Madarat Estratiegyya (No. 4/5, July - October 2010)

Page 1

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪3‬‬


‫ا�سرتاتيجية‬ ‫الأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�صرة‬ ‫ت�صدر كل �شهرين عن «مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية»‬ ‫ال�سنة الأوىل‪ ،‬العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫رئي�س التحرير‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫‪director@shebacss.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫حممد �سيف حيدر‬

‫‪m_saif@shebacss.com‬‬

‫نائب مدير التحرير‬

‫�سقاف عمر ال�سقاف‬

‫‪saqqaf@shebacss.com‬‬

‫الت�صميم والإخراج الفني‬

‫حممد عبدالرحمن الذبحاين‬

‫‪m_aldbhani@shebacss.com‬‬

‫الرتجمة‬

‫�أحمد الباكري‬

‫‪ahmed@shebacss.com‬‬

‫املراجعة اللغوية‬

‫حممد حم�سن علوان‬

‫‪mohammed-al@shebacss.com‬‬

‫�سكرتارية املجلة‬

‫�أ�سماء حممد �إبراهيم‬

‫‪asma@shebacss.com‬‬

‫ت�صفحوا املوقع الإلكرتوين‬ ‫ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫‪w w w . s h e b a c s s . c o m‬‬ ‫‪4‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫اال�شرتاكات‪:‬‬ ‫ال�سنة الواحدة (�ستة �أعداد) �شاملة �أجرة الربيد‪:‬‬ ‫داخل اجلمهورية اليمنية‪ 6000 :‬ريال للأفراد‪ 60 ،‬دوالر ًا للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫الدول العربية‪ 50 :‬دوالر ًا للأفراد‪ 90 ،‬دوالر ًا للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫بقية دول العامل‪ 70 :‬دوالر ًا للأفراد‪ 120 ،‬دوالر للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫ير�سل طلب اال�شرتاك �إىل عنوان املجلة مع حوالة م�صرفية �أو �شيك‬ ‫ُم�صدّق بقيمة اال�شرتاك لأمر مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫ولال�ستف�سار ميكن التوا�صل عرب الربيد الإلكرتوين‪:‬‬ ‫‪subscription@shebacss.com‬‬

‫ثمن الن�سخة‪:‬‬ ‫اليمن ‪ 300‬ريال‪ ،‬ال�سعودية ‪ 20‬ريا ًال‪ ،‬الإمارات العربية املتحدة ‪ 20‬درهم ًا‪،‬‬ ‫الكويت ‪ 1‬دينار‪ ،‬مملكة البحرين ‪ 1‬دينار‪ ،‬قطر ‪ 20‬ريا ً‬ ‫ال‪� ،‬سلطنة عمان ‪1.5‬‬ ‫ريال‪ ،‬العراق ‪ 2500‬دينار‪ ،‬لبنان ‪ 4000‬لرية‪� ،‬سورية ‪ 200‬لرية‪ ،‬الأردن ‪ 1.5‬دينار‪،‬‬ ‫فل�سطني ‪ 5‬دوالر‪ ،‬م�صر ‪ 10‬جنيهات‪ ،‬ال�سودان ‪ 4‬جنيهات‪ ،‬ليبيا ‪ 2‬دينار‪ ،‬اجلزائر‬ ‫‪ 300‬دينار‪ ،‬تون�س ‪ 5‬دينار‪ ،‬املغرب ‪ 20‬درهم ًا‪ ،‬موريتانيا ‪� 300‬أوقية‪.‬‬ ‫بقية دول العامل‪ 6 :‬دوالر‪.‬‬ ‫املوزع العام يف الدول العربية‪:‬‬

‫م�ؤ�س�سة الفالح للن�شر والتوزيع‬ ‫�ص‪ .‬ب‪ – 113/6590 .‬رمز بريدي ‪1103 2140‬‬ ‫تلفاك�س ‪ 3( 00–961–1–856677‬خطوط) – بريوت‪ ،‬لبنان‬ ‫‪E- mail: alfalahzoobi@gmail.com‬‬

‫ُعب بال�ضرورة‬ ‫ُعب املقاالت املن�شورة عن �آراء كتّابها‪ ،‬وال ت رِّ‬ ‫ت رِّ‬ ‫عن ر�أي «مدارات ا�سرتاتيجية» �أو مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫جملة مدارات ا�سرتاتيجية‬ ‫مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‬ ‫�ص‪ .‬ب‪ 16822 .‬هاتف‪ +967 1 677466 :‬فاك�س‪+967 1 677466 :‬‬ ‫�صنعاء – اجلمهورية اليمنية‬ ‫الربيد الإلكرتوين‪madarat@shebacss.com :‬‬ ‫‪madaratistrategyya@yahoo.com‬‬ ‫املوقع على الإنرتنت‪www.shebacss.com/madarat :‬‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪5‬‬


‫املحتويات‬ ‫متوز‪/‬يوليو ‪ -‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر‬

‫‪06‬‬

‫نظرة على ‪shebacss.com‬‬

‫‪08‬‬

‫�إفتتاحية‬ ‫على حمك ال�سالم‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫‪2010‬‬

‫‪84‬‬

‫اليمن والعامل‬ ‫حتلي�لات‪ :‬يحل���ل هاين املُغل�س بتع ّمق حت ��والت العالقة بني ال�سلطة واملجتمع يف اليمن‪ ،‬ويذه���ب �إىل �أن املجتمع ب�صدد �إعادة‬ ‫تقيي���م عالقته بال�سلطة ال�سيا�سية وتطوير خيارات اجتماعية خارج منظومة العالقات ال�سلطوية الر�سمية القائمة؛ ويبحث �أحمد‬ ‫الق�صري يف اخللفية االجتماعية ل�ضعف وعي الطبقة الو�سطى اليمنية بذاتها؛ بينما تعر�ض نيكول �شرتاكه معامل فكرة «اجلهاد‬ ‫كل من اليمن وال�سعودي ��ة؛ �أما �سامي حممد ال�سياغي في�ضع ت�صوراً عاماً لدور اليمن يف �إطار‬ ‫االقت�ص ��ادي»‪ ،‬مو�ضح� � ًة �أثره ��ا يف ٍّ‬ ‫منظوم ��ة الأم ��ن الإقليمي‪ ،‬مبين ًا مقومات هذا الدور وطبيعته‪ ،‬وكي���ف ميكن لليمن �أن تتخطى حماوالت تهمي�ش دورها الإقليمي‬ ‫املفرت����ض؛ يف ح�ي�ن يق ّيم عاي�ش عل���ي عوا�س �إجنازات و�إخفاق ��ات عقد من االن�ضم ��ام اجلزئي لليمن �إىل جمل� ��س التعاون لدول‬ ‫اخلليج العربية‪ .‬ال�صفحات ‪42 - 10‬‬ ‫وجه��ات نظ��ر‪ :‬جتادل �صافيناز حممد �أحم���د ب�أن و�ضع ا�سرتاتيجية خليجي ��ة موحدة جتاه اليمن وم�شكالته ب ��ات �أمراً ملحاً‬ ‫وال منا�����ص من����ه لتف����ادي ما هو �أ�سو�أ؛ ويعر�����ض �أثري ناظم عبدالواح���د الدواعي املو�ضوعي ��ة الن�ضمام اليمن والع ��راق �إىل جمل�س‬ ‫التع ��اون اخلليج ��ي؛ يف ح��ي�ن يقدم طارق عبداهلل احل���روي ر�ؤية حول مكان ��ة اليمن ودوره ��ا يف املنظومة الأمني ��ة الإقليمية قيد‬ ‫الت�شكّل‪ ،‬محُ ذر ًا من خطورة التغا�ضي عن الفر�ص املتاحة لليمن يف هذا الإطار؛ �أما نبيل البكريى فيقر�أ حتوالت الزيدية و�أطوارها‬ ‫ال�سيا�سي ��ة م ��ن «الهادوية» حت ��ى «احلوثية»؛ ويدعو جميب احلميدي من جهته احلركة الإ�سالمي ��ة يف اليمن �إىل �إعادة النظر يف‬ ‫مواقفها من ق�ضايا الفن واملر�أة؛ و�أخري ًا يتناول ك ٌّل من توما�س �ستيفين�سون وعبدالكرمي العوج طبيعة العالقة بني لعبة كرة القدم‬ ‫و�سيا�سة الهوية يف اليمن‪ .‬ال�صفحات ‪67 - 44‬‬ ‫تفاعالت اليمن والعامل يف ‪ 60‬يوماً‪� :‬شهرا �أيار‪/‬مايو وحزيران‪/‬يونيو ‪ .2010‬ال�صفحات‬

‫‪73 - 68‬‬

‫عني على اليمن‪:‬يبني �أحمد يو�سف �أحمد كيف �أن الوحدة اليمنية باتت حما�صرة مبثلث خطري من التحديات‪ ،‬ينبغي لليمنيني‬ ‫جتاوزه����ا للمحافظ����ة على منجزهم التاريخي‪ ،‬لكن رغم الأزمات التي تع����اين منها البالد �إال �أن �إبراهيم‬ ‫البيوم���ي غامن يحاول عر�ض مالمح م�شرقة غري منظورة لوجه اليمن الآخر‪ ،‬بينما يقدم جيفري‬ ‫كم���ب مقارب ��ة �أمريكية للتحديات الت ��ي تواجه اليم ��ن‪ ،‬ويو�ضح وحيد عبد املجي���د طبيعة امل�أزق‬ ‫ال ��ذي يع ��اين منه الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما يف كل م ��ن اليمن وجوانتانامو‪ ،‬ويتحدث‬ ‫عبدالعزي���ز العوي�ش���ق عن البع ��د اال�سرتاتيجي للأزمة اليمنية‪ ،‬يف ح��ي�ن يتح�سر فهمي هويدي‬ ‫عل����ى اختفاء اليمن م ��ن �أولويات ال�سيا�سة اخلارجية امل�صرية الراهن ��ة‪ ،‬و�أخري ًا يحاول ماتيو‬ ‫غيدي ��ر تو�ضيح الأ�سباب الت ��ي دفعت الفرع اليمن ��ي للقاعدة لإ�صدار جمل ��ة جهادية ناطقة‬ ‫با�سمه باللغة الإجنليزية‪ .‬ال�صفحات ‪82 - 74‬‬

‫‪6‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪88‬‬

‫‪92‬‬

‫‪96‬‬

‫‪100‬‬

‫املراقب الإ�سرتاتيجي‬

‫يف ب�ؤرة االهتمام‬

‫جدل ال�سيا�سة واملقاومة‪:‬‬ ‫م�ستقبل حزب اهلل اللبناين يف بيئة متقلبة‬ ‫غ�سان العزي‬ ‫الردع املخملي‪� :‬إيران تدمج مفهوم «احلرب اللينة»‬ ‫يف خمططاتها اال�سرتاتيجية‬ ‫نعمة �أدخلان‬ ‫ملاذا ما تزال �إمكانية عقد �صفقة �أمريكية‬ ‫�إيرانية‪� ،‬أمراً م�ستبعداً‬ ‫بوزيدي يحيى‬ ‫�أ�صدقاء للأبد‪� :‬أمر العالقات الرتكية – الإ�سرائيلية‬ ‫وم�ستقبلها قد يتجاوز م�صلحة البلدين‬ ‫�سالم الرب�ضي‬ ‫نقطة حتول؟‪ :‬ق�ضية فل�سطني يف �ضوء �صعود‬ ‫الدورين الرتكي والإيراين‬ ‫ماجد كيايل‬

‫العامل االقت�صادي يف ديناميات التناف�س الإقليمي‪:‬‬ ‫ال�سعودية و�إيران وتركيا‬ ‫علي ح�سني باكري‬ ‫امل�ستقبل الغام�ض لل�صحافة الورقية‬ ‫حممد الكهايل‬ ‫م�سلمو �أوروبا �أو «الآخر» كما ينبغي �أن يكون‬ ‫علي �أحمد عمر العب�سي‬

‫املحــور‬ ‫طريق الإرهاب‪:‬‬ ‫‪106‬‬ ‫ملاذا ين�ضم ال�شباب �إىل تنظيم القاعدة؟‬ ‫جون م‪« .‬مات» فينهو�س‬

‫جيوبوليتيك‬ ‫‪124‬‬

‫‪126‬‬

‫رم�ضان‪:‬‬ ‫اجلغرافيا ال�سيا�سية لأهم العطل العاملية الأخرى‬ ‫ويل ن�صر‬ ‫جغرافيا مت�صدعة‪ :‬انعكا�سات الفيدرالية الإثنية‬ ‫على التوجهات الإقليمية لإثيوبيا‬ ‫�أمرية حممد عبداحلليم‬

‫‪134‬‬

‫‪140‬‬ ‫‪144‬‬

‫مدار الأفكار‬ ‫بال مواربة‪:‬مُ�ساءلة الإ�سالم ال�سيا�سي‬ ‫حوار مع ر�ضوان ال�سيد‬ ‫املائدة امل�ستديرة‪:‬مع�ضلة‬ ‫املعار�ضة ال�سيا�سية يف العامل العربي‬ ‫�سامل لبي�ض‪ ،‬عمرو حمزاوي‪ ،‬مراد ظافر‪ ،‬في�صل جلول‬ ‫�سجال حول الدور الرتكي‬ ‫ع ّياد البطنيجي و�سقاف عمر ال�سقاف‬ ‫بالإ�ضافة �إىل �آراء‬ ‫التناغم الزائف والفحولة املنت�صرة‬ ‫حممد الدعمي‬ ‫�صدام الأوهام‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫‪150‬‬ ‫‪160‬‬

‫‪165‬‬

‫‪174‬‬ ‫‪180‬‬

‫الفهر�ست‬

‫مراجعــات‪ :‬تعرية الإمرباطورية‬ ‫هاريف‪ ،‬وهاردت و نيغري ‪ /‬م‪� .‬س‪ .‬ح‬ ‫طريق الإندماج ال�صعب‬ ‫حممد �سيف حيدر‪ /‬عبدالغني املاوري‬ ‫بالإ�ضافة �إىل عرو�ض موجزة‬

‫‪184‬‬ ‫‪188‬‬ ‫‪191‬‬

‫�أفــق‬

‫عندما يلتقي العداء للعرب‬ ‫مع العداء للغرب‬ ‫رغيد ال�صلح‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪194‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪7‬‬


‫‪shebacss.com‬‬

‫نظرة على‬

‫�ألق نظرة على �إ�صداراتنا‬ ‫ي�صدر مركز �سب�أ للدرا�سات‬ ‫الإ�سرتاتيجية �أربع �سال�سل‬ ‫درا�سات حمكمة باللغتني‬ ‫العربية واالجنليزية تعنى‬ ‫بال�ش�ؤون الإ�سرتاتيجية‬ ‫وال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وتركز هذه‬ ‫ال�سال�سل ب�شكل �أ�سا�سي على‬ ‫اليمن‪ ،‬وجمالها احليوي‬ ‫الذي ي�ضم الدول املطلة‬ ‫على البحر الأحمر ودول‬ ‫اخلليج (دول جمل�س التعاون‬ ‫اخلليجي‪ ،‬و�إيران‪ ،‬والعراق)‬ ‫ومنطقة ال�شرق الأو�سط‬ ‫و�شمال �أفريقيا‪ ،‬والالعبني‬ ‫الدوليني الرئي�سيني‪ .‬كما‬ ‫يندرج حتت هذا الت�صنيف‬

‫يف �أيامنا هذه �أ�صبح العاملان الواقعي واالفرتا�ضي متداخالن �إىل حد ال ميكن‬ ‫ف�صلهما عن بع�ضهما البع�ض‪ .‬هذه احلقيقة جتعل ل�شبكة املعلومات الدولية‬ ‫(الإنرتنت) �سحر ًا وجاذبية ال تقاوم‪ ،‬كونها �إحدى نوافذ �إ�شهار الذات‪ ،‬الفردية �أو‬ ‫امل�ؤ�س�سية‪ .‬ولهذا‪ ،‬فقد �أولينا يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �أهمية فائقة‬ ‫للتوا�صل التفاعلي مع رواد العامل االفرتا�ضي‪ ،‬و�إتاحة منتجاتنا الفكرية والتحليلية‬ ‫للجميع داخل اليمن وخارجه‪ ،‬وباللغتني العربية والإجنليزية‪ .‬وعو�ض ًا عن كونه‬ ‫يتيح لنا وللمهتمني بالعمل البحثي يف اليمن وخارجه‪ ،‬التوا�صل والتفاعل البناء‪،‬‬ ‫ف�إننا نعمل دوم ًا على تطوير موقعنا الإلكرتوين بحيث يكون واجهة معربة عن‬ ‫ن�شاطاتنا الهادفة �إىل «رفد ال�سيا�سة باملعرفة»‪ ،‬وبحيث يكون دوم ًا مفعم ًا باحليوية‬ ‫والتجديد‪� ،‬شك ًال وم�ضمون ًا‪.‬‬

‫اطّ لع على �أن�شطتنا وفعالياتنا احلالية وامل�ستقبلية‬

‫تعرَّف‬

‫على �أع�ضاء هيئتنا اال�ست�شارية‬

‫تت�شكل الهيئة اال�ست�شارية ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية من جمموعة �أكادمييني وخرباء معروفني‪ ،‬وهي ال تعك�س خربات من خمتلف‬ ‫احلقول فح�سب بل �أي�ض ًا متثل تنوع ًا من الناحيتني اجلغرافية والثقافية‪ .‬وللتعرف �أكرث على الأ�سماء املرموقة (الواردة يف العمود ي�سار‬ ‫ال�صفحة)‪ ،‬والتي ت�ض ّمها قائمة الهيئة اال�ست�شارية للمركز و�سريها الذاتية‪ ،‬وحقول تخ�ص�صاتها املعرفية والأكادميية‪ُ ،‬قم بزيارة الرابط‬ ‫التايل‪www.shebacss.com/ar/advisors :‬‬

‫�شاركنا �آراءك حول �أهم التطورات اجلارية يف اليمن واملنطقة‬

‫يت�ضمن موقعنا على �صفحته الرئي�سية نافذة جانبية با�سم «ا�ستفتاء»‪ ،‬وحتوي ا�ستطالع ر�أي حي وتفاعلي حول �أهم الق�ضايا وامل�ستجدات‬ ‫على ال�ساحة اليمنية والإقليمية‪ .‬والهدف هو �إتاحة الفر�صة ملت�صفحي موقعنا وزواره للإدالء ب�آرائهم ووجهات نظرهم حول ق�ضايا خمتلفة‬ ‫بكل �شفافية‪ .‬ولعل من املفيد التذكري ب�أن هذه اال�ستطالعات تتغري ب�شكل دوري وفق تطورات الأو�ضاع‪ ،‬بحيث تغطي تباع ًا �أبرز الق�ضايا‬ ‫املطروحة واملثرية للجدل‪.‬‬

‫تابـع �آخر م�ستجدات الأو�ضاع يف اليمن واملنطقة �أو ً‬ ‫ال ب�أول‬ ‫عرب بوابة «املركز الإعالمي»‬ ‫بغر�ض تزويد مت�صفحي وم�شرتكي املوقع الإلكرتوين للمركز بكل امل�ستجدات اخلربية والإعالمية‪ ،‬مت تخ�صي�ص هذه النافذة (التي تكاد‬ ‫تكون موقع ًا م�ستق ًال بذاته) ملتابعة �آخر الأخبار يف ال�صحافة وو�سائل الإعالم �أو ًال ب�أول‪ ،‬وعر�ضها على املوقع على مدار ال�ساعة باللغتني‬ ‫العربية والإجنليزية كما وردت من م�صادرها‪ .‬وغايتنا هي متكني مرتادي املوقع من معاي�شة احلدث ومتابعة تطوراته خالل خمتلف‬ ‫مراحله‪ ،‬ومن ر�ؤى ومنطلقات متعددة‪ .‬ويجري اختيار الأخبار والتقارير بعناية وحرفية من م�صادر متعددة �ضمن �آلية للمتابعة اليومية لكل‬ ‫من‪ :‬وكاالت الأنباء العربية والعاملية‪� ،‬أهم ال�صحف العربية والأجنبية‪ ،‬مواقع �إخبارية متخ�ص�صة‪ ،‬وغريها من امل�صادر‪.‬‬ ‫للإطالع على حمتويات املركز الإعالمي املتجددة‪ُ ،‬قم بزيارة الرابط التايل‪www.shebacss.com/ar/news :‬‬ ‫‪8‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫يتيح موقع املركز لزواره‬ ‫ومت�صفحيه جملة «مدارات‬ ‫ا�سرتاتيجية» مع �إمكانية حتميلها‬ ‫جمان ًا‪� ،‬سواء ب�شكل مفرد (�أي كل‬ ‫مقال على حدة)‪� ،‬أو تنزيل �أعداد‬ ‫املجلة كاملة‪.‬‬

‫�سال�سل الدرا�سات‬

‫‪shebacss.com‬‬

‫يوفر املوقع الإلكرتوين ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية لزواره وللمهتمني بن�شاطاته وفعالياته‪ ،‬نافذة متخ�ص�صة مبتابعة و�إبراز الفعاليات‬ ‫والأن�شطة التي ينظمها املركز �أو ينوي تنظيمها م�ستقب ًال وفق خطته البحثية‪ .‬وت�شمل هذه الأن�شطة والفعاليات‪ :‬امل�ؤمترات الإقليمية والدولية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل الندوات وور�ش العمل وحلقات النقا�ش واالجتماعات املختلفة والتي ينظم بع�ضها بالتعاون مع �أبرز مراكز الأبحاث العربية‬ ‫والعاملية‪ ،‬ناهيك عن املحا�ضرات العامة التي يلقيها خرباء مينيني وعرب و�أجانب يف �شتى املجاالت والتخ�ص�صات‪.‬‬

‫مدارات ا�سرتاتيجية‬

‫الهيئة اال�ست�شارية‬ ‫�أنو�ش �إحت�شامي (�إيران‪/‬بريطانيا)‬ ‫�إبراهيم �سيف (الأردن)‬ ‫�إن�صاف عبده قا�سم مر�شد (اليمن)‬ ‫باقر النجار (البحرين)‬ ‫بول �آرت�س (هولندا)‬ ‫جرد نونيمان (اململكة املتحدة)‬ ‫ِ‬ ‫جالل فقرية (اليمن)‬ ‫ح�سني علي حممد (ال�صومال)‬ ‫خلدون النقيب (الكويت)‬ ‫ر�ضوان ال�سيد (لبنان)‬ ‫(عمان)‬ ‫�سامل بن تبوك ُ‬ ‫�شوكت �أ�شتي (لبنان)‬ ‫عبد الغفار فرح (ال�صومال)‬ ‫عبداخلالق عبداهلل (الإمارات)‬ ‫عمرو حمزاوي (م�صر)‬ ‫فائزة بن حديد (اجلزائر)‬ ‫لبنى امل�سيبلي (اليمن)‬ ‫مارينا �أوتاوي (الواليات املتحدة)‬ ‫حمجوب الزويري (الأردن)‬ ‫حممد �أحمد الزعبي (�سورية‪�/‬أملانيا)‬ ‫حممد الأفندي (اليمن)‬ ‫حممد احلاوري (اليمن)‬ ‫حممد �صالح قرعه (اليمن)‬ ‫حممد عبد ال�سالم (م�صر)‬ ‫حممد الرميحي (الكويت)‬ ‫ملحم �شا�ؤول (لبنان)‬

‫�سل�سلتني �أخريني‪،‬‬ ‫هما‪� :‬سل�سلة‬ ‫�أوراق بحثية‪،‬‬ ‫وهي �سل�سلة �أوراق‬ ‫غري دورية وغري‬ ‫حمكمة‪ ،‬تتناول‬ ‫بالتحليل والتقومي‬ ‫ق�ضايا ال�ساعة‬ ‫ذات الطابع‬ ‫الهام‪ ،‬مبا من �ش�أنه تقدمي‬ ‫ر�ؤية �أو�سع ل�صناع القرار‬ ‫واملهتمني من الأكادمييني‬ ‫والباحثني‪ .‬وكذلك �سل�سلة‬ ‫ر�سائل جامعية‪ ،‬التي‬ ‫تهتم بن�شر ر�سائل املاج�ستري‬ ‫و�أطروحات الدكتورة‬ ‫اجلامعية املتميزة يف‬

‫حتليالت �سيا�سية‬

‫املجاالت‬ ‫التي تقع �ضمن اهتمامات‬ ‫املركز‪ ،‬بهدف خلق‬ ‫تراكم علمي ومعريف لدى‬ ‫املخت�صني واملهتمني بهذه‬ ‫املجاالت‪ ،‬و�إتاحة الفر�صة‬ ‫ل�صناع القرار والنخب‬ ‫العلمية والثقافية يف املجتمع‬ ‫لال�ستفادة من نتائجها‪.‬‬

‫تت�ضمن هذه النافذة حتليالت‬ ‫مكثفة يقدمها باحثو املركز حول حدث‬ ‫�سيا�سي حايل الفت �أو ق�ضية جديرة‬ ‫باالنتباه‪ ،‬ومن املحتمل �أن يكون لها‬ ‫ت�ضمينات �إ�سرتاتيجية‬ ‫على املديني القريب �أو البعيد‪.‬‬

‫الكــتــب‬

‫توفر هذه النافذة �إطاللة عامة‬ ‫على الكتب التي ين�شرها مركز �سب�أ‬ ‫للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪� ،‬سواء باللغة‬ ‫العربية �أو الإجنليزية‪ ،‬يف املجاالت‬ ‫املختلفة ال�سيا�سية والإ�سرتاتيجية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪ .‬وبع�ض هذه‬ ‫الكتب متاح بالكامل‬ ‫للتنزيل املجاين‪.‬‬

‫خمتارات من جديد موقعنا‬

‫�أخبار وحتليالت ووجهات نظر‬

‫■ ت�صفّح النافذة اخلا�صة وامل�سماة «مر�آة الإرهاب»‪ ،‬املُك ّر�سة ملتابعة تطورات ■ هل ي�ضخّ م امل�سئولون الأمريكيون خطر تنظيم القاعدة يف اليمن‪،‬‬ ‫وملاذا؟ هذا ما يحاول تو�ضيحه الباحث يف وحدة الدرا�سات اال�سرتاتيجية‬ ‫ظاهرة الإرهاب حملي ًا و�إقليمي ًا وعاملي ًا‪� ،‬أو ًال ب�أول‪ ،‬حيث جتد �آخر الأخبار‬

‫والتقارير والتحليالت والدرا�سات (نافذة متخ�ص�صة على «واجهة ال�صفحة‬ ‫الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية والإجنليزية)‪.‬‬

‫■ ّاطلع على كل ما تود �أن تعرفه عن «امل�ؤمتر الوطني لإدارة وتنمية‬ ‫املوارد املائية يف اليمن» ‪ ،‬الذي ّ‬ ‫ينظمه مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‬ ‫انعقاده يف الفرتة ‪ 28 - 26‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ب�صنعاء‪ ،‬واملقرر‬ ‫(نافذة متخ�ص�صة على «واجهة ال�صفحة الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية‬ ‫والإجنليزية)‪.‬‬

‫■ كيف �أثرت الأزمة املالية العاملية يف اقت�صادات الدول اخلليجية‪ ،‬على‬

‫املديني القريب والبعيد؟ درا�سة ت�ستق�صي االنعكا�سات والآفاق امل�ستقبلية‬ ‫�أعدها الباحث علي ح�سني باكري‪ ،‬و�صدرت م�ؤخر ًا يف �سل�سلة‬ ‫درا�سات اقت�صادية (متاحة يف �صفحة‪ :‬املطبوعات‪�/‬سال�سل الدرا�سات‪/‬‬ ‫�سل�سلة درا�سات اقت�صادية)‪.‬‬

‫ت�صويت‬ ‫تفاعلي‬

‫عاي�ش علي عوا�س (حتليل متوفر يف نافذة «حتليالت �سيا�سية»)‪.‬‬

‫■ اقر�أ �أحدث �إ�صداراتنا �ضمن �سل�سلة �أوراق بحثية‪ ،‬درا�سة بعنوان «امل�شكلة‬ ‫الإثنية و�أثرها يف قوة الدولة‪ :‬مقاربة نظرية عامة»‪ ،‬للباحثني حممد �سيف‬ ‫ج�سار (درا�سة متوفرة يف �صفحة‪ :‬املطبوعات‪�/‬سال�سل‬ ‫حيدر وعلي عبداهلل ّ‬ ‫الدرا�سات‪�/‬سل�سلة �أوراق بحثية)‪.‬‬

‫■ ما طبيعة اجلهود التي قامت بها احلكومة اليمنية �إزاء ظاهرة حمل‬ ‫الأ�سلحة يف اليمن‪ ،‬واحلد من انت�شارها يف الو�سط املجتمعي‪ .‬درا�سة‬

‫تتناول الدوافع وال�سيا�سات واملعوقات‪� ،‬أعدها الباحث يف وحدة الدرا�سات‬ ‫اال�سرتاتيجية عاي�ش علي عوا�س‪ ،‬و�صدرت م�ؤخر ًا يف �سل�سلة درا�سات‬ ‫ا�سرتاتيجية (متاحة يف �صفحة‪ :‬املطبوعات‪�/‬سال�سل الدرا�سات‪�/‬سل�سلة‬ ‫درا�سات ا�سرتاتيجية)‪.‬‬

‫�شاركنا بر�أيك على ‪ shebacss.com‬بالت�صويت على �أحدث اال�ستفتاءات التفاعلية‪« :‬حتتوي �إ�سرتاتيجية‬ ‫�أمريكا جتاه املنطقة عمليات تفكيك و�إعادة تركيب معتمدة احلدود الإثنية واملذهبية والثقافية»‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪9‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫رئي�س التحرير‬

‫�إفتتاحيـة‬

‫�سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أفكار‬

‫على حمك ال�سالم!‬ ‫انطلقت مفاو�ضات ال�سالم املبا�شرة يف وا�شنطن يوم الثاين‬ ‫من �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 2010‬ب�ي�ن ال�سيد حممود عبا�س رئي�س ال�سلطة‬ ‫الوطني���ة الفل�سطينية يف رام اهلل ورئي�س ال���وزراء الإ�سرائيلي بنيامني نتنياهو‪ ،‬والتي تهدف حلل‬ ‫كل الق�ضاي���ا العالق���ة خالل عام‪ .‬وبد َال من التف���ا�ؤل ف�إن مفاو�ضات ال�سالم ه���ذه يعرتيها ق�صور‬ ‫التمثي���ل الفل�سطيني الوا�ضح‪ ،‬فالرئي�س عبا�س يذهب للمفاو�ضات يف ظل معار�ضة معظم ف�صائل‬ ‫منظمة التحرير‪ ،‬و�أكرث من ن�صف �أع�ضاء اللجنة املركزية حلركته احلاكمة‪ ،‬ومعظم �أبناء ال�شعب‬ ‫الفل�سطيني يف ال�شتات‪ ،‬ومع ذلك ال تثري هذه الإعرتا�ضات �أي اهتمام لدى ال�سلطة الفل�سطينية‪،‬‬ ‫وال لدى العرب الراعني للمفاو�ضات‪ ،‬وال حتى للدولة الراعية لهذه املفاو�ضات والداعية لها‪.‬‬ ‫ومتثل ه���ذه املفاو�ضات ر�سم خطوط اول حتالف‪� ،‬أو جبهة عربي���ة �إ�سرائيلية‪ ،‬برعاية �أمريكية‪،‬‬ ‫ملواجه���ة اخلطر اجلديد‪ ،‬ال���ذي هو اخلطر االيراين‪ -‬ال�س���وري وملحقاته‪ .‬وقي���ام هذا التحالف‬ ‫اال�سرتاتيجي يتطلب تقدمي تنازالت للطرف الإ�سرائيلي الذي �سيكون ر�أ�س احلربة‪ ،‬يف �أي هجوم‬ ‫(مع �إ�ستبعادنا لذلك) لتدمري املن�ش�آت النووية االيرانية‪ .‬وهذه املغريات قد تتمثل يف فر�ض �صيغة‬ ‫ت�سوي���ة مبوا�صفات �إ�سرائيلية‪ .‬فنتنياهو فر�ض �شروطه مبباركة �أمريكية بعدم متديد فرتة جتميد‬ ‫البن���اء يف امل�ستوطن���ات التي تنتهي يف ‪ 26‬م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب من العام اجل���اري‪ ،‬والت�صريح ب�أن‬ ‫القد����س املحتل���ة �ستظل عا�صمة موح���دة لدولة �إ�سرائيل م���ع الت�أكيد على يهودي���ة دولة �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫فعالم يبق التفاو�ض بعدئذ؟‬ ‫اجلميع خائف من ف�شل هذه املفاو�ضات‪ ،‬وخائف �أي�ض ًا من جناحها يف الوقت نف�سه‪ ،‬لأن ال�شعب‬ ‫الفل�سطين���ي �سيدفع ثمن��� ًا باهظ ًا يف احلال�ي�ن‪ ،‬ودون �أن ميلك القدرات �أو الدع���م العربي اللذين‬ ‫ميكن �أن يمُ كّناه من تقلي�ص اخل�سائر �إذا مل ي�ستطع منعها‪ .‬واحتماالت الف�شل كبرية‪ ،‬لي�س ب�سبب‬ ‫�صالب���ة املوق���ف الفل�سطيني‪ ،‬بقدر ما هو �صالب���ة وتعنّت مواقف نتنياهو‪ ،‬ورغ���م ذلك ال ن�ستبعد‬ ‫حدوث ‘مفاج�آت’‪.‬‬ ‫وب���وادر الف�ش���ل متمثل���ة يف حالة غليان الأرا�ض���ي املحتلة يف ظل اال�ستيط���ان واحلواجز والقمع‪،‬‬ ‫وتف���رّد ال�سلط���ة الفل�سطينية يف الق���رار دون �أي مرجعيات �أو م�ؤ�س�سات وطني���ة‪ ،‬وحالة االنق�سام‬ ‫الراهن���ة بني مع�سكر مفاو�ض‪ ،‬و�آخر مقاوم‪ ،‬وا�ستمرار الإحت�ل�ال للأر�ض‪ ،‬و�أخري ًا قدرة املقاومة‬ ‫ورجالها على اخرتاق هذا التن�سيق والو�صول اىل �أهدافهم التي يريدون متى �شاءوا‪.‬‬ ‫و�أم�ي�ركا ال ت�ستطي���ع فر����ض ت�سوية �أو متثي���ل على ال�شع���ب الفل�سطيني‪ ،‬مهم���ا امتلكت من املال‬ ‫و�أ�سباب القوة‪ ،‬يف الوقت الذي تن�سحب مهزومة ومثخنة بجراح الف�شل يف العراق ويف �أفغان�ستان‪.‬‬ ‫فالطائ���رات وال�صواري���خ والتكنولوجي���ا الع�سكرية احلديثة تنه���زم �أم���ام �إرادات ال�شعوب �إذا ما‬ ‫�أ�صرّت على املقاومة والتم�سّ ك بحقها باال�ستقالل وال�سيادة احلقيقيني‪.‬‬ ‫‪photo: Mo. Kohali‬‬

‫‪10‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪11‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫النظام واملحيط‬

‫حتوالت العالقة بني ال�سلطة‬ ‫واملجتمع فـي اليمن‬ ‫هاين املغل�س‬

‫‪hanymokhls@yahoo.com‬‬

‫ال ج���دال يف �أن اجلمهورية اليمنية �شهدت العديد من التحوالت على الكثري من الأ�صعدة ال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعي���ة‪ ،‬ولكن مع مالحظة التفاوت واالختالف يف م�ستوى ودرجة تلك التحوالت وت�أثريها يف‬ ‫تط���ور النظام ال�سيا�سي‪ ،‬بحيث ميك���ن �أن نلحظ فرق ًا وا�ضح ًا بني التحوالت على امل�ستوى ال�سيا�سي‬ ‫وتلك التي حتدث على امل�ستوى االجتماعي؛ فالأوىل تبدو بطيئة‪ ،‬و�شكالنية‪ ،‬وغري ا�ستيعابية‪ ،‬بينما‬ ‫تبدو الثانية (�أي التحوالت االجتماعية) قوية ومت�سارعة و�أكرث جذرية‪ .‬وهنا ميكن ت�سجيل مالحظة‬ ‫�أولي���ة مفادها �أن التحوالت االجتماعية ه���ي �أكرث عمق ًا من تلك التي حتدث على امل�ستوى ال�سيا�سي‬ ‫بجانبيه القانوين والهيكلي‪ ،‬وهذا ما يعر�ض النظام ال�سيا�سي اليمني لأزمات حادة وم�ستمرة‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫هاين املغل�س باحث ميني يف العلوم ال�سيا�سية‪.‬‬

‫م���ن امله���م الإ�شارة �إىل �أنه خ�ل�ال �سنوات قليلة ن�ش����أ و�ضع خمتلف‬ ‫يف املحافظ���ات اجلنوبي���ة وال�شرقي���ة‪ ،‬وخ�ل�ال �سن���وات قليل���ة �أي�ض ًا‬ ‫�أ�صب���ح احلوثيون ميثلون قوة اجتماعية فعلي���ة يف بع�ض املناطق‪ ،‬كما‬ ‫ب���رزت حتالفات قبلي���ة وا�سعة‪ ،‬وتعزز دور القبيلة كم���ادة �أ�سا�سية يف‬ ‫ال�صراعات الع�سكرية‪ ،‬وظهرت بع�ض العناوين املناطقية واملذهبية‪،‬‬ ‫وكل ذل���ك يعني �أن املجتم���ع يف �صدد �إعادة تقيي���م عالقته بال�سلطة‬ ‫وتطوي���ر خي���ارات اجتماعي���ة خ���ارج منظوم���ة العالق���ات ال�سلطوية‬ ‫الر�سمية‪.‬‬ ‫لك���ن امل�شكلة تكمن يف �أن عملي���ة �إعادة التقييم تلك تخ�ضع لبواعث‬ ‫و�أه���داف خمتلف���ة‪ ،‬فالبع����ض ال ي�ت�ردد يف الرتوي���ج له���دف “دول���ة‬ ‫انف�صالي���ة”‪ ،‬والبع����ض يتح���رك بوع���ي �سالطيني وقبل���ي‪ ،‬و�آخرون‬ ‫يحاولون احلفاظ على مواقع نفوذ فعلية على هام�ش الوجود القانوين‬ ‫للدول���ة‪ ،‬ويف و�س���ط كل ذلك تبدو احلركة املطلبي���ة هي الأ�ضعف و�إن‬ ‫تو�س���ل البع�ض بها لتحقيق غايات قد تت�صادم معها من حيث الأ�صل‪.‬‬ ‫وبتقديرن���ا ف����إن م���ا جعل احلرك���ة املطلبية ه���ي احللق���ة الأ�ضعف‪-‬‬ ‫بالإ�ضاف���ة �إىل �أ�سب���اب �أخرى بالطب���ع‪ -‬هو التعام���ل الر�سمي معها‪،‬‬ ‫حي���ث عادة ما يج���ري التعامل م���ع �أي حركة مطلبي���ة بالتفتي�ش عن‬ ‫جغرافيته���ا و�أ�سا�سه���ا املناطقي �أو رديفها القبل���ي‪ ،‬ليجري بعد ذلك‬ ‫تفكيكه���ا �أو قتل مطالبها باالعتم���اد على ذلك الأ�سا�س �أو بت�صويرها‬ ‫على �أنها �صاحبة موقف ولي�س مطلب‪ ،‬لذلك ف�إن التعامل مع املطالب‬ ‫االجتماعي���ة بو�صفه���ا تعب�ي�ر عن قوى كامن���ة ميك���ن �أن تنق�ض على‬ ‫ال�سلط���ة ولي����س مظهر ًا لتح���والت عميقة يف الق���اع االجتماعي هو ما‬ ‫يح���ول دون بروز حركة مطلبي���ة جماهريية ميك���ن �أن تلغي العناوين‬ ‫املناطقية واالنف�صالية‪.‬‬ ‫ه���ذه النقط���ة‪� ،‬أي التعامل مع احل���ركات املطلبي���ة بو�صفها خطر ًا‬ ‫�سيا�سياً‪ ،‬جتد �صداها يف �أ�سلوب �إدارة ال�صراعات ال�سيا�سية من قبل‬ ‫ال�سلط���ة يف اليمن‪ ،‬بحيث يبدو �أن “ َق ْب َيل���ة” ال�صراع وحتويل جمراه‬ ‫م���ن �صراع �سيا�سي م���دين تت�صدره مطالب جماهريي���ة‪� ،‬إىل �سل�سلة‬ ‫م���ن ال�صراع���ات الأولية هو �أم���ر يتوافق مع خربة ال�سلط���ة يف �إدارة‬ ‫ال�صراعات‪ ،‬ومع ت�صورها ب�أن احلل���ول “االجتماعية‪/‬العرفية” هي‬ ‫�أف�ض���ل مبعيار امل�صلحة الآنية من احلل���ول ال�سيا�سية التي قد تكلفها‬ ‫القي���ام ببع����ض اال�ستحقاق���ات‪ .‬وهكذا ميك���ن �أن ننظ���ر �إىل جتربة‬ ‫“احلوار الوطني”‪� ،‬إذ يظهر ميل ال�سلطة �إىل تقطيع وجتزئة احلوار‪،‬‬ ‫فتحاور احلوثيني على حده‪ ،‬وال متانع يف حماورة بع�ض قوى احلراك‬ ‫اجلنوب���ي‪ ،‬وحت���اور بع�ض القي���ادات املعار�ضة يف اخل���ارج عن طريق‬ ‫و�سط���اء‪ ،‬وحت���اور �أحزاب اللق���اء امل�ش�ت�رك‪ ،‬لأنها تعتق���د �أن احلوار‬ ‫الوطني ال�شامل �سيكلفها الكثري �سيا�سياً‪ ،‬هذا دون �أن نعفي الأطراف‬ ‫الأخرى من م�سئولياتها التي ال تقل �أهمية يف هذا الإطار‪.‬‬

‫عن���د بح���ث حقيق���ة‬ ‫طبيع��ة التح��والت‬ ‫التح���والت يف عالقة ال�سلطة باملجتمع‪ ،‬ينبغ���ي تقدمي قراءة �سيا�سية‬ ‫مل���ا يدور من �أحداث‪ ،‬فالتح���والت �سواء يف عالقة ال�سلطة بالقبيلة �أم‬ ‫بالتكوين���ات االجتماعية الأخرى وما يرافقها من عنف ومن انت�شار لـ‬ ‫“جرثومة التمرد”(‪� )1‬ضد بع�ض مظاهر ورموز ال�سلطة هي تعبريات‬ ‫اجتماعي���ة عن م�شكلة �سيا�سية (م�شكلة ال�سلطة)‪� ،‬سواء يف تركيبتها‬ ‫�أو وظائفها‪.‬‬ ‫�إن املجتم���ع بحك���م الأمية والعادات ميك���ن �أن يخفق يف التعبري عن‬ ‫حاجات���ه بطريق���ة عقالنية‪ ،‬لذلك ف����إن عبء ا�ستخال����ص امل�ضمون‬ ‫ال�سيا�س���ي للتعب�ي�رات االجتماعية غ�ي�ر العقالنية يقع عل���ى ال�سلطة‬ ‫والنخ���ب املثقف���ة‪ ،‬فوجود جهة متار����س االختطاف – وه���و �أمر غري‬ ‫م�ب�رر يف كل الأح���وال‪ -‬ال ي�س��� ِوّغ الرتكي���ز عل���ى جزئي���ة االختطاف‬ ‫وجتاهل الداللة ال�سيا�سية لذلك الفعل‪ ،‬وعندما يتكرر االختطاف يف‬ ‫�أك�ث�ر من مكان ف����إن الداللة ال�سيا�سية للحدث تك���ون �أو�سع‪� ،‬إذ ت�شري‬ ‫�إىل وج���ود خلل عميق يف الإدارة وال�سيا�سة معاً‪ ،‬وال�سلطة التي تذهب‬ ‫وراء جزئي���ة االختطاف وتتجاهل امل�شكالت الت���ي يعرب عنها تخطئ‬ ‫يف ذل���ك‪ ،‬كما �إنها عندما حتاول احتواء تلك الظاهرة اجتماعي ًا عرب‬ ‫ترتيبات تقع خارج منطق الدولة (كالفدية والتحكيم العريف وغريها)‬ ‫ولي����س �سيا�سي ًا (عرب �إيج���اد �إ�صالحات �شاملة) تخط���ئ �أي�ضاً‪ .‬هذا‬ ‫جم���رد مثال يو�ضح �أهمية القراءة ال�سيا�سية للحدث االجتماعي بكل‬ ‫�أ�شكاله‪.‬‬ ‫م���ن جهة �أخرى‪ ،‬ف����إن القبيل���ة التي متار����س االختط���اف �أو تفجّ ر‬ ‫�أنابي���ب النفط كو�سيل���ة لالحتجاج �أو حتقيق بع����ض املطالب‪ ،‬هي يف‬ ‫حقيق���ة الأمر تطالب ب�سي���ادة القانون وبالعدال���ة التنموية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فه���ي بذلك الفعل ت�ضع نف�سها يف قل���ب املمار�سة ال�سيا�سية دون وعي‬ ‫منها بذل���ك‪ ،‬والك�شف عن امل�ضم���ون ال�سيا�سي ملثل تل���ك الأفعال قد‬ ‫يهيئ القبيلة �إىل نوع من املمار�سة املدنية ت�صبح فيه رافد ًا يف معركة‬ ‫البناء والدميقراطية‪.‬‬ ‫به���ذه الكيفية ميك���ن �أن نقدم قامو�س ًا �سيا�سي��� ًا يعرب عن امل�شكالت‬ ‫القائم���ة يف اليم���ن بو�صفها م�ش���كالت عدالة‪ ،‬وم�س���اواة‪ ،‬وم�شاركة‪،‬‬ ‫وتنمية‪ ،‬و�سيادة‪ ،‬وتداول‪ ،‬يكون بدي ًال عن اللغة اال�ستنزافية املتداولة‬ ‫(انف�ص���ال‪ ،‬فتنة‪ ،‬مت���رد‪� ،‬صراع قبلي)‪ ،‬والت���ي �أخفقت يف ت�شخي�ص‬ ‫م�ش���كالت البالد‪ ،‬ناهيك عن �أن تقدم لها حلوالً‪ ،‬و�أنتجت عو�ض ًا عن‬ ‫ذل���ك �شعارات وح���االت ع�صبوية تذهب بال�صراع بعي���د ًا عن م�ساره‬ ‫ال�سيا�س���ي كلجان الدفاع ال�شعبي عن الوحدة‪ ،‬وجي�ش الدفاع ال�شعبي‬ ‫يف حرب �صعدة‪ ،‬و�شعار “اليمن �أوالً” الذي ينبئ عن نقل الأزمات من‬ ‫امل�ست���وى ال�سيا�سي �إىل م�ستوى “عق���دي” تتقاطع فيه دوائر االنتماء‬ ‫والهوية والثقافة يف بلد ال يحتاج بحكم جتان�سه العقدي والعرقي �إىل‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪13‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫�إدارة معارك من هذا النوع‪.‬‬ ‫يف هذا الإطار‪ ،‬ميك���ن �أن نعر�ض لأهم التحوالت يف عالقة ال�سلطة‬ ‫باملجتمع بالرتكيز على ثالثة م�ستويات هي‪:‬‬ ‫التح��ول يف عالقة القبيل��ة بال�سلطة‪ :‬فالقبيل���ة و�إن ظلت حمتفظة‬ ‫ب�أدواره���ا االجتماعية وال�سيا�سية طوال ف�ت�رة الوحدة‪� ،‬إال �أنها كانت‬ ‫ق���د تعر�ضت يف فرتات متفاوتة لبع����ض االخرتاقات املدنية‪ ،‬كما �أنها‬ ‫يف مناط���ق �أخرى كانت قد تراجع���ت بو�صفها بنا ًء هرياركي ًا يفرت�ض‬ ‫تراتبي���ة معين���ة لل�سلطة االجتماعي���ة يف الإطار املحل���ي‪ ،‬لكن القبيلة‬ ‫تع���ود اليوم �إىل �ساحة الأح���داث بوعيها اخلا����ص لتتحرك يف حدود‬ ‫م�صاحلها املبا�شرة‪.‬‬ ‫من املهم التذكري يف هذا اخل�صو�ص �أن وجود القبيلة كقوة �سيا�سية‬ ‫كان �سبب��� ًا رئي�س��� ًا يف جن���اح ث���ورة ‪� 26‬سبتم�ب�ر ‪ ،1962‬و�أن التقائه���ا‬ ‫باجلناح املدين ممث�ل�اً بالنعمان والزبريي يف �إط���ار الكفاح الوطني‬ ‫كان �ضمان���ة لنج���اح الثورة‪ ،‬قب���ل �أن ترت���د القبيل���ة يف ‪ 1967‬لتلتهم‬ ‫الدول���ة بوعيه���ا اخلا����ص‪ .‬ما يح���دث الآن ه���و �أن القبيل���ة ال تت�صور‬ ‫لنف�سها دور ًا يف �إحداث التغيري ال�سيا�سي على امل�ستوى الوطني‪ ،‬و�إنها‬ ‫ترف�ض االلتق���اء باجلناح املدين يف جهود م�شرتك���ة من �أجل الوحدة‬ ‫والدميقراطي���ة والتنمية‪ ،‬وعندما يحدث ذلك يح���اول الوعي القبلي‬ ‫امل�شيخي م�ص���ادرة �أُطُ ر احلركة‪ ،‬وحتديد دوائر الفاعلية يف �أي لقاء‬ ‫يتم حتت مظلة مدنية(‪.)2‬‬ ‫ويف كل الأحوال‪ ،‬ف�إن القبيلة تعيد بناء عالقتها بال�سلطة عن طريق‬ ‫االنكفاء على الذات والبحث عن حتالفات ع�شائرية �أو�سع‪� .‬إنها تتجه‬ ‫�إىل حت�ص�ي�ن نف�سه���ا م���ن “�ش���ر” ال�سلطة‬ ‫احلا�ص���ل �أو املتوق���ع‪ ،‬و�إىل ابتزازه���ا‬ ‫�أي�ض ًا كلما �سنحت لها الفر�صة‪.‬‬ ‫التح��والت يف الوع��ي امل��دين‪ :‬انطلقت طاملا �أن الوحدة مل‬ ‫منظمات املجتمع املدين بقوة وكثافة بعد تتحول �إىل م�شروع‪،‬‬ ‫حتقيق الوح���دة‪ ،‬كما ظل���ت رقعة العمل والدميقراطية �إىل‬ ‫امل���دين يف ات�س���اع م���ع بع����ض التعرثات ممار�سة‪ ،‬والتنمية‬ ‫والقيود‪ ،‬وميكن �أن نلحظ اليوم هام�شية �إىل واقع حياتي‪،‬‬ ‫ف�إن من الطبيعي‬ ‫موق���ع املجتمع املدين بالن�سبة للكثري من‬ ‫الأح���داث‪ ،‬ويعود ذلك لي����س �إىل �ضعف �أن حتدث حتوالت‬ ‫م�ؤ�س�سات املجتمع املدين فح�سب‪ ،‬و�إمنا عك�سية جُت ّ�سد �أزمة‬ ‫�إىل �صعوب���ة العم���ل امل���دين يف اليم���ن امل�شروع الوحدوي‬ ‫الدميقراطي‬ ‫ال�سيم���ا عندم���ا يتقاط���ع م���ع �أولوي���ات التنموي يف اليمن‬ ‫ال�سلط���ة‪ ،‬وه���ذا ما يجع���ل العمل املدين‬ ‫عم�ل�اً مكتبي��� ًا برتوكولي��� ًا لي����س له كبري‬ ‫�أث���ر يف احلي���اة االجتماعي���ة اليمنية‪ ،‬وبالت���ايل ف����إن املجتمع املدين‬ ‫ي���زاح �إىل الهام�ش كلم���ا ت�صاعدت الأح���داث وزادت حدتها‪ .‬كما �أن‬ ‫تطوير ال�سلطة لعالقاتها مع اخلارج (خا�صة الواليات املتحدة) جعل‬ ‫‪14‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫منظم���ات املجتمع املدين‪ ،‬خا�صة تلك املهتم���ة بحقوق الإن�سان والتي‬ ‫انطلق���ت كجزء م���ن ثقافة حقوق الإن�س���ان الدولي���ة‪� ،‬شبه حما�صرة‬ ‫مبنظمات ر�سمية هجينة تلعب دورها يف الداخل‪ ،‬وبحالة دولية عامة‬ ‫جتعل امل�صلحة ولي�س حقوق الإن�سان يف �صدارة �أولوياتها‪.‬‬ ‫التح��ول الثال��ث ه��و يف املطال��ب االجتماعي��ة‪ :‬وهو �شدي���د ال�صلة‬ ‫بالنقطة املثارة �سابق���اً‪ ،‬فمن املالحظ �أن عامة املواطنني ال يطالبون‬ ‫اليوم بت�أمني �صحي �أو �ضمان اجتماعي �أو ما �شابه‪� .‬إن ذلك يعد ترف ًا‬ ‫بكل املقايي�س يف ظل الأو�ض���اع احلالية‪ ،‬و�أغلب املطالب اجلماهريية‬ ‫ترتك���ز يف احل�ص���ول على الوظيف���ة‪ ،‬واملدر�سة والطري���ق وامل�ست�شفى‬ ‫والعدالة اجلنائية‪ ،‬وهي مطالب حيوية ُملِحّ ة ال تقبل الت�أجيل‪ ،‬وعندما‬ ‫يتعلق الأمر بهذا الن���وع من املطالب‪ ،‬تظهر الهوة عميقة بني املجتمع‬ ‫والنظام ال�سيا�سي (�سلطة ومعار�ضة) ب�صورة وا�ضحة؛ فالإخفاقات‬ ‫التنموي���ة املتكررة لل�سلطة تدفع املواطن �إىل �إعادة تقييم عالقته بها‬ ‫عل���ى امل�ستوى ال�شعوري ‪ -‬على الأق���ل ‪ -‬بحيث يظهر امليل �إىل التمرد‬ ‫عل���ى القانون‪ ،‬وع���دم االكرتاث مب���ا تقوله ال�سلط���ة‪ ،‬والإعرا�ض عن‬ ‫متابع���ة و�سائل �إعالمه���ا الر�سمية وغريه���ا من املظاه���ر ال�سلوكية‪،‬‬ ‫خا�ص���ة �إذا ارتب���ط ذلك بغياب ما يطلق علي���ه الدكتور برهان غليون‬ ‫“وطني���ة اخلدمات”(‪ .)3‬كما تبدو الهوة عميق���ة �أي�ض ًا بني قطاعات‬ ‫وا�سع���ة من املجتمع وبني املعار�ض���ة ال�سيا�سية‪ ،‬فاملعار�ضة مل تفلح يف‬ ‫تقدي���ر �أن تلك املطالب هي مطالب حيوية عاجلة بو�صفها مت�س قوت‬ ‫املواط���ن و�أمنه ال�شخ�ص���ي‪ ،‬فتذهب من حوار �إىل ح���وار‪ ،‬وميكن �أن‬ ‫تظ���ل حتاور ال�سلطة فرتة طويل���ة دون �أن حت�صل على �شيء له عالقة‬ ‫ب� �ـ “املطال���ب احليوية”‪ ،‬والنتيجة ه���ي �أن ما يعت�ب�ره املواطن حيوي ًا‬ ‫وعاجالً‪ ،‬تتعامل معه املعار�ضة بو�صفه ق�ضية قابلة للنقا�ش والت�أجيل‬ ‫وامل�ساومة‪.‬‬ ‫املالحظات ال�سابقة‬ ‫�أزمة امل�شاريع الثالثة‬ ‫تفت���ح الباب للحديث عن قيادة التحوالت االجتماعية‪ ،‬وهنا ال يخرج‬ ‫احلديث عن �أمرين‪:‬‬ ‫الأول‪� :‬إما �أن تكون ال�سلطة هي القائدة لتلك التحوالت‪.‬‬ ‫الثاين‪� :‬أن تكون ال�سلطة مو�ضوع ًا للتحوالت وهدف ًا لها‪.‬‬ ‫تتحق���ق احلال���ة الأوىل حني يك���ون هناك م�ش���روع جمتمعي يلتقي‬ ‫حوله اجلميع‪ ،‬وامل�شروع اجلامع (دول���ة الوحدة) تعر�ض النتكا�سات‬ ‫بفع���ل ع���دة عوامل �أهمه���ا ح���رب ‪ 1994‬الداخلية‪ ،‬وبالت���ايل ف�إن ما‬ ‫يفرت�ض �أن يكون م�شروع ًا وطني ًا جامع ًا �أ�صبح حمل ت�سا�ؤل‪ ،‬وال�سبب‬ ‫يف ذل���ك هو �إخف���اق النظام ال�سيا�سي يف حتوي���ل الوحدة من حقيقة‬ ‫جغرافي���ة و�شعوري���ة �إىل م�ش���روع للم�ساواة والكرام���ة الوطنية‪ ،‬يتيح‬ ‫�إمكان���ات البناء واالنط�ل�اق نحو امل�ستقب���ل‪ ،‬فالتوقف عند حلظة ‪22‬‬ ‫ر�ضة للت�آكل‪ ،‬رغم اعتقادنا �أن الأمور يف‬ ‫مايو جعل من تلك اللحظة عُ َ‬ ‫هذا اجلانب ميكن تداركها‪.‬‬

‫يف الواجهة‪:‬القبيلة تعود اليوم �إىل �ساحة الأحداث بوعيها اخلا�ص لتتحرك يف حدود م�صاحلها املبا�شرة‬ ‫امل�ش���روع الآخ���ر ه���و الدميقراطية‪ ،‬وم���ن املعل���وم �أن الدميقراطية‬ ‫والوح���دة اقرتنتا م���ن حيث الن�ش����أة(‪ ،)4‬وهذا الت�ل�ازم كان �إيجابي ًا‬ ‫لكن���ه حم���ل خي���ار الدميقراطية التوافقي���ة يف رحمه‪ ،‬وه���و ما حدث‬ ‫بالفعل بعد �أول انتخابات برملانية عام ‪ 1993‬حيث ظهر التعار�ض بني‬ ‫منطقني‪ :‬منطق “الدميقراطي���ة االنتخابية” الذي يتيح وفق ًا لنتائج‬ ‫�أول انتخابات �إزاحة احلزب اال�شرتاكي من ال�سلطة‪ ،‬ومنطق الوحدة‬ ‫ال���ذي يق���ول �إن احل���زب اال�شرتاكي �شري���ك يف �إقامة دول���ة الوحدة‬ ‫و�أن جتاهل���ه �ضم���ن �أية ترتيبات �سلطوية �أم��� ٌر م�ضر بالوحدة‪ ،‬لذلك‬ ‫فق���د كانت �أط���راف العملية ال�سيا�سية مدرك���ة لأهمية دخول احلزب‬ ‫اال�شرتاك���ي يف حكومة االئتالف ا�ستجاب���ة حلقائق ال�شراكة الوطنية‬ ‫ولي�س لنتائج االنتخابات احلرفية‪.‬‬ ‫بع���د حرب �صي���ف ‪ ،1994‬ونتيج���ة العتق���اد امل�ؤمتر ال�شعب���ي العام‬ ‫ب����أن احل���رب تتيح له طي اعتب���ارات مرحلة ما قب���ل احلرب ومتنحه‬ ‫م�شروعي���ة جدي���دة‪ ،‬اجت���ه �إىل �إن�شاء حتال���ف ثنائ���ي كان من حيث‬ ‫ال�ش���كل ي�ستجيب لنتائج انتخاب���ات ‪ ،1993‬لكن���ه كان ي�ستجيب �أي�ض ًا‬ ‫لواقع ما بعد احلرب‪ .‬ويف انتخابات ‪ 1997‬تخلى امل�ؤمتر ال�شعبي العام‬ ‫عن ال�شراكة يف ال�سلطة‪ ،‬ليظهر مرة �أخرى ذات التناق�ض بني منطق‬ ‫الوحدة وبني منطق “الدميقراطية االنتخابية”‪.‬‬ ‫يف حقيق���ة الأم���ر فمنذ حتقق���ت الوحدة ظل ط���رف �سيا�سي واحد‬ ‫مهيم���ن على ال�سلطة دون �إمكانية حلدوث تداول حقيقي لها‪ ،‬كما �أن‬

‫�أط���راف العمل ال�سيا�سي �أخفقت على مدى ع�شرين عام ًا يف التو�صل‬ ‫�إىل نظ���ام انتخاب���ي يحقق فر�ص��� ًا متكافئة للجمي���ع‪ ،‬لذلك فقد ظل‬ ‫اجل���دل يتفجّ ر ح���ول قانون االنتخاب���ات واللجنة العلي���ا لالنتخابات‬ ‫قبي���ل كل انتخابات‪ ،‬وهو م���ا يعني �أن م�ش���روع الدميقراطية اليمنية‬ ‫يعاين �أي�ض ًا من �أزمات حادة‪ .‬يف هذا اخل�صو�ص‪ ،‬ميكن الإ�شارة �إىل‬ ‫�أزم���ة امل�شاركة‪ ،‬وهي الأزمة التي ال مبالغة يف القول �إنها متثل اجلذر‬ ‫ال�سيا�سي لأزمات اليمن املركبة‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 1995‬قدم النائب امل�ستقل عبد احلبيب �سامل مقبل ا�ستقالته‬ ‫م���ن �أول برملان ميني منتخب بع���د �أن �أم�ضى فيه قرابة العامني‪ ،‬وقد‬ ‫كان �أول برمل���اين يق���دم ا�ستقالته بع���د الوحدة‪ .‬وخط���اب اال�ستقالة‬ ‫ال���ذي قدمه لهيئة رئا�س���ة جمل�س النواب �آن���ذاك يعك�س ماذا نق�صد‬ ‫باحلدي���ث عن �أزم���ة امل�شاركة‪ .‬يق���ول عبد احلبيب �س���امل يف مقدمة‬ ‫خط���اب ا�ستقالته‪�« :‬إنني واحد من الذين انتخبهم اليمنيون كممثلني‬ ‫له���م فيم���ا ي�سمى �أعل���ى �سلطة لل�شعب وه���و جمل�س الن���واب‪ ..‬و�إنني‬ ‫�أفخ���ر بالثقة الت���ي نلتها يف معرك���ة انتخاب���ات ني�سان‪�/‬أبريل ‪،1993‬‬ ‫ال حقيقي ًا ملواطن���ي الدائرة ‪35‬‬ ‫والت���ي خ�ضتها بعزمية �أن �أك���ون ممث ً‬ ‫مدين���ة تعز‪ ..‬و�إذا ب���ي �أجد املجل�س الذي ميث���ل امل�ؤ�س�سة الأوىل لي�س‬ ‫�س���وى جمل�س ًا رديف ًا لأجهزة وم�ؤ�س�س���ات اال�ستبداد واال�ستعباد داخل‬ ‫الدولة‪ ..‬ومل يك���ن �ضمريي ي�ستوعب العبودية والزيف �أطول من هذه‬ ‫الأ�شهر التي ق�ضيتها ممث ًال زور ًا ل�ستة ع�شر مليون مواطن ميني»‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪15‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫يعك����س هذا اخلطاب �صدم���ة مبكرة مب�ش���روع دميقراطية الوحدة‬ ‫ملثق���ف وطني بارز‪ ،‬فعبد احلبيب �سامل خلّ�ص يف كلمات قليلة امل�شهد‬ ‫الدميقراط���ي م���ن داخل ما يفرت����ض �أن يكون �أق���وى م�ؤ�س�ساته‪ .‬كما‬ ‫�أنه‪ ،‬وعلى خ�ل�اف �آخرين تركوا بعد ذلك‬ ‫جمل����س النواب لي�صبح���وا معار�ضني‬ ‫مُ�سلّح�ي�ن كح�سني ويحي���ى بدر الدين‬ ‫احلوث���ي‪ ،‬وب�ص���ورة �أخ���ف �ص�ل�اح‬ ‫�شعار «اليمن �أو ًال»‬ ‫ال�شنفره ونا�صر اخلبجي‪ ،‬ظل متم�سك ًا‬ ‫ينبئ عن نقل‬ ‫بخي���اره امل���دين يف الن�ض���ال ال�سلمي الأزمات من امل�ستوى‬ ‫دون البحث ع���ن حا�ضنة ع�شائرية �أو ال�سيا�سي �إىل م�ستوى‬ ‫واجهة مناطقي���ة‪� .‬إن ال�س�ؤال الالفت‬ ‫«عقدي» تتقاطع‬ ‫ال���ذي يحت���اج �إىل ق���راءة وت�أم���ل هو فيه دوائر االنتماء‬ ‫مل���اذا يتحول ع�ضو جمل����س نواب �إىل والهوية والثقافة يف‬ ‫معار�ض م�سلح؟ �أو يف �أح�سن الأحوال بلد ال يحتاج بحكم‬ ‫جتان�سه العقدي‬ ‫�إىل معار����ض يع���ي تناق�ضات العالقة‬ ‫ب�ي�ن املثقف وال�سيا�س���ي فيبتلع مرارة والعرقي �إىل �إدارة‬ ‫“الدميقراطي���ة”(‪ ،)5‬وين�سح���ب من معارك من هذا النوع‬ ‫تفا�صي���ل م�شهده���ا الدرام���ي به���ذه‬ ‫العب���ارة املوحية‪�« :‬أرجو �أن ت�ساحموين عل���ى كل �إزعاج �سببته لكم‬ ‫ولدميقراطيتكم ‪ ..‬وال�سالم»‪.‬‬ ‫امل�ش���روع الأخري ه���و “م�شروع التنمي���ة”‪ ،‬وهذا امل�ش���روع ي�أتي من‬ ‫حقيق���ة �أن الوحدة لي�ست هدف ًا يف حد ذاته���ا‪ ،‬فتحقيق الوحدة يعني‬ ‫تهيئ���ة املناخ لتحقيق عملية تنمية ما كان له���ا �أن تتم يف ظل ان�شطار‬ ‫اجلغرافي���ا والإمكان���ات والإرادات‪ ،‬و�إال ف�إن الوح���دة ت�صبح م�ساحة‬ ‫للخ�ل�اف ولي�س حافز ًا للتنمية وه���ذا ما حدث بالفعل‪ ،‬حيث “الفراغ‬ ‫التنموي” كان �سبب ًا �أ�سا�سي ًا فيما تعاين منه الوحدة من م�شكالت‪.‬‬ ‫احلالة الثانية‪ :‬طاملا �أن الوحدة مل تتحول �إىل م�شروع‪ ،‬والدميقراطية‬ ‫�إىل ممار�س���ة‪ ،‬والتنمية �إىل واقع حياتي‪ ،‬ف�إن من الطبيعي �أن حتدث‬ ‫حتوالت عك�سية تجُ �سّ د �أزمة امل�شروع الوحدوي الدميقراطي التنموي‬ ‫يف اليم���ن‪ ،‬ويف هذه احلالة ف����إن ال�سلطة ال ت�أخذ و�ض���ع القائد لتلك‬ ‫التح���والت و�إمنا تكون مو�ضوع ًا وهدف ًا له���ا‪ ،‬حيث يندفع املجتمع �إىل‬ ‫�إعادة تقيي���م عالقته بها على �أ�سا�س امل���دركات الثالث ال�سابقة و�إن‬ ‫بتعب�ي�رات تبدو يف ظاهرها غري عقالنية وغري ر�شيدة‪ ،‬وعملية كتلك‬ ‫يف جمتمع يعاين من الأمية و�ضغط احلياة اليومية ال ت�أخذ بال�ضرورة‬ ‫طابع��� ًا مدني���اً‪ ،‬كما �أن ع���دم اكتمال عملية حتدي���ث ومتدين ال�سلطة‬ ‫نف�سها يحكم على التعبريات االجتماعية �أن ت�أخذ �أ�شكا ًال خمتلفة قد‬ ‫تتقاط���ع بحكم الواقع مع الثقافة املدنية ال�سلمية التي ال تزال بطبيعة‬ ‫احلال م�شروع ًا حتت الت�أ�سي�س‪.‬‬

‫( )‬

‫مالحظــــات‬ ‫(‪ )1‬يقاب���ل تعب�ي�ر “جرثومة التمرد” م���ا يطلق علي���ه الدكتور خلدون‬ ‫النقي���ب يف كتاب���ه “الدولة الت�سلطي���ة يف امل�شرق العرب���ي‪ :‬درا�سة بنائية‬ ‫مقارن���ة”‪ ،‬و�صف “جرثوم���ة الت�سلط”‪ ،‬لكن ما ن�شري �إلي���ه بهذا التعبري‬ ‫ال ي�ش�ي�ر بال�ض���رورة �إىل حمل ال�س�ل�اح �ضد الدولة كمظه���ر من مظاهر‬ ‫التمرد عليها‪ ،‬فقد يك���ون من مظاهر ذلك‪ :‬جتاهل حكم القانون‪ ،‬وعدم‬ ‫اح�ت�رام امل�ؤ�س�سات‪ ،‬وحتينّ الفر�ص لنهب املال العام ‪...‬الخ‪ .‬بهذا املعنى‬ ‫ميكن �أن نعي���د قراءة عالقة املجتمع – والقبيلة حتديداً‪ -‬بال�سلطة‪ ،‬فما‬ ‫يع���د وال ًء قبلي ًا لل�سلطة يحمل يف جوهره �شك ًال م���ن �أ�شكال التمرد عليها‬ ‫�أو النف���ور منه���ا‪ ،‬وحتت هذا التحليل تندرج كاف���ة ال�صفقات املالية التي‬ ‫جتريه���ا ال�سلطة مع القبيلة لأنها ال تقوم عل���ى حتريك الوالء الوطني يف‬ ‫القبيل���ة – وهو ما ال جدال حوله على الإطالق‪ -‬و�إمنا على تهييج احل�س‬ ‫النفع���ي لدى بع�ض م�شائخه���ا‪ .‬يف ذات ال�سياق‪ ،‬ميكن �أن نلم�س حالة من‬ ‫املباين���ة يف قراءة احلدث االجتماعي �أو ال�سيا�سي بني ال�سلطة واملجتمع‪،‬‬ ‫فبينما ي�شارك املجتمع يف “االنتخابات” بو�صفها �أداة للتغيري اجلزئي �أو‬ ‫ال�شام���ل تنظر ال�سلطة لـ “نتائ���ج االنتخابات” كم�صدر �إ�ضايف لل�شرعية‬ ‫وتكري�س وجودها الفعلي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ت�أمل جتربة اللجنة التح�ضريية للحوار وحاالت اال�ستقالة اجلماعية‬ ‫لبع�ض رموز العمل ال�سيا�سي واملدين منها‪ ،‬مع الأخذ يف االعتبار �أن ذلك‬ ‫ال يع���د نق�ض ًا لفك���رة التقاء اجلناح�ي�ن املدين والقبلي الت���ي ن�ؤكد عليها‬ ‫يف ه���ذه املقال���ة‪ ،‬و�إمنا ي�ش�ي�ر �إىل �ضرورة جتاوز الوع���ي امل�شيخي يف �أي‬ ‫ا�صطفاف مدين ك�شرط لتحقيق �أهدافه على املدى البعيد‪.‬‬ ‫(‪ )3‬بره���ان غليون‪ ،‬املحنة العربية‪ :‬الدولة �ض���د الأمة (بريوت‪ :‬مركز‬ ‫درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪� ،)1994 ،2‬ص‪.241‬‬ ‫(‪ )4‬ه���ذا االقرتان يثري م�شكالت على �أكرث م���ن �صعيد‪ .‬فوفق ًا للدكتور‬ ‫حمم���د جاب���ر الأن�ص���اري ف����إن بن���اء الدول���ة ينبغ���ي �أن يتق���دم م�شروع‬ ‫الدميقراطي���ة �إذ ال ميك���ن احلدي���ث ع���ن دميقراطي���ة دون �أن ي�سبقه���ا‬ ‫وج���ود الدول���ة “مكتملة النم���و” �أوالً‪ .‬انظ���ر‪ :‬حممد جاب���ر الأن�صاري‪،‬‬ ‫“الدميقراطي���ة ومعوق���ات التكوين ال�سيا�سي العرب���ي”‪ ،‬يف‪ :‬جمموعة‬ ‫م�ؤلف�ي�ن‪ ،‬امل�س�أل���ة الدميقراطي���ة يف الوط���ن العرب���ي (ب�ي�روت‪ :‬مرك���ز‬ ‫درا�س���ات الوح���دة العربي���ة‪���� ،)2000 ،‬ص‪ .112‬مع ذل���ك‪ ،‬ميكن افرت�ض‬ ‫�أن الدميقراطي���ة امل�ستوعب���ة حلقائ���ق وخ�صو�صي���ات الإط���ار الثق���ايف‬ ‫واالجتماع���ي ميك���ن �أن ت�ستخ���دم ك�أداة لبن���اء الدولة �أي بن���اء ال�شرعية‬ ‫وامل�ؤ�س�س���ات وال�سيا�سات‪ ،‬ولي�س كم�شروع �سيا�سي للحك���م �أو �أداة لإدارة‬ ‫اخلالف���ات ال�سيا�سية كما يجري تعريفها يف بع�ض الأدبيات‪ .‬والفرق بني‬ ‫الأمري���ن يبدو وا�ضح���اً‪ ،‬فال�سلطة ترى يف الدميقراطي���ة م�شروع ًا تديره‬ ‫وحت���رك عنا�صره وفق حاجيات ومقت�ضيات حملي���ة و�إقليمية ودولية‪ ،‬يف‬ ‫ح�ي�ن �أن الدميقراطية لي�ست م�شروع ًا لإدارة ال�سلطة و�إمنا لبناء الدولة‪،‬‬ ‫وهك���ذا فان ال�س�ؤال املُثار هو حول ما �إذا كان���ت الدميقراطية �أداة لبناء‬ ‫الدول���ة‪� ،‬أم و�سيل���ة لإدارة احلك���م فيه���ا‪� ،‬أو بني الدميقراطي���ة كم�شروع‬ ‫�سيا�سي �أم كخيار جمتمعي‪.‬‬ ‫(‪“ )5‬الدميقراطية كلمة ُمرّة” عنوان كتاب لعبد احلبيب �سامل‪ ,‬يحوي‬ ‫�أهم مقاالته ال�صحفية‪.‬‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة درا�سات �إ�سرتاتيجية‬

‫جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل الأ�سلحة واحلد من انت�شارها‬

‫الدوافع‪ ،‬ال�سيا�سات‪ ،‬املعوقات‬ ‫عاي�ش على عوا�س‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪16‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪17‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫التحديث امل�شوّ ه‬ ‫اخللفية االجتماعية ل�ضعف وعي‬ ‫الطبقة الو�سطى اليمنية بذاتها‬

‫�أحمد الق�صري‬

‫‪a_alkassir@yahoo.com‬‬

‫هن���اك م���ن الدالئل ما ي�شري �إىل �ضعف الدور االجتماعي للطبقة الو�سط���ى اليمنية‪ .‬وتبدو ثقافتها �ضعيفة الت�أثري يف املجتمع‪ .‬ويف‬ ‫نف����س الوق���ت‪ ،‬ف�إن الثقافة ال�سائدة ال زالت تت�سم بطابع تقليدي لي�س ل���ه عالقة بثقافة البندر‪� .‬أي لي�س لها عالقة بثقافة احل�ضر‬ ‫التي تن�ش�أ مع ن�ش�أة الطبقة الو�سطى وال�شرائح والطبقات االجتماعية الأخرى التي ظهرت ارتباط ًا بالن�شاط االقت�صادي احلديث‪.‬‬ ‫�إنن���ا �أم���ام �إ�شكالية تقع على �أكرث م���ن م�ستوى‪ .‬فمن جانب‪ ،‬نحن �أمام م���ا ميكن ت�سميته ب�ضعف الثقل الن�سب���ي للطبقة الو�سطى‬ ‫وهام�شية ثقافتها يف املجتمع‪ ،‬عالوة على �ضعف وعيها بذاتها‪ .‬وباملقابل‪ ،‬ت�سود على �سطح املجتمع ثقافة حمافظة و�أمناط �سلوك‬ ‫تقليدية ال تنتمي �إىل املجتمع احلديث‪.‬‬ ‫وف�ض�ل�اً ع���ن ذلك‪ ،‬ف����إن الدرا�سات االجتماعية تبدو غائبة هي الأخ���رى‪ ،‬وال تهتم كثري ًا بدرا�سة مثل ه���ذه الق�ضايا‪ .‬ومن الأمور‬ ‫التي تدعو �إىل االنتباه �أن بع�ض الدرا�سات املعنية بالتاريخ االجتماعي لليمن تناولت احلركات االجتماعية لبع�ض طبقات املجتمع‬ ‫و�شرائح���ه االجتماعي���ة الأخرى بينما مل تظهر درا�سات مماثلة �أو كافي���ة عن الطبقة الو�سطى‪ ،‬وعلى �سبيل املثال ظهرت درا�سات‬ ‫عن احلركة العمالية وحركة املر�أة وعن القبيلة‪ ،‬بينما مل تنل الطبقة الو�سطى اهتمام ًا كافي ًا من جانب الباحثني‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�أحم���د الق�صري �أ�ست���اذ علم االجتماع‪ ،‬وباح���ث م�صري متخ�ص����ص يف الدرا�سات اليمنية‪.‬‬ ‫واملقال يف الأ�صل ورقة عمل قدمت يف م�ؤمتر «اليمن ‪ :2010‬ال�سيا�سة واملجتمع»‪ ،‬الذي نظمه‬ ‫مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪ ،‬ب�صنعاء خالل الفرتة ‪� 18 - 17‬أيار‪/‬مايو ‪.2010‬‬

‫وثم���ة مالحظة �أخرى‪ ،‬وهى �أن الأعم���ال الأدبية اليمنية تناولت بع�ض‬ ‫اجلماع���ات وال�شرائ���ح االجتماعية عالوة على ثقاف���ة تلك اجلماعات‪،‬‬ ‫ومل تظه���ر بينها الطبقة الو�سطى على نحو وا�ض���ح‪ .‬وعلى �سبيل املثال‪،‬‬ ‫تناول���ت ع���دة �أعمال �أدبية من �شع���ر وق�صة العمال‪� ،‬س���واء كانوا داخل‬ ‫الب�ل�اد �أو يف املهجر‪ ،‬كما تعر�ض���ت �إىل الريفيني‪ ،‬و�إىل املر�أة خا�صة يف‬ ‫الريف بينما مل ن�شهد وجود ًا يذكر لأبناء الطبقة الو�سطى وثقافتهم يف‬ ‫تلك الأعمال‪.‬‬

‫الإ�شكالي��ة الت��ي �أمامن��ا‬ ‫ي����ؤدي غي���اب‬ ‫ال���دور الفعال للطبقة الو�سطى احل�ضرية‪� ،‬أي غري القبلية‪� ،‬إىل ت�أثريات‬ ‫�سلبية يف املجتمع‪ .‬ف�إن غياب دور هذه الطبقة و�ضعف ت�أثريها يف ثقافة‬ ‫املجتمع و�سلوكيات���ه يعني غياب �أحد العنا�صر الأ�سا�سية التي جتمع بني‬ ‫كاف���ة �شرائح املجتم���ع وتوحِّ د بينها‪ .‬وهو ما يعن���ي يف واقع الأمر �ضعف‬ ‫عوام���ل متا�سك الن�سي���ج االجتماع���ي‪ ،‬وانتفاء �أحد العوام���ل الأ�سا�سية‬ ‫لالندم���اج الوطن���ي‪ .‬فكلما ب���رزت الطبق���ة الو�سط���ى‪ ،‬وازدادت فعالية‬ ‫دوره���ا االجتماعي‪ ،‬تدعمت عوامل االندماج الوطني‪ .‬والعك�س �صحيح؛‬ ‫فكلم���ا غ���اب دور هذه الطبقة �أو ظ���ل هام�شياً؛ زادت وط����أة االنتماءات‬ ‫الفرعية ومن بينها االنتماءات املناطقية والطائفية والقبلية‪.‬‬ ‫وال تتوق���ف الإ�شكالية عند هذا احل���د‪ .‬ففي الوقت الذي يبدو فيه دور‬ ‫الطبق���ة الو�سط���ى غائب��� ًا �أو هام�شي ًا تظه���ر على ال�سط���ح‪ ،‬ويف مقدمة‬ ‫ال�صورة‪� ،‬أ�صوات تعرب عن اجلماعات التقليدية والقبلية‪ ،‬وتروج ثقافتها‬ ‫الت���ي تت�سم بطابع حمافظ‪ .‬و�سبق �أن ظهرت �آراء م�شابهة منذ �أكرث من‬ ‫ن�ص���ف قرن م�ضى‪ .‬فقد و�صل الأمر ببع�ض ال�شخ�صيات التاريخية مثل‬ ‫القا�ضي حممد حممود الزبريي �إىل جعل القبيلة معادلة لل�شعب وبدي ًال‬ ‫له ولي�س جمرد �أحد مكوناته‪.‬‬ ‫�إن �ضع���ف الت�أثري االجتماع���ي للطبقة الو�سط���ى يف الأمناط الثقافية‬ ‫للمجتمع م�س�ألة حتتاج �إىل الدرا�سة والتحليل والتف�سري والفهم‪� .‬أي �أننا‬ ‫نحت���اج �أن نتعرف على العوامل التاريخي���ة االجتماعية التي جعلت هذه‬ ‫الطبقة تبدو �صامتة �أو غائبة وال جتهر بر�أي وا�ضح‪ ،‬وك�أن ثقافة املجتمع‬ ‫و�سلوكيات���ه ال تعنيه���ا‪� .‬إننا �أمام ق�ضي���ة ال تتعلق بطبقة بق���در ما تتعلق‬ ‫ب�ضعف عوام���ل ا�ستقرار املجتمع وغياب بع����ض عوامل متا�سك الن�سيج‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫ينبغ���ي التنوي���ه ب�أنن���ا نتح���دث ع���ن الطبق���ة الو�سط���ى ذات الأ�صول‬ ‫احل�ضري���ة ولي�ست القبلي���ة‪ .‬ف�إن �شرائح الطبق���ة الو�سطى التي ت�شكلت‬ ‫م���ن �أ�صول غري قبلية ال ت�صنع قوانينها اخلا�ص���ة‪ .‬كما �أنها لي�ست حرة‬ ‫يف ذل���ك‪ .‬ويب���دو الأم���ر وك�أنه���ا ال تعي دوره���ا يف املجتم���ع‪ .‬فهي‪ ،‬على‬ ‫�سبي���ل املث���ال‪ ،‬ال تبذل جهد ًا عام��� ًا من �أجل ن�شر ثقافته���ا وال تدخل يف‬ ‫مع���ارك من �أجل ذل���ك‪ .‬وتكتفي ب�أن متار�س جانب ًا م���ن هذه الثقافة يف‬ ‫حياته���ا اخلا�صة وح�س���ب‪� .‬أما يف احلياة العام���ة فتخ�ضع لثقافة ع�صر‬ ‫م���ا قبل الر�أ�سمالي���ة‪ .‬وهو ما ي�شكل �إحدى نقائ����ص هذه الطبقة؛ «فهي‬ ‫تعي�ش يف ازدواجية تنعك�س �سماتها ونقائ�صها على املجتمع ب�أ�سره‪ .‬هنا‬ ‫يكم���ن �أحد منابع االزدواجي���ة التي يعي�شها املجتم���ع اليمنى الآن‪ .‬وهى‬

‫ازدواجية تن�سح���ب على �أمناط ال�سلوك والقي���م‪ .‬ازدواجية تتج�سد فى‬ ‫نهاية املطاف يف وجود جمتمع�ي�ن ولي�س جمتمع ًا واحداً‪ .‬جمتمع ر�سمي‬ ‫يظه���ر عل���ى ال�سطح ويت�س���م بالتزمت‪ .‬وجمتمع �آخر غ�ي�ر ظاهر يقبل‪،‬‬ ‫وي�سم���ح‪ ،‬ويبيح ما هو حمظور يف املجتمع الر�سم���ي‪ .‬وبهذا يتم تكري�س‬ ‫�أحد �أ�شكال التحديث امل�شوّه»(‪.)1‬‬ ‫ظه���رت ال�شرائ���ح الأوىل‬ ‫ملح��ة تاريخي��ة‬ ‫م���ن الطبقة الو�سطى اليمنية يف عدن من���ذ عقود طويلة‪ .‬وكانت الغرفة‬ ‫التجاري���ة يف ع���دن قد ت�أ�س�ست ع���ام ‪� ،1886‬أي منذ م���ا يزيد على مائة‬ ‫و�أربع���ة وع�شرين عام���اً‪ .‬كما ظهرت بعد ذلك يف ع���دن �أي�ض ًا منظمات‬ ‫تع�ب�ر عن ال�شرائ���ح االجتماعية اجلديدة التي ارتبط���ت بنوعية جديدة‬ ‫من �أ�ش���كال الن�شاط االقت�صادي‪ .‬وكان بينها منظم���ات �أهلية و�أحزاب‬ ‫�سيا�سي���ة‪ .‬كم���ا ظهرت منظم���ات و�أح���زاب �أ�س�سه���ا �أ�شخا�ص من مين‬ ‫الإمام���ة‪� ،‬أي من �شمال اليمن‪ .‬ومثال ذل���ك حركة الأحرار الد�ستوريني‬ ‫الت���ي ت�أ�س�ست عام ‪ 1944‬يف عدن بزعامة �أحمد حممد نعمان والقا�ضي‬ ‫حمم���د حممود الزب�ي�ري‪ .‬وقد و�ضعت هذه احلرك���ة �ضمن مطالبها يف‬ ‫عام ‪ 1948‬مطلب ًا يعرب ع���ن ال�شرائح االجتماعية التجارية‪ .‬فقد طالبت‬ ‫ب�ضرورة «الق�ض���اء على احتكار التجارة من قب���ل كبار املقربني للإمام‬ ‫لت�سويق �أو ا�سترياد املنتجات»(‪.)2‬‬

‫االحتاد اليمني تعبري عن مرحلة جديدة‬ ‫بع���د ف�شل حرك���ة ‪� 1948‬أ�س�ست جمموعة التجار م���ن �أبناء ال�شمال يف‬ ‫ع���دن يف‪ 12‬متوز‪/‬يولي���و ‪« 1952‬االحتاد اليمني» كن���ادي اجتماعي(‪.)3‬‬ ‫وكان���ت �سلطات االحتالل الربيطاين قد رف�ضت حماولة املجموعة التي‬ ‫�أ�س�س���ت هذا االحت���اد ت�أ�سي�س ح���زب با�سم «الرابط���ة اليمنية» يف عام‬ ‫‪ .1951‬وينبغ���ي التنويه ب����أن امل�ؤرِّخ والباحث علي حمم���د عبده �أ�شار يف‬ ‫مق���ال ن�شره ع���ام ‪� 1978‬إىل �أن «االحتاد اليمن���ي» ت�أ�س�س عام ‪ 1951‬و�أن‬ ‫«الرابط���ة اليمني���ة» ت�أ�س�ست عام ‪ .)4(1950‬وقد رف���ع «االحتاد اليمني»‬ ‫�سقف املطالب الت���ي طرحتها حركة ‪ .1948‬وكان ذلك تعبري ًا عن زيادة‬ ‫الثقل الن�سبي لل�شرائح التجارية‪ ،‬وعن ظهور �شرائح اجتماعية جديدة‪.‬‬ ‫وعل���ى �سبيل املثال‪ ،‬جاء يف د�ستور «مطال���ب ال�شعب» الذي �أعلنه �أحمد‬ ‫حمم���د نعمان وحممد حمم���ود الزبريي يف عام ‪ 1956‬م���ا يلي‪« :‬الدولة‬ ‫حتمي العمل وتن�شئ له ت�شريع ًا يت�ضمن املبادئ التالية‪:‬‬ ‫�أ‌‪� .‬أج���ور العمل تكون متنا�سب���ة مع الكمية والنوع‪ ،‬وال يجوز �أن تقل عن‬ ‫احلد الأدنى يف الت�شريع‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬حتديد �ساع���ات العمل يف الأ�سبوع‪ ،‬ومنح العم���ال عطلة �أ�سبوعية‬ ‫و�سنوية ب�أجرة مدفوعة‪.‬‬ ‫ج‌‪ .‬تعي�ي�ن مكاف����آت العائ�ل�ات‪ ،‬و�ضم���ان حال���ة املر����ض وال�شيخوخة‬ ‫والإ�صابة جراء العمل‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫د‌‪ .‬حرية ت�شكيل احتادات عمالية» ‪.‬‬ ‫�أم���ا يف الوق���ت احلا�ضر ف����إن الدالئل ت�شري �إىل هام�شي���ة دور الطبقة‬ ‫الو�سط���ى وع���دم فاعليته���ا ب�ش����أن ق�ضايا التط���ور االجتماع���ي‪ ،‬مع �أن‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪19‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫م�شروعاتها االقت�صادية كانت يف املا�ضي حمدودة للغاية مقارنة بالو�ضع‬ ‫الراهن‪ .‬فقد تو�سع ن�شاطها التجاري وال�صناعي يف الوقت الراهن على‬ ‫نح���و ال ميك���ن مقارنته باملا�ضي‪ .‬وعالوة على ذل���ك‪ ،‬امتد هذا الن�شاط‬ ‫�إىل بالد �أخرى عربية و�أجنبية‪.‬‬

‫�ضعف دور العمل الذهني واملهني‬ ‫ينبغي التنويه‬ ‫ب�أن ال�شرائح التجارية التي ظهرت يف عدن‪ ،‬والتي �أ�شرنا �إليها �آنفاً‪ ،‬قد‬ ‫تقل�ص���ت نتيجة الت�أميم بعد جناح ث���ورة ‪� 14‬أكتوبر وحتقيق اال�ستقالل‪.‬‬ ‫كم���ا واجهت املجموعات التي انتقلت �إىل ال�شم���ال �أو�ضاع ًا تتناق�ض مع‬ ‫مقومات الن�ش���اط االقت�صادي احلديث‪ .‬ومل ت�ستطع �أن تطور م�ؤ�س�سات‬ ‫مهني���ة تعرب عن وجودها وع���ن م�صاحلها‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ميك���ن القول ب�أن‬ ‫ال�شرائح التجارية والر�أ�سمالي���ة التي ظهرت من انتماءات و�أ�صول غري‬ ‫قبلي���ة ات�س���م دورها العام بالطاب���ع الهام�شي بفعل ال�سي���اق االجتماعي‬ ‫الع���ام‪ .‬كم���ا �أن ال�سي���اق االجتماع���ي الثق���ايف ال�سائ���د �أدى �إىل �ضعف‬ ‫العم���ل الذهن���ي واملهني عامة على الرغم م���ن �أهميته لتحديث املجتمع‬ ‫وتنميته‪.‬‬ ‫لذلك لي�س غريب ًا �أن يغيب الدور االجتماعي الفاعل للمهنيني والطبقة‬ ‫الو�سط���ى عامة يف ظ���ل �سياق اجتماعي غري موات‪ .‬ولي����س غريب ًا �أي�ض ًا‬ ‫�أن يت���وارى دوره���م البنيوي الذي ميك���ن �أن ي����ؤدي �إىل �إحداث تغريات‬ ‫جوهري���ة يف املجتم���ع‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ال تربز يف مقدمة ال�ص���ورة‪ ،‬يف �أحيان‬ ‫كث�ي�رة‪� ،‬إال اجلماع���ات التقليدية وثقافة و�سلوكي���ات املجتمع التقليدي‪.‬‬ ‫وله���ذا مل تنت�شر م���ع الطبقة الو�سط���ى اليمنية �أمن���اط �سلوكية جديدة‬ ‫يقتدي بها اجلمهور‪ .‬ومل يكن غريب ًا يف ظل مثل هذا الو�ضع «�أن يحتفي‬ ‫بع����ض �أبناء هذه الطبقة ذاتها ببع�ض �أمناط ال�سلوك التقليدي والقبلي‬ ‫مثل اجلنبية التي يتزينون بها يف املنا�سبات‪ .‬ويحدث هذا بينما مل يكن‬ ‫التزي���ن باجلنبية ثقافة عامة �أو �شاملة لكل �أبناء اليمن‪ ،‬بل كانت جزء ًا‬ ‫م���ن ثقافة �أقلية من ال�س���كان وح�سب‪ .‬وي�شري ذلك �إىل �أن ثقافة الطبقة‬ ‫الو�سط���ى يف اليمن ترتك���ز على خلفية ه�شة»(‪ .)6‬وال ج���دال يف �أن مثل‬ ‫ه���ذه الأو�ض���اع تعترب من �أ�سباب �ضع���ف دور النقاب���ات املهنية‪ .‬كما �أن‬ ‫تقييد احلري���ات العامة قد �أ�سهم بدوره بل‪ ،‬وال ي���زال ي�سهم‪ ،‬يف ابتعاد‬ ‫هذه النقابات عن القيام ب�أدوارها‪.‬‬

‫بدايات التحديث يف ال�شطر ال�شمايل‬ ‫ب���د�أت هذه العملية بع���د ثورة ‪� 26‬سبتمرب‪1962‬مبا�ش���رة ثم ت�صاعدت‬ ‫بع���د ذل���ك‪ .‬ففي تلك الفرتة نزح���ت من عدن كف���اءات مهنية وعنا�صر‬ ‫م���ن البورجوازية التجارية‪� ،‬أي الطبق���ة الو�سطى‪� ،‬إىل ال�شطر ال�شمايل‬ ‫م���ن اليم���ن �سابقاً‪ .‬وهي تنتمي يف الأ�سا����س �إىل حمافظة تعز‪ .‬ومل تكن‬ ‫عملي���ات الت�أمي���م ه���ي العام���ل الأول وراء الن���زوح من ع���دن يف اجتاه‬ ‫ال�شم���ال‪ .‬فقد بد�أت عملي���ة النزوح قبل ح���دوث الت�أميمات بفرتة‪ .‬ويف‬ ‫واقع الأمر بد�أ هذا النزوح مبجرد قيام ثورة ‪� 26‬سبتمرب‪� ،‬أي �أنه بد�أ قبل‬ ‫ثورة ‪� 14‬أكتوبر وقبل ا�ستقالل اجلنوب‪ .‬وكان الدافع الأول له هو ال�سعي‬ ‫�إىل �إقام���ة �أن�شطة اقت�صادي���ة بعد �سقوط نظام الإمامة‪ .‬وفيما بعد قام‬ ‫‪20‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ع���دد من التجار باالنتقال من عدن �إىل ال�شم���ال بعد �إجراء الت�أميمات‬ ‫و�إن�شاء القطاع العام وقيامه بعملية اال�سترياد‪.‬‬

‫توطن امل�شروعات يف مثلث تعز‪ -‬احلديدة‪� -‬صنعاء‬

‫اجته���ت العنا�ص���ر البورجوازي���ة النازحة م���ن ع���دن مب�شروعاتها �إىل‬ ‫مثل���ث تع���ز‪ -‬احلديدة ‪� -‬صنع���اء‪ .‬و�أ�صبح هذا املثل���ث املوطن الرئي�سي‬ ‫للم�شروع���ات احلديث���ة‪ .‬وج�سّ ���دت ه���ذه امل�شروع���ات دعائ���م �أ�سا�سية‬ ‫يف حتدي���ث اليم���ن ال�شم���ايل �سابق ًا وما ح���دث فيه م���ن نه�ضة جتارية‬ ‫و�صناعي���ة‪ .‬وقام بال���دور الأ�سا�سي يف �إقامة تل���ك امل�شروعات التجارية‬ ‫وال�صناعي���ة عدد لي����س بالقليل من ه�ؤالء العائدي���ن‪ .‬لكن يربز يف هذا‬ ‫ال�ص���دد �أرب���ع جمموع���ات كبرية م���ن بينها ث�ل�اث كان له���ا ن�شاط ًا يف‬ ‫ع���دن‪ .‬وهذه املجموعات الث�ل�اث هي جمموعة بيت هائ���ل �سعيد �أنعم‪،‬‬ ‫وجمموعة �إخوان ثابت‪ ،‬وجمموعة �إخوان ردمان‪� .‬أما املجموعة الرابعة‬ ‫ف�صاحبه���ا هو �شاهر عبداحلق‪ ،‬وكان مهاجر ًا يف كينيا‪ .‬وكان �إىل جوار‬ ‫هذه املجموعات الأربع الكبرية عدد لي�س قلي ًال من �أ�صحاب امل�شروعات‬ ‫ال�صغرية �أو املتو�سطة‪.‬‬

‫�إن�شاء الفنادق �أحد مالمح التحديث‬

‫�س���وف ن�ش�ي�ر �إىل ن�ش�أة الفن���ادق يف �صنعاء كمثال لأح���د جوانب عملية‬ ‫التحدي���ث‪ .‬فل���م تكن هناك فن���ادق يف مين الإمام���ة‪ .‬ومل تعرف البالد‬ ‫�آنذاك �سوى ال�سما�سر‪ .‬وكانت �صنعاء �أ�شبه بالقرية‪ .‬وال توجد بها حياة‬ ‫عام���ة‪ .‬وبعد ثورة ‪� 26‬سبتمرب ‪ 1962‬مبا�شرة �أخذت الفنادق احلديثة يف‬ ‫الظه���ور �أ�سا�س ًا يف �صنعاء‪ .‬وبد�أت ه���ذه العملية يف عام ‪ .1963‬و�شهدت‬ ‫الف�ت�رة ‪ 1969 - 1963‬ت�أ�سي�س �سبعة فن���ادق يف �صنعاء من بينها خم�سة‬ ‫ت�أ�س�س���ت خالل ال�سن���وات ‪ .1967 - 1963‬و�أقام ه���ذه الفنادق �أ�شخا�ص‬ ‫ينتم���ون جميع��� ًا �إىل حمافظة تعز‪ ،‬وم���ن القادمني من ع���دن با�ستثناء‬ ‫�شخ�ص واحد كان مهاجر ًا يف كينيا‪.‬‬ ‫وكان �أول فن���دق ه���و «فن���دق �صنعاء»‪ .‬وقد �أ�س�سه يف ع���ام ‪ 1963‬عبده‬ ‫عب���داهلل الدح���ان وعلي �أحمد �شع�ل�ان وحممد ها�ش���م‪ ،‬و�أداره الدحان‬ ‫ال���ذي كان ه���و و�شعالن ميتل���كان فندق ًا يف كريرت يف ع���دن‪� .‬أي �أنه كان‬ ‫لهم���ا ن�شاطٌ فندقي من قبل‪ .‬واحتل هذا الفندق مبنى من ثالث طوابق‬ ‫ب�ش���ارع جمال‪ .‬وكانت �ساحت���ه الأمامية �أ�شبه مبلتق���ى �سيا�سي لل�شباب‬ ‫املنتمي حلركة القوميني الع���رب وحزب البعث وال�شيوعيني‪ .‬كما �أ�صبح‬ ‫الفن���دق مق�صد ًا ملن ال يجدون مكان��� ًا عام ًا مبن فيهم الذين يقيمون يف‬ ‫دار ال�ضيافة‪.‬‬ ‫ويف ‪� 1965‬أن�ش����أ حممد ها�ش���م «فندق ال�س�ل�ام»‪ .‬ويف نف�س عام ‪1965‬‬ ‫�أي�ض��� ًا �أن�ش����أ �شاه���ر عبداحلق ال���ذي كان مهاج���ر ًا يف كيني���ا فندق ًا يف‬ ‫«ق�ص���ر الب�شائر» با�س���م «فندق ق�صر احلرية»‪ ،‬قب���ل �أن يقوم بعد ذلك‬ ‫بح���وايل عقدين ب�إقام���ة �أول فندق خم�س جنوم وهو فن���دق «تاج �سب�أ»‪.‬‬ ‫ويف ‪� 1966‬أن�ش����أ عل���ي �أحمد �شعالن «فندق املخ���ا»‪ .‬وكان قد بد�أ يف بناء‬ ‫مبن���اه منذ عام ‪ .1963‬كم���ا �أن�ش�أ عبدالقوي عثم���ان «فندق نا�صر» عام‬ ‫‪ 1967‬ث���م «فندق الزهراء» يف ‪ ،1968‬ثم «فن���دق ال�شرق» يف عام ‪.1969‬‬

‫خارج اللعبة‪�:‬شرائح الطبقة الو�سطى التي‬ ‫ت�شكلت من �أ�صول غري قبلية ال ت�صنع قوانينها‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬كما �أنها لي�ست حرة يف ذلك‬ ‫ويف ال�ستيني���ات �أي�ض ًا �أن�ش�أ حممد عثمان ثاب���ت فندق الأخوة يف مدينة‬ ‫احلدي���دة �أوالً‪ ،‬ثم يف تعز‪ ،‬وبعد ذل���ك يف �صنعاء‪ .‬ويف ال�سبعينيات �أن�ش�أ‬ ‫عبدالقوي عثمان �أي�ض ًا فندق ًا يف ق�صر «دار احلمد»‪.‬‬ ‫�إن ه���ذه احلرك���ة الن�شط���ة يف بن���اء الفن���ادق �سابق���ة عل���ى ا�ستقالل‬ ‫اجلن���وب وعلى عملية الت�أميم‪ .‬وهو ما يدعم القول ب�أن عملية التحديث‬ ‫يف ال�شم���ال مل ترتبط بالت�أميم الذي حدث يف اجلنوب‪ .‬فقد بد�أت هذه‬ ‫العملية ومن بينها �إن�شاء الفنادق قبل حدوث الت�أميمات ب�سبع �سنوات‪.‬‬

‫عوام��ل �ضع��ف دور الطبق��ة الو�سطى‬ ‫توجد‬ ‫ع���دة عوامل ت�ؤثر يف املجتمع اليمني‪ ،‬وال جتعله يتطور على نحو طبيعي‪.‬‬ ‫وال توف���ر حال���ة �شبه دائم���ة من اال�ستق���رار‪ .‬كما ال تعم���ل على متا�سك‬ ‫�شرائحه االجتماعية‪ .‬وهي عوامل تخلق منابع ًا ل�صراعات �شبه م�ستمرة‬ ‫بني جمموع���ات من امل�صالح والقيم والثقافات‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬ف�إن‬ ‫هذه العوامل حتد من دور الطبقة الو�سطى‪� ،‬سواء يف املجال االقت�صادي‬ ‫�أو املج���ال االجتماعي‪ .‬وتعود ج���ذور بع�ض العوام���ل �إىل املا�ضي‪ ،‬بينما‬ ‫نتج البع����ض الآخر بفعل تطورات حديثة‪ .‬وكان���ت املح�صلة النهائية �أن‬ ‫املجتمع واجه عدة ظواهر �سلبية يعنينا منها هنا الظواهر التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬عدم ت�شكل ثقافة جامعة لأبناء املجتمع ككل‪.‬‬ ‫‪� .2‬سيطرة ثقافة تقليدية حمافظة وقبلية‪.‬‬ ‫‪� .3‬ضعف دور الطبقة الو�سطى وعدم انت�شار ثقافتها‪.‬‬ ‫تع���ود �أ�سباب هذه الظواه���ر �إىل عوامل خمتلفة ح�سبم���ا �أ�شرنا �آنفاً‪.‬‬ ‫وم���ن بينه���ا عوامل موروثة من مراح���ل خمتلفة يف عه���د الإمامة بينما‬ ‫ترتبط بع�ض العوامل بنمط التحديث خالل العقود املا�ضية‪ .‬كما ترتبط‬

‫بع����ض العوامل الأخرى بتطورات ج���رت يف كل من �شمال اليمن وجنوبه‬ ‫قبل الوحدة اليمنية عالوة على تطورات �أخرى متت بعدها‪.‬‬ ‫�سوف نتناول‬ ‫عوامل ترتبط بالعقود احلديثة‬ ‫�أو ًال العوامل املرتبطة بالعقود التاريخية احلديثة‪ ،‬وبنمط التحديث بعد‬ ‫قيام ث���ورة �سبتمرب ‪ ،1962‬والتي �أ�سهمت يف وجود الظواهر امل�شار �إليها‬ ‫�آنفاً‪ .‬ثم ننتقل بعد ذلك �إىل تناول العوامل املوروثة من عهد الإمامة‪.‬‬ ‫• بيئة غري مواتية للبورجوازية النا�شئة‬ ‫�إن املالب�سات التي �أحاط���ت بن�شاط العنا�صر البورجوازية يف ال�شمال‬ ‫كان له���ا ت�أثريات �سلبية يف منط التحدي���ث‪ ،‬و�صبغته بطابع غري �صحي‬ ‫يعرقل التطور‪ .‬وعلى �سبيل املثال‪ ،‬ف�إن عنا�صر الطبقة الو�سطى الوافدة‬ ‫م���ن ع���دن �إىل �صنع���اء مار�ست ن�شاطه���ا يف مناخ حماف���ظ ال توجد به‬ ‫قواعد منظمة لذلك الن�شاط‪ .‬فهي مل تن�ش�أ ن�ش�أة طبيعية بل انتقلت �إىل‬ ‫بيئ���ة اجتماعية حمافظة‪ ،‬انتقلت �إىل جمتم���ع يخلو من �سمات احل�ضر‬ ‫�أو البندر‪ ،‬وال تتف���ق قيمه و�سلوكياته مع القيم البورجوازية‪ .‬و�شكّل هذا‬ ‫املجتم���ع ب�أمناط �سلوكه وثقافته املحافظة قيد ًا و�ضغوط ًا على �سلوكيات‬ ‫وقي���م �أبن���اء الطبقة الو�سط���ى الوافدين م���ن منطقة �أخ���رى من نف�س‬ ‫الوط���ن‪ .‬لقد واجه الذين انتقلوا من بن���در عدن‪� ،‬أي من ح�ضر املدينة‪،‬‬ ‫�إىل جمتم���ع تقلي���دي حمافظ مغل���ق �ضغوط ًا وقي���ود ًا كان له���ا ت�أثريها‬ ‫ال�سلب���ي يف ثقافتهم احل�ضرية‪ .‬وحدث ذلك الت�أثري ال�سلبي على الرغم‬ ‫م���ن الهزة العنيفة التي �أحدثتها ثورة ‪� 26‬سبتمرب ‪ 1962‬يف ذلك املجتمع‬ ‫املحاف���ظ‪ .‬لق���د عا�ش���ت العنا�صر البورجوازي���ة القادمة م���ن عدن �إىل‬ ‫جمتمع حمافظ وك�أنها يف غربة وغري قادرة على التعبري عن ذاتها‪� .‬إننا‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪21‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫�أم���ام ق�ضية ال تتعلق بطبقة بقدر ما تتعلق ب�ضعف بع�ض عوامل متا�سك‬ ‫الن�سيج االجتماعي‪.‬‬ ‫عا����ش �أبناء احل�ضر من الطبقة الو�سطى واجلماعات املهنية املختلفة‬ ‫الت���ي جاءت من عدن غرب���اء بدرجة �أو �أخرى ع���ن الن�سيج االجتماعي‬ ‫ال�سائ���د‪ ،‬على الرغم م���ن قيامهم بدور هام يف عملي���ة حتديث البالد‪.‬‬ ‫كما قام املهني���ون والفنيون منهم بت�شغيل بع����ض امل�ؤ�س�سات التي ن�ش�أت‬ ‫يف ال�شمال بعد ثورة �سبتمرب ‪ .1962‬عا�ش ه�ؤالء �شبه غرباء يف وطنهم‪.‬‬ ‫وع�ل�اوة على ذلك‪ ،‬ف�إن ال�صراع���ات التي ن�شبت بعد الثورة بني امللكيني‬ ‫واجلمهوري�ي�ن وحماول���ة امللكيني �إع���ادة نظام الإمام���ة مل تخلق مناخ ًا‬ ‫مواتي ًا لعملية االن�صهار االجتماعي‪ ،‬بل عرقلت هذا االن�صهار‪.‬‬ ‫ميكن القول �إن التجار الذين انتقلوا من عدن �إىل �صنعاء عا�شوا �شك ًال‬ ‫من االزدواجية‪ .‬فقد ن�ش�أوا يف جمتمع ح�ضري ت�سري فيه املعامالت وفق‬ ‫قواعد و�ضوابط وله �سلوكيات ترتبط به‪ .‬ومن جانب �آخر‪ ،‬فر�ض عليهم‬ ‫املجتمع املحافظ الذي انتقلوا �إليه عدم اجلهر بتطلعاتهم‪ ،‬وهي تطلعات‬ ‫تتعل���ق مب�صالح وطموحات و�سلوكي���ات ال�شرائ���ح االجتماعية التجارية‬ ‫الت���ي ينتمون �إليه���ا‪ .‬وهكذا عجزت تلك ال�شرائح م���ن الطبقة الو�سطى‬ ‫عن التعبري ع���ن نف�سها وعن ثقافتها املرتبطة باملجتمع احل�ضري الذي‬

‫لي���س غريب ًا �أن يغيب ال��دور االجتماعي الفاعل‬ ‫للمهني�ين والطبقة الو�سطى عام��ة يف ظل �سياق‬ ‫اجتماع��ي غ�ير م��وات‪ .‬ولي���س غريب�� ًا �أي�ض�� ًا �أن‬ ‫يتوارى دورهم البنيوي الذي ميكن �أن ي�ؤدي �إىل‬ ‫�إحداث تغريات جوهرية يف املجتمع‬ ‫ن�ش����أت في���ه يف بندر عدن‪ .‬وبالت���ايل‪ ،‬مل ت�شغل ثقاف���ة الطبقة الو�سطى‬ ‫�إال م�ساحة حمدودة و�سط ثقافة املجتمع التقليدي‪ .‬لقد عجزت الطبقة‬ ‫الو�سط���ى يف واقع الأمر عن ن�شر ثقافتها على نطاق وا�سع‪ .‬و�أ�سهم ذلك‬ ‫يف نهاية املطاف يف عدم ظهور فكر للطبقة الو�سطى على م�سرح احلياة‬ ‫العامة بجوانبها الفكرية والثقافية واالجتماعية‪.‬‬ ‫ب���دا الأمر يف نهاية املطاف وك�أن هذه الطبقة ال تعي ذاتها‪� ،‬أي ال تعي‬ ‫‪22‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫وجوده���ا‪ .‬ب���ل ون�سيت تاريخها‪ .‬وق���د ر�أينا �آنف ًا �أن التج���ار كان لهم من‬ ‫ي رِّ‬ ‫ُع�ِّب� عنهم يف حرك���ة ‪ ،1948‬حيث جاء يف �أحد مطالبه���ا �إلغاء احتكار‬ ‫التج���ارة‪� ،‬أي �إلغ���اء �سيط���رة الإمام���ة على تل���ك التج���ارة‪ .‬كما عبرّ ت‬ ‫ال�شرائح التجارية بعد ذلك عن نف�سها بو�ضوح �أكرث من خالل «االحتاد‬ ‫اليمن���ي» يف كل م���ن عدن والقاهرة‪ .‬لقد �صبغت الأو�ض���اع ال�سلبية التي‬ ‫حتدثنا عنها الطبقة املتو�سط���ة وال تزال ت�صبغها ب�سمات جعلت دورها‬ ‫االجتماعي الثقايف غري فاعل حتى الآن‪.‬‬ ‫مل تقت�ص���ر عواق���ب تل���ك الأو�ض���اع على �إ�ضع���اف ال���دور االجتماعي‬ ‫للمهنيني والطبقة الو�سطى وح�سب‪ ،‬بل �أ�سهم يف �إعاقة متا�سك الن�سيج‬ ‫االجتماعي ويف عرقلة ان�صهار كافة �أبناء املجتمع و�شرائحه االجتماعية‬ ‫يف بوتق���ة واح���دة تقوم عل���ى املواطن���ة ولي�س عل���ى االنتم���اء املناطقي‬ ‫�أو املذهب���ي �أو القبل���ي‪ .‬وزاد م���ن وط�أة ه���ذه الأو�ضاع ع���دم اال�ستقرار‬ ‫والأزمات الدائمة التي واجهها املجتمع يف العقود املا�ضية‪.‬‬ ‫• دخول م�شايخ القبائل جماالت الن�شاط االقت�صادي احلديث‬ ‫تع���اين عملية التحدي���ث يف الوقت الراهن من دخ���ول م�شايخ القبائل‬ ‫جم���االت جديدة وحديثة للن�شاط االقت�ص���ادي‪ .‬و�شكل هذا الأمر بدوره‬ ‫قي���ود ًا و�ضغوط��� ًا على الطبق���ة البورجوازي���ة التي ال تنتم���ي �إىل �أ�صول‬ ‫قبلي���ة‪ .‬كم���ا �أنه يدف���ع ب�ش���كل �أو �آخ���ر �إىل �إ�ضعاف ال���دور االقت�صادي‬ ‫واالجتماع���ي لهذه الطبق���ة‪ .‬فقد «بد�أ عدد من رم���وز القبائل‪� ،‬أي كبار‬ ‫م�شايخه���ا‪ ،‬ي�شارك���ون يف ن�شاط���ات ر�أ�سمالية وا�ضح���ة‪ ،‬وبوجه خا�ص‪،‬‬ ‫ضال عن الوكاالت‬ ‫يف جم���ال ال�ش���ركات الزراعية والتجارية والبن���وك ف� ً‬ ‫التجاري���ة»(‪ .)7‬وي�ستند ه�ؤالء عادة يف �إدارة ذل���ك الن�شاط �إىل النفوذ‬ ‫القبل���ي �أكرث م���ن اال�ستن���اد �إىل القواع���د والقوانني احلديث���ة التي من‬ ‫املفرت�ض �أن تن�ش�أ من طبيعة ذلك الن�شاط وتتالءم معه‪ .‬وبكلمات �أخرى‬ ‫نقول �إنهم ميار�سون ذلك الن�شاط اعتماد ًا على الوجاهة القبلية بدرجة‬ ‫�أو �أخرى‪ .‬وي�شكل مثل هذا الو�ضع �ضغوط ًا على �أ�صحاب الأعمال الذين ال‬ ‫ينتمون �إىل �أ�صول قبلية‪ ،‬والذين يعنيهم وجود قواعد منظمة لن�شاطهم‬ ‫االقت�ص���ادي‪ .‬كما �أنه يحد من دخول بع����ض املواطنني من غري القبائل‬ ‫�إىل جم���االت اال�ستثمار ويجعلهم يخ�شون م���ن ا�ستخدام مدخراتهم يف‬ ‫�أن�شط���ة اقت�صادية حديثة‪ .‬وكانت هذه الأو�ضاع من �أ�سباب تراجع عدد‬ ‫م���ن املغرتب�ي�ن يف ال�سعودية ودول اخلليج عن ا�ستخ���دام مدخراتهم يف‬ ‫م�شروعات داخل البالد يف ال�سنوات املا�ضية‪ .‬لكن ينبغي �أن ن�شري �أي�ض ًا‬ ‫�إىل �أن عدم اال�ستقرار كان هو الآخر من بني الأ�سباب التي دفعت ه�ؤالء‬ ‫املغرتبني �إىل الرتاجع وعدم الإقدام على �إقامة م�شروعات ا�ستثمارية‪.‬‬ ‫• م�شاركة الطبقة الو�سطى يف ت�شويه التحديث‬ ‫�إن التحديث يتم هنا يف ظل ثقافة تقليدية غري حديثة‪ ،‬ويف ظل ظروف‬ ‫حت���د من �إمكاني���ات ن�ش����أة منظمات حديث���ة يف املجتمع تواك���ب نوعية‬ ‫الن�ش���اط اجلديد‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬ف����إن �أ�صحاب ال�شركات يف جمال‬ ‫الن�شاط االقت�صادي احلدي���ث‪� ،‬سواء كانوا من العنا�صر القبلية �أو غري‬ ‫القبلي���ة‪ ،‬يقفون مع��� ًا �ضد ن�ش�أة النقابات العمالي���ة يف �شركاتهم‪ .‬وذلك‬ ‫على الرغم من �أن هذه النقابات من مكونات �أي جمتمع يوجد به نوعية‬

‫الن�ش���اط االقت�صادي احلديث ال���ذي ميار�سه امل�شاي���خ والبورجوازيون‬ ‫الذين ال ينتمون �إىل �أ�صول قبلية‪ .‬وهو ما يعني �أنهم يقفون مع ًا بو�ضوح‬ ‫�ض���د ن�ش�أة بع����ض منظمات املجتمع املدين‪ .‬وال ج���دال يف �أن و�ضع قيود‬ ‫عل���ى حرية ت�أ�سي�س النقابات العمالية �إمنا ه���و‪ ،‬ب�شكل �أو �آخر‪ ،‬انعكا�س‬ ‫لو�ض���ع عام ال يرتك حري���ة كافية ملنظمات املجتم���ع املدين مبا يف ذلك‬ ‫النقابات املهنية‪.‬‬

‫ت�أثريات املوروث‬ ‫هناك بع�ض العوامل‬ ‫املوروث���ة م���ن املا�ضي �أثرت وال تزال ت�ؤثر يف �سي���اق التطور االجتماعي‪.‬‬ ‫وترتب���ط هذه العوام���ل بالإمامة ذاتها وبع�ض مبادئه���ا وما �أوجدته من‬ ‫عدم ا�ستقرار‪ .‬وميكننا �أن ن�شري �إىل �أربعة �أمثلة للموروث الذي له ت�أثريه‬ ‫يف جمريات تطور املجتمع وثقافته العامة وعدم ا�ستقراره‪ .‬ويتمثل املثال‬ ‫الأول يف بع�ض الت�أث�ي�رات ال�سلبية وردود الفعل الناجتة عن ف�شل حركة‬ ‫‪ .1948‬ويتمثل املثال الثاين يف عدم انف�صال فئة التجار يف عهد الإمامة‬ ‫يف الع�ص���ر احلديث انف�صا ًال كام ًال ع���ن البنية الإقطاعية القبلية‪ .‬كما‬ ‫يرتب���ط الثالث باحل���روب الأهلية والقبلية التي �أف�ض���ت �إىل هدر بع�ض‬ ‫�إمكاني���ات التط���ور‪� .‬أما املث���ال الرابع فريتب���ط ببع�ض مب���ادئ الإمامة‬ ‫ذاته���ا وبالقبائل يف �آن واحد والعالقة بينهم���ا‪ .‬وهي عالقة �أ�سهمت يف‬ ‫ع���دم اال�ستقرار‪ ،‬ويف �إحداث انقط���اع يف عملية تراكم اخلربات املادية‬ ‫والب�شرية للمجتمع‪.‬‬ ‫• بع�ض ت�أثريات ف�شل‬ ‫انعك����س ف�شل حركة ‪� 1948‬ضد الإمام يحي���ى على مواقف وفكر بع�ض‬ ‫�أب���رز قادته���ا مثل القا�ضي حمم���د حممود الزبريي ال���ذي �أخذ يخ�شى‬ ‫القبيل���ة وميجده���ا‪ .‬وكان ذل���ك بع���د �أن قام���ت القبائل ب���دور انتقامي‬ ‫ونهب���ت مدين���ة �صنعاء ب�أمر من الإم���ام �أحمد الذي ت���وىل الإمامة بعد‬ ‫قي���ام رجال حركة ‪ 1948‬باغتيال والده الإمام يحيى حميد الدين‪ .‬وبعد‬ ‫قيام الإمام �أحمد ب�إعدام معظم قادتها بطريقة وح�شية وقطع الرقاب‪،‬‬ ‫ح���اول الزبريي الت�صالح مع الإمام و�أ�صدر لهذا الغر�ض د�ستور «�آمالنا‬ ‫و�أمانينا»‪.‬‬ ‫ويف �أعق���اب ث���ورة ‪� 26‬سبتم�ب�ر ‪ 1962‬تخل���ى الزب�ي�ري ع���ن الربنامج‬ ‫ال���ذي �أعلنه مع �أحمد حممد نعم���ان يف القاهرة عام ‪ 1956‬يف «مطالب‬ ‫ال�شع���ب»‪ .‬كما قام يف �أكرث من منا�سبة بتمجي���د القبيلة وجعلها املعادل‬ ‫لل�شع���ب‪ .‬ويف رواي���ة «م�أ�ساة واق ال���واق» احتلت القبيل���ة مكانة حمورية‬ ‫يف تفك�ي�ر الزبريي وتوجهاته‪ .‬وذلك عل���ى الرغم من اعرتافه مبختلف‬ ‫التق�سيم���ات القائمة والتي يعاين منها املجتم���ع‪ .‬ومن بينها التق�سيمات‬ ‫املذهبي���ة وال�ساللي���ة العن�صرية‪ .‬وق���د �أ�شار يف هذا ال�سي���اق �أي�ض ًا �إىل‬ ‫تق�سيم البالد وبالأح���رى «تقطيعها �إىل قبائل ومدنيني»(‪ .)8‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ف����إن ت�ص���وره لنظام احلكم يتمثل يف جمل�س القبائ���ل مثلما كان الو�ضع‬ ‫يف ال���دول اليمنية القدمية‪� ،‬أي «يف �أيام معني وقتبان و�سب�أ وحمري»(‪.)9‬‬ ‫وع�ل�اوة على ذلك‪ ،‬وق���ف الزبريي يف �صف اجلمهوري�ي�ن املعتدلني‪ ،‬بل‬ ‫طال���ب بت�سليح القبائل وهاجم الرئي�س عب���داهلل ال�سالل لرف�ضه ذلك‪.‬‬ ‫�إن ه���ذا التوجه للدع���وة للقبيلة ودعمها وجد فر�ص���ة للت�صاعد خا�صة‬ ‫حركة ‪1948‬‬

‫بع���د انقالب اخلام����س من ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب‪� 1967‬ض���د الرئي�س‬ ‫عبداهلل ال�سالل‪ .‬وقد تدعم نفوذ القبيلة يف عهد القا�ضي عبدالرحمن‬ ‫الإرياين الذي تلى ذلك االنقالب‪ ،‬بل وتداخلت مع �أجهزة الدولة‪ .‬وكان‬ ‫ذل���ك على ح�س���اب كافة القوى الأخرى يف املجتم���ع مبا يف ذلك الطبقة‬

‫امل�لاب�����س��ات ال��ت��ي �أح���اط���ت ب��ن�����ش��اط العنا�صر‬ ‫البورجوازية يف ال�شمال كان لها ت�أثريات �سلبية يف‬ ‫منط التحديث‪ ،‬و�صبغته بطابع غري �صحي يعرقل‬ ‫التطور‪ .‬فعنا�صر الطبقة الو�سطى الوافدة من عدن‬ ‫�إىل �صنعاء‪ ،‬مثالً‪ ،‬مار�ست ن�شاطها يف مناخ حمافظ‬ ‫ال توجد به قواعد منظمة لذلك الن�شاط‬ ‫الو�سطى‪.‬‬ ‫• عدم انف�صال فئة التجار عن البنية ال�سائدة‬ ‫ت�أث���رت عملية التحديث �أي�ض ًا بطبيع���ة البنية االقت�صادية االجتماعية‬ ‫املوروثة من عهد الإمامة‪ .‬فقد كانت الإمامة يف الع�صر احلديث ت�سيطر‬ ‫عل���ى التجارة‪ ،‬و�أعاق ذلك انف�صال فئة التجار انف�صا ًال كام ًال عن بنية‬ ‫املجتم���ع الت���ي امتزجت فيه���ا الرتكيب���ة الإقطاعية بالرتكيب���ة القبلية‪.‬‬ ‫وح�سبم���ا �أو�ضحت درا�سات �سابق���ة ف�إن «ال�شخ�صي���ات الرئي�سية التي‬ ‫�سيط���رت على حركة التجارة كانت ج���زء ًا ع�ضوي ًا من تلك البنية‪ .‬ومن‬ ‫ث���مّ مل تكن ت�ستغ���ل ما يرتاكم لديها من فائ����ض اقت�صادي يف ن�شاطات‬ ‫اقت�صادية جتارية �أو �صناعية ت�ؤدي �إىل ن�ش�أة جتمعات ح�ضرية م�ستقلة‬ ‫عن الرتكيب الإقطاعي القبلي �أو �إىل دفع التجمعات القبلية نحو مراكز‬ ‫ح�ضرية»(‪.)10‬‬ ‫• احلروب وعدم اال�ستقرار وهدر الإمكانية‬ ‫�إن تع���دد جوالت ال�صراع التي �شهده���ا وي�شهدها املجتمع اليمني‪ ،‬وما‬ ‫يرتت���ب عليها من عدم ا�ستقرار �إمنا يف�ضي �إىل ه���در �إمكانات التطور‪.‬‬ ‫وت�ش�ي�ر بع�ض تطورات التاري���خ يف مراحله املختلفة حت���ى احلديثة منها‬ ‫�إىل ذل���ك الأم���ر‪ .‬وميك���ن �أن ن�شري هن���ا �إىل ما حدث ملدين���ة املخا التي‬ ‫كانت ق���د اكت�سبت �شهرة عاملية ب�صفتها مرك���ز ًا لت�صدير النب اليمني‪.‬‬ ‫وتعت�ب�ر مدينة املخا من مراكز الن�شاط التي ت�أثرت باحلروب الأهلية يف‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪23‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫الق���رن التا�سع ع�شر‪« .‬وقد نق�ص عدد �سكانه���ا من حوايل ع�شرين �ألف‬ ‫ن�سم���ة يف عام ‪� 1824‬إىل ما بني ‪� 8-5‬آالف ن�سمة يف �أواخر القرن التا�سع‬ ‫ع�شر‪ .‬كما �أن عدد �سكانها مل يتجاوز ‪� 5‬آالف ن�سمة طبق ًا لتعداد ‪..1975‬‬ ‫وانه���ارت مع مدينة املخ���ا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬فر�ص اال�ستفادة م���ن عائدات النب‬ ‫الذي ا�شتهرت بت�صديره‪ .‬فقد كانت امليناء الذي عرف العامل من خالله‬ ‫ال�ب�ن‪ .‬كما تدهورت يف هذه العملي���ة ال�شرائح االجتماعية التجارية منها‬ ‫واحلرفي���ة التي كانت متار�س ن�شاطها باملدينة يف فرتة االزدهار‪ .‬وكانت‬ ‫النتيجة حرمان اليمن من بع�ض فر�ص منو مراكز ح�ضرية»(‪.)11‬‬ ‫• عالقة ال�صراع والتوافق بني الإمامة والقبائل‬ ‫ع���رف املجتمع اليمني يف ظل الإمامة ج���والت متكررة من ال�صراعات‬ ‫والفو�ض���ى وتع���دد مراك���ز احلكم‪ .‬وهو م���ا ي�ؤدي �إىل انقط���اع اخلربات‬ ‫االجتماعية وعدم تراكمها ومن ثمّ �إعاقة التطور‪ .‬وتعود تلك ال�صراعات‬ ‫�إىل �أ�سباب ترتب���ط بالواقع و�أخرى ترتبط بالفكر‪� ،‬أي مببد�أ اخلروج يف‬ ‫الفكر الزيدي الذي ي�سمح بوجود �أكرث من �إمام يف وقت واحد‪� .‬أي ي�سمح‬ ‫بوج���ود �أكرث م���ن مركز للحك���م‪� ،‬أي �أكرث من دول���ة يف �آن واحد‪ .‬وتتمثل‬ ‫الأ�سباب التي ترتبط بالواقع يف ال�صراعات القبلية من جانب والتوازنات‬ ‫التي كانت تتم بني القبائل والإمامة من جانب �آخر‪ .‬وقد �أطلقنا على هذا‬ ‫الو�ض���ع يف درا�سات �أخرى ب�أنه عبارة عن «تزاوج بني الإمامة والقبائل»‪،‬‬ ‫وه���و �أمر يختلف عن ظاهرة «التداخل بني الدول���ة والقبيلة» التي �أ�شرنا‬ ‫�إليه���ا �آنفاً‪ .‬ويق���ع بني �أ�سباب تل���ك ال�صراعات والتوازن���ات‪ ،‬قلة املوارد‬ ‫وندرتها يف مناطق القبائل والتي كانت حتكمها الإمامة‪.‬‬ ‫ُع�ِّب� مثل هذا الو�ضع عن حال���ة �شبه م�ستمرة من عدم اال�ستقرار ال‬ ‫وي رِّ‬ ‫ت�سم���ح برتاكم ح�صيل���ة الن�شاط املنتج للمجتمع‪ .‬وه���ذا ما جعل البع�ض‬ ‫ي�ص���ف الو�ضع يف ظل الإمام���ة قائال «ال ي�ستطيع تاريخ الإمامة �أن يفخر‬ ‫ب�أن���ه حقق حكم ًا مركزي ًا طوي�ل�اً �أ�سهم يف تطوير املجتمع مبنحه �سنوات‬ ‫من اال�ستقرار واالزدهار‪ .‬بل قد يكون من �أ�سباب جناح الإمامة الزيدية‬ ‫منا�سبته���ا ملنطق البيئة والقبيل���ة يف ال�شمال‪ .‬فا�ستق���ر املذهب الزيدي‬

‫فيها منذ الإمام الهادي‪ .‬فمبد�أ اخلروج على احلاكم الذي ي�سمح بوجود‬ ‫�إمام�ي�ن يف وقت واحد ما هو �إال الوجه الإمياين املذهبي ل�صراع م�شايخ‬ ‫القبائل الذين ال يعرتفون بالآخرين �إال �أقران ًا ال تعرف عالقاتهم نظام ًا‬ ‫هرمي ًا م�ستق���راً‪ .‬وتقوم على �ضرب من التوازي وتكرار جوالت ال�صراع‬ ‫العقي���م الذي يتنافى مع كل حركة اجتماعية تنزع نحو خلق �إطار ي�سمح‬ ‫برتاك���م التج���ارب واخلربات االجتماعي���ة وبنوع من التق���دم يف تكوين‬ ‫ُمتّحد متما�سك»(‪.)12‬‬

‫خامت��ة‬ ‫�إن البيئ���ة االجتماعي���ة غ�ي�ر‬ ‫امل�ستق���رة تولد دائم��� ًا جوالت متكررة م���ن ال�صراعات‪ ،‬وت�ش���كل عائق ًا‬ ‫�أمام تط���ور املجتمع وتقدمه‪ .‬وقد �ألقت كل م���ن عوامل عدم اال�ستقرار‬ ‫وعملي���ات انقط���اع تراكم اخل�ب�رات االجتماعية بظلها عل���ى التطورات‬ ‫يف الع�ص���ر احلديث‪ .‬وكانت القبيل���ة حا�ضرة يف الع�صر احلا�ضر مثلما‬ ‫كانت حا�ضرة يف املا�ضي‪ .‬وبالأحرى علينا �أن نقول �إنه مت ا�ستدعائها يف‬ ‫الع�صر احلايل بد ًال من تعبري كانت حا�ضرة‪ .‬ففي ع�صر الإمامة حدث‬ ‫م���ا �أ�سميناه «التزاوج بني الإمامة والقبائل»‪ ،‬ويف الع�صر احلديث حدث‬ ‫م���ا ن�سميه «التداخل بني الدولة والقبيل���ة»‪ .‬وقد حدثت عملية «التزاوج»‬ ‫وعملي���ة «التداخ���ل» على الرغم م���ن وجود عوامل تناق����ض و�صراع بني‬ ‫الطرف�ي�ن‪ .‬ومل يع���رف اليمن اال�ستقرار يف احلالتني‪ ،‬ب���ل �شهد وما زال‬ ‫ي�شه���د جوالت متك���ررة من ال�صراع‪ ،‬وه���و ما يعيق التط���ور ب�شكل عام‬ ‫ويعرق���ل ك ًال م���ن عملية متا�س���ك الن�سيج االجتماع���ي وعملية االندماج‬ ‫الوطني‪.‬‬ ‫لهذا تربز الثقافات الفرعية واالنتماءات املذهبية واملناطقية والقبلية‬ ‫وم���ا �إىل ذل���ك على ح�س���اب الثقاف���ة اجلامع���ة‪ ،‬وعلى ح�س���اب مفهوم‬ ‫املواطن���ة‪ .‬وف�ض�ل�اً عن ذل���ك‪ ،‬كان لكاف���ة العوامل الت���ي ا�ستعر�ضناها‬ ‫ت�أثرياتها ال�سلبية يف منط التحديث؛ ف�إن بروز القبيلة يُف�ضي �إىل تواري‬ ‫الطبقة الو�سطي‪ ،‬و�إىل �ضعف دورها االجتماعي‪ ،‬بل يف�ضي يف املح�صلة‬ ‫النهائية �إىل حرمان املجتمع من ت�شكل ثقافة جامعة لكل املواطنني‪.‬‬

‫الهوامــ�ش‬ ‫(‪� )1‬أحم ��د الق�صري‪“ ،‬احلداث ��ة املفقودة يف اليمن”‪،‬‬ ‫�صحيف ��ة “�أخبار الأدب” القاهرية‪ ،‬العدد رقم ‪409‬‬ ‫ال�صادر يف ‪� 13‬أيار‪/‬مايو ‪.2001‬‬ ‫(‪� )2‬سعيد �أحمد اجلناحي‪ ،‬احلركة الوطنية اليمنية‬ ‫م ��ن الث ��ورة �إىل الوح ��دة‪ ،‬مرك ��ز الأم ��ل للدرا�س ��ات‬ ‫والن�شر‪� ،‬صنعاء وعدن‪� ،1992 ،‬صفحة ‪.86‬‬ ‫(‪ )3‬عل ��ي حمم ��د عب ��ده‪ ،‬ملح ��ات م ��ن تاري ��خ حرك ��ة‬ ‫الأح ��رار اليمنيني‪ ،‬اجل ��زء الأول‪ ،‬منت ��دى النعمان‬ ‫الثق ��ايف لل�شب ��اب واملعه ��د الفرن�سي للآث ��ار والعلوم‬ ‫االجتماعية‪� ،‬صنعاء‪� ،2003 ،‬صفحة ‪.392‬‬ ‫(‪� )4‬أنظ ��ر‪ :‬علي حممد عبده‪“ ،‬االحتاد اليمني من‬ ‫‪24‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ي�صدر قريب ًا‬ ‫عن مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬

‫امله ��د �إىل اللح ��د”‪ ،‬جمل ��ة الكلمة‪ ،‬الع ��دد ‪ ،47‬مايو‬ ‫‪ ،1978‬ال�صفحات ‪.38 -22‬‬ ‫(‪ )5‬عل ��ي حمم ��د عب ��ده‪ ،‬ملح ��ات م ��ن تاري ��خ حرك ��ة‬ ‫الأح ��رار اليمنيني‪ ،‬اجلزء الث ��اين‪ ،‬منتدى النعمان‬ ‫الثق ��ايف لل�شب ��اب واملعه ��د الفرن�سي للآث ��ار والعلوم‬ ‫االجتماعية‪� ،‬صنعاء‪� ،2003 ،‬صفحة ‪.96‬‬ ‫(‪� )6‬أحمد الق�ص�ي�ر‪“ ،‬احلداثة املفقودة يف اليمن”‪،‬‬ ‫مرجع �سابق‪.‬‬ ‫(‪� )7‬أحم ��د الق�ص�ي�ر‪ ،‬التحدي ��ث يف اليمن والتداخل‬ ‫ب�ي�ن الدول ��ة والقبيلة‪ ،‬دار الع ��امل الثالث‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪� ،2006‬صفحة ‪.55‬‬

‫(‪ )8‬حمم ��د حمم ��ود الزب�ي�ري‪ ،‬م�أ�س ��اة واق ال ��واق‪،‬‬ ‫�صنعاء وبريوت‪� ،1978 ،‬صفحة ‪.68‬‬ ‫(‪ )9‬املرجع ال�سابق‪� ،‬صفحة ‪.264‬‬ ‫(‪� )10‬أحم ��د الق�صري‪ ،‬اليمن‪ :‬الهجرة والتنمية‪ ،‬دار‬ ‫الثقافة اجلديدة‪ ،‬القاهرة‪� ،1985 ،‬صفحة ‪.26‬‬ ‫(‪� )11‬أحم ��د الق�صري‪ ،‬التحديث يف اليمن والتداخل‬ ‫ب�ي�ن الدول ��ة والقبيلة‪ ،‬مرجع �ساب ��ق‪� ،‬صفحتي ‪51-‬‬ ‫‪.52‬‬ ‫(‪ )12‬حمم ��د عبدال�سالم‪ ،‬اجلمهورية بني ال�سلطنة‬ ‫والقبيل ��ة يف اليمن ال�شمايل‪� ،‬شركة الأمل للطباعة‬ ‫والن�شر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪� ،1988 ،‬صفحة ‪.7‬‬

‫العمالة اليمنية ومتطلبات �سوق العمل اخلليجي‬ ‫الفر�ص والتحديات‬ ‫بحوث و�أوراق عمل امل�ؤمتر‬ ‫الذي نظمه املركز خالل الفرتة ‪� 23-22‬شباط‪/‬فرباير ‪2010‬‬

‫حترير‪:‬‬ ‫حفـظ اهلل الأحمدي و ماجـد �سراج‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫يوليو‪�/‬أكتوبر‬ ‫العددان ‪،5 - 4‬‬ ‫‪ Relating2010‬ا�سرتاتيجية‬ ‫‪Policy‬‬ ‫‪to Knowledge‬‬

‫‪25‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫«اجلهاد االقت�صادي»‬

‫و�أثره يف اليمن وال�سعودية‬ ‫نيكول �شرتاكه‬ ‫‪n.stracke@grc.ae‬‬

‫ت�ستخ ��دم اجلماع ��ات الإرهابي ��ة م�صطل ��ح “اجله ��اد االقت�ص ��ادي” يف �أدبياته ��ا ح�ي�ن ت�ص ��ف الهجم ��ات‬ ‫والعملي ��ات الت ��ي تق ��وم به ��ا لأه ��داف ذات طابع اقت�ص ��ادي‪� .‬أما مفه ��وم “اجلهاد” فهو ميث ��ل جزءاً ال‬ ‫يتجز�أ من التعاليم واملبادئ الإ�سالمية‪ .‬وقد ترجمت كلمة “اجلهاد” �إىل االجنليزية لتعني بب�ساطة‬ ‫“احلرب املقد�سة”‪ ،‬غري �أن عبارة “اجلهاد” تعني �أكرث كثرياً من جمرد “احلرب املقد�سة” مبفهومها‬ ‫الغرب ��ي‪ .‬فاجله ��اد‪ ،‬بح�س ��ب التعالي ��م الإ�سالمي ��ة‪ ،‬هو واج ��ب على كل م�سل ��م وم�سلم ��ة يف ظل ظروف‬ ‫بعينها‪ ،‬والقتال هو فقط �أحد امتدادات اجلهاد‪� ،‬إذ ت�شري الكتابات املت�شددة �إىل عدد من �أنواع اجلهاد‪،‬‬ ‫فهناك اجلهاد ال�سيا�سي واالقت�صادي واملايل‪ .‬ويف حني ي�شري اجلهاد يف مفهومه العام �إىل الدفاع عن‬ ‫الأم ��ة الإ�سالمي ��ة �أو تو�سيع نفوذها ونطاق وجودها‪ ،‬جن ��د �أن اجلهاد ال�سيا�سي �أو االقت�صادي �أو املايل‬ ‫تقوم بتحديد الو�سائل املطلوبة لتحقيق ذلك املفهوم‪.‬‬ ‫فاجله���اد ال�سيا�س���ي ‪ -‬بح�سب تف�س�ي�ر اجلماع���ات الأ�صولية املتطرفة‬ ‫ ي�سع���ى لتحقي���ق مكا�س���ب �سيا�سي���ة؛ فهو يه���دف �إىل تقوي����ض القوى‬‫ال�سيا�سية “املعادية”‪ ،‬ومن �ضمنها امل�ؤ�س�سات احلكومية‪ ،‬وكذلك الدول‬ ‫الأجنبي���ة التي ت�ساند احلكومة �أو نظ���ام احلكم‪ ،‬وعلى وجه اخل�صو�ص‬ ‫ال���دول الغربي���ة وم�صاحلها‪� .‬أم���ا اجلهاد املايل فهو يرك���ز على جتميع‬ ‫امل���ال لن�صرة اجلماعات الإرهابية‪ ،‬ويدعو امل�سلمني ممن ال يقوون على‬ ‫القتال يف �ساحة املعركة �إىل القيام بالدعم املادي‪ .‬وبهذا يكون امل�سلمون‬ ‫قادري���ن عل���ى امل�شارك���ة يف اجلهاد‪ ،‬عن طري���ق التربع بامل���ال مبا�شرة‬ ‫للمجاهدي���ن �أنف�سه���م‪� ،‬أو عن طريق القيام برعاي���ة �أ�سر املجاهدين �أو‬ ‫م�ساعدة �أ�سر الذين قتلوا بتلبية ما يحتاج �إليه الأيتام والأرامل‪.‬‬ ‫�أم���ا اجلهاد االقت�صادي في�ستهدف م�ص���ادر �إيرادات الدولة‪ ،‬وميكننا‬ ‫�أن ن�صف���ه ب�أنه “ح���رب اقت�صادية”‪ .‬والفكرة الأ�سا�سي���ة الكامنة وراء‬ ‫اجلهاد االقت�صادي هي �أن الهجمات على الأهداف االقت�صادية واملالية‬ ‫�ست�ؤدي �إىل �أزمات اقت�صادية‪ ،‬تت�سبب بدورها يف عدم ا�ستقرار �سيا�سي‬ ‫يُ�ضعِ���ف م���ن و�ضع الدولة االقت�ص���ادي من خالل �إبط���اء عملية التنمية‬ ‫واال�ستثم���ار‪ ،‬وه���و ما يرتافق م���ع خ�سائر مالية كب�ي�رة ومعدالت بطالة‬ ‫‪26‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫مرتفعة ونق�ص يف اخلدمات العامة‪.‬‬ ‫ولق���د �أ�صب���ح اجله���اد االقت�ص���ادي ج���زء ًا �أ�سا�سي��� ًا يف الإ�سرتاتيجية‬ ‫الت���ي تتبعها القي���ادة العليا لتنظي���م القاعدة‪ ،‬ويف بع����ض احلاالت ح ّل‬ ‫حمل اجله���اد ال�سيا�سي‪ .‬ففي ع���ام ‪ 2005‬قدّم الع���امل ال�سعودي التابع‬ ‫لتنظي���م القاع���دة ال�شيخ عب���د اهلل بن نا�ص���ر الر�شيد‪� ،‬ص���ورة و�صفية‬ ‫للفك���ر الأيديولوج���ي للجهاد االقت�صادي‪ ،‬حيث ب���رر يف �أحد �إ�صداراته‬ ‫وعنوان���ه “حكم ا�سته���داف امل�صالح النفطية”‪ ،‬القي���ام بهذا النوع من‬ ‫اجلهاد‪ ،‬قائ ًال عنه‪�“ :‬إنه من �أقوى الطرق التي بها ن�ستطيع االنتقام من‬ ‫الكافري���ن يف هذه املرحلة احلالية‪ ،‬فهي ت�ستهدف مبا�شرة لب اقت�صاد‬ ‫الأعداء”‪.‬‬

‫ا�ستهداف البنية التحتية النفطية‬ ‫ت�ضع‬ ‫نظري���ة “اجله���اد االقت�صادي” قط���اع ال�صناعة النفطي���ة كهدف ذي‬ ‫قيمة عالية يف �إطار �إ�سرتاتيجية تنظيم القاعدة‪ .‬و�أظهر �شريط �أ�صدره‬ ‫تنظيم القاعدة يف كانون الأول‪/‬دي�سمرب عام �أ�سامة بن الدن وهو يدعو‬ ‫م�ؤيدي���ه �إىل مهاجم���ة من�ش�آت النفط العراقي���ة واخلليجية‪ ،‬وجدد هذه‬ ‫نيك���ول �شرتاكه باحث���ة يف ق�سم الأم���ن والإره���اب مبركز اخلليج‬ ‫للأبحاث ‪ -‬دبي‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪27‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫الدع���وة نائبه الث���اين �أمين الظواهري بعد مرور ع���ام (�أي يف ‪،)2005‬‬

‫�إذ نا�ش����د املجاهدين ب�أن يركزوا هجماته����م على نفط امل�سلمني املنهوب‪ ،‬اجله��اد االقت�ص��ادي ي�سته��دف م�ص��ادر �إي��رادات الدول��ة‪،‬‬ ‫الذي “تذهب معظم وارداته �إىل �أعداء الإ�سالم‪ ،‬بينما معظم ما يرتكوه وميكنن��ا �أن ن�صف��ه ب�أن��ه «ح��رب اقت�صادي��ة»‪ .‬والفك��رة‬ ‫الأ�سا�سية الكامنة وراء اجلهاد االقت�صادي هي �أن الهجمات‬ ‫ي�سيطر عليه الل�صو�ص الذين يحكمون بلداننا”‪.‬‬ ‫عل��ى الأه��داف االقت�صادي��ة واملالي��ة �ست���ؤدي �إىل �أزمات‬ ‫وي�سع����ى الإرهابيون من خالل مهاجم����ة البنية التحتية لإنتاج النفط �إىل اقت�صادية‪ ،‬تت�سبب بدورها يف عدم ا�ستقرار �سيا�سي‬

‫اجلماعات الإرهابية التي تن�شط يف اليمن تعترب الهجمات‬ ‫على ال�سياح الأجانب جزء ًا من “اجلهاد” االقت�صادي‪ .‬ففي‬ ‫جملة “�صدى املالحم” التابعة لفرع القاعدة يف اليمن‪ ،‬مت‬ ‫تقدمي جمموعة من امل�سوغات التي جتعل ال�سياح الأجانب‬ ‫�أهداف ًا �شرعية للإرهابيني‬

‫�أث��ر الأن�شط��ة الإرهابي��ة‪ :‬ا�سته��داف املن�ش���آت‬ ‫كانت‬ ‫النفطية يف اليمن وال�سعودية‬

‫املحلل���ون ارتفاع �أق�ساط احلرب على �أ�سع���ار النفط من ‪ 1.50‬دوالر �إىل‬ ‫‪ 7‬دوالرات للربميل‪ ،‬وذلك بعد �إعالن �شركة لويدز للت�أمني يف لندن ب�أن‬ ‫املي���اه اليمنية هي “منطقة حرب”‪ .‬وانخف�ضت حركة احلاويات مبعدل‬ ‫‪ ،%90‬وبالت���ايل مت ت�سريح ‪ 3.000‬عامل‪ ،‬وتكبّدت اليمن ‪ 15‬مليون دوالر‬ ‫�شهرياً‪.‬‬ ‫وبالن�سبة للقاعدة‪ ،‬فقد كان الهجوم على ناقلة النفط الفرن�سية مبثابة‬ ‫�أكرب عملية تكللت بالنجاح يف �إحداث �أثر اقت�صادي مهم و�أ�ضرار مادية‬ ‫بالغ���ة‪ ،‬كما �أنه لفت انتباه و�سائل الإعالم‪ .‬ومل يكن هناك �أي �أثر �سلبي‬ ‫للهجم���ات التي تلت خالل ال�سنوات الثمان منذ عام ‪ 2002‬يف االقت�صاد‬ ‫اليمن���ي ميكننا مقارنته مبا �أحدثه الهجوم عل���ى “ليمبورغ”‪ .‬فالهجوم‬ ‫االنتح���اري عل���ى املن�ش�آت النفطية يف م����أرب وح�ضرموت عام ‪ 2006‬مل‬ ‫يلح���ق �أ�ضرار ًا كب�ي�رة‪ ،‬ومل ي�شل ن�شاط املن�ش����آت امل�ستهدفة‪� ،‬إذ مل يكن‬ ‫هن���اك �أي ت�أثري طويل املدى يف عملي���ة �إنتاج النفط وت�صديره‪ .‬وينطبق‬ ‫الأمر نف�سه على بع�ض العمليات الأخرى التي نفذتها القاعدة يف اليمن‬ ‫�أو فرعه���ا املعروف با�سم جماعة “كتائ���ب جند اليمن”‪ ،‬مثل الهجمات‬ ‫على �أنابيب النفط الفرن�سية وحقل النفط ال�صيني يف �آذار‪/‬مار�س عام‬ ‫‪ ،2008‬وتفج�ي�ر قنبلة بالق���رب من مقر ال�شرك���ة الكندية “نك�سن” يف‬ ‫العا�صمة �صنع���اء‪� ،‬أو الهجوم ال�صاروخي‪/‬املدفع���ي على م�صايف عدن‬ ‫يف �شه���ر ني�سان‪�/‬أبريل عام ‪ .2008‬ورغم الهجمات املتكررة التي �شنها‬ ‫تنظيم القاعدة يف اليم���ن خالل ثالثة �أ�شهر �ضد املن�ش�آت النفطية‪� ،‬إال‬ ‫�أن ال�ضرر كان حمدوداً‪.‬‬ ‫لكن هل �أث���رت تلك الهجمات يف ح�سابات التكلفة والفائدة لل�شركات؟‬ ‫فم���ع كل هجوم كان���ت ال�شركات تق���وم ب�إعادة تقييم ف���ارق الفائدة يف‬ ‫حماول���ة منه���ا لقيا�س حجم الفائ���دة‪ ،‬وهل ما زال يف���وق حجم التكلفة‬ ‫�أم ال‪ .‬لك���ن معظم �شركات النف���ط يف اليمن تظل ملتزمة باال�ستثمار يف‬ ‫عملية تنمية قطاع النفط طاملا �أن العمل ما يزال مربحاً‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد‬ ‫�أ�صبح م���ن ال�صعب على ال�شركات النفطي���ة ح�ساب خماطر اال�ستثمار‬ ‫عل���ى املدى البعيد‪ .‬و�أي�ض ًا �أ�صبحت بع�ض ال�ش���ركات تواجه �إ�شكالية يف‬ ‫ا�ستخدام موظفيها القادري���ن والراغبني يف العمل باليمن‪ .‬وعلى املدى‬ ‫البعيد‪� ،‬سيظل ال�س�ؤال مطروح���اً‪ :‬هل ت�ستطيع اليمن جذب ا�ستثمارات‬ ‫جديدة؟‬ ‫�إن ق���درة اليم���ن على جذب �ش���ركات نفطية �أجنبي���ة �شهرية ترغب يف‬ ‫اال�ستثم���ار يف قط���اع النفط احلكوم���ي‪ ،‬تتوقف على عدد م���ن العوامل‪،‬‬ ‫منها‪:‬‬ ‫‪.1‬العر�ض والطلب العاملي الكلي‪.‬‬ ‫‪ .2‬احتياجات امل�ستثمرين االقت�صادية‪.‬‬ ‫‪ .3‬طبيعة البيئتني الأمنية وال�سيا�سية يف اليمن‪.‬‬ ‫واحل���ال �أن���ه يف ظل تراجع م���وارد النف���ط العاملية م���ن املتوقع حدوث‬

‫حتقيق عدد من الأهداف‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫عرقل����ة قدرة الدول����ة على تزويد وتلبي����ة الطلب املحل����ي على منتجات‬ ‫النفط‪.‬‬ ‫حرمان الدولة من اال�ستفادة من �أي عائدات مالية جتنيها من ت�صدير‬ ‫النفط �إىل ال�سوق الدولية‪.‬‬ ‫عرقلة عمليات ا�ستك�ش����اف النفط ومنوه و�إنتاجه‪ ،‬ب�شكل ي�ؤثر يف وفرة‬ ‫النفط ومنتجاته يف العامل‪.‬‬ ‫الت�أثري يف �أ�سعار النفط يف �أرجاء املعمورة من خالل‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬منع تزويد ال�سوق العاملية بالنفط �أو تقليل الكميات املتوفرة منه‪.‬‬ ‫ب‪ .‬الت�أثري يف �سيكولوجية �سوق النفط‪ ،‬من خالل �إظهار قدرة الإرهابيني‬ ‫على التدخل والتقليل من الكميات املعرو�ضة من النفط‪.‬‬ ‫ج‪� .‬إح����داث نق�ص فعلي يف الكميات املعرو�ضة من النفط‪ ،‬نتيجة لل�ضرر‬ ‫الذي تتعر�ض له البنية التحتية لإنتاجه‪.‬‬ ‫د‪ .‬رفع تكلفة الت�أمني‪.‬‬ ‫هـ‪ .‬زيادة تكاليف حماية املن�ش�آت النفطية‪.‬‬ ‫النفط كهدف جاذب‬ ‫بالإ�ضاف����ة �إىل العوامل امل�شار �إليها �أعاله‪ ،‬ت�ش����كل البنية التحتية للنفط‬ ‫هدف���� ًا جاذب���� ًا للإرهابي��ي�ن‪ ،‬وذلك لع����دة �أ�سب����اب‪ ،‬منها‪ :‬ك��ث�رة املن�ش�آت‬ ‫النفطي����ة‪ ،‬وانت�شاره����ا وعزلته����ا‪ ،‬مم����ا يجعلها لقم����ة �سائغة ب����ل وت�شجع‬ ‫الهجم����ات الإرهابية؛ وباملثل تعد �أنابيب النف����ط هدف ًا �سه ًال نظر ًا لطول‬ ‫امتداده����ا‪ ،‬وبالتايل �صعوبة حمايتها‪ .‬كم����ا �أن النفط ذو طبيعة م�شتعلة‪،‬‬ ‫و�أي هجوم على منتجاته ي�ؤدي �إىل اندالع حريق كبري وح�صول انفجارات‬ ‫هائل����ة يف خمازن الوقود‪ ،‬وهذا الأمر بدوره �سيجعل اجلماعات الإرهابية‬ ‫حتظ����ى باهتمام و�سائل الإع��ل�ام‪� .‬أ�ضف �إىل ذل����ك‪� ،‬أن هناك عدد كبري‬ ‫من ال�شركات النفطية الأجنبية تقوم بعملية �إنتاج النفط وتنميته‪ ،‬وت�ضم‬ ‫مهند�س��ي�ن وفني��ي�ن‪ ،‬وه����م ما �أعط����ى الإرهابي��ي�ن ‪ -‬يف املا�ض����ي ‪ -‬املربر‬ ‫ملهاجمة املن�ش�آت النفطية‪.‬‬ ‫ومن����ذ قي����ام قادة تنظي����م القاعدة خ��ل�ال الأع����وام ‪ 2005 - 2004‬بحث‬ ‫�أن�صاره����م على ا�ستهداف امل�صالح النفطية‪� ،‬أخذت الهجمات التي تطال‬ ‫البنية التحتية لإنتاج النفط يف التزايد‪ .‬وقد قامت الفروع التابعة للقاعدة‬ ‫يف كل من العراق وال�سعودية واليمن بتنفيذ “نظرية اجلهاد االقت�صادي”‬ ‫عل����ى �أر�����ض الواقع‪ ،‬حيث قام����ت بتنفيذ عمليات �إرهابي����ة �ضد الكثري من‬ ‫املن�ش�آت النفطية كمحاولة لإ�ضعاف وزعزعة اقت�صادات تلك الدول‪.‬‬

‫ُ�ص��در متوا�ض��ع للنف��ط (فهي حتتل‬ ‫مب��ا �أن اليم��ن تعت�بر م ِّ‬ ‫املرتب��ة ‪ 36‬وبن�سب��ة ‪ %0.5‬من ح�صة ال�س��وق العاملية)‪ ،‬ف�إن‬ ‫ت�أث�ير �أي هجوم على البنية التحتي��ة النفطية �سيكون له‬ ‫وقع على االقت�صاد الداخلي ب�صورة �أ�سا�سية‬ ‫‪28‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫اليم���ن من �أول الدول التي تق���ع �ضحية للهجمات الإرهابية على �أهداف‬ ‫نفطي���ة‪ .‬فف���ي عام ‪ ،2002‬وقب���ل دعوة ب���ن الدن �أن�ص���اره �إىل مهاجمة‬ ‫البنية التحتية للنفط يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬قام انتحاري يف �أحد القوارب‬ ‫باالعتداء على ناقلة النفط الفرن�سية “ليمبورغ” التي كانت تر�سو قُبالة‬ ‫ال�سواحل اليمنية‪ .‬وبعد ذلك ب�سنتني‪� ،‬أي عام ‪� ،2004‬أ�صبحت ال�سعودية‬ ‫�أي�ض��� ًا �أحد �ضحايا الهجمات الإرهابية عل���ى امل�صالح النفطية‪ ،‬عندما‬ ‫قام���ت “القاعدة يف جزي���رة العرب” مبهاجمة مكات���ب �أحد ال�شركات‬ ‫النفطية ال�سعودية يف “اخلُ�ب�ر” و�أخذ بع�ض الرهائن من عُ مال النفط‬ ‫الأجان���ب‪ .‬وال �شك يف �أن هذين البلدين على وجه اخل�صو�ص ح�سا�سني‬ ‫�إزاء مث���ل هذه الهجمات‪ ،‬حي���ث �أن اقت�صادهما يعتمدان اعتماد ًا كبري ًا‬ ‫عل���ى �صادرات النف���ط‪ ،‬فن�سبة تتجاوز ‪ %70‬من ميزاني���ة الدولة فيهما‬ ‫متولها عائدات النفط‪.‬‬

‫حالة اليمن‬ ‫تعترب اليمن من الدول ال�صغرية‬ ‫امل�صدرة للنفط‪ ،‬حيث ي�صل متو�سط الناجت �إىل حوايل ‪ 320.600‬برميل‬ ‫يومياً‪ .‬ونظ���ر ًا لهذه الن�سبة القليلة جداً‪ ،‬ف�إنه لي�س هناك طاقة �إنتاجية‬ ‫احتياطي���ة قادرة على تعوي�ض �أي نق�ص يف عملية الإنتاج‪ .‬لذلك ف�إن �أي‬ ‫هجوم تتعر�ض له من�ش�أة نفطية رئي�سية يف اليمن قد ي�ؤدي �إىل ا�ضطراب‬ ‫عملية �إنتاج النفط‪ ،‬وي�ضع���ف اقت�صاد الدولة‪ ،‬ما ي�شكل �ضغط ًا خطري ًا‬ ‫على ميزانية احلكومة‪.‬‬ ‫ومب���ا �أن اليمن تعت�ب�ر مُ�صدِّ ر متوا�ض���ع للنفط (فهي حتت���ل املرتبة ‪36‬‬ ‫وبن�سب���ة ‪ %0.5‬م���ن ح�صة ال�س���وق العاملية)‪ ،‬ف�إن ت�أث�ي�ر �أي هجوم على‬ ‫البنية التحتية النفطي���ة �سيكون له وقع على االقت�صاد الداخلي ب�صورة‬ ‫�أ�سا�سي���ة‪ .‬ومبا �أن ح�صة اليمن من ال�ص���ادرات النفطية العاملية قليلة‪،‬‬ ‫ف�إن اهتزاز ال�صادرات النفطية اليمنية لن يحدث �سوى تقلبات طفيفة‬ ‫يف �س���وق النفط الدولية‪ .‬فعلى �سبيل املث���ال‪ ،‬مل ي�ؤثر الهجوم على ناقلة‬ ‫النف���ط الفرن�سية “ليمب���ورغ” عام ‪ 2002‬يف �سوق النف���ط الدولية‪ ،‬ومل‬ ‫ترتف���ع �أ�سعار النفط �إال لربهة ق�صرية وب�سعر زهيد‪ .‬لكن ذلك الهجوم‬ ‫�أث���ر يف االقت�صاد اليمني من عدة نواحي‪ ،‬فقد تعر�ضت الدولة خل�سائر‬ ‫مالي���ة فادحة مبجرد انهي���ار عملية املالحة يف خليج عدن ملدة ق�صرية‪،‬‬ ‫�إذ تق���در خ�سارة اليمن بـ ‪ 3.8‬مليون دوالر من موارد املواين خالل �شهر‬ ‫ضال عن ارتفاع ن�سبة �أق�ساط التام�ي�ن على ال�سفن التي تعرج‬ ‫واح���د‪ ،‬ف� ً‬ ‫على املوان���ئ اليمنية مبعدل ‪ ،%300‬وارتفعت �أي�ض��� ًا تكلفة الت�أمني على‬ ‫الب�ضائ���ع القادم���ة �إىل املوانئ اليمنية مبع���دل ‪ ،%350‬فكان لزام ًا على‬ ‫احلكوم���ة تقدمي الدع���م للب�ضائع حتى تتف���ادى ارتف���اع الأ�سعار ب�شكل‬ ‫ح���اد‪ ،‬وه���و الأمر ال���ذي �أ�ضاف �ضغوط��� ًا عل���ى ميزانية الدول���ة‪ .‬وقدر‬

‫تناف����س �أ�ش���د يف امل�ستقبل القريب على موارد النف���ط املتوفرة‪ ،‬وخا�صة‬ ‫�أن بع����ض االقت�صاديات املتنامية‪ ،‬مثل ال�صني والهند‪� ،‬ستكون يف حاجة‬ ‫متزاي���دة لتلبية طلبها املتنامي للطاق���ة‪ .‬ومثل هذه البلدان �ستكون �أكرث‬ ‫ج���ر�أة وا�ستع���داد ًا للمخاط���رة يف �سبي���ل احل�صول على م�ص���ادر طاقة‬ ‫جديدة‪ ،‬و�ستك���ون راغبة يف اال�ستثمار يف ال���دول امل�صنّفة �ضمن الدول‬ ‫املعر�ض���ة للمخاطر بدرج���ة عالية‪ .‬ويف نف�س الوق���ت‪� ،‬ستعمل ال�شركات‬ ‫الأجنبي���ة التي تخطط لال�ستثمار يف البني���ة التحتية النفطية يف اليمن‬ ‫على تقيي���م البيئتني الأمنية وال�سيا�سية العام���ة للدولة‪ .‬فتطور خماطر‬ ‫الإره���اب‪ ،‬عل���ى �سبيل املثال ال احل�صر‪ ،‬من العوام���ل امل�ؤثرة يف معادلة‬ ‫التكلفة والفائ���دة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل العوامل الأخرى التي تلعب دور ًا كبري ًا‬ ‫يف اتخاذ ق���رارات اال�ستثمار‪ ،‬مثل ال�صراع���ات القبلية‪ ،‬وال�صراع على‬ ‫ال�سلطة‪ ،‬والت�شريع���ات القومية املتعلقة باال�ستثم���ار الأجنبي‪ ،‬و�شفافية‬ ‫القانون‪ ،‬وم�ستوى الف�ساد‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬تظل النزاعات القبلية‪ ،‬وال�صراع‬ ‫ب�ي�ن القبائل والدولة‪ ،‬العامل الرئي�س���ي وراء �أكرث الهجمات على �أنابيب‬ ‫النفط واختطاف موظفي ال�شركات الأجانب (يف اليمن)‪.‬‬ ‫لق���د ا�ستهدف���ت‬ ‫حال��ة ال�سعودي��ة‬ ‫اجلماع���ات الإرهابية الأ�صول االقت�صادي���ة‪ ،‬ال�سيما يف ال�سعودية‪ .‬ومبا‬ ‫�أنه���ا مهد الإ�سالم‪ ،‬تتمت���ع اململكة مبكانة خا�صة يف �أو�ساط امل�سلمني يف‬ ‫ضال ع���ن �أن ال�سعودية هي الدول���ة الرائدة يف �إنتاج‬ ‫�أرج���اء املعمورة‪ ،‬ف� ً‬ ‫النفط وت�صديره يف العامل‪ .‬ويف ظل �إنتاجها ملا يقارب ‪ 11‬مليون برميل‬ ‫يومي���اً‪ ،‬ت�شكل اململكة حوايل ‪ %13.5‬م���ن �صادرات النفط العاملية‪ ،‬لهذا‬ ‫ف����إن �أثر �أي اعتداء �إرهابي ناج���ح على املن�ش�آت النفطية الرئي�سية ي�ؤثر‬ ‫يف قدرته���ا على الإنتاج والت�صدير‪ ،‬لن يقت�صر على االقت�صاد ال�سعودي‬ ‫و�إمن���ا �سيمت���د ت�أثريه �إىل ا�ستقرار �سوق النف���ط الدولية‪ .‬لكن‪ ،‬وكما هو‬ ‫احل���ال الي���وم‪ ،‬متتلك ال�سعودي���ة �سعة احتياطي���ة تبلغ ‪ 2‬ملي���ون برميل‬ ‫يومياً‪ ،‬ما مينحها القدرة على خلق توازن يف �سوق النفط‪.‬‬ ‫يف �شباط‪/‬فرباي���ر عام ‪ 2006‬تعر�ضت من�ش�أة بقيق النفطية ال�سعودية‬ ‫�إىل هج���وم‪ ،‬وه���ذه املن�ش����أة تعالج ما يق���ارب ‪ 7‬مليون برمي���ل يف اليوم‬ ‫الواح���د‪� ،‬أي م���ا يع���ادل ثلثي �إنتاج اململك���ة‪ .‬يف البداية ق���ام املهاجمون‬ ‫بالتخطي���ط لتدمري خمازن الغاز وغريها من املن�ش�آت املهمة‪� ،‬إذ توقعوا‬ ‫تدمري م�ساحة ‪ 60‬كم من مركز املناطق امل�ستهدفة‪ ،‬وقد مت اختيار هذه‬ ‫املن�ش�أة بعناية بالغة‪ ،‬لأنها تعد الأكرب والأهم من بني جميع من�ش�آت البنية‬ ‫التحتي���ة النفطي���ة يف اململكة‪ ،‬حيث حتتوي على املرك���ز الرئي�سي جلمع‬ ‫النف���ط وتخزينه وتوزيعه ومن ثم ت�صديره‪ .‬لكن الأثر املادي للهجوم يف‬ ‫نهاية املطاف كان حمدوداً‪ ،‬وال�ضرر الذي �سببه كان ذا طبيعة ق�صرية‬ ‫امل���دى‪ ،‬وقد ا�ستطاعت الق���وات ال�سعودية الق�ضاء عل���ى املهاجمني قبل‬ ‫و�صوله���م للهدف املن�ش���ود‪ ،‬لذا كان ال�ض���رر طفيف��� ًا ومل تت�أثر عمليات‬ ‫الإنت���اج‪ ،‬غري �أن �أخبار الهجوم ت�سبب���ت يف ح�صول ا�ضطراب فوري يف‬ ‫�س���وق النفط العاملية التي تتمتع بح�سا�سية عالية‪ .‬ويف احلال ارتفع �سعر‬

‫اخلطر الإرهاب��ي الذي تتعر�ض له البنية التحتية للنفط‬ ‫يف هذه املرحلة يبدو «قاب ًال للإدارة»‪ ،‬كما �أن �أثر الهجمات‬ ‫على املن�ش�آت النفطية هو الآخر «قابل لالحتواء»‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪29‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫النف���ط دوالرين‪ ،‬ومن ثم عاد �إىل و�ضع���ه قبل الهجوم بعد �أن ات�ضح �أن‬ ‫الهجوم مل يت�سبب يف �أي �ضرر يذكر‪.‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬فقد احتفلت القاعدة بالهجوم واعتربته جناح ًا لها‪ ،‬و�أعلنت‬ ‫�أنه���ا تخطط ملزيد م���ن الهجمات على �أه���داف �سعودي���ة يف امل�ستقبل‪،‬‬ ‫لكنها ومنذ ذلك الوقت مل تفلح يف حتقيق تهديدها‪ .‬وقد قامت القوات‬ ‫ال�سعودي���ة ع���ام ‪ 2007‬باعتق���ال ‪� 172‬إرهابي��� ًا م�شتبه ًا مم���ن قيل �أنهم‬ ‫ي�شكل���ون �سب���ع خاليا م�ستقل���ة متورط���ة يف التخطيط لهجم���ات كبرية‬ ‫على من�ش�آت نفطية عل���ى م�ستوى الإقليم‪ ،‬خا�صة يف ال�سعودية والكويت‬ ‫والإمارات العربية املتحدة‪.‬‬ ‫و�إجم���االً‪ ،‬فق���د �أو�ضحت الهجم���ات على ال�صناع���ة النفطية يف اليمن‬ ‫وال�سعودي���ة م���دى حمدودية عملي���ات القاعدة التي ت�سته���دف املن�ش�آت‬ ‫واملوارد النفطية‪ ،‬حيث مل تخلّف هذه الهجمات‪ ،‬با�ستثناء الهجوم على‬ ‫ناقلة النفط الفرن�سية “ليمبورغ”‪� ،‬سوى �آثار مادية حمدودة و�أ�ضرار‬ ‫ال تذكر لعملية �إنتاج النفط‪.‬‬ ‫وم���ع �أن اخل�سائر املادية التي تعترب نتيجة مبا�شرة للهجمات الإرهابية‬ ‫حمدودة‪� ،‬إال �أن الإ�سرتاتيجية القائلة ب�أن “النفط هو الهدف الرئي�سي”‬ ‫بالت�أكي���د لها �أثره���ا على املدى البعي���د يف املوارد املالي���ة واالقت�صادية‬ ‫لتل���ك ال���دول‪ .‬وكان للهجم���ات الت���ي قام���ت به���ا خاليا القاع���دة على‬ ‫امل�صالح النفطية ومن�ش�آت النفطية ال�ضخمة دور ًا يف دفع الدول التخاذ‬ ‫موق���ف‪ ،‬مبا يف ذلك تخ�صي�ص دعم مادي التخ���اذ �إجراءات مناه�ضة‬ ‫للهجم���ات من �أجل حماية الأ�صول النفطية‪ .‬ومنذ عام ‪ 2007‬ا�ستثمرت‬ ‫كل م���ن اليمن وال�سعودية ب�شكل كبري يف اتخاذ الإجراءات الوقائية ملنع‬ ‫�أي هجمات �أخرى‪ ،‬وال�ستعادة ثقة �شركات النفط الدولية و�سوق النفط‬ ‫يف قدرتهما على حماية الإنتاج والإمداد النفطيني‪.‬‬

‫مواجهة الدولتني للهجمات على النفط‬ ‫�إن‬ ‫ت�أم�ي�ن الطاق���ة هو م���ن �أولويات احلكومت�ي�ن ال�سعودي���ة واليمنية‪ ،‬لهذا‬ ‫تقوم���ان بتوجي���ه الكث�ي�ر من امل���وارد املادي���ة والب�شرية حلماي���ة البنية‬ ‫التحتي���ة النفطي���ة‪ .‬وترتكز حماية البني���ة النفطية التحتي���ة على �أربعة‬ ‫خطوط دفاع �أ�سا�سية‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪30‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫الإج��راءات املعلوماتية املناه�ضة‪ :‬ع�ب�ر جمع وحتليل املعلومات‬ ‫املتعلق���ة مب�ص���ادر وطبيعة اخلطر الفعل���ي واملحتمل ال���ذي قد يتعر�ض‬ ‫ل���ه قطاع النفط‪ ،‬واتخاذ الإج���راءات الوقائية الالزمة ملنع �أو احلد من‬ ‫اخلطر‪.‬‬ ‫الإجراءات املادية املناه�ضة‪ :‬وخلط الدفاع هذا وجهان‪:‬‬ ‫ �إج���راءات احلماية الأمني���ة (ب�شرية ومادية) خ���ارج نطاق املن�ش�آت‬‫النفطية‪ ،‬بهدف منع املهاجمني من الو�صول �إىل داخل حدود املن�ش�آت‪.‬‬ ‫ �إج���راءات حماية داخ���ل نطاق املن�ش�آت النفطي���ة‪ ،‬بهدف كبح حرية‬‫حت���ركات املهاجم�ي�ن يف حال ف�شل نظ���ام احلماية والدف���اع اخلارجي‪،‬‬ ‫والتعام���ل مع ما قد ينتج ع���ن الهجوم داخل حدود املن�ش����أة ذاتها‪ ،‬مثل‬ ‫�إن�ش���اء وح���دات احتياطي لل���رد ال�سريع بغر�ض احت���واء ال�ضرر وكذلك‬ ‫وحدات ت�صليح للحد من �أثر الهجمات‪.‬‬ ‫الإجراءات ال�سيا�سية املناه�ضة‪ :‬من خالل تلقي الدولة م�ساندة‬ ‫من املجتمع املحلي‪/‬القبائل حلماية املن�ش�آت النفطية‪ ،‬ومنحهم احلوافز‬ ‫وت�شجيع روح الواجب لديهم‪.‬‬ ‫يف ع���ام ‪ ،2007‬وبعد ب�ضعة �أ�شهر على حدوث الهجمات الإرهابية على‬ ‫من�ش�آت النفط يف البقيع‪� ،‬أعلنت ال�سعودية عن �إجراءات جديدة حلماية‬ ‫البنية التحتية للنفط‪ ،‬م�ؤكدة التزامها بحماية �إنتاج النفط و�إمداداته‪،‬‬ ‫ومن ثمّ تعزي���ز ثقة الأ�سواق العاملية‪ .‬وخ�ل�ال ال�سنتني املا�ضيتني زادت‬ ‫اململكة من عدد قوات الأمن‪ ،‬وقامت ب�شراء معدات �أمنية عالية التقنية‪،‬‬ ‫كم���ا �أعادت هيكل���ة القوات اخلا�ص���ة بحماية النف���ط ومن�ش�آته‪ .‬وكانت‬ ‫وزارة الدف���اع ووزارة الداخلي���ة يف ال�ساب���ق م�سئولتني ع���ن توفري قوات‬ ‫احلماي���ة النفطي���ة والإ�شراف عليه���ا‪ ،‬لكن يف ظ���ل الرتتيبات اجلديدة‬ ‫�شكل���ت اململك���ة قوات خا�ص���ة تتوىل حماي���ة البنية التحتي���ة الأ�سا�سية‪،‬‬ ‫وحملتها م�سئولية ت�أمني �سالمة �أهم القطاعات يف البنية التحتية للدولة‬ ‫ �أي قط���اع النفط‪ ،‬وقطاعي املاء والكهرباء ‪ -‬وتغطية العمليات الربية‬‫والبحري���ة واجلوية‪ .‬ومت توحيد قوات البنية التحتية حتت قيادة م�ستقلة‬ ‫ُتق���دِّ م التقاري���ر ل���وزارة الدف���اع‪ .‬ويف �آب‪�/‬أغ�سط�س ع���ام ‪ 2007‬زادت‬ ‫ضال‬ ‫ال�سعودي���ة عدد قوات حماي���ة النفط م���ن ‪� 10.000‬إىل ‪ ،35.000‬ف� ً‬

‫ع���ن زيادة ع���دد “قوات الدع���م” (وهي قوات يت���م ا�ستدعائها لتقدمي‬ ‫الدع���م عند الطوارئ)‪ ،‬وتخ�ضع عادة لقي���ادة و�إ�شراف وزارتي الدفاع‬ ‫والداخلية‪.‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل ذلك‪ ،‬يتم حالي ًا جتهيز قوات الأم���ن بتقنية �أمنية جديدة‬ ‫تت�ضم���ن الطائ���رات املروحي���ة وال���رادارات وتكنولوجي���ا الأ�شع���ة حتت‬ ‫احلم���راء وغريه���ا من املعدات الت���ي تعزز من قدرة الق���وات وكفايتها‪.‬‬ ‫�أي�ض��� ًا مت مناق�ش���ة مو�ض���وع �إن�شاء نظ���ام دفاع �ض���د ال�صواريخ (�أر�ض‬ ‫ج���و) حلماية املن�ش����آت النفطية م���ن الهجمات ال�صاروخي���ة‪ .‬وتخ�ضع‬ ‫القوات ال�سعودية لتدريبات حول كيفي���ة ا�ستخدام و�صيانة التكنولوجيا‬ ‫اجلدي���دة‪ .‬وقد خف�ضت ال�سعودية من ع���دد العاملني الأجانب يف قطاع‬ ‫النف���ط‪ ،‬وكانت �شركة النفط ال�سعودية “�أرامكو” قد �أعلنت �أن مغادرة‬ ‫اخل�ب�راء الغربيني يف حال ح���دوث هجوم لن يقلل م���ن عمليات ت�شغيل‬ ‫ال�شركة‪� ،‬إذ يُ�ش���كل ال�سعوديون �أكرث من ‪ 90‬من الطاقم الإداري والفني‬ ‫لل�شركة‪.‬‬ ‫باملث���ل‪� ،‬أخ���ذت اليمن يف اتخاذ بع����ض اخلطوات لطم�أن���ة امل�ستثمرين‬ ‫بخ�صو�ص قدرتها على �ضمان حماية بنيتها التحتية‪� ،‬إذ �أعلنت احلكومة‬ ‫يف ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب عام ‪ 2006‬عن خط���ة جديدة حلماية البنية‬ ‫التحتية النفطية‪ ،‬وذلك من طريق‪:‬‬ ‫‪ .1‬زيادة قوات الأمن حلماية مناطق الإنتاج‪.‬‬ ‫‪.2‬تركيب كامريات مراقبة‪.‬‬ ‫‪� .3‬إل���زام ال�شركات الأجنبي���ة بالتعاون مع �أجهزة الأم���ن اليمنية‪ ،‬من‬ ‫خالل �إطالعها على تنقالت املوظفني‪.‬‬ ‫‪ .4‬ا�ستخدام �أفراد القبائل املوجودين يف املنطقة من �أجل حماية البنية‬ ‫التحتية للنفط‪.‬‬ ‫ويف ه���ذا الإطار‪ ،‬زادت احلكومة اليمنية من عدد قوات الأمن وعززت‬ ‫م���ن تدريبه���م‪ ،‬كم���ا مت تخ�صي�ص ق���وات �أمنية حلماي���ة �أنابيب النفط‬ ‫كتل���ك الت���ي متتد من حق���ول �صافر �إىل حمطة ر�أ����س عي�سى‪ ،‬يف الوقت‬ ‫ال���ذي تقوم فيه قوات �أخرى بحماية منطقتي م�أرب و�صنعاء‪ .‬ويف العام‬ ‫‪� 2009 - 2008‬أطلق���ت وزارة الداخلي���ة برنام���ج جدي���د لتدريب رجال‬ ‫الأمن اليمنيني عل���ى كيفية حماية من�ش�آت النفط‪ ،‬وتخرجت �أول دفعة‪،‬‬

‫وعدده���ا حوايل ‪� 253‬شخ�صاً‪ ،‬يف حزيران‪/‬يونيو ‪ 2009‬لتلتحق بالقوات‬ ‫اخلا�صة القائمة على حماية املن�ش�آت النفطية‪.‬‬ ‫ومع �أن اجلماعات الإرهابية املهاجمة للبنية التحتية للنفط قد ت�سببت يف‬ ‫خل����ق الذعر يف �أ�سواق النفط العاملية‪ ،‬بفعل ارتفاع �أ�سعار النفط وتكاليف‬ ‫الت�أم��ي�ن وكذلك اخل�سائر املادية الق�ص��ي�رة املدى التي �أعقبت الهجمات‪،‬‬ ‫�إال �أن جترب����ة الدول املنتج����ة للنفط كال�سعودية واليم����ن‪ ،‬واللتني تعر�ضتا‬ ‫لهجم����ات �إرهابية متكررة‪ ،‬قد �أثبت����ت �أن �أثر تلك الهجمات كان حمدوداً‪.‬‬ ‫�أم����ا الأثر احلقيقي وطويل املدى الذي ت�سبب����ت به الهجمات على املن�ش�آت‬ ‫النفطية‪ ،‬فيمكننا تبينه من خالل ارتفاع التكلفة املالية لال�ستثمار الثقيل‬ ‫الوط�أة يف اتخاذ الإجراءات الوقائية حلماية النفط ومن�ش�آته‪ .‬فقد وجّ هت‬ ‫دول كال�سعودية واليمن موارد مالية كبرية حلماية بناها التحتية النفطية‪،‬‬ ‫وقام����ت بتنفيذ �إجراءات م�ض����ادة ملنع الهجمات التي ق����د تطال من�ش�آتها‬ ‫النفطي����ة واحلد من الأ�ضرار املحتمل����ة يف حال وقعت مثل هذه الهجمات‪.‬‬ ‫وذلك يف وقت كان من املمكن ا�ستخدام تلك املبالغ‪ ،‬خا�صة يف دولة فقرية‬ ‫كاليمن‪ ،‬لتحفيز الأن�شطة اال�ستثمارية يف القطاعات الأخرى‪.‬‬ ‫و�إجما ًال ميكننا القول �إن اخلطر الإرهابي الذي تتعر�ض له البنية التحتية‬ ‫��ل�ا للإدارة”‪ ،‬كما �أن �أثر الهجمات على‬ ‫للنف����ط يف هذه املرحلة يبدو “قاب ً‬ ‫املن�ش�����آت النفطية هو الآخر “قاب����ل لالحتواء”‪ .‬فقد توا�صلت الأن�شطة يف‬ ‫قط����اع النفط رغم ا�ستمرار التهدي����دات والهجمات الفعلية‪ .‬واحلقيقة �أن‬ ‫ال�صناعة النفطية تتمي����ز باملرونة‪ ،‬وتت�سم بنيتها التحتية بحجمها الكبري‬ ‫وق����وة بنيانها وانت�شارها على م�ساحة وا�سعة من الأر�ض‪ ،‬مما يخف�ض من‬ ‫�إمكاني����ة �ش���� ّل ن�شاطها ب�أكمل����ه‪ .‬فالبنية التحتية النفطي����ة لها القدرة على‬ ‫ا�ستع����ادة ن�شاطه����ا ب�سرعة‪ ،‬مما يحد م����ن ال�ضرر الكل����ي الناجم عن �أي‬ ‫هج����وم �إرهابي و‪�/‬أو �أي ح����ادث عر�ضي‪ .‬لكن الإ�شكالي����ة التي تواجه دول‬ ‫كاليم����ن ا�ستثمرت‪ ،‬وبجانبها ال�ش����ركات النفطية‪ ،‬مبال����غ كبرية من �أجل‬ ‫حماي����ة قطاع النفط حت����ى �أ�صبح من ال�صعب عل����ى اجلماعات الإرهابية‬ ‫حتقي����ق هجمات ناجح����ة �ضد هذا القطاع‪ ،‬تظل رغم ه����ذا قائمة‪� .‬إذ من‬ ‫املحتم����ل �أن تبحث تلك اجلماعات عن �أه����داف اقت�صادية �أ�سهل للهجوم‬ ‫عليه����ا‪ ،‬وبالت����ايل �إحلاق ال�ضرر باقت�ص����اد الدولة و�إ�ضع����اف م�صداقيتها‬ ‫والت�أثري يف م�صادر الدخل الأخرى مثل ال�سياحة‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪31‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫ميثل‬ ‫الهجمات على قطاع ال�سياحة‬ ‫قطاع ال�سياحة مورد ًا مهم ًا من موارد الدخل يف اليمن‪ ،‬وقد قامت اليمن‬ ‫خ�ل�ال ال�سنوات املا�ضية بحمالت ترويج وعالق���ات عامة تكللت ببع�ض‬ ‫النج���اح يف حت�سني �صورة البلد كوجه���ة �سياحية‪ .‬وبح�سب الإح�صاءات‬ ‫الر�سمية‪ ،‬فقد ات�سع قطاع ال�سياحة يف ال�سنوات الأخرية‪� ،‬إذ بات يوظف‬ ‫م���ا يق���ارب ‪� 90.000‬شخ����ص من الأي���دي العاملة‪ ،‬محُ قق��� ًا حوايل ‪886‬‬ ‫ملي���ون دوالر عام ‪ .2008‬لكن ينبغي التعامل م���ع الإح�صاءات الر�سمية‬ ‫بحذر‪ ،‬لأن عدد الزوار الذي ت�ؤكده الإح�صاءات هم من الدول العربية‪،‬‬ ‫بينما ي�شهد عدد ال�سياح القادمني من الغرب تراجع ًا كبرياً‪.‬‬ ‫وال �شك يف �أن اجلماعات الإرهابية التي تن�شط يف اليمن تعترب الهجمات‬ ‫عل���ى ال�سي���اح الأجانب جزء ًا م���ن “اجلهاد” االقت�ص���ادي‪ .‬ففي جملة‬ ‫“�ص���دى املالحم” التابعة لفرع القاعدة يف اليمن‪ ،‬مت تقدمي جمموعة‬ ‫من امل�سوغات التي جتع���ل ال�سياح الأجانب �أهداف ًا �شرعية للإرهابيني‪.‬‬ ‫فال�سي���اح الذين يتجهون �إىل زي���ارة املواقع التاريخية يف اليمن يعتربون‬ ‫لقمة �سائغة و�أهداف��� ًا ي�سهل الو�صول �إليها‪ .‬واحلال �أن جغرافية اليمن‪،‬‬ ‫ووج���ود الكثري من املواق���ع ال�سياحية يف املناطق اجلبلي���ة والنائية‪ ،‬من‬

‫تنظر اجلماعات الإرهابية �إىل �أن الهجمات التي ت�ستهدف‬ ‫الأجان��ب فيه��ا فائدة كب�يرة‪� ،‬إذ �أن �أي هج��وم ميثل م�صدر‬ ‫�إحراج للحكومة اليمنية‪ ،‬والتي طاملا �سعت جاهدة لتح�سني‬ ‫�ص��ورة البالد عل��ى �أنها وجه��ة �آمنة لل�سي��اح‪ ،‬وبالطبع ف�إن‬ ‫الو�ص��ول �إىل �ضيوفه��ا يُظه��ر م��دى عج��ز احلكوم��ة ع��ن‬ ‫حمايتهم‬ ‫�ش�أنهم���ا جعل ال�سياح �أهداف ًا �سهلة‪ ،‬ال�سيما يف الأماكن البعيدة الواقعة‬ ‫يف م�أرب وح�ضرموت‪ ،‬ما يجعلها �أماكن مثالية لن�صب الكمائن وتكتيك‬ ‫“�أ�ضرب واهرب”‪.‬‬ ‫ويف الوق���ت ذات���ه‪ ،‬تنظر اجلماع���ات الإرهابي���ة �إىل �أن الهجمات التي‬ ‫ت�سته���دف الأجان���ب فيها فائدة كب�ي�رة‪� ،‬إذ �أن �أي هج���وم ميثل م�صدر‬ ‫�إح���راج للحكوم���ة اليمني���ة‪ ،‬والتي طامل���ا �سعت جاه���دة لتح�سني �صورة‬ ‫الب�ل�اد على �أنها وجهة �آمنة لل�سياح‪ ،‬وبالطبع ف�إن الو�صول �إىل �ضيوفها‬ ‫يُظه���ر مدى عجز احلكومة ع���ن حمايتهم‪ .‬كذلك‪ ،‬ف����إن �شنّ الهجمات‬ ‫على الأجانب يلفت انتباه و�سائل الإعالم �إىل حد كبري‪ ،‬ويزيد من حجم‬ ‫ال�ضغ���وط على احلكومة للقيام بالرد و�إظهار قدرتها على احلفاظ على‬ ‫�أمن وا�ستقرار مناطقها‪.‬‬ ‫وبالن�سب���ة لليمن تع���د الهجمات الإرهابية �أكرث تعقي���د ًا من غريها من‬ ‫البل���دان‪ ،‬بالنظر ملا له���ذه الهجمات من تبعات عل���ى امل�ساعدات املالية‬ ‫الأجنبي���ة‪ .‬ومب���ا �أن الدولة تعتمد كث�ي�ر ًا على امل�ساع���دة الأجنبية‪ ،‬ف�إن‬ ‫احلكوم���ة �ستظ���ل تتعر����ض ل�ضغ���وط �شدي���دة لك���ي تثب���ت قدرتها على‬ ‫ال�سيطرة �أمام املجتم���ع الدويل‪ ،‬و�أنه قد مت اتخاذ الالزم للحفاظ على‬ ‫الأمن واال�ستقرار‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�أث��ر الهجم��ات الإرهابي��ة عل��ى قط��اع ال�سياح��ة‬ ‫ميث���ل الأث���ر الناج���م ع���ن‬ ‫يف اليم��ن‬

