�سوي����ة اخلالفات ال�سيا�سية‬ ‫وحي����دة منذ ‪ 2003‬وهو العام الذي �شهد احتالل العراق وحتى الآن‪ .‬وعلى بطريقة �سلمية‪� ،‬إىل حمطة يتم فيها حماولة ت�شويه الآخر و�إعالن احلرب‬ ‫الرغ����م من احلما�سة التي �أبداه����ا املواطنون العراقيون للم�شاركة يف هذه عليه‪ .‬ولي�س من قبيل امل�صادف����ة �أن معظم الأزمات احلروب الأهلية التي‬ ‫االنتخاب����ات‪� ،‬إال �أن الظروف غري الطبيعية التي يعي�شونها نتيجة الأو�ضاع �شهدها لبنان كانت تعقب االنتخابات‪ ،‬كحربي ‪ 1958‬و‪.1975‬‬ ‫الأمني����ة غري امل�ستقرة‪ ،‬وكذا االنق�سامات احل����ادة جتاه ق�ضايا كربى مثل‬ ‫بالت�أكي����د لي�س����ت االنتخاب����ات يف ح����د ذاتها ه����ي �سبب ه����ذه الأزمات‬ ‫االحت��ل�ال واملقاومة والد�ست����ور‪ ،‬و �إعطاء هذه االنق�سام����ات بعد ًا طائفياً‪ ،‬واحل����روب‪ ،‬ولك����ن قد ت�صب����ح �أحد الأ�سب����اب التي ت�ساه����م يف زيادة حدة‬ ‫جعلهم حتت �ضغ����وط معنوية هائلة‪ .‬فقد بدت الأح����زاب العراقية وك�أنها ال�صراع����ات الداخلي����ة �إذا �أجريت يف ظروف تت�سم بالتوت����ر والع�شوائية‪،‬‬ ‫مدافعة عن الدين وعن وجود الطائفة‪ ،‬وهذا انعك�س بدوره على الناخبني خ�صو�ص���� ًا يف ح����ال ت�شب����ع املجتمع����ات ب�أف����كار ذات طبيع����ة فا�شي����ة‪ .‬ويف‬ ‫الذي����ن رغم ت�أكدهم من �أن خيار الت�صوي����ت على هذا الأ�سا�س لي�س �أمر ًا ه����ذا الإطار‪ ،‬يلح����ظ الكاتب واملفك����ر الأمريكي املعروف فري����د زكريا يف‬ ‫�صائب ًا �إال �أنهم قاموا بذلك‪ ،‬خوف ًا من �أن يتهمهم �أحد بالت�سبب يف هزمية كتابه”م�ستقب����ل احلرية” ا�ست�سالم العرب ملثل ه����ذه الأفكار‪� ،‬إذ يرى �أن‬ ‫الطائف����ة الت����ي ينتمون �إليه����ا‪ .‬وبنجاح منقط����ع النظري ا�ستغ����ل الالعبون الع����امل العربي يجد نف�سه اليوم حما�صر ًا بني دول حكم الفرد وجمتمعات‬ ‫ال�سيا�سي����ون العراقي����ون االنتخابات التي متثل منا�سب����ة للتعبئة ال�سيا�سية غ��ي�ر ليربالية ال ميثل �أي منها �أر�ض ًا خ�صبة للدميقراطية الليربالية‪ .‬هذه‬ ‫وحل�ش����د اجلماهري وامل�ؤيدين �أي�ض ًا يف التعبئة املذهبية‪ ،‬وعلى �سبيل املثال الدينامية بني هاتني القوتني التي ي�صفها زكريا باخلطرية‪� ،‬أفرزت مناخ ًا‬ ‫�أثناء االنتخابات الربملانية الأخرية التي جرت يف �آذار‪ /‬مار�س ‪ 2010‬كان �سيا�سي ًا م�شحون ًا بالتطرف الديني والعنف‪ .‬فطوال الوقت تدافع الأنظمة‬ ‫�شع����ار الكثري م����ن و�سائل الإع��ل�ام امل�ؤيدة لرئي�س ال����وزراء العراقي نوري عن نف�سها بو�صفها املفو�ضة من اهلل وال�شعب بنف�س القدر رمبا‪ ،‬فيما على‬ ‫املالكي‪ ،‬ولقادة �آخرين من الطائفة ال�شيعية هو الت�صويت الكثيف حتى ال اجلانب الآخر‪ ،‬حتاول اجلماع����ات الدينية جر النا�س ملنطقها الذي يبعد‬ ‫يفوز �أعداء الإمام علي بن �أبي طالب اخلليفة الرابع‪.‬‬ ‫كثري ًا عن الأر�ض‪.‬‬ ‫م����ا يزعج كثري م����ن العراقيني حتى �أولئ����ك الذين وافق����وا على الإدالء‬ ‫وم����ن �ضمن العوام����ل التي ال ت�سم����ح بوجود انتخابات حت����وز على ر�ضا‬ ‫ب�أ�صواته����م بن����ا ًء على خي����ارات طائفية‪� ،‬أن االنتخابات ب����د ًال من �أن تكون غالبي����ة النا�����س‪� ،‬أنه����ا جت����ري وف����ق �ش����روط جمحف����ة‪ .‬فافتق����اد العملية‬ ‫خط����وة يف �إط����ار بناء دول����ة حديثة‪ ،‬وطريق����ة مثلى ال�ستيع����اب اخلالفات االنتخابي����ة لأب�سط معايري ال�شفافي����ة والنزاهة يجعل منها عملية ال ميكن‬ ‫ال�سيا�سية والو�صول �إىل ت�سوية ب�ش�أنها‪ ،‬باتت منا�سبة‬ ‫الوثوق بها‪ .‬وهذا �سي�ؤدي بال�ضرورة �إىل الت�شكيك‬ ‫للتحري�����ض الطائفي‪ ،‬وا�ستنف����ار النا�س �ضد بع�ضهم تبدو االنتخابات يف دول مل بنتائجه����ا‪ ،‬وقد ي�صل الأم����ر بالبع�ض �إىل مقاومة‬ ‫البع�����ض‪ ،‬وه����و الأم����ر الذي يه����دد وحدته����م و�أمنهم حت�سم خياراتها الكربى ومل ه����ذه النتائج بالقوة‪ .‬تتمثل ه����ذه ال�شروط التي ال‬ ‫وا�ستقراره����م‪ .‬وباملث����ل‪ ،‬يب����دو لبنان هو الآخ����ر بلد ًا‬ ‫تت�ص����ف بالعدالة يف �إ�صدار قوانني حتد من حرية‬ ‫قواعد‬ ‫إر�ساء‬ ‫�‬ ‫من‬ ‫تتمكن‬ ‫يع����اين من عدم قدرت����ه على فهم معن����ى االنتخابات‬ ‫املتناف�سني جلهة امل�شاركة يف الرت�شح واالنتخاب‪.‬‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬فالأحزاب والقوى ال�سيا�سية اللبنانية حياة مدنية يف جمتمعاتها‪ ،‬فاالنتخاب����ات الإيراني����ة ب�صف����ة عام����ة ت�شه����د‬ ‫تبن����ي خطابه����ا ال�سيا�س����ي عل����ى الت�شكي����ك بالآخ����ر وك�أنها حمطة ال�ستعرا�ض با�ستم����رار ع����دم ال�سماح لبع�ض الذي����ن يتقدمون‬ ‫والتحري�ض علي����ه خ�صو�ص ًا يف موا�س����م االنتخابات‪.‬‬ ‫بطلبات الرت�شح حتت دعاوى واهية‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫غري‬ ‫ال‬ ‫العاقلة‬ ‫غري‬ ‫القوة‬ ‫لكن املفارقة �أن هذه الطبقة ال�سيا�سية التي ت�ستخدم‬ ‫م����ن �أن هذا الإج����راء الذي بات �سم����ة من �سمات‬ ‫�أحيان���� ًا و�سائل غري �أخالقية �ضد بع�ضها البع�ض‪ ،‬مبا‬ ‫االنتخابات يف �إيران ق����د �أعطى �صورة غري جيدة‬ ‫يف ذل����ك الت�آمر والتواط�ؤ مع جهات خارجية‪ ،‬تق����وم باتخاذ موقف موحد ع����ن الدميقراطي����ة الإيرانية‪ ،‬ف�����إن دو ًال عدة ب����د�أت يف الفرتة الأخرية يف‬ ‫�ضد �أي �إ�صالحات تط����ال النظام ال�سيا�سي �أو قانون االنتخاب‪ .‬ومن غري تطبيق �سيا�سة التمييز هذه‪.‬‬ ‫جتنٍ ‪ ،‬ف�����إن هذه القوى باخت��ل�اف تنويعاتها وم�سمياتها ت����درك �أن �إجراء‬ ‫وبالإ�ضاف����ة �إىل ذل����ك‪ ،‬تع����د الطريق����ة التي يت����م فيها �إع����داد �سجالت‬ ‫تعديالت جوهرية على القانون الذي ينظم االنتخابات مبا ي�سمح بالتفلت الهيئ����ات الناخبة غ��ي�ر ذات م�صداقية‪ ،‬حي����ث متتلىء ب�أ�سم����اء وهمية ال‬ ‫م����ن القي����ود الطائفي����ة‪ ،‬ومبا ي�����ؤدي �إىل تو�سي����ع اخليارات �أم����ام خمتلف وج����ود لها على �أر�ض احلقيقة‪ ،‬الأمر ال����ذي يف�سر ح�صول مر�شح ما على‬ ‫قطاع����ات ال�شع����ب‪ ،‬الأمر الذي ي�ساعد يف �إنتاج خي����ارات �سيا�سية جديدة ن�سب����ة �أ�ص����وات �أكرث م����ن املتوقع بكثري‪ .‬ومم����ا يزيد ال�شع����ور بالغنب لدى‬ ‫تكون �أكرث مدنية و�أكرث مي ًال للتحدث بلغة وطنية بعيد ًا عن الت�أثر مبواقف‬

‫كثري م����ن التيارات ال�سيا�سي����ة �أن اللجان التي يُعهد �إليه����ا الإ�شراف على‬ ‫العملي����ة االنتخابية يف كثري من الدول ت�ساه����م يف �شرعنة هذه املخالفات‬ ‫ال�صارخة‪ .‬وال يتوقف الأمر عند هذا احلد‪ ،‬بل �أن بع�ض اللجان تقوم بكل‬ ‫الأعم����ال التي من �ش�أنه����ا حتويل عملية انتخابي����ة �إىل عملية قذرة �أو على‬ ‫الأقل �إىل مهزلة ال ت�ضحك �أحداً‪.‬‬ ‫ت�سعى الأنظمة‬ ‫االنتخابات و�ص��ناعة اخلوف‬ ‫الديكتاتوري���ة والت�سلطي���ة ب���كل ثق���ة ممكن���ة ال�ستغالل فك���رة االنتخابات‬ ‫أم�س احلاجة �إليها بعد �ضمور‬ ‫لتح�س�ي�ن �صورتها واكت�ساب �شرعية ه���ي يف � ّ‬ ‫ال�شرعي���ات الثوري���ة‪ ،‬فلم يع���د مقبو ًال يف ع���امل اليوم �أن يك���ون اال�ستبداد‬ ‫ال�سيا�س���ي بالو�ضوح ال���ذي كان يف املا�ضي‪ .‬و�إىل جان���ب ذلك‪ ،‬تعتقد هذه‬ ‫الأنظم���ة �أن االنتخابات فر�صة ال يجب ت�ضييعها للح�صول على م�ساعدات‬ ‫اقت�صادي���ة معتربة‪ .‬وهكذا‪ ،‬ف�إن االنتخابات التي جتري يف كثري من الدول‬ ‫الت���ي تت�س���م �أنظمتها بالأحادي���ة ال عالقة له���ا بتطوير احلي���اة ال�سيا�سية‬ ‫الداخلي���ة‪ .‬وم���ا يجع���ل هذه الأنظم���ة تتم�سك به���ذه ال�سيا�سة ه���و قدرتها‬ ‫عل���ى قمع معار�ضيها بق�س���وة بالغة من دون التعر����ض لالنتقادات من قبل‬ ‫ال���دول الكربى التي تق���دم نف�سها على �أنها راعية القي���م الدميقراطية يف‬ ‫العامل‪ .‬وال�ش���ك �أن هذه الأنظمة‪ ،‬وعلى وجه اخل�صو����ص الأنظمة العربية‬ ‫وبخبث حت�سد عليه‪ ،‬متكنت من �إقناع الأمريكيني والأوربيني‬ ‫ٍ‬ ‫والإ�سالمية‪،‬‬ ‫ب����أن الدميقراطية ق���د ت�أتي ب�أ�شخا�ص معادين ل�سيا�سته���م‪ .‬ويبدو �أن هذا‬ ‫ال���كالم قد وجد �آذان ًا �صاغية‪ ،‬فعلى الرغم م���ن عدم قدرتهم على �إخفاء‬ ‫امتعا�ضه���م من الطريقة التي يتم فيه���ا التعامل مع االنتخابات على �سبيل‬ ‫املث���ال‪ ،‬لكنهم �صاروا �أكرث اقتناع ًا م���ن ذي قبل‪ ،‬ب�أن االنتخابات قد تكون‬ ‫ج�سر ًا لو�صول �أعداء �أمريكا �إىل ال�سلطة‪ ،‬وهو ما ينبغي العمل دون ح�صوله‬ ‫ب�أي ثمن‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سي���اق‪ ،‬يقول الدبلوما�سي الأمريكي ريت�شارد هولربوك الذي‬ ‫لعب �أدوار ًا مهمة يف البو�سنة و�أفغان�ستان وباك�ستان‪ ،‬والذي تويف يف الثالث‬ ‫ع�ش���ر من كانون الأول‪ /‬دي�سمرب ‪ ،2010‬يف �سياق حديثه عن يوغ�سالفيا يف‬

‫ت�سعينيات القرن املا�ضي‪« :‬لنفرت�ض �أن االنتخابات حرة ونزيهة‪ ،‬و�أن الذين‬ ‫يت���م انتخابهم عن�صريون وفا�شيون وانف�صاليون‪ .‬هنا تكمن املع�ضلة‪ ،‬و�إنها‬ ‫كذلك بالفعل‪ ،‬لي�س يف يوغ�سالفيا وح�سب‪ ،‬و�إمنا يف العامل‪ .‬ت�أمل على �سبيل‬ ‫املث���ال‪ ،‬التحدي الذي نواجهه عرب العامل الإ�سالمي‪ .‬نحن نعرتف باحلاجة‬ ‫�إىل الدميقراطي���ة يف تلك البلدان الت���ي ت�شكو دائم ًا القمع‪ ،‬لكن ماذا لو �أن‬ ‫الدميقراطي���ة �أف���رزت ثيوقراطية �إ�سالمي���ة �أو �شيئ ًا من ه���ذا القبيل‪� .‬إنها‬ ‫لي�ست ق�ضية تافهة» (�أنظر‪ :‬كتاب “م�ستقبل احلرية” لفريد زكريا)‪ .‬ومن‬ ‫نافل���ة الق���ول‪� ،‬أن هذه املخاوف ق���د ا�ستولت على تفك�ي�ر الرئي�س الأمريكي‬ ‫ب���اراك �أوباما ومن قبله الرئي�س جورج بو�ش االب���ن‪ ،‬وهو الأمر الذي يف�سر‬ ‫تراجع الواليات املتحدة عن التزامات �سابقة بدعم الدميقراطية يف ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪.‬‬ ‫والواق���ع �أن �إدراك ه���ذه الأنظمة لهذه املتغريات جع���ل �سلوكها يف الآونة‬ ‫الأخرية يت�سم بالغرور‪ ،‬وقد و�صل اال�ستخفاف بقواعد العمل ال�سيا�سي �إىل‬ ‫�أن تق���وم باختي���ار من يحق له �أن يك���ون معار�ض ًا ل�سيا�سته���ا‪ .‬لكن جناحها‬ ‫يف ه���ذا الأمر ال يجب �أن يدعوها لالطمئنان ب�ش���كل �أكيد‪ .‬فال�شرعية التي‬ ‫تعتق���د هذه الأنظم���ة ب�أنها اكت�سبته���ا نتيجة انتخابات غ�ي�ر نظيفة‪ ،‬لي�ست‬ ‫�شرعي���ة نهائية‪ .‬فاملعار�ضون له���ذه الأنظمة بد�أوا يبن���ون �شرعية وجودهم‬ ‫على هذه االنتخابات �أي�ضاً‪.‬‬ ‫وق���د �سمح ابتذال الطبقات احلاكمة يف بلدان كثرية للمعار�ضة �أن حتقق‬ ‫تقدم ًا على ه���ذا ال�صعيد‪ .‬فبد�أ التفكري ب�شكل جدي لإن�شاء كيانات موازية‬ ‫للم�ؤ�س�سات الر�سمية‪ ،‬وبغ�ض النظر عن ا�ستمرار هذه الكيانات املوازية ف�إن‬ ‫ثم���ة حتو ًال ب���د�أ يطر�أ على تفكري املعار�ضة التي يبدو �أنها مل تعد قادرة على‬ ‫اال�ستم���رار يف لعب دور املتفرج املُتبرّ م با�ستم���رار‪ .‬هذا التطور املحدود يف‬ ‫تفك�ي�ر املعار�ض���ة ي�شي رمبا مبواجه���ة �أكرث حدة يف امل�ستقب���ل‪ ،‬ما يعني �أن‬ ‫االنتخابات رمبا فقدت وظيفتها الأ�سا�سية وهي امل�ساعدة على التغيري‪ ،‬ويف‬ ‫ح���ال ا�ست�شرى هذا الإح�سا�س القامت لدى قطاع���ات وا�سعة من املجتمعات‬ ‫ف�إن الأمور لن تكون م�أمونة العواقب‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪183‬‬


‫املائدة امل�ستديرة‬ ‫نقا�ش * ق�ضية‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة ر�سائل جامعية‬

‫�سيا�سة اليمن اخلارجية‬ ‫جتاه دول القرن الإفريقي‪:‬‬ ‫م�ساهمة يف درا�سة القرار ال�سيا�سي‬

‫حممد علي عمر احل�ضرمي‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪184‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪185‬‬


‫امل�ستديرة‬

‫املائدة‬

‫امل�ستديرة‬

‫املائدة‬

‫ُ‬ ‫الغرباء جُمدداً‬ ‫ال تقت�رص ظاهرة التدخل اخلارجي على بقعة جغرافية واحدة‪ ،‬كما �أنها ال ترتبط بفرتة زمنية حمددة‪ ،‬فهذه الظاهرة قدمية‬ ‫قدم العالقات الدولية التي تت�سم �إما بال�رصاع �أو بالتعاون‪ ،‬ويف كال احلالتني كان التدخل اخلارجي حا�رضاً‪ ،‬وعاد ًة ما كان‬ ‫يمُ ار����س من قبل ال���دول الأقوى على ح�ساب الدول ال�صغرية والأ�ضعف‪ .‬وقد �أح���دث هذا التدخل انق�سامات �شتى بني‬ ‫الق���وى املحلية‪ ،‬فمنهم من طالب بهذا التدخل وا�ستدعاه بهدف ال�ضغ���ط �أو التخل�ص من ال�سلطة “امل�ستبدة احلاكمة”‪،‬‬ ‫وفريق �آخر يرى يف هذا التدخل م�سا�س بال�سيادة الوطنية‪ ،‬وال ميكن القبول به حتت �أي ظرف من الظروف‪ ،‬وفريق ثالث‬ ‫ال يعتربه �رشاً مطلقاً وال خري مطلقاً‪� ،‬أي ميكن القبول به ب�رشوط ووفق حدود و�ضوابط معينة‪.‬‬ ‫والي���وم‪ ،‬ويف ظ���ل تزايد حدة التدخل اخلارج���ي والغربي حتديداً بكاف���ة �أ�شكاله و�صوره يف �ش����ؤون املنطقة والدول‬ ‫العربية‪ ،‬عادت م�س�ألة التدخل الأجنبي لتطرح نف�سها بقوة يف امل�شهد ال�سيا�سي والفكري العربي‪ ،‬وبالتايل ف�إن هناك عدة‬ ‫�أ�سئل���ة ما فتئت تُطرح حول هذا املو�ضوع‪� ،‬أهمها‪ :‬ملاذا تتدخل القوى العظمى و�أمريكا حتديداً يف �ش�ؤون منطقتنا العربية‬ ‫به���ذا ال�ش���كل ال�سافر (�سيا�سياً واقت�صادياً وع�سكري���اً)‪ ،‬وهل �أن هذا التدخل بات �سمة ثابت���ة يف التعامل مع دول املنطقة‬ ‫وجمتمعاتها‪ ،‬وهل هناك عوائد �إيجابية من هذا التدخل‪� ،‬أم �إنها �سلبية دائماً‪ ،‬و�أخرياً ما هي انعكا�سات التدخل اخلارجي‬ ‫على م�ستقبل الدول العربية واملنطقة برمتها؟‬ ‫�أ�سئل���ة توجهت بها «مدارات ا�س�تراتيجية» �إىل نخبة من الك ّتاب والباحثني املهتمني‪ ،‬وق���د تف�ضل بالإجابة عليها كل‬ ‫من‪ :‬ن�ص��ر طه م�ص��طفى الكاتب اليمني املعروف‪ ،‬والدكتور طالل عرتي�س��ي �أ�ستاذ علم االجتماع يف اجلامعة اللبنانية‪،‬‬ ‫والدكتور �أحمد عبدالواحد الزنداين �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية بجامعة �صنعاء‪ ،‬وفرج بوال َع�شّ ��ة الكاتب الليبي املقيم يف‬ ‫�أملانيا‪ .‬وبح�صيلة �إجاباتهم الرثية‪ ،‬خرجنا مبائدتنا امل�ستديرة لهذا العدد‪.‬‬ ‫‪186‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪ME Archive‬‬

‫�رش البد منه؟‬ ‫التدخل اخلارجي‪ ،‬هل هو ٌّ‬ ‫طالل عرتي�سي‬

‫لهذه الأ�سباب‬ ‫يتدخلون يف منطقتنا‬ ‫ثمة �أ�سباب ع��دة جتعل املنطقة العربية‬ ‫الإ�سالمية (ال�شرق الأو�سط) مو�ضع‬ ‫اه���ت���م���ام دويل �إىل ح���د التدخل‬ ‫املبا�شر لكل القوى اال�ستعمارية من‬ ‫�أوروب���ا يف القرن التا�سع ع�شر �إىل‬ ‫الواليات املتحدة يف هذا القرن‪ .‬ومن‬ ‫هذه الأ�سباب ما هو ثابت مثل املوقع‬ ‫اال�سرتاتيجي الذي يدفع القوى اال�ستعمارية‬ ‫�أو القوى الكربى �إىل االحتالل تارة ملواجهة جيو�ش‬ ‫دول �أخرى �أو متهيد ًا للو�صول �إىل مناطق �أخرى‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن ال�شرق‬ ‫الأو�سط هو بوابة �أفريقيا من جهة وعلى تخوم �أوروبا من جهة ثانية‪،‬‬ ‫وهو ممر بري �إلزامي �إىل ال�شرق الأق�صى‪ .‬وهذه املنطقة �أي�ضا غنية‬ ‫بالرثوات التي تثري الأطماع وال�صراعات بني الدول الكربى‪.‬‬ ‫�إىل ه���ذا املوق���ع اال�سرتاتيج���ي لدين���ا �أي�ض��� ًا ثالثة عوام���ل �أو ذرائع‬

‫�أ�سا�سية جتذب هذا التدخل الدويل‪:‬‬ ‫الكيان الإ�س���رائيلي (ويقابله ق�ض���ية فل�سطني)‪ :‬فمن املعلوم �أن �إن�شاء‬ ‫هذه الدولة كان قرار ًا غربي��� ًا �أوروبياً‪ .‬و�أن الأوروبيني يعتربون احلفاظ‬ ‫على وجود هذه الدولة وحمايته ًا مبثابة تكفري عما فعلوه بحق اليهود يف‬ ‫بلدانه���م‪ .‬كما �أن الواليات املتح���دة ت�ؤكد دائم ًا �أن من ثوابت م�صاحلها‬ ‫اال�سرتاتيجي���ة يف ال�شرق الأو�سط هو حماي���ة �أمن �إ�سرائيل‪ .‬وهذا يعني‬ ‫�أن الكث�ي�ر م���ن ال�سيا�سات الدولي���ة ومن حاالت التدخ���ل ومن احلروب‬ ‫واملواجهات �سببها وجود �إ�سرائيل واحلماية التي حتظى بها من الغرب‪.‬‬ ‫وال ينف���ي الق���ادة الأوروبي���ون �أن �إ�سرائيل هي موقع الغ���رب املتقدم يف‬ ‫منطقتن���ا‪ ،‬و�أنها حتم���ي نفوذ هذا الغ���رب‪ ،‬و�أن �أي تراجع لإ�سرائيل هو‬ ‫تراج���ع للغرب ولنف���وذه (كما قال بو�ض���وح ماري خو�س���ي �آزنار رئي�س‬ ‫احلكومة اال�سب���اين ال�سابق يف ‪�« :2010/6/18‬إذا �سقطت �إ�سرائيل �ضاع‬ ‫الغرب»)‪.‬‬ ‫وج���ود النف���ط‪ :‬وهو عامل التدخ���ل املعا�صر منذ اكت�ش���اف هذه الرثوة‬ ‫يف مطل���ع الق���رن املا�ض���ي‪ .‬فب�سبب���ه حتولت منطق���ة ال�ش���رق الأو�سط‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص��� ًا دول اخللي���ج و�إي���ران ومناطق �أخ���رى‪� ،‬إىل ب����ؤرة االهتمام‬ ‫والتدخ���ل الدوليني‪ ،‬وذل���ك مع تزايد احلاجة �إىل النف���ط وم�شتقاته يف‬ ‫ت�شغي���ل امل�صان���ع والطائرات وال�سيارات‪ ،‬ويف حتقي���ق املزيد من الرفاه‬ ‫للأوروبيني والأمريكيني يف حياتهم اليومية‪ .‬لذا تعترب الواليات املتحدة‬ ‫�أن الركي���زة الثانية مل�صاحلها اال�سرتاتيجية بع���د حماية �أمن �إ�سرائيل‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪187‬‬


‫املائدة‬

‫طالل عرتي�سي �أ�ستاذ علم االجتماع يف اجلامعة اللبنانية‪ ،‬وباحث وحملل يف‬ ‫ق�ضايا ال�شرق الأو�سط‪.‬‬

‫�أحمد عبد الواحد الزنداين‬

‫التدخل الأجنبي‬ ‫الذي نرف�ضه‬ ‫يرتبط التدخل الأجنبي يف �ش�ؤون املنطقة‬ ‫العربي���ة ارتباط ًا وثيق��� ًا بطبيعة النظام‬ ‫ال���دويل الذي يق���وده الغ���رب اليوم‪,‬‬ ‫فلقد بينّ علماء العالقات الدولية‬ ‫(من الغرب وال�ش���رق على ال�سواء)‬ ‫�أن النظ���ام ال���دويل املعا�ص���ر ولي���د‬ ‫�صراع مرير خا�ضته �أوروبا يف ع�صور‬ ‫الظ�ل�ام وانته���ى ذل���ك ال�ص���راع بن�صر‬ ‫‪188‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ق���وى ليربالية متكنت من فر����ض مبد�أ العلمانية ال���ذي انبثق عنه مبد�أ‬ ‫ال�سيادة كنظام �سيا�س���ي للمجتمع الأوروبي‪ ,‬ولقد �أقـُ ّر ذلك يف معاهدة‬ ‫وي�ستفالي���ا �سن���ة ‪ ,1648‬وعل���ى هذا الأ�سا����س ظهر يف �أوروب���ا ما يعرف‬ ‫بالعائلة الأوروبية كمجتمع من الدول لها نف�س الثقافة‪ ،‬وتقيم العالقات‬ ‫فيما بينها عل���ى �أ�سا�س املبادئ الليربالية‪ ,‬كما متكنت القوى الليربالية‬ ‫من ه���دم نظام الإقطاع االقت�ص���ادي لتحل حمله مب���ادئ الر�أ�سمالية‪،‬‬ ‫وبذل���ك اكتملت مالمح نظام العائلة الأوروبية‪ ,‬وظل ذلك النظام حكر ًا‬ ‫عل���ى �أوروب���ا دون غريها لكي ال ي�ستفيد الغري من مب���د�أ ال�سيادة‪� ،‬إذ �أن‬ ‫قوى �أوروبا اعتربت �أقاليم الع���امل مباحة حلمالتها اال�ستعمارية‪ ,‬وبعد‬ ‫�أن تع���ذّر على �أوروبا اال�ستم���رار يف ا�ستعمار ال�شع���وب ع�سكرياً‪ ،‬عملت‬ ‫قدر امل�ستطاع على تو�سيع نظامها تدريجي ًا من خالل �ضم كل من يخنع‬ ‫لثقافة ومبادئ العائلة الأوروبية �إىل ما �أ�سمته الحق ًا “املجتمع الدويل”‪.‬‬ ‫وكان���ت �أوروبا قد مدت ج�سورها �إىل الأمريكيتني و�أ�سرتاليا لي�ستوطنها‬ ‫الأوروبي���ون ويهيمنوا عليها بل وينطلقوا منها‪ ,‬ولعل �آخر املتهاوين �أمام‬ ‫الق���وى الليربالية هو االحتاد ال�سوفيت���ي‪ ،‬لينفرد الغرب الليربايل وعلى‬ ‫ر�أ�سه الواليات املتحدة ب�إدارة املجتمع الدويل‪.‬‬ ‫وحت���ت قيادة الواليات املتحدة ظهرت موجة جديدة من متدد املبادئ‬ ‫الليربالية متجه���ة نحو العامل الإ�سالمي‪ ،‬احللق���ة ال�ضعيفة يف ال�ساحة‬ ‫الدولي���ة‪ ،‬ال���ذي ف�ش���ل وذهبت ريح���ه من���ذ �أن دب ال�ضع���ف يف الدولة‬ ‫العثماني���ة وحتول���ت �إىل دويالت �ضعيف���ة كانت قد رزح���ت لال�ستعمار‬ ‫لعقود عدة‪ ,‬تلك الدويالت مل تكن لتقوى على البقاء يف ال�ساحة الدولية‬ ‫�إال بف�ض���ل التوازن الدويل الذي �أوجدته احل���رب الباردة‪ ,‬وما �أن اختل‬ ‫ذل���ك الت���وازن حتى بدت تل���ك الدويالت وعل���ى ر�أ�سها ال���دول العربية‬ ‫هدف ًا م�شروع ًا لقادة النظام الدويل لتفر�ض على �شعوبه مبادئ العائلة‬ ‫الأوروبية‪� ,‬إال �أن ثقافتها بقي���ت خمتلفة وظلت ترف�ض العلمانية وتربط‬ ‫الدي���ن بالدولة‪ ،‬وظلت مبادئها امل�ستقاة من ال�شريعة الإ�سالمية تختلف‬ ‫اختالف��� ًا �صارخ ًا مع ثقاف���ة العائلة الأوروبية‪ ،‬الأم���ر الذي اعتربه قادة‬ ‫النظام الدويل مُعيق ًا ل�سيطرتهم على املجتمع الدويل‪ ,‬ولعل هذا ما دعا‬ ‫ق���ادة حلف النيتو �إىل اعتبار الع���امل الإ�سالمي العدو البديل لل�شيوعية‪،‬‬ ‫الأمر ال���ذي ا�ستوجب بقاء حل���ف النيتو قائم ًا بعد انهي���ار حلف وار�سو‬ ‫‪ ،1991‬ب���ل ومت تغي�ي�ر مهمته م���ن دفاعية �إىل هجومية خ���ارج �أوروبا يف‬ ‫قم���ة �أو�سلو ‪ 1992‬ومت حتديد الأقالي���م التي متدد فيها العامل الإ�سالمي‬ ‫وح�ضارته باعتبارها خطر ًا يهدد احل�ضارة الغربية‪ ،‬وهذا ما مل�سه وعبرّ‬ ‫عنه بو�ضوح كبار منظري الغرب املعا�صرين‪ ,‬كفران�سي�س فوكوياما الذي‬ ‫يقول «�إن الإ�سالم هو احل�ضارة الرئي�سية الوحيدة يف العامل التي لديها‬ ‫بع�ض امل�ش���كالت الأ�سا�سية مع احلداثة الليربالي���ة‪ ...‬ف�إما �أن يت�صالح‬ ‫مع قيم تل���ك احل�ضارة‪ ...‬و�إما الدمار»‪ .‬ويق���ول �صامويل هنتنجتون يف‬ ‫نظريته �صراع احل�ضارات �إن «الإ�سالم هو قوة الظالم يف العامل ب�سبب‬

‫وح�صل لهم التغلب وامللك»‪ .‬ولعل هذا ما اعتربه الكاتب الغربي ال�شهري‬ ‫فريد زكريا‪ ،‬يف م�ؤلفه م�ستقبل احلرية‪ ،‬م�شكلة للح�ضارة الغربية‪ ،‬حيث‬ ‫�أكد �أن امل�شكلة �أمام الغرب يف العامل الإ�سالمي هي «العقل العربي» الذي‬ ‫يعتز بح�ضارته ويرف�ض الت�سليم للح�ضارة الغربية‪ ،‬و�إن كانت ر�ؤيته تلك‬ ‫قد �سيقت بهدف احلث على التدخل يف �ش�ؤون املنطقة العربية‪ ،‬وهو �أم ٌر‬ ‫نرف�ضه جميعاً‪.‬‬

‫‪Evert-Jan Daniels/vii‬‬

‫ه���ي حماية �إنتاج النفط ومن���ع �أي عرقلة لت�صديره‪ ،‬وه���ذا يفرت�ض �أن‬ ‫يكون الغرب مطمئن ًا �إىل طبيعة من يحكم بلدان هذه املنطقة‪.‬‬ ‫الإ�س�ل�ام‪ :‬فهذه املنطقة هي قل���ب العامل الإ�سالمي وفيها �أهم دول هذا‬ ‫الع���امل من الدول العربية �إىل تركيا و�إيران وباك�ستان و�أفغان�ستان‪ .‬ومن‬ ‫املعل���وم �أن الإ�سالم ال���ذي و�صل �إىل تخ���وم �أوروبا يف الق���رون املا�ضية‬ ‫ي�شهد اليوم عودة �إىل حيويت���ه بعد انت�صار الثورة الإ�سالمية يف �إيران‪،‬‬ ‫وبعد ات�ساع دور احلركات الإ�سالمية االحتجاجي ال�سيا�سي يف كثري من‬ ‫بل���دان املنطقة‪� ،‬إىل ات�ساع املخاوف الغربية م���ن دور ون�شاط اجلاليات‬ ‫الإ�سالمي���ة يف ال���دول الغربي���ة‪ .‬وترافق ذلك كله م���ع موجات التطرف‬ ‫الإ�سالم���ي‪ ،‬ومع العنف ال���ذي مار�سته منظم���ات �إ�سالمية مثل منظمة‬ ‫القاع���دة‪ ،‬ما جع���ل الإ�س�ل�ام عموم ًا مو�ض���ع قلق واهتم���ام وتدخل من‬ ‫جان���ب الواليات املتح���دة ومن خلفها �أوروبا من���ذ ‪ 2001‬بذريعة حماربة‬ ‫“الإرهاب”‪.‬‬ ‫وثمة عامل �آخر ال ميكن �إغفال �أهميته يف جذب التدخل اخلارجي هو‬ ‫�سيا�س���ات احلكام و�شخ�صياتهم‪ .‬فكلما كانت �أنظمة احلكم �أقل �شعبية‬ ‫و�أق���ل �شرعية‪ ،‬ت�ضاع���ف االعتماد عل���ى اخلارج للحماي���ة‪ .‬وكلما كانت‬ ‫�شخ�صية الر�ؤ�ساء �أكرث �ضعف ًا وجبن ًا و�أقل قدرة على رف�ض “الطلبات”‬ ‫�أو “التمنيات”‪ ،‬زادت تبعيتهم للخارج الذي ي�ؤمن لهم احلماية والبقاء‬ ‫يف مواقعهم‪.‬‬

‫امل�ستديرة‬

‫املائدة‬

‫امل�ستديرة‬

‫�أحمد الزنداين �أ�ستاذ يف ق�سم العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬جامعة �صنعاء‪.‬‬

‫ن���زوع امل�سلمني نحو ال�صراع العنيف وم���ن هنا (ي�أتي) ال�صدام املحتوم‬ ‫بني الإ�سالم والغرب»‪.‬‬ ‫لكن مل���اذا املنطقة العربية بالذات حمل تدخ���ل الغرب ب�شكل �سافر؟!‬ ‫فم���ن �أبرز مظاهر ذلك التدخ���ل‪ ،‬زرع �إ�سرائيل ودعم الدور الذي تقوم‬ ‫به ب�شكل مطلق‪ .‬يعتقد البع�ض �أن املوقع اجلغرايف والرثوات الكبرية هي‬ ‫ال�سب���ب يف التدخ���ل‪ ,‬و�إن كانت هذه الر�ؤية ال تخلو م���ن ال�صحة‪� ,‬إال �أن‬ ‫ل���كل منطقة موقعها املهم وثرواتها الغني���ة كذلك‪ ,‬لذا نعتقد �أن ال�سبب‬ ‫الرئي�س���ي ه���و �أن هذه املنطقة ه���ي منبع الإ�سالم ال���ذي يرف�ض مبادئ‬ ‫الليربالي���ة‪ ،‬و�أن لغته���ا العربي���ة مكّنت الع���رب من فه���م ال�شريعة دون‬ ‫م�ؤ�س�سات و�سيطة‪ .‬فالعربي‪ ,‬على �سبيل املثال‪ ,‬يقر�أ قوله تعاىل «ومن مل‬ ‫يحكم مبا �أنزل اهلل ف�أولئك هم الظاملون» ويفهمه بي�سر‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تظل‬ ‫ه���ذه املنطقة يف نظر الغرب هي الأخطر عل���ى امل�شروع الغربي العاملي‪.‬‬ ‫ولق���د الحظن���ا �أن الغرب حتى خ���ارج املنطقة العربي���ة ي�ستهدف ب�شكل‬ ‫�أ�سا�س���ي الفئات التي تعلمت على �أيدي الع���رب وت�شربت لغتهم و�أخذت‬ ‫م���ن ثقافتهم الإ�سالمية‪ ,‬ومن هنا ن���درك �أن اللغة هي ثقافة وتعد �أهم‬ ‫الأدوات لن�ش���ر احل�ضارة بكل مدلوالتها من دين و�سلوك وقيم و�أخالق‪،‬‬ ‫و�أن املنطق���ة العربية هي �صاحبة هذه اللغ���ة‪ ,‬وهكذا ي�أتي الرتكيز على‬ ‫املنطق���ة العربي���ة دون غريها لأنها مبثابة القلب م���ن اجل�سد للح�ضارة‬ ‫الإ�سالمي���ة‪ ،‬والتدخل يتم لإجبارها على هجر ثقافته���ا وقبولها بثقافة‬ ‫العائلة الأوروبية‪ ،‬ثقافة املجتمع الدويل املعا�صر‪.‬‬ ‫ومل يفت ذلك على علماء امل�سلمني‪ ,‬فالعالمة املودودي انكب على و�ضع‬ ‫خط���ة تعليمية للجامع���ات الإ�سالمية العاملية‪ ،‬كان �أح���د �أهم تو�صياتها‬ ‫«�أن تك���ون لغ���ة الدرا�سة بلغة ثقافتنا اللغة العربي���ة»‪ ,‬وهنا �أت�ساءل ملاذا‬ ‫قال «لغة ثقافتنا؟» وهو هندي املولد والل�سان! يف تقديرنا �أنه يعي متام ًا‬ ‫ارتب���اط ال�شريعة الإ�سالمي���ة بلغة ثقافتها اللغة العربي���ة‪ ,‬كما يرى ابن‬ ‫خل���دون �أن للعرب �سجاي���ا ك�سالمة الفطرة والأنف���ة وال�شهامة والكرم‪،‬‬ ‫و�إذا م���ا قادهم الدي���ن �أزاحوا غريهم من احل�ض���ارات و�سادوا العامل‪.‬‬ ‫وه���ذا ما عرب عنه اب���ن خلدون بقوله «ف����إذا كان فيهم النب���ي �أو الويل‬ ‫ال���ذي يبعثهم على القيام ب�أمر اهلل‪ ,‬ويذه���ب عنهم مذمومات الأخالق‬ ‫وي�أخذه���م مبحموده���ا‪ ,‬وي�ؤل���ف كلمته���م لإظهار احل���ق‪ ,‬مت اجتماعهم‬

‫فرج بوالعَ�شّ ة‬

‫التدخل اخلارجي‬ ‫واال�ستبداد الداخلي‬ ‫�سيّان!‬ ‫�إن العرب �أما �أن يقودوا منطقتهم متوحدين‬ ‫يف م�شروع ح�ضاري جامع �أو �أن يكونوا‬ ‫�أدوات��� ًا يف لعبة الأمم الكربى‪ ،‬عاملي ًا‬ ‫و�إقليمياً‪� .‬سواء كانت حولهم‪ ،‬حتايثهم‬ ‫وت��داخ��ل��ه��م‪� ،‬أو �أت���ت �إل��ي��ه��م غازية‬ ‫م��ن وراء ال��ب��ح��ار وامل��ح��ي��ط��ات‪ .‬قبل‬ ‫الإ�سالم كان العرب قبائل مت�شرذمة‬ ‫خ��ارج التاريخ‪ .‬لكل قبيلة �إل��ه خا�صتها‪.‬‬ ‫يتقاتلون قبائل وممالك‪� ،‬أحيان ًا لأتفه الأ�سباب‪:‬‬ ‫داح�س والغرباء مثاالً‪ .‬فهيمن على منطقتهم الروم والفر�س‪ ،‬ال�سيما‬ ‫ممالكهم احل�ضرية‪ ،‬فتحولوا �إىل �أدوات ل�صراع نفوذ الإمرباطوريتني‬ ‫(الرومانية والفار�سية) على املنطقة العربية‪ .‬فكان منهم فريق (مملكة‬ ‫الغ�سا�سنة) عمي ًال للروم‪ ،‬و�آخر (مملكة احلرية) عمي ًال للفر�س‪ .‬ومل‬ ‫يدخل العرب التاريخ �إال عندما توحدوا يف م�شروع ح�ضاري جامع حتت‬ ‫عنوان الإ�سالم ال��ذي توافق ظهور نبيه مع معركة ذي قار (هو �أول‬ ‫يوم انت�صف فيه العرب من العجم)‪� ،‬أي �أول يوم توحدت فيه القبائل‬ ‫العربية املتعددة يف م�صري واحد م�شرتك‪ ،‬بالتناظر مع �إزهاق الإلهة‬ ‫املتعددة بوحي الإله الواحد الأحد‪ .‬والنتيجة ظهور �أمة «�إمنا امل�سلمون‬ ‫�إخوة»‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪189‬‬


‫املائدة‬

‫‪190‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫واقت�صادي��� ًا وع�سكرياً‪� ،‬سمة ثابتة يف التعامل م���ع العرب‪ .‬وبالقطع لي�س‬ ‫هناك من عوائد �إيجابية لهذا التدخل‪ .‬فهو قائم على ا�سرتاتيجية �إبقاء‬ ‫الع���رب �شعوب ًا �ضعيف���ة‪ ،‬وخانعة لأنظمتها اال�ستبدادي���ة اخلانعة بدورها‬ ‫لل�سيد الأمريكي كو�صفة مثالية ال�ستمرارية الهيمنة الأمريكية واحلفاظ‬ ‫على م�صاحله���ا احليوية التي هي م�صالح �إ�سرائي���ل بال�ضرورة‪ .‬وعليه‪،‬‬ ‫ف�إن املنطقة العربية تواجه يف امل�ستقبل املنظور خيارين م�صرييني‪ :‬ف�إما‬ ‫�أن حتق���ق ال�شعوب خال�صها الدميقراطي من �أنظمة اال�ستبداد وطبائعه‬ ‫وبالتايل اخلال�ص من التبعية للأجنبي‪� ،‬أو هي الفو�ضى واخلراب‪.‬‬ ‫فرج بوالعَ�شّ ة كاتب وباحث ليبي مقيم يف �أملانيا‪.‬‬

‫ن�صر طه م�صطفى‬

‫ال�سلبي والإيجابي‬ ‫يف التدخل الأجنبي‬ ‫يف ت�صوري �أن غياب احل��د الأدن��ى من‬ ‫التن�سيق والتكامل العربي هو ال�سبب‬ ‫الرئي�س للفراغ احلا�صل يف املنطقة‬ ‫العربية‪ ،‬وال��ذي ينتج عنه تلقائي ًا‬ ‫م��ث��ل ه����ذا ال���ت���دخ���ل ال���غ���رب���ي يف‬ ‫�ش�ؤونها‪ .‬و�إىل كل ذل��ك‪ ،‬فاملنطقة‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة ك��م��ا ه��و م��ع��روف حتتفظ‬ ‫ب�أكرب احتياطي �إ�سرتاتيجي من نفط‬ ‫العامل‪ ،‬وهي كذلك �أخطر ب�ؤرة �صراع وتوتر‬ ‫يف الوقت احلا�ضر‪ ،‬وال ميكن للقوى العظمى ويف مقدمتها الواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية �أن ترتكها بعيد ًا عن �أنظارها‪ ،‬وقد جاءت الوثائق‬ ‫التي ن�شرها موقع «ويكيليك�س» لتعزز القناعة بحجم التدخل الكبري‬ ‫لوا�شنطن يف �ش�ؤون املنطقة العربية‪.‬‬ ‫ويف الوق���ت نف�س���ه‪ ،‬ال ميك���ن الق���ول ب����أن ه���ذا التدخل �أم���ر جديد‪.‬‬ ‫فال�ص���راع على املنطقة خالل احلرب الب���اردة كان وا�ضح ًا وقوياً‪ ،‬رغم‬ ‫امتالك الواليات املتح���دة ملعظم �أوراق النفوذ منذ منت�صف �سبعينيات‬ ‫القرن املا�ض���ي‪ .‬وبالتايل ال �أظننا �أمام متغري جديد يف الوقت احلا�ضر‬ ‫�س���وى �أن التدخ���ل يف �ش�ؤون املنطق���ة �أ�صبح �أكرب و�أو�ض���ح من ذي قبل‪،‬‬ ‫نتيجة املخا�ضات ال�صعبة التي متر بها دول املنطقة ب�سبب �شيوع مبادئ‬ ‫الدميقراطية والتعددية وحري���ة ال�صحافة والإعالم‪ ،‬وما نتج عنها من‬

‫‪Flickr‬‬

‫وهك���ذا متكّن الع���رب يف �سرعة تاريخية خاطفة م���ن طرد الروم حتى‬ ‫�أ�سوار الق�سطنطينية والق�ضاء نهائي ًا على عر�ش الأكا�سر‪ ،‬ومن ثم دخول‬ ‫�أه���ل فار�س يف الإ�س�ل�ام لي�صريوا �إخوة الع���رب يف الإ�سالم‪ .‬ثم ملا وهن‬ ‫العرب وانحطت دولتهم العبا�سية‪� ،‬آلت مقاليد ال�سلطة يف بغداد للعن�صر‬ ‫الفار�س���ي يف العه���د البويه���ي‪ ،‬بحي���ث كان اخللف���اء العبا�سي���ون العرب‬ ‫جم���رد واجه���ة �سيا�سية حلكمهم‪ ،‬الذي دام قرابة ق���رن ون�صف (‪- 320‬‬ ‫‪447‬ه���ـ‪ .)1055 - 932/‬وملا وهن���ت �شوكة الفر�س �آل حك���م الإمرباطورية‬ ‫العبا�سي���ة �إىل ال�سالجقة ‪ -‬الأت���راك الذين تفرّخ عنه���م حكم املماليك‬ ‫ملعظ���م الأم�ص���ار العربية‪ .‬لكنن���ا ال نقول �إن حكم الفر����س �أو ال�سالجقة‬ ‫حكم���ا �أجنبياً‪ ،‬فهم �إمنا كانوا يحكمون ب�صفتهم م�سلمني ولي�سوا �أعراق ًا‬ ‫دخيل���ة �أو م�ستعمِ رة‪ .‬وق���د كان للمماليك دور تاريخ���ي مف�صلي يف دحر‬ ‫املغ���ول وط���رد ال�صليبيني من ال�شرق العربي‪ .‬ث���م �أنتقل ثقل مركز القوة‬ ‫الإ�سالمي���ة �إىل العثماني�ي�ن الذي���ن �صف���وا وجود ال���روم البيزنطيني من‬ ‫ال�ش���رق بعد فت���ح الق�سطنطينية الع���ام ‪ ،1453‬لتتحول معظ���م الأم�صار‬ ‫العربي���ة �إىل والي���ات تابعة للدولة العثمانية‪ .‬وقد قبل���ت ال�شعوب العربية‬ ‫بحك���م الإمرباطورية العثمانية لقرابة �أربعة قرون بح�سبانها حاملة لواء‬ ‫اخلالف���ة الإ�سالمي���ة‪ ،‬ومنق���ذ ًا يف نظر تلك ال�شعوب م���ن حكم املماليك‬ ‫امل�ستبدين �أو امل�ستعمر الأجنبي‪ ،‬لك���ن الإمرباطورية العثمانية تبقى قوة‬ ‫خارجي���ة يف نهاية التحليل التاريخ���ي املو�ضوعي‪ .‬وقد عا�ش العرب حتت‬ ‫�سلطانه���ا م�سلوبي الإرادة القومية يف الت�شكل ك�أم���ة عربية م�ستقلة‪ .‬وملا‬ ‫وه���ن العثمانيون وتفككت �إمرباطوريتهم الإ�سالمية‪� ،‬أنك�شف العرب من‬ ‫جديد �ضعف���اء متخلفني مت�شرذمني‪ ،‬ليقعوا ب�سهولة يف قب�ضة اال�ستعمار‬ ‫الأوروبي رغم املقاومات اجلهادية البطولية‪.‬‬ ‫وهكذا ف����إن العرب‪ ،‬ما ع���دا حلظتهم التاريخية الذهبي���ة املمتدة من‬ ‫دولة النب���ي �إىل دولة �آخر خليفة عربي (امل�ستع�صم باهلل ‪)1258 - 1213‬‬ ‫خ�ضع���وا للتدخ���ل الأجنبي‪ .‬فمن فر����س وروم الأم�س‪ ،‬ما قب���ل الإ�سالم‪،‬‬ ‫�إىل ال�سالجق���ة والأت���راك‪ .‬ث���م الإنكلي���ز والفرن�ساوية فيما ب�ي�ن القرن‬ ‫التا�س���ع ع�شر ومنت�ص���ف القرن الع�شرين‪� ،‬إىل الأم�ي�ركان وال�سوفيت ما‬ ‫بعد نهاي���ة احلرب العاملية الثاني���ة حتى نهاية احلرب الب���اردة‪ .‬وبعدها‬ ‫�إىل الي���وم تفردت �أمريكا با�ستباحة عاملهم ومواليها بني �صهيون‪ .‬ورغم‬ ‫الإدع���اء بوجود �أنظمة ا�ستقالل الوطني ف�إن العرب ال يحظون من معنى‬ ‫اال�ستق�ل�ال �شيئ���ا يُذك���ر‪ ،‬لأن �إرادته���م يف تقري���ر م�صريه���م ال�سيا�سي‬ ‫دميقراطي��� ًا م�ص���ادرة من امل�ستب���د الداخلي الذي يرهن ب���دوره الإرادة‬ ‫الوطنية بيد املهيمن اخلارجي‪ .‬وهو هنا الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫وهكذا ال �أرى م�ستقب ًال للعرب يف منطقتهم �إال �إذا تخل�صوا من التدخل‬ ‫الداخلي (اال�ستبداد) ك�شرط �شارط للخال�ص من التدخل الأجنبي‪ ،‬الذي‬ ‫لن يك���ف عن تدخله ال�سافر �أو امل�سترت ما دام العرب (�شعوباً) قا�صرين‬ ‫ع���ن اخلال�ص م���ن طغاتهم‪ .‬ول�س���وف يظل التدخ���ل الأجنب���ي‪� ،‬سيا�سي ًا‬

‫امل�ستديرة‬

‫املائدة‬

‫امل�ستديرة‬

‫ح���راك وا�سع �أحدث الكثري من االهتزازات و�إن مل ينجح يف �إحداث �أي‬ ‫تغيري يذكر‪ .‬فالواليات املتحدة الأمريكية نف�سها �أ�صبحت مرتبكة باجتاه‬ ‫اخليار الأف�ض���ل للمنطقة فيما يخ�ص ق�ضايا الدميقراطية وم�شتقاتها‪،‬‬ ‫�إذ ق���د ال تنت���ج ه���ذه الدميقراطي���ة ‪ -‬عل���ى عالته���ا ‪� -‬أنظم���ة �صديقة‬ ‫لوا�شنط���ن مما يعن���ي ال�صدام املبا�شر مع م�صاحله���ا يف املنطقة‪ ،‬كما‬ ‫جت���د من ال�صعوبة �أن تقبل ب�أنظمة م�ستبدة دكتاتورية باعتباره يخالف‬ ‫قيمه���ا ومبادئه���ا املعلنة يف جمال الدميقراطية وحق���وق الإن�سان‪ .‬وكما‬ ‫يبدو فحتى مثل ه���ذا الأمر يتطلب تدخلها وتف�صيل دميقراطية خا�صة‬ ‫للمنطق���ة مبقا�س���ات وم�ستوي���ات خمتلفة‪ ،‬ففي حني جت���د وا�شنطن �أنه‬ ‫ي�صع���ب عليها ال�ضغ���ط على القاهرة لإدارة ح���وار �سيا�سي بني احلزب‬ ‫احلاك���م و�أحزاب املعار�ضة‪ ،‬ف�إنها متار�س مث���ل هذا ال�ضغط دون تردد‬ ‫على �صنعاء لذات الأمر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫عل���ى كل ح���ال‪ ،‬فلي����س كل تدخل �سلب���ي‪ .‬فهناك �أذرع كث�ي�رة متار�س‬ ‫الوالي���ات املتح���دة واالحت���اد الأوروب���ي �ضغوطهم���ا م���ن خالله���ا مثل‬ ‫امل�ؤ�س�س���ات الدولية املانحة على �سبي���ل املثال‪ ،‬وبع�ض متطلبات و�شروط‬ ‫ه���ذه امل�ؤ�س�س���ات ت�صب يف م�صلح���ة دول املنطقة على امل���دى البعيد يف‬ ‫جماالت م���ن نوع الإ�صالح���ات االقت�صادية وحمارب���ة الف�ساد و�إ�صالح‬ ‫الق�ض���اء والإ�صالح���ات الإداري���ة؛ فنحن نعل���م حجم م���ا حتتاجه دول‬ ‫املنطق���ة من �إ�صالحات يف هذه املج���االت‪ .‬لكن كان الأوىل والأف�ضل �أن‬ ‫تبادر هذه الدول لإجراء هذه الإ�صالحات ذاتي ًا دون �أن تنتظر مثل هذه‬ ‫ال�ضغ���وط‪� ،‬إذ �أن ه���ذه ال�ضغوط جتعل �صورة ه���ذه الإ�صالحات وك�أنها‬

‫�ض���د ال�سي���ادة الوطني���ة وا�ستقالل الق���رار الوطن���ي‪� ،‬إال �أن امل�ؤ�سف �أن‬ ‫التج���ارب �أثبت���ت �أن مثل ه���ذه الإ�صالحات ال�ضروري���ة ال ميكن �أن تتم‬ ‫دون �ضغ���وط خارجية‪ ،‬ولو �أن دول املنطقة متتل���ك ر�ؤى �إ�سرتاتيجية يف‬ ‫جم���ال الإ�صالحات مل�ضت يف �إجنازها ب�إرادة داخلية حم�ضة‪ ،‬وحلققت‬ ‫نتائ���ج �أف�ضل‪ ،‬ولك�شفت يف الوقت نف�سه ع���ن �أي نوايا �سلبية لدى القوى‬ ‫الدولية يف حال �ضغطت باجتاه الإ�صالحات لأغرا�ض تتعلق مب�صاحلها‬ ‫ال�سيا�سية واالقت�صادية والأمنية والع�سكرية يف املنطقة‪.‬‬ ‫ال�ش���ك �أن التدخ���ل الع�سكري والأمني املبا�شر ه���و ال�صورة ال�سيئة يف‬ ‫مب���د�أ التدخ���ل‪ ،‬لي�س فقط لأنه ي�ستفز امل�شاع���ر الوطنية عامة يف داخل‬ ‫كل ُقط���ر يحدث فيه مثل ه���ذا التدخل‪ ،‬بل لأنه �أي�ض��� ًا مل ي�ؤ ِّد �إىل نتائج‬ ‫�إيجابية يف الدول التي حدث فيها مثل هذا التدخل ولن ي�ؤدي �أي�ض ًا �إىل‬ ‫نتائ���ج �إيجابية يف �أي دولة تفكر وا�شنطن بالتدخل فيها ع�سكرياً‪ .‬ورغم‬ ‫�أن م���ا ح���دث يف العراق ويحدث يف �أفغان�ستان ي�ؤكد م���ا ذهبنا �إليه‪� ،‬إال‬ ‫�أن احل�سابات الأمريكية كما يبدو يف هذا الأمر هي ح�سابات اقت�صادية‬ ‫�أك�ث�ر منها �سيا�سية وع�سكري���ة؛ فاالقت�صاد الأمريكي ال�ضخم ال يتحمل‬ ‫�أزم���ات ح���ادة‪ ،‬وهو �أح���وج ما يكون خلل���ق مناطق �صراع���ات يف �أنحاء‬ ‫خمتلف���ة م���ن العامل تك���ون كفيلة ب����إدارة حمركات املئات م���ن امل�صانع‬ ‫خمتلف���ة الأغرا�ض وامت�صا����ص البطالة وخلق فر�ص عم���ل‪ ،‬وهذا �أمر‬ ‫تعجز �إرادات �أهل املنطقة ودولها ‪ -‬يف ظروفها احلالية ‪ -‬عن مواجهته‬ ‫واحلد منه‪.‬‬ ‫ن�صر طه م�صطفى كاتب ميني‪ ،‬ورئي�س جمل�س �إدارة وكالة الأنباء اليمنية (�سب�أ)‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪191‬‬


‫الفهر�ست‬ ‫مراجعات للكتب وعرو�ض موجزة‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة درا�سات �إ�سرتاتيجية‬

‫الأ�سلحة ال�صغرية فـي اليمن‬

‫درا�سة ميدانية ل�سوء اال�ستخدام ومعوقات التنمية‬ ‫عبدال�سالم الدار احلكيمي‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫‪192‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪2010‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫أكتوبر‬ ‫نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬ ‫العددان‪ ،5 - 4،‬يوليو‪�/‬‬ ‫العدد ‪6‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪193‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫�صعود‬ ‫العوملة‬

‫عرو�ض موجزة‬

‫وانهيارها‬ ‫هيثم مزاحم‬

‫‪hmzahem@yahoo.com‬‬

‫كت���اب «انهي���ار العومل���ة و�إع���ادة اخرتاع العامل»‪ ،‬الذي ن�ش���ر باللغ���ة االجنليزية يف الع���ام ‪ ،2005‬وترجم �إىل العربي���ة يف �أواخر عام‬ ‫‪ ،2009‬ميثل ر�ؤية نقدية وا�ست�ش���رافية لظاهرة العوملة‪ ،‬دوِّنت قبل نحو ثالث �س���نوات من انهيار العوملة واالقت�ص���ادات العاملية‪،‬‬ ‫خ�صو�ص���اً يف الوالي���ات املتح���دة الأمريكي���ة وعدد من الدول الأوروبية‪ .‬وم�ؤلف الكتاب جون رال�س���تون �س���ول‪ ،‬الكندي اجلن�س���ية‬ ‫واحلا�ص���ل على الدكتوراه يف االقت�ص���اد والعلوم ال�سيا�س���ية من جامعة لندن‪ ،‬يع ُّد فيل�س���وفاً وم�ؤرخاً وكاتباً �سيا�س��� ّياً و�أحد �أبرز‬ ‫املهتمني بتحليل تاريخ احل�ضارة وهيكل ال�سلطة يف الغرب‪ ،‬وما يتفرّع عن هذه الظواهر من ق�ضايا ثقافية ومعرفية‪ ،‬خ�صو�صاً‬ ‫فيما يتعلق مبا حلق هذه الأو�ضاع من ف�ساد‪ .‬وقد نال الكاتب عدداً من اجلوائز والأو�سمة يف كل من كندا وفرن�سا وت�شيلي‪.‬‬ ‫وتق���وم الفكرة الرئي�س���ة للكتاب عل���ى حتذير امل�ؤلف من حت���وّل ظاهرة‬ ‫العوملة �إىل ما ي�شبه الأيديولوجيا �أو العقيدة الدينية‪� ،‬إذ جرت املبالغة يف‬ ‫االنفالت من النظم وال�ضوابط‪ ،‬بدعوى حترر التجارة واالقت�صاد‪ ،‬مما‬ ‫�أدى �إىل �إ�ضع���اف دور الدول���ة وم�ؤ�س�ساتها وقوانينه���ا التي تكفل حماية‬ ‫الن�ش���اط االقت�ص���ادي للمجتمع من �أطماع الأفراد‪ .‬وق���د نبّه الكاتب من‬ ‫خ�ل�ال اال�ستدالل بالأمثل���ة الواقعية �إىل خطورة تكري����س الن�شاط املايل‬ ‫عل���ى ح�ساب الإنت���اج‪ ،‬واعتبار النقود �أ�صو ًال �أ�سا�سي���ة بد ًال من اعتبارها‬ ‫و�سائ���ل للتعامل و�أداة للتبادل‪ ،‬مم���ا �أدى �إىل الأزمة املالية الأخرية التي‬ ‫�أ�صاب���ت دوائر املال يف الواليات املتحدة‪ ،‬وانتقلت تداعياتها �إىل خمتلف‬ ‫�أنحاء العامل‪.‬‬ ‫يق���ع الكت���اب يف حوايل خم�سمائ���ة �صفحة من القط���ع املتو�سط‪ ،‬ويتكون‬ ‫حوا�ش ت�ض���م تعريف ًا بعدد من‬ ‫م���ن خم�سة �أج���زاء كربى بالإ�ضاف���ة �إىل ٍ‬ ‫امل�صطلح���ات باللغت�ي�ن الإجنليزية والعربية‪ ،‬و�أج���زاء الكتاب الرئي�سية‬ ‫ه���ي‪ :‬ال�سياق‪ ،‬ال�صع���ود‪ ،‬اله�ضبة‪ ،‬ال�سقوط‪� ،‬أين نذه���ب الآن‪ .‬ويف �إطار‬ ‫‪194‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫هذه الأجزاء اخلم�سة جاءت عدد من العناوين الفرعية‪.‬‬ ‫ج���اء اجل���ز ُء‬ ‫اخل��روج م��ن الفردو���س‬ ‫الأول‪ ،‬حتت عنوان «ال�سياق»‪ ،‬وقد ت�ضمن عناوين جانبية عدة‪ ،‬من بينها‬ ‫عنوان دال هو «جنة الفردو�س»‪ ،‬وك�أن الكاتب ي�شبه العوملة ب�إبلي�س عندما‬ ‫�أغرى �آدم وحواء يف الفردو�س ف�أخرجهما من اجلنة ثم تركهما يالقيان‬ ‫م�صرييهما يف عامل مل���يء باملخاطر وال�صعاب‪ ،‬ومل يريا ما وعدهما به‬ ‫من خلود ونعيم دائمني‪.‬‬ ‫يقول جون رال�ستون �سول «ظهرت العوملة �إىل الوجود يف عقد ال�سبعينيات‬ ‫ك�أمن���ا جاءت من ال م���كان‪ ،‬ومع ذلك فق���د بدت كاملة الن�ض���ج! وك�أمنا‬ ‫ترت���دي ثوب ًا كام���ل الأو�صاف واملعاين‪ .‬يومه���ا كان دعاتها وامل�ؤمنون بها‬ ‫يتح َّلوْن بقدر ال يخفى من اجلَ ْر�أة ويطرحون �أفكارَهم من منظور مدر�سة‬ ‫معين���ة م���ن مدار�س االقت�ص���اد‪ ،‬قائل�ي�ن‪� :‬إن املجتمعات يف ط���ول العامل‬ ‫وعر�ضِ���ه م���ن �ش�أنها �أن تتج���ه �إىل م�سارات الإيجابي���ة م�ستجدَّة الطابع‬ ‫هيثم مزاحم كاتب لبناين‪.‬‬

‫ومت�شابكة االجتاهات‪ ،‬وهذه الر�ؤية ما لبثت �أن حتولت لت�صبح �سيا�سات‬ ‫وقوانني على م���دار ال�سنوات الع�شرين التي ا�ستغرقها عقدا الثمانينيات‬ ‫والت�سعينيات مدفوع ًة بقوة من احلتمية التي ذاع �صيتُها»‪.‬‬ ‫وي�ضي���ف �س���ول «على �أن هذه الفك���رة الربَّاقة للعوملة بات���ت الآن ت�شحب‬ ‫وين���زوي بري ُقه���ا‪ ،‬ب���ل �إن كث�ي�ر ًا م���ن �صفاتها انته���ت بالفع���ل‪ ،‬وكم من‬ ‫�شخ�صي���ات قيادية ممن درج �أ�صحابها على القول ب�أنه ينبغي �أن تخ�ضع‬ ‫الدول القومية للق���وى االقت�صادية �إال �أن هذه القيادات باتت الآن تقول‪:‬‬ ‫�إن هذه ال���دول ال ب َّد من م�ؤازرتها لكي تواجه الفو�ضى ال�ضاربة �أطنابها‬ ‫على �صعيد العامل كله!»‪.‬‬ ‫ويقول �إنه بعد م�ضي ثالثة عقود �أ�صبحنا قادرين على ر�صد النتائج التي‬ ‫حتقق���ت‪ ،‬بينه���ا عدد من النجاح���ات التي ال ميكن �إنكاره���ا‪� ،‬إىل جانب‬ ‫ع���دد مقلق من �أوجه الف�ش���ل‪� .‬أما دعاة العوملة الذين ظلوا يرددون دعوة‬ ‫«اخل�صخ�ص���ة وال �ش���يء غري اخل�صخ�صة» فها ه���م يدركون �أنهم كانوا‬ ‫عل���ى خط�أ‪ ،‬وب���د�أ ين�شب بني االقت�صاديني اخل�ل�اف الغا�ضب‪ ،‬من حيث‬ ‫�إنه���م منق�سمون ما بني �أهمية تخفيف �أو ت�شدي���د قواعد �ضبط الأ�سواق‬ ‫الر�أ�سمالية‪ ،‬وثمة دول قومية قوية ال�شكيمة مثل الهند والربازيل �أ�صبحت‬ ‫ترف�ض الت�سليم بحكمة اقت�صاديات العوملة‪.‬‬

‫�أحالم �أم كوابي�س؟‬ ‫وحتت عنوان موجَ ز‬ ‫«امل�ستقبل املوعود»‪ ،‬يقول امل�ؤلف «بو�سعِك �أنك تتعرف على وعود العوملة‪،‬‬ ‫�إذا‪ ،‬م���ا جُ مِ عَت يف بوتقة واحدة‪ ،‬تلك الزمرة من الوعود امل�ؤكدة والآمال‬ ‫املطروح���ة والذي ظ َّل يعرِ ب عنها القادة ال�سيا�سيون والأكادمييون و�أهل‬ ‫ال���ر�أي وقادة قطاع الأعمال والناطقون با�سمهم منذ ال�سبعينيات‪ ،‬والتي‬ ‫تتجل���ي عل���ى النحو التايل‪� :‬سلط���ة الدول القومي���ة �إىل ا�ضمحالل وهذه‬ ‫ال���دول كما نعرفها ق���د ت�صل حت���ى �إىل حافة االحت�ض���ار‪ ،‬و�أن القوة يف‬ ‫امل�ستقب���ل �ست�صب���ح بيد الأ�سواق العومل���ة‪ ،‬وعليه ف����إن االقت�صاد ولي�ست‬ ‫ال�سيا�سة �أو اجلي�ش هو الذي �سي�شكل الأحداث الإن�سانية‪ ،‬وهذه الأ�سواق‬

‫املعومل���ة‪ ،‬وقد �أ�ضحت متح���ررة من امل�صالح الوطني���ة والقومية ال�ضيقة‬ ‫وم���ن القواع���د التنظيمي���ة الكابحة �س���وف تعمل بالتدري���ج على حتقيق‬ ‫التوازنات االقت�صادية الدولي���ة»‪ .‬وعلى �ضوء ما �سبق‪ ،‬فالنتيجة هي‪� :‬أن‬ ‫العومل���ة �شك ٌل حمتو ٌم من �أ�ش���كال النزعة الدولية‪ ،‬يتم يف �إطارها �إ�صالح‬ ‫احل�ض���ارة من منظور قيادة االقت�صاد‪ ،‬والقي���ادة هنا ال ي�شكلها النا�س‪،‬‬ ‫ولكن جت�سِّ دها ال�سوق بو�صفها القوة الكامنة لأداء االقت�صاد‪.‬‬ ‫ويف اجل���زء الث���اين يق���ول امل�ؤلف «من قبي���ل التب�سيط البال���غ �أن يرتبط‬ ‫ظهور العوملة بف�شل الكينزية‪ ،‬ومن اخلط�أ �أن ننظر �إليها كمجرد ر ّد فعل‬ ‫للأزمات العديدة التي �شهدها عقد ال�سبعينيات؛ لأن ثمة تغريات عميقة‬ ‫�أخرى مهدت الطريق»‪ .‬وي�ضيف‪« :‬هذه الأزمات املروِّعة وقد �أحدقت بها‬ ‫�أزم���ات �أخرى خلقت االعتق���اد العام يف الغرب‪ ،‬بل ويف �أنحاء العامل ب�أن‬ ‫انق�ض بنيانه و�أن القوة الأمريكية كانت يف حالة من‬ ‫نظام ما بعد احلرب َّ‬ ‫االنكما����ش فيما كان���ت تواجه مناف�سة متنامية م���ن �أوروبا واليابان‪ ،‬و�أن‬ ‫كثري ًا من �أرجاء الع���امل النامي يتطور بطريقة غري متوقعة‪ ،‬بعد �أن كان‬ ‫الع���امل النامي ملك ًا للقوى الكولونيالية منذ ع�شر �إىل ع�شرين �سنة خلَت‬ ‫من ال�سنني‪ .‬ومن واقع هذه الأزمات‪ ،‬ن�ش�أت جمموعة مركبة وخميفة من‬ ‫ح���االت الت�ضخم والك�ساد وهذه احلاالت جمتمعة �أنتجت �شعور ًا بالعجز‬ ‫ب�ي�ن ظهراين ال�صفوة‪ ،‬التي مل تتور ْع عن �أن تن�شر هذا الإح�سا�س ب�شكل‬ ‫تلقائي»‪.‬‬ ‫يف ف�صل «امل�سكوت عنه» يو�ضح‬ ‫امل�سكوت عنه‬ ‫ج���ون �سول �أن دعاة العوملة د�أب���وا على تقدميها للب�شرية على �أنها حتمية‬ ‫�أيديولوجي���ة‪ ،‬و�أنه ال طريق �آخر �سواه���ا‪ ،‬وعليك �أن ت�سلم بهذه احلقيقة‬ ‫– املزعومة – �أو ًال ثم تناق�ش ما �شئت من تف�صيالت بعد ذلك‪ .‬ويذهب‬ ‫امل�ؤل���ف �إىل �أن هالة احلتمية التي ظل���ت حمدقة بالعوملة كانت من القوة‬ ‫لدرج���ة �أنه حتى �أهل امله���ن‪ ،‬الذين كانوا يعار�ض���ون يف جمموعهم مثل‬ ‫ه���ذه الأيديولوجيا‪� ،‬صاروا م�ضطرين �إىل �أن يب���د�أوا معار�ضتهم ب�إبداء‬ ‫غالف الطبعة الإجنليزية‬

‫غالف الطبعة العربية‬

‫انهيار العوملة و�إعادة اخرتاع العامل‬ ‫جون رال�ستون �سول‬ ‫ترجمة‪ :‬حممد اخلويل‬ ‫النا�شر‪ :‬الدار امل�صرية اللبنانية‬ ‫(القاهرة)‪ ،‬وم�ؤ�س�سة حممد بن‬ ‫را�شد �آل مكتوم (دبي)‬ ‫الطبعة الأوىل‪2009 ،‬‬ ‫‪� 496‬صفحة‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪195‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫املوافقة‪ ،‬ومنهم على �سبيل املثال اثنان من االقت�صاديني احلا�صلني على‬ ‫جائ���زة نوبل وهما جوزيف �ستجلتز الذي يق���ول‪« :‬ال ن�ستطيع �أن نرتاجع‬ ‫ع���ن العوملة فق���د جاءت هنا لتبق���ى وامل�س�ألة هي تفعيله���ا»‪ ،‬ومارتيا �سن‬ ‫ال���ذي يق���ول «احلل غ�ي�ر املتاح هو ذلك احل���ل الذي يتعل���ق بوقف عوملة‬ ‫التجارة واالقت�صاد»‪.‬‬ ‫وانتقد �سول هذه احلتمية املزعومة قائ ًال «�إن كثري ًا مما يقال ب�أنه حتمي‬ ‫ال يع���دو �أن يكون نتيجة مبادرات لغوية لي�س �إال»‪ .‬ور�أى �أن الوقوع يف �أ�سر‬ ‫ه���ذه القناعة ي�ؤدي �إىل نتائ���ج وخيمة متاماً‪ ،‬فـ «ت�أم���ل كيف فُرِ �ض على‬ ‫املوازن���ات الوطنية �أن تدخل باحلتم‪� ،‬ضمن منط التخ�ص�ص املايل عرب‬ ‫ال�سنوات املا�ضية لتلبي مقت�ضيات الأ�سواق الدولية‪ ،‬وقد �أدى ذلك يف بلد‬ ‫مثل الواليات املتح���دة الأمريكية‪ ،‬وهو البلد الذي يعدونه من�ش�أ نظريات‬ ‫املوازن���ة املالية احلتمية‪ ،‬ترك���ت نف�سها لأ�سو�أ ح���االت العجز ب�أكرث مما‬ ‫�شه���ده �أي بل���د على مر التاري���خ»‪ .‬وهذه احلتمية يعتربه���ا امل�ؤلف «كذبة‬ ‫ك�ب�رى»‪ ،‬لأن «رغبتن���ا يف الت�صدي���ق يف حتمية الأ�شياء ميك���ن تلخي�صها‬ ‫على �أف�ضل وجه بو�صفها متوالية ال�شم�س التي ال تغرب قط‪ ،‬وامل�شكلة �أن‬ ‫ال�شم�س تغرب دائماً»‪.‬‬

‫ن�ش���ر �أفكارهم‪ ،‬وي�صفها امل�ؤلف ب�أنها اللغة الدينية اجلديدة‪ ،‬مبعنى لغة‬ ‫االخت�صا�ص���ي املتجرد الذي ينه�ض وقد �أحدقت به كتائب تبدو يف �إهاب‬ ‫قرائن ت�ستند �إىل حقائ���ق‪ ،‬كان ذلك �سلوك ًا «جيزوتياً» (كهنوتياً) ولكنه‬ ‫قابل لتف�س�ي�رات �شعبوية‪ ،‬وما عليك �سوى �أن تتعامل معه على �أنه ن�سخة‬ ‫معدلة م���ن �شعار «�إىل الأم���ام �أيها اجلنود امل�سيحي���ون»‪ ،‬وك�أنها حقائق‬ ‫تق���ول �إن الرب – بزعمه���م ‪ -‬كفيل ب�سحق الكفرة املارقني‪ ،‬حيث يتجلى‬ ‫املنط���ق املطلق الذي �سبق �أن اتبعه كوبدن مدعي ًا امتالك زمام احلقيقة‬ ‫وال�سيط���رة على قوى احلتم التي ت�ش���ق طريقها بال هوادة‪ .‬ويرى كوبدن‬ ‫وه���و �أح���د مفكري العومل���ة «�أن �أي قانون يعار�ض العومل���ة �إمنا يتدخل يف‬ ‫حكمة العناية الإلهية‪ ،‬ويحل قانون الأ�شرار حمل قانون الطبيعة»‪ .‬وي�صل‬ ‫الأم���ر �إىل �أن يقول فرن�سي�س فوكوياما يف كتابه «نهاية التاريخ والإن�سان‬ ‫الأخ�ي�ر»‪« :‬ثم���ة عملية �أ�سا�سية تفع���ل فعلها وتفر�ض منط��� ًا م�شرتك ًا من‬ ‫التط���ور على جميع املجتمعات»‪ .‬ويف هذا الإط���ار‪ ،‬ي�ست�شهد امل�ؤلف بر�أي‬ ‫الفيل�س���وف ج���ورج �شتايرن الذي ي���رى ب�أن «ما يحدث الي���وم هو �أ�صولية‬ ‫تتح���رك بخطى عمي���اء‪ ،‬و�أنها �أ�صولي���ة دينية اقت�صادي���ة �شبيهة بنزعة‬ ‫ال�سكول�ستني التي �شهدتها �أوروبا يف الع�صور الو�سطى»‪.‬‬

‫‪196‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫‪Flickr‬‬

‫يف اجل���زء‬ ‫يف ف�صل العومل��ة وتف��كُّك القومي��ات‬ ‫التاريخ «املُقدّ �س» لالقت�ص��اد‬ ‫“موج���ز تاريخ االقت�صاد وقد �أ�صب���ح ديانة”‪ ،‬ي�شري امل�ؤلف �إىل �أنه “مل الثال���ث من الكت���اب‪� ،‬أو�ضح امل�ؤلف �أ�سباب �شع���ور امل�ؤمنني بفكر العوملة‬ ‫يك���ن �أحد يدري حت���ى منت�صف القرن التا�سع ع�ش���ر ب�إمكانية �أن يتحول باالرتي���اح �إزاء ما حققوه خ�ل�ال ال�سبعينيات والثمانيني���ات وما بعدها‬ ‫االقت�ص���اد لي�صب���ح م�صدر ًا م���ن م�صادر احلقيق���ة احل�ضارية”‪ .‬ويرى حت���ى الت�سعينيات من جناح مب���ا ميار�سونه من �إ�ص�ل�اح بعد �آخر‪ ،‬مثل‬ ‫�أن م���ا نكت�شفه يف �أمن���اط التب�شري بالعوملة “هما نوع���ان من القناعات‪ ،‬تخفي����ض اجلمارك‪ ،‬ومن��� ّو التجارة‪ ،‬والتح���رر من ال�ضواب���ط والتحول‬ ‫نح���و اخل�صخ�ص���ة‪ ،‬وتخفي����ض معدل‬ ‫ال�ضرائ���ب املفرو�ض���ة عل���ى الن�ص���ف‬ ‫نبّه رال�ستون �سول من خالل اال�ستدالل‬ ‫الأعل���ى من قمَّ���ة املجتم���ع‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫بالأمثلة الواقعية �إىل خطورة تكري�س‬ ‫الن�شاط املايل على ح�ساب الإنتاج‪ ،‬واعتبار جناحً ا بالن�سبة لفكرة العوملة وبالن�سبة‬ ‫و�صاحَ ب ذلك انهي���ار االحتاد‬ ‫لل�س���وق َ‬ ‫النقود �أ�صو ًال �أ�سا�سية بد ًال من اعتبارها‬ ‫ال�سوفيات���ي �سن���ة ‪ ،1989‬فق���د ج���اءت‬ ‫و�سائل للتعامل و�أداة للتبادل‪ ،‬مما �أدى �إىل‬ ‫نهاي���ة النظام ال�سوفيات���ي مبثابة ن�صر‬ ‫الأزمة املالية الأخرية التي �أ�صابت دوائر‬ ‫املال يف الواليات املتحدة‪ ،‬وانتقلت تداعياتها م�ؤزَّر للعوملة‪.‬‬ ‫�إىل خمتلف �أنحاء العامل‬ ‫يقول امل�ؤلف‪« :‬هكذا كان املناخ ال�سائد‬ ‫خ�ل�ال �أواخ���ر الثمانيني���ات و�أوائ���ل‬ ‫الت�سعينيات‪ ،‬مناخ ًا �إيجابي ًا للعوملة �إىل‬ ‫�أوالهم���ا تتمث���ل يف النزعة الدولية االقت�صادية الت���ي تعبرّ عنها �صراحة ح���دٍّ كبري‪ ،‬وعندما الحت خيباتُ الأمل‪ ،‬كان الر ّد هو‪� :‬أعطونا مزيدً ا من‬ ‫التج���ارة احلرة وهذا اعتقاد را�سخ ت�شوبه م�سحة بروت�ستانتية وتوراتية‪ ،‬الوق���ت! ولكن �إذا �أمعن���ت النظر بعني حمايدة لأ�صب���ح بو�سعك �أن تلمح‬ ‫وهذا ه���و العامل الذي يدفع الأفراد الأ�سوي���اء �إىل �أن يبادروا ب�صراحة حتركات متناق�ضة �إىل ح���دٍّ كبري‪� :‬صحيح �أن العوملة كان ي�شتد �ساعدها‬ ‫أي�ض���ا تتحلَّل وتتف���كك �أوا�صره���ا ثم ترتاجع‬ ‫لك���ي يعتنقوه ويب�ش���روا ب���ه‪ .‬والقناعة الثاني���ة �أكرث تنوع��� ًا ورمبا جاءت با�ستم���رار‪ ،‬ولكنه���ا كانت � ً‬ ‫حم�صل���ة للأوىل‪ ،‬وهي تتعلق بالأمر البديه���ي‪ ،‬مبعنى �أنها القناعة التي خطاها»‪.‬‬ ‫ال ب���د من الت�سليم بها‪ ،‬فاالعتق���اد قائم وموجود‪ ،‬ولكن الأمر كله يتطلب وحول تفكك القوميات �أمام العوملة يرى امل�ؤلف �أنه يف عام ‪ 1991‬عاودت‬ ‫فقط معبد ًا ترتدد يف جنباته تراتيل املتعبدين”‪.‬‬ ‫نزعة القومية ظهورها على غري انتظار ولكن يف �أ�سو�أ �صورها‪ ،‬كان �أ�شد‬ ‫وقد ا�ستخدم �أن�صار العوملة لغة دينية متام ًا يف احلوار مع الآخرين �أو يف دع���اة العوملة ال�سيا�سيني ي َّت ِبعُون نهج ًا ثنائياً‪ .‬ظلُّوا يتكلمون بغري انقطاع‬

‫يح��دد رال�س��تون �س��ول عام ‪ 2003‬ب�أنه عام انك�ش��اف زيف العوملة‪ ،‬وخروج ع��دد من الدول على هذا النظام من �أمث��ال الهند وماليزيا‬ ‫وال�ص�ين والربازي��ل‪ ،‬ومن ثمّ �إعادة االعتبار للنزع��ة الوطنية والقومية‪ ،‬و�أنه بحلول عام ‪ 2005‬كان ق��د مت الت�أكد من وفاة العوملة‬ ‫ع���ن التكامل االقت�صادي ال���دويل‪ ،‬ويف الوقت نف�سه كان���وا عاكفني على‬ ‫كَب����س الأزرار القدمية لقومي���ة القرن التا�سع ع�شر م���ن �أجل �أن يك�سبوا‬ ‫االنتخاب���ات‪ ،‬كان هذا وا�ضحً ا يف حالتي رونالد ريغان ومارغريت تات�شر‬ ‫ضال عن منو النزعة ال�شعبوية‬ ‫«رواد العومل���ة»‪ .‬وحدث ذلك يف �إيطاليا‪ ،‬ف� ً‬ ‫الزائفة يف كثري من املناطق من العامل‪.‬‬ ‫وم���ع �أوائ���ل الت�سعينيات الحت عالمات متزايدة ب�ش����أن �أقوام كانوا على‬ ‫م�شارف الإح�سا����س باالغرتاب يف عامل ت�سوده نظريات العوملة املجردة‪،‬‬ ‫فجاء االرتدا ُد �إىل النزعة القومية يف �صيغتها العتيقَة‪ .‬وي�شري امل�ؤلف �إىل‬ ‫احلالة اليوغو�سالفية وانف�صال �سلوفينيا‪ ،‬وكرواتيا والبو�سنة والهر�سك‪،‬‬ ‫وم���ن عالمات هذا التفكك �أي�ض ًا م���ا كان يتمثل يف تزايد االنف�صال بني‬ ‫نظ���ام العومل���ة وحياة النا�س‪ .‬ومل يكنْ �أي م�سئ���ول �أو �أي من دعاة العوملة‬ ‫شال لنظرية العوملة‪ .‬جتلَّى‬ ‫ق���ادر ًا على تدبر �أمرِ هذه الظواهر بو�صفها ف� ً‬ ‫ذلك يف اتفاق دايتون الذي مت تكييفه من واقع منوذج الزعماء القوميني‬ ‫يف البو�سن���ة‪ ،‬وكذل���ك جرائم الإبادة اجلماعي���ة يف رواندا‪ ،‬حيث ُقتِل ما‬ ‫بني ن�صف مليون ومليون من الب�شر دون حترك العامل املتقدم‪ .‬ويخل�ص‬ ‫امل�ؤل���ف �إىل طرح الت�س���ا�ؤل التايل‪« :‬خالل كل هذه الك���وارث‪� ،‬أين كانت‬ ‫�إذن جميع القوى القادرة وامل�ؤمنة باحلتمية االقت�صادية؟!»‪.‬‬

‫يف اجلزء الرابع من الكتاب‬ ‫انهيار العوملة‬ ‫والذي يحم���ل عنوان «ال�سقوط»‪ ،‬يق���ول امل�ؤلف‪« :‬بدا الأم��� ُر وك�أمنا �ساد‬ ‫ال�ساحة ارتباكٌ وا�س���ع النطاق ورمبا كان الأهم هو االنطباع الأو�سع ب�أن‬ ‫حقائ���ق العوملة الكربى مل جتدْ طري َقه���ا �إىل التج�سيد‪ .‬ورمبا كان �أب�سط‬ ‫الأمثل���ة ما جت�سَّ ���د نتيجة ذلك التو�س���ع يف خ�صخ�صة �ش���ركات الدولة‪.‬‬ ‫وكذل���ك بالن�سبة �إىل املبالغ الطائل���ة التي حقنوا بها اخلزائن احلكومية‬ ‫يف �أنح���اء الع���امل‪ ،‬بد�أت ه���ذه املبالغ تتبخ���ر دون �أن تخل���ق �أي �أثر‪ ،‬وال‬ ‫�صع���ود ًا اقت�صاد ّياً‪ ،‬وكان �أ�سو�أ �ضروب الف�شل‪ ،‬هو االعرتاف باالنف�صال‬ ‫بني التجارة والنمو‪ ،‬وكذلك االنف�صال بني النقود والنموّ‪.‬‬ ‫وم���ع منت�ص���ف الت�سعينيات كان ه���ذا النظام العقائ���دي ينهار‪ ،‬وحينئذ‬ ‫ا�ستم���ع النا�س �إىل �أ�صوات املعار�ضني‪ .‬ومن �أو�ضح العوامل التي دفعتهم‬ ‫�إىل الت�ش���كك يف �ص���واب العومل���ة ما ر�أوه م���ن عجز نظريته���ا عن زيادة‬ ‫الرثوة‪ ،‬وكذلك عجزها عن احلفاظ على جانب العمالة‪ ،‬لقد كانت فرتة‬ ‫العوملة �إحدى فرتات زيادة البطالة»!‬ ‫وي�ستعر����ض امل�ؤل���ف الت�سل�سل الزمن���ي لالنحدار‪ ،‬لأح���داث لها دالالتها‬ ‫ب���د�أت ع���ام ‪ .1995‬فيق���ول‪ :‬كانت تل���ك �سن ًة فا�صل���ة‪ ،‬فقد وقع���ت �أربع ُة‬ ‫�أح���داث حم���دَّدة جاءت لتفيدَ نا ب����أن العامل ي�شهد اجتاه��� ًا جديداً‪ .‬عام‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪197‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫‪ ،1995‬كان هن���اك �أزمة التك�سي�ل�ا ونعني بها انهيار املك�سيك‪ ،‬و�سقوطها‬ ‫م���ن ذروة املجد الدويل �إىل قاع كارثة وطني���ة‪ ،‬ثم جاء م�صرف التنمية‬ ‫للبلدان الأمريكية ليعزِّ ز الت�ص���ورات ب�أن التجربة االقت�صادية اجلديدة‬ ‫مل تكن ت�ؤدي دورَها‪.‬‬ ‫وع���ام ‪ 1996‬ات�ضح �أن النزعة القومية كانت عل���ى طريق العودة للقومية‬ ‫يف كل �أنحاء العامل‪ ،‬فقد جاءت انتفا�ضة ال�شي�شان لت�صبح حرب ًا كاملة‪،‬‬ ‫حيث لق���ي خم�سون �ألف فرد م�صرعهم يف ثماني���ة ع�شر �شهراً‪ .‬وكذلك‬ ‫ف����إن امل�سار الدويل كان يتجه �صوب ن���وع من القومية الأكرث ا�ستناد ًا �إىل‬ ‫الدين‪ ،‬كما يف �إ�سرائي���ل‪ ،‬والهند‪ ،‬وتركيا‪ .‬ويف عام ‪� 1997‬أ�صبح وا�ضح ًا‬ ‫كي���ف �أن الأم���ور خرجت ع���ن ال�سيط���رة‪ ،‬ويف �أواخر تل���ك ال�سنة‪ ،‬بد�أت‬ ‫�إ�شارات التنائي بعيد ًا عن نظام العوملة تبدو على ماليزيا‪.‬‬ ‫ويف ا�ستم���رار الت�سل�سل الزمن���يّ لالنحدار‪ ،‬بد�أت ق���وى الطرد املركزي‬ ‫تت�سارع خُ طاها‪ .‬ويف عام ‪ 1999‬اكت�سبتْ مفرداتُ العوملة يف النطاق العام‬ ‫طابع ًا �سلبي��� ًا ودفاعياً‪ ،‬وكان يل كوان يو‪ ،‬زعيم �سنغافورة‪ ،‬يحذر من �أن‬ ‫«العومل���ة ميك���ن �أن تب���دِّ َد القيم الأ�صيلة الت���ي جمعت بلدن���ا على �صعيدٍ‬ ‫واحد»‪.‬‬

‫‪198‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫دعاة العومل��ة د�أبوا على تقدميها للب�ش��رية على‬ ‫�أنه��ا حتمي��ة �أيديولوجي��ة‪ ،‬و�أن��ه ال طريق �آخر‬ ‫�سواها‪ ،‬وعليك �أن ت�سلم بهذه احلقيقة املزعومة‬ ‫�أو ًال ثم تناق�ش ما �شئت من تف�صيالت بعد ذلك‬

‫‪Flickr‬‬

‫الفج��ر ال��كاذب‬ ‫الذي���ن روج���وا للعومل���ة‬ ‫قال���وا �إنها �ست�ؤدي �إىل رخاء العامل كل���ه‪ ،‬وتقليل عدد الفقراء وحل �أزمة‬ ‫الدي���ون و�أن ه���ذه �أح�ل�ام تقت�ض���ي الت�ضحية بنم���ط الدول���ة القومية �أو‬ ‫الرتكيب التقلي���دي للنقابات وامل�ؤ�س�سات الوطنية‪ .‬ولكن بعد عقدين من‬ ‫ظه���ور العوملة‪ ،‬كانت املح�صلة م�ؤ�سفة‪ .‬يقول جون �سول‪“ :‬كانت النتيجة‬ ‫ه���و الو�صول باقت�صاديات معظ���م الدول وخا�ص���ة دول �أفريقيا و�أمريكا‬ ‫الالتينية وبع�ض دول �آ�سيا �إىل حالة من التوقف‪ ،‬ومعظمها ال يزال حتى‬ ‫الآن �شبه متوقف ملا يقرب من ‪� 20‬سنة”‪.‬‬ ‫وي�ض���رب امل�ؤلف عدد ًا من الأمثلة ا�ستناد ًا �إىل �إح�صائيات رقمية‪ ،‬قائ ًال‬ ‫“يف الفرتة من ‪� 1950‬إىل ‪� ،1980‬أي قبل العوملة‪ ،‬ارتفع ن�صيب الفرد مث ًال‬ ‫يف �أم�ي�ركا الالتينية بن�سب���ة ‪� %12.4‬سنوياً‪� .‬أما يف الأعوام من ‪� 1980‬إىل‬ ‫ع���ام ‪� ،2000‬أعوام ذروة العوملة‪ ،‬فقد انخف�ض���ت تلك الن�سبة �إىل ‪،%0.4‬‬ ‫ويف �أفريقيا ارتفع يف الفرتة من ‪� 1950‬إىل ‪ 1980‬بن�سبة ‪ %1.8‬وما لبث �أن‬ ‫انخف�ض يف الفرتة من ‪� 1980‬إىل عام ‪ 2000‬بن�سبة ‪.”%6.2‬‬ ‫وهناك �إح�صاءات بغري ح�صر له���ذا النوع وكلها حتمل الر�سالة نف�سها‪:‬‬ ‫�إن حقب���ة العوملة دمرت �أ�صقاع ًا وا�سعة النطاق يف العامل‪ ،‬و�أ�شد الأرقام‬ ‫�إيالم��� ًا تق���ول لنا �أو ًال �أن���ه بحل���ول الت�سعينيات كانت �أفق���ر البلدان تنوء‬ ‫بدي���ون مل تكن قادرة على خدمته���ا‪� ،‬إال ب�أن تدمر نف�سه���ا‪ ،‬وتقول ثانياً‪:‬‬ ‫�إن ه���ذه الديون مل يطر�أ عليه���ا تغيري حقيقي حتى اليوم رغم ما يثار يف‬ ‫الغ���رب من �أحاديث‪ ،‬وما يط���رح من طائفة وا�سع���ة النطاق من احللول‬ ‫اجلزئية‪ ،‬ويف كل الأحوال فقد تدهورت الأحوال ال�سيا�سية واالجتماعية‪،‬‬ ‫ومت تخفي����ض الربام���ج ال�صحي���ة والتعليمية‪ ،‬حي���ث �أن القاعدة الدولية‬ ‫املطبق���ة‪� ،‬أو هكذا تبدو‪� ،‬أن املتاح لي�س �سوى حيز �ضئيل لتنفيذ مثل هذه‬ ‫الربامج‪� ،‬إذا كان الأمر يقت�ضي خدمة الديون‪.‬‬

‫تتخ���ذ �شك ًال �إيجابي��� ًا بحيث ي�ؤ�سِّ �س االنتماء االلت���زام بالتوا�صل وبتخيل‬ ‫الآخ���ر يف �إط���ا ٍر من القبول والتعددي���ة‪ .‬لكنها – �أي النزع���ة القومية ‪-‬‬ ‫ميك���ن �أن تتخذ �شك ًال �سلبي��� ًا �إىل حدِّ الإغراق يف النزعة العرقية‪ ،‬وجعل‬ ‫االنتم���اء تعبري ًا عن اال�ستع�ل�اء واال�ستبعاد‪ ،‬فال�ش���كل الإيجابي للقومية‬ ‫يرتب���ط بالثقة يف النف����س واالنفتاح‪ ،‬وبفكرة ال�صالح الع���ام‪� .‬أما ال�شك ُل‬ ‫ال�سلب���ي فينطلق م���ن م�شاعر التوج�س والغ�ض���ب‪ ،‬ويت�صل بقناعة يائ�سة‬ ‫ب����أن حقوق �أمة ال تتج�سد �سوى باملقارنة بحق���وق �أمة �أخرى‪ ،‬كما لو كان‬ ‫الأمر احتدام مناف�سة ال تنتج �سوى رابحني وخا�سرين‪.‬‬ ‫ومن���ذ ع���ام ‪ 1995‬وما بع���ده ما زال م���ن ال�سهل متابعة �صع���ود النزعات‬ ‫القومي���ة ب�شكلها الإيجابي وال�سلبي‪ ،‬ويتعني �أن يحتدم القتال بينهما من‬ ‫جديد؛ فهل هذا يعني �أننا ندخل يف حقبة قومية جديدة؟‬ ‫الإجاب���ة كما يق���ول �سول هي �أننا ال نع���رف الإجابة بعد‪ ،‬وم���ا نعرفه هو‬ ‫�أن القوى الت���ي �سوف ت�شكِّل على الأرجح احلقبة اجلديدة تبدو ظاهرة‪،‬‬ ‫وق���د الحت للعيان‪ ،‬ولكنها ما زالت يف حالة �سيولة ومل ندخلْ بع ُد مرحل َة‬ ‫الت�شكيل‪.‬‬

‫�أين نذهب الآن؟!‬ ‫اجلزء اخلام�س والأخري‬ ‫م���ن الكت���اب‪ ،‬جاء حتت عن���وان «و�أين نذه���ب الآن؟!»‪ ،‬وكان���ت عناوينه‬ ‫الفرعي���ة‪ :‬الف���راغ اجلدي���د‪ ..‬فرتة فا�صل���ة من عالم���ات االعتدال‪ ،‬هل‬ ‫عادت الدولة القومية؟ القومي���ة ال�سلبية‪ ،‬تطبيع احلرب غري النظامية‪،‬‬ ‫القومية الإيجابية‪.‬‬ ‫وفي���ه يرى امل�ؤلف عك�س ما كان يتوقع مفكرو العوملة من �ضعف القوميات‬ ‫وذوبانه���ا‪� ،‬إذ حدث ما مل يكن م���ن ال�سهل ا�ستيعابه‪ ،‬ففي غ�ضون ب�ضعة‬ ‫�أ�شه���ر م���ن انهيار االحتاد ال�سوفيت���ي و�سقوط �سور برل�ي�ن‪ ،‬خرجت �إىل‬ ‫الوج���ود خم�س وع�شرون دولة قومي���ة جديدة! ومع نهاية القرن الع�شرين‬ ‫�أ�صبحت القومية والدول القومية �أقوى مما كانت عليه عندما بد�أ ع�صر‬ ‫العومل���ة‪ ،‬وما زال هذا عن�صر ًا غالب ًا بينما نتعرث نحن داخل الفراغ الذي‬ ‫نعي����ش فيه‪ .‬فالإميان بحقائ���ق االقت�صاد العوملي ما لب���ثَ �أن تقل�ص �إىل‬ ‫حي���ث يتبدَّد‪ ،‬وي�ؤكد امل�ؤل���ف �أن للقومية �أ�شكال �إيجابي���ة و�أخرى �سلبية‪،‬‬ ‫و�أن جمي���ع �أ�ش���كال القومية تتعل���ق ب�شعو ٍر من االنتم���اء‪ ،‬ويف هذه احلالة‬

‫عوملة ميتة‪ ،‬تنتظر مرا�سيم الدفن!‬ ‫يحدد‬ ‫امل�ؤلف عام ‪ 2003‬ب�أنه عام انك�شاف زيف العوملة‪ ،‬وخروج عدد من الدول‬ ‫عل���ى هذا النظ���ام من �أمثال الهن���د وماليزيا وال�ص�ي�ن والربازيل‪ ،‬ومن‬ ‫ث���مّ �إع���ادة االعتبار للنزع���ة الوطني���ة والقومية‪ ،‬و�أنه بحل���ول عام ‪2005‬‬ ‫كان ق���د مت الت�أك���د م���ن وفاة العومل���ة‪ .‬ومنذ ع���ام ‪ 2001‬تزاي���دت �أخبار‬ ‫االنهي���ار االقت�ص���ادي‪ ،‬حيث �أ�صاب التده���ور احلاد الأعم���ال التجارية‬ ‫الت���ي ت�ستخدم التكنولوجيا الرفيعة على م�ستوى العامل‪ .‬وكانت قطاعات‬ ‫احلوا�سي���ب الإلكرتونية يف �أ�سو�أ �أحوالها رغم حياتها الق�صرية‪ ،‬وكذلك‬ ‫قطاع���ات ال�سفر اجل���وي حتى يف �ضوء معايريه الكارثي���ة‪ ،‬وبعد حتريره‬ ‫م���ن �أي �ضواب���ط‪ ،‬وكان ت�سريح املوظف�ي�ن يف كل االجتاهات‪ .‬وثبت خط�أ‬ ‫الق���ول القائل ب�أن ال�ش���ركات عرب الوطنية �أ�صبحت ه���ي الدول القومية‬ ‫اجلدي���دة‪ ،‬وقد عادت احلكوم���ات التي ت�سلمت مقاليد ال���دول القومية‪،‬‬ ‫ع���ادت من جديد لتت�سل���م مقاليد ال�سلطة‪ .‬وجت���ر�أ مهاتري حممد رئي�س‬ ‫وزراء ماليزيا عام ‪ 2003‬ف�أ�سهب يف نقد �سيا�سات العوملة‪ ،‬وتباهى بنجاح‬ ‫ماليزي���ا عقب اتباعها منوذج��� ًا وطنياً‪ ،‬فلم تعد العومل���ة دين ًا جديداً‪� ،‬أو‬ ‫حتمية �أيديولوجية بل جمرد جتربة فا�شلة تخ�ضع للنقد‪.‬‬ ‫وعل���ى نف�س املنوال‪ ،‬قال ل���وال دي �سيلفا رئي�س الربازي���ل �إن هناك نوع ًا‬ ‫جدي���د ًا م���ن ال�شعبوية امل�ستن���دة �إىل الدولة القومي���ة‪ ،‬وكان ذلك رف�ض ًا‬ ‫للحكم���ة التقليدية للعوملة‪ .‬وبعبارة �أخ���رى‪� ،‬أعلنت النماذج احلديثة من‬ ‫الدميقراطي���ة �أن احلك���م الأخري للدولة القومية ولي����س لالقت�صاد‪ ،‬و�أن‬ ‫الدول���ة القومي���ة وامل�صلحة الوطنية‪ ،‬واملحلي مقاب���ل العوملي‪ ،‬هي النهج‬ ‫الذي ن�ستند �إليه كمنظ���ور نطل منه لكي نتعامل مع الإجراءات الدولية‪.‬‬ ‫وبحل���ول ‪ 2005‬اُختزلت متام ًا االفرتا�ض���ات القدمية بحتمية االقت�صاد‪،‬‬ ‫وتبدد ب�شكل عام ذل���ك الإميان بقيادة ال�شركات ثم عودة ال�سيا�سة لكي‬ ‫متلأ الفراغ‪.‬‬

‫ويقول امل�ؤلف يف الف�صل الأخري الذي يحمل عنوان «القومية الإيجابية»‪:‬‬ ‫«نح���ن حما�ص���رون يف �إط���ار لعب���ة ب�شري���ة‪ ،‬مل تكتم���ل بع���د ف�صوله���ا‪.‬‬ ‫وب�صورة م���ن ال�صور فاحلالة �أ�سو�أ مما نحن عل���ى ا�ستعداد لالعرتاف‬ ‫ب���ه‪ ،‬فالإ�شارات الدالة على القومي���ة ال�سلبية حتدق بنا من كل جانب يف‬ ‫جمتمعاتنا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فكم نحر�ص على �أال نتعرف عليها‪� ،‬إال على �أ�سا�س‬ ‫كل حال���ة عل���ى حدة‪ ،‬كي نتجن���ب ال�شعور بحدوث �أي تط���ور ي�شهده هذا‬ ‫املج���ال‪ ،‬كما �أننا نخفف كثري ًا من ت�صورنا مل�ستويات العنف املنظم حول‬ ‫الع���امل‪ .‬كيف؟ عندما نتب���ع ن�صيحة �صامويل هانتنغت���ون فنقت�صر على‬ ‫�إح�صاء املوتى‪ ،‬الذين ي�سقطون يف جمتمعاتنا‪� ،‬أو فيما �صوّره هانتنغتون‬ ‫ب�أنها ح�ضارتنا التي متيزنا عن �سوانا»‪.‬‬ ‫ويعت�ب�ر �أن العوملة ظلت تدور دائم ًا حول تب�سيط التجربة الإن�سانية‪ ،‬مما‬ ‫جعل م���ن ال�صعوبة مب���كان على الدميقراطي���ة �أن تتعامل م���ع احلقائق‬ ‫الفردية بطريق���ة بناءة‪ .‬وعلى الرغم من �أن م�ؤ�س�سات دولية مثل البنك‬ ‫الدويل �أ�صلحت نف�سها‪� ،‬إال �أنها ال تزال تتطلع �إىل حلول كربى‪ .‬ويرى �أن‬ ‫التح���دي املاثل الي���وم يت�سم بالتعقيد والأهمي���ة يف �آن معاً‪ .‬وقد ال ن�شهد‬ ‫حالي��� ًا نهاية ف�ت�رة العوملة‪ ،‬ولكننا ن�شه���د �أي�ض ًا نهاية الف�ت�رة العقالنية‬ ‫الغربية‪ ،‬بكل �إ�صرارها على التم�سك بوجود هياكل وحيدة اجلانب جلية‬ ‫املعامل ب�ش�أن كل مو�ضوع‪.‬‬ ‫وي�ؤك���د امل�ؤلف �أن ما يحتاجه و�ضعنا احلايل ه���و بال�ضبط ما و�صفه �آدم‬ ‫�سمي���ث ب�أن���ه امل�صلحة العام���ة‪ ،‬وهو �أي�ض��� ًا اخليال ال���ذي طالب به دي‬ ‫توكفيل‪ ،‬بقدر ما �أنه النزعة الإن�سانية التي تكلم عنها رورتي‪ .‬ومن �ش�أن‬ ‫ق���راءة تقليدية لهذه العبارات‪� ،‬أن تدفع البع�ض للقول ب�أنه ما بد�أ بتبيان‬ ‫عودة الدولة القومية‪� ،‬إال لكي يرتاجع عن هذا القول‪ .‬لكن احلقيقة على‬ ‫خالف ذلك‪ ،‬فكلم���ا زاد تعقيد عالقاتنا القومية والدولية‪ ،‬زاد عدد من‬ ‫يحت���اج منا لالنطالق م���ن �أدق م�شاعر االنتماء‪� ،‬س���واء لي�شعر يف وطنه‬ ‫باالرتي���اح‪� ،‬أو ليجد �سب ًال متعددة كي ي�شع���ر باالرتياح‪ ،‬يف �إطار التعامل‬ ‫مع �أو�سع ت�شكيلة من الب�شر والظروف‪.‬‬ ‫وي�ش�ي�ر امل�ؤل���ف �إىل �أن الدعوة ال�شائعة اليوم تق���ول بتدار�س القيم‪ ،‬وهو‬ ‫�أم���ر ال يزال ملتب�س ًا بالن�سبة �إليه‪ ،‬و�إن كان يردد �صدى من قومية القرن‬ ‫التا�س���ع ع�شر‪ ،‬التي كانت تتوخى خدمة نف�سه���ا‪ ،‬يف حني �أن من الأف�ضل‬ ‫الرتكيز على ق�ضية �أكرث واقعية مثل خدمة ال�صالح العام‪ .‬وقد ذكر �آدم‬ ‫�سميث «�إنه لي�س بالت�أكيد مواطن ًا �صاحل ًا ذلك الذي يعزف عن ا�ستخدام‬ ‫كل م���ا ي�سع���ه من �إمكانات‪ ،‬لكي يع���زز رفاه املجتمع ب�أ�س���ره حيث يعي�ش‬ ‫رفاق���ه املواطنون»‪ .‬وي�ضيف �سول‪�« :‬إذا كان الذين يتعارفون (من �شعوب‬ ‫و�أمم) �س���وف ي�سهرون على م�صالح مواطنيهم‪ ،‬ف����إن عليهم �أن يتعلموا‬ ‫�شيئ ًا غري متوق���ع بخ�صو�ص تعامل كل منهم مع الآخر‪ ،‬ورمبا بخ�صو�ص‬ ‫االختالف���ات التي متيز ك ًال منهم‪ ،‬ف�إذا مل يع���رف النا�س بع�ضهم بع�ض ًا‬ ‫كم���ا ينبغي‪ ،‬رمبا لأنهم جا�ؤوا من ثقافات خمتلفة‪ ،‬ثم عملوا على خدمة‬ ‫م�صال���ح مواطنيه���م‪ ،‬فرمبا يكت�شف���ون من بعد �أن القي���م التي ينطلقون‬ ‫منه���ا هي قي���م متماثل���ة»‪ .‬ويختم الكات���ب ب�أن���ه يف كال احلالتني تتجلى‬ ‫القومية الإيجابية‪ ،‬فتنه�ض حق ًا باملهام املوكلة �إليها‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪199‬‬


‫الفهر�ست‬

‫عرو�ض موجزة‬ ‫الأحزاب القومية يف اليمن‪ :‬الن�ش�أة ‪ -‬التطور‪ -‬امل�صائر‬ ‫قادري �أحمد حيدر‬ ‫الآفاق للطباعة والن�شر (�صنعاء)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 356‬صفحة‬ ‫ي�أت���ي هذا الكتاب – كما يق���ول �صاحبه‪ -‬يف‬ ‫ظ���روف ومناخات يج���ري فيها ت�شوي���ه �صورة‬ ‫احلرك���ة القومي���ة‪ ،‬وتاري���خ الأح���زاب القومية‬ ‫والتقدمي���ة‪ ،‬وذل���ك بالدع���وة �إىل �إ�سق���اط‬ ‫امل�س�أل���ة القومية من ج���دول العم���ل ال�سيا�سي‬ ‫والوطن���ي‪ ،‬ك���ون زم���ن القومي���ة ق���د وىل �إىل‬ ‫غ�ي�ر رجع���ة – كما يقول���ون‪ -‬بع���د اعتبارهم‪،‬‬ ‫امل�س�أل���ة القومية �سبب انك�ساراتن���ا ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫والوطني���ة‪ ،‬والدميقراطي���ة‪ ،‬والتنموي���ة‪ ،‬و�أ�س‬ ‫م�شاكلنا كلها‪ ،‬و�صو ًال �إىل جترمي الق�ضية القومية‬ ‫العربية‪ ،‬جري ًا مع خطاب العوملة يف بعدها اال�ستعماري الوح�شي‪ ،‬يف قدح وذم‬ ‫احلال���ة القومية التحررية العربية‪ ،‬وم�ساي���رة �سلبية خلطاب ما بعد احلداثة‬ ‫يف احلديث ع���ن نهاية التاريخ ونهاية الأيديولوجي���ا‪ ،‬وموت القومية‪ ،‬وت�صور‬ ‫اندحارها واختفائها كق�ضية حتررية ودميقراطية‪.‬‬ ‫والكتاب هو عبارة ع���ن درا�سة �سو�سيو‪� -‬سيا�سية‪ ،‬فكرية‪ ،‬تاريخية‪ ،‬حاولت‬ ‫تتب���ع امل�س���ار التاريخي لن�ش����أة‪ ،‬وتطور الأح���زاب القومية ودوره���ا ال�سيا�سي‬ ‫والوطن���ي يف اليم���ن‪ ،‬حتى م�صائره���ا الراهن���ة‪ ،‬ب�صورة مكثف���ة‪ ،‬وموجزة‪،‬‬ ‫حيث ركزت الدرا�س���ة على العناوين الرئي�سية‪� ،‬أو االجتاهات الأ�سا�سية‪ ،‬لكل‬ ‫منه���ا‪ ،‬ودورها يف التاريخ ال�سيا�سي واالجتماع���ي‪ ،‬والوطني اليمني املعا�صر‪،‬‬ ‫�شم���ا ًال وجنوب ًا‪ ،‬م�ؤكدة الدرا�سة على وح���دة �إرادة الثورة اليمنية‪ ،‬التنظيمية‬ ‫وال�سيا�سية‪ ،‬والأيديولوجية‪ ،‬وعلى طابعها الوطني اليمني‪ ،‬وم�ؤكدة كذلك على‬ ‫�أن الفك���رة الوطنية اليمنية املعا�صرة‪ ،‬واحلالة الوحدوية اليمنية يف اخلطاب‬ ‫�إمن���ا هي ولي���دة التاري���خ التنظيم���ي‪ ،‬والفك���ري‪ ،‬وال�سيا�س���ي‪ ،‬واالجتماعي‪،‬‬ ‫والكفاح���ي الوطني لن�ش�أة احلركة ال�سيا�سية الدميقراطية اليمنية املعا�صرة‪،‬‬ ‫(القومية‪ ،‬والي�سارية)‪ ،‬بكل ايجابياتها و�سلبياتها‪ ،‬واملطلوب اليوم ا�ستنها�ض‬ ‫دوره���ا ال�سيا�سي‪ ،‬والوطني‪ ،‬والدميقراطي والقوم���ي‪ ،‬والتقدمي‪ ،‬على �أ�س�س‬ ‫دميقراطي���ة حتررية‪ ،‬تركز عل���ى ثقافة االعرتاف بالآخر والقبول به كما هو‪،‬‬ ‫ال كم���ا نحن نري���د‪ ،‬ثقافة قومي���ة دميقراطية تعددية منفتح���ة على اجلميع‪،‬‬ ‫وت�ؤ�س����س‪ -‬ملرحلة نوعية �إبداعية يف تاريخن���ا ال�سيا�سي‪ ،‬والوطني والقومي‪،-‬‬ ‫ثقافة‪ ،‬و�أحزاب��� ًا جاهزة وقادرة على الكفاح على م�ستويني‪ :‬مقامة اال�ستبداد‬ ‫الداخلي‪ ،‬ومقارعة اال�ستعمار اخلارج���ي‪ ،‬وكالهما وجهان لعملية مو�ضوعية‬ ‫�سيا�سية كفاحية تاريخية واحدة‪.‬‬ ‫‪200‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫حت��والت اخلط��اب ال�س��لفي‪ ..‬احل��ركات اجلهادي��ة‪ -‬حال��ة درا�س��ة‬ ‫(‪)2007 -1990‬‬ ‫مروان �شحادة‬ ‫ال�شبكة العربية للأبحاث والن�شر (بريوت)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 350‬صفحة‬ ‫يف ظ���ل اللغ���ط الفك���ري وال�سيا�س���ي الذي‬ ‫يكتن���ف ظاه���رة ال�سلفية اجلهادي���ة عموم ًا‪،‬‬ ‫وتنظيم القاعدة على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬ت�أتي‬ ‫ه���ذه الدرا�س���ة التي �ألفه���ا الباح���ث مروان‬ ‫�شحادة كمحاول���ة لإعادة النظر يف اخلطاب‬ ‫ال�سلف���ي وجتدي���ده‪ ،‬وبل���ورة مفاهي���م قادرة‬ ‫عل���ى النهو�ض‪�،‬آخذ ًة يف ع�ي�ن االعتبار ‪ -‬كما‬ ‫يق���ول امل�ؤل���ف‪ -‬جمم���ل التط���ورات والتقدم‬ ‫ال���ذي ح�ص���ل يف حق���ل العل���وم الإن�ساني���ة‪،‬‬ ‫وذلك للتخل�ص من عمليات البرت والتجزيء‬ ‫ملكونات الرتاث الإ�سالمي واحلداثة‪ ،‬ويف �سبيل تر�سيخ منظومة فكرية قادرة‬ ‫على مواجهة التحديات التي حتيط باملجتمعات العربية والإ�سالمية‪.‬‬ ‫ومن الناحية العلمية‪ ،‬ت�أتي �أهمية هذه الدرا�سة كون اخلطاب ال�سلفي طرح‬ ‫فك���ر ًا �سيا�سي��� ًا مغاير ًا للخطاب ال�سلفي التقليدي‪ ،‬فق���د عمل على �سد اخللل‬ ‫والنق����ص ال���ذي الزم ال�سلفية التقليدي���ة ‪ -‬بح�سب م�ؤيدي���ه‪ -‬ومار�س العمل‬ ‫اجلماع���ي واحلركي وال�سيا�سي واجله���ادي‪ ،‬وهو الأمر ال���ذي �أهملته الر�ؤية‬ ‫ال�سلفية التقليدية وحاربته على مدى عقود طويلة‪.‬‬ ‫وم���ن الناحي���ة العملي���ة‪ ،‬ف����إن داف���ع الباح���ث كما يق���ول للخو����ض يف هذه‬ ‫الدرا�سة‪ ،‬هو طبيعة الظاهرة اجلهادية التي �أ�صبحت حمط اهتمام الباحثني‬ ‫واملتخ�ص�صني و�صناع القرار‪ .‬ف� ً‬ ‫ضال عن �أ�صالة ومعا�صرة الدرا�سة ومعاي�شة‬ ‫الباح���ث لبع����ض �أحداثه���ا‪ ،‬ومعرفت���ه ال�شخ�صي���ة ببع�ض الرم���وز امل�ؤثرة يف‬ ‫م�س�ي�رة احلركات ال�سلفية‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن احل���ركات ال�سلفية �أ�صبحت العب ًا‬ ‫�أ�سا�سي��� ًا يف حقل العالقات الدولية‪ ،‬و�شكلت حدث ًا تاريخي ًا كبري ًا �أثر بعمق يف‬ ‫جممل العالقات الوطنية والإقليمية والدولية برف�ضها العملية الدميقراطية‪،‬‬ ‫وامل�شارك���ة ال�سيا�سي���ة‪ ،‬والو�ص���ول �إىل ال�سلطة بالطرق ال�سلمي���ة‪ ،‬وال تر�ضى‬ ‫بدي ًال عن خيار اجلهاد والقتال يف حتقيق �أهدافها‪.‬‬ ‫�إجم���ا ًال فقد ح���اول الباحث م���ن خالل يف ه���ذه الدرا�سة حتلي���ل الأ�سباب‬ ‫وامل�ؤثرات الإقليمي���ة والدولية يف اخلطاب ال�سلفي اجله���ادي على امل�ستويات‬ ‫الفكري���ة وال�سيا�سي���ة وم�ؤ�شرات حتول اخلطاب ال�سلف���ي الذي �أحدثه تنظيم‬ ‫القاع���دة‪ ،‬وكذلك حتليل �أبرز مع���امل ومرتكزات خطاب احل���ركات ال�سلفية‬ ‫اجلهادي���ة املعا�صرة‪ ،‬وتقدمي بع�ض االقرتاحات املو�ضوعية للو�صول �إىل حالة‬ ‫من الأمن وال�سلم واال�ستقرار على امل�ستوى املحلي والإقليمي والدويل‪.‬‬

‫االقت�صاد ال�صيني‬ ‫فران�سواز لوموان‬ ‫ترجمة‪� :‬صباح ممدوح كعدان‬ ‫الهيئة العامة ال�سورية للكتاب (دم�شق)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 215‬صفحة‬ ‫ب�أ�سلوب �سهل ومب�سط ي�شرح فران�سواز لوموان‬ ‫التجرب����ة ال�صيني����ة وما حققته م����ن اجنازات يف‬ ‫امل�ستوي��ي�ن االقت�صادي واالجتماع����ي خالل هذه‬ ‫الفرتة الق�صرية من الزمن‪ ،‬و�ضعتها على طريق‬ ‫مقارع����ة ال����دول االقت�صادي����ة العظم����ى العاملية‪،‬‬ ‫ففي نهاي����ة �سبعينيات الق����رن الع�شرين‪ ،‬و�ضعت‬ ‫ال�صني حتدي����ث اقت�صادها يف املرك����ز الأول من‬ ‫�أولوياتها‪ ،‬وعملت كل ما بو�سعها من �أجل حتقيق‬ ‫هذا الهدف‪ :‬عندما تخل����ت تدريجي ًا عن خطتها‬ ‫يف اجت����اه اقت�ص����اد ال�س����وق‪ ،‬وعب�����أت م�صادرها‬ ‫ال�ضخم����ة من اليد العامل����ة‪ ،‬وا�ستغلت عالني����ة العوملة لت�صب����ح م�صنع ًا للعامل‪.‬‬ ‫وبذل����ت جه����د ًا ا�ستثماري���� ًا هائ ًال م����ن �أجل حتدي����ث ال�صناعة‪ ،‬وتطوي����ر البنى‬ ‫التحتي����ة‪ ،‬وا�ستخدام العاملني الذين ت�ضاعف عددهم منذ ع�شرين عام ًا وو�صل‬ ‫�إىل ‪ 770‬ملي����ون ن�سمة‪ .‬وزادت �إنتاجية العمل بف�ضل الهجرة الريفية وا�ستخدام‬ ‫تقان����ات �إنتاج و�إدارة جديدة‪ .‬وجذبت ال�صني ر�ؤو�س �أموال �أجنبية كثيفة خلقت‬ ‫ق����درات �إنتاجي����ة جديدة يف القطاع����ات التي ت�ستجيب للطل����ب املحلي والعاملي‪.‬‬ ‫وبالت����ايل ف�إن ال�ص��ي�ن‪ ،‬كما ي�ش��ي�ر امل�ؤلف‪� ،‬أ�صبح����ت دولة ك��ب�رى بحكم العدد‬ ‫قب����ل �أن ت�صبح دولة غنية‪ .‬من هنا ف�إن �صعوده����ا احلايل يتميز عن �صعود قوة‬ ‫اليابان خالل خم�سينيات و�ستينيات القرن الع�شرين‪ .‬عندما كانت اليابان بلد ًا‬ ‫متط����ور ًا مع دخل �أعلى من املتو�سط العاملي‪ .‬يف ح��ي�ن �أن التحوالت االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية والهجرة الريفية والتح�ضر يف ال�صني كانت ال تزال يف بدايتها‪.‬‬ ‫مع انفتاح ال�صني �أ�صبح ما يزيد عن ‪ 100‬مليون عامل �صناعي (�أكرب من عدد‬ ‫العمال يف الدول ال�سبع ال�صناعية الكربى) مندجم ًا يف االقت�صاد العاملي‪ .‬وهذا‬ ‫م����ا يف�سر ال�سبب يف �أنها �أ�صبحت �أكرب من�صة عاملية للإنتاج بالن�سبة لل�شركات‬ ‫ال�صناعية الباحثة عن مواقع �إنتاج منخف�ضة الكلفة‪ ،‬يزيد العر�ض ال�صيني من‬ ‫املناف�سة الدولي����ة‪ ،‬وميار�س �ضغط ًا بخف�ض �سعر العديد من املنتجات امل�صنعة‪،‬‬ ‫ويدفع �إىل �إعادة تنظيم الإنتاجيات ال�صناعية فيها بالن�سبة للم�ستوى العاملي‪.‬‬ ‫�إن التحدي الذي يواج����ه ال�صني من الآن و�صاعد ًا بح�سب امل�ؤلف هو االنتقال‬ ‫م����ن النم����و الفائ����ق ال�سرعة الذي عرفت����ه خالل ال�سن����وات الأخ��ي�رة �إىل تنمية‬ ‫متوازن����ة‪ .‬ومن �أجل ذلك عليها تقلي�����ص خطوط االنك�سار التي جتتاز االقت�صاد‬ ‫واملجتم����ع (بني فالحني و�أبناء مدن‪ ،‬و�أثرياء وفقراء‪ ،‬بني الواجهة البحرية وما‬ ‫تبق����ى من ال�ص��ي�ن)‪ ،‬و�إعادة مرك����زة النمو على اال�ستهالك املحل����ي وجعله �أقل‬ ‫تبعية للأ�سواق العاملية‪ ،‬و�إبطاء ا�ستهالك الطاقة‪ ،‬و�صيانة بيئة متدهورة‪.‬‬

‫�أبرياء يف اخلارج‪ :‬رواية �شخ�صية لدبلوما�سية ال�سالم الأمريكية يف‬ ‫ال�شرق الأو�سط‬ ‫مارتن �إنديك‬ ‫ترجمة‪ :‬عمر �سعيد الأيوبي‬ ‫دار الكتاب العربي (بريوت)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 527‬صفحة‬ ‫ي�ستفي����د مارتن �إنديك من ال�سنوات العدي����دة من امل�شاركة املكثفة يف املنطقة‬

‫كي يعر�����ض ق�صة داخلية للم����رة الأخرية التي‬ ‫ا�ستخدمت فيها الواليات املتحدة الدبلوما�سية‬ ‫امل�ستدامة لإنهاء ال�ص����راع العربي الإ�سرائيلي‬ ‫وتغي��ي�ر �سل����وك النظام��ي�ن البعث����ي يف العراق‬ ‫والإ�سالمي يف �إيران‪.‬‬ ‫“�أبري����اء يف اخل����ارج”‪ ،‬بح�س����ب تقري�����ض‬ ‫النا�ش����ر‪ ،‬تاريخ ثاقب الب�ص��ي�رة وذكرى م�ؤملة‪،‬‬ ‫يقدم فيه �إنديك ا�ستق�ص����اء للنتائج ال�ساخرة‬ ‫للق����اء ال�سذاج����ة الأمريكي����ة والريب����ة ال�ش����رق‬ ‫�أو�سطي����ة يف ب����ازارات املنطق����ة ال�سيا�سي����ة‪.‬‬ ‫ويحل����ل اال�سرتاتيجيات املختلفة جد ًا التي اتبعها بيل كلينتون وجورج دبليو بو�ش‬ ‫ليو�ض����ح ملاذا واجه كالهما م�صاعب جم����ة يف �إعادة �صنع ال�شرق الأو�سط وفق ًا‬ ‫لت�صوريهم����ا يف جعل����ه مكان ًا ينع����م مبزيد من ال�س��ل�ام �أو الدميقراطية‪ ،‬ويقدم‬ ‫تفا�صي����ل جديدة ح����ول انهيار حمادث����ات ال�سالم العربي����ة الإ�سرائيلية يف كمب‬ ‫ديفي����د‪ ،‬وف�شل ال�س����ي �آي �إيه يف الإطاح����ة ب�صدام ح�سني‪ ،‬وحم����اوالت كلينتون‬ ‫التفاو�ض مع الرئي�س الإيراين‪.‬‬ ‫يلج اي�ض ًا �إنديك يف هذا الكتاب �إىل داخل املكتب البي�ضاوي‪ ،‬وغرفة الأو�ضاع‪،‬‬ ‫وق�ص����ور احلكام العرب‪ ،‬ومكات����ب ر�ؤ�ساء الوزراء الإ�سرائيلي��ي�ن‪ .‬وير�سم �صور ًا‬ ‫�شخ�صية ع����ن القادة الأمريكي��ي�ن والإ�سرائيليني والعرب الذي����ن تعامل معهم‪،‬‬ ‫مبن فيهم �إ�سحاق رابني و�إيهود باراك و�أرييل �شارون‪ ،‬والرئي�س ال�سوري حافظ‬ ‫الأ�س����د‪ .‬ويقدم تفا�صيل �شيق����ة عن االجتماعات العالي����ة امل�ستوى‪ ،‬ويبني مقدار‬ ‫ال�صعوبة التي يواجهها الر�ؤ�ساء الأمريكيون يف فهم دوافع قادة ال�شرق الأو�سط‬ ‫ونواياه����م‪ ،‬وكيف �أنهم ميكن �أن يفوتوا ب�سهولة تل����ك اللحظات التي يبدي فيها‬ ‫ه�ؤالء القادة اال�ستعداد للعمل بطرق ميكن �أن ت�ؤدي �إىل �إحداث اخرتاقات نحو‬ ‫ال�سالم‪.‬‬

‫تركيا بني حتديات الداخل ورهانات اخلارج‬ ‫جمموعة من الباحثني‬ ‫حترير‪ :‬حممد عبد العاطي‬ ‫مركز اجلزيرة للدرا�سات (الدوحة)‪ ،‬والدار العربية للعلوم نا�شرون‬ ‫(بريوت)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 240‬صفحة‬ ‫مع �صع����ود حزب العدال����ة والتنمية �إىل هرم‬ ‫ال�سلطة التنفيذية يف تركيا عام ‪ ،2002‬وحدوث‬ ‫بع�����ض املتغ��ي�رات الالفت����ة على �صعي����د الدولة‬ ‫واملجتم����ع‪ ،‬وكذل����ك زي����ادة احل�ض����ور الرتك����ي‬ ‫�إقليمي���� ًا ودولي���� ًا عل����ى امل�ستوي����ات ال�سيا�سي����ة‬ ‫واالقت�صادي����ة والأمنية كافة‪� ،‬ص����درت العديد‬ ‫م����ن امل�ؤلفات عن تركيا وعن دورها اجلديد يف‬ ‫املنطقة‪ .‬ومن بني �أه����م هذه املقاربات العلمية‬ ‫التي �سع����ت �إىل تقييم التح����ول الرتكي داخلي ًا‬ ‫وخارجي���� ًا كتاب “تركيا ب��ي�ن حتديات الداخل‬ ‫ورهان����ات اخل����ارج”‪ ،‬ويهدف هذا الكت����اب من خالل جمموعة م����ن الدرا�سات‬ ‫والبحوث املحكمة التي �شارك يف �إعدادها نخبة من الباحثني العرب والأتراك‪،‬‬ ‫�إىل معرفة ما �إذا كانت املتغريات التي �شهدتها تركيا منذ جميء حزب العدالة‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪201‬‬


‫الفهر�ست‬

‫عرو�ض موجزة‬

‫والتنمية ذي اجلذور الإ�سالمية �شيئ ًا طارئ ًا معر�ض ًا لأن يزول بزوال هذا احلزب‬ ‫لأي �سبب من الأ�سباب‪� ،‬أم �أن ما حدث من تغريات هي من العمق واملتانة بحيث‬ ‫ال ي�ؤثر فيها تغري ال�سيا�سات التي تتغري بتغري الأحزاب املتداولة على ال�سلطة‪.‬‬ ‫ولتحقي����ق هذا الهدف مت تق�سي����م الكتاب �إىل ق�سم��ي�ن �أ�سا�سيني‪ ،‬ركز الق�سم‬ ‫الأول عل����ى التفاع��ل�ات الداخلي����ة يف تركيا و�إب����راز �أهم التحدي����ات التي تواجه‬ ‫تركيا‪/‬العدال����ة والتنمية‪ ،‬وكيفية تعامله معها‪ ،‬وذل����ك من خالل طرح موا�ضيع‬ ‫يف غاي����ة الأهمية مثل‪ :‬املقومات اجليو‪� -‬سيا�سي����ة واجليو– �إ�سرتاتيجة لرتكيا‪،‬‬ ‫واالقت�صاد الرتكي‪ ،‬ودور اجلي�����ش يف احلياة ال�سيا�سية‪ ،‬وم�س�ألة الهوية الرتكية‬ ‫وكذلك ناق�ش ه����ذا الق�سم م�س�ألة �صعود الإ�سالمي��ي�ن وعالقتهم امل�ضطربة مع‬ ‫امل�ؤ�س�س����ة العلمانية‪� .‬أم����ا الق�سم الثاين فت����م تخ�صي�صه للخ����ارج وذلك ملعرفة‬ ‫البيئ����ة الإقليمية والدولي����ة التي متار�س فيها تركي����ا �سيا�ستها اخلارجية‪ ،‬وكيف‬ ‫�ستتعامل مع ملفاتها ال�شائك����ة وق�ضاياها املعقدة‪ .‬ومتثلت �أهم مو�ضوعات هذا‬ ‫الق�س����م يف الت����ايل‪� :‬أ�س�س ومرتك����زات ال�سيا�سة اخلارجي����ة الرتكية‪ ،‬والعالقات‬ ‫الرتكي����ة الأمريكي����ة‪ ،‬والعالق����ات الرتكية مع االحت����اد الأوربي‪ ،‬كم����ا ناق�ش هذا‬ ‫الق�سم طبيعة العالقات والتحركات الرتكية يف �آ�سيا الو�سطى‪ ،‬و�إىل جانب ذلك‬ ‫مل يغفل الق�سم الثاين من الكتاب عالقات تركيا بالعرب و�إيران‪.‬‬

‫تطور الفكر ال�سيا�سي ال�سني ‪ ..‬نحو خالفة دميقراطية‬ ‫�أحمد الكاتب‬ ‫م�ؤ�س�سة االنت�شار العربي (بريوت)‪2008 ،‬‬ ‫‪� 307‬صفحات‬ ‫كعادته يف معظم م�ؤلفاته التي تثري االهتمام‬ ‫وتفتح �آف����اق وا�سعة للنقا�����ش واالختالف مع ًا‪،‬‬ ‫يجادل �أحمد الكاتب يف هذا الكتاب‪ ،‬بل وي�صر‬ ‫على �أن الدميقراطية من �صميم الإ�سالم‪ ،‬لأن‬ ‫الإ�س��ل�ام ي�أمر بالعدل وال�شورى‪ ،‬وال عدالة مع‬ ‫اال�ستبداد‪ .‬ويزعم الكاتب �أن الفكر ال�سيا�سي‬ ‫ال�سني مل يكن يوم ًا فكر اجلماهري “ال�سنية”‬ ‫امل�سلم����ة‪ ،‬و�إمنا نت����اج الفقه����اء املتحالفني مع‬ ‫الأنظمة امل�ستبدة‪ ،‬والنخ����ب الثقافية املحيطة‬ ‫به����ا‪ ،‬وذل����ك لأن اجلماهري تبح����ث دائم ًا عن‬ ‫احلري����ة والعدالة وامل�شاركة ال�سيا�سية‪ ،‬وه����و ما ال يوفره ذلك الفكر الذي يدعو‬ ‫�إىل اخلن����وع وتقب����ل الظلم والطاع����ة للح����كام امل�ستبدين الذي����ن ي�ستولون على‬ ‫ال�سلطة بالقوة والقهر والغلبة‪ .‬غري �أن الفكر ال�سني بح�سب الكاتب �شهد خالل‬ ‫القرن املا�ض����ي‪ ،‬وخا�صة بعد �سقوط “اخلالفة العثماني����ة” ثورة داخلية متثلث‬ ‫يف الدع����وة �إىل الدميقراطية ورف�ض اال�ستب����داد‪ ،‬والتخلي عن م�صادر الت�شريع‬ ‫“ال�سني����ة” امل�سئول����ة عن �إنتاج الفكر اال�ستبدادي والرتويج له‪ ،‬بحيث مل يعد‬ ‫الفك����ر ال�سني املعا�صر يحمل من نف�سه �س����وى اال�سم‪ .‬ومل تعد تربطه �أية رابطة‬ ‫بذلك الفكر القدمي‪.‬‬ ‫وبكلم����ة �أخرى – يجادل الكاتب‪� -‬إن الفك����ر ال�سيا�سي ال�سني مل يعد “�سني ًا”‬ ‫و�إمن����ا �أ�صب����ح “دميقراطي ًا”‪ ،‬وهناك ف����رق كبري بني االثن��ي�ن‪ ،‬ال يدركه �إال من‬ ‫يتم�س����ك ب�أ�صول����ه ال�سني����ة‪ ،‬وه����م فئ����ة م����ن ال�سلفيني الذي����ن يعلن����ون عداءهم‬ ‫للدميقراطية ب����كل قوة‪ ،‬ويتهمون الدعاة امل�سلمني لها بالكفر وال�شرك والإحلاد‬ ‫اعتق����اد ًا منه����م بوج����ود نظ����ام �سيا�س����ي “ �إ�سالمي” فري����د ومتميز ه����و نظام‬ ‫“اخلالف����ة”‪ ،‬وتناق�ض����ه مع الدميقراطي����ة‪ .‬يف احلقيقة �إنه����م ين�سجمون مع‬ ‫‪202‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫�أنف�سه����م يف رف�ض الدميقراطي����ة‪ ،‬ولكنهم يخطئون يف اعتب����ار الفكر ال�سيا�سي‬ ‫الذي يحملونه با�س����م “اخلالفة” ب�أنه ميثل الإ�سالم‪� ،‬أو ي�شكل الفكر ال�سيا�سي‬ ‫الإ�سالمي كما يقول الكاتب‪.‬‬ ‫باخت�ص����ار هذا الكت����اب يتهم الفك����ر ال�سيا�سي ال�سني الق����دمي بالتناق�ض مع‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬كما يتهم نظام اخلالفة “اال�ستبدادي” بالتناق�ض مع الإ�سالم‪.‬‬ ‫ويدع����و �إىل قي����ام خالفة �شعبي����ة دميقراطية‪ ،‬كما يحاول �إجم����ا ًال تقدمي �صورة‬ ‫جديدة عن الفكر ال�سيا�سي الإ�سالمي‪.‬‬

‫الفيل والتنني‪� :‬صعود الهند وال�صني وداللة ذلك لنا جميع ًا‬ ‫روبني مرييديث‬ ‫ترجمة‪� :‬شوقي جالل‬ ‫املجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 355‬صفحة‬ ‫يحك����ي هذا الكت����اب ق�صة ال�ص��ي�ن والهند‪،‬‬ ‫وكيف تغ��ّي�رّ م�صريهما‪ ،‬وكيف تغريان م�صري‬ ‫الع����امل‪ .‬فبينما تنتقالن من بني �صفوف بلدان‬ ‫الع����امل النام����ي لتحتال موقع الق����وى العظمى‪،‬‬ ‫جن����د �أن الهند كما تقول امل�ؤلفة تتحرك ببطء‬ ‫ولك����ن يف ثبات مطرد‪ ،‬على عك�س ال�صني التي‬ ‫ت�صع����د ب�سرعة ال�ص����اروخ‪ .‬ونلح����ظ �أن الهند‬ ‫وال�صني‪ ،‬من ن����واح كث��ي�رة‪ ،‬متعار�ضتان �ش�أن‬ ‫التعار�����ض بني غاندي وماو‪ .‬الهند دميقراطية‬ ‫وال�ص��ي�ن تتب����ع نظ����ام حك����م ديكتاتوري‪ .‬وتق����ف الهن����د يف �أغلب الأحي����ان �ضد‬ ‫م�شروع����ات الأعم����ال‪ ،‬بينما ال�ص��ي�ن ال�شيوعية تقف ع����ادة يف �صف م�شروعات‬ ‫الأعم����ال‪ .‬ومتث����ل الهند �أمة غني����ة ب�ألوانها النا�صعة والنغم����ات املتنافرة‪ ،‬حيث‬ ‫يتح����دث �شعبه����ا �أكرث من ثالثني لغة خمتلف����ة‪ .‬و�أكرث من هذا ف�����إن التوقيت يف‬ ‫�أنح����اء الهند لغ����ز مثري‪� :‬إذ ينق�ص ن�صف �ساعة ع����ن �أي توقيت �آخر يف العامل‪،‬‬ ‫وبينم����ا مظاهر قوة ال�صني وا�ضحة للعيان �أمام ال�سي����د فاجبايي وبقية العامل‪،‬‬ ‫غ��ي�ر �أن مظاه����ر قوة الهند �أقل و�ضوح���� ًا‪ .‬ولكن على الرغم م����ن كل ذلك تقول‬ ‫امل�ؤلفة ثمة �شيئ ًا واحد ًا فقط م�شرتكا بني البلدين‪ :‬وهو �أن حتوالتهما والطريقة‬ ‫الت����ي �سيح����والن بها الكوكب ح����دث يذهل العامل ال����ذي مل ي�شهد مثل����ه منذ �أن‬ ‫ظهرت �أمريكا ذاتها على م�سرح االقت�صاد العاملي‪.‬‬ ‫الكت����اب �إجما ًال يق����دم ر�ؤية �أمريكي����ة كا�شفة عن ال�سيا�س����ة املحتملة للواليات‬ ‫املتح����دة يف ال�سن����وات القادم����ة م����ن حك����م �أوبام����ا‪ ،‬كما يق����دم �ص����ورة واقعية‬ ‫ال�ستجاب����ة ال�صني والهند للعوملة لتظهر عمالقني على ال�ساحة االقت�صادية �إىل‬ ‫جان����ب الواليات املتحدة‪ ،‬وليمثل تطورهما �إع�صار ًا �آخر يغري من بنية املنظومة‬ ‫العاملية‪ ،‬وت�صبح املناف�سة وال�صراع وال�شراكة عاملي ًا بني القمم‪/‬القوى الثالث‪.‬‬ ‫بالإ�ضاف����ة �إىل ذل����ك‪ ،‬تعر�ض امل�ؤلفة تغ��ي�رات البنى االقت�صادي����ة ونظام حركة‬ ‫و�إدارة م�شروع����ات الأعمال‪ ،‬وهجرة ماليني الوظائف �إىل ال�صني والهند مقابل‬ ‫ماليني العاطلني يف العامل املتقدم‪ ،‬والتحوالت العميقة يف البنى الطبقية وطبيعة‬ ‫التحالفات الطبقي����ة اجلديدة املحتملة على ال�صعيد العاملي‪ ،‬والتحدي الوا�ضح‬ ‫�أم����ام الواليات املتحدة لكي حتافظ على موقعها املتقدم‪ ،‬وخماطر �ضياع احللم‬ ‫الأمريكي‪ ..‬ثم م�شروع الإنقاذ املقرتح‪.‬‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة �أوراق بحثية‬

‫امل�شكلة الإثنية و�أثرها يف قوة الدولة‬

‫مقاربة نظرية عامة‬ ‫حممد �سيف حيدر و علي عبداهلل ج�سار‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪203‬‬


‫�أُفـ ُــق‬

‫�أبو بكر القربي‬

‫م�سئوليتنا امل�شرتكة يف عام جديد‬ ‫ي�أت���ي العام اجلديد وعاملنا يواجه حتديات كبرية ومتعددة‪ ,‬منها التغريات املناخية التي نرى‪ ,‬وب�صورة م�ستمرة‪� ,‬آثارها‬ ‫املدم���رة يف �أنح���اء املعمورة م���ن �شرقها �إىل غربها‪ ,‬وم���ن �شمالها �إىل جنوبه���ا‪ ,‬وكذلك الآثار االقت�صادي���ة للأزمة املالية‬ ‫الت���ي زادت ال���دول الأفقر يف العامل فقر ًا‪ ,‬وو�سعت من قاعدة الفق���راء والبطالة‪ ,‬وحدت من النمو االقت�صادي‪ ,‬ي�ضاف �إىل‬ ‫ذل���ك العجز الدويل يف ظ���ل الأزمات املزمنة وب�ؤر ال�صراعات‪ ,‬ويف مقدمتها ال�ص���راع العربي الإ�سرائيلي‪ ,‬و�أخري ًا ظاهرة‬ ‫الإرهاب والتطرف التي �أ�صبحت ظاهرة ت�شمل الأديان والأعراق كافة‪ ,‬ولي�ست كما ي�سعى البع�ض لربطها بامل�سلمني والدين‬ ‫الإ�سالمي احلنيف‪.‬‬ ‫هذا الو�ضع الدويل املُع ّقد فر�ض على املجتمع الدويل التداعي وعقد م�ؤمترات واجتماعات عديدة لالتفاق على معاجلات‬ ‫له���ذه الأو�ض���اع جتنب عاملنا الدمار وال�صراع���ات التي �إذا ما بد�أت فلن يكون من املمكن �إخماده���ا‪� ,‬إال �أنه من امل�ؤ�سف �أن‬ ‫القوى النافذة يف العامل من �أ�صحاب امل�صالح قد �أعاقوا الو�صول �إىل توافق يتحقق فيه الأمن‪ ,‬وتراعى فيه م�صالح الدول‬ ‫الأق���ل من���و ًا حت���ى ال تكون هي التي تدفع ثمن �أخطاء ال���دول الأغنى يف العامل والتي ت�ضع ال�ث�روة ونعيم احلياة همها بغ�ض‬ ‫النظر عما ي�سببه من تدهور يف حياة الفقراء‪.‬‬ ‫من امل�ؤكد �أن التدهور امل�ستمر يف �أو�ضاعنا لن يتوقف مبجرد �إعالن النوايا الطيبة �أو املبادرات الطموحة ما مل يواكبها‬ ‫االلت���زام الأخالقي ب�آليات عم���ل حقيقية لتحقيق التنمية ورفع م�ستوى معي�شة الفقراء يف العامل النامي‪ ,‬لي�س باعتبار ذلك‬ ‫ً‬ ‫عم�ل�ا �إن�ساني��� ًا فقط‪ ,‬لكن لكونه يخدم م�صلحة الدول الغنية‪ ,‬ويحمي ا�ستقراره���ا‪ ,‬لأن زعزعة اال�ستقرار يف الدول الأفقر‬ ‫نتيج���ة غي���اب التنمية �سيك���ون له �آثار مدمرة على العامل ب�أ�س���ره‪ ,‬خا�صة �إذا ما اتّ�سعت م�ساح���ة الفقر‪ ,‬ومنت بني الفقراء‬ ‫م�شاعر الي�أ�س وفقدان الأمل‪.‬‬ ‫وبق���در م���ا على املجتمع الدويل من م�سئولية يتحمله���ا يف ت�صحيح م�سار العالقات االقت�صادي���ة والتنموية والبيئية‪ ,‬ف�إن‬ ‫عل���ى ال���دول يف العامل النامي م�سئوليات يج���ب �أن تتحملها حلماية �شعوبه���ا وم�ستقبل �أمنها القومي‪ ,‬والت���ي تبد�أ من بناء‬ ‫�أنظم���ة احلكم على �أ�س����س ال�شراكة والعدالة والدميقراطي���ة ومكافحة الف�ساد‪ ,‬وتوجيه ثرواتها لبن���اء اقت�صادها وحتقيق‬ ‫التنمي���ة ال�شاملة‪ ,‬لأنه بقدر ما حتم���ل ويتحمل املجتمع الدويل م�سئوليته نحو الدول النامية؛ عليها من جانبها �أن تدرك �أن‬ ‫ق���درة الدول على البقاء مرهون بقدرته���ا و�أ�سلوب �إدارتها لأمورها الداخلية‪ ,‬وعالقاته���ا بالآخرين لأنه ما مل يكن هنالك‬ ‫تناغم وتعاون و�شراكة حقيقية لت�صحيح املعادلة بني الأغنياء والفقراء‪ ,‬ف�إن اجلميع �سيدفع ثمن ال�سيا�سات اخلاطئة على‬ ‫م�ستوياتها الوطنية والإقليمية والدولية‪.‬‬ ‫وم���ع بداية العقد الثاين م���ن القرن احلادي والع�شرين يجب �أن نتحمل ك�أفراد وجمتمع���ات وحكومات م�سئوليتنا لإعادة‬ ‫النظ���ر يف مواقفن���ا مبا يكفل حماية احلق���وق وامل�صالح للجميع‪ ,‬و�أن نعي���د �صياغة العالقات بني احل���كام واملحكومني من‬ ‫الفق���راء والأغنياء على امل�ستوى الوطني والدويل لالتفاق على �أ�سلوب معاجلة هذا الو�ضع الدويل املعقد‪ ,‬لأنه �إذا مل ننجح‬ ‫يف ذل���ك؛ ف�إن م�ستقب���ل عاملنا مهدد باملزيد من الكوارث وال�صراعات‪ ,‬ولكن يحدونا الأم���ل ب�أن ت�سود ت�صرفاتنا ومواقفنا‬ ‫احلكمة وامل�سئولية‪.‬‬ ‫�أبوبكر القربي وزير اخلارجية اليمني‪.‬‬

‫ت�صفحوا املوقع الإلكرتوين‬ ‫ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫‪w w w . s h e b a c s s . c o m‬‬

‫‪204‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪205‬‬


‫‪w w w . s h e b a c s s . c o m‬‬

‫مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫‪Sheba Center for Strategic Studies‬‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫‪206‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد ‪ ،6‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب ‪2010‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.