العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
3
ا�سرتاتيجية الأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�صرة ت�صدر كل �شهرين عن «مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية» ال�سنة الأوىل ،العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
رئي�س التحرير
�أحمد عبدالكرمي �سيف
director@shebacss.com
مدير التحرير
حممد �سيف حيدر
m_saif@shebacss.com
نائب مدير التحرير
�سقاف عمر ال�سقاف
saqqaf@shebacss.com
الت�صميم والإخراج الفني
حممد عبدالرحمن الذبحاين
m_aldbhani@shebacss.com
الرتجمة
�أحمد الباكري
ahmed@shebacss.com
املراجعة اللغوية
حممد حم�سن علوان
mohammed-al@shebacss.com
�سكرتارية املجلة
�أ�سماء حممد �إبراهيم
asma@shebacss.com
ت�صفحوا املوقع الإلكرتوين ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية w w w . s h e b a c s s . c o m 4
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
اال�شرتاكات: ال�سنة الواحدة (�ستة �أعداد) �شاملة �أجرة الربيد: داخل اجلمهورية اليمنية 6000 :ريال للأفراد 60 ،دوالر ًا للم�ؤ�س�سات. الدول العربية 50 :دوالر ًا للأفراد 90 ،دوالر ًا للم�ؤ�س�سات. بقية دول العامل 70 :دوالر ًا للأفراد 120 ،دوالر للم�ؤ�س�سات. ير�سل طلب اال�شرتاك �إىل عنوان املجلة مع حوالة م�صرفية �أو �شيك ُم�صدّق بقيمة اال�شرتاك لأمر مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. ولال�ستف�سار ميكن التوا�صل عرب الربيد الإلكرتوين: subscription@shebacss.com
ثمن الن�سخة: اليمن 300ريال ،ال�سعودية 20ريا ًال ،الإمارات العربية املتحدة 20درهم ًا، الكويت 1دينار ،مملكة البحرين 1دينار ،قطر 20ريا ً ال� ،سلطنة عمان 1.5 ريال ،العراق 2500دينار ،لبنان 4000لرية� ،سورية 200لرية ،الأردن 1.5دينار، فل�سطني 5دوالر ،م�صر 10جنيهات ،ال�سودان 4جنيهات ،ليبيا 2دينار ،اجلزائر 300دينار ،تون�س 5دينار ،املغرب 20درهم ًا ،موريتانيا � 300أوقية. بقية دول العامل 6 :دوالر. املوزع العام يف الدول العربية:
م�ؤ�س�سة الفالح للن�شر والتوزيع �ص .ب – 113/6590 .رمز بريدي 1103 2140 تلفاك�س 3( 00–961–1–856677خطوط) – بريوت ،لبنان E- mail: alfalahzoobi@gmail.com
ُعب بال�ضرورة ُعب املقاالت املن�شورة عن �آراء كتّابها ،وال ت رِّ ت رِّ عن ر�أي «مدارات ا�سرتاتيجية» �أو مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
جملة مدارات ا�سرتاتيجية مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �ص .ب 16822 .هاتف +967 1 677466 :فاك�س+967 1 677466 : �صنعاء – اجلمهورية اليمنية الربيد الإلكرتوينmadarat@shebacss.com : madaratistrategyya@yahoo.com املوقع على الإنرتنتwww.shebacss.com/madarat :
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
5
املحتويات متوز/يوليو -ت�شرين الأول�/أكتوبر
06
نظرة على shebacss.com
08
�إفتتاحية على حمك ال�سالم رئي�س التحرير
2010
84
اليمن والعامل حتلي�لات :يحل���ل هاين املُغل�س بتع ّمق حت ��والت العالقة بني ال�سلطة واملجتمع يف اليمن ،ويذه���ب �إىل �أن املجتمع ب�صدد �إعادة تقيي���م عالقته بال�سلطة ال�سيا�سية وتطوير خيارات اجتماعية خارج منظومة العالقات ال�سلطوية الر�سمية القائمة؛ ويبحث �أحمد الق�صري يف اخللفية االجتماعية ل�ضعف وعي الطبقة الو�سطى اليمنية بذاتها؛ بينما تعر�ض نيكول �شرتاكه معامل فكرة «اجلهاد كل من اليمن وال�سعودي ��ة؛ �أما �سامي حممد ال�سياغي في�ضع ت�صوراً عاماً لدور اليمن يف �إطار االقت�ص ��ادي» ،مو�ضح� � ًة �أثره ��ا يف ٍّ منظوم ��ة الأم ��ن الإقليمي ،مبين ًا مقومات هذا الدور وطبيعته ،وكي���ف ميكن لليمن �أن تتخطى حماوالت تهمي�ش دورها الإقليمي املفرت����ض؛ يف ح�ي�ن يق ّيم عاي�ش عل���ي عوا�س �إجنازات و�إخفاق ��ات عقد من االن�ضم ��ام اجلزئي لليمن �إىل جمل� ��س التعاون لدول اخلليج العربية .ال�صفحات 42 - 10 وجه��ات نظ��ر :جتادل �صافيناز حممد �أحم���د ب�أن و�ضع ا�سرتاتيجية خليجي ��ة موحدة جتاه اليمن وم�شكالته ب ��ات �أمراً ملحاً وال منا�����ص من����ه لتف����ادي ما هو �أ�سو�أ؛ ويعر�����ض �أثري ناظم عبدالواح���د الدواعي املو�ضوعي ��ة الن�ضمام اليمن والع ��راق �إىل جمل�س التع ��اون اخلليج ��ي؛ يف ح��ي�ن يقدم طارق عبداهلل احل���روي ر�ؤية حول مكان ��ة اليمن ودوره ��ا يف املنظومة الأمني ��ة الإقليمية قيد الت�شكّل ،محُ ذر ًا من خطورة التغا�ضي عن الفر�ص املتاحة لليمن يف هذا الإطار؛ �أما نبيل البكريى فيقر�أ حتوالت الزيدية و�أطوارها ال�سيا�سي ��ة م ��ن «الهادوية» حت ��ى «احلوثية»؛ ويدعو جميب احلميدي من جهته احلركة الإ�سالمي ��ة يف اليمن �إىل �إعادة النظر يف مواقفها من ق�ضايا الفن واملر�أة؛ و�أخري ًا يتناول ك ٌّل من توما�س �ستيفين�سون وعبدالكرمي العوج طبيعة العالقة بني لعبة كرة القدم و�سيا�سة الهوية يف اليمن .ال�صفحات 67 - 44 تفاعالت اليمن والعامل يف 60يوماً� :شهرا �أيار/مايو وحزيران/يونيو .2010ال�صفحات
73 - 68
عني على اليمن:يبني �أحمد يو�سف �أحمد كيف �أن الوحدة اليمنية باتت حما�صرة مبثلث خطري من التحديات ،ينبغي لليمنيني جتاوزه����ا للمحافظ����ة على منجزهم التاريخي ،لكن رغم الأزمات التي تع����اين منها البالد �إال �أن �إبراهيم البيوم���ي غامن يحاول عر�ض مالمح م�شرقة غري منظورة لوجه اليمن الآخر ،بينما يقدم جيفري كم���ب مقارب ��ة �أمريكية للتحديات الت ��ي تواجه اليم ��ن ،ويو�ضح وحيد عبد املجي���د طبيعة امل�أزق ال ��ذي يع ��اين منه الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما يف كل م ��ن اليمن وجوانتانامو ،ويتحدث عبدالعزي���ز العوي�ش���ق عن البع ��د اال�سرتاتيجي للأزمة اليمنية ،يف ح��ي�ن يتح�سر فهمي هويدي عل����ى اختفاء اليمن م ��ن �أولويات ال�سيا�سة اخلارجية امل�صرية الراهن ��ة ،و�أخري ًا يحاول ماتيو غيدي ��ر تو�ضيح الأ�سباب الت ��ي دفعت الفرع اليمن ��ي للقاعدة لإ�صدار جمل ��ة جهادية ناطقة با�سمه باللغة الإجنليزية .ال�صفحات 82 - 74
6
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
88
92
96
100
املراقب الإ�سرتاتيجي
يف ب�ؤرة االهتمام
جدل ال�سيا�سة واملقاومة: م�ستقبل حزب اهلل اللبناين يف بيئة متقلبة غ�سان العزي الردع املخملي� :إيران تدمج مفهوم «احلرب اللينة» يف خمططاتها اال�سرتاتيجية نعمة �أدخلان ملاذا ما تزال �إمكانية عقد �صفقة �أمريكية �إيرانية� ،أمراً م�ستبعداً بوزيدي يحيى �أ�صدقاء للأبد� :أمر العالقات الرتكية – الإ�سرائيلية وم�ستقبلها قد يتجاوز م�صلحة البلدين �سالم الرب�ضي نقطة حتول؟ :ق�ضية فل�سطني يف �ضوء �صعود الدورين الرتكي والإيراين ماجد كيايل
العامل االقت�صادي يف ديناميات التناف�س الإقليمي: ال�سعودية و�إيران وتركيا علي ح�سني باكري امل�ستقبل الغام�ض لل�صحافة الورقية حممد الكهايل م�سلمو �أوروبا �أو «الآخر» كما ينبغي �أن يكون علي �أحمد عمر العب�سي
املحــور طريق الإرهاب: 106 ملاذا ين�ضم ال�شباب �إىل تنظيم القاعدة؟ جون م« .مات» فينهو�س
جيوبوليتيك 124
126
رم�ضان: اجلغرافيا ال�سيا�سية لأهم العطل العاملية الأخرى ويل ن�صر جغرافيا مت�صدعة :انعكا�سات الفيدرالية الإثنية على التوجهات الإقليمية لإثيوبيا �أمرية حممد عبداحلليم
134
140 144
مدار الأفكار بال مواربة:مُ�ساءلة الإ�سالم ال�سيا�سي حوار مع ر�ضوان ال�سيد املائدة امل�ستديرة:مع�ضلة املعار�ضة ال�سيا�سية يف العامل العربي �سامل لبي�ض ،عمرو حمزاوي ،مراد ظافر ،في�صل جلول �سجال حول الدور الرتكي ع ّياد البطنيجي و�سقاف عمر ال�سقاف بالإ�ضافة �إىل �آراء التناغم الزائف والفحولة املنت�صرة حممد الدعمي �صدام الأوهام �أحمد عبدالكرمي �سيف
150 160
165
174 180
الفهر�ست
مراجعــات :تعرية الإمرباطورية هاريف ،وهاردت و نيغري /م� .س .ح طريق الإندماج ال�صعب حممد �سيف حيدر /عبدالغني املاوري بالإ�ضافة �إىل عرو�ض موجزة
184 188 191
�أفــق
عندما يلتقي العداء للعرب مع العداء للغرب رغيد ال�صلح العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
194
ا�سرتاتيجية
7
shebacss.com
نظرة على
�ألق نظرة على �إ�صداراتنا ي�صدر مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية �أربع �سال�سل درا�سات حمكمة باللغتني العربية واالجنليزية تعنى بال�ش�ؤون الإ�سرتاتيجية وال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية ،وتركز هذه ال�سال�سل ب�شكل �أ�سا�سي على اليمن ،وجمالها احليوي الذي ي�ضم الدول املطلة على البحر الأحمر ودول اخلليج (دول جمل�س التعاون اخلليجي ،و�إيران ،والعراق) ومنطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقيا ،والالعبني الدوليني الرئي�سيني .كما يندرج حتت هذا الت�صنيف
يف �أيامنا هذه �أ�صبح العاملان الواقعي واالفرتا�ضي متداخالن �إىل حد ال ميكن ف�صلهما عن بع�ضهما البع�ض .هذه احلقيقة جتعل ل�شبكة املعلومات الدولية (الإنرتنت) �سحر ًا وجاذبية ال تقاوم ،كونها �إحدى نوافذ �إ�شهار الذات ،الفردية �أو امل�ؤ�س�سية .ولهذا ،فقد �أولينا يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �أهمية فائقة للتوا�صل التفاعلي مع رواد العامل االفرتا�ضي ،و�إتاحة منتجاتنا الفكرية والتحليلية للجميع داخل اليمن وخارجه ،وباللغتني العربية والإجنليزية .وعو�ض ًا عن كونه يتيح لنا وللمهتمني بالعمل البحثي يف اليمن وخارجه ،التوا�صل والتفاعل البناء، ف�إننا نعمل دوم ًا على تطوير موقعنا الإلكرتوين بحيث يكون واجهة معربة عن ن�شاطاتنا الهادفة �إىل «رفد ال�سيا�سة باملعرفة» ،وبحيث يكون دوم ًا مفعم ًا باحليوية والتجديد� ،شك ًال وم�ضمون ًا.
اطّ لع على �أن�شطتنا وفعالياتنا احلالية وامل�ستقبلية
تعرَّف
على �أع�ضاء هيئتنا اال�ست�شارية
تت�شكل الهيئة اال�ست�شارية ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية من جمموعة �أكادمييني وخرباء معروفني ،وهي ال تعك�س خربات من خمتلف احلقول فح�سب بل �أي�ض ًا متثل تنوع ًا من الناحيتني اجلغرافية والثقافية .وللتعرف �أكرث على الأ�سماء املرموقة (الواردة يف العمود ي�سار ال�صفحة) ،والتي ت�ض ّمها قائمة الهيئة اال�ست�شارية للمركز و�سريها الذاتية ،وحقول تخ�ص�صاتها املعرفية والأكادمييةُ ،قم بزيارة الرابط التايلwww.shebacss.com/ar/advisors :
�شاركنا �آراءك حول �أهم التطورات اجلارية يف اليمن واملنطقة
يت�ضمن موقعنا على �صفحته الرئي�سية نافذة جانبية با�سم «ا�ستفتاء» ،وحتوي ا�ستطالع ر�أي حي وتفاعلي حول �أهم الق�ضايا وامل�ستجدات على ال�ساحة اليمنية والإقليمية .والهدف هو �إتاحة الفر�صة ملت�صفحي موقعنا وزواره للإدالء ب�آرائهم ووجهات نظرهم حول ق�ضايا خمتلفة بكل �شفافية .ولعل من املفيد التذكري ب�أن هذه اال�ستطالعات تتغري ب�شكل دوري وفق تطورات الأو�ضاع ،بحيث تغطي تباع ًا �أبرز الق�ضايا املطروحة واملثرية للجدل.
تابـع �آخر م�ستجدات الأو�ضاع يف اليمن واملنطقة �أو ً ال ب�أول عرب بوابة «املركز الإعالمي» بغر�ض تزويد مت�صفحي وم�شرتكي املوقع الإلكرتوين للمركز بكل امل�ستجدات اخلربية والإعالمية ،مت تخ�صي�ص هذه النافذة (التي تكاد تكون موقع ًا م�ستق ًال بذاته) ملتابعة �آخر الأخبار يف ال�صحافة وو�سائل الإعالم �أو ًال ب�أول ،وعر�ضها على املوقع على مدار ال�ساعة باللغتني العربية والإجنليزية كما وردت من م�صادرها .وغايتنا هي متكني مرتادي املوقع من معاي�شة احلدث ومتابعة تطوراته خالل خمتلف مراحله ،ومن ر�ؤى ومنطلقات متعددة .ويجري اختيار الأخبار والتقارير بعناية وحرفية من م�صادر متعددة �ضمن �آلية للمتابعة اليومية لكل من :وكاالت الأنباء العربية والعاملية� ،أهم ال�صحف العربية والأجنبية ،مواقع �إخبارية متخ�ص�صة ،وغريها من امل�صادر. للإطالع على حمتويات املركز الإعالمي املتجددةُ ،قم بزيارة الرابط التايلwww.shebacss.com/ar/news : 8
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
يتيح موقع املركز لزواره ومت�صفحيه جملة «مدارات ا�سرتاتيجية» مع �إمكانية حتميلها جمان ًا� ،سواء ب�شكل مفرد (�أي كل مقال على حدة)� ،أو تنزيل �أعداد املجلة كاملة.
�سال�سل الدرا�سات
shebacss.com
يوفر املوقع الإلكرتوين ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية لزواره وللمهتمني بن�شاطاته وفعالياته ،نافذة متخ�ص�صة مبتابعة و�إبراز الفعاليات والأن�شطة التي ينظمها املركز �أو ينوي تنظيمها م�ستقب ًال وفق خطته البحثية .وت�شمل هذه الأن�شطة والفعاليات :امل�ؤمترات الإقليمية والدولية، بالإ�ضافة �إىل الندوات وور�ش العمل وحلقات النقا�ش واالجتماعات املختلفة والتي ينظم بع�ضها بالتعاون مع �أبرز مراكز الأبحاث العربية والعاملية ،ناهيك عن املحا�ضرات العامة التي يلقيها خرباء مينيني وعرب و�أجانب يف �شتى املجاالت والتخ�ص�صات.
مدارات ا�سرتاتيجية
الهيئة اال�ست�شارية �أنو�ش �إحت�شامي (�إيران/بريطانيا) �إبراهيم �سيف (الأردن) �إن�صاف عبده قا�سم مر�شد (اليمن) باقر النجار (البحرين) بول �آرت�س (هولندا) جرد نونيمان (اململكة املتحدة) ِ جالل فقرية (اليمن) ح�سني علي حممد (ال�صومال) خلدون النقيب (الكويت) ر�ضوان ال�سيد (لبنان) (عمان) �سامل بن تبوك ُ �شوكت �أ�شتي (لبنان) عبد الغفار فرح (ال�صومال) عبداخلالق عبداهلل (الإمارات) عمرو حمزاوي (م�صر) فائزة بن حديد (اجلزائر) لبنى امل�سيبلي (اليمن) مارينا �أوتاوي (الواليات املتحدة) حمجوب الزويري (الأردن) حممد �أحمد الزعبي (�سورية�/أملانيا) حممد الأفندي (اليمن) حممد احلاوري (اليمن) حممد �صالح قرعه (اليمن) حممد عبد ال�سالم (م�صر) حممد الرميحي (الكويت) ملحم �شا�ؤول (لبنان)
�سل�سلتني �أخريني، هما� :سل�سلة �أوراق بحثية، وهي �سل�سلة �أوراق غري دورية وغري حمكمة ،تتناول بالتحليل والتقومي ق�ضايا ال�ساعة ذات الطابع الهام ،مبا من �ش�أنه تقدمي ر�ؤية �أو�سع ل�صناع القرار واملهتمني من الأكادمييني والباحثني .وكذلك �سل�سلة ر�سائل جامعية ،التي تهتم بن�شر ر�سائل املاج�ستري و�أطروحات الدكتورة اجلامعية املتميزة يف
حتليالت �سيا�سية
املجاالت التي تقع �ضمن اهتمامات املركز ،بهدف خلق تراكم علمي ومعريف لدى املخت�صني واملهتمني بهذه املجاالت ،و�إتاحة الفر�صة ل�صناع القرار والنخب العلمية والثقافية يف املجتمع لال�ستفادة من نتائجها.
تت�ضمن هذه النافذة حتليالت مكثفة يقدمها باحثو املركز حول حدث �سيا�سي حايل الفت �أو ق�ضية جديرة باالنتباه ،ومن املحتمل �أن يكون لها ت�ضمينات �إ�سرتاتيجية على املديني القريب �أو البعيد.
الكــتــب
توفر هذه النافذة �إطاللة عامة على الكتب التي ين�شرها مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية� ،سواء باللغة العربية �أو الإجنليزية ،يف املجاالت املختلفة ال�سيا�سية والإ�سرتاتيجية واالقت�صادية واالجتماعية .وبع�ض هذه الكتب متاح بالكامل للتنزيل املجاين.
خمتارات من جديد موقعنا
�أخبار وحتليالت ووجهات نظر
■ ت�صفّح النافذة اخلا�صة وامل�سماة «مر�آة الإرهاب» ،املُك ّر�سة ملتابعة تطورات ■ هل ي�ضخّ م امل�سئولون الأمريكيون خطر تنظيم القاعدة يف اليمن، وملاذا؟ هذا ما يحاول تو�ضيحه الباحث يف وحدة الدرا�سات اال�سرتاتيجية ظاهرة الإرهاب حملي ًا و�إقليمي ًا وعاملي ًا� ،أو ًال ب�أول ،حيث جتد �آخر الأخبار
والتقارير والتحليالت والدرا�سات (نافذة متخ�ص�صة على «واجهة ال�صفحة الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية والإجنليزية).
■ ّاطلع على كل ما تود �أن تعرفه عن «امل�ؤمتر الوطني لإدارة وتنمية املوارد املائية يف اليمن» ،الذي ّ ينظمه مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية انعقاده يف الفرتة 28 - 26ت�شرين الأول�/أكتوبر 2010
ب�صنعاء ،واملقرر (نافذة متخ�ص�صة على «واجهة ال�صفحة الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية والإجنليزية).
■ كيف �أثرت الأزمة املالية العاملية يف اقت�صادات الدول اخلليجية ،على
املديني القريب والبعيد؟ درا�سة ت�ستق�صي االنعكا�سات والآفاق امل�ستقبلية �أعدها الباحث علي ح�سني باكري ،و�صدرت م�ؤخر ًا يف �سل�سلة درا�سات اقت�صادية (متاحة يف �صفحة :املطبوعات�/سال�سل الدرا�سات/ �سل�سلة درا�سات اقت�صادية).
ت�صويت تفاعلي
عاي�ش علي عوا�س (حتليل متوفر يف نافذة «حتليالت �سيا�سية»).
■ اقر�أ �أحدث �إ�صداراتنا �ضمن �سل�سلة �أوراق بحثية ،درا�سة بعنوان «امل�شكلة الإثنية و�أثرها يف قوة الدولة :مقاربة نظرية عامة» ،للباحثني حممد �سيف ج�سار (درا�سة متوفرة يف �صفحة :املطبوعات�/سال�سل حيدر وعلي عبداهلل ّ الدرا�سات�/سل�سلة �أوراق بحثية).
■ ما طبيعة اجلهود التي قامت بها احلكومة اليمنية �إزاء ظاهرة حمل الأ�سلحة يف اليمن ،واحلد من انت�شارها يف الو�سط املجتمعي .درا�سة
تتناول الدوافع وال�سيا�سات واملعوقات� ،أعدها الباحث يف وحدة الدرا�سات اال�سرتاتيجية عاي�ش علي عوا�س ،و�صدرت م�ؤخر ًا يف �سل�سلة درا�سات ا�سرتاتيجية (متاحة يف �صفحة :املطبوعات�/سال�سل الدرا�سات�/سل�سلة درا�سات ا�سرتاتيجية).
�شاركنا بر�أيك على shebacss.comبالت�صويت على �أحدث اال�ستفتاءات التفاعلية« :حتتوي �إ�سرتاتيجية �أمريكا جتاه املنطقة عمليات تفكيك و�إعادة تركيب معتمدة احلدود الإثنية واملذهبية والثقافية». العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
9
اليمن والعامل
رئي�س التحرير
�إفتتاحيـة
�سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أفكار
على حمك ال�سالم! انطلقت مفاو�ضات ال�سالم املبا�شرة يف وا�شنطن يوم الثاين من �أيلول�/سبتمرب 2010ب�ي�ن ال�سيد حممود عبا�س رئي�س ال�سلطة الوطني���ة الفل�سطينية يف رام اهلل ورئي�س ال���وزراء الإ�سرائيلي بنيامني نتنياهو ،والتي تهدف حلل كل الق�ضاي���ا العالق���ة خالل عام .وبد َال من التف���ا�ؤل ف�إن مفاو�ضات ال�سالم ه���ذه يعرتيها ق�صور التمثي���ل الفل�سطيني الوا�ضح ،فالرئي�س عبا�س يذهب للمفاو�ضات يف ظل معار�ضة معظم ف�صائل منظمة التحرير ،و�أكرث من ن�صف �أع�ضاء اللجنة املركزية حلركته احلاكمة ،ومعظم �أبناء ال�شعب الفل�سطيني يف ال�شتات ،ومع ذلك ال تثري هذه الإعرتا�ضات �أي اهتمام لدى ال�سلطة الفل�سطينية، وال لدى العرب الراعني للمفاو�ضات ،وال حتى للدولة الراعية لهذه املفاو�ضات والداعية لها. ومتثل ه���ذه املفاو�ضات ر�سم خطوط اول حتالف� ،أو جبهة عربي���ة �إ�سرائيلية ،برعاية �أمريكية، ملواجه���ة اخلطر اجلديد ،ال���ذي هو اخلطر االيراين -ال�س���وري وملحقاته .وقي���ام هذا التحالف اال�سرتاتيجي يتطلب تقدمي تنازالت للطرف الإ�سرائيلي الذي �سيكون ر�أ�س احلربة ،يف �أي هجوم (مع �إ�ستبعادنا لذلك) لتدمري املن�ش�آت النووية االيرانية .وهذه املغريات قد تتمثل يف فر�ض �صيغة ت�سوي���ة مبوا�صفات �إ�سرائيلية .فنتنياهو فر�ض �شروطه مبباركة �أمريكية بعدم متديد فرتة جتميد البن���اء يف امل�ستوطن���ات التي تنتهي يف 26م���ن �أيلول�/سبتمرب من العام اجل���اري ،والت�صريح ب�أن القد����س املحتل���ة �ستظل عا�صمة موح���دة لدولة �إ�سرائيل م���ع الت�أكيد على يهودي���ة دولة �إ�سرائيل، فعالم يبق التفاو�ض بعدئذ؟ اجلميع خائف من ف�شل هذه املفاو�ضات ،وخائف �أي�ض ًا من جناحها يف الوقت نف�سه ،لأن ال�شعب الفل�سطين���ي �سيدفع ثمن��� ًا باهظ ًا يف احلال�ي�ن ،ودون �أن ميلك القدرات �أو الدع���م العربي اللذين ميكن �أن يمُ كّناه من تقلي�ص اخل�سائر �إذا مل ي�ستطع منعها .واحتماالت الف�شل كبرية ،لي�س ب�سبب �صالب���ة املوق���ف الفل�سطيني ،بقدر ما هو �صالب���ة وتعنّت مواقف نتنياهو ،ورغ���م ذلك ال ن�ستبعد حدوث ‘مفاج�آت’. وب���وادر الف�ش���ل متمثل���ة يف حالة غليان الأرا�ض���ي املحتلة يف ظل اال�ستيط���ان واحلواجز والقمع، وتف���رّد ال�سلط���ة الفل�سطينية يف الق���رار دون �أي مرجعيات �أو م�ؤ�س�سات وطني���ة ،وحالة االنق�سام الراهن���ة بني مع�سكر مفاو�ض ،و�آخر مقاوم ،وا�ستمرار الإحت�ل�ال للأر�ض ،و�أخري ًا قدرة املقاومة ورجالها على اخرتاق هذا التن�سيق والو�صول اىل �أهدافهم التي يريدون متى �شاءوا. و�أم�ي�ركا ال ت�ستطي���ع فر����ض ت�سوية �أو متثي���ل على ال�شع���ب الفل�سطيني ،مهم���ا امتلكت من املال و�أ�سباب القوة ،يف الوقت الذي تن�سحب مهزومة ومثخنة بجراح الف�شل يف العراق ويف �أفغان�ستان. فالطائ���رات وال�صواري���خ والتكنولوجي���ا الع�سكرية احلديثة تنه���زم �أم���ام �إرادات ال�شعوب �إذا ما �أ�صرّت على املقاومة والتم�سّ ك بحقها باال�ستقالل وال�سيادة احلقيقيني. photo: Mo. Kohali
10
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
�أحمد عبدالكرمي �سيف
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر
2010
ا�سرتاتيجية
11
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
النظام واملحيط
حتوالت العالقة بني ال�سلطة واملجتمع فـي اليمن هاين املغل�س
hanymokhls@yahoo.com
ال ج���دال يف �أن اجلمهورية اليمنية �شهدت العديد من التحوالت على الكثري من الأ�صعدة ال�سيا�سية واالجتماعي���ة ،ولكن مع مالحظة التفاوت واالختالف يف م�ستوى ودرجة تلك التحوالت وت�أثريها يف تط���ور النظام ال�سيا�سي ،بحيث ميك���ن �أن نلحظ فرق ًا وا�ضح ًا بني التحوالت على امل�ستوى ال�سيا�سي وتلك التي حتدث على امل�ستوى االجتماعي؛ فالأوىل تبدو بطيئة ،و�شكالنية ،وغري ا�ستيعابية ،بينما تبدو الثانية (�أي التحوالت االجتماعية) قوية ومت�سارعة و�أكرث جذرية .وهنا ميكن ت�سجيل مالحظة �أولي���ة مفادها �أن التحوالت االجتماعية ه���ي �أكرث عمق ًا من تلك التي حتدث على امل�ستوى ال�سيا�سي بجانبيه القانوين والهيكلي ،وهذا ما يعر�ض النظام ال�سيا�سي اليمني لأزمات حادة وم�ستمرة. 12
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
هاين املغل�س باحث ميني يف العلوم ال�سيا�سية.
م���ن امله���م الإ�شارة �إىل �أنه خ�ل�ال �سنوات قليلة ن�ش����أ و�ضع خمتلف يف املحافظ���ات اجلنوبي���ة وال�شرقي���ة ،وخ�ل�ال �سن���وات قليل���ة �أي�ض ًا �أ�صب���ح احلوثيون ميثلون قوة اجتماعية فعلي���ة يف بع�ض املناطق ،كما ب���رزت حتالفات قبلي���ة وا�سعة ،وتعزز دور القبيلة كم���ادة �أ�سا�سية يف ال�صراعات الع�سكرية ،وظهرت بع�ض العناوين املناطقية واملذهبية، وكل ذل���ك يعني �أن املجتم���ع يف �صدد �إعادة تقيي���م عالقته بال�سلطة وتطوي���ر خي���ارات اجتماعي���ة خ���ارج منظوم���ة العالق���ات ال�سلطوية الر�سمية. لك���ن امل�شكلة تكمن يف �أن عملي���ة �إعادة التقييم تلك تخ�ضع لبواعث و�أه���داف خمتلف���ة ،فالبع����ض ال ي�ت�ردد يف الرتوي���ج له���دف “دول���ة انف�صالي���ة” ،والبع����ض يتح���رك بوع���ي �سالطيني وقبل���ي ،و�آخرون يحاولون احلفاظ على مواقع نفوذ فعلية على هام�ش الوجود القانوين للدول���ة ،ويف و�س���ط كل ذلك تبدو احلركة املطلبي���ة هي الأ�ضعف و�إن تو�س���ل البع�ض بها لتحقيق غايات قد تت�صادم معها من حيث الأ�صل. وبتقديرن���ا ف����إن م���ا جعل احلرك���ة املطلبية ه���ي احللق���ة الأ�ضعف- بالإ�ضاف���ة �إىل �أ�سب���اب �أخرى بالطب���ع -هو التعام���ل الر�سمي معها، حي���ث عادة ما يج���ري التعامل م���ع �أي حركة مطلبي���ة بالتفتي�ش عن جغرافيته���ا و�أ�سا�سه���ا املناطقي �أو رديفها القبل���ي ،ليجري بعد ذلك تفكيكه���ا �أو قتل مطالبها باالعتم���اد على ذلك الأ�سا�س �أو بت�صويرها على �أنها �صاحبة موقف ولي�س مطلب ،لذلك ف�إن التعامل مع املطالب االجتماعي���ة بو�صفه���ا تعب�ي�ر عن قوى كامن���ة ميك���ن �أن تنق�ض على ال�سلط���ة ولي����س مظهر ًا لتح���والت عميقة يف الق���اع االجتماعي هو ما يح���ول دون بروز حركة مطلبي���ة جماهريية ميك���ن �أن تلغي العناوين املناطقية واالنف�صالية. ه���ذه النقط���ة� ،أي التعامل مع احل���ركات املطلبي���ة بو�صفها خطر ًا �سيا�سياً ،جتد �صداها يف �أ�سلوب �إدارة ال�صراعات ال�سيا�سية من قبل ال�سلط���ة يف اليمن ،بحيث يبدو �أن “ َق ْب َيل���ة” ال�صراع وحتويل جمراه م���ن �صراع �سيا�سي م���دين تت�صدره مطالب جماهريي���ة� ،إىل �سل�سلة م���ن ال�صراع���ات الأولية هو �أم���ر يتوافق مع خربة ال�سلط���ة يف �إدارة ال�صراعات ،ومع ت�صورها ب�أن احلل���ول “االجتماعية/العرفية” هي �أف�ض���ل مبعيار امل�صلحة الآنية من احلل���ول ال�سيا�سية التي قد تكلفها القي���ام ببع����ض اال�ستحقاق���ات .وهكذا ميك���ن �أن ننظ���ر �إىل جتربة “احلوار الوطني”� ،إذ يظهر ميل ال�سلطة �إىل تقطيع وجتزئة احلوار، فتحاور احلوثيني على حده ،وال متانع يف حماورة بع�ض قوى احلراك اجلنوب���ي ،وحت���اور بع�ض القي���ادات املعار�ضة يف اخل���ارج عن طريق و�سط���اء ،وحت���اور �أحزاب اللق���اء امل�ش�ت�رك ،لأنها تعتق���د �أن احلوار الوطني ال�شامل �سيكلفها الكثري �سيا�سياً ،هذا دون �أن نعفي الأطراف الأخرى من م�سئولياتها التي ال تقل �أهمية يف هذا الإطار.
عن���د بح���ث حقيق���ة طبيع��ة التح��والت التح���والت يف عالقة ال�سلطة باملجتمع ،ينبغ���ي تقدمي قراءة �سيا�سية مل���ا يدور من �أحداث ،فالتح���والت �سواء يف عالقة ال�سلطة بالقبيلة �أم بالتكوين���ات االجتماعية الأخرى وما يرافقها من عنف ومن انت�شار لـ “جرثومة التمرد”(� )1ضد بع�ض مظاهر ورموز ال�سلطة هي تعبريات اجتماعي���ة عن م�شكلة �سيا�سية (م�شكلة ال�سلطة)� ،سواء يف تركيبتها �أو وظائفها. �إن املجتم���ع بحك���م الأمية والعادات ميك���ن �أن يخفق يف التعبري عن حاجات���ه بطريق���ة عقالنية ،لذلك ف����إن عبء ا�ستخال����ص امل�ضمون ال�سيا�س���ي للتعب�ي�رات االجتماعية غ�ي�ر العقالنية يقع عل���ى ال�سلطة والنخ���ب املثقف���ة ،فوجود جهة متار����س االختطاف – وه���و �أمر غري م�ب�رر يف كل الأح���وال -ال ي�س��� ِوّغ الرتكي���ز عل���ى جزئي���ة االختطاف وجتاهل الداللة ال�سيا�سية لذلك الفعل ،وعندما يتكرر االختطاف يف �أك�ث�ر من مكان ف����إن الداللة ال�سيا�سية للحدث تك���ون �أو�سع� ،إذ ت�شري �إىل وج���ود خلل عميق يف الإدارة وال�سيا�سة معاً ،وال�سلطة التي تذهب وراء جزئي���ة االختطاف وتتجاهل امل�شكالت الت���ي يعرب عنها تخطئ يف ذل���ك ،كما �إنها عندما حتاول احتواء تلك الظاهرة اجتماعي ًا عرب ترتيبات تقع خارج منطق الدولة (كالفدية والتحكيم العريف وغريها) ولي����س �سيا�سي ًا (عرب �إيج���اد �إ�صالحات �شاملة) تخط���ئ �أي�ضاً .هذا جم���رد مثال يو�ضح �أهمية القراءة ال�سيا�سية للحدث االجتماعي بكل �أ�شكاله. م���ن جهة �أخرى ،ف����إن القبيل���ة التي متار����س االختط���اف �أو تفجّ ر �أنابي���ب النفط كو�سيل���ة لالحتجاج �أو حتقيق بع����ض املطالب ،هي يف حقيق���ة الأمر تطالب ب�سي���ادة القانون وبالعدال���ة التنموية ،وبالتايل فه���ي بذلك الفعل ت�ضع نف�سها يف قل���ب املمار�سة ال�سيا�سية دون وعي منها بذل���ك ،والك�شف عن امل�ضم���ون ال�سيا�سي ملثل تل���ك الأفعال قد يهيئ القبيلة �إىل نوع من املمار�سة املدنية ت�صبح فيه رافد ًا يف معركة البناء والدميقراطية. به���ذه الكيفية ميك���ن �أن نقدم قامو�س ًا �سيا�سي��� ًا يعرب عن امل�شكالت القائم���ة يف اليم���ن بو�صفها م�ش���كالت عدالة ،وم�س���اواة ،وم�شاركة، وتنمية ،و�سيادة ،وتداول ،يكون بدي ًال عن اللغة اال�ستنزافية املتداولة (انف�ص���ال ،فتنة ،مت���رد� ،صراع قبلي) ،والت���ي �أخفقت يف ت�شخي�ص م�ش���كالت البالد ،ناهيك عن �أن تقدم لها حلوالً ،و�أنتجت عو�ض ًا عن ذل���ك �شعارات وح���االت ع�صبوية تذهب بال�صراع بعي���د ًا عن م�ساره ال�سيا�س���ي كلجان الدفاع ال�شعبي عن الوحدة ،وجي�ش الدفاع ال�شعبي يف حرب �صعدة ،و�شعار “اليمن �أوالً” الذي ينبئ عن نقل الأزمات من امل�ست���وى ال�سيا�سي �إىل م�ستوى “عق���دي” تتقاطع فيه دوائر االنتماء والهوية والثقافة يف بلد ال يحتاج بحكم جتان�سه العقدي والعرقي �إىل العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
13
اليمن والعامل
حتليالت
�إدارة معارك من هذا النوع. يف هذا الإطار ،ميك���ن �أن نعر�ض لأهم التحوالت يف عالقة ال�سلطة باملجتمع بالرتكيز على ثالثة م�ستويات هي: التح��ول يف عالقة القبيل��ة بال�سلطة :فالقبيل���ة و�إن ظلت حمتفظة ب�أدواره���ا االجتماعية وال�سيا�سية طوال ف�ت�رة الوحدة� ،إال �أنها كانت ق���د تعر�ضت يف فرتات متفاوتة لبع����ض االخرتاقات املدنية ،كما �أنها يف مناط���ق �أخرى كانت قد تراجع���ت بو�صفها بنا ًء هرياركي ًا يفرت�ض تراتبي���ة معين���ة لل�سلطة االجتماعي���ة يف الإطار املحل���ي ،لكن القبيلة تع���ود اليوم �إىل �ساحة الأح���داث بوعيها اخلا����ص لتتحرك يف حدود م�صاحلها املبا�شرة. من املهم التذكري يف هذا اخل�صو�ص �أن وجود القبيلة كقوة �سيا�سية كان �سبب��� ًا رئي�س��� ًا يف جن���اح ث���ورة � 26سبتم�ب�ر ،1962و�أن التقائه���ا باجلناح املدين ممث�ل�اً بالنعمان والزبريي يف �إط���ار الكفاح الوطني كان �ضمان���ة لنج���اح الثورة ،قب���ل �أن ترت���د القبيل���ة يف 1967لتلتهم الدول���ة بوعيه���ا اخلا����ص .ما يح���دث الآن ه���و �أن القبيل���ة ال تت�صور لنف�سها دور ًا يف �إحداث التغيري ال�سيا�سي على امل�ستوى الوطني ،و�إنها ترف�ض االلتق���اء باجلناح املدين يف جهود م�شرتك���ة من �أجل الوحدة والدميقراطي���ة والتنمية ،وعندما يحدث ذلك يح���اول الوعي القبلي امل�شيخي م�ص���ادرة �أُطُ ر احلركة ،وحتديد دوائر الفاعلية يف �أي لقاء يتم حتت مظلة مدنية(.)2 ويف كل الأحوال ،ف�إن القبيلة تعيد بناء عالقتها بال�سلطة عن طريق االنكفاء على الذات والبحث عن حتالفات ع�شائرية �أو�سع� .إنها تتجه �إىل حت�ص�ي�ن نف�سه���ا م���ن “�ش���ر” ال�سلطة احلا�ص���ل �أو املتوق���ع ،و�إىل ابتزازه���ا �أي�ض ًا كلما �سنحت لها الفر�صة. التح��والت يف الوع��ي امل��دين :انطلقت طاملا �أن الوحدة مل منظمات املجتمع املدين بقوة وكثافة بعد تتحول �إىل م�شروع، حتقيق الوح���دة ،كما ظل���ت رقعة العمل والدميقراطية �إىل امل���دين يف ات�س���اع م���ع بع����ض التعرثات ممار�سة ،والتنمية والقيود ،وميكن �أن نلحظ اليوم هام�شية �إىل واقع حياتي، ف�إن من الطبيعي موق���ع املجتمع املدين بالن�سبة للكثري من الأح���داث ،ويعود ذلك لي����س �إىل �ضعف �أن حتدث حتوالت م�ؤ�س�سات املجتمع املدين فح�سب ،و�إمنا عك�سية جُت ّ�سد �أزمة �إىل �صعوب���ة العم���ل امل���دين يف اليم���ن امل�شروع الوحدوي الدميقراطي ال�سيم���ا عندم���ا يتقاط���ع م���ع �أولوي���ات التنموي يف اليمن ال�سلط���ة ،وه���ذا ما يجع���ل العمل املدين عم�ل�اً مكتبي��� ًا برتوكولي��� ًا لي����س له كبري �أث���ر يف احلي���اة االجتماعي���ة اليمنية ،وبالت���ايل ف����إن املجتمع املدين ي���زاح �إىل الهام�ش كلم���ا ت�صاعدت الأح���داث وزادت حدتها .كما �أن تطوير ال�سلطة لعالقاتها مع اخلارج (خا�صة الواليات املتحدة) جعل 14
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
منظم���ات املجتمع املدين ،خا�صة تلك املهتم���ة بحقوق الإن�سان والتي انطلق���ت كجزء م���ن ثقافة حقوق الإن�س���ان الدولي���ة� ،شبه حما�صرة مبنظمات ر�سمية هجينة تلعب دورها يف الداخل ،وبحالة دولية عامة جتعل امل�صلحة ولي�س حقوق الإن�سان يف �صدارة �أولوياتها. التح��ول الثال��ث ه��و يف املطال��ب االجتماعي��ة :وهو �شدي���د ال�صلة بالنقطة املثارة �سابق���اً ،فمن املالحظ �أن عامة املواطنني ال يطالبون اليوم بت�أمني �صحي �أو �ضمان اجتماعي �أو ما �شابه� .إن ذلك يعد ترف ًا بكل املقايي�س يف ظل الأو�ض���اع احلالية ،و�أغلب املطالب اجلماهريية ترتك���ز يف احل�ص���ول على الوظيف���ة ،واملدر�سة والطري���ق وامل�ست�شفى والعدالة اجلنائية ،وهي مطالب حيوية ُملِحّ ة ال تقبل الت�أجيل ،وعندما يتعلق الأمر بهذا الن���وع من املطالب ،تظهر الهوة عميقة بني املجتمع والنظام ال�سيا�سي (�سلطة ومعار�ضة) ب�صورة وا�ضحة؛ فالإخفاقات التنموي���ة املتكررة لل�سلطة تدفع املواطن �إىل �إعادة تقييم عالقته بها عل���ى امل�ستوى ال�شعوري -على الأق���ل -بحيث يظهر امليل �إىل التمرد عل���ى القانون ،وع���دم االكرتاث مب���ا تقوله ال�سلط���ة ،والإعرا�ض عن متابع���ة و�سائل �إعالمه���ا الر�سمية وغريه���ا من املظاه���ر ال�سلوكية، خا�ص���ة �إذا ارتب���ط ذلك بغياب ما يطلق علي���ه الدكتور برهان غليون “وطني���ة اخلدمات”( .)3كما تبدو الهوة عميق���ة �أي�ض ًا بني قطاعات وا�سع���ة من املجتمع وبني املعار�ض���ة ال�سيا�سية ،فاملعار�ضة مل تفلح يف تقدي���ر �أن تلك املطالب هي مطالب حيوية عاجلة بو�صفها مت�س قوت املواط���ن و�أمنه ال�شخ�ص���ي ،فتذهب من حوار �إىل ح���وار ،وميكن �أن تظ���ل حتاور ال�سلطة فرتة طويل���ة دون �أن حت�صل على �شيء له عالقة ب� �ـ “املطال���ب احليوية” ،والنتيجة ه���ي �أن ما يعت�ب�ره املواطن حيوي ًا وعاجالً ،تتعامل معه املعار�ضة بو�صفه ق�ضية قابلة للنقا�ش والت�أجيل وامل�ساومة. املالحظات ال�سابقة �أزمة امل�شاريع الثالثة تفت���ح الباب للحديث عن قيادة التحوالت االجتماعية ،وهنا ال يخرج احلديث عن �أمرين: الأول� :إما �أن تكون ال�سلطة هي القائدة لتلك التحوالت. الثاين� :أن تكون ال�سلطة مو�ضوع ًا للتحوالت وهدف ًا لها. تتحق���ق احلال���ة الأوىل حني يك���ون هناك م�ش���روع جمتمعي يلتقي حوله اجلميع ،وامل�شروع اجلامع (دول���ة الوحدة) تعر�ض النتكا�سات بفع���ل ع���دة عوامل �أهمه���ا ح���رب 1994الداخلية ،وبالت���ايل ف�إن ما يفرت�ض �أن يكون م�شروع ًا وطني ًا جامع ًا �أ�صبح حمل ت�سا�ؤل ،وال�سبب يف ذل���ك هو �إخف���اق النظام ال�سيا�سي يف حتوي���ل الوحدة من حقيقة جغرافي���ة و�شعوري���ة �إىل م�ش���روع للم�ساواة والكرام���ة الوطنية ،يتيح �إمكان���ات البناء واالنط�ل�اق نحو امل�ستقب���ل ،فالتوقف عند حلظة 22 ر�ضة للت�آكل ،رغم اعتقادنا �أن الأمور يف مايو جعل من تلك اللحظة عُ َ هذا اجلانب ميكن تداركها.
يف الواجهة:القبيلة تعود اليوم �إىل �ساحة الأحداث بوعيها اخلا�ص لتتحرك يف حدود م�صاحلها املبا�شرة امل�ش���روع الآخ���ر ه���و الدميقراطية ،وم���ن املعل���وم �أن الدميقراطية والوح���دة اقرتنتا م���ن حيث الن�ش����أة( ،)4وهذا الت�ل�ازم كان �إيجابي ًا لكن���ه حم���ل خي���ار الدميقراطية التوافقي���ة يف رحمه ،وه���و ما حدث بالفعل بعد �أول انتخابات برملانية عام 1993حيث ظهر التعار�ض بني منطقني :منطق “الدميقراطي���ة االنتخابية” الذي يتيح وفق ًا لنتائج �أول انتخابات �إزاحة احلزب اال�شرتاكي من ال�سلطة ،ومنطق الوحدة ال���ذي يق���ول �إن احل���زب اال�شرتاكي �شري���ك يف �إقامة دول���ة الوحدة و�أن جتاهل���ه �ضم���ن �أية ترتيبات �سلطوية �أم��� ٌر م�ضر بالوحدة ،لذلك فق���د كانت �أط���راف العملية ال�سيا�سية مدرك���ة لأهمية دخول احلزب اال�شرتاك���ي يف حكومة االئتالف ا�ستجاب���ة حلقائق ال�شراكة الوطنية ولي�س لنتائج االنتخابات احلرفية. بع���د حرب �صي���ف ،1994ونتيج���ة العتق���اد امل�ؤمتر ال�شعب���ي العام ب����أن احل���رب تتيح له طي اعتب���ارات مرحلة ما قب���ل احلرب ومتنحه م�شروعي���ة جدي���دة ،اجت���ه �إىل �إن�شاء حتال���ف ثنائ���ي كان من حيث ال�ش���كل ي�ستجيب لنتائج انتخاب���ات ،1993لكن���ه كان ي�ستجيب �أي�ض ًا لواقع ما بعد احلرب .ويف انتخابات 1997تخلى امل�ؤمتر ال�شعبي العام عن ال�شراكة يف ال�سلطة ،ليظهر مرة �أخرى ذات التناق�ض بني منطق الوحدة وبني منطق “الدميقراطية االنتخابية”. يف حقيق���ة الأم���ر فمنذ حتقق���ت الوحدة ظل ط���رف �سيا�سي واحد مهيم���ن على ال�سلطة دون �إمكانية حلدوث تداول حقيقي لها ،كما �أن
�أط���راف العمل ال�سيا�سي �أخفقت على مدى ع�شرين عام ًا يف التو�صل �إىل نظ���ام انتخاب���ي يحقق فر�ص��� ًا متكافئة للجمي���ع ،لذلك فقد ظل اجل���دل يتفجّ ر ح���ول قانون االنتخاب���ات واللجنة العلي���ا لالنتخابات قبي���ل كل انتخابات ،وهو م���ا يعني �أن م�ش���روع الدميقراطية اليمنية يعاين �أي�ض ًا من �أزمات حادة .يف هذا اخل�صو�ص ،ميكن الإ�شارة �إىل �أزم���ة امل�شاركة ،وهي الأزمة التي ال مبالغة يف القول �إنها متثل اجلذر ال�سيا�سي لأزمات اليمن املركبة. يف عام 1995قدم النائب امل�ستقل عبد احلبيب �سامل مقبل ا�ستقالته م���ن �أول برملان ميني منتخب بع���د �أن �أم�ضى فيه قرابة العامني ،وقد كان �أول برمل���اين يق���دم ا�ستقالته بع���د الوحدة .وخط���اب اال�ستقالة ال���ذي قدمه لهيئة رئا�س���ة جمل�س النواب �آن���ذاك يعك�س ماذا نق�صد باحلدي���ث عن �أزم���ة امل�شاركة .يق���ول عبد احلبيب �س���امل يف مقدمة خط���اب ا�ستقالته�« :إنني واحد من الذين انتخبهم اليمنيون كممثلني له���م فيم���ا ي�سمى �أعل���ى �سلطة لل�شعب وه���و جمل�س الن���واب ..و�إنني �أفخ���ر بالثقة الت���ي نلتها يف معرك���ة انتخاب���ات ني�سان�/أبريل ،1993 ال حقيقي ًا ملواطن���ي الدائرة 35 والت���ي خ�ضتها بعزمية �أن �أك���ون ممث ً مدين���ة تعز ..و�إذا ب���ي �أجد املجل�س الذي ميث���ل امل�ؤ�س�سة الأوىل لي�س �س���وى جمل�س ًا رديف ًا لأجهزة وم�ؤ�س�س���ات اال�ستبداد واال�ستعباد داخل الدولة ..ومل يك���ن �ضمريي ي�ستوعب العبودية والزيف �أطول من هذه الأ�شهر التي ق�ضيتها ممث ًال زور ًا ل�ستة ع�شر مليون مواطن ميني». العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
15
اليمن والعامل
حتليالت
يعك����س هذا اخلطاب �صدم���ة مبكرة مب�ش���روع دميقراطية الوحدة ملثق���ف وطني بارز ،فعبد احلبيب �سامل خلّ�ص يف كلمات قليلة امل�شهد الدميقراط���ي م���ن داخل ما يفرت����ض �أن يكون �أق���وى م�ؤ�س�ساته .كما �أنه ،وعلى خ�ل�اف �آخرين تركوا بعد ذلك جمل����س النواب لي�صبح���وا معار�ضني مُ�سلّح�ي�ن كح�سني ويحي���ى بدر الدين احلوث���ي ،وب�ص���ورة �أخ���ف �ص�ل�اح �شعار «اليمن �أو ًال» ال�شنفره ونا�صر اخلبجي ،ظل متم�سك ًا ينبئ عن نقل بخي���اره امل���دين يف الن�ض���ال ال�سلمي الأزمات من امل�ستوى دون البحث ع���ن حا�ضنة ع�شائرية �أو ال�سيا�سي �إىل م�ستوى واجهة مناطقي���ة� .إن ال�س�ؤال الالفت «عقدي» تتقاطع ال���ذي يحت���اج �إىل ق���راءة وت�أم���ل هو فيه دوائر االنتماء مل���اذا يتحول ع�ضو جمل����س نواب �إىل والهوية والثقافة يف معار�ض م�سلح؟ �أو يف �أح�سن الأحوال بلد ال يحتاج بحكم جتان�سه العقدي �إىل معار����ض يع���ي تناق�ضات العالقة ب�ي�ن املثقف وال�سيا�س���ي فيبتلع مرارة والعرقي �إىل �إدارة “الدميقراطي���ة”( ،)5وين�سح���ب من معارك من هذا النوع تفا�صي���ل م�شهده���ا الدرام���ي به���ذه العب���ارة املوحية�« :أرجو �أن ت�ساحموين عل���ى كل �إزعاج �سببته لكم ولدميقراطيتكم ..وال�سالم». امل�ش���روع الأخري ه���و “م�شروع التنمي���ة” ،وهذا امل�ش���روع ي�أتي من حقيق���ة �أن الوحدة لي�ست هدف ًا يف حد ذاته���ا ،فتحقيق الوحدة يعني تهيئ���ة املناخ لتحقيق عملية تنمية ما كان له���ا �أن تتم يف ظل ان�شطار اجلغرافي���ا والإمكان���ات والإرادات ،و�إال ف�إن الوح���دة ت�صبح م�ساحة للخ�ل�اف ولي�س حافز ًا للتنمية وه���ذا ما حدث بالفعل ،حيث “الفراغ التنموي” كان �سبب ًا �أ�سا�سي ًا فيما تعاين منه الوحدة من م�شكالت. احلالة الثانية :طاملا �أن الوحدة مل تتحول �إىل م�شروع ،والدميقراطية �إىل ممار�س���ة ،والتنمية �إىل واقع حياتي ،ف�إن من الطبيعي �أن حتدث حتوالت عك�سية تجُ �سّ د �أزمة امل�شروع الوحدوي الدميقراطي التنموي يف اليم���ن ،ويف هذه احلالة ف����إن ال�سلطة ال ت�أخذ و�ض���ع القائد لتلك التح���والت و�إمنا تكون مو�ضوع ًا وهدف ًا له���ا ،حيث يندفع املجتمع �إىل �إعادة تقيي���م عالقته بها على �أ�سا�س امل���دركات الثالث ال�سابقة و�إن بتعب�ي�رات تبدو يف ظاهرها غري عقالنية وغري ر�شيدة ،وعملية كتلك يف جمتمع يعاين من الأمية و�ضغط احلياة اليومية ال ت�أخذ بال�ضرورة طابع��� ًا مدني���اً ،كما �أن ع���دم اكتمال عملية حتدي���ث ومتدين ال�سلطة نف�سها يحكم على التعبريات االجتماعية �أن ت�أخذ �أ�شكا ًال خمتلفة قد تتقاط���ع بحكم الواقع مع الثقافة املدنية ال�سلمية التي ال تزال بطبيعة احلال م�شروع ًا حتت الت�أ�سي�س.
( )
مالحظــــات ( )1يقاب���ل تعب�ي�ر “جرثومة التمرد” م���ا يطلق علي���ه الدكتور خلدون النقي���ب يف كتاب���ه “الدولة الت�سلطي���ة يف امل�شرق العرب���ي :درا�سة بنائية مقارن���ة” ،و�صف “جرثوم���ة الت�سلط” ،لكن ما ن�شري �إلي���ه بهذا التعبري ال ي�ش�ي�ر بال�ض���رورة �إىل حمل ال�س�ل�اح �ضد الدولة كمظه���ر من مظاهر التمرد عليها ،فقد يك���ون من مظاهر ذلك :جتاهل حكم القانون ،وعدم اح�ت�رام امل�ؤ�س�سات ،وحتينّ الفر�ص لنهب املال العام ...الخ .بهذا املعنى ميكن �أن نعي���د قراءة عالقة املجتمع – والقبيلة حتديداً -بال�سلطة ،فما يع���د وال ًء قبلي ًا لل�سلطة يحمل يف جوهره �شك ًال م���ن �أ�شكال التمرد عليها �أو النف���ور منه���ا ،وحتت هذا التحليل تندرج كاف���ة ال�صفقات املالية التي جتريه���ا ال�سلطة مع القبيلة لأنها ال تقوم عل���ى حتريك الوالء الوطني يف القبيل���ة – وهو ما ال جدال حوله على الإطالق -و�إمنا على تهييج احل�س النفع���ي لدى بع�ض م�شائخه���ا .يف ذات ال�سياق ،ميكن �أن نلم�س حالة من املباين���ة يف قراءة احلدث االجتماعي �أو ال�سيا�سي بني ال�سلطة واملجتمع، فبينما ي�شارك املجتمع يف “االنتخابات” بو�صفها �أداة للتغيري اجلزئي �أو ال�شام���ل تنظر ال�سلطة لـ “نتائ���ج االنتخابات” كم�صدر �إ�ضايف لل�شرعية وتكري�س وجودها الفعلي. ( )2ت�أمل جتربة اللجنة التح�ضريية للحوار وحاالت اال�ستقالة اجلماعية لبع�ض رموز العمل ال�سيا�سي واملدين منها ،مع الأخذ يف االعتبار �أن ذلك ال يع���د نق�ض ًا لفك���رة التقاء اجلناح�ي�ن املدين والقبلي الت���ي ن�ؤكد عليها يف ه���ذه املقال���ة ،و�إمنا ي�ش�ي�ر �إىل �ضرورة جتاوز الوع���ي امل�شيخي يف �أي ا�صطفاف مدين ك�شرط لتحقيق �أهدافه على املدى البعيد. ( )3بره���ان غليون ،املحنة العربية :الدولة �ض���د الأمة (بريوت :مركز درا�سات الوحدة العربية ،ط� ،)1994 ،2ص.241 ( )4ه���ذا االقرتان يثري م�شكالت على �أكرث م���ن �صعيد .فوفق ًا للدكتور حمم���د جاب���ر الأن�ص���اري ف����إن بن���اء الدول���ة ينبغ���ي �أن يتق���دم م�شروع الدميقراطي���ة �إذ ال ميك���ن احلدي���ث ع���ن دميقراطي���ة دون �أن ي�سبقه���ا وج���ود الدول���ة “مكتملة النم���و” �أوالً .انظ���ر :حممد جاب���ر الأن�صاري، “الدميقراطي���ة ومعوق���ات التكوين ال�سيا�سي العرب���ي” ،يف :جمموعة م�ؤلف�ي�ن ،امل�س�أل���ة الدميقراطي���ة يف الوط���ن العرب���ي (ب�ي�روت :مرك���ز درا�س���ات الوح���دة العربي���ة���� ،)2000 ،ص .112مع ذل���ك ،ميكن افرت�ض �أن الدميقراطي���ة امل�ستوعب���ة حلقائ���ق وخ�صو�صي���ات الإط���ار الثق���ايف واالجتماع���ي ميك���ن �أن ت�ستخ���دم ك�أداة لبن���اء الدولة �أي بن���اء ال�شرعية وامل�ؤ�س�س���ات وال�سيا�سات ،ولي�س كم�شروع �سيا�سي للحك���م �أو �أداة لإدارة اخلالف���ات ال�سيا�سية كما يجري تعريفها يف بع�ض الأدبيات .والفرق بني الأمري���ن يبدو وا�ضح���اً ،فال�سلطة ترى يف الدميقراطي���ة م�شروع ًا تديره وحت���رك عنا�صره وفق حاجيات ومقت�ضيات حملي���ة و�إقليمية ودولية ،يف ح�ي�ن �أن الدميقراطية لي�ست م�شروع ًا لإدارة ال�سلطة و�إمنا لبناء الدولة، وهك���ذا فان ال�س�ؤال املُثار هو حول ما �إذا كان���ت الدميقراطية �أداة لبناء الدول���ة� ،أم و�سيل���ة لإدارة احلك���م فيه���ا� ،أو بني الدميقراطي���ة كم�شروع �سيا�سي �أم كخيار جمتمعي. (“ )5الدميقراطية كلمة ُمرّة” عنوان كتاب لعبد احلبيب �سامل ,يحوي �أهم مقاالته ال�صحفية.
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة درا�سات �إ�سرتاتيجية
جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل الأ�سلحة واحلد من انت�شارها
الدوافع ،ال�سيا�سات ،املعوقات عاي�ش على عوا�س
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
16
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
Relating Policy to Knowledge
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
17
اليمن والعامل حتليالت
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
التحديث امل�شوّ ه اخللفية االجتماعية ل�ضعف وعي الطبقة الو�سطى اليمنية بذاتها
�أحمد الق�صري
a_alkassir@yahoo.com
هن���اك م���ن الدالئل ما ي�شري �إىل �ضعف الدور االجتماعي للطبقة الو�سط���ى اليمنية .وتبدو ثقافتها �ضعيفة الت�أثري يف املجتمع .ويف نف����س الوق���ت ،ف�إن الثقافة ال�سائدة ال زالت تت�سم بطابع تقليدي لي�س ل���ه عالقة بثقافة البندر� .أي لي�س لها عالقة بثقافة احل�ضر التي تن�ش�أ مع ن�ش�أة الطبقة الو�سطى وال�شرائح والطبقات االجتماعية الأخرى التي ظهرت ارتباط ًا بالن�شاط االقت�صادي احلديث. �إنن���ا �أم���ام �إ�شكالية تقع على �أكرث م���ن م�ستوى .فمن جانب ،نحن �أمام م���ا ميكن ت�سميته ب�ضعف الثقل الن�سب���ي للطبقة الو�سطى وهام�شية ثقافتها يف املجتمع ،عالوة على �ضعف وعيها بذاتها .وباملقابل ،ت�سود على �سطح املجتمع ثقافة حمافظة و�أمناط �سلوك تقليدية ال تنتمي �إىل املجتمع احلديث. وف�ض�ل�اً ع���ن ذلك ،ف����إن الدرا�سات االجتماعية تبدو غائبة هي الأخ���رى ،وال تهتم كثري ًا بدرا�سة مثل ه���ذه الق�ضايا .ومن الأمور التي تدعو �إىل االنتباه �أن بع�ض الدرا�سات املعنية بالتاريخ االجتماعي لليمن تناولت احلركات االجتماعية لبع�ض طبقات املجتمع و�شرائح���ه االجتماعي���ة الأخرى بينما مل تظهر درا�سات مماثلة �أو كافي���ة عن الطبقة الو�سطى ،وعلى �سبيل املثال ظهرت درا�سات عن احلركة العمالية وحركة املر�أة وعن القبيلة ،بينما مل تنل الطبقة الو�سطى اهتمام ًا كافي ًا من جانب الباحثني. 18
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
�أحم���د الق�صري �أ�ست���اذ علم االجتماع ،وباح���ث م�صري متخ�ص����ص يف الدرا�سات اليمنية. واملقال يف الأ�صل ورقة عمل قدمت يف م�ؤمتر «اليمن :2010ال�سيا�سة واملجتمع» ،الذي نظمه مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية ،ب�صنعاء خالل الفرتة � 18 - 17أيار/مايو .2010
وثم���ة مالحظة �أخرى ،وهى �أن الأعم���ال الأدبية اليمنية تناولت بع�ض اجلماع���ات وال�شرائ���ح االجتماعية عالوة على ثقاف���ة تلك اجلماعات، ومل تظه���ر بينها الطبقة الو�سطى على نحو وا�ض���ح .وعلى �سبيل املثال، تناول���ت ع���دة �أعمال �أدبية من �شع���ر وق�صة العمال� ،س���واء كانوا داخل الب�ل�اد �أو يف املهجر ،كما تعر�ض���ت �إىل الريفيني ،و�إىل املر�أة خا�صة يف الريف بينما مل ن�شهد وجود ًا يذكر لأبناء الطبقة الو�سطى وثقافتهم يف تلك الأعمال.
الإ�شكالي��ة الت��ي �أمامن��ا ي����ؤدي غي���اب ال���دور الفعال للطبقة الو�سطى احل�ضرية� ،أي غري القبلية� ،إىل ت�أثريات �سلبية يف املجتمع .ف�إن غياب دور هذه الطبقة و�ضعف ت�أثريها يف ثقافة املجتمع و�سلوكيات���ه يعني غياب �أحد العنا�صر الأ�سا�سية التي جتمع بني كاف���ة �شرائح املجتم���ع وتوحِّ د بينها .وهو ما يعن���ي يف واقع الأمر �ضعف عوام���ل متا�سك الن�سي���ج االجتماع���ي ،وانتفاء �أحد العوام���ل الأ�سا�سية لالندم���اج الوطن���ي .فكلما ب���رزت الطبق���ة الو�سط���ى ،وازدادت فعالية دوره���ا االجتماعي ،تدعمت عوامل االندماج الوطني .والعك�س �صحيح؛ فكلم���ا غ���اب دور هذه الطبقة �أو ظ���ل هام�شياً؛ زادت وط����أة االنتماءات الفرعية ومن بينها االنتماءات املناطقية والطائفية والقبلية. وال تتوق���ف الإ�شكالية عند هذا احل���د .ففي الوقت الذي يبدو فيه دور الطبق���ة الو�سط���ى غائب��� ًا �أو هام�شي ًا تظه���ر على ال�سط���ح ،ويف مقدمة ال�صورة� ،أ�صوات تعرب عن اجلماعات التقليدية والقبلية ،وتروج ثقافتها الت���ي تت�سم بطابع حمافظ .و�سبق �أن ظهرت �آراء م�شابهة منذ �أكرث من ن�ص���ف قرن م�ضى .فقد و�صل الأمر ببع�ض ال�شخ�صيات التاريخية مثل القا�ضي حممد حممود الزبريي �إىل جعل القبيلة معادلة لل�شعب وبدي ًال له ولي�س جمرد �أحد مكوناته. �إن �ضع���ف الت�أثري االجتماع���ي للطبقة الو�سط���ى يف الأمناط الثقافية للمجتمع م�س�ألة حتتاج �إىل الدرا�سة والتحليل والتف�سري والفهم� .أي �أننا نحت���اج �أن نتعرف على العوامل التاريخي���ة االجتماعية التي جعلت هذه الطبقة تبدو �صامتة �أو غائبة وال جتهر بر�أي وا�ضح ،وك�أن ثقافة املجتمع و�سلوكيات���ه ال تعنيه���ا� .إننا �أمام ق�ضي���ة ال تتعلق بطبقة بق���در ما تتعلق ب�ضعف عوام���ل ا�ستقرار املجتمع وغياب بع����ض عوامل متا�سك الن�سيج االجتماعي. ينبغ���ي التنوي���ه ب�أنن���ا نتح���دث ع���ن الطبق���ة الو�سط���ى ذات الأ�صول احل�ضري���ة ولي�ست القبلي���ة .ف�إن �شرائح الطبق���ة الو�سطى التي ت�شكلت م���ن �أ�صول غري قبلية ال ت�صنع قوانينها اخلا�ص���ة .كما �أنها لي�ست حرة يف ذل���ك .ويب���دو الأم���ر وك�أنه���ا ال تعي دوره���ا يف املجتم���ع .فهي ،على �سبي���ل املث���ال ،ال تبذل جهد ًا عام��� ًا من �أجل ن�شر ثقافته���ا وال تدخل يف مع���ارك من �أجل ذل���ك .وتكتفي ب�أن متار�س جانب ًا م���ن هذه الثقافة يف حياته���ا اخلا�صة وح�س���ب� .أما يف احلياة العام���ة فتخ�ضع لثقافة ع�صر م���ا قبل الر�أ�سمالي���ة .وهو ما ي�شكل �إحدى نقائ����ص هذه الطبقة؛ «فهي تعي�ش يف ازدواجية تنعك�س �سماتها ونقائ�صها على املجتمع ب�أ�سره .هنا يكم���ن �أحد منابع االزدواجي���ة التي يعي�شها املجتم���ع اليمنى الآن .وهى
ازدواجية تن�سح���ب على �أمناط ال�سلوك والقي���م .ازدواجية تتج�سد فى نهاية املطاف يف وجود جمتمع�ي�ن ولي�س جمتمع ًا واحداً .جمتمع ر�سمي يظه���ر عل���ى ال�سطح ويت�س���م بالتزمت .وجمتمع �آخر غ�ي�ر ظاهر يقبل، وي�سم���ح ،ويبيح ما هو حمظور يف املجتمع الر�سم���ي .وبهذا يتم تكري�س �أحد �أ�شكال التحديث امل�شوّه»(.)1 ظه���رت ال�شرائ���ح الأوىل ملح��ة تاريخي��ة م���ن الطبقة الو�سطى اليمنية يف عدن من���ذ عقود طويلة .وكانت الغرفة التجاري���ة يف ع���دن قد ت�أ�س�ست ع���ام � ،1886أي منذ م���ا يزيد على مائة و�أربع���ة وع�شرين عام���اً .كما ظهرت بعد ذلك يف ع���دن �أي�ض ًا منظمات تع�ب�ر عن ال�شرائ���ح االجتماعية اجلديدة التي ارتبط���ت بنوعية جديدة من �أ�ش���كال الن�شاط االقت�صادي .وكان بينها منظم���ات �أهلية و�أحزاب �سيا�سي���ة .كم���ا ظهرت منظم���ات و�أح���زاب �أ�س�سه���ا �أ�شخا�ص من مين الإمام���ة� ،أي من �شمال اليمن .ومثال ذل���ك حركة الأحرار الد�ستوريني الت���ي ت�أ�س�ست عام 1944يف عدن بزعامة �أحمد حممد نعمان والقا�ضي حمم���د حممود الزب�ي�ري .وقد و�ضعت هذه احلرك���ة �ضمن مطالبها يف عام 1948مطلب ًا يعرب ع���ن ال�شرائح االجتماعية التجارية .فقد طالبت ب�ضرورة «الق�ض���اء على احتكار التجارة من قب���ل كبار املقربني للإمام لت�سويق �أو ا�سترياد املنتجات»(.)2
االحتاد اليمني تعبري عن مرحلة جديدة بع���د ف�شل حرك���ة � 1948أ�س�ست جمموعة التجار م���ن �أبناء ال�شمال يف ع���دن يف 12متوز/يولي���و « 1952االحتاد اليمني» كن���ادي اجتماعي(.)3 وكان���ت �سلطات االحتالل الربيطاين قد رف�ضت حماولة املجموعة التي �أ�س�س���ت هذا االحت���اد ت�أ�سي�س ح���زب با�سم «الرابط���ة اليمنية» يف عام .1951وينبغ���ي التنويه ب����أن امل�ؤرِّخ والباحث علي حمم���د عبده �أ�شار يف مق���ال ن�شره ع���ام � 1978إىل �أن «االحتاد اليمن���ي» ت�أ�س�س عام 1951و�أن «الرابط���ة اليمني���ة» ت�أ�س�ست عام .)4(1950وقد رف���ع «االحتاد اليمني» �سقف املطالب الت���ي طرحتها حركة .1948وكان ذلك تعبري ًا عن زيادة الثقل الن�سبي لل�شرائح التجارية ،وعن ظهور �شرائح اجتماعية جديدة. وعل���ى �سبيل املثال ،جاء يف د�ستور «مطال���ب ال�شعب» الذي �أعلنه �أحمد حمم���د نعمان وحممد حمم���ود الزبريي يف عام 1956م���ا يلي« :الدولة حتمي العمل وتن�شئ له ت�شريع ًا يت�ضمن املبادئ التالية: �أ� .أج���ور العمل تكون متنا�سب���ة مع الكمية والنوع ،وال يجوز �أن تقل عن احلد الأدنى يف الت�شريع. ب .حتديد �ساع���ات العمل يف الأ�سبوع ،ومنح العم���ال عطلة �أ�سبوعية و�سنوية ب�أجرة مدفوعة. ج .تعي�ي�ن مكاف����آت العائ�ل�ات ،و�ضم���ان حال���ة املر����ض وال�شيخوخة والإ�صابة جراء العمل. ()5 د .حرية ت�شكيل احتادات عمالية» . �أم���ا يف الوق���ت احلا�ضر ف����إن الدالئل ت�شري �إىل هام�شي���ة دور الطبقة الو�سط���ى وع���دم فاعليته���ا ب�ش����أن ق�ضايا التط���ور االجتماع���ي ،مع �أن العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
19
اليمن والعامل
حتليالت
م�شروعاتها االقت�صادية كانت يف املا�ضي حمدودة للغاية مقارنة بالو�ضع الراهن .فقد تو�سع ن�شاطها التجاري وال�صناعي يف الوقت الراهن على نح���و ال ميك���ن مقارنته باملا�ضي .وعالوة على ذل���ك ،امتد هذا الن�شاط �إىل بالد �أخرى عربية و�أجنبية.
�ضعف دور العمل الذهني واملهني ينبغي التنويه ب�أن ال�شرائح التجارية التي ظهرت يف عدن ،والتي �أ�شرنا �إليها �آنفاً ،قد تقل�ص���ت نتيجة الت�أميم بعد جناح ث���ورة � 14أكتوبر وحتقيق اال�ستقالل. كم���ا واجهت املجموعات التي انتقلت �إىل ال�شم���ال �أو�ضاع ًا تتناق�ض مع مقومات الن�ش���اط االقت�صادي احلديث .ومل ت�ستطع �أن تطور م�ؤ�س�سات مهني���ة تعرب عن وجودها وع���ن م�صاحلها .وبالتايل ،ميك���ن القول ب�أن ال�شرائح التجارية والر�أ�سمالي���ة التي ظهرت من انتماءات و�أ�صول غري قبلي���ة ات�س���م دورها العام بالطاب���ع الهام�شي بفعل ال�سي���اق االجتماعي الع���ام .كم���ا �أن ال�سي���اق االجتماع���ي الثق���ايف ال�سائ���د �أدى �إىل �ضعف العم���ل الذهن���ي واملهني عامة على الرغم م���ن �أهميته لتحديث املجتمع وتنميته. لذلك لي�س غريب ًا �أن يغيب الدور االجتماعي الفاعل للمهنيني والطبقة الو�سط���ى عامة يف ظ���ل �سياق اجتماعي غري موات .ولي����س غريب ًا �أي�ض ًا �أن يت���وارى دوره���م البنيوي الذي ميك���ن �أن ي����ؤدي �إىل �إحداث تغريات جوهري���ة يف املجتم���ع .وبالتايل ،ال تربز يف مقدمة ال�ص���ورة ،يف �أحيان كث�ي�رة� ،إال اجلماع���ات التقليدية وثقافة و�سلوكي���ات املجتمع التقليدي. وله���ذا مل تنت�شر م���ع الطبقة الو�سط���ى اليمنية �أمن���اط �سلوكية جديدة يقتدي بها اجلمهور .ومل يكن غريب ًا يف ظل مثل هذا الو�ضع «�أن يحتفي بع����ض �أبناء هذه الطبقة ذاتها ببع�ض �أمناط ال�سلوك التقليدي والقبلي مثل اجلنبية التي يتزينون بها يف املنا�سبات .ويحدث هذا بينما مل يكن التزي���ن باجلنبية ثقافة عامة �أو �شاملة لكل �أبناء اليمن ،بل كانت جزء ًا م���ن ثقافة �أقلية من ال�س���كان وح�سب .وي�شري ذلك �إىل �أن ثقافة الطبقة الو�سط���ى يف اليمن ترتك���ز على خلفية ه�شة»( .)6وال ج���دال يف �أن مثل ه���ذه الأو�ض���اع تعترب من �أ�سباب �ضع���ف دور النقاب���ات املهنية .كما �أن تقييد احلري���ات العامة قد �أ�سهم بدوره بل ،وال ي���زال ي�سهم ،يف ابتعاد هذه النقابات عن القيام ب�أدوارها.
بدايات التحديث يف ال�شطر ال�شمايل ب���د�أت هذه العملية بع���د ثورة � 26سبتمرب1962مبا�ش���رة ثم ت�صاعدت بع���د ذل���ك .ففي تلك الفرتة نزح���ت من عدن كف���اءات مهنية وعنا�صر م���ن البورجوازية التجارية� ،أي الطبق���ة الو�سطى� ،إىل ال�شطر ال�شمايل م���ن اليم���ن �سابقاً .وهي تنتمي يف الأ�سا����س �إىل حمافظة تعز .ومل تكن عملي���ات الت�أمي���م ه���ي العام���ل الأول وراء الن���زوح من ع���دن يف اجتاه ال�شم���ال .فقد بد�أت عملي���ة النزوح قبل ح���دوث الت�أميمات بفرتة .ويف واقع الأمر بد�أ هذا النزوح مبجرد قيام ثورة � 26سبتمرب� ،أي �أنه بد�أ قبل ثورة � 14أكتوبر وقبل ا�ستقالل اجلنوب .وكان الدافع الأول له هو ال�سعي �إىل �إقام���ة �أن�شطة اقت�صادي���ة بعد �سقوط نظام الإمامة .وفيما بعد قام 20
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ع���دد من التجار باالنتقال من عدن �إىل ال�شم���ال بعد �إجراء الت�أميمات و�إن�شاء القطاع العام وقيامه بعملية اال�سترياد.
توطن امل�شروعات يف مثلث تعز -احلديدة� -صنعاء
اجته���ت العنا�ص���ر البورجوازي���ة النازحة م���ن ع���دن مب�شروعاتها �إىل مثل���ث تع���ز -احلديدة � -صنع���اء .و�أ�صبح هذا املثل���ث املوطن الرئي�سي للم�شروع���ات احلديث���ة .وج�سّ ���دت ه���ذه امل�شروع���ات دعائ���م �أ�سا�سية يف حتدي���ث اليم���ن ال�شم���ايل �سابق ًا وما ح���دث فيه م���ن نه�ضة جتارية و�صناعي���ة .وقام بال���دور الأ�سا�سي يف �إقامة تل���ك امل�شروعات التجارية وال�صناعي���ة عدد لي����س بالقليل من ه�ؤالء العائدي���ن .لكن يربز يف هذا ال�ص���دد �أرب���ع جمموع���ات كبرية م���ن بينها ث�ل�اث كان له���ا ن�شاط ًا يف ع���دن .وهذه املجموعات الث�ل�اث هي جمموعة بيت هائ���ل �سعيد �أنعم، وجمموعة �إخوان ثابت ،وجمموعة �إخوان ردمان� .أما املجموعة الرابعة ف�صاحبه���ا هو �شاهر عبداحلق ،وكان مهاجر ًا يف كينيا .وكان �إىل جوار هذه املجموعات الأربع الكبرية عدد لي�س قلي ًال من �أ�صحاب امل�شروعات ال�صغرية �أو املتو�سطة.
�إن�شاء الفنادق �أحد مالمح التحديث
�س���وف ن�ش�ي�ر �إىل ن�ش�أة الفن���ادق يف �صنعاء كمثال لأح���د جوانب عملية التحدي���ث .فل���م تكن هناك فن���ادق يف مين الإمام���ة .ومل تعرف البالد �آنذاك �سوى ال�سما�سر .وكانت �صنعاء �أ�شبه بالقرية .وال توجد بها حياة عام���ة .وبعد ثورة � 26سبتمرب 1962مبا�شرة �أخذت الفنادق احلديثة يف الظه���ور �أ�سا�س ًا يف �صنعاء .وبد�أت ه���ذه العملية يف عام .1963و�شهدت الف�ت�رة 1969 - 1963ت�أ�سي�س �سبعة فن���ادق يف �صنعاء من بينها خم�سة ت�أ�س�س���ت خالل ال�سن���وات .1967 - 1963و�أقام ه���ذه الفنادق �أ�شخا�ص ينتم���ون جميع��� ًا �إىل حمافظة تعز ،وم���ن القادمني من ع���دن با�ستثناء �شخ�ص واحد كان مهاجر ًا يف كينيا. وكان �أول فن���دق ه���و «فن���دق �صنعاء» .وقد �أ�س�سه يف ع���ام 1963عبده عب���داهلل الدح���ان وعلي �أحمد �شع�ل�ان وحممد ها�ش���م ،و�أداره الدحان ال���ذي كان ه���و و�شعالن ميتل���كان فندق ًا يف كريرت يف ع���دن� .أي �أنه كان لهم���ا ن�شاطٌ فندقي من قبل .واحتل هذا الفندق مبنى من ثالث طوابق ب�ش���ارع جمال .وكانت �ساحت���ه الأمامية �أ�شبه مبلتق���ى �سيا�سي لل�شباب املنتمي حلركة القوميني الع���رب وحزب البعث وال�شيوعيني .كما �أ�صبح الفن���دق مق�صد ًا ملن ال يجدون مكان��� ًا عام ًا مبن فيهم الذين يقيمون يف دار ال�ضيافة. ويف � 1965أن�ش����أ حممد ها�ش���م «فندق ال�س�ل�ام» .ويف نف�س عام 1965 �أي�ض��� ًا �أن�ش����أ �شاه���ر عبداحلق ال���ذي كان مهاج���ر ًا يف كيني���ا فندق ًا يف «ق�ص���ر الب�شائر» با�س���م «فندق ق�صر احلرية» ،قب���ل �أن يقوم بعد ذلك بح���وايل عقدين ب�إقام���ة �أول فندق خم�س جنوم وهو فن���دق «تاج �سب�أ». ويف � 1966أن�ش����أ عل���ي �أحمد �شعالن «فندق املخ���ا» .وكان قد بد�أ يف بناء مبن���اه منذ عام .1963كم���ا �أن�ش�أ عبدالقوي عثم���ان «فندق نا�صر» عام 1967ث���م «فندق الزهراء» يف ،1968ثم «فن���دق ال�شرق» يف عام .1969
خارج اللعبة�:شرائح الطبقة الو�سطى التي ت�شكلت من �أ�صول غري قبلية ال ت�صنع قوانينها اخلا�صة ،كما �أنها لي�ست حرة يف ذلك ويف ال�ستيني���ات �أي�ض ًا �أن�ش�أ حممد عثمان ثاب���ت فندق الأخوة يف مدينة احلدي���دة �أوالً ،ثم يف تعز ،وبعد ذل���ك يف �صنعاء .ويف ال�سبعينيات �أن�ش�أ عبدالقوي عثمان �أي�ض ًا فندق ًا يف ق�صر «دار احلمد». �إن ه���ذه احلرك���ة الن�شط���ة يف بن���اء الفن���ادق �سابق���ة عل���ى ا�ستقالل اجلن���وب وعلى عملية الت�أميم .وهو ما يدعم القول ب�أن عملية التحديث يف ال�شم���ال مل ترتبط بالت�أميم الذي حدث يف اجلنوب .فقد بد�أت هذه العملية ومن بينها �إن�شاء الفنادق قبل حدوث الت�أميمات ب�سبع �سنوات.
عوام��ل �ضع��ف دور الطبق��ة الو�سطى توجد ع���دة عوامل ت�ؤثر يف املجتمع اليمني ،وال جتعله يتطور على نحو طبيعي. وال توف���ر حال���ة �شبه دائم���ة من اال�ستق���رار .كما ال تعم���ل على متا�سك �شرائحه االجتماعية .وهي عوامل تخلق منابع ًا ل�صراعات �شبه م�ستمرة بني جمموع���ات من امل�صالح والقيم والثقافات .وعالوة على ذلك ،ف�إن هذه العوامل حتد من دور الطبقة الو�سطى� ،سواء يف املجال االقت�صادي �أو املج���ال االجتماعي .وتعود ج���ذور بع�ض العوام���ل �إىل املا�ضي ،بينما نتج البع����ض الآخر بفعل تطورات حديثة .وكان���ت املح�صلة النهائية �أن املجتمع واجه عدة ظواهر �سلبية يعنينا منها هنا الظواهر التالية: .1عدم ت�شكل ثقافة جامعة لأبناء املجتمع ككل. � .2سيطرة ثقافة تقليدية حمافظة وقبلية. � .3ضعف دور الطبقة الو�سطى وعدم انت�شار ثقافتها. تع���ود �أ�سباب هذه الظواه���ر �إىل عوامل خمتلفة ح�سبم���ا �أ�شرنا �آنفاً. وم���ن بينه���ا عوامل موروثة من مراح���ل خمتلفة يف عه���د الإمامة بينما ترتبط بع�ض العوامل بنمط التحديث خالل العقود املا�ضية .كما ترتبط
بع����ض العوامل الأخرى بتطورات ج���رت يف كل من �شمال اليمن وجنوبه قبل الوحدة اليمنية عالوة على تطورات �أخرى متت بعدها. �سوف نتناول عوامل ترتبط بالعقود احلديثة �أو ًال العوامل املرتبطة بالعقود التاريخية احلديثة ،وبنمط التحديث بعد قيام ث���ورة �سبتمرب ،1962والتي �أ�سهمت يف وجود الظواهر امل�شار �إليها �آنفاً .ثم ننتقل بعد ذلك �إىل تناول العوامل املوروثة من عهد الإمامة. • بيئة غري مواتية للبورجوازية النا�شئة �إن املالب�سات التي �أحاط���ت بن�شاط العنا�صر البورجوازية يف ال�شمال كان له���ا ت�أثريات �سلبية يف منط التحدي���ث ،و�صبغته بطابع غري �صحي يعرقل التطور .وعلى �سبيل املثال ،ف�إن عنا�صر الطبقة الو�سطى الوافدة م���ن ع���دن �إىل �صنع���اء مار�ست ن�شاطه���ا يف مناخ حماف���ظ ال توجد به قواعد منظمة لذلك الن�شاط .فهي مل تن�ش�أ ن�ش�أة طبيعية بل انتقلت �إىل بيئ���ة اجتماعية حمافظة ،انتقلت �إىل جمتم���ع يخلو من �سمات احل�ضر �أو البندر ،وال تتف���ق قيمه و�سلوكياته مع القيم البورجوازية .و�شكّل هذا املجتم���ع ب�أمناط �سلوكه وثقافته املحافظة قيد ًا و�ضغوط ًا على �سلوكيات وقي���م �أبن���اء الطبقة الو�سط���ى الوافدين م���ن منطقة �أخ���رى من نف�س الوط���ن .لقد واجه الذين انتقلوا من بن���در عدن� ،أي من ح�ضر املدينة، �إىل جمتم���ع تقلي���دي حمافظ مغل���ق �ضغوط ًا وقي���ود ًا كان له���ا ت�أثريها ال�سلب���ي يف ثقافتهم احل�ضرية .وحدث ذلك الت�أثري ال�سلبي على الرغم م���ن الهزة العنيفة التي �أحدثتها ثورة � 26سبتمرب 1962يف ذلك املجتمع املحاف���ظ .لق���د عا�ش���ت العنا�صر البورجوازي���ة القادمة م���ن عدن �إىل جمتمع حمافظ وك�أنها يف غربة وغري قادرة على التعبري عن ذاتها� .إننا العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
21
اليمن والعامل
حتليالت
�أم���ام ق�ضية ال تتعلق بطبقة بقدر ما تتعلق ب�ضعف بع�ض عوامل متا�سك الن�سيج االجتماعي. عا����ش �أبناء احل�ضر من الطبقة الو�سطى واجلماعات املهنية املختلفة الت���ي جاءت من عدن غرب���اء بدرجة �أو �أخرى ع���ن الن�سيج االجتماعي ال�سائ���د ،على الرغم م���ن قيامهم بدور هام يف عملي���ة حتديث البالد. كما قام املهني���ون والفنيون منهم بت�شغيل بع����ض امل�ؤ�س�سات التي ن�ش�أت يف ال�شمال بعد ثورة �سبتمرب .1962عا�ش ه�ؤالء �شبه غرباء يف وطنهم. وع�ل�اوة على ذلك ،ف�إن ال�صراع���ات التي ن�شبت بعد الثورة بني امللكيني واجلمهوري�ي�ن وحماول���ة امللكيني �إع���ادة نظام الإمام���ة مل تخلق مناخ ًا مواتي ًا لعملية االن�صهار االجتماعي ،بل عرقلت هذا االن�صهار. ميكن القول �إن التجار الذين انتقلوا من عدن �إىل �صنعاء عا�شوا �شك ًال من االزدواجية .فقد ن�ش�أوا يف جمتمع ح�ضري ت�سري فيه املعامالت وفق قواعد و�ضوابط وله �سلوكيات ترتبط به .ومن جانب �آخر ،فر�ض عليهم املجتمع املحافظ الذي انتقلوا �إليه عدم اجلهر بتطلعاتهم ،وهي تطلعات تتعل���ق مب�صالح وطموحات و�سلوكي���ات ال�شرائ���ح االجتماعية التجارية الت���ي ينتمون �إليه���ا .وهكذا عجزت تلك ال�شرائح م���ن الطبقة الو�سطى عن التعبري ع���ن نف�سها وعن ثقافتها املرتبطة باملجتمع احل�ضري الذي
لي���س غريب ًا �أن يغيب ال��دور االجتماعي الفاعل للمهني�ين والطبقة الو�سطى عام��ة يف ظل �سياق اجتماع��ي غ�ير م��وات .ولي���س غريب�� ًا �أي�ض�� ًا �أن يتوارى دورهم البنيوي الذي ميكن �أن ي�ؤدي �إىل �إحداث تغريات جوهرية يف املجتمع ن�ش����أت في���ه يف بندر عدن .وبالت���ايل ،مل ت�شغل ثقاف���ة الطبقة الو�سطى �إال م�ساحة حمدودة و�سط ثقافة املجتمع التقليدي .لقد عجزت الطبقة الو�سط���ى يف واقع الأمر عن ن�شر ثقافتها على نطاق وا�سع .و�أ�سهم ذلك يف نهاية املطاف يف عدم ظهور فكر للطبقة الو�سطى على م�سرح احلياة العامة بجوانبها الفكرية والثقافية واالجتماعية. ب���دا الأمر يف نهاية املطاف وك�أن هذه الطبقة ال تعي ذاتها� ،أي ال تعي 22
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
وجوده���ا .ب���ل ون�سيت تاريخها .وق���د ر�أينا �آنف ًا �أن التج���ار كان لهم من ي رِّ ُع�ِّب� عنهم يف حرك���ة ،1948حيث جاء يف �أحد مطالبه���ا �إلغاء احتكار التج���ارة� ،أي �إلغ���اء �سيط���رة الإمام���ة على تل���ك التج���ارة .كما عبرّ ت ال�شرائح التجارية بعد ذلك عن نف�سها بو�ضوح �أكرث من خالل «االحتاد اليمن���ي» يف كل م���ن عدن والقاهرة .لقد �صبغت الأو�ض���اع ال�سلبية التي حتدثنا عنها الطبقة املتو�سط���ة وال تزال ت�صبغها ب�سمات جعلت دورها االجتماعي الثقايف غري فاعل حتى الآن. مل تقت�ص���ر عواق���ب تل���ك الأو�ض���اع على �إ�ضع���اف ال���دور االجتماعي للمهنيني والطبقة الو�سطى وح�سب ،بل �أ�سهم يف �إعاقة متا�سك الن�سيج االجتماعي ويف عرقلة ان�صهار كافة �أبناء املجتمع و�شرائحه االجتماعية يف بوتق���ة واح���دة تقوم عل���ى املواطن���ة ولي�س عل���ى االنتم���اء املناطقي �أو املذهب���ي �أو القبل���ي .وزاد م���ن وط�أة ه���ذه الأو�ضاع ع���دم اال�ستقرار والأزمات الدائمة التي واجهها املجتمع يف العقود املا�ضية. • دخول م�شايخ القبائل جماالت الن�شاط االقت�صادي احلديث تع���اين عملية التحدي���ث يف الوقت الراهن من دخ���ول م�شايخ القبائل جم���االت جديدة وحديثة للن�شاط االقت�ص���ادي .و�شكل هذا الأمر بدوره قي���ود ًا و�ضغوط��� ًا على الطبق���ة البورجوازي���ة التي ال تنتم���ي �إىل �أ�صول قبلي���ة .كم���ا �أنه يدف���ع ب�ش���كل �أو �آخ���ر �إىل �إ�ضعاف ال���دور االقت�صادي واالجتماع���ي لهذه الطبق���ة .فقد «بد�أ عدد من رم���وز القبائل� ،أي كبار م�شايخه���ا ،ي�شارك���ون يف ن�شاط���ات ر�أ�سمالية وا�ضح���ة ،وبوجه خا�ص، ضال عن الوكاالت يف جم���ال ال�ش���ركات الزراعية والتجارية والبن���وك ف� ً التجاري���ة»( .)7وي�ستند ه�ؤالء عادة يف �إدارة ذل���ك الن�شاط �إىل النفوذ القبل���ي �أكرث م���ن اال�ستن���اد �إىل القواع���د والقوانني احلديث���ة التي من املفرت�ض �أن تن�ش�أ من طبيعة ذلك الن�شاط وتتالءم معه .وبكلمات �أخرى نقول �إنهم ميار�سون ذلك الن�شاط اعتماد ًا على الوجاهة القبلية بدرجة �أو �أخرى .وي�شكل مثل هذا الو�ضع �ضغوط ًا على �أ�صحاب الأعمال الذين ال ينتمون �إىل �أ�صول قبلية ،والذين يعنيهم وجود قواعد منظمة لن�شاطهم االقت�ص���ادي .كما �أنه يحد من دخول بع����ض املواطنني من غري القبائل �إىل جم���االت اال�ستثمار ويجعلهم يخ�شون م���ن ا�ستخدام مدخراتهم يف �أن�شط���ة اقت�صادية حديثة .وكانت هذه الأو�ضاع من �أ�سباب تراجع عدد م���ن املغرتب�ي�ن يف ال�سعودية ودول اخلليج عن ا�ستخ���دام مدخراتهم يف م�شروعات داخل البالد يف ال�سنوات املا�ضية .لكن ينبغي �أن ن�شري �أي�ض ًا �إىل �أن عدم اال�ستقرار كان هو الآخر من بني الأ�سباب التي دفعت ه�ؤالء املغرتبني �إىل الرتاجع وعدم الإقدام على �إقامة م�شروعات ا�ستثمارية. • م�شاركة الطبقة الو�سطى يف ت�شويه التحديث �إن التحديث يتم هنا يف ظل ثقافة تقليدية غري حديثة ،ويف ظل ظروف حت���د من �إمكاني���ات ن�ش����أة منظمات حديث���ة يف املجتمع تواك���ب نوعية الن�ش���اط اجلديد .وعالوة على ذلك ،ف����إن �أ�صحاب ال�شركات يف جمال الن�شاط االقت�صادي احلدي���ث� ،سواء كانوا من العنا�صر القبلية �أو غري القبلي���ة ،يقفون مع��� ًا �ضد ن�ش�أة النقابات العمالي���ة يف �شركاتهم .وذلك على الرغم من �أن هذه النقابات من مكونات �أي جمتمع يوجد به نوعية
الن�ش���اط االقت�صادي احلديث ال���ذي ميار�سه امل�شاي���خ والبورجوازيون الذين ال ينتمون �إىل �أ�صول قبلية .وهو ما يعني �أنهم يقفون مع ًا بو�ضوح �ض���د ن�ش�أة بع����ض منظمات املجتمع املدين .وال ج���دال يف �أن و�ضع قيود عل���ى حرية ت�أ�سي�س النقابات العمالية �إمنا ه���و ،ب�شكل �أو �آخر ،انعكا�س لو�ض���ع عام ال يرتك حري���ة كافية ملنظمات املجتم���ع املدين مبا يف ذلك النقابات املهنية.
ت�أثريات املوروث هناك بع�ض العوامل املوروث���ة م���ن املا�ضي �أثرت وال تزال ت�ؤثر يف �سي���اق التطور االجتماعي. وترتب���ط هذه العوام���ل بالإمامة ذاتها وبع�ض مبادئه���ا وما �أوجدته من عدم ا�ستقرار .وميكننا �أن ن�شري �إىل �أربعة �أمثلة للموروث الذي له ت�أثريه يف جمريات تطور املجتمع وثقافته العامة وعدم ا�ستقراره .ويتمثل املثال الأول يف بع�ض الت�أث�ي�رات ال�سلبية وردود الفعل الناجتة عن ف�شل حركة .1948ويتمثل املثال الثاين يف عدم انف�صال فئة التجار يف عهد الإمامة يف الع�ص���ر احلديث انف�صا ًال كام ًال ع���ن البنية الإقطاعية القبلية .كما يرتب���ط الثالث باحل���روب الأهلية والقبلية التي �أف�ض���ت �إىل هدر بع�ض �إمكاني���ات التط���ور� .أما املث���ال الرابع فريتب���ط ببع�ض مب���ادئ الإمامة ذاته���ا وبالقبائل يف �آن واحد والعالقة بينهم���ا .وهي عالقة �أ�سهمت يف ع���دم اال�ستقرار ،ويف �إحداث انقط���اع يف عملية تراكم اخلربات املادية والب�شرية للمجتمع. • بع�ض ت�أثريات ف�شل انعك����س ف�شل حركة � 1948ضد الإمام يحي���ى على مواقف وفكر بع�ض �أب���رز قادته���ا مثل القا�ضي حمم���د حممود الزبريي ال���ذي �أخذ يخ�شى القبيل���ة وميجده���ا .وكان ذل���ك بع���د �أن قام���ت القبائل ب���دور انتقامي ونهب���ت مدين���ة �صنعاء ب�أمر من الإم���ام �أحمد الذي ت���وىل الإمامة بعد قي���ام رجال حركة 1948باغتيال والده الإمام يحيى حميد الدين .وبعد قيام الإمام �أحمد ب�إعدام معظم قادتها بطريقة وح�شية وقطع الرقاب، ح���اول الزبريي الت�صالح مع الإمام و�أ�صدر لهذا الغر�ض د�ستور «�آمالنا و�أمانينا». ويف �أعق���اب ث���ورة � 26سبتم�ب�ر 1962تخل���ى الزب�ي�ري ع���ن الربنامج ال���ذي �أعلنه مع �أحمد حممد نعم���ان يف القاهرة عام 1956يف «مطالب ال�شع���ب» .كما قام يف �أكرث من منا�سبة بتمجي���د القبيلة وجعلها املعادل لل�شع���ب .ويف رواي���ة «م�أ�ساة واق ال���واق» احتلت القبيل���ة مكانة حمورية يف تفك�ي�ر الزبريي وتوجهاته .وذلك عل���ى الرغم من اعرتافه مبختلف التق�سيم���ات القائمة والتي يعاين منها املجتم���ع .ومن بينها التق�سيمات املذهبي���ة وال�ساللي���ة العن�صرية .وق���د �أ�شار يف هذا ال�سي���اق �أي�ض ًا �إىل تق�سيم البالد وبالأح���رى «تقطيعها �إىل قبائل ومدنيني»( .)8ومع ذلك، ف����إن ت�ص���وره لنظام احلكم يتمثل يف جمل�س القبائ���ل مثلما كان الو�ضع يف ال���دول اليمنية القدمية� ،أي «يف �أيام معني وقتبان و�سب�أ وحمري»(.)9 وع�ل�اوة على ذلك ،وق���ف الزبريي يف �صف اجلمهوري�ي�ن املعتدلني ،بل طال���ب بت�سليح القبائل وهاجم الرئي�س عب���داهلل ال�سالل لرف�ضه ذلك. �إن ه���ذا التوجه للدع���وة للقبيلة ودعمها وجد فر�ص���ة للت�صاعد خا�صة حركة 1948
بع���د انقالب اخلام����س من ت�شري���ن الثاين/نوفمرب� 1967ض���د الرئي�س عبداهلل ال�سالل .وقد تدعم نفوذ القبيلة يف عهد القا�ضي عبدالرحمن الإرياين الذي تلى ذلك االنقالب ،بل وتداخلت مع �أجهزة الدولة .وكان ذل���ك على ح�س���اب كافة القوى الأخرى يف املجتم���ع مبا يف ذلك الطبقة
امل�لاب�����س��ات ال��ت��ي �أح���اط���ت ب��ن�����ش��اط العنا�صر البورجوازية يف ال�شمال كان لها ت�أثريات �سلبية يف منط التحديث ،و�صبغته بطابع غري �صحي يعرقل التطور .فعنا�صر الطبقة الو�سطى الوافدة من عدن �إىل �صنعاء ،مثالً ،مار�ست ن�شاطها يف مناخ حمافظ ال توجد به قواعد منظمة لذلك الن�شاط الو�سطى. • عدم انف�صال فئة التجار عن البنية ال�سائدة ت�أث���رت عملية التحديث �أي�ض ًا بطبيع���ة البنية االقت�صادية االجتماعية املوروثة من عهد الإمامة .فقد كانت الإمامة يف الع�صر احلديث ت�سيطر عل���ى التجارة ،و�أعاق ذلك انف�صال فئة التجار انف�صا ًال كام ًال عن بنية املجتم���ع الت���ي امتزجت فيه���ا الرتكيب���ة الإقطاعية بالرتكيب���ة القبلية. وح�سبم���ا �أو�ضحت درا�سات �سابق���ة ف�إن «ال�شخ�صي���ات الرئي�سية التي �سيط���رت على حركة التجارة كانت ج���زء ًا ع�ضوي ًا من تلك البنية .ومن ث���مّ مل تكن ت�ستغ���ل ما يرتاكم لديها من فائ����ض اقت�صادي يف ن�شاطات اقت�صادية جتارية �أو �صناعية ت�ؤدي �إىل ن�ش�أة جتمعات ح�ضرية م�ستقلة عن الرتكيب الإقطاعي القبلي �أو �إىل دفع التجمعات القبلية نحو مراكز ح�ضرية»(.)10 • احلروب وعدم اال�ستقرار وهدر الإمكانية �إن تع���دد جوالت ال�صراع التي �شهده���ا وي�شهدها املجتمع اليمني ،وما يرتت���ب عليها من عدم ا�ستقرار �إمنا يف�ضي �إىل ه���در �إمكانات التطور. وت�ش�ي�ر بع�ض تطورات التاري���خ يف مراحله املختلفة حت���ى احلديثة منها �إىل ذل���ك الأم���ر .وميك���ن �أن ن�شري هن���ا �إىل ما حدث ملدين���ة املخا التي كانت ق���د اكت�سبت �شهرة عاملية ب�صفتها مرك���ز ًا لت�صدير النب اليمني. وتعت�ب�ر مدينة املخا من مراكز الن�شاط التي ت�أثرت باحلروب الأهلية يف العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
23
اليمن والعامل
حتليالت
الق���رن التا�سع ع�شر« .وقد نق�ص عدد �سكانه���ا من حوايل ع�شرين �ألف ن�سم���ة يف عام � 1824إىل ما بني � 8-5آالف ن�سمة يف �أواخر القرن التا�سع ع�شر .كما �أن عدد �سكانها مل يتجاوز � 5آالف ن�سمة طبق ًا لتعداد ..1975 وانه���ارت مع مدينة املخ���ا ،بالطبع ،فر�ص اال�ستفادة م���ن عائدات النب الذي ا�شتهرت بت�صديره .فقد كانت امليناء الذي عرف العامل من خالله ال�ب�ن .كما تدهورت يف هذه العملي���ة ال�شرائح االجتماعية التجارية منها واحلرفي���ة التي كانت متار�س ن�شاطها باملدينة يف فرتة االزدهار .وكانت النتيجة حرمان اليمن من بع�ض فر�ص منو مراكز ح�ضرية»(.)11 • عالقة ال�صراع والتوافق بني الإمامة والقبائل ع���رف املجتمع اليمني يف ظل الإمامة ج���والت متكررة من ال�صراعات والفو�ض���ى وتع���دد مراك���ز احلكم .وهو م���ا ي�ؤدي �إىل انقط���اع اخلربات االجتماعية وعدم تراكمها ومن ثمّ �إعاقة التطور .وتعود تلك ال�صراعات �إىل �أ�سباب ترتب���ط بالواقع و�أخرى ترتبط بالفكر� ،أي مببد�أ اخلروج يف الفكر الزيدي الذي ي�سمح بوجود �أكرث من �إمام يف وقت واحد� .أي ي�سمح بوج���ود �أكرث م���ن مركز للحك���م� ،أي �أكرث من دول���ة يف �آن واحد .وتتمثل الأ�سباب التي ترتبط بالواقع يف ال�صراعات القبلية من جانب والتوازنات التي كانت تتم بني القبائل والإمامة من جانب �آخر .وقد �أطلقنا على هذا الو�ض���ع يف درا�سات �أخرى ب�أنه عبارة عن «تزاوج بني الإمامة والقبائل»، وه���و �أمر يختلف عن ظاهرة «التداخل بني الدول���ة والقبيلة» التي �أ�شرنا �إليه���ا �آنفاً .ويق���ع بني �أ�سباب تل���ك ال�صراعات والتوازن���ات ،قلة املوارد وندرتها يف مناطق القبائل والتي كانت حتكمها الإمامة. ُع�ِّب� مثل هذا الو�ضع عن حال���ة �شبه م�ستمرة من عدم اال�ستقرار ال وي رِّ ت�سم���ح برتاكم ح�صيل���ة الن�شاط املنتج للمجتمع .وه���ذا ما جعل البع�ض ي�ص���ف الو�ضع يف ظل الإمام���ة قائال «ال ي�ستطيع تاريخ الإمامة �أن يفخر ب�أن���ه حقق حكم ًا مركزي ًا طوي�ل�اً �أ�سهم يف تطوير املجتمع مبنحه �سنوات من اال�ستقرار واالزدهار .بل قد يكون من �أ�سباب جناح الإمامة الزيدية منا�سبته���ا ملنطق البيئة والقبيل���ة يف ال�شمال .فا�ستق���ر املذهب الزيدي
فيها منذ الإمام الهادي .فمبد�أ اخلروج على احلاكم الذي ي�سمح بوجود �إمام�ي�ن يف وقت واحد ما هو �إال الوجه الإمياين املذهبي ل�صراع م�شايخ القبائل الذين ال يعرتفون بالآخرين �إال �أقران ًا ال تعرف عالقاتهم نظام ًا هرمي ًا م�ستق���راً .وتقوم على �ضرب من التوازي وتكرار جوالت ال�صراع العقي���م الذي يتنافى مع كل حركة اجتماعية تنزع نحو خلق �إطار ي�سمح برتاك���م التج���ارب واخلربات االجتماعي���ة وبنوع من التق���دم يف تكوين ُمتّحد متما�سك»(.)12
خامت��ة �إن البيئ���ة االجتماعي���ة غ�ي�ر امل�ستق���رة تولد دائم��� ًا جوالت متكررة م���ن ال�صراعات ،وت�ش���كل عائق ًا �أمام تط���ور املجتمع وتقدمه .وقد �ألقت كل م���ن عوامل عدم اال�ستقرار وعملي���ات انقط���اع تراكم اخل�ب�رات االجتماعية بظلها عل���ى التطورات يف الع�ص���ر احلديث .وكانت القبيل���ة حا�ضرة يف الع�صر احلا�ضر مثلما كانت حا�ضرة يف املا�ضي .وبالأحرى علينا �أن نقول �إنه مت ا�ستدعائها يف الع�صر احلايل بد ًال من تعبري كانت حا�ضرة .ففي ع�صر الإمامة حدث م���ا �أ�سميناه «التزاوج بني الإمامة والقبائل» ،ويف الع�صر احلديث حدث م���ا ن�سميه «التداخل بني الدولة والقبيل���ة» .وقد حدثت عملية «التزاوج» وعملي���ة «التداخ���ل» على الرغم م���ن وجود عوامل تناق����ض و�صراع بني الطرف�ي�ن .ومل يع���رف اليمن اال�ستقرار يف احلالتني ،ب���ل �شهد وما زال ي�شه���د جوالت متك���ررة من ال�صراع ،وه���و ما يعيق التط���ور ب�شكل عام ويعرق���ل ك ًال م���ن عملية متا�س���ك الن�سيج االجتماع���ي وعملية االندماج الوطني. لهذا تربز الثقافات الفرعية واالنتماءات املذهبية واملناطقية والقبلية وم���ا �إىل ذل���ك على ح�س���اب الثقاف���ة اجلامع���ة ،وعلى ح�س���اب مفهوم املواطن���ة .وف�ض�ل�اً عن ذل���ك ،كان لكاف���ة العوامل الت���ي ا�ستعر�ضناها ت�أثرياتها ال�سلبية يف منط التحديث؛ ف�إن بروز القبيلة يُف�ضي �إىل تواري الطبقة الو�سطي ،و�إىل �ضعف دورها االجتماعي ،بل يف�ضي يف املح�صلة النهائية �إىل حرمان املجتمع من ت�شكل ثقافة جامعة لكل املواطنني.
الهوامــ�ش (� )1أحم ��د الق�صري“ ،احلداث ��ة املفقودة يف اليمن”، �صحيف ��ة “�أخبار الأدب” القاهرية ،العدد رقم 409 ال�صادر يف � 13أيار/مايو .2001 (� )2سعيد �أحمد اجلناحي ،احلركة الوطنية اليمنية م ��ن الث ��ورة �إىل الوح ��دة ،مرك ��ز الأم ��ل للدرا�س ��ات والن�شر� ،صنعاء وعدن� ،1992 ،صفحة .86 ( )3عل ��ي حمم ��د عب ��ده ،ملح ��ات م ��ن تاري ��خ حرك ��ة الأح ��رار اليمنيني ،اجل ��زء الأول ،منت ��دى النعمان الثق ��ايف لل�شب ��اب واملعه ��د الفرن�سي للآث ��ار والعلوم االجتماعية� ،صنعاء� ،2003 ،صفحة .392 (� )4أنظ ��ر :علي حممد عبده“ ،االحتاد اليمني من 24
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ي�صدر قريب ًا عن مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية
امله ��د �إىل اللح ��د” ،جمل ��ة الكلمة ،الع ��دد ،47مايو ،1978ال�صفحات .38 -22 ( )5عل ��ي حمم ��د عب ��ده ،ملح ��ات م ��ن تاري ��خ حرك ��ة الأح ��رار اليمنيني ،اجلزء الث ��اين ،منتدى النعمان الثق ��ايف لل�شب ��اب واملعه ��د الفرن�سي للآث ��ار والعلوم االجتماعية� ،صنعاء� ،2003 ،صفحة .96 (� )6أحمد الق�ص�ي�ر“ ،احلداثة املفقودة يف اليمن”، مرجع �سابق. (� )7أحم ��د الق�ص�ي�ر ،التحدي ��ث يف اليمن والتداخل ب�ي�ن الدول ��ة والقبيلة ،دار الع ��امل الثالث ،القاهرة، � ،2006صفحة .55
( )8حمم ��د حمم ��ود الزب�ي�ري ،م�أ�س ��اة واق ال ��واق، �صنعاء وبريوت� ،1978 ،صفحة .68 ( )9املرجع ال�سابق� ،صفحة .264 (� )10أحم ��د الق�صري ،اليمن :الهجرة والتنمية ،دار الثقافة اجلديدة ،القاهرة� ،1985 ،صفحة .26 (� )11أحم ��د الق�صري ،التحديث يف اليمن والتداخل ب�ي�ن الدول ��ة والقبيلة ،مرجع �ساب ��ق� ،صفحتي 51- .52 ( )12حمم ��د عبدال�سالم ،اجلمهورية بني ال�سلطنة والقبيل ��ة يف اليمن ال�شمايل� ،شركة الأمل للطباعة والن�شر والتوزيع ،القاهرة� ،1988 ،صفحة .7
العمالة اليمنية ومتطلبات �سوق العمل اخلليجي الفر�ص والتحديات بحوث و�أوراق عمل امل�ؤمتر الذي نظمه املركز خالل الفرتة � 23-22شباط/فرباير 2010
حترير: حفـظ اهلل الأحمدي و ماجـد �سراج
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
يوليو�/أكتوبر العددان ،5 - 4 Relating2010ا�سرتاتيجية Policy to Knowledge
25
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
«اجلهاد االقت�صادي»
و�أثره يف اليمن وال�سعودية نيكول �شرتاكه n.stracke@grc.ae
ت�ستخ ��دم اجلماع ��ات الإرهابي ��ة م�صطل ��ح “اجله ��اد االقت�ص ��ادي” يف �أدبياته ��ا ح�ي�ن ت�ص ��ف الهجم ��ات والعملي ��ات الت ��ي تق ��وم به ��ا لأه ��داف ذات طابع اقت�ص ��ادي� .أما مفه ��وم “اجلهاد” فهو ميث ��ل جزءاً ال يتجز�أ من التعاليم واملبادئ الإ�سالمية .وقد ترجمت كلمة “اجلهاد” �إىل االجنليزية لتعني بب�ساطة “احلرب املقد�سة” ،غري �أن عبارة “اجلهاد” تعني �أكرث كثرياً من جمرد “احلرب املقد�سة” مبفهومها الغرب ��ي .فاجله ��اد ،بح�س ��ب التعالي ��م الإ�سالمي ��ة ،هو واج ��ب على كل م�سل ��م وم�سلم ��ة يف ظل ظروف بعينها ،والقتال هو فقط �أحد امتدادات اجلهاد� ،إذ ت�شري الكتابات املت�شددة �إىل عدد من �أنواع اجلهاد، فهناك اجلهاد ال�سيا�سي واالقت�صادي واملايل .ويف حني ي�شري اجلهاد يف مفهومه العام �إىل الدفاع عن الأم ��ة الإ�سالمي ��ة �أو تو�سيع نفوذها ونطاق وجودها ،جن ��د �أن اجلهاد ال�سيا�سي �أو االقت�صادي �أو املايل تقوم بتحديد الو�سائل املطلوبة لتحقيق ذلك املفهوم. فاجله���اد ال�سيا�س���ي -بح�سب تف�س�ي�ر اجلماع���ات الأ�صولية املتطرفة ي�سع���ى لتحقي���ق مكا�س���ب �سيا�سي���ة؛ فهو يه���دف �إىل تقوي����ض القوىال�سيا�سية “املعادية” ،ومن �ضمنها امل�ؤ�س�سات احلكومية ،وكذلك الدول الأجنبي���ة التي ت�ساند احلكومة �أو نظ���ام احلكم ،وعلى وجه اخل�صو�ص ال���دول الغربي���ة وم�صاحلها� .أم���ا اجلهاد املايل فهو يرك���ز على جتميع امل���ال لن�صرة اجلماعات الإرهابية ،ويدعو امل�سلمني ممن ال يقوون على القتال يف �ساحة املعركة �إىل القيام بالدعم املادي .وبهذا يكون امل�سلمون قادري���ن عل���ى امل�شارك���ة يف اجلهاد ،عن طري���ق التربع بامل���ال مبا�شرة للمجاهدي���ن �أنف�سه���م� ،أو عن طريق القيام برعاي���ة �أ�سر املجاهدين �أو م�ساعدة �أ�سر الذين قتلوا بتلبية ما يحتاج �إليه الأيتام والأرامل. �أم���ا اجلهاد االقت�صادي في�ستهدف م�ص���ادر �إيرادات الدولة ،وميكننا �أن ن�صف���ه ب�أنه “ح���رب اقت�صادية” .والفكرة الأ�سا�سي���ة الكامنة وراء اجلهاد االقت�صادي هي �أن الهجمات على الأهداف االقت�صادية واملالية �ست�ؤدي �إىل �أزمات اقت�صادية ،تت�سبب بدورها يف عدم ا�ستقرار �سيا�سي يُ�ضعِ���ف م���ن و�ضع الدولة االقت�ص���ادي من خالل �إبط���اء عملية التنمية واال�ستثم���ار ،وه���و ما يرتافق م���ع خ�سائر مالية كب�ي�رة ومعدالت بطالة 26
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
مرتفعة ونق�ص يف اخلدمات العامة. ولق���د �أ�صب���ح اجله���اد االقت�ص���ادي ج���زء ًا �أ�سا�سي��� ًا يف الإ�سرتاتيجية الت���ي تتبعها القي���ادة العليا لتنظي���م القاعدة ،ويف بع����ض احلاالت ح ّل حمل اجله���اد ال�سيا�سي .ففي ع���ام 2005قدّم الع���امل ال�سعودي التابع لتنظي���م القاع���دة ال�شيخ عب���د اهلل بن نا�ص���ر الر�شيد� ،ص���ورة و�صفية للفك���ر الأيديولوج���ي للجهاد االقت�صادي ،حيث ب���رر يف �أحد �إ�صداراته وعنوان���ه “حكم ا�سته���داف امل�صالح النفطية” ،القي���ام بهذا النوع من اجلهاد ،قائ ًال عنه�“ :إنه من �أقوى الطرق التي بها ن�ستطيع االنتقام من الكافري���ن يف هذه املرحلة احلالية ،فهي ت�ستهدف مبا�شرة لب اقت�صاد الأعداء”.
ا�ستهداف البنية التحتية النفطية ت�ضع نظري���ة “اجله���اد االقت�صادي” قط���اع ال�صناعة النفطي���ة كهدف ذي قيمة عالية يف �إطار �إ�سرتاتيجية تنظيم القاعدة .و�أظهر �شريط �أ�صدره تنظيم القاعدة يف كانون الأول/دي�سمرب عام �أ�سامة بن الدن وهو يدعو م�ؤيدي���ه �إىل مهاجم���ة من�ش�آت النفط العراقي���ة واخلليجية ،وجدد هذه نيك���ول �شرتاكه باحث���ة يف ق�سم الأم���ن والإره���اب مبركز اخلليج للأبحاث -دبي.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
27
اليمن والعامل
حتليالت
الدع���وة نائبه الث���اين �أمين الظواهري بعد مرور ع���ام (�أي يف ،)2005
�إذ نا�ش����د املجاهدين ب�أن يركزوا هجماته����م على نفط امل�سلمني املنهوب ،اجله��اد االقت�ص��ادي ي�سته��دف م�ص��ادر �إي��رادات الدول��ة، الذي “تذهب معظم وارداته �إىل �أعداء الإ�سالم ،بينما معظم ما يرتكوه وميكنن��ا �أن ن�صف��ه ب�أن��ه «ح��رب اقت�صادي��ة» .والفك��رة الأ�سا�سية الكامنة وراء اجلهاد االقت�صادي هي �أن الهجمات ي�سيطر عليه الل�صو�ص الذين يحكمون بلداننا”. عل��ى الأه��داف االقت�صادي��ة واملالي��ة �ست���ؤدي �إىل �أزمات وي�سع����ى الإرهابيون من خالل مهاجم����ة البنية التحتية لإنتاج النفط �إىل اقت�صادية ،تت�سبب بدورها يف عدم ا�ستقرار �سيا�سي
اجلماعات الإرهابية التي تن�شط يف اليمن تعترب الهجمات على ال�سياح الأجانب جزء ًا من “اجلهاد” االقت�صادي .ففي جملة “�صدى املالحم” التابعة لفرع القاعدة يف اليمن ،مت تقدمي جمموعة من امل�سوغات التي جتعل ال�سياح الأجانب �أهداف ًا �شرعية للإرهابيني
�أث��ر الأن�شط��ة الإرهابي��ة :ا�سته��داف املن�ش���آت كانت النفطية يف اليمن وال�سعودية
املحلل���ون ارتفاع �أق�ساط احلرب على �أ�سع���ار النفط من 1.50دوالر �إىل 7دوالرات للربميل ،وذلك بعد �إعالن �شركة لويدز للت�أمني يف لندن ب�أن املي���اه اليمنية هي “منطقة حرب” .وانخف�ضت حركة احلاويات مبعدل ،%90وبالت���ايل مت ت�سريح 3.000عامل ،وتكبّدت اليمن 15مليون دوالر �شهرياً. وبالن�سبة للقاعدة ،فقد كان الهجوم على ناقلة النفط الفرن�سية مبثابة �أكرب عملية تكللت بالنجاح يف �إحداث �أثر اقت�صادي مهم و�أ�ضرار مادية بالغ���ة ،كما �أنه لفت انتباه و�سائل الإعالم .ومل يكن هناك �أي �أثر �سلبي للهجم���ات التي تلت خالل ال�سنوات الثمان منذ عام 2002يف االقت�صاد اليمن���ي ميكننا مقارنته مبا �أحدثه الهجوم عل���ى “ليمبورغ” .فالهجوم االنتح���اري عل���ى املن�ش�آت النفطية يف م����أرب وح�ضرموت عام 2006مل يلح���ق �أ�ضرار ًا كب�ي�رة ،ومل ي�شل ن�شاط املن�ش����آت امل�ستهدفة� ،إذ مل يكن هن���اك �أي ت�أثري طويل املدى يف عملي���ة �إنتاج النفط وت�صديره .وينطبق الأمر نف�سه على بع�ض العمليات الأخرى التي نفذتها القاعدة يف اليمن �أو فرعه���ا املعروف با�سم جماعة “كتائ���ب جند اليمن” ،مثل الهجمات على �أنابيب النفط الفرن�سية وحقل النفط ال�صيني يف �آذار/مار�س عام ،2008وتفج�ي�ر قنبلة بالق���رب من مقر ال�شرك���ة الكندية “نك�سن” يف العا�صمة �صنع���اء� ،أو الهجوم ال�صاروخي/املدفع���ي على م�صايف عدن يف �شه���ر ني�سان�/أبريل عام .2008ورغم الهجمات املتكررة التي �شنها تنظيم القاعدة يف اليم���ن خالل ثالثة �أ�شهر �ضد املن�ش�آت النفطية� ،إال �أن ال�ضرر كان حمدوداً. لكن هل �أث���رت تلك الهجمات يف ح�سابات التكلفة والفائدة لل�شركات؟ فم���ع كل هجوم كان���ت ال�شركات تق���وم ب�إعادة تقييم ف���ارق الفائدة يف حماول���ة منه���ا لقيا�س حجم الفائ���دة ،وهل ما زال يف���وق حجم التكلفة �أم ال .لك���ن معظم �شركات النف���ط يف اليمن تظل ملتزمة باال�ستثمار يف عملية تنمية قطاع النفط طاملا �أن العمل ما يزال مربحاً .ومع ذلك ،فقد �أ�صبح م���ن ال�صعب على ال�شركات النفطي���ة ح�ساب خماطر اال�ستثمار عل���ى املدى البعيد .و�أي�ض ًا �أ�صبحت بع�ض ال�ش���ركات تواجه �إ�شكالية يف ا�ستخدام موظفيها القادري���ن والراغبني يف العمل باليمن .وعلى املدى البعيد� ،سيظل ال�س�ؤال مطروح���اً :هل ت�ستطيع اليمن جذب ا�ستثمارات جديدة؟ �إن ق���درة اليم���ن على جذب �ش���ركات نفطية �أجنبي���ة �شهرية ترغب يف اال�ستثم���ار يف قط���اع النفط احلكوم���ي ،تتوقف على عدد م���ن العوامل، منها: .1العر�ض والطلب العاملي الكلي. .2احتياجات امل�ستثمرين االقت�صادية. .3طبيعة البيئتني الأمنية وال�سيا�سية يف اليمن. واحل���ال �أن���ه يف ظل تراجع م���وارد النف���ط العاملية م���ن املتوقع حدوث
حتقيق عدد من الأهداف ،منها: عرقل����ة قدرة الدول����ة على تزويد وتلبي����ة الطلب املحل����ي على منتجات النفط. حرمان الدولة من اال�ستفادة من �أي عائدات مالية جتنيها من ت�صدير النفط �إىل ال�سوق الدولية. عرقلة عمليات ا�ستك�ش����اف النفط ومنوه و�إنتاجه ،ب�شكل ي�ؤثر يف وفرة النفط ومنتجاته يف العامل. الت�أثري يف �أ�سعار النفط يف �أرجاء املعمورة من خالل: �أ .منع تزويد ال�سوق العاملية بالنفط �أو تقليل الكميات املتوفرة منه. ب .الت�أثري يف �سيكولوجية �سوق النفط ،من خالل �إظهار قدرة الإرهابيني على التدخل والتقليل من الكميات املعرو�ضة من النفط. ج� .إح����داث نق�ص فعلي يف الكميات املعرو�ضة من النفط ،نتيجة لل�ضرر الذي تتعر�ض له البنية التحتية لإنتاجه. د .رفع تكلفة الت�أمني. هـ .زيادة تكاليف حماية املن�ش�آت النفطية. النفط كهدف جاذب بالإ�ضاف����ة �إىل العوامل امل�شار �إليها �أعاله ،ت�ش����كل البنية التحتية للنفط هدف���� ًا جاذب���� ًا للإرهابي��ي�ن ،وذلك لع����دة �أ�سب����اب ،منها :ك��ث�رة املن�ش�آت النفطي����ة ،وانت�شاره����ا وعزلته����ا ،مم����ا يجعلها لقم����ة �سائغة ب����ل وت�شجع الهجم����ات الإرهابية؛ وباملثل تعد �أنابيب النف����ط هدف ًا �سه ًال نظر ًا لطول امتداده����ا ،وبالتايل �صعوبة حمايتها .كم����ا �أن النفط ذو طبيعة م�شتعلة، و�أي هجوم على منتجاته ي�ؤدي �إىل اندالع حريق كبري وح�صول انفجارات هائل����ة يف خمازن الوقود ،وهذا الأمر بدوره �سيجعل اجلماعات الإرهابية حتظ����ى باهتمام و�سائل الإع��ل�ام� .أ�ضف �إىل ذل����ك� ،أن هناك عدد كبري من ال�شركات النفطية الأجنبية تقوم بعملية �إنتاج النفط وتنميته ،وت�ضم مهند�س��ي�ن وفني��ي�ن ،وه����م ما �أعط����ى الإرهابي��ي�ن -يف املا�ض����ي -املربر ملهاجمة املن�ش�آت النفطية. ومن����ذ قي����ام قادة تنظي����م القاعدة خ��ل�ال الأع����وام 2005 - 2004بحث �أن�صاره����م على ا�ستهداف امل�صالح النفطية� ،أخذت الهجمات التي تطال البنية التحتية لإنتاج النفط يف التزايد .وقد قامت الفروع التابعة للقاعدة يف كل من العراق وال�سعودية واليمن بتنفيذ “نظرية اجلهاد االقت�صادي” عل����ى �أر�����ض الواقع ،حيث قام����ت بتنفيذ عمليات �إرهابي����ة �ضد الكثري من املن�ش�آت النفطية كمحاولة لإ�ضعاف وزعزعة اقت�صادات تلك الدول.
ُ�ص��در متوا�ض��ع للنف��ط (فهي حتتل مب��ا �أن اليم��ن تعت�بر م ِّ املرتب��ة 36وبن�سب��ة %0.5من ح�صة ال�س��وق العاملية) ،ف�إن ت�أث�ير �أي هجوم على البنية التحتي��ة النفطية �سيكون له وقع على االقت�صاد الداخلي ب�صورة �أ�سا�سية 28
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
اليم���ن من �أول الدول التي تق���ع �ضحية للهجمات الإرهابية على �أهداف نفطي���ة .فف���ي عام ،2002وقب���ل دعوة ب���ن الدن �أن�ص���اره �إىل مهاجمة البنية التحتية للنفط يف ال�شرق الأو�سط ،قام انتحاري يف �أحد القوارب باالعتداء على ناقلة النفط الفرن�سية “ليمبورغ” التي كانت تر�سو قُبالة ال�سواحل اليمنية .وبعد ذلك ب�سنتني� ،أي عام � ،2004أ�صبحت ال�سعودية �أي�ض��� ًا �أحد �ضحايا الهجمات الإرهابية عل���ى امل�صالح النفطية ،عندما قام���ت “القاعدة يف جزي���رة العرب” مبهاجمة مكات���ب �أحد ال�شركات النفطية ال�سعودية يف “اخلُ�ب�ر” و�أخذ بع�ض الرهائن من عُ مال النفط الأجان���ب .وال �شك يف �أن هذين البلدين على وجه اخل�صو�ص ح�سا�سني �إزاء مث���ل هذه الهجمات ،حي���ث �أن اقت�صادهما يعتمدان اعتماد ًا كبري ًا عل���ى �صادرات النف���ط ،فن�سبة تتجاوز %70من ميزاني���ة الدولة فيهما متولها عائدات النفط.
حالة اليمن تعترب اليمن من الدول ال�صغرية امل�صدرة للنفط ،حيث ي�صل متو�سط الناجت �إىل حوايل 320.600برميل يومياً .ونظ���ر ًا لهذه الن�سبة القليلة جداً ،ف�إنه لي�س هناك طاقة �إنتاجية احتياطي���ة قادرة على تعوي�ض �أي نق�ص يف عملية الإنتاج .لذلك ف�إن �أي هجوم تتعر�ض له من�ش�أة نفطية رئي�سية يف اليمن قد ي�ؤدي �إىل ا�ضطراب عملية �إنتاج النفط ،وي�ضع���ف اقت�صاد الدولة ،ما ي�شكل �ضغط ًا خطري ًا على ميزانية احلكومة. ومب���ا �أن اليمن تعت�ب�ر مُ�صدِّ ر متوا�ض���ع للنفط (فهي حتت���ل املرتبة 36 وبن�سب���ة %0.5م���ن ح�صة ال�س���وق العاملية) ،ف�إن ت�أث�ي�ر �أي هجوم على البنية التحتية النفطي���ة �سيكون له وقع على االقت�صاد الداخلي ب�صورة �أ�سا�سي���ة .ومبا �أن ح�صة اليمن من ال�ص���ادرات النفطية العاملية قليلة، ف�إن اهتزاز ال�صادرات النفطية اليمنية لن يحدث �سوى تقلبات طفيفة يف �س���وق النفط الدولية .فعلى �سبيل املث���ال ،مل ي�ؤثر الهجوم على ناقلة النف���ط الفرن�سية “ليمب���ورغ” عام 2002يف �سوق النف���ط الدولية ،ومل ترتف���ع �أ�سعار النفط �إال لربهة ق�صرية وب�سعر زهيد .لكن ذلك الهجوم �أث���ر يف االقت�صاد اليمني من عدة نواحي ،فقد تعر�ضت الدولة خل�سائر مالي���ة فادحة مبجرد انهي���ار عملية املالحة يف خليج عدن ملدة ق�صرية، �إذ تق���در خ�سارة اليمن بـ 3.8مليون دوالر من موارد املواين خالل �شهر ضال عن ارتفاع ن�سبة �أق�ساط التام�ي�ن على ال�سفن التي تعرج واح���د ،ف� ً على املوان���ئ اليمنية مبعدل ،%300وارتفعت �أي�ض��� ًا تكلفة الت�أمني على الب�ضائ���ع القادم���ة �إىل املوانئ اليمنية مبع���دل ،%350فكان لزام ًا على احلكوم���ة تقدمي الدع���م للب�ضائع حتى تتف���ادى ارتف���اع الأ�سعار ب�شكل ح���اد ،وه���و الأمر ال���ذي �أ�ضاف �ضغوط��� ًا عل���ى ميزانية الدول���ة .وقدر
تناف����س �أ�ش���د يف امل�ستقبل القريب على موارد النف���ط املتوفرة ،وخا�صة �أن بع����ض االقت�صاديات املتنامية ،مثل ال�صني والهند� ،ستكون يف حاجة متزاي���دة لتلبية طلبها املتنامي للطاق���ة .ومثل هذه البلدان �ستكون �أكرث ج���ر�أة وا�ستع���داد ًا للمخاط���رة يف �سبي���ل احل�صول على م�ص���ادر طاقة جديدة ،و�ستك���ون راغبة يف اال�ستثمار يف ال���دول امل�صنّفة �ضمن الدول املعر�ض���ة للمخاطر بدرج���ة عالية .ويف نف�س الوق���ت� ،ستعمل ال�شركات الأجنبي���ة التي تخطط لال�ستثمار يف البني���ة التحتية النفطية يف اليمن على تقيي���م البيئتني الأمنية وال�سيا�سية العام���ة للدولة .فتطور خماطر الإره���اب ،عل���ى �سبيل املثال ال احل�صر ،من العوام���ل امل�ؤثرة يف معادلة التكلفة والفائ���دة ،بالإ�ضافة �إىل العوامل الأخرى التي تلعب دور ًا كبري ًا يف اتخاذ ق���رارات اال�ستثمار ،مثل ال�صراع���ات القبلية ،وال�صراع على ال�سلطة ،والت�شريع���ات القومية املتعلقة باال�ستثم���ار الأجنبي ،و�شفافية القانون ،وم�ستوى الف�ساد .ويف الواقع ،تظل النزاعات القبلية ،وال�صراع ب�ي�ن القبائل والدولة ،العامل الرئي�س���ي وراء �أكرث الهجمات على �أنابيب النفط واختطاف موظفي ال�شركات الأجانب (يف اليمن). لق���د ا�ستهدف���ت حال��ة ال�سعودي��ة اجلماع���ات الإرهابية الأ�صول االقت�صادي���ة ،ال�سيما يف ال�سعودية .ومبا �أنه���ا مهد الإ�سالم ،تتمت���ع اململكة مبكانة خا�صة يف �أو�ساط امل�سلمني يف ضال ع���ن �أن ال�سعودية هي الدول���ة الرائدة يف �إنتاج �أرج���اء املعمورة ،ف� ً النفط وت�صديره يف العامل .ويف ظل �إنتاجها ملا يقارب 11مليون برميل يومي���اً ،ت�شكل اململكة حوايل %13.5م���ن �صادرات النفط العاملية ،لهذا ف����إن �أثر �أي اعتداء �إرهابي ناج���ح على املن�ش�آت النفطية الرئي�سية ي�ؤثر يف قدرته���ا على الإنتاج والت�صدير ،لن يقت�صر على االقت�صاد ال�سعودي و�إمن���ا �سيمت���د ت�أثريه �إىل ا�ستقرار �سوق النف���ط الدولية .لكن ،وكما هو احل���ال الي���وم ،متتلك ال�سعودي���ة �سعة احتياطي���ة تبلغ 2ملي���ون برميل يومياً ،ما مينحها القدرة على خلق توازن يف �سوق النفط. يف �شباط/فرباي���ر عام 2006تعر�ضت من�ش�أة بقيق النفطية ال�سعودية �إىل هج���وم ،وه���ذه املن�ش����أة تعالج ما يق���ارب 7مليون برمي���ل يف اليوم الواح���د� ،أي م���ا يع���ادل ثلثي �إنتاج اململك���ة .يف البداية ق���ام املهاجمون بالتخطي���ط لتدمري خمازن الغاز وغريها من املن�ش�آت املهمة� ،إذ توقعوا تدمري م�ساحة 60كم من مركز املناطق امل�ستهدفة ،وقد مت اختيار هذه املن�ش�أة بعناية بالغة ،لأنها تعد الأكرب والأهم من بني جميع من�ش�آت البنية التحتي���ة النفطي���ة يف اململكة ،حيث حتتوي على املرك���ز الرئي�سي جلمع النف���ط وتخزينه وتوزيعه ومن ثم ت�صديره .لكن الأثر املادي للهجوم يف نهاية املطاف كان حمدوداً ،وال�ضرر الذي �سببه كان ذا طبيعة ق�صرية امل���دى ،وقد ا�ستطاعت الق���وات ال�سعودية الق�ضاء عل���ى املهاجمني قبل و�صوله���م للهدف املن�ش���ود ،لذا كان ال�ض���رر طفيف��� ًا ومل تت�أثر عمليات الإنت���اج ،غري �أن �أخبار الهجوم ت�سبب���ت يف ح�صول ا�ضطراب فوري يف �س���وق النفط العاملية التي تتمتع بح�سا�سية عالية .ويف احلال ارتفع �سعر
اخلطر الإرهاب��ي الذي تتعر�ض له البنية التحتية للنفط يف هذه املرحلة يبدو «قاب ًال للإدارة» ،كما �أن �أثر الهجمات على املن�ش�آت النفطية هو الآخر «قابل لالحتواء» العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
29
اليمن والعامل
حتليالت
النف���ط دوالرين ،ومن ثم عاد �إىل و�ضع���ه قبل الهجوم بعد �أن ات�ضح �أن الهجوم مل يت�سبب يف �أي �ضرر يذكر. مع ذلك ،فقد احتفلت القاعدة بالهجوم واعتربته جناح ًا لها ،و�أعلنت �أنه���ا تخطط ملزيد م���ن الهجمات على �أه���داف �سعودي���ة يف امل�ستقبل، لكنها ومنذ ذلك الوقت مل تفلح يف حتقيق تهديدها .وقد قامت القوات ال�سعودي���ة ع���ام 2007باعتق���ال � 172إرهابي��� ًا م�شتبه ًا مم���ن قيل �أنهم ي�شكل���ون �سب���ع خاليا م�ستقل���ة متورط���ة يف التخطيط لهجم���ات كبرية على من�ش�آت نفطية عل���ى م�ستوى الإقليم ،خا�صة يف ال�سعودية والكويت والإمارات العربية املتحدة. و�إجم���االً ،فق���د �أو�ضحت الهجم���ات على ال�صناع���ة النفطية يف اليمن وال�سعودي���ة م���دى حمدودية عملي���ات القاعدة التي ت�سته���دف املن�ش�آت واملوارد النفطية ،حيث مل تخلّف هذه الهجمات ،با�ستثناء الهجوم على ناقلة النفط الفرن�سية “ليمبورغ”� ،سوى �آثار مادية حمدودة و�أ�ضرار ال تذكر لعملية �إنتاج النفط. وم���ع �أن اخل�سائر املادية التي تعترب نتيجة مبا�شرة للهجمات الإرهابية حمدودة� ،إال �أن الإ�سرتاتيجية القائلة ب�أن “النفط هو الهدف الرئي�سي” بالت�أكي���د لها �أثره���ا على املدى البعي���د يف املوارد املالي���ة واالقت�صادية لتل���ك ال���دول .وكان للهجم���ات الت���ي قام���ت به���ا خاليا القاع���دة على امل�صالح النفطية ومن�ش�آت النفطية ال�ضخمة دور ًا يف دفع الدول التخاذ موق���ف ،مبا يف ذلك تخ�صي�ص دعم مادي التخ���اذ �إجراءات مناه�ضة للهجم���ات من �أجل حماية الأ�صول النفطية .ومنذ عام 2007ا�ستثمرت كل م���ن اليمن وال�سعودية ب�شكل كبري يف اتخاذ الإجراءات الوقائية ملنع �أي هجمات �أخرى ،وال�ستعادة ثقة �شركات النفط الدولية و�سوق النفط يف قدرتهما على حماية الإنتاج والإمداد النفطيني.
مواجهة الدولتني للهجمات على النفط �إن ت�أم�ي�ن الطاق���ة هو م���ن �أولويات احلكومت�ي�ن ال�سعودي���ة واليمنية ،لهذا تقوم���ان بتوجي���ه الكث�ي�ر من امل���وارد املادي���ة والب�شرية حلماي���ة البنية التحتي���ة النفطي���ة .وترتكز حماية البني���ة النفطية التحتي���ة على �أربعة خطوط دفاع �أ�سا�سية ،هي:
30
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
الإج��راءات املعلوماتية املناه�ضة :ع�ب�ر جمع وحتليل املعلومات املتعلق���ة مب�ص���ادر وطبيعة اخلطر الفعل���ي واملحتمل ال���ذي قد يتعر�ض ل���ه قطاع النفط ،واتخاذ الإج���راءات الوقائية الالزمة ملنع �أو احلد من اخلطر. الإجراءات املادية املناه�ضة :وخلط الدفاع هذا وجهان: �إج���راءات احلماية الأمني���ة (ب�شرية ومادية) خ���ارج نطاق املن�ش�آتالنفطية ،بهدف منع املهاجمني من الو�صول �إىل داخل حدود املن�ش�آت. �إج���راءات حماية داخ���ل نطاق املن�ش�آت النفطي���ة ،بهدف كبح حريةحت���ركات املهاجم�ي�ن يف حال ف�شل نظ���ام احلماية والدف���اع اخلارجي، والتعام���ل مع ما قد ينتج ع���ن الهجوم داخل حدود املن�ش����أة ذاتها ،مثل �إن�ش���اء وح���دات احتياطي لل���رد ال�سريع بغر�ض احت���واء ال�ضرر وكذلك وحدات ت�صليح للحد من �أثر الهجمات. الإجراءات ال�سيا�سية املناه�ضة :من خالل تلقي الدولة م�ساندة من املجتمع املحلي/القبائل حلماية املن�ش�آت النفطية ،ومنحهم احلوافز وت�شجيع روح الواجب لديهم. يف ع���ام ،2007وبعد ب�ضعة �أ�شهر على حدوث الهجمات الإرهابية على من�ش�آت النفط يف البقيع� ،أعلنت ال�سعودية عن �إجراءات جديدة حلماية البنية التحتية للنفط ،م�ؤكدة التزامها بحماية �إنتاج النفط و�إمداداته، ومن ثمّ تعزي���ز ثقة الأ�سواق العاملية .وخ�ل�ال ال�سنتني املا�ضيتني زادت اململكة من عدد قوات الأمن ،وقامت ب�شراء معدات �أمنية عالية التقنية، كم���ا �أعادت هيكل���ة القوات اخلا�ص���ة بحماية النف���ط ومن�ش�آته .وكانت وزارة الدف���اع ووزارة الداخلي���ة يف ال�ساب���ق م�سئولتني ع���ن توفري قوات احلماي���ة النفطي���ة والإ�شراف عليه���ا ،لكن يف ظ���ل الرتتيبات اجلديدة �شكل���ت اململك���ة قوات خا�ص���ة تتوىل حماي���ة البنية التحتي���ة الأ�سا�سية، وحملتها م�سئولية ت�أمني �سالمة �أهم القطاعات يف البنية التحتية للدولة �أي قط���اع النفط ،وقطاعي املاء والكهرباء -وتغطية العمليات الربيةوالبحري���ة واجلوية .ومت توحيد قوات البنية التحتية حتت قيادة م�ستقلة ُتق���دِّ م التقاري���ر ل���وزارة الدف���اع .ويف �آب�/أغ�سط�س ع���ام 2007زادت ضال ال�سعودي���ة عدد قوات حماي���ة النفط م���ن � 10.000إىل ،35.000ف� ً
ع���ن زيادة ع���دد “قوات الدع���م” (وهي قوات يت���م ا�ستدعائها لتقدمي الدع���م عند الطوارئ) ،وتخ�ضع عادة لقي���ادة و�إ�شراف وزارتي الدفاع والداخلية. �إ�ضاف���ة �إىل ذلك ،يتم حالي ًا جتهيز قوات الأم���ن بتقنية �أمنية جديدة تت�ضم���ن الطائ���رات املروحي���ة وال���رادارات وتكنولوجي���ا الأ�شع���ة حتت احلم���راء وغريه���ا من املعدات الت���ي تعزز من قدرة الق���وات وكفايتها. �أي�ض��� ًا مت مناق�ش���ة مو�ض���وع �إن�شاء نظ���ام دفاع �ض���د ال�صواريخ (�أر�ض ج���و) حلماية املن�ش����آت النفطية م���ن الهجمات ال�صاروخي���ة .وتخ�ضع القوات ال�سعودية لتدريبات حول كيفي���ة ا�ستخدام و�صيانة التكنولوجيا اجلدي���دة .وقد خف�ضت ال�سعودية من ع���دد العاملني الأجانب يف قطاع النف���ط ،وكانت �شركة النفط ال�سعودية “�أرامكو” قد �أعلنت �أن مغادرة اخل�ب�راء الغربيني يف حال ح���دوث هجوم لن يقلل م���ن عمليات ت�شغيل ال�شركة� ،إذ يُ�ش���كل ال�سعوديون �أكرث من 90من الطاقم الإداري والفني لل�شركة. باملث���ل� ،أخ���ذت اليمن يف اتخاذ بع����ض اخلطوات لطم�أن���ة امل�ستثمرين بخ�صو�ص قدرتها على �ضمان حماية بنيتها التحتية� ،إذ �أعلنت احلكومة يف ت�شري���ن الثاين/نوفمرب عام 2006عن خط���ة جديدة حلماية البنية التحتية النفطية ،وذلك من طريق: .1زيادة قوات الأمن حلماية مناطق الإنتاج. .2تركيب كامريات مراقبة. � .3إل���زام ال�شركات الأجنبي���ة بالتعاون مع �أجهزة الأم���ن اليمنية ،من خالل �إطالعها على تنقالت املوظفني. .4ا�ستخدام �أفراد القبائل املوجودين يف املنطقة من �أجل حماية البنية التحتية للنفط. ويف ه���ذا الإطار ،زادت احلكومة اليمنية من عدد قوات الأمن وعززت م���ن تدريبه���م ،كم���ا مت تخ�صي�ص ق���وات �أمنية حلماي���ة �أنابيب النفط كتل���ك الت���ي متتد من حق���ول �صافر �إىل حمطة ر�أ����س عي�سى ،يف الوقت ال���ذي تقوم فيه قوات �أخرى بحماية منطقتي م�أرب و�صنعاء .ويف العام � 2009 - 2008أطلق���ت وزارة الداخلي���ة برنام���ج جدي���د لتدريب رجال الأمن اليمنيني عل���ى كيفية حماية من�ش�آت النفط ،وتخرجت �أول دفعة،
وعدده���ا حوايل � 253شخ�صاً ،يف حزيران/يونيو 2009لتلتحق بالقوات اخلا�صة القائمة على حماية املن�ش�آت النفطية. ومع �أن اجلماعات الإرهابية املهاجمة للبنية التحتية للنفط قد ت�سببت يف خل����ق الذعر يف �أ�سواق النفط العاملية ،بفعل ارتفاع �أ�سعار النفط وتكاليف الت�أم��ي�ن وكذلك اخل�سائر املادية الق�ص��ي�رة املدى التي �أعقبت الهجمات، �إال �أن جترب����ة الدول املنتج����ة للنفط كال�سعودية واليم����ن ،واللتني تعر�ضتا لهجم����ات �إرهابية متكررة ،قد �أثبت����ت �أن �أثر تلك الهجمات كان حمدوداً. �أم����ا الأثر احلقيقي وطويل املدى الذي ت�سبب����ت به الهجمات على املن�ش�آت النفطية ،فيمكننا تبينه من خالل ارتفاع التكلفة املالية لال�ستثمار الثقيل الوط�أة يف اتخاذ الإجراءات الوقائية حلماية النفط ومن�ش�آته .فقد وجّ هت دول كال�سعودية واليمن موارد مالية كبرية حلماية بناها التحتية النفطية، وقام����ت بتنفيذ �إجراءات م�ض����ادة ملنع الهجمات التي ق����د تطال من�ش�آتها النفطي����ة واحلد من الأ�ضرار املحتمل����ة يف حال وقعت مثل هذه الهجمات. وذلك يف وقت كان من املمكن ا�ستخدام تلك املبالغ ،خا�صة يف دولة فقرية كاليمن ،لتحفيز الأن�شطة اال�ستثمارية يف القطاعات الأخرى. و�إجما ًال ميكننا القول �إن اخلطر الإرهابي الذي تتعر�ض له البنية التحتية ��ل�ا للإدارة” ،كما �أن �أثر الهجمات على للنف����ط يف هذه املرحلة يبدو “قاب ً املن�ش�����آت النفطية هو الآخر “قاب����ل لالحتواء” .فقد توا�صلت الأن�شطة يف قط����اع النفط رغم ا�ستمرار التهدي����دات والهجمات الفعلية .واحلقيقة �أن ال�صناعة النفطية تتمي����ز باملرونة ،وتت�سم بنيتها التحتية بحجمها الكبري وق����وة بنيانها وانت�شارها على م�ساحة وا�سعة من الأر�ض ،مما يخف�ض من �إمكاني����ة �ش���� ّل ن�شاطها ب�أكمل����ه .فالبنية التحتية النفطي����ة لها القدرة على ا�ستع����ادة ن�شاطه����ا ب�سرعة ،مما يحد م����ن ال�ضرر الكل����ي الناجم عن �أي هج����وم �إرهابي و�/أو �أي ح����ادث عر�ضي .لكن الإ�شكالي����ة التي تواجه دول كاليم����ن ا�ستثمرت ،وبجانبها ال�ش����ركات النفطية ،مبال����غ كبرية من �أجل حماي����ة قطاع النفط حت����ى �أ�صبح من ال�صعب عل����ى اجلماعات الإرهابية حتقي����ق هجمات ناجح����ة �ضد هذا القطاع ،تظل رغم ه����ذا قائمة� .إذ من املحتم����ل �أن تبحث تلك اجلماعات عن �أه����داف اقت�صادية �أ�سهل للهجوم عليه����ا ،وبالت����ايل �إحلاق ال�ضرر باقت�ص����اد الدولة و�إ�ضع����اف م�صداقيتها والت�أثري يف م�صادر الدخل الأخرى مثل ال�سياحة.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
31
اليمن والعامل
حتليالت
ميثل الهجمات على قطاع ال�سياحة قطاع ال�سياحة مورد ًا مهم ًا من موارد الدخل يف اليمن ،وقد قامت اليمن خ�ل�ال ال�سنوات املا�ضية بحمالت ترويج وعالق���ات عامة تكللت ببع�ض النج���اح يف حت�سني �صورة البلد كوجه���ة �سياحية .وبح�سب الإح�صاءات الر�سمية ،فقد ات�سع قطاع ال�سياحة يف ال�سنوات الأخرية� ،إذ بات يوظف م���ا يق���ارب � 90.000شخ����ص من الأي���دي العاملة ،محُ قق��� ًا حوايل 886 ملي���ون دوالر عام .2008لكن ينبغي التعامل م���ع الإح�صاءات الر�سمية بحذر ،لأن عدد الزوار الذي ت�ؤكده الإح�صاءات هم من الدول العربية، بينما ي�شهد عدد ال�سياح القادمني من الغرب تراجع ًا كبرياً. وال �شك يف �أن اجلماعات الإرهابية التي تن�شط يف اليمن تعترب الهجمات عل���ى ال�سي���اح الأجانب جزء ًا م���ن “اجلهاد” االقت�ص���ادي .ففي جملة “�ص���دى املالحم” التابعة لفرع القاعدة يف اليمن ،مت تقدمي جمموعة من امل�سوغات التي جتع���ل ال�سياح الأجانب �أهداف ًا �شرعية للإرهابيني. فال�سي���اح الذين يتجهون �إىل زي���ارة املواقع التاريخية يف اليمن يعتربون لقمة �سائغة و�أهداف��� ًا ي�سهل الو�صول �إليها .واحلال �أن جغرافية اليمن، ووج���ود الكثري من املواق���ع ال�سياحية يف املناطق اجلبلي���ة والنائية ،من
تنظر اجلماعات الإرهابية �إىل �أن الهجمات التي ت�ستهدف الأجان��ب فيه��ا فائدة كب�يرة� ،إذ �أن �أي هج��وم ميثل م�صدر �إحراج للحكومة اليمنية ،والتي طاملا �سعت جاهدة لتح�سني �ص��ورة البالد عل��ى �أنها وجه��ة �آمنة لل�سي��اح ،وبالطبع ف�إن الو�ص��ول �إىل �ضيوفه��ا يُظه��ر م��دى عج��ز احلكوم��ة ع��ن حمايتهم �ش�أنهم���ا جعل ال�سياح �أهداف ًا �سهلة ،ال�سيما يف الأماكن البعيدة الواقعة يف م�أرب وح�ضرموت ،ما يجعلها �أماكن مثالية لن�صب الكمائن وتكتيك “�أ�ضرب واهرب”. ويف الوق���ت ذات���ه ،تنظر اجلماع���ات الإرهابي���ة �إىل �أن الهجمات التي ت�سته���دف الأجان���ب فيها فائدة كب�ي�رة� ،إذ �أن �أي هج���وم ميثل م�صدر �إح���راج للحكوم���ة اليمني���ة ،والتي طامل���ا �سعت جاه���دة لتح�سني �صورة الب�ل�اد على �أنها وجهة �آمنة لل�سياح ،وبالطبع ف�إن الو�صول �إىل �ضيوفها يُظه���ر مدى عجز احلكومة ع���ن حمايتهم .كذلك ،ف����إن �شنّ الهجمات على الأجانب يلفت انتباه و�سائل الإعالم �إىل حد كبري ،ويزيد من حجم ال�ضغ���وط على احلكومة للقيام بالرد و�إظهار قدرتها على احلفاظ على �أمن وا�ستقرار مناطقها. وبالن�سب���ة لليمن تع���د الهجمات الإرهابية �أكرث تعقي���د ًا من غريها من البل���دان ،بالنظر ملا له���ذه الهجمات من تبعات عل���ى امل�ساعدات املالية الأجنبي���ة .ومب���ا �أن الدولة تعتمد كث�ي�ر ًا على امل�ساع���دة الأجنبية ،ف�إن احلكوم���ة �ستظ���ل تتعر����ض ل�ضغ���وط �شدي���دة لك���ي تثب���ت قدرتها على ال�سيطرة �أمام املجتم���ع الدويل ،و�أنه قد مت اتخاذ الالزم للحفاظ على الأمن واال�ستقرار. 32
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
�أث��ر الهجم��ات الإرهابي��ة عل��ى قط��اع ال�سياح��ة ميث���ل الأث���ر الناج���م ع���ن يف اليم��ن
الهجم���ات الإرهابية على قط���اع ال�سياحة يف اليمن عام�ل�اً مهماً ،فقد عانى هذا القطاع الكثري من اخل�سائر الفادحة منذ �شن الهجمات على ال�سياح البلجيكي�ي�ن والأ�سبان عام .2007و�أ�صبحت الفنادق والوكاالت ال�سياحي���ة يف اليم���ن ت�شتكي من قلة الأعم���ال ،وخففت بع�ض اخلطوط اجلوي���ة م���ن رحالتها �إىل اليم���ن .وبلغت اخل�سارة املق���درة للدخل من ال�سياحة بحوايل 60مليون دوالر �سنوياً. وكم���ا هو احل���ال يف البل���دان الأخرى ،متث���ل حماية ال�سيّ���اح الأجانب املتجول�ي�ن يف اليم���ن مهمة �صعب���ة بالن�سب���ة لقوات الأم���ن .ويف معظم الأحي���ان يتج���ول ال�سيّ���اح يف البلد دون �إع�ل�ام �سفاراته���م �أو الأخذ يف االعتب���ار التحذي���رات املتع���ددة وال�صادرة عن احلكوم���ة اليمنية .ومبا �أن املناطق ال�سياحي���ة متتد على م�ساحة جغرافية وا�سعة ،من م�أرب يف ال�شمال �إىل ح�ضرموت يف اجلنوب ،فمن ال�صعب على ال�سلطات اليمنية تعقب ومراقب���ة تنقالت ال�سياح عرب املدن واملحافظات املختلفة .وتقوم نقاط التفتي�ش على الطرق الرئي�سية وتقاطعاتها امل�ؤدية �إىل املحافظات بالت�أك���د من ال�سي���اح ومتابعتهم يف ح���ال حدوث �أي حال���ة اختطاف �أو هجوم ،لكن هذا مل يكن مينع من حدوث الهجمات. ولك���ي يت���م احلد م���ن خماطر الهجم���ات الإرهابي���ة عل���ى ال�سياح يتم تنظيم حرا�سة �سياحية تت�ضمن �سيارة �أو �سيارتني جيب بداخلهما عدد م���ن الرجال امل�سلح�ي�ن .ومع �أن هذه احلرا�سة متث���ل عامل ردع للقبائل م���ن اختط���اف الأجان���ب �إال �أنه���ا غالب ًا م���ا تعجز يف �ص���د اجلماعات الإرهابي���ة؛ فاحلرا�سة الأمنية ال تقدم �س���وى حماية حمدودة ،ويف حال الكم�ي�ن �أو وجود قوة مهاجمة كبرية ف����إن املهاجمني ي�ستطيعون معادلة ق���وة احلرا�سة .وق���د اتخذت احلكوم���ة اليمنية من ناحيته���ا عدد ًا من اخلط���وات ل�ضمان �سالمة ال�سياح الأجان���ب .فقد قررت يف متوز/يوليو م���ن العام املا�ضي � 2009إن�شاء وحدات قوات �أمن خا�صة بغر�ض حماية ال�سي���اح ،وقبلها يف حزيران/يونيو � 2009أعلنت وزارة الداخلية اليمنية ع���ن ا�ستعدادها تق���دمي مركبات �سياحية جمهزة مبع���دات �إنذار مبكر تربطها ب�أماك���ن املراقبة الأمنية اجلديدة ،والت���ي بدورها تقوم ب�إبالغ ضال عن ذل���ك ،قامت ق���وات الأم���ن عن ح���دوث �أي خط���ر حمتم���ل .ف� ً ال���وزارة بتوزيع �أجه���زة �إنذار على كل املركب���ات العاملة �سواء يف قطاع ال�سياح���ة العمومي� ،أو لدى �شركات ال�سياح���ة اخلا�صة ،وهذه الأجهزة قد حتد من خماطر الهجمات الإرهابية لكنها مكلفة. وم���ع �أن اليمن قد بذلت جهود كبرية يف �إيجاد مبادرات ت�ضمن حماية و�سالمة ال�سياح املتجولني يف اليمن� ،إال �أن الرهان يكمن يف مدى فاعلية ذل���ك يف امل�ستقبل .فالإجراءات الأمنية مثل احلرا�سة املرافقة لل�سياح، ونق���اط التفتي����ش ،و�أنظمة الإنذار ،ق���د ال تكفي وحده���ا ملنع الهجمات الت���ي تق���وم به���ا اجلماع���ات الإرهابية مث���ل القاعدة يف اليم���ن .وعلى املدى البعيد ،و�إذا م���ا �أرادت الدولة تطوير �إ�سرتاتيجية جلذب ال�سياح الغربيني ،ف�إن عليه���ا �إثبات �أنها فع ًال قادرة على حماربة الإرهاب على �أرا�ضيها ،و�أنها ت�سيطر على الو�ضع الأمني يف عموم �أرجاء البالد.
ي�صدر قريب ًا عن مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية
اليمـن ال�سيا�سة واملجتمع بحوث و�أوراق عمل امل�ؤمتر الذي نظمه املركز خالل الفرتة � 18-17أيار/مايو 2010
حترير: �أحمد عبد الكرمي �سيف
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
يوليو�/أكتوبر العددان ،5 - 4 Relating2010ا�سرتاتيجية Policy to Knowledge
33
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
اليمن والأمن الإقليمي
القفز على جدار التهمي�ش ال يب ��دو �أن هن ��اك منطق ��ة يف العامل قد اختربت حت ��والت يف بيئتها الأمنية خالل الثماني ��ة العقود املا�ضية مثل الذي اختربته منطقتنا العربية خا�صة �أو ما ي�سمى منطقة «ال�شرق الأو�سط» ب�صفة �أعّم؛ فقد تداعت الأمم -بالفعل -على منطقتنا يف �أعقاب احلربني العامليتني الأوىل والثانية ,بعدما �أُر�سيت قواعد لعبة توازن القوى «اجلديدة» يف العامل ب�إزاحة الرجل العثماين «امل�سلم» املري�ض من �ساحة التناف�س الدويل ,وت�شتيت طاقات القيادات العربية للتفكري يف م�آالت امل�ستقبل الزاهر يف ظل احلكم «القُطْ ري» كامل ال�سيادة! �سامي حممد ال�س َيّاغي sami20077@hotmail.com
لق���د �أف�صح باطن �أر����ض العروبة – حينها – عما يجي�ش يف �أح�شائها م���ن كنوز �س���وداء ي�سيل لها لع���اب ماكينة احل�ض���ارة الغربية املتعط�شة للوقود ,كما �صرخ ظاهرها من جور الكيان الغريب الذي اُ�ستزرع فيها, ومن هول م�شهد فرار �أ�صحابها يحملون فتات �أمالكهم ومفاتيح يلوذون بها حلفظ حقوقهم. ذل���ك امل�شه���د الدرام���ي املعق���د بطبيعته ه���و بعينه ما نعي����ش يف ظل تداعيات���ه حت���ى ع�صرن���ا احلا�ض���ر ,فم���ا ت���زال منطقتن���ا -برغ���م حترره���ا الوطني -ت���رزح حتت وط�أة ح�سابات م�صال���ح القوى الكربى وا�سرتاتيجياته���ا الكونية ,وما يزال جرحنا الن���ازف يف فل�سطني ي�سيل دم��� ًا يوم ًا بع���د يوم .ومن ب�ي�ن ركام امل�شهد «املتوت���ر» � -سالف الذكر - �أ�صب���ح حتقي���ق �أمن االقليم واملحافظ���ة عليه ,هو �شغ���ل العامل ال�شاغل وهاج����س دول املنطق���ة ال���ذي ال ينق�ض���ي .وكان لزام ًا عل���ى تلك الدول (�أي دول املنطق���ة) �أن جتاهد مل ّي ًا لتجد لهواج�سها الأمنية وم�صاحلها الوطني���ة ف�سح ًة يف مي���دان ح�سابات القوى الك�ب�رى للأمن الإقليمي يف املنطقة ولال�سرتاتيجيات الكفيلة بتحقيقه واملحافظة عليه. واليم���ن ك�إحدى دول الإقليم تعد بال ريب رمانة امليزان بالن�سبة لأمن �إقليم���ي اخلليج العربي والقرن الأفريق���ي .وذلك و�ض ٌع مل تخرته اليمن 34
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
مبح�ض �إرادتها� ،إمنا ه���و واقع فر�ضته حقائق اجليوبوليتيك اجلامدة. وم���ن منطلقات ذلك الواقع� ،ش���كّل �صانع القرار اليمن���ي ن�سيج �إدراكه وت�صورات���ه ملوجبات حتقي���ق الأمن الإقليم���ي وا�سرتاتيجيات���ه ,وللدور املفرتَ�ض به ممار�سته يف ذات ال�صدد.
ن�سيج الت�صورات والثوابت قد ال تكون اليمن دولة �إقليمية م�ؤث���رة يف �صياغة ا�سرتاتيجيات الأمن الإقليمي يف املنطقة بحكم توا�ضع موارده���ا وجنوحها يف الأ�سا�س �إىل �إتباع �سيا�سة خارجية غري تدخلية؛ ولك���ن ذلك ال يعني عدم �أهمية اليمن مبقوماتها الطبيعي���ة (جغرافي��� ًا و�سكاني���اً) كحج���ر زاوي���ة يف �أي ا�سرتيجية يُراد ر�سمه���ا للأمن الإقليمي يف املنطقة .وذلك الأمر مل يغِبْ يف واقع احلال عن �إدراك �صانع القرار اليمني على الدوام ,و�إن ظل م�ست�شعر ًا يف واقع احلال لتوا�ضع «�إمكانياته» يف ذات ال�صدد. وبالت���ايل ،ف�إنه من الثاب���ت تاريخي ًا �أن �ش�ؤون الأم���ن الإقليمي �شكلت عل���ى الدوام هاج�س ًا وحمفز ًا – يف الوقت ذاته -ل�صانع القرار اليمني باجت���اه حماول���ة �إب���داء الر�أي يف تل���ك ال�ش����ؤون عالني���ةً ،وامل�شاركة ما �أمك���ن يف تقييد �أي توجه���ات «خارجية» ل�صياغة وت�سي�ي�ر تلك ال�ش�ؤون �سامي ال�سياغي دكتوراه يف العلوم ال�سيا�سية ,جامعة القاهرة. م�ست�شار �ش�ؤون البحث العلمي ,وكالة الأنباء اليمنية (�سب�أ).
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
35
اليمن والعامل
حتليالت
مب���ا قد ال يتفق وم�صالح اليمن خا�ص���ة وامل�صالح العربية ب�صفة عامة. وق���د انطلق �صان���ع القرار اليمن���ي يف ر�ؤيته مل�س�ألة الأم���ن الإقليمي من ت�ص���ورات ومبادئ �أو ثوابت حم���ددة �شكّلت منطلق��� ًا متوازن ًا ل�صياغته �سيا�س���ات اليمن الإقليمي���ة ,ومدخ ًال �شفاف ًا لتعامل ال���دول الأخرى مع تلك ال�سيا�سات. �إن ت�ص���ور �صانع الق���رار اليمني لأهمية حتقي���ق الأمن الإقليمي يف منطقتي اخلليج العربي والق���رن الأفريقي ينبع يف الأ�سا�س من ارتباط ذل���ك الت�صور بهدف حتقيق الأمن القومي اليمني الذي ي�أتي على ر�أ�س �أولويات الأهداف املركزي���ة لل�سيا�سة اخلارجية اليمنية ,كما هو احلال بالطبع بالن�سب���ة لل�سيا�سة اخلارجية لأي وح���دة دولية ,فالأمن مرتبط ارتباط��� ًا ع�ضوي��� ًا بوج���ود الدول���ة وبقائه���ا وممار�سته���ا ل�سيادتها على �أرا�ضيها ب�شكل كامل. ومفه���وم �صان���ع القرار اليمن���ي لأُ�س�س الأمن الإقليم���ي ي�ستند �إىل جان���ب ذل���ك الت�صور العام على ر�ؤية ثابتة مفاده���ا �أن حدود اليمن مع جريان���ه يجب �أن تظل معابر للتعاون والتوا�صل احل�ضاري املثمر بعد �أن متت ت�سوية م�شاكل احلدود وفق نهج «ال �ضرر وال �ضرار» الذي اعتنقته القيادة اليمنية ممثلة يف الرئي�س �صالح �أ�سا�س ًا لتلك الت�سوية .وبالتايل، ف�ل�ا خماوف وال توج�سات حدودية حتكم ر�ؤي���ة اليمن للأمن الإقليمي. ذل���ك يف مقابل تخ���وف دائم لدى �صان���ع القرار اليمن���ي من حماوالت التدخ���ل اخلارجي يف �ش�ؤون الإقلي���م �أو تدويل م�شاكله الأمنية ,وحر�ص م�ستمر على �إبقائه داخل حا�ضرة التعاون الأمني بني دوله. ووفق��� ًا للمفه���وم �سال���ف الذكر ،ف�إن هن���اك عدد م���ن الثوابت التي حتك���م طبيع���ة ر�ؤية اليم���ن (�صنّ���اع قرارها) ملفه���وم الأم���ن الإقليمي وا�سرتاتيجي���ات حتقيق���ه و�صيانته ,وت�ساهم بالت���ايل يف ت�شكيل �أي دور �إقليم���ي حمتم���ل لليم���ن يف م�س�أل���ة ا�سرتاتيجي���ات الأم���ن الإقليمي يف منطقت���ي اخلليج العربي والقرن الأفريق���ي .ولعل من �أهم تلك الثوابت ما يلي: ( )1معار�ضة حماوالت التدخل الأجنبي يف �ش�ؤون الإقليم بكل �أ�شكالها ومربراتها. ( )2اعتم���اد �سيا�س���ة احلل���ول ال�سلمية للنزاع���ات يف منطقتي اخلليج العربي والقرن الأفريقي. ( )3ال�سعي باجتاه حتقيق م�ستوى مقبول من التن�سيق والتعاون الأمني وال�سيا�س���ي واالقت�ص���ادي ب�ي�ن دول الإقلي���م بعيد ًا ع���ن �سيا�سة املحاور وتكتالت القوى املركزية �أو الهام�شية. ( )4ا�ستع���داد اليم���ن الدائ���م لتحمل �أي تبع���ات �أمني���ة �أو �سيا�سية �أو اقت�صادي���ة جرّاء الأو�ض���اع الأمنية املتقلبة يف منطق���ة القرن الأفريقي دون �أدن���ى عائ���د مبا�شر �سوى احلفاظ على مب���د�أ �إ�سرتاتيجية العالقة بني �أمن القرن الأفريقي وبني الأمن القومي اليمني. ( )5حر����ص اليمن الدائم على تبني مواق���ف وا�ضحة من كل ما ميكن �أن يعرِّ����ض �أمن دول اخلليج �إىل اخلطر م���ن �أي قوى خارجية (�إقليمي ٍة كانت �أم كربى). ( )6االعتق���اد الرا�سخ ب�أن تهديد الأم���ن الإقليمي يف منطقتي اخلليج 36
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العرب���ي والق���رن الأفريقي وجن���وب البح���ر الأحمر ي�أت���ي � -إىل جانب م�س�أل���ة تدخ���ل القوى الك�ب�رى يف �ش�ؤونه – من ِقبَ���ل �إ�سرائيل يف املقام الأول باحتاللها للأرا�ضي العربي���ة و�أطماعها التو�سعية ملد نفوذها �إىل مياه البحر الأحمر .وال جمال بالتايل -وفق ًا للر�ؤية اليمنية -للمقارنة بني اخلطر الإ�سرائيلي على �أمن الإقليم وبني ما تبديه �إيران بني احلني والآخر من طموحات جادة للعب دور �إقليمي م�ؤثر على �ش�ؤون املنطقة. ( )7يف الوق���ت ال���ذي ت�ؤمن فيه اليمن بجدية وخط���ورة تهديد ظاهرة الإره���اب للأم���ن الإقليمي ب�صفة عام���ة ,و�أهمية حتالفه���ا مع املجتمع الدويل ملجابهته���ا ,ف�إنها ت�ؤكد دوم ًا على �ضرورة مواجهة ذلك التهديد م���ن خالل منظور ع���ام ال يُغفِ���ل �ض���رورة ا�ستئ�صاله من ج���ذوره التي تغذيها يف الأ�سا�س -وفق ًا لوجهة النظر اليمنية � -سيا�سات �إ�سرائيل يف املناطق املحتلة ,واالختالل القائم يف العالقات ال�سيا�سية واالقت�صادية الدولية فيما بني ال�شمال الغني واجلنوب الفقري.
مقوم��ات ال��دور وطبيعت��ه �إن احلدي���ث عن �سيا�سات بناء الدور الإقليمي لليمن ال يعني بال�ضرورة �أن اليمن قد �أ�صبحت دولة �إقليمية م�ؤثرة ك�إيران �أو الهند �أو باك�ستان �أو تركيا؛ لكن يف املقابل ,اليم���ن �أي�ض ًا مل تعد ذلك الالعب الهام�شي يف الإقليم .فقد �أدرك �صان���ع القرار اليمني منذ العام ,1995يف ظل ما عانته اليمن من �سيا�سات التهمي�ش الإقليمي على �أ�صداء موقفها من �أزمة وحرب اخلليج الثاني���ة� ,أهمية االنتقال �إىل مرب���ع امل�شاركة الفاعلة يف �ش����ؤون الإقليم وف���ق ر�ؤية ت�ستهدف حتقيق امل�صالح اليمني���ة وتعزيز الأمن واال�ستقرار والتعاون الإقليم���ي .و�شواهد ذلك االهتمام بال�ش����ؤون الإقليمية عديدة منه���ا :تقدمي اليمن لطلبها «الر�سم���ي» الأول لالن�ضمام ملجل�س التعاون اخلليج���ي ع���ام ,1996واالن�ضمام لرابطة املحيط الهن���دي عام ,1997 ورعايتها لإن�شاء جتم���ع �صنعاء للتعاون عام ,2002وانغما�سها يف جهود امل�صاحل���ة ال�صومالية ,وبذله���ا العديد من جه���ود الو�ساطة وامل�ساعي احلميدة حلل اخلالفات العربية. اليم���ن� ،أو بالأ�صح �صانع القرار فيها ،يعتمد يف حماوالته االنغما�س يف �ش����ؤون الإقلي���م عل���ى عدة مقوم���ات مادي���ة متتلكها اليم���ن وت�ؤهلها للع���ب دور فاعل يف �صياغة ا�سرتاتيجيات الأم���ن الإقليمي و�صيانته ,ما ي�ستوجب بالتايل دعم ًا �إقليمي ًا ودولي ًا لت�شجيع اليمن على لعب مثل ذلك الدور .ولعل من �أهم تلك املقومات ما يلي: ( )1مقوم��ات تتعلق بطبيعة املوقع اال�سرتاتيجي املتميز من عدة �أوج��ه� :أعطى املوقع اجلغرايف لليم���ن بحق خ�صائ�ص جيو�سرتاتيجية
ومناخية غاية يف التميز والأهمية .فاليمن مبدئي ًا ت�شكل حمطة طبيعية خلطوط امل���رور الدولية للأغرا�ض املدنية والتجاري���ة وعلى ر�أ�سها نقل النفط (ع�صب االقت�صاد العاملي) ,ويعزز من �أهمية ذلك املوقع حتكُّم اليمن فعلي ًا يف م�ضيق باب املندب. واليم���ن ت�شكل بهذا املوقع نقطة توا�صل جغرايف �إ�سرتاتيجية وبخا�صة بني �آ�سيا و�أفريقيا ,وهي املهمة التي من املُنتظر �أن تتعزّز يف ظل الإعالن ر�سمي��� ًا عن قرب تنفيذ م�شروع ج�س���ر �سريبط بني اليمن وجيبوتي عرب م�ضي���ق باب املن���دب .كما ت�شكل اليم���ن �أي�ض ًا عمق��� ًا ا�سرتاتيجي ًا لدول
ت�صور الكاتب لدائرة الأمن الإقليمي لليمن بناءً على قاعدة اجلوار اال�سرتاتيجي
�شب���ه اجلزيرة العربية واخلليج العربي وم�ص���ر .وقد فرَ�ض هذا الواقع عل���ى اليمن ع�ب�ر التاريخ �أن تكون ج���زء ًا �أ�سا�سي ًا م���ن معظم الأحداث والتح���والت اجل�س���ام التي مرت بها تل���ك املناطق .وجتل���ى ذلك الواقع يف كثاف���ة التوا�صل التاريخ���ي وحماوالت ال�سيطرة وب�س���ط النفوذ التي تعر�ض���ت لها اليمن وبخا�صة من جانب الفر�س والأحبا�ش قدمياً ,ثم يف الع�ص���ور الالحقة من جانب املمالك وال�سلطنات الإ�سالمية (الأيوبيون – املماليك – العثمانيون). �أم���ا بالنظ���ر يف طبيعة التهديدات التي تُخاتِل البيئة الأمنية ملناطق اخلليج العربي والبحر الأحمر وخليج عدن والقرن الأفريقي يف الع�صر احلا�ضر ,ف�إن موق���ع اليمن اال�سرتاتيجي يجعل من ال�ضرورة مبكان �أن حتتل قل���ب �أي منظور �أمن���ي ا�سرتاتيجي ميكن �أن يو�ض���ع الحتواء تلك التهدي���دات .ولع���ل ال�شكل التو�ضيحي املرفق ي�سل���ط ال�ضوء ب�شكل �أكرث تركي���ز ًا على املق�ص���ود بو�ضع اليم���ن اال�سرتاتيج���ي يف منظومة الأمن الإقليم���ي على اعتبار �أن دائرة الأم���ن الإقليمي لليمن تتقاطع بطبيعتها م���ع كاف���ة التهدي���دات الأمنية الت���ي جتت���اح املنطقة برمته���ا يف الوقت الراهن. �أما عن طبيعة �أهم التهدي���دات الأمنية التي جتتاح املنطقة يف الوقت الراهن ،فيمكن الإ�شارة �إىل ما يلي: (�أ) التناف����س الإقليم���ي وال���دويل عل���ى النف���وذ يف منطق���ة اخللي���ج العربي نتيجة تكثيف الوج���ود الأجنبي فيها من ناحية ,ومواجهة �إيران املت�صاعدة مع القوى الكربى عل���ى خلفية طموحاتها النووية «ال�سلمية» ضال عن �سيا�سات �إيران التدخلية يف بع�ض دول من ناحية �أخرى .هذا ف� ً املنطق���ة ،وبخا�صة عرب �إثارة الورقة الطائفي���ة واملذهبية يف جمتمعات تل���ك الدول للت�أثري على ا�ستقراره���ا الداخلي ,وكذا حماولتها امل�ستمرة
تغلي���ب نفوذه���ا الإقليمي عل���ى توجه���ات دول اخللي���ج �إزاء العالقة مع الق���وى الكربى عامة وم���ع الواليات املتحدة الأمريكي���ة بالذات ,ناهيك عن احتاللها جلزر الإمارات الث�ل�اث ورف�ضها القاطع اللجوء للتحكيم الدويل من �أجل ف�ض النزاع حولها. (ب) �أم���ن خلي���ج ع���دن وم�ضي���ق ب���اب املن���دب ،ال���ذي اعتل���ى �سُ لَّم االهتمام���ات الأمني���ة ل���دول املنطقة ولل���دول الكربى عق���ب ا�ستفحال ظاه���رة القر�صن���ة القادمة من �سواحل ال�صوم���ال امل�ضطرب وت�أثريها يف حرك���ة املالح���ة الدولية عرب اخللي���ج وعرب مياه البح���ر الأحمر ،يف ضال ظ���ل �أهمية تلك احلركة وحيويته���ا بالن�سبة لالقت�ص���اد العاملي .ف� ً ع���ن امتداد يد اجلماع���ات الإرهابي���ة ،وتنظيم القاع���دة بالذات� ،إىل البح���ر الأحمر وبحر العرب عرب ا�ستهدافها للمدمرة الأمريكية (كول) والناقلة الفرن�سية (ليمبورغ). (ج) �أم���ن الق���رن الأفريق���ي وجنوب البح���ر الأحم���ر وارتباطه ب�أمن م�ضي���ق باب املندب وقناة ال�سوي�س يف ظل حالة عدم اال�ستقرار املزمنة الت���ي �أملّت بتل���ك املنطقة ،على خلفي���ة ال�صراع الداخل���ي يف ال�صومال وال�صراع���ات املتكررة بني عدة دول يف املنطق���ة كال�صراع امل�سلح الذي اندل���ع لعدة جوالت بني �إريرتيا و�إثيوبي���ا ,والنزاع الإريرتي -ال�سوداين ح���ول ق�ضايا تتعل���ق بدعم اجلماع���ات امل�سلحة املعار�ض���ة ,ناهيك عن م�س�أل���ة القواعد الأجنبي���ة يف جيبوتي ,وما يُثار ب�ي�ن احلني والآخر عن ت�سهي�ل�ات ع�سكري���ة متقدمة حت�ص���ل عليه���ا �إ�سرائيل يف مي���اه البحر الأحم���ر انطالق ًا من موانئ وجزر �إريرتية ,و�إىل غري ذلك من ب�ؤر عدم اال�ستقرار يف املنطقة.
( )2مقوم��ات متعلقة بالعامل الدميوج��رايف والإمكانات واخلربة الع�سكري��ة :فعدد �سكان اليمن الذي و�ص���ل يف تعداد 2004حوايل 20 العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
37
اليمن والعامل
حتليالت
ملي���ون ن�سم���ة ومبعدل منو �سنوي بلغ ,%3كان ق���د ت�ضاعف مبقدار 4,6
الر�ؤى املتعلقة بتحقيق الأمن الإقليم���ي يف املنطقة وبناء �إ�سرتاتيجياته طويلة املدى.
مرة يف الفرتة ( ,)2004 - 1950ومن املتوقع وفق م�ستويات النمو احلالية �أن ي�ص���ل عدد ال�سكان عام � 2024إىل 42,2ملي���ون ن�سمة .ويُعد املجتمع طبيع��ة ال��دور كم���ا مت���ت الإ�ش���ارة اليمن���ي «جمتمع ًا فت َّياً» ،حيث متثل فئة ال�شباب �أكرث من ن�صف �إجمايل �سلف��� ًا ف����إن اليم���ن – ب�إمكاناتها املتوا�ضعة – مل تقب���ع جامد ًة يف مربع ال�سكان ,وقد �أفرز ذلك هيك ًال �أو هرم ًا �سكاني ًا ذا قاعدة عري�ضة. التهمي����ش الإقليمي بل �سعت مع كل فر�صة �سانحة ملمار�سة �أدوار حافزة ه���ذا الو�ض���ع الدميوجرايف يعط���ي لليمن ميزة ن�سبي���ة يف حميطها على حتقيق الأم���ن واال�ستقرار والتعاون يف دائرتها الإقليمية املبا�شرة. الإقليم���ي؛ ف���وزن كتلته���ا ال�سكانية على �سبي���ل املثال ت���كاد تتجاوز ثلث وميكن فيما يلي الإ�شارة باقت�ضاب �إىل �أهم مالمح حماوالت اليمن لبناء الكتل���ة ال�سكاني���ة ملنطقة اخللي���ج العرب���ي واجلزيرة العربي���ة ,ناهيك دور �إقليم���ي فاعل وم�ساهم ب�شكل ايجابي يف تعزي���ز الأمن واال�ستقرار ع���ن كونها كتل���ة �سكانية فتيّ���ة ومتطلعة لتحقيق م�ستوي���ات متقدمة من الإقليم���ي يف منطقتي اخلليج العربي والقرن الأفريقي مع انعكا�س ذلك التنمية والتطور املادي ,وهي كذلك كتلة دائمة التحرك (الهجرة) عرب بالطبع على بيئة الأمن الدويل عامة. احلدود لت�شكل على الدوام ج�سور توا�صل بنّاء فيما بني اليمن وحميطها تبنَّ���ت ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة اليمنية من���ذ وقت مبكر مب���د�أ منابذةالإقليمي (اخلليجي والقرن �أفريقي بالذات). التدخ���ل اخلارج���ي يف �ش����ؤون الإقلي���م �أو تدخل دوله يف �ش����ؤون بع�ضها �إىل جان���ب ذل���ك ،ال���وزن الن�سب���ي املتمي���ز لكتل���ة اليم���ن ال�سكانية البع����ض .واعتمدت يف ذات ال�صدد عل���ى �أربعة منطلقات رئي�سية :فهي والمتداداته���ا البنّ���اءة يف حميطه���ا الإقليم���ي ,ال ري���ب �أن و�ضع اليمن م���ن ناحية ،مل تتح املج���ال لأي تدخالت �أجنبي���ة يف م�شاكلها الداخلية يف �إط���ار مي���زان القوى الإقليم���ي ي�شري �إىل متتعها بالعدي���د من املزايا كح���رب االنف�ص���ال �صي���ف ,1994وتعامل���ت بح���زم وم�سئولي���ة وحنكة الن�سبي���ة التي تر�شحها بالفعل للعب دور م�ؤثر يف دبلوما�سي���ة بخ�صو�ص ما �أُثري ع���ن دعم �إيراين ت�شكيل مف���ردات �إ�سرتاتيجية الأمن الإقليمي يف «غ�ي�ر ر�سم���ي» حلركة التم���رد احلوث���ي م�ؤخراً؛ املنطقة ,وذلك اعتم���اد ًا على خمزونها الب�شري اليمن -ب�إمكاناتها املتوا�ضعة وهي -من ناحية ثانية -ظلت حري�صة على عدم مل تقبع جامد ًة يف مربعالفت���ي من ناحية ,وعلى خ�ب�رة قواتها الع�سكرية القب���ول ب�أي تدخل �أجنب���ي يف �ش�ؤون �أي دولة من التهمي�ش الإقليمي بل �سعت (اجلي����ش والأم���ن) املتج���ددة يف خو����ض غمار دول الإقلي���م؛ وحر�صت -من ناحية ثالثة -على ال�ص ْرف���ة �أو تل���ك مع كل فر�صة �سانحة ملمار�سة التحدي���ات الأمني���ة املحلي���ة ِ االنخراط بقوة يف معاجل���ة الق�ضايا والنزاعات �أدوار حافزة على حتقيق امل�شبعة بتجلي���ات خارجية كفتنة التمرد احلوثي العالق���ة بني دول الإقلي���م وتبنَّت يف ذات ال�صدد م�ؤخراً .ما يعني �أن اليمن تدرك �أهمية احلفاظ الأمن واال�ستقرار والتعاون يف مواقف داعمة لأ�صحاب احلقوق ومنادية ب�أهمية دائرتها الإقليمية املبا�شرة عل���ى الأم���ن واال�ستق���رار يف املنطق���ة وتعل���م – اللج���وء �إىل الو�سائل ال�سلمية حلل تلك امل�شاكل, باملمار�سة -مدى املعاناة التي تخلقها حالة عدم ولع���ل يف موقفه���ا الثابت من االحت�ل�ال الإيراين اال�ستق���رار عل���ى م�صاحلها وتطلعاته���ا لتحقيق للج���زر الإماراتي���ة الثالث منوذج��� ًا لذلك؛ ومن التنمي���ة ال�شامل���ة ,وه���ي (�أي اليم���ن) متلك يف ناحية رابع���ة ,مل يَثبُت ق َّط ع�ب�ر العقود املا�ضية الوق���ت نف�سه اخلربة واجلاهزي���ة الكافية ن�سبي ًا قي���ام اليمن ب�أي نوع من �أن���واع التدخل يف �ش�ؤون للتعام���ل ميداني ًا مع ت�شكيلة متنوعة من املخاطر �أي دولة من دول الإقليم. الأمنية التي اختربتها عملي ًا يف �أكرث من منا�سبة. حر�ص���ت ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة اليمنية علىوبالت���ايل ،ف�إمكان���ات اليم���ن الدميوجرافي���ة اعتم���اد النهج ال�سلمي يف ح���ل م�شاكلها مع دول والع�سكري���ة ميكن �أن تحُ ت�سَ ب يف حم�صلتها النهائية يف خانة رفد جهود اجل���وار ،وقد �أنتج ذلك النهج حلو ًال عادل���ة ومر�ضية وا�ستثنائية كذلك حتقيق الأمن وتعزيز بيئة اال�ستقرار الإقليمي يف املنطقة. لت�سوي���ة خطي حدودها مع كلٍ من �سلطنة عم���ان وال�سعودية ,كما �أنهى ( )3مقوم���ات متعلق���ة بنم���ط ال�سيا�س���ة اخلارجية والرواب���ط مع دول ذل���ك النه���ج ب�س�ل�ام �أزمة االحت�ل�ال الإريرتي جل���زر حني����ش اليمنية اجل���وار :فم���ن �شب���ه املتفق علي���ه ل���دى املراقب�ي�ن واملحلل�ي�ن لل�سيا�سة و�أعادها كامل ًة �إىل ال�سيادة اليمنية عرب التحكيم الدويل. اخلارجي���ة اليمنية �أن تلك ال�سيا�س���ة قد اتخذت لها منط ًا مميز ًا خالل مل ت����ألُ ال�سيا�س���ة اليمني���ة جه���د ًا يف التفاع���ل مع امل�ش���اكل الأمنية�أكرث من ثالثة عقود .فاخلربة التاريخية ت�ؤكد على �أن اليمن قد اتبعت وال�سيا�سية يف القرن الأفريقي من منطلق احلر�ص على ا�ستتباب الأمن على الدوام �سيا�سات جوار �إقليمية ت�صاحلية ,و�أكرث حر�ص ًا على حتقيق واال�ستقرار يف تلك املنطقة .وقد َفرَ�ض قرب اليمن من القرن الأفريقي الأمن واال�ستقرار ,و�أكرث مي ًال �إىل حل امل�شاكل بالطرق ال�سلمية ,و�أكرث و�ش���رق �أفريقيا �أن تنغم�س �سيا�ستها الإقليمية �إىل حد بعيد يف االهتمام �سعي ًا لفتح �آف���اق التعاون مع الأطراف الإقليمية وفق �سيا�سات متوازنة. بق�ضاي���ا الأمن واال�ستق���رار يف تلك املنطقة ,وقد جتل���ى ذلك االهتمام وق���د امتد ذلك النم���ط بالطبع لي�شم���ل �شبكة عالقات اليم���ن الدولية م�ؤخ���ر ًا يف الإ�سهام اليمني املتوا�صل يف جهود ح���ل امل�شكلة ال�صومالية ب�صفة عامة .ذلك الأمر ي�ؤهل اليمن يف واقع احلال لالندماج مبرونة يف 38
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ضال وامل�شاكل بني �إريرتيا وجريانها (جيبوتي – ال�سودان – �أثيوبيا) ,ف� ً ع���ن حتمل اليمن لتبع���ات �أمني���ة واقت�صادية واجتماعي���ة كبرية نتيجة ا�ستقباله���ا مئات الآالف من الالجئني ال�صومالي�ي�ن و�أعداد �أخرى من �أثيوبيا و�إريرتيا.
عن كل �أ�شكال الوجود والتناف�س الدويل على هام�ش مواجهة تلك الظاهرة .وقد التايل بقلم :عاي�ش عوا�س ا�ستطاعت اليمن �إىل حدٍ ما االنخراط يف اجله���ود الدولية ملواجه���ة تلك الظاهرة م�ستفي���دة يف الأ�سا�س م���ن امل�ساعدات املحدودة الت���ي تتلقاها من �أجل تطوي���ر �إمكانيات �سالح خفر ال�سواحل اليمن���ي؛ ولكن اليمن يف املقابل مل توفّ���ق يف حتقي���ق التجاوب املطلوب م���ن دول البحر الأحمر لتن�سيق جهوده���ا امل�شرتك���ة ملواجهة ظاه���رة القر�صنة والو�ص���ول لإ�سرتاتيجية جماعية م�شرتكة يف ذات ال�صدد.
اليمن وجمل�س التعاون :تقييم عقد من االن�ضمام اجلزئي
حافظت اليمن منذ عقود م�ضت على �سيا�سة �إ�سرتاتيجية مو�ضوعية�إزاء البحر الأحمر ,حيث ظل���ت م�ستوعبة متام ًا لأهميته الإ�سرتاتيجية بالن�سبة حلماية �أمنها الوطن���ي وبالن�سبة للأمن القومي العربي ب�صفة عامة؛ وذلك ما دفعها على الدوام لإتباع �سيا�سات ُم�صِّ رة على حياديته وراف�ضة لأي �شكل من �أ�شكال الوجود الأجنبي يف مياهه الإقليمية. ولك���ن املالح���ظ منذ بداي���ة ت�سعينيات القرن املن�ص���رم �أن ممانعة اليم��ن وم�ستقب��ل الأم��ن الإقليم��ي من اليمن للوجود الأجنبي يف مياه البحر الأحمر مل تعد تقوى على مواجهة الوا�ض���ح �أن اليم���ن مل تبتع���د كث�ي�ر ًا عن موق���ع املركز بالن�سب���ة لت�أثري املربرات الأمني���ة التي ت�سوقها القوى الأجنبية لت�سويغ ذلك الوجود ،يف التهدي���دات التي تواجه بيئ���ة الأمن الإقليمي ملنطقت���ي اخلليج والعربي ظل ا�ستفحال حالة عدم اال�ستقرار التي �أملّت باملنطقة منذ م�أ�ساة الغزو والق���رن الأفريقي ,حيث عانت (وال تزال) الكثري م���ن التبعات الأمنية العراق���ي للكوي���ت ،وانفجار الأو�ض���اع الداخلية يف ال�صوم���ال ،و�صعود املرتتب���ة عل���ى حالة ع���دم اال�ستقرار الت���ي �أ�صابت بع����ض دول املنطقة جنم تنظيم القاعدة وجماعات اجلهاد الإ�سالمي امل�سلحة ,ناهيك عن كالعراق وال�صومال ,ناهيك عن تبعات التدخالت اخلارجية «املحتملة» تداعيات ظاهرة القر�صنة يف خليج عدن. يف �ش�ؤونه���ا الداخلي���ة م���ن خالل دع���م حركة �أ�صبحت اليمن بالفعل �شريك ًا رئي�سي ًا للمجتمعالتمرد «احلوثي» يف بع�ض املحافظات ال�شمالية اليمن تدرك �أهمية احلفاظ الدويل يف مواجهة ظاهرة الإرهاب .وقد انطلقت ونزع���ات االنف�ص���ال لدى ما ي�سم���ى باحلراك على الأمن واال�ستقرار يف تلك ال�شراكة ب�ص���ورة فاعلة عام 2000يف �أعقاب اجلنوبي. املنطقة وتعلم -باملمار�سة ا�سته���داف تنظيم القاع���دة للمدم���رة الأمريكية وبالنظر يف طبيع���ة تلك التبعات الأمنية التي مدى املعاناة التي تخلقها(كول) قبال���ة ميناء عدن وما تاله���ا من عمليات تتحمله���ا اليم���ن بالت���وازي م���ع حج���م ونوعية حالة عدم اال�ستقرار على م�ؤث���رة نفذه���ا التنظي���م �ض���د م�صال���ح �أمريكية التهدي���دات اال�ستثنائي���ة املاثل���ة �أم���ام البيئ���ة م�صاحلها وتطلعاتها لتحقيق وغربي���ة يف اليم���ن ويف �أفريقيا .وكان���ت هجمات الأمني���ة الإقليمي���ة ,وعالق���ة كل ذل���ك مبوق���ع التنمية ال�شاملة احل���ادي ع�شر م���ن �أيل���ول� /سبتم�ب�ر 2001ذروة اليم���ن اجليوبوليتيك���ي احل�سّ ا�س ال���ذي جعلها �سنام تلك العمليات ،و�شكلت يف واقع الأمر اختبار ًا يف مرك���ز تقاط���ع كل تل���ك التهدي���دات ,ميكن �صعب��� ًا لذلك التحالف النا�شئ بني اليمن واملجتمع الزعم ب����أن م�س�ألة دعم �أم���ن وا�ستقرار اليمن ال���دويل يف مواجه���ة ظاه���رة الإره���اب� .إذ كادت من ناحية ,ودع���م وت�سهيل دور اليمن الإقليمي اليمن تتحول حينها من موقع «احلليف» �إىل موقع املفرتَ����ض يف و�ضع وتنفي���ذ �إ�سرتاتيجية الأمن «الع���دو» يف ظ���ل احلملة الإعالمي���ة ال�شر�سة التي الإقليمي (املفرتَ�ض���ة �أي�ضاً) من ناحية �أخرى, انطلقت عل���ى �صفحات و�سائل الإع�ل�ام الأجنبية تع���د م�س�ألة بالغة الأهمي���ة �إذا م���ا �أُريد للبيئة وبع����ض العربي���ة م�ص���وِّر ًة اليمن كب����ؤرة م�صدِّ رة الإقليمي���ة اال�ستقرار وحتقي���ق الأمن ومواجهة للإرهاب و«مالذ �آمن» لتنظيم القاعدة ,ومر�شِّ ح ًة �إياها لتلقي ال�ضربة خماط���ر تنامي روح االنفالت الأمني يف مواجه���ة اجلماعات الإرهابية الأمريكي���ة التالية بعد �أفغان�ستان .ولكن اليمن ا�ستطاعت بالفعل تعزيز وع�صابات القر�صنة ,والوقوف يف وجه خماطر تغوُّل بع�ض دول الإقليم �شراكته���ا الدولية يف مواجهة ظاه���رة الإرهاب وتطوير قدراتها الذاتية الطاحمة لإعادة ر�سم خارطة الأمن الإقليمي فيها مبا يخدم م�صاحلها ملواجهة تلك الظاهرة ،وحققت يف ذات ال�صدد جناحات متوالية بتعاون هي فق���ط� ,أو نوايا بع�ض الدول الكربى التي تري���د اال�ستئثار مبعطيات �إقليم���ي ودويل ,كما وقعت عدد ًا م���ن اتفاقيات التعاون الأمني مع بع�ض ال�سيا�سي���ة الإقليمي���ة كلها لر�س���م م�ستقبل الإقليم مبا يتف���ق و�أهدافها دول الإقليم وبع�ض التفاهمات كذلك مع بع�ض الدول الكربى. الإ�سرتاتيجي���ة الإقليمية والعاملية -وهو ما ال يحقق يف واقع الأمر �أدنى حت���اول اليم���ن جاهد ًة الو�ص���ول �إىل تفاهمات عملي���ة وتنفيذية مع ق���در من الأم���ن واال�ستقرار ل���دول الإقليم .وعلى اليم���ن -يف املقابل-دول اجلوار الإقليمي والدول الكربى حول �أف�ضل ال�سبُل ملواجهة ظاهرة التح���رك يف كل االجتاه���ات ،من �أجل بناء حتال���ف �إقليمي ا�سرتاتيجي القر�صنة يف خليج عدن و�سواحل ال�صومال ،باالعتماد على مبد�أ �ضرورة للحف���اظ على �أمن وا�ستقرار الإقليم بعي���د ًا قدر الإمكان عن �إحداثيات حتمل دول البحر الأحمر للعبء الرئي�سي يف تلك املهمة والن�أي باملنطقة اال�ستقطاب الدويل يف املنطقة. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
39
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
اليمن وجمل�س التعاون اخلليجي تقييم �إجنازات و�إخفاقات عقد من االن�ضمام اجلزئي مثّل عام 2001نقطة حتول مهمة يف م�سار العالقات بني اليمن وجمل�س التعاون لدول اخلليج العربية ،ففي هذا التاريخ �أق���ر القادة اخلليجيون يف قمتهم احلادية والع�شرين التي ا�ست�ضافته���ا العا�صمة العمانية م�سقط قبول ان�ضمام اليمن �إىل �أرب���ع م���ن الهيئات وامل�ؤ�س�سات التابع���ة للمجل�س وهي :جمل�س وزراء ال�صحة ،مكت���ب الرتبية العربي لدول اخلليج، جمل����س وزراء العم���ل وال�ش�ؤون االجتماعية ،دورة ك�أ�س اخلليج العربي لكرة الق���دم ،ويف مرحلة تالية ان�ضم اليمن �إىل �أرب���ع م�ؤ�س�س���ات جديدة :منظمة اخلليج لال�ست�شارات ال�صناعية ،وهيئة التقيي����س ،وهيئة املحا�سبة واملراجعة ،وجهاز �إذاعة وتلفزيون اخلليج. عاي�ش علي عوا�س
aish@shebacss.com
وعل���ى م���دى ال�سن���وات املن�صرم���ة كان مو�ض���وع ان�ضم���ام اليمن �إىل املجل����س وما زال حتى هذه اللحظة مثار جدل م�ستمر بني ر�أي يقلل من �ش�أن و�أهمية ما حتقق ،و�آخر يعترب ما جرى خطوة يف االجتاه ال�صحيح، وفاحتة حل�صول اليمن على الع�ضوية الكاملة و�إن ب�صورة تدريجية. وال ن�سع���ى يف هذا التحليل �إىل �إثبات �أوتفنيد �أي من الر�أيني بقدر ما نحاول ر�صد وحتليل تفاعالت العالقة بني الطرفني يف �إطار امل�ؤ�س�سات امل�شار �إليه���ا ،والتعرف على مدى املكا�سب املتبادلة لكليهما يف �ضوء ما هو كائن �أي االن�ضمام اجلزئي ،ولي�س وفق ما يجب �أن يكون (الع�ضوية الكامل���ة) ،منطلق�ي�ن يف ذلك م���ن فر�ضية �أ�سا�سي���ة مفادها �أن حتقيق مكا�س���ب م�شرتكة يف الوقت احلا�ض���ر �سيكون حاف���ز ًا لتو�سيع جماالت التعاون بني اجلانبني يف امل�ستقبل ،والعك�س �صحيح.
تفاعالت العالقات وواقعها يف �إطار االن�ضمام اجلزئي نظر ًا ل�ضيق امل�ساحة املتاحة للمو�ضوع،
�سوف نق�صر النقا�ش على حركة التفاعل بني اليمن وجمل�س التعاون يف �إطار هيئات الرتبي���ة ،ال�صحة ،العمل وال�ش�ؤون االجتماعية ،دورة كا�س اخللي���ج لك���رة القدم ،وهيئ���ة التقيي�س ،وقبل اخلو����ض يف مناق�شة هذا املو�ضوع يجدر بنا الإ�شارة �إىل �أن ان�ضمام اليمن �إىل امل�ؤ�س�سات ال�سالف ذكرها مت مبوجب اتفاق بني الطرفني ،جرى التوقيع عليه يف �صنعاء يوم 16ت�شري���ن الأول�/أكتوبر .2002وطبق ًا لن�ص املادة الثانية من االتفاق، 40
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ف����إن ان�ضمام اليمن �إىل م�ؤ�س�سات املجل����س يكون وفق ًا ملا حتدده �أنظمة وقوان�ي�ن واتفاقي���ات ن�ش�أة وتنظي���م عمل هذه امل�ؤ�س�س���ات ،ونظم عملها الداخلي���ة ،على �أن تتمت���ع اجلمهورية اليمنية مبزاي���ا الع�ضوية يف هذه املنظمات عدا املزايا التي لها عالقة بالع�ضوية الكاملة(.)1 ويفه���م من قراءة هذا الن�ص �أن على اليم���ن تكييف �أطرها القانونية واالقت�صادي���ة والإداري���ة مب���ا يت�ل�اءم واملعم���ول به���ا يف دول جمل����س التعاون .ومن هذا املنطل���ق ،ن�ستطيع القول �إن الإجنازات التي حتققت يف ال�سن���وات الثم���ان املا�ضية تظ���ل دون م�ست���وى الآم���ال والطموحات بالن�سب���ة لليم���ن ،لكنه���ا مع ذلك تب���دو معقول���ة ،ففي جم���ال ال�صحة متثلت �أه���م الإجنازات يف موافقة جمل����س وزراء ال�صحة لدول اخلليج العرب���ي واليم���ن يف م�ؤمتره���م ال�سابع وال�ستني على ب���دء تنفيذ اخلطة الإ�سرتاتيجي���ة جلعل �شبه اجلزيرة العربية خالية من املالريا( ،)2والتي ت�ستم���ر م���دة ع�شر �سنوات بتكلفة �إجمالية قدره���ا 15مليون دوالر بدء ًا من ع���ام .2009و�إقرار املجل�س ميزانية موح���دة ملكافحة مر�ض ال�سكر ب� �ـ 750مليون ريال �سع���ودي( ،)3وت�سجي���ل م�صانع الأدوي���ة والأ�صناف الدوائي���ة مركزياً ،به���دف ح�صول مواطني ال���دول الأع�ضاء على �أدوية ذات ج���ودة عالي���ة وتبادل التج���ارب واخل�ب�رات فيما بينه���ا .وانتظام اللق���اءات الدوري���ة للج���ان ال�صحية املخت�ص���ة املعنية بدرا�س���ة الو�ضع ال�صح���ي يف ال���دول الأع�ضاء واق�ت�راح احللول والإج���راءات واخلطط عاي�ش علي عوا�س باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
واال�سرتاتيجيات ملواجهة امل�شاكل ال�صحية وعمل خطة موحدة ملواجهة �إنفلون���زا اخلنازي���ر ،و�سب���ل الوقاية منه���ا ،و�شراء الأدوي���ة واللقاحات اخلا�صة باملر�ض ب�شكل جماعي .بالإ�ضافة �إىل �إقرار �آلية �شراء موحدة للأدوي���ة يف حالة الطوارئ والك���وارث واال�ستفادة من اال�ستثناءات التي توفرها اتفاقية حقوق امللكية الفكرية. �أما م�شارك���ة اليمن يف اجتماعات مكتب العم���ل وال�ش�ؤون االجتماعية فل���م تب���د�أ �إال يف نهاي���ة �أيلول�/سبتم�ب�ر .2003ومن ذل���ك احلني وحتى الي���وم متثلت �أهم االجنازات يف هذا اجلان���ب يف �إعداد مناذج موحدة للن�شاط���ات االجتماعي���ة يف جم���ال امل���ر�أة والطفل واملعاق�ي�ن والرعاية االجتماعي���ة ،و�أخرى لال�سرت�ش���اد بها عند �سن القوان�ي�ن والت�شريعات اخلا�صة بالعمل على م�ستوى كل دولة ،وتوحيد مواقف الدول ال�سبع بهذا اخل�صو�ص يف املحافل الإقليمية والدولية ،بالإ�ضافة �إىل توقيع اتفاقيتني بني اجلمهوري���ة اليمنية وكل من قطر ودولة الإم���ارات العربية املتحدة لت�شغيل الأيدي العاملة اليمنية ،ولكن مل يتم تنفيذهما على �أر�ض الواقع حتى مطلع العام اجلاري .2010ولعل �أهم ما ي�شار �إليه بهذا اخل�صو�ص هو مبادرة دولة الكوي���ت ب�إعطاء الأولوية للعمالة اليمنية بعد املواطنني الكويتيني ،لي�س نتيج���ة التفاقيات ثنائية �أو جماعية و�إمنا لقناعة ذاتية لدى الكويتيني ب�أمانة املوظفني والعمال اليمنيني ،وتفانيهم و�إخال�صهم يف ت�أدية عملهم. لكن رغم ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س وزراء ال�ش�ؤون االجتماعية والعمل ومطالبها املتك���ررة بت�سهيل فر�ص دخول مواطنيها ل�سوق العمل يف دول جمل����س التع���اون ،ف����إن النتائج املحقق���ة يف هذا اجلانب تب���دو �أقل من متوا�ضع���ة .وال�سبب يف ذلك كما يرى امل�سئول���ون اخلليجيون هو �أن لكل دول���ة من دول املجل����س قانونها اخلا�ص بتنظيم �س���وق العمل وا�ستقدام الأجان���ب ،بالإ�ضافة �إىل �أن مو�ض���وع العمالة خرج من �أيدي احلكومات و�أ�صب���ح بيد القطاع اخلا�ص اخلليج���ي بحكم دوره املحوري يف الن�شاط
االقت�ص���ادي و�صعوب���ة فر����ض عمالة معين���ة عليه( ،)4وبالت���ايل فكل ما ميك���ن فعله من وجه���ة نظرهم هو حثّ القطاع اخلا����ص اخلليجي على ا�ستقدام العمالة اليمنية .ومن هذا املنطلق� ،أو�صى جمل�س وزراء العمل يف دول جمل����س التعاون يف اجتماعه الأخ�ي�ر ب�سلطنة عمان خالل �شهر ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر 2009القط���اع اخلا����ص يف دول املجل�س مبنح �أولوية للعمالة اليمنية امل�ؤهلة. وم���ع وجاه���ة مثل هذا الط���رح� ،إال �أن فيه �شيء م���ن املبالغة والتهويل �إذ �أن هن���اك الآالف م���ن فر�ص العمل يف دول املجل����س ال حتتاج عمالة ماه���رة ،و�إن كان ذلك ال يعفي احلكومة اليمنية من حتمّل م�سئولياتها، حي���ث يفرت����ض �أن تبادر من جانبه���ا �إىل التوا�صل م���ع القطاع اخلا�ص اخلليجي والرتويج للعمالة اليمنية ومميزاتها الن�سبية مقارنة بالعمالة الآ�سيوي���ة ،و�إعداد قوائ���م ب�أ�سماء خريجي اجلامع���ات واملعاهد الفنية واملهنية وتخ�ص�صاتهم ،والرتويج لها عرب البعثات الدبلوما�سية املقيمة يف دول اخللي���ج ،ودرا�سة املهن املطلوبة يف ال�سوق اخلليجية مع مراعاة الت���وازن بني الكلف���ة االجتماعية الت���ي يتحملها اليمن وعائ���د العمالة. ورمب���ا ي�ستح�سن �إن�شاء جهاز خا�ص له���ذا الغر�ض ،بحيث يتوىل درا�سة ال�س���وق اخلليجية وتوعية العمالة اليمنية املوجودة يف اخلليج �أو التي يف طريقه���ا �إىل هناك ،من ناحية ال�سل���وك وطبيعة املهن املطلوبة وخا�صة اخلدمي���ة ،وا�ستك�شاف امله���ن اجلديدة وحت�سني ال�ص�ل�ات مع القطاع اخلا����ص اخلليج���ي ،بحي���ث ال يظ���ل اليمنيون يتح���اورون م���ع بع�ضهم ويرتكون الآخرين(.)5 كم���ا يتطلب الأمر تفعيل دبلوما�سية القمة باعتبارها الأجدى نفع ًا ويف هذا الوقت بالذات ،بالإ�ضافة �إىل دعوة امل�سئولني املبا�شرين عن ت�شغيل العمالة يف دول اخلليج مثل ر�ؤ�ساء ال�شركات وامل�ؤ�س�سات والتجار ورجال الأعم���ال وممثلي الغ���رف التجارية �إىل زيارة اليمن ،وم���ن ثمّ التعرف على منط تفكريهم جتاه العمالة اليمنية. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
41
اليمن والعامل
حتليالت
وخ�ل�ال الفرتة من � 2002إىل كان���ون الثاين/يناير 2010عملت الهيئة اليمني���ة للموا�صف���ات واملقايي�س و�ضب���ط اجلودة على حتدي���ث �أجهزة الفح����ص ،ورف���ع كفاية العامل�ي�ن يف الهيئة بالتعاون م���ع هيئة التقيي�س اخلليجي���ة ،و�إعداد بع����ض اللوائ���ح والأنظمة الفنية مث���ل نظام تطبيق الربنام���ج الدويل اليمني ل�شه���ادات املطابقة يف بلد املن�ش�أ ،ونظام منح �شه���ادة ممار�سة الت�صني���ع اجليد ،ونظ���ام �إ�صدار �شه���ادات املطابقة ونظام الت�سجيل والنظ���ام ال�صحي ملزارع �إنتاج الألبان ،ونظام الرقابة عل���ى ال���واردات( .)6وكل ذلك بهدف دعم وت�شجي���ع ال�صناعات املحلية م���ن ناحي���ة ،والو�صول �إىل م�ستوى مقارب ملا ه���و مُطبّق يف دول اخلليج م���ن ناحية ثانية .وتُفيد املعلومات ب�أن ح���وايل 1500موا�صفة مينية من
�أ�سهمت عملية االن�ضمام اجلزئي يف تكثيف الزيارات املتبادلة بني امل�سئولني اليمنيني واخلليجيني على م�ستوى الوزراء ووكالء الوزارات و�أع�ضاء اللجان ب�صورة غري م�سبوقة ،وق��د �أدى ذل��ك �إىل ك�سر احلواجز النف�سية ،وتعزيز عوامل الثقة �أ�ص���ل � 2500أ�صبحت مطابقة متام��� ًا للموا�صفات واملقايي�س املعمول بها يف دول جمل�س التعاون(.)7 وق���د ترتب عل���ى ه���ذه الإج���راءات جمتمعة ت�سهي���ل حرك���ة ان�سياب ال�سل���ع واملنتج���ات ال�صناعي���ة والزراعي���ة ب�ي�ن اليم���ن ودول املجل����س ب�صورة مط���ردة ،كما �ساهمت يف زيادة ق���درة ال�صناعات املحلية على جمابه���ة ال�سلع امل�ستوردة واحلد من تو�سعها يف ال�سوق اليمنية ،وحماية امل�ستهل���ك واحلفاظ على البيئة ،وتطوي���ر ال�صناعات املختلفة ،وتعزيز القدرات التناف�سي���ة للمنتجات اليمنية واخلليجية يف الأ�سواق الداخلية واخلارجية. وفيما يخ�ص مكتب الريا�ضة ،اقت�صرت ع�ضوية اليمن يف هذا املجال على امل�شارك���ة يف دورات ك�أ�س اخلليج لكرة القدم ،وكانت �أول م�شاركة لليم���ن يف عام .2004وخ�ل�ال ال�سنوات املا�ضي���ة مت تبادل اخلربات يف جمال كرة القدم ،وهناك مينيون يعملون حالي ًا يف الأجهزة الفنية لعدد من الأندية اخلليجية .ومتثل بطولة «خليجي »20التي ت�ست�ضيفها اليمن نهاي���ة العام اجلاري � ،2010أهم و�أبرز التطورات على هذا ال�صعيد� ،إذ �أنها املرة الأوىل التي تُنظِّ م فيها اليمن بطولة بهذا امل�ستوى. وبق���در ما �ساهم ان�ضم���ام اليمن �إىل دورة ك�أ����س اخلليج لكرة القدم يف حت�س�ي�ن وتطوير املن�ش����آت الريا�ضية اليمنية ،بقدر م���ا �ساهم �أي�ض ًا يف تو�سي���ع جمهور البطول���ة وزيادة عدد املنتخب���ات املتناف�سة ،وبالتايل �إك�س���اب البطولة زخم��� ًا و�أهمي ًة �أكرب من ال�ساب���ق ،خ�صو�ص ًا بعد عودة العراق للم�شاركة يف البطولة من جديد. �أم���ا ان�ضمام اليم���ن �إىل ع�ضوية مكتب الرتبية ل���دول اخلليج العربية 42
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
فقد مت ب�ص���ورة �أ�سرع من بقية امل�ؤ�س�سات الأخ���رى .فبعد مرور حوايل ثالث���ة �أ�شهر فقط من تاريخ انعقاد القم���ة الثانية والع�شرين لقادة دول اخللي���ج نهاية ع���ام ،2002عُ ينّ وزير الرتبية والتعلي���م اليمني ع�ضو ًا يف املكت���ب التنفي���ذي ملكتب الرتبية العرب���ي ،كما عُ ينّ ممثل�ي�ن للوزارة يف اللجان واملراك���ز املتخ�ص�صة التابعة للمكت���ب ،و�أبرزها مركز البحوث يف الكويت ،ومركز التدريب يف قطر .كما مت تنفيذ العديد من الأن�شطة امل�شرتك���ة مث���ل �إقام���ة املعار����ض العلمي���ة والتعليمية ل���وزارات الرتبية والتعلي���م يف ال���دول الأع�ض���اء ،والتي تت�ضم���ن �أعمال و�إ�ص���دارات هذه ال���وزارات م���ن الكتب العلمي���ة والدوري���ات والن�ش���رات والإح�صائيات، واملناه���ج ،والو�سائل التعليمية والإي�ضاحي���ة وبع�ض املبتكرات الطالبية بالتناوب بني الدول الأع�ضاء يف مكتب الرتبية العربي. وبهدف تعزيز الرواب���ط الثقافية واالجتماعية بني �شباب دول جمل�س التع���اون واليمن� ،أقي���م يف �شهر ني�سان�/أبري���ل 2007مهرجان ال�شباب اخلليج���ي الأول يف اململك���ة العربية ال�سعودية مب�شارك���ة 200طالب من املرحلة الثانوية من دول جمل�س التعاون اخلليجي واجلمهورية اليمنية، ونظمت خ�ل�ال �أيام املهرجان الثالثه �سل�سلة م���ن اللقاءات واحلوارات الثقافي���ة ولقاءات املهارات وامل�سابق���ات الثقافية والريا�ضية التي تركز عل���ى دور ال�شب���اب يف م�سرية البن���اء يف دول جمل�س التع���اون اخلليجي واليمن .ومنذ منت�صف العام نف�سه ،بد�أت وزارة الرتبية والتعليم اليمنية بتنفيذ م�شروع «مع ًا نتعلم» التابع للمركز العربي للتدريب الرتبوي لدول اخللي���ج واليمن .ويهدف امل�ش���روع �إىل تطوير مه���ارات وقدرات معلمي املعه���د العايل لتدري���ب وت�أهيل املعلمني يف جم���ال تطبيقيات الكمبيوتر وتكنولوجي���ا املعلوم���ات ،وكيفي���ة ا�ستخدام���ه يف العملي���ة التعليمي���ة والرتبوية. كم���ا قامت اليم���ن يف �إط���ار ان�ضمامها ملكت���ب الرتبية ل���دول اخلليج بت�شجيع البحث العلمي والتعاون الرتبوي والتثقيفي والتعليمي ،وتنظيم تب���ادل الزيارات ب�ي�ن املخت�صني يف الرتبي���ة والثقافة والعل���وم ،و�إقامة الندوات واللقاءات الرتبوية والعلمية والثقافية ،وت�سهيل تبادل اخلربات والتجارب وتوحيد الدرجات العلمي���ة ومعادلتها ،والبدء بتنفيذ م�شروع لتعزي���ز ثقاف���ة احل���وار لدى ط�ل�اب املدار����س يف دول اخللي���ج العربي واليمن ،وتكري�س مفهوم تقبل الآخر(.)8 ورغ���م كرثة م���ا يقال عن اجتاه اليم���ن ودول جمل�س التع���اون لتوحيد مناه���ج التعلي���م منذ عدد من ال�سن�ي�ن ،ف�إن هذا مل يتحق���ق على �أر�ض الواق���ع حتى هذه اللحظة ،با�ستثناء بع����ض التقارب فيما يخ�ص مناهج الريا�ضي���ات والعل���وم ،و�إىل ح���دٍّ م���ا يف مناه���ج اللغة العربي���ة وبع�ض مفردات الرتبية الإ�سالمية.
الرتكيز على اجلزء املمتلئ من ك�أ�س «االن�ضمام لق���د �أدى ان�ضم���ام اليم���ن اجلزئ��ي» اجلزئ���ي �إىل ع�ضوي���ة جمل�س التعاون اخلليج���ي �إىل حتقيق العديد من الفوائد املتبادلة لليمن ودول املجل�س وعلى خمتلف امل�ستويات ال�سيا�سية
واالقت�صادية واالجتماعية وغريها ،وذلك على النحو التايل: من الناحية ال�سيا�سية� :أ�سهمت عملية االن�ضمام اجلزئي يف تكثيف الزي���ارات املتبادلة ب�ي�ن امل�سئول�ي�ن اليمنيني واخلليجي�ي�ن على م�ستوى ال���وزراء ووكالء ال���وزارات و�أع�ضاء اللجان ب�صورة غ�ي�ر م�سبوقة ،وقد �أدى ذل���ك �إىل ك�سر احلواج���ز النف�سية ،وتعزيز عوام���ل الثقة ،وتعميق ال�شع���ور باالنتم���اء لهوية جغرافية واح���دة ،بل ودفع ق���ادة دول املجل�س للتفك�ي�ر جدي��� ًا يف ح�صول اليم���ن على الع�ضوي���ة الكامل���ة يف املجل�س، وبدا ذل���ك وا�ضح ًا يف مطلع عام 2008عندما �أعلن وقتها عبد الرحمن العطية الأمني العام ملجل�س التعاون اخلليجي �أن امللك عبد اهلل بن عبد العزي���ز ملك اململكة العربية ال�سعودية تقدّم مبقرتح خالل قمة الدوحة 2007يق�ض���ي بت�سري���ع خطوات اندماج اقت�صاد اليم���ن يف اقت�صاديات دول اخلليج ،و�أن املقرتح حظي بت�أييد القادة اخلليجيني. كم���ا �ساه���م االن�ضمام اجلزئ���ي يف تقريب وجهات النظ���ر بني اليمن ودول املجل����س �إزاء العديد من الق�ضايا الإقليمية والدولية وتعزيز ورفع م�ستوى التن�سيق بينهما يف املحافل العاملية والقارية .فعلى �سبيل املثال، دعم���ت دول اخلليج من جانبها مر�شّ ح اليمن حممد ربيع ملن�صب رئي�س جمل�س الوحدة االقت�صادية يف جامعة الدول العربية ،ويف املقابل دعمت اليم���ن من جانبها مر�شح دول جمل����س التعاون غازي الق�صيبي لرئا�سة منظم���ة اليون�سك���و� ،إىل درج���ة �أن كل ط���رف �أ�صبح حري�ص��� ًا يف �ضوء التح���والت الت���ي �شهدتها العالق���ة منذ مطلع القرن اجل���اري على تبنّي �سيا�سات متوافقة مع الطرف الآخر �أو على الأقل غري متعار�ضة معه. كم���ا �أن التق���ارب ب�ي�ن اليم���ن ودول جمل����س التع���اون �ساه���م ب�ش���كل �إيجاب���ي يف احلد من حم���اوالت بع����ض الأطراف ا�ستغ�ل�ال اخلالفات بني اجلانبني وتوظيفها خلدمة م�صاحل���ه وحتقيق �أهدافه وطموحاته، و�ص���ار الطرف���ان يف هذه املرحل���ة ،و�أكرث من �أي وق���ت م�ضى ،يتفهمان هم���وم بع�ضهما البع�ض وكذا املخاطر والتحديات التي تواجه كل طرف عل���ى حدة �أو ب�صورة جماعية .نلم�س ذلك من مواقف دول اخلليج جتاه جمري���ات الأح���داث يف ال�ساح���ة اليمنية خالل ال�سن���وات الأخرية ،ويف املقدم���ة منها �أحداث التمرد يف حمافظ���ة �صعده ،والنزعة االنف�صالية يف بع����ض املحافظات اجلنوبية� ،إذ عبرّ ت دول اخلليج بهذا ال�ش�أن ،ويف �أك�ث�ر من منا�سبة ،عن دعمها وت�أييدها لوحدة اليمن و�أمنه وا�ستقراره، كما زادت دول اخلليج من حجم م�ساعداتها لليمن بغر�ض امل�ساهمة يف حلحلة وجتاوز م�شكالته ،ويف مقدمتها امل�شكلة االقت�صادية. يف املقابل� ،أبدى اليمن تفهم ًا ملطالب دول اخلليج ب�ش�أن ت�شديد الرقابة على ال�شريط احلدودي املال�صق لعمان واململكة العربية ال�سعودية ،وزاد من حمالت���ه الرامية للحد من انت�شار الأ�سلح���ة بني املواطنني انطالق ًا م���ن م�صالح ذاتي���ة �أو ًال وكذل���ك مراعاة ملخ���اوف دول املجل����س والتي طالتها خماطر من مظاهر انت�شار ال�سالح يف اليمن. م�ضاف ًا �إىل ذلك ،فقد �أف�ضى ان�ضمام اليمن اجلزئي �إىل فتح نقا�شات م�ستفي�ضة ح���ول �أهمية و�ضرورة ح�صول اليمن عل���ى الع�ضوية الكاملة
ب�ص���ورة مل تك���ن م�ألوفة يف ال�ساب���ق .وال�شك �أن ه���ذه النقا�شات� ،سواء على امل�ستوى الر�سمي �أو على م�ستوى النخب واملثقفني ،تخلق ر�أي ًا عام ًا م�ؤيّ���د ًا للتقارب بني اليمن ودول املجل�س عل���ى املدى القريب واملتو�سط، ب���ل و�ضاغط ًا على �صنّاع القرار لتحقيق املزيد من التقارب ،باعتبار �أن الع�ضوي���ة اجلزئية لن تظ���ل �إىل ما ال نهاية ،ويف املقاب���ل ف�إن الع�ضوية اجلزئية ت�ساهم و�إن ب�شكل غري مبا�شر يف ت�سريع وترية الإ�صالحات يف اليمن باعتبار ذلك مطلب ًا رئي�سي ًا لدول املجل�س. يف املقابل ،ف�إن وجود اليمن داخل املجل�س -ولو جزئي ًا -بات يفر�ض عليه �إب���داء املزيد من احلر�ص على م�صالح و�أمن دول اخلليج العربي، باعتب���ار ذل���ك من البديهي���ات و�شرط ًا الزم��� ًا للح�صول عل���ى الع�ضوية
رغ��م ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س وزراء ال�ش�ؤون االجتماعية والعمل ومطالبها املتكررة بت�سهيل فر�ص دخول مواطنيها ل�سوق العمل يف دول جمل�س التعاون ،ف�إن النتائج املحققة يف هذا اجلانب تبدو �أقل من متوا�ضعة الكامل���ة �إذا م���ا كان يطمح فع�ل�اً يف الو�ص���ول �إليه���ا ،ويف نف�س الوقت �أ�صبح���ت دول اخلليج مطالبة هي الأخرى بتبنّ���ي �سيا�سات ت�ؤكد ح�سن نواياه���ا وجديتها يف �ضم اليمن �إىل املجل����س ،بحكم �أن الغاية النهائية من وراء قيام التكتالت �أي ًا كان نوعها �أو طبيعة عملها هو احلفاظ على م�صالح �أع�ضائها و�أمنهم. عالوة على �أن التع���اون يف بع�ض املجاالت من �ش�أنه �أن يجعل ان�ضمام اليم���ن �إىل جمل����س التع���اون يف امل�ستقبل �أكرث �سهول���ة ،ال�سيما يف �ضوء �شيوع ظاهرة التكت�ل�ات الدولية والإقليمية باعتباره���ا �أهم ال�ضمانات ملواجهة التحديات الناجمة عن العوملة(.)9 م��ن الناحية االقت�صادية :ال �ش���ك �أن العالقة عند هذا امل�ستوى كان لها مردودات ايجابية بغ�ض النظر عن حجم و�أهمية هذه املردودات. فم���ن جان���ب ،ال �ش���ك �أن ا�ست�ضافة اليم���ن خلليج���ي � 20سيرتتب عليه قدوم �آالف اخلليجيني �إىل اليم���ن كالعبني وطواقم �إدارية وم�شجعني، بالإ�ضاف���ة �إىل مئ���ات ال�صحفيني الذي���ن �سيتوافدون لتغطي���ة البطولة وه�ؤالء جميعا �سينفقون بكل ت�أكيد خالل فرتة وجودهم ع�شرات الآالف م���ن الدوالرات ،كما ي�شكل احلدث بحد ذات���ه فر�صة للرتويج ال�سياحي وتعريف �شعوب دول اخلليج وغريهم من �شعوب العامل بامل�آثر ال�سياحية يف الب�ل�اد ،وبالت���ايل �إمكانية زيادة �أعداد ال�سي���اح القادمني �إيل اليمن م�ستقبالً ،وزيادة موارد االقت�صاد الوطني من الن�شاط ال�سياحي. ضال عن ذلك ،ف�إن م�شاركة اليمن يف دورة ك�أ�س اخلليج لكرة القدم ف� ً �أ�سه���م ،و�إن ب�شكل حمدود ن�سبي���اً ،يف �إيجاد بع�ض فر�ص العمل لل�شباب اليمن���ي يف عدد م���ن الأندي���ة اخلليجية كفني�ي�ن وك�إداري�ي�ن وعمّال يف املن�ش����آت الريا�ضية اجلديدة الت���ي مت �إقامتها م�ؤخر ًا يف اليمن يف �إطار العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
43
اليمن والعامل
حتليالت
اال�ستعداد لبطولة خليجي .20 لدول اخللي���ج العربية ،به���دف التعريف ومن جانب �آخ���ر� ،أدت الإجراءات التق��ارب ب�ين اليم��ن ودول جمل�س التع��اون �ساهم باملزايا والإمكان���ات اال�ستثمارية املتاحة الرامي���ة �إىل توحي���د املوا�صف���ات ب�شكل �إيجابي يف احلد من حماوالت بع�ض الأطراف يف اليم���ن .كم���ا يتب���دى ذلك م���ن تزايد واملقايي�س بني اليمن ودول املجل�س �إىل ا�ستغالل اخلالفات بني اجلانبني وتوظيفها خلدمة حجم اال�ستثم���ارات اخلليجية يف اليمن، م�ضاعف���ة حجم املب���ادالت التجارية م�صاحل��ه وحتقي��ق �أهداف��ه وطموحات��ه ،و�ص��ار وزي���ادة حجم الدعم واملن���ح املقدمة من بني الطرفني ع�شرات الأ�ضعاف ،و�إن الطرفان يف هذه املرحلة ،و�أكرث من �أي وقت م�ضى ،دول اخللي���ج� ،س���واء ع�ب�ر ال�شراك���ة م���ع يتفهمان هموم بع�ضهما البع�ض الأطراف الدولية كما هو احلال يف م�ؤمتر كانت ال���دول اخلليجية هي امل�ستفيد لندن عام � ،2006أو على امل�ستوى الثنائي. الأكرب بهذا اخل�صو�ص .كما �ساهمت يف حت�س�ي�ن ج���ودة املنتج���ات اليمنية وزي���ادة قدراته���ا التناف�سية �أمام ناهيك ع���ن �أن توحيد املوا�صف���ات واملقايي�س بني اليم���ن ودول املجل�س ال�صناع���ات اخلارجية ،وزي���ادة فر�ص ت�صديره���ا �إىل اخلارج ،واحلد ي�ساهم عل���ى املدى القريب واملتو�سط يف دفع م�سرية الدول العربية �إىل ن�سبي��� ًا من عمليات تهريب ال�سلع والب�ضائع ،لأن توحيد املقايي�س يقارب بناء منظمة التجارة احلرة العربية الكربى. وفوق هذا وذاك ،ف�إن ان�ضمام اليمن ،ولو جزئياً� ،إىل جمل�س التعاون الأ�سعار وبالتايل ي�صبح تهريب الب�ضائع ن�شاط ًا ال عائد منه. كذلك ال يخفى �أن التعاون بني اليمن ودول املجل�س يف املجال ال�صحي ،اخلليج���ي �ضاع���ف من حج���م ال�س���وق املتاحة �أم���ام املنتج���ات وال�سلع ومواجه���ة الأمرا�ض الوبائية مثل �إنفلون���زا اخلنازير واملالريا ،قلل من اخلليجي���ة ،و�سيزي���د كذل���ك من م�ساح���ة الرقع���ة املتاح���ة لال�ستثمار حج���م اخل�سائر التي كان ميكن �أن تتكبدها دول اخلليج واليمن يف حال اخلليج���ي يف اليمن ،واال�ستفادة م���ن اليد العاملة( ،)11ويف نف�س الوقت ضال عن �أن حت�سني م�ستوى ت�سريع وترية الإ�صالحات يف اليمن يف البني التحتية ،والإدارة ،والنظام لو تف�شّ ت تلك الأمرا�ض على نطاق وا�سع ،ف� ً اخلدم���ات ال�صحية من �ش�أنه يف امل�ستقب���ل �أن يقلل من عدد امل�سافرين الق�ضائي ،وقوانني اال�ستثمار ،والأمن العام ،ومكافحة الف�ساد ،وكذلك �إىل اخل���ارج بغر����ض الع�ل�اج ،ومن ث���مّ �سي����ؤدي �إىل توف�ي�ر املزيد من �إىل تق���ارب توجه���ات ال�سيا�س���ات اخلارجية للطرف�ي�ن وبالأخ�ص على امل�ستوى الإقليمي. العمالت الأجنبية ،وت�شغيل �أعداد كبرية يف قطاع ال�صحة. كم���ا �أن ان�ضمام اليمن �إىل جمل����س وزراء ال�ش�ؤون االجتماعية والعمل واىل جان���ب م���ا �سبق ،ف����إن ان�ضمام اليم���ن اجلزئي �ساه���م يف زياد اهتمام القطاع اخلا�ص اخلليجي بال�سوق اليمنية والن�شاط اال�ستثماري مثّ���ل حافز ًا لليمن لإع���ادة ت�أهيل وتدريب العمال���ة اليمنية ،والتو�سّ ع يف يف اليم���ن بحكم ارتفاع ن�سب���ة التوقعات بح�صول اليم���ن على الع�ضوية �إن�ش���اء املعاهد الفنية والتقني���ة ،ومبا يتنا�سب ومتطلبات �سوق العمل يف الكامل���ة .فعلى �سبي���ل املثال ،و�صل �إىل �صنعاء بعد ح���وايل ثالثة �أ�شهر دول اخللي���ج ،الأم���ر الذي من �شانه �أن يحد م���ن ن�سبة الفقر والبطالة، من قبول اليمن ع�ضو ًا يف عدد من امل�ؤ�س�سات التابعة للمجل�س ،وحتديد ًا وبالت���ايل �إىل حتقيق املزيد من اال�ستقرار ،وهو ما �سوف ينعك�س �إيجاب ًا يف ني�سان�/أبري���ل 2002وفد ي�ضم عدد ًا م���ن رجال الأعمال اخلليجيني يف نهاية املطاف على دول اخلليج ،لأن ت�سهيل دخول العمالة اليمنية من ملناق�ش���ة التع���اون االقت�ص���ادي ب�ي�ن دول اخللي���ج واليم���ن( .)10وخالل �ش�أنه احل ّد من االخت�ل�االت الأمنية ،وحرمان اجلماعات الإرهابية من الف�ت�رة م���ن 23 - 22ني�سان�/أبري���ل عق���د م�ؤمت���ر ا�ستك�ش���اف الفر�ص الق���درة على �ضمّ عنا�صر جديدة �إىل �صفوفها ،بالإ�ضافة �إىل احلد من اال�ستثماري���ة يف �صنع���اء برعاية الأمان���ة العامة لدول جمل����س التعاون تدفق املهاجرين غري ال�شرعيني �إىل ال�سعودية ودول اخلليج.
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة �أوراق بحثية
الهوامــ�ش ( )1انظر ن�ص اتفاقية املوقعة بني اجلمهورية اليمنية وجمل����س التعاون ل���دول اخللي���ج العربي���ة ،اخلا�صة بان�ضم���ام اليم���ن �إىل ع�ضوي���ة ع���دد م���ن م�ؤ�س�سات املجل�س ،واملوقعة يف �صنعاء بتاريخ 16ت�شرين الأول/ �أكتوبر .2002 ( )2جمل���ة �صح���ة اخللي���ج ،الع���دد ،100متوز/يوليو � ،2009ص.9 ( )3مقابل���ة �شخ�صي���ة �أجراه���ا الباح���ث م���ع �أحمد على النعماين ،ع�ضو الهيئ���ة التنفيذية ملجل�س وزراء ال�صحة لدول جمل�س التعاون ،يوم � 16شباط/فرباير .2010 ( )4مقابل���ة �أجراه���ا الباح���ث مع عل���ي �صالح عباد، 44
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
م�ست�ش���ار وزارة ال�ش����ؤون االجتماعي���ة والعم���ل، �شباط/فرباير .2010 ( )5املرجع ال�سابق نف�سه. (� )6أحمد �أحمد الب�شة« ،املوا�صفات والأنظمة الفنية»، جملة املوا�صفات واملقايي�س ،العدد ،14ت�شرين الأول/ �أكتوبر .2009 ( )7مقابل���ة �أجراه���ا الباح���ث مع يا�س�ي�ن احلرازي، مدير �إدارة املوا�صفات بالهيئ���ة اليمنية للموا�صفات واملقايي�س و�ضبط اجلودة ،بتاريخ � 15شباط/فرباير .2010 ( )8نبي���ل الأ�سي���دي« ،اليمن ا�ستف���ادت من وجودها �ضم���ن مكت���ب الرتبية مبجل����س التع���اون اخلليجي»، 17
�صحيفة ع���كاظ ال�سعودية 2 ،كان���ون الأول/دي�سمرب .2006 ( )9اليم���ن واخلليج :الأبع���اد ال�سيا�سية واالقت�صادية والثقافية والأمنية الن�ضم���ام اجلمهورية اليمنية �إىل جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية (�صنعاء :املركز اليمني للدرا�سات الإ�سرتاتيجية �صنعاء.)2002 ، ( )10عب���ده حم���ود ال�شري���ف ،العالق���ات ب�ي�ن دول جمل�س التعاون اخلليجي واليمن (دبي :مركز اخلليج للأبحاث� ,)2004 ,ص.89 ( )11عمار بن عزيز« ،هل ي�شكّل ك�أ�س اخلليج الريا�ضي مع�ب�ر ًا �إىل جمل�س التع���اون ال�سيا�س���ي؟» ،موقع �شبكة CNNالإخبارية 21 ،كانون الثاين/يناير .2007
امل�شكلة الإثنية و�أثرها يف قوة الدولة
مقاربة نظرية عامة حممد �سيف حيدر و علي عبداهلل ج�سار
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
45
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
همة �إنقاذ ُم ّ
نحو ا�سرتاتيجية خليجية موحدة جتاه اليمن وم�شكالته م���ا بني حتديات �سيا�سية داخلية و�أخ���رى �إقليمية يواجه اليمن حالي ًا �أزمة داخلية متع���ددة الأبعاد يذكيها �صراع امل�صالح وتناق����ض الأه���داف وال�سيطرة القبلية على البنية ال�سيا�سية واالقت�صادية؛ فثمة “�أزم���ة” باتت بالفعل تهدد وحدة الدولة واملجتم���ع ،ت�شكلت �أبعادها من “حراك جنوبي” ازدادت مطالبه يف االنف�صال على خلفية انعدام الثقة وت�ضارب امل�صالح واتهام���ات با�ستئثار ال�شم���ال دون اجلنوب بعوائد اقت�صادية كب�ي�رة ،ومترد ًا �شيعي ًا تتزعمه جماع���ة احلوثيني يف ال�شمال املدعومة بقوى �إقليمية هدفها تهديد ا�ستقرار اليمن ودول اخلليج على حد �سواء ،وذلك عرب ال�ضغط على ال�سعودية حيث ميث���ل اليمن عمق��� ًا ا�سرتاتيجي ًا مهما بالن�سبة لها ،وما ب�ي�ن مواجهة مطالب احلراك اجلنوب���ي ،ومواجهة خماوف اندالع مواجه���ة �سابع���ة بني قوات احلكومة وجماع���ة التمرد احلوثي يف ال�شمال ،يعيد تنظيم القاع���دة �ضرباته الإرهابية حماو ًال اتخاذ اليمن منطلق ًا لن�شاطاته وقاعدة �إقليمية حمتملة ورمبا �أكيدة لعملياته جتاه منطقة اخلليج العربى برمتها. �صافيناز حممد �أحمد
safiny2020@yahoo.com
يف هذا احلراك اجلنوبي وم�ستقبل الوحدة الإطار القامت للم�شهد ال�سيا�سي اليمني باتت ق�ضية الوحدة واال�ستقرار تواج����ه اختبار ًا �شديد ال�صعوبة؛ فمطال����ب االنف�صال تطفو على �سطح الأح����داث من �آن لآخر من����ذ �آذار/مار�س 2006وحت����ى الآن ،بل و�ألقت بالعديد م����ن التبعات والتداعي����ات على طبيعة الوح����دة اليمنية فظهر م����ا ي�سمى باحلراك اجلنوبي يف العدي����د من املدن اجلنوبية و�ضم قوى �سيا�سية خمتلفة التوجهات من ا�شرتاكيني قدامى و�إ�سالميني .وبقراءة تط����ورات الأحداث يف اجلنوب ،جند �أن ثم����ة العديد من الأ�سباب التى قد تبدو مو�ضوعية �إىل حد ما ويربر بها االنف�صاليون حراكهم ،وت�صب جممله����ا يف ف�شل الوحدة على كاف����ة امل�ستويات االقت�صادية وال�سيا�سية واالجتماعي����ة يف حتقيق طموح����ات اجلنوب؛ فاقت�صادي����اً ،ورغم ثراء اجلن����وب بالنفط واملوارد الطبيعي����ة �إال �أنه ما زال يعاين تراجع ًا تنموي ًا �شدي����داً .و�سيا�سياً ،هناك فجوة بني ال�سلط����ة يف �صنعاء وبني ا�ستيعاب الق����وى ال�سيا�سية يف اجلنوب وجذبه����ا �إىل املركز و�إغرائها باالنخراط يف العملية ال�سيا�سية ،ازدادت هذه الفجوة ات�ساع ًا بفعل التهمي�ش الذي 46
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ط����ال بع�ض اجلنوبيني و�إبعاده����م من الوظائف ال�سيا�سي����ة والع�سكرية املهم����ة ك�أحد تداعيات احلركة االنف�صالي����ة يف عام .1994واجتماعياً، يع����د عجز م�ؤ�س�س����ات الدولة عن تذوي����ب الأن�س����اق االجتماعية القبلية املتباينة و�صهرها يف بوتقة مركزية واحدة �أبرز �أوجه الف�شل االجتماعي، مما �أدى �إىل ازدياد االنتماءات القبلية على ح�ساب االنتماءات القومية نتيجة لغياب دور قوي وفعال لتلك امل�ؤ�س�سات.
التمرد احلوثي وتهديد ال�سعودية
وت�أتي
الأزم����ة يف �صع����دة بني ال�سلطة واحلوثيني ،والتى ب����د�أت منذ عام 2004
لتدخل جولتها ال�ساد�سة بني الطرفني يف �أواخر العام املا�ضى (،)2009 وانه����ارت بذل����ك الو�ساطة القطري����ة التى جنحت يف وق����ف املواجهات امل�سلح����ة بني اجلانب��ي�ن يف مطلع ع����ام ،2008ثم انه����ارت بعدها حالة التهدئة التى �سادت العالق����ة بني الطرفني خالل الربع الأول من العام اجلاري لتبد�أ جولة جديدة من املناو�شات والتوترات تنذر بحرب �سابعة، ه����ذه الأزمة �شكلت حتدي ًا �آخر ال يقل خطورة عن حتدي االنف�صال ،بل �صافيناز حممد �أحمد باحثة يف ال�ش�ؤون العربية ،م�صر.
�إن البع�ض يرونه الأكرث خطورة لأ�سباب عدة منها: �أوالً� :أن ق�ضي����ة اجلنوب وا�ضحة وتتمثل يف دع����اوي االنف�صال� ،أما التم����رد احلوث����ي فحتى الآن غري حم����دد الأه����داف� ،إذ تتهم احلكومة احلوثي��ي�ن بالعمل على �إع����ادة النظام الإمامي الق����دمي وت�أ�سي�س �إمامة �إ�سالمي����ة وفق ًا للمذهب الزي����دي ال�شيعي ،بينما يعل����ن احلوثيون �أنهم يدافعون عن وجودهم �ضد حماوالت النظام طم�س مذهبهم.
يف مواجه����ة �أك��ث�ر فعالي����ة للعنا�صر املتم����ردة من احلوثي��ي�ن ،وتتخوف الريا�ض م����ن حتول اليمن يف ظل عدم ا�ستق����راره و�صراعاته الداخلية الآنية لنقطة انطالق لن�شاط تنظيم القاعدة بهدف تقوي�ض اال�ستقرار ال�سيا�سي بها. بينم����ا �إي����ران ال�شيعية املذه����ب ،التى �أعلن����ت ر�سمي ًا ع����ن قلقها �إزاء �أو�ضاع ال�شيعة يف اليمن ،تدعم بدورها احلوثيني� ،إذ ترى فيهم امتداد ًا مذهبي���� ًا له����ا يف منطق����ة حيوية قريبة م����ن دول اخللي����ج ذات الأقليات ال�شيعية من ناحية ،وذات موقع حيوي يتحكم يف املدخل اجلنوبي للبحر الأحم����ر عن����د باب املن����دب من ناحية ثاني����ة .املوقف الإي����راين الداعم للحوثي��ي�ن بذل����ك ال ي�سته����دف النظام اليمن����ي فقط ،و�إمن����ا ي�ستهدف بالأ�سا�����س النظام ال�سعودي نف�سه فه����و العائق احلقيقي �أمام االخرتاق الإي����راين لدول اخللي����ج الذى مل يفلح -مبحاوالت����ه املتعددة من خالل ا�سراتيجي����ات التعاون االقت�صادى املختلف����ة مع عدد من دول اخلليج - يف ف����ك االرتباط بني تلك ال����دول ،ومن ثمّ جل�أت طه����ران �إىل احلدود اجلنوبي����ة التى تع����اين من الفقر والتوت����ر وتتوافر فيه����ا والءات �شيعية ميكنها ا�ستخدامها يف ت�صدي����ر اال�ضطرابات للريا�ض ومنها �إىل بقية العوا�صم اخلليجية الأخرى.
ثاني��اً :تدخ����ل العدي����د من الق����وى الإقليمي����ة يف حلب����ة ال�صراع بني ال�سلط����ة اليمنية واحلوثي��ي�ن ،خا�صة ال�سعودية و�إي����ران ،وحماوالت كل منهم����ا موازنة نفوذ الآخر يف امل�شه����د ال�سيا�سي اليمني ،ب�صورة ميكن الق����ول معه����ا �أن اليمن ب����ات �ساحة مواجه����ة �سعودي����ة � -إيرانية يلعب اال�ستقط����اب الديني املذهبي وعائد امل�صالح الإقليمي����ة �أدوار ًا رئي�سية في����ه؛ فال�سعودية ال�سنية املذه����ب ترى دائم ًا يف اليم����ن امتدادا لأمنها القوم����ي ،وه����ي ال تتوانى عن تق����دمي الدعم امل����ايل والع�سكري املمزوج ب�ضغ����وط ناعم����ة على احلكوم����ة اليمني����ة ملواجهة احلوثي��ي�ن ،وبدورها وجدت احلكومة يف التحالفات اخلارجية و�سيلة قد ت�ساعده يف مواجهة التم����رد احلوثي بعد قراءة جيدة للو�ض����ع الداخلي والذي لن ي�ساعدها يف مواجهة هذا التمرد؛ حيث انهارت التحالفات ال�سيا�سية مع احلزب ثالث��اً :غالب���� ًا م����ا يتطابق مت����رد احلوثي��ي�ن يف ال�شم����ال -من حيث اال�شرتاك����ي �شريك الوحدة ،وم����ن ثم كان الدع����م اخلارجي ال�سعودي التوقي����ت -مع النزع����ات االنف�صالية يف اجلن����وب؛ فانف�صال اجلنوب ب�شقي����ه املايل والع�سكري مبثابة ترجي����ح لكفة النظام ال�سيا�سي اليمني يع����د رغبة حوثية �أي�ض ًا �أعلنوا عنها م����رات عديدة ،ومبعث هذا الت�أييد العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
47
اليمن والعامل
وجهات نظر
ه����و قناع����ة املتمردي����ن احلوثيني بع����دم ا�ستطاعتهم -ح����ال حتقيقهم للحراك اجلنوبي امل�ؤي����د لالنف�صال عن ال�شمال ليكون باعث ًا ملزيد من جناحات على �أر�ض الواقع خ��ل�ال مواجهتهم لل�سلطة -ال�سيطرة على القل����ق اخلليج����ي العربي على م�ستقب����ل اليمن الذي ت����كاد تتوحد �ضده دولة مينية �سنية موحدة. مطام����ح دع����اوي االنف�ص����ال والتمرد احلوث����ي وتنظيم القاع����دة لنزع ا�ستقراره وتفتيته. �أما تنظي��م القاع��دة و�ضرب��ات مقلق��ة التحدى الثالث الذى يتنازع اليمن فهو مواجهة عنا�صر تنظيم القاعدة ،اتفاق 17متوز/يوليو بني املعار�ضة وال�سلطة حيث يثري تنظيم القاعدة يف اليمن هواج�س �أمنية مينية وخليجية على وي�أتي االتفاق بني النظ����ام احلاكم وبني املعار�ضة فيما يعرف باتفاق حد �سواء .وكان التنظيم م�سئو ًال عن العديد من الأحداث التي �شهدتها 17متوز/يوليو 2010لي�شكل حتدي ًا رابع ًا يزيد من حدة تفاقم واحتقان اليم����ن بدء ًا من ع����ام 2000بحادث����ة املدمرة الأمريكية «ك����ول» ،مرور ًا الأو�ضاع ال�سيا�سية يف اليم����ن ،فثمة �آراء ترى �أن االتفاق جاء ا�ستجابة با�سته����داف ال�سفارة الأمريكي����ة ب�صنعاء واختط����اف الأجانب و�إعالن ل�ضغ����وط خارجي����ة مار�سته����ا القوى الدولي����ة وبع�ض دول اجل����وار على امل�سئولية عن حماولة اغتيال م�ساعد وزير الداخلية ال�سعودي حممد بن ال�سلط����ة م����ن �أج����ل ر�أب ال�صدع بينها وب��ي�ن املعار�ض����ة ،وذلك خمافة نايف يف الريا�ض �أواخر العام املا�ضي ،ونهاية مبعاودة التنظيم ن�شاطه م����ن انهيار النظام احلاكم �أمام �سط����وة امل�شكالت التى تواجهه ،والتى مرة �أخرى على ال�ساحة اليمنية ،بامتدادات �إقليمية ودولية دفعت معها تزيد من تردي الأو�ضاع الداخلية ،خا�صة و�أن كل من الواليات املتحدة الدول الغربية �إىل تركيز �أنظارها على اليمن ،ودفعت الواليات املتحدة وبريطانب����ا يرغب����ان يف احلف����اظ على النظ����ام ال�سيا�س����ي القائم حتى �إىل م�ضاعفة م�ساعدتها ل�صنع����اء لت�صل �إىل 300مليون دوالر ملحاربة م����ع ت�آكل �شرعيت����ه ال�سيا�سية وتراجع عملية الإ�ص��ل�اح ال�سيا�سي وتعرث التنظيم. العملية الدميقراطية ،وذلك ع��ب�ر ت�شجيعه على امل�ضي قدم ًا يف عملية بال �شك هن����اك خماوف عديدة من حتول اليم����ن �إىل قاعدة جديدة امل�صاحلة الوطنية مع قوى املعار�ضة وتو�سيع قاعدة امل�شاركة ال�سيا�سية للتنظي����م يف اجلزي����رة العربية ،ملا ميثله من تهدي����د فعلى لأمن اخلليج �أمام الق����وى احلزبية واملواطنني و�إعطاء دور �أك��ب�ر للربملان يف احلياة برمت����ه ،وللإم����دادات النفطي����ة للخ����ارج ،وا�ستغ��ل�ال ل�سواح����ل اليمن ال�سيا�سي����ة ،والعمل يف الوقت نف�سه على انق����اذ اليمن من خطر تهديد املفتوحة عل����ى البحار واملحيطات ،ومن ثمّ ج����اء ت�أييد تنظيم القاعدة تنظي����م القاعدة ال����ذى �سيزداد ح����دة �إذا مل ي�ضطل����ع املجتمع الدوىل
تو�سيع رقعة االنتماء
دواعي ان�ضمام اليمن والعراق ملجل�س التعاون اخلليجي �أثري ناظم عبدالواحد
al_jassour_8@yahoo.com
بين���ت منطلق���ات ديباج���ة النظ���ام الأ�سا�س���ي ملجل����س التعاون اخلليجي الذي ت�أ�س�س يف اخلام�س والع�شرين م���ن �أيار/مايو عام ،1981الأ�س�س التي يقوم عليه���ا هذا النظام الإقليمي ،وما يربط دوله ال�س���ت م���ن عالق���ات خا�ص���ة و�سم���ات م�شرتكة، ومت�سكه���ا بامل�ص�ي�ر الواح���د ،ووح���دة اله���دف، وبالت���ايل فهو ميث���ل �صيغة تعاوني���ة هدفها حتقيق التن�سي���ق والتكام���ل والرتاب���ط بني ه���ذه الدول يف جمي���ع امليادين و�صو ًال �إىل وحدته���ا التي توثّق من خالل الروابط التي جتمع الأطراف املتمثلة بوحدة اللغة والدين والقومية. ومب���ا �أنه يعت�ب�ر نظام��� ًا فرعي��� ًا �ضم���ن النظام 48
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
الإقليم���ي العرب���ي� ,إال �أنه �أتيحت ل���ه الفر�صة لأن يك���ون العب��� ًا �أ�سا�سي ًا وممتل���ك ًا قدرة كب�ي�رة على الت�أث�ي�ر يف تفاع�ل�ات هذا النظام عل���ى امل�ستويني الإقليمي وال���دويل ،ب�سبب ما ميتلك���ه من عنا�صر الق���وة املادي���ة والت���ي عو�ض���ت ع���ن كل م���ا يعانيه م���ن �ضع���ف يف املج���االت الأخرى ،حت���ى �أن بع�ض دول���ه لعب���ت دور ًا �سيا�سي ًا ودبلوما�سي��� ًا مرموق ًا يف ح���ل وت�سوية الأزم���ات وال�صراع���ات التي �شهدتها املنطق���ة يف ال�سنوات الأخرية ،ال بل �إن ق�سم ًا منها �أدى �أدوار ًا �سيا�سي���ة مهمة نيابة عن القوى الكربى الت���ي غ���دت مواقفها غ�ي�ر مقبولة عن���د الأطراف �أثري ناظم عبدالواحد باحث بوحدة بحوث كلية القانون، املت�صارعة. اجلامعة امل�ستن�صرية – العراق.
وم���ن هن���ا ،ف����إن احلديث ع���ن ان�ضم���ام اليمن والعراق �إىل هذا النظام اخلليجي ما هو �إال تدعيم للق���وة املمتلكة ،من حيث تو�سيع الرقعة اجلغرافية وزي���ادة للكثافة ال�سكانية� ,إ�ضافة �إىل ك�سب موارد �إ�ضافية على املوارد املتاح���ة� ،سعي ًا لتحقيق الأمن وال�سلم االجتماعي يف �شبه اجلزيرة العربية. وقب���ل تفعي���ل الت�ص���ورات الداعي���ة �إىل تقوي���ة االقت�ص���اد اخلليجي� ,أو تدعيم احلي���اة ال�سيا�سية واالجتماعي���ة اخلليجي���ة ،مب���ا يحق���ق اال�ستق���رار ال�سيا�سي للنظ���م ال�سيا�سية عرب م�شاركة �سيا�سية
بدورفع����ال يف معاجل����ة التحدي����ات الت����ى تواج����ه الدولة �س����واء املتعلقة واملتمردي����ن احلوثيني وال�سعودية�/إيران ،حي����ث مثل احل�ضور القطري بالأو�ض����اع ال�سيا�سية �أو املتعلقة بالأو�ضاع االقت�صادية ،وذلك لي�س حب ًا كو�سيط بني احلوثي��ي�ن وال�سلطة ا�ستفزاز ًا علني���� ًا لل�سعودية التى تتمتع يف اليم����ن و�إمنا حماية مل�صال����ح القوى الكربى يف منطق����ة ذات �أهمية بنف����وذ قوي داخل اليمن� ،س����واء على م�ستوى ال�سلط����ة �أو على امل�ستوى ا�سرتاتيجية كربى. ال�شعب����ي القبلي ،وب�إمكانها �إعادة ط����رح امل�شكلة مرة �أخرى على �سطح �إذن اتفاق 17متوز/يوليو جاء حام ًال اخلطوط العامة لتنفيذ اتفاق 23الأح����داث ،بالإ�ضافة �إىل اته����ام احلوثيني لل�سعودي����ة بعدم اجلدية يف �شباط/فرباير 2009بني ال�سلطة واملعار�ضة، االلتزام باتفاقات التهدئة. والذى ين�ص على ت�أجيل االنتخابات النيابية ،ال��ت��ط��ورات الأم��ن��ي��ة التى تلك ه����ى باخت�صار �شدي����د امل�ش����اكل التى تواجه والتمديد عامني حلكومة امل�ؤمتر ،ويدعو �إىل ���ش��ه��ده��ا ال��ي��م��ن م����ؤخ���ر ًا اليم����ن ،وتلق����ى بظالله����ا عل����ى الو�ض����ع الإقليمي له احلوار ب�ش�أن التعدي��ل�ات الد�ستورية والقانونية �أوج���دت قناعة ل��دى دول وبالذات عل����ى دول اخلليج ،وهنا تثار ت�سا�ؤالت حول الالزمة لإجراء وتنظي����م االنتخابات الربملانية اخل��ل��ي��ج ب�����ص��ع��وب��ة ت��رك دور دول اخللي����ج يف دعم ا�ستق����رار اليمن وحتفيزه املقبلة يف ني�سان�/أبريل .2011ولكن �ش�أنه �ش�أن اليمن مبفرده يف مواجهة عل����ى مواجه����ة م�شاكل����ه باعتب����ار اليم����ن امت����داد ًا باق����ي االتفاق����ات الأخرى غالب ًا م����ا تكون بداية ح��ال��ة ال���ت���ده���ور الأم��ن��ي جغرافي���� ًا له����ا وعمق���� ًا جيوا�سرتاتيحي ًا مهم����اً ،وهل لأزم����ة جديدة؛ فاملتابع لتطور الأحداث يجد �أن واالقت�صادي واخلدمي الذى توج����د ا�سرتاتيجي����ة خليجي����ة موح����دة نح����و اليمن االتفاق تزامن مع نذر حرب �سابعة بني النظام بات يعاين منها ،لت�أثرياتها وم�شاكل����ه� ،أم �أن العالق����ات اليمني����ة -اخلليجية ال تزال خا�ضعة لنمط التفاعل الثنائي ،وكيف ميكن واحلوثي��ي�ن ،والتى متثل����ت يف ا�ستم����رار القتال ال�سلبية يف �أمنها القومي ب��ي�ن احلوثيني وبني القبائل املوالية للدولة يف بل����ورة هذه اال�سرتاتيجية مب����ا يفيد اليمن ويخدم �صعدة م�ؤخراً ،جتدد القتال على الرغم من يف الوق����ت نف�س����ه “�أمن” ال����دول اخلليجية ،وهل اتفاق����ات التهدئة يع����ود �إىل دخول متغريات ان�ضم����ام اليمن ملجل�����س التع����اون اخلليجي كفيل جدي����دة عل����ى معادل����ة ال�ص����راع الثالثي����ة بتوفري غطاء من اال�ستقرار ال�سيا�سى والأمنى له الت����ى كان����ت تنح�ص����ر يف ال�سلط����ة اليمني����ة �أم ال؟ وا�سعة ،يج���ب الإ�شارة �إىل �أن كل الأطراف املعنية �س���واء كانت داخ���ل املجل����س �أو خارج���ه يجمعهم م�ستقب���ل واحد ،و�أن �س���وء الو�ض���ع االقت�صادي �أو ال�سيا�س���ي يف �أي دول���ة م���ن دوله ،حت���ى و�إن كانت غ�ي�ر من�ضوية حت���ت جتمعه ،له ت�أث�ي�ره ال�سلبي يف ال���دول الأخرى ،وي�شكل كابح��� ًا رئي�س ًا لتطوره وفق الأهداف اجلوهري���ة التي ت�أ�س�س من �أجلها ،الأمر ال���ذي يتطل���ب �إيج���اد بيئ���ة �إقليمية �أك�ث�ر جتان�س ًا وات�ساق ًا مما هي علي���ه الآن ،وخلق �أمناط متعددة م���ن التعاون ،وتو�سيع رقعة االنتم���اء بحدود املوقع اجليو�سرتاتيج���ي م���ن �أج���ل تعزي���ز التجان�س بني �أقط���اب النظام اخلليجي العرب���ي .وهذا ما يجعل الق���رار املتخ���ذ ب����أي دولة من ه���ذه ال���دول قرار ًا خليجي��� ًا -عربي��� ًا خال�ص���اً ،قاطع��� ًا الطريق �أمام الأف���كار والأجندات اخلارجية الت���ي مل تعجز عن و�ضع املنطقة يف حالة تناحر وتباعد. فبالن�سبة �إىل اليمن ،والتي تبلغ م�ساحتها حوايل � 500أل���ف كيل���و م�ت�ر مرب���ع ،ويبلغ تع���داد �سكانها 22.200.000ن�سم���ة %35 ،من ه�ؤالء يعي�شون حتت خ���ط الفقر ،حي���ث الو�ض���ع االقت�ص���ادي الذي ما زال مل ي�ص���ل بعد �إىل م�ست���وى تلبية كل طموحات ال�شعب ،على الرغم من الرثوات النفطية املكت�شفة، مم���ا جعله���ا تعتم���د يف متوي���ل بع����ض القطاعات
عل���ى امل�ساع���دات الدولية ،وتق���دم اململكة العربية ال�سعودية لها م�ساعدات �سنوية تقدر بحوايل مائة ملي���ون دوالر �سنوي���اً� .أي�ض��� ًا ال زال���ت اليمن تعاين من بع�ض اال�ضطراب���ات ب�سبب النزاعات القبلية، وانت�ش���ار الأ�سلح���ة بيد ق���وى اجتماعي���ة و�سيا�سية خارجة عن �سيطرة الدول���ة والقانون ،الأمر الذي يجعله���ا تعي����ش يف دوام���ة م���ن ع���دم اال�ستق���رار ال�سيا�س���ي واالجتماع���ي واالقت�ص���ادي ،وينعك����س �سلب ًا عل���ى دول اجلوار التي يع���اين ق�سم منها من تهديدات م�ستم���رة لقوى الإرهاب والتطرف ،مما دفع عدد ًا من دول الإقليم اخلليجي �إىل �أن ترتبط مبعاه���دات �أمنية مع �أحالف ع�سكرية ،واتفاقيات �أمني���ة م���ع بع�ض ال���دول الك�ب�رى ،يف الوقت الذي
حت ّفظ���ت بع����ض دول���ه عل���ى اتفاقيات كه���ذه ،من منطل���ق ت�أثرياته���ا امل�ستقبلي���ة ال�سلبي���ة يف �أمنها الوطن���ي ،وهو ما عربت عنه علن��� ًا اململكة العربية ال�سعودي���ة الت���ي طالب���ت باالتفاقي���ات اجلماعية ولي�س ب�شكل منفرد. ويف الواقع ،ف�إن ظواهر عدم اال�ستقرار قد تتفاقم �إذا م���ا بقيت اليمن معزولة عن حميطها اخلليجي و�إذا ما بقيت وحدها منفردة تواجه الإرهاب املهدد لكل امل�صالح الدولي���ة يف القرن الأفريقي� .أما �إذا ان�ض���وت اليم���ن �ضم���ن جمموعة من ال���دول متثل �سل�سلة مرتابط���ة من الدول املتداخل���ة ،وتربطهم جمموع���ة من امل�صال���ح اال�سرتاتيجي���ة امل�شرتكة، وم���ن بينها حماربة الإره���اب بكافة �أ�شكاله ،حيث �أنه���ا ت�شكل جزء ًا مهم ًا من �شبه اجلزيرة العربية، وم���ن حمي���ط جيوبوليتيك���ي ح�سا����س �إىل درج���ة كب�ي�رة ويت�سم ب�أن���ه منطقة رخوة ج���د ًا وحتيط به التهدي���دات والتحديات من كل جانب ،ناهيك عن العادات والتقالي���د امل�شرتكة ل�سكان هذه املنطقة، هذا م���ا ي�ؤكد وج���ود �آم���ال وتطلع���ات وهموم بني جميع الإطراف. ويف حال���ة �إح�ص���اء املكا�س���ب ال�سيا�سي���ة واالقت�صادي���ة والأمني���ة واملالية الت���ي �ستح�صدها اليمن من عملية االندماج باجل�سد اخلليجي ف�إنها العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
49
اليمن والعامل
وجهات نظر
الأهمية اجليو�سرتاتيجية لليمن يف حميطه الإقليمي
نب����د�أ بالبعد اجليو�سرتاتيجي ،بال�شك اليمن يعد �إحدى ق�ضايا الأمن يف اخللي����ج العربى ويف الوقت نف�سه يعد �أحد الأطراف الأ�سا�سية التى ت�ضطلع بدور �أ�سا�سي يف حماية �أمنه؛ فاملوقع اال�سرتاتيجى الذى يتمتع ب����ه اليمن باعتباره يتحكم يف م�ضيق ب����اب املندب املهم لتجارة النفط اخلليجي����ة املتجهة �إىل �أوروب����ا والواليات املتحدة ع��ب�ر البحر الأحمر وقن����اة ال�سوي�س ،كم����ا �أنه يطل على �شرق �أفريقي����ا وي�شكل همزة و�صل من خالل م�ضي����ق باب املندب بني اجلزيرة العربي����ة واخلليج والقرن الأفريقي ،هذا املوقع خلق قدر ًا كبري ًا من العوامل امل�شرتكة التى �أثرت يف العالق����ات اليمنية -اخلليجية ،وجعل����ت كال الطرفني يت�أثران ب�أية تط����ورات نوعية حتدث لدى الطرف الآخ����ر ،خا�صة احلدود ال�سعودية اليمني����ة ،وه����و م����ا يجعل اليم����ن �أحد قواع����د اال�ستق����رار يف املنطقة، ومم����ر ًا �آمن���� ًا لتمرير �أنابيب البرتول اخلليجية كم����ا �أنه من املمكن �أن يك����ون طريق ًا بري ًا للتجارة عرب �أرا�ضي����ه ،يرتبط باملوقع اال�سرتاتيجى ذل����ك حقيق����ة مهمة وه����ي �أن التط����ورات الأمنية الت����ى �شهدها اليمن م�ؤخ����ر ًا �أوجدت قناعة لدى دول اخلليج ب�صعوب����ة ترك اليمن مبفرده يف مواجه����ة حالة التده����ور الأمني واالقت�ص����ادي واخلدمي الذى بات يعاين منها ،لت�أثرياتها ال�سلبية يف �أمنها القومي ،الأمر الذى بات معه تدهور الأو�ض����اع الأمنية يف اليمن ميثل م�صدر قلق كبري لدول جمل�س كث�ي�رة جداً ،ولكن باملقابل هن���اك �أي�ض ًا مكا�سب ا�سرتاتيجية �سوف ت�ضاف �إىل القدرات اخلليجية احلالي���ة ،حي���ث رهان���ات امل�ستقب���ل الت���ي تخفي الكثري م���ن املتغريات ،خ�صو�ص ًا و�أن اليمن تتمتع مبوقع جغ���رايف ,ميثل عمق ًا �إ�سرتاتيجيا خليجياً، وت�ش���كل ج���زء ًا حيوي ًا م���ن ال�سيا�س���ات الدفاعية والأمني���ة اخلليجية .ف�إطاللتها عل���ى مياه خارج حو����ض اخللي���ج العرب���ي ،حيث بح���ر العرب من اجلن���وب ال�شرق���ي ،وخلي���ج عدن م���ن اجلنوب، و�إ�شرافها عل���ى م�ضيق باب املن���دب الذي يربط بني خلي���ج عدن والبحر الأحمر ال���ذي تطل عليه م���ن جهتها الغربية ،هذا املوقع ي�ساعدها على �أن تك���ون الطري���ق الآمن لدول اخللي���ج العربي فيما �إذا حدثت �أزمات من جهة البحر والرب؛ فهو مث ًال ي�ساع���د على مرور ال�سفن ع���ن طريق خليج عدن والبح���ر الأحم���ر يف حال���ة حدوث �أزم���ة خليجية �إيراني���ة ،خ�صو�ص ًا و�أن �إي���ران حتت�ضن حو�ضاخللي���ج من كل جوانبه ،وبا�ستطاعتها �أن ت�سيطر عل���ى مداخله وخمارجه ،ابت���دا ًء من �شط العرب حتى خليج عمان� ،إ�ضافة �إىل �أن الواليات املتحدة ق���د حولت منطق���ة اخللي���ج العرب���ي �إىل منطقة ع�سكري���ة ت�صلح كمنطل���ق لعملي���ات وا�سعة �ضد �إي���ران ،وبالت���ايل تتبني �أهمي���ة العامل اجلغرايف كعن�صر فعال يف العالقات الدولية. 50
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
التع����اون اخلليجي ،وبالتاىل يتحتم على دول املجل�س م�ساندة اليمن يف مواجهة م�شكالته عل����ى م�ستويني؛ الأول :جدية العمل على دمج اليمن يف �إطاره الإقليمي اخلليجي ،مبا ي�ساهم يف دعمه �سيا�سي ًا واقت�صادياً. والثانى :تفعي����ل التعاون اليمني اخلليجي عل����ى اجلانب اجلماعي بني دول املجل�����س جمتمعة ،مبا ميكن اليمن م����ن اال�ستفادة الفعلية بعوائد ال�شراك����ة الإقليمية ،وكذلك تفعيله على امل�ستوى الثنائي عرب �شراكات ثنائية جتارية وا�ستثمارية �ضخمة.
معوقات ان�ضمام اليمن ملجل�س التعاون اخلليجي
�أم����ا فيما يتعلق بالتعاط����ى اخلليجي نف�سه مع اليم����ن فيالحظ عليه غلب����ة الطاب����ع الثنائ����ي للتفاع����ل عل����ى الطاب����ع اجلماعي ،فم����ا زالت العالق����ات اليمني����ة -اخلليجية يحكمها الطابع الثنائ����ي وهو ما يعنى غي����اب ا�سرتاتيجية خليجية موحدة جتاه اليمن ،وترتبط بتلك النقطة ق�ضية غاية يف الأهمية بالن�سبة ل�صنعاء وهى االن�ضمام الكامل ملجل�س التعاون اخلليج����ي ،فمنذ تقدمي اليمن طلبه الأول لالن�ضمام للمجل�س يف م�ؤمت����ر القم����ة اخلليجي ال����ـ 17الدوح����ة – كان����ون الأول/دي�سمرب ،1996وحتى قمة م�سقط كانون الأول/دي�سمرب ،2001التى �أقرت قبول اليمن ع�ضو ًا يف عدد من م�ؤ�س�سات املجل�س ،ال يزال اليمن خارج نطاق االن�ضم����ام الفعلى عل����ى امل�ستويني االقت�ص����ادى وال�سيا�س����ى ،وما زال
ان�ضمام اليمن والعراق �إىل التجمع اخلليجي ما هو �إال تدعيم للقوة املمتلكة، من حيث تو�سيع الرقعة اجلغرافية وزيادة للكثافة ال�سكانية� ,إ�ضافة �إىل ك�سب موارد �إ�ضافية على املوارد املتاحة� ،سعي ًا لتحقيق الأمن وال�سلم االجتماعي يف �شبه اجلزيرة العربية املي���زة التي يج���ب �أن ت�ؤخ���ذ بنظ���ر االعتبار، والت���ي متتلكه���ا اليم���ن قيا�س��� ًا بال���دول الأخرى الأع�ضاء يف جمل�س التعاون اخلليجي ،هي العامل ال�س���كاين �أو الكثافة ال�سكاني���ة .فللعامل الب�شري ت�أثري مبا�شر يف قوة الدولة ،ويف م�ستوى تطورها، خ�صو�ص��� ًا �إذا توف���رت ل���ه الظروف الت���ي ت�صوغ عملي���ة ا�ستخدام هذا الب�ش���ر بال�شكل ال�صحيح, وتكون هناك �صيغ���ة تعمل على تقريب جمتمعات املنطقة ,لتوثيق �أوا�ص���ر املحبة والتعاون بد ًال من العداء والكراهية .فهذه الكثافة الب�شرية اليمنية (قوة العمل امل�ستقبلية) ميكن توظيفها من خالل
برامج تدريبية متطورة على التكنولوجيا احلديثة يف قطاع���ات العم���ل اخلليجية بد ًال م���ن العمالة الآ�سيوي���ة الواف���دة الت���ي �أدت �إىل تفاق���م وبروز م�ش���اكل اجتماعي���ة ح���ادة تط���ورت يف ال�سنوات الأخ�ي�رة �إىل م�ش���اكل �سيا�سية و�أمني���ة خطرية، �إ�ضاف���ة �إىل �أنه���ا جت���د احلل���ول مل�ش���اكل اليم���ن الداخلية االجتماعي���ة واالقت�صادية ،وتعمل على جتفيف م�صادر الإرهاب عرب ا�ستقطاب ال�شباب العاطل عن العمل. �أم���ا فيما يتعلق بالعراق ،ف����إن امل�س�ألة ميكن �أن ينظر �إليها مبنظار �آخر ،و�إن كانت ال تختلف عن الأهمية اال�سرتاتيجي���ة التي يحتلها اليمن كع�ضو فاعل يف جمل����س التعاون لدول اخللي���ج العربية. و�إذا كان هناك من يعتقد ب�أن الإعالن عن �إن�شاء جمل����س التع���اون اخلليجي حماولة لإبع���اد �إيران والع���راق يف نف�س الوق���ت وعزلهما ع���ن “البيئة الأمني���ة اخلليجية” ،وذل���ك لتوجهاتهما القومية والإ�سالمية التي ال ت�ست�سيغها الأنظمة اخلليجية، ف����إن ان���دالع احل���رب العراقي���ة – الإيرانية وما �أفرزت���ه يف �أ�شهره���ا الأوىل من تداعي���ات �سلبية على �أمن املنطقة �أعط���ى امل�صداقية للر�أي الذي ط���رح ،وع�ّب�رّ ع���ن هواج����س الأنظم���ة اخلليجية م���ن تداعيات ه���ذه احلرب .ولكن ال�س����ؤال الذي يط���رح يف هذا ال�ص���دد هو :ل���و �أن �إن�شاء جمل�س
خا�ضع ًا ل�شروط الت�أهيل املختلفة التى يتطلبها املتغريات وامل�ستجدات التى اخلليجي����ة املهم����ة ،وي�أت����ى يف مقدمته����ا املوق����ف االن�ضمام ،فقد ظلت م�س�ألة االن�ضمام مطمح ًا متوج بها منطقة اخلليج خالل اليمن����ى امل�ؤي����د لالجتي����اح العراق����ي للكوي����ت عام ميني���� ًا غالب ًا ما قوبل بعملي����ات رف�ض «مقنّع» من ال�سنوات املا�ضية فر�ضت على ،1990عل����ى الرغ����م من �أج����واء تنقي����ة العالقات جانب دول املجل�س وفق ًا مل�سببات حمددة منها :دول املجل�س �ضرورة التعامل بني اليم����ن والكويت وبينها وب��ي�ن ال�سعودية خالل �أوالً :معوقات تتعلق بطبيع����ة البنية ال�سيا�سية ،اجلدي مع اليمن وم�شكالته ال�سنوات املا�ضية� ،إال �أنه يظل املوقف را�سخ ًا لدى والنظ����ام ال�سيا�س����ي يف اليم����ن وه����و النظ����ام االقت�صادية والأمنية على ال�شع����ب الكويتي وال�شع����وب اخلليجية عامة� .أي�ض ًا م����ن العوام����ل التى كان����ت �سبب ًا يف ع����دم ان�ضمام اجلمه����وري بينم����ا الأنظم����ة ال�سيا�سي����ة يف دول حد �سواء اليمن ملجل�س التعاون اخلالف����ات احلدودية بينها اخلليج جميعها �أنظم����ة ملكية حمافظة ،وهو ما ي�شيع خماوف لدى الدول اخلليجية من ت�أثري تداعيات انت�شار االنفتاح وبني عمان تارة ،وبينها وبني ال�سعودية وهى الأكرث �أهمية منذ بدايتها ال�سيا�س����ي ب�أبع����اده احلزبي����ة واالنتخابي����ة ،الت����ى تتواف����ر يف الأنظمة عام 1934وحتى التوقيع النهائي على اتفاقية تر�سيم احلدود النهائية يف ج����دة عام .2000وهذا اخلالف احلدودي لعب دور ًا مهم ًا يف عملية اجلمهورية ب�صفة عامة ،على �أنظمتها املحافظة. ثانياً :معوقات تتعلق بطبيعة امل�ستوى االقت�صادي؛ فدول اخلليج تعلم ت�أجي����ل ان�ضم����ام اليم����ن ملجل�س التع����اون اخلليجي ،فالبع�����ض يرى �أن �أن ان�ضم����ام اليمن بنظامه االقت�ص����ادي الفقري املتوا�ضع والذى يعانى حلحل����ة املوقف اليمنى م����ن م�شكلة احل����دود مع ال�سعودي����ة ترجع �إىل يف الوق����ت نف�س����ه من تدين خدم����ات البنية التحتية ،وعج����ز الإدارات ح�صول �صنعاء عل����ى «ت�أكيدات» �سعودية با�ستع����ادة املزايا التى كانت احلكومي����ة التفاعل م����ع حالة التده����ور االقت�صادي ل�ضع����ف امليزانية تتمت����ع بها العمال����ة اليمنية يف ال�سعودي����ة ودول اخللي����ج ،والتى �ألغيت العامة للدولة� ،سيزيد من ع����بء التكلفة االقت�صادية التى �ستحتاجها عل����ى �إثر املوقف اليمني م����ن غزو العراق للكوي����ت ،وبالرغم من ذلك عملية «ا�ستيعاب» اليمن داخل املجل�س ،خا�صة يف ظل متايزات متعددة فل����م يع����ود الو�ضع �إىل ما كان علي����ه وفق ًا لأ�سباب تتعل����ق بع�ضها بعدم حاجة ال�سوق ال�سعودي����ة للعمالة اليمنية نظر ًا لوجود العمالة امل�صرية يف امل�ستويات املعي�شية واملالية بني اليمن وتلك الدول. ثالث����اً :معوقات تتعل����ق مبجموعة م����ن املواقف اليمنية م����ن الق�ضايا وال�سوري����ة التى ارتبطت بها ال�س����وق ال�سعودية ودول اخلليج بعد حرب التعاون تقدم �إىل ما قبل عام 1981و�ضمّ العراق يف ع�ضويت����ه ،ه����ل كان����ت �ستندلع احل����رب ما بني طه���ران وبغداد؟ وه���ذا ال�س�ؤال ي����ؤدي �أي�ض ًا �إىل طرح ال�س�ؤال التايل :لو �أن العراق ع�ضو يف جمل�س التعاون اخلليجي ،ه���ل كان �سيقوم بغزو الكويت، ويجنب املنطق���ة كل ما تعاني���ه الآن من تداعيات خطرية �أفرزتها حرب اخلليج الثانية؟ �أعتق���د جازم ًا �أنه ل���و كان العراق من�ضوي ًا حتت جناح جمل����س التعاون اخلليجي مل���ا اندلعت حتى ح���رب اخللي���ج الثالث���ة ،وجتنّب الع���راق كل هذه الويالت وامل�آ�سي التي دفع ثمنها ال�شعب العراقي. ولتج���اوز كل م���ا ح�صل وحت���ى ننظ���ر للم�ستقبل برهانات���ه اجلدي���دة ،ف����إن الوقت م���ا زال قائماً، والفر�ص متوف���رة ،والظروف املو�ضوعية والذاتية مهي����أة لعودة العراق لي�س فق���ط للح�ضن العربي، و�إمنا يجب �أن يلعب دور ًا فاع ًال يف املعادلة الأمنية الإقليمية واخلليجي���ة .و�إذا ما حتقق االنتماء �إىل جمل����س التع���اون اخلليجي ف�إن هن���اك الكثري من املكا�سب ال�سيا�سي���ة واالقت�صادي���ة والأمنية التي ميك���ن �أن تتحق���ق لكل الأطراف الت���ي يهمها �أمن املنطقة وا�ستقرارها وتقدمها. �إن م�ساع���دة ال���دول اخلليجي���ة للع���راق عل���ى �أن يك���ون �ضم���ن ه���ذه املنظومة الإقليمي���ة ,يعني توفر النية ال�صادقة واجل���ادة لإعادة العراق �إىل
حميط���ه العرب���ي .و�إذا �أمعن���ا يف ق���راءة التاريخ ب�ش���كل �صحيح نرى �أن هن���اك ت�شابه ًا بني احلالة العراقية يف �صورتها العربية ،واحلالة الأملانية يف �أوروب���ا .ف�أملانيا �إىل فرتة احل���رب العاملية الثانية وم���ن ثمّ م���ا تبعها م���ن �أحداث احل���رب الباردة، كانت م�صدر قلق وخ���وف داخل اجل�سد الأوربي، وم���ا فر�ض عليها من عقوب���ات وعزل عن املجتمع ال���دويل كان كفي���ل بتدمريها ،لك���ن مت ا�ستدراك املوقف من قبل القادة الأوربيني بعد �سقوط جدار برلني ،وحتى يكبحوا جماح هذه الدولة فتحوا لها الأب���واب من خ�ل�ال امل�شاركة الفعلي���ة يف االحتاد الأوروب���ي ,و�أعادوها �إىل م�سرح التاريخ ب�أحداثه، بعد �أن �آمن القادة الأملان بعدم اللجوء �إىل القوة، وجتنب جتاوز اخلطوط احلمراء واملحرمات التي ال يجوز امل�سا�س بها لأنها تثري امل�شاكل واملخاوف. وباملث���ل كان الع���راق م�ص���در خوف وقل���ق ب�سبب �سيا�س���ات غ�ي�ر حم�سوب���ة العواق���ب ،و�إذا كان���ت هناك بع�ض الأ�صوات التي تدعو �إىل عزل العراق نتيج���ة حل�سابات ووجهات نظ���ر �ضيقة ،ومواقف �سيا�سي���ة خاطئ���ة ،ف����إن النتيجة هو دف���ع العراق باجتاهات �أخرى هي يف غري �صالح الأمة العربية بوج���ه التحديد ،قبل �أن تكون له���ا ت�أثريات �سلبية يف الو�ضع اخلليجي. وامل�ؤك���د �أن وجود الع���راق �ضمن نظ���ام �إقليمي
ي�ساع���ده عل���ى النهو����ض والتخل����ص م���ن واق���ع �سيا�س���ي ي�ضف���ي ب�سلبيات���ه عل���ى كل املحيط�ي�ن ب���ه ,ويقي���ده بالتزامات م���ن �ضمنه���ا الدفاع عن اجلمي���ع ،واح�ت�رام �سي���ادة الآخري���ن مهم���ا كان الثمن ،وبالتايل ي�ؤدي �إىل تفاعل جميع الأطراف، باعتبار �أن التفاعل هو املعيار الأهم يف بناء نظام خليجي قوي ،يخلق نوع ًا من التوازنات ال�سيا�سية يف املنطق���ة .لك���ن ه���ذا يتوقف على مب���ادرة دول جمل�س التعاون يف تفعيل احلياة ال�سيا�سية العامة العراقي���ة ،لأنه���ا ج���زء م���ن م�س���ارات احلياة يف املنطق���ة اخلليجي���ة� ,إ�ضافة �إىل امت�ل�اك العراق ق���وة ب�شري���ة ت�ساع���د يف ح���ل م�س�أل���ة التوازن���ات يف املنطق���ة .لك���ن احلقيق���ة ،والأم���ر الوا�ضح يف ه���ذه امل�س�ألة� ،أنه���ا حتتاج �إىل �سيا�س���ة حكيمة ال تع�ي�ر لل�سلطان وامل���كان �أي �أهمية بق���در ما تعريه للم�صلح���ة العامة ،وما �سوف ي�ضفي على املنطقة م���ن فوائ���د �سيا�سي���ة واقت�صادي���ة واجتماعي���ة. بالت���ايل ،يبق���ى العمل ال�سلي���م والني���ة ال�صادقة واحلقائق الت���ي تعترب الفي�صل يف اختيار الطريق ال�صحيح لبناء الدعائ���م الأ�سا�سية لنظام عربي �إقليم���ي خليج���ي ينه�ض ب�شع���وب ه���ذه املنطقة. فالع���راق �سيبقى دوم��� ًا عن�صر ًا قوي��� ًا يف دينامية الأمن الإقليمي اجلديد ،وهو التفكري ال�سائد الآن يف العراق. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
51
اليمن والعامل
وجهات نظر
اخللي����ج الثانية مبا�شرة ،والتى عمل����ت دون احل�صول على الت�سهيالت نف�سه����ا التى كان����ت حت�صل عليها العمالة اليمني����ة ،مقابل ذلك عملت ال�سعودية على زيادة معدالت ا�ستثماراتها يف اليمن ال�ستيعاب وت�شغيل العمال����ة اليمنية داخل وطنها كتعوي�ض ع����ن املزايا التى كانت حت�صل عليها تلك العمالة يف �سوق العمل ال�سعودية. رابع����اً :معوقات تتعل����ق مبعار�ضة بع�ض دول اخللي����ج الن�ضمام اليمن ملجل�س التع����اون على الرغم من الت�صريح����ات الر�سمية ال�صادرة من ال����دول اخلليجية ،والتى ت�ؤكد جمملها عل����ى الرتحيب بان�ضمام اليمن للمجل�س ،والتى قد تتعار�ض مع املرونة والرغبة ال�سعودية الداعمة لهذا االن�ضمام ،وهى مرونة فر�ضته����ا امل�شكالت التى باتت حمدقة باليمن داخلي���� ًا وخارجي ًا وت�ضر مب�صالح ال�سعودية �ضرر ًا بالغاً ،وقد انعك�ست تل����ك املرونة بو�ض����وح يف اتفاقية جدة التى حول����ت عالقة البلدين من عالق����ة ت�أزم وخالف �إىل عالقة م�صالح قائمة على �شراكة اقت�صادية متهد لدخول فعلي لليمن �إىل جمل�س التعاون.
خطوات مينية نحو االن�ضمام وال�شراكة الفعلية
م����ا �سبق ي�شكل بالفعل حتديات �أم����ام ان�ضمام اليمن ملجل�س التعاون و�أم����ام انته����اج دول اخللي����ج ا�سرتاتيجية وا�ضحة املع����امل �إزاء اليمن، �إال �أن املتغ��ي�رات وامل�ستج����دات التى مت����وج بها منطق����ة اخلليج خالل ال�سن����وات املا�ضي����ة فر�ضت على دول املجل�س �ض����رورة التعامل اجلدي م����ع اليمن وم�شكالت����ه االقت�صادي����ة والأمنية على حد �س����واء ،فاليمن اقت�صادي���� ًا ورغ����م فقره �إال �أنه ميثل �سوق ًا وا�سع���� ًا للمنتجات اخلليجية ناهي����ك عن م�ساعيه امل�ستم����رة ملواءمة �إج����راءات االن�ضمام للمجل�س وهيئات����ه املختلفة وحلم����ه باالن�ضمام �إىل منطقة التج����ارة احلرة بني دول املجل�����س ،و�أمني ًا برهنت �أح����داث التمرد احلوثي و�ضربات تنظيم القاعدة على �أهمية اليم����ن كعمق ا�سرتاتيجى للخليج ولدول اجلزيرة العربي����ة عام����ة ولل�سعودي����ة خا�ص����ة .ويف ه����ذا ال�سياق� ،أعلن����ت وزارة التخطي����ط والتع����اون الدويل اليمني����ة ر�سمي ًا يف مطل����ع العام اجلاري ع����ن ثالثة م�سارات يتم على �أ�سا�سه����ا ا�ستكمال م�سرية االن�ضمام �إىل جمل�����س التع����اون وحتقيق االندم����اج امل�أم����ول يف ع����ام ،2015ووفق ًا ملا �أوردت����ه ال�صحف وو�سائ����ل الإعالم يف هذا ال�ش�أن ،ف�����إن امل�سار الأول: يت�ضم����ن ا�ستم����رار تدفق جت����ارة ال�سل����ع واخلدمات ب��ي�ن اليمن ودول اخلليج مع ا�ستغالل امليزة الن�سبية التى يتمتع بها االقت�صاد اليمني يف جماالت التعدين والزراعة وال�صناع����ة واخلدمات ال�سياحية .وامل�سار
ما ي��زال اليمن يحتاج �إىل جهد داخلي خارق ميكنه من الولوج �إىل املنظومة اخلليجية ،ولكن مبزيد من الدعم اخلليجي عرب ا�سرتاتيجية خليجية موحدة تتجاوز حدود اخلالفات التى تتال�شى �أهميتها يف مواجهة الأخطار الإقليمية والدولية التى حتيط مبنطقة اخلليج العربي ككل 52
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
الثانى :يت�ضمن ت�سهيل حركة العمالة اليمنية لدول اخلليج والعودة بها �إىل �سابق عهدها ،خا�ص����ة يف ظل الطلب املتزايد يف ال�سوق اخلليجية على العمال����ة .وي�ستهدف هذا امل�سار التخفيف من وط�أة �أزمة البطالة الت����ى يعانى منها املجتمع اليمني خالل ال�سن����وات الع�شر املا�ضية� .أما امل�س����ار الثال����ث :فيت�ضمن دعوة القط����اع اخلا�����ص يف دول اخلليج �إىل اال�ستثم����ار يف القطاعات الإنتاجية واخلدمية ذات امليزة الن�سبية التى يتمتع بها االقت�صاد اليمني ،خا�صة قطاعات الغاز الطبيعي وال�سياحة وال�صناع����ات اال�ستخراجية والتحويلية كثيف����ة العمالة .بالإ�ضافة �إىل م�سارات فرعية تتعلق بالبناء امل�ؤ�س�سي اليمني والفجوة التمويلية التى يعاين منها االقت�صاد املحلي.
�أبع��اد ا�سرتاتيجي��ة �إذن �أ�صبح����ت ق�ضي����ة ان�ضم����ام اليمن ملجل�����س التعاون �ض����رورة تفر�ضها العوام����ل الداخلية واخلارجي����ة وتدفع كل م����ن دول املجل�س واليمن جت����اه طريق ال�شراكة واالندماج ،والواقع �أن االندماج بني اجلانبني له �أبعاده املختلفة: البع��د الأمن��ي والدميوج��رايف :هن����اك خطران يه����ددان �أمن اخللي����ج العربى ،الأول اخلطر الإي����راين الذى حاول ويحاول النيل من دول اخلليج عرب اليمن من خالل دعم الوجود ال�شيعي بها �أو عرب دعم التم����رد احلوث����ى على احلدود ال�سعودي����ة اليمنية ،وهو م����ا مثل حتدي ًا مزدوج���� ًا لدول اخلليج واليمن مع ًا باعتبار مواقف �إيران من �سيا�سات الأمن يف اخلليج املعلنة وغري املعلنة ت�صب جمملها يف خلق واقع مقلق غري م�ستقر لتلك ال����دول مبا ميكنها من الت�أثري يف �سيا�ستها الداخلية والإقليمي����ة ،هذا الواقع يدفع اجلانبني اخلليجي واليمني �إىل التن�سيق والتعاون ملواجهة هذا اخلطر امل����زدوج .والثانى خطر تنظيم القاعدة ال����ذى �أعلن اندماج فرعي����ه (ال�سعودية – اليمن) وتوحد عملياته وهو م����ا انعك�����س يف �ضربات����ه الأخرية ،وجع����ل وزارة الدف����اع اليمنية توجه انتق����اد ًا �شديد اللهجة للموقف العرب����ي ،وحتديد ًا موقف دول اخلليج، م����ن حرب اليمن على الإرهاب واتهامه لها بعدم تقدمي الدعم الالزم وال����كايف ملواجهته� ،إذ �أكد بيان الوزارة ال�صادر يف حزيران/يونيو من الع����ام اجلارى على «�أن الإرهاب الذى يواجه اليمن لي�س جمرد خطر ًا حملي���� ًا عنفي ًا يف نطاقه اجلغرايف� ،إمنا هو �إرهاب منظم عابر حلدود الدول والق����ارات ،وهو يف هذه املواجهة ال يدافع عن �أمنه اخلا�ص ،بل عن الأمن الإقليمي والدويل» .وهنا انتقدت الوزارة التعاطي اخلليجي مع احلرب التى يخو�ضها اليمن مع تنظيم القاعدة ،والتى جاءت على ح�ساب �أمنه وا�ستقراره وم�صاحله ال�سيا�سية واالقت�صادية. هن����اك �أي�ض ًا نقطة هامة وه����ي �أن اليمن ميتلك جي�ش���� ًا نظامي ًا قوي ًا �إىل ح����د ما ،وميتلك �أي�ضا ثروة ب�شري����ة هائلة تفوق يف جمملها �سكان دول اخللي����ج جمتمع����ة ،وهو �سالح ذو حدي����ن .فهذه ال��ث�روة الب�شرية م����ن ناحية متث����ل عائق �أمام االن�ضم����ام لرتاجع امل�ست����وى االقت�صادي له����ا ع����ن امل�ستوى االقت�ص����ادي الذى يتمت����ع به مواطن����ي دول اخلليج، وبالت����اىل تعترب عبئ���� ًا على تلك ال����دول ،وهى من ناحي����ة �أخرى تعترب
و�سيل����ة ي�ستطيع املجل�س من خاللها معاجلة التهديد الدميجرايف الذى تعانى من����ه دوله وي�ؤثر �سلب ًا يف الرتكيب����ة االجتماعية ل�شعوبه ،ومن ثمّ ��ل�ا يف الهوية الوطنية هذه امل�شكلة يعك�سها الوجود املتزايد ي�ؤثر م�ستقب ً للعمال����ة الأجنبي����ة يف دول اخلليج وما يرتتب عليه م����ن تداعيات تتمثل معظمها يف خماطر جمتمعية وثقافية دخيلة على جمتمعاتها ،وبالتايل ف�����إن توازن ًا دميوجرافي���� ًا يحدثه ان�ضمام اليمن ملجل�����س التعاون جدير مبعاجل����ة اخللل الدميوجرايف ال����ذى تعانى من����ه دول اخلليج؛ فيحفظ تركيبته����ا االجتماعي����ة اخلليجية من ناحية ،ويح����دث نوع ًا من التوازن الدميوج����رايف مع الدولة الأك��ث�ر تهديد ًا لدول اخلليج وه����ي �إيران من ناحي����ة �أخرى ،وهذا يتطلب من اليمن التعام����ل بحر�ص وبقوة مع ملفه الأمن����ي� ،سواء يف مواجهة التمرد احلوث����ي وتفويت الفر�صة على �إيران ال�سيط����رة على جزء ا�سرتاتيج����ي مهم يف منطقة اخلليج العربي� ،أو يف مواجه����ة تنظيم القاعدة ال����ذى ي�سعى �إىل التحالف م����ع احلراك وفق ًا ملعطيات حمددة لتقوي�ض اال�ستقرار يف اليمن. البع��د االقت�ص��ادي :ال�شراكة اخلليجية -اليمني����ة ب�إمكانها فتح م�س����ارات متعددة ملزيد من تدف����ق اال�ستثمارات اخلليجي����ة �إىل ال�سوق اليمنية ،وحت�سني بيئة اال�ستثمار باعتبارها متطلبات جوهرية الن�ضمام اليم����ن �إىل جمل�س التعاون ،وكذلك العمال����ة اليمنية على نحو ما تقدم عر�ض����ه� ،إال �أن واق����ع البني����ة االقت�صادية اليمنية يف حاج����ة ما�سة �إىل �إعادة هيكلة وبناء مب�ساعدة الدول اخلليجية التى يتحتم عليها �صياغة ا�سرتاتيجي����ة ج����ادة ت�سته����دف منها تركي����ز ا�ستثماراته����ا يف جماالت البني����ة التحتية مبا ي�ساه����م يف التخفيف من حدة الفقر والبطالة الذى يعاين منهم����ا االقت�صاد اليمني ،مع عدم �إغفال م�سئولية احلكومة عن ا�ستفحال الف�ساد يف القطاعات االقت�صادية الهامة ومنها قطاع النفط؛ فاليم����ن وبع����د �سنوات طويلة م����ن �إنتاج وت�صدير النف����ط يبدو يف �أدنى م�ستويات التنمي����ة ب�صورة تفوق الو�ضع ال����ذى كان عليه قبل اكت�شافه. هذه الأو�ض����اع االقت�صادية ال�صعبة تعد بيئة �صاحل����ة للإرهاب ،الذى يتخ����ذ م����ن ال�شباب الذى يع����اين الفق����ر والبطالة جنود ًا ل����ه للت�أثري يف النظام ال�سيا�سي للدولة. البعد ال�سيا�سي :على امل�ستوى اخلارجي تعك�س التطورات ال�سيا�سية الت����ى �شهدتها املنطقة وانعكا�ساتها على العالقات اليمنية اخلليجية يف �إط����ار دخول �إي����ران كطرف ثال����ث يف معادلة العالق����ة الثنائية� ،أهمية ان�ضم����ام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليج����ي؛ لأن ال�شراكة واالندماج وفق���� ًا للنظ����ام الأ�سا�س����ي امل�ؤ�س�����س ملجل�س التع����اون تعن����ي التن�سيق يف ال�سيا�س����ات اخلارجية لدول املجل�س ب�ص����ورة ت�ستهدف حماية �أطراف ه����ذه ال�شراكة وم�صاحله����ا الإقليمية ومن ثم الدولي����ة� ،أى �أن ان�ضمام اليم����ن ملنظوم����ة العالقات اخلليجي����ة كفيل بحماية م�صاحل����ه الأمنية وال�سيا�سي����ة على حد �سواء ع��ب�ر العمل اجلماعي املوح����د والتن�سيق يف �سيا�سات الدول الأع�ضاء� .أما على امل�ستوى الداخلي ،وكما �سبق و�أ�شرنا �إىل اخت��ل�اف النظام ال�سيا�سي يف اليمن باعتباره نظام ًا جمهورياً ،عن الأنظم����ة ال�سيا�سية اخلليجية ،وهي من نقاط االختالف التى كانت وال
مل ي�ضطلع املجتمع الدوىل بدورفعال يف معاجلة التحديات التى تواجه الدولة �سواء املتعلقة ب��الأو���ض��اع ال�سيا�سية �أو املتعلقة بالأو�ضاع االقت�صادية ،حب ًا يف اليمن و�إمنا حماية مل�صالح القوى الكربى يف منطقة ذات �أهمية ا�سرتاتيجية كربى زال����ت �سبب ًا يف ت�أجيل ان�ضمام اليمن� ،إال �أن الواقع العملي يفر�ض على دول اخللي����ج النظر �إىل �أبعد من الإج����راءات ال�شكلية ،واال�ستفادة من جترب����ة االحت����اد الأوروبي الذى ي�ض����م �أنظمة �سيا�سي����ة متباينة ما بني ملكي����ة وجمهورية دون �أن ميثل ذلك �أي����ة حتديات فعلية وعملية مل�سرية االحت����اد ،ومن املتوق����ع �أن ال ي�ؤث����ر ان�ضمام اليمن بنظام����ه اجلمهورى للمجل�����س يف �أي����ة �أنظمة قائم����ة .النقطة الأكرث �أهمي����ة يف هذا ال�صدد ه����ي �ضرورة �إجراء م�صاحلة وطني����ة �سيا�سية �شاملة يف اليمن مع قوى املعار�ض����ة من ناحية ،ومع دعاة االنف�صال من ناحية ثانية .مع �ضرورة �إع����ادة هيكل����ة اجله����از ال�سيا�س����ي للدول����ة ،وا�ستكمال م�س��ي�رة احلوار الوطن����ي م����ع املعار�ضة ملناق�ش����ة امل�ش����اكل الداخلية ،ومن ث����م اخلروج بحل����ول �سريعة للأزمات الراهنة التى تق����ف حائ ًال دون ان�ضمام اليمن للمنظومة اخلليجية. خال�صة القول �إن اليمن يف حاجة �إىل ر�ؤية خليجية موحدة تدفعه �إىل مواجهة فعلية وفعالة للم�شاكل املزمنة التى باتت تهدد �أمنه وا�ستقراره، و�أن يت����م ا�ستكمال عملية االندماج ملواجهة التحديات الأمنية والتنموية التى تعرت�ض م�سرية االن�ضمام اليمنية ،ورمبا كان النعقاد م�ؤمتر وزراء خارجي����ة دول اخلليج مع وزير اخلارجية اليمني يف �صنعاء خالل �شهر �آذار/مار�س املا�ضى لبحث كيفية التعامل من خالل ر�ؤية خليجية موحدة م����ع التحديات التنموية والأمنية يف اليم����ن ،بداية االهتمام الفعلي من جان����ب دول اخلليح مبا يحدث يف اليمن م����ن تطورات ،لأنها يف النهاية �ست�ؤث����ر ب�شكل كبري يف الأو�ضاع اخلليجية عامة .كما يجب و�ضع معايري الت�أهي����ل لالقت�صاد اليمني لالن�ضمام للمجل�����س مو�ضع التنفيذ الفعلي م����ن جانب احلكوم����ة اليمنية ،و�أن ي�سعى النظ����ام ال�سيا�سي احلاكم يف �صنع����اء �إىل التهدئة على ال�ساح����ة ال�سيا�سية الداخلية وفتح حوار فعال ب��ي�ن ال�سلط����ة واملعار�ضة من ناحي����ة ،وبينها وبني دع����اة االنف�صال من ناحي����ة �أخرى .ناهيك ع����ن �ض����رورة مواجهة احلكوم����ة حلالة الرتدي االقت�ص����ادي الذى بلغ ذروته ب�إخفاق ال�سيا�سات النقدية واملالية ،حيث �شه����د الريال اليمني خالل �شهر �آب�/أغ�سط�س 2010هبوط ًا حاد ًا �أمام الدوالر يف الوقت الذى ارتفعت فيه الأ�سعار بن�سبة كبرية ،مما زاد من وط�أة الظروف االقت�صادية على احلياة اليومية لليمنيني� .إذن ما يزال اليم����ن يحتاج �إىل جهد داخل����ي خارق ميكنه من الول����وج �إىل املنظومة اخلليجية ،ولك����ن مبزيد من الدعم اخلليجي عرب ا�سرتاتيجية خليجية موح����دة تتجاوز ح����دود اخلالفات الت����ى تتال�شى �أهميته����ا يف مواجهة الأخطار الإقليمية والدولية التى حتيط مبنطقة اخلليج العربي ككل. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
53
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
الفر�صة ال�سانحة مكانة اليمن ودورها فـي املنظومة الأمنيــة الإقليمية اجلديدة
م ��ا حقيق ��ة امل�شه ��د ال�سيا�سي -الأمن ��ي ببعديه ال ��دويل والإقليمي الذي ت ��دور �أحداثه الرئي�س ��ة يف نطاق حدود املنطق ��ة املمت ��دة ب�ي�ن م�ضيق ��ي باب املندب وهرمز وم ��ا يجاورها؟ وم ��ا عالقته مبا يدور من تط ��ورات �سيا�سية- �أمنية مت�سارعة على ال�ساحة اليمنية؟ ومن ثمّ ،هل الكيان القومي لليمن يف خطر حقيقي؟ كيف وملاذا؟ طارق عبد اهلل احلروي d.tat2010@gamail.com
54
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
طارق عبد اهلل احلروي باحث ميني يف العالقات الدولية وال�ش�ؤون اال�سرتاتيجية.
�أ�سئل���ة كثرية تدور يف �أذهان اجلميع وذوي االخت�صا�ص منهم بوجه مي���زة املوقع اال�سرتاتيجي الأه���م يف املنطقة ،من باب �أن �إجماع معظم خا����ص ،حتتاج �إىل �إجابات ن�سبي���ة وافية� ,سوف نحاول تناولها يف �ضوء الق���وى الدولية وك���ذا الإقليمية �صاحبة امل�صلح���ة احليوية امل�شرتكة يف ر�ؤية حتليلي���ة ذات منظور �إ�سرتاتيجي نناق�ش من خاللها مدى خطورة ت�أم�ي�ن خطوط املالح���ة الدولية العاب���رة ملياه خليج عدن �س���واء باجتاه ا�ستمرار عمليات احلراك ال�سيا�سية -الأمنية والع�سكرية واالقت�صادية البحر الأحم���ر �أو املحيط الهندي ،ال يتعار�ض البتة مع وجود �أية طموح التي تعي�شها اليمن منذ نهاية الن�صف الأول من العقد احلايل ،وماهية �أو �إرادة لدي �صانع القرار اليمني نحو ت�أدية دور �إقليمي �سيا�سي� -أمني وطبيع���ة التوجه���ات اليمني���ة ذات الطاب���ع اال�سرتاتيج���ي املطلوبة �إزاء حموري �ضمن نطاق حدود الإرادة الدولية �أو نكرانها. التطورات احلا�صلة يف املنطقة وما يجاورها. ومم���ا ال�ش���ك في���ه �أن ه���ذا الأم���ر يف خطوط���ه العامة يتوق���ع له �أن ميكن القول ابتدا ًء �إن ا�ستمرار تنامي حُ مّى حاالت االنفالت ال�سيا�سي -يتعار�ض ن�سبي ًا على املدى القريب يف �أقل تقدير مع طموحات وتوجهات الأمن���ي يف بع����ض ال���دول الرئي�س���ة امل�ؤث���رة يف املعادل���ة الإقليمية لهذه بع����ض القوى الإقليمية الفاعلة ،التي خ�ضعت لها الإرادة الدولية ن�سبياً؛ املنطقة ،كال�سودان ،وال�صومال ،واليمن ،وباك�ستان ،و�أخري ًا ال�سعودية ،م���ن خالل حماول���ة ا�ستيعابها؛ بهدف ا�ستكم���ال خمططاتها املر�سومة وماهي���ة وطبيعة ومن ثمّ حجم الإرها�صات الدولية والإقليمية ب�أبعادها للمنطق���ة ككل ،يف �ض���وء ما ن�ست�شفه من ا�ستم���رار قراءتنا لهذا املتغري الع�سكري���ة وال�سيا�سي���ة والأمنية الت���ي يغلب عليها الطاب���ع الإعالمي -وفق��� ًا للمنظ���ور اال�سرتاتيج���ي على خلفية م���ا ت�شهده ال�ساح���ة اليمنية الدعائ���ي امل�صاحبة لأعم���ال القر�صن���ة البحرية يف نطاق ح���دود مياه م���ن تط���ورات رئي�سة ت�سري بوتائ���ر متناغمة مذهلة تت�س���ق ن�سبي ًا مع ما خليج ع���دن والبحر العربي بالقرب من احل���دود ال�صومالية -الكينية ،يج���ري يف دول �أخرى مثل (ال�صوم���ال ،وباك�ستان ).. ،منذ عام ،2004 ت�س�ي�ر يف اجت���اه �إمكانية تبلور املع���امل الرئي�سة املح���ددة لأول منظومة ال�سيم���ا يف ظل وج���ود احتماالت كثرية لدين���ا ب����أن دو ًال �إقليمية بعينها ت�سع���ى بق���وة يف ظل ما متتلكه م���ن ر�صيد �إ�سرتاتيج���ي� -سيا�سي �إقليمي���ة -دولية �أمنية جديدة ،ت�ضم كل الدول املعنية التي تتح�شد وراء حماول���ة حتجي���م ال���دور املح���وري املتوقّ���ع لليمن، �أ�ساطيلها احلربية والبحرية فيها؛ تغطي املنطقة املمتدة ب�ص���ورة ال تتنا�س���ب م���ع املمي���زات اال�سرتاتيجية ب�ي�ن م�ضيقيّ ب���اب املندب وهرمز وم���ا يجاورها- ا�ستمرار تنامي ُحمّى حاالت الت���ي ميتلكه���ا ،حت���ت م�ب�ررات كث�ي�رة؛ منه���ا عل���ى �أكرث تقدي���ر� -ضم���ن �إ�سرتاتيجية املحور االنفالت ال�سيا�سي -الأمني يف ا�ستم���رار تزايد املخ���اوف التقليدي���ة لبع�ض الأمريكي-الغرب���ي وحلفائ���ه املتبع���ة �إزاء بع�ض الدول الرئي�سة امل�ؤثرة يف دول اجل���وار العربي واخلليج���ي (ال�سعودية منطقت���ي “ال�شرق الأو�س���ط الكبري و�شمال املعادلة الإقليمية لهذه املنطقة، بوج���ه خا�ص) م���ن �أن ب���روز �أي���ة احتمالية �أفريقي���ا” ،و”الق���رن الأفريق���ي الكبري” ت�سري يف اجتاه �إمكانية تبلور املعامل الرئي�سة املحددة لأول ل���دور حموري حقيق���ي لليم���ن �سيكون -بال املقرتح���ة ،ب�ص���ورة يتوق���ع له���ا �أن ت�ش���كل أمنية � دولية إقليمية- � منظومة �شك -عل���ى ح�ساب م�صاحله���ا احليوية من احللقة الأكرث �أهمية يف امل�شاريع ال�سيا�سية- املعنية الدول كل ت�ضم جديدة، الناحية اال�سرتاتيجية ،م�ضاف ًا �إليها املخاوف الأمنية املذكورة �آنفاً. التي تتح�شد �أ�ساطيلها امل�صري���ة املت�أتية من الطموح���ات الإقليمية وراء �أما الثابت يف هذا الأمر� ،إن اليمن مبا متتلكه احلربية فيها حماول���ة لعب دور حموري على ح�س���اب دول املنطقة م���ن مقوم���ات �إ�سرتاتيجي���ة فريدة م���ن نوعها؛ من ومنها اليم���ن .فربوز مثل هذا الدور -م���ن وجهة نظرها- حيث املوق���ع واملو�ضع ،ومن ثم بقدر ما � -أو ما ميكن �أن- توظف���ه من م���وارد و�إمكانات ،ثم ما لديها من م�صال���ح قائمة كانت �أم �سي�ؤثر كثري ًا فيها� ،سيما �أنها �سوف ت�ضطر �إىل �إحداث تغيري جذري يف من�شودة ،ومن ث���م من �إرادة وطموح متنامي يف ت�أدية دور حموري م�ؤثر �سيا�ساتها املتبعة �إزاء اليمن تراعي فيها امل�صلحة العليا لليمن يف �ضوء يف �أت���ون ال�سيا�س���ة الإقليمية �ضمن نطاق ح���دود احليز اجلغرايف الذي م���ا متثله قناة ال�سوي����س من �أهمية ق�صوى مل�صر ،عل���ى خلفية م�شاركة ت�شغل���ه وما يجاوره� ،س���وا ًء �أكان ذلك يف اجتاه ال�ش���رق ممث ًال بالدائرة اليم���ن لها باملنا�صفة يف �إدارة املمر املائي -ول���و ب�صورة ن�سبية ،-وكذا الأمني���ة الإقليمية للخلي���ج العربي و�شبه اجلزي���رة العربية� ،أو يف اجتاه ينطب���ق هذا الأمر على بع�ض الدول غري العربي���ة ك�إ�سرائيل على �سبيل الغ���رب ممث ًال بالدائرة الأمنية الإقليمية للق���رن الأفريقي� ،أو يف اجتاه املث���ال ال احل�صر؛ ج���راء ا�ستمرار خماوفها الأزلي���ة �إزاء �أية احتماالت اجلنوب ممث ًال باملجال احليوي البحري ،قد فر�ض نف�سه بقوة على خط لقي���ام دور عرب���ي -ميني فاع���ل يف منطقة البحر الأحم���ر حتى لو كان �سري الأح���داث الرئي�سة املتوقعة واملحتمل���ة واملرغوبة ،ب�صورة ال ميكن من�ضبط��� ًا وم�سيط���ر ًا عليه ،تتحول مبوجب���ه املنطق���ة �إىل دائرة عربية جتاوزه���ا �أو جتاهلها باملطلق م���ن قبل دول املح���ور الأمريكي -الغربي مغلق���ة ،تزيد من حجم املع�ضالت الأمنية التي تعي�شها �إ�سرائيل� -أوالً- وحلفائها� ،سواء عند التخطيط �أو التنفيذ لقيام نظام كهذا ،وهو الأمر ثم �إيران �أثناء �سعيها احلثيث وراء حماولة تقوي�ض �أو حتجيم مرتكزات ال���ذي يتوقع مبوجبه �أن تتبو�أ اليمن -بالت�شارك مع دول �أخرى -مكانة قيام دور ميني يف املنطقة �ضمن نطاق حدود الدائرة الإقليمية الثانوية مرموق���ة ومهم���ة يف �إ�سرتاتيجيات الق���وى الدولية والإقليمي���ة الفاعلة ،املر�سوم���ة له���ا ممثل���ة باخللي���ج العرب���ي و�شب���ه اجلزي���رة العربية يف تتنا�س���ب مع طموحاته���ا املكبوتة منذ ع�شرين عام ًا م���ن ح�صولها على اجت���اه �إعادة تروي�ض���ه يف �إطار ا�سرتاتيجية املح���ور الأمريكي -الغربي العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
55
اليمن والعامل
وجهات نظر
وحلفائ���ه املتبعة �إزاء منطق���ة “ال�شرق الأو�سط الكبري و�شم���ال �أفريقيا” املقرتحة -ثانياً ،-وهو الأمر الذي ات�ضح���ت بع�ض �أهم معامل���ه الرئي�سة يف طبيعة الأدوار املحورية التي لعبتها دول بعينها -من قريب �أو بعيد - يف جممل عمليات احلراك ال�سيا�سية -الأمنية ومن ثمّ الع�سكري���ة واالقت�صادية التي �شهدتها ال�ساحة اليمنية منذ ع���ام ،2004يف اجت���اه ا�ستنزاف ق���درات النظام اليمن���ي و�ص���و ًال �إىل �إ�ضعافه ولي����س �إ�سقاطه ،متهيدا الحتوائه ،كي يت�سنى لها فر�ض �أجندتها الإقليمية عليه م���ن دون مقاومة حقيقي���ة تذكر ،ال�سيم���ا �أن م�صلحة املح���ور الأمريك���ي -الغربي ت�سري يف امل���دى املتو�سط- على �أك�ث�ر تقدير -يف اجت���اه تعزيز موقفه���ا الر�سمي املعل���ن �إزاء احلفاظ على الكيان القومي لليمن ووحدة ترابه الوطني. و�ضم���ن ه���ذا ال�سياق� ،أ�صب���ح حري ًا بن���ا القول �إن عل���ى مراكز اتخاذ القرار يف اليم���ن ،التي مل تدخر جهد ًا �إال وبذلته يف اجت���اه البحث امل�ستمر ع���ن موطئ قدم حقيقية لها يف ه���ذه الدائرة �أو تل���ك طوال الـ 19عام ًا املا�ضية ،ت�ستطيع م����ن خاللها بناء �أو �إعادة بلورة بع�����ض �أهم املرتكزات الأ�سا�سية لقيام دور �إقليمي ميني حموري� ،إال �أنها يف نهاي����ة املطاف مل جتنِ �سوى النزر القليل من ثمار هذا املجهود ،جراء حمدودي����ة اخليارات املتاحة �أمامها عل����ى امل�ستويني الداخلي واخلارجي، �ض����رورة الرتكي����ز املحوري -م����ن الآن ف�صاع����داً -على املع����امل الرئي�سة للفر�ص����ة التاريخية املن�شودة بكل دالالتها التاريخية و�أبعادها امل�ستقبلية، التي �أ�صبحت بع�ض �أهم مالحمها الرئي�سة قاب قو�سني �أو �أدنى منا ،بد ًال م����ن حتمّل عناء الذهاب �إليها وطلب و ّده����ا� ،أو انتظار ما ميكن �أن ت�سفر عن����ه الأيام من �صفقات �سيا�سية بني تلك الق����وى مع بع�ضها البع�ض دون �أن نك����ون طرف ًا حموري ًا فيه����ا ،يف ظل ا�ستمرار تنام����ي �إرها�صات �إعادة ت�سليط الأ�ضواء بقوة -مرة واحدة -على البيئة الإقليمية الأمنية املمتدة بني م�ضيقيّ ب����اب املندب وهرمز وما يجاورها؛ فدول املحور الأمريكي– الغربي وحلفائه الدوليني والإقليميني قاطبة ،ويف مقدمتها الدول العربية- اخلليجي����ة بوجه خا�ص ،واقفة على �أبوابنا تدقّها بلطف تنتظر منا الإذن له����ا بالدخول الفوري للتباحث وفتح باب احلوار ا�ستعداد ًا لدخول مرحلة املفاو�ضات� ،سيما يف �ضوء ما يتوقع لها �أال تلبي -يف نهاية املطاف� -سوى احلد الأدنى من متطلبات حتقيق امل�صلحة العليا للبالد ،نظر ًا ال�ستمرار حم����اوالت �إبعاد اليمن عن هذه املفاو�ضات ،جراء تنامي حاالت التداخل والت�شاب����ك الإقليمية والدولية املعقدة و�أبعاده����ا امل�ستقبلية ،م�ستفيدة يف ذل����ك من �إرها�صات تط����ور الأو�ض����اع الداخلية التي تعي�شه����ا اليمن منذ الن�صف الثاين من العقد احلايل والذي ال ي�سري يف �صاحلنا. وه����و الأم����ر الذي يفر�ض نف�سه بقوة على مراك����ز اتخاذ القرار ب�أهمية �أن ت����ويل هذا املتغ��ي�ر اهتمام ًا حموريا خا�ص ًا يرتق����ي �إىل م�ستوى املرحلة مبتطلباته����ا امللحة والتحديات املحيطة بها ،ك�أه����م معاركنا الوطنية التي 56
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
اليمن مبا متتلكه من مقومات �إ�سرتاتيجية فريدة من نوعها قد فر�ض نف�سه بقوة على خط �سري الأحداث الرئي�سة املتوقعة واملحتملة واملرغوبة، ب�صورة ال ميكن جتاوزها �أو جتاهلها باملطلق من قبل دول املحور الأمريكي- الغربي وحلفائها يج����ب �أن نخو�ضها -حكوم����ة و�شعب ًا -لفر�ض �أنف�سنا بق����وة ،لأن التهاون �أو �ضع����ف �إدراك ح�سا�سية هذا املتغري الذي نحن ب�صدده ،يعني يف نهاية املط����اف �إيذان ًا ر�سمي ًا ع����ن تنازل فعلي عن �أهم مي����زات املوقع اجلغرايف يف بع����ده اال�سرتاتيجي من جهة ،وتنازل ع����ن �أهم �أوراق ال�ضغط الرئي�سة املتاح����ة بي����د اليمن ،والت����ي ت�ؤهله����ا لفر�ض نف�سه����ا بقوة وخو�����ض عملية املفاو�ضات الثنائية ومتعددة الأطراف املتوقعة واملحتملة مع القوى املعنية م����ن جه����ة �أخرى ،وه����و الأمر ال����ذي يعني فقدانه����ا لأهم مق����وِّم يتوقع �أن يرتكز عليه الدور اليمن����ي املن�شود ،وبالتايل حتجيم لدور اليمن ومكانتها اال�سرتاتيجي����ة ،الت����ي وفّرهما متغري قي����ام الوحدة الوطني����ة ،لأن مقاليد ال�سيط����رة -ه����ذا �إن مل نق����ل الهيمن����ة -عل����ى املوقع البح����ري -الذي هو م�ص����در ح�سا�سية �شديدة للعديد من دول العامل -تكون قد انتقلت بالفعل �إىل �أيادي القوى الدولية والإقليمية. �أم����ا فح����وى الر�سال����ة الت����ي يج����ب �إي�صاله����ا �إىل املعني��ي�ن يف اليمن عل����ى �سدة ال�سلط����ة وخارجها ،هو حمورية الرتكي����ز يف الإدراك واحلركة املطلوب��ي�ن ،كي يت�سنى لهم �إمكاني����ة ا�ستح�ضار هذه املفارقة التاريخية يف بعده����ا اال�سرتاتيجي ،به����دف تعظيم حجم املكا�س����ب املتوقعة واملحتملة، وك����ذا املرغ����وب فيها ،من خ��ل�ال �إر�س����ال �إ�ش����ارات ودالالت حقيقية ذات مغ����زى تدركه دوائر �صنع القرار الأمريك����ي -الغربي وحلفائه ،وهي ت�ضع اللم�س����ات الأخ��ي�رة ملخططاته����ا املقرتح����ة �إزاء املنطقة ،ا�ستن����اد ًا ملعطي جيوبوليتيك����ي مهم مف����اده “حاجة دول املحور نف�سه����ا لقيام دور ميني يف َر�ضه متغري املوق����ع؛ ت�ستطيع من خالله �إمتام اجلزء الأكرب ه����ذا اجلزء ف َ وامله����م من خمططاتها املر�سومة ،”..لك����ن يبقى م�ستوى ودرجة ،ومن ثم ماهي����ة وطبيعة هذا الدور ،ه����و مثار اجلدل الذي يجب على �سا�سة البالد �أن ي�سع����وا وراءه من �أجل �إقح����ام الإرادة اليمنية بقوة يف �شبكة الرتتيبات الإقليمي����ة الأمني����ة املقبل����ة ،بد ًال م����ن ت����رك م�صاحلنا احليوي����ة مرهونة ب�����إرادة الآخرين ،وخا�ضع����ة ملعطيات الواقع الداخل����ي -اليمني والإقليمي (ال�سعودي ،امل�صري ،الإ�سرائيلي ،الإيراين ،الأثيوبي.)..،
برعاية كرمية من فخامة الأخ الرئي�س/ ينظم مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية بالتعاون مع وزارة املياه والبيئة ،ووزارة الزراعة والري ،وال�صندوق االجتماعي للتنمية، وباال�شرتاك مع املكتب الأملاين للتعاون الفني GTZ
امل�ؤمتر الوطني لإدارة وتنمية املوارد املائية يف اليمن واملقرر انعقاده يف �صنعاء� ،شهر كانون الثاين/يناير 2011
حمـاور امل�ؤمتــر املحور الأول :املوارد املائية يف اليمن :الأو�ضاع والتحديات. املحور الثاين :الإدارة املتكاملة للموارد املائية. املحور الثالث� :إ�سرتاتيجيات و�سيا�سات و�إجراءات �إدارة وتطوير املوارد املائية. للمزيد من املعلومات ،الرجاء التوا�صل مع من�سقة امل�ؤمتر: �سهري عاطف ،مديرة وحدة الدرا�سات االجتماعية ،مبركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية هاتف +967-1-682144 :حتويلة ()113
فاك�س+967-1-677879 :
الربيد الإلكرتوينsuhair@shebacss.com :
�أو تف�ضلوا بزيارة املوقع الإلكرتوين للم�ؤمتر
�ضمن موقع املركز على الرابطwww.shebacss.com/water :
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية هاتف +967-1-682144 :فاك�س+967-1-677879 : �ص.ب� 16822 :صنعاء -اجلمهورية اليمنية www.shebacss.com
E-mail: info@shebacss.com العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
57
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
من «الهادوية» �إىل «احلوثية» قراءة يف حتوالت الزيدية ال�سيا�سية
نبيل البكريي
albukiri@hotmail.com
مذه��ب م��ن املذاهب الإ�سالمية املعروفة مل��ا خ�ضعت له الزيدية ،كمذهب فقه��ي ،من حتوالت فكرية مل يخ�ض��ع ٌ وثقافي��ة وعقائدي��ة كب�يرة عل��ى امت��داد تاريخه��ا الفك��ري وال�سيا�سي من��ذ ظه��ور الزيدية كحرك��ة فكرية اجتماعي��ة معار�ض��ة يف القرن الهجري الثاين وحتى ظهورها كحرك��ة �سيا�سية ثورية “متطرفة” يف مرحلتها “احلوثية” يف الوقت الراهن. 58
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
�صحفي وباحث ميني يف �ش�ؤون احلركات واجلماعات الإ�سالمية.
وبرغ���م ما يذه���ب �إليه بع����ض الباحثني م���ن �أن املذه���ب الزيدي هو �أق���رب �إىل نظري ٍة �سيا�سي ٍة منه �إىل مذهب فقه���ي ،الختزاله املذهب - فقه��� ًا وعقي���د ًة -يف نظرية الإمام���ة مبدلوليها ال�سيا�س���ي والديني ،بل بغلبة املدلول ال�سيا�س���ي على الديني يف الإمامة تطبيق ًا وممار�سة ،لكن الزيدية مل تتحول �إىل نظرية �سيا�سية �إال يف مرحلتها الهادوية يف اليمن يف نهاية القرن الهجري الثالث. وم���ع هذا ،ف�إن الزيدي���ة مل تكن يوم ًا مذهب ًا قائم��� ًا دون وجود �سلطة �سيا�سية قائمة على نظريتها يف احلكم وهي “الإمامة” ،وهذا ما يُف�سر اندث���ار وذوب���ان هذا املذه���ب يف كل م���ن الديلم وطرب�ست���ان يف القرن الهجري الثاين وبقائه يف اليمن على مدى �أكرث من ع�شرة قرون .فبقاء املذه���ب الزيدي على مدى قرون يف اليمن يع���ود ب�شكل رئي�سي ملا ظلت تتمت���ع به الزيدي���ة يف مرحلتها الهادوي���ة يف اليمن من �سلط��� ٍة �سيا�سي ٍة ممثل���ة بدولة الإمام���ة الهادوية الت���ي �أ�س�سها الإمام اله���ادي يحيي بن احل�سني الر�سي منذ قدومه �إىل اليمن يف عام 284هجرية ،والتي ظلت حتى منت�صف القرن الع�شرين املا�ضي لتنتهي بقيام ثورة �سبتمرب 1962 التي �أعلنت قيام النظام اجلمهوري على �أنقا�ض الإمامة الهادوية. م��ن ه��و الزي��دي؟ �إن تغلي���ب ال�سيا�س���ي عل���ى الدين���ي يف احلالة الزيدي���ة وا�ضح وجل���ي يف كثري من �أدبياتها وم�سرية �أئمتها على امتداد تاريخهم� ،إذ يُعد زيدي ًا عندهم كل من قال ب�إمامة زيد بن علي ومن تاله من �آل البيت �شرط خروجه داعي ًا لنف�س���ه بال�سيف ،ولو متذهب بعد ذلك مبا �ش���اء من املذاهب والأفكار. ويذه���ب العالمة الهَادي ب���ن �إبراهيم الوزير (املت���ويف يف 822هـ) ،يف كتاب���ه املخطوط «هداية الراغبني»� ،إىل �أن انت�ساب الزيدية �إىل زيد بن عل���ي يعود لقوله���م ب�إمامته واعتقادهم ف�ضل���ه وزعامته؛ ولأن مذهبهم �أن الإمامة فيمن قال ب�إمامة زيد بن علي ،واعتقد ف�ضله فهو (زيدي)، و�إن مل يلت���زم مَ ذْ هَ به يف الفروع ،ف����إنَّ كثري ًا من ال َّزيْديَّة على ر�أي غريه يف امل�سائل االجتهادية وامل�سائل النظرية. والأم���ر نف�س���ه ي�ؤكده الكاتب الزي���دي عبداهلل حمي���د الدين يف كتابه «الزيدي���ة :ق���راءة يف امل�ش���روع وبحث يف املكون���ات» ،بقول���ه يف تعريفه للزيدي« :ومما يح�سن ذكره هنا �أن كلمة «زيدية» يف �أول �أمرها مل يكن لها داللة مذهبية �أو فكرية بقدر داللتها ال�سيا�سية ،فقد كانت ت�شري �إىل كل من اتفق مع الإمام زيد بن علي ( 122هجرية) يف دعوته الإ�صالحية �إىل دف���ع الظامل�ي�ن ،ون�صر امل�ست�ضعف�ي�ن ،ورعاية امل���ال ،واحلق العام، واحلري���ات ال�سيا�سية ،فكان من وافقه يف تلك ي�سمى زيدياً ،و�إن اختلف مع الإمام يف ر�ؤيته». وم����ؤدى هذه الأقوال كلها ي�صب باجت���اه مركزية الفكرة ال�سيا�سية يف الزيدي���ة ،وخا�ص��� ًة يف مرحلته���ا الهادوية التي يرى كث�ي�ر من الباحثني �أنه���ا � -أي الهادوية -هي التي جذبت الزيدية من حقل الفقه �إىل حقل ال�سيا�س���ة ،ب�إدخالها مفه���وم الإمامة ال�سيا�سي���ة وح�صرها يف البطنني دون �سواهما.
الإمام زيد واملذهب يذهب البع�ض �إىل �أبعد م���ن م�س�ألة القول ب�أن الزيدية جمرد نظرية �سيا�سية فح�سب، بقوله���م �إن زيد ًا ب���ن علي بن احل�سني مل ي�ؤ�س�س مذهب��� ًا ومل ي ّد ِع �إمامة
نف�س���ه مطلقاً ،كم���ا ذهب �إىل ذل���ك الباحث العراقي حمم���ود الربيعي بقول���ه» �إن زي���د ًا ال�شهي���د مل ي�ؤ�س�س ملذهب جديد ،لك���ن -وكما يبدو - �أن املذه���ب الزي���دي ق���د ت�أ�س�س بعد ف�ت�رة طويلة من �شهادت���ه ر�ضوان اهلل تع���اىل علي���ه� ،أي �أنه مل يفكر على الإط�ل�اق بت�أ�سي�س مذهب خا�ص ينتم���ي �إلي���ه النا�س ،لأنه كان عل���ى مذهب �آبائه و�أج���داده ،ولي�س عنده �أي���ة خالف���ات عقائدية �أو فكري���ة مع �إبن �أخيه الإم���ام جعفر بن حممد ال�صادق عليه ال�سالم». والربيع���ي هنا ي�شري �إىل مرحل���ة الت�أ�سي�س املت�أخ���رة للمذهبية با�سم الإم���ام زي���د ب���ن عل���ي� ،أي الزيدي���ة الت���ي عُ رف���ت يف ال�ت�راث اليمني بـ(الهادوي���ة) ن�سب��� ًة �إىل الإم���ام اله���ادي يحي���ي بن احل�س�ي�ن امل�ؤ�س�س احلقيقي ملا بات ُيع���رف بالزيدية اليمنية .وبرغم احتواء ر�ؤية الربيعي نف�س��� ًا مذهبي��� ًا جعفرياً ،م���ن حيث الق���ول ب�أن الإم���ام زي���د كان ُمقِر ًا ب�إمام���ة جعفر ال�صادق ،لكنه���ا ال تبتعد كثري ًا ع���ن احلقيقة التاريخية يف �أن الزيدي���ة مل تكن مذهب ًا فقيها متكام�ل�اً م�ستق ًال بذاته كغريه من املذاه���ب الإ�سالمية الأخرى ،بدليل اعتزاليت���ه يف العقيدة وحنفيته يف الفق���ه و�أ�صوله .لذا هُ ن���اك من يرى �أن ما �أُطلق علي���ه بالزيدية مذهب ًا كان���ت جمموعة من الأفكار االعتزالية يف العقي���دة واحلنفية يف الفقه، �ض���مّ �إليها الإمام الهادي بعد ذلك نظري���ة الإمامة مُكون ًا مذهب ًا عُ رِ ف بالزيدية جماز ًا و»الهادوية» معن���ىً وم�ضموناً ،وهذا ما يالحظ ُه الكثري من الباحثني يف الرتاث الزيدي.
«الهادوية» وم�أزق ال�سيا�سة الر�ؤية ال�سيا�سي���ة للزيدي���ة ،تتج�س���د ماثل��� ًة يف موقفه���ا من �شرعي���ة الأنظمة احلاكم���ة ،يف �ضوء ما ت�ستند عليه من تراث �سيا�سي قُدِّ م للنا�س بقالبه صال من �أ�صول الفقه���ي املذهبي ،وهو هن���ا مو�ضوع الإمامة التي ُتع���د �أ� ً املذه���ب ،والتي من دونها ال ت�ستقيم زيدية الأتب���اع ،وبالتايل ال �شرعية لنظ���ام �سيا�س���ي قائم ما مل يك���ن مرتكز ًا عل���ى مفهوم الإمام���ة ،فكر ًا وتطبيقاً. فامل�س�أل���ة ال�سيا�سية يف الزيدية �إذن هي حجر الزاوية وحمور االرتكاز الت���ي يدور حوله���ا املذهب ب�صيغت���ه الهادوية وحتى الي���وم على امتداد تاريخه الطوي���ل .فالزيدية ،كما ذكرنا �سابقاً ،كانت دولة يف طرب�ستان والديل���م ،ومل تك���ن مذهب��� ًا فقهي���اً ،انته���ى بانته���اء الدول���ة احلا�ضنة والراعي���ة ،بعك����س بقية املذاه���ب الفقهي���ة الأربعة الت���ي ظلت مذاهب فقهي���ة لدى النا�س مبختلف �أجنا�سه���م ولغاتهم وبلدانهم ،ومل ين�سحب �أيٌّ من هذه املذاهب كمذاهب تعبّدية لدى النا�س بزوال �أو انتهاء الدولة الت���ي كانت ترعى هذا املذهب �أو تتبناه .وهذا ما نالحظه مث ًال يف حالة املذاه���ب ال�شيعية كله���ا كاملذهب اجلعفري والإ�سماعيل���ي والزيدي� ،إذ يُالح���ظ زوال هذه املذاه���ب بانتهاء الدول املتبنية له���ا ،وهو ما يف�سره البع����ض بغلبة الطاب���ع �أو التوج���ه ال�سيا�سي يف بنية ه���ذه املذاهب على ح�ساب الإطار الفقهي والعقائدي فيها ،هذا عدا �أن هذه املذاهب تقوم على �أ�سا�س طائفي �ساليل ،مما ح ّد من انت�شارها وجعلها مذاهب �أقلية دائماً. �إن نظري���ة الإمامة لدي الزيدية الهادوي���ة هي التي بُني عليها وجود �أو ع���دم وجود هذا املذه���ب� ,إذ تقوم عليها العديد م���ن الأفكار التي كانت العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
59
اليمن والعامل
وجهات نظر
مبثاب���ة ب���ذور الفن���اء واالنقرا�ض لهذا املذه���ب ،كم�س�أل���ة اخلروج على احلاك���م الظامل ،التي تُعد من �أخطر الأفكار التي ع�صفت مبعتنقي هذا املذه���ب وجلبت عليهم الويالت وامل�صائب ،بربطها م�س�ألة اخلروج على احلاك���م الظامل بنظرية الإمامة القائم���ة على الإرث ال�ساليل والعرقي، وق�ص���ر احل���ق يف الإمامة بالع���رق والن�س���ب مُقحِ مني بذل���ك الديني يف ال�سيا�س���ي واملدن����س يف املقد����س كم���ا كان يقول ف�ضيل���ة العالمة حممد ح�سني ف�ضل اهلل ،رحمة اهلل عليه. يق���دم الزيدي��ة يف طوره��ا «احلوث��ي» احلوثيون يف �صعدة �أنف�سهم على �أنهم هم الزيدية احلقّة ،وكل �أدبياتهم ت�ش�ي�ر �إىل ذلك بو�ضوح و�إ�صرار عل���ى زيديتهم ال يخفى على متابع لهذه الظاهرة .وم�ؤدى ذلك �أن القول ب�أنهم �إمتداد للمذهب الإثنى ع�شري يف �إيران هو �ضرب م���ن الدعاية الإعالمية التي اقت�ضتها مرحلة املواجهة، والت���ي مل ت�ستند على دليل م���ادي �أو فكري واحد يقوي من هذا الإدعاء. فاحلوثي���ة هي الزيدية يف مرحلتها احلالي���ة التي ارتبطت ب�أفكار ح�سني ب���در الدين احلوث���ي و�أبيه بدر الدي���ن احلوثي ،وخروجه���م امل�سلح على النظام ال�سيا�سي القائم يعد دلي ًال كافي ًا لإثبات زيديتهم ،لأن اخلروج هو مُ�سلمة عقائدية لدى الزيدية ال وجود له عند االثنا ع�شرية اجلعفرية. �إن الإمام���ة واخل���روج عل���ى احلاكم ه���ي املرتكزات التي تق���وم عليها الزيدي���ة يف مرحلتيه���ا الهادوي���ة واحلوثي���ة ،وم���ا �شهدناه عل���ى امتداد �س���ت جوالت من احلروب الكارثية هي �إح���دى �أهم النتائج الفعلية لهذه الأف���كار ،التي ت���دور عليها مع���ارك احلوثيني والدول���ة اليمنية منذ �ست �سنوات خلت ،حيث ي�ستند احلوثيون على هذا الرتاث ال�سيا�سي ملذهبهم الذي حكم هذه الأجزاء من اليمن ملا يزيد عن ع�شرة قرون. لقد كلفت نظرية الإمام���ة ال�سيا�سية لدى الزيدية «الهادوية» اليمنيني كث�ي�ر ًا من الدماء واملعارك .واحلال �أن ه���ذه امل�س�ألة لي�ست وليدة اليوم، ب���ل هي م�س�ألة �سيا�سية بحتة وقدمي���ة عانى من ويالتها اليمنيون كثرياً، نظر ًا ملا نتج عن هذه النظرية من تداعيات �سيا�سية و�صراعات طاحنة. وعن���د �إلقاء نظرة على التاريخ ال�سيا�سي للمذهب الزيدي �سنجد امل�آ�سي الكارثية والدامية التي حلت نتيجة لهذه الأفكار ،و�أو�ضح مثال على ذلك حمن���ة «املطرفي���ة» ال�شهرية .واملطرفية هي �إحدى ف���رق الزيدية التي ال ت���رى �شرط البطنني �ضروري ًا يف من يتوىل الإمامة الزيدية ،وقد واجهت ه���ذه الفرقة م�ص�ي�ر ًا �سوداوي ًا من قبل الإمام عب���د اهلل بن حمزة الذي ُيق���ال -بح�سب بع�ض الروايات التاريخي���ة � -أنه قتل ما يُقارب مئة �ألف م���ن �أع�ضاء ه���ذه الفرقة ،حيث ح�صل���ت عمليات �إب���ادة جماعية لقرى بكاملها ،انتهت با�ستئ�صال هذه الفرقة عن بكرة �أبيها. وم���ن �أو�ض���ح الأمثلة عل���ى الغلب���ة ال�سيا�سية لهذا املذه���ب هي فتاوى الإم���ام �إ�سماعي���ل بن القا�سم بتكف�ي�ر خمالفي املذه���ب الزيدي – من �شافعية اليمن وغريهم – والذين كان يُنظر �إليهم على �أنهم كفار ت�أويل ووجودهم هو من قبيل دفع الإتاوات وال�ضرائب املهمة لرفد خزينة هذه الدولة. واحلال �أن م�س�ألة الإمام���ة ال�سيا�سية عند الزيدية متثل خطر ًا كارثي ًا عل���ى املذه���ب ذاته ،ما مل يقف علماء هذا املذهب ب���كل م�س�ؤولية دينية 60
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة ر�سائل جامعية و�أخالقي���ة وتاريخية عندها للخروج من ه���ذه الدوامة التي حتولت �إىل م�سلخ لليمنيني على امتداد التاريخ الوجودي للزيدية الهادوية يف اليمن، وهذا لي�س جتني ًا منا على املذهب الزيدي ،بقدر ما هي حقائق تاريخية وا�ضحة يتم حماكمته وفق ًا لها ولواقعه اليوم الذي متثله جماعة التمرد احلوثية.
مراجع��ات مل ت�ستم��ر! م���ع �إع�ل�ان قي���ام اجلمهورية اليمنية بوحدة �شطريه���ا ال�شمايل واجلنوبي يف مطلع الع�شري���ة التا�سع���ة من الق���رن املا�ضي ،وم���ا اقت�ضته تل���ك املرحلة من �إعالنٍ للتعددية ال�سيا�سية والفكرية والثقافية وفق ًا للد�ستور الذي تبنّى الدميقراطية كنظام حاك���م للأفكار وال�سيا�سات يف اليمن ،اندفع عدد م���ن اجلماعات والأح���زاب �إىل الإعالن عن نف�سها عل���ى �شكل تكتالت حزبية ت�ؤمن بالدميقراطية فكر ًا وممار�سة. ويف تل���ك الأثن���اء� ،أ�صدر عدد من مراجع املذه���ب الزيدي عقب قيام الوحدة اليمنية يف 1990فتوى �شهرية حول الرتاجع عن مفهوم «الإمامة وح�صره���ا يف البطن�ي�ن»� ،إذ قابل هذا التحول عدد م���ن علماء الزيدية ب�إطالقه���م لتل���ك الفتوى الت���ي تق�ضي ب���ـ «�أن �شرط الن�س���ب الها�شميّ للإمامة �ص���ار غري مقبو ًال اليوم ،و�أن ذل���ك كان لظروف تاريخية ،و�أن ال�شع���ب ميكن له �أن يختار مَ ن هو جدي ٌر حلكمه دون �شرط �أن يكون من ن�سل احل�سن �أو احل�سني ر�ضي اهلل عنهما». بع���د ع�شري���ن عام ًا من تلك الفتوى ،فجّ ���رت جماعة احلوثي الو�ضع، وق���ادت مترد ًا ع�سكري ًا عل���ى مدى �ست جوالت من احل���رب يف �صعدة. و»احلوثي���ون» هم اجلماعة الزيدية الوحيدة الت���ي اعرت�ضت على فتوى املراج���ع الزيدية حول الن�سب الها�شمي يف ق�ضايا احلكم والإمامة ،تلك التي �أدت حينها �إىل خروج العالمة بدر الدين احلوثي عن حزب احلق، و�سعي���ه لتكوين م���ا �سُ ِّمي حينه���ا بتنظيم ال�شباب امل�ؤم���ن .ف�أين ذهبت ه���ذه الفتوى ،وملاذا تغلب ر�أي بدر الدين احلوثي املعار�ض لها على ر�أي الإجم���اع الزيدي؟ وهل كانت فقط جمرد فت���وى �سيا�سية اقت�ضتها تلك املرحلة ،ودعمتها فكرة التقية ال�شيعية؟ جمرد �س�ؤال يبحث عن �إجابة!
�سيا�سة اليمن اخلارجية جتاه دول القرن الإفريقي: م�ساهمة يف درا�سة القرار ال�سيا�سي
حممد علي عمر احل�ضرمي
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
61
اليمن والعامل حتليالت فـي 60يوما
وجهات نظر عني على اليمن
جتاوز ذهنية التحرمي احلركة الإ�سالمية يف اليمن وحتديات املوقف من ق�ضايا الفن واملر�أة
يعتقد بع�ض �أع�ضاء احلركة الإ�سالمية يف اليمن �أن الكتابة حول ق�ضايا الفن واملر�أة �أم ٌر تريف ،لأن هذي الق�ضايا من وجهة نظرهم ال ت�ستحق �أن تت�صدر �أولوية خطابنا الدعوي .ومما ي�ستحق الت�أمل �أن بع����ض دُعاة التزهي���د يف الكتابة الت�أ�صيلية لق�ضايا الفن وامل���ر�أة ال ي�ضيقون ذرع ًا بفتاوى الغلو والت�ش���دد ،والتي ال ت�ستند على الأدلة ال�شرعية وفق منهجية اال�ست���دالل املو�ضوعية قدر ا�ستنادها عل���ى هو�س التع�صب املتقوقع حتت مربر مواجهة دعاة التغريب والعلمنة ،وحتت ت�أثري هذا الهو�س تُ�ضف���ي على اجتهاداتها املت�شددة �شرعية ال�ص���واب الذي ال يتطرق �إليه اخلط�أ ،وتتورط يف بدعية ضال عن فتاوى التكفري �إدع���اء متثيل ال�شرع متثي�ل�اً نافي ًا ل�شرعية اجتهادات املدار�س الأخ���رى ،ف� ً و�إهدار الدماء.
وم���ع احرتامن���ا البالغ لدع���اة التزهيد ،ف�إننا ن���ود الت�أكيد على �أن اخلط���اب الإ�سالمي الع���ام يف اليمن يف حاج���ة ما�سّ ة لتحريره من �آ�صار و�أغ�ل�ال غلو وجمود اخلطاب التقلي���دي املت�أثر باملبالغة يف ردود الفع���ل جتاه دعاة التغري���ب يف معظم ق�ضايا الفن واملر�أة، لي�ص���ل عل���ى الأق���ل �إىل م�ست���وى اخلط���اب الدع���وي للح���ركات الإ�سالمي���ة يف كثري من الدول العربي���ة والإ�سالمية والتي جتاوزت اخلط���اب الإ�سالم���ي يف اليمن فيم���ا يتعلق بق�ضايا الف���ن واملر�أة، م���ع �أن اخلط���اب ال�سيا�سي الإ�سالمي يف اليم���ن يتجاوز يف ن�ضجه وتطوره جتارب الكثري من احلركات الإ�سالمية الأخرى. �أعتقد �أن التحدي الذي ي�ضع نف�سه �أمام العلماء املعنيني ب�صناعة اخلط���اب الإ�سالمي العام يف اليمن يكمن يف تن�ضيج هذا اخلطاب فيم���ا يتعلق بق�ضايا الفن واملر�أة ،لي�صل -على الأقل � -إىل م�ستوى �أطروحات ف�ضيلة الدكتور يو�سف القر�ضاوي ،حتى ن�ستطيع طم�أنة املجتم���ع بجاهزية القائمني على هذا اخلطاب لإدارة �ش�ؤون الدولة �إذا �سنح���ت لهم الظروف .ومما يدع���و �إىل الأ�سف �أن ظهور كثري من القن���وات الف�ضائية الإ�سالمية� ،أكد خماوف املجتمع من حملة اخلط���اب الإ�سالمي ،وترجم واقع الآ�صار والأغالل املفرو�ضة على الإعالم الإ�سالمي يف ق�ضايا الفن واملر�أة. ويف ت�صوري �أن ت�أثري ال�سلفية الوافدة م�شكلة ت�شدد اخلطاب الإ�سالمي يف اليمن جتاه ق�ضايا املر�أة والفن مل ت�أتِ من داخل هذه اخلطاب ،و�أن امل�س�ؤولية عن هذا الت�شدد مل تتبلور من الأدبيات اخلال�صة للتيار الإ�سالمي يف اليمن� ،إال بعد الت�أثر بتيار ال�سلفية التقليدية الوافد من دول اجل��وار وحتديد ًا اململكة ال�سعودية ،ويحلو للبع�ض �أن ي�سمي ه��ذا التيار الوافد بالغزو الوهابي ،و�أنا �شخ�صي ًا �أرف�ض ت�سمية هذا الت�أثري بالغزو؛ لقناعتي ب�أن ما يحدث على ال�صعيد الفكري �شبيه مبا يحدث على ال�صعيد اجلغرايف يف خط �سري هبوب الرياح ،فهناك مرتفعات جوية وهناك منخف�ضات جوية و�إذا وجد منخف�ض جوي يف �أي بلد �ستهب عليه الرياح من املرتفع اجلوي. ون��ظ��ر ًا ل�ت�ردي الأو���ض��اع االقت�صادية يف اليمن وانعكا�سات ه��ذا ال�تردي على �سائر مناحي احلياة الفكرية والأدب��ي��ة ،كان من الطبيعي �أن تتحول اليمن �إىل بيئة تبعية م�ستهلكة يف �شتى امليادين ،ولأن املياه التي ت�سري يف خط م�ستقيم ال ت�ستقر �إال يف
احلفر الفارغة ،ك��ان من الطبيعي �أن يتمدد اخلطاب الديني ال�سلفي يف الفراغ فامتلأت ال�ساحة ب�أ�شرطة الكا�سيت والكتيبات التي حتظى بطبعات فاخرة وتوزع جماناً ،و�ساهمت هذه الأ�شرطة والكتيبات يف ت�شكيل مناخ ذهنية التحرمي والت�شدد وحتديد ًا يف ق�ضايا الفن واملر�أة .ومن هنا ندرك �أ�سرار تراجع املناخ العلمي يف اليمن ،ورواج الثقافة التقليدية ،وعجز اجلامعات العلمية يف اليمن التي تبنت اخلطاب ال�سلفي التقليدي عن تبني مدر�سة احلنيفية ال�سمحة ،و�إجن��اب جمتهدين رواد لهم ب�صماتهم الوا�ضحة يف الفكر الإ�سالمي. ومن غياب املدر�سة ال���ي���م���ن���ي���ة يت�أمل ال�ساحة العلمية الفقهية يف واقعنا املعا�صر ت�أخذه احل�سرة على املدر�سة اليمنية الفقهية الرائدة التي ظهرت يف القرنني ال�سابع ع�شر والثامن ع�شر ورف��ع��ت راي��ة التجديد واالجتهاد و�سطعت �شم�سها على �سائر العامل الإ�سالمي و�أخرجته من ع�صور االنحطاط والتخلف ،وكان من روادها الأفذاذ الإمام ال�شوكاين، وابن الأمري ال�صنعاين وابن الوزير ،واملقبلي ،واجلالل ،وغريهم. هذه املدر�سة بد�أت تتال�شى يف ع�صرنا الراهن ،وحتوّل الكثري م���ن دعاتن���ا �إىل رجع �ص���دى لفت���اوى التحرمي القادم���ة من خلف احل���دود� ،أو ا�ستجاب���ة متوترة لتحدي���ات الوافد الغرب���ي ،وتوارت ال�سلفي���ة التجديدي���ة اليتيمة التي ال جتد م���ن يدعمها ،وحلّت بد ًال عنه���ا ال�سلفي���ة التقليدي���ة اجلام���دة املدعومة من بع����ض الهيئات يف ال���دول املحيط���ة .وبعد �أن ت�أث���ر الكثري من م�شايخن���ا باملدر�سة ال�سلفي���ة التقليدية ،مل ن�سمع �أن �أحد ًا ا�ستط���اع �أن يراجع قناعاته وينت�صر للحنيفية ال�سمحة كما فعل ذلك العلم ال�شامخ ابن الأمري ال�صنعاين يف ق�صيدته: رجعت عن القول الذي قلت يف النجدي فقد �صحّ يل عنه خالف ال���ذي عندي وم���ن امل�ؤ�سف �أن جن���د �آثار وت�أثريات ه���ذه املدر�سة اليمني���ة العمالق���ة عن���د رواد حرك���ة النه�ض���ة والإ�ص�ل�اح الديني امل�صرية �أمثال حممد عب���ده والأفغاين ور�شيد ر�ضا والإمام ح�سن البن���ا ،يف حني دخل���ت اليمن يف نف���ق الإمامة املظل���م ،ومل حتاول اخل���روج من���ه �إال بعد �أ�ص���وات الدعوة �إىل التجدي���د والتغيري التي و�صلتنا من م�صر عن طريق الف�ضيَل الورتالين وامل�ؤ�س�سني الأوائل للحرك���ة الإ�سالمي���ة يف اليم���ن كال�شهيد حممد حمم���ود الزبريي
جميب احلميدي
alhomedi@gmail.com 62
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
جميب احلميدي باحث وكاتب ميني.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
63
اليمن والعامل
وجهات نظر
اخلطاب الإ�سالمي العام يف اليمن يف حاجة ما�سّ ة لتحريره من �آ�صار و�أغالل غلو وجمود اخلطاب التقليدي املت�أثر باملبالغة يف ردود الفعل جتاه دعاة التغريب يف معظم ق�ضايا الفن واملر�أة ،لي�صل على الأقل �إىل م�ستوى اخلطاب الدعوي للحركات الإ�سالمية يف كثري من الدول العربية والإ�سالمية والتي جتاوزت اخلطاب الإ�سالمي يف اليمن فيما يتعلق بق�ضايا الفن واملر�أة
وعبده حممد املخاليف وعبد املجي���د الزنداين ويا�سني عبدالعزيز وغريهم قب���ل �أن يتعاظم ت�أثري املد ال�سلفي؛ ويتمدد يف الفراغات. ونعني بالفراغات ،فراغات التنظري والتنزيل العملي لق�ضايا الفن واملر�أة. فم���ن املالح���ظ �أن احلق���ول الت���ي كان���ت تفي����ض بالتنظ�ي�رات واملمار�سات العملية كاحلق���ل ال�سيا�سي ا�ستع�صت على الت�أثّر باملد ال�سلف���ي التقلي���دي ،ويعود ذل���ك �إىل جهاد الإ�سالمي�ي�ن املبكر يف اليمن من �أج���ل تر�سيخ ال�شرعي���ة الد�ستوري���ة وال�شرعية ال�شعبية لنظ���ام احلك���م .وبذل���ك تعترب احلرك���ة الإ�سالمي���ة يف اليمن هي احلرك���ة الأوىل عل���ى م�ست���وى الع���امل الإ�سالم���ي الت���ي �أدركت يف وق���ت مبك���ر يع���ود �إىل �أربعينيات الق���رن املا�ض���ي� ،أن اجلهاد من �أج���ل تر�سيخ ال�شرعية ال�سيا�سية لل�سلط���ة ،ي�سبق الن�ضال من �أجل تطبيق ال�شريعة ،وقدم علماء احلركة الإ�سالمية دماءهم من �أجل تر�سي���خ ال�شرعية الد�ستورية ،وكان له���ذه التجربة دور ًا حموري ًا يف تنمية الوعي ال�سيا�سي وتطوير الفقه ال�سيا�سي لدى علماء احلركة الإ�سالمي���ة اليمنية كافة ،حت���ى �أن �أكرثهم ت�شدد ًا يف ق�ضايا املر�أة 64
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
والف���ن ،يت�صف بقدر كبري من الن�ض���ج والتطور واالنفتاح يف الفقه ال�سيا�سي واحلر�ص على تر�سيخ واقع ال�شرعية ال�شعبية والد�ستورية وف�ص���ل ال�سلطات وا�ستقالل الق�ضاء كال�شيخ عبد املجيد الزنداين عل���ى �سبي���ل التمثيل ،م���ع �أن الواق���ع ال�سيا�سي اجلانح ع���ن امل�سار الد�ستوري� ،إىل فر�ض واقع التغلب واال�ستحواذ الع�سكري العائلي، يدف���ع ال�شيخ الزنداين يف الآونة الأخ�ي�رة �إىل حماولة فر�ض �أدوار غري د�ستورية يف الواق���ع ال�سيا�سي للوجاهات الدينية واالجتماعية والتحالف م���ع تيارات دينية ترف�ض الإق���رار بال�شرعية الد�ستورية املعا�صرة. غري �أن ذلك ال ينفي جهود ال�شيخ الزنداين املهمّة يف الت�أ�صيل للفق���ه ال�سيا�سي املعا�صر ،وتب�سي���ط احلد الأدنى من هذا الفقه يف خط���اب �شعبي يتمحور حول حق الأم���ة يف اختيار احلاكم والرقابة عليه و�إق�صائه �إن لزم الأمر وفر�ضية جت�سيد هذه احلقوق يف عقد د�ستوري لتنظي���م حياة الأمة .ومن يالح���ظ حما�ضرات الزنداين يف منت�ص���ف العقد املا�ضي ،من � 1995إىل 1997يلم�س غلبة تركيز ال�شيخ على هذه املفاهيم .ومن املفارقات غري احلميدة� ،أن ال�شيخ الزنداين كما كان له دوراه الإيجابي والفاعل يف حت�صني اخلطاب ال�سيا�سي الإ�سالمي يف اليمن من جمود اخلطاب ال�سلفي التقليدي؛ فقد كان له دوره الكبري يف توطني غلو اخلطاب املتعلق بق�ضايا الفن واملر�أة ،وما �أجمل �أن يبادر ال�شيخ الزنداين وجامعته الكرمية� ،إىل تر�شي���د اخلطاب الإ�سالم���ي يف ق�ضايا الفن وامل���ر�أة وحتريره من �أغالل املحافظة التقليدية و�آ�صار ذهنية التحرمي وهو�س التع�صب يف ردود الفع���ل غري العقالني���ة جتاه التغريب والع���ودة بهذا الفقه �إىل ع�ص���ر �صاح���ب الر�سالة �صل���ى اهلل عليه و�سلم ،م���ع ا�ست�شعار �أهمي���ة �إظهار جوان���ب احلنيفي���ة ال�سمحة يف الإ�س�ل�ام ،وتقوي�ض الب���دع التي خرجت ع���ن م�سار �سماح���ة الإ�س�ل�ام ،كبدعة حترمي م�شارك���ة الرجال للن�ساء يف �سائ���ر مناحي احلياة ،فاجلميع يدرك �أن هذه البدعة لي�ست بدعة ح�سنة لأن البدعة احل�سنة هي البدعة صال م�شروعاً� ،أم���ا البدعة التي تخالف ما الإ�ضافي���ة التي توافق �أ� ً هو م�شروع بالكتاب وال�سنة القولية والعملية والإقرارية ،فهي بدعة
ال ت�ستح���ق البق���اء ،ورحم اهلل ال�شيخ مقبل بن ه���ادي الوادعي فقد كان لأ�شرطت���ه الهجومي���ة على جامع���ة الإميان دور ًا كب�ي�ر ًا يف دفع قيادة اجلامعة �إىل تبني بدعة الف�صل الكامل بني الرجال والن�ساء، والرتويج لهذه البدعة يف �شتى مناحي احلياة.
�صحوة وهابية ومهما يكن الأمر ،ف�إناهلل تكفل بحف���ظ دينه ،و�إذا مل يبادر علما�ؤنا �إىل ت�صحيح الأخطاء ال�شرعية التي رافقت م�سرية ال�صح���وة الإ�سالمية يف ال�سنوات املا�ضية ،ف�إن اهلل ع���ز وجل قاد ٌُر عل���ى �أن يقيّ�ض بع�ض م�شاي���خ املدر�سة ال�سلفية الوهابية نف�سه���ا لت�صحيح هذه الأخطاء ونف����ض الغبار عن مبادئ احلنيفية ال�سمحة وما علق بها من �إفرازات �أهواء ذهنية التحرمي، } َو�إِنْ َت َت َولَّ���وْا يَ�سْ َتبْدِ لْ َقوْم ًا غَ يرْ َ كُمْ ثُمَّ ال َيكُونُوا �أَمْ ثَا َلكُمْ { .ولعل من �سنن اهلل �أن �أي بدعة ظاهرة ال ت�ستقر �أكرث من مائة عام ،وقد بد�أت ب���وادر هذه ال�صح���وة الإ�سالمية الرا�شدة تل���وح يف الأفق ،ولعل �أول الغيث القط���رة التي جادت بها مكة املكرمة ،ومواقف رئي�س هيئتها للأمر باملعروف والنهي ع���ن املنكر ال�شيخ �أحمد الغامدي الأخرية، ومواق���ف ال�شي���خ �أحمد بن عب���د العزيز بن باز جن���ل ف�ضيلة املفتي ال�سابق .و�إذا �أذن اهلل ب���زوال بدعة ،ه ّي�أ لذلك الظروف ال�سيا�سية و�أتاها من حيث ال نحت�سب وهو على كل �شيء قدير. ومن واقع هذه املب�شرات التي بد�أت تلوح يف �أفق الفكر الإ�سالمي، �أ�ستطي���ع �ش���رح بواع���ث اهتمام���ي بفت���اوى بع����ض علم���اء املدر�سة ضال الوهابي���ة التي تتف���ق مع خطاب مدر�سة احلنيفي���ة ال�سمحة ،ف� ً عمّا تر�سخ لدي من قناعة ب�أن املدر�سة ال�سلفية الوهابية قادرة على
ت�صحيح �أخطائها �أكرث من �أي مدر�سة �أخرى ،لأنها ال ت�ؤمن بتقدي�س الأ�شخا����ص واملرجعيات ،وال حترتم �إال الدليل وال تربي طالبها على احرتام �أقوال علمائها وال �أقوال علماء املذاهب �إذا مل توافق الدليل، ولأن م�شاي���خ هذه املدر�س���ة مل يت�أثروا كثري ًا بردود الفعل جتاه دعاة التغريب كعلماء احلركة الإ�سالمية ،وكاتب هذه ال�سطور �أحد الذين تتلم���ذوا يف هذا التيار ال�سلفي قب���ل �أن ت�أخذه كتابات ف�ضيلة ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي �إىل �صفوف احلركة الإ�سالمية. ومما ينبغي �أن يدركه طالب احلق �صعوبة اجلزم باخلريية املح�ضة �أوال�ش ّري���ة املح�ض���ة لأي جماعة �أو مذهب �أو ظاه���رة من الظواهر، وال�سلفية الوهابية ظاهرة لها �سلبياتها و�إيجابياتها ،وال وجود لل�شر املح�ض �أو اخلري املح�ض ،كما �أكد ذلك الإمام ال�شوكاين يف تف�سريه لتعلي���ق اخلالق عز وجل على حادثة الإفك بقوله تعاىل } َال تحَ ْ�سَ بُو ُه �شَ ��� ّر ًا َّلكُمْ { .يقول ال�شوكاين« :ال�ش ّر ما زاد �ضرّه على نفعه ،واخلري م���ا زاد نفعه عل���ى �ضرّه ،و�أما اخل�ي�ر الذي ال �ش ّر في���ه فهو اجلنة، وال�ش ّر الذي ال خري فيه فهو النار». ويف �سي���اق حماولتن���ا امل�ساهم���ة يف حتري���ر الذهني���ة الإ�سالمية من �إفرازات �أهواء ذهنية التح���رمي يف ق�ضايا الفن واملر�أة ،يحاول الكات���ب االنفتاح على واقع التمخ�ضات اجلديدة يف الثقافة ال�سلفية والإف���ادة منها يف تعزيز م�سار تيار احلنيفي���ة ال�سمحة ،مع حر�صه على ع���دم الوقع يف ف���خ الإرجائي���ة ال�سيا�سية ،الهادف���ة �إىل تربير م�سالك �أي �سلط���ة �أو توجهات دولية ،واقت�صاره على تقرير ما يراه حق��� ًا كم���ا تقرر ذلك �أدل���ة ال�شريع���ة ،ومنهجية اال�ست���دالل املجمع عليها.
م�شكلة ت�شدد اخلطاب الإ�سالمي يف اليمن جتاه ق�ضايا املر�أة والفن مل ت�أتِ من داخل هذه اخلطاب ،و�أن امل�س�ؤولية عن هذا الت�شدد مل تتبلور من الأدبيات اخلال�صة للتيار الإ�سالمي يف اليمن� ،إال بعد الت�أثر بتيار ال�سلفية التقليدية الوافد من دول اجلوار وحتديداً اململكة ال�سعودية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
65
اليمن والعامل حتليالت فـي 60يوما
وجهات نظر عني على اليمن
كرة القدم اليمنية و�سيا�سة الهوية تق ��ع اليمن يف الزاوية اجلنوبية الغربية من �شب ��ه اجلزي ��رة العربية .وعل ��ى عك�س الدول املج ��اورة الغنية بالنفط ،تعت�ب�ر اليمن �أفقر دول ��ة يف الع ��امل العرب ��ي .وكما ه ��و احلال يف ال ��دول الأخ ��رى متث ��ل ك ��رة الق ��دم اللعب ��ة الريا�ضي ��ة الأك�ث�ر �شه ��رة فيها ،حي ��ث بد�أت ه ��ذه اللعب ��ة يف بع� ��ض املناط ��ق اليمنية منذ بداي ��ة الق ��رن الع�شري ��ن ،وازدادت �شهرته ��ا كثرياً منذ فرتة ال�سبعينيات.
توما�س بي� .ستيفِن�سون و عبد الكرمي العوج مقارنة ب�أوروبا ،تعترب الو�ضع احلايل للعبة ك���رة القدم اليمنية يف مرحلتها التكويني���ة .فاملباريات تعقد يف مالعب عام���ة يح�ضرها الرجال فق���ط ،والتذاكر رخي�صة ،بينم���ا تعتمد ن�سبة احل�ض���ور اجلماهريي على الفريقني املتباريني .ويف املدن الرئي�سية من الطبيعي �أن جتد ال�شباب يلعبون هذه اللعبة يف الأزقة وال�شوارع ومواقف ال�سي���ارات ،ويتم م�شاه���دة املباريات الدولية عرب الأقم���ار ال�صناعية، وجت���د ال�صغار والكبار من اليمنيني يرت���دون قم�صان الفرق الدولية �أو قم�صان الالعبني. 66
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
والكثري من ال�شباب ي�شجعون فريق ًا ميني ًا معيناً ،ويتابعون انت�صاراته حت���ى و�إن مل يح�ضروا مبارياته .وغالب ًا ما يُ�شجّ ع بع�ض �سكان العا�صمة وامل���دن الكربى الأخرى فرق ًا م���ن مناطق م�سق���ط ر�ؤو�سهم ،ويف املدن ال�صغرى تكون الوالءات للأندية املحلية. ومتثل ف���رقُ كرة القدم الأندي َة الريا�ضي���ة ،ويراعي احتاد كرة القدم اليمني تق�سيم���ات الأندية التي ين�ص عليها االحتاد الدويل لكرة القدم (الفيف���ا)؛ فهناك �أربعة ع�شر فريق ًا يف الدرجة الأوىل ،وع�شرين فريق ًا يف الدرجة الثانية ،ومائتني وثمانية وخم�سني فريق ًا يف الدرجة الثالثة. توما�س بي� .ستي ِفن�سون �أ�ستاذ م�شارك فخري يف علم الإنرثوبولوجيا ،جامعة �أوهايو الأمريكية .وعبد الكرمي العوج �أ�ستاذ م�شارك يف ق�سم علم االجتماع ،جامعة �صنعاء.
ورغ���م �أن نق���ل املباريات يكون نادر ًا �سواء كان���ت مباريات دولية ودي���ة �أو مباريات الدوري���ات العاملية� ،إال �أن املعلوم���ات الريا�ضية تتوفر بكرثة .فال�صفح���ات الريا�ضية موجودة يف معظم ال�صحف اليومي���ة ،ويكتم���ل امل�شه���د بوجود ح���وايل ع�شر �صح���ف ريا�ضية �أ�سبوعية ،وع���دد من املجالت الريا�ضية( ،)1ت���وزّع ب�شكل �أ�سا�سي يف املدن الرئي�سية. تق���وم وزارة ال�شباب والريا�ضة بتق���دمي الدعم اجلزئي للأندية دخ�ل�ا ،لكن الدعم ً عل���ى �شكل مبال���غ مالية ومنح ممتل���كات تدر
املت�ضائل �أج�ب�ر الأندية على اللجوء �إىل املتربع�ي�ن ليتكفلوا مالي ًا بدعم الأن�شط���ة الريا�ضية .وكلما حقق الفري���ق جناح ًا �أكرث كلما جذب م�شجعني وداعمني ماليني �أكرث. ورغ���م حت�س���ن م�ست���وى ترتيب اليم���ن يف الفيف���ا ،ف����إن الفريق الوطن���ي مل ي�صل �إىل امل�ستوى الذي و�صلت �إليه معظم فرق الدول املج���اورة .واليم���ن ت�شارك يف مناف�سات ك�أ����س اخلليج الذي يعقد كل �سنت�ي�ن عل���ى امل�ستوى الإقليم���ي ،و�ست�ست�ضي���ف دورة «خليجي ع�شرين» (املزمع انعقادها يف نهاية .)2010 العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
67
اليمن والعامل
وجهات نظر
قبل كرة القدم خالل العهدين اجلمهوريني عام 1990كانت اليمن تنق�سم �إىل �شطرين :اجلمهورية العربية اليمنية (اليم���ن ال�شمايل) ،وجمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية (اليمن اجلنوب���ي) .وعندم���ا ح�صلت كل م���ن اجلمهوريتني عل���ى اال�ستقالل يف ال�ستيني���ات مل تتغلغ���ل �سلط���ة احلكومتني املركزيت�ي�ن �إىل املناطق الداخلي���ة ال�ضيقة ،وظل ال�سكان على �صل���ة وثيقة بجماعاتهم املحلية ومل يكن لهم �سوى القليل من االنتماء �إىل املجتمع ال�سيا�سي الأكرب. وق���د �سع���ت احلكومت���ان – �أحدهما لها مي���ول ر�أ�سمالي���ة والأخرى ا�شرتاكية – �إىل التعريف ب�أيديولوجيتيهما ال�سيا�سية ،ودمج املواطنني يف املجتم���ع ال�سيا�سي الوطن���ي .وبالإ�ضافة �إىل زي���ادة عدد املدار�س، �سعت احلكومتان �إىل ت�شجيع الهوية الوطنية من خالل و�سائل الإعالم ونظ���ام التعليم واخلدم���ة الع�سكرية .كما �شجّ ���ع نظاما احلكم ت�شكيل الأندي���ة الريا�ضي���ة ،التي ا�ستفادت من االعتماد عل���ى االنتماء املحلي ويف نف����س الوق���ت االندم���اج يف �أنظم���ة الدول���ة( ،)2وت�شجي���ع كل من الهويت�ي�ن الإقليمي���ة والوطنية .وميكن التما�س جن���اح هذه اجلهود يف التطور امل�ستمر للأندية خالل الفرتة .)3( 1990 – 1970 وبفع���ل االختالف���ات الأيديولوجية توت���رت العالقات ب�ي�ن الدولتني، الأم���ر الذي �شجع الهويات الوطنية املنف�صلة .ولكن ،يف الوقت نف�سه، دع���ا ال�سيا�سي���ون واملثقفون �إىل ال�سع���ي وراء دولة موح���دة ،وقد كان لفكرة الهوية امل�شرتكة �صدى قوي ًا يف �أو�ساط ال�شعب. وعق���د اليمنان عدة م���رات خالل ف�ت�رة ال�سبعيني���ات والثمانينيات عدد ًا م���ن املباريات الكروية العابرة حل���دود ال�شطرين ال�سابقني(.)4 وكانت ال�صحف الر�سمية تثري فكرة �أن تلك الأن�شطة الريا�ضية ما هي �إال ل���ر�أب ال�صدع بني اجلانبني ،وت�شجيع��� ًا لفكرة اليمن الواحد .وكما كان الواق���ع فقد كان كل نظ���ام ي�ستغل املباريات لت�أكيد �شرعية نظامه
ال�سيا�س���ي� ،أم���ا اجلماهري فقد كانت متيل �إىل تبنّ���ي التوجه الر�سمي وترف���ع الرايات امل�ؤيدة للوح���دة .لكن مع �أن تلك املناف�سات كانت على �ش���كل «دبلوما�سي���ة ريا�ضية»� ،إال �أن اجلهود ه���ذه مل تتوا�صل �أكرث من ب�ضع �سنني. يف ع���ام ك��رة الق��دم يف اليم��ن املوح��د 1990توح���د �شطرا اليمن لي�شكال اجلمهورية اليمنية .ومع �أن الوحدة و�صف���ت ب�أنه���ا اندماج دولت�ي�ن مت�ساويتني ،لكن يف الواق���ع �أنه مل يكن هن���اك اندماج حقيقي ب�ي�ن �شريكني مت�شابهني .فق���د كان عدد �شعب اليمن ال�شمايل ح���وايل �ضعف �شعب اليمن اجلنوبي �سابقاً .وكان كال البلدي���ن يعانيان من �ضائق���ة مالية خطرية ،خا�ص���ة الو�ضع املايل يف اليمن اجلنوبي الذي تخلى عنه محُ �سنو االحتاد ال�سوفيتي. وبع���د �سنوات من النظر �إىل الطرف الآخر كعدو ،كان على احلكومة املوحدة �إعط���اء انطباع ب�أن املواطنني يت�شارك���ون نف�س الهوية و�ستتم معاملته���م على حدِّ �س���واء .وانعك����س التكاف�ؤ يف الوظائ���ف احلكومية من خ�ل�ال دمج جمل�س���يّ النواب وال���وزارات ،مع الت�أكي���د على توزيع املنا�ص���ب ب�شكل مت�ساوي ب�ي�ن �أفراد ال�شطري���ن .وكان �أو�ضح اجلهود امللمو�سة لإظه���ار مبد�أ امل�ساواة هو �أول مو�سم كرة قدم م�شرتك ،فقد كان���ت وزارة ال�شباب والريا�ضة تعتق���د �أن املناف�سات ال�شديدة �ستعزز م���ن هوية الدولة اجلديدة ،بينما ن�ش���رت افتتاحية جريدة «الريا�ضة» قوله���ا�« :إن �أول بطول���ة وطني���ة لكرة القدم متثل و�سيل���ة فعالة لتعزيز الوحدة الوطنية يف �أو�ساط ال�شباب اليمني»(.)5 وا�ستغ���ل م�سئول���و وزارة ال�شب���اب والريا�ض���ة املو�سم الك���روي الأول لت�صني���ف الف���رق الريا�ضي���ة �إىل درج���ات جدي���دة ،ومت اختيار فرق �إ�ضافي���ة ل�ضم���ان امل�ساواة ب�ي�ن الطرفني .وكان هن���اك اثنان وثالثون فريق��� ًا يتناف�سون للح�صول على اللق���ب الوطني من خالل دوري ميتد
مالحظات
( )1يتغ�ي�ر عدد ال�صح���ف ،لأن بع�ضها يبد�أ الن�شر والبع�ض الآخر يتوقف عنه. ( )2و�صفت هذه النتيجة املت�ضاربة لأول مرة الكاتب���ة جانت ليف���ر ،يف كتابها :جنون كرة الق���دم (�شيكاغو ،مطاب���ع جامعة �شيكاغو، .)1983 ( )3انظ���ر :توما����س ب���ي� .ستيفِن�س���ون، «الأندي���ة الريا�ضي���ة واالندم���اج ال�سيا�سي يف اجلمهوري���ة العربي���ة اليمني���ة»« ،املجلة 68
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
والقومي���ة النا�شئ���ة :عالق���ات ك���رة القدم ب�ي�ن اليمن�ي�ن ،»1990 – 1970 ،دوري���ة «�أنرثوبولوجيا ال�ش���رق الأو�سط» ،املجلد ،3 العدد � ،)2008( 2ص .19 – 1
الدولي���ة لعلم اجتماع الريا�ضة» ،املجلد ،24 الع ��دد ���� ،)1989( 4ص313 – 229؛ توما�س ب���ي� .ستيفِن�سون وعبد الك���رمي العوج« ،كرة القدم يف اليمن :طقو�س املقاومة واالندماج والهوي���ة»« ،املجل���ة الدولي���ة لعل���م اجتم���اع الريا�ض���ة» ،املجل���د ،32الع ��دد )5( ،)1997( 3جريدة الريا�ضة ،الع���دد 4 ،24ت�شرين الثاين/نوفمرب � ،1990ص.7 �ص.265 – 251 ( )4انظ���ر :توما�س ب���ي� .ستيفِن�س���ون وعبد ( )6جريدة الريا�ض���ة ،العدد � 24 ،44آذار/ الك���رمي الع���وج« ،دبلوما�سي���ة الريا�ض���ة مار�س � ،1991ص.6
املواطنون اليمنيون �سيكونون مبتهجني ال�ست�ضافة بالدهم ك�أ�س اخلليج يف وقت الحق من هذا العام هذا �إذا مل تجُ رِب املخاوف الأمنية املُ ِ ّنظمني �إىل تغيري مكان انعقادها -و�إح�سا�سهم بالهوية اليمنية
�سيتعزز �أكثـر و�أكثـر ،خا�صة �إذا حقق املنتخب اليمني بع�ض االنت�صارات يف �أول ا�ست�ضافة له للبطولة
مل���دة عام واحد ،بحيث يلع���ب كل فريق �سبع مباري���ات على ملعبه و�سبع مباريات خارج حمافظته. ويف منت�ص���ف املو�س���م كررت جري���دة «الريا�ض���ة» ت�أكيدها على �أهمية الدوري بقولها�« :إن من الأوجه االيجابية لأول بطولة كروية موح���دة ه���و �أنه���ا متث���ل �أول منا�سبة تتناف����س فيها ف���رق اليمنني ال�سابقني يف دوري واحد .وبهذا يلتقي �شباب ال�شمال بنظرائهم من اجلن���وب .وه���ذه الفر�صة العظيم���ة تعترب امت���داد ًا لوحدة الأر�ض وال�شعب»( .)6ولإ�صباغ الرمزية على البطولة ،فقد انطلقت �أول مباراة يف يوم منا�سبة االحتفال بعيد الوحدة. لقد انعك�ست اجلهود املبذول���ة لت�شجيع الهوية الوطنية اجلديدة م���ن خالل اختيار �أع�ضاء الفريق الوطني� ،إذ مت اختيار �ستة ع�شر العب ًا من كل جانب .ويف ال�صحف ،ن�شرت قائمة ب�أ�سماء الالعبني تذك���ر العب��� ًا من ال�شمال والعب��� ًا من اجلنوب بالتن���اوب ،كما كان هناك م�ساعد مدرب من كل جانب يتناوبان يف قيادة الفريق. كان اله���دف م���ن ال���دوري الك���روي و�أن�شط���ة الفري���ق الوطني، الت�أكي���د على هدف الدولة املحدد جت���اه الوحدة – وهو خلق دولة تاريخي���ة – ،وكذل���ك ت�شجيع املواطن�ي�ن على تر�سي���خ هويتهم يف الدول���ة اجلديدة .ويبدو �أنه من ال�صع���ب حتديد مدى جناح هذه اجلهود على املدى البعيد ،لأن ال�صراعات بني القيادات ال�سيا�سية �أدت �إىل حماول���ة االنف�صال عام ،1994وه���ي ال�صراعات التي - بالن�سبة لكثري من اليمنيني -مل تندمل جراحها بعد.
(
(
)
)
تظ���ل لعب���ة ك���رة الق���دم هواي���ة اخلامت��ة مهمة ،لك���ن االقت�صاد اليمني املتهاوي وعدم اال�ستقرار ال�سيا�سي ا�ستح���وذ على احلياة اليومية يف الآون���ة الأخرية .حتى �إن انت�صار اليم���ن عل���ى البحري���ن لأول م���رة على الإط�ل�اق يف �شه���ر كانون الثاين/يناي���ر املا�ضي مل يكن له �ص���دى ،وم ّر من دون مالحظة تقريب���اً .على �أن املواطنني اليمنيني �سيكونون مبتهجني ال�ست�ضافة بالده ��م ك�أ�س اخللي���ج يف وقت الحق من هذا الع���ام -هذا �إذا مل تجُ�ِب�رِ املخاوف الأمني���ة املُنظِّ مني �إىل تغيري م���كان انعقادها - و�إح�سا�سه���م بالهوية اليمنية �سيتعزز �أكرث و�أكرث ،خا�صة �إذا حقق املنتخب اليمني بع�ض االنت�صارات يف �أول ا�ست�ضافة له للبطولة.
(
(
)
)
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
69
اليمن والعامل حتليالت
وجهات نظر
فـي 60يومـا
عني على اليمن
� 3أعلن���ت ال�سف���ارة الأمريكي���ة ب�صنعاء �أن مكت���ب امل�ساع���دات الأمريكية اخلارجية خ�ص����ص مبل���غ مليون وت�سعمائة �أل���ف دوالر خالل ني�سان �/أبري���ل 2010لدعم برامج ث�ل�اث منظمات غري حكومية ودولية عاملة يف اليم���ن ،و�ستخ�ص�ص امل�ساعدات لدعم جه���ود الث�ل�اث املنظم���ات وهي منظم���ة الإغاث���ة الدولية ،ومنظم���ة �إنق���اذ الطفولة, ومنظمة �أدرا ,وبراجمه���ا املكر�سة لتقدمي امل�ساعدات الطارئة وامل�أوى واملواد الغذائية واخلدمات ال�صحية للنازحني واملت�ضررين جراء �أحداث �صعدة وحرف �سفيان والذين يتجاوز عددهم � 250ألف نازح.
تفاعالت اليمن والعامل فـي
60
يوم ًا
�شهرا �أيار/مايو -حزيران/يونيو 2010 �أيار/مايو 2010
1دعت اجلمهورية اليمنية الدول العربية التوجه �إىل منظمة الأمم املتحدة وجمل�س الأم���ن ال���دويل لتحم���ل م�سئولياته���ا �إزاء الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة يف ظ���ل االعتداءات الإ�سرائيلي���ة املتوا�صلة وانطالق ًا من قرار جمل�س الأم���ن ،242وذلك يف الر�سالة التي وجهه���ا وزي���ر اخلارجية الدكت���ور �أبوبكر القرب���ي للجنة مبادرة ال�س�ل�ام العربية التي عقدت اجتماع ًا طارئ ًا لها مبقر الأمانة العامة للجامعة العربية ملناق�شة �آخر التطورات عل���ى ال�ساحة الفل�سطينية ،وبحث ال���رد الأمريكي حول اجلهود التي تقوم بها الواليات املتحدة مع الإ�سرائيليني فيما يخ�ص �إحياء عملية ال�سالم يف ال�شرق الأو�سط. 2وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي يلتقي �سفري جمهورية كوبا ب�صنعاء بوينا �أفنت���ورا ،جرى خالل اللقاء بحث م�سالة تطبيق االتفاقية املوقعة بني البلدين واملتعلقة بالإعف���اء املتبادل للت�أ�ش�ي�رات ،والتي وقع���ت بتاريخ ،1993بالإ�ضاف���ة �إىل ا�ستعرا�ض العالقات الثنائية بني البلدين. 2الرئي����س علي عبد اهلل �صالح رئي�س اجلمهورية ي�ستقبل م�ساعد مدير عام برنامج الأمم املتح���دة الإمنائ���ي واملدير الإقليم���ي ملكتب الدول العربية �أم���ة العليم ال�سو�سوة، ج���رى يف اللقاء بحث جم���االت التعاون بني اليم���ن وبرنامج الأمم املتح���دة الإمنائي، �إ�ضاف���ة �إىل ال���دور ال���ذي تطلع ب���ه الأمم املتحدة مل�ساع���دة اليمن يف املج���ال التنموي وجهود �إعادة الإعمار. 2ناق����ش رئي����س جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور ب�صنعاء مع املمثل املقيم لربنام���ج الأغذي���ة العاملي للأمم املتح���دة جيان كارل���و ت�شريي عالق���ات التعاون بني اليم���ن والربنامج العاملي يف جمال الأمن الغذائ���ي ،ال�سيما �أثناء الأحداث اال�ستثنائية كاحلروب والكوارث الطبيعية ،ومت التطرق �إىل الإ�سرتاتيجية امل�شرتكة التي �سيتم من خاللها تنفي���ذ جمموعة من الربامج ذات الطابع التنموي لزيادة �إنتاج الغذاء وتعزيز الأمن الغذائي التي تقدر تكاليفها بنحو 77مليون دوالر. 2بح���ث وزي���ر الداخلية مطهر ر�شاد امل�ص���ري مع ال�سفري الربيط���اين ب�صنعاء تيم تورل���و �سبل تعزي���ز التعاون الأمني ب�ي�ن البلدين خا�ص���ة يف جمال الت�أهي���ل والتدريب ومكافحة الإرهاب. 70
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
2ناق����ش وزي���ر النقل خالد الوزي���ر يف لقائه ب�صنعاء وفد االحت���اد الأوروبي برئا�سة ماي���كل �إيري���و �إمكاني���ة دع���م الإحت���اد الأوربي جله���ود اليم���ن يف مكافح���ة القر�صنة البحرية .ويف اللقاء ،ا�ستعر�ض الوزير اجلهود التي بذلتها اليمن خالل الفرتة املا�ضية يف مكافح���ة القر�صن���ة البحرية ،والت���ي نتج عنها الإعداد والتوقي���ع على مدونة �سلوك جيبوتي و�إن�شاء املركز الإقليمي ملكافحة القر�صنة وتطوير قوات خفر ال�سواحل. 3ح�صل اليمن على املركز الثاين يف م�ؤ�شر حرية تداول املعلومات يف الدول العربية وفق��� ًا لت�صنيف التقري���ر ال�سنوي اخلام�س ح���ول احلريات ال�صحفي���ة ،والذي �أ�صدره مرك���ز عمان لدرا�سات حق���وق الإن�سان بالتزام���ن مع اليوم العامل���ي حلرية ال�صحافة الذي ي�صادف الثالث من �أيار/مايو من كل عام. 3بح���ث نائب رئي�س الوزراء لل�ش����ؤون االقت�صادية وزير التخطي���ط والتعاون الدويل عب���د الكرمي الأرحبي يف وا�شنط���ن مع ال�سيدة غايل �سمي���ث امل�ساعد اخلا�ص للرئي�س الأمريكي ب���اراك �أوباما ،وكبرية مديري �ش����ؤون التنمية الدولي���ة واجلوانب الإن�سانية واال�ستقرار يف جمل����س الأمن القومي لدى البيت الأبي�ض ،العالقات الثنائية وجماالت التع���اون امل�ش�ت�رك ب�ي�ن البلدين ،ومنه���ا التعاون يف املج���االت االقت�صادي���ة والتنموية والأمنية. � 3أعل���ن البن���ك الدويل عن موافق���ة جمل�س �إدارة البنك توف�ي�ر منحة متويل مل�شروع التعليم العايل مببلغ 13مليون دوالر �أمريكي ،جاء ذلك على هام�ش اجتماع مو�سع �ضم نائب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي الأرحب���ي وال�سيدة �شام�ش���اد اختار نائبة رئي�س البنك الدويل ل�ش����ؤون ال�شرق الأو�سط و�شم���ال �أفريقا .وبح���ث يف اللقاء حافظة البن���ك الدويل يف اليمن وجم���االت التعاون امل�ستقبلي���ة و�سب���ل دعم البن���ك للموازنة العامة للدول���ة وكذا تنفيذ الأجن���دة الوطنية للإ�صالحات. 3وقع���ت وزارة التخطي���ط والتعاون ال���دويل م���ع وزارة الزراعة الأمريكي���ة اتفاقية امل�ساع���دة الغذائية التي �ستق���دم مبوجبها الأخرية 4مالي�ي�ن و� 660ألف دوالر لتنفيذ م�شاري���ع تنموية وخدمي���ة يف اليمن ،تهدف االتفاقية �إىل م�ساع���دة اليمن على حتقيق الأمن الغذائي ،وتعزيز قدرة اليمن على اال�ستجابة للأزمات املتعلقة بالغذاء.
4الرئي����س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل �إياد عالوي رئي����س الوزراء العراقي الأ�سبق رئي����س القائمة العراقي���ة يف االنتخابات الربملانية ،والذي ي���زور اليمن ،واطلع عالوي رئي����س اجلمهوري���ة خالل اللقاء على تط���ورات الأو�ضاع يف الع���راق ونتائج االنتخابات الربملاني���ة العراقية وامل�شاورات اخلا�صة بت�شكيل احلكومة اجلديدة يف �إطار ما يجري م���ن تفاهمات ب�ي�ن الأط���راف العراقية امل�شارك���ة يف االنتخابات .كما تن���اول احلديث العالق���ات اليمنية -العراقي���ة والتطورات وامل�ستج���دات العربية والإقليمي���ة التي تهم الأمة العربية. 4الرئي����س عل���ي عب���د اهلل �صالح ي�ستقب���ل روبرت مول���ر مدير املباح���ث الفيدرالية الأمريكي���ة ( )FBIالذي يزور اليمن ،جرى يف اللقاء بحث جوانب العالقات وجماالت التع���اون امل�ش�ت�رك بني البلدي���ن ومنها التع���اون يف املجال الأمني ومكافح���ة الإرهاب, بالإ�ضافة �إىل بحث مو�ضوع املعتقلني اليمنيني يف �سجن جوانتنامو. 4اخت���ار البنك الدويل اليمن كواحدة من ت�س���ع دول يف العامل لتلقي الدعم اخلا�ص بامل�ساع���دة على الت�أقل���م مع املتغريات املناخي���ة �إىل جانب رفع �سق���ف املنحة املقدمة لتنفي���ذ �إ�سرتاجتي���ة الت�أقلم اليمنية م���ع املتغريات املناخية م���ن “ ”30مليون دوالر �إىل “ ”50مليون دوالر. 5عق���د مبدينة جنيف اجتماع ت�شاوري برئا�سة رئي�س فريق العمل اخلا�ص بان�ضمام اليم���ن ملنظمة التجارة العاملية هارموت روبن ،بح�ضور وزير ال�صناعة والتجارة رئي�س فريق التفاو�ض اليمني الدكتور يحيى املتوكل ،وعدد من �أع�ضاء الفريق ،كر�س ملناق�شة التط���ورات التي مت���ت خالل الأ�شهر القليلة املا�ضية يف م�س�ي�رة ان�ضمام اليمن ملنظمة التج���ارة العاملي���ة منذ اجتماع فريق العم���ل ال�سابع �أواخر �شهر يناي���ر املا�ضي ،ونتائج زيارة فريق املنظمة �إىل اليمن م�ؤخرا. 5التق���ى وزي���ر الداخلية مطه���ر امل�صري ،وفد الإحت���اد الأوروبي ال���ذي يزور اليمن لدرا�س���ة احتياج���ات قوات خفر ال�سواحل اليمنية ،جرى يف اللق���اء بحث �أوجه التعاون والتن�سي���ق بني اليمن والإحتاد يف املجال الأمن���ي ،خا�صة دعم االحتاد الأوروبي لقوات خفر ال�سواحل اليمنية ,وامل�ساعدات الإن�سانية التي يقدمها و�سيقدمها للنازحني جراء فتنة التمرد مبحافظة �صعدة وحرف �سفيان. 5التق���ى وزي���ر ال�صحة العامة وال�س���كان الدكتور عبد الكرمي را�ص���ع ب�صنعاء ،بعثة البنك الدويل برئا�سة عالء الدين حامد ،ووفد �صندوق الأمم املتحدة لل�سكان برئا�سة الدكتورة مها العداوي وبحث اللقاء �سري عمل م�شروع ال�صحة وال�سكان اجلاري تنفيذه واملدعوم من البنك ب�أكرث من 700مليون ريال للعام اجلاري ،2010كما جرى التطرق �إىل امل�شاريع املزمع تنفيذها يف قطاعات ال�سكان والرعاية ال�صحية الأولية والتخطيط واملدعوم���ة م���ن البنك الدويل ب���ـ 15مليون دوالر ،ونحو 3مالي�ي�ن و� 500ألف دوالر من �صندوق الأمم املتحدة لل�سكان. 9بح���ث رئي�س هيئة الأركان العامة �أحمد الأ�شول مع �سف�ي�ر اليابان ب�صنعاء ميت�سو ت���وري نامبا� ,أوج���ه التعاون امل�شرتك ب�ي�ن جي�شي البلدين و�سب���ل تعزيزها يف خمتلف املجاالت مبا يف ذلك تعزيز التعاون بني قوات خفر ال�سواحل اليمنية والقوات البحرية اليابانية. 10عق���دت بالعا�صم���ة الأردني���ة عمان قمة ميني���ة � -أردنية برئا�س���ة الرئي�س علي
عب���د اهلل �صالح رئي����س اجلمهورية، والعاه���ل الأردين عب���د اهلل الث���اين، حيث جرى بحث العالق���ات الأخوية وجم���االت التع���اون امل�ش�ت�رك ب�ي�ن البلدي���ن و�سب���ل تعزيزه���ا وتطويرها ومب���ا يخ���دم امل�صال���ح امل�شرتك���ة ،كما ج���رى بحث العديد من جم���االت التعاون امل�شرتك ومنها التع���اون يف املجال ال�صحي وال�سمكي ،والأمني والع�سكري. 10الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح رئي�س اجلمهورية ي�ستقبل مبقر �إقامته يف عمان رئي�س جمل�س الوزراء الأردين �سمري الرفاع���ي وجرى يف اللقاء بحث العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدي���ن ،ومنها التعاون يف املجال ال�صحي ويف جمال اال�ستثمار ،بالإ�ضافة �إىل ال�سبل الكفيلة برفع التبادل التجاري بني البلدين. 10وق���ع يف جيبوت���ي على مذك���رة تفاهم لتعزي���ز التعاون ب�ي�ن اجلمهورية اليمنية وجمهوري���ة جيبوتي يف جم���ال الرتبية والتعليم ،ق�ضت بتطوي���ر وتعزيز برامج التعاون ب�ي�ن البلدين يف جمال الرتبية والتعليم لتكون امتداد ًا جلوانب التعاون التي ن�ص عليها الربنام���ج التنفي���ذي للتعاون بني البلدي���ن يف املجاالت التعليمي���ة والأكادميية واملهنية املوقع يف العام .2009 � 11سجل���ت مديونية اليم���ن اخلارجية خم�س���ة مليارات و 886ملي���ون دوالر بنهاية الرب���ع الأول من الع���ام اجلاري مرتفعة مبق���دار 140مليون دوالر ع���ن الفرتة املقابلة م���ن 2009البالغة خم�سة مليارات و 746مليون دوالر ،وبح�سب تقرير �صادر عن البنك املرك���زي اليمني ،فقد �سجلت الزيادة يف املديونية ل�صال���ح م�ؤ�س�سات التمويل الدولية مبق���دار 127مليون دوالر لرتتفع بذلك �إىل ثالث���ة مليارات و 107ماليني دوالر مقارنة م���ع مليارين و 980ملي���ون �سجلتها يف نهاي���ة الربع الأول من ع���ام .2009فيما �سجلت مديوني���ة اليمن للدول الأع�ضاء يف نادي باري�س مليار و 734مليون دوالر بزيادة طفيفة قدره���ا ملي���وين دوالر عن الفرتة املقابلة م���ن عام .2009وبلغ���ت املديونية للدول غري الأع�ضاء يف نادي باري�س بنهاية الربع الأول من العام اجلاري 846مليون دوالر بزيادة مليون دوالر عن الفرتة املقابلة من .2009 11وقع���ت يف العا�صم���ة الأردني���ة عم���ان اتفاقية التع���اون امل�شرتك ب�ي�ن �أكادميية الط�ي�ران اليمني���ة و�أكادميي���ة الطريان امللكي���ة الأردني���ة يف جمال الط�ي�ران و�صيانة الطائرات. 12وق���ع ب�صنع���اء ب�ي�ن اليم���ن واحلكوم���ة الأملانية ممثل���ة ببنك الإعم���ار الأملاين عل���ى اتفاقية املنحة التمويلية اخلا�ص���ة مب�شروع ال�صحة الإجنابي���ة ،بكلفة ت�صل �إىل �سبع���ة مالي�ي�ن يورو تكر����س لتمويل تنفيذ الأن�شط���ة املتعلقة بنظ���ام البطائق اخلا�صة ب�صحة الأ�سرة والأمومة الآمن���ة عرب وزارة ال�صحة العامة وال�سكان ومكاتبها يف كافة حمافظات اجلمهورية. 12اختتم���ت بالعا�صم���ة الإيطالية روما املباحث���ات الر�سمية بني اليم���ن و�إيطاليا برئا�س���ة وزير اخلارجي���ة الدكتور �أبوبكر القرب���ي ووزير ال�ش����ؤون اخلارجية الإيطايل فرانكو فراتيني .ويف اجلل�سة اخلتامية ثمن الوزير القربي دور �إيطاليا ودعمها لليمن، خا�ص���ة ما يتعلق بالدعوة الإيطالية لإن�شاء جمموعة �أ�صدقاء اليمن التي تبناها م�ؤمتر لندن. 12التق���ى وزير الداخلية مطهر امل�ص���ري وفد جمموعة �أ�صدقاء اليمن الذي يزور اليم���ن برئا�س���ة �أرنولد لوثولد ،ويف اللقاء مت مناق�شة ع���دد ًا من الق�ضايا املتعلقة بعمل وزارة الداخلي���ة ،وال�سب���ل املثلى لتقدمي الدعم للأجهزة الأمني���ة ورفدها بالإمكانيات الفني���ة والتقنية يف عدد م���ن املجاالت ،ويف مقدمتها مكافحة الإرهاب وخفر ال�سواحل العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
71
اليمن والعامل
فـي 60يومـا
والأدلة اجلنائية والدفاع املدين. � 14أك���د وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي وق���وف اليمن مع وحدة الأرا�ضي ال�صيني���ة و�إدانته���ا ل���كل الدع���وات االنف�صالية يف �أي دول���ة واعتبار احل���وار والتنمية والإ�ص�ل�اح ال�سبي���ل الوحي���د وال�صحيح ملعاجلة �أي���ة مطالب م�شروع���ة لتحقيق العدل والبناء ومواجهة فكر التطرف والإرهاب .و�أعرب القربي يف كلمة له �ألقاها يف اختتام �أعمال ال���دورة الرابعة ملنتدى التعاون العربي ال�صين���ي مبدينة تياجنني ال�صينية عن تقدي���ر اليمن ملوقف جمهورية ال�صني ال�شعبية الداعم لوحدة اليمن و�أمنه وا�ستقراره، ورف�ضه���ا لدع���وات االنف�صال التي ت�سري عك�س جمرى التاريخ ال���ذي يبنى على �أ�سا�س التوحد وبناء التجمعات الدولية الكبرية والقوية.
و�إب وتع���ز ،به���دف ت�سهيل ح�صول املواطنني على املياه يف 19منطقة خمتارة يف نطاق املحافظات اخلم�س.
والنتائ���ج الت���ي متخ�ضت عنه���ا هذه الإ�صالح���ات ،ودور الدول واملنظم���ات املانحة يف �سبيل �إجناح هذه الإ�صالحات وعلى ر�أ�سها �صندوق النقد الدويل.
17وزير النفط واملعادن يلتقي مدير الإدارة القطرية ل�ش�ؤون م�صر واليمن وجيبوتي يف البن���ك الدويل ديفيد كريج ج���رى يف اللقاء مناق�شة خطط الوزارة والأعمال الفنية يف جم���االت النف���ط والغاز واملعادن وفر����ص اال�ستثمار يف قطاع الب�ت�رول و�سبل تعزيز ال�شراك���ة بني الوزارة والبنك ملا من �ش�أن���ه امل�ساهمة يف تعزيز نظم العمل يف املجاالت املالية والإدارية وكذا التعاون يف اجلوانب الفنية واملعلوماتية.
26ناق����ش وزير الرثوة ال�سمكية حممد �شمالن مع بعث���ة االحتاد الأوروبي برئا�سة م�س����ؤول التع���اون التنموي باالحت���اد الأوروبي فيلي���ب جاك�س ،امل�شاري���ع ال�سمكية التي �سيموله���ا االحتاد الأورب���ي يف اليمن خالل الفرتة املقبلة ،وتط���رق اللقاء �إىل امل�شاريع ال�سمكية التي ينفذها االحتاد الأوروبي و�أهمها �سري العمل مبراحل تنفيذ الإ�سرتاتيجية الوطنية للقطاع ال�سمكي التي ميولها االحتاد بكلفة 11مليون يورو� ،إ�ضافة �إىل م�شروع �إعادة هيكلة القطاع ال�سمكي.
18ا�ستقبل رئي�س وزراء �سنغافورة يل ه�سني لوجن ،وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي ،ويف اللقاء بحث اجلانبان �أوجه العالقات الثنائية بني البلدين يف كافة املجاالت مبا يخ���دم امل�صالح امل�شرتك���ة ،وا�ستعر�ض وزير اخلارجية الفر����ص اال�ستثمارية التي تتمت���ع بها اليمن والإمكانيات املتاحة �أمام رجال الأعم���ال وامل�ستثمرين ال�سنغافوريني وخا�صة يف املنطقة احلرة يف عدن.
14ج���ددت وزيرة اخلارجية الأمريكية هيالري كلينت���ون وقوف الإدارة الأمريكية �إىل جان���ب اليم���ن من خالل دعمها املبا�شر ملجموعة �أ�صدق���اء اليمن ،و�أكدت الوزيرة كلينت���ون خالل لقاءها بوا�شنطن وكي���ل �أول وزارة اخلارجية حمي الدين ال�ضبي دعم الوالي���ات املتحدة الأمريكية لليمن يف الق�ضايا املتعلقة بالعالقات الثنائية بني البلدين ال�صديق�ي�ن خا�صة يف جم���االت الإ�صالحات ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية� .إىل ذلك بحث الوكي���ل ال�ضب���ي خالل لقاءه م�ساع���دة وزيرة اخلارجي���ة لل�ش�ؤون ال�سيا�سي���ة �آن ماري �سالت���ر ونائبة م�ساعد وزي���رة اخلارجية ل�ش����ؤون ال�شرق الأدنى جاني���ت �ساندر�سون، �سب���ل تعزيز عالقات التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدين يف املجاالت التنموية واالقت�صادية والأمنية.
18ق���ررت احلكوم���ة الياباني���ة تخ�صي�ص ملي���ون و� 80ألف دوالر لدع���م مفو�ضية الالجئ�ي�ن يف اليمن لهذا الع���ام ،وقالت ال�سف���ارة اليابانية ب�صنع���اء يف بيان لها “�إن املبل���غ �سيخ�ص�ص لتوفري م�ساع���دات �إن�سانية لتح�سني لأو�ض���اع املعي�شية لالجئني من ال�صوم���ال و�أج���زاء �أخ���رى من �ش���رق �أفريقي���ا مبا يف ذل���ك تزويدهم بامل����أوى واملياه واخلدمات ال�صحية والعنا�صر الأ�سا�سية الأخرى”.
15التق���ى رئي����س جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور ب�صنعاء فريق البنك الدويل برئا�سة املدي���ر الإقليمي للبنك ملنطقتي ال�شرق الأو�سط و�شمال �إفريقيا ديفيد كريك ،جرى خالل اللقاء مناق�شة عالقات التعاون بني اليمن والبنك الدويل يف املجال ضال عن �سبل تطوير الدور االقت�صادي للقطاع اخلا�ص يف التنم���وي و�إعادة الهيكلة ،ف� ً خدمة التنمية االقت�صادية واالجتماعية.
19التقى رئي�س هيئ���ة الأركان العامة اللواء �أحمد الأ�شول ،قائد القوات الفرن�سية يف جيبوت���ي الل���واء طيار كا�سبار المب���ي ،الذي يزور اليمن ،وج���رى خالل اللقاء بحث �سب���ل تعزيز العالق���ات الثنائية وتطوير التعاون امل�شرتك بني الق���وات امل�سلحة اليمنية والقوات الفرن�سية بجيبوتي يف جماالت التدريب وتبادل اخلربات ،وتطرق اللقاء لعدد من الق�ضايا ذات العالقة مبكافحة القر�صنة والإرهاب يف املنطقة.
15ناق�ش وزير الكهرباء والطاقة املهند�س عو�ض ال�سقطري ب�صنعاء مع بعثة البنك الدويل برئا�س���ة مدير الإدارة الإقليمية ل�ش�ؤون م�صر واليم���ن وجيبوتي بالبنك ديفيد كري���ج� ،س�ي�ر العمل يف امل�شاريع اجل���اري تنفيذها حالي ًا يف جم���ال الطاقة الكهربائية املمول���ة من البنك بتكلفة تقارب الـ 50ملي���ون دوالر ،وتطرق اللقاء �إىل اخلطوات التي متت بخ�صو�ص �إجناز مناق�صة توريد املواد اخلا�صة بتقليل فاقد الكهرباء يف ال�شبكة، والعق���د اخلا�ص ب�إ�ضافة غالية جديدة �إىل حمط���ة احل�سوة البخارية بعدن بتكلفة 21 مليون دوالر.
19ق���ال �سفري اليمن يف بكني عبد املل���ك املعلمي�“ ،إن التبادل التجاري بني اليمن وال�ص�ي�ن �شهد تطور ًا نوعي��� ًا يف ال�سنوات الأخرية ,وارتفع خ�ل�ال العام املا�ضي لي�صل �إىل ملياري���ن و�أربعمائة مليون دوالر” .و�أو�ضح ال�سفري املعلمي يف م�ؤمتر �صحفي عقده يف بك�ي�ن �أن اليم���ن يعترب من �أكرب ال���دول امل�صدرة لل�صني يف جم���ال الرثوة ال�سمكية والأحي���اء البحري���ة ,حيث بلغ �إجم���ايل مات�ستورده ال�صني من اليم���ن �سنوي ًا 6ماليني و� 689ألف طن من املنتجات ال�سمكية .وبني �أن عدد الزوار ال�صينيني لليمن من رجال الأعمال واخلرباء والعاملني يف ال�شركات بلغ خالل العام املا�ضي 4502زائر.
17و�صل���ت �إىل ميناء عدن ال�سفينة الع�سكري���ة الفرن�سية “داج” يف زيارة للميناء ت�ستغ���رق ع���دة �أيام ،وكانت ق���د و�صلت �إىل مين���اء عدن يف وقت �ساب���ق �سفينة الدعم الع�سكري ال�صينية “ت�شاجن كوخوا” ،وت�أتي زيارة ال�سفينتان يف �إطار عالقات التعاون القائم���ة بني اليمن وك ًال من فرن�سا وال�صني ملكافحة القر�صنة وت�أمني �سالمة املمرات املالحية الدولية يف خليج عدن والبحر العربي.
19ناق����ش وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري ،مع قائ���د القوات الفرن�سية بدولة جيبوت���ي الل���واء طيار ت�ي�رى كا�سبار في���ل المبي جماالت التع���اون الأمني ب�ي�ن اليمن وفرن�س���ا ،ويف اللق���اء �أ�شاد وزير الداخلي���ة باجلهود الفرن�سية يف جم���ال تدريب قوات خفر ال�سواح���ل اليمنية ،و�آخرها التدريبات البحرية امل�شرتك���ة مع ال�سفينة الع�سكرية الفرن�سية “داج” يف املياه الإقليمية اليمنية.
17بحث وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي مع وزير الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية ال�سنغافورية زين العابدين را�شد عالقات التعاون الثنائي بني البلدين ،كما ا�ستعر�ض اجلانبان جممل الق�ضايا الإقليمية والدولية ذات االهتمام امل�شرتك.
� 22أك���د قائد القيادة املركزية الو�سطى بوالية فلوري���دا الأمريكية اجلرنال ديفيد باتريو�س ،ا�ستم���رار الدعم الأمريكي لليمن يف خمتلف جماالت التنمية بالإ�ضافة �إىل دع���م جه���ود مكافحة الإرهاب مب���ا ي�صب يف خدم���ة �أمن املنطقة ،كم���ا �أكد اجلرنال باتريو�س خالل لقائه وكيل �أول وزارة اخلارجية ال�سفري حميى الدين ال�ضبي �أن الدعم الأمريكي لليمن �سي�شمل جوانب عدة ومنها جهود الإ�صالحات االقت�صادية والتنموية، بالإ�ضافة �إىل دعم م�سرية جمموعة �أ�صدقاء اليمن.
17وق���ع بوزارة التخطيط والتع���اون الدويل على اتفاقية املنح���ة اليابانية املقدمة مل�ش���روع مي���اه الريف بكلفة �إجمالي���ة ت�صل �إىل مليار و�ستمائة ملي���ون ين ياباين �أي ما يع���ادل 17ملي���ون دوالر .وتكر����س االتفاقي���ة التي وقعها نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون االقت�صادي���ة وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي االرحبي ووزير املياه والبيئة عب���د الرحمن الإرياين ،وع���ن اجلانب الياباين ال�سفري الياب���اين ب�صنعاء ميت�سونوري نامب���ا ،يف تنفيذ م�شاريع مياه الريف يف خم�س حمافظات هي �صنعاء واملحويت وذمار 72
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
24بحث وزير املالية نعمان ال�صهيبي مع بعثة �صندوق النقد الدويل برئا�سة ح�سن الأطر�ش عالقات التعاون الثنائية بني اليمن وال�صندوق ،كما جرى ا�ستعرا�ض اجلهود الت���ي تقوم بها احلكوم���ة اليمنية يف جمال الإ�صالحات املالي���ة واالقت�صادية والإدارية
28ت�سل���م العاهل املغربي حممد ال�ساد�س ،ر�سالة من الرئي�س علي عبد اهلل �صالح تتن���اول العالقات الثنائية و�سبل تعزيزها وتطويره���ا� ,إ�ضافة �إىل م�ستجدات الأو�ضاع يف املنطق���ة ويف مقدمتها الأو�ضاع يف فل�سط�ي�ن والعراق ومنطقة القرن الإفريقي ،قام بت�سلي���م الر�سالة قائد احلر�س اجلمهوري قائد الق���وات اخلا�صة العميد الركن �أحمد علي عبد اهلل �صالح. 29ت�سل���م قائ���د ثورة الف���احت من �سبتم�ب�ر الليبية العقي���د معمر الق���ذايف ,خالل ا�ستقبال���ه يف طرابل�س قائ���د احلر�س اجلمهوري قائد الق���وات اخلا�صة العميد الركن �أحم���د علي عبد اهلل �صالح ،ر�سالة من الرئي�س عل���ي عبد اهلل �صالح تتعلق بالعالقات الثنائية و�آفاق تعزيزها وتطويرها يف املجاالت كافة.
به���دف تطوي���ر عملي���ة اال�ستك�شاف النفطي يف قطاعي 2و 29مع الرتكيز يف نف����س الوقت عل���ى ا�ستثم���ار الغاز امل�صاح���ب للنف���ط يف قط���اع الإنت���اج احلايل. 2رح���ب �أم�ي�ر دولة الكوي���ت ال�شي���خ �صباح الأحم���د اجلاب���ر ال�صب���اح مب�شارك���ة اجلمهورية اليمني���ة يف اجتماع جمل����س �إدارة هيئ���ة التقيي�س لدول جمل����س التعاون اخللي���ج لأول مرة بعد ان�ضمامه���ا للهيئة بداية العام اجلاري يف �إطار خطوات ان�ضمام اليمن التدريجي للم�ؤ�س�سات اخلليجية. جاء ذلك لدى ا�ستقباله وزير ال�صناعة والتجارة الدكتور يحيى املتوكل� ،ضمن الوزراء املعنيني بالتقيي�س يف دول اخلليج امل�شاركني يف االجتماع الثاين ع�شر ملجل�س �إدارة هيئة التقيي�س اخلليجية والذي عقد يف الكويت. 6الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح يتلقى ات�صا ًال هاتفي ًا من العقيد معمر القذايف قائد ثورة الفاحت من �سبتمرب الليبية ،جرى خالله بحث العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدي���ن ،بالإ�ضافة �إىل الق�ضايا وامل�ستجدات الت���ي تهم البلدين والأمة العربي���ة ويف مقدمته���ا متابعة نتائج القمة العربية ال���ـ 21التي انعقدت يف مدينة �سرت الليبية.
31دان���ت اجلمهوري���ة اليمني���ة ،جرمية االعت���داء الإ�سرائيلي عل���ى قافلة احلرية املتج���ه نحو غ���زة ،الذي �أدى �إىل �سق���وط العديد من القتلى واجلرح���ى ،و�أكد م�صدر م�سئ���ول با�سم احلكومة اليمنية رف�ض اليمن ل�سيا�سة العن���ف والإرهاب التي متار�سها �إ�سرائي���ل جت���اه ال�شعب الفل�سطيني يف غ���زة والتي تتنافى مع القان���ون الدويل وحقوق الإن�س���ان ،داعي��� ًا �إىل �ضرورة اتخاذ موقف عربي جتاه ه���ذه اجلرمية والعمل على رفع احل�صار عن غزة.
6وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي الأرحبي يلتقي بعثة �صندوق �أبو ظبي للتنمي���ة برئا�سة مدير �إدارة امل�شاريع ع���ادل احلو�سني ،وجرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض الق�ضاي���ا املت�صلة بالتعاون القائم بني اليم���ن وال�صندوق .ومت خالل اللقاء ا�ستعرا�ض �س�ي�ر تنفي���ذ حافظة امل�شاريع الت���ي �سيتم الب���دء بتنفيذها بتمويل من دول���ة الإمارات العربي���ة املتح���دة والت���ي تبلغ قيمتها ح���وايل 650ملي���ون دوالر مقدم���ة كمنحة لليمن للإ�سهام يف متويل م�شاريع الربنامج اال�ستثماري التابع للخطة اخلم�سية الثالثة.
حزيران /يونيو 2010
� 8أنه���ت اللجنة اليمنية الرتكي���ة امل�شرتكة �أعمال دورتها اخلام�سة يف �أنقرة بالتوقيع على حم�ضر الدورة واتفاقية للتعاون بني البلدين يف جمال ال�سياحة.
1وق���ع يف العا�صمة النم�ساوية فينا ،على اتفاقي���ة قر�ض بني اليمن و�صندوق الأوبك للتنمي���ة الدولية ،يقدم مبوجبها ال�صندوق قر�ض ًا مببلغ ت�سعة ماليني ومائة �ألف دوالر لتمويل م�شروع التدريب املهني وتطوير املهارات. 1الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل وفد حركة حما�س الفل�سطينية برئا�سة خالد م�شعل رئي�س املكتب ال�سيا�سي للحركة ،حيث �أطلع الوفد الرئي�س على تطورات الق�ضية الفل�سطينية وجهود حتقيق امل�صاحلة الفل�سطينية -الفل�سطينية ،بالإ�ضافة �إىل معاناة ال�شعب الفل�سطيني يف قطاع غزة يف ظل ا�ستمرار فر�ض احل�صار الإ�سرائيلي عليه. 2الرئي����س علي عب���د اهلل �صالح يجري ات�صا ًال هاتفي ًا م���ع الرئي�س الرتكي عبد اهلل غول ,ق���دم خالله تعازي اجلمهوري���ة اليمنية قيادة وحكومة و�شعب���اً ،يف ال�شهداء من املواطن�ي�ن الأتراك الذين ا�ست�شهدوا على يد الق���وات الإ�سرائيلية خالل هجومها على ن�شطاء «قافلة احلرية» لك�سر احل�صار اجلائر على قطاع غزة. 2ناق����ش رئي�س جمل�س ال���وزراء الدكتور علي حممد جمور ب�صنع���اء مع نائب رئي�س �شرك���ة «�أو� .إم .يف» النم�ساوي���ة النفطية جاب هوي جيك����س ،اجلوانب املت�صلة بن�شاط ال�شرك���ة يف اليم���ن يف جم���ال ا�ستك�شاف و�إنت���اج النفط وخطة ال�شرك���ة التطويرية يف منطقة امتيازها يف قطاع �إ�س 2العقلة ،وا�ستعر�ض نائب رئي�س ال�شركة عمليات الإنتاج واال�ستك�شاف���ات الراهنة مو�ضح ًا �أن الإنتاج احلايل لل�شركة يبلغ � 18ألف برميل يومياً، ولف���ت �إىل �أن ال�شركة ت�سع���ى �إىل زيادة حجم الإنتاج اليومي �إىل � 60ألف برميل وذلك وفق��� ًا للإمكان���ات املتاحة ،م�ؤكد ًا �أن ال�شرك���ة مقبلة على ا�ستثمار ملي���ار دوالر ،وذلك
9الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح ي�ستقبل نائب وزير اخلزان���ة الأمريكية نيل مرولني ال���ذي نقل ل���ه ر�سالة من الرئي����س الأمريكي ب���اراك �أوباما تتعلق بالعالق���ات الثنائية وجم���االت التعاون امل�ش�ت�رك ،ويف مقدمته���ا التع���اون يف املجال االقت�ص���ادي والدعم الأمريكي مل�سرية التنمية يف اليمن. 9وق���ع بوزارة التخطيط والتعاون الدويل على االتفاقي���ة التمويلية اخلا�صة مب�شروع كهرب���اء الريف واملنفذة بتمويل م�شرتك من قب���ل احلكومة اليمنية وعدد من املانحني ومب�ساهم���ة فرن�سية مببل���غ 37مليون و� 500ألف ي���ورو .وقع االتفاقي���ة وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الك���رمي الأرحبي ،وعن اجلانب الفرن�سي املدير القطري للوكالة الفرن�سية للتنمية كر�ستيان فلمونت. 9وقع���ت املنطقة احلرة بعدن ثالثة عق���ود ت�أجري لإقامة ثالثة م�صانع يف القطاعني (�إل) و(جي) بتكلف���ة ا�ستثمارية �إجمالية 11مليون و� 700ألف دوالر ،وتت�ضمن العقود الت���ي وقعها رئي�س املنطقة احلرة الدكتور عبد اجلليل ال�شعيبي ت�أجري م�ساحة � 64ألف م�ت�ر مرب���ع ل�شركة ب���ن الدن ال�سعودية -فرع اليم���ن لإقامة م�صنع لإنت���اج اخلر�سانة اجلاهزة يف القطاع (�إل) بتكلفة ا�ستثمارية تزيد عن 4ماليني و� 500ألف دوالر ،وقعها ع���ن ال�شرك���ة مدير عام املجموعة علوي البار ،وكذا ت�أج�ي�ر م�ساحة � 50ألف مرت مربع يف القط���اع (�إل) ل�شركة فيني�سيا للتجارة العامة وال�صناعات املحدودة لإقامة م�صنع «فيني�سيا للأوراق» بتكلفة تزيد عن 6مليون و� 500ألف دوالر ،وقعها عن جانب ال�شركة مالكه���ا من�صور احلريبي .وكذا ت�أجري م�ساحة � 147ألف و 736مرت مربع لإقامة جممع العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
73
اليمن والعامل
فـي 60يومـا
�إمن���اء ال�صناعي يف القطاع (ج���ي) بتكلفة ا�ستثمارية تزيد عن � 700ألف دوالر ،وقعها عن ال�شركة مديرها العام ح�سني الهمامي. 12رئي����س جمل����س ال���وزراء الدكتور عل���ي حممد جم���ور ي�ستقبل ب�صنع���اء رئي�س جمل����س �إدارة �شرك���ة �شينهان الكورية �شون هوان كيم ،ال���ذي اطلع رئي�س الوزراء على التجهي���زات اجلارية لبدء الأعمال يف �إن�شاء �أول حمط���ة كهربائية لتوليد الطاقة عرب الرياح يف اليمن ،و�أو�ضح رئي�س جمل�س �إدارة ال�شركة �أن املحطة املزمع البدء بتنفيذها من قبل ال�شركة يف مدينة املخا مبحافظة تعز �ستولد 60ميجاوات من الكهرباء ،و�أكد �أن االنته���اء م���ن هذا امل�شروع الذي يع���د الأول من نوعه يف اليم���ن �سيتم خالل ع�شرة �أ�شهر من تاريخ بدء الأعمال التنفيذية لإن�شاء املحطة. 13التقى وزير الزراعة وال���ري الدكتور من�صور احلو�شبي ب�صنعاء ،بعثة املانحني من البن���ك الدويل والهولنديني والأملان واخلا�صة بربنام���ج دعم قطاع املياه يف اليمن برئا�س���ة كب�ي�ر اخل�ب�راء يف بعثة البن���ك ال���دويل الدكتور �أحم���د �شوق���ي .وا�ستعر�ض اللق���اء برنامج البعثة ال���ذي يهدف �إىل تقييم ما مت �إجنازه م���ن �إجراءات و�أن�شطة يف القطاع���ات الفرعية «الربنامج الوطني للري هيئ���ة مياه الريف ،الهيئة العامة للموارد املائية ،امل�ؤ�س�سة املحلية للمياه وال�صرف ال�صحي». 14ر�أ�س نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عب���د الكرمي الأرحبي ،اجتماع��� ًا مو�سع ًا مع �سفراء وممثلي الدول املانحة ودول جمل�س التع���اون اخلليجي ،كر����س ملناق�شة الق�ضاي���ا املت�صلة بالتحديات املالي���ة واالقت�صادية التي تواج���ه اليمن و�سبل التن�سيق امل�شرتك لدعم منظوم���ة اجلهود احلكومية اليمنية الهادفة �إىل مواجهة ومعاجلة هذه التحديات. 14التق���ى نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش����ؤون االقت�صادي���ة وزير التخطي���ط والتعاون ال���دويل عبد الك���رمي الأرحبي ،البعث���ة امل�شرتكة ل���وزارة التنمية الدولي���ة الربيطانية وم�ؤ�س�س���ة التموي���ل الدولية ،جرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض جمل���ة من الق�ضايا املت�صلة بتعزي���ز التعاون القائم بني اليمن وكل م���ن وزارة التنمية الدولية الربيطانية وم�ؤ�س�سة التمويل الدولية ،وبخا�صة ما يتعلق بربنامج اال�ست�شارات الفنية املنفذ من قبل م�ؤ�س�سة التمويل الدولية بتمويل من احلكومة الربيطانية واملتعلق بتعزيز ال�شراكة بني احلكومة وم�ؤ�س�سات القطاع اخلا�ص. 15التق���ى وزير اخلارجية الدكت���ور �أبوبكر القربي ومعه وزير النفط واملعادن �أمري العيدرو�س ،ب�سف�ي�ر جمهورية كوريا اجلنوبية ،و�أبلغاه بقرار جمل�س الوزراء الذي عقد برئا�سة الرئي�س علي عبد اهلل �صالح حول طلب احلكومة �إعادة النظر يف �سعر بيع الغاز اليمني امل�سال �إىل كوريا لتتواكب مع �أ�سعار ال�سوق الدولية ،ومبا يزيل �أي �إجحاف بحق اليمن ويحفظ م�صالح كافة ال�شركاء يف ت�صدير الغاز امل�سال من اليمن. 16بح���ث وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري مع ال�سفري الربيطاين ب�صنعاء تيم تورل���و �أهمي���ة تعزيز التعاون بني البلدي���ن يف جمال خفر ال�سواح���ل ،و�إجراءات تفعيل الإ�سرتاتيجي���ة اخلا�صة بتطوير عمل م�صلحة خف���ر ال�سواحل يف اليمن بال�صورة التي متكنها من القيام مبهامها الأ�سا�سية يف حماية ال�سواحل اليمنية على الوجه الأمثل. 18بح���ث وزي���ر التعليم الع���ايل والبحث العلم���ي الدكتور �صالح با�ص���ره مع رئي�س قط���اع التعليم ملنطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �إفريقي���ا يف البنك الدويل الدكتور مراد الزين يف مدين���ة مر�سليا الفرن�سية ،الإجراءات والأعم���ال التح�ضريية لتد�شني العمل مب�ش���روع �صن���دوق حت�سني جودة الربام���ج الدرا�سية يف اجلامع���ات اليمنية املمول من البنك الدويل مببلغ 13مليون دوالر �أمريكي. 19الرئي����س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل �سفري �أ�سباني���ا ب�صنعاء ماركو�س فيجا، 74
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ال���ذي تتوىل ب�ل�اده حالي ًا رئا�سة االحتاد الأوروبي ،جرى خ�ل�ال اللقاء بحث العالقات الثنائي���ة التعاون امل�شرتك بني البلدي���ن و�سبل تعزيزها وتطويره���ا يف �شتى املجاالت، بالإ�ضاف���ة �إىل بحث الق�ضايا واملو�ضوعات الإقليمية والدولية ذات االهتمام امل�شرتك، ومنها ما يت�صل مبجموعة �أ�صدقاء اليمن. 19التقى نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي الأرحبي ب�صنعاء ،البعثة امل�شرتكة للأمم املتحدة والبنك الدويل اخلا�صة بتقيي���م احتياجات �إعادة �أعمار املناط���ق املت�ضررة ب�صعدة .ج���رى يف اللقاء مناق�شة التفا�صي���ل املتعلقة بامل�سح امليداين اخلا�ص بتقييم احتياج���ات �إعادة الإعمار ب�صعدة و�سب���ل اال�ستفادة من نتائج امل�س���ح يف اجلهود احلكومية الهادف���ة �إىل الت�سريع بعملية �إعادة الإعمار. 19التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي� ،سفري جمهورية �أملانيا االحتادية ب�صنع���اء كلور بري �شتولد ،جرى خالل اللقاء بحث نتائج االجتماع الثاين لفريق العمل املعن���ي باالقت�ص���اد واحلك���م الر�شيد التاب���ع لأ�صدقاء اليم���ن الذي انعق���د بالعا�صمة الأملانية برلني خالل الفرتة 4-3حزيران/يونيو املا�ضي. 22الرئي����س علي عب���د اهلل �صال���ح ي�ستقبل وزير الدول���ة ل�ش�ؤون ال�ش���رق الأو�سط وجنوب �أفريقيا يف وزارة اخلارجية الربيطانية �إلي�سرت برت ،وجرى خالل اللقاء بحث العالق���ات الثنائية و�أوجه التعاون امل�شرتك بني البلدي���ن و�سبل تعزيزها وتطويرها يف �شتى املجاالت. 22بح���ث وزي���ر الداخلي���ة مطهر ر�ش���اد امل�صري مع وزي���ر الدولة ل�ش����ؤون ال�شرق الأو�س���ط وجن���وب �أفريقي���ا يف وزارة اخلارجي���ة الربيطاني���ة �إلي�سرت ب���رت الذي يزور اليم���ن ،العالق���ات الثنائية وجم���االت التع���اون الأمني بني البلدي���ن وخا�صة يف جمال مكافحة الإرهاب وخفر ال�سواحل. � 22أك���د رئي����س وزراء مملكة البحري���ن ال�شيخ خليفة بن �سلم���ان �آل خليفة موقف بالده الداعم لوحدة و�أمن وا�ستقرار اليمن وم�ساعدته يف مواجهة التحديات التنموية، ج���اء ذلك خالل ا�ستقباله وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبوبكر القرب���ي ،الذي ير�أ�س وفد اليم���ن لالجتماع امل�شرتك اخلام�س لوزراء خارجي���ة دول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية واليمن الذي بد�أت �أعماله يف العا�صمة البحرينية املنامة.
26عبد ربه من�صور هادي نائب رئي�س اجلمهورية ي�ستقبل م�س�ؤول ال�شرق الأو�سط يف املعه���د الدميقراط���ي الأمريك���ي لي�س كامب���ل ،واملمثل املقيم للمعه���د الدميقراطي الأمريك���ي يف اليم���ن ال�سيد هي���در ،جرى خالل اللق���اء مناق�شة العديد م���ن املوا�ضيع املت�صل���ة بالنهج الدميقراطي يف اليمن وكيفية التعاط���ي العملي على ال�ساحة الوطنية يف هذا اخل�صو�ص. 26ا�ستقب���ل الرئي����س �إ�سماعي���ل عمر جيله رئي����س جمهورية جيبوت���ي وزير �ش�ؤون املغرتبني �أحمد م�ساعد ح�سني ،وجرى يف املقابلة بحث جماالت التعاون بني البلدين. 27الرئي����س علي عبد اهلل �صالح ي�ص���ل �إىل العا�صمة الليبي���ة طرابل�س للم�شاركة يف اجتماع���ات اللجنة اخلما�سي���ة املنبثقة عن القمة العربية ال���ـ .22وقد عقد الرئي�س عل���ي عبد اهلل �صالح جل�سة مباحثات مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذايف ،بح�ضور الأم�ي�ن الع���ام جلامعة الدول العربي���ة عمرو مو�س���ى ،ووزراء خارجي���ة كل من اليمن، م�ص���ر ،قطر ،والعراق .جرى خاللها بحث العديد من الق�ضايا املت�صلة بجدول �أعمال القم���ة العربية اخلما�سي���ة ،واملبادرات املتعلق���ة ب�إقامة �إحتاد ال���دول العربية وتطوير منظومة العمل العربي امل�شرتك. 27التق���ى رئي�س هيئ���ة الأركان العامة �أحمد الأ�شول ،مدي���ر دائرة التعاون الأمني والع�سك���ري الفرن�سي الفري���ق �إميا نويل بات والوفد املرافق ل���ه الذي يزور اليمن ،ويف اللق���اء جرى بح���ث �سبل تعزيز العالق���ات الثنائية بني جي�شي البلدي���ن ،والت�أكيد على �أهمي���ة التع���اون يف جماالت التدري���ب والت�أهيل وتبادل اخلربات والتج���ارب املكت�سبة، كم���ا تناول اللقاء جوانب التعاون يف جمال الق���وات البحرية وما مت تنفيذه من متارين م�شرتكة يف جمال مكافحة الإرهاب والتهريب والقر�صنة. 27ا�ستقب���ل العمي���د الرك���ن �أحم���د عل���ي عب���د اهلل �صال���ح قائ���د ق���وات احلر�س اجلمه���وري قائد الق���وات اخلا�صة ،الفريق �إميا نويل بات مدي���ر دائرة التعاون الأمني والع�سك���ري الفرن�س���ي ،و�أعرب قائد احلر�س اجلمهوري ع���ن االرتياح لتنامي عالقات ال�صداق���ة والتعاون بني جي�شي البلدين اليمن وفرن�س���ا ،وبالذات يف جماالت التدريب والت�أهيل وتنفيذ التمارين امل�شرتكة الرامية �إىل مكافحة الإرهاب والتهريب والقر�صنة البحرية.
23عق���دت مببن���ى وزارة اخلارجية جل�س���ة مباحثات ميني���ة – بريطانية برئا�سة وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبوبكر القرب���ي ،ووزير الدولة ل�ش�ؤون ال�شرق الأو�سط وجنوب �أفريقيا يف وزارة اخلارجي���ة الربيطانية �إلي�سرت برت ،جرى خالل اجلل�سة بحث �أوجه التع���اون الثنائي والدعم التنموي والتعاون الأمني ب�ي�ن اليمن وبريطانيا ،وكذا التقدم يف عملي���ة �أ�صدق���اء اليمن منذ �إطالقه���ا يف اجتماع لندن يف الـ 27م���ن كانون الثاين/ يناير املا�ضي.
27بح���ث وزي���ر الداخلية مطهر ر�ش���اد امل�صري ب�صنعاء مع مدي���ر دائرة التعاون الأمن���ي والع�سكري بوزارة اخلارجي���ة الفرن�سية الفريق �إميانويل ب���ات والوفد املرافق له العالق���ات الثنائية وجماالت التعاون الأمني ب�ي�ن البلدين خا�صة يف جمال مكافحة الإرهاب وخف���ر ال�سواحل ،وناق�ش اجلانب���ان �سبل تعزيز ق���درات و�إمكانيات م�صلحة خف���ر ال�سواحل اليمنية وجماالت تقدمي الدعم للم�صلح���ة لقيامها باملهام املناطة بها يف حماية الأمن البحري لليمن.
24ق���رر الرئي����س الأمريك���ي ب���اراك �أوباما زي���ادة حج���م امل�ساع���دات الإن�سانية الأمريكي���ة لليم���ن مببلغ 29.6ملي���ون دوالر لت�صل �إىل 42.5ملي���ون دوالر لل�سنة املالية احلالي���ة ،و�أو�ض���ح بيان �صحفي �صادر عن املكتب الإعالم���ي يف البيت الأبي�ض �إن هذه املنحة املالية �ستخ�ص�ص للغذاء واملي���اه وال�صرف ال�صحي وامل�أوى والرعاية ال�صحية للنازحني جراء احلرب يف حمافظتي �صعدة وعمران.
28وزي���ر الدفاع اللواء الرك���ن حممد نا�صر �أحمد يلتقي �سف�ي�ر جمهورية �إيطاليا ب�صنع���اء الي�سفدرو فالفلتيا ،وتناول اللقاء �سبل تعزي���ز العالقات الثنائية بني جي�شي البلدي���ن ،كم���ا تطرق اللق���اء لإمكانية دعم قوات خف���ر ال�سواحل اليمني���ة باملتطلبات الفني���ة ال�ضرورية والكفيلة بتعزيز قدراتها يف مكافح���ة القر�صنة البحرية والإرهاب. عل���ى نف����س ال�صعيد ،التق���ى وزير الدف���اع� ،سفري الياب���ان ب�صنعاء من�س���و نورينامبا، وناق����ش اللقاء �أوجه التعاون الثنائي بني البلدين خا�صة فيما يتعلق بتعزيز التعاون بني القوات البحرية اليمنية والقوات البحرية اليابانية.
26ال�سلط���ان قابو����س بن �سعي���د �سلطان �سلطنة عمان يت�سلم خ�ل�ال ا�ستقباله يف م�سقط وزير اخلارجية الدكتور ابوبكر القربي ر�سالة خطية من الرئي�س علي عبد اهلل ضال عن الت�شاور �إزاء �صالح تتعلق بالعالقات الثنائي���ة بني البلدين و�آفاق تطويرها ,ف� ً الق�ضايا والتطورات على ال�ساحتني الإقليمية والدولية التي تهم البلدين.
28الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ي�صل �إىل القاهرة بعد �أن �شارك يف �أعمال القمة العربية اخلما�سية التي انعقدت يف العا�صمة الليبية طرابل�س.
28عب���د رب���ه من�صور ه���ادي نائب رئي����س اجلمهوري���ة ي�ستقبل نائ���ب رئي�س ال�صندوق الدويل للتنمية الزراعية «الإيفاد» يوكيو �أمورا ،ومعها مدير دائرة ال�شرق الأو�سط و�شم���ال �أفريقي���ا للإيف���اد ندمي خ���وري ،وجرى يف اللقاء بحث جماالت التعاون بني اليمن وال�صندوق. � 28أعلن���ت احلكوم���ة الربيطاني���ة تقدمي 45ملي���ون جني���ه �إ�سرتليني كدعم �إ�ضايف لليمن مل�شاريع وبرامج التنمية والتخفيف من الفقر خالل العام اجلاري. 29الرئي����س حممد ح�سني مبارك ي�ستقبل بق�ص���ر «االحتادية» بالقاهرة ،الرئي�س عل���ي عبد اهلل �صالح ،حيث بح���ث الرئي�سان �سبل تعزيز العالق���ات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين وعلى خمتلف الأ�صعدة. 29الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح ي�ستقبل مبقر �إقامته بالقاه���رة وزير اخلارجية امل�ص���ري �أحمد �أبو الغيط جرى يف اللقاء بحث العالقات الثنائية وامل�ستجدات العربية ونتائ���ج القم���ة اخلما�سي���ة يف طرابل�س ،ف�ض�ل�اً عن تن���اول الأو�ض���اع وامل�ستجدات يف املنطق���ة وامل�صالح امل�شرتكة التي تهم البلدين .كم���ا ا�ستقبل رئي�س اجلمهورية ،رئي�س جه���از املخابرات امل�صري اللواء عمر �سليمان ،جرى يف اللقاء بحث العالقات الثنائية ويف مقدمته���ا التعاون يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب وتن�سيق جهود البلدين �إزاء كل ما يهم �أمنهما. 29الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح ي�صل �إىل العا�صمة الرو�سي���ة مو�سكو ،يف زيارة لرو�سي���ا االحتادية ،يلتقي خاللها رئي�س ال���وزراء الرو�سي فالدمري بوتني ،كما يح�ضر خالله���ا فعاليات املعر�ض ال���دويل للتكنولوجيا والأجهزة احلديث���ة 2010الذي �سيتم افتتاحه يف مو�سكو. 30رئي����س الوزراء الرو�سي فالدمري بوتني ي�ستقب���ل الرئي�س علي عبد اهلل �صالح، وبح���ث اجلانب���ان العالقات الثنائية وجم���االت التعاون امل�شرتك و�سب���ل تعزيزها على خمتل���ف الأً�صع���دة ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية والثقافي���ة والع�سكري���ة والأمنية وغريها، وتط���ورات الأو�ض���اع الإقليمي���ة والدولي���ة ومنها الأو�ض���اع يف منطقة ال�ش���رق الأو�سط والق���رن الأفريق���ي وجه���ود مكافحة الإره���اب والقر�صن���ة البحرية .كما ج���رى تناول اال�ستثم���ارات الرو�سية يف اليمن و�سبل زيادته���ا ،وبخا�صة يف جماالت الطاقة والنفط واملعادن والأ�سماك وغريها. 30الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل مبقر �إقامته مبو�سكو �سيف الإ�سالم معمر الق���ذايف ،وجرى يف اللقاء احلديث ح���ول العالقات الثنائية و�سبل تعزيزها يف خمتلف املج���االت ،بالإ�ضاف���ة �إىل التع���اون القائم بني م�ؤ�س�س���ة ال�صالح االجتماعي���ة للتنمية وم�ؤ�س�سة القذايف اخلريية. 30ر�أ�س نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عب���د الك���رمي الأرحب���ي ب�صنع���اء ،اجتماع��� ًا مو�سع ًا مع بعث���ة الأمم املتح���دة اخلا�صة بالق�ضاء وحقوق الإن�سان. 30التقى اللواء الركن حممد نا�صر �أحمد وزير الدفاع و�أحمد الأ�شول رئي�س هيئة الأركان العام���ة ،الوفد الع�سكري ال�سعودي الزائر لليمن برئا�سة اللواء الركن علي زيد خواجي قائد املنطقة الع�سكرية اجلنوبية باململكة العربية ال�سعودية.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
75
اليمن والعامل حتليالت
وجهات نظر
فـي 60يومـا
عني على اليمن
حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*
الوحدة اليمنية :اخلروج من مثلث اخلطر؟ �أحمد يو�سف �أحمد مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث الإ�سرتاتيجية � 27أيار/مايو 2010
عا����ش جي���ل اخلم�سيني���ات وال�ستيني���ات م���ن القرن املا�ضي حلم الوحدة العربية ،وعا�صر �إمكانية جت�سده يف الواق���ع العربي ،وكانت الوحدة امل�صرية -ال�سورية ( )1961 - 1958عالم���ة بارزة يف هذا ال�صدد ،وعلى الرغم م���ن انتهاء هذه التجربة باالنف�صال يف �أيلول/ �سبتم�ب�ر 1961فق���د كان ال�شعور ال�سائ���د هو �أن ذلك االنف�صال قد مثل «نك�سة» للحلم ولي�س «نهاية» له. م���ن هنا �أخ���ذت حم���اوالت حتقي���ق الوح���دة العربية تت���واىل عق���ب هذا االنف�ص���ال ،ولع���ل �أبرزها حماولة �إقامة وح���دة فيدرالية بني م�ص���ر و�سوريا والعراق يف 1963واحتاد اجلمهوريات العربية بني م�صر و�سوريا وليبي���ا يف ،1971غ�ي�ر �أن م�آل هذه املح���اوالت جميع ًا كان ه���و الف�ش���ل ،وب���دا �أن العيب يف «ال�سي���ارة» ولي�س يف «الطريق» ،فه���ا �أنت جتتهد قدر الطاقة يف �إ�صالح �سيارت���ك القدمية لكن الأمر ينتهي بها يف كل مرة �إىل التوقف من جديد دون �أن تبلغ هدفها. م���ن هنا ب���دا �أن النظام العربي قد ا�ستب���دل ب�سيارته القدمي���ة هذه يف عقد الثمانيني���ات من القرن املا�ضي �سي���ارة �أخرى جديدة لعلها تك���ون �أكرث قدرة على بلوغ الهدف ،وه���ى �سيارة «التجمعات الفرعي���ة»� ،إذ �شهد ذل���ك العقد ثالث حماوالت لإقام���ة جتمعات من هذا النوع �أ�س�س �أوالها يف 1981حتت ا�سم جمل�س التعاون ل���دول اخلليج العربية ،و�ض���م دول اخلليج ال�ست ذات النظم الوراثية ،و�أ�س�س جتمعان �آخران يف 1989حتت ا�سم جمل�س التعاون العربي بني كل من العراق وم�صر 76
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
والأردن واليم���ن ،واالحتاد املغارب���ي و�ضم دول �شمال �أفريقيا العربية عدا م�صر. غ�ي�ر �أنه �سرعان ما ات�ضح �أن ه���ذه ال�سيارة اجلديدة ال تختل���ف نوعي��� ًا عن �سي���ارة جامعة ال���دول العربية، ب���ل �إن اجلامع���ة يح�سب له���ا �أنها تعمل حت���ى و�إن بدا عملها يف بع����ض الأحيان دون فاعلي���ة� ،أما التجمعات الفرعي���ة فق���د انفج���ر �أحده���ا م���ن داخله عن���د �أول منعطف (جمل�س التعاون العربي عقب الغزو العراقي للكوي���ت يف ،)1990ودخ���ل الث���اين يف غيبوبة ممتدة منذ ( 1995االحت���اد املغاربي ب�سبب اخلالف املغربي اجلزائري حول م�ستقبل ال�صحراء) ووا�صل الثالث(جمل�س التعاون اخلليجي) طريقه بد�أب دون حتقيق �إجنازات الفتة عرب العق���ود الثالثة التي انق�ضت منذ ت�أ�سي�سه. من هن���ا بدا حتقيق الوح���دة بني الدولت�ي�ن اليمنيتني يف اجلن���وب وال�شم���ال يف ع���ام 1990مبثاب���ة «بي�ضة الدي���ك» ،فقد جنحت يف ذلك الع���ام حماوالت �إعادة الوح���دة اليمنية التي جت�سدت غري م���رة عرب مراحل تاريخي���ة خمتلف���ة ،و�أت���ى ذلك النج���اح بع���د �سل�سلة م���ن ال�صدام���ات الع�سكرية واملفاو�ض���ات املمتدة بني الدولت�ي�ن انته���ت �إىل توقيع اتف���اق ت�أ�سي�س الوحدة يف ع���دن يف ت�شري���ن الثاين/نوفمرب ،1989ث���م �إعالنها بالفعل يف �أيار/مايو .1990 ومل يقل���ل م���ن ه���ذا الإجناز ما ب���دا يف حين���ه من �أنه رمب���ا كان م�ستحي���ل التحقي���ق ل���وال التط���ورات الت���ي
�أمل���ت بال�سيا�س���ة ال�سوفييتي���ة من���ذ وىل ميخائي���ل جوربات�ش���وف �أمره���ا يف � ،1985إذ �إن���ه مبوج���ب هذه التطورات رفعت ال�سيا�سة ال�سوفييتية يد احلماية عن �ش���ركاء الأيديولوجية ،ومن ثم انح�س���ر الأثر ال�سلبي لال�ستقط���اب ال���دويل على حماوالت حتقي���ق الوحدة اليمنية ،و�أ�صبح قرار الوحدة ميني ًا بالأ�سا�س. وعل���ى الرغ���م م���ن �أن البع�ض ق���د �ش���كك يف الداللة الإيجابي���ة عربي ًا لتحقيق الوح���دة اليمنية باعتبار �أن ه���ذه الوحدة �أق���رب �إىل ا�ستعادة الوح���دة «الوطنية» منها �إىل حتقيق الوحدة «العربية» ،فقد بقيت للإجناز قيمته الوحدوية العربية على �أ�سا�س �أن الوحدة اليمنية متت بني دولتني عربيتني لكل منهما �سيادته وع�ضويته يف املنظمات العربية والإقليمية والعاملية. وهك���ذا �أعادت الوحدة اليمنية ه���دف حتقيق الوحدة العربي���ة االندماجي���ة �إىل جدول الأعم���ال العربي بعد طول اختفاء ،لكنه���ا مع ذلك مل تف�ض �إىل نقلة نوعية يف م�س�أل���ة الوحدة العربية ،بل لقد تعر�ضت هي ذاتها مل�صادر تهديد عديدة. فم���ن ناحية ،مل تف����ض الوحدة اليمني���ة الحق ًا �إىل �أي م���د وح���دوي عربي بفعل عوام���ل داخلية عل���ى ر�أ�سها انكبابه���ا على بناء الذات ،وخارجية ي�أتي يف مقدمتها �أن حميطه���ا اجلغرايف املبا�شر مل يكن متحم�س ًا كثري ًا له���ا ،لكن الأهم من ذل���ك هو �أن اخلالف بني �شريكي الوحدة (امل�ؤمت���ر ال�شعبي الع���ام يف ال�شمال واحلزب اال�شرتاك���ي يف اجلنوب) قد ت�سلل �إىل العالقة بينهما خا�صة بعد �أن �أظهرت نتائج �أول انتخابات برملانية يف �أعقاب الوحدة يف عام � 1993أن ثمة قوة ثالثة �صاعدة هي ح���زب التجمع اليمن���ى للإ�ص�ل�اح ذي التوجهات الدينية ،ومن ثم �أ�صبح ممكن ًا لأي حتالف بني امل�ؤمتر والإ�صالح �أن يطيح باحلزب اال�شرتاكي خارج معادلة ال�سلطة ،وهو ما حدث بالفعل الحقاً. من هن���ا �أخذ اخلالف بني �شريك���ي الوحدة يت�صاعد تدريجي���اً ،و�أخفق���ت كل حم���اوالت ت�سويت���ه �سيا�سي��� ًا * التحليالت الواردة تعرب عن �آراء كتابها فقط.
�إىل �أن و�ص���ل الأم���ر �إىل حد ال�ص���دام الع�سكري بني الطرف�ي�ن يف �أيار/ماي���و ،1994وا�ستخ���دم كل منهما يف ه���ذا ال�صدام القوات امل�سلح���ة التي كانت تابعة له �إبان مرحلة «الت�شطري» ،ويف املراحل الأخرية من هذا ال�صدام �أعلنت القيادة اجلنوبية ال�سابقة االنف�صال، لك���ن احل�سم الع�سكري للحرب يف م���دة وجيزة ن�سبي ًا و�ضع نهاية �سريعة ملحاولة االنف�صال تلك. م���ع ذلك ف�إن احل�س���م الع�سكري وح���ده مل يكن كافي ًا لت�أم�ي�ن م�ستقبل الوحدة ،وتكفل���ت م�شكالت كالتباين بني النخبت�ي�ن احلاكمتني يف ال�شطري���ن �سابق ًا نتيجة اختالف حقيق���ي يف توجهاتهما ،والإخف���اق يف �إعادة تكيي���ف و�ضع النخب���ة اجلنوبي���ة بالذات داخ���ل دولة الوح���دة ،وه���ى م�شكل���ة عان���ت منها جمي���ع التجارب الوحدوي���ة املماثلة ،وال�ضع���ف امل�ؤ�س�سي الذي بدا معه وك�أن دول���ة الوح���دة تدار من املرك���ز يف �صنعاء دومنا اعتب���ار لرغب���ات �أه���ل اجلن���وب ،ناهيك ع���ن تدهور الو�ض���ع االقت�صادي يف اليمن -تكفلت هذه امل�شكالت وغريها بظهور حركة مطلبية يف اجلنوب يف ال�سنوات الأخ�ي�رة �أ�سم���ت نف�سه���ا بـ«احل���راك اجلنوبي» ،غري �أن ه���ذه احلركة تط���ورت م�ؤخر ًا �إىل ح���د رفع مطلب االنف�ص���ال ،وعل���ى الرغ���م م���ن �أن وزنه���ا يف ال�شارع اليمن���ى يف اجلنوب ال يب���دو كافي ًا لتحويل هذا املطلب �إىل حقيق���ة ف�إنها كانت ق���ادرة دون �شك على زعزعة اال�ستق���رار يف دولة الوحدة يف توقي���ت حتتاج فيه �إىل �أق�صى ا�ستق���رار ممكن للتغلب على م���ا يواجهها من م�شكالت. يف ح�سابات الأمن الوطني عادة ما يكفي وجود تهديد ج���اد واحد لهذا الأمن لإثارة القل���ق ،وعندما يتزامن مع���ه م�صدر تهديد �آخر ال يق���ل خطورة يعنى ذلك �أن ه���ذا الأمن يواجه مع�ضلة حقيقية .واعتبار ًا من مطلع القرن احل���ادي والع�شرين ،وبالتحدي���د عقب �أحداث احل���ادي ع�ش���ر م���ن �أيلول�/سبتم�ب�ر ،2001وج���دت دولة الوحدة اليمني���ة نف�سها �ضمن دول �أخرى عديدة متورط���ة رغما عنها يف احلرب الأمريكية العاملية على الإرهاب التي �أعلنها الرئي�س الأمريكي ال�سابق جورج بو�ش االبن على تنظيم القاعدة الذي اتهم بتدبري تلك الأحداث. مل يك���ن تنظيم القاعدة بطبيعة احلال �صناعة مينية، �أو حت���ى كان لدولة الوح���دة �أي دور في���ه ،لكن طبيعة اجلغرافي���ا والبني���ة القبلي���ة يف اليم���ن والتوجه���ات
الديني���ة املحافظة لقطاع م���ن �شعبها جعلت من �أر�ض اليمن مالذا �آمنا لبع����ض املنتمني �إىل ذلك التنظيم، وتربة خ�صبة القتناع البع�ض من �أبناء ال�شعب اليمنى بعدالة الق�ضية التي يدافع عنها تنظيم القاعدة ،ومن هن���ا �أ�صبحت دول���ة الوح���دة م�سرح ًا �سيا�سي��� ًا -ويف بع�ض الأحي���ان ع�سكري ًا -للح���رب الأمريكية العاملية على الإره���اب مما �أدخلها كدول غريها �أكرث من مرة يف تعقي���دات �سيا�سية كان���ت يف غنى عنها ،وكلنا يعلم م���اذا فعلت ال�سيا�س���ة الأمريكية �آن���ذاك بالدول التي ن�شط���ت فيها ه���ذه ال�سيا�س���ة يف جمال احل���رب على الإرهاب ك�أفغان�ستان وباك�ستان والعراق. غ�ي�ر �أن الأمور للأ�سف مل تق���ف عند هذا احلد ،ففي العق���د الأول م���ن الق���رن الواح���د والع�شري���ن نف�سه، وبالتحديد منذ عام ،2004بد�أت دولة الوحدة اليمنية تواجه خطرا ثالثا يتمث���ل يف حربها مع «احلوثيني» يف �شمال اليمن بع���د �أن اتهمتهم القي���ادة اليمنية ب�أنهم ي�سعون �إىل �إعادة حكم الإمامة البائد يف اليمن ،فيما كان���وا هم ي�ؤك���دون عل���ى الطابع املطلب���ي حلركتهم. وبغ����ض النظر عن هذا اخل�ل�اف يف النظر �إىل حركة «احلوثيني» ف�إن �أخطر ما يف ال�صدام بني دولة الوحدة وبينه���م متثل يف �أمرين� :أولهما �أن احلرب قد اتخذت طابع��� ًا ا�ستنزافي ًا يهدد التما�س���ك املجتمعي والتنمية االقت�صادي���ة يف اليم���ن ،وثانيهم���ا ما ثب���ت بعد طول انتظار للأدلة والرباهني من �أن �إيران �ضالعة يف ت�أييد «احلوثي�ي�ن» �سيا�سي��� ًا على الأقل ،ناهي���ك عن نظرتها الطائفية ال�ضيقة لل�صراع. ويف ه���ذا الإط���ار ب���دا �أن ح���دة ال�صراع ق���د �ضغطت عل���ى �أع�صاب القيادة اليمنية ف�س���اد حديث «اجتثاث احلوثي�ي�ن» حيناً ،لك���ن الأمور �سرعان م���ا عادت �إىل م�ساره���ا ال�سيا�سي من جديد بعدم���ا ت�أكدت ا�ستحالة احل�س���م الع�سكري لل�صراع ،وبعد ع���ودة القاعدة �إىل الربوز م���ن جديد عقب حماولة تفج�ي�ر طائرة ركاب �أمريكي���ة يف كان���ون الأول/دي�سم�ب�ر 2009عل���ى ي���د �ش���اب نيجريي عا�ش يف اليمن ،ويف هذا ال�سياق مت يف �شباط/فرباي���ر 2010التو�صل �إىل وقف لإطالق النار مع «احلوثيني» ،وو�ضع خط���وط عامة لت�سوية �سيا�سية بينهم وب�ي�ن احلكومة اليمنية �أوقف���ت تفاقم ال�صراع و�إن بدت ه�شة حتى الآن. هك���ذا حُ ِ�صرت دولة الوح���دة اليمنية وهى تقرتب من العام الع�شرين لت�أ�سي�سها يف مثلث للخطر يراه البع�ض
مربعا ب�إ�ضاف���ة �ضلع �آخر خا�ص بالأزمة االقت�صادية، ومن هن���ا تبدو �أهمية املب���ادرة التي �أطلقه���ا الرئي�س اليمنى يف خطابه مبنا�سبة االحتفال مبيالد الوحدة. يف ذل���ك اخلط���اب �أب���دى الرئي����س ا�ستع���داده لقبول حكومة «وح���دة وطنية» ت�ضم جميع الق���وى ال�سيا�سية الفاعلة املمثلة يف جمل�س النواب ،ويف مقدمتها �شريكه يف �صنع الوحدة (احلزب اال�شرتاكي اليمنى) وحليفه ال�سابق (التجمع اليمنى للإ�صالح) و�أحزاب املعار�ضة املن�ضوي���ة يف �إط���ار م���ا ي�سم���ى بـ«اللق���اء امل�ش�ت�رك»، كم���ا �أ�ضاف الرئي����س �أنه وج���ه ب�إطالق �س���راح جميع املحتجزي���ن «احلوثي�ي�ن» عل���ى خلفي���ة ح���رب �صعدة، واملعتقل�ي�ن م���ن عنا�صر «احلراك اجلنوب���ي» ،ودعا يف خطابه كل �أطياف العمل ال�سيا�سي وكل �أبناء الوطن يف الداخل واخلارج (يف �إ�شارة �إىل املعار�ضني اجلنوبيني خارج اليم���ن) �إىل �إجراء حوار وطني م�سئول يف �إطار امل�ؤ�س�سات الد�ستورية دون �شروط �أو عراقيل ،ويف �إطار نتائ���ج احلوار ميك���ن ت�شكيل حكومة الوح���دة الوطنية والتح�ضري لالنتخابات الربملانية القادمة. ل���ن تكون ه���ذه املب���ادرة بطبيعة احل���ال مبثابة «ع�صا مو�س���ى» الت���ي تلق���ف كل الأخط���ار املحدق���ة بالوحدة اليمني���ة دفع���ة واح���دة ،ولكنه���ا بالت�أكي���د ب�أبعاده���ا ال�سابق���ة والتوقيت الذي �أعلنت فيه متثل فر�صة لك�سر مثل���ث اخلطر الذي �أطبق على دولة الوحدة اليمنية يف ال�سنوات الأخرية. وتظه���ر ردود الأفع���ال الأولية لق���وى املعار�ضة اليمنية حتفظات بع�ضها مربر وبع�ضها الآخر لي�س كذلك ،و�أيا كان الأمر يف احلكم على طبيعة هذه املبادرة وجدواها ف�إن امل�سئولية الوطنية لهذه القوى حتتم عليها �أن ت�أخذ املب���ادرة بظاهره���ا ،و�أن تنخ���رط يف احل���وار الوطني املطل���وب بح�سن نية ،ف�إن اكت�شف���ت �أن املبادرة ال تعدو �أن تكون مناورة �سيا�سية �أعلنت ذلك على الر�أي العام اليمنى م�سلحة مبعلومات وحقائق. �أما البقاء مبن�أى عن الإم�س���اك بفر�صة لإنقاذ الوطن فه���و ت���رف ال متلكه ه���ذه الق���وى يف الآون���ة الراهنة، ونكو����ص عن م�سئوليتها عن احلفاظ على وحدة اليمن وحمايته من م�صري بات يتهدد عدد ًا من الدول العربية منذ �آل حال الع���رب �إىل ما نعرفه جميعاً ،وكذلك عن �إبق���اء �شعل���ة الأم���ل يف �أن تعود الوح���دة العربية هدف ًا ممكن ًا يف وقت تداعت الأكلة فيه على الق�صعة العربية حتى كادت تفرغ من التهامها. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
77
اليمن والعامل
عني على اليمن
الوجه الآخر لليمن �إبراهيم البيومي غامن �صحيفة «ال�سبيل» الأردنية 31متوز/يوليو 2010 �آخر م�شاه���د الأزمة اليمنية هو الإعالن يوم اخلمي�س 29متوز/يوليو عن ت�شكيل جلنة للحوار الوطني ت�ضم 200ع�ضو ن�صفهم من حزب امل�ؤمتر ال�شعبي احلاكم وحلفائ���ه ،والن�صف الآخر من �أحزاب اللقاء امل�شرتك املعار�ض و�شركائه .وال �أحد ي�ستطيع التكهن مب�ستقبل هذه اللجنة� ،أو يخم���ن قدرتها الفعلية على الأخذ بيد البالد للخروج من م�سل�سل الأزمات وت�ضعها على �سكة اال�ستقرار والإ�صالح. �أك�ث�ر م���ا يث�ي�ر الده�شة لزائ���ر اليم���ن ه���ذه الأيام، وخ�صو�ص ًا �إذا �أتيحت ل���ه فر�صة االطالع على الوجه الآخ���ر لهذا املجتمع العريق ،ه���و �أن لليمن وجه ًا �آخر م�ضيئ ًا بخ�ل�اف الوجه الذي يراه الع���ا ُمل -منذ مدة لي�س���ت ق�صرية -من خالل �أزم���ات اليمن ال�سيا�سية املرتاكب���ة واملتزامنة� :أزمة احل���راك اجلنوبي .و�أزمة ال�ص���دام امل�سلح ب�ي�ن الدولة واحلوثي�ي�ن يف حمافظة �صع���دة واملناط���ق املتاخمة له���ا يف ال�شم���ال .والأزمة االقت�صادية املتفاقمة وا�ستم���رار تراجع قيمة الريال اليمن���ي وفقدانه ح���وايل %20من قيمت���ه منذ مطلع العام احلايل �أمام الدوالر الأمريكي (.)... و�سائ���ل الإعالم العاملي���ة والعربية تغفل ع���ن متابعة مالم���ح الوج���ه امل�ض���يء لليمن الذي ميتل���ئ بنماذج جمتمعية م�شرفة تكافح من �أجل احلياة الكرمية على م���دار ال�ساعة ،والأه���م من ذلك �أنه���ا ت�سعى لت�أمني ال�سل���م الأهل���ي ،وتوثي���ق ع���رى الت�ضام���ن املجتمعي بجه���ود ذاتية بعيد ًا ع���ن حلبة ال�ص���راع ال�سيا�سي/ االحرتاب���ي .وللأ�سف ف�إن و�سائ���ل الإعالم اليمني ال تقل غفلة عن هذا الوجه من الإعالم العاملي والعربي لوجه اليمن الآخر. الإع�ل�ام يرك���ز فق���ط عل���ى �إب���راز مالم���ح الوج���ه امل�أ�س���اوي ال�صراع���ي االحرتاب���ي ،وال تق�ص���ر يف احلدي���ث �أي�ض ًا ع���ن «الف�س���اد» الذي تزك���م رائحته �أن���وف اجلميع ،وي�شك���و منه اجلميع �أي�ض��� ًا (حكومة ومعار�ضة ومنظمات دولي���ة) دون �أن تظهر يف الأفق �شط����آن النج���اة من �أج���ل اخلروج م���ن طاحونة هذا الف�س���اد .وكما هو احلال يف �أغلب البلدان العربية ،ال تزال �أكرب ق�ضايا الف�س���اد مقيدة �ضد جمهول ،رغم ك�ث�رة الأحادي���ث وامل�ؤمت���رات عنه ،و�آخره���ا امل�ؤمتر 78
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
الثاين الذي عقدته ال�شبكة العربية لتعزيز ال�شفافية
ومكافح���ة الف�س���اد يوم���ي 26و 27متوز/يوليو 2010
بالتعاون مع الهيئ���ة الوطنية العليا ملكافحة الف�ساد يف اليم���ن ،وبرنامج �إدارة احلكم يف الدول العربية التابع للأمم املتحدة. بعي���د ًا عن تلك املالمح القامتة يف وج���ه اليمن ،ر�أيتُ مالم���ح �أخرى تر�س���م وجه��� ًا م�شرق ًا مرتع��� ًا بالأمل، متدفق ًا باحليوية ،عازم ًا على جتاوز حمنته؛ ومتفاع ًال �أي�ض��� ًا م���ع ق�ضية فل�سط�ي�ن واحل�ص���ار املفرو�ض على غزة .الأدلة على ذلك �شاهدناها يف القرى ال�صغرية، كم���ا يف املدن واملراكز احل�ضرية الكبرية .وهذه ثالثة منها ت�شهد على ما �أقول: امل�شه���د الأول :كان ي���وم اجلمع���ة املواف���ق � 18شعب���ان 1431ه� �ـ -30متوز/يولي���و .2010ذهب���ت والدكت���ور �سي���ف الدي���ن عبد الفت���اح �أ�ست���اذ العل���وم ال�سيا�سية بجامعة القاهرة لزيارة قرية «�سنبان» مبديرية «عن�س» مبحافظ���ة «ذمار» (وهي حمافظ���ة �أثرية �سياحية تقع عل���ى م�سافة 100كم جنوب العا�صمة �صنعاء) .وذلك بدع���وة كرمية من الدكتور �صال���ح ال�سنباين ،الأ�ستاذ بجامع���ة �صنعاء ،وع�ض���و جمل�س الن���واب عن التجمع اليمني للإ�صالح ،وال�صديق الدكتور حممد الظاهري �أ�ستاذ العل���وم ال�سيا�سي���ة بجامعة �صنع���اء ،والدكتور عب���د اهلل العزعزي �أم�ي�ن الدائرة الثقافي���ة للتنظيم الوح���دوي ال�شعبي النا�صري ،وهو �أي�ض��� ًا رئي�س نقابة هيئة تدري�س جامعتي �صنعاء وعمران. كان���ت املنا�سبة هي تخريج الدفع���ة الثانية من حفظة الق���ر�آن الكرمي (بقرية �سنب���ان) وعددهم :14منهم 5بن�ي�ن ،و 9بنات ،مع االحتفال �أي�ض��� ًا بعر�س جماعي ل� �ـ 48عرو�س ًا وعرو�سة م���ن �أبناء «�سنب���ان» التي يبلغ �سكانه���ا حوايل ثمانية �آالف ن�سمة تقريباً ،وهو احلفل التا�س���ع الذي تنظم���ه جمعية �أهلي���ة �أن�ش�أها د� .صالح ال�سنب���اين وبع�ض رج���ال القري���ة با�س���م «دار �سنبان لتحفي���ظ الق���ر�آن الكرمي وعلوم���ه» .بع����ض العرائ�س احتفلت بعر�سها وحفظها للقر�آن يف الليلة نف�سه. �إىل هن���ا والأمر عادي ،ولكن اجلدي���د هو كما �أخربنا الدكت���ور �صال���ح �أن �إجم���ايل تكلف���ة العر����س الواحد ال يتج���اوز 1000دوالر �أمريك���ي (ح���وايل 240.000
ري���ا ًال مينياً) .و�أخربنا �أن ثمة اتفاق��� ًا عام ًا بني جميع العالئ�ل�ات عل���ى ع���دم جت���اوز ه���ذا املبل���غ ،لتي�سري زواج ال�شب���اب ،ولوق���ف �سباق الإ�س���راف والبذخ بني القادرين؛ وتغليب م�شاعر الأخوة والتكافل الإ�سالمي عل���ى م�شاعر الغرية واحل�س���د� ،أو العجز واحلقد بني النا����س .اجلدي���د �أي�ض��� ًا ه���و م�شاركة ع���دد كبري يف احلفل م���ن �أ�ساتذة اجلامع���ات ،عل���ى ر�أ�سهم رئي�س جامعة الإميان ال�شيخ عبد املجيد الزنداين ،و�أع�ضاء من جمل�س النواب (ثالثة �أع�ضاء) ،وبع�ض امل�س�ؤولني احلكومي�ي�ن باملحافظة ،ووزير الأوقاف (الذي اعتذر و�أر�س���ل تربع ًا مالي��� ًا قيم ًا لدع���م م�شروعات الدار). واجلدي���د كذلك ه���و التكافل ب�ي�ن «�سنب���ان» والقرى املجاورة له���ا ،وحر�ص كثري من �أبنائها على احل�ضور وامل�شاركة يف هذه املنا�سبة. بعد انتهاء حفل «�سنبان» قال يل د� .سيف عبد الفتاح: ال�سيا�س���ة باملعن���ى الغربي ال�صراع���ي تورث احلروب والدماء والثارات ،وباملعنى ال�شرعي الإ�صالحي تورث العمران والنماء؛ هي تعمر القلوب بالقر�آن ،واملجتمع ببناء �أ�سر جديدة تكون مهي�أة للعمل والإنتاج .قلت له �صدقت و�أح�سنت. امل�شه���د الث���اين يف الوجه امل�ش���رق لليمن ه���و ح�ضور «اخلدم���ة الرتكي���ة» يف ث�ل�اث مدن ميني���ة كربى هي �صنع���اء ،وتع���ز ،وع���دن .و«اخلدم���ة» املق�ص���ودة هي عم���ل طوع���ي يهت���م بالتعلي���م ،وال�صح���ة ،والرعاية االجتماعي���ة .ه���ذا النوع م���ن اخلدمة �أ�س�س���ه ال�شيخ حممد فتح اهلل كولن ،الداعية الرتكي ال�شهري (كولن تعن���ي الب�سّ ام بالعربي���ة) .وينت�ش���ر تالمذته وحمبوه بخدمته���م ه���ذه يف �أكرث م���ن 150دولة ح���ول العامل، ولهم �أكرث م���ن 1000مدر�سة ،وع���دة قنوات ف�ضائية هادف���ة ،و�صحيفة يومي���ة با�سم «الزم���ان» ،و�أكرث من جامعة ،و�أكرث من م�ست�شفى على م�ستوى رفيع. و�صلت «اخلدمة» الرتكية لليمن �سنة ،1998وبد�أت يف �صنع���اء بت�أ�سي�س مدر�سة ت�شم���ل :ح�ضانة ،و�أكادميية الأطف���ال ،ومدر�س���ة �أ�سا�سي���ة ،ومدر�س���ة ثانوية .وبلغ جمموع طالبها هذا العام ح���وايل 600طالب وطالبة موزع�ي�ن على امل�ستويات املذك���ورة .وثمة م�شروع كبري يجري العمل فيه لبناء مق���ر جديد للمدر�سة مب�ساحة �إجمالية 25000مرت مربع ،بق���درة ا�ستيعابية تتجاوز 1000طالب وطالبة .ومن �صنعاء انتقلت اخلدمة �إىل مدين���ة تعز ،وافتتحت مدر�سة ع���ام 2003ت�ضم اليوم 250طالب��� ًا وطالبة من احل�ضانة وحتى ال�صف الثاين ع�شر .ومن تعز انتقلت �إىل مدينة عدن ،وافتتحت فيها مدر�سة عام 2006ت�ضم حالي ًا 300طالب وطالبة من احل�ضان���ة وحت���ى ال�ص���ف العا�شر .واخلط���وة التالية �ستك���ون افتتاح مدر�سة العام املقب���ل يف مدينة املكال،
مبحافظ���ة ح�ضرموت .ح�سبم���ا �أفادنا الأ�ستاذ حممد يلم���اظ� ،أحد تالمذة ال�شيخ فت���ح اهلل ،الذي ا�ستقبلنا يف املدر�سة الرتكية الدولية ب�صنعاء بابت�سامة عذبة مل تف���ارق وجهه طول الوقت ،رغم �أنه���ا املرة الأوىل التي نقابل���ه فيها ،وكذلك الأ�ستاذ كامل عون (ميني) الذي يعمل يف اخلدمة الرتكية باليمن ،ويجيد اللغة الرتكية بطالق���ة ،و�أفادنا بكثري م���ن املعلومات عن تطورها يف اليمن منذ دخولها �سنة .1998 الإح�صاءات الت���ي اطلعنا عليه���ا يف املدار�س الرتكية باليم���ن تقول �إن %90م���ن طالبها مينيون ،و�أن %10 فقط هم م���ن �أبناء اجلاليات الأجنبي���ة من 16دولة. وجمم���وع العاملني يف املدار�س 40تركياً ،و 130مينياً. و�إىل جانب امل�ستوى التعليمي الراقي الذي تقدمه على ي���د مدر�سني ميني�ي�ن ،ومن خ�ل�ال املق���ررات اليمنية الر�سمي���ة ،تقوم «اخلدمة» بالتعاون مع رجال الأعمال
الأتراك ومب�شاركة طالبه���ا بتنفيذ م�شروعات خريية مو�سمية ،مثل :توزي���ع املواد الغذائية يف رم�ضان لعدد � 1200أ�س���رة ،وتوزيع حل���وم الأ�ضاحي لع���دد 10000 �أ�س���رة تقريب���ا� .إ�ضافة ملخيم طبي جم���اين مت تنفيذه 2009و�ش���ارك فيه 30طبيب ًا تركي��� ًا قدموا من خالله خدم���ة املعاينة املجانية و�صرف ال���دواء و�إجراء بع�ض العملي���ات اجلراحي���ة ،وتنق���ل املخي���م يف عدي���د م���ن حمافظات اليمن. امل�شه���د الثال���ث يحت���اج ملقال���ة م�ستقل���ة ،وه���و م�شهد الإع���داد لت�سي�ي�ر قافل���ة من ال�سف���ن لك�س���ر احل�صار ال�صهيوين على غزة .وحتى كتابة هذه ال�سطور ال تزال اال�ستع���دادات قائمة على ق���دم و�س���اق لتنظيم عملية جمع التربع���ات ،و�سيكون (يوم) الإثن�ي�ن ( )8/2يوم ًا مفتوح ًا على القنوات الف�ضائية اليمنية لهذا الغر�ض. وي�أمل منظمو احلمل���ة �أن يجمعوا خم�سة ماليني دوالر
حتديات اليمن :مقاربة �أمريكية جيفري كمب �صحيفة «االحتاد» الإماراتية � 28أيار/مايو 2010 اليم���ن بلد كبري ،تعادل م�ساحت���ه م�ساحة والية تك�سا�س على وجه التقريب ،ويحتل موقع ًا جيوا�سرتاتيجي ًا حيوي ًا عند م�ضي���ق باب املندب الذي ي�صل ما بني بحر العرب والبح���ر الأحمر وقناة ال�سوي����س .و�إىل اجلنوب منه تقع ال�صوم���ال ،وهي واحدة م���ن �أكرث ال���دول «الفا�شلة» يف العامل م���ن حيث غياب ال�سلطة وتف�ش���ي العنف و�أعمال القر�صن���ة التي ته���دد املالحة يف ه���ذه املنطقة .وميناء عدن ،وهو ميناء اليمن الرئي�سي ،يتمتع ب�أهمية تاريخية كب�ي�رة ،حي���ث مت ا�ستخدامه عرب قرون م���ن قبل القوى املختلفة ،بف�ضل جغرافيت���ه الطبيعية الرائعة .ويف �أيام عز الإمرباطورية الربيطاني���ة ا�ستخدم امليناء كمخزن رئي�س���ي للفحم واملي���اه لل�سفن البحري���ة التابعة ملختلف دول العامل التي كانت جتوب البحار القريبة ،وخ�صو�ص ًا البحرية امللكية الربيطانية ،وذلك ب�سبب موقعه الفريد على الطريق بني قناة ال�سوي�س والهند. والي���وم ،ولئن كان���ت الأهمية التاريخي���ة مليناء عدن قد تراجعت ،ف�إنه ميكن� ،إذا ما تغريت الأحوال� ،أن ي�صبح
مينا ًء يتمتع مبيزات تناف�سية كبرية على طريق ترانزيت عامل���ي مهم ،متر عربه جت���ارة مزدهرة بني ق���ارة �آ�سيا وباقي مناطق العامل. وفيما وراء اجلغرافيا ،يربط معظم الأمريكيني الآن بني اليمن وب�ي�ن �أن�شطة تنظيم «القاع���دة يف �شبه اجلزيرة العربي���ة» .وقد ازداد قلق الأمريكي�ي�ن من تلك الأن�شطة بع���د �أن تبني �أن الطالب النيج�ي�ري «عمر الفاروق عبد املطلب» الذي حاول تفجري مواد نا�سفة كانت خمب�أة يف مالب�سه الداخلية فوق ديرتوي���ت نهاية العام املن�صرم. وبالن�سب���ة للحكومة اليمني���ة ،يعد التهدي���د الذي ميثله هذا التنظي���م واحد ًا من ع���دة تهديدات ين�ش����أ بع�ضها ج���راء النزاع���ات الداخلي���ة ،واخلالف���ات امل�ستمرة مع دول اجل���وار حول تعريف احلدود الواقع���ة بينهم .ومن الوا�ض���ح �أن الوالي���ات املتحدة تريد م���ن اليمن التعاون معه���ا يف طرد تنظيم «القاعدة» م���ن اجلزيرة العربية. وم���ع �أن اليم���ن عل���ى ا�ستع���داد لقبول ه���ذا التحدي �إال �أن���ه ال يعتربه �أولويته الق�صوى :فع���دد رجال «القاعدة»
�أمريك���ي ،من امل�ؤك���د �أنها �ستقتطع م���ن قوت كثري من املتربع�ي�ن ،ولكنه���م ي�شع���رون �أنه���م يقوم���ون بواجب �شرع���ي و�إن�ساين تفر�ضه الأخ���وة الإ�سالمية ،من �أجل �إغاثة امللهوفني من �أبن���اء ال�شعب العربي الفل�سطيني. خطباء اجلمعة يف م�ساجد اليمن (يوم اجلمعة املوافق) (� )7/31شددوا على �أن القافلة اليمنية لفك احل�صار تع���د نوع ًا من �أن���واع التكافل بني �أبن���اء الأمة الواحدة التي يجب �أن تكون كالبنيان ي�شد بع�ضه بع�ضاً. هذا هو الوجه امل�شرق لليمن الذي تر�سم مالحمه قيم الإ�س�ل�ام التي حت����ض على الت�ضامن حملي��� ًا بني �أبناء القرى ،وعاملي ًا بني �أبناء الأمة جميع ًا من عرب وعجم. فهل يعي ال�سيا�سي���ون املحرتبون هذا الدر�س؟ وهل �آن لهم �أن يوف���روا وي�ستثمروا جهدهم لإظهار هذا الوجه امل�ضيء لليمن؟
النا�شط�ي�ن يف اليم���ن ق���د ال يتج���اوز ،200يف ح�ي�ن �أن التهديدات الأخ���رى التي تواجه الب�ل�اد تعترب ،يف نظر �صنعاء� ،أكرث مدعاة للقلق بكثري. وهن���اك م�س�ألت���ان خطريتان ق���د ت�ؤثران عل���ى م�ستقبل اليم���ن :امل�س�ألة الأوىل هي الدميوغرافي���ا ،والثانية هي امل���وارد الطبيعي���ة .فن�سب���ة �صغار ال�سن م���ن بني �سكان اليم���ن تعد من �أعل���ى نظرياتها يف الع���امل ( 50يف املئة م���ن ال�س���كان حتت �س���ن � 15سن���ة) ،كما يتمي���ز اليمن بن�سب���ة خ�صوب���ة عالي���ة ،وهو م���ا يعن���ي ت�ضاعف عدد ال�سكان خالل الع�ش���رة �أو اخلم�سة ع�شر عام ًا القادمة. وما مل يبذل جمه���ود جدي لتخفي�ض عدد �أفراد العائلة من جان���ب احلكومة� ،س���وف ت�ستمر الزي���ادة ال�سكانية يف النم���و ،وهو ما �سيعني تزاي���د الطلب على اخلدمات الأ�سا�سية التي �إن مل تتم تلبيتها ميكن �أن تكون �سببا يف وقوع ا�ضطرابات �سيا�سية ال حتمد عقباها. والتح���دي الث���اين الكبري ،وال���ذي يختلف ع���ن �أي حتدٍ يواجه���ه بقية العامل العربي ،يتعلق باحل�صول على املياه العذب���ة ،خ�صو�ص ًا و�أن اليمن لي�س���ت لديه م�صادر مياه عذب���ة ،مثل الأنه���ار والبحريات ،كم���ا �أن معظم �سكانه يعي�شون يف �أعماق الأرا�ضي اجلبلية ،بعيد ًا عن البحر. لذلك ،ف�إنه حتى �إذا ما متت �إقامة م�صانع لتحلية املياه عل���ى امت���داد �ساحل البحر ،وه���و ما �سيتطل���ب بالطبع نفق���ات باهظ���ة وكمي���ات هائل���ة م���ن الطاقة م���ن �أجل ت�شغيله���ا ،ف�إن نق���ل املياه العذب���ة �إىل املناطق الداخلية الواقع���ة و�س���ط اجلبال �سوف يك���ون �أمر ًا مكلف���ا للغاية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
79
اليمن والعامل
عني على اليمن
ويتجاوز بكثري طاقة احلكومة اليمنية. وحت����ى الآن مل يتو�ص����ل �أح����د حل����ل له����ذه امل�شكل����ة ،على الرغ����م من حقيق����ة �أنه����ا �ست����زداد تفاقم���� ًا يف ال�سنوات القادم����ة عندم����ا تن�ض����ب م�ص����ادر املي����اه اجلوفي����ة غري القابل����ة للتجدد ،نتيجة ال�ستخدامها املكثف يف الأغرا�ض الزراعية وغريها. وت����رى «بارب����را بودي����ن»� ،سف��ي�رة الوالي����ات املتح����دة يف اليمن� ،أن اعتبار اليمن دولة فا�شلة �سيكون �أمر ًا خاطئاً، لأن اليم����ن لديه نظ����ام دميقراطي يف احلك����م ،حتى و�إن كان البع�����ض يتحف����ظ على جوانب منه ..كم����ا �أن املطلب الأ�سا�س����ي لل�س����كان يف هذا البلد يف الوق����ت الراهن لي�س هو الإطاحة باحلكوم����ة احلالية وا�ستبدالها بنظام �آخر، و�إمن����ا �أن تعم����ل تل����ك احلكوم����ة عل����ى تق����دمي املزيد من اخلدمات التي يحتاجون �إليها ب�صورة ما�سة.
وه����ذا بالطبع ،هو نف�س املو�ضوع الذي بد�أت �إدارة �أوباما يف الت�أكي����د عليه عرب كافة الت�صريح����ات والبيانات التي ت�ص����در عنه����ا يف جم����ال ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة ،وهو �أن الواليات املتحدة يجب �أال تظل متم�سكة باحللول الع�سكرية للم�شكالت التي تواجهها يف اخلارج ،والتي ميكن �أن تحُ ل يف نهاي����ة املطاف بالدبلوما�سي����ة والأ�ساليب املدنية .وهو اجتاه يعد يف تقديري �صائب����اً ،لأن الواليات املتحدة� ،إذا ما �أ�صبحت لها ب�صم����ة قدم ع�سكرية وا�ضحة يف اليمن، �أي �أ�صب����ح له����ا وج����ود ع�سك����ري كب��ي�ر هناك ،م����ن �أجل التخل�ص من تنظيم «القاعدة يف اجلزيرة العربية» ،ف�إن ذل����ك قد ي�سفر عن نتائج عك�����س املتوخاة منه يف الأ�صل. ويف ر�أي����ي �أي�ض ًا �أن الواليات املتحدة يجب �أن تبذل املزيد م����ن اجلهد يف جم����ال تدري����ب ورعاية اليمني��ي�ن ،بحيث يكون����وا قادرين عل����ى القي����ام بالوظائ����ف البريوقراطية
م�أزق �أوباما يف اليمن ...وجوانتانامو! وحيد عبد املجيد �صحيفة «االحتاد» الإماراتية � 18آب�/أغ�سط�س 2010 م����أزق الرئي����س �أوبام���ا يف كل من �أفغان�ست���ان والعراق وا�ض���ح ومعروف���ة �أبع���اده ومت���داول احلدي���ث عنه بال انقط���اع .و�إذا كان �أمل���ه كب�ي�ر ًا يف اقرتاب ح���ل امل�أزق العراق���ي ،فاخل���روج م���ن �أفغان�ست���ان لي����س �أك�ث�ر من ضال عن هذي���ن امل�أزقني حل���م بعي���د املنال .غري �أن���ه ف� ً الكبريين ،يواجه الرئي�س �أوباما م�أزق ًا ال يقل �أهمية يف اليمن .لكن اجلزء الأكرب من �أهميته يعود �إىل ارتباطه مبع�ضلة كربى البد �أنه���ا ت�ؤرق �أوباما ب�سبب ف�شله حتى الآن يف الوفاء بوعده اخلا�ص بغلق معتقل جوانتانامو. فامل�أزق اليمني مهم يف ذاته بطبيعة احلال لأن احتدام �أزمة هذا البلد جعَله مركز ًا لأكرث تنظيمات «القاعدة» يف الع���امل العربي ن�شاط��� ًا الآن .لكن �أهميت���ه ،بالن�سبة لأوبام���ا ،تت�ضاعف لأن���ه �أ�صبح العائ���ق الرئي�سي �أمام ا�ستم���رار التق���دم البط���يء ال���ذي يحدث باجت���اه غلق معتقل جوانتانامو ،والذي كان حمور ًا �أ�سا�سي ًا يف حملته االنتخابي���ة عندما ق���دم نف�سه باعتب���اره القائد القادر على طي �صفح���ة �إدارتي بو�ش .ويعد معتقل جوانتانامو م���ن �أ�سو�أ م���ا يف هذه ال�صفح���ة .لذلك حر����ص �أوباما خالل حملته االنتخابية على االلتزام بغلقه. غ�ي�ر �أن ه���ذا الوع���د االنتخاب���ي ا�صط���دم ،مثل���ه مثل 80
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
وعود �أخرى داخلي���ة وخارجية ،بواقع مل يح�سب �أوباما ح�سابه .فقد رف����ض الكونغر�س نقل معتقلني ال يحملون اجلن�سي���ة الأمريكي���ة �إىل �أرا�ض���ي الوالي���ات املتحدة. وتكالب���ت الأجه���زة الأمني���ة لرتويع���ه م���ن خط���ر غلق املعتق���ل م���ن دون �إيجاد بديل عنه لع���دم �إمكان ترحيل نزالئه جميعهم �إىل بالده���م خالل �أ�شهر قليلة .ورغم ت�سلي���م عدد كبري منهم �إىل بلدانهم ،فقد تباط�أت هذه العملية بع���د �أن ان�ضم بع�ضه���م �إىل تنظيمات مرتبطة بـ»القاع���دة» .ورغ���م �أن عدد ه�ؤالء قلي���ل بالقيا�س �إىل جمموع من �أُخرجوا من معتقل جوانتانامو ،فقد �أ�صبح الثن�ي�ن منه���م دور بارز يف قي���ادة «تنظي���م القاعدة يف �شب���ه اجلزيرة العربي���ة» الذي يتمرك���ز يف اليمن الآن. و�أدى ذلك� ،إىل جان���ب تفاقم �أزمات عدة �أهمها �أزمتا احلوثيني واحلراك اجلنوب���ي� ،إىل تعليق عملية ترحيل مزيد من املعتقل�ي�ن �إىل هناك .لذلك يبدو �صعب ًا اليوم ت�صفية �أو�ضاع املعتقلني يف جوانتانامو ،دون حل الأزمة اليمني���ة .فن�ص���ف ه�ؤالء عل���ى الأقل ميني���ون .ويذهب التقدي���ر الراجح �إىل �أن عددهم نح���و ت�سعني من �أ�صل 176ه���م �إجمايل املعتقلني الآن .ورغم �أن الكثري منهم مل يع���ودوا م�ص���در خط���ر ،فق���د ق���ررت وزارة الدفاع (البنتاجون) والأجه���زة اال�ستخباراتية والأمنية تعليق
املطلوب����ة لتو�صي����ل اخلدمات للري����ف ،واملطلوب����ة كذلك لتوفري الطعام والك�ساء والوظائف لل�سكان. واليم����ن ،بح�س����ب ال�سف��ي�رة «بودي����ن» وغريه����ا ،تختلف اختالف���� ًا بين ًا عن الع����راق و�أفغان�ستان اللت��ي�ن ا�ستثمرت فيهم����ا الواليات املتحدة يف الآون����ة الأخرية موارد هائلة. فاليم����ن لي�����س بها انق�س����ام ديني �أو عرقي كب��ي�ر ،كما �أن ظاه����رة �أم����راء احل����رب تكاد تك����ون يف احل����دود الدنيا، ع��ل�اوة على �أن اليمن بف�ض����ل موقعه اجلغرايف املهم غري قاب����ل للتجاهل من جانب �أي �أح����د .والطريقة التي ميكن به����ا م�ساعدة اليمن �أ�صبح����ت يف الوقت الراهن م�صدر ًا لل�سج����ال واجل����دل يف الواليات املتحدة ،وه����و جدل ت�أمل �إدارة �أوبام����ا �أن يقود يف نهاية املطاف �إىل �إعادة التفكري يف املقارب����ة الأمريكي����ة ملو�ض����وع التم����رد ،خ�صو�ص���� ًا يف منطقة ال�شرق الأو�سط.
ترحيلهم �إىل اليمن. و�إذا ظل هذا الربط قائم ًا بني ترحيل اليمنيني والو�ضع الأمن���ي يف بلدهم ،فالأرج���ح �أن �أوبام���ا �سينهي واليته الأوىل دون الوف���اء بوع���ده ب�ش�أن غل���ق املعتقل الذي ما زال ي�س���يء �إىل �صورة الواليات املتح���دة .فلي�س متوقع ًا حدوث حت�سن ملمو�س يف الو�ضع الأمني يف اليمن خالل عام�ي�ن وب�ضعة �أ�شهر .كما �أن حجم ونوع العمليات التي نفذها «تنظيم القاعدة» هناك يف الفرتة الأخرية يدالن على �صعوبة تفكيكه خالل مث���ل هذه الفرتة الق�صرية، وخ�صو�ص ًا يف ظل معطيات ت�ساعد على التحاق عنا�صر جديدة به من بالد �أخرى. والقاع���دة املعروفة يف حركة من يطل���ق عليهم عنا�صر «اجله���اد العاملي» هي �أنهم ينتقل���ون من �أحد تنظيمات «القاع���دة» �إىل غريه وفق ظ���روف �أهمها مدى مالئمة البيئة املحلية للعمل الإرهابي .والأرجح �أن البيئة اليمنية �ستظل جاذبة لهذه العنا�صر ،لعدة �أعوام قادمة .وكان التنظيم املتمرك���ز يف اليمن قد ا�ستمد قوته من انتقال ضال عن مقاتل�ي�ن �إليه كانوا يف �أفغان�ستان وباك�ستان ،ف� ً الع���راق ،الأمر ال���ذي وفّر له خربات كب�ي�رة وم َكّنه من �أن يك���ون «قاعدة» لتدريب عنا�ص���ر من بالد عدة ،كان �أحده���م الطالب النيجريي عمر ف���اروق الذي حاول تفج�ي�ر طائرة متجه���ة �إىل ديرتويت يف كان���ون الأول/ دي�سمرب املا�ضي. لذل���ك قد يكون �صعب ًا بالن�سب���ة لأوباما �إقناع امل�س�ؤولني الأمني�ي�ن الأمريكي�ي�ن با�ستئن���اف ترحي���ل املعتقل�ي�ن اليمني�ي�ن الذين يثبت �أنهم مل يعودوا م�صدر خطر �إىل بالدهم .وهن���اك ثالثون منهم كانت ال�سلطات الأمنية املعني���ة قد ق���د َرّت �أنه���م ال ي�شكل���ون تهدي���داً ،وقررت
( )
ترحيله���م تباع ًا قبل �أن يوقف تنفي���ذ هذا القرار خوف ًا م���ن احتمال ان�ضمام بع�ضه���م �إىل �أحد �أكرث تنظيمات «القاع���دة» خطر ًا يف الوقت الراه���ن ،و�آخرهم املعتقل حمم���د حويني ال���ذي كان ق���رار ترحيله �ص���در ال�شهر املا�ضي حتت �ضغط حقوقي مكثف .لكن «البنتاجون» مل تلبث �أن �أعلنت يف مطلع ال�شهر اجلاري �آب�/أغ�سط�س وق���ت ن�شر املقال) �أن تعلي���ق عمليات ترحيل مينيني من جوانتانام���و �سيظل قيد التطبيق ب�سب���ب الو�ضع الأمني يف بلدهم. و�إذا كان���ت هذه هي امل�شكلة الأك�ب�ر يف م�أزق �أوباما يف جوانتانام���و ،فثم���ة م�شكلة �أخرى تتعل���ق بالأجواء التي حتي���ط مبحاكم���ة م���ن يتق���رر �إحالته���م عل���ى الق�ضاء الع�سك���ري اال�ستثنائ���ي .و�آخره���م املعتق���ل عمر خ�ضر الذي بد�أت حماكمته يف � 8آب�/أغ�سط�س � ،2010أي بعد ثماين �سنوات عل���ى اعتقال���ه يف �أفغان�ستان عام 2002 ح�ي�ن كان عمره 15عام ًا بتهمة �إلقاء قنبلة يدوية قتلت
(
جندياً ،وتلقي تدريب ًا يف �أحد مع�سكرات «القاعدة». ففي املحاكمة الع�سكرية تظهر فظائع معتقل جوانتانامو عارية م���ن �أي غط���اء .وقد حدث ذل���ك يف املحاكمات ال�سابق���ة ،التي �أحيل عليها ع���دد قليل من بني �أكرث من ثمامنائة معتقل وُ�ضع���وا يف جوانتانامو ،قبل �أن يغادره �أك�ث�ر من ثلثيهم بع�ضهم مفرج عنهم ومعظمهم لتتوىل �سلطات بالدهم حماكمته���م ،فيما مَ ثُل نفر قليل �أي�ض ًا �أمام حماكم فيدرالية �أمريكية كان �أبرزهم اال�سرتايل ديفيد هيك���ز امللقب «طالبان اال�س�ت�رايل» والذي حُ كم عليه بت�سعة �أ�شهر �سجناً. وهكذا يظ���ل ملف معتق���ل جوانتانامو من �أب���رز امل�آزق الت���ي تواج���ه �أوبام���ا ،يف الوق���ت ال���ذي ال تتوق���ف فيه االنتقادات �ض���د �إدارته التي �ص���ارت متهمة من جانب �أو�ساط حقوقية و�إعالمي���ة غربية ب�أنها توا�صل �سيا�سة بو�ش و»املحافظني اجلدد» .وه���ذا اتهام �شديد الق�سوة
البعد اال�سرتاتيجي للأزمة اليمنية عبدالعزيز حمد العوي�شق �صحيفة «الوطن» ال�سعودية 6متوز/يوليو 2010 نح���ن �أم���ام �أزم���ة حقيقي���ة يف اليم���ن يف املج���ال االقت�ص���ادي ،ت�ستغلها اجله���ات املعادي���ة لال�ستقرار فيه ،وم���ا مل تتم معاجلة هذه الأزم���ة على نحو �سريع وفعال ،ف����إن الو�ضع ين���ذر باالنزالق نح���و �أبعاد قد ال ميكن �إ�صالحها م�ستقبالً. حينم���ا ف�شل���ت عملي���ة �إرهابي���ة يف كان���ون الأول/ دي�سم�ب�ر املا�ضي يف تفجري طائ���رة ركاب يف طريقها �إىل الوالي���ات املتح���دة ،ا�ستنف���رت ال���دول الغربي���ة حلفاءه���ا و�أ�صدقاءه���ا يف جميع �أنح���اء العامل ،ودعا غ���وردن براون ،رئي����س الوزراء الربيط���اين يف حينه، �إىل اجتم���اع عاجل عايل امل�ست���وى ،لدرا�سة الو�ضع يف اليم���ن .وناق�ش االجتماع الذي عُ قد يف لندن يف كانون الثاين/يناي���ر من هذا الع���ام وح�ضره ممثلون من 25 دولة ومنظمة ،التحديات الأمنية التي يواجهها اليمن. وكان هناك �إجماع عل���ى احلاجة �إىل معاجلة �شمولية للو�ض���ع يف اليمن ،تتناول جميع �أبع���اده ،وتُركز ب�شكل
خا����ص على البعد التنموي وترب���ط بينه وبني التحدي الأمني .وبناء على ذلك التوافق الذي ح�صل يف لندن، مت الإع�ل�ان ع���ن انط�ل�اق مب���ادرة «�أ�صدق���اء اليمن» لدعم اليمن يف مواجهة تلك التحديات. وحاملا انح�س���ر االهتمام الإعالم���ي باليمن ،انخف�ض م�ست���وى االهتم���ام الغرب���ي مبعاجل���ة الو�ض���ع في���ه، وانح�ص���ر يف متابع���ة جمموعت���ي العمل اللت�ي�ن ن�ش�أتا ع���ن مبادرة �أ�صدقاء اليم���ن ،وهما جمموعة عمل عن «االقت�ص���اد واحلوكم���ة» ،و�أخرى ع���ن «العدالة وحكم القان���ون» ،وق���د اجتمع���ت الأوىل مرتني حت���ى الآن يف �أبوظب���ي وبرل�ي�ن ،واجتمع���ت الثانية م���رة يف الهاي، وم���ن املقرر عقد اجتماعها الق���ادم يف عمّان الأ�سبوع القادم. �أما احلكومة الربيطانية ،التي كانت ال�سباقة يف طرح املب���ادرة وعقد االجتماع ال���وزاري الأول يف لندن ،فقد تخلت عن متابعتها ،وان�شغل���ت باالنتخابات الربملانية
بالن�سب���ة لرئي�س مثل �أوباما ،لي�س لأنه وعد بغلق معتقل جوانتانام���و فقط ،ولكن لأنه يطع���ن يف جوهر الر�سالة الت���ي حملها على عاتق���ه وهي حت�سني �ص���ورة الواليات املتحدة يف العامل. فعندما رف���ع �أوباما �شع���ار التغيري ،كان �أك�ث�ر ما يريد �أن يغ�ي�ره هو ال�سيا�سة الت���ي خنقت روح �أمريكا احلرة. وقد تطل���ع �إىل هذا التغيري عرب برنام���ج لإحياء �صورة �أم�ي�ركا الطيبة املنفتح���ة على قيم احلري���ة والتعددية والتقدم واملتفائلة بامل�ستقبل ،وحما�صرة �صورة �أمريكا «املحافظ���ة» الت���ي و�ضع���ت ه���ذه القيم جانب��� ًا ون�شرت الت�ش���ا�ؤم يف العامل .ورغم �أن���ه متكن من �إبعاد ال�صورة القبيحة ن�سبياً ،ف�إنه مل ينجح يف �إحياء ال�صورة الطيبة رغم وجود اقتناع وا�سع يف العامل ب�أنه هو �شخ�صي ًا يعرب عنها .و�سيظل جناحه يف ذلك مو�ضع �شك مادام معتقل جوانتانامو مفتوح ًا والطريق �إىل طيّ ملفه مغلقاً.
التي خ�سر من خاللها حزب العمال الأغلبية الربملانية رئا�س���ة الوزارة .ومل تو�ض���ح احلكومة اجلديدة دورها يف هذه املبادرة� ،أو موقفها من الو�ضع يف اليمن. ولكن الأو�ض���اع يف اليمن ال تنتظر ،ب���ل تزداد حرجاً. فكم���ا ر�أين���ا ع���ادت العنا�ص���ر احلوثي���ة �إىل ن�شاطها الداخلي بعد هدوء ن�سب���ي ،و�سُ جلت حوادث مقلقة يف �أج���زاء �أخرى من اليمن .ولك���ن احلوادث الأمنية هي انعكا�س لأزمة �أكرث عمق ًا بكثري ،ذات جذور اقت�صادية واجتماعية و�سيا�سية ،حملية و�إقليمية ودولية .و�أحتدث اليوم عن البعد االقت�صادي فقط ،فالتحديات يف هذا املجال ت���زداد تعقي���داً ،وقدرة احلكوم���ة على حتقيق �أه���داف التنمية ،وتنفي���ذ امل�شاريع مل تع���د كما كانت حينم���ا كانت موارده���ا من النفط عالي���ة ،يف حني �أن م�ساع���دات املانح�ي�ن ت�صل ب�شكل بط���يء ب�سبب عدم التو�ص���ل �إىل اتفاقات مر�ضية مع املانحني حول �آليات التنفي���ذ ،وانخفا�ض الق���درات الفني���ة الذاتية لليمن وبالت���ايل عدم الق���درة على اخلروج م���ن هذه احللقة املفرغة .ونظر ًا �إىل ع���دم متكن اليمن من اال�ستفادة م���ن معظ���م امل�ساع���دات الت���ي مت التعهد به���ا �سابقاً، ف�إن املانح�ي�ن لي�سوا يف وارد تق���دمي تعهدات جديدة، وينتظ���رون �أن يتمك���ن اليمن من �ص���رف امل�ساعدات ال�سابقة قبل النظر يف �أي طلبات جديدة. �أم���ا و�ض���ع املوازن���ة احلكومي���ة فه���و ين���ذر باخلطر، �إذ �أو�ضح���ت احلكوم���ة اليمني���ة (م�ؤخ���ر ًا) �أن العجز العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
81
اليمن والعامل
عني على اليمن
ال�سنوي قد بلغ نح���و %10من الناجت املحلي الإجمايل (ح���وايل 2.6ملي���ار دوالر) ،مقارن���ة باملعدل ال�صحي للعج���ز ال���ذي ال ينبغي �أن يتج���اوز .%3ومن املعروف �أن �أح���د الأ�سباب الرئي�سية له���ذا العجز الدعم الذي تقدمه احلكومة للمحروقات ،خا�صة الديزل .وتواجه احلكوم���ة �صعوب���ة يف تخفي����ض ه���ذا الدع���م ال���ذي ي�ستنزف مواردها املالية ،وي�ؤثر �سلبي ًا يف ثقة الأ�سواق بال�سيا�سات املالية والنقدية للدولة. وم���ن امل�ؤ�س���ف �أن املحادث���ات ب�ش����أن معاجل���ة عج���ز املوازن���ة ب�ي�ن اليم���ن و�صن���دوق النقد ال���دويل مل ت�ؤد �إىل نتيج���ة حت���ى الآن ،يف ح�ي�ن �أن اليم���ن يحتاج �إىل التو�ص���ل �إىل اتفاق مع ال�صندوق لإيجاد نوع من الثقة
مبتان���ة و�ضعه املايل والنقدي .فنح���ن �إذن �أمام �أزمة حقيقي���ة يف اليم���ن يف املج���ال االقت�ص���ادي ،ت�ستغلها اجله���ات املعادية لال�ستق���رار فيه ،وما مل تتم معاجلة ه���ذه الأزمة على نحو �سريع وفع���ال ،ف�إن الو�ضع ينذر باالنزالق نحو �أبعاد قد ال ميكن �إ�صالحها م�ستقبالً. و�إذا كان املانح���ون �سينتظرون �إىل �أن ت�صلح الأو�ضاع يف اليم���ن اقت�صادي��� ًا وتتط���ور قدرات���ه الذاتي���ة على ا�ستيع���اب امل�ساع���دات وتنفي���ذ امل�شاري���ع ،و�إذا كان اليم���ن �سينتظر �إىل �أن يتكي���ف املانحون وامل�ستثمرون مع ثقافت���ه االقت�صادية والقانونية ف����إن هذا االنتظار �سيط���ول .ولذلك ف����إن الو�ضع اليمني يتطل���ب �أ�سلوب معاجل���ة الأزم���ات ،ال �أ�سل���وب العم���ل اليوم���ي املعتاد
كانت عندنا جامعة فهمي هويدي �صحيفة «ال�شروق» امل�صرية � 28آب�/أغ�سط�س 2010 ال �أعرف موقع اليم���ن يف �أولويات ال�سيا�سة اخلارجية امل�صرية يف الوقت الراهن ،ول�ست واثق ًا من �أنه مدرج صال على الأجندة .ويف ظل غياب م�صر �أو ان�سحابها �أ� ً الحظ���ت �أن قطر تلعب دور ًا ن�شط ًا يف حتقيق �أو �إجناح امل�صاحلة بني حكومة �صنعاء واحلوثيني .و�أن ال�سعودية حا�ضرة هن���اك بحكم متطلب���ات اجل���وار ،و�أن تركيا له���ا ح�ضورها املتزاي���د على ال�صعيدي���ن االقت�صادي والثق���ايف ،و�أن هن���اك جلن���ة م�شرتكة ميني���ة -تركية لدفع عجلة التع���اون والتفاهم بني البلدين� .إزاء ذلك ف�أخ�ش���ى �أن ي�سقط اليمن مب�ض���ي الوقت من الذاكرة امل�صري���ة ،رغ���م �أن جيلنا ال يزال يذك���ر حجم ومدى احل�ضور امل�صري هن���اك يف �ستينيات القرن املا�ضي، يف �أعق���اب جن���اح الثورة عل���ى احلك���م الإمامي .وقد دعاين �إىل التط���رق للمو�ضوع �أنني اكت�شفت م�صادفة �أن اجلامعة امل�صرية (جامع���ة القاهرة الآن) �أوفدت بعث���ة علمي���ة مل�سح اليم���ن وح�ضرموت يف ع���ام 1936 و�أم�ضت هناك نحو �سبع���ة �أ�شهر ،عادت بعدها برثوة كبرية من املعلومات واالنطباعات. وقعت على تقرير البعثة يف �آخر كتاب «�أر�ض العروبة» (�ص���در ع���ام )1993للدكت���ور �سليم���ان حزين رحمه اهلل ،وكان امل�ؤل���ف الذي �صار فيما بعد مدير ًا جلامعة 82
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
�أ�سي���وط ووزي���ر ًا للثقافة عل���ى ر�أ�س تل���ك البعثة التي �أوفدته���ا كليت���ا الآداب والعل���وم حين���ذاك� .إذ كان هو والدكت���ور خليل يحي���ى نامي ميثالن كلي���ة الآداب ،يف ح�ي�ن مثل كلية العلوم الدكتور ن�ص���ر �شكري والأ�ستاذ حممد توفيق الد�سوقي. �أث���ارت انتباهي وده�شت���ي الفكرة .ف����أن ي�ست�شعر نفر م���ن الباحثني امل�صريني يف ذلك الوق���ت املبكر �أهمية القيام ببحث ميداين جلزء ق�صي من الوطن العربي، فذل���ك تعبري عن عم���ق االنتماء وال�شع���ور بامل�س�ؤولية. و�أن يتواف���ق عل���ى ذل���ك امل�س�ؤول���ون يف كليت���ي الآداب والعل���وم ،دون توجي���ه م���ن �أح���د ،وينتدب���ون للمهم���ة �أربعة م���ن الباحثني ،وي�شجعهم على هذه املهمة مدير اجلامعة �آن���ذاك الدكتور �أحمد لطف���ي ال�سيد ،وميول رحلته���م ب�ألف جني���ه م�ص���ري (كان اجلنيه حمرتم ًا وقيمته جت���اوزت الإ�سرتليني) .فذل���ك مما يدل على جدي���ة الأداء واحلر����ص على تعمي���ق الروابط وتعزيز الدور الريادي يف جمال البحث واملعرفة. ا�ستغرق���ت الرحلة الفرتة ما بني �شهري ني�سان�/أبريل وت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر من ع���ام 1936ـ هكذا كتب الدكت���ور �سليم���ان حزي���ن يف تقري���ره ـ و�أ�ض���اف :كان طريقنا (كما و�ضحت���ه خريطة مرفقة) من عدن �إىل
.business as usualفيج���ب �أال نك���ون مكبل�ي�ن بالرتتيب���ات البريوقراطي���ة املعت���ادة للتنمي���ة وتنفيذ امل�شاريع وتقدمي امل�ساعدات ،و�أال ُت�ؤخذ كم�سلمات غري قابلة للمراجعة والتغيري. ومن اجلان���ب اليمني يجب �أن يكون ثمة التزام وا�ضح بالإ�ص�ل�اح االقت�ص���ادي عل���ى نح���و يُطمئ���ن املواطن اليمن���ي وامل�ستثمر اخلارج���ي ،بالإ�ضافة �إىل اجلهات املانح���ة ،وميك���ن �أن يظه���ر ذلك من خ�ل�ال معاجلة عج���ز امليزانية ال���ذي �أ�ش���رتُ �إليه .ويج���ب �أن يقابل ذلك اال�ستعداد من قبل �أ�صدقاء اليمن لتقدمي الدعم والعون احلقيقي للمواط���ن اليمني ب�سخاء ودون تردد (.)...
حلج ثم �إىل تعز و�إقليم احلجرية يف جنوب اليمن .ثم من تعز �إىل املخا على �ساحل تهامة الغربي لليمن ،ثم �إىل مين���اء اجلزيرة يف �شمال تهامة ،ثم من احلديدة اتخ���ذت البعث���ة طريق احلدي���دة فوق اله�ضب���ة العليا �إىل �صنع���اء ،ثم من �صنعاء قامت برحلتني �إىل �شمال اليم���ن .ثم ع���ادت �إىل احلدي���دة عن طري���ق القوافل القدمي .ومنها اتخذت البعثة طريق البحر �إىل جزيرة برمي ثم �إىل عدن واملكال .ثم بالرب �إىل ال�شحر التابعة لها .ثم اجتهت البعثة �إىل وادي ح�ضرموت حيث زارت ترمي .وو�صلت �إىل مناطقها ال�شرقية والغربية ،وركبت طريق القوافل يف وادي دوعان �إىل اخلريبة ،ثم املكال مرة �أخرى ،ومنها بالبحر �إىل عدن وم�صر. قط���ع �أع�ضاء البعثة �أثناء الرحلة نحو 2500كيلو مرت، منه���ا الثلثان بال�سيارات ،والباق���ي على ظهور الدواب �أو �س�ي�ر ًا على الأقدام .وع���ادوا بكمية وفرية من املواد الدرا�سية واملجموعات العلمية حول جيولوجيا املنطقة وجغرافيته���ا ومناخه���ا و�آثارها وال�س�ل�االت الب�شرية واللهج���ات املحلي���ة .و�إىل جان���ب م���ا تعل���ق بالأر����ض والإن�س���ان ف�إنه���ا �أج���رت درا�ساته���ا عل���ى احليوانات واحل�شرات �أي�ضاً ،وجمعت نحو 6000عينة احليوانات ال�صغ�ي�رة( .نتائ���ج الدرا�س���ات الت���ي �أجروها ن�شرت باللغت�ي�ن الإجنليزي���ة والفرن�سي���ة يف ع���دد م���ن �أهم املجاالت العلمية ،خالل عامي 37و.)1938 خ�ل�ال تل���ك اجل���والت حر����ص �أع�ض���اء البعث���ة عل���ى االت�ص���ال باملهتم�ي�ن ب�ش�ؤون العلم والتعلي���م والثقافة. وم���ن املالحظ���ات املهمة الت���ي �سجلها التقري���ر �أنهم �سمعوا من ال�شخ�صي���ات اليمنية التي التقوها تقدير ًا ملكانة م�صر لكن «الكرثة منهم مل تكن لرتى فيما تقوم
به م�صر وف���ا ًء كافي ًا ملا ترتبه تلك املكانة من واجبات والتزام���ات» .وقال بع�ضهم «�إن م�صر نف�سها �أ�صبحت �شدي���دة االنهماك ب�ش�ؤونها اخلا�ص���ة� ،إىل حد ال يكاد ي�سم���ح لها ب�أن تقوم بحقوق الريادة بني �أمم امل�شرق». يف خت���ام التقري���ر مقرتحات ع���دة لتوثي���ق العالقات الثقافي���ة مع اليمن تراوحت ب�ي�ن ت�شكيل جمل�س �أعلى
م�ش�ت�رك لتوحيد ال�سيا�سة الثقافي���ة يف اليمن والعامل العرب���ي ،وتن�شي���ط عالق���ة وزارة املع���ارف واجلامعة باملجتم���ع اليمني ،و�إيفاد البعث���ات التعليمية امل�صرية �إىل اليمن ودعوة الطلبة اليمنيني �إىل م�صر�...إلخ. ينت���اب املرء �شع���ور باالعت���زاز واالكتئاب ح�ي�ن يفرغ
ملاذا جل�أت القاعدة يف دعوتها للجهاد �إىل اللغة الإجنليزية؟ مقابلة مع ماتيو غيدير جملة «لو فيغارو مغازين» الفرن�سية 16حزيران/يونيو 2010 اجلي���ل اجلديد من اجلماعة الإرهابي���ة ،وعرب و�سيلة ات�صال جديدة ه���ي جملة (�إن�سباي���ر )Inspireالتي تكتب كامل���ة بالإجنليزية وتقر�أ بو�ض���وح على ال�شبكة الدولية ،يتوجّ ه نحو م�سلمي العامل الأجنلو�ساك�سوين. يفك لنا ماتيو غيدير ،الأخ�صائي باحلركات املتطرفة، �شفرة ه���ذا ال�شكل اجلديد من دعاي���ة القاعدة� .سبع و�ست���ون �صفحة ت�ضم ن�صو�صاً ،و�صور ًا ملونة لأ�سلحة، و�ص���ور ًا �شخ�صية ل�ب�ن الدن ،وللظواهري ولـ”�أبطال” الإرهاب ال���دويل الآخرين ،و�إر�شادات من �أجل «�صنع قنبلة» ،بل وحتى �أوامر للتنفيذ .املجلة اجلديدة تدعى (�إن�سباي���ر ،)Inspireوخالف��� ًا لأي منط���ق �إ�سالمي، ه���ي ب�أكمله���ا بالإجنليزية .وهذه عالم���ة تبدل عميق يف دعاي���ة القاع���دة .ويع���د ماتيو غيدي���ر ،الأ�ستاذ يف جامعة جنيف ،واملخت�ص يف الإرهاب� ،أحد الأ�شخا�ص القالئل الذين متكنوا من حتليل الوثيقة ب�أكملها. ل��و فيغ��ارو مغازين :ي�ص��در الف��رع اليمني من القاع��دة ن�ش��رة بالإجنليزي��ة .ه��ل ه��ذه هي املرة الأوىل؟ ماتي ��و غيدي ��ر :كال ،لي�س���ت هذه هي امل���رة الأوىل؛ فبع����ض خط���ب ب���ن الدن والظواهري حتم���ل عناوين ثانوي���ة بالإجنليزي���ة عندم���ا تك���ون موجه���ة لل�شع���ب الأمريكي .ولكن هذه هي املرة الأوىل التي يجري فيها بث ن�شرة للقاعدة كاملة بالإجنليزية.
ما الغاية منها ومن تخاطب هذه الن�شرة؟ افتتاحي���ة الن�شرة �صريحة جد ًا ب�ش�أن من ت�ستهدفهم. �إنه���ا تخاطب «مالي�ي�ن امل�سلمني الذي���ن لغتهم الأوىل �أو الثاني���ة هي الإجنليزي���ة� ،سواء كان���وا يف الغرب �أو يف ال�ش���رق ،يف غ���رب �أو جنوب �أفريقي���ا ،يف جنوب �أو جن���وب �ش���رق �آ�سيا ،وكل م���كان يف الع���امل» .فالن�شرة لديها بدالل���ة هذه العب���ارة طموح عامل���ي ،وت�ستهدف �أك�ث�ر ب�صفة عامة اجلمهور الناطق بالإجنليزية �أينما وجد. ماذا يجد املرء من جديد يف (�إن�سباير)؟ �إذا و�ضعن���ا اللج���وء �إىل الإجنليزي���ة جانب���اً ،ف����إن (�إن�سباي���ر) ال تعر����ض م���ا ه���و جدي���د م���ن حي���ث الأ�سا����س� .إن �أغلب املقاالت من�ش���ورة �سابق ًا بالعربية يف ن�شرتني دوريت�ي�ن للقاعدة هم���ا�( :صوت اجلهاد) و(�ص���دى اجله���اد) .فالأمر قائ���م �إذن على ترجمات ب�سيط���ة لن�صو����ص معروفة �سابق ًا من قب���ل املنا�ضلني واملتعاطف�ي�ن م���ع التنظي���م ،ن�صو�ص ه���ي �إ�ضافة �إىل ذلك من ال�سهل العث���ور عليها يف كتابات الإ�سالميني. وحت���ى املقابالت املعلنة هي �إعادة ن�شر ر�سائل تتفاوت يف قدمه���ا لزعم���اء التنظي���م .والق�ص���د يف احلقيقة ه���و جتميع املق���االت التي حتظ���ى ب�أك�ث�ر �شعبية لدى املنا�ضلني.
من قراءة التقري���ر .االعتزاز ب���دور اجلامعة �آنذاك، واالكتئ���اب لأن ه���ذه الروح اختفت بع���د 75عاماً .فال اجلامع���ة �ص���ارت جامع���ة ،وال م�صر بقي���ت كما هي. لذل���ك مل يكن غريب ًا �أن تخ���رج اجلامعة من ت�صنيف اجلامع���ات املحرتمة يف الع���امل ،و�أن تخرج م�صر من التاريخ.
ه��ل هي وثيقة طبق الأ�ص��ل �أم �أنها مزورة كما يدعي البع�ض ذلك؟ تتجدد ه���ذه املناق�شة عند كل ظهور ملعلومة جديدة �أو وثيق���ة تتعلق بالقاعدة؛ ويقدم جمع من هواة نظريات امل�ؤام���رة التف�س�ي�رات الأك�ث�ر تنوع ًا يف �سبي���ل �إظهار �أن «احلقيق���ة يف غ�ي�ر ه���ذا» .ويف هذه امل���رة بالذات، الربهان على مطابقة الوثيقة للن�ص الأ�صلي ي�أتي من التنظيم بالذات الذي �أعلن هذه املجلة وبثها على عدة منتديات. ق��د ي�صح ه��ذا ،ولكن م��ا هي الرباه�ين الأكرث ملمو�س��ة الت��ي تعر�ضه��ا عل��ى �أولئ��ك الذي��ن ي�شكون يف ذلك؟ بالت�أكي���د� ،أولئ���ك الذي���ن ي�شك���ون حتى ب�أح���داث 11
�أيلول�/سبتم�ب�ر �سي�ستم���رون يف ال�ش���ك مهم���ا تك���ن الأدل���ة والرباهني ،مبدئي ًا �أو جه�ل�اً .ولكن املخت�صني مبقدوره���م احلكم على قطع���ة من املحتوى ،من حيث الأ�سا�س كما من حيث ال�شكل ،مادامت الن�سخة الكاملة متوفرة حالي ًا على �أغلب املنتديات الإ�سالمية� .أخرياً، ف�إن القاعدة كانت �ست�صدر تكذيب ًا لو �أن هذه الن�شرة مل تكن �صادرة عنها ،كما فعلت هذا يف املا�ضي. م��اذا يعني تبنّي الإجنليزية من قبل القاعدة يف دعايتها؟ بالن�سب���ة يل ،التحول نحو الإجنليزية من قبل املنظمة الإرهابي���ة الأك�ث�ر ع���دا ًء لأم�ي�ركا يعن���ي االنت�ص���ار الثق���ايف للوالي���ات املتح���دة التي لغتها تفر����ض نف�سها عل���ى القاعدة م���ن الآن ف�صاعداً .وه���ذا يعني كذلك �أن العنا�ص���ر الأكرث واقعية ب�ي�ن منا�ضلي القاعدة هم يف حال���ة تفوّق عل���ى ال�سلفيني املتزمت�ي�ن الذين تعترب الإجنليزية بالن�سبة لهم لغة ال�شيطان الرجيم. جمل��ة (�إن�سباي��ر) عل��ى ال�شبك��ة الدولية هل العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
83
اليمن والعامل
املحــور
عني على اليمن
املراقب الإ�سرتاتيجي وم�سارات الغد اليومـة العــدد �سيا�ساتق�ضي ـ
تعترب بداية حرب ب�ين «املعتدلني» و«قدماء» الإرهابيني؟ كال ،ولك���ن يالح���ظ امل���رء بع����ض الت�ضاد ب�ي�ن «دعاة التحدي���ث املعتدل�ي�ن» و«ال�سلفي�ي�ن دع���اة الع���ودة �إىل املا�ض���ي» الذي���ن يعي�ش���ون خ���ارج ع�صره���م .مث�ل�اً ، �إحدى مق���االت املجلة ،مكتوبة من قب���ل خمتار ح�سن (ال�صفح���ات 48-45م���ن املجل���ة) حتل���ل بالتف�صيل «احلاج���ز اللغوي» وتدعو �إىل «مزيج ثقايف» (من �أجل �إجن���اح اجله���اد) .وهذا موقف ال ميك���ن ت�صوره لدى احلرا�س املُ�سِ نني ،املفتون�ي�ن ب�أ�صول الإ�سالم وخرافة النقاء. هل يق�صد بهذا القول �أن الإرهابيني «يعوملون» �أنف�سهم؟ نوع ًا ما� .إن جي ًال جديد ًا من الإرهابيني قد تكفّل ب�أمر توزيعة ورق اللعب العاملية اجلديدة ويرى نف�سه حاذق ًا فيها مبا يف ذلك دعايت���ه ،م�ستعين ًا باللغة الإجنليزية الأك�ث�ر ا�ستخدام ًا يف الع���امل� .إن هذا اجليل اجلديد، ت�شبه��� ًا بع�ص���ره ،يعترب معتد ًال جد ًا وم�ؤم���رك ثقافياً. ولكن ا�ستخدام لغة الطرف الآخر ي�ستدعي ،كي يكون �أك�ث�ر فاعلية ،الرج���وع نحو ك���وادر ،نح���و ت�شكيالت، ومعايري؛ وب�صف���ة خا�صة ،تكيّفه مع مفاهيم تفر�ضها ه���ذه اللغة ،وبالأخ����ص عندما يكون اله���دف املن�شود �إقناع املخاطب مبا يطرحه عليه. م��ا ال��ذي يجع��ل تبنّ��ي الإجنليزي��ة ي�ستتب��ع اخل�ضوع للكوادر الأجنلو�ساك�سونية؟ با�ستعم���ال الإجنليزي���ة يف دعايته���ا ،ت�سع���ى القاعدة �إىل «االلت�صاق» باهتمام جمهور من العامة الناطقني بالإجنليزية و�إىل �إقناعهم باالن�ضمام للجهاد .وجراء فعله���ا هذا ،ه���ي جمربة عل���ى تكييف وجه���ة نظرها وخطابه���ا ك���ي تر�ضي ه���ذا اجلمهور .واملث���ال الأكرث نطق ًا هو عنوان املجلة ( )Inspireالذي يتطابق متام ُا م���ع الغاي���ة املن�شودة من قب���ل التنظيم وم���ع ما تعنيه ِّ�ض» ال���واردة يف الق���ر�آن (�س���ورة الأنفال: كلم���ة «حر ْ الآي���ة ،)65الت���ي تظهر عل���ى غالف املجل���ة .غري �أن الكلم���ة العربية املقابل���ة لها قد ج���اءت ب�صيغة الأمر ِّ�ض ِّ�ض» وبالأخ�ص «حر ْ وتعني على وجه التحديد « حر ْ ِّ�ض» – الذي اُ�ستبدِ ل بـ على القت���ال» .ولأن الفعل «حر ْ Inspireويقابله الفعل الفرن�سي Inspirerويق�صد به هنا (حث� ،أدع) -يقابله يف الإجنليزية « »inciteكما يف الفرن�سي���ة « »inciterوله معن���ى �سلبي (التحري�ض عل���ى الكراهي���ة .. ،الخ) ،فقد قاد ه���ذا حمرر املجلة 84
ا�سرتاتيجية
لتبنّ���ي مف���ردة �إجنليزية لها جاذبية �أك�ث�ر من �سواها لدى اجلمهور امل�ستهدف رغم عدم مطابقتها بالتمام للمعنى القر�آين. �أن��ت �أحد املخت�صني القالئ��ل الذين متكنوا من ق��راءة وحتليل ال��ـ� 67صفحة م��ن (.)Inspire كيف جرى تنظيم املجلة؟ جرى تنظيم املجلة يف عدة �أبواب ،حيث ميكن معرفة حمتوي���ات كل واحد منه���ا بالرج���وع �إىل املوجز الذي ت�ضمنت���ه ال�صفحات الث�ل�اث الأوىل م���ن املجلة التي �سبق �أن جرى بثّها ب�صورة وا�سعة ،والتي يدل عنوانها عل���ى حمتواها« :ر�سالة �إىل �شعب اليمن»« ،ر�سالة �إىل ال�شع���ب الأمريكي و�إىل م�سلمي الغ���رب»« ،كيف �إنقاذ الكوك���ب»« ،مدار�س اجله���اد» ،دليل م�ص���ور من �أجل �صن���ع قنابل مبهارة يف املن���زل (ال�صفحات ،)40-33 �شرح جه���از لت�شفري الر�سائ���ل (ال�صفحات ،)45-41 ق�صائ���د �شعر ،و�أدعي���ة .ويوجد تق���دمي ملناطق معينة (اليم���ن ،ال�صوم���ال� ،أفغان�ستان) ولبع����ض �شخو�ص القاعدة من غري بن الدن والظواهري (�أبو ب�صري� ،أبو عط���ا ،)...وموا�ضيع نقا�شية معين���ة (تزايد االرتفاع يف درج���ات حرارة اجلو ،و�صور الكاريكاتري عن النبي حممد ،النقا�ش حول النقاب والربقع). ولك��ن يب��دو �أن العولقي �شخ�صي�� ًا يحتل موقع النجم يف هذه املجلة؟ فعالً ،هن���اك تربيز لأنور العولقي ،الإمام الأمريكي- اليمن���ي اجلن�سية امل�س�ؤول ع���ن عملية جتنيد الغربيني داخل القاعدة يف �شبه اجلزي���رة العربية .فهو الأ�صل يف �إ�ص���دار هذه الن�شرة بالإجنليزية ،لأنه يرى �أنه من ال�ض���روري تكييف خط���اب القاعدة املوج���ه للجمهور الأمريك���ي .وبه���ذا اخل�صو�ص ،فهو يتبجّ ���ح بكونه قد �أح���رز بع�ض النجاح ما دام ه���و يف �أ�صل انتقال اثنني م���ن الإرهابيني بثقاف���ة �أجنلو�ساك�سوني���ة �إىل مرحلة التنفي���ذ العمل���ي :الرائد ن�ضال ح�س���ن ،مُنفِّذ جمزرة فورت هود ،والنيجريي ف���اروق عبد املطلب الذي قام باملحاولة الفا�شلة �ضد الرحلة �أم�سرتدام -ديرتويت. ه��ل تق�ص��د جمل��ة (�إن�سباي��ر) �أن مزي��د ًا م��ن االعت��داءات �سيك��ون م��ن �صن��ع �أ�شخا���ص من الواليات املتحدة الأمريكية؟ ت�سع���ى القاعدة م���ن الآن ف�صاع���د ًا لأن تجُ نِّد ب�أولوية منا�ضل�ي�ن م�ستعدي���ن لالنتق���ال نح���و التنفي���ذ وه���م على الأر����ض الأمريكية .و�إن حم���اوالت االعتداء التي ح�صلت خالل الأ�شهر الأخرية املا�ضية تهدف للربهنة عل���ى �أن خطابها يلق���ى بع�ض ال�ص���دى .فالأمريكي-
الباك�ست���اين ،في�صل �شاهزاد ،منفذ االعتداء الفا�شل �ضد تاميز �سكوير يندرج �ضمن هذا التوجه. �إن ه��ذا التزاي��د يف االعت��داءات املرتكبة من قبل �سكن��ة البلدان امل�ستهدف��ة مثل الواليات املتح��دة الأمريكي��ة ،بريطاني��ا� ،أ�سرتالي��ا �أو �أفريقي��ا الناطق��ة بالإجنليزي��ة ،ه��ل يُنب��ئ مبوجة جديدة من العنف؟ كال ،ال �أعتق���د ذلك .هذا التوجّ ه نح���و جعل الإرهاب معتمد ًا عل���ى �أ�شخا�ص �إمنا هو عالمة �ضعف التنظيم وم�ش���اكل التجنيد التي يواجهها ،بل وكذلك نزوع نحو فت���ور الهمة العملية حتى درج���ة الهواية والذي �شهدنا �أمثلة له خالل الأ�شهر الأخرية املا�ضية. �إن ر�سام��ي الكاريكات�ير الدمناركي�ين الذي��ن ر�سم��وا النبي حممد يبق��ون حمكومني باملوت. و�إن فرن�سا ،مبوقفها حول احلجاب ،مُ�شار �إليها ب�إ�صبع االته��ام يف (�إن�سباير) .هل يتوجب �أن نخ�شى ردود ًا انتقامية؟ ه���ذان املو�ضوع���ان اجلذري���ان يحت�ل�ان فع�ل�اً مكان ًا مرموق��� ًا يف جمل���ة القاع���دة .ففرن�س���ا والرئي����س �سارك���وزي منتق���دان وحمتقران .ولكن ه���ذا ينم عن منحى تخريبي �أكرث مما هو �إرهابي. كيف تف�سر هذا التطور العاملي للإرهاب؟ �إن ر�سال���ة القاع���دة ما ع���ادت تلقى قب���و ًال يف البلدان امل�سلم���ة ،كما مل تعد جتذب ال�شب���اب .فلم يعد هناك م���ن �شخ�ص ي�ؤم���ن بتن�صيب خليفة كم���ا يدعو لذلك ب���ن الدن .ومل يعد لدى التنظيم من جديد �سوى بع�ض ال�شب���اب الغربيني ،بداف���ع �سيء للمغام���رة �أو للثورة، يرمون �أنف�سهم دون مباالة يف الإرهاب العاملي .ول�سوء احل���ظ ،ومع الأزم���ة الراهنة يف النظ���ام العاملي ،ف�إن القاعدة م�ستمرة يف �أن ت�صبح ظاهرة غربية وم�شكلة �أمريكية �أكرث مما هي �إ�سالمية. كيف ترى م�ستقب��ل القاعدة؟ هل هي حقيقة حركة غدت �ضعيفة؟ نع���م ،القاع���دة ق���د �أ�صابه���ا ال�ضع���ف بو�ض���وح على ال�صعي���د الأيديولوجي والعملياتي .فاملنظمة ما عادت لديه���ا الو�سائل لتنفيذ اعت���داءات ذات وقع كبري ،وال جلمع م�شاركة من �أغلبية امل�سلمني .ولكنها تبقى اليوم نقطة ح�شد وب����ؤرة للأ�شخا�ص الأكرث تطرف ًا ولأن�صار الكف���اح امل�سلح حتى النهاي���ة� .إن م�ستقبله���ا من الآن ف�صاع���د ًا هو ب�ي�ن �أيدي �إرهابي�ي�ن منزوين ،معزولني وانتحاريني.
م�ستقبل حزب اهلل اللبناين يف بيئة مُتق ِلّبة
غ�سان العزي
الردع املخملي يف خمططات �إيران اال�سرتاتيجية
نعمة �أدخلان �أمريكا و�إيران وحديث ال�صفقة املحتملة
بوزيدي يحيى
الثابت واملتغري يف عالقات تركيا ب�إ�سرائيل
�سالم الرب�ضي
الق�ضية الفل�سطينية بني تركيا و�إيران
ماجد كيايل
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر
2010
ا�سرتاتيجية
85
املراقب اال�سرتاتيجي
جدل ال�سيا�سة واملقاومة
م�ستقبل حزب اهلل اللبناين يف بيئة مُتق ِلّبة غ�سان العزي
ghassanelezzi@gmail.com
على تقاطع ف�ضاءات ثالث ،دولية و�إقليمية ولبنانية ،ين�شط حزب اهلل كحزب �سيا�س����ي وع�سكري مقاوم .البعد الدويل يت�أت����ى من �إ�صرار الواليات املتحدة عل����ى حماربته ،وو�ضع����ه على الئحة املنظم����ات الإرهابية ،حت����ى �أن م�ساعد وزير اخلارجية ال�سابق ريت�شارد �أرميتاج قال عنه مرة �أنه �أخطر من تنظيم القاع����دة .بيد �أن احلقيق����ة املو�ضوعية تقت�ضي الق����ول �إن هذا البعد الدويل ج����رى ت�ضخيم����ه �أمريكي ًا لأ�سب����اب �إقليمية على عالق����ة بتحالف احلزب مع �إيران و�سوريا ،ون�شاطه املعادي لإ�سرائيل احلليف الأبرز للواليات املتحدة. 86
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
غ�سان العزي �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف اجلامعة اللبنانية ،بريوت.
البعد الإقليمي ال�شك �أن احلزب كان لدى والدته كرد فعل على االجتياح الإ�سرائيل���ي للبنان يف �صي���ف ،1982جمرد جماعة ديني���ة (ال�شورى) ت�ستم���د �أ�سب���اب وجودها م���ن �إيران اخلميني���ة .وقد �أعل���ن ر�سمي ًا عن ه���ذه الوالدة يف �آذار/مار�س 1984با�س���م “حزب اهلل” قبل �أن يفر�ض اجليوبوليتي���ك اللبناين �أن ينعقد حمور �إي���ران -دم�شق -حزب اهلل – حما����س ،و�أن ي�ست�أثر ه���ذا احلزب الإ�سالمي مبهم���ة مقاومة االحتالل الإ�سرائيلي .ولهذه املهم���ة بعد �إقليمي ال ينكره احلزب ،الذي حتول مع الوق���ت �إىل ذراع ع�سكرية لدم�شق املفتقدة �إىل جي�ش قادر على مواجهة �إ�سرائي���ل ،وكان وا�ضح��� ًا للجميع على ال���دوام �أن���ه �إذا تعر�ضت �سوريا لع���دوان ع�سكري �إ�سرائيلي ف�إنها قد ترد عن طريق احلزب ومن جنوب لبنان. يف ني�سان�/أبريل � 1996إثر عملية “عناقيد الغ�ضب” الإ�سرائيلية وما رافقه���ا من �صمود حلزب اهلل ،ومن جمازر �إ�سرائيلية (ومنها قتل �أكرث م���ن مئة مدين لبناين كان���وا خمتبئني يف مقر ق���وات اليونيفيل يف بلدة قان���ا) ،حتولت دم�شق �إىل حمجة للدبلوما�سي���ات الأمريكية والفرن�سية والإيراني���ة والتي �أف�ضت مفاو�ضاتها �إىل ما ب���ات يعرف با�سم “تفاهم ني�س���ان” ،الذي ي�شكل اعرتاف ًا دولي��� ًا و�إ�سرائيلي ًا � -أمريكي ًا غري مبا�شر باحلزب. �أم���ا بالن�سبة لإيران ,املُم���وّل الأول للحزب باملال وال�سالح والعتاد, فتعت�ب�ره �أثمن ورقة ا�سرتاتيجية متلكها خارج احلدود .هذا الأخري و�إن تلب�ن�ن وانخ���رط يف الف�ضاء ال�سيا�سي اللبناين من���ذ العام � ،1992إال �أن عقيدته الدينية تفر�ض عليه واجب ًا مقد�س ًا حيال اجلمهورية الإ�سالمية ال�شيعي���ة .فال�سي���د ن�ص���راهلل هو وكي���ل ال���ويل الفقيه ال�سي���د خامنئي ال�شرع���ي بح�سب هذه العقيدة ،والعالقة ب�ي�ن الرجلني مبا�شرة وال متر ب����أي ممر �آخر يف م�ؤ�س�سات الدولة الإيرانية ,وهذا م�صدر لتذمر ونقد �شديدي���ن من �أع�ل�ام �شيعة لبنانيني و�إيراني�ي�ن ال ي�ؤمنون بنظرية والية الفقي���ه .وبذلك تت�ضاف���ر الأ�سباب الديني���ة وال�سيا�سي���ة واالقت�صادية والإيديولوجية لتعقد ما بني احلزب و�إيران حتالف ًا ال انفكاك منه .ورمبا له���ذا ال�سبب ت�سعى وا�شنطن ,التي قد تُفكّ���ر يف توجيه �ضربة ع�سكرية للمفاع�ل�ات النووية الإيرانية مبا�شرة �أو عن طريق حليفها الإ�سرائيلي, يوجه �ض���د �أرا�ضي الدولة العربية �إىل جتري���د حزب اهلل من �سالحٍ قد َّ مل�ساعدة �إيران يف �ضائقتها. يف ال�ص���راع الفل�سطين���ي -الإ�سرائيلي يعترب احل���زب �أن من واجبه الإن�ساين والدين���ي م�ساعدة الفل�سطينيني الذي���ن يتعر�ضون للقتل على �أي���دي الإ�سرائيليني املدعومني �أمريكياً .ه���ذه امل�ساعدة يف �شقها املعلن تتوق���ف على الن�ص���ح والت�شجيع والإعالم ع�ب�ر قناة املن���ار الف�ضائية، والأم���وال ،وحتري���ر الأ�سرى الفل�سطينيني عندم���ا يح�صل تبادل كذلك ال���ذي مت يف الع���ام ( 2004العقيد تننباوم وجثث اجلن���ود الإ�سرائيليني الثالث���ة يف مقابل � 400أ�س�ي�ر لبناين وعربي وفل�سطين���ي)� ،أو يف العام ( 2009حتري���ر باق���ي ال�سجن���اء اللبناني�ي�ن يف مقابل جثت���ي اجلنديني الإ�سرائيلي�ي�ن املقتول�ي�ن يف عملي���ة متوز/يولي���و .)2006لك���ن احلزب ينفي االنخراط يف عملي���ات ع�سكرية مبا�شرة يف الأرا�ضي املحتلة ,كما
تتهم���ه �إ�سرائي���ل ,لأن الفل�سطينيني لي�سوا بحاج���ة �إىل رجال كما �أعلن ن�ص���راهلل مراراً .ويعترب هذا الأخ�ي�ر �أن لبنان معني مبا�شرة بال�صراع يف فل�سطني؛ لي����س فقط ب�سبب �أرا�ضيه املحتل���ة (�شبعا ومرتفعات كفر �شوبا) ،ولك���ن �أي�ض ًا ب�سبب وجود حوايل � 350ألف الجئ فل�سطيني على �أرا�ضي���ه ينكر عليهم الإ�سرائيليون والأمريكيون حق العودة �إىل ديارهم مبوجب قرار الأمم املتحدة رقم .194 واملع���روف �أن القرار 1559يُطالب بنزع �سالح املخيمات الفل�سطينية بالإ�ضاف���ة �إىل �س�ل�اح حزب اهلل .هذا الأخري يتوج����س من هذا القرار، وينظ���ر �إليه كم�ؤام���رة على اللبناني�ي�ن والفل�سطينيني مع��� ًا عرب توطني ه����ؤالء يف لبن���ان العاجز عن ا�ستيعابهم .من هن���ا ،ي�أتي اعتبار احلزب للق���رار املذكور خدمة تقدمها وا�شنط���ن لإ�سرائيل على ح�ساب التوازن اله����ش ,الأمر الذي قد يق���ود� ,إن ح�صل� ,إىل فدرلة اللبن���اين الطائفي ّ لبنان �أو تق�سيمه. حزب اهلل يف احلقيقة حالة فريدة مل تلحظها الكرا�سات الأكادميية التي تدر�س الأحزاب ال�سيا�سية يف اجلامعات .فهو حزب �سيا�سي لكن ال ي�سعى �إىل ال�سلطة كما ه���و مفرت�ض يف الأحزاب ال�سيا�سية� ,إذ �أنه َقبِل عل���ى الدوام بتمثيل برملاين �أقل بكثري من �شعبيته املعروفة ،ومل ي�شارك يف احلكومات اللبناني���ة املتعاقبة قبل العام .2005وهو �إذ قرر الدخول يف الندوة الربملاني���ة انطالق ًا من االنتخابات الت�شريعية يف العام 1992 فلك���ي ي�ضغط من داخ���ل الرتكيبة اللبنانية يف اجت���اه �شرعنة املقاومة، وك���ي يعطي لنف�سه �صفة احلزب اللبناين بع���د �أن كان مو�سوم ًا بالتبعية لإي���ران .وكما عبرّ �أمينه الع���ام ح�سن ن�صراهلل يف غ�ي�ر منا�سبة ،ف�إنه ي�سعى �إىل تقدمي الت�ضحيات ولي�س انتزاع املكا�سب. جمي���ع �أبن���اء نواب احل���زب هم مقاتل���ون يف اجلبهة �ض���د �إ�سرائيل، حي���ث فق���د ح�سن ن�صراهلل ول���ده هادي يف عام ,1997وم���ا يزال ولده الثاين ج���واد يف اجلبهة نف�سها �إىل اليوم .هذا بالإ�ضافة �إىل اخلدمات االجتماعية التي يقدمها احل���زب �إىل املحرومني من الطائفة ال�شيعية، وابتع���اده ع���ن الف�ساد ال���ذي ع�صف بالطبق���ة ال�سيا�سي���ة اللبنانية ,ما �أك�سب���ه م�صداقية كب�ي�رة لدى الطائف���ة ال�شيعية ومعظم ال���ر�أي العام اللبناين ,الأم���ر الذي يجعل من جتريده من ال�سالح من دون �أي مقابل مهم���ة لن تتحقق بال�سهولة الن�سبية التي حتقق فيها االن�سحاب ال�سوري من لبنان .ففي �سوريا �سلطة �سيا�سية ميكن ال�ضغط عليها وحما�صرتها دولي ًا ب�شت���ى الطرق الدبلوما�سي���ة واالقت�صادية وحت���ى الع�سكرية� ,أما احل���زب فتنطب���ق عليه معايري ح���ركات حروب الع�صاب���ات التي برهن التاري���خ عن عجز اجليو�ش النظامية وال���دول عن الق�ضاء عليها بالقوة والإك���راه .من هنا ،ف�إن ال�ضغ���وط تمُ ارَ�س على ال�شعب اللبناين ونظامه ال�سيا�سي النا�شئ ع���ن االنتخابات كي ال يعود احلزب “مثل ال�سمكة يف املاء” بح�سب تعبري ماو ت�سي تونغ ال�شهري ,ويفتقد عندها �إىل العنا�صر ال�ضرورية ال�ستمراره كحزب مقاوم مثل ال�شرعية واملالذ الآمن والدعم ال�شعبي والغطاء الر�سمي. وي�ستند احلزب يف دفاعه عن نف�سه على منطق يقتنع به ق�سم كبري العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
87
املراقب اال�سرتاتيجي م���ن الر�أي العام اللبن���اين داخل الطائفة ال�شيعي���ة وخارجها .فاجلي�ش للجمهوري���ة (كان لبنان من دون رئي�س من���ذ انتهاء والية الرئي�س حلود اللبن���اين ،كما هو معروف� ،أعجز من الدفاع عن البلد يف وجه �إ�سرائيل يف ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر ،)2007وت�شكيل حكوم���ة وحدة وطنية (مل الت���ي لها �أطم���اع معروف���ة يف مياهه ،والت���ي نفّذت يف حقّ���ه اعتداءات تك���ن املعار�ضة تعرتف ب�شرعية حكومة الرئي�س ال�سنيورة) قبل انتخاب ع�سكرية متكررة منذ ال�ستيني���ات ( 1965و )1969يف القرن املن�صرم ،برملان جديد (كان الربملان مقف ًال ب�سبب اخلالفات امل�ستحكمة) .وهذا م���رور ًا باجتي���اح العام 1978ث���م 1982دون ن�سيان اعت���داءات الأعوام ما ح�صل بعد الدوحة مبا�شرة. 1993و 1996و 1998واملج���ازر التي قامت بها طيلة هذه ال�سنني ،والتي عل���ى �صعيد �آخر ،كانت وزيرة اخلارجية الأمريكية كوندوليزا راي�س, يرب���و جمموع �ضحاياه���ا على ع�شرات الآالف من املدني�ي�ن .ولعل القوة مبنا�سب���ة الع���دوان الإ�سرائيل���ي يف متوز/يولي���و 2006رد ًا عل���ى عملية الردعي���ة حلزب اهلل املتمثل���ة ب�صواريخه و قوات���ه املنت�شرة يف اجلنوب ح���زب اهلل “الوعد ال�ص���ادق” ،التي انتهت ب�أ�س���ر جنديني �إ�سرائيليني اللبناين هي التي ردعت �إ�سرائي���ل عن تنفيذ تهديداتها رغم ا�سرتجاع بع���د قتل ثماني���ة وجرح عدد �آخر ,ق���د �أعلنت �أن “�ش���رق �أو�سط جديد لبنان ملياه نبع الوزاين يف العام ,2000كما يفاخر م�س�ؤولو احلزب. يول���د من رح���م املعاناة اللبناني���ة” .لقد �سعت وا�شنط���ن �إىل ت�أمني كل عل���ى �صعي���د �آخر ،يفتخر احل���زب �أن �سالحه مل يوج���ه يوم ًا �إىل �أي الغطاء املمكن للعدوان الإ�سرائيلي كي ينجز مهمته يف نزع �سالح حزب ط���رف داخلي ب���ل كان على ال���دوام مكر�سا للدفاع ع���ن البلد .وعندما اهلل �أو عل���ى الأق���ل توفري ظ���روف مثل هذا النزع .لك���ن حرب “ال�شرق ان�سحبت القوات الإ�سرائيلية على حني غرة ,يف �أيار/مايو ,2000تاركة الأو�سط اجلدي���د” غري املت�ساوق���ة �أو الالمتماثل���ة Assymetric War عمالئه���ا من جماعة �أنطوان حلد دون غط���اء �أو حماية مل يقُم احلزب انته���ت م���ن دون منت�صر ومه���زوم .ح���زب اهلل اعترب �أنه حق���ق ن�صر ًا بعملي���ات انتقامي���ة من ه����ؤالء كم���ا كان يتوج����س البع�ض .لق���د ا�ستلم “ا�سرتاتيجي ًا وتاريخي ًا و�إلهياً”� ،إذ �أثبت �أن �إ�سرائيل ميكن �أن تمُ َّ�س وب�شدة ،كما ميك���ن منعها من حتقيق �أهدافها .لكن الق�ض���اء اللبناين ملفات ه����ؤالء ،و�صدرت ب�أحقهم خ�صوم���ه اعتربوا �أن مغامرت���ه غري املح�سوبة كلفت �أحكام مل تكن قا�سية على الإطالق .ومتكّن احلزب حزب اهلل حالة فريدة مل تلحظها الكرا�سات البل���د املنه���ك اقت�ص���اده �أكرث م���ن 12ملي���ار دوالر من ملء الف���راغ الأمني يف املنطق���ة احلدودية من الأكادميية التي تدر�س ومئات القتل���ى و�آالف اجلرحى واملعوقني .وبعد �أيام دون ح���وادث تذكر .لذل���ك يت�س���اءل القيّمون على يف ال�سيا�سية أحزاب ل ا قليل���ة على توقف العملي���ات احلربية مبوجب القرار احل���زب :ملاذا ي���ود بع����ض اللبناني�ي�ن جتريده من حزب فهو اجلامعات. ،1701ويف حني راحت احلكومة الإ�سرائيلية تنهمك ال�س�ل�اح ال���ذي مل ولن يوج���ه �ضده���م يف يوم من �سيا�سي لكن ال ي�سعى �إىل يف م�س���اءالت وحتقيقات حول ما جرى ،وكيف وملاذا الأيام .بيد �أن ه�ؤالء يعتربون �أن وجود هذا ال�سالح ال�سلطة كما هو مفرت�ض الف�ش���ل يف احلرب� ,شرع ح���زب اهلل يف �شن “حرب يتنافى و�سي���ادة الدولة اللبنانية ،و�أن���ه ال يجوز �أن يف الأحزاب ال�سيا�سية, ا�ستباقي���ة” على احلكوم���ة اللبناني���ة املدعومة من يحمل ق�س���م من اللبنانيني ال�س�ل�اح الذي يجب �أن �إذ �أنه قَ بِل على الدوام بتمثيل برملاين �أقل بكثري وا�شنط���ن ملنعها م���ن البناء على الق���رار املذكور يف تنح�صر مهمة امتالكه بال�سلطات الأمنية الر�سمية من �شعبيته املعروفة، �سيا�ساته���ا وقراراته���ا امل�صريي���ة .انته���ز احل���زب وحده���ا .وال�شك �أن هناك اعتبارات طائفية كامنة احلكومات يف ي�شارك ومل حلظة تخبط امل�شروع الأمريكي يف العراق واملنطقة يف هذا اجلدل. املتعاقبة اللبنانية ب�ش���كل عام ،وانتعا�ش امل�شروع املناه�ض له .وقد �أتى لكن ح�صل تغ�ي�ر وا�ضح يف هذا املجال يف �أيار/ قبل العام 2005 مو�ض���وع املحكم���ة ذات الطاب���ع ال���دويل ,املرفو�ض مايو .2008ففي بداية هذا ال�شهر اتخذت احلكومة �سوري���اً ,مبثابة ال�صاعق الذي فجّ ���ر الأزمة التي ما اللبناني���ة ق���رارات منه���ا �إحال���ة مل���ف االت�صاالت ال�سلكية التي ي�سيطر عليها احلزب �إىل الق�ضاء اللبناين .اعتربت قيادة تزال �إىل اليوم. احل���زب �أن احلكومة ت�سعى لتجريدها م���ن ال�سالح الأم�ضى الذي وقف الق���رار 1701لي�س من ذلك الن���وع الذي يحول دون جتدد احلرب يف يف وج���ه الع���دوان الإ�سرائيلي يف متوز/يولي���و ،2006والذي ي�شكل �أحد اجلن���وب اللبن���اين يف ظرف من الظروف ،وذل���ك لأ�سباب عديدة ت�شي مكام���ن قوة احلزب الرئي�سي���ة .ويف الثامن من ال�شه���ر املذكور (�أيار /به���ا �صيغت���ه الغام�ضة التي جتمع الكثري مم���ا ورد يف القرارات الدولية ماي���و ،)2008قام���ت ق���وات املعار�ض���ة املدعوم���ة من احل���زب بهجوم ال�س���ت والع�شرين املتعلقة بلبنان منذ العام ،)425( 1978وال�سيما منذ ع�سك���ري انتهى بال�سيطرة على مكاتب �أح���زاب املواالة ،وجتريدها من الق���رار .1559وه���ذا ما يجعل من���ه ن�ص ًا عاجز ًا عن تق���دمي حل نهائي ال�س�ل�اح قبل ت�سليمه���ا �إىل اجلي�ش اللبناين� .أن�ص���ار احلكومة اعتربوا للأزم���ة بني لبنان و�إ�سرائي���ل ،ويبدو وك�أنه مقدمة لق���رارات م�ستقبلية ذل���ك �إهانة كربى ودلي�ل�اً قاطع ًا على �أن �سالح ح���زب اهلل �أخذ يتوجه تكمله �أو تو�ضحه. �إىل الداخ���ل ,يف ح�ي�ن �أن ال�سي���د ح�سن ن�صراهلل اعت�ب�ر �أن الثامن من �إ�سرائي���ل ما ت���زال تخرتق الأج���واء وتنتهك ال�سي���ادة اللبنانية ،كما �أيار/مايو هو “يوم جميد” ،لأنه و�ضع ح ّد ًا لأزمة كان حلها م�ستع�صياً .تهدد بالع���ودة جمدد ًا �إىل احلرب حاملا ت�ستكم���ل اال�ستعدادات لها ,ما ف�إث���ر العملي���ة الع�سكرية حترك���ت الق���وى الإقليمية ودع���ت �إىل م�ؤمتر يعن���ي �أنها ال تنظ���ر �إىل الق���رار 1701ككابح ملا ميكن �أن تق���رر �إتباعه انعق���د يف الدوحة ،و�أف�ضى �إىل اتفاق بني اللبنانيني على انتخاب رئي�س م���ن ا�سرتاتيجي���ة يف اجلنوب اللبن���اين .ويف االنتظار ،يتي���ح لها انت�شار 88
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
انخ��راط ح��زب اهلل يف ال�سيا�س��ة وحده��ا م��ن دون املقاوم��ة ،يفقده الكث�ير من الق��وة ب�سبب عقيدت��ه الدينية والفقهي��ة التي ال حتظى ب�إجماع الطائف��ة (ال�شيعية) ،والتي هي نف�سها لي�ست �إال �أقلية من �أقليات دينية يت�ألف منها املجتمع اللبناين املتنوع اليونيفي���ل هدوء ًا على اجلبه���ة ال�شمالية طاملا تطلع���ت �إليه .من جهته، ف����إن ح���زب اهلل ,رغ���م كل االنتق���ادات العنيف���ة الت���ي وجهه���ا وحلفا�ؤه ال�سوريون والإيرانيون للقرار “الظامل” و”الغا�شم” و”املتحيز للعدوان الإ�سرائيلي” ,ف�إنه يُثابِر على احرتامه وعدم ت�سجيل �أي خرق له ال�سيما و�أن الق���رار ال يقف عملي ًا يف طريق �إع���ادة بناء تر�سانة حزب اهلل الذي �أعلن �أمينه العام يف غري منا�سبة �أنه بات ميلك من ال�صواريخ والأ�سلحة �أكرث مما كان ميلكه قبل احلرب. ويف �أو�ساط الر�أي العام اللبناين ,كذلك العربي عموماً ,ت�سود القناعة �أن كل م���ا ُيه���م وا�شنطن هو امل�صلح���ة الإ�سرائيلية ،و�أم���ا الدميقراطية وال�سالم فلي�ست �سوى ذرائع وعمليات جتميل ل�سيا�سات متحيزة وظاملة. وي�ستم���د حزب اهلل من انت�شار هذه القناعة دعم ًا �شعبي ًا وا�سع ًا يف لبنان واملحي���ط العربي والإ�سالمي .و�أم���ام ال�ضغوط الهائلة التي متار�س عليه فهوال ميلك �إال �أحد اخليارين التاليني: الذه���اب يف االجت���اه الت�صعي���دي ،ع�ب�ر رف�ض البح���ث يف م�ستقبلال�سالح وتخوين كل من يطالبه بذلك .وهذا اخليار يفتح على احتمالني: �إم���ا الذهاب يف املواجهة �إىل ذروتها ،ما يحمل خماطر فو�ضى قد تودي ب���ه �إىل م���ا ي�شبه االنتحار ال�سيا�سي .وقد بره���ن احلزب مرار ًا عن فهم دقيق للظروف والتحوالت وقدرة على التكيف معها ,ما يجعل هذا اخليار م�ستبع���د ًا يف غال���ب الظ���ن .االحتمال الثاين هو ذه���اب احلزب يف هذا االجت���اه الت�صعيدي ،لكن مع ترك املج���ال مفتوح ًا �أمام ت�سوية �إيرانية -
�أمريكية رمبا تطال كل امللفات العالقة ومنها امللف اللبناين. االنخراط يف ت�سوي���ة داخلية تبد�أ مبوافقة اجلميع يف لبنان على �أنم�ستقب���ل احلزب �ش�أن لبناين داخلي يبحث���ه اللبنانيون يف ما بينهم من دون تدخ���ل خارجي .وهناك حل���ول مطروحة يف هذا ال�ش�أن منها ت�شكيل كتيب���ة مقاوم���ة مُلحقة باجلي����ش اللبناين� ،أو �إدم���اج عنا�صر احلزب يف ه���ذا اجلي�ش كما ح�صل يف ال�سابق لعنا�ص���ر امليلي�شيات ,وحلول �أخرى. امله���م بالن�سب���ة للحزب �إيج���اد ال�ضمانة الآيلة �إىل عدم ع���ودة �إ�سرائيل �إىل ا�ست�ضع���اف لبن���ان وا�ستباحة �أرا�ضيه بذريع���ة �أو ب�أخرى .والبد من الإ�ش���ارة �إىل �أن انخراط احل���زب يف ال�سيا�سة وحدها من دون املقاومة، يفق���ده الكثري من القوة ب�سبب عقيدته الديني���ة والفقهية التي ال حتظى ب�إجماع الطائفة (ال�شيعية) ،والتي هي نف�سها لي�ست �إال �أقلية من �أقليات دينية يت�ألف منها املجتمع اللبناين املتنوع. �إيران ومفهوم «احلرب اللينة» ويف االنتظ���ار ،يبق���ى لبن���ان �ساحة التايل بقلم :نعمة �أدخلان ت�صفية حل�سابات �إقليمية ودولية وهدف ًا لإ�سرائي���ل ال�ساعي���ة �إىل ا�س�ت�رداد هيبتها الردعي���ة التي تعر�ضت ل�ضرب���ة قا�صمة يف العام�ي�ن 2000و .2006ويف ه���ذه الأيام يتوج�س اللبنانيون �شر ًا مم���ا ينتظرهم عقب �صدور القرار الظنّ���ي للمحكمة الدولي���ة ،واملتوقع يف اخلريف املقب���ل الذي �أعلن غري م�س�ؤول عربي ودويل توقعاته ب�أنه �سيكون �شديد التوتر وال�سخونة. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
89
املراقب اال�سرتاتيجي
الردع املخملي
�إيران تدمج مفهوم «احلرب اللينة» فـي خمططاتها اال�سرتاتيجية
يف ت�صريح �صحفي مهم للرد عل���ى الفو�ضى التي �أعقبت االنتخابات الرئا�سية يف حزيران/يوني���و ،2009قدم اللواء حممد علي جعفري، قائ���د فيلق احلر�س الثوري الإيراين ،خط���ة ع�سكرية �إ�سرتاتيجية يف �آب�/أغ�سط����س 2009ملواجه���ة ما و�صفه بجه���ود “العدو” التي تبذل للإطاح���ة بنظام اجلمهوري���ة الإ�سالمي���ة (وكالة �أنب���اء اجلمهورية الإ�سالمية “�إيرنا” � IRNA، 29آب�/أغ�سط�س .)2009ويف قائمة من ع�ش���ر نقاط� ،أ�شار جعفري �إىل الإجراءات املزمع �أن تعالج “التهديد الل�ّيّ” الذي ح���دده ب�أنه اله���دف الرئي�س���ي لفيلق احلر����س الثوري باعتبارهم حُ مَاة الث���ورة (“�إيرنا”� 29 ،آب�/أغ�سط�س .)2009وبعد ذلك بب�ضعة �أيام ،حتديد ًا يف � 1أيلول�/سبتمرب � ،2009أ�ضاف العميد الركن �أحمد فهيدي ،الرئي����س ال�سابق لقوات القد�س (وحدة خا�صة �ضم���ن فيلق احلر�س الثوري) ،ووزير الدفاع احلايل يف �إدارة �أحمدي جناد� ،إىل ت�صريح جعفري ،قائالً“ :با�ستخدام القوة اللينة ن�ستطيع حماي���ة اجلمهورية الإ�سالمية ،من خالل من���ع التهديدات اخلارجية ومقاومتها” (“�إيرنا”� 1 ،أيلول�/سبتمرب .)2009 يقوم احلر�س الثوري بتقدمي التقارير لوزارة الدفاع والقوات امل�سلحة الإيراني���ة ،وق���د زادت كثري ًا خطاباتها بخ�صو����ص احلرب اللينة من خ�ل�ال �سل�سلة البيان���ات الر�سمية الت���ي �صدرت من���ذ �آب�/أغ�سط�س ،2009حي���ث تُب�ي�ن هذه البيان���ات �أن طه���ران تنظر �إىل ه���ذا النوع البدي���ل للحرب على �أنه �سل�سلة من الإجراءات العدائية هدفها تغيري الهوي���ة الثقافية والإ�سالمية للمجتمع الإي���راين ،بطريقة �ست�ؤدي �إىل تقليل �شرعي���ة اجلمهورية الإ�سالمي���ة (“�إيرن ��ا”� 1 ،أيلول�/سبتمرب .)2009وم���ع �أنه���ا ع���اد ًة ي�صاحبها تهدي���د با�ستخ���دام الإجراءات الع�سكرية� ،إال �أن احل���رب اللينة قد ت�ؤثر يف كل اجلوانب االجتماعية لأي نظام �سيا�سي ،وقد تت�ضم���ن يف طياتها ظاهرة “الغزو الثقايف” و”العملي���ات ال�سيكولوجي���ة” لكي تزرع بذور “اخل�ل�اف” يف البالد (قن���اة “بر����س ت���ي يف” ،ت�شري���ن الأول�/أكتوبر ( 2009وكال���ة �أنباء الطلب���ة الإيراني���ة “�إي�سنا” � ISNA ، 31آذار/مار����س؛ وانظر تقرير “مراقبة الإرهاب” 22 ،ني�سان�/أبريل).
(يف ال�ساب���ع م���ن حزيران/يونيو املا�ضي) ،ق���ال املتحدث با�سم وزارة اخلارجية الإيراني���ة �أن هناك “بلدان معينة” ت�ش���ن “حرب ًا لينة” عل���ى �إيران ينبغي مواجهتها من خ�ل�ال تر�سيخ العالقات الوثيقة م���ع الأمم الأخرى (�صحيفة “طه���ران تامي���ز” الإيراني���ة 8 ،حزيران/يوني���و) .لقد بات مفهوم “احل���رب اللينة” ب�سرعة ج���زء ًا ال يتجز�أ من خمطط���ات الدفاع الإ�سرتاتيجية الإيرانية ،وهو ما يدعون���ا �إىل درا�سة ر�ؤية �إيران لهذا النمط ،وكيف تخطط للرد على “التهديد اللني” وامللحوظ.
وم���ع �أن هذا امل�صطلح ق���د يكون جديداً� ،إال �أنه���ا لي�ست املرة الأوىل الت���ي ترى فيه���ا �إي���ران �أن هذا النوع م���ن احلرب يعد خط���ر ًا كبري ًا يهدد نظ���ام احلكم .فمنذ قي���ام اجلمهورية الإ�سالمي���ة عام ،1979 وه���ي تُ�صنّ���ف عنا�ص���ر املعار�ضة يف الداخ���ل ب�أنه���م وكالء للواليات املتحدة وحلفائها ،ويعملون على �إ�ضعاف النظام ال�سيا�سي يف البالد. كما كان���ت االنتخابات الرئا�سي���ة عام ،1997التي ف���از فيها املر�شح الإ�صالحي حممد خامتي ،مبثابة م�سوغ ًا جديد ًا للمت�شددين لريفعوا، مب�ساعدة ا�ستخبارية ع�سكرية ،م�ستوى الإجراءات التي يتم اتخاذها ملواجه���ة التهديدات اللين���ة ،والتي ت�ضمنت بذل اجله���ود للدفاع عن �أن�شط���ة احلر����س الث���وري ال�سيا�سية �أم���ام االنتق���ادات الإ�صالحية. وعندم���ا حتدّت االنتفا�ض���ة الطالبية ع���ام 1999القب�ضة احلديدية الت���ي فر�ضها نظام احلك���م على ال�صحاف���ة وعملي���ات ال�سجن التي تعر�ض لها العديد من الإ�صالحيني� ،أ�صبح احلديث عن االنقالب هو ديدن و�سائل الإعالم التابعة للمت�شددين. وق���د زادت خماوف طهران من احتمال التعر�ض للغزو الع�سكري بعد غزو العراق عام 2003بقيادة الواليات املتحدة ،ومل يفعل تقدمي مبلغ 75مليون دوالر من وزارة الداخلية الأمريكية لدعم الدميقراطية يف �إيران �أي �شي �سوى تعميق املخاوف الإيرانية من �أن الدعم اخلارجي ه���و من �أجل تغيري النظ���ام .وعلى غرار ذل���ك� ،أو�ضحت االعتقاالت الت���ي قام���ت به���ا �إي���ران يف عام���ي 2006و 2007لع���دد م���ن العلماء املرتبطني بالغرب ،من �أمثال رامني جاهان باغلو وحليم �إ�سفاندياري بتهم���ة م�ساع���دة �أم�ي�ركا من خالل عالقته���م مب�ؤ�س�س���ات فكرية يف العا�صم���ة وا�شنطن ومنظمات حق���وق الإن�سان ،الت�صوّر اجلديد لدى نظام احلكم الإيراين بخ�صو�ص احتمال ح�صول هجوم �أمريكي على �إيران ،وهي حملة و�صفته���ا �إيران ب�أنها تتبع منط “الثورة املخملية” يف ت�شيكو�سلوفاكي���ا ع���ام ( 1989خدمة �إي���ران ال�صحفية 5 ،متوز/ يوليو 2006؛ قناة “بر�س تي يف”� ،آب�/أغ�سط�س .)2009
نعمة �أدخلان
90
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
نعمة �أدخلان حملل م�ستقل يف الق�ضايا الأمنية ،مقيم يف نيويورك.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
91
املراقب اال�سرتاتيجي �إن� .إن” الأمريكي���ة وقن���اة “بي .بي� .س���ي” الربيطانية .ويف ت�شرين الثاين/نوفمرب � 2009أعلن فيلق احلر�س الثوري �آخر خطة له لإن�شاء وكالة �إخباري���ة جديدة حتت م�سمى “�أطل�س” متاثل وكاالت �إخبارية دولية كاجلزيرة (“فار�س نيوز” 16 ،ت�شرين الثاين/نوفمرب .)2009 ويف �أعق���اب ذلك بفرتة وجيزة �أعلن وزي���ر الدفاع �أحمد وحيدي عن تد�شني قم���ر �صناعي جديد �إيراين الت�صميم ويدعى “تولو” ،والذي �سيو�سّ ع نط���اق قدرات و�سائل الإعالم الإيراني���ة �إىل جانب القدرات الع�سكرية (قناة “بر�س تي يف” 29 ،كانون الأول/دي�سمرب .)2009 كم���ا �أ�شار قائد احلر�س الثوري الأ�سبق يحيى رحيم �صفوي ،يف �شهر �آذار/مار����س� ،إىل �أن عل���ى �إيران زي���ادة عدد �شبكاته���ا التلفزيونية الف�ضائي���ة الت���ي تعمل على م���دار ال�ساعة ،حتى تتمك���ن من مواجهة “احلرب اللينة التي ي�شنّها الأعداء” ،معلناً�“ :أن بو�سعنا �ص ّد الهجمة الثقافي���ة ال�شر�س���ة الت���ي ي�شنّها الع���دو ،وذلك عن طري���ق ا�ستخدام ثقافتنا اخلا�صة بنا” (قناة “بر�س تي يف”� 8 ،آذار/مار�س).
رفع م�ستوى احلرب اللينة �إىل امل�ستويات العملية
ما يجع���ل �أ�سلوب اللهج���ة الإيراني���ة الأخرية خمتلف ًا ع���ن الأ�ساليب ال�سابق���ة هو �أن مفهوم احلرب اللينة قد �أ�صبح �إىل حد كبري مفهوم ًا يُطبّق على م�ستوى م�ؤ�س�سي� .إذ �أن�ش�أت وزارة الدفاع والقوات امل�سلحة الإيراني���ة ،بح�سب قول العميد الركن �سعي���د م�سعود ،وحدة ع�سكرية خا�صة ت�سمى “وحدة احلرب اللين���ة” (،)Setad-e Jang-e Narm وه���ي الت���ي �ست�صبح جاهزة للعم���ل بحلول ع���ام �“( 2011إيرنا”3 ، �آذار/مار����س .)2010وتعترب هذه الوح���دة – التي معظم عنا�صرها م���ن ملي�شي���ات الدول���ة التابع���ة لفيل���ق احلر����س الث���وري – م�سئولة عل���ى العمليات اللين���ة ،كعمليات ب���ث الدعاية والن�شاط���ات الثقافية و”العمليات ال�سيكولوجية” (قناة “بر�س تي يف”� 16 ،آب�/أغ�سط�س 2009؛ “�إيرنا” 2 ،كانون الثاين/يناير .)2009والهدف الوا�ضح من �إن�شاء ه���ذه الوحدة هو �إرباك -وبالتايل �إحب���اط -الهجمات اللينة املُنظّ م���ة م���ن اخل���ارج .ويف �أيار/مايو �أق��� ّر جمل�س الن���واب الإيراين م�شروع قانون يخ�ص�ص مبلغ ًا وقدره 100مليون دوالر لإنتاج الربامج اللين���ة ،وقد مت ادخار بع�ض هذا املبلغ ملجل�س التطوير الثقايف الأعلى ُنا�ص���رة للحكومة لكي يق���وم ب�إنتاج الأعم���ال الفني���ة وال�سينمائية امل ِ (قن���اة “بر�س تي يف”� 6 ،أيلول�/سبتمرب 2009؛ �إيالف� 5 ،أيار/مايو .)2009وبالت���ايل ،فق���د مت منح املجال����س املحلية يف �أرج���اء البالد “ميزانية ثقافية” لإقامة “حمالت احلرب اللينة” املُزمَ ع انطالقها عملي ًا يف مطل���ع �أيار/مايو �( 2010إيالف� 5 ،أيار/مايو ،)2009غري �أن عمل وهيكل هذه احلمالت ما زال غري وا�ضح وحمدد .ويف �أواخر ع���ام � 2010سيتم حتديد م�ؤمترات وبرام���ج توعوية لتقدمي التحاليل واملعلوم���ات عن كي���ف ي�ستطيع نظام احلكم بفعالي���ة تطوير �أن�شطته املتعلق���ة باحل���رب اللين���ة و�إدراجه���ا يف الإط���ار الثق���ايف والتعليم���ي (“�إيرنا”� 6 ،آذار/مار�س .)2009
تكتيكات احلرب الليّنة� :إجراءات دفاعية
فيم���ا يتعل���ق باتخاذ الإج���راءات الوقائية ،تق���وم الأن�شطة احلكومية ب�سل�سل���ة من التكتيكات الدفاعية اللينة .حيث تركز �أ�سا�س ًا على ن�شر �أيديولوجي���ة الدول���ة يف كل مفا�ص���ل امل�ؤ�س�سات العمومي���ة والثقافية املتع���ددة .وكون �أهم معارك احلرب اللينة تق���ع يف امليدان التعليمي، ف�إن هناك حماولة تعمل على توعية ال�شباب ب�أهداف الثورة الإيرانية (�صحيف���ة “بيفان���د”� 6 ،أيلول�/سبتم�ب�ر .)2009وه���ذا الن���وع من م�أ�س�س���ة مراك���ز البا�سيج املتع���ددة على م�ستوى املدار����س االبتدائية يُذكرن���ا باملراحل الأولية للث���ورة يف الثمانينيات م���ن القرن املا�ضي، عندما �سع���ت اجلمهورية الإ�سالمية حديثة العه���د �آنذاك �إىل غر�س الأيديولوجية اجلدي���دة يف عقول فئة ال�شباب (�صحيفة “كيهان”5 ، ت�شرين الأول�/أكتوبر .)2009وب�أ�ساليب متعددة ميكن و�صف انطالق احلم�ل�ات الأيديولوجية اجلدي���دة على �أنها “ث���ورة ثقافية” ،ت�شمل 92
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
تكتيكات احلرب اللينة� :إجراءات هجومية
�إذا م��ا جنح��ت عملي��ة الرتوي��ج التي تق��وم بها �إي��ران لتعزي��ز �صورته��ا ،ف�إنه��ا �ستمث��ل م�شكلة للأم��ن الإقليم��ي ،وذل��ك لأن الكثري م��ن الدول املج��اورة ،خا�صة اخلليجية منه��ا� ،ست�سعى �إىل تطوي��ر قدراته��ا الع�سكري��ة ك��ردة فع��ل ،وهو م��ا ميه��د الطري��ق نحو ع�ص��ر جديد م��ن �سباق الت�سلح �إ�ش���راك الفنانني واملثقف�ي�ن وال�شعراء لال�ستفادة منه���م باعتبارهم وكالء “احلقيق���ة” القادري���ن على “ن�شر” (�أو ب���ث) تلك الأهداف م���ن خالل و�سائ���ل ثقافية (قن���اة “بر�س ت���ي يف”� 6 ،أيلول�/سبتمرب .)2009 كما متثل و�سائل الإعالم �إحدى ميادين معارك احلرب اللينة الأخرى، وخا�ص���ة ا�ستخدام القن���وات الإخبارية العاملي���ة كو�سيلة لتغيري م�سار ال���ر�أي العاملي العام يف �صال���ح اجلمهورية الإ�سالمي���ة .والهدف من ه���ذا هنا لي�س جمرد الرتويج لأيديولوجي���ة الدولة الر�سمية فح�سب، بل وتو�سيع نطاق و�سائل الإعالم املختلفة التي ت�ستطيع �أن “تناف�س” و”تُبطِ ل �أثر و�سائل الإعالم املناه�ضة للجمهورية الإ�سالمية” (قناة “بر�س تي يف” 19 ،ني�سان�/أبريل .)2009ويعترب انطالق قناة “بر�س تي يف” الإيرانية عام – 2007القناة الإخبارية باللغة االجنليزية التي تعم���ل على مدار ال�ساعة – مبثاب���ة اخلطوة الأوىل ل�صعود نوع جديد م���ن و�سائل الإعالم احلكومية التي تتناف����س على امل�ستوى العاملي مع القنوات العربية ال�سُ نيّة كقناة العربية والقنوات الغربية كقناة “�سي.
تتمثل اخلطوة التكتيكية الثانية التي تت�سم بها احلرب اللينة الإيرانية يف اتخاذ �إجراءات هجومي���ة� ،أهمها الإنرتنت وكيفية ا�ستخدام مثل و�سائ���ل االت�صاالت اجلديدة هذه يف �ش���كل حرب الكرتونية للحد من تدف���ق املعلومات الت���ي ت�صب يف �صال���ح الواليات املتح���دة� .إذ تنظر طه���ران �إىل املواق���ع االلكرتوني���ة االجتماعي���ة كموق���ع “في�سب���وك” ( )Facebookوموق���ع “يوتي���وب” ( )You Tubeوموق���ع “توي�ت�ر” ( )Twitterعل���ى �أنه���ا عنا�ص���ر تهديد يف �إطار احل���رب االلكرتونية التي تُ�شن عل���ى اجلمهورية الإ�سالمية ،خا�صة �إذا �أخذنا يف االعتبار الأ�سل���وب ال���ذي تنت�شر ب���ه ال�شائعات عل���ى مواقع الإنرتن���ت بق�صد “�إثارة” النزاع داخل �إيران (قناة “بر�س تي يف” 25 ،كانون الثاين/ يناير 2009؛ “�إيرنا” 1 ،ني�سان�/أبريل .)2009 و�إىل جان���ب الإج���راءات التي تتخذه���ا �إيران كردة فع���ل مثل غربلة العدي���د م���ن املواق���ع االلكرتوني���ة وحجبها ،جن���د �أن ال���رد الإيراين �أي�ض��� ًا يتّ�س���م ب���الإدارة املحف���زة للتدف���ق املعلوماتي ،وه���ذا يت�ضمن �إن�ش���اء “مراكز وطنية للمعلومات” حتد وتراق���ب �أن�شطة املعار�ضني املدعوم�ي�ن من قبل الواليات املتحدة ،ورمبا قد ت�ستخدم هذه املراكز
تو�سيع نطاق ت�أثري الدولة يف املجال االلكرتوين وو�سائ��ل الإع�لام لن�ش��ر الدعاي��ات امل�ؤي��دة للحكومة مهم جداً ،حيث يبدو �أن الهدف من ذلك يكم��ن يف تنفيذ حمالت احل��رب ال�سيكولوجية م��ن �أج��ل ت�صوي��ر الق��درات الإيراني��ة ب�صورة �أكرب مما هي عليه يف الواقع
لن�شر ال�شائعات ل�صالح نظام احلكم (�شبكة �أنباء الطلبة� 31 ،آذار/ مار�س). �إن تو�سي���ع نط���اق ت�أث�ي�ر الدول���ة يف املجال �أمريكا� -إيران: �إ�شاحة الوجه بعيد ًا االلك�ت�روين وو�سائ���ل الإع�ل�ام لن�ش���ر التايل بقلم :بوزيدي يحيى الدعايات امل�ؤيدة للحكومة مهم جداً، حي���ث يب���دو �أن الهدف م���ن ذلك يكمن يف تنفي���ذ حمالت احل���رب ال�سيكولوجية من �أج���ل ت�صوير القدرات الإيراني���ة ب�صورة �أكرب مما هي عليه يف الواقع .ويعترب معمل ت�صنيع �صواري���خ كروز يف �إي���ران خري دليل على ذلك ،وه���و امل�صنع الذي مت افتتاحه يف مطلع �شهر �آذار/مار�س وو�صفته ال�صحافة الإيرانية ب�أنه م�صنع لت�صنيع �صواريخ ك���روز حملية (“�إيرنا”� 10 ،آذار/مار�س). ويف الواق���ع �أن من ق���ام ببناء هذا امل�صنع ه���م ال�صينيون ،والت�سمية “ن�ص���ر – )Nasr-1( ”1الت���ي تطل���ق على املبنى هن���اك هي ا�سم �إيراين لل�ص���اروخ ال�صيني �سي �( 704 -صحيف���ة “طهران تاميز”، 30ني�سان�/أبري���ل) .وهذه اخلطة الدعائية ت�ستخ���دم �أي�ض ًا من قبل و�سائ���ل الإعالم الإيرانية التي تبالغ يف احلدي���ث عن قدرات القوات امل�سلح���ة الإيرانية ،عرب و�صفها للتكنولوجي���ا الع�سكرية التي متتلكها �إي���ران ب�أ�سلوب مفرط لتُعطي انطباع ًا ب�أن هناك قوة كا�سحة (�أنظر تقرير “مراقبة الإرهاب” 22 ،ني�سان�/أبريل). بح�سب حميد موالنا ،م�ست�شار اخلامتة الرئي����س �أحمدي جناد ،ف�إن الغ���رب – خا�صة الواليات املتحدة – ال يدرك مدى “البني���ة التحتية للقوة اللينة” التي متتلكها �إيران (قناة “بر�س تي يف”� 11 ،آذار/مار�س) .وهذا ي�ؤكد كيف �أن �إيران وجّ هت اهتمامه���ا ا�سرتاتيجي ًا جتاه الإجراءات اللينة لتتعامل مع �أي خماطر غ�ي�ر ع�سكرية يمُ كِ ن �أن تتعر�ض لها الدولة .كما �أن الو�ضع امل�ضطرب ال���ذي تلى االنتخابات دفع بنظام احلك���م �إىل �أن ي�شرعن �سلطته من خالل عر�ض �أن�شطة طنّانة ،من قبيل املبالغة يف قدراته الع�سكرية. ومن ع���دة نواحي ،مل تعد طهران تنظر �إىل الفنون والثقافة والتعليم على �أنها م�صدر خطر ،ولكن بو�صفها فر�صة لتعميق ت�أثري الدولة من خالل لغة الأف���كار واملعلومات (املغلوطة) واملعاجل���ات الثقافية على امل�ستوى املحلي والإقليم���ي .و�إذا ما جنحت عملية الرتويج التي تقوم به���ا �إيران لتعزي���ز �صورتها ،ف�إنه���ا �ستمثل م�شكلة للأم���ن الإقليمي، وذلك لأن الكثري من الدول املجاورة ،خا�صة اخلليجية منها� ،ست�سعى �إىل تطوي���ر قدراتها الع�سكرية ك���ردة فعل ،وهو ما ميهد الطريق نحو ع�ص���ر جديد من �سباق الت�سل���ح� .أي�ض ًا قد تت�سب���ب التكتيكات اللينة الإيراني���ة يف �إرباك الت�ص���ورات الأمريكية �إزاء الق���درات الع�سكرية الفعلية التي متتلكها �إيران وقدرتها (�أي الت�صورات الأمريكية) على تقيي���م القوة الإيرانية ب�صورة دقيق���ة .فال�صراعات اجلديدة ما هي �إال نتاج ت�شوي�ش للألفاظ والأفكار. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
93
املراقب اال�سرتاتيجي
�أق��� ّر الرئي�س الأمريكي باراك �أوبام���ا م�ؤخر ًا عقوبات �إ�ضافية �أكرث �شدّة على �إيران ،بُعيد العقوبات التي فر�ضت عليها مبوافقة رو�سيا وال�صني اللتني كانتا تعرت�ضان على ذلك يف ال�سابق ،بعدما �أ�صبح من �شبه امل�ؤكد �أن �إيران ما�ضية يف م�شروعها النووي برفعها درجة التخ�صيب �إىل ع�شرين يف املائة ،لذلك مل تجُ���دِ نفع ًا امل�ساعي الرتكي���ة والربازيلية التي تو�صلت �إىل اتفاق ثالثي لتبادل اليورانيوم قُبيل فر�ض العقوبات الدولية.
�إ�شاحة الوجه بعيداً ملاذا ما تزال �إمكانية عقد �صفقة �أمريكية – �إيرانية� ،أمر ًا م�ستبعد ًا بوزيدي يحيى
bou_yahia@hotmail.com
وبالت���وازي مع ق���رار العقوب���ات� ،أجمعت خمتلف املراك���ز البحثية على التقليل م���ن �أهمية ت�أثريها يف النظام الإيراين ،كما �أنها اتفقت عل���ى �أن احلل الع�سكري �أي�ض ًا ب�شن حرب وا�سعة �أو هجمات حمدودة �أمريكي���ة �أو �إ�سرائيلي���ة �أو م�شرتكة ت�ستهدف فق���ط املن�ش�آت النووية، �صع���ب جداً ،و�أق�صى ما ميك���ن حتقيقه هو ت�أخ�ي�ر الربنامج النووي ل�سنوات فقط ورمبا �أقل ،وذلك العتبارات جيو�سرتاتيجية وع�سكرية و�إمكانيات الرد التي متتلكها �إيران واملوقف الدويل منها� ،إ�ضافة �إىل غرق الواليات املتحدة يف امل�ستنقع الأفغاين والعراقي .من هنا ذهبت بع����ض الدرا�سات �إىل قبول �إيران نووية والبحث يف كيفية التعامل مع و�ض���ع من هذا القبيل ،خا�صة مع ن�شر تقارير �صحفية ت�ؤكد �أن �إيران عل���ى مقربة من �صنع قنبلة نووية ،كدرا�سة الباحثني جيم�س ليند�سي وراي تقية ،التي ن�شرت يف عدد ني�سان�/أبريل 2010من جملة “فورِن �أفّريز” (ال�ش�ؤون اخلارجي���ة) املرموقة ،بعنوان “بعد امتالك �إيران لقنبل���ة نووي���ة” ،ودرا�س���ة �ستيفن كين���زر التي ن�شرت يف ع���دد �آب / �أغ�سط�س 2010من جملة “�أمريكان برو�سبكت” (الأُفُق الأمريكي)،
94
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
بعنوان “مثلث القوة املقبل :ملاذا يجب �أن تكون تركيا و�إيران حليفتي الوالي���ات املتح���دة امل�ستقبليتني يف ال�ش���رق الأو�س���ط” ،وغريها من الدرا�س���ات واملق���االت ال�صحفي���ة ،الأمر ال���ذي �أث���ار هواج�س بع�ض الأو�س���اط العربي���ة من �إمكانية عق���د �صفقة �أمريكي���ة � -إيرانية على ح�ساب م�صالح العرب ،وهو ما دفع امل�سئولني الأمريكيني �إىل نفي �أي خط���وة يف هذا االجتاه لتبديد املخاوف العربية التي تربرها ال�سوابق التاريخية ك�صفقة الأ�سلحة الأمريكية الإيرانية بو�ساطة �إ�سرائيلية يف منت�صف الثمانينيات ،وم�ساع���دة �إيران الواليات املتحدة يف احتالل �أفغان�ستان والعراق التي �ص���رح بها �أكرث من م�سئول �إيراين ،والنفوذ املتعاظ���م لإي���ران يف العراق وجوالت املفاو�ضات الت���ي عقدت بينهما ح���ول الو�ضع الأمن���ي يف العراق �سابقاً .كل هذا يط���رح ت�سا�ؤالت عن �إمكاني���ة �صفقة �أمريكية – �إيرانية ،وعن العقبات التي قد حتول دون ذلك؟ و�إن حدثت ،فما هي حدودها؟ قب���ل الإجابة على هذه الت�سا�ؤالت ،جت���در بنا الإ�شارة �إىل �أن امللف النووي يبق���ى ورقة مفيدة يف يد النظام الإي���راين العتبارات داخلية بوزيدي يحيى كاتب من اجلزائر.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
95
املراقب اال�سرتاتيجي وخارجي���ة ،خا�ص ًة يف ظل الأزمة الداخلي���ة امل�ستمرة بعد االنتخابات �إ�ضافة �إىل ال�سلوك الإيراين الذي �أثار الكثري من ال�شكوك و�أدى �إىل الرئا�سي���ة ،حيث توظّ فها لل�ضغط على املعار�ض���ة ،كما كانت �إمكانية �أزم���ة ثقة مع حلفائه���ا ،و�أي هجوم �إ�سرائيل على �إي���ران (�سواء كان الو�ص���ول �إىل ح���ل دبلوما�س���ي ب�ي�ن الوالي���ات املتح���دة و�إي���ران وفق ناجح��� ًا �أو فا�شالً) �ستكون ل���ه تداعيات كبرية ت�ؤثر كثري ًا يف امل�صالح أخف الإ�سرتاتيجي���ة اجلدي���دة الت���ي ج���اء به���ا ب���اراك �أوبام���ا ال�سبب يف الرو�سي���ة وال�صيني���ة يف املنطق���ة ،وبالتايل ف�إن العقوب���ات هي � ّ ع���دم ت�أيي���د الإدارة الأمريكية للثورة اخل�ض���راء يف بداية الأزمة� ،إذ ال�ضررين. اقت�ص���رت بياناتها عل���ى �إدانة ممار�سات ال�سلط���ة �ضد املتظاهرين. ا�ستطاع���ت �إيران جت���اوز ت�أثريات العقوب���ات ال�سابقة من خالل كم���ا �أن االتف���اق الثالثي م���ع تركي���ا والربازيل تزامن م���ع االحتفال االلتف���اف عليها ب�أ�شكال خمتلف���ة ،ك�إن�شاء �شركات وهمية �أو الدخول بالذك���رى الأوىل لالنتخابات ،ووظف �إعالمي��� ًا على �أنه انت�صار على يف عمليات جتارية معقدة �أو ت�صديرها �إىل بلد ثالث وغ�سيل الأموال الغ���رب وم�ؤامرات���ه �ضد اجلمهوري���ة الإ�سالمية ،ما قل���ل من هام�ش بط���رق غ�ي�ر �شرعية .ولتاليف نف����س الأخط���اء يف العقوبات اجلديدة املناورة �أم���ام املعار�ضة التي �ألغت املظاهرات التي كان خمطط لها .اقرتحت جملة من الإجراءات التقنية والرقابية حتى تكون العقوبات وبالرغم من �أن �إيران ت�ؤكد على الطبيعة ال�سلمية لربناجمها النووي ،فعالة كلجنة الر�صد احلديثة وبرنامج للتحقق من اال�ستخدام النهائي و�أنه���ا ال تطم���ح المتالك القنبل���ة النووية من منطلق���ات دينية ،ف�إنه وغريه���ا م���ن الآليات؛ كل هذا يدلل على جدي���ة الإدارة الأمريكية يف ال ي�ستبع���د �أن يكون هذا جم���رد تكتيك وقد تُقدِ م عل���ى �صنع القنبلة من���ع �إيران من احل�ص���ول على قنبلة نووية ،ويف نف����س الوقت ت�ساعد النووية ولن يكون من ال�صعب حينها �إيجاد مربرات �شرعية م�ضادة ،ه���ذه الإجراءات منع �أي �صفق���ة �أمريكية � -إيرانية من حتت الطاولة م���ن خ�ل�ال الت�أكيد على �أنها لن ت�ستعملها و�إمن���ا امتلكتها فقط لردع ق���د ترغب يف �إبرامها �إيران� ،أما ح�ص���ول �صفقة علنية فال ميكن �أن �أعدائها وغريها من املربرات. يق���دم عليها النظ���ام الإيراين لأنه���ا �ستفقده وبالع���ودة �إىل حديث ال�صفقة الأمريكية – ع��داء �إي��ران للعدي��د م��ن ورق���ة التهديد اخلارجي والع���داء امل�ستمر مع الإيراني���ة ،ف�إن هذا الأمر يبقى – يف تقديرنا الأنظم��ة العربي��ة والتدخل الغ���رب ال���ذي كان من �أ�سباب �إ�سق���اط ال�شاه مُ�ستبعد ًا للأ�سباب التالية:وا�ستمرارية اجلمهورية الإ�سالمية ،وخل�شيته وزعزعة الداخلية ؤونها ش� � يف من ا�ستغ�ل�ال الإ�صالحيني له���ا وتوظيفها يف الر�ؤي���ة الإ�سرتاتيجي���ة الإ�سرائيلي���ة يف واحلم�لات الوطن��ي أمنه��ا � انتق���اد املحافظ�ي�ن لأن���ه يف �أف�ض���ل الأح���وال بقائه���ا الق���وة الأك�ب�ر يف املنطق���ة ،والتف���وق عليها، املتوا�صل��ة إعالمي��ة ل ا �سيكون �ضم���ن بنودها وقف التخ�صيب ،وهذا الن���ووي �أح���د �أ�س�س ه���ذه النظري���ة وهو خط العربي��ة أنظم��ة ل ا �ستجع��ل تنازل يرف�ضه الإ�صالحيني. �أحمر ال�ستمراريتها ك�ضامن للم�صالح الدولية االلت��زام يف �صرام��ة أك�ثر � العقوب���ات التي فر�ضت عل���ى �إيران ،و�إن وعل���ى وجه اخل�صو�ص الأمريكي���ة منها ،و�إذا �ضد اجلديدة العقوبات بقرار ما حدثت �صفقة �أمريكي���ة � -إيرانية ف�ستفقد �أ�صرت طه���ران على عدم ت�أثره���ا بها ،ف�إنها إيران � �إ�سرائي���ل مكانته���ا املميزة بالن�سب���ة للواليات �ستخل���ق الكث�ي�ر م���ن امل�ش���اكل االقت�صادي���ة املتح���دة ،وهذا ما �سيدف���ع اللوبي الإ�سرائيلي ت�ضاف �إىل امل�ش���اكل الأخرى التي يعاين منها يف �أمريكا للحيلولة دون ذلك .و�إذا ما �أدركت ال�شعب الإيراين ،خا�صة مع احلملة الإعالمية �إ�سرائيل �أن �إيران على مقربة من �صنع القنبلة النووية �ستقوم بهجوم املوجه���ة �ضد احلر����س الث���وري وممار�ساته �ض���د املتظاهرين خالل �إنف���رادي ودون �ضوء �أخ�ضر �أمريك���ي ،وت�شديد العقوبات واخلطوات �أزم���ة االنتخابات وتدخله الكبري يف ال�ش�ؤون االقت�صادية وال�سيا�سية، املتتابع���ة كمن���ع ت�صدي���ر البنزين لإي���ران ،وحظر الإحت���اد الأوروبي واالنتق���ادات الداخلية املوجه���ة �إليه� ،إذ و�ص���ف ها�شمي رف�سنجاين حتلي���ق الطائ���رات الإيرانية يف �أجوائه و�إن بُ���رر ب�أ�سباب تقنية تتعلق ذل���ك باالجتاه نح���و الديكتاتورية ،وكل هذا يقلل م���ن هام�ش املناورة بال�سالمة ،ف�إن توقيت���ه يحمل دالئل �سيا�سية ،وكذلك غلق �إمارة دبي الإيراني���ة ويف نف�س الوقت ي�شجع الواليات املتحدة على خيار �إ�سقاط حل�ساب���ات م�صرفية ملواطن�ي�ن �إيرانيني؛ كلها تط���ورات تعك�س جدية النظام من الداخل من خالل �سيا�سة النف�س الطويل. غربية يف منع �إيران من �إمتام برناجمها النووي. احتف���اظ �إي���ران ب����أوراق مهم���ة ت�ستطي���ع توظيفه���ا يف الع���راق تدرك رو�سي���ا وال�صني هذا املوقف الإ�سرائيلي ،وال �شك �أنه كان و�أفغان�ست���ان ،حي���ث حت���اول الوالي���ات املتحدة حتقيق ح���د �أدنى من م���ن بني االعتب���ارات التي دفعته���ا �إىل املوافقة على ق���رار العقوبات اال�ستق���رار ال�سيا�سي ي�ساعدها يف االن�سحاب من العراق ،وتخ�شى �أن
96
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
م��ع �أن ال�صفق��ات الأمريكي��ة -الإيرانية ال�سابق��ة تدل على �إمكاني��ة تكرارها مرة �أخ��رى� ،إال �أن ال�شواهد احلالي��ة ُتب�ّي�نّ يف الوق��ت نف�سه �أن م�ستوى وح��دود �أي �صفقة بني وا�شنطن وطهران� ،إن مت��ت ،لن تتجاوز �أن تكون جمرد اتفاق مرحلي على ق�ضايا �صغرية �سرعان ما يزول بزوال تلك امل�صلحة تث�ي�ر �إيران بع�ض القالق���ل الأمنية �أو تدفع بحلفائه���ا لل�سيطرة �أكرث على ال�سلطة .ولكن هذه الورقة هي �سيف ذو حدين ،لأن �إيران متلك قرار �إثارة موجة من العنف ولكنها ال متلك قرار وقفها �أو حتديدها، و�إذا م���ا تفج���رت املواجه���ات ب�ش���كل كبري ق���د ت����ؤدي يف النهاية �إىل تق�سم الع���راق ،وهذا الأمر -كما يرى بع�ض املراقبني -ال متانع فيه الوالي���ات املتحدة ،وهو ما ال تريده �إيران وال تركيا وال الدول العربية، هذا من جهة .ومن جهة �أخرى ،ف�إنه حتى �إذا تو�صلت �أمريكا و�إيران �إىل �صفقة حول العراق فلن يكون من ال�سهل جتاوز املقاومة العراقية التي �ستقف دون ذلك ،مع �إمكانية تغيرّ موقف املقاومة العراقية التي �أبدت تقدم ًا ملحوظ ًا ب�ش�أن موقفها من العملية ال�سيا�سية مقارنة بني موقفه���ا م���ن االنتخاب���ات الأوىل والثانية وعالقته���ا ببع�ض الأحزاب والقوى ال�سيا�سية العراقية. �أم���ا يف �أفغان�ست���ان ف�إن هام����ش املن���اورة لإيران ال يختل���ف كثري ًا ع���ن العراق� ،إ�ضاف���ة �إىل العداء ال�شديد املتب���ادل بني حركة طالبان و�إي���ران ،ويف ظ���ل امل�ساع���ي الأمريكي���ة والأوروبي���ة لفت���ح احلوار مع طالبان من �أجل الو�صول �إىل اتفاق يُ�سهّل ان�سحاب القوات الأجنبية، ف�إن هذا �سيكون على ح�ساب الدور الإيراين ،و�أي حماولة �إيرانية ملنع �أي �إنف���اق يتو�صل �إليه �أو منع ا�ستم���رار املحادثات وقطعها من خالل تفج�ي�رات انتحارية خللق فتنة طائفية �سيك���ون الرد عليه من طرف الوالي���ات املتح���دة والدول الأوروبي���ة ،وب�شكل �سيجعل �إي���ران تت�ضرر �أي�ض��� ًا وب�أ�ش���كال خمتلف���ة كت�شديد العقوب���ات �أك�ث�ر �أو ت�سهيل ودعم
ن�شاط املعار�ضة امل�سلحة يف داخل �إيران. ع���داء �إي���ران للعديد من الأنظم���ة العربية والتدخ���ل يف �ش�ؤونها الداخلي���ة وزعزعة �أمنه���ا الوطني ،خا�صة بدعمه���ا احلوثيني الذين فتحوا جبهة قتال مع اململكة العربية ال�سعودية ،واحلمالت الإعالمية املتوا�صل���ة عليها� ،ستجعل الأنظمة العربية �أك�ث�ر �صرامة يف االلتزام بق���رار العقوبات ،ويف نف����س الوقت �ستمنعها امل�صال���ح الأمريكية يف املنطق���ة العربية من عقد �صفقة مع �إيران ،وتقلل من هام�ش املناورة الإيرانية لأهميتها يف املبادالت التجارية الدولية. �أخ�ي�راً ،ومع �أن ال�صفق���ات الأمريكية - الثابت واملتغري يف العالقات الرتكية -الإ�سرائيلية الإيراني���ة ال�سابقة تدل عل���ى �إمكانية التايل بقلم� :سالم الرب�ضي تكرارها مرة �أخ���رى� ،إال �أن ال�شواهد احلالية ُتبينّ يف الوقت نف�سه �أن م�ستوى وحدود �أي �صفقة بني وا�شنطن وطهران� ،إن متت ،لن تتجاوز �أن تكون جمرد اتفاق مرحلي على ق�ضايا �صغرية �سرعان ما يزول بزوال تلك امل�صلح���ة ،مثل حديث بع�ض التقارير عن وجود �صفقة خمابراتية يف ال�سنية املعار�ضة. ق�ضي���ة عبد امللك ريغي زعيم حركة “جن���د اهلل” ُّ ورغ���م ه���ذا كله ،تدل الكثري م���ن ال�شواهد ،والتي �أ�شرن���ا �إىل �أهمها �أعاله ،على �أن ح�صول �صفقة بني �إيران والواليات املتحدة يظل �أمر ًا م�ستبع���د ًا حالي���اً� ،إذ �أنه غري ممكن واقعي ًا وغ�ي�ر مفيد لكال البلدين ا�سرتاتيجي���اً ،ولذا قد ن�شهد مزي���د ًا من الت�صعيد وال�شد واجلذب يف ملف النزاع الإيراين – الأمريكي – الغربي ،يف قادم الأيام.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
97
املراقب اال�سرتاتيجي
�أمر العالقات الرتكية - الإ�سرائيلية وم�ستقبلها قد يتجاوز م�صلحة البلدين �ســالم الرب�ضـــي
jordani_alrabadi@hotmail.com
تعمل ال�سيا�سة الرتكي��ة اجلديدة على ك�سب املزيد من الأ�صدق��اء ،وال ترغ��ب �أن يكون لها �أع��داء جدد� ،أو �أن تبني عالقاتها اجلديدة عل��ى �أنقا�ض بع�ض الأ�صدقاء الآخري��ن وخا�ص��ة �إ�سرائي��ل ،لأن ثم��ن ذل��ك قد يكون باهظ�� ًا عل��ى ع��دة م�ستوي��ات وجم��االت .وبالرغ��م من ردود الفع��ل الرتكية املتع��ددة �إزاء املمار�سات واملواقف الإ�سرائيلية املختلفة ،ومواق��ف الر�أي العام املت�شنجة يف كال البلدين وخا�صة بعد �أزمة قافلة احلرية ،لكن ما زالت احلكومت��ان حتافظان على عالقتهما االقت�صادية والع�سكري��ة �إىل ح��د م��ا يف جميع املج��االت� ،إذ مل تقم تركيا مث ًال ب�إلغاء �أو جتميد عقود الت�سليح �أو الدفاع �أو التج��ارة مع �إ�سرائيل ب�شكل نهائ��ي ،وهو حال العالقات الدبلوما�سي��ة �أي�ض ًا بني البلدي��ن ،على الرغم من �إقدام تركيا على عدم ال�سم��اح للجي�ش الإ�سرائيلي بامل�شاركة يف املن��اورات الع�سكرية حللف �شمال االطل�سي يف �أواخر العام .2009
�أ�صدقاء للأبـد 98
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
وال يب���دو �أن ل���كال الطرف�ي�ن م�صلح���ة يف تعميق اخلالف���ات القائمة بينهم���ا �أو تطوير مداه���ا وم�ضمونها بغ�ض النظر ع���ن حجم ال�ضرر �أو ا�ستف���ادة هذا الط���رف �أو ذاك من ذلك ،بل �إن �أم���ر العالقات الرتكية الإ�سرائيلي���ة وم�ستقبلها على ما يبدو ،ق���د يتجاوز م�صلحة البلدين� .إذ �أن توت���ر العالقة �أو القطيع���ة بني الطرفني قد يُلح���ق ال�ضرر بكثري من الأط���راف الدولي���ة والإقليمية ومنه���ا العربية وبالتحدي���د �سورية ،فقد �ص���رح الرئي�س ال�سوري ب�شار الأ�سد مطالب ًا تركيا بتح�سني عالقاتها مع حليفه���ا الإ�سرائيلي ،وذلك حتى ت�ضمن جم���دد ًا القيام بدور الو�ساطة بني �سوري���ة و�إ�سرائيل .و�إذا رغبت تركيا الدخ���ول على خط مفاو�ضات �سالم الرب�ضي باحث يف العالقات الدولية ,الأردن.
ال�س�ل�ام الإ�سرائيلية -العربي���ة ينبغي �أن تكون لديها عالقات جيدة مع هذه الدولة. والإ�سرتاتيجية الرتكية على يقني ب�أن �أمريكا لن ت�ستطيع يف امل�ستقبل �أن ت�ستم���ر م�ستف���ردة بقرار املنطق���ة ،لذل���ك اجته���ت تركي���ا العتماد �إ�سرتاتيجي���ة خا�صة به���ا يف املنطقة ال يكون فيها ارتب���اط ع�ضوي كلي مع الواليات املتحدة ،وال يكون فيها �أي�ض ًا مواجهة �أو عداء لأمريكا حتى يف �إط���ار عالقتها مع �إ�سرائيل .ويعي �أحمد داود �أوغلو ،وزير اخلارجية الرتكي���ة واملنظ���ر اال�سرتاتيج���ي الرتك���ي� ،أهمية تركي���ا اال�سرتاتيجية لوا�شنط���ن ،بحيث يحاول الرب���ط بني م�صالح تركي���ا الوطنية وحتقيق العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
99
املراقب اال�سرتاتيجي امل�صال���ح الأمريكي���ة يف قو�س جغرايف كب�ي�ر ممتد من �آ�سي���ا الو�سطى والقوق���از وال�ش���رق الأو�س���ط وحتى �ش���رق املتو�سط ,حيث ي�سن���د دائم ًا �سيا�س���ات تركيا اخلارجية �إىل تناغمها م���ع امل�صالح الأمريكية .مبعنى �آخ���ر �إن حتقي���ق تركي���ا مل�صاحله���ا يف جوارها اجلغ���رايف يعني حتقيق الواليات املتحدة الأمريكية مل�صاحلها هناك �أي�ضاً ،وهذا الواقع ملمو�س من خ�ل�ال تتبع املوقف الرتكي م���ن ال�صراع الأذربيج���اين -الأرميني وانحيازه���ا مل�صلحة �أذربيجان ،من منطل���ق �إن �ضعف �أذربيجان املهمة جغرافي��� ًا والغني���ة مبوارد الطاق���ة� ،سيُفقِد التحال���ف الأطل�سي التوازن يف كام���ل القوقاز و�آ�سي���ا الو�سطى مل�صلحة مو�سك���و وحتالفاتها هناك، و�سيق���ود بالتايل �إىل �إ�ضع���اف النفوذ الأمريكي .كم���ا �أن قدرات تركيا االقت�صادي���ة والع�سكري���ة وحتالفاته���ا الدولي���ة ال ت�ؤهله���ا -م���ع ذلك، وحت���ى الآن -للع���ب دور �إقليمي يف كل جه���ات جوارها اجلغرايف� ،سواء يف البلق���ان �أو القوق���از �أو ال�شرق الأو�سط �أو البح���ر الأ�سود وحتى �شرق املتو�س���ط� ،إذ ال ي�ستطي���ع لع���ب دور كه���ذا �سوى الق���وى العظمى ،وهذه بديهية من بديهيات العالقات الدولية. وحت���اول تركيا �أن تخفف من �أعباء عالقتها مع �إ�سرائيل حتى تتمكن م���ن ممار�سة دور الدول���ة الإقليمية الكربى يف حميطه���ا .وتركيا تعمل عل���ى �إمكانية احلف���اظ على عالقتها م���ع الواليات املتح���دة دون املرور ب�إ�سرائي���ل .ويف املنظ���ور الإ�سرتاتيج���ي الإ�سرائيل���ي والأمريكي ،ت�شكل تركي���ا ركن��� ًا ال ي�ستغن���ى عن���ه يف �أي �إ�سرتاتيجية تُعد لل�ش���رق الأو�سط، وحاجة يفر�ضه���ا املوق���ع اجليو�سيا�س���ي لرتكيا من وجوه���ه الأ�سا�سية، ضال عن خا�ص���ة اجلغرافي���ة والدميغرافية واالقت�صادي���ة وال�سيا�سية ف� ً الع�سكري���ة .والواليات املتحدة باتت مدركة لل�صعوبات التي تواجهها يف املنطق���ة ،وترى يف تركيا احتياط ًا �إ�سرتاتيجي ًا ميكن الركون �إليه لي�شكل عامل ا�ستقرار وحاجة ملحة يف الأزمات املعقدة. ولتدعي���م ال���دّور الإ�سرائيلي يف ال�ش���رق الأو�سط ،ت���رى �إ�سرائيل �أنّ توطي���د عالقاته���ا الإ�سرتاتيجيّ���ة مع تركيا م���ن �ش�أن���ه �أن يدعم دورها الإقليمي يف املج���االت ال�سيا�سيّة واالقت�صاديّة والع�سكريّة والأمنيّة على الرغم من كل ما ي�شوب العالقات بني البلدين حالي ًا من �شوائب� ،إذ �أنّ تلك العالقة متنحها بطاقة دخول ر�سميّة �أخرى غري معاهدات ال�سّ الم العربيّة -الإ�سرائيليّة� ،إىل منطقة ال�شرق الأو�سط و�آ�سيا الو�سطى عرب دول���ة �إ�سالميّة .كما �أنّ تعاونه���ا االقت�صادي مع تركيا �سيمنحها القدرة على طرح من���وذج لكيفيّة التعاون بني دول املنطق���ة� .إ�ضافة �إىل �سعيها ملواجه���ة ال���دول الإقليميّ���ة يف املنطقة وهي �إي���ران ،و�سوري���ة ،وم�صر، وال�سعودية التي قد حتاول ايجاد نوع من التوازن الإ�سرتاتيجي مع تركيا و�إ�سرائي���ل .وتعل���ق ا�سرائيل �آما ًال من خالل توطي���د عالقتها مع تركيا،
عل���ى �أن تكون بوابة دخول لها �إىل ال���دّول الإ�سالميّة يف �آ�سيا الو�سطى، وبخا�صة الب�ت�رول ،وذلك لأنّ تركيا ّ حي���ث املوارد االقت�صاديّ���ة الهامّة، تربطها بتلك الدول عالقات دينيّة وتاريخيّة وقوميّة وجوار جغرايف. الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية والإ�سرائيلية تتقن ف���ن الواقعية ال�سيا�سية والعم���ل على حمورين حتى ولو كان اجتاههم���ا الظاهر متعاك�ساً ،حيث ال يت���م الدخ���ول يف لعبة �سيا�س���ة �أحادية االجتاه ،بل يت���م االعتماد على الثنائي���ة القائمة عل���ى اجتاه رئي�سي للحركة املبا�ش���رة واجتاه فرعي �أو غري مبا�شر مرادف لبع�ض القوى الإقليمية �صاحبة القدرة على املناورة و�صاحبة امل�صلحة يف العمل ذاته. تطبيق ًا لهذا املبد�أ ،ف�إن �إ�سرائيل والواليات املتحدة قد ال تريان خطر ًا �إ�سرتاتيجي��� ًا يف التح���رك الرتكي اجلديد يف ال�ش���رق الأو�سط وحتديد ًا باجت���اه �سورية و�إيران ،والدخول املبا�شر على خط الق�ضية الفل�سطينية لإنت���اج تفاهم���ات �إ�سرتاتيجية معهما ،وال يكون ه���ذا التحرك يف نهاية املط���اف خط���ر ًا �إ�سرتاتيجي ًا عل���ى كال الدولتني .والتفاه���م الرتكي – الإي���راين -ال�س���وري ب�أبع���اده اللبناني���ة والفل�سطينية ق���د ي�شكل نافذة �آمن���ة للواليات املتحدة و�إ�سرائي���ل يف مرحلة متهيدي���ة وانتقالية نتيجة الوقائع امل�ستجدة يف املنطقة� ،سواء على �صعيد �إخفاق الواليات املتحدة يف الع���راق وافغان�ست���ان م���ن جهة� ،أو عل���ى �صعيد �إخف���اق �إ�سرائيل يف مواجهة املقاومة اللبنانية يف اجلن���وب اللبناين �أو املقاومة الفل�سطينية يف غ���زة ،متهيد ًا لك�سب وقت حتتاج���ه �إ�سرائيل حتديد ًا من �أجل �إعادة ر�س���م وحتديد �إمكاناته���ا الع�سكرية وا�ستخال�ص الع�ب�ر من اخفاقاتها الع�سكرية. �إن الوالي���ات املتح���دة و�إ�سرائي���ل حري�صت���ان عل���ى عالقاتهم���ا الإ�سرتاتيجي���ة م���ع تركيا ،والتح���رك الرتك���ي ونتائجه قد تق���دم لهما �أهداف ًا �إ�سرتاتيجية منها: � .1إقام���ة الت���وازن مع �إي���ران على م�س���رح امل�شرق العرب���ي ،خا�صة من ب���اب دعم الق�ضية العربية يف فل�سطني حت���ى ال تبقى �إيران وحدها من ال���دول الإ�سالمي���ة ممُ �سك���ة بهذا امللف ،م���ن حيث دع���م الفل�سطينيني ونق���د املواق���ف العربية العاج���زة يف مواجه���ة �إ�سرائيل .فنج���اح تركيا يف �إقام���ة مثل هذا التوازن ،و�ش���د انتباه الفل�سطني�ي�ن �إليها والإم�ساك بالورقة الفل�سطنية ،وعدم ترك ال�ساحة الفل�سطينية خالية �أمام النفوذ الإي���راين -رغم �أن هذا الطم���وح �أمامه عقبات كث�ي�رة� ،أقلها ما يت�أتى ع���ن الواقع اجلغ���رايف ووجود قوى مقاوم���ة �أ�سا�سية ال ميك���ن �أن تقدّم تركيا على �إيران ،ولو كانت ال ترف�ض م�ساعدة الطرفني مع ًا – يعنى يف الأخري �أن �إيران �ستفقد ورقة تفاو�ضية مهمة تعتمد عليها لت�أكيد دورها الإقليم���ي يف مواجهة �أمريكا و�إ�سرائيل والغ���رب عموماً ،وذلك ل�صالح
يف املنظور الإ�سرتاتيجي الإ�سرائيلي والأمريكي ،ت�شكل تركيا ركن ًا ال ي�ستغنى عنه يف �أي �إ�سرتاتيجية تُعد لل�شرق الأو�سط ،وحاجة يفر�ضها املوقع اجليو�سيا�سي لرتكيا من وجوهه الأ�سا�سية ،خا�صة اجلغرافية ضال عن الع�سكرية والدميغرافية واالقت�صادية وال�سيا�سية ف� ً 100
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
لتدعيم الدّ ور الإ�سرائيلي يف ال�شرق الأو�سط ،ترى �إ�سرائيل �أنّ توطيد عالقاتها الإ�سرتاتيجيّة مع تركيا من �ش�أنه �أن يدعم دورها الإقليمي يف املجاالت ال�سيا�سيّة واالقت�صاديّة والع�سكريّة والأمنيّة على الرغم من كل ما ي�شوب العالقات بني البلدين حالي ًا من �شوائب تركيا – احلليف وال�صديق – الأكرث اعتداالً. .2تق���دمي فر�ص���ة ل�سورية للتخفي���ف من اعتمادها عل���ى �إيران كحليف �إ�سرتاتيج���ي ،وم���ن ث���مّ العمل على �إبع���اد البلدين ع���ن بع�ضهما .وهذا املنط���ق تع ِوّل علي���ه �أطراف عدة ب�شكل بالغ ،لأن���ه ي�شكل املدخل الفعلي لإراح���ة �إ�سرائي���ل ،عرب ت�شتيت جبه���ات املقاومة املدعوم���ة من �إيران. ولكن يبقى دون ه���ذا الطموح الإ�سرتاتيجي عوائق ال يُ�ستهان بها ،منها م���ا يع���ود� إىل طبيع���ة العالقة ب�ي�ن �سورية و�إي���ران ،ومنها م���ا يعود �إىل الإ�سرتاتيجي���ة ال�سورية التي ترى قوتها تكم���ن يف ذاتها وات�ساع مروحة تفاهماته���ا �أو حتالفاتها ،الأم���ر ال���ذي مينعه���ا من الدخ���ول يف عملية اال�ستبدال ويدفعها يف عملية الرتاكم التحالفي. � .3إ�سرائي���ل ال ميكنه���ا يف ظ���ل الواقع احل���ايل اال�ستغن���اء �أو التفريط بعالقته���ا م���ع تركيا ،ولذلك قد تك���ون م�ضطرة ملراع���اة بع�ض املواقف الرتكي���ة وتفهمها �صون��� ًا لهذه العالقة الإ�سرتاتيجي���ة ،وهنا قد ت�ستفيد �أم�ي�ركا من الأم���ر لإن�شاء قوة� ضغ���ط �إقليمي على �إ�سرائي���ل ،دون �أن تت�سب���ب يف �إح���راج الإدارة �أم���ام الكونغر����س �أو الهيئ���ات االخرى التي تخ�ضع ب�شكل �أو ب�آخر ل�ضغط اللوبي اليهودي. فالوالي���ات املتحدة قادرة ل���و �شاءت ال�ضغط مبا�ش���رة على �إ�سرائيل لتدفعه���ا لفعل م���ا – كما ح�صل يف ع���ام 2006حني �ضغط���ت الواليات
املتح���دة عل���ى �إ�سرائيل م���ن خالل وزي���رة اخلارجي���ة الأمريكية كوندا لي���زا راي����س �آنذاك من �أجل ع���دم وقف عدوانها على لبن���ان ،مما �أدى �إىل �إطال���ة �أم���د احل���رب مل���دة 33يوم��� ًا -لكنها ال تريد ذل���ك ،حتى ال ت�ضع���ف �إ�سرائيل ،ولكي ال تنك�شف �أكرث �أمام ال���دول العربية املتحالفة معها؛ ف�أم�ي�ركا تريد �إ�سرائيل القوية املنيعة ولك���ن املن�ضبطة نوع ًا ما. وق���د ي�أتي املوقف الرتك���ي يف هذا ال�سياق ،وبتقاط���ع م�صالح مع جميع الأط���راف دون ا�ستثناء .لهذا ق���د ي�أتي ال�ضغط الرتك���ي على �إ�سرائيل منح�ص���ر ًا يف ال�شكلي���ات واجلزئي���ات� ،أم���ا الق�ضية الفل�سطينية الأ�سا�سي���ات فل���ن تكون حم�ل�اً له حتى يف �ضوء ال�صعود الرتكي والإيراين التايل �إ�شع���ار �آخ���ر �أو حدوث تغ�ّيجرّ جذري يف بقلم :ماجد كيايل املواقف الإ�سرتاتيجية الرتكية. امل�ؤكّد �أنّ هناك ت�آك ًال يف العالقات الإ�سرتاتيجيّة بني تركيا و�إ�سرائيل. ولك���نّ �إ�سرائي���ل ت���درك �أنّ تركي���ا م���ا زال���ت تعت�ب�ر �إ�سرائي���ل �شريك ًا �إ�سرتاتيجي��� ًا لها يف ال�شرق الأو�سط ،و�أنّ هن���اك م�صاحل ًا �إ�سرتاتيجيّة قويّ���ة تربط بني البلدين .ورغم خم���اوف �إ�سرائيل من التقارب الرتكي م���ع كل من �سورية و�إي���ران ،ف�إنّها تراهن على عدم قيام تركيا مبراجعة عالقاتها الوثيقة ب�إ�سرائيل على الرغم من التوتر احلا�صل يف العالقات ب�ي�ن البلدين ،حت���ى لو و�صل الأم���ر �إىل درجة تخفيف م�ست���وى التمثيل الدبلوما�سي �أو حتى لو مت جتميدها. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
101
املراقب اال�سرتاتيجي من��ذ البداي��ة ارتبط��ت ق�ضية فل�سط�ين بق�ضايا ال�ص��راع الدويل والإقليم��ي على ال�ش��رق الأو�سط ،وقد جتل��ى ذل��ك بتزامن «وعد بلف��ور» (الذي �أ�صدرته بريطانيا ع��ام 1917ويق�ضي مبنح اليه��ود وطن ًا قومي ًا له��م يف فل�سط�ين) ،بالتزامن مع اتفاقية «�سايك�س -بيكو» (التي جرى مبقت�ضاها جتزئة امل�شرق العربي، وتقا�سم��ه بني الدولتني اال�ستعماريتني بريطانيا وفرن�سا بعيد انتهاء احلرب العاملية الأوىل) .بعد ذلك �أدت نتائ��ج احل��رب العاملي��ة الثاني��ة �إىل انح�سار نفوذ ال��دول اال�ستعماري��ة يف ال�شرق الأو�س��ط ،ل�صالح الوالي��ات املتح��دة الأمريكية ،وقد جنم ع��ن ت�سويات هذه احلرب نيل معظم ال��دول العربية ا�ستقاللها، وقيام دولة �إ�سرائيل ()1948؛ على ح�ساب ال�شعب الفل�سطيني و�أر�ضه.
نقطة حتوّل؟
ق�ضية فل�سطني يف �ضوء �صعود الدورين الإيراين والرتكي ماجد كيايل
mkayali@scs-net.org
ومن���ذ عق���د اخلم�سيني���ات �إىل الثمانيني���ات مت ربط ق�ضي���ة فل�سطني ب�صراع���ات احلرب الباردة وباالنق�سام الدويل والإقليمي ،بني القطبني الدوليني (الواليات املتحدة الأمريكية واالحتاد ال�سوفييتي) .لكن انهيار االحتاد ال�سوفييتي (مطلع عق���د الت�سعينيات) ،مكّن الواليات املتحدة، الت���ي بات���ت مبثاب���ة القطب الأوح���د املهيمن عل���ى ال�صعيدي���ن الدويل والإقليمي ،من طرح م�شاريع لتغيري �صورة املنطقة ،يتمثل �أهمها ب�إقامة “نظام �شرق �أو�سطي جديد” ،قوامه حل الق�ضية الفل�سطينية وت�سوية ال�ص���راع العربي ـ الإ�سرائيل���ي ،و�إقامة منظومة عالق���ات تعاون ثنائي وجماع���ي ،ب�ي�ن �إ�سرائيل وال���دول العربي���ة؛ وغريها من ال���دول ال�شرق �أو�سطية (خا�صة تركيا). ويف العق���د الأول م���ن الق���رن احل���ادي والع�شري���ن ج���رى الربط بني احلرب الدولية على الإرهاب ،التي بد�أت بعيد حدث � 11أيلول�/سبتمرب
102
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
( 2001يف نيوي���ورك ووا�شنطن) ،وبني تعزيز مكانة �إ�سرائيل يف ال�شرق الأو�سط ،بغ�ض النظر عن الت�سوية (عهد بو�ش االبن) .ويف هذه املرحلة احتل���ت الواليات املتحدة �أفغان�ستان ( )2002والعراق ( ،)2003ما �أتاح لإ�سرائي���ل ،يف هذه املناخ���ات ،تقوي�ض الت�سوية م���ع الفل�سطينيني؛ عرب معاودته���ا احتالل مناطق ال�سلط���ة ،وحما�صرتها للرئي�س يا�سر عرفات (�إىل حني وفاته �أواخر العام .)2004 لك���ن نتيجة هذه التطورات مل ت����أت على قدر توقعات الواليات املتحدة (ومعه���ا �إ�سرائي���ل)� ،إذ �أن احت�ل�ال العراق ،وتقوي�ض عملي���ة الت�سوية، دعّ م نفوذ قوى الإ�سالم ال�سيا�سي امل�سلحة (حزب اهلل يف لبنان ،وحركة حما����س يف فل�سطني ،وجماعات املقاومة امل�سلحة يف العراق) ،وذلك يف مقابل انح�سار نفوذ ما ي�سمى بالقوى “املعتدلة” يف ال�شرق الأو�سط. لك���ن النتائج الأه���م لهذه التط���ورات متثلت بظهور قطب�ي�ن �إقليميني ماجد كيايل باحث وكاتب فل�سطيني مقيم يف �سورية.
�صاعدي���ن (�أي �إي���ران وتركيا) .فمنذ منت�صف العق���د الأول من القرن احل���ايل مل يعد بالإمكان التعاطي مع الق�ضية الفل�سطينية� ،أو مع ق�ضية ال�ص���راع �ضد �إ�سرائيل ،مبعزل عن التفاع�ل�ات الإقليمية ،والإقليمية - الدولي���ة ،الناجمة عن �صعود مكانة �إي���ران وتركيا يف تقرير ال�سيا�سات واخلرائط ال�سيا�سية يف ال�شرق الأو�سط.
تفاع�لات الق��وى يف ال�ش��رق الأو�سط بديهي �أن ثم���ة �أ�سباب��� ًا متعددة �أدت �إىل تزايد نفوذ �إي���ران ،ومن ثمّ تركيا ،يف الت�أث�ي�ر عل���ى �سري الأح���داث يف املنطقة ،وحتديد ًا م���ن مدخل الق�ضية الفل�سطينية� ،أهمها: �أوالً ،تراج���ع مكان���ة الواليات املتح���دة يف ال�شرق الأو�س���ط ،بعد تعرث م�شروعها يف العراق (لأ�سباب خمتلفة) .وال �شك ب�أن هذا الرتاجع �أدى �إىل زيادة قدرة الفاعلني الإقليميني على التدخل يف �ش�ؤون املنطقة ،من
العراق �إىل فل�سطني مرور ًا ب�سورية ولبنان. ثاني���اً ،ت�أثّر �إ�سرائيل م���ن تعثرّ الرتتيبات الأمريكي���ة يف العراق ،ومن تراجع مكانة الواليات املتح���دة يف املنطقة ،وقد انعك�س ذلك �سلب ًا على �صورته���ا كدولة رادعة ،وعلى مكانتها كدولة �إقليمية قوية ،بعد �أن باتت مبثابة دولة تواجهها التحديات من ال�شمال (حزب اهلل) ،ومن اجلنوب (حرك���ة حما����س) ،كما من جهة تنام���ي نفوذ �إيران يف الع���راق ولبنان وعم���وم املنطقة .وقد تر�سّ خ هذا الواق���ع مع عجز �إ�سرائيل عن مواجهة امل�شروع النووي الإيراين ،ومع ت�صدّع عالقاتها مع الدولة الرتكية. ثالث���اً� ،إن مفاعي���ل ال�ص���راع العرب���ي -الإ�سرائيل���ي ،وتع�ث�ر م�سرية الت�سوي���ة ،نتيجة متل�ص �إ�سرائيل م���ن اال�ستحقاقات املطلوبة منها ،بدا وك�أنه املدخل الأمثل ،والأكرث �شعبية ،لكل من �إيران (الداعمة ملنظمات املقاوم���ة امل�سلحة) وتركيا (الت���ي ت�سعى لتعزيز مكانته���ا الإقليمية من العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
103
املراقب اال�سرتاتيجي املدخ���ل االقت�ص���ادي كما من مدخ���ل الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة) ،لتعزيز نفوذهما يف ال�شرق الأو�سط ،و�إن بو�سائل وخطابات خمتلفة. رابعاً ،ال�شك ب�أن �ضع���ف النظام الر�سمي العربي ،وافتقاده لفاعليته، وت�ض���ارب توجهات الوحدات ال�سيا�سية املكونة له� ،أدى �إىل حدوث فراغ �سيا�سي كبري يف املنطقة ،ما �أدى �إىل زيادة نهم الدول املجاورة (�إيران وتركيا) لتعزيز �سيا�ستهما التدخلية يف �ش�ؤون ال�شرق الأو�سط ،بدواعي ال�سيا�سة والتاريخ والدين� ،أو بدواعي الأمن واالقت�صاد واجلوار� ،أو بكل ذلك.
�إي��ران وفل�سط�ين من���ذ قيامه���ا (�أواخ���ر عق���د ال�سبعينيات) ربط���ت جمهوري���ة �إي���ران الإ�سالمية بني م�شروعه���ا “الثوري” الإ�سالم���ي وق�ضية فل�سط�ي�ن ،فدعمت الف�صائل الفل�سطيني���ة ،و�أ�س�س���ت ح���زب اهلل يف لبنان ،ما �أتاح له���ا دور ًا يف �إطار ال�ص���راع �ضد �إ�سرائيل .لك���ن نفوذها بد�أ بالت�صاع���د كثري ًا مع �سقوط نظ���ام �صدام ح�سني ،ويف مناخات االحتالل الأمريكي للعراق (.)2003 مع ذلك ،ف����إن �إدراك �إ�سرائيل (ومعها الواليات املتحدة) خلطر �إيران عليه���ا مل ي�ب�رز �إال مع �إخفاق حربه���ا على لبن���ان ( ،)2006وا�ستع�صاء قدرتها على �إ�ضع���اف حما�س ،يف احلرب التي �شنتها على غزة (�أواخر الع���ام ،)2008وقد بات الأمر �أكرث تعقي���د ًا بالن�سبة لها مع �سعي �إيران للح�ص���ول على الطاقة النووية .وبح�س���ب بن ك�سبيت ،فقد “حوّلت هذه احل���رب (�أي ح���رب لبنان) ق���وة �إيران ملكانة قوة عظم���ى يف املنطقة” (معاريف .)2006/12/8
التي ا�ستفادت من ذلك كثرياً؛ �إىل حد �أن هذا الدعم رمبا يف�سر �صمود حما�س ،يف هيمنتها على قطاع غ���زة ،وممانعتها اجلهود العربية لر�أب ال�صدع ،و�ضمن ذلك حتفظها على ورقة امل�صاحلة امل�صرية. وق���د و�صل���ت التفاع�ل�ات الإقليمية الإيراني���ة -ال�ش���رق �أو�سطية ح ّد احلدي���ث ع���ن حتال���ف رباعي �إي���راين� ،س���وري� ،إىل جان���ب حزب اهلل وحرك���ة حما����س (وثمة م���ن ي�ضيف تركي���ا) .وكان �إيت���ان هابر (مدير مكتب رابني �سابق���اً) قد ر�صد هذا الو�ضع بقوله“ :نالحظ بوادر حلف ..ينعق���د بني �إيران� ،سورية وتركيا ..حلف كهذا� ،إذا ما خرج �إىل حيز التنفي���ذ ،يغري متام ًا ميزان القوى يف �ساح���ة ال�شرق الأو�سط ،ولي�س يف �صالح �إ�سرائيل” (“يديعوت �أحرونوت”.)2/28 ، وي�ستنتج من ذلك �أن �إيران باتت حا�ضرة بقوة يف قلب ق�ضية فل�سطني، ويف مع���ادالت ال�ص���راع العرب���ي -الإ�سرائيلي ،ب�سعيه���ا لإ�ضعاف نفوذ الوالي���ات املتح���دة يف املنطقة (والعراق خ�صو�ص���اً) ،ودعمها ملنظمات املقاوم���ة الإ�سالمية امل�سلح���ة يف لبنان وفل�سط�ي�ن ،ومبحاوالتها ت�شكيل واق���ع �إقليم���ي جديد مناه����ض لإ�سرائي���ل ،بالتعاون مع �سوري���ا وتركيا، و�أي�ض��� ًا ب�سعيها لك�س���ر االحتكار الن���ووي الإ�سرائيل���ي ،وتقوي�ض �صورة �إ�سرائيل كدولة رادعة.
املداخالت الرتكية -الفل�سطينية على خالف املداخ�ل�ات الإيرانية يف جمال الق�ضية الفل�سطينية ،والتي تركزت على مناه�ضة عملي���ة الت�سوية ،ودع���م منظمات املقاومة امل�سلح���ة ،ومناو�أة
ويف كل الأح���وال ،ف�إن ه���ذه احلرب �أظهرت �إيران مبثابة تهديد لإ�سرائيل ،ت�صاع��د دور القوى الإقليمية (�إيران وتركيا) ،والذي ي�أتي على ح�ساب النظام ولوجوده���ا ،ال�سيم���ا م���ع م�شروعه���ا العرب��ي ،ي�أت��ي �أي�ض ًا على ح�ساب النفوذ الإ�سرائيل��ي ،يف ال�شرق الأو�سط .الأمر الن���ووي ،الأمر ال���ذي مل تخفه القيادة ال��ذي ي�ؤ�شر �إىل ت�ضا�ؤل ال��دور الإ�سرائيلي يف تقرير م�ستقبل املنطقة ،وهو �أمر الإيراني���ة ،و�ضمنها الرئي����س �أحمدي يف غاي��ة الأهمية ب�ش�أن تعزيز الإدراك ال��دويل لأهمية جلم �إ�سرائيل ،ومتكني جن���اد الذي قال يف �أح���د ت�صريحاته :الفل�سطينيني من حقوقهم “نريد �شرق �أو�س���ط جديد ،ال وجود فيه لل�صهاينة والأمريكيني” (احلياة، النظ���ام العربي ،ف����إن تركيا اهتمت بتعزيز دوره���ا ال�شرق �أو�سطي من .)2006/8/16ف���وق ذلك ،فقد بدت �إي���ران وك�أنها حترّ�ض على النظام مدخ���ل الإ�سهام يف عملية الت�سوية ،وبالتعاون مع جممل الدول العربية، العرب���ي ال�سائ���د ،بدعوى خنوعه �أم���ام �إ�سرائي���ل ،وخ�ضوعه المالءات وبالرتكيز على البعد االقت�صادي. الوالي���ات املتح���دة ،ما مو�ضعه���ا يف مواجه���ة النظام العرب���ي ال�سائد، ورمب���ا �أن تركيا ،بزعامة حزب العدالة والتنمية� ،أقلقها تزايد النفوذ وبال�ضد من توجهاته ال�سيا�سية ب�ش����أن حل ال�صراع العربي الإ�سرائيلي الإي���راين يف املنطق���ة ،خا�صة �أن ه���ذا الدور ميكن �أن ي����ؤدي �إىل تزايد (وفق املبادرة العربية لل�سالم). نف���وذ الإ�س�ل�ام “ال�شيعي” يف ال�ش���رق الأو�سط ،على ح�س���اب الإ�سالم وعل���ى ال�صعي���د الفل�سطين���ي ،ان�شغل���ت �إي���ران مبن���او�أة ال�سلط���ة “ال�سن���ي” ،يف منطق���ة مفتوحة عل���ى االنتماءات القبلي���ة (الطائفية الفل�سطيني���ة ،متهم���ة �إياه���ا باال�ست�س�ل�ام ،واالع�ت�راف ب�إ�سرائيل ،يف واملذهبي���ة واالثني���ة والع�شائري���ة) .كذل���ك رمب���ا �أن تركي���ا �أقلقته���ا حني �إنها حم�ضت دعمها ال�سيا�س���ي واملادي والع�سكري لقوى املعار�ضة التوجه���ات ال�سيا�سي���ة الراديكالية لإيران ،يف دعمه���ا لتيارات الإ�سالم الفل�سطينية ،وال�سيما حلركة حما�س (ومعها حركة اجلهاد الإ�سالمي) ،ال�سيا�س���ي امل�سل���ح ،ومناه�ضته���ا للنظام العرب���ي ،ما ميك���ن �أن ي�سهم 104
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
مفاعيل ال�ص��راع العرب��ي -الإ�سرائيلي، وتع�ثر م�س�يرة الت�سوي��ة ،نتيج��ة متل�ص �إ�سرائي��ل م��ن اال�ستحقاق��ات املطلوب��ة منها ،بدا وك�أن��ه املدخل الأمثل ،والأكرث �شعبي��ة ،ل��كل من �إي��ران وتركي��ا لتعزيز نفوذهما يف ال�شرق الأو�سط ،و�إن بو�سائل وخطابات خمتلفة بتقوي����ض اال�ستقرار يف املنطقة (يف جوار تركيا) ،وب�إ�ضعاف العالقات االقت�صادي���ة الرتكي���ة -العربية ،الأم���ر الذي ي�ؤثر �سلب��� ًا يف حماوالت النهو�ض االقت�صادي لرتكيا. وكان���ت بداية دخ���ول تركيا على خط ال�صراع العرب���ي -الإ�سرائيلي، متثل���ت بتدعيم عالقاته���ا مع �سوري���ة ،وا�ضطالعها ب���دور الو�سيط يف مفاو�ضات الت�سوية الإ�سرائيلية -ال�سورية ،غري املبا�شرة .لكن “الرياح مل جت���رِ كما ت�شتهي ال�سفن”� ،إذ �أعاق���ت �إ�سرائيل هذه املفاو�ضات ،بل �إنه���ا قامت� ،أي�ضاً ،ب�شن حرب مدمرة على قطاع غزة (،)2009-2008 وهو الأمر الذي عدته القيادة الرتكية ا�ستغفا ًال لها. هك���ذا اعتربت تلك احل���رب مبثابة ال�شرارة الت���ي �أ�شعلت احلريق يف العالق���ات الرتكي���ة -الإ�سرائيلي���ة .فبعد هذه احل���رب ح�صلت م�شادة بني رئي����س الوزراء الرتكي رجب طيب �أردوغ���ان ،والرئي�س الإ�سرائيلي �شمعون بريي���ز ،يف �إطار ندوة ملنتدى “دافو����س” (كانون الثاين/يناير ،)2009على خلفية احلرب الإ�سرائيلية على غزة .و�إثرها اتخذت تركيا ع���دد ًا من الإجراءات ،من �ضمنها �إلغاء مترينات ع�سكرية م�شرتكة بني اجلي�ش�ي�ن الرتك���ي والإ�سرائيلي ،وزي���ادة االهتم���ام الإعالمي يف تركيا بالق�ضي���ة الفل�سطيني���ة ،وو�صل الأمر ح���د �إنتاج م�سل�س�ل�ات تلفزيونية ح���ول هذه الق�ضية ،ما �أغ�ضب �إ�سرائيل .وقد عزز الغ�ضب الرتكي قيام
نائ���ب وزير اخلارجية الإ�سرائيلية ب�إهان���ة ال�سفري الرتكي (فيما عُ رِ ف بحادث���ة الكر�سي ،كان���ون الثاين/يناير .)2010بع���د ذلك قامت تركيا بحرك���ة الفتة متثلت باالتف���اق الثالثي الرتك���ي -الربازيلي -الإيراين (�أيار/ماي���و )2010عل���ى �إيج���اد حل للمل���ف النووي الإي���راين ،بتبادل املخ�صب يف تركيا ،ما فهم ب�أنه حماولة تركية لتجنيب �إيران اليورانيوم ّ العقوب���ات الدولي���ة .وقد تفاقم الأم���ر بعد تنظيم جه���ات تركية لقافلة “�سف���ن احلري���ة”� ،ضمن حملة لرفع احل�صار عن غزة ،والتي قامت �إ�سرائي���ل باالعتداء عليها عنوة ،م���ا �أدى �إىل م�صرع ت�سعة من الأتراك امل�شارك�ي�ن فيها (حزيران/يونيو )2010؛ الأم���ر الذي �أدى �إىل ح�صول جتاذب �سيا�سي و�إعالمي كبري ي�ؤ�شر على ت�صدّع العالقات الإ�سرائيلية الرتكية.ويف ظل هذه الأو�ضاع� ،شهد العامل العربي موجة تعاطف غري م�سبوقة مع تركيا ،ومع خطابها املنا�صر للفل�سطينيني ،واملناه�ض لإ�سرائيل ،وال يخف���ى على �أحد �أن ه���ذا التعاطف هو انعكا�س لغي���اب النظام العربي، كم���ا �أنه يعك�س نوع ًا من حاجة الإ�س�ل�ام ال�سني لإيجاد معادل لل�سيا�سة الإيرانية يف املنطقة. وبديه���ي ف�إن �إ�سرائيل ر�أت يف التوجه���ات الرتكية ما يقلقها ،وبح�سب غ���ي بخور“ :احلكم احلايل تقرّب ج���د ًا من دول حمور ال�شر ..حمظور العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
105
املحـــور
املراقب اال�سرتاتيجي
على ال���دول الغربية جتاهل ذل���ك ..هذه تركيا �أخ���رى� ..سيتعينّ عليها �أن تدف���ع الثمن” (يديعوت �أحرون���وت .)1/14 ،وثمة �أو�ساط �إ�سرائيلية اعتربت �أردوغان مبثابة “م�صيبة �إ�سرتاتيجية� ..أحمدي جناد الثاين.. يري���د �أن يدخل التاريخ كمن� ..أع���اد الإمرباطورية الرتكية �إىل عهدها املزده���ر ..على ظهرن���ا ..يف الطريق �إىل مكانة �ص�ل�اح الدين� ،أو على الأقل جمال عبد النا�صر اجلديد” (بن ك�سبيت“ ،معاريف”.)6/6 ، وي�ؤ�ش���ر ت�ص���دع العالق���ات الرتكي���ة -الإ�سرائيلي���ة على تغ�ّيلرّ البيئة الإ�سرتاتيجية املحيطة ب�إ�سرائيل ،التي كانت خ�سرت �إيران (قبل ثالثة عقود) ،م���ا يعني بقا�ؤه���ا وحيدة يف حميط مع���ادي وم�ضطرب وخطر عليه���ا .وم�شكلة �إ�سرائيل مع تركيا تختل���ف عن �إيران ،فرتكيا جزء من الع���امل املعتدل ،وع�ض���و يف حلف الأطل�سي ،وتتمت���ع بعالقات وطيدة مع الوالي���ات املتحدة ،وتطمح لع�ضوي���ة االحتاد الأوروب���ي .وما يزيد حرج �إ�سرائي���ل �أن تركيا تواجهه���ا �ضمن حدود ال�شرعي���ة الدولية ،وبو�سائل �سلمي���ة ومدنية ،وهي تتبنى رفع الظلم املُحيق بالفل�سطينيني ،وال تنادي ب�إزال���ة �إ�سرائيل .وم�شكلة �إ�سرائيل �أن تركي���ا تناطحها على مكانتها يف ال�ش���رق الأو�سط يف املج���االت :ال�سيا�سية والأمني���ة واالقت�صادية ،و�أنها متتل���ك مقومات ذلك ،وحتى �إنها رمبا حتظى على ر�ضى العامل الغربي به���ذا املجال ،بعد �أن بات���ت �إ�سرائيل مبثابة عبء على الغرب ،ولتحقيق توازن يف املوقف الأوروبي �إزاء العامل الإ�سالمي.
ق�ضية مرتهنة لل�صراعات الدولية والإقليمية
م���ن كل املعطيات املتعلقة بالتفاعالت بني الق���وى الدولية والإقليمية، حول ق�ضية فل�سطني ،ميكن التو�صل �إىل اال�ستنتاجات التالية: � .1إن م�ص�ي�ر الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة ل���ن يتح���دد بنا ًء على م���ا يريده الطرف���ان املبا�ش���ران (�إ�سرائي���ل والفل�سطيني�ي�ن) ،و�إمن���ا ه���ي بات���ت مرتبط���ة ،و�إىل ح���د كب�ي�ر ،بالرتتيب���ات امل�ستقبلية يف منطق���ة ال�شرق الأو�س���ط .ومبعن���ى �آخر ،ف�إن م�صري عملية الت�سوي���ة �سيتحدد بنا ًء على م�آالت ال�صراع اجلاري بني الواليات املتحدة و�إ�سرائيل من جهة ،و�إيران من اجلهة الأخ���رى (بالن�سبة لدورها الإقليم���ي ،وحيازتها لقوة نووية، ودعمها منظمات املقاومة امل�سلحة يف لبنان وفل�سطني) ،كما على كيفية حل هذا ال�صراع (بالو�سائل ال�سيا�سية �أم الع�سكرية). .2بن���اء عل���ى النقط���ة الأوىل ميك���ن القول ب����أن ت�صاع���د دور القوى الإقليمي���ة (�إيران وتركيا) ،وال���ذي ي�أتي على ح�س���اب النظام العربي، ي�أت���ي �أي�ض ًا على ح�ساب النفوذ الإ�سرائيل���ي ،يف ال�شرق الأو�سط .الأمر الذي ي�ؤ�ش���ر �إىل ت�ضا�ؤل الدور الإ�سرائيل���ي يف تقرير م�ستقبل املنطقة، وه���و �أمر يف غاي���ة الأهمية ب�ش����أن تعزيز الإدراك ال���دويل لأهمية جلم �إ�سرائيل ،ومتكني الفل�سطينيني م���ن حقوقهم ،التي �أُ ِقرّت لهم ،بح�سب ق���رارات ال�شرعي���ة الدولي���ة (على الأق���ل) .وقد �شهدنا ب���وادر ذلك يف
106
ا�سرتاتيجية
رمبا ت�شهد املرحلة املقبلة نوع ًا من التجاذب الإقليمي بني الدورين الإي��راين والرتكي� ،إذ ال يخفى �أن ثمة م�صال��ح ور�ؤى مت�ضاربة بني الدولتني ،وهذا الت�ضارب ميك��ن �أن ي�ؤث��ر� ،سلب�� ًا �أو �إيجاباً ،يف النظ��ام العربي، كما عل��ى التجاذب��ات الدولية -الإقليمي��ة الرامية لإيجاد حل للق�ضية الفل�سطينية
ق�ضيــــة العـــدد
رف����ض معظم حكومات (وجمتمع���ات �أوروبا) لل�سيا�س���ات الإ�سرائيلية، ويف اعتبار عديد من ق���ادة الواليات املتحدة الأمريكية (على امل�ستويني ال�سيا�س���ي والع�سكري) ب�أن �سيا�سات �إ�سرائيل املناه�ضة لعملية الت�سوية ت�ضر بالأمن القوم���ي الأمريكي ،وتغذي نفوذ �إيران والقوى الراديكالية يف املنطقة. .3رمبا ت�شهد املرحلة املقبلة نوع ًا من التجاذب الإقليمي بني الدورين الإي���راين والرتك���ي� ،إذ ال يخف���ى �أن ثم���ة م�صال���ح ور�ؤى مت�ضاربة بني الدولت�ي�ن ،وهذا الت�ضارب ميك���ن �أن ي�ؤثر� ،سلب��� ًا �أو �إيجاباً ،يف النظام العرب���ي ،كما على التجاذب���ات الدولية -الإقليمي���ة الرامية لإيجاد حل للق�ضية الفل�سطينية. .4يف �سيناري���و �آخ���ر ،وعل���ى �ضوء ا�ستع�ص���اء الت�سوي���ة الفل�سطينية، بحكم الت�شدد الإ�سرائيلي ،ثمة حماوالت دولية و�إقليمية وعربية لإدماج �سوري���ا يف عملية الت�سوية ،لتعومي عملية الت�سوي���ة ،ويف �إطار حماوالتها عزل �إيران .هكذا ميكن �أن تكون �سوريا هي املخرج ،بعد �أن باتت مبثابة عقدة احلل والربط ملختلف �أزمات املنطقة .وميكن �أن ن�شري هنا �إىل ما كتب���ه مارتن �أنديك ،م�ؤخراً ،يف �صحيف���ة نيويورك تاميز ( ،)4/21وجاء فيه���ا الت���ايل“ :يف الوقت الراهن ،ال يوجد �شيء م���ن املمكن �أن ي�ساعد �أوباما� ..أف�ضل من عر�ض نتنياهو التنازل عن اجلوالن ..مقابل ال�سالم مع �سورية”. .5م���ن ذل���ك يت�ضح ب����أن الفل�سطيني�ي�ن مل يعد لهم ح���ول وال قوة يف التجاذب���ات الدائ���رة حالياً ،بع���د �أن خمدت االنتفا�ض���ة واملقاومة (يف ال�ضفة وغزة) ،وبعد �أن �أخفق خيار املفاو�ضات ،وبحكم حالة االختالف واالحرتاب واالنق�سام احلا�صلة يف ال�ساحة الفل�سطينية. هك���ذا ميكن القول ،ومع ه���ذه التطورات والتح���والت ،بالن�سبة لأدوار الفاعل�ي�ن الدوليني والإقليميني يف املنطقة ،ب����أن تاريخ ال�صراع العربي الإ�سرائيل���ي ،ويف القل���ب منه ق�ضية فل�سطني ،ب���ات عند عتبة معينة،ولك���ن اجتياز هذه العتبة يحتاج ،ب�شكل �أكرب� ،إما �إىل ح�سم ال�صراعات والتجاذبات الدائرة بني القوى الدولية والإقليمية يف ال�صراع على �شكل ال�شرق الأو�سط� ،أو ا�ستعادة النظام العربي لفعاليته ووحدة موقفه.
طريق الإرهاب:
ملاذا ين�ضم ال�شباب �إىل تنظيم القاعدة؟ جون م« .مات» فينهو�س العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر
2010
ا�سرتاتيجية
107
املحــور
طريق الإرهاب
ملاذا ين�ضم ال�شباب �إىل تنظيم القاعــدة؟ جون م« .مات» فينهو�س
عل���ى �صفحات �أحد منتديات الإنرتنت كتب عمر فاروق عبد املطلب ،الذي �أخفى املتفجرات حتت مالب�سه الداخلية ،قائالً“ :لي�س لدي �صديق ،وال من �أحتدث �إليه و�أ�ست�شريه ويدعمني ،ف�أنا �أ�شعر باالكتئ���اب والوح���دة ،وال �أدري ماذا �أفعل”� .إن م�شاع���ره هذه هي م�شاعر ال�شاب املنعزل الذي يج���د طريق���ه �إىل مواقع احل���وار والدرد�شة على الإنرتن���ت (ت�ش���ات روم) �أو التجمعات الطالبية املحلي���ة التي يرتب����ص فيها �صوت القاعدة ال���ودود واملُرحّ ب بذلك ال�ش���اب .ولتفعيل �إ�سرتاتيجية الوقاية التي �ستقلل من ت�أثري جاذبية التطرف الإ�سالمي و�ستقنع ال�شباب بعدم االلتحاق مبُجنّدي «القاعدة» ،ف�إنه على الواليات املتحدة والدول الأخرى التي حتارب التنظيم فَهم هذا النوع من العالقة. وعندم���ا يت�أمل ال�شباب من �أمث���ال عبد املطلب م�شاكل احلياة الكبرية تظهر نُ�صب �أعينهم قائمة م���ن اخلي���ارات املحدودة ج���داً؛ فتظهر «القاعدة» مُقدم��� ًة نف�سها على �أنها �أف�ض���ل طريق مبا�شر لتلبي���ة احتياجاته���م ،وذلك عن طريق رواي���ة وا�ضحة تخاطب همومهم .له���ذا ،ومن �أجل التغلب عل���ى «القاعدة» ،الب���د من فهم من هو ال�شخ�ص الذي يريد االن�ضم���ام �إىل «القاعدة» وملاذا ،وما ه���و ال�شيء ال���ذي يجعل من «القاعدة» قوة جاذب���ة لل�شباب .وهذه الدرا�سة تتب���ع م�سالك مقاتلي «القاع���دة» اخللفية من �أعمال العنف املتطرف���ة �إىل �أفكار وقرارات ال�شباب املراهقني املتخبطني والقابلني للت�أثر ب�سهولة.
(
108
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
)
جون م« .مات» فينهو�س عقيد يف اجلي�ش الأمريكي .والعنوان الأ�صلي للدرا�سة هو “Why Youth ،”Join al-Qaedaوقد ن�شرت �ضمن �سل�سلة “التقارير اخلا�صة” التي ي�صدرها املعهد الأمريكي لل�سالم بوا�شنطن العا�صمة ،وذلك بتاريخ �أيار/مايو ،2010وقد قام مدير التحرير ،والباحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية ،حممد �سيف حيدر ،مبراجعتها على الن�ص الأ�صلي وحترير و�ضبط م�صطلحاتها.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
109
املحــــور
�إن هن���اك عدد ًا م���ن العوامل امل�ساهمة والظ���روف البيئية التي غالب ًا امل���ادي والتوجيهات الإ�سرتاتيجية� ،إال �أنها ال ت�سيطر ب�شكل مبا�شر على م���ا ي�ؤخذ بها على �أنها الأ�سباب الرئي�سة الكامنة وراء ظاهرة الإرهاب .الكث�ي�ر من �أوجه “القاع���دة” مبفهومها العام ،ولكنه���ا بالت�أكيد تعطي وهذه الدرا�سة تك�شف زيف بع�ض هذه الأ�ساطري واملفاهيم اخلاطئة حول ر�سالة قوية لأتباعها وتثري الفو�ضى داخل العامل الإ�سالمي وخارجه. دوافع التط���رف ،وتركز على املراحل املبكرة لن�ش���وء املجندين املحتمل احل��ركات الفرعي��ة واملُ�سانِ��دة :وه���ي اجلماعات الت���ي تتلقى ان�ضمامه���م �إىل “القاعدة”� ،إذ �أن لدى العنا�ص���ر التي ت�سعى للقاعدة الدع���م مب�ستوي���ات خمتلفة من قبل القي���ادة الإ�سرتاتيجية ،لكنها متثل خ�صائ�ص غريهم من ال�شباب الرا�شدين ،لكنهم يختارون الطريق التي فروع��� ًا م�ستقل���ة عن التنظي���م الأم وال تتبع���ه مبا�ش���رة .فبع�ضها يتلقى تق���ود �إىل التطرف ال�شديد لأن ر�سالة القاع���دة تُلبّي احتياجات معينة .الدع���م املايل والتدريبي ،وبع�ضه���ا الآخر فقط �أخذ اللقب للإعالن عن كم���ا �أن للأف���راد ال�ساعني للقاع���دة خ�صائ����ص �سيكولوجية وجمتمعية التزامه���ا مببادئ “القاع���دة” .ومن هذه احل���ركات “تنظيم القاعدة واقت�صادي���ة وثقافية خمتلفة تدفعهم �إىل الرك�ض وراء ع�ضوية القاعدة يف �شبه جزي���رة العرب” و”حركة ال�شب���اب” يف ال�صومال و”اجلماعة �أو االنتماء �إليها. ال�سلفي���ة للدع���وة والقت���ال” (الت���ي تُعرف �أي�ض��� ًا بالقاع���دة يف املغرب ويعت�ب�ر عدد ال�ساع�ي�ن وراء القاعدة قلي ًال ن�سبياً ،لك���ن دافع ًا واحد ًا الإ�سالمي) ،وعدد من اجلماعات واحلركات ال�صغرية التي تتبع مبادئ يوحّ ده���م .فهناك طالبي الث�أر الباحثني ع���ن مُتنف ٍّ�س لغ�ضبهم ،وهناك “القاعدة”. طالب���ي املكانة الباحثني ع���ن التقدير ،وهناك طالب���ي الهوية الباحثني منا�صرون م�ستقلون :وه�ؤالء هم مقاتلون �سابقون مل تعد تربطهم ع���ن جماعة ينتم���ون �إليها ،كم���ا �أن هناك طالبي الإث���ارة الباحثني عن �صل���ة ب�أي جماع���ة منظمة �أو تنظي���م� ،أو �أنهم �أفراد تطرف���وا من تلقاء املغامرة .وحتاول هذه الدرا�سة تو�ضيح دوافع كل فئة و�شرح كيف ينظر �أنف�سه���م و�أعلنوا ان�ضمامهم للقاع���دة وع�ضويتهم فيها .والبع�ض منهم �أفراده���ا �إىل العامل من حولهم .وتكمن امل�ساهمة الرئي�سية للدرا�سة يف ق�ض���ى وقت ًا يف مع�سكرات التدريب التابعة للقاعدة ،بينما البع�ض الآخر تق���دمي �إ�سرتاتيجي���ة “الوقاي���ة والتوا�صل” التي ت�سته���دف �إطار ًا عقلي ًا فقط قر�أ عن احلركة وقرر تبنِّي تعاليمها ،ومن �أمثال عنا�صر هذه الفئة معين��� ًا ً ،واالحتياج���ات ال�سيكولوجية لكل فئة من فئ���ات طالبي الغايات عمر فاروق عبد املطلب والرائد ن�ضال ح�سن. املذك���ورة �أعاله .ومت �إعداد هذه الإ�سرتاتيجية للحد من امليول للقاعدة، الأيديولوجي��ة :مب���ا �أنها متج���ذرة يف كتابات �سي���د قطب وعبد ولكي تُقدِّ م لل�شباب املُعرَّ�ضني كثري ًا للتطرف �أو الذين “يف خطر” رواية اهلل عزام و�أب���و حممد املقد�سي ف�إن هذه الأيديولوجية ترف�ض التعددية بديلة لر�سالة القاعدة ،وهي الرواية التي �ستُلبّي االحتياجات الأ�سا�سية احلزبي���ة والدميقراطية لكي ت�صور عامل ًا �إ�سالمي ًا حتت ح�صار الغرب. لل�شب���اب ورغباتهم ويف الوقت عينه تُقدم اختيارات مغرية .وهذا هو ما ويف نظ���ر الأيديولوجي�ي�ن ف�إن احلل الوحيد يكم���ن يف ت�شكيل طليعة من �سيقود �إىل احلد من ع���دد عنا�صر “القاعدة” ،ويُعجِّ ل بتحقيق هزمية امل�سلم�ي�ن حل�شد العامل الإ�سالمي قاطبة للنهو�ض �ضد الغرب والأنظمة �شاملة للتنظيم. املرت���دة التي ت�ؤي���ده ،وذلك من خالل اجلهاد العني���ف حتى ي�سود حكم �أ�صبح م�صطلح “القاعدة” ال�شريعة الإ�سالمية يف كل بلدان ال�شرق الأو�سط. ما هي «القاعدة»؟ العالم��ة املميزة :رغ���م الأيديولوجي���ة التي تتبنى مب���ادئ العنف خمت�صر ًا �شائع ًا لنوع معني من مُعتنقي فكرة التطرف الإ�سالمي العنيف وممار�سي���ه ،ويت�ضمن ذل���ك عدد ًا خمتلف ًا م���ن التنظيمات واجلماعات والعدمي���ة والالعقالني���ة ،والتي ينا�صرها منظرو ه���ذه احلركة� ،إال �أن الإرهابي���ة .وكغ�ي�ره من امل�صطلح���ات الأخرى ،يُ�ضحِّ ي ه���ذا امل�صطلح “القاع���دة” عب���ارة عن عالمة ممي���زة وم�شتهرة يع�ت�رف بها وي�سعى �إليه���ا الكثري م���ن النا�س يف الع���امل الإ�سالمي .وهي ببع�ض الدق���ة اللغوية من �أج���ل الت�سهيل .ون�ستخدم ُل�صق بها ال�صحفيون الغربيون �أي�ض ًا ال�شماعة التي ي ِ يف ه���ذه الدرا�س���ة م�صطلح “القاع���دة” مبفهومها لي�س «القاعدة» إرهابي � مبا�ش���رة معظ���م �أعمال العنف حت���ى عندما ال يكون ال�شام���ل ،والذي ين�صرف �إىل �أنها :جمموعة وا�سعة عملية بعد إمنا � و ً، ا جمنون هناك �أي دليل على ذلك. م���ن التنظيمات واالنتم���اءات الإرهابي���ة الإ�سالمية العاملي���ة الت���ي له���ا فل�سفة ونظ���رة عاملي���ة م�شرتكة .تطرفه وتلقينه قد �إن �أهم ما مييز القاعدة عن غريها من التنظيمات وه���ذه املجموع���ة الوا�سعة تتكون م���ن خم�سة �أجزاء تبدو ت�صرفاته جنونية �أو الأف���راد الذين ينا�ص���رون �أ�ساليب العنف لتحقيق �أ�سا�سية: غاياته���م ال�سيا�سية هو �أن الهدف الأ�سا�سي بالن�سبة متام ًا وغري منطقية القي��ادة الإ�سرتاتيجية :غالب��� ًا ما يُ�شار �إىل للمراقب اخلارجي ،لكن له���م يتمث���ل يف �إع���ادة نظ���ام اخلالف���ة الإ�سالمية، وذلك بوا�سطة ال�صراع العنيف مع الواليات املتحدة ه���ذه القي���ادة ب�أنه���ا “القاعدة املركزي���ة” التي من ال�شخ�ص الذي خ�ضع املحتم���ل ج���د ًا �أنها توج���د يف باك�ست���ان ،وهي ت�ضم لتلك العملية كان �سليم ًا وحلفائه���ا يف الغرب .كم���ا �أنها تعتق���د �أن احلركات الوطني���ة املناه�ض���ة لال�ستعم���ار والقومي���ة العربية القي���ادة الرئي�سية للحرك���ة وكبار مدرائه���ا ومُعدِّ ي عقلي ًا يف الأ�صل الت���ي ظه���رت يف الق���رن املا�ض���ي قد ف�شل���ت يف حل �إ�سرتاتيجياتها .ومع �أنه���ا تقدم الإر�شادات والدعم 110
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
مدى �صحة عملية التحليل. املع�ضالت التي يواجهها املجتمع الإ�سالمي؛ فهي ميث���ل هذا العدد من املقاتلني �أحد �أكرب البيانات عن ت�ؤيد التغيري اجلذري للنظام العاملي ،وترى �أنه ال لن تخ�سر «القاعدة» قوتها جمال للم�ساومة �أو التغيري التدريجي �أو الإ�صالح اجلاذبة للأمة �إال عندما مجُ نّ���دي “القاعدة” حت���ى الآن .ومع ذلك من ال�صعب داخ���ل الدول القائم���ة حالي ًا والت���ي حتتل الأر�ض احل�صول عل���ى معلومات �شاملة ع���ن كل �سمات تنظيم يدرك امل�سلمون �أنها ال التي يجب �أن يقام فيها نظام اخلالفة. تخدم م�صاحلهم ،و�ستلحقها م���راوغ ومتقلب ،لكن من ال�ض���روري موا�صلة الدرا�سة، حيث �أن املعلومات تتوفر مع مرور الزمن .ومبا �أن عينة يركز جمموعة البيانات الهزمية عندما يرى الدرا�س���ة تعتمد كثري ًا عل���ى املقاتلني الذين يتم القب�ض ه���ذا التحليل على عنا�ص���ر “القاعدة” وفروعها منا�صريها �أن �إ�سرتاتيجية عليه���م ،وعلى الذين يتم القب�ض عليهم قبل �أن يفجروا الذين ي�سافرون خارج �أوطانهم للتدريب �أو القتال العنف التي تتبناها لن �أنف�سهم ،ف�إنه لي�س ع�شوائي ًا متاماً ،و�إمنا تظهر توجهات حتت راية القاعدة .وه�ؤالء “املقاتلون الأجانب” حتقق الر�ؤية الوهمية وا�ضحة من خالل احل���االت يف �أو�ضاع متعددة وفرتات ه���م مقاتلون غري حمليني وغ�ي�ر �إقليميني ،تركوا الأم���ان الن�سبي يف �أوطانه���م لي�شاركوا يف �صراع لنظام اخلالفة الإ�سالمية زمنية خمتلف���ة .ومع �أن البيانات ت�سم���ح بالتعرّف على االجتاهات و�أوجه الت�شابه واالنطباعات العامة واملحاور ي�ستهدف يف الأ�سا�س الواليات املتحدة وحلفائها. املتك���ررة ،لكنها ال تعطي الدق���ة الإح�صائية ال�ضرورية وبه���ذا الت�صنيف نكون ق���د ا�ستثنين���ا املتمردين املحلي�ي�ن واملقاتل�ي�ن لأه���داف �إثنية/عرقي���ة ووطني���ة من ه���ذه الفئة ،لدعم التحليل الأكادميي التقلي���دي �أو القادر على التنب�ؤ ،حيث ال توجد و�أدرجن���ا حتته���ا خمتطفي طائرات احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب جمموعة قيا�سية �أو درا�سة متثل معيار ًا يُقا�س عليه نتائج املقابالت.
وانتحاري���ي ال�سابع من متوز/يوليو وغريهم ممن ا�ستخدموا التكتيكات الإرهابية للهجوم على الوالي���ات املتحدة وم�صاحلها يف اخلارج �أو على غريها من البلدان الغربية� ،أو حاولوا القيام بذلك. �إن هذه الدرا�سة ت�ستثني �أولئك الذين ي�سافرون عرب احلدود الدولية برعاية حكومات �أجنبية �أو �ضد رغباتهم .ولكي يتم تقييم الدافع ب�شكل دقي���ق ،فالبد من توفّر الت�صرف االختياري للتع���اون مع “القاعدة” �أو �أهدافها. وت�ضم البيانات امل�ستخدمة يف الدرا�سة الرجال فقط نظر ًا لعدم توفر معلوم���ات معتمدة ت���دل على �سفر الن�ساء �إىل اخل���ارج من �أجل القتال، ولي�س هناك دليل قاطع على وجود ن�ساء مقاتالت من بلدان �أجنبية على �أيٍّ من �ساحات املعرك���ة .ورمبا تكون القيود على �سفر الن�ساء امل�سلمات ه���ي ما �ساهم يف غياب عن�صر الن�ساء يف ظاهرة الإرهاب العاملي ،لكن لي����س هن���اك بيانات كافي���ة للتو�صل �إىل نتائج ميك���ن االعتماد عليها يف هذا ال�صدد. �أخرياً ،تقت�صر البيانات على �أولئك الذين �أعلنوا عالقتهم بالقاعدة �أو �أي���ة حركة عاملي���ة �إ�سالمية متطرف���ة مل حت�صر �أهدافه���ا بالق�ضايا املحلي���ة .ويف الإجمال ،هناك � 2.032شخ�ص ًا ممن تنطبق عليهم معايري التقييم وقدموا معلومات وافية لعملية التحليل. وتعتمد عملية التحليل لهذه احل���االت على م�صادر متعددة ،و�أكرثها تقاري���ر املقاب�ل�ات م���ع املقاتلني الذي���ن احتجزتهم ق���وات االئتالف يف �أفغان�ست���ان والع���راق ومعتق���ل جوانتانام���و يف كوب���ا .ومت تدعي���م ه���ذه املعلوم���ات بالوثائ���ق امل�ص���ادرة ومقابالت �أجراها �صحفي���ون مع �أفراد الأ�سر والأ�صدقاء وال�سجالت العامة عن التواريخ ال�شخ�صية .لكن عمق وطبيعة وجودة التقارير تختلف كثرياً ،وهو ما قد ي�ضفي بع�ض ال�شك يف
�إن �أ�ساطري �شائعة عن جُمنّدي «القاعدة» �إرهاب ��ي “القاعدة” ال���ذي يظهر فج�أة على امل�س���رح العاملي – �إن جاز التعبري – يختلف كثري ًا يف حالته العقلية عن ال�شاب القابل للت�أثر الذي دخل مرحل���ة التجنيد والتدري���ب .ويبدو �أن كثري ًا م���ن مقاتلي القاعدة عا�ش���وا حي���ا ًة طبيعي ًة قب���ل تَركِ هم للأم���ان وال�سالم���ة الن�سبيني الذين يجدوهما يف الوط���ن وبني ذويهم .وعندما يتحولون �إىل مقاتلني �أجانب ف�إنهم ي�سافرون م�سافات طويلة لقتل الأبرياء من النا�س الذين مل يلتقوا به���م قط ،وكل ذلك با�س���م تنظيم رمبا مل ين�ضموا �إلي���ه حتى ،ولق�ضية رمب���ا مل ي�ستوعبونها متام���اً .فهم ميرون مبرحلة ذهني���ة انتقالية حتى ترتاءى لهم الأحداث البعيدة ب�أنها م�س�ألة �شخ�صية جد ًا و�شنيعة للغاية، �إىل درج���ة �أنه���م يجدون �أنف�سه���م جمربين على االن�ضم���ام �إىل معركة �شخ�ص �آخر .ولكل واحد دافعه اخلا�ص لالن�ضمام �إىل حركة متطرفة، لكن هناك خم�سة �أ�شياء م�شرتكة. �أوالً� ،إن �إرهاب���ي “القاع���دة” لي�س جمنوناً ،و�إمن���ا بعد عملية تطرفه وتلقين���ه ق���د تب���دو ت�صرفات���ه جنوني���ة متام ًا وغ�ي�ر منطقي���ة للمراقب اخلارج���ي ،لكن ال�شخ�ص الذي خ�ضع لتلك العملية كان �سليم ًا عقلي ًا يف الأ�ص���ل .وكما الحظ الطبيب النف�ساين وخب�ي�ر مكافحة الإرهاب مارك �سيجمان ،ف�إن الأفراد الذين يعانون من ا�ضطرابات ال�شخ�صية املعادية للمجتم���ع (االنطوائي���ة) ال ي�ؤمت���ن جانبهم ،ورمبا ي�ساوم���ون على �أمان التنظي���م ال�سري كتنظيم القاع���دة ،فيتم طرده���م �أو يرتكون التنظيم باختياره���م عندما يكت�شفون �أن �أ�سا�س الإره���اب االنتحاري هو الرغبة يف الت�ضحي���ة من �أجل ال�صالح الأ�سمى .كم���ا �أن �صعوبة احل�صول على املعلوم���ات والتدريب� ،إىل جانب احلاجة للحفاظ على ال�سرية والتفاعل بثق���ة م���ع العنا�صر الأخرى �أثن���اء عملية التقييم ،ال ميك���ن �أن يقوم بها العقل امل�ضطرب. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
111
املحــــور
وم���ن خ�ل�ال ا�ستعرا����ض ال�سيكولوجي���ة االجتماعية لع���دد كبري من املوج���ود يف مدينته���م الأوروبية ال�صغرية ،ف�إنهم ع���اد ًة ما تعر�ضوا �إىل اجلماع���ات الإرهابية تو�ص���ل كالرك ماك���ويل و �إم� .إي� .سيغال �إىل �أن تف�س�ي�ر �ضيق جد ًا للإ�سالم ،حيث يثم���ن مدر�سوهم وقياداتهم الدينية «�أف�ضل تعميم موثق (عن احلالة العقلية للإرهابيني) كان �سليماً؛ فلي�س حفظ �آيات �أ�سا�سية معينة �أكرث من التحليل الدقيق للن�صو�ص القر�آنية. لدى الإرهابيني �أي مر�ض نف�سي وا�ضح» .وقد مت �إخ�ضاع املقاتلني الذي ويفوته���م �أي�ض ًا �أكرث من � 1400سنة من العلم الديني وال�شروح القر�آنية، تناولته���م هذه الدرا�سة ممن كانوا يف ال�سجون للتقييم الطبي والنف�سي ومل ي�ستف�سروا معلميهم عن �أدق التفا�صيل الدينية. الكامل ،و�أظهر التقييم نتائج م�شابهة .وقد ات�ضح �أن ال�سلوك االنطوائي وبالن�سب���ة لقدرة “القاعدة” على غر�س نظ���رة م�شوهة وحمرّفة عن موج���ود يف كل احل���االت ،لك���ن لي����س هن���اك �أي �أعرا����ض لال�ضطراب التعالي���م الإ�سالمي���ة يف ر�ؤو�س مجُ نّديها ،ف�إن ذل���ك مُت�أتٍّ يف ظل وجود العقل���ي .وهذا يت�ضح عندم���ا ي�أخذ املراقب اخلارج���ي يف عني االعتبار ف���راغ دين���ي وا�ضح يف املراح���ل الأوىل املبك���رة من تعليمه���م ،لأنهم مل حال���ة اجلن���ون وعمليات التدريب الت���ي مير بها املُجنّ���دون ،فلو كان كل يحددوا لأنف�سهم طائفة �أو عقيدة دينية بعينها .ونتيجة لذلك ي�صبحون مجُ نَّدي القاعدة جمانني لكانت هناك جماعة حمدودة جداً ،وقلة قليلة منا�صري���ن مت�شددين لنمط ديني غ�ي�ر �سوي وحمرّف وال ميد للإ�سالم م���ن املُجنّدين املحتم���ل ان�ضمامهم للقاعدة يف القري���ب العاجل ،وهذا ب�صل���ة .والتاريخ يعج ب�أمثلة من احلجج الدينية التي تُ�ستخدم الآن لكي لأن���ه لي�س م���ن ال�سهل الإ�صاب���ة باال�ضطرابات العقلية ،كم���ا �أن ذلك ال ت�سوّغ اللجوء �إىل العنف بهدف رد املظامل .وبغ�ض النظر عمّا هو الدين يح���دث ب�سرعة .و�أثناء امل���رور بعملية املعاجلة يف قن���اة “القاعدة” قد الر�سم���ي املتبع ،ف����إن ثمة جماعات �صغرية حت���اول تعظيم �أهمية بع�ض يكون املُجنّد متلب�س ًا مبظهر اجلنون اخلارجي املمزوج بحما�سة مفرطة ،الن�صو����ص الديني���ة املخت���ارة لت�صبح مب���ادئ �إر�شادي���ة لل�سيطرة على غري �أن اال�ضطرابات العقلية احلقيقية تكون على الأرجح غائبة متاماً .اجلهل���ة وغري املتعلمني ،ولتربي���ر ت�صرفاتها و�أعم���ال العنف التي تقوم ثاني���اً ،ال يتنا�سب مجُ نّد القاعدة ب�سهولة مع اخللفية االقت�صادية له .بها .وهذا �أي�ض ًا ينطبق على احلاالت التي تناولتها هذه الدرا�سة. فبع����ض الأفراد الذي خ�ضعوا للدرا�سة كانوا عاطلني عن العمل ل�سنوات �أما الأ�سطورة الرابعة فهي �أن مجُ نّدي “القاعدة” هم من تقدّم نحو وعا�ش���وا يف فقر مدقع ،بينما �أتى البع����ض الآخر من خلفيات اجتماعية ه�ؤالء ال�شباب (به���دف ا�ستقطابِهم) .لكن احلقيقة هي �أنه نظر ًا لنمط ذات امتي���از وث���راء ن�سبي .وم���ن كان لديهم موارد مالي���ة قاموا بتمويل احلياة البدوي ،ف�إن كوادر “القاعدة” ال يقرتبون من املُجنّدين املحتمل �أنف�سه���م لل�سفر ،وم���ن مل يكن لديهم ذلك وجدوا م���ن يرغب يف حتمّل ان�ضمامهم للحركة .واحل���االت ال�شابة التي تناولها هذا امل�شروع اتبعت تكالي���ف �سفرهم .وكما �أ�شار دانيال بايب���ز من منتدى ال�شرق الأو�سط ،يف الغال���ب نظري���ة “ال�شِّ ّل���ة ال�شبابية” الت���ي قال بها م���ارك �سيجمان، ف����إن الأيديولوجي���ات الإ�سالمي���ة املتطرف���ة ،كغريه���ا م���ن احل���ركات وه���ي �أن املجندي���ن الأفراد هم م���ن �سعوا للح�صول عل���ى معلومات عن الأيديولوجية املعا�صرة ،ت�ستخدم لغة الظلم االقت�صادي لتعزيز حُ جّ تها“ ،القاعدة” من خالل الأ�صدقاء واملقربني .وبهذا ،ف�إن �أول خطوة تُتخذ ولك���ن رغم ذلك ف�إن عنا�صرها عموم ًا لي�سوا من �صفوف الفئة الفقرية تكون من قبل الفرد نف�سه ولي�س التنظيم. واملعدمة فعالً .وقد اعرتف �شاب �سعودي مت القب�ض عليه �أثناء حماولته وخلل���ق الرغب���ة و�إث���ارة االهتم���ام عن���د العنا�صر اجلدي���دة ،طورّت للعب���ور �إىل العراق �أنه ح�صل على ترقية يف العمل وبانتظار زيادة كبرية “القاعدة” مي�سم ًا عاملي ًا وروجته بقوة ،مُ�ستغل ًة معرفتها وتوا�صلها مع يف الرات���ب قُبي���ل ان�ضمام���ه �إىل �صفوف جماعة جهادي���ة حملية .وهذه و�سائ���ل الإعالم اجلديد ،خا�ص���ة القنوات الف�ضائي���ة ومواقع الإنرتنت احلال���ة لي�ست الوحيدة ،فمن بني احل���االت التي خ�ضعت للدرا�سة كانت املعروف���ة بغ���رف الدرد�شة ،والت���ي �سمحت للقاعدة بخل���ق هوية خا�صة الدواف���ع االقت�صادية الأقل �سبب ًا وراء االن�ضمام �إىل طموح���ة من خ�ل�ال حتديدٍ ع���ام حذِ ر يلي���ق ب�أذكى �أي تنظيم �إرهابي. مُ�س ِوّقي املنتجات .وبهذا ،ي�صبح الأفراد على معرفة ثالثاً ،لي�س �صحيح ًا �أن مجُ نّدي القاعدة ي�صبحون الأ�سطورة التي تر ّوجها بالهوية وي�سعون للح�صول على املعلومات املتعلقة بها �إرهابي�ي�ن لأنه���م م�سلم���ون .فه����ؤالء يف الواقع لي�س «القاعدة» لنف�سها ُت�ص ِّور قب���ل �أن يلتق���وا بعن�ص���ر قدمي �أو جديد م���ن عنا�صر لديهم الفهم الكايف لتعاليم دينهم ،وهو الأمر الذي اجلماعة على �أنها متثل ذروة “القاعدة”. يجعله���م عُ ر�ض ًة للت�أويل اخلاط���ئ للمبادئ الدينية .اجلهاد ،وهذه اخلرافة هي والأ�سط���ورة التي تروّجها «القاعدة لنف�سها تُ�صوِّر وب�ص���ورة عام���ة ،ف�إنهم ال ي�أتون م���ن خلفيات دينية �أعظم قوة تدعم التنظيم، اجلماعة على �أنها متثل ذروة اجلهاد ،وهذه اخلرافة قوية .لكنهم على امل�ستوى العاملي تقريب ًا �إما جند �أن وجتعل االن�ضمام �إىل اجلماعة هي �أعظ���م قوة تدعم «القاع���دة» ،وجتعل االن�ضمام تعليمه���م الديني غري مكتمل �أو �أنهم ن�شئوا يف �أ�سرة م ً َرتبة جميدة ،وال ينالها �إال �إىل اجلماع���ة مَ رتب��� ًة جمي���دة و�صعب���ة الو�صول ،وال تُطبِّ���ق العقي���دة ب�شكل روتين���ي فقط .و�س���واء تلقوا املخل�صني وامللتزمني و�أ�صحاب يناله���ا �إال املخل�ص�ي�ن وامللتزمني و�أ�صح���اب القلوب تعاليمهم م���ن املدار�س التي تفتقر �إىل الدعم املايل الطاهرة .ومع �أن عملي���ة التلميع هذه تتجاوز الواقع القلوب الطاهرة يف باك�ستان �أو من الوعظ املت�شدد يف امل�سجد الوحيد بكثري� ،إال �أنها �أ�سط���ورة مُنت�شِ رة ومُقنِعة .فالقاعدة 112
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
بح�س���ب ما تقت�ضيه الظروف وت�سمح به .وعندما يزداد ال تجُ نِّد بقدر ما تعر����ض نف�سها للمُنقادين ،ومن ث���مّ ت�سمح لهم بتقدمي طل���ب الع�ضوية .والأغلبية ال ميكن �أن تتحقق هزميته الرتكيز(عليه���ا) وت�شت���د ق���وة رحى القت���ال يف موطنها العظمى من احل���االت يف هذه الدرا�سة قاموا �إما «القاعدة» يف مكان معني� ،إذ ترح���ل �إىل م���كان جتد فيه احلكومة املحلي���ة �إما م�ؤيدة با�ستف�سار �صديق �أو قريب ينتمي �إىل احلركة� ،أو له���ا �أو غري فاعل���ة .ولهذا ال ميك���ن �أن تتحقق هزميتها حيث كمفهوم، هزميتها يجب �سعوا �شخ�صي ًا للح�ص���ول على املعلومات املتوفرة يف م���كان معني� ،إذ يجب هزميتها كمفهوم ،حيث ميكن ّ إ�سرتاتيجية � ي ن تب ميكن على الإنرتن���ت �أو يف امل�ساجد املعروف���ة بت�أييدها تبنّ���ي �إ�سرتاتيجي���ة الر�سائل امل�ضادة الت���ي �إذا جنحت إذا � التي امل�ضادة الر�سائل للقاعدة. ف�إنه���ا �ستدمر الإغراء ال�سيكولوجي للقاعدة عن طريق إغراء ل ا �ستدمر إنها � ف جنحت �إنه���اء �أو ت�شتي���ت امل�شاع���ر التي جتذب ال�شب���اب �إليها. و�أخ�ي�راً ،لي�س �صحيح��� ًا �أن «القاعدة» موجودة عن للقاعدة ال�سيكولوجي وعندم���ا ال ي�سع���ى �أح���د �إىل «القاعدة» ف�إنه���ا �ستنتهي يف كل م���كان .فهن���اك �أك�ث�ر م���ن ملي���ار ون�صف امل�شاعر ت�شتيت أو � إنهاء � طريق م���ن الوج���ود ،و�إذا مل يعد هن���اك من يق���دم الت�ضحية م�سلم ينت�شرون يف �أرجاء العامل� ،أما من ان�ضموا إليها � ال�شباب جتذب التي ال�ضرورية لي�صبح ع�ضو ًا �أو ليبد�أ يف �إن�شاء فرع للقاعدة �إىل «القاع���دة» – �سواء كانوا �أحي���ا ًء �أو �أموات ًا – ف����إن هذا التنظيم �سيختفي� .أم���ا �إذا وا�صل من ي�سعون ف�ل�ا يتجاوز عدده���م الآالف� .صحي���ح �أن ر�سالة �إىل «القاعدة» تطلعهم امل�ستم���ر لالن�ضمام �إليها ،ف�إنه «القاع���دة» ق���د و�صلت �إىل معظم �أنح���اء العامل، لك���ن القلي���ل هم من �ساف���ر �إىل بلدان �أخ���رى من �أجل القت���ال .كما �أن لي����س هناك �أية قوة عل���ى وجه الأر�ض ت�ستطيع تق���دمي احلماية الكافية �سيا�س���ات الوالي���ات املتحدة وغريها م���ن الدول الغربي���ة التي حتد من للواليات املتحدة وحلفائها من الهجمات الإرهابية يف امل�ستقبل. حري���ة امل�سلمني �أو املمار�سات الأمنية املت�شددة جتاههم� ،أدت �إىل تنفري وت�ستغ���ل «القاعدة» الف�ضائيات ومواقع الإنرتنت املتوفرة يف كل مكان �شع ٍ ���وب ب�أكملها .وباملث���ل ،ف�إن االعتقاد ب����أن احل�ض���ارة الغربية تندفع م���ن �أجل �إعادة جتديد روح الهوية الإ�سالمي���ة ،مُ�ستخدم ًة لغة انتقامية نح���و �صدامٍ وجودي مع الإ�سالم ال ي�ساعدن���ا يف فهم واحلد من التحاق ومتحدي���ة ،ت�ص���ور �أن الإ�سالم حت���ت التهديد العامل���ي امل�ستمر من قبل املتطوع�ي�ن املحتملني باحل���ركات املتطرفة العنيف���ة ،لأن الإح�صائيات ع���دو متما�سك .كما �أن قادة «القاعدة» فاعل���ون ومنت�شرون ،وا�ستفادوا ت���دل على �أن تلك ال�سيا�سات غالب ًا ما ت�صيب الأبرياء من النا�س الذين م���ن نطاق االت�صاالت احلديث���ة الوا�سع ،والتغطي���ة الإخبارية ال�شاملة، ي�سعون للعي�ش ب�سالم. والت�صريحات التلفزيونية العاطفية والإنرتنت بطريقة مل يتخيلها قادة وم���ع جتاوز ه���ذه الأ�ساطري ال�شائع���ة� ،أظهر ال�شب���اب الذين خ�ضعوا احل���ركات ال�سابقة .وعلى عك�س ال�صحف واملن�ش���ورات والإذاعة والبث للدرا�سة ممن جذبتهم «القاعدة» �أن لديهم ن�ضا ًال عاطفياً ،ميلك هدف ًا التلفزيوين الأر�ضي ،تعترب �شبكة الإنرتنت الو�سيلة الأكرث قدرة على نقل ووجهة وهوية ،مثلما هو �شائع يف �أو�ساط املراهقني يف معظم الثقافات .ر�سال���ة «القاعدة» ب�سرعة ومبا�شرة �إىل ماليني النا�س حول العامل .ومع فق���د �شكلتهم جتاربهم وبيئتهم املحيط���ة بهم ،لكن رغبتهم يف �أن يكون كل نب�أ �إخباري �أو رابط عل���ى الإنرتنت ،تتكرر ر�سالة «القاعدة» ويرتدد له���م دور ًا يف املجتمع وعدم حتق���ق تلك الرغبة كان هو الدافع احلقيقي �صداها يف كل �أنحاء الف�ض���اء الإلكرتوين ،وهذا التكرار املتوا�صل يزيد من فر�ص بقائها وم�صداقيتها عند عقول جمهورها امل�ستهدف. وراء ان�ضمامهم للقاعدة. �أي�ض��� ًا ت�ستخ���دم «القاع���دة» جمموعة متغ�ي�رة من املنتدي���ات يُدخِ ل �إن ر�سالة «القاعدة» واملحيط الإعالمي حمتواه���ا امل�ستخدم���ون ،خا�صة ع�ب�ر ثالثة كيانات �إعالمي���ة (الفجر، «القاع���دة» عبارة عن �أيديولوجية وعالمة عاملية رائجة توظِّ ف الإرهاب وجبهة الإع�ل�ام الإ�سالمية العاملي���ة ،وال�سح���اب) ،لتحافظ على تدفق كو�سيلة لتحقيق �أهدافها .وكغريها من اجلماعات الأخرى عرب التاريخ، املعلوم���ات الت���ي حتم���ل عالمتها ب�ش���كل متناغ���م ومنتظم عل���ى مواقع ت�ستخ���دم «القاع���دة» هذه الظاه���رة «كنوع من التوا�ص���ل الرمزي» بد ًال الإنرتن���ت وو�سائ���ل الإع�ل�ام التقليدية .وتتلق���ى هذه الكيان���ات الثالث م���ن التكتيك الع�سك���ري؛ �إذ تعترب الت�أثري ال�سيكولوج���ي �أكرث �أهمية من الإعالمي���ة للن�ش���ر والتوزي���ع معلومات جمموع���ات خمتلف���ة تنتمي �إىل الأث���ر امل���ادي للقتال .لقد ب���رزت «القاعدة» بف�ضل تركيزه���ا على مبد�أ «القاع���دة» �أو متعاطفة معها ،وتقوم بن�شرها على �صفحات املواقع حيث اال�ست�شهاد واملوت ،وقد �أ�شار �إىل ذلك املتحدث با�سم «القاعدة» موالنا ي�ستطي���ع �أكرب عدد من النا����س ر�ؤيتها ب�سهولة .وحت���اول «القاعدة» من �أني���اد اهلل بقوله« :الأمريكيون يحبون البيب�سي كوال ،ونحن نحب املوت». خ�ل�ال ا�ستخدامه���ا له���ذه التنظيمات (الفرعي���ة) �أن تن����أى بنف�سها من فالقاعدة ترفع املوت �إىل م�ستوى �أعظم الأعمال البطولية ،كما �أنه كان التوزي���ع املبا�ش���ر (للمعلومات والبيان���ات) لأ�سباب �أمني���ة .ولي�س هناك �شائع ًا يف �أو�ساط احلاالت اخلا�ضعة لهذه الدرا�سة اقتبا�س �آيات قر�آنية �أي تنظي���م �آخر يربع – كما «القاع���دة» -يف ا�ستغالل الإنرتنت لي�سمح حت���ثّ عل���ى اال�ست�شه���اد ،وغالب ًا ما حتدث���وا عن «حتقيق» امل���وت وخيبة للمجندين اجلدد العفويني بال�سعي وراء ع�ضويته. �أملهم يف عدم االنتحار قبل منعهم من ذلك. وغالب��� ًا ما كانت احل���ركات الإرهابية يف العق���ود ال�سابقة تنا�ضل من و»القاع���دة» عب���ارة ع���ن كي���ان متج���ول يهاجر م���ن م���كان �إىل �آخر العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
113
املحــــور عر�ض حالة
�أج���ل احل�صول على ال�شهرة خ���ارج النطاق اجلغ���رايف لأن�شطتها .لكن التط���ور ال�سريع لتكنولوجي���ا الإنرتنت ،مع وجود ال�شب���كات االجتماعية واملحت���وى ال���ذي ينتج���ه امل�ستخدمون وال���ذي �أ�صبح متاح��� ًا على نطاق وا�س���ع ،كل هذا �ساعد «القاع���دة» واحلركات الفرعي���ة املرتبطة بها يف القرن احل���ادي الع�شرين على تو�سيع م�ساحات و�صوله���ا .و�أ�صبح يُ�شار �إىل ا�سمها عاملياً ،وغالب��� ًا ما ي�صرح زعمائها حول �أهمية احلفاظ على �سمعة التنظي���م ال�شعبية .فقد �أعلن �أمين الظواه���ري ،قائالً�« :إن �أكرث م���ن ن�صف هذه املعركة ي���دور يف ميدان و�سائل الإعالم» .كما حثّ كبري املُروِّج�ي�ن للقاعدة ،و�أمري جبهة الإعالم الإ�سالمية العاملية الذي يظهر حت���ت اال�سم امل�ستعار «�ص�ل�اح الدين الثاين» ،جمه���ور امل�ؤمنني ،قائالً: «توحدوا �أيه امل�سلمون ...و�شكلوا �سرايا اجلهاد الإعالمي لك�سر ال�سيطرة ال�صهيوني���ة املفرو�ضة على و�سائ���ل الإعالم ،ولرتهب���وا الأعداء» .ومبا �أنها تعتم���د كثري ًا على �إعادة ن�شر ر�سالتها عاملي���اً ،فالبد �أن «القاعدة» ت���درك هويتها العامة �أكرث من غريها من التنظيمات الإرهابية على م ّر التاري���خ .وللإبقاء عل���ى هويتها العاملية البد �أن حتاف���ظ با�ستمرار على تدف���ق املعلومات وما يُ�ستَجد من تطورات حت���ى تظل حا�ضر ًة يف الوعي العام. �إ�ضاف���ة �إىل الإ�ش���ارة امل�ستم���رة ال�س���م «القاع���دة» عل���ى القن���وات التلفزيوني���ة الف�ضائي���ة و�شبك���ة الإنرتن���ت ،ت�ستخدم «القاع���دة» طرق التوزي���ع الأقل تط���وراً .وقد مت تق���دمي �أ�شرطة �صوتي���ة ومواعظ مكتوبة و�أقرا����ص م�ضغوط���ة و�أقرا����ص (دي .يف .دي) ملعظ���م احل���االت الت���ي تخ�ض���ع له���ذه الدرا�سة للإجابة ع���ن �أ�سئلتهم حول الأح���داث اجلارية. وبطبيع���ة احلال� ،إذا كان هناك �شاب م�شو����ش الذهن �أو مُتلهف ملعرفة �أي جان���ب من جوان���ب الإ�سالم �أو الأحداث احلالي���ة ،ف�إنه يتم �إعطائه خطب���ة مُ�سجّ ل���ة �أو ي�ؤخ���ذ �إىل �أح���د امل�ساج���د املحلية حيث يتلق���ى �آراء «القاعدة» وتفا�سريها اخلا�صة لتعاليم الإ�سالم .وقد �أُلقي القب�ض على بع����ض املقاتلني وبحوزتهم �أ�شرطة ،وقالوا خالل املقابالت التي �أُجريت معهم �أن هذه الأ�شرطة قيم��� ٌة للغاية .وكانت العنا�صر اجلديدة حتملها معها كرمز للمكان���ة ،بينما �شجّ ع قادة اخلاليا الإرهابية املُجنّدين على م�شاركة الأ�شرطة مع الأ�صدقاء. وعندم���ا جتتمع اخلُطب املتطرفة – �سواء كان���ت مبا�شرة �أو م�سجلة – م���ع التمجيد املُنظّ م للإنرتن���ت ،ف�إنها حتدث �ضجة م�ستمرة حول «القاع���دة» وي�صبح التنظيم منوذج ًا طموح ًا يُغري باالتّباع ،ويُنظر �إليه ب���كل ب�ساطة على �أنه احل���ل الوحيد �أمام ال�شاب الذي متلأ ر�أ�سه الكثري من الت�سا�ؤالت .وكما �أو�ضح الباحث املعروف يف ظاهرة الإرهاب براين ماي���كل جِ نكين���ز ،ف�إن «�ألفاظ التجني���د تُركِّز على ال���ذُّل والعار والذنب مقاب���ل الكرامة والواج���ب وال�شرف» .ويف نهاية املط���اف ،يجد ال�ساعي وراء «القاع���دة» �أن لديه���ا �إجاب���ة جاه���زة لكل �ش���يء ،و�أن الطريق �إىل حتقيق النجاح قد تبيّنت. ويف كل �ش���كل من �أ�شكال و�سائل الإعالم ميك���ن ت�صوره ،مبا يف ذلك 114
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ق�صة فتى من وراء خطوط «القاعدة» يف باك�ستان �سامي يو�سفزاي ورون مورو كان حافظ حنيف �شاهد ًا على حادثة مل ت�سلّط عليها الأ�ضواء الإعالمية. فف����ي �آذار /مار�����س املا�ضي ،ق�صفت طائ����رات من دون طي����ار« ،بريدايتور» (املفرت�س����ة) ،مقاتلني يف �شم����ال وزير�ستان .وكان الفت����ى الأفغاين يف رفقة عدد م����ن �أع�ضاء «القاع����دة» يف موكب من �سيارتني .وتوق����ف املوكب للتموّن من جممع �سكن����ي .وحلظة ترجل حنيف من �إحدى �سيارات املوكب ،وتوجهه نح����و املُجمع ،بع����د �أن دق الباب وابتع����د قلي ًال عنه متوجه ًا نح����و ال�سيارتني، على جاري موجبات اللياقة يف املناطق البا�شتونية� ،شُ نت غارة مزدوجة على ال�سيارتني .وق�ضى فيها 7مقاتلني عرب من «القاعدة» ،بينهم م�س�ؤول �سوري وم�ص����ري .ويق����ول حني����ف �إن �أحد املقاتل��ي�ن مل يقتل على الف����ور ،و�أنه حاول م�ساعدته ولكنه فارق احلياة. وحني����ف (واال�سم ه����ذا م�ستعار) يُقي����م ،اليوم ،مع والدي����ه يف كارات�شي، وه����و يف الـ 16من العم����ر ،والتحق ب�صفوف اجلهاديني ،عل����ى خالف م�شيئة والديه .وهو تلميذ بارع يف الريا�ضيات ،وطليق بالإنكليزية والعربية والأوردو والبا�شت����و .وعل����ى رغم �صغر �سن����ه� ،أم�ضى الأ�شهر ال����ـ 18الأخرية يتدرب يف مع�سك����ر ل����ـ «القاع����دة» يف املناط����ق القبلي����ة الباك�ستاني����ة ،عل����ى احلدود مع �أفغان�ستان .وتق�صت جملة «نيوزويك» �صحة روايته ،وحاولت التدقيق فيها ما �أمك����ن .وحنيف هو ابن �شقيق م�س�ؤول يف طالبان لطاملا زوّد املجلة مبعلومات دقيق����ة .وبعد اختفاء الفتى من منزل والديه يف �شباط/فرباير ،2009ق�صد عمه ووالده مرت��ي�ن وزير�ستان بحث ًا عنه .ووجده والده يف رحلته الثانية ،بعد �شهري����ن من تقفي �أثره .ولكن الفتى رف�ض االبتعاد عن �أ�صدقائه العرب �إىل �أن حملته دموع والدته ورجواها بعد �أ�شهر على العودة. واختار حني����ف �أن يلتحق بـ «القاعدة» عو�ض طالبان الأفغانية التي ينتمي �إليه����ا عمّ����ه .فجاذبي����ة املنظمة ه����ذه راجح����ة يف �أو�ساط املقاتل��ي�ن ،ويظهر املنت�سب����ون �إليها يف مظه����ر نخبة .ويرى حنيف �أن م����ا عا�شه مغامرة كبرية. وهو يغف����ل اجلانب العنيف م����ن �أن�شطة املقاتلني .فهم يعدم����ون اجلوا�سي�س املفرت�ض��ي�ن ،ويعت����دون بالأ�سي����د على فتي����ات ،ويرهبون ال�س����كان يف املناطق التي يُحكم����ون قب�ضتهم عليها .واالن�ضم����ام �إىل املقاتلني اجلهاديني ،واملوت «�شهي����داً» ،ه����و حلم����ه الوحي����د .في����وم كان يف ال�سابع����ة ،اجتاح����ت �أم��ي�ركا �أفغان�ست����ان .وب����د�أ ال����زوار م����ن مقاتل����ي طالب����ان وم�س�ؤولني فيه����ا وم�ؤيديها يتواف����دون على من����زل عائلته ،ق����رب كارات�شي .ون�ش�أ الفتى وه����و ي�ستمع �إىل ق�ص�����ص عن «احلرب املقد�سة» على ال�سوفيات ،وحرب املُال عمر على �أمراء احلرب الأفغان ،وعهد طالبان يف احلكم.
ويف الع����ام املا�ضي ،قابل حني����ف رج ًال من القبائل يف مقه����ى بكارات�شي. وكان الرجل يروي ق�ص�ص ًا مثرية عن حرب طالبان الباك�ستانية على القوات احلكومية ،يف املناطق القبلية .والحظ الرجل وقع ما يرويه على حنيف .فعاد يف اليوم التايل �إىل املقهى ملقابلته .وطلب حنيف منه م�ساعدته على االلتحاق باملقاتلني .وتبينّ �أن الرجل يجنّد املقاتلني حل�ساب بيت اهلل حم�سود ،الزعيم الطالب����اين الباك�ستاين الذي قُتل قبل عام .وذاع �صيت جتنيد حم�سود �شبان ًا يافعني لتنفيذ عمليات انتحارية .ويُن�سب اغتيال بينظري بوتو ،رئي�سة الوزراء الباك�ستانية ال�سابقة� ،إىل واحد من ه�ؤالء االنتحاريني ال�شباب .و�شعر حنيف ُخف �سعادته. �أن احلظ حالفه ،ومل ي ِ وبعد �أيام ،غادر منزل والديه يف ال�صباح املبكر .ولكنه مل يق�صد املدر�سة، بل ا�ستقل با�ص ًا مع جمنّده �إىل مدينة بانّو ،املعرب �إىل �شمال وزير�ستان .ولكنه مل ي�ص����ل �إىل مع�سكر حم�س����ود .فالبا�ص توقف يف مع�سكر ال����ـ «قاعدة» على مقرب����ة من مدينة داتا خل ،على احلدود الأفغانية ،ليرتجل �شابان خليجيان رافق����ا حنيف من كارات�شي .و�أعجب حنيف بال�شابني ،وتوجه �إليهما بالعربية مرحب����اً ،و�أخربهما عن عمّ����ه امل�س�ؤول يف طالبان الأفغاني����ة .فقال له ال�شيخ عب����داهلل �سعيد ،وهو م�س�ؤول ليبي يف «القاع����دة»« :ميكنك البقاء �إذا �شئت». وه����ذا ما ح�ص����ل .و�شارك يف برنام����ج تدريبي دام � 3أ�شهر .وي����روي �أنه كان مت�شوق���� ًا ليبد�أ التدرب .ولكنه واج����ه �صعوبات .فاملدربون العرب يطلبون من املتدرب��ي�ن بذل جهود كبرية .وتن����وع جن�سيات زمالء حنيف يف �صف التدريب وعدده����م 30طالب ًا بينهم �شي�شان ،و�سوريون و�أتراك وطاجيك و�سعوديونوفرن�سي����ان من �أ�صل جزائ����ري ،و� 3أملان اثنان يتحدران م����ن �أ�صل عربي �أو ترك����ي -ه����ذا التنوع هو م����ر�آة جاذبي����ة «القاعدة» وقدرتها عل����ى ا�ستقطاب املقاتلني من جن�سيات خمتلفة. وحني����ف كان الأفغاين الوحي����د بينهم ،والأ�صغر �سن����اً .وعدد من الأتراك والأوزب����ك وال�شي�شان يجيدون العربية �أو الرتكي����ة �أو البا�شتو ،وكانوا ينقلون تعليم����ات الأ�سات����ذة �إىل من ال يفه����م العربية .وتعلم حنيف قي����ادة الدراجة الناري����ة وال�سيارة وال����ـ «بيك �آب» وال�شاحنة .وتلقّن عل����وم الدفاع عن النف�س بوا�سطة ال�سكني وبندقية «�أك »-47ور�شا�ش الكال�شنيكوف .ونقل خرباء عرب �إلي����ه �أ�صول ا�ستخ����دام املتفجرات ،و�سبل �صناعة �س��ت�رات انتحارية« .و�صار يف و�سع����ي �صناع����ة �سرتات حتتوي عل����ى � 5أو 6كيلوغرامات م����ن املتفجرات وامل�سامري يف �أربع �ساعات» ،على ما يقول حنيف مُتباهياً. وت����درب حنيف على كيفية احلفاظ على رباط����ة ج�أ�شه حني االقرتاب من
>>
حديث ال�شارع ،يجد ال�ساعي لالن�ضمام �إىل «القاعدة» �أنه يتم احلديث عنها ككيان �أ�سطوري .كما تقدم «القاعدة» ر�ؤية عاملية منطقية ب�صيغة مب�سطة جد ًا وموحدة عن ظواهر تبدو متباينة تزيد من �إحباط ال�ساعي �إليه���ا جت���اه ن�ض���ال امل�سلمني عرب الع���امل .وبهذه الطريق���ة يكون هناك خياران ال ثالث لهما :موا�صلة املعاناة �أو االن�ضمام معنا للقتال. ويتم خل���ط رموز املجد بنيا�ش�ي�ن ال�شرف التي متن���ح لل�شباب الذين وج���دوا مهنته���م ومكانه���م ،وح���ددوا م�سار حياته���م .وه���ذا النوع من اجله���اد الإ�سالم���ي يُلفِّ���ق رواي���ة بطولية ،ويبع���د ال�شكوك الت���ي تنتاب ال�شب���اب حيال موقعهم يف ه���ذا العامل ،وي�ستبدله���ا بالهدف والتوجيه. وتق���دم ر�سالة «القاع���دة» فر�صة لالختيار الذات���ي ،وطريق ًا لالن�ضمام �إىل الأم���ة احلقيقية �أو جمتم���ع امل�ؤمنني .ومع �أن ال�ش���اب ال�ساعي وراء ع�ضوية «القاعدة» قد عانى مُ�سبق ًا من خيبة الأمل يف تفاعله مع املجتمع امل�سلم� ،إال �أنه يرى �أن هذه فر�صة لالرتباط مبا هو �أعظم من نف�سه. �إن م���ن ال�صعب عل���ى الغربيني فه���م م�ستوى التمجي���د الذي حتظى ب���ه «القاع���دة» .فقبل �أن ي�ص���ل ال�ساع���ي وراء هذا التنظي���م �إىل عتبة �أب���واب منتديات���ه ،متتل���ئ �أُذُ ناه ب�صخب لغ���ة التطرف .كم���ا تقدم بيئة الإع�ل�ام يف بع�ض �أجزاء ال�ش���رق الأو�سط لل�شباب �سري���ع الت�أثر ،فكرة عدم وج���ود بدائل ناجعة وايجابية حتل حمل «القاعدة» .ويف عام 2007 كان هن���اك �أكرث م���ن 4.500موقع جهادي تن�ش���ر �أيديولوجية «القاعدة» وتدعم املحادثات ،وت�سهل املناق�شات حول دور ال�شباب امل�سلم يف العامل احلدي���ث .وما زال عدد املواقع ي���زداد يوم ًا بعد ي���وم ،وكذلك املدونات والتعيين���ات على موقع «يو تيوب» وغريه من املواقع االجتماعية الأخرى. ويف نف����س الوقت ،متتل���ك «القاعدة» مكتبة عل���ى الإنرتنت حتتوي �آالف الكتب واملقاالت ،كتبها جهاديون كبار. ويف ن�شرات الأخبار التلفزيونية يف لبنان تجُ رى ب�شكل دائم مقابالت م���ع «�أمه���ات ال�شه���داء» ويتحدثن بفخر ع���ن اجن���ازات �أبنائهن ،ويتم ت�صويره���ن كركائز لكلٍّ م���ن العقيدة واملجتمع .وهن���اك توجد �أ�شرطة الفيدي���و للمتطوعني يف املا�ض���ي وامل�ستقبل ،وتُن�شَ ر �ص���ور ال�شهداء على �أوراق الإعالنات والالفتات والتق���اومي ،كما تُعرَ�ض عمليات اال�ست�شهاد يف املهرجان���ات وامل�سرحي���ات املدر�سية ،وكل ه���ذه الأ�شياء تقوم بتربير ومتجيد الأعمال االنتحارية .وبغ�ض النظر عن م�صدره ،ف�إنه يتم تعميم متجي���د القتال عندم���ا تقوم القن���وات الف�ضائية بب���ث معلومات حملية للم�شاهدين على امل�ستوى الإقليمي. �إن مجُ نّ���دي القاع���دة الفئ��ات الأرب��ع املحتملني الذين يعي�شون يف هذه البيئة الإعالمية امل�شحونة جداً ،ميثلون طاقة غري موجهة تبحث عن الإر�شاد والتوجيه ،ويريدون �أن يعرفوا من ه���م ،وما �أهميتهم ،وماذا يجب �أن يكون دورهم يف هذا العامل .فلديهم رغب���ة يف حتديد ذاتهم لكنه���ا مل تتحقق ،ولذا تعر�ض «القاعدة» نف�سها لتحقي���ق ذل���ك .ويف املقابالت الت���ي �أجريت م���ع �أولئك الذي���ن تخطوا العتبة ،وب���دءوا عملية التلقني ،تكرر مو�ضوع واحد يف كل ت�صريحاتهم، العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
115
املحــــور >>
وه���و �أنهم جميع��� ًا كانوا يبحثون ع���ن �شيء ما .ويف طبيع���ة هذا البحث الأ�سا�سية تكمُن مقدرة «القاعدة» يف حتويلهم �إىل عنا�صر عنف .ووفق ًا ملا ي�سعون �إليه ،ميكن تق�سيمهم �إىل �أربع فئات ،هي :طالِبُ الث�أر؛ وطالِبُ املكان���ة؛ وطالِبُ الهوية؛ وطالِ���بُ الإثارة .وبتناول م���ا يبحثون عنه ،ف�إن هذا �سيقودنا مبا�شرة �إىل الكيفية التي ميكن بها تغيري طريقهم. واجلدي���ر بالذكر هنا �أن هذه الفئات متثل �أولئك الذين هم مجُ نّدون محُ تم ٌل ان�ضما ُمه���م ولي�س عنا�صر «القاع���دة» �أو منا�صريها الن�شطني. فحامل���ا يك���ون ال�شاب قد «ع�ب�ر العتبة» ،وب���د�أ عملية التلق�ي�ن ،ف�إن بيئة معلومات���ه تتغري جذرياً ،وي�صبح معزو ًال ويتم تلقينه تعاليم �أخرى ،ومن التع�صب املُف���رَط الذي يجعله ث���مّ ف�إن نظرته للع���امل تتغري �إىل درج���ة ُّ خمتلف ًا �سيكولوجي ًا عن حالته قبل التلقني .وحاملا يدخل املُجنّد املحتمل ع�ب�ر قناة «القاع���دة» ف�إنه ال يغدو �صاحل ًا ملكافح���ة التطرف عن طريق الت�أث�ي�ر االيجابي� ،إذ مل يع���د ممكن ًا �أن ي�سمع ر�سال��� ًة مُعارِ�ض ًة لر�سالة «القاع���دة» ،وتُ�صبِ���ح فر�صة حتريره للر ّد عليه���ا �أو تف�سريها مو�ضوعي ًا �ضئيلة للغاية. ثانياً ،ال متثل هذه الفئات املتمردين املحليني الثائرين �ضد حكوماتهم لالن�ضم���ام �إىل ح���ركات التم���رد �أو االنف�ص���ال ،ولك���ن �أولئ���ك الذي���ن جتعله���م رغبتهم ل�ت�رك �أوطانهم مخُ تلِفني يف دوافعه���م وخطرين جد ًا على الواليات املتحدة وحلفائه���ا� .أما �إ�شكاالت الإرهاب املحلي والتمرد الداخلي ،رغم عالقتها باملو�ضوع ،فلها دوافع خمتلفة. يرى ّ�س لغ�ضبه ِلب الث�أر :يبحث عن مُت َنف ٍ طا ُ �أول ن���وع – طالِبُ الث�أر – �أنه �ضحية يف املجتمع ،ويمُ لي عليه منطِ قه �أن هن���اك قوى خارجية تت�سبب يف تعا�ست���ه ،وتُ�صعِّب عليه حتقيق النجاح. ومبعنى �أدق ،فهو ال يدري ما هو �سبب غ�ضبه ،ولهذا يبحث عن �أي �شيء يع���زو �إليه هذا ال�شعور .وي�ست�شيط غ�ضب ًا وغي�ض��� ًا لأتفه الأ�سباب ،التي ترتاوح بني التناف�س مع الطالب يف فناء املدر�سة �إىل �صدٍّ رومان�سيٍّ من حبيب .وقد و�صف املحلل النف�سي هينز كوهت هذه احلالة ب�أنها «غي�ض نرج�س���ي ...احلاجة لالنتقام ،وت�صحي���ح اخلط�أ ،وت�ضميد اجلراح ب�أي و�سيل���ة كانت ،والإكراه الرا�سخ الذي ال ينثني �سعي ًا وراء حتقيق كل هذه الغايات» .وقد �أدعى الأ�شخا�ص الذين خ�ضعوا لهذه الدرا�سة �أن ال�سبب وراء م�شاركته���م يف القتال هو من �أجل معاقبة الغرب على هجماته �ضد امل�سلم�ي�ن .لكن ما �أن توا�صلت املناق�شات معه���م حتى ات�ضح �أنهم كانوا عل���ى خالف مع �أحد �أف���راد �أ�سرهم ،خا�صة الآب���اء� ،أو �أنهم تورطوا يف نزاع���ات وم�شاج���رات احلي الذي كان���وا ي�سكنوه ،وذل���ك قبل االهتمام بع�ضوية «القاعدة». ويذك���ر خبري ح�ض���ارة ال�شرق الأو�س���ط الإ�سالمي مارف�ي�ن زوني�س، �إن املجتمع���ات العربي���ة ُتق���دِّ ر �ش���رف وكرام���ة الفرد �أكرث م���ن احلرية ُدمّرة ال�شخ�صية .وعندما تواجه مبادئ ال�شرف والكرامة الإخفاقات امل ِ لكث�ي�ر م���ن دول ال�شرق الأو�سط يف نيل الأهمي���ة يف العامل ،ف�إن النتيجة تك���ون ذ ًال عميق��� ًا ودائمَ الوج���ود ،وغ�ضب ًا ملمو�س��� ًا يف املنطقة .ومع �أنه 116
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
الهدف الذي ينوي تفجريه .ويُحفظ زر التحكم باملتفجرات يف �سحّ اب داخل �سرتة املتفجرات للح�ؤول دون تفج��ي�ر ال�شاب الع�صبي واملتقلب املزاج نف�سه باك����راً ،قبل الو�صول �إىل اله����دف .ويطلب الأ�ساتذة �إىل ط��ل�اب االنتحار �أال يفج����روا �أنف�سهم حلظة م�شاهدة الهدف .ويقول حني����ف �إن املدربني العرب يدر�س����ون طباع املُجنّدين عن قرب ،و�أنهم يف�ضل����ون الأوالد الأذكياء امليالني �إىل االمتث����ال للأوام����ر ،والذين يجيدون ق����راءة اخلرائ����ط ،وي�سعهم �ضبط �أع�صابهم .ويف زيارته �إىل مع�سكر حم�سود� ،شاهد حنيف متدربني يافعني ال يزيد عمرهم عن الـ 12عاماً .ويف زيارة غري متوقعة ،الحظ بيت اهلل حم�سود فت����ى �صغري ًا جد ًا يف ال�سن ،فطلب م����ن القائمني على املع�سكر �أن يعيدوه �إىل �أهل����ه .وبعد مقت����ل حم�سود ،عاد القائمون على املع�سك����ر �إىل جتنيد الأطفال «املفجرين». وي�ش����د احلنني حني����ف �إىل مع�سكرات التدري����ب .فـ «الطع����ام كان لذيذاً، وال�س��ل�اح جي����داً ،و�أجهزة التفج��ي�ر متواف����رة .وكل ما يحتاجه امل����رء ليكون جهادي ًا نافذ ًا وقوي ًا كان يف متناوله» ،على ما يقول .ويف مع�سكرات التدريب، ال تتوق����ف مول����دات الكهرباء عن العم����ل .ويف نهاية الي����وم ،يق�ضي املقاتلون وقتهم يف م�شاهدة �أفالم «جهادية» على �أجهزة الكومبيوتر املحمولة. وح��ي�ن �شارف حني����ف على التخرج من ال����دورة ،بد�أ اجلي�����ش الباك�ستاين غ�ض حملت����ه على املقاتلني جن����وب وزير�ستان .ف�إ�سالم �أباد مل يعد يف و�سعها ّ النظ����ر ع����ن عمليات حم�سود� ،إثر اغتي����ال بوتو .وتفرق املدرب����ون واملجندون جمموع����ات �صغرية ،وفرّوا �إىل �شم����ال وزير�ستان حيث الت�أم �شملهم برئا�سة ال�شي����خ �سعي����د .وا�ست�����أذن حنيف ال�شيخ ه����ذا ،يف خمابرة والدت����ه ،ووعدها بالع����ودة ،على رغم عدم رغبته يف ذل����ك .ويقول حنيف« :العرب ال يُجربوننا عل����ى البقاء ،واملع�سكرات لي�ست �سجوناً ،عل����ى خالف ما تزعم الربوباغندا (الدعاي����ة) الأمريكي����ة .وق����ال يل العرب �أنت ح����ر وت�ستطيع الع����ودة .ولكن مل����اذا ال تع����دل عن ر�أيك وتبقى معن����ا» .ويروي حني����ف �أن املقاتلني امللتزمني ي����رون الكالم يف البي����ت والعائلة خطيئ����ة .وكُرث منهم يحمل �ص����ور منازلهم اجلميلة و�سي����ارات فاخرة تركوها عند مغادرتهم �إىل «القاعدة» ،دلي ًال على الت�ضحيات التي بذلوها يوم قرروا االلتحاق بـ «القاعدة». وبد�أت حمالت اجلي�ش الباك�ستاين تحُ كم اخلناق على املقاتلني .وتقاربت وت��ي�رة هجمات الطائرات من دون طيار .و�أزي����ز الطائرات املفرت�سة يكاد ال يتوق����ف ف����وق وزير�ستان .فيعتاد امل����رء ال�صوت هذا .ويف الع����ام املا�ضي ،بلغ ع����دد �ضحايا هجم����ات هذه الطائ����رات نح����و 80مقاتالً ،بح�س����ب تقديرات حنيف .وهي تقديرات قريبة من �أرقام م�صدر يف اال�ستخبارات الباك�ستانية يرى �أن عدد قتلى املنظمة هذه يف هجمات الطائرات بلغ نحو 120قتيالً ،يف العام��ي�ن املا�ضيني .وكثفت قوى الأمن الباك�ستانية حمالتها يف �أ�سواق مريان �ش����اه ،عا�صمة �شمال وزير�ست����ان .وقب�ضت ذات مرة على حنيف وا�ستجوبته. ولكن����ه جن����ح يف �إقناعها ب�أنه �شاب �صغ��ي�ر ي�سعى يف االن�ضم����ام �إىل طالبان الأفغانية .ف�أطلق �سراحه. وعل����ى رغم الهجم����ات هذه� ،أفلح����ت «القاع����دة» يف تعوي�����ض خ�سائرها. وجنّ����دت م�س�ؤول��ي�ن ج����دداً .واملجن����دون اجل����دد يتدفق����ون عل����ى مع�سكرات «القاع����دة» ،بعد رحل����ة طويلة تدوم نحو � 3أ�شهر .فيتجمع����ون يف ب�ؤر �آمنة يف تركيا وال�ش����رق الأو�سط و�آ�سيا الو�سطى ،ومنها يق�صدون �أفغان�ستان .وغالب ًا م����ا يحمل القادمون من تركيا وال�شرق الأو�سط �أموا ًال تفوق الـ� 20ألف دوالر. ويرت����اب م�س�ؤولو «القاعدة» يف القادمني اجل����دد ،ويح�سبون �أنهم جوا�سي�س،
و�أن اال�ستخبارات الأمريكية ك ّلف����ت بع�ضهم زرع �سيارات «القاعدة» ب�أجهزة تعقب مغناطي�سية حتدد مكانها متهيد ًا لق�صفها. و ُيق����دِّ ر حنيف عدد م�س�����ؤويل «القاعدة» يف باك�ستان بنح����و � 130شخ�صاً، ج ّله����م من العرب ،وق�سم ال ي�ستهان به منه����م �شي�شاين و�أوزبكي ،وقلة منهم �أت����راك .ويقول حنيف �إن نحو ن�صف ه�ؤالء غ����ادروا �إىل �أفغان�ستان مل�ساعدة طالب����ان الأفغاني����ة عل����ى مواجه����ة خط����ة «التجيي�����ش» (رفع ع����دد القوات) الأمريكي����ة .وتوزع����وا عل����ى جمموع����ات �صغ��ي�رة م����ن � 5أو 6رج����ال الواحدة ليلتحقوا ب�صفوف طالبان الأفغانية .ومهمتهم تقت�صر على ت�صنيع ال�سرتات االنتحاري����ة ،والعب����وات النا�سفة ،وتدري����ب طالبان املحلية عل����ى �أ�صول �صنع القناب����ل ،ولي�����س امل�شارك����ة يف القتال .وبح�س����ب حنيف ،بقي نح����و 65مدرب ًا عربي���� ًا من «القاعدة» يف املناط����ق القبلية الأفغانية .والرق����م هذا قريب من تقدي����رات رئي�����س الـ «�سي �آي �أيه» ،لي����ون بانيتا ،الذي يق����ول �إن عدد �أع�ضاء «القاعدة» يف �أفغان�ستان يرتاوح بني 50رج ًال و 100رجل. و�ش�أن �أق����ران �سنّه الذين ي�ؤخذون بـ «النج����وم» والقادة ،تلمع عينا حنيف عندما يتكلم عن «امل�شاهري» الذين �صادفهم بدء ًا ببيت اهلل حم�سود وخليفته حكيم اهلل حم�سود ،و�أبو يحيى الليبي� ،صاحب املرتبة الثالثة يف الـ «قاعدة»، و�آدم غدن ،املعروف بعزام الأمريكي .و�إثر تعاظم خطر هجمات «املفرت�سة»، اختف����ى ه�ؤالء القادة عن الأنظ����ار ،على قول حنيف .وال تخبو حما�سة حنيف عن����د ال����كالم على لقائ����ه بالعميل الأردين امل����زدوج همام خلي����ل �أبو مالل - البلوي الذي فجّ ر نف�سه يف قاعدة ا�ستخبارات �أمريكية يف خو�ست ،يف كانون الأول /دي�سم��ب�ر الأخري .ويقول عنه« :كان دائم املزاح .وكنا ندعوه �أبو ليلى. وكان طليق���� ًا بالعربية والإنكليزية والرتكية ،ومقرب ًا من ال�شيخ �سعيد» .وليلى ه����ي ابنة البل����وي البِكر .و�أق ّل حني����ف و 3من زمالئه البل����وي �إىل مريان �شاه يف طريق����ه �إىل �أفغان�ستان لتنفيذ العملية االنتحارية .ويعر�ض حنيف �شريط فيدي����و على جهاز كومبيوتره املحم����ول يظهر فيه وهو ي�صنع �سرتة متفجرات يزع����م �أنه����ا ال�سرتة التي ارتداها البلوي .وال مي���� ّل حنيف الكالم على الوقت الطي����ب ال����ذي �أم�ضاه يف لع����ب الكرة الطائرة م����ع العرب والأت����راك ،و�صيد الأران����ب والطيور ،والطبخ والنوم يف الع����راء .ودرج جتار يف مريان �شاه على الرتحيب بحنيف ورفاقه .وكانوا يدعونهم �إىل ق�ضاء الليلة يف متاجرهم بعد غلق �أبوابها ال�ستخدام �أجهزة الكومبيوتر والإنرتنت والهواتف الدولية .وكان حني����ف يق�صد �سوق مريان �شاه مرة يف ال�شهر ل�شراء م�ؤن غذائية للمع�سكر. فينف����ق �أك��ث�ر من 1000دوالر عل����ى الغذاء والعتاد .ويق����ول حنيف �إن املال مل ينق�����ص املقاتلني يوم����اً .فهم ي�شرتون �شاحن����ات «بي����ك �آب» «تويوتا» جديدة و«الند كروزر» متى احتاجوا. ويف ني�س����ان� /أبري����ل املا�ضي ،ق�ص����دت وحدة حنيف �أفغان�ست����ان ،وحملوا هوي����ات �أفغاني����ة م����زورة .ودرب����وا طالب����ان الأفغاني����ة على �صناع����ة العبوات النا�سف����ة .ويف غ����زين ،قاب����ل حنيف قريب �أب����و م�صعب الزرق����اوي الدموي. و�أبلغ����ه نيته العودة لزي����ارة والدته .ف�أعطاه ر�سالة م����ن �صفحتني يحذره من الع����ودة �إىل عائلت����ه «لأنه����ا �س ُتغيرّ ه» ،عل����ى قوله .وم�ضى �شه����ران على عودة حني����ف �إىل كن����ف �أ�سرته .وهو يواج����ه ال�شرور والإغ����راءات التي حذره منها �صديق����ه العربي .فوالده يحثُّه على �إنهاء درا�ست����ه والزواج .وعمّه يدعوه �إىل ال����زواج والعمل يف التج����ارة .ولكنه يقول �إنه �سيخ�سر احلي����اة التي يحب �إذا نزل على دعوات �أهله. �سام���ي يو�سف���زاي ورون م���ورو مرا�س�ل�ان ،واملق���ال ن�ش���ر يف جمل���ة «نيوزويك» الأمريكي���ة ،بتاري���خ � 13أيلول�/سبتم�ب�ر .2010و�أعادت ن�ش���ره �صحيفة «احلياة» اللندنية يف منت�صف �أيلول�/سبتمرب .2010
كان �أحيان��� ًا م���ن ال�صعب الف�صل بني الغ�ضب ال���ذي �شعرت به احلاالت يف ه���ذه الدرا�سة قب���ل ان�ضمامهم للقاعدة ،والغ�ض���ب الذي كان نتيجة للغ���ة التط���رف� ،إال �أنه كان وا�ضح��� ًا فيما يقارب %30م���ن احلاالت �أن ال�شب���اب ه���م م���ن �سع���ى �إىل «القاعدة» ب�سب���ب غ�ضبهم .وم���ن نواحي عدي���دة ،ي�شب���ه طالب الث����أر حالة من ين�ض���م �إىل حركة حملي���ة� ،سواء �سيا�سي���ة كانت �أو قتالية ،حماو ًال تغيري الظ���روف ال�سيا�سية التي يعي�ش فيه���ا .لكن الفرق الكب�ي�ر يكمن يف �أن طالب الث�أر ال���ذي ي�صبح مقات ًال خارجي��� ًا يج���ب �أن ي�ست�شيط غ�ضب ًا �إذا ما الحظ �أتف���ه الأ�سباب التي مل يُعانِ منها �شخ�صي ًا �أو ج�سدياً .ولكي يلبي حاجته لالنتقام عليه �أن يثور �ضد �شيء عانى من���ه فقط بالنيابة عن غريه .وغالب ًا ما �أظهر املقاتلون الأجان���ب الذين يندرجون حتت هذه الفئة دالئ���ل على غرورهم املفرط جت���اه قيمته���م الذاتية ،وكانوا يعتقدون �أنهم هم م���ن �سيُعيد العامل �إىل جم���راه ال�صحيح .و»القاعدة» بدوره���ا تزيد من لهيب غ�ضبهم وتوجهه نحو الواليات املتحدة ،وذلك ب�إعطائهم ك ًال من غاياتهم وتوجهاتهم. ومب���ا �أن طال���ب الث����أر يكون �أك�ث�ر اجنذاب��� ًا لر�سالة «القاع���دة» التي ت�سته���دف مهاجم���ة الغرب ،ال���ذي يكون يف نظ���ره م�سئو ًال ع���ن معاناة املجتم���ع امل�سل���م ،ف�إنه يجب �إيج���اد طرق �أخرى ل���ه لينفِّ�س عن غ�ضبه. ولك���ي ينحرف طالب الث�أر عن م�س���ار التطرف العنيف البد من �إعطائه م���ا قد يكون مُتنفَّ�س��� ًا لغ�ضبه ،وو�سيل ًة لتوجيه ذل���ك الغ�ضب جتاه تغي ٍري ذي معن���ى يف هذا الع���امل .ففتح قنا ٍة للتوا�صل مع طالب الث�أر من خالل احلوار وامل�شاركة ال�سيا�سي���ة ،ودعم الفنون الإبداعية ،وتقدمي الربامج الريا�ضي���ة ،يمُ كِ ن �أن يُجدي نفع ًا يف تلبي���ة حاجته للتخل�ص من الغ�ضب الذي ينتابه. يف حني ِ��ب املكان��ة :يبح��ث عن التقدي��ر طال ُ كان���ت فئة طالبي الث����أر �أكرث �شيوع��� ًا يف �أو�ساط �أولئ���ك الذين يعي�شون يف جمتمع���ات ال�ش���رق الأو�سط امل�سلمة ،ف�إن الفئ���ة الثانية – �أي طالبي املكان���ة – كانت �سائدة يف �أو�ساط �شعوب ال�شت���ات ،خا�ص ًة من يعي�شون يف ال���دول الغربي���ة .ويرى طال���ب املكانة �أنه يعي�ش يف ع���ا ٍمل ال ي�ستوعبه وال يق���دره ح���ق التقدي���ر الذي يرى �أن���ه ي�ستحقه .وتنبع خيب���ة �أمله من التوقع���ات غ�ي�ر املُحققة من �أن���ه �سيتمكّن من حتقي���ق النجاح يف وطنه اجلديد ،و�أن يحظى بالتقدي���ر من جمتمعه املحلي .وهذا ال�شعور �سائد بني املهاجرين الباحثني عن العمل ،وطالب اجلامعات العاملية ال�ساعني �إىل االندماج يف البل���د الأجنبي .لكن عنا�صر هذه الفئة يجدون �أنهم ال ينالون االحرتام الذي عرفوه قبل تركهم �أوطانهم. فلن�أخذ ،عل���ى �سبيل املثال ،ال�شاب الأفريقي ال���ذي �سافر �إىل �أوروبا بحث��� ًا عن �أجر �أف�ضل �أو �أحياة �أف�ضل ،لكنه ما �أن و�صل �إىل وجهته حتى وجد نف�سه ال يج���د �سوى العمل الو�ضيع رغم �أن الأجر الذي يتلقاه �أكرب بكث�ي�ر مما هو احلال عليه يف وطنه .وكان من باب الواجب �أن يُر�سِ ل ما يجنيه �إىل بلده ،بينما يزبد ويرغي حيال حقيقة �أنه مُقيّد يف �أجزاءٍ من املدين���ة ،ويقوم ببع�ض الوظائف املعينة يف جمتمع ال يرغب به �إال كعامل العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
117
املحــــور
رخي����ص .وكما �صرخ �شاب مغربي قائالً« :كنت كالعبد يف فرن�سا ،حيث تقريب ًا يف �أو�ساط فئ���ة املراهقني ،ويج ّر ال�شباب �إىل ع�صابات ال�شوارع كنت �أعمل يف املطبخ غري �أنني مل �أكن �شخ�ص ًا مرغوب ًا به يف غرفة الأكل .و�أندي���ة ال�شط���رجن وفرق اجلوّالة ،وم���ن ثمّ �إىل «القاع���دة» .وهذا ينبع وعندما كنت �أغادر احلي كان النا�س يف ال�شارع يتحا�شونني وك�أين �شيء م���ن احلاج���ة الفطري���ة �إىل التطبّع ب�سل���وك و�أعراف ومب���ادئ التجمع ق���ذر» .و�شباب يف مثل هذا الو�ضع يعتقدون �أنهم ذو قدر وقدرات وقيمة االجتماع���ي .وم���ا يحتاجه طالب الهوية ه���و البنية والقواع���د واملنظور للع���امل غري �أن و�ضعهم يف املجتمع مل يعك����س ذلك .وكان �أكرث من %20الت���ي تنبثق جميع ًا من االنتماء �إىل اجلماع���ة ،لأن االنتماء هو ما يحدد م���ن املقاتلني يف هذه الدرا�سة ي�سعون �إم���ا لتح�سني مكانتهم يف املجتمع �شخ�صيته ودوره و�أ�صدقائه وتفاعله مع املجتمع من حوله. �أو لإثبات �أهميتهم للعامل. وعندم���ا يُكافِح ال�شاب لإبراز نف�س���ه والتعريف بها ،ف�إن معايري هوية وتعت�ب�ر النظري���ة التعليمية االجتماعي���ة لألربت بان���دورا وا�ضحة يف اجلماع���ة ،وقبول �أقران���ه ،ت�صبح �أمر ًا مهم��� ًا جداً� .أي�ض��� ًا توفر الهوية ه���ذه احلاالت ،لأن ال�شباب املُحبَطني جتاه دورهم ون�ش�أتهم ي�سعون �إىل اجلماعية الرموز اخلارجية النتمائه ،مُعلِن ًة وجوده للعامل ،وجتعله يربز �أف���راد جمتمعاته���م املحلية م���ن ذوي املكانة العالية ليحت���ذوا حذوهم .يف عي���ون الآخرين .وت�شكل ه���ذه الفئة الن�سبة الأعل���ى للمقاتلني الذين ويف املجتمع���ات الغربية املق�سم���ة عرقي ًا يجد ه�ؤالء ال�شب���اب �أن القليل تناولته���م الدرا�س���ة .وبالن�سبة له���م ،يعترب تنظيم «القاع���دة» �أكرث من م���ن �أبن���اء وطنهم قد حقق���وا مكان���ة عالية ،وب���دءوا ي���رون �أن التحيز جم���رد �أ�سطورة� -إنه �أف�ضل نادٍ حمتمل لالن�ضمام �إليه .وكما هو احلال واال�ضطه���اد مينع عنا�صر فئتهم ب�أكمله���ا من حت�سني قدرهم ،وهذا ما م���ع اجلماع���ات اخلا�صة املح�صورة عل���ى نف�سها جداً ،م���ن التنظيمات يُفجِّ ر فيهم �صرخة ال���رد القائلة «�سوف نريكم» ،ويدفعهم �إىل املطالبة الأخوي���ة �إىل الطوائ���ف الديني���ة ،ف����إن �أيديولوجية «القاع���دة» تُطالِب بالإق���رار بقيمته���م الفعلية .ويعت�ب�ر االحرتام وال�ش���رف ال�شخ�صي من بالطاع���ة العمي���اء بو�صفه���ا حالة ذهني���ة ،وحتدد الطريق���ة التي يجب مع���امل املجتمعات التي ترعرع فيها ه����ؤالء ال�شباب ،فبدءوا ي�شعرون �أن عل���ى عنا�صرها التفك�ي�ر والإح�سا�س والت�صرف وفقه���ا .وهذه القواعد عليهم فعل �شيء ليثبتوا للع���امل قيمتهم احلقيقية� .إن العن�صرية وعدم الوا�ضحة ،والر�ؤية املنطقية للعامل ،تروق لطالبي الهوية لأنهم ي�صبغون الثق���ة يف الأ�شخا����ص ال�ش���رق �أو�سطيني ،م���ن �ش�أنهما مفاقم���ة ال�شعور الهوي���ة بالأيديولوجيا .وال�شاب ال���ذي يبحث عن الإر�شاد والتوجيه يجد وفر�ص الكثري من ذلك يف ظل «القاعدة». بالعزل���ة وقل���ة القيمة (لدى ه�ؤالء) .ويف حال ع���دم توفُّر خمارج ٍ للتميّ���ز ،ف�إنه �سيتم ب�سهولة �إغراء �أولئ���ك ال�شباب ب�أن مكانة «القاعدة» كم���ا �أن الإط���ار ال�سلوكي واملب���ادئ الإر�شادية الت���ي مينحها االنتماء �ستنتقل �إليهم حاملا ين�ضمون �إليها. اجلماعي تُف�سِّ���ر ثقافة االنتحار والعنف املوجود داخل خلية «القاعدة»، ويف ه���ذه اللحظ���ة ،تُ�صوِّر القاع���دة �شهدائها وعنا�صره���ا على �أنهم وي�صب���ح العن���ف واملوت هما العُ���رف ،ومن يرف�ض ذل���ك يتم طرده من �شخ�صيات جميدة وبطلة ،ك�سب���ت عظيم االحرتام يف جمتمعاتها .وقد �صف���وف اجلماعة ،ويخ�سر املكا�سب الإيجابية ومبادئ التميّز التي ت�أتي ي���روي امل�سلمون كبار ال�س���ن ممن يعي�شون يف ال�شت���ات ،من �أجل تعزيز م���ن ال�شع���ور باالنتماء .ولهذا من املهم جد ًا �إبع���اد ال�شباب عن ع�ضوية دلي���ل هويتهم ،ق�ص�ص املجد الفردي املحق���ق �أثناء القتال يف الأرا�ضي «القاعدة» قبل ان�ضمامهم لها ،لأنهم ما �أن ين�ضموا حتى تزداد با�ستمرار البعي���دة .ومن���ذ فرتة طويلة ب���د�أ طالب املكان���ة ي���رى �أن �أ�ضمن طريق قوة االبتعاد عن املجتمع مقابل ازدياد قوة الت�شبّث باجلماعة. لك�س���ب االحرتام ه���و االن�ضمام �إىل اجلهاد العامل���ي .ول�صرفه عن هذا وعل���ى غرار ال�صراع �ضد عنف الع�صابات احل�ضرية ،يكمن التحدي املعتق���د ،البد �أن يتم عك�سه علن ًا ب�أ�سلوب �أكرث تناغم ًا مع ر�ؤيته الذاتية .الكب�ي�ر يف تق���دمي البدائل الناجع���ة واجلماعات الأخ���رى التي ي�ستطيع واملقاي�ض���ات اخلارجي���ة التي متن���ح املكانة ،وتعطي ال�شاب االنتماء �إليها .فيج���ب على الواليات املتحدة و�صف��� ًا �إعالمي ًا �إيجابي��� ًا عن امل�سلم�ي�ن ،وت�ضع حد ًا وحلفائها دعم املنظمات التي ت�شكل جماعات الهوية للتفرق���ة العرقي���ة يف املجتمع���ات ،ت�ساع���د يف �إِبعاد �إذا وا�صل من ي�سعون الإيجابي���ة ،التي ترتاوح ب�ي�ن املنظمات اخلدمية �إىل طالِب املكانة عن طريق «القاعدة». �إىل «القاعدة» تطلعهم �أندي���ة الأن�شط���ة الريا�ضي���ة واملغام���رات .فالبني���ة، امل�ستمر لالن�ضمام �إليها ،وهدف اجلماعة املنظمة� ،إ�ضافة �إىل رموز االنتماء، ِلب الهوية :يبحث عن مكان طا ُ �ستُقلل من �إمكانية �سعي طالِبُ الهوية لالن�ضمام �إىل على عك�س ف�إنه لي�س هناك �أية لالنتماء عنا�صر «القاعدة» من �أجل تلبية احتياجاته. طالب املكانَة ،الذي يريد الربوز من بني اجلماهري ،قوة على وجه الأر�ض
ِ��ب الإث��ارة :يبحث ع��ن املغامرة ف����إن طالِ���بَ الهوية يكون �أك�ث�ر اهتمام��� ًا باالندماج ت�ستطيع تقدمي احلماية طال ُ
يف تنظي���م ب���ارز؛ فاالنتماء �إىل �شيء م���ا هو الدافع الأ�سا�س���ي لطال���ب الهوي���ة .وتعتم���د ق���وة وا�ستقرار �شخ�صيته على تكوين هوية مُر�ضيَة وفاعلة ،والدافع لتحدي���د ال���ذات بالهوي���ة اجلماعية قوي ب���ل و�شائع 118
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
الكافية للواليات املتحدة ميث���ل عنا�ص���ر ه���ذه الفئ���ة �أقل ن�سب���ة ب�ي�ن الفئات وحلفائها من الهجمات الأخرى التي خ�ضعت للدرا�سة ،فهم ي�شكلون �أقل من الإرهابية يف امل�ستقبل خم�سة يف املائة م���ن �إجمايل احلاالت� .أي�ض ًا يختلف دافعه���م كث�ي�ر ًا عن باق���ي عنا�صر الفئ���ات الأخرى.
املجابهة للقاعدة تق���دمي املزيد من اخليارات والبدائل وميتل���ئ طالب الإثارة بالطاق���ة والن�شاط ،ويريد �إظه���ار رجولته م���ن خالل اجناز مهم���ة �شاقة �أو حاملا يدخل املُجنّد املحتمل لأولئك الذين ي�سعون وراء «القاعدة» (بهدف االن�ضمام النجاة من مغامرة خطرية .ومبا �أنه ي�شعر بامللل ،عرب قناة «القاعدة» ف�إنه ال �إليها) ،وذلك لل�سماح لهم بتحقيق �إبراز الذات بطريقة �أو يفتقد للتحدي ،ف�إنه يبحث عن املحاولة التالية مُن ِتج���ة و�إيجابية؛ فال�شباب يري���دون الوثوق بقراراتهم التطرف ملكافحة ا ً �صاحل يغدو �أو مغامرة �أحدث .وغالب ًا ما ينتمي �إىل �أ�سرة من واختياراتهم ،وعلى الواليات املتحدة امل�ساعدة يف توفري إذ � االيجابي، أثري � الت طريق عن الطبق���ة الو�سطى �أو العلي���ا ،وال يكون له رغبة يف اخليارات ال�صحيحة. مل يعد ممكن ًا �أن ي�سمع ر�سالةً العمل �أو ما يلوح له يف �أفقه كحياة دنيوية. �إن اال�سرتاتيجيات املميزة تقوم مبعاجلة االحتياجات التنظيم، لر�سالة ِ�ضةً ر ُعا م وغالب ًا ما ينجذب طالب الإثارة لألعاب الفيديو املختلفة لكل نوع من طالب���ي االن�ضمام �إىل «القاعدة»، د ّ للر حتريره فر�صة ِح ب ُ�ص ت و العنيف���ة ،وحكايات املقاتل�ي�ن العائدين اخليالية. لكنه���ا �أي�ض ًا ت�شرتك يف بع����ض اخل�صائ�ص .والر�سائل ا ً مو�ضوعي تف�سريها أو � عليها ويت�أث���ر كث�ي�ر ًا ب�ص���ور املج���د واملغام���رات الت���ي التي ت�صدر عن الواليات املتحدة جتاه ال�شعوب امل�سلمة للغاية �ضئيلة تر�سمه���ا دعايات «القاع���دة» .وبالن�سبة له تعترب ُنا�ض���ل لتحقي���ق م�صداقيتها عند عق���ول عامة النا�س ت ِ «القاعدة» عام ًال موفِّر ًا للإثارة املرعبة والواعدة املت�شكك���ة .وقد �أظهر ا�ستطالع لل���ر�أي العام �أن معظم بتحقيق العنف املذهل واملجد اخليايل. امل�سلم�ي�ن لديه���م م�شاع���ر مزدوج���ة حي���ال «القاعدة» ومن املحتم���ل جد ًا �أن يتخلى طالب الإثارة عن احلركة الإرهابية �إذا و�أهدافه���ا ،وباملقابل ي���رى الكثري منهم �أن احلكوم���ة الأمريكية منافِقة م���ا خذلت���ه حقيقة �أ�سط���ورة «القاعدة» ،ومل يجد في���ه حتدياً .وقد ذكر وال حت�ت�رم امل�سلم�ي�ن .وهذا ي����ؤدي �إىل انعدام الثق���ة يف �أي ر�سالة ت�أتي �شاب �سوري ،يف مقابلة �أُجريت معه� ،أنه ق�ضى �أول �أ�شهر له مع عنا�صر مبا�ش���رة م���ن الواليات املتح���دة ،وي�صبح م���ن ال�ضروري وج���ود املزيد «القاعدة» يف �إعداد الوجبات والتنظيف والتجول بالأع�ضاء الآخرين يف م���ن ال�شركاء م���ن الأمم الأخ���رى واملنظمات امل�ستقلة لتعم���ل نيابة عن ال�سيارة حول املدينة ،وقال« :كنت كاملر�أة عندهم؛ ومل يثقوا (يف قدرتي الواليات املتحدة .ومع �أنه الب���د للواليات املتحدة من اال�ستمرار يف هذه عل���ى) م�شاركتهم القتال احلقيقي» .ويف الواق���ع ت�شك خاليا «القاعدة» الإ�سرتاتيجي���ة ب���كل حما�سة وت�صمي���م� ،إال �أنه ال يج���ب �أن تُفر�ض كحلٍّ يف البداي���ة يف املُجنّدي���ن اجل���دد ،لأنه���ا تخ�ش���ى م���ن اخ�ت�راق وكاالت خارجي م���ن اجلانب الأمريكي فقط ،و�إمنا يج���ب الرتكيز على ت�شجيع اال�ستخب���ارات لها ،فيتم �إعطاء �أولئك املُجنّدين �أعما ًال و�ضيعة ومتدنية وت�سهيل وتعزيز اجلهود املحلية خللق قوة مناف�سة. و�أه���م خطوة لكل �إ�سرتاتيجي���ة هو اال�ستماع للغ�ي�ر� ،إذ �أن من ي�سعى حت���ى يثبتوا �أنهم �أه ًال للثقة .وعليه ،ميكننا �إقناع طالب الإثارة ب�صرف النظر عن االن�ضمام �إىل �صفوف «القاعدة» من طريق ف�ضح الواقع املُ ّر لالن�ضم���ام �إىل «القاع���دة» يخ�ب�رون العامل عن م�شاعره���م ،وغالب ًا ما ت�صيبه���م خيبة الأمل لعدم وجود من ين�ص���ت لهم .ففي �أحد املقابالت الذي �سيعي�شه مع عنا�صرها. اجلديرة بالذكر هنا تذمّر �أح���د ال�شباب قائالً�« :شعرت بالرغبة يف �أن مبا �أن هزمية �إ�سرتاتيجي��ة الوقاي��ة من التطرف ي�سمعن���ي �أحد ،لكن مل يحدث ذلك عندما تكلم���ت .فبد�أت �أ�صرخ ،ومل «القاعدة» ال تت�ضم���ن اال�شتباك يف القتال يف مكان بعينه ،ف�إن العن�صر يل �أحد. ي�سمعن���ي �أحد .فب���د�أت �أرمي الأ�شياء م���ن حويل ،ومل ي�ص��� ِغ �إ ّ الأ�سا�س���ي يف �إ�سرتاتيجي���ة الوقاية من التطرف يتمث���ل يف ت�شويه �صورة فذهبت �إىل حيث يوجد من ال يتجاهل �صوتي .والآن �سوف ي�سمعونني». التنظي���م ،و�إقناع ال�شباب بعدم ال�سع���ي وراء احل�صول على ع�ضويته �أو كم���ا �أن «الدرا�س���ة الت�سويقية» م���ن العنا�صر املهم���ة يف �أي �إ�سرتاتيجية االنتم���اء �إلي���ه .لكن هذا ال يعن���ي التوقف عن املواجه���ة الفعلية ،فعملية توا�صل ،وتكمن �أهمية ذلك ب�صورة خا�صة يف م�ساعدة الواليات املتحدة الت�شويه تتطلب با�ستمرار ،وعلناً ،تدمري عمليات «القاعدة» ،وتفكيكها، على تقلي�ص الفوارق الثقافية والدينية ال�شا�سعة بني املجتمعات امل�سلمة و�إحباط خمططاتها من خالل اجتماع التدابري الع�سكرية وفر�ض �سلطة والغرب. القان���ون .وعلى جبه���ة موازية ،ينبغي بذل اجلهود ل���زرع بذور ال�شكوك ثاني���اً ،يج���ب عل���ى الواليات املتح���دة �إ�ش���راك �أولئ���ك ال�ساعني وراء حول جناح وفعالية عملي���ات «القاعدة» يف عقول ال�شباب ال�ساعني وراء «القاع���دة» يف �إعالمه���ا ،وه���ذا ي�شمل خط���وات تقنية �أمامي���ة ورجعية االن�ضمام �إىل التنظيم� ،أو تكوين حركة م�ساعدة له. يف نف����س الوق���ت .فغالب ًا ما تق���وم «القاعدة» بن�شر الأخب���ار يف الغرب، �أي�ض��� ًا تتطلب هزمية القاعدة نف�سي ًا (�سيكولوجياً) �أن تعمل الواليات لك���ن الكثري م���ن املتطرفني يقولون �إنه���م �سمعوا لأول م���رة عن الدعوة املتحدة بكل ما لديها لل�سيطرة على و�سائل االت�صاالت ،من خالل حملة للقت���ال عن طريق �أ�شرطة الكا�سيت �أو الأقرا�ص امل�ضغوطة ( )CDالتي للإن�ص���ات الفعل���ي وامل�شاركة القوية .وهذا النوع م���ن اجلهود �سيحدث تناولته���ا الأي���دي يف جمتمعاته���م .وبالرغم من الإغراء ال���ذي تعر�ضه يف املنتدي���ات الإعالمي���ة اجلدي���دة كغ���رف الدرد�ش���ة (ت�ش���ات روم)، اال�سرتاتيجيات الإعالمية اجلديدة ،ف�إن القيم والأفكار وا�سرتاتيجيات واملدون���ات ،ومواقع تعي�ي�ن الفيديوهات ،بحيث يت���م ت�شجيع املجتمعات التعامل يتم عر�ضها عاد ًة من خالل و�سائل الإعالم التقليدية ،واخلطب امل�سلم���ة على التعبري عن �آرائها وخلق جم���ال للمناق�شات .فعلى احلملة العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
119
املحــــور
امل�سلمني والغرب ،وتعزز التعليم الديني لتغيري العالقات ال�شخ�صية بني امل�سلم�ي�ن وغري امل�سلمني يف الغرب .كم���ا �أن الو�صف املحرتم للم�سلمني �س���وف ي�ضعف حجة «القاعدة» التي تدعي �أن الواليات املتحدة يف حرب م���ع الإ�سالم ،وهذا يلقي بظ�ل�ال من ال�شك على �أحد الته���م الأ�سا�سية الت���ي توجهها «القاع���دة» لإقناع ال�شب���اب امل�سلم امل�ستاء .كم���ا �أنه يُقلل فجوة االنف�صال بني املجتمعات امل�سلمة واملجتمعات الأخرى الأكرب التي تعي����ش يف �أو�ساطها ،وهو ما يحد من الإح�سا����س بالعزلة الذي ي�شعر به الكثري من �شباب امل�سلمني. وتعترب م�شاريع اخلدم���ات االجتماعية و�سائل لربط ال�شباب املُعرّ�ض للمخاط���ر مبجتمعاته���م املحلي���ة ،فالأن�شط���ة اخلدمية تخل���ق نوع ًا من الرتاب���ط واالنتماء �إىل املجتمع الأك�ب�ر ،وهو غاية طالب الهوية .وتُعطي اخلدم���ة جم���ا ًال لبن���اء ج�س���ور ال�صداق���ة اجلدي���دة ،وغالب ًا م���ا يخلق االخت�ل�اط ب�ي�ن �أجي���ال املتطوعني بيئ���ة منا�سب���ة لطالبي الث����أر ،حيث يجدون من ين�صحهم ويعلمهم� .إ�ضافة �إىل ذلك ،تربط اخلدمة العامة بني ال�شباب وجمتمعاتهم املحلية ،وتعزز فر�ص امل�ساهمة املدنية ،وتفتح الباب على م�صراعيه للم�شاركة ال�سيا�سية �أمام طالبي املكانة. واحلال �أن قلة قليلة من احلاالت التي خ�ضعت للدرا�سة تندرج ح�صر ًا حت���ت �إحدى الفئات الأربع املذكورة �آنف���اً ،بينما �أظهرت معظمها وجود �أوج���ه م�شرتكة بني فئت�ي�ن على الأقل ،ولكن ت�س���ود خ�صائ�ص �إحداهما عل���ى الأخ���رى .وتعالج اال�سرتاتيجي���ات الفردية االحتياج���ات اخلا�صة للجماع���ات املختلفة ،ولكنها لي�ست فق���ط جلماعة معينة .وتعمل ر�سائل و�أن�شط���ة كل جمموع���ة ب�شكل متناغم م���ع غريها م���ن اال�سرتاتيجيات لتق���دم ر�سالة �شاملة� ،سهل���ة الو�صول والفهم جلمي���ع ال�شباب امل�سلمني الذين يكافحون من �أجل حتديد هوياتهم.
اجلماهريي���ة ،والكتب امل�صورة ،و�ألع���اب الفيديو ،وق�ص����ص الأطفال. ويعترب الت�صوير الإيجابي لعقيدة امل�سلمني ،واملقدّم «بطريقة وديّة» ،هو �أه���م ما متيز به كتاب « ،»99وهو �سل�سلة كتاب م�صوّر ي�ستهدف ال�شباب امل�سلم من ت�أليف عامل النف�س الكويتي الدكتور نايف املطوع .ولهذا يجب تعزي���ز وت�شجيع هذا امل�شروع وغريه من امل�شاريع امل�شابهة واملتنا�سبة مع الثقافة والتوجهات الرائجة حالياً. �أي�ض ًا هن���اك العديد من الدرو�س املهمة امل�ستف���ادة من برامج �إعادة التعلي���م والدمج يف املجتمع ،خا�صة فيما يتعلق بالتعليم الديني .وال�سمة الت���ي تطغى يف ح���االت هذه الدرا�سة (من ال�شباب) ه���ي التعليم الديني غ�ي�ر ال�صحيح وغري الكامل خالل مراحله���م الأوىل من التعليم .فعدم ر�ضة لتعاليم «القاعدة» املنحرفة. معرفتهم الكاملة بعقيدتهم جعلهم عُ َ وقد جنح���ت برامج �إعادة االندم���اج يف املجتم���ع يف ال�سعودية وهولندا و�سنغاف���ورة و�إندوني�سيا يف �إع���ادة ت�أهيل متطرف�ي�ن �سابقني من خالل قي���ام علماء م�سلمني كب���ار بتفنيد التفا�سري الديني���ة للقاعدة مبا�شرة. ف����إذا كان �إعادة التعليم من خ�ل�ال التعاليم الدينية �سي�ساعد على جعل املقات���ل يتخلى عن «القاعدة» ،ف�إنه من املنطقي �أن تعمل برامج التعليم الديني���ة الت���ي تتم م���ع ال�شباب على حت�صينه���م �ضد ن���داء «القاعدة». وعل���ى الواليات املتحدة التغلب عل���ى ح�سا�سيتها ال�شديدة جتاه الق�ضايا الدينية ،و�أن تقدم الدعم الفعل���ي لرجال الدين الذين ت�ؤيد تفا�سريهم و�شروحه���م لدين الإ�سالم مب���د�أ التعاي�ش ال�سلمي م���ع الثقافة الغربية. وه���ذه الأفكار توجد �أ�ص�ل�اً يف العامل الإ�سالمي ،ولك���ن �أ�صوات قائليها بحاجة �إىل و�سائل تكبري وبثٍّ ونقلٍ لت�صل �إىل نطاق جماهريي �أو�سع. وللتخل�ص من الإح�سا�س باال�ضطهاد والعزلة التي ي�شعر بها امل�سلمون، خا�ص���ة يف املجتمعات الغريبة ،البد م���ن ن�شر وت�شجيع الربامج النافعة، مث���ل تلك التي يقدمها مركز ال�صحفي�ي�ن الدويل وجمموعة البحث عن بالن�سبة لطالب الث�أر �أر�ضي���ة م�شرتكة .كما �أن التدريب على ال�صحافة والتدريب على امتداد تهدئة طالب الث�أر ف����إن احلاجة املا�سّ ���ة هي توفري مُتنف ٍّ�س لغ�ضبه ،فعل���ى الواليات املتحدة و�سائ���ل الإع�ل�ام ،وتوزي���ع املق���االت الإيجابي���ة ،والربام���ج التلفزيونية �أن ال تراقب ب���كل ب�ساطة احلوار و�إمنا يتعني عليها �إيجاد املجال ل�سماع والإذاعي���ة ح���ول العالقات الإ�سالمي���ة – الغربية ،م���ن �ش�أنها مواجهة الأ�صوات البديلة ،لأن خلق �صمامات �أمان �سي�ساعد على تخفيف �ضغط التقاري���ر املُتحيّزة ،كما �ستحد م���ن ال�صور ال�سلبية الغ�ض���ب .كم���ا �أن الأن�شط���ة الإبداعي���ة ،كاملو�سيقى عن الإ�س�ل�ام وامل�سلمني يف و�سائ���ل الإعالم الغربية وال�شع���ر ،فاعلة يف من���ح ال�شخ�ص الغا�ض���ب �سبي ًال حا�ضر ًا وم�ستقبالً. العن�صر الأ�سا�سي يف للإف�ص���اح ع���ن م�شاعره .ويعت�ب�ر برنام���ج «النجم �أي�ض��� ًا هن���اك منظم���ات معتدل���ة مث���ل جمل����س �إ�سرتاتيجية الوقاية من الأفغ���اين» ال�شهري يف �أفغان�ست���ان �أحد الأمثلة الدالة التطرف يتمثل يف ت�شويه العالق���ات الأمريكي���ة الإ�سالمي���ة (ك�ي�ر) ،وبرامج �صورة التنظيم ،و�إقناع ال�شباب عن كيفية ا�ستخ���دام املو�سيقى للرتويح على النف�س. �أخرى مث���ل برنامج «�سوليا» الذي بد�أ �ضمن املنتدى بعدم ال�سعي وراء احل�صول ويف البلد الذي كانت في���ه املو�سيقى مكبوتة بانتظام االقت�ص���ادي العامل���ي ،وكذل���ك «م�شروع ن���ور» الذي وق�س���وة ،ا�ستمر �شوق ال�شب���اب للح�صول على فر�صة �أبتدع���ه الكونغر����س الأمريك���ي الإ�سالم���ي ،وكله���ا على ع�ضويته �أو االنتماء �إليه .لكن هذا ال يعني التوقف للتعبري عن م�شاعرهم م���ن خالل الغناء .وقد بد�أت تعطي و�صف ًا للإ�سالم �أك�ث�ر دقة ،وت�سمح للمعتدلني الربامج امل�شابهة التي تمُ كِّن ال�شباب من كتابة و�أداء بالإف�ص���اح عن رف�ضه���م للمت�شددي���ن الإ�سالميني .عن املواجهة الفعلية عرب التدابري الع�سكرية وفر�ض الأحل���ان املو�سيقي���ة اخلا�صة بهم تنت�ش���ر ب�سرعة يف وعل���ى الوالي���ات املتحدة دع���م مثل ه���ذه املنظمات ال�شرق الأو�سط ،ويجب ت�شجيعها ودعمها. �سلطة القانون والربام���ج� ،إذ �أن ه���ذه الربامج ت�شج���ع احلوار بني �أم���ا بالن�سب���ة لطال���ب الث����أر الأق���ل موهب���ة ف����إن 120
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ال�سيا�سي���ة .فلن�أخ���ذ عل���ى �سبي���ل املثال جلن���ة ال�ش�ؤون الو�صف املحرتم للم�سلمني العام���ة للم�سلمني يف اململكة املتح���دة ،التي عندما قام متظاه���رون متطرف���ون ع���ام 2006با�ستغ�ل�ال الر�سوم �سوف ي�ضعف حجة الت���ي ن�شرته���ا �صح���ف �أوروبي���ة �ض���د الر�س���ول حممد «القاعدة» التي تدعي �أن كع���ذر لتحفيز العنف واجله���اد يف �شوارع لندن ،مل تقم الواليات املتحدة يف حرب (اللجن���ة) ب�شجب �أن�شطتهم الت���ي تثري العنف فح�سب، مع الإ�سالم ،وذلك بقذف ب���ل و�أعطته���ا احلكوم���ة الربيطانية من�ب�ر ًا لت�ساعد يف ظالل ال�شك والت�سا�ؤل حيال ن�شر الر�سالة .فجماعات من هذا النوع ،مُعززة بالدعم �أحد التهم الأ�سا�سية التي احلكومي ومدعومة بالدعاية والإعالن� ،ستُعطي طالبي توجهها «القاعدة» لإقناع املكانة موقع ًا متميز ًا للظهور طاملا �سعوا �إليه.
املناف�س���ات الريا�ضية �ستُقدم له خمرج ذو مغزى �آخر� ،إذ �ستُل ِبّ���ي احلاجة املزدوجة لالنق�سام �إىل جمموع���ة داخلي���ة وجمموع���ة خارجي���ة ،وكذلك التّوق �إىل متجيد املنت�صرين .واحلال �أن الباحث عن الث����أر الذي يتخل�ص من غ�ضب���ه على �أر�ضية امللع���ب ،ه���و �أق���ل عر�ض���ة للر�سائل الت���ي ت�ستغل الغ�ض���ب ال�شدي���د .وتعط���ي الربام���ج الريا�ضية �أي�ض��� ًا ال�شاب الفر�صة للتفاع���ل مع �أقرانه الذين قد يكون لهم نف�س امل�شاعر. ومبا �أن طالب الث����أر غالب ًا ما يكون غري مت�أكد امل�ستاء امل�سلم ال�شباب ب�ش�أن ماهية م�صدر غ�ضبه ،ولي�س لديه الو�سائل �أم���ا برامج التب���ادل الدولية ف�إنه���ا �ستعطي ال�شباب الت���ي ي�ستطي���ع به���ا التخل�ص م���ن ه���ذا ال�شعور نظ���رة بديلة عن الع���امل .لكن يف الوق���ت احلايل تتوفر بطريقة فعالة ،ف�إن الربامج التعليمية التي تربط معظ���م الربامج لأبن���اء النخبة و�أ�صح���اب النفوذ (دون ال�شب���اب بال�شخ�صيات املثالي���ة تقلل من �إمكانية ق���درة «القاعدة» على غريه���م من النا�س) .فعل���ى التبادالت اجلدي���دة �أن ت�ستهدف على وجه حتري�ضهم؛ فطالب���ي الث�أر املت�شاركني مع ال�شخ�صية املثالية ي�ستطيعون التحدي���د �شباب املجتمعات الأك�ث�ر عر�ضة للخطر .ولك���ي تتفادى خلق حتديد دورهم يف املجتمع بطريقة بناءة ولي�س هدامة. ال�شعور بالعزلة والي�أ�س ينبغ���ي �أن تكون هذه التبادالت لفرتات ق�صرية يعتقد طالب ت�ص���ل �إىل �شهر واح���د ،و�أن تركز عل���ى �إ�سرتاتيجية «ال�ش���رق الأو�سط ت�شجيع طالب املكانة املكان���ة �أنه �أذكى و�أقدر مما يراه النا�س م���ن حوله ،ولهذا ف�إن الربامج يلتق���ي ب�أمريكا الو�سطى» بد ًال م���ن الرتكيز على برامج درجات االمتياز التي تُعد من �أجله ينبغي �أن متنحه الفر�صة على �إظهار مواهبه .وجتذب يف اجلامعات الأمريكية .وعندما يع���ود �أولئك ال�شباب �إىل �أوطانهم لن طالبي املكانة احلوارات ال�سيا�سية يف اجلامعات والربامج الإذاعية عرب تكون لديهم جتربة مبا�شرة عن �أمريكا ومبادئها فح�سب ،بل �أي�ض ًا مكانة الهات���ف .ولن تخ�س���ر «القاعدة» قوتها اجلاذبة للأم���ة �إال عندما يدرك جديدة يف جمتمعاتهم نظر ًا الختيارهم وم�شاركتهم يف الربنامج.
امل�سلم���ون �أنه���ا ال تخدم م�صاحله���م ،و�ستلحقها الهزمي���ة عندما يرى منا�صريها �أن �إ�سرتاتيجية العنف التي تتبناها لن حتقق الر�ؤية الوهمية لنظ���ام اخلالف���ة الإ�سالمي���ة العاملية .وهن���اك جدل كب�ي�ر يف الإ�سالم حيال مدى فائدة التطرف العنيف و�إمكانية جناحه ،وت�ستطيع الواليات املتح���دة تعزيز هذا اجلدل من خالل حتفيز وت�شجيع احلوار العام على امل�ستويات املحلية والإقليمية والدولية. كم���ا �أن درا�س���ة العلوم ال�سيا�سي���ة يف جامعات ال�ش���رق الأو�سط تكاد تنعدم ،حيث تقوم �أنظمة احلكم ،التي تخ�شى من تهديد الو�ضع القائم، مبراقب���ة احل���وارات ال�سيا�سي���ة وكتابات العلم���اء امل�سلم�ي�ن البارزين. وتق���دمي الأعمال التقليدي���ة (الكال�سيكية) للفك���ر ال�سيا�سي الإ�سالمي والغرب���ي يقوي النقا�ش حول دور احلكوم���ة يف حياة املواطنني ،وال �شك يف �أن ت�شجيع �إزالة العوائق �أمام احلوار ال�سيا�سي املفتوح ،ودعم انت�شار الأعم���ال العلمية الدينية وال�سيا�سية ،ي�ساع���دان على جتريد «القاعدة» من ال�سالح الفكري. وطالب الث�أر ال يحت���اج �إىل اخلو�ض يف املناق�شات ال�سيا�سية فح�سب، ب���ل و�أي�ض��� ًا للح�صول على فر�صة امل�شاركة .لكن م���ا جنده �أن امل�سلمني، خا�ص���ة مم���ن يعي�ش���ون يف املهج���ر ،غالب ًا ما يج���دون �أنف�سه���م مبعزل ع���ن احلكم املحلي و�أن�شط���ة املجتمع .و�إتاحة فر�ص���ة امل�شاركة على كل م�ستويات الدولة يبد�أ عن طريق ت�شجيع التجمعات الطالبية واملنا�صرة
�أي�ض ًا �إن و�صف �أقرانهم يف و�سائل الإعالم العامة ي�ؤثر يف طالبي املكانة كث�ي�راً ،لذا يج���ب على الواليات املتح���دة دعم وت�شجي���ع و�صف ال�شباب امل�سلم ب�صورة �إيجابي���ة يف و�سائل الإعالم .وبخالف برامج “امل�سلمون يف �أمريكا” امل�ش�ؤومة التي حاولت �أن تظهر انغما�س امل�سلمني يف الثقافة الأمريكي���ة ،يجب على هذه الربام���ج �أن تظهر ازدهار امل�سلمني يف �إطار حميطهم احل�ض���اري ،وقيمة م�ساهمتهم املتميزة جتاه املجتمع الغربي. وم���ن اخل�صال املتميزة التي ات�صف به���ا املجتمع امل�سلم قدمي ًا هي روح الت�سام���ح وال�شفافي���ة مقارنة باملجتمع���ات الأخرى يف القرن�ي�ن ال�سابع ُذكّر امل�سلمني والثامن امليالدي�ي�ن ،فيمكن �إعادة �سرية ذلك التاري���خ لي ِ بالعه���ود الأكرث �إنتاج ًا يف تاريخهم ،ولعر����ض �سريهم ب�شكل �إيجابي يف و�سائ���ل الإعالم� .أما الرتكي���ز على ال�صور النمطي���ة ال�سلبية يف و�سائل الإع�ل�ام فلن جتني �سوى تغذية م�شاع���ر اال�ضطهاد ال�سابقة يف �أو�ساط ال�شباب ،ولهذا على الغرب ت�شجيع ال�صور الإيجابية ومتجيد االجنازات التي يحققها املواطنون امل�سلمون. بالن�سبة �إعطاء طالب الهوية جماعة االنتماء لطال���ب الهوية املكاف���ح من �أجل االنتم���اء ف�إن الربام���ج التي ت�ستهدف ه���ذا النوع يجب �أن تعرتف �أو ًال بوج���ود الثقافات امل�سلمة الثانوية داخل املجتمع���ات الغربية وتدع���م تطورها ،حيث �أن ه���ذه الثقافات توجد يف العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
121
املحــــور
كم���ا �أن طالب���ي الإثارة ،كغريهم م���ن ال�شباب والفتي���ان ،يحبون �ألعاب ا�صطي���اد الرجل الأول لأنهم يقدمون �أعمال الإثارة بالإنابة .و�أحد �أكرث هذه الألعاب �شعبي���ة يف ال�شرق الأو�سط – وتدعى “القوة اخلا�صة” – ت�سمح لل�شباب املقاتل بالدفاع عن فل�سطني ،من خالل �سل�سلة من املهام واملغامرات .ويتطلب الفوز باللعبة قيام الالعب باغتيال رئي�س الوزراء. وغالب��� ًا م���ا يق���ع الأطفال �ضحي���ة يف حماولته���م للو�ص���ول �إىل امل�ستوى التايل ،وال يدرك���ون �أنهم يتعلمون الكراهية .وت�ستطيع الواليات املتحدة وحلفائها تقدمي ر�سالة �أكرث �إيجابية بينما تتقبل �أن هناك على ال�شا�شة �شيئ��� ًا ما (فاقدي الإرادة ،املُبعدين ،املجرمني� ،أو الإرهابيني) �سينفجر �إذا ما لعب �أحد اللعبة.
كافي��� ًا للتخلي ع���ن كل �أدوارنا الوا�ضحة عل���ى ال�ساحة �أجل االنتماء ،فلن ت�ستطيع �أي قوة تقدمي احلماية الكافية للواليات املتحدة وحلفائها �أمام الهجمات البد من �إقامة احلجة القوية العاملية .ويثب���ت اال�ستعرا�ض اخلاطف للوثائق املعتمدة امل�ستدامة لتقدمي البديل الذي حول الأم�ل�اك اال�ستعمارية �أن الوالي���ات املتحدة كانت امل�ستقبلة. ذات م���رة تُعت�ب�ر “قائ���د ًا فكري���اً” �أ�سا�سي��� ًا لفر����ض ويتطلب �إقامة احلجة عند فئة امل�سلمني املت�شككني يجعل حلياة الذين ي�سعون ت�ضافر اجلهود املرك���زة واملن�سقة لتقدمي الرواية وراء «القاعدة» ،معنى� .أما العالق���ات ب�ي�ن املواطنني وحكوماته���م .وب�صور عديدة ا�ستم���رت ه���ذه القي���ادة الفكري���ة خالل ف�ت�رة احلرب البديلة ع���ن طريق كل و�سائ���ل التوا�صل املمكنة� .إذا ا�ستمرت تطلعاتهم من وبالكاد تكون ه���ذه الأفكار جدي���دة ،لكنها غالب ًا �أجل االنتماء ،فلن ت�ستطيع �أي الب���اردة ،م�ؤط���رة النقا����ش ب�ي�ن دميقراطي���ة ال�س���وق م���ا كانت وعود ًا م���ن دون متويل م���ايل ور�ؤى من قوة تقدمي احلماية الكافية احل���رة وال�شيوعية .ومبا �أن تل���ك القيادة كانت تتمحور دون برام���ج .وال ميكن حتقيق هذه الإ�سرتاتيجية للواليات املتحدة وحلفائها �أمام يف النقا�ش���ات ال�سيا�سي���ة ل�ل��أمم امل�سيحي���ة ،ف�إنه���ا مل تف���وّت مالحظة �أو �ش���روح العلماء امل�سلم�ي�ن واملفكرين الطموحة �ضمن الإطار احلايل لقدرات ومنظمات الهجمات امل�ستقبلة ال�سيا�سيني الذين طاملا حاولوا حتديد تلك العالقات يف و�سائ���ل االت�ص���ال الأمريكية .فاجله���ود املتفرقة نطاق حميط م�سلم فريد. لعملي���ة التوا�ص���ل اال�سرتاتيج���ي ،والدبلوما�سية العام���ة ،والعملي���ات اال�ستخباري���ة ،ما زالت حت���ى الآن تفتق���ر للموارد و�ستظه���ر وكالة االت�صاالت الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية �إىل الوجود باتباع والتن�سي���ق ال�سليم وهيئة موظفني كافية مقارن���ة بالقوة واالنت�شار الذي طريقني خمتلفني ولكن متوازيني .امل�سلك الأول عن طريق متكني ودعم تتمت���ع به ر�سالة “القاعدة” .وخالل الإدالء ب�شهادته �أمام جلنة جمل�س وتعزي���ز الأ�ص���وات املعتدلة احلالية عل���ى ال�ساحة العاملي���ة ،والتي تتمتع ال�شيوخ الأمريكي للخدم���ات الع�سكرية ،قال وبكل فخر ال�سفري املتجول بامل�صداقية عند امل�سلمني .وميكن حتقيق ذلك ب�شكل �أ�سا�سي من خالل ملكافح���ة الإره���اب ،داني���ال بنجام�ي�ن� ،إن وزارة اخلارجي���ة الأمريكية البق���اء بعيد ًا عن الأ�ض���واء ،وم�ساعدة ال�شركاء الراغب�ي�ن� ،سواء كانوا �شكلت وح���دة من �ستة �أع�ض���اء لتتوىل �إعداد برام���ج ملكافحة التطرف دو ًال �أو منظم���ات �أو �أفراداً ،على الدفع باحل���وار يف االجتاه املتالئم مع العنيف .وحتى عندما تتحد جه���ود املوقعني املخ�ص�صني باللغة العربية م�صاحلن���ا الوطنية .ويف نف����س الوقت ،على الواليات املتح���دة �أن تبني التابع�ي�ن لوزارة اخلارجية ،والق���درة على تقدمي ُمن���ح مالية ت�صل �إىل بب���طء م�صداقي���ة ر�سالتها باحلوار ال�ص���ادق ال�شفاف ال���ذي يقلل من 100.000دوالر من �صندوق ال�سفراء ملكافحة الإرهاب ،ف�إنه من الوا�ضح ات�ساع الفجوة بني القول والفعل ،التي طاملا �أزعجت ال�سيا�سة اخلارجية �أن م�ست���وى اجلهود املبذولة جت���اه مواجهة ر�سالة “القاع���دة” البد �أن الأمريكي���ة .و�ست�سم���ح امل�صداقي���ة امل�ستدامة ،التي تكون���ت مع الزمن، ُيع���زز بق���وة .والبد من تغيري حج���م و�شكل وتكوين احلكوم���ة الأمريكية للوالي���ات املتح���دة باال�شرتاك يف ح���وار بناء مع امل�سلم�ي�ن دون احلاجة لتعك����س واقع احلال .والقيام مبا هو �أقل من هذا امل�ستوى �سيكون باهظ للكف���اح امل�ستمر م���ن �أجل �إثبات ال�شرعية يف النقا����ش .وبهذا �ست�ستعيد التكلفة. الواليات املتحدة مكانتها يف احلوارات ال�سيا�سية التي تدور يف العامل.
وتت�ض���اءل كث�ي�ر ًا �أي�ض ًا ق���وة �إغراء املغام���رة التي توفره���ا “القاعدة” بالن�سب���ة لطال���ب الإثارة عندما تت�ض���ح جلي ًا حقيق���ة العي�ش يف ظروف مهينة ،والقتال من �أجل ق�ضي���ة خا�سرة ،واملوت ب�صورة خمزية .وي�ؤكد التباي���ن بني التطلع���ات العاملية املزعوم���ة والأن�شطة العرقي���ة القومي���ة املحلي���ة الت���ي متار�سه���ا حركات ي�ستحوذ تهدئة طالب الإثارة تقدم ر�سالة «القاعدة» فر�صة ترتب���ط بالقاع���دة ،اخل�ل�اف والأه���داف املت�ضاربة عل���ى عق���ول طالبي الإث���ارة فك���رة الأ�سط���ورة التي لالختيار الذاتي ،وطريق ًا داخ���ل التنظي���م ،ما يجعله يب���دو �أقل متا�س���ك ًا و�أقل ت�صورها “القاعدة” ،لذا ف�إن �أهم عن�صر مبا�شر يف لالن�ضمام �إىل جمتمع امل�ؤمنني .مكانة. �إ�سرتاتيجية التوا�صل التي ت�ستهدف هذه الفئة يكمن ومع �أن ال�شاب ال�ساعي وراء ال�س�ؤال الذي يطرح يف ك�ش���ف زيف تل���ك الأ�سطورة عن طري���ق تو�ضيح ع�ضوية التنظيم قد عانى التو�صيات حقيق���ة “القاع���دة” .وينبغي ت�شجي���ع �أولئك الذين نف�س���ه هو :ملاذا ين�ضم ال�شباب �إىل تنظيم القاعدة؟ ُم�سبق ًا من خيبة الأمل يف ترك���وا احلركة بعد جتارب �سلبية على الإف�صاح عن �إن ال�سبب وراء هذا �أنهم ال يجدون خيار ًا �آخر فعلي. تفاعله مع املجتمع امل�سلم، ولهذا البد من �إقامة احلجة القوية امل�ستدامة لتقدمي ق�ص�صه���م مع “القاع���دة” ،وتو�ضي���ح حقيقة حياة �إال �أنه يرى �أن هذه فر�صة الفرار الت���ي مرّوا بها ،والقيام مبه���ام دنيئة يف ظل لالرتباط مبا هو �أعظم من نف�سه البديل الذي يجعل حلياتهم معنى� .أما �إذا ا�ستمرت ظ���روف يُرثى له���ا .ولكن ينبغ���ي احلر�ص على عدم تطلع���ات �أولئك الذين ي�سع���ون وراء “القاعدة” من
ومع تعزيز امل�سئوليات والقدرات ،يجب �أي�ض ًا متكني وكالة االت�صاالت الإ�سرتاتيجية الأمريكية بالدعم امل���ايل ال�ضروري لل�سيطرة على تنفيذ الربام���ج الالزمة .وتفتق���ر هيئات التن�سيق بني ال���وكاالت ،بغ�ض النظر ع���ن م���دى توف���ر النوايا احل�سن���ة� ،إىل امل���ال ،ولذل���ك تنف���ذ الوكاالت واملنظم���ات املتباينة براجمها م�ستخدم���ة املبالغ املالية املخ�ص�صة دون مراعاة اجلهود املن�سقة .وهذا بدوره يُ�ضعِف من قوة الر�سالة الأمريكية ومتا�سكها وم�صداقيتها. وبعد �أن يت���م ت�أ�سي�س الوكال���ة الأمريكية لالت�ص���االت الإ�سرتاتيجية ودعمه���ا بامل���ال ،يتعني متكينه���ا ب�إ�سرتاتيجية ات�ص���االت وطنية �شاملة وموجه���ة رئا�سي���اً .وق���د دعا قانون���ا االت�ص���االت الإ�سرتاتيجي���ة لعامي 2008و S 3546( 2009و HR 489عل���ى الت���وايل) وتعدي���ل قان���ون �سميث – ثورنبريي (� HA 5إىل � )HR 5658إىل �إعداد �إ�سرتاتيجية ات�صاالت وطني���ة ،و�إ�صالح �شامل لق���درات وبنية االت�ص���االت الأمريكية ،لكن مل يت���م حت���ى الآن درا�س���ة �أي من هذه القوان�ي�ن ب�شكل كام���ل �أو تنفيذها. ول���ن تقوم م�ؤ�س�سات االت�صاالت� ،س���واء كانت تابعة لوزارة اخلارجية �أو
�أنح���اء الع���امل ولكن يف الغال���ب ال ي�ستطيع ال�شب���اب يف املهجر التوا�صل م���ع �أبن���اء بالده���م دون �أن يتعر�ضوا لر�سال���ة «القاع���دة» .ويف �أو�ساط اجلالي���ات الأجنبي���ة �أول �ش���يء يواجه ال�شب���اب غالب ًا ما يك���ون يف �أحد امل�ساج���د �أو مراكز املجتمع���ات الإ�سالمية ،وت�شكل ه���ذه الأماكن �أي�ض ًا �أف�ض���ل الفر�ص لل�شباب لاللتقاء مبن ي�شاركونهم ال�شعور بالعزلة .لهذا ف����إن ت�شجيع التعلي���م الديني املعت���دل ،ودعم الربامج الت���ي جتمع هذه املجتمعات ببع�ض ،يقدمان بدي ًال للآراء املتطرفة. وحتى يف �أو�س���اط املجتمعات املحلية املوج���ودة يف ال�شرق الأو�سط جند أنا�س ي�شبهونه �شك ًال ولب�س ًا ولغةً ،ومع هذا قد ينتابه �أن ال�شاب محُ اطٌ ب� ٍ ال�شع���ور بالعزلة حتى يجد جماع���ة ينتمي �إليها وتقبل ب���ه .وداخل هذه املجتمع���ات ،على الوالي���ات املتحدة م�ساعدة احلكوم���ات امل�شاركة على تطوي���ر وتعزيز وت�شجيع الأن�شطة اجلماعية التي متنح ال�شباب منظومة م���ن املب���ادئ توج���ه تطوره���م وت�شكل/ت�ؤط���ر عامله���م .وطالب���و الهوية ي�ستخدم���ون هذه املبادئ لتعريف �أنف�سه���م .وك ًال من الفرق الريا�ضية، واحلكوم���ات النموذجي���ة ،واجلمعي���ات الطالبي���ة ،وبرام���ج اخلدمات االجتماعية ،وفرق املغامرات ،توفر الو�سائل التي تت�ضمن رموز الع�ضوية واجلماع���ة التي يتبناها ال�شباب .عالوة عل���ى ذلك ،تخفف من ال�شعور بالعزلة ،وتوفر مكان االنتماء وال�شعور به. ويعت�ب�ر الأبطال الريا�ضيني ب�صورة خا�صة ه���م الأدوات الفعالة لتوفري الهوية اجلماعية ،لأن���ه على عك�س طالب الث�أر ،الذي يتوق �إىل املناف�سة واالنت�ص���ار من خ�ل�ال امل�شارك���ة يف الألعاب الريا�ضي���ة ،ي�ستمتع طالب الهوي���ة بتق���دمي الفائ���دة بالنيابة ع�ب�ر متابعة فريق حم�ت�رف �أو فريق وطني ،حيث و�أنه يُظهِ ر الدعم للفريق فيقبله مبا�شر ًة جمهور املُ�شجّ عني الآخري���ن .كما �أن �سن ال�شخ�صي���ات الريا�ضية يكون �أقرب �إىل �سن فئة ال�شب���اب املُعرّ�ض�ي�ن للخط���ر ،وي�ستعملون لغ���ة �أ�سهل م���ن ال�شخ�صيات ال�سيا�سية ،ولهذا فه���م امل�صادر املعقولة التي تزود ال�شباب باملعلومات. وكال�شخ�صي���ات النموذجي���ة الأخ���رى يف املجتم���ع ،ف����إن ال�شخ�صي���ات الريا�ضية تُعطي ال�شباب �شخ�صية يحبونها ،وهدف ًا تطلعياً ،دون ت�شجيع روح االبتعاد عن منط �سري املجتمع.
122
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
تعري�ضه���م للإهانة والذل خالل هذه املكا�شفة� ،إذ �أن ق�ص�ص الأحداث الفعلي���ة لها وقعها .وخريج���و برامج �إبطال التط���رف و�إعادة الدمج يف املجتم���ع ه���م الأدوات الفعالة يف ه���ذا ال�صدد ،باعتباره���م قد عاي�شوا واق���ع �أن�شطة “القاع���دة” وذل ال�سجن .و�سي�ساع���د ت�شجيعهم للتحدث ع���ن ق�ص�صهم ،و�إذاعته���ا ،على ت�شويه �ص���ورة �أ�سط���ورة “القاعدة”، وعلى �إقناع طالب الإثارة ب�صرف النظر عن ال�سعي وراء هذه الأ�سطورة الزائفة.
�أي�ض��� ًا يتطل���ب ت�شوي���ه “القاع���دة” يف عي���ون طالب���ي الإث���ارة املحتمل ان�ضمامهم �إىل هذا التنظيم �أن يتم علن ًا و�صف ما تقوم به “القاعدة” عل���ى �أنه عمل مخُ زي ومُ�شني .ويجب �أن تك���ون �إجراءات فر�ض القانون والأعمال الع�سكرية الت���ي تُ�ستخدم لإحباط هجمات “القاعدة” قا�سية وذات عزمي���ة قوية ،ويف نف�س الوقت يق���وم الو�صف العلني بو�ضع ظالل ال�شك عل���ى فعاليتها و�إبراز ع���دم �شرعية مقاومته���ا ،وذلك من خالل �إظهار ت�صرفاتها اخلرقاء واملتخبطة وغري القانونية.
و�أول خط���وة هي خلق القوة القادرة على اخرتاق ما �أ�سماه جيف جونز، املدي���ر ال�ساب���ق ملجل�س الأم���ن القومي لقط���اع االت�ص���االت واملعلومات الإ�سرتاتيجي���ة“ ،مع���ارك النخب���ة البريوقراطية� ،س���وء الفهم ،وغياب االلت���زام امللمو����س امل�ست���دام بني الوكاالت الت���ي تُعيق التق���دم” .وعلى الواليات املتحدة ت�أ�سي�س م�ؤ�س�سة وطنية م�ستقلة تتوىل �إدارة االت�صاالت الإ�سرتاتيجي���ة ،وتكون م�سئولة على �إع���داد ر�سائل احلكومة الأمريكية، وتع���زز كل اجلهود احلالية حتت �إدارة وزير واح���د على م�ستوى جمل�س الوزراء لقطاع االت�صاالت الإ�سرتاتيجية. وكثري ًا م���ا تُظهِ ر نقا�ش���ات �إ�سرتاتيجي���ة االت�ص���االت الأمريكية خالف ًا علني��� ًا ولكن زائفاً ،م�ؤداه �أن الوالي���ات املتحدة ال ت�ستطيع �إطالق ًا �إثبات م�صداقيته���ا عن���د امل�سلمني .فبن���ا ًء عل���ى التاريخ الأخ�ي�ر لالت�صاالت ال�سيئ���ة ،وال�سيا�سات اخلارجية املفرو�ضة على الغري ،واالفتقار للتقدير اال�سرتاتيج���ي جتاه ثقافة امل�سلمني ،ميكننا الق���ول �إن الواليات املتحدة ت�ص���ارع حالي ًا من �أجل امل�صداقية ،لكن هذا و�ض���ع م�ؤقت ولي�س مربر ًا
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
123
املحــــور
جيوبوليتيك
وزارة الدفاع �أو جمل�س حمافظي البث الإذاعي �أو �أي كيان �آخر ،القيام ب�إ�صالح نف�سها دون �ضغط خارجي يفر�ضه ت�شريع قوي. ولتنفي���ذ �إ�سرتاتيجي���ة ات�ص���االت وطني���ة مناه�ض���ة للقاع���دة ،يجب عل���ى �إ�سرتاتيجيات الإ�ش���راك الإقليمي لقي���ادات املقاتلني اجلغرافيني �إكم���ال وفر�ض اال�سرتاتيجيات اخلا�صة بالوطن التي تتبناها ال�سفارات الأمريكي���ة يف اخل���ارج .فف���ي بع�ض ال���دول ،تُقيم فرق دع���م املعلومات الع�سكري���ة الت���ي تنت�ش���ر بطل���ب خا����ص م���ن ال�سف���راء الأمريكيني ،يف ال�سف���ارات لتق���دمي الدع���م جله���ود الدبلوما�سي���ة العام���ة الأمريكي���ة، م�سان���د ًة خلطة املهام الإ�سرتاتيجية .كم���ا �أن هذه الفرق تربط ال�سفري بربام���ج املعلومات الع�سكري���ة الإقليمية .وينبغي تعزيز ه���ذه الروابط، وكل ف���رق دع���م املعلومات الع�سكري���ة املنت�شرة حول الع���امل .ولكن على اجله���ود املن�سق���ة التي تب���ذل يف اخل���ارج ووزارة اخلارجي���ة الأمريكية وقي���ادات املقاتلني اجلغرافيني الت�أكد من تطاب���ق ر�سالتهم وو�ضوحها، و�أن تدع���م كل منه���ا الأخرى بالق���درات الفريدة الت���ي متتلكها لتحقيق الهدف املوحد.
والفتاة التي دعت نف�سها «جهاد جني» يف والية فيالديلفيا)� ،إىل ازدياد احلاج���ة للحر�ص على تطابق وتناغ���م الر�سالة يف الداخل ويف اخلارج. وه���ذا �سيتطلب مراجع���ة وتعديل قان���ون التبادل التعليم���ي واملعلوماتي الأمريك���ي لعام ( 1948املعروف «بقان���ون �سميث مندت») لتحقيق عوملة البيئة الإعالمية.
وينبغ���ي �أن متتلك وكال���ة االت�صاالت الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية �أي�ض ًا الق���درة عل���ى جتميع بحوث ال���ر�أي الع���ام ودجمها وحتليله���ا ،حيث �أن التعام���ل مع ر�سالة معقدة ذات طبيعة خمتلف���ة وح�سا�سة يتطلب �إجراء تعديالت يف الر�سالة التي تعتمد على التغريات التي حتدث يف الآراء جتاه الأن�شط���ة الأمريكية والر�سائ���ل ال�سابقة .وعلى الرغ���م من التح�سينات الت���ي حدثت يف عملية �إعداد التقارير املفتوح���ة واتفاقيات ال�شراكة مع م�ؤ�س�سات الر�أي العام ،فما زال يغيب حمور التن�سيق التخاذ الإجراءات الفعالة الهامة لالت�صاالت الإ�سرتاتيجية .وال ت�ستطيع الوكاالت الفردية وهيئة موظفيها القليلة �سوى تغطية جزء من املهمة ،وجمتمع املخابرات يتنا�س���ب �أف�ضل مع حتلي���ل املعلومات امللمو�سة والأك�ث�ر واقعية .و�إذا ما كم���ا يجب �أن تكون هن���اك جهود م�شابهة من�سقة ب�ي�ن برامج الت�أثري وج���دت القدرة على جتمي���ع الأبحاث املدجمة مع بع�ضه���ا بال�شراكة مع باحث�ي�ن دوليني م���ن �أنحاء الع���امل ،ف����إن كل جهات وبرام���ج التنمي���ة .وبالت�أكي���د �ستوج���د دائم��� ًا بع�ض االت�ص���االت الفاعلة �ستمتلك �إطار ًا مرجعي ًا م�شرتك ًا التوترات بني �أن�شطة االت�صاالت الإ�سرتاتيجية وخلق من املهم جد ًا �إبعاد ال�شباب لكل الأحداث. و�سائل �إعالم ناجحة وم�ستقلة يف البلدان النامية� ،إال عن ع�ضوية «القاعدة» �إن درا�س���ة الأف���راد الذين �سع���وا وراء «القاعدة»، �أن تبادل الأفكار التي تظهر يف و�سائل الإعالم القوية قبل ان�ضمامهم لها ،لأنهم املعقول���ة مهم جد ًا لتحدي �إغ���راء التطرف العنيف .ما �أن ين�ضموا حتى تزداد وقاتلوا من �أجل مبادئها ،تعطينا ر�ؤية عميقة وفريدة ومن امله���م �أي�ض ًا التن�سيق ب�ي�ن املنظمات احلكومية با�ستمرار قوة االبتعاد عن يف كل من الإغراء الذي ت�ستخدمه «القاعدة» كتنظيم، وغ�ي�ر احلكومية وف���رق الإعالم اخلا�ص���ة .و�سيكون املجتمع مقابل ازدياد قوة والطريق الت���ي ت�أخذ ال�شباب �إىل هذا التنظيم .وقد دور وكالة االت�ص���االت الإ�سرتاتيجي���ة الأمريكية يف كان ه����ؤالء ال�شباب ،كغريهم م���ن �شباب املجتمعات الت�ش ّبث باجلماعة التن�سي���ق ب�ي�ن الفعالي���ات الإعالمية م�شابه��� ًا لدور الأخ���رى ،ميرون مبراحل الن�شوء لكن مل تكن لديهم وكال���ة التنمي���ة الدولية الأمريكي���ة يف تن�سيق برامج �سوى حفنة م���ن اخليارات لتلبي���ة احتياجاتهم التي الإغاثة الإن�سانية وامل�شاريع الإمنائية. يتطلبه���ا �سنهم .ويف الوقت نف�سه ،ق�ضت «القاع���دة» �سنوات عديدة يف وت�ستطي���ع الق���وات الع�سكري���ة الأمريكي���ة �أن تلع���ب دور ًا داعم ًا لهذه �إع���داد و�إكمال �إ�سرتاتيجية �إدارة ماركته���ا التجارية ،لكي تبدو لل�شباب اجلهود وتعزيز كل منها وهي تزداد منواً .وميكنها �أي�ض ًا موا�صلة تقدمي امل�سلم وك�أنها احلل الوحيد لكل م�شاكلهم. امل�ساعدة الأمنية والتدريب الع�سكري لل�شركاء الراغبني يف ذلك لتعزيز كم���ا �أن فتح باب احل���وار مع املجتمع امل�سلم ،وهو احل���وار الذي ي�ؤيد قدراتهم الأمنية الداخلية .ويجب و�ضع الأن�شطة الع�سكرية �ضمن نطاق العالقات الإيجابية ويقلل من قوة �إغراء «القاعدة» ،يتطلب من الواليات �إ�سرتاتيجي���ة االت�ص���االت الوطني���ة حت���ى تتال�شى الفجوة ب�ي�ن الأفعال املتحدة رف�ض الأ�ساطري التي تزعم �أن ال�سبب وراء ظاهرة التطرف هو والت�صريحات ،مثلما حدث م�ؤخر ًا يف �أفغان�ستان. الدي���ن �أو الفق���ر �أو اجلنون .وبد ًال من ذلك ،يج���ب �أن تركز ال�سيا�سات ويج���ب �أن تك���ون الربام���ج التي ُتق���ام يف اخلارج ،حي���ث حتتل وزارة الداخلي���ة الأمريكية ال�صدارة وي�ساعدها القوات الع�سكرية وغريها من ال���وكاالت ،مُن�سّ قة بفعالي���ة مع الربامج املحلية الت���ي ت�ستهدف جاليات ال�شت���ات امل�سلم���ة يف الوالي���ات املتحدة .وم���ع �إمكانية الو�ص���ول املحلي ال�سه���ل �إىل برامج اللغة العربي���ة من اخلارج ،فقد �أدى التطرف الذاتي (كما ه���و وا�ضح يف حالة الرائد ن�ضال ح�س���ن يف قاعدة «فورت هوود»،
124
ا�سرتاتيجية
والربام���ج الأمريكية على فهم عمق احلاج���ة ال�شخ�صية ،وطبيعة ن�شوء املراهق�ي�ن التي جتع���ل لر�سالة «القاع���دة» �صدى يف �أو�س���اط ال�شباب. و�إذا م���ا ت�ضافر ذل���ك الفهم مع زيادات كبرية يف ع���دد وفعالية قدرات االت�ص���االت الأمريكية حتت مظلة �إ�سرتاتيجي���ة �شاملة لكل احلكومات، ف����إن هزمي���ة «القاع���دة» واحل���ركات امل�ساع���دة له���ا �ست�صب���ح حتمية والمنا�ص منها.
نظرات فـي ق�ضايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�صرة
رمــ�ضان من منظور جيو�سيا�سي ويل ن�صر
الفيدرالية وتوجهات �إثيوبيا الإقليمية �أمرية عبداحلليم
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر
2010
ا�سرتاتيجية
125
جيوبوليتيك
رم�ضان اجلغرافيا ال�سيا�سية لأهم العُطَ ل العاملية الأخرى مث ��ل منت�ص ��ف �شهر �آب�/أغ�سط� ��س املا�ضي بداية �شهر رم�ضان الكرمي ،وهو ال�شهر الذي �صام فيه مئات املالي�ي�ن م ��ن امل�سلم�ي�ن من الفجر (حني يتبني له ��م اخليط الأبي�ض من اخليط الأ�س ��ود) وحتى الغ�سق (طلوع ال�شفق الأحمر) .وبالن�سبة للم�ؤمنني فهو �أي�ضاً يعني �أال جدال ،وال ف�سوق ،وال رفث خالل �ساعات النهار .لكنه لي�س مقت�صراً على الزهد والتق�شف� ،إذ �أن رم�ضان يعترب قوة حمركة للعامل بحكم ما له من خ�صائ� ��ص وممي ��زات؛ فهو وقت غري متوقع فيه تَف�شّ ي التبذي ��ر ،وال�صراع املفاجئ ،واملراوغة ال�سيا�سية. ويل ن�صر .1رم�ضان مو�سم عظيم ملزاولة الن�شاط التجاري رغ���م �أن رم�ض���ان لي����س متام��� ًا كعيد املي�ل�اد فيما يتعل���ق مب�ستوى اال�سته�ل�اك العاملي ،ف�إنه ي�أت���ي يف املرتبة الثاني���ة� .صحيح �أن معدل الإنتاجي���ة يف الع���امل الإ�سالم���ي يقل �أثن���اء نهار رم�ض���ان ،والأعمال احلكومية تكاد تتوقف ،لكنن���ا جند �أي�ض ًا �أن رم�ضان هو الوقت الذي تك���ون فيه املحالت التجاري���ة الكربى يف �إ�سطنب���ول مُكتظّ ة بالباعة، وم���ن �أن�شط الأوقات ال�سنوية لتُجّ ار ال�سي���ارات الفاخرة يف الريا�ض. كم���ا �أن �أن���واع الأطعمة ال�سريعة يف امل�ساء تعت�ب�ر “�صفقات غذائية” رم�ضاني���ة ،حيث ي�شرتي الباعة امل�صريون تقريب ًا �ضعف ما هو معتاد يف غري رم�ضان .و�أمام جمهور امل�شاهدين املفتونني يف البيت بانتظار وجبة الإفطار ،تَعرِ �ض �شا�شات التلفاز �أهم عرو�ضها ال�سنوية ،فرتبح القنوات العربية م���ن الإعالنات التجارية خالل �شهر رم�ضان ما بني 30% – 25%من �إيراداتها .بل �إن هذا الن�شاط االقت�صادي ي�صل �إىل �أ�سرتاليا ،حي���ث يرتفع معدل ال�صادرات من اخلراف �إىل 77%قُبيل رم�ضان. .2رم�ض��ان ه��و �أك�بر �ص��ادرات العربي��ة ال�سعودي��ة بع��د النفط ظل االلتزام ال�صارم ب�شعائر رم�ضان حتى فرتة ال�سبعينيات م�س�ألة اختياري���ة يف معظم بلدان الع���امل الإ�سالمي ،و�سمة للتما�سك الثقايف
126
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
بقدر ما هو تعبري عن التقوى ال�شخ�صية .ثم حدثت الطفرة النفطية عام ،1973وتدفقت دوالرات النفط �إىل خزائن اخلليج العربي لتُرثي ممالك ال�صحراء ،التي دعم���ت رجال الدين الإ�سالميني املحافظني و�شيّ���دت امل�ساجد والكليات واملعاهد الدينية يف �أنحاء العامل .وعادت الأي���دي العاملة املهاج���رة �إىل �أوطانه���ا حاملة معه���ا وجهات النظر املت�ش���ددة جتاه املر�أة والتعليم والطقو����س الدينية �إىل اجلبال النائية يف باك�ستان ال�شمالية و�سهول الفي�ضانات يف بنغالد�ش. �أم���ا الي���وم يف �إقلي���م �آت�شِ ه ب�إندوني�سي���ا ،ف�إن التقاع����س عن �صيام رم�ضان يع���د م�س�ألة يُعاقَب عليها باجلَ لْد .ويف عام 2009بد�أت وزارة الداخلي���ة امل�صرية بفر����ض مرا�سيم تن�ص عل���ى �أن الأكل �أثناء نهار رم�ضان جُ ر ٌم ي�ستحق العقاب. .3رم�ضان وقت لل�سالم ،لكنه �أي�ض ًا ي�شري للحرب �إن الت�أم���ل الدين���ي ال يعني دائم ًا امل�سامل���ة .فالر�سول حممد خا�ض معرك���ة بدر� ،أول معركة للم�سلمني �ضد مُ�شرِ كي مكة ،يف رم�ضان عام 624م .ويُعرف �صراع 1973الذي ت�سميه �إ�سرائيل “حرب يوم الغفران” ب�أن���ه “حرب رم�ضان” عند امل�صري�ي�ن والأردنيني وال�سوريني ،الذين قام���وا بهجومهم املباغت وهم �صيام .كما �شهد �شهر رم�ضان م�ؤخر ًا يف الع���راق ارتفاع��� ًا كبري ًا يف معدل العنف الطائف���ي والهجمات التي ا�ستهدف���ت اجلن���ود الأمريكيني ،وو�صل هذا املع���دل �إىل 1400حادثة ويل ن�ص���ر �أ�ستاذ ال�سيا�سة الدولي���ة يف كلية فليت�شر بجامعة تافت�س الأمريكية.
ع���ام .2007لكن رم�ض���ان �أي�ض ًا �صع���ب بع�ض املن���اورات الع�سكرية، فخ�ل�ال معركة تورا ب���ورا �أ�ص ّر بع����ض املقاتلني الأفغ���ان الذين كانوا يحا�صرون �أ�سامة بن الدن على الذهاب �إىل منازلهم للإفطار. .4العوملة غيرّ ت رم�ضان تعترب املراعاة ال�شديدة لل�شعائر الدينية بالن�سبة حلوايل 45مليون م�سلم ًا يعي�شون الآن يف الغرب ،م�س�ألة عزلة .حيث �أن العمل ال يتوقف خ�ل�ال �شهر رم�ض���ان ،وعلى ال�صائمني جم���ارات زمالئهم يف العمل الذين ي�أكل���ون وي�شربون �أمامهم .لكن هناك م���ن هبّ من املر�شدين واملوجهني على مواقع االنرتنت ،ليقدموا الن�صائح عن كيفية التعامل م���ع ال�شعور الناجم ع���ن العزلة ،كم���ا التم�س علماء الدي���ن امل�ؤثرين العُ���ذر للم�سلمني الذي يعي�ش���ون خارج ال�شرق الأو�س���ط .فعلى �سبيل املث���ال ،تجُ يز الأح���كام التي تع���ود �إىل ال�سبعيني���ات للم�سلمني الذين يعي�شون على خط طول �أكرث من 64درجة من خط اال�ستواء (حيث ال تغي���ب ال�شم�س مُطلق ًا يف ال�صي���ف) �أن يبدءوا ال�صيام ويفطروا وفق ًا لتوقي���ت مكة املكرمة �أو �أقرب مدينة كب�ي�رة تقع �إىل اجلنوب ويظهر
فيها ال�شروق والغروب املعتاد. .5رم�ضان �أف�ضل �أ�صدقاء الطاغية من����ذ زمن بعيد� ،أ�ستغ����ل احلكام الديكتاتوري����ون العلمانيون �شهر رم�ض����ان لتعزي����ز �شرعيته����م الدينية املُرت ِّنح����ة .فقد عف����ا تركمان با�ش����ي – احلاكم ال�ستالين����ي اجلديد الراح����ل لترُ كمان�ستان– عن � 8145سجين���� ًا خالل �شهر رم�ض����ان عام .2005واقت����دى بهذا بع�ض احل����كام امل�ستبدين من دم�ش����ق �إىل اجلزائر .كما �أن �صدام ح�سني، ال����ذي ح����اول �إظهار نف�س����ه ك�إ�سالميٍّ يف �آخر �سن����وات نظام حكمه، ق����دّم – وملرت��ي�ن -يف �شهر رم�ضان عرو�ض ًا لطه����ران لوقف �إطالق الن����ار خالل احل����رب الإيرانية -العراقية .ويف ع����ام ،2008وعندما زارت وزي����رة اخلارجية الأمريكي����ة كوندليزا راي�س ليبيا خالل �شهر َ�ض معمر القذايف م�صافحتها بالأيدي ،مُ�ست�شهِ د ًا مبوانع رم�ضان َرف َ ديني����ة جتاه مالم�سة الن�ساء �أثناء ال�صي����ام ،بينما يحيط به ع�صبة م����ن حار�ساته املُ�سرتجِ ��ل�ات طوال الوقت .وهذا م����رة �أخرى يُج�سِّ د كيف �أن ال�شهر الكرمي طاملا كان خليط ًا من املُقدّ�س واملُدنّ�س.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
127
جيوبوليتيك
جغرافية مُ ت�صدِّ عة انعكا�سات الفيدرالية الإثنية على التوجهات الإقليمية لإثيوبيا �أمرية حممد عبداحلليم amiraabdelhalim99@gmail.com
تعترب التعددية من �أهم ال�سمات املميزة للمجتمعات الأفريقية ،وقد حاولت الدول الأفريقي���ة بع���د اال�ستق�ل�ال التعامل مع الواقع التعددي وحتقيق االندماج الوطني �إال �أن معظ���م النظ���م ال�سيا�سية يف هذه ال���دول عجزت عن الو�ص���ول �إىل مرحلة بناء الدولة الوطنية ،يف ظل الف�شل يف خلق رغبة ل���دى اجلماع���ات املختلفة امل�شكلة للدول���ة للعي����ش مع ًا ك�ش���ركاء مت�ساوين.
128
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
129
جيوبوليتيك
وكغريها م���ن الدول الأفريقي���ة ،مل ت�ستطع �إثيوبي���ا حتقيق الإندماج الوطني يف عهد الإمرباط���ور �أو يف عهد النظام املارك�سي ،حيث يت�شكل املجتمع الإثيوبي من �أكرث من 83جماعة �إثنية ،ووفق ًا لبع�ض التقديرات مائة جماعة �إثنية .وتتوزع هذه اجلماعات بني �أكرث من 140لغة ولهجة، وديان���ات خمتلف���ة �أهمه���ا الإ�س�ل�ام وامل�سيحي���ة واليهودي���ة والديانات الطبيعي���ة ،حيث تتطابق التق�سيم���ات الإثنية مع الديني���ة واللغوية لدى ُ�شكّلة للمجتمع ،بحيث جند لكل جماعة من هذه اجلماعات الرئي�سية امل ِ خ�صو�صيتها الإثنية والديني���ة واللغوية املميزة لها عن باقي اجلماعات الأخرى .فعل���ى �سبيل املثال ،تعترب القومية الأمهرية ب�أبعادها ال�ساللية ال�سامي���ة ولغته���ا الأمهري���ة وديانتها امل�سيحي���ة الأرثوذك�سي���ة وثقافتها الأمهري���ة وتطوره���ا التاريخ���ي ،خمتلف���ة كلي ًا ع���ن القومي���ة الأورومية ب�أ�صولها ال�ساللية احلامية ولغتها الأورومية وديانتها الإ�سالمية الغالبة وثقافته���ا الأورومية والتاريخ الأوروم���ي ،وعلى هذا القالب ميكن ت�صور املقارن���ة لبقي���ة اخلارطة القومية الت���ي ت�ضم قوميات كب�ي�رة لها �أي�ض ًا خ�صو�صياتها مثل التجراي والعفار ال�صومالية ،وال�سيداما ،والقراقي، والهررية ،والهوبة ،والكامباتا ،واملكونات العرقية يف مناطق بني �شنقول وقامبيال و�إقليم اجلنوب. �إن امل�س�أل���ة الإثنية يف �إثيوبيا تتميز بطاب���ع االنق�سام العميق والدقيق ملكون���ات اخلارطة الإثنية عل���ى �أ�س�س قومية ،وترتب���ط م�شكلة التعاي�ش الوطن���ي عامة بطبيعة الت�شكي���ل والتكوين القومي للإثني���ات الإثيوبية. ف�إثيوبيا تعترب متحف القوميات �أو دولة التجميع القومي ،وتظهر �إثيوبيا يف ه���ذه امل�س�ألة يف �ص���ورة خمتلفة متام ًا ع���ن كل دول القرن الأفريقي ورمب���ا �أفريقيا ،فهي منوذج للتعددية القومي���ة .وبجانب العامل الثقايف يظه���ر عامالن �ساعدا على زيادة اخل�صو�صي���ات القومية ،تعلق �أولهما بالطبيعة الطبوغرافية لإثيوبيا ،حيث عملت وعورة الت�ضاري�س والطبيعة اجلبلي���ة كمحميات قومية (حمميات �إثني���ة) �أدت �إىل حت�صني وحماية حملت التحوالت ال�سيا�سية الداخلية التي �شهدتها �إثيوبيا مزيد ًا من الآمال ل�شعوب �إقليم القرن الأفريقي ب�أن تنعك�س هذه التحوالت على ال�سلوك اخلارجي لإثيوبيا ،وخا�صة ما يتعلق مبعاجلة م�شكلة حقوق اجلماعات الإثنية يف الداخل
كل قومية ،وعدم قدرتها على الذوبان واالن�صهار يف �إطار قومية �إثيوبية واح���دة� .أما العامل الث���اين فقد ارتبط بال�صراع���ات الإثنية بني بع�ض اجلماع���ات ،والدور الذي مار�سته ال�سلطة ال�سيا�سية يف ت�أ�صيل وجتذير ه���ذه ال�صراع���ات ،حي���ث ارتك���زت ال�سلطة نف�سه���ا على �أ�س����س قومية احتكرته���ا قوميتي الأقلي���ة الأمهرية والتجراوية �ض���د �أغلبيات و�أقليات 130
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
قومي���ة عانت م���ن احلرمان من ال�سلط���ة كانت نتيجت���ه الغنب واملظامل واملطالب القومية ،الأمر الذي زاد وعمّق من امل�سافات القومية. وق���د انعك�س الف�ش���ل الذي مُنيت ب���ه النظم ال�سيا�سي���ة يف �إثيوبيا يف �إدارة التعددية� ،سواء يف عهد الإمرباطور �أو يف عهد النظام الع�سكري، على التوجهات اخلارجية للدولة الإثيوبية خا�ص ًة على امل�ستوى الإقليمي وحتدي���د ًا �إزاء �إقليم القرن الأفريقى ،حي���ث تبنّت �إثيوبيا جمموعة من ال�سيا�س���ات اخلارجي���ة بررتها ب�أنها حم���اوالت حلماية الأم���ن القومي الإثيوب���ي ،من خالل انتهاج �سيا�سات �إقليمي���ة تو�سعية على ح�ساب دول اجل���وار لتحقيق هدفني رئي�سيني ،هما ال�سيط���رة على القوة والرثوة يف دول الق���رن الأفريقي للتعظيم من �ش����أن القومية امل�سيطرة على احلكم يف �إثيوبي���ا ،ومنع ت�أثري االمتدادات القومي���ات الإثيوبية على اال�ستقرار الداخلي لإثيوبيا وخا�صة امتدادات القوميات امل�سلمة. ومع بداية الت�سعينيات �شه���دت ال�ساحة ال�سيا�سية الإثيوبية جمموعة م���ن التغ�ي�رات الراديكالي���ة ،فقد جنح���ت جبهة حتري���ر التيجراي يف �إ�سقاط احلكم الع�سكري ال���ذي اعتلى ال�سلطة منذ عام ،1974و�أجرت ه���ذه اجلبه���ة بزعامة ملي����س زيناوي جمموع���ة من الإ�صالح���ات التي هدف���ت م���ن خالله���ا �إىل حتقي���ق اال�ستق���رار الداخلي ومعاجل���ة �أزمة االندم���اج الوطني وحت�س�ي�ن �صورة �إثيوبيا الإقليمي���ة والدولية ،وكان يف مقدمة ه���ذه الإ�صالحات تبني النظام اجلدي���د للآليات الدميقراطية واعتم���اده ملجموع���ة م���ن اال�سرتاتيجي���ات لإدارة التعددي���ة م���ن خالل تطبيقه للفيدرالية الإثنية. وقد حملت التحوالت ال�سيا�سية الداخلية التي �شهدتها �إثيوبيا مزيد ًا من الآم���ال ل�شعوب �إقليم الق���رن الأفريقي ب�أن تنعك����س هذه التحوالت عل���ى ال�سل���وك اخلارج���ي لإثيوبيا ،وخا�صة م���ا يتعلق مبعاجل���ة م�شكلة حقوق اجلماعات الإثنية يف الداخل� ،إال �أن ممار�سات النظام الداخلية مل ت�ساع���د على تطبيق الفيدرالية الإثنية ب�صورة ت�سمح بتوفري احلقوق واحلري���ات لكافة القوميات امل�شكلة للدولة الإثيوبية ،مما �أدى �إىل نزوع النظ���ام ال�سيا�س���ي للقي���ام مبغامرات خارجي���ة للتغطية عل���ى ف�شله يف حتقي���ق اال�ستقرار الداخلي� ،إال �أنه يف الوقت ذاته جنح هذا النظام يف تطبيع عالقاته مع عدد من الأنظمة ال�سيا�سية يف �إقليم القرن الإفريقي، وا�ستطاع ك�سب الت�أيي���د الدويل لتحركاته من خالل تعاونه مع الواليات املتح���دة وحلفائه���ا الغربي�ي�ن وحلفائها يف ال�ش���رق الأو�س���ط وحتديد ًا �إ�سرائي���ل ،مما �أثار الكثري من اجلدل حول حقيقة التوجهات اخلارجية للنظ���ام ال�سيا�س���ي الإثيوب���ي وخا�صة عل���ى امل�ستوى الإقليم���ي يف �إقليم الق���رن الأفريقي ،وما حلق بهذه التوجهات من تطورات منذ عام 1991 وم���دى ارتباط هذه التوجهات بالتحوالت الداخلية التي �شهدتها �إثيوبيا �أمرية حممد عبداحلليم باحثة يف العلوم ال�سيا�سية ،م�صر.
ظهر البعد الإثنوديني يف ال�سلوك اخلارجي لإثيوبيا التي حر�صت على الت�أكيد على �أنها دولة م�سيحية تعي�ش يف حميط ذي غالبية �إ�سالمية، وا�ستخدمت هذا املربر كذريعة لتو�سعاتها على ح�ساب القوى والدول الإ�سالمية املحيطة بها وقمعها للأغلبية امل�سلمة داخلها
وخا�ص���ة ما يتعلق بتطبيق الفيدرالية الإثني���ة ،وت�أثري هذه التطورات يف عالقات �إثيوبيا بدول القرن الأفريقي واال�ستقرار يف الإقليم كله. ولفهم هذه التطورات ميكننا التطرق لعدد من الق�ضايا كما يلي: البعد الإثني يف العالقات الإقليمية لإثيوبيا. مالمح تطبيق الفيدرالية الإثنية يف �إثيوبيا. العالقات الإثيوبية الإقليمية بعد عام .1991�أوالً :البعد الإثني يف العالقات الإقليمية لإثيوبيا ميث���ل البع���د الإثن���ي عام�ل�اً رئي�سي��� ًا يف توجه���ات الدول���ة الإثيوبية اخلارجية وخا�صة يف حميطه���ا الإقليمي ،ويعود ذلك �إىل جمموعة من الأ�سباب �أهمها: �أ .االمتدادات اخلارجية للقوميات الإثيوبية حيث تتميز اجلماع���ات الإثنية داخل �إثيوبيا بوجود امتدادات لها يف دول اجل���وار يف القرن الأفريق���ي ،فالقومية ال�صومالي���ة يف الأوجادين ترتب���ط بال�صوم���ال ،والقومي���ة العفاري���ة ترتب���ط بالعف���ر يف جيبوت���ي وال�صوم���ال ،والتج���راي مع جتراي �إريرتي���ا ،حتى القبائ���ل والقوميات احلدودي���ة الغربية املجاورة لل�سودان يف مناط���ق بني �شنجول وقامبيال ترتبط مع نظرائها يف ال�سودان. وتظه���ر عل���ى ه���ذه الإثني���ات نوعني م���ن املي���ول� ،إما االندم���اج مع نظرائه���ا يف الدول املجاورة �أو حماول���ة االنف�صال وتكوين دولة م�ستقلة كم���ا فعلت �إريرتيا ،وما ت�سع���ى �إليه القومية ال�صومالي���ة يف الأوجادين والعف���ر والأورومو .حيث متثل االمتدادات الإثنية للقوميات الإثيوبية يف دول اجل���وار �أحد حم���ددات التعاون وال�صراع ب�ي�ن �أثيوبيا ودول القرن الأفريقي. ب .ت�أكيد النظم ال�سيا�سية على الأبعاد الإثنية والدينية فق���د عمل���ت النظ���م احلاكمة يف �إثيوبي���ا يف عه���د الإمرباطور وعهد النظ���ام الع�سكري على الت�أكيد على العامل الإثن���ي والديني يف تعاملها م���ع اجلماع���ات الإثني���ة يف الداخ���ل ،ويف عالقته���ا اخلارجي���ة مع دول اجل���وار ،ففي الداخل �سيطرت الأمهرا (وهي م���ن اجلماعات الأقلية) على ال�سلطة ال�سيا�سية والرثوة االقت�صادية ،وحرمت معظم اجلماعات الإثني���ة ،ومنها اجلماع���ات الكبرية كالأورومو ،من احلق���وق ال�سيا�سية واالقت�صادية مم���ا �أدى حلدوث انق�سامات بني القوميات املكونة للدولة
الإثيوبية وزادت املطالب االنف�صالية بني هذه اجلماعات. �أم���ا على امل�ست���وى الإقليمي ،فقد ظهر البع���د الإثنوديني يف ال�سلوك اخلارج���ي لإثيوبيا التي حر�صت عل���ى الت�أكيد على �أنه���ا دولة م�سيحية تعي����ش يف حميط ذي غالبية �إ�سالمي���ة ،وا�ستخدمت هذا املربر كذريعة لتو�سعاته���ا على ح�س���اب القوى والدول الإ�سالمي���ة املحيطة بها وقمعها للأغلبية امل�سلمة داخلها. فبحك���م الدخ���ول املبك���ر للم�سيحية يف �إثيوبي���ا �أ�صبح���ت �أول الدول الإفريقي���ة �إعتناق ًا للم�سيحية الأرثوذك�سي���ة التي تعود �إىل القرن الرابع املي�ل�ادى ،فقد كان هن���اك ارتباط تاريخي ب�ي�ن امل�سيحية الأرثوذك�سية كديان���ة �أقلية بال�سلطة احلاكمة منذ تكوين �أول نواة للدولة الإثيوبية يف مملكة �أك�سوم وحتى عام .1974 وتنظ���ر كل الدوائ���ر امل�سيحي���ة الغربي���ة لإثيوبيا ب�أنها معق���ل وبوابة للم�سيحية يف �أفريقيا خا�صة يف �شرقها وتتفق النظرة الإثيوبية الداخلية م���ع النظرة الغربية �إذ حتاول النظم ال�سيا�سي���ة الإثيوبية ربط �إثنياتها امل�سيحي���ة بامل�سيحية الأفريقية وامل�سيحي���ة العاملية مما �أدى �إىل تدعيم الدوائ���ر امل�سيحية والغربي���ة والإفريقية املتوا�ص���ل للم�سيحية الإثيوبية، الأمر الذي جعل امل�سيحيني الأثيوبيني يف مو�ضع الأف�ضلية والتميز برغم �أقليتهم ،على ح�ساب الأغلبية الإ�سالمية ،والأقليات اليهودية والوثنية. ثانياً :مالمح تطبيق الفيدرالية الإثنية يف �إثيوبيا م����ع تويل نظام احلك����م اجلديد يف ع����ام 1991كان����ت �أوىل املهام التي عكف على القيام بها هو �إقرار عدد من الآليات ملواجهة تداعيات التعددية الإثنية والدينية واللغوية يف �إثيوبيا للو�صول �إىل بناء الدولة الوطنية ،حيث العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
131
جيوبوليتيك
تطبيق الفيدرالية الإثنية كانت حماولة من النظام ال�سيا�سي يف �إثيوبيا لإخ�ضاع اجلماعات الإثنية املختلفة وخا�صة اجلماعات الكبرية كجماعة االورومو ،حيث ارتبط مفهوم الدولة املوحدة وحتقيق الوحدة القومية بفكر اجلماعة احلاكمة وثقافاتها دون باقي اجلماعات
�صدر د�ستور عام 1994والذي حدد معامل الفيدرالية الإثنية. ووفق��� ًا للمادة ( )47م���ن الف�صل الرابع يف الد�ست���ور مت �إقرار �أن الدولة تتب���ع النظام الفيدرايل الدميقراطي حيث تتك���ون �إثيوبيا من 9واليات عل���ى �أ�سا����س �إثني وهى :والية التجراي – والي���ة العفر – والية الأمهرا – والية الأورمو – والية ال�صومال – والية بني �شنجول – والية �شعب اجلن���وب – والي���ة �شع���ب جامبي�ل�ا – والية ه���رر .وتعترب �أدي����س �أبابا عا�صمة الدولة الفيدرالية ،وهي تتمتع بو�ضع خا�ص فيما يتعلق يالإدارة الذاتية وت�شكل �إقليم ًا يف حد ذاتها. كم���ا تبن���ى الد�ست���ور حق تقري���ر امل�ص�ي�ر للقومي���ات وال�شعوب حتى االنف�ص���ال ،حي���ث �أعط���ى املجل����س الت�شريع���ي للوالية احل���ق يف طلب االنف�صال ب�ش���رط ت�صديق ثلثي �أع�ضاء املجل�س ،ث���م يرفع هذا الطلب �إىل احلكوم���ة الفيدرالي���ة التي عليه���ا �أن تنظم ،خالل ث�ل�اث �سنوات، ا�ستفت���ا ًء عام ًا على م�ستوى الوالية ،و�إذا ما وافق �شعب الوالية بالأغلبية ُعط الد�ستور حق ًا للمجل�سني النيابيني الب�سيطة يتم االنف�صال .حيث مل ي ِ �أو القوميات الأخرى يف تقرير ذلك. �إال �أن تطبيق الفيدرالية الإثنية يف �إثيوبيا مل يحقق التعاي�ش واالندماج بني اجلماعات الإثنية املختلفة ،حي���ث اعتمد تطبيق الفيدرالية الإثنية على �سيطرة جماعة �إثنية متثل الأقلية وهي جماعة (التجراي امل�سيحية) على قم���ة احلكومة املركزي���ة الفيدرالية ،مكت�سب���ة �شرعيتها من وجود وان�ضمام بع�ض عنا�صر الإثنيات مكونة معها حتالف ًا حكومي ًا يف مواجهة و�إرغ���ام بقية اجلماعات الإثنية ،وه���ي متثل الأغلبية ،على العي�ش حتت �سق���ف هذه احلكومة الفيدرالية ،مما �أنت���ج ومنذ البداية �صراع املركز والأقالي���م حول مطالب���ات التنمية واحلقوق الإداري���ة ،وتق�سيم ال�سلطة وال�ث�روة يف ظل ع���دم وج���ود فه���م ل�ل��إدارة الفيدرالية ل���دى ال�صفوة 132
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ال�سيا�سي���ة احلاكمة� ،سواء يف املرك���ز �أو الأقاليم ،مما �أدى �إىل �إق�صاء بع����ض مكون���ات التنظيمات الإثني���ة الكبرية املكونة لوالي���ات فيدرالية، ولع���ل ذل���ك �صعد من حدة ال�ص���راع ،و�أدى �إىل ظه���ور االختالفات بني الهوي���ات الإثني���ة والديني���ة واللغوي���ة ،الت���ي �أنتجت �أنواع��� ًا جديدة من التحالفات على خارطة ال�صراع املهددة لال�ستقرار الداخلى ،بل واجتاه ع���دد من الأقاليم �إىل االنف�صال ،وظهور ق���وى وجماعات �إثنية راف�ضة تطبيق الفيدرالية الإثني���ة .وخا�صة يف ظل ا�ستمرار االرتباط بني مربع امل�سيحي���ة واللغ���ة الأمهرية والقومي���ة (التجراي والأمه���را) وال�سلطة، وه���و مربع �أقلية ،وهو املكون احلاكم وامل�سيطر على الأغلبية الإ�سالمية والأقليات اليهودية والوثنية. ومم���ا يعق���د م�شكلة الوح���دة الوطني���ة يف �إثيوبيا هو ارتب���اط الإثنية بالدي���ن فال ميكن الف�ص���ل بينهما حيث ظل���ت الأمهري���ة �أو التجراوية امل�سيحي���ة يف �صراع دائم م���ع بقية املكونات الإثني���ة الأخرى التي متثل هوية دينية خمتلفة كالأغلبية الأورومي���ة امل�سلمة والعفار وال�صوماليني والهرريني وغريهم والأقلية اليهودية. ثالثاً :عالق��ات التفاعل بني �إثيوبي��ا ودول القرن الأفريقي منذ عام 1991 تعترب �أزمة االندماج الوطني يف منطقة القرن الأفريقي �سبب ًا رئي�سي ًا لل�صراع���ات الداخلية ،ذل���ك �أن معظم دوله تتميز بك�ث�رة االنق�سامات الإثني���ة واللغوي���ة والدينية ب�ي�ن اجلماع���ات املكونة للدول���ة ،فقد و�ضع اال�ستعم���ار ح���دود دول الق���ارة الأفريقي���ة دون �أي���ة مراع���اة لأو�ض���اع اجلماعات الإثني���ة فق�سمت هذه احلدود اجلماعة الإثنية الواحدة على ضال عن تعدد اجلماعات الإثنية داخل الدولة الواحدة. �أكرث من دولة ،ف� ً وعند خروج اال�ستعمار من املنطقة ،ف�شلت الدول امل�ستقلة يف التعامل مع الظاهرة الإثنية ،وعدم قدرتها على ا�ستيعابها يف �إطار الدولة الواحدة يف ظ���ل تبنّي هذه ال���دول ل�سيا�سات فا�شلة لالندم���اج الوطنى ،ارتكزت عل���ى قيام النظم احلاكمة الت���ي تنتمي يف �أغلبه���ا �إىل جماعات قومية و�إثني���ة با�ستبع���اد الإثنيات الأخ���رى ،ورف�ضها حتقي���ق الوحدة يف �إطار التنوع واالخت�ل�اف وتكري�سها ل�سيا�سة التمي���ز والتحيز ل�صالح جماعة �إثني���ة معينة .مما فتح الباب وا�سع ًا �أم���ام موجات من احلروب الأهلية يف الق���رن الأفريقي والتي �شكلت يف بع�ض احلاالت تهديد ًا حقيقي ًا �أمام بقاء كيان الدول���ة يف حد ذاته ،مما خلق داخل الدولة الواحدة تناق�ض ًا وت�صارع ًا بني االنتماءات الفرعية وما دون الوطنية ،ترتب عليها والءات �ضيقة وحمدودة ال تعرتف بالوالء الوطني �أو للجماعة الوطنية ال�شاملة، و�شكل���ت العالقات بني اجلماعات الإثنية داخل منطقة القرن الأفريقي �إحدى املحددات الهامة لل�سيا�سات اخلارجية لدول هذه املنطقة. وم���ع بداية الت�سعينيات ظهرت جمموعة م���ن املعطيات التي مار�ست ت�أث�ي�رات يف ق�ضاي���ا اال�ستق���رار والأم���ن يف �إقليم الق���رن الأفريقي من
ناحي���ة ،ويف التفاع�ل�ات الإثيوبي���ة م���ع دول الإقلي���م وت�أث�ي�ر التطورات الداخلي���ة يف �إثيوبيا على حتركاتها اخلارجية من ناحية �أخرى .ليدخل ال���دور الإثيوب���ي الإقليمي مرحلة جدي���دة لها �سماته���ا اخلا�صة يف ظل �إع���ادة بل���ورة النظ���ام الإقليمي للق���رن الأفريقي ،وليظه���ر ت�أثري البعد الإثني والديني على هذا الدور. فعل���ى امل�ست���وى الدويل انه���ار االحت���اد ال�سوفيتي الداع���م للحكم الع�سك���ري يف �إثيوبي���ا ،و�أ�صبحت الواليات املتحدة ه���ي القطب الأوحد عل���ى قمة النظام الدويل ،وفقدت �إثيوبيا دورها كقلعة للنفوذ ال�سوفيتي يف البح���ر الأحمر والقرن الأفريق���ى ،وك�صاحبة �أكرب جي�ش يف �أفريقيا جنوب ال�صحراء ،وت�صاع���دت الأهمية الدولية ملنطقة القرن الأفريقي وخا�صة بعد حرب اخلليج الثانية ،مبا متثله هذه املنطقة من فناء خلفي للتح���ركات الأمريكي���ة يف منطقة اخللي���ج ،ومرور ًا بالتدخ���ل الع�سكري الأمريكي يف ال�صومال وما نتج عنه من �إهانة كبرية للكرامة الع�سكرية الأمريكي���ة يف العامل ،ثم ا�ستهداف تنظيم القاع���دة ل�سفارتي الواليات املتح���دة يف دار ال�سالم ونريوبي ع���ام ،1998وتطوير الإدارة الأمريكية لإ�سرتاتيجي���ة للتعامل م���ع ق�ضايا القارة الأفريقية م���ن خالل حلفاء �أو ق���ادة اقليميني يف كل �إقليم م���ن �أقاليم القارة وتظهر �إثيوبيا مبا متتلكه من مقومات كقائد وحليف للواليات املتحدة واملنفذ ل�سيا�ستها يف �إقليم �شرق �أفريقيا .ثم ت�أتي �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب متواكبة م���ع ت�صاعد املد الإ�سالمي وال�صحوة الإ�سالمية يف �إقليم �شرق �أفريقيا لت�ضيف بعدا جديدا �إىل الدور الإثيوبي يف الإقليم. وعلى امل�ست���وى الإقليمي� ،سقطت حكومة �سي���اد بري يف ال�صومال لتعل���ن بداي���ة احلرب الأهلي���ة ،وو�صول حكوم���ة الإنق���اذ الإ�سالمية يف ال�س���ودان ع���ام ،1989وت�أه���ل �إريرتي���ا لتحقي���ق اال�ستق�ل�ال بعد جناح حتال���ف جبه���ة التحرير االريرتية وجبه���ة حترير التج���راي يف �إ�سقاط النظ���ام الع�سكري يف �أدي�س �أباب���ا ،ولت�صبح �إثيوبيا دولة حبي�سة وتخرج من دائرة الدول املطلة على البحر الأحمر. �أم���ا عل���ى امل�ست���وى الداخل���ي ،فق���د ف�شل نظ���ام اجلبه���ة الثورية الدميقراطي���ة ل�شع���وب �إثيوبيا يف حتقيق اال�ستق���رار املن�شود من خالل اعتم���اد النظ���ام الدميقراط���ي والفيدرالي���ة الإثنية ،نتيج���ة لف�شله يف ا�ستيع���اب اجلماع���ات الإثني���ة املختلفة ،وق���د حاول النظ���ام ال�سيا�سي التوجه نحو العمل اخلارجي. وق���د �ساهمت كل هذه املعطيات يف حتديد توجه���ات الدولة الإثيوبية �إزاء منطق���ة الق���رن الأفريق���ي� ،إال �أن العامل الإثن���ي ي�صاحبه العامل الدين���ى ظ�ل�ا ميار�سان ت�أثرياتهم���ا يف هذه التوجهات ،حت���ى مع ادعاء النظام الإثيوبي علمانية توجهاته .فقد ا�ستغلت اثيوبيا «احلرب العاملية عل���ى الإرهاب» يف �ضرب اجلماع���ات الإثنية امل�سلم���ة املعار�ضة لديها، وخا�ص���ة جماعة الأورومو ،حيث اتهمت ه���ذه اجلماعة بالإرهاب ،وهي
�سعى نظام ملي�س زيناوي �إىل �إعادة تفعيل وبلورة دور �إقليمي لإثيوبيا مع احلفاظ على مرتكزات الكيان القومي الإثيوبي يف ظل التحديات التي حتيط به يف �إقليم القرن الإفريقي الذي ي�شهد توترات كثرية منذ انتهاء احلرب الباردة
�أك�ب�ر جماعة �إثنية من حيث العدد داخ���ل اثيوبيا ،وتعاين من احلرمان من احلقوق ال�سيا�سية وفقر التنمية يف �إقليمها. وعل���ى الرغم من كون التقارب الإثني مث���ل �أهم العوامل التي حكمت التق���ارب بني اجلبه���ة ال�شعبية لتحري���ر �إريرتيا ،وجبه���ة حترير �شعب التيج���راي يف مواجه���ة النظام الع�سك���ري ال�سابق يف �إثيوبي���ا ،فاملكون الغالب على احلزبني كان وال يزال يتمثل يف القومية التجرينية امل�سيحية، �إال �أن اخلالف���ات ن�شبت بني احلزبني نتيجة اعرتا�ض اجلبهة االريرتية على نظام الفيدرالية الإثنية التي طبقتها جبهة حترير �شعب التيجراي واعتم���دت عليه���ا لتحقيق وح���دة �إثيوبيا ،حي���ث ر�أت اجلبه���ة ال�شعبية لتحري���ر �إريرتي���ا �أن ه���ذه الو�صفة كارثي���ة ،كما اعت�ب�رت جبهة حترير التج���راي �أن جبهة حترير �إريرتيا باعتباره���ا تنتظيم ًا �أقل دميقراطية وت�ستخدم ا�سرتاتيجية ع�سكرية. كما ر�أت معظم التنظيمات الأثيوبية املعار�ضة ،وخا�صة من الأمهرا، �أن �إ�ستق�ل�ال �إريرتيا خط����أ ال يغتفر �إن مل يكن يف نظ���ر البع�ض خيانة، وتوا�صل���ت ال�ضغوط الداخلي���ة على احلكومة الإثيوبي���ة وتطورت الأمور حتى كان اخلالف على احل���دود مدخال لإندالع احلرب احلدودية التي ا�ستم���رت ملدة عام�ي�ن 2000 – 1998وراح �ضحيتها م���ا يقارب ال�سبعني �ألف قتيل ،وجل����أت الدولتان �إىل التحكيم الدويل لرت�سيم احلدود فيما بينهم���ا الذي جاء مل�صلح���ة اريرتيا ب�إعتب���ار منطقة «بادم���ى» املتنازع عليه���ا �ضمن الأرا�ض���ي الإريرتية� ،إال �أن اثيوبي���ا ترف�ض نتائج التحكيم حتى اليوم. ومن���ذ انتهاء هذا النزاع تت�صاعد التوت���رات بني الدولتني بني احلني والآخ���ر ،ف�إريرتي���ا تعمل على دع���م اجلماعات املعار�ض���ة داخل �إثيوبيا العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
133
جيوبوليتيك مث���ل جبهة حترير الأوجادين وجبهة الأورومو ،كما تتهم �إثيوبيا �إريرتيا برعاي���ة الإرهاب .فقد قام���ت احلكومة الإثيوبية م�ؤخ���ر ًا بالقب�ض على عدد من العنا�صر الإرهابية يف ال�صومال ،و�أعلنت �أنهم تلقوا تدريباتهم داخ���ل �إريرتيا ،كما اتهم���ت �إثيوبيا �إريرتيا ب�أنه���ا وراء التفجريات التي �شهدته���ا بع����ض الأقالي���م الإثيوبية املج���اورة للحدود م���ع اريرتيا �أثناء االنتخابات الإثيوبية الأخرية. كم���ا دعم���ت �إثيوبيا �أمراء احل���رب ،وتدخلت ع�سكري��� ًا يف ال�صومال يف �أواخ���ر عام 2006حتت زعم حماربة الإره���اب ،واخلوف من انتقال عدوى التنظيمات الإرهابية �إىل داخل اثيوبيا� ،إال �أن اثيوبيا تنفذ �أجندة �أمريكية ر�سمتها لها وخا�صة فيما يتعلق بال�صومال والتي يخ�شى النظام الإثيوبي م���ن م�ساندته لإقليم الأوجادين ال���ذي يطالب باالنف�صال عن الكي���ان الإثيوبي ،وبالتايل يرى بع�ض الباحثني �أن �إثيوبيا من م�صلحتها �أن يظ���ل ال�صومال �ضعيف ًا وممزق ًا حت���ى ال ي�صبح دولة موحدة م�سلمة تهدد الدول���ة الإثيوبية امل�سيحية ،وتقوي من �شوك���ة اجلماعات امل�سلمة مما يعقد م�شكلة الوحدة الوطنية يف �إثيوبيا هو ارتباط الإثنية بالدين فال ميكن الف�صل بينهما حيث ظلت الأمهرية �أو التجراوية امل�سيحية يف �صراع دائم مع بقية املكونات الإثنية الأخرى التي متثل هوية دينية خمتلفة كالأغلبية الأورومية امل�سلمة والعفار وال�صوماليني والهرريني وغريهم والأقلية اليهودية
املعار�ضة داخلها. �إال �أن النظ���ام ال�سيا�س���ي يف �إثيوبيا منذ ع���ام 1991وعلى الرغم من طغي���ان املفه���وم ال�صراعي عل���ى تعامالته م���ع بع�ض دول اجل���وار� ،إال �أن���ه جن���ح يف تطبيع عالقاته م���ع دول يف الإقليم مثل ال�س���ودان واليمن وجيبوت���ي ،كم���ا حاولت �إثيوبي���ا لعب دور �إقليمي م�ؤث���ر من خالل بع�ض التجمع���ات الإقليمي���ة مث���ل الكومي�س���ا (ال�س���وق االقت�صادي���ة لل�ش���رق واجلن���وب الأفريقي) ،وجتم���ع �صنعاء الذي ي�ضم �أرب���ع دول هي اليمن وال�س���ودان وجيبوتي و�إثيوبيا ،وجماعة �شرق �أفريقيا ،والهيئة احلكومية للتنمية (الإيجاد). ويت�ض���ح مما �سب���ق �أن النظام ال�سيا�س���ي يف �إثيوبيا من���ذ عام 1991 قد ح���اول معاجلة �أزمة االندم���اج الوطن���ي و�إدارة التعددية باالعتماد عل���ى تطبي���ق «الفيدرالية الإثنية»� ،إال �أن ه���ذا النظام ف�شل فى حتقيق اال�ستيع���اب جلميع القوميات االثيوبية فى �إط���ار قومية �إثيوبية واحدة. فق���د �أدى ال�صراع الداخلى ب�ي�ن بع�ض القوميات كالتج���راى والأمهرا والأوروم���و �إىل ا�ضع���اف فر����ص االن�صه���ار القوم���ى ،ومل ت�ستط���ع كل القومي���ات احل�ص���ول عل���ى حقوقها فى �إط���ار تطبيق مب���د�أ «املواطنة» يف ظ���ل �سيط���رة جماعة �إثنية حمددة على ال�سلط���ة ال�سيا�سية ومن ثمّ الرثوة االقت�صادية. 134
ا�سرتاتيجية
فـي ب�ؤرة االهتمام ويب���دو �أن تطبي���ق الفيدرالي���ة الإثني���ة كان���ت حماول���ة م���ن النظام ال�سيا�س���ي يف �إثيوبي���ا لإخ�ض���اع اجلماع���ات الإثنية املختلف���ة وخا�صة اجلماع���ات الكب�ي�رة كجماع���ة االورومو ،حي���ث ارتبط مفه���وم الدولة املوح���دة وحتقيق الوح���دة القومية بفكر اجلماع���ة احلاكمة وثقافاتها دون باق���ي اجلماع���ات ،وارتكزت الهوية القومية عل���ى ثقافة اجلماعة احلاكم���ة ،مما �أدى �إىل رف����ض القوميات امل�ستبع���دة للهيمنة الثقافية للجماعة احلاكمة. وانعك�س���ت الإخفاق���ات الت���ي �شهده���ا النظ���ام الإثيوب���ي يف تطبيق الفيدرالي���ة الإثنية وتعرثه يف �إ�ضف���اء ال�صبغة امل�ؤ�س�سي���ة على النظام وتطبي���ق الدميقراطية ،وا�ستمرار ال�صراع���ات الداخلية على توجهات النظام الإثيوبي اخلارجية وخا�صة على م�ستوى منطقة القرن الأفريقى. فقد حاول هذا النظام تقلي�ص الدعم اخلارجي للجماعات الإثنية من امتداداتها يف دول اجلوار تل���ك االمتدادات التي جتعل التطورات التي ت�شهده���ا �إحدى دول الإقلي���م تلقي ب�آثارها على ال���دول الأخرى ،وهذا يربر االنغما�س الإثيوبي �سيا�سي��� ًا وع�سكري ًا يف الأزمة ال�صومالية ،كما عمل النظام الإثيوبي على دعم بع�ض اجلماعات الإثنية يف دول اجلوار مث���ل القوميات الإريرتية والعفر يف جيبوتي ،حي���ث كانت �إثيوبيا تطمع يف �ض���م جيبوتي عل���ى اعتبار �أن ق�سم ًا م���ن �سكانها العف���ر هم امتداد جل���زء من الأقلي���ة العفرية يف �إثيوبيا� ،إىل جان���ب �أن النظام يف �إثيوبيا عم���ل على توجيه الأنظار نح���و اخلطر اخلارجي يف حماولة ال�ستنها�ض ال�شعور القومي وتوحيد املعار�ضني نحو هدف قومي ،بل و�إعطاء النظام ال�سيا�س���ي مربر ًا للقيام ب����أي �إجراءات ا�ستثنائية م���ن �أجل حماية �أمن البالد. وق���د �سعى نظ���ام ملي�س زيناوي �إىل �إعادة تفعي���ل وبلورة دور �إقليمي لإثيوبي���ا م���ع احلفاظ عل���ى مرتكزات الكي���ان القوم���ي الإثيوبي يف ظل التحدي���ات التي حتيط به يف �إقليم القرن الإفريقي الذي ي�شهد توترات كثرية منذ انتهاء احلرب الباردة ،وقد تالقت ر�ؤية القيادة االثيوبية حول ال���دور الإقليمي لإثيوبيا مع الإ�سرتاتيجية الأمريكية التي ترى يف �إثيوبيا حليف ًا مهم ًا يف �شرق �أفريقيا ،ميكن االعتماد عليه يف تنفيذ خمططاتها واحلف���اظ على م�صاحله���ا وم�صالح ا�سرائيل ،والقي���ام بدور يف ت�سوية بع�ض الأزمات الإقليمية ،وخا�صة امللفان ال�سوداين وال�صومايل. �إال �أن النظ���ام الإثيوبي اعتمد يف تنفيذ �سيا�سته الداخلية واخلارجية يف الق���رن الأفريقي عل���ى ا�ستخدام الآلية الأمني���ة والع�سكرية �أكرث من ا�ستخ���دام الآلية الدبلوما�سية ،كما قام ه���ذا النظام بانتهاكات حلقوق الإن�س���ان يف مواجه���ة املعار�ضة الداخلية ،وخا�ص���ة يف الأوجادين و�ضد غ�ضت الواليات املتحدة الطرف عن التقارير املدنيني يف ال�صومال ،وقد ّ الت���ي �أعدته���ا املنظمات احلقوقية في هذا ال�ش����أن لتتيح لإثيوبيا �أكرب فر�صة لتنفيذ الأهداف الأمريكية الإ�سرائيلية يف الإقليم.
قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�صاد وال�ش�ؤون اجلارية
العامل االقت�صادي يف ديناميات التناف�س الإقليمي علي ح�سني باكري امل�ستقبل الغام�ض لل�صحافة الورقية حم ـمـد الكـهــايل م�سلمو �أوروبا �أو «الآخر» كما ينبغي �أن يكون علـي العب�سـي العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر
2010
ا�سرتاتيجية
135
فـي ب�ؤرة االهتمام علي ح�سني باكري
alibakeer@hotmail.com
العامل االقت�صادي يف ديناميات التناف�س الإقليمي ال�سعودية و�إيران وتركيا
لطامل���ا �ش���كّل االقت�صاد عن�صر ًا �أ�سا�سي ًا يف ديناميات التناف�س بني الالعب�ي�ن الإقليميني والدوليني� ،إن مل يكن حجز الزاوية الذي ترتك���ز �إليه باقي عنا�ص���ر املناف�سة املتمثلة �أي�ض ًا بالق���درات الع�سكرية وبالطاقات املجتمعيّة الب�شريّة .فق���د �أ�شارت �إ�سرتاتيجية املح�صلة الإ�سرتاتيجية، الأمن القومي الأمريكي 2010ال�صادرة م�ؤخرا ً ،على �سبيل املثال� ،إىل مدى �أهمية العن�صر االقت�صادي يف ّ بالق���ول «يع��� ّد االقت�صاد الأمريكي حجر الأ�سا�س يف نفوذ �أمريكا العاملي؛ فاالزدهار ه���و منبع القوة الأمريكية ،وهو م�صدر متويل القوات ،وهو امل�صدر الذي تعتمد عليه املبادرات الديبلوما�سية والتنموية الأمريكية يف العامل». تخت�ص���ر ه���ذه الفقرة الدور الذي ميكن للعامل االقت�صادي �أن يلعبه يف متوي���ل التناف�س بني الدول ويف لعب دور �إقليمي �أكرب ،فال ميك���ن لدول���ة ما �أن تقوم مبناف�سة �إقليمية ما مل تكن قدراتها االقت�صادية ت�سم���ح لها بذلك .ولطاملا كان االقت�صاد العن�صر الذي يدف���ع ال���دول �إىل التق���دّم �أو االنهيار .ويف هذا الإطار ،يتن���اول مقالنا هذا العامل االقت�صادي يف دينامي���ات التناف�س الإقليمي يف املث ّل���ث ال�سع���ودي -الإيراين-الرتك���ي ،والكيفية التي يتم بها ت�سخري القدرات االقت�صادية لكل بل���د يف دعم موقعه الإقليمي ،وهي كيفية تختلف من بلد �إىل �آخر. م���ن املالحظ �أنّه ويف الوقت الذي ت�ستخدم فيه تركيا االقت�صاد لتوليد ق���وّة ناعمة عل���ى ال�صعيد الإقليم���ي فيما يتع ّل���ق بالنم���وذج االقت�صادي اال�ستثنائ���ي ال���ذي اتبعته -ال �سيم���ا يف عهد حكومة العدال���ة والتنمية،- وكرافع���ة لتكوين جتمع���ات �إقليمي���ة تخوّلها احتالل مركز قي���ادي فيها، واال�ستف���ادة من هذا العن�صر يف تو�سيع دائ���رة نفوذها الديبلوما�سي مبا ين�سج���م و�سيا�ستها اخلارجية احلديثة التي و�ضع �أ�س�سها وزيرة اخلارجة �أحم���د داوود �أوغلو ،ت�سخّ ر �إي���ران قدراتها االقت�صادي���ة يف ن�شر �أدبيات الثورة (ثقافياً ،ومذهبياً ،و�سيا�سياً ،واجتماعياً) على ال�صعيد الإقليمي، ويف �ضم���ان احل�صول على ت�أييد بع�ض الدول النامي���ة ،و�أي�ضا يف الت�سلّح وتطوي���ر الربامج ال�صاروخية والنووي���ة ،والأهم من ذلك يف دعم الأذرع اخلارجية لإي���ران يف املنطقة ،وكلها عنا�صر قوّة تدخل يف �إطار التناف�س م���ع الدول الإقليمية لتعزيز موقع �إي���ران واحتاللها مرتبة القوة الإقليمية الكربى. �أم���ا اململكة العربي���ة ال�سعودية ،فهي ت�ستخدم بدوره���ا قدراتها املالية وقوته���ا االقت�صادية املرتبطة بالنفط �أ�سا�س��� ًا يف ميدانني �أ�سا�سيّني هما: ن�س���ج عالق���ات ديبلوما�سي���ة متينة مع خمتل���ف الدول الك�ب�رى مبا يوفر له���ا �إ�ضافة �إىل ال�صداق���ة الإ�سرتاتيجية مروحة خي���ارات خمتلفة تبقى حا�ض���رة على الدوام يف مواجه���ة املناف�سني الإقليمي�ي�ن ب�سبب املعطيات النفطية �أو ب�سبب الإغراءات اال�ستثمارية واملالية التي ت�ستطيع اململكة �أن ت�ستغلها ل�صاحلها� .أما امليدان الثاين فهو ميدان الت�سلح الع�سكري الذي ت�سع���ى من خالله اململكة �أن تكون عن�ص���ر ًا فاع ًال يف املنطقة يف مواجهة تهدي���دات تفر�ضها دول مثل �إ�سرائي���ل و�إيران عرب براجمها الع�سكرية �أو النووية.
�إي��ران:ت�����س��خ�ير االق��ت�����ص��اد ل��دع��م ال���ق���درات يقوم اقت�صاد �إي��ران الريعي على الالتناظرية
النفط ب�شكل �أ�سا�سي� ،إذ ت�شكّل عائدات النفط نحو � %80إىل %85من 136
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
علي ح�سني باكري باحث يف العالقات الدولية.
جملة ال�صادرات الإيرانية ،كما ت�ساهم ال�صادرات النفطية بحوايل %70
من �إيرادات املوازنة العامة للبالد .وعلى الرغم من �أنّ �إيران متتلك ما يقرب من %10من احتياطي النفط العاملي امل�ؤكّد لتحتل املرتبة الثالثة بعد ال�سعودية وكندا� ،إال �أنّ طهران التي تعترب رابع �أكرب منتج للنفط يف العامل وثاين �أكرب منتج للنفط يف �أوبك ال تزال ت�ستورد البنزين بن�سبة %40من حاجاتها من اخلارج. وعل���ى الرغم من �أنّ االقت�ص���اد الإيراين يعاين من م�شاكل جمّة نتيجة الف�س���اد و�س���وء الإدارة والعقوبات ،حي���ث تبلغ ن�سب���ة البطالة فيه حوايل ( %12ت�ش�ي�ر التقديرات اخلارجية دوم��� ًا �إىل ن�سبة مرتفعة قد ت�صل �إىل ح ��وايل )%20مع ن�سب���ة ت�ضخم كبرية �أي�ضاً� ،إال �أنن���ا نالحظ �أنّ اعتماد ه���ذا االقت�صاد على النف���ط �أعطاه القدرة على اال�ستف���ادة املبا�شرة من مليارات ال���دوالرات التي ت�أتي كعائدات ،وتوظيفه���ا يف م�شاريع التناف�س الإقليم���ي خا�صة يف �أوج ارتفاع �أ�سعار هذه ال�سلعة الإ�سرتاتيجية ،ال�سيما �أنّ احلر����س الثوري ي�سيطر عل���ى ن�سبة كبرية من هذا االقت�صاد وبالتايل من هذه املوارد. وطبق��� ًا ل�صندوق النقد الدويل ،ف����إن االقت�صاد الإيراين يخ�ضع ب�شكل �شبه كامل ل�سيطرة جهات �سيا�سية فاعلة� .إذ ت�ستهلك ع�شرون �ألف �شركة ضال عامة %65من امليزانية الوطنية وتتوىل %80من ال�صادرات ،هذا ف� ً ع���ن % 50من التجارة الداخلية .وتبل���غ ح�صة البنوك اململوكة للدولة يف ال�سوق نحو .%85 ففي الوالية الأوىل لعهد الرئي�س �أحمدي جناد ،ا�ستطاعت طهران على �سبيل املثال ،و�إثر ارتفاع �أ�سعار النفط �إىل م�ستويات تاريخية قيا�سية� ،أن تراك���م عائدات ت�ساوي حوايل 200مليار دوالر خالل ثالث �سنوات ،علم ًا �أن نف����س الرقم ا�ستلزمه���ا قبل هذه الفرتة ح���وايل � 10سنوات ملراكمته. ومل���ا ّمت الك�شف عن �أن �صندوق االحتياط���ي الإيراين ال يحتوي �إال على ما يرتاوح ب�ي�ن 7و 9مليار دوالر �آنذاك ،بادرت بع����ض اجلهات �إىل املطالبة العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
137
فـي ب�ؤرة االهتمام بفت���ح حتقي���ق وتوجيه تهم �إىل حكومة الرئي�س جن���اد مل�ساءلته عن �إنفاق احلكوم���ة 100مليار دوالر من ر�صيد ال�صن���دوق دون وجهة معلومة ،وهو م���ا �أ�شارت �إليه مطبوعة «�إي���ران امروز» م�ؤخر ًا الت���ي قالت �إن احلكومة اخفت حتى الآن �أكرث من 100مليار دوالر من عائدات النفط عن جمل�س ال�شورى ومنظمة التفتي�ش العام. كما ّمت الإعالن يف والية جناد الثانية عن اختفاء حوايل 23مليار دوالر ت�ش���كّل الفرق بني رقم املعلن ل���وزارة النفط التي قال���ت �أنها باعت نفط ًا بقيمة 256مليار دوالر يف الوقت الذي �أعلن فيه البنك املركزي الإيراين عن �أنّه من املفرت�ض للرقم �أن يكون 279مليار دوالر! وتق���دّر العديد من الأو�ساط يف داخل �إي���ران وخارجها �أنّ جزء ًا كبري ًا م���ن ه���ذه املبالغ �أنفقتها حكومة جن���اد على دعم وتعزي���ز مواقع �أذرعها الإقليمي���ة ومنا�صريه���ا املنت�شرين ال�سيما يف العامل العرب���ي� ،إ�ضافة �إىل العملي���ات املتعلق���ة با�ستقدام معدات غ�ي�ر م�شروعة مرتبط���ة بالربامج ال�صاروخية والنووية. وت�شري تقدي���رات ال�صحافة الإيرانية �إىل �أن الدع���م الإيراين املبا�شر حلزب اهلل اللبناين وحده فقط دون باقي الأذرع على �سبيل املثال يقارب ال� �ـ 1.2مليار دوالر �سنوياً .فوفق ًا لتقرير ملوق���ع «�صوت الكلمة اخل�ضراء» الإيراين نُ�شِ ر يف بداي���ة العام ،2010فقد �أر�سلت احلكومة الإيرانية مبلغ 400ملي���ون دوالر حلزب اهلل خالل زيارة واح���دة فقط قام بها مهرزاب بازربا�ش م�ست�شار الرئي�س الإيراين حممود �أحمدي جناد �إىل لبنان. ومثل هذه العمليات لتمويل حزب اهلل كانت تتم بوا�سطة «بنك �صادرات �إيران» .ويف ظ���ل العقوبات الدولية املفرو�ضة عل���ى امل�صرف ،وح�سا�سية العملي���ات امل�صرفية الت���ي يجريها البن���ك ،تتوىل ال�سف���ارة الإيرانية يف ب�ي�روت كم���ا يقول التقري���ر عمليات التحوي���ل ونقل الأم���وال �إىل احلزب بطرق كهذه� ،أو ب�أخرى كتلك التي ك�شفتها تركيا. فف���ي متوز/يولي���و م���ن الع���ام ،2009ك�شف���ت ال�سلط���ات الرتكيّة عن م�صادرته���ا ل�شاحن���ة حتمل من الذه���ب والعملة ال�صعبة م���ا قيمته 18.5 ملي���ار دوالر يف طريقه���ا م���ن �إي���ران �إىل لبن���ان ،و ّمت �إيداعه���ا امل�صرف املرك���زي الرتكي .وعلى الرغم من �أنّ ح�سني �شريعتمداري نفى �أن تكون ه���ذه الأموال تابعة للحر����س الثوري ،نقل موقع «بيك ن���ت» �أن هذا النفي من قب���ل �شريعتمداري �إمنا هو مناورة «للح�ؤول دون ك�شف خطة احلر�س الث���وري الإيراين لنقل هذه الأم���وال اىل حزب اهلل» ،فالأم���وال املذكورة كانت قد ت�ستخدم لت�أ�سي�س م�صرف م�شرتك «�إيراين -لبناين» ب�إ�شراف
انخفا�ض عائدات �إيران من النفط �إ�ضافة �إىل العقوبات حدة املفرو�ضة عليها م�ؤخر ًا �ستدفعها �إىل التخفيف من ّ التناف�س الإقليمي مع اململكة خا�صة فيما يتعلق بتمويل �أذرعها الإقليمية ،و�سيزيد من م�ساحة التعاون مع تركيا يف حماولة لك�سر احل�صار االقت�صادي وجتاوز تداعياته 138
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
م�ش�ت�رك من قب���ل احلر�س الث���وري ،وبالتعاون مع ح���زب اهلل لال�ستفادة منها يف ك�سر احل�صار االقت�صادي املفرو�ض على �إيران. وال �ش���كّ �أن هذا الدعم ل�سائ���ر �أذرع �إيران �سيت�أثر بانخفا�ض عائدات النفط الإيرانية والأزمة االقت�صادية التي تع�صف بالبالد وهو ما �سي�ؤدي بطبيعة احلال �إىل انكما�ش �أدوات �إيران الإقليمية من �أحزاب وميلي�شيات وهيئ���ات و�أفراد ،حيث �سين�صب الرتكيز عل���ى معاجلة الو�ضع الداخلي. ومن امل�ؤكّد �أن امل�شاريع الكربى الداخلية �سينالها جزء من الآثار ال�سلبية حيث من املتوق���ع �أن يطال االنكما�ش يف الإنفاق م�شروع الربنامج النووي الإي���راين ،ال�سيما بعد حزمة العقوبات الأممية الرابعة والفردية لكل من �أمريكا و�أوروبا.
ال تقوم الدول الثالث (�إيران وتركيا وال�سعودية) بتوجيه نفوذها االقت�صادي يف ظل التناف�س الإقليمي ال�ستقطاب الدول الأخرى فقط ،و�إمنا ت�ستخدم كل منها ما توفر لديها من �أوراق اقت�صادية يف احتواء املناف�س الآخر و�ضمان حتديد �سقف قراره الإقليمي من خالل الإم�ساك باملفاتيح الأ�سا�سية لهذا الغر�ض
تركيا :االقت�صاد يف خدمة القوّة الناعمة يف املقاب���ل ،تتمتّع تركيا مب���وارد طبيعية وث���روات املعدنية ومب�ساحات �شا�سع���ة �إ�ضاف���ة اىل موقع ممي���ز جعلت منها بل���د ًا ذو اقت�ص���اد مركّب ومعقّ���د يدم���ج احلداث���ة ال�صناعي���ة والتج���ارة واخلدمات املتط���ورة مع القطاع التقليدي الزراعي .موقع تركيا وطبيعتها املتنوّعة جعال منها بلد ًا غن ّي ًا باملوارد الطبيعية ،وبا�ستثناء افتقارها �إىل كمّيات معتربة من النفط والغ���از ،ف�إن تركيا تكاد حتتكر املوردان الأكرث �أهمية على �صعيد املنطقة وهم���ا املياه والغذاء ،وهما موردان تتوقّع الدرا�سات امل�ستقبلية �أن يت�سببا ب�صراعات دولية لال�ستحواذ عليهما يف ظل ال�شح الذي تعاين منه الدول جراء تناق�ص من�سوب املياه واالفتقار �إىل االكتفاء الغذائي يف ظل تنامي ال�سكّان. فرتكيا من البلدان القليلة التي تتمتع باكتفاء ذاتي من الناحية الغذائية والزراعي���ة وهي تع���د يف املرتب���ة الأوىل عاملي ًا م���ن ناحية �إنت���اج البندق وامل�شم����ش والتني� ،أمّا م���ن الناحية ال�صناعية فهي حتت���ل املرتبة الثانية عاملي ًا يف �إنتاج الزجاج امل�سطح ،والثالثة يف ت�صدير �أجهزة التلفاز ،وتقع �ضم���ن الئحة اخلم�س الأوائل يف �إنتاج الذهب ،والثامنة عاملي ًا يف �صناعة البناء وال�سفن. وال �شكّ �أنّ الرثوات واملوارد الطبيعية متنح الدولة القدرة على توظيفها يف جم���االت تزيد م���ن قوّتها .ونتيج���ة للتوظيف ال�سليم لل�ث�روات ومنهج الإ�صالح االقت�صادي الذي �أدخله حزب العدالة والتنمية ،ف�إن االقت�صاد الرتك���ي انتقل من مرحلة االنهيار مع بداية العام � 2002إىل مرحلة �أ�صبح فيها يحتل املرتبة الـ 15عاملي ًا وي�سعى الأتراك الحتالل مركز �ضمن قائمة االقت�صادات الع�شر الأوىل يف العامل خالل العقد املقبل. واملفارق���ة تكمن يف �أنّ تركيا دولة غري منتجة للنفط بل وت�شكّل الطاقة عبئ��� ًا كب�ي�ر ًا عليها خا�ص���ة عندما تك���ون الأ�سعار يف ارتف���اع ،لأن معظم م���وارد الطاقة التي حتتاجها �إمنا ت�أتي من اخلارج .لكن وعلى الرغم من ذل���ك ،ف�إن العن�صر االقت�ص���ادي يعد الركي���زة الأوىل يف انطالقة تركيا اخلارجي���ة و�صعودها الإقليمي .ويف هذا الإطار ميكن ر�صد انفتاح تركيا على العدي���د من التجمعات الإقليمية من خ�ل�ال متابعة احلجم املت�سارع واملت�ضاع���ف لأرق���ام التب���ادل التج���اري .فحجم االقت�ص���اد الرتكي بحد ذات���ه و�سوق���ه ال�ضخم���ة التي ت�ض���م �أكرث م���ن 70مليون ن�سم���ة والفر�ص
اال�ستثماري���ة ال�ضخم���ة املتوافرة فيها ،كله���ا عوامل ت�ش���كّل «جزرة» لأي ط���رف ت�سع���ى �أنق���رة �إىل االنفت���اح االقت�ص���ادي علي���ه ،كم���ا �أنّ موقعها اجلغ���رايف اال�سرتاتيجي ال يجعلها فقط �سوق ًا حمبّذ ًا و�إمنا بوابة لكل من يريد ت�سويق خمرجاته االقت�صادية �إىل �أوروبا والغرب ،خا�صة فيما يتعلق بال�سلع والنفط والغاز. فمع العامل العربي على �سبي���ل املثال ،حققت تركيا وفق رئي�س الوزراء رج���ب طي���ب �أردوغ���ان قف���زة كبرية يف حج���م التب���ادل التج���اري من 7 ملي���ارات دوالر ع���ام � 2002إىل 37ملي���ار دوالر ع���ام ،2008وهناك �أكرث م���ن � 200شركة عربية لديه���ا ا�ستثمارات يف تركيا تدعم اقت�صاد بلدانها واالقت�ص���اد الرتك���ي� ،إذ بلغ حجم اال�ستثم���ارات العربية يف تركيا حوايل 6,2مليار دوالر بني عامي 2002و.2009 ه���ذه امل�ؤ�ش���رات �أف�ض���ت �إىل تغي�ي�ر بع�ض املعطي���ات الإقليمي���ة ،فقد �أ�صبح���ت عالقة تركيا امل�صلحية مع العرب �أكرث �أهمية منها مع �إ�سرائيل مم���ا خلق تناف�س ًا م���ع �إ�سرائيل على الدور اجلديد يف املنطقة ،وهو الدور ال���ذي ترف�ضه الأخرية بطبيعة احلال نظر ًا للنتائج ال�سلبية التي �سترتتب على �صعود تركيا الإقليمي بالن�سبة لها. كما خل���ق هذا الو�ضع عالقة م�صلحية قوية م���ع العرب الذي �أ�صبحوا ينظرون �إىل تركيا على �أنّها موازن للنفوذ الإيراين يف منطقتهم ،ف�أ�صبح لرتكيا يف الداخل العربي �شعبية الأمر الذي �أثّر يف النفوذ الإيراين ودفعه �إىل الرتاج���ع ،يف ظل التناف����س الثالثي الإ�سرائيل���ي -الإيراين -الرتكي على النفوذ يف املنطقة العربية. وينطب���ق هذا امل�شه���د على دوائر �إقليمية عدي���دة لرتكيا حيث تتناف�س �إقليمي��� ًا م���ع �إي���ران يف �آ�سي���ا الو�سط���ى ،وله���ا نف���وذ اقت�ص���ادي ينعك�س �سيا�سي��� ًا يف منطقة متتد من غرب ال�ص�ي�ن �إىل �شرق �أوروبا ومن منطقة �شم���ال البحر الأو�سط �إىل عمق القارة الأفريقي���ة مرور ًا مبنطقة ال�شرق الأو�سط. فق���د ا�ستغلت تركيا اقت�صادها للخروج �إىل مناطق بعيدة غري تقليدية وهو ما عبرّ عنه املتخ�ص�ص يف العالقات الدولية بجامعة «بهت�شه �شهري» يف �إ�سطنب���ول ،جنكي���ز �أكرت ،بقول���ه ب�أن «ل���دى احلكومة احلالي���ة النية
احلازمة ب�أن تكون يف كل مكان ،و�أن جتعل من تركيا قوة متو�سطة يُح�سَ ب لها ح�ساب». فم���ع �أفريقيا على �سبيل املثال �أي�ض ًا ال احل�صر ،قفز حجم ال�صادرات الرتكي���ة وفق ًا لأرقام معهد الإح�صاءات الرتكي م���ن 1.4مليار دوالر �إىل 10.2ملي���ار بني عامي 2000و 2009بن�سبة ت�شكّل حواىل %10من �إجمايل ال�ص���ادرات الرتكية ،مقابل ارتفاع حج���م واردات املنتجات الأفريقية يف الوقت ذاته من 2.7مليار دوالر �إىل 5.7مليار. وق���د �سمح هذا البعد االقت�صادي لرتكيا بتعزي���ز البعد الديبلوما�سي، بحي���ث افتتحت حت���ى �آذار /مار�س 2010عدد ًا م���ن ال�سفارات اجلديدة لريتفع الرقم من � 12إىل 17يف غ�ضون �سنتني مع � 10أخرى قيد الإن�شاء. ويعك����س عدد الأ�صوات الأفريقية التي ح�صلت عليها تركيا �إبّان تر�شحها ملقعد غري دائم يف جمل�س الأمن يف ت�شرين الأول� /أكتوبر 2008بواقع 51 �صوت �أفريقي م�ؤيد من �أ�صل 53عدد الدول الأفريقية ،مدى التقدّم الذي �أحرزت���ه تركيا يف منطقة ت�شه���د تناف�س ًا حمموم ًا ب�ي�ن العديد من الدول لدخولها ومنها دول �إقليمية ك�إ�سرائيل و�إيران و�أي�ضا الدول اخلليجية.
ال�سعودي��ة :الق��وّة املالية لال�ستثم��ار يف ال�سيا�سة �أمّا االقت�صاد ال�سعودي فيعتمد اعتماد ًا �أ�سا�سي ًا والت�سلّح
ورئي�سي��� ًا عل���ى النفط وال�صناع���ات الأخ���رى املرتبطة ب���ه كال�صناعات البرتوكيماوي���ة� .إذ تعت�ب�ر اململكة املنتج وامل�ص���دّر الأوّل للنفط يف العامل وثاين �أكرب منتج للنفط اخلام بعد رو�سيا ،و�صاحبة �أكرب احتياطي نفطي عاملي مبا ن�سبته %25من جممل االحتياطات النفطيّة العاملية. وت�ش���كّل عائ���دات ت�صدي���ر النف���ط ح���وايل %90من جمم���ل �إيرادات �ص���ادرات البالد ومثلها تقريب ًا من جممل عائدات الدولة ،وت�شكّل حوايل �أك�ث�ر من %40من الن���اجت املحلي الإجمايل .وبلغة الأرق���ام كانت اململكة حت�ص���د وفق تقرير لـ «دويت�ش���ه بنك» حوايل �أكرث من ملي���ار دوالر يومي ًا م���ن عوائد النفط يف العام � ،2008أي ما يزيد عن 365مليار دوالر مقابل حوايل 200مليار دوالر متوقعة للعام .2010 ه���ذه املبال���غ ال�ضخم���ة �أتاح���ت للمملكة �أن ت�ب�رز لي�س عل���ى ال�صعيد العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
139
فـي ب�ؤرة االهتمام الإقليم���ي فح�سب و�إمنا عل���ى ال�صعيد الدويل �أي�ض���ا ال �سيما خالل وبعد الأزم���ة املالية العاملية ،وه���و ما جت�سّ د يف �ض ّمه���ا �إىل جمموعة الع�شرين الت���ي ّمت ا�ستحداثه���ا وتفعيلها خالل الأزم���ة املالية العاملي���ة .وال �شك �أنّ ملث���ل هذا االن�ضم���ام �أ�سبابه ،اذ ميث���ل اقت�صاد اململكة نح���و 22يف املائة من الن���اجت القومي الإجم���ايل لل���دول العربية جمتمع���ة ،و 48.5يف املائة م���ن اقت�صادات دول جمل�س التعاون اخلليج���ي ،بالإ�ضافة للدور املحوري للمملك���ة يف ا�ستقرار �أ�س���واق البرتول ،وما يتبعه م���ن ت�أثري يف االقت�صاد العاملي. م���ن جهة �أخ���رى ،ف�إنه وفق ًا لأرق���ام معهد �ستوكهومل ال���دويل لأبحاث ال�س�ل�ام «�سي�ب�ري» ،ال تزال اململك���ة العربية ال�سعودية الأك�ث�ر �إنفاقا بني دول املنطق���ة على الت�سلح ،حي���ث زادت ميزانيتها الع�سكرية للعام ،1998 بن�سب���ة %61لي�صل حجمها الإجمايل �إىل 33مليار دوالر يف العام ،2008 متق ّدم���ة على �إ�سرائيل التي حتت���ل املرتبة الثانية بواقع 13مليار دوالر ثم �إيران مع 6.1مليار دوالر. وتركّ���ز اململكة يف م�شرتياته���ا على احل�صول عل���ى مقاتالت متطورة وعلى �أنظمة دفاع �صاروخي م�ض���اد لل�صواريخ البالي�ستية وعلى �صواريخ وقذائف «ذكيّة» عالية الدقّ���ة وموجّ هة بالأقمار ال�صناعيّة ،مبا من �ش�أنه �أن مينح اململكة القدرة على �ضرب �أهداف بعيدة ،الأمر الذي يخلق توازن ًا يف ق���وة الردع مع �صواريخ �إيران البال�ستية �أو تهديدات �أخرى �إ�سرائيلية. فق���د قامت ال�سعودي���ة يف العام 2007على �سبيل املث���ال ب�شراء 72طائرة «يوروفايرت – تايفون» من بريطانيا مببلغ 9مليارات دوالر. وت�ستخ���دم اململك���ة �أي�ضا نفوذه���ا النفطي واملايل يف تعزي���ز مواقفها الإقليمية .فعلى �سبي���ل املثال ،نقلت العديد من التقارير �إمكانية �أن تقوم اململك���ة بتعوي�ض ال���دول الكربى املت�ض���ررة من �أي عقوب���ات نفطية على �إي���ران� ،أو �ضم���ان اململكة زيادة الإنت���اج لتحقيق اال�ستق���رار يف الأ�سواق العاملية. وت�ش�ي�ر تقاري���ر �أخ���رى �إىل �أنّه وعل���ى الرغم م���ن �أن ورادات ال�سالح اخلليجي���ة من �أمريكا و�أوروبا تبقى احل�ص���ة الأكرب من جممل الواردات الع�سكري���ة ،ا ّال �أنّ���ه م���ن املالح���ظ وج���ود توج���ه باالنفتاح عل���ى ال�سالح الرو�س���ي ،ولع ّل ذلك يعود �إىل رغبة دول اخلليج ويف طليعتها ال�سعودية يف احل���د من الدع���م الرو�س���ي لإي���ران ،وا�ستمالتها مقابل �شراء �أ�سلحة مببالغ كبرية. ففي الع���ام ،2007زار الرئي����س فالدميري بوتني اململكة ال�سعودية ومت مناق�شة �صفقات �سالح بقيمة حوايل ملياري دوالر� ،أب���دت اململك���ة خاللها االهتمام ب�ش���راء 150مروحية، 30هجومية ( )Mi-35و 120نقل ( )Mi-17و�أكرث من 150 دبابة ( )T-90sوحوايل � 250آلية مدرعة وع�شرات الأنظمة الدفاعية امل�ضادة للطائرات. وحتت���ل الأنظمة الدفاعي���ة الرو�سية املتط���ورة �أي�ض ًا مركز ًا مهم ًا يف الئح���ة الأ�سلحة التي ت�سع���ى ال�سعودية �إىل احل�صول عليه���ا� ،إذ تبدي اململك���ة اهتمام ًا متزاي���د ًا يف احل�صول على 140
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
�أنظمة الدفاع ال�صاروخي اجل���وي ( )S-300و( )Pantsyr-S1و()S-400 الق���ادرة على اكت�شاف �ستة �أهداف والتعامل معها ،يف �آن واحد ،من على م�سافة 400كيلومرت. دون �أن نن�س���ى يف النهاية الإ�شارة �إىل �أهمي���ة اال�ستثمارات ال�سعودية اخلارجية والتي ت�سعى كل الدول �إىل اجتذابها ،ال�سيما بعد ازدياد دورها واحلاج���ة �إليها �إب���ان الأزمة املالي���ة العاملية وما بعده���ا خا�صة يف الدول الغربية كالواليات املتحدة و�أوروبا.
الورق��ة االقت�صادي��ة يف العالق��ات املتبادل��ة بني وال تقوم الدول الثالث (�إيران الدول الثالث
وتركيا وال�سعودية) بتوجيه نفوذها االقت�صادي يف ظل التناف�س الإقليمي ال�ستقط���اب الدول الأخرى فقط ،و�إمنا ت�ستخ���دم كل منها ما توفر لديها م���ن �أوراق اقت�صادي���ة يف احت���واء املناف�س الآخر و�ضم���ان حتديد �سقف قراره الإقليمي من خالل الإم�ساك باملفاتيح الأ�سا�سية لهذا الغر�ض. فاعتم���اد تركيا الكلّي عل���ى �سبيل املثال على ا�ست�ي�راد ما حتتاجه من م���وارد الطاق���ة يع ّد عام���ل �ضعف حت�سن �إي���ران ا�ستغالل���ه وتوظيفه مبا يخ���دم م�صلحته���ا ،حيث ت�ؤمّن الأخرية التي متتلك ث���اين �أكرب احتياطي من الغاز الطبيعي يف العامل ،حوايل ثلث واردات تركيا من الغاز الطبيعي �أو ما ي�ساوي حوايل 25مليون م 3يومياً. يف املقاب���ل ،وعل���ى الرغم م���ن انّ حجم التب���ادل التجاري ب�ي�ن تركيا واململكة العربية ال�سعودية متوا�ضع مقارنة مبثيله الإيراين -الرتكي حيث يبل���غ الأول حوايل 5.5ملي���ار دوالر – مع طموح لرفعه �إىل 20مليار دوالر خالل �سنتني -مقابل حوايل 10مليار دوالر للثاين – مع خطط لرفعه �إىل ما ب�ي�ن 20و 30مليار دوالر ،-تعتمد اال�سعودية على العن�صر اال�ستثماري ال���ذي يعد الأكرث �أهمية خلدم���ة االقت�صاد الرتكي ،حي���ث تعتزم اململكة ا�ستثمار قرابة الـ 400مليار دوالر خالل الأربع �سنوات املقبلة. ولأنّ الركي���زة الأ�سا�سي���ة مل�شروع تركي���ا الإقليمي تق���وم على العن�صر االقت�ص���ادي ،ف�إن االقت�صاد الرتكي ي�سع���ى �إىل ا�ستيعاب هذه املدخالت املختلف���ة على اعتبار �أنّ هناك م�ساح���ة وا�سعة للتعاون على قاعدة الربح املتب���ادل ( ،)Win- Win Situationوه���و م���ا تعزّزه التط���ورات الأخرية الت���ي �شهدت انخفا�ض ًا لأ�سعار النفط و�أزمة اقت�صادية عاملية. فانخفا����ض عائ���دات �إي���ران م���ن النف���ط �إ�ضافة �إىل العقوبات املفرو�ض���ة عليها م�ؤخر ًا �ستدفعها �إىل التخفيف من ح���دّة التناف�س الإقليم���ي مع اململكة خا�ص���ة فيما يتعلق بتموي���ل �أذرعه���ا الإقليمي���ة ،و�سيزيد من م�ساح���ة التعاون مع تركيا يف حماولة لك�سر احل�صار االقت�صادي وجتاوز تداعياته. �أمّ���ا اململك���ة العربية ال�سعودي���ة فهي ت���رى يف تركيا عن�صر موازنة ،ولذلك ف�إن العام���ل االقت�صادي يعترب �أ�سا�سي ًا يف هذه احلالة لتعزيز التع���اون القائم لدعم اال�ستقرار يف املنطقة على قاعدة الربح املتبادل �أي�ضاً.
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة درا�سات اقت�صادية
الأزمة املالية العاملية ودول جمل�س التعاون اخلليجي
االنعكا�سات والآفاق امل�سقبلية علي ح�سني باكري
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
141
فـي ب�ؤرة االهتمام يف 1605ولدت ال�صحافة الورقية بال�صورة الكاملة لل�صحيفة املطبوعة .ففي تلك ال�سنة� ،صدرت �صحيفة «روال �سي���ون» الأ�سبوعي���ة يف مدينة �سرتا�سبورج الأملاني���ة ،لتنت�شر بعدها ال�صحافة املطبوع���ة يف �أرجاء �أوروبا وحتتل مكان���ة ثقافي���ة و�سيا�سية واجتماعية مهمة وفاعلة ،خالق��� ًة تطور ًا حقيقي ًا كما يرى م�ؤرخ���و الإعالم يف م�سارات احلي���اة الإن�سانية ،وانت�شار قي���م الن�ضال ،وروح التغيري؛ لقيامه���ا بن�شر الأخبار واملعلوم���ات والأفكار ،و�إحداث تق���ارب يف التفاعالت اجلماهريية حتى �أ�صبحت ال�صحافة وال�صحف من �أهم القيم الرمزية للمعرفة وت�شكيل الوعي اجلمعي. الورق���ي وال�صح���ف املطبوع���ة اليوم بعد �أك�ثر من �أربعمائة لكنه���ا ال تخل���و م���ن تروي���ج ع����ام ع��ل��ى ظ���ه���ور ال�صحافة جتاري ملنتجات اخلزن الرقمي املكتوبة وتطور تقنيات االت�صال واال�ستعرا�ض الإلكرتوين .وكان وال��ت��وا���ص��ل الإن�������س���اين ،تظهر بي���ل جيت����س يف مقابل���ة ل���ه مع ت���ن���ظ�ي�رات وت����وق����ع����ات ب��ق��رب �صحيفة “لو فيغارو” الفرن�سية ان��ق��را���ض ال�����ص��ح��اف��ة الورقية قد ن�صح ال�صح���ف الورقية �أن و�أمناطها املختلفة خالل �سنوات توجد لها مواقع �إلكرتونية نوعية قليلة� ،أمام انت�شار �آليات و�أدوات ومتطورة يف �سباق حتدٍّ من �أجل الن�شر الإلكرتوين عرب الإنرتنت احلفاظ على جمهورها ،وكانت وال���ه���وات���ف اجل���وال���ة وو�سائط تقدي���رات جيت����س حينها تتوقع امليديا املتطورة. جت���اوز ن�سبة مطالعي ال�صحف ي�����ق�����ول �أح�����������دث ت���ق���ري���ر ع�ب�ر �شبك���ة الإنرتن���ت خ�ل�ال ل�شركة ال�برجم��ي��ات العمالقة �سنوات قليل���ة ،حاجز � ،%50إال «ميكرو�سوفت» �أن الت�سعة ع�شر �أن الأم���ور الي���وم تب���دو مغايرة عام ًا املقبلة �ست�شهد االختفاء حمــمـد الكـهــايل متام ًا لكثري م���ن التوقعات �إزاء النهائي لل�صحافة الورقية �أمام pressye@gmail.com انت�ش���ار املواق���ع الإلكرتوني���ة تزايد عدد مُ�ستخدمي خدمات وو�سائط الن�شر ال�صحفية. ا�ستعرا�ض ال�صحف على �شبكة الإنرتنت ،و�سيح ّل الن�شر الإلكرتوين حمل الن�شر الورقي ب�شكل فف���ي درا�س���ة �أجري���ت على اجلمه���ور الأمريك���ي توردها ماري نهائي. بينيل���ر يف مقاله���ا عن م�ستقب���ل ال�صحافة املكتوب���ة ،يف �صحيفة وجند خلفية لهذا التقرير من «ميكرو�سوفت» لدى م�ؤ�س�سها بيل “اللومون���د ديبلوماتي���ك” مطلع العام احل���ايل ،2010يت�ضح �أن جيت�س ،الذي يقول« :لفرتة جتاوزت اخلم�سمائة عام ،كان الق�سم اجلمه���ور الأمريك���ي ال يخ�ص����ص م���ن وقت���ه ملطالع���ة ال�صحف ع�ب�ر �شبك���ة الإنرتنت �أك�ث�ر م���ن ،%0.56فيم���ا يخ�ص�صون %17 الأعظ���م من املعلوم���ات واملعارف الب�شرية ُيخ���زّن كوثائق ورقية، وها ه���ي ذي واحدة منها بني يديك يف ه���ذه اللحظة �إال �إذا كنت م���ن �أوقاتهم عل���ى الإنرتن���ت للمدون���ات الإلكرتوني���ة ولل�شبكات تقر�أ هذه ال�صفحات عرب القر�ص املدمج (� )CDأو عرب �صفحات االجتماعي���ة مث���ل الفي�سب���وك والتوي�ت�رز ،واملاي �سبي����س ،..وهي الوي���ب� .سيبق���ى الورق معنا دون ريب �إىل وق���ت غري حمدد ،لكن ذاتها ال�شبكات الإلكرتونية التي تزيد من م�ساحة جمهور القنوات �أهميته ك�أداة للو�ص���ول �إىل املعلومات وحفظها وتوزيعها بد�أت يف املتلف���زة وال�صح���ف الإخبارية عرب نقل وم�شارك���ة موادها احليّة والإنفرادات ال�صحفية والتعليق عليها. الت�ضا�ؤل بالفعل”. وتفي���د الإح�صائي���ات الأوروبية �أن %80من ال�شب���اب يف �أملانيا �س���اق جيت�س ه���ذا الكالم يف كتاب���ه “طري���ق امل�ستقبل” ،عند حديثه عن ثورة املحتوى ،وهي فل�سفة ال تعني حتم ًا انقرا�ض الن�شر يق���ر�أون ال�صح���ف واملج�ل�ات الورقية يومي���اً ،وتق���ول املعلومات
امل�ستقبل الغام�ض لل�صحافة الورقية
142
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
حم ـمـد الكـهــايل باحث وكاتب ميني.
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
143
فـي ب�ؤرة االهتمام
ال�صادرة عن جملة “نا�شيونال جيوجرافيك” الدولية �أن الإن�سان الع���ادي يف الألفي���ة اجلديدة يق���ر�أ يف حيات���ه � 2455صحيفة تزن نح���و طن ون�صف من الورق ،ويقر�أ كذل���ك 533كتاب ًا مقابل ثمان �سن���وات من حياته يق�ضيها يف م�شاهدة التلفاز مبعدل 148دقيقة يومياً ،بعد �أن كان متوقع ًا منذ ظهور التلفاز �أن يُزيح قراءة الكتب وال�صح���ف نهائياً ،كما كان متوقع ًا ل���ه �أن يبث نعي الراديو �إال �أن الراديو ما يزال حي ًا ومهم ًا حتى اليوم. يتبنّ���ى روبرت م���ردوخ� ،أحد كبار مُ�ل�اك الو�سائ���ل الإعالمية املرئي���ة واملطبوع���ة يف العامل ،فك���رة اال�ستعداد لنع���ي ال�صحافة الورقي���ة ،رغ���م امتالك���ه ل�صح���ف �شه�ي�رة ووا�سع���ة االنت�شار يف �أم�ي�ركا مثل النيويورك بو�س���ت ،ووول �سرتيت جورنال ،و�أكرث من مائة مطبوعة يف �أ�سرتاليا و�أماكن �أخرى متفرقة من العامل. ويب���دو جلي��� ًا �أن دافع مردوخ لي����س ناجم عن خ�س���ارة حقيقية لل�صحافة الورقية �أمام الن�ش���ر الإلكرتوين للمحتويات ال�صحفية �أو الأ�سباب الناجمة عن خ�سارة ال�صحف ال�ستثمارات وم�ضاربات نتيجة الأزمة املالية العاملية ،بل يف �سعي مردوخ �إىل ت�أ�سي�س �إحتاد للنا�شري���ن العاملي�ي�ن ُيل���زِ م مت�صفحي الإنرتن���ت بالدفع لالحتاد مقاب���ل خدمات الت�صف���ح عقب خروجه بت�سوية غ�ي�ر مر�ضية مع عم�ل�اق البح���ث googleلتقا�س���م الأرب���اح الناجت���ة ع���ن ت�صفح ال�صح���ف واملق���االت عرب مت�صف���ح البح���ث يف ،googleوتهديده ب�سحب جرائده من املوقع ،وهو ما تقول حوله ماري بينيلر �أنه لن يتم كون ال�سيد مردوخ يعلم �أن هذه اخلطة لن تنجح �إال يف حال قام به���ا كل النا�شرين الآخرين يف ذات الوقت ،بالإ�ضافة �إىل معرفته بالقيم���ة الزمنية املحدودة للم���واد الإعالمية مما يجعل حمايتها �صعب���ة على الإنرتنت ،و�سهولة حتك���م googleبهذه املواجهة� ،إذ �أنه���ا ال حتقق �سوى �أرباح هام�شي���ة من املواقع ال�صحفية ال ت�شكل �سوى ما جمموعه � %1.5إىل %3من �أبحاث املحرك. وم���ن املهم �أن نعرف هنا �أن خطورة و�ضع ال�صحافة الأمريكية ي�أتي من االحتكاري���ة التجارية لل�ستة الكبار ،كما يقول بريكلي يف كتاب���ه «احتكار الإعالم» .ف�ست جمموع���ات �إعالمية جتارية هي: «تامي ويرنر» و»و�ستنك هاو�س»� ،صاحبة ال�شبكة الإخبارية �سي بي �إ�س ،وجمموعة «مردوخ نيوز كور» التي متلك �شبكة فوك�س ،و�شركة ديزين املالكة احل�صرية ملجموعة �إي بي �سي ،وجمموعة «جي �إي» املالك���ة ل�شبكة �إن ب���ي �إ�س ،و�شركة «فياك���وم» ،متثل يف جمموعها منظوم���ة احتكارية لكل مق���درات الن�شر ال�صحف���ي واملطبوعات والكت���ب والإنتاج التليفزيوين وال�سينمائي ،كما �أنها ال تتعاطى مع 144
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العمل الإعالمي والن�شر ال�صحفي من منظور الر�سالة االجتماعية �أو الوطنية ،بل من منظور امل�ضاربة التجارية ومفاهيم �سوق ر�أ�س املال يف تعامله مع الإعالم الدعائي والت�سويقي. يق���دم الكات���ب واملعلّق اللبناين �سع���د حميو ،يف مق���ال له نُ�شِ ر حديث ًا حول الإ�شكالية املعا�صرة لل�صحافة الورقية ،تو�صيف ًا دقيق ًا للم�شكلة يتجاوز الإحالة �إىل دور وت�أثري الإنرتنت والف�ضائيات �إىل حقيقة م�سكوت عنها كثري ًا تتمثل يف والدة �سوق اقت�صادية جديدة يف �سبعينيات الق���رن املا�ضي نقلت �إىل جعبتها تريليون دوالر يتم تداولها يومي ًا على ال�شبك���ة الإلكرتونية ،وينتقل فيها مركز الثقل م���ن االقت�ص���اد ال�صناع���ي التقلي���دي �إىل اقت�ص���اد ال�صناعات التكنولوجي���ة املتطورة م���ن كمبيوترات وات�ص���االت ،و�أ�سواق مال
�أن �أن���واع التكنولوجيا املختلفة وعل���ى