‫الهجم���ات الإرهابية على قط���اع ال�سياحة يف اليمن عام�ل�اً مهماً‪ ،‬فقد‬ ‫عانى هذا القطاع الكثري من اخل�سائر الفادحة منذ �شن الهجمات على‬ ‫ال�سياح البلجيكي�ي�ن والأ�سبان عام ‪ .2007‬و�أ�صبحت الفنادق والوكاالت‬ ‫ال�سياحي���ة يف اليم���ن ت�شتكي من قلة الأعم���ال‪ ،‬وخففت بع�ض اخلطوط‬ ‫اجلوي���ة م���ن رحالتها �إىل اليم���ن‪ .‬وبلغت اخل�سارة املق���درة للدخل من‬ ‫ال�سياحة بحوايل ‪ 60‬مليون دوالر �سنوياً‪.‬‬ ‫وكم���ا هو احل���ال يف البل���دان الأخرى‪ ،‬متث���ل حماية ال�سيّ���اح الأجانب‬ ‫املتجول�ي�ن يف اليم���ن مهمة �صعب���ة بالن�سب���ة لقوات الأم���ن‪ .‬ويف معظم‬ ‫الأحي���ان يتج���ول ال�سيّ���اح يف البلد دون �إع�ل�ام �سفاراته���م �أو الأخذ يف‬ ‫االعتب���ار التحذي���رات املتع���ددة وال�صادرة عن احلكوم���ة اليمنية‪ .‬ومبا‬ ‫�أن املناطق ال�سياحي���ة متتد على م�ساحة جغرافية وا�سعة‪ ،‬من م�أرب يف‬ ‫ال�شمال �إىل ح�ضرموت يف اجلنوب‪ ،‬فمن ال�صعب على ال�سلطات اليمنية‬ ‫تعقب ومراقب���ة تنقالت ال�سياح عرب املدن واملحافظات املختلفة‪ .‬وتقوم‬ ‫نقاط التفتي�ش على الطرق الرئي�سية وتقاطعاتها امل�ؤدية �إىل املحافظات‬ ‫بالت�أك���د من ال�سي���اح ومتابعتهم يف ح���ال حدوث �أي حال���ة اختطاف �أو‬ ‫هجوم‪ ،‬لكن هذا مل يكن مينع من حدوث الهجمات‪.‬‬ ‫ولك���ي يت���م احلد م���ن خماطر الهجم���ات الإرهابي���ة عل���ى ال�سياح يتم‬ ‫تنظيم حرا�سة �سياحية تت�ضمن �سيارة �أو �سيارتني جيب بداخلهما عدد‬ ‫م���ن الرجال امل�سلح�ي�ن‪ .‬ومع �أن هذه احلرا�سة متث���ل عامل ردع للقبائل‬ ‫م���ن اختط���اف الأجان���ب �إال �أنه���ا غالب ًا م���ا تعجز يف �ص���د اجلماعات‬ ‫الإرهابي���ة؛ فاحلرا�سة الأمنية ال تقدم �س���وى حماية حمدودة‪ ،‬ويف حال‬ ‫الكم�ي�ن �أو وجود قوة مهاجمة كبرية ف����إن املهاجمني ي�ستطيعون معادلة‬ ‫ق���وة احلرا�سة‪ .‬وق���د اتخذت احلكوم���ة اليمنية من ناحيته���ا عدد ًا من‬ ‫اخلط���وات ل�ضمان �سالمة ال�سياح الأجان���ب‪ .‬فقد قررت يف متوز‪/‬يوليو‬ ‫م���ن العام املا�ضي ‪� 2009‬إن�شاء وحدات قوات �أمن خا�صة بغر�ض حماية‬ ‫ال�سي���اح‪ ،‬وقبلها يف حزيران‪/‬يونيو ‪� 2009‬أعلنت وزارة الداخلية اليمنية‬ ‫ع���ن ا�ستعدادها تق���دمي مركبات �سياحية جمهزة مبع���دات �إنذار مبكر‬ ‫تربطها ب�أماك���ن املراقبة الأمنية اجلديدة‪ ،‬والت���ي بدورها تقوم ب�إبالغ‬ ‫ضال عن ذل���ك‪ ،‬قامت‬ ‫ق���وات الأم���ن عن ح���دوث �أي خط���ر حمتم���ل‪ .‬ف� ً‬ ‫ال���وزارة بتوزيع �أجه���زة �إنذار على كل املركب���ات العاملة �سواء يف قطاع‬ ‫ال�سياح���ة العمومي‪� ،‬أو لدى �شركات ال�سياح���ة اخلا�صة‪ ،‬وهذه الأجهزة‬ ‫قد حتد من خماطر الهجمات الإرهابية لكنها مكلفة‪.‬‬ ‫وم���ع �أن اليمن قد بذلت جهود كبرية يف �إيجاد مبادرات ت�ضمن حماية‬ ‫و�سالمة ال�سياح املتجولني يف اليمن‪� ،‬إال �أن الرهان يكمن يف مدى فاعلية‬ ‫ذل���ك يف امل�ستقبل‪ .‬فالإجراءات الأمنية مثل احلرا�سة املرافقة لل�سياح‪،‬‬ ‫ونق���اط التفتي����ش‪ ،‬و�أنظمة الإنذار‪ ،‬ق���د ال تكفي وحده���ا ملنع الهجمات‬ ‫الت���ي تق���وم به���ا اجلماع���ات الإرهابية مث���ل القاعدة يف اليم���ن‪ .‬وعلى‬ ‫املدى البعيد‪ ،‬و�إذا م���ا �أرادت الدولة تطوير �إ�سرتاتيجية جلذب ال�سياح‬ ‫الغربيني‪ ،‬ف�إن عليه���ا �إثبات �أنها فع ًال قادرة على حماربة الإرهاب على‬ ‫�أرا�ضيها‪ ،‬و�أنها ت�سيطر على الو�ضع الأمني يف عموم �أرجاء البالد‪.‬‬

‫ي�صدر قريب ًا‬ ‫عن مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬

‫اليمـن‬ ‫ال�سيا�سة واملجتمع‬ ‫بحوث و�أوراق عمل امل�ؤمتر‬ ‫الذي نظمه املركز خالل الفرتة ‪� 18-17‬أيار‪/‬مايو ‪2010‬‬

‫حترير‪:‬‬ ‫�أحمد عبد الكرمي �سيف‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫يوليو‪�/‬أكتوبر‬ ‫العددان ‪،5 - 4‬‬ ‫‪ Relating2010‬ا�سرتاتيجية‬ ‫‪Policy‬‬ ‫‪to Knowledge‬‬

‫‪33‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫اليمن والأمن الإقليمي‬

‫القفز على جدار‬ ‫التهمي�ش‬ ‫ال يب ��دو �أن هن ��اك منطق ��ة يف العامل قد اختربت حت ��والت يف بيئتها الأمنية خالل الثماني ��ة العقود املا�ضية‬ ‫مثل الذي اختربته منطقتنا العربية خا�صة �أو ما ي�سمى منطقة «ال�شرق الأو�سط» ب�صفة �أعّم؛ فقد تداعت‬ ‫الأمم ‪-‬بالفعل‪ -‬على منطقتنا يف �أعقاب احلربني العامليتني الأوىل والثانية‪ ,‬بعدما �أُر�سيت قواعد لعبة توازن‬ ‫القوى «اجلديدة» يف العامل ب�إزاحة الرجل العثماين «امل�سلم» املري�ض من �ساحة التناف�س الدويل‪ ,‬وت�شتيت‬ ‫طاقات القيادات العربية للتفكري يف م�آالت امل�ستقبل الزاهر يف ظل احلكم «القُطْ ري» كامل ال�سيادة!‬ ‫�سامي حممد ال�س َيّاغي‬ ‫‪sami20077@hotmail.com‬‬

‫لق���د �أف�صح باطن �أر����ض العروبة – حينها – عما يجي�ش يف �أح�شائها‬ ‫م���ن كنوز �س���وداء ي�سيل لها لع���اب ماكينة احل�ض���ارة الغربية املتعط�شة‬ ‫للوقود‪ ,‬كما �صرخ ظاهرها من جور الكيان الغريب الذي اُ�ستزرع فيها‪,‬‬ ‫ومن هول م�شهد فرار �أ�صحابها يحملون فتات �أمالكهم ومفاتيح يلوذون‬ ‫بها حلفظ حقوقهم‪.‬‬ ‫ذل���ك امل�شه���د الدرام���ي املعق���د بطبيعته ه���و بعينه ما نعي����ش يف ظل‬ ‫تداعيات���ه حت���ى ع�صرن���ا احلا�ض���ر‪ ,‬فم���ا ت���زال منطقتن���ا ‪ -‬برغ���م‬ ‫حترره���ا الوطني ‪ -‬ت���رزح حتت وط�أة ح�سابات م�صال���ح القوى الكربى‬ ‫وا�سرتاتيجياته���ا الكونية‪ ,‬وما يزال جرحنا الن���ازف يف فل�سطني ي�سيل‬ ‫دم��� ًا يوم ًا بع���د يوم‪ .‬ومن ب�ي�ن ركام امل�شهد «املتوت���ر» ‪� -‬سالف الذكر ‪-‬‬ ‫�أ�صب���ح حتقي���ق �أمن االقليم واملحافظ���ة عليه‪ ,‬هو �شغ���ل العامل ال�شاغل‬ ‫وهاج����س دول املنطق���ة ال���ذي ال ينق�ض���ي‪ .‬وكان لزام ًا عل���ى تلك الدول‬ ‫(�أي دول املنطق���ة) �أن جتاهد مل ّي ًا لتجد لهواج�سها الأمنية وم�صاحلها‬ ‫الوطني���ة ف�سح ًة يف مي���دان ح�سابات القوى الك�ب�رى للأمن الإقليمي يف‬ ‫املنطقة ولال�سرتاتيجيات الكفيلة بتحقيقه واملحافظة عليه‪.‬‬ ‫واليم���ن ك�إحدى دول الإقليم تعد بال ريب رمانة امليزان بالن�سبة لأمن‬ ‫�إقليم���ي اخلليج العربي والقرن الأفريق���ي‪ .‬وذلك و�ض ٌع مل تخرته اليمن‬ ‫‪34‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫مبح�ض �إرادتها‪� ،‬إمنا ه���و واقع فر�ضته حقائق اجليوبوليتيك اجلامدة‪.‬‬ ‫وم���ن منطلقات ذلك الواقع‪� ،‬ش���كّل �صانع القرار اليمن���ي ن�سيج �إدراكه‬ ‫وت�صورات���ه ملوجبات حتقي���ق الأمن الإقليم���ي وا�سرتاتيجيات���ه‪ ,‬وللدور‬ ‫املفرتَ�ض به ممار�سته يف ذات ال�صدد‪.‬‬

‫ن�سيج الت�صورات والثوابت‬ ‫قد ال تكون‬ ‫اليمن دولة �إقليمية م�ؤث���رة يف �صياغة ا�سرتاتيجيات الأمن الإقليمي يف‬ ‫املنطقة بحكم توا�ضع موارده���ا وجنوحها يف الأ�سا�س �إىل �إتباع �سيا�سة‬ ‫خارجية غري تدخلية؛ ولك���ن ذلك ال يعني عدم �أهمية اليمن مبقوماتها‬ ‫الطبيعي���ة (جغرافي��� ًا و�سكاني���اً) كحج���ر زاوي���ة يف �أي ا�سرتيجية يُراد‬ ‫ر�سمه���ا للأمن الإقليمي يف املنطقة‪ .‬وذلك الأمر مل يغِبْ يف واقع احلال‬ ‫عن �إدراك �صانع القرار اليمني على الدوام‪ ,‬و�إن ظل م�ست�شعر ًا يف واقع‬ ‫احلال لتوا�ضع «�إمكانياته» يف ذات ال�صدد‪.‬‬ ‫وبالت���ايل‪ ،‬ف�إنه من الثاب���ت تاريخي ًا �أن �ش�ؤون الأم���ن الإقليمي �شكلت‬ ‫عل���ى الدوام هاج�س ًا وحمفز ًا – يف الوقت ذاته ‪ -‬ل�صانع القرار اليمني‬ ‫باجت���اه حماول���ة �إب���داء الر�أي يف تل���ك ال�ش����ؤون عالني���ةً‪ ،‬وامل�شاركة ما‬ ‫�أمك���ن يف تقييد �أي توجه���ات «خارجية» ل�صياغة وت�سي�ي�ر تلك ال�ش�ؤون‬ ‫�سامي ال�سياغي دكتوراه يف العلوم ال�سيا�سية‪ ,‬جامعة القاهرة‪.‬‬ ‫م�ست�شار �ش�ؤون البحث العلمي‪ ,‬وكالة الأنباء اليمنية (�سب�أ)‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪35‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫مب���ا قد ال يتفق وم�صالح اليمن خا�ص���ة وامل�صالح العربية ب�صفة عامة‪.‬‬ ‫وق���د انطلق �صان���ع القرار اليمن���ي يف ر�ؤيته مل�س�ألة الأم���ن الإقليمي من‬ ‫ت�ص���ورات ومبادئ �أو ثوابت حم���ددة �شكّلت منطلق��� ًا متوازن ًا ل�صياغته‬ ‫�سيا�س���ات اليمن الإقليمي���ة‪ ,‬ومدخ ًال �شفاف ًا لتعامل ال���دول الأخرى مع‬ ‫تلك ال�سيا�سات‪.‬‬ ‫�إن ت�ص���ور �صانع الق���رار اليمني لأهمية حتقي���ق الأمن الإقليمي يف‬ ‫منطقتي اخلليج العربي والق���رن الأفريقي ينبع يف الأ�سا�س من ارتباط‬ ‫ذل���ك الت�صور بهدف حتقيق الأمن القومي اليمني الذي ي�أتي على ر�أ�س‬ ‫�أولويات الأهداف املركزي���ة لل�سيا�سة اخلارجية اليمنية‪ ,‬كما هو احلال‬ ‫بالطبع بالن�سب���ة لل�سيا�سة اخلارجية لأي وح���دة دولية‪ ,‬فالأمن مرتبط‬ ‫ارتباط��� ًا ع�ضوي��� ًا بوج���ود الدول���ة وبقائه���ا وممار�سته���ا ل�سيادتها على‬ ‫�أرا�ضيها ب�شكل كامل‪.‬‬ ‫ومفه���وم �صان���ع القرار اليمن���ي لأُ�س�س الأمن الإقليم���ي ي�ستند �إىل‬ ‫جان���ب ذل���ك الت�صور العام على ر�ؤية ثابتة مفاده���ا �أن حدود اليمن مع‬ ‫جريان���ه يجب �أن تظل معابر للتعاون والتوا�صل احل�ضاري املثمر بعد �أن‬ ‫متت ت�سوية م�شاكل احلدود وفق نهج «ال �ضرر وال �ضرار» الذي اعتنقته‬ ‫القيادة اليمنية ممثلة يف الرئي�س �صالح �أ�سا�س ًا لتلك الت�سوية‪ .‬وبالتايل‪،‬‬ ‫ف�ل�ا خماوف وال توج�سات حدودية حتكم ر�ؤي���ة اليمن للأمن الإقليمي‪.‬‬ ‫ذل���ك يف مقابل تخ���وف دائم لدى �صان���ع القرار اليمن���ي من حماوالت‬ ‫التدخ���ل اخلارجي يف �ش�ؤون الإقلي���م �أو تدويل م�شاكله الأمنية‪ ,‬وحر�ص‬ ‫م�ستمر على �إبقائه داخل حا�ضرة التعاون الأمني بني دوله‪.‬‬ ‫ووفق��� ًا للمفه���وم �سال���ف الذكر‪ ،‬ف�إن هن���اك عدد م���ن الثوابت التي‬ ‫حتك���م طبيع���ة ر�ؤية اليم���ن (�صنّ���اع قرارها) ملفه���وم الأم���ن الإقليمي‬ ‫وا�سرتاتيجي���ات حتقيق���ه و�صيانته‪ ,‬وت�ساهم بالت���ايل يف ت�شكيل �أي دور‬ ‫�إقليم���ي حمتم���ل لليم���ن يف م�س�أل���ة ا�سرتاتيجي���ات الأم���ن الإقليمي يف‬ ‫منطقت���ي اخلليج العربي والقرن الأفريق���ي‪ .‬ولعل من �أهم تلك الثوابت‬ ‫ما يلي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬معار�ضة حماوالت التدخل الأجنبي يف �ش�ؤون الإقليم بكل �أ�شكالها‬ ‫ومربراتها‪.‬‬ ‫(‪ )2‬اعتم���اد �سيا�س���ة احلل���ول ال�سلمية للنزاع���ات يف منطقتي اخلليج‬ ‫العربي والقرن الأفريقي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ال�سعي باجتاه حتقيق م�ستوى مقبول من التن�سيق والتعاون الأمني‬ ‫وال�سيا�س���ي واالقت�ص���ادي ب�ي�ن دول الإقلي���م بعيد ًا ع���ن �سيا�سة املحاور‬ ‫وتكتالت القوى املركزية �أو الهام�شية‪.‬‬ ‫(‪ )4‬ا�ستع���داد اليم���ن الدائ���م لتحمل �أي تبع���ات �أمني���ة �أو �سيا�سية �أو‬ ‫اقت�صادي���ة جرّاء الأو�ض���اع الأمنية املتقلبة يف منطق���ة القرن الأفريقي‬ ‫دون �أدن���ى عائ���د مبا�شر �سوى احلفاظ على مب���د�أ �إ�سرتاتيجية العالقة‬ ‫بني �أمن القرن الأفريقي وبني الأمن القومي اليمني‪.‬‬ ‫(‪ )5‬حر����ص اليمن الدائم على تبني مواق���ف وا�ضحة من كل ما ميكن‬ ‫�أن يعرِّ����ض �أمن دول اخلليج �إىل اخلطر م���ن �أي قوى خارجية (�إقليمي ٍة‬ ‫كانت �أم كربى)‪.‬‬ ‫(‪ )6‬االعتق���اد الرا�سخ ب�أن تهديد الأم���ن الإقليمي يف منطقتي اخلليج‬ ‫‪36‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العرب���ي والق���رن الأفريقي وجن���وب البح���ر الأحمر ي�أت���ي ‪� -‬إىل جانب‬ ‫م�س�أل���ة تدخ���ل القوى الك�ب�رى يف �ش�ؤونه – من ِقبَ���ل �إ�سرائيل يف املقام‬ ‫الأول باحتاللها للأرا�ضي العربي���ة و�أطماعها التو�سعية ملد نفوذها �إىل‬ ‫مياه البحر الأحمر‪ .‬وال جمال بالتايل ‪ -‬وفق ًا للر�ؤية اليمنية ‪ -‬للمقارنة‬ ‫بني اخلطر الإ�سرائيلي على �أمن الإقليم وبني ما تبديه �إيران بني احلني‬ ‫والآخر من طموحات جادة للعب دور �إقليمي م�ؤثر على �ش�ؤون املنطقة‪.‬‬ ‫(‪ )7‬يف الوق���ت ال���ذي ت�ؤمن فيه اليمن بجدية وخط���ورة تهديد ظاهرة‬ ‫الإره���اب للأم���ن الإقليمي ب�صفة عام���ة‪ ,‬و�أهمية حتالفه���ا مع املجتمع‬ ‫الدويل ملجابهته���ا‪ ,‬ف�إنها ت�ؤكد دوم ًا على �ضرورة مواجهة ذلك التهديد‬ ‫م���ن خالل منظور ع���ام ال يُغفِ���ل �ض���رورة ا�ستئ�صاله من ج���ذوره التي‬ ‫تغذيها يف الأ�سا�س ‪ -‬وفق ًا لوجهة النظر اليمنية ‪� -‬سيا�سات �إ�سرائيل يف‬ ‫املناطق املحتلة‪ ,‬واالختالل القائم يف العالقات ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫الدولية فيما بني ال�شمال الغني واجلنوب الفقري‪.‬‬

‫مقوم��ات ال��دور وطبيعت��ه‬ ‫�إن احلدي���ث‬ ‫عن �سيا�سات بناء الدور الإقليمي لليمن ال يعني بال�ضرورة �أن اليمن قد‬ ‫�أ�صبحت دولة �إقليمية م�ؤثرة ك�إيران �أو الهند �أو باك�ستان �أو تركيا؛ لكن‬ ‫يف املقابل‪ ,‬اليم���ن �أي�ض ًا مل تعد ذلك الالعب الهام�شي يف الإقليم‪ .‬فقد‬ ‫�أدرك �صان���ع القرار اليمني منذ العام ‪ ,1995‬يف ظل ما عانته اليمن من‬ ‫�سيا�سات التهمي�ش الإقليمي على �أ�صداء موقفها من �أزمة وحرب اخلليج‬ ‫الثاني���ة‪� ,‬أهمية االنتقال �إىل مرب���ع امل�شاركة الفاعلة يف �ش����ؤون الإقليم‬ ‫وف���ق ر�ؤية ت�ستهدف حتقيق امل�صالح اليمني���ة وتعزيز الأمن واال�ستقرار‬ ‫والتعاون الإقليم���ي‪ .‬و�شواهد ذلك االهتمام بال�ش����ؤون الإقليمية عديدة‬ ‫منه���ا‪ :‬تقدمي اليمن لطلبها «الر�سم���ي» الأول لالن�ضمام ملجل�س التعاون‬ ‫اخلليج���ي ع���ام ‪ ,1996‬واالن�ضمام لرابطة املحيط الهن���دي عام ‪,1997‬‬ ‫ورعايتها لإن�شاء جتم���ع �صنعاء للتعاون عام ‪ ,2002‬وانغما�سها يف جهود‬ ‫امل�صاحل���ة ال�صومالية‪ ,‬وبذله���ا العديد من جه���ود الو�ساطة وامل�ساعي‬ ‫احلميدة حلل اخلالفات العربية‪.‬‬ ‫اليم���ن‪� ،‬أو بالأ�صح �صانع القرار فيها‪ ،‬يعتمد يف حماوالته االنغما�س‬ ‫يف �ش����ؤون الإقلي���م عل���ى عدة مقوم���ات مادي���ة متتلكها اليم���ن وت�ؤهلها‬ ‫للع���ب دور فاعل يف �صياغة ا�سرتاتيجيات الأم���ن الإقليمي و�صيانته‪ ,‬ما‬ ‫ي�ستوجب بالتايل دعم ًا �إقليمي ًا ودولي ًا لت�شجيع اليمن على لعب مثل ذلك‬ ‫الدور‪ .‬ولعل من �أهم تلك املقومات ما يلي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬مقوم��ات تتعلق بطبيعة املوقع اال�سرتاتيجي املتميز من عدة‬ ‫�أوج��ه‪� :‬أعطى املوقع اجلغرايف لليم���ن بحق خ�صائ�ص جيو�سرتاتيجية‬

‫ومناخية غاية يف التميز والأهمية‪ .‬فاليمن مبدئي ًا ت�شكل حمطة طبيعية‬ ‫خلطوط امل���رور الدولية للأغرا�ض املدنية والتجاري���ة وعلى ر�أ�سها نقل‬ ‫النفط (ع�صب االقت�صاد العاملي)‪ ,‬ويعزز من �أهمية ذلك املوقع حتكُّم‬ ‫اليمن فعلي ًا يف م�ضيق باب املندب‪.‬‬ ‫واليم���ن ت�شكل بهذا املوقع نقطة توا�صل جغرايف �إ�سرتاتيجية وبخا�صة‬ ‫بني �آ�سيا و�أفريقيا‪ ,‬وهي املهمة التي من املُنتظر �أن تتعزّز يف ظل الإعالن‬ ‫ر�سمي��� ًا عن قرب تنفيذ م�شروع ج�س���ر �سريبط بني اليمن وجيبوتي عرب‬ ‫م�ضي���ق باب املن���دب‪ .‬كما ت�شكل اليم���ن �أي�ض ًا عمق��� ًا ا�سرتاتيجي ًا لدول‬

‫ت�صور الكاتب لدائرة الأمن الإقليمي لليمن بناءً على قاعدة اجلوار اال�سرتاتيجي‬

‫�شب���ه اجلزيرة العربية واخلليج العربي وم�ص���ر‪ .‬وقد فرَ�ض هذا الواقع‬ ‫عل���ى اليمن ع�ب�ر التاريخ �أن تكون ج���زء ًا �أ�سا�سي ًا م���ن معظم الأحداث‬ ‫والتح���والت اجل�س���ام التي مرت بها تل���ك املناطق‪ .‬وجتل���ى ذلك الواقع‬ ‫يف كثاف���ة التوا�صل التاريخ���ي وحماوالت ال�سيطرة وب�س���ط النفوذ التي‬ ‫تعر�ض���ت لها اليمن وبخا�صة من جانب الفر�س والأحبا�ش قدمياً‪ ,‬ثم يف‬ ‫الع�ص���ور الالحقة من جانب املمالك وال�سلطنات الإ�سالمية (الأيوبيون‬ ‫– املماليك – العثمانيون)‪.‬‬ ‫�أم���ا بالنظ���ر يف طبيعة التهديدات التي تُخاتِل البيئة الأمنية ملناطق‬ ‫اخلليج العربي والبحر الأحمر وخليج عدن والقرن الأفريقي يف الع�صر‬ ‫احلا�ضر‪ ,‬ف�إن موق���ع اليمن اال�سرتاتيجي يجعل من ال�ضرورة مبكان �أن‬ ‫حتتل قل���ب �أي منظور �أمن���ي ا�سرتاتيجي ميكن �أن يو�ض���ع الحتواء تلك‬ ‫التهدي���دات‪ .‬ولع���ل ال�شكل التو�ضيحي املرفق ي�سل���ط ال�ضوء ب�شكل �أكرث‬ ‫تركي���ز ًا على املق�ص���ود بو�ضع اليم���ن اال�سرتاتيج���ي يف منظومة الأمن‬ ‫الإقليم���ي على اعتبار �أن دائرة الأم���ن الإقليمي لليمن تتقاطع بطبيعتها‬ ‫م���ع كاف���ة التهدي���دات الأمنية الت���ي جتت���اح املنطقة برمته���ا يف الوقت‬ ‫الراهن‪.‬‬ ‫�أما عن طبيعة �أهم التهدي���دات الأمنية التي جتتاح املنطقة يف الوقت‬ ‫الراهن‪ ،‬فيمكن الإ�شارة �إىل ما يلي‪:‬‬ ‫(�أ) التناف����س الإقليم���ي وال���دويل عل���ى النف���وذ يف منطق���ة اخللي���ج‬ ‫العربي نتيجة تكثيف الوج���ود الأجنبي فيها من ناحية‪ ,‬ومواجهة �إيران‬ ‫املت�صاعدة مع القوى الكربى عل���ى خلفية طموحاتها النووية «ال�سلمية»‬ ‫ضال عن �سيا�سات �إيران التدخلية يف بع�ض دول‬ ‫من ناحية �أخرى‪ .‬هذا ف� ً‬ ‫املنطق���ة‪ ،‬وبخا�صة عرب �إثارة الورقة الطائفي���ة واملذهبية يف جمتمعات‬ ‫تل���ك الدول للت�أثري على ا�ستقراره���ا الداخلي‪ ,‬وكذا حماولتها امل�ستمرة‬

‫تغلي���ب نفوذه���ا الإقليمي عل���ى توجه���ات دول اخللي���ج �إزاء العالقة مع‬ ‫الق���وى الكربى عامة وم���ع الواليات املتحدة الأمريكي���ة بالذات‪ ,‬ناهيك‬ ‫عن احتاللها جلزر الإمارات الث�ل�اث ورف�ضها القاطع اللجوء للتحكيم‬ ‫الدويل من �أجل ف�ض النزاع حولها‪.‬‬ ‫(ب) �أم���ن خلي���ج ع���دن وم�ضي���ق ب���اب املن���دب‪ ،‬ال���ذي اعتل���ى �سُ لَّم‬ ‫االهتمام���ات الأمني���ة ل���دول املنطقة ولل���دول الكربى عق���ب ا�ستفحال‬ ‫ظاه���رة القر�صن���ة القادمة من �سواحل ال�صوم���ال امل�ضطرب وت�أثريها‬ ‫يف حرك���ة املالح���ة الدولية عرب اخللي���ج وعرب مياه البح���ر الأحمر‪ ،‬يف‬ ‫ضال‬ ‫ظ���ل �أهمية تلك احلركة وحيويته���ا بالن�سبة لالقت�ص���اد العاملي‪ .‬ف� ً‬ ‫ع���ن امتداد يد اجلماع���ات الإرهابي���ة‪ ،‬وتنظيم القاع���دة بالذات‪� ،‬إىل‬ ‫البح���ر الأحمر وبحر العرب عرب ا�ستهدافها للمدمرة الأمريكية (كول)‬ ‫والناقلة الفرن�سية (ليمبورغ)‪.‬‬ ‫(ج) �أم���ن الق���رن الأفريق���ي وجنوب البح���ر الأحم���ر وارتباطه ب�أمن‬ ‫م�ضي���ق باب املندب وقناة ال�سوي�س يف ظل حالة عدم اال�ستقرار املزمنة‬ ‫الت���ي �أملّت بتل���ك املنطقة‪ ،‬على خلفي���ة ال�صراع الداخل���ي يف ال�صومال‬ ‫وال�صراع���ات املتكررة بني عدة دول يف املنطق���ة كال�صراع امل�سلح الذي‬ ‫اندل���ع لعدة جوالت بني �إريرتيا و�إثيوبي���ا‪ ,‬والنزاع الإريرتي ‪ -‬ال�سوداين‬ ‫ح���ول ق�ضايا تتعل���ق بدعم اجلماع���ات امل�سلحة املعار�ض���ة‪ ,‬ناهيك عن‬ ‫م�س�أل���ة القواعد الأجنبي���ة يف جيبوتي‪ ,‬وما يُثار ب�ي�ن احلني والآخر عن‬ ‫ت�سهي�ل�ات ع�سكري���ة متقدمة حت�ص���ل عليه���ا �إ�سرائيل يف مي���اه البحر‬ ‫الأحم���ر انطالق ًا من موانئ وجزر �إريرتية‪ ,‬و�إىل غري ذلك من ب�ؤر عدم‬ ‫اال�ستقرار يف املنطقة‪.‬‬

‫(‪ )2‬مقوم��ات متعلقة بالعامل الدميوج��رايف والإمكانات واخلربة‬ ‫الع�سكري��ة‪ :‬فعدد �سكان اليمن الذي و�ص���ل يف تعداد ‪ 2004‬حوايل ‪20‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪37‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫ملي���ون ن�سم���ة ومبعدل منو �سنوي بلغ ‪ ,%3‬كان ق���د ت�ضاعف مبقدار ‪4,6‬‬

‫الر�ؤى املتعلقة بتحقيق الأمن الإقليم���ي يف املنطقة وبناء �إ�سرتاتيجياته‬ ‫طويلة املدى‪.‬‬

‫مرة يف الفرتة (‪ ,)2004 - 1950‬ومن املتوقع وفق م�ستويات النمو احلالية‬ ‫�أن ي�ص���ل عدد ال�سكان عام ‪� 2024‬إىل ‪ 42,2‬ملي���ون ن�سمة‪ .‬ويُعد‬ ‫املجتمع طبيع��ة ال��دور‬ ‫كم���ا مت���ت الإ�ش���ارة‬ ‫اليمن���ي «جمتمع ًا فت َّياً»‪ ،‬حيث متثل فئة ال�شباب �أكرث من ن�صف �إجمايل‬ ‫�سلف��� ًا ف����إن اليم���ن – ب�إمكاناتها املتوا�ضعة – مل تقب���ع جامد ًة يف مربع‬ ‫ال�سكان‪ ,‬وقد �أفرز ذلك هيك ًال �أو هرم ًا �سكاني ًا ذا قاعدة عري�ضة‪.‬‬ ‫التهمي����ش الإقليمي بل �سعت مع كل فر�صة �سانحة ملمار�سة �أدوار حافزة‬ ‫ه���ذا الو�ض���ع الدميوجرايف يعط���ي لليمن ميزة ن�سبي���ة يف حميطها‬ ‫على حتقيق الأم���ن واال�ستقرار والتعاون يف دائرتها الإقليمية املبا�شرة‪.‬‬ ‫الإقليم���ي؛ ف���وزن كتلته���ا ال�سكانية على �سبي���ل املثال ت���كاد تتجاوز ثلث‬ ‫وميكن فيما يلي الإ�شارة باقت�ضاب �إىل �أهم مالمح حماوالت اليمن لبناء‬ ‫الكتل���ة ال�سكاني���ة ملنطقة اخللي���ج العرب���ي واجلزيرة العربي���ة‪ ,‬ناهيك‬ ‫دور �إقليم���ي فاعل وم�ساهم ب�شكل ايجابي يف تعزي���ز الأمن واال�ستقرار‬ ‫ع���ن كونها كتل���ة �سكانية فتيّ���ة ومتطلعة لتحقيق م�ستوي���ات متقدمة من‬ ‫الإقليم���ي يف منطقتي اخلليج العربي والقرن الأفريقي مع انعكا�س ذلك‬ ‫التنمية والتطور املادي‪ ,‬وهي كذلك كتلة دائمة التحرك (الهجرة) عرب‬ ‫بالطبع على بيئة الأمن الدويل عامة‪.‬‬ ‫احلدود لت�شكل على الدوام ج�سور توا�صل بنّاء فيما بني اليمن وحميطها‬ ‫ تبنَّ���ت ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة اليمنية من���ذ وقت مبكر مب���د�أ منابذة‬‫الإقليمي (اخلليجي والقرن �أفريقي بالذات)‪.‬‬ ‫التدخ���ل اخلارج���ي يف �ش����ؤون الإقلي���م �أو تدخل دوله يف �ش����ؤون بع�ضها‬ ‫�إىل جان���ب ذل���ك‪ ،‬ال���وزن الن�سب���ي املتمي���ز لكتل���ة اليم���ن ال�سكانية‬ ‫البع����ض‪ .‬واعتمدت يف ذات ال�صدد عل���ى �أربعة منطلقات رئي�سية‪ :‬فهي‬ ‫والمتداداته���ا البنّ���اءة يف حميطه���ا الإقليم���ي‪ ,‬ال ري���ب �أن و�ضع اليمن‬ ‫م���ن ناحية‪ ،‬مل تتح املج���ال لأي تدخالت �أجنبي���ة يف م�شاكلها الداخلية‬ ‫يف �إط���ار مي���زان القوى الإقليم���ي ي�شري �إىل متتعها بالعدي���د من املزايا‬ ‫كح���رب االنف�ص���ال �صي���ف ‪ ,1994‬وتعامل���ت بح���زم وم�سئولي���ة وحنكة‬ ‫الن�سبي���ة التي تر�شحها بالفعل للعب دور م�ؤثر يف‬ ‫دبلوما�سي���ة بخ�صو�ص ما �أُثري ع���ن دعم �إيراين‬ ‫ت�شكيل مف���ردات �إ�سرتاتيجية الأمن الإقليمي يف‬ ‫«غ�ي�ر ر�سم���ي» حلركة التم���رد احلوث���ي م�ؤخراً؛‬ ‫املنطقة‪ ,‬وذلك اعتم���اد ًا على خمزونها الب�شري اليمن ‪ -‬ب�إمكاناتها املتوا�ضعة‬ ‫وهي ‪ -‬من ناحية ثانية ‪ -‬ظلت حري�صة على عدم‬ ‫ مل تقبع جامد ًة يف مربع‬‫الفت���ي من ناحية‪ ,‬وعلى خ�ب�رة قواتها الع�سكرية‬ ‫القب���ول ب�أي تدخل �أجنب���ي يف �ش�ؤون �أي دولة من‬ ‫التهمي�ش الإقليمي بل �سعت‬ ‫(اجلي����ش والأم���ن) املتج���ددة يف خو����ض غمار‬ ‫دول الإقلي���م؛ وحر�صت ‪ -‬من ناحية ثالثة ‪ -‬على‬ ‫ال�ص ْرف���ة �أو تل���ك مع كل فر�صة �سانحة ملمار�سة‬ ‫التحدي���ات الأمني���ة املحلي���ة ِ‬ ‫االنخراط بقوة يف معاجل���ة الق�ضايا والنزاعات‬ ‫�أدوار حافزة على حتقيق‬ ‫امل�شبعة بتجلي���ات خارجية كفتنة التمرد احلوثي‬ ‫العالق���ة بني دول الإقلي���م وتبنَّت يف ذات ال�صدد‬ ‫م�ؤخراً‪ .‬ما يعني �أن اليمن تدرك �أهمية احلفاظ الأمن واال�ستقرار والتعاون يف‬ ‫مواقف داعمة لأ�صحاب احلقوق ومنادية ب�أهمية‬ ‫دائرتها الإقليمية املبا�شرة‬ ‫عل���ى الأم���ن واال�ستق���رار يف املنطق���ة وتعل���م –‬ ‫اللج���وء �إىل الو�سائل ال�سلمية حلل تلك امل�شاكل‪,‬‬ ‫باملمار�سة ‪ -‬مدى املعاناة التي تخلقها حالة عدم‬ ‫ولع���ل يف موقفه���ا الثابت من االحت�ل�ال الإيراين‬ ‫اال�ستق���رار عل���ى م�صاحلها وتطلعاته���ا لتحقيق‬ ‫للج���زر الإماراتي���ة الثالث منوذج��� ًا لذلك؛ ومن‬ ‫التنمي���ة ال�شامل���ة‪ ,‬وه���ي (�أي اليم���ن) متلك يف‬ ‫ناحية رابع���ة‪ ,‬مل يَثبُت ق َّط ع�ب�ر العقود املا�ضية‬ ‫الوق���ت نف�سه اخلربة واجلاهزي���ة الكافية ن�سبي ًا‬ ‫قي���ام اليمن ب�أي نوع من �أن���واع التدخل يف �ش�ؤون‬ ‫للتعام���ل ميداني ًا مع ت�شكيلة متنوعة من املخاطر‬ ‫�أي دولة من دول الإقليم‪.‬‬ ‫الأمنية التي اختربتها عملي ًا يف �أكرث من منا�سبة‪.‬‬ ‫ حر�ص���ت ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة اليمنية على‬‫وبالت���ايل‪ ،‬ف�إمكان���ات اليم���ن الدميوجرافي���ة‬ ‫اعتم���اد النهج ال�سلمي يف ح���ل م�شاكلها مع دول‬ ‫والع�سكري���ة ميكن �أن تحُ ت�سَ ب يف حم�صلتها النهائية يف خانة رفد جهود‬ ‫اجل���وار‪ ،‬وقد �أنتج ذلك النهج حلو ًال عادل���ة ومر�ضية وا�ستثنائية كذلك‬ ‫حتقيق الأمن وتعزيز بيئة اال�ستقرار الإقليمي يف املنطقة‪.‬‬ ‫لت�سوي���ة خطي حدودها مع كلٍ من �سلطنة عم���ان وال�سعودية‪ ,‬كما �أنهى‬ ‫(‪ )3‬مقوم���ات متعلق���ة بنم���ط ال�سيا�س���ة اخلارجية والرواب���ط مع دول‬ ‫ذل���ك النه���ج ب�س�ل�ام �أزمة االحت�ل�ال الإريرتي جل���زر حني����ش اليمنية‬ ‫اجل���وار‪ :‬فم���ن �شب���ه املتفق علي���ه ل���دى املراقب�ي�ن واملحلل�ي�ن لل�سيا�سة‬ ‫و�أعادها كامل ًة �إىل ال�سيادة اليمنية عرب التحكيم الدويل‪.‬‬ ‫اخلارجي���ة اليمنية �أن تلك ال�سيا�س���ة قد اتخذت لها منط ًا مميز ًا خالل‬ ‫ مل ت����ألُ ال�سيا�س���ة اليمني���ة جه���د ًا يف التفاع���ل مع امل�ش���اكل الأمنية‬‫�أكرث من ثالثة عقود‪ .‬فاخلربة التاريخية ت�ؤكد على �أن اليمن قد اتبعت‬ ‫وال�سيا�سية يف القرن الأفريقي من منطلق احلر�ص على ا�ستتباب الأمن‬ ‫على الدوام �سيا�سات جوار �إقليمية ت�صاحلية‪ ,‬و�أكرث حر�ص ًا على حتقيق‬ ‫واال�ستقرار يف تلك املنطقة‪ .‬وقد َفرَ�ض قرب اليمن من القرن الأفريقي‬ ‫الأمن واال�ستقرار‪ ,‬و�أكرث مي ًال �إىل حل امل�شاكل بالطرق ال�سلمية‪ ,‬و�أكرث‬ ‫و�ش���رق �أفريقيا �أن تنغم�س �سيا�ستها الإقليمية �إىل حد بعيد يف االهتمام‬ ‫�سعي ًا لفتح �آف���اق التعاون مع الأطراف الإقليمية وفق �سيا�سات متوازنة‪.‬‬ ‫بق�ضاي���ا الأمن واال�ستق���رار يف تلك املنطقة‪ ,‬وقد جتل���ى ذلك االهتمام‬ ‫وق���د امتد ذلك النم���ط بالطبع لي�شم���ل �شبكة عالقات اليم���ن الدولية‬ ‫م�ؤخ���ر ًا يف الإ�سهام اليمني املتوا�صل يف جهود ح���ل امل�شكلة ال�صومالية‬ ‫ب�صفة عامة‪ .‬ذلك الأمر ي�ؤهل اليمن يف واقع احلال لالندماج مبرونة يف‬ ‫‪38‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ضال‬ ‫وامل�شاكل بني �إريرتيا وجريانها (جيبوتي – ال�سودان – �أثيوبيا)‪ ,‬ف� ً‬ ‫ع���ن حتمل اليمن لتبع���ات �أمني���ة واقت�صادية واجتماعي���ة كبرية نتيجة‬ ‫ا�ستقباله���ا مئات الآالف من الالجئني ال�صومالي�ي�ن و�أعداد �أخرى من‬ ‫�أثيوبيا و�إريرتيا‪.‬‬

‫عن كل �أ�شكال الوجود والتناف�س الدويل‬ ‫على هام�ش مواجهة تلك الظاهرة‪ .‬وقد التايل‬ ‫بقلم‪ :‬عاي�ش عوا�س‬ ‫ا�ستطاعت اليمن �إىل حدٍ ما االنخراط‬ ‫يف اجله���ود الدولية ملواجه���ة تلك الظاهرة‬ ‫م�ستفي���دة يف الأ�سا�س م���ن امل�ساعدات املحدودة الت���ي تتلقاها من �أجل‬ ‫تطوي���ر �إمكانيات �سالح خفر ال�سواحل اليمن���ي؛ ولكن اليمن يف املقابل‬ ‫مل توفّ���ق يف حتقي���ق التجاوب املطلوب م���ن دول البحر الأحمر لتن�سيق‬ ‫جهوده���ا امل�شرتك���ة ملواجهة ظاه���رة القر�صنة والو�ص���ول لإ�سرتاتيجية‬ ‫جماعية م�شرتكة يف ذات ال�صدد‪.‬‬

‫اليمن وجمل�س التعاون‪ :‬تقييم‬ ‫عقد من االن�ضمام اجلزئي‬

‫ حافظت اليمن منذ عقود م�ضت على �سيا�سة �إ�سرتاتيجية مو�ضوعية‬‫�إزاء البحر الأحمر‪ ,‬حيث ظل���ت م�ستوعبة متام ًا لأهميته الإ�سرتاتيجية‬ ‫بالن�سبة حلماية �أمنها الوطن���ي وبالن�سبة للأمن القومي العربي ب�صفة‬ ‫عامة؛ وذلك ما دفعها على الدوام لإتباع �سيا�سات ُم�صِّ رة على حياديته‬ ‫وراف�ضة لأي �شكل من �أ�شكال الوجود الأجنبي يف مياهه الإقليمية‪.‬‬ ‫ولك���ن املالح���ظ منذ بداي���ة ت�سعينيات القرن املن�ص���رم �أن ممانعة اليم��ن وم�ستقب��ل الأم��ن الإقليم��ي‬ ‫من‬ ‫اليمن للوجود الأجنبي يف مياه البحر الأحمر مل تعد تقوى على مواجهة الوا�ض���ح �أن اليم���ن مل تبتع���د كث�ي�ر ًا عن موق���ع املركز بالن�سب���ة لت�أثري‬ ‫املربرات الأمني���ة التي ت�سوقها القوى الأجنبية لت�سويغ ذلك الوجود‪ ،‬يف التهدي���دات التي تواجه بيئ���ة الأمن الإقليمي ملنطقت���ي اخلليج والعربي‬ ‫ظل ا�ستفحال حالة عدم اال�ستقرار التي �أملّت باملنطقة منذ م�أ�ساة الغزو والق���رن الأفريقي‪ ,‬حيث عانت (وال تزال) الكثري م���ن التبعات الأمنية‬ ‫العراق���ي للكوي���ت‪ ،‬وانفجار الأو�ض���اع الداخلية يف ال�صوم���ال‪ ،‬و�صعود املرتتب���ة عل���ى حالة ع���دم اال�ستقرار الت���ي �أ�صابت بع����ض دول املنطقة‬ ‫جنم تنظيم القاعدة وجماعات اجلهاد الإ�سالمي امل�سلحة‪ ,‬ناهيك عن كالعراق وال�صومال‪ ,‬ناهيك عن تبعات التدخالت اخلارجية «املحتملة»‬ ‫تداعيات ظاهرة القر�صنة يف خليج عدن‪.‬‬ ‫يف �ش�ؤونه���ا الداخلي���ة م���ن خالل دع���م حركة‬ ‫ �أ�صبحت اليمن بالفعل �شريك ًا رئي�سي ًا للمجتمع‬‫التمرد «احلوثي» يف بع�ض املحافظات ال�شمالية‬ ‫اليمن تدرك �أهمية احلفاظ‬ ‫الدويل يف مواجهة ظاهرة الإرهاب‪ .‬وقد انطلقت‬ ‫ونزع���ات االنف�ص���ال لدى ما ي�سم���ى باحلراك‬ ‫على الأمن واال�ستقرار يف‬ ‫تلك ال�شراكة ب�ص���ورة فاعلة عام ‪ 2000‬يف �أعقاب‬ ‫اجلنوبي‪.‬‬ ‫املنطقة وتعلم ‪ -‬باملمار�سة‬ ‫ا�سته���داف تنظيم القاع���دة للمدم���رة الأمريكية‬ ‫وبالنظر يف طبيع���ة تلك التبعات الأمنية التي‬ ‫ مدى املعاناة التي تخلقها‬‫(كول) قبال���ة ميناء عدن وما تاله���ا من عمليات‬ ‫تتحمله���ا اليم���ن بالت���وازي م���ع حج���م ونوعية‬ ‫حالة عدم اال�ستقرار على‬ ‫م�ؤث���رة نفذه���ا التنظي���م �ض���د م�صال���ح �أمريكية‬ ‫التهدي���دات اال�ستثنائي���ة املاثل���ة �أم���ام البيئ���ة‬ ‫م�صاحلها وتطلعاتها لتحقيق‬ ‫وغربي���ة يف اليم���ن ويف �أفريقيا‪ .‬وكان���ت هجمات‬ ‫الأمني���ة الإقليمي���ة‪ ,‬وعالق���ة كل ذل���ك مبوق���ع‬ ‫التنمية ال�شاملة‬ ‫احل���ادي ع�شر م���ن �أيل���ول‪� /‬سبتم�ب�ر ‪ 2001‬ذروة‬ ‫اليم���ن اجليوبوليتيك���ي احل�سّ ا�س ال���ذي جعلها‬ ‫�سنام تلك العمليات‪ ،‬و�شكلت يف واقع الأمر اختبار ًا‬ ‫يف مرك���ز تقاط���ع كل تل���ك التهدي���دات‪ ,‬ميكن‬ ‫�صعب��� ًا لذلك التحالف النا�شئ بني اليمن واملجتمع‬ ‫الزعم ب����أن م�س�ألة دعم �أم���ن وا�ستقرار اليمن‬ ‫ال���دويل يف مواجه���ة ظاه���رة الإره���اب‪� .‬إذ كادت‬ ‫من ناحية‪ ,‬ودع���م وت�سهيل دور اليمن الإقليمي‬ ‫اليمن تتحول حينها من موقع «احلليف» �إىل موقع‬ ‫املفرتَ����ض يف و�ضع وتنفي���ذ �إ�سرتاتيجية الأمن‬ ‫«الع���دو» يف ظ���ل احلملة الإعالمي���ة ال�شر�سة التي‬ ‫الإقليمي (املفرتَ�ض���ة �أي�ضاً) من ناحية �أخرى‪,‬‬ ‫انطلقت عل���ى �صفحات و�سائل الإع�ل�ام الأجنبية‬ ‫تع���د م�س�ألة بالغة الأهمي���ة �إذا م���ا �أُريد للبيئة‬ ‫وبع����ض العربي���ة م�ص���وِّر ًة اليمن كب����ؤرة م�صدِّ رة‬ ‫الإقليمي���ة اال�ستقرار وحتقي���ق الأمن ومواجهة‬ ‫للإرهاب و«مالذ �آمن» لتنظيم القاعدة‪ ,‬ومر�شِّ ح ًة �إياها لتلقي ال�ضربة خماط���ر تنامي روح االنفالت الأمني يف مواجه���ة اجلماعات الإرهابية‬ ‫الأمريكي���ة التالية بعد �أفغان�ستان‪ .‬ولكن اليمن ا�ستطاعت بالفعل تعزيز وع�صابات القر�صنة‪ ,‬والوقوف يف وجه خماطر تغوُّل بع�ض دول الإقليم‬ ‫�شراكته���ا الدولية يف مواجهة ظاه���رة الإرهاب وتطوير قدراتها الذاتية الطاحمة لإعادة ر�سم خارطة الأمن الإقليمي فيها مبا يخدم م�صاحلها‬ ‫ملواجهة تلك الظاهرة‪ ،‬وحققت يف ذات ال�صدد جناحات متوالية بتعاون هي فق���ط‪� ,‬أو نوايا بع�ض الدول الكربى التي تري���د اال�ستئثار مبعطيات‬ ‫�إقليم���ي ودويل‪ ,‬كما وقعت عدد ًا م���ن اتفاقيات التعاون الأمني مع بع�ض ال�سيا�سي���ة الإقليمي���ة كلها لر�س���م م�ستقبل الإقليم مبا يتف���ق و�أهدافها‬ ‫دول الإقليم وبع�ض التفاهمات كذلك مع بع�ض الدول الكربى‪.‬‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة الإقليمية والعاملية ‪ -‬وهو ما ال يحقق يف واقع الأمر �أدنى‬ ‫ حت���اول اليم���ن جاهد ًة الو�ص���ول �إىل تفاهمات عملي���ة وتنفيذية مع ق���در من الأم���ن واال�ستقرار ل���دول الإقليم‪ .‬وعلى اليم���ن ‪ -‬يف املقابل‪-‬‬‫دول اجلوار الإقليمي والدول الكربى حول �أف�ضل ال�سبُل ملواجهة ظاهرة التح���رك يف كل االجتاه���ات‪ ،‬من �أجل بناء حتال���ف �إقليمي ا�سرتاتيجي‬ ‫القر�صنة يف خليج عدن و�سواحل ال�صومال‪ ،‬باالعتماد على مبد�أ �ضرورة للحف���اظ على �أمن وا�ستقرار الإقليم بعي���د ًا قدر الإمكان عن �إحداثيات‬ ‫حتمل دول البحر الأحمر للعبء الرئي�سي يف تلك املهمة والن�أي باملنطقة اال�ستقطاب الدويل يف املنطقة‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪39‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫اليمن وجمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫تقييم �إجنازات و�إخفاقات‬ ‫عقد من االن�ضمام اجلزئي‬ ‫مثّل عام ‪ 2001‬نقطة حتول مهمة يف م�سار العالقات بني اليمن وجمل�س التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬ففي هذا التاريخ‬ ‫�أق���ر القادة اخلليجيون يف قمتهم احلادية والع�شرين التي ا�ست�ضافته���ا العا�صمة العمانية م�سقط قبول ان�ضمام اليمن‬ ‫�إىل �أرب���ع م���ن الهيئات وامل�ؤ�س�سات التابع���ة للمجل�س وهي‪ :‬جمل�س وزراء ال�صحة‪ ،‬مكت���ب الرتبية العربي لدول اخلليج‪،‬‬ ‫جمل����س وزراء العم���ل وال�ش�ؤون االجتماعية‪ ،‬دورة ك�أ�س اخلليج العربي لكرة الق���دم‪ ،‬ويف مرحلة تالية ان�ضم اليمن �إىل‬ ‫�أرب���ع م�ؤ�س�س���ات جديدة‪ :‬منظمة اخلليج لال�ست�شارات ال�صناعية‪ ،‬وهيئة التقيي����س‪ ،‬وهيئة املحا�سبة واملراجعة‪ ،‬وجهاز‬ ‫�إذاعة وتلفزيون اخلليج‪.‬‬ ‫عاي�ش علي عوا�س‬

‫‪aish@shebacss.com‬‬

‫وعل���ى م���دى ال�سن���وات املن�صرم���ة كان مو�ض���وع ان�ضم���ام اليمن �إىل‬ ‫املجل����س وما زال حتى هذه اللحظة مثار جدل م�ستمر بني ر�أي يقلل من‬ ‫�ش�أن و�أهمية ما حتقق‪ ،‬و�آخر يعترب ما جرى خطوة يف االجتاه ال�صحيح‪،‬‬ ‫وفاحتة حل�صول اليمن على الع�ضوية الكاملة و�إن ب�صورة تدريجية‪.‬‬ ‫وال ن�سع���ى يف هذا التحليل �إىل �إثبات �أوتفنيد �أي من الر�أيني بقدر ما‬ ‫نحاول ر�صد وحتليل تفاعالت العالقة بني الطرفني يف �إطار امل�ؤ�س�سات‬ ‫امل�شار �إليه���ا‪ ،‬والتعرف على مدى املكا�سب املتبادلة لكليهما يف �ضوء ما‬ ‫هو كائن �أي االن�ضمام اجلزئي‪ ،‬ولي�س وفق ما يجب �أن يكون (الع�ضوية‬ ‫الكامل���ة)‪ ،‬منطلق�ي�ن يف ذلك م���ن فر�ضية �أ�سا�سي���ة مفادها �أن حتقيق‬ ‫مكا�س���ب م�شرتكة يف الوقت احلا�ض���ر �سيكون حاف���ز ًا لتو�سيع جماالت‬ ‫التعاون بني اجلانبني يف امل�ستقبل‪ ،‬والعك�س �صحيح‪.‬‬

‫تفاعالت العالقات وواقعها يف �إطار االن�ضمام‬ ‫اجلزئي‬ ‫نظر ًا ل�ضيق امل�ساحة املتاحة للمو�ضوع‪،‬‬

‫�سوف نق�صر النقا�ش على حركة التفاعل بني اليمن وجمل�س التعاون يف‬ ‫�إطار هيئات الرتبي���ة‪ ،‬ال�صحة‪ ،‬العمل وال�ش�ؤون االجتماعية‪ ،‬دورة كا�س‬ ‫اخللي���ج لك���رة القدم‪ ،‬وهيئ���ة التقيي�س‪ ،‬وقبل اخلو����ض يف مناق�شة هذا‬ ‫املو�ضوع يجدر بنا الإ�شارة �إىل �أن ان�ضمام اليمن �إىل امل�ؤ�س�سات ال�سالف‬ ‫ذكرها مت مبوجب اتفاق بني الطرفني‪ ،‬جرى التوقيع عليه يف �صنعاء يوم‬ ‫‪ 16‬ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر ‪ .2002‬وطبق ًا لن�ص املادة الثانية من االتفاق‪،‬‬ ‫‪40‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ف����إن ان�ضمام اليمن �إىل م�ؤ�س�سات املجل����س يكون وفق ًا ملا حتدده �أنظمة‬ ‫وقوان�ي�ن واتفاقي���ات ن�ش�أة وتنظي���م عمل هذه امل�ؤ�س�س���ات‪ ،‬ونظم عملها‬ ‫الداخلي���ة‪ ،‬على �أن تتمت���ع اجلمهورية اليمنية مبزاي���ا الع�ضوية يف هذه‬ ‫املنظمات عدا املزايا التي لها عالقة بالع�ضوية الكاملة(‪.)1‬‬ ‫ويفه���م من قراءة هذا الن�ص �أن على اليم���ن تكييف �أطرها القانونية‬ ‫واالقت�صادي���ة والإداري���ة مب���ا يت�ل�اءم واملعم���ول به���ا يف دول جمل����س‬ ‫التعاون‪ .‬ومن هذا املنطل���ق‪ ،‬ن�ستطيع القول �إن الإجنازات التي حتققت‬ ‫يف ال�سن���وات الثم���ان املا�ضية تظ���ل دون م�ست���وى الآم���ال والطموحات‬ ‫بالن�سب���ة لليم���ن‪ ،‬لكنه���ا مع ذلك تب���دو معقول���ة‪ ،‬ففي جم���ال ال�صحة‬ ‫متثلت �أه���م الإجنازات يف موافقة جمل����س وزراء ال�صحة لدول اخلليج‬ ‫العرب���ي واليم���ن يف م�ؤمتره���م ال�سابع وال�ستني على ب���دء تنفيذ اخلطة‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة جلعل �شبه اجلزيرة العربية خالية من املالريا(‪ ،)2‬والتي‬ ‫ت�ستم���ر م���دة ع�شر �سنوات بتكلفة �إجمالية قدره���ا ‪ 15‬مليون دوالر بدء ًا‬ ‫من ع���ام ‪ .2009‬و�إقرار املجل�س ميزانية موح���دة ملكافحة مر�ض ال�سكر‬ ‫ب� �ـ ‪ 750‬مليون ريال �سع���ودي(‪ ،)3‬وت�سجي���ل م�صانع الأدوي���ة والأ�صناف‬ ‫الدوائي���ة مركزياً‪ ،‬به���دف ح�صول مواطني ال���دول الأع�ضاء على �أدوية‬ ‫ذات ج���ودة عالي���ة وتبادل التج���ارب واخل�ب�رات فيما بينه���ا‪ .‬وانتظام‬ ‫اللق���اءات الدوري���ة للج���ان ال�صحية املخت�ص���ة املعنية بدرا�س���ة الو�ضع‬ ‫ال�صح���ي يف ال���دول الأع�ضاء واق�ت�راح احللول والإج���راءات واخلطط‬ ‫عاي�ش علي عوا�س باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫واال�سرتاتيجيات ملواجهة امل�شاكل ال�صحية وعمل خطة موحدة ملواجهة‬ ‫�إنفلون���زا اخلنازي���ر‪ ،‬و�سب���ل الوقاية منه���ا‪ ،‬و�شراء الأدوي���ة واللقاحات‬ ‫اخلا�صة باملر�ض ب�شكل جماعي‪ .‬بالإ�ضافة �إىل �إقرار �آلية �شراء موحدة‬ ‫للأدوي���ة يف حالة الطوارئ والك���وارث واال�ستفادة من اال�ستثناءات التي‬ ‫توفرها اتفاقية حقوق امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫�أما م�شارك���ة اليمن يف اجتماعات مكتب العم���ل وال�ش�ؤون االجتماعية‬ ‫فل���م تب���د�أ �إال يف نهاي���ة �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ .2003‬ومن ذل���ك احلني وحتى‬ ‫الي���وم متثلت �أهم االجنازات يف هذا اجلان���ب يف �إعداد مناذج موحدة‬ ‫للن�شاط���ات االجتماعي���ة يف جم���ال امل���ر�أة والطفل واملعاق�ي�ن والرعاية‬ ‫االجتماعي���ة‪ ،‬و�أخرى لال�سرت�ش���اد بها عند �سن القوان�ي�ن والت�شريعات‬ ‫اخلا�صة بالعمل على م�ستوى كل دولة‪ ،‬وتوحيد مواقف الدول ال�سبع بهذا‬ ‫اخل�صو�ص يف املحافل الإقليمية والدولية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل توقيع اتفاقيتني‬ ‫بني اجلمهوري���ة اليمنية وكل من قطر ودولة الإم���ارات العربية املتحدة‬ ‫لت�شغيل الأيدي العاملة اليمنية‪ ،‬ولكن مل يتم تنفيذهما على �أر�ض الواقع‬ ‫حتى مطلع العام اجلاري ‪ .2010‬ولعل �أهم ما ي�شار �إليه بهذا اخل�صو�ص‬ ‫هو مبادرة دولة الكوي���ت ب�إعطاء الأولوية للعمالة اليمنية بعد املواطنني‬ ‫الكويتيني‪ ،‬لي�س نتيج���ة التفاقيات ثنائية �أو جماعية و�إمنا لقناعة ذاتية‬ ‫لدى الكويتيني ب�أمانة املوظفني والعمال اليمنيني‪ ،‬وتفانيهم و�إخال�صهم‬ ‫يف ت�أدية عملهم‪.‬‬ ‫لكن رغم ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س وزراء ال�ش�ؤون االجتماعية والعمل‬ ‫ومطالبها املتك���ررة بت�سهيل فر�ص دخول مواطنيها ل�سوق العمل يف دول‬ ‫جمل����س التع���اون‪ ،‬ف����إن النتائج املحقق���ة يف هذا اجلانب تب���دو �أقل من‬ ‫متوا�ضع���ة‪ .‬وال�سبب يف ذلك كما يرى امل�سئول���ون اخلليجيون هو �أن لكل‬ ‫دول���ة من دول املجل����س قانونها اخلا�ص بتنظيم �س���وق العمل وا�ستقدام‬ ‫الأجان���ب‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أن مو�ض���وع العمالة خرج من �أيدي احلكومات‬ ‫و�أ�صب���ح بيد القطاع اخلا�ص اخلليج���ي بحكم دوره املحوري يف الن�شاط‬

‫االقت�ص���ادي و�صعوب���ة فر����ض عمالة معين���ة عليه(‪ ،)4‬وبالت���ايل فكل ما‬ ‫ميك���ن فعله من وجه���ة نظرهم هو حثّ القطاع اخلا����ص اخلليجي على‬ ‫ا�ستقدام العمالة اليمنية‪ .‬ومن هذا املنطلق‪� ،‬أو�صى جمل�س وزراء العمل‬ ‫يف دول جمل����س التعاون يف اجتماعه الأخ�ي�ر ب�سلطنة عمان خالل �شهر‬ ‫ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفم�ب�ر ‪ 2009‬القط���اع اخلا����ص يف دول املجل�س مبنح‬ ‫�أولوية للعمالة اليمنية امل�ؤهلة‪.‬‬ ‫وم���ع وجاه���ة مثل هذا الط���رح‪� ،‬إال �أن فيه �شيء م���ن املبالغة والتهويل‬ ‫�إذ �أن هن���اك الآالف م���ن فر�ص العمل يف دول املجل����س ال حتتاج عمالة‬ ‫ماه���رة‪ ،‬و�إن كان ذلك ال يعفي احلكومة اليمنية من حتمّل م�سئولياتها‪،‬‬ ‫حي���ث يفرت����ض �أن تبادر من جانبه���ا �إىل التوا�صل م���ع القطاع اخلا�ص‬ ‫اخلليجي والرتويج للعمالة اليمنية ومميزاتها الن�سبية مقارنة بالعمالة‬ ‫الآ�سيوي���ة‪ ،‬و�إعداد قوائ���م ب�أ�سماء خريجي اجلامع���ات واملعاهد الفنية‬ ‫واملهنية وتخ�ص�صاتهم‪ ،‬والرتويج لها عرب البعثات الدبلوما�سية املقيمة‬ ‫يف دول اخللي���ج‪ ،‬ودرا�سة املهن املطلوبة يف ال�سوق اخلليجية مع مراعاة‬ ‫الت���وازن بني الكلف���ة االجتماعية الت���ي يتحملها اليمن وعائ���د العمالة‪.‬‬ ‫ورمب���ا ي�ستح�سن �إن�شاء جهاز خا�ص له���ذا الغر�ض‪ ،‬بحيث يتوىل درا�سة‬ ‫ال�س���وق اخلليجية وتوعية العمالة اليمنية املوجودة يف اخلليج �أو التي يف‬ ‫طريقه���ا �إىل هناك‪ ،‬من ناحية ال�سل���وك وطبيعة املهن املطلوبة وخا�صة‬ ‫اخلدمي���ة‪ ،‬وا�ستك�شاف امله���ن اجلديدة وحت�سني ال�ص�ل�ات مع القطاع‬ ‫اخلا����ص اخلليج���ي‪ ،‬بحي���ث ال يظ���ل اليمنيون يتح���اورون م���ع بع�ضهم‬ ‫ويرتكون الآخرين(‪.)5‬‬ ‫كم���ا يتطلب الأمر تفعيل دبلوما�سية القمة باعتبارها الأجدى نفع ًا ويف‬ ‫هذا الوقت بالذات‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل دعوة امل�سئولني املبا�شرين عن ت�شغيل‬ ‫العمالة يف دول اخلليج مثل ر�ؤ�ساء ال�شركات وامل�ؤ�س�سات والتجار ورجال‬ ‫الأعم���ال وممثلي الغ���رف التجارية �إىل زيارة اليمن‪ ،‬وم���ن ثمّ التعرف‬ ‫على منط تفكريهم جتاه العمالة اليمنية‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪41‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫وخ�ل�ال الفرتة من ‪� 2002‬إىل كان���ون الثاين‪/‬يناير ‪ 2010‬عملت الهيئة‬ ‫اليمني���ة للموا�صف���ات واملقايي�س و�ضب���ط اجلودة على حتدي���ث �أجهزة‬ ‫الفح����ص‪ ،‬ورف���ع كفاية العامل�ي�ن يف الهيئة بالتعاون م���ع هيئة التقيي�س‬ ‫اخلليجي���ة‪ ،‬و�إعداد بع����ض اللوائ���ح والأنظمة الفنية مث���ل نظام تطبيق‬ ‫الربنام���ج الدويل اليمني ل�شه���ادات املطابقة يف بلد املن�ش�أ‪ ،‬ونظام منح‬ ‫�شه���ادة ممار�سة الت�صني���ع اجليد‪ ،‬ونظ���ام �إ�صدار �شه���ادات املطابقة‬ ‫ونظام الت�سجيل والنظ���ام ال�صحي ملزارع �إنتاج الألبان‪ ،‬ونظام الرقابة‬ ‫عل���ى ال���واردات(‪ .)6‬وكل ذلك بهدف دعم وت�شجي���ع ال�صناعات املحلية‬ ‫م���ن ناحي���ة‪ ،‬والو�صول �إىل م�ستوى مقارب ملا ه���و مُطبّق يف دول اخلليج‬ ‫م���ن ناحية ثانية‪ .‬وتُفيد املعلومات ب�أن ح���وايل ‪ 1500‬موا�صفة مينية من‬

‫�أ�سهمت عملية االن�ضمام اجلزئي يف تكثيف الزيارات‬ ‫املتبادلة بني امل�سئولني اليمنيني واخلليجيني على‬ ‫م�ستوى الوزراء ووكالء الوزارات و�أع�ضاء اللجان‬ ‫ب�صورة غري م�سبوقة‪ ،‬وق��د �أدى ذل��ك �إىل ك�سر‬ ‫احلواجز النف�سية‪ ،‬وتعزيز عوامل الثقة‬ ‫�أ�ص���ل ‪� 2500‬أ�صبحت مطابقة متام��� ًا للموا�صفات واملقايي�س املعمول بها‬ ‫يف دول جمل�س التعاون(‪.)7‬‬ ‫وق���د ترتب عل���ى ه���ذه الإج���راءات جمتمعة ت�سهي���ل حرك���ة ان�سياب‬ ‫ال�سل���ع واملنتج���ات ال�صناعي���ة والزراعي���ة ب�ي�ن اليم���ن ودول املجل����س‬ ‫ب�صورة مط���ردة‪ ،‬كما �ساهمت يف زيادة ق���درة ال�صناعات املحلية على‬ ‫جمابه���ة ال�سلع امل�ستوردة واحلد من تو�سعها يف ال�سوق اليمنية‪ ،‬وحماية‬ ‫امل�ستهل���ك واحلفاظ على البيئة‪ ،‬وتطوي���ر ال�صناعات املختلفة‪ ،‬وتعزيز‬ ‫القدرات التناف�سي���ة للمنتجات اليمنية واخلليجية يف الأ�سواق الداخلية‬ ‫واخلارجية‪.‬‬ ‫وفيما يخ�ص مكتب الريا�ضة‪ ،‬اقت�صرت ع�ضوية اليمن يف هذا املجال‬ ‫على امل�شارك���ة يف دورات ك�أ�س اخلليج لكرة القدم‪ ،‬وكانت �أول م�شاركة‬ ‫لليم���ن يف عام ‪ .2004‬وخ�ل�ال ال�سنوات املا�ضي���ة مت تبادل اخلربات يف‬ ‫جمال كرة القدم‪ ،‬وهناك مينيون يعملون حالي ًا يف الأجهزة الفنية لعدد‬ ‫من الأندية اخلليجية‪ .‬ومتثل بطولة «خليجي ‪ »20‬التي ت�ست�ضيفها اليمن‬ ‫نهاي���ة العام اجلاري ‪� ،2010‬أهم و�أبرز التطورات على هذا ال�صعيد‪� ،‬إذ‬ ‫�أنها املرة الأوىل التي تُنظِّ م فيها اليمن بطولة بهذا امل�ستوى‪.‬‬ ‫وبق���در ما �ساهم ان�ضم���ام اليمن �إىل دورة ك�أ����س اخلليج لكرة القدم‬ ‫يف حت�س�ي�ن وتطوير املن�ش����آت الريا�ضية اليمنية‪ ،‬بقدر م���ا �ساهم �أي�ض ًا‬ ‫يف تو�سي���ع جمهور البطول���ة وزيادة عدد املنتخب���ات املتناف�سة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫�إك�س���اب البطولة زخم��� ًا و�أهمي ًة �أكرب من ال�ساب���ق‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد عودة‬ ‫العراق للم�شاركة يف البطولة من جديد‪.‬‬ ‫�أم���ا ان�ضمام اليم���ن �إىل ع�ضوية مكتب الرتبية ل���دول اخلليج العربية‬ ‫‪42‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫فقد مت ب�ص���ورة �أ�سرع من بقية امل�ؤ�س�سات الأخ���رى‪ .‬فبعد مرور حوايل‬ ‫ثالث���ة �أ�شهر فقط من تاريخ انعقاد القم���ة الثانية والع�شرين لقادة دول‬ ‫اخللي���ج نهاية ع���ام ‪ ،2002‬عُ ينّ وزير الرتبية والتعلي���م اليمني ع�ضو ًا يف‬ ‫املكت���ب التنفي���ذي ملكتب الرتبية العرب���ي‪ ،‬كما عُ ينّ ممثل�ي�ن للوزارة يف‬ ‫اللجان واملراك���ز املتخ�ص�صة التابعة للمكت���ب‪ ،‬و�أبرزها مركز البحوث‬ ‫يف الكويت‪ ،‬ومركز التدريب يف قطر‪ .‬كما مت تنفيذ العديد من الأن�شطة‬ ‫امل�شرتك���ة مث���ل �إقام���ة املعار����ض العلمي���ة والتعليمية ل���وزارات الرتبية‬ ‫والتعلي���م يف ال���دول الأع�ض���اء‪ ،‬والتي تت�ضم���ن �أعمال و�إ�ص���دارات هذه‬ ‫ال���وزارات م���ن الكتب العلمي���ة والدوري���ات والن�ش���رات والإح�صائيات‪،‬‬ ‫واملناه���ج‪ ،‬والو�سائل التعليمية والإي�ضاحي���ة وبع�ض املبتكرات الطالبية‬ ‫بالتناوب بني الدول الأع�ضاء يف مكتب الرتبية العربي‪.‬‬ ‫وبهدف تعزيز الرواب���ط الثقافية واالجتماعية بني �شباب دول جمل�س‬ ‫التع���اون واليمن‪� ،‬أقي���م يف �شهر ني�سان‪�/‬أبري���ل ‪ 2007‬مهرجان ال�شباب‬ ‫اخلليج���ي الأول يف اململك���ة العربية ال�سعودية مب�شارك���ة ‪ 200‬طالب من‬ ‫املرحلة الثانوية من دول جمل�س التعاون اخلليجي واجلمهورية اليمنية‪،‬‬ ‫ونظمت خ�ل�ال �أيام املهرجان الثالثه �سل�سلة م���ن اللقاءات واحلوارات‬ ‫الثقافي���ة ولقاءات املهارات وامل�سابق���ات الثقافية والريا�ضية التي تركز‬ ‫عل���ى دور ال�شب���اب يف م�سرية البن���اء يف دول جمل�س التع���اون اخلليجي‬ ‫واليمن‪ .‬ومنذ منت�صف العام نف�سه‪ ،‬بد�أت وزارة الرتبية والتعليم اليمنية‬ ‫بتنفيذ م�شروع «مع ًا نتعلم» التابع للمركز العربي للتدريب الرتبوي لدول‬ ‫اخللي���ج واليمن‪ .‬ويهدف امل�ش���روع �إىل تطوير مه���ارات وقدرات معلمي‬ ‫املعه���د العايل لتدري���ب وت�أهيل املعلمني يف جم���ال تطبيقيات الكمبيوتر‬ ‫وتكنولوجي���ا املعلوم���ات‪ ،‬وكيفي���ة ا�ستخدام���ه يف العملي���ة التعليمي���ة‬ ‫والرتبوية‪.‬‬ ‫كم���ا قامت اليم���ن يف �إط���ار ان�ضمامها ملكت���ب الرتبية ل���دول اخلليج‬ ‫بت�شجيع البحث العلمي والتعاون الرتبوي والتثقيفي والتعليمي‪ ،‬وتنظيم‬ ‫تب���ادل الزيارات ب�ي�ن املخت�صني يف الرتبي���ة والثقافة والعل���وم‪ ،‬و�إقامة‬ ‫الندوات واللقاءات الرتبوية والعلمية والثقافية‪ ،‬وت�سهيل تبادل اخلربات‬ ‫والتجارب وتوحيد الدرجات العلمي���ة ومعادلتها‪ ،‬والبدء بتنفيذ م�شروع‬ ‫لتعزي���ز ثقاف���ة احل���وار لدى ط�ل�اب املدار����س يف دول اخللي���ج العربي‬ ‫واليمن‪ ،‬وتكري�س مفهوم تقبل الآخر(‪.)8‬‬ ‫ورغ���م كرثة م���ا يقال عن اجتاه اليم���ن ودول جمل�س التع���اون لتوحيد‬ ‫مناه���ج التعلي���م منذ عدد من ال�سن�ي�ن‪ ،‬ف�إن هذا مل يتحق���ق على �أر�ض‬ ‫الواق���ع حتى هذه اللحظة‪ ،‬با�ستثناء بع����ض التقارب فيما يخ�ص مناهج‬ ‫الريا�ضي���ات والعل���وم‪ ،‬و�إىل ح���دٍّ م���ا يف مناه���ج اللغة العربي���ة وبع�ض‬ ‫مفردات الرتبية الإ�سالمية‪.‬‬

‫الرتكيز على اجلزء املمتلئ من ك�أ�س «االن�ضمام‬ ‫لق���د �أدى ان�ضم���ام اليم���ن‬ ‫اجلزئ��ي»‬ ‫اجلزئ���ي �إىل ع�ضوي���ة جمل�س التعاون اخلليج���ي �إىل حتقيق العديد من‬ ‫الفوائد املتبادلة لليمن ودول املجل�س وعلى خمتلف امل�ستويات ال�سيا�سية‬

‫واالقت�صادية واالجتماعية وغريها‪ ،‬وذلك على النحو التايل‪:‬‬ ‫من الناحية ال�سيا�سية‪� :‬أ�سهمت عملية االن�ضمام اجلزئي يف تكثيف‬ ‫الزي���ارات املتبادلة ب�ي�ن امل�سئول�ي�ن اليمنيني واخلليجي�ي�ن على م�ستوى‬ ‫ال���وزراء ووكالء ال���وزارات و�أع�ضاء اللجان ب�صورة غ�ي�ر م�سبوقة‪ ،‬وقد‬ ‫�أدى ذل���ك �إىل ك�سر احلواج���ز النف�سية‪ ،‬وتعزيز عوام���ل الثقة‪ ،‬وتعميق‬ ‫ال�شع���ور باالنتم���اء لهوية جغرافية واح���دة‪ ،‬بل ودفع ق���ادة دول املجل�س‬ ‫للتفك�ي�ر جدي��� ًا يف ح�صول اليم���ن على الع�ضوي���ة الكامل���ة يف املجل�س‪،‬‬ ‫وبدا ذل���ك وا�ضح ًا يف مطلع عام ‪ 2008‬عندما �أعلن وقتها عبد الرحمن‬ ‫العطية الأمني العام ملجل�س التعاون اخلليجي �أن امللك عبد اهلل بن عبد‬ ‫العزي���ز ملك اململكة العربية ال�سعودية تقدّم مبقرتح خالل قمة الدوحة‬ ‫‪ 2007‬يق�ض���ي بت�سري���ع خطوات اندماج اقت�صاد اليم���ن يف اقت�صاديات‬ ‫دول اخلليج‪ ،‬و�أن املقرتح حظي بت�أييد القادة اخلليجيني‪.‬‬ ‫كم���ا �ساه���م االن�ضمام اجلزئ���ي يف تقريب وجهات النظ���ر بني اليمن‬ ‫ودول املجل����س �إزاء العديد من الق�ضايا الإقليمية والدولية وتعزيز ورفع‬ ‫م�ستوى التن�سيق بينهما يف املحافل العاملية والقارية‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪،‬‬ ‫دعم���ت دول اخلليج من جانبها مر�شّ ح اليمن حممد ربيع ملن�صب رئي�س‬ ‫جمل�س الوحدة االقت�صادية يف جامعة الدول العربية‪ ،‬ويف املقابل دعمت‬ ‫اليم���ن من جانبها مر�شح دول جمل����س التعاون غازي الق�صيبي لرئا�سة‬ ‫منظم���ة اليون�سك���و‪� ،‬إىل درج���ة �أن كل ط���رف �أ�صبح حري�ص��� ًا يف �ضوء‬ ‫التح���والت الت���ي �شهدتها العالق���ة منذ مطلع القرن اجل���اري على تبنّي‬ ‫�سيا�سات متوافقة مع الطرف الآخر �أو على الأقل غري متعار�ضة معه‪.‬‬ ‫كم���ا �أن التق���ارب ب�ي�ن اليم���ن ودول جمل����س التع���اون �ساه���م ب�ش���كل‬ ‫�إيجاب���ي يف احلد من حم���اوالت بع����ض الأطراف ا�ستغ�ل�ال اخلالفات‬ ‫بني اجلانبني وتوظيفها خلدمة م�صاحل���ه وحتقيق �أهدافه وطموحاته‪،‬‬ ‫و�ص���ار الطرف���ان يف هذه املرحل���ة‪ ،‬و�أكرث من �أي وق���ت م�ضى‪ ،‬يتفهمان‬ ‫هم���وم بع�ضهما البع�ض وكذا املخاطر والتحديات التي تواجه كل طرف‬ ‫عل���ى حدة �أو ب�صورة جماعية‪ .‬نلم�س ذلك من مواقف دول اخلليج جتاه‬ ‫جمري���ات الأح���داث يف ال�ساح���ة اليمنية خالل ال�سن���وات الأخرية‪ ،‬ويف‬ ‫املقدم���ة منها �أحداث التمرد يف حمافظ���ة �صعده‪ ،‬والنزعة االنف�صالية‬ ‫يف بع����ض املحافظات اجلنوبية‪� ،‬إذ عبرّ ت دول اخلليج بهذا ال�ش�أن‪ ،‬ويف‬ ‫�أك�ث�ر من منا�سبة‪ ،‬عن دعمها وت�أييدها لوحدة اليمن و�أمنه وا�ستقراره‪،‬‬ ‫كما زادت دول اخلليج من حجم م�ساعداتها لليمن بغر�ض امل�ساهمة يف‬ ‫حلحلة وجتاوز م�شكالته‪ ،‬ويف مقدمتها امل�شكلة االقت�صادية‪.‬‬ ‫يف املقابل‪� ،‬أبدى اليمن تفهم ًا ملطالب دول اخلليج ب�ش�أن ت�شديد الرقابة‬ ‫على ال�شريط احلدودي املال�صق لعمان واململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وزاد‬ ‫من حمالت���ه الرامية للحد من انت�شار الأ�سلح���ة بني املواطنني انطالق ًا‬ ‫م���ن م�صالح ذاتي���ة �أو ًال وكذل���ك مراعاة ملخ���اوف دول املجل����س والتي‬ ‫طالتها خماطر من مظاهر انت�شار ال�سالح يف اليمن‪.‬‬ ‫م�ضاف ًا �إىل ذلك‪ ،‬فقد �أف�ضى ان�ضمام اليمن اجلزئي �إىل فتح نقا�شات‬ ‫م�ستفي�ضة ح���ول �أهمية و�ضرورة ح�صول اليمن عل���ى الع�ضوية الكاملة‬

‫ب�ص���ورة مل تك���ن م�ألوفة يف ال�ساب���ق‪ .‬وال�شك �أن ه���ذه النقا�شات‪� ،‬سواء‬ ‫على امل�ستوى الر�سمي �أو على م�ستوى النخب واملثقفني‪ ،‬تخلق ر�أي ًا عام ًا‬ ‫م�ؤيّ���د ًا للتقارب بني اليمن ودول املجل�س عل���ى املدى القريب واملتو�سط‪،‬‬ ‫ب���ل و�ضاغط ًا على �صنّاع القرار لتحقيق املزيد من التقارب‪ ،‬باعتبار �أن‬ ‫الع�ضوي���ة اجلزئية لن تظ���ل �إىل ما ال نهاية‪ ،‬ويف املقاب���ل ف�إن الع�ضوية‬ ‫اجلزئية ت�ساهم و�إن ب�شكل غري مبا�شر يف ت�سريع وترية الإ�صالحات يف‬ ‫اليمن باعتبار ذلك مطلب ًا رئي�سي ًا لدول املجل�س‪.‬‬ ‫يف املقابل‪ ،‬ف�إن وجود اليمن داخل املجل�س ‪ -‬ولو جزئي ًا ‪ -‬بات يفر�ض‬ ‫عليه �إب���داء املزيد من احلر�ص على م�صالح و�أمن دول اخلليج العربي‪،‬‬ ‫باعتب���ار ذل���ك من البديهي���ات و�شرط ًا الزم��� ًا للح�صول عل���ى الع�ضوية‬

‫رغ��م ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س وزراء ال�ش�ؤون‬ ‫االجتماعية والعمل ومطالبها املتكررة بت�سهيل‬ ‫فر�ص دخول مواطنيها ل�سوق العمل يف دول جمل�س‬ ‫التعاون‪ ،‬ف�إن النتائج املحققة يف هذا اجلانب تبدو‬ ‫�أقل من متوا�ضعة‬ ‫الكامل���ة �إذا م���ا كان يطمح فع�ل�اً يف الو�ص���ول �إليه���ا‪ ،‬ويف نف�س الوقت‬ ‫�أ�صبح���ت دول اخلليج مطالبة هي الأخرى بتبنّ���ي �سيا�سات ت�ؤكد ح�سن‬ ‫نواياه���ا وجديتها يف �ضم اليمن �إىل املجل����س‪ ،‬بحكم �أن الغاية النهائية‬ ‫من وراء قيام التكتالت �أي ًا كان نوعها �أو طبيعة عملها هو احلفاظ على‬ ‫م�صالح �أع�ضائها و�أمنهم‪.‬‬ ‫عالوة على �أن التع���اون يف بع�ض املجاالت من �ش�أنه �أن يجعل ان�ضمام‬ ‫اليم���ن �إىل جمل����س التع���اون يف امل�ستقبل �أكرث �سهول���ة‪ ،‬ال�سيما يف �ضوء‬ ‫�شيوع ظاهرة التكت�ل�ات الدولية والإقليمية باعتباره���ا �أهم ال�ضمانات‬ ‫ملواجهة التحديات الناجمة عن العوملة(‪.)9‬‬ ‫م��ن الناحية االقت�صادية‪ :‬ال �ش���ك �أن العالقة عند هذا امل�ستوى‬ ‫كان لها مردودات ايجابية بغ�ض النظر عن حجم و�أهمية هذه املردودات‪.‬‬ ‫فم���ن جان���ب‪ ،‬ال �ش���ك �أن ا�ست�ضافة اليم���ن خلليج���ي ‪� 20‬سيرتتب عليه‬ ‫قدوم �آالف اخلليجيني �إىل اليم���ن كالعبني وطواقم �إدارية وم�شجعني‪،‬‬ ‫بالإ�ضاف���ة �إىل مئ���ات ال�صحفيني الذي���ن �سيتوافدون لتغطي���ة البطولة‬ ‫وه�ؤالء جميعا �سينفقون بكل ت�أكيد خالل فرتة وجودهم ع�شرات الآالف‬ ‫م���ن الدوالرات‪ ،‬كما ي�شكل احلدث بحد ذات���ه فر�صة للرتويج ال�سياحي‬ ‫وتعريف �شعوب دول اخلليج وغريهم من �شعوب العامل بامل�آثر ال�سياحية‬ ‫يف الب�ل�اد‪ ،‬وبالت���ايل �إمكانية زيادة �أعداد ال�سي���اح القادمني �إيل اليمن‬ ‫م�ستقبالً‪ ،‬وزيادة موارد االقت�صاد الوطني من الن�شاط ال�سياحي‪.‬‬ ‫ضال عن ذلك‪ ،‬ف�إن م�شاركة اليمن يف دورة ك�أ�س اخلليج لكرة القدم‬ ‫ف� ً‬ ‫�أ�سه���م‪ ،‬و�إن ب�شكل حمدود ن�سبي���اً‪ ،‬يف �إيجاد بع�ض فر�ص العمل لل�شباب‬ ‫اليمن���ي يف عدد م���ن الأندي���ة اخلليجية كفني�ي�ن وك�إداري�ي�ن وعمّال يف‬ ‫املن�ش����آت الريا�ضية اجلديدة الت���ي مت �إقامتها م�ؤخر ًا يف اليمن يف �إطار‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪43‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫اال�ستعداد لبطولة خليجي ‪.20‬‬ ‫لدول اخللي���ج العربية‪ ،‬به���دف التعريف‬ ‫ومن جانب �آخ���ر‪� ،‬أدت الإجراءات التق��ارب ب�ين اليم��ن ودول جمل�س التع��اون �ساهم باملزايا والإمكان���ات اال�ستثمارية املتاحة‬ ‫الرامي���ة �إىل توحي���د املوا�صف���ات ب�شكل �إيجابي يف احلد من حماوالت بع�ض الأطراف يف اليم���ن‪ .‬كم���ا يتب���دى ذلك م���ن تزايد‬ ‫واملقايي�س بني اليمن ودول املجل�س �إىل ا�ستغالل اخلالفات بني اجلانبني وتوظيفها خلدمة حجم اال�ستثم���ارات اخلليجية يف اليمن‪،‬‬ ‫م�ضاعف���ة حجم املب���ادالت التجارية م�صاحل��ه وحتقي��ق �أهداف��ه وطموحات��ه‪ ،‬و�ص��ار وزي���ادة حجم الدعم واملن���ح املقدمة من‬ ‫بني الطرفني ع�شرات الأ�ضعاف‪ ،‬و�إن الطرفان يف هذه املرحلة‪ ،‬و�أكرث من �أي وقت م�ضى‪ ،‬دول اخللي���ج‪� ،‬س���واء ع�ب�ر ال�شراك���ة م���ع‬ ‫يتفهمان هموم بع�ضهما البع�ض‬ ‫الأطراف الدولية كما هو احلال يف م�ؤمتر‬ ‫كانت ال���دول اخلليجية هي امل�ستفيد‬ ‫لندن عام ‪� ،2006‬أو على امل�ستوى الثنائي‪.‬‬ ‫الأكرب بهذا اخل�صو�ص‪ .‬كما �ساهمت‬ ‫يف حت�س�ي�ن ج���ودة املنتج���ات اليمنية وزي���ادة قدراته���ا التناف�سية �أمام ناهيك ع���ن �أن توحيد املوا�صف���ات واملقايي�س بني اليم���ن ودول املجل�س‬ ‫ال�صناع���ات اخلارجية‪ ،‬وزي���ادة فر�ص ت�صديره���ا �إىل اخلارج‪ ،‬واحلد ي�ساهم عل���ى املدى القريب واملتو�سط يف دفع م�سرية الدول العربية �إىل‬ ‫ن�سبي��� ًا من عمليات تهريب ال�سلع والب�ضائع‪ ،‬لأن توحيد املقايي�س يقارب بناء منظمة التجارة احلرة العربية الكربى‪.‬‬ ‫وفوق هذا وذاك‪ ،‬ف�إن ان�ضمام اليمن‪ ،‬ولو جزئياً‪� ،‬إىل جمل�س التعاون‬ ‫الأ�سعار وبالتايل ي�صبح تهريب الب�ضائع ن�شاط ًا ال عائد منه‪.‬‬ ‫كذلك ال يخفى �أن التعاون بني اليمن ودول املجل�س يف املجال ال�صحي‪ ،‬اخلليج���ي �ضاع���ف من حج���م ال�س���وق املتاحة �أم���ام املنتج���ات وال�سلع‬ ‫ومواجه���ة الأمرا�ض الوبائية مثل �إنفلون���زا اخلنازير واملالريا‪ ،‬قلل من اخلليجي���ة‪ ،‬و�سيزي���د كذل���ك من م�ساح���ة الرقع���ة املتاح���ة لال�ستثمار‬ ‫حج���م اخل�سائر التي كان ميكن �أن تتكبدها دول اخلليج واليمن يف حال اخلليج���ي يف اليمن‪ ،‬واال�ستفادة م���ن اليد العاملة(‪ ،)11‬ويف نف�س الوقت‬ ‫ضال عن �أن حت�سني م�ستوى ت�سريع وترية الإ�صالحات يف اليمن يف البني التحتية‪ ،‬والإدارة‪ ،‬والنظام‬ ‫لو تف�شّ ت تلك الأمرا�ض على نطاق وا�سع‪ ،‬ف� ً‬ ‫اخلدم���ات ال�صحية من �ش�أنه يف امل�ستقب���ل �أن يقلل من عدد امل�سافرين الق�ضائي‪ ،‬وقوانني اال�ستثمار‪ ،‬والأمن العام‪ ،‬ومكافحة الف�ساد‪ ،‬وكذلك‬ ‫�إىل اخل���ارج بغر����ض الع�ل�اج‪ ،‬ومن ث���مّ �سي����ؤدي �إىل توف�ي�ر املزيد من �إىل تق���ارب توجه���ات ال�سيا�س���ات اخلارجية للطرف�ي�ن وبالأخ�ص على‬ ‫امل�ستوى الإقليمي‪.‬‬ ‫العمالت الأجنبية‪ ،‬وت�شغيل �أعداد كبرية يف قطاع ال�صحة‪.‬‬ ‫كم���ا �أن ان�ضمام اليمن �إىل جمل����س وزراء ال�ش�ؤون االجتماعية والعمل‬ ‫واىل جان���ب م���ا �سبق‪ ،‬ف����إن ان�ضمام اليم���ن اجلزئي �ساه���م يف زياد‬ ‫اهتمام القطاع اخلا�ص اخلليجي بال�سوق اليمنية والن�شاط اال�ستثماري مثّ���ل حافز ًا لليمن لإع���ادة ت�أهيل وتدريب العمال���ة اليمنية‪ ،‬والتو�سّ ع يف‬ ‫يف اليم���ن بحكم ارتفاع ن�سب���ة التوقعات بح�صول اليم���ن على الع�ضوية �إن�ش���اء املعاهد الفنية والتقني���ة‪ ،‬ومبا يتنا�سب ومتطلبات �سوق العمل يف‬ ‫الكامل���ة‪ .‬فعلى �سبي���ل املثال‪ ،‬و�صل �إىل �صنعاء بعد ح���وايل ثالثة �أ�شهر دول اخللي���ج‪ ،‬الأم���ر الذي من �شانه �أن يحد م���ن ن�سبة الفقر والبطالة‪،‬‬ ‫من قبول اليمن ع�ضو ًا يف عدد من امل�ؤ�س�سات التابعة للمجل�س‪ ،‬وحتديد ًا وبالت���ايل �إىل حتقيق املزيد من اال�ستقرار‪ ،‬وهو ما �سوف ينعك�س �إيجاب ًا‬ ‫يف ني�سان‪�/‬أبري���ل ‪ 2002‬وفد ي�ضم عدد ًا م���ن رجال الأعمال اخلليجيني يف نهاية املطاف على دول اخلليج‪ ،‬لأن ت�سهيل دخول العمالة اليمنية من‬ ‫ملناق�ش���ة التع���اون االقت�ص���ادي ب�ي�ن دول اخللي���ج واليم���ن(‪ .)10‬وخالل �ش�أنه احل ّد من االخت�ل�االت الأمنية‪ ،‬وحرمان اجلماعات الإرهابية من‬ ‫الف�ت�رة م���ن ‪ 23 - 22‬ني�سان‪�/‬أبري���ل عق���د م�ؤمت���ر ا�ستك�ش���اف الفر�ص الق���درة على �ضمّ عنا�صر جديدة �إىل �صفوفها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل احلد من‬ ‫اال�ستثماري���ة يف �صنع���اء برعاية الأمان���ة العامة لدول جمل����س التعاون تدفق املهاجرين غري ال�شرعيني �إىل ال�سعودية ودول اخلليج‪.‬‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة �أوراق بحثية‬

‫الهوامــ�ش‬ ‫(‪ )1‬انظر ن�ص اتفاقية املوقعة بني اجلمهورية اليمنية‬ ‫وجمل����س التعاون ل���دول اخللي���ج العربي���ة‪ ،‬اخلا�صة‬ ‫بان�ضم���ام اليم���ن �إىل ع�ضوي���ة ع���دد م���ن م�ؤ�س�سات‬ ‫املجل�س‪ ،‬واملوقعة يف �صنعاء بتاريخ ‪ 16‬ت�شرين الأول‪/‬‬ ‫�أكتوبر ‪.2002‬‬ ‫(‪ )2‬جمل���ة �صح���ة اخللي���ج‪ ،‬الع���دد ‪ ،100‬متوز‪/‬يوليو‬ ‫‪� ،2009‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ )3‬مقابل���ة �شخ�صي���ة �أجراه���ا الباح���ث م���ع �أحمد‬ ‫على النعماين‪ ،‬ع�ضو الهيئ���ة التنفيذية ملجل�س وزراء‬ ‫ال�صحة لدول جمل�س التعاون‪ ،‬يوم ‪� 16‬شباط‪/‬فرباير‬ ‫‪.2010‬‬ ‫(‪ )4‬مقابل���ة �أجراه���ا الباح���ث مع عل���ي �صالح عباد‪،‬‬ ‫‪44‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫م�ست�ش���ار وزارة ال�ش����ؤون االجتماعي���ة والعم���ل‪،‬‬ ‫�شباط‪/‬فرباير ‪.2010‬‬ ‫(‪ )5‬املرجع ال�سابق نف�سه‪.‬‬ ‫(‪� )6‬أحمد �أحمد الب�شة‪« ،‬املوا�صفات والأنظمة الفنية»‪،‬‬ ‫جملة املوا�صفات واملقايي�س‪ ،‬العدد ‪ ،14‬ت�شرين الأول‪/‬‬ ‫�أكتوبر ‪.2009‬‬ ‫(‪ )7‬مقابل���ة �أجراه���ا الباح���ث مع يا�س�ي�ن احلرازي‪،‬‬ ‫مدير �إدارة املوا�صفات بالهيئ���ة اليمنية للموا�صفات‬ ‫واملقايي�س و�ضبط اجلودة‪ ،‬بتاريخ ‪� 15‬شباط‪/‬فرباير‬ ‫‪.2010‬‬ ‫(‪ )8‬نبي���ل الأ�سي���دي‪« ،‬اليمن ا�ستف���ادت من وجودها‬ ‫�ضم���ن مكت���ب الرتبية مبجل����س التع���اون اخلليجي»‪،‬‬ ‫‪17‬‬

‫�صحيفة ع���كاظ ال�سعودية‪ 2 ،‬كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب‬ ‫‪.2006‬‬ ‫(‪ )9‬اليم���ن واخلليج‪ :‬الأبع���اد ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫والثقافية والأمنية الن�ضم���ام اجلمهورية اليمنية �إىل‬ ‫جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية (�صنعاء‪ :‬املركز‬ ‫اليمني للدرا�سات الإ�سرتاتيجية �صنعاء‪.)2002 ،‬‬ ‫(‪ )10‬عب���ده حم���ود ال�شري���ف‪ ،‬العالق���ات ب�ي�ن دول‬ ‫جمل�س التعاون اخلليجي واليمن (دبي‪ :‬مركز اخلليج‬ ‫للأبحاث‪� ,)2004 ,‬ص‪.89‬‬ ‫(‪ )11‬عمار بن عزيز‪« ،‬هل ي�شكّل ك�أ�س اخلليج الريا�ضي‬ ‫مع�ب�ر ًا �إىل جمل�س التع���اون ال�سيا�س���ي؟»‪ ،‬موقع �شبكة‬ ‫‪ CNN‬الإخبارية‪ 21 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2007‬‬

‫امل�شكلة الإثنية و�أثرها يف قوة الدولة‬

‫مقاربة نظرية عامة‬ ‫حممد �سيف حيدر و علي عبداهلل ج�سار‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪45‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫همة �إنقاذ‬ ‫ُم ّ‬

‫نحو ا�سرتاتيجية خليجية موحدة‬ ‫جتاه اليمن وم�شكالته‬ ‫م���ا بني حتديات �سيا�سية داخلية و�أخ���رى �إقليمية يواجه اليمن حالي ًا �أزمة داخلية متع���ددة الأبعاد يذكيها �صراع امل�صالح‬ ‫وتناق����ض الأه���داف وال�سيطرة القبلية على البنية ال�سيا�سية واالقت�صادية؛ فثمة “�أزم���ة” باتت بالفعل تهدد وحدة الدولة‬ ‫واملجتم���ع‪ ،‬ت�شكلت �أبعادها من “حراك جنوبي” ازدادت مطالبه يف االنف�صال على خلفية انعدام الثقة وت�ضارب امل�صالح‬ ‫واتهام���ات با�ستئثار ال�شم���ال دون اجلنوب بعوائد اقت�صادية كب�ي�رة‪ ،‬ومترد ًا �شيعي ًا تتزعمه جماع���ة احلوثيني يف ال�شمال‬ ‫املدعومة بقوى �إقليمية هدفها تهديد ا�ستقرار اليمن ودول اخلليج على حد �سواء‪ ،‬وذلك عرب ال�ضغط على ال�سعودية حيث‬ ‫ميث���ل اليمن عمق��� ًا ا�سرتاتيجي ًا مهما بالن�سبة لها‪ ،‬وما ب�ي�ن مواجهة مطالب احلراك اجلنوب���ي‪ ،‬ومواجهة خماوف اندالع‬ ‫مواجه���ة �سابع���ة بني قوات احلكومة وجماع���ة التمرد احلوثي يف ال�شمال‪ ،‬يعيد تنظيم القاع���دة �ضرباته الإرهابية حماو ًال‬ ‫اتخاذ اليمن منطلق ًا لن�شاطاته وقاعدة �إقليمية حمتملة ورمبا �أكيدة لعملياته جتاه منطقة اخلليج العربى برمتها‪.‬‬ ‫�صافيناز حممد �أحمد‬

‫‪safiny2020@yahoo.com‬‬

‫يف هذا‬ ‫احلراك اجلنوبي وم�ستقبل الوحدة‬ ‫الإطار القامت للم�شهد ال�سيا�سي اليمني باتت ق�ضية الوحدة واال�ستقرار‬ ‫تواج����ه اختبار ًا �شديد ال�صعوبة؛ فمطال����ب االنف�صال تطفو على �سطح‬ ‫الأح����داث من �آن لآخر من����ذ �آذار‪/‬مار�س ‪ 2006‬وحت����ى الآن‪ ،‬بل و�ألقت‬ ‫بالعديد م����ن التبعات والتداعي����ات على طبيعة الوح����دة اليمنية فظهر‬ ‫م����ا ي�سمى باحلراك اجلنوبي يف العدي����د من املدن اجلنوبية و�ضم قوى‬ ‫�سيا�سية خمتلفة التوجهات من ا�شرتاكيني قدامى و�إ�سالميني‪ .‬وبقراءة‬ ‫تط����ورات الأحداث يف اجلنوب‪ ،‬جند �أن ثم����ة العديد من الأ�سباب التى‬ ‫قد تبدو مو�ضوعية �إىل حد ما ويربر بها االنف�صاليون حراكهم‪ ،‬وت�صب‬ ‫جممله����ا يف ف�شل الوحدة على كاف����ة امل�ستويات االقت�صادية وال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعي����ة يف حتقيق طموح����ات اجلنوب؛ فاقت�صادي����اً‪ ،‬ورغم ثراء‬ ‫اجلن����وب بالنفط واملوارد الطبيعي����ة �إال �أنه ما زال يعاين تراجع ًا تنموي ًا‬ ‫�شدي����داً‪ .‬و�سيا�سياً‪ ،‬هناك فجوة بني ال�سلط����ة يف �صنعاء وبني ا�ستيعاب‬ ‫الق����وى ال�سيا�سية يف اجلنوب وجذبه����ا �إىل املركز و�إغرائها باالنخراط‬ ‫يف العملية ال�سيا�سية‪ ،‬ازدادت هذه الفجوة ات�ساع ًا بفعل التهمي�ش الذي‬ ‫‪46‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ط����ال بع�ض اجلنوبيني و�إبعاده����م من الوظائف ال�سيا�سي����ة والع�سكرية‬ ‫املهم����ة ك�أحد تداعيات احلركة االنف�صالي����ة يف عام ‪ .1994‬واجتماعياً‪،‬‬ ‫يع����د عجز م�ؤ�س�س����ات الدولة عن تذوي����ب الأن�س����اق االجتماعية القبلية‬ ‫املتباينة و�صهرها يف بوتقة مركزية واحدة �أبرز �أوجه الف�شل االجتماعي‪،‬‬ ‫مما �أدى �إىل ازدياد االنتماءات القبلية على ح�ساب االنتماءات القومية‬ ‫نتيجة لغياب دور قوي وفعال لتلك امل�ؤ�س�سات‪.‬‬

‫التمرد احلوثي وتهديد ال�سعودية‬

‫وت�أتي‬

‫الأزم����ة يف �صع����دة بني ال�سلطة واحلوثيني‪ ،‬والتى ب����د�أت منذ عام ‪2004‬‬

‫لتدخل جولتها ال�ساد�سة بني الطرفني يف �أواخر العام املا�ضى (‪،)2009‬‬ ‫وانه����ارت بذل����ك الو�ساطة القطري����ة التى جنحت يف وق����ف املواجهات‬ ‫امل�سلح����ة بني اجلانب��ي�ن يف مطلع ع����ام ‪ ،2008‬ثم انه����ارت بعدها حالة‬ ‫التهدئة التى �سادت العالق����ة بني الطرفني خالل الربع الأول من العام‬ ‫اجلاري لتبد�أ جولة جديدة من املناو�شات والتوترات تنذر بحرب �سابعة‪،‬‬ ‫ه����ذه الأزمة �شكلت حتدي ًا �آخر ال يقل خطورة عن حتدي االنف�صال‪ ،‬بل‬ ‫�صافيناز حممد �أحمد باحثة يف ال�ش�ؤون العربية‪ ،‬م�صر‪.‬‬

‫�إن البع�ض يرونه الأكرث خطورة لأ�سباب عدة منها‪:‬‬ ‫�أوالً‪� :‬أن ق�ضي����ة اجلنوب وا�ضحة وتتمثل يف دع����اوي االنف�صال‪� ،‬أما‬ ‫التم����رد احلوث����ي فحتى الآن غري حم����دد الأه����داف‪� ،‬إذ تتهم احلكومة‬ ‫احلوثي��ي�ن بالعمل على �إع����ادة النظام الإمامي الق����دمي وت�أ�سي�س �إمامة‬ ‫�إ�سالمي����ة وفق ًا للمذهب الزي����دي ال�شيعي‪ ،‬بينما يعل����ن احلوثيون �أنهم‬ ‫يدافعون عن وجودهم �ضد حماوالت النظام طم�س مذهبهم‪.‬‬

‫يف مواجه����ة �أك��ث�ر فعالي����ة للعنا�صر املتم����ردة من احلوثي��ي�ن‪ ،‬وتتخوف‬ ‫الريا�ض م����ن حتول اليمن يف ظل عدم ا�ستق����راره و�صراعاته الداخلية‬ ‫الآنية لنقطة انطالق لن�شاط تنظيم القاعدة بهدف تقوي�ض اال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�سي بها‪.‬‬ ‫بينم����ا �إي����ران ال�شيعية املذه����ب‪ ،‬التى �أعلن����ت ر�سمي ًا ع����ن قلقها �إزاء‬ ‫�أو�ضاع ال�شيعة يف اليمن‪ ،‬تدعم بدورها احلوثيني‪� ،‬إذ ترى فيهم امتداد ًا‬ ‫مذهبي���� ًا له����ا يف منطق����ة حيوية قريبة م����ن دول اخللي����ج ذات الأقليات‬ ‫ال�شيعية من ناحية‪ ،‬وذات موقع حيوي يتحكم يف املدخل اجلنوبي للبحر‬ ‫الأحم����ر عن����د باب املن����دب من ناحية ثاني����ة‪ .‬املوقف الإي����راين الداعم‬ ‫للحوثي��ي�ن بذل����ك ال ي�سته����دف النظام اليمن����ي فقط‪ ،‬و�إمن����ا ي�ستهدف‬ ‫بالأ�سا�����س النظام ال�سعودي نف�سه فه����و العائق احلقيقي �أمام االخرتاق‬ ‫الإي����راين لدول اخللي����ج الذى مل يفلح ‪ -‬مبحاوالت����ه املتعددة من خالل‬ ‫ا�سراتيجي����ات التعاون االقت�صادى املختلف����ة مع عدد من دول اخلليج ‪-‬‬ ‫يف ف����ك االرتباط بني تلك ال����دول‪ ،‬ومن ثمّ جل�أت طه����ران �إىل احلدود‬ ‫اجلنوبي����ة التى تع����اين من الفقر والتوت����ر وتتوافر فيه����ا والءات �شيعية‬ ‫ميكنها ا�ستخدامها يف ت�صدي����ر اال�ضطرابات للريا�ض ومنها �إىل بقية‬ ‫العوا�صم اخلليجية الأخرى‪.‬‬

‫ثاني��اً‪ :‬تدخ����ل العدي����د من الق����وى الإقليمي����ة يف حلب����ة ال�صراع بني‬ ‫ال�سلط����ة اليمنية واحلوثي��ي�ن‪ ،‬خا�صة ال�سعودية و�إي����ران‪ ،‬وحماوالت كل‬ ‫منهم����ا موازنة نفوذ الآخر يف امل�شه����د ال�سيا�سي اليمني‪ ،‬ب�صورة ميكن‬ ‫الق����ول معه����ا �أن اليمن ب����ات �ساحة مواجه����ة �سعودي����ة ‪� -‬إيرانية يلعب‬ ‫اال�ستقط����اب الديني املذهبي وعائد امل�صالح الإقليمي����ة �أدوار ًا رئي�سية‬ ‫في����ه؛ فال�سعودية ال�سنية املذه����ب ترى دائم ًا يف اليم����ن امتدادا لأمنها‬ ‫القوم����ي‪ ،‬وه����ي ال تتوانى عن تق����دمي الدعم امل����ايل والع�سكري املمزوج‬ ‫ب�ضغ����وط ناعم����ة على احلكوم����ة اليمني����ة ملواجهة احلوثي��ي�ن‪ ،‬وبدورها‬ ‫وجدت احلكومة يف التحالفات اخلارجية و�سيلة قد ت�ساعده يف مواجهة‬ ‫التم����رد احلوثي بعد قراءة جيدة للو�ض����ع الداخلي والذي لن ي�ساعدها‬ ‫يف مواجهة هذا التمرد؛ حيث انهارت التحالفات ال�سيا�سية مع احلزب ثالث��اً‪ :‬غالب���� ًا م����ا يتطابق مت����رد احلوثي��ي�ن يف ال�شم����ال ‪ -‬من حيث‬ ‫اال�شرتاك����ي �شريك الوحدة‪ ،‬وم����ن ثم كان الدع����م اخلارجي ال�سعودي التوقي����ت ‪ -‬مع النزع����ات االنف�صالية يف اجلن����وب؛ فانف�صال اجلنوب‬ ‫ب�شقي����ه املايل والع�سكري مبثابة ترجي����ح لكفة النظام ال�سيا�سي اليمني يع����د رغبة حوثية �أي�ض ًا �أعلنوا عنها م����رات عديدة‪ ،‬ومبعث هذا الت�أييد‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪47‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫ه����و قناع����ة املتمردي����ن احلوثيني بع����دم ا�ستطاعتهم ‪ -‬ح����ال حتقيقهم للحراك اجلنوبي امل�ؤي����د لالنف�صال عن ال�شمال ليكون باعث ًا ملزيد من‬ ‫جناحات على �أر�ض الواقع خ��ل�ال مواجهتهم لل�سلطة ‪ -‬ال�سيطرة على القل����ق اخلليج����ي العربي على م�ستقب����ل اليمن الذي ت����كاد تتوحد �ضده‬ ‫دولة مينية �سنية موحدة‪.‬‬ ‫مطام����ح دع����اوي االنف�ص����ال والتمرد احلوث����ي وتنظيم القاع����دة لنزع‬ ‫ا�ستقراره وتفتيته‪.‬‬ ‫�أما‬ ‫تنظي��م القاع��دة و�ضرب��ات مقلق��ة‬ ‫التحدى الثالث الذى يتنازع اليمن فهو مواجهة عنا�صر تنظيم القاعدة‪ ،‬اتفاق ‪ 17‬متوز‪/‬يوليو بني املعار�ضة وال�سلطة‬ ‫حيث يثري تنظيم القاعدة يف اليمن هواج�س �أمنية مينية وخليجية على وي�أتي االتفاق بني النظ����ام احلاكم وبني املعار�ضة فيما يعرف باتفاق‬ ‫حد �سواء‪ .‬وكان التنظيم م�سئو ًال عن العديد من الأحداث التي �شهدتها ‪ 17‬متوز‪/‬يوليو ‪ 2010‬لي�شكل حتدي ًا رابع ًا يزيد من حدة تفاقم واحتقان‬ ‫اليم����ن بدء ًا من ع����ام ‪ 2000‬بحادث����ة املدمرة الأمريكية «ك����ول»‪ ،‬مرور ًا الأو�ضاع ال�سيا�سية يف اليم����ن‪ ،‬فثمة �آراء ترى �أن االتفاق جاء ا�ستجابة‬ ‫با�سته����داف ال�سفارة الأمريكي����ة ب�صنعاء واختط����اف الأجانب و�إعالن ل�ضغ����وط خارجي����ة مار�سته����ا القوى الدولي����ة وبع�ض دول اجل����وار على‬ ‫امل�سئولية عن حماولة اغتيال م�ساعد وزير الداخلية ال�سعودي حممد بن ال�سلط����ة م����ن �أج����ل ر�أب ال�صدع بينها وب��ي�ن املعار�ض����ة‪ ،‬وذلك خمافة‬ ‫نايف يف الريا�ض �أواخر العام املا�ضي‪ ،‬ونهاية مبعاودة التنظيم ن�شاطه م����ن انهيار النظام احلاكم �أمام �سط����وة امل�شكالت التى تواجهه‪ ،‬والتى‬ ‫مرة �أخرى على ال�ساحة اليمنية‪ ،‬بامتدادات �إقليمية ودولية دفعت معها تزيد من تردي الأو�ضاع الداخلية‪ ،‬خا�صة و�أن كل من الواليات املتحدة‬ ‫الدول الغربية �إىل تركيز �أنظارها على اليمن‪ ،‬ودفعت الواليات املتحدة وبريطانب����ا يرغب����ان يف احلف����اظ على النظ����ام ال�سيا�س����ي القائم حتى‬ ‫�إىل م�ضاعفة م�ساعدتها ل�صنع����اء لت�صل �إىل ‪ 300‬مليون دوالر ملحاربة م����ع ت�آكل �شرعيت����ه ال�سيا�سية وتراجع عملية الإ�ص��ل�اح ال�سيا�سي وتعرث‬ ‫التنظيم‪.‬‬ ‫العملية الدميقراطية‪ ،‬وذلك ع��ب�ر ت�شجيعه على امل�ضي قدم ًا يف عملية‬ ‫بال �شك هن����اك خماوف عديدة من حتول اليم����ن �إىل قاعدة جديدة امل�صاحلة الوطنية مع قوى املعار�ضة وتو�سيع قاعدة امل�شاركة ال�سيا�سية‬ ‫للتنظي����م يف اجلزي����رة العربية‪ ،‬ملا ميثله من تهدي����د فعلى لأمن اخلليج �أمام الق����وى احلزبية واملواطنني و�إعطاء دور �أك��ب�ر للربملان يف احلياة‬ ‫برمت����ه‪ ،‬وللإم����دادات النفطي����ة للخ����ارج‪ ،‬وا�ستغ��ل�ال ل�سواح����ل اليمن ال�سيا�سي����ة‪ ،‬والعمل يف الوقت نف�سه على انق����اذ اليمن من خطر تهديد‬ ‫املفتوحة عل����ى البحار واملحيطات‪ ،‬ومن ثمّ ج����اء ت�أييد تنظيم القاعدة تنظي����م القاعدة ال����ذى �سيزداد ح����دة �إذا مل ي�ضطل����ع املجتمع الدوىل‬

‫تو�سيع رقعة االنتماء‬

‫دواعي ان�ضمام اليمن والعراق ملجل�س التعاون اخلليجي‬ ‫�أثري ناظم عبدالواحد‬

‫‪al_jassour_8@yahoo.com‬‬

‫بين���ت منطلق���ات ديباج���ة النظ���ام الأ�سا�س���ي‬ ‫ملجل����س التعاون اخلليجي الذي ت�أ�س�س يف اخلام�س‬ ‫والع�شرين م���ن �أيار‪/‬مايو عام ‪ ،1981‬الأ�س�س التي‬ ‫يقوم عليه���ا هذا النظام الإقليمي‪ ،‬وما يربط دوله‬ ‫ال�س���ت م���ن عالق���ات خا�ص���ة و�سم���ات م�شرتكة‪،‬‬ ‫ومت�سكه���ا بامل�ص�ي�ر الواح���د‪ ،‬ووح���دة اله���دف‪،‬‬ ‫وبالت���ايل فهو ميث���ل �صيغة تعاوني���ة هدفها حتقيق‬ ‫التن�سي���ق والتكام���ل والرتاب���ط بني ه���ذه الدول يف‬ ‫جمي���ع امليادين و�صو ًال �إىل وحدته���ا التي توثّق من‬ ‫خالل الروابط التي جتمع الأطراف املتمثلة بوحدة‬ ‫اللغة والدين والقومية‪.‬‬ ‫ومب���ا �أنه يعت�ب�ر نظام��� ًا فرعي��� ًا �ضم���ن النظام‬ ‫‪48‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫الإقليم���ي العرب���ي‪� ,‬إال �أنه �أتيحت ل���ه الفر�صة لأن‬ ‫يك���ون العب��� ًا �أ�سا�سي ًا وممتل���ك ًا قدرة كب�ي�رة على‬ ‫الت�أث�ي�ر يف تفاع�ل�ات هذا النظام عل���ى امل�ستويني‬ ‫الإقليمي وال���دويل‪ ،‬ب�سبب ما ميتلك���ه من عنا�صر‬ ‫الق���وة املادي���ة والت���ي عو�ض���ت ع���ن كل م���ا يعانيه‬ ‫م���ن �ضع���ف يف املج���االت الأخرى‪ ،‬حت���ى �أن بع�ض‬ ‫دول���ه لعب���ت دور ًا �سيا�سي ًا ودبلوما�سي��� ًا مرموق ًا يف‬ ‫ح���ل وت�سوية الأزم���ات وال�صراع���ات التي �شهدتها‬ ‫املنطق���ة يف ال�سنوات الأخرية‪ ،‬ال بل �إن ق�سم ًا منها‬ ‫�أدى �أدوار ًا �سيا�سي���ة مهمة نيابة عن القوى الكربى‬ ‫الت���ي غ���دت مواقفها غ�ي�ر مقبولة عن���د الأطراف‬ ‫�أثري ناظم عبدالواحد باحث بوحدة بحوث كلية القانون‪،‬‬ ‫املت�صارعة‪.‬‬ ‫اجلامعة امل�ستن�صرية – العراق‪.‬‬

‫وم���ن هن���ا‪ ،‬ف����إن احلديث ع���ن ان�ضم���ام اليمن‬ ‫والعراق �إىل هذا النظام اخلليجي ما هو �إال تدعيم‬ ‫للق���وة املمتلكة‪ ،‬من حيث تو�سيع الرقعة اجلغرافية‬ ‫وزي���ادة للكثافة ال�سكانية‪� ,‬إ�ضافة �إىل ك�سب موارد‬ ‫�إ�ضافية على املوارد املتاح���ة‪� ،‬سعي ًا لتحقيق الأمن‬ ‫وال�سلم االجتماعي يف �شبه اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫وقب���ل تفعي���ل الت�ص���ورات الداعي���ة �إىل تقوي���ة‬ ‫االقت�ص���اد اخلليجي‪� ,‬أو تدعيم احلي���اة ال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعي���ة اخلليجي���ة‪ ،‬مب���ا يحق���ق اال�ستق���رار‬ ‫ال�سيا�سي للنظ���م ال�سيا�سية عرب م�شاركة �سيا�سية‬

‫بدورفع����ال يف معاجل����ة التحدي����ات الت����ى تواج����ه الدولة �س����واء املتعلقة واملتمردي����ن احلوثيني وال�سعودية‪�/‬إيران‪ ،‬حي����ث مثل احل�ضور القطري‬ ‫بالأو�ض����اع ال�سيا�سية �أو املتعلقة بالأو�ضاع االقت�صادية‪ ،‬وذلك لي�س حب ًا كو�سيط بني احلوثي��ي�ن وال�سلطة ا�ستفزاز ًا علني���� ًا لل�سعودية التى تتمتع‬ ‫يف اليم����ن و�إمنا حماية مل�صال����ح القوى الكربى يف منطق����ة ذات �أهمية بنف����وذ قوي داخل اليمن‪� ،‬س����واء على م�ستوى ال�سلط����ة �أو على امل�ستوى‬ ‫ا�سرتاتيجية كربى‪.‬‬ ‫ال�شعب����ي القبلي‪ ،‬وب�إمكانها �إعادة ط����رح امل�شكلة مرة �أخرى على �سطح‬ ‫�إذن اتفاق ‪ 17‬متوز‪/‬يوليو جاء حام ًال اخلطوط العامة لتنفيذ اتفاق ‪ 23‬الأح����داث‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل اته����ام احلوثيني لل�سعودي����ة بعدم اجلدية يف‬ ‫�شباط‪/‬فرباير‪ 2009‬بني ال�سلطة واملعار�ضة‪،‬‬ ‫االلتزام باتفاقات التهدئة‪.‬‬ ‫والذى ين�ص على ت�أجيل االنتخابات النيابية‪ ،‬ال��ت��ط��ورات الأم��ن��ي��ة التى تلك ه����ى باخت�صار �شدي����د امل�ش����اكل التى تواجه‬ ‫والتمديد عامني حلكومة امل�ؤمتر‪ ،‬ويدعو �إىل ���ش��ه��ده��ا ال��ي��م��ن م����ؤخ���ر ًا اليم����ن‪ ،‬وتلق����ى بظالله����ا عل����ى الو�ض����ع الإقليمي له‬ ‫احلوار ب�ش�أن التعدي��ل�ات الد�ستورية والقانونية �أوج���دت قناعة ل��دى دول وبالذات عل����ى دول اخلليج‪ ،‬وهنا تثار ت�سا�ؤالت حول‬ ‫الالزمة لإجراء وتنظي����م االنتخابات الربملانية اخل��ل��ي��ج ب�����ص��ع��وب��ة ت��رك دور دول اخللي����ج يف دعم ا�ستق����رار اليمن وحتفيزه‬ ‫املقبلة يف ني�سان‪�/‬أبريل ‪ .2011‬ولكن �ش�أنه �ش�أن اليمن مبفرده يف مواجهة عل����ى مواجه����ة م�شاكل����ه باعتب����ار اليم����ن امت����داد ًا‬ ‫باق����ي االتفاق����ات الأخرى غالب ًا م����ا تكون بداية ح��ال��ة ال���ت���ده���ور الأم��ن��ي جغرافي���� ًا له����ا وعمق���� ًا جيوا�سرتاتيحي ًا مهم����اً‪ ،‬وهل‬ ‫لأزم����ة جديدة؛ فاملتابع لتطور الأحداث يجد �أن واالقت�صادي واخلدمي الذى توج����د ا�سرتاتيجي����ة خليجي����ة موح����دة نح����و اليمن‬ ‫االتفاق تزامن مع نذر حرب �سابعة بني النظام بات يعاين منها‪ ،‬لت�أثرياتها وم�شاكل����ه‪� ،‬أم �أن العالق����ات اليمني����ة ‪ -‬اخلليجية ال‬ ‫تزال خا�ضعة لنمط التفاعل الثنائي‪ ،‬وكيف ميكن‬ ‫واحلوثي��ي�ن‪ ،‬والتى متثل����ت يف ا�ستم����رار القتال ال�سلبية يف �أمنها القومي‬ ‫ب��ي�ن احلوثيني وبني القبائل املوالية للدولة يف‬ ‫بل����ورة هذه اال�سرتاتيجية مب����ا يفيد اليمن ويخدم‬ ‫�صعدة م�ؤخراً‪ ،‬جتدد القتال على الرغم من‬ ‫يف الوق����ت نف�س����ه “�أمن” ال����دول اخلليجية‪ ،‬وهل‬ ‫اتفاق����ات التهدئة يع����ود �إىل دخول متغريات‬ ‫ان�ضم����ام اليمن ملجل�����س التع����اون اخلليجي كفيل‬ ‫جدي����دة عل����ى معادل����ة ال�ص����راع الثالثي����ة‬ ‫بتوفري غطاء من اال�ستقرار ال�سيا�سى والأمنى له‬ ‫الت����ى كان����ت تنح�ص����ر يف ال�سلط����ة اليمني����ة‬ ‫�أم ال؟‬ ‫وا�سعة‪ ،‬يج���ب الإ�شارة �إىل �أن كل الأطراف املعنية‬ ‫�س���واء كانت داخ���ل املجل����س �أو خارج���ه يجمعهم‬ ‫م�ستقب���ل واحد‪ ،‬و�أن �س���وء الو�ض���ع االقت�صادي �أو‬ ‫ال�سيا�س���ي يف �أي دول���ة م���ن دوله‪ ،‬حت���ى و�إن كانت‬ ‫غ�ي�ر من�ضوية حت���ت جتمعه‪ ،‬له ت�أث�ي�ره ال�سلبي يف‬ ‫ال���دول الأخرى‪ ،‬وي�شكل كابح��� ًا رئي�س ًا لتطوره وفق‬ ‫الأهداف اجلوهري���ة التي ت�أ�س�س من �أجلها‪ ،‬الأمر‬ ‫ال���ذي يتطل���ب �إيج���اد بيئ���ة �إقليمية �أك�ث�ر جتان�س ًا‬ ‫وات�ساق ًا مما هي علي���ه الآن‪ ،‬وخلق �أمناط متعددة‬ ‫م���ن التعاون‪ ،‬وتو�سيع رقعة االنتم���اء بحدود املوقع‬ ‫اجليو�سرتاتيج���ي م���ن �أج���ل تعزي���ز التجان�س بني‬ ‫�أقط���اب النظام اخلليجي العرب���ي‪ .‬وهذا ما يجعل‬ ‫الق���رار املتخ���ذ ب����أي دولة من ه���ذه ال���دول قرار ًا‬ ‫خليجي��� ًا ‪ -‬عربي��� ًا خال�ص���اً‪ ،‬قاطع��� ًا الطريق �أمام‬ ‫الأف���كار والأجندات اخلارجية الت���ي مل تعجز عن‬ ‫و�ضع املنطقة يف حالة تناحر وتباعد‪.‬‬ ‫فبالن�سبة �إىل اليمن‪ ،‬والتي تبلغ م�ساحتها حوايل‬ ‫‪� 500‬أل���ف كيل���و م�ت�ر مرب���ع‪ ،‬ويبلغ تع���داد �سكانها‬ ‫‪ 22.200.000‬ن�سم���ة‪ %35 ،‬من ه�ؤالء يعي�شون حتت‬ ‫خ���ط الفقر‪ ،‬حي���ث الو�ض���ع االقت�ص���ادي الذي ما‬ ‫زال مل ي�ص���ل بعد �إىل م�ست���وى تلبية كل طموحات‬ ‫ال�شعب‪ ،‬على الرغم من الرثوات النفطية املكت�شفة‪،‬‬ ‫مم���ا جعله���ا تعتم���د يف متوي���ل بع����ض القطاعات‬

‫عل���ى امل�ساع���دات الدولية‪ ،‬وتق���دم اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية لها م�ساعدات �سنوية تقدر بحوايل مائة‬ ‫ملي���ون دوالر �سنوي���اً‪� .‬أي�ض��� ًا ال زال���ت اليمن تعاين‬ ‫من بع�ض اال�ضطراب���ات ب�سبب النزاعات القبلية‪،‬‬ ‫وانت�ش���ار الأ�سلح���ة بيد ق���وى اجتماعي���ة و�سيا�سية‬ ‫خارجة عن �سيطرة الدول���ة والقانون‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫يجعله���ا تعي����ش يف دوام���ة م���ن ع���دم اال�ستق���رار‬ ‫ال�سيا�س���ي واالجتماع���ي واالقت�ص���ادي‪ ،‬وينعك����س‬ ‫�سلب ًا عل���ى دول اجلوار التي يع���اين ق�سم منها من‬ ‫تهديدات م�ستم���رة لقوى الإرهاب والتطرف‪ ،‬مما‬ ‫دفع عدد ًا من دول الإقليم اخلليجي �إىل �أن ترتبط‬ ‫مبعاه���دات �أمنية مع �أحالف ع�سكرية‪ ،‬واتفاقيات‬ ‫�أمني���ة م���ع بع�ض ال���دول الك�ب�رى‪ ،‬يف الوقت الذي‬

‫حت ّفظ���ت بع����ض دول���ه عل���ى اتفاقيات كه���ذه‪ ،‬من‬ ‫منطل���ق ت�أثرياته���ا امل�ستقبلي���ة ال�سلبي���ة يف �أمنها‬ ‫الوطن���ي‪ ،‬وهو ما عربت عنه علن��� ًا اململكة العربية‬ ‫ال�سعودي���ة الت���ي طالب���ت باالتفاقي���ات اجلماعية‬ ‫ولي�س ب�شكل منفرد‪.‬‬ ‫ويف الواقع‪ ،‬ف�إن ظواهر عدم اال�ستقرار قد تتفاقم‬ ‫�إذا م���ا بقيت اليمن معزولة عن حميطها اخلليجي‬ ‫و�إذا ما بقيت وحدها منفردة تواجه الإرهاب املهدد‬ ‫لكل امل�صالح الدولي���ة يف القرن الأفريقي‪� .‬أما �إذا‬ ‫ان�ض���وت اليم���ن �ضم���ن جمموعة من ال���دول متثل‬ ‫�سل�سلة مرتابط���ة من الدول املتداخل���ة‪ ،‬وتربطهم‬ ‫جمموع���ة من امل�صال���ح اال�سرتاتيجي���ة امل�شرتكة‪،‬‬ ‫وم���ن بينها حماربة الإره���اب بكافة �أ�شكاله‪ ،‬حيث‬ ‫�أنه���ا ت�شكل جزء ًا مهم ًا من �شبه اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫وم���ن حمي���ط جيوبوليتيك���ي ح�سا����س �إىل درج���ة‬ ‫كب�ي�رة ويت�سم ب�أن���ه منطقة رخوة ج���د ًا وحتيط به‬ ‫التهدي���دات والتحديات من كل جانب‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫العادات والتقالي���د امل�شرتكة ل�سكان هذه املنطقة‪،‬‬ ‫هذا م���ا ي�ؤكد وج���ود �آم���ال وتطلع���ات وهموم بني‬ ‫جميع الإطراف‪.‬‬ ‫ويف حال���ة �إح�ص���اء املكا�س���ب ال�سيا�سي���ة‬ ‫واالقت�صادي���ة والأمني���ة واملالية الت���ي �ستح�صدها‬ ‫اليمن من عملية االندماج باجل�سد اخلليجي ف�إنها‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪49‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫الأهمية اجليو�سرتاتيجية لليمن يف حميطه الإقليمي‬

‫نب����د�أ بالبعد اجليو�سرتاتيجي‪ ،‬بال�شك اليمن يعد �إحدى ق�ضايا الأمن‬ ‫يف اخللي����ج العربى ويف الوقت نف�سه يعد �أحد الأطراف الأ�سا�سية التى‬ ‫ت�ضطلع بدور �أ�سا�سي يف حماية �أمنه؛ فاملوقع اال�سرتاتيجى الذى يتمتع‬ ‫ب����ه اليمن باعتباره يتحكم يف م�ضيق ب����اب املندب املهم لتجارة النفط‬ ‫اخلليجي����ة املتجهة �إىل �أوروب����ا والواليات املتحدة ع��ب�ر البحر الأحمر‬ ‫وقن����اة ال�سوي�س‪ ،‬كم����ا �أنه يطل على �شرق �أفريقي����ا وي�شكل همزة و�صل‬ ‫من خالل م�ضي����ق باب املندب بني اجلزيرة العربي����ة واخلليج والقرن‬ ‫الأفريقي‪ ،‬هذا املوقع خلق قدر ًا كبري ًا من العوامل امل�شرتكة التى �أثرت‬ ‫يف العالق����ات اليمنية ‪ -‬اخلليجية‪ ،‬وجعل����ت كال الطرفني يت�أثران ب�أية‬ ‫تط����ورات نوعية حتدث لدى الطرف الآخ����ر‪ ،‬خا�صة احلدود ال�سعودية‬ ‫اليمني����ة‪ ،‬وه����و م����ا يجعل اليم����ن �أحد قواع����د اال�ستق����رار يف املنطقة‪،‬‬ ‫ومم����ر ًا �آمن���� ًا لتمرير �أنابيب البرتول اخلليجية كم����ا �أنه من املمكن �أن‬ ‫يك����ون طريق ًا بري ًا للتجارة عرب �أرا�ضي����ه‪ ،‬يرتبط باملوقع اال�سرتاتيجى‬ ‫ذل����ك حقيق����ة مهمة وه����ي �أن التط����ورات الأمنية الت����ى �شهدها اليمن‬ ‫م�ؤخ����ر ًا �أوجدت قناعة لدى دول اخلليج ب�صعوب����ة ترك اليمن مبفرده‬ ‫يف مواجه����ة حالة التده����ور الأمني واالقت�ص����ادي واخلدمي الذى بات‬ ‫يعاين منها‪ ،‬لت�أثرياتها ال�سلبية يف �أمنها القومي‪ ،‬الأمر الذى بات معه‬ ‫تدهور الأو�ض����اع الأمنية يف اليمن ميثل م�صدر قلق كبري لدول جمل�س‬ ‫كث�ي�رة جداً‪ ،‬ولكن باملقابل هن���اك �أي�ض ًا مكا�سب‬ ‫ا�سرتاتيجية �سوف ت�ضاف �إىل القدرات اخلليجية‬ ‫احلالي���ة‪ ،‬حي���ث رهان���ات امل�ستقب���ل الت���ي تخفي‬ ‫الكثري م���ن املتغريات‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن اليمن تتمتع‬ ‫مبوقع جغ���رايف‪ ,‬ميثل عمق ًا �إ�سرتاتيجيا خليجياً‪،‬‬ ‫وت�ش���كل ج���زء ًا حيوي ًا م���ن ال�سيا�س���ات الدفاعية‬ ‫والأمني���ة اخلليجية‪ .‬ف�إطاللتها عل���ى مياه خارج‬ ‫حو����ض اخللي���ج العرب���ي‪ ،‬حيث بح���ر العرب من‬ ‫اجلن���وب ال�شرق���ي‪ ،‬وخلي���ج عدن م���ن اجلنوب‪،‬‬ ‫و�إ�شرافها عل���ى م�ضيق باب املن���دب الذي يربط‬ ‫بني خلي���ج عدن والبحر الأحمر ال���ذي تطل عليه‬ ‫م���ن جهتها الغربية‪ ،‬هذا املوقع ي�ساعدها على �أن‬ ‫تك���ون الطري���ق الآمن لدول اخللي���ج العربي فيما‬ ‫�إذا حدثت �أزمات من جهة البحر والرب؛ فهو مث ًال‬ ‫ي�ساع���د على مرور ال�سفن ع���ن طريق خليج عدن‬ ‫والبح���ر الأحم���ر يف حال���ة حدوث �أزم���ة خليجية‬ ‫ �إيراني���ة‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن �إي���ران حتت�ضن حو�ض‬‫اخللي���ج من كل جوانبه‪ ،‬وبا�ستطاعتها �أن ت�سيطر‬ ‫عل���ى مداخله وخمارجه‪ ،‬ابت���دا ًء من �شط العرب‬ ‫حتى خليج عمان‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن الواليات املتحدة‬ ‫ق���د حولت منطق���ة اخللي���ج العرب���ي �إىل منطقة‬ ‫ع�سكري���ة ت�صلح كمنطل���ق لعملي���ات وا�سعة �ضد‬ ‫�إي���ران‪ ،‬وبالت���ايل تتبني �أهمي���ة العامل اجلغرايف‬ ‫كعن�صر فعال يف العالقات الدولية‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫التع����اون اخلليجي‪ ،‬وبالتاىل يتحتم على دول املجل�س م�ساندة اليمن يف‬ ‫مواجهة م�شكالته عل����ى م�ستويني؛ الأول‪ :‬جدية العمل على دمج اليمن‬ ‫يف �إطاره الإقليمي اخلليجي‪ ،‬مبا ي�ساهم يف دعمه �سيا�سي ًا واقت�صادياً‪.‬‬ ‫والثانى‪ :‬تفعي����ل التعاون اليمني اخلليجي عل����ى اجلانب اجلماعي بني‬ ‫دول املجل�����س جمتمعة‪ ،‬مبا ميكن اليمن م����ن اال�ستفادة الفعلية بعوائد‬ ‫ال�شراك����ة الإقليمية‪ ،‬وكذلك تفعيله على امل�ستوى الثنائي عرب �شراكات‬ ‫ثنائية جتارية وا�ستثمارية �ضخمة‪.‬‬

‫معوقات ان�ضمام اليمن ملجل�س التعاون اخلليجي‬

‫�أم����ا فيما يتعلق بالتعاط����ى اخلليجي نف�سه مع اليم����ن فيالحظ عليه‬ ‫غلب����ة الطاب����ع الثنائ����ي للتفاع����ل عل����ى الطاب����ع اجلماعي‪ ،‬فم����ا زالت‬ ‫العالق����ات اليمني����ة ‪ -‬اخلليجية يحكمها الطابع الثنائ����ي وهو ما يعنى‬ ‫غي����اب ا�سرتاتيجية خليجية موحدة جتاه اليمن‪ ،‬وترتبط بتلك النقطة‬ ‫ق�ضية غاية يف الأهمية بالن�سبة ل�صنعاء وهى االن�ضمام الكامل ملجل�س‬ ‫التعاون اخلليج����ي‪ ،‬فمنذ تقدمي اليمن طلبه الأول لالن�ضمام للمجل�س‬ ‫يف م�ؤمت����ر القم����ة اخلليجي ال����ـ ‪ 17‬الدوح����ة – كان����ون الأول‪/‬دي�سمرب‬ ‫‪ ،1996‬وحتى قمة م�سقط كانون الأول‪/‬دي�سمرب‪ ،2001‬التى �أقرت قبول‬ ‫اليمن ع�ضو ًا يف عدد من م�ؤ�س�سات املجل�س‪ ،‬ال يزال اليمن خارج نطاق‬ ‫االن�ضم����ام الفعلى عل����ى امل�ستويني االقت�ص����ادى وال�سيا�س����ى‪ ،‬وما زال‬

‫ان�ضمام اليمن والعراق �إىل‬ ‫التجمع اخلليجي ما هو‬ ‫�إال تدعيم للقوة املمتلكة‪،‬‬ ‫من حيث تو�سيع الرقعة‬ ‫اجلغرافية وزيادة للكثافة‬ ‫ال�سكانية‪� ,‬إ�ضافة �إىل ك�سب‬ ‫موارد �إ�ضافية على املوارد‬ ‫املتاحة‪� ،‬سعي ًا لتحقيق الأمن‬ ‫وال�سلم االجتماعي يف �شبه‬ ‫اجلزيرة العربية‬ ‫املي���زة التي يج���ب �أن ت�ؤخ���ذ بنظ���ر االعتبار‪،‬‬ ‫والت���ي متتلكه���ا اليم���ن قيا�س��� ًا بال���دول الأخرى‬ ‫الأع�ضاء يف جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬هي العامل‬ ‫ال�س���كاين �أو الكثافة ال�سكاني���ة‪ .‬فللعامل الب�شري‬ ‫ت�أثري مبا�شر يف قوة الدولة‪ ،‬ويف م�ستوى تطورها‪،‬‬ ‫خ�صو�ص��� ًا �إذا توف���رت ل���ه الظروف الت���ي ت�صوغ‬ ‫عملي���ة ا�ستخدام هذا الب�ش���ر بال�شكل ال�صحيح‪,‬‬ ‫وتكون هناك �صيغ���ة تعمل على تقريب جمتمعات‬ ‫املنطقة‪ ,‬لتوثيق �أوا�ص���ر املحبة والتعاون بد ًال من‬ ‫العداء والكراهية‪ .‬فهذه الكثافة الب�شرية اليمنية‬ ‫(قوة العمل امل�ستقبلية) ميكن توظيفها من خالل‬

‫برامج تدريبية متطورة على التكنولوجيا احلديثة‬ ‫يف قطاع���ات العم���ل اخلليجية بد ًال م���ن العمالة‬ ‫الآ�سيوي���ة الواف���دة الت���ي �أدت �إىل تفاق���م وبروز‬ ‫م�ش���اكل اجتماعي���ة ح���ادة تط���ورت يف ال�سنوات‬ ‫الأخ�ي�رة �إىل م�ش���اكل �سيا�سية و�أمني���ة خطرية‪،‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل �أنه���ا جت���د احلل���ول مل�ش���اكل اليم���ن‬ ‫الداخلية االجتماعي���ة واالقت�صادية‪ ،‬وتعمل على‬ ‫جتفيف م�صادر الإرهاب عرب ا�ستقطاب ال�شباب‬ ‫العاطل عن العمل‪.‬‬ ‫�أم���ا فيما يتعلق بالعراق‪ ،‬ف����إن امل�س�ألة ميكن �أن‬ ‫ينظر �إليها مبنظار �آخر‪ ،‬و�إن كانت ال تختلف عن‬ ‫الأهمية اال�سرتاتيجي���ة التي يحتلها اليمن كع�ضو‬ ‫فاعل يف جمل����س التعاون لدول اخللي���ج العربية‪.‬‬ ‫و�إذا كان هناك من يعتقد ب�أن الإعالن عن �إن�شاء‬ ‫جمل����س التع���اون اخلليجي حماولة لإبع���اد �إيران‬ ‫والع���راق يف نف�س الوق���ت وعزلهما ع���ن “البيئة‬ ‫الأمني���ة اخلليجية”‪ ،‬وذل���ك لتوجهاتهما القومية‬ ‫والإ�سالمية التي ال ت�ست�سيغها الأنظمة اخلليجية‪،‬‬ ‫ف����إن ان���دالع احل���رب العراقي���ة – الإيرانية وما‬ ‫�أفرزت���ه يف �أ�شهره���ا الأوىل من تداعي���ات �سلبية‬ ‫على �أمن املنطقة �أعط���ى امل�صداقية للر�أي الذي‬ ‫ط���رح‪ ،‬وع�ّب�رّ ع���ن هواج����س الأنظم���ة اخلليجية‬ ‫م���ن تداعيات ه���ذه احلرب‪ .‬ولكن ال�س����ؤال الذي‬ ‫يط���رح يف هذا ال�ص���دد هو‪ :‬ل���و �أن �إن�شاء جمل�س‬

‫خا�ضع ًا ل�شروط الت�أهيل املختلفة التى يتطلبها املتغريات وامل�ستجدات التى اخلليجي����ة املهم����ة‪ ،‬وي�أت����ى يف مقدمته����ا املوق����ف‬ ‫االن�ضمام‪ ،‬فقد ظلت م�س�ألة االن�ضمام مطمح ًا متوج بها منطقة اخلليج خالل اليمن����ى امل�ؤي����د لالجتي����اح العراق����ي للكوي����ت عام‬ ‫ميني���� ًا غالب ًا ما قوبل بعملي����ات رف�ض «مقنّع» من ال�سنوات املا�ضية فر�ضت على ‪ ،1990‬عل����ى الرغ����م من �أج����واء تنقي����ة العالقات‬ ‫جانب دول املجل�س وفق ًا مل�سببات حمددة منها‪ :‬دول املجل�س �ضرورة التعامل بني اليم����ن والكويت وبينها وب��ي�ن ال�سعودية خالل‬ ‫�أوالً‪ :‬معوقات تتعلق بطبيع����ة البنية ال�سيا�سية‪ ،‬اجلدي مع اليمن وم�شكالته ال�سنوات املا�ضية‪� ،‬إال �أنه يظل املوقف را�سخ ًا لدى‬ ‫والنظ����ام ال�سيا�س����ي يف اليم����ن وه����و النظ����ام االقت�صادية والأمنية على ال�شع����ب الكويتي وال�شع����وب اخلليجية عامة‪� .‬أي�ض ًا‬ ‫م����ن العوام����ل التى كان����ت �سبب ًا يف ع����دم ان�ضمام‬ ‫اجلمه����وري بينم����ا الأنظم����ة ال�سيا�سي����ة يف دول حد �سواء‬ ‫اليمن ملجل�س التعاون اخلالف����ات احلدودية بينها‬ ‫اخلليج جميعها �أنظم����ة ملكية حمافظة‪ ،‬وهو ما‬ ‫ي�شيع خماوف لدى الدول اخلليجية من ت�أثري تداعيات انت�شار االنفتاح وبني عمان تارة‪ ،‬وبينها وبني ال�سعودية وهى الأكرث �أهمية منذ بدايتها‬ ‫ال�سيا�س����ي ب�أبع����اده احلزبي����ة واالنتخابي����ة‪ ،‬الت����ى تتواف����ر يف الأنظمة عام ‪ 1934‬وحتى التوقيع النهائي على اتفاقية تر�سيم احلدود النهائية‬ ‫يف ج����دة عام ‪ .2000‬وهذا اخلالف احلدودي لعب دور ًا مهم ًا يف عملية‬ ‫اجلمهورية ب�صفة عامة‪ ،‬على �أنظمتها املحافظة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬معوقات تتعلق بطبيعة امل�ستوى االقت�صادي؛ فدول اخلليج تعلم ت�أجي����ل ان�ضم����ام اليم����ن ملجل�س التع����اون اخلليجي‪ ،‬فالبع�����ض يرى �أن‬ ‫�أن ان�ضم����ام اليمن بنظامه االقت�ص����ادي الفقري املتوا�ضع والذى يعانى حلحل����ة املوقف اليمنى م����ن م�شكلة احل����دود مع ال�سعودي����ة ترجع �إىل‬ ‫يف الوق����ت نف�س����ه من تدين خدم����ات البنية التحتية‪ ،‬وعج����ز الإدارات ح�صول �صنعاء عل����ى «ت�أكيدات» �سعودية با�ستع����ادة املزايا التى كانت‬ ‫احلكومي����ة التفاعل م����ع حالة التده����ور االقت�صادي ل�ضع����ف امليزانية تتمت����ع بها العمال����ة اليمنية يف ال�سعودي����ة ودول اخللي����ج‪ ،‬والتى �ألغيت‬ ‫العامة للدولة‪� ،‬سيزيد من ع����بء التكلفة االقت�صادية التى �ستحتاجها عل����ى �إثر املوقف اليمني م����ن غزو العراق للكوي����ت‪ ،‬وبالرغم من ذلك‬ ‫عملية «ا�ستيعاب» اليمن داخل املجل�س‪ ،‬خا�صة يف ظل متايزات متعددة فل����م يع����ود الو�ضع �إىل ما كان علي����ه وفق ًا لأ�سباب تتعل����ق بع�ضها بعدم‬ ‫حاجة ال�سوق ال�سعودي����ة للعمالة اليمنية نظر ًا لوجود العمالة امل�صرية‬ ‫يف امل�ستويات املعي�شية واملالية بني اليمن وتلك الدول‪.‬‬ ‫ثالث����اً‪ :‬معوقات تتعل����ق مبجموعة م����ن املواقف اليمنية م����ن الق�ضايا وال�سوري����ة التى ارتبطت بها ال�س����وق ال�سعودية ودول اخلليج بعد حرب‬ ‫التعاون تقدم �إىل ما قبل عام ‪ 1981‬و�ضمّ العراق‬ ‫يف ع�ضويت����ه‪ ،‬ه����ل كان����ت �ستندلع احل����رب ما بني‬ ‫طه���ران وبغداد؟ وه���ذا ال�س�ؤال ي����ؤدي �أي�ض ًا �إىل‬ ‫طرح ال�س�ؤال التايل‪ :‬لو �أن العراق ع�ضو يف جمل�س‬ ‫التعاون اخلليجي‪ ،‬ه���ل كان �سيقوم بغزو الكويت‪،‬‬ ‫ويجنب املنطق���ة كل ما تعاني���ه الآن من تداعيات‬ ‫خطرية �أفرزتها حرب اخلليج الثانية؟‬ ‫�أعتق���د جازم ًا �أنه ل���و كان العراق من�ضوي ًا حتت‬ ‫جناح جمل����س التعاون اخلليجي مل���ا اندلعت حتى‬ ‫ح���رب اخللي���ج الثالث���ة‪ ،‬وجتنّب الع���راق كل هذه‬ ‫الويالت وامل�آ�سي التي دفع ثمنها ال�شعب العراقي‪.‬‬ ‫ولتج���اوز كل م���ا ح�صل وحت���ى ننظ���ر للم�ستقبل‬ ‫برهانات���ه اجلدي���دة‪ ،‬ف����إن الوقت م���ا زال قائماً‪،‬‬ ‫والفر�ص متوف���رة‪ ،‬والظروف املو�ضوعية والذاتية‬ ‫مهي����أة لعودة العراق لي�س فق���ط للح�ضن العربي‪،‬‬ ‫و�إمنا يجب �أن يلعب دور ًا فاع ًال يف املعادلة الأمنية‬ ‫الإقليمية واخلليجي���ة‪ .‬و�إذا ما حتقق االنتماء �إىل‬ ‫جمل����س التع���اون اخلليجي ف�إن هن���اك الكثري من‬ ‫املكا�سب ال�سيا�سي���ة واالقت�صادي���ة والأمنية التي‬ ‫ميك���ن �أن تتحق���ق لكل الأطراف الت���ي يهمها �أمن‬ ‫املنطقة وا�ستقرارها وتقدمها‪.‬‬ ‫�إن م�ساع���دة ال���دول اخلليجي���ة للع���راق عل���ى‬ ‫�أن يك���ون �ضم���ن ه���ذه املنظومة الإقليمي���ة‪ ,‬يعني‬ ‫توفر النية ال�صادقة واجل���ادة لإعادة العراق �إىل‬

‫حميط���ه العرب���ي‪ .‬و�إذا �أمعن���ا يف ق���راءة التاريخ‬ ‫ب�ش���كل �صحيح نرى �أن هن���اك ت�شابه ًا بني احلالة‬ ‫العراقية يف �صورتها العربية‪ ،‬واحلالة الأملانية يف‬ ‫�أوروب���ا‪ .‬ف�أملانيا �إىل فرتة احل���رب العاملية الثانية‬ ‫وم���ن ثمّ م���ا تبعها م���ن �أحداث احل���رب الباردة‪،‬‬ ‫كانت م�صدر قلق وخ���وف داخل اجل�سد الأوربي‪،‬‬ ‫وم���ا فر�ض عليها من عقوب���ات وعزل عن املجتمع‬ ‫ال���دويل كان كفي���ل بتدمريها‪ ،‬لك���ن مت ا�ستدراك‬ ‫املوقف من قبل القادة الأوربيني بعد �سقوط جدار‬ ‫برلني‪ ،‬وحتى يكبحوا جماح هذه الدولة فتحوا لها‬ ‫الأب���واب من خ�ل�ال امل�شاركة الفعلي���ة يف االحتاد‬ ‫الأوروب���ي‪ ,‬و�أعادوها �إىل م�سرح التاريخ ب�أحداثه‪،‬‬ ‫بعد �أن �آمن القادة الأملان بعدم اللجوء �إىل القوة‪،‬‬ ‫وجتنب جتاوز اخلطوط احلمراء واملحرمات التي‬ ‫ال يجوز امل�سا�س بها لأنها تثري امل�شاكل واملخاوف‪.‬‬ ‫وباملث���ل كان الع���راق م�ص���در خوف وقل���ق ب�سبب‬ ‫�سيا�س���ات غ�ي�ر حم�سوب���ة العواق���ب‪ ،‬و�إذا كان���ت‬ ‫هناك بع�ض الأ�صوات التي تدعو �إىل عزل العراق‬ ‫نتيج���ة حل�سابات ووجهات نظ���ر �ضيقة‪ ،‬ومواقف‬ ‫�سيا�سي���ة خاطئ���ة‪ ،‬ف����إن النتيجة هو دف���ع العراق‬ ‫باجتاهات �أخرى هي يف غري �صالح الأمة العربية‬ ‫بوج���ه التحديد‪ ،‬قبل �أن تكون له���ا ت�أثريات �سلبية‬ ‫يف الو�ضع اخلليجي‪.‬‬ ‫وامل�ؤك���د �أن وجود الع���راق �ضمن نظ���ام �إقليمي‬

‫ي�ساع���ده عل���ى النهو����ض والتخل����ص م���ن واق���ع‬ ‫�سيا�س���ي ي�ضف���ي ب�سلبيات���ه عل���ى كل املحيط�ي�ن‬ ‫ب���ه‪ ,‬ويقي���ده بالتزامات م���ن �ضمنه���ا الدفاع عن‬ ‫اجلمي���ع‪ ،‬واح�ت�رام �سي���ادة الآخري���ن مهم���ا كان‬ ‫الثمن‪ ،‬وبالتايل ي�ؤدي �إىل تفاعل جميع الأطراف‪،‬‬ ‫باعتبار �أن التفاعل هو املعيار الأهم يف بناء نظام‬ ‫خليجي قوي‪ ،‬يخلق نوع ًا من التوازنات ال�سيا�سية‬ ‫يف املنطق���ة‪ .‬لك���ن ه���ذا يتوقف على مب���ادرة دول‬ ‫جمل�س التعاون يف تفعيل احلياة ال�سيا�سية العامة‬ ‫العراقي���ة‪ ،‬لأنه���ا ج���زء م���ن م�س���ارات احلياة يف‬ ‫املنطق���ة اخلليجي���ة‪� ,‬إ�ضافة �إىل امت�ل�اك العراق‬ ‫ق���وة ب�شري���ة ت�ساع���د يف ح���ل م�س�أل���ة التوازن���ات‬ ‫يف املنطق���ة‪ .‬لك���ن احلقيق���ة‪ ،‬والأم���ر الوا�ضح يف‬ ‫ه���ذه امل�س�ألة‪� ،‬أنه���ا حتتاج �إىل �سيا�س���ة حكيمة ال‬ ‫تع�ي�ر لل�سلطان وامل���كان �أي �أهمية بق���در ما تعريه‬ ‫للم�صلح���ة العامة‪ ،‬وما �سوف ي�ضفي على املنطقة‬ ‫م���ن فوائ���د �سيا�سي���ة واقت�صادي���ة واجتماعي���ة‪.‬‬ ‫بالت���ايل‪ ،‬يبق���ى العمل ال�سلي���م والني���ة ال�صادقة‬ ‫واحلقائق الت���ي تعترب الفي�صل يف اختيار الطريق‬ ‫ال�صحيح لبناء الدعائ���م الأ�سا�سية لنظام عربي‬ ‫�إقليم���ي خليج���ي ينه�ض ب�شع���وب ه���ذه املنطقة‪.‬‬ ‫فالع���راق �سيبقى دوم��� ًا عن�صر ًا قوي��� ًا يف دينامية‬ ‫الأمن الإقليمي اجلديد‪ ،‬وهو التفكري ال�سائد الآن‬ ‫يف العراق‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪51‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫اخللي����ج الثانية مبا�شرة‪ ،‬والتى عمل����ت دون احل�صول على الت�سهيالت‬ ‫نف�سه����ا التى كان����ت حت�صل عليها العمالة اليمني����ة‪ ،‬مقابل ذلك عملت‬ ‫ال�سعودية على زيادة معدالت ا�ستثماراتها يف اليمن ال�ستيعاب وت�شغيل‬ ‫العمال����ة اليمنية داخل وطنها كتعوي�ض ع����ن املزايا التى كانت حت�صل‬ ‫عليها تلك العمالة يف �سوق العمل ال�سعودية‪.‬‬ ‫رابع����اً‪ :‬معوقات تتعل����ق مبعار�ضة بع�ض دول اخللي����ج الن�ضمام اليمن‬ ‫ملجل�س التع����اون على الرغم من الت�صريح����ات الر�سمية ال�صادرة من‬ ‫ال����دول اخلليجية‪ ،‬والتى ت�ؤكد جمملها عل����ى الرتحيب بان�ضمام اليمن‬ ‫للمجل�س‪ ،‬والتى قد تتعار�ض مع املرونة والرغبة ال�سعودية الداعمة لهذا‬ ‫االن�ضمام‪ ،‬وهى مرونة فر�ضته����ا امل�شكالت التى باتت حمدقة باليمن‬ ‫داخلي���� ًا وخارجي ًا وت�ضر مب�صالح ال�سعودية �ضرر ًا بالغاً‪ ،‬وقد انعك�ست‬ ‫تل����ك املرونة بو�ض����وح يف اتفاقية جدة التى حول����ت عالقة البلدين من‬ ‫عالق����ة ت�أزم وخالف �إىل عالقة م�صالح قائمة على �شراكة اقت�صادية‬ ‫متهد لدخول فعلي لليمن �إىل جمل�س التعاون‪.‬‬

‫خطوات مينية نحو االن�ضمام وال�شراكة الفعلية‬

‫م����ا �سبق ي�شكل بالفعل حتديات �أم����ام ان�ضمام اليمن ملجل�س التعاون‬ ‫و�أم����ام انته����اج دول اخللي����ج ا�سرتاتيجية وا�ضحة املع����امل �إزاء اليمن‪،‬‬ ‫�إال �أن املتغ��ي�رات وامل�ستج����دات التى مت����وج بها منطق����ة اخلليج خالل‬ ‫ال�سن����وات املا�ضي����ة فر�ضت على دول املجل�س �ض����رورة التعامل اجلدي‬ ‫م����ع اليمن وم�شكالت����ه االقت�صادي����ة والأمنية على حد �س����واء‪ ،‬فاليمن‬ ‫اقت�صادي���� ًا ورغ����م فقره �إال �أنه ميثل �سوق ًا وا�سع���� ًا للمنتجات اخلليجية‬ ‫ناهي����ك عن م�ساعيه امل�ستم����رة ملواءمة �إج����راءات االن�ضمام للمجل�س‬ ‫وهيئات����ه املختلفة وحلم����ه باالن�ضمام �إىل منطقة التج����ارة احلرة بني‬ ‫دول املجل�����س‪ ،‬و�أمني ًا برهنت �أح����داث التمرد احلوثي و�ضربات تنظيم‬ ‫القاعدة على �أهمية اليم����ن كعمق ا�سرتاتيجى للخليج ولدول اجلزيرة‬ ‫العربي����ة عام����ة ولل�سعودي����ة خا�ص����ة‪ .‬ويف ه����ذا ال�سياق‪� ،‬أعلن����ت وزارة‬ ‫التخطي����ط والتع����اون الدويل اليمني����ة ر�سمي ًا يف مطل����ع العام اجلاري‬ ‫ع����ن ثالثة م�سارات يتم على �أ�سا�سه����ا ا�ستكمال م�سرية االن�ضمام �إىل‬ ‫جمل�����س التع����اون وحتقيق االندم����اج امل�أم����ول يف ع����ام ‪ ،2015‬ووفق ًا ملا‬ ‫�أوردت����ه ال�صحف وو�سائ����ل الإعالم يف هذا ال�ش�أن‪ ،‬ف�����إن امل�سار الأول‪:‬‬ ‫يت�ضم����ن ا�ستم����رار تدفق جت����ارة ال�سل����ع واخلدمات ب��ي�ن اليمن ودول‬ ‫اخلليج مع ا�ستغالل امليزة الن�سبية التى يتمتع بها االقت�صاد اليمني يف‬ ‫جماالت التعدين والزراعة وال�صناع����ة واخلدمات ال�سياحية‪ .‬وامل�سار‬

‫ما ي��زال اليمن يحتاج �إىل جهد داخلي خارق‬ ‫ميكنه من الولوج �إىل املنظومة اخلليجية‪ ،‬ولكن‬ ‫مبزيد من الدعم اخلليجي عرب ا�سرتاتيجية‬ ‫خليجية موحدة تتجاوز حدود اخلالفات التى‬ ‫تتال�شى �أهميتها يف مواجهة الأخطار الإقليمية‬ ‫والدولية التى حتيط مبنطقة اخلليج العربي‬ ‫ككل‬ ‫‪52‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫الثانى‪ :‬يت�ضمن ت�سهيل حركة العمالة اليمنية لدول اخلليج والعودة بها‬ ‫�إىل �سابق عهدها‪ ،‬خا�ص����ة يف ظل الطلب املتزايد يف ال�سوق اخلليجية‬ ‫على العمال����ة‪ .‬وي�ستهدف هذا امل�سار التخفيف من وط�أة �أزمة البطالة‬ ‫الت����ى يعانى منها املجتمع اليمني خالل ال�سن����وات الع�شر املا�ضية‪� .‬أما‬ ‫امل�س����ار الثال����ث‪ :‬فيت�ضمن دعوة القط����اع اخلا�����ص يف دول اخلليج �إىل‬ ‫اال�ستثم����ار يف القطاعات الإنتاجية واخلدمية ذات امليزة الن�سبية التى‬ ‫يتمتع بها االقت�صاد اليمني‪ ،‬خا�صة قطاعات الغاز الطبيعي وال�سياحة‬ ‫وال�صناع����ات اال�ستخراجية والتحويلية كثيف����ة العمالة‪ .‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫م�سارات فرعية تتعلق بالبناء امل�ؤ�س�سي اليمني والفجوة التمويلية التى‬ ‫يعاين منها االقت�صاد املحلي‪.‬‬

‫�أبع��اد ا�سرتاتيجي��ة‬ ‫�إذن �أ�صبح����ت ق�ضي����ة‬ ‫ان�ضم����ام اليمن ملجل�����س التعاون �ض����رورة تفر�ضها العوام����ل الداخلية‬ ‫واخلارجي����ة وتدفع كل م����ن دول املجل�س واليمن جت����اه طريق ال�شراكة‬ ‫واالندماج‪ ،‬والواقع �أن االندماج بني اجلانبني له �أبعاده املختلفة‪:‬‬ ‫البع��د الأمن��ي والدميوج��رايف‪ :‬هن����اك خطران يه����ددان �أمن‬ ‫اخللي����ج العربى‪ ،‬الأول اخلطر الإي����راين الذى حاول ويحاول النيل من‬ ‫دول اخلليج عرب اليمن من خالل دعم الوجود ال�شيعي بها �أو عرب دعم‬ ‫التم����رد احلوث����ى على احلدود ال�سعودي����ة اليمنية‪ ،‬وهو م����ا مثل حتدي ًا‬ ‫مزدوج���� ًا لدول اخلليج واليمن مع ًا باعتبار مواقف �إيران من �سيا�سات‬ ‫الأمن يف اخلليج املعلنة وغري املعلنة ت�صب جمملها يف خلق واقع مقلق‬ ‫غري م�ستقر لتلك ال����دول مبا ميكنها من الت�أثري يف �سيا�ستها الداخلية‬ ‫والإقليمي����ة‪ ،‬هذا الواقع يدفع اجلانبني اخلليجي واليمني �إىل التن�سيق‬ ‫والتعاون ملواجهة هذا اخلطر امل����زدوج‪ .‬والثانى خطر تنظيم القاعدة‬ ‫ال����ذى �أعلن اندماج فرعي����ه (ال�سعودية – اليمن) وتوحد عملياته وهو‬ ‫م����ا انعك�����س يف �ضربات����ه الأخرية‪ ،‬وجع����ل وزارة الدف����اع اليمنية توجه‬ ‫انتق����اد ًا �شديد اللهجة للموقف العرب����ي‪ ،‬وحتديد ًا موقف دول اخلليج‪،‬‬ ‫م����ن حرب اليمن على الإرهاب واتهامه لها بعدم تقدمي الدعم الالزم‬ ‫وال����كايف ملواجهته‪� ،‬إذ �أكد بيان الوزارة ال�صادر يف حزيران‪/‬يونيو من‬ ‫الع����ام اجلارى على «�أن الإرهاب الذى يواجه اليمن لي�س جمرد خطر ًا‬ ‫حملي���� ًا عنفي ًا يف نطاقه اجلغرايف‪� ،‬إمنا هو �إرهاب منظم عابر حلدود‬ ‫الدول والق����ارات‪ ،‬وهو يف هذه املواجهة ال يدافع عن �أمنه اخلا�ص‪ ،‬بل‬ ‫عن الأمن الإقليمي والدويل»‪ .‬وهنا انتقدت الوزارة التعاطي اخلليجي‬ ‫مع احلرب التى يخو�ضها اليمن مع تنظيم القاعدة‪ ،‬والتى جاءت على‬ ‫ح�ساب �أمنه وا�ستقراره وم�صاحله ال�سيا�سية واالقت�صادية‪.‬‬ ‫هن����اك �أي�ض ًا نقطة هامة وه����ي �أن اليمن ميتلك جي�ش���� ًا نظامي ًا قوي ًا‬ ‫�إىل ح����د ما‪ ،‬وميتلك �أي�ضا ثروة ب�شري����ة هائلة تفوق يف جمملها �سكان‬ ‫دول اخللي����ج جمتمع����ة‪ ،‬وهو �سالح ذو حدي����ن‪ .‬فهذه ال��ث�روة الب�شرية‬ ‫م����ن ناحية متث����ل عائق �أمام االن�ضم����ام لرتاجع امل�ست����وى االقت�صادي‬ ‫له����ا ع����ن امل�ستوى االقت�ص����ادي الذى يتمت����ع به مواطن����ي دول اخلليج‪،‬‬ ‫وبالت����اىل تعترب عبئ���� ًا على تلك ال����دول‪ ،‬وهى من ناحي����ة �أخرى تعترب‬

‫و�سيل����ة ي�ستطيع املجل�س من خاللها معاجلة التهديد الدميجرايف الذى‬ ‫تعانى من����ه دوله وي�ؤثر �سلب ًا يف الرتكيب����ة االجتماعية ل�شعوبه‪ ،‬ومن ثمّ‬ ‫��ل�ا يف الهوية الوطنية هذه امل�شكلة يعك�سها الوجود املتزايد‬ ‫ي�ؤثر م�ستقب ً‬ ‫للعمال����ة الأجنبي����ة يف دول اخلليج وما يرتتب عليه م����ن تداعيات تتمثل‬ ‫معظمها يف خماطر جمتمعية وثقافية دخيلة على جمتمعاتها‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ف�����إن توازن ًا دميوجرافي���� ًا يحدثه ان�ضمام اليمن ملجل�����س التعاون جدير‬ ‫مبعاجل����ة اخللل الدميوجرايف ال����ذى تعانى من����ه دول اخلليج؛ فيحفظ‬ ‫تركيبته����ا االجتماعي����ة اخلليجية من ناحية‪ ،‬ويح����دث نوع ًا من التوازن‬ ‫الدميوج����رايف مع الدولة الأك��ث�ر تهديد ًا لدول اخلليج وه����ي �إيران من‬ ‫ناحي����ة �أخرى‪ ،‬وهذا يتطلب من اليمن التعام����ل بحر�ص وبقوة مع ملفه‬ ‫الأمن����ي‪� ،‬سواء يف مواجهة التمرد احلوث����ي وتفويت الفر�صة على �إيران‬ ‫ال�سيط����رة على جزء ا�سرتاتيج����ي مهم يف منطقة اخلليج العربي‪� ،‬أو يف‬ ‫مواجه����ة تنظيم القاعدة ال����ذى ي�سعى �إىل التحالف م����ع احلراك وفق ًا‬ ‫ملعطيات حمددة لتقوي�ض اال�ستقرار يف اليمن‪.‬‬ ‫البع��د االقت�ص��ادي‪ :‬ال�شراكة اخلليجية ‪ -‬اليمني����ة ب�إمكانها فتح‬ ‫م�س����ارات متعددة ملزيد من تدف����ق اال�ستثمارات اخلليجي����ة �إىل ال�سوق‬ ‫اليمنية‪ ،‬وحت�سني بيئة اال�ستثمار باعتبارها متطلبات جوهرية الن�ضمام‬ ‫اليم����ن �إىل جمل�س التعاون‪ ،‬وكذلك العمال����ة اليمنية على نحو ما تقدم‬ ‫عر�ض����ه‪� ،‬إال �أن واق����ع البني����ة االقت�صادية اليمنية يف حاج����ة ما�سة �إىل‬ ‫�إعادة هيكلة وبناء مب�ساعدة الدول اخلليجية التى يتحتم عليها �صياغة‬ ‫ا�سرتاتيجي����ة ج����ادة ت�سته����دف منها تركي����ز ا�ستثماراته����ا يف جماالت‬ ‫البني����ة التحتية مبا ي�ساه����م يف التخفيف من حدة الفقر والبطالة الذى‬ ‫يعاين منهم����ا االقت�صاد اليمني‪ ،‬مع عدم �إغفال م�سئولية احلكومة عن‬ ‫ا�ستفحال الف�ساد يف القطاعات االقت�صادية الهامة ومنها قطاع النفط؛‬ ‫فاليم����ن وبع����د �سنوات طويلة م����ن �إنتاج وت�صدير النف����ط يبدو يف �أدنى‬ ‫م�ستويات التنمي����ة ب�صورة تفوق الو�ضع ال����ذى كان عليه قبل اكت�شافه‪.‬‬ ‫هذه الأو�ض����اع االقت�صادية ال�صعبة تعد بيئة �صاحل����ة للإرهاب‪ ،‬الذى‬ ‫يتخ����ذ م����ن ال�شباب الذى يع����اين الفق����ر والبطالة جنود ًا ل����ه للت�أثري يف‬ ‫النظام ال�سيا�سي للدولة‪.‬‬ ‫البعد ال�سيا�سي‪ :‬على امل�ستوى اخلارجي تعك�س التطورات ال�سيا�سية‬ ‫الت����ى �شهدتها املنطقة وانعكا�ساتها على العالقات اليمنية اخلليجية يف‬ ‫�إط����ار دخول �إي����ران كطرف ثال����ث يف معادلة العالق����ة الثنائية‪� ،‬أهمية‬ ‫ان�ضم����ام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليج����ي؛ لأن ال�شراكة واالندماج‬ ‫وفق���� ًا للنظ����ام الأ�سا�س����ي امل�ؤ�س�����س ملجل�س التع����اون تعن����ي التن�سيق يف‬ ‫ال�سيا�س����ات اخلارجية لدول املجل�س ب�ص����ورة ت�ستهدف حماية �أطراف‬ ‫ه����ذه ال�شراكة وم�صاحله����ا الإقليمية ومن ثم الدولي����ة‪� ،‬أى �أن ان�ضمام‬ ‫اليم����ن ملنظوم����ة العالقات اخلليجي����ة كفيل بحماية م�صاحل����ه الأمنية‬ ‫وال�سيا�سي����ة على حد �سواء ع��ب�ر العمل اجلماعي املوح����د والتن�سيق يف‬ ‫�سيا�سات الدول الأع�ضاء‪� .‬أما على امل�ستوى الداخلي‪ ،‬وكما �سبق و�أ�شرنا‬ ‫�إىل اخت��ل�اف النظام ال�سيا�سي يف اليمن باعتباره نظام ًا جمهورياً‪ ،‬عن‬ ‫الأنظم����ة ال�سيا�سية اخلليجية‪ ،‬وهي من نقاط االختالف التى كانت وال‬

‫مل ي�ضطلع املجتمع الدوىل بدورفعال يف معاجلة‬ ‫التحديات التى تواجه الدولة �سواء املتعلقة‬ ‫ب��الأو���ض��اع ال�سيا�سية �أو املتعلقة بالأو�ضاع‬ ‫االقت�صادية‪ ،‬حب ًا يف اليمن و�إمنا حماية مل�صالح‬ ‫القوى الكربى يف منطقة ذات �أهمية ا�سرتاتيجية‬ ‫كربى‬ ‫زال����ت �سبب ًا يف ت�أجيل ان�ضمام اليمن‪� ،‬إال �أن الواقع العملي يفر�ض على‬ ‫دول اخللي����ج النظر �إىل �أبعد من الإج����راءات ال�شكلية‪ ،‬واال�ستفادة من‬ ‫جترب����ة االحت����اد الأوروبي الذى ي�ض����م �أنظمة �سيا�سي����ة متباينة ما بني‬ ‫ملكي����ة وجمهورية دون �أن ميثل ذلك �أي����ة حتديات فعلية وعملية مل�سرية‬ ‫االحت����اد‪ ،‬ومن املتوق����ع �أن ال ي�ؤث����ر ان�ضمام اليمن بنظام����ه اجلمهورى‬ ‫للمجل�����س يف �أي����ة �أنظمة قائم����ة‪ .‬النقطة الأكرث �أهمي����ة يف هذا ال�صدد‬ ‫ه����ي �ضرورة �إجراء م�صاحلة وطني����ة �سيا�سية �شاملة يف اليمن مع قوى‬ ‫املعار�ض����ة من ناحية‪ ،‬ومع دعاة االنف�صال من ناحية ثانية‪ .‬مع �ضرورة‬ ‫�إع����ادة هيكل����ة اجله����از ال�سيا�س����ي للدول����ة‪ ،‬وا�ستكمال م�س��ي�رة احلوار‬ ‫الوطن����ي م����ع املعار�ضة ملناق�ش����ة امل�ش����اكل الداخلية‪ ،‬ومن ث����م اخلروج‬ ‫بحل����ول �سريعة للأزمات الراهنة التى تق����ف حائ ًال دون ان�ضمام اليمن‬ ‫للمنظومة اخلليجية‪.‬‬ ‫خال�صة القول �إن اليمن يف حاجة �إىل ر�ؤية خليجية موحدة تدفعه �إىل‬ ‫مواجهة فعلية وفعالة للم�شاكل املزمنة التى باتت تهدد �أمنه وا�ستقراره‪،‬‬ ‫و�أن يت����م ا�ستكمال عملية االندماج ملواجهة التحديات الأمنية والتنموية‬ ‫التى تعرت�ض م�سرية االن�ضمام اليمنية‪ ،‬ورمبا كان النعقاد م�ؤمتر وزراء‬ ‫خارجي����ة دول اخلليج مع وزير اخلارجية اليمني يف �صنعاء خالل �شهر‬ ‫�آذار‪/‬مار�س املا�ضى لبحث كيفية التعامل من خالل ر�ؤية خليجية موحدة‬ ‫م����ع التحديات التنموية والأمنية يف اليم����ن‪ ،‬بداية االهتمام الفعلي من‬ ‫جان����ب دول اخلليح مبا يحدث يف اليمن م����ن تطورات‪ ،‬لأنها يف النهاية‬ ‫�ست�ؤث����ر ب�شكل كبري يف الأو�ضاع اخلليجية عامة‪ .‬كما يجب و�ضع معايري‬ ‫الت�أهي����ل لالقت�صاد اليمني لالن�ضمام للمجل�����س مو�ضع التنفيذ الفعلي‬ ‫م����ن جانب احلكوم����ة اليمنية‪ ،‬و�أن ي�سعى النظ����ام ال�سيا�سي احلاكم يف‬ ‫�صنع����اء �إىل التهدئة على ال�ساح����ة ال�سيا�سية الداخلية وفتح حوار فعال‬ ‫ب��ي�ن ال�سلط����ة واملعار�ضة من ناحي����ة‪ ،‬وبينها وبني دع����اة االنف�صال من‬ ‫ناحي����ة �أخرى‪ .‬ناهيك ع����ن �ض����رورة مواجهة احلكوم����ة حلالة الرتدي‬ ‫االقت�ص����ادي الذى بلغ ذروته ب�إخفاق ال�سيا�سات النقدية واملالية‪ ،‬حيث‬ ‫�شه����د الريال اليمني خالل �شهر �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ 2010‬هبوط ًا حاد ًا �أمام‬ ‫الدوالر يف الوقت الذى ارتفعت فيه الأ�سعار بن�سبة كبرية‪ ،‬مما زاد من‬ ‫وط�أة الظروف االقت�صادية على احلياة اليومية لليمنيني‪� .‬إذن ما يزال‬ ‫اليم����ن يحتاج �إىل جهد داخل����ي خارق ميكنه من الول����وج �إىل املنظومة‬ ‫اخلليجية‪ ،‬ولك����ن مبزيد من الدعم اخلليجي عرب ا�سرتاتيجية خليجية‬ ‫موح����دة تتجاوز ح����دود اخلالفات الت����ى تتال�شى �أهميته����ا يف مواجهة‬ ‫الأخطار الإقليمية والدولية التى حتيط مبنطقة اخلليج العربي ككل‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪53‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫الفر�صة ال�سانحة‬ ‫مكانة اليمن ودورها فـي املنظومة‬ ‫الأمنيــة الإقليمية اجلديدة‬

‫م ��ا حقيق ��ة امل�شه ��د ال�سيا�سي‪ -‬الأمن ��ي ببعديه ال ��دويل والإقليمي الذي ت ��دور �أحداثه الرئي�س ��ة يف نطاق حدود‬ ‫املنطق ��ة املمت ��دة ب�ي�ن م�ضيق ��ي باب املندب وهرمز وم ��ا يجاورها؟ وم ��ا عالقته مبا يدور من تط ��ورات �سيا�سية‪-‬‬ ‫�أمنية مت�سارعة على ال�ساحة اليمنية؟ ومن ثمّ‪ ،‬هل الكيان القومي لليمن يف خطر حقيقي؟ كيف وملاذا؟‬ ‫طارق عبد اهلل احلروي‬ ‫‪d.tat2010@gamail.com‬‬

‫‪54‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫طارق عبد اهلل احلروي باحث ميني يف العالقات الدولية‬ ‫وال�ش�ؤون اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫�أ�سئل���ة كثرية تدور يف �أذهان اجلميع وذوي االخت�صا�ص منهم بوجه مي���زة املوقع اال�سرتاتيجي الأه���م يف املنطقة‪ ،‬من باب �أن �إجماع معظم‬ ‫خا����ص‪ ،‬حتتاج �إىل �إجابات ن�سبي���ة وافية‪� ,‬سوف نحاول تناولها يف �ضوء الق���وى الدولية وك���ذا الإقليمية �صاحبة امل�صلح���ة احليوية امل�شرتكة يف‬ ‫ر�ؤية حتليلي���ة ذات منظور �إ�سرتاتيجي نناق�ش من خاللها مدى خطورة ت�أم�ي�ن خطوط املالح���ة الدولية العاب���رة ملياه خليج عدن �س���واء باجتاه‬ ‫ا�ستمرار عمليات احلراك ال�سيا�سية‪ -‬الأمنية والع�سكرية واالقت�صادية البحر الأحم���ر �أو املحيط الهندي‪ ،‬ال يتعار�ض البتة مع وجود �أية طموح‬ ‫التي تعي�شها اليمن منذ نهاية الن�صف الأول من العقد احلايل‪ ،‬وماهية �أو �إرادة لدي �صانع القرار اليمني نحو ت�أدية دور �إقليمي �سيا�سي‪� -‬أمني‬ ‫وطبيع���ة التوجه���ات اليمني���ة ذات الطاب���ع اال�سرتاتيج���ي املطلوبة �إزاء حموري �ضمن نطاق حدود الإرادة الدولية �أو نكرانها‪.‬‬ ‫التطورات احلا�صلة يف املنطقة وما يجاورها‪.‬‬ ‫ومم���ا ال�ش���ك في���ه �أن ه���ذا الأم���ر يف خطوط���ه العامة يتوق���ع له �أن‬ ‫ميكن القول ابتدا ًء �إن ا�ستمرار تنامي حُ مّى حاالت االنفالت ال�سيا�سي‪ -‬يتعار�ض ن�سبي ًا على املدى القريب يف �أقل تقدير مع طموحات وتوجهات‬ ‫الأمن���ي يف بع����ض ال���دول الرئي�س���ة امل�ؤث���رة يف املعادل���ة الإقليمية لهذه بع����ض القوى الإقليمية الفاعلة‪ ،‬التي خ�ضعت لها الإرادة الدولية ن�سبياً؛‬ ‫املنطقة‪ ،‬كال�سودان‪ ،‬وال�صومال‪ ،‬واليمن‪ ،‬وباك�ستان‪ ،‬و�أخري ًا ال�سعودية‪ ،‬م���ن خالل حماول���ة ا�ستيعابها؛ بهدف ا�ستكم���ال خمططاتها املر�سومة‬ ‫وماهي���ة وطبيعة ومن ثمّ حجم الإرها�صات الدولية والإقليمية ب�أبعادها للمنطق���ة ككل‪ ،‬يف �ض���وء ما ن�ست�شفه من ا�ستم���رار قراءتنا لهذا املتغري‬ ‫الع�سكري���ة وال�سيا�سي���ة والأمنية الت���ي يغلب عليها الطاب���ع الإعالمي‪ -‬وفق��� ًا للمنظ���ور اال�سرتاتيج���ي على خلفية م���ا ت�شهده ال�ساح���ة اليمنية‬ ‫الدعائ���ي امل�صاحبة لأعم���ال القر�صن���ة البحرية يف نطاق ح���دود مياه م���ن تط���ورات رئي�سة ت�سري بوتائ���ر متناغمة مذهلة تت�س���ق ن�سبي ًا مع ما‬ ‫خليج ع���دن والبحر العربي بالقرب من احل���دود ال�صومالية‪ -‬الكينية‪ ،‬يج���ري يف دول �أخرى مثل (ال�صوم���ال‪ ،‬وباك�ستان‪ ).. ،‬منذ عام ‪،2004‬‬ ‫ت�س�ي�ر يف اجت���اه �إمكانية تبلور املع���امل الرئي�سة املح���ددة لأول منظومة ال�سيم���ا يف ظل وج���ود احتماالت كثرية لدين���ا ب����أن دو ًال �إقليمية بعينها‬ ‫ت�سع���ى بق���وة يف ظل ما متتلكه م���ن ر�صيد �إ�سرتاتيج���ي‪� -‬سيا�سي‬ ‫�إقليمي���ة‪ -‬دولية �أمنية جديدة‪ ،‬ت�ضم كل الدول املعنية التي تتح�شد‬ ‫وراء حماول���ة حتجي���م ال���دور املح���وري املتوقّ���ع لليمن‪،‬‬ ‫�أ�ساطيلها احلربية والبحرية فيها؛ تغطي املنطقة املمتدة‬ ‫ب�ص���ورة ال تتنا�س���ب م���ع املمي���زات اال�سرتاتيجية‬ ‫ب�ي�ن م�ضيقيّ ب���اب املندب وهرمز وم���ا يجاورها‪-‬‬ ‫ا�ستمرار تنامي ُحمّى حاالت‬ ‫الت���ي ميتلكه���ا‪ ،‬حت���ت م�ب�ررات كث�ي�رة؛ منه���ا‬ ‫عل���ى �أكرث تقدي���ر‪� -‬ضم���ن �إ�سرتاتيجية املحور‬ ‫االنفالت ال�سيا�سي‪ -‬الأمني يف‬ ‫ا�ستم���رار تزايد املخ���اوف التقليدي���ة لبع�ض‬ ‫الأمريكي‪-‬الغرب���ي وحلفائ���ه املتبع���ة �إزاء‬ ‫بع�ض الدول الرئي�سة امل�ؤثرة يف‬ ‫دول اجل���وار العربي واخلليج���ي (ال�سعودية‬ ‫منطقت���ي “ال�شرق الأو�س���ط الكبري و�شمال‬ ‫املعادلة الإقليمية لهذه املنطقة‪،‬‬ ‫بوج���ه خا�ص) م���ن �أن ب���روز �أي���ة احتمالية‬ ‫�أفريقي���ا”‪ ،‬و”الق���رن الأفريق���ي الكبري”‬ ‫ت�سري يف اجتاه �إمكانية تبلور‬ ‫املعامل الرئي�سة املحددة لأول‬ ‫ل���دور حموري حقيق���ي لليم���ن �سيكون‪ -‬بال‬ ‫املقرتح���ة‪ ،‬ب�ص���ورة يتوق���ع له���ا �أن ت�ش���كل‬ ‫أمنية‬ ‫�‬ ‫دولية‬ ‫إقليمية‪-‬‬ ‫�‬ ‫منظومة‬ ‫�شك‪ -‬عل���ى ح�ساب م�صاحله���ا احليوية من‬ ‫احللقة الأكرث �أهمية يف امل�شاريع ال�سيا�سية‪-‬‬ ‫املعنية‬ ‫الدول‬ ‫كل‬ ‫ت�ضم‬ ‫جديدة‪،‬‬ ‫الناحية اال�سرتاتيجية‪ ،‬م�ضاف ًا �إليها املخاوف‬ ‫الأمنية املذكورة �آنفاً‪.‬‬ ‫التي تتح�شد �أ�ساطيلها‬ ‫امل�صري���ة املت�أتية من الطموح���ات الإقليمية وراء‬ ‫�أما الثابت يف هذا الأمر‪� ،‬إن اليمن مبا متتلكه‬ ‫احلربية فيها‬ ‫حماول���ة لعب دور حموري على ح�س���اب دول املنطقة‬ ‫م���ن مقوم���ات �إ�سرتاتيجي���ة فريدة م���ن نوعها؛ من‬ ‫ومنها اليم���ن‪ .‬فربوز مثل هذا الدور‪ -‬م���ن وجهة نظرها‪-‬‬ ‫حيث املوق���ع واملو�ضع‪ ،‬ومن ثم بقدر ما ‪� -‬أو ما ميكن �أن‪-‬‬ ‫توظف���ه من م���وارد و�إمكانات‪ ،‬ثم ما لديها من م�صال���ح قائمة كانت �أم �سي�ؤثر كثري ًا فيها‪� ،‬سيما �أنها �سوف ت�ضطر �إىل �إحداث تغيري جذري يف‬ ‫من�شودة‪ ،‬ومن ث���م من �إرادة وطموح متنامي يف ت�أدية دور حموري م�ؤثر �سيا�ساتها املتبعة �إزاء اليمن تراعي فيها امل�صلحة العليا لليمن يف �ضوء‬ ‫يف �أت���ون ال�سيا�س���ة الإقليمية �ضمن نطاق ح���دود احليز اجلغرايف الذي م���ا متثله قناة ال�سوي����س من �أهمية ق�صوى مل�صر‪ ،‬عل���ى خلفية م�شاركة‬ ‫ت�شغل���ه وما يجاوره‪� ،‬س���وا ًء �أكان ذلك يف اجتاه ال�ش���رق ممث ًال بالدائرة اليم���ن لها باملنا�صفة يف �إدارة املمر املائي‪ -‬ول���و ب�صورة ن�سبية‪ ،-‬وكذا‬ ‫الأمني���ة الإقليمية للخلي���ج العربي و�شبه اجلزي���رة العربية‪� ،‬أو يف اجتاه ينطب���ق هذا الأمر على بع�ض الدول غري العربي���ة ك�إ�سرائيل على �سبيل‬ ‫الغ���رب ممث ًال بالدائرة الأمنية الإقليمية للق���رن الأفريقي‪� ،‬أو يف اجتاه املث���ال ال احل�صر؛ ج���راء ا�ستمرار خماوفها الأزلي���ة �إزاء �أية احتماالت‬ ‫اجلنوب ممث ًال باملجال احليوي البحري‪ ،‬قد فر�ض نف�سه بقوة على خط لقي���ام دور عرب���ي‪ -‬ميني فاع���ل يف منطقة البحر الأحم���ر حتى لو كان‬ ‫�سري الأح���داث الرئي�سة املتوقعة واملحتمل���ة واملرغوبة‪ ،‬ب�صورة ال ميكن من�ضبط��� ًا وم�سيط���ر ًا عليه‪ ،‬تتحول مبوجب���ه املنطق���ة �إىل دائرة عربية‬ ‫جتاوزه���ا �أو جتاهلها باملطلق م���ن قبل دول املح���ور الأمريكي‪ -‬الغربي مغلق���ة‪ ،‬تزيد من حجم املع�ضالت الأمنية التي تعي�شها �إ�سرائيل‪� -‬أوالً‪-‬‬ ‫وحلفائها‪� ،‬سواء عند التخطيط �أو التنفيذ لقيام نظام كهذا‪ ،‬وهو الأمر ثم �إيران �أثناء �سعيها احلثيث وراء حماولة تقوي�ض �أو حتجيم مرتكزات‬ ‫ال���ذي يتوقع مبوجبه �أن تتبو�أ اليمن ‪ -‬بالت�شارك مع دول �أخرى ‪ -‬مكانة قيام دور ميني يف املنطقة �ضمن نطاق حدود الدائرة الإقليمية الثانوية‬ ‫مرموق���ة ومهم���ة يف �إ�سرتاتيجيات الق���وى الدولية والإقليمي���ة الفاعلة‪ ،‬املر�سوم���ة له���ا ممثل���ة باخللي���ج العرب���ي و�شب���ه اجلزي���رة العربية يف‬ ‫تتنا�س���ب مع طموحاته���ا املكبوتة منذ ع�شرين عام ًا م���ن ح�صولها على اجت���اه �إعادة تروي�ض���ه يف �إطار ا�سرتاتيجية املح���ور الأمريكي‪ -‬الغربي‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪55‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫وحلفائ���ه املتبعة �إزاء منطق���ة “ال�شرق الأو�سط الكبري‬ ‫و�شم���ال �أفريقيا” املقرتحة‪ -‬ثانياً‪ ،-‬وهو الأمر الذي‬ ‫ات�ضح���ت بع�ض �أهم معامل���ه الرئي�سة يف طبيعة الأدوار‬ ‫املحورية التي لعبتها دول بعينها ‪ -‬من قريب �أو بعيد ‪-‬‬ ‫يف جممل عمليات احلراك ال�سيا�سية‪ -‬الأمنية ومن ثمّ‬ ‫الع�سكري���ة واالقت�صادية التي �شهدتها ال�ساحة اليمنية‬ ‫منذ ع���ام ‪ ،2004‬يف اجت���اه ا�ستنزاف ق���درات النظام‬ ‫اليمن���ي و�ص���و ًال �إىل �إ�ضعافه ولي����س �إ�سقاطه‪ ،‬متهيدا‬ ‫الحتوائه‪ ،‬كي يت�سنى لها فر�ض �أجندتها الإقليمية عليه‬ ‫م���ن دون مقاومة حقيقي���ة تذكر‪ ،‬ال�سيم���ا �أن م�صلحة‬ ‫املح���ور الأمريك���ي‪ -‬الغربي ت�سري يف امل���دى املتو�سط‪-‬‬ ‫على �أك�ث�ر تقدير‪ -‬يف اجت���اه تعزيز موقفه���ا الر�سمي‬ ‫املعل���ن �إزاء احلفاظ على الكيان القومي لليمن ووحدة‬ ‫ترابه الوطني‪.‬‬ ‫و�ضم���ن ه���ذا ال�سياق‪� ،‬أ�صب���ح حري ًا بن���ا القول �إن‬ ‫عل���ى مراكز اتخاذ القرار يف اليم���ن‪ ،‬التي مل تدخر جهد ًا �إال وبذلته يف‬ ‫اجت���اه البحث امل�ستمر ع���ن موطئ قدم حقيقية لها يف ه���ذه الدائرة �أو‬ ‫تل���ك طوال الـ‪ 19‬عام ًا املا�ضية‪ ،‬ت�ستطيع م����ن خاللها بناء �أو �إعادة بلورة‬ ‫بع�����ض �أهم املرتكزات الأ�سا�سية لقيام دور �إقليمي ميني حموري‪� ،‬إال �أنها‬ ‫يف نهاي����ة املطاف مل جتنِ �سوى النزر القليل من ثمار هذا املجهود‪ ،‬جراء‬ ‫حمدودي����ة اخليارات املتاحة �أمامها عل����ى امل�ستويني الداخلي واخلارجي‪،‬‬ ‫�ض����رورة الرتكي����ز املحوري‪ -‬م����ن الآن ف�صاع����داً‪ -‬على املع����امل الرئي�سة‬ ‫للفر�ص����ة التاريخية املن�شودة بكل دالالتها التاريخية و�أبعادها امل�ستقبلية‪،‬‬ ‫التي �أ�صبحت بع�ض �أهم مالحمها الرئي�سة قاب قو�سني �أو �أدنى منا‪ ،‬بد ًال‬ ‫م����ن حتمّل عناء الذهاب �إليها وطلب و ّده����ا‪� ،‬أو انتظار ما ميكن �أن ت�سفر‬ ‫عن����ه الأيام من �صفقات �سيا�سية بني تلك الق����وى مع بع�ضها البع�ض دون‬ ‫�أن نك����ون طرف ًا حموري ًا فيه����ا‪ ،‬يف ظل ا�ستمرار تنام����ي �إرها�صات �إعادة‬ ‫ت�سليط الأ�ضواء بقوة ‪ -‬مرة واحدة‪ -‬على البيئة الإقليمية الأمنية املمتدة‬ ‫بني م�ضيقيّ ب����اب املندب وهرمز وما يجاورها؛ فدول املحور الأمريكي–‬ ‫الغربي وحلفائه الدوليني والإقليميني قاطبة‪ ،‬ويف مقدمتها الدول العربية‪-‬‬ ‫اخلليجي����ة بوجه خا�ص‪ ،‬واقفة على �أبوابنا تدقّها بلطف تنتظر منا الإذن‬ ‫له����ا بالدخول الفوري للتباحث وفتح باب احلوار ا�ستعداد ًا لدخول مرحلة‬ ‫املفاو�ضات‪� ،‬سيما يف �ضوء ما يتوقع لها �أال تلبي‪ -‬يف نهاية املطاف‪� -‬سوى‬ ‫احلد الأدنى من متطلبات حتقيق امل�صلحة العليا للبالد‪ ،‬نظر ًا ال�ستمرار‬ ‫حم����اوالت �إبعاد اليمن عن هذه املفاو�ضات‪ ،‬جراء تنامي حاالت التداخل‬ ‫والت�شاب����ك الإقليمية والدولية املعقدة و�أبعاده����ا امل�ستقبلية‪ ،‬م�ستفيدة يف‬ ‫ذل����ك من �إرها�صات تط����ور الأو�ض����اع الداخلية التي تعي�شه����ا اليمن منذ‬ ‫الن�صف الثاين من العقد احلايل والذي ال ي�سري يف �صاحلنا‪.‬‬ ‫وه����و الأم����ر الذي يفر�ض نف�سه بقوة على مراك����ز اتخاذ القرار ب�أهمية‬ ‫�أن ت����ويل هذا املتغ��ي�ر اهتمام ًا حموريا خا�ص ًا يرتق����ي �إىل م�ستوى املرحلة‬ ‫مبتطلباته����ا امللحة والتحديات املحيطة بها‪ ،‬ك�أه����م معاركنا الوطنية التي‬ ‫‪56‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫اليمن مبا متتلكه من‬ ‫مقومات �إ�سرتاتيجية‬ ‫فريدة من نوعها قد‬ ‫فر�ض نف�سه بقوة على‬ ‫خط �سري الأحداث‬ ‫الرئي�سة املتوقعة‬ ‫واملحتملة واملرغوبة‪،‬‬ ‫ب�صورة ال ميكن‬ ‫جتاوزها �أو جتاهلها‬ ‫باملطلق من قبل دول‬ ‫املحور الأمريكي‪-‬‬ ‫الغربي وحلفائها‬ ‫يج����ب �أن نخو�ضها ‪ -‬حكوم����ة و�شعب ًا ‪ -‬لفر�ض �أنف�سنا بق����وة‪ ،‬لأن التهاون‬ ‫�أو �ضع����ف �إدراك ح�سا�سية هذا املتغري الذي نحن ب�صدده‪ ،‬يعني يف نهاية‬ ‫املط����اف �إيذان ًا ر�سمي ًا ع����ن تنازل فعلي عن �أهم مي����زات املوقع اجلغرايف‬ ‫يف بع����ده اال�سرتاتيجي من جهة‪ ،‬وتنازل ع����ن �أهم �أوراق ال�ضغط الرئي�سة‬ ‫املتاح����ة بي����د اليمن‪ ،‬والت����ي ت�ؤهله����ا لفر�ض نف�سه����ا بقوة وخو�����ض عملية‬ ‫املفاو�ضات الثنائية ومتعددة الأطراف املتوقعة واملحتملة مع القوى املعنية‬ ‫م����ن جه����ة �أخرى‪ ،‬وه����و الأمر ال����ذي يعني فقدانه����ا لأهم مق����وِّم يتوقع �أن‬ ‫يرتكز عليه الدور اليمن����ي املن�شود‪ ،‬وبالتايل حتجيم لدور اليمن ومكانتها‬ ‫اال�سرتاتيجي����ة‪ ،‬الت����ي وفّرهما متغري قي����ام الوحدة الوطني����ة‪ ،‬لأن مقاليد‬ ‫ال�سيط����رة ‪ -‬ه����ذا �إن مل نق����ل الهيمن����ة‪ -‬عل����ى املوقع البح����ري ‪ -‬الذي هو‬ ‫م�ص����در ح�سا�سية �شديدة للعديد من دول العامل‪ -‬تكون قد انتقلت بالفعل‬ ‫�إىل �أيادي القوى الدولية والإقليمية‪.‬‬ ‫�أم����ا فح����وى الر�سال����ة الت����ي يج����ب �إي�صاله����ا �إىل املعني��ي�ن يف اليمن‬ ‫عل����ى �سدة ال�سلط����ة وخارجها‪ ،‬هو حمورية الرتكي����ز يف الإدراك واحلركة‬ ‫املطلوب��ي�ن‪ ،‬كي يت�سنى لهم �إمكاني����ة ا�ستح�ضار هذه املفارقة التاريخية يف‬ ‫بعده����ا اال�سرتاتيجي‪ ،‬به����دف تعظيم حجم املكا�س����ب املتوقعة واملحتملة‪،‬‬ ‫وك����ذا املرغ����وب فيها‪ ،‬من خ��ل�ال �إر�س����ال �إ�ش����ارات ودالالت حقيقية ذات‬ ‫مغ����زى تدركه دوائر �صنع القرار الأمريك����ي‪ -‬الغربي وحلفائه‪ ،‬وهي ت�ضع‬ ‫اللم�س����ات الأخ��ي�رة ملخططاته����ا املقرتح����ة �إزاء املنطقة‪ ،‬ا�ستن����اد ًا ملعطي‬ ‫جيوبوليتيك����ي مهم مف����اده “حاجة دول املحور نف�سه����ا لقيام دور ميني يف‬ ‫َر�ضه متغري املوق����ع؛ ت�ستطيع من خالله �إمتام اجلزء الأكرب‬ ‫ه����ذا اجلزء ف َ‬ ‫وامله����م من خمططاتها املر�سومة‪ ،”..‬لك����ن يبقى م�ستوى ودرجة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ماهي����ة وطبيعة هذا الدور‪ ،‬ه����و مثار اجلدل الذي يجب على �سا�سة البالد‬ ‫�أن ي�سع����وا وراءه من �أجل �إقح����ام الإرادة اليمنية بقوة يف �شبكة الرتتيبات‬ ‫الإقليمي����ة الأمني����ة املقبل����ة‪ ،‬بد ًال م����ن ت����رك م�صاحلنا احليوي����ة مرهونة‬ ‫ب�����إرادة الآخرين‪ ،‬وخا�ضع����ة ملعطيات الواقع الداخل����ي‪ -‬اليمني والإقليمي‬ ‫(ال�سعودي‪ ،‬امل�صري‪ ،‬الإ�سرائيلي‪ ،‬الإيراين‪ ،‬الأثيوبي‪.)..،‬‬

‫برعاية كرمية من فخامة الأخ الرئي�س‪/‬‬ ‫ينظم مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫بالتعاون مع وزارة املياه والبيئة‪ ،‬ووزارة الزراعة والري‪ ،‬وال�صندوق االجتماعي للتنمية‪،‬‬ ‫وباال�شرتاك مع املكتب الأملاين للتعاون الفني ‪GTZ‬‬

‫امل�ؤمتر الوطني لإدارة وتنمية املوارد املائية يف اليمن‬ ‫واملقرر انعقاده يف �صنعاء‪� ،‬شهر كانون الثاين‪/‬يناير ‪2011‬‬

‫حمـاور امل�ؤمتــر‬ ‫املحور الأول‪ :‬املوارد املائية يف اليمن‪ :‬الأو�ضاع والتحديات‪.‬‬ ‫املحور الثاين‪ :‬الإدارة املتكاملة للموارد املائية‪.‬‬ ‫املحور الثالث‪� :‬إ�سرتاتيجيات و�سيا�سات و�إجراءات �إدارة وتطوير املوارد املائية‪.‬‬ ‫للمزيد من املعلومات‪ ،‬الرجاء التوا�صل مع من�سقة امل�ؤمتر‪:‬‬ ‫�سهري عاطف‪ ،‬مديرة وحدة الدرا�سات االجتماعية‪ ،‬مبركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫هاتف‪ +967-1-682144 :‬حتويلة (‪)113‬‬

‫فاك�س‪+967-1-677879 :‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪suhair@shebacss.com :‬‬

‫�أو تف�ضلوا بزيارة املوقع الإلكرتوين للم�ؤمتر‬

‫�ضمن موقع املركز على الرابط‪www.shebacss.com/water :‬‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫هاتف‪ +967-1-682144 :‬فاك�س‪+967-1-677879 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب‪� 16822 :‬صنعاء ‪ -‬اجلمهورية اليمنية‬ ‫‪www.shebacss.com‬‬

‫‪E-mail: info@shebacss.com‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪57‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫من «الهادوية» �إىل «احلوثية»‬ ‫قراءة يف حتوالت الزيدية ال�سيا�سية‬

‫نبيل البكريي‬

‫‪albukiri@hotmail.com‬‬

‫مذه��ب م��ن املذاهب الإ�سالمية املعروفة مل��ا خ�ضعت له الزيدية‪ ،‬كمذهب فقه��ي‪ ،‬من حتوالت فكرية‬ ‫مل يخ�ض��ع‬ ‫ٌ‬ ‫وثقافي��ة وعقائدي��ة كب�يرة عل��ى امت��داد تاريخه��ا الفك��ري وال�سيا�سي من��ذ ظه��ور الزيدية كحرك��ة فكرية‬ ‫اجتماعي��ة معار�ض��ة يف القرن الهجري الثاين وحتى ظهورها كحرك��ة �سيا�سية ثورية “متطرفة” يف مرحلتها‬ ‫“احلوثية” يف الوقت الراهن‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�صحفي وباحث ميني يف �ش�ؤون احلركات واجلماعات الإ�سالمية‪.‬‬

‫وبرغ���م ما يذه���ب �إليه بع����ض الباحثني م���ن �أن املذه���ب الزيدي هو‬ ‫�أق���رب �إىل نظري ٍة �سيا�سي ٍة منه �إىل مذهب فقه���ي‪ ،‬الختزاله املذهب ‪-‬‬ ‫فقه��� ًا وعقي���د ًة ‪ -‬يف نظرية الإمام���ة مبدلوليها ال�سيا�س���ي والديني‪ ،‬بل‬ ‫بغلبة املدلول ال�سيا�س���ي على الديني يف الإمامة تطبيق ًا وممار�سة‪ ،‬لكن‬ ‫الزيدية مل تتحول �إىل نظرية �سيا�سية �إال يف مرحلتها الهادوية يف اليمن‬ ‫يف نهاية القرن الهجري الثالث‪.‬‬ ‫وم���ع هذا‪ ،‬ف�إن الزيدي���ة مل تكن يوم ًا مذهب ًا قائم��� ًا دون وجود �سلطة‬ ‫�سيا�سية قائمة على نظريتها يف احلكم وهي “الإمامة”‪ ،‬وهذا ما يُف�سر‬ ‫اندث���ار وذوب���ان هذا املذه���ب يف كل م���ن الديلم وطرب�ست���ان يف القرن‬ ‫الهجري الثاين وبقائه يف اليمن على مدى �أكرث من ع�شرة قرون‪ .‬فبقاء‬ ‫املذه���ب الزيدي على مدى قرون يف اليمن يع���ود ب�شكل رئي�سي ملا ظلت‬ ‫تتمت���ع به الزيدي���ة يف مرحلتها الهادوي���ة يف اليمن من �سلط��� ٍة �سيا�سي ٍة‬ ‫ممثل���ة بدولة الإمام���ة الهادوية الت���ي �أ�س�سها الإمام اله���ادي يحيي بن‬ ‫احل�سني الر�سي منذ قدومه �إىل اليمن يف عام ‪ 284‬هجرية‪ ،‬والتي ظلت‬ ‫حتى منت�صف القرن الع�شرين املا�ضي لتنتهي بقيام ثورة �سبتمرب ‪1962‬‬ ‫التي �أعلنت قيام النظام اجلمهوري على �أنقا�ض الإمامة الهادوية‪.‬‬ ‫م��ن ه��و الزي��دي؟‬ ‫�إن تغلي���ب‬ ‫ال�سيا�س���ي عل���ى الدين���ي يف احلالة الزيدي���ة وا�ضح وجل���ي يف كثري من‬ ‫�أدبياتها وم�سرية �أئمتها على امتداد تاريخهم‪� ،‬إذ يُعد زيدي ًا عندهم كل‬ ‫من قال ب�إمامة زيد بن علي ومن تاله من �آل البيت �شرط خروجه داعي ًا‬ ‫لنف�س���ه بال�سيف‪ ،‬ولو متذهب بعد ذلك مبا �ش���اء من املذاهب والأفكار‪.‬‬ ‫ويذه���ب العالمة الهَادي ب���ن �إبراهيم الوزير (املت���ويف يف ‪ 822‬هـ)‪ ،‬يف‬ ‫كتاب���ه املخطوط «هداية الراغبني»‪� ،‬إىل �أن انت�ساب الزيدية �إىل زيد بن‬ ‫عل���ي يعود لقوله���م ب�إمامته واعتقادهم ف�ضل���ه وزعامته؛ ولأن مذهبهم‬ ‫�أن الإمامة فيمن قال ب�إمامة زيد بن علي‪ ،‬واعتقد ف�ضله فهو (زيدي)‪،‬‬ ‫و�إن مل يلت���زم مَ ذْ هَ به يف الفروع‪ ،‬ف����إنَّ كثري ًا من ال َّزيْديَّة على ر�أي غريه‬ ‫يف امل�سائل االجتهادية وامل�سائل النظرية‪.‬‬ ‫والأم���ر نف�س���ه ي�ؤكده الكاتب الزي���دي عبداهلل حمي���د الدين يف كتابه‬ ‫«الزيدي���ة‪ :‬ق���راءة يف امل�ش���روع وبحث يف املكون���ات»‪ ،‬بقول���ه يف تعريفه‬ ‫للزيدي‪« :‬ومما يح�سن ذكره هنا �أن كلمة «زيدية» يف �أول �أمرها مل يكن‬ ‫لها داللة مذهبية �أو فكرية بقدر داللتها ال�سيا�سية‪ ،‬فقد كانت ت�شري �إىل‬ ‫كل من اتفق مع الإمام زيد بن علي (‪ 122‬هجرية) يف دعوته الإ�صالحية‬ ‫�إىل دف���ع الظامل�ي�ن‪ ،‬ون�صر امل�ست�ضعف�ي�ن‪ ،‬ورعاية امل���ال‪ ،‬واحلق العام‪،‬‬ ‫واحلري���ات ال�سيا�سية‪ ،‬فكان من وافقه يف تلك ي�سمى زيدياً‪ ،‬و�إن اختلف‬ ‫مع الإمام يف ر�ؤيته»‪.‬‬ ‫وم����ؤدى هذه الأقوال كلها ي�صب باجت���اه مركزية الفكرة ال�سيا�سية يف‬ ‫الزيدي���ة‪ ،‬وخا�ص��� ًة يف مرحلته���ا الهادوية التي يرى كث�ي�ر من الباحثني‬ ‫�أنه���ا ‪� -‬أي الهادوية ‪ -‬هي التي جذبت الزيدية من حقل الفقه �إىل حقل‬ ‫ال�سيا�س���ة‪ ،‬ب�إدخالها مفه���وم الإمامة ال�سيا�سي���ة وح�صرها يف البطنني‬ ‫دون �سواهما‪.‬‬

‫الإمام زيد واملذهب‬ ‫يذهب البع�ض‬ ‫�إىل �أبعد م���ن م�س�ألة القول ب�أن الزيدية جمرد نظرية �سيا�سية فح�سب‪،‬‬ ‫بقوله���م �إن زيد ًا ب���ن علي بن احل�سني مل ي�ؤ�س�س مذهب��� ًا ومل ي ّد ِع �إمامة‬

‫نف�س���ه مطلقاً‪ ،‬كم���ا ذهب �إىل ذل���ك الباحث العراقي حمم���ود الربيعي‬ ‫بقول���ه» �إن زي���د ًا ال�شهي���د مل ي�ؤ�س�س ملذهب جديد‪ ،‬لك���ن ‪ -‬وكما يبدو ‪-‬‬ ‫�أن املذه���ب الزي���دي ق���د ت�أ�س�س بعد ف�ت�رة طويلة من �شهادت���ه ر�ضوان‬ ‫اهلل تع���اىل علي���ه‪� ،‬أي �أنه مل يفكر على الإط�ل�اق بت�أ�سي�س مذهب خا�ص‬ ‫ينتم���ي �إلي���ه النا�س‪ ،‬لأنه كان عل���ى مذهب �آبائه و�أج���داده‪ ،‬ولي�س عنده‬ ‫�أي���ة خالف���ات عقائدية �أو فكري���ة مع �إبن �أخيه الإم���ام جعفر بن حممد‬ ‫ال�صادق عليه ال�سالم»‪.‬‬ ‫والربيع���ي هنا ي�شري �إىل مرحل���ة الت�أ�سي�س املت�أخ���رة للمذهبية با�سم‬ ‫الإم���ام زي���د ب���ن عل���ي‪� ،‬أي الزيدي���ة الت���ي عُ رف���ت يف ال�ت�راث اليمني‬ ‫بـ(الهادوي���ة) ن�سب��� ًة �إىل الإم���ام اله���ادي يحي���ي بن احل�س�ي�ن امل�ؤ�س�س‬ ‫احلقيقي ملا بات ُيع���رف بالزيدية اليمنية‪ .‬وبرغم احتواء ر�ؤية الربيعي‬ ‫نف�س��� ًا مذهبي��� ًا جعفرياً‪ ،‬م���ن حيث الق���ول ب�أن الإم���ام زي���د كان ُمقِر ًا‬ ‫ب�إمام���ة جعفر ال�صادق‪ ،‬لكنه���ا ال تبتعد كثري ًا ع���ن احلقيقة التاريخية‬ ‫يف �أن الزيدي���ة مل تكن مذهب ًا فقيها متكام�ل�اً م�ستق ًال بذاته كغريه من‬ ‫املذاه���ب الإ�سالمية الأخرى‪ ،‬بدليل اعتزاليت���ه يف العقيدة وحنفيته يف‬ ‫الفق���ه و�أ�صوله‪ .‬لذا هُ ن���اك من يرى �أن ما �أُطلق علي���ه بالزيدية مذهب ًا‬ ‫كان���ت جمموعة من الأفكار االعتزالية يف العقي���دة واحلنفية يف الفقه‪،‬‬ ‫�ض���مّ �إليها الإمام الهادي بعد ذلك نظري���ة الإمامة مُكون ًا مذهب ًا عُ رِ ف‬ ‫بالزيدية جماز ًا و»الهادوية» معن���ىً وم�ضموناً‪ ،‬وهذا ما يالحظ ُه الكثري‬ ‫من الباحثني يف الرتاث الزيدي‪.‬‬

‫«الهادوية» وم�أزق ال�سيا�سة‬ ‫الر�ؤية‬ ‫ال�سيا�سي���ة للزيدي���ة‪ ،‬تتج�س���د ماثل��� ًة يف موقفه���ا من �شرعي���ة الأنظمة‬ ‫احلاكم���ة‪ ،‬يف �ضوء ما ت�ستند عليه من تراث �سيا�سي قُدِّ م للنا�س بقالبه‬ ‫صال من �أ�صول‬ ‫الفقه���ي املذهبي‪ ،‬وهو هن���ا مو�ضوع الإمامة التي ُتع���د �أ� ً‬ ‫املذه���ب‪ ،‬والتي من دونها ال ت�ستقيم زيدية الأتب���اع‪ ،‬وبالتايل ال �شرعية‬ ‫لنظ���ام �سيا�س���ي قائم ما مل يك���ن مرتكز ًا عل���ى مفهوم الإمام���ة‪ ،‬فكر ًا‬ ‫وتطبيقاً‪.‬‬ ‫فامل�س�أل���ة ال�سيا�سية يف الزيدية �إذن هي حجر الزاوية وحمور االرتكاز‬ ‫الت���ي يدور حوله���ا املذهب ب�صيغت���ه الهادوية وحتى الي���وم على امتداد‬ ‫تاريخه الطوي���ل‪ .‬فالزيدية‪ ،‬كما ذكرنا �سابقاً‪ ،‬كانت دولة يف طرب�ستان‬ ‫والديل���م‪ ،‬ومل تك���ن مذهب��� ًا فقهي���اً‪ ،‬انته���ى بانته���اء الدول���ة احلا�ضنة‬ ‫والراعي���ة‪ ،‬بعك����س بقية املذاه���ب الفقهي���ة الأربعة الت���ي ظلت مذاهب‬ ‫فقهي���ة لدى النا�س مبختلف �أجنا�سه���م ولغاتهم وبلدانهم‪ ،‬ومل ين�سحب‬ ‫�أيٌّ من هذه املذاهب كمذاهب تعبّدية لدى النا�س بزوال �أو انتهاء الدولة‬ ‫الت���ي كانت ترعى هذا املذهب �أو تتبناه‪ .‬وهذا ما نالحظه مث ًال يف حالة‬ ‫املذاه���ب ال�شيعية كله���ا كاملذهب اجلعفري والإ�سماعيل���ي والزيدي‪� ،‬إذ‬ ‫يُالح���ظ زوال هذه املذاه���ب بانتهاء الدول املتبنية له���ا‪ ،‬وهو ما يف�سره‬ ‫البع����ض بغلبة الطاب���ع �أو التوج���ه ال�سيا�سي يف بنية ه���ذه املذاهب على‬ ‫ح�ساب الإطار الفقهي والعقائدي فيها‪ ،‬هذا عدا �أن هذه املذاهب تقوم‬ ‫على �أ�سا�س طائفي �ساليل‪ ،‬مما ح ّد من انت�شارها وجعلها مذاهب �أقلية‬ ‫دائماً‪.‬‬ ‫�إن نظري���ة الإمامة لدي الزيدية الهادوي���ة هي التي بُني عليها وجود �أو‬ ‫ع���دم وجود هذا املذه���ب‪� ,‬إذ تقوم عليها العديد م���ن الأفكار التي كانت‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪59‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫مبثاب���ة ب���ذور الفن���اء واالنقرا�ض لهذا املذه���ب‪ ،‬كم�س�أل���ة اخلروج على‬ ‫احلاك���م الظامل‪ ،‬التي تُعد من �أخطر الأفكار التي ع�صفت مبعتنقي هذا‬ ‫املذه���ب وجلبت عليهم الويالت وامل�صائب‪ ،‬بربطها م�س�ألة اخلروج على‬ ‫احلاك���م الظامل بنظرية الإمامة القائم���ة على الإرث ال�ساليل والعرقي‪،‬‬ ‫وق�ص���ر احل���ق يف الإمامة بالع���رق والن�س���ب مُقحِ مني بذل���ك الديني يف‬ ‫ال�سيا�س���ي واملدن����س يف املقد����س كم���ا كان يقول ف�ضيل���ة العالمة حممد‬ ‫ح�سني ف�ضل اهلل‪ ،‬رحمة اهلل عليه‪.‬‬ ‫يق���دم‬ ‫الزيدي��ة يف طوره��ا «احلوث��ي»‬ ‫احلوثيون يف �صعدة �أنف�سهم على �أنهم هم الزيدية احلقّة‪ ،‬وكل �أدبياتهم‬ ‫ت�ش�ي�ر �إىل ذلك بو�ضوح و�إ�صرار عل���ى زيديتهم ال يخفى على متابع لهذه‬ ‫الظاهرة‪ .‬وم�ؤدى ذلك �أن القول ب�أنهم �إمتداد للمذهب الإثنى ع�شري يف‬ ‫�إيران هو �ضرب م���ن الدعاية الإعالمية التي اقت�ضتها مرحلة املواجهة‪،‬‬ ‫والت���ي مل ت�ستند على دليل م���ادي �أو فكري واحد يقوي من هذا الإدعاء‪.‬‬ ‫فاحلوثي���ة هي الزيدية يف مرحلتها احلالي���ة التي ارتبطت ب�أفكار ح�سني‬ ‫ب���در الدين احلوث���ي و�أبيه بدر الدي���ن احلوثي‪ ،‬وخروجه���م امل�سلح على‬ ‫النظام ال�سيا�سي القائم يعد دلي ًال كافي ًا لإثبات زيديتهم‪ ،‬لأن اخلروج هو‬ ‫مُ�سلمة عقائدية لدى الزيدية ال وجود له عند االثنا ع�شرية اجلعفرية‪.‬‬ ‫�إن الإمام���ة واخل���روج عل���ى احلاكم ه���ي املرتكزات التي تق���وم عليها‬ ‫الزيدي���ة يف مرحلتيه���ا الهادوي���ة واحلوثي���ة‪ ،‬وم���ا �شهدناه عل���ى امتداد‬ ‫�س���ت جوالت من احلروب الكارثية هي �إح���دى �أهم النتائج الفعلية لهذه‬ ‫الأف���كار‪ ،‬التي ت���دور عليها مع���ارك احلوثيني والدول���ة اليمنية منذ �ست‬ ‫�سنوات خلت‪ ،‬حيث ي�ستند احلوثيون على هذا الرتاث ال�سيا�سي ملذهبهم‬ ‫الذي حكم هذه الأجزاء من اليمن ملا يزيد عن ع�شرة قرون‪.‬‬ ‫لقد كلفت نظرية الإمام���ة ال�سيا�سية لدى الزيدية «الهادوية» اليمنيني‬ ‫كث�ي�ر ًا من الدماء واملعارك‪ .‬واحلال �أن ه���ذه امل�س�ألة لي�ست وليدة اليوم‪،‬‬ ‫ب���ل هي م�س�ألة �سيا�سية بحتة وقدمي���ة عانى من ويالتها اليمنيون كثرياً‪،‬‬ ‫نظر ًا ملا نتج عن هذه النظرية من تداعيات �سيا�سية و�صراعات طاحنة‪.‬‬ ‫وعن���د �إلقاء نظرة على التاريخ ال�سيا�سي للمذهب الزيدي �سنجد امل�آ�سي‬ ‫الكارثية والدامية التي حلت نتيجة لهذه الأفكار‪ ،‬و�أو�ضح مثال على ذلك‬ ‫حمن���ة «املطرفي���ة» ال�شهرية‪ .‬واملطرفية هي �إحدى ف���رق الزيدية التي ال‬ ‫ت���رى �شرط البطنني �ضروري ًا يف من يتوىل الإمامة الزيدية‪ ،‬وقد واجهت‬ ‫ه���ذه الفرقة م�ص�ي�ر ًا �سوداوي ًا من قبل الإمام عب���د اهلل بن حمزة الذي‬ ‫ُيق���ال ‪ -‬بح�سب بع�ض الروايات التاريخي���ة ‪� -‬أنه قتل ما يُقارب مئة �ألف‬ ‫م���ن �أع�ضاء ه���ذه الفرقة‪ ،‬حيث ح�صل���ت عمليات �إب���ادة جماعية لقرى‬ ‫بكاملها‪ ،‬انتهت با�ستئ�صال هذه الفرقة عن بكرة �أبيها‪.‬‬ ‫وم���ن �أو�ض���ح الأمثلة عل���ى الغلب���ة ال�سيا�سية لهذا املذه���ب هي فتاوى‬ ‫الإم���ام �إ�سماعي���ل بن القا�سم بتكف�ي�ر خمالفي املذه���ب الزيدي – من‬ ‫�شافعية اليمن وغريهم – والذين كان يُنظر �إليهم على �أنهم كفار ت�أويل‬ ‫ووجودهم هو من قبيل دفع الإتاوات وال�ضرائب املهمة لرفد خزينة هذه‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫واحلال �أن م�س�ألة الإمام���ة ال�سيا�سية عند الزيدية متثل خطر ًا كارثي ًا‬ ‫عل���ى املذه���ب ذاته‪ ،‬ما مل يقف علماء هذا املذهب ب���كل م�س�ؤولية دينية‬ ‫‪60‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة ر�سائل جامعية‬ ‫و�أخالقي���ة وتاريخية عندها للخروج من ه���ذه الدوامة التي حتولت �إىل‬ ‫م�سلخ لليمنيني على امتداد التاريخ الوجودي للزيدية الهادوية يف اليمن‪،‬‬ ‫وهذا لي�س جتني ًا منا على املذهب الزيدي‪ ،‬بقدر ما هي حقائق تاريخية‬ ‫وا�ضحة يتم حماكمته وفق ًا لها ولواقعه اليوم الذي متثله جماعة التمرد‬ ‫احلوثية‪.‬‬

‫مراجع��ات مل ت�ستم��ر!‬ ‫م���ع �إع�ل�ان‬ ‫قي���ام اجلمهورية اليمنية بوحدة �شطريه���ا ال�شمايل واجلنوبي يف مطلع‬ ‫الع�شري���ة التا�سع���ة من الق���رن املا�ضي‪ ،‬وم���ا اقت�ضته تل���ك املرحلة من‬ ‫�إعالنٍ للتعددية ال�سيا�سية والفكرية والثقافية وفق ًا للد�ستور الذي تبنّى‬ ‫الدميقراطية كنظام حاك���م للأفكار وال�سيا�سات يف اليمن‪ ،‬اندفع عدد‬ ‫م���ن اجلماعات والأح���زاب �إىل الإعالن عن نف�سها عل���ى �شكل تكتالت‬ ‫حزبية ت�ؤمن بالدميقراطية فكر ًا وممار�سة‪.‬‬ ‫ويف تل���ك الأثن���اء‪� ،‬أ�صدر عدد من مراجع املذه���ب الزيدي عقب قيام‬ ‫الوحدة اليمنية يف ‪ 1990‬فتوى �شهرية حول الرتاجع عن مفهوم «الإمامة‬ ‫وح�صره���ا يف البطن�ي�ن»‪� ،‬إذ قابل هذا التحول عدد م���ن علماء الزيدية‬ ‫ب�إطالقه���م لتل���ك الفتوى الت���ي تق�ضي ب���ـ «�أن �شرط الن�س���ب الها�شميّ‬ ‫للإمامة �ص���ار غري مقبو ًال اليوم‪ ،‬و�أن ذل���ك كان لظروف تاريخية‪ ،‬و�أن‬ ‫ال�شع���ب ميكن له �أن يختار مَ ن هو جدي ٌر حلكمه دون �شرط �أن يكون من‬ ‫ن�سل احل�سن �أو احل�سني ر�ضي اهلل عنهما»‪.‬‬ ‫بع���د ع�شري���ن عام ًا من تلك الفتوى‪ ،‬فجّ ���رت جماعة احلوثي الو�ضع‪،‬‬ ‫وق���ادت مترد ًا ع�سكري ًا عل���ى مدى �ست جوالت من احل���رب يف �صعدة‪.‬‬ ‫و»احلوثي���ون» هم اجلماعة الزيدية الوحيدة الت���ي اعرت�ضت على فتوى‬ ‫املراج���ع الزيدية حول الن�سب الها�شمي يف ق�ضايا احلكم والإمامة‪ ،‬تلك‬ ‫التي �أدت حينها �إىل خروج العالمة بدر الدين احلوثي عن حزب احلق‪،‬‬ ‫و�سعي���ه لتكوين م���ا �سُ ِّمي حينه���ا بتنظيم ال�شباب امل�ؤم���ن‪ .‬ف�أين ذهبت‬ ‫ه���ذه الفتوى‪ ،‬وملاذا تغلب ر�أي بدر الدين احلوثي املعار�ض لها على ر�أي‬ ‫الإجم���اع الزيدي؟ وهل كانت فقط جمرد فت���وى �سيا�سية اقت�ضتها تلك‬ ‫املرحلة‪ ،‬ودعمتها فكرة التقية ال�شيعية؟ جمرد �س�ؤال يبحث عن �إجابة!‬

‫�سيا�سة اليمن اخلارجية‬ ‫جتاه دول القرن الإفريقي‪:‬‬ ‫م�ساهمة يف درا�سة القرار ال�سيا�سي‬

‫حممد علي عمر احل�ضرمي‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating‬‬ ‫‪Policy to Knowledge‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪61‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬ ‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫وجهات نظر‬ ‫عني على اليمن‬

‫جتاوز ذهنية التحرمي‬ ‫احلركة الإ�سالمية يف اليمن وحتديات‬ ‫املوقف من ق�ضايا الفن واملر�أة‬

‫يعتقد بع�ض �أع�ضاء احلركة الإ�سالمية يف اليمن �أن الكتابة حول ق�ضايا الفن واملر�أة �أم ٌر تريف‪ ،‬لأن‬ ‫هذي الق�ضايا من وجهة نظرهم ال ت�ستحق �أن تت�صدر �أولوية خطابنا الدعوي‪ .‬ومما ي�ستحق الت�أمل‬ ‫�أن بع����ض دُعاة التزهي���د يف الكتابة الت�أ�صيلية لق�ضايا الفن وامل���ر�أة ال ي�ضيقون ذرع ًا بفتاوى الغلو‬ ‫والت�ش���دد‪ ،‬والتي ال ت�ستند على الأدلة ال�شرعية وفق منهجية اال�ست���دالل املو�ضوعية قدر ا�ستنادها‬ ‫عل���ى هو�س التع�صب املتقوقع حتت مربر مواجهة دعاة التغريب والعلمنة‪ ،‬وحتت ت�أثري هذا الهو�س‬ ‫تُ�ضف���ي على اجتهاداتها املت�شددة �شرعية ال�ص���واب الذي ال يتطرق �إليه اخلط�أ‪ ،‬وتتورط يف بدعية‬ ‫ضال عن فتاوى التكفري‬ ‫�إدع���اء متثيل ال�شرع متثي�ل�اً نافي ًا ل�شرعية اجتهادات املدار�س الأخ���رى‪ ،‬ف� ً‬ ‫و�إهدار الدماء‪.‬‬

‫وم���ع احرتامن���ا البالغ لدع���اة التزهيد‪ ،‬ف�إننا ن���ود الت�أكيد على‬ ‫�أن اخلط���اب الإ�سالمي الع���ام يف اليمن يف حاج���ة ما�سّ ة لتحريره‬ ‫من �آ�صار و�أغ�ل�ال غلو وجمود اخلطاب التقلي���دي املت�أثر باملبالغة‬ ‫يف ردود الفع���ل جتاه دعاة التغري���ب يف معظم ق�ضايا الفن واملر�أة‪،‬‬ ‫لي�ص���ل عل���ى الأق���ل �إىل م�ست���وى اخلط���اب الدع���وي للح���ركات‬ ‫الإ�سالمي���ة يف كثري من الدول العربي���ة والإ�سالمية والتي جتاوزت‬ ‫اخلط���اب الإ�سالم���ي يف اليمن فيم���ا يتعلق بق�ضايا الف���ن واملر�أة‪،‬‬ ‫م���ع �أن اخلط���اب ال�سيا�سي الإ�سالمي يف اليم���ن يتجاوز يف ن�ضجه‬ ‫وتطوره جتارب الكثري من احلركات الإ�سالمية الأخرى‪.‬‬ ‫�أعتقد �أن التحدي الذي ي�ضع نف�سه �أمام العلماء املعنيني ب�صناعة‬ ‫اخلط���اب الإ�سالمي العام يف اليمن يكمن يف تن�ضيج هذا اخلطاب‬ ‫فيم���ا يتعلق بق�ضايا الفن واملر�أة‪ ،‬لي�صل ‪-‬على الأقل ‪� -‬إىل م�ستوى‬ ‫�أطروحات ف�ضيلة الدكتور يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬حتى ن�ستطيع طم�أنة‬ ‫املجتم���ع بجاهزية القائمني على هذا اخلطاب لإدارة �ش�ؤون الدولة‬ ‫�إذا �سنح���ت لهم الظروف‪ .‬ومما يدع���و �إىل الأ�سف �أن ظهور كثري‬ ‫من القن���وات الف�ضائية الإ�سالمية‪� ،‬أكد خماوف املجتمع من حملة‬ ‫اخلط���اب الإ�سالمي‪ ،‬وترجم واقع الآ�صار والأغالل املفرو�ضة على‬ ‫الإعالم الإ�سالمي يف ق�ضايا الفن واملر�أة‪.‬‬ ‫ويف ت�صوري �أن‬ ‫ت�أثري ال�سلفية الوافدة‬ ‫م�شكلة ت�شدد اخلطاب الإ�سالمي يف اليمن جتاه ق�ضايا املر�أة والفن‬ ‫مل ت�أتِ من داخل هذه اخلطاب‪ ،‬و�أن امل�س�ؤولية عن هذا الت�شدد مل‬ ‫تتبلور من الأدبيات اخلال�صة للتيار الإ�سالمي يف اليمن‪� ،‬إال بعد‬ ‫الت�أثر بتيار ال�سلفية التقليدية الوافد من دول اجل��وار وحتديد ًا‬ ‫اململكة ال�سعودية‪ ،‬ويحلو للبع�ض �أن ي�سمي ه��ذا التيار الوافد‬ ‫بالغزو الوهابي‪ ،‬و�أنا �شخ�صي ًا �أرف�ض ت�سمية هذا الت�أثري بالغزو؛‬ ‫لقناعتي ب�أن ما يحدث على ال�صعيد الفكري �شبيه مبا يحدث على‬ ‫ال�صعيد اجلغرايف يف خط �سري هبوب الرياح‪ ،‬فهناك مرتفعات‬ ‫جوية وهناك منخف�ضات جوية و�إذا وجد منخف�ض جوي يف �أي بلد‬ ‫�ستهب عليه الرياح من املرتفع اجلوي‪.‬‬ ‫ون��ظ��ر ًا ل�ت�ردي الأو���ض��اع االقت�صادية يف اليمن وانعكا�سات‬ ‫ه��ذا ال�تردي على �سائر مناحي احلياة الفكرية والأدب��ي��ة‪ ،‬كان‬ ‫من الطبيعي �أن تتحول اليمن �إىل بيئة تبعية م�ستهلكة يف �شتى‬ ‫امليادين‪ ،‬ولأن املياه التي ت�سري يف خط م�ستقيم ال ت�ستقر �إال يف‬

‫احلفر الفارغة‪ ،‬ك��ان من الطبيعي �أن يتمدد اخلطاب الديني‬ ‫ال�سلفي يف الفراغ فامتلأت ال�ساحة ب�أ�شرطة الكا�سيت والكتيبات‬ ‫التي حتظى بطبعات فاخرة وتوزع جماناً‪ ،‬و�ساهمت هذه الأ�شرطة‬ ‫والكتيبات يف ت�شكيل مناخ ذهنية التحرمي والت�شدد وحتديد ًا يف‬ ‫ق�ضايا الفن واملر�أة‪ .‬ومن هنا ندرك �أ�سرار تراجع املناخ العلمي يف‬ ‫اليمن‪ ،‬ورواج الثقافة التقليدية‪ ،‬وعجز اجلامعات العلمية يف اليمن‬ ‫التي تبنت اخلطاب ال�سلفي التقليدي عن تبني مدر�سة احلنيفية‬ ‫ال�سمحة‪ ،‬و�إجن��اب جمتهدين رواد لهم ب�صماتهم الوا�ضحة يف‬ ‫الفكر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ومن‬ ‫غياب املدر�سة ال���ي���م���ن���ي���ة‬ ‫يت�أمل ال�ساحة العلمية الفقهية يف واقعنا املعا�صر ت�أخذه احل�سرة‬ ‫على املدر�سة اليمنية الفقهية الرائدة التي ظهرت يف القرنني‬ ‫ال�سابع ع�شر والثامن ع�شر ورف��ع��ت راي��ة التجديد واالجتهاد‬ ‫و�سطعت �شم�سها على �سائر العامل الإ�سالمي و�أخرجته من ع�صور‬ ‫االنحطاط والتخلف‪ ،‬وكان من روادها الأفذاذ الإمام ال�شوكاين‪،‬‬ ‫وابن الأمري ال�صنعاين وابن الوزير‪ ،‬واملقبلي‪ ،‬واجلالل‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫هذه املدر�سة بد�أت تتال�شى يف ع�صرنا الراهن‪ ،‬وحتوّل الكثري‬ ‫م���ن دعاتن���ا �إىل رجع �ص���دى لفت���اوى التحرمي القادم���ة من خلف‬ ‫احل���دود‪� ،‬أو ا�ستجاب���ة متوترة لتحدي���ات الوافد الغرب���ي‪ ،‬وتوارت‬ ‫ال�سلفي���ة التجديدي���ة اليتيمة التي ال جتد م���ن يدعمها‪ ،‬وحلّت بد ًال‬ ‫عنه���ا ال�سلفي���ة التقليدي���ة اجلام���دة املدعومة من بع����ض الهيئات‬ ‫يف ال���دول املحيط���ة‪ .‬وبعد �أن ت�أث���ر الكثري من م�شايخن���ا باملدر�سة‬ ‫ال�سلفي���ة التقليدية‪ ،‬مل ن�سمع �أن �أحد ًا ا�ستط���اع �أن يراجع قناعاته‬ ‫وينت�صر للحنيفية ال�سمحة كما فعل ذلك العلم ال�شامخ ابن الأمري‬ ‫ال�صنعاين يف ق�صيدته‪:‬‬ ‫رجعت عن القول الذي قلت يف النجدي فقد �صحّ يل عنه خالف‬ ‫ال���ذي عندي وم���ن امل�ؤ�سف �أن جن���د �آثار وت�أثريات ه���ذه املدر�سة‬ ‫اليمني���ة العمالق���ة عن���د رواد حرك���ة النه�ض���ة والإ�ص�ل�اح الديني‬ ‫امل�صرية �أمثال حممد عب���ده والأفغاين ور�شيد ر�ضا والإمام ح�سن‬ ‫البن���ا‪ ،‬يف حني دخل���ت اليمن يف نف���ق الإمامة املظل���م‪ ،‬ومل حتاول‬ ‫اخل���روج من���ه �إال بعد �أ�ص���وات الدعوة �إىل التجدي���د والتغيري التي‬ ‫و�صلتنا من م�صر عن طريق الف�ضيَل الورتالين وامل�ؤ�س�سني الأوائل‬ ‫للحرك���ة الإ�سالمي���ة يف اليم���ن كال�شهيد حممد حمم���ود الزبريي‬

‫جميب احلميدي‬

‫‪alhomedi@gmail.com‬‬ ‫‪62‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫جميب احلميدي باحث وكاتب ميني‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪63‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫اخلطاب الإ�سالمي العام يف اليمن يف حاجة ما�سّ ة لتحريره من �آ�صار و�أغالل‬ ‫غلو وجمود اخلطاب التقليدي املت�أثر باملبالغة يف ردود الفعل جتاه دعاة‬ ‫التغريب يف معظم ق�ضايا الفن واملر�أة‪ ،‬لي�صل على الأقل �إىل م�ستوى اخلطاب‬ ‫الدعوي للحركات الإ�سالمية يف كثري من الدول العربية والإ�سالمية والتي‬ ‫جتاوزت اخلطاب الإ�سالمي يف اليمن فيما يتعلق بق�ضايا الفن واملر�أة‬

‫وعبده حممد املخاليف وعبد املجي���د الزنداين ويا�سني عبدالعزيز‬ ‫وغريهم قب���ل �أن يتعاظم ت�أثري املد ال�سلفي؛ ويتمدد يف الفراغات‪.‬‬ ‫ونعني بالفراغات‪ ،‬فراغات التنظري والتنزيل العملي لق�ضايا الفن‬ ‫واملر�أة‪.‬‬ ‫فم���ن املالح���ظ �أن احلق���ول الت���ي كان���ت تفي����ض بالتنظ�ي�رات‬ ‫واملمار�سات العملية كاحلق���ل ال�سيا�سي ا�ستع�صت على الت�أثّر باملد‬ ‫ال�سلف���ي التقلي���دي‪ ،‬ويعود ذل���ك �إىل جهاد الإ�سالمي�ي�ن املبكر يف‬ ‫اليمن من �أج���ل تر�سيخ ال�شرعي���ة الد�ستوري���ة وال�شرعية ال�شعبية‬ ‫لنظ���ام احلك���م‪ .‬وبذل���ك تعترب احلرك���ة الإ�سالمي���ة يف اليمن هي‬ ‫احلرك���ة الأوىل عل���ى م�ست���وى الع���امل الإ�سالم���ي الت���ي �أدركت يف‬ ‫وق���ت مبك���ر يع���ود �إىل �أربعينيات الق���رن املا�ض���ي‪� ،‬أن اجلهاد من‬ ‫�أج���ل تر�سيخ ال�شرعية ال�سيا�سية لل�سلط���ة‪ ،‬ي�سبق الن�ضال من �أجل‬ ‫تطبيق ال�شريعة‪ ،‬وقدم علماء احلركة الإ�سالمية دماءهم من �أجل‬ ‫تر�سي���خ ال�شرعية الد�ستورية‪ ،‬وكان له���ذه التجربة دور ًا حموري ًا يف‬ ‫تنمية الوعي ال�سيا�سي وتطوير الفقه ال�سيا�سي لدى علماء احلركة‬ ‫الإ�سالمي���ة اليمنية كافة‪ ،‬حت���ى �أن �أكرثهم ت�شدد ًا يف ق�ضايا املر�أة‬ ‫‪64‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫والف���ن‪ ،‬يت�صف بقدر كبري من الن�ض���ج والتطور واالنفتاح يف الفقه‬ ‫ال�سيا�سي واحلر�ص على تر�سيخ واقع ال�شرعية ال�شعبية والد�ستورية‬ ‫وف�ص���ل ال�سلطات وا�ستقالل الق�ضاء كال�شيخ عبد املجيد الزنداين‬ ‫عل���ى �سبي���ل التمثيل‪ ،‬م���ع �أن الواق���ع ال�سيا�سي اجلانح ع���ن امل�سار‬ ‫الد�ستوري‪� ،‬إىل فر�ض واقع التغلب واال�ستحواذ الع�سكري العائلي‪،‬‬ ‫يدف���ع ال�شيخ الزنداين يف الآونة الأخ�ي�رة �إىل حماولة فر�ض �أدوار‬ ‫غري د�ستورية يف الواق���ع ال�سيا�سي للوجاهات الدينية واالجتماعية‬ ‫والتحالف م���ع تيارات دينية ترف�ض الإق���رار بال�شرعية الد�ستورية‬ ‫املعا�صرة‪.‬‬ ‫غري �أن ذلك ال ينفي جهود ال�شيخ الزنداين املهمّة يف الت�أ�صيل‬ ‫للفق���ه ال�سيا�سي املعا�صر‪ ،‬وتب�سي���ط احلد الأدنى من هذا الفقه يف‬ ‫خط���اب �شعبي يتمحور حول حق الأم���ة يف اختيار احلاكم والرقابة‬ ‫عليه و�إق�صائه �إن لزم الأمر وفر�ضية جت�سيد هذه احلقوق يف عقد‬ ‫د�ستوري لتنظي���م حياة الأمة‪ .‬ومن يالح���ظ حما�ضرات الزنداين‬ ‫يف منت�ص���ف العقد املا�ضي‪ ،‬من ‪� 1995‬إىل ‪ 1997‬يلم�س غلبة تركيز‬ ‫ال�شيخ على هذه املفاهيم‪ .‬ومن املفارقات غري احلميدة‪� ،‬أن ال�شيخ‬ ‫الزنداين كما كان له دوراه الإيجابي والفاعل يف حت�صني اخلطاب‬ ‫ال�سيا�سي الإ�سالمي يف اليمن من جمود اخلطاب ال�سلفي التقليدي؛‬ ‫فقد كان له دوره الكبري يف توطني غلو اخلطاب املتعلق بق�ضايا الفن‬ ‫واملر�أة‪ ،‬وما �أجمل �أن يبادر ال�شيخ الزنداين وجامعته الكرمية‪� ،‬إىل‬ ‫تر�شي���د اخلطاب الإ�سالم���ي يف ق�ضايا الفن وامل���ر�أة وحتريره من‬ ‫�أغالل املحافظة التقليدية و�آ�صار ذهنية التحرمي وهو�س التع�صب‬ ‫يف ردود الفع���ل غري العقالني���ة جتاه التغريب والع���ودة بهذا الفقه‬ ‫�إىل ع�ص���ر �صاح���ب الر�سالة �صل���ى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬م���ع ا�ست�شعار‬ ‫�أهمي���ة �إظهار جوان���ب احلنيفي���ة ال�سمحة يف الإ�س�ل�ام‪ ،‬وتقوي�ض‬ ‫الب���دع التي خرجت ع���ن م�سار �سماح���ة الإ�س�ل�ام‪ ،‬كبدعة حترمي‬ ‫م�شارك���ة الرجال للن�ساء يف �سائ���ر مناحي احلياة‪ ،‬فاجلميع يدرك‬ ‫�أن هذه البدعة لي�ست بدعة ح�سنة لأن البدعة احل�سنة هي البدعة‬ ‫صال م�شروعاً‪� ،‬أم���ا البدعة التي تخالف ما‬ ‫الإ�ضافي���ة التي توافق �أ� ً‬ ‫هو م�شروع بالكتاب وال�سنة القولية والعملية والإقرارية‪ ،‬فهي بدعة‬

‫ال ت�ستح���ق البق���اء‪ ،‬ورحم اهلل ال�شيخ مقبل بن ه���ادي الوادعي فقد‬ ‫كان لأ�شرطت���ه الهجومي���ة على جامع���ة الإميان دور ًا كب�ي�ر ًا يف دفع‬ ‫قيادة اجلامعة �إىل تبني بدعة الف�صل الكامل بني الرجال والن�ساء‪،‬‬ ‫والرتويج لهذه البدعة يف �شتى مناحي احلياة‪.‬‬

‫�صحوة وهابية‬ ‫ومهما يكن الأمر‪ ،‬ف�إناهلل تكفل‬ ‫بحف���ظ دينه‪ ،‬و�إذا مل يبادر علما�ؤنا �إىل ت�صحيح الأخطاء ال�شرعية‬ ‫التي رافقت م�سرية ال�صح���وة الإ�سالمية يف ال�سنوات املا�ضية‪ ،‬ف�إن‬ ‫اهلل ع���ز وجل قاد ٌُر عل���ى �أن يقيّ�ض بع�ض م�شاي���خ املدر�سة ال�سلفية‬ ‫الوهابية نف�سه���ا لت�صحيح هذه الأخطاء ونف����ض الغبار عن مبادئ‬ ‫احلنيفية ال�سمحة وما علق بها من �إفرازات �أهواء ذهنية التحرمي‪،‬‬ ‫} َو�إِنْ َت َت َولَّ���وْا يَ�سْ َتبْدِ لْ َقوْم ًا غَ يرْ َ كُمْ ثُمَّ ال َيكُونُوا �أَمْ ثَا َلكُمْ {‪ .‬ولعل من‬ ‫�سنن اهلل �أن �أي بدعة ظاهرة ال ت�ستقر �أكرث من مائة عام‪ ،‬وقد بد�أت‬ ‫ب���وادر هذه ال�صح���وة الإ�سالمية الرا�شدة تل���وح يف الأفق‪ ،‬ولعل �أول‬ ‫الغيث القط���رة التي جادت بها مكة املكرمة‪ ،‬ومواقف رئي�س هيئتها‬ ‫للأمر باملعروف والنهي ع���ن املنكر ال�شيخ �أحمد الغامدي الأخرية‪،‬‬ ‫ومواق���ف ال�شي���خ �أحمد بن عب���د العزيز بن باز جن���ل ف�ضيلة املفتي‬ ‫ال�سابق‪ .‬و�إذا �أذن اهلل ب���زوال بدعة‪ ،‬ه ّي�أ لذلك الظروف ال�سيا�سية‬ ‫و�أتاها من حيث ال نحت�سب وهو على كل �شيء قدير‪.‬‬ ‫ومن واقع هذه املب�شرات التي بد�أت تلوح يف �أفق الفكر الإ�سالمي‪،‬‬ ‫�أ�ستطي���ع �ش���رح بواع���ث اهتمام���ي بفت���اوى بع����ض علم���اء املدر�سة‬ ‫ضال‬ ‫الوهابي���ة التي تتف���ق مع خطاب مدر�سة احلنيفي���ة ال�سمحة‪ ،‬ف� ً‬ ‫عمّا تر�سخ لدي من قناعة ب�أن املدر�سة ال�سلفية الوهابية قادرة على‬

‫ت�صحيح �أخطائها �أكرث من �أي مدر�سة �أخرى‪ ،‬لأنها ال ت�ؤمن بتقدي�س‬ ‫الأ�شخا����ص واملرجعيات‪ ،‬وال حترتم �إال الدليل وال تربي طالبها على‬ ‫احرتام �أقوال علمائها وال �أقوال علماء املذاهب �إذا مل توافق الدليل‪،‬‬ ‫ولأن م�شاي���خ هذه املدر�س���ة مل يت�أثروا كثري ًا بردود الفعل جتاه دعاة‬ ‫التغريب كعلماء احلركة الإ�سالمية‪ ،‬وكاتب هذه ال�سطور �أحد الذين‬ ‫تتلم���ذوا يف هذا التيار ال�سلفي قب���ل �أن ت�أخذه كتابات ف�ضيلة ال�شيخ‬ ‫يو�سف القر�ضاوي �إىل �صفوف احلركة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ومما ينبغي �أن يدركه طالب احلق �صعوبة اجلزم باخلريية املح�ضة‬ ‫�أوال�ش ّري���ة املح�ض���ة لأي جماعة �أو مذهب �أو ظاه���رة من الظواهر‪،‬‬ ‫وال�سلفية الوهابية ظاهرة لها �سلبياتها و�إيجابياتها‪ ،‬وال وجود لل�شر‬ ‫املح�ض �أو اخلري املح�ض‪ ،‬كما �أكد ذلك الإمام ال�شوكاين يف تف�سريه‬ ‫لتعلي���ق اخلالق عز وجل على حادثة الإفك بقوله تعاىل } َال تحَ ْ�سَ بُو ُه‬ ‫�شَ ��� ّر ًا َّلكُمْ {‪ .‬يقول ال�شوكاين‪« :‬ال�ش ّر ما زاد �ضرّه على نفعه‪ ،‬واخلري‬ ‫م���ا زاد نفعه عل���ى �ضرّه‪ ،‬و�أما اخل�ي�ر الذي ال �ش ّر في���ه فهو اجلنة‪،‬‬ ‫وال�ش ّر الذي ال خري فيه فهو النار»‪.‬‬ ‫ويف �سي���اق حماولتن���ا امل�ساهم���ة يف حتري���ر الذهني���ة الإ�سالمية‬ ‫من �إفرازات �أهواء ذهنية التح���رمي يف ق�ضايا الفن واملر�أة‪ ،‬يحاول‬ ‫الكات���ب االنفتاح على واقع التمخ�ضات اجلديدة يف الثقافة ال�سلفية‬ ‫والإف���ادة منها يف تعزيز م�سار تيار احلنيفي���ة ال�سمحة‪ ،‬مع حر�صه‬ ‫على ع���دم الوقع يف ف���خ الإرجائي���ة ال�سيا�سية‪ ،‬الهادف���ة �إىل تربير‬ ‫م�سالك �أي �سلط���ة �أو توجهات دولية‪ ،‬واقت�صاره على تقرير ما يراه‬ ‫حق��� ًا كم���ا تقرر ذلك �أدل���ة ال�شريع���ة‪ ،‬ومنهجية اال�ست���دالل املجمع‬ ‫عليها‪.‬‬

‫م�شكلة ت�شدد اخلطاب الإ�سالمي يف اليمن جتاه ق�ضايا املر�أة والفن مل‬ ‫ت�أتِ من داخل هذه اخلطاب‪ ،‬و�أن امل�س�ؤولية عن هذا الت�شدد مل تتبلور‬ ‫من الأدبيات اخلال�صة للتيار الإ�سالمي يف اليمن‪� ،‬إال بعد الت�أثر بتيار‬ ‫ال�سلفية التقليدية الوافد من دول اجلوار وحتديداً اململكة ال�سعودية‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪65‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬ ‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫وجهات نظر‬ ‫عني على اليمن‬

‫كرة القدم اليمنية‬ ‫و�سيا�سة الهوية‬ ‫تق ��ع اليمن يف الزاوية اجلنوبية الغربية من‬ ‫�شب ��ه اجلزي ��رة العربية‪ .‬وعل ��ى عك�س الدول‬ ‫املج ��اورة الغنية بالنفط‪ ،‬تعت�ب�ر اليمن �أفقر‬ ‫دول ��ة يف الع ��امل العرب ��ي‪ .‬وكما ه ��و احلال يف‬ ‫ال ��دول الأخ ��رى متث ��ل ك ��رة الق ��دم اللعب ��ة‬ ‫الريا�ضي ��ة الأك�ث�ر �شه ��رة فيها‪ ،‬حي ��ث بد�أت‬ ‫ه ��ذه اللعب ��ة يف بع� ��ض املناط ��ق اليمنية منذ‬ ‫بداي ��ة الق ��رن الع�شري ��ن‪ ،‬وازدادت �شهرته ��ا‬ ‫كثرياً منذ فرتة ال�سبعينيات‪.‬‬

‫توما�س بي‪� .‬ستيفِن�سون و عبد الكرمي العوج‬ ‫مقارنة ب�أوروبا‪ ،‬تعترب‬ ‫الو�ضع احلايل للعبة‬ ‫ك���رة القدم اليمنية يف مرحلتها التكويني���ة‪ .‬فاملباريات تعقد يف مالعب‬ ‫عام���ة يح�ضرها الرجال فق���ط‪ ،‬والتذاكر رخي�صة‪ ،‬بينم���ا تعتمد ن�سبة‬ ‫احل�ض���ور اجلماهريي على الفريقني املتباريني‪ .‬ويف املدن الرئي�سية من‬ ‫الطبيعي �أن جتد ال�شباب يلعبون هذه اللعبة يف الأزقة وال�شوارع ومواقف‬ ‫ال�سي���ارات‪ ،‬ويتم م�شاه���دة املباريات الدولية عرب الأقم���ار ال�صناعية‪،‬‬ ‫وجت���د ال�صغار والكبار من اليمنيني يرت���دون قم�صان الفرق الدولية �أو‬ ‫قم�صان الالعبني‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫والكثري من ال�شباب ي�شجعون فريق ًا ميني ًا معيناً‪ ،‬ويتابعون انت�صاراته‬ ‫حت���ى و�إن مل يح�ضروا مبارياته‪ .‬وغالب ًا ما يُ�شجّ ع بع�ض �سكان العا�صمة‬ ‫وامل���دن الكربى الأخرى فرق ًا م���ن مناطق م�سق���ط ر�ؤو�سهم‪ ،‬ويف املدن‬ ‫ال�صغرى تكون الوالءات للأندية املحلية‪.‬‬ ‫ومتثل ف���رقُ كرة القدم الأندي َة الريا�ضي���ة‪ ،‬ويراعي احتاد كرة القدم‬ ‫اليمني تق�سيم���ات الأندية التي ين�ص عليها االحتاد الدويل لكرة القدم‬ ‫(الفيف���ا)؛ فهناك �أربعة ع�شر فريق ًا يف الدرجة الأوىل‪ ،‬وع�شرين فريق ًا‬ ‫يف الدرجة الثانية‪ ،‬ومائتني وثمانية وخم�سني فريق ًا يف الدرجة الثالثة‪.‬‬ ‫توما�س بي‪� .‬ستي ِفن�سون �أ�ستاذ م�شارك فخري يف علم الإنرثوبولوجيا‪ ،‬جامعة �أوهايو‬ ‫الأمريكية‪ .‬وعبد الكرمي العوج �أ�ستاذ م�شارك يف ق�سم علم االجتماع‪ ،‬جامعة �صنعاء‪.‬‬

‫ورغ���م �أن نق���ل املباريات يكون نادر ًا �سواء كان���ت مباريات دولية‬ ‫ودي���ة �أو مباريات الدوري���ات العاملية‪� ،‬إال �أن املعلوم���ات الريا�ضية‬ ‫تتوفر بكرثة‪ .‬فال�صفح���ات الريا�ضية موجودة يف معظم ال�صحف‬ ‫اليومي���ة‪ ،‬ويكتم���ل امل�شه���د بوجود ح���وايل ع�شر �صح���ف ريا�ضية‬ ‫�أ�سبوعية‪ ،‬وع���دد من املجالت الريا�ضية(‪ ،)1‬ت���وزّع ب�شكل �أ�سا�سي‬ ‫يف املدن الرئي�سية‪.‬‬ ‫تق���وم وزارة ال�شباب والريا�ضة بتق���دمي الدعم اجلزئي للأندية‬ ‫دخ�ل�ا‪ ،‬لكن الدعم‬ ‫ً‬ ‫عل���ى �شكل مبال���غ مالية ومنح ممتل���كات تدر‬

‫املت�ضائل �أج�ب�ر الأندية على اللجوء �إىل املتربع�ي�ن ليتكفلوا مالي ًا‬ ‫بدعم الأن�شط���ة الريا�ضية‪ .‬وكلما حقق الفري���ق جناح ًا �أكرث كلما‬ ‫جذب م�شجعني وداعمني ماليني �أكرث‪.‬‬ ‫ورغ���م حت�س���ن م�ست���وى ترتيب اليم���ن يف الفيف���ا‪ ،‬ف����إن الفريق‬ ‫الوطن���ي مل ي�صل �إىل امل�ستوى الذي و�صلت �إليه معظم فرق الدول‬ ‫املج���اورة‪ .‬واليم���ن ت�شارك يف مناف�سات ك�أ����س اخلليج الذي يعقد‬ ‫كل �سنت�ي�ن عل���ى امل�ستوى الإقليم���ي‪ ،‬و�ست�ست�ضي���ف دورة «خليجي‬ ‫ع�شرين» (املزمع انعقادها يف نهاية ‪.)2010‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪67‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫قبل‬ ‫كرة القدم خالل العهدين اجلمهوريني‬ ‫عام ‪ 1990‬كانت اليمن تنق�سم �إىل �شطرين‪ :‬اجلمهورية العربية اليمنية‬ ‫(اليم���ن ال�شمايل)‪ ،‬وجمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية (اليمن‬ ‫اجلنوب���ي)‪ .‬وعندم���ا ح�صلت كل م���ن اجلمهوريتني عل���ى اال�ستقالل‬ ‫يف ال�ستيني���ات مل تتغلغ���ل �سلط���ة احلكومتني املركزيت�ي�ن �إىل املناطق‬ ‫الداخلي���ة ال�ضيقة‪ ،‬وظل ال�سكان على �صل���ة وثيقة بجماعاتهم املحلية‬ ‫ومل يكن لهم �سوى القليل من االنتماء �إىل املجتمع ال�سيا�سي الأكرب‪.‬‬ ‫وق���د �سع���ت احلكومت���ان – �أحدهما لها مي���ول ر�أ�سمالي���ة والأخرى‬ ‫ا�شرتاكية – �إىل التعريف ب�أيديولوجيتيهما ال�سيا�سية‪ ،‬ودمج املواطنني‬ ‫يف املجتم���ع ال�سيا�سي الوطن���ي‪ .‬وبالإ�ضافة �إىل زي���ادة عدد املدار�س‪،‬‬ ‫�سعت احلكومتان �إىل ت�شجيع الهوية الوطنية من خالل و�سائل الإعالم‬ ‫ونظ���ام التعليم واخلدم���ة الع�سكرية‪ .‬كما �شجّ ���ع نظاما احلكم ت�شكيل‬ ‫الأندي���ة الريا�ضي���ة‪ ،‬التي ا�ستفادت من االعتماد عل���ى االنتماء املحلي‬ ‫ويف نف����س الوق���ت االندم���اج يف �أنظم���ة الدول���ة(‪ ،)2‬وت�شجي���ع كل من‬ ‫الهويت�ي�ن الإقليمي���ة والوطنية‪ .‬وميكن التما�س جن���اح هذه اجلهود يف‬ ‫التطور امل�ستمر للأندية خالل الفرتة ‪.)3( 1990 – 1970‬‬ ‫وبفع���ل االختالف���ات الأيديولوجية توت���رت العالقات ب�ي�ن الدولتني‪،‬‬ ‫الأم���ر الذي �شجع الهويات الوطنية املنف�صلة‪ .‬ولكن‪ ،‬يف الوقت نف�سه‪،‬‬ ‫دع���ا ال�سيا�سي���ون واملثقفون �إىل ال�سع���ي وراء دولة موح���دة‪ ،‬وقد كان‬ ‫لفكرة الهوية امل�شرتكة �صدى قوي ًا يف �أو�ساط ال�شعب‪.‬‬ ‫وعق���د اليمنان عدة م���رات خالل ف�ت�رة ال�سبعيني���ات والثمانينيات‬ ‫عدد ًا م���ن املباريات الكروية العابرة حل���دود ال�شطرين ال�سابقني(‪.)4‬‬ ‫وكانت ال�صحف الر�سمية تثري فكرة �أن تلك الأن�شطة الريا�ضية ما هي‬ ‫�إال ل���ر�أب ال�صدع بني اجلانبني‪ ،‬وت�شجيع��� ًا لفكرة اليمن الواحد‪ .‬وكما‬ ‫كان الواق���ع فقد كان كل نظ���ام ي�ستغل املباريات لت�أكيد �شرعية نظامه‬

‫ال�سيا�س���ي‪� ،‬أم���ا اجلماهري فقد كانت متيل �إىل تبنّ���ي التوجه الر�سمي‬ ‫وترف���ع الرايات امل�ؤيدة للوح���دة‪ .‬لكن مع �أن تلك املناف�سات كانت على‬ ‫�ش���كل «دبلوما�سي���ة ريا�ضية»‪� ،‬إال �أن اجلهود ه���ذه مل تتوا�صل �أكرث من‬ ‫ب�ضع �سنني‪.‬‬ ‫يف ع���ام‬ ‫ك��رة الق��دم يف اليم��ن املوح��د‬ ‫‪ 1990‬توح���د �شطرا اليمن لي�شكال اجلمهورية اليمنية‪ .‬ومع �أن الوحدة‬ ‫و�صف���ت ب�أنه���ا اندماج دولت�ي�ن مت�ساويتني‪ ،‬لكن يف الواق���ع �أنه مل يكن‬ ‫هن���اك اندماج حقيقي ب�ي�ن �شريكني مت�شابهني‪ .‬فق���د كان عدد �شعب‬ ‫اليمن ال�شمايل ح���وايل �ضعف �شعب اليمن اجلنوبي �سابقاً‪ .‬وكان كال‬ ‫البلدي���ن يعانيان من �ضائق���ة مالية خطرية‪ ،‬خا�ص���ة الو�ضع املايل يف‬ ‫اليمن اجلنوبي الذي تخلى عنه محُ �سنو االحتاد ال�سوفيتي‪.‬‬ ‫وبع���د �سنوات من النظر �إىل الطرف الآخر كعدو‪ ،‬كان على احلكومة‬ ‫املوحدة �إعط���اء انطباع ب�أن املواطنني يت�شارك���ون نف�س الهوية و�ستتم‬ ‫معاملته���م على حدِّ �س���واء‪ .‬وانعك����س التكاف�ؤ يف الوظائ���ف احلكومية‬ ‫من خ�ل�ال دمج جمل�س���يّ النواب وال���وزارات‪ ،‬مع الت�أكي���د على توزيع‬ ‫املنا�ص���ب ب�شكل مت�ساوي ب�ي�ن �أفراد ال�شطري���ن‪ .‬وكان �أو�ضح اجلهود‬ ‫امللمو�سة لإظه���ار مبد�أ امل�ساواة هو �أول مو�سم كرة قدم م�شرتك‪ ،‬فقد‬ ‫كان���ت وزارة ال�شباب والريا�ضة تعتق���د �أن املناف�سات ال�شديدة �ستعزز‬ ‫م���ن هوية الدولة اجلديدة‪ ،‬بينما ن�ش���رت افتتاحية جريدة «الريا�ضة»‬ ‫قوله���ا‪�« :‬إن �أول بطول���ة وطني���ة لكرة القدم متثل و�سيل���ة فعالة لتعزيز‬ ‫الوحدة الوطنية يف �أو�ساط ال�شباب اليمني»(‪.)5‬‬ ‫وا�ستغ���ل م�سئول���و وزارة ال�شب���اب والريا�ض���ة املو�سم الك���روي الأول‬ ‫لت�صني���ف الف���رق الريا�ضي���ة �إىل درج���ات جدي���دة‪ ،‬ومت اختيار فرق‬ ‫�إ�ضافي���ة ل�ضم���ان امل�ساواة ب�ي�ن الطرفني‪ .‬وكان هن���اك اثنان وثالثون‬ ‫فريق��� ًا يتناف�سون للح�صول على اللق���ب الوطني من خالل دوري ميتد‬

‫مالحظات‬

‫(‪ )1‬يتغ�ي�ر عدد ال�صح���ف‪ ،‬لأن بع�ضها يبد�أ‬ ‫الن�شر والبع�ض الآخر يتوقف عنه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬و�صفت هذه النتيجة املت�ضاربة لأول مرة‬ ‫الكاتب���ة جانت ليف���ر‪ ،‬يف كتابها‪ :‬جنون كرة‬ ‫الق���دم (�شيكاغو‪ ،‬مطاب���ع جامعة �شيكاغو‪،‬‬ ‫‪.)1983‬‬ ‫(‪ )3‬انظ���ر‪ :‬توما����س ب���ي‪� .‬ستيفِن�س���ون‪،‬‬ ‫«الأندي���ة الريا�ضي���ة واالندم���اج ال�سيا�سي‬ ‫يف اجلمهوري���ة العربي���ة اليمني���ة»‪« ،‬املجلة‬ ‫‪68‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫والقومي���ة النا�شئ���ة‪ :‬عالق���ات ك���رة القدم‬ ‫ب�ي�ن اليمن�ي�ن‪ ،»1990 – 1970 ،‬دوري���ة‬ ‫«�أنرثوبولوجيا ال�ش���رق الأو�سط»‪ ،‬املجلد ‪،3‬‬ ‫العدد ‪� ،)2008( 2‬ص ‪.19 – 1‬‬

‫الدولي���ة لعلم اجتماع الريا�ضة»‪ ،‬املجلد ‪،24‬‬ ‫الع ��دد ‪���� ،)1989( 4‬ص‪313 – 229‬؛ توما�س‬ ‫ب���ي‪� .‬ستيفِن�سون وعبد الك���رمي العوج‪« ،‬كرة‬ ‫القدم يف اليمن‪ :‬طقو�س املقاومة واالندماج‬ ‫والهوي���ة»‪« ،‬املجل���ة الدولي���ة لعل���م اجتم���اع‬ ‫الريا�ض���ة»‪ ،‬املجل���د ‪ ،32‬الع ��دد ‪ )5( ،)1997( 3‬جريدة الريا�ضة‪ ،‬الع���دد ‪ 4 ،24‬ت�شرين‬ ‫الثاين‪/‬نوفمرب ‪� ،1990‬ص‪.7‬‬ ‫�ص‪.265 – 251‬‬ ‫(‪ )4‬انظ���ر‪ :‬توما�س ب���ي‪� .‬ستيفِن�س���ون وعبد (‪ )6‬جريدة الريا�ض���ة‪ ،‬العدد ‪� 24 ،44‬آذار‪/‬‬ ‫الك���رمي الع���وج‪« ،‬دبلوما�سي���ة الريا�ض���ة مار�س ‪� ،1991‬ص‪.6‬‬

‫املواطنون اليمنيون �سيكونون مبتهجني ال�ست�ضافة بالدهم ك�أ�س اخلليج يف وقت الحق من هذا العام‬ ‫ هذا �إذا مل تجُ رِب املخاوف الأمنية املُ ِ ّ‬‫نظمني �إىل تغيري مكان انعقادها ‪ -‬و�إح�سا�سهم بالهوية اليمنية‬

‫�سيتعزز �أكثـر و�أكثـر‪ ،‬خا�صة �إذا حقق املنتخب اليمني بع�ض االنت�صارات يف �أول ا�ست�ضافة له للبطولة‬

‫مل���دة عام واحد‪ ،‬بحيث يلع���ب كل فريق �سبع مباري���ات على ملعبه‬ ‫و�سبع مباريات خارج حمافظته‪.‬‬ ‫ويف منت�ص���ف املو�س���م كررت جري���دة «الريا�ض���ة» ت�أكيدها على‬ ‫�أهمية الدوري بقولها‪�« :‬إن من الأوجه االيجابية لأول بطولة كروية‬ ‫موح���دة ه���و �أنه���ا متث���ل �أول منا�سبة تتناف����س فيها ف���رق اليمنني‬ ‫ال�سابقني يف دوري واحد‪ .‬وبهذا يلتقي �شباب ال�شمال بنظرائهم‬ ‫من اجلن���وب ‪ .‬وه���ذه الفر�صة العظيم���ة تعترب امت���داد ًا لوحدة‬ ‫الأر�ض وال�شعب»(‪ .)6‬ولإ�صباغ الرمزية على البطولة‪ ،‬فقد انطلقت‬ ‫�أول مباراة يف يوم منا�سبة االحتفال بعيد الوحدة‪.‬‬ ‫لقد انعك�ست اجلهود املبذول���ة لت�شجيع الهوية الوطنية اجلديدة‬ ‫م���ن خالل اختيار �أع�ضاء الفريق الوطني‪� ،‬إذ مت اختيار �ستة ع�شر‬ ‫العب ًا من كل جانب‪ .‬ويف ال�صحف‪ ،‬ن�شرت قائمة ب�أ�سماء الالعبني‬ ‫تذك���ر العب��� ًا من ال�شمال والعب��� ًا من اجلنوب بالتن���اوب‪ ،‬كما كان‬ ‫هناك م�ساعد مدرب من كل جانب يتناوبان يف قيادة الفريق‪.‬‬ ‫كان اله���دف م���ن ال���دوري الك���روي و�أن�شط���ة الفري���ق الوطني‪،‬‬ ‫الت�أكي���د على هدف الدولة املحدد جت���اه الوحدة – وهو خلق دولة‬ ‫تاريخي���ة –‪ ،‬وكذل���ك ت�شجيع املواطن�ي�ن على تر�سي���خ هويتهم يف‬ ‫الدول���ة اجلديدة‪ .‬ويبدو �أنه من ال�صع���ب حتديد مدى جناح هذه‬ ‫اجلهود على املدى البعيد‪ ،‬لأن ال�صراعات بني القيادات ال�سيا�سية‬ ‫�أدت �إىل حماول���ة االنف�صال عام ‪ ،1994‬وه���ي ال�صراعات التي ‪-‬‬ ‫بالن�سبة لكثري من اليمنيني ‪ -‬مل تندمل جراحها بعد‪.‬‬

‫(‬

‫(‬

‫)‬

‫)‬

‫تظ���ل لعب���ة ك���رة الق���دم هواي���ة‬ ‫اخلامت��ة‬ ‫مهمة‪ ،‬لك���ن االقت�صاد اليمني املتهاوي وعدم اال�ستقرار ال�سيا�سي‬ ‫ا�ستح���وذ على احلياة اليومية يف الآون���ة الأخرية‪ .‬حتى �إن انت�صار‬ ‫اليم���ن عل���ى البحري���ن لأول م���رة على الإط�ل�اق يف �شه���ر كانون‬ ‫الثاين‪/‬يناي���ر املا�ضي مل يكن له �ص���دى‪ ،‬وم ّر من دون مالحظة‬ ‫تقريب���اً‪ .‬على �أن املواطنني اليمنيني �سيكونون مبتهجني ال�ست�ضافة‬ ‫بالده ��م ك�أ�س اخللي���ج يف وقت الحق من هذا الع���ام ‪ -‬هذا �إذا‬ ‫مل تجُ�ِب�رِ املخاوف الأمني���ة املُنظِّ مني �إىل تغيري م���كان انعقادها ‪-‬‬ ‫و�إح�سا�سه���م بالهوية اليمنية �سيتعزز �أكرث و�أكرث‪ ،‬خا�صة �إذا حقق‬ ‫املنتخب اليمني بع�ض االنت�صارات يف �أول ا�ست�ضافة له للبطولة‪.‬‬

‫(‬

‫(‬

‫)‬

‫)‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪69‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫عني على اليمن‬

‫‪� 3‬أعلن���ت ال�سف���ارة الأمريكي���ة ب�صنعاء �أن مكت���ب امل�ساع���دات الأمريكية اخلارجية‬ ‫خ�ص����ص مبل���غ مليون وت�سعمائة �أل���ف دوالر خالل ني�سان ‪�/‬أبري���ل ‪ 2010‬لدعم برامج‬ ‫ث�ل�اث منظمات غري حكومية ودولية عاملة يف اليم���ن‪ ،‬و�ستخ�ص�ص امل�ساعدات لدعم‬ ‫جه���ود الث�ل�اث املنظم���ات وهي منظم���ة الإغاث���ة الدولية‪ ،‬ومنظم���ة �إنق���اذ الطفولة‪,‬‬ ‫ومنظمة �أدرا‪ ,‬وبراجمه���ا املكر�سة لتقدمي امل�ساعدات الطارئة وامل�أوى واملواد الغذائية‬ ‫واخلدمات ال�صحية للنازحني واملت�ضررين جراء �أحداث �صعدة وحرف �سفيان والذين‬ ‫يتجاوز عددهم ‪� 250‬ألف نازح‪.‬‬

‫تفاعالت اليمن‬ ‫والعامل فـي‬

‫‪60‬‬

‫يوم ًا‬

‫�شهرا �أيار‪/‬مايو ‪ -‬حزيران‪/‬يونيو ‪2010‬‬ ‫�أيار‪/‬مايو ‪2010‬‬

‫‪ 1‬دعت اجلمهورية اليمنية الدول العربية التوجه �إىل منظمة الأمم املتحدة وجمل�س‬ ‫الأم���ن ال���دويل لتحم���ل م�سئولياته���ا �إزاء الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة يف ظ���ل االعتداءات‬ ‫الإ�سرائيلي���ة املتوا�صلة وانطالق ًا من قرار جمل�س الأم���ن ‪ ،242‬وذلك يف الر�سالة التي‬ ‫وجهه���ا وزي���ر اخلارجية الدكت���ور �أبوبكر القرب���ي للجنة مبادرة ال�س�ل�ام العربية التي‬ ‫عقدت اجتماع ًا طارئ ًا لها مبقر الأمانة العامة للجامعة العربية ملناق�شة �آخر التطورات‬ ‫عل���ى ال�ساحة الفل�سطينية‪ ،‬وبحث ال���رد الأمريكي حول اجلهود التي تقوم بها الواليات‬ ‫املتحدة مع الإ�سرائيليني فيما يخ�ص �إحياء عملية ال�سالم يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫‪ 2‬وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي يلتقي �سفري جمهورية كوبا ب�صنعاء بوينا‬ ‫�أفنت���ورا‪ ،‬جرى خالل اللقاء بحث م�سالة تطبيق االتفاقية املوقعة بني البلدين واملتعلقة‬ ‫بالإعف���اء املتبادل للت�أ�ش�ي�رات‪ ،‬والتي وقع���ت بتاريخ ‪ ،1993‬بالإ�ضاف���ة �إىل ا�ستعرا�ض‬ ‫العالقات الثنائية بني البلدين‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرئي����س علي عبد اهلل �صالح رئي�س اجلمهورية ي�ستقبل م�ساعد مدير عام برنامج‬ ‫الأمم املتح���دة الإمنائ���ي واملدير الإقليم���ي ملكتب الدول العربية �أم���ة العليم ال�سو�سوة‪،‬‬ ‫ج���رى يف اللقاء بحث جم���االت التعاون بني اليم���ن وبرنامج الأمم املتح���دة الإمنائي‪،‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل ال���دور ال���ذي تطلع ب���ه الأمم املتحدة مل�ساع���دة اليمن يف املج���ال التنموي‬ ‫وجهود �إعادة الإعمار‪.‬‬ ‫‪ 2‬ناق����ش رئي����س جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور ب�صنعاء مع املمثل املقيم‬ ‫لربنام���ج الأغذي���ة العاملي للأمم املتح���دة جيان كارل���و ت�شريي عالق���ات التعاون بني‬ ‫اليم���ن والربنامج العاملي يف جمال الأمن الغذائ���ي‪ ،‬ال�سيما �أثناء الأحداث اال�ستثنائية‬ ‫كاحلروب والكوارث الطبيعية‪ ،‬ومت التطرق �إىل الإ�سرتاتيجية امل�شرتكة التي �سيتم من‬ ‫خاللها تنفي���ذ جمموعة من الربامج ذات الطابع التنموي لزيادة �إنتاج الغذاء وتعزيز‬ ‫الأمن الغذائي التي تقدر تكاليفها بنحو ‪ 77‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫‪ 2‬بح���ث وزي���ر الداخلية مطهر ر�شاد امل�ص���ري مع ال�سفري الربيط���اين ب�صنعاء تيم‬ ‫تورل���و �سبل تعزي���ز التعاون الأمني ب�ي�ن البلدين خا�ص���ة يف جمال الت�أهي���ل والتدريب‬ ‫ومكافحة الإرهاب‪.‬‬ ‫‪70‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪ 2‬ناق����ش وزي���ر النقل خالد الوزي���ر يف لقائه ب�صنعاء وفد االحت���اد الأوروبي برئا�سة‬ ‫ماي���كل �إيري���و �إمكاني���ة دع���م الإحت���اد الأوربي جله���ود اليم���ن يف مكافح���ة القر�صنة‬ ‫البحرية‪ .‬ويف اللقاء‪ ،‬ا�ستعر�ض الوزير اجلهود التي بذلتها اليمن خالل الفرتة املا�ضية‬ ‫يف مكافح���ة القر�صن���ة البحرية‪ ،‬والت���ي نتج عنها الإعداد والتوقي���ع على مدونة �سلوك‬ ‫جيبوتي و�إن�شاء املركز الإقليمي ملكافحة القر�صنة وتطوير قوات خفر ال�سواحل‪.‬‬ ‫‪ 3‬ح�صل اليمن على املركز الثاين يف م�ؤ�شر حرية تداول املعلومات يف الدول العربية‬ ‫وفق��� ًا لت�صنيف التقري���ر ال�سنوي اخلام�س ح���ول احلريات ال�صحفي���ة‪ ،‬والذي �أ�صدره‬ ‫مرك���ز عمان لدرا�سات حق���وق الإن�سان بالتزام���ن مع اليوم العامل���ي حلرية ال�صحافة‬ ‫الذي ي�صادف الثالث من �أيار‪/‬مايو من كل عام‪.‬‬ ‫‪ 3‬بح���ث نائب رئي�س الوزراء لل�ش����ؤون االقت�صادية وزير التخطي���ط والتعاون الدويل‬ ‫عب���د الكرمي الأرحبي يف وا�شنط���ن مع ال�سيدة غايل �سمي���ث امل�ساعد اخلا�ص للرئي�س‬ ‫الأمريكي ب���اراك �أوباما‪ ،‬وكبرية مديري �ش����ؤون التنمية الدولي���ة واجلوانب الإن�سانية‬ ‫واال�ستقرار يف جمل����س الأمن القومي لدى البيت الأبي�ض‪ ،‬العالقات الثنائية وجماالت‬ ‫التع���اون امل�ش�ت�رك ب�ي�ن البلدين‪ ،‬ومنه���ا التعاون يف املج���االت االقت�صادي���ة والتنموية‬ ‫والأمنية‪.‬‬ ‫‪� 3‬أعل���ن البن���ك الدويل عن موافق���ة جمل�س �إدارة البنك توف�ي�ر منحة متويل مل�شروع‬ ‫التعليم العايل مببلغ ‪ 13‬مليون دوالر �أمريكي‪ ،‬جاء ذلك على هام�ش اجتماع مو�سع �ضم‬ ‫نائب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي‬ ‫الأرحب���ي وال�سيدة �شام�ش���اد اختار نائبة رئي�س البنك الدويل ل�ش����ؤون ال�شرق الأو�سط‬ ‫و�شم���ال �أفريقا‪ .‬وبح���ث يف اللقاء حافظة البن���ك الدويل يف اليمن وجم���االت التعاون‬ ‫امل�ستقبلي���ة و�سب���ل دعم البن���ك للموازنة العامة للدول���ة وكذا تنفيذ الأجن���دة الوطنية‬ ‫للإ�صالحات‪.‬‬ ‫‪ 3‬وقع���ت وزارة التخطي���ط والتعاون ال���دويل م���ع وزارة الزراعة الأمريكي���ة اتفاقية‬ ‫امل�ساع���دة الغذائية التي �ستق���دم مبوجبها الأخرية ‪ 4‬مالي�ي�ن و‪� 660‬ألف دوالر لتنفيذ‬ ‫م�شاري���ع تنموية وخدمي���ة يف اليمن‪ ،‬تهدف االتفاقية �إىل م�ساع���دة اليمن على حتقيق‬ ‫الأمن الغذائي‪ ،‬وتعزيز قدرة اليمن على اال�ستجابة للأزمات املتعلقة بالغذاء‪.‬‬

‫‪ 4‬الرئي����س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل �إياد عالوي رئي����س الوزراء العراقي الأ�سبق‬ ‫رئي����س القائمة العراقي���ة يف االنتخابات الربملانية‪ ،‬والذي ي���زور اليمن‪ ،‬واطلع عالوي‬ ‫رئي����س اجلمهوري���ة خالل اللقاء على تط���ورات الأو�ضاع يف الع���راق ونتائج االنتخابات‬ ‫الربملاني���ة العراقية وامل�شاورات اخلا�صة بت�شكيل احلكومة اجلديدة يف �إطار ما يجري‬ ‫م���ن تفاهمات ب�ي�ن الأط���راف العراقية امل�شارك���ة يف االنتخابات‪ .‬كما تن���اول احلديث‬ ‫العالق���ات اليمنية‪ -‬العراقي���ة والتطورات وامل�ستج���دات العربية والإقليمي���ة التي تهم‬ ‫الأمة العربية‪.‬‬ ‫‪ 4‬الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صالح ي�ستقب���ل روبرت مول���ر مدير املباح���ث الفيدرالية‬ ‫الأمريكي���ة (‪ )FBI‬الذي يزور اليمن‪ ،‬جرى يف اللقاء بحث جوانب العالقات وجماالت‬ ‫التع���اون امل�ش�ت�رك بني البلدي���ن ومنها التع���اون يف املجال الأمني ومكافح���ة الإرهاب‪,‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل بحث مو�ضوع املعتقلني اليمنيني يف �سجن جوانتنامو‪.‬‬ ‫‪ 4‬اخت���ار البنك الدويل اليمن كواحدة من ت�س���ع دول يف العامل لتلقي الدعم اخلا�ص‬ ‫بامل�ساع���دة على الت�أقل���م مع املتغريات املناخي���ة �إىل جانب رفع �سق���ف املنحة املقدمة‬ ‫لتنفي���ذ �إ�سرتاجتي���ة الت�أقلم اليمنية م���ع املتغريات املناخية م���ن “‪ ”30‬مليون دوالر �إىل‬ ‫“‪ ”50‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫‪ 5‬عق���د مبدينة جنيف اجتماع ت�شاوري برئا�سة رئي�س فريق العمل اخلا�ص بان�ضمام‬ ‫اليم���ن ملنظمة التجارة العاملية هارموت روبن‪ ،‬بح�ضور وزير ال�صناعة والتجارة رئي�س‬ ‫فريق التفاو�ض اليمني الدكتور يحيى املتوكل‪ ،‬وعدد من �أع�ضاء الفريق‪ ،‬كر�س ملناق�شة‬ ‫التط���ورات التي مت���ت خالل الأ�شهر القليلة املا�ضية يف م�س�ي�رة ان�ضمام اليمن ملنظمة‬ ‫التج���ارة العاملي���ة منذ اجتماع فريق العم���ل ال�سابع �أواخر �شهر يناي���ر املا�ضي‪ ،‬ونتائج‬ ‫زيارة فريق املنظمة �إىل اليمن م�ؤخرا‪.‬‬ ‫‪ 5‬التق���ى وزي���ر الداخلية مطه���ر امل�صري‪ ،‬وفد الإحت���اد الأوروبي ال���ذي يزور اليمن‬ ‫لدرا�س���ة احتياج���ات قوات خفر ال�سواحل اليمنية‪ ،‬جرى يف اللق���اء بحث �أوجه التعاون‬ ‫والتن�سي���ق بني اليمن والإحتاد يف املجال الأمن���ي‪ ،‬خا�صة دعم االحتاد الأوروبي لقوات‬ ‫خفر ال�سواحل اليمنية‪ ,‬وامل�ساعدات الإن�سانية التي يقدمها و�سيقدمها للنازحني جراء‬ ‫فتنة التمرد مبحافظة �صعدة وحرف �سفيان‪.‬‬ ‫‪ 5‬التق���ى وزي���ر ال�صحة العامة وال�س���كان الدكتور عبد الكرمي را�ص���ع ب�صنعاء‪ ،‬بعثة‬ ‫البنك الدويل برئا�سة عالء الدين حامد‪ ،‬ووفد �صندوق الأمم املتحدة لل�سكان برئا�سة‬ ‫الدكتورة مها العداوي وبحث اللقاء �سري عمل م�شروع ال�صحة وال�سكان اجلاري تنفيذه‬ ‫واملدعوم من البنك ب�أكرث من ‪ 700‬مليون ريال للعام اجلاري ‪ ،2010‬كما جرى التطرق‬ ‫�إىل امل�شاريع املزمع تنفيذها يف قطاعات ال�سكان والرعاية ال�صحية الأولية والتخطيط‬ ‫واملدعوم���ة م���ن البنك الدويل ب���ـ‪ 15‬مليون دوالر‪ ،‬ونحو ‪ 3‬مالي�ي�ن و‪� 500‬ألف دوالر من‬ ‫�صندوق الأمم املتحدة لل�سكان‪.‬‬ ‫‪ 9‬بح���ث رئي�س هيئة الأركان العامة �أحمد الأ�شول مع �سف�ي�ر اليابان ب�صنعاء ميت�سو‬ ‫ت���وري نامبا‪� ,‬أوج���ه التعاون امل�شرتك ب�ي�ن جي�شي البلدين و�سب���ل تعزيزها يف خمتلف‬ ‫املجاالت مبا يف ذلك تعزيز التعاون بني قوات خفر ال�سواحل اليمنية والقوات البحرية‬ ‫اليابانية‪.‬‬ ‫‪ 10‬عق���دت بالعا�صم���ة الأردني���ة عمان قمة ميني���ة ‪� -‬أردنية برئا�س���ة الرئي�س علي‬

‫عب���د اهلل �صالح رئي����س اجلمهورية‪،‬‬ ‫والعاه���ل الأردين عب���د اهلل الث���اين‪،‬‬ ‫حيث جرى بحث العالق���ات الأخوية‬ ‫وجم���االت التع���اون امل�ش�ت�رك ب�ي�ن‬ ‫البلدي���ن و�سب���ل تعزيزه���ا وتطويرها‬ ‫ومب���ا يخ���دم امل�صال���ح امل�شرتك���ة‪ ،‬كما‬ ‫ج���رى بحث العديد من جم���االت التعاون‬ ‫امل�شرتك ومنها التع���اون يف املجال ال�صحي‬ ‫وال�سمكي‪ ،‬والأمني والع�سكري‪.‬‬ ‫‪ 10‬الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح رئي�س اجلمهورية‬ ‫ي�ستقبل مبقر �إقامته يف عمان رئي�س جمل�س الوزراء الأردين �سمري‬ ‫الرفاع���ي وجرى يف اللقاء بحث العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني‬ ‫البلدي���ن‪ ،‬ومنها التعاون يف املجال ال�صحي ويف جمال اال�ستثمار‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ال�سبل‬ ‫الكفيلة برفع التبادل التجاري بني البلدين‪.‬‬ ‫‪ 10‬وق���ع يف جيبوت���ي على مذك���رة تفاهم لتعزي���ز التعاون ب�ي�ن اجلمهورية اليمنية‬ ‫وجمهوري���ة جيبوتي يف جم���ال الرتبية والتعليم‪ ،‬ق�ضت بتطوي���ر وتعزيز برامج التعاون‬ ‫ب�ي�ن البلدين يف جمال الرتبية والتعليم لتكون امتداد ًا جلوانب التعاون التي ن�ص عليها‬ ‫الربنام���ج التنفي���ذي للتعاون بني البلدي���ن يف املجاالت التعليمي���ة والأكادميية واملهنية‬ ‫املوقع يف العام ‪.2009‬‬ ‫‪� 11‬سجل���ت مديونية اليم���ن اخلارجية خم�س���ة مليارات و‪ 886‬ملي���ون دوالر بنهاية‬ ‫الرب���ع الأول من الع���ام اجلاري مرتفعة مبق���دار ‪ 140‬مليون دوالر ع���ن الفرتة املقابلة‬ ‫م���ن ‪ 2009‬البالغة خم�سة مليارات و‪ 746‬مليون دوالر‪ ،‬وبح�سب تقرير �صادر عن البنك‬ ‫املرك���زي اليمني‪ ،‬فقد �سجلت الزيادة يف املديونية ل�صال���ح م�ؤ�س�سات التمويل الدولية‬ ‫مبق���دار ‪ 127‬مليون دوالر لرتتفع بذلك �إىل ثالث���ة مليارات و‪ 107‬ماليني دوالر مقارنة‬ ‫م���ع مليارين و‪ 980‬ملي���ون �سجلتها يف نهاي���ة الربع الأول من ع���ام ‪ .2009‬فيما �سجلت‬ ‫مديوني���ة اليمن للدول الأع�ضاء يف نادي باري�س مليار و‪ 734‬مليون دوالر بزيادة طفيفة‬ ‫قدره���ا ملي���وين دوالر عن الفرتة املقابلة م���ن عام ‪ .2009‬وبلغ���ت املديونية للدول غري‬ ‫الأع�ضاء يف نادي باري�س بنهاية الربع الأول من العام اجلاري ‪ 846‬مليون دوالر بزيادة‬ ‫مليون دوالر عن الفرتة املقابلة من ‪.2009‬‬ ‫‪ 11‬وقع���ت يف العا�صم���ة الأردني���ة عم���ان اتفاقية التع���اون امل�شرتك ب�ي�ن �أكادميية‬ ‫الط�ي�ران اليمني���ة و�أكادميي���ة الطريان امللكي���ة الأردني���ة يف جمال الط�ي�ران و�صيانة‬ ‫الطائرات‪.‬‬ ‫‪ 12‬وق���ع ب�صنع���اء ب�ي�ن اليم���ن واحلكوم���ة الأملانية ممثل���ة ببنك الإعم���ار الأملاين‬ ‫عل���ى اتفاقية املنحة التمويلية اخلا�ص���ة مب�شروع ال�صحة الإجنابي���ة‪ ،‬بكلفة ت�صل �إىل‬ ‫�سبع���ة مالي�ي�ن يورو تكر����س لتمويل تنفيذ الأن�شط���ة املتعلقة بنظ���ام البطائق اخلا�صة‬ ‫ب�صحة الأ�سرة والأمومة الآمن���ة عرب وزارة ال�صحة العامة وال�سكان ومكاتبها يف كافة‬ ‫حمافظات اجلمهورية‪.‬‬ ‫‪ 12‬اختتم���ت بالعا�صم���ة الإيطالية روما املباحث���ات الر�سمية بني اليم���ن و�إيطاليا‬ ‫برئا�س���ة وزير اخلارجي���ة الدكتور �أبوبكر القرب���ي ووزير ال�ش����ؤون اخلارجية الإيطايل‬ ‫فرانكو فراتيني‪ .‬ويف اجلل�سة اخلتامية ثمن الوزير القربي دور �إيطاليا ودعمها لليمن‪،‬‬ ‫خا�ص���ة ما يتعلق بالدعوة الإيطالية لإن�شاء جمموعة �أ�صدقاء اليمن التي تبناها م�ؤمتر‬ ‫لندن‪.‬‬ ‫‪ 12‬التق���ى وزير الداخلية مطهر امل�ص���ري وفد جمموعة �أ�صدقاء اليمن الذي يزور‬ ‫اليم���ن برئا�س���ة �أرنولد لوثولد‪ ،‬ويف اللقاء مت مناق�شة ع���دد ًا من الق�ضايا املتعلقة بعمل‬ ‫وزارة الداخلي���ة‪ ،‬وال�سب���ل املثلى لتقدمي الدعم للأجهزة الأمني���ة ورفدها بالإمكانيات‬ ‫الفني���ة والتقنية يف عدد م���ن املجاالت‪ ،‬ويف مقدمتها مكافحة الإرهاب وخفر ال�سواحل‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪71‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫والأدلة اجلنائية والدفاع املدين‪.‬‬ ‫‪� 14‬أك���د وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي وق���وف اليمن مع وحدة الأرا�ضي‬ ‫ال�صيني���ة و�إدانته���ا ل���كل الدع���وات االنف�صالية يف �أي دول���ة واعتبار احل���وار والتنمية‬ ‫والإ�ص�ل�اح ال�سبي���ل الوحي���د وال�صحيح ملعاجلة �أي���ة مطالب م�شروع���ة لتحقيق العدل‬ ‫والبناء ومواجهة فكر التطرف والإرهاب‪ .‬و�أعرب القربي يف كلمة له �ألقاها يف اختتام‬ ‫�أعمال ال���دورة الرابعة ملنتدى التعاون العربي ال�صين���ي مبدينة تياجنني ال�صينية عن‬ ‫تقدي���ر اليمن ملوقف جمهورية ال�صني ال�شعبية الداعم لوحدة اليمن و�أمنه وا�ستقراره‪،‬‬ ‫ورف�ضه���ا لدع���وات االنف�صال التي ت�سري عك�س جمرى التاريخ ال���ذي يبنى على �أ�سا�س‬ ‫التوحد وبناء التجمعات الدولية الكبرية والقوية‪.‬‬

‫و�إب وتع���ز‪ ،‬به���دف ت�سهيل ح�صول املواطنني على املياه يف ‪ 19‬منطقة خمتارة يف نطاق‬ ‫املحافظات اخلم�س‪.‬‬

‫والنتائ���ج الت���ي متخ�ضت عنه���ا هذه الإ�صالح���ات‪ ،‬ودور الدول واملنظم���ات املانحة يف‬ ‫�سبيل �إجناح هذه الإ�صالحات وعلى ر�أ�سها �صندوق النقد الدويل‪.‬‬

‫‪ 17‬وزير النفط واملعادن يلتقي مدير الإدارة القطرية ل�ش�ؤون م�صر واليمن وجيبوتي‬ ‫يف البن���ك الدويل ديفيد كريج ج���رى يف اللقاء مناق�شة خطط الوزارة والأعمال الفنية‬ ‫يف جم���االت النف���ط والغاز واملعادن وفر����ص اال�ستثمار يف قطاع الب�ت�رول و�سبل تعزيز‬ ‫ال�شراك���ة بني الوزارة والبنك ملا من �ش�أن���ه امل�ساهمة يف تعزيز نظم العمل يف املجاالت‬ ‫املالية والإدارية وكذا التعاون يف اجلوانب الفنية واملعلوماتية‪.‬‬

‫‪ 26‬ناق����ش وزير الرثوة ال�سمكية حممد �شمالن مع بعث���ة االحتاد الأوروبي برئا�سة‬ ‫م�س����ؤول التع���اون التنموي باالحت���اد الأوروبي فيلي���ب جاك�س‪ ،‬امل�شاري���ع ال�سمكية التي‬ ‫�سيموله���ا االحتاد الأورب���ي يف اليمن خالل الفرتة املقبلة‪ ،‬وتط���رق اللقاء �إىل امل�شاريع‬ ‫ال�سمكية التي ينفذها االحتاد الأوروبي و�أهمها �سري العمل مبراحل تنفيذ الإ�سرتاتيجية‬ ‫الوطنية للقطاع ال�سمكي التي ميولها االحتاد بكلفة ‪ 11‬مليون يورو‪� ،‬إ�ضافة �إىل م�شروع‬ ‫�إعادة هيكلة القطاع ال�سمكي‪.‬‬

‫‪ 18‬ا�ستقبل رئي�س وزراء �سنغافورة يل ه�سني لوجن‪ ،‬وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر‬ ‫القربي‪ ،‬ويف اللقاء بحث اجلانبان �أوجه العالقات الثنائية بني البلدين يف كافة املجاالت‬ ‫مبا يخ���دم امل�صالح امل�شرتك���ة‪ ،‬وا�ستعر�ض وزير اخلارجية الفر����ص اال�ستثمارية التي‬ ‫تتمت���ع بها اليمن والإمكانيات املتاحة �أمام رجال الأعم���ال وامل�ستثمرين ال�سنغافوريني‬ ‫وخا�صة يف املنطقة احلرة يف عدن‪.‬‬

‫‪ 14‬ج���ددت وزيرة اخلارجية الأمريكية هيالري كلينت���ون وقوف الإدارة الأمريكية‬ ‫�إىل جان���ب اليم���ن من خالل دعمها املبا�شر ملجموعة �أ�صدق���اء اليمن‪ ،‬و�أكدت الوزيرة‬ ‫كلينت���ون خالل لقاءها بوا�شنطن وكي���ل �أول وزارة اخلارجية حمي الدين ال�ضبي دعم‬ ‫الوالي���ات املتحدة الأمريكية لليمن يف الق�ضايا املتعلقة بالعالقات الثنائية بني البلدين‬ ‫ال�صديق�ي�ن خا�صة يف جم���االت الإ�صالحات ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية‪� .‬إىل ذلك بحث‬ ‫الوكي���ل ال�ضب���ي خالل لقاءه م�ساع���دة وزيرة اخلارجي���ة لل�ش�ؤون ال�سيا�سي���ة �آن ماري‬ ‫�سالت���ر ونائبة م�ساعد وزي���رة اخلارجية ل�ش����ؤون ال�شرق الأدنى جاني���ت �ساندر�سون‪،‬‬ ‫�سب���ل تعزيز عالقات التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدين يف املجاالت التنموية واالقت�صادية‬ ‫والأمنية‪.‬‬

‫‪ 18‬ق���ررت احلكوم���ة الياباني���ة تخ�صي�ص ملي���ون و‪� 80‬ألف دوالر لدع���م مفو�ضية‬ ‫الالجئ�ي�ن يف اليمن لهذا الع���ام‪ ،‬وقالت ال�سف���ارة اليابانية ب�صنع���اء يف بيان لها “�إن‬ ‫املبل���غ �سيخ�ص�ص لتوفري م�ساع���دات �إن�سانية لتح�سني لأو�ض���اع املعي�شية لالجئني من‬ ‫ال�صوم���ال و�أج���زاء �أخ���رى من �ش���رق �أفريقي���ا مبا يف ذل���ك تزويدهم بامل����أوى واملياه‬ ‫واخلدمات ال�صحية والعنا�صر الأ�سا�سية الأخرى”‪.‬‬

‫‪ 15‬التق���ى رئي����س جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور ب�صنعاء فريق البنك‬ ‫الدويل برئا�سة املدي���ر الإقليمي للبنك ملنطقتي ال�شرق الأو�سط و�شمال �إفريقيا ديفيد‬ ‫كريك‪ ،‬جرى خالل اللقاء مناق�شة عالقات التعاون بني اليمن والبنك الدويل يف املجال‬ ‫ضال عن �سبل تطوير الدور االقت�صادي للقطاع اخلا�ص يف‬ ‫التنم���وي و�إعادة الهيكلة‪ ،‬ف� ً‬ ‫خدمة التنمية االقت�صادية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪ 19‬التقى رئي�س هيئ���ة الأركان العامة اللواء �أحمد الأ�شول‪ ،‬قائد القوات الفرن�سية‬ ‫يف جيبوت���ي الل���واء طيار كا�سبار المب���ي‪ ،‬الذي يزور اليمن‪ ،‬وج���رى خالل اللقاء بحث‬ ‫�سب���ل تعزيز العالق���ات الثنائية وتطوير التعاون امل�شرتك بني الق���وات امل�سلحة اليمنية‬ ‫والقوات الفرن�سية بجيبوتي يف جماالت التدريب وتبادل اخلربات‪ ،‬وتطرق اللقاء لعدد‬ ‫من الق�ضايا ذات العالقة مبكافحة القر�صنة والإرهاب يف املنطقة‪.‬‬

‫‪ 15‬ناق�ش وزير الكهرباء والطاقة املهند�س عو�ض ال�سقطري ب�صنعاء مع بعثة البنك‬ ‫الدويل برئا�س���ة مدير الإدارة الإقليمية ل�ش�ؤون م�صر واليم���ن وجيبوتي بالبنك ديفيد‬ ‫كري���ج‪� ،‬س�ي�ر العمل يف امل�شاريع اجل���اري تنفيذها حالي ًا يف جم���ال الطاقة الكهربائية‬ ‫املمول���ة من البنك بتكلفة تقارب الـ‪ 50‬ملي���ون دوالر‪ ،‬وتطرق اللقاء �إىل اخلطوات التي‬ ‫متت بخ�صو�ص �إجناز مناق�صة توريد املواد اخلا�صة بتقليل فاقد الكهرباء يف ال�شبكة‪،‬‬ ‫والعق���د اخلا�ص ب�إ�ضافة غالية جديدة �إىل حمط���ة احل�سوة البخارية بعدن بتكلفة ‪21‬‬ ‫مليون دوالر‪.‬‬

‫‪ 19‬ق���ال �سفري اليمن يف بكني عبد املل���ك املعلمي‪�“ ،‬إن التبادل التجاري بني اليمن‬ ‫وال�ص�ي�ن �شهد تطور ًا نوعي��� ًا يف ال�سنوات الأخرية‪ ,‬وارتفع خ�ل�ال العام املا�ضي لي�صل‬ ‫�إىل ملياري���ن و�أربعمائة مليون دوالر”‪ .‬و�أو�ضح ال�سفري املعلمي يف م�ؤمتر �صحفي عقده‬ ‫يف بك�ي�ن �أن اليم���ن يعترب من �أكرب ال���دول امل�صدرة لل�صني يف جم���ال الرثوة ال�سمكية‬ ‫والأحي���اء البحري���ة‪ ,‬حيث بلغ �إجم���ايل مات�ستورده ال�صني من اليم���ن �سنوي ًا ‪ 6‬ماليني‬ ‫و‪� 689‬ألف طن من املنتجات ال�سمكية‪ .‬وبني �أن عدد الزوار ال�صينيني لليمن من رجال‬ ‫الأعمال واخلرباء والعاملني يف ال�شركات بلغ خالل العام املا�ضي ‪ 4502‬زائر‪.‬‬

‫‪ 17‬و�صل���ت �إىل ميناء عدن ال�سفينة الع�سكري���ة الفرن�سية “داج” يف زيارة للميناء‬ ‫ت�ستغ���رق ع���دة �أيام‪ ،‬وكانت ق���د و�صلت �إىل مين���اء عدن يف وقت �ساب���ق �سفينة الدعم‬ ‫الع�سكري ال�صينية “ت�شاجن كوخوا”‪ ،‬وت�أتي زيارة ال�سفينتان يف �إطار عالقات التعاون‬ ‫القائم���ة بني اليمن وك ًال من فرن�سا وال�صني ملكافحة القر�صنة وت�أمني �سالمة املمرات‬ ‫املالحية الدولية يف خليج عدن والبحر العربي‪.‬‬

‫‪ 19‬ناق����ش وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري‪ ،‬مع قائ���د القوات الفرن�سية بدولة‬ ‫جيبوت���ي الل���واء طيار ت�ي�رى كا�سبار في���ل المبي جماالت التع���اون الأمني ب�ي�ن اليمن‬ ‫وفرن�س���ا‪ ،‬ويف اللق���اء �أ�شاد وزير الداخلي���ة باجلهود الفرن�سية يف جم���ال تدريب قوات‬ ‫خفر ال�سواح���ل اليمنية‪ ،‬و�آخرها التدريبات البحرية امل�شرتك���ة مع ال�سفينة الع�سكرية‬ ‫الفرن�سية “داج” يف املياه الإقليمية اليمنية‪.‬‬

‫‪ 17‬بحث وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي مع وزير الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية‬ ‫ال�سنغافورية زين العابدين را�شد عالقات التعاون الثنائي بني البلدين‪ ،‬كما ا�ستعر�ض‬ ‫اجلانبان جممل الق�ضايا الإقليمية والدولية ذات االهتمام امل�شرتك‪.‬‬

‫‪� 22‬أك���د قائد القيادة املركزية الو�سطى بوالية فلوري���دا الأمريكية اجلرنال ديفيد‬ ‫باتريو�س‪ ،‬ا�ستم���رار الدعم الأمريكي لليمن يف خمتلف جماالت التنمية بالإ�ضافة �إىل‬ ‫دع���م جه���ود مكافحة الإرهاب مب���ا ي�صب يف خدم���ة �أمن املنطقة‪ ،‬كم���ا �أكد اجلرنال‬ ‫باتريو�س خالل لقائه وكيل �أول وزارة اخلارجية ال�سفري حميى الدين ال�ضبي �أن الدعم‬ ‫الأمريكي لليمن �سي�شمل جوانب عدة ومنها جهود الإ�صالحات االقت�صادية والتنموية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل دعم م�سرية جمموعة �أ�صدقاء اليمن‪.‬‬

‫‪ 17‬وق���ع بوزارة التخطيط والتع���اون الدويل على اتفاقية املنح���ة اليابانية املقدمة‬ ‫مل�ش���روع مي���اه الريف بكلفة �إجمالي���ة ت�صل �إىل مليار و�ستمائة ملي���ون ين ياباين �أي ما‬ ‫يع���ادل ‪ 17‬ملي���ون دوالر‪ .‬وتكر����س االتفاقي���ة التي وقعها نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون‬ ‫االقت�صادي���ة وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي االرحبي ووزير املياه والبيئة‬ ‫عب���د الرحمن الإرياين‪ ،‬وع���ن اجلانب الياباين ال�سفري الياب���اين ب�صنعاء ميت�سونوري‬ ‫نامب���ا‪ ،‬يف تنفيذ م�شاريع مياه الريف يف خم�س حمافظات هي �صنعاء واملحويت وذمار‬ ‫‪72‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪ 24‬بحث وزير املالية نعمان ال�صهيبي مع بعثة �صندوق النقد الدويل برئا�سة ح�سن‬ ‫الأطر�ش عالقات التعاون الثنائية بني اليمن وال�صندوق‪ ،‬كما جرى ا�ستعرا�ض اجلهود‬ ‫الت���ي تقوم بها احلكوم���ة اليمنية يف جمال الإ�صالحات املالي���ة واالقت�صادية والإدارية‬

‫‪ 28‬ت�سل���م العاهل املغربي حممد ال�ساد�س‪ ،‬ر�سالة من الرئي�س علي عبد اهلل �صالح‬ ‫تتن���اول العالقات الثنائية و�سبل تعزيزها وتطويره���ا‪� ,‬إ�ضافة �إىل م�ستجدات الأو�ضاع‬ ‫يف املنطق���ة ويف مقدمتها الأو�ضاع يف فل�سط�ي�ن والعراق ومنطقة القرن الإفريقي‪ ،‬قام‬ ‫بت�سلي���م الر�سالة قائد احلر�س اجلمهوري قائد الق���وات اخلا�صة العميد الركن �أحمد‬ ‫علي عبد اهلل �صالح‪.‬‬ ‫‪ 29‬ت�سل���م قائ���د ثورة الف���احت من �سبتم�ب�ر الليبية العقي���د معمر الق���ذايف‪ ,‬خالل‬ ‫ا�ستقبال���ه يف طرابل�س قائ���د احلر�س اجلمهوري قائد الق���وات اخلا�صة العميد الركن‬ ‫�أحم���د علي عبد اهلل �صالح‪ ،‬ر�سالة من الرئي�س عل���ي عبد اهلل �صالح تتعلق بالعالقات‬ ‫الثنائية و�آفاق تعزيزها وتطويرها يف املجاالت كافة‪.‬‬

‫به���دف تطوي���ر عملي���ة اال�ستك�شاف‬ ‫النفطي يف قطاعي ‪ 2‬و‪ 29‬مع الرتكيز‬ ‫يف نف����س الوقت عل���ى ا�ستثم���ار الغاز‬ ‫امل�صاح���ب للنف���ط يف قط���اع الإنت���اج‬ ‫احلايل‪.‬‬ ‫‪ 2‬رح���ب �أم�ي�ر دولة الكوي���ت ال�شي���خ �صباح‬ ‫الأحم���د اجلاب���ر ال�صب���اح مب�شارك���ة اجلمهورية‬ ‫اليمني���ة يف اجتماع جمل����س �إدارة هيئ���ة التقيي�س لدول‬ ‫جمل����س التعاون اخللي���ج لأول مرة بعد ان�ضمامه���ا للهيئة بداية‬ ‫العام اجلاري يف �إطار خطوات ان�ضمام اليمن التدريجي للم�ؤ�س�سات اخلليجية‪.‬‬ ‫جاء ذلك لدى ا�ستقباله وزير ال�صناعة والتجارة الدكتور يحيى املتوكل‪� ،‬ضمن الوزراء‬ ‫املعنيني بالتقيي�س يف دول اخلليج امل�شاركني يف االجتماع الثاين ع�شر ملجل�س �إدارة هيئة‬ ‫التقيي�س اخلليجية والذي عقد يف الكويت‪.‬‬ ‫‪ 6‬الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح يتلقى ات�صا ًال هاتفي ًا من العقيد معمر القذايف قائد‬ ‫ثورة الفاحت من �سبتمرب الليبية‪ ،‬جرى خالله بحث العالقات الثنائية وجماالت التعاون‬ ‫امل�ش�ت�رك بني البلدي���ن‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الق�ضايا وامل�ستجدات الت���ي تهم البلدين والأمة‬ ‫العربي���ة ويف مقدمته���ا متابعة نتائج القمة العربية ال���ـ‪ 21‬التي انعقدت يف مدينة �سرت‬ ‫الليبية‪.‬‬

‫‪ 31‬دان���ت اجلمهوري���ة اليمني���ة‪ ،‬جرمية االعت���داء الإ�سرائيلي عل���ى قافلة احلرية‬ ‫املتج���ه نحو غ���زة‪ ،‬الذي �أدى �إىل �سق���وط العديد من القتلى واجلرح���ى‪ ،‬و�أكد م�صدر‬ ‫م�سئ���ول با�سم احلكومة اليمنية رف�ض اليمن ل�سيا�سة العن���ف والإرهاب التي متار�سها‬ ‫�إ�سرائي���ل جت���اه ال�شعب الفل�سطيني يف غ���زة والتي تتنافى مع القان���ون الدويل وحقوق‬ ‫الإن�س���ان‪ ،‬داعي��� ًا �إىل �ضرورة اتخاذ موقف عربي جتاه ه���ذه اجلرمية والعمل على رفع‬ ‫احل�صار عن غزة‪.‬‬

‫‪ 6‬وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي الأرحبي يلتقي بعثة �صندوق �أبو ظبي‬ ‫للتنمي���ة برئا�سة مدير �إدارة امل�شاريع ع���ادل احلو�سني‪ ،‬وجرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض‬ ‫الق�ضاي���ا املت�صلة بالتعاون القائم بني اليم���ن وال�صندوق‪ .‬ومت خالل اللقاء ا�ستعرا�ض‬ ‫�س�ي�ر تنفي���ذ حافظة امل�شاريع الت���ي �سيتم الب���دء بتنفيذها بتمويل من دول���ة الإمارات‬ ‫العربي���ة املتح���دة والت���ي تبلغ قيمتها ح���وايل ‪ 650‬ملي���ون دوالر مقدم���ة كمنحة لليمن‬ ‫للإ�سهام يف متويل م�شاريع الربنامج اال�ستثماري التابع للخطة اخلم�سية الثالثة‪.‬‬

‫حزيران‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪� 8‬أنه���ت اللجنة اليمنية الرتكي���ة امل�شرتكة �أعمال دورتها اخلام�سة يف �أنقرة بالتوقيع‬ ‫على حم�ضر الدورة واتفاقية للتعاون بني البلدين يف جمال ال�سياحة‪.‬‬

‫‪ 1‬وق���ع يف العا�صمة النم�ساوية فينا‪ ،‬على اتفاقي���ة قر�ض بني اليمن و�صندوق الأوبك‬ ‫للتنمي���ة الدولية‪ ،‬يقدم مبوجبها ال�صندوق قر�ض ًا مببلغ ت�سعة ماليني ومائة �ألف دوالر‬ ‫لتمويل م�شروع التدريب املهني وتطوير املهارات‪.‬‬ ‫‪ 1‬الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل وفد حركة حما�س الفل�سطينية برئا�سة خالد‬ ‫م�شعل رئي�س املكتب ال�سيا�سي للحركة‪ ،‬حيث �أطلع الوفد الرئي�س على تطورات الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية وجهود حتقيق امل�صاحلة الفل�سطينية ‪ -‬الفل�سطينية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل معاناة‬ ‫ال�شعب الفل�سطيني يف قطاع غزة يف ظل ا�ستمرار فر�ض احل�صار الإ�سرائيلي عليه‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح يجري ات�صا ًال هاتفي ًا م���ع الرئي�س الرتكي عبد اهلل‬ ‫غول‪ ,‬ق���دم خالله تعازي اجلمهوري���ة اليمنية قيادة وحكومة و�شعب���اً‪ ،‬يف ال�شهداء من‬ ‫املواطن�ي�ن الأتراك الذين ا�ست�شهدوا على يد الق���وات الإ�سرائيلية خالل هجومها على‬ ‫ن�شطاء «قافلة احلرية» لك�سر احل�صار اجلائر على قطاع غزة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ناق����ش رئي�س جمل�س ال���وزراء الدكتور علي حممد جمور ب�صنع���اء مع نائب رئي�س‬ ‫�شرك���ة «�أو‪� .‬إم‪ .‬يف» النم�ساوي���ة النفطية جاب هوي جيك����س‪ ،‬اجلوانب املت�صلة بن�شاط‬ ‫ال�شرك���ة يف اليم���ن يف جم���ال ا�ستك�شاف و�إنت���اج النفط وخطة ال�شرك���ة التطويرية يف‬ ‫منطقة امتيازها يف قطاع �إ�س ‪ 2‬العقلة‪ ،‬وا�ستعر�ض نائب رئي�س ال�شركة عمليات الإنتاج‬ ‫واال�ستك�شاف���ات الراهنة مو�ضح ًا �أن الإنتاج احلايل لل�شركة يبلغ ‪� 18‬ألف برميل يومياً‪،‬‬ ‫ولف���ت �إىل �أن ال�شركة ت�سع���ى �إىل زيادة حجم الإنتاج اليومي �إىل ‪� 60‬ألف برميل وذلك‬ ‫وفق��� ًا للإمكان���ات املتاحة‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن ال�شرك���ة مقبلة على ا�ستثمار ملي���ار دوالر‪ ،‬وذلك‬

‫‪ 9‬الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح ي�ستقبل نائب وزير اخلزان���ة الأمريكية نيل مرولني‬ ‫ال���ذي نقل ل���ه ر�سالة من الرئي����س الأمريكي ب���اراك �أوباما تتعلق بالعالق���ات الثنائية‬ ‫وجم���االت التعاون امل�ش�ت�رك‪ ،‬ويف مقدمته���ا التع���اون يف املجال االقت�ص���ادي والدعم‬ ‫الأمريكي مل�سرية التنمية يف اليمن‪.‬‬ ‫‪ 9‬وق���ع بوزارة التخطيط والتعاون الدويل على االتفاقي���ة التمويلية اخلا�صة مب�شروع‬ ‫كهرب���اء الريف واملنفذة بتمويل م�شرتك من قب���ل احلكومة اليمنية وعدد من املانحني‬ ‫ومب�ساهم���ة فرن�سية مببل���غ ‪ 37‬مليون و‪� 500‬ألف ي���ورو‪ .‬وقع االتفاقي���ة وزير التخطيط‬ ‫والتعاون الدويل عبد الك���رمي الأرحبي‪ ،‬وعن اجلانب الفرن�سي املدير القطري للوكالة‬ ‫الفرن�سية للتنمية كر�ستيان فلمونت‪.‬‬ ‫‪ 9‬وقع���ت املنطقة احلرة بعدن ثالثة عق���ود ت�أجري لإقامة ثالثة م�صانع يف القطاعني‬ ‫(�إل) و(جي) بتكلف���ة ا�ستثمارية �إجمالية ‪ 11‬مليون و‪� 700‬ألف دوالر‪ ،‬وتت�ضمن العقود‬ ‫الت���ي وقعها رئي�س املنطقة احلرة الدكتور عبد اجلليل ال�شعيبي ت�أجري م�ساحة ‪� 64‬ألف‬ ‫م�ت�ر مرب���ع ل�شركة ب���ن الدن ال�سعودية ‪ -‬فرع اليم���ن لإقامة م�صنع لإنت���اج اخلر�سانة‬ ‫اجلاهزة يف القطاع (�إل) بتكلفة ا�ستثمارية تزيد عن ‪ 4‬ماليني و‪� 500‬ألف دوالر‪ ،‬وقعها‬ ‫ع���ن ال�شرك���ة مدير عام املجموعة علوي البار‪ ،‬وكذا ت�أج�ي�ر م�ساحة ‪� 50‬ألف مرت مربع‬ ‫يف القط���اع (�إل) ل�شركة فيني�سيا للتجارة العامة وال�صناعات املحدودة لإقامة م�صنع‬ ‫«فيني�سيا للأوراق» بتكلفة تزيد عن ‪ 6‬مليون و‪� 500‬ألف دوالر‪ ،‬وقعها عن جانب ال�شركة‬ ‫مالكه���ا من�صور احلريبي‪ .‬وكذا ت�أجري م�ساحة ‪� 147‬ألف و‪ 736‬مرت مربع لإقامة جممع‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪73‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫�إمن���اء ال�صناعي يف القطاع (ج���ي) بتكلفة ا�ستثمارية تزيد عن ‪� 700‬ألف دوالر‪ ،‬وقعها‬ ‫عن ال�شركة مديرها العام ح�سني الهمامي‪.‬‬ ‫‪ 12‬رئي����س جمل����س ال���وزراء الدكتور عل���ي حممد جم���ور ي�ستقبل ب�صنع���اء رئي�س‬ ‫جمل����س �إدارة �شرك���ة �شينهان الكورية �شون هوان كيم‪ ،‬ال���ذي اطلع رئي�س الوزراء على‬ ‫التجهي���زات اجلارية لبدء الأعمال يف �إن�شاء �أول حمط���ة كهربائية لتوليد الطاقة عرب‬ ‫الرياح يف اليمن‪ ،‬و�أو�ضح رئي�س جمل�س �إدارة ال�شركة �أن املحطة املزمع البدء بتنفيذها‬ ‫من قبل ال�شركة يف مدينة املخا مبحافظة تعز �ستولد ‪ 60‬ميجاوات من الكهرباء‪ ،‬و�أكد‬ ‫�أن االنته���اء م���ن هذا امل�شروع الذي يع���د الأول من نوعه يف اليم���ن �سيتم خالل ع�شرة‬ ‫�أ�شهر من تاريخ بدء الأعمال التنفيذية لإن�شاء املحطة‪.‬‬ ‫‪ 13‬التقى وزير الزراعة وال���ري الدكتور من�صور احلو�شبي ب�صنعاء‪ ،‬بعثة املانحني‬ ‫من البن���ك الدويل والهولنديني والأملان واخلا�صة بربنام���ج دعم قطاع املياه يف اليمن‬ ‫برئا�س���ة كب�ي�ر اخل�ب�راء يف بعثة البن���ك ال���دويل الدكتور �أحم���د �شوق���ي‪ .‬وا�ستعر�ض‬ ‫اللق���اء برنامج البعثة ال���ذي يهدف �إىل تقييم ما مت �إجنازه م���ن �إجراءات و�أن�شطة يف‬ ‫القطاع���ات الفرعية «الربنامج الوطني للري هيئ���ة مياه الريف‪ ،‬الهيئة العامة للموارد‬ ‫املائية‪ ،‬امل�ؤ�س�سة املحلية للمياه وال�صرف ال�صحي»‪.‬‬ ‫‪ 14‬ر�أ�س نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل‬ ‫عب���د الكرمي الأرحبي‪ ،‬اجتماع��� ًا مو�سع ًا مع �سفراء وممثلي الدول املانحة ودول جمل�س‬ ‫التع���اون اخلليجي‪ ،‬كر����س ملناق�شة الق�ضاي���ا املت�صلة بالتحديات املالي���ة واالقت�صادية‬ ‫التي تواج���ه اليمن و�سبل التن�سيق امل�شرتك لدعم منظوم���ة اجلهود احلكومية اليمنية‬ ‫الهادفة �إىل مواجهة ومعاجلة هذه التحديات‪.‬‬ ‫‪ 14‬التق���ى نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش����ؤون االقت�صادي���ة وزير التخطي���ط والتعاون‬ ‫ال���دويل عبد الك���رمي الأرحبي‪ ،‬البعث���ة امل�شرتكة ل���وزارة التنمية الدولي���ة الربيطانية‬ ‫وم�ؤ�س�س���ة التموي���ل الدولية‪ ،‬جرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض جمل���ة من الق�ضايا املت�صلة‬ ‫بتعزي���ز التعاون القائم بني اليمن وكل م���ن وزارة التنمية الدولية الربيطانية وم�ؤ�س�سة‬ ‫التمويل الدولية‪ ،‬وبخا�صة ما يتعلق بربنامج اال�ست�شارات الفنية املنفذ من قبل م�ؤ�س�سة‬ ‫التمويل الدولية بتمويل من احلكومة الربيطانية واملتعلق بتعزيز ال�شراكة بني احلكومة‬ ‫وم�ؤ�س�سات القطاع اخلا�ص‪.‬‬ ‫‪ 15‬التق���ى وزير اخلارجية الدكت���ور �أبوبكر القربي ومعه وزير النفط واملعادن �أمري‬ ‫العيدرو�س‪ ،‬ب�سف�ي�ر جمهورية كوريا اجلنوبية‪ ،‬و�أبلغاه بقرار جمل�س الوزراء الذي عقد‬ ‫برئا�سة الرئي�س علي عبد اهلل �صالح حول طلب احلكومة �إعادة النظر يف �سعر بيع الغاز‬ ‫اليمني امل�سال �إىل كوريا لتتواكب مع �أ�سعار ال�سوق الدولية‪ ،‬ومبا يزيل �أي �إجحاف بحق‬ ‫اليمن ويحفظ م�صالح كافة ال�شركاء يف ت�صدير الغاز امل�سال من اليمن‪.‬‬ ‫‪ 16‬بح���ث وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري مع ال�سفري الربيطاين ب�صنعاء تيم‬ ‫تورل���و �أهمي���ة تعزيز التعاون بني البلدي���ن يف جمال خفر ال�سواح���ل‪ ،‬و�إجراءات تفعيل‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة اخلا�صة بتطوير عمل م�صلحة خف���ر ال�سواحل يف اليمن بال�صورة التي‬ ‫متكنها من القيام مبهامها الأ�سا�سية يف حماية ال�سواحل اليمنية على الوجه الأمثل‪.‬‬ ‫‪ 18‬بح���ث وزي���ر التعليم الع���ايل والبحث العلم���ي الدكتور �صالح با�ص���ره مع رئي�س‬ ‫قط���اع التعليم ملنطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �إفريقي���ا يف البنك الدويل الدكتور مراد‬ ‫الزين يف مدين���ة مر�سليا الفرن�سية‪ ،‬الإجراءات والأعم���ال التح�ضريية لتد�شني العمل‬ ‫مب�ش���روع �صن���دوق حت�سني جودة الربام���ج الدرا�سية يف اجلامع���ات اليمنية املمول من‬ ‫البنك الدويل مببلغ ‪ 13‬مليون دوالر �أمريكي‪.‬‬ ‫‪ 19‬الرئي����س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل �سفري �أ�سباني���ا ب�صنعاء ماركو�س فيجا‪،‬‬ ‫‪74‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ال���ذي تتوىل ب�ل�اده حالي ًا رئا�سة االحتاد الأوروبي‪ ،‬جرى خ�ل�ال اللقاء بحث العالقات‬ ‫الثنائي���ة التعاون امل�شرتك بني البلدي���ن و�سبل تعزيزها وتطويره���ا يف �شتى املجاالت‪،‬‬ ‫بالإ�ضاف���ة �إىل بحث الق�ضايا واملو�ضوعات الإقليمية والدولية ذات االهتمام امل�شرتك‪،‬‬ ‫ومنها ما يت�صل مبجموعة �أ�صدقاء اليمن‪.‬‬ ‫‪ 19‬التقى نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل‬ ‫عبد الكرمي الأرحبي ب�صنعاء‪ ،‬البعثة امل�شرتكة للأمم املتحدة والبنك الدويل اخلا�صة‬ ‫بتقيي���م احتياجات �إعادة �أعمار املناط���ق املت�ضررة ب�صعدة‪ .‬ج���رى يف اللقاء مناق�شة‬ ‫التفا�صي���ل املتعلقة بامل�سح امليداين اخلا�ص بتقييم احتياج���ات �إعادة الإعمار ب�صعدة‬ ‫و�سب���ل اال�ستفادة من نتائج امل�س���ح يف اجلهود احلكومية الهادف���ة �إىل الت�سريع بعملية‬ ‫�إعادة الإعمار‪.‬‬ ‫‪ 19‬التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي‪� ،‬سفري جمهورية �أملانيا االحتادية‬ ‫ب�صنع���اء كلور بري �شتولد‪ ،‬جرى خالل اللقاء بحث نتائج االجتماع الثاين لفريق العمل‬ ‫املعن���ي باالقت�ص���اد واحلك���م الر�شيد التاب���ع لأ�صدقاء اليم���ن الذي انعق���د بالعا�صمة‬ ‫الأملانية برلني خالل الفرتة ‪ 4-3‬حزيران‪/‬يونيو املا�ضي‪.‬‬ ‫‪ 22‬الرئي����س علي عب���د اهلل �صال���ح ي�ستقبل وزير الدول���ة ل�ش�ؤون ال�ش���رق الأو�سط‬ ‫وجنوب �أفريقيا يف وزارة اخلارجية الربيطانية �إلي�سرت برت‪ ،‬وجرى خالل اللقاء بحث‬ ‫العالق���ات الثنائية و�أوجه التعاون امل�شرتك بني البلدي���ن و�سبل تعزيزها وتطويرها يف‬ ‫�شتى املجاالت‪.‬‬ ‫‪ 22‬بح���ث وزي���ر الداخلي���ة مطهر ر�ش���اد امل�صري مع وزي���ر الدولة ل�ش����ؤون ال�شرق‬ ‫الأو�س���ط وجن���وب �أفريقي���ا يف وزارة اخلارجي���ة الربيطاني���ة �إلي�سرت ب���رت الذي يزور‬ ‫اليم���ن‪ ،‬العالق���ات الثنائية وجم���االت التع���اون الأمني بني البلدي���ن وخا�صة يف جمال‬ ‫مكافحة الإرهاب وخفر ال�سواحل‪.‬‬ ‫‪� 22‬أك���د رئي����س وزراء مملكة البحري���ن ال�شيخ خليفة بن �سلم���ان �آل خليفة موقف‬ ‫بالده الداعم لوحدة و�أمن وا�ستقرار اليمن وم�ساعدته يف مواجهة التحديات التنموية‪،‬‬ ‫ج���اء ذلك خالل ا�ستقباله وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبوبكر القرب���ي‪ ،‬الذي ير�أ�س وفد‬ ‫اليم���ن لالجتماع امل�شرتك اخلام�س لوزراء خارجي���ة دول جمل�س التعاون لدول اخلليج‬ ‫العربية واليمن الذي بد�أت �أعماله يف العا�صمة البحرينية املنامة‪.‬‬

‫‪ 26‬عبد ربه من�صور هادي نائب رئي�س اجلمهورية ي�ستقبل م�س�ؤول ال�شرق الأو�سط‬ ‫يف املعه���د الدميقراط���ي الأمريك���ي لي�س كامب���ل‪ ،‬واملمثل املقيم للمعه���د الدميقراطي‬ ‫الأمريك���ي يف اليم���ن ال�سيد هي���در‪ ،‬جرى خالل اللق���اء مناق�شة العديد م���ن املوا�ضيع‬ ‫املت�صل���ة بالنهج الدميقراطي يف اليمن وكيفية التعاط���ي العملي على ال�ساحة الوطنية‬ ‫يف هذا اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫‪ 26‬ا�ستقب���ل الرئي����س �إ�سماعي���ل عمر جيله رئي����س جمهورية جيبوت���ي وزير �ش�ؤون‬ ‫املغرتبني �أحمد م�ساعد ح�سني‪ ،‬وجرى يف املقابلة بحث جماالت التعاون بني البلدين‪.‬‬ ‫‪ 27‬الرئي����س علي عبد اهلل �صالح ي�ص���ل �إىل العا�صمة الليبي���ة طرابل�س للم�شاركة‬ ‫يف اجتماع���ات اللجنة اخلما�سي���ة املنبثقة عن القمة العربية ال���ـ‪ .22‬وقد عقد الرئي�س‬ ‫عل���ي عبد اهلل �صالح جل�سة مباحثات مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذايف‪ ،‬بح�ضور‬ ‫الأم�ي�ن الع���ام جلامعة الدول العربي���ة عمرو مو�س���ى‪ ،‬ووزراء خارجي���ة كل من اليمن‪،‬‬ ‫م�ص���ر‪ ،‬قطر‪ ،‬والعراق‪ .‬جرى خاللها بحث العديد من الق�ضايا املت�صلة بجدول �أعمال‬ ‫القم���ة العربية اخلما�سي���ة‪ ،‬واملبادرات املتعلق���ة ب�إقامة �إحتاد ال���دول العربية وتطوير‬ ‫منظومة العمل العربي امل�شرتك‪.‬‬ ‫‪ 27‬التق���ى رئي�س هيئ���ة الأركان العامة �أحمد الأ�شول‪ ،‬مدي���ر دائرة التعاون الأمني‬ ‫والع�سك���ري الفرن�سي الفري���ق �إميا نويل بات والوفد املرافق ل���ه الذي يزور اليمن‪ ،‬ويف‬ ‫اللق���اء جرى بح���ث �سبل تعزيز العالق���ات الثنائية بني جي�شي البلدي���ن‪ ،‬والت�أكيد على‬ ‫�أهمي���ة التع���اون يف جماالت التدري���ب والت�أهيل وتبادل اخلربات والتج���ارب املكت�سبة‪،‬‬ ‫كم���ا تناول اللقاء جوانب التعاون يف جمال الق���وات البحرية وما مت تنفيذه من متارين‬ ‫م�شرتكة يف جمال مكافحة الإرهاب والتهريب والقر�صنة‪.‬‬ ‫‪ 27‬ا�ستقب���ل العمي���د الرك���ن �أحم���د عل���ي عب���د اهلل �صال���ح قائ���د ق���وات احلر�س‬ ‫اجلمه���وري قائد الق���وات اخلا�صة‪ ،‬الفريق �إميا نويل بات مدي���ر دائرة التعاون الأمني‬ ‫والع�سك���ري الفرن�س���ي‪ ،‬و�أعرب قائد احلر�س اجلمهوري ع���ن االرتياح لتنامي عالقات‬ ‫ال�صداق���ة والتعاون بني جي�شي البلدين اليمن وفرن�س���ا‪ ،‬وبالذات يف جماالت التدريب‬ ‫والت�أهيل وتنفيذ التمارين امل�شرتكة الرامية �إىل مكافحة الإرهاب والتهريب والقر�صنة‬ ‫البحرية‪.‬‬

‫‪ 23‬عق���دت مببن���ى وزارة اخلارجية جل�س���ة مباحثات ميني���ة – بريطانية برئا�سة‬ ‫وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبوبكر القرب���ي‪ ،‬ووزير الدولة ل�ش�ؤون ال�شرق الأو�سط وجنوب‬ ‫�أفريقيا يف وزارة اخلارجي���ة الربيطانية �إلي�سرت برت‪ ،‬جرى خالل اجلل�سة بحث �أوجه‬ ‫التع���اون الثنائي والدعم التنموي والتعاون الأمني ب�ي�ن اليمن وبريطانيا‪ ،‬وكذا التقدم‬ ‫يف عملي���ة �أ�صدق���اء اليمن منذ �إطالقه���ا يف اجتماع لندن يف الـ‪ 27‬م���ن كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناير املا�ضي‪.‬‬

‫‪ 27‬بح���ث وزي���ر الداخلية مطهر ر�ش���اد امل�صري ب�صنعاء مع مدي���ر دائرة التعاون‬ ‫الأمن���ي والع�سكري بوزارة اخلارجي���ة الفرن�سية الفريق �إميانويل ب���ات والوفد املرافق‬ ‫له العالق���ات الثنائية وجماالت التعاون الأمني ب�ي�ن البلدين خا�صة يف جمال مكافحة‬ ‫الإرهاب وخف���ر ال�سواحل‪ ،‬وناق�ش اجلانب���ان �سبل تعزيز ق���درات و�إمكانيات م�صلحة‬ ‫خف���ر ال�سواحل اليمنية وجماالت تقدمي الدعم للم�صلح���ة لقيامها باملهام املناطة بها‬ ‫يف حماية الأمن البحري لليمن‪.‬‬

‫‪ 24‬ق���رر الرئي����س الأمريك���ي ب���اراك �أوباما زي���ادة حج���م امل�ساع���دات الإن�سانية‬ ‫الأمريكي���ة لليم���ن مببلغ ‪ 29.6‬ملي���ون دوالر لت�صل �إىل ‪ 42.5‬ملي���ون دوالر لل�سنة املالية‬ ‫احلالي���ة‪ ،‬و�أو�ض���ح بيان �صحفي �صادر عن املكتب الإعالم���ي يف البيت الأبي�ض �إن هذه‬ ‫املنحة املالية �ستخ�ص�ص للغذاء واملي���اه وال�صرف ال�صحي وامل�أوى والرعاية ال�صحية‬ ‫للنازحني جراء احلرب يف حمافظتي �صعدة وعمران‪.‬‬

‫‪ 28‬وزي���ر الدفاع اللواء الرك���ن حممد نا�صر �أحمد يلتقي �سف�ي�ر جمهورية �إيطاليا‬ ‫ب�صنع���اء الي�سفدرو فالفلتيا‪ ،‬وتناول اللقاء �سبل تعزي���ز العالقات الثنائية بني جي�شي‬ ‫البلدي���ن‪ ،‬كم���ا تطرق اللق���اء لإمكانية دعم قوات خف���ر ال�سواحل اليمني���ة باملتطلبات‬ ‫الفني���ة ال�ضرورية والكفيلة بتعزيز قدراتها يف مكافح���ة القر�صنة البحرية والإرهاب‪.‬‬ ‫عل���ى نف����س ال�صعيد‪ ،‬التق���ى وزير الدف���اع‪� ،‬سفري الياب���ان ب�صنعاء من�س���و نورينامبا‪،‬‬ ‫وناق����ش اللقاء �أوجه التعاون الثنائي بني البلدين خا�صة فيما يتعلق بتعزيز التعاون بني‬ ‫القوات البحرية اليمنية والقوات البحرية اليابانية‪.‬‬

‫‪ 26‬ال�سلط���ان قابو����س بن �سعي���د �سلطان �سلطنة عمان يت�سلم خ�ل�ال ا�ستقباله يف‬ ‫م�سقط وزير اخلارجية الدكتور ابوبكر القربي ر�سالة خطية من الرئي�س علي عبد اهلل‬ ‫ضال عن الت�شاور �إزاء‬ ‫�صالح تتعلق بالعالقات الثنائي���ة بني البلدين و�آفاق تطويرها‪ ,‬ف� ً‬ ‫الق�ضايا والتطورات على ال�ساحتني الإقليمية والدولية التي تهم البلدين‪.‬‬

‫‪ 28‬الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ي�صل �إىل القاهرة بعد �أن �شارك يف �أعمال القمة‬ ‫العربية اخلما�سية التي انعقدت يف العا�صمة الليبية طرابل�س‪.‬‬

‫‪ 28‬عب���د رب���ه من�صور ه���ادي نائب‬ ‫رئي����س اجلمهوري���ة ي�ستقبل نائ���ب رئي�س‬ ‫ال�صندوق الدويل للتنمية الزراعية «الإيفاد»‬ ‫يوكيو �أمورا‪ ،‬ومعها مدير دائرة ال�شرق الأو�سط‬ ‫و�شم���ال �أفريقي���ا للإيف���اد ندمي خ���وري‪ ،‬وجرى يف‬ ‫اللقاء بحث جماالت التعاون بني اليمن وال�صندوق‪.‬‬ ‫‪� 28‬أعلن���ت احلكوم���ة الربيطاني���ة تقدمي ‪ 45‬ملي���ون جني���ه �إ�سرتليني كدعم‬ ‫�إ�ضايف لليمن مل�شاريع وبرامج التنمية والتخفيف من الفقر خالل العام اجلاري‪.‬‬ ‫‪ 29‬الرئي����س حممد ح�سني مبارك ي�ستقبل بق�ص���ر «االحتادية» بالقاهرة‪ ،‬الرئي�س‬ ‫عل���ي عبد اهلل �صالح‪ ،‬حيث بح���ث الرئي�سان �سبل تعزيز العالق���ات الثنائية وجماالت‬ ‫التعاون امل�شرتك بني البلدين وعلى خمتلف الأ�صعدة‪.‬‬ ‫‪ 29‬الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح ي�ستقبل مبقر �إقامته بالقاه���رة وزير اخلارجية‬ ‫امل�ص���ري �أحمد �أبو الغيط جرى يف اللقاء بحث العالقات الثنائية وامل�ستجدات العربية‬ ‫ونتائ���ج القم���ة اخلما�سي���ة يف طرابل�س‪ ،‬ف�ض�ل�اً عن تن���اول الأو�ض���اع وامل�ستجدات يف‬ ‫املنطق���ة وامل�صالح امل�شرتكة التي تهم البلدين‪ .‬كم���ا ا�ستقبل رئي�س اجلمهورية‪ ،‬رئي�س‬ ‫جه���از املخابرات امل�صري اللواء عمر �سليمان‪ ،‬جرى يف اللقاء بحث العالقات الثنائية‬ ‫ويف مقدمته���ا التعاون يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب وتن�سيق جهود البلدين �إزاء‬ ‫كل ما يهم �أمنهما‪.‬‬ ‫‪ 29‬الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح ي�صل �إىل العا�صمة الرو�سي���ة مو�سكو‪ ،‬يف زيارة‬ ‫لرو�سي���ا االحتادية‪ ،‬يلتقي خاللها رئي�س ال���وزراء الرو�سي فالدمري بوتني‪ ،‬كما يح�ضر‬ ‫خالله���ا فعاليات املعر�ض ال���دويل للتكنولوجيا والأجهزة احلديث���ة ‪ 2010‬الذي �سيتم‬ ‫افتتاحه يف مو�سكو‪.‬‬ ‫‪ 30‬رئي����س الوزراء الرو�سي فالدمري بوتني ي�ستقب���ل الرئي�س علي عبد اهلل �صالح‪،‬‬ ‫وبح���ث اجلانب���ان العالقات الثنائية وجم���االت التعاون امل�شرتك و�سب���ل تعزيزها على‬ ‫خمتل���ف الأً�صع���دة ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية والثقافي���ة والع�سكري���ة والأمنية وغريها‪،‬‬ ‫وتط���ورات الأو�ض���اع الإقليمي���ة والدولي���ة ومنها الأو�ض���اع يف منطقة ال�ش���رق الأو�سط‬ ‫والق���رن الأفريق���ي وجه���ود مكافحة الإره���اب والقر�صن���ة البحرية‪ .‬كما ج���رى تناول‬ ‫اال�ستثم���ارات الرو�سية يف اليمن و�سبل زيادته���ا‪ ،‬وبخا�صة يف جماالت الطاقة والنفط‬ ‫واملعادن والأ�سماك وغريها‪.‬‬ ‫‪ 30‬الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل مبقر �إقامته مبو�سكو �سيف الإ�سالم معمر‬ ‫الق���ذايف‪ ،‬وجرى يف اللقاء احلديث ح���ول العالقات الثنائية و�سبل تعزيزها يف خمتلف‬ ‫املج���االت‪ ،‬بالإ�ضاف���ة �إىل التع���اون القائم بني م�ؤ�س�س���ة ال�صالح االجتماعي���ة للتنمية‬ ‫وم�ؤ�س�سة القذايف اخلريية‪.‬‬ ‫‪ 30‬ر�أ�س نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل‬ ‫عب���د الك���رمي الأرحب���ي ب�صنع���اء‪ ،‬اجتماع��� ًا مو�سع ًا مع بعث���ة الأمم املتح���دة اخلا�صة‬ ‫بالق�ضاء وحقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫‪ 30‬التقى اللواء الركن حممد نا�صر �أحمد وزير الدفاع و�أحمد الأ�شول رئي�س هيئة‬ ‫الأركان العام���ة‪ ،‬الوفد الع�سكري ال�سعودي الزائر لليمن برئا�سة اللواء الركن علي زيد‬ ‫خواجي قائد املنطقة الع�سكرية اجلنوبية باململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪75‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫عني على اليمن‬

‫حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*‬

‫الوحدة اليمنية‪ :‬اخلروج من مثلث اخلطر؟‬ ‫�أحمد يو�سف �أحمد‬ ‫مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث الإ�سرتاتيجية‬ ‫‪� 27‬أيار‪/‬مايو ‪2010‬‬

‫عا����ش جي���ل اخلم�سيني���ات وال�ستيني���ات م���ن القرن‬ ‫املا�ضي حلم الوحدة العربية‪ ،‬وعا�صر �إمكانية جت�سده‬ ‫يف الواق���ع العربي‪ ،‬وكانت الوحدة امل�صرية ‪ -‬ال�سورية‬ ‫(‪ )1961 - 1958‬عالم���ة بارزة يف هذا ال�صدد‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم م���ن انتهاء هذه التجربة باالنف�صال يف �أيلول‪/‬‬ ‫�سبتم�ب�ر ‪ 1961‬فق���د كان ال�شعور ال�سائ���د هو �أن ذلك‬ ‫االنف�صال قد مثل «نك�سة» للحلم ولي�س «نهاية» له‪.‬‬ ‫م���ن هنا �أخ���ذت حم���اوالت حتقي���ق الوح���دة العربية‬ ‫تت���واىل عق���ب هذا االنف�ص���ال‪ ،‬ولع���ل �أبرزها حماولة‬ ‫�إقامة وح���دة فيدرالية بني م�ص���ر و�سوريا والعراق يف‬ ‫‪ 1963‬واحتاد اجلمهوريات العربية بني م�صر و�سوريا‬ ‫وليبي���ا يف ‪ ،1971‬غ�ي�ر �أن م�آل هذه املح���اوالت جميع ًا‬ ‫كان ه���و الف�ش���ل‪ ،‬وب���دا �أن العيب يف «ال�سي���ارة» ولي�س‬ ‫يف «الطريق»‪ ،‬فه���ا �أنت جتتهد قدر الطاقة يف �إ�صالح‬ ‫�سيارت���ك القدمية لكن الأمر ينتهي بها يف كل مرة �إىل‬ ‫التوقف من جديد دون �أن تبلغ هدفها‪.‬‬ ‫م���ن هنا ب���دا �أن النظام العربي قد ا�ستب���دل ب�سيارته‬ ‫القدمي���ة هذه يف عقد الثمانيني���ات من القرن املا�ضي‬ ‫�سي���ارة �أخرى جديدة لعلها تك���ون �أكرث قدرة على بلوغ‬ ‫الهدف‪ ،‬وه���ى �سيارة «التجمعات الفرعي���ة»‪� ،‬إذ �شهد‬ ‫ذل���ك العقد ثالث حماوالت لإقام���ة جتمعات من هذا‬ ‫النوع �أ�س�س �أوالها يف ‪ 1981‬حتت ا�سم جمل�س التعاون‬ ‫ل���دول اخلليج العربية‪ ،‬و�ض���م دول اخلليج ال�ست ذات‬ ‫النظم الوراثية‪ ،‬و�أ�س�س جتمعان �آخران يف ‪ 1989‬حتت‬ ‫ا�سم جمل�س التعاون العربي بني كل من العراق وم�صر‬ ‫‪76‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫والأردن واليم���ن‪ ،‬واالحتاد املغارب���ي و�ضم دول �شمال‬ ‫�أفريقيا العربية عدا م�صر‪.‬‬ ‫غ�ي�ر �أنه �سرعان ما ات�ضح �أن ه���ذه ال�سيارة اجلديدة‬ ‫ال تختل���ف نوعي��� ًا عن �سي���ارة جامعة ال���دول العربية‪،‬‬ ‫ب���ل �إن اجلامع���ة يح�سب له���ا �أنها تعمل حت���ى و�إن بدا‬ ‫عملها يف بع����ض الأحيان دون فاعلي���ة‪� ،‬أما التجمعات‬ ‫الفرعي���ة فق���د انفج���ر �أحده���ا م���ن داخله عن���د �أول‬ ‫منعطف (جمل�س التعاون العربي عقب الغزو العراقي‬ ‫للكوي���ت يف ‪ ،)1990‬ودخ���ل الث���اين يف غيبوبة ممتدة‬ ‫منذ ‪( 1995‬االحت���اد املغاربي ب�سبب اخلالف املغربي‬ ‫ اجلزائري حول م�ستقبل ال�صحراء) ووا�صل الثالث‬‫(جمل�س التعاون اخلليجي) طريقه بد�أب دون حتقيق‬ ‫�إجنازات الفتة عرب العق���ود الثالثة التي انق�ضت منذ‬ ‫ت�أ�سي�سه‪.‬‬ ‫من هن���ا بدا حتقيق الوح���دة بني الدولت�ي�ن اليمنيتني‬ ‫يف اجلن���وب وال�شم���ال يف ع���ام ‪ 1990‬مبثاب���ة «بي�ضة‬ ‫الدي���ك»‪ ،‬فقد جنحت يف ذلك الع���ام حماوالت �إعادة‬ ‫الوح���دة اليمنية التي جت�سدت غري م���رة عرب مراحل‬ ‫تاريخي���ة خمتلف���ة‪ ،‬و�أت���ى ذلك النج���اح بع���د �سل�سلة‬ ‫م���ن ال�صدام���ات الع�سكرية واملفاو�ض���ات املمتدة بني‬ ‫الدولت�ي�ن انته���ت �إىل توقيع اتف���اق ت�أ�سي�س الوحدة يف‬ ‫ع���دن يف ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب ‪ ،1989‬ث���م �إعالنها‬ ‫بالفعل يف �أيار‪/‬مايو ‪.1990‬‬ ‫ومل يقل���ل م���ن ه���ذا الإجناز ما ب���دا يف حين���ه من �أنه‬ ‫رمب���ا كان م�ستحي���ل التحقي���ق ل���وال التط���ورات الت���ي‬

‫�أمل���ت بال�سيا�س���ة ال�سوفييتي���ة من���ذ وىل ميخائي���ل‬ ‫جوربات�ش���وف �أمره���ا يف ‪� ،1985‬إذ �إن���ه مبوج���ب هذه‬ ‫التطورات رفعت ال�سيا�سة ال�سوفييتية يد احلماية عن‬ ‫�ش���ركاء الأيديولوجية‪ ،‬ومن ثم انح�س���ر الأثر ال�سلبي‬ ‫لال�ستقط���اب ال���دويل على حماوالت حتقي���ق الوحدة‬ ‫اليمنية‪ ،‬و�أ�صبح قرار الوحدة ميني ًا بالأ�سا�س‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغ���م م���ن �أن البع�ض ق���د �ش���كك يف الداللة‬ ‫الإيجابي���ة عربي ًا لتحقيق الوح���دة اليمنية باعتبار �أن‬ ‫ه���ذه الوحدة �أق���رب �إىل ا�ستعادة الوح���دة «الوطنية»‬ ‫منها �إىل حتقيق الوحدة «العربية»‪ ،‬فقد بقيت للإجناز‬ ‫قيمته الوحدوية العربية على �أ�سا�س �أن الوحدة اليمنية‬ ‫متت بني دولتني عربيتني لكل منهما �سيادته وع�ضويته‬ ‫يف املنظمات العربية والإقليمية والعاملية‪.‬‬ ‫وهك���ذا �أعادت الوحدة اليمنية ه���دف حتقيق الوحدة‬ ‫العربي���ة االندماجي���ة �إىل جدول الأعم���ال العربي بعد‬ ‫طول اختفاء‪ ،‬لكنه���ا مع ذلك مل تف�ض �إىل نقلة نوعية‬ ‫يف م�س�أل���ة الوحدة العربية‪ ،‬بل لقد تعر�ضت هي ذاتها‬ ‫مل�صادر تهديد عديدة‪.‬‬ ‫فم���ن ناحية‪ ،‬مل تف����ض الوحدة اليمني���ة الحق ًا �إىل �أي‬ ‫م���د وح���دوي عربي بفعل عوام���ل داخلية عل���ى ر�أ�سها‬ ‫انكبابه���ا على بناء الذات‪ ،‬وخارجية ي�أتي يف مقدمتها‬ ‫�أن حميطه���ا اجلغرايف املبا�شر مل يكن متحم�س ًا كثري ًا‬ ‫له���ا‪ ،‬لكن الأهم من ذل���ك هو �أن اخلالف بني �شريكي‬ ‫الوحدة (امل�ؤمت���ر ال�شعبي الع���ام يف ال�شمال واحلزب‬ ‫اال�شرتاك���ي يف اجلنوب) قد ت�سلل �إىل العالقة بينهما‬ ‫خا�صة بعد �أن �أظهرت نتائج �أول انتخابات برملانية يف‬ ‫�أعقاب الوحدة يف عام ‪� 1993‬أن ثمة قوة ثالثة �صاعدة‬ ‫هي ح���زب التجمع اليمن���ى للإ�ص�ل�اح ذي التوجهات‬ ‫الدينية‪ ،‬ومن ثم �أ�صبح ممكن ًا لأي حتالف بني امل�ؤمتر‬ ‫والإ�صالح �أن يطيح باحلزب اال�شرتاكي خارج معادلة‬ ‫ال�سلطة‪ ،‬وهو ما حدث بالفعل الحقاً‪.‬‬ ‫من هن���ا �أخذ اخلالف بني �شريك���ي الوحدة يت�صاعد‬ ‫تدريجي���اً‪ ،‬و�أخفق���ت كل حم���اوالت ت�سويت���ه �سيا�سي��� ًا‬ ‫* التحليالت الواردة تعرب عن �آراء كتابها فقط‪.‬‬

‫�إىل �أن و�ص���ل الأم���ر �إىل حد ال�ص���دام الع�سكري بني‬ ‫الطرف�ي�ن يف �أيار‪/‬ماي���و ‪ ،1994‬وا�ستخ���دم كل منهما‬ ‫يف ه���ذا ال�صدام القوات امل�سلح���ة التي كانت تابعة له‬ ‫�إبان مرحلة «الت�شطري»‪ ،‬ويف املراحل الأخرية من هذا‬ ‫ال�صدام �أعلنت القيادة اجلنوبية ال�سابقة االنف�صال‪،‬‬ ‫لك���ن احل�سم الع�سكري للحرب يف م���دة وجيزة ن�سبي ًا‬ ‫و�ضع نهاية �سريعة ملحاولة االنف�صال تلك‪.‬‬ ‫م���ع ذلك ف�إن احل�س���م الع�سكري وح���ده مل يكن كافي ًا‬ ‫لت�أم�ي�ن م�ستقبل الوحدة‪ ،‬وتكفل���ت م�شكالت كالتباين‬ ‫بني النخبت�ي�ن احلاكمتني يف ال�شطري���ن �سابق ًا نتيجة‬ ‫اختالف حقيق���ي يف توجهاتهما‪ ،‬والإخف���اق يف �إعادة‬ ‫تكيي���ف و�ضع النخب���ة اجلنوبي���ة بالذات داخ���ل دولة‬ ‫الوح���دة‪ ،‬وه���ى م�شكل���ة عان���ت منها جمي���ع التجارب‬ ‫الوحدوي���ة املماثلة‪ ،‬وال�ضع���ف امل�ؤ�س�سي الذي بدا معه‬ ‫وك�أن دول���ة الوح���دة تدار من املرك���ز يف �صنعاء دومنا‬ ‫اعتب���ار لرغب���ات �أه���ل اجلن���وب‪ ،‬ناهيك ع���ن تدهور‬ ‫الو�ض���ع االقت�صادي يف اليمن ‪ -‬تكفلت هذه امل�شكالت‬ ‫وغريها بظهور حركة مطلبية يف اجلنوب يف ال�سنوات‬ ‫الأخ�ي�رة �أ�سم���ت نف�سه���ا بـ«احل���راك اجلنوبي»‪ ،‬غري‬ ‫�أن ه���ذه احلركة تط���ورت م�ؤخر ًا �إىل ح���د رفع مطلب‬ ‫االنف�ص���ال‪ ،‬وعل���ى الرغ���م م���ن �أن وزنه���ا يف ال�شارع‬ ‫اليمن���ى يف اجلنوب ال يب���دو كافي ًا لتحويل هذا املطلب‬ ‫�إىل حقيق���ة ف�إنها كانت ق���ادرة دون �شك على زعزعة‬ ‫اال�ستق���رار يف دولة الوحدة يف توقي���ت حتتاج فيه �إىل‬ ‫�أق�صى ا�ستق���رار ممكن للتغلب على م���ا يواجهها من‬ ‫م�شكالت‪.‬‬ ‫يف ح�سابات الأمن الوطني عادة ما يكفي وجود تهديد‬ ‫ج���اد واحد لهذا الأمن لإثارة القل���ق‪ ،‬وعندما يتزامن‬ ‫مع���ه م�صدر تهديد �آخر ال يق���ل خطورة يعنى ذلك �أن‬ ‫ه���ذا الأمن يواجه مع�ضلة حقيقية‪ .‬واعتبار ًا من مطلع‬ ‫القرن احل���ادي والع�شرين‪ ،‬وبالتحدي���د عقب �أحداث‬ ‫احل���ادي ع�ش���ر م���ن �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ ،2001‬وج���دت‬ ‫دولة الوحدة اليمني���ة نف�سها �ضمن دول �أخرى عديدة‬ ‫متورط���ة رغما عنها يف احلرب الأمريكية العاملية على‬ ‫الإرهاب التي �أعلنها الرئي�س الأمريكي ال�سابق جورج‬ ‫بو�ش االبن على تنظيم القاعدة الذي اتهم بتدبري تلك‬ ‫الأحداث‪.‬‬ ‫مل يك���ن تنظيم القاعدة بطبيعة احلال �صناعة مينية‪،‬‬ ‫�أو حت���ى كان لدولة الوح���دة �أي دور في���ه‪ ،‬لكن طبيعة‬ ‫اجلغرافي���ا والبني���ة القبلي���ة يف اليم���ن والتوجه���ات‬

‫الديني���ة املحافظة لقطاع م���ن �شعبها جعلت من �أر�ض‬ ‫اليمن مالذا �آمنا لبع����ض املنتمني �إىل ذلك التنظيم‪،‬‬ ‫وتربة خ�صبة القتناع البع�ض من �أبناء ال�شعب اليمنى‬ ‫بعدالة الق�ضية التي يدافع عنها تنظيم القاعدة‪ ،‬ومن‬ ‫هن���ا �أ�صبحت دول���ة الوح���دة م�سرح ًا �سيا�سي��� ًا ‪ -‬ويف‬ ‫بع�ض الأحي���ان ع�سكري ًا ‪ -‬للح���رب الأمريكية العاملية‬ ‫على الإره���اب مما �أدخلها كدول غريها �أكرث من مرة‬ ‫يف تعقي���دات �سيا�سية كان���ت يف غنى عنها‪ ،‬وكلنا يعلم‬ ‫م���اذا فعلت ال�سيا�س���ة الأمريكية �آن���ذاك بالدول التي‬ ‫ن�شط���ت فيها ه���ذه ال�سيا�س���ة يف جمال احل���رب على‬ ‫الإرهاب ك�أفغان�ستان وباك�ستان والعراق‪.‬‬ ‫غ�ي�ر �أن الأمور للأ�سف مل تق���ف عند هذا احلد‪ ،‬ففي‬ ‫العق���د الأول م���ن الق���رن الواح���د والع�شري���ن نف�سه‪،‬‬ ‫وبالتحديد منذ عام ‪ ،2004‬بد�أت دولة الوحدة اليمنية‬ ‫تواجه خطرا ثالثا يتمث���ل يف حربها مع «احلوثيني» يف‬ ‫�شمال اليمن بع���د �أن اتهمتهم القي���ادة اليمنية ب�أنهم‬ ‫ي�سعون �إىل �إعادة حكم الإمامة البائد يف اليمن‪ ،‬فيما‬ ‫كان���وا هم ي�ؤك���دون عل���ى الطابع املطلب���ي حلركتهم‪.‬‬ ‫وبغ����ض النظر عن هذا اخل�ل�اف يف النظر �إىل حركة‬ ‫«احلوثيني» ف�إن �أخطر ما يف ال�صدام بني دولة الوحدة‬ ‫وبينه���م متثل يف �أمرين‪� :‬أولهما �أن احلرب قد اتخذت‬ ‫طابع��� ًا ا�ستنزافي ًا يهدد التما�س���ك املجتمعي والتنمية‬ ‫االقت�صادي���ة يف اليم���ن‪ ،‬وثانيهم���ا ما ثب���ت بعد طول‬ ‫انتظار للأدلة والرباهني من �أن �إيران �ضالعة يف ت�أييد‬ ‫«احلوثي�ي�ن» �سيا�سي��� ًا على الأقل‪ ،‬ناهي���ك عن نظرتها‬ ‫الطائفية ال�ضيقة لل�صراع‪.‬‬ ‫ويف ه���ذا الإط���ار ب���دا �أن ح���دة ال�صراع ق���د �ضغطت‬ ‫عل���ى �أع�صاب القيادة اليمنية ف�س���اد حديث «اجتثاث‬ ‫احلوثي�ي�ن» حيناً‪ ،‬لك���ن الأمور �سرعان م���ا عادت �إىل‬ ‫م�ساره���ا ال�سيا�سي من جديد بعدم���ا ت�أكدت ا�ستحالة‬ ‫احل�س���م الع�سكري لل�صراع‪ ،‬وبعد ع���ودة القاعدة �إىل‬ ‫الربوز م���ن جديد عقب حماولة تفج�ي�ر طائرة ركاب‬ ‫�أمريكي���ة يف كان���ون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ 2009‬عل���ى ي���د‬ ‫�ش���اب نيجريي عا�ش يف اليمن‪ ،‬ويف هذا ال�سياق مت يف‬ ‫�شباط‪/‬فرباي���ر ‪ 2010‬التو�صل �إىل وقف لإطالق النار‬ ‫مع «احلوثيني»‪ ،‬وو�ضع خط���وط عامة لت�سوية �سيا�سية‬ ‫بينهم وب�ي�ن احلكومة اليمنية �أوقف���ت تفاقم ال�صراع‬ ‫و�إن بدت ه�شة حتى الآن‪.‬‬ ‫هك���ذا حُ ِ�صرت دولة الوح���دة اليمنية وهى تقرتب من‬ ‫العام الع�شرين لت�أ�سي�سها يف مثلث للخطر يراه البع�ض‬

‫مربعا ب�إ�ضاف���ة �ضلع �آخر خا�ص بالأزمة االقت�صادية‪،‬‬ ‫ومن هن���ا تبدو �أهمية املب���ادرة التي �أطلقه���ا الرئي�س‬ ‫اليمنى يف خطابه مبنا�سبة االحتفال مبيالد الوحدة‪.‬‬ ‫يف ذل���ك اخلط���اب �أب���دى الرئي����س ا�ستع���داده لقبول‬ ‫حكومة «وح���دة وطنية» ت�ضم جميع الق���وى ال�سيا�سية‬ ‫الفاعلة املمثلة يف جمل�س النواب‪ ،‬ويف مقدمتها �شريكه‬ ‫يف �صنع الوحدة (احلزب اال�شرتاكي اليمنى) وحليفه‬ ‫ال�سابق (التجمع اليمنى للإ�صالح) و�أحزاب املعار�ضة‬ ‫املن�ضوي���ة يف �إط���ار م���ا ي�سم���ى بـ«اللق���اء امل�ش�ت�رك»‪،‬‬ ‫كم���ا �أ�ضاف الرئي����س �أنه وج���ه ب�إطالق �س���راح جميع‬ ‫املحتجزي���ن «احلوثي�ي�ن» عل���ى خلفي���ة ح���رب �صعدة‪،‬‬ ‫واملعتقل�ي�ن م���ن عنا�صر «احلراك اجلنوب���ي»‪ ،‬ودعا يف‬ ‫خطابه كل �أطياف العمل ال�سيا�سي وكل �أبناء الوطن يف‬ ‫الداخل واخلارج (يف �إ�شارة �إىل املعار�ضني اجلنوبيني‬ ‫خارج اليم���ن) �إىل �إجراء حوار وطني م�سئول يف �إطار‬ ‫امل�ؤ�س�سات الد�ستورية دون �شروط �أو عراقيل‪ ،‬ويف �إطار‬ ‫نتائ���ج احلوار ميك���ن ت�شكيل حكومة الوح���دة الوطنية‬ ‫والتح�ضري لالنتخابات الربملانية القادمة‪.‬‬ ‫ل���ن تكون ه���ذه املب���ادرة بطبيعة احل���ال مبثابة «ع�صا‬ ‫مو�س���ى» الت���ي تلق���ف كل الأخط���ار املحدق���ة بالوحدة‬ ‫اليمني���ة دفع���ة واح���دة‪ ،‬ولكنه���ا بالت�أكي���د ب�أبعاده���ا‬ ‫ال�سابق���ة والتوقيت الذي �أعلنت فيه متثل فر�صة لك�سر‬ ‫مثل���ث اخلطر الذي �أطبق على دولة الوحدة اليمنية يف‬ ‫ال�سنوات الأخرية‪.‬‬ ‫وتظه���ر ردود الأفع���ال الأولية لق���وى املعار�ضة اليمنية‬ ‫حتفظات بع�ضها مربر وبع�ضها الآخر لي�س كذلك‪ ،‬و�أيا‬ ‫كان الأمر يف احلكم على طبيعة هذه املبادرة وجدواها‬ ‫ف�إن امل�سئولية الوطنية لهذه القوى حتتم عليها �أن ت�أخذ‬ ‫املب���ادرة بظاهره���ا‪ ،‬و�أن تنخ���رط يف احل���وار الوطني‬ ‫املطل���وب بح�سن نية‪ ،‬ف�إن اكت�شف���ت �أن املبادرة ال تعدو‬ ‫�أن تكون مناورة �سيا�سية �أعلنت ذلك على الر�أي العام‬ ‫اليمنى م�سلحة مبعلومات وحقائق‪.‬‬ ‫�أما البقاء مبن�أى عن الإم�س���اك بفر�صة لإنقاذ الوطن‬ ‫فه���و ت���رف ال متلكه ه���ذه الق���وى يف الآون���ة الراهنة‪،‬‬ ‫ونكو����ص عن م�سئوليتها عن احلفاظ على وحدة اليمن‬ ‫وحمايته من م�صري بات يتهدد عدد ًا من الدول العربية‬ ‫منذ �آل حال الع���رب �إىل ما نعرفه جميعاً‪ ،‬وكذلك عن‬ ‫�إبق���اء �شعل���ة الأم���ل يف �أن تعود الوح���دة العربية هدف ًا‬ ‫ممكن ًا يف وقت تداعت الأكلة فيه على الق�صعة العربية‬ ‫حتى كادت تفرغ من التهامها‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪77‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫الوجه الآخر لليمن‬ ‫�إبراهيم البيومي غامن‬ ‫�صحيفة «ال�سبيل» الأردنية‬ ‫‪ 31‬متوز‪/‬يوليو ‪2010‬‬ ‫�آخر م�شاه���د الأزمة اليمنية هو الإعالن يوم اخلمي�س‬ ‫‪ 29‬متوز‪/‬يوليو عن ت�شكيل جلنة للحوار الوطني ت�ضم‬ ‫‪ 200‬ع�ضو ن�صفهم من حزب امل�ؤمتر ال�شعبي احلاكم‬ ‫وحلفائ���ه‪ ،‬والن�صف الآخر من �أحزاب اللقاء امل�شرتك‬ ‫املعار�ض و�شركائه‪ .‬وال �أحد ي�ستطيع التكهن مب�ستقبل‬ ‫هذه اللجنة‪� ،‬أو يخم���ن قدرتها الفعلية على الأخذ بيد‬ ‫البالد للخروج من م�سل�سل الأزمات وت�ضعها على �سكة‬ ‫اال�ستقرار والإ�صالح‪.‬‬ ‫�أك�ث�ر م���ا يث�ي�ر الده�شة لزائ���ر اليم���ن ه���ذه الأيام‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا �إذا �أتيحت ل���ه فر�صة االطالع على الوجه‬ ‫الآخ���ر لهذا املجتمع العريق‪ ،‬ه���و �أن لليمن وجه ًا �آخر‬ ‫م�ضيئ ًا بخ�ل�اف الوجه الذي يراه الع���ا ُمل ‪ -‬منذ مدة‬ ‫لي�س���ت ق�صرية ‪ -‬من خالل �أزم���ات اليمن ال�سيا�سية‬ ‫املرتاكب���ة واملتزامنة‪� :‬أزمة احل���راك اجلنوبي‪ .‬و�أزمة‬ ‫ال�ص���دام امل�سلح ب�ي�ن الدولة واحلوثي�ي�ن يف حمافظة‬ ‫�صع���دة واملناط���ق املتاخمة له���ا يف ال�شم���ال‪ .‬والأزمة‬ ‫االقت�صادية املتفاقمة وا�ستم���رار تراجع قيمة الريال‬ ‫اليمن���ي وفقدانه ح���وايل ‪ %20‬من قيمت���ه منذ مطلع‬ ‫العام احلايل �أمام الدوالر الأمريكي (‪.)...‬‬ ‫و�سائ���ل الإعالم العاملي���ة والعربية تغفل ع���ن متابعة‬ ‫مالم���ح الوج���ه امل�ض���يء لليمن الذي ميتل���ئ بنماذج‬ ‫جمتمعية م�شرفة تكافح من �أجل احلياة الكرمية على‬ ‫م���دار ال�ساعة‪ ،‬والأه���م من ذلك �أنه���ا ت�سعى لت�أمني‬ ‫ال�سل���م الأهل���ي‪ ،‬وتوثي���ق ع���رى الت�ضام���ن املجتمعي‬ ‫بجه���ود ذاتية بعيد ًا ع���ن حلبة ال�ص���راع ال�سيا�سي‪/‬‬ ‫االحرتاب���ي‪ .‬وللأ�سف ف�إن و�سائ���ل الإعالم اليمني ال‬ ‫تقل غفلة عن هذا الوجه من الإعالم العاملي والعربي‬ ‫لوجه اليمن الآخر‪.‬‬ ‫الإع�ل�ام يرك���ز فق���ط عل���ى �إب���راز مالم���ح الوج���ه‬ ‫امل�أ�س���اوي ال�صراع���ي االحرتاب���ي‪ ،‬وال تق�ص���ر يف‬ ‫احلدي���ث �أي�ض ًا ع���ن «الف�س���اد» الذي تزك���م رائحته‬ ‫�أن���وف اجلميع‪ ،‬وي�شك���و منه اجلميع �أي�ض��� ًا (حكومة‬ ‫ومعار�ضة ومنظمات دولي���ة) دون �أن تظهر يف الأفق‬ ‫�شط����آن النج���اة من �أج���ل اخلروج م���ن طاحونة هذا‬ ‫الف�س���اد‪ .‬وكما هو احلال يف �أغلب البلدان العربية‪ ،‬ال‬ ‫تزال �أكرب ق�ضايا الف�س���اد مقيدة �ضد جمهول‪ ،‬رغم‬ ‫ك�ث�رة الأحادي���ث وامل�ؤمت���رات عنه‪ ،‬و�آخره���ا امل�ؤمتر‬ ‫‪78‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫الثاين الذي عقدته ال�شبكة العربية لتعزيز ال�شفافية‬

‫ومكافح���ة الف�س���اد يوم���ي ‪ 26‬و‪ 27‬متوز‪/‬يوليو ‪2010‬‬

‫بالتعاون مع الهيئ���ة الوطنية العليا ملكافحة الف�ساد يف‬ ‫اليم���ن‪ ،‬وبرنامج �إدارة احلكم يف الدول العربية التابع‬ ‫للأمم املتحدة‪.‬‬ ‫بعي���د ًا عن تلك املالمح القامتة يف وج���ه اليمن‪ ،‬ر�أيتُ‬ ‫مالم���ح �أخرى تر�س���م وجه��� ًا م�شرق ًا مرتع��� ًا بالأمل‪،‬‬ ‫متدفق ًا باحليوية‪ ،‬عازم ًا على جتاوز حمنته؛ ومتفاع ًال‬ ‫�أي�ض��� ًا م���ع ق�ضية فل�سط�ي�ن واحل�ص���ار املفرو�ض على‬ ‫غزة‪ .‬الأدلة على ذلك �شاهدناها يف القرى ال�صغرية‪،‬‬ ‫كم���ا يف املدن واملراكز احل�ضرية الكبرية‪ .‬وهذه ثالثة‬ ‫منها ت�شهد على ما �أقول‪:‬‬ ‫امل�شه���د الأول‪ :‬كان ي���وم اجلمع���ة املواف���ق ‪� 18‬شعب���ان‬ ‫‪1431‬ه� �ـ ‪ -30‬متوز‪/‬يولي���و ‪ .2010‬ذهب���ت والدكت���ور‬ ‫�سي���ف الدي���ن عبد الفت���اح �أ�ست���اذ العل���وم ال�سيا�سية‬ ‫بجامعة القاهرة لزيارة قرية «�سنبان» مبديرية «عن�س»‬ ‫مبحافظ���ة «ذمار» (وهي حمافظ���ة �أثرية �سياحية تقع‬ ‫عل���ى م�سافة ‪ 100‬كم جنوب العا�صمة �صنعاء)‪ .‬وذلك‬ ‫بدع���وة كرمية من الدكتور �صال���ح ال�سنباين‪ ،‬الأ�ستاذ‬ ‫بجامع���ة �صنعاء‪ ،‬وع�ض���و جمل�س الن���واب عن التجمع‬ ‫اليمني للإ�صالح‪ ،‬وال�صديق الدكتور حممد الظاهري‬ ‫�أ�ستاذ العل���وم ال�سيا�سي���ة بجامعة �صنع���اء‪ ،‬والدكتور‬ ‫عب���د اهلل العزعزي �أم�ي�ن الدائرة الثقافي���ة للتنظيم‬ ‫الوح���دوي ال�شعبي النا�صري‪ ،‬وهو �أي�ض��� ًا رئي�س نقابة‬ ‫هيئة تدري�س جامعتي �صنعاء وعمران‪.‬‬ ‫كان���ت املنا�سبة هي تخريج الدفع���ة الثانية من حفظة‬ ‫الق���ر�آن الكرمي (بقرية �سنب���ان) وعددهم ‪ :14‬منهم‬ ‫‪ 5‬بن�ي�ن‪ ،‬و‪ 9‬بنات‪ ،‬مع االحتفال �أي�ض��� ًا بعر�س جماعي‬ ‫ل� �ـ ‪ 48‬عرو�س ًا وعرو�سة م���ن �أبناء «�سنب���ان» التي يبلغ‬ ‫�سكانه���ا حوايل ثمانية �آالف ن�سمة تقريباً‪ ،‬وهو احلفل‬ ‫التا�س���ع الذي تنظم���ه جمعية �أهلي���ة �أن�ش�أها د‪� .‬صالح‬ ‫ال�سنب���اين وبع�ض رج���ال القري���ة با�س���م «دار �سنبان‬ ‫لتحفي���ظ الق���ر�آن الكرمي وعلوم���ه»‪ .‬بع����ض العرائ�س‬ ‫احتفلت بعر�سها وحفظها للقر�آن يف الليلة نف�سه‪.‬‬ ‫�إىل هن���ا والأمر عادي‪ ،‬ولكن اجلدي���د هو كما �أخربنا‬ ‫الدكت���ور �صال���ح �أن �إجم���ايل تكلف���ة العر����س الواحد‬ ‫ال يتج���اوز ‪ 1000‬دوالر �أمريك���ي (ح���وايل ‪240.000‬‬

‫ري���ا ًال مينياً)‪ .‬و�أخربنا �أن ثمة اتفاق��� ًا عام ًا بني جميع‬ ‫العالئ�ل�ات عل���ى ع���دم جت���اوز ه���ذا املبل���غ‪ ،‬لتي�سري‬ ‫زواج ال�شب���اب‪ ،‬ولوق���ف �سباق الإ�س���راف والبذخ بني‬ ‫القادرين؛ وتغليب م�شاعر الأخوة والتكافل الإ�سالمي‬ ‫عل���ى م�شاعر الغرية واحل�س���د‪� ،‬أو العجز واحلقد بني‬ ‫النا����س‪ .‬اجلدي���د �أي�ض��� ًا ه���و م�شاركة ع���دد كبري يف‬ ‫احلفل م���ن �أ�ساتذة اجلامع���ات‪ ،‬عل���ى ر�أ�سهم رئي�س‬ ‫جامعة الإميان ال�شيخ عبد املجيد الزنداين‪ ،‬و�أع�ضاء‬ ‫من جمل�س النواب (ثالثة �أع�ضاء)‪ ،‬وبع�ض امل�س�ؤولني‬ ‫احلكومي�ي�ن باملحافظة‪ ،‬ووزير الأوقاف (الذي اعتذر‬ ‫و�أر�س���ل تربع ًا مالي��� ًا قيم ًا لدع���م م�شروعات الدار)‪.‬‬ ‫واجلدي���د كذلك ه���و التكافل ب�ي�ن «�سنب���ان» والقرى‬ ‫املجاورة له���ا‪ ،‬وحر�ص كثري من �أبنائها على احل�ضور‬ ‫وامل�شاركة يف هذه املنا�سبة‪.‬‬ ‫بعد انتهاء حفل «�سنبان» قال يل د‪� .‬سيف عبد الفتاح‪:‬‬ ‫ال�سيا�س���ة باملعن���ى الغربي ال�صراع���ي تورث احلروب‬ ‫والدماء والثارات‪ ،‬وباملعنى ال�شرعي الإ�صالحي تورث‬ ‫العمران والنماء؛ هي تعمر القلوب بالقر�آن‪ ،‬واملجتمع‬ ‫ببناء �أ�سر جديدة تكون مهي�أة للعمل والإنتاج‪ .‬قلت له‬ ‫�صدقت و�أح�سنت‪.‬‬ ‫امل�شه���د الث���اين يف الوجه امل�ش���رق لليمن ه���و ح�ضور‬ ‫«اخلدم���ة الرتكي���ة» يف ث�ل�اث مدن ميني���ة كربى هي‬ ‫�صنع���اء‪ ،‬وتع���ز‪ ،‬وع���دن‪ .‬و«اخلدم���ة» املق�ص���ودة هي‬ ‫عم���ل طوع���ي يهت���م بالتعلي���م‪ ،‬وال�صح���ة‪ ،‬والرعاية‬ ‫االجتماعي���ة‪ .‬ه���ذا النوع م���ن اخلدمة �أ�س�س���ه ال�شيخ‬ ‫حممد فتح اهلل كولن‪ ،‬الداعية الرتكي ال�شهري (كولن‬ ‫تعن���ي الب�سّ ام بالعربي���ة)‪ .‬وينت�ش���ر تالمذته وحمبوه‬ ‫بخدمته���م ه���ذه يف �أكرث م���ن ‪ 150‬دولة ح���ول العامل‪،‬‬ ‫ولهم �أكرث م���ن ‪ 1000‬مدر�سة‪ ،‬وع���دة قنوات ف�ضائية‬ ‫هادف���ة‪ ،‬و�صحيفة يومي���ة با�سم «الزم���ان»‪ ،‬و�أكرث من‬ ‫جامعة‪ ،‬و�أكرث من م�ست�شفى على م�ستوى رفيع‪.‬‬ ‫و�صلت «اخلدمة» الرتكية لليمن �سنة ‪ ،1998‬وبد�أت يف‬ ‫�صنع���اء بت�أ�سي�س مدر�سة ت�شم���ل‪ :‬ح�ضانة‪ ،‬و�أكادميية‬ ‫الأطف���ال‪ ،‬ومدر�س���ة �أ�سا�سي���ة‪ ،‬ومدر�س���ة ثانوية‪ .‬وبلغ‬ ‫جمموع طالبها هذا العام ح���وايل ‪ 600‬طالب وطالبة‬ ‫موزع�ي�ن على امل�ستويات املذك���ورة‪ .‬وثمة م�شروع كبري‬ ‫يجري العمل فيه لبناء مق���ر جديد للمدر�سة مب�ساحة‬ ‫�إجمالية ‪ 25000‬مرت مربع‪ ،‬بق���درة ا�ستيعابية تتجاوز‬ ‫‪ 1000‬طالب وطالبة‪ .‬ومن �صنعاء انتقلت اخلدمة �إىل‬ ‫مدين���ة تعز‪ ،‬وافتتحت مدر�سة ع���ام ‪ 2003‬ت�ضم اليوم‬ ‫‪ 250‬طالب��� ًا وطالبة من احل�ضانة وحتى ال�صف الثاين‬ ‫ع�شر‪ .‬ومن تعز انتقلت �إىل مدينة عدن‪ ،‬وافتتحت فيها‬ ‫مدر�سة عام ‪ 2006‬ت�ضم حالي ًا ‪ 300‬طالب وطالبة من‬ ‫احل�ضان���ة وحت���ى ال�ص���ف العا�شر‪ .‬واخلط���وة التالية‬ ‫�ستك���ون افتتاح مدر�سة العام املقب���ل يف مدينة املكال‪،‬‬

‫مبحافظ���ة ح�ضرموت‪ .‬ح�سبم���ا �أفادنا الأ�ستاذ حممد‬ ‫يلم���اظ‪� ،‬أحد تالمذة ال�شيخ فت���ح اهلل‪ ،‬الذي ا�ستقبلنا‬ ‫يف املدر�سة الرتكية الدولية ب�صنعاء بابت�سامة عذبة مل‬ ‫تف���ارق وجهه طول الوقت‪ ،‬رغم �أنه���ا املرة الأوىل التي‬ ‫نقابل���ه فيها‪ ،‬وكذلك الأ�ستاذ كامل عون (ميني) الذي‬ ‫يعمل يف اخلدمة الرتكية باليمن‪ ،‬ويجيد اللغة الرتكية‬ ‫بطالق���ة‪ ،‬و�أفادنا بكثري م���ن املعلومات عن تطورها يف‬ ‫اليمن منذ دخولها �سنة ‪.1998‬‬ ‫الإح�صاءات الت���ي اطلعنا عليه���ا يف املدار�س الرتكية‬ ‫باليم���ن تقول �إن ‪ %90‬م���ن طالبها مينيون‪ ،‬و�أن ‪%10‬‬ ‫فقط هم م���ن �أبناء اجلاليات الأجنبي���ة من ‪ 16‬دولة‪.‬‬ ‫وجمم���وع العاملني يف املدار�س ‪ 40‬تركياً‪ ،‬و‪ 130‬مينياً‪.‬‬ ‫و�إىل جانب امل�ستوى التعليمي الراقي الذي تقدمه على‬ ‫ي���د مدر�سني ميني�ي�ن‪ ،‬ومن خ�ل�ال املق���ررات اليمنية‬ ‫الر�سمي���ة‪ ،‬تقوم «اخلدمة» بالتعاون مع رجال الأعمال‬

‫الأتراك ومب�شاركة طالبه���ا بتنفيذ م�شروعات خريية‬ ‫مو�سمية‪ ،‬مثل‪ :‬توزي���ع املواد الغذائية يف رم�ضان لعدد‬ ‫‪� 1200‬أ�س���رة‪ ،‬وتوزيع حل���وم الأ�ضاحي لع���دد ‪10000‬‬ ‫�أ�س���رة تقريب���ا‪� .‬إ�ضافة ملخيم طبي جم���اين مت تنفيذه‬ ‫‪ 2009‬و�ش���ارك فيه ‪ 30‬طبيب ًا تركي��� ًا قدموا من خالله‬ ‫خدم���ة املعاينة املجانية و�صرف ال���دواء و�إجراء بع�ض‬ ‫العملي���ات اجلراحي���ة‪ ،‬وتنق���ل املخي���م يف عدي���د م���ن‬ ‫حمافظات اليمن‪.‬‬ ‫امل�شه���د الثال���ث يحت���اج ملقال���ة م�ستقل���ة‪ ،‬وه���و م�شهد‬ ‫الإع���داد لت�سي�ي�ر قافل���ة من ال�سف���ن لك�س���ر احل�صار‬ ‫ال�صهيوين على غزة‪ .‬وحتى كتابة هذه ال�سطور ال تزال‬ ‫اال�ستع���دادات قائمة على ق���دم و�س���اق لتنظيم عملية‬ ‫جمع التربع���ات‪ ،‬و�سيكون (يوم) الإثن�ي�ن (‪ )8/2‬يوم ًا‬ ‫مفتوح ًا على القنوات الف�ضائية اليمنية لهذا الغر�ض‪.‬‬ ‫وي�أمل منظمو احلمل���ة �أن يجمعوا خم�سة ماليني دوالر‬

‫حتديات اليمن‪ :‬مقاربة �أمريكية‬ ‫جيفري كمب‬ ‫�صحيفة «االحتاد» الإماراتية‬ ‫‪� 28‬أيار‪/‬مايو ‪2010‬‬ ‫اليم���ن بلد كبري‪ ،‬تعادل م�ساحت���ه م�ساحة والية تك�سا�س‬ ‫على وجه التقريب‪ ،‬ويحتل موقع ًا جيوا�سرتاتيجي ًا حيوي ًا‬ ‫عند م�ضي���ق باب املندب الذي ي�صل ما بني بحر العرب‬ ‫والبح���ر الأحمر وقناة ال�سوي����س‪ .‬و�إىل اجلنوب منه تقع‬ ‫ال�صوم���ال‪ ،‬وهي واحدة م���ن �أكرث ال���دول «الفا�شلة» يف‬ ‫العامل م���ن حيث غياب ال�سلطة وتف�ش���ي العنف و�أعمال‬ ‫القر�صن���ة التي ته���دد املالحة يف ه���ذه املنطقة‪ .‬وميناء‬ ‫عدن‪ ،‬وهو ميناء اليمن الرئي�سي‪ ،‬يتمتع ب�أهمية تاريخية‬ ‫كب�ي�رة‪ ،‬حي���ث مت ا�ستخدامه عرب قرون م���ن قبل القوى‬ ‫املختلفة‪ ،‬بف�ضل جغرافيت���ه الطبيعية الرائعة‪ .‬ويف �أيام‬ ‫عز الإمرباطورية الربيطاني���ة ا�ستخدم امليناء كمخزن‬ ‫رئي�س���ي للفحم واملي���اه لل�سفن البحري���ة التابعة ملختلف‬ ‫دول العامل التي كانت جتوب البحار القريبة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫البحرية امللكية الربيطانية‪ ،‬وذلك ب�سبب موقعه الفريد‬ ‫على الطريق بني قناة ال�سوي�س والهند‪.‬‬ ‫والي���وم‪ ،‬ولئن كان���ت الأهمية التاريخي���ة مليناء عدن قد‬ ‫تراجعت‪ ،‬ف�إنه ميكن‪� ،‬إذا ما تغريت الأحوال‪� ،‬أن ي�صبح‬

‫مينا ًء يتمتع مبيزات تناف�سية كبرية على طريق ترانزيت‬ ‫عامل���ي مهم‪ ،‬متر عربه جت���ارة مزدهرة بني ق���ارة �آ�سيا‬ ‫وباقي مناطق العامل‪.‬‬ ‫وفيما وراء اجلغرافيا‪ ،‬يربط معظم الأمريكيني الآن بني‬ ‫اليمن وب�ي�ن �أن�شطة تنظيم «القاع���دة يف �شبه اجلزيرة‬ ‫العربي���ة»‪ .‬وقد ازداد قلق الأمريكي�ي�ن من تلك الأن�شطة‬ ‫بع���د �أن تبني �أن الطالب النيج�ي�ري «عمر الفاروق عبد‬ ‫املطلب» الذي حاول تفجري مواد نا�سفة كانت خمب�أة يف‬ ‫مالب�سه الداخلية فوق ديرتوي���ت نهاية العام املن�صرم‪.‬‬ ‫وبالن�سب���ة للحكومة اليمني���ة‪ ،‬يعد التهدي���د الذي ميثله‬ ‫هذا التنظي���م واحد ًا من ع���دة تهديدات ين�ش����أ بع�ضها‬ ‫ج���راء النزاع���ات الداخلي���ة‪ ،‬واخلالف���ات امل�ستمرة مع‬ ‫دول اجل���وار حول تعريف احلدود الواقع���ة بينهم‪ .‬ومن‬ ‫الوا�ض���ح �أن الوالي���ات املتحدة تريد م���ن اليمن التعاون‬ ‫معه���ا يف طرد تنظيم «القاعدة» م���ن اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫وم���ع �أن اليم���ن عل���ى ا�ستع���داد لقبول ه���ذا التحدي �إال‬ ‫�أن���ه ال يعتربه �أولويته الق�صوى‪ :‬فع���دد رجال «القاعدة»‬

‫�أمريك���ي‪ ،‬من امل�ؤك���د �أنها �ستقتطع م���ن قوت كثري من‬ ‫املتربع�ي�ن‪ ،‬ولكنه���م ي�شع���رون �أنه���م يقوم���ون بواجب‬ ‫�شرع���ي و�إن�ساين تفر�ضه الأخ���وة الإ�سالمية‪ ،‬من �أجل‬ ‫�إغاثة امللهوفني من �أبن���اء ال�شعب العربي الفل�سطيني‪.‬‬ ‫خطباء اجلمعة يف م�ساجد اليمن (يوم اجلمعة املوافق)‬ ‫(‪� )7/31‬شددوا على �أن القافلة اليمنية لفك احل�صار‬ ‫تع���د نوع ًا من �أن���واع التكافل بني �أبن���اء الأمة الواحدة‬ ‫التي يجب �أن تكون كالبنيان ي�شد بع�ضه بع�ضاً‪.‬‬ ‫هذا هو الوجه امل�شرق لليمن الذي تر�سم مالحمه قيم‬ ‫الإ�س�ل�ام التي حت����ض على الت�ضامن حملي��� ًا بني �أبناء‬ ‫القرى‪ ،‬وعاملي ًا بني �أبناء الأمة جميع ًا من عرب وعجم‪.‬‬ ‫فهل يعي ال�سيا�سي���ون املحرتبون هذا الدر�س؟ وهل �آن‬ ‫لهم �أن يوف���روا وي�ستثمروا جهدهم لإظهار هذا الوجه‬ ‫امل�ضيء لليمن؟‬

‫النا�شط�ي�ن يف اليم���ن ق���د ال يتج���اوز ‪ ،200‬يف ح�ي�ن �أن‬ ‫التهديدات الأخ���رى التي تواجه الب�ل�اد تعترب‪ ،‬يف نظر‬ ‫�صنعاء‪� ،‬أكرث مدعاة للقلق بكثري‪.‬‬ ‫وهن���اك م�س�ألت���ان خطريتان ق���د ت�ؤثران عل���ى م�ستقبل‬ ‫اليم���ن‪ :‬امل�س�ألة الأوىل هي الدميوغرافي���ا‪ ،‬والثانية هي‬ ‫امل���وارد الطبيعي���ة‪ .‬فن�سب���ة �صغار ال�سن م���ن بني �سكان‬ ‫اليم���ن تعد من �أعل���ى نظرياتها يف الع���امل (‪ 50‬يف املئة‬ ‫م���ن ال�س���كان حتت �س���ن ‪� 15‬سن���ة)‪ ،‬كما يتمي���ز اليمن‬ ‫بن�سب���ة خ�صوب���ة عالي���ة‪ ،‬وهو م���ا يعن���ي ت�ضاعف عدد‬ ‫ال�سكان خالل الع�ش���رة �أو اخلم�سة ع�شر عام ًا القادمة‪.‬‬ ‫وما مل يبذل جمه���ود جدي لتخفي�ض عدد �أفراد العائلة‬ ‫من جان���ب احلكومة‪� ،‬س���وف ت�ستمر الزي���ادة ال�سكانية‬ ‫يف النم���و‪ ،‬وهو ما �سيعني تزاي���د الطلب على اخلدمات‬ ‫الأ�سا�سية التي �إن مل تتم تلبيتها ميكن �أن تكون �سببا يف‬ ‫وقوع ا�ضطرابات �سيا�سية ال حتمد عقباها‪.‬‬ ‫والتح���دي الث���اين الكبري‪ ،‬وال���ذي يختلف ع���ن �أي حتدٍ‬ ‫يواجه���ه بقية العامل العربي‪ ،‬يتعلق باحل�صول على املياه‬ ‫العذب���ة‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن اليمن لي�س���ت لديه م�صادر مياه‬ ‫عذب���ة‪ ،‬مثل الأنه���ار والبحريات‪ ،‬كم���ا �أن معظم �سكانه‬ ‫يعي�شون يف �أعماق الأرا�ضي اجلبلية‪ ،‬بعيد ًا عن البحر‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ف�إنه حتى �إذا ما متت �إقامة م�صانع لتحلية املياه‬ ‫عل���ى امت���داد �ساحل البحر‪ ،‬وه���و ما �سيتطل���ب بالطبع‬ ‫نفق���ات باهظ���ة وكمي���ات هائل���ة م���ن الطاقة م���ن �أجل‬ ‫ت�شغيله���ا‪ ،‬ف�إن نق���ل املياه العذب���ة �إىل املناطق الداخلية‬ ‫الواقع���ة و�س���ط اجلبال �سوف يك���ون �أمر ًا مكلف���ا للغاية‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪79‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫ويتجاوز بكثري طاقة احلكومة اليمنية‪.‬‬ ‫وحت����ى الآن مل يتو�ص����ل �أح����د حل����ل له����ذه امل�شكل����ة‪ ،‬على‬ ‫الرغ����م من حقيق����ة �أنه����ا �ست����زداد تفاقم���� ًا يف ال�سنوات‬ ‫القادم����ة عندم����ا تن�ض����ب م�ص����ادر املي����اه اجلوفي����ة غري‬ ‫القابل����ة للتجدد‪ ،‬نتيجة ال�ستخدامها املكثف يف الأغرا�ض‬ ‫الزراعية وغريها‪.‬‬ ‫وت����رى «بارب����را بودي����ن»‪� ،‬سف��ي�رة الوالي����ات املتح����دة يف‬ ‫اليمن‪� ،‬أن اعتبار اليمن دولة فا�شلة �سيكون �أمر ًا خاطئاً‪،‬‬ ‫لأن اليم����ن لديه نظ����ام دميقراطي يف احلك����م‪ ،‬حتى و�إن‬ ‫كان البع�����ض يتحف����ظ على جوانب منه‪ ..‬كم����ا �أن املطلب‬ ‫الأ�سا�س����ي لل�س����كان يف هذا البلد يف الوق����ت الراهن لي�س‬ ‫هو الإطاحة باحلكوم����ة احلالية وا�ستبدالها بنظام �آخر‪،‬‬ ‫و�إمن����ا �أن تعم����ل تل����ك احلكوم����ة عل����ى تق����دمي املزيد من‬ ‫اخلدمات التي يحتاجون �إليها ب�صورة ما�سة‪.‬‬

‫وه����ذا بالطبع‪ ،‬هو نف�س املو�ضوع الذي بد�أت �إدارة �أوباما‬ ‫يف الت�أكي����د عليه عرب كافة الت�صريح����ات والبيانات التي‬ ‫ت�ص����در عنه����ا يف جم����ال ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة‪ ،‬وهو �أن‬ ‫الواليات املتحدة يجب �أال تظل متم�سكة باحللول الع�سكرية‬ ‫للم�شكالت التي تواجهها يف اخلارج‪ ،‬والتي ميكن �أن تحُ ل‬ ‫يف نهاي����ة املطاف بالدبلوما�سي����ة والأ�ساليب املدنية‪ .‬وهو‬ ‫اجتاه يعد يف تقديري �صائب����اً‪ ،‬لأن الواليات املتحدة‪� ،‬إذا‬ ‫ما �أ�صبحت لها ب�صم����ة قدم ع�سكرية وا�ضحة يف اليمن‪،‬‬ ‫�أي �أ�صب����ح له����ا وج����ود ع�سك����ري كب��ي�ر هناك‪ ،‬م����ن �أجل‬ ‫التخل�ص من تنظيم «القاعدة يف اجلزيرة العربية»‪ ،‬ف�إن‬ ‫ذل����ك قد ي�سفر عن نتائج عك�����س املتوخاة منه يف الأ�صل‪.‬‬ ‫ويف ر�أي����ي �أي�ض ًا �أن الواليات املتحدة يجب �أن تبذل املزيد‬ ‫م����ن اجلهد يف جم����ال تدري����ب ورعاية اليمني��ي�ن‪ ،‬بحيث‬ ‫يكون����وا قادرين عل����ى القي����ام بالوظائ����ف البريوقراطية‬

‫م�أزق �أوباما يف اليمن‪ ...‬وجوانتانامو!‬ ‫وحيد عبد املجيد‬ ‫�صحيفة «االحتاد» الإماراتية‬ ‫‪� 18‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪2010‬‬ ‫م����أزق الرئي����س �أوبام���ا يف كل من �أفغان�ست���ان والعراق‬ ‫وا�ض���ح ومعروف���ة �أبع���اده ومت���داول احلدي���ث عنه بال‬ ‫انقط���اع‪ .‬و�إذا كان �أمل���ه كب�ي�ر ًا يف اقرتاب ح���ل امل�أزق‬ ‫العراق���ي‪ ،‬فاخل���روج م���ن �أفغان�ست���ان لي����س �أك�ث�ر من‬ ‫ضال عن هذي���ن امل�أزقني‬ ‫حل���م بعي���د املنال‪ .‬غري �أن���ه ف� ً‬ ‫الكبريين‪ ،‬يواجه الرئي�س �أوباما م�أزق ًا ال يقل �أهمية يف‬ ‫اليمن‪ .‬لكن اجلزء الأكرب من �أهميته يعود �إىل ارتباطه‬ ‫مبع�ضلة كربى البد �أنه���ا ت�ؤرق �أوباما ب�سبب ف�شله حتى‬ ‫الآن يف الوفاء بوعده اخلا�ص بغلق معتقل جوانتانامو‪.‬‬ ‫فامل�أزق اليمني مهم يف ذاته بطبيعة احلال لأن احتدام‬ ‫�أزمة هذا البلد جعَله مركز ًا لأكرث تنظيمات «القاعدة»‬ ‫يف الع���امل العربي ن�شاط��� ًا الآن‪ .‬لكن �أهميت���ه‪ ،‬بالن�سبة‬ ‫لأوبام���ا‪ ،‬تت�ضاعف لأن���ه �أ�صبح العائ���ق الرئي�سي �أمام‬ ‫ا�ستم���رار التق���دم البط���يء ال���ذي يحدث باجت���اه غلق‬ ‫معتقل جوانتانامو‪ ،‬والذي كان حمور ًا �أ�سا�سي ًا يف حملته‬ ‫االنتخابي���ة عندما ق���دم نف�سه باعتب���اره القائد القادر‬ ‫على طي �صفح���ة �إدارتي بو�ش‪ .‬ويعد معتقل جوانتانامو‬ ‫م���ن �أ�سو�أ م���ا يف هذه ال�صفح���ة‪ .‬لذلك حر����ص �أوباما‬ ‫خالل حملته االنتخابية على االلتزام بغلقه‪.‬‬ ‫غ�ي�ر �أن ه���ذا الوع���د االنتخاب���ي ا�صط���دم‪ ،‬مثل���ه مثل‬ ‫‪80‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫وعود �أخرى داخلي���ة وخارجية‪ ،‬بواقع مل يح�سب �أوباما‬ ‫ح�سابه‪ .‬فقد رف����ض الكونغر�س نقل معتقلني ال يحملون‬ ‫اجلن�سي���ة الأمريكي���ة �إىل �أرا�ض���ي الوالي���ات املتحدة‪.‬‬ ‫وتكالب���ت الأجه���زة الأمني���ة لرتويع���ه م���ن خط���ر غلق‬ ‫املعتق���ل م���ن دون �إيجاد بديل عنه لع���دم �إمكان ترحيل‬ ‫نزالئه جميعهم �إىل بالده���م خالل �أ�شهر قليلة‪ .‬ورغم‬ ‫ت�سلي���م عدد كبري منهم �إىل بلدانهم‪ ،‬فقد تباط�أت هذه‬ ‫العملية بع���د �أن ان�ضم بع�ضه���م �إىل تنظيمات مرتبطة‬ ‫بـ»القاع���دة»‪ .‬ورغ���م �أن عدد ه�ؤالء قلي���ل بالقيا�س �إىل‬ ‫جمموع من �أُخرجوا من معتقل جوانتانامو‪ ،‬فقد �أ�صبح‬ ‫الثن�ي�ن منه���م دور بارز يف قي���ادة «تنظي���م القاعدة يف‬ ‫�شب���ه اجلزيرة العربي���ة» الذي يتمرك���ز يف اليمن الآن‪.‬‬ ‫و�أدى ذلك‪� ،‬إىل جان���ب تفاقم �أزمات عدة �أهمها �أزمتا‬ ‫احلوثيني واحلراك اجلنوب���ي‪� ،‬إىل تعليق عملية ترحيل‬ ‫مزيد من املعتقل�ي�ن �إىل هناك‪ .‬لذلك يبدو �صعب ًا اليوم‬ ‫ت�صفية �أو�ضاع املعتقلني يف جوانتانامو‪ ،‬دون حل الأزمة‬ ‫اليمني���ة‪ .‬فن�ص���ف ه�ؤالء عل���ى الأقل ميني���ون‪ .‬ويذهب‬ ‫التقدي���ر الراجح �إىل �أن عددهم نح���و ت�سعني من �أ�صل‬ ‫‪ 176‬ه���م �إجمايل املعتقلني الآن‪ .‬ورغم �أن الكثري منهم‬ ‫مل يع���ودوا م�ص���در خط���ر‪ ،‬فق���د ق���ررت وزارة الدفاع‬ ‫(البنتاجون) والأجه���زة اال�ستخباراتية والأمنية تعليق‬

‫املطلوب����ة لتو�صي����ل اخلدمات للري����ف‪ ،‬واملطلوب����ة كذلك‬ ‫لتوفري الطعام والك�ساء والوظائف لل�سكان‪.‬‬ ‫واليم����ن‪ ،‬بح�س����ب ال�سف��ي�رة «بودي����ن» وغريه����ا‪ ،‬تختلف‬ ‫اختالف���� ًا بين ًا عن الع����راق و�أفغان�ستان اللت��ي�ن ا�ستثمرت‬ ‫فيهم����ا الواليات املتحدة يف الآون����ة الأخرية موارد هائلة‪.‬‬ ‫فاليم����ن لي�����س بها انق�س����ام ديني �أو عرقي كب��ي�ر‪ ،‬كما �أن‬ ‫ظاه����رة �أم����راء احل����رب تكاد تك����ون يف احل����دود الدنيا‪،‬‬ ‫ع��ل�اوة على �أن اليمن بف�ض����ل موقعه اجلغرايف املهم غري‬ ‫قاب����ل للتجاهل من جانب �أي �أح����د‪ .‬والطريقة التي ميكن‬ ‫به����ا م�ساعدة اليمن �أ�صبح����ت يف الوقت الراهن م�صدر ًا‬ ‫لل�سج����ال واجل����دل يف الواليات املتحدة‪ ،‬وه����و جدل ت�أمل‬ ‫�إدارة �أوبام����ا �أن يقود يف نهاية املطاف �إىل �إعادة التفكري‬ ‫يف املقارب����ة الأمريكي����ة ملو�ض����وع التم����رد‪ ،‬خ�صو�ص���� ًا يف‬ ‫منطقة ال�شرق الأو�سط‪.‬‬

‫ترحيلهم �إىل اليمن‪.‬‬ ‫و�إذا ظل هذا الربط قائم ًا بني ترحيل اليمنيني والو�ضع‬ ‫الأمن���ي يف بلدهم‪ ،‬فالأرج���ح �أن �أوبام���ا �سينهي واليته‬ ‫الأوىل دون الوف���اء بوع���ده ب�ش�أن غل���ق املعتقل الذي ما‬ ‫زال ي�س���يء �إىل �صورة الواليات املتح���دة‪ .‬فلي�س متوقع ًا‬ ‫حدوث حت�سن ملمو�س يف الو�ضع الأمني يف اليمن خالل‬ ‫عام�ي�ن وب�ضعة �أ�شهر‪ .‬كما �أن حجم ونوع العمليات التي‬ ‫نفذها «تنظيم القاعدة» هناك يف الفرتة الأخرية يدالن‬ ‫على �صعوبة تفكيكه خالل مث���ل هذه الفرتة الق�صرية‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا يف ظل معطيات ت�ساعد على التحاق عنا�صر‬ ‫جديدة به من بالد �أخرى‪.‬‬ ‫والقاع���دة املعروفة يف حركة من يطل���ق عليهم عنا�صر‬ ‫«اجله���اد العاملي» هي �أنهم ينتقل���ون من �أحد تنظيمات‬ ‫«القاع���دة» �إىل غريه وفق ظ���روف �أهمها مدى مالئمة‬ ‫البيئة املحلية للعمل الإرهابي‪ .‬والأرجح �أن البيئة اليمنية‬ ‫�ستظل جاذبة لهذه العنا�صر‪ ،‬لعدة �أعوام قادمة‪ .‬وكان‬ ‫التنظيم املتمرك���ز يف اليمن قد ا�ستمد قوته من انتقال‬ ‫ضال عن‬ ‫مقاتل�ي�ن �إليه كانوا يف �أفغان�ستان وباك�ستان‪ ،‬ف� ً‬ ‫الع���راق‪ ،‬الأمر ال���ذي وفّر له خربات كب�ي�رة وم َكّنه من‬ ‫�أن يك���ون «قاعدة» لتدريب عنا�ص���ر من بالد عدة‪ ،‬كان‬ ‫�أحده���م الطالب النيجريي عمر ف���اروق الذي حاول‬ ‫تفج�ي�ر طائرة متجه���ة �إىل ديرتويت يف كان���ون الأول‪/‬‬ ‫دي�سمرب املا�ضي‪.‬‬ ‫لذل���ك قد يكون �صعب ًا بالن�سب���ة لأوباما �إقناع امل�س�ؤولني‬ ‫الأمني�ي�ن الأمريكي�ي�ن با�ستئن���اف ترحي���ل املعتقل�ي�ن‬ ‫اليمني�ي�ن الذين يثبت �أنهم مل يعودوا م�صدر خطر �إىل‬ ‫بالدهم‪ .‬وهن���اك ثالثون منهم كانت ال�سلطات الأمنية‬ ‫املعني���ة قد ق���د َرّت �أنه���م ال ي�شكل���ون تهدي���داً‪ ،‬وقررت‬

‫( )‬

‫ترحيله���م تباع ًا قبل �أن يوقف تنفي���ذ هذا القرار خوف ًا‬ ‫م���ن احتمال ان�ضمام بع�ضه���م �إىل �أحد �أكرث تنظيمات‬ ‫«القاع���دة» خطر ًا يف الوقت الراه���ن‪ ،‬و�آخرهم املعتقل‬ ‫حمم���د حويني ال���ذي كان ق���رار ترحيله �ص���در ال�شهر‬ ‫املا�ضي حتت �ضغط حقوقي مكثف‪ .‬لكن «البنتاجون» مل‬ ‫تلبث �أن �أعلنت يف مطلع ال�شهر اجلاري �آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫وق���ت ن�شر املقال) �أن تعلي���ق عمليات ترحيل مينيني من‬ ‫جوانتانام���و �سيظل قيد التطبيق ب�سب���ب الو�ضع الأمني‬ ‫يف بلدهم‪.‬‬ ‫و�إذا كان���ت هذه هي امل�شكلة الأك�ب�ر يف م�أزق �أوباما يف‬ ‫جوانتانام���و‪ ،‬فثم���ة م�شكلة �أخرى تتعل���ق بالأجواء التي‬ ‫حتي���ط مبحاكم���ة م���ن يتق���رر �إحالته���م عل���ى الق�ضاء‬ ‫الع�سك���ري اال�ستثنائ���ي‪ .‬و�آخره���م املعتق���ل عمر خ�ضر‬ ‫الذي بد�أت حماكمته يف ‪� 8‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪� ،2010‬أي بعد‬ ‫ثماين �سنوات عل���ى اعتقال���ه يف �أفغان�ستان عام ‪2002‬‬ ‫ح�ي�ن كان عمره ‪ 15‬عام ًا بتهمة �إلقاء قنبلة يدوية قتلت‬

‫(‬

‫جندياً‪ ،‬وتلقي تدريب ًا يف �أحد مع�سكرات «القاعدة»‪.‬‬ ‫ففي املحاكمة الع�سكرية تظهر فظائع معتقل جوانتانامو‬ ‫عارية م���ن �أي غط���اء‪ .‬وقد حدث ذل���ك يف املحاكمات‬ ‫ال�سابق���ة‪ ،‬التي �أحيل عليها ع���دد قليل من بني �أكرث من‬ ‫ثمامنائة معتقل وُ�ضع���وا يف جوانتانامو‪ ،‬قبل �أن يغادره‬ ‫�أك�ث�ر من ثلثيهم بع�ضهم مفرج عنهم ومعظمهم لتتوىل‬ ‫�سلطات بالدهم حماكمته���م‪ ،‬فيما مَ ثُل نفر قليل �أي�ض ًا‬ ‫�أمام حماكم فيدرالية �أمريكية كان �أبرزهم اال�سرتايل‬ ‫ديفيد هيك���ز امللقب «طالبان اال�س�ت�رايل» والذي حُ كم‬ ‫عليه بت�سعة �أ�شهر �سجناً‪.‬‬ ‫وهكذا يظ���ل ملف معتق���ل جوانتانامو من �أب���رز امل�آزق‬ ‫الت���ي تواج���ه �أوبام���ا‪ ،‬يف الوق���ت ال���ذي ال تتوق���ف فيه‬ ‫االنتقادات �ض���د �إدارته التي �ص���ارت متهمة من جانب‬ ‫�أو�ساط حقوقية و�إعالمي���ة غربية ب�أنها توا�صل �سيا�سة‬ ‫بو�ش و»املحافظني اجلدد»‪ .‬وه���ذا اتهام �شديد الق�سوة‬

‫البعد اال�سرتاتيجي للأزمة اليمنية‬ ‫عبدالعزيز حمد العوي�شق‬ ‫�صحيفة «الوطن» ال�سعودية‬ ‫‪ 6‬متوز‪/‬يوليو ‪2010‬‬ ‫نح���ن �أم���ام �أزم���ة حقيقي���ة يف اليم���ن يف املج���ال‬ ‫االقت�ص���ادي‪ ،‬ت�ستغلها اجله���ات املعادي���ة لال�ستقرار‬ ‫فيه‪ ،‬وم���ا مل تتم معاجلة هذه الأزم���ة على نحو �سريع‬ ‫وفعال‪ ،‬ف����إن الو�ضع ين���ذر باالنزالق نح���و �أبعاد قد ال‬ ‫ميكن �إ�صالحها م�ستقبالً‪.‬‬ ‫حينم���ا ف�شل���ت عملي���ة �إرهابي���ة يف كان���ون الأول‪/‬‬ ‫دي�سم�ب�ر املا�ضي يف تفجري طائ���رة ركاب يف طريقها‬ ‫�إىل الوالي���ات املتح���دة‪ ،‬ا�ستنف���رت ال���دول الغربي���ة‬ ‫حلفاءه���ا و�أ�صدقاءه���ا يف جميع �أنح���اء العامل‪ ،‬ودعا‬ ‫غ���وردن براون‪ ،‬رئي����س الوزراء الربيط���اين يف حينه‪،‬‬ ‫�إىل اجتم���اع عاجل عايل امل�ست���وى‪ ،‬لدرا�سة الو�ضع يف‬ ‫اليم���ن‪ .‬وناق�ش االجتماع الذي عُ قد يف لندن يف كانون‬ ‫الثاين‪/‬يناي���ر من هذا الع���ام وح�ضره ممثلون من ‪25‬‬ ‫دولة ومنظمة‪ ،‬التحديات الأمنية التي يواجهها اليمن‪.‬‬ ‫وكان هناك �إجماع عل���ى احلاجة �إىل معاجلة �شمولية‬ ‫للو�ض���ع يف اليمن‪ ،‬تتناول جميع �أبع���اده‪ ،‬وتُركز ب�شكل‬

‫خا����ص على البعد التنموي وترب���ط بينه وبني التحدي‬ ‫الأمني‪ .‬وبناء على ذلك التوافق الذي ح�صل يف لندن‪،‬‬ ‫مت الإع�ل�ان ع���ن انط�ل�اق مب���ادرة «�أ�صدق���اء اليمن»‬ ‫لدعم اليمن يف مواجهة تلك التحديات‪.‬‬ ‫وحاملا انح�س���ر االهتمام الإعالم���ي باليمن‪ ،‬انخف�ض‬ ‫م�ست���وى االهتم���ام الغرب���ي مبعاجل���ة الو�ض���ع في���ه‪،‬‬ ‫وانح�ص���ر يف متابع���ة جمموعت���ي العمل اللت�ي�ن ن�ش�أتا‬ ‫ع���ن مبادرة �أ�صدقاء اليم���ن‪ ،‬وهما جمموعة عمل عن‬ ‫«االقت�ص���اد واحلوكم���ة»‪ ،‬و�أخرى ع���ن «العدالة وحكم‬ ‫القان���ون»‪ ،‬وق���د اجتمع���ت الأوىل مرتني حت���ى الآن يف‬ ‫�أبوظب���ي وبرل�ي�ن‪ ،‬واجتمع���ت الثانية م���رة يف الهاي‪،‬‬ ‫وم���ن املقرر عقد اجتماعها الق���ادم يف عمّان الأ�سبوع‬ ‫القادم‪.‬‬ ‫�أما احلكومة الربيطانية‪ ،‬التي كانت ال�سباقة يف طرح‬ ‫املب���ادرة وعقد االجتماع ال���وزاري الأول يف لندن‪ ،‬فقد‬ ‫تخلت عن متابعتها‪ ،‬وان�شغل���ت باالنتخابات الربملانية‬

‫بالن�سب���ة لرئي�س مثل �أوباما‪ ،‬لي�س لأنه وعد بغلق معتقل‬ ‫جوانتانام���و فقط‪ ،‬ولكن لأنه يطع���ن يف جوهر الر�سالة‬ ‫الت���ي حملها على عاتق���ه وهي حت�سني �ص���ورة الواليات‬ ‫املتحدة يف العامل‪.‬‬ ‫فعندما رف���ع �أوباما �شع���ار التغيري‪ ،‬كان �أك�ث�ر ما يريد‬ ‫�أن يغ�ي�ره هو ال�سيا�سة الت���ي خنقت روح �أمريكا احلرة‪.‬‬ ‫وقد تطل���ع �إىل هذا التغيري عرب برنام���ج لإحياء �صورة‬ ‫�أم�ي�ركا الطيبة املنفتح���ة على قيم احلري���ة والتعددية‬ ‫والتقدم واملتفائلة بامل�ستقبل‪ ،‬وحما�صرة �صورة �أمريكا‬ ‫«املحافظ���ة» الت���ي و�ضع���ت ه���ذه القيم جانب��� ًا ون�شرت‬ ‫الت�ش���ا�ؤم يف العامل‪ .‬ورغم �أن���ه متكن من �إبعاد ال�صورة‬ ‫القبيحة ن�سبياً‪ ،‬ف�إنه مل ينجح يف �إحياء ال�صورة الطيبة‬ ‫رغم وجود اقتناع وا�سع يف العامل ب�أنه هو �شخ�صي ًا يعرب‬ ‫عنها‪ .‬و�سيظل جناحه يف ذلك مو�ضع �شك مادام معتقل‬ ‫جوانتانامو مفتوح ًا والطريق �إىل طيّ ملفه مغلقاً‪.‬‬

‫التي خ�سر من خاللها حزب العمال الأغلبية الربملانية‬ ‫رئا�س���ة الوزارة‪ .‬ومل تو�ض���ح احلكومة اجلديدة دورها‬ ‫يف هذه املبادرة‪� ،‬أو موقفها من الو�ضع يف اليمن‪.‬‬ ‫ولكن الأو�ض���اع يف اليمن ال تنتظر‪ ،‬ب���ل تزداد حرجاً‪.‬‬ ‫فكم���ا ر�أين���ا ع���ادت العنا�ص���ر احلوثي���ة �إىل ن�شاطها‬ ‫الداخلي بعد هدوء ن�سب���ي‪ ،‬و�سُ جلت حوادث مقلقة يف‬ ‫�أج���زاء �أخرى من اليمن‪ .‬ولك���ن احلوادث الأمنية هي‬ ‫انعكا�س لأزمة �أكرث عمق ًا بكثري‪ ،‬ذات جذور اقت�صادية‬ ‫واجتماعية و�سيا�سية‪ ،‬حملية و�إقليمية ودولية‪ .‬و�أحتدث‬ ‫اليوم عن البعد االقت�صادي فقط‪ ،‬فالتحديات يف هذا‬ ‫املجال ت���زداد تعقي���داً‪ ،‬وقدرة احلكوم���ة على حتقيق‬ ‫�أه���داف التنمية‪ ،‬وتنفي���ذ امل�شاريع مل تع���د كما كانت‬ ‫حينم���ا كانت موارده���ا من النفط عالي���ة‪ ،‬يف حني �أن‬ ‫م�ساع���دات املانح�ي�ن ت�صل ب�شكل بط���يء ب�سبب عدم‬ ‫التو�ص���ل �إىل اتفاقات مر�ضية مع املانحني حول �آليات‬ ‫التنفي���ذ‪ ،‬وانخفا�ض الق���درات الفني���ة الذاتية لليمن‬ ‫وبالت���ايل عدم الق���درة على اخلروج م���ن هذه احللقة‬ ‫املفرغة‪ .‬ونظر ًا �إىل ع���دم متكن اليمن من اال�ستفادة‬ ‫م���ن معظ���م امل�ساع���دات الت���ي مت التعهد به���ا �سابقاً‪،‬‬ ‫ف�إن املانح�ي�ن لي�سوا يف وارد تق���دمي تعهدات جديدة‪،‬‬ ‫وينتظ���رون �أن يتمك���ن اليمن من �ص���رف امل�ساعدات‬ ‫ال�سابقة قبل النظر يف �أي طلبات جديدة‪.‬‬ ‫�أم���ا و�ض���ع املوازن���ة احلكومي���ة فه���و ين���ذر باخلطر‪،‬‬ ‫�إذ �أو�ضح���ت احلكوم���ة اليمني���ة (م�ؤخ���ر ًا) �أن العجز‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪81‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫ال�سنوي قد بلغ نح���و ‪ %10‬من الناجت املحلي الإجمايل‬ ‫(ح���وايل ‪ 2.6‬ملي���ار دوالر)‪ ،‬مقارن���ة باملعدل ال�صحي‬ ‫للعج���ز ال���ذي ال ينبغي �أن يتج���اوز ‪ .%3‬ومن املعروف‬ ‫�أن �أح���د الأ�سباب الرئي�سية له���ذا العجز الدعم الذي‬ ‫تقدمه احلكومة للمحروقات‪ ،‬خا�صة الديزل‪ .‬وتواجه‬ ‫احلكوم���ة �صعوب���ة يف تخفي����ض ه���ذا الدع���م ال���ذي‬ ‫ي�ستنزف مواردها املالية‪ ،‬وي�ؤثر �سلبي ًا يف ثقة الأ�سواق‬ ‫بال�سيا�سات املالية والنقدية للدولة‪.‬‬ ‫وم���ن امل�ؤ�س���ف �أن املحادث���ات ب�ش����أن معاجل���ة عج���ز‬ ‫املوازن���ة ب�ي�ن اليم���ن و�صن���دوق النقد ال���دويل مل ت�ؤد‬ ‫�إىل نتيج���ة حت���ى الآن‪ ،‬يف ح�ي�ن �أن اليم���ن يحتاج �إىل‬ ‫التو�ص���ل �إىل اتفاق مع ال�صندوق لإيجاد نوع من الثقة‬

‫مبتان���ة و�ضعه املايل والنقدي‪ .‬فنح���ن �إذن �أمام �أزمة‬ ‫حقيقي���ة يف اليم���ن يف املج���ال االقت�ص���ادي‪ ،‬ت�ستغلها‬ ‫اجله���ات املعادية لال�ستق���رار فيه‪ ،‬وما مل تتم معاجلة‬ ‫ه���ذه الأزمة على نحو �سريع وفع���ال‪ ،‬ف�إن الو�ضع ينذر‬ ‫باالنزالق نحو �أبعاد قد ال ميكن �إ�صالحها م�ستقبالً‪.‬‬ ‫و�إذا كان املانح���ون �سينتظرون �إىل �أن ت�صلح الأو�ضاع‬ ‫يف اليم���ن اقت�صادي��� ًا وتتط���ور قدرات���ه الذاتي���ة على‬ ‫ا�ستيع���اب امل�ساع���دات وتنفي���ذ امل�شاري���ع‪ ،‬و�إذا كان‬ ‫اليم���ن �سينتظر �إىل �أن يتكي���ف املانحون وامل�ستثمرون‬ ‫مع ثقافت���ه االقت�صادية والقانونية ف����إن هذا االنتظار‬ ‫�سيط���ول‪ .‬ولذلك ف����إن الو�ضع اليمني يتطل���ب �أ�سلوب‬ ‫معاجل���ة الأزم���ات‪ ،‬ال �أ�سل���وب العم���ل اليوم���ي املعتاد‬

‫كانت عندنا جامعة‬ ‫فهمي هويدي‬ ‫�صحيفة «ال�شروق» امل�صرية‬ ‫‪� 28‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪2010‬‬ ‫ال �أعرف موقع اليم���ن يف �أولويات ال�سيا�سة اخلارجية‬ ‫امل�صرية يف الوقت الراهن‪ ،‬ول�ست واثق ًا من �أنه مدرج‬ ‫صال على الأجندة‪ .‬ويف ظل غياب م�صر �أو ان�سحابها‬ ‫�أ� ً‬ ‫الحظ���ت �أن قطر تلعب دور ًا ن�شط ًا يف حتقيق �أو �إجناح‬ ‫امل�صاحلة بني حكومة �صنعاء واحلوثيني‪ .‬و�أن ال�سعودية‬ ‫حا�ضرة هن���اك بحكم متطلب���ات اجل���وار‪ ،‬و�أن تركيا‬ ‫له���ا ح�ضورها املتزاي���د على ال�صعيدي���ن االقت�صادي‬ ‫والثق���ايف‪ ،‬و�أن هن���اك جلن���ة م�شرتكة ميني���ة‪ -‬تركية‬ ‫لدفع عجلة التع���اون والتفاهم بني البلدين‪� .‬إزاء ذلك‬ ‫ف�أخ�ش���ى �أن ي�سقط اليمن مب�ض���ي الوقت من الذاكرة‬ ‫امل�صري���ة‪ ،‬رغ���م �أن جيلنا ال يزال يذك���ر حجم ومدى‬ ‫احل�ضور امل�صري هن���اك يف �ستينيات القرن املا�ضي‪،‬‬ ‫يف �أعق���اب جن���اح الثورة عل���ى احلك���م الإمامي‪ .‬وقد‬ ‫دعاين �إىل التط���رق للمو�ضوع �أنني اكت�شفت م�صادفة‬ ‫�أن اجلامعة امل�صرية (جامع���ة القاهرة الآن) �أوفدت‬ ‫بعث���ة علمي���ة مل�سح اليم���ن وح�ضرموت يف ع���ام ‪1936‬‬ ‫و�أم�ضت هناك نحو �سبع���ة �أ�شهر‪ ،‬عادت بعدها برثوة‬ ‫كبرية من املعلومات واالنطباعات‪.‬‬ ‫وقعت على تقرير البعثة يف �آخر كتاب «�أر�ض العروبة»‬ ‫(�ص���در ع���ام ‪ )1993‬للدكت���ور �سليم���ان حزين رحمه‬ ‫اهلل‪ ،‬وكان امل�ؤل���ف الذي �صار فيما بعد مدير ًا جلامعة‬ ‫‪82‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�أ�سي���وط ووزي���ر ًا للثقافة عل���ى ر�أ�س تل���ك البعثة التي‬ ‫�أوفدته���ا كليت���ا الآداب والعل���وم حين���ذاك‪� .‬إذ كان هو‬ ‫والدكت���ور خليل يحي���ى نامي ميثالن كلي���ة الآداب‪ ،‬يف‬ ‫ح�ي�ن مثل كلية العلوم الدكتور ن�ص���ر �شكري والأ�ستاذ‬ ‫حممد توفيق الد�سوقي‪.‬‬ ‫�أث���ارت انتباهي وده�شت���ي الفكرة‪ .‬ف����أن ي�ست�شعر نفر‬ ‫م���ن الباحثني امل�صريني يف ذلك الوق���ت املبكر �أهمية‬ ‫القيام ببحث ميداين جلزء ق�صي من الوطن العربي‪،‬‬ ‫فذل���ك تعبري عن عم���ق االنتماء وال�شع���ور بامل�س�ؤولية‪.‬‬ ‫و�أن يتواف���ق عل���ى ذل���ك امل�س�ؤول���ون يف كليت���ي الآداب‬ ‫والعل���وم‪ ،‬دون توجي���ه م���ن �أح���د‪ ،‬وينتدب���ون للمهم���ة‬ ‫�أربعة م���ن الباحثني‪ ،‬وي�شجعهم على هذه املهمة مدير‬ ‫اجلامعة �آن���ذاك الدكتور �أحمد لطف���ي ال�سيد‪ ،‬وميول‬ ‫رحلته���م ب�ألف جني���ه م�ص���ري (كان اجلنيه حمرتم ًا‬ ‫وقيمته جت���اوزت الإ�سرتليني)‪ .‬فذل���ك مما يدل على‬ ‫جدي���ة الأداء واحلر����ص على تعمي���ق الروابط وتعزيز‬ ‫الدور الريادي يف جمال البحث واملعرفة‪.‬‬ ‫ا�ستغرق���ت الرحلة الفرتة ما بني �شهري ني�سان‪�/‬أبريل‬ ‫وت�شري���ن الثاين‪/‬نوفم�ب�ر من ع���ام ‪ 1936‬ـ هكذا كتب‬ ‫الدكت���ور �سليم���ان حزي���ن يف تقري���ره ـ و�أ�ض���اف‪ :‬كان‬ ‫طريقنا (كما و�ضحت���ه خريطة مرفقة) من عدن �إىل‬

‫‪ .business as usual‬فيج���ب �أال نك���ون مكبل�ي�ن‬ ‫بالرتتيب���ات البريوقراطي���ة املعت���ادة للتنمي���ة وتنفيذ‬ ‫امل�شاريع وتقدمي امل�ساعدات‪ ،‬و�أال ُت�ؤخذ كم�سلمات غري‬ ‫قابلة للمراجعة والتغيري‪.‬‬ ‫ومن اجلان���ب اليمني يجب �أن يكون ثمة التزام وا�ضح‬ ‫بالإ�ص�ل�اح االقت�ص���ادي عل���ى نح���و يُطمئ���ن املواطن‬ ‫اليمن���ي وامل�ستثمر اخلارج���ي‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل اجلهات‬ ‫املانح���ة‪ ،‬وميك���ن �أن يظه���ر ذلك من خ�ل�ال معاجلة‬ ‫عج���ز امليزانية ال���ذي �أ�ش���رتُ �إليه‪ .‬ويج���ب �أن يقابل‬ ‫ذلك اال�ستعداد من قبل �أ�صدقاء اليمن لتقدمي الدعم‬ ‫والعون احلقيقي للمواط���ن اليمني ب�سخاء ودون تردد‬ ‫(‪.)...‬‬

‫حلج ثم �إىل تعز و�إقليم احلجرية يف جنوب اليمن‪ .‬ثم‬ ‫من تعز �إىل املخا على �ساحل تهامة الغربي لليمن‪ ،‬ثم‬ ‫�إىل مين���اء اجلزيرة يف �شمال تهامة‪ ،‬ثم من احلديدة‬ ‫اتخ���ذت البعث���ة طريق احلدي���دة فوق اله�ضب���ة العليا‬ ‫�إىل �صنع���اء‪ ،‬ثم من �صنعاء قامت برحلتني �إىل �شمال‬ ‫اليم���ن‪ .‬ثم ع���ادت �إىل احلدي���دة عن طري���ق القوافل‬ ‫القدمي‪ .‬ومنها اتخذت البعثة طريق البحر �إىل جزيرة‬ ‫برمي ثم �إىل عدن واملكال‪ .‬ثم بالرب �إىل ال�شحر التابعة‬ ‫لها‪ .‬ثم اجتهت البعثة �إىل وادي ح�ضرموت حيث زارت‬ ‫ترمي‪ .‬وو�صلت �إىل مناطقها ال�شرقية والغربية‪ ،‬وركبت‬ ‫طريق القوافل يف وادي دوعان �إىل اخلريبة‪ ،‬ثم املكال‬ ‫مرة �أخرى‪ ،‬ومنها بالبحر �إىل عدن وم�صر‪.‬‬ ‫قط���ع �أع�ضاء البعثة �أثناء الرحلة نحو ‪ 2500‬كيلو مرت‪،‬‬ ‫منه���ا الثلثان بال�سيارات‪ ،‬والباق���ي على ظهور الدواب‬ ‫�أو �س�ي�ر ًا على الأقدام‪ .‬وع���ادوا بكمية وفرية من املواد‬ ‫الدرا�سية واملجموعات العلمية حول جيولوجيا املنطقة‬ ‫وجغرافيته���ا ومناخه���ا و�آثارها وال�س�ل�االت الب�شرية‬ ‫واللهج���ات املحلي���ة‪ .‬و�إىل جان���ب م���ا تعل���ق بالأر����ض‬ ‫والإن�س���ان ف�إنه���ا �أج���رت درا�ساته���ا عل���ى احليوانات‬ ‫واحل�شرات �أي�ضاً‪ ،‬وجمعت نحو ‪ 6000‬عينة احليوانات‬ ‫ال�صغ�ي�رة‪( .‬نتائ���ج الدرا�س���ات الت���ي �أجروها ن�شرت‬ ‫باللغت�ي�ن الإجنليزي���ة والفرن�سي���ة يف ع���دد م���ن �أهم‬ ‫املجاالت العلمية‪ ،‬خالل عامي ‪ 37‬و‪.)1938‬‬ ‫خ�ل�ال تل���ك اجل���والت حر����ص �أع�ض���اء البعث���ة عل���ى‬ ‫االت�ص���ال باملهتم�ي�ن ب�ش�ؤون العلم والتعلي���م والثقافة‪.‬‬ ‫وم���ن املالحظ���ات املهمة الت���ي �سجلها التقري���ر �أنهم‬ ‫�سمعوا من ال�شخ�صي���ات اليمنية التي التقوها تقدير ًا‬ ‫ملكانة م�صر لكن «الكرثة منهم مل تكن لرتى فيما تقوم‬

‫به م�صر وف���ا ًء كافي ًا ملا ترتبه تلك املكانة من واجبات‬ ‫والتزام���ات»‪ .‬وقال بع�ضهم «�إن م�صر نف�سها �أ�صبحت‬ ‫�شدي���دة االنهماك ب�ش�ؤونها اخلا�ص���ة‪� ،‬إىل حد ال يكاد‬ ‫ي�سم���ح لها ب�أن تقوم بحقوق الريادة بني �أمم امل�شرق»‪.‬‬ ‫يف خت���ام التقري���ر مقرتحات ع���دة لتوثي���ق العالقات‬ ‫الثقافي���ة مع اليمن تراوحت ب�ي�ن ت�شكيل جمل�س �أعلى‬

‫م�ش�ت�رك لتوحيد ال�سيا�سة الثقافي���ة يف اليمن والعامل‬ ‫العرب���ي‪ ،‬وتن�شي���ط عالق���ة وزارة املع���ارف واجلامعة‬ ‫باملجتم���ع اليمني‪ ،‬و�إيفاد البعث���ات التعليمية امل�صرية‬ ‫�إىل اليمن ودعوة الطلبة اليمنيني �إىل م�صر‪�...‬إلخ‪.‬‬ ‫ينت���اب املرء �شع���ور باالعت���زاز واالكتئاب ح�ي�ن يفرغ‬

‫ملاذا جل�أت القاعدة يف دعوتها للجهاد‬ ‫�إىل اللغة الإجنليزية؟‬ ‫مقابلة مع ماتيو غيدير‬ ‫جملة «لو فيغارو مغازين» الفرن�سية‬ ‫‪ 16‬حزيران‪/‬يونيو ‪2010‬‬ ‫اجلي���ل اجلديد من اجلماعة الإرهابي���ة‪ ،‬وعرب و�سيلة‬ ‫ات�صال جديدة ه���ي جملة (�إن�سباي���ر ‪ )Inspire‬التي‬ ‫تكتب كامل���ة بالإجنليزية وتقر�أ بو�ض���وح على ال�شبكة‬ ‫الدولية‪ ،‬يتوجّ ه نحو م�سلمي العامل الأجنلو�ساك�سوين‪.‬‬ ‫يفك لنا ماتيو غيدير‪ ،‬الأخ�صائي باحلركات املتطرفة‪،‬‬ ‫�شفرة ه���ذا ال�شكل اجلديد من دعاي���ة القاعدة‪� .‬سبع‬ ‫و�ست���ون �صفحة ت�ضم ن�صو�صاً‪ ،‬و�صور ًا ملونة لأ�سلحة‪،‬‬ ‫و�ص���ور ًا �شخ�صية ل�ب�ن الدن‪ ،‬وللظواهري ولـ”�أبطال”‬ ‫الإرهاب ال���دويل الآخرين‪ ،‬و�إر�شادات من �أجل «�صنع‬ ‫قنبلة»‪ ،‬بل وحتى �أوامر للتنفيذ‪ .‬املجلة اجلديدة تدعى‬ ‫(�إن�سباي���ر ‪ ،)Inspire‬وخالف��� ًا لأي منط���ق �إ�سالمي‪،‬‬ ‫ه���ي ب�أكمله���ا بالإجنليزية‪ .‬وهذه عالم���ة تبدل عميق‬ ‫يف دعاي���ة القاع���دة‪ .‬ويع���د ماتيو غيدي���ر‪ ،‬الأ�ستاذ يف‬ ‫جامعة جنيف‪ ،‬واملخت�ص يف الإرهاب‪� ،‬أحد الأ�شخا�ص‬ ‫القالئل الذين متكنوا من حتليل الوثيقة ب�أكملها‪.‬‬ ‫ل��و فيغ��ارو مغازين‪ :‬ي�ص��در الف��رع اليمني من‬ ‫القاع��دة ن�ش��رة بالإجنليزي��ة‪ .‬ه��ل ه��ذه هي‬ ‫املرة الأوىل؟‬ ‫ماتي ��و غيدي ��ر‪ :‬كال‪ ،‬لي�س���ت هذه هي امل���رة الأوىل؛‬ ‫فبع����ض خط���ب ب���ن الدن والظواهري حتم���ل عناوين‬ ‫ثانوي���ة بالإجنليزي���ة عندم���ا تك���ون موجه���ة لل�شع���ب‬ ‫الأمريكي‪ .‬ولكن هذه هي املرة الأوىل التي يجري فيها‬ ‫بث ن�شرة للقاعدة كاملة بالإجنليزية‪.‬‬

‫ما الغاية منها ومن تخاطب هذه الن�شرة؟‬ ‫افتتاحي���ة الن�شرة �صريحة جد ًا ب�ش�أن من ت�ستهدفهم‪.‬‬ ‫�إنه���ا تخاطب «مالي�ي�ن امل�سلمني الذي���ن لغتهم الأوىل‬ ‫�أو الثاني���ة هي الإجنليزي���ة‪� ،‬سواء كان���وا يف الغرب �أو‬ ‫يف ال�ش���رق‪ ،‬يف غ���رب �أو جنوب �أفريقي���ا‪ ،‬يف جنوب �أو‬ ‫جن���وب �ش���رق �آ�سيا‪ ،‬وكل م���كان يف الع���امل»‪ .‬فالن�شرة‬ ‫لديها بدالل���ة هذه العب���ارة طموح عامل���ي‪ ،‬وت�ستهدف‬ ‫�أك�ث�ر ب�صفة عامة اجلمهور الناطق بالإجنليزية �أينما‬ ‫وجد‪.‬‬ ‫ماذا يجد املرء من جديد يف (�إن�سباير)؟‬ ‫�إذا و�ضعن���ا اللج���وء �إىل الإجنليزي���ة جانب���اً‪ ،‬ف����إن‬ ‫(�إن�سباي���ر) ال تعر����ض م���ا ه���و جدي���د م���ن حي���ث‬ ‫الأ�سا����س‪� .‬إن �أغلب املقاالت من�ش���ورة �سابق ًا بالعربية‬ ‫يف ن�شرتني دوريت�ي�ن للقاعدة هم���ا‪�( :‬صوت اجلهاد)‬ ‫و(�ص���دى اجله���اد)‪ .‬فالأمر قائ���م �إذن على ترجمات‬ ‫ب�سيط���ة لن�صو����ص معروفة �سابق ًا من قب���ل املنا�ضلني‬ ‫واملتعاطف�ي�ن م���ع التنظي���م‪ ،‬ن�صو�ص ه���ي �إ�ضافة �إىل‬ ‫ذلك من ال�سهل العث���ور عليها يف كتابات الإ�سالميني‪.‬‬ ‫وحت���ى املقابالت املعلنة هي �إعادة ن�شر ر�سائل تتفاوت‬ ‫يف قدمه���ا لزعم���اء التنظي���م‪ .‬والق�ص���د يف احلقيقة‬ ‫ه���و جتميع املق���االت التي حتظ���ى ب�أك�ث�ر �شعبية لدى‬ ‫املنا�ضلني‪.‬‬

‫من قراءة التقري���ر‪ .‬االعتزاز ب���دور اجلامعة �آنذاك‪،‬‬ ‫واالكتئ���اب لأن ه���ذه الروح اختفت بع���د ‪ 75‬عاماً‪ .‬فال‬ ‫اجلامع���ة �ص���ارت جامع���ة‪ ،‬وال م�صر بقي���ت كما هي‪.‬‬ ‫لذل���ك مل يكن غريب ًا �أن تخ���رج اجلامعة من ت�صنيف‬ ‫اجلامع���ات املحرتمة يف الع���امل‪ ،‬و�أن تخرج م�صر من‬ ‫التاريخ‪.‬‬

‫ه��ل هي وثيقة طبق الأ�ص��ل �أم �أنها مزورة كما‬ ‫يدعي البع�ض ذلك؟‬ ‫تتجدد ه���ذه املناق�شة عند كل ظهور ملعلومة جديدة �أو‬ ‫وثيق���ة تتعلق بالقاعدة؛ ويقدم جمع من هواة نظريات‬ ‫امل�ؤام���رة التف�س�ي�رات الأك�ث�ر تنوع ًا يف �سبي���ل �إظهار‬ ‫�أن «احلقيق���ة يف غ�ي�ر ه���ذا»‪ .‬ويف هذه امل���رة بالذات‪،‬‬ ‫الربهان على مطابقة الوثيقة للن�ص الأ�صلي ي�أتي من‬ ‫التنظيم بالذات الذي �أعلن هذه املجلة وبثها على عدة‬ ‫منتديات‪.‬‬ ‫ق��د ي�صح ه��ذا‪ ،‬ولكن م��ا هي الرباه�ين الأكرث‬ ‫ملمو�س��ة الت��ي تعر�ضه��ا عل��ى �أولئ��ك الذي��ن‬ ‫ي�شكون يف ذلك؟‬ ‫بالت�أكي���د‪� ،‬أولئ���ك الذي���ن ي�شك���ون حتى ب�أح���داث ‪11‬‬

‫�أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر �سي�ستم���رون يف ال�ش���ك مهم���ا تك���ن‬ ‫الأدل���ة والرباهني‪ ،‬مبدئي ًا �أو جه�ل�اً ‪ .‬ولكن املخت�صني‬ ‫مبقدوره���م احلكم على قطع���ة من املحتوى‪ ،‬من حيث‬ ‫الأ�سا�س كما من حيث ال�شكل‪ ،‬مادامت الن�سخة الكاملة‬ ‫متوفرة حالي ًا على �أغلب املنتديات الإ�سالمية‪� .‬أخرياً‪،‬‬ ‫ف�إن القاعدة كانت �ست�صدر تكذيب ًا لو �أن هذه الن�شرة‬ ‫مل تكن �صادرة عنها‪ ،‬كما فعلت هذا يف املا�ضي‪.‬‬ ‫م��اذا يعني تبنّي الإجنليزية من قبل القاعدة‬ ‫يف دعايتها؟‬ ‫بالن�سب���ة يل‪ ،‬التحول نحو الإجنليزية من قبل املنظمة‬ ‫الإرهابي���ة الأك�ث�ر ع���دا ًء لأم�ي�ركا يعن���ي االنت�ص���ار‬ ‫الثق���ايف للوالي���ات املتح���دة التي لغتها تفر����ض نف�سها‬ ‫عل���ى القاعدة م���ن الآن ف�صاعداً‪ .‬وه���ذا يعني كذلك‬ ‫�أن العنا�ص���ر الأكرث واقعية ب�ي�ن منا�ضلي القاعدة هم‬ ‫يف حال���ة تفوّق عل���ى ال�سلفيني املتزمت�ي�ن الذين تعترب‬ ‫الإجنليزية بالن�سبة لهم لغة ال�شيطان الرجيم‪.‬‬ ‫جمل��ة (�إن�سباي��ر) عل��ى ال�شبك��ة الدولية هل‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪83‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫املحــور‬

‫عني على اليمن‬

‫املراقب الإ�سرتاتيجي‬ ‫وم�سارات الغد‬ ‫اليومـة العــدد‬ ‫�سيا�ساتق�ضي ـ‬

‫تعترب بداية حرب ب�ين «املعتدلني» و«قدماء»‬ ‫الإرهابيني؟‬ ‫كال‪ ،‬ولك���ن يالح���ظ امل���رء بع����ض الت�ضاد ب�ي�ن «دعاة‬ ‫التحدي���ث املعتدل�ي�ن» و«ال�سلفي�ي�ن دع���اة الع���ودة �إىل‬ ‫املا�ض���ي» الذي���ن يعي�ش���ون خ���ارج ع�صره���م‪ .‬مث�ل�اً ‪،‬‬ ‫�إحدى مق���االت املجلة‪ ،‬مكتوبة من قب���ل خمتار ح�سن‬ ‫(ال�صفح���ات ‪ 48-45‬م���ن املجل���ة) حتل���ل بالتف�صيل‬ ‫«احلاج���ز اللغوي» وتدعو �إىل «مزيج ثقايف» (من �أجل‬ ‫�إجن���اح اجله���اد)‪ .‬وهذا موقف ال ميك���ن ت�صوره لدى‬ ‫احلرا�س املُ�سِ نني‪ ،‬املفتون�ي�ن ب�أ�صول الإ�سالم وخرافة‬ ‫النقاء‪.‬‬ ‫هل يق�صد بهذا القول �أن الإرهابيني «يعوملون»‬ ‫�أنف�سهم؟‬ ‫نوع ًا ما‪� .‬إن جي ًال جديد ًا من الإرهابيني قد تكفّل ب�أمر‬ ‫توزيعة ورق اللعب العاملية اجلديدة ويرى نف�سه حاذق ًا‬ ‫فيها مبا يف ذلك دعايت���ه‪ ،‬م�ستعين ًا باللغة الإجنليزية‬ ‫الأك�ث�ر ا�ستخدام ًا يف الع���امل‪� .‬إن هذا اجليل اجلديد‪،‬‬ ‫ت�شبه��� ًا بع�ص���ره‪ ،‬يعترب معتد ًال جد ًا وم�ؤم���رك ثقافياً‪.‬‬ ‫ولكن ا�ستخدام لغة الطرف الآخر ي�ستدعي‪ ،‬كي يكون‬ ‫�أك�ث�ر فاعلية‪ ،‬الرج���وع نحو ك���وادر‪ ،‬نح���و ت�شكيالت‪،‬‬ ‫ومعايري؛ وب�صف���ة خا�صة‪ ،‬تكيّفه مع مفاهيم تفر�ضها‬ ‫ه���ذه اللغة‪ ،‬وبالأخ����ص عندما يكون اله���دف املن�شود‬ ‫�إقناع املخاطب مبا يطرحه عليه‪.‬‬ ‫م��ا ال��ذي يجع��ل تبنّ��ي الإجنليزي��ة ي�ستتب��ع‬ ‫اخل�ضوع للكوادر الأجنلو�ساك�سونية؟‬ ‫با�ستعم���ال الإجنليزي���ة يف دعايته���ا‪ ،‬ت�سع���ى القاعدة‬ ‫�إىل «االلت�صاق» باهتمام جمهور من العامة الناطقني‬ ‫بالإجنليزية و�إىل �إقناعهم باالن�ضمام للجهاد‪ .‬وجراء‬ ‫فعله���ا هذا‪ ،‬ه���ي جمربة عل���ى تكييف وجه���ة نظرها‬ ‫وخطابه���ا ك���ي تر�ضي ه���ذا اجلمهور‪ .‬واملث���ال الأكرث‬ ‫نطق ًا هو عنوان املجلة (‪ )Inspire‬الذي يتطابق متام ُا‬ ‫م���ع الغاي���ة املن�شودة من قب���ل التنظيم وم���ع ما تعنيه‬ ‫ِّ�ض» ال���واردة يف الق���ر�آن (�س���ورة الأنفال‪:‬‬ ‫كلم���ة «حر ْ‬ ‫الآي���ة ‪ ،)65‬الت���ي تظهر عل���ى غالف املجل���ة‪ .‬غري �أن‬ ‫الكلم���ة العربية املقابل���ة لها قد ج���اءت ب�صيغة الأمر‬ ‫ِّ�ض‬ ‫ِّ�ض» وبالأخ�ص «حر ْ‬ ‫وتعني على وجه التحديد « حر ْ‬ ‫ِّ�ض» – الذي اُ�ستبدِ ل بـ‬ ‫على القت���ال»‪ .‬ولأن الفعل «حر ْ‬ ‫‪ Inspire‬ويقابله الفعل الفرن�سي ‪ Inspirer‬ويق�صد به‬ ‫هنا (حث‪� ،‬أدع) ‪ -‬يقابله يف الإجنليزية «‪ »incite‬كما‬ ‫يف الفرن�سي���ة «‪ »inciter‬وله معن���ى �سلبي (التحري�ض‬ ‫عل���ى الكراهي���ة‪ .. ،‬الخ)‪ ،‬فقد قاد ه���ذا حمرر املجلة‬ ‫‪84‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫لتبنّ���ي مف���ردة �إجنليزية لها جاذبية �أك�ث�ر من �سواها‬ ‫لدى اجلمهور امل�ستهدف رغم عدم مطابقتها بالتمام‬ ‫للمعنى القر�آين‪.‬‬ ‫�أن��ت �أحد املخت�صني القالئ��ل الذين متكنوا من‬ ‫ق��راءة وحتليل ال��ـ‪� 67‬صفحة م��ن (‪.)Inspire‬‬ ‫كيف جرى تنظيم املجلة؟‬ ‫جرى تنظيم املجلة يف عدة �أبواب‪ ،‬حيث ميكن معرفة‬ ‫حمتوي���ات كل واحد منه���ا بالرج���وع �إىل املوجز الذي‬ ‫ت�ضمنت���ه ال�صفحات الث�ل�اث الأوىل م���ن املجلة التي‬ ‫�سبق �أن جرى بثّها ب�صورة وا�سعة‪ ،‬والتي يدل عنوانها‬ ‫عل���ى حمتواها‪« :‬ر�سالة �إىل �شعب اليمن»‪« ،‬ر�سالة �إىل‬ ‫ال�شع���ب الأمريكي و�إىل م�سلمي الغ���رب»‪« ،‬كيف �إنقاذ‬ ‫الكوك���ب»‪« ،‬مدار�س اجله���اد»‪ ،‬دليل م�ص���ور من �أجل‬ ‫�صن���ع قنابل مبهارة يف املن���زل (ال�صفحات ‪،)40-33‬‬ ‫�شرح جه���از لت�شفري الر�سائ���ل (ال�صفحات ‪،)45-41‬‬ ‫ق�صائ���د �شعر‪ ،‬و�أدعي���ة‪ .‬ويوجد تق���دمي ملناطق معينة‬ ‫(اليم���ن‪ ،‬ال�صوم���ال‪� ،‬أفغان�ستان) ولبع����ض �شخو�ص‬ ‫القاعدة من غري بن الدن والظواهري (�أبو ب�صري‪� ،‬أبو‬ ‫عط���ا‪ ،)...‬وموا�ضيع نقا�شية معين���ة (تزايد االرتفاع‬ ‫يف درج���ات حرارة اجلو‪ ،‬و�صور الكاريكاتري عن النبي‬ ‫حممد‪ ،‬النقا�ش حول النقاب والربقع)‪.‬‬ ‫ولك��ن يب��دو �أن العولقي �شخ�صي�� ًا يحتل موقع‬ ‫النجم يف هذه املجلة؟‬ ‫فعالً‪ ،‬هن���اك تربيز لأنور العولقي‪ ،‬الإمام الأمريكي‪-‬‬ ‫اليمن���ي اجلن�سية امل�س�ؤول ع���ن عملية جتنيد الغربيني‬ ‫داخل القاعدة يف �شبه اجلزي���رة العربية‪ .‬فهو الأ�صل‬ ‫يف �إ�ص���دار هذه الن�شرة بالإجنليزية‪ ،‬لأنه يرى �أنه من‬ ‫ال�ض���روري تكييف خط���اب القاعدة املوج���ه للجمهور‬ ‫الأمريك���ي‪ .‬وبه���ذا اخل�صو�ص‪ ،‬فهو يتبجّ ���ح بكونه قد‬ ‫�أح���رز بع�ض النجاح ما دام ه���و يف �أ�صل انتقال اثنني‬ ‫م���ن الإرهابيني بثقاف���ة �أجنلو�ساك�سوني���ة �إىل مرحلة‬ ‫التنفي���ذ العمل���ي‪ :‬الرائد ن�ضال ح�س���ن‪ ،‬مُنفِّذ جمزرة‬ ‫فورت هود‪ ،‬والنيجريي ف���اروق عبد املطلب الذي قام‬ ‫باملحاولة الفا�شلة �ضد الرحلة �أم�سرتدام‪ -‬ديرتويت‪.‬‬ ‫ه��ل تق�ص��د جمل��ة (�إن�سباي��ر) �أن مزي��د ًا م��ن‬ ‫االعت��داءات �سيك��ون م��ن �صن��ع �أ�شخا���ص من‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية؟‬ ‫ت�سع���ى القاعدة م���ن الآن ف�صاع���د ًا لأن تجُ نِّد ب�أولوية‬ ‫منا�ضل�ي�ن م�ستعدي���ن لالنتق���ال نح���و التنفي���ذ وه���م‬ ‫على الأر����ض الأمريكية‪ .‬و�إن حم���اوالت االعتداء التي‬ ‫ح�صلت خالل الأ�شهر الأخرية املا�ضية تهدف للربهنة‬ ‫عل���ى �أن خطابها يلق���ى بع�ض ال�ص���دى‪ .‬فالأمريكي‪-‬‬

‫الباك�ست���اين‪ ،‬في�صل �شاهزاد‪ ،‬منفذ االعتداء الفا�شل‬ ‫�ضد تاميز �سكوير يندرج �ضمن هذا التوجه‪.‬‬ ‫�إن ه��ذا التزاي��د يف االعت��داءات املرتكبة من‬ ‫قبل �سكن��ة البلدان امل�ستهدف��ة مثل الواليات‬ ‫املتح��دة الأمريكي��ة‪ ،‬بريطاني��ا‪� ،‬أ�سرتالي��ا �أو‬ ‫�أفريقي��ا الناطق��ة بالإجنليزي��ة‪ ،‬ه��ل يُنب��ئ‬ ‫مبوجة جديدة من العنف؟‬ ‫كال‪ ،‬ال �أعتق���د ذلك‪ .‬هذا التوجّ ه نح���و جعل الإرهاب‬ ‫معتمد ًا عل���ى �أ�شخا�ص �إمنا هو عالمة �ضعف التنظيم‬ ‫وم�ش���اكل التجنيد التي يواجهها‪ ،‬بل وكذلك نزوع نحو‬ ‫فت���ور الهمة العملية حتى درج���ة الهواية والذي �شهدنا‬ ‫�أمثلة له خالل الأ�شهر الأخرية املا�ضية‪.‬‬ ‫�إن ر�سام��ي الكاريكات�ير الدمناركي�ين الذي��ن‬ ‫ر�سم��وا النبي حممد يبق��ون حمكومني باملوت‪.‬‬ ‫و�إن فرن�سا‪ ،‬مبوقفها حول احلجاب‪ ،‬مُ�شار �إليها‬ ‫ب�إ�صبع االته��ام يف (�إن�سباير)‪ .‬هل يتوجب �أن‬ ‫نخ�شى ردود ًا انتقامية؟‬ ‫ه���ذان املو�ضوع���ان اجلذري���ان يحت�ل�ان فع�ل�اً مكان ًا‬ ‫مرموق��� ًا يف جمل���ة القاع���دة‪ .‬ففرن�س���ا والرئي����س‬ ‫�سارك���وزي منتق���دان وحمتقران‪ .‬ولكن ه���ذا ينم عن‬ ‫منحى تخريبي �أكرث مما هو �إرهابي‪.‬‬ ‫كيف تف�سر هذا التطور العاملي للإرهاب؟‬ ‫�إن ر�سال���ة القاع���دة ما ع���ادت تلقى قب���و ًال يف البلدان‬ ‫امل�سلم���ة‪ ،‬كما مل تعد جتذب ال�شب���اب‪ .‬فلم يعد هناك‬ ‫م���ن �شخ�ص ي�ؤم���ن بتن�صيب خليفة كم���ا يدعو لذلك‬ ‫ب���ن الدن‪ .‬ومل يعد لدى التنظيم من جديد �سوى بع�ض‬ ‫ال�شب���اب الغربيني‪ ،‬بداف���ع �سيء للمغام���رة �أو للثورة‪،‬‬ ‫يرمون �أنف�سهم دون مباالة يف الإرهاب العاملي‪ .‬ول�سوء‬ ‫احل���ظ‪ ،‬ومع الأزم���ة الراهنة يف النظ���ام العاملي‪ ،‬ف�إن‬ ‫القاعدة م�ستمرة يف �أن ت�صبح ظاهرة غربية وم�شكلة‬ ‫�أمريكية �أكرث مما هي �إ�سالمية‪.‬‬ ‫كيف ترى م�ستقب��ل القاعدة؟ هل هي حقيقة‬ ‫حركة غدت �ضعيفة؟‬ ‫نع���م‪ ،‬القاع���دة ق���د �أ�صابه���ا ال�ضع���ف بو�ض���وح على‬ ‫ال�صعي���د الأيديولوجي والعملياتي‪ .‬فاملنظمة ما عادت‬ ‫لديه���ا الو�سائل لتنفيذ اعت���داءات ذات وقع كبري‪ ،‬وال‬ ‫جلمع م�شاركة من �أغلبية امل�سلمني‪ .‬ولكنها تبقى اليوم‬ ‫نقطة ح�شد وب����ؤرة للأ�شخا�ص الأكرث تطرف ًا ولأن�صار‬ ‫الكف���اح امل�سلح حتى النهاي���ة‪� .‬إن م�ستقبله���ا من الآن‬ ‫ف�صاع���د ًا هو ب�ي�ن �أيدي �إرهابي�ي�ن منزوين‪ ،‬معزولني‬ ‫وانتحاريني‪.‬‬

‫م�ستقبل حزب اهلل اللبناين يف بيئة مُتق ِلّبة‬

‫غ�سان العزي‬

‫الردع املخملي يف خمططات �إيران اال�سرتاتيجية‬

‫نعمة �أدخلان‬ ‫�أمريكا و�إيران وحديث ال�صفقة املحتملة‬

‫بوزيدي يحيى‬

‫الثابت واملتغري يف عالقات تركيا ب�إ�سرائيل‬

‫�سالم الرب�ضي‬

‫الق�ضية الفل�سطينية بني تركيا و�إيران‬

‫ماجد كيايل‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪85‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫جدل ال�سيا�سة واملقاومة‬

‫م�ستقبل حزب اهلل اللبناين يف بيئة مُتق ِلّبة‬ ‫غ�سان العزي‬

‫‪ghassanelezzi@gmail.com‬‬

‫على تقاطع ف�ضاءات ثالث‪ ،‬دولية و�إقليمية ولبنانية‪ ،‬ين�شط حزب اهلل كحزب‬ ‫�سيا�س����ي وع�سكري مقاوم‪ .‬البعد الدويل يت�أت����ى من �إ�صرار الواليات املتحدة‬ ‫عل����ى حماربته‪ ،‬وو�ضع����ه على الئحة املنظم����ات الإرهابية‪ ،‬حت����ى �أن م�ساعد‬ ‫وزير اخلارجية ال�سابق ريت�شارد �أرميتاج قال عنه مرة �أنه �أخطر من تنظيم‬ ‫القاع����دة‪ .‬بيد �أن احلقيق����ة املو�ضوعية تقت�ضي الق����ول �إن هذا البعد الدويل‬ ‫ج����رى ت�ضخيم����ه �أمريكي ًا لأ�سب����اب �إقليمية على عالق����ة بتحالف احلزب مع‬ ‫�إيران و�سوريا‪ ،‬ون�شاطه املعادي لإ�سرائيل احلليف الأبرز للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫غ�سان العزي �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف اجلامعة اللبنانية‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫البعد الإقليمي ال�شك �أن احلزب كان لدى والدته كرد فعل على االجتياح‬ ‫الإ�سرائيل���ي للبنان يف �صي���ف ‪ ،1982‬جمرد جماعة ديني���ة (ال�شورى)‬ ‫ت�ستم���د �أ�سب���اب وجودها م���ن �إيران اخلميني���ة‪ .‬وقد �أعل���ن ر�سمي ًا عن‬ ‫ه���ذه الوالدة يف �آذار‪/‬مار�س ‪ 1984‬با�س���م “حزب اهلل” قبل �أن يفر�ض‬ ‫اجليوبوليتي���ك اللبناين �أن ينعقد حمور �إي���ران‪ -‬دم�شق‪ -‬حزب اهلل –‬ ‫حما����س‪ ،‬و�أن ي�ست�أثر ه���ذا احلزب الإ�سالمي مبهم���ة مقاومة االحتالل‬ ‫الإ�سرائيلي‪ .‬ولهذه املهم���ة بعد �إقليمي ال ينكره احلزب‪ ،‬الذي حتول مع‬ ‫الوق���ت �إىل ذراع ع�سكرية لدم�شق املفتقدة �إىل جي�ش قادر على مواجهة‬ ‫�إ�سرائي���ل‪ ،‬وكان وا�ضح��� ًا للجميع على ال���دوام �أن���ه �إذا تعر�ضت �سوريا‬ ‫لع���دوان ع�سكري �إ�سرائيلي ف�إنها قد ترد عن طريق احلزب ومن جنوب‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫يف ني�سان‪�/‬أبريل ‪� 1996‬إثر عملية “عناقيد الغ�ضب” الإ�سرائيلية وما‬ ‫رافقه���ا من �صمود حلزب اهلل‪ ،‬ومن جمازر �إ�سرائيلية (ومنها قتل �أكرث‬ ‫م���ن مئة مدين لبناين كان���وا خمتبئني يف مقر ق���وات اليونيفيل يف بلدة‬ ‫قان���ا)‪ ،‬حتولت دم�شق �إىل حمجة للدبلوما�سي���ات الأمريكية والفرن�سية‬ ‫والإيراني���ة والتي �أف�ضت مفاو�ضاتها �إىل ما ب���ات يعرف با�سم “تفاهم‬ ‫ني�س���ان”‪ ،‬الذي ي�شكل اعرتاف ًا دولي��� ًا و�إ�سرائيلي ًا ‪� -‬أمريكي ًا غري مبا�شر‬ ‫باحلزب‪.‬‬ ‫�أم���ا بالن�سبة لإيران‪ ,‬املُم���وّل الأول للحزب باملال وال�سالح والعتاد‪,‬‬ ‫فتعت�ب�ره �أثمن ورقة ا�سرتاتيجية متلكها خارج احلدود‪ .‬هذا الأخري و�إن‬ ‫تلب�ن�ن وانخ���رط يف الف�ضاء ال�سيا�سي اللبناين من���ذ العام ‪� ،1992‬إال �أن‬ ‫عقيدته الدينية تفر�ض عليه واجب ًا مقد�س ًا حيال اجلمهورية الإ�سالمية‬ ‫ال�شيعي���ة‪ .‬فال�سي���د ن�ص���راهلل هو وكي���ل ال���ويل الفقيه ال�سي���د خامنئي‬ ‫ال�شرع���ي بح�سب هذه العقيدة‪ ،‬والعالقة ب�ي�ن الرجلني مبا�شرة وال متر‬ ‫ب����أي ممر �آخر يف م�ؤ�س�سات الدولة الإيرانية‪ ,‬وهذا م�صدر لتذمر ونقد‬ ‫�شديدي���ن من �أع�ل�ام �شيعة لبنانيني و�إيراني�ي�ن ال ي�ؤمنون بنظرية والية‬ ‫الفقي���ه‪ .‬وبذلك تت�ضاف���ر الأ�سباب الديني���ة وال�سيا�سي���ة واالقت�صادية‬ ‫والإيديولوجية لتعقد ما بني احلزب و�إيران حتالف ًا ال انفكاك منه‪ .‬ورمبا‬ ‫له���ذا ال�سبب ت�سعى وا�شنطن‪ ,‬التي قد تُفكّ���ر يف توجيه �ضربة ع�سكرية‬ ‫للمفاع�ل�ات النووية الإيرانية مبا�شرة �أو عن طريق حليفها الإ�سرائيلي‪,‬‬ ‫يوجه �ض���د �أرا�ضي الدولة العربية‬ ‫�إىل جتري���د حزب اهلل من �سالحٍ قد َّ‬ ‫مل�ساعدة �إيران يف �ضائقتها‪.‬‬ ‫يف ال�ص���راع الفل�سطين���ي‪ -‬الإ�سرائيلي يعترب احل���زب �أن من واجبه‬ ‫الإن�ساين والدين���ي م�ساعدة الفل�سطينيني الذي���ن يتعر�ضون للقتل على‬ ‫�أي���دي الإ�سرائيليني املدعومني �أمريكياً‪ .‬ه���ذه امل�ساعدة يف �شقها املعلن‬ ‫تتوق���ف على الن�ص���ح والت�شجيع والإعالم ع�ب�ر قناة املن���ار الف�ضائية‪،‬‬ ‫والأم���وال‪ ،‬وحتري���ر الأ�سرى الفل�سطينيني عندم���ا يح�صل تبادل كذلك‬ ‫ال���ذي مت يف الع���ام ‪( 2004‬العقيد تننباوم وجثث اجلن���ود الإ�سرائيليني‬ ‫الثالث���ة يف مقابل ‪� 400‬أ�س�ي�ر لبناين وعربي وفل�سطين���ي)‪� ،‬أو يف العام‬ ‫‪( 2009‬حتري���ر باق���ي ال�سجن���اء اللبناني�ي�ن يف مقابل جثت���ي اجلنديني‬ ‫الإ�سرائيلي�ي�ن املقتول�ي�ن يف عملي���ة متوز‪/‬يولي���و ‪ .)2006‬لك���ن احلزب‬ ‫ينفي االنخراط يف عملي���ات ع�سكرية مبا�شرة يف الأرا�ضي املحتلة‪ ,‬كما‬

‫تتهم���ه �إ�سرائي���ل‪ ,‬لأن الفل�سطينيني لي�سوا بحاج���ة �إىل رجال كما �أعلن‬ ‫ن�ص���راهلل مراراً‪ .‬ويعترب هذا الأخ�ي�ر �أن لبنان معني مبا�شرة بال�صراع‬ ‫يف فل�سطني؛ لي����س فقط ب�سبب �أرا�ضيه املحتل���ة (�شبعا ومرتفعات كفر‬ ‫�شوبا)‪ ،‬ولك���ن �أي�ض ًا ب�سبب وجود حوايل ‪� 350‬ألف الجئ فل�سطيني على‬ ‫�أرا�ضي���ه ينكر عليهم الإ�سرائيليون والأمريكيون حق العودة �إىل ديارهم‬ ‫مبوجب قرار الأمم املتحدة رقم ‪.194‬‬ ‫واملع���روف �أن القرار ‪ 1559‬يُطالب بنزع �سالح املخيمات الفل�سطينية‬ ‫بالإ�ضاف���ة �إىل �س�ل�اح حزب اهلل‪ .‬هذا الأخري يتوج����س من هذا القرار‪،‬‬ ‫وينظ���ر �إليه كم�ؤام���رة على اللبناني�ي�ن والفل�سطينيني مع��� ًا عرب توطني‬ ‫ه����ؤالء يف لبن���ان العاجز عن ا�ستيعابهم‪ .‬من هن���ا‪ ،‬ي�أتي اعتبار احلزب‬ ‫للق���رار املذكور خدمة تقدمها وا�شنط���ن لإ�سرائيل على ح�ساب التوازن‬ ‫اله����ش‪ ,‬الأمر الذي قد يق���ود‪� ,‬إن ح�صل‪� ,‬إىل فدرلة‬ ‫اللبن���اين الطائفي ّ‬ ‫لبنان �أو تق�سيمه‪.‬‬ ‫حزب اهلل يف احلقيقة حالة فريدة مل تلحظها الكرا�سات الأكادميية‬ ‫التي تدر�س الأحزاب ال�سيا�سية يف اجلامعات‪ .‬فهو حزب �سيا�سي لكن ال‬ ‫ي�سعى �إىل ال�سلطة كما ه���و مفرت�ض يف الأحزاب ال�سيا�سية‪� ,‬إذ �أنه َقبِل‬ ‫عل���ى الدوام بتمثيل برملاين �أقل بكثري من �شعبيته املعروفة‪ ،‬ومل ي�شارك‬ ‫يف احلكومات اللبناني���ة املتعاقبة قبل العام ‪ .2005‬وهو �إذ قرر الدخول‬ ‫يف الندوة الربملاني���ة انطالق ًا من االنتخابات الت�شريعية يف العام ‪1992‬‬ ‫فلك���ي ي�ضغط من داخ���ل الرتكيبة اللبنانية يف اجت���اه �شرعنة املقاومة‪،‬‬ ‫وك���ي يعطي لنف�سه �صفة احلزب اللبناين بع���د �أن كان مو�سوم ًا بالتبعية‬ ‫لإي���ران‪ .‬وكما عبرّ �أمينه الع���ام ح�سن ن�صراهلل يف غ�ي�ر منا�سبة‪ ،‬ف�إنه‬ ‫ي�سعى �إىل تقدمي الت�ضحيات ولي�س انتزاع املكا�سب‪.‬‬ ‫جمي���ع �أبن���اء نواب احل���زب هم مقاتل���ون يف اجلبهة �ض���د �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫حي���ث فق���د ح�سن ن�صراهلل ول���ده هادي يف عام ‪ ,1997‬وم���ا يزال ولده‬ ‫الثاين ج���واد يف اجلبهة نف�سها �إىل اليوم‪ .‬هذا بالإ�ضافة �إىل اخلدمات‬ ‫االجتماعية التي يقدمها احل���زب �إىل املحرومني من الطائفة ال�شيعية‪،‬‬ ‫وابتع���اده ع���ن الف�ساد ال���ذي ع�صف بالطبق���ة ال�سيا�سي���ة اللبنانية‪ ,‬ما‬ ‫�أك�سب���ه م�صداقية كب�ي�رة لدى الطائف���ة ال�شيعية ومعظم ال���ر�أي العام‬ ‫اللبناين‪ ,‬الأم���ر الذي يجعل من جتريده من ال�سالح من دون �أي مقابل‬ ‫مهم���ة لن تتحقق بال�سهولة الن�سبية التي حتقق فيها االن�سحاب ال�سوري‬ ‫من لبنان‪ .‬ففي �سوريا �سلطة �سيا�سية ميكن ال�ضغط عليها وحما�صرتها‬ ‫دولي ًا ب�شت���ى الطرق الدبلوما�سي���ة واالقت�صادية وحت���ى الع�سكرية‪� ,‬أما‬ ‫احل���زب فتنطب���ق عليه معايري ح���ركات حروب الع�صاب���ات التي برهن‬ ‫التاري���خ عن عجز اجليو�ش النظامية وال���دول عن الق�ضاء عليها بالقوة‬ ‫والإك���راه‪ .‬من هنا‪ ،‬ف�إن ال�ضغ���وط تمُ ارَ�س على ال�شعب اللبناين ونظامه‬ ‫ال�سيا�سي النا�شئ ع���ن االنتخابات كي ال يعود احلزب “مثل ال�سمكة يف‬ ‫املاء” بح�سب تعبري ماو ت�سي تونغ ال�شهري‪ ,‬ويفتقد عندها �إىل العنا�صر‬ ‫ال�ضرورية ال�ستمراره كحزب مقاوم مثل ال�شرعية واملالذ الآمن والدعم‬ ‫ال�شعبي والغطاء الر�سمي‪.‬‬ ‫وي�ستند احلزب يف دفاعه عن نف�سه على منطق يقتنع به ق�سم كبري‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪87‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫م���ن الر�أي العام اللبن���اين داخل الطائفة ال�شيعي���ة وخارجها‪ .‬فاجلي�ش للجمهوري���ة (كان لبنان من دون رئي�س من���ذ انتهاء والية الرئي�س حلود‬ ‫اللبن���اين‪ ،‬كما هو معروف‪� ،‬أعجز من الدفاع عن البلد يف وجه �إ�سرائيل يف ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفم�ب�ر ‪ ،)2007‬وت�شكيل حكوم���ة وحدة وطنية (مل‬ ‫الت���ي لها �أطم���اع معروف���ة يف مياهه‪ ،‬والت���ي نفّذت يف حقّ���ه اعتداءات تك���ن املعار�ضة تعرتف ب�شرعية حكومة الرئي�س ال�سنيورة) قبل انتخاب‬ ‫ع�سكرية متكررة منذ ال�ستيني���ات (‪ 1965‬و‪ )1969‬يف القرن املن�صرم‪ ،‬برملان جديد (كان الربملان مقف ًال ب�سبب اخلالفات امل�ستحكمة)‪ .‬وهذا‬ ‫م���رور ًا باجتي���اح العام ‪ 1978‬ث���م ‪ 1982‬دون ن�سيان اعت���داءات الأعوام ما ح�صل بعد الدوحة مبا�شرة‪.‬‬ ‫‪ 1993‬و‪ 1996‬و‪ 1998‬واملج���ازر التي قامت بها طيلة هذه ال�سنني‪ ،‬والتي‬ ‫عل���ى �صعيد �آخر‪ ،‬كانت وزيرة اخلارجية الأمريكية كوندوليزا راي�س‪,‬‬ ‫يرب���و جمموع �ضحاياه���ا على ع�شرات الآالف من املدني�ي�ن‪ .‬ولعل القوة مبنا�سب���ة الع���دوان الإ�سرائيل���ي يف متوز‪/‬يولي���و ‪ 2006‬رد ًا عل���ى عملية‬ ‫الردعي���ة حلزب اهلل املتمثل���ة ب�صواريخه و قوات���ه املنت�شرة يف اجلنوب ح���زب اهلل “الوعد ال�ص���ادق”‪ ،‬التي انتهت ب�أ�س���ر جنديني �إ�سرائيليني‬ ‫اللبناين هي التي ردعت �إ�سرائي���ل عن تنفيذ تهديداتها رغم ا�سرتجاع بع���د قتل ثماني���ة وجرح عدد �آخر‪ ,‬ق���د �أعلنت �أن “�ش���رق �أو�سط جديد‬ ‫لبنان ملياه نبع الوزاين يف العام ‪ ,2000‬كما يفاخر م�س�ؤولو احلزب‪.‬‬ ‫يول���د من رح���م املعاناة اللبناني���ة”‪ .‬لقد �سعت وا�شنط���ن �إىل ت�أمني كل‬ ‫عل���ى �صعي���د �آخر‪ ،‬يفتخر احل���زب �أن �سالحه مل يوج���ه يوم ًا �إىل �أي الغطاء املمكن للعدوان الإ�سرائيلي كي ينجز مهمته يف نزع �سالح حزب‬ ‫ط���رف داخلي ب���ل كان على ال���دوام مكر�سا للدفاع ع���ن البلد‪ .‬وعندما اهلل �أو عل���ى الأق���ل توفري ظ���روف مثل هذا النزع‪ .‬لك���ن حرب “ال�شرق‬ ‫ان�سحبت القوات الإ�سرائيلية على حني غرة‪ ,‬يف �أيار‪/‬مايو ‪ ,2000‬تاركة‬ ‫الأو�سط اجلدي���د” غري املت�ساوق���ة �أو الالمتماثل���ة ‪Assymetric War‬‬ ‫عمالئه���ا من جماعة �أنطوان حلد دون غط���اء �أو حماية مل يقُم احلزب انته���ت م���ن دون منت�صر ومه���زوم‪ .‬ح���زب اهلل اعترب �أنه حق���ق ن�صر ًا‬ ‫بعملي���ات انتقامي���ة من ه����ؤالء كم���ا كان يتوج����س البع�ض‪ .‬لق���د ا�ستلم “ا�سرتاتيجي ًا وتاريخي ًا و�إلهياً”‪� ،‬إذ �أثبت �أن �إ�سرائيل ميكن �أن تمُ َّ�س‬ ‫وب�شدة‪ ،‬كما ميك���ن منعها من حتقيق �أهدافها‪ .‬لكن‬ ‫الق�ض���اء اللبناين ملفات ه����ؤالء‪ ،‬و�صدرت ب�أحقهم‬ ‫خ�صوم���ه اعتربوا �أن مغامرت���ه غري املح�سوبة كلفت‬ ‫�أحكام مل تكن قا�سية على الإطالق‪ .‬ومتكّن احلزب‬ ‫حزب اهلل حالة فريدة‬ ‫مل تلحظها الكرا�سات‬ ‫البل���د املنه���ك اقت�ص���اده �أكرث م���ن ‪ 12‬ملي���ار دوالر‬ ‫من ملء الف���راغ الأمني يف املنطق���ة احلدودية من‬ ‫الأكادميية التي تدر�س‬ ‫ومئات القتل���ى و�آالف اجلرحى واملعوقني‪ .‬وبعد �أيام‬ ‫دون ح���وادث تذكر‪ .‬لذل���ك يت�س���اءل القيّمون على‬ ‫يف‬ ‫ال�سيا�سية‬ ‫أحزاب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫قليل���ة على توقف العملي���ات احلربية مبوجب القرار‬ ‫احل���زب‪ :‬ملاذا ي���ود بع����ض اللبناني�ي�ن جتريده من‬ ‫حزب‬ ‫فهو‬ ‫اجلامعات‪.‬‬ ‫‪ ،1701‬ويف حني راحت احلكومة الإ�سرائيلية تنهمك‬ ‫ال�س�ل�اح ال���ذي مل ولن يوج���ه �ضده���م يف يوم من‬ ‫�سيا�سي لكن ال ي�سعى �إىل‬ ‫يف م�س���اءالت وحتقيقات حول ما جرى‪ ،‬وكيف وملاذا‬ ‫الأيام‪ .‬بيد �أن ه�ؤالء يعتربون �أن وجود هذا ال�سالح‬ ‫ال�سلطة كما هو مفرت�ض‬ ‫الف�ش���ل يف احلرب‪� ,‬شرع ح���زب اهلل يف �شن “حرب‬ ‫يتنافى و�سي���ادة الدولة اللبنانية‪ ،‬و�أن���ه ال يجوز �أن‬ ‫يف الأحزاب ال�سيا�سية‪,‬‬ ‫ا�ستباقي���ة” على احلكوم���ة اللبناني���ة املدعومة من‬ ‫يحمل ق�س���م من اللبنانيني ال�س�ل�اح الذي يجب �أن‬ ‫�إذ �أنه قَ بِل على الدوام‬ ‫بتمثيل برملاين �أقل بكثري‬ ‫وا�شنط���ن ملنعها م���ن البناء على الق���رار املذكور يف‬ ‫تنح�صر مهمة امتالكه بال�سلطات الأمنية الر�سمية‬ ‫من �شعبيته املعروفة‪،‬‬ ‫�سيا�ساته���ا وقراراته���ا امل�صريي���ة‪ .‬انته���ز احل���زب‬ ‫وحده���ا‪ .‬وال�شك �أن هناك اعتبارات طائفية كامنة‬ ‫احلكومات‬ ‫يف‬ ‫ي�شارك‬ ‫ومل‬ ‫حلظة تخبط امل�شروع الأمريكي يف العراق واملنطقة‬ ‫يف هذا اجلدل‪.‬‬ ‫املتعاقبة‬ ‫اللبنانية‬ ‫ب�ش���كل عام‪ ،‬وانتعا�ش امل�شروع املناه�ض له‪ .‬وقد �أتى‬ ‫لكن ح�صل تغ�ي�ر وا�ضح يف هذا املجال يف �أيار‪/‬‬ ‫قبل العام ‪2005‬‬ ‫مو�ض���وع املحكم���ة ذات الطاب���ع ال���دويل‪ ,‬املرفو�ض‬ ‫مايو ‪ .2008‬ففي بداية هذا ال�شهر اتخذت احلكومة‬ ‫�سوري���اً‪ ,‬مبثابة ال�صاعق الذي فجّ ���ر الأزمة التي ما‬ ‫اللبناني���ة ق���رارات منه���ا �إحال���ة مل���ف االت�صاالت‬ ‫ال�سلكية التي ي�سيطر عليها احلزب �إىل الق�ضاء اللبناين‪ .‬اعتربت قيادة تزال �إىل اليوم‪.‬‬ ‫احل���زب �أن احلكومة ت�سعى لتجريدها م���ن ال�سالح الأم�ضى الذي وقف‬ ‫الق���رار ‪ 1701‬لي�س من ذلك الن���وع الذي يحول دون جتدد احلرب يف‬ ‫يف وج���ه الع���دوان الإ�سرائيلي يف متوز‪/‬يولي���و ‪ ،2006‬والذي ي�شكل �أحد اجلن���وب اللبن���اين يف ظرف من الظروف‪ ،‬وذل���ك لأ�سباب عديدة ت�شي‬ ‫مكام���ن قوة احلزب الرئي�سي���ة‪ .‬ويف الثامن من ال�شه���ر املذكور (�أيار‪ /‬به���ا �صيغت���ه الغام�ضة التي جتمع الكثري مم���ا ورد يف القرارات الدولية‬ ‫ماي���و ‪ ،)2008‬قام���ت ق���وات املعار�ض���ة املدعوم���ة من احل���زب بهجوم ال�س���ت والع�شرين املتعلقة بلبنان منذ العام ‪ ،)425( 1978‬وال�سيما منذ‬ ‫ع�سك���ري انتهى بال�سيطرة على مكاتب �أح���زاب املواالة‪ ،‬وجتريدها من الق���رار ‪ .1559‬وه���ذا ما يجعل من���ه ن�ص ًا عاجز ًا عن تق���دمي حل نهائي‬ ‫ال�س�ل�اح قبل ت�سليمه���ا �إىل اجلي�ش اللبناين‪� .‬أن�ص���ار احلكومة اعتربوا للأزم���ة بني لبنان و�إ�سرائي���ل‪ ،‬ويبدو وك�أنه مقدمة لق���رارات م�ستقبلية‬ ‫ذل���ك �إهانة كربى ودلي�ل�اً قاطع ًا على �أن �سالح ح���زب اهلل �أخذ يتوجه تكمله �أو تو�ضحه‪.‬‬ ‫�إىل الداخ���ل‪ ,‬يف ح�ي�ن �أن ال�سي���د ح�سن ن�صراهلل اعت�ب�ر �أن الثامن من‬ ‫�إ�سرائي���ل ما ت���زال تخرتق الأج���واء وتنتهك ال�سي���ادة اللبنانية‪ ،‬كما‬ ‫�أيار‪/‬مايو هو “يوم جميد”‪ ،‬لأنه و�ضع ح ّد ًا لأزمة كان حلها م�ستع�صياً‪ .‬تهدد بالع���ودة جمدد ًا �إىل احلرب حاملا ت�ستكم���ل اال�ستعدادات لها‪ ,‬ما‬ ‫ف�إث���ر العملي���ة الع�سكرية حترك���ت الق���وى الإقليمية ودع���ت �إىل م�ؤمتر يعن���ي �أنها ال تنظ���ر �إىل الق���رار ‪ 1701‬ككابح ملا ميكن �أن تق���رر �إتباعه‬ ‫انعق���د يف الدوحة‪ ،‬و�أف�ضى �إىل اتفاق بني اللبنانيني على انتخاب رئي�س م���ن ا�سرتاتيجي���ة يف اجلنوب اللبن���اين‪ .‬ويف االنتظار‪ ،‬يتي���ح لها انت�شار‬ ‫‪88‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫انخ��راط ح��زب اهلل يف ال�سيا�س��ة وحده��ا م��ن دون املقاوم��ة‪ ،‬يفقده الكث�ير من الق��وة ب�سبب عقيدت��ه الدينية‬ ‫والفقهي��ة التي ال حتظى ب�إجماع الطائف��ة (ال�شيعية)‪ ،‬والتي هي نف�سها لي�ست �إال �أقلية من �أقليات دينية يت�ألف‬ ‫منها املجتمع اللبناين املتنوع‬ ‫اليونيفي���ل هدوء ًا على اجلبه���ة ال�شمالية طاملا تطلع���ت �إليه‪ .‬من جهته‪،‬‬ ‫ف����إن ح���زب اهلل‪ ,‬رغ���م كل االنتق���ادات العنيف���ة الت���ي وجهه���ا وحلفا�ؤه‬ ‫ال�سوريون والإيرانيون للقرار “الظامل” و”الغا�شم” و”املتحيز للعدوان‬ ‫الإ�سرائيلي”‪ ,‬ف�إنه يُثابِر على احرتامه وعدم ت�سجيل �أي خرق له ال�سيما‬ ‫و�أن الق���رار ال يقف عملي ًا يف طريق �إع���ادة بناء تر�سانة حزب اهلل الذي‬ ‫�أعلن �أمينه العام يف غري منا�سبة �أنه بات ميلك من ال�صواريخ والأ�سلحة‬ ‫�أكرث مما كان ميلكه قبل احلرب‪.‬‬ ‫ويف �أو�ساط الر�أي العام اللبناين‪ ,‬كذلك العربي عموماً‪ ,‬ت�سود القناعة‬ ‫�أن كل م���ا ُيه���م وا�شنطن هو امل�صلح���ة الإ�سرائيلية‪ ،‬و�أم���ا الدميقراطية‬ ‫وال�سالم فلي�ست �سوى ذرائع وعمليات جتميل ل�سيا�سات متحيزة وظاملة‪.‬‬ ‫وي�ستم���د حزب اهلل من انت�شار هذه القناعة دعم ًا �شعبي ًا وا�سع ًا يف لبنان‬ ‫واملحي���ط العربي والإ�سالمي‪ .‬و�أم���ام ال�ضغوط الهائلة التي متار�س عليه‬ ‫فهوال ميلك �إال �أحد اخليارين التاليني‪:‬‬ ‫ الذه���اب يف االجت���اه الت�صعي���دي‪ ،‬ع�ب�ر رف�ض البح���ث يف م�ستقبل‬‫ال�سالح وتخوين كل من يطالبه بذلك‪ .‬وهذا اخليار يفتح على احتمالني‪:‬‬ ‫�إم���ا الذهاب يف املواجهة �إىل ذروتها‪ ،‬ما يحمل خماطر فو�ضى قد تودي‬ ‫ب���ه �إىل م���ا ي�شبه االنتحار ال�سيا�سي‪ .‬وقد بره���ن احلزب مرار ًا عن فهم‬ ‫دقيق للظروف والتحوالت وقدرة على التكيف معها‪ ,‬ما يجعل هذا اخليار‬ ‫م�ستبع���د ًا يف غال���ب الظ���ن‪ .‬االحتمال الثاين هو ذه���اب احلزب يف هذا‬ ‫االجت���اه الت�صعيدي‪ ،‬لكن مع ترك املج���ال مفتوح ًا �أمام ت�سوية �إيرانية ‪-‬‬

‫�أمريكية رمبا تطال كل امللفات العالقة ومنها امللف اللبناين‪.‬‬ ‫ االنخراط يف ت�سوي���ة داخلية تبد�أ مبوافقة اجلميع يف لبنان على �أن‬‫م�ستقب���ل احلزب �ش�أن لبناين داخلي يبحث���ه اللبنانيون يف ما بينهم من‬ ‫دون تدخ���ل خارجي‪ .‬وهناك حل���ول مطروحة يف هذا ال�ش�أن منها ت�شكيل‬ ‫كتيب���ة مقاوم���ة مُلحقة باجلي����ش اللبناين‪� ،‬أو �إدم���اج عنا�صر احلزب يف‬ ‫ه���ذا اجلي�ش كما ح�صل يف ال�سابق لعنا�ص���ر امليلي�شيات‪ ,‬وحلول �أخرى‪.‬‬ ‫امله���م بالن�سب���ة للحزب �إيج���اد ال�ضمانة الآيلة �إىل عدم ع���ودة �إ�سرائيل‬ ‫�إىل ا�ست�ضع���اف لبن���ان وا�ستباحة �أرا�ضيه بذريع���ة �أو ب�أخرى‪ .‬والبد من‬ ‫الإ�ش���ارة �إىل �أن انخراط احل���زب يف ال�سيا�سة وحدها من دون املقاومة‪،‬‬ ‫يفق���ده الكثري من القوة ب�سبب عقيدته الديني���ة والفقهية التي ال حتظى‬ ‫ب�إجماع الطائفة (ال�شيعية)‪ ،‬والتي هي نف�سها لي�ست �إال �أقلية من �أقليات‬ ‫دينية يت�ألف منها املجتمع اللبناين املتنوع‪.‬‬ ‫�إيران ومفهوم‬ ‫«احلرب اللينة»‬ ‫ويف االنتظ���ار‪ ،‬يبق���ى لبن���ان �ساحة التايل‬ ‫بقلم‪ :‬نعمة �أدخلان‬ ‫ت�صفية حل�سابات �إقليمية ودولية وهدف ًا‬ ‫لإ�سرائي���ل ال�ساعي���ة �إىل ا�س�ت�رداد هيبتها‬ ‫الردعي���ة التي تعر�ضت ل�ضرب���ة قا�صمة يف العام�ي�ن ‪ 2000‬و‪ .2006‬ويف‬ ‫ه���ذه الأيام يتوج�س اللبنانيون �شر ًا مم���ا ينتظرهم عقب �صدور القرار‬ ‫الظنّ���ي للمحكمة الدولي���ة‪ ،‬واملتوقع يف اخلريف املقب���ل الذي �أعلن غري‬ ‫م�س�ؤول عربي ودويل توقعاته ب�أنه �سيكون �شديد التوتر وال�سخونة‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪89‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫الردع املخملي‬

‫�إيران تدمج مفهوم «احلرب اللينة» فـي خمططاتها اال�سرتاتيجية‬

‫يف ت�صريح �صحفي مهم للرد عل���ى الفو�ضى التي �أعقبت االنتخابات‬ ‫الرئا�سية يف حزيران‪/‬يوني���و ‪ ،2009‬قدم اللواء حممد علي جعفري‪،‬‬ ‫قائ���د فيلق احلر�س الثوري الإيراين‪ ،‬خط���ة ع�سكرية �إ�سرتاتيجية يف‬ ‫�آب‪�/‬أغ�سط����س ‪ 2009‬ملواجه���ة ما و�صفه بجه���ود “العدو” التي تبذل‬ ‫للإطاح���ة بنظام اجلمهوري���ة الإ�سالمي���ة (وكالة �أنب���اء اجلمهورية‬ ‫الإ�سالمية “�إيرنا” ‪� IRNA، 29‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ .)2009‬ويف قائمة من‬ ‫ع�ش���ر نقاط‪� ،‬أ�شار جعفري �إىل الإجراءات املزمع �أن تعالج “التهديد‬ ‫الل�ّيّ” الذي ح���دده ب�أنه اله���دف الرئي�س���ي لفيلق احلر����س الثوري‬ ‫باعتبارهم حُ مَاة الث���ورة (“�إيرنا”‪� 29 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ .)2009‬وبعد‬ ‫ذلك بب�ضعة �أيام‪ ،‬حتديد ًا يف ‪� 1‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪� ،2009‬أ�ضاف العميد‬ ‫الركن �أحمد فهيدي‪ ،‬الرئي����س ال�سابق لقوات القد�س (وحدة خا�صة‬ ‫�ضم���ن فيلق احلر�س الثوري)‪ ،‬ووزير الدفاع احلايل يف �إدارة �أحمدي‬ ‫جناد‪� ،‬إىل ت�صريح جعفري‪ ،‬قائالً‪“ :‬با�ستخدام القوة اللينة ن�ستطيع‬ ‫حماي���ة اجلمهورية الإ�سالمية‪ ،‬من خالل من���ع التهديدات اخلارجية‬ ‫ومقاومتها” (“�إيرنا”‪� 1 ،‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪.)2009‬‬ ‫يقوم احلر�س الثوري بتقدمي التقارير لوزارة الدفاع والقوات امل�سلحة‬ ‫الإيراني���ة‪ ،‬وق���د زادت كثري ًا خطاباتها بخ�صو����ص احلرب اللينة من‬ ‫خ�ل�ال �سل�سلة البيان���ات الر�سمية الت���ي �صدرت من���ذ �آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫‪ ،2009‬حي���ث تُب�ي�ن هذه البيان���ات �أن طه���ران تنظر �إىل ه���ذا النوع‬ ‫البدي���ل للحرب على �أنه �سل�سلة من الإجراءات العدائية هدفها تغيري‬ ‫الهوي���ة الثقافية والإ�سالمية للمجتمع الإي���راين‪ ،‬بطريقة �ست�ؤدي �إىل‬ ‫تقليل �شرعي���ة اجلمهورية الإ�سالمي���ة (“�إيرن ��ا”‪� 1 ،‬أيلول‪�/‬سبتمرب‬ ‫‪ .)2009‬وم���ع �أنه���ا ع���اد ًة ي�صاحبها تهدي���د با�ستخ���دام الإجراءات‬ ‫الع�سكرية‪� ،‬إال �أن احل���رب اللينة قد ت�ؤثر يف كل اجلوانب االجتماعية‬ ‫لأي نظام �سيا�سي‪ ،‬وقد تت�ضم���ن يف طياتها ظاهرة “الغزو الثقايف”‬ ‫و”العملي���ات ال�سيكولوجي���ة” لكي تزرع بذور “اخل�ل�اف” يف البالد‬ ‫(قن���اة “بر����س ت���ي يف”‪ ،‬ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر ‪( 2009‬وكال���ة �أنباء‬ ‫الطلب���ة الإيراني���ة “�إي�سنا” ‪� ISNA ، 31‬آذار‪/‬مار����س؛ وانظر تقرير‬ ‫“مراقبة الإرهاب”‪ 22 ،‬ني�سان‪�/‬أبريل)‪.‬‬

‫(يف ال�ساب���ع م���ن حزيران‪/‬يونيو املا�ضي)‪ ،‬ق���ال املتحدث با�سم وزارة اخلارجية الإيراني���ة �أن هناك “بلدان معينة”‬ ‫ت�ش���ن “حرب ًا لينة” عل���ى �إيران ينبغي مواجهتها من خ�ل�ال تر�سيخ العالقات الوثيقة م���ع الأمم الأخرى (�صحيفة‬ ‫“طه���ران تامي���ز” الإيراني���ة‪ 8 ،‬حزيران‪/‬يوني���و)‪ .‬لقد بات مفهوم “احل���رب اللينة” ب�سرعة ج���زء ًا ال يتجز�أ من‬ ‫خمطط���ات الدفاع الإ�سرتاتيجية الإيرانية‪ ،‬وهو ما يدعون���ا �إىل درا�سة ر�ؤية �إيران لهذا النمط‪ ،‬وكيف تخطط للرد‬ ‫على “التهديد اللني” وامللحوظ‪.‬‬

‫وم���ع �أن هذا امل�صطلح ق���د يكون جديداً‪� ،‬إال �أنه���ا لي�ست املرة الأوىل‬ ‫الت���ي ترى فيه���ا �إي���ران �أن هذا النوع م���ن احلرب يعد خط���ر ًا كبري ًا‬ ‫يهدد نظ���ام احلكم‪ .‬فمنذ قي���ام اجلمهورية الإ�سالمي���ة عام ‪،1979‬‬ ‫وه���ي تُ�صنّ���ف عنا�ص���ر املعار�ضة يف الداخ���ل ب�أنه���م وكالء للواليات‬ ‫املتحدة وحلفائها‪ ،‬ويعملون على �إ�ضعاف النظام ال�سيا�سي يف البالد‪.‬‬ ‫كما كان���ت االنتخابات الرئا�سي���ة عام ‪ ،1997‬التي ف���از فيها املر�شح‬ ‫الإ�صالحي حممد خامتي‪ ،‬مبثابة م�سوغ ًا جديد ًا للمت�شددين لريفعوا‪،‬‬ ‫مب�ساعدة ا�ستخبارية ع�سكرية‪ ،‬م�ستوى الإجراءات التي يتم اتخاذها‬ ‫ملواجه���ة التهديدات اللين���ة‪ ،‬والتي ت�ضمنت بذل اجله���ود للدفاع عن‬ ‫�أن�شط���ة احلر����س الث���وري ال�سيا�سية �أم���ام االنتق���ادات الإ�صالحية‪.‬‬ ‫وعندم���ا حتدّت االنتفا�ض���ة الطالبية ع���ام ‪ 1999‬القب�ضة احلديدية‬ ‫الت���ي فر�ضها نظام احلك���م على ال�صحاف���ة وعملي���ات ال�سجن التي‬ ‫تعر�ض لها العديد من الإ�صالحيني‪� ،‬أ�صبح احلديث عن االنقالب هو‬ ‫ديدن و�سائل الإعالم التابعة للمت�شددين‪.‬‬ ‫وق���د زادت خماوف طهران من احتمال التعر�ض للغزو الع�سكري بعد‬ ‫غزو العراق عام ‪ 2003‬بقيادة الواليات املتحدة‪ ،‬ومل يفعل تقدمي مبلغ‬ ‫‪ 75‬مليون دوالر من وزارة الداخلية الأمريكية لدعم الدميقراطية يف‬ ‫�إيران �أي �شي �سوى تعميق املخاوف الإيرانية من �أن الدعم اخلارجي‬ ‫ه���و من �أجل تغيري النظ���ام‪ .‬وعلى غرار ذل���ك‪� ،‬أو�ضحت االعتقاالت‬ ‫الت���ي قام���ت به���ا �إي���ران يف عام���ي ‪ 2006‬و‪ 2007‬لع���دد م���ن العلماء‬ ‫املرتبطني بالغرب‪ ،‬من �أمثال رامني جاهان باغلو وحليم �إ�سفاندياري‬ ‫بتهم���ة م�ساع���دة �أم�ي�ركا من خالل عالقته���م مب�ؤ�س�س���ات فكرية يف‬ ‫العا�صم���ة وا�شنطن ومنظمات حق���وق الإن�سان‪ ،‬الت�صوّر اجلديد لدى‬ ‫نظام احلكم الإيراين بخ�صو�ص احتمال ح�صول هجوم �أمريكي على‬ ‫�إيران‪ ،‬وهي حملة و�صفته���ا �إيران ب�أنها تتبع منط “الثورة املخملية”‬ ‫يف ت�شيكو�سلوفاكي���ا ع���ام ‪( 1989‬خدمة �إي���ران ال�صحفية‪ 5 ،‬متوز‪/‬‬ ‫يوليو ‪2006‬؛ قناة “بر�س تي يف”‪� ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.)2009‬‬

‫نعمة �أدخلان‬

‫‪90‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫نعمة �أدخلان حملل م�ستقل يف الق�ضايا الأمنية‪ ،‬مقيم يف نيويورك‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪91‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫�إن‪� .‬إن” الأمريكي���ة وقن���اة “بي‪ .‬بي‪� .‬س���ي” الربيطانية‪ .‬ويف ت�شرين‬ ‫الثاين‪/‬نوفمرب ‪� 2009‬أعلن فيلق احلر�س الثوري �آخر خطة له لإن�شاء‬ ‫وكالة �إخباري���ة جديدة حتت م�سمى “�أطل�س” متاثل وكاالت �إخبارية‬ ‫دولية كاجلزيرة (“فار�س نيوز”‪ 16 ،‬ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪.)2009‬‬ ‫ويف �أعق���اب ذلك بفرتة وجيزة �أعلن وزي���ر الدفاع �أحمد وحيدي عن‬ ‫تد�شني قم���ر �صناعي جديد �إيراين الت�صميم ويدعى “تولو”‪ ،‬والذي‬ ‫�سيو�سّ ع نط���اق قدرات و�سائل الإعالم الإيراني���ة �إىل جانب القدرات‬ ‫الع�سكرية (قناة “بر�س تي يف”‪ 29 ،‬كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪.)2009‬‬ ‫كم���ا �أ�شار قائد احلر�س الثوري الأ�سبق يحيى رحيم �صفوي‪ ،‬يف �شهر‬ ‫�آذار‪/‬مار����س‪� ،‬إىل �أن عل���ى �إيران زي���ادة عدد �شبكاته���ا التلفزيونية‬ ‫الف�ضائي���ة الت���ي تعمل على م���دار ال�ساعة‪ ،‬حتى تتمك���ن من مواجهة‬ ‫“احلرب اللينة التي ي�شنّها الأعداء”‪ ،‬معلناً‪�“ :‬أن بو�سعنا �ص ّد الهجمة‬ ‫الثقافي���ة ال�شر�س���ة الت���ي ي�شنّها الع���دو‪ ،‬وذلك عن طري���ق ا�ستخدام‬ ‫ثقافتنا اخلا�صة بنا” (قناة “بر�س تي يف”‪� 8 ،‬آذار‪/‬مار�س)‪.‬‬

‫رفع م�ستوى احلرب اللينة �إىل امل�ستويات العملية‬

‫ما يجع���ل �أ�سلوب اللهج���ة الإيراني���ة الأخرية خمتلف ًا ع���ن الأ�ساليب‬ ‫ال�سابق���ة هو �أن مفهوم احلرب اللينة قد �أ�صبح �إىل حد كبري مفهوم ًا‬ ‫يُطبّق على م�ستوى م�ؤ�س�سي‪� .‬إذ �أن�ش�أت وزارة الدفاع والقوات امل�سلحة‬ ‫الإيراني���ة‪ ،‬بح�سب قول العميد الركن �سعي���د م�سعود‪ ،‬وحدة ع�سكرية‬ ‫خا�صة ت�سمى “وحدة احلرب اللين���ة” (‪،)Setad-e Jang-e Narm‬‬ ‫وه���ي الت���ي �ست�صبح جاهزة للعم���ل بحلول ع���ام ‪�“( 2011‬إيرنا”‪3 ،‬‬ ‫�آذار‪/‬مار����س ‪ .)2010‬وتعترب هذه الوح���دة – التي معظم عنا�صرها‬ ‫م���ن ملي�شي���ات الدول���ة التابع���ة لفيل���ق احلر����س الث���وري – م�سئولة‬ ‫عل���ى العمليات اللين���ة‪ ،‬كعمليات ب���ث الدعاية والن�شاط���ات الثقافية‬ ‫و”العمليات ال�سيكولوجية” (قناة “بر�س تي يف”‪� 16 ،‬آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫‪2009‬؛ “�إيرنا”‪ 2 ،‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪ .)2009‬والهدف الوا�ضح من‬ ‫�إن�شاء ه���ذه الوحدة هو �إرباك ‪ -‬وبالتايل �إحب���اط ‪ -‬الهجمات اللينة‬ ‫املُنظّ م���ة م���ن اخل���ارج‪ .‬ويف �أيار‪/‬مايو �أق��� ّر جمل�س الن���واب الإيراين‬ ‫م�شروع قانون يخ�ص�ص مبلغ ًا وقدره ‪ 100‬مليون دوالر لإنتاج الربامج‬ ‫اللين���ة‪ ،‬وقد مت ادخار بع�ض هذا املبلغ ملجل�س التطوير الثقايف الأعلى‬ ‫ُنا�ص���رة للحكومة‬ ‫لكي يق���وم ب�إنتاج الأعم���ال الفني���ة وال�سينمائية امل ِ‬ ‫(قن���اة “بر�س تي يف”‪� 6 ،‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪2009‬؛ �إيالف‪� 5 ،‬أيار‪/‬مايو‬ ‫‪ .)2009‬وبالت���ايل‪ ،‬فق���د مت منح املجال����س املحلية يف �أرج���اء البالد‬ ‫“ميزانية ثقافية” لإقامة “حمالت احلرب اللينة” املُزمَ ع انطالقها‬ ‫عملي ًا يف مطل���ع �أيار‪/‬مايو ‪�( 2010‬إيالف‪� 5 ،‬أيار‪/‬مايو ‪ ،)2009‬غري‬ ‫�أن عمل وهيكل هذه احلمالت ما زال غري وا�ضح وحمدد‪ .‬ويف �أواخر‬ ‫ع���ام ‪� 2010‬سيتم حتديد م�ؤمترات وبرام���ج توعوية لتقدمي التحاليل‬ ‫واملعلوم���ات عن كي���ف ي�ستطيع نظام احلكم بفعالي���ة تطوير �أن�شطته‬ ‫املتعلق���ة باحل���رب اللين���ة و�إدراجه���ا يف الإط���ار الثق���ايف والتعليم���ي‬ ‫(“�إيرنا”‪� 6 ،‬آذار‪/‬مار�س ‪.)2009‬‬

‫تكتيكات احلرب الليّنة‪� :‬إجراءات دفاعية‬

‫فيم���ا يتعل���ق باتخاذ الإج���راءات الوقائية‪ ،‬تق���وم الأن�شطة احلكومية‬ ‫ب�سل�سل���ة من التكتيكات الدفاعية اللينة‪ .‬حيث تركز �أ�سا�س ًا على ن�شر‬ ‫�أيديولوجي���ة الدول���ة يف كل مفا�ص���ل امل�ؤ�س�سات العمومي���ة والثقافية‬ ‫املتع���ددة‪ .‬وكون �أهم معارك احلرب اللينة تق���ع يف امليدان التعليمي‪،‬‬ ‫ف�إن هناك حماولة تعمل على توعية ال�شباب ب�أهداف الثورة الإيرانية‬ ‫(�صحيف���ة “بيفان���د”‪� 6 ،‬أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ .)2009‬وه���ذا الن���وع من‬ ‫م�أ�س�س���ة مراك���ز البا�سيج املتع���ددة على م�ستوى املدار����س االبتدائية‬ ‫يُذكرن���ا باملراحل الأولية للث���ورة يف الثمانينيات م���ن القرن املا�ضي‪،‬‬ ‫عندما �سع���ت اجلمهورية الإ�سالمية حديثة العه���د �آنذاك �إىل غر�س‬ ‫الأيديولوجية اجلدي���دة يف عقول فئة ال�شباب (�صحيفة “كيهان”‪5 ،‬‬ ‫ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪ .)2009‬وب�أ�ساليب متعددة ميكن و�صف انطالق‬ ‫احلم�ل�ات الأيديولوجية اجلدي���دة على �أنها “ث���ورة ثقافية”‪ ،‬ت�شمل‬ ‫‪92‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫تكتيكات احلرب اللينة‪� :‬إجراءات هجومية‬

‫�إذا م��ا جنح��ت عملي��ة الرتوي��ج التي تق��وم بها‬ ‫�إي��ران لتعزي��ز �صورته��ا‪ ،‬ف�إنه��ا �ستمث��ل م�شكلة‬ ‫للأم��ن الإقليم��ي‪ ،‬وذل��ك لأن الكثري م��ن الدول‬ ‫املج��اورة‪ ،‬خا�صة اخلليجية منه��ا‪� ،‬ست�سعى �إىل‬ ‫تطوي��ر قدراته��ا الع�سكري��ة ك��ردة فع��ل‪ ،‬وهو‬ ‫م��ا ميه��د الطري��ق نحو ع�ص��ر جديد م��ن �سباق‬ ‫الت�سلح‬ ‫�إ�ش���راك الفنانني واملثقف�ي�ن وال�شعراء لال�ستفادة منه���م باعتبارهم‬ ‫وكالء “احلقيق���ة” القادري���ن على “ن�شر” (�أو ب���ث) تلك الأهداف‬ ‫م���ن خالل و�سائ���ل ثقافية (قن���اة “بر�س ت���ي يف”‪� 6 ،‬أيلول‪�/‬سبتمرب‬ ‫‪.)2009‬‬ ‫كما متثل و�سائل الإعالم �إحدى ميادين معارك احلرب اللينة الأخرى‪،‬‬ ‫وخا�ص���ة ا�ستخدام القن���وات الإخبارية العاملي���ة كو�سيلة لتغيري م�سار‬ ‫ال���ر�أي العاملي العام يف �صال���ح اجلمهورية الإ�سالمي���ة‪ .‬والهدف من‬ ‫ه���ذا هنا لي�س جمرد الرتويج لأيديولوجي���ة الدولة الر�سمية فح�سب‪،‬‬ ‫بل وتو�سيع نطاق و�سائل الإعالم املختلفة التي ت�ستطيع �أن “تناف�س”‬ ‫و”تُبطِ ل �أثر و�سائل الإعالم املناه�ضة للجمهورية الإ�سالمية” (قناة‬ ‫“بر�س تي يف”‪ 19 ،‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪ .)2009‬ويعترب انطالق قناة “بر�س‬ ‫تي يف” الإيرانية عام ‪ – 2007‬القناة الإخبارية باللغة االجنليزية التي‬ ‫تعم���ل على مدار ال�ساعة – مبثاب���ة اخلطوة الأوىل ل�صعود نوع جديد‬ ‫م���ن و�سائل الإعالم احلكومية التي تتناف����س على امل�ستوى العاملي مع‬ ‫القنوات العربية ال�سُ نيّة كقناة العربية والقنوات الغربية كقناة “�سي‪.‬‬

‫تتمثل اخلطوة التكتيكية الثانية التي تت�سم بها احلرب اللينة الإيرانية‬ ‫يف اتخاذ �إجراءات هجومي���ة‪� ،‬أهمها الإنرتنت وكيفية ا�ستخدام مثل‬ ‫و�سائ���ل االت�صاالت اجلديدة هذه يف �ش���كل حرب الكرتونية للحد من‬ ‫تدف���ق املعلومات الت���ي ت�صب يف �صال���ح الواليات املتح���دة‪� .‬إذ تنظر‬ ‫طه���ران �إىل املواق���ع االلكرتوني���ة االجتماعي���ة كموق���ع “في�سب���وك”‬ ‫(‪ )Facebook‬وموق���ع “يوتي���وب” (‪ )You Tube‬وموق���ع “توي�ت�ر”‬ ‫(‪ )Twitter‬عل���ى �أنه���ا عنا�ص���ر تهديد يف �إطار احل���رب االلكرتونية‬ ‫التي تُ�شن عل���ى اجلمهورية الإ�سالمية‪ ،‬خا�صة �إذا �أخذنا يف االعتبار‬ ‫الأ�سل���وب ال���ذي تنت�شر ب���ه ال�شائعات عل���ى مواقع الإنرتن���ت بق�صد‬ ‫“�إثارة” النزاع داخل �إيران (قناة “بر�س تي يف”‪ 25 ،‬كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناير ‪2009‬؛ “�إيرنا”‪ 1 ،‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪.)2009‬‬ ‫و�إىل جان���ب الإج���راءات التي تتخذه���ا �إيران كردة فع���ل مثل غربلة‬ ‫العدي���د م���ن املواق���ع االلكرتوني���ة وحجبها‪ ،‬جن���د �أن ال���رد الإيراين‬ ‫�أي�ض��� ًا يتّ�س���م ب���الإدارة املحف���زة للتدف���ق املعلوماتي‪ ،‬وه���ذا يت�ضمن‬ ‫�إن�ش���اء “مراكز وطنية للمعلومات” حتد وتراق���ب �أن�شطة املعار�ضني‬ ‫املدعوم�ي�ن من قبل الواليات املتحدة‪ ،‬ورمبا قد ت�ستخدم هذه املراكز‬

‫تو�سيع نطاق ت�أثري الدولة يف املجال االلكرتوين‬ ‫وو�سائ��ل الإع�لام لن�ش��ر الدعاي��ات امل�ؤي��دة‬ ‫للحكومة مهم جداً‪ ،‬حيث يبدو �أن الهدف من ذلك‬ ‫يكم��ن يف تنفيذ حمالت احل��رب ال�سيكولوجية‬ ‫م��ن �أج��ل ت�صوي��ر الق��درات الإيراني��ة ب�صورة‬ ‫�أكرب مما هي عليه يف الواقع‬

‫لن�شر ال�شائعات ل�صالح نظام احلكم (�شبكة �أنباء الطلبة‪� 31 ،‬آذار‪/‬‬ ‫مار�س)‪.‬‬ ‫�إن تو�سي���ع نط���اق ت�أث�ي�ر الدول���ة يف املجال‬ ‫�أمريكا‪� -‬إيران‪:‬‬ ‫�إ�شاحة الوجه بعيد ًا‬ ‫االلك�ت�روين وو�سائ���ل الإع�ل�ام لن�ش���ر التايل‬ ‫بقلم‪ :‬بوزيدي يحيى‬ ‫الدعايات امل�ؤيدة للحكومة مهم جداً‪،‬‬ ‫حي���ث يب���دو �أن الهدف م���ن ذلك يكمن‬ ‫يف تنفي���ذ حمالت احل���رب ال�سيكولوجية من �أج���ل ت�صوير القدرات‬ ‫الإيراني���ة ب�صورة �أكرب مما هي عليه يف الواقع‪ .‬ويعترب معمل ت�صنيع‬ ‫�صواري���خ كروز يف �إي���ران خري دليل على ذلك‪ ،‬وه���و امل�صنع الذي مت‬ ‫افتتاحه يف مطلع �شهر �آذار‪/‬مار�س وو�صفته ال�صحافة الإيرانية ب�أنه‬ ‫م�صنع لت�صنيع �صواريخ ك���روز حملية (“�إيرنا”‪� 10 ،‬آذار‪/‬مار�س)‪.‬‬ ‫ويف الواق���ع �أن من ق���ام ببناء هذا امل�صنع ه���م ال�صينيون‪ ،‬والت�سمية‬ ‫“ن�ص���ر – ‪ )Nasr-1( ”1‬الت���ي تطل���ق على املبنى هن���اك هي ا�سم‬ ‫�إيراين لل�ص���اروخ ال�صيني �سي ‪�( 704 -‬صحيف���ة “طهران تاميز”‪،‬‬ ‫‪ 30‬ني�سان‪�/‬أبري���ل)‪ .‬وهذه اخلطة الدعائية ت�ستخ���دم �أي�ض ًا من قبل‬ ‫و�سائ���ل الإعالم الإيرانية التي تبالغ يف احلدي���ث عن قدرات القوات‬ ‫امل�سلح���ة الإيرانية‪ ،‬عرب و�صفها للتكنولوجي���ا الع�سكرية التي متتلكها‬ ‫�إي���ران ب�أ�سلوب مفرط لتُعطي انطباع ًا ب�أن هناك قوة كا�سحة (�أنظر‬ ‫تقرير “مراقبة الإرهاب”‪ 22 ،‬ني�سان‪�/‬أبريل)‪.‬‬ ‫بح�سب حميد موالنا‪ ،‬م�ست�شار‬ ‫اخلامتة‬ ‫الرئي����س �أحمدي جناد‪ ،‬ف�إن الغ���رب – خا�صة الواليات املتحدة – ال‬ ‫يدرك مدى “البني���ة التحتية للقوة اللينة” التي متتلكها �إيران (قناة‬ ‫“بر�س تي يف”‪� 11 ،‬آذار‪/‬مار�س)‪ .‬وهذا ي�ؤكد كيف �أن �إيران وجّ هت‬ ‫اهتمامه���ا ا�سرتاتيجي ًا جتاه الإجراءات اللينة لتتعامل مع �أي خماطر‬ ‫غ�ي�ر ع�سكرية يمُ كِ ن �أن تتعر�ض لها الدولة‪ .‬كما �أن الو�ضع امل�ضطرب‬ ‫ال���ذي تلى االنتخابات دفع بنظام احلك���م �إىل �أن ي�شرعن �سلطته من‬ ‫خالل عر�ض �أن�شطة طنّانة‪ ،‬من قبيل املبالغة يف قدراته الع�سكرية‪.‬‬ ‫ومن ع���دة نواحي‪ ،‬مل تعد طهران تنظر �إىل الفنون والثقافة والتعليم‬ ‫على �أنها م�صدر خطر‪ ،‬ولكن بو�صفها فر�صة لتعميق ت�أثري الدولة من‬ ‫خالل لغة الأف���كار واملعلومات (املغلوطة) واملعاجل���ات الثقافية على‬ ‫امل�ستوى املحلي والإقليم���ي‪ .‬و�إذا ما جنحت عملية الرتويج التي تقوم‬ ‫به���ا �إيران لتعزي���ز �صورتها‪ ،‬ف�إنه���ا �ستمثل م�شكلة للأم���ن الإقليمي‪،‬‬ ‫وذلك لأن الكثري من الدول املجاورة‪ ،‬خا�صة اخلليجية منها‪� ،‬ست�سعى‬ ‫�إىل تطوي���ر قدراتها الع�سكرية ك���ردة فعل‪ ،‬وهو ما ميهد الطريق نحو‬ ‫ع�ص���ر جديد من �سباق الت�سل���ح‪� .‬أي�ض ًا قد تت�سب���ب التكتيكات اللينة‬ ‫الإيراني���ة يف �إرباك الت�ص���ورات الأمريكية �إزاء الق���درات الع�سكرية‬ ‫الفعلية التي متتلكها �إيران وقدرتها (�أي الت�صورات الأمريكية) على‬ ‫تقيي���م القوة الإيرانية ب�صورة دقيق���ة‪ .‬فال�صراعات اجلديدة ما هي‬ ‫�إال نتاج ت�شوي�ش للألفاظ والأفكار‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪93‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫�أق��� ّر الرئي�س الأمريكي باراك �أوبام���ا م�ؤخر ًا عقوبات �إ�ضافية �أكرث �شدّة على‬ ‫�إيران‪ ،‬بُعيد العقوبات التي فر�ضت عليها مبوافقة رو�سيا وال�صني اللتني كانتا‬ ‫تعرت�ضان على ذلك يف ال�سابق‪ ،‬بعدما �أ�صبح من �شبه امل�ؤكد �أن �إيران ما�ضية‬ ‫يف م�شروعها النووي برفعها درجة التخ�صيب �إىل ع�شرين يف املائة‪ ،‬لذلك مل‬ ‫تجُ���دِ نفع ًا امل�ساعي الرتكي���ة والربازيلية التي تو�صلت �إىل اتفاق ثالثي لتبادل‬ ‫اليورانيوم قُبيل فر�ض العقوبات الدولية‪.‬‬

‫�إ�شاحة الوجه بعيداً‬ ‫ملاذا ما تزال �إمكانية عقد �صفقة �أمريكية – �إيرانية‪� ،‬أمر ًا م�ستبعد ًا‬ ‫بوزيدي يحيى‬

‫‪bou_yahia@hotmail.com‬‬

‫وبالت���وازي مع ق���رار العقوب���ات‪� ،‬أجمعت خمتلف املراك���ز البحثية‬ ‫على التقليل م���ن �أهمية ت�أثريها يف النظام الإيراين‪ ،‬كما �أنها اتفقت‬ ‫عل���ى �أن احلل الع�سكري �أي�ض ًا ب�شن حرب وا�سعة �أو هجمات حمدودة‬ ‫�أمريكي���ة �أو �إ�سرائيلي���ة �أو م�شرتكة ت�ستهدف فق���ط املن�ش�آت النووية‪،‬‬ ‫�صع���ب جداً‪ ،‬و�أق�صى ما ميك���ن حتقيقه هو ت�أخ�ي�ر الربنامج النووي‬ ‫ل�سنوات فقط ورمبا �أقل‪ ،‬وذلك العتبارات جيو�سرتاتيجية وع�سكرية‬ ‫و�إمكانيات الرد التي متتلكها �إيران واملوقف الدويل منها‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫غرق الواليات املتحدة يف امل�ستنقع الأفغاين والعراقي‪ .‬من هنا ذهبت‬ ‫بع����ض الدرا�سات �إىل قبول �إيران نووية والبحث يف كيفية التعامل مع‬ ‫و�ض���ع من هذا القبيل‪ ،‬خا�صة مع ن�شر تقارير �صحفية ت�ؤكد �أن �إيران‬ ‫عل���ى مقربة من �صنع قنبلة نووية‪ ،‬كدرا�سة الباحثني جيم�س ليند�سي‬ ‫وراي تقية‪ ،‬التي ن�شرت يف عدد ني�سان‪�/‬أبريل ‪ 2010‬من جملة “فورِن‬ ‫�أفّريز” (ال�ش�ؤون اخلارجي���ة) املرموقة‪ ،‬بعنوان “بعد امتالك �إيران‬ ‫لقنبل���ة نووي���ة”‪ ،‬ودرا�س���ة �ستيفن كين���زر التي ن�شرت يف ع���دد �آب ‪/‬‬ ‫�أغ�سط�س ‪ 2010‬من جملة “�أمريكان برو�سبكت” (الأُفُق الأمريكي)‪،‬‬

‫‪94‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫بعنوان “مثلث القوة املقبل‪ :‬ملاذا يجب �أن تكون تركيا و�إيران حليفتي‬ ‫الوالي���ات املتح���دة امل�ستقبليتني يف ال�ش���رق الأو�س���ط”‪ ،‬وغريها من‬ ‫الدرا�س���ات واملق���االت ال�صحفي���ة‪ ،‬الأمر ال���ذي �أث���ار هواج�س بع�ض‬ ‫الأو�س���اط العربي���ة من �إمكانية عق���د �صفقة �أمريكي���ة ‪� -‬إيرانية على‬ ‫ح�ساب م�صالح العرب‪ ،‬وهو ما دفع امل�سئولني الأمريكيني �إىل نفي �أي‬ ‫خط���وة يف هذا االجتاه لتبديد املخاوف العربية التي تربرها ال�سوابق‬ ‫التاريخية ك�صفقة الأ�سلحة الأمريكية الإيرانية بو�ساطة �إ�سرائيلية يف‬ ‫منت�صف الثمانينيات‪ ،‬وم�ساع���دة �إيران الواليات املتحدة يف احتالل‬ ‫�أفغان�ستان والعراق التي �ص���رح بها �أكرث من م�سئول �إيراين‪ ،‬والنفوذ‬ ‫املتعاظ���م لإي���ران يف العراق وجوالت املفاو�ضات الت���ي عقدت بينهما‬ ‫ح���ول الو�ضع الأمن���ي يف العراق �سابقاً‪ .‬كل هذا يط���رح ت�سا�ؤالت عن‬ ‫�إمكاني���ة �صفقة �أمريكية – �إيرانية‪ ،‬وعن العقبات التي قد حتول دون‬ ‫ذلك؟ و�إن حدثت‪ ،‬فما هي حدودها؟‬ ‫قب���ل الإجابة على هذه الت�سا�ؤالت‪ ،‬جت���در بنا الإ�شارة �إىل �أن امللف‬ ‫النووي يبق���ى ورقة مفيدة يف يد النظام الإي���راين العتبارات داخلية‬ ‫بوزيدي يحيى كاتب من اجلزائر‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪95‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫وخارجي���ة‪ ،‬خا�ص ًة يف ظل الأزمة الداخلي���ة امل�ستمرة بعد االنتخابات �إ�ضافة �إىل ال�سلوك الإيراين الذي �أثار الكثري من ال�شكوك و�أدى �إىل‬ ‫الرئا�سي���ة‪ ،‬حيث توظّ فها لل�ضغط على املعار�ض���ة‪ ،‬كما كانت �إمكانية �أزم���ة ثقة مع حلفائه���ا‪ ،‬و�أي هجوم �إ�سرائيل على �إي���ران (�سواء كان‬ ‫الو�ص���ول �إىل ح���ل دبلوما�س���ي ب�ي�ن الوالي���ات املتح���دة و�إي���ران وفق ناجح��� ًا �أو فا�شالً) �ستكون ل���ه تداعيات كبرية ت�ؤثر كثري ًا يف امل�صالح‬ ‫أخف‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة اجلدي���دة الت���ي ج���اء به���ا ب���اراك �أوبام���ا ال�سبب يف الرو�سي���ة وال�صيني���ة يف املنطق���ة‪ ،‬وبالتايل ف�إن العقوب���ات هي � ّ‬ ‫ع���دم ت�أيي���د الإدارة الأمريكية للثورة اخل�ض���راء يف بداية الأزمة‪� ،‬إذ ال�ضررين‪.‬‬ ‫اقت�ص���رت بياناتها عل���ى �إدانة ممار�سات ال�سلط���ة �ضد املتظاهرين‪.‬‬ ‫ا�ستطاع���ت �إيران جت���اوز ت�أثريات العقوب���ات ال�سابقة من خالل‬ ‫كم���ا �أن االتف���اق الثالثي م���ع تركي���ا والربازيل تزامن م���ع االحتفال االلتف���اف عليها ب�أ�شكال خمتلف���ة‪ ،‬ك�إن�شاء �شركات وهمية �أو الدخول‬ ‫بالذك���رى الأوىل لالنتخابات‪ ،‬ووظف �إعالمي��� ًا على �أنه انت�صار على يف عمليات جتارية معقدة �أو ت�صديرها �إىل بلد ثالث وغ�سيل الأموال‬ ‫الغ���رب وم�ؤامرات���ه �ضد اجلمهوري���ة الإ�سالمية‪ ،‬ما قل���ل من هام�ش بط���رق غ�ي�ر �شرعية‪ .‬ولتاليف نف����س الأخط���اء يف العقوبات اجلديدة‬ ‫املناورة �أم���ام املعار�ضة التي �ألغت املظاهرات التي كان خمطط لها‪ .‬اقرتحت جملة من الإجراءات التقنية والرقابية حتى تكون العقوبات‬ ‫وبالرغم من �أن �إيران ت�ؤكد على الطبيعة ال�سلمية لربناجمها النووي‪ ،‬فعالة كلجنة الر�صد احلديثة وبرنامج للتحقق من اال�ستخدام النهائي‬ ‫و�أنه���ا ال تطم���ح المتالك القنبل���ة النووية من منطلق���ات دينية‪ ،‬ف�إنه وغريه���ا م���ن الآليات؛ كل هذا يدلل على جدي���ة الإدارة الأمريكية يف‬ ‫ال ي�ستبع���د �أن يكون هذا جم���رد تكتيك وقد تُقدِ م عل���ى �صنع القنبلة من���ع �إيران من احل�ص���ول على قنبلة نووية‪ ،‬ويف نف����س الوقت ت�ساعد‬ ‫النووية ولن يكون من ال�صعب حينها �إيجاد مربرات �شرعية م�ضادة‪ ،‬ه���ذه الإجراءات منع �أي �صفق���ة �أمريكية ‪� -‬إيرانية من حتت الطاولة‬ ‫م���ن خ�ل�ال الت�أكيد على �أنها لن ت�ستعملها و�إمن���ا امتلكتها فقط لردع ق���د ترغب يف �إبرامها �إيران‪� ،‬أما ح�ص���ول �صفقة علنية فال ميكن �أن‬ ‫�أعدائها وغريها من املربرات‪.‬‬ ‫يق���دم عليها النظ���ام الإيراين لأنه���ا �ستفقده‬ ‫وبالع���ودة �إىل حديث ال�صفقة الأمريكية – ع��داء �إي��ران للعدي��د م��ن ورق���ة التهديد اخلارجي والع���داء امل�ستمر مع‬ ‫الإيراني���ة‪ ،‬ف�إن هذا الأمر يبقى – يف تقديرنا الأنظم��ة العربي��ة والتدخل الغ���رب ال���ذي كان من �أ�سباب �إ�سق���اط ال�شاه‬ ‫ مُ�ستبعد ًا للأ�سباب التالية‪:‬‬‫وا�ستمرارية اجلمهورية الإ�سالمية‪ ،‬وخل�شيته‬ ‫وزعزعة‬ ‫الداخلية‬ ‫ؤونها‬ ‫ش�‬ ‫�‬ ‫يف‬ ‫من ا�ستغ�ل�ال الإ�صالحيني له���ا وتوظيفها يف‬ ‫الر�ؤي���ة الإ�سرتاتيجي���ة الإ�سرائيلي���ة يف‬ ‫واحلم�لات‬ ‫الوطن��ي‬ ‫أمنه��ا‬ ‫�‬ ‫انتق���اد املحافظ�ي�ن لأن���ه يف �أف�ض���ل الأح���وال‬ ‫بقائه���ا الق���وة الأك�ب�ر يف املنطق���ة‪ ،‬والتف���وق‬ ‫عليها‪،‬‬ ‫املتوا�صل��ة‬ ‫إعالمي��ة‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫�سيكون �ضم���ن بنودها وقف التخ�صيب‪ ،‬وهذا‬ ‫الن���ووي �أح���د �أ�س�س ه���ذه النظري���ة وهو خط‬ ‫العربي��ة‬ ‫أنظم��ة‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫�ستجع��ل‬ ‫تنازل يرف�ضه الإ�صالحيني‪.‬‬ ‫�أحمر ال�ستمراريتها ك�ضامن للم�صالح الدولية‬ ‫االلت��زام‬ ‫يف‬ ‫�صرام��ة‬ ‫أك�ثر‬ ‫�‬ ‫العقوب���ات التي فر�ضت عل���ى �إيران‪ ،‬و�إن‬ ‫وعل���ى وجه اخل�صو�ص الأمريكي���ة منها‪ ،‬و�إذا‬ ‫�ضد‬ ‫اجلديدة‬ ‫العقوبات‬ ‫بقرار‬ ‫ما حدثت �صفقة �أمريكي���ة ‪� -‬إيرانية ف�ستفقد‬ ‫�أ�صرت طه���ران على عدم ت�أثره���ا بها‪ ،‬ف�إنها‬ ‫إيران‬ ‫�‬ ‫�إ�سرائي���ل مكانته���ا املميزة بالن�سب���ة للواليات‬ ‫�ستخل���ق الكث�ي�ر م���ن امل�ش���اكل االقت�صادي���ة‬ ‫املتح���دة‪ ،‬وهذا ما �سيدف���ع اللوبي الإ�سرائيلي‬ ‫ت�ضاف �إىل امل�ش���اكل الأخرى التي يعاين منها‬ ‫يف �أمريكا للحيلولة دون ذلك‪ .‬و�إذا ما �أدركت‬ ‫ال�شعب الإيراين‪ ،‬خا�صة مع احلملة الإعالمية‬ ‫�إ�سرائيل �أن �إيران على مقربة من �صنع القنبلة النووية �ستقوم بهجوم املوجه���ة �ضد احلر����س الث���وري وممار�ساته �ض���د املتظاهرين خالل‬ ‫�إنف���رادي ودون �ضوء �أخ�ضر �أمريك���ي‪ ،‬وت�شديد العقوبات واخلطوات �أزم���ة االنتخابات وتدخله الكبري يف ال�ش�ؤون االقت�صادية وال�سيا�سية‪،‬‬ ‫املتتابع���ة كمن���ع ت�صدي���ر البنزين لإي���ران‪ ،‬وحظر الإحت���اد الأوروبي واالنتق���ادات الداخلية املوجه���ة �إليه‪� ،‬إذ و�ص���ف ها�شمي رف�سنجاين‬ ‫حتلي���ق الطائ���رات الإيرانية يف �أجوائه و�إن بُ���رر ب�أ�سباب تقنية تتعلق ذل���ك باالجتاه نح���و الديكتاتورية‪ ،‬وكل هذا يقلل م���ن هام�ش املناورة‬ ‫بال�سالمة‪ ،‬ف�إن توقيت���ه يحمل دالئل �سيا�سية‪ ،‬وكذلك غلق �إمارة دبي الإيراني���ة ويف نف�س الوقت ي�شجع الواليات املتحدة على خيار �إ�سقاط‬ ‫حل�ساب���ات م�صرفية ملواطن�ي�ن �إيرانيني؛ كلها تط���ورات تعك�س جدية النظام من الداخل من خالل �سيا�سة النف�س الطويل‪.‬‬ ‫غربية يف منع �إيران من �إمتام برناجمها النووي‪.‬‬ ‫احتف���اظ �إي���ران ب����أوراق مهم���ة ت�ستطي���ع توظيفه���ا يف الع���راق‬ ‫تدرك رو�سي���ا وال�صني هذا املوقف الإ�سرائيلي‪ ،‬وال �شك �أنه كان و�أفغان�ست���ان‪ ،‬حي���ث حت���اول الوالي���ات املتحدة حتقيق ح���د �أدنى من‬ ‫م���ن بني االعتب���ارات التي دفعته���ا �إىل املوافقة على ق���رار العقوبات اال�ستق���رار ال�سيا�سي ي�ساعدها يف االن�سحاب من العراق‪ ،‬وتخ�شى �أن‬

‫‪96‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫م��ع �أن ال�صفق��ات الأمريكي��ة ‪ -‬الإيرانية ال�سابق��ة تدل على �إمكاني��ة تكرارها مرة �أخ��رى‪� ،‬إال �أن ال�شواهد‬ ‫احلالي��ة ُتب�ّي�نّ يف الوق��ت نف�سه �أن م�ستوى وح��دود �أي �صفقة بني وا�شنطن وطهران‪� ،‬إن مت��ت‪ ،‬لن تتجاوز �أن‬ ‫تكون جمرد اتفاق مرحلي على ق�ضايا �صغرية �سرعان ما يزول بزوال تلك امل�صلحة‬ ‫تث�ي�ر �إيران بع�ض القالق���ل الأمنية �أو تدفع بحلفائه���ا لل�سيطرة �أكرث‬ ‫على ال�سلطة‪ .‬ولكن هذه الورقة هي �سيف ذو حدين‪ ،‬لأن �إيران متلك‬ ‫قرار �إثارة موجة من العنف ولكنها ال متلك قرار وقفها �أو حتديدها‪،‬‬ ‫و�إذا م���ا تفج���رت املواجه���ات ب�ش���كل كبري ق���د ت����ؤدي يف النهاية �إىل‬ ‫تق�سم الع���راق‪ ،‬وهذا الأمر ‪ -‬كما يرى بع�ض املراقبني ‪ -‬ال متانع فيه‬ ‫الوالي���ات املتحدة‪ ،‬وهو ما ال تريده �إيران وال تركيا وال الدول العربية‪،‬‬ ‫هذا من جهة‪ .‬ومن جهة �أخرى‪ ،‬ف�إنه حتى �إذا تو�صلت �أمريكا و�إيران‬ ‫�إىل �صفقة حول العراق فلن يكون من ال�سهل جتاوز املقاومة العراقية‬ ‫التي �ستقف دون ذلك‪ ،‬مع �إمكانية تغيرّ موقف املقاومة العراقية التي‬ ‫�أبدت تقدم ًا ملحوظ ًا ب�ش�أن موقفها من العملية ال�سيا�سية مقارنة بني‬ ‫موقفه���ا م���ن االنتخاب���ات الأوىل والثانية وعالقته���ا ببع�ض الأحزاب‬ ‫والقوى ال�سيا�سية العراقية‪.‬‬ ‫�أم���ا يف �أفغان�ست���ان ف�إن هام����ش املن���اورة لإيران ال يختل���ف كثري ًا‬ ‫ع���ن العراق‪� ،‬إ�ضاف���ة �إىل العداء ال�شديد املتب���ادل بني حركة طالبان‬ ‫و�إي���ران‪ ،‬ويف ظ���ل امل�ساع���ي الأمريكي���ة والأوروبي���ة لفت���ح احلوار مع‬ ‫طالبان من �أجل الو�صول �إىل اتفاق يُ�سهّل ان�سحاب القوات الأجنبية‪،‬‬ ‫ف�إن هذا �سيكون على ح�ساب الدور الإيراين‪ ،‬و�أي حماولة �إيرانية ملنع‬ ‫�أي �إنف���اق يتو�صل �إليه �أو منع ا�ستم���رار املحادثات وقطعها من خالل‬ ‫تفج�ي�رات انتحارية خللق فتنة طائفية �سيك���ون الرد عليه من طرف‬ ‫الوالي���ات املتح���دة والدول الأوروبي���ة‪ ،‬وب�شكل �سيجعل �إي���ران تت�ضرر‬ ‫�أي�ض��� ًا وب�أ�ش���كال خمتلف���ة كت�شديد العقوب���ات �أك�ث�ر �أو ت�سهيل ودعم‬

‫ن�شاط املعار�ضة امل�سلحة يف داخل �إيران‪.‬‬ ‫ع���داء �إي���ران للعديد من الأنظم���ة العربية والتدخ���ل يف �ش�ؤونها‬ ‫الداخلي���ة وزعزعة �أمنه���ا الوطني‪ ،‬خا�صة بدعمه���ا احلوثيني الذين‬ ‫فتحوا جبهة قتال مع اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬واحلمالت الإعالمية‬ ‫املتوا�صل���ة عليها‪� ،‬ستجعل الأنظمة العربية �أك�ث�ر �صرامة يف االلتزام‬ ‫بق���رار العقوبات‪ ،‬ويف نف����س الوقت �ستمنعها امل�صال���ح الأمريكية يف‬ ‫املنطق���ة العربية من عقد �صفقة مع �إيران‪ ،‬وتقلل من هام�ش املناورة‬ ‫الإيرانية لأهميتها يف املبادالت التجارية الدولية‪.‬‬ ‫�أخ�ي�راً‪ ،‬ومع �أن ال�صفق���ات الأمريكية ‪-‬‬ ‫الثابت واملتغري يف العالقات‬ ‫الرتكية ‪ -‬الإ�سرائيلية‬ ‫الإيراني���ة ال�سابقة تدل عل���ى �إمكانية التايل‬ ‫بقلم‪� :‬سالم الرب�ضي‬ ‫تكرارها مرة �أخ���رى‪� ،‬إال �أن ال�شواهد‬ ‫احلالية ُتبينّ يف الوقت نف�سه �أن م�ستوى‬ ‫وحدود �أي �صفقة بني وا�شنطن وطهران‪� ،‬إن متت‪ ،‬لن تتجاوز �أن تكون‬ ‫جمرد اتفاق مرحلي على ق�ضايا �صغرية �سرعان ما يزول بزوال تلك‬ ‫امل�صلح���ة‪ ،‬مثل حديث بع�ض التقارير عن وجود �صفقة خمابراتية يف‬ ‫ال�سنية املعار�ضة‪.‬‬ ‫ق�ضي���ة عبد امللك ريغي زعيم حركة “جن���د اهلل” ُّ‬ ‫ورغ���م ه���ذا كله‪ ،‬تدل الكثري م���ن ال�شواهد‪ ،‬والتي �أ�شرن���ا �إىل �أهمها‬ ‫�أعاله‪ ،‬على �أن ح�صول �صفقة بني �إيران والواليات املتحدة يظل �أمر ًا‬ ‫م�ستبع���د ًا حالي���اً‪� ،‬إذ �أنه غري ممكن واقعي ًا وغ�ي�ر مفيد لكال البلدين‬ ‫ا�سرتاتيجي���اً‪ ،‬ولذا قد ن�شهد مزي���د ًا من الت�صعيد وال�شد واجلذب يف‬ ‫ملف النزاع الإيراين – الأمريكي – الغربي‪ ،‬يف قادم الأيام‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪97‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫�أمر العالقات الرتكية ‪-‬‬ ‫الإ�سرائيلية وم�ستقبلها قد‬ ‫يتجاوز م�صلحة البلدين‬ ‫�ســالم الرب�ضـــي‬

‫‪jordani_alrabadi@hotmail.com‬‬

‫تعمل ال�سيا�سة الرتكي��ة اجلديدة على ك�سب املزيد من‬ ‫الأ�صدق��اء‪ ،‬وال ترغ��ب �أن يكون لها �أع��داء جدد‪� ،‬أو �أن‬ ‫تبني عالقاتها اجلديدة عل��ى �أنقا�ض بع�ض الأ�صدقاء‬ ‫الآخري��ن وخا�ص��ة �إ�سرائي��ل‪ ،‬لأن ثم��ن ذل��ك قد يكون‬ ‫باهظ�� ًا عل��ى ع��دة م�ستوي��ات وجم��االت‪ .‬وبالرغ��م من‬ ‫ردود الفع��ل الرتكية املتع��ددة �إزاء املمار�سات واملواقف‬ ‫الإ�سرائيلية املختلفة‪ ،‬ومواق��ف الر�أي العام املت�شنجة‬ ‫يف كال البلدين وخا�صة بعد �أزمة قافلة احلرية‪ ،‬لكن ما‬ ‫زالت احلكومت��ان حتافظان على عالقتهما االقت�صادية‬ ‫والع�سكري��ة �إىل ح��د م��ا يف جميع املج��االت‪� ،‬إذ مل تقم‬ ‫تركيا مث ًال ب�إلغاء �أو جتميد عقود الت�سليح �أو الدفاع �أو‬ ‫التج��ارة مع �إ�سرائيل ب�شكل نهائ��ي‪ ،‬وهو حال العالقات‬ ‫الدبلوما�سي��ة �أي�ض ًا بني البلدي��ن‪ ،‬على الرغم من �إقدام‬ ‫تركيا على عدم ال�سم��اح للجي�ش الإ�سرائيلي بامل�شاركة‬ ‫يف املن��اورات الع�سكرية حللف �شمال االطل�سي يف �أواخر‬ ‫العام ‪.2009‬‬

‫�أ�صدقاء للأبـد‬ ‫‪98‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫وال يب���دو �أن ل���كال الطرف�ي�ن م�صلح���ة يف تعميق اخلالف���ات القائمة‬ ‫بينهم���ا �أو تطوير مداه���ا وم�ضمونها بغ�ض النظر ع���ن حجم ال�ضرر �أو‬ ‫ا�ستف���ادة هذا الط���رف �أو ذاك من ذلك‪ ،‬بل �إن �أم���ر العالقات الرتكية‬ ‫الإ�سرائيلي���ة وم�ستقبلها على ما يبدو‪ ،‬ق���د يتجاوز م�صلحة البلدين‪� .‬إذ‬ ‫�أن توت���ر العالقة �أو القطيع���ة بني الطرفني قد يُلح���ق ال�ضرر بكثري من‬ ‫الأط���راف الدولي���ة والإقليمية ومنه���ا العربية وبالتحدي���د �سورية‪ ،‬فقد‬ ‫�ص���رح الرئي�س ال�سوري ب�شار الأ�سد مطالب ًا تركيا بتح�سني عالقاتها مع‬ ‫حليفه���ا الإ�سرائيلي‪ ،‬وذلك حتى ت�ضمن جم���دد ًا القيام بدور الو�ساطة‬ ‫بني �سوري���ة و�إ�سرائيل‪ .‬و�إذا رغبت تركيا الدخ���ول على خط مفاو�ضات‬ ‫�سالم الرب�ضي باحث يف العالقات الدولية‪ ,‬الأردن‪.‬‬

‫ال�س�ل�ام الإ�سرائيلية ‪ -‬العربي���ة ينبغي �أن تكون لديها عالقات جيدة مع‬ ‫هذه الدولة‪.‬‬ ‫والإ�سرتاتيجية الرتكية على يقني ب�أن �أمريكا لن ت�ستطيع‪ ‬يف امل�ستقبل‬ ‫�أن ت�ستم���ر م�ستف���ردة بقرار‪ ‬املنطق���ة‪ ،‬لذل���ك اجته���ت تركي���ا العتماد‬ ‫�إ�سرتاتيجي���ة خا�صة به���ا يف املنطقة ال يكون فيها ارتب���اط ع�ضوي كلي‬ ‫مع الواليات املتحدة‪ ،‬وال يكون فيها �أي�ض ًا مواجهة �أو عداء لأمريكا حتى‬ ‫يف �إط���ار عالقتها مع �إ�سرائيل‪ .‬ويعي �أحمد داود �أوغلو‪ ،‬وزير اخلارجية‬ ‫الرتكي���ة واملنظ���ر اال�سرتاتيج���ي الرتك���ي‪� ،‬أهمية تركي���ا اال�سرتاتيجية‬ ‫لوا�شنط���ن‪ ،‬بحيث يحاول الرب���ط بني م�صالح تركي���ا الوطنية وحتقيق‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪99‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫امل�صال���ح الأمريكي���ة يف قو�س جغرايف كب�ي�ر ممتد من �آ�سي���ا الو�سطى‬ ‫والقوق���از وال�ش���رق الأو�س���ط وحتى �ش���رق املتو�سط‪ ,‬حيث ي�سن���د دائم ًا‬ ‫�سيا�س���ات تركيا اخلارجية �إىل تناغمها م���ع امل�صالح الأمريكية‪ .‬مبعنى‬ ‫�آخ���ر �إن حتقي���ق تركي���ا مل�صاحله���ا يف جوارها اجلغ���رايف يعني حتقيق‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية مل�صاحلها هناك �أي�ضاً‪ ،‬وهذا الواقع ملمو�س‬ ‫من خ�ل�ال تتبع املوقف الرتكي م���ن ال�صراع الأذربيج���اين ‪ -‬الأرميني‬ ‫وانحيازه���ا مل�صلحة �أذربيجان‪ ،‬من منطل���ق �إن �ضعف �أذربيجان املهمة‬ ‫جغرافي��� ًا والغني���ة مبوارد الطاق���ة‪� ،‬سيُفقِد التحال���ف الأطل�سي التوازن‬ ‫يف كام���ل القوقاز و�آ�سي���ا الو�سطى مل�صلحة مو�سك���و وحتالفاتها هناك‪،‬‬ ‫و�سيق���ود بالتايل �إىل �إ�ضع���اف النفوذ الأمريكي‪ .‬كم���ا �أن قدرات تركيا‬ ‫االقت�صادي���ة والع�سكري���ة وحتالفاته���ا الدولي���ة ال ت�ؤهله���ا ‪ -‬م���ع ذلك‪،‬‬ ‫وحت���ى الآن ‪ -‬للع���ب دور �إقليمي يف كل جه���ات جوارها اجلغرايف‪� ،‬سواء‬ ‫يف البلق���ان �أو القوق���از �أو ال�شرق الأو�سط �أو البح���ر الأ�سود وحتى �شرق‬ ‫املتو�س���ط‪� ،‬إذ ال ي�ستطي���ع لع���ب دور كه���ذا �سوى الق���وى العظمى‪ ،‬وهذه‬ ‫بديهية من بديهيات العالقات الدولية‪.‬‬ ‫وحت���اول تركيا �أن تخفف من �أعباء عالقتها مع �إ�سرائيل حتى تتمكن‬ ‫م���ن ممار�سة دور الدول���ة الإقليمية الكربى يف حميطه���ا‪ .‬وتركيا تعمل‬ ‫عل���ى �إمكانية احلف���اظ على عالقتها م���ع الواليات املتح���دة دون املرور‬ ‫ب�إ�سرائي���ل‪ .‬ويف املنظ���ور الإ�سرتاتيج���ي الإ�سرائيل���ي والأمريكي‪ ،‬ت�شكل‬ ‫تركي���ا ركن��� ًا ال ي�ستغن���ى عن���ه يف �أي �إ�سرتاتيجية تُعد لل�ش���رق الأو�سط‪،‬‬ ‫وحاجة‪ ‬يفر�ضه���ا املوق���ع اجليو�سيا�س���ي لرتكيا من وجوه���ه الأ�سا�سية‪،‬‬ ‫ضال عن‬ ‫خا�ص���ة اجلغرافي���ة والدميغرافية واالقت�صادي���ة وال�سيا�سية ف� ً‬ ‫الع�سكري���ة‪ .‬والواليات املتحدة باتت مدركة لل�صعوبات التي تواجهها يف‬ ‫املنطق���ة‪ ،‬وترى يف تركيا احتياط ًا �إ�سرتاتيجي ًا ميكن الركون �إليه لي�شكل‬ ‫عامل ا�ستقرار وحاجة ملحة يف الأزمات املعقدة‪.‬‬ ‫ولتدعي���م ال���دّور الإ�سرائيلي يف ال�ش���رق الأو�سط‪ ،‬ت���رى �إ�سرائيل �أنّ‬ ‫توطي���د عالقاته���ا الإ�سرتاتيجيّ���ة مع تركيا م���ن �ش�أن���ه �أن يدعم دورها‬ ‫الإقليمي يف املج���االت ال�سيا�سيّة واالقت�صاديّة والع�سكريّة والأمنيّة على‬ ‫الرغم من كل ما ي�شوب العالقات بني البلدين حالي ًا من �شوائب‪� ،‬إذ �أنّ‬ ‫تلك العالقة متنحها بطاقة دخول ر�سميّة �أخرى غري معاهدات ال�سّ الم‬ ‫العربيّة ‪ -‬الإ�سرائيليّة‪� ،‬إىل منطقة ال�شرق الأو�سط و�آ�سيا الو�سطى عرب‬ ‫دول���ة �إ�سالميّة‪ .‬كما �أنّ تعاونه���ا االقت�صادي مع تركيا �سيمنحها القدرة‬ ‫على طرح من���وذج لكيفيّة التعاون بني دول املنطق���ة‪� .‬إ�ضافة �إىل �سعيها‬ ‫ملواجه���ة ال���دول الإقليميّ���ة يف املنطقة وهي �إي���ران‪ ،‬و�سوري���ة‪ ،‬وم�صر‪،‬‬ ‫وال�سعودية التي قد حتاول ايجاد نوع من التوازن الإ�سرتاتيجي مع تركيا‬ ‫و�إ�سرائي���ل‪ .‬وتعل���ق ا�سرائيل �آما ًال من خالل توطي���د عالقتها مع تركيا‪،‬‬

‫عل���ى �أن تكون بوابة دخول لها �إىل ال���دّول الإ�سالميّة يف �آ�سيا الو�سطى‪،‬‬ ‫وبخا�صة الب�ت�رول‪ ،‬وذلك لأنّ تركيا‬ ‫ّ‬ ‫حي���ث املوارد االقت�صاديّ���ة الهامّة‪،‬‬ ‫تربطها بتلك الدول عالقات دينيّة وتاريخيّة وقوميّة وجوار جغرايف‪.‬‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية والإ�سرائيلية تتقن ف���ن الواقعية ال�سيا�سية‬ ‫والعم���ل على حمورين حتى ولو كان اجتاههم���ا الظاهر متعاك�ساً‪ ،‬حيث‬ ‫ال يت���م الدخ���ول يف لعبة �سيا�س���ة �أحادية االجتاه‪ ،‬بل يت���م االعتماد على‬ ‫الثنائي���ة القائمة عل���ى اجتاه رئي�سي للحركة املبا�ش���رة واجتاه فرعي �أو‬ ‫غري مبا�شر مرادف لبع�ض القوى الإقليمية �صاحبة القدرة على املناورة‬ ‫و�صاحبة امل�صلحة يف العمل ذاته‪.‬‬ ‫تطبيق ًا لهذا املبد�أ‪ ،‬ف�إن �إ�سرائيل والواليات املتحدة قد ال تريان خطر ًا‬ ‫�إ�سرتاتيجي��� ًا يف التح���رك الرتكي اجلديد يف ال�ش���رق الأو�سط وحتديد ًا‬ ‫باجت���اه �سورية و�إيران‪ ،‬والدخول املبا�شر على خط الق�ضية الفل�سطينية‬ ‫لإنت���اج تفاهم���ات �إ�سرتاتيجية معهما‪ ،‬وال يكون ه���ذا التحرك يف نهاية‬ ‫املط���اف خط���ر ًا �إ�سرتاتيجي ًا عل���ى كال الدولتني‪ .‬والتفاه���م الرتكي –‬ ‫الإي���راين ‪ -‬ال�س���وري ب�أبع���اده اللبناني���ة والفل�سطينية ق���د ي�شكل نافذة‬ ‫�آمن���ة للواليات املتحدة و�إ�سرائي���ل يف مرحلة متهيدي���ة وانتقالية نتيجة‬ ‫الوقائع امل�ستجدة يف املنطقة‪� ،‬سواء على �صعيد �إخفاق الواليات املتحدة‬ ‫يف الع���راق وافغان�ست���ان م���ن جهة‪� ،‬أو عل���ى �صعيد �إخف���اق �إ�سرائيل يف‬ ‫مواجهة املقاومة اللبنانية يف اجلن���وب اللبناين �أو املقاومة الفل�سطينية‬ ‫يف غ���زة‪ ،‬متهيد ًا لك�سب وقت حتتاج���ه �إ�سرائيل حتديد ًا من �أجل �إعادة‬ ‫ر�س���م وحتديد �إمكاناته���ا الع�سكرية وا�ستخال�ص الع�ب�ر من اخفاقاتها‬ ‫الع�سكرية‪.‬‬ ‫�إن الوالي���ات املتح���دة و�إ�سرائي���ل حري�صت���ان عل���ى عالقاتهم���ا‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة م���ع تركيا‪ ،‬والتح���رك الرتك���ي ونتائجه قد تق���دم لهما‬ ‫�أهداف ًا �إ�سرتاتيجية منها‪:‬‬ ‫‪� .1‬إقام���ة الت���وازن مع �إي���ران على م�س���رح امل�شرق العرب���ي‪ ،‬خا�صة من‬ ‫ب���اب دعم الق�ضية العربية يف فل�سطني حت���ى ال تبقى �إيران وحدها من‬ ‫ال���دول الإ�سالمي���ة ممُ �سك���ة بهذا امللف‪ ،‬م���ن حيث دع���م الفل�سطينيني‬ ‫ونق���د املواق���ف العربية العاج���زة يف مواجه���ة �إ�سرائيل‪ .‬فنج���اح تركيا‬ ‫يف �إقام���ة مثل هذا التوازن‪ ،‬و�ش���د انتباه الفل�سطني�ي�ن �إليها والإم�ساك‬ ‫بالورقة الفل�سطنية‪ ،‬وعدم ترك ال�ساحة الفل�سطينية خالية �أمام النفوذ‬ ‫الإي���راين‪ -‬رغم �أن هذا الطم���وح �أمامه عقبات كث�ي�رة‪� ،‬أقلها ما يت�أتى‬ ‫ع���ن الواقع اجلغ���رايف ووجود قوى مقاوم���ة �أ�سا�سية ال ميك���ن �أن تقدّم‬ ‫تركيا على �إيران‪ ،‬ولو كانت ال ترف�ض م�ساعدة الطرفني مع ًا – يعنى يف‬ ‫الأخري �أن �إيران �ستفقد ورقة تفاو�ضية مهمة تعتمد عليها لت�أكيد دورها‬ ‫الإقليم���ي يف مواجهة �أمريكا و�إ�سرائيل والغ���رب عموماً‪ ،‬وذلك ل�صالح‬

‫يف املنظور الإ�سرتاتيجي الإ�سرائيلي والأمريكي‪ ،‬ت�شكل تركيا ركن ًا ال ي�ستغنى عنه يف �أي �إ�سرتاتيجية تُعد‬ ‫لل�شرق الأو�سط‪ ،‬وحاجة‪ ‬يفر�ضها املوقع اجليو�سيا�سي لرتكيا من وجوهه الأ�سا�سية‪ ،‬خا�صة اجلغرافية‬ ‫ضال عن الع�سكرية‬ ‫والدميغرافية واالقت�صادية وال�سيا�سية ف� ً‬ ‫‪100‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫لتدعيم الدّ ور الإ�سرائيلي يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬ترى �إ�سرائيل �أنّ توطيد عالقاتها الإ�سرتاتيجيّة مع‬ ‫تركيا من �ش�أنه �أن يدعم دورها الإقليمي يف املجاالت ال�سيا�سيّة واالقت�صاديّة والع�سكريّة والأمنيّة‬ ‫على الرغم من كل ما ي�شوب العالقات بني البلدين حالي ًا من �شوائب‬ ‫تركيا – احلليف وال�صديق – الأكرث اعتداالً‪.‬‬ ‫‪ .2‬تق���دمي فر�ص���ة ل�سورية للتخفي���ف من اعتمادها عل���ى �إيران كحليف‬ ‫�إ�سرتاتيج���ي‪ ،‬وم���ن ث���مّ العمل على �إبع���اد البلدين ع���ن بع�ضهما‪ .‬وهذا‬ ‫املنط���ق تع ِوّل علي���ه �أطراف عدة ب�شكل بالغ‪ ،‬لأن���ه ي�شكل املدخل الفعلي‬ ‫لإراح���ة �إ�سرائي���ل‪ ،‬عرب ت�شتيت جبه���ات املقاومة املدعوم���ة من �إيران‪.‬‬ ‫ولكن‪ ‬يبقى دون ه���ذا الطموح الإ�سرتاتيجي عوائق ال يُ�ستهان بها‪ ،‬منها‬ ‫م���ا يع���ود‪� ‬إىل طبيع���ة العالقة ب�ي�ن �سورية و�إي���ران‪ ،‬ومنها م���ا يعود �إىل‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة ال�سورية التي ترى قوتها تكم���ن يف ذاتها وات�ساع مروحة‬ ‫تفاهماته���ا �أو حتالفاتها‪ ،‬الأم���ر ال���ذي مينعه���ا من الدخ���ول يف عملية‬ ‫اال�ستبدال ويدفعها يف عملية الرتاكم التحالفي‪.‬‬ ‫‪� .3‬إ�سرائي���ل ال ميكنه���ا يف ظ���ل الواقع احل���ايل اال�ستغن���اء �أو التفريط‬ ‫بعالقته���ا م���ع تركيا‪ ،‬ولذلك قد تك���ون م�ضطرة ملراع���اة بع�ض املواقف‬ ‫الرتكي���ة وتفهمها �صون��� ًا لهذه العالقة الإ�سرتاتيجي���ة‪ ،‬وهنا قد ت�ستفيد‬ ‫�أم�ي�ركا من الأم���ر لإن�شاء‪ ‬قوة‪� ‬ضغ���ط �إقليمي على �إ�سرائي���ل‪ ،‬دون �أن‬ ‫تت�سب���ب يف �إح���راج الإدارة �أم���ام الكونغر����س �أو الهيئ���ات االخرى التي‬ ‫تخ�ضع ب�شكل �أو ب�آخر ل�ضغط اللوبي اليهودي‪.‬‬ ‫فالوالي���ات املتحدة قادرة ل���و �شاءت ال�ضغط مبا�ش���رة على �إ�سرائيل‬ ‫لتدفعه���ا لفعل م���ا – كما ح�صل يف ع���ام ‪ 2006‬حني �ضغط���ت الواليات‬

‫املتح���دة عل���ى �إ�سرائيل م���ن خالل وزي���رة اخلارجي���ة الأمريكية كوندا‬ ‫لي���زا راي����س �آنذاك من �أجل ع���دم وقف عدوانها على لبن���ان‪ ،‬مما �أدى‬ ‫�إىل �إطال���ة �أم���د احل���رب مل���دة ‪ 33‬يوم��� ًا ‪ -‬لكنها‪ ‬ال تريد ذل���ك‪ ،‬حتى ال‬ ‫ت�ضع���ف �إ�سرائيل‪ ،‬ولكي ال تنك�شف �أكرث �أمام ال���دول العربية املتحالفة‬ ‫معها؛ ف�أم�ي�ركا تريد �إ�سرائيل القوية املنيعة ولك���ن املن�ضبطة نوع ًا ما‪.‬‬ ‫وق���د ي�أتي‪ ‬املوقف الرتك���ي يف هذا ال�سياق‪ ،‬وبتقاط���ع م�صالح مع جميع‬ ‫الأط���راف دون ا�ستثناء‪ .‬لهذا ق���د ي�أتي‪ ‬ال�ضغط الرتك���ي على �إ�سرائيل‬ ‫منح�ص���ر ًا يف ال�شكلي���ات واجلزئي���ات‪� ،‬أم���ا‬ ‫الق�ضية الفل�سطينية‬ ‫الأ�سا�سي���ات فل���ن تكون حم�ل�اً له حتى‬ ‫يف �ضوء ال�صعود الرتكي والإيراين‬ ‫التايل‬ ‫�إ�شع���ار �آخ���ر �أو حدوث تغ�ّيجرّ جذري يف‬ ‫بقلم‪ :‬ماجد كيايل‬ ‫املواقف الإ�سرتاتيجية الرتكية‪.‬‬ ‫امل�ؤكّد �أنّ هناك ت�آك ًال يف العالقات الإ�سرتاتيجيّة بني تركيا و�إ�سرائيل‪.‬‬ ‫ولك���نّ �إ�سرائي���ل ت���درك �أنّ تركي���ا م���ا زال���ت تعت�ب�ر �إ�سرائي���ل �شريك ًا‬ ‫�إ�سرتاتيجي��� ًا لها يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬و�أنّ هن���اك م�صاحل ًا �إ�سرتاتيجيّة‬ ‫قويّ���ة تربط بني البلدين‪ .‬ورغم خم���اوف �إ�سرائيل من التقارب الرتكي‬ ‫م���ع كل من �سورية و�إي���ران‪ ،‬ف�إنّها تراهن على عدم قيام تركيا مبراجعة‬ ‫عالقاتها الوثيقة ب�إ�سرائيل على الرغم من التوتر احلا�صل يف العالقات‬ ‫ب�ي�ن البلدين‪ ،‬حت���ى لو و�صل الأم���ر �إىل درجة تخفيف م�ست���وى التمثيل‬ ‫الدبلوما�سي �أو حتى لو مت جتميدها‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪101‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫من��ذ البداي��ة ارتبط��ت ق�ضية فل�سط�ين بق�ضايا ال�ص��راع الدويل والإقليم��ي على ال�ش��رق الأو�سط‪ ،‬وقد‬ ‫جتل��ى ذل��ك بتزامن «وعد بلف��ور» (الذي �أ�صدرته بريطانيا ع��ام ‪ 1917‬ويق�ضي مبنح اليه��ود وطن ًا قومي ًا‬ ‫له��م يف فل�سط�ين)‪ ،‬بالتزامن مع اتفاقية «�سايك�س ‪ -‬بيكو» (التي جرى مبقت�ضاها جتزئة امل�شرق العربي‪،‬‬ ‫وتقا�سم��ه بني الدولتني اال�ستعماريتني بريطانيا وفرن�سا بعيد انتهاء احلرب العاملية الأوىل)‪ .‬بعد ذلك‬ ‫�أدت نتائ��ج احل��رب العاملي��ة الثاني��ة �إىل انح�سار نفوذ ال��دول اال�ستعماري��ة يف ال�شرق الأو�س��ط‪ ،‬ل�صالح‬ ‫الوالي��ات املتح��دة الأمريكية‪ ،‬وقد جنم ع��ن ت�سويات هذه احلرب نيل معظم ال��دول العربية ا�ستقاللها‪،‬‬ ‫وقيام دولة �إ�سرائيل (‪)1948‬؛ على ح�ساب ال�شعب الفل�سطيني و�أر�ضه‪.‬‬

‫نقطة‬ ‫حتوّل؟‬

‫ق�ضية فل�سطني‬ ‫يف �ضوء �صعود‬ ‫الدورين الإيراين‬ ‫والرتكي‬ ‫ماجد كيايل‬

‫‪mkayali@scs-net.org‬‬

‫ومن���ذ عق���د اخلم�سيني���ات �إىل الثمانيني���ات مت ربط ق�ضي���ة فل�سطني‬ ‫ب�صراع���ات احلرب الباردة وباالنق�سام الدويل والإقليمي‪ ،‬بني القطبني‬ ‫الدوليني (الواليات املتحدة الأمريكية واالحتاد ال�سوفييتي)‪ .‬لكن انهيار‬ ‫االحتاد ال�سوفييتي (مطلع عق���د الت�سعينيات)‪ ،‬مكّن الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫الت���ي بات���ت مبثاب���ة القطب الأوح���د املهيمن عل���ى ال�صعيدي���ن الدويل‬ ‫والإقليمي‪ ،‬من طرح م�شاريع لتغيري �صورة املنطقة‪ ،‬يتمثل �أهمها ب�إقامة‬ ‫“نظام �شرق �أو�سطي جديد”‪ ،‬قوامه حل الق�ضية الفل�سطينية وت�سوية‬ ‫ال�ص���راع العربي ـ الإ�سرائيل���ي‪ ،‬و�إقامة منظومة عالق���ات تعاون ثنائي‬ ‫وجماع���ي‪ ،‬ب�ي�ن �إ�سرائيل وال���دول العربي���ة؛ وغريها من ال���دول ال�شرق‬ ‫�أو�سطية (خا�صة تركيا)‪.‬‬ ‫ويف العق���د الأول م���ن الق���رن احل���ادي والع�شري���ن ج���رى الربط بني‬ ‫احلرب الدولية على الإرهاب‪ ،‬التي بد�أت بعيد حدث ‪� 11‬أيلول‪�/‬سبتمرب‬

‫‪102‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪( 2001‬يف نيوي���ورك ووا�شنطن)‪ ،‬وبني تعزيز مكانة �إ�سرائيل يف ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪ ،‬بغ�ض النظر عن الت�سوية (عهد بو�ش االبن)‪ .‬ويف هذه املرحلة‬ ‫احتل���ت الواليات املتحدة �أفغان�ستان (‪ )2002‬والعراق (‪ ،)2003‬ما �أتاح‬ ‫لإ�سرائي���ل‪ ،‬يف هذه املناخ���ات‪ ،‬تقوي�ض الت�سوية م���ع الفل�سطينيني؛ عرب‬ ‫معاودته���ا احتالل مناطق ال�سلط���ة‪ ،‬وحما�صرتها للرئي�س يا�سر عرفات‬ ‫(�إىل حني وفاته �أواخر العام ‪.)2004‬‬ ‫لك���ن نتيجة هذه التطورات مل ت����أت على قدر توقعات الواليات املتحدة‬ ‫(ومعه���ا �إ�سرائي���ل)‪� ،‬إذ �أن احت�ل�ال العراق‪ ،‬وتقوي�ض عملي���ة الت�سوية‪،‬‬ ‫دعّ م نفوذ قوى الإ�سالم ال�سيا�سي امل�سلحة (حزب اهلل يف لبنان‪ ،‬وحركة‬ ‫حما����س يف فل�سطني‪ ،‬وجماعات املقاومة امل�سلحة يف العراق)‪ ،‬وذلك يف‬ ‫مقابل انح�سار نفوذ ما ي�سمى بالقوى “املعتدلة” يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫لك���ن النتائج الأه���م لهذه التط���ورات متثلت بظهور قطب�ي�ن �إقليميني‬ ‫ماجد كيايل باحث وكاتب فل�سطيني مقيم يف �سورية‪.‬‬

‫�صاعدي���ن (�أي �إي���ران وتركيا)‪ .‬فمنذ منت�صف العق���د الأول من القرن‬ ‫احل���ايل مل يعد بالإمكان التعاطي مع الق�ضية الفل�سطينية‪� ،‬أو مع ق�ضية‬ ‫ال�ص���راع �ضد �إ�سرائيل‪ ،‬مبعزل عن التفاع�ل�ات الإقليمية‪ ،‬والإقليمية ‪-‬‬ ‫الدولي���ة‪ ،‬الناجمة عن �صعود مكانة �إي���ران وتركيا يف تقرير ال�سيا�سات‬ ‫واخلرائط ال�سيا�سية يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬

‫تفاع�لات الق��وى يف ال�ش��رق الأو�سط‬ ‫بديهي‬ ‫�أن ثم���ة �أ�سباب��� ًا متعددة �أدت �إىل تزايد نفوذ �إي���ران‪ ،‬ومن ثمّ تركيا‪ ،‬يف‬ ‫الت�أث�ي�ر عل���ى �سري الأح���داث يف املنطقة‪ ،‬وحتديد ًا م���ن مدخل الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية‪� ،‬أهمها‪:‬‬ ‫�أوالً‪ ،‬تراج���ع مكان���ة الواليات املتح���دة يف ال�شرق الأو�س���ط‪ ،‬بعد تعرث‬ ‫م�شروعها يف العراق (لأ�سباب خمتلفة)‪ .‬وال �شك ب�أن هذا الرتاجع �أدى‬ ‫�إىل زيادة قدرة الفاعلني الإقليميني على التدخل يف �ش�ؤون املنطقة‪ ،‬من‬

‫العراق �إىل فل�سطني مرور ًا ب�سورية ولبنان‪.‬‬ ‫ثاني���اً‪ ،‬ت�أثّر �إ�سرائيل م���ن تعثرّ الرتتيبات الأمريكي���ة يف العراق‪ ،‬ومن‬ ‫تراجع مكانة الواليات املتح���دة يف املنطقة‪ ،‬وقد انعك�س ذلك �سلب ًا على‬ ‫�صورته���ا كدولة رادعة‪ ،‬وعلى مكانتها كدولة �إقليمية قوية‪ ،‬بعد �أن باتت‬ ‫مبثابة دولة تواجهها التحديات من ال�شمال (حزب اهلل)‪ ،‬ومن اجلنوب‬ ‫(حرك���ة حما����س)‪ ،‬كما من جهة تنام���ي نفوذ �إيران يف الع���راق ولبنان‬ ‫وعم���وم املنطقة‪ .‬وقد تر�سّ خ هذا الواق���ع مع عجز �إ�سرائيل عن مواجهة‬ ‫امل�شروع النووي الإيراين‪ ،‬ومع ت�صدّع عالقاتها مع الدولة الرتكية‪.‬‬ ‫ثالث���اً‪� ،‬إن مفاعي���ل ال�ص���راع العرب���ي ‪ -‬الإ�سرائيل���ي‪ ،‬وتع�ث�ر م�سرية‬ ‫الت�سوي���ة‪ ،‬نتيجة متل�ص �إ�سرائيل م���ن اال�ستحقاقات املطلوبة منها‪ ،‬بدا‬ ‫وك�أنه املدخل الأمثل‪ ،‬والأكرث �شعبية‪ ،‬لكل من �إيران (الداعمة ملنظمات‬ ‫املقاوم���ة امل�سلحة) وتركيا (الت���ي ت�سعى لتعزيز مكانته���ا الإقليمية من‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪103‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫املدخ���ل االقت�ص���ادي كما من مدخ���ل الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة)‪ ،‬لتعزيز‬ ‫نفوذهما يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬و�إن بو�سائل وخطابات خمتلفة‪.‬‬ ‫رابعاً‪ ،‬ال�شك ب�أن �ضع���ف النظام الر�سمي العربي‪ ،‬وافتقاده لفاعليته‪،‬‬ ‫وت�ض���ارب توجهات الوحدات ال�سيا�سية املكونة له‪� ،‬أدى �إىل حدوث فراغ‬ ‫�سيا�سي كبري يف املنطقة‪ ،‬ما �أدى �إىل زيادة نهم الدول املجاورة (�إيران‬ ‫وتركيا) لتعزيز �سيا�ستهما التدخلية يف �ش�ؤون ال�شرق الأو�سط‪ ،‬بدواعي‬ ‫ال�سيا�سة والتاريخ والدين‪� ،‬أو بدواعي الأمن واالقت�صاد واجلوار‪� ،‬أو بكل‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫�إي��ران وفل�سط�ين‬ ‫من���ذ قيامه���ا‬ ‫(�أواخ���ر عق���د ال�سبعينيات) ربط���ت جمهوري���ة �إي���ران الإ�سالمية بني‬ ‫م�شروعه���ا “الثوري” الإ�سالم���ي وق�ضية فل�سط�ي�ن‪ ،‬فدعمت الف�صائل‬ ‫الفل�سطيني���ة‪ ،‬و�أ�س�س���ت ح���زب اهلل يف لبنان‪ ،‬ما �أتاح له���ا دور ًا يف �إطار‬ ‫ال�ص���راع �ضد �إ�سرائيل‪ .‬لك���ن نفوذها بد�أ بالت�صاع���د كثري ًا مع �سقوط‬ ‫نظ���ام �صدام ح�سني‪ ،‬ويف مناخات االحتالل الأمريكي للعراق (‪.)2003‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬ف����إن �إدراك �إ�سرائيل (ومعها الواليات املتحدة) خلطر �إيران‬ ‫عليه���ا مل ي�ب�رز �إال مع �إخفاق حربه���ا على لبن���ان (‪ ،)2006‬وا�ستع�صاء‬ ‫قدرتها على �إ�ضع���اف حما�س‪ ،‬يف احلرب التي �شنتها على غزة (�أواخر‬ ‫الع���ام ‪ ،)2008‬وقد بات الأمر �أكرث تعقي���د ًا بالن�سبة لها مع �سعي �إيران‬ ‫للح�ص���ول على الطاقة النووية‪ .‬وبح�س���ب بن ك�سبيت‪ ،‬فقد “حوّلت هذه‬ ‫احل���رب (�أي ح���رب لبنان) ق���وة �إيران ملكانة قوة عظم���ى يف املنطقة”‬ ‫(معاريف ‪.)2006/12/8‬‬

‫التي ا�ستفادت من ذلك كثرياً؛ �إىل حد �أن هذا الدعم رمبا يف�سر �صمود‬ ‫حما�س‪ ،‬يف هيمنتها على قطاع غ���زة‪ ،‬وممانعتها اجلهود العربية لر�أب‬ ‫ال�صدع‪ ،‬و�ضمن ذلك حتفظها على ورقة امل�صاحلة امل�صرية‪.‬‬ ‫وق���د و�صل���ت التفاع�ل�ات الإقليمية الإيراني���ة ‪ -‬ال�ش���رق �أو�سطية ح ّد‬ ‫احلدي���ث ع���ن حتال���ف رباعي �إي���راين‪� ،‬س���وري‪� ،‬إىل جان���ب حزب اهلل‬ ‫وحرك���ة حما����س (وثمة م���ن ي�ضيف تركي���ا)‪ .‬وكان �إيت���ان هابر (مدير‬ ‫مكتب رابني �سابق���اً) قد ر�صد هذا الو�ضع بقوله‪“ :‬نالحظ بوادر حلف‬ ‫‪ ..‬ينعق���د بني �إيران‪� ،‬سورية وتركيا ‪ ..‬حلف كهذا‪� ،‬إذا ما خرج �إىل حيز‬ ‫التنفي���ذ‪ ،‬يغري متام ًا ميزان القوى يف �ساح���ة ال�شرق الأو�سط‪ ،‬ولي�س يف‬ ‫�صالح �إ�سرائيل” (“يديعوت �أحرونوت”‪.)2/28 ،‬‬ ‫وي�ستنتج من ذلك �أن �إيران باتت حا�ضرة بقوة يف قلب ق�ضية فل�سطني‪،‬‬ ‫ويف مع���ادالت ال�ص���راع العرب���ي ‪ -‬الإ�سرائيلي‪ ،‬ب�سعيه���ا لإ�ضعاف نفوذ‬ ‫الوالي���ات املتح���دة يف املنطقة (والعراق خ�صو�ص���اً)‪ ،‬ودعمها ملنظمات‬ ‫املقاوم���ة الإ�سالمية امل�سلح���ة يف لبنان وفل�سط�ي�ن‪ ،‬ومبحاوالتها ت�شكيل‬ ‫واق���ع �إقليم���ي جديد مناه����ض لإ�سرائي���ل‪ ،‬بالتعاون مع �سوري���ا وتركيا‪،‬‬ ‫و�أي�ض��� ًا ب�سعيها لك�س���ر االحتكار الن���ووي الإ�سرائيل���ي‪ ،‬وتقوي�ض �صورة‬ ‫�إ�سرائيل كدولة رادعة‪.‬‬

‫املداخالت الرتكية ‪ -‬الفل�سطينية‬ ‫على خالف‬ ‫املداخ�ل�ات الإيرانية يف جمال الق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬والتي تركزت على‬ ‫مناه�ضة عملي���ة الت�سوية‪ ،‬ودع���م منظمات املقاومة امل�سلح���ة‪ ،‬ومناو�أة‬

‫ويف كل الأح���وال‪ ،‬ف�إن ه���ذه احلرب‬ ‫�أظهرت �إيران مبثابة تهديد لإ�سرائيل‪ ،‬ت�صاع��د دور القوى الإقليمية (�إيران وتركيا)‪ ،‬والذي ي�أتي على ح�ساب النظام‬ ‫ولوجوده���ا‪ ،‬ال�سيم���ا م���ع م�شروعه���ا العرب��ي‪ ،‬ي�أت��ي �أي�ض ًا على ح�ساب النفوذ الإ�سرائيل��ي‪ ،‬يف ال�شرق الأو�سط‪ .‬الأمر‬ ‫الن���ووي‪ ،‬الأمر ال���ذي مل تخفه القيادة ال��ذي ي�ؤ�شر �إىل ت�ضا�ؤل ال��دور الإ�سرائيلي يف تقرير م�ستقبل املنطقة‪ ،‬وهو �أمر‬ ‫الإيراني���ة‪ ،‬و�ضمنها الرئي����س �أحمدي يف غاي��ة الأهمية ب�ش�أن تعزيز الإدراك ال��دويل لأهمية جلم �إ�سرائيل‪ ،‬ومتكني‬ ‫جن���اد الذي قال يف �أح���د ت�صريحاته‪ :‬الفل�سطينيني من حقوقهم‬ ‫“نريد �شرق �أو�س���ط جديد‪ ،‬ال وجود‬ ‫فيه لل�صهاينة والأمريكيني” (احلياة‪،‬‬ ‫النظ���ام العربي‪ ،‬ف����إن تركيا اهتمت بتعزيز دوره���ا ال�شرق �أو�سطي من‬ ‫‪ .)2006/8/16‬ف���وق ذلك‪ ،‬فقد بدت �إي���ران وك�أنها حترّ�ض على النظام مدخ���ل الإ�سهام يف عملية الت�سوية‪ ،‬وبالتعاون مع جممل الدول العربية‪،‬‬ ‫العرب���ي ال�سائ���د‪ ،‬بدعوى خنوعه �أم���ام �إ�سرائي���ل‪ ،‬وخ�ضوعه المالءات وبالرتكيز على البعد االقت�صادي‪.‬‬ ‫الوالي���ات املتح���دة‪ ،‬ما مو�ضعه���ا يف مواجه���ة النظام العرب���ي ال�سائد‪،‬‬ ‫ورمب���ا �أن تركيا‪ ،‬بزعامة حزب العدالة والتنمية‪� ،‬أقلقها تزايد النفوذ‬ ‫وبال�ضد من توجهاته ال�سيا�سية ب�ش����أن حل ال�صراع العربي الإ�سرائيلي‬ ‫الإي���راين يف املنطق���ة‪ ،‬خا�صة �أن ه���ذا الدور ميكن �أن ي����ؤدي �إىل تزايد‬ ‫(وفق املبادرة العربية لل�سالم)‪.‬‬ ‫نف���وذ الإ�س�ل�ام “ال�شيعي” يف ال�ش���رق الأو�سط‪ ،‬على ح�س���اب الإ�سالم‬ ‫وعل���ى ال�صعي���د الفل�سطين���ي‪ ،‬ان�شغل���ت �إي���ران مبن���او�أة ال�سلط���ة “ال�سن���ي”‪ ،‬يف منطق���ة مفتوحة عل���ى االنتماءات القبلي���ة (الطائفية‬ ‫الفل�سطيني���ة‪ ،‬متهم���ة �إياه���ا باال�ست�س�ل�ام‪ ،‬واالع�ت�راف ب�إ�سرائيل‪ ،‬يف واملذهبي���ة واالثني���ة والع�شائري���ة)‪ .‬كذل���ك رمب���ا �أن تركي���ا �أقلقته���ا‬ ‫حني �إنها حم�ضت دعمها ال�سيا�س���ي واملادي والع�سكري لقوى املعار�ضة التوجه���ات ال�سيا�سي���ة الراديكالية لإيران‪ ،‬يف دعمه���ا لتيارات الإ�سالم‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬وال�سيما حلركة حما�س (ومعها حركة اجلهاد الإ�سالمي)‪ ،‬ال�سيا�س���ي امل�سل���ح‪ ،‬ومناه�ضته���ا للنظام العرب���ي‪ ،‬ما ميك���ن �أن ي�سهم‬ ‫‪104‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫مفاعيل ال�ص��راع العرب��ي ‪ -‬الإ�سرائيلي‪،‬‬ ‫وتع�ثر م�س�يرة الت�سوي��ة‪ ،‬نتيج��ة متل�ص‬ ‫�إ�سرائي��ل م��ن اال�ستحقاق��ات املطلوب��ة‬ ‫منها‪ ،‬بدا وك�أن��ه املدخل الأمثل‪ ،‬والأكرث‬ ‫�شعبي��ة‪ ،‬ل��كل من �إي��ران وتركي��ا لتعزيز‬ ‫نفوذهما يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬و�إن بو�سائل‬ ‫وخطابات خمتلفة‬ ‫بتقوي����ض اال�ستقرار يف املنطقة (يف جوار تركيا)‪ ،‬وب�إ�ضعاف العالقات‬ ‫االقت�صادي���ة الرتكي���ة ‪ -‬العربية‪ ،‬الأم���ر الذي ي�ؤثر �سلب��� ًا يف حماوالت‬ ‫النهو�ض االقت�صادي لرتكيا‪.‬‬ ‫وكان���ت بداية دخ���ول تركيا على خط ال�صراع العرب���ي ‪ -‬الإ�سرائيلي‪،‬‬ ‫متثل���ت بتدعيم عالقاته���ا مع �سوري���ة‪ ،‬وا�ضطالعها ب���دور الو�سيط يف‬ ‫مفاو�ضات الت�سوية الإ�سرائيلية ‪ -‬ال�سورية‪ ،‬غري املبا�شرة‪ .‬لكن “الرياح‬ ‫مل جت���رِ كما ت�شتهي ال�سفن”‪� ،‬إذ �أعاق���ت �إ�سرائيل هذه املفاو�ضات‪ ،‬بل‬ ‫�إنه���ا قامت‪� ،‬أي�ضاً‪ ،‬ب�شن حرب مدمرة على قطاع غزة (‪،)2009-2008‬‬ ‫وهو الأمر الذي عدته القيادة الرتكية ا�ستغفا ًال لها‪.‬‬ ‫هك���ذا اعتربت تلك احل���رب مبثابة ال�شرارة الت���ي �أ�شعلت احلريق يف‬ ‫العالق���ات الرتكي���ة ‪ -‬الإ�سرائيلي���ة‪ .‬فبعد هذه احل���رب ح�صلت م�شادة‬ ‫بني رئي����س الوزراء الرتكي رجب طيب �أردوغ���ان‪ ،‬والرئي�س الإ�سرائيلي‬ ‫�شمعون بريي���ز‪ ،‬يف �إطار ندوة ملنتدى “دافو����س” (كانون الثاين‪/‬يناير‬ ‫‪ ،)2009‬على خلفية احلرب الإ�سرائيلية على غزة‪ .‬و�إثرها اتخذت تركيا‬ ‫ع���دد ًا من الإجراءات‪ ،‬من �ضمنها �إلغاء مترينات ع�سكرية م�شرتكة بني‬ ‫اجلي�ش�ي�ن الرتك���ي والإ�سرائيلي‪ ،‬وزي���ادة االهتم���ام الإعالمي يف تركيا‬ ‫بالق�ضي���ة الفل�سطيني���ة‪ ،‬وو�صل الأمر ح���د �إنتاج م�سل�س�ل�ات تلفزيونية‬ ‫ح���ول هذه الق�ضية‪ ،‬ما �أغ�ضب �إ�سرائيل‪ .‬وقد عزز الغ�ضب الرتكي قيام‬

‫نائ���ب وزير اخلارجية الإ�سرائيلية ب�إهان���ة ال�سفري الرتكي (فيما عُ رِ ف‬ ‫بحادث���ة الكر�سي‪ ،‬كان���ون الثاين‪/‬يناير ‪ .)2010‬بع���د ذلك قامت تركيا‬ ‫بحرك���ة الفتة متثلت باالتف���اق الثالثي الرتك���ي ‪ -‬الربازيلي ‪ -‬الإيراين‬ ‫(�أيار‪/‬ماي���و ‪ )2010‬عل���ى �إيج���اد حل للمل���ف النووي الإي���راين‪ ،‬بتبادل‬ ‫املخ�صب يف تركيا‪ ،‬ما فهم ب�أنه حماولة تركية لتجنيب �إيران‬ ‫اليورانيوم ّ‬ ‫العقوب���ات الدولي���ة‪ .‬وقد تفاقم الأم���ر بعد تنظيم جه���ات تركية لقافلة‬ ‫“�سف���ن احلري���ة”‪� ،‬ضمن حملة لرفع احل�صار عن غزة‪ ،‬والتي قامت‬ ‫�إ�سرائي���ل باالعتداء عليها عنوة‪ ،‬م���ا �أدى �إىل م�صرع ت�سعة من الأتراك‬ ‫امل�شارك�ي�ن فيها (حزيران‪/‬يونيو ‪)2010‬؛ الأم���ر الذي �أدى �إىل ح�صول‬ ‫جتاذب �سيا�سي و�إعالمي كبري ي�ؤ�شر على ت�صدّع العالقات الإ�سرائيلية‬ ‫ الرتكية‪.‬‬‫ويف ظل هذه الأو�ضاع‪� ،‬شهد العامل العربي موجة تعاطف غري م�سبوقة‬ ‫مع تركيا‪ ،‬ومع خطابها املنا�صر للفل�سطينيني‪ ،‬واملناه�ض لإ�سرائيل‪ ،‬وال‬ ‫يخف���ى على �أحد �أن ه���ذا التعاطف هو انعكا�س لغي���اب النظام العربي‪،‬‬ ‫كم���ا �أنه يعك�س نوع ًا من حاجة الإ�س�ل�ام ال�سني لإيجاد معادل لل�سيا�سة‬ ‫الإيرانية يف املنطقة‪.‬‬ ‫وبديه���ي ف�إن �إ�سرائيل ر�أت يف التوجه���ات الرتكية ما يقلقها‪ ،‬وبح�سب‬ ‫غ���ي بخور‪“ :‬احلكم احلايل تقرّب ج���د ًا من دول حمور ال�شر‪ ..‬حمظور‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪105‬‬


‫املحـــور‬

‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫على ال���دول الغربية جتاهل ذل���ك‪ ..‬هذه تركيا �أخ���رى‪� ..‬سيتعينّ عليها‬ ‫�أن تدف���ع الثمن” (يديعوت �أحرون���وت‪ .)1/14 ،‬وثمة �أو�ساط �إ�سرائيلية‬ ‫اعتربت �أردوغان مبثابة “م�صيبة �إ�سرتاتيجية‪� ..‬أحمدي جناد الثاين‪..‬‬ ‫يري���د �أن يدخل التاريخ كمن‪� ..‬أع���اد الإمرباطورية الرتكية �إىل عهدها‬ ‫املزده���ر‪ ..‬على ظهرن���ا‪ ..‬يف الطريق �إىل مكانة �ص�ل�اح الدين‪� ،‬أو على‬ ‫الأقل جمال عبد النا�صر اجلديد” (بن ك�سبيت‪“ ،‬معاريف”‪.)6/6 ،‬‬ ‫وي�ؤ�ش���ر ت�ص���دع العالق���ات الرتكي���ة ‪ -‬الإ�سرائيلي���ة على تغ�ّيلرّ البيئة‬ ‫الإ�سرتاتيجية املحيطة ب�إ�سرائيل‪ ،‬التي كانت خ�سرت �إيران (قبل ثالثة‬ ‫عقود)‪ ،‬م���ا يعني بقا�ؤه���ا وحيدة يف حميط مع���ادي وم�ضطرب وخطر‬ ‫عليه���ا‪ .‬وم�شكلة �إ�سرائيل مع تركيا تختل���ف عن �إيران‪ ،‬فرتكيا جزء من‬ ‫الع���امل املعتدل‪ ،‬وع�ض���و يف حلف الأطل�سي‪ ،‬وتتمت���ع بعالقات وطيدة مع‬ ‫الوالي���ات املتحدة‪ ،‬وتطمح لع�ضوي���ة االحتاد الأوروب���ي‪ .‬وما يزيد حرج‬ ‫�إ�سرائي���ل �أن تركيا تواجهه���ا �ضمن حدود ال�شرعي���ة الدولية‪ ،‬وبو�سائل‬ ‫�سلمي���ة ومدنية‪ ،‬وهي تتبنى رفع الظلم املُحيق بالفل�سطينيني‪ ،‬وال تنادي‬ ‫ب�إزال���ة �إ�سرائيل‪ .‬وم�شكلة �إ�سرائيل �أن تركي���ا تناطحها على مكانتها يف‬ ‫ال�ش���رق الأو�سط يف املج���االت‪ :‬ال�سيا�سية والأمني���ة واالقت�صادية‪ ،‬و�أنها‬ ‫متتل���ك مقومات ذلك‪ ،‬وحتى �إنها رمبا حتظى على ر�ضى العامل الغربي‬ ‫به���ذا املجال‪ ،‬بعد �أن بات���ت �إ�سرائيل مبثابة عبء على الغرب‪ ،‬ولتحقيق‬ ‫توازن يف املوقف الأوروبي �إزاء العامل الإ�سالمي‪.‬‬

‫ق�ضية مرتهنة لل�صراعات الدولية والإقليمية‬

‫م���ن كل املعطيات املتعلقة بالتفاعالت بني الق���وى الدولية والإقليمية‪،‬‬ ‫حول ق�ضية فل�سطني‪ ،‬ميكن التو�صل �إىل اال�ستنتاجات التالية‪:‬‬ ‫‪� .1‬إن م�ص�ي�ر الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة ل���ن يتح���دد بنا ًء على م���ا يريده‬ ‫الطرف���ان املبا�ش���ران (�إ�سرائي���ل والفل�سطيني�ي�ن)‪ ،‬و�إمن���ا ه���ي بات���ت‬ ‫مرتبط���ة‪ ،‬و�إىل ح���د كب�ي�ر‪ ،‬بالرتتيب���ات امل�ستقبلية يف منطق���ة ال�شرق‬ ‫الأو�س���ط‪ .‬ومبعن���ى �آخر‪ ،‬ف�إن م�صري عملية الت�سوي���ة �سيتحدد بنا ًء على‬ ‫م�آالت ال�صراع اجلاري بني الواليات املتحدة و�إ�سرائيل من جهة‪ ،‬و�إيران‬ ‫من اجلهة الأخ���رى (بالن�سبة لدورها الإقليم���ي‪ ،‬وحيازتها لقوة نووية‪،‬‬ ‫ودعمها منظمات املقاومة امل�سلحة يف لبنان وفل�سطني)‪ ،‬كما على كيفية‬ ‫حل هذا ال�صراع (بالو�سائل ال�سيا�سية �أم الع�سكرية)‪.‬‬ ‫‪ .2‬بن���اء عل���ى النقط���ة الأوىل ميك���ن القول ب����أن ت�صاع���د دور القوى‬ ‫الإقليمي���ة (�إيران وتركيا)‪ ،‬وال���ذي ي�أتي على ح�س���اب النظام العربي‪،‬‬ ‫ي�أت���ي �أي�ض ًا على ح�ساب النفوذ الإ�سرائيل���ي‪ ،‬يف ال�شرق الأو�سط‪ .‬الأمر‬ ‫الذي ي�ؤ�ش���ر �إىل ت�ضا�ؤل الدور الإ�سرائيل���ي يف تقرير م�ستقبل املنطقة‪،‬‬ ‫وه���و �أمر يف غاي���ة الأهمية ب�ش����أن تعزيز الإدراك ال���دويل لأهمية جلم‬ ‫�إ�سرائيل‪ ،‬ومتكني الفل�سطينيني م���ن حقوقهم‪ ،‬التي �أُ ِقرّت لهم‪ ،‬بح�سب‬ ‫ق���رارات ال�شرعي���ة الدولي���ة (على الأق���ل)‪ .‬وقد �شهدنا ب���وادر ذلك يف‬

‫‪106‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫رمبا ت�شهد املرحلة املقبلة نوع ًا من التجاذب الإقليمي‬ ‫بني الدورين الإي��راين والرتكي‪� ،‬إذ ال يخفى �أن ثمة‬ ‫م�صال��ح ور�ؤى مت�ضاربة بني الدولتني‪ ،‬وهذا الت�ضارب‬ ‫ميك��ن �أن ي�ؤث��ر‪� ،‬سلب�� ًا �أو �إيجاباً‪ ،‬يف النظ��ام العربي‪،‬‬ ‫كما عل��ى التجاذب��ات الدولية ‪ -‬الإقليمي��ة الرامية‬ ‫لإيجاد حل للق�ضية الفل�سطينية‬

‫ق�ضيــــة العـــدد‬

‫رف����ض معظم حكومات (وجمتمع���ات �أوروبا) لل�سيا�س���ات الإ�سرائيلية‪،‬‬ ‫ويف اعتبار عديد من ق���ادة الواليات املتحدة الأمريكية (على امل�ستويني‬ ‫ال�سيا�س���ي والع�سكري) ب�أن �سيا�سات �إ�سرائيل املناه�ضة لعملية الت�سوية‬ ‫ت�ضر بالأمن القوم���ي الأمريكي‪ ،‬وتغذي نفوذ �إيران والقوى الراديكالية‬ ‫يف املنطقة‪.‬‬ ‫‪ .3‬رمبا ت�شهد املرحلة املقبلة نوع ًا من التجاذب الإقليمي بني الدورين‬ ‫الإي���راين والرتك���ي‪� ،‬إذ ال يخف���ى �أن ثم���ة م�صال���ح ور�ؤى مت�ضاربة بني‬ ‫الدولت�ي�ن‪ ،‬وهذا الت�ضارب ميك���ن �أن ي�ؤثر‪� ،‬سلب��� ًا �أو �إيجاباً‪ ،‬يف النظام‬ ‫العرب���ي‪ ،‬كما على التجاذب���ات الدولية ‪ -‬الإقليمي���ة الرامية لإيجاد حل‬ ‫للق�ضية الفل�سطينية‪.‬‬ ‫‪ .4‬يف �سيناري���و �آخ���ر‪ ،‬وعل���ى �ضوء ا�ستع�ص���اء الت�سوي���ة الفل�سطينية‪،‬‬ ‫بحكم الت�شدد الإ�سرائيلي‪ ،‬ثمة حماوالت دولية و�إقليمية وعربية لإدماج‬ ‫�سوري���ا يف عملية الت�سوية‪ ،‬لتعومي عملية الت�سوي���ة‪ ،‬ويف �إطار حماوالتها‬ ‫عزل �إيران‪ .‬هكذا ميكن �أن تكون �سوريا هي املخرج‪ ،‬بعد �أن باتت مبثابة‬ ‫عقدة احلل والربط ملختلف �أزمات املنطقة‪ .‬وميكن �أن ن�شري هنا �إىل ما‬ ‫كتب���ه مارتن �أنديك‪ ،‬م�ؤخراً‪ ،‬يف �صحيف���ة نيويورك تاميز (‪ ،)4/21‬وجاء‬ ‫فيه���ا الت���ايل‪“ :‬يف الوقت الراهن‪ ،‬ال يوجد �شيء م���ن املمكن �أن ي�ساعد‬ ‫�أوباما‪� ..‬أف�ضل من عر�ض نتنياهو التنازل عن اجلوالن‪ ..‬مقابل ال�سالم‬ ‫مع �سورية”‪.‬‬ ‫‪ .5‬م���ن ذل���ك يت�ضح ب����أن الفل�سطيني�ي�ن مل يعد لهم ح���ول وال قوة يف‬ ‫التجاذب���ات الدائ���رة حالياً‪ ،‬بع���د �أن خمدت االنتفا�ض���ة واملقاومة (يف‬ ‫ال�ضفة وغزة)‪ ،‬وبعد �أن �أخفق خيار املفاو�ضات‪ ،‬وبحكم حالة االختالف‬ ‫واالحرتاب واالنق�سام احلا�صلة يف ال�ساحة الفل�سطينية‪.‬‬ ‫هك���ذا ميكن القول‪ ،‬ومع ه���ذه التطورات والتح���والت‪ ،‬بالن�سبة لأدوار‬ ‫الفاعل�ي�ن الدوليني والإقليميني يف املنطقة‪ ،‬ب����أن تاريخ ال�صراع العربي‬ ‫ الإ�سرائيل���ي‪ ،‬ويف القل���ب منه ق�ضية فل�سطني‪ ،‬ب���ات عند عتبة معينة‪،‬‬‫ولك���ن اجتياز هذه العتبة يحتاج‪ ،‬ب�شكل �أكرب‪� ،‬إما �إىل ح�سم ال�صراعات‬ ‫والتجاذبات الدائرة بني القوى الدولية والإقليمية يف ال�صراع على �شكل‬ ‫ال�شرق الأو�سط‪� ،‬أو ا�ستعادة النظام العربي لفعاليته ووحدة موقفه‪.‬‬

‫طريق الإرهاب‪:‬‬

‫ملاذا ين�ضم ال�شباب‬ ‫�إىل تنظيم القاعدة؟‬ ‫جون م‪« .‬مات» فينهو�س‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪107‬‬


‫املحــور‬

‫طريق الإرهاب‬

‫ملاذا ين�ضم ال�شباب‬ ‫�إىل تنظيم القاعــدة؟‬ ‫جون م‪« .‬مات» فينهو�س‬

‫عل���ى �صفحات �أحد منتديات الإنرتنت كتب عمر فاروق عبد املطلب‪ ،‬الذي �أخفى املتفجرات حتت‬ ‫مالب�سه الداخلية‪ ،‬قائالً‪“ :‬لي�س لدي �صديق‪ ،‬وال من �أحتدث �إليه و�أ�ست�شريه ويدعمني‪ ،‬ف�أنا �أ�شعر‬ ‫باالكتئ���اب والوح���دة‪ ،‬وال �أدري ماذا �أفعل”‪� .‬إن م�شاع���ره هذه هي م�شاعر ال�شاب املنعزل الذي‬ ‫يج���د طريق���ه �إىل مواقع احل���وار والدرد�شة على الإنرتن���ت (ت�ش���ات روم) �أو التجمعات الطالبية‬ ‫املحلي���ة التي يرتب����ص فيها �صوت القاعدة ال���ودود واملُرحّ ب بذلك ال�ش���اب‪ .‬ولتفعيل �إ�سرتاتيجية‬ ‫الوقاية التي �ستقلل من ت�أثري جاذبية التطرف الإ�سالمي و�ستقنع ال�شباب بعدم االلتحاق مبُجنّدي‬ ‫«القاعدة»‪ ،‬ف�إنه على الواليات املتحدة والدول الأخرى التي حتارب التنظيم فَهم هذا النوع من‬ ‫العالقة‪.‬‬ ‫وعندم���ا يت�أمل ال�شباب من �أمث���ال عبد املطلب م�شاكل احلياة الكبرية تظهر نُ�صب �أعينهم قائمة‬ ‫م���ن اخلي���ارات املحدودة ج���داً؛ فتظهر «القاعدة» مُقدم��� ًة نف�سها على �أنها �أف�ض���ل طريق مبا�شر‬ ‫لتلبي���ة احتياجاته���م‪ ،‬وذلك عن طريق رواي���ة وا�ضحة تخاطب همومهم‪ .‬له���ذا‪ ،‬ومن �أجل التغلب‬ ‫عل���ى «القاعدة»‪ ،‬الب���د من فهم من هو ال�شخ�ص الذي يريد االن�ضم���ام �إىل «القاعدة» وملاذا‪ ،‬وما‬ ‫ه���و ال�شيء ال���ذي يجعل من «القاعدة» قوة جاذب���ة لل�شباب‪ .‬وهذه الدرا�سة تتب���ع م�سالك مقاتلي‬ ‫«القاع���دة» اخللفية من �أعمال العنف املتطرف���ة �إىل �أفكار وقرارات ال�شباب املراهقني املتخبطني‬ ‫والقابلني للت�أثر ب�سهولة‪.‬‬

‫(‬

‫‪108‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫)‬

‫جون م‪« .‬مات» فينهو�س عقيد يف اجلي�ش الأمريكي‪ .‬والعنوان الأ�صلي للدرا�سة هو “‪Why Youth‬‬ ‫‪ ،”Join al-Qaeda‬وقد ن�شرت �ضمن �سل�سلة “التقارير اخلا�صة” التي ي�صدرها املعهد الأمريكي‬ ‫لل�سالم بوا�شنطن العا�صمة‪ ،‬وذلك بتاريخ �أيار‪/‬مايو ‪ ،2010‬وقد قام مدير التحرير‪ ،‬والباحث يف‬ ‫مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪ ،‬حممد �سيف حيدر‪ ،‬مبراجعتها على الن�ص الأ�صلي وحترير‬ ‫و�ضبط م�صطلحاتها‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪109‬‬


‫املحــــور‬

‫�إن هن���اك عدد ًا م���ن العوامل امل�ساهمة والظ���روف البيئية التي غالب ًا امل���ادي والتوجيهات الإ�سرتاتيجية‪� ،‬إال �أنها ال ت�سيطر ب�شكل مبا�شر على‬ ‫م���ا ي�ؤخذ بها على �أنها الأ�سباب الرئي�سة الكامنة وراء ظاهرة الإرهاب‪ .‬الكث�ي�ر من �أوجه “القاع���دة” مبفهومها العام‪ ،‬ولكنه���ا بالت�أكيد تعطي‬ ‫وهذه الدرا�سة تك�شف زيف بع�ض هذه الأ�ساطري واملفاهيم اخلاطئة حول ر�سالة قوية لأتباعها وتثري الفو�ضى داخل العامل الإ�سالمي وخارجه‪.‬‬ ‫دوافع التط���رف‪ ،‬وتركز على املراحل املبكرة لن�ش���وء املجندين املحتمل‬ ‫احل��ركات الفرعي��ة واملُ�سانِ��دة‪ :‬وه���ي اجلماعات الت���ي تتلقى‬ ‫ان�ضمامه���م �إىل “القاعدة”‪� ،‬إذ �أن لدى العنا�ص���ر التي ت�سعى للقاعدة الدع���م مب�ستوي���ات خمتلفة من قبل القي���ادة الإ�سرتاتيجية‪ ،‬لكنها متثل‬ ‫خ�صائ�ص غريهم من ال�شباب الرا�شدين‪ ،‬لكنهم يختارون الطريق التي فروع��� ًا م�ستقل���ة عن التنظي���م الأم وال تتبع���ه مبا�ش���رة‪ .‬فبع�ضها يتلقى‬ ‫تق���ود �إىل التطرف ال�شديد لأن ر�سالة القاع���دة تُلبّي احتياجات معينة‪ .‬الدع���م املايل والتدريبي‪ ،‬وبع�ضه���ا الآخر فقط �أخذ اللقب للإعالن عن‬ ‫كم���ا �أن للأف���راد ال�ساعني للقاع���دة خ�صائ����ص �سيكولوجية وجمتمعية التزامه���ا مببادئ “القاع���دة”‪ .‬ومن هذه احل���ركات “تنظيم القاعدة‬ ‫واقت�صادي���ة وثقافية خمتلفة تدفعهم �إىل الرك�ض وراء ع�ضوية القاعدة يف �شبه جزي���رة العرب” و”حركة ال�شب���اب” يف ال�صومال و”اجلماعة‬ ‫�أو االنتماء �إليها‪.‬‬ ‫ال�سلفي���ة للدع���وة والقت���ال” (الت���ي تُعرف �أي�ض��� ًا بالقاع���دة يف املغرب‬ ‫ويعت�ب�ر عدد ال�ساع�ي�ن وراء القاعدة قلي ًال ن�سبياً‪ ،‬لك���ن دافع ًا واحد ًا الإ�سالمي)‪ ،‬وعدد من اجلماعات واحلركات ال�صغرية التي تتبع مبادئ‬ ‫يوحّ ده���م‪ .‬فهناك طالبي الث�أر الباحثني ع���ن مُتنف ٍّ�س لغ�ضبهم‪ ،‬وهناك “القاعدة”‪.‬‬ ‫طالب���ي املكانة الباحثني ع���ن التقدير‪ ،‬وهناك طالب���ي الهوية الباحثني‬ ‫منا�صرون م�ستقلون‪ :‬وه�ؤالء هم مقاتلون �سابقون مل تعد تربطهم‬ ‫ع���ن جماعة ينتم���ون �إليها‪ ،‬كم���ا �أن هناك طالبي الإث���ارة الباحثني عن �صل���ة ب�أي جماع���ة منظمة �أو تنظي���م‪� ،‬أو �أنهم �أفراد تطرف���وا من تلقاء‬ ‫املغامرة‪ .‬وحتاول هذه الدرا�سة تو�ضيح دوافع كل فئة و�شرح كيف ينظر �أنف�سه���م و�أعلنوا ان�ضمامهم للقاع���دة وع�ضويتهم فيها‪ .‬والبع�ض منهم‬ ‫�أفراده���ا �إىل العامل من حولهم‪ .‬وتكمن امل�ساهمة الرئي�سية للدرا�سة يف ق�ض���ى وقت ًا يف مع�سكرات التدريب التابعة للقاعدة‪ ،‬بينما البع�ض الآخر‬ ‫تق���دمي �إ�سرتاتيجي���ة “الوقاي���ة والتوا�صل” التي ت�سته���دف �إطار ًا عقلي ًا فقط قر�أ عن احلركة وقرر تبنِّي تعاليمها‪ ،‬ومن �أمثال عنا�صر هذه الفئة‬ ‫معين��� ًا ً‪ ،‬واالحتياج���ات ال�سيكولوجية لكل فئة من فئ���ات طالبي الغايات عمر فاروق عبد املطلب والرائد ن�ضال ح�سن‪.‬‬ ‫املذك���ورة �أعاله‪ .‬ومت �إعداد هذه الإ�سرتاتيجية للحد من امليول للقاعدة‪،‬‬ ‫الأيديولوجي��ة‪ :‬مب���ا �أنها متج���ذرة يف كتابات �سي���د قطب وعبد‬ ‫ولكي تُقدِّ م لل�شباب املُعرَّ�ضني كثري ًا للتطرف �أو الذين “يف خطر” رواية اهلل عزام و�أب���و حممد املقد�سي ف�إن هذه الأيديولوجية ترف�ض التعددية‬ ‫بديلة لر�سالة القاعدة‪ ،‬وهي الرواية التي �ستُلبّي االحتياجات الأ�سا�سية احلزبي���ة والدميقراطية لكي ت�صور عامل ًا �إ�سالمي ًا حتت ح�صار الغرب‪.‬‬ ‫لل�شب���اب ورغباتهم ويف الوقت عينه تُقدم اختيارات مغرية‪ .‬وهذا هو ما ويف نظ���ر الأيديولوجي�ي�ن ف�إن احلل الوحيد يكم���ن يف ت�شكيل طليعة من‬ ‫�سيقود �إىل احلد من ع���دد عنا�صر “القاعدة”‪ ،‬ويُعجِّ ل بتحقيق هزمية امل�سلم�ي�ن حل�شد العامل الإ�سالمي قاطبة للنهو�ض �ضد الغرب والأنظمة‬ ‫�شاملة للتنظيم‪.‬‬ ‫املرت���دة التي ت�ؤي���ده‪ ،‬وذلك من خالل اجلهاد العني���ف حتى ي�سود حكم‬ ‫�أ�صبح م�صطلح “القاعدة” ال�شريعة الإ�سالمية يف كل بلدان ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫ما هي «القاعدة»؟‬ ‫العالم��ة املميزة‪ :‬رغ���م الأيديولوجي���ة التي تتبنى مب���ادئ العنف‬ ‫خمت�صر ًا �شائع ًا لنوع معني من مُعتنقي فكرة التطرف الإ�سالمي العنيف‬ ‫وممار�سي���ه‪ ،‬ويت�ضمن ذل���ك عدد ًا خمتلف ًا م���ن التنظيمات واجلماعات والعدمي���ة والالعقالني���ة‪ ،‬والتي ينا�صرها منظرو ه���ذه احلركة‪� ،‬إال �أن‬ ‫الإرهابي���ة‪ .‬وكغ�ي�ره من امل�صطلح���ات الأخرى‪ ،‬يُ�ضحِّ ي ه���ذا امل�صطلح “القاع���دة” عب���ارة عن عالمة ممي���زة وم�شتهرة يع�ت�رف بها وي�سعى‬ ‫�إليه���ا الكثري م���ن النا�س يف الع���امل الإ�سالمي‪ .‬وهي‬ ‫ببع�ض الدق���ة اللغوية من �أج���ل الت�سهيل‪ .‬ون�ستخدم‬ ‫ُل�صق بها ال�صحفيون الغربيون‬ ‫�أي�ض ًا ال�شماعة التي ي ِ‬ ‫يف ه���ذه الدرا�س���ة م�صطلح “القاع���دة” مبفهومها‬ ‫لي�س‬ ‫«القاعدة»‬ ‫إرهابي‬ ‫�‬ ‫مبا�ش���رة معظ���م �أعمال العنف حت���ى عندما ال يكون‬ ‫ال�شام���ل‪ ،‬والذي ين�صرف �إىل �أنها‪ :‬جمموعة وا�سعة‬ ‫عملية‬ ‫بعد‬ ‫إمنا‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫جمنون‬ ‫هناك �أي دليل على ذلك‪.‬‬ ‫م���ن التنظيمات واالنتم���اءات الإرهابي���ة الإ�سالمية‬ ‫العاملي���ة الت���ي له���ا فل�سفة ونظ���رة عاملي���ة م�شرتكة‪ .‬تطرفه وتلقينه قد‬ ‫�إن �أهم ما مييز القاعدة عن غريها من التنظيمات‬ ‫وه���ذه املجموع���ة الوا�سعة تتكون م���ن خم�سة �أجزاء تبدو ت�صرفاته جنونية �أو الأف���راد الذين ينا�ص���رون �أ�ساليب العنف لتحقيق‬ ‫�أ�سا�سية‪:‬‬ ‫غاياته���م ال�سيا�سية هو �أن الهدف الأ�سا�سي بالن�سبة‬ ‫متام ًا وغري منطقية‬ ‫القي��ادة الإ�سرتاتيجية‪ :‬غالب��� ًا ما يُ�شار �إىل للمراقب اخلارجي‪ ،‬لكن له���م يتمث���ل يف �إع���ادة نظ���ام اخلالف���ة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وذلك بوا�سطة ال�صراع العنيف مع الواليات املتحدة‬ ‫ه���ذه القي���ادة ب�أنه���ا “القاعدة املركزي���ة” التي من ال�شخ�ص الذي خ�ضع‬ ‫املحتم���ل ج���د ًا �أنها توج���د يف باك�ست���ان‪ ،‬وهي ت�ضم لتلك العملية كان �سليم ًا وحلفائه���ا يف الغرب‪ .‬كم���ا �أنها تعتق���د �أن احلركات‬ ‫الوطني���ة املناه�ض���ة لال�ستعم���ار والقومي���ة العربية‬ ‫القي���ادة الرئي�سية للحرك���ة وكبار مدرائه���ا ومُعدِّ ي‬ ‫عقلي ًا يف الأ�صل‬ ‫الت���ي ظه���رت يف الق���رن املا�ض���ي قد ف�شل���ت يف حل‬ ‫�إ�سرتاتيجياتها‪ .‬ومع �أنه���ا تقدم الإر�شادات والدعم‬ ‫‪110‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫مدى �صحة عملية التحليل‪.‬‬ ‫املع�ضالت التي يواجهها املجتمع الإ�سالمي؛ فهي‬ ‫ميث���ل هذا العدد من املقاتلني �أحد �أكرب البيانات عن‬ ‫ت�ؤيد التغيري اجلذري للنظام العاملي‪ ،‬وترى �أنه ال لن تخ�سر «القاعدة» قوتها‬ ‫جمال للم�ساومة �أو التغيري التدريجي �أو الإ�صالح اجلاذبة للأمة �إال عندما مجُ نّ���دي “القاعدة” حت���ى الآن‪ .‬ومع ذلك من ال�صعب‬ ‫داخ���ل الدول القائم���ة حالي ًا والت���ي حتتل الأر�ض‬ ‫احل�صول عل���ى معلومات �شاملة ع���ن كل �سمات تنظيم‬ ‫يدرك امل�سلمون �أنها ال‬ ‫التي يجب �أن يقام فيها نظام اخلالفة‪.‬‬ ‫تخدم م�صاحلهم‪ ،‬و�ستلحقها م���راوغ ومتقلب‪ ،‬لكن من ال�ض���روري موا�صلة الدرا�سة‪،‬‬ ‫حيث �أن املعلومات تتوفر مع مرور الزمن‪ .‬ومبا �أن عينة‬ ‫يركز‬ ‫جمموعة البيانات‬ ‫الهزمية عندما يرى‬ ‫الدرا�س���ة تعتمد كثري ًا عل���ى املقاتلني الذين يتم القب�ض‬ ‫ه���ذا التحليل على عنا�ص���ر “القاعدة” وفروعها منا�صريها �أن �إ�سرتاتيجية‬ ‫عليه���م‪ ،‬وعلى الذين يتم القب�ض عليهم قبل �أن يفجروا‬ ‫الذين ي�سافرون خارج �أوطانهم للتدريب �أو القتال العنف التي تتبناها لن‬ ‫�أنف�سهم‪ ،‬ف�إنه لي�س ع�شوائي ًا متاماً‪ ،‬و�إمنا تظهر توجهات‬ ‫حتت راية القاعدة‪ .‬وه�ؤالء “املقاتلون الأجانب” حتقق الر�ؤية الوهمية‬ ‫وا�ضحة من خالل احل���االت يف �أو�ضاع متعددة وفرتات‬ ‫ه���م مقاتلون غري حمليني وغ�ي�ر �إقليميني‪ ،‬تركوا‬ ‫الأم���ان الن�سبي يف �أوطانه���م لي�شاركوا يف �صراع لنظام اخلالفة الإ�سالمية زمنية خمتلف���ة‪ .‬ومع �أن البيانات ت�سم���ح بالتعرّف على‬ ‫االجتاهات و�أوجه الت�شابه واالنطباعات العامة واملحاور‬ ‫ي�ستهدف يف الأ�سا�س الواليات املتحدة وحلفائها‪.‬‬ ‫املتك���ررة‪ ،‬لكنها ال تعطي الدق���ة الإح�صائية ال�ضرورية‬ ‫وبه���ذا الت�صنيف نكون ق���د ا�ستثنين���ا املتمردين‬ ‫املحلي�ي�ن واملقاتل�ي�ن لأه���داف �إثنية‪/‬عرقي���ة ووطني���ة من ه���ذه الفئة‪ ،‬لدعم التحليل الأكادميي التقلي���دي �أو القادر على التنب�ؤ‪ ،‬حيث ال توجد‬ ‫و�أدرجن���ا حتته���ا خمتطفي طائرات احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب جمموعة قيا�سية �أو درا�سة متثل معيار ًا يُقا�س عليه نتائج املقابالت‪.‬‬

‫وانتحاري���ي ال�سابع من متوز‪/‬يوليو وغريهم ممن ا�ستخدموا التكتيكات‬ ‫الإرهابية للهجوم على الوالي���ات املتحدة وم�صاحلها يف اخلارج �أو على‬ ‫غريها من البلدان الغربية‪� ،‬أو حاولوا القيام بذلك‪.‬‬ ‫�إن هذه الدرا�سة ت�ستثني �أولئك الذين ي�سافرون عرب احلدود الدولية‬ ‫برعاية حكومات �أجنبية �أو �ضد رغباتهم‪ .‬ولكي يتم تقييم الدافع ب�شكل‬ ‫دقي���ق‪ ،‬فالبد من توفّر الت�صرف االختياري للتع���اون مع “القاعدة” �أو‬ ‫�أهدافها‪.‬‬ ‫وت�ضم البيانات امل�ستخدمة يف الدرا�سة الرجال فقط نظر ًا لعدم توفر‬ ‫معلوم���ات معتمدة ت���دل على �سفر الن�ساء �إىل اخل���ارج من �أجل القتال‪،‬‬ ‫ولي�س هناك دليل قاطع على وجود ن�ساء مقاتالت من بلدان �أجنبية على‬ ‫�أيٍّ من �ساحات املعرك���ة‪ .‬ورمبا تكون القيود على �سفر الن�ساء امل�سلمات‬ ‫ه���ي ما �ساهم يف غياب عن�صر الن�ساء يف ظاهرة الإرهاب العاملي‪ ،‬لكن‬ ‫لي����س هن���اك بيانات كافي���ة للتو�صل �إىل نتائج ميك���ن االعتماد عليها يف‬ ‫هذا ال�صدد‪.‬‬ ‫�أخرياً‪ ،‬تقت�صر البيانات على �أولئك الذين �أعلنوا عالقتهم بالقاعدة‬ ‫�أو �أي���ة حركة عاملي���ة �إ�سالمية متطرف���ة مل حت�صر �أهدافه���ا بالق�ضايا‬ ‫املحلي���ة‪ .‬ويف الإجمال‪ ،‬هناك ‪� 2.032‬شخ�ص ًا ممن تنطبق عليهم معايري‬ ‫التقييم وقدموا معلومات وافية لعملية التحليل‪.‬‬ ‫وتعتمد عملية التحليل لهذه احل���االت على م�صادر متعددة‪ ،‬و�أكرثها‬ ‫تقاري���ر املقاب�ل�ات م���ع املقاتلني الذي���ن احتجزتهم ق���وات االئتالف يف‬ ‫�أفغان�ست���ان والع���راق ومعتق���ل جوانتانام���و يف كوب���ا‪ .‬ومت تدعي���م ه���ذه‬ ‫املعلوم���ات بالوثائ���ق امل�ص���ادرة ومقابالت �أجراها �صحفي���ون مع �أفراد‬ ‫الأ�سر والأ�صدقاء وال�سجالت العامة عن التواريخ ال�شخ�صية‪ .‬لكن عمق‬ ‫وطبيعة وجودة التقارير تختلف كثرياً‪ ،‬وهو ما قد ي�ضفي بع�ض ال�شك يف‬

‫�إن‬ ‫�أ�ساطري �شائعة عن جُمنّدي «القاعدة»‬ ‫�إرهاب ��ي “القاعدة” ال���ذي يظهر فج�أة على امل�س���رح العاملي – �إن جاز‬ ‫التعبري – يختلف كثري ًا يف حالته العقلية عن ال�شاب القابل للت�أثر الذي‬ ‫دخل مرحل���ة التجنيد والتدري���ب‪ .‬ويبدو �أن كثري ًا م���ن مقاتلي القاعدة‬ ‫عا�ش���وا حي���ا ًة طبيعي ًة قب���ل تَركِ هم للأم���ان وال�سالم���ة الن�سبيني الذين‬ ‫يجدوهما يف الوط���ن وبني ذويهم‪ .‬وعندما يتحولون �إىل مقاتلني �أجانب‬ ‫ف�إنهم ي�سافرون م�سافات طويلة لقتل الأبرياء من النا�س الذين مل يلتقوا‬ ‫به���م قط‪ ،‬وكل ذلك با�س���م تنظيم رمبا مل ين�ضموا �إلي���ه حتى‪ ،‬ولق�ضية‬ ‫رمب���ا مل ي�ستوعبونها متام���اً‪ .‬فهم ميرون مبرحلة ذهني���ة انتقالية حتى‬ ‫ترتاءى لهم الأحداث البعيدة ب�أنها م�س�ألة �شخ�صية جد ًا و�شنيعة للغاية‪،‬‬ ‫�إىل درج���ة �أنه���م يجدون �أنف�سه���م جمربين على االن�ضم���ام �إىل معركة‬ ‫�شخ�ص �آخر‪ .‬ولكل واحد دافعه اخلا�ص لالن�ضمام �إىل حركة متطرفة‪،‬‬ ‫لكن هناك خم�سة �أ�شياء م�شرتكة‪.‬‬ ‫�أوالً‪� ،‬إن �إرهاب���ي “القاع���دة” لي�س جمنوناً‪ ،‬و�إمن���ا بعد عملية تطرفه‬ ‫وتلقين���ه ق���د تب���دو ت�صرفات���ه جنوني���ة متام ًا وغ�ي�ر منطقي���ة للمراقب‬ ‫اخلارج���ي‪ ،‬لكن ال�شخ�ص الذي خ�ضع لتلك العملية كان �سليم ًا عقلي ًا يف‬ ‫الأ�ص���ل‪ .‬وكما الحظ الطبيب النف�ساين وخب�ي�ر مكافحة الإرهاب مارك‬ ‫�سيجمان‪ ،‬ف�إن الأفراد الذين يعانون من ا�ضطرابات ال�شخ�صية املعادية‬ ‫للمجتم���ع (االنطوائي���ة) ال ي�ؤمت���ن جانبهم‪ ،‬ورمبا ي�ساوم���ون على �أمان‬ ‫التنظي���م ال�سري كتنظيم القاع���دة‪ ،‬فيتم طرده���م �أو يرتكون التنظيم‬ ‫باختياره���م عندما يكت�شفون �أن �أ�سا�س الإره���اب االنتحاري هو الرغبة‬ ‫يف الت�ضحي���ة من �أجل ال�صالح الأ�سمى‪ .‬كم���ا �أن �صعوبة احل�صول على‬ ‫املعلوم���ات والتدريب‪� ،‬إىل جانب احلاجة للحفاظ على ال�سرية والتفاعل‬ ‫بثق���ة م���ع العنا�صر الأخرى �أثن���اء عملية التقييم‪ ،‬ال ميك���ن �أن يقوم بها‬ ‫العقل امل�ضطرب‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪111‬‬


‫املحــــور‬

‫وم���ن خ�ل�ال ا�ستعرا����ض ال�سيكولوجي���ة االجتماعية لع���دد كبري من املوج���ود يف مدينته���م الأوروبية ال�صغرية‪ ،‬ف�إنهم ع���اد ًة ما تعر�ضوا �إىل‬ ‫اجلماع���ات الإرهابية تو�ص���ل كالرك ماك���ويل و �إم‪� .‬إي‪� .‬سيغال �إىل �أن تف�س�ي�ر �ضيق جد ًا للإ�سالم‪ ،‬حيث يثم���ن مدر�سوهم وقياداتهم الدينية‬ ‫«�أف�ضل تعميم موثق (عن احلالة العقلية للإرهابيني) كان �سليماً؛ فلي�س حفظ �آيات �أ�سا�سية معينة �أكرث من التحليل الدقيق للن�صو�ص القر�آنية‪.‬‬ ‫لدى الإرهابيني �أي مر�ض نف�سي وا�ضح»‪ .‬وقد مت �إخ�ضاع املقاتلني الذي ويفوته���م �أي�ض ًا �أكرث من ‪� 1400‬سنة من العلم الديني وال�شروح القر�آنية‪،‬‬ ‫تناولته���م هذه الدرا�سة ممن كانوا يف ال�سجون للتقييم الطبي والنف�سي ومل ي�ستف�سروا معلميهم عن �أدق التفا�صيل الدينية‪.‬‬ ‫الكامل‪ ،‬و�أظهر التقييم نتائج م�شابهة‪ .‬وقد ات�ضح �أن ال�سلوك االنطوائي‬ ‫وبالن�سب���ة لقدرة “القاعدة” على غر�س نظ���رة م�شوهة وحمرّفة عن‬ ‫موج���ود يف كل احل���االت‪ ،‬لك���ن لي����س هن���اك �أي �أعرا����ض لال�ضطراب التعالي���م الإ�سالمي���ة يف ر�ؤو�س مجُ نّديها‪ ،‬ف�إن ذل���ك مُت�أتٍّ يف ظل وجود‬ ‫العقل���ي‪ .‬وهذا يت�ضح عندم���ا ي�أخذ املراقب اخلارج���ي يف عني االعتبار ف���راغ دين���ي وا�ضح يف املراح���ل الأوىل املبك���رة من تعليمه���م‪ ،‬لأنهم مل‬ ‫حال���ة اجلن���ون وعمليات التدريب الت���ي مير بها املُجنّ���دون‪ ،‬فلو كان كل يحددوا لأنف�سهم طائفة �أو عقيدة دينية بعينها‪ .‬ونتيجة لذلك ي�صبحون‬ ‫مجُ نَّدي القاعدة جمانني لكانت هناك جماعة حمدودة جداً‪ ،‬وقلة قليلة منا�صري���ن مت�شددين لنمط ديني غ�ي�ر �سوي وحمرّف وال ميد للإ�سالم‬ ‫م���ن املُجنّدين املحتم���ل ان�ضمامهم للقاعدة يف القري���ب العاجل‪ ،‬وهذا ب�صل���ة‪ .‬والتاريخ يعج ب�أمثلة من احلجج الدينية التي تُ�ستخدم الآن لكي‬ ‫لأن���ه لي�س م���ن ال�سهل الإ�صاب���ة باال�ضطرابات العقلية‪ ،‬كم���ا �أن ذلك ال ت�سوّغ اللجوء �إىل العنف بهدف رد املظامل‪ .‬وبغ�ض النظر عمّا هو الدين‬ ‫يح���دث ب�سرعة‪ .‬و�أثناء امل���رور بعملية املعاجلة يف قن���اة “القاعدة” قد الر�سم���ي املتبع‪ ،‬ف����إن ثمة جماعات �صغرية حت���اول تعظيم �أهمية بع�ض‬ ‫يكون املُجنّد متلب�س ًا مبظهر اجلنون اخلارجي املمزوج بحما�سة مفرطة‪ ،‬الن�صو����ص الديني���ة املخت���ارة لت�صبح مب���ادئ �إر�شادي���ة لل�سيطرة على‬ ‫غري �أن اال�ضطرابات العقلية احلقيقية تكون على الأرجح غائبة متاماً‪ .‬اجلهل���ة وغري املتعلمني‪ ،‬ولتربي���ر ت�صرفاتها و�أعم���ال العنف التي تقوم‬ ‫ثاني���اً‪ ،‬ال يتنا�سب مجُ نّد القاعدة ب�سهولة مع اخللفية االقت�صادية له‪ .‬بها‪ .‬وهذا �أي�ض ًا ينطبق على احلاالت التي تناولتها هذه الدرا�سة‪.‬‬ ‫فبع����ض الأفراد الذي خ�ضعوا للدرا�سة كانوا عاطلني عن العمل ل�سنوات‬ ‫�أما الأ�سطورة الرابعة فهي �أن مجُ نّدي “القاعدة” هم من تقدّم نحو‬ ‫وعا�ش���وا يف فقر مدقع‪ ،‬بينما �أتى البع����ض الآخر من خلفيات اجتماعية ه�ؤالء ال�شباب (به���دف ا�ستقطابِهم)‪ .‬لكن احلقيقة هي �أنه نظر ًا لنمط‬ ‫ذات امتي���از وث���راء ن�سبي‪ .‬وم���ن كان لديهم موارد مالي���ة قاموا بتمويل احلياة البدوي‪ ،‬ف�إن كوادر “القاعدة” ال يقرتبون من املُجنّدين املحتمل‬ ‫�أنف�سه���م لل�سفر‪ ،‬وم���ن مل يكن لديهم ذلك وجدوا م���ن يرغب يف حتمّل ان�ضمامهم للحركة‪ .‬واحل���االت ال�شابة التي تناولها هذا امل�شروع اتبعت‬ ‫تكالي���ف �سفرهم‪ .‬وكما �أ�شار دانيال بايب���ز من منتدى ال�شرق الأو�سط‪ ،‬يف الغال���ب نظري���ة “ال�شِّ ّل���ة ال�شبابية” الت���ي قال بها م���ارك �سيجمان‪،‬‬ ‫ف����إن الأيديولوجي���ات الإ�سالمي���ة املتطرف���ة‪ ،‬كغريه���ا م���ن احل���ركات وه���ي �أن املجندي���ن الأفراد هم م���ن �سعوا للح�صول عل���ى معلومات عن‬ ‫الأيديولوجية املعا�صرة‪ ،‬ت�ستخدم لغة الظلم االقت�صادي لتعزيز حُ جّ تها‪“ ،‬القاعدة” من خالل الأ�صدقاء واملقربني‪ .‬وبهذا‪ ،‬ف�إن �أول خطوة تُتخذ‬ ‫ولك���ن رغم ذلك ف�إن عنا�صرها عموم ًا لي�سوا من �صفوف الفئة الفقرية تكون من قبل الفرد نف�سه ولي�س التنظيم‪.‬‬ ‫واملعدمة فعالً‪ .‬وقد اعرتف �شاب �سعودي مت القب�ض عليه �أثناء حماولته‬ ‫وخلل���ق الرغب���ة و�إث���ارة االهتم���ام عن���د العنا�صر اجلدي���دة‪ ،‬طورّت‬ ‫للعب���ور �إىل العراق �أنه ح�صل على ترقية يف العمل وبانتظار زيادة كبرية “القاعدة” مي�سم ًا عاملي ًا وروجته بقوة‪ ،‬مُ�ستغل ًة معرفتها وتوا�صلها مع‬ ‫يف الرات���ب قُبي���ل ان�ضمام���ه �إىل �صفوف جماعة جهادي���ة حملية‪ .‬وهذه و�سائ���ل الإعالم اجلديد‪ ،‬خا�ص���ة القنوات الف�ضائي���ة ومواقع الإنرتنت‬ ‫احلال���ة لي�ست الوحيدة‪ ،‬فمن بني احل���االت التي خ�ضعت للدرا�سة كانت املعروف���ة بغ���رف الدرد�شة‪ ،‬والت���ي �سمحت للقاعدة بخل���ق هوية خا�صة‬ ‫الدواف���ع االقت�صادية الأقل �سبب ًا وراء االن�ضمام �إىل‬ ‫طموح���ة من خ�ل�ال حتديدٍ ع���ام حذِ ر يلي���ق ب�أذكى‬ ‫�أي تنظيم �إرهابي‪.‬‬ ‫مُ�س ِوّقي املنتجات‪ .‬وبهذا‪ ،‬ي�صبح الأفراد على معرفة‬ ‫ثالثاً‪ ،‬لي�س �صحيح ًا �أن مجُ نّدي القاعدة ي�صبحون‬ ‫الأ�سطورة التي تر ّوجها‬ ‫بالهوية وي�سعون للح�صول على املعلومات املتعلقة بها‬ ‫�إرهابي�ي�ن لأنه���م م�سلم���ون‪ .‬فه����ؤالء يف الواقع لي�س‬ ‫«القاعدة» لنف�سها ُت�ص ِّور‬ ‫قب���ل �أن يلتق���وا بعن�ص���ر قدمي �أو جديد م���ن عنا�صر‬ ‫لديهم الفهم الكايف لتعاليم دينهم‪ ،‬وهو الأمر الذي اجلماعة على �أنها متثل ذروة “القاعدة”‪.‬‬ ‫يجعله���م عُ ر�ض ًة للت�أويل اخلاط���ئ للمبادئ الدينية‪ .‬اجلهاد‪ ،‬وهذه اخلرافة هي‬ ‫والأ�سط���ورة التي تروّجها «القاعدة لنف�سها تُ�صوِّر‬ ‫وب�ص���ورة عام���ة‪ ،‬ف�إنهم ال ي�أتون م���ن خلفيات دينية �أعظم قوة تدعم التنظيم‪،‬‬ ‫اجلماعة على �أنها متثل ذروة اجلهاد‪ ،‬وهذه اخلرافة‬ ‫قوية‪ .‬لكنهم على امل�ستوى العاملي تقريب ًا �إما جند �أن وجتعل االن�ضمام �إىل اجلماعة هي �أعظ���م قوة تدعم «القاع���دة»‪ ،‬وجتعل االن�ضمام‬ ‫تعليمه���م الديني غري مكتمل �أو �أنهم ن�شئوا يف �أ�سرة م ً‬ ‫َرتبة جميدة‪ ،‬وال ينالها �إال �إىل اجلماع���ة مَ رتب��� ًة جمي���دة و�صعب���ة الو�صول‪ ،‬وال‬ ‫تُطبِّ���ق العقي���دة ب�شكل روتين���ي فقط‪ .‬و�س���واء تلقوا املخل�صني وامللتزمني و�أ�صحاب يناله���ا �إال املخل�ص�ي�ن وامللتزمني و�أ�صح���اب القلوب‬ ‫تعاليمهم م���ن املدار�س التي تفتقر �إىل الدعم املايل‬ ‫الطاهرة‪ .‬ومع �أن عملي���ة التلميع هذه تتجاوز الواقع‬ ‫القلوب الطاهرة‬ ‫يف باك�ستان �أو من الوعظ املت�شدد يف امل�سجد الوحيد‬ ‫بكثري‪� ،‬إال �أنها �أ�سط���ورة مُنت�شِ رة ومُقنِعة‪ .‬فالقاعدة‬ ‫‪112‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫بح�س���ب ما تقت�ضيه الظروف وت�سمح به‪ .‬وعندما يزداد‬ ‫ال تجُ نِّد بقدر ما تعر����ض نف�سها للمُنقادين‪ ،‬ومن‬ ‫ث���مّ ت�سمح لهم بتقدمي طل���ب الع�ضوية‪ .‬والأغلبية ال ميكن �أن تتحقق هزميته الرتكيز(عليه���ا) وت�شت���د ق���وة رحى القت���ال يف موطنها‬ ‫العظمى من احل���االت يف هذه الدرا�سة قاموا �إما «القاعدة» يف مكان معني‪� ،‬إذ ترح���ل �إىل م���كان جتد فيه احلكومة املحلي���ة �إما م�ؤيدة‬ ‫با�ستف�سار �صديق �أو قريب ينتمي �إىل احلركة‪� ،‬أو‬ ‫له���ا �أو غري فاعل���ة‪ .‬ولهذا ال ميك���ن �أن تتحقق هزميتها‬ ‫حيث‬ ‫كمفهوم‪،‬‬ ‫هزميتها‬ ‫يجب‬ ‫�سعوا �شخ�صي ًا للح�ص���ول على املعلومات املتوفرة‬ ‫يف م���كان معني‪� ،‬إذ يجب هزميتها كمفهوم‪ ،‬حيث ميكن‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرتاتيجية‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫تب‬ ‫ميكن‬ ‫على الإنرتن���ت �أو يف امل�ساجد املعروف���ة بت�أييدها‬ ‫تبنّ���ي �إ�سرتاتيجي���ة الر�سائل امل�ضادة الت���ي �إذا جنحت‬ ‫إذا‬ ‫�‬ ‫التي‬ ‫امل�ضادة‬ ‫الر�سائل‬ ‫للقاعدة‪.‬‬ ‫ف�إنه���ا �ستدمر الإغراء ال�سيكولوجي للقاعدة عن طريق‬ ‫إغراء‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫�ستدمر‬ ‫إنها‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫جنحت‬ ‫�إنه���اء �أو ت�شتي���ت امل�شاع���ر التي جتذب ال�شب���اب �إليها‪.‬‬ ‫و�أخ�ي�راً‪ ،‬لي�س �صحيح��� ًا �أن «القاعدة» موجودة‬ ‫عن‬ ‫للقاعدة‬ ‫ال�سيكولوجي‬ ‫وعندم���ا ال ي�سع���ى �أح���د �إىل «القاعدة» ف�إنه���ا �ستنتهي‬ ‫يف كل م���كان‪ .‬فهن���اك �أك�ث�ر م���ن ملي���ار ون�صف‬ ‫امل�شاعر‬ ‫ت�شتيت‬ ‫أو‬ ‫�‬ ‫إنهاء‬ ‫�‬ ‫طريق‬ ‫م���ن الوج���ود‪ ،‬و�إذا مل يعد هن���اك من يق���دم الت�ضحية‬ ‫م�سلم ينت�شرون يف �أرجاء العامل‪� ،‬أما من ان�ضموا‬ ‫إليها‬ ‫�‬ ‫ال�شباب‬ ‫جتذب‬ ‫التي‬ ‫ال�ضرورية لي�صبح ع�ضو ًا �أو ليبد�أ يف �إن�شاء فرع للقاعدة‬ ‫�إىل «القاع���دة» – �سواء كانوا �أحي���ا ًء �أو �أموات ًا –‬ ‫ف����إن هذا التنظيم �سيختفي‪� .‬أم���ا �إذا وا�صل من ي�سعون‬ ‫ف�ل�ا يتجاوز عدده���م الآالف‪� .‬صحي���ح �أن ر�سالة‬ ‫�إىل «القاعدة» تطلعهم امل�ستم���ر لالن�ضمام �إليها‪ ،‬ف�إنه‬ ‫«القاع���دة» ق���د و�صلت �إىل معظم �أنح���اء العامل‪،‬‬ ‫لك���ن القلي���ل هم من �ساف���ر �إىل بلدان �أخ���رى من �أجل القت���ال‪ .‬كما �أن لي����س هناك �أية قوة عل���ى وجه الأر�ض ت�ستطيع تق���دمي احلماية الكافية‬ ‫�سيا�س���ات الوالي���ات املتحدة وغريها م���ن الدول الغربي���ة التي حتد من للواليات املتحدة وحلفائها من الهجمات الإرهابية يف امل�ستقبل‪.‬‬ ‫حري���ة امل�سلمني �أو املمار�سات الأمنية املت�شددة جتاههم‪� ،‬أدت �إىل تنفري‬ ‫وت�ستغ���ل «القاعدة» الف�ضائيات ومواقع الإنرتنت املتوفرة يف كل مكان‬ ‫�شع ٍ‬ ‫���وب ب�أكملها‪ .‬وباملث���ل‪ ،‬ف�إن االعتقاد ب����أن احل�ض���ارة الغربية تندفع م���ن �أجل �إعادة جتديد روح الهوية الإ�سالمي���ة‪ ،‬مُ�ستخدم ًة لغة انتقامية‬ ‫نح���و �صدامٍ وجودي مع الإ�سالم ال ي�ساعدن���ا يف فهم واحلد من التحاق ومتحدي���ة‪ ،‬ت�ص���ور �أن الإ�سالم حت���ت التهديد العامل���ي امل�ستمر من قبل‬ ‫املتطوع�ي�ن املحتملني باحل���ركات املتطرفة العنيف���ة‪ ،‬لأن الإح�صائيات ع���دو متما�سك‪ .‬كما �أن قادة «القاعدة» فاعل���ون ومنت�شرون‪ ،‬وا�ستفادوا‬ ‫ت���دل على �أن تلك ال�سيا�سات غالب ًا ما ت�صيب الأبرياء من النا�س الذين م���ن نطاق االت�صاالت احلديث���ة الوا�سع‪ ،‬والتغطي���ة الإخبارية ال�شاملة‪،‬‬ ‫ي�سعون للعي�ش ب�سالم‪.‬‬ ‫والت�صريحات التلفزيونية العاطفية والإنرتنت بطريقة مل يتخيلها قادة‬ ‫وم���ع جتاوز ه���ذه الأ�ساطري ال�شائع���ة‪� ،‬أظهر ال�شب���اب الذين خ�ضعوا احل���ركات ال�سابقة‪ .‬وعلى عك�س ال�صحف واملن�ش���ورات والإذاعة والبث‬ ‫للدرا�سة ممن جذبتهم «القاعدة» �أن لديهم ن�ضا ًال عاطفياً‪ ،‬ميلك هدف ًا التلفزيوين الأر�ضي‪ ،‬تعترب �شبكة الإنرتنت الو�سيلة الأكرث قدرة على نقل‬ ‫ووجهة وهوية‪ ،‬مثلما هو �شائع يف �أو�ساط املراهقني يف معظم الثقافات‪ .‬ر�سال���ة «القاعدة» ب�سرعة ومبا�شرة �إىل ماليني النا�س حول العامل‪ .‬ومع‬ ‫فق���د �شكلتهم جتاربهم وبيئتهم املحيط���ة بهم‪ ،‬لكن رغبتهم يف �أن يكون كل نب�أ �إخباري �أو رابط عل���ى الإنرتنت‪ ،‬تتكرر ر�سالة «القاعدة» ويرتدد‬ ‫له���م دور ًا يف املجتمع وعدم حتق���ق تلك الرغبة كان هو الدافع احلقيقي �صداها يف كل �أنحاء الف�ض���اء الإلكرتوين‪ ،‬وهذا التكرار املتوا�صل يزيد‬ ‫من فر�ص بقائها وم�صداقيتها عند عقول جمهورها امل�ستهدف‪.‬‬ ‫وراء ان�ضمامهم للقاعدة‪.‬‬ ‫�أي�ض��� ًا ت�ستخ���دم «القاع���دة» جمموعة متغ�ي�رة من املنتدي���ات يُدخِ ل‬ ‫�إن‬ ‫ر�سالة «القاعدة» واملحيط الإعالمي‬ ‫حمتواه���ا امل�ستخدم���ون‪ ،‬خا�صة ع�ب�ر ثالثة كيانات �إعالمي���ة (الفجر‪،‬‬ ‫«القاع���دة» عبارة عن �أيديولوجية وعالمة عاملية رائجة توظِّ ف الإرهاب‬ ‫وجبهة الإع�ل�ام الإ�سالمية العاملي���ة‪ ،‬وال�سح���اب)‪ ،‬لتحافظ على تدفق‬ ‫كو�سيلة لتحقيق �أهدافها‪ .‬وكغريها من اجلماعات الأخرى عرب التاريخ‪،‬‬ ‫املعلوم���ات الت���ي حتم���ل عالمتها ب�ش���كل متناغ���م ومنتظم عل���ى مواقع‬ ‫ت�ستخ���دم «القاع���دة» هذه الظاه���رة «كنوع من التوا�ص���ل الرمزي» بد ًال‬ ‫الإنرتن���ت وو�سائ���ل الإع�ل�ام التقليدية‪ .‬وتتلق���ى هذه الكيان���ات الثالث‬ ‫م���ن التكتيك الع�سك���ري؛ �إذ تعترب الت�أثري ال�سيكولوج���ي �أكرث �أهمية من‬ ‫الإعالمي���ة للن�ش���ر والتوزي���ع معلومات جمموع���ات خمتلف���ة تنتمي �إىل‬ ‫الأث���ر امل���ادي للقتال‪ .‬لقد ب���رزت «القاعدة» بف�ضل تركيزه���ا على مبد�أ‬ ‫«القاع���دة» �أو متعاطفة معها‪ ،‬وتقوم بن�شرها على �صفحات املواقع حيث‬ ‫اال�ست�شهاد واملوت‪ ،‬وقد �أ�شار �إىل ذلك املتحدث با�سم «القاعدة» موالنا‬ ‫ي�ستطي���ع �أكرب عدد من النا����س ر�ؤيتها ب�سهولة‪ .‬وحت���اول «القاعدة» من‬ ‫�أني���اد اهلل بقوله‪« :‬الأمريكيون يحبون البيب�سي كوال‪ ،‬ونحن نحب املوت»‪.‬‬ ‫خ�ل�ال ا�ستخدامه���ا له���ذه التنظيمات (الفرعي���ة) �أن تن����أى بنف�سها من‬ ‫فالقاعدة ترفع املوت �إىل م�ستوى �أعظم الأعمال البطولية‪ ،‬كما �أنه كان‬ ‫التوزي���ع املبا�ش���ر (للمعلومات والبيان���ات) لأ�سباب �أمني���ة‪ .‬ولي�س هناك‬ ‫�شائع ًا يف �أو�ساط احلاالت اخلا�ضعة لهذه الدرا�سة اقتبا�س �آيات قر�آنية‬ ‫�أي تنظي���م �آخر يربع – كما «القاع���دة» ‪ -‬يف ا�ستغالل الإنرتنت لي�سمح‬ ‫حت���ثّ عل���ى اال�ست�شه���اد‪ ،‬وغالب ًا ما حتدث���وا عن «حتقيق» امل���وت وخيبة‬ ‫للمجندين اجلدد العفويني بال�سعي وراء ع�ضويته‪.‬‬ ‫�أملهم يف عدم االنتحار قبل منعهم من ذلك‪.‬‬ ‫وغالب��� ًا ما كانت احل���ركات الإرهابية يف العق���ود ال�سابقة تنا�ضل من‬ ‫و»القاع���دة» عب���ارة ع���ن كي���ان متج���ول يهاجر م���ن م���كان �إىل �آخر‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪113‬‬


‫املحــــور‬ ‫عر�ض حالة‬

‫�أج���ل احل�صول على ال�شهرة خ���ارج النطاق اجلغ���رايف لأن�شطتها‪ .‬لكن‬ ‫التط���ور ال�سريع لتكنولوجي���ا الإنرتنت‪ ،‬مع وجود ال�شب���كات االجتماعية‬ ‫واملحت���وى ال���ذي ينتج���ه امل�ستخدمون وال���ذي �أ�صبح متاح��� ًا على نطاق‬ ‫وا�س���ع‪ ،‬كل هذا �ساعد «القاع���دة» واحلركات الفرعي���ة املرتبطة بها يف‬ ‫القرن احل���ادي الع�شرين على تو�سيع م�ساحات و�صوله���ا‪ .‬و�أ�صبح يُ�شار‬ ‫�إىل ا�سمها عاملياً‪ ،‬وغالب��� ًا ما ي�صرح زعمائها حول �أهمية احلفاظ على‬ ‫�سمعة التنظي���م ال�شعبية‪ .‬فقد �أعلن �أمين الظواه���ري‪ ،‬قائالً‪�« :‬إن �أكرث‬ ‫م���ن ن�صف هذه املعركة ي���دور يف ميدان و�سائل الإعالم»‪ .‬كما حثّ كبري‬ ‫املُروِّج�ي�ن للقاعدة‪ ،‬و�أمري جبهة الإعالم الإ�سالمية العاملية الذي يظهر‬ ‫حت���ت اال�سم امل�ستعار «�ص�ل�اح الدين الثاين»‪ ،‬جمه���ور امل�ؤمنني‪ ،‬قائالً‪:‬‬ ‫«توحدوا �أيه امل�سلمون‪ ...‬و�شكلوا �سرايا اجلهاد الإعالمي لك�سر ال�سيطرة‬ ‫ال�صهيوني���ة املفرو�ضة على و�سائ���ل الإعالم‪ ،‬ولرتهب���وا الأعداء»‪ .‬ومبا‬ ‫�أنها تعتم���د كثري ًا على �إعادة ن�شر ر�سالتها عاملي���اً‪ ،‬فالبد �أن «القاعدة»‬ ‫ت���درك هويتها العامة �أكرث من غريها من التنظيمات الإرهابية على م ّر‬ ‫التاري���خ‪ .‬وللإبقاء عل���ى هويتها العاملية البد �أن حتاف���ظ با�ستمرار على‬ ‫تدف���ق املعلومات وما يُ�ستَجد من تطورات حت���ى تظل حا�ضر ًة يف الوعي‬ ‫العام‪.‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل الإ�ش���ارة امل�ستم���رة ال�س���م «القاع���دة» عل���ى القن���وات‬ ‫التلفزيوني���ة الف�ضائي���ة و�شبك���ة الإنرتن���ت‪ ،‬ت�ستخدم «القاع���دة» طرق‬ ‫التوزي���ع الأقل تط���وراً‪ .‬وقد مت تق���دمي �أ�شرطة �صوتي���ة ومواعظ مكتوبة‬ ‫و�أقرا����ص م�ضغوط���ة و�أقرا����ص (دي‪ .‬يف‪ .‬دي) ملعظ���م احل���االت الت���ي‬ ‫تخ�ض���ع له���ذه الدرا�سة للإجابة ع���ن �أ�سئلتهم حول الأح���داث اجلارية‪.‬‬ ‫وبطبيع���ة احلال‪� ،‬إذا كان هناك �شاب م�شو����ش الذهن �أو مُتلهف ملعرفة‬ ‫�أي جان���ب من جوان���ب الإ�سالم �أو الأحداث احلالي���ة‪ ،‬ف�إنه يتم �إعطائه‬ ‫خطب���ة مُ�سجّ ل���ة �أو ي�ؤخ���ذ �إىل �أح���د امل�ساج���د املحلية حيث يتلق���ى �آراء‬ ‫«القاعدة» وتفا�سريها اخلا�صة لتعاليم الإ�سالم‪ .‬وقد �أُلقي القب�ض على‬ ‫بع����ض املقاتلني وبحوزتهم �أ�شرطة‪ ،‬وقالوا خالل املقابالت التي �أُجريت‬ ‫معهم �أن هذه الأ�شرطة قيم��� ٌة للغاية‪ .‬وكانت العنا�صر اجلديدة حتملها‬ ‫معها كرمز للمكان���ة‪ ،‬بينما �شجّ ع قادة اخلاليا الإرهابية املُجنّدين على‬ ‫م�شاركة الأ�شرطة مع الأ�صدقاء‪.‬‬ ‫وعندم���ا جتتمع اخلُطب املتطرفة – �سواء كان���ت مبا�شرة �أو م�سجلة‬ ‫– م���ع التمجيد املُنظّ م للإنرتن���ت‪ ،‬ف�إنها حتدث �ضجة م�ستمرة حول‬ ‫«القاع���دة» وي�صبح التنظيم منوذج ًا طموح ًا يُغري باالتّباع‪ ،‬ويُنظر �إليه‬ ‫ب���كل ب�ساطة على �أنه احل���ل الوحيد �أمام ال�شاب الذي متلأ ر�أ�سه الكثري‬ ‫من الت�سا�ؤالت‪ .‬وكما �أو�ضح الباحث املعروف يف ظاهرة الإرهاب براين‬ ‫ماي���كل جِ نكين���ز‪ ،‬ف�إن «�ألفاظ التجني���د تُركِّز على ال���ذُّل والعار والذنب‬ ‫مقاب���ل الكرامة والواج���ب وال�شرف»‪ .‬ويف نهاية املط���اف‪ ،‬يجد ال�ساعي‬ ‫وراء «القاع���دة» �أن لديه���ا �إجاب���ة جاه���زة لكل �ش���يء‪ ،‬و�أن الطريق �إىل‬ ‫حتقيق النجاح قد تبيّنت‪.‬‬ ‫ويف كل �ش���كل من �أ�شكال و�سائل الإعالم ميك���ن ت�صوره‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫‪114‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ق�صة فتى من وراء‬ ‫خطوط «القاعدة»‬ ‫يف باك�ستان‬ ‫�سامي يو�سفزاي ورون مورو‬ ‫كان حافظ حنيف �شاهد ًا على حادثة مل ت�سلّط عليها الأ�ضواء الإعالمية‪.‬‬ ‫فف����ي �آذار‪ /‬مار�����س املا�ضي‪ ،‬ق�صفت طائ����رات من دون طي����ار‪« ،‬بريدايتور»‬ ‫(املفرت�س����ة)‪ ،‬مقاتلني يف �شم����ال وزير�ستان‪ .‬وكان الفت����ى الأفغاين يف رفقة‬ ‫عدد م����ن �أع�ضاء «القاع����دة» يف موكب من �سيارتني‪ .‬وتوق����ف املوكب للتموّن‬ ‫من جممع �سكن����ي‪ .‬وحلظة ترجل حنيف من �إحدى �سيارات املوكب‪ ،‬وتوجهه‬ ‫نح����و املُجمع‪ ،‬بع����د �أن دق الباب وابتع����د قلي ًال عنه متوجه ًا نح����و ال�سيارتني‪،‬‬ ‫على جاري موجبات اللياقة يف املناطق البا�شتونية‪� ،‬شُ نت غارة مزدوجة على‬ ‫ال�سيارتني‪ .‬وق�ضى فيها ‪ 7‬مقاتلني عرب من «القاعدة»‪ ،‬بينهم م�س�ؤول �سوري‬ ‫وم�ص����ري‪ .‬ويق����ول حني����ف �إن �أحد املقاتل��ي�ن مل يقتل على الف����ور‪ ،‬و�أنه حاول‬ ‫م�ساعدته ولكنه فارق احلياة‪.‬‬ ‫وحني����ف (واال�سم ه����ذا م�ستعار) يُقي����م‪ ،‬اليوم‪ ،‬مع والدي����ه يف كارات�شي‪،‬‬ ‫وه����و يف الـ‪ 16‬من العم����ر‪ ،‬والتحق ب�صفوف اجلهاديني‪ ،‬عل����ى خالف م�شيئة‬ ‫والديه‪ .‬وهو تلميذ بارع يف الريا�ضيات‪ ،‬وطليق بالإنكليزية والعربية والأوردو‬ ‫والبا�شت����و‪ .‬وعل����ى رغم �صغر �سن����ه‪� ،‬أم�ضى الأ�شهر ال����ـ‪ 18‬الأخرية يتدرب يف‬ ‫مع�سك����ر ل����ـ «القاع����دة» يف املناط����ق القبلي����ة الباك�ستاني����ة‪ ،‬عل����ى احلدود مع‬ ‫�أفغان�ستان‪ .‬وتق�صت جملة «نيوزويك» �صحة روايته‪ ،‬وحاولت التدقيق فيها ما‬ ‫�أمك����ن‪ .‬وحنيف هو ابن �شقيق م�س�ؤول يف طالبان لطاملا زوّد املجلة مبعلومات‬ ‫دقيق����ة‪ .‬وبعد اختفاء الفتى من منزل والديه يف �شباط‪/‬فرباير ‪ ،2009‬ق�صد‬ ‫عمه ووالده مرت��ي�ن وزير�ستان بحث ًا عنه‪ .‬ووجده والده يف رحلته الثانية‪ ،‬بعد‬ ‫�شهري����ن من تقفي �أثره‪ .‬ولكن الفتى رف�ض االبتعاد عن �أ�صدقائه العرب �إىل‬ ‫�أن حملته دموع والدته ورجواها بعد �أ�شهر على العودة‪.‬‬ ‫واختار حني����ف �أن يلتحق بـ «القاعدة» عو�ض طالبان الأفغانية التي ينتمي‬ ‫�إليه����ا عمّ����ه‪ .‬فجاذبي����ة املنظمة ه����ذه راجح����ة يف �أو�ساط املقاتل��ي�ن‪ ،‬ويظهر‬ ‫املنت�سب����ون �إليها يف مظه����ر نخبة‪ .‬ويرى حنيف �أن م����ا عا�شه مغامرة كبرية‪.‬‬ ‫وهو يغف����ل اجلانب العنيف م����ن �أن�شطة املقاتلني‪ .‬فهم يعدم����ون اجلوا�سي�س‬ ‫املفرت�ض��ي�ن‪ ،‬ويعت����دون بالأ�سي����د على فتي����ات‪ ،‬ويرهبون ال�س����كان يف املناطق‬ ‫التي يُحكم����ون قب�ضتهم عليها‪ .‬واالن�ضم����ام �إىل املقاتلني اجلهاديني‪ ،‬واملوت‬ ‫«�شهي����داً»‪ ،‬ه����و حلم����ه الوحي����د‪ .‬في����وم كان يف ال�سابع����ة‪ ،‬اجتاح����ت �أم��ي�ركا‬ ‫�أفغان�ست����ان‪ .‬وب����د�أ ال����زوار م����ن مقاتل����ي طالب����ان وم�س�ؤولني فيه����ا وم�ؤيديها‬ ‫يتواف����دون على من����زل عائلته‪ ،‬ق����رب كارات�شي‪ .‬ون�ش�أ الفتى وه����و ي�ستمع �إىل‬ ‫ق�ص�����ص عن «احلرب املقد�سة» على ال�سوفيات‪ ،‬وحرب املُال عمر على �أمراء‬ ‫احلرب الأفغان‪ ،‬وعهد طالبان يف احلكم‪.‬‬

‫ويف الع����ام املا�ضي‪ ،‬قابل حني����ف رج ًال من القبائل يف مقه����ى بكارات�شي‪.‬‬ ‫وكان الرجل يروي ق�ص�ص ًا مثرية عن حرب طالبان الباك�ستانية على القوات‬ ‫احلكومية‪ ،‬يف املناطق القبلية‪ .‬والحظ الرجل وقع ما يرويه على حنيف‪ .‬فعاد‬ ‫يف اليوم التايل �إىل املقهى ملقابلته‪ .‬وطلب حنيف منه م�ساعدته على االلتحاق‬ ‫باملقاتلني‪ .‬وتبينّ �أن الرجل يجنّد املقاتلني حل�ساب بيت اهلل حم�سود‪ ،‬الزعيم‬ ‫الطالب����اين الباك�ستاين الذي قُتل قبل عام‪ .‬وذاع �صيت جتنيد حم�سود �شبان ًا‬ ‫يافعني لتنفيذ عمليات انتحارية‪ .‬ويُن�سب اغتيال بينظري بوتو‪ ،‬رئي�سة الوزراء‬ ‫الباك�ستانية ال�سابقة‪� ،‬إىل واحد من ه�ؤالء االنتحاريني ال�شباب‪ .‬و�شعر حنيف‬ ‫ُخف �سعادته‪.‬‬ ‫�أن احلظ حالفه‪ ،‬ومل ي ِ‬ ‫وبعد �أيام‪ ،‬غادر منزل والديه يف ال�صباح املبكر‪ .‬ولكنه مل يق�صد املدر�سة‪،‬‬ ‫بل ا�ستقل با�ص ًا مع جمنّده �إىل مدينة بانّو‪ ،‬املعرب �إىل �شمال وزير�ستان‪ .‬ولكنه‬ ‫مل ي�ص����ل �إىل مع�سكر حم�س����ود‪ .‬فالبا�ص توقف يف مع�سكر ال����ـ «قاعدة» على‬ ‫مقرب����ة من مدينة داتا خل‪ ،‬على احلدود الأفغانية‪ ،‬ليرتجل �شابان خليجيان‬ ‫رافق����ا حنيف من كارات�شي‪ .‬و�أعجب حنيف بال�شابني‪ ،‬وتوجه �إليهما بالعربية‬ ‫مرحب����اً‪ ،‬و�أخربهما عن عمّ����ه امل�س�ؤول يف طالبان الأفغاني����ة‪ .‬فقال له ال�شيخ‬ ‫عب����داهلل �سعيد‪ ،‬وهو م�س�ؤول ليبي يف «القاع����دة»‪« :‬ميكنك البقاء �إذا �شئت»‪.‬‬ ‫وه����ذا ما ح�ص����ل‪ .‬و�شارك يف برنام����ج تدريبي دام ‪� 3‬أ�شهر‪ .‬وي����روي �أنه كان‬ ‫مت�شوق���� ًا ليبد�أ التدرب‪ .‬ولكنه واج����ه �صعوبات‪ .‬فاملدربون العرب يطلبون من‬ ‫املتدرب��ي�ن بذل جهود كبرية‪ .‬وتن����وع جن�سيات زمالء حنيف يف �صف التدريب‬ ‫ وعدده����م ‪ 30‬طالب ًا بينهم �شي�شان‪ ،‬و�سوريون و�أتراك وطاجيك و�سعوديون‬‫وفرن�سي����ان من �أ�صل جزائ����ري‪ ،‬و‪� 3‬أملان اثنان يتحدران م����ن �أ�صل عربي �أو‬ ‫ترك����ي ‪ -‬ه����ذا التنوع هو م����ر�آة جاذبي����ة «القاعدة» وقدرتها عل����ى ا�ستقطاب‬ ‫املقاتلني من جن�سيات خمتلفة‪.‬‬ ‫وحني����ف كان الأفغاين الوحي����د بينهم‪ ،‬والأ�صغر �سن����اً‪ .‬وعدد من الأتراك‬ ‫والأوزب����ك وال�شي�شان يجيدون العربية �أو الرتكي����ة �أو البا�شتو‪ ،‬وكانوا ينقلون‬ ‫تعليم����ات الأ�سات����ذة �إىل من ال يفه����م العربية‪ .‬وتعلم حنيف قي����ادة الدراجة‬ ‫الناري����ة وال�سيارة وال����ـ «بيك �آب» وال�شاحنة‪ .‬وتلقّن عل����وم الدفاع عن النف�س‬ ‫بوا�سطة ال�سكني وبندقية «�أك‪ »-47‬ور�شا�ش الكال�شنيكوف‪ .‬ونقل خرباء عرب‬ ‫�إلي����ه �أ�صول ا�ستخ����دام املتفجرات‪ ،‬و�سبل �صناعة �س��ت�رات انتحارية‪« .‬و�صار‬ ‫يف و�سع����ي �صناع����ة �سرتات حتتوي عل����ى ‪� 5‬أو ‪ 6‬كيلوغرامات م����ن املتفجرات‬ ‫وامل�سامري يف �أربع �ساعات»‪ ،‬على ما يقول حنيف مُتباهياً‪.‬‬ ‫وت����درب حنيف على كيفية احلفاظ على رباط����ة ج�أ�شه حني االقرتاب من‬

‫>>‬

‫حديث ال�شارع‪ ،‬يجد ال�ساعي لالن�ضمام �إىل «القاعدة» �أنه يتم احلديث‬ ‫عنها ككيان �أ�سطوري‪ .‬كما تقدم «القاعدة» ر�ؤية عاملية منطقية ب�صيغة‬ ‫مب�سطة جد ًا وموحدة عن ظواهر تبدو متباينة تزيد من �إحباط ال�ساعي‬ ‫�إليه���ا جت���اه ن�ض���ال امل�سلمني عرب الع���امل‪ .‬وبهذه الطريق���ة يكون هناك‬ ‫خياران ال ثالث لهما‪ :‬موا�صلة املعاناة �أو االن�ضمام معنا للقتال‪.‬‬ ‫ويتم خل���ط رموز املجد بنيا�ش�ي�ن ال�شرف التي متن���ح لل�شباب الذين‬ ‫وج���دوا مهنته���م ومكانه���م‪ ،‬وح���ددوا م�سار حياته���م‪ .‬وه���ذا النوع من‬ ‫اجله���اد الإ�سالم���ي يُلفِّ���ق رواي���ة بطولية‪ ،‬ويبع���د ال�شكوك الت���ي تنتاب‬ ‫ال�شب���اب حيال موقعهم يف ه���ذا العامل‪ ،‬وي�ستبدله���ا بالهدف والتوجيه‪.‬‬ ‫وتق���دم ر�سالة «القاع���دة» فر�صة لالختيار الذات���ي‪ ،‬وطريق ًا لالن�ضمام‬ ‫�إىل الأم���ة احلقيقية �أو جمتم���ع امل�ؤمنني‪ .‬ومع �أن ال�ش���اب ال�ساعي وراء‬ ‫ع�ضوية «القاعدة» قد عانى مُ�سبق ًا من خيبة الأمل يف تفاعله مع املجتمع‬ ‫امل�سلم‪� ،‬إال �أنه يرى �أن هذه فر�صة لالرتباط مبا هو �أعظم من نف�سه‪.‬‬ ‫�إن م���ن ال�صعب عل���ى الغربيني فه���م م�ستوى التمجي���د الذي حتظى‬ ‫ب���ه «القاع���دة»‪ .‬فقبل �أن ي�ص���ل ال�ساع���ي وراء هذا التنظي���م �إىل عتبة‬ ‫�أب���واب منتديات���ه‪ ،‬متتل���ئ �أُذُ ناه ب�صخب لغ���ة التطرف‪ .‬كم���ا تقدم بيئة‬ ‫الإع�ل�ام يف بع�ض �أجزاء ال�ش���رق الأو�سط لل�شباب �سري���ع الت�أثر‪ ،‬فكرة‬ ‫عدم وج���ود بدائل ناجعة وايجابية حتل حمل «القاعدة»‪ .‬ويف عام ‪2007‬‬ ‫كان هن���اك �أكرث م���ن ‪ 4.500‬موقع جهادي تن�ش���ر �أيديولوجية «القاعدة»‬ ‫وتدعم املحادثات‪ ،‬وت�سهل املناق�شات حول دور ال�شباب امل�سلم يف العامل‬ ‫احلدي���ث‪ .‬وما زال عدد املواقع ي���زداد يوم ًا بعد ي���وم‪ ،‬وكذلك املدونات‬ ‫والتعيين���ات على موقع «يو تيوب» وغريه من املواقع االجتماعية الأخرى‪.‬‬ ‫ويف نف����س الوقت‪ ،‬متتل���ك «القاعدة» مكتبة عل���ى الإنرتنت حتتوي �آالف‬ ‫الكتب واملقاالت‪ ،‬كتبها جهاديون كبار‪.‬‬ ‫ويف ن�شرات الأخبار التلفزيونية يف لبنان تجُ رى ب�شكل دائم مقابالت‬ ‫م���ع «�أمه���ات ال�شه���داء» ويتحدثن بفخر ع���ن اجن���ازات �أبنائهن‪ ،‬ويتم‬ ‫ت�صويره���ن كركائز لكلٍّ م���ن العقيدة واملجتمع‪ .‬وهن���اك توجد �أ�شرطة‬ ‫الفيدي���و للمتطوعني يف املا�ض���ي وامل�ستقبل‪ ،‬وتُن�شَ ر �ص���ور ال�شهداء على‬ ‫�أوراق الإعالنات والالفتات والتق���اومي‪ ،‬كما تُعرَ�ض عمليات اال�ست�شهاد‬ ‫يف املهرجان���ات وامل�سرحي���ات املدر�سية‪ ،‬وكل ه���ذه الأ�شياء تقوم بتربير‬ ‫ومتجيد الأعمال االنتحارية‪ .‬وبغ�ض النظر عن م�صدره‪ ،‬ف�إنه يتم تعميم‬ ‫متجي���د القتال عندم���ا تقوم القن���وات الف�ضائية بب���ث معلومات حملية‬ ‫للم�شاهدين على امل�ستوى الإقليمي‪.‬‬ ‫�إن مجُ نّ���دي القاع���دة‬ ‫الفئ��ات الأرب��ع‬ ‫املحتملني الذين يعي�شون يف هذه البيئة الإعالمية امل�شحونة جداً‪ ،‬ميثلون‬ ‫طاقة غري موجهة تبحث عن الإر�شاد والتوجيه‪ ،‬ويريدون �أن يعرفوا من‬ ‫ه���م‪ ،‬وما �أهميتهم‪ ،‬وماذا يجب �أن يكون دورهم يف هذا العامل‪ .‬فلديهم‬ ‫رغب���ة يف حتديد ذاتهم لكنه���ا مل تتحقق‪ ،‬ولذا تعر�ض «القاعدة» نف�سها‬ ‫لتحقي���ق ذل���ك‪ .‬ويف املقابالت الت���ي �أجريت م���ع �أولئك الذي���ن تخطوا‬ ‫العتبة‪ ،‬وب���دءوا عملية التلقني‪ ،‬تكرر مو�ضوع واحد يف كل ت�صريحاتهم‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪115‬‬


‫املحــــور‬ ‫>>‬

‫وه���و �أنهم جميع��� ًا كانوا يبحثون ع���ن �شيء ما‪ .‬ويف طبيع���ة هذا البحث‬ ‫الأ�سا�سية تكمُن مقدرة «القاعدة» يف حتويلهم �إىل عنا�صر عنف‪ .‬ووفق ًا‬ ‫ملا ي�سعون �إليه‪ ،‬ميكن تق�سيمهم �إىل �أربع فئات‪ ،‬هي‪ :‬طالِبُ الث�أر؛ وطالِبُ‬ ‫املكان���ة؛ وطالِبُ الهوية؛ وطالِ���بُ الإثارة‪ .‬وبتناول م���ا يبحثون عنه‪ ،‬ف�إن‬ ‫هذا �سيقودنا مبا�شرة �إىل الكيفية التي ميكن بها تغيري طريقهم‪.‬‬ ‫واجلدي���ر بالذكر هنا �أن هذه الفئات متثل �أولئك الذين هم مجُ نّدون‬ ‫محُ تم ٌل ان�ضما ُمه���م ولي�س عنا�صر «القاع���دة» �أو منا�صريها الن�شطني‪.‬‬ ‫فحامل���ا يك���ون ال�شاب قد «ع�ب�ر العتبة»‪ ،‬وب���د�أ عملية التلق�ي�ن‪ ،‬ف�إن بيئة‬ ‫معلومات���ه تتغري جذرياً‪ ،‬وي�صبح معزو ًال ويتم تلقينه تعاليم �أخرى‪ ،‬ومن‬ ‫التع�صب املُف���رَط الذي يجعله‬ ‫ث���مّ ف�إن نظرته للع���امل تتغري �إىل درج���ة ُّ‬ ‫خمتلف ًا �سيكولوجي ًا عن حالته قبل التلقني‪ .‬وحاملا يدخل املُجنّد املحتمل‬ ‫ع�ب�ر قناة «القاع���دة» ف�إنه ال يغدو �صاحل ًا ملكافح���ة التطرف عن طريق‬ ‫الت�أث�ي�ر االيجابي‪� ،‬إذ مل يع���د ممكن ًا �أن ي�سمع ر�سال��� ًة مُعارِ�ض ًة لر�سالة‬ ‫«القاع���دة»‪ ،‬وتُ�صبِ���ح فر�صة حتريره للر ّد عليه���ا �أو تف�سريها مو�ضوعي ًا‬ ‫�ضئيلة للغاية‪.‬‬ ‫ثانياً‪ ،‬ال متثل هذه الفئات املتمردين املحليني الثائرين �ضد حكوماتهم‬ ‫لالن�ضم���ام �إىل ح���ركات التم���رد �أو االنف�ص���ال‪ ،‬ولك���ن �أولئ���ك الذي���ن‬ ‫جتعله���م رغبتهم ل�ت�رك �أوطانهم مخُ تلِفني يف دوافعه���م وخطرين جد ًا‬ ‫على الواليات املتحدة وحلفائه���ا‪� .‬أما �إ�شكاالت الإرهاب املحلي والتمرد‬ ‫الداخلي‪ ،‬رغم عالقتها باملو�ضوع‪ ،‬فلها دوافع خمتلفة‪.‬‬ ‫يرى‬ ‫ّ�س لغ�ضبه‬ ‫ِلب الث�أر‪ :‬يبحث عن مُت َنف ٍ‬ ‫طا ُ‬ ‫�أول ن���وع – طالِبُ الث�أر – �أنه �ضحية يف املجتمع‪ ،‬ويمُ لي عليه منطِ قه �أن‬ ‫هن���اك قوى خارجية تت�سبب يف تعا�ست���ه‪ ،‬وتُ�صعِّب عليه حتقيق النجاح‪.‬‬ ‫ومبعنى �أدق‪ ،‬فهو ال يدري ما هو �سبب غ�ضبه‪ ،‬ولهذا يبحث عن �أي �شيء‬ ‫يع���زو �إليه هذا ال�شعور‪ .‬وي�ست�شيط غ�ضب ًا وغي�ض��� ًا لأتفه الأ�سباب‪ ،‬التي‬ ‫ترتاوح بني التناف�س مع الطالب يف فناء املدر�سة �إىل �صدٍّ رومان�سيٍّ من‬ ‫حبيب‪ .‬وقد و�صف املحلل النف�سي هينز كوهت هذه احلالة ب�أنها «غي�ض‬ ‫نرج�س���ي‪ ...‬احلاجة لالنتقام‪ ،‬وت�صحي���ح اخلط�أ‪ ،‬وت�ضميد اجلراح ب�أي‬ ‫و�سيل���ة كانت‪ ،‬والإكراه الرا�سخ الذي ال ينثني �سعي ًا وراء حتقيق كل هذه‬ ‫الغايات»‪ .‬وقد �أدعى الأ�شخا�ص الذين خ�ضعوا لهذه الدرا�سة �أن ال�سبب‬ ‫وراء م�شاركته���م يف القتال هو من �أجل معاقبة الغرب على هجماته �ضد‬ ‫امل�سلم�ي�ن‪ .‬لكن ما �أن توا�صلت املناق�شات معه���م حتى ات�ضح �أنهم كانوا‬ ‫عل���ى خالف مع �أحد �أف���راد �أ�سرهم‪ ،‬خا�صة الآب���اء‪� ،‬أو �أنهم تورطوا يف‬ ‫نزاع���ات وم�شاج���رات احلي الذي كان���وا ي�سكنوه‪ ،‬وذل���ك قبل االهتمام‬ ‫بع�ضوية «القاعدة»‪.‬‬ ‫ويذك���ر خبري ح�ض���ارة ال�شرق الأو�س���ط الإ�سالمي مارف�ي�ن زوني�س‪،‬‬ ‫�إن املجتمع���ات العربي���ة ُتق���دِّ ر �ش���رف وكرام���ة الفرد �أكرث م���ن احلرية‬ ‫ُدمّرة‬ ‫ال�شخ�صية‪ .‬وعندما تواجه مبادئ ال�شرف والكرامة الإخفاقات امل ِ‬ ‫لكث�ي�ر م���ن دول ال�شرق الأو�سط يف نيل الأهمي���ة يف العامل‪ ،‬ف�إن النتيجة‬ ‫تك���ون ذ ًال عميق��� ًا ودائمَ الوج���ود‪ ،‬وغ�ضب ًا ملمو�س��� ًا يف املنطقة‪ .‬ومع �أنه‬ ‫‪116‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫الهدف الذي ينوي تفجريه‪ .‬ويُحفظ زر التحكم باملتفجرات يف �سحّ اب داخل‬ ‫�سرتة املتفجرات للح�ؤول دون تفج��ي�ر ال�شاب الع�صبي واملتقلب املزاج نف�سه‬ ‫باك����راً‪ ،‬قبل الو�صول �إىل اله����دف‪ .‬ويطلب الأ�ساتذة �إىل ط��ل�اب االنتحار �أال‬ ‫يفج����روا �أنف�سهم حلظة م�شاهدة الهدف‪ .‬ويقول حني����ف �إن املدربني العرب‬ ‫يدر�س����ون طباع املُجنّدين عن قرب‪ ،‬و�أنهم يف�ضل����ون الأوالد الأذكياء امليالني‬ ‫�إىل االمتث����ال للأوام����ر‪ ،‬والذين يجيدون ق����راءة اخلرائ����ط‪ ،‬وي�سعهم �ضبط‬ ‫�أع�صابهم‪ .‬ويف زيارته �إىل مع�سكر حم�سود‪� ،‬شاهد حنيف متدربني يافعني ال‬ ‫يزيد عمرهم عن الـ‪ 12‬عاماً‪ .‬ويف زيارة غري متوقعة‪ ،‬الحظ بيت اهلل حم�سود‬ ‫فت����ى �صغري ًا جد ًا يف ال�سن‪ ،‬فطلب م����ن القائمني على املع�سكر �أن يعيدوه �إىل‬ ‫�أهل����ه‪ .‬وبعد مقت����ل حم�سود‪ ،‬عاد القائمون على املع�سك����ر �إىل جتنيد الأطفال‬ ‫«املفجرين»‪.‬‬ ‫وي�ش����د احلنني حني����ف �إىل مع�سكرات التدري����ب‪ .‬فـ «الطع����ام كان لذيذاً‪،‬‬ ‫وال�س��ل�اح جي����داً‪ ،‬و�أجهزة التفج��ي�ر متواف����رة‪ .‬وكل ما يحتاجه امل����رء ليكون‬ ‫جهادي ًا نافذ ًا وقوي ًا كان يف متناوله»‪ ،‬على ما يقول‪ .‬ويف مع�سكرات التدريب‪،‬‬ ‫ال تتوق����ف مول����دات الكهرباء عن العم����ل‪ .‬ويف نهاية الي����وم‪ ،‬يق�ضي املقاتلون‬ ‫وقتهم يف م�شاهدة �أفالم «جهادية» على �أجهزة الكومبيوتر املحمولة‪.‬‬ ‫وح��ي�ن �شارف حني����ف على التخرج من ال����دورة‪ ،‬بد�أ اجلي�����ش الباك�ستاين‬ ‫غ�ض‬ ‫حملت����ه على املقاتلني جن����وب وزير�ستان‪ .‬ف�إ�سالم �أباد مل يعد يف و�سعها ّ‬ ‫النظ����ر ع����ن عمليات حم�سود‪� ،‬إثر اغتي����ال بوتو‪ .‬وتفرق املدرب����ون واملجندون‬ ‫جمموع����ات �صغرية‪ ،‬وفرّوا �إىل �شم����ال وزير�ستان حيث الت�أم �شملهم برئا�سة‬ ‫ال�شي����خ �سعي����د‪ .‬وا�ست�����أذن حنيف ال�شيخ ه����ذا‪ ،‬يف خمابرة والدت����ه‪ ،‬ووعدها‬ ‫بالع����ودة‪ ،‬على رغم عدم رغبته يف ذل����ك‪ .‬ويقول حنيف‪« :‬العرب ال يُجربوننا‬ ‫عل����ى البقاء‪ ،‬واملع�سكرات لي�ست �سجوناً‪ ،‬عل����ى خالف ما تزعم الربوباغندا‬ ‫(الدعاي����ة) الأمريكي����ة‪ .‬وق����ال يل العرب �أنت ح����ر وت�ستطيع الع����ودة‪ .‬ولكن‬ ‫مل����اذا ال تع����دل عن ر�أيك وتبقى معن����ا»‪ .‬ويروي حني����ف �أن املقاتلني امللتزمني‬ ‫ي����رون الكالم يف البي����ت والعائلة خطيئ����ة‪ .‬وكُرث منهم يحمل �ص����ور منازلهم‬ ‫اجلميلة و�سي����ارات فاخرة تركوها عند مغادرتهم �إىل «القاعدة»‪ ،‬دلي ًال على‬ ‫الت�ضحيات التي بذلوها يوم قرروا االلتحاق بـ «القاعدة»‪.‬‬ ‫وبد�أت حمالت اجلي�ش الباك�ستاين تحُ كم اخلناق على املقاتلني‪ .‬وتقاربت‬ ‫وت��ي�رة هجمات الطائرات من دون طيار‪ .‬و�أزي����ز الطائرات املفرت�سة يكاد ال‬ ‫يتوق����ف ف����وق وزير�ستان‪ .‬فيعتاد امل����رء ال�صوت هذا‪ .‬ويف الع����ام املا�ضي‪ ،‬بلغ‬ ‫ع����دد �ضحايا هجم����ات هذه الطائ����رات نح����و ‪ 80‬مقاتالً‪ ،‬بح�س����ب تقديرات‬ ‫حنيف‪ .‬وهي تقديرات قريبة من �أرقام م�صدر يف اال�ستخبارات الباك�ستانية‬ ‫يرى �أن عدد قتلى املنظمة هذه يف هجمات الطائرات بلغ نحو ‪ 120‬قتيالً‪ ،‬يف‬ ‫العام��ي�ن املا�ضيني‪ .‬وكثفت قوى الأمن الباك�ستانية حمالتها يف �أ�سواق مريان‬ ‫�ش����اه‪ ،‬عا�صمة �شمال وزير�ست����ان‪ .‬وقب�ضت ذات مرة على حنيف وا�ستجوبته‪.‬‬ ‫ولكن����ه جن����ح يف �إقناعها ب�أنه �شاب �صغ��ي�ر ي�سعى يف االن�ضم����ام �إىل طالبان‬ ‫الأفغانية‪ .‬ف�أطلق �سراحه‪.‬‬ ‫وعل����ى رغم الهجم����ات هذه‪� ،‬أفلح����ت «القاع����دة» يف تعوي�����ض خ�سائرها‪.‬‬ ‫وجنّ����دت م�س�ؤول��ي�ن ج����دداً‪ .‬واملجن����دون اجل����دد يتدفق����ون عل����ى مع�سكرات‬ ‫«القاع����دة»‪ ،‬بعد رحل����ة طويلة تدوم نحو ‪� 3‬أ�شهر‪ .‬فيتجمع����ون يف ب�ؤر �آمنة يف‬ ‫تركيا وال�ش����رق الأو�سط و�آ�سيا الو�سطى‪ ،‬ومنها يق�صدون �أفغان�ستان‪ .‬وغالب ًا‬ ‫م����ا يحمل القادمون من تركيا وال�شرق الأو�سط �أموا ًال تفوق الـ‪� 20‬ألف دوالر‪.‬‬ ‫ويرت����اب م�س�ؤولو «القاعدة» يف القادمني اجل����دد‪ ،‬ويح�سبون �أنهم جوا�سي�س‪،‬‬

‫و�أن اال�ستخبارات الأمريكية ك ّلف����ت بع�ضهم زرع �سيارات «القاعدة» ب�أجهزة‬ ‫تعقب مغناطي�سية حتدد مكانها متهيد ًا لق�صفها‪.‬‬ ‫و ُيق����دِّ ر حنيف عدد م�س�����ؤويل «القاعدة» يف باك�ستان بنح����و ‪� 130‬شخ�صاً‪،‬‬ ‫ج ّله����م من العرب‪ ،‬وق�سم ال ي�ستهان به منه����م �شي�شاين و�أوزبكي‪ ،‬وقلة منهم‬ ‫�أت����راك‪ .‬ويقول حنيف �إن نحو ن�صف ه�ؤالء غ����ادروا �إىل �أفغان�ستان مل�ساعدة‬ ‫طالب����ان الأفغاني����ة عل����ى مواجه����ة خط����ة «التجيي�����ش» (رفع ع����دد القوات)‬ ‫الأمريكي����ة‪ .‬وتوزع����وا عل����ى جمموع����ات �صغ��ي�رة م����ن ‪� 5‬أو ‪ 6‬رج����ال الواحدة‬ ‫ليلتحقوا ب�صفوف طالبان الأفغانية‪ .‬ومهمتهم تقت�صر على ت�صنيع ال�سرتات‬ ‫االنتحاري����ة‪ ،‬والعب����وات النا�سفة‪ ،‬وتدري����ب طالبان املحلية عل����ى �أ�صول �صنع‬ ‫القناب����ل‪ ،‬ولي�����س امل�شارك����ة يف القتال‪ .‬وبح�س����ب حنيف‪ ،‬بقي نح����و ‪ 65‬مدرب ًا‬ ‫عربي���� ًا من «القاعدة» يف املناط����ق القبلية الأفغانية‪ .‬والرق����م هذا قريب من‬ ‫تقدي����رات رئي�����س الـ «�سي �آي �أيه»‪ ،‬لي����ون بانيتا‪ ،‬الذي يق����ول �إن عدد �أع�ضاء‬ ‫«القاعدة» يف �أفغان�ستان يرتاوح بني ‪ 50‬رج ًال و‪ 100‬رجل‪.‬‬ ‫و�ش�أن �أق����ران �سنّه الذين ي�ؤخذون بـ «النج����وم» والقادة‪ ،‬تلمع عينا حنيف‬ ‫عندما يتكلم عن «امل�شاهري» الذين �صادفهم بدء ًا ببيت اهلل حم�سود وخليفته‬ ‫حكيم اهلل حم�سود‪ ،‬و�أبو يحيى الليبي‪� ،‬صاحب املرتبة الثالثة يف الـ «قاعدة»‪،‬‬ ‫و�آدم غدن‪ ،‬املعروف بعزام الأمريكي‪ .‬و�إثر تعاظم خطر هجمات «املفرت�سة»‪،‬‬ ‫اختف����ى ه�ؤالء القادة عن الأنظ����ار‪ ،‬على قول حنيف‪ .‬وال تخبو حما�سة حنيف‬ ‫عن����د ال����كالم على لقائ����ه بالعميل الأردين امل����زدوج همام خلي����ل �أبو مالل ‪-‬‬ ‫البلوي الذي فجّ ر نف�سه يف قاعدة ا�ستخبارات �أمريكية يف خو�ست‪ ،‬يف كانون‬ ‫الأول‪ /‬دي�سم��ب�ر الأخري‪ .‬ويقول عنه‪« :‬كان دائم املزاح‪ .‬وكنا ندعوه �أبو ليلى‪.‬‬ ‫وكان طليق���� ًا بالعربية والإنكليزية والرتكية‪ ،‬ومقرب ًا من ال�شيخ �سعيد»‪ .‬وليلى‬ ‫ه����ي ابنة البل����وي البِكر‪ .‬و�أق ّل حني����ف و‪ 3‬من زمالئه البل����وي �إىل مريان �شاه‬ ‫يف طريق����ه �إىل �أفغان�ستان لتنفيذ العملية االنتحارية‪ .‬ويعر�ض حنيف �شريط‬ ‫فيدي����و على جهاز كومبيوتره املحم����ول يظهر فيه وهو ي�صنع �سرتة متفجرات‬ ‫يزع����م �أنه����ا ال�سرتة التي ارتداها البلوي‪ .‬وال مي���� ّل حنيف الكالم على الوقت‬ ‫الطي����ب ال����ذي �أم�ضاه يف لع����ب الكرة الطائرة م����ع العرب والأت����راك‪ ،‬و�صيد‬ ‫الأران����ب والطيور‪ ،‬والطبخ والنوم يف الع����راء‪ .‬ودرج جتار يف مريان �شاه على‬ ‫الرتحيب بحنيف ورفاقه‪ .‬وكانوا يدعونهم �إىل ق�ضاء الليلة يف متاجرهم بعد‬ ‫غلق �أبوابها ال�ستخدام �أجهزة الكومبيوتر والإنرتنت والهواتف الدولية‪ .‬وكان‬ ‫حني����ف يق�صد �سوق مريان �شاه مرة يف ال�شهر ل�شراء م�ؤن غذائية للمع�سكر‪.‬‬ ‫فينف����ق �أك��ث�ر من ‪ 1000‬دوالر عل����ى الغذاء والعتاد‪ .‬ويق����ول حنيف �إن املال مل‬ ‫ينق�����ص املقاتلني يوم����اً‪ .‬فهم ي�شرتون �شاحن����ات «بي����ك �آب» «تويوتا» جديدة‬ ‫و«الند كروزر» متى احتاجوا‪.‬‬ ‫ويف ني�س����ان‪� /‬أبري����ل املا�ضي‪ ،‬ق�ص����دت وحدة حنيف �أفغان�ست����ان‪ ،‬وحملوا‬ ‫هوي����ات �أفغاني����ة م����زورة‪ .‬ودرب����وا طالب����ان الأفغاني����ة على �صناع����ة العبوات‬ ‫النا�سف����ة‪ .‬ويف غ����زين‪ ،‬قاب����ل حنيف قريب �أب����و م�صعب الزرق����اوي الدموي‪.‬‬ ‫و�أبلغ����ه نيته العودة لزي����ارة والدته‪ .‬ف�أعطاه ر�سالة م����ن �صفحتني يحذره من‬ ‫الع����ودة �إىل عائلت����ه «لأنه����ا �س ُتغيرّ ه»‪ ،‬عل����ى قوله‪ .‬وم�ضى �شه����ران على عودة‬ ‫حني����ف �إىل كن����ف �أ�سرته‪ .‬وهو يواج����ه ال�شرور والإغ����راءات التي حذره منها‬ ‫�صديق����ه العربي‪ .‬فوالده يحثُّه على �إنهاء درا�ست����ه والزواج‪ .‬وعمّه يدعوه �إىل‬ ‫ال����زواج والعمل يف التج����ارة‪ .‬ولكنه يقول �إنه �سيخ�سر احلي����اة التي يحب �إذا‬ ‫نزل على دعوات �أهله‪.‬‬ ‫�سام���ي يو�سف���زاي ورون م���ورو مرا�س�ل�ان‪ ،‬واملق���ال ن�ش���ر يف جمل���ة «نيوزويك»‬ ‫الأمريكي���ة‪ ،‬بتاري���خ ‪� 13‬أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ .2010‬و�أعادت ن�ش���ره �صحيفة «احلياة»‬ ‫اللندنية يف منت�صف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪.2010‬‬

‫كان �أحيان��� ًا م���ن ال�صعب الف�صل بني الغ�ضب ال���ذي �شعرت به احلاالت‬ ‫يف ه���ذه الدرا�سة قب���ل ان�ضمامهم للقاعدة‪ ،‬والغ�ض���ب الذي كان نتيجة‬ ‫للغ���ة التط���رف‪� ،‬إال �أنه كان وا�ضح��� ًا فيما يقارب ‪ %30‬م���ن احلاالت �أن‬ ‫ال�شب���اب ه���م م���ن �سع���ى �إىل «القاعدة» ب�سب���ب غ�ضبهم‪ .‬وم���ن نواحي‬ ‫عدي���دة‪ ،‬ي�شب���ه طالب الث����أر حالة من ين�ض���م �إىل حركة حملي���ة‪� ،‬سواء‬ ‫�سيا�سي���ة كانت �أو قتالية‪ ،‬حماو ًال تغيري الظ���روف ال�سيا�سية التي يعي�ش‬ ‫فيه���ا‪ .‬لكن الفرق الكب�ي�ر يكمن يف �أن طالب الث�أر ال���ذي ي�صبح مقات ًال‬ ‫خارجي��� ًا يج���ب �أن ي�ست�شيط غ�ضب ًا �إذا ما الحظ �أتف���ه الأ�سباب التي مل‬ ‫يُعانِ منها �شخ�صي ًا �أو ج�سدياً‪ .‬ولكي يلبي حاجته لالنتقام عليه �أن يثور‬ ‫�ضد �شيء عانى من���ه فقط بالنيابة عن غريه‪ .‬وغالب ًا ما �أظهر املقاتلون‬ ‫الأجان���ب الذين يندرجون حتت هذه الفئة دالئ���ل على غرورهم املفرط‬ ‫جت���اه قيمته���م الذاتية‪ ،‬وكانوا يعتقدون �أنهم هم م���ن �سيُعيد العامل �إىل‬ ‫جم���راه ال�صحيح‪ .‬و»القاعدة» بدوره���ا تزيد من لهيب غ�ضبهم وتوجهه‬ ‫نحو الواليات املتحدة‪ ،‬وذلك ب�إعطائهم ك ًال من غاياتهم وتوجهاتهم‪.‬‬ ‫ومب���ا �أن طال���ب الث����أر يكون �أك�ث�ر اجنذاب��� ًا لر�سالة «القاع���دة» التي‬ ‫ت�سته���دف مهاجم���ة الغرب‪ ،‬ال���ذي يكون يف نظ���ره م�سئو ًال ع���ن معاناة‬ ‫املجتم���ع امل�سل���م‪ ،‬ف�إنه يجب �إيج���اد طرق �أخرى ل���ه لينفِّ�س عن غ�ضبه‪.‬‬ ‫ولك���ي ينحرف طالب الث�أر عن م�س���ار التطرف العنيف البد من �إعطائه‬ ‫م���ا قد يكون مُتنفَّ�س��� ًا لغ�ضبه‪ ،‬وو�سيل ًة لتوجيه ذل���ك الغ�ضب جتاه تغي ٍري‬ ‫ذي معن���ى يف هذا الع���امل‪ .‬ففتح قنا ٍة للتوا�صل مع طالب الث�أر من خالل‬ ‫احلوار وامل�شاركة ال�سيا�سي���ة‪ ،‬ودعم الفنون الإبداعية‪ ،‬وتقدمي الربامج‬ ‫الريا�ضي���ة‪ ،‬يمُ كِ ن �أن يُجدي نفع ًا يف تلبي���ة حاجته للتخل�ص من الغ�ضب‬ ‫الذي ينتابه‪.‬‬ ‫يف حني‬ ‫ِ��ب املكان��ة‪ :‬يبح��ث عن التقدي��ر‬ ‫طال ُ‬ ‫كان���ت فئة طالبي الث����أر �أكرث �شيوع��� ًا يف �أو�ساط �أولئ���ك الذين يعي�شون‬ ‫يف جمتمع���ات ال�ش���رق الأو�سط امل�سلمة‪ ،‬ف�إن الفئ���ة الثانية – �أي طالبي‬ ‫املكان���ة – كانت �سائدة يف �أو�ساط �شعوب ال�شت���ات‪ ،‬خا�ص ًة من يعي�شون‬ ‫يف ال���دول الغربي���ة‪ .‬ويرى طال���ب املكانة �أنه يعي�ش يف ع���ا ٍمل ال ي�ستوعبه‬ ‫وال يق���دره ح���ق التقدي���ر الذي يرى �أن���ه ي�ستحقه‪ .‬وتنبع خيب���ة �أمله من‬ ‫التوقع���ات غ�ي�ر املُحققة من �أن���ه �سيتمكّن من حتقي���ق النجاح يف وطنه‬ ‫اجلديد‪ ،‬و�أن يحظى بالتقدي���ر من جمتمعه املحلي‪ .‬وهذا ال�شعور �سائد‬ ‫بني املهاجرين الباحثني عن العمل‪ ،‬وطالب اجلامعات العاملية ال�ساعني‬ ‫�إىل االندماج يف البل���د الأجنبي‪ .‬لكن عنا�صر هذه الفئة يجدون �أنهم ال‬ ‫ينالون االحرتام الذي عرفوه قبل تركهم �أوطانهم‪.‬‬ ‫فلن�أخذ‪ ،‬عل���ى �سبيل املثال‪ ،‬ال�شاب الأفريقي ال���ذي �سافر �إىل �أوروبا‬ ‫بحث��� ًا عن �أجر �أف�ضل �أو �أحياة �أف�ضل‪ ،‬لكنه ما �أن و�صل �إىل وجهته حتى‬ ‫وجد نف�سه ال يج���د �سوى العمل الو�ضيع رغم �أن الأجر الذي يتلقاه �أكرب‬ ‫بكث�ي�ر مما هو احلال عليه يف وطنه‪ .‬وكان من باب الواجب �أن يُر�سِ ل ما‬ ‫يجنيه �إىل بلده‪ ،‬بينما يزبد ويرغي حيال حقيقة �أنه مُقيّد يف �أجزاءٍ من‬ ‫املدين���ة‪ ،‬ويقوم ببع�ض الوظائف املعينة يف جمتمع ال يرغب به �إال كعامل‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪117‬‬


‫املحــــور‬

‫رخي����ص‪ .‬وكما �صرخ �شاب مغربي قائالً‪« :‬كنت كالعبد يف فرن�سا‪ ،‬حيث تقريب ًا يف �أو�ساط فئ���ة املراهقني‪ ،‬ويج ّر ال�شباب �إىل ع�صابات ال�شوارع‬ ‫كنت �أعمل يف املطبخ غري �أنني مل �أكن �شخ�ص ًا مرغوب ًا به يف غرفة الأكل‪ .‬و�أندي���ة ال�شط���رجن وفرق اجلوّالة‪ ،‬وم���ن ثمّ �إىل «القاع���دة»‪ .‬وهذا ينبع‬ ‫وعندما كنت �أغادر احلي كان النا�س يف ال�شارع يتحا�شونني وك�أين �شيء م���ن احلاج���ة الفطري���ة �إىل التطبّع ب�سل���وك و�أعراف ومب���ادئ التجمع‬ ‫ق���ذر»‪ .‬و�شباب يف مثل هذا الو�ضع يعتقدون �أنهم ذو قدر وقدرات وقيمة االجتماع���ي‪ .‬وم���ا يحتاجه طالب الهوية ه���و البنية والقواع���د واملنظور‬ ‫للع���امل غري �أن و�ضعهم يف املجتمع مل يعك����س ذلك‪ .‬وكان �أكرث من ‪ %20‬الت���ي تنبثق جميع ًا من االنتماء �إىل اجلماع���ة‪ ،‬لأن االنتماء هو ما يحدد‬ ‫م���ن املقاتلني يف هذه الدرا�سة ي�سعون �إم���ا لتح�سني مكانتهم يف املجتمع �شخ�صيته ودوره و�أ�صدقائه وتفاعله مع املجتمع من حوله‪.‬‬ ‫�أو لإثبات �أهميتهم للعامل‪.‬‬ ‫وعندم���ا يُكافِح ال�شاب لإبراز نف�س���ه والتعريف بها‪ ،‬ف�إن معايري هوية‬ ‫وتعت�ب�ر النظري���ة التعليمية االجتماعي���ة لألربت بان���دورا وا�ضحة يف اجلماع���ة‪ ،‬وقبول �أقران���ه‪ ،‬ت�صبح �أمر ًا مهم��� ًا جداً‪� .‬أي�ض��� ًا توفر الهوية‬ ‫ه���ذه احلاالت‪ ،‬لأن ال�شباب املُحبَطني جتاه دورهم ون�ش�أتهم ي�سعون �إىل اجلماعية الرموز اخلارجية النتمائه‪ ،‬مُعلِن ًة وجوده للعامل‪ ،‬وجتعله يربز‬ ‫�أف���راد جمتمعاته���م املحلية م���ن ذوي املكانة العالية ليحت���ذوا حذوهم‪ .‬يف عي���ون الآخرين‪ .‬وت�شكل ه���ذه الفئة الن�سبة الأعل���ى للمقاتلني الذين‬ ‫ويف املجتمع���ات الغربية املق�سم���ة عرقي ًا يجد ه�ؤالء ال�شب���اب �أن القليل تناولته���م الدرا�س���ة‪ .‬وبالن�سبة له���م‪ ،‬يعترب تنظيم «القاع���دة» �أكرث من‬ ‫م���ن �أبن���اء وطنهم قد حقق���وا مكان���ة عالية‪ ،‬وب���دءوا ي���رون �أن التحيز جم���رد �أ�سطورة‪� -‬إنه �أف�ضل نادٍ حمتمل لالن�ضمام �إليه‪ .‬وكما هو احلال‬ ‫واال�ضطه���اد مينع عنا�صر فئتهم ب�أكمله���ا من حت�سني قدرهم‪ ،‬وهذا ما م���ع اجلماع���ات اخلا�صة املح�صورة عل���ى نف�سها جداً‪ ،‬م���ن التنظيمات‬ ‫يُفجِّ ر فيهم �صرخة ال���رد القائلة «�سوف نريكم»‪ ،‬ويدفعهم �إىل املطالبة الأخوي���ة �إىل الطوائ���ف الديني���ة‪ ،‬ف����إن �أيديولوجية «القاع���دة» تُطالِب‬ ‫بالإق���رار بقيمته���م الفعلية‪ .‬ويعت�ب�ر االحرتام وال�ش���رف ال�شخ�صي من بالطاع���ة العمي���اء بو�صفه���ا حالة ذهني���ة‪ ،‬وحتدد الطريق���ة التي يجب‬ ‫مع���امل املجتمعات التي ترعرع فيها ه����ؤالء ال�شباب‪ ،‬فبدءوا ي�شعرون �أن عل���ى عنا�صرها التفك�ي�ر والإح�سا�س والت�صرف وفقه���ا‪ .‬وهذه القواعد‬ ‫عليهم فعل �شيء ليثبتوا للع���امل قيمتهم احلقيقية‪� .‬إن العن�صرية وعدم الوا�ضحة‪ ،‬والر�ؤية املنطقية للعامل‪ ،‬تروق لطالبي الهوية لأنهم ي�صبغون‬ ‫الثق���ة يف الأ�شخا����ص ال�ش���رق �أو�سطيني‪ ،‬م���ن �ش�أنهما مفاقم���ة ال�شعور الهوي���ة بالأيديولوجيا‪ .‬وال�شاب ال���ذي يبحث عن الإر�شاد والتوجيه يجد‬ ‫وفر�ص الكثري من ذلك يف ظل «القاعدة»‪.‬‬ ‫بالعزل���ة وقل���ة القيمة (لدى ه�ؤالء)‪ .‬ويف حال ع���دم توفُّر خمارج ٍ‬ ‫للتميّ���ز‪ ،‬ف�إنه �سيتم ب�سهولة �إغراء �أولئ���ك ال�شباب ب�أن مكانة «القاعدة»‬ ‫كم���ا �أن الإط���ار ال�سلوكي واملب���ادئ الإر�شادية الت���ي مينحها االنتماء‬ ‫�ستنتقل �إليهم حاملا ين�ضمون �إليها‪.‬‬ ‫اجلماعي تُف�سِّ���ر ثقافة االنتحار والعنف املوجود داخل خلية «القاعدة»‪،‬‬ ‫ويف ه���ذه اللحظ���ة‪ ،‬تُ�صوِّر القاع���دة �شهدائها وعنا�صره���ا على �أنهم وي�صب���ح العن���ف واملوت هما العُ���رف‪ ،‬ومن يرف�ض ذل���ك يتم طرده من‬ ‫�شخ�صيات جميدة وبطلة‪ ،‬ك�سب���ت عظيم االحرتام يف جمتمعاتها‪ .‬وقد �صف���وف اجلماعة‪ ،‬ويخ�سر املكا�سب الإيجابية ومبادئ التميّز التي ت�أتي‬ ‫ي���روي امل�سلمون كبار ال�س���ن ممن يعي�شون يف ال�شت���ات‪ ،‬من �أجل تعزيز م���ن ال�شع���ور باالنتماء‪ .‬ولهذا من املهم جد ًا �إبع���اد ال�شباب عن ع�ضوية‬ ‫دلي���ل هويتهم‪ ،‬ق�ص�ص املجد الفردي املحق���ق �أثناء القتال يف الأرا�ضي «القاعدة» قبل ان�ضمامهم لها‪ ،‬لأنهم ما �أن ين�ضموا حتى تزداد با�ستمرار‬ ‫البعي���دة‪ .‬ومن���ذ فرتة طويلة ب���د�أ طالب املكان���ة ي���رى �أن �أ�ضمن طريق قوة االبتعاد عن املجتمع مقابل ازدياد قوة الت�شبّث باجلماعة‪.‬‬ ‫لك�س���ب االحرتام ه���و االن�ضمام �إىل اجلهاد العامل���ي‪ .‬ول�صرفه عن هذا‬ ‫وعل���ى غرار ال�صراع �ضد عنف الع�صابات احل�ضرية‪ ،‬يكمن التحدي‬ ‫املعتق���د‪ ،‬البد �أن يتم عك�سه علن ًا ب�أ�سلوب �أكرث تناغم ًا مع ر�ؤيته الذاتية‪ .‬الكب�ي�ر يف تق���دمي البدائل الناجع���ة واجلماعات الأخ���رى التي ي�ستطيع‬ ‫واملقاي�ض���ات اخلارجي���ة التي متن���ح املكانة‪ ،‬وتعطي‬ ‫ال�شاب االنتماء �إليها‪ .‬فيج���ب على الواليات املتحدة‬ ‫و�صف��� ًا �إعالمي ًا �إيجابي��� ًا عن امل�سلم�ي�ن‪ ،‬وت�ضع حد ًا‬ ‫وحلفائها دعم املنظمات التي ت�شكل جماعات الهوية‬ ‫للتفرق���ة العرقي���ة يف املجتمع���ات‪ ،‬ت�ساع���د يف �إِبعاد �إذا وا�صل من ي�سعون‬ ‫الإيجابي���ة‪ ،‬التي ترتاوح ب�ي�ن املنظمات اخلدمية �إىل‬ ‫طالِب املكانة عن طريق «القاعدة»‪.‬‬ ‫�إىل «القاعدة» تطلعهم �أندي���ة الأن�شط���ة الريا�ضي���ة واملغام���رات‪ .‬فالبني���ة‪،‬‬ ‫امل�ستمر لالن�ضمام �إليها‪ ،‬وهدف اجلماعة املنظمة‪� ،‬إ�ضافة �إىل رموز االنتماء‪،‬‬ ‫ِلب الهوية‪ :‬يبحث عن مكان‬ ‫طا ُ‬ ‫�ستُقلل من �إمكانية �سعي طالِبُ الهوية لالن�ضمام �إىل‬ ‫على عك�س ف�إنه لي�س هناك �أية‬ ‫لالنتماء‬ ‫عنا�صر «القاعدة» من �أجل تلبية احتياجاته‪.‬‬ ‫طالب املكانَة‪ ،‬الذي يريد الربوز من بني اجلماهري‪ ،‬قوة على وجه الأر�ض‬

‫ِ��ب الإث��ارة‪ :‬يبحث ع��ن املغامرة‬ ‫ف����إن طالِ���بَ الهوية يكون �أك�ث�ر اهتمام��� ًا باالندماج ت�ستطيع تقدمي احلماية طال ُ‬

‫يف تنظي���م ب���ارز؛ فاالنتماء �إىل �شيء م���ا هو الدافع‬ ‫الأ�سا�س���ي لطال���ب الهوي���ة‪ .‬وتعتم���د ق���وة وا�ستقرار‬ ‫�شخ�صيته على تكوين هوية مُر�ضيَة وفاعلة‪ ،‬والدافع‬ ‫لتحدي���د ال���ذات بالهوي���ة اجلماعية قوي ب���ل و�شائع‬ ‫‪118‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫الكافية للواليات املتحدة ميث���ل عنا�ص���ر ه���ذه الفئ���ة �أقل ن�سب���ة ب�ي�ن الفئات‬ ‫وحلفائها من الهجمات الأخرى التي خ�ضعت للدرا�سة‪ ،‬فهم ي�شكلون �أقل من‬ ‫الإرهابية يف امل�ستقبل‬ ‫خم�سة يف املائة م���ن �إجمايل احلاالت‪� .‬أي�ض ًا يختلف‬ ‫دافعه���م كث�ي�ر ًا عن باق���ي عنا�صر الفئ���ات الأخرى‪.‬‬

‫املجابهة للقاعدة تق���دمي املزيد من اخليارات والبدائل‬ ‫وميتل���ئ طالب الإثارة بالطاق���ة والن�شاط‪ ،‬ويريد‬ ‫�إظه���ار رجولته م���ن خالل اجناز مهم���ة �شاقة �أو حاملا يدخل املُجنّد املحتمل لأولئك الذين ي�سعون وراء «القاعدة» (بهدف االن�ضمام‬ ‫النجاة من مغامرة خطرية‪ .‬ومبا �أنه ي�شعر بامللل‪ ،‬عرب قناة «القاعدة» ف�إنه ال �إليها)‪ ،‬وذلك لل�سماح لهم بتحقيق �إبراز الذات بطريقة‬ ‫�أو يفتقد للتحدي‪ ،‬ف�إنه يبحث عن املحاولة التالية‬ ‫مُن ِتج���ة و�إيجابية؛ فال�شباب يري���دون الوثوق بقراراتهم‬ ‫التطرف‬ ‫ملكافحة‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫�صاحل‬ ‫يغدو‬ ‫�أو مغامرة �أحدث‪ .‬وغالب ًا ما ينتمي �إىل �أ�سرة من‬ ‫واختياراتهم‪ ،‬وعلى الواليات املتحدة امل�ساعدة يف توفري‬ ‫إذ‬ ‫�‬ ‫االيجابي‪،‬‬ ‫أثري‬ ‫�‬ ‫الت‬ ‫طريق‬ ‫عن‬ ‫الطبق���ة الو�سطى �أو العلي���ا‪ ،‬وال يكون له رغبة يف‬ ‫اخليارات ال�صحيحة‪.‬‬ ‫مل يعد ممكن ًا �أن ي�سمع ر�سالةً‬ ‫العمل �أو ما يلوح له يف �أفقه كحياة دنيوية‪.‬‬ ‫�إن اال�سرتاتيجيات املميزة تقوم مبعاجلة االحتياجات‬ ‫التنظيم‪،‬‬ ‫لر�سالة‬ ‫ِ�ضةً‬ ‫ر‬ ‫ُعا‬ ‫م‬ ‫وغالب ًا ما ينجذب طالب الإثارة لألعاب الفيديو‬ ‫املختلفة لكل نوع من طالب���ي االن�ضمام �إىل «القاعدة»‪،‬‬ ‫د‬ ‫ّ‬ ‫للر‬ ‫حتريره‬ ‫فر�صة‬ ‫ِح‬ ‫ب‬ ‫ُ�ص‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫العنيف���ة‪ ،‬وحكايات املقاتل�ي�ن العائدين اخليالية‪.‬‬ ‫لكنه���ا �أي�ض ًا ت�شرتك يف بع����ض اخل�صائ�ص‪ .‬والر�سائل‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫مو�ضوعي‬ ‫تف�سريها‬ ‫أو‬ ‫�‬ ‫عليها‬ ‫ويت�أث���ر كث�ي�ر ًا ب�ص���ور املج���د واملغام���رات الت���ي‬ ‫التي ت�صدر عن الواليات املتحدة جتاه ال�شعوب امل�سلمة‬ ‫للغاية‬ ‫�ضئيلة‬ ‫تر�سمه���ا دعايات «القاع���دة»‪ .‬وبالن�سبة له تعترب‬ ‫ُنا�ض���ل لتحقي���ق م�صداقيتها عند عق���ول عامة النا�س‬ ‫ت ِ‬ ‫«القاعدة» عام ًال موفِّر ًا للإثارة املرعبة والواعدة‬ ‫املت�شكك���ة‪ .‬وقد �أظهر ا�ستطالع لل���ر�أي العام �أن معظم‬ ‫بتحقيق العنف املذهل واملجد اخليايل‪.‬‬ ‫امل�سلم�ي�ن لديه���م م�شاع���ر مزدوج���ة حي���ال «القاعدة»‬ ‫ومن املحتم���ل جد ًا �أن يتخلى طالب الإثارة عن احلركة الإرهابية �إذا و�أهدافه���ا‪ ،‬وباملقابل ي���رى الكثري منهم �أن احلكوم���ة الأمريكية منافِقة‬ ‫م���ا خذلت���ه حقيقة �أ�سط���ورة «القاعدة»‪ ،‬ومل يجد في���ه حتدياً‪ .‬وقد ذكر وال حت�ت�رم امل�سلم�ي�ن‪ .‬وهذا ي����ؤدي �إىل انعدام الثق���ة يف �أي ر�سالة ت�أتي‬ ‫�شاب �سوري‪ ،‬يف مقابلة �أُجريت معه‪� ،‬أنه ق�ضى �أول �أ�شهر له مع عنا�صر مبا�ش���رة م���ن الواليات املتح���دة‪ ،‬وي�صبح م���ن ال�ضروري وج���ود املزيد‬ ‫«القاعدة» يف �إعداد الوجبات والتنظيف والتجول بالأع�ضاء الآخرين يف م���ن ال�شركاء م���ن الأمم الأخ���رى واملنظمات امل�ستقلة لتعم���ل نيابة عن‬ ‫ال�سيارة حول املدينة‪ ،‬وقال‪« :‬كنت كاملر�أة عندهم؛ ومل يثقوا (يف قدرتي الواليات املتحدة‪ .‬ومع �أنه الب���د للواليات املتحدة من اال�ستمرار يف هذه‬ ‫عل���ى) م�شاركتهم القتال احلقيقي»‪ .‬ويف الواق���ع ت�شك خاليا «القاعدة» الإ�سرتاتيجي���ة ب���كل حما�سة وت�صمي���م‪� ،‬إال �أنه ال يج���ب �أن تُفر�ض كحلٍّ‬ ‫يف البداي���ة يف املُجنّدي���ن اجل���دد‪ ،‬لأنه���ا تخ�ش���ى م���ن اخ�ت�راق وكاالت خارجي م���ن اجلانب الأمريكي فقط‪ ،‬و�إمنا يج���ب الرتكيز على ت�شجيع‬ ‫اال�ستخب���ارات لها‪ ،‬فيتم �إعطاء �أولئك املُجنّدين �أعما ًال و�ضيعة ومتدنية وت�سهيل وتعزيز اجلهود املحلية خللق قوة مناف�سة‪.‬‬ ‫و�أه���م خطوة لكل �إ�سرتاتيجي���ة هو اال�ستماع للغ�ي�ر‪� ،‬إذ �أن من ي�سعى‬ ‫حت���ى يثبتوا �أنهم �أه ًال للثقة‪ .‬وعليه‪ ،‬ميكننا �إقناع طالب الإثارة ب�صرف‬ ‫النظر عن االن�ضمام �إىل �صفوف «القاعدة» من طريق ف�ضح الواقع املُ ّر لالن�ضم���ام �إىل «القاع���دة» يخ�ب�رون العامل عن م�شاعره���م‪ ،‬وغالب ًا ما‬ ‫ت�صيبه���م خيبة الأمل لعدم وجود من ين�ص���ت لهم‪ .‬ففي �أحد املقابالت‬ ‫الذي �سيعي�شه مع عنا�صرها‪.‬‬ ‫اجلديرة بالذكر هنا تذمّر �أح���د ال�شباب قائالً‪�« :‬شعرت بالرغبة يف �أن‬ ‫مبا �أن هزمية‬ ‫�إ�سرتاتيجي��ة الوقاي��ة من التطرف‬ ‫ي�سمعن���ي �أحد‪ ،‬لكن مل يحدث ذلك عندما تكلم���ت‪ .‬فبد�أت �أ�صرخ‪ ،‬ومل‬ ‫«القاعدة» ال تت�ضم���ن اال�شتباك يف القتال يف مكان بعينه‪ ،‬ف�إن العن�صر‬ ‫يل �أحد‪.‬‬ ‫ي�سمعن���ي �أحد‪ .‬فب���د�أت �أرمي الأ�شياء م���ن حويل‪ ،‬ومل ي�ص��� ِغ �إ ّ‬ ‫الأ�سا�س���ي يف �إ�سرتاتيجي���ة الوقاية من التطرف يتمث���ل يف ت�شويه �صورة‬ ‫فذهبت �إىل حيث يوجد من ال يتجاهل �صوتي‪ .‬والآن �سوف ي�سمعونني»‪.‬‬ ‫التنظي���م‪ ،‬و�إقناع ال�شباب بعدم ال�سع���ي وراء احل�صول على ع�ضويته �أو‬ ‫كم���ا �أن «الدرا�س���ة الت�سويقية» م���ن العنا�صر املهم���ة يف �أي �إ�سرتاتيجية‬ ‫االنتم���اء �إلي���ه‪ .‬لكن هذا ال يعن���ي التوقف عن املواجه���ة الفعلية‪ ،‬فعملية‬ ‫توا�صل‪ ،‬وتكمن �أهمية ذلك ب�صورة خا�صة يف م�ساعدة الواليات املتحدة‬ ‫الت�شويه تتطلب با�ستمرار‪ ،‬وعلناً‪ ،‬تدمري عمليات «القاعدة»‪ ،‬وتفكيكها‪،‬‬ ‫على تقلي�ص الفوارق الثقافية والدينية ال�شا�سعة بني املجتمعات امل�سلمة‬ ‫و�إحباط خمططاتها من خالل اجتماع التدابري الع�سكرية وفر�ض �سلطة‬ ‫والغرب‪.‬‬ ‫القان���ون‪ .‬وعلى جبه���ة موازية‪ ،‬ينبغي بذل اجلهود ل���زرع بذور ال�شكوك‬ ‫ثاني���اً‪ ،‬يج���ب عل���ى الواليات املتح���دة �إ�ش���راك �أولئ���ك ال�ساعني وراء‬ ‫حول جناح وفعالية عملي���ات «القاعدة» يف عقول ال�شباب ال�ساعني وراء‬ ‫«القاع���دة» يف �إعالمه���ا‪ ،‬وه���ذا ي�شمل خط���وات تقنية �أمامي���ة ورجعية‬ ‫االن�ضمام �إىل التنظيم‪� ،‬أو تكوين حركة م�ساعدة له‪.‬‬ ‫يف نف����س الوق���ت‪ .‬فغالب ًا ما تق���وم «القاعدة» بن�شر الأخب���ار يف الغرب‪،‬‬ ‫�أي�ض��� ًا تتطلب هزمية القاعدة نف�سي ًا (�سيكولوجياً) �أن تعمل الواليات‬ ‫لك���ن الكثري م���ن املتطرفني يقولون �إنه���م �سمعوا لأول م���رة عن الدعوة‬ ‫املتحدة بكل ما لديها لل�سيطرة على و�سائل االت�صاالت‪ ،‬من خالل حملة‬ ‫للقت���ال عن طريق �أ�شرطة الكا�سيت �أو الأقرا�ص امل�ضغوطة (‪ )CD‬التي‬ ‫للإن�ص���ات الفعل���ي وامل�شاركة القوية‪ .‬وهذا النوع م���ن اجلهود �سيحدث‬ ‫تناولته���ا الأي���دي يف جمتمعاته���م‪ .‬وبالرغم من الإغراء ال���ذي تعر�ضه‬ ‫يف املنتدي���ات الإعالمي���ة اجلدي���دة كغ���رف الدرد�ش���ة (ت�ش���ات روم)‪،‬‬ ‫اال�سرتاتيجيات الإعالمية اجلديدة‪ ،‬ف�إن القيم والأفكار وا�سرتاتيجيات‬ ‫واملدون���ات‪ ،‬ومواقع تعي�ي�ن الفيديوهات‪ ،‬بحيث يت���م ت�شجيع املجتمعات‬ ‫التعامل يتم عر�ضها عاد ًة من خالل و�سائل الإعالم التقليدية‪ ،‬واخلطب‬ ‫امل�سلم���ة على التعبري عن �آرائها وخلق جم���ال للمناق�شات‪ .‬فعلى احلملة‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪119‬‬


‫املحــــور‬

‫امل�سلمني والغرب‪ ،‬وتعزز التعليم الديني لتغيري العالقات ال�شخ�صية بني‬ ‫امل�سلم�ي�ن وغري امل�سلمني يف الغرب‪ .‬كم���ا �أن الو�صف املحرتم للم�سلمني‬ ‫�س���وف ي�ضعف حجة «القاعدة» التي تدعي �أن الواليات املتحدة يف حرب‬ ‫م���ع الإ�سالم‪ ،‬وهذا يلقي بظ�ل�ال من ال�شك على �أحد الته���م الأ�سا�سية‬ ‫الت���ي توجهها «القاع���دة» لإقناع ال�شب���اب امل�سلم امل�ستاء‪ .‬كم���ا �أنه يُقلل‬ ‫فجوة االنف�صال بني املجتمعات امل�سلمة واملجتمعات الأخرى الأكرب التي‬ ‫تعي����ش يف �أو�ساطها‪ ،‬وهو ما يحد من الإح�سا����س بالعزلة الذي ي�شعر به‬ ‫الكثري من �شباب امل�سلمني‪.‬‬ ‫وتعترب م�شاريع اخلدم���ات االجتماعية و�سائل لربط ال�شباب املُعرّ�ض‬ ‫للمخاط���ر مبجتمعاته���م املحلي���ة‪ ،‬فالأن�شط���ة اخلدمية تخل���ق نوع ًا من‬ ‫الرتاب���ط واالنتماء �إىل املجتمع الأك�ب�ر‪ ،‬وهو غاية طالب الهوية‪ .‬وتُعطي‬ ‫اخلدم���ة جم���ا ًال لبن���اء ج�س���ور ال�صداق���ة اجلدي���دة‪ ،‬وغالب ًا م���ا يخلق‬ ‫االخت�ل�اط ب�ي�ن �أجي���ال املتطوعني بيئ���ة منا�سب���ة لطالبي الث����أر‪ ،‬حيث‬ ‫يجدون من ين�صحهم ويعلمهم‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬تربط اخلدمة العامة‬ ‫بني ال�شباب وجمتمعاتهم املحلية‪ ،‬وتعزز فر�ص امل�ساهمة املدنية‪ ،‬وتفتح‬ ‫الباب على م�صراعيه للم�شاركة ال�سيا�سية �أمام طالبي املكانة‪.‬‬ ‫واحلال �أن قلة قليلة من احلاالت التي خ�ضعت للدرا�سة تندرج ح�صر ًا‬ ‫حت���ت �إحدى الفئات الأربع املذكورة �آنف���اً‪ ،‬بينما �أظهرت معظمها وجود‬ ‫�أوج���ه م�شرتكة بني فئت�ي�ن على الأقل‪ ،‬ولكن ت�س���ود خ�صائ�ص �إحداهما‬ ‫عل���ى الأخ���رى‪ .‬وتعالج اال�سرتاتيجي���ات الفردية االحتياج���ات اخلا�صة‬ ‫للجماع���ات املختلفة‪ ،‬ولكنها لي�ست فق���ط جلماعة معينة‪ .‬وتعمل ر�سائل‬ ‫و�أن�شط���ة كل جمموع���ة ب�شكل متناغم م���ع غريها م���ن اال�سرتاتيجيات‬ ‫لتق���دم ر�سالة �شاملة‪� ،‬سهل���ة الو�صول والفهم جلمي���ع ال�شباب امل�سلمني‬ ‫الذين يكافحون من �أجل حتديد هوياتهم‪.‬‬

‫اجلماهريي���ة‪ ،‬والكتب امل�صورة‪ ،‬و�ألع���اب الفيديو‪ ،‬وق�ص����ص الأطفال‪.‬‬ ‫ويعترب الت�صوير الإيجابي لعقيدة امل�سلمني‪ ،‬واملقدّم «بطريقة وديّة»‪ ،‬هو‬ ‫�أه���م ما متيز به كتاب «‪ ،»99‬وهو �سل�سلة كتاب م�صوّر ي�ستهدف ال�شباب‬ ‫امل�سلم من ت�أليف عامل النف�س الكويتي الدكتور نايف املطوع‪ .‬ولهذا يجب‬ ‫تعزي���ز وت�شجيع هذا امل�شروع وغريه من امل�شاريع امل�شابهة واملتنا�سبة مع‬ ‫الثقافة والتوجهات الرائجة حالياً‪.‬‬ ‫�أي�ض ًا هن���اك العديد من الدرو�س املهمة امل�ستف���ادة من برامج �إعادة‬ ‫التعلي���م والدمج يف املجتمع‪ ،‬خا�صة فيما يتعلق بالتعليم الديني‪ .‬وال�سمة‬ ‫الت���ي تطغى يف ح���االت هذه الدرا�سة (من ال�شباب) ه���ي التعليم الديني‬ ‫غ�ي�ر ال�صحيح وغري الكامل خالل مراحله���م الأوىل من التعليم‪ .‬فعدم‬ ‫ر�ضة لتعاليم «القاعدة» املنحرفة‪.‬‬ ‫معرفتهم الكاملة بعقيدتهم جعلهم عُ َ‬ ‫وقد جنح���ت برامج �إعادة االندم���اج يف املجتم���ع يف ال�سعودية وهولندا‬ ‫و�سنغاف���ورة و�إندوني�سيا يف �إع���ادة ت�أهيل متطرف�ي�ن �سابقني من خالل‬ ‫قي���ام علماء م�سلمني كب���ار بتفنيد التفا�سري الديني���ة للقاعدة مبا�شرة‪.‬‬ ‫ف����إذا كان �إعادة التعليم من خ�ل�ال التعاليم الدينية �سي�ساعد على جعل‬ ‫املقات���ل يتخلى عن «القاعدة»‪ ،‬ف�إنه من املنطقي �أن تعمل برامج التعليم‬ ‫الديني���ة الت���ي تتم م���ع ال�شباب على حت�صينه���م �ضد ن���داء «القاعدة»‪.‬‬ ‫وعل���ى الواليات املتحدة التغلب عل���ى ح�سا�سيتها ال�شديدة جتاه الق�ضايا‬ ‫الدينية‪ ،‬و�أن تقدم الدعم الفعل���ي لرجال الدين الذين ت�ؤيد تفا�سريهم‬ ‫و�شروحه���م لدين الإ�سالم مب���د�أ التعاي�ش ال�سلمي م���ع الثقافة الغربية‪.‬‬ ‫وه���ذه الأفكار توجد �أ�ص�ل�اً يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬ولك���ن �أ�صوات قائليها‬ ‫بحاجة �إىل و�سائل تكبري وبثٍّ ونقلٍ لت�صل �إىل نطاق جماهريي �أو�سع‪.‬‬ ‫وللتخل�ص من الإح�سا�س باال�ضطهاد والعزلة التي ي�شعر بها امل�سلمون‪،‬‬ ‫خا�ص���ة يف املجتمعات الغريبة‪ ،‬البد م���ن ن�شر وت�شجيع الربامج النافعة‪،‬‬ ‫مث���ل تلك التي يقدمها مركز ال�صحفي�ي�ن الدويل وجمموعة البحث عن‬ ‫بالن�سبة لطالب الث�أر‬ ‫�أر�ضي���ة م�شرتكة‪ .‬كما �أن التدريب على ال�صحافة والتدريب على امتداد تهدئة طالب الث�أر‬ ‫ف����إن احلاجة املا�سّ ���ة هي توفري مُتنف ٍّ�س لغ�ضبه‪ ،‬فعل���ى الواليات املتحدة‬ ‫و�سائ���ل الإع�ل�ام‪ ،‬وتوزي���ع املق���االت الإيجابي���ة‪ ،‬والربام���ج التلفزيونية‬ ‫�أن ال تراقب ب���كل ب�ساطة احلوار و�إمنا يتعني عليها �إيجاد املجال ل�سماع‬ ‫والإذاعي���ة ح���ول العالقات الإ�سالمي���ة – الغربية‪ ،‬م���ن �ش�أنها مواجهة‬ ‫الأ�صوات البديلة‪ ،‬لأن خلق �صمامات �أمان �سي�ساعد على تخفيف �ضغط‬ ‫التقاري���ر املُتحيّزة‪ ،‬كما �ستحد م���ن ال�صور ال�سلبية‬ ‫الغ�ض���ب‪ .‬كم���ا �أن الأن�شط���ة الإبداعي���ة‪ ،‬كاملو�سيقى‬ ‫عن الإ�س�ل�ام وامل�سلمني يف و�سائ���ل الإعالم الغربية‬ ‫وال�شع���ر‪ ،‬فاعلة يف من���ح ال�شخ�ص الغا�ض���ب �سبي ًال‬ ‫حا�ضر ًا وم�ستقبالً‪.‬‬ ‫العن�صر الأ�سا�سي يف‬ ‫للإف�ص���اح ع���ن م�شاعره‪ .‬ويعت�ب�ر برنام���ج «النجم‬ ‫�أي�ض��� ًا هن���اك منظم���ات معتدل���ة مث���ل جمل����س �إ�سرتاتيجية الوقاية من‬ ‫الأفغ���اين» ال�شهري يف �أفغان�ست���ان �أحد الأمثلة الدالة‬ ‫التطرف يتمثل يف ت�شويه‬ ‫العالق���ات الأمريكي���ة الإ�سالمي���ة (ك�ي�ر)‪ ،‬وبرامج �صورة التنظيم‪ ،‬و�إقناع ال�شباب عن كيفية ا�ستخ���دام املو�سيقى للرتويح على النف�س‪.‬‬ ‫�أخرى مث���ل برنامج «�سوليا» الذي بد�أ �ضمن املنتدى بعدم ال�سعي وراء احل�صول ويف البلد الذي كانت في���ه املو�سيقى مكبوتة بانتظام‬ ‫االقت�ص���ادي العامل���ي‪ ،‬وكذل���ك «م�شروع ن���ور» الذي‬ ‫وق�س���وة‪ ،‬ا�ستمر �شوق ال�شب���اب للح�صول على فر�صة‬ ‫�أبتدع���ه الكونغر����س الأمريك���ي الإ�سالم���ي‪ ،‬وكله���ا على ع�ضويته �أو االنتماء‬ ‫�إليه‪ .‬لكن هذا ال يعني التوقف للتعبري عن م�شاعرهم م���ن خالل الغناء‪ .‬وقد بد�أت‬ ‫تعطي و�صف ًا للإ�سالم �أك�ث�ر دقة‪ ،‬وت�سمح للمعتدلني‬ ‫الربامج امل�شابهة التي تمُ كِّن ال�شباب من كتابة و�أداء‬ ‫بالإف�ص���اح عن رف�ضه���م للمت�شددي���ن الإ�سالميني‪ .‬عن املواجهة الفعلية عرب‬ ‫التدابري الع�سكرية وفر�ض الأحل���ان املو�سيقي���ة اخلا�صة بهم تنت�ش���ر ب�سرعة يف‬ ‫وعل���ى الوالي���ات املتحدة دع���م مثل ه���ذه املنظمات‬ ‫ال�شرق الأو�سط‪ ،‬ويجب ت�شجيعها ودعمها‪.‬‬ ‫�سلطة القانون‬ ‫والربام���ج‪� ،‬إذ �أن ه���ذه الربامج ت�شج���ع احلوار بني‬ ‫�أم���ا بالن�سب���ة لطال���ب الث����أر الأق���ل موهب���ة ف����إن‬ ‫‪120‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ال�سيا�سي���ة‪ .‬فلن�أخ���ذ عل���ى �سبي���ل املثال جلن���ة ال�ش�ؤون‬ ‫الو�صف املحرتم للم�سلمني العام���ة للم�سلمني يف اململكة املتح���دة‪ ،‬التي عندما قام‬ ‫متظاه���رون متطرف���ون ع���ام ‪ 2006‬با�ستغ�ل�ال الر�سوم‬ ‫�سوف ي�ضعف حجة‬ ‫الت���ي ن�شرته���ا �صح���ف �أوروبي���ة �ض���د الر�س���ول حممد‬ ‫«القاعدة» التي تدعي �أن‬ ‫كع���ذر لتحفيز العنف واجله���اد يف �شوارع لندن‪ ،‬مل تقم‬ ‫الواليات املتحدة يف حرب‬ ‫(اللجن���ة) ب�شجب �أن�شطتهم الت���ي تثري العنف فح�سب‪،‬‬ ‫مع الإ�سالم‪ ،‬وذلك بقذف ب���ل و�أعطته���ا احلكوم���ة الربيطانية من�ب�ر ًا لت�ساعد يف‬ ‫ظالل ال�شك والت�سا�ؤل حيال ن�شر الر�سالة‪ .‬فجماعات من هذا النوع‪ ،‬مُعززة بالدعم‬ ‫�أحد التهم الأ�سا�سية التي احلكومي ومدعومة بالدعاية والإعالن‪� ،‬ستُعطي طالبي‬ ‫توجهها «القاعدة» لإقناع املكانة موقع ًا متميز ًا للظهور طاملا �سعوا �إليه‪.‬‬

‫املناف�س���ات الريا�ضية �ستُقدم له خمرج ذو مغزى‬ ‫�آخر‪� ،‬إذ �ستُل ِبّ���ي احلاجة املزدوجة لالنق�سام �إىل‬ ‫جمموع���ة داخلي���ة وجمموع���ة خارجي���ة‪ ،‬وكذلك‬ ‫التّوق �إىل متجيد املنت�صرين‪ .‬واحلال �أن الباحث‬ ‫عن الث����أر الذي يتخل�ص من غ�ضب���ه على �أر�ضية‬ ‫امللع���ب‪ ،‬ه���و �أق���ل عر�ض���ة للر�سائل الت���ي ت�ستغل‬ ‫الغ�ض���ب ال�شدي���د‪ .‬وتعط���ي الربام���ج الريا�ضية‬ ‫�أي�ض��� ًا ال�شاب الفر�صة للتفاع���ل مع �أقرانه الذين‬ ‫قد يكون لهم نف�س امل�شاعر‪.‬‬ ‫ومبا �أن طالب الث����أر غالب ًا ما يكون غري مت�أكد‬ ‫امل�ستاء‬ ‫امل�سلم‬ ‫ال�شباب‬ ‫ب�ش�أن ماهية م�صدر غ�ضبه‪ ،‬ولي�س لديه الو�سائل‬ ‫�أم���ا برامج التب���ادل الدولية ف�إنه���ا �ستعطي ال�شباب‬ ‫الت���ي ي�ستطي���ع به���ا التخل�ص م���ن ه���ذا ال�شعور‬ ‫نظ���رة بديلة عن الع���امل‪ .‬لكن يف الوق���ت احلايل تتوفر‬ ‫بطريقة فعالة‪ ،‬ف�إن الربامج التعليمية التي تربط‬ ‫معظ���م الربامج لأبن���اء النخبة و�أ�صح���اب النفوذ (دون‬ ‫ال�شب���اب بال�شخ�صيات املثالي���ة تقلل من �إمكانية ق���درة «القاعدة» على غريه���م من النا�س)‪ .‬فعل���ى التبادالت اجلدي���دة �أن ت�ستهدف على وجه‬ ‫حتري�ضهم؛ فطالب���ي الث�أر املت�شاركني مع ال�شخ�صية املثالية ي�ستطيعون التحدي���د �شباب املجتمعات الأك�ث�ر عر�ضة للخطر‪ .‬ولك���ي تتفادى خلق‬ ‫حتديد دورهم يف املجتمع بطريقة بناءة ولي�س هدامة‪.‬‬ ‫ال�شعور بالعزلة والي�أ�س ينبغ���ي �أن تكون هذه التبادالت لفرتات ق�صرية‬ ‫يعتقد طالب ت�ص���ل �إىل �شهر واح���د‪ ،‬و�أن تركز عل���ى �إ�سرتاتيجية «ال�ش���رق الأو�سط‬ ‫ت�شجيع طالب املكانة‬ ‫املكان���ة �أنه �أذكى و�أقدر مما يراه النا�س م���ن حوله‪ ،‬ولهذا ف�إن الربامج يلتق���ي ب�أمريكا الو�سطى» بد ًال م���ن الرتكيز على برامج درجات االمتياز‬ ‫التي تُعد من �أجله ينبغي �أن متنحه الفر�صة على �إظهار مواهبه‪ .‬وجتذب يف اجلامعات الأمريكية‪ .‬وعندما يع���ود �أولئك ال�شباب �إىل �أوطانهم لن‬ ‫طالبي املكانة احلوارات ال�سيا�سية يف اجلامعات والربامج الإذاعية عرب تكون لديهم جتربة مبا�شرة عن �أمريكا ومبادئها فح�سب‪ ،‬بل �أي�ض ًا مكانة‬ ‫الهات���ف‪ .‬ولن تخ�س���ر «القاعدة» قوتها اجلاذبة للأم���ة �إال عندما يدرك جديدة يف جمتمعاتهم نظر ًا الختيارهم وم�شاركتهم يف الربنامج‪.‬‬

‫امل�سلم���ون �أنه���ا ال تخدم م�صاحله���م‪ ،‬و�ستلحقها الهزمي���ة عندما يرى‬ ‫منا�صريها �أن �إ�سرتاتيجية العنف التي تتبناها لن حتقق الر�ؤية الوهمية‬ ‫لنظ���ام اخلالف���ة الإ�سالمي���ة العاملية‪ .‬وهن���اك جدل كب�ي�ر يف الإ�سالم‬ ‫حيال مدى فائدة التطرف العنيف و�إمكانية جناحه‪ ،‬وت�ستطيع الواليات‬ ‫املتح���دة تعزيز هذا اجلدل من خالل حتفيز وت�شجيع احلوار العام على‬ ‫امل�ستويات املحلية والإقليمية والدولية‪.‬‬ ‫كم���ا �أن درا�س���ة العلوم ال�سيا�سي���ة يف جامعات ال�ش���رق الأو�سط تكاد‬ ‫تنعدم‪ ،‬حيث تقوم �أنظمة احلكم‪ ،‬التي تخ�شى من تهديد الو�ضع القائم‪،‬‬ ‫مبراقب���ة احل���وارات ال�سيا�سي���ة وكتابات العلم���اء امل�سلم�ي�ن البارزين‪.‬‬ ‫وتق���دمي الأعمال التقليدي���ة (الكال�سيكية) للفك���ر ال�سيا�سي الإ�سالمي‬ ‫والغرب���ي يقوي النقا�ش حول دور احلكوم���ة يف حياة املواطنني‪ ،‬وال �شك‬ ‫يف �أن ت�شجيع �إزالة العوائق �أمام احلوار ال�سيا�سي املفتوح‪ ،‬ودعم انت�شار‬ ‫الأعم���ال العلمية الدينية وال�سيا�سية‪ ،‬ي�ساع���دان على جتريد «القاعدة»‬ ‫من ال�سالح الفكري‪.‬‬ ‫وطالب الث�أر ال يحت���اج �إىل اخلو�ض يف املناق�شات ال�سيا�سية فح�سب‪،‬‬ ‫ب���ل و�أي�ض��� ًا للح�صول على فر�صة امل�شاركة‪ .‬لكن م���ا جنده �أن امل�سلمني‪،‬‬ ‫خا�ص���ة مم���ن يعي�ش���ون يف املهج���ر‪ ،‬غالب ًا ما يج���دون �أنف�سه���م مبعزل‬ ‫ع���ن احلكم املحلي و�أن�شط���ة املجتمع‪ .‬و�إتاحة فر�ص���ة امل�شاركة على كل‬ ‫م�ستويات الدولة يبد�أ عن طريق ت�شجيع التجمعات الطالبية واملنا�صرة‬

‫�أي�ض ًا �إن و�صف �أقرانهم يف و�سائل الإعالم العامة ي�ؤثر يف طالبي املكانة‬ ‫كث�ي�راً‪ ،‬لذا يج���ب على الواليات املتح���دة دعم وت�شجي���ع و�صف ال�شباب‬ ‫امل�سلم ب�صورة �إيجابي���ة يف و�سائل الإعالم‪ .‬وبخالف برامج “امل�سلمون‬ ‫يف �أمريكا” امل�ش�ؤومة التي حاولت �أن تظهر انغما�س امل�سلمني يف الثقافة‬ ‫الأمريكي���ة‪ ،‬يجب على هذه الربام���ج �أن تظهر ازدهار امل�سلمني يف �إطار‬ ‫حميطهم احل�ض���اري‪ ،‬وقيمة م�ساهمتهم املتميزة جتاه املجتمع الغربي‪.‬‬ ‫وم���ن اخل�صال املتميزة التي ات�صف به���ا املجتمع امل�سلم قدمي ًا هي روح‬ ‫الت�سام���ح وال�شفافي���ة مقارنة باملجتمع���ات الأخرى يف القرن�ي�ن ال�سابع‬ ‫ُذكّر امل�سلمني‬ ‫والثامن امليالدي�ي�ن‪ ،‬فيمكن �إعادة �سرية ذلك التاري���خ لي ِ‬ ‫بالعه���ود الأكرث �إنتاج ًا يف تاريخهم‪ ،‬ولعر����ض �سريهم ب�شكل �إيجابي يف‬ ‫و�سائ���ل الإعالم‪� .‬أما الرتكي���ز على ال�صور النمطي���ة ال�سلبية يف و�سائل‬ ‫الإع�ل�ام فلن جتني �سوى تغذية م�شاع���ر اال�ضطهاد ال�سابقة يف �أو�ساط‬ ‫ال�شباب‪ ،‬ولهذا على الغرب ت�شجيع ال�صور الإيجابية ومتجيد االجنازات‬ ‫التي يحققها املواطنون امل�سلمون‪.‬‬ ‫بالن�سبة‬ ‫�إعطاء طالب الهوية جماعة االنتماء‬ ‫لطال���ب الهوية املكاف���ح من �أجل االنتم���اء ف�إن الربام���ج التي ت�ستهدف‬ ‫ه���ذا النوع يجب �أن تعرتف �أو ًال بوج���ود الثقافات امل�سلمة الثانوية داخل‬ ‫املجتمع���ات الغربية وتدع���م تطورها‪ ،‬حيث �أن ه���ذه الثقافات توجد يف‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪121‬‬


‫املحــــور‬

‫كم���ا �أن طالب���ي الإثارة‪ ،‬كغريهم م���ن ال�شباب والفتي���ان‪ ،‬يحبون �ألعاب‬ ‫ا�صطي���اد الرجل الأول لأنهم يقدمون �أعمال الإثارة بالإنابة‪ .‬و�أحد �أكرث‬ ‫هذه الألعاب �شعبي���ة يف ال�شرق الأو�سط – وتدعى “القوة اخلا�صة” –‬ ‫ت�سمح لل�شباب املقاتل بالدفاع عن فل�سطني‪ ،‬من خالل �سل�سلة من املهام‬ ‫واملغامرات‪ .‬ويتطلب الفوز باللعبة قيام الالعب باغتيال رئي�س الوزراء‪.‬‬ ‫وغالب��� ًا م���ا يق���ع الأطفال �ضحي���ة يف حماولته���م للو�ص���ول �إىل امل�ستوى‬ ‫التايل‪ ،‬وال يدرك���ون �أنهم يتعلمون الكراهية‪ .‬وت�ستطيع الواليات املتحدة‬ ‫وحلفائها تقدمي ر�سالة �أكرث �إيجابية بينما تتقبل �أن هناك على ال�شا�شة‬ ‫�شيئ��� ًا ما (فاقدي الإرادة‪ ،‬املُبعدين‪ ،‬املجرمني‪� ،‬أو الإرهابيني) �سينفجر‬ ‫�إذا ما لعب �أحد اللعبة‪.‬‬

‫كافي��� ًا للتخلي ع���ن كل �أدوارنا الوا�ضحة عل���ى ال�ساحة‬ ‫�أجل االنتماء‪ ،‬فلن ت�ستطيع �أي قوة تقدمي احلماية‬ ‫الكافية للواليات املتحدة وحلفائها �أمام الهجمات البد من �إقامة احلجة القوية العاملية‪ .‬ويثب���ت اال�ستعرا�ض اخلاطف للوثائق املعتمدة‬ ‫امل�ستدامة لتقدمي البديل الذي حول الأم�ل�اك اال�ستعمارية �أن الوالي���ات املتحدة كانت‬ ‫امل�ستقبلة‪.‬‬ ‫ذات م���رة تُعت�ب�ر “قائ���د ًا فكري���اً” �أ�سا�سي��� ًا لفر����ض‬ ‫ويتطلب �إقامة احلجة عند فئة امل�سلمني املت�شككني يجعل حلياة الذين ي�سعون‬ ‫ت�ضافر اجلهود املرك���زة واملن�سقة لتقدمي الرواية وراء «القاعدة»‪ ،‬معنى‪� .‬أما العالق���ات ب�ي�ن املواطنني وحكوماته���م‪ .‬وب�صور عديدة‬ ‫ا�ستم���رت ه���ذه القي���ادة الفكري���ة خالل ف�ت�رة احلرب‬ ‫البديلة ع���ن طريق كل و�سائ���ل التوا�صل املمكنة‪� .‬إذا ا�ستمرت تطلعاتهم من‬ ‫وبالكاد تكون ه���ذه الأفكار جدي���دة‪ ،‬لكنها غالب ًا �أجل االنتماء‪ ،‬فلن ت�ستطيع �أي الب���اردة‪ ،‬م�ؤط���رة النقا����ش ب�ي�ن دميقراطي���ة ال�س���وق‬ ‫م���ا كانت وعود ًا م���ن دون متويل م���ايل ور�ؤى من قوة تقدمي احلماية الكافية احل���رة وال�شيوعية‪ .‬ومبا �أن تل���ك القيادة كانت تتمحور‬ ‫دون برام���ج‪ .‬وال ميكن حتقيق هذه الإ�سرتاتيجية للواليات املتحدة وحلفائها �أمام يف النقا�ش���ات ال�سيا�سي���ة ل�ل��أمم امل�سيحي���ة‪ ،‬ف�إنه���ا مل‬ ‫تف���وّت مالحظة �أو �ش���روح العلماء امل�سلم�ي�ن واملفكرين‬ ‫الطموحة �ضمن الإطار احلايل لقدرات ومنظمات‬ ‫الهجمات امل�ستقبلة‬ ‫ال�سيا�سيني الذين طاملا حاولوا حتديد تلك العالقات يف‬ ‫و�سائ���ل االت�ص���ال الأمريكية‪ .‬فاجله���ود املتفرقة‬ ‫نطاق حميط م�سلم فريد‪.‬‬ ‫لعملي���ة التوا�ص���ل اال�سرتاتيج���ي‪ ،‬والدبلوما�سية‬ ‫العام���ة‪ ،‬والعملي���ات اال�ستخباري���ة‪ ،‬ما زالت حت���ى الآن تفتق���ر للموارد و�ستظه���ر وكالة االت�صاالت الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية �إىل الوجود باتباع‬ ‫والتن�سي���ق ال�سليم وهيئة موظفني كافية مقارن���ة بالقوة واالنت�شار الذي طريقني خمتلفني ولكن متوازيني‪ .‬امل�سلك الأول عن طريق متكني ودعم‬ ‫تتمت���ع به ر�سالة “القاعدة”‪ .‬وخالل الإدالء ب�شهادته �أمام جلنة جمل�س وتعزي���ز الأ�ص���وات املعتدلة احلالية عل���ى ال�ساحة العاملي���ة‪ ،‬والتي تتمتع‬ ‫ال�شيوخ الأمريكي للخدم���ات الع�سكرية‪ ،‬قال وبكل فخر ال�سفري املتجول بامل�صداقية عند امل�سلمني‪ .‬وميكن حتقيق ذلك ب�شكل �أ�سا�سي من خالل‬ ‫ملكافح���ة الإره���اب‪ ،‬داني���ال بنجام�ي�ن‪� ،‬إن وزارة اخلارجي���ة الأمريكية البق���اء بعيد ًا عن الأ�ض���واء‪ ،‬وم�ساعدة ال�شركاء الراغب�ي�ن‪� ،‬سواء كانوا‬ ‫�شكلت وح���دة من �ستة �أع�ض���اء لتتوىل �إعداد برام���ج ملكافحة التطرف دو ًال �أو منظم���ات �أو �أفراداً‪ ،‬على الدفع باحل���وار يف االجتاه املتالئم مع‬ ‫العنيف‪ .‬وحتى عندما تتحد جه���ود املوقعني املخ�ص�صني باللغة العربية م�صاحلن���ا الوطنية‪ .‬ويف نف����س الوقت‪ ،‬على الواليات املتح���دة �أن تبني‬ ‫التابع�ي�ن لوزارة اخلارجية‪ ،‬والق���درة على تقدمي ُمن���ح مالية ت�صل �إىل بب���طء م�صداقي���ة ر�سالتها باحلوار ال�ص���ادق ال�شفاف ال���ذي يقلل من‬ ‫‪ 100.000‬دوالر من �صندوق ال�سفراء ملكافحة الإرهاب‪ ،‬ف�إنه من الوا�ضح ات�ساع الفجوة بني القول والفعل‪ ،‬التي طاملا �أزعجت ال�سيا�سة اخلارجية‬ ‫�أن م�ست���وى اجلهود املبذولة جت���اه مواجهة ر�سالة “القاع���دة” البد �أن الأمريكي���ة‪ .‬و�ست�سم���ح امل�صداقي���ة امل�ستدامة‪ ،‬التي تكون���ت مع الزمن‪،‬‬ ‫ُيع���زز بق���وة‪ .‬والبد من تغيري حج���م و�شكل وتكوين احلكوم���ة الأمريكية للوالي���ات املتح���دة باال�شرتاك يف ح���وار بناء مع امل�سلم�ي�ن دون احلاجة‬ ‫لتعك����س واقع احلال‪ .‬والقيام مبا هو �أقل من هذا امل�ستوى �سيكون باهظ للكف���اح امل�ستمر م���ن �أجل �إثبات ال�شرعية يف النقا����ش‪ .‬وبهذا �ست�ستعيد‬ ‫التكلفة‪.‬‬ ‫الواليات املتحدة مكانتها يف احلوارات ال�سيا�سية التي تدور يف العامل‪.‬‬

‫وتت�ض���اءل كث�ي�ر ًا �أي�ض ًا ق���وة �إغراء املغام���رة التي توفره���ا “القاعدة”‬ ‫بالن�سب���ة لطال���ب الإثارة عندما تت�ض���ح جلي ًا حقيق���ة العي�ش يف ظروف‬ ‫مهينة‪ ،‬والقتال من �أجل ق�ضي���ة خا�سرة‪ ،‬واملوت ب�صورة خمزية‪ .‬وي�ؤكد‬ ‫التباي���ن بني التطلع���ات العاملية املزعوم���ة والأن�شطة‬ ‫العرقي���ة القومي���ة املحلي���ة الت���ي متار�سه���ا حركات‬ ‫ي�ستحوذ‬ ‫تهدئة طالب الإثارة‬ ‫تقدم ر�سالة «القاعدة» فر�صة ترتب���ط بالقاع���دة‪ ،‬اخل�ل�اف والأه���داف املت�ضاربة‬ ‫عل���ى عق���ول طالبي الإث���ارة فك���رة الأ�سط���ورة التي‬ ‫لالختيار الذاتي‪ ،‬وطريق ًا‬ ‫داخ���ل التنظي���م‪ ،‬ما يجعله يب���دو �أقل متا�س���ك ًا و�أقل‬ ‫ت�صورها “القاعدة”‪ ،‬لذا ف�إن �أهم عن�صر مبا�شر يف‬ ‫لالن�ضمام �إىل جمتمع امل�ؤمنني‪ .‬مكانة‪.‬‬ ‫�إ�سرتاتيجية التوا�صل التي ت�ستهدف هذه الفئة يكمن ومع �أن ال�شاب ال�ساعي وراء‬ ‫ال�س�ؤال الذي يطرح‬ ‫يف ك�ش���ف زيف تل���ك الأ�سطورة عن طري���ق تو�ضيح ع�ضوية التنظيم قد عانى التو�صيات‬ ‫حقيق���ة “القاع���دة”‪ .‬وينبغي ت�شجي���ع �أولئك الذين‬ ‫نف�س���ه هو‪ :‬ملاذا ين�ضم ال�شباب �إىل تنظيم القاعدة؟‬ ‫ُم�سبق ًا من خيبة الأمل يف‬ ‫ترك���وا احلركة بعد جتارب �سلبية على الإف�صاح عن‬ ‫�إن ال�سبب وراء هذا �أنهم ال يجدون خيار ًا �آخر فعلي‪.‬‬ ‫تفاعله مع املجتمع امل�سلم‪،‬‬ ‫ولهذا البد من �إقامة احلجة القوية امل�ستدامة لتقدمي‬ ‫ق�ص�صه���م مع “القاع���دة”‪ ،‬وتو�ضي���ح حقيقة حياة �إال �أنه يرى �أن هذه فر�صة‬ ‫الفرار الت���ي مرّوا بها‪ ،‬والقيام مبه���ام دنيئة يف ظل لالرتباط مبا هو �أعظم من نف�سه البديل الذي يجعل حلياتهم معنى‪� .‬أما �إذا ا�ستمرت‬ ‫ظ���روف يُرثى له���ا‪ .‬ولكن ينبغ���ي احلر�ص على عدم‬ ‫تطلع���ات �أولئك الذين ي�سع���ون وراء “القاعدة” من‬

‫ومع تعزيز امل�سئوليات والقدرات‪ ،‬يجب �أي�ض ًا متكني وكالة االت�صاالت‬ ‫الإ�سرتاتيجية الأمريكية بالدعم امل���ايل ال�ضروري لل�سيطرة على تنفيذ‬ ‫الربام���ج الالزمة‪ .‬وتفتق���ر هيئات التن�سيق بني ال���وكاالت‪ ،‬بغ�ض النظر‬ ‫ع���ن م���دى توف���ر النوايا احل�سن���ة‪� ،‬إىل امل���ال‪ ،‬ولذل���ك تنف���ذ الوكاالت‬ ‫واملنظم���ات املتباينة براجمها م�ستخدم���ة املبالغ املالية املخ�ص�صة دون‬ ‫مراعاة اجلهود املن�سقة‪ .‬وهذا بدوره يُ�ضعِف من قوة الر�سالة الأمريكية‬ ‫ومتا�سكها وم�صداقيتها‪.‬‬ ‫وبعد �أن يت���م ت�أ�سي�س الوكال���ة الأمريكية لالت�ص���االت الإ�سرتاتيجية‬ ‫ودعمه���ا بامل���ال‪ ،‬يتعني متكينه���ا ب�إ�سرتاتيجية ات�ص���االت وطنية �شاملة‬ ‫وموجه���ة رئا�سي���اً‪ .‬وق���د دعا قانون���ا االت�ص���االت الإ�سرتاتيجي���ة لعامي‬ ‫‪ 2008‬و‪ S 3546( 2009‬و‪ HR 489‬عل���ى الت���وايل) وتعدي���ل قان���ون �سميث‬ ‫– ثورنبريي (‪� HA 5‬إىل ‪� )HR 5658‬إىل �إعداد �إ�سرتاتيجية ات�صاالت‬ ‫وطني���ة‪ ،‬و�إ�صالح �شامل لق���درات وبنية االت�ص���االت الأمريكية‪ ،‬لكن مل‬ ‫يت���م حت���ى الآن درا�س���ة �أي من هذه القوان�ي�ن ب�شكل كام���ل �أو تنفيذها‪.‬‬ ‫ول���ن تقوم م�ؤ�س�سات االت�صاالت‪� ،‬س���واء كانت تابعة لوزارة اخلارجية �أو‬

‫�أنح���اء الع���امل ولكن يف الغال���ب ال ي�ستطيع ال�شب���اب يف املهجر التوا�صل‬ ‫م���ع �أبن���اء بالده���م دون �أن يتعر�ضوا لر�سال���ة «القاع���دة»‪ .‬ويف �أو�ساط‬ ‫اجلالي���ات الأجنبي���ة �أول �ش���يء يواجه ال�شب���اب غالب ًا ما يك���ون يف �أحد‬ ‫امل�ساج���د �أو مراكز املجتمع���ات الإ�سالمية‪ ،‬وت�شكل ه���ذه الأماكن �أي�ض ًا‬ ‫�أف�ض���ل الفر�ص لل�شباب لاللتقاء مبن ي�شاركونهم ال�شعور بالعزلة‪ .‬لهذا‬ ‫ف����إن ت�شجيع التعلي���م الديني املعت���دل‪ ،‬ودعم الربامج الت���ي جتمع هذه‬ ‫املجتمعات ببع�ض‪ ،‬يقدمان بدي ًال للآراء املتطرفة‪.‬‬ ‫وحتى يف �أو�س���اط املجتمعات املحلية املوج���ودة يف ال�شرق الأو�سط جند‬ ‫أنا�س ي�شبهونه �شك ًال ولب�س ًا ولغةً‪ ،‬ومع هذا قد ينتابه‬ ‫�أن ال�شاب محُ اطٌ ب� ٍ‬ ‫ال�شع���ور بالعزلة حتى يجد جماع���ة ينتمي �إليها وتقبل ب���ه‪ .‬وداخل هذه‬ ‫املجتمع���ات‪ ،‬على الوالي���ات املتحدة م�ساعدة احلكوم���ات امل�شاركة على‬ ‫تطوي���ر وتعزيز وت�شجيع الأن�شطة اجلماعية التي متنح ال�شباب منظومة‬ ‫م���ن املب���ادئ توج���ه تطوره���م وت�شكل‪/‬ت�ؤط���ر عامله���م‪ .‬وطالب���و الهوية‬ ‫ي�ستخدم���ون هذه املبادئ لتعريف �أنف�سه���م‪ .‬وك ًال من الفرق الريا�ضية‪،‬‬ ‫واحلكوم���ات النموذجي���ة‪ ،‬واجلمعي���ات الطالبي���ة‪ ،‬وبرام���ج اخلدمات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وفرق املغامرات‪ ،‬توفر الو�سائل التي تت�ضمن رموز الع�ضوية‬ ‫واجلماع���ة التي يتبناها ال�شباب‪ .‬عالوة عل���ى ذلك‪ ،‬تخفف من ال�شعور‬ ‫بالعزلة‪ ،‬وتوفر مكان االنتماء وال�شعور به‪.‬‬ ‫ويعت�ب�ر الأبطال الريا�ضيني ب�صورة خا�صة ه���م الأدوات الفعالة لتوفري‬ ‫الهوية اجلماعية‪ ،‬لأن���ه على عك�س طالب الث�أر‪ ،‬الذي يتوق �إىل املناف�سة‬ ‫واالنت�ص���ار من خ�ل�ال امل�شارك���ة يف الألعاب الريا�ضي���ة‪ ،‬ي�ستمتع طالب‬ ‫الهوي���ة بتق���دمي الفائ���دة بالنيابة ع�ب�ر متابعة فريق حم�ت�رف �أو فريق‬ ‫وطني‪ ،‬حيث و�أنه يُظهِ ر الدعم للفريق فيقبله مبا�شر ًة جمهور املُ�شجّ عني‬ ‫الآخري���ن‪ .‬كما �أن �سن ال�شخ�صي���ات الريا�ضية يكون �أقرب �إىل �سن فئة‬ ‫ال�شب���اب املُعرّ�ض�ي�ن للخط���ر‪ ،‬وي�ستعملون لغ���ة �أ�سهل م���ن ال�شخ�صيات‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬ولهذا فه���م امل�صادر املعقولة التي تزود ال�شباب باملعلومات‪.‬‬ ‫وكال�شخ�صي���ات النموذجي���ة الأخ���رى يف املجتم���ع‪ ،‬ف����إن ال�شخ�صي���ات‬ ‫الريا�ضية تُعطي ال�شباب �شخ�صية يحبونها‪ ،‬وهدف ًا تطلعياً‪ ،‬دون ت�شجيع‬ ‫روح االبتعاد عن منط �سري املجتمع‪.‬‬

‫‪122‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫تعري�ضه���م للإهانة والذل خالل هذه املكا�شفة‪� ،‬إذ �أن ق�ص�ص الأحداث‬ ‫الفعلي���ة لها وقعها‪ .‬وخريج���و برامج �إبطال التط���رف و�إعادة الدمج يف‬ ‫املجتم���ع ه���م الأدوات الفعالة يف ه���ذا ال�صدد‪ ،‬باعتباره���م قد عاي�شوا‬ ‫واق���ع �أن�شطة “القاع���دة” وذل ال�سجن‪ .‬و�سي�ساع���د ت�شجيعهم للتحدث‬ ‫ع���ن ق�ص�صهم‪ ،‬و�إذاعته���ا‪ ،‬على ت�شويه �ص���ورة �أ�سط���ورة “القاعدة”‪،‬‬ ‫وعلى �إقناع طالب الإثارة ب�صرف النظر عن ال�سعي وراء هذه الأ�سطورة‬ ‫الزائفة‪.‬‬

‫�أي�ض��� ًا يتطل���ب ت�شوي���ه “القاع���دة” يف عي���ون طالب���ي الإث���ارة املحتمل‬ ‫ان�ضمامهم �إىل هذا التنظيم �أن يتم علن ًا و�صف ما تقوم به “القاعدة”‬ ‫عل���ى �أنه عمل مخُ زي ومُ�شني‪ .‬ويجب �أن تك���ون �إجراءات فر�ض القانون‬ ‫والأعمال الع�سكرية الت���ي تُ�ستخدم لإحباط هجمات “القاعدة” قا�سية‬ ‫وذات عزمي���ة قوية‪ ،‬ويف نف�س الوقت يق���وم الو�صف العلني بو�ضع ظالل‬ ‫ال�شك عل���ى فعاليتها و�إبراز ع���دم �شرعية مقاومته���ا‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫�إظهار ت�صرفاتها اخلرقاء واملتخبطة وغري القانونية‪.‬‬

‫و�أول خط���وة هي خلق القوة القادرة على اخرتاق ما �أ�سماه جيف جونز‪،‬‬ ‫املدي���ر ال�ساب���ق ملجل�س الأم���ن القومي لقط���اع االت�ص���االت واملعلومات‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة‪“ ،‬مع���ارك النخب���ة البريوقراطية‪� ،‬س���وء الفهم‪ ،‬وغياب‬ ‫االلت���زام امللمو����س امل�ست���دام بني الوكاالت الت���ي تُعيق التق���دم”‪ .‬وعلى‬ ‫الواليات املتحدة ت�أ�سي�س م�ؤ�س�سة وطنية م�ستقلة تتوىل �إدارة االت�صاالت‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة‪ ،‬وتكون م�سئولة على �إع���داد ر�سائل احلكومة الأمريكية‪،‬‬ ‫وتع���زز كل اجلهود احلالية حتت �إدارة وزير واح���د على م�ستوى جمل�س‬ ‫الوزراء لقطاع االت�صاالت الإ�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫وكثري ًا م���ا تُظهِ ر نقا�ش���ات �إ�سرتاتيجي���ة االت�ص���االت الأمريكية خالف ًا‬ ‫علني��� ًا ولكن زائفاً‪ ،‬م�ؤداه �أن الوالي���ات املتحدة ال ت�ستطيع �إطالق ًا �إثبات‬ ‫م�صداقيته���ا عن���د امل�سلمني‪ .‬فبن���ا ًء عل���ى التاريخ الأخ�ي�ر لالت�صاالت‬ ‫ال�سيئ���ة‪ ،‬وال�سيا�سات اخلارجية املفرو�ضة على الغري‪ ،‬واالفتقار للتقدير‬ ‫اال�سرتاتيج���ي جتاه ثقافة امل�سلمني‪ ،‬ميكننا الق���ول �إن الواليات املتحدة‬ ‫ت�ص���ارع حالي ًا من �أجل امل�صداقية‪ ،‬لكن هذا و�ض���ع م�ؤقت ولي�س مربر ًا‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪123‬‬


‫املحــــور‬

‫جيوبوليتيك‬

‫وزارة الدفاع �أو جمل�س حمافظي البث الإذاعي �أو �أي كيان �آخر‪ ،‬القيام‬ ‫ب�إ�صالح نف�سها دون �ضغط خارجي يفر�ضه ت�شريع قوي‪.‬‬ ‫ولتنفي���ذ �إ�سرتاتيجي���ة ات�ص���االت وطني���ة مناه�ض���ة للقاع���دة‪ ،‬يجب‬ ‫عل���ى �إ�سرتاتيجيات الإ�ش���راك الإقليمي لقي���ادات املقاتلني اجلغرافيني‬ ‫�إكم���ال وفر�ض اال�سرتاتيجيات اخلا�صة بالوطن التي تتبناها ال�سفارات‬ ‫الأمريكي���ة يف اخل���ارج‪ .‬فف���ي بع�ض ال���دول‪ ،‬تُقيم فرق دع���م املعلومات‬ ‫الع�سكري���ة الت���ي تنت�ش���ر بطل���ب خا����ص م���ن ال�سف���راء الأمريكيني‪ ،‬يف‬ ‫ال�سف���ارات لتق���دمي الدع���م جله���ود الدبلوما�سي���ة العام���ة الأمريكي���ة‪،‬‬ ‫م�سان���د ًة خلطة املهام الإ�سرتاتيجية‪ .‬كم���ا �أن هذه الفرق تربط ال�سفري‬ ‫بربام���ج املعلومات الع�سكري���ة الإقليمية‪ .‬وينبغي تعزيز ه���ذه الروابط‪،‬‬ ‫وكل ف���رق دع���م املعلومات الع�سكري���ة املنت�شرة حول الع���امل‪ .‬ولكن على‬ ‫اجله���ود املن�سق���ة التي تب���ذل يف اخل���ارج ووزارة اخلارجي���ة الأمريكية‬ ‫وقي���ادات املقاتلني اجلغرافيني الت�أكد من تطاب���ق ر�سالتهم وو�ضوحها‪،‬‬ ‫و�أن تدع���م كل منه���ا الأخرى بالق���درات الفريدة الت���ي متتلكها لتحقيق‬ ‫الهدف املوحد‪.‬‬

‫والفتاة التي دعت نف�سها «جهاد جني» يف والية فيالديلفيا)‪� ،‬إىل ازدياد‬ ‫احلاج���ة للحر�ص على تطابق وتناغ���م الر�سالة يف الداخل ويف اخلارج‪.‬‬ ‫وه���ذا �سيتطلب مراجع���ة وتعديل قان���ون التبادل التعليم���ي واملعلوماتي‬ ‫الأمريك���ي لعام ‪( 1948‬املعروف «بقان���ون �سميث مندت») لتحقيق عوملة‬ ‫البيئة الإعالمية‪.‬‬

‫وينبغ���ي �أن متتلك وكال���ة االت�صاالت الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية �أي�ض ًا‬ ‫الق���درة عل���ى جتميع بحوث ال���ر�أي الع���ام ودجمها وحتليله���ا‪ ،‬حيث �أن‬ ‫التعام���ل مع ر�سالة معقدة ذات طبيعة خمتلف���ة وح�سا�سة يتطلب �إجراء‬ ‫تعديالت يف الر�سالة التي تعتمد على التغريات التي حتدث يف الآراء جتاه‬ ‫الأن�شط���ة الأمريكية والر�سائ���ل ال�سابقة‪ .‬وعلى الرغ���م من التح�سينات‬ ‫الت���ي حدثت يف عملية �إعداد التقارير املفتوح���ة واتفاقيات ال�شراكة مع‬ ‫م�ؤ�س�سات الر�أي العام‪ ،‬فما زال يغيب حمور التن�سيق التخاذ الإجراءات‬ ‫الفعالة الهامة لالت�صاالت الإ�سرتاتيجية‪ .‬وال ت�ستطيع الوكاالت الفردية‬ ‫وهيئة موظفيها القليلة �سوى تغطية جزء من املهمة‪ ،‬وجمتمع املخابرات‬ ‫يتنا�س���ب �أف�ضل مع حتلي���ل املعلومات امللمو�سة والأك�ث�ر واقعية‪ .‬و�إذا ما‬ ‫كم���ا يجب �أن تكون هن���اك جهود م�شابهة من�سقة ب�ي�ن برامج الت�أثري وج���دت القدرة على جتمي���ع الأبحاث املدجمة مع بع�ضه���ا بال�شراكة مع‬ ‫باحث�ي�ن دوليني م���ن �أنحاء الع���امل‪ ،‬ف����إن كل جهات‬ ‫وبرام���ج التنمي���ة‪ .‬وبالت�أكي���د �ستوج���د دائم��� ًا بع�ض‬ ‫االت�ص���االت الفاعلة �ستمتلك �إطار ًا مرجعي ًا م�شرتك ًا‬ ‫التوترات بني �أن�شطة االت�صاالت الإ�سرتاتيجية وخلق من املهم جد ًا �إبعاد ال�شباب‬ ‫لكل الأحداث‪.‬‬ ‫و�سائل �إعالم ناجحة وم�ستقلة يف البلدان النامية‪� ،‬إال عن ع�ضوية «القاعدة»‬ ‫�إن درا�س���ة الأف���راد الذين �سع���وا وراء «القاعدة»‪،‬‬ ‫�أن تبادل الأفكار التي تظهر يف و�سائل الإعالم القوية قبل ان�ضمامهم لها‪ ،‬لأنهم‬ ‫املعقول���ة مهم جد ًا لتحدي �إغ���راء التطرف العنيف‪ .‬ما �أن ين�ضموا حتى تزداد وقاتلوا من �أجل مبادئها‪ ،‬تعطينا ر�ؤية عميقة وفريدة‬ ‫ومن امله���م �أي�ض ًا التن�سيق ب�ي�ن املنظمات احلكومية با�ستمرار قوة االبتعاد عن يف كل من الإغراء الذي ت�ستخدمه «القاعدة» كتنظيم‪،‬‬ ‫وغ�ي�ر احلكومية وف���رق الإعالم اخلا�ص���ة‪ .‬و�سيكون املجتمع مقابل ازدياد قوة والطريق الت���ي ت�أخذ ال�شباب �إىل هذا التنظيم‪ .‬وقد‬ ‫دور وكالة االت�ص���االت الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية يف‬ ‫كان ه����ؤالء ال�شباب‪ ،‬كغريهم م���ن �شباب املجتمعات‬ ‫الت�ش ّبث باجلماعة‬ ‫التن�سي���ق ب�ي�ن الفعالي���ات الإعالمية م�شابه��� ًا لدور‬ ‫الأخ���رى‪ ،‬ميرون مبراحل الن�شوء لكن مل تكن لديهم‬ ‫وكال���ة التنمي���ة الدولية الأمريكي���ة يف تن�سيق برامج‬ ‫�سوى حفنة م���ن اخليارات لتلبي���ة احتياجاتهم التي‬ ‫الإغاثة الإن�سانية وامل�شاريع الإمنائية‪.‬‬ ‫يتطلبه���ا �سنهم‪ .‬ويف الوقت نف�سه‪ ،‬ق�ضت «القاع���دة» �سنوات عديدة يف‬ ‫وت�ستطي���ع الق���وات الع�سكري���ة الأمريكي���ة �أن تلع���ب دور ًا داعم ًا لهذه �إع���داد و�إكمال �إ�سرتاتيجية �إدارة ماركته���ا التجارية‪ ،‬لكي تبدو لل�شباب‬ ‫اجلهود وتعزيز كل منها وهي تزداد منواً‪ .‬وميكنها �أي�ض ًا موا�صلة تقدمي امل�سلم وك�أنها احلل الوحيد لكل م�شاكلهم‪.‬‬ ‫امل�ساعدة الأمنية والتدريب الع�سكري لل�شركاء الراغبني يف ذلك لتعزيز‬ ‫كم���ا �أن فتح باب احل���وار مع املجتمع امل�سلم‪ ،‬وهو احل���وار الذي ي�ؤيد‬ ‫قدراتهم الأمنية الداخلية‪ .‬ويجب و�ضع الأن�شطة الع�سكرية �ضمن نطاق العالقات الإيجابية ويقلل من قوة �إغراء «القاعدة»‪ ،‬يتطلب من الواليات‬ ‫�إ�سرتاتيجي���ة االت�ص���االت الوطني���ة حت���ى تتال�شى الفجوة ب�ي�ن الأفعال املتحدة رف�ض الأ�ساطري التي تزعم �أن ال�سبب وراء ظاهرة التطرف هو‬ ‫والت�صريحات‪ ،‬مثلما حدث م�ؤخر ًا يف �أفغان�ستان‪.‬‬ ‫الدي���ن �أو الفق���ر �أو اجلنون‪ .‬وبد ًال من ذلك‪ ،‬يج���ب �أن تركز ال�سيا�سات‬ ‫ويج���ب �أن تك���ون الربام���ج التي ُتق���ام يف اخلارج‪ ،‬حي���ث حتتل وزارة‬ ‫الداخلي���ة الأمريكية ال�صدارة وي�ساعدها القوات الع�سكرية وغريها من‬ ‫ال���وكاالت‪ ،‬مُن�سّ قة بفعالي���ة مع الربامج املحلية الت���ي ت�ستهدف جاليات‬ ‫ال�شت���ات امل�سلم���ة يف الوالي���ات املتحدة‪ .‬وم���ع �إمكانية الو�ص���ول املحلي‬ ‫ال�سه���ل �إىل برامج اللغة العربي���ة من اخلارج‪ ،‬فقد �أدى التطرف الذاتي‬ ‫(كما ه���و وا�ضح يف حالة الرائد ن�ضال ح�س���ن يف قاعدة «فورت هوود»‪،‬‬

‫‪124‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫والربام���ج الأمريكية على فهم عمق احلاج���ة ال�شخ�صية‪ ،‬وطبيعة ن�شوء‬ ‫املراهق�ي�ن التي جتع���ل لر�سالة «القاع���دة» �صدى يف �أو�س���اط ال�شباب‪.‬‬ ‫و�إذا م���ا ت�ضافر ذل���ك الفهم مع زيادات كبرية يف ع���دد وفعالية قدرات‬ ‫االت�ص���االت الأمريكية حتت مظلة �إ�سرتاتيجي���ة �شاملة لكل احلكومات‪،‬‬ ‫ف����إن هزمي���ة «القاع���دة» واحل���ركات امل�ساع���دة له���ا �ست�صب���ح حتمية‬ ‫والمنا�ص منها‪.‬‬

‫نظرات فـي ق�ضايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�صرة‬

‫رمــ�ضان‬ ‫من منظور جيو�سيا�سي‬ ‫ويل ن�صر‬

‫الفيدرالية وتوجهات‬ ‫�إثيوبيا الإقليمية‬ ‫�أمرية عبداحلليم‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪125‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫رم�ضان‬ ‫اجلغرافيا ال�سيا�سية لأهم العُطَ ل العاملية الأخرى‬ ‫مث ��ل منت�ص ��ف �شهر �آب‪�/‬أغ�سط� ��س املا�ضي بداية �شهر رم�ضان الكرمي‪ ،‬وهو ال�شهر الذي �صام فيه مئات‬ ‫املالي�ي�ن م ��ن امل�سلم�ي�ن من الفجر (حني يتبني له ��م اخليط الأبي�ض من اخليط الأ�س ��ود) وحتى الغ�سق‬ ‫(طلوع ال�شفق الأحمر)‪ .‬وبالن�سبة للم�ؤمنني فهو �أي�ضاً يعني �أال جدال‪ ،‬وال ف�سوق‪ ،‬وال رفث خالل �ساعات‬ ‫النهار‪ .‬لكنه لي�س مقت�صراً على الزهد والتق�شف‪� ،‬إذ �أن رم�ضان يعترب قوة حمركة للعامل بحكم ما له من‬ ‫خ�صائ� ��ص وممي ��زات؛ فهو وقت غري متوقع فيه تَف�شّ ي التبذي ��ر‪ ،‬وال�صراع املفاجئ‪ ،‬واملراوغة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫ويل ن�صر‬ ‫‪ .1‬رم�ضان مو�سم عظيم ملزاولة الن�شاط التجاري‬ ‫رغ���م �أن رم�ض���ان لي����س متام��� ًا كعيد املي�ل�اد فيما يتعل���ق مب�ستوى‬ ‫اال�سته�ل�اك العاملي‪ ،‬ف�إنه ي�أت���ي يف املرتبة الثاني���ة‪� .‬صحيح �أن معدل‬ ‫الإنتاجي���ة يف الع���امل الإ�سالم���ي يقل �أثن���اء نهار رم�ض���ان‪ ،‬والأعمال‬ ‫احلكومية تكاد تتوقف‪ ،‬لكنن���ا جند �أي�ض ًا �أن رم�ضان هو الوقت الذي‬ ‫تك���ون فيه املحالت التجاري���ة الكربى يف �إ�سطنب���ول مُكتظّ ة بالباعة‪،‬‬ ‫وم���ن �أن�شط الأوقات ال�سنوية لتُجّ ار ال�سي���ارات الفاخرة يف الريا�ض‪.‬‬ ‫كم���ا �أن �أن���واع الأطعمة ال�سريعة يف امل�ساء تعت�ب�ر “�صفقات غذائية”‬ ‫رم�ضاني���ة‪ ،‬حيث ي�شرتي الباعة امل�صريون تقريب ًا �ضعف ما هو معتاد‬ ‫يف غري رم�ضان‪ .‬و�أمام جمهور امل�شاهدين املفتونني يف البيت بانتظار‬ ‫وجبة الإفطار‪ ،‬تَعرِ �ض �شا�شات التلفاز �أهم عرو�ضها ال�سنوية‪ ،‬فرتبح‬ ‫القنوات العربية م���ن الإعالنات التجارية خالل �شهر رم�ضان ما بني‬ ‫‪ 30% – 25%‬من �إيراداتها‪ .‬بل �إن هذا الن�شاط االقت�صادي ي�صل �إىل‬ ‫�أ�سرتاليا‪ ،‬حي���ث يرتفع معدل ال�صادرات من اخلراف �إىل ‪ 77%‬قُبيل‬ ‫رم�ضان‪.‬‬ ‫‪ .2‬رم�ض��ان ه��و �أك�بر �ص��ادرات العربي��ة ال�سعودي��ة بع��د‬ ‫النفط‬ ‫ظل االلتزام ال�صارم ب�شعائر رم�ضان حتى فرتة ال�سبعينيات م�س�ألة‬ ‫اختياري���ة يف معظم بلدان الع���امل الإ�سالمي‪ ،‬و�سمة للتما�سك الثقايف‬

‫‪126‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫بقدر ما هو تعبري عن التقوى ال�شخ�صية‪ .‬ثم حدثت الطفرة النفطية‬ ‫عام ‪ ،1973‬وتدفقت دوالرات النفط �إىل خزائن اخلليج العربي لتُرثي‬ ‫ممالك ال�صحراء‪ ،‬التي دعم���ت رجال الدين الإ�سالميني املحافظني‬ ‫و�شيّ���دت امل�ساجد والكليات واملعاهد الدينية يف �أنحاء العامل‪ .‬وعادت‬ ‫الأي���دي العاملة املهاج���رة �إىل �أوطانه���ا حاملة معه���ا وجهات النظر‬ ‫املت�ش���ددة جتاه املر�أة والتعليم والطقو����س الدينية �إىل اجلبال النائية‬ ‫يف باك�ستان ال�شمالية و�سهول الفي�ضانات يف بنغالد�ش‪.‬‬ ‫�أم���ا الي���وم يف �إقلي���م �آت�شِ ه ب�إندوني�سي���ا‪ ،‬ف�إن التقاع����س عن �صيام‬ ‫رم�ضان يع���د م�س�ألة يُعاقَب عليها باجلَ لْد‪ .‬ويف عام ‪ 2009‬بد�أت وزارة‬ ‫الداخلي���ة امل�صرية بفر����ض مرا�سيم تن�ص عل���ى �أن الأكل �أثناء نهار‬ ‫رم�ضان جُ ر ٌم ي�ستحق العقاب‪.‬‬ ‫‪ .3‬رم�ضان وقت لل�سالم‪ ،‬لكنه �أي�ض ًا ي�شري للحرب‬ ‫�إن الت�أم���ل الدين���ي ال يعني دائم ًا امل�سامل���ة‪ .‬فالر�سول حممد خا�ض‬ ‫معرك���ة بدر‪� ،‬أول معركة للم�سلمني �ضد مُ�شرِ كي مكة‪ ،‬يف رم�ضان عام‬ ‫‪624‬م‪ .‬ويُعرف �صراع ‪ 1973‬الذي ت�سميه �إ�سرائيل “حرب يوم الغفران”‬ ‫ب�أن���ه “حرب رم�ضان” عند امل�صري�ي�ن والأردنيني وال�سوريني‪ ،‬الذين‬ ‫قام���وا بهجومهم املباغت وهم �صيام‪ .‬كما �شهد �شهر رم�ضان م�ؤخر ًا‬ ‫يف الع���راق ارتفاع��� ًا كبري ًا يف معدل العنف الطائف���ي والهجمات التي‬ ‫ا�ستهدف���ت اجلن���ود الأمريكيني‪ ،‬وو�صل هذا املع���دل �إىل ‪ 1400‬حادثة‬ ‫ويل ن�ص���ر �أ�ستاذ ال�سيا�سة الدولي���ة يف كلية فليت�شر بجامعة‬ ‫تافت�س الأمريكية‪.‬‬

‫ع���ام ‪ .2007‬لكن رم�ض���ان �أي�ض ًا �صع���ب بع�ض املن���اورات الع�سكرية‪،‬‬ ‫فخ�ل�ال معركة تورا ب���ورا �أ�ص ّر بع����ض املقاتلني الأفغ���ان الذين كانوا‬ ‫يحا�صرون �أ�سامة بن الدن على الذهاب �إىل منازلهم للإفطار‪.‬‬ ‫‪ .4‬العوملة غيرّ ت رم�ضان‬ ‫تعترب املراعاة ال�شديدة لل�شعائر الدينية بالن�سبة حلوايل ‪ 45‬مليون‬ ‫م�سلم ًا يعي�شون الآن يف الغرب‪ ،‬م�س�ألة عزلة‪ .‬حيث �أن العمل ال يتوقف‬ ‫خ�ل�ال �شهر رم�ض���ان‪ ،‬وعلى ال�صائمني جم���ارات زمالئهم يف العمل‬ ‫الذين ي�أكل���ون وي�شربون �أمامهم‪ .‬لكن هناك م���ن هبّ من املر�شدين‬ ‫واملوجهني على مواقع االنرتنت‪ ،‬ليقدموا الن�صائح عن كيفية التعامل‬ ‫م���ع ال�شعور الناجم ع���ن العزلة‪ ،‬كم���ا التم�س علماء الدي���ن امل�ؤثرين‬ ‫العُ���ذر للم�سلمني الذي يعي�ش���ون خارج ال�شرق الأو�س���ط‪ .‬فعلى �سبيل‬ ‫املث���ال‪ ،‬تجُ يز الأح���كام التي تع���ود �إىل ال�سبعيني���ات للم�سلمني الذين‬ ‫يعي�شون على خط طول �أكرث من ‪ 64‬درجة من خط اال�ستواء (حيث ال‬ ‫تغي���ب ال�شم�س مُطلق ًا يف ال�صي���ف) �أن يبدءوا ال�صيام ويفطروا وفق ًا‬ ‫لتوقي���ت مكة املكرمة �أو �أقرب مدينة كب�ي�رة تقع �إىل اجلنوب ويظهر‬

‫فيها ال�شروق والغروب املعتاد‪.‬‬ ‫‪ .5‬رم�ضان �أف�ضل �أ�صدقاء الطاغية‬ ‫من����ذ زمن بعيد‪� ،‬أ�ستغ����ل احلكام الديكتاتوري����ون العلمانيون �شهر‬ ‫رم�ض����ان لتعزي����ز �شرعيته����م الدينية املُرت ِّنح����ة‪ .‬فقد عف����ا تركمان‬ ‫با�ش����ي – احلاكم ال�ستالين����ي اجلديد الراح����ل لترُ كمان�ستان– عن‬ ‫‪� 8145‬سجين���� ًا خالل �شهر رم�ض����ان عام ‪ .2005‬واقت����دى بهذا بع�ض‬ ‫احل����كام امل�ستبدين من دم�ش����ق �إىل اجلزائر‪ .‬كما �أن �صدام ح�سني‪،‬‬ ‫ال����ذي ح����اول �إظهار نف�س����ه ك�إ�سالميٍّ يف �آخر �سن����وات نظام حكمه‪،‬‬ ‫ق����دّم – وملرت��ي�ن ‪ -‬يف �شهر رم�ضان عرو�ض ًا لطه����ران لوقف �إطالق‬ ‫الن����ار خالل احل����رب الإيرانية ‪ -‬العراقية‪ .‬ويف ع����ام ‪ ،2008‬وعندما‬ ‫زارت وزي����رة اخلارجية الأمريكي����ة كوندليزا راي�س ليبيا خالل �شهر‬ ‫َ�ض معمر القذايف م�صافحتها بالأيدي‪ ،‬مُ�ست�شهِ د ًا مبوانع‬ ‫رم�ضان َرف َ‬ ‫ديني����ة جتاه مالم�سة الن�ساء �أثناء ال�صي����ام‪ ،‬بينما يحيط به ع�صبة‬ ‫م����ن حار�ساته املُ�سرتجِ ��ل�ات طوال الوقت‪ .‬وهذا م����رة �أخرى يُج�سِّ د‬ ‫كيف �أن ال�شهر الكرمي طاملا كان خليط ًا من املُقدّ�س واملُدنّ�س‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪127‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫جغرافية‬ ‫مُ ت�صدِّ عة‬ ‫انعكا�سات الفيدرالية‬ ‫الإثنية على التوجهات‬ ‫الإقليمية لإثيوبيا‬ ‫�أمرية حممد عبداحلليم‬ ‫‪amiraabdelhalim99@gmail.com‬‬

‫تعترب التعددية من �أهم ال�سمات املميزة‬ ‫للمجتمعات الأفريقية‪ ،‬وقد حاولت الدول‬ ‫الأفريقي���ة بع���د اال�ستق�ل�ال التعامل مع‬ ‫الواقع التعددي وحتقيق االندماج الوطني‬ ‫�إال �أن معظ���م النظ���م ال�سيا�سية يف هذه‬ ‫ال���دول عجزت عن الو�ص���ول �إىل مرحلة‬ ‫بناء الدولة الوطنية‪ ،‬يف ظل الف�شل يف خلق‬ ‫رغبة ل���دى اجلماع���ات املختلفة امل�شكلة‬ ‫للدول���ة للعي����ش مع ًا ك�ش���ركاء مت�ساوين‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪129‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫وكغريها م���ن الدول الأفريقي���ة‪ ،‬مل ت�ستطع �إثيوبي���ا حتقيق الإندماج‬ ‫الوطني يف عهد الإمرباط���ور �أو يف عهد النظام املارك�سي‪ ،‬حيث يت�شكل‬ ‫املجتمع الإثيوبي من �أكرث من ‪ 83‬جماعة �إثنية‪ ،‬ووفق ًا لبع�ض التقديرات‬ ‫مائة جماعة �إثنية‪ .‬وتتوزع هذه اجلماعات بني �أكرث من ‪ 140‬لغة ولهجة‪،‬‬ ‫وديان���ات خمتلف���ة �أهمه���ا الإ�س�ل�ام وامل�سيحي���ة واليهودي���ة والديانات‬ ‫الطبيعي���ة‪ ،‬حيث تتطابق التق�سيم���ات الإثنية مع الديني���ة واللغوية لدى‬ ‫ُ�شكّلة للمجتمع‪ ،‬بحيث جند لكل جماعة من هذه‬ ‫اجلماعات الرئي�سية امل ِ‬ ‫خ�صو�صيتها الإثنية والديني���ة واللغوية املميزة لها عن باقي اجلماعات‬ ‫الأخرى‪ .‬فعل���ى �سبيل املثال‪ ،‬تعترب القومية الأمهرية ب�أبعادها ال�ساللية‬ ‫ال�سامي���ة ولغته���ا الأمهري���ة وديانتها امل�سيحي���ة الأرثوذك�سي���ة وثقافتها‬ ‫الأمهري���ة وتطوره���ا التاريخ���ي‪ ،‬خمتلف���ة كلي ًا ع���ن القومي���ة الأورومية‬ ‫ب�أ�صولها ال�ساللية احلامية ولغتها الأورومية وديانتها الإ�سالمية الغالبة‬ ‫وثقافته���ا الأورومية والتاريخ الأوروم���ي‪ ،‬وعلى هذا القالب ميكن ت�صور‬ ‫املقارن���ة لبقي���ة اخلارطة القومية الت���ي ت�ضم قوميات كب�ي�رة لها �أي�ض ًا‬ ‫خ�صو�صياتها مثل التجراي والعفار ال�صومالية‪ ،‬وال�سيداما‪ ،‬والقراقي‪،‬‬ ‫والهررية‪ ،‬والهوبة‪ ،‬والكامباتا‪ ،‬واملكونات العرقية يف مناطق بني �شنقول‬ ‫وقامبيال و�إقليم اجلنوب‪.‬‬ ‫�إن امل�س�أل���ة الإثنية يف �إثيوبيا تتميز بطاب���ع االنق�سام العميق والدقيق‬ ‫ملكون���ات اخلارطة الإثنية عل���ى �أ�س�س قومية‪ ،‬وترتب���ط م�شكلة التعاي�ش‬ ‫الوطن���ي عامة بطبيعة الت�شكي���ل والتكوين القومي للإثني���ات الإثيوبية‪.‬‬ ‫ف�إثيوبيا تعترب متحف القوميات �أو دولة التجميع القومي‪ ،‬وتظهر �إثيوبيا‬ ‫يف ه���ذه امل�س�ألة يف �ص���ورة خمتلفة متام ًا ع���ن كل دول القرن الأفريقي‬ ‫ورمب���ا �أفريقيا‪ ،‬فهي منوذج للتعددية القومي���ة‪ .‬وبجانب العامل الثقايف‬ ‫يظه���ر عامالن �ساعدا على زيادة اخل�صو�صي���ات القومية‪ ،‬تعلق �أولهما‬ ‫بالطبيعة الطبوغرافية لإثيوبيا‪ ،‬حيث عملت وعورة الت�ضاري�س والطبيعة‬ ‫اجلبلي���ة كمحميات قومية (حمميات �إثني���ة) �أدت �إىل حت�صني وحماية‬ ‫حملت التحوالت ال�سيا�سية الداخلية التي �شهدتها �إثيوبيا مزيد ًا‬ ‫من الآمال ل�شعوب �إقليم القرن الأفريقي ب�أن تنعك�س هذه التحوالت‬ ‫على ال�سلوك اخلارجي لإثيوبيا‪ ،‬وخا�صة ما يتعلق مبعاجلة م�شكلة‬ ‫حقوق اجلماعات الإثنية يف الداخل‬

‫كل قومية‪ ،‬وعدم قدرتها على الذوبان واالن�صهار يف �إطار قومية �إثيوبية‬ ‫واح���دة‪� .‬أما العامل الث���اين فقد ارتبط بال�صراع���ات الإثنية بني بع�ض‬ ‫اجلماع���ات‪ ،‬والدور الذي مار�سته ال�سلطة ال�سيا�سية يف ت�أ�صيل وجتذير‬ ‫ه���ذه ال�صراع���ات‪ ،‬حي���ث ارتك���زت ال�سلطة نف�سه���ا على �أ�س����س قومية‬ ‫احتكرته���ا قوميتي الأقلي���ة الأمهرية والتجراوية �ض���د �أغلبيات و�أقليات‬ ‫‪130‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫قومي���ة عانت م���ن احلرمان من ال�سلط���ة كانت نتيجت���ه الغنب واملظامل‬ ‫واملطالب القومية‪ ،‬الأمر الذي زاد وعمّق من امل�سافات القومية‪.‬‬ ‫وق���د انعك�س الف�ش���ل الذي مُنيت ب���ه النظم ال�سيا�سي���ة يف �إثيوبيا يف‬ ‫�إدارة التعددية‪� ،‬سواء يف عهد الإمرباطور �أو يف عهد النظام الع�سكري‪،‬‬ ‫على التوجهات اخلارجية للدولة الإثيوبية خا�ص ًة على امل�ستوى الإقليمي‬ ‫وحتدي���د ًا �إزاء �إقليم القرن الأفريقى‪ ،‬حي���ث تبنّت �إثيوبيا جمموعة من‬ ‫ال�سيا�س���ات اخلارجي���ة بررتها ب�أنها حم���اوالت حلماية الأم���ن القومي‬ ‫الإثيوب���ي‪ ،‬من خالل انتهاج �سيا�سات �إقليمي���ة تو�سعية على ح�ساب دول‬ ‫اجل���وار لتحقيق هدفني رئي�سيني‪ ،‬هما ال�سيط���رة على القوة والرثوة يف‬ ‫دول الق���رن الأفريقي للتعظيم من �ش����أن القومية امل�سيطرة على احلكم‬ ‫يف �إثيوبي���ا‪ ،‬ومنع ت�أثري االمتدادات القومي���ات الإثيوبية على اال�ستقرار‬ ‫الداخلي لإثيوبيا وخا�صة امتدادات القوميات امل�سلمة‪.‬‬ ‫ومع بداية الت�سعينيات �شه���دت ال�ساحة ال�سيا�سية الإثيوبية جمموعة‬ ‫م���ن التغ�ي�رات الراديكالي���ة‪ ،‬فقد جنح���ت جبهة حتري���ر التيجراي يف‬ ‫�إ�سقاط احلكم الع�سكري ال���ذي اعتلى ال�سلطة منذ عام ‪ ،1974‬و�أجرت‬ ‫ه���ذه اجلبه���ة بزعامة ملي����س زيناوي جمموع���ة من الإ�صالح���ات التي‬ ‫هدف���ت م���ن خالله���ا �إىل حتقي���ق اال�ستق���رار الداخلي ومعاجل���ة �أزمة‬ ‫االندم���اج الوطني وحت�س�ي�ن �صورة �إثيوبيا الإقليمي���ة والدولية‪ ،‬وكان يف‬ ‫مقدمة ه���ذه الإ�صالحات تبني النظام اجلدي���د للآليات الدميقراطية‬ ‫واعتم���اده ملجموع���ة م���ن اال�سرتاتيجي���ات لإدارة التعددي���ة م���ن خالل‬ ‫تطبيقه للفيدرالية الإثنية‪.‬‬ ‫وقد حملت التحوالت ال�سيا�سية الداخلية التي �شهدتها �إثيوبيا مزيد ًا‬ ‫من الآم���ال ل�شعوب �إقليم الق���رن الأفريقي ب�أن تنعك����س هذه التحوالت‬ ‫عل���ى ال�سل���وك اخلارج���ي لإثيوبيا‪ ،‬وخا�صة م���ا يتعلق مبعاجل���ة م�شكلة‬ ‫حقوق اجلماعات الإثنية يف الداخل‪� ،‬إال �أن ممار�سات النظام الداخلية‬ ‫مل ت�ساع���د على تطبيق الفيدرالية الإثنية ب�صورة ت�سمح بتوفري احلقوق‬ ‫واحلري���ات لكافة القوميات امل�شكلة للدولة الإثيوبية‪ ،‬مما �أدى �إىل نزوع‬ ‫النظ���ام ال�سيا�س���ي للقي���ام مبغامرات خارجي���ة للتغطية عل���ى ف�شله يف‬ ‫حتقي���ق اال�ستقرار الداخلي‪� ،‬إال �أنه يف الوقت ذاته جنح هذا النظام يف‬ ‫تطبيع عالقاته مع عدد من الأنظمة ال�سيا�سية يف �إقليم القرن الإفريقي‪،‬‬ ‫وا�ستطاع ك�سب الت�أيي���د الدويل لتحركاته من خالل تعاونه مع الواليات‬ ‫املتح���دة وحلفائه���ا الغربي�ي�ن وحلفائها يف ال�ش���رق الأو�س���ط وحتديد ًا‬ ‫�إ�سرائي���ل‪ ،‬مما �أثار الكثري من اجلدل حول حقيقة التوجهات اخلارجية‬ ‫للنظ���ام ال�سيا�س���ي الإثيوب���ي وخا�صة عل���ى امل�ستوى الإقليم���ي يف �إقليم‬ ‫الق���رن الأفريقي‪ ،‬وما حلق بهذه التوجهات من تطورات منذ عام ‪1991‬‬ ‫وم���دى ارتباط هذه التوجهات بالتحوالت الداخلية التي �شهدتها �إثيوبيا‬ ‫�أمرية حممد عبداحلليم باحثة يف العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬م�صر‪.‬‬

‫ظهر البعد الإثنوديني يف ال�سلوك اخلارجي لإثيوبيا التي حر�صت على‬ ‫الت�أكيد على �أنها دولة م�سيحية تعي�ش يف حميط ذي غالبية �إ�سالمية‪،‬‬ ‫وا�ستخدمت هذا املربر كذريعة لتو�سعاتها على ح�ساب القوى والدول‬ ‫الإ�سالمية املحيطة بها وقمعها للأغلبية امل�سلمة داخلها‬

‫وخا�ص���ة ما يتعلق بتطبيق الفيدرالية الإثني���ة‪ ،‬وت�أثري هذه التطورات يف‬ ‫عالقات �إثيوبيا بدول القرن الأفريقي واال�ستقرار يف الإقليم كله‪.‬‬ ‫ولفهم هذه التطورات ميكننا التطرق لعدد من الق�ضايا كما يلي‪:‬‬ ‫ البعد الإثني يف العالقات الإقليمية لإثيوبيا‪.‬‬‫ مالمح تطبيق الفيدرالية الإثنية يف �إثيوبيا‪.‬‬‫ العالقات الإثيوبية الإقليمية بعد عام ‪.1991‬‬‫�أوالً‪ :‬البعد الإثني يف العالقات الإقليمية لإثيوبيا‬ ‫ميث���ل البع���د الإثن���ي عام�ل�اً رئي�سي��� ًا يف توجه���ات الدول���ة الإثيوبية‬ ‫اخلارجية وخا�صة يف حميطه���ا الإقليمي‪ ،‬ويعود ذلك �إىل جمموعة من‬ ‫الأ�سباب �أهمها‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬االمتدادات اخلارجية للقوميات الإثيوبية‬ ‫حيث تتميز اجلماع���ات الإثنية داخل �إثيوبيا بوجود امتدادات لها يف‬ ‫دول اجل���وار يف القرن الأفريق���ي‪ ،‬فالقومية ال�صومالي���ة يف الأوجادين‬ ‫ترتب���ط بال�صوم���ال‪ ،‬والقومي���ة العفاري���ة ترتب���ط بالعف���ر يف جيبوت���ي‬ ‫وال�صوم���ال‪ ،‬والتج���راي مع جتراي �إريرتي���ا‪ ،‬حتى القبائ���ل والقوميات‬ ‫احلدودي���ة الغربية املجاورة لل�سودان يف مناط���ق بني �شنجول وقامبيال‬ ‫ترتبط مع نظرائها يف ال�سودان‪.‬‬ ‫وتظه���ر عل���ى ه���ذه الإثني���ات نوعني م���ن املي���ول‪� ،‬إما االندم���اج مع‬ ‫نظرائه���ا يف الدول املجاورة �أو حماول���ة االنف�صال وتكوين دولة م�ستقلة‬ ‫كم���ا فعلت �إريرتيا‪ ،‬وما ت�سع���ى �إليه القومية ال�صومالي���ة يف الأوجادين‬ ‫والعف���ر والأورومو‪ .‬حيث متثل االمتدادات الإثنية للقوميات الإثيوبية يف‬ ‫دول اجل���وار �أحد حم���ددات التعاون وال�صراع ب�ي�ن �أثيوبيا ودول القرن‬ ‫الأفريقي‪.‬‬ ‫ب‪ .‬ت�أكيد النظم ال�سيا�سية على الأبعاد الإثنية والدينية‬ ‫فق���د عمل���ت النظ���م احلاكمة يف �إثيوبي���ا يف عه���د الإمرباطور وعهد‬ ‫النظ���ام الع�سكري على الت�أكيد على العامل الإثن���ي والديني يف تعاملها‬ ‫م���ع اجلماع���ات الإثني���ة يف الداخ���ل‪ ،‬ويف عالقته���ا اخلارجي���ة مع دول‬ ‫اجل���وار‪ ،‬ففي الداخل �سيطرت الأمهرا (وهي م���ن اجلماعات الأقلية)‬ ‫على ال�سلطة ال�سيا�سية والرثوة االقت�صادية‪ ،‬وحرمت معظم اجلماعات‬ ‫الإثني���ة‪ ،‬ومنها اجلماع���ات الكبرية كالأورومو‪ ،‬من احلق���وق ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية مم���ا �أدى حلدوث انق�سامات بني القوميات املكونة للدولة‬

‫الإثيوبية وزادت املطالب االنف�صالية بني هذه اجلماعات‪.‬‬ ‫�أم���ا على امل�ست���وى الإقليمي‪ ،‬فقد ظهر البع���د الإثنوديني يف ال�سلوك‬ ‫اخلارج���ي لإثيوبيا التي حر�صت عل���ى الت�أكيد على �أنه���ا دولة م�سيحية‬ ‫تعي����ش يف حميط ذي غالبية �إ�سالمي���ة‪ ،‬وا�ستخدمت هذا املربر كذريعة‬ ‫لتو�سعاته���ا على ح�س���اب القوى والدول الإ�سالمي���ة املحيطة بها وقمعها‬ ‫للأغلبية امل�سلمة داخلها‪.‬‬ ‫فبحك���م الدخ���ول املبك���ر للم�سيحية يف �إثيوبي���ا �أ�صبح���ت �أول الدول‬ ‫الإفريقي���ة �إعتناق ًا للم�سيحية الأرثوذك�سي���ة التي تعود �إىل القرن الرابع‬ ‫املي�ل�ادى‪ ،‬فقد كان هن���اك ارتباط تاريخي ب�ي�ن امل�سيحية الأرثوذك�سية‬ ‫كديان���ة �أقلية بال�سلطة احلاكمة منذ تكوين �أول نواة للدولة الإثيوبية يف‬ ‫مملكة �أك�سوم وحتى عام ‪.1974‬‬ ‫وتنظ���ر كل الدوائ���ر امل�سيحي���ة الغربي���ة لإثيوبيا ب�أنها معق���ل وبوابة‬ ‫للم�سيحية يف �أفريقيا خا�صة يف �شرقها وتتفق النظرة الإثيوبية الداخلية‬ ‫م���ع النظرة الغربية �إذ حتاول النظم ال�سيا�سي���ة الإثيوبية ربط �إثنياتها‬ ‫امل�سيحي���ة بامل�سيحية الأفريقية وامل�سيحي���ة العاملية مما �أدى �إىل تدعيم‬ ‫الدوائ���ر امل�سيحية والغربي���ة والإفريقية املتوا�ص���ل للم�سيحية الإثيوبية‪،‬‬ ‫الأمر الذي جعل امل�سيحيني الأثيوبيني يف مو�ضع الأف�ضلية والتميز برغم‬ ‫�أقليتهم‪ ،‬على ح�ساب الأغلبية الإ�سالمية‪ ،‬والأقليات اليهودية والوثنية‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مالمح تطبيق الفيدرالية الإثنية يف �إثيوبيا‬ ‫م����ع تويل نظام احلك����م اجلديد يف ع����ام ‪ 1991‬كان����ت �أوىل املهام التي‬ ‫عكف على القيام بها هو �إقرار عدد من الآليات ملواجهة تداعيات التعددية‬ ‫الإثنية والدينية واللغوية يف �إثيوبيا للو�صول �إىل بناء الدولة الوطنية‪ ،‬حيث‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪131‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫تطبيق الفيدرالية الإثنية كانت حماولة من النظام ال�سيا�سي يف‬ ‫�إثيوبيا لإخ�ضاع اجلماعات الإثنية املختلفة وخا�صة اجلماعات‬ ‫الكبرية كجماعة االورومو‪ ،‬حيث ارتبط مفهوم الدولة املوحدة‬ ‫وحتقيق الوحدة القومية بفكر اجلماعة احلاكمة وثقافاتها‬ ‫دون باقي اجلماعات‬

‫�صدر د�ستور عام ‪ 1994‬والذي حدد معامل الفيدرالية الإثنية‪.‬‬ ‫ووفق��� ًا للمادة (‪ )47‬م���ن الف�صل الرابع يف الد�ست���ور مت �إقرار �أن الدولة‬ ‫تتب���ع النظام الفيدرايل الدميقراطي حيث تتك���ون �إثيوبيا من ‪ 9‬واليات‬ ‫عل���ى �أ�سا����س �إثني وهى‪ :‬والية التجراي – والي���ة العفر – والية الأمهرا‬ ‫– والية الأورمو – والية ال�صومال – والية بني �شنجول – والية �شعب‬ ‫اجلن���وب – والي���ة �شع���ب جامبي�ل�ا – والية ه���رر‪ .‬وتعترب �أدي����س �أبابا‬ ‫عا�صمة الدولة الفيدرالية‪ ،‬وهي تتمتع بو�ضع خا�ص فيما يتعلق يالإدارة‬ ‫الذاتية وت�شكل �إقليم ًا يف حد ذاتها‪.‬‬ ‫كم���ا تبن���ى الد�ست���ور حق تقري���ر امل�ص�ي�ر للقومي���ات وال�شعوب حتى‬ ‫االنف�ص���ال‪ ،‬حي���ث �أعط���ى املجل����س الت�شريع���ي للوالية احل���ق يف طلب‬ ‫االنف�صال ب�ش���رط ت�صديق ثلثي �أع�ضاء املجل�س‪ ،‬ث���م يرفع هذا الطلب‬ ‫�إىل احلكوم���ة الفيدرالي���ة التي عليه���ا �أن تنظم‪ ،‬خالل ث�ل�اث �سنوات‪،‬‬ ‫ا�ستفت���ا ًء عام ًا على م�ستوى الوالية‪ ،‬و�إذا ما وافق �شعب الوالية بالأغلبية‬ ‫ُعط الد�ستور حق ًا للمجل�سني النيابيني‬ ‫الب�سيطة يتم االنف�صال‪ .‬حيث مل ي ِ‬ ‫�أو القوميات الأخرى يف تقرير ذلك‪.‬‬ ‫�إال �أن تطبيق الفيدرالية الإثنية يف �إثيوبيا مل يحقق التعاي�ش واالندماج‬ ‫بني اجلماعات الإثنية املختلفة‪ ،‬حي���ث اعتمد تطبيق الفيدرالية الإثنية‬ ‫على �سيطرة جماعة �إثنية متثل الأقلية وهي جماعة (التجراي امل�سيحية)‬ ‫على قم���ة احلكومة املركزي���ة الفيدرالية‪ ،‬مكت�سب���ة �شرعيتها من وجود‬ ‫وان�ضمام بع�ض عنا�صر الإثنيات مكونة معها حتالف ًا حكومي ًا يف مواجهة‬ ‫و�إرغ���ام بقية اجلماعات الإثنية‪ ،‬وه���ي متثل الأغلبية‪ ،‬على العي�ش حتت‬ ‫�سق���ف هذه احلكومة الفيدرالية‪ ،‬مما �أنت���ج ومنذ البداية �صراع املركز‬ ‫والأقالي���م حول مطالب���ات التنمية واحلقوق الإداري���ة‪ ،‬وتق�سيم ال�سلطة‬ ‫وال�ث�روة يف ظل ع���دم وج���ود فه���م ل�ل��إدارة الفيدرالية ل���دى ال�صفوة‬ ‫‪132‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ال�سيا�سي���ة احلاكمة‪� ،‬سواء يف املرك���ز �أو الأقاليم‪ ،‬مما �أدى �إىل �إق�صاء‬ ‫بع����ض مكون���ات التنظيمات الإثني���ة الكبرية املكونة لوالي���ات فيدرالية‪،‬‬ ‫ولع���ل ذل���ك �صعد من حدة ال�ص���راع‪ ،‬و�أدى �إىل ظه���ور االختالفات بني‬ ‫الهوي���ات الإثني���ة والديني���ة واللغوي���ة‪ ،‬الت���ي �أنتجت �أنواع��� ًا جديدة من‬ ‫التحالفات على خارطة ال�صراع املهددة لال�ستقرار الداخلى‪ ،‬بل واجتاه‬ ‫ع���دد من الأقاليم �إىل االنف�صال‪ ،‬وظهور ق���وى وجماعات �إثنية راف�ضة‬ ‫تطبيق الفيدرالية الإثني���ة‪ .‬وخا�صة يف ظل ا�ستمرار االرتباط بني مربع‬ ‫امل�سيحي���ة واللغ���ة الأمهرية والقومي���ة (التجراي والأمه���را) وال�سلطة‪،‬‬ ‫وه���و مربع �أقلية‪ ،‬وهو املكون احلاكم وامل�سيطر على الأغلبية الإ�سالمية‬ ‫والأقليات اليهودية والوثنية‪.‬‬ ‫ومم���ا يعق���د م�شكلة الوح���دة الوطني���ة يف �إثيوبيا هو ارتب���اط الإثنية‬ ‫بالدي���ن فال ميكن الف�ص���ل بينهما حيث ظل���ت الأمهري���ة �أو التجراوية‬ ‫امل�سيحي���ة يف �صراع دائم م���ع بقية املكونات الإثني���ة الأخرى التي متثل‬ ‫هوية دينية خمتلفة كالأغلبية الأورومي���ة امل�سلمة والعفار وال�صوماليني‬ ‫والهرريني وغريهم والأقلية اليهودية‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬عالق��ات التفاعل بني �إثيوبي��ا ودول القرن الأفريقي‬ ‫منذ عام ‪1991‬‬ ‫تعترب �أزمة االندماج الوطني يف منطقة القرن الأفريقي �سبب ًا رئي�سي ًا‬ ‫لل�صراع���ات الداخلية‪ ،‬ذل���ك �أن معظم دوله تتميز بك�ث�رة االنق�سامات‬ ‫الإثني���ة واللغوي���ة والدينية ب�ي�ن اجلماع���ات املكونة للدول���ة‪ ،‬فقد و�ضع‬ ‫اال�ستعم���ار ح���دود دول الق���ارة الأفريقي���ة دون �أي���ة مراع���اة لأو�ض���اع‬ ‫اجلماعات الإثني���ة فق�سمت هذه احلدود اجلماعة الإثنية الواحدة على‬ ‫ضال عن تعدد اجلماعات الإثنية داخل الدولة الواحدة‪.‬‬ ‫�أكرث من دولة‪ ،‬ف� ً‬ ‫وعند خروج اال�ستعمار من املنطقة‪ ،‬ف�شلت الدول امل�ستقلة يف التعامل مع‬ ‫الظاهرة الإثنية‪ ،‬وعدم قدرتها على ا�ستيعابها يف �إطار الدولة الواحدة‬ ‫يف ظ���ل تبنّي هذه ال���دول ل�سيا�سات فا�شلة لالندم���اج الوطنى‪ ،‬ارتكزت‬ ‫عل���ى قيام النظم احلاكمة الت���ي تنتمي يف �أغلبه���ا �إىل جماعات قومية‬ ‫و�إثني���ة با�ستبع���اد الإثنيات الأخ���رى‪ ،‬ورف�ضها حتقي���ق الوحدة يف �إطار‬ ‫التنوع واالخت�ل�اف وتكري�سها ل�سيا�سة التمي���ز والتحيز ل�صالح جماعة‬ ‫�إثني���ة معينة‪ .‬مما فتح الباب وا�سع ًا �أم���ام موجات من احلروب الأهلية‬ ‫يف الق���رن الأفريقي والتي �شكلت يف بع�ض احلاالت تهديد ًا حقيقي ًا �أمام‬ ‫بقاء كيان الدول���ة يف حد ذاته‪ ،‬مما خلق داخل الدولة الواحدة تناق�ض ًا‬ ‫وت�صارع ًا بني االنتماءات الفرعية وما دون الوطنية‪ ،‬ترتب عليها والءات‬ ‫�ضيقة وحمدودة ال تعرتف بالوالء الوطني �أو للجماعة الوطنية ال�شاملة‪،‬‬ ‫و�شكل���ت العالقات بني اجلماعات الإثنية داخل منطقة القرن الأفريقي‬ ‫�إحدى املحددات الهامة لل�سيا�سات اخلارجية لدول هذه املنطقة‪.‬‬ ‫وم���ع بداية الت�سعينيات ظهرت جمموعة م���ن املعطيات التي مار�ست‬ ‫ت�أث�ي�رات يف ق�ضاي���ا اال�ستق���رار والأم���ن يف �إقليم الق���رن الأفريقي من‬

‫ناحي���ة‪ ،‬ويف التفاع�ل�ات الإثيوبي���ة م���ع دول الإقلي���م وت�أث�ي�ر التطورات‬ ‫الداخلي���ة يف �إثيوبيا على حتركاتها اخلارجية من ناحية �أخرى‪ .‬ليدخل‬ ‫ال���دور الإثيوب���ي الإقليمي مرحلة جدي���دة لها �سماته���ا اخلا�صة يف ظل‬ ‫�إع���ادة بل���ورة النظ���ام الإقليمي للق���رن الأفريقي‪ ،‬وليظه���ر ت�أثري البعد‬ ‫الإثني والديني على هذا الدور‪.‬‬ ‫فعل���ى امل�ست���وى الدويل انه���ار االحت���اد ال�سوفيتي الداع���م للحكم‬ ‫الع�سك���ري يف �إثيوبي���ا‪ ،‬و�أ�صبحت الواليات املتحدة ه���ي القطب الأوحد‬ ‫عل���ى قمة النظام الدويل‪ ،‬وفقدت �إثيوبيا دورها كقلعة للنفوذ ال�سوفيتي‬ ‫يف البح���ر الأحمر والقرن الأفريق���ى‪ ،‬وك�صاحبة �أكرب جي�ش يف �أفريقيا‬ ‫جنوب ال�صحراء‪ ،‬وت�صاع���دت الأهمية الدولية ملنطقة القرن الأفريقي‬ ‫وخا�صة بعد حرب اخلليج الثانية‪ ،‬مبا متثله هذه املنطقة من فناء خلفي‬ ‫للتح���ركات الأمريكي���ة يف منطقة اخللي���ج‪ ،‬ومرور ًا بالتدخ���ل الع�سكري‬ ‫الأمريكي يف ال�صومال وما نتج عنه من �إهانة كبرية للكرامة الع�سكرية‬ ‫الأمريكي���ة يف العامل‪ ،‬ثم ا�ستهداف تنظيم القاع���دة ل�سفارتي الواليات‬ ‫املتح���دة يف دار ال�سالم ونريوبي ع���ام ‪ ،1998‬وتطوير الإدارة الأمريكية‬ ‫لإ�سرتاتيجي���ة للتعامل م���ع ق�ضايا القارة الأفريقية م���ن خالل حلفاء �أو‬ ‫ق���ادة اقليميني يف كل �إقليم م���ن �أقاليم القارة وتظهر �إثيوبيا مبا متتلكه‬ ‫من مقومات كقائد وحليف للواليات املتحدة واملنفذ ل�سيا�ستها يف �إقليم‬ ‫�شرق �أفريقيا‪ .‬ثم ت�أتي �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب متواكبة‬ ‫م���ع ت�صاعد املد الإ�سالمي وال�صحوة الإ�سالمية يف �إقليم �شرق �أفريقيا‬ ‫لت�ضيف بعدا جديدا �إىل الدور الإثيوبي يف الإقليم‪.‬‬ ‫وعلى امل�ست���وى الإقليمي‪� ،‬سقطت حكومة �سي���اد بري يف ال�صومال‬ ‫لتعل���ن بداي���ة احلرب الأهلي���ة‪ ،‬وو�صول حكوم���ة الإنق���اذ الإ�سالمية يف‬ ‫ال�س���ودان ع���ام ‪ ،1989‬وت�أه���ل �إريرتي���ا لتحقي���ق اال�ستق�ل�ال بعد جناح‬ ‫حتال���ف جبه���ة التحرير االريرتية وجبه���ة حترير التج���راي يف �إ�سقاط‬ ‫النظ���ام الع�سكري يف �أدي�س �أباب���ا‪ ،‬ولت�صبح �إثيوبيا دولة حبي�سة وتخرج‬ ‫من دائرة الدول املطلة على البحر الأحمر‪.‬‬ ‫�أم���ا عل���ى امل�ست���وى الداخل���ي‪ ،‬فق���د ف�شل نظ���ام اجلبه���ة الثورية‬ ‫الدميقراطي���ة ل�شع���وب �إثيوبيا يف حتقيق اال�ستق���رار املن�شود من خالل‬ ‫اعتم���اد النظ���ام الدميقراط���ي والفيدرالي���ة الإثنية‪ ،‬نتيج���ة لف�شله يف‬ ‫ا�ستيع���اب اجلماع���ات الإثني���ة املختلفة‪ ،‬وق���د حاول النظ���ام ال�سيا�سي‬ ‫التوجه نحو العمل اخلارجي‪.‬‬ ‫وق���د �ساهمت كل هذه املعطيات يف حتديد توجه���ات الدولة الإثيوبية‬ ‫�إزاء منطق���ة الق���رن الأفريق���ي‪� ،‬إال �أن العامل الإثن���ي ي�صاحبه العامل‬ ‫الدين���ى ظ�ل�ا ميار�سان ت�أثرياتهم���ا يف هذه التوجهات‪ ،‬حت���ى مع ادعاء‬ ‫النظام الإثيوبي علمانية توجهاته‪ .‬فقد ا�ستغلت اثيوبيا «احلرب العاملية‬ ‫عل���ى الإرهاب» يف �ضرب اجلماع���ات الإثنية امل�سلم���ة املعار�ضة لديها‪،‬‬ ‫وخا�ص���ة جماعة الأورومو‪ ،‬حيث اتهمت ه���ذه اجلماعة بالإرهاب‪ ،‬وهي‬

‫�سعى نظام ملي�س زيناوي �إىل �إعادة تفعيل وبلورة دور �إقليمي‬ ‫لإثيوبيا مع احلفاظ على مرتكزات الكيان القومي الإثيوبي يف‬ ‫ظل التحديات التي حتيط به يف �إقليم القرن الإفريقي الذي‬ ‫ي�شهد توترات كثرية منذ انتهاء احلرب الباردة‬

‫�أك�ب�ر جماعة �إثنية من حيث العدد داخ���ل اثيوبيا‪ ،‬وتعاين من احلرمان‬ ‫من احلقوق ال�سيا�سية وفقر التنمية يف �إقليمها‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغم من كون التقارب الإثني مث���ل �أهم العوامل التي حكمت‬ ‫التق���ارب بني اجلبه���ة ال�شعبية لتحري���ر �إريرتيا‪ ،‬وجبه���ة حترير �شعب‬ ‫التيج���راي يف مواجه���ة النظام الع�سك���ري ال�سابق يف �إثيوبي���ا‪ ،‬فاملكون‬ ‫الغالب على احلزبني كان وال يزال يتمثل يف القومية التجرينية امل�سيحية‪،‬‬ ‫�إال �أن اخلالف���ات ن�شبت بني احلزبني نتيجة اعرتا�ض اجلبهة االريرتية‬ ‫على نظام الفيدرالية الإثنية التي طبقتها جبهة حترير �شعب التيجراي‬ ‫واعتم���دت عليه���ا لتحقيق وح���دة �إثيوبيا‪ ،‬حي���ث ر�أت اجلبه���ة ال�شعبية‬ ‫لتحري���ر �إريرتي���ا �أن ه���ذه الو�صفة كارثي���ة‪ ،‬كما اعت�ب�رت جبهة حترير‬ ‫التج���راي �أن جبهة حترير �إريرتيا باعتباره���ا تنتظيم ًا �أقل دميقراطية‬ ‫وت�ستخدم ا�سرتاتيجية ع�سكرية‪.‬‬ ‫كما ر�أت معظم التنظيمات الأثيوبية املعار�ضة‪ ،‬وخا�صة من الأمهرا‪،‬‬ ‫�أن �إ�ستق�ل�ال �إريرتيا خط����أ ال يغتفر �إن مل يكن يف نظ���ر البع�ض خيانة‪،‬‬ ‫وتوا�صل���ت ال�ضغوط الداخلي���ة على احلكومة الإثيوبي���ة وتطورت الأمور‬ ‫حتى كان اخلالف على احل���دود مدخال لإندالع احلرب احلدودية التي‬ ‫ا�ستم���رت ملدة عام�ي�ن ‪ 2000 – 1998‬وراح �ضحيتها م���ا يقارب ال�سبعني‬ ‫�ألف قتيل‪ ،‬وجل����أت الدولتان �إىل التحكيم الدويل لرت�سيم احلدود فيما‬ ‫بينهم���ا الذي جاء مل�صلح���ة اريرتيا ب�إعتب���ار منطقة «بادم���ى» املتنازع‬ ‫عليه���ا �ضمن الأرا�ض���ي الإريرتية‪� ،‬إال �أن اثيوبي���ا ترف�ض نتائج التحكيم‬ ‫حتى اليوم‪.‬‬ ‫ومن���ذ انتهاء هذا النزاع تت�صاعد التوت���رات بني الدولتني بني احلني‬ ‫والآخ���ر‪ ،‬ف�إريرتي���ا تعمل على دع���م اجلماعات املعار�ض���ة داخل �إثيوبيا‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪133‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫مث���ل جبهة حترير الأوجادين وجبهة الأورومو‪ ،‬كما تتهم �إثيوبيا �إريرتيا‬ ‫برعاي���ة الإرهاب‪ .‬فقد قام���ت احلكومة الإثيوبية م�ؤخ���ر ًا بالقب�ض على‬ ‫عدد من العنا�صر الإرهابية يف ال�صومال‪ ،‬و�أعلنت �أنهم تلقوا تدريباتهم‬ ‫داخ���ل �إريرتيا‪ ،‬كما اتهم���ت �إثيوبيا �إريرتيا ب�أنه���ا وراء التفجريات التي‬ ‫�شهدته���ا بع����ض الأقالي���م الإثيوبية املج���اورة للحدود م���ع اريرتيا �أثناء‬ ‫االنتخابات الإثيوبية الأخرية‪.‬‬ ‫كم���ا دعم���ت �إثيوبيا �أمراء احل���رب‪ ،‬وتدخلت ع�سكري��� ًا يف ال�صومال‬ ‫يف �أواخ���ر عام ‪ 2006‬حتت زعم حماربة الإره���اب‪ ،‬واخلوف من انتقال‬ ‫عدوى التنظيمات الإرهابية �إىل داخل اثيوبيا‪� ،‬إال �أن اثيوبيا تنفذ �أجندة‬ ‫�أمريكية ر�سمتها لها وخا�صة فيما يتعلق بال�صومال والتي يخ�شى النظام‬ ‫الإثيوبي م���ن م�ساندته لإقليم الأوجادين ال���ذي يطالب باالنف�صال عن‬ ‫الكي���ان الإثيوبي‪ ،‬وبالتايل يرى بع�ض الباحثني �أن �إثيوبيا من م�صلحتها‬ ‫�أن يظ���ل ال�صومال �ضعيف ًا وممزق ًا حت���ى ال ي�صبح دولة موحدة م�سلمة‬ ‫تهدد الدول���ة الإثيوبية امل�سيحية‪ ،‬وتقوي من �شوك���ة اجلماعات امل�سلمة‬ ‫مما يعقد م�شكلة الوحدة الوطنية يف �إثيوبيا هو ارتباط الإثنية‬ ‫بالدين فال ميكن الف�صل بينهما حيث ظلت الأمهرية �أو التجراوية‬ ‫امل�سيحية يف �صراع دائم مع بقية املكونات الإثنية الأخرى التي‬ ‫متثل هوية دينية خمتلفة كالأغلبية الأورومية امل�سلمة والعفار‬ ‫وال�صوماليني والهرريني وغريهم والأقلية اليهودية‬

‫املعار�ضة داخلها‪.‬‬ ‫�إال �أن النظ���ام ال�سيا�س���ي يف �إثيوبيا منذ ع���ام ‪ 1991‬وعلى الرغم من‬ ‫طغي���ان املفه���وم ال�صراعي عل���ى تعامالته م���ع بع�ض دول اجل���وار‪� ،‬إال‬ ‫�أن���ه جن���ح يف تطبيع عالقاته م���ع دول يف الإقليم مثل ال�س���ودان واليمن‬ ‫وجيبوت���ي‪ ،‬كم���ا حاولت �إثيوبي���ا لعب دور �إقليمي م�ؤث���ر من خالل بع�ض‬ ‫التجمع���ات الإقليمي���ة مث���ل الكومي�س���ا (ال�س���وق االقت�صادي���ة لل�ش���رق‬ ‫واجلن���وب الأفريقي)‪ ،‬وجتم���ع �صنعاء الذي ي�ضم �أرب���ع دول هي اليمن‬ ‫وال�س���ودان وجيبوتي و�إثيوبيا‪ ،‬وجماعة �شرق �أفريقيا‪ ،‬والهيئة احلكومية‬ ‫للتنمية (الإيجاد)‪.‬‬ ‫ويت�ض���ح مما �سب���ق �أن النظام ال�سيا�س���ي يف �إثيوبيا من���ذ عام ‪1991‬‬ ‫قد ح���اول معاجلة �أزمة االندم���اج الوطن���ي و�إدارة التعددية باالعتماد‬ ‫عل���ى تطبي���ق «الفيدرالية الإثنية»‪� ،‬إال �أن ه���ذا النظام ف�شل فى حتقيق‬ ‫اال�ستيع���اب جلميع القوميات االثيوبية فى �إط���ار قومية �إثيوبية واحدة‪.‬‬ ‫فق���د �أدى ال�صراع الداخلى ب�ي�ن بع�ض القوميات كالتج���راى والأمهرا‬ ‫والأوروم���و �إىل ا�ضع���اف فر����ص االن�صه���ار القوم���ى‪ ،‬ومل ت�ستط���ع كل‬ ‫القومي���ات احل�ص���ول عل���ى حقوقها فى �إط���ار تطبيق مب���د�أ «املواطنة»‬ ‫يف ظ���ل �سيط���رة جماعة �إثنية حمددة على ال�سلط���ة ال�سيا�سية ومن ثمّ‬ ‫الرثوة االقت�صادية‪.‬‬ ‫‪134‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫ويب���دو �أن تطبي���ق الفيدرالي���ة الإثني���ة كان���ت حماول���ة م���ن النظام‬ ‫ال�سيا�س���ي يف �إثيوبي���ا لإخ�ض���اع اجلماع���ات الإثنية املختلف���ة وخا�صة‬ ‫اجلماع���ات الكب�ي�رة كجماع���ة االورومو‪ ،‬حي���ث ارتبط مفه���وم الدولة‬ ‫املوح���دة وحتقيق الوح���دة القومية بفكر اجلماع���ة احلاكمة وثقافاتها‬ ‫دون باق���ي اجلماع���ات‪ ،‬وارتكزت الهوية القومية عل���ى ثقافة اجلماعة‬ ‫احلاكم���ة‪ ،‬مما �أدى �إىل رف����ض القوميات امل�ستبع���دة للهيمنة الثقافية‬ ‫للجماعة احلاكمة‪.‬‬ ‫وانعك�س���ت الإخفاق���ات الت���ي �شهده���ا النظ���ام الإثيوب���ي يف تطبيق‬ ‫الفيدرالي���ة الإثنية وتعرثه يف �إ�ضف���اء ال�صبغة امل�ؤ�س�سي���ة على النظام‬ ‫وتطبي���ق الدميقراطية‪ ،‬وا�ستمرار ال�صراع���ات الداخلية على توجهات‬ ‫النظام الإثيوبي اخلارجية وخا�صة على م�ستوى منطقة القرن الأفريقى‪.‬‬ ‫فقد حاول هذا النظام تقلي�ص الدعم اخلارجي للجماعات الإثنية من‬ ‫امتداداتها يف دول اجلوار تل���ك االمتدادات التي جتعل التطورات التي‬ ‫ت�شهده���ا �إحدى دول الإقلي���م تلقي ب�آثارها على ال���دول الأخرى‪ ،‬وهذا‬ ‫يربر االنغما�س الإثيوبي �سيا�سي��� ًا وع�سكري ًا يف الأزمة ال�صومالية‪ ،‬كما‬ ‫عمل النظام الإثيوبي على دعم بع�ض اجلماعات الإثنية يف دول اجلوار‬ ‫مث���ل القوميات الإريرتية والعفر يف جيبوتي‪ ،‬حي���ث كانت �إثيوبيا تطمع‬ ‫يف �ض���م جيبوتي عل���ى اعتبار �أن ق�سم ًا م���ن �سكانها العف���ر هم امتداد‬ ‫جل���زء من الأقلي���ة العفرية يف �إثيوبيا‪� ،‬إىل جان���ب �أن النظام يف �إثيوبيا‬ ‫عم���ل على توجيه الأنظار نح���و اخلطر اخلارجي يف حماولة ال�ستنها�ض‬ ‫ال�شعور القومي وتوحيد املعار�ضني نحو هدف قومي‪ ،‬بل و�إعطاء النظام‬ ‫ال�سيا�س���ي مربر ًا للقيام ب����أي �إجراءات ا�ستثنائية م���ن �أجل حماية �أمن‬ ‫البالد‪.‬‬ ‫وق���د �سعى نظ���ام ملي�س زيناوي �إىل �إعادة تفعي���ل وبلورة دور �إقليمي‬ ‫لإثيوبي���ا م���ع احلفاظ عل���ى مرتكزات الكي���ان القوم���ي الإثيوبي يف ظل‬ ‫التحدي���ات التي حتيط به يف �إقليم القرن الإفريقي الذي ي�شهد توترات‬ ‫كثرية منذ انتهاء احلرب الباردة‪ ،‬وقد تالقت ر�ؤية القيادة االثيوبية حول‬ ‫ال���دور الإقليمي لإثيوبيا مع الإ�سرتاتيجية الأمريكية التي ترى يف �إثيوبيا‬ ‫حليف ًا مهم ًا يف �شرق �أفريقيا‪ ،‬ميكن االعتماد عليه يف تنفيذ خمططاتها‬ ‫واحلف���اظ على م�صاحله���ا وم�صالح ا�سرائيل‪ ،‬والقي���ام بدور يف ت�سوية‬ ‫بع�ض الأزمات الإقليمية‪ ،‬وخا�صة امللفان ال�سوداين وال�صومايل‪.‬‬ ‫�إال �أن النظ���ام الإثيوبي اعتمد يف تنفيذ �سيا�سته الداخلية واخلارجية‬ ‫يف الق���رن الأفريقي عل���ى ا�ستخدام الآلية الأمني���ة والع�سكرية �أكرث من‬ ‫ا�ستخ���دام الآلية الدبلوما�سية‪ ،‬كما قام ه���ذا النظام بانتهاكات حلقوق‬ ‫الإن�س���ان يف مواجه���ة املعار�ضة الداخلية‪ ،‬وخا�ص���ة يف الأوجادين و�ضد‬ ‫غ�ضت الواليات املتحدة الطرف عن التقارير‬ ‫املدنيني يف ال�صومال‪ ،‬وقد ّ‬ ‫الت���ي �أعدته���ا املنظمات احلقوقية في هذا ال�ش����أن لتتيح لإثيوبيا �أكرب‬ ‫فر�صة لتنفيذ الأهداف الأمريكية الإ�سرائيلية يف الإقليم‪.‬‬

‫قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�صاد وال�ش�ؤون اجلارية‬

‫العامل االقت�صادي يف‬ ‫ديناميات التناف�س الإقليمي‬ ‫علي ح�سني باكري‬ ‫امل�ستقبل الغام�ض‬ ‫لل�صحافة الورقية‬ ‫حم ـمـد الكـهــايل‬ ‫م�سلمو �أوروبا �أو «الآخر»‬ ‫كما ينبغي �أن يكون‬ ‫علـي العب�سـي‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪135‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫علي ح�سني باكري‬

‫‪alibakeer@hotmail.com‬‬

‫العامل االقت�صادي يف‬ ‫ديناميات التناف�س الإقليمي‬ ‫ال�سعودية و�إيران وتركيا‬

‫لطامل���ا �ش���كّل االقت�صاد عن�صر ًا �أ�سا�سي ًا يف ديناميات التناف�س بني الالعب�ي�ن الإقليميني والدوليني‪� ،‬إن مل يكن حجز الزاوية الذي‬ ‫ترتك���ز �إليه باقي عنا�ص���ر املناف�سة املتمثلة �أي�ض ًا بالق���درات الع�سكرية وبالطاقات املجتمعيّة الب�شريّة‪ .‬فق���د �أ�شارت �إ�سرتاتيجية‬ ‫املح�صلة الإ�سرتاتيجية‪،‬‬ ‫الأمن القومي الأمريكي ‪ 2010‬ال�صادرة م�ؤخرا ً‪ ،‬على �سبيل املثال‪� ،‬إىل مدى �أهمية العن�صر االقت�صادي يف ّ‬ ‫بالق���ول «يع��� ّد االقت�صاد الأمريكي حجر الأ�سا�س يف نفوذ �أمريكا العاملي؛ فاالزدهار ه���و منبع القوة الأمريكية‪ ،‬وهو م�صدر متويل‬ ‫القوات‪ ،‬وهو امل�صدر الذي تعتمد عليه املبادرات الديبلوما�سية والتنموية الأمريكية يف العامل»‪.‬‬ ‫تخت�ص���ر ه���ذه الفقرة الدور الذي ميكن للعامل االقت�صادي �أن يلعبه يف متوي���ل التناف�س بني الدول ويف لعب دور �إقليمي �أكرب‪ ،‬فال‬ ‫ميك���ن لدول���ة ما �أن تقوم مبناف�سة �إقليمية ما مل تكن قدراتها االقت�صادية ت�سم���ح لها بذلك‪ .‬ولطاملا كان االقت�صاد العن�صر الذي‬ ‫يدف���ع ال���دول �إىل التق���دّم �أو االنهيار‪ .‬ويف هذا الإطار‪ ،‬يتن���اول مقالنا هذا العامل االقت�صادي يف دينامي���ات التناف�س الإقليمي يف‬ ‫املث ّل���ث ال�سع���ودي‪ -‬الإيراين‪-‬الرتك���ي‪ ،‬والكيفية التي يتم بها ت�سخري القدرات االقت�صادية لكل بل���د يف دعم موقعه الإقليمي‪ ،‬وهي‬ ‫كيفية تختلف من بلد �إىل �آخر‪.‬‬ ‫م���ن املالحظ �أنّه ويف الوقت الذي ت�ستخدم فيه تركيا االقت�صاد لتوليد‬ ‫ق���وّة ناعمة عل���ى ال�صعيد الإقليم���ي فيما يتع ّل���ق بالنم���وذج االقت�صادي‬ ‫اال�ستثنائ���ي ال���ذي اتبعته ‪-‬ال �سيم���ا يف عهد حكومة العدال���ة والتنمية‪،-‬‬ ‫وكرافع���ة لتكوين جتمع���ات �إقليمي���ة تخوّلها احتالل مركز قي���ادي فيها‪،‬‬ ‫واال�ستف���ادة من هذا العن�صر يف تو�سيع دائ���رة نفوذها الديبلوما�سي مبا‬ ‫ين�سج���م و�سيا�ستها اخلارجية احلديثة التي و�ضع �أ�س�سها وزيرة اخلارجة‬ ‫�أحم���د داوود �أوغلو‪ ،‬ت�سخّ ر �إي���ران قدراتها االقت�صادي���ة يف ن�شر �أدبيات‬ ‫الثورة (ثقافياً‪ ،‬ومذهبياً‪ ،‬و�سيا�سياً‪ ،‬واجتماعياً) على ال�صعيد الإقليمي‪،‬‬ ‫ويف �ضم���ان احل�صول على ت�أييد بع�ض الدول النامي���ة‪ ،‬و�أي�ضا يف الت�سلّح‬ ‫وتطوي���ر الربامج ال�صاروخية والنووي���ة‪ ،‬والأهم من ذلك يف دعم الأذرع‬ ‫اخلارجية لإي���ران يف املنطقة‪ ،‬وكلها عنا�صر قوّة تدخل يف �إطار التناف�س‬ ‫م���ع الدول الإقليمية لتعزيز موقع �إي���ران واحتاللها مرتبة القوة الإقليمية‬ ‫الكربى‪.‬‬ ‫�أم���ا اململكة العربي���ة ال�سعودية‪ ،‬فهي ت�ستخدم بدوره���ا قدراتها املالية‬ ‫وقوته���ا االقت�صادية املرتبطة بالنفط �أ�سا�س��� ًا يف ميدانني �أ�سا�سيّني هما‪:‬‬ ‫ن�س���ج عالق���ات ديبلوما�سي���ة متينة مع خمتل���ف الدول الك�ب�رى مبا يوفر‬ ‫له���ا �إ�ضافة �إىل ال�صداق���ة الإ�سرتاتيجية مروحة خي���ارات خمتلفة تبقى‬ ‫حا�ض���رة على الدوام يف مواجه���ة املناف�سني الإقليمي�ي�ن ب�سبب املعطيات‬ ‫النفطية �أو ب�سبب الإغراءات اال�ستثمارية واملالية التي ت�ستطيع اململكة �أن‬ ‫ت�ستغلها ل�صاحلها‪� .‬أما امليدان الثاين فهو ميدان الت�سلح الع�سكري الذي‬ ‫ت�سع���ى من خالله اململكة �أن تكون عن�ص���ر ًا فاع ًال يف املنطقة يف مواجهة‬ ‫تهدي���دات تفر�ضها دول مثل �إ�سرائي���ل و�إيران عرب براجمها الع�سكرية �أو‬ ‫النووية‪.‬‬

‫�إي��ران‪:‬ت�����س��خ�ير االق��ت�����ص��اد ل��دع��م ال���ق���درات‬ ‫يقوم اقت�صاد �إي��ران الريعي على‬ ‫الالتناظرية‬

‫النفط ب�شكل �أ�سا�سي‪� ،‬إذ ت�شكّل عائدات النفط نحو ‪� %80‬إىل ‪ %85‬من‬ ‫‪136‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫علي ح�سني باكري باحث يف العالقات الدولية‪.‬‬

‫جملة ال�صادرات الإيرانية‪ ،‬كما ت�ساهم ال�صادرات النفطية بحوايل ‪%70‬‬

‫من �إيرادات املوازنة العامة للبالد‪ .‬وعلى الرغم من �أنّ �إيران متتلك ما‬ ‫يقرب من ‪ %10‬من احتياطي النفط العاملي امل�ؤكّد لتحتل املرتبة الثالثة‬ ‫بعد ال�سعودية وكندا‪� ،‬إال �أنّ طهران التي تعترب رابع �أكرب منتج للنفط يف‬ ‫العامل وثاين �أكرب منتج للنفط يف �أوبك ال تزال ت�ستورد البنزين بن�سبة‬ ‫‪ %40‬من حاجاتها من اخلارج‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغم من �أنّ االقت�ص���اد الإيراين يعاين من م�شاكل جمّة نتيجة‬ ‫الف�س���اد و�س���وء الإدارة والعقوبات‪ ،‬حي���ث تبلغ ن�سب���ة البطالة فيه حوايل‬ ‫‪( %12‬ت�ش�ي�ر التقديرات اخلارجية دوم��� ًا �إىل ن�سبة مرتفعة قد ت�صل �إىل‬ ‫ح ��وايل ‪ )%20‬مع ن�سب���ة ت�ضخم كبرية �أي�ضاً‪� ،‬إال �أنن���ا نالحظ �أنّ اعتماد‬ ‫ه���ذا االقت�صاد على النف���ط �أعطاه القدرة على اال�ستف���ادة املبا�شرة من‬ ‫مليارات ال���دوالرات التي ت�أتي كعائدات‪ ،‬وتوظيفه���ا يف م�شاريع التناف�س‬ ‫الإقليم���ي خا�صة يف �أوج ارتفاع �أ�سعار هذه ال�سلعة الإ�سرتاتيجية‪ ،‬ال�سيما‬ ‫�أنّ احلر����س الثوري ي�سيطر عل���ى ن�سبة كبرية من هذا االقت�صاد وبالتايل‬ ‫من هذه املوارد‪.‬‬ ‫وطبق��� ًا ل�صندوق النقد الدويل‪ ،‬ف����إن االقت�صاد الإيراين يخ�ضع ب�شكل‬ ‫�شبه كامل ل�سيطرة جهات �سيا�سية فاعلة‪� .‬إذ ت�ستهلك ع�شرون �ألف �شركة‬ ‫ضال‬ ‫عامة ‪ %65‬من امليزانية الوطنية وتتوىل ‪ %80‬من ال�صادرات‪ ،‬هذا ف� ً‬ ‫ع���ن ‪ % 50‬من التجارة الداخلية‪ .‬وتبل���غ ح�صة البنوك اململوكة للدولة يف‬ ‫ال�سوق نحو ‪.%85‬‬ ‫ففي الوالية الأوىل لعهد الرئي�س �أحمدي جناد‪ ،‬ا�ستطاعت طهران على‬ ‫�سبيل املثال‪ ،‬و�إثر ارتفاع �أ�سعار النفط �إىل م�ستويات تاريخية قيا�سية‪� ،‬أن‬ ‫تراك���م عائدات ت�ساوي حوايل ‪ 200‬مليار دوالر خالل ثالث �سنوات‪ ،‬علم ًا‬ ‫�أن نف����س الرقم ا�ستلزمه���ا قبل هذه الفرتة ح���وايل ‪� 10‬سنوات ملراكمته‪.‬‬ ‫ومل���ا ّمت الك�شف عن �أن �صندوق االحتياط���ي الإيراين ال يحتوي �إال على ما‬ ‫يرتاوح ب�ي�ن ‪ 7‬و‪ 9‬مليار دوالر �آنذاك‪ ،‬بادرت بع����ض اجلهات �إىل املطالبة‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪137‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫بفت���ح حتقي���ق وتوجيه تهم �إىل حكومة الرئي�س جن���اد مل�ساءلته عن �إنفاق‬ ‫احلكوم���ة ‪ 100‬مليار دوالر من ر�صيد ال�صن���دوق دون وجهة معلومة‪ ،‬وهو‬ ‫م���ا �أ�شارت �إليه مطبوعة «�إي���ران امروز» م�ؤخر ًا الت���ي قالت �إن احلكومة‬ ‫اخفت حتى الآن �أكرث من ‪ 100‬مليار دوالر من عائدات النفط عن جمل�س‬ ‫ال�شورى ومنظمة التفتي�ش العام‪.‬‬ ‫كما ّمت الإعالن يف والية جناد الثانية عن اختفاء حوايل ‪ 23‬مليار دوالر‬ ‫ت�ش���كّل الفرق بني رقم املعلن ل���وزارة النفط التي قال���ت �أنها باعت نفط ًا‬ ‫بقيمة ‪ 256‬مليار دوالر يف الوقت الذي �أعلن فيه البنك املركزي الإيراين‬ ‫عن �أنّه من املفرت�ض للرقم �أن يكون ‪ 279‬مليار دوالر!‬ ‫وتق���دّر العديد من الأو�ساط يف داخل �إي���ران وخارجها �أنّ جزء ًا كبري ًا‬ ‫م���ن ه���ذه املبالغ �أنفقتها حكومة جن���اد على دعم وتعزي���ز مواقع �أذرعها‬ ‫الإقليمي���ة ومنا�صريه���ا املنت�شرين ال�سيما يف العامل العرب���ي‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫العملي���ات املتعلق���ة با�ستقدام معدات غ�ي�ر م�شروعة مرتبط���ة بالربامج‬ ‫ال�صاروخية والنووية‪.‬‬ ‫وت�شري تقدي���رات ال�صحافة الإيرانية �إىل �أن الدع���م الإيراين املبا�شر‬ ‫حلزب اهلل اللبناين وحده فقط دون باقي الأذرع على �سبيل املثال يقارب‬ ‫ال� �ـ ‪ 1.2‬مليار دوالر �سنوياً‪ .‬فوفق ًا لتقرير ملوق���ع «�صوت الكلمة اخل�ضراء»‬ ‫الإيراين نُ�شِ ر يف بداي���ة العام ‪ ،2010‬فقد �أر�سلت احلكومة الإيرانية مبلغ‬ ‫‪ 400‬ملي���ون دوالر حلزب اهلل خالل زيارة واح���دة فقط قام بها مهرزاب‬ ‫بازربا�ش م�ست�شار الرئي�س الإيراين حممود �أحمدي جناد �إىل لبنان‪.‬‬ ‫ومثل هذه العمليات لتمويل حزب اهلل كانت تتم بوا�سطة «بنك �صادرات‬ ‫�إيران»‪ .‬ويف ظ���ل العقوبات الدولية املفرو�ضة عل���ى امل�صرف‪ ،‬وح�سا�سية‬ ‫العملي���ات امل�صرفية الت���ي يجريها البن���ك‪ ،‬تتوىل ال�سف���ارة الإيرانية يف‬ ‫ب�ي�روت كم���ا يقول التقري���ر عمليات التحوي���ل ونقل الأم���وال �إىل احلزب‬ ‫بطرق كهذه‪� ،‬أو ب�أخرى كتلك التي ك�شفتها تركيا‪.‬‬ ‫فف���ي متوز‪/‬يولي���و م���ن الع���ام ‪ ،2009‬ك�شف���ت ال�سلط���ات الرتكيّة عن‬ ‫م�صادرته���ا ل�شاحن���ة حتمل من الذه���ب والعملة ال�صعبة م���ا قيمته ‪18.5‬‬ ‫ملي���ار دوالر يف طريقه���ا م���ن �إي���ران �إىل لبن���ان‪ ،‬و ّمت �إيداعه���ا امل�صرف‬ ‫املرك���زي الرتكي‪ .‬وعلى الرغم من �أنّ ح�سني �شريعتمداري نفى �أن تكون‬ ‫ه���ذه الأموال تابعة للحر����س الثوري‪ ،‬نقل موقع «بيك ن���ت» �أن هذا النفي‬ ‫من قب���ل �شريعتمداري �إمنا هو مناورة «للح�ؤول دون ك�شف خطة احلر�س‬ ‫الث���وري الإيراين لنقل هذه الأم���وال اىل حزب اهلل»‪ ،‬فالأم���وال املذكورة‬ ‫كانت قد ت�ستخدم لت�أ�سي�س م�صرف م�شرتك «�إيراين ‪ -‬لبناين» ب�إ�شراف‬

‫انخفا�ض عائدات �إيران من النفط �إ�ضافة �إىل العقوبات‬ ‫حدة‬ ‫املفرو�ضة عليها م�ؤخر ًا �ستدفعها �إىل التخفيف من ّ‬ ‫التناف�س الإقليمي مع اململكة خا�صة فيما يتعلق بتمويل‬ ‫�أذرعها الإقليمية‪ ،‬و�سيزيد من م�ساحة التعاون مع تركيا‬ ‫يف حماولة لك�سر احل�صار االقت�صادي وجتاوز تداعياته‬ ‫‪138‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫م�ش�ت�رك من قب���ل احلر�س الث���وري‪ ،‬وبالتعاون مع ح���زب اهلل لال�ستفادة‬ ‫منها يف ك�سر احل�صار االقت�صادي املفرو�ض على �إيران‪.‬‬ ‫وال �ش���كّ �أن هذا الدعم ل�سائ���ر �أذرع �إيران �سيت�أثر بانخفا�ض عائدات‬ ‫النفط الإيرانية والأزمة االقت�صادية التي تع�صف بالبالد وهو ما �سي�ؤدي‬ ‫بطبيعة احلال �إىل انكما�ش �أدوات �إيران الإقليمية من �أحزاب وميلي�شيات‬ ‫وهيئ���ات و�أفراد‪ ،‬حيث �سين�صب الرتكيز عل���ى معاجلة الو�ضع الداخلي‪.‬‬ ‫ومن امل�ؤكّد �أن امل�شاريع الكربى الداخلية �سينالها جزء من الآثار ال�سلبية‬ ‫حيث من املتوق���ع �أن يطال االنكما�ش يف الإنفاق م�شروع الربنامج النووي‬ ‫الإي���راين‪ ،‬ال�سيما بعد حزمة العقوبات الأممية الرابعة والفردية لكل من‬ ‫�أمريكا و�أوروبا‪.‬‬

‫ال تقوم الدول الثالث (�إيران وتركيا‬ ‫وال�سعودية) بتوجيه نفوذها االقت�صادي يف ظل‬ ‫التناف�س الإقليمي ال�ستقطاب الدول الأخرى‬ ‫فقط‪ ،‬و�إمنا ت�ستخدم كل منها ما توفر لديها‬ ‫من �أوراق اقت�صادية يف احتواء املناف�س الآخر‬ ‫و�ضمان حتديد �سقف قراره الإقليمي من خالل‬ ‫الإم�ساك باملفاتيح الأ�سا�سية لهذا الغر�ض‬

‫تركيا‪ :‬االقت�صاد يف خدمة القوّة الناعمة‬ ‫يف املقاب���ل‪ ،‬تتمتّع تركيا مب���وارد طبيعية وث���روات املعدنية ومب�ساحات‬ ‫�شا�سع���ة �إ�ضاف���ة اىل موقع ممي���ز جعلت منها بل���د ًا ذو اقت�ص���اد مركّب‬ ‫ومعقّ���د يدم���ج احلداث���ة ال�صناعي���ة والتج���ارة واخلدمات املتط���ورة مع‬ ‫القطاع التقليدي الزراعي‪ .‬موقع تركيا وطبيعتها املتنوّعة جعال منها بلد ًا‬ ‫غن ّي ًا باملوارد الطبيعية‪ ،‬وبا�ستثناء افتقارها �إىل كمّيات معتربة من النفط‬ ‫والغ���از‪ ،‬ف�إن تركيا تكاد حتتكر املوردان الأكرث �أهمية على �صعيد املنطقة‬ ‫وهم���ا املياه والغذاء‪ ،‬وهما موردان تتوقّع الدرا�سات امل�ستقبلية �أن يت�سببا‬ ‫ب�صراعات دولية لال�ستحواذ عليهما يف ظل ال�شح الذي تعاين منه الدول‬ ‫جراء تناق�ص من�سوب املياه واالفتقار �إىل االكتفاء الغذائي يف ظل تنامي‬ ‫ال�سكّان‪.‬‬ ‫فرتكيا من البلدان القليلة التي تتمتع باكتفاء ذاتي من الناحية الغذائية‬ ‫والزراعي���ة وهي تع���د يف املرتب���ة الأوىل عاملي ًا م���ن ناحية �إنت���اج البندق‬ ‫وامل�شم����ش والتني‪� ،‬أمّا م���ن الناحية ال�صناعية فهي حتت���ل املرتبة الثانية‬ ‫عاملي ًا يف �إنتاج الزجاج امل�سطح‪ ،‬والثالثة يف ت�صدير �أجهزة التلفاز‪ ،‬وتقع‬ ‫�ضم���ن الئحة اخلم�س الأوائل يف �إنتاج الذهب‪ ،‬والثامنة عاملي ًا يف �صناعة‬ ‫البناء وال�سفن‪.‬‬ ‫وال �شكّ �أنّ الرثوات واملوارد الطبيعية متنح الدولة القدرة على توظيفها‬ ‫يف جم���االت تزيد م���ن قوّتها‪ .‬ونتيج���ة للتوظيف ال�سليم لل�ث�روات ومنهج‬ ‫الإ�صالح االقت�صادي الذي �أدخله حزب العدالة والتنمية‪ ،‬ف�إن االقت�صاد‬ ‫الرتك���ي انتقل من مرحلة االنهيار مع بداية العام ‪� 2002‬إىل مرحلة �أ�صبح‬ ‫فيها يحتل املرتبة الـ‪ 15‬عاملي ًا وي�سعى الأتراك الحتالل مركز �ضمن قائمة‬ ‫االقت�صادات الع�شر الأوىل يف العامل خالل العقد املقبل‪.‬‬ ‫واملفارق���ة تكمن يف �أنّ تركيا دولة غري منتجة للنفط بل وت�شكّل الطاقة‬ ‫عبئ��� ًا كب�ي�ر ًا عليها خا�ص���ة عندما تك���ون الأ�سعار يف ارتف���اع‪ ،‬لأن معظم‬ ‫م���وارد الطاقة التي حتتاجها �إمنا ت�أتي من اخلارج‪ .‬لكن وعلى الرغم من‬ ‫ذل���ك‪ ،‬ف�إن العن�صر االقت�ص���ادي يعد الركي���زة الأوىل يف انطالقة تركيا‬ ‫اخلارجي���ة و�صعودها الإقليمي‪ .‬ويف هذا الإطار ميكن ر�صد انفتاح تركيا‬ ‫على العدي���د من التجمعات الإقليمية من خ�ل�ال متابعة احلجم املت�سارع‬ ‫واملت�ضاع���ف لأرق���ام التب���ادل التج���اري‪ .‬فحجم االقت�ص���اد الرتكي بحد‬ ‫ذات���ه و�سوق���ه ال�ضخم���ة التي ت�ض���م �أكرث م���ن ‪ 70‬مليون ن�سم���ة والفر�ص‬

‫اال�ستثماري���ة ال�ضخم���ة املتوافرة فيها‪ ،‬كله���ا عوامل ت�ش���كّل «جزرة» لأي‬ ‫ط���رف ت�سع���ى �أنق���رة �إىل االنفت���اح االقت�ص���ادي علي���ه‪ ،‬كم���ا �أنّ موقعها‬ ‫اجلغ���رايف اال�سرتاتيجي ال يجعلها فقط �سوق ًا حمبّذ ًا و�إمنا بوابة لكل من‬ ‫يريد ت�سويق خمرجاته االقت�صادية �إىل �أوروبا والغرب‪ ،‬خا�صة فيما يتعلق‬ ‫بال�سلع والنفط والغاز‪.‬‬ ‫فمع العامل العربي على �سبي���ل املثال‪ ،‬حققت تركيا وفق رئي�س الوزراء‬ ‫رج���ب طي���ب �أردوغ���ان قف���زة كبرية يف حج���م التب���ادل التج���اري من ‪7‬‬ ‫ملي���ارات دوالر ع���ام ‪� 2002‬إىل ‪ 37‬ملي���ار دوالر ع���ام ‪ ،2008‬وهناك �أكرث‬ ‫م���ن ‪� 200‬شركة عربية لديه���ا ا�ستثمارات يف تركيا تدعم اقت�صاد بلدانها‬ ‫واالقت�ص���اد الرتك���ي‪� ،‬إذ بلغ حجم اال�ستثم���ارات العربية يف تركيا حوايل‬ ‫‪ 6,2‬مليار دوالر بني عامي ‪ 2002‬و‪.2009‬‬ ‫ه���ذه امل�ؤ�ش���رات �أف�ض���ت �إىل تغي�ي�ر بع�ض املعطي���ات الإقليمي���ة‪ ،‬فقد‬ ‫�أ�صبح���ت عالقة تركيا امل�صلحية مع العرب �أكرث �أهمية منها مع �إ�سرائيل‬ ‫مم���ا خلق تناف�س ًا م���ع �إ�سرائيل على الدور اجلديد يف املنطقة‪ ،‬وهو الدور‬ ‫ال���ذي ترف�ضه الأخرية بطبيعة احلال نظر ًا للنتائج ال�سلبية التي �سترتتب‬ ‫على �صعود تركيا الإقليمي بالن�سبة لها‪.‬‬ ‫كما خل���ق هذا الو�ضع عالقة م�صلحية قوية م���ع العرب الذي �أ�صبحوا‬ ‫ينظرون �إىل تركيا على �أنّها موازن للنفوذ الإيراين يف منطقتهم‪ ،‬ف�أ�صبح‬ ‫لرتكيا يف الداخل العربي �شعبية الأمر الذي �أثّر يف النفوذ الإيراين ودفعه‬ ‫�إىل الرتاج���ع‪ ،‬يف ظل التناف����س الثالثي الإ�سرائيل���ي‪ -‬الإيراين‪ -‬الرتكي‬ ‫على النفوذ يف املنطقة العربية‪.‬‬ ‫وينطب���ق هذا امل�شه���د على دوائر �إقليمية عدي���دة لرتكيا حيث تتناف�س‬ ‫�إقليمي��� ًا م���ع �إي���ران يف �آ�سي���ا الو�سط���ى‪ ،‬وله���ا نف���وذ اقت�ص���ادي ينعك�س‬ ‫�سيا�سي��� ًا يف منطقة متتد من غرب ال�ص�ي�ن �إىل �شرق �أوروبا ومن منطقة‬ ‫�شم���ال البحر الأو�سط �إىل عمق القارة الأفريقي���ة مرور ًا مبنطقة ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪.‬‬ ‫فق���د ا�ستغلت تركيا اقت�صادها للخروج �إىل مناطق بعيدة غري تقليدية‬ ‫وهو ما عبرّ عنه املتخ�ص�ص يف العالقات الدولية بجامعة «بهت�شه �شهري»‬ ‫يف �إ�سطنب���ول‪ ،‬جنكي���ز �أكرت‪ ،‬بقول���ه ب�أن «ل���دى احلكومة احلالي���ة النية‬

‫احلازمة ب�أن تكون يف كل مكان‪ ،‬و�أن جتعل من تركيا قوة متو�سطة يُح�سَ ب‬ ‫لها ح�ساب»‪.‬‬ ‫فم���ع �أفريقيا على �سبيل املثال �أي�ض ًا ال احل�صر‪ ،‬قفز حجم ال�صادرات‬ ‫الرتكي���ة وفق ًا لأرقام معهد الإح�صاءات الرتكي م���ن ‪ 1.4‬مليار دوالر �إىل‬ ‫‪ 10.2‬ملي���ار بني عامي ‪ 2000‬و‪ 2009‬بن�سبة ت�شكّل حواىل ‪ %10‬من �إجمايل‬ ‫ال�ص���ادرات الرتكية‪ ،‬مقابل ارتفاع حج���م واردات املنتجات الأفريقية يف‬ ‫الوقت ذاته من ‪ 2.7‬مليار دوالر �إىل ‪ 5.7‬مليار‪.‬‬ ‫وق���د �سمح هذا البعد االقت�صادي لرتكيا بتعزي���ز البعد الديبلوما�سي‪،‬‬ ‫بحي���ث افتتحت حت���ى �آذار‪ /‬مار�س ‪ 2010‬عدد ًا م���ن ال�سفارات اجلديدة‬ ‫لريتفع الرقم من ‪� 12‬إىل ‪ 17‬يف غ�ضون �سنتني مع ‪� 10‬أخرى قيد الإن�شاء‪.‬‬ ‫ويعك����س عدد الأ�صوات الأفريقية التي ح�صلت عليها تركيا �إبّان تر�شحها‬ ‫ملقعد غري دائم يف جمل�س الأمن يف ت�شرين الأول‪� /‬أكتوبر ‪ 2008‬بواقع ‪51‬‬ ‫�صوت �أفريقي م�ؤيد من �أ�صل ‪ 53‬عدد الدول الأفريقية‪ ،‬مدى التقدّم الذي‬ ‫�أحرزت���ه تركيا يف منطقة ت�شه���د تناف�س ًا حمموم ًا ب�ي�ن العديد من الدول‬ ‫لدخولها ومنها دول �إقليمية ك�إ�سرائيل و�إيران و�أي�ضا الدول اخلليجية‪.‬‬

‫ال�سعودي��ة‪ :‬الق��وّة املالية لال�ستثم��ار يف ال�سيا�سة‬ ‫�أمّا االقت�صاد ال�سعودي فيعتمد اعتماد ًا �أ�سا�سي ًا‬ ‫والت�سلّح‬

‫ورئي�سي��� ًا عل���ى النفط وال�صناع���ات الأخ���رى املرتبطة ب���ه كال�صناعات‬ ‫البرتوكيماوي���ة‪� .‬إذ تعت�ب�ر اململكة املنتج وامل�ص���دّر الأوّل للنفط يف العامل‬ ‫وثاين �أكرب منتج للنفط اخلام بعد رو�سيا‪ ،‬و�صاحبة �أكرب احتياطي نفطي‬ ‫عاملي مبا ن�سبته ‪ %25‬من جممل االحتياطات النفطيّة العاملية‪.‬‬ ‫وت�ش���كّل عائ���دات ت�صدي���ر النف���ط ح���وايل ‪ %90‬من جمم���ل �إيرادات‬ ‫�ص���ادرات البالد ومثلها تقريب ًا من جممل عائدات الدولة‪ ،‬وت�شكّل حوايل‬ ‫�أك�ث�ر من ‪ %40‬من الن���اجت املحلي الإجمايل‪ .‬وبلغة الأرق���ام كانت اململكة‬ ‫حت�ص���د وفق تقرير لـ «دويت�ش���ه بنك» حوايل �أكرث من ملي���ار دوالر يومي ًا‬ ‫م���ن عوائد النفط يف العام ‪� ،2008‬أي ما يزيد عن ‪ 365‬مليار دوالر مقابل‬ ‫حوايل ‪ 200‬مليار دوالر متوقعة للعام ‪.2010‬‬ ‫ه���ذه املبال���غ ال�ضخم���ة �أتاح���ت للمملكة �أن ت�ب�رز لي�س عل���ى ال�صعيد‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪139‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫الإقليم���ي فح�سب و�إمنا عل���ى ال�صعيد الدويل �أي�ض���ا ال �سيما خالل وبعد‬ ‫الأزم���ة املالية العاملية‪ ،‬وه���و ما جت�سّ د يف �ض ّمه���ا �إىل جمموعة الع�شرين‬ ‫الت���ي ّمت ا�ستحداثه���ا وتفعيلها خالل الأزم���ة املالية العاملي���ة‪ .‬وال �شك �أنّ‬ ‫ملث���ل هذا االن�ضم���ام �أ�سبابه‪ ،‬اذ ميث���ل اقت�صاد اململكة نح���و ‪ 22‬يف املائة‬ ‫من الن���اجت القومي الإجم���ايل لل���دول العربية جمتمع���ة‪ ،‬و‪ 48.5‬يف املائة‬ ‫م���ن اقت�صادات دول جمل�س التعاون اخلليج���ي‪ ،‬بالإ�ضافة للدور املحوري‬ ‫للمملك���ة يف ا�ستقرار �أ�س���واق البرتول‪ ،‬وما يتبعه م���ن ت�أثري يف االقت�صاد‬ ‫العاملي‪.‬‬ ‫م���ن جهة �أخ���رى‪ ،‬ف�إنه وفق ًا لأرق���ام معهد �ستوكهومل ال���دويل لأبحاث‬ ‫ال�س�ل�ام «�سي�ب�ري»‪ ،‬ال تزال اململك���ة العربية ال�سعودية الأك�ث�ر �إنفاقا بني‬ ‫دول املنطق���ة على الت�سلح‪ ،‬حي���ث زادت ميزانيتها الع�سكرية للعام ‪،1998‬‬ ‫بن�سب���ة ‪ %61‬لي�صل حجمها الإجمايل �إىل ‪ 33‬مليار دوالر يف العام ‪،2008‬‬ ‫متق ّدم���ة على �إ�سرائيل التي حتت���ل املرتبة الثانية بواقع ‪ 13‬مليار دوالر ثم‬ ‫�إيران مع ‪ 6.1‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫وتركّ���ز اململكة يف م�شرتياته���ا على احل�صول عل���ى مقاتالت متطورة‬ ‫وعلى �أنظمة دفاع �صاروخي م�ض���اد لل�صواريخ البالي�ستية وعلى �صواريخ‬ ‫وقذائف «ذكيّة» عالية الدقّ���ة وموجّ هة بالأقمار ال�صناعيّة‪ ،‬مبا من �ش�أنه‬ ‫�أن مينح اململكة القدرة على �ضرب �أهداف بعيدة‪ ،‬الأمر الذي يخلق توازن ًا‬ ‫يف ق���وة الردع مع �صواريخ �إيران البال�ستية �أو تهديدات �أخرى �إ�سرائيلية‪.‬‬ ‫فق���د قامت ال�سعودي���ة يف العام ‪ 2007‬على �سبيل املث���ال ب�شراء ‪ 72‬طائرة‬ ‫«يوروفايرت – تايفون» من بريطانيا مببلغ ‪ 9‬مليارات دوالر‪.‬‬ ‫وت�ستخ���دم اململك���ة �أي�ضا نفوذه���ا النفطي واملايل يف تعزي���ز مواقفها‬ ‫الإقليمية‪ .‬فعلى �سبي���ل املثال‪ ،‬نقلت العديد من التقارير �إمكانية �أن تقوم‬ ‫اململك���ة بتعوي�ض ال���دول الكربى املت�ض���ررة من �أي عقوب���ات نفطية على‬ ‫�إي���ران‪� ،‬أو �ضم���ان اململكة زيادة الإنت���اج لتحقيق اال�ستق���رار يف الأ�سواق‬ ‫العاملية‪.‬‬ ‫وت�ش�ي�ر تقاري���ر �أخ���رى �إىل �أنّه وعل���ى الرغم م���ن �أن ورادات ال�سالح‬ ‫اخلليجي���ة من �أمريكا و�أوروبا تبقى احل�ص���ة الأكرب من جممل الواردات‬ ‫الع�سكري���ة‪ ،‬ا ّال �أنّ���ه م���ن املالح���ظ وج���ود توج���ه باالنفتاح عل���ى ال�سالح‬ ‫الرو�س���ي‪ ،‬ولع ّل ذلك يعود �إىل رغبة دول اخلليج ويف طليعتها ال�سعودية‬ ‫يف احل���د من الدع���م الرو�س���ي لإي���ران‪ ،‬وا�ستمالتها مقابل‬ ‫�شراء �أ�سلحة مببالغ كبرية‪.‬‬ ‫ففي الع���ام ‪ ،2007‬زار الرئي����س فالدميري بوتني اململكة‬ ‫ال�سعودية ومت مناق�شة �صفقات �سالح بقيمة حوايل ملياري‬ ‫دوالر‪� ،‬أب���دت اململك���ة خاللها االهتمام ب�ش���راء ‪ 150‬مروحية‪،‬‬ ‫‪ 30‬هجومية (‪ )Mi-35‬و‪ 120‬نقل (‪ )Mi-17‬و�أكرث من ‪150‬‬ ‫دبابة (‪ )T-90s‬وحوايل ‪� 250‬آلية مدرعة وع�شرات الأنظمة‬ ‫الدفاعية امل�ضادة للطائرات‪.‬‬ ‫وحتت���ل الأنظمة الدفاعي���ة الرو�سية املتط���ورة �أي�ض ًا مركز ًا‬ ‫مهم ًا يف الئح���ة الأ�سلحة التي ت�سع���ى ال�سعودية �إىل احل�صول‬ ‫عليه���ا‪� ،‬إذ تبدي اململك���ة اهتمام ًا متزاي���د ًا يف احل�صول على‬ ‫‪140‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�أنظمة الدفاع ال�صاروخي اجل���وي (‪ )S-300‬و(‪ )Pantsyr-S1‬و(‪)S-400‬‬ ‫الق���ادرة على اكت�شاف �ستة �أهداف والتعامل معها‪ ،‬يف �آن واحد‪ ،‬من على‬ ‫م�سافة ‪ 400‬كيلومرت‪.‬‬ ‫دون �أن نن�س���ى يف النهاية الإ�شارة �إىل �أهمي���ة اال�ستثمارات ال�سعودية‬ ‫اخلارجية والتي ت�سعى كل الدول �إىل اجتذابها‪ ،‬ال�سيما بعد ازدياد دورها‬ ‫واحلاج���ة �إليها �إب���ان الأزمة املالي���ة العاملية وما بعده���ا خا�صة يف الدول‬ ‫الغربية كالواليات املتحدة و�أوروبا‪.‬‬

‫الورق��ة االقت�صادي��ة يف العالق��ات املتبادل��ة بني‬ ‫وال تقوم الدول الثالث (�إيران‬ ‫الدول الثالث‬

‫وتركيا وال�سعودية) بتوجيه نفوذها االقت�صادي يف ظل التناف�س الإقليمي‬ ‫ال�ستقط���اب الدول الأخرى فقط‪ ،‬و�إمنا ت�ستخ���دم كل منها ما توفر لديها‬ ‫م���ن �أوراق اقت�صادي���ة يف احت���واء املناف�س الآخر و�ضم���ان حتديد �سقف‬ ‫قراره الإقليمي من خالل الإم�ساك باملفاتيح الأ�سا�سية لهذا الغر�ض‪.‬‬ ‫فاعتم���اد تركيا الكلّي عل���ى �سبيل املثال على ا�ست�ي�راد ما حتتاجه من‬ ‫م���وارد الطاق���ة يع ّد عام���ل �ضعف حت�سن �إي���ران ا�ستغالل���ه وتوظيفه مبا‬ ‫يخ���دم م�صلحته���ا‪ ،‬حيث ت�ؤمّن الأخرية التي متتلك ث���اين �أكرب احتياطي‬ ‫من الغاز الطبيعي يف العامل‪ ،‬حوايل ثلث واردات تركيا من الغاز الطبيعي‬ ‫�أو ما ي�ساوي حوايل ‪ 25‬مليون م‪ 3‬يومياً‪.‬‬ ‫يف املقاب���ل‪ ،‬وعل���ى الرغم م���ن انّ حجم التب���ادل التجاري ب�ي�ن تركيا‬ ‫واململكة العربية ال�سعودية متوا�ضع مقارنة مبثيله الإيراين‪ -‬الرتكي حيث‬ ‫يبل���غ الأول حوايل ‪ 5.5‬ملي���ار دوالر – مع طموح لرفعه �إىل ‪ 20‬مليار دوالر‬ ‫خالل �سنتني‪ -‬مقابل حوايل ‪ 10‬مليار دوالر للثاين – مع خطط لرفعه �إىل‬ ‫ما ب�ي�ن ‪ 20‬و‪ 30‬مليار دوالر‪ ،-‬تعتمد اال�سعودية على العن�صر اال�ستثماري‬ ‫ال���ذي يعد الأكرث �أهمية خلدم���ة االقت�صاد الرتكي‪ ،‬حي���ث تعتزم اململكة‬ ‫ا�ستثمار قرابة الـ‪ 400‬مليار دوالر خالل الأربع �سنوات املقبلة‪.‬‬ ‫ولأنّ الركي���زة الأ�سا�سي���ة مل�شروع تركي���ا الإقليمي تق���وم على العن�صر‬ ‫االقت�ص���ادي‪ ،‬ف�إن االقت�صاد الرتكي ي�سع���ى �إىل ا�ستيعاب هذه املدخالت‬ ‫املختلف���ة على اعتبار �أنّ هناك م�ساح���ة وا�سعة للتعاون على قاعدة الربح‬ ‫املتب���ادل (‪ ،)Win- Win Situation‬وه���و م���ا تعزّزه التط���ورات الأخرية‬ ‫الت���ي �شهدت انخفا�ض ًا لأ�سعار النفط و�أزمة اقت�صادية‬ ‫عاملية‪.‬‬ ‫فانخفا����ض عائ���دات �إي���ران م���ن النف���ط �إ�ضافة �إىل‬ ‫العقوبات املفرو�ض���ة عليها م�ؤخر ًا �ستدفعها �إىل التخفيف‬ ‫من ح���دّة التناف�س الإقليم���ي مع اململكة خا�ص���ة فيما يتعلق‬ ‫بتموي���ل �أذرعه���ا الإقليمي���ة‪ ،‬و�سيزيد من م�ساح���ة التعاون مع‬ ‫تركيا يف حماولة لك�سر احل�صار االقت�صادي وجتاوز تداعياته‪.‬‬ ‫�أمّ���ا اململك���ة العربية ال�سعودي���ة فهي ت���رى يف تركيا عن�صر‬ ‫موازنة‪ ،‬ولذلك ف�إن العام���ل االقت�صادي يعترب �أ�سا�سي ًا يف‬ ‫هذه احلالة لتعزيز التع���اون القائم لدعم اال�ستقرار يف‬ ‫املنطقة على قاعدة الربح املتبادل �أي�ضاً‪.‬‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة درا�سات اقت�صادية‬

‫الأزمة املالية العاملية ودول جمل�س التعاون اخلليجي‬

‫االنعكا�سات والآفاق امل�سقبلية‬ ‫علي ح�سني باكري‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪141‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫يف ‪ 1605‬ولدت ال�صحافة الورقية بال�صورة الكاملة لل�صحيفة املطبوعة‪ .‬ففي تلك ال�سنة‪� ،‬صدرت �صحيفة «روال‬ ‫�سي���ون» الأ�سبوعي���ة يف مدينة �سرتا�سبورج الأملاني���ة‪ ،‬لتنت�شر بعدها ال�صحافة املطبوع���ة يف �أرجاء �أوروبا وحتتل‬ ‫مكان���ة ثقافي���ة و�سيا�سية واجتماعية مهمة وفاعلة‪ ،‬خالق��� ًة تطور ًا حقيقي ًا كما يرى م�ؤرخ���و الإعالم يف م�سارات‬ ‫احلي���اة الإن�سانية‪ ،‬وانت�شار قي���م الن�ضال‪ ،‬وروح التغيري؛ لقيامه���ا بن�شر الأخبار واملعلوم���ات والأفكار‪ ،‬و�إحداث‬ ‫تق���ارب يف التفاعالت اجلماهريية حتى �أ�صبحت ال�صحافة وال�صحف من �أهم القيم الرمزية للمعرفة وت�شكيل‬ ‫الوعي اجلمعي‪.‬‬ ‫الورق���ي وال�صح���ف املطبوع���ة‬ ‫اليوم بعد �أك�ثر من �أربعمائة‬ ‫لكنه���ا ال تخل���و م���ن تروي���ج‬ ‫ع����ام ع��ل��ى ظ���ه���ور ال�صحافة‬ ‫جتاري ملنتجات اخلزن الرقمي‬ ‫املكتوبة وتطور تقنيات االت�صال‬ ‫واال�ستعرا�ض الإلكرتوين‪ .‬وكان‬ ‫وال��ت��وا���ص��ل الإن�������س���اين‪ ،‬تظهر‬ ‫بي���ل جيت����س يف مقابل���ة ل���ه مع‬ ‫ت���ن���ظ�ي�رات وت����وق����ع����ات ب��ق��رب‬ ‫�صحيفة “لو فيغارو” الفرن�سية‬ ‫ان��ق��را���ض ال�����ص��ح��اف��ة الورقية‬ ‫قد ن�صح ال�صح���ف الورقية �أن‬ ‫و�أمناطها املختلفة خالل �سنوات‬ ‫توجد لها مواقع �إلكرتونية نوعية‬ ‫قليلة‪� ،‬أمام انت�شار �آليات و�أدوات‬ ‫ومتطورة يف �سباق حتدٍّ من �أجل‬ ‫الن�شر الإلكرتوين عرب الإنرتنت‬ ‫احلفاظ على جمهورها‪ ،‬وكانت‬ ‫وال���ه���وات���ف اجل���وال���ة وو�سائط‬ ‫تقدي���رات جيت����س حينها تتوقع‬ ‫امليديا املتطورة‪.‬‬ ‫جت���اوز ن�سبة مطالعي ال�صحف‬ ‫ي�����ق�����ول �أح�����������دث ت���ق���ري���ر‬ ‫ع�ب�ر �شبك���ة الإنرتن���ت خ�ل�ال‬ ‫ل�شركة ال�برجم��ي��ات العمالقة‬ ‫�سنوات قليل���ة‪ ،‬حاجز ‪� ،%50‬إال‬ ‫«ميكرو�سوفت» �أن الت�سعة ع�شر‬ ‫�أن الأم���ور الي���وم تب���دو مغايرة‬ ‫عام ًا املقبلة �ست�شهد االختفاء‬ ‫حمــمـد الكـهــايل‬ ‫متام ًا لكثري م���ن التوقعات �إزاء‬ ‫النهائي لل�صحافة الورقية �أمام‬ ‫‪pressye@gmail.com‬‬ ‫انت�ش���ار املواق���ع الإلكرتوني���ة‬ ‫تزايد عدد مُ�ستخدمي خدمات‬ ‫وو�سائط الن�شر ال�صحفية‪.‬‬ ‫ا�ستعرا�ض ال�صحف على �شبكة‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬و�سيح ّل الن�شر الإلكرتوين حمل الن�شر الورقي ب�شكل‬ ‫فف���ي درا�س���ة �أجري���ت على اجلمه���ور الأمريك���ي توردها ماري‬ ‫نهائي‪.‬‬ ‫بينيل���ر يف مقاله���ا عن م�ستقب���ل ال�صحافة املكتوب���ة‪ ،‬يف �صحيفة‬ ‫وجند خلفية لهذا التقرير من «ميكرو�سوفت» لدى م�ؤ�س�سها بيل “اللومون���د ديبلوماتي���ك” مطلع العام احل���ايل ‪ ،2010‬يت�ضح �أن‬ ‫جيت�س‪ ،‬الذي يقول‪« :‬لفرتة جتاوزت اخلم�سمائة عام‪ ،‬كان الق�سم اجلمه���ور الأمريك���ي ال يخ�ص����ص م���ن وقت���ه ملطالع���ة ال�صحف‬ ‫ع�ب�ر �شبك���ة الإنرتنت �أك�ث�ر م���ن ‪ ،%0.56‬فيم���ا يخ�ص�صون ‪%17‬‬ ‫الأعظ���م من املعلوم���ات واملعارف الب�شرية ُيخ���زّن كوثائق ورقية‪،‬‬ ‫وها ه���ي ذي واحدة منها بني يديك يف ه���ذه اللحظة �إال �إذا كنت م���ن �أوقاتهم عل���ى الإنرتن���ت للمدون���ات الإلكرتوني���ة ولل�شبكات‬ ‫تقر�أ هذه ال�صفحات عرب القر�ص املدمج (‪� )CD‬أو عرب �صفحات االجتماعي���ة مث���ل الفي�سب���وك والتوي�ت�رز‪ ،‬واملاي �سبي����س‪ ،..‬وهي‬ ‫الوي���ب‪� .‬سيبق���ى الورق معنا دون ريب �إىل وق���ت غري حمدد‪ ،‬لكن ذاتها ال�شبكات الإلكرتونية التي تزيد من م�ساحة جمهور القنوات‬ ‫�أهميته ك�أداة للو�ص���ول �إىل املعلومات وحفظها وتوزيعها بد�أت يف املتلف���زة وال�صح���ف الإخبارية عرب نقل وم�شارك���ة موادها احليّة‬ ‫والإنفرادات ال�صحفية والتعليق عليها‪.‬‬ ‫الت�ضا�ؤل بالفعل”‪.‬‬ ‫وتفي���د الإح�صائي���ات الأوروبية �أن ‪ %80‬من ال�شب���اب يف �أملانيا‬ ‫�س���اق جيت�س ه���ذا الكالم يف كتاب���ه “طري���ق امل�ستقبل”‪ ،‬عند‬ ‫حديثه عن ثورة املحتوى‪ ،‬وهي فل�سفة ال تعني حتم ًا انقرا�ض الن�شر يق���ر�أون ال�صح���ف واملج�ل�ات الورقية يومي���اً‪ ،‬وتق���ول املعلومات‬

‫امل�ستقبل‬ ‫الغام�ض‬ ‫لل�صحافة‬ ‫الورقية‬

‫‪142‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫حم ـمـد الكـهــايل باحث وكاتب ميني‪.‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪143‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫ال�صادرة عن جملة “نا�شيونال جيوجرافيك” الدولية �أن الإن�سان‬ ‫الع���ادي يف الألفي���ة اجلديدة يق���ر�أ يف حيات���ه ‪� 2455‬صحيفة تزن‬ ‫نح���و طن ون�صف من الورق‪ ،‬ويقر�أ كذل���ك ‪ 533‬كتاب ًا مقابل ثمان‬ ‫�سن���وات من حياته يق�ضيها يف م�شاهدة التلفاز مبعدل ‪ 148‬دقيقة‬ ‫يومياً‪ ،‬بعد �أن كان متوقع ًا منذ ظهور التلفاز �أن يُزيح قراءة الكتب‬ ‫وال�صح���ف نهائياً‪ ،‬كما كان متوقع ًا ل���ه �أن يبث نعي الراديو �إال �أن‬ ‫الراديو ما يزال حي ًا ومهم ًا حتى اليوم‪.‬‬ ‫يتبنّ���ى روبرت م���ردوخ‪� ،‬أحد كبار مُ�ل�اك الو�سائ���ل الإعالمية‬ ‫املرئي���ة واملطبوع���ة يف العامل‪ ،‬فك���رة اال�ستعداد لنع���ي ال�صحافة‬ ‫الورقي���ة‪ ،‬رغ���م امتالك���ه ل�صح���ف �شه�ي�رة ووا�سع���ة االنت�شار يف‬ ‫�أم�ي�ركا مثل النيويورك بو�س���ت‪ ،‬ووول �سرتيت جورنال‪ ،‬و�أكرث من‬ ‫مائة مطبوعة يف �أ�سرتاليا و�أماكن �أخرى متفرقة من العامل‪.‬‬ ‫ويب���دو جلي��� ًا �أن دافع مردوخ لي����س ناجم عن خ�س���ارة حقيقية‬ ‫لل�صحافة الورقية �أمام الن�ش���ر الإلكرتوين للمحتويات ال�صحفية‬ ‫�أو الأ�سباب الناجمة عن خ�سارة ال�صحف ال�ستثمارات وم�ضاربات‬ ‫نتيجة الأزمة املالية العاملية‪ ،‬بل يف �سعي مردوخ �إىل ت�أ�سي�س �إحتاد‬ ‫للنا�شري���ن العاملي�ي�ن ُيل���زِ م مت�صفحي الإنرتن���ت بالدفع لالحتاد‬ ‫مقاب���ل خدمات الت�صف���ح عقب خروجه بت�سوية غ�ي�ر مر�ضية مع‬ ‫عم�ل�اق البح���ث ‪ google‬لتقا�س���م الأرب���اح الناجت���ة ع���ن ت�صفح‬ ‫ال�صح���ف واملق���االت عرب مت�صف���ح البح���ث يف ‪ ،google‬وتهديده‬ ‫ب�سحب جرائده من املوقع‪ ،‬وهو ما تقول حوله ماري بينيلر �أنه لن‬ ‫يتم كون ال�سيد مردوخ يعلم �أن هذه اخلطة لن تنجح �إال يف حال قام‬ ‫به���ا كل النا�شرين الآخرين يف ذات الوقت‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل معرفته‬ ‫بالقيم���ة الزمنية املحدودة للم���واد الإعالمية مما يجعل حمايتها‬ ‫�صعب���ة على الإنرتنت‪ ،‬و�سهولة حتك���م ‪ google‬بهذه املواجهة‪� ،‬إذ‬ ‫�أنه���ا ال حتقق �سوى �أرباح هام�شي���ة من املواقع ال�صحفية ال ت�شكل‬ ‫�سوى ما جمموعه ‪� %1.5‬إىل ‪ %3‬من �أبحاث املحرك‪.‬‬ ‫وم���ن املهم �أن نعرف هنا �أن خطورة و�ضع ال�صحافة الأمريكية‬ ‫ي�أتي من االحتكاري���ة التجارية لل�ستة الكبار‪ ،‬كما يقول بريكلي يف‬ ‫كتاب���ه «احتكار الإعالم»‪ .‬ف�ست جمموع���ات �إعالمية جتارية هي‪:‬‬ ‫«تامي ويرنر» و»و�ستنك هاو�س»‪� ،‬صاحبة ال�شبكة الإخبارية �سي بي‬ ‫�إ�س‪ ،‬وجمموعة «مردوخ نيوز كور» التي متلك �شبكة فوك�س‪ ،‬و�شركة‬ ‫ديزين املالكة احل�صرية ملجموعة �إي بي �سي‪ ،‬وجمموعة «جي �إي»‬ ‫املالك���ة ل�شبكة �إن ب���ي �إ�س‪ ،‬و�شركة «فياك���وم»‪ ،‬متثل يف جمموعها‬ ‫منظوم���ة احتكارية لكل مق���درات الن�شر ال�صحف���ي واملطبوعات‬ ‫والكت���ب والإنتاج التليفزيوين وال�سينمائي‪ ،‬كما �أنها ال تتعاطى مع‬ ‫‪144‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العمل الإعالمي والن�شر ال�صحفي من منظور الر�سالة االجتماعية‬ ‫�أو الوطنية‪ ،‬بل من منظور امل�ضاربة التجارية ومفاهيم �سوق ر�أ�س‬ ‫املال يف تعامله مع الإعالم الدعائي والت�سويقي‪.‬‬ ‫يق���دم الكات���ب واملعلّق اللبناين �سع���د حميو‪ ،‬يف مق���ال له نُ�شِ ر‬ ‫حديث ًا حول الإ�شكالية املعا�صرة لل�صحافة الورقية‪ ،‬تو�صيف ًا دقيق ًا‬ ‫للم�شكلة يتجاوز الإحالة �إىل دور وت�أثري الإنرتنت والف�ضائيات �إىل‬ ‫حقيقة م�سكوت عنها كثري ًا تتمثل يف والدة �سوق اقت�صادية جديدة‬ ‫يف �سبعينيات الق���رن املا�ضي نقلت �إىل جعبتها تريليون دوالر يتم‬ ‫تداولها يومي ًا على ال�شبك���ة الإلكرتونية‪ ،‬وينتقل فيها مركز الثقل‬ ‫م���ن االقت�ص���اد ال�صناع���ي التقلي���دي �إىل اقت�ص���اد ال�صناعات‬ ‫التكنولوجي���ة املتطورة م���ن كمبيوترات وات�ص���االت‪ ،‬و�أ�سواق مال‬

‫�أن �أن���واع التكنولوجيا املختلفة وعل���ى ر�أ�سها الناقالت املعلوماتية‬ ‫والأطب���اق الالقطة‪� ،‬ست�سهم يف تقدم �س���وق املعلومات اجلديدة‪.‬‬ ‫لقد ب���د�أت الرق�صة بالفعل‪ ،‬بح�سب ق���ول ديرتوزو�س‪ ،‬منذ مطلع‬ ‫الألفي���ة‪ ،‬ويبدو �أن ال�صحافة الورقية هي �أحد �أكرب امل�صارعني يف‬ ‫حلبة نزال امل�صالح اجلديدة‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬يحدد �سعد حميو الأقطاب املتنازعة حول ال�صحافة‬ ‫الورقي���ة مبع�سكري���ن متباين�ي�ن‪ :‬مع�سك���ر دع���اة دف���ن ال�صحافة‬ ‫الكال�سيكية القدمية ومع�سكر دعاة الدفاع عنها‪ .‬ويتكون املع�سكر‬ ‫الأول م���ن �أن�ص���ار الر�أ�سمالية املتطرفة‪ ،‬وينق���ل حميو عن ممثل‬ ‫ه���ذا املع�سكر كاليل �شريكي‪ ،‬الباح���ث يف �شئون االنرتنت‪ ،‬وجهة‬ ‫نظرهم ال�ساعي���ة �إىل �إيجاد �صحافة رقمي���ة تت�سق مع االقت�صاد‬ ‫الكالم حول انقرا�ض �أو نعي ال�صحافة الورقية ما يزال‬ ‫مبكر ًا ج��داً‪ ،‬وقد يكون م�ستحي ًال من منظور اجتماعي‬ ‫و�سيكولوج��ي‪ ،‬نتيجة خل��ق الأدوات املختلفة يف حياة‬ ‫النا���س لأماكنه��ا اخلا�ص��ة وارتباطاته��ا العاطفي��ة‬ ‫وال�سيكولوجية التي يتطلب التحول فيها �أجيا ًال عدة‬ ‫�أو حتوالت جذرية يف حياة املجتمعات وال�شعوب‬

‫افرتا�ضية‪.‬‬ ‫يق���ول حميو‪« :‬وهكذا وبني ليل���ة و�ضحاها مل يعد منجم الذهب‬ ‫ال���ذي كانت تتمتع به ال�صحف الورقية من���ذ �أواخر القرن التا�سع‬ ‫ع�ش���ر وحتى �أواخ���ر الق���رن الع�شري���ن بالن�سبة لرج���ال الأعمال‬ ‫واملُعلنني‪ ،‬ب�صفتها الو�سيلة الرئي�سة للو�صول �إىل قلوب امل�ستهلكني‬ ‫وجيوبهم‪ ،‬بعد �أن بد�أت تظهر و�سائل �أ�سرع و�أرخ�ص لغ�سل عقول‬ ‫امل�ستهلكني وا�ستن���زاف جيوبهم‪ ،‬وبد�أت تظهر االختناقات املالية‬ ‫يف ال�صح���ف الورقية بتقل�ص م���وارد الإعالنات التي تعتا�ش منها‬ ‫و�أعداد القراء الذين كانت تعتمد عليهم»‪.‬‬ ‫م���ا يزيد م���ن دق���ة ه���ذا التو�صي���ف‪ ،‬االفرتا�ض ال���ذي و�ضعة‬ ‫مايكل ديرتوزو�س يف كتاب���ه ال�شهري «كيف �سيغري عامل املعلومات‬ ‫حياتنا» الذي �صدر العام ‪ ،1998‬ففي �سياق ت�أكيد ديرتوزو�س على‬ ‫انته���اء ع�صر احت���كار االت�صاالت الوطني���ة‪ ،‬وظهور عدد حمدود‬ ‫م���ن التحالفات القومية وانت�شاره���ا يف �أنحاء العامل تتناف�س على‬ ‫ا�ستغ�ل�ال �س���وق املعلومات النا�شئ���ة بقيم مالية بحت���ة‪ ،‬ي�شري �إىل‬

‫الرقم���ي‪ ،‬وتطي���ح بالنظ���ام ال�صحف���ي الق���دمي متام���اً‪ .‬ويحظى‬ ‫ه���ذا املع�سكر بدعم كامل م���ن ال�شركات ورج���ال الأعمال الذين‬ ‫ا�ستخدموا ال�صحافة الورقية كو�سيلة لغاية جتارية بحتة ال كقيمة‬ ‫ووظيفة اجتماعية من الطراز الأول‪.‬‬ ‫ويف املع�سكر الأخر يقف �أن�صار ال�صحافة الورقية ال�ساعني �إىل‬ ‫دع���م ت�أقلم هذه ال�صحاف���ة مع الثورة التكنولوجي���ة واالت�صاالت‬ ‫والإنرتن���ت‪ ،‬و�إنقاذه���ا م���ن و�ضعه���ا الراه���ن باعتب���ار دوره���ا‬ ‫االجتماع���ي والوطني الكبري‪ ،‬وعدم قدرة ال�صحافة الرقمية على‬ ‫توف�ي�ر الدقة وامل�صداقية والنزع���ة املو�ضوعية العلمية وامل�س�ؤولية‬ ‫االجتماعية والوطني���ة التي تقدمها ال�صحافة الأم‪� .‬إن ال�صحافة‬ ‫وفق هذا املع�سكر لي�ست �سلعة يف ال�سوق االقت�صادية‪ ،‬بل هي قيمة‬ ‫ك�ب�رى من قيم «اخلري العام»‪� ،‬إنها �ش���يء يحتاجه املجتمع املدين‬ ‫ويريده النا�س وقوى ال�سوق غري قادرة على توليد مثل هذا «اخلري‬ ‫العام» مب�ستويات ونوعية وكمية كافية‪.‬‬ ‫وي�ضع �أن�صار هذا املع�سكر حل الدعم الرئي�سي من احلكومات‬

‫لل�صح���ف ملواجه���ة الأعب���اء والنفق���ات دون امل�س بحريته���ا مثلما‬ ‫كان احل���ال علي���ه �سابق���اً‪ ،‬حي���ث كان الر�ؤ�ساء ج���ورج وا�شنطن‪،‬‬ ‫وجيفر�سون‪ ،‬ومادي�سون يعتربون هذا الدعم من املكونات الرئي�سية‬ ‫للدميقراطية الد�ستورية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الدعم املبا�شر من املجتمع‬ ‫املدين والهبات غري امل�شروطة من هيئات العمل اخلريي‪.‬‬ ‫يف اجت���اه موازٍ ‪ ،‬ي�ؤكد حميو كما غريه م���ن الباحثني على �أهمية‬ ‫ال�صحاف���ة احل���رة وامل�ستقلة يف الوط���ن العربي‪ ،‬وحاجت���ه املا�سة‬ ‫�إليها يف مرحلة انتقاله نحو الدميقراطية‪ .‬فالوطن العربي بالفعل‬ ‫م���ا زال بحاجة لأن تعمّه الثورة التكنولوجي���ة العاملية‪ ،‬وتتطور فيه‬ ‫املنظومات االقت�صادية وت�ستقر وتعم القدرة على ح�صول املواطنني‬ ‫عل���ى الطاقة الكهربائي���ة‪ ،‬كي تناف�س التكنولوجي���ا �أو ًال ال�صحافة‬ ‫الورقي���ة‪ ،‬وتنخف�ض م�ستويات الأمية يف بع����ض �أقطاره عن ن�صف‬ ‫ال�سكان كي تنت�شر ال�صحافة الورقية واملطبوعات‪ ،‬فبع�ض الأقطار‬ ‫العربي���ة ال ت�ص���ل فيها الكهرب���اء �إىل �أكرث م���ن ‪ %27‬من ال�سكان‪،‬‬ ‫والأمي���ة التقنية تتع���دى ‪ ،%95‬كم���ا �أن ال�صحاف���ة امل�ؤ�س�سية �شبه‬ ‫منعدمة و�أمامها معركة حقيقية يف تكوين البنى الأ�سا�سية وتكوين‬ ‫قواعد جماهريية حقيقية ووا�سعة‪.‬‬ ‫يف التحلي���ل النهائ���ي‪ ،‬يب���دو �أن الكالم ح���ول انقرا����ض �أو نعي‬ ‫ال�صحاف���ة الورقية ما يزال مبكر ًا جداً‪ ،‬وق���د يكون م�ستحي ًال من‬ ‫منظ���ور اجتماعي و�سيكولوج���ي‪ ،‬نتيجة خل���ق الأدوات املختلفة يف‬ ‫حياة النا�س لأماكنها اخلا�صة وارتباطاتها العاطفية وال�سيكولوجية‬ ‫التي يتطل���ب التحول فيها �أجيا ًال عدة �أو حت���والت جذرية يف حياة‬ ‫املجتمع���ات وال�شع���وب‪ ،‬كم���ا �أن الإ�ش���كاالت الت���ي تواجهه���ا بيئة‬ ‫ال�صحاف���ة الورقي���ة الأمريكي���ة ال�شمالي���ة �أو الأوروبي���ة (كما بدا‬ ‫م�ؤخ���ر ًا يف الأزم���ة اخلانق���ة التي تع���اين منها �صحيف���ة «لوموند»‬ ‫الفرن�سي���ة املعروفة على �سبيل املث���ال) ال تن�سحب بال�ضرورة على‬ ‫ال�صحافة الورقية املختلفة يف مناطق �أخرى من العامل‪.‬‬ ‫يف �أح���د امل�شاهد ال�سينمائي���ة‪ ،‬يت�شارك �شاب وعج���وز يابانيان‬ ‫كبينة �سفر يف �أحد القطارات‪ ..‬يتربم‬ ‫م�سلمو �أوروبا �أو الآخر‬ ‫كما ينبغي �أن يكون‬ ‫العج���وز من الكمبيوت���ر الكفّي يف يد التايل‬ ‫بقلم‪ :‬علي العب�سي‬ ‫ال�ش���اب والأ�ص���وات ال�ص���ادرة عنه‪،‬‬ ‫وينظ���ر ال�ش���اب ب�سخري���ة �إىل اجلري���دة‬ ‫الكب�ي�رة التي يقلّب العج���وز �صفحاتها ب�إزع���اج مماثل‪ ..‬ال تنتهي‬ ‫الرحل���ة �إال وقد ت�شارك ال�شاب مع العج���وز �صحيفته الورقية‪ .‬لقد‬ ‫نفدت بطاري���ة الكمبيوتر اللوحي اخلا�ص به‪ ،‬ويف احلال ارت�سمت‬ ‫ابت�سامة ر�ضا عميقة على وجه العجوز‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪145‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫�شهدت املجتمعات الأوروبية يف الآونة الأخرية تزايد ًا مل�شاعر اخلوف والكراهية للم�سلمني والإ�سالم‪ ,‬بحيث مل‬ ‫تعد هذه امل�شاعر مقت�صرة على �شرائح اجتماعية �أو ثقافية معينة داخل �أوروبا بل جتاوزتها لت�شمل �أفراد ًا من‬ ‫النخ���ب الثقافية وال�سيا�سية والإعالمية‪ ،‬ويف جمتمعات ُ�صنّفت دائم��� ًا على �أنها الأكرث ت�ساحم ًا والأكرث حترر ًا‬ ‫ب�ي�ن املجتمع���ات الأوروبي���ة‪ .‬فمن منع بناء امل����آذن يف �سوي�سرا‪� ،‬إىل من���ع ارتداء النق���اب يف الأماكن العامة يف‬ ‫بلجي���كا وفرن�س���ا‪� ،‬إىل الفوز الأخري والتقدم الكبري حلزب مييني متطرف مكر�س ال�ستعداء امل�سلمني والإ�سالم‬ ‫يف انتخابات هولندا‪ .‬كل املعطيات ال�سابقة وغريها كثري‪ ،‬ت�ؤ�شر �إىل �أن امل�سلمني باتوا يواجهون م�شكلة تتلخ�ص‬ ‫يف �أنه مل يعد مرحب ًا بهم �أو بدينهم يف القارة الأوروبية‪.‬‬

‫م�سلمو �أوروبا �أو «الآخر»‬ ‫كما ينبغي �أن يكون‬ ‫علي �أحمد عمر العب�سي‬ ‫‪alabsiali2009@yahoo.de‬‬

‫تذه���ب العديد من التحليالت اخلا�صة بهذه الق�ضية �إىل �إرجاع موجة‬ ‫العداء والكراهية للم�سلمني �إىل �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب‬ ‫يف الوالي���ات املتح���دة ونتائجها الدموية التي ه���زت املجتمعات الغربية‪.‬‬ ‫وهن���ا ميكن القول �إن���ه بالت�أكيد كان لهجمات احل���ادي ع�شر من �أيلول‪/‬‬ ‫�سبتم�ب�ر �أثر مهم‪ ،‬لكن لي�س يف خلق موجة الكراهية واخلوف هذه بقدر‬ ‫م���ا �ساهم يف �شرعنة وتربي���ر الإعالن عنها و�إ�ضفاء غط���اء من التفهم‬ ‫على املجاهرة بها‪.‬‬ ‫عل���ى �أن اخلوف م���ن الإ�سالم‪ ،‬وكراهية �أبنائ���ه‪ ،‬يف احلقيقة ي�سبقان‬ ‫م���ا جرى يف احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬وهما �أعم���ق بكثري من‬ ‫�أن يكون���ا نتيجة مبا�ش���رة له‪ .‬ورمبا ال يكون جمافي��� ًا للحقيقة القول ب�أن‬ ‫�إلإ�سالموفوبي���ا يف �أوروب���ا هي نت���اج مبا�شر خلربة وتفاع���ل املجتمعات‬ ‫الأوروبي���ة مع اجلاليات امل�سلمة داخلها �أكرث من كونها رد فعل حلدث –‬ ‫مهما عظم – وقع خارج القارة الأوروبية‪.‬‬ ‫�إن‬ ‫املع�ضل��ة املُركّب��ة للمهاجري��ن امل�سلم�ين‬ ‫م�شكل���ة املهاجرين امل�سلمني يف �أوروبا ت�أخذ طابعها املميز كونها مع�ضلة‬ ‫تنتظ���م يف �إطار م�شكلة �أخرى‪ ,‬مبعنى �أن للمهاجرين امل�سلمني م�شاكلهم‬ ‫اخلا�ص���ة التي تتميز وتختلف عن م�شاكل املهاجرين الآخرين يف �أوروبا‪,‬‬ ‫‪146‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�إال �أنه���م يف نف����س الوقت ينتم���ون مب�شاكلهم �إىل ق�ضي���ة الهجرة ب�شكل‬ ‫ع���ام وتعقيداتها التي تواجهها الدول الأوروبي���ة‪� .‬إذ متثل ق�ضية الهجرة‬ ‫حتد‬ ‫���د تواجه���ه دول �أوروب���ا الغربية الي���وم‪ ،‬وهو ٍ ّ‬ ‫واملهاجري���ن �أه���م حت ٍ ّ‬ ‫حتد اجتماعي‪ .‬وت���كاد تكون ق�ضية‬ ‫�سيا�س���ي واقت�صادي وقب���ل كل �شيء ٍ ّ‬ ‫املهاجري���ن الي���وم هي املحدد الأب���رز للمناخ ال�سيا�سي الع���ام يف العديد‬ ‫من ال���دول الأوروبية‪ ،‬واملوجّ ���ه لعملية اال�ستقط���اب ال�سيا�سي الداخلي؛‬ ‫فق�ضي���ة املهاجرين والت�شعّبات الناجتة عنه���ا متثل يف كثري من الأحيان‬ ‫الق�ضي���ة االنتخابي���ة الأوىل يف معظم دول �أوروب���ا الغربية الكربى‪ ،‬وتعد‬ ‫�إىل جان���ب الو�ضع االقت�صادي املحدد الرئي�س���ي يف توقّع احلزب الفائز‬ ‫يف االنتخابات‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من وجود جالي���ات و�أقليات عرقية ودينية متعددة داخل‬ ‫ه���ذه املجتمع���ات‪ ،‬ف����إن اجلالي���ة امل�سلمة حتظ���ى بالرتكي���ز واالن�شغال‬ ‫اجلماه�ي�ري الأك�ب�ر؛ ف�إذا كان���ت ق�ضي���ة املهاجرين ب�شكل ع���ام ق�ضية‬ ‫اقت�صادي���ة واجتماعي���ة يف املق���ام الأول‪� ،‬إال �أنه���ا بالن�سب���ة للمهاجرين‬ ‫امل�سلمني ق�ضي���ة ثقافية ودينية بالأ�سا�س‪ ،‬وتهديده���ا للمجتمع الأوروبي‬ ‫الغربي ال يتمثل يف كونها تهديد ًا اقت�صادي ًا و�إنهاك ًا ماليا للدولة واملجتمع‬ ‫واخلدم���ات التي يقدمانها فقط‪ ،‬ب���ل هو تهديد ثقايف يتوج���ه بالأ�سا�س‬ ‫عل���ي �أحم���د عم���ر العب�س���ي باحث مين���ي‪ .‬وهو حالي��� ًا يعد �أطروح���ة دكت���وراه يف العلوم‬ ‫ال�سيا�سية بجامعة برلني‪� ،‬أملانيا‪..‬‬

‫�شيطنة الآخر‪:‬منع‬ ‫بناء امل�أذن يف �سوي�سرا بني‬ ‫بو�ضوح �أن امل�سلمني باتوا‬ ‫غري مرحب بهم �أو بدينهم‬ ‫يف كثري من املجتمعات‬ ‫الأوروبية‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪147‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫نحو هوية هذه املجتمعات وقيمها وثقافتها‪ .‬فامل�سلم يف �أوروبا اليوم لي�س‬ ‫حتد ثقايف‪.‬‬ ‫حتدي ًا اقت�صادي ًا بقدر ما هو ٍ ّ‬ ‫وم���ع �أن م�سلم���ي �أوروبا ميتازون بتع���دد انتماءاته���م العرقية والإثنية‬ ‫والطائفي���ة‪� ،‬إال �أن���ه ينظ���ر �إليه���م يف الغالب ككتلة واحده م���ن قبل بقية‬ ‫�أف���راد و�شرائح املجتمعات الأوروبية وحتى من قبل جمتمعات املهاجرين‬ ‫الأخ���رى‪ .‬فهم هن���ا يج�سدون حالة م���ن االنعزال الثق���ايف واالجتماعي‪،‬‬ ‫وجمتمع ًا موازي ًا ال يلتقي مع املجتمعات املحلية‪� ,‬إنهم عامل �آخر ال يكتفي‬ ‫ب����أن يعي�ش مبعزل عن بيئت���ه والأر�ض التي يوجد عليها ب���ل ي�سعى ليعيد‬ ‫�صياغة هذه البيئة وبنائها وفق ًا ملعتقداته وقيمه اخلا�صة‪.‬‬ ‫لق���د ت���رك الأوروبي���ون جمتمع���ات املهاجري���ن امل�سلم�ي�ن تنم���وا �إىل‬ ‫جواره���م دون االلتفات �إىل كثري مما يجري فيها‪ ،‬فامل�شاكل وال�صعوبات‬ ‫الت���ي تعاين منها ه���ذه املجتمعات مل تكن تعنيهم يف �شيء ومل يرغبوا يف‬ ‫االن�شغال بها‪ ,‬ب���ل لعل املجتمع الأوروبي قد رحّ ب كثري ًا ببقاء املهاجرين‬ ‫امل�سلم�ي�ن يف م���ا ميك���ن �أن ن�سمي���ه “جيتو �إ�سالم���ي”‪� ،‬أي ح���ي معزول‬ ‫ومنغلق على نف�سه يف و�سط مدنهم ال�صاخبة‪ ,‬لكن هذا املجتمع املعزول‬ ‫�سرع���ان ما من���ا بوترية عالي���ة وتكاثر بطرائق خمتلف���ة ومبعدالت تفوق‬ ‫مبرات معدالت منو املجتمعات الأ�صلية‪ ،‬لي�صبح احلي املعزول بعد ذلك‬ ‫كاف �أو مالئ���م ال�ستيعاب هذا النمو املت�س���ارع‪ ،‬فخرج �أبناء اجليل‬ ‫غ�ي�ر ٍ‬ ‫الث���اين والثالث م���ن املهاجرين امل�سلم�ي�ن وانت�شروا يف اجل���وار‪ .‬وهكذا‬ ‫ف����إن ما حاول الأوروبيون جتنّبه خالل نحو ن�صف قرن من عمر الهجرة‬ ‫�إىل بلدانه���م‪ ،‬وجدوا �أنف�سه���م يف مواجهته على دفعة واحدة خالل عدد‬ ‫قلي���ل من ال�سنوات‪ ،‬وليكت�شفوا خاللها �أن املهاجرين امل�سلمني مل يعودوا‬ ‫اجليل احلايل من �شباب‬ ‫�أوروبا �أكرث مي ًال من اجليل‬ ‫الذي �سبقه يف االجتاه نحو‬ ‫�أطروحات وفل�سفة اليمني‪،‬‬ ‫وااللتزام بخط وبتفكري‬ ‫حمافظ خ�صو�ص ًا فيما يخ�ص‬ ‫ق�ضايا الهجرة‪ ,‬كما بدا‬ ‫جلي ًا �أن امل�شاعر العن�صرية‬ ‫واالعتزاز بالهوية العرقية‬ ‫والثقافية متجذرة يف تفكري‬ ‫و�سلوك اجليل الأحدث‬ ‫يف املجتمعات الأوروبية‬ ‫وبدرجة �أكرب مما كان يعتقد‬

‫جمموعة معزولة ال حيلة لها من �أمرها بل حتولت �إىل �شريحة اجتماعية‬ ‫لها ح�ضورها الالفت يف ال�شارع الأوروبي‪ ,‬وهو ح�ضور الفت لي�س مبقدار‬ ‫حجم���ه فح�س���ب بل ه���و يف الأ�سا�س الفت ب�شكل���ه ومظه���ره و�سلوكه‪� .‬إذ‬ ‫غ�صت ال�شوارع يف كربى مدن �أوروبا الغربية برجال �سُ مر مُلتحني ون�ساء‬ ‫ّ‬ ‫تغط���ي ر�ؤو�سهن قطعة من القما�ش‪ ،‬وه�ؤالء جميع��� ًا بالكاد يتحدثون لغة‬ ‫‪148‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫البلد الذي يوجدون فيه ويت�صرفون وك�أنهم ال يعي�شون داخله‪.‬‬ ‫م���ن جهتهم‪ ،‬واجه الأوروبيون ه����ؤالء املهاجرين ب�سلوك هو مزيج من‬ ‫االمتعا����ض مع اال�ستع�ل�اء م�صحوب ًا بكثري من الذع���ر‪ ,‬فقد كان القبول‬ ‫به���ذا املكوّن اجلدي���د يف املجتمع على ما هو عليه �أم���ر ًا �شديد ال�صعوبة‬ ‫ثقافي��� ًا و�سيا�سي ًا لذا كان ت�صرف احلكوم���ات الأوروبية �إزاءه قائم ًا على‬ ‫منط�ي�ن من ال�سيا�س���ات‪ ,‬متثل �أولهما يف التجاه���ل واعتبار امل�شاكل التي‬ ‫يع���اين منه���ا املهاجرون �أو تلك الت���ي يت�سببون فيها لبقي���ة املجتمع �أمر ًا‬ ‫ال ينبغ���ي التعامل مع���ه عرب �سيا�سة حمددة بل ترك���ه للمجتمع وللقواعد‬ ‫والأنظمة ال�سارية للتعامل معه‪.‬‬ ‫النم���ط الآخ���ر ال���ذي اتبعت���ه احلكوم���ات الأوروبي���ة يف التعام���ل مع‬ ‫املهاجري���ن متثّل يف القيام ب�إدماجهم ع�ب�ر برامج خا�صة يف املجتمعات‬ ‫الأ�صلي���ة‪ ,‬وهي �سيا�سة رمبا خلقت م�ش���اكل �أكرث مما عملت على حلتها‪.‬‬ ‫لقد كان جوهر �سيا�سة االندماج يقوم على تخلي املهاجر عن ثقافته الأم‬ ‫مبجمله���ا مل�صلحة تبنّي ثقافة البلد كما ه���ي‪ ,‬مبعنى �آخر ابتالع وه�ضم‬ ‫املهاج���ر متام ًا داخ���ل املجتمع الأوروب���ي‪ .‬ورمبا ما جنحت في���ه �سيا�سة‬ ‫االندماج هذه‪ ،‬وب�شكل ن�سبي‪ ،‬هو حتقيق اخلطوة الأوىل املتمثلة يف ف�صل‬ ‫جزء م���ن املهاجرين (خ�صو�ص ًا الأجي���ال الأحدث‪/‬الأ�صغر منهم) عن‬ ‫ثقافتهم الأم‪� ,‬إال �أن اخلطوة التالية وهي االندماج الكامل وتبنّي الثقافة‬ ‫شال ذريعاً‪.‬‬ ‫الأوروبية فقد �سجلت فيها هذه ال�سيا�سة ف� ً‬ ‫ه���ذا الف�شل‪ ،‬والذي �أدى �إىل مزيد من ت���ردي العالقة بني املجتمعات‬ ‫الأوروبية وبني �أع�ضائها من اجلاليات امل�سلمة‪ ،‬ناجت عن الطبيعة اخلا�صة‬ ‫املت�شعبة واملرتبكة لعالقة املجتمع يف �أوروبا مع امل�سلمني والإ�سالم والتي‬ ‫يحكمها عاملني رئي�سي�ي�ن‪ :‬الأول متعلق ب�أوروبا كح�ضارة وتاريخ و�سلوك‬ ‫ونظرته���ا للآخرين خ�صو�ص��� ًا امل�سلمني‪ ,‬يف حني يرتب���ط العامل الثاين‬ ‫بظ���روف وطبيعة تكوّن اجلاليات الإ�سالمية وطريقة منوها وتفاعلها مع‬ ‫املجتمع الأوروبي‪.‬‬ ‫‪� .1‬أوروبا والإ�سالم‪ ..‬عبء التاريخ‬ ‫لي����س الإ�س�ل�ام بالواف���د �أو الواقع احلدي���ث على الق���ارة الأوروبية بل‬ ‫�إن خ�ب�رة �أوروب���ا بالإ�سالم متتد ملئ���ات من ال�سنني‪� ,‬إذ مث���ل الإ�سالم ‪-‬‬ ‫كح�ض���ارة وكدولة ‪ -‬واحد ًا من �أهم العنا�صر التي �صاغت تاريخ املجتمع‬ ‫الأوروبي وتطوره‪ ،‬وذلك �سواء عرب النمط ال�صراعي كما جرى يف حقبة‬ ‫احلروب ال�صليبي���ة وحقب الفتوحات العثمانية يف عمق القارة الأوروبية‬ ‫�أو ع�ب�ر �صيغة تفاعلي���ة تعاونية كم���ا مثلتها حركة ترجم���ة املخطوطات‬ ‫والكتب العلمية الإ�سالمية و�إ�سهامها يف حركة النه�ضة الأوروبية‪.‬‬ ‫و�إذا كان اجلان���ب االيجاب���ي لعالقة �أوروبا بامل�سلم�ي�ن‪ ،‬و�أثر الإ�سالم‬ ‫كح�ض���ارة يف النه�ض���ة الأوروبي���ة مغيب��� ًا ومُتجاهَ �ل�اً �إال يف دوائر �ضيقة‬ ‫م���ن الباحثني واملتخ�ص�صني‪ ,‬ف�إن ال�ص���ورة ال�سلبية للم�سلمني والناجتة‬ ‫ع���ن �سل�سلة احل���روب وال�صراعات التي خا�ضتها احل�ض���ارة الإ�سالمية‬ ‫م���ع احل�ضارة الأوروبي���ة امل�سيحية يف �ش���كل �صراع �سلط���ات ونفوذ دول‬ ‫و�إمرباطوري���ات ما تزال حا�ضرة يف الوجدان ال�شعبي يف كثري من الدول‬

‫الأوروبي���ة‪� .‬إذ مل يكن امل�سلمون يوم��� ًا حلفاء �أو �أ�صدقاء للأوروبيني بقدر‬ ‫م���ا كانوا �أعدائهم‪ ,‬لذا ف�إن �ص���ورة العدو هي املتخيل الأول والبديهي يف‬ ‫تو�صي���ف عالقة �أوروبا بامل�سلمني‪� ,‬صحي���ح �أن حقبة اال�ستعمار الأوروبي‬ ‫لنواح���ي كث�ي�رة من العامل والت���ي كان م���ن �ضمنها العديد م���ن البلدان‬ ‫الإ�سالمي���ة‪� ,‬إ�ضاف���ة �إىل ال�ص���راع بني ال���دول الأوروبي���ة وتفاقم العداء‬ ‫القومي ب�ي�ن الأمم الأوروبية واحلروب الدامية الت���ي عا�شتها وا�ستمرت‬ ‫تعي�شها حتى احلرب العاملي���ة الثانية‪ ،‬قد خففت كثري ًا من �صورة امل�سلم‬ ‫تختف متام ًا‬ ‫والإ�س�ل�ام كعدو للح�ضارة الأوروبية‪� ,‬إال �أن هذه ال�صورة مل ِ‬ ‫يف �أي ي���وم م���ن الأي���ام وبقيت خمزون���ة يف الذاكرة اجلمعي���ة لكثري من‬ ‫املجتمعات الأوروبية‪.‬‬ ‫هذا املخزون ال�سلبي مت – ويتم ‪ -‬ا�ستدعائه اليوم خفية وعالنية على‬ ‫خلفية الإ�شكاليات والأزمات التي تواجهها �أوروبا‪ ،‬لي�س فقط مع م�سلميها‬ ‫املواطن�ي�ن واملهاجرين على ال�سواء‪ ,‬ولك���ن حتى �ضمن �إطار العالقة بني‬ ‫�شرائ���ح املجتمع الأوروبي وطبقاته املختلفة‪ .‬يقود عملية اال�ستدعاء هذه‬ ‫�سا�سة ونخب ثقافية من قوى اليمني الأوروبي الديني والقومي‪ ،‬ولأ�سباب‬ ‫وم�ب�ررات متعلقة بالأيديولوجيا والفل�سف���ات الدينية والقومية من جهة‪،‬‬ ‫وكذل���ك بح�سابات ك�سب مزيد من ال�شعبية وتو�سيع النفوذ ال�سيا�سي من‬ ‫جهة �أخ���رى‪� .‬إذ ت�ستخدم هذه الق���وى هذه ال�ص���ورة التاريخية املُتخيّلة‬ ‫كخلفي���ة لفهم (وللحكم على) كل ال�سلوكيات التي ميار�سها امل�سلمون يف‬ ‫�أوروب���ا‪ ،‬وكمرجعية لتربير و�شرح الإ�شكالي���ات التي يت�سببون فيها‪ ،‬ومن‬ ‫ث���مّ يتح���ول فعل �أو �سلوك ف���ردي حمدود �أو ظاهرة �سلوكي���ة جانبية �إىل‬ ‫حدث له دالالت تاريخي���ة وثقافية‪ ،‬يتم معه حتميل املهاجر امل�سلم عبء‬ ‫تاريخ طويل من ال�صراع والكراهية ال يد له فيه‪.‬‬ ‫‪ .2‬م�سلمو �أوروبا والعي�ش بذهنية املكان املا�ضوي‬ ‫لع���ل �أهم ما ميي���ز �أبناء اجلالي���ة الإ�سالمي���ة الكب�ي�رة واملنت�شرة يف‬ ‫ط���ول وعر�ض �أوروبا الغربي���ة‪ ،‬واحلا�ضرة بقوة يف ك�ب�رى بلدانها‪� ،‬أنهم‬ ‫يف الأغل���ب الأعم مهاجرون لأ�سباب اقت�صادي���ة و�إن�سانية‪ .‬فعلى العك�س‬ ‫من املهاجرين العرب وامل�سلمني يف �أمريكا وكندا وحتى �أ�سرتاليا والذين‬ ‫يتمي���ز �أغلبه���م بكونهم م���ن �أ�صحاب الكف���اءات العلمية الت���ي جذبتهم‬ ‫الفر����ص الهائل���ة التي تقدمها ه���ذه الدول لأ�صحاب العق���ول وامل�ؤهالت‬ ‫العلمي���ة‪ ,‬تُ�ص ِنّ���ف الأغلبية العظمى م���ن املهاجرين امل�سلم�ي�ن يف �أوروبا‬ ‫�ضم���ن �إط���ار الهج���رة االقت�صادي���ة والإن�ساني���ة‪ ،‬حيث ف ّر �أغل���ب ه�ؤالء‬ ‫م���ن حالة الفق���ر والعدم التي كانوا يعي�شونه���ا يف �أرياف و�ضواحي املدن‬ ‫الك�ب�رى يف بلدانه���م �إىل �أوروبا بحث��� ًا عن ت�أمني لقم���ة العي�ش واالكتفاء‬ ‫بذل���ك كه���دف نهائي للهج���رة‪ ,‬وبع�ضهم الآخر ف ّر م���ن جحيم احلروب‬ ‫�أو االقتت���ال الأهل���ي يف بلده الأم للنج���اة ب�أرواحه���م معتربين �أن جمرد‬ ‫وجوده���م عل���ى الأر����ض الأوروبي���ة ه���و اخلال����ص يف حد ذات���ه‪ .‬و�أغلب‬ ‫ه����ؤالء كان���وا ال ميتلكون م�ؤهالت علمية ذات �ش����أن‪ ،‬ومل يرغبوا حتى يف‬ ‫امتالكه���ا‪ ,‬ما جع���ل طموحهم ينح�صر يف عدم الع���ودة �إىل الواقع الذي‬ ‫ف���رّوا من���ه‪ ،‬وا�ستغالل كل ما ميكن �أن تقدمه الدول���ة واملجتمع يف �أوروبا‬

‫خط موازٍ لنمط‬ ‫له���م م���ع تقدمي �أقل ما ميكن يف املقابل‪ ،‬ومع البق���اء يف ٍ ّ‬ ‫احلي���اة الأوروبي���ة واالحتفاظ بذهني���ة وثقافة املكان ال���ذي قدموا منه‪.‬‬ ‫فاملهاج���ر الرتكي اليوم يف �أملاني���ا يريد �أن يعي�ش فيها بنف�س منط حياته‬ ‫ال���ذي عا�شه يف القرية التي قدم منها من ه�ضبة الأنا�ضول‪ ،‬واملهاجرون‬ ‫الأوروبيون واملهاجرون‬ ‫امل�سلمون باتوا اليوم مقتنعني‬ ‫ومتفقني �ضمنياً‪ ،‬وبطريقة‬ ‫�أو ب�أخرى‪ ،‬على �أن يبقى كل‬ ‫طرف يف مكانه يف مواجهة‬ ‫الطرف الآخر‪ .‬بل ميكن‬ ‫املجازفة بالقول �إن االحتياج‬ ‫يبدو م�شرتك ًا لدى الطرفني‬ ‫جلهة اال�ستنجاد ب�صيغة‬ ‫الآخر الذي ي�ؤدي وجوده‬ ‫وظيفة مهمة يف تعزيز‬ ‫متا�سك املجتمع وااللتفاف‬ ‫حول منظومة قيم موحدة‬

‫املغارب���ة واجلزائري���ون يف فرن�سا وبلجيكا يفر�ض���ون نف�س تقاليدهم يف‬ ‫امللب�س وامل�أكل وحتى يف منط العالقات االجتماعية والثقافية على �أجواء‬ ‫املدن التي يعي�ش فيها‪ ،‬متجاهلني كل ما حولهم ومن حولهم‪ ,‬يف حني نقل‬ ‫املهاجر العربي يف لندن جمتمعه القروي الذي عاي�شه �أبائه و�أجداده يف‬ ‫ريف م�ص���ر �أو ال�سودان �أو اليمن �إىل م�ستق���رّه الأوروبي اجلديد‪ ،‬وجعل‬ ‫املدينة التي حتت�ضنه ال تتعرف على نف�سها بوجوده‪.‬‬ ‫كل ه���ذا كان انعكا�س��� ًا لل�ضعف يف القدرة عل���ى اال�ستيعاب واالندماج‬ ‫احل�ضاري الناجتني عن ت���دين التح�صيل املعريف للمهاجرين‪ ،‬وانعكا�س‬ ‫النع���دام الثق���ة والقناعة الكاملة يف ق���وة وم�شروعية املرجعي���ة الثقافية‬ ‫التي ينتمي �إليها هذا املهاجر والذي خ�شي عليها من ال�ضياع فت�شبث مبا‬ ‫يعرف���ه عنها‪ ,‬وال���ذي مل يكن يف جميع الأحوال كثرياً‪ ,‬ومن �أجل �أن مينح‬ ‫امل�شروعية لهذا ال�سلوك االنعزايل ولكي يحمي نف�سه من ال�شعور بالف�شل‬ ‫�صب���غ كل عاداته القروي���ة والبدوية هذه ب�صبغة ديني���ة و�أحلقها بالدين‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬على اعتبار �أنها عادة دينية و�أحيان ًا �صنفها كعبادة (بالرغم‬ ‫م���ن �أنها لي�ست هذه وال تلك) لت�صبح الغِلظَ ة والعدوانية واحتقار املدنية‬ ‫الت���ي متيز املجتم���ع الريفي والبدوي يف �أرياف وق���رى العامل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫�سلوك ًا �إ�سالمي ًا �شرعي ًا فر�ضته تعاليم الدين‪.‬‬ ‫م���ن هن���ا‪ ،‬ووفق��� ًا له���ذا املنط���ق‪ ،‬ر�أت �شريح���ة كبرية م���ن امل�سلمني‬ ‫املهاجري���ن �أن االندماج والتفاع���ل الإيجابي مع املجتم���ع الأوروبي عم ٌل‬ ‫خمالفٌ لتعاليم الدين‪ ،‬و�أم ٌر ال يُقرّه الإ�سالم‪ .‬لقد كان الأمل يف اخلروج‬ ‫م���ن حالة الت�شابك احل�ضاري هذه منوط��� ًا بالأجيال الأحدث يف �أوروبا‪،‬‬ ‫�س���واء من املواطنني الأ�صليني �أو م���ن املهاجرين الذين ولدوا وترعرعوا‬ ‫يف القارة‪� ,‬إال �إن العك�س كان هو ما حدث‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪149‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫بال مواربة‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫�آراء‬

‫�سجال‬

‫م��ا ح��اول الأوروبيون جتنّبه خ�لال نحو ن�صف قرن من عمر الهج��رة �إىل بلدانهم‪ ،‬وجدوا �أنف�سه��م يف مواجهته على دفعة واحدة‬ ‫خ�لال ع��دد قلي��ل من ال�سن��وات‪ ،‬وليكت�شفوا خاللها �أن املهاجري��ن امل�سلمني مل يع��ودوا جمموعة معزولة ال حيلة له��ا من �أمرها بل‬ ‫حتولت �إىل �شريحة اجتماعية لها ح�ضورها الالفت يف ال�شارع الأوروبي‬

‫لق����د ات�ضح �أن اجليل احل����ايل من �شباب �أوروبا �أك��ث�ر مي ًال من اجليل‬ ‫ال����ذي �سبقه يف االجت����اه نحو �أطروحات وفل�سفة اليم��ي�ن‪ ،‬وااللتزام بخط‬ ‫وبتفك��ي�ر حماف����ظ خ�صو�ص ًا فيما يخ�����ص ق�ضايا الهجرة‪ ,‬كم����ا بدا جلي ًا‬ ‫�أن امل�شاع����ر العن�صرية واالعتزاز بالهوي����ة العرقية والثقافية متجذرة يف‬ ‫تفكري و�سل����وك اجليل الأحدث يف املجتمعات الأوروبية وبدرجة �أكرب مما‬ ‫كان يعتقد‪ ،‬وهو الأمر الذي �أرجعه العديد من الباحثني االجتماعيني �إىل‬ ‫الأو�ض����اع االقت�صادي����ة ال�سيئة وم�شاكل البطالة الت����ي عانت وتعاين منها‬ ‫العدي����د من ال����دول الأوروبية‪� ،‬إ�ضاف����ة �إىل حالة ال�سيول����ة ال�سيا�سية التي‬ ‫واجهتها �أوروبا عقب انتهاء احلرب الباردة وما نتج عنها من غياب اجتاه‬ ‫�سيا�سي وا�ضح املعامل يحكم م�سارات بلدانها امل�ستقبلية‪.‬‬ ‫م����ن جهته����م‪ ،‬يعي�ش �شب����اب املهاجري����ن امل�سلمني يف �أوروب����ا حال ًة من‬ ‫التناق�����ض ال�سلوك����ي القيم����ي‪ .‬فه�����ؤالء ال�شب����اب الذين فقدوا ج����زء ًا من‬ ‫هويته����م الثقافي����ة من خ��ل�ال ن�ش�أته����م يف و�س����ط املجتمع����ات الأوروبية‪،‬‬ ‫والذي����ن مل يتمكنوا �أو بالأ�صح مل يمُ كّنوا م����ن تبنّي ثقافة هذه املجتمعات‬ ‫واالندم����اج فيه����ا‪ ،‬يحاول����ون �إع����ادة اكت�شاف ثقافته����م الأ�صلي����ة لتعزيز‬ ‫وحماي����ة هوي����ة كادت �أن متح����ى‪ ,‬وخ��ل�ال ه����ذا البحث ‪ -‬وال����ذي مل يكن‬ ‫عقالني���� ًا ب����ل كان يف الأ�سا�س عاطفي ًا وحمم ًال مب�شاع����ر الغ�ضب واحلنق‬ ‫واملرارة مم����ا عاي�شته هذه الأجيال ال�شابة من عن�صرية وا�ستعالء و�سط‬ ‫املجتم����ع الأوروبي ‪ -‬وجدت يف الفكر ال�سلفي التكف��ي�ري �ضالتها ومن ثمّ‬ ‫فقد تبنّت الأفكار الفقهية الأكرث تطرف ًا التي ت�ؤدي �إىل �إر�ضاء رغبتها يف‬ ‫التناق�����ض والقطيعة الكاملة مع املجتم����ع الذي �سبق و�أن رف�ض وجودهم‪,‬‬ ‫على الرغم من �أن الغالبية العظمى من ه�ؤالء ال�شباب هم �أبعد ما يكونوا‬ ‫عن مظاهر و�سلوكيات التدين املرتبطة وامل�صاحبة لهذا الفكر‪ ،‬ولي�صبح‬ ‫‪150‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫كل م����ا ي�أخذونه منه هو ال�شعور بالتف����وق واال�ستعالء الأخالقي وامتالك‬ ‫امل�شروعي����ة واحل����ق يف حتق��ي�ر ثقاف����ة املجتم����ع الأوروبي وقيم����ه وجممل‬ ‫ح�ضارته‪.‬‬ ‫يف املح�صلة النهائية‪ ،‬يبدو الأمر وك�أن الأوروبيني واملهاجرين امل�سلمني‬ ‫باتوا اليوم مقتنع��ي�ن ومتفقني �ضمنياً‪ ،‬وبطريقة �أو ب�أخرى‪ ،‬على �أن يبقى‬ ‫كل ط����رف يف مكانه يف مواجهة الطرف الآخر‪ .‬بل ميكن املجازفة بالقول‬ ‫�إن االحتياج يب����دو م�شرتك ًا لدى الطرفني جلهة اال�ستنجاد ب�صيغة الآخر‬ ‫الذي ي�ؤدي وجوده وظيفة مهمة يف تعزيز متا�سك املجتمع وااللتفاف حول‬ ‫منظومة قيم موحدة‪ ،‬وبالنتيجة الو�صول �إىل حماية كيان املجتمع وتعزيز‬ ‫وحدت����ه وكتم �أزمات����ه وتناق�ضات����ه‪ .‬فاملجتمعات الأوروبية الت����ي تتجاذبها‬ ‫العدي����د من التناق�ضات ال�سيا�سية واالقت�صادي����ة والثقافية وحتى العرقية‬ ‫والقومي����ة لن جت����د �أف�ضل م����ن ا�ستخدام �ص����ورة الآخر املُناقِ�����ض لكل ما‬ ‫متثل����ه من قيم يف �سبي����ل التخفيف من هذه التجاذب����ات‪ ،‬وحماية وحدتها‬ ‫ومتا�سكها‪.‬‬ ‫وبالن�سبة للمهاجرين امل�سلمني امل�سكونني بخوف دائم من فقدان الهوية‬ ‫ُرح����بٍ بهم‪ ,‬ي�صبح التكتل‬ ‫والذوب����ان يف حميط يُ�شعرهم دوم ًا ب�أنه غري م ِّ‬ ‫والتقوقع على الذات ومواجهة هذا املحيط بندية وبكل ما ميكن جمعه من‬ ‫نق����اط االخت��ل�اف والتمايز هو ال�سبيل الوحيد حلماي����ة الهوية والذود عن‬ ‫الوج����ود‪ .‬لذا يبدو جمتم����ع املهاجرين امل�سلمني يف �أوروب����ا مقتنع ًا ورا�ضي ًا‬ ‫متام���� ًا بتلبّ�س����ه �ص����ورة الآخر وت�أديت����ه وظيفت����ه‪ ,‬وهو الأمر ال����ذي ال يجد‬ ‫هذا املجتم����ع �صعوبة يف القيام فيه مدعوم ًا بواق����ع حياتي ومعي�شي مواتٍ‬ ‫وت�شجي���� ٍع كاملٍ من املحيط الأوروبي‪ ،‬لتك����ون النتيجة يف نهاية املطاف �أن‬ ‫�أ�صبح امل�سلمون يف �أوروبا منوذج ًا للآخر “املُغاير” كما ينبغي �أن يكون!‬

‫م�ساءلة الإ�سالم ال�سيا�سي‬ ‫حوار مع ر�ضوان ال�سيد‬

‫مع�ضلة املعار�ضة ال�سيا�سية يف العامل العربي‬

‫�سامل لبي�ض‪ ،‬عمرو حمزاوي‪ ،‬مراد ظافر‪ ،‬في�صل جلــول‬

‫�سجال حول الدور الرتكي يف املنطقة‬ ‫عياد البطنيجي * �سقاف عمر ال�سقاف‬

‫التناغم الزائف والفحولة املنت�صرة‬ ‫حممد الدعمي‬

‫الإمامة واخلالفة وجمود العقل العربي‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪151‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫بال مواربة‬ ‫املائدة امل�ستديرة‬ ‫�سجــال‬ ‫�آراء‬

‫م��دارات ا�سرتاتيجي��ة‪ :‬كيف يبدو لك‬ ‫امل�شهد العرب��ي والإ�سالم��ي احلايل‪ ،‬وهل‬ ‫ت��رى �أن احلرك��ة الإ�صالحي��ة يف عاملن��ا‬ ‫العرب��ي والإ�سالمي ما زالت حية وم�ؤثرة‬ ‫�أم �أن اجلمود الديني وال�سيا�سي والفكري‬ ‫�صار �سيد املوقف؟‬

‫بال مواربة مع الدكتور ر�ضوان ال�سيد‬

‫مُ�ساءَ لة الإ�سالم ال�سيا�سي‬

‫“‬

‫لخ�ص‬ ‫«الإ�س�لام ال�سيا�س��ي �إ�س�لام فا�شل»‪ ،‬به��ذا العبارة‬ ‫القاطع��ة – والتي قد تب��دو للبع�ض قا�سية ج��د ًا ‪ُ -‬ي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الدكت��ور ر�ضوان ال�سي��د‪ ،‬املفكر اللبناين املعروف‪ُ ،‬م�ساءلت��ه النقدية لظاهرة احلركات الإ�سالمي��ة املُ�س ّي�سة‪ ،‬وما‬ ‫�آل��ت �إلي��ه‪ .‬ورغم �أن �أتباع الإ�س�لام ال�سيا�سي‪ ،‬كما يجادل‪ ،‬ما يزالون ظاهرة ت�ستح��ق االعتبار والت�أمل والدرا�سة‪،‬‬ ‫لكنهم يف تقديره «�أوقعوا بنا يف حا�ضرنا �ضرر ًا كبري ًا جد ًا من الناحية الفكرية والثقافية والإ�سالمية‪ ،‬يكاد ي�ضاهي ال�ضرر‬ ‫ال��ذي �أوقع��ه بنا احلكام الع��رب»‪ ،‬ورمبا يكون هذا الأمر هو ال��ذي يجعل درا�سة هذه الظاهرة املعق��دة وتفكيكها‪� ،‬أمر ًا مهم ًا‪.‬‬ ‫ويكت�س��ب حدي��ث ر�ضوان ال�سيد قيمة م�ضافة �إذا عرفنا �أنه من �أبرز الباحثني العرب يف امل�س�ألة الدينية‪ ،‬ال�سيما الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وعالقتها بال�سيا�سة يف ع�صرنا الراهن‪ ،‬وله يف هذا املجال ع�شرات الإ�سهامات‪ ،‬بني كتب ودرا�سات ومقاالت وحوارات وترجمات‬ ‫ومراجعات وغريها‪.‬‬ ‫يف منزل��ه بالعا�صم��ة اللبناني��ة بريوت‪� ،‬ألتقى ٌّ‬ ‫كل من حممد �سي��ف حيدر و �سقاف عمر ال�سقاف‪ ،‬الدكت��ور ال�سيد‪ ،‬و�أجريا‬ ‫مع��ه ح��وار ًا م�سهب ًا و�شائق ًا حول ق�ضاي��ا و�إ�شكاليات عدة‪ ،‬كانت ظاهرة ح��ركات وجماعات الإ�س�لام ال�سيا�سي وم�آل ال�صحوة‬ ‫الإ�سالمي��ة يف مقدمته��ا‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ق�ضايا �أخرى كالعالقة بني الإ�سالم والغرب‪ ،‬والطائفية ال�سيا�سية يف عاملنا‬ ‫بلد عربي‪ ،‬م��رور ًا بالو�ض��ع اللبناين الداخل��ي ال�شائك‪،‬‬ ‫العرب��ي الت��ي �أخ��ذت م�ؤخر ًا زخم ًا غ�ير م�سبوق يف غ�ير ٍ‬ ‫وتقييمه للدورين الرتكي والإيراين يف املنطقة‪ ،‬و�صو ًال �إىل ر�أيه يف جمريات الأمور الدائرة يف اليمن‪.‬‬

‫“‬

‫‪152‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ر�ض��وان ال�سي��د‪ :‬لنبق���ى يف امل�شهد العربي‬ ‫لأن امل�شه���د الإ�سالم���ي يف احلقيق���ة خمتل���ف‪،‬‬ ‫فامل�شه���د الإ�سالم���ي في���ه ح���راك �أك�ب�ر؛ �سلبي‬ ‫و�إيجاب���ي‪ .‬امل�شهد العربي‪ ،‬والذي ميكن احلديث‬ ‫فيه الآن‪ ،‬هو م�شهد �سلبي على الإطالق‪ .‬وامل�س�ألة‬ ‫لي�ست م�س�ألة اجلمود الديني‪ ،‬بل م�س�ألة احلراك‬ ‫الدين���ي‪ .‬فاحل���راك الديني يف جانبي���ه العنيف‬ ‫وغ�ي�ر العنيف هو ح���راك �أ�صويل ي���زداد حدة‪،‬‬ ‫فالعنيف ي���زداد عنفاً‪ ،‬والأ�ص���ويل امل�سامل وغري‬ ‫العنيف يزداد حدة‪ ،‬ويع�ِّب�ِّرّ عن نف�سه يف �أ�شكال‬ ‫خمتلفة؛ يف اللبا�س والقيافة وال�شكل‪ ،‬يف الكالم‬ ‫وطريقة الت�صرف‪ ،‬يف الف�ضائيات‪ ،‬يف كل مكان‬ ‫ُيع�ِّب�ِّرّ هذا املخا�ض الإ�سالم���ي الكبري عن نف�سه‬ ‫ال�سن مل يتعودوها‪.‬‬ ‫وبطرائق الكبار يف ِّ‬ ‫�إننا الآن يف زمن العوملة‪ ،‬وال�سيما يف ال�سنوات‬ ‫الع�ش���ر الأخرية‪ ،‬جن���د �أن ظواهر كث�ي�رة تتعلق‬ ‫باحلراك الديني قد تفاقمت وا�شتدت ولكنها مل‬ ‫تكن موجودة يف ال�ستينيات وال�سبعينيات و�أحيان ًا‬ ‫يف الثمانيني���ات م���ن القرن املا�ض���ي‪ ،‬ولهذا ف�إن‬ ‫الو�ض���ع �شديد ال�سوء لأن الإ�س�ل�ام اجلديد هذا‬ ‫يت�سب���ب يف عدة �أمور‪ :‬فهو‪� ،‬أوالً‪ ،‬يكاد يتحول �إىل‬ ‫�سيل �أو ظاهرة م�ستع�صية؛ فهو الآن بادئ هكذا‬ ‫�أو م�ستمر هكذا وال نعرف ما هو املنتهى‪ .‬والأمر‬ ‫الث���اين‪� ،‬أنه م���ا انف���كّ يُ�سبب �شرذم���ة �شديدة‪.‬‬ ‫فهن���اك ثالث���ة تي���ارات �إ�سالمية ك�ب�رى‪ ،‬التيار‬ ‫ال�سلف���ي‪ ،‬والتي���ار ال�ص���ويف‪ ،‬والتي���ار الإخواين‪،‬‬ ‫وهناك توا�ص���ل وتقاطع بني الإخوان وال�سلفيني‪،‬‬ ‫لكن هناك قطيعة فظيعة مع ال�سلفيني من جانب‬ ‫التيارين وبالذات من اجلانب ال�سلفي‪.‬‬ ‫وعلى كل حال‪ ،‬ت�سبب ه���ذه التيارات �شرذم ًة‬ ‫هائل���ة تُعزز من حالة ع���دم اال�ستقرار يف العامل‬ ‫العربي‪ .‬واحلقيقة �أن عندنا ثالثة عوامل تت�سبب‬ ‫يف عدم ا�ستقرار كبري؛ عندنا العامل الإ�سالمي‬ ‫احلرك���ي‪ ،‬وعندنا امل�ش���كالت ال�سيا�سية املتعلقة‬ ‫بالأنظم���ة وا�ستحال���ة التداول عل���ى ال�سلطة وما‬ ‫�شاب���ه‪ ،‬والعامل الثالث هو التدخ�ل�ات الإقليمية‬ ‫والدولية وحتوّل ع���دة بلدان عربية تكاد تخرب‪،‬‬ ‫�أو خرب بع�ضها مثل العراق‪� ،‬إىل �ساحة لل�صراع‬

‫الظاهرة الإ�سالمية الآن �صارت‬ ‫ظاهرة غالبة ولها دينامياتها‬ ‫ووج�����وب ا���س��ت��م��راره��ا ووج���وه‬ ‫ا�شتعالها التي ال ت�ؤثر فيها كثري ًا‬ ‫امل�شكالت الإقليمية والغربية‬ ‫الإقليمي والدويل‪.‬‬ ‫وماذا ع��ن الإ�س�لام ال�سيا�سي مبختلف‬ ‫جتليات��ه ومكونات��ه‪ُّ � ،‬أي موق��ع ي�شغ��ل يا‬ ‫ترى يف هذا امل�شهد؟‬ ‫يف امل�شه���د الع���ام جت���د ك�أمنا ه���ذا الإ�سالم‬ ‫ال�سيا�س���ي ال�صاع���د ردة فع���ل عل���ى الهيمن���ة‬ ‫الأمريكي���ة‪� ،‬س���واء �أكان �إ�سالم��� ًا حركي��� ًا عربي ًا‬ ‫�أو �إ�سالم��� ًا �إيراني���اً‪ ،‬م���ع مالحظ���ة �أن الإ�سالم‬ ‫احلرك���ي الآن وبال���ذات الأ�ص���ويل الإخ���واين‬ ‫متحالف م���ع �إيران‪ ،‬وحتى لو مل يكونا متحالفني‬ ‫ُع�ِّب� ر عنه���ا‬ ‫ف����إن ردة الفع���ل الإ�سالمي���ة كم���ا ت ِرّ‬ ‫الأ�صولي���ة الإ�سالمي���ة ب�أ�شكاله���ا املتنوع���ة‪،‬‬ ‫العنيف���ة وغ�ي�ر العنيف���ة‪ ،‬تب���دو ك�أنه���ا ردة فعل‬ ‫عل���ى الهجمة الأمريكي���ة عل���ى �أفغان�ستان وعلى‬ ‫العراق وال�سيطرة البحري���ة والربية يف اخلليج‪،‬‬ ‫واخلط���اب الأمريك���ي يف احلرب عل���ى الإرهاب‬ ‫�أي���ام بو�ش‪ ،‬لك���ن �إذا دققن���ا النظ���ر لوجدنا �أن‬ ‫الظاه���رة الإ�سالمية هي ظاه���رة م�ستقلة‪� .‬إنها‬ ‫لي�ست ردة فعل فق���ط‪ ،‬بدليل �أنها ال تهد�أ عندما‬ ‫يهد�أ الأمريكان مثالً‪ .‬الأمريكان الآن ين�سحبون‪.‬‬ ‫حتى يف �أفغان�ستان‪ ،‬حيث زاد عدد جنودهم‪ ،‬هُ م‬ ‫يف �أنفا�سهم الأخرية‪.‬‬ ‫ول���ذا ف����إن الإ�سالميني ما ع���اد ميكن فهمهم‬ ‫كم���ا يريد بع�ض املفكرين من الي�سار باعتبارهم‬ ‫�أ�ش���كال متنوعة من املقاوم���ة واملمانعة تختارها‬ ‫ال�شع���وب يف مواجه���ة الهيمن���ة والهجم���ات‬ ‫الأمريكي���ة‪ .‬قد يكون جز ٌء من هذا الأمر قبل ‪20‬‬ ‫�سنة �أو ‪� 15‬سنة �صحيحاً‪ ،‬لكن الظاهرة الإ�سالمية‬ ‫الآن �ص���ارت ظاه���رة غالب���ة وله���ا دينامياته���ا‬ ‫ووجوب ا�ستمرارها ووجوه ا�شتعالها التي ال ت�ؤثر‬ ‫فيها كثري ًا امل�ش���كالت الإقليمية والغربية‪ ،‬بدليل‬ ‫�أنن���ي ال �أجد �صلة بني احلجاب الن�سائي املتزايد‬ ‫يف م�ص���ر والهجم���ة الأمريكي���ة‪� ،‬أو ال �أجد �صلة‬ ‫بني ما يج���ري يف فل�سطني واملظامل الواقعة على‬ ‫ال�شع���ب الفل�سطين���ي وازدياد ع���دد الإ�سالميني‬ ‫يف فل�سطني‪ ،‬لأنه �س���واء �أكانوا القاعدة �أم كانت‬ ‫جماع���ات �إ�سالمي���ة غريها ف�إنه���م غري مهتمني‬

‫كث�ي�ر ًا بق�ضية فل�سط�ي�ن‪ .‬القاع���دة بالذات غري‬ ‫مهتم���ة (بالق�ضية الفل�سطيني���ة)‪ ،‬رمبا يف الآونة‬ ‫الأخ�ي�رة �أبدت بع����ض االهتمام‪ ،‬لكن���ه بالكالم‬ ‫فق���ط ولي����س بالأفعال‪� .‬أم���ا الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي‬ ‫الآخ���ر يف العامل العرب���ي فهو مهت���م بال�سيطرة‬ ‫على احلياة اخلا�ص���ة والعامة �أكرث من اهتمامه‬ ‫بق�ضي���ة فل�سطني‪ .‬انظر كي���ف حتولوا �إىل �سلطة‬ ‫حملية �سخيفة و�صغرية يف غزة وانتهى الأمر‪.‬‬ ‫والظاه���رة الإ�سالمي���ة �أي�ض��� ًا م���ن ميزاته���ا‬ ‫�أنه���ا ال تت�أث���ر بالنجاح والف�شل‪ ،‬انظ���ر مث ًال �إىل‬ ‫امل�صائ���ب اجلارية على ال�س���ودان واالنق�سامات‬ ‫احلا�صل���ة في���ه ومع ذل���ك ما ي���زال الإ�سالميون‬ ‫ي�ؤمنون بنظ���ام �سيا�سي �إ�سالم���ي‪� .‬إن ما يجري‬ ‫يف �إيران ال يُحبِطه���م وال يُث ِبّط هِ ممهم‪ ،‬وكذلك‬ ‫م���ا يجري يف ال�سودان وهو �أ�س���و�أ مما يجري يف‬ ‫�إيران‪ .‬نعم‪ ،‬هذه الظاه���رة الإ�سالمية ال�شديدة‬ ‫والغالبة ت�شغل البال‪.‬‬ ‫لك��ن ثم��ة �س���ؤال ي�تردد يف الأذه��ان‪،‬‬ ‫وي��راه البع���ض جوهرياً‪ ،‬وهو م��اذا يريد‬ ‫الإ�سالميون بالتحديد؟‬ ‫طبع ًا هناك ِفرَق من الإ�سالميني تريد امل�شاركة‬ ‫يف ال�سلطة �أو تري���د اال�ستيالء على ال�سلطة مثل‬ ‫ح���زب اهلل يف لبن���ان ومثل احلوثي���ون يف اليمن‬ ‫الذي���ن ي�شاركون يف ال�صراع عل���ى ال�سلطة‪ ،‬كما‬ ‫�أن الإخ���وان امل�سلمني يف م�صر يريدون امل�شاركة‬ ‫يف ال�سلط���ة‪ ،‬والإ�سالمي���ون يف اليمن ب�شكل عام‬ ‫والتجم���ع اليمني للإ�صالح ب�شكل خا�ص يريدون‬ ‫�أي�ض��� ًا امل�شاركة يف ال�سلطة‪ .‬لك���ن الذين ال يبدو‬ ‫لهم هدف وا�ضح هم «القاعدة» والعنيفون‪ ،‬لأنه‬ ‫م���ن الوا�ضح �أنهم فقدوا �أملهم (يف الو�صول �إىل‬ ‫ال�سلط���ة واحلكم)‪ ،‬فهم لي�س���وا �أ�صحاب م�شروع‬ ‫حت���ى ي�ستول���وا عل���ى بل���د ليحكموه‪ .‬انظ���ر ماذا‬ ‫ح�صل يف املا�ضي القريب‪ ،‬لقد ا�شتغلوا بالإيجار‬ ‫عن���د حرك���ة طالب���ان الأفغاني���ة حت���ى يكافحوا‬ ‫�أمريكا؛ فهم مل يزعج���وا طالبان ومل يناف�سوها‬ ‫عل���ى ال�سلط���ة‪� .‬إنه���م يري���دون بب�ساط���ة ه���دم‬ ‫الأنظمة العربية ولكن لي�س للحلول حملها؛ فهذا‬ ‫التنظي���م ث���وري عاملي مث���ل التنظي���م الذي كان‬ ‫يف �أملاني���ا �أيام درا�ستنا فيه���ا («بادر ماينهوف»‬ ‫�أو الألوي���ة احلم���راء)‪ ،‬ف�أولئ���ك كان���وا يري���دون‬ ‫هدم الر�أ�سمالية‪ ،‬وه����ؤالء يريدون هدم الهيمنة‬ ‫الأمريكية والغربية‪.‬‬ ‫هل �سي�ستطيعون؟‬ ‫كي���ف �سي�ستطيع���ون؟! طبع��� ًا ل���ن ي�ستطيعوا‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪153‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫بال مواربة‬

‫وبالطبع ف�إنه لي�س لهم هدف حمدد‪ ،‬بحيث ميكن‬ ‫�أن تق���ول لهم «�إنكم حققتم هدفك���م فاهدءوا»‪.‬‬ ‫وعموم ًا ف�إن الإ�سالمي�ي�ن اليوم ق�سمان كبريان‪،‬‬ ‫ق�س���م ي�ص���ارع عل���ى ال�سلطة من �أج���ل امل�شاركة‬ ‫فيها‪ ،‬وق�س���م ثوري عاملي وهو الذي يت�أثر ب�أفعال‬ ‫الوالي���ات املتح���دة و�أفع���ال الأوروبي�ي�ن‪ ،‬وتك���ون‬ ‫عن���ده ردود فع���ل عليهما‪ .‬لكن فيم���ا وراء هذين‬ ‫النوع�ي�ن من �أنواع الإ�سالم‪� ،‬أي الإ�سالم العنيف‬ ‫والإ�سالم ال�سيا�سي الغالب���ان على امل�شهد‪ ،‬جتد‬ ‫�أن ظاه���رة م���ا ي�سم���ى بال�صح���وة الإ�سالمي���ة‬ ‫ظاه���رة مُ�ستتب���ة وتت�صاعد كما قل���ت يف �أ�شكال‬ ‫اللبا����س والت�صرفات‪ ،‬يف حت���وّل نهج احلياة‪ ،‬يف‬ ‫حت���وّل نهج التفك�ي�ر‪ ،‬يف امل�ؤلف���ات ال�صادرة‪ ،‬يف‬ ‫الدع���اة اجلدد عل���ى التلفزيون���ات – كلها حياة‬ ‫�إ�سالمية جديدة‪.‬‬ ‫رمب��ا ه��ذا �سيقودن��ا �إىل ال�س���ؤال الذي‬ ‫كن��ا �سنطرح��ه علي��ك‪ ،‬وهو خ�لال فرتة‬ ‫الثمانيني��ات والت�سعيني��ات م��ن الق��رن‬ ‫املا�ض��ي �س��ادت فك��رة تق��ول �إن ال�صحوة‬ ‫الإ�سالمي��ة ق��د انت�ص��رت و�أنه��ا �أ�صبحت‬ ‫حقيقة واقعة‪ ،‬وال منا�ص منها �أو مهرب‪.‬‬ ‫ه��ل م�ضم��ون كالم��ك ي�ؤي��د ذل��ك �أم �أن‬ ‫ال�صح��وة الإ�سالمية قد حتولت �إىل طور‬ ‫�آخر كما يقول البع�ض؟‬ ‫ال�صح���وة الإ�سالمي���ة الآن يف عِ ِزّها وال يبدو‬ ‫�أنه���ا �ستنق�ض���ي‪ ،‬ال���ذي �سينق�ضي ه���و الأجزاء‬ ‫ال�سيا�سية والأجزاء العنيفة فيها‪ ،‬فهذه الأجزاء‬ ‫النافرة والناتئة هي التي �ستنق�ضي‪� .‬إن الإ�سالم‬ ‫ال�سيا�س���ي ب�ش���كل ع���ام �إ�س�ل�ام فا�شل‪ ،‬ول���و �أن‬ ‫الدول���ة العربية �أ�صلح بع�ش���رة يف املائة مما هي‬ ‫عليه النتهى الإ�سالم ال�سيا�سي‪ .‬ما قيمة الإخوان‬ ‫امل�سلم�ي�ن يف الأردن مثالً؟ ماذا �سيفعل الإخوان‬ ‫امل�سلم���ون �إزاء امل�ش���كالت التي تواج���ه بلدانهم‬ ‫يف الأردن �أو يف م�ص���ر؟ لق���د �ص���اروا ظاه���رة‬ ‫احتجاجي���ة وح�س���ب‪ ،‬لأن النا����س منزعجني من‬ ‫م�ش���كالت الدولة‪ :‬ع���دم التداول عل���ى ال�سلطة‪،‬‬ ‫عدم وجود انتخابات �سليمة ونزيهة‪ ،‬االفتقار �إىل‬ ‫تنمية حقيقية وما �شابه من م�شكالت اجتماعية‬ ‫واقت�صادية‪.‬‬ ‫لك��ن هذه اجلماع��ات تعتق��د �أنها جزء‬ ‫فاع��ل م��ن ه��ذه ال�صح��وة �أو �أنه��ا ت�ش��كل‬ ‫مبناها الأ�سا�سي؟‬ ‫نعم هي جزء من ه���ذه ال�صحوة يف الأ�سا�س‪،‬‬ ‫لكن كما قلت ال�صحوة مُ�سالمِ ة‪� .‬إنه �إ�سالم جديد‬ ‫‪154‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ين�ث�ر نف�س���ه يف كل �شيء‪ ،‬ب���دء ًا مبالب����س املر�أة‬ ‫ومالب�س الرج���ل‪ ،‬و�شكل الرجل وامل���ر�أة‪ ،‬انتها ًء‬ ‫بالع���ادات الزوجي���ة وطقو����س ال���زواج والطالق‬ ‫وع���ادات ال�صحب���ة والأ�صدقاء وع���ادات امل�شي‬ ‫يف ال�ش���ارع‪ ..‬كل �ش���يء جدي���د‪ ،‬كال���ذي ت�صنعه‬ ‫الف�ضائيات ال ما ت�صنعه الفتاوى وال طبقة رجال‬ ‫الدين‪ ،‬وي�ؤث���ر فيه احلركي���ون الإ�سالميون لكن‬ ‫لي�س كث�ي�راً‪ ،‬فما عادت هذه النزع���ة الع�شائرية‬ ‫لدى ال�شباب امل�سلمني اجلدد ن�سا ًء ورجاالً‪ ،‬تابع ًة‬ ‫لأفكار الإ�سالم ال�سيا�سي‪� .‬أكرث ه�ؤالء ال�صحويني‬ ‫وال�صحويات ال يفكرون يف ال�سيا�سة‪ ،‬وال يريدون‬ ‫�سوى �أن يحيوا حي���اة �إ�سالمية يعتربونها �أ�صيلة‬ ‫و�صاحلة‪.‬‬ ‫يف كتاب��ه ال�شه�ير «�ص��دام احل�ض��ارات‬ ‫و�إع��ادة ت�شكي��ل النظ��ام العامل��ي»‪� ،‬أ�ش��ار‬ ‫املفك��ر الأمريك��ي الراح��ل �صاموي��ل‬ ‫هنتنجت��ون �إىل �أنه يف نقطة معينة �أو يف‬ ‫مرحل��ة ما �ستختفي ال�صحوة الإ�سالمية‪،‬‬

‫الإ�س�لام ال�سيا�س��ي ب�ش��كل ع��ام‬ ‫�إ�س�لام فا�ش��ل‪ ،‬ول��و �أن الدول��ة‬ ‫العربي��ة �أ�صل��ح بع�ش��رة يف املائة‬ ‫مم��ا ه��ي علي��ه النته��ى الإ�س�لام‬ ‫ال�سيا�سي‬ ‫و�أنه��ا �ستذوب ‪ -‬ح�سب تعبريه ‪ -‬يف جمرى‬ ‫التاريخ‪� ..‬أي �أُفُقٍ تراه �أنت لهذه ال�صحوة‬ ‫الإ�سالمية؟‬ ‫هذا م���ا يقوله �أوليفي���ه روا‪ ،‬وما يقول���ه �أي�ض ًا‬ ‫جي���ل كيبي���ل و�آالن رو�سي���ون‪ ،‬ه����ؤالء املفكري���ن‬ ‫ال�سو�سيولوجي�ي�ن الفرن�سي�ي�ن وبع�ضه���م اهت���م‬ ‫باليم���ن‪� .‬أنا �أرى �أن الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي‪ ،‬وب�شكل‬ ‫�أخ����ص الإ�س�ل�ام العني���ف‪ ،‬تراج���ع كث�ي�ر ًا �إىل‬ ‫ال���وراء‪ ،‬والإ�سالم ال�سيا�سي الذي يريد امل�شاركة‬ ‫يف ال�سلطة وعنده م�شروع الدولة الإ�سالمية التي‬ ‫تطبق ال�شريعة �أي�ض ًا تراجع‪.‬‬ ‫فالقاعدة تراجعت كث�ي�راً‪ ،‬لكنها لأنها تعتمد‬ ‫ال�شبكية‪� ،‬أي �أنها تنظي���م �شبكي ولي�ست تنظيم ًا‬ ‫عنقودي��� ًا مث���ل التنظيم���ات الأخ���رى‪( ،‬ف�إنها ما‬ ‫ت���زال حتتفظ بوج���ود وكياني ٍة م���ا)‪ .‬ولأنها تركز‬ ‫كل م���رة يف منطقة محُ اوِل ًة ن�ش���ر حالة من عدم‬ ‫اال�ستق���رار فيه���ا‪ ،‬فلو عم���ل �أن�صارها تفجريين‬

‫يف البح���ر الأحم���ر كم���ا يعمل���ون الآن يف اليمن‬ ‫وال�صوم���ال وم���ا �شاب���ه‪ ،‬ف�إن���ك �ستب���دو وك�أنك‬ ‫م�سيط���ر‪ .‬امله���م �أن ي�شعروا ب�أنه���م قادرين على‬ ‫ن�ش���ر حالة من عدم اال�ستقرار واال�ضطراب هنا‬ ‫�أو هن���اك‪ .‬و»القاعدة» بهذا املعنى ما تزال متلك‬ ‫بع�ض القوة لكنها تراجعت كثري ًا عن ال�سابق‪.‬‬ ‫�أما الإ�س�ل�ام ال�سيا�س���ي �أي �إ�س�ل�ام الأخوان‬ ‫امل�سلم�ي�ن فقد تراج���ع �أي�ض ًا ب���دوره‪ ،‬ولكن لي�س‬ ‫بنف�س الق���در كما تراجعت القاع���دة‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫�أن �أتباع ه���ذا الإ�سالم الأ�صويل يتميزون برتبية‬ ‫منتظمة ع�ب�ر ع�شرات ال�سن�ي�ن وبالتايل ي�صبح‬ ‫�أتباع احلزب م�ستقرين يف �أعدادهم‪ ،‬ال يزيدون‬ ‫ولكنه���م ال ينق�صون‪ ،‬لأنهم يرتبّ���ون يف عائالت‬ ‫�إخواني���ة �أو يف عائ�ل�ات �سلفي���ة‪ .‬لق���د اختلطت‬ ‫ال�سلفية بالإخوان بعد الثمانينيات ب�سبب �أ�سامة‬ ‫ب���ن الدن‪ ،‬لك���ن �أي�ض��� ًا ب�سبب ظه���ور اهتمامات‬ ‫�سلفي���ة بال�سيا�س���ة وبال�ش�أن الع���ام نتيجة حرب‬ ‫اخللي���ج وم���ا �شاب���ه‪ .‬بي���د �أن جوه���ر ال�سلفي���ة‬ ‫بقي غ�ي�ر معني بال�سيا�س���ة وهو مت�ش���دد دينياً‪،‬‬ ‫والو�صل���ة الت���ي عملها ب�ي�ن الإخ���وان وال�سلفيني‬ ‫هو اب���ن الدن‪ ،‬وقد �أنتج���ت «ال�سلفية اجلهادية»‬ ‫كما نعرفه���ا اليوم‪ .‬وهناك �صي���غ �سلفية �أخرى‪،‬‬ ‫�شيء ا�سمه «اجلامية» و�شيء ا�سمه «ال�سرورية»‪،‬‬ ‫للتوليف بني الأخوان وال�سلفيني‪� .‬إمنا ب�شكل عام‬ ‫ال�سلفي���ون املعتدلون �أو ال�سلفي���ون العلميون غري‬ ‫معنيون بال�سيا�سة‪ .‬الإخ���وان هم الأكرث اهتمام ًا‬ ‫بال�سيا�س���ة‪ ،‬فه���م �أ�صح���اب فك���رة الهجمة على‬ ‫التغري���ب والغزو الثقايف وم���ا �شابه منذ خم�سني‬ ‫�سنة‪ ،‬وهم �أ�صحاب فكرة الدولة الإ�سالمية التي‬ ‫تطبق ال�شريعة والتي يتطرفون �أحيان ًا في�سمونها‪،‬‬ ‫كما �سيد قطب فعل‪« ،‬احلاكمية»‪.‬‬ ‫ه���ذا الإ�س�ل�ام نف�س���ه تراج���ع‪ ،‬مبعن���ى �أنني‬ ‫�أراقبه���م يف االنتخاب���ات �إن كان يف اليمن �أو يف‬ ‫�شرق �آ�سيا‪ ،‬و�إن كان يف لبنان �أو يف الأردن‪ ،‬رغم‬ ‫�أن كثري ًا من االنتخابات فيها تزوير �ضد الإخوان‬ ‫ولكن حتى حيث لي�س هناك تزوير تراجعوا‪ ،‬لكن‬ ‫ال ينبغ���ي �أن نُنكِ ر �أنه ما تزال لهم �شعبية معينة‪.‬‬ ‫�أن���ا �أُق���دّر عددهم ب�ي�ن الناخب�ي�ن يف م�صر ويف‬ ‫اليم���ن ويف الأردن‪ ،‬ب�ي�ن ‪ %25‬و‪ %30‬تقريباً‪ .‬ويف‬ ‫املغرب ميكن ملختلف فرق الإ�سالميني هناك �أن‬ ‫جتمع ما ن�سبت���ه ‪ %30‬من الأ�صوات‪ ،‬مع التذكري‬ ‫ب�أنهم لي�سوا حزب ًا واح���د ًا ولكنهم عدة �أحزاب‪.‬‬ ‫كذلك الإ�سالميون يف اجلزائر ميكن �أن يجمعوا‬ ‫فق���ط �أ�صوات��� ًا ت�ت�راوح ن�سبتها ب�ي�ن ‪ %20‬و‪%25‬‬ ‫�أو �أق���ل قلي�ل�اً ‪ ،‬لأنه���م تلقوا �ضرب���ات قا�سية من‬

‫عند املقارنة بني امللكيات العربية واجلمهوريات العربية‪ ،‬يبدو �أمر امللكيات‬ ‫�أف�ض��ل من �أم��ر اجلمهوريات‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن بع���ض اجلمهوريات �أخذت تتجه‬ ‫نحو التوريث يف احلكم‪� ،‬أي �أنها تريد �أن تتحول �إىل ممالك مزيفة‬ ‫اجلي�ش‪.‬‬ ‫وبالت���ايل‪ ،‬ف�إنه���م (�أي �أتب���اع الإ�س�ل�ام‬ ‫ال�سيا�س���ي) ما يزالون ظاه���رة ت�ستحق االعتبار‬ ‫وت�ستح���ق الت�أم���ل وت�ستح���ق الدرا�س���ة‪ ،‬و�أنا �أرى‬ ‫�أنه���م �أوقعوا بنا يف حا�ضرنا �ضرر ًا كبري ًا وكبري ًا‬ ‫جد ًا من الناحي���ة الفكرية والثقافية والإ�سالمية‬ ‫ي���كاد ي�ضاهي ال�ضرر ال���ذي �أوقعه بن���ا احلكام‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫ولك��ن ه��ل �ستتجاوزه��م ال�صح��وة‬ ‫الإ�سالمي��ة باملفه��وم ال�شام��ل ال��ذي‬ ‫طرحت��ه‪ ،‬مبعن��ى ه��ل �سيبق��ى ه���ؤالء يف‬ ‫ذيل هذه ال�صحوة التي ترى �أنها �ستم�ضي‬ ‫قدماً؟‬ ‫ال�صح���وة الإ�سالمي���ة ما�ضي���ة ُق ُدم���اً‪ ،‬وه���ي‬ ‫ظاهرة �سلبية �أي�ض ًا ولي�ست �إيجابية‪� ,‬إمنا لي�ست‬ ‫عنيفة ولي�ست �سيا�سية‪.‬‬ ‫�أين تكمن �سلبيتها يف ر�أيك؟‬ ‫يف �أنها تهتم بال�شكل �أكرث مما تهتم بامل�ضمون‪.‬‬ ‫كل الوقت �أنت م�شغ���ول كيف تبدو‪� .‬صحيح �أنهم‬ ‫يتحدثون كثري ًا عن تر�شيد ال�صحوة‪ ،‬ولكنه فكر‬ ‫متخل���ف �أن تظن املر�أة �أنها �إذا لب�ست نقاب ًا فقد‬ ‫بلغ���ت منته���ى الإ�سالم وتقاتل اجلمي���ع من �أجل‬ ‫ه���ذا الأمر‪ ,‬انظ���ر �إىل اليمنيات من���ذ �ألف �سنة‬

‫وه���ن يلب�سن هذا النق���اب والربق���ع وال يعتربنه‬ ‫�أم���ر ًا �شدي���د الفظاع���ة والأهمية‪ .‬ف�أن���ا �أرى �أن‬ ‫ال�صح���وة الإ�سالمي���ة م�شغولة �أك�ث�ر من الالزم‬ ‫باحلياة اخلا�صة وال�شخ�صية‪ ،‬وال ميلكون ثوابت ًا‬ ‫اجتماعي���ة �أو اقت�صادي���ة �أو فكري���ة �أو �سيا�سية‪,‬‬ ‫وبعب���ارة �أخ���رى لي�س���ت لهم عقي���دة فكري���ة �أو‬ ‫�سيا�سية‪.‬‬ ‫�إن الأ�صويل العنيف �أو غ�ي�ر العنيف مُ�سيّ�س‪,‬‬ ‫بي���د �أن هن���اك ماليني م���ن النا�س م���ن ال�شباب‬ ‫والبن���ات لي�س���وا م�سي�س�ي�ن‪� ،‬إنهم الوج���ه الآخر‬ ‫لل�شب���اب املُنحَ ل�ي�ن‪ .‬دعن���ا منه���ا (ال�صح���وة‬ ‫الإ�سالمي���ة)‪ ،‬فهي ظاهرة �شاملة وكبرية �شملت‬ ‫�أك�ث�ر من ن�ص���ف املجتمع���ات الإ�سالمي���ة‪� ،‬إمنا‬ ‫ذوات الفعالي���ة �أي الذي���ن عنده���م فاعلي���ة من‬ ‫ه���ذه الظاه���رة الإ�سالمية الكب�ي�رة هم جماعة‬ ‫الإ�س�ل�ام العني���ف وجماعة الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫وكما قلت ف�إن هذين «الإ�سالمَ ينْ ِ» تراجعا‪ .‬وهما‬ ‫مل يرتاجع���ا �أك�ث�ر �أو كما يجب ب�سب���ب خيبتهما‬ ‫وف�شلهم���ا يف ال�س���ودان ويف �إي���ران‪ ،‬وذلك نظر ًا‬ ‫ل�سوء الو�ضع ال�سيا�سي يف العامل العربي‪.‬‬ ‫وم��ع ذل��ك‪ ،‬ف���إن ه��ذه اجلماع��ات رمبا‬ ‫�ستظ��ل تعود �إىل امل�شه��د كل فرتة وحني‪،‬‬ ‫بحك��م ال�ضغ��ط �أو القم��ع �أو التزوي��ر يف‬ ‫االنتخابات‪� ،‬إذ �أن ه��ذه ال�سيا�سات جتعل‬

‫النا�س ينظرون �إليهم كمظلومني ومن هذا‬ ‫املنطل��ق يج��دون منا�صري��ن لق�ضاياه��م‪.‬‬ ‫�ألي�س كذلك؟‬ ‫ه���ذه تربي���ة‪� .‬أن���ت ردة فعل���ك تك���ون بح�سب‬ ‫تربيت���ك وه����ؤالء تربيته���م �إ�سالمي���ة‪ ,‬بينم���ا لو‬ ‫كان���ت تربيته���م دميقراطية لوج���دوا �أن اللجوء‬ ‫�إىل املكافح���ة الدميقراطي���ة والتو�سّ ���ل بحق���وق‬ ‫الإن�س���ان �أح�سن لهم يف الو�صول �إىل النتائج من‬ ‫املكافح���ة بالإ�سالم‪ .‬فردود الفع���ل ت�أتي بح�سب‬ ‫الثقاف���ة وه����ؤالء ثقافتهم �إ�سالمي���ة‪ ،‬ولهذا ف�إن‬ ‫ردود �أفعاله���م تك���ون بهذه الطريق���ة‪ .‬ولكن كما‬ ‫ه���و وا�ض���ح يف اليم���ن ويف غري اليم���ن �أن هناك‬ ‫جماه�ي�ر لي�س���ت ردة فعله���ا ديني���ة وال �أ�صولية؛‬ ‫فجماع���ة احل���راك (اجلنوبي) مث�ل�اً تتكون من‬ ‫عدة فرق‪ :‬بع�ضه���م �ضباط وبع�ضهم �إ�سالميني‪,‬‬ ‫ولكن بع�ضهم ال عالقة له ب�أي �شيءٍ �إ�سالمي‪.‬‬ ‫ف�أن���ا �أرى �أن الدعوة املدني���ة �أو الدولة املدنية‬ ‫�أجدى‪ ،‬حت���ى للإ�سالمي�ي�ن لأن عندهم �شعبية‪.‬‬ ‫فعندما تكون من دعاة الدولة املدنية ‪� -‬إذا كنت‬ ‫مقتنع ًا بها ‪ -‬ت�ستطيع �أن تنجح �شعبي ًا لأنك ناجح‬ ‫�أ�ص�ل�اً ‪ ،‬وت�ستطيع �أن ت�ؤثر يف م�شروعك‪ ,‬لكن �إذا‬ ‫كان م�شروع���ك احلاكمية �أو �إقامة دولة اخلالفة‬ ‫يف الأر�ض �أو �إقامة دولة �إ�سالمية تُط ِبّق ال�شريعة‬ ‫�أي دول���ة ديني���ة ف�إن هذا الأم���ر ال ميكن اعتباره‬ ‫ظاه���رة �إيجابي���ة‪ ,‬وال ميك���ن ت�شجيع���ه‪ ,‬بل البد‬ ‫م���ن مكافحته ولكن من دون �أن نبلغ يف املكافحة‬ ‫ح���دود العن���ف �أو ح���دود الت�آم���ر م���ع ال�سلطات‬ ‫عليه���م‪ ,‬فهذا �أمر غري �أخالق���ي و�سيا�سي ًا غلط‪،‬‬ ‫ولكن نحن نعار�ض م�شروع الدولة الدينية وندعو‬ ‫�إىل دول���ة مدني���ة‪ .‬واحلقيقة �أن م�ش���روع الدولة‬ ‫الدينية هذا كان قوي ًا جداً‪ ،‬والآن كما قلت تقامن‬ ‫وتراجع؛ فالذين كان���وا ي�شكلون ‪ %50‬رجعوا �إىل‬ ‫‪ ،%20‬ومع ذلك ف�إنهم مل يختفوا‪.‬‬ ‫هل ت��رى �أن الإ�سالميني الذين يرفعون‬ ‫�شعار الدولة املدني��ة ويريدون �أن ي�صلوا‬ ‫�إىل ه��ذه الدول��ة مث��ل را�ش��د الغنو�ش��ي‬ ‫وغ�يره‪ ,‬ق��د ا�ستطاع��وا �أن يكيف��وا‬ ‫�أطروحاته��م اجلديدة م��ع م�ضامني فكرة‬ ‫الدولة املدنية؟‬ ‫نع���م‪ ،‬هن���اك �أنا����س «حقيقي���ون» م���ع الدولة‬ ‫املدنية‪ ،‬لك���ن هناك �أنا�س يتحدث���ون عن الدولة‬ ‫املدني���ة وهم يعن���ون بها الدول���ة الإ�سالمية التي‬ ‫تطبق ال�شريعة‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪155‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫بال مواربة‬

‫يتحايلون؟‬ ‫ال‪ .‬يقولون ما دام احلاكم لي�س مع�صوم ًا �إذن‬ ‫فالدول���ة مدنية‪ .‬فه���م م�صرون عل���ى �أن الدولة‬ ‫الكهنوتي���ة �أي الدولة الدينية هي دولة البابا كما‬ ‫كانت يف الع�صور الو�سطى‪ ,‬وال يت�صورون الدولة‬ ‫الدينية �إال بهذا ال�شكل‪� ,‬أي يكون رئي�سها �شيخاً‪.‬‬ ‫امله���م‪ ،‬ما دمت تعترب �أن���ت �أن هذه الدولة تحُ كَم‬ ‫بقانون مع�صوم مث���ل ال�شريعة الإ�سالمية فكيف‬ ‫تكون مدنية؟ البد �أنها دولة دينية‪.‬‬ ‫ه��ل تعتق��د �أن الأح��داث املهم��ة‬ ‫واخلط�يرة الت��ي مي��زت تفاع�لات العقد‬ ‫الأول من هذا القرن قد �ساهمت يف بلورة‬ ‫ا�ستقط��اب غرب��ي – �إ�سالمي �أخ��ذ �أبعاد ًا‬ ‫جدي��دة ب��د�أت ت�شكل حمور ج��دل مغاير‬ ‫بني اجلانبني‪� ،‬أم �أن الإ�شكال يظل ي�ستمد‬ ‫وهجه من الرتاكم��ات التاريخية املعقدة‬ ‫ب�ين الإ�س�لام والغرب كعامل�ين متمايزين‪،‬‬ ‫مبعن��ى هل ه��ذه املع�ضل��ة ما زال��ت تراوح‬ ‫مكانها؟‬ ‫مع�ضل���ة �شرق ‪ -‬غ���رب موجودة‪ .‬وق���د بد�أت‬ ‫عن���د الربيطاني�ي�ن والفرن�سي�ي�ن قب���ل �أن تب���د�أ‬ ‫عند امل�سلم�ي�ن يف ع�صر اال�ستعم���ار‪ ,‬فهم كانوا‬ ‫ينظ���رون �إلين���ا �أننا خمتلف���ون عنه���م و�أنهم يف‬ ‫�أ�س���و�أ الأحوال �آت���ون �إىل ا�ستعمارنا‪ ,‬ويف �أح�سن‬ ‫الأحوال �آتون �إىل حت�ضرينا‪ .‬لكن الأمور ال�سائدة‬ ‫حالياً‪ ،‬و�سوء العالقة بيننا وبني الغرب‪ ،‬بد�أت يف‬ ‫احلرب الباردة حيث انق�سم العامل �إىل ق�سمني‪،‬‬ ‫و�أخ���ذت دول عربي���ة يف االنحي���از �إىل االحت���اد‬ ‫ال�سوفيتي بينما انحازت دول �أخرى �إىل الواليات‬ ‫املتح���دة‪ ,‬ولأول م���رة اُ�ستخ���دم الإ�سالميون يف‬ ‫احلرب على االحتاد ال�سوفيتي‪ ,‬فقد مت ا�ستخدم‬ ‫���د م���ا ال�سلفيني من‬ ‫الأخ���وان امل�سلم�ي�ن و�إىل ح ٍ ّ‬ ‫قب���ل ال�سلطات العربية مل�صارع���ة الدول العربية‬ ‫الأخ���رى املوالية لالحت���اد ال�سوفيتي‪ ،‬ومل�صارعة‬ ‫الفك���رة ال�شيوعي���ة باعتباره���ا فك���رة �إحلادية‪.‬‬ ‫لذلك بن���ى الإ�سالميون نظام��� ًا �أيديولوجي ًا �ضد‬ ‫التغريب‪ ،‬و�ضد الغزو الثقايف‪� .. ،‬إلخ‪.‬‬ ‫ويف البداية كانوا متوجهني �ضد �أمريكا‪ ،‬ف�سيد‬ ‫قطب رحم���ه اهلل كتب �ض���د �أم�ي�ركا‪ ،‬وله كتاب‬ ‫�شه�ي�ر عن «معركة الإ�س�ل�ام والر�أ�سمالية»‪ .‬لقد‬ ‫كان قط���ب �شبه ا�شرتاكي كم���ا ظهر يف توجهاته‬ ‫يف كتابه حول «العدالة االجتماعية يف الإ�سالم»‪.‬‬ ‫لكن يف احل���رب الب���اردة ا�صط���ف الإ�سالميون‬ ‫جميع��� ًا حت���ت راي���ة اململك���ة العربي���ة ال�سعودية‬ ‫‪156‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫والوالي���ات املتحدة‪ ،‬بع�ضه���م مل يكن يعي م�س�ألة‬ ‫الوالي���ات املتحدة يف ذلك الوقت‪ ,‬وبالتايل كانوا‬ ‫يرون �صراع��� ًا يف داخل العامل العربي بني جمال‬ ‫عبد النا�ص���ر وال�سعودية‪ ,‬وبني �أتب���اع ال�سعودية‬ ‫و�أتب���اع جمال عبد النا�ص���ر‪ ،‬وكانت حرب اليمن‬ ‫جزء ًا من هذا ال�صراع كما �صار معروفاً‪.‬‬ ‫هذا االنق�سام بُني علي���ه انق�سام �أيديولوجي‪,‬‬ ‫فالإ�سالميون وقتها حتولوا �إىل الإ�سالم ال�سيا�سي‬ ‫دون �أن ت�شعر اململكة العربية ال�سعودية‪� ،‬إذ �شعر‬ ‫بهم امل�صريون؛ وهكذا ف�إن كل من رفع ر�أ�سه من‬ ‫الإخوان امل�سلمني يف م�صر كان م�صريه القتل �أو‬ ‫ال�سج���ن‪ .‬فال�سعودي���ة التي كان���ت ت�ستقبلهم مل‬ ‫تكن تدرك ذلك‪ ,‬حتى �أن �شبّان ال�سلفية �أُف�سِ دوا‬ ‫وت�سي�س���وا‪ ,‬ثم ج���اءت �أفغان�ستان وه���ي املرحلة‬ ‫النهائي���ة الت���ي تبلور فيه���ا الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي؛‬ ‫قت���ل ال�س���ادات‪ ،‬وذه���ب ال�شبّ���ان للمقاتل���ة يف‬ ‫�أفغان�ستان‪ ،‬وجنحت الثورة الإ�سالمية يف �إيران‪.‬‬ ‫�أي �أن الإ�س�ل�ام العنيف والإ�س�ل�ام غري العنيف‬ ‫كالهم���ا ر�سم خط��� ًا لنف�سه وم�ضى في���ه‪ .‬ويبدو‬

‫على الواليات املتح���دة �سنة ‪ ,2001‬فالعالقة بني‬ ‫امل�سلمني والغرب ف�سدت ف�ساد ًا �شديداً‪ .‬وقد زاد‬ ‫التوتر يف �أوروبا مع م�شكلة الهجرة واملهاجرين‪،‬‬ ‫���د م���ا‪.‬‬ ‫وربط���وا املهاجري���ن بالإره���اب �إىل ح ٍ ّ‬ ‫و�ص���ار عندنا ملفان‪ :‬ملف الإره���اب الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ومل���ف الهج���رة الإ�سالمي���ة �إىل �أوروب���ا و�أنه���م‬ ‫ي�ستنكرونها‪.‬‬ ‫فهات���ان امل�شكلت���ان الآن هما اللت���ان تفجران‬ ‫�أو ت�ؤث���ران ت�أثري ًا �سلبي��� ًا يف العالقة بني الإ�سالم‬ ‫والغ���رب‪ .‬فامل�شكل���ة موج���ودة قبل �أن يق���ول بها‬ ‫هنتنجتون الذي حتدّث عن «�صدام احل�ضارات»‪,‬‬ ‫وحتدي���د ًا �ص���دام احل�ض���ارة الإ�سالمي���ة م���ع‬ ‫احل�ض���ارة الغربي���ة‪ ،‬لك���ن جوانبه���ا ال�سيا�سي���ة‬ ‫والع�سكرية والأمنية التهبت يف ال�سنوات املا�ضية‬ ‫ب�سبب الغ���زوات الأمريكية‪ ,‬ومع �أنه���ا الآن تعود‬ ‫�إىل �ش���يء من اله���دوء �إال �أنه توج���د عندنا عدة‬ ‫م�ش���كالت‪� ،‬أهمه���ا الآن م�شكل���ة املهاجري���ن يف‬ ‫�أوروب���ا باعتب���ار �أن م�شكل���ة القاع���دة تراجع���ت‬ ‫ن�سبي���اً‪ ،‬ولذل���ك �أن���ا ال �أرى �أفق��� ًا لعالقة �صحية‬ ‫و�سليمة الآن مع الغرب الأوروبي والأمريكي‪.‬‬

‫�أتب��اع الإ�س�لام ال�سيا�س��ي �أوقعوا‬ ‫بن��ا يف حا�ضرن��ا �ض��رر ًا كب�ير ًا‬ ‫وكبري ًا جد ًا من الناحية الفكرية‬ ‫والثقافي��ة والإ�سالمي��ة ي��كاد‬ ‫ي�ضاه��ي ال�ض��رر ال��ذي �أوقعه بنا‬ ‫احلكام العرب‬

‫يف الف�ترة الأخ�يرة �صع��دت امل�س�أل��ة‬ ‫الطائفي��ة ب�شكل ملح��وظ يف امل�شرق كما‬ ‫املغ��رب العرب��ي‪ ،‬كيف تنظ��رون �إىل هذا‬ ‫الأم��ر‪ ،‬واىل �أي ح��د و�صل��ت تداعيات��ه‬ ‫وم�ستويات��ه يف تقدي��رك؟ وه��ل م��ا زلنا‬ ‫يف الع��امل العربي منلك الق��درة على كبح‬ ‫جم��اح الغول الطائف��ي �أم �أنن��ا قد فقدنا‬ ‫زمام ال�سيطرة عليه‪ ،‬وملاذا؟‬ ‫الغ���ول الطائفي م�ص���دره �أم���ران‪ :‬احلركات‬ ‫الإ�سالمي���ة املت�ش���ددة‪ ,‬والعم���ل الإي���راين يف‬ ‫ال�سن���وات الع�ش���ر الأخ�ي�رة على ن�ش���ر نفوذه يف‬ ‫داخل العامل العربي‪ .‬الإ�سالم املت�شدد‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫ال�سلفي‪ ،‬كان يُك ِفّر الآخرين وخا�صة ال�شيعة‪ ,‬ما‬ ‫ع���اد ال�سلفيون يفعل���ون ذلك لكنهم ب���دءوا هذا‬ ‫الأم���ر قب���ل مائ���ة �سنة وكان���ت له���م يف فرتة ما‬ ‫قوة‪ ،‬ون�ش���روا نوع ًا من الع�صبية حتى داخل �أهل‬ ‫ال�سنة؛ من هو �سلفي ومن هو غري �سلفي‪ .‬مل يكن‬ ‫ه���ذا الأمر ظاهر ًا جداً‪ ،‬لأن الدولة ال�سعودية ما‬ ‫كان م���ن �صاحلها �أن يفع���ل ال�سلفيون ذلك وهي‬ ‫زعيم���ة الع���امل الإ�سالم���ي‪ ،‬ولذلك �ص���ار هناك‬ ‫وعي كبري بخط���ورة امل�س�ألة الطائفية واملذهبية‪،‬‬ ‫حت���ى يف احلرب العراقية ‪ -‬الإيرانية التي حاول‬ ‫العراق ا�ستخدامها دعائي ًا والإيرانيون �أي�ضاً‪ ،‬ما‬ ‫انفجر امللف ال�سني ‪ -‬ال�شيعي بينما انفجر الآن‪.‬‬

‫يل الآن �أن���ه ما بع���د عام ‪ 1989‬م���ا ظهرت دولة‬ ‫�إ�سالمية‪ ،‬فبعد ال�س���ودان مل يح�صل �أي انقالب‬ ‫�إ�سالمي‪ .‬وكما قلت البد �أن نف�صل بني ال�صحوة‬ ‫العام���ة واحلزبيات الإ�سالمي���ة التي لها �أهداف‬ ‫حم���ددة‪� ،‬إما امل�شاركة يف ال�سلط���ة �أو اال�ستيالء‬ ‫عل���ى ال�سلط���ة‪ .‬ف�أن���ا وجه���ة نظ���ري �أن الأم���ور‬ ‫�إىل تراج���ع بالن�سب���ة للإ�سالميني م���ن الناحية‬ ‫ال�سيا�سي���ة‪ ،‬و�أنه مل يعد لديهم �أمل يف اال�ستيالء‬ ‫على مقدرات دولة عربية �أو �إ�سالمية‪.‬‬ ‫وكي��ف �سينعك���س ه��ذا عل��ى عالق��ة‬ ‫امل�سلمني بالغرب؟‬ ‫�إن عالق���ة امل�سلمني بالغ���رب مل تف�سد ب�سبب‬ ‫الأيديولوجي���ات التي طوّرها الإخوان‪ ,‬بل ف�سدت‬ ‫ب�سبب الأفعال الأمريكية‪� ،‬سواء يف حرب اخلليج‬ ‫بعد غ���زو العراق للكويت �أو بع���د �إغارة القاعدة‬

‫انفجر منذ ‪ 2005‬بعد مقت���ل الرئي�س احلريري‪،‬‬ ‫ثم حرب متوز‪/‬يوليو التي قام بها حزب اهلل �ضد‬ ‫�إ�سرائي���ل و�إ�سرائيل �ضد حزب اهلل و�ضد لبنان‪،‬‬ ‫وتفجّ ���ر امل�شكل���ة العراقية بعد الغ���زو الأمريكي؛‬ ‫والتي كان من �أب���رز تداعياتها و�أخطرها ن�شوب‬ ‫حرب �أهلية �سنية – �شيعية يف ‪.2006‬‬ ‫فعندنا يف امللف الطائفي هذان الأمران‪ :‬الأمر‬ ‫الأول يتمثّل يف امل�ش���اكل الكامنة والطويلة املدى‬ ‫لل�سلطات العربي���ة يف اال�ستئثارات واالحتكارات‬ ‫الفئوية‪ ،‬والتي تثري ح�سا�سيات طوائف ومذاهب‬ ‫�أخرى ال تنتمي �إىل نف�س مذهب ال�سلطة‪ .‬ويتمثل‬ ‫الأمر الث���اين يف التوتر ال���ذي �أحدثه الأمريكان‬ ‫بدخوله���م �إىل املنطقة بهذه الطريق���ة العنيفة‪،‬‬ ‫ويف كل مكان دخلوه حتيّزوا ل�صالح فريق‪ ،‬وهذا‬ ‫الفري���ق طائفي‪ ،‬ويف �أفغان�ستان كان هذا الفريق‬ ‫�إثنياً؛ فقد دخلوا ل�صالح الأقليات �ضد الب�شتون‪،‬‬ ‫وبالطب���ع فقد حابوا ال�شيعة لكن لي�س كثرياً‪� .‬أما‬ ‫يف العراق فق���د �أتوا ومعهم ال�شيعة‪ ،‬الذين كانوا‬ ‫يف الأ�صل يف �إيران‪� ،‬أو كانوا يف �إجنلرتا‪ ،‬ودخلوا‬ ‫معهم‪.‬‬ ‫وعندم���ا نتح���دث ع���ن االنق�س���ام ال�سن���ي‪-‬‬ ‫ال�شيعي‪ ،‬ونقول �إن حماوالت �إيران ا�ستقطاب كل‬ ‫الأقليات ال�شيعية يف العامل العربي ال�ستخدامهم‬ ‫يف �إق�ل�اق خ�صومه���ا يف العامل العرب���ي ال يعني‬ ‫�أن���ه يف كل ال���دول العربية التي فيه���ا توتر �سني‬ ‫– �شيع���ي‪ ،‬كان هن���اك تدخ���ل مبا�شر من قبل‬ ‫�إي���ران؛ فهذه ثورة كربى و�أث���رت يف كل ال�شيعة‪،‬‬ ‫�أي �أنه���م يحاولون تقليد �أفكاره���ا‪ ،‬و�أنا �أظن �أن‬ ‫احلوثي�ي�ن �إذا كانوا الآن عل���ى ات�صال ب�إيران �إال‬ ‫�أنه���م يف ال�سابق مل يكون���وا كذلك ولكن الإ�شعاع‬ ‫و�صل �إليهم‪ .‬وق���د كنت �أرى كثريين من ال�شباب‬ ‫اليمني�ي�ن ي�أت���ون �إىل لبن���ان للتوا�ص���ل مع حزب‬ ‫اهلل‪ ،‬لي�س لأنهم م�أمورون بذلك �أو خمطط لهم‪،‬‬ ‫ب���ل لأنهم �شع���روا باجنذاب‪ ،‬وقد وج���دت �أي�ض ًا‬ ‫�أنا�س ًا لي�سوا �شيعة بل �سنّة �شعروا باجنذاب نحو‬ ‫حزب اهلل‪.‬‬ ‫فاالنق�سام ال�سن���ي ‪ -‬ال�شيعي الذي هو �أخطر‬ ‫الأ�شياء‪ ،‬لأنه يهدد الع���امل الإ�سالمي كله وبنيته‬ ‫الداخلية‪� ،‬سببه حركات الإ�سالم ال�سيا�سي التي‬ ‫تثري احل�سا�سيات‪� :‬أحزاب �ضد �أحزاب‪� ,‬أحزاب‬ ‫�ض���د تقليديني‪� ,‬أحزاب �ض���د ال�سلطات‪ ,‬و�سلفية‬ ‫�ضد الآخري���ن‪ ،‬وهكذا‪ .‬لكن ال�سبب الثاين �أهم‪،‬‬ ‫وهو التدخل الأمريك���ي وتعمّد �إثارة ح�سا�سيات‪،‬‬ ‫والعامل الثالث ه���و النفوذ الإيراين يف املنطقة‪.‬‬ ‫فعندن���ا ثالث���ة �أ�سب���اب �أقواه���ا ال�سب���ب الثاين‬

‫والثال���ث‪ ،‬ومن وجهة نظري �أنه ميكن �أن نُ�ضيف‬ ‫�سبب��� ًا رابع ًا ه���و ال�سيا�سات الفئوي���ة للحكومات‬ ‫العربي���ة‪ ،‬بحي���ث تبدو مع ه���ذه الفئ���ة �ضد تلك‬ ‫الفئ���ة‪ ،‬ويثري ذلك تل���ك الفئة فتقات���ل احلكومة‬ ‫�أو تقات���ل فئ���ة اجتماعي���ة �أخ���رى‪ .‬فعندن���ا هذه‬ ‫الأ�سباب الأربع���ة‪ ،‬وكلها قابلة للإزالة؛ �إذا اجته‬ ‫الأمريكيون لالن�سح���اب‪ ،‬واجتهت �إيران لت�سوية‬ ‫مع �أمريكا ب�صورة ال حتتاج معها �إىل مد نفوذها‬ ‫�إىل غ���رب الفرات مثالً‪ .‬و�إذا ب���د�أت احلكومات‬ ‫العربي���ة يف معاملة �شعبه���ا بطريقة خمتلفة ومل‬ ‫وحترّ�ض طائفة على‬ ‫تعامل���ه على �أ�سا�س فئ���وي‪ِ ،‬‬ ‫طائفة �أو جماعة على جماعة‪.‬‬ ‫�إن ه���ذه عوامل تت�أث���ر كثري ًا بالأفع���ال وردود‬ ‫الأفع���ال‪ .‬فالعامل الطائفي لي����س عام ًال خالداً؛‬ ‫ف����إذا مل ت�شع���ر الطائف���ة بخط���ر مل���اذا تلج����أ‬ ‫ال�ستخ���دام العنف؟ كم���ا �أن الطائفة التي ت�شعر‬ ‫بالأمان لي�ست م�ستعدة للتحزّب والت�سلّح‪ .‬وحتى‬ ‫ل���و كان �أبناء ه���ذه الطائفة �أو تل���ك مظلومني �أو‬ ‫م�ضطهدي���ن يف لبنان �أو يف غري لبن���ان‪ ،‬ف�إن مل‬

‫العام��ل الطائف��ي لي���س عام�ل ًا‬ ‫خال��داً؛ ف���إذا مل ت�شع��ر الطائفة‬ ‫بخط��ر مل��اذا تلج���أ ال�ستخ��دام‬ ‫العن��ف؟ كم��ا �أن الطائف��ة الت��ي‬ ‫ت�شع��ر بالأم��ان لي�س��ت م�ستع��دة‬ ‫للتحزّ ب والت�سلّح‬ ‫يتوافر عام���ل خارجي داع ٌم ومحُ ِ ٌّ‬ ‫���ث ودافعٌ‪( ،‬ملا‬ ‫ب���رزت امل�شكل���ة الطائفي���ة بهذه احل���دّة)‪ .‬فعلى‬ ‫�سبيل املث���ال‪ ،‬بعد ث���ورة ‪ 1962‬تعرّ�ض الزيود يف‬ ‫ل�ضغوط ب�سبب ارتباطهم بفكرة الإمامة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اليمن‬ ‫�صحيح �أن���ه كان هناك م���ا ي�سم���ى «ال�شوكانية»‬ ‫التي تعبرّ عن نزعة تقدمية‪ ,‬و�أنه لي�س كل الزيود‬ ‫رجعي���ون وكذا‪ .‬ولكن النظ���ام يف �أكرث الفرتات‪،‬‬ ‫منذ ال�سبعيني���ات وحت���ى الآن‪ ،‬كان متحالف ًا مع‬ ‫ال�سلفيني ومع الإخوان امل�سلمني �ضد الزيود‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك م���ا ثاروا؛ لق���د تظلموا‪ ,‬وتكلم���وا‪ ,‬و�أن�شئوا‬ ‫�أحزاب���اً‪ ،‬وحاولوا �أن يقولوا ه���ذا الأمر �أو ذاك‪.‬‬ ‫ومل يب���د�أ الثوران �أو ما ي�سمى بالظاهرة احلوثية‬ ‫�إال م���ع دخ���ول العام���ل اخلارج���ي‪� ،‬أي عندم���ا‬ ‫�أ�صبح م�صدر الإلهام خارجي ًا وكذلك امل�ساعدة‬ ‫�أ�ضحت خارجية‪ .‬فيما عدا ذلك‪ ،‬هناك توترات‬ ‫ب�ي�ن ال�سنة وال�شيعة يف الع���راق‪ ،‬ولكن لو مل ي�أتِ‬

‫الأم�ي�ركان والإيراني���ون و�أعطوا ه����ؤالء ال�سالح‬ ‫واملال ويقول���وا لهم «قاتلوا»‪ ،‬ولو مل ت�أتِ القاعدة‬ ‫�إىل مناطق ال�سنة يف العراق‪ ،‬رمبا اختلف الأمر‪.‬‬ ‫يف لبن���ان الأمر �شبيه بذل���ك‪ .‬فامل�سيحيون �أثناء‬ ‫احل���رب الأهلي���ة كان عندهم م���ن يدعمهم من‬ ‫اخل���ارج‪ ،‬وامل�سلمون كان عنده���م من يدعمهم‪.‬‬ ‫فالفل�سطيني���ون تول���وا دعمن���ا حت���ى يف الت�سلّح‪،‬‬ ‫وامل�سيحي���ون بدورهم كان عندهم من يدعمهم‪،‬‬ ‫وو�صل���وا يف الأخ�ي�ر �إىل �أن ملي�شياته���م املُ�سلّحة‬ ‫�صارت تدعمها �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫فالعامل اخلارجي ي�ساعد على تفجري ال�صراع‬ ‫وال ي�صن���ع وحده توت���ر ًا داخلي���اً‪� ،‬إذ �أن التوتر ال‬ ‫ب���د �أن يكون موج���ود ًا لي�أت���ي العام���ل اخلارجي‬ ‫فيفجّ ���ره حمو ًال �إي���اه �إىل �ص���راع‪ .‬والتوتر ب�شكل‬ ‫عام يح�ص���ل نتيجة ظروف تاريخي���ة �أو ظروف‬ ‫حا�ضرة‪ ،‬واحلكومات العربية من ال�سهل جد ًا �أن‬ ‫تثري التوت���رات يف املجتمع ب�سبب �سوء ت�صرفها‪،‬‬ ‫لكن ه���ذا ال يكف���ي النفج���ار ث���ورة‪� ,‬إذ يجب �أن‬ ‫تكون هناك م�صالح خارجية مق�صودة جتنّد لها‬ ‫�أنا�س��� ًا وتعطيهم �سالح ًا بالع���دد مثل طالبان يف‬ ‫باك�ستان‪ .‬ف�أمريكا والدني���ا كلها ظلوا ي�ساعدون‬ ‫املجاهدين على مدى ع�شري���ن �سنة حتى �أخذوا‬ ‫كابول وط���ردوا الرو�س وال�شيوعي�ي�ن الأفغان ثم‬ ‫اختلف���وا فيم���ا بينهم؛ فج����أة نه�ض طلب���ة العلم‬ ‫ه����ؤالء الذي���ن انزعج���وا م���ن ف�ت�ن املجاهدين‪،‬‬ ‫ف�شكل���وا منظم���ة انت�ص���رت عليه���م وطردتهم‪.‬‬ ‫ومعل���وم �أن املخاب���رات الباك�ستاني���ة �أعطته���م‬ ‫ال�سالح ودربتهم‪ ،‬و�أحيان ًا كانت تقاتل بد ًال عنهم‬ ‫عندما كانوا يهربون‪.‬‬ ‫يف كتاب��ك ال�سِ ج��ايل امل�ش�ترك م��ع‬ ‫الدكت��ور عبدالإله بلقزي��ز‪ ،‬ذكرت بع�ض‬ ‫مع��امل «�أزم��ة الفك��ر ال�سيا�س��ي العرب��ي»‬ ‫املعا�ص��ر‪ ،‬م��ا تقييم��ك مل���آل ه��ذه الأزم��ة‬ ‫منذ �صدور كتابك وحت��ى اليوم‪ ،‬هل ترى‬ ‫�أنه��ا يف طريقه��ا للح��ل �أم �أن حلقاتها قد‬ ‫ا�ستحكمت اليوم �أكرث؟‬ ‫ا�ستحكمت �أكرث‪ .‬مل���اذا؟ لأن الأنظمة العربية‬ ‫تتك ّل����س؛ فلي�س هن���اك تداول عل���ى ال�سلطة على‬ ‫الإط�ل�اق‪ ،‬ولي�س هناك انتخابات نزيهة‪ ،‬ولي�ست‬ ‫هن���اك م�ؤ�س�س���ات حقيقي���ة فاعلة عل���ى مديات‬ ‫متطاول���ة تخدم ق�ضية التنمية �أو ق�ضية التطوير‬ ‫�أو ق�ضية خلق الوظائف لل�شبان‪ ،‬هذا الأمر حتى‬ ‫الثمانيني���ات كان يقابل بفك���ر ا�شرتاكي �أو بفكر‬ ‫ر�أ�سم���ايل �أو �إع���ادة هيكلة االقت�ص���اد وحتريره‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪157‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫بال مواربة‬

‫�أو ما ي�سم���ى عملية التحري���ر االقت�صادي‪ ،‬كلها‬ ‫هذه تب���دو الآن بل ومنذ ع�ش���ر �سنوات عالجات‬ ‫فا�شلة‪ .‬فاملنطقة العربية من �أقل املناطق تطور ًا‬ ‫ومنو ًا يف العامل وال ي�ضاهيها يف ذلك �إال �أفريقيا‬ ‫ال�صح���راء‪ ،‬رغ���م �أن امل���وارد �أح�س���ن بكثري من‬ ‫بع�ض الأقطار الأفريقية �أو الآ�سيوية الفقرية‪.‬‬ ‫كل ه���ذا يجع���ل الفك���ر ال�سيا�س���ي مت�أزم���اً‪،‬‬ ‫لأنه ي���دور يف ف���راغ‪ ،‬ويدور يف ف�ض���اء‪ .‬فالكالم‬ ‫عن الدول���ة املدني���ة‪ ،‬وع���ن الدميقراطية‪ ،‬وعن‬ ‫امل�ؤ�س�سات‪ ،‬وع���ن امل�شاركة‪ ،‬وحت���ى عن املجتمع‬ ‫امل���دين‪ -‬كل���ه يبدو كالم��� ًا وهمي���اً‪ ،‬لأن���ه لي�ست‬ ‫هن���اك �ضمان���ات لأي �شيء‪ ،‬وهذا ه���و �سبب من‬ ‫�أ�سباب بق���اء الإ�س�ل�ام ال�سيا�س���ي‪ ،‬لأنه ظاهرة‬ ‫احتجاجي���ة‪ .‬فمهم���ا كان‪ ،‬ه����ؤالء النا����س لي�سوا‬ ‫�سارقني‪ ،‬وذممه���م املالية تبدو �صاحلة وح�سنة‪،‬‬ ‫و�سلوكه���م م�ستقيم‪ ،‬ويف غال���ب الأحيان �صاروا‬ ‫الآن م�ساملني‪ .‬ومما ي�ؤزم الفكر ال�سيا�سي العربي‬ ‫والإ�سالمي �أكرث‪� ،‬أنه لي�ست هناك نخب �سيا�سية‬ ‫مُفكّ���رة كبرية تطرح م�شروعاً‪� ،‬أ�ساتذة جامعيني‬ ‫ومثقف�ي�ن‪� ،‬أو �أحزاب �سيا�سي���ة حمرتمة لها فكر‬ ‫�سيا�سي يعمل على مديات متطاولة‪.‬‬ ‫فمن جه���ة‪� ،‬سوء ت�صرف الدولة طوال �أربعني‬ ‫�سنة‪ ،‬ومن جهة �أخرى تهمي�ش الثقافة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وهجرة النا����س اجليدين‪ .‬فال من ناحية النخب‬ ‫ال�سيا�سي���ة‪ ،‬وال من ناحية النخب الأكادميية‪ ،‬وال‬ ‫من ناحية الأحزاب‪ ،‬يب���دو الأمر جيداً‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫�أج���ل هن���اك �أزم���ة تتزاي���د يف الفك���ر ال�سيا�سي‬ ‫الإ�سالم���ي‪ .‬والطريف فيها �أن���ه ما عادت هناك‬ ‫�شع���ارات كربى يقول به���ا �أحد؛ ف�ل�ا �أحد يقول‬ ‫بالدميقراطي���ة‪ ،‬وال �أح���د يق���ول باحلاكمي���ة ‪-‬‬ ‫كلها انتهت‪� .‬إمن���ا ك�أن النا�س متعبون‪ ،‬ينتظرون‬ ‫ه���ذا احلاك���م �أو ذاك حت���ى مي���وت‪ ،‬و�أحواله���م‬ ‫م�ضطرب���ة‪ ،‬والتنمي���ة �ضئيل���ة‪ ،‬واال�ستقرار غري‬ ‫مُتحقّ���ق‪ ،‬و�إ�سرائيل تتعملق‪ ،‬وح���ركات التحرير‬ ‫مث���ل �إ�سرائي���ل تري���د حتري���ر فل�سط�ي�ن وتنتهي‬ ‫باحت�ل�ال مدنن���ا يف غزة ويف ب�ي�روت ويف بغداد‬ ‫ويف ال�صوم���ال‪ ،‬ويف كل م���كان‪ .‬ف���كل احلركات‬ ‫الإ�سالمية الثورية التحريرية تعجز عن مواجهة‬ ‫�إ�سرائي���ل‪ ،‬ولذلك فهي تنقلب �إىل الداخل رافع ًة‬ ‫�شعار «لنق�ضي على �أ�صدقاء �إ�سرائيل يف الداخل‬ ‫�أوالً»‪ .‬هك���ذا كان يق���ول الثوري���ون العرب‪ ،‬هكذا‬ ‫قال �أبو اياد �أنه كان يريد �أن يحرر فل�سطني بدء ًا‬ ‫م���ن مدينة جونيه‪ ،‬والتي كانت رمز ًا للم�سيحيني‬ ‫يف احلرب الأهلية اللبنانية‪.‬‬ ‫فاملوق���ف �شدي���د التوت���ر‪ ،‬لأن���ه لي�س���ت هناك‬ ‫‪158‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ناف���ذة‪ ،‬ال ل���دى احلكومات‪ ،‬وال ل���دى احلركات‬ ‫الثوري���ة‪ ،‬وال ل���دى جماع���ات املجتم���ع امل���دين‬ ‫والدميقراطي���ة‪ ،‬وال ل���دى الأح���زاب‪ .‬فالو�ض���ع‬ ‫مُتخ�ّث�رّ وي�شبه امل�ستنقع‪� ،‬إذ لي�س له ثبات‪ ،‬ولي�س‬ ‫ل���ه مكان �صل���ب ت�ضع ي���دك عليه‪ ،‬حت���ى لو كان‬ ‫رجعي��� ًا ولكنه���ا رجعي���ة �صلبة عندها م���ا تقوله‪،‬‬ ‫وعنده���ا ما تفعله‪ .‬حتى الرجعي���ة لي�ست �صلبة‪،‬‬ ‫والر�أ�سمالي���ة لي�س���ت �صلب���ة‪ ،‬واملارك�سية لي�ست‬ ‫�صلبة‪ ،‬والإ�سالمية لي�ست �صلبة‪.‬‬ ‫�أال يقودن��ا حديث��ك ه��ذا �إىل �أننا بتنا‬ ‫نعي���ش مرحلة انعدام الأم��ل؟ هل تعتقد‬ ‫�أن هناك �إمكانية للخروج من هذا النفق‪،‬‬ ‫وهل هن��اك خمرج واقعي ميك��ن �أن يقود‬ ‫النا�س �إىل جتاوز هذه الأزمة ال�شديدة؟‬ ‫نعم‪ .‬بالت�صرّف العادي‪ ،‬وبالدولة العادية‪.‬‬ ‫كيف؟‬ ‫مث�ل�اً ‪ ،‬م���اذا ينق����ص �سورية‪ ،‬وهي بل���د مُنتج‬ ‫وحم�ت�رم‪ ،‬اقت�ص���اده الآن ي�سري نح���و النهو�ض‪،‬‬

‫«القاع��دة» والعنيف��ون فقدوا‬ ‫�أمله��م يف الو�صول �إىل ال�سلطة‬ ‫واحلك��م‪ ,‬فه��م لي�س��وا �أ�صحاب‬ ‫م�شروع حت��ى ي�ستولوا على بلد‬ ‫ليحكموه‬ ‫ملاذا يكون الرئي����س مخُ لّداً؟ فليَجرِ التداول على‬ ‫ال�سلط���ة‪ ،‬ويك���ون فيها برملان حم�ت�رم‪ ،‬ومت�ضي‬ ‫الأم���ور ب�شكل طبيعي‪ .‬واحلم���د هلل لي�س عندهم‬ ‫انق�س���ام �شعب���ي‪ ،‬فكلهم ع���رب وقومي���ون عرب‬ ‫بعك����س لبن���ان؛ فعندن���ا م�شكل���ة هوي���ة وعندن���ا‬ ‫ع�شرات امل�ش���اكل‪ ،‬وعندنا ن�ص���ف دميقراطية‪.‬‬ ‫�سوري���ة وم�ص���ر و�ضعهم���ا �أ�سه���ل بكث�ي�ر‪ ،‬فهما‬ ‫جمتمعان �ضخم���ان‪ .‬العراق عنده م�شكلة‪ ,‬بينما‬ ‫�سوري���ة لي�ست عندها م�شكل���ة‪ ،‬وال م�صر عندها‬ ‫م�شكل���ة‪ ،‬وال تون����س عندها م�شكل���ة يف �أن تتحول‬ ‫�إىل جمتم���ع �سيا�س���ي عادي‪ .‬امل�شكل���ة احلقيقية‬ ‫تكمن يف �إرادة الهيمنة وال�سيطرة على النا�س‪.‬‬ ‫ه��ذا م��ا يخ���ص الأنظم��ة اجلمهورية‪،‬‬ ‫ماذا عن الأنظمة امللكية؟‬ ‫الأنظمة امللكية تتقدم بُخطىً �أف�ضل‪.‬‬

‫هل هذه مفارقة؟‬ ‫ه���ذه مفارقة‪� .‬أوالً‪ ،‬عنده���ا ا�ستقرار �أف�ضل‪.‬‬ ‫انظ���ر النظام امللكي املغرب���ي عنده خطة تنموية‬ ‫هائل���ة‪ .‬والنظام الأردين امللكي لوال وجود امللكية‬ ‫رمبا زالت الأردن؛ فهناك جمموعة من الت�سويات‬ ‫وو�ض���ع ا�سرتاتيجي �صعب بني �سورية و�إ�سرائيل‪,‬‬ ‫و�أكرث م���ن ن�صف ال�سكان فل�سطينيو الأ�صل‪� .‬أما‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬وبرغم �أنها دولة غنية‬ ‫لكنه���ا متتلك خط���ة تنموية هائل���ة‪ ,‬وامل�ؤ�س�سات‬ ‫فيها ترت�سخ‪ .‬واحلقيقة �أن ال�سعودية هي املجتمع‬ ‫ال�سيا�س���ي العربي الوحيد ال���ذي هناك فرق بني‬ ‫الدي���ن والدولة فيه؛ فامللك ي�أمر رجال الدين �أال‬ ‫يت�ص���دى للإفت���اء �سوى فئة معين���ة (منهم)‪ ،‬من‬ ‫يج���ر�ؤ يف اليمن �أو حت���ى يف �سورية على �أن يقول‬ ‫ذلك؟ �أن متنع رجل دين �أن يُفتي‪.‬‬ ‫ه��ل ه��ذا بحك��م التحال��ف القائم بني‬ ‫الديني وال�سيا�سي يف اململكة؟‬ ‫ثنائي���ة ال�شيخ والأمري م�س�ألة قدمية‪ .‬ولكن ما‬ ‫هو مالحظ الي���وم �أن الدول���ة (ال�سعودية) قوية‪،‬‬ ‫وم�ؤ�س�ساته���ا قوي���ة‪ ،‬وتتج���ه نح���و التنمي���ة‪ ,‬كان‬ ‫ممك���ن �أن تتجه نح���و التنمية ب�ش���كل �أكرب وقبل‬ ‫الآن‪ ،‬وعندهم حركة انفت���اح هائلة‪ ،‬و�أنا �أح�ضر‬ ‫معر�ض الكت���اب يف الريا����ض‪ ..‬اهلل �أكرب‪ ..‬جتد‬ ‫�أحده���م وحليته حتى �أ�سفل بطنه يحكي لك عن‬ ‫فوكو‪ ،‬وع���ن الفل�سفة احلديثة‪ ،‬وع���ن الإ�صالح‪.‬‬ ‫يقرئ���ون كثرياً‪ ،‬وتدخ���ل كل الكت���ب �إليهم‪� .‬إنهم‬ ‫لي�س���وا جمتمع ًا مثالي��� ًا طبعاً‪ ،‬وعنده���م م�شاكل‬ ‫كثرية‪.‬‬ ‫يق��ال �إنه��م منفتح�ين عل��ى «الآخ��ر‬ ‫الغربي» �أكرث م��ن «الآخر املحلي» �إن جاز‬ ‫التعبري‪ ،‬هل هذه م�شكلة؟‬ ‫هذا �أمر ممك���ن‪� .‬أنا لي�س عندي م�شكلة؛ ف�أنا‬ ‫حمب���وب يف اململك���ة م���ن ال�شعب وم���ن الأمراء‪،‬‬ ‫ولكني �أعرف �أن عنده���م ح�سا�سيات �ضد بع�ض‬ ‫اجلن�سيات‪ .‬ففي اجتماعاتهم‪ ،‬ودون �أن ينتبهوا‪،‬‬ ‫يقولون �أ�شياء ت�ستطيع �أن حت�س من وراءها ب�أنهم‬ ‫متح ِفّظون �أحياناً‪ ،‬وم�شكالتهم كربى ال تقل عن‬ ‫م�ش���كالت الع���رب الآخري���ن‪ .‬لكن ميك���ن القول‬ ‫�إنه عن���د املقارنة ب�ي�ن امللكي���ات واجلمهوريات‪،‬‬ ‫يبدو �أمر امللكي���ات �أف�ضل من �أمر اجلمهوريات‪،‬‬ ‫خ�صو�ص��� ًا و�أن بع�ض اجلمهوري���ات �أخذت تتجه‬ ‫نح���و التوريث يف احلكم‪� ،‬أي �أنها تريد �أن تتحول‬ ‫�إىل ممالك مزيفة‪.‬‬

‫ه��ذا الو�ض��ع العرب��ي و�أزم��ة الفك��ر‬ ‫ال�سيا�سي القائمة فيه ينقالنا �إىل تدار�س‬ ‫والبح��ث يف جت��ارب الق��وى املحيط��ة من‬ ‫حولنا‪ ،‬وبالت�أكيد ت�أتي التجربة الرتكية‬ ‫يف املقدم��ة‪ .‬م��ا ه��و تقييم��ك للتجرب��ة‬ ‫الرتكية يف الإ�ص�لاح ال�سيا�سي والديني؟‬ ‫ه��ل تعتق��د �أن الإ�سالمي�ين هن��اك باتوا‬ ‫ي�شكل��ون منوذج ًا �صاحل�� ًا ميكن االحتذاء‬ ‫به يف عاملنا العربي‪ ،‬ال�سيما من قبل كربى‬ ‫اجلماعات الإ�سالمية املُ�سيّ�سة؟‬ ‫يف احلقيق���ة �أن لدين���ا عدة من���اذج للإ�سالم‬ ‫ال�سيا�س���ي‪ ،‬فهن���اك النموذج الإي���راين‪ ،‬وهناك‬ ‫النم���وذج الإخ���واين ال���ذي ب���د�أ ج���زء من���ه يف‬ ‫ال�س���ودان‪ ،‬وهناك النموذج ال�سع���ودي للإ�سالم‬ ‫التقليدي‪ ،‬ولدينا بالطب���ع النموذج الرتكي‪ ،‬كما‬ ‫�أن الأمريكي�ي�ن يتحدثون عن النم���وذج الآ�سيوي‬ ‫ويق�صدون به ماليزيا و�إندوني�سيا‪ .‬طبع ًا ال�شباب‬ ‫مييل���ون �إىل النموذج الرتكي‪ ،‬وهذا �صنعته دولة‬ ‫علماني���ة عنيف���ة‪ .‬و�أن���ا �أرى �أن الأت���راك جنحوا‬ ‫مبدئي��� ًا يف عمل �صيغة تقوم على �أن تكون الدولة‬ ‫علمانية و�أن يكون النظام �إ�سالمياً‪.‬‬ ‫�أهذه ال�صيغة فريدة من نوعها؟‬ ‫بالفعل هي �صيغة فريدة من نوعها يف العامل‪،‬‬ ‫وطبع ًا يف العامل الإ�سالمي �أي�ضاً‪.‬‬

‫ف�إنك ت�صل �إىل ال�سلطة �أو ت�شارك فيها»‪.‬‬ ‫�إمن���ا لي����س ه���ذا �أه���م م���ا ت�ؤث���ر في���ه تركيا‬ ‫فين���ا‪ ،‬ف�أهم م���ا ت�ؤثر فيه تركيا فين���ا هو الو�ضع‬ ‫اال�سرتاتيج���ي‪� .‬إن �إي���ران والإ�س�ل�ام الث���وري‬ ‫مُتحالف�ي�ن يف مواجهة �إ�سرائي���ل‪ ،‬وال يرون ح ًال‬ ‫�إال احل���رب والكفاح والقت���ال والن�ضال‪ .‬الأنظمة‬ ‫العربية تق���ول مبا ي�سمى الت�سوي���ة ال�سلمية التي‬ ‫مل تنجح حت���ى الآن ولي�ست له���ا �شعبية‪� ,‬إمنا يف‬ ‫احلقيق���ة الإ�س�ل�ام الث���وري الذي ي�ستظ���ل الآن‬ ‫ب�إي���ران و�أب���رز مظاه���ره ح���زب اهلل يف لبن���ان‬ ‫وحما����س يف غ���زة‪� ،‬أي�ض��� ًا ال ميل���ك ح�ل�اً حت���ى‬ ‫بالقت���ال‪ ,‬ف���الآن �أق�صى ما يقوله ح���زب اهلل �أنه‬ ‫ق���وة رادع���ة «�إذا هاجمتنا �إ�سرائي���ل نردعهم»‪.‬‬ ‫�إذن حترير فل�سطني �أين؟ تبخّ ر الهدف‪.‬‬ ‫تركي���ا تعر����ض منوذج ًا �آخ���ر‪ ،‬تق���ول بت�سوية‬ ‫عادل���ة‪ ،‬وهي من���وذج لدعم �سوري���ة ودعم لبنان‬ ‫ودع���م الفل�سطينيني من �أجل ال�س�ل�ام ومقاومة‬ ‫�إ�سرائي���ل ولكن �سلمي ًا ولي����س باحلرب وال�سالح‬ ‫(كم���ا يف حالة ال�سفين���ة التي بعثته���ا تركيا �إىل‬ ‫غ���زة‪ ،‬وامل�سم���اة «�أ�سط���ول احلري���ة»)‪ ،‬من �أجل‬ ‫حل عادل بال�ضغ���وط الدبلوما�سية‬ ‫الو�ص���ول �إىل ٍ ّ‬ ‫والإقليمية والدولية والقان���ون الدويل وال�صراخ‬ ‫‪� ..‬إل���خ‪ ،‬وال���ذي ال يبل���غ درج���ة العن���ف‪ .‬هذا هو‬

‫�أمل متج���دد عملته لن���ا تركي���ا يف الت�سوية‪ ،‬ويف‬ ‫�إمكان���ه الو�صول �إىل �شيء م���ن طريق �إجراءات‬ ‫غ�ي�ر عنيفة‪ .‬مل يكن هناك من���وذج �آخر �أف�ضل‪،‬‬ ‫فال���دول العربية مل ميكن اتخاذها منوذج ًا لأنها‬ ‫دول �ضعيف���ة‪ ،‬فالت�سوي���ة �إذا قام���ت به���ا الدول‬ ‫العربي���ة ‪ -‬واملبادرة العربي���ة لل�سالم موجودة ‪-‬‬ ‫ال يحرتمونه���ا‪ ,‬حتى رغبتنا ال�سلمية ال يحرتمها‬ ‫�أح���د‪ .‬مل���اذا؟ لأنه���م يعرف���ون �أن جمهورنا لي�س‬ ‫كذل���ك‪ ,‬جمهورن���ا م���ع العنيف�ي�ن‪ ،‬لأن���ه يائ�س‪.‬‬ ‫فرتكيا بهذا الو�ض���ع اال�سرتاتيجي عملت توازن ًا‬ ‫م���ع �إي���ران‪ ،‬ف�أع���ادت الت���وازن �إىل امل�سائل التي‬ ‫ال تخ����ص الت�سوي���ة فقط بل وا�ستق���رار الأنظمة‬ ‫�أي�ضاً‪ ،‬وبالذات النظام ال�سوري‪ ،‬وميكن �أن ت�ؤثر‬ ‫�إيجاب ًا يف اال�ستقرار بالعراق‪.‬‬ ‫يعني ذل��ك �أن دورها مرحب�� ًا به‪� ،‬سواءً‬ ‫من قبل الأنظمة �أو من قبل ال�شعوب؟‬ ‫نعم‪.‬‬ ‫ولك��ن هل هن��اك �أفق �أي�ض�� ًا لتمثّل هذا‬ ‫النم��وذج؟ �أو بعبارة �أخ��رى هل تعتقد �أن‬ ‫العامل العربي ي�ستطي��ع متثّله وعلى نح ٍو‬ ‫مينعه من االجنرار خلف النموذج الثوري‬ ‫(الإيراين) مثالً؟‬

‫وهل �ست�ستمر هذه ال�صيغة بر�أيك؟‬ ‫�أعتق���د ب�أنه���ا �ست�ستمر‪ ،‬لأنه حت���ى لو خ�سروا‬ ‫االنتخاب���ات �سيظل���ون فاعل�ي�ن وم�ؤثري���ن يف‬ ‫ال�سيا�س���ة‪ ،‬والغ���رب يري���د تركيا م�ستق���رة لأنها‬ ‫على �أبوابه‪ ،‬ويريد منوذج ًا مثل النموذج الرتكي‬ ‫يحتذي به العامل الإ�سالم���ي‪ .‬طبع ًا هم يُح ِبّذون‬ ‫النموذج الإندوني�سي‪ ،‬ولكن �إندوني�سيا بعيدة عن‬ ‫العامل العربي‪.‬‬ ‫لك��ن‪ ،‬عملي��اً‪ ،‬ه��ل تعتق��د �أن النم��وذج‬ ‫الرتكي ميكن متثّله يف العامل العربي؟‬ ‫ال‪� .‬أعتق���د �أنه من غري املُمك���ن متثّل النموذج‬ ‫الرتكي يف العامل العربي‪� ،‬إن ذلك ممكن جزئي ًا‬ ‫فقط‪ .‬فهو قد ا�ستطاع �أن يُثبِت للإ�سالم العربي‪،‬‬ ‫وللإ�سالميني العرب‪� ،‬أنه ال حتتاج �أن تكون عنيف ًا‬ ‫حتى ت�ستطي���ع امل�شاركة يف ال�سلط���ة �أو �أن ت�صل‬ ‫�إىل ال�سلط���ة‪ .‬لقد تعذّب ه����ؤالء الإ�سالميون يف‬ ‫تركيا‪ ،‬ولكنه���م مل يقابلوا العنف بالعنف‪ ،‬طوال‬ ‫ع�شري���ن �أو ثالث�ي�ن �سنة‪ ،‬ث���م و�صل���وا‪« .‬فيا �أيها‬ ‫امل�سلم العربي اعتدل‪ .‬اعتنق الطروحات املدنية‪،‬‬

‫الإ�سالم ال�سيا�سي يف العامل العربي مهتم بال�سيطرة على احلياة اخلا�صة‬ ‫والعامة �أكرث من اهتمامه بق�ضية فل�سطني‪ .‬انظر كيف حتولوا �إىل �سلطة‬ ‫حملية �سخيفة و�صغرية يف غزة وانتهى الأمر!‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪159‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫بال مواربة‬

‫ال‪ .‬نحن ما نطم���ح �إليه هو �إقامة دولة قانون‪،‬‬ ‫وه���ذا م���ا هو موج���ود يف تركي���ا ولكن م���ن دون‬ ‫تلوين �إ�سالمي‪ .‬يف تركيا الآن دولة قانون بتلوين‬ ‫�إ�سالم���ي‪ .‬ونح���ن ال نطم���ح �إىل من���وذج مطابق‬ ‫متام���اً‪ ,‬فو�ضعن���ا خمتلف ع���ن و�ض���ع الأتراك‪.‬‬ ‫كل م���ا يف الأم���ر يف ه���ذا النم���وذج �أن���ه منوذج‬ ‫منفت���ح‪ ،‬ويفت���ح �إمكاني���ات‪ ،‬ويفتح �آفاق���اً‪ ،‬حتى‬ ‫على امل�ستوى اال�سرتاتيج���ي كما قلت‪ ،‬حتى على‬ ‫م�ست���وى العالقة مع �أوروبا‪ ,‬انظر كيف ينا�ضلون‬ ‫بطريقة خفية ولكنها دءوبة للدخول �إىل االحتاد‬ ‫الأوروبي‪ .‬ف�سلوك الدولة الرتكية ميكن �أن يكون‬ ‫منوذج��� ًا لدولة مثل م�صر �أو مث���ل املغرب‪ ،‬لي�س‬ ‫بتقلي���ده يف النظ���ام الداخل���ي �أو يف ال�سيا�س���ات‬ ‫ولك���ن بطريق���ة التفك�ي�ر‪ ،‬بالعم���ل عل���ى امل���دى‬ ‫الطوي���ل‪ ،‬باعتب���ار الإ�سالم لي�س بعبع���اً‪� ،‬إنه من‬ ‫املمكن �أن تكون م�سلم ًا وعلماني ًا يف الوقت نف�سه‪.‬‬ ‫ه���ذه الأمور العامة‪ ،‬فنحن ل�سنا مُطالبني بتقليد‬ ‫النم���وذج الرتكي تقليد ًا بحذاف�ي�ره «حذو القذة‬ ‫بالق���ذة» كم���ا ج���اء يف احلدي���ث النب���وي‪ ،‬مثلما‬ ‫يطل���ب الإيرانيون من �أتباعه���م‪� ،‬إنه عليك ‪� -‬إن‬ ‫كنت �شيعياً‪� -‬أن تكون من جماعة والية الفقيه‪.‬‬ ‫ه��ذا يقودن��ا �إىل ال�س���ؤال التايل‪ :‬ماذا‬ ‫ب�ش���أن النم��وذج الإ�سالم��ي الإي��راين يف‬ ‫احلك��م وال�سيا�سة‪ ،‬كيف تنظ��ر �إليه بعد‬ ‫ما يناهز ‪ 30‬عام ًا من قيامه؟‬ ‫ما ت���زال �أكرثية ال�شعب الإي���راين مع النظام‬ ‫املوج���ود هن���اك‪ ،‬ولكن���ه يع���اين م���ن م�ش���كالت‬ ‫�شدي���دة بع�ضه���ا ب�سب���ب بنيت���ه وبع�ضه���ا ب�سبب‬ ‫احل�ص���ار الغربي عليه‪ ،‬وهو نظ���ام �شعبي �أقامه‬ ‫ال�شع���ب الإي���راين احلقيق���ة‪ ،‬يف ث���ورة ‪– 1978‬‬ ‫‪ ،1979‬ولي����س له ذنب كب�ي�ر يف احلرب العراقية‬ ‫– الإيراني���ة‪ .‬لكن فيما عدا ذلك‪ ،‬نعم النظام‬ ‫م�س����ؤول عن �سيا�سات���ه الداخلية وع���ن �سيا�سته‬ ‫الإقليمي���ة‪ .‬فم���ا الداع���ي له���ذا الن�ش���ر الهائ���ل‬ ‫للنفوذ‪ ،‬باملال‪ ،‬وبالفك���ر‪ ،‬فيمن حولك يف العامل‬ ‫العربي والإ�سالم���ي‪ ،‬ويف �آ�سيا الو�سطى‪ .‬النزوع‬ ‫اال�ستف���زازي ه���ذا كل الوق���ت‪ ،‬و�أن���ك على حق‬ ‫مطلق وغريك باطل‪� ،‬أم���ا م�س�ألة طبيعة النظام‬ ‫وك���ذا‪ ،‬ف�إن ه���ذه الطبيعة ال ت�ص���ح يف �أي نظام‬ ‫�آخر‪� ،‬إذ �أنها م�ستمدة من جوهر املذهب ال�شيعي‬ ‫ال���ذي هو تقلي���د الفقي���ه الأعلى‪ ،‬وه���م عمومها‬ ‫الآن ف�ص���ارت واليته عامة‪ .‬ولذل���ك هذه م�س�ألة‬ ‫مذهبية‪ ،‬لي����س من حقنا احلك���م عليها �إذا كان‬ ‫ال�شعب الإيراين ق���د اختارها‪ .‬الذي �أقوله �إنه ال‬ ‫‪160‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ي�ش���كل منوذج ًا لأحد‪ ،‬وحتى لل�شيعة خارج �إيران‬ ‫ال ي�شكل منوذجاً‪ .‬بل �إنه قد �أ�ض ّر بال�شيعة‪ ،‬حيث‬ ‫ق�س���م جمتمعاتن���ا يف الكوي���ت‪ ،‬يف البحرين‪ ،‬يف‬ ‫لبن���ان‪ ،‬ولأهداف خا�ص ًة به ه���و‪ ،‬ولي�س لأهداف‬ ‫تتعل���ق (بال�شيع���ة الع���رب)‪ .‬فال�شيع���ة الكويتيون‬ ‫لي�سوا مظلومني‪ ،‬وكذا ال�شيع���ة اللبنانيون لي�سوا‬ ‫مظلوم�ي�ن‪ .‬ويف كل بلد عرب���ي يعمل م�شكلة معه‪،‬‬ ‫ففي اليم���ن �شجّ ع على انق�سام البلد‪ .‬ما �أق�صده‬ ‫�أنني ل�ست �ضد النظام الإي���راين �شخ�صياً‪ ،‬و�أنا‬ ‫�أرى �أن���ه نظام �أقامه ال�شع���ب الإيراين وما تزال‬ ‫�أكرثي���ة ال�شعب الإي���راين ت�ؤيده‪ ،‬لك���ن �سيا�سات‬ ‫هذا النظام جتاه العامل العربي لي�ست �سيا�سات‬ ‫�سليم���ة وال �سلميّ���ة‪ .‬مل �أ َر �أن الأت���راك ين�ش���رون‬ ‫مذهبهم لدينا‪ ,‬ال علمانيتهم وال �إ�سالمهم‪.‬‬ ‫لك��ن �أغلبي��ة ال�شع��ب الإي��راين تب��دو‬ ‫م�سان��دة للنظ��ام‪ ،‬هل ه��ذا ب�سب��ب �ضعف‬ ‫البدائ��ل �أو غيابه��ا �أم ب�سب��ب طبيع��ة‬ ‫املجتمع هناك؟‬ ‫لل�سبب�ي�ن مع���اً‪ .‬الآن �صار عنده���م معار�ضة‪،‬‬

‫عالق��ة امل�سلم�ين بالغ��رب مل‬ ‫تف�س��د ب�سب��ب الأيديولوجي��ات‬ ‫التي طوّرها الإخ��وان‪ ,‬بل ف�سدت‬ ‫ب�سبب الأفع��ال الأمريكية‪� ،‬سواء‬ ‫يف ح��رب اخلليج بعد غزو العراق‬ ‫للكوي��ت �أو بع��د �إغ��ارة القاع��دة‬ ‫على الواليات املتحدة �سنة ‪2001‬‬ ‫فهن���اك مو�سوي ومه���دي كروب���ي وخامتي‪ ،‬وقد‬ ‫�صار عندهم تيار �إ�صالحي‪ .‬و�أنا �شخ�صي ًا ل�ست‬ ‫�ض���د الن���ووي الإي���راين‪� ،‬س���واء كان ع�سكري ًا �أو‬ ‫مدنياً‪ ،‬ولكنني مزعوج من ‪...‬‬ ‫(مقاطع�� ًا) لك��ن البع���ض اتهم��ك �أن��ك‬ ‫يف مرحل��ة م��ا خرج��ت م��ن �إط��ار الفكر‪،‬‬ ‫و�ساهم��ت يف بع���ض كتابات��ك يف ت�أجي��ج‬ ‫ال�شح��ن الطائف��ي ب�ين ال�سن��ة وال�شيعة‪،‬‬ ‫وب�ين الإيرانيني والع��رب‪ ،‬وحتديد ًا بعد‬ ‫اغتيال رفيق احلريري؟‬ ‫كان���وا ال يريدون ال�سماح لنا ب�أن نعمل حمكمة‬ ‫ملحاكمة القتلة‪ ،‬و�صاروا كل يوم يقتلون منّا �أحداً‪.‬‬ ‫فه���م الذين ب���دءوا‪ ،‬و�أنا ما كتب���ت �شيئ ًا وذكرت‬ ‫البع���د املذهبي للم�س�أل���ة �إال بع���د ‪ ،2007‬ما قبل‬ ‫ذلك كنا مخُ تلفني يف ال�سيا�سة‪ :‬على ت�سيري �أمور‬

‫الدولة بعد مقت���ل احلريري‪ ،‬وهل يجوز �أن نعمل‬ ‫حمكم���ة دولية ما دام الق�ض���اء اللبناين عاجزاً‪.‬‬ ‫وقد ت���واىل علينا القت���ل‪ ،‬وقتل���وا ع�شرين واحد ًا‬ ‫م���ن كبار النا����س‪ ،‬م���اذا نفعل؟ جننون���ا‪ ،‬ونحن‬ ‫كل الوق���ت كنّا متوجهني �ضد �سورية‪ ،‬ولي�س �ضد‬ ‫حزب اهلل ثم وجدنا احلزب يحتل بريوت‪.‬‬ ‫لقد راقب���ت املنطقة‪ ،‬فوجدت ماذا يفعلون يف‬ ‫العراق‪ ،‬وماذا يفعلون يف لبنان‪ ,‬وماذا يفعلون يف‬ ‫البحرين والكويت‪ ,‬وماذا يفعلون يف غزة‪ .‬وجدت‬ ‫�أن هن���اك اجتاه ًا �إيراني��� ًا لن�شر النفوذ يف غرب‬ ‫الفرات‪ ،‬و�أن هذا يت�سب���ب يف تق�سيم جمتمعاتنا‬ ‫وين�ش���ر اال�ضطراب فيه���ا‪ ،‬ويعر�ض حلو ًال وهمية‬ ‫للم�ش���كالت؛ فال والي���ة الفقيه حت���ل م�شكالتنا‪،‬‬ ‫وال «منطه���م» يف الكفاح يُحرر فل�سطني‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫�صحي���ح �أن���ا وقفت �ضده���م‪ .‬فعندما ب���د�أ بع�ض‬ ‫ال ُكتّ���اب ي�سبوننا مذهبي���اً‪ ،‬ويقول���ون «�إن ال�سنّة‬ ‫رجعيني»‪ ،‬و«�أنهم مع �إ�سرائيل»‪( ,‬ت�صديت لهم)؛‬ ‫ال�سن���ة يف لبنان‬ ‫ف�أن���ا ع���امل �سُ ِنّ���ي‪ ،‬و�أك ُرث �أه���ل ُّ‬ ‫قدرة عل���ى الكتابة والتعبري‪ ،‬وعندم���ا ُقتِل رفيق‬ ‫احلري���ري ولي����س لدين���ا زعي���م بعده ج���اء وليد‬ ‫جنب�ل�اط وتزعّ من���ا‪ ،‬وكان البد حت���ى تظل هذه‬ ‫اجلماع���ة مجُ تمِ ع���ة �أو متما�سك���ة ‪ -‬قب���ل م�س�ألة‬ ‫اخل�ل�اف م���ع ح���زب اهلل ‪� -‬أن يك���ون لن���ا ل�سا ٌن‬ ‫خا����ص بنا‪ ،‬وعق ٌل‬ ‫خا�ص بن���ا‪ ،‬و�أن يكون لنا قل ٌم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫خا�ص بنا‪ ،‬ولي�س هناك غ�ي�ري‪ .‬ولذلك‪� ،‬صاروا‬ ‫ٌ‬ ‫يقول���ون «�أنت �س ِنّي» وخالفه؛ فماذا �أفعل؟ هكذا‬ ‫ولِدتُ ‪.‬‬ ‫يف ه��ذا الإط��ار‪ ،‬وقب��ل �أن نخت��م ه��ذا‬ ‫املح��ور‪ ،‬ظه��رت م�ؤخ��ر ًا ت�سريب��ات ب�أن��ه‬ ‫�سي�ص��در قرار ظني م��ن املحكمة الدولية‬ ‫يق�ضي باتهام عنا�صر «غري من�ضبطة» من‬ ‫ح��زب اهلل باغتي��ال احلري��ري‪ .‬يف حال‬ ‫�ص��دور مث��ل هذا الق��رار‪ ،‬كي��ف �سينعك�س‬ ‫ذلك على الداخل اللبناين؟‬ ‫احل���ق �أنن���ا ال نعرف فع�ل�اً ‪ .‬فنح���ن ال نعرف‬ ‫طبيع���ة القرار �إال م���ا ذكره املقال ال���ذي ن�شرته‬ ‫جري���دة «الدير �شبيجل» الأملانية‪ ،‬ما عدا ذلك ال‬ ‫نعرف �شيئاً‪ .‬لكنهم – �أي الإيرانيني وحزب اهلل‬ ‫ يبدون مت�أكدين �أنهم ُمتّهمون يف القرار‪.‬‬‫ولك��ن ال�صح��ف كتب��ت �أن ال�شي��خ �سعد‬ ‫احلري��ري زار ال�سي��د ح�س��ن ن�ص��ر اهلل‪،‬‬ ‫و�أخ�بره ب���أن هن��اك ق��رار ًا �سي�ص��در م��ن‬ ‫املحكم��ة الدولي��ة باته��ام عنا�ص��ر «غري‬ ‫من�ضبطة» من حزب اهلل باغتيال والده؟‬

‫مل يق���ل ذلك‪ ،‬ب���ل قال ل���ه «�أي ًا تك���ن ال�شائعة‬ ‫ينبغ���ي �أن نحر����ص قب���ل �ص���دور الق���رار وبعده‬ ‫عل���ى عدم ح�صول فتن���ة‪ ،‬و�أن نبق���ى على وحدة‬ ‫امل�سلم�ي�ن‪ ،‬ووحدة اللبنانيني مقدمة على كل �أمرٍ‬ ‫�آخ���ر وعل���ى �أي اعتب���ار»‪ ،‬دون �أن يق���ول ما قاله‬ ‫ح�س���ن ن�صر اهلل‪ ،‬و�أنا مت�أكد من ذلك‪ .‬هذا غري‬ ‫مهم‪ ،‬امله���م �أننا ال منلك مقدم���ات‪ ،‬فاملقدمات‬ ‫متلكها املحكمة‪ ،‬وال ن�ستطيع الت�أثري عليها‪ .‬نحن‬ ‫منل���ك النتائ���ج‪� :‬أن نتجنّب �أي ًا يك���ن القرار فتنة‬ ‫�سني���ة – �شيعية‪ ،‬فهذا �أم���ر تعلّمناه وال ميكن �أن‬ ‫نتورط في���ه‪ .‬نحن ل�سنا يف الع���راق‪ ,‬واحلمد هلل‬ ‫لي�س عندنا القاعدة كما هي القاعدة عند ال�سنّة‬ ‫يف الع���راق‪ .‬الأمر الث���اين‪� ،‬أن هذا البلد ال بد �أن‬ ‫يُدار بحكوم���ة‪ ،‬و�إذن فنحن لن ن�سمح بالقرار ‪-‬‬ ‫ُفكّك احلكوم���ة اللبنانية‬ ‫�أي��� ًا تكن طبيعت���ه‪� -‬أن ي ِ‬ ‫ع���ن طريق �أن ين�سحب منها فالن �أو �أن ين�سحب‬ ‫هذا الفري���ق �أو ذاك �أو نتخلى نحن‪ ،‬وقد جرّبوا‬ ‫التعطي���ل ومل ي�ستطيع���وا‪ .‬ولذل���ك‪ ،‬فب�إمكانن���ا‬ ‫�أن نتعام���ل م���ع النتائج‪ ،‬ب�أن نك���ون ثابتني و�أكرث‬ ‫ا�ستيعاب ًا وهدوء ًا وبُعد ًا عن الفتنة‪.‬‬

‫ال�ساح���ة ه���و القاعدة ولي����س احلكوم���ة اليمنية‬ ‫ت�سببت يف ذلك‪.‬‬ ‫�إمنا فيما يتعلق بامل�شكالت يف �صعدة وجوارها‪،‬‬ ‫وم�ش���كالت احلراك اجلنوب���ي‪ ،‬فبالطبع تتحمل‬ ‫احلكوم���ة م�س�ؤوليته���ا كلي���اً‪ :‬بطريق���ة ال�سلوك‪،‬‬ ‫وبطريق���ة الإدارة‪ ،‬وبطريق���ة التفكري‪ ،‬وبطريقة‬ ‫الت�ص���رّف‪ .‬كم���ا �أن هناك م�س�ؤولي���ة ثانية لدول‬ ‫اجلوار‪ ،‬ف���دول اجلوار كانت ت�ستطي���ع م�ساعدة‬ ‫اليمن �أكرث‪ .‬وهن���اك م�س�ألة ثالثة تتعلق باملحيط‬ ‫اال�سرتاتيجي‪ ،‬و�أعني به املحيط الهندي والبحر‬ ‫الأحمر‪ ،‬وهما الآن بُحريتان �شديدتا اال�ضطراب؛‬ ‫فاملحيط الهندي هو �أهم بحر يف القرن احلادي‬ ‫والع�شري���ن لأنه هو الذي ينق���ل الطاقة للنهو�ض‬ ‫ُ�ص���دّر ال�سل���ع الآ�سيوية عربه وعرب‬ ‫الآ�سي���وي‪ ،‬وي ِ‬ ‫املحي���ط البا�سيفيك���ي‪ ،‬وي�ست���ورد كل طاقته عرب‬ ‫املحيط الهن���دي وبحر العرب والبح���ر الأحمر‪.‬‬ ‫فه���ذا املحي���ط الب���د ل���ه م���ن �إدارة دولي���ة ُيتّفق‬ ‫عليه���ا‪ ،‬ومل ي�صلوا �إىل ذلك بعد‪ .‬ولذلك‪ ،‬هناك‬ ‫�صراع �شديد واليمن اليوم يف قلب هذا ال�صراع‪.‬‬

‫لك��ن يف ح��ال ن�شب��ت‪ ،‬كما تق��ول بع�ض‬ ‫التقارير‪ ،‬ح��رب بني �إي��ران و�إ�سرائيل �أو‬ ‫�إي��ران و�أم�يركا؛ باعتق��ادك �أي��ن �سيكون‬ ‫موقع لبنان من هذه املواجهة؟‬ ‫م�ؤك��� ٌد �أن ح���زب اهلل �س ُيغِ�ي�ر عل���ى �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫�سواء �شئن���ا �أم �أبينا‪ .‬فهو �سيُغ�ي�ر على �إ�سرائيل‬ ‫مبجرد �أن تقوم هذه الأخرية ب�ضرب �إيران �أو يف‬ ‫حال هاجمت الواليات املتحدة �إيران‪.‬‬

‫عندم��ا ته��د�أ الأم��ور يف اليم��ن‬ ‫البد م��ن �صيغ��ة فيدرالية ت�سمح‬ ‫للمحلي��ات‪ ،‬يف �أن يك��ون لها وجود‬ ‫يف برملان��ات حملي��ة �صغ�يرة‪� .‬إنه‬ ‫�ش��يء �أ�شب��ه بحك��م ذات��ي يك��ون‬ ‫مُتن َفّ�س�� ًا له��م‪ ،‬وبحي��ث ي�شتغل��ون‬ ‫على تنمي��ة �أنف�سه��م وعلى عالج‬ ‫م�شاكلهم‬

‫�أخرياً‪ ،‬كيف تنظر �إىل الو�ضع يف اليمن‬ ‫ال��ذي اجتمع��ت عليه يف الآون��ة الأخرية‬ ‫مروح��ة م��ن امل�ش��كالت كم��ا ب��ات وا�ضح ًا‬ ‫للجمي��ع‪� .‬أي��ن تكم��ن الأزم��ة واخلط��ر‬ ‫يف ر�أي��ك‪ :‬ه��ل يف �سيا�س��ة الدول��ة‪� ،‬أم يف‬ ‫طبيع��ة البني��ة القبلية للمجتم��ع‪� ،‬أم يف‬ ‫املجال اجليو�سيا�سي الذي يحيط بالبلد‪،‬‬ ‫�أم يف كونه �أ�صبح حمل �أطماع خارجية ما‬ ‫فتئت تبحث لها عن موطئ قدم فيه؟‬ ‫�أعتق���د �أن امل�س�أل���ة يف الأ�صل تتعل���ق بال�سلطة‬ ‫اليمني���ة‪� ،‬س���واء فيم���ا يتعل���ق باحلوثي�ي�ن �أو م���ا‬ ‫يتعلق باحل���راك اجلنوبي‪� ،‬أم���ا القاعدة فال يد‬ ‫لل�سلط���ة فيها‪� ،‬إمنا ل���و كان الو�ض���ع االجتماعي‬ ‫واالقت�ص���ادي �أكرث متا�سك ًا و�أكرث ه���دوء ًا و�أكرث‬ ‫ُع�ش�ش يف‬ ‫واعدي���ة مل���ا ا�ستطاع���ت القاع���دة �أن ت ِّ‬ ‫املناط���ق القبلية‪ ،‬لك���ن يف الأ�سا����س الذي اختار‬

‫لقد ب���د�أ ال�صراع يف ال�صوم���ال ولكنه و�صل �إىل‬ ‫اليمن‪ ،‬و�أعتقد �أنه حتى العراق جزء منه‪.‬‬ ‫ه���ذه �إذن ثالث���ة �أ�سب���اب متوالي���ة‪ ،‬وال�سب���ب‬ ‫الرابع متعلق – كما ذكرت يف �س�ؤالك‪ -‬بالرتكيبة‬ ‫اليمني���ة التي عندها ا�ستع���داد (للت�أزّم)‪ .‬وبرغم‬ ‫�أن الزي���ود وال�شافعية مل يختلفوا ع�ب�ر التاريخ‪،‬‬ ‫ولي�س���ت هن���اك �إىل الآن (م�شكل���ة) مذهبية بني‬ ‫الزي���ود وال�شافعي���ة‪ ،‬لك���ن علين���ا �أن نتوق���ع �أنه‬ ‫كم���ا ظهر عن���د ال�شيع���ة �أ�صوليون وعن���د ال�سنة‬ ‫�أ�صولي���ون‪� ،‬أن يظه���ر عند الزيدي�ي�ن �أ�صوليون‪.‬‬ ‫�إمن���ا‪ ،‬كما قلت‪ ،‬ما كان الأم���ر لينفجر لوال �أنهم‬ ‫ق���د ُز ِر َع فيهم وعي باالنف�ص���ال وباالنق�سام‪ ،‬ثم‬ ‫�سوع���دوا من اخلارج‪ .‬واحلقيق���ة �أنني ال �أعرف‬ ‫مت���ى �ستنحل م�شكل���ة احلوثي�ي�ن‪ ،‬و�إن كانوا هم‬ ‫الذين �أهلكوا �أنف�سهم؛ ف�صدامهم مع القبائل هو‬

‫الذي �سيُنهيهم‪ ،‬لأن���ه مل ي�صطدم �أحد بالقبائل‬ ‫يف اليمن �إال وزال هو وبقيت هي‪.‬‬ ‫�أم���ا اجلنوب‪ ،‬وكم���ا هو مع���روف‪ ،‬ف�إنه توجد‬ ‫فيه عدة ف�صائ���ل كالأحزاب ال�سابقة وال�سلفيني‬ ‫وغريه���م‪ ،‬وب�سبب حالة الفق���ر املُدقِع ال�سائدة‪،‬‬ ‫و�سوء الأو�ض���اع االجتماعية‪ ،‬والف�ساد امل�ست�شري‬ ‫يف �أجه���زة الدولة‪ ،‬كل هذه الأمور �أعادت جتميع‬ ‫م���ا ي�سم���ى باحل���راك اجلنوب���ي‪ .‬والطري���ف �أن‬ ‫احلراك اجلنوب���ي ذو �صبغة مدنية‪� ،‬أي �أنه لي�س‬ ‫ذو �صبغ���ة دينية‪ ،‬وه���ذا يُعطي �أم�ل�اً ب�أنه ميكن‬ ‫الو�صول �إىل ت�صالح‪.‬‬ ‫لقد قر�أت ت�صريح���ات للرئي�س اليمني ولعدة‬ ‫م�س�ؤولني ي�شريون فيه���ا �إىل �أنهم ال يخافون من‬ ‫احل���راك اجلنوب���ي‪ ،‬وال يخافون م���ن احلوثيني‪،‬‬ ‫و�إمن���ا يخافون م���ن القاعدة‪ ،‬و�أن���ا �أرى العك�س‪.‬‬ ‫فالقاعدة هي الوحيدة امل�ستوردة‪ ،‬وبالتايل يمُ كِ ن‬ ‫الق�ضاء عليها ب�سهولة‪ .‬وعلى �أية حال‪ ،‬يبدو �أننا‬ ‫(نح���ن العرب) متوهمني‪ ،‬فه���ذه اخل�صو�صيات‬ ‫الإقليمي���ة واملحلي���ة ن�ستخف بها ب�سب���ب التطلع‬ ‫للوح���دة العربية ومل ينجح �إال اليمن يف جتاوزها‬ ‫بالوح���دة التي حتقق���ت �سن���ة ‪ ،1990‬وال�شك يف‬ ‫�أن ه���ذه اخل�صو�صيات املحلية موج���ودة وباقية‬ ‫وخالدة‪.‬‬ ‫كونك متابع ًا له��ذه الأمور‪ ،‬كيف تعتقد‬ ‫�أن الو�ض��ع يف اليم��ن �سينتهي وب�أي �صيغة‬ ‫من �صيغ احلل؟‬ ‫يب���دو �أن���ه الب���د م���ن تغي�ي�ر �إداري‪ ،‬لي����س مع‬ ‫اجلنوب فقط بل مع ال�شمال �أي�ضاً‪ .‬فعندما تهد�أ‬ ‫الأمور البد من �صيغة فيدرالية ت�سمح للمحليات‬ ‫يف اليم���ن‪� ،‬سواء كانت ديني���ة �أو قبيلة �أو حملية‬ ‫بحت���ة‪ ،‬يف �أن يكون له���ا وجود يف برملانات حملية‬ ‫�صغرية‪� .‬إنه �شيء �أ�شبه بحكم ذاتي يكون مُتن َفّ�س ًا‬ ‫لهم‪ ،‬وبحي���ث ي�شتغلون على تنمية �أنف�سهم وعلى‬ ‫عالج م�شاكلهم‪.‬‬ ‫ولك��ن هناك من يقول �إن اليمن ما زالت‬ ‫غ�ير ق��ادرة عل��ى ا�ستيع��اب الفيدرالي��ة‬ ‫كح��ل م�شاكله��ا‪ ،‬لأن تطبيقها ق��د يت�سبب‬ ‫مب�شاكل �أكرث مما هو حا�صل حالياً؟‬ ‫بالعك�س‪ ،‬فاليمنيون هم الذين حققوا الوحدة‬ ‫ولن يعجزوا ع���ن ا�ستيعاب الفيدرالية وتطبيقها‬ ‫للخروج من دوامة الأزمات التي دخلوا فيها‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪161‬‬


‫املائدة امل�ستديرة‬

‫املائدة‬

‫�سجــال‬

‫�آراء‬

‫امل�ستديرة‬

‫امل�ستديرة‬

‫بال مواربة‬

‫مدار الأفكار‬

‫املائدة‬

‫مع�ضلة املعار�ضة ال�سيا�سية‬ ‫يف العامل العربي‬ ‫“‬

‫«ملاذا تخف��ق القوى واحل��ركات ال�سيا�سية املعار�ضة يف‬ ‫الوط��ن العرب��ي؟» ‪� ،‬س���ؤال عري���ض ما فت��ئ ي�شغل بال‬ ‫باحث��ي العل��وم ال�سيا�سية كم��ا النا�شط�ين ال�سيا�سيني‬ ‫الع��رب‪� ،‬إىل جانب قط��اع وا�سع من عامة النا���س‪ ،‬الذين ميلئون‬ ‫احليز اجلغرايف الكبري املمتد من املحيط �إىل اخلليج‪ .‬ويف كل مرة‬ ‫تطف��و جدلية ال�سلطة – املعار�ضة على �سطح احلياة ال�سيا�سية‬ ‫العربي��ة‪ ،‬تتك��رر �أ�ص��داء ه��ذا ال�س���ؤال املهجو���س با�ستك�ش��اف‬ ‫الأ�سب��اب الت��ي �أدت �إىل �إخف��اق املعار�ض��ات ال�سيا�سية العربية‬ ‫بكافة �أ�شكالها (ي�سارية‪ ,‬وقومية‪ ،‬وليربالية‪ ،‬و�إ�سالمية) طوال‬ ‫العق��ود املا�ضية‪ ،‬وعجزها عن خلق ت��وازن حقيقي مع ال�سلطات‬ ‫والنظ��م احلاكم��ة يف الوط��ن العربي م��ن �ش�أنه �ضم��ان ا�ستمرار‬ ‫احلياة ال�سيا�سية من دون ا�ضطرابات‪ ،‬ومدّ ها ب�أ�سباب اال�ستقرار‬ ‫كما هو حا�صل يف معظم الدميقراطيات الغربية‪.‬‬

‫�إىل ال�سلط��ة �إال ع�بر االنقالب��ات الع�سكرية‪ .‬ه��ل اخللل يكمن‬ ‫يف الق��وى والأح��زاب واحل��ركات املعار�ضة نف�سه��ا �أم يف طبيعة‬ ‫ال�سلط��ات اال�ستبدادي��ة القائم��ة �أم يف الرتكيب��ة ال�سيا�سي��ة‬ ‫واالجتماعي��ة والثقافي��ة للدول واملجتمع��ات العربية‪ .‬و�أخري ًا‬ ‫كيف تنظ��رون مل�ستقبل ه��ذه املعار�ضات‪ ،‬وم��ا ال�سبيل خلروجها‬ ‫من هذا امل�أزق‪.‬‬

‫�أ�سئل��ة مهم��ة توجه��ت به��ا «م��دارات ا�سرتاتيجي��ة» �إىل نخبة‬ ‫م��ن �أعالم الفك��ر وال�سيا�سة املهتمني والباحث�ين املتخ�ص�صني يف‬ ‫ه��ذا ال�ش�أن‪ ،‬وقد ّ‬ ‫تف�ضل بالإجاب��ة عليها كل من‪ :‬الدكتور �سامل‬ ‫لبي�ض الأ�ستاذ املحا�ض��ر يف علم االجتماع بجامعة تون�س املنار‪،‬‬ ‫والدكتور عمرو حمزاوي كبري الباحثني يف مركز كارنيغي لل�شرق‬ ‫الأو�س��ط بب�يروت‪ ،‬والأ�ست��اذ م��راد عبدالواحد ظاف��ر الباحث‬ ‫مبرك��ز الدرا�س��ات والبح��وث اليمن��ي‪ ،‬والأ�ست��اذ في�ص��ل جلول‬ ‫وثمة �أ�سئلة �أخرى ترتبط بال�س�ؤال املركزي املطروح‪ ،‬من قبيل‪ :‬الباح��ث اللبناين املقيم يف باري���س‪ ،‬وبح�صيلة �إجاباتهم‬ ‫ملاذا مل تتمكن بع�ض هذه القوى واحلركات املعار�ضة من الو�صول الرثية خرجنا مبائدتنا امل�ستديرة لهذا العدد‪.‬‬

‫“‬

‫‪162‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫�شرعية املعار�ضة‬ ‫�أم �شرعية الدولة يف الوطن العربي‬ ‫�سالـم لبي ــ�ض‬ ‫من ال�صعب النظ���ر �إىل املعار�ضة العربية ومعاجلتها على �أنها ج�سد متجان�س‬ ‫جتمع���ه نف�س اخل�صائ�ص ويعاين من نف�س الأمرا�ض‪ ،‬فه���ي متعددة �أيديولوجي ًا‬ ‫وخمتلف���ة �سيا�سي ًا وم�شتتة تنظيمي ًا ومنق�سم���ة على نف�سها ما بني خيار القانونية‬ ‫ودواع���ي ال�سري���ة‪ ،‬وهي يف و�ض���ع ال نظري له مقارن���ة ببقية معار�ض���ات العامل‪.‬‬ ‫وم���ن الأجدى والأي�سر �أن نتحدث ع���ن معار�ضات عربية حمكومة مبنطق الدولة‬ ‫وطبيعته���ا‪ ،‬فالدولة الدينية يف اجلزي���رة العربية واخللي���ج مل ت�سمح باملعار�ضة‬ ‫الليربالي���ة املتع���ارف عليه���ا �إذا ما ا�ستثنين���ا التجربة الكويتية‪ ،‬مم���ا و ّفر املناخ‬ ‫املالئ���م لن�ش�أة ومنو املعار�ضات الديني���ة املو�صومة بالتطرف‪ ،‬والدولة «الوطنية»‬ ‫يف م�ص���ر وبع�ض بلدان املغرب العرب���ي التي تعلن الليربالية واحلداثة طبيعة لها‬ ‫ال ت�سم���ح �إال مبعار�ض���ة عل���ى مقا�سها تزين له���ا �سيا�ستها ومتن���ع عنها حقها يف‬ ‫الت���داول عل���ى ال�سلطة �أو حتى جم���رد امل�شاركة فيها مهم���ا كان �صغر حجم تلك‬ ‫امل�شاركة(م�ص���ر وتون�س و�سورية)‪ ،‬و�إذا �سمحت بذلك فعلى جماجم وت�ضحيات‬ ‫الآالف الذي���ن ح�صدتهم احل���روب الأهلية (اجلزائر ولبن���ان وال�سودان)‪ .‬ومن‬ ‫ناف���ل القول وبديهياته الي���وم �أن املعار�ضة العربية تنق�س���م �إىل ق�سمني رئي�سيني‬ ‫ق�س���م �أن�ش�أت���ه الدول���ة نف�سها مب���ا اقت�ضته �ض���رورات ال�سيا�سة و�ش���روط العوملة‬ ‫والفل�سف���ة احلقوقي���ة امل�صاحبة لها‪ ،‬مم���ا جعل الدولة العربي���ة �أداة قادرة على‬ ‫تفريخ الأحزاب والتنظيمات ال�سيا�سية ومتكينها مما ي�ستوجبه امل�شهد ال�سيا�سي‬ ‫م���ن ح�ص���ة تليق مبقامه���ا وفق منط���ق الدولة نف�سه���ا‪ .‬ولكن ه���ذا النموذج من‬ ‫الأحزاب عادة ما يكون حمدود الفعل و�ضعيف االنت�شار وقليل اجلماهريية‪ ،‬ولي�س‬ ‫له يف جتربته من املواقف املعار�ضة ل�سيا�سات الدولة وتوجهاتها وخياراتها �إال ما‬ ‫ن���در حت���ى �أن كثري ًا من �أح���زاب املعار�ضة العربية تو�صف ب�أنه���ا ملكية �أكرث من‬ ‫امللك‪ ،‬مم���ا جعلها حتظى بت�سمية خا�صة‬ ‫املجتمع ال�سيا�سي‬ ‫يف التجرب���ة التون�سي���ة ه���ي «الأح���زاب‬ ‫العربي يعي�ش تناق�ض ًا‬ ‫الإداري���ة» �أو �أحزاب امل���واالة يف جتارب‬ ‫عربية �أخ���رى �أو �أحزاب الديكور يف جتارب �صارخ ًا وحاد ًا بني‬ ‫ثالثة‪ ،‬وهي جميع ًا م�سميات ل�صنف من �أحزاب دولة ت�صنع معار�ضتها‬ ‫املعار�ضة مل ين�ش�أ ن�ش�أة مو�ضوعية ومل يولد من لتبقي على �شرعيتها‪،‬‬ ‫رحم احلراك االجتماع���ي الذي يعي�شه ال�شارع ومعار�ضة ترف�ض‬ ‫ال�سيا�س���ي بنخب���ه وحركات���ه االجتماعية وقواه �شرعية تلك الدولة‬ ‫وت�شتغل خارج �أطرها‬ ‫الراغبة يف التغيري‪.‬‬ ‫�أم���ا الق�س���م الثاين م���ن املعار�ض���ات العربية‬ ‫فغالب��� ًا ما يتج�سد يف تنظيمات �سيا�سية و�أح���زاب ال ت�ستمد �شرعيتها من الدولة‬ ‫العربي���ة بطابعه���ا القطري امل�ألوف‪ ،‬وهن���ا ن�شري حتدي���د ًا �إىل ثالثة مناذج بات‬ ‫خطابه���ا معروف��� ًا وفعله���ا مت�أكد ًا يف حقول الفع���ل ال�سيا�سي‪ ،‬وه���ي على التوايل‬ ‫الأحزاب والتنظيم���ات القومية العربية بف�صيليها الرئي�سيني البعث والنا�صرية‪،‬‬ ‫والق���وى الي�سارية املارك�سية ب�شرائحها املتعددة‪ ،‬واحل���ركات الدينية الإ�سالمية‬

‫“‬

‫�سالـم لبي ــ�ض �أ�ستاذ حما�ضر يف علم االجتماع‪ ،‬جامعة تون�س املنار‪.‬‬

‫وقواها اجلهادية وجماعاتها املذهبية‪.‬‬ ‫�إن ا�شتغ���ال بع����ض تنظيمات ه���ذه التيارات الك�ب�رى �ضمن م�ؤ�س�س���ات الدولة‬ ‫العربي���ة والقبول ب�شرعيتها مل يكن حال���ة دائمة‪ ،‬ف�أغلبها ي�صنف نف�سه انطالق ًا‬ ‫م���ن خطابه و�إيديولوجيته وخياراته ال�سيا�سي���ة على �أنه فوق تلك الدولة الفاقدة‬ ‫لل�شرعي���ة � ً‬ ‫أ�ص�ل�ا‪ ،‬فهي نتاج مبا�ش���ر �أو غري مبا�ش���ر للفعل اال�ستعم���اري املوايل‬ ‫للح���رب العاملي���ة الأوىل‪ ،‬وم���ن ّثم يك���ون من ال�صعب ملث���ل تلك الق���وى التي لها‬ ‫امت���دادات فكري���ة و�سيا�سي���ة �أحيان��� ًا وكذلك ب�شرية خ���ارج حدود تل���ك الدولة‬ ‫وخارج م�ؤ�س�ساته���ا‪� ،‬أن تقبل ب�شرعية تعتربها نتاج��� ًا للفعل اال�ستعماري القدمي‬ ‫�أو اجلديد‪.‬‬ ‫ومل تفل���ح املرونة التي ميزت جتارب بع�ض الأح���زاب العربية املنتمية �إىل تلك‬ ‫التي���ارات الك�ب�رى مثل الإخ���وان امل�سلمني بدخوله���م الربملان امل�ص���ري �أو عمل‬ ‫الأح���زاب اال�شرتاكي���ة والقومي���ة �ضمن جبه���ة واحدة مع ح���زب البعث احلاكم‬ ‫يف �سوري���ة �أو غريه���ا من جت���ارب الإ�سالمي�ي�ن يف اجلزائر واملغ���رب وال�سودان‬ ‫‪..‬ال���خ‪ ،‬مل تفلح يف تغيري املوقف العام من �أن الدول���ة القطرية العربية هي �إنتاج‬ ‫ا�ستعماري بامتياز حتى بعد مرور ن�صف قرن �أو �أكرث على ا�ستقالالتها وت�شكيلها‬ ‫حلكومات من �أبن���اء جلدة تلك املعار�ضات‪ ،‬فه���ذه اال�ستقالليات �صورية ح�سب‬ ‫تلك املعار�ضات‪ ،‬وتلك احلكومات وما و�ضعته من د�ساتري وبرملانات كلها �شكلية‬ ‫اقت�ضاها امل�شهد ال�سيا�سي العاملي بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬ولقد باتت فاقدة‬ ‫ل���كل متثيلية حقيقية لدى �شعوبها على حد ما جاء يف خطابات تيارات املعار�ضة‬ ‫الك�ب�رى العربي���ة‪ ،‬وال ت�ستطيع اتخ���اذ اب�سط الق���رارات ال�سيادي���ة منذ �سقوط‬ ‫االحت���اد ال�سوفياتي ونهاي���ة القطبية �سنة ‪ 1991‬الذي تزام���ن مع ما بات يعرف‬ ‫بالعومل���ة‪ ،‬و�إن فعلت ذلك فم�صريها الدمار الكل���ي والقتل املنهجي كما هو حال‬ ‫الع���راق‪ ،‬فالكل يع���رف �أن الدولة العربية اليوم ت�سري وفق م���ا تر�سمه م�ؤ�س�سات‬ ‫العوملة وم�صالح ال�شركات الكربى‪.‬‬ ‫وخال�ص���ة الق���ول �إن املجتمع ال�سيا�سي العرب���ي يعي�ش تناق�ض��� ًا �صارخ ًا وحاداً‬ ‫بني دولة ت�صنع معار�ضته���ا لتبقي على �شرعيتها‪ ،‬ومعار�ضة ترف�ض �شرعية تلك‬ ‫الدول���ة وت�شتغل خارج �أطرها‪ ،‬ب���ل هي ال تتوانى يف رفع �شع���ارات تب�شر ب�إلغائها‬ ‫ككي���ان �سيا�سي ل�صال���ح طوبى القومي���ة العربية �أو الأمة الإ�سالمي���ة �أو الأممية‬ ‫ال�شيوعية‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪163‬‬


‫املائدة‬

‫املائدة‬

‫ُتغية‬ ‫�أقدار املُعار�ضة امل رِّ‬ ‫من العمل ال�سري �إىل الثورة املخملية‬

‫معار�ضات ُمتكّل�سة‬ ‫يف مواجهة �سلطويات ُمهي ِمنة‬ ‫عمرو حمزاوي‬

‫يك�ش���ف امل�شه���د العرب���ي الراه���ن ع���ن مفارقة هام���ة تتمث���ل يف حمدودية‬ ‫التحديات املجتمعية التي تواجهها ال�سلطوية احلاكمة على الرغم من ال�ضعف‬ ‫البني لأداء نخبها االجتماعي واالقت�صادي وتهافت �سجل �إجنازاتها التنموية‪.‬‬ ‫فعلى �سبيل املثال‪ ،‬وبا�ستثناء منطقة اخلليج‪ ،‬ما تزال معدالت الفقر والبطالة‬ ‫والأمي���ة يف عموم الع���امل العربي مرتفعة للغاية بينم���ا تتدنى �إىل مهابط غري‬ ‫م�سبوق���ة م�ستوي���ات اخلدم���ة العام���ة املقدمة يف قطاع���ات حيوي���ة كالتعليم‬ ‫املدر�سي واجلامعي وال�صحة وال�ضمانات االجتماعية لإعانة حمدودي الدخل‬ ‫والفق���راء والعجائ���ز‪ .‬ا�ستم���ر كذلك �إخف���اق ال�سلطوية احلاكم���ة يف مكافحة‬ ‫ظواهر خط�ي�رة م�ست�شرية ومعطل���ة للتنمية احلقيقية كالف�س���اد واملح�سوبية‪،‬‬ ‫وا�ستغالل املن�صب العام‪ ،‬والغياب �شب���ه الكامل لل�شفافية واملحا�سبة كمبادئ‬ ‫يتعني �أن حتكم عمل امل�ؤ�س�سات العامة واخلا�صة‪.‬‬ ‫‪ ‬بعب���ارة بديل���ة‪ ،‬نحن هنا �أم���ام �سلطوية فاق���دة ل�شرعية الإجن���از مبعناها‬ ‫التنم���وي وم�ضامينه���ا املرتبطة مبا ا�صطلح على ت�سميت���ه احلكامة الر�شيدة‪،‬‬ ‫وتهيم���ن نخبها بقب�ض���ة حديدية على الدولة واملجتم���ع واملواطنني‪ ،‬فال ت�سمح‬ ‫يف املج���ال ال�سيا�س���ي مبناف�س���ة فعلي���ة وتقي���د ‪ -‬و�إن بدرج���ات متفاوتة ‪ -‬من‬ ‫حري���ات املواطن�ي�ن يف التعب�ي�ر ع���ن‬ ‫ف�شلت العديد من قوى‬ ‫الر�أي والتنظيم وامل�شاركة يف ال�ش�أن‬ ‫املعار�ضة التي ترفع‬ ‫العام‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬و�إذا ما‬ ‫�شعاري الدميقراطية‬ ‫ا�ستثنين���ا حال���ة العراق حيث امت���زج انهيار وحقوق الإن�سان‬ ‫ال�سلطوية بق���دوم االحتالل وت���داول احلكم يف متثل امل�ضامني‬ ‫بانهيار‪ ‬النظ���ام العام‪ ،‬ال تواج���ه ال�سلطوية الفعلية لل�شعارين يف‬ ‫احلاكمة حتدي���ات حقيقية �أو وا�سعة النطاق ممار�ساتها‪ ،‬وعجزت‬ ‫من قبل جمتمعاتها‪ ،‬بل وال حتتاج يف الأغلب عن �صياغة ت�صور‬ ‫الأع���م �إىل توظي���ف العنف املفت���وح �أو القمع برناجمي للتغيري‬ ‫الوا�سع النطاق لل�سيطرة عليها‪.‬‬ ‫املرجتى‬ ‫‪ ‬تكم���ن املفارق���ة �إذن يف تواكب عجز نخب‬ ‫احلك���م العربي���ة االجتماع���ي واالقت�ص���ادي وفقدانه���ا ل�شرعي���ة الإجناز مع‬ ‫ا�ستمراري���ة مريحة وغ�ي�ر مكلفة لل�سلطوي���ة‪ ،‬على نحو يناق����ض من جهة جل‬ ‫اخلربات العاملية املعا�ص���رة النهيار ال�سلطوية عندما تتعرث جمتمعي ًا وينتف�ض‬ ‫املواطن���ون طلب ًا حلقوقهم وبحث ًا عن التغي�ي�ر‪ ،‬ويحفز من جهة �أخرى الباحث‬ ‫على الت�سا�ؤل عن ماهية العوامل امل�سببة لال�ستثناء العربي يف هذا ال�صدد‪.‬‬ ‫‪� ‬أح���د العوام���ل الرئي�سية يف ه���ذا ال�صدد يتمثل يف توفر نخ���ب حكم عربية‬ ‫فاق���دة ل�شرعي���ة الإجن���از وعاجزة ع���ن تقدمي املنتظ���ر منه���ا جمتمعيا على‬ ‫خطاب���ات ر�سمية ال تعدم القدرة الإقناعية تخي���ف بها �أغلبية املواطنني‪ ،‬على‬ ‫معاناتهم وق�س���وة ظروفهم املعي�شية‪ ،‬من التغيري وتباع���د بينهم وبني االلتئام‬ ‫وراء ق���وى معار�ضة ت�سعى لإنهاء ال�سلطوية‪ .‬توظف النخب م�ؤ�س�ساتها الدينية‬

‫“‬

‫‪164‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫امل�ستديرة‬

‫مدار الأفكار‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫امل�ستديرة‬

‫مراد عبد الواحد ظافر‬

‫والإعالمي���ة‪� ،‬إن امل���دارة حكومي��� ًا دون موارب���ة �أو امل�سيط���ر ً‬ ‫عم�ل�ا على فعلها‬ ‫وممار�ساتها اليومية‪ ،‬لإنتاج حلظة �إدراكية ممتدة يف املخيلة اجلمعية يرادف‬ ‫يف �سياقه���ا بني املطالبة بالتغيري وب�ي�ن تهديد النظام العام وخطر دفع البالد‬ ‫�إىل حال���ة من الفو�ضى العارمة‪ ،‬وهو ما يحول دون ترجمة طاقة الرف�ض لدى‬ ‫املواطن�ي�ن الناجتة عن �سخطه���م احلقيقي على �أداء النخ���ب �إىل عمل �شعبي‬ ‫منظم يتخطى حدود الن�شاط االحتجاجي العفوي واجلزئي الذي �شهده العامل‬ ‫العرب���ي طوال الأع���وام املا�ضية وب�ص���ورة مت�صاعدة‪ .‬وال ري���ب يف �أن القدرة‬ ‫الإقناعي���ة خلطابات «التخويف من التغي�ي�ر» الر�سمية لي�ست مبنقطعة ال�صلة‬ ‫بف�ش���ل العديد م���ن قوى املعار�ض���ة التي ترف���ع �شع���اري الدميقراطية وحقوق‬ ‫الإن�س���ان يف متثل امل�ضام�ي�ن الفعلية لل�شعاري���ن يف ممار�ساتها وعجزها‪ ،‬هي‬ ‫ومعه���ا منظمات املجتم���ع املدين املعنية ب���ذات الق�ضايا‪ ،‬ع���ن �صياغة ت�صور‬ ‫برناجم���ي للتغيري املرجت���ى وا�ضح املع���امل ومطمئن ملواطن�ي�ن تفر�ض عليهم‬ ‫ق�س���وة الظ���روف املعي�شية احل���ذر امل�ستم���ر وعلمتهم جتارب املا�ض���ي املريرة‬ ‫اخل���وف على القليل املتهاف���ت الذي يتمتعون به اليوم م���ن تغيري م�ستقبلي قد‬ ‫ي�أتي عليه‪.‬‬ ‫‪ ‬كذل���ك ت�سهم الو�ضعية اله�شة والهام�شية لقوى و�أحزاب املعار�ضة وعجزها‬ ‫ع���ن ال�ضغط بفاعلية على نخب احلكم بغية �إجن���از التحول الدميوقراطي يف‬ ‫تعميق التداعيات ال�سلبية للعامل ال�سابق‪ .‬فمعظم القوى الليربالية والي�سارية‬ ‫تفتق���د الي���وم‪ ،‬ويف ظ���ل الرتتيب���ات ال�سلطوي���ة ال�ضاغطة‪ ،‬القواع���د ال�شعبية‬ ‫احلقيقي���ة‪ ،‬وتتكل�س‪ ‬بالت���ايل نخبه���ا وخطاباتها‪ ‬وبراجمها‪� .‬أم���ا احل���ركات‬ ‫الإ�سالمي���ة فه���ي عل���ى النقي����ض م�ص���در حليوي���ة غ�ي�ر م�سبوق���ة يف امل�شهد‬ ‫ال�سيا�س���ي العرب���ي ترتبط بتما�سكه���ا التنظيمي وقدرتها عل���ى جتديد‪ ‬نخبها‬ ‫وتطويره���ا لر�أ�سمال اجتماع���ي قابل لال�ستثمار ال�سيا�س���ي من خالل‪ ‬الوجود‬ ‫امل�ستم���ر يف ال�ساح���ات الديني���ة واخلريي���ة‪ .‬بي���د �أن م�شارك���ة الإ�سالميني يف‬ ‫احلياة‪ ‬ال�سيا�سية تطرح عليهم وعليها حتديات عميقة ج ّلها يدور حول متوالية‬ ‫االلتزام‪ ‬الإيديولوج���ي يف مقابل الربجماتية واملفا�ضلة بني الر�ؤية اال�ستئثارية‬ ‫بحج���ة �سمو املرجعية واملنطلق وبني االعرتاف غري امل�شروط بالتعددية وقبول‬ ‫تداول احلكم‪ .‬هنا يقلل الرتدد البادي‪ ‬على خيارات الإ�سالميني من فاعليتهم‬ ‫يف ال�ضغط على ال�سلطوية‪.‬‬ ‫عمرو حمزاوي كبري الباحثني يف مركز كارنيغي لل�شرق الأو�سط ببريوت‪.‬‬

‫ما زالت املعار�ضة متثل اخلطر الرئي�سي الذي يواجهه مركز احلكم يف العديد‬ ‫م���ن الدول العربي���ة‪ ،‬رغم �أن النظرة ال�سريعة وال�سطحي���ة تذهب �إىل القول ب�أن‬ ‫املعار�ض���ة احلزبية ما زالت �ضعيف���ة‪ .‬وهذه النظرة جملوبة من القراءة املتخلفة‬ ‫للنتائ���ج االنتخابية التي يرك���ز عليها الدعم اخلارج���ي للدميقراطية‪ُ ،‬متجاه ًال‬ ‫تقدمي العون الفني وامل�ساعدة يف جمال الهند�سة التنظيمية للأحزاب التي ولدت‬ ‫�إما يف ظروف العمل ال�سري �أو يف كنف نظام ال�سلطة احلاكمة‪.‬‬ ‫وعل���ى ذلك نق���ول‪� ،‬إن الهيئات التنظيمية ‪ -‬احلزبية م���ا زالت تعاين من �أوجه‬ ‫اخلل���ل والق�ص���ور حني و�ضع���ت يف �ساحات املع�ت�رك االنتخاب���ي‪ ،‬لت�صطف قوى‬ ‫�سيا�سي���ة يف مواجه���ة �آلي���ات الدول���ة وموارده���ا �أو م���ا يطلق عليه���ا – جزاف ًا‪-‬‬ ‫م�صطلح الأحزاب احلاكمة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ‬تل���ك الأح���زاب املعار�ضة – مثال‪ -‬كانت ذات �ش����أن �سيا�سي وثقل تنظيمي يف‬ ‫حقب���ة م���ا قبل الثورة واال�ستق�ل�ال‪� ،‬أي خالل فرتة العمل ال�س���ري‪ .‬وت�صبح ذات‬ ‫ت�أثري قوي حني تكون معار�ضة طرفية خارج الإطار الر�سمي للأنظمة متكئة على‬ ‫قواع���د تقليدية ديني���ة �أو �أثنية‪ .‬لك���ن ال�شمولية العربية �أ�صبح���ت �أكرث ع�صرية‬ ‫ومرون���ة يف ج���ذب �أحزاب العمل ال�س���ري لت�صطف مع نخب الأنظم���ة ال�شمولية‬ ‫فيم���ا غدا ُيعرف خالل حقبة التط���ور الدميقراطي‪ ،‬بالأحزاب احلاكمة‪ .‬وبذلك‬ ‫�أ�صبح���ت تلك الأح���زاب‪ ،‬والتي متث���ل الأقلية‪ ،‬م���ن النخب احلاكم���ة يف معظم‬ ‫ال���دول؛ ت�ست�أثر مبوقع ال�سلط���ة وحتظى بكافة موارد الف���وز والنجاح‪ ،‬و�إن كانت‬ ‫�أ�شد �ضعف ًا من �أحزاب املعار�ضة‪.‬‬ ‫‪ ‬بينم���ا �أح���زاب املعار�ض���ة ارمت���ت –‬ ‫�أحزاب املعار�ضة‬ ‫باملقابل ‪ -‬يف �ساح���ة اللعبة االنتخابية‪،‬‬ ‫ارمتت يف �ساحة‬ ‫تلك اللعبة التي مل تعد �سوى �آلية للقبول‬ ‫بالأقلي���ة من النخ���ب احلاكمة‪ ،‬وتعن���ي �إيقاف اللعبة االنتخابية‪،‬‬ ‫خطاب املعار�ضة‪ ،‬واال�ست�سالم لقدرها املهزوم تلك اللعبة التي‬ ‫�إن مل يك���ن املُخت ِن���ق واملتم ِّرغ ب�ص���وت ال�شارع‪ .‬مل تعد �سوى �آلية‬ ‫وهنا البد من الإ�ش���ارة �إىل الثقافة االجتماعية للقبول بالأقلية من‬ ‫النخب احلاكمة‪،‬‬ ‫ال�سائدة لقمع خطاب املعار�ضة‪.‬‬ ‫بذل���ك يخط���ئ الباح���ث اجل���اد ح�ي�ن يظ���ن وتعني �إيقاف خطاب‬ ‫�أن االنتخاب���ات ه���ي �أداة التعب�ي�ر ع���ن الإرادة املعار�ضة‪ ،‬واال�ست�سالم‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬وحتقيق ال�شرعية لنظام احلكم‪ .‬ف�إن لقدرها املهزوم‬ ‫كان الأمر كذلك‪ ،‬لر�أينا تلك الأحزاب احلاكمة‬ ‫تدي���ر ال�ش�ؤون العامة و�أجهزة احلكم عل���ى نهج دميقراطي بعد نيلها اال�ستحقاق‬ ‫االنتخاب���ي‪� .‬إن �آلي���ات ال�شرعي���ة م���ا زال���ت قائمة عل���ى “�سيف املُ ِع���ز وذهبه”‪،‬‬ ‫وق���درة تلك الأنظم���ة ال�شمولية على �إعادة توزيع امل���وارد على الأقلية من النخب‬ ‫امل�ستفيدة‪ .‬‬ ‫وب�سبب �أوجه اخللل والق�صور يف النمو التنظيمي للأحزاب‪ ،‬على وجه العموم‪،‬‬

‫“‬

‫مراد ظافر باحث مبركز الدرا�سات والبحوث اليمني‪.‬‬

‫هيمن���ت القيادات التاريخية على الأح���زاب يف جمتمعات َفت ّية‪ ،‬يحتل ال�شباب –‬ ‫ذك���ور ًا و�إناث ًا‪ -‬م�ساحة وا�سعة م���ن البنية ال�سكانية فيها‪ .‬ومل يعد ال�شباب جمرد‬ ‫«لحَ َق���ة» (كما نقول يف الدارِجة اليمنية) �أو �صوت ًا يتبع تلك القيادات التاريخية‪.‬‬ ‫فرغ���م الت�شوه���ات يف ن�شوء منظمات املجتمع املدين‪ ،‬انق���اد العديد من ال�شباب‬ ‫�إىل تل���ك املنظمات ليربزها يف موقع حيوي وم�ؤثر يف الدفاع عن احلقوق املدنية‬ ‫حلراك اجتماعي‬ ‫مكونات‬ ‫ف�صح عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وال�سيا�سي���ة منذ مطلع الألفية اجلدي���دة‪ ،‬ل ُي ِ‬ ‫ُمعارِ�ض خارج نطاق الأحزاب التاريخية ‪ -‬املُعارِ�ضة‪.‬‬ ‫ومثلم���ا كان الأمر قب���ل اال�ستقالل‪ ،‬ت�شعر املعار�ضة احلزبي���ة بقوتها وت�أثريها‬ ‫ح�ي�ن ترتبط باحلراك االجتماعي‪ ،‬وت�ضعف حني تنقاد �إىل لعبة حتدد خ�سرانها‬ ‫�سلف ًا وفق قواعد انتخابية ُمعدّة لإِبطال املعار�ضة‪ ،‬و�إق�صاءها عن حركة املجتمع‪.‬‬ ‫وال مندوح���ة من القول هنا‪ ،‬ب����أن التناف�س‪ ‬احلزبي ال�سيا�سي يتدهور‪ ،‬وتت�صاعد‬ ‫مظاهر مقاطعة االنتخابات وفق �شروط احلاكم يف عدة دول عربية‪.‬‬ ‫كل ذلك الأمر ي�ؤدي �إىل �سيادة �سيا�سة ا�ستقطاب حادة بني الأنظمة ال�شمولية‬ ‫واملعار�ض���ة‪ ،‬ليربز يف خامتة املطاف‪ ،‬حتالف جبهوي وا�س���ع ي�ضم كافة �أطياف‬ ‫الأح���زاب ال�سيا�سي���ة والفعاليات االجتماعي���ة وال�سيا�سية واملدني���ة‪ ،‬لتقف على‬ ‫�صعي���د معار�ضة الأنظم���ة ال�شمولية‪ .‬ويف هذا املقام‪ ،‬نذه���ب �إىل القول ب�ضعف‬ ‫الأداء التنظيم���ي للأحزاب املن�ضوية يف حتالف املعار�ضة‪ ،‬عالوة على ت�أرجحها‬ ‫ب�ي�ن التما�س���ك والتف���كك يف مواجه���ة متطلب���ات العم���ل ال�سيا�س���ي‪ -‬ال�سلم���ي‬ ‫بتوجه ذاك التحالف –‬ ‫والدميقراط���ي‪ .‬لكني ويف خامتة املطاف‪� ،‬أرج���ح القول ّ‬ ‫غالب��� ًا ‪� -‬إىل موقع التما�سك م���ع احلراك االجتماعي‪ ،‬ال���ذي ي�ؤكد غلبة مفهوم‬ ‫«الث���ورة املخملي���ة» على ع�صرنا الراه���ن‪ ،‬والتي ت�ستهل يف مكوناته���ا الأ�سا�سية‬ ‫بثورة التفاو�ض حني ت�ضعف احتماالت �سقوط النخبة احلاكمة‪ .‬وي�شتد �أوار‪ ‬وقوة‬ ‫ذاك التيار التحالفي ‪ -‬املعار�ض حني تربز يف الأفق احتماالت انتقال احلكم �إىل‬ ‫�آخر �ضمن الأقلية من النخب احلاكمة‪ .‬‬ ‫و�أرى �أن مالم���ح االقتح���ام الق�سري للجماهري �إىل عر����ش احلكم غري ُمبالني‬ ‫ب�أنف�سه���م ليك�سب���وا حريته���م املدني���ة والإن�سانية عل���ى غرار ما ح���دث يف نهاية‬ ‫حقب���ة احلرب الباردة‪� ،‬سيتكرر – على الأرجح ‪ -‬يف بع�ض دول ال�شرق الأو�سط‪،‬‬ ‫م���ا مل يت�أجل ذل���ك امل�شهد لعوام���ل متعلقة مبرون���ة الأنظمة ال�شمولي���ة الراعية‬ ‫لدميقراطيتها النا�شئة‪ .‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪165‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫مدار الأفكار‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫بال مواربة‬

‫م�أزق احلداثيني العرب‪:‬‬ ‫اللعب يف ح ّيز �سيا�سي «مت�صل»‬

‫الدور الرتكي‬

‫في�صل جلــول‬

‫�أعتق���د �أن �إخفاق التي���ارات الإيديولوجي���ة املذكورة يف �س�ؤالك���م يف الو�صول �إىل‬ ‫ال�سلطة بطرق �سلمية يف العامل العربي ناجم عن �أ�سباب مو�ضوعية م�ستقلة عن هذه‬ ‫التيارات و�أ�سباب ذاتية مت�صلة بتكوينها وطرائق عملها‪� .‬أما عن الإطار املو�ضوعي‬ ‫للإخف���اق فيمكن اخت�صاره ل�ضي���ق املكان يف طبيعة اللعب���ة ال�سيا�سية بني ال�سلطة‬ ‫واملعار�ض���ة يف بلدانن���ا والت���ي ال تتم يف حي���ز منف�صل عن الدولة و�إمن���ا يف متنها‪.‬‬ ‫علم ًا �أن االنف�صال عن الدولة هو �شرط التداول ال�سلمي لل�سلطة يف الدميقراطيات‬ ‫الغربي���ة والنا�شئة وحتى يكون بالإمكان االنف�صال عن الدولة‪ ،‬ال بد �أن تكف الدولة‬ ‫ع���ن �أن تكون رب العمل الأك�ب�ر �أو احل�صري يف البالد‪ ،‬و�أن تكون ال�سوق هي مركز‬ ‫ال�سلطة الفعلي كما هي احلال يف الغرب‪.‬‬ ‫�إن الذي���ن يتولون ال�سلطة يف الغرب ه���م الذين يخدمون ال�سوق وعالقات ال�سوق‬ ‫بطريق���ة �أف�ض���ل من مناف�سيهم ل���ذا عندما يخفق تيار يف خدم���ة ال�سوق وعالقاته‬ ‫يف دورة زمني���ة معينة يتقدم تي���ار �آخر خلدمته وي�ستفتى على �أف�ضليته يف �صناديق‬ ‫االقرتاع يف عملية تو�صف بدميقراطية ال�سوق وهي كما يوحي ا�سمها لي�ست طريق ًا‬ ‫نح���و املدينة الفا�ضل���ة‪ ،‬و�إمنا نحو ال�سوق ‪� -‬أما الدولة يف الغرب فهي توفر احلماية‬ ‫لل�س���وق وتعمل على تطوي���ره‪ ،‬والالفت يف بلد كفرن�سا �أن���ه عندما يعاين ال�سوق من‬ ‫م�صاعب يت���م �إ�ضعاف الدولة مل�ساعدته‬ ‫التيارات الإيديولوجية‬ ‫كما يقع ه���ذه الأيام حيث مت اال�ستغناء‬ ‫احل��داث��ي��ة يف ال��ع��امل‬ ‫عن �آالف املوظف�ي�ن الر�سميني لتخفيف‬ ‫ال��ع��رب��ي �أخ��ف��ق��ت من‬ ‫�أعباء ال�سوق‪.‬‬ ‫�أم���ا الدول���ة يف عاملنا العربي فه���ي دولة �أمة ق��ب��ل ورمب���ا تخفق من‬ ‫كان عليه���ا �أن ت�ضطل���ع مب�ش���روع تاريخي يعيد بعد يف ت��ويل ال�سلطة‬ ‫للأمة جمدها وهذا هو معنى �شعار «�أمة عربية ب�سبب تكوين ال�سلطة‬ ‫واحدة ذات ر�سالة خالدة»‪ .‬وهذه الدولة لي�ست يف دولنا‪ ،‬وب�سبب عجز‬ ‫خا�ضع���ة للت���داول‪ ،‬و�إمنا عليه���ا �أن تنفذ مهمة هذه التيارات يف توطني‬ ‫تاريخي���ة‪ ،‬وقد و�ضعت يف �سي���اق نظام دويل ما الأفكار التي جاءتنا من‬ ‫ع���اد يتي���ح �أدوار ًا تاريخية للأمم و�إمن���ا �أدوار ًا الغرب‬ ‫تابع���ة وخا�ضعة‪ .‬هكذا كان عل���ى الدولة عندنا‬ ‫�أن تعرت����ض الت���داول ال �أن ُت�سهِّ���ل �أمره لأن وظيفتها التاريخي���ة خمتلفة عن الدولة‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫يف ه���ذه ال�سياق‪ ،‬كانت التي���ارات الإيديولوجية املذكورة يف ال�س�ؤال تعمل يف �إطار‬ ‫دول���ة ال تتيح لها وال تتيح لنف�سها تداو ًال لل�سلط���ة‪ ،‬وكانت تقفل كل تداول �إىل احلد‬ ‫ال���ذي يدفع النا�س نحو خيارات التغيري بالق���وة عرب االنقالب الع�سكري �أو احلرب‬ ‫الأهلي���ة �أو االغتي���االت ال�سيا�سي���ة‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬نالح���ظ �أن جانب ًا من م�شكلة‬ ‫التي���ارات الإيديولوجية العربي���ة احلداثية ناجم عن كونها ق���وى �سيا�سية م�ؤدجلة‬ ‫بطريق���ة �سطحية ويف �سياق التبعية للتي���ارات الأم يف الغرب‪ .‬يف املح�صلة جند �أن‬ ‫الغ���رب هو املحر�ض الأكرب على الت���داول ال�سلمي لل�سلطة‪ ،‬ولي�س التكوين املجتمعي‬ ‫الأهل���ي املنف�صل عن الإيديولوجي���ات الغربية والذي ال يدي���ن بيومياته �إىل ال�سوق‬ ‫و�إمنا �إىل الدولة الأمة ذات الر�سالة اخلالدة‪.‬‬ ‫�أم���ا عن الظروف الذاتي���ة لإخفاق التيارات الإيديولوجي���ة العربية املعار�ضة فهو‬ ‫يف ظن���ي يكمن يف تعذر توطن الأفكار التي رفعتها تلك التيارات يف البيئة العربية‪،‬‬

‫“‬

‫‪166‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫�سجــال‬

‫�آراء‬

‫وذل���ك بخالف غريه���ا من اجلماع���ات القومي���ة الأ�صلية التي جنح���ت يف توطني‬ ‫تل���ك الأف���كار الغربية‪ ،‬والإف���ادة منها يف جتاربها اخلا�ص���ة ويف منط اندماجها يف‬ ‫العالقات الدولية‪.‬‬ ‫�إن �إلقاء نظرة على التجربة املارك�سية يتيح االنتباه �إىل توطني هذه الإيديولوجيا‬ ‫يف ال�ص�ي�ن ع�ب�ر املاوي���ة‪ ،‬ويف رو�سي���ا ع�ب�ر اللينيني���ة‪ ،‬ويف كوب���ا ع�ب�ر اجليفارية‬ ‫والبوليفارية‪ ،‬وحتى يف كوريا و�ألبانيا عرب الكورية والألبانية‪ ،‬ناهيك عن املارك�سية‬ ‫الأوروبي���ة الغربي���ة‪ ،‬بيد �أننا مل نح���ظ يف عاملنا العربي مبارك�سي���ة عربية لذا ظلت‬ ‫املارك�سية عندنا هام�شية‪ ،‬ومل يربز دور لل�شيوعيني هنا وهناك يف هذا البلد العربي‬ ‫�أو ذاك �إال يف ق�ضاي���ا قومية كال�صراع العرب���ي – الإ�سرائيلي‪ ،‬و�أظن �أن املارك�سية‬ ‫غ�ي�ر املوطنة هي واحد م���ن �أ�سباب ف�شل جتربة اليم���ن الدميقراطي‪� ،‬إذ كان على‬ ‫الرفاق اجلنوبي�ي�ن املنت�صرين يف حرب حترر وطني �أن يطبقوا نظرية مارك�سية ال‬ ‫�سلطة لهم عليها و�إمنا ترجمها حرفي ًا‪ ،‬و�أحيان ًا بطريقة �سيئة‪ ،‬لبنانيون وم�صريون‬ ‫وعراقيون وتعاطوا معها بطريقة مقد�سة يف حني جتر�أ ماو ت�سي تونغ وقلب �أولويات‬ ‫املارك�سية من العمال �إىل الفالحني والريف لكي تتنا�سب مع ظروف بالده وثورته‪.‬‬ ‫لق���د ف�ش���ل تطبيق املارك�سية يف جن���وب اليمن لأنها مل توط���ن يف البيئة اليمنية‪،‬‬ ‫ولع���ل �أبرز دليل على �سوء توطينها هو بقاء ال���والءات ما قبل املارك�سية هي املحدد‬ ‫الأهم لتويل ال�سلطة وللتنازع حولها‪.‬‬ ‫وم���ا ي�ص���ح على املارك�سي���ة ي�صح عل���ى الليربالي���ة واال�شرتاكية‪ ،‬وم���ا كان لهذه‬ ‫النظري���ات غري املوطنة �إال �أن تنتج نخب ًا �سيا�سية هام�شية كانت تتعر�ض غالب ًا �إىل‬ ‫ال�سج���ن والقم���ع وتلج�أ �إىل العمل ال�س���ري دون �أن تتمكن من ت���ويل زمام ال�سلطة‪.‬‬ ‫وم���ع انهيار احلرب الباردة‪ ،‬وانت�شار مناخات احلري���ة على نطاق �أو�سع ف� ً‬ ‫ضال عن‬ ‫ث���ورة االت�صاالت‪ ،‬الحظنا �أن التيارات الإيديولوجية املذكورة يف ال�س�ؤال بدا وك�أنها‬ ‫غري م�ستعدة وغري مهي�أة ال�ستقبال هذا احلدث‪ ،‬فكان على �سبيل املثال ال احل�صر‬ ‫�أن تعامل جزء كبري م���ن املارك�سيني مع االحتالل الأمريكي للعراق‪ ،‬وتعاطى التيار‬ ‫اللي�ب�رايل يف م�صر والعامل العربي مع الغ���رب بو�صفه حمالة التقدم والتحديث يف‬ ‫ح�ي�ن �صعد الإ�سالمي���ون ومعهم القومي���ون �إىل �صدارة امل�س���رح دون �أن يتمكن �أي‬ ‫م���ن الطرفني من تويل زمام الأمور ب�سبب تكوين ال�سلطة والدولة الأمة وال�سوق يف‬ ‫ف�ضائنا العربي‪.‬‬ ‫خال�صة القول �إن التيارات الإيديولوجية احلداثية يف العامل العربي حتتل موقع ًا‬ ‫هام�شي��� ًا يف خريطة القوى ال�سيا�سية يف بلداننا‪ ،‬وهي �أخفقت من قبل ورمبا تخفق‬ ‫من بعد يف تويل ال�سلطة ب�سبب تكوين ال�سلطة يف دولنا‪ ،‬وب�سبب عجز هذه التيارات‬ ‫يف توطني الأفكار التي جاءتنا من الغرب �أي من بيئة خمتلفة‪.‬‬ ‫في�صل جلول باحث لبناين مقيم يف باري�س‪.‬‬

‫�إنتهازي �أم مخُ لِّ�ص؟‬ ‫كم���ا �أن �إيران ‪ -‬ج���ارة العرب ال�شيعية – ما فتئت تثري اللغط واجل���دل يف �سيا�ساتها الداخلية واخلارجية‬ ‫ال�سن ّية ‪ -‬وجارة الع���رب كذلك ‪ -‬تركيا واملتوثبة للعب دور �إقليمي وعاملي‬ ‫ودوره���ا الإقليمي مع ًا‪ ،‬ف�إن جارتها ّ‬ ‫�أك�ث�ر ت�أث�ي�ر ًا بفعل تراك���م مقومات القوة لديها ب�شكل الف���ت م�ؤخر ًا‪� ،‬أخذت هي الأخ���رى تثري جد ًال مماث ًال‪،‬‬ ‫يقف فيه معظم العرب كالعادة موقف املُتف ّرج املُنف ِعل الذي يقول �أكرث مما يفعل‪ .‬وال �شك يف �أن حالة الفراغ‬ ‫اال�سرتاتيج���ي التي تع���اين منها منطقتنا العربية �أخذت تغري القوى الإقليمية املجاورة ‪ -‬كما هو حال القوى‬ ‫الدولي���ة الك�ب�رى ‪ -‬باقتحام الفجوة القائم���ة والتحرك يف م�ساحاتها املت�شعبة‪ ،‬بحث ًا ع���ن دور �إقليمي قيادي‬ ‫يعزز م�صاحلها الوطنية وامل�شروعة على �أية حال‪.‬‬ ‫لكن �إذا كان كثري من العرب ‪� -‬أنظمة ونخب ًا ‪ -‬يظهرون ارتياب ًا �إزاء ال�سيا�سات الإقليمية الإيرانية‪ ،‬ف�إنهم‬ ‫يب���دون مرتبكني �إزاء نظرتهم وتقييمهم لل���دور الرتكي البازغ يف �سماء هذا الف�ضاء اجليو�سرتاتيجي الفائق‬ ‫الأهمية‪ .‬فبينما يقف البع�ض مبهور ًا بهذا الدور‪ ،‬وم�أخوذ ًا ب�سيا�ساته الناعمة وظالله الإ�سالمية‪ُ ،‬معت ِقد ًا �أن‬ ‫ال���دور الرتكي يقدم للع���رب فر�صة مواتية على طبق من ذهب‪ ،‬ال�ستعادة توازنهم املفقود من خالل االعتماد‬ ‫على �شريك �إقليمي قوي ُيعتد بدوره اخلالق كثري ًا؛ جند البع�ض يبدون ت�شككهم يف �أ�س�س وم�ضامني التوجهات‬ ‫الرتكي���ة اجلديدة‪ ،‬ويرون يف تركيا منوذج��� ًا �آخر للرباجماتية (�إن مل يكن االنتهازي���ة) ال�سيا�سية‪ ،‬و�أنها لن‬ ‫تق���دم الكث�ي�ر للعرب التواقني لتج���اوز �ضعفهم وتخ ّبطهم عل���ى الأ�صعدة كافة من طري���ق االعتماد على قوة‬ ‫جارهم «الأنا�ضويل» ومنوذجه اجل ّذاب يف التخطيط اال�سرتاتيجي‪� ،‬سيا�سي ًا واقت�صادي ًا وح�ضاري ًا‪.‬‬ ‫يف «�سجال» هذا العدد‪ ،‬نعر�ض كال الر�أيني املت�ضادين �إزاء الدور الرتكي ال�صاعد يف املنطقة‪ ،‬ع ّلنا ن�سهم‬ ‫يف بل���ورة �ص���ورة �أكرث �شمولية للمو�ضوع املطروح‪ ،‬ت�ساعدنا على اخلروج م���ن �إ�سار الثنائيات املعهودة‪ ،‬والتي‬ ‫رج���ة يف زمن حافل باملتغريات‪ ،‬ال عزاء فيه‬ ‫مل تنف���ك جدلياته���ا املت�ضاربة جتعلنا نراوح مكاننا مكتفني بال ُف َ‬ ‫تفرجني!‬ ‫لأمثالنا من املُ ِّ‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪167‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�سجـ ــال‬

‫ال تراهنـوا كثيـراً‬ ‫على الدورالرتكي‬ ‫عياد البطنيجي‬

‫‪ayyadalbutniji@hotmail.com‬‬

‫�أم�س ��ى ال ��دور الرتك ��ي مادة د�سمة للت ��داول يف عاملنا العرب ��ي‪� ،‬إذ ال تكاد تخل ��و �صحيفة �أو موقع‬ ‫�إلك�ت�روين م ��ن خ�ب�ر �أو مقال ع ��ن تركيا‪ .‬فارتفع �سق ��ف توقع ��ات الع ��رب وازدادت �آمالهم‪ ،‬وهي‬ ‫توقعات �أ�سرية �أوهام �أكرث مما هي تعبري عن الواقع الفعلي لقدرات تركيا‪ .‬ونحن ال ندّعي ذلك‬ ‫اف�ت�راءً‪ ،‬فيكف ��ي �إلقاء ال�ضوء على التعبريات امل�ستخدم ��ة يف و�صفهم للدور الرتكي حتى يتبني‬ ‫ذل ��ك (�سن�ش�ي�ر له ��ا الحقاً يف ه ��ذا املقال‪ ،‬وملن يري ��د اال�ستزادة ميكنه مراجع ��ة مقالنا‪« :‬خطاب‬ ‫املثقفني العرب جتاه ال�صعود الرتكي»‪ ،‬منرب احلرية‪ ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.) 2010‬‬ ‫امتلك الدور الرتكي‬ ‫�صناعة الوهم‬ ‫بالفعل بع�ض النجاحات احلقيقية التي ال ميكن �إنكارها‪ ،‬ومع‬ ‫ذل����ك‪ ،‬يرتك����ب املراقبون �أخط����ا ًء يف فهم هذا ال����دور‪ ،‬ويعود‬ ‫ذلك �إىل العديد من الأ�سباب‪� ،‬أبرزها‪:‬‬ ‫�أوالً‪ :‬تعم����ل تركي����ا‪ ،‬كما هي �إيران‪ ،‬عل����ى ا�ستمالة بع�ض‬ ‫الكت����اب الع����رب؛ للرتوي����ج لدوره����ا‪ ،‬وت�سويق����ه �إىل اجلمهور‬ ‫العرب����ي‪ ،‬عن طريق امل����ال �أو بدعوتهم �إىل تركي����ا واالحتفاء‬ ‫به����م‪ .‬وهك����ذا‪ ،‬ي�صبح املطل����وب من الع����رب القب����ول املطلق‬ ‫برتكي����ا‪ ،‬وت�سهيل مهمتها‪ ،‬هكذا م����ن دون �شروط‪ .‬و�أكرث من‬ ‫ذلك‪ ،‬يدعو البع�����ض �إىل اال�ستثمار العربي يف الدور الرتكي؛‬ ‫لأنن����ا كع����رب �ضعفاء غ��ي�ر قادرين عل����ى حماي����ة �أنف�سنا من‬ ‫�إ�سرائيل و�إيران‪ ،‬فلي�س لنا �إال تركيا املخلّ�ص النهائي جلميع‬ ‫�أزماتن����ا؛ �إذ �ستدفع �إ�سرائيل �إىل عملي����ة ال�سالم مع العرب‪،‬‬ ‫و�سرت ِوّ�ض التمدد الإيراين وحتتويه‪.‬‬ ‫�أمام ه����ذا الت�صور‪ ،‬ما ه����ي نتيجة الو�ساط����ة الرتكية بني‬ ‫�إ�سرائي����ل و�سورية؟ هل حققت �شيئا؟ مل����اذا مل ت�ستطع تركيا‬ ‫‪168‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫‪ ،5 - 4168‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫العددان‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫�أن ت�ضغط على �إ�سرائيل‪ ،‬ودفعها �إىل القبول بعملية ال�سالم‪،‬‬ ‫لي�س م����ع العرب جميع ًا كما يذهب �صاحبن����ا‪ ،‬و�إمنا يكفي مع‬ ‫�سوري����ة فقط؟! وملاذا افرت�ض �صاحبنا املبهور بالدور الرتكي‬ ‫�أن الأخ��ي�رة �ستعم����ل عل����ى احت����واء التمدد الإي����راين؟ ما هو‬ ‫املُ�ضمَ����ر هنا؟ �ألي�س من املحتمل �أن تتف����ق تركيا و�إيران على‬ ‫تق�سي����م النف����وذ بينهما يف ظ����ل غياب الدور العرب����ي؟! �ألي�س‬ ‫احتواء تركيا للتمدد الإيراين ي�ؤدي �إىل توتري العالقة الرتكية‬ ‫– الإيرانية‪ ،‬وهذا يخالف مبد�أ املوازنة وت�صفري امل�شكالت‪،‬‬ ‫التي يراه����ن عليها �صاحبنا كثري ًا يف تقومي����ه للدور الرتكي!‬ ‫مل����اذا مت ال�سك����وت عن هذه اخليارات؟ وقب����ل ذلك‪ ،‬هل يقبل‬ ‫ح����زب العدالة والتنمية (احلاكم يف تركي����ا) �أن يلعب دور ًا يف‬ ‫�سيا�ساته م����ن هذا النوع؟ فرتكيا لن تك����ون جزء ًا من موقف‬ ‫عرب����ي له طابع مذهبي �ضد النفوذ الإي����راين‪ .‬هكذا تقت�ضي‬ ‫م�صلحة تركيا‪.‬‬ ‫ثاني��اً‪ :‬يتحكم منظور عقدي �أو �أيديولوجي عند املحللني‬ ‫لل����دور الرتكي‪ ،‬ف��ل�ا يقر�ؤون����ه �إال من خ��ل�ال �إيديولوجياتهم‬ ‫عياد البطنيجي باحث فل�سطيني يف العلوم ال�سيا�سية‪.‬‬

‫اجلغ����رايف يف �سيا�س����ة تركي����ا اخلارجي����ة؟‬ ‫اخلا�ص����ة‪ .‬هذا النوع من املحللني ال يرون حتى‬ ‫وهكذا مع باقي املحددات‪.‬‬ ‫�أنف�سهم �إال كاللون الذي و�ضعوه على �أعينهم‪،‬‬ ‫أعلنت‬ ‫�‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫منذ‬ ‫فينظرون �إىل الدور الرتكي باللون الذي يحب‬ ‫ض��ل�ا ع����ن ذلك‪ ،‬ف�����إن وج����ه اخلط�أ يف‬ ‫ف� ً‬ ‫�أن ي����روه ب����ه‪ .‬وهك����ذا ينع����زل ه�����ؤالء يف مغارة تركيا عن مرتكزات‬ ‫�سيا�ستها اخلارجية‪ ،‬حتليل القوة الرتكية يتجلى يف �أمرين‪ :‬الأول‪،‬‬ ‫�أن القوة‪ ،‬كظاهرة �إن�سانية و�سيا�سية ب�شكل‬ ‫�شخ�صي����ة‪ ،‬و�أحكامه����م املت�سرع����ة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬انربى املحللون يف‬ ‫ي�صبح ال����دور الرتكي يرم����ي �إىل “الدفاع عن حتليل الدور الرتكي خا�ص‪ ،‬تخ�ص الكيف ولي�س الكم‪ .‬ومن هنا‪،‬‬ ‫�أهل ال�سنة �ض����د الأحالم ال�صفوية ال�شيعية”‪،‬‬ ‫ما هو نوع القوة التي متلكها تركيا؟ خُ ذ على‬ ‫من خالل هذه‬ ‫ويردون ال�سبب يف التغيري الذي حلق ال�سيا�سة املبادئ‪ ،‬دون نقد �أو �سبي����ل املث����ال ال احل�صر نوعية الق����وة التي‬ ‫اخلارجي����ة �إىل “�صح����وة �ضم��ي�ر امل�سئول��ي�ن متحي�ص علمي لها‪ ،‬حتوزها �إ�سرائيل‪ ،‬فهي تتمتع بقدرات نوعية‬ ‫ومدى جديّة هذه‬ ‫الأتراك”‪.‬‬ ‫يف جمال املعلومات‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬والتقنية‬ ‫ال�صاخبة‬ ‫ال�شعارات‬ ‫الع�سكرية‪ ،‬وال�صناعة والزراعة‪ ،‬وتقدم يف‬ ‫وهك����ذا‪ ،‬يُثبِت ال�شعب الرتك����ي ب�أنه “�شعبٌ‬ ‫ه����ذه املج����االت للعامل م����ا ال ت�ستطيع تركيا‬ ‫م����ن �أف�ض����ل �شع����وب امل�سلمني”؛ لأن����ه “�شعب‬ ‫تقدمي ج����زء منه‪ ،‬وحتى تركي����ا تعتمد على‬ ‫يتمي����ز بحم َيّة �إ�سالمية عالي����ة‪ ،‬وبرُوح �إميانية‬ ‫ضال عن ق����وة اللوبي اليهودي‬ ‫رائع ��ة”‪ ،‬وبع����ودة تركيا “تع����ود اخلالفة”‪ .‬ال نري����د �أن نُف ِنّد �إ�سرائي����ل يف بع�ض املجاالت‪ .‬ف� ً‬ ‫ه����ذه الأ�سط����ورة التي ت�ص����ور تركي����ا كـ”قب�ض����اي �إقليمي”‪ ،‬يف الع����امل‪ ،‬وبخا�صة يف الواليات املتح����دة الأمريكية‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫وك����دور �صالح الدي����ن الأيوبي يف التاري����خ الإ�سالمي‪ ،‬وباعثة �إىل الدعم امل����ادي واملعنوي الغربي لإ�سرائيل وتعاطفه معها‪،‬‬ ‫ال����روح الإ�سالمي����ة من جدي����د‪ ،‬و�أمل للخالف����ة ال�ضائعة؛ لأن وق����ارن ذل����ك برتكيا‪ ،‬لندرك �أن القوة ه����ي يف النوع ولي�س يف‬ ‫اخلط����ل وا�ضح ب�شكل جل����ي للقارئ النبي����ه‪ .‬ورغم �أن‪ ‬مالمح الكم فقط‪.‬‬ ‫ال�سيا�سة‪ ‬الرتكية‪ ‬م����ا زالت قي����د الت�شكل‪ ،‬وق�سم����ات امل�شروع‬ ‫الأم����ر الثاين‪� ،‬أن القوة هي ظاهرة ن�سبية‪ ،‬وبالتايل فنحن‬ ‫الرتك����ي مل تتبلور بعد‪ ،‬بيد �أن ه�����ؤالء �أ�صدروا �أحكام ًا قطعية ال ن�ستطي����ع معرفة حقيقة قوة دولة ما �إال من خالل مقارنتها‬ ‫ويقيني����ة‪ ،‬يف الوقت الذي تُبني القراءة الهادئة ل�سيا�سة تركيا بدول����ة �أخرى‪ .‬فم����ن خ��ل�ال املقارنة نُق ِّي����م ونفه����م الأ�شياء‪،‬‬ ‫اخلارجية‪� ،‬أنها كانت دائم ًا حذرة ن�سبياً‪ ،‬ومرتددة‪ ،‬وممزقة ونع����رف حقيقة قوة كل دول����ة �أو الالعب ال�سيا�س����ي‪ ،‬فقوة �أو‬ ‫ب��ي�ن ال�شرق والغرب‪ ،‬وب��ي�ن العزلة واالندم����اج‪ .‬وعليه ي�صبح �ضع����ف �أي الع����ب دويل مرتبطان بق����وة �أو �ضعف العب دويل‬ ‫م�شروع����اً‪ ،‬واحلال����ة ه����ذه‪� ،‬أن نت�ش����كك يف ا�ستمرارية وثبات �آخ����ر‪ .‬وهكذا نق����ول‪� :‬إن القوة ظاهرة ن�سبي����ة‪ ،‬فقوة �أي العب‬ ‫�سيا�ستها جتاه املنطقة العربية‪.‬‬ ‫هي �ضعف لالعب الآخ����ر‪ ،‬وبخا�صة �إذا كانت العالقة بينهما‬ ‫ثالث��اً‪ :‬يقر�أ البع�����ض الدور الرتكي ب�أث����ر رجعي‪� ،‬إن جاز �صراعي����ة‪ .‬وعلي����ه‪ ،‬فرتكيا قوي����ة بالن�سبة ملن؟ م����ن امل�ؤكد �أن‬ ‫الق����ول‪ .‬فبمج����رد �أن طرح����ت تركي����ا نف�سه����ا عل����ى ال�ساح����ة تنام����ي الدور الرتك����ي لن يكون على ح�ساب ال����دول القوية يف‬ ‫الإقليمي����ة‪ ،‬ب����د�أوا بق����راءة الق����درات الرتكي����ة االقت�صادية‪ ،‬املنطق����ة‪ ،‬بل على ح�ساب الدول ال�ضعيفة‪ ،‬ونق�صد هنا الدول‬ ‫واجليو�سيا�سية‪...‬ال����خ‪ ،‬وتكييفه����ا مب����ا يتنا�س����ب م����ع ط����رح العربية‪.‬‬ ‫اخلا�ص����ة‪ .‬بعبارة‬ ‫ّ‬ ‫م�شروعه����ا‪ ،‬ومب����ا ين�سجم م����ع توجهاته����م‬ ‫رابع��اً‪ :‬ع����دم الرب����ط والتمييز ب��ي�ن ال�ش����كل وامل�ضمون‪.‬‬ ‫�أخ����رى‪ ،‬فب����د ًال م����ن قيا�����س حقيقي لق����وة تركي����ا؛ ملعرفة هل فمن����ذ �أن �أعلنت تركيا ع����ن مرتكزات �سيا�سته����ا اخلارجية‪،‬‬ ‫تتنا�س����ب هذه القوة مع امل�شروع الرتك����ي �أم ال؟ نقول بد ًال من ان��ب�رى املحلل����ون يف حتلي����ل ال����دور الرتك����ي من خ��ل�ال هذه‬ ‫ذلك‪ ،‬يذهب املنبهرون بامل�شروع الرتكي‪� ،‬إىل تكييف قدراتها املب����ادئ‪ ،‬دون نق����د �أو متحي�ص علمي لها‪ ،‬وم����دى جديّة هذه‬ ‫وقوتها مع رغباتهم و�أهوائهم‪ .‬وهكذا‪ ،‬ت�صبح تركيا متلك من ال�شع����ارات ال�صاخبة‪ ،‬ودون الت�سا�ؤل عن �أ�صول هذه املبادئ‪،‬‬ ‫القدرات ما ي�ؤهلها لإنفاذ م�شروعها‪ .‬هكذا بكل ب�ساطة‪ ،‬دون ومدى ق����درة تركيا عل����ى اال�ستمرار بها‪ .‬وهك����ذا �شكلت هذه‬ ‫�أن يتح����دث �أحد ع����ن الكيفية التي ت�ؤثر فيه����ا هذه املحددات الكلي�شيه����ات �سلط ًة ا�ستطاع����ت �أن ت�أ�سِ ����ر البع�ض وتقحمهم‬ ‫ضال عن ذل����ك‪ ،‬فبمجرد حت�سّ ن‬ ‫عل����ى ال����دور الرتكي! فمثالً‪ ،‬كي����ف ي�ؤثر املح����دد اجلغرايف �أو يف ت�ص����ورات غري واقعية‪ .‬ف� ً‬ ‫ال�سكاين يف الدور الرتكي؟ و�أين هي العالقة بني اجلغرافيا �أو العالقة التجارية بني تركيا و�سوريا‪ ،‬ذهب البع�ض �إىل و�صف‬ ‫ال�س����كان والدور الرتكي؟ وكيف ت�ؤثر الكتلة ال�سكانية �أو املوقع ه����ذه العالق����ة بالعالق����ة الإ�سرتاتيجية والتحالفي����ة‪ ،‬رغم �أن‬ ‫‪2010‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫‪169‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪169‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�سجـ ــال‬

‫البلدين مل يحال �أي ًا من املع�ضالت البنيوية العالقة بينهما مثل الرتكي‪ ،‬وكلها مهمة والبد �أن ت�أخذ حقها يف البحث والدرا�سة‪،‬‬ ‫��ل�ا حا�سم ًا وراء ه����ذا التحول‪ ،‬وهو‬ ‫ولك����ن الحظنا �أن ثمة عام ً‬ ‫احلدود واملياه‪.‬‬ ‫خام�س��اً‪ :‬يغل����ب التحلي����ل املجت����ز�أ واالنتقائ����ي للظاه����رة ثم����رة للأحوال املكانية‪� ،‬أي حتت �ضغ����ط اجلغرافيا ال�سيا�سية‬ ‫الرتكي����ة‪ ،‬دون ت�أم����ل تراب����ط الأ�شي����اء جميع����اً‪ ،‬فال�ش����يء يتلو لرتكي����ا‪ ،‬معطوف ًا على اع��ت�راف دويل بهذا التح����ول‪ .‬والحظنا‬ ‫ال�ش����يء يف نظام مرتابط‪ .‬وهكذا‪ ،‬ف�����إن التحول الرتكي ما هو �أي�ض���� ًا �أن هذا العامل احلا�سم ي�ش����كل يف بع�ض الأحيان عامل‬ ‫�إال “�صح����وة �ضم��ي�ر امل�سئول��ي�ن الأت����راك”‪� ،‬أو ب�سب����ب التوجه �إعاق����ة للدور الرتكي‪ .‬ويعترب البن����اء اجلغرايف لرتكيا ملتب�ساً‪،‬‬ ‫الإ�سالم����ي حلزب العدالة والتنمي����ة‪� ،‬أو ب�سبب ف�شل االن�ضمام فج����زء منه واقع يف �أوروبا والث����اين يف �آ�سيا‪ ،‬وبالتايل فهو غري‬ ‫�إىل االحتاد الأوروب����ي‪ ،‬دون �أن يتم الربط بني ت�أثري املتغريات حم����دد بطريق����ة نهائي����ة‪ ،‬و�إن �شئنا الدق����ة فهو بن����ا ٌء تائ ٌه بني‬ ‫ضال عن ذلك‪ ،‬ثمة �آ�سي����ا و�أوروب����ا‪ .‬وحتي����ط برتكي����ا جمموعة من ال����دول العالقة‬ ‫الداخلي����ة واخلارجية على هذا التح����ول‪ .‬ف� ً‬ ‫افتقار �إىل املعرفة الكاملة بالنظام ال�سيا�سي الرتكي ومراحل معها ترتاوح بني التع����اون وال�صراع‪ .‬ويتميز البناء االجتماعي‬ ‫تط����وره‪ .‬فمث ًال يُ�شاع خط�����أً �أن مبد�أي “املوازن����ة” و”امل�سالك الرتك����ي بتكوين عرقي ودين����ي ولغوي متعدد‪ ،‬وتلع����ب العوامل‬ ‫املتع ��ددة” هما من اج��ت�راح (وزير اخلارجي����ة احلايل) �أحمد الإقليمية يف كثري من الأحيان على �إثارة م�شكالت جتاه التكوين‬ ‫داود �أوغل����و‪ ،‬هكذا دون �ساب����ق �إنذار‪ ،‬رغم �أن هذه املبادئ هي االجتماع����ي املتنوع‪ .‬ومنذ انهي����ار االحت����اد ال�سوفيتي‪ ،‬تبدلت‬ ‫امتداد طبيع����ي‪ ،‬وت�أكيد لدور من قبله من ال�سيا�سيني الأتراك اجلغرافي����ا ال�سيا�سية لرتكي����ا‪ ،‬فرتك الأثر الكب��ي�ر على تبدل‬ ‫�أمث����ال �سليمان دميريي����ل مثالً‪ ،‬الرئي�س التا�س����ع لرتكيا‪ ،‬الذي �سيا�ستها اخلارجية‪ ،‬بغية تكييفها مع املتغريات اجليو�سيا�سية‬ ‫�أعل����ن يف الع����ام ‪� 1976‬أن «بالده تف�ضل �إتب����اع �سيا�سة متعددة اجلديدة‪ .‬وهكذا فعقد الت�سعينيات يعترب املقدمات ال�ضرورية‬ ‫اجلوان����ب بد ًال م����ن �أن تك����ون معتمدة على العالق����ات مع دولة لهذا “التحول اال�سرتاتيجي”‪.‬‬ ‫وكان م����ن نتائ����ج هذه التح����والت‪� ،‬أن فقدت تركي����ا �أهميتها‬ ‫ن�ص على �أن تركيا‬ ‫واحدة»‪� ،‬إ�ضافة �إىل بروتوكول ‪ ،1982‬الذي ّ‬ ‫الإ�سرتاتيجي����ة‪ ،‬كقلع����ة �أطل�سي����ة‪ ،‬يف مواجه����ة‬ ‫حد واحد �أبداً»‪ .‬ويكرر‬ ‫«ل����ن تنتهج �سيا�سة ذات ٍ ّ‬ ‫التهدي����د ال�سوفيت����ي‪ .‬وبالتايل يظه����ر جمدد ًا‬ ‫اليوم �أوغلو مرة �أخرى هذه املبادئ‪ .‬وهذا ما‬ ‫هاج�����س اخل����وف م����ن تهمي�ش ال����دور الرتكي‪.‬‬ ‫يلفت ب�ش����كل وا�ضح �إىل �أنه لي�����س من ال�سهل‬ ‫تركيا يف موقع‬ ‫�إ�ضاف����ة �إىل بروز خم�س جمهوري����ات �سوفيتية‬ ‫حتقي����ق ه����ذه املب����ادئ‪� ،‬إذ بقي����ت ال�سيا�س����ة جيوبوليتكي غري‬ ‫م�سلمة ا�ستقلت‪ ،‬هي ذات �أ�صول عرقية تركية‪،‬‬ ‫مريح‪ ،‬ومثقل‬ ‫اخلارجية الرتكية “وحيدة البعد” �أو “وحيدة‬ ‫وحتت‬ ‫بالتناق�ضات؛‬ ‫و�ضعت حتديات كربى �أم����ام ال�سيا�سة الرتكية‬ ‫االجت����اه” ومنح����ازة نح����و الغ����رب‪ .‬ولكن من‬ ‫املالح����ظ �أنه يف الفرتة الأخ��ي�رة حدث تغيري �ضغط جريانها‪ ،‬لذا جتاه �آ�سيا الو�سطى التي متثل مركز ًا �آ�سيوي ًا ذا‬ ‫على ذلك‪ ،‬بيد �أن تركيا تواجه تعقيدات جتاه تتعدد اجتاهاتها‪،‬‬ ‫ت�أثري متوقع يف ال�سيا�سة العاملية للدول الكربى‪،‬‬ ‫�إنفاذه����ا‪ .‬فهل ينجح �أوغل����و؟! وهذا ي�شي ب�أن وعليه‪ ،‬يت�ضح �أن‬ ‫ض��ل�ا عن تناف�س دول عدي����دة على النفوذ يف‬ ‫ف� ً‬ ‫يلعب‬ ‫اجلوار الإقليمي‬ ‫تلك املنطقة يف طليعتها �إيران ورو�سيا و�إ�سرائيل‬ ‫ثم����ة عوائق مو�ضوعية تق����ف حجر عرثة �أمام دور ًا بالغ ًا جتاه �آمال‬ ‫و�أم��ي�ركا وباك�ستان‪ ،‬بالإ�ضاف����ة �إىل الأطراف‬ ‫�إنفاذها‪.‬‬ ‫الأتراك التنموية‬ ‫البعيدة مثل الياب����ان وكوريا اجلنوبية‪ .‬وهكذا‬ ‫�إنفاذ‬ ‫الدور الرتكي املُكبّل‬ ‫�أ�صبحت �آ�سي����ا الو�سطى‪ ،‬دائ����رة جيوبوليتكية‬ ‫الدور الرتكي منوط بامتالك مقومات القيام‬ ‫يف غاي����ة الأهمي����ة‪ ،‬و�ساح����ة مفتوح����ة للتجاذب‬ ‫ب����ه‪ ،‬والقب����ول ب����ه داخلي���� ًا وخارجياً‪ .‬يث����ار جدل ح����ول �أ�سباب الإقليم����ي وال����دويل‪ .‬فالإمكاني����ات املتفوق����ة الت����ي متلكها هذه‬ ‫“التح����ول اال�سرتاتيج����ي” لرتكيا‪ .‬امل�شكلة هن����ا �أن الباحثني ال����دول قد تكون عامل �إعاقة �أم����ام ال�سيا�سة الرتكية الكت�ساب‬ ‫الع����رب يذكرون متغريات عدي����دة‪� ،‬أو يركزون على دور وحيد‪ ،‬النف����وذ‪� ،‬إذ قد تعج����ز الإمكانات الذاتية لرتكي����ا على مناف�سة‬ ‫يف�س����رون م����ن خالله����ا ه����ذا “التح����ول”‪ ،‬دون ترتي����ب �أهمية هذه ال����دول‪ .‬وبالت����ايل ف�إن جن����اح �سيا�ستها يف ه����ذه املنطقة‬ ‫املتغريات ح�س����ب وزنها الن�سبي‪ ،‬حتى ميك����ن حتديد امل�ؤثرات مرهون بعدم ا�ستفزاز الدول التي لها م�صالح هناك‪.‬‬ ‫والأ�سباب للو�صول �إىل فهم وا�ضح‪ ،‬ونتيجة تعي تلك املتغريات‬ ‫وعليه‪ ،‬يتبني لنا �أن املوق����ع اجلغرايف املتميز لرتكيا‪ ،‬والذي‬ ‫املختلفة وراء هذا “التحول”‪.‬‬ ‫يتغنّى ب����ه املراقبون‪ ،‬رغم �أنه يُ�شكل رافعة لرتكيا ما يجعل لها‬ ‫هن����اك العدي����د م����ن العوام����ل الت����ي كان����ت وراء “التحول” مكان����ة جيو�سرتاتيجية‪ ،‬بي����د �أنه يف الوقت ذات����ه فر�ض عليها‬ ‫‪170‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫‪ ،5 - 4170‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫العددان‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫قي����وداً‪ .‬والأه����م م����ن كل ذلك‪ ،‬هو ب����زوغ ال����روح الرو�سية من بوا�شنط����ن‪ ،‬واال�ستمرار يف التحالف الغربي والعك�س �صحيح‪.‬‬ ‫جدي����د‪ ،‬وعودته����ا كقوة دولي����ة ذات نفوذ‪ ،‬م����ا يُعرّ�ض �سيا�سة وبالتايل‪ ،‬ف�����إن العالقات الرتكية ‪ -‬الأمريكي����ة «كانت تتو�سع‬ ‫تركيا اخلارجية جتاه منطقة �آ�سيا الو�سطى للعرقلة والتحدي كلما وجد الطرفان �ضرورة لتو�سع مفهوم الأمن لي�شمل ق�ضايا‬ ‫ُذكّ����ر الأتراك بحقب����ة اخلط����ر ال�سوفيتي‪ ،‬ال�سيا�س����ة واالقت�ص����اد والثقاف����ة»‪ .‬ف�آ�سي����ا الو�سط����ى وال�شرق‬ ‫الرو�س����ي‪ ،‬وه����ذا ي ِ‬ ‫ويح����ول دون تف����رّد �سيا�سة تركيا جتاه دائ����رة �آ�سيا الو�سطى‪ .‬الأو�سط يُ�شكالن مناطق جيو�سيا�سية‪ ،‬ال ي�سمح عمالقة القوة‬ ‫فرو�سيا قادرة على كبح التو�سع الرتكي يف حال امتلكت �أنقرة بالعبث بها‪ .‬ويدرك الأتراك �أن معاجلة امل�شكالت االقت�صادية‬ ‫�إيديولوجيا تو�سعية �أو �إذا تعاطت مبنظور �إيديولوجي �إ�سالمي تتطلب م�ساعدة الدول الكربى‪ ،‬وبخا�صة �أمريكا‪ ،‬ومن خالل‬ ‫امل�ؤ�س�سات املالية الدولية‪.‬‬ ‫لتحد ما‪.‬‬ ‫�أو قوموي‪� ،‬أو عرّ�ضت م�صالح رو�سيا ٍ ّ‬ ‫وبخ�صو�����ص الدائ����رة اجلغرافية الأخ����رى واملهمة لرتكيا‪،‬‬ ‫بالتايل‪ ،‬ف�إن حتقي����ق م�صالح تركيا وتلبية احتياجاتها من‬ ‫الطاقة قد تتعر�ض لتحديات‪ ،‬وبخا�صة �أن تركيا �إحدى الدول �أي ال�ش����رق الأو�س����ط‪ ،‬ف�إن الأخ��ي�ر يتميز باال�ستق����رار‪ ،‬ويعد‬ ‫امل�ست����وردة للنفط والغاز‪ ،‬وهي ال متلك �إال القليل من الو�سائل منطق����ة مهم����ة ا�سرتاتيجي���� ًا واقت�صادي����اً‪ ،‬وجاذب����ة لل����دول‬ ‫اخلا�صة الالزمة لتحقي����ق م�صاحلها يف �آ�سيا الو�سطى وبحر الك��ب�رى التي ترتبط م�صاحلها احليوية بهذه املنطقة وتتعدد‬ ‫قزوي����ن؛ فنج����اح �سيا�ستها هن����ا يتوقف يف املق����ام الأول على م�صاحله����ا‪ ،‬وال����دور الرتك����ي هن����ا مرتب����ط بع����دم ا�ستفزاز‬ ‫الدع����م ال�سيا�سي من قبل وا�شنطن‪ ،‬وعدم ا�ستفزاز ال�سيا�سة م�صالح هذه الدول‪ .‬فمن املالحظ مث ًال �أن تركيا ت�ؤكد يف كل‬ ‫الرو�سية‪ ،‬واحلفاظ على �سيا�سة متوازنة‪ .‬يفر�ض هذا النمط حتركاتها عل����ى �أن دورها لن يكون عل����ى ح�ساب �أحد‪ ،‬مبعنى‬ ‫املعق����د واملت�شاب����ك من عالق����ات الطاقة عملي����ة موازنة بالغة �أن اجلغرافي����ا ال�سيا�سي����ة لل�شرق الأو�س����ط‪ ،‬وتكالب م�صالح‬ ‫ضال عن وجود �إ�سرائيل القلعة‬ ‫الدق����ة م����ن جانب تركي����ا‪ ،‬و�أال ت�أخذ �صفة الثنائي����ة‪ ،‬بل �صفة الدول الكربى على املنطقة‪ ،‬ف� ً‬ ‫التعددية على الأمن����اط ال�سيا�سية واالقت�صادية يف تفاعالتها الغربي����ة والالعب الرئي�س؛ كل ذل����ك يُك ِبّل من حرية احلركة‬ ‫الرتكي����ة‪ ،‬ويكبحه����ا م����ن الذهاب بعي����د ًا عن‬ ‫مع الدول ذات ال�صلة بعالقات الطاقة‪ ،‬ومت�سقة‬ ‫�سيا�سة الدول الكربى وبالتحديد وا�شنطن‪.‬‬ ‫مع امل�صالح ال�سيا�سية واالقت�صادية حللفائها‬ ‫الأمريكيني‪ ،‬والأوروبيني‪ .‬وهذا يتطلب القدرة جيوبوليتيك ال�شرق فم����ن املالحظ مث ًال �أن تركيا ظلت حري�صة‬ ‫على �أال مت�س تداعيات �أزمة �أ�سطول احلرية‬ ‫عل����ى االلتزام مبب����ادئ “املوازنة” و”امل�سالك الأو�سط يجعل من‬ ‫جوه����ر العالق����ات الإ�سرائيلي����ة – الرتكية‪.‬‬ ‫املتعددة”‪.‬‬ ‫�إمكانية �أن تكون‬ ‫ضال ع����ن االحتالل الأمريكي للعراق الذي‬ ‫وهكذا نفهم كيف اجرتح �أوغلو مقاربته حتت تركيا «ر�أ�س حربة» ف� ً‬ ‫ت�أثري ال����دور احلا�س����م للجغرافي����ا ال�سيا�سية‪ .‬يف �سيا�سات ال�شرق‬ ‫دفع الأت����راك �إىل االهتمام بال�ش�أن العراقي‬ ‫�شك‪،‬‬ ‫فرتكيا يف موقع جيوبوليتكي غري مريح‪ ،‬ومثقل �أو�سطية مو�ضع‬ ‫ملا يت�صل ذلك بو�ضع الأك����راد‪ ،‬و�أزمة امللف‬ ‫بالتناق�ضات؛ وحتت �ضغط جريانها‪ ،‬لذا تتعدد ويحد من قدرتها على النووي الإيراين‪ .‬وهكذا يتبني لنا كيف لعبت‬ ‫�أن تلعب دور ًا‬ ‫اجلغرافيا ال�سيا�سية لرتكيا دور ًا حا�سم ًا يف‬ ‫اجتاهاتها‪ .‬وعلي����ه‪ ،‬يت�ضح �أن اجلوار الإقليمي‬ ‫جهود‬ ‫يف‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫كبري‬ ‫اج��ت�راح املبادئ التي ي�س��ي�ر عليها �أوغلو يف‬ ‫يلعب دور ًا بالغ ًا جت����اه �آمال الأتراك التنموية‪،‬‬ ‫ال�سالم باملنطقة‬ ‫ت�سيري دفة ال�سيا�سة اخلارجية لبالده‪.‬‬ ‫مما يتطل����ب االنفتاح ال�سيا�س����ي واالقت�صادي‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�����إن جيوبوليتيك ال�شرق الأو�سط‬ ‫على ه����ذا اجلوار ال�ضاغط‪ ،‬الذي ميثل جما ًال‬ ‫يجع����ل م����ن �إمكاني����ة �أن تك����ون تركي����ا “ر�أ�س‬ ‫حيوي���� ًا لنم����و عالقاته����ا االقت�صادي����ة‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫حرب ��ة” يف �سيا�سات ال�شرق �أو�سطي����ة مو�ضع �شك‪ ،‬ويحد من‬ ‫جتاه املنطقة العربية و�إيران و�آ�سيا الو�سطى‪.‬‬ ‫وم����ن هن����ا يتبني م����دى �صعوبة و�ض����ع الأت����راك اجلغرايف‪ ،‬قدرتها عل����ى �أن تلعب دور ًا كبري ًا يف جه����ود ال�سالم والتوفيق‬ ‫فرتكي����ا واقع����ة بني �سن����دان �آ�سي����ا الو�سطى ومطرق����ة ال�شرق ب��ي�ن الفل�سطينيني والإ�سرائيليني �أو بني �سوريا و�إ�سرائيل؛ لأن‬ ‫الأو�س����ط‪ ،‬والرغبة يف االندم����اج بالغرب‪ ،‬مما يخل����ق �شعور ًا ذل����ك يعتمد بالأ�سا�س على قبول ه����ذه الدول لدور تركيا �أكرث‬ ‫بوجود قدر كب��ي�ر من املخاطر لديها يفاق����م الإح�سا�س العام م����ن الق����درات الذاتية للأخ��ي�رة‪ ،‬و�ستظل قا�ص����رة عن تغيري‬ ‫بال�ضي����ق وعدم االطمئنان‪ ،‬يدفعه����ا �إىل اال�ستمرار بالروابط م�سار اجليوبوليتيك �سواء على �صعيد ال�شرق الأو�سط �أو �آ�سيا‬ ‫الدفاعي����ة مع وا�شنط����ن وحلفائها الغربيني م����ن خالل حلف الو�سط����ى‪ .‬ومع ذلك تبقى تركيا مهم����ة لأنها الو�سيط الوحيد‬ ‫الناتو؛ لأنه كلما تعر�ضت تركيا لتحديات �أمنية زاد ارتباطها الذي ميتلك عالقات جيدة مع اجلميع‪.‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫‪171‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪171‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�سجـ ــال‬

‫تركيا قوة مُ �سالمِ ةٌ‬ ‫يعتمد عليها‬ ‫�سقاف عمر ال�سقاف‬ ‫‪saqqaf@shebacss.com‬‬

‫م ��ع �صع ��ود ال ��دور الرتك ��ي يف منطق ��ة ال�شرق الأو�س ��ط وتعاظمه خ�ل�ال ال�سن ��وات القليلة‬ ‫املا�ضي ��ة‪ ،‬وحتدي ��داً من ��ذ و�صول حزب العدالة والتنمية �إىل ال�سلط ��ة يف العام ‪ 2001‬ظهرت‬ ‫�أ�ص ��وات هن ��ا وهناك حتاول التقليل م ��ن هذا الدور والت�شكيك في ��ه‪� .‬إذ ترى هذه الأ�صوات‬ ‫ب� ��أن تركي ��ا ال تق ��ر�أ املتغ�ي�رات الإقليمي ��ة والدولي ��ة بال�شكل ال�صحي ��ح‪ ،‬و�أنه م ��ن اخلط�أ �أن‬ ‫تعتق ��د �أنق ��رة ب�أن حتركاته ��ا ال�سيا�سية والدبلوما�سي ��ة البارزة م�ؤخراً ه ��ي انعكا�س لقوتها‬ ‫و�إمكاناته ��ا الذاتي ��ة‪ ،‬فه ��ذه التحركات م ��ا هي �إال هام� ��ش حركة ب�سيط ت�سمح ب ��ه الواليات‬ ‫املتحدة وتوظفه خلدمة م�صاحلها و�أجندتها اخلا�صة يف املنطقة‪.‬‬ ‫وبح�س���ب ه����ؤالء‪ ،‬ف�إن تركي���ا ما زال���ت دول���ة تفتقر �إىل‬ ‫الق���درات والإمكان���ات الت���ي ت�ؤهله���ا ملمار�س���ة دور �سيا�سي‬ ‫م�ستقل يف ال�ش���رق الأو�سط بعيد ًا عن الإطار العام املر�سوم‬ ‫من قبل الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫وبالتايل على كل الذين يرفعون �سقف الرهان‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫يف العاملني العربي والإ�سالمي‪� ،‬أن يراجعوا ح�ساباتهم‪ ،‬و�أال‬ ‫يتوهموا ب����أن تركيا �ست�ضحي بعالقتها مع الغرب و�إ�سرائيل‬ ‫خدم���ة للق�ضايا العربية والإ�سالمية‪ .‬وله�ؤالء نقول �أنتم من‬ ‫ال تق���ر�ؤون جيد ًا التط���ورات واملتغريات‪� ،‬س���وا ًء على �صعيد‬ ‫الداخ���ل الرتكي �أو على امل�ستويني الإقليمي والدويل؛ فرتكيا‬ ‫لديها اليوم من عوامل القوة ما ي�ؤهلها للعب دور �سيا�سي يف‬ ‫ال�شرق الأو�سط �أكرب مما هو عليه الآن‪.‬‬ ‫ويف ح���ال اتفقنا ب�أن قوة ال���دول وزيادة نفوذها وت�أثريها‬ ‫يف حميطه���ا اخلارج���ي ه���و جت�سي���د لقوته���ا ومتا�سكه���ا‬ ‫الداخلي‪ ،‬وقدرتها على توظيف وا�ستغالل �إمكاناتها الذاتية‬ ‫�أح�س���ن ا�ستغ�ل�ال‪ ،‬ف�إن تركي���ا ال تعتمد فق���ط على م�صادر‬ ‫قوته���ا الذاتي���ة‪ ،‬و�إمن���ا ت�ستغ���ل �أي�ض��� ًا املتغ�ي�رات الإقليمية‬ ‫والدولية لتعزيز مكانتها وقوتها يف املنطقة‪ .‬وبنظرة �سريعة‬ ‫على م�ص���ادر القوة التي متتلكها تركي���ا يف الوقت الراهن‪،‬‬ ‫‪172‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫‪ ،5 - 4172‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫العددان‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫�سنالحظ �أنه منذ و�صول حزب العدالة والتنمية �إىل ال�سلطة‬ ‫يف الع���امل ‪ 2002‬حدث���ت حتوالت مهمة عل���ى م�ستوى الدولة‬ ‫واملجتم���ع؛ فاحل���زب ا�ستطاع �أن يحق���ق املعادل���ة ال�صعبة‬ ‫الت���ي عجزت احلكوم���ات ال�سابقة وخ�صو�ص��� ًا ذات التوجه‬ ‫الإ�سالم���ي منها يف حتقيقها ط���وال العقود املا�ضية‪ ،‬وتتمثل‬ ‫ه���ذه املعادل���ة يف قدرة هذا احل���زب ذو اخللفية الإ�سالمية‬ ‫م���ن احلكم لف�ت�رة طويلة ن�سبي��� ًا مع احلفاظ عل���ى م�ستوى‬ ‫معني من اال�ستق���رار ال�سيا�سي والأمني‪ ,‬وذلك على العك�س‬ ‫من جتربة الأحزاب الإ�سالمي���ة ال�سابقة يف احلكم التي مل‬ ‫تتمكن م���ن �إدارة البالد وتنفيذ �سيا�سته���ا دون اال�صطدام‬ ‫ببع�ض القوى املجتمعية وم�ؤ�س�سات الدولة‪ ،‬ال �سيما امل�ؤ�س�سة‬ ‫الع�سكرية التي وقفت باملر�صاد وانقلبت على كل احلكومات‬ ‫الإ�سالمي���ة و�آخرها حكومة حزب الرف���اه التي �شكلها جنم‬ ‫الدين �أربكان يف العام ‪.1996‬‬ ‫�أم���ا يف حال���ة حزب العدال���ة والتنمية فق���د متكن‪ -‬حتى‬ ‫الآن على الأقل‪ -‬م���ن تغيري قواعد اللعبة ال�سيا�سية وح�صر‬ ‫م�س�أل���ة ال�ص���راع على توجه���ات احلكم والدول���ة يف الإطار‬ ‫ال�سيا�س���ي والدميقراطي‪ ،‬وتعامل مبرونة وا�ضحة مع القوى‬ ‫العلماني���ة وامل�ؤ�س�س���ة الع�سكري���ة املت�ش���ددة‪ ,‬كم���ا راعى يف‬ ‫�سقاف عمر ال�سقاف باحث وكاتب من اليمن‪ ،‬نائب مدير حترير‬ ‫«مدارات ا�سرتاتيجية»‪ .‬واملقال ال يعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة‪.‬‬

‫�سيا�ست���ة الداخلية واخلارجي���ة الثوابت التي‬ ‫جريانه���ا‪ ،‬ب���ل ومتكن���ت من حتوي���ل بع�ض‬ ‫قامت عليها الدولة الرتكي���ة احلديثة‪ ،‬ولكن‬ ‫عداواته���ا ال�سابق���ة �إىل عالق���ات �صداقة‬ ‫على‬ ‫تعتمد‬ ‫أنقرة‬ ‫�‬ ‫يف الوق���ت نف�سه مل يتجاه���ل حقائق التاريخ‬ ‫وتع���اون مثمرة كم���ا هو احلال م���ع �سورية‬ ‫القوة‬ ‫من‬ ‫مزيج‬ ‫واجلغرافيا وطبيعة التحوالت املجتمعية التي ال�صلبة والناعمة يف الآن‪ .‬وق���د �أعطى هذا النه���ج يف ال�سيا�سة‬ ‫واكب���ت م�سرية الدولة الرتكي���ة طوال العقود �سيا�ستها اخلارجية‪ ،‬اخلارجية م�صداقية كبرية لرتكيا وجعلها‬ ‫املا�ضية‪.‬‬ ‫وهذا ما �أعطاها ثقة حتظ���ى باحرتام اجلميع‪ ،‬كما �أهلها للقيام‬ ‫واحل���ال �أن طريقة تعاطي ح���زب العدالة عالية بالنف�س و�أهلها بالعديد من الأدوار ال�سيا�سية التي عجزت‬ ‫والتنمي���ة يف �إدارة �ش����ؤون الدول���ة الرتكي���ة للقيام بدور �سيا�سي حت���ى بع����ض الق���وى العاملي���ة الك�ب�رى عن‬ ‫وال�سيا�سات املتبع���ة خلقت ا�ستقرار ًا �سيا�سي ًا بارز لي�س يف ال�شرق القيام بها‪.‬‬ ‫غري معهود‪ ,‬وه���ذا اال�ستقرار الذي تتمتع به الأو�سط فقط و�إمنا‬ ‫وفيم���ا يخ����ص �سيا�س���ة تركي���ا جت���اه‬ ‫على م�ستوى العامل‬ ‫تركيا الآن يعد كلم���ة ال�سر التي مكنت تركيا‬ ‫منطق���ة ال�ش���رق الأو�س���ط وحتدي���د ًا جتاه‬ ‫من ا�ستثم���ار وتنمي���ة باقي م�ص���ادر قوتها‪,‬‬ ‫املنطق���ة العربي���ة‪ ،‬ف����إن نظري���ة “العم���ق‬ ‫وعل���ى ر�أ�س ه���ذه امل�ص���ادر املوق���ع اجلغرايف‬ ‫اال�سرتاتيج���ي” التي ابتدعه���ا �أحمد داوود‬ ‫ال���ذي �أعطى تركيا �أهمي���ه �إ�سرتاتيجية فائق���ة وو�ضعها يف �أوغل���و هي التي حتكم توجه���ات ال�سيا�سة اخلارجية يف هذه‬ ‫قل���ب التفاع�ل�ات الإقليمي���ة والدولي���ة‪ .‬فرتكي���ا بحكم هذا املنطق���ة‪ ،‬ونظري���ة العم���ق اال�سرتاتيج���ي تعن���ى باملزاوجة‬ ‫املوق���ع تعت�ب�ر دولة �أوروبي���ة و�آ�سيوية يف نف����س الوقت‪ ،‬وهي ب�ي�ن املكونني اجلغ���رايف والتاريخي لرتكي���ا‪ ،‬و�أخذهما بعني‬ ‫دول���ة متو�سطية‪ ,‬ولها �سواح���ل طويلة على البح���ر الأ�سود‪ ,‬االعتب���ار �أثناء و�ض���ع وتنفيذ ال�سيا�س���ة اخلارجية‪ .‬ومبا �أن‬ ‫كم���ا ت�شرف تركي���ا على �أهم املم���رات وامل�ضايق الدولية يف املنطق���ة العربية على �صلة وثيقة باملكونني ال�سيما التاريخي‬ ‫الب�سفور والدردنيل‪ ,‬ولها �إطاللة فريدة على البلقان‪ ,‬ف� ً‬ ‫ضال منهم���ا‪ ،‬ف�إن احلكومة احلالية ذات اخللفية الإ�سالمية ترى‬ ‫عن متا�سها املبا�ش���ر مع العامل العربي عند حدودها الربية على ما يبدو �أن الفر�صة مواتية لإعادة متو�ضعها اجلغرايف‬ ‫م���ع ك ًال من العراق و�سورية‪ ،‬وهي �أي�ض��� ًا قريبة من �أفريقيا وال�سيا�س���ي جت���اه م���ا ميك���ن و�صف���ه بعمقه���ا احل�ض���اري‬ ‫التي حتظى باهتمام كبري يف �سيا�سة تركيا اخلارجية‪ .‬وكما والتاريخي يف ال�ش���رق الأو�سط‪ ،‬وهي اليوم ترمي بكل ثقلها‬ ‫يقول وزير خارجية تركي���ا ومهند�س دبلوما�سيتها اجلديدة ال�سيا�سي واالقت�صادي من �أجل ممار�سة دور قوي وم�ؤثر يف‬ ‫�أحم���د داود �أوغل���و‪ ،‬ف����إن تركيا دول���ة ذات هوي���ات �إقليمية ال�ش���رق الأو�سط مُ�ستغِلة حالة الف���راغ اال�سرتاتيجي الكبري‬ ‫متع���ددة‪ ،‬وبالتايل ف�إن احلدي���ث عن كونها دولة طرفية تقع يف املنطقة جراء عجز الأنظمة العربية الر�سمية عن القيام‬ ‫على حافة العامل الإ�سالمي �أو الغربي �صار من املا�ضي‪.‬‬ ‫ب�أي دور حموري يف املنطقة‪ ،‬وكذلك تعثرّ امل�شروع الأمريكي‬ ‫وعلى الرغم من �أن هذا املوقع ت�سبب بالكثري من املتاعب وف�شله يف حتقيق �أهدافه املر�سومة �سلفاً‪.‬‬ ‫والإ�شكالي���ات لرتكيا �أثناء احلرب الب���اردة‪ ،‬بحكم موقعها‬ ‫م���ن جهة �أخ���رى‪ ،‬ت���درك �أنق���ره �أن���ه كلم���ا زاد نفوذها‬ ‫كقاع���دة متقدم���ة للغ���رب يف مواجه���ة االحت���اد ال�سوفيتي وت�أثريه���ا يف منطقة ال�ش���رق الأو�سط‪ ،‬كلم���ا زاد ح�ضورها‬ ‫�سابق���اً‪ ,‬غري �أن تركيا يف ظل حكومة حزب العدالة والتنمية وتعززت مكانتها يف النظام العاملي اجلديد‪ ،‬وبالتايل ت�سعى‬ ‫تعيد ق���راءة موقعها اجلغرايف من جدي���د‪ ،‬وعلى �ضوء هذا تركي���ا م���ن خ�ل�ال انغما�سها وخو�ضه���ا يف �أزم���ات املنطقة‬ ‫الق���راءة اجلدي���دة ت�ض���ع اخلط���وط العري�ض���ة ل�سيا�سته���ا وق�ضاياه���ا الرئي�سية �إىل تو�صيل ر�سال���ة للأوروبيني الذين‬ ‫اخلارجي���ة التي ترتكز على مبد�أي���ن �أ�سا�سيني وهما “تعدد م���ا زالوا ميا طل���ون يف �ضمه���ا لالحتاد الأوروب���ي‪ ،‬وكذلك‬ ‫امل�س���ارات وت�صفري امل�شكالت”‪ ،‬ووفق هذي���ن املبد�أين ف�إن للأمريكي�ي�ن ب�أنه���ا قادرة عل���ى ممار�س���ة دور �سيا�سي قوي‬ ‫تركيا تقيم عالق���ات �سيا�سية مع جميع الفاعلني الإقليميني وم�ستق���ل يف املنطقة‪ ،‬و�أنه م���ن ال�صعب مترير �أي �سيا�سات‬ ‫والدولي�ي�ن‪ ،‬ويف نف����س الوقت ت�سعى �إىل ح���ل جميع امل�شاكل �أو م�شاري���ع يف ال�ش���رق الأو�سط مبعزل عنه���ا‪ .‬ولعل من بني‬ ‫العالق���ة م���ع حميطه���ا الإقليم���ي‪ ،‬وبالفع���ل جنح���ت تركيا �أه���م العوام���ل امل�ساع���دة على تغلغ���ل تركيا ب�سهول���ة وي�سر‬ ‫�إىل ح���د كبري يف ت�صفري معظ���م م�شكالته���ا ال�سيا�سية مع �إىل املنطق���ة هو امتالكها مل�صادر الق���وة الناعمة التي ت�شد‬ ‫‪2010‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫‪173‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪173‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�سجـ ــال‬

‫الآخري���ن �إليه���ا‪ ،‬وجتعله���م يقبلون طواعية بال���دور الرتكي ق���وة تركيا ال�صلبة فهو اجلي�ش الرتكي الذي يعد ثاين �أكرب‬ ‫بل وي�ستدعونه من �أج���ل حل العديد من �أزماتهم ال�سيا�سية جي�ش يف حلف �شم���ال الأطل�سي بعد اجلي�ش الأمريكي‪ ،‬وهو‬ ‫والأمنية؛ فبالن�سبة للعرب‪ ،‬فقد ارتفعت �أ�سهم تركيا �شعبي ًا ثامن �أك�ب�ر جي�ش عاملي ًا من حيث ع���دد اجلنود املو�ضوعني‬ ‫خ�صو�ص��� ًا بعد مواقفها ال�شجاعة �إزاء ال�سيا�سات العدوانية يف اخلدمة‪.‬‬ ‫الإ�سرائيلي���ة على ال�شعب الفل�سطين���ي‪ ،‬ال�سيما بعد املجازر‬ ‫�إذن م���ن الوا�ض���ح �أن �أنقرة تعتمد عل���ى مزيج من القوة‬ ‫الت���ي ارتكبتها �إ�سرائي���ل �إبان اجتياحها لقط���اع غزة نهاية ال�صلبة والناعمة يف �سيا�ستها اخلارجية‪ ،‬وهذا ما �أعطاها‬ ‫الع���ام ‪ .2008‬ور�سمي���اً‪ ،‬نظ���رت بع����ض ال���دول العربية �إىل‬ ‫ثق���ة عالية بالنف�س تفتق���ر �إليها الكثري من دول‬ ‫الدور الرتكي ب�صفته معادل موازي للدور‬ ‫املنطق���ة و�أهله���ا للقي���ام ب���دور �سيا�سي بارز‬ ‫الإي���راين املت�صاعد يف املنطق���ة‪ ،‬وكذلك‬ ‫لي����س يف ال�ش���رق الأو�س���ط فق���ط و�إمنا على‬ ‫م�شكلة البع�ض‬ ‫كو�سي���ط حماي���د ميكن االحت���كام �إليه يف يف املنطقة العربية م�ستوى العامل‪.‬‬ ‫حل بع�ض اخلالفات العربية ‪ -‬العربية‪.‬‬ ‫مع الدور الرتكي‬ ‫�إن ه���ذه الإطاللة ال�سريعة على دعائم قوة‬ ‫والواق���ع �أن تنام���ي ال�شع���ور القوي لدى ترجع �أ�سا�س ًا �إىل‬ ‫تركي���ا ال�صلب���ة والناعم���ة تعد مبثاب���ة برقية‬ ‫احلكومة وقطاع كبري م���ن ال�شعب الرتكي �إ�سقاطهم خلربات‬ ‫عاجل���ة ل���كل الذي���ن يقلل���ون م���ن ق���وة تركيا‬ ‫بالت�ضامن مع العاملني العربي والإ�سالمي‪ ،‬املا�ضي على امل�ستقبل‪،‬‬ ‫ودوره���ا الإقليمي يف املنطق���ة‪ ،‬وب�شكل �أو�ضح‬ ‫وعدم قدرتهم‬ ‫ووقوفه���م �إىل جان���ب ق�ضاياه���م العادل���ة‬ ‫للذي���ن يقارن���ون بني ق���وة تركي���ا و�إ�سرائيل‪،‬‬ ‫على ا�ستيعاب‬ ‫ال�سيم���ا الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة‪ ،‬ق���د عززا املتغريات الإقليمية ومرة �أخرى نق���ول له�ؤالء �أنه ال يجوز املقارنة‬ ‫من ح�ض���ور تركي���ا و�ضاعف م���ن قدرتها والعاملية الأخرية‬ ‫ب����أي حال من الأح���وال‪ ،‬وعل���ى �أي �شكلٍ كان‬ ‫ال�سيا�سي���ة عل���ى النف���اذ ب�سهول���ة وي�س���ر‬ ‫بني �إ�سرائيل وتركي���ا‪ .‬واحلقيقة �أن مثل هذه‬ ‫�إىل املنطق���ة العربي���ة‪� .‬أما عل���ى ال�صعيد‬ ‫املقارن���ة فيه���ا ظل���م كب�ي�ر لإ�سرائي���ل‪ ،‬فهي‬ ‫الغرب���ي‪ ،‬ف����إن ق���وة تركي���ا الناعم���ة تتج�سد‬ ‫�أو ًال دول���ة م�صطنعة بينما تركيا دول���ة طبيعية‪ ،‬وبينما عمر‬ ‫يف منوذجه���ا ال�سيا�س���ي الفري���د م���ن نوع���ه‪ ،‬حيث جنحت �إ�سرائي���ل ال يتج���اوز ب�ضعة عقود‪ ،‬ف�إن تركي���ا عمرها �آالف‬ ‫يف اجلمع ب�ي�ن الإ�س�ل�ام والدميقراطية‪ ،‬وبرهن���ت للجميع ال�سن�ي�ن‪ ،‬و�إ�سرائيل دولة �صغرية وحم���دودة امل�ساحة وعدد‬ ‫ب����أن الإ�سالميني لديه���م القدرة عل���ى �إدارة �ش�ؤون بالدهم �سكانه���ا ال يتعدى ال�ستة ماليني ن�سمة‪� ،‬أم���ا تركيا فتتجاوز‬ ‫و�إح���داث تنمي���ة حقيقي���ة يف جمتمعاته���م‪ .‬وبالت���ايل‪ ،‬ف�إن م�ساحتها الـ ‪� 700‬ألف كيلو مرت مربع‪ ،‬ويتجاوز عدد �سكانها‬ ‫الإ�س�ل�ام املعت���دل يف تركيا ي�شكل م�شروع��� ًا جذاب ًا بالن�سبة ال� �ـ ‪ 70‬ملي���ون ن�سم���ة‪ .‬وبينما تعتم���د �إ�سرائيل عل���ى الدعم‬ ‫للغرب ميكن ت�سويقه يف العاملني العربي والإ�سالمي لرت�سيخ واملعونات الغربية‪ ،‬جند �أن تركيا تعتمد على قدراتها الذاتية‬ ‫قيم احلداث���ة والدميقراطية يف منطق���ة �أ�صبحت “فري�سة الكامنة‪ .‬و�إ�سرائي���ل ‪ -‬رغم الق�شرة الدميقراطية الظاهرة‬ ‫للتناحر ب�ي�ن الأ�صولي���ات والدكتاتوري���ات” بح�سب عبارة ‪ -‬دولة عن�صرية‪ ،‬بينم���ا تركيا دولة دميقراطية‪ .‬و�إ�سرائيل‬ ‫الباحث امل�صري م�صطفى اللباد‪.‬‬ ‫دولة عدوانية ولديها ع���داوات مع كل جريانها‪ ،‬بينما تركيا‬ ‫بالإ�ضافة �إىل ذل���ك‪ ،‬ف�إن قوة تركيا الناعمة تدعمها قوة دول���ة م�ساملة‪ ،‬ولديه���ا حالي ًا �صداقات م���ع معظم جريانها‪،‬‬ ‫اقت�صادية وع�سكرية �صلب���ة‪ ،‬فاالقت�صاد الرتكي يف غ�ضون و�إ�سرائي���ل تغلب قوته���ا املادية ب�أ�شواط قوته���ا املعنوية‪ ،‬يف‬ ‫�سنوات قليل���ة �أ�صبح يحت���ل املرتبة اخلام�سة ع�ش���ر عاملياً‪ ،‬ح�ي�ن متتلك تركيا القوتني املادية واملعنوي���ة معاً‪ .‬و�إ�سرائيل‬ ‫وف���اق معدل النم���و االقت�صادي الـ ‪ 10%‬ه���ذا العام‪ ،‬وارتفع بالرغم من كل القوة النارية التي ا�ستخدمتها – وال تزال ‪-‬‬ ‫حجم اال�ستثمارات حالي��� ًا �إىل خم�سة �أ�ضعاف ما كان عليه مل حتقق �أهدافه���ا يف �إخ�ضاع املقاومة ال يف فل�سطني وال يف‬ ‫قبل �صع���ود حزب العدال���ة والتنمي���ة �إىل ال�سلطة‪ ،‬وحت�سن لبن���ان وال يف املنطقة‪ ،‬ويف املقابل ف�إن تركيا حتقق �أهدافها‬ ‫مع���دل الدخل الف���ردي للمواط���ن الرتكي م���ن ‪ 3300‬دوالر يف املنطق���ة ب���كل �سال�س���ة وهدوء‪ .‬وبينم���ا تن�ش���ر �إ�سرائيل‬ ‫�إىل ‪ 10000‬دوالر‪ ،‬كم���ا زاد الناجت القومي بني عامي ‪ - 2002‬احلرب يف كل مكان‪ ،‬ف�إن تركيا ت�سعى ل�صنع ال�سالم يف كل‬ ‫‪ 2008‬من ‪ 300‬مليار �إىل ‪ 750‬ملياراً‪� .‬أما الدعامة الثانية يف مكان‪ .‬ومن ث���مّ ال جمال للمقارنة بني دولة كبرية لها تاريخ‬ ‫‪174‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫‪ ،5 - 4174‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫العددان‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫وح�ض���ارة مثل تركيا‪ ،‬وكي���ان ع�سكري �صغري ي����ؤدي وظيفة على م�ست���وى ال�شعوب يف املنطقة العربي���ة وخارجها نتيجة‬ ‫م�ؤقتة يف املنطقة مثل �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫لتنام���ي نزعة الهيمن���ة وال�سيط���رة يف �سيا�ستها اخلارجية‪،‬‬ ‫�أما بخ�صو�ص ت�شكيك البع�ض بالدبلوما�سية الرتكية من كل ذل���ك دف���ع بال�شع���وب احلي���ة واحلكوم���ات القوي���ة �إىل‬ ‫مدخل ال�س����ؤال عن ما الذي حققته يف و�ساطتها بني �سورية التم���رد على هذه الهيمنة وامل�ض���ي قدم ًا يف �سيا�سات تخدم‬ ‫و�إ�سرائيل‪ ،‬ف�إن اجلواب بكل ب�ساطة هو �أن الو�ساطة الرتكية م�صاحله���م وم�صالح املنطق���ة بالدرج���ة الأوىل‪ .‬ومن هنا‬ ‫مل تط���رح نف�سها على الآخرين‪ ،‬بل �أن هذه الو�ساطة جاءت خطت تركيا لنف�سها مقارب���ة �سيا�سية و�أمنية جديدة بعيد ًا‬ ‫عن �سيا�سات وا�شنط���ن الكارثية‪ ،‬وهي ترف�ض اليوم القيام‬ ‫بنا ًء على رغبة الطرف�ي�ن ال�سوري والإ�سرائيلي‬ ‫ب����أي دور ل�صال���ح وا�شنط���ن يف املنطق���ة‬ ‫يف ا�ضط�ل�اع تركي���ا به���ذا ال���دور‪ ،‬ومبباركة‬ ‫وا�شنطن الت���ي مل تتمكن �إداراته���ا املتعاقبة خطت تركيا لنف�سها ال يتواف���ق ور�ؤيته���ا ال�سيا�سي���ة وال يخ���دم‬ ‫م�صاحله���ا الوطنية العليا‪ ،‬وقد كان رف�ض‬ ‫من حتقي���ق اخ�ت�راق يذكر يف ه���ذا ال�صدد‬ ‫مقاربة �سيا�سية‬ ‫الربملان الرتكي لطلب الواليات املتحدة من‬ ‫و�أمنية جديدة‬ ‫على عك�س الو�ساطة الرتكية التي قربت كثري ًا‬ ‫بني وجهات نظ���ر الطرفني‪ ،‬ومهّ���دت ملرحلة بعيد ًا عن �سيا�سات احلكوم���ة الرتكية بتق���دمي ت�سهيالت لغزو‬ ‫احل���وار املبا�ش���ر‪ ،‬ولكن الهج���وم الإ�سرائيلي وا�شنطن الكارثية‪ ،‬العراق يف العام ‪ 2003‬خري دليل على قدرة‬ ‫عل���ى قطاع غ���زة مطل���ع الع���ام املا�ضي جعل وهي ترف�ض اليوم‬ ‫تركي���ا على رف�ض �أي �سيا�س���ات ال تنا�سبها‬ ‫القيام ب�أي دور‬ ‫يف املنطقة‪ .‬والواقع �أن تركيا لي�ست وحدها‬ ‫يف‬ ‫تركيا توقف و�ساطته���ا وتلقي مب�س�ؤولية ذلك ل�صالح وا�شنطن‬ ‫املنطقة ال يتوافق الت���ي ت�ستغل تراج���ع قوة ومكان���ه الواليات‬ ‫على عاتق �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫املتحدة‪ ،‬فهن���اك �إيران وكوري���ا ال�شمالية‬ ‫�أك�ث�ر م���ن ذل���ك‪ ،‬ف����إن الإدارة الأمريكية ور�ؤيتها ال�سيا�سية‬ ‫وبع����ض دول �أم�ي�ركا الالتيني���ة كفنزويال‬ ‫ال ت�ستطي���ع الي���وم ح���ل الكثري م���ن امل�شاكل‬ ‫والربازي���ل؛ فجميعه���م لديه���م الق���درة‬ ‫وامللف���ات املنخرط���ة فيها مثل املل���ف النووي‬ ‫واجلر�أة عل���ى التمرد عل���ى �سيا�سة الهيمنة‬ ‫الإي���راين‪ ،‬وم�س�ألة ال�س�ل�ام والت�سوية يف ال�ش���رق الأو�سط‪،‬‬ ‫وبع����ض امللفات العالقة يف �آ�سي���ا الو�سطى والقوقاز من دون والغطر�س���ة الأمريكية التي مل جتلب �س���وى الفو�ضى للعامل‬ ‫طلب امل�ساعدة من الدبلوما�سي���ة الرتكية التي تتمتع بالثقة كل���ه‪ .‬ولكن يبقى الع���رب وحدهم م�صرين عل���ى �أن �أمريكا‬ ‫وامل�صداقي���ة العالية ل���دى الآخرين‪ ،‬وبالت���ايل تفتح لها كل قوة ال تقهر‪ ،‬وبالتايل على اخلنوع والتبعية لها!‬ ‫ختام��� ًا نق���ول ل���كل الكت���اب وال�سيا�سيني الع���رب الذين‬ ‫�أبواب العوا�صم العربية والأجنبية املو�صدة‪.‬‬ ‫واحلقيق���ة �أن م�شكل���ة البع����ض يف املنطق���ة العربي���ة مع يتجاهلون التحوالت الكربى اجلارية على امل�ستويني الداخلي‬ ‫ال���دور الرتكي ترجع �أ�سا�س ًا �إىل �إ�سقاطهم خلربات املا�ضي واخلارج���ي يف تركيا‪ ،‬وك���ذا الت�شكيك امل�ستمر يف حتركاتها‬ ‫عل���ى امل�ستقب���ل‪ ،‬وع���دم قدرتهم عل���ى ا�ستيع���اب املتغريات الدبلوما�سية ودورها ال�سيا�س���ي يف املنطقة‪ ،‬والإ�صرار على‬ ‫الإقليمية والعاملي���ة الأخرية‪ ،‬التي �ساهمت يف تبدل خريطة تبعيته للغرب‪ ،‬دون قراءة فاح�صة للظروف املو�ضوعية التي‬ ‫الق���وى الدولية؛ فه����ؤالء مازالوا يبالغ���ون يف تقييمهم للقوة �صاحبت هذا التحول‪ ،‬ودون فهم لال�ستجابة الذاتية وفق ما‬ ‫الأمريكي���ة‪ ،‬وال يت�صورون ب�أن هناك قوى �إقليمية مثل تركيا تقت�ضي���ه م�صلحة تركيا الوطني���ة يف انتهاج �سيا�سة جديدة‬ ‫ت�ستطيع �أن متار�س دور ًا �سيا�سي ًا قوي ًا وم�ستق ًال يف املنطقة‪ ،‬يف ال�ش���رق الأو�س���ط “تعيد الأم���ور �إىل طبيعته���ا” بح�سب‬ ‫فهم يعتقدون �أن حال تركيا و�إيران مث ًال كحال باقي النظم �إبراهيم قالن‪ ،‬كبري م�ست�شاري رئي�س الوزراء الرتكي رجب‬ ‫العربي���ة التي ما تزال مُ�صرّة ب�أن �أمريكا هي القوة الوحيدة طيب �أردوغان؛ كل ذلك �سي�ساعد على تفويت فر�صة ذهبية‬ ‫القادرة على �إدارة �ش�ؤون العامل واملنطقة‪ ،‬رغم تراجع قوتها و�ضعته���ا تركيا ب�ي�ن �أيدي العرب للعمل مع��� ًا وبناء عالقات‬ ‫ومكانته���ا ب�ش���كل وا�ضح خالل ال�سن���وات القليل���ة املا�ضية‪ .‬تع���اون و�شراك���ة �إ�سرتاتيجية تخدم الطرف�ي�ن‪ ،‬وتعمل على‬ ‫فعلى امل�ستوى الداخلي‪ ،‬تعاين �أمريكا من م�شكلة اقت�صادية مواجه���ة التحدي���ات واملخاط���ر التي حتي���ق باملنطقة جراء‬ ‫حادة‪ ،‬وخارجي ًا تتعر����ض الواليات املتحدة النتكا�سات قوية التدخ�ل�ات اخلارجي���ة وال�سيا�سات املته���ورة التي متار�سها‬ ‫يف كلٍ م���ن �أفغان�ست���ان والعراق‪ ،‬وما ت���زال �أمريكا مكروهة القوى املتغطر�سة �إقليمي ًا ودولي ًا يف املنطقة‪.‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬ ‫‪175‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪175‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫بال مواربة‬ ‫�سجــال‬

‫املائدة امل�ستديرة‬ ‫�آراء‬

‫التناغم الزائف‬ ‫�إمعـان النظــر فـي مقــوالت‬

‫حممد الدعمي‬

‫‪maldaami@yahoo.com‬‬

‫�إذا كان املفك����رون قد تفننوا يف �إيجاد �أو ابتداع ت�سميات لع�صرنا‬ ‫ه����ذا‪ ،‬ت�أ�سي�س ًا عل����ى �أهم ما برزت عربه م����ن ظواهر‪ :‬من «ع�صر‬ ‫الفوالذ» �أو «ع�صر البال�ستيك» �إىل «ع�صر الطريان والف�ضاء»‪� ،‬أو‬ ‫من «ع�صر الذرة» �إىل «ع�ص����ر ال�سرعة»‪ ،‬من بني ت�سميات �أخرى‬ ‫لها م����ا يربرها ويوا�شجه����ا بالذاكرة احلية‪ ،‬ف�����إن الت�سمية الأكرث‬ ‫وقع ًا يف دواخ����ل النفو�س الواعية بالتن����وع واالختالف والتناق�ض‪،‬‬ ‫ه����ي ت�سمية «ع�صر احل����وارات»‪� ،‬إذ ابتكر ع�صرن����ا‪ ،‬ب�سبب ما مر‬ ‫ذكره من تناق�ضات وتنوع‪ ،‬جتاذب وتنافر‪� ،‬أنواع ًا من احلوارات‪:‬‬ ‫حوار ال�شمال‪/‬اجلنوب‪ ،‬حوار ال�شرق‪/‬الغرب‪ ،‬حوار الدول الغنية‪/‬‬ ‫الدول الفق��ي�رة‪ ،‬حوار الدول ال�صناعية وال����دول غري ال�صناعية‪،‬‬ ‫‪176‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫من ب��ي�ن �أنواع �أخ����رى من احلوارات الت����ي �أماطت اللث����ام عن �أن‬ ‫احلوار الأ�سا�س هو «ح����وار احل�ضارات»‪ ،‬ذلك احلوار الذي ي�ضم‬ ‫�أغلب التنوعات التي عينتها الت�سميات ال�سابقة‪ .‬ومع هذا‪ ،‬ومع ما‬ ‫يلم�س����ه املرء من اختالفات وتنوع‪ ،‬ف�إن ل����ه �أن ي�س�أل‪ :‬هل �أن حوار‬ ‫الثقاف����ات هو جمرد �أ�سطورة ال جمال لتبلورها على �أر�ض الواقع؟‬ ‫�أم ان����ه حقيقة ينبغي �أن نفعّلها ون�شجعه����ا على �سبيل التو�صل �إىل‬ ‫�ص����ورة لع����امل متناغم‪« ،‬هارم����وين»‪ ،‬ي�سري بان�سيابي����ة ولي�س على‬ ‫نغم����ة ال�صراع والت�صادم �أو ال�صدام‪ ،‬عامل يربهن خط�أ ما ذهب‬ ‫�إليه �أح����د الفال�سفة عندما قال �أن «ال�شرق �شرق‪ ،‬والغرب غرب‪،‬‬ ‫فهما ال يلتقيان»‪.‬‬ ‫حممد الدعمي باحث و�أكادميي عراقي‪.‬‬

‫والفحولة املنت�صرة‬ ‫«احلـوار» و«التالقح» الثقافـي‬

‫ه����ذا مو�ض����وع مهم وطري����ف لأننا عندما نفرت�����ض وجود «حوار»‬ ‫ح�ض����ارات �أو ثقاف����ات‪ ،‬ف�إنن����ا نفرت�ض �ضمن���� ًا كذلك وج����ود كينونتني‬ ‫قادرت��ي�ن على النط����ق‪ ،‬ممثلتان من قب����ل «فئات حم����اورة»! ولكن هل‬ ‫ثم����ة �شيء كهذا يف الوجود؟ هل يوجد حمفل يجمع مفكري ال�شرق مع‬ ‫مفك����ري الغرب حيث ميكن �أن يتحاورا؟ ث����م من هم ه�ؤالء املفكرون؟‬ ‫هل هم رجال ال�سيا�سة واحلكم؟ �أم �أنهم رجال القلم والفكر والثقافة؟‬ ‫�أم �أنه����م رج����ال الدين‪ ،‬م����ادام «�ص����دام احل�ضارات» ق����د اختزل �إىل‬ ‫االختالف بني «الإ�سالم اجلهادي وامل�سيحية ال�صليبية»‪ ،‬هذه الأيام؟‬ ‫ثم����ة فر�ضية للمرء �أن يقدمها للقارئ املهتم بهذا املو�ضوع (مت�أم ًال‬ ‫�أن ال ت�ستفزه)‪ ،‬وهي فر�ضية تفيد ب�أن عنوان حوار احل�ضارات ال يزيد‬ ‫عن كون����ه �أ�سطورة متفائلة ترن����و �إىل ر�ؤيا فردو�سي����ة يوتوبية ال ميكن‬

‫�أن تتحق����ق‪ .‬والأدل����ة كثرية على ذل����ك‪ :‬فحيث تتوافر فر�����ص االلتقاء‬ ‫ب��ي�ن «ح�ضارتن����ا» و»ح�ضارته����م» عرب جت����ارب االحت��ل�ال واال�ستعمار‬ ‫والو�صايات واالنتدابات‪ ،‬ثم جتارب خملفات ع�صر الكولونياليات من‬ ‫فرن�سا و�أملانيا وبريطاني����ا‪ ،‬نقول حيث تتوافر مثل هذه الفر�ص‪ ،‬تغيب‬ ‫معه����ا جميع �أر�ضيات التفاهم والت�سام����ح‪ ،‬الأمر الذي يربر ما ن�شهده‬ ‫الي����وم يف �أوروبا م����ن ا�ستع�صاءات وعدم قدرة عل����ى التناغم و�إخفاق‬ ‫التنازل عن بع�ض ال�شكلي����ات‪ ،‬وهي �شكليات ميكن �أن تقود العامل �إىل‬ ‫املزيد من االنق�سام والف�شل يف التناغم‪.‬‬ ‫كي����ف �إذن‪ ،‬ميك����ن �أن نتكلم عن حوار احل�ض����ارات بعقالنية كافية‪:‬‬ ‫ه����ل نتب����ع خطى بع�����ض الكتّاب الع����رب الذين وجدوا يف وف����رة الرثوة‬ ‫النفطية لدينا �سبب ًا كافي ًا ال�ستدراج فال�سفة العامل الغربي �إىل طاولة‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪177‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�آراء‬

‫م�ستديرة‪ :‬كي ننتقدهم وينتقدوننا �إىل �أن يتحقق «احلوار» منتهي ًا �إىل‬ ‫تبادل اللكم����ات والركالت زيادة على ال�سب����اب وال�شتائم؟ ذكر مفكر‬ ‫فرن�س����ي يف �سبعيني����ات القرن املا�ض����ي �أن وجود ال��ث�روة النفطية (�أو م��ا وراء «التالق��ح الثق��ايف»‬ ‫ل�س����ت �أدري‬ ‫ملاذا يوحي م�صطلح «التالق����ح الثقايف» للمرء بفكرة تناق�ض الفحولة‬ ‫الب��ت�رودوالر) لدى بع�ض دول ال�شرق الأو�س����ط ال ي�ؤهلها لأن جتال�سنا‬ ‫م����ع الأنوثة‪� ،‬أو بفك����رة ال����زواج باعتبارها «�إحتاد» ب��ي�ن كيانني‪ ،‬الأول‬ ‫ثقافي ًا على نح����و ندّي‪ ،‬باعتبار اختالف اخللفيات الفكرية والفل�سفية‬ ‫مذكر والثاين م�ؤن����ث لتكوين كيان جديد �أو كينونة جديدة‪ ،‬هي مزيج‬ ‫والرتاثية التي جتعل ما ي�شغلنا اليوم (يف العامل ال�شرقي) من م�شاكل‬ ‫م����ن عنا�صر الأبوي����ن الأ�سا�س‪ ،‬العائل����ة‪ .‬بقيت هذه الفك����رة تراودين‬ ‫وعقد حالة م�ضحكة بالن�سبة للعقل الغربي الذي كان قد جتاوزها قبل‬ ‫لأوق����ات طويلة‪ ،‬حتى �إذا ما �أت����اح يل تخ�ص�صي الأكادميي يف �أدبيات‬ ‫الث����ورة الفرن�سية! �إن م�شاك ًال وعقد ًا من نوع االختالط �أو احلريات �أو‬ ‫اال�ست�ش����راق ع����دد ًا م����ن النوافذ على تاري����خ �أمناط �سل����وك الثقافات‬ ‫مفاهي����م الدولة العلمانية والدين‪ ،‬من ب��ي�ن �سواها من الق�ضايا كانت‬ ‫العاملي����ة ك����ي يت�أكد يل وج����ود �شيء من ه����ذا القبيل فعلي���� ًا عرب تاريخ‬ ‫مهم����ة للعقل الغرب����ي يف �سابق الدهور وه����ي الآن مو�ضوعات مطوية‪،‬‬ ‫الن����وع الآدمي (الحظ كتابي‪ :‬اال�ست�شراق‪ :‬اال�ستجابة الثقافية الغربية‬ ‫ج����زء ًا من تورخ����ة العقل الغرب����ي لنف�سه‪ ،‬وهو العق����ل الذي متكن من‬ ‫للتاري����خ العربي الإ�سالمي‪ .‬ب��ي�روت‪ .2006 ،‬ط‪ ،2008 2‬الف�صل الرابع‬ ‫جتاوزه����ا بطرائ����ق خمتلف����ة‪ ،‬وبغ�ض النظر ع����ن ر�أينا فيه����ا‪ ،‬ف�إنه قد‬ ‫«كوام����ن الرغب����ة بت�أنيث امل�شرق»‪����� ،‬ص �����ص ‪� ،)109-85‬إذ ت�أكد مل�ؤرخ‬ ‫جتاوزه����ا‪ ،‬بينما مل نزل قابعني يف زنزاناتها عرب العامل ال�شرقي حتى‬ ‫الأفكار �أن الثقافات هي الأخرى ميكن �أن ت�صنف على نحو «جن�سي»‪،‬‬ ‫اللحظة!‬ ‫�إذا ما �صح التعبري يف �سياق كهذا‪� ،‬أي باعتبار �سلوكها �إن كان عدائي ًا‬ ‫ثمة عقد �أخرى ال ميكن لفكرة حوار احل�ضارات �أن تتجاوزها‪ ،‬وهي‬ ‫ا�ستفزازي ًا �أو �سكوني ًا ينتظر اال�ستفزاز!‬ ‫فكرة �إخفاق اللغة‪ ،‬مبعنى غياب قناة الأخذ والرد بني العقلني ال�شرقي‬ ‫�إن الأدل����ة عل����ى وجود �أمن����اط �سلوك جن�سي����ة (فحولي����ة �أو �أنثوية)‬ ‫والغرب����ي‪ ،‬باعتب����ار احل����وار هو عب����ارة ع����ن جمموعة م����ن املحفزات‬ ‫يف تواري����خ الثقاف����ات العاملية عدي����دة ومتوالية‪ .‬وقد‬ ‫‪ stimuli‬واال�ستجابات ‪� .responses‬إن تخيل جلو�س رجال‬ ‫جت�س����دت ه����ذه الظاهرة عل����ى نحو ال يقب����ل ال�شك‬ ‫فكر �شرقيني‪� ،‬سوية مع �أقران لهم من العامل الغربي على‬ ‫ثمة ثقافات عاملية ت�ستند هذه الأيام‪� ،‬أي يف ع�صر العوملة‪ .‬ثمة ثقافات عاملية‬ ‫�سبيل احل����وار البد �أن تكون معقدة ب�سب����ب �إخفاق اللغة‪،‬‬ ‫�إىل م���ن���ج���زات ف��ك��ري��ة ت�ستن����د �إىل منج����زات فكري����ة وفل�سفي����ة وح�ضارية‬ ‫وكما فعل����ت الإدارة الأمريكية عندما كان����ت تعد التحاور‬ ‫وفل�سفية وح�ضارية وتقنية وتقني����ة عالي����ة متكنها م����ن ال�سلوك �سل����وك ًا فحولي ًا‬ ‫م����ع الفل�سطينيني نوع���� ًا من القبول باحل����وار مع الإرهاب‬ ‫عالية متكنها من ال�سلوك ا�ستفزازي���� ًا حي����ال ثقافات �أخرى تتمي����ز بال�سكونية‬ ‫يف �سبعيني����ات الق����رن املا�ض����ي‪� ،‬إذ ف�سر �أح����د املتحدثني �سلوك ًا فحولي ًا ا�ستفزازي ًا‬ ‫ح���ي���ال ث���ق���اف���ات �أخ�����رى وال�سلبية واالختباء خلف اخلم����ار خ�شية الآخر‪� ،‬إن‬ ‫الأم��ي�ركان هذا االمتناع بقوله �أنه����م (�أي الفل�سطينيني)‬ ‫تتميز بال�سكونيةوال�سلبية كان ج�سد ًا �أو �صوت ًا �أو حتى نظرة‪ .‬هي ثقافات �أنثوية‬ ‫غ��ي�ر قادرين عل����ى “فهم لغتن����ا”‪ .‬وبلف����ظ “لغتنا”‪ ،‬هو‬ ‫واالخ��ت��ب��اء خ��ل��ف اخلمار ال فاعلة‪ ،‬م�ستكينة ولكنها تنتظر الثقافات الذكورية‬ ‫ال يق�ص����د االخت��ل�اف ب��ي�ن العربي����ة والإنكليزي����ة (نحوي ًا‬ ‫خ�شية الآخر‪� ،‬إن كان ج�سد ًا الفاعل����ة ك����ي ت�ستفزه����ا ومن ث����م تفعّله����ا لت�ضطلع‬ ‫وداللي����اً)‪ ،‬كما ميكن �أن يتوقع امل����رء‪ ،‬و�إمنا االختالف �أو‬ ‫بدوره����ا التالقحي �أو التزاوجي �شب����ه البايولوجي‪.‬‬ ‫�أو �صوت ًا �أو حتى نظرة‬ ‫التناق�����ض يف امل�صطل����ح ويف املفاهي����م الت����ي ال ميكن �أن‬ ‫ه����ي عملي����ة �أ�شبه ما تك����ون بخرق احلي����وان املنوي‬ ‫تع����رّب �أو �أن ترتجم‪ :‬العقل العربي الإ�سالمي يرتكن �إىل‬ ‫جدار البوي�ضة على �سبيل تلقيحها‪.‬‬ ‫بالغيات �أو خلفية مفهومية وا�صطالحية ال تتطابق �أو تتواءم‬ ‫ه����ذا ما ي�ش��ي�ر �إليه التاري����خ كذل����ك‪ :‬فالثقافات املرتكن����ة �إىل �أمم‬ ‫م����ع اخللفي����ة املفهومية واال�صطالحي����ة التي يعتمده����ا العقل الغربي‪.‬‬ ‫ه����ذه تعقيدات ال ميكن �أن يتجاوزها �أك��ب�ر املرتجمني واملعربني �سوية قوية متتلك نا�صية التقدم العلم����ي والتقني‪ ،‬الفقهي والع�سكري‪ ،‬تتبع‬ ‫م����ع �أالف الهوام�����ش وال�شروح والإي�ضاحات‪ :‬هي ت�شب����ه ما قاله �أ�ستاذ �أمناط���� ًا �سلوكية ا�ستفزازية «حتر�شية» ذكرية عندما ت�سنح لها فر�صة‬ ‫�أدب عربي يف جامع����ة �أمريكية‪ ،‬عندما قال لتالميذه بتلذذ �أن العرب االحتكاك بالثقافات التي لي�س لديها ما يكفي للإرتكان �إليه‪� ،‬إن مادي ًا‬ ‫ي�سمون النار “فاكهة ال�شتاء”‪� ،‬إذ كانت اال�ستجابة �شديدة اال�ستغراب �أو اعتبارياً‪.‬‬ ‫و�إذا كانت اليوم الثقافات الغربية ت�سلك �سلوكيات فحولية «تع�سفية»‬ ‫وال��ب�رود‪� ،‬أو عندما قال لهم يف منا�سبة �أخرى‪�“ :‬أن اجلمل هو �سفينة‬ ‫ال�صح����راء”‪ ،‬حتى هذه اال�ستعارات والت�شبيهات تنطوي على ذبذبات �أو ق�سري����ة حيال الثقافات ال�شرقية الت����ي بقيت �سكونية م�ؤنثة خمتبئة‬ ‫داللي����ة ال تقب����ل ولوج منافذ العقل الغربي الذي يج����د �صعوبة بالغة يف خلف «احلجاب» خ�شية اال�ستفزاز �أو جتنب ًا له (خا�صة يف �سياق ع�صر‬ ‫ا�ستقباله����ا وا�ستيعابه����ا ومن ث����م متثيلها على �سبي����ل تطوير جمموعة العومل����ة)‪ ،‬ف�إن الثقافة الأمريكي����ة التي يحلو لنا هذه الأيام �أن ن�سفهها‬ ‫كامل����ة من املفاهيم والقيم واللغ����ة امل�شرتكة التي ميكن �أن تخدم قناة ونقلل من �ش�أنها �إمنا ت�ستقوي بخلفية ح�ضارية وتقنية وحتى ع�سكرية‬ ‫�أو ج�سر ًا لذلك احلوار املفرت�ض �أو املنتظر‪.‬‬

‫‪178‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫الثقاف��ات املرتكنة �إىل �أمم قوية متتلك نا�صي��ة التقدم العلمي والتقني‪،‬‬ ‫الفقهي والع�سك��ري‪ ،‬تتبع �أمناط ًا �سلوكية ا�ستفزازية “حتر�شية” ذكرية‬ ‫عندم��ا ت�سنح لها فر�صة االحت��كاك بالثقافات التي لي���س لديها ما يكفي‬ ‫للإرتكان �إليه‪� ،‬إن مادي ًا �أو اعتباري ًا‬

‫متكنها من ا�ستفزاز الثقافات ال�شرقية درجة �إ�صابة بع�ض حاملي‬ ‫�ألوي����ة ه����ذه الثقافات برهاب خا�����ص ميكن �أن �أطل����ق عليه ت�سمية‬ ‫«فوبي����ا الثقافة الغربية �أو الأمريكية»‪ .‬ومع هذا كله‪ ،‬ف�إن االرجتاع‬ ‫�إىل تعب��ي�ر «الغزو الثقايف» بحد ذاته ي�ؤك����د وجود ثقافتني‪ :‬الأوىل‬ ‫غازي����ة‪ ،‬بينما تكون الثانية مغزوة �أو «م�سبية»‪ .‬والثقافة الأمريكية‬ ‫اليوم ت�سلك �سلوكيات ذكرية �شديدة اال�ستفزاز للثقافات الأنثوية‬ ‫الراك����دة وامل�ستكين����ة لأنه����ا تبا�شرها م����ن حيث مواط����ن �ضعفها‬ ‫ونق����اط ركاكتها م����ن خالل �ص����ورة احلي����اة الأمريكي����ة وال�سيارة‬ ‫الأمريكي����ة والأطعم����ة ال�سريعة امل�سلفنة وغ����زو الف�ضاء اخلارجي‬ ‫والرق�ص عل����ى �أنغام «الراب»‪ .‬هي ظواهر ثقافية �أمريكية ال ت�أتي‬ ‫فقط مع امل�سل�س��ل�ات املدبلجة �أو مع الوافدي����ن الأجانب‪ ،‬بل ت�أتي‬ ‫عرب قنوات متنوعة ال ميكن لأحد �أن ي�سدها قط‪ ،‬خا�صة يف ع�صر‬ ‫�شبك����ة املعلومات الدولي����ة والكومبيوتر حيث يك����ون �ضخ الثقافات‬ ‫الذكوري����ة الأكرث ا�ستفزاز ًا متوا� ً‬ ‫صال ‪� 24‬ساعة يف اليوم و‪ 365‬يوم ًا‬ ‫يف ال�سنة‪.‬‬ ‫علين����ا �أن ال ننزع����ج كثري ًا ونحن نراقب �أمن����اط �سلوك الثقافات‬ ‫امل�ش����ار �إليه����ا يف �أع��ل�اه‪ ،‬ذل����ك �أن الع�ص����ر الو�سيط قد �شه����د �سطوة‬ ‫ثقافية‪/‬فحولية عربية �إ�سالمية اخرتقت جميع �أ�صقاع العامل القدمي‪،‬‬ ‫خا�ص����ة عرب �آ�سي����ا و�أفريقيا‪ :‬ف�ص����ارت اللغة العربية‪ ،‬كم����ا الإنكليزية‬ ‫اليوم‪ ،‬لغة الثقافة ولغة البالطات والفنون واملخاطبات والعلوم‪ ،‬بينما‬ ‫ت�صرفت ثقافات مهمة �أخرى على نحو �أنثوي «م�ست�سلم» «خنوع» �أمام‬ ‫ثقاف����ة العرب املرتكن����ة �إىل دين جدي����د م�شحون باحليوي����ة والثورية‪.‬‬ ‫الح����ظ كيف تخلت ثقافات �أق����دم و�أعمق من الثقافة العربية حتى عن‬ ‫ح����روف �أبجدياتها كي تعتمد الأحرف العربية بدي ًال منا�سباً‪ .‬ح�صلت‬ ‫تالقح����ات ثقافي����ة �أو زيجات ثقافية يف املناط����ق ال�شا�سعة املمتدة بني‬ ‫ب��ل�اد الرافدي����ن والهن����د‪ ،‬بل وب��ي�ن الرافدي����ن وال�صني �شق����اً‪ ،‬وكانت‬ ‫الثقافة العربية هي الثقافة املتفوقة القادرة على «تلقيح» ثقافات بقت‬ ‫�سكونية خنوعة لقرون‪.‬‬ ‫علين����ا �أن ال ن�ستف����ز من مالحظة تورخة الأف����كار يف �أعاله‪ :‬فهذه‬ ‫هي دورات التق����دم ‪ progression‬والرتاج����ع ‪ regression‬التي حتياها‬ ‫الأمم �سوي����ة م����ع ثقافاتها على نح����و دوري‪ :‬الحظ املدي����ات الذكورية‬ ‫الت����ي تقم�صته����ا الثقاف����ة الإنكليزية والثقاف����ة الفرن�سي����ة يف الع�صر‬ ‫الذهب����ي للكولونياليات الأوروبية درجة �أن ثالث����ة �أرباع �أفريقيا تخلت‬ ‫ع����ن لغاته����ا الأم لتتعل����م الفرن�سية‪ ،‬ودرج����ة �أن �شبه ق����ارة الهند كلها‬

‫ترك����ت لغاتها الأم املق����درة باملئات كي تعتمد الإنكليزي����ة‪ ،‬والإنكليزية‬ ‫فق����ط قناة لالت�ص����ال والتوا�صل‪ .‬مل يبقَ �إال �أن ن�ش��ي�ر �إىل تلك اللوعة‬ ‫الغي����ورة التي �أ�صابت �شاب ًا جزائري���� ًا وطني ًا بالآالم وهو يتل�ص�ص على‬ ‫جن����ود فرن�سيني وهم يتبادلون النظر �إىل �صورة �شابة جزائرية بديعة‬ ‫اجلم����ال‪ ،‬كي ي�شع����ر هو‪ ،‬يف دخيلت����ه‪ ،‬بوط�أة ال�ضع����ف والهزمية �أمام‬ ‫ه�ؤالء ال�شُّ قر املدججني بال�سالح‪ .‬وللمرء �أن ي�ستذكر كذلك ملاذا اتخذ‬ ‫اجل��ن�رال نابليون بونابرت من “فاطمة”‪ ،‬ابنة ال�شيخ امل�صري‪ ،‬خليلة‬ ‫ل����ه ليمار�س �سلطة الذكر على الأنثى عل����ى نحو رمزي مثل ممار�سات‬ ‫فرن�سا مع م�صر �آنذاك‪.‬‬ ‫�إذا كان “ح����وار الثقاف����ات” جم����رد �شعار طيب يراد ل����ه �أن يخدم‬ ‫�إط����ار ًا لنوع من التناغ����م ال�سيا�سي يف ع�صرنا امل�ضط����رب هذا؛ و�إذا‬ ‫كانت الثقافات غالب ًا م����ا تعك�س عنا�صر قوة فحولية‪ ،‬وعنا�صر رخاوة‬ ‫�أنثوية عرب �أمناط �سلوكية تاريخية ال تبتعد كثري ًا عما �أوتيت كل ثقافة‬ ‫ب����ه من خلفيات ح�ضارية وتقنية وعملي����ة‪ ،‬فان احلديث عن “�صراع”‬ ‫“�ص����دام ثقايف” يكون مقب����و ًال بحدود افرتا�ض ح����دوث “تفاعل”‬ ‫�أو ِ‬ ‫ولي�����س “حرب����اً” ب��ي�ن الثقاف����ات‪ :‬الثقاف����ات الفتي����ة احليوي����ة حتاول‬ ‫ا�ستفزاز الثقافات ال�سكونية اخلنوعة؛ ثم ما تلبث الأوىل حتى حتاول‬ ‫�أن ت�ستدرجه����ا لإ�شباع رغباتها بـ”التالق����ح” الذي ميكن �أن يقود �إىل‬ ‫والدة ثقاف����ة “جدي ��دة” ه����ي مركب م����ن الثقافت��ي�ن املتالقحتني عرب‬ ‫ف�صول تاريخ النوع الآدمي‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪179‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�آراء‬

‫عندما نفرت�ض وجود «حوار» ح�ضارات �أو ثقافات‪ ،‬ف�إننا نفرت�ض �ضمن ًا‬ ‫كذل��ك وج��ود كينونتني قادرتني عل��ى النطق‪ ،‬ممثلتان م��ن قبل «فئات‬ ‫حماورة»! ولكن هل ثمة �شيء كهذا يف الوجود؟ هل يوجد حمفل يجمع‬ ‫مفكري ال�شرق مع مفكري الغرب حيث ميكن �أن يتحاورا؟‬

‫للم����رء �أن يتب��ي�ن اجل����دل �أع��ل�اه يف كل منا�سب����ة تاريخي����ة �شهدت‬ ‫اختالط���� ًا �أو تفاع ًال ثقافي ًا كبرياً‪ .‬يقول �أبو الأدب الأمريكي‪ ،‬وا�شنطن‬ ‫�إرفن����غ ‪ ،Irving‬خ��ل�ال زيارته لإ�سباني����ا بدايات الق����رن التا�سع ع�شر‪:‬‬ ‫“عندما ت�سري عرب هذه الأرا�ضي ال�شا�سعة وترى الفالحني‪ ،‬بيوتهم‬ ‫ودوابه����م‪ ،‬ف�إن����ك ال متلك �إال �أن تتخيل ب�أن����ك يف و�سط مع�سكر جلي�ش‬ ‫�أم����وي م����ن العرب الآتني م����ن �أعماق اجلزيرة العربي����ة‪ ،‬و�أنت يف قلب‬ ‫�إ�سباني����ا!”‪ .‬هن����ا نالح����ظ �آث����ار العدائي����ة الذكوري����ة الت����ي ا�ضطلعت‬ ‫با�ستفزاز الثقافة الأوروبي����ة ال�سكونية الراكدة التي كانت �سائدة قبل‬ ‫فت����ح الأندل�س‪ .‬عندما نق����ر�أ تاريخ الوجود الإ�سالم����ي يف �شبه جزيرة‬ ‫�إيربيا نالح����ظ �أن ال�سطوة والغلبة كانت من ن�صي����ب الثقافة العربية‬ ‫الإ�سالمي����ة الغازية ط����وال �أكرث من ثمانية قرون م����ن البقاء العربي‪/‬‬ ‫الإ�سالمي هناك‪ ،‬الأمر الذي قاد �إىل والدة ثقافة “�أندل�سية” جديدة‪:‬‬ ‫ال هي ثقافة عربية‪�/‬إ�سالمية باملعنى ال�صحيح‪ ،‬وال هي ثقافة �أوروبية‬ ‫قوطي����ة مت�أ�صلة يف ما�ضي �إ�سباني����ا قبل جميء طارق بن زياد‪ .‬وهكذا‬ ‫مل نزل نحن‪ ،‬يف اجلامعات العربية‪ ،‬ن�شعر بالتمايز �أو باالختالف بني‬ ‫ثقافة الأندل�س (يف ذروة تقدمها) وبني ثقافتنا (يف ع�صرها الذهبي‬ ‫ببغداد)‪ ،‬بالرغم من الرغبة اجلاحمة لدينا ل�ضم الأوىل �إىل الثانية‪،‬‬ ‫�إال �أن����ه ال مهرب م����ن التمييز‪ ،‬لذا يجد الباح����ث يف �أق�سام التاريخ يف‬ ‫اجلامعات العربي����ة تخ�ص�صات يف “التاريخ الأندل�سي” بو�صفه �شيئ ًا‬ ‫خمتلف ًا عن تاريخ الع����رب والإ�سالم العام؛ وكذلك جند متخ�ص�صني‬ ‫يف “الأدب الأندل�س����ي” لأن ما خط����ه ابن زيدون‪ ،‬وما تغنت به الوالدة‬ ‫بنت امل�ستكفي ال ميكن �أن ي�صنفا يف �سلة واحدة مع ما خطّ ه ال�شريف‬ ‫الر�ض����ي وما قالته اخلن�س����اء‪ .‬الآن تتبل����ور يف الدرا�سات اجلارية عرب‬ ‫عوا�ص����م الدول العربية ع��ب�ر �شمال �أفريقيا �أف����كار مهمة عن مدر�سة‬ ‫اجتماعية‪/‬تاريخية يقودها ابن خلدون‪ ،‬و�أخرى فكرية‪/‬فل�سفية يرمز‬ ‫له����ا “ابن ر�ش����د” بو�صفهما حالتني مغاربيت��ي�ن متفردتني ال ميكن �أن‬ ‫تو�ضع����ا جنب ًا �إىل جنب مع اجلاحظ �أو مع الغزايل امل�شرقيني‪ ،‬ناهيك‬ ‫ع����ن فكرة �أخرى �أكرث �أهمية وت�شكيلية يف ق����راءة تاريخ الأفكار‪ ،‬وهي‬ ‫فكرة �أن كولومب�س (مكت�شف �أمريكا‪� /‬أو الأمريكي الأول) �إمنا انطلق‬ ‫‪180‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫يف م�شروع����ه العظيم لإكمال دائرية الأر�ض ع��ب�ر الإبحار من �إ�سبانيا‬ ‫غرب���� ًا عرب املحيط الأطل�سي للو�ص����ول �إىل الهند‪ ،‬فكرة �أن هذا الرجل‬ ‫ال����ذي قلب تاريخ الع����امل‪ ،‬مل يكن �س����وى نتاج ت����زاوج ثقافتني‪ :‬الأوىل‬ ‫�شرقي����ة‪ ،‬عربية �إ�سالمي����ة (�سامية عرقياً)‪ ،‬والثاني����ة‪ ،‬غربية �أوروبية‬ ‫م�سيحية (�آرية عرقياً)‪.‬‬ ‫وهك����ذا ميكن النظر �إىل م����ا نطلق عليه الي����وم “التالقح الثقايف”‬ ‫بو�صف����ه حقيقة حتدث عرب التاريخ يف منا�سبات معينة‪ ،‬خا�صة عندما‬ ‫تق��ت�رب حاف����ات ثقافة معينة م����ن حافات ثقافة خمتلف����ة كي يكون يف‬ ‫ال�صدام �أو االحتكاك �شيئ ًا من التمازج والتفاعل‪ .‬ويبدو �أن احلمالت‬ ‫ال�صليبي����ة كانت واح����دة من �أبرز الظواه����ر �أو املنا�سب����ات التاريخية‬ ‫الدال����ة على مثل هذه احلال “القالب����ة” لثقافات �أمم العامل‪� ،‬إذ ي�ؤكد‬ ‫امل�ؤرخ����ون �أن اجلن����د ال�صليبيون الذي����ن “طردته����م” �أوروبا باجتاه‬ ‫فل�سطني بق�صد ا�ستعادة ال�ضريح املقد�س (ا�سمياً) وبق�صد التخل�ص‬ ‫م����ن فائ�ض القوة املعار�ض (فعلي ًا وعملياً)‪� ،‬أن ه�ؤالء اجلند مل يعودوا‬ ‫�إىل �أوطانهم الأ�صل يف �أوروبا بـ”ال�شيء” و�إمنا عادوا حمملني ب�أنواع‬ ‫الب�ضائع والنتاجات الثقافي����ة التي قلبت �صورة احلياة يف �أوروبا فيما‬ ‫بع����د‪ ،‬درجة �أنها ميكن �أن تكون ق����د �ساعدت على حدوث �أهم ثورة يف‬ ‫تاري����خ العامل الغرب����ي‪� ،‬أي الإ�صالح الدين����ي الربوت�ستانتي على �أيدي‬ ‫مارتن لوثر‪ ،‬الرجل الذي د�شن ع�صرا النه�ضة والأنوار ليمهد الطريق‬ ‫لأوروبا احلديثة عل����ى طريق الثورتني العظمي��ي�ن التاليتني‪ :‬الفرن�سية‬ ‫(باري�س) وال�صناعية (لندن)‪.‬‬ ‫ل����ذا ميكن القول �إن الثقافات‪ ،‬بغ�����ض النظر عن درجة ذكوريتها �أو‬ ‫انوثتها‪ ،‬ال ميك����ن �أن تفنى‪ ،‬ذلك �أنها غالب ًا ما ترتك �صفاتها الوراثية‬ ‫فيما ينتج عن تالقحها من ثقافات �أو ثقافة وليدة جديدة‪.‬‬ ‫وبر�أي����ي‪ ،‬ف�إن واحدة من �أقوى جتارب التالقح الثقايف التي مرت‬ ‫به����ا ثقافتنا العربي����ة الإ�سالمية ق����د حدثت يف الع�ص����ر الذهبي لها‪،‬‬ ‫على �سنوات الر�شيد وامل�أم����ون‪ ،‬حيث �ضمت هذه الثقافة �إىل ن�سيجها‬ ‫عنا�ص����ر فل�سف����ات �إغريقي����ة و�أعجمية �أخ����رى طارئة‪ ،‬وه����ي عنا�صر‬ ‫خدم����ت يف حتوير الثقافة العربية الإ�سالمية وحتريرها بطرائق �شتى‬ ‫حت����ى تناهت �إىل الع�صر احلديث على نحو ثقافة خمتلفة عن الثقافة‬ ‫الأ�ص����ل الت����ي ب�شّ ر بها حمم����د (�ص)‪ ،‬الأمر الذي ب����رر ظهور حركات‬ ‫التجدي����د والتنقي����ة ‪ puritan‬والع����ودة �إىل ال�سل����ف ال�صال����ح‪ ،‬وحترير‬ ‫ثقافتنا مما علق بها و�شابها عرب التاريخ من �أجنبي ودخيل وغريب‪.‬‬

‫�صدر حديث ًا‬ ‫يف �سل�سلة درا�سات اجتماعية‬

‫الآلية ال�شرعية فـي مكافحة الف�ساد‬

‫حممد غالب ال�شرعبي‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪181‬‬


‫مدار الأفكار‬ ‫بال مواربة‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫�سجال‬

‫�آراء‬

‫ِ�صدَ ام الأوهام‬

‫م�س�ألتا الإمامة واخلالفة وجمود العقل العربي‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬ ‫‪director@shebacss.com‬‬

‫ال تكتف���ي القوى امل�سيطرة بالتحدث با�س���م اجلماهري‪ ،‬بل متتد لت�سيطر‬ ‫عل���ى طرق التفك�ي�ر لتلغي اجلمع وتفكر بالنيابة عن���ه‪ ،‬وبالتايل لتنتج له‬ ‫م���ا عليه اعتقاده‪ ،‬كما قال هيجل نق�ل�اً عن مارك�س “ال يزال امليت �آخذ ًا‬ ‫بتالبي���ب احلي”‪ .‬وهك���ذا يتم اال�ستي�ل�اء على املا�ضي وال�ت�راث و�إعادة‬ ‫�إنتاج���ه ليحمل طموح���ات وم�صالح الفئ���ات امل�سيطرة‪ ،‬فئوي���ة و�ساللية‬ ‫و�سيا�سي���ة‪ .‬ومن �أهم م���ا اختلفت علي���ه الأمة منذ وف���اة الر�سول (عليه‬ ‫ال�ص�ل�اة وال�سالم) وحتى الي���وم الإمامة واخلالف���ة‪� ،‬أي �سلطتي الن�ص‬ ‫الديني واحلكم ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫�إن الإمامة من امل�سائل الكبرية التي بحثها علماء �أ�صول الدين يف كتبهم‬ ‫صال من �أ�صول الدين �أو فرعاً‪،‬‬ ‫عل���ى اختالف مذاهبهم‪ ،‬على اعتبارها �أ� ً‬ ‫�أي ه���ل يكتم���ل �إميان الإن�س���ان من دونه���ا‪� ،‬أو �إنها ج���زء �أ�صيل ال ي�صح‬ ‫الإمي���ان �إال ب���ه‪ .‬وبحثوا يف فائدته���ا للجن�س الب�ش���ري‪ ،‬وغايتها‪ ،‬وطريق‬ ‫الو�ص���ول �إليها‪ .‬وم���ع اختالفاتهم يف تلك املباح���ث‪� ،‬إال �إنهم اتفقوا على‬ ‫�أهميتها بغ�ض النظر عن اعتبار موقعها‪ .‬وتركز اخلالف‪ ،‬مع وجود �آراء‬ ‫�أخرى لفرق غريها‪ ،‬على الإمامة بني �أهل ال�سنة وال�شيعة الإمامية الإثني‬ ‫ع�شري���ة‪ ،‬لأن فهم حقيق���ة االختالف بني هذين الفريق�ي�ن ي�صبح �أ�سهل‬ ‫عند تو�ضيح الأمر عندهما‪.‬‬ ‫وال ب��� َّد لن���ا �أن ننب���ه �أن هن���اك ا�صطالح�ي�ن ي�ستعمالن يف ه���ذا املقام‪،‬‬ ‫الأول اخلالف���ة‪ ،‬والث���اين الإمامة‪ ،‬ف�أهل ال�سنة ال ي���رون اختالف ًا بينهما‪،‬‬ ‫وي�ستعمل���ون �أحدهما حم���لَّ الآخر‪ ،‬و�أم���ا ال�شيعة فيفرق���ون بينهما‪ ،‬كما‬ ‫�سنو�ضح الحقاً‪ .‬فعند ال�سنة‪ ،‬عرَّف الإمام التفتازاين يف “�شرح العقائد”‬ ‫اخلالف���ة‪ ،‬فقال‪“ :‬نيابة ع���ن الر�سول يف �إقامة الدي���ن بحيث يجب على‬ ‫كافة الأمم الإتباع”‪ .‬فاخلالفة �إذن حم�صورة يف كونها نيابة لر�سول اهلل‬ ‫�صل���ى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬يف �إقام���ة الدين‪ ،‬ولي�ست ا�ستئناف ًا للنبوة‪ ،‬وال هي‬ ‫من جن�س النبوة‪ ،‬كما هي عند ال�شيعة‪ .‬فاخلليفة مهمته تطبيق ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية التي �أنزله���ا اهلل تعاىل على ر�سوله الكرمي‪ .‬ومن هنا مبا �أنها‬ ‫تطبي���ق لل�شريعة‪ ،‬ف�ل�ا حاجة �إذن لك���ون اخلليفة مع�صوم���اً‪ ،‬كما يدعي‬ ‫ال�شيعة‪ ،‬لأن تطبيق ال�شريعة ممكن بح�سب الطاقة الب�شرية‪ ،‬وال ي�شرتط‬ ‫‪182‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫يف الطاقة الب�شرية كونها مع�صومة‪ ،‬بل الأ�صل كونها لي�ست مع�صومة‪.‬‬ ‫�أما ال�شيعة فيقولون بخالف���ة الأئمة الثالثة دون �إمامتهم “ونفهم متاما‬ ‫مل يزع���م ال�شيعة الفرق ب�ي�ن الإمامة واخلالفة‪ ،‬فهم ال يعرتفون للخلفاء‬ ‫الثالثة الأوائل‪� ،‬أبو بكر ال�صديق‪ ،‬وعمر بن اخلطاب‪ ،‬وعثمان بن عفان‪،‬‬ ‫ر�ضي اهلل تعاىل عنهم‪ ،‬ال يعرتفون له�ؤالء بالإمامة‪ ،‬بل رمبا ين�سبون لهم‬ ‫اخلالفة فقط‪ .‬وذلك لأنهم يقولون ب�أن الإمام خليفة عن النبي من حيث‬ ‫هو نبي‪ ،‬فالإمامة من جن�س النبوة عندهم‪ ،‬ال فرق بني النبي والإمام �إال‬ ‫من جهة �أن الإمام غري النبي ال يوحى �إليه‪� ،‬أو ال تنزل �إليه ر�سالة و�شريعة‬ ‫جديدة‪ ،‬وي�شرتك مع النبوة فيما �سوى ذلك‪ ،‬ولذلك ي�شرتطون يف الإمام‬ ‫ما ي�شرتطون يف النبي م���ن الع�صمة والن�صِّ وغري ذلك‪ .‬فمفهوم الإمام‬ ‫عند ال�شيعة مغاير متاما ملفهوم الإمام عند �أهل ال�سنة‪.‬‬ ‫قال ال�سيد حم�سن اخلرازي يف “�شرحه على عقائد املظفر” (�ص‪:)275‬‬ ‫“وال يذهب عليك �أن جمهور العامة ف�سروها مبا اعتقدوها يف الإمامة من‬ ‫اخلالفة الظاهرية والإمارة‪ ،‬وقالوا �إن الإمامة عند الأ�شاعرة هي خالفة‬ ‫الر�س���ول يف �إقامة الدين وحفظ حوزة امللة بحيث يجب �إتباعه على كافة‬ ‫الأم���ة‪ ،‬وم���ن املعلوم �أن مراده���م منها هي اخلالف���ة الظاهرية التي هي‬ ‫�إقامة غري النبي مكانه يف �إقامة العدل وحفظ املجتمع الإ�سالمي‪ ،‬ولو مل‬ ‫ين�صبه النبي للخالفة ب�إذنه تعاىل”‪.‬‬ ‫هذا عن مفه���وم م�صطلح الإمامة عند ال�شيع���ة‪ ،‬و�أما عن تعريفها‪ ،‬فقد‬ ‫قال اخل���رازي يف ����ص‪“ :276‬الإمامة عن���د ال�شيعة هي اخلالف���ة الكلية‬ ‫الإلهي���ة التي من �آثارها واليتهم الت�شريعي���ة التي منها الإمارة واخلالفة‬ ‫الظاهرية لأن ارتقاء الإمام �إىل املقامات الإلهية املعنوية يوجب �أن يكون‬ ‫زعيم��� ًا �سيا�سي��� ًا لإدارة املجتمع الإ�سالم���ي �أي�ضا‪ ،‬فالإمام ه���و الإن�سان‬ ‫الكام���ل الإلهي العامل بجميع ما يحتاج �إلي���ه النا�س يف تعيني م�صاحلهم‬ ‫وم�ضاره���م‪ ،‬الأم�ي�ن عل���ى �أح���كام اهلل تع���اىل و�أ�س���راره‪ ،‬املع�ص���وم من‬ ‫الذن���وب واخلطايا‪ ،‬املرتبط باملبد�أ الأعل���ى‪ ،‬ال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬احلجة‬ ‫عل���ى عب���اده‪ ،‬املفرت����ض طاعته الالئ���ق لإقتداء الع���ام ب���ه والتبعية عنه‬ ‫احلاف���ظ لدين اهلل‪ ،‬املرجع العلمي حلل املع�ضالت واالختالفات وتف�سري‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير‪ ،‬واملدير التنفيذي‬ ‫ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪.‬‬

‫املجمالت‪ ،‬الزعيم ال�سيا�سي واالجتماعي‪ ،‬الهادي للنفو�س �إىل درجاتها‬ ‫الالئق���ة بهم من الكم���االت املعنوي���ة الو�سيط يف نيل الفي����ض من املبد�أ‬ ‫الأعلى �إىل اخللق‪ ،‬وغري ذلك من �ش�ؤون الإمامة”‪ .‬وكما ترى ف�إن الإمام‬ ‫عنده���م مع�ص���وم �أي�ضاً‪ ،‬وعامل بالعل���م ال�شامل‪ ،‬والتحقي���ق �أنه عندهم‬ ‫ع���امل بالكليات واجلزئيات‪ ،‬لأن الإمام خليفة اهلل تعاىل ولذلك ي�صفونه‬ ‫بالإلهي‪.‬‬ ‫والإمام يق���وم مقام النبي يف كل �صفاته ما عدا كونه نبياً‪ ،‬قال اخلرازي‬ ‫(يف ����ص‪“ :)278‬وهكذا فالإمام يقوم مق���ام النبي يف جميع �صفاته عدا‬ ‫كون���ه نبياً‪ ،‬وباجلملة فالأئمة هم والة �أمر اهلل وخزنة علم اهلل‪ ،‬وتراجمه‬ ‫وح���ي اهلل واحلجج البالغ���ة على اخللق وخلفاء اهلل يف �أر�ضه و�أبواب اهلل‬ ‫ع َّز وج َّل التي ي�ؤتى منها‪ ،‬فهذه منزلة عظيمة ال ينالها النا�س بعقولهم �أو‬ ‫�آرائه���م”‪ .‬وبناء على هذا الت�ص���ور‪ ،‬ي�ستحيل �أن ال تكون الإمامة عندهم‬ ‫من �أ�صول الدين‪ ،‬ولذلك قال اخلرازي (يف �ص‪“ :)282‬فما �أوجب �إدراج‬ ‫النب���وة يف �أ�صول الدي���ن �أوجب �إدراج الإمامة باملعن���ى املذكور فيها‪ ،‬و�إال‬ ‫ف�ل�ا وجه لإدراج النبوة فيه���ا �أي�ضا”‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فال �إ�سالم ملن مل‬ ‫يعرف الإمامة‪.‬‬ ‫وبعي���د ًا عن الطائفتني (ال�سنة وال�شيعة)‪ ،‬ف�إن الإمامة من حيث هي فعل‬ ‫�إن�س���اين‪ ،‬عبارة عن �إدارة �ش�ؤون اخللق العام���ة‪ ،‬باال�ستناد على الأحكام‬ ‫ال�شرعي���ة املتعلقة بتلك الأمور‪ .‬فالإمامة �إذن‪ ،‬ي�شرتط فيها جهاز كامل‪،‬‬ ‫ال �شخ�ص واحد‪ ،‬ولكن ال بد �أن يكون لهذا اجلهاز رئي�س م�سئول‪ ،‬ل�ضمان‬ ‫ع���دم اختالل الأحوال وتن���ازع الأطراف‪ ،‬وبعد هذا ال يه���م ما �أ�سميتها‪:‬‬ ‫�إمامة �أم حكم ًا �أم رئا�سة �أم �أي �شيء �آخر‪.‬‬ ‫�إنَّ �أوَّلَ �أَمْ ���رٍ يج���ب تقري���ره والت�سليم ب���ه‪ ،‬هو �أن قي���ادة الأمة (اجلماعة‬ ‫الب�شري���ة) �ضروري���ة للجن����س الب�ش���ري‪� ،‬أي �إنها الزمة لو�ص���ول اجلن�س‬ ‫الب�شري �إىل غايته من اال�ستقرار واحل�صول على الأمان وال�سعادة بح�سب‬ ‫الإمكان الب�شري‪ .‬فاالحتياج �إىل القيادة �أمر وا�ضح‪ ،‬لأن املنازعات تتكاثر‬ ‫ب�ي�ن النا����س‪ ،‬والو�سيلة الأكرب حلل هذه الإ�ش���كاالت واحلد من التعديات‬ ‫الواقع���ة بني النا�س‪ ،‬ه���و تنظيم قيادة الأمة‪ .‬فه���ي �إذن من ناحية العقل‬

‫ع���دم وجوده‪ ،‬ولكن ال يخفى �إن احلكم العقلي بالوجوب العملي‪ ،‬ال ينايف‬ ‫م���ا قلناه �سابقا من احلكم عليها باجل���واز العقلي‪ ،‬من الناحية املح�ضة‪.‬‬ ‫فيتبني لنا �إذن �أن احلكم العقلي على الإمامة هو اجلواز‪ ،‬ال الوجوب‪.‬‬ ‫توظي��ف ال�سلط��ة الدنيوي��ة للدي��ن يف التاري��خ الإ�سالم��ي‬ ‫ه���ذه امل�س�أل���ة لي�س���ت عقلية جمردة ال واق���ع لها‪ ،‬بل لها واق���ع ولها ت�أثري‬ ‫يف ه���ذا الواق���ع! ب���ل ن�ستطي���ع �أن نقول �إنه���ا ت�شكل جانب���ا مهما جدا يف‬ ‫حي���اة وتاريخ �أيّ �أمة من الأمم يف الع�ص���ور القدمية واحلديثة حتى هذا‬ ‫الزم���ان‪ .‬فالإن�س���ان واقع بح�سب الت�صور الإ�سالم���ي بني طرفني‪ ،‬الأول‪:‬‬ ‫الدنيا‪ ،‬والثاين‪ :‬الآخ���رة‪ ،‬وم�صريه يتحدد بح�سب عمله‪ ،‬وعمله يجب �أن‬ ‫يك���ون متقيدا في���ه بالأحكام ال�شرعي���ة‪ ،‬والعمل الواق���ع يف الدنيا �إما �أن‬ ‫يك���ون مق�صودا في���ه �صالح الدني���ا �أو �صالح الآخ���رة‪� ،‬أي �صالح �أحوال‬ ‫الإن�سان يف �آخرته‪.‬‬ ‫وق���د ف�ص���ل العلماء يف ال�صف���ات التي يجب حتققه���ا يف الإمام‪ ،‬ولكنهم‬ ‫م���ا اهتموا بذل���ك �إال خلطورة ه���ذا املن�صب وعظيم �أث���ره‪ ،‬فالذي يقوم‬ ‫علي���ه يجب �أن يكون متميزا ومنا�سبا ل���ه‪ ،‬و�إال ترتبت العديد من املفا�سد‬ ‫عل���ى النا�س يف دينهم ودنياهم‪ .‬وقد خل�ص الإم���ام الرازي الطرق التي‬ ‫ميكن �أن ي�صري بها الإم���ام �إماما‪ ،‬وذلك بح�سب ما افرتقت عليه الفرق‬ ‫الن�ص م���نَ اهلل تعاىل ور�سوله‬ ‫الإ�سالمي���ة فق���ال‪“ :‬اتفقت الأمة على �أنَّ َّ‬ ‫عل���ى �شخ�ص بالإمامة �سببٌ م�ستقل ل�صريورته �إماما‪ ،‬لكنهم اختلفوا يف‬ ‫�أن���ه هل ي�ص�ي�ر �إماما بطريق �آخ���ر �سوى هذا التن�صي����ص �أم ال؟ فقالت‬ ‫الزيدي���ة‪� :‬إنَّ الفاطم���ي �إذا كان عامل���ا زاه���دا وخرج بال�سي���ف ودعا �إىل‬ ‫نف�س���ه بالإمامة �صار �إماما‪ .‬وق���ال الأ�شاعرة واملعتزلة‪ :‬عق ُد البيعة �سبب‬ ‫حل�صول الإمامة‪ ،‬والإثنا ع�شرية �أنكروا ذلك”‪ .‬فيفهم من ذلك �أن الأمة‬ ‫ن�ص من ال�شارع يقول فيه‪� :‬إن فالن ًا من النا�س‬ ‫�أجمعت على �أنه �إذا وجد ٌّ‬ ‫هو الإمام‪ ،‬لكان هذا الطريق �سائغ ًا ومقبوالً‪ ،‬وتثبت به �إمامة املن�صو�ص‬ ‫عليه‪ ،‬وال ميكن اخلالف بني امل�سلمني يف هذا الطريق‪.‬‬ ‫ووا�ضح �أن ما قالته الزيدية من وجوب كون الإمام من ن�سل فاطمة الزهراء‬

‫العق��ل العرب��ي يف التاري��خ والرتاث ظ��ل م�ش��دود ًا �إىل �سلطت�ين كبحتاه عن‬ ‫الإنتاج احلر للمعرفة‪� :‬سلطة الن�ص الديني وال�سلطة ال�سيا�سية احلاكمة‬ ‫العملي و�سيلة للو�صول �إىل الغاية املحمودة من التعاي�ش بني النا�س‪.‬‬ ‫فف���ي ظ���لِّ هذا التو�ضي���ح‪ ،‬هل ميكن �أن نق���ول �إن وجود الإم���ام �ضروري‬ ‫عق�ل�اً ‪ ،‬مبعنى �إنه ال ميكن �أن ت�ستم���ر حياة النا�س �إال به‪� ،‬أي هل ال يوجد‬ ‫بدائ���ل و�إن كان���ت ال تقوم بنف�س ق���در املهمة التي يقوم به���ا الإمام؟ من‬ ‫الوا�ض���ح �أن العق���ل ال يحك���م بال�ضرورة العقلي���ة هنا‪ ،‬كما �أن���ه ال يحكم‬ ‫بال�ض���رورة يف �إر�سال الر�سل والأنبياء �إىل النا�س‪ .‬فحكم الرئي�س للنا�س‬ ‫يف العق���ل هو اجلواز ال الوجوب‪� ،‬إذن‪ .‬و�أم���ا �إن �أريد ب�أن الرئا�سة واجبة‬ ‫عق�ل�اً ‪ ،‬مبعن���ى �إنها راجحة عمليا على نفيها وعدمه���ا �أو �ضدها‪ ،‬باملعنى‬ ‫ال�سابق‪ ،‬فاجلواب نعم‪� ،‬إن العقل العملي يحكم برتجيح وجود القائد على‬

‫ر�ضي اهلل تعاىل عنها لي�س لهم عليه‬ ‫�أي دلي���ل‪ ،‬فتم�سكه���م ب���ه جم���رد‬ ‫حتكم‪ .‬وقيا�ساتهم التي يعتمدون‬ ‫عليها ميكن معار�ضتها بغريها‬ ‫مم���ا يقابله���ا‪ ،‬وه���ذا كاف‬ ‫لإ�سقاطه���ا‪ .‬و�أم���ا ق���ول‬ ‫ال�شيع���ة الإمامي���ة الإثن���ي‬ ‫ع�شرية من �أن���ه ال يعترب‬ ‫الواحد �إمام ًا �إال �إذا‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪183‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�آراء‬

‫كان من�صو�ص��� ًا على ا�سمه يف ال�شريعة فهو �إغالق منهم لباب عظيم من‬ ‫املناف���ع للب�ش���ر يف الدين والدنيا‪ ،‬وحتكم منه���م بال�شريعة‪ ،‬و�إدعاء ملا مل‬ ‫يثبت لهم عليه دليل‪ .‬فلم ي�سلم لهم غريهم �صحة ما ادعوه من �أن النبي‬ ‫ن�ص عل���ى �إمامة علي كرم اهلل تع���اىل وجهه‪ ،‬وقد بني‬ ‫علي���ه ال�س�ل�ام قد َّ‬ ‫علم���اء ال�سنة �أن جمي���ع ما اعتمد عليه ه�ؤالء جم���رد توهمات وحتكمات‬ ‫منه���م‪ ،‬ولو كان ن�ص الر�سول بين ًا وا�ضح ًا بالدرجة التي ادعاها ال�شيعة‪،‬‬ ‫مل���ا خف���ي يف زمان ال�صحابة‪ ،‬وملا ا�ستطاع �أح���د ال �أبو بكر وال عمر ر�ضي‬ ‫اهلل عنهم���ا �أن يخفي���ه وال �أن يخالف���ه كما ادعى ال�شيع���ة‪ ،‬فلم يكن عليٌّ‬ ‫ر�ض���ي اهلل مقطوع ًا من قومه ومل يكن جمه���و ًال بينهم‪ ،‬ومل يكن الر�سول‬ ‫عليه ال�سالم منبوذ ًا من ال�صحابة وال من قومه‪ ،‬ولو قال مثل هذا الن�ص‬ ‫ال���ذي يدعيه ال�شيعة ملا خفي على �أحد منهم‪ ،‬ولو �أراد بعد ذلك بع�ضهم‬ ‫خيانته يف ذلك الأمر كما يزعم ال�شيعة‪ ،‬ملا ا�ستطاع �إىل ذلك �سبيالً‪ ،‬وملا‬ ‫وافقه على ذلك �أغلب ال�صحابة‪.‬‬ ‫وف���وق ذلك كله‪ ،‬ف�إنه ي�ستحيل �أن ي�سك���ت على ذلك �صاحب ال�ش�أن الأول‬ ‫يف ذل���ك وهو عل���ي ر�ضي اهلل عن���ه‪ ،‬ولكننا عرفنا �أن���ه مل يعار�ضهم ومل‬ ‫يقاتله���م بل م�شى معهم وعاونهم و�أيدهم‪ ،‬ولو كان يعلم مثل ذلك الن�ص‬ ‫و�سك���ت عليه ومل يعلنه ب�ي�ن ال�صحابة ومل يدعُ هُم �إلي���ه ويقاومهم عليه‪،‬‬ ‫ل���كان – حا�شاه ‪� -‬أول اخلائنني‪ .‬ول���و كان �أبو بكر وعمر خائنني للر�سول‬ ‫علي���ه ال�سالم ويبيت���ون ذلك من قبل موت���ه كما يدعي ال�شيع���ة‪ ،‬فما بال‬ ‫را�ض عنهم‪ ،‬وهو ُمعَظِّ ٌم ل�ش�أنهم‪ ،‬وما باله مل يُ�شِ ْر مطلق ًا‬ ‫النبي مات وهو ٍ‬ ‫�إىل خ�ل�اف ذل���ك �أثناء حيات���ه؛ هل كان النب���ي جاه�ل�اً ب�أمرهم وعلمه‬ ‫ال�شيعة املت�أخرون بعد مئات ال�سنني؟ ولو كان عامل ًا ب�ش�أنهم فكيف جاز له‬ ‫ال�سك���وت عليهم خا�صة يف �أمر عظيم يدعي ال�شيعة �أنه من �أ�صول الدين‬ ‫التي يكفر من يخالفها؟‬ ‫باملقاب���ل �إذن ي���رى الأ�شاع���رة واملعتزل���ة �أن الطريق ال�شرع���ي الوا�ضح‬ ‫الن�ص �إمنا هو البيعة للإمام‪.‬‬ ‫وال�صحي���ح الذي يثبت لتعيني الإم���ام عدا ّ‬ ‫والبيع���ة ق���د حت�صل بالتغلب وق���د حت�صل بالر�ضا‪ ،‬وال �ش���كَّ �أن ح�صول‬ ‫البيع���ة بالر�ضا من �سائر امل�سلمني هي الأ�صل‪ ،‬وهي القانون‪ ،‬ويكفي عن‬ ‫جماهري امل�سلمني �أعيانهم‪ ،‬وهم من يُ�سَ َّموْنَ ب�أهل احلل والعقد �إذا تعذر‬ ‫اجلماه�ي�ر‪ ،‬ف�إن املق�صود �إمنا ه���و حت�صيل ر�ضا الأمة بهذا الإمام‪ ،‬ف�أي‬ ‫طريق ح�صل به التيق���ن بهذا الر�ضا‪ ،‬كفى بعد حت�صيل املر�شَّ حِ ل�شروط‬ ‫الإمام و�صفاته‪.‬‬ ‫�إن حتلي���ل احل���وار الذي دار يف �سقيف���ة بني �ساعدة الختي���ار من يخلف‬ ‫ر�س���ول اهلل بعد وفات���ه يك�شف اجلانب الدنيوي البح���ت مل�س�ألة اخلالفة‪،‬‬ ‫فرواي���ة حممد بن جرير الطربي ملا حدث يظه���ر �صراع ًا م�صلحي ًا بحت ًا‬ ‫ب�ي�ن ثالثة فرقاء‪ :‬فري���ق بني ها�شم وفريق املهاجري���ن وفريق الأن�صار‪،‬‬ ‫وكان اخل�ل�اف من منظور الواقع ال من منظور الدين‪� ،‬إذ لو كان املنطلق‬ ‫ديني��� ًا لتم تق���دمي الدليل الذي ي�سكت الآخرين لك���ن ذلك مل يتم وجرى‬ ‫اجل���دال تربيري ًا واقعي��� ًا دنيوي ًا حم�ض���اً‪ ،‬ف�أين الو�ض���ع الديني للخالفة‬ ‫هن���ا!؟ لقد كان االنق�سام ينفي وجود ن�ص دين���ي يدل على �أن الأئمة من‬ ‫قري����ش‪ ،‬و�إمن���ا مت �إنتاج هذه الن�صو�ص يف تاري���خ الحق من جهات علوية‬ ‫و�أموية وعبا�سية لت�ؤيد املرجعية الدينية لأحقية كل منها باحلكم‪.‬‬ ‫‪184‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫ه���ذه �إذن حجج �أكرب مع�سكرين يف التاري���خ الإ�سالمي‪ ،‬ويبدو �أن العقل‬ ‫العربي يف التاريخ والرتاث ظل م�شدود ًا �إىل �سلطتني كبحتاه عن الإنتاج‬ ‫احل���ر للمعرفة‪� ،‬سلطة الن�ص الدين���ي وال�سلطة ال�سيا�سية احلاكمة‪ .‬بد�أ‬ ‫�صراع هات�ي�ن ال�سلطتني ب�صراع علي ومعاوي���ة يف معركة �صفني‪ ،‬و�سبق‬ ‫ذل���ك خالف �سقيف���ة بني �ساعدة ع�شي���ة وفاة الر�سول �صل���ى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،‬حيث دجمت ال�سلطتان يف قري�ش لذا �أ�صبح ت�أويل الن�ص الديني‬ ‫دائم ًا �ش�أن ًا من �شئون الدولة‪ ،‬و�صار رجل الدين موظف ًا يف بالط الدولة‪.‬‬ ‫وتكر����س ذلك ب�إلغ���اء القراءات ال�سبع للق���ر�آن يف لهجة قري�ش‪ ،‬و�إعالن‬ ‫اخلليفة الثال���ث عثمان �صراحة بداية احلك���م الثيوقراطي بقولة للثوار‬ ‫“ال �أخل���ع قمي�ص��� ًا �ألب�سني���ه اهلل”‪ .‬به���ذا ق�ضت قري�ش عل���ى التعددية‬ ‫الثقافي���ة ث���م ا�ستول���ت على الإ�س�ل�ام ذاته‪ .‬فنج���د اخلالف���ة الرا�شدة‬ ‫والأموي���ة والعبا�سي���ة والفاطمية وحكم الأئمة يف اليم���ن واملغرب ‪ ..‬الخ‬ ‫كلها يف قري�ش‪� ،‬أي مت حتويل الإ�سالم لإيديولوجية قبيلة هي قري�ش‪ ،‬ثم‬ ‫بعد اختزال الإ�سالم يف قبيلة بد�أ ال�صراع داخل القبيلة العلوي‪/‬الأموي‬ ‫ثم العلوي‪/‬العبا�سي‪.‬‬ ‫ال غراب���ة �إذن تربير الأمويون �أحقيته���م باخلالفة باال�ستناد �إىل حقهم‬ ‫يف الث����أر من قتلة عثم���ان‪� .‬أدى التربير الديني للم�صلح���ة الدنيوية �إىل‬ ‫جع���ل الن�صو�ص الدينية غاية كل الق���وى ال�سيا�سية واالجتماعية لتبحث‬ ‫فيها وت�ؤول منها ما يخدم غاياتها الدنيوية‪ ،‬مما ح�صر العقل العربي يف‬ ‫هام�ش �ضيق للتفكري اخلالق وجعل ن�شاطه ينح�صر يف التربير والتواط�ؤ‪،‬‬ ‫وبذا مل ت�ستطع العقالنية العربي���ة جتاوز �إطار ت�أويل الن�صو�ص الدينية‬ ‫�إىل ت�أ�سي�س ر�ؤي���ة عقالنية للعامل والإن�سان‪ ،‬وعجزت عن �إنتاج املعرفة‪.‬‬ ‫فحت���ى حني يج���ادل املثقف‪� ،‬سواء م���ن داخل ال�سلطة �أو م���ن خارجها‪،‬‬ ‫الق���وى التي تدعي الو�صاية عل���ى الدين‪� ،‬سواء معتدلة �أم متطرفة‪ ،‬ف�إنه‬ ‫يجادله���ا معترب ًا الدين �إطار ًا مرجعي���اً‪ ،‬ال يختلف عليه كمرجعية‪ ،‬ولكن‬ ‫يتم االختالف حول معناه وال يكون اجلدل حول هموم الواقع التي تتطلب‬ ‫حلو ًال م�ستنبته منه‪.‬‬ ‫ولأن العقالني���ة مل تتكر�س يف بنية العق���ل العربي نتيجة اختطاف العقل‬ ‫العرب���ي ب�سبب �سي���ادة الن�ص الديني عل���ى ما عداه‪ ،‬وب�سب���ب الو�صاية‬ ‫ال�ضيق���ة عل���ى ت�أوي���ل الن�ص الدين���ي‪ ،‬ف�إنه دائم���اً‪ ،‬وعلى غ���رار انتقال‬ ‫ال�سلطة ال�سيا�سي���ة باالنقالب‪ ،‬ما يتم االنقالب على الفكر دون �إحداث‬ ‫قطيع���ة �إبي�ستمولوجية �أو ح���دوث نقلة اجتماعية‪ ،‬مث���ل انقالب امل�أمون‬ ‫على النقل حل�ساب العقل‪ ،‬ومن ثم انقالب املتوكل العك�سي من االعتزال‬ ‫�إىل الأ�شعرية‪.‬‬ ‫�إن ما ي�سمى بتاريخ اخلالفة لي�س �إال تاريخ ًا لنظام �سيا�سي ال عالقة له‬ ‫بالدين‪ ،‬نظا ٌم برز �إىل الوجود وفق موازين القوى ال�سيا�سية واالجتماعية‬ ‫يف حينه‪ ،‬ووفق املتاح من معرفة وخربة ثقافية لذلك الزمن‪ ،‬لكن �إلبا�س‬ ‫ه���ذا ال�ش�أن غط���ا ًء ديني ًا جمّد التطور ال�سيا�س���ي لقرون عديدة ما نزال‬ ‫نع���اين م���ن تبعاتها حتى الي���وم‪ ،‬متمثل���ة يف تكل�س الثقاف���ة االجتماعية‬ ‫وال�سيا�سي���ة‪� .‬إن �ش���كل احلك���م من امل�سائ���ل املناطة ملقت�ضي���ات الزمان‬ ‫واحل���ال وامل�صلحة العامة للنا�س‪ ،‬وحمور ذل���ك العدل‪ ،‬وبعدها فليتخذ‬ ‫احلكم �أي �شكل ارت�ضته �أغلبية النا�س‪.‬‬

‫الفهر�ست‬ ‫مراجعات للكتب وعرو�ض موجزة‬

‫تعرية الإمرباطورية‬ ‫حممد �سيف حيدر‬

‫طريق االندماج ال�صعب‬ ‫عبدالغني املاوري‬

‫بالإ�ضافة �إىل‬ ‫عرو�ض موجزة‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪185‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫عرو�ض موجزة‬

‫الق�سر واالحتالل‬ ‫من مُراكمة ر�أ�س املال �إىل �شرعنة ْ‬

‫تعرية الإمرباطورية‬ ‫رمبا تكون كلمة “الإمربيالية” واحدة من �أكرث الكلمات انت�شار ًا وذيوع ًا يف ع�صرنا‪ ،‬لكنها‪ ،‬ورغم �سهولة لفظها والتحدّث بها‪ ،‬حتمل معاين‬ ‫خمتلف����ة ي�صعُ����ب معه����ا ا�ستخدام هذه الكلم����ة دون تقدمي بع�ض التو�ضيح����ات على �سبيل التحلي����ل ولي�س بق�صد اجلدلية وتفني����د الر�أي‪� .‬إن‬ ‫الإمربيالية التي يتعر�ض لها مقالنا هذا ‪ -‬وكما يناق�شها ويُفكّكها م�ؤلفو كتابيّ “الإمربيالية اجلديدة” و”الإمرباطورية” اللّذين نركز عليهما‬ ‫هن����ا ‪ -‬ه����ي املعروفة با�سم “الإمربيالية الر�أ�سمالية” والتي باتت م�صطلح ًا يت�ضم����ن نقي�ضني هما “�سيا�سة الدولة و�سيا�سة الإمرباطورية”‬ ‫(على اعتبار �أن الإمرباطورية م�شروع �سيا�سي يف �أيدي الالعبني الذين ت�ستند قوتهم �إىل ال�سيطرة على الأرا�ضي وقدرتهم على ح�شد املوارد‬ ‫الب�شرية والطبيعية يف �سبيل حتقيق غايات �سيا�سية واقت�صادية وع�سكرية)‪� ,‬إىل جانب “تلك العمليات اجلزئية لرتاكم ر�أ�س املال يف الزمان‬ ‫واملكان”‪( ,‬وهنا تكون الإمربيالية عملية �سيا�سية واقت�صادية مع ًا تتجه الأولوية فيها �إىل ال�سيطرة على ر�أ�س املال وا�ستخدامه) ‏‪.‬‬ ‫تن�ش�أ الإمربيالي���ة ذات ال�شكل الر�أ�سمايل‪ ،‬كما يو�ض���ح �أ�ستاذ الأنرثوبولوجيا‬ ‫وع���امل االجتماع الرائِد ديفي���د هاريف‪ ،‬من تلك العالق���ة اجلدلية بني املنطق‬ ‫الر�أ�سم���ايل واملنط���ق الإقليم���ي للقوة‪ .‬وه���ذان املنطقان متماي���زان وال ميكن‬ ‫اخت���زال �أحدهم���ا بالآخر‪ ،‬رغ���م �أنهما متداخ�ل�ان ببع�ضهما بق���وة‪ .‬فدوافع‬ ‫�أ�صحاب هذين املنطقني‪ /‬املظهرين للقوة وم�صاحلهما خمتلفة‪ ،‬فالر�أ�سمايل‬ ‫ال���ذي ميل���ك املال ي�ضع �أمواله حي���ث يجد الربح وهو ي�سع���ى ‪ -‬عادة‪ -‬لزيادة‬ ‫ر�أ�سمال���ه‪� .‬أما ال�سا�سة ورجال احلكم في�سع���ون للح�صول على نتائج تزيد قوة‬ ‫دولته���م �أمام الدول الأخرى‪ .‬ومن املحتم���ل يف �أية حلظة جغرافية ‪ -‬تاريخية‬ ‫معين���ة �أن يهيمن �أح���د هذين املنطقني ويرتاجع الآخر‪ .‬زي���ادة ال�سيطرة على‬ ‫منطق���ة معين���ة كغاية بحد ذاتها حتم���ل �آثار ًا اقت�صادي���ة وا�ضحة‪ ،‬رمبا تكون‬ ‫�إيجابي���ة‪ ،‬ورمبا تكون �سلبي���ة‪ ،‬ولذا ف�إن ما يمُ يّز الإمربيالية الر�أ�سمالية ‪ -‬كما‬ ‫يق���ول هاريف ‪ -‬عن غريه���ا من الت�ص���ورات الإمرباطورية ه���و هيمنة املنطق‬ ‫الر�أ�سم���ايل‪ ،‬رغ���م وجود �أوق���ات تكون الهيمن���ة فيها ملنطق الإقلي���م‪ .‬على �أن‬ ‫كل واح���د م���ن املنطقني ُيف���رز تناق�ضات ال ب���د �أن يحتويها الآخ���ر‪ .‬فالرتاكم‬ ‫الالمتناه���ي لر�أ����س امل���ال‪ ،‬مث�ل�اً ‪ ،‬يُ�س ِبّب �أزم���ات على فرتات �ضم���ن املنطق‬ ‫الإقليمي ب�سبب احلاجة �إىل تراكم موازٍ للقوة ال�سيا�سية‪ /‬الع�سكرية‪ .‬وعندما‬ ‫تتب���دل ال�سيطرة ال�سيا�سية داخل املنطق الإقليم���ي ال بد �أن يتبدل تدفق ر�أ�س‬ ‫ُنظم �ش�ؤونها طبق ًا لتقاليدها‬ ‫املال على النحو ذاته ليتكيّف معه‪ .‬فالدول عادة ت ِّ‬ ‫وقواعده���ا اخلا�ص���ة بها‪ ،‬ولذلك تظهر للوجود �أ�سالي���ب خمتلفة ومتمايزة يف‬ ‫احلكم‪ ،‬وتتكون قاعدة تُ�شكل �أ�سا�س ًا لتطورات جغرافية غري متكافئة‪ ،‬و�صراع‬ ‫جيو�سيا�سي و�أ�شكال متعددة من ال�سيا�سات الإمربيالية‪.‬‬ ‫وعل���ى ه���ذا ال يمُ ك���ن فه���م الإمربيالي���ة دون الإحاطة جي���د ًا بنظري���ة الدولة‬ ‫الر�أ�سمالي���ة بكل تنوعها‪ .‬فلكل دول���ة �إمربياليتها اخلا�ص���ة‪ ،‬وهكذا كان حال‬ ‫�إمربيالي���ة كل من بريطانيا وفرن�سا وهولن���دا وبلجيكا‪� ..،‬إلخ‪ ،‬ابتداء من �سنة‬ ‫‪186‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪ 1870‬حتى �سنة ‪.1945‬‬ ‫لكل منها �شكله اخلا�ص املختلف عن الآخر‪.‬‬ ‫والإمربياليات‪ ،‬كالإمرباطوريات‪ّ ٍ ،‬‬ ‫واملث���ال الأكرث داللة (وحداثةً) على هذا االخت�ل�اف‪ ،‬والذي ي�ستك�شفه مقالنا‬ ‫هذا من خالل الكتابني اللذين نعر�ضهما‪ ،‬هي الواليات املتحدة الأمريكية التي‬ ‫انتقلت ‪ -‬كما ي�شرح ك ٌل من امل ُِفكّرينِ الالمع ِني مايكل هاردت و�أنطونيو نيغري‬ ‫بعم���قٍ نافذ ‪ -‬من �إمربيالية ر�أ�سمالية �إىل �إمرباطورية ذات �شكل جديد وغري‬ ‫معهود (لها مكانتها املرموقة يف �إمرباطورية العوملة اجلديدة الأكرث ات�ساعاً)‪.‬‬ ‫وه���ذه الإمرباطورية اجلدي���دة باتت متج�سدة �أمام �أعينن���ا بكل و�ضوح‪ .‬فعرب‬ ‫العق���ود الأخ�ي�رة ‪ -‬وفيما كانت ال ُنّظُ ���م اال�ستعماري���ة (الكولونيالية) تتعر�ض‬ ‫للإطاح���ة‪ ،‬واحلواجز ال�سوفيتية تنهار �أمام ال�سوق العاملية ب�سرعة كبرية �آخر‬ ‫املط���اف – كان اجلميع �شهود ًا عل���ى عملية املب���ادالت االقت�صادية والثقافية‬ ‫غ�ي�ر القابلة للمقاومة‪� ،‬أو تغيري االجتاه ل�س�ي�رورة العوملة‪ .‬وجنب ًا �إىل جنب مع‬ ‫ال�س���وق العاملية ودورات الإنتاج املعوملة‪ ،‬برز نظام عاملي‪ ،‬منطق و�آلية جديدان‬ ‫للحك���م‪� ،‬ش���كل جديد من �أ�ش���كال ال�سيادة يتمي���ز بامليوعة ال�شدي���دة‪ ،‬ولكنه‪،‬‬ ‫يف الوق���ت نف�س���ه‪ ،‬يتميز ‪ -‬وهو ما يده����ش حق ًا ‪ -‬مبركزيت���ه ال�شديدة �أي�ضاً‪.‬‬ ‫باخت�ص���ار‪ ،‬باتت الإمرباطورية (اجلديدة) هي ال���ذات ال�سيا�سية التي تتوىل‬ ‫اال�ضطالع مبهم���ة تنظيم هذه املبادالت العاملية‪ ،‬ه���ي ال�سلطة ال�سيادية التي‬ ‫حتكُم العامل‪.‬‬ ‫وكم���ا هو احلال م���ع الإمربياليات‪ ،‬فقد م���رت بتاريخ الب�شرية �أن���وا ٌع متعددة‬ ‫من الإمرباطوري���ات‪ :‬الرومانية والعثمانية وال�صينية والإمرباطورية الرو�سية‬ ‫ثم ال�سوفيتي���ة والنم�ساوية الهنغارية والنابليوني���ة والإمرباطورية الربيطانية‬ ‫والفرن�سي���ة ‪� ...‬إلخ‪ .‬ومن هذا التنوع والتع���دد ميكن اال�ستنتاج ب�سهولة �أن ثمة‬ ‫فُ�سح���ة جيدة للمناورة يف الطريقة الت���ي يجب بها تف�سري معنى الإمرباطورية‬ ‫وبالت���ايل طريق���ة �إن�شائه���ا و�إدارته���ا‪ .‬كم���ا �أن ثم���ة ت�ص���ورات متباين���ة‪ ،‬ويف‬

‫الإمربيالية اجلديدة‬ ‫ت�أليف‪ :‬ديفيد هاريف‬ ‫تعريب‪ :‬وليد �شحادة‬ ‫النا�شر‪� :‬شركة احلوار‬ ‫الثقايف‪ ،‬بريوت‬ ‫�سنة الن�شر‪2004 :‬‬ ‫عدد ال�صفحات‪222 :‬‬

‫بع����ض الأحي���ان متعار�ضة‪ ،‬للإمرباطورية ميكن لها �أن تق���وم مع ًا داخل مكان‬ ‫واح���د‪ .‬فالإمرباطوري���ة ال�صيني���ة‪ ،‬مث�ل�اً ‪ ،‬م���رت مبرحلة تو�سع ج���ارف امتد‬ ‫�إىل ا�ستك�ش���اف املحي���ط‪ ،‬وب�ص���ورة مباغت���ة وغام�ض���ة تراجع���ت �إىل ذاتها‪.‬‬ ‫والإمربيالي���ة الأمريكي���ة منذ احلرب العاملية الثانية �أخ���ذت تراوح بني ت�صور‬ ‫و�إدراك غام�ض�ي�ن للإمرباطورية (لأن �أحد ًا مل يناق�ش ويبحث الأمر) وت�صور‬ ‫و�إدراك �آخري���ن‪ .‬وعندما بد�أ هذا الت�ص���ور الإمرباطوري يف الن�ضوج‪ ،‬يف ظل‬ ‫�إدارة جورج دبليو بو�ش‪ ،‬و�أخذ حملّه من النقا�ش لي�س يف داخل �أمريكا وح�سب‬ ‫بل ويف كثري من بقاع الدنيا‪ ،‬بدا �أن الإمرباطورية الأمريكية‪ ،‬التي تقود م�سرية‬ ‫العومل���ة ال�شاملة‪ ،‬ك�شفت �أخري ًا القناع عن وجهها و�أظهرت ميولها الإمربيالية‬ ‫ب���كل �صالفة‪ ،‬وا�ستفاق اجلميع عل���ى والدة �إمرباطورية خمتلفة عن ما عهدوه‬ ‫وقر�أوا عنه يف كتب التاريخ‪ ،‬وكان الأمر كما عك�سته �صورة ظهرت على غالف‬ ‫جمل���ة نيويورك تاميز بتاريخ اخلام�س من كانون الثاين‪ /‬يناير ‪ ،2003‬وحتمل‬ ‫عبارة “الإمرباطورية الأمريكية‪ :‬تعودوا على هذا اال�سم”‪.‬‬ ‫على �أن املفارقة ما انفكت تُالزم هذا احلدث‪ .‬وكما يالحظ مايكل �إغناتييف‪،‬‬ ‫ع���امل ال�سيا�س���ة املع���روف و�أ�ستاذ حق���وق الإن�س���ان يف جامعة هارف���ارد‪ ،‬ف�إن‬ ‫الإمرباطوري���ة الأمريكي���ة احلقيقي���ة كما هي الآن‪ ،‬مل تتحق���ق من خالل نوبة‬ ‫م���ن الذهول و�ش���رود الذهن (كما يحل���و للربيطانيني �أن يزعم���وا) و�إمنا من‬ ‫خ�ل�ال حالة الإنكار والرف�ض‪� ،‬أي رف�ض احلديث عن الأفعال الإمربيالية التي‬ ‫تق���وم بها الواليات املتح���دة على �أنها فِع�ل�اً �أفعال �إمربيالي���ة‪ ،‬وعدم ال�سماح‬ ‫لإرها�ص���ات ه���ذه الأفعال �أن يك���ون لها �أدنى �أث���ر يف الو�ض���ع الداخلي‪ .‬وهذا‬ ‫م���ا �أف�ضى حق��� ًا �إىل “�إمرباطورية لطيفة املذاق” بد ًال م���ن �إمرباطورية ذات‬ ‫التزام �شديد طويل املدى‪ .‬وثمة وجه �آخر مهم لتميّز الإمرباطورية الأمريكية‬ ‫يالحظ���ه ه���اردت ونيغ���ري‪ ،‬وه���ذا التميّز لي����س م�ستم���د ًا من �أوج���ه �شبهها‬ ‫بالق���وى الإمربيالية الأوربية القدمية‪ ،‬بل من نق���اط تباينها واختالفها عنها‪.‬‬ ‫ونق���اط التباين هذه تتجلى ب�أو�ضح �أ�شكالها ل���دى ت�سليط ال�ضوء على الأُ�سُ �س‬ ‫الإمرباطورية (ال الإمربيالية) اخلال�صة لرتكيبة الواليات املتحدة‪ ،‬وتت�ضمن‬ ‫كلم���ة “تركيبة” ‪ ،Constitution‬بح�سبهما‪ ،‬املعنى الر�سمي للد�ستور الذي هو‬ ‫امليثاق املكتوب مع �سائر تعديالته‪ ،‬و�أدواته احلقوقية املختلفة من جهة‪ ،‬ومعنى‬ ‫الرتكيبة املادية‪� ،‬أي عملية الت�شكل و�إعادة الت�شكل امل�ستمرة للقوى االجتماعية‬

‫الإمرباطورية‪:‬‬ ‫�إمرباطورية العوملة‬ ‫اجلديدة‬ ‫ت�أليف‪ :‬مايكل هاردت‬ ‫و�أنطونيو نيغري‬ ‫تعريب‪ :‬فا�ضل جتكر‬ ‫النا�شر‪ :‬مكتبة العبيكان‪،‬‬ ‫الريا�ض‬ ‫�سنة الن�شر‪2002 :‬‬ ‫عدد ال�صفحات‪592 :‬‬

‫م���ن جه���ة ثانية‪ .‬لق���د كان كل من توما����س جِ فر�سون‪ ،‬م�ؤلف كت���اب االحتادي‬ ‫‪ ، Federalist‬و�آخري���ن غ�ي�ره م���ن م�ؤ�س�س���ي الوالي���ات املتحدة عل���ى ال�صعيد‬ ‫النظ���ري‪ /‬الأيديولوج���ي ي�ستلهم���ون النم���وذج الإمرباط���وري الق���دمي؛ كانوا‬ ‫ي�ؤمن���ون ب�أنهم عاكفون عل���ى �إن�شاء �إمرباطورية جدي���دة ذات حدود مفتوحة‬ ‫دائب���ة على االت�ساع‪ ،‬حيث �ستكون ال�سلط���ة موزعة فعل ّي ًا عرب �شبكات حمددة‪،‬‬ ‫على اجلان���ب الآخر من املحيط الأطل�سي‪ .‬وهذه الفكرة الإمرباطورية عا�شت‬ ‫وبلغ���ت مرحلة الن�ضج عرب تاري���خ الواليات املتحدة وتكوّنها‪ ،‬وما لبثت الآن �أن‬ ‫برزت على امل�ستوى العاملي ب�صيغتها املتحققة حتقق ًا كامالً‪.‬‬ ‫لق���د مار�ست الواليات املتحدة مدة طويلة م���ن ال�سنني الدور القيادي يف ذلك‬ ‫اجل���زء من العامل ال���ذي يكر�س جهوده املتوا�صلة لرتاك���م ر�أ�س املال‪ ،‬ون�شرت‬ ‫بالت���ايل �أ�ساليبه���ا يف الأعم���ال التجاري���ة يف بق���اع كث�ي�رة من الع���امل‪ .‬لكنها‬ ‫وخ�ل�ال �سِ ن���يّ احلرب الباردة مل تمُ ا ِر����س الهيمنة العاملية ب���كل معنى الكلمة‪،‬‬ ‫رغ���م �أنها بادرت خالل ه���ذه املرحلة �إىل ارت���داء عب���اءة الإمربيالية وقامت‬ ‫ب�إخ�ض���اع الق���وى الإمربيالية القدمية لنظامها اخلا�ص‪� .‬أم���ا الآن‪ ،‬وقد قُ�ضي‬ ‫عل���ى التهدي���د ال�شيوعي‪ ،‬فق���د بات تعريف ال���دور الأمريكي يف ع���امل ما بعد‬ ‫احل���رب الباردة ‪ -‬كما ُيق���رّر ديفيد هاريف‪� -‬أكرث �صعوبة م���ن قبل‪ ،‬وتلك هي‬ ‫امل�س�ألة الت���ي مل يناق�شها �أولئك الذين يريدون �أن يُربزوا م�ستقبل الإمربيالية‬ ‫الأمريكية و�سعيه���ا للإمرباطورية �أمام العامل يف الق���رن احلادي والع�شرين‪.‬‬ ‫وذاك هو �أي�ض ًا ال�س�ؤال الذي يطرحه من يرون التق�سيم الإقليمي ل ِلقُوى بدي ًال‬ ‫عن ترتيب���ات �سيا�سية جتري �ضم���ن القواعد العامة لعومل���ة تت�سم بالليربالية‬ ‫اجلديدة‪.‬‬ ‫عل���ى �أنه من امل�ؤك���د �أن �أهم �آثار احلرب الباردة‪ ،‬كما يق���ول هاردت ونيغري‪،‬‬ ‫ه���و التعرف على خطوط الهيمنة داخل العامل الإمربيايل‪ ،‬تلك اخلطوط التي‬ ‫د�أبت على ت�سريع عملية تدهور القوى القدمية‪ ،‬ورفع م�ستوى مبادرة الواليات‬ ‫املتح���دة على �صعيد ت�أ�سي�س نظام �إمرباطوري‪ .‬ول���و مل يكن قد مت اال�ستعداد‬ ‫م�سبق��� ًا لنم���ط جدي���د م���ن املب���ادرة اله ْيمَنية‪ ،‬مل���ا خرجت الوالي���ات املتحدة‬ ‫منت�صرة يف نهاية احلرب الباردة‪ ،‬وملا �صارت‪ ،‬يف �أعقابها‪ ،‬م�س�ؤولية ممار�سة‬ ‫دور الدّرك���ي (= ال�شرطي) العامل���ي “مُلقاة” على عاتقه���ا وحدها دون بقية‬ ‫القوى العاملية‪ .‬وكانت حرب اخلليج الثانية بوتقة االختبار الأوىل التي �أظهرت‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪187‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫فيها الواليات املتحدة قدرتها الكاملة على ممار�سة هذا الدور‪.‬‬ ‫�أم�ي�ركا على النظام العاملي اجلديد غري م�ضمونة اال�ستمرار ويكتنف م�ستقبلها‬ ‫مل تكن احلرب‪ ،‬يف احلقيقة‪� ،‬سوى عملية قمع تافهة غري ذات �أهمية من وجهة الغمو����ض‪ .‬ويت�ض���ح �أي�ض ًا �أن املنط���ق الإقليمي واملنطق الر�أ�سم���ايل يعي�شان يف‬ ‫الأهداف وامل�صالح الإقليمية‪ ،‬والإيديولوجيات ال�سيا�سية ذات العالقة‪ .‬جرى حال���ة جت���اذب �شديدة القوة‪ .‬غ�ي�ر �أن املنط���ق الإقليمي الأمريك���ي حتت �إدارة‬ ‫اته���ام العراق بانتهاك القانون الدويل‪ ،‬ف�أ�صبحت حماكمته ومعاقبته واجبتني‪ .‬الرئي����س ال�سابق بو�ش (االبن) كان ق���د ات�ضحت معامله‪ ،‬ولهذا ال�سبب ما انفك‬ ‫لع���ل �أهمية حرب اخلليج الثاني���ة تكمُن يف حقيقة �أنها ق ّدم���ت �أمريكا بو�صفها يدور معظم احلديث من���ذ ذلك الوقت عن الإمرباطورية وعن الإمربيالية التي‬ ‫الق���وة الوحيدة القادرة على �إدارة العدال���ة الدولية‪ ،‬ال ك�إحدى وظائف دوافعها تتمركز يف الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫القومية ‪ -‬الوطنية اخلا�صة‪ ،‬بل با�سم “احلق العاملي”‪ .‬من امل�ؤكد �أن قوى كثرية لك���ن ميزان الق���وى التي تعم���ل داخل املنط���ق الر�أ�سمايل ي�ش�ي�ر �إىل اجتاهات‬ ‫زعم���ت زور ًا �أنها منطلقة من امل�صلحة الكوني���ة ال�شاملة يف ال�سابق‪ ،‬ولكن هذا خمتلف���ة نوع ًا م���ا‪ .‬عندما قاد جوزي���ف ت�شامربلني بريطاني���ا �إىل حرب البوير‬ ‫ال���دور اجلدي���د للواليات املتحدة يبقى خمتلفاً‪ ،‬وه���ذا الأمر هو الذي يجعل من ‪ Boer‬ب�ضمه لإقليم ِڤِتڤاتر�سران���د ‪ Witwatersrand‬يف مطلع القرن الع�شرين‪،‬‬ ‫تعريفه �أمر ًا �صعب ًا عند الكثريين‪ .‬قد يكون �أق�صى م�ستويات الدقة هو �أن يقال‪ :‬كان اجلمي���ع يعلمون �أن الدافع لذل���ك ال�ضم وجود موارد الذهب والأملا�س‪ .‬ومع‬ ‫�إن ادع���اء الكونية وال�شمول ه���ذا قد يكون هو الآخر زائفاً‪ ،‬ولكنه زائف بطريقة ذل���ك‪ ،‬كان الباع���ث يف حتوّله �إىل املنط���ق الر�أ�سمايل عجزه ع���ن �إيجاد حلول‬ ‫جدي���دة‪ .‬فدركيّ الوالي���ات املتحدة العاملي ال ينطلق م���ن امل�صلحة الإمربيالية‪ ،‬داخلي���ة يف بريطانيا مل�شكل���ة َفرْط تراكم ر�أ�س املال املزمن���ة‪ .‬وكان لعجزه هذا‬ ‫بل يخدم م�صلح���ة �إمرباطورية‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬ف�إن حرب اخلليج الثانية �شكّلت عالق���ة وثيقة ال�صلة بهي���اكل الطبقية الداخلية التي اعرت�ض���ت �سبيل التطبيق‬ ‫تطبيق��� ًا وا�سع ًا لفائ�ض ر�ؤو����س الأموال يف الإ�صالح االجتماع���ي واال�ستثمار يف‬ ‫بالفعل‪ ،‬كما زعم جورج بو�ش (الأب)‪� ،‬إعالن ًا مليالد نظام عاملي جديد‪.‬‬ ‫غ�ي�ر �أن �إ�ضف���اء ال�شرعي���ة على النظ���ام الإمرباطوري ال ميك���ن فر�ضه مبجرد البني���ة التحتية داخل البالد‪ .‬وعلى هذا النحو ذاته �سار التحرك يف �إدارة بو�ش‬ ‫اال�ستن���اد �إىل فاعلي���ة املباركة احلقوقي���ة‪ ،‬والقوة الع�سكري���ة وحدها‪ .‬ال بد من (االب���ن) للتدخل ع�سكري ًا يف ال�شرق الأو�سط بغية ال�سيطرة الكاملة على منابع‬ ‫تطوي���ر الأمر عرب �إنتاج معايري ق�ضائية ترفع من �ش����أن �سلطة الطرف املهيمن النف���ط يف هذه املنطقة‪ .‬وق���د ازدادت احلاجة يف ت�صاعد متوا�صل لفر�ض هذه‬ ‫ال�سيط���رة منذ �أن �أعلن الرئي�س جيمي كارتر مبد�أه القائل‬ ‫بطريقة ثابتة وقانونية‪ ،‬وهو ما ح�صل بالفعل‪ .‬ومتاماً‪ ،‬كما قام‬ ‫�أع�ضاء جمل�س �شيوخ روما يف القرن الأول من احلقبة امل�سيحية‪� ،‬إ����ض���ف���اء ال�����ش��رع��ي��ة على �إن الوالي���ات املتح���دة على ا�ستع���داد ال�ستخ���دام الو�سائل‬ ‫الع�سكري���ة يف �سبيل احلفاظ على تدف���ق دون توقف لنفط‬ ‫مبطالبة �أوغ�سطو�س بت���ويل �سلطات �إدارة �إمرباطورية خلدمة ال���ن���ظ���ام الإم��ب��راط�����وري‬ ‫ال�شرق الأو�سط يف االقت�صاد العاملي‪.‬‬ ‫ال�صال���ح الع���ام‪ُ ،‬تب���ادر جمموعة املنظم���ات الدولي���ة (الأمم ال مي��ك��ن ف��ر���ض��ه مب��ج��رد‬ ‫املتح���دة‪ ،‬املنظم���ات النقدي���ة الدولي���ة‪ ،‬ب���ل وحت���ى املنظمات اال���س��ت��ن��اد �إىل فاعلية وملّا كان الركود يف االقت�صاد العاملي مُرتبط ًا بارتفاع �أ�سعار‬ ‫النف���ط‪ ،‬ف�إن التخفي�ض العام لهذه الأ�سعار ميكن �أن يُعترب‬ ‫الإن�ساني���ة) الي���وم �إىل مطالب���ة الواليات املتح���دة باال�ضطالع‬ ‫املباركة احلقوقية‪ ،‬والقوة‬ ‫�إح���دى و�سائل الت�صدي مل�شاكل فَ���رْط الرتاكم التي برزت‬ ‫بال���دور املركزي يف نظ���ام عاملي جديد‪ .‬فف���ي �سائر النزاعات‬ ‫بد‬ ‫ال‬ ‫��ا‪.‬‬ ‫ه‬ ‫��د‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫الع�سكرية‬ ‫عل���ى امل�سرح ال���دويل خالل ال�سن���وات الثالث�ي�ن املا�ضية‪.‬‬ ‫الإقليمي���ة الت���ي ن�شبت يف العق���د الأخري من الق���رن الع�شرين‪،‬‬ ‫من هاييتي �إىل اخلليج‪ ،‬ومن ال�صومال �إىل البو�سنة فكو�سوفا‪ ،‬من تطوير الأمر عرب �إنتاج وكما ح���دث يف بريطانيا عن���د نهاية القرن قب���ل املا�ضي‪،‬‬ ‫دُعيت �أم�ي�ركا �إىل التدخل ع�سكري ًا ‪ -‬وهذه الدعوات حقيقية‪ ،‬معايري ق�ضائية ترفع من لع���ب ت�ض���ارب امل�صال���ح الطبقية الت���ي اعرت�ض���ت �سبيل‬ ‫وذات م�ضم���ون جوه���ري‪ ،‬ال ( َف�ْب�ررْ َ كات) �إعالمي���ة دعائي���ة �ش�أن �سلطة الطرف املهيمن الإ�صالح���ات الداخلي���ة واال�ستثمارات يف البني���ة التحتية‬ ‫جم���ردة لتهدئ���ة معار�ضة اجلمه���ور يف الوالي���ات املتحدة‪ .‬ولو بطريقة ثابتة وقانونية‪ ،‬دور ًا مهم��� ًا وبارز ًا يف حتويل �سيا�س���ة الواليات املتحدة �إىل‬ ‫عل���ى م�ض�ض‪َ ،‬تعينّ على جي�ش الواليات املتحدة �أن يلبي النداء وهو ما ح�صل بالفعل‬ ‫احت�ض���ان الإمربيالية احت�ضان ًا مك�شوفاً‪ .‬لذلك‪ ،‬يجد املرء‬ ‫ما يدعوه بقوة لريى غزو واحتالل الواليات املتحدة للعراق‬ ‫با�س���م ال�س�ل�ام والنظام‪ .‬لعل هذه هي �إح���دى ال�سمات املميزة‬ ‫للإمرباطوري���ة ‪� -‬إنه���ا تعي�ش يف �سياق عامل���ي يدعوها با�ستم���رار �إىل �أن تكون مماث�ل�اً ‪ ،‬بل �شديد ال�شبه بدخول بريطانيا حرب البوي���ر‪ ،‬فكلتا احلربان وقعتا‬ ‫موج���ودة وحا�ضرة‪ .‬ال ت�ضطل���ع الواليات املتحدة بدور درك���ي ال�سالم (�شرطي عند بداية نهاية الهيمنة‪.‬‬ ‫ال�سالم) �إال يف اللحظة الأخرية‪� ،‬إال حني تطالب منظمات ال�سالم فوق القومية لق���د بدّد “املحافظ���ون اجلدد” يف الوالي���ات املتحدة كثري ًا م���ن قدرة بالدهم‬ ‫بن�شاط منظم‪ ،‬ومببادرات قانونية وتنظيمية مدرو�سة بعمق ومعقدة‪.‬‬ ‫على القيادة الأخالقي���ة‪ ،‬فانخف�ضت بذلك قدرتها على القيادة مبح�ض القبول‬ ‫لك���ن هذا الأم���ر ال مي�ضي على ا�ستقامت���ه حتى النهاية دائم���اً‪ ،‬وحرب �أمريكا واملوافق���ة‪ ،‬حت���ى ب���ات ت�أثريها الثق���ايف مُت�ضائ�ل�اً ‪ ،‬ومل يزل االنح���دار يوا�صل‬ ‫الأخ�ي�رة على الع���راق التي انتهت باحتالل���ه‪� ،‬شاهد فاق ٌع على ذل���ك‪ .‬فال�سياق م�سريت���ه حت���ى �أن الرئي����س احلايل ب���اراك �أوبام���ا ‪ -‬بكل ما ميلك م���ن �شعبية‬ ‫العامل���ي قبل هذه احلرب‪ ،‬وبعده���ا‪ ،‬كان يدعو الواليات املتح���دة ‪ -‬وعلى عك�س وكاريزمي���ة داخل �أمريكا وخارجها ‪ -‬مل ي�ستطِ ���ع �أن يعيد التفوق الأمريكي �إىل‬ ‫امل���رات واحلاالت ال�سابق���ة – �أن تبتعد‪� ،‬أن تغيب‪ .‬فما ال���ذي جرى حتى تتبدل �سال���ف وهجه وجاذبيته‪ .‬لقد كان “املحافظون اجل���دد” يعتقدون‪ ،‬وما يزالون‬ ‫الأم���ور؟ بب�ساطة‪� ،‬إنه منطق الإمرباطوري���ة القائم على ممار�سة �أعمال الق�سر رغ���م خروجهم من ال�سلطة‪� ،‬أنهم‪ ،‬بعد �أن يفرغ���وا من �إقامة النظام يف العامل‬ ‫�أجم���ع وبعد �أن تتب�ي�ن منافع هذا النظام‪� ،‬سوف تتب���دد كل معار�ضة لأ�ساليبهم‬ ‫والهيمنة يف �آن معاً‪.‬‬ ‫لق���د �آذنت نهاي���ة احلرب الب���اردة بح�صول تغي�ي�رات كربى‪ .‬وال ي���زال املنطق الع�سكري���ة �سواء من ال�شع���وب �أم احلكومات ويف كل م���كان يف العامل‪ .‬ويف هذه‬ ‫الإقليم���ي للقوة يف طور التحول لكن النتائج غري م�ؤك���دة‪ ،‬وهذا يعني �أن هيمنة الر�ؤي���ة قد ٌر ال ب�أ�س به من �أفكار املدينة الفا�ضلة‪ ،‬غري �أن حتقيق هذه الر�ؤية �أو‬ ‫‪188‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫الإمرباطوري��ة الأمريكي��ة احلقيقي��ة كما هي الآن‪ ،‬مل تتحقق من خالل نوبة من الذه��ول و�شرود الذهن (كما يحلو‬ ‫للربيطاني�ين �أن يزعم��وا) و�إمنا م��ن خالل حالة الإنكار والرف���ض‪� ،‬أي رف�ض احلديث عن الأفع��ال الإمربيالية التي‬ ‫ال �أفعال �إمربيالية‬ ‫تقوم بها الواليات املتحدة على �أنها فِع ً‬ ‫جزء منها يعتمد كثري ًا عل���ى طبيعة املنافع الناجتة عنها وطريقة توزيعها‪ .‬لكن‬ ‫“املحافظني اجلدد” يتفقون مع الليرباليني يف االعتقاد �أن حترير الأ�سواق �أمام‬ ‫ال�سل���ع ور�أ�س املال ي�شمل كل ما يلزم لتقدمي احلرية والرفاه للجميع‪ .‬وكل الذي‬ ‫فعله ه����ؤالء “املحافظون” �أنهم ح ّول���وا حرب ًا ذات كثافة متدني���ة �أُ�شعلت حتت‬ ‫�شع���ار الليربالية اجلديدة يف �شتى بق���اع الأر�ض �إىل مواجهة عنيفة يظنون �أنها‬ ‫حتل امل�شكالت ح ًال نهائياً‪ ،‬وذلك يف �إِثباتٍ ظاهرٍ لعدم �صحة هذا االعتقاد‪ .‬بل‬ ‫�س���وف ي�ستمر الو�ضع من خالل اقت�ص���اد �سيا�سي قائم على مبد�أ الرتاكم بنزع‬ ‫احليازة (ونقطة البداية املك�شوفة له نزع حِ يازة نفط العراق) وعدم فعل �شي ٍء‬ ‫عل���ى الإطالق للت�ص���دي مل�شكالت الالم�ساواة املتزاي���دة والناجتة عن الأ�شكال‬ ‫املعا�صرة للر�أ�سمالية‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق ميكن �أن نتوقع ازدياد ًا بد ًال من ت�ضا�ؤل يف ال�صراعات العاملية‬ ‫�ض���د ن���زع احلِ يازة‪ ،‬وازدي���اد ًا بد ًال من ت�ض���ا�ؤلٍ يف القلق ال���ذي يُحرّك حركات‬ ‫مناه�ض���ة للعوملة �أو مطالبة ببديل له���ا حتى و�صلت �إىل درجة انتخاب حكومات‬ ‫تُخفف من وط����أة الليربالية اجلديدة‪� ،‬إن مل تعمل على �إلغائها كلياً‪ ،‬كما ح�صل‬ ‫عن���د انتخاب ل���وال رئي�س ًا للربازيل ث���م �إعادة انتخابه لتويل ه���ذا املن�صب مرة‬ ‫�أخ���رى‪ .‬وكما ح�ص���ل �أي�ض ًا يف دول �أمريكية التينية �أخ���رى اعتلت �سدة ال�سلطة‬ ‫فيه���ا حكومات ي�سارية مناه�ضة للخط الليربايل اجلديد الذي ت�ؤيده وا�شنطن‪.‬‬ ‫وع�ل�اوة عل���ى ذلك‪ ،‬ال يوجد م���ا يلجم االنزالق نح���و قومية متع�صب���ة و�سيا�سة‬ ‫اال�ستبع���اد كو�سيل���ة للدفاع �ض���د �أعمال النه���ب وال�سلب حتت ا�س���م الليربالية‬ ‫اجلدي���دة‪ .‬وملّ���ا كانت الوالي���ات املتحدة نف�سها تتج���ه �أكرث ف�أكرث نح���و �سيا�سة‬ ‫التميي���ز العن�صري تتخذها و�سيلة للو�صل بني القومية والإمربيالية (وهو الأمر‬ ‫الذي مل يكب���ح جماحه‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬انتخاب �أوبام���ا “الأ�سود” رئي�س ًا لأمريكا)‪،‬‬ ‫ف�إنه يبدو �صعب ًا – باملثل ‪ -‬كبح جماح هذا النوع من التفكّك‪.‬‬ ‫�أم���ا ال�س����ؤال ال���ذي يطرح نف�س���ه وراء ذل���ك‪ ،‬فهو كي���ف �سيكون وق���ع امل�شروع‬ ‫الإمرباط���وري‪ /‬الإمربي���ايل كم���ا �صاغه حمافظ���و �أمريكا اجل���دد على العامل‬ ‫العرب���ي‪ ،‬والع���امل الإ�سالم���ي عام���ة؟ يف ه���ذا ال�ص���دد‪ ،‬يب���دو �أن “املحافظني‬ ‫اجلدد”‪ ،‬الذين رغم �أنهم قد ولوا الأدبار م�ؤقت ًا لكنهم ما فتئوا يوا�صلون الرتويج‬ ‫لأفكارهم “القدمي���ة” بذات احلما�سة‪ ،‬قد وطئوا �أر�ض ًا حمفوفة باملخاطر كما‬ ‫ي���رى هاريف‪ .‬وال ب���د من القول بداي��� ًة �إن �أي تقارب مع الع���امل العربي يجب �أن‬ ‫ي�ستن���د �إىل حل مقبول للنزاع العرب���ي ‪ -‬الإ�سرائيلي الذي بدت وا�شنطن �أمامه‬

‫(يف عه���د بو����ش كما يف عهد خلفه �أوباما) ملتزم���ة بال�صمت املطبق‪ ،‬با�ستثناء‬ ‫بع�ض الوعود التي تطلقها بني حني و�آخر‪ ،‬وبناء على �ضغوط خارجية من بع�ض‬ ‫احللف���اء ال�سيما بريطانيا‪ .‬و�سيكون الإخف���اق يف الو�صول لأي ت�سوية للنزاع من‬ ‫خ�ل�ال القوة الإمربيالية الأمريكي���ة يف املنطقة �ضرب ًة مل�صالح الواليات املتحدة‬ ‫يف الع���امل العرب���ي وقد تتجاوز هذا الع���امل‪ .‬و�سيكون بال ري���ب م�صدر ًا لأعمال‬ ‫عن���ف متفرقة �ضد �إ�سرائيل و�أمريكا على ال�س���واء‪ ،‬ورمبا يُ�شعل �شرارة الثورات‬ ‫يف العامل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وثاني���اً‪� ،‬إن فكرة ا�ستخدام العراق كم�شروع جتريبي لإثبات �أن العامل الإ�سالمي‬ ‫ميك���ن �أن يتخل�ص من الأ�صولية ومن �أ�ساليب���ه “املعادية للدميقراطية” ت�ستند‬ ‫�إىل فر�ضية بعيدة املنال‪� ،‬إن مل تكن م�ستحيلة‪ ،‬م�آلها �أن العراق ميكن �أن يتحول‬ ‫ب�ضربة �سحرية �إىل دولة دميقراطية ر�أ�سمالية تنعم باالزدهار يف ظل الو�صاية‬ ‫الأمريكي���ة‪ .‬ويف هذه النقطة رمبا يكون اختيار الع���راق موفقاً‪ ،‬فهو بلد ال ميلك‬ ‫ث���روة نفطية �ضخمة فح�سب‪ ،‬بل ميل���ك �أي�ض ًا ر�صيد ًا كبري ًا من املواهب العلمية‬ ‫واملعرفة التكنولوجية‪ ،‬وكان ميلك �أي�ض ًا قاعدة �صناعية وزراعية على قد ٍر كب ٍري‬ ‫ُدمّرها الواليات املتحدة و�صدام ح�سني معاً‪.‬‬ ‫من الأهمية قبل �أن ت ِ‬ ‫لذل���ك �سوف يج���د فائ�ض ر�أ�س املال منفذ ًا لإعادة بن���اء الق�سم الأكرب من هذه‬ ‫القاع���دة‪ ،‬وبالنظر لوجود تلك القواع���د الليربالية اجلديدة التي ال تزال تنظم‬ ‫عملي���ات التجارة والتدفق املايل‪ ،‬و�إذا �أخذنا بعني االعتبار احلالة العامة ِل َفرْط‬ ‫الرتاك���م‪ ،‬ف�إنه من الع�سري �أن نرى العراق يتح���ول يف ب�ضع �سنني �إىل ٍ ّند لكوريا‬ ‫اجلنوبي���ة‪ .‬وحتى لو �شرع يف ال�سري على ه���ذه اخلُطى‪ ،‬فلي�س وا�ضح ًا �أن حتدث‬ ‫نتائ���ج �إيجابية ل���ذاك التجريب �إذا �أخذن���ا بعني االعتبار الإخفاق���ات التنموية‬ ‫الكبرية التي تعر�ضت لها بع�ض الدول‪ ،‬كباك�ستان وم�صر‪ ،‬التي اختارت ال�سبيل‬ ‫الر�أ�سم���ايل يف التنمي���ة االقت�صادية خ�ل�ال العقدين املن�صرم�ي�ن ومب�ساعدات‬ ‫هائل���ة م���ن الوالي���ات املتح���دة‪ .‬واحلال���ة الوحي���دة التي حتم���ل الأم���ل لتنمية‬ ‫اقت�صادية حقيقي���ة يف العراق حتت الهيمنة الأمريكية تكمُن يف حدوث انتعا�ش‬ ‫يف االقت�ص���اد العاملي �أقوى مما حدث يف ظروف ما بعد احلرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫وه���و �أم ٌر يبدو ‪ -‬حتى اللحظة ويف امل���دى القريب املنظور ‪� -‬صعب ًا وبعيد املنال‪،‬‬ ‫متام ًا كدميقراطية العراق املوعودة‪.‬‬

‫حممد �سيف حيدر‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪189‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫عرو�ض موجزة‬

‫طريق االندماج ال�صعب‬ ‫من���ذ ت�أ�سي����س جمل�س التع���اون لدول اخلليج العربي���ة مطلع ثمانينيات القرن املا�ض���ي‪ ،‬وهناك جدل مل يتوق���ف �إىل يومنا هذا حول‬ ‫الطريقة املثلى ال�ستيعاب اليمن �ضمن املنظومة اخلليجية‪ ،‬وعن الآثار املرتتبة على مثل هذا الأمر �إن مت‪ .‬فهناك فريق يرى �أن قبول‬ ‫اليمن ع�ضو ًا يف هذا التجمع اخلليجي خط�أ �سي�ؤدي �إىل الإ�ضرار با�ستقراره وم�صاحله‪ ،‬فيما يبدي فريق �آخر ت�أييده الن�ضمام اليمن‬ ‫كون ذلك يجعله �أكرث قوة وي�ساعد على حت�صني م�صالح دوله على نحو �أف�ضل‪ .‬وقد انتقلت هذه الثنائية من جمال اجلدل ال�سيا�سي‬ ‫�إىل جمال البحث الأكادميي‪ ،‬ما جعل معظم الدرا�سات التي عاجلت م�س�ألة ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي تت�سم بعدم‬ ‫املو�ضوعية‪ ،‬ويعود ال�سبب يف ذلك �إىل انطالقها من مواقف م�سبقة ُتر�ضي هذا الطرف �أو ذاك‪.‬‬

‫قلة م���ن الدرا�سات حاولت تقييم العالقات اليمني���ة ‪ -‬اخلليجية وم�ساراتها‬ ‫املختلفة‪ ،‬ومنها ما يتعلق مب�س�ألة ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫(كمنظوم���ة �إقليمية) بعيد ًا ع���ن التحيّزات ال�صارخة‪ .‬وتع���د الدرا�سة التي‬ ‫�صدرت حديث ًا عن مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية بعنوان‬ ‫“اليمن وجمل�س التعاون لدول اخلليج العربية‪ :‬البحث عن االندماج” للباحث‬ ‫اليمن���ي حممد �سيف حيدر‪ ،‬منوذج ًا لهذا الن���وع من الدرا�سات اجلادة التي‬ ‫ميك���ن �أن تُ�سهِ م يف معرفة واقع العالقات ب�ي�ن اليمن والدول اخلليجية‪ ،‬ويف‬ ‫توقّع امل�ستقبل الذي ينتظرها بعيد ًا عن املبالغات‪.‬‬ ‫يلف���ت امل�ؤلف يف مقدم���ة الدرا�س���ة �إىل �أن العالقات اليمني���ة – اخلليجية‪،‬‬ ‫الت���ي تبدو اليوم “�أكرث من جيدة” مقارن ًة ب�سن���وات العقد الأخري يف القرن‬ ‫الع�شرين‪ ،‬بالنظر �إىل طبيعة جمريات الأمور التي تظهر �أن ثمة تقب ًال خليجي ًا‬ ‫عام��� ًا لوجود اليم���ن يف �إطار النظام االقليمي اخلليج���ي‪� ،‬إال �أن هذا ال يعني‬ ‫�أن���ه قد مت التخل�ص من جملة العوائق والعقبات التي تقف حائ ًال دون و�صول‬ ‫ه���ذه العالقات �إىل الو�ض���ع الأمثل‪� .‬إن هذا يتطلب دف���ع �أثمان باهظة ميني ًا‬ ‫وخليجياً‪ ،‬الأمر الذي قد يتجاوز ح�سابات الطرفني يف الوقت الراهن‪ ،‬ورمبا‬ ‫لهذا ال�سبب‪ ،‬يرى حيدر �أن التقدم احلا�صل يف العالقات اليمنية‪ -‬اخلليجية‬ ‫عموم���اً‪ ،‬ويف م�سرية التكامل االقليمي الذي يتيح لليمن نيل الع�ضوية الكاملة‬ ‫يف جمل����س التعاون خ�صو�صاً‪ ،‬يظ���ل �شكلي ًا وغري مثمركث�ي�راً‪ ،‬وينتظر دفعة‬ ‫ا�سرتاتيجية �أقوى حترك مفا�صلة املتثاقلة‪.‬‬ ‫ولتحقي���ق حتول نوع���ي وحقيقي يف عالق���ة اليمن مبحيط���ه اخلليجي ي�ؤدي‬ ‫يف النهاي���ة �إىل اندم���اج اليمن التام يف اجل�سم اخلليج���ي‪ ،‬يدعو امل�ؤلف �إىل‬ ‫جت���اوز امل�سائ���ل التقليدي���ة القليلة الفاعلي���ة التي جربها الطرف���ان لفرتة ال‬ ‫ب�أ����س بها من الزم���ن والتي عرّج �إليه���ا امل�ؤلف يف مو�ضع �آخ���ر من درا�سته‪،‬‬ ‫وم���ن ثمّ انتهاج م�سار �أك�ث�ر جر�أة‪ ،‬ال يتوقف عند رهان���ات الربح واخل�سارة‬ ‫‪190‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫امل���وروث من اعتبارات احلقب املا�ضية وظروفها و�سيا�ساتها وحتالفاتها كما‬ ‫خ�صوماتها‪.‬‬ ‫اخلط��وات الأوىل‬ ‫ح���ال ت�أ�سي�س���ه يف مطل���ع‬ ‫ُخف امل�سئولون اليمنيون يف ال�شمال �أو اجلنوب امتعا�ضهم‬ ‫الثمانيني���ات‪ ،‬مل ي ِ‬ ‫م���ن عدم دعوته���م لالن�ضم���ام ملجل�س التع���اون اخلليجي‪ ،‬ورف�ض���وا املنطق‬ ‫القائل ب�أن اليمن لي�س دولة خليجية‪ .‬ومن احلجج التي �سيقت لت�أكيد املوقف‬ ‫اليمن���ي �أن ا�ش�ت�راط الإطاللة على اخللي���ج العربي لالن�ضم���ام �إىل جمل�س‬ ‫التع���اون يجع���ل �إيران �أق���رب من اليمن لل���دول اخلليجية‪ ،‬وه���و الأمر الذي‬ ‫يخالف منطق التاريخ واجلغرافيا‪.‬‬ ‫وعل���ى كل حال‪ ،‬مثّ���ل قيام جمل�س التع���اون يف املح�صلة النهائي���ة ا�ستفزاز ًا‬ ‫لليمن‪ ،‬و�شكّل له قلق ًا �سيا�سي ًا وحتدي ًا دبلوما�سياً‪ .‬وبح�سب حيدر‪ ،‬ف�إن اليمن‬ ‫وج���د نف�سه معزو ًال �إقليمي��� ًا ووحيد ًا من دون �سند �أو حلي���ف ميكن االعتماد‬ ‫علي���ه يف مواجه���ة كتلة دبلوما�سي���ة و�سيا�سية تزداد �أهمية عل���ى ال�صعيدين‬ ‫العرب���ي والعاملي‪ ،‬ولكنها جتاهل���ت جارتها اجلنوبية وق���ررت �صرف وجهها‬ ‫بعيد ًا عنها‪ ،‬ومن ثمّ فقد كانت ردة الفعل اليمنية ال�سلبية وال�ساخطة طبيعية‬ ‫ومتوقعة‪ ،‬و�أ�صبح اليمن من �أكرب املعار�ضني للمجل�س ومن �أبرز امل�شككني يف‬ ‫�أهدافه ونواياه‪.‬‬ ‫ونتيج��� ًة لذلك‪ ،‬قرر اليم���ن يف نهاية الثمانينيات االلتح���اق مبجل�س التعاون‬ ‫العرب���ي الذي �ض���مّ �إىل جانبه ك ًال من م�صر والع���راق والأردن‪ ،‬وذلك للحد‬ ‫م���ن وط�أة �شعوره املتعاظم بعزلته الإقليمية قبل �أن ينهار هذا التجمع ب�سبب‬ ‫تداعي���ات حرب اخلليج الثانية يف العام ‪ .1990‬على �أن ف�شل هذه التجربة مل‬ ‫ي�ؤثر يف حما�سة �صانع القرار اليمني الذي �أظهر ن�شاط ًا حمموم ًا لالن�ضمام‬ ‫�إىل العدي���د م���ن املنظم���ات الإقليمية؛ فان�ض���مّ اليمن يف �أواخ���ر عام ‪1996‬‬ ‫�إىل رابط���ة جتم���ع الدول املطلة على املحيط الهن���دي‪ ،‬و�سعى من دون جناح‬

‫النم��ط الراه��ن من التط��ور يف عالقات املجل�س باليمن مدرو���س بدقة من قبل دول املجل�س‪ ،‬ويراد ب��ه و�ضع كرة االندماج يف‬ ‫امللع��ب اليمن��ي‪ ،‬بحيث يدفع اليمن للمبادرة �إىل و�ضع مقاربة حم��ددة ووا�ضحة املعامل مل�سارات اندماجه يف التجمع اخلليجي‬ ‫وم�ستوياته‪ ،‬واتخاذ خطوات عملية من �ش�أنها حتقيق هذه الغاية‬

‫لالن�ضمام �إىل رابطة الكومنولث يف عام ‪ ،1997‬كما �أبدى رغبته يف االن�ضمام‬ ‫�إىل منظمات وجتمع���ات �أخرى كمنظمة ال�سوق امل�شرتكة لدول �شرق وجنوب‬ ‫وو�س���ط �أفريقيا واملعروف���ة بـ»الكومي�س���ا»‪ ،‬وجمموعة دول الهيئ���ة احلكومية‬ ‫للتنمية واملعروفة اخت�ص���ار ًا با�سم «�إيجاد»‪ ،‬وكذلك جتمع دول جنوب البحر‬ ‫الأبي�ض املتو�سط‪.‬‬ ‫وميكن القول �إن هذه املحاوالت كانت مبثابة ردة فعل على جتاهل طلب اليمن‬ ‫لالن�ضمام �إىل جمل�س التعاون الذي تقدم به يف قمة الدوحة التي انعقدت يف‬ ‫كان���ون الأول‪ /‬دي�سمرب ‪ .1996‬ويرى حيدر يف هذا ال�سياق‪� ،‬أن الطلب اليمني‬ ‫مل يك���ن توقيته منا�سباً‪ ،‬وجاء يف ظروف غري مالئم���ة متاماً‪ ،‬وكان حمكوم ًا‬ ‫عليه بالرف�ض ال�سيا�سي قبل �أن يواجه بالرف�ض الدبلوما�سي‪.‬‬

‫نقط��ة حت��ول‬ ‫وبح�س���ب امل�ؤل���ف‪ ،‬فق���د ظ���ل‬ ‫املوق���ف اخلليجي م���ن ان�ضمام اليم���ن �إىل جمل�س التعاون عل���ى هذا النحو‬ ‫حت���ى منت�صف العام ‪ ،2000‬وال���ذي �شهد حدث ًا مهم ًا متثّ���ل يف توقيع كل من‬ ‫اليم���ن وال�سعودي���ة على معاهدة ج���دة الت���ي مبوجبها تو�ص���ل الطرفان �إىل‬ ‫ت�سوي���ة نهائية خلالفاتهما احلدودية‪ .‬وق���د ان�سحب هذا االتفاق على عالقة‬ ‫اليم���ن ب���دول املجل�س ب�شكل عام‪ ،‬وكان من نتائج���ه‪ ،‬حدوث حتول جذري يف‬ ‫املوق���ف اخلليجي م���ن ق�ضية عالقة اليم���ن مبجل�س التع���اون‪ .‬وقد ات�ضحت‬ ‫مع���امل هذا التح���ول يف القمة اخلليجي���ة الثانية والع�شري���ن التي انعقدت يف‬ ‫العا�صم���ة العمانية م�سقط يف �أواخر �شهر كانون الأول‪ /‬دي�سمرب ‪ .2001‬ففي‬ ‫ه���ذه القمة متت املوافقة على ان�ضمام اليمن �إىل عدد من م�ؤ�س�سات املجل�س‬ ‫غري ال�سيا�سية التي تعنى بال�صحة‪ ،‬والرتبية‪ ،‬والعمل‪ ،‬وال�ش�ؤون االجتماعية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة لال�شرتاك يف دورة ك�أ�س اخلليج لكرة القدم‪.‬‬ ‫وطبق ًا حلي���در‪ ،‬ف�إنه ومنذ مطلع العام ‪ 2002‬تبلورت �أربعة م�سارات �أ�سا�سية‬

‫ب���دا �أنها تقود قاط���رة النمو يف العالق���ات اليمنية ‪ -‬اخلليجي���ة وتدل عليه‪،‬‬ ‫ارتب���ط �أولها بت�صدي���ر الأيدي العاملة اليمني���ة �إىل دول املجل�س‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫ال�سعودي���ة‪ ،‬التي تع���د امل�ستقبل الأول لها‪ .‬يف حني ارتب���ط امل�سار الثاين بفتح‬ ‫الأ�س���واق اخلليجية �أمام املنتجات الزراعية اليمنية‪� .‬أما ثالث هذه امل�سارات‬ ‫فق���د �أف�سح الطريق �أمام اليمن للح�صول على قرو�ض مالية معتربة من دول‬ ‫املجل����س‪ .‬وبالن�سبة للم�سار الرابع‪ ،‬فقد �أمكن لليم���ن اال�ستفادة من املواقف‬ ‫التي تتخذها دول جمل�س التع���اون املن�ضوية يف �إطار منظمة الدول امل�صدرة‬ ‫للنفط (�أوبك) عند التعامل مع �سوق النفط الدولية‪.‬‬ ‫وبالنظ���ر �إىل ه���ذه التطورات‪ ،‬الح���ظ امل�ؤلف �أن املراقبني ق���د انق�سموا �إزاء‬ ‫�ش���كل العالق���ة بني اليم���ن وجمل����س التعاون اخلليج���ي يف ظل ه���ذا التقدم‬ ‫املح�س���وب ال���ذي �شهدت���ه هذه العالق���ة‪ .‬فهناك م���ن اعترب التط���ورات التي‬ ‫�شهدته���ا العالق���ات اليمنية – اخلليجية منذ نهاية �سن���ة ‪ ،2001‬م�ؤ�شر ًا قوي ًا‬ ‫بيانات الكتاب‬

‫اليمن وجمل�س التعاون لدول‬ ‫اخلليج العربية‪:‬‬ ‫البحث عن االندماج‬ ‫حممد �سيف حيدر‬ ‫مركز الإمارات للدرا�سات‬ ‫والبحوث اال�سرتاتيجية‬ ‫(�أبوظبي) ‪2010‬‬ ‫‪� 98‬صفحة‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪191‬‬


‫الفهر�ست‬

‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫عل���ى �أن قب���و ًال خليجي ًا جزئي ًا لليم���ن قد حتقق‪ ،‬و�أن ه���ذا القبول لي�س �سوى واالقت�صادية املحيطة بها‪.‬‬ ‫بداية للح�صول على الع�ضوية الكاملة يف املجل�س‪ ،‬يف حني ر�أى فريق �آخر من‬ ‫واحل���ال كما ي���رى حيدر‪� ،‬أن التحول الذي ح�ص���ل يف قمة م�سقط عام ‪2001‬‬ ‫املراقبني �أن م�س�ألة ان�ضمام اليمن �إىل املجل�س ما تزال تراوح مكانها بالرغم وما ت�ل�ا ذلك من تطورات‪ ،‬مل يكن ثمرة طبيعية لإحلاح اليمن و�صربه بقدر‬ ‫من التطورات الأخرية التي �شهدتها عالقة اليمن مع جمل�س التعاون‪.‬‬ ‫م���ا جاء نتيج���ة للتغيرّ ات الت���ي طر�أت عل���ى منطلقات دول جمل����س التعاون‬ ‫بالن�سبة حليدر‪ ،‬ف�إن امل�شهد الراهن مل�ستوى التكامل اليمني ‪ -‬اخلليجي يبدو ومدركاته���ا ملوق���ع اليم���ن ودوره املحتم���ل يف الإقلي���م‪ .‬فق���د �أدت املتغريات‬ ‫�أك�ث�ر تعقيد ًا مما تطرحه ال���ر�ؤى ال�سالفة الذكر‪ .‬والوا�ض���ح �أن هذا النمط العا�صف���ة التي مرّت بها املنطقة نتيجة تداعي���ات احلرب على الإرهاب بعد‬ ‫م���ن التطور يف عالقات املجل�س باليمن ‪ -‬كما يقول ‪ -‬مدرو�س بدقة من قبل �أح ��داث ‪� 11‬أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر واالحت�ل�ال الأمريكي للعراق يف ع���ام ‪� 2003‬إىل‬ ‫دول املجل����س‪ ،‬وي���راد به و�ضع ك���رة االندماج يف امللعب اليمن���ي‪ ،‬بحيث يدفع �إع���ادة ر�سم خريطة التفاعالت االقليمية يف عم���وم منطقة ال�شرق الأو�سط‬ ‫اليم���ن للمبادرة �إىل و�ضع مقاربة حمددة ووا�ضحة املعامل مل�سارات اندماجه ويف منطق���ة اخلليج ب�ش���كل خا����ص‪ .‬وبالإ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬ف����إن دول جمل�س‬ ‫يف التجم���ع اخلليج���ي وم�ستوياته‪ ،‬واتخاذ خطوات عملي���ة من �ش�أنها حتقيق التع���اون اخلليج���ي قد ب���د�أت تعي خط���ورة ت���رك اليمن وحي���د ًا يف مواجهة‬ ‫هذه الغاية‪ .‬ومن خالل مراقبة �أداء ال�سيا�سة اليمنية‪ ،‬ميكن القول �إن هناك التحدي���ات العاتية التي ته���دد �أمنه وا�ستقراره‪ ،‬وق���د زاد التمرد احلوثي يف‬ ‫مقاربة جديدة مغايرة ملا كان يف املا�ضي‪ ،‬فقد مت التخلي عن طموح االندماج ال�شم���ال م���ن قناعة القادة اخلليجي�ي�ن ب�أن اليمن يف ح���ال تركه للتدخالت‬ ‫الف���وري والكام���ل يف جمل�س التعاون مل�صلح���ة ال�شروع يف البح���ث عن �صيغٍ اخلارجي���ة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا التدخالت الإيراني���ة‪� ،‬سي�صبح منوذج ًا غري جيد ملا‬ ‫ميكن �أن يح�صل يف بلدانهم‪.‬‬ ‫�أخرى تكفل م�ستوى من التعاون مع دول املجل�س‪ ،‬يو�صل الحق ًا لالندماج‪.‬‬ ‫مل تتغري دوافع لكن ه���ذه النظرة االيجابية �إزاء اليمن ودوره‪ ،‬كم���ا يجادل امل�ؤلف‪ ،‬ال ميكن‬ ‫دوافع االندماج و�صعوباته‬ ‫اليمن �إزاء م�س�ألة االندماج يف بنية جمل�س التعاون ومنظومته االقليمية‪ ،‬فقد �أن ت����ؤدي عملي ًا �إىل اندماج اليمن يف املنظوم���ة اخلليجية يف نهاية املطاف‪،‬‬ ‫ظلت ال�سيا�سة اليمنية ترى �أن املوقع اجلغرايف الذي يحتله اليمن يف منطقة �إذ يقع على عاتق اليمن وجمل�س التعاون مع ًا م�سئولية تذليل ال�صعوبات التي‬ ‫اخللي���ج و�شبه اجلزي���رة العربية‪ ،‬وما يتب���ع ذلك من اال�ش�ت�راك يف التاريخ ما تزال تقف �أمام عملية التكامل واالندماج يف مرحلة تالية‪ .‬ورغم ت�شديده‬ ‫عل���ى �أنه يقع عل���ى اليمن العبء الأكرب يف حت�سني �أو�ضاع���ه وبناء م�ؤ�س�سات‬ ‫والثقافة‪ ،‬مربر ًا كافي ًا لإقن���اع الدول اخلليجية ب�أهمية‬ ‫قوية‪ ،‬جتعله �أكرث قو ًة ومتا�سكاً‪ ،‬ف�إن امل�ؤلف يف الوقت نف�سه‬ ‫ان�ضمام اليمن �إىل املجل�س‪.‬‬ ‫ال��ت��ح��ول ال���ذي ح�صل يف ي�ؤك���د �أنه ال ميك���ن لدول اخللي���ج �أن تفكر يف قب���ول اليمن‬ ‫ويف ه���ذا ال�سياق‪ ،‬يلحظ الباحث �أمرين هامني‪ .‬الأول‪،‬‬ ‫قمة م�سقط عام ‪ 2001‬وما ع�ضو ًا وهو غري م�ستقر �سيا�سي ًا �أو اقت�صادي ًا �أو �أمنياً‪.‬‬ ‫�أن االندم���اج كان ‪ -‬وم���ا ي���زال ‪ -‬مطلب��� ًا ميني��� ًا �أك�ث�ر‬ ‫من كون���ه مطلب ًا خليجي���اً؛ فاليمن هو م���ن بادر لطلب تال ذل��ك من ت��ط��ورات‪ ،‬مل ولهذا ي�شري حيدر‪ ،‬يف نهاية الدرا�سة‪� ،‬إىل �ضرورة الو�صول‬ ‫االن�ضم���ام �إىل ع�ضوية جمل�س التعاون و�سعى �إليه‪ ،‬ومل يكن ثمرة طبيعية لإحلاح لو�ضع ميكن في���ه تقبل اليمن يف املنظوم���ة اخلليجية‪ ،‬ولن‬ ‫تعر�ض �أي من دول املجل�س ال�ست‪ ،‬منفردة �أم جمتمعة ال��ي��م��ن و���ص�بره ب��ق��در ما يت���م ذل���ك �إال من خالل �إع���ادة ت�أهيل اليم���ن بو�صف ذلك‬ ‫عل���ى اليمن يف �أي وقت �أن يكون ع�ضو ًا يف هذا التجمّع‪ ،‬جاء نتيجة للتغيرّ ات التي معيار ًا رئي�سي ًا وحاكم ًا لردم الفجوة التنموية ال�ضخمة بينه‬ ‫ودول اخلليج‪ ،‬حمذر ًا يف الوق���ت نف�سه من �أن هذه املقاربة‬ ‫الذي كان وال يزال من الناحية النظامية جتمع ًا �إقليمي ًا طر�أت على منطلقات دول‬ ‫تظل حمفوف���ة بالتحديات وال�صعوب���ات وتكتنفها حماذير‬ ‫مغلق ًا على �أع�ضائه امل�ؤ�س�سني‪.‬‬ ‫جمل�س التعاون ومدركاتها‬ ‫وتعقي���دات عدة قد تف�ضي به���ا يف النهاية‪ ،‬وبعك�س املنتظر‬ ‫�أم���ا الأمر الثاين ال���ذي يلحظه حيدر يف ه���ذا ال�ش�أن‪،‬‬ ‫فهو ثبات مطل���ب اليمن لالن�ضمام �إىل جمل�س التعاون ملوقع اليمن ودوره املحتمل �أو امل�أم���ول‪ ،‬لأن ت�صب���ح حج���ر ع�ث�رة حقيقية �أم���ام عملية‬ ‫يف الإقليم‬ ‫االندم���اج بد ًال م���ن �أن تكون مدخ�ل�اً �إليها �أو حم���رك ًا لها‪،‬‬ ‫و�أولويت���ه من���ذ مت االع�ل�ان عن���ه ر�سمي��� ًا يف منت�صف‬ ‫الأمر الذي يفر�ض على اليمن وجمل�س التعاون العمل �سوي ًا‬ ‫الت�سعينيات يف القرن املا�ض���ي‪ ،‬وهذا يدل على ا�ستقرار‬ ‫الدوافع اليمنية جتاه م�س�ألة االندماج‪ ،‬و�أن ال�شواغل الأ�سا�سية التي حتفزها م���ن �أج���ل تغيري الواق���ع احلايل الذي ال ميك���ن معه امل�ض���ي يف عملية �إدماج‬ ‫ما زالت موج���ودة كما هي من الناحيتني املو�ضوعية والعملية‪ ،‬ولهذا فان �أي اليمن يف املنظومة اخلليجية الإقليمية‪.‬‬ ‫حدي���ث عن دور �أو ت�أثري الح���ق للمتغريات االقليمي���ة والدولية يف دفع اليمن �أخرياً‪ ،‬ق���د ال يكون هذا املقام هو املكان املنا�س���ب لالحتفاء بهذه الدرا�سة‪،‬‬ ‫نح���و التكام���ل الع�ضوي مع دول اخللي���ج العربية ال يكت�س���ب �أهمية كبرية ما لكنه بال �شك املكان املنا�سب لالعرتاف ب�أنها درا�سة مهمة وجديرة بالقراءة‬ ‫كب�ي�ر عن الدعائية والتف�سريات‬ ‫دام���ت دوافع اليم���ن تنطلق من �شواغ���ل حملية �صرف‪ ،‬وذل���ك على العك�س واالهتم���ام واملناق�شة‪ ،‬فقد ابتعدت �إىل حدٍّ ٍ‬ ‫من منطلقات دول جمل����س التعاون الأكرث ح�سا�سية بطبيعتها جتاه ال�ضغوط غ�ي�ر املنطقية لق�ضية فائقة الأهمية واحل�سا�سي���ة‪ ،‬و�أحوج ما تكون لأن تظل‬ ‫الناجتة عن التحوالت واملتغريات التي ت�ؤثر يف البيئة الأمنية واجليو�سيا�سية مبن�أى عن ذلك كله‪.‬‬

‫عبدالغني املاوري‬

‫‪192‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫عرو�ض موجزة‬ ‫ا�سرتاتيجية ال�صراع‬ ‫توما�س �شيلينج‬ ‫ترجمة‪ :‬نزهت طيب و�أكرم حمدان‪.‬‬ ‫مركز اجلزيرة للدرا�سات (الدوحة)‬ ‫والدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 320‬صفحة‬ ‫ت�أتي �أهمية هذا الكتاب من كونه يعالج موا�ضيع‬ ‫مت�شعب���ة يف النزاع���ات الدولي���ة‪ ،‬واالقت�ص���اد‪،‬‬ ‫وعلم االجتم���اع‪ ،‬واال�سرتاتيجي���ة الدولية‪ .‬فهو‬ ‫كت���اب خا����ص يف علم���ي امل�ساوم���ة والت�ص���رف‬ ‫اال�سرتاتيج���ي‪ ،‬وواحد ًا م���ن الكتب املائة الأكرث‬ ‫ت�أث�ي�ر ًا يف الغرب منذ العام ‪� ،1945‬أي منذ �أكرث‬ ‫من ع�شرين �سنة‪� ،‬إال �أن املبادئ والأفكار الواردة‬ ‫في���ه ما زال���ت تنطبق عل���ى النزاع���ات القائمة‬ ‫يف وقتن���ا احلا�ض���ر‪ .‬ومب���ا �أن ف����ض النزاعات‬ ‫الدولي���ة هي من �أولوي���ات امل�ؤ�س�س���ات الدولية‪،‬‬ ‫كان ال ب���د من �إيج���اد �آليات و�أفكار �أ�صيلة‪ ،‬تقنع �أط���راف النزاع دون �شعورها‬ ‫بالغ�ب�ن الفاح�ش‪ ،‬ال���ذي قد ي�صيب طرف ًا م���ا من �أطراف الن���زاع وهنا تظهر‬ ‫�أهمية الأفكار والآليات التي ابتدعها امل�ؤلف يف كتابه هذا‪ .‬وقد ُ�سميت ب�أ�سماء‬ ‫خمتلف���ة منها‪« :‬نظرية اللعب» ‪� Theory Game‬أو النظرية اال�سرتاتيجية‪ .‬وقد‬ ‫ا�ستعان امل�ؤلف يف �ش���رح نظريته و�أفكاره باملعادالت الريا�ضية التي قد ت�ساعد‬ ‫الق���ارئ املتمر�س بالعلوم الريا�ضية على فه���م �أفكاره ومقا�صده ب�سهولة‪ .‬ولقد‬ ‫و�ض���ع امل�ؤلف هذا الكت���اب عندما كان الن���زاع يف �أوجه ب�ي�ن الواليات املتحدة‬ ‫واالحت���اد ال�سوفيتي‪ ،‬وبالرغم من ادعائه احلياد‪� ،‬إال �أنه كان مييل �إىل ترجيح‬ ‫الكفة الأمريكية‪.‬‬ ‫تت�س���م حمتوي���ات هذا الكت���اب بالغزارة والأ�صال���ة‪� ،‬إذ ي�ضم ب�ي�ن دفتيه �أربعة‬ ‫�أج���زاء تت�ضم���ن العناوين التالية‪ :‬اجل���زء الأول ي�أتي بعن���وان‪ :‬عنا�صر نظرية‬ ‫اال�سرتاتيجي���ة‪� .‬أما اجلزء الث���اين فجاء بعنوان‪� :‬إعادة توجي���ه نظرية اللعب‪.‬‬ ‫وي�أت���ي اجلزء الثالث بعن���وان‪ :‬اال�سرتاتيجية ذات املكون الع�شوائي‪� .‬أما اجلزء‬ ‫الراب���ع والأخ�ي�ر فيبحث يف الهج���وم املفاج���ئ‪ :‬درا�سة يف االرتي���اب املتبادل‪،‬‬ ‫ويرك���ز على اخلوف م���ن الطرف الآخر والدفاع عن النف����س‪ .‬ويختتم الباحث‬ ‫كتابه بثالثة مالحق وخامتة ومالحظات هام�شية‪.‬‬ ‫يبق���ى �أن نذك���ر ب����أن توما����س �شيلين���ج‪ ،‬م���ن موالي���د �سن���ة ‪ 1921‬يف �أوكالند‬ ‫بكاليفورني���ا‪ ،‬يحمل �إجازة يف االقت�صاد من جامع���ة كاليفورنيا‪ ،‬ودكتوراه من‬ ‫جامع���ة هارف���ارد �سنة ‪1948‬م‪ .‬والتح���ق مبكتب موظفي البي���ت الأبي�ض وعمل‬ ‫م�ست�ش���ار ًا للرئي�س يف �ش�ؤون ال�سيا�سة اخلارجية ثم التحق يف �أواخر عام ‪1953‬‬ ‫بجامع���ة ي���ال حيث ب���د�أ بن�شر م���ا عدته جلنة جائ���زة نوبل �إ�سهام��� ًا يف “فهم‬ ‫التعاون والنزاع” وح�صل على جائزة نوبل لالقت�صاد يف العام ‪.2005‬‬

‫عندما تت�صادم الأ�سواق‪ :‬ا�سرتاتيجيات ا�ستثمارية‬ ‫يف ع�صر التقلبات االقت�صادية العاملية‬ ‫حممد العريان‬ ‫ترجمة‪ :‬حليم ن�سيب ن�صر‬ ‫دار الكتاب العربي (بريوت)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 391‬صفحة‬ ‫ي�ض���ع حممد العريان‪ ،‬الذي يعت�ب�ر �أحد �أكرث‬ ‫الأ�سماء احرتام ًا يف عامل املال اليوم‪ ،‬الأحداث‬ ‫الأخ�ي�رة يف ال�س���وق املالي���ة �ضم���ن �سياقه���ا‬ ‫ال�صحي���ح‪ ،‬ويقدم للقارئ الأدوات التي ميكن‬ ‫�أن ت�ساعده يف درا�سة ال�سوق‪ ،‬واال�ستفادة من‬ ‫التب���دل االقت�صادي العاملي‪ ،‬ويف كيفية جتاوز‬ ‫املخاطر‪ .‬وقد �صدر هذا الكتاب يف وقت يبدو‬ ‫منا�سب ًا‪� ،‬إذ ينبه �إىل التغريات الأ�سا�سية التي‬ ‫حتدث الي���وم يف الأنظمة االقت�صادية واملالية‬ ‫العاملي���ة‪ -‬وه���و �إنذار للم�ستثمري���ن الذين قد‬ ‫يقع���ون �ضحي���ة ت�أويالت خاطئة �أو �س���وء تف�سري لبع�ض الإ�ش���ارات املهمة‪ .‬ويف‬ ‫الوقت الذي ينظر فيه بع�ض امل�ستثمرين �إىل م�س�ألة �سوء تقدير ت�سعري الأ�صول‬ ‫على �أنها جمرد «�ضجة وجلبة»‪ ،‬يبني هذا الكتاب املقنع مدى �أهمية الإ�شارات‪،‬‬ ‫الت���ي تدل �إىل الفر�ص �أو املخاطر‪ ،‬يف حتديد و�صياغة �شكل الأ�سواق لل�سنوات‬ ‫القادمة‪.‬‬ ‫حالي��� ًا‪ ،‬يعي�ش االقت�صاد العاملي يف خ�ضم �سل�سل���ة متالحقة من الأزمات‪ ،‬وقد‬ ‫بد�أ النمو العاملي يت�أثر بدول مل يكن لها يف ال�سابق �أي ت�أثري يذكر على اقت�صاد‬ ‫ال�سوق‪ ،‬بعد �أن ا�ستطاعت �أن تراكم ثروات خيالية غري متوقعة وبات لها ت�أثري‬ ‫مهم‪ ،‬وهو �أمر جعلها تواجه حتديات غري م�سبوقة‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪� ،‬ساهمت‬ ‫امل�شتقات املالية اجلديدة يف تبديل �سلوك كثري من قطاعات ال�سوق والالعبني‬ ‫فيه���ا‪ .‬لكن‪ ،‬ورغم كل هذه التغريات‪ ،‬ينبغي االرتقاء بالبنية الأ�سا�سية للنظام‬ ‫املايل حتى يتمكن من عك�س حقائق وقائع العامل حالي ًا وم�ستقب ًال‪.‬‬ ‫يدر����س العري���ان الدواف���ع الكامن���ة وراء هذا التغ�ي�ر العاملي‪ ،‬وه���و يطلب من‬ ‫امل�ستثمر �أن‪:‬‬ ‫ يفكر جيد ًا يف الفر�ص اجلديدة املتاحة �أمامه‪ ،‬و�أي�ض ًا يف املخاطر التي ميكن‬‫�أن تعرت�ضه‪.‬‬ ‫ ين�شئ حمفظة متنوعة ومد ّولة ب�شكل منا�سب‪.‬‬‫ يحمي حمفظته من �أي م�صدر خطر �شامل‪.‬‬‫ يفكر يف ت�أثري البنوك املركزية وال�سيا�سات املالية العاملية‪.‬‬‫ويف معر����ض توقعات���ه للتط���ورات املالي���ة امل�ستقبلي���ة‪ ،‬يحاول العري���ان تقدمي‬ ‫امل�ساعدة ملن يه ّمه الأمر يف اال�ستفادة ما �أمكن من امل�شهد االقت�صادي واملايل‬ ‫اجلديد‪ ،‬ويف احلد‪ ،‬يف الوقت نف�سه‪ ،‬من التعر�ض لأية خماطر جديدة‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪193‬‬


‫الفهر�ست‬

‫عرو�ض موجزة‬

‫عودة تركيا �إىل ال�شرق‪ :‬االجتاهات اجلديدة لل�سيا�سة الرتكية‬ ‫مي�شال نوفل‬ ‫الدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 151‬صفحة‬ ‫يلق���ي ه���ذا الكت���اب �أ�ض���واء كا�شفة عل���ى �أهم‬ ‫عنا�صر و�سمات التحول يف ال�سيا�سة اخلارجية‬ ‫الرتكي���ة وب���روز اجت���اه «العثماني���ة اجلدي���دة»‬ ‫ح�سب تعبري امل�ؤلف‪ ،‬مذكر ًا مبنعطفات �أ�سا�سية‬ ‫وم�ؤث���رة يف حركة التغيري الرتك���ي منها ما بد�أ‬ ‫عام ‪ 1980‬يف �سيا�سة االنفتاح االقت�صادي التي‬ ‫�شكلت نقطة انطالق بارزة و�أ�سا�س ًا لبناء توازن‬ ‫بني الدولة واملجتمع ع�ب�ر البوابة االقت�صادية‪،‬‬ ‫وتك ّر����س الحق ًا عرب البواب���ة الثقافية مع �إعادة‬ ‫�إعط���اء الإ�سالم مكانت���ه ال�سيا�سية واملجتمعية‬ ‫يف تركيا يف �إطار حركة «التوليف الرتكي ‪ -‬الإ�سالمي»‪ .‬وعلى وقع ديناميات‬ ‫البيئ���ة العاملية املتحولة عق���ب �أفول احلرب الباردة‪ ،‬كان على تركيا �أن تُط ّور‬ ‫وتع���دّل توجه���ات �سيا�ستها اخلارجي���ة‪ .‬وعليه‪ ،‬عملت امل�ؤ�س�س���ة احلاكمة يف‬ ‫تركي���ا ل�ص���وغ مقارب���ة جيوثقافية جتعل تاريخه���ا الإمرباط���وري العثماين‪،‬‬ ‫ومي���زات موقعه���ا اجليو�سيا�سي املح���وري‪ ،‬ر�صي���د ًا �إيجابي ًا يف �إع���ادة بناء‬ ‫النظرية ال�سيا�سية للدولة‪.‬‬ ‫ويت�س���اءل امل�ؤل���ف ع���ن التب���دل يف الوظيف���ة ال�سيا�سي���ة للت�ص���ور العثم���اين‬ ‫اجلدي���د بني مرحلة و�أخرى منذ مطلع ت�سعينيات القرن املا�ضي‪ ،‬و�صو ًال �إىل‬ ‫دبلوما�سية حكومة رجب طيب �أردوغان التي تظهر مفارقة �صارخة �إن قورنت‬ ‫باالنع���زال الرتكي التقليدي واالبتع���اد عن �ش�ؤون ال�ش���رق الأو�سط وق�ضاياه‬ ‫ال�ساخن���ة‪ .‬وي�شري امل�ؤلف �إىل �أن التغ�ي�ر يف ال�سيا�سة اخلارجية الرتكية جتاه‬ ‫منطقة ال�ش���رق الأو�سط ي�ستند �إىل مقاربة وزي���ر اخلارجية الرتكي احلايل‬ ‫�أحم���د داود �أوغل���و‪ ،‬التي ترى �أن تركي���ا عليها �أن ت�سه���م يف بناء ال�سالم يف‬ ‫املنطق���ة‪ ،‬وت�سع���ى �إىل التقريب ب�ي�ن دول ال�شرق الأو�س���ط‪ ،‬وذلك باالعتماد‬ ‫على �سيا�سة خارجية‪ ،‬مبنية على ثالثة مكونات �أ�سا�سية‪� ،‬سيا�سية‪ ،‬وثقافية‪،‬‬ ‫واقت�صادية‪.‬‬ ‫ولذا عمل���ت تركيا على تطبيق نظرية «ت�صف�ي�ر اخلالفات» مع دول اجلوار‪،‬‬ ‫الأمر ال���ذي ا�ستدعى بروز ديناميكية نا�شط���ة‪ ،‬متكنت من �صياغة عالقات‬ ‫جدي���دة وخمتلفة م���ع كل من �سورية و�إيران والع���راق‪ ،‬وب�شكل �أحدث قطيعة‬ ‫م���ع عالقات املا�ضي‪ ،‬التي �شابها التوتر والتوج�س والعداء‪ ،‬وفتح الباب �أمام‬ ‫ت�أ�سي����س مدخ���ل تعاوين �شامل م���ع دول اجلوار‪ ،‬ب���د�أ من الأم���ن وو�صل �إىل‬ ‫ال�سيا�سة ثم �إىل االقت�صاد‪.‬‬

‫كيف ي�صنع القرار يف الأنظمة العربية‬ ‫جمموعة من الباحثني‬ ‫مركز درا�سات الوحدة العربية (بريوت)‪،‬‬ ‫‪2010‬‬

‫‪� 720‬صفحة‬ ‫�ضم هذا الكتاب ح�صيلة لدرا�سة �شاملة لعملية‬ ‫�صن���ع الق���رار يف �أحد ع�شر بل���د ًا عربي ًا‪ ،‬متثل‬ ‫‪194‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫خمتلف مكونات الوطن العربي‪ .‬قام ب�إعداد هذه الدرا�سات خرباء مربزون‬ ‫م���ن خلفي���ات فكري���ة وعلمية متنوع���ة‪ ،‬وج���اء م�ضمونها معرب ًا ع���ن تكامل‬ ‫احلق���ول املعرفي���ة‪ ،‬يف هذا امليدان امله���م من ميادين البح���ث العلمي الذي‬ ‫تتقاطع فيه علوم الإدارة وال�سيا�سة واالجتماع واالقت�صاد والإن�سانيات‪.‬‬ ‫يتكون الكتاب من اثنى ع�شر ف� ً‬ ‫صال‪ ،‬متثل البلدان مو�ضع الدرا�سة (الأردن‪،‬‬ ‫اجلزائ���ر‪ ،‬ال�سعودي���ة‪ ،‬ال�سودان‪� ،‬سوري���ا‪ ،‬العراق‪ ،‬الكوي���ت‪ ،‬لبنان‪ ،‬م�صر‪،‬‬ ‫املغ���رب‪ ،‬اليم���ن) بالإ�ضاف���ة �إىل ف�صل ختام���ي يقارن بني تل���ك احلاالت‪،‬‬ ‫ويق���دم خال�ص���ات ممثلة للقوا�س���م امل�شرتك���ة يف عملية �صنع الق���رار على‬ ‫امل�ست���وى العربي العام‪ .‬وتتناول الف�صول التطورات التي حلقت بعملية �صنع‬ ‫القرار يف الوطن العربي‪ ،‬من حيث بيئة القرار الداخلية واخلارجية‪ ،‬وتغري‬ ‫الفاعلني القائمني ب�صنع القرار‪� ،‬أو �أولئك امل�ؤثرين فيه‪.‬‬ ‫يف الف�صل اخلتامي الذي �أعدته من�سقة وحمررة الدرا�سة د‪ .‬نيفني م�سعد‪،‬‬ ‫حتلي���ل م�سهب للتغ�ي�ر يف �أطراف �صنع القرار‪ ،‬مثل ال���دور املحوري لرئي�س‬ ‫الدول���ة‪ ،‬وتزايد �أدوار �أبناء الر�ؤ�ساء‪ ،‬وحمدودي���ة دور ال�سلطتني الت�شريعية‬ ‫والق�ضائية باملقارنة مع ال�سلطة التنفيذية‪ ،‬والرتاجع الن�سبي لدور اجلي�ش‪،‬‬ ‫وب���روز دور رج���ال الأعم���ال‪ ،‬و�صع���ود احل���ركات االجتماعي���ة باملقارنة مع‬ ‫الأحزاب ال�سيا�سية‪ ،‬و�صعود وتنوع الفاعلني من اخللفية الدينية‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل فاعل�ي�ن جدد كاملر�أة وقنوات الب���ث الف�ضائي‪ .‬كما ت�شري الدرا�سة �أي�ض ًا‬ ‫�إىل تزاي���د دور العوامل اخلارجية يف �صنع القرار‪ ،‬وافتقاد الطابع امل�ؤ�س�سي‬ ‫لعملي���ة �صنع الق���رار ككل‪ .‬وتختتم الدرا�سة با�ستنتاج���ات مهمة جد ًا تف�سر‬ ‫الواقع القائم‪ ،‬وتقدم م�ؤ�شرات للم�ستقبل‪.‬‬

‫مراكز الفكر‪� :‬أدمغة حرب الأفكار‬ ‫�ستيفن بو�شيه ومارتني رو ّيو‬ ‫ترجمة‪ :‬ماجد كنج‬ ‫دار الفارابي (بريوت)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 230‬صفحة‬ ‫يف كتابهم���ا «مراكز الفكر»‪ ،‬يب�ّي�نّ امل�ؤلفان‬ ‫�ستيف���ن بو�شيه ومارتني روي���و �أنّ هنالك يف‬ ‫�أمريكا وال���دول الأوروبي���ة جمموعات عمل‬ ‫فكري���ة «مراكز الفكر»‪ ،‬مه ّمته���ا درا�سة � ّأي‬ ‫ق�ضية حملية �أو خارجية من جميع جوانبها‬ ‫وحيثياته���ا باالرتباط باحل���دث امل�ستقبلي‪،‬‬ ‫وو�ضع هذه الدرا�س���ات �أمام �صانعي القرار‬ ‫يف �أعل���ى م�ستويات اله���رم احلكومي للدولة‬ ‫املعنية‪.‬‬ ‫ويع�ّب�رّ امل�ؤلف���ان ع���ن مركز الفك���ر بالقول‪:‬‬ ‫مرك���ز الفكر معرب بني �أولئك الذي���ن لديهم �أفكار ويحلم���ون بالو�صول �إىل‬ ‫ال�سلط���ة‪ ،‬و�أولئك الذين ه���م يف ال�سلطة ويري���دون �أن يدعموا ممار�ساتهم‬ ‫بالتحلي���ل املعمق‪� ،‬أي ب�شكل �إجما ّ‬ ‫يل‪ :‬مركز الفكر ج�سر بني �أ�صحاب القرار‬ ‫واخلرباء وو�سائط الإعالم واجلمهور الوا�سع‪.‬‬ ‫يبينّ امل�ؤلف���ان �سمات مراكز الفكر باعتبارها هيئ���ات دائمة‪ ،‬ومركز الفكر‬ ‫متخ�ص�ص متف ّرغ‬ ‫متخ�ص����ص ب�إنتاج حل���ول لل�سيا�سة العا ّمة بف�ضل طاق���م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫للبح���ث‪ .‬ي�ؤ ّمن مركز الفكر ناجت���ا �أ�صيال من التفك�ي�ر والتحليل والن�صح‪،‬‬

‫مهام حكومية‪،‬‬ ‫العام‪ ،‬وغري مك ّلف ب�إجناز ّ‬ ‫يوجه للحكام وللر�أي ّ‬ ‫ور�سالته �أن ّ‬ ‫وي�سع���ى ب�شكل عام للإبقاء عل���ى ا�ستقالليته الثقافي���ة وال يرتبط مب�صالح‬ ‫العام‪،‬‬ ‫خفي للعمل على مفهوم م���ا للخري ّ‬ ‫حم���ددة‪ ،‬ولعمله طموح ظاه���ر �أو ّ‬ ‫بخالف الهيئات التي هدفها التجارة والربح فقط‪.‬‬ ‫وي�ش�ي�ر امل�ؤلف���ان �إىل ظهور �أرب���ع موجات ملراكز الفكر عاملي��� ًا‪ :‬الأوىل ‪ :‬قبل‬ ‫احلرب العاملية الأوىل و�أثناءها يف اجنلرتا والواليات املتحدة‪ ،‬ولأ ّنها مل تكن‬ ‫معروفة حتت ا�س���م مراكز الفكر‪ ،‬ظهرت مراكز للبحث ال�سيا�سي يف بداية‬ ‫القرن الع�شرين من �أج���ل �إفادة النواب واملوظفني بالن�صائح املحايدة ومن‬ ‫�أج���ل تق ّدم العلوم االجتماعي���ة‪� .‬أما املوجة الثانية فق���د جاءت بعد احلرب‬ ‫العاملي���ة الثاني���ة‪ ،‬وخالله���ا انت�ش���ر مفهوم مرك���ز الفكر ب�سرع���ة‪ ،‬بدء ًا من‬ ‫الواليات املتحدة ث���م �إىل دول �أخرى‪ .‬وحدثت املوجة الثالثة بعد ال�صدمات‬ ‫النفطي���ة يف ال�سبعيني���ات يف الوالي���ات املتحدة كم���ا يف �أوروب���ا‪� .‬أما املوجة‬ ‫الرابع���ة ملراك���ز الفكر فقد ظه���رت يف الواليات املتحدة و�أورب���ا العام ‪1990‬‬ ‫حي���ث �أدّت نهاية احلرب الب���اردة �إىل �أن يطرح الباحث���ون �أ�سئلة جديدة عن‬ ‫�آلية عمل العالقات الدولية يف ظل ظهور متغريات وحتديات عاملية جديدة‪.‬‬

‫احلروب وتوازن القوى‪ :‬درا�سة �شاملة لنظرية‬ ‫توازن القوى وعالقتها اجلدلية باحلرب وال�سالم‬ ‫�إبراهيم �أبو خزام‬ ‫دار الكتاب اجلديد املتحدة (بريوت)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 300‬صفحة‬ ‫ه���ذا الكتاب ه���و ا�ستمرار جل���زء من كتاب‬ ‫�سبق �أن ن�ش���ره الباح���ث والأكادميي الليبي‬ ‫�إبراهيم �أبو خزام من���ذ �أعوام حتت عنوان‬ ‫«الع���رب وت���وازن القوى يف الق���رن احلادي‬ ‫والع�شرين»‪ ،‬وهو درا�س���ة ا�ست�شرافية لواقع‬ ‫القوى العظمى يف الت�سعينيات‪ ،‬وقد انطلقت‬ ‫تلك الدرا�سة م���ن افرتا�ضات نظرية معينة‬ ‫تذه���ب �إىل وج���ود ثواب���ت ومتغ�ي�رات يف‬ ‫ال�سيا�س���ة الدولي���ة؛ والثوابت ه���ي ما �أطلق‬ ‫امل�ؤلف عليها «قوان�ي�ن التاريخ»‪ ،‬وهي عبارة‬ ‫ع���ن ا�ستنتاجات متكررة طوال التاريخ‪ ،‬ال متتل���ك الدول تغيري كنهها لكنها‬ ‫ت�ستطي���ع ا�ستخدامها يف �أثناء تعاملها الدويل‪ .‬ويذهب امل�ؤلف �إىل �أن جناح‬ ‫ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة لأي���ة دولة يعتم���د على مق���دار فهمها له���ذه القوانني‬ ‫التاريخية‪ ،‬ومدى قدرتها على التعامل معها‪.‬‬ ‫ويقول �إن غاية درا�سته املتممة هذه تذهب �إىل ناحيتني‪� :‬أكادميية و�سيا�سية‪.‬‬ ‫فه���ي حماولة لو�ضع درا�سة علمية �أكادميية تتن���اول ظاهرة �سيا�سية مهمة‪،‬‬ ‫ال�سيم���ا و�أن املكتبة العربية‪ ،‬واملن�شورات اجلامعي���ة ب�شكل خا�ص‪ ،‬تخلو من‬ ‫درا�س���ة متكاملة يف التوازن الدويل‪ ،‬فما كتب يف الفكر العربي غالب ًا‪ ،‬تناول‬ ‫ه���ذه الظاهرة باقت�ضاب �شدي���د‪ ،‬وذلك بغر�ض تعريفه���ا و�إدخالها مدارك‬ ‫الط�ل�اب‪ ،‬ومل تذهب هذه الدرا�س���ات �إىل حماولة تق���دمي �صياغة متكاملة‬ ‫لهذا املو�ضوع اخلطري‪.‬‬ ‫�أم���ا ال�سبب ال�سيا�سي فيح���اول خدمة ال�سيا�سة العربي���ة ولفت عنايتها �إىل‬ ‫�أهمي���ة حتليل ه���ذه الظاهرة‪ ،‬وقد ب���دا للم�ؤلف �أن بع�ض ح���االت الف�شل يف‬

‫ال�سيا�س���ة العربية تعود �إىل عدم �إدراك �أهمية الت���وازن الدويل‪ .‬ولهذا دفع‬ ‫العرب وما زالوا يدفعون ثمن الفهم ال�سيا�سي اخلاطئ‪ ،‬هذا ما حدث عقب‬ ‫احل���رب العاملي���ة الأوىل وتكرر بعد احل���رب العاملية الثانية‪ ،‬وق���د يتكرر مرة‬ ‫�أخرى بعد �أن انتهت احلرب الباردة و�أ�صبح العامل يت�شكل من جديد‪.‬‬

‫العوملة والدميقراطية والإرهاب‬ ‫�إيريك هوبزباوم‬ ‫ترجمة‪� :‬أكرم حمدان ونزهت الطيب‬ ‫مركز اجلزيرة للدرا�سات (الدوحة)‬ ‫والدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 141‬صفحة‬ ‫ي�أت���ي كت���اب “العومل���ة والدميقراطي���ة‬ ‫والإره���اب” تكمي ًال للكت���ب ال�سابقة للم�ؤرخ‬ ‫الربيط���اين ال�شه�ي�ر �إيري���ك هوبزباوم‪ .‬وال‬ ‫يقت�ص���ر الكت���اب على تلم����س مالمح القرن‬ ‫الع�شري���ن ب���ل �أك�ث�ر م���ن ذلك يلق���ي نظرة‬ ‫ا�ست�شرافي���ة مل�ستقب���ل الع���امل‪ .‬وتنتظ���م يف‬ ‫الكتاب جمموعة مق���االت ن�شرها هوبزباوم‬ ‫فيم���ا ب�ي�ن ‪� 1990‬إىل ‪ .2006‬ومو�ض���وع ه���ذا‬ ‫الكت���اب �سيا�س���ي �إال �أنه يت���وزع �إىل خم�سة‬ ‫موا�ضيع تنتظمها ع�شرة ف�صول وموا�ضيع‪،‬‬ ‫وهي‪ :‬احلرب وال�سلم يف القرن احل���ادي والع�شرين‪ ،‬ما�ضي �إمرباطوريات‬ ‫الع���امل وم�ستقبلها‪ ،‬طبيعة القومي���ة و�سياقها املتقلب‪� ،‬آف���اق الدميقراطية‬ ‫الليربالية‪ ،‬م�س�ألة العنف ال�سيا�سي والإرهاب‪.‬‬ ‫وال يغف���ل هوبزباوم عن كون هذه العنا�صر اخلم�سة تتفاعل يف �سياق يت�سم‬ ‫بالت�سارع املتوا�صل يف املجالني التقني واالقت�صادي امل�ستندين �إىل عوملة ما‬ ‫فتئت تداعياتها تتحكم يف م�صائر ال�شعوب والأمم يف �سائر قارات العامل‪.‬‬ ‫و�أ�صبح���ت املفاو�ضات واحللول ال ت�أتي ب�س�ل�ام و�إمنا بغياب مطول ملظاهر‬ ‫القت���ال‪ ،‬وهذا ما ي�ؤكد اختالط مفهوم���ي احلرب وال�سلم الذي طبع القرن‬ ‫الع�شري���ن‪ ،‬حيث ي�ؤكد هوبزباوم �أنه ال يوج���د �إطالق ًا �أي نزاع م�سلح حدث‬ ‫يف القرن الع�شرين وانتهى بت�سوية م�ستقرة‪.‬‬ ‫وميتاز القرن الع�شرين بك���ون مفهومي احلرب وال�سلم قد �شهدا فيه تغرياً‬ ‫جذري��� ًا و�أحدثا قطيع���ة مع املفهوم التقليدي لهذي���ن امل�صطلحني‪ .‬ومل تعد‬ ‫احلرب تبد�أ ب�إعالن عمل ع�سكري وتنتهي بتوقيع اتفاقية �سالم‪ ،‬بل اختلط‬ ‫املفهوم���ان‪� ،‬إذ جن���د ف�ت�رات زمنية يف ه���ذا القرن ال هي ف�ت�رات �سلم وال‬ ‫ف�ت�رات حرب باملفهوم التقلي���دي (و�ضعية العراق قب���ل حرب اخلليج خري‬ ‫مثال على ذلك‪ ،‬وكذلك العالقة بني الفل�سطينيني والإ�سرائيليني)‪.‬‬ ‫ومم���ا زاد من تعقيد م�س�أل���ة احلرب وال�سلم �أن الق���وة �أ�صبحت بيد الدول‬ ‫ولي�س���ت بيد امل�ؤ�س�سات الدولي���ة‪ .‬ويقرتح هوبزباوم �ض���رورة التخل�ص من‬ ‫خط���اب احلرب الب���اردة وفر�ضياتها الإيديولوجي���ة وال�سيا�سية‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫يف ظ���ل �إخفاق فر�ض النظام العاملي اجلديد بوا�سط���ة قوة �أحادية‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال‬ ‫ع���ن تقوية وظيف���ة امل�ؤ�س�سات الدولية (الأمم املتح���دة وغريها)‪ .‬ويرى �أن‬ ‫ن�شر الدميقراطية الليربالية لن ينجح لأنها تهدد وحدة القيم العاملية‪ .‬كما‬ ‫تناول ظاهرة الإرهاب والعنف ال�سيا�سي بالتحليل والقراءة‪.‬‬ ‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪195‬‬


‫�أُفـُـــق‬

‫رغيد ال�صلح‬

‫عندما يلتقي العداء للعرب مع العداء للغرب‬ ‫اقرتن���ت كلم���ة ‘املهجر’ يف الذهن العربي نظ���رات مت�ضاربة‪ .‬عند البع�ض اقرتن املهجر ب�ص���ور النفي والت�شرد والغربة‪،‬‬ ‫وعن���د البع�ض الآخر مبناخات احلرية واالبداع والتقدم‪ .‬ول�سن���وات عديدة خلت‪ ،‬كانت الكفة متوازنة بني هذين النمطني‬ ‫من النظرات‪ .‬وخالل ال�سنوات الأخرية عندما منا االهتمام بالدميقراطية والإ�صالح يف املنطقة العربية‪ ،‬وعندما ارتفعت‬ ‫�أرق���ام الهج���رة �إىل الدميقراطيات الغربية‪� ،‬أمل البع�ض‪ ،‬ومنهم هذا الكات���ب‪� ،‬أن متيل الكفة �إىل جانب ال�صور املتفائلة‪.‬‬ ‫�أم���ل ه����ؤالء �أن يتعرف �أكرب عدد من املهاجرين الع���رب على الأفكار الدميقراطية‪ ،‬و�أن يتع���ودوا على ممار�ساتها يف دول‬ ‫املهج���ر‪ ،‬وم���ن ّثم �أن يتحول���وا �إىل ر�سل للدميقراطي���ة يف بالدهم‪ ،‬في�ساع���دوا على تعميقها حيث ه���ي ال تزال يف مرحلة‬ ‫الن�ش����أة‪ ،‬وعل���ى توطيده���ا حيث حققت بع�ض التقدم‪ .‬وقائ���ع الهجرة د ّلت على �أن مثل هذه الآم���ال هي �أقرب �إىل التفكري‬ ‫الرغائب���ي‪ ،‬خا�ص��� ًة عندما كان���ت ترتطم بعقبات كربى جعلت م���ن ن�شر الدميقراطية بني املهاجري���ن العرب‪� ،‬أ�صعب من‬ ‫ن�شرها بني �أبناء الوطن‪.‬‬ ‫كان���ت م���ن �أهم هذه العقبات نزعة الآرابوفوبيا �أو العداء للعرب يف دول وجمتمعات الهجرة‪ .‬فحيث انت�شرت هذه النزعة‬ ‫تر�سخ���ت معها م�شاع���ر الغربة بني العرب‪ ،‬وتعرقلت م�ساعي اندماجهم باملجتمعات اجلديدة‪ ،‬وم�ساهمتهم يف م�ؤ�س�ساتها‬ ‫ّ‬ ‫واحلي���اة العام���ة فيها‪ .‬كانت ه���ذه النزعة موجودة دائم��� ًا يف الأو�ساط القومي���ة والدينية املتع�صب���ة‪� ،‬إال �أنها كانت تزداد‬ ‫انت�شار ًا وعمق ًا مع ارتفاع عدد املهاجرين العرب‪ .‬بل ازدادت هذه النزعة عنف ًا و�ضراوة مع حمالت التحري�ض املنظم التي‬ ‫ا�ضطلعت بها اجلماعات امل�ؤيدة لإ�سرائيل يف الغرب �ضد الهجرة واملهاجرين العرب‪ .‬ذلك �أن هذه اجلماعات باتت ت�شعر‬ ‫بالقل���ق من جراء ارتفاع ن�سب���ة ال�سكان العرب يف املجتمعات الغربية‪ ،‬ومن احتمال اندماج ه�ؤالء بامل�ؤ�س�سات العامة‪ ،‬ومن‬ ‫ت�أثريهم عرب امل�سالك الدميقراطية يف �سيا�سات الدول الغربية جتاه ال�صراع العربي‪-‬الإ�سرائيلي‪.‬‬ ‫درء ًا لهذا ‘اخلطر’‪� ،‬أطلقت جماعات ال�ضغط امل�ؤيدة لإ�سرائيل �صفارات االنذار �ضد ‘الغزو الدميغرايف العربي’ املتفاقم‬ ‫للمجتمع���ات الغربية‪ ،‬وطفقوا يروجون للآرابوفوبيا ويح���ذرون من حت ّول �أوروبا �إىل ‘يوريبيا’ كما �س ّمت الكاتبة الأمريكية‬ ‫امل�ؤي���دة لإ�سرائي���ل بات يئور‪ ،‬كتابها التحري�ضي �ضد العرب! و�أ�سفرت هذه احلمالت التحري�ضية عن جناحات رمبا فاقت‬ ‫توقع���ات ُمطلقيه���ا‪ .‬ولقد بتنا ن�شهد يومي ًا يف امل���دن الأمريكية والأوروبية ثمار هذه النجاح���ات كما كان الأمر يف نيويورك‬ ‫يف نهاي���ة �شه���ر �آب‪�/‬أغ�سط�س الفائت‪ ،‬عندما جت ّم���ع مئات الألوف من الأمريكيني املتع�صبني لك���ي يطلقوا العنان مل�شاعر‬ ‫الآرابوفوبيا والإ�سالموفوبيا‪.‬‬ ‫من العقبات الأخرى املهمة التي حالت دون تفاعل املهاجرين العرب مع بالد االغرتاب نزعة ‘الأوروفوبيا’ �أو العداء لأوروبا‬ ‫والغ���رب املنت�شرة يف العديد من الأو�س���اط العربية‪ ،‬وخا�صة املهاجرين العرب يف دول الغرب‪� .‬إذ يعتقد ‘الأوروفوبيون’ �أن‬ ‫الدميقراطي���ة ه���ي غربية املن�ش�أ والهوية ودخيلة على البالد العربية‪ ،‬ف�إنهم يحول���ون مناه�ضة الدميقراطية �إىل وجه من‬ ‫وج���وه الكفاح �ض���د الهيمنة الأوروبي���ة والغربية على الع���رب‪� .‬إن الأورفوبيني ال يعرفون �إال القليل ع���ن الدميقراطية وعن‬ ‫عالقته���ا بال�شرق‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال ع���ن ذلك ف�إنهم يعطلون م�شاركة املهاجرين العرب يف احلي���اة العامة يف عوامل االغرتاب‪ .‬هذا‬ ‫بالطبع يحرم الأمة العربية من قوة كربى ميكن �أن ت�ساهم يف تبديل نظرة هذه العوامل �إىل العرب و�إىل ق�ضاياهم العادلة‪،‬‬ ‫و�أن ت�شارك يف بناء �أف�ضل العالقات بني العرب والأمم االخرى‪ .‬هكذا ي�سري الآرابوفوبيون (كارهو العرب) والأوروفوبيون‬ ‫(كارهو �أوروبا والغرب) على طريق واحد‪.‬‬ ‫رغيد ال�صلح باحث وكاتب لبناين‪.‬‬

‫‪196‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪197‬‬


‫‪w w w . s h e b a c s s . c o m‬‬

‫مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫‪Sheba Center for Strategic Studies‬‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫‪198‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العددان ‪ ،5 - 4‬يوليو‪�/‬أكتوبر ‪2010‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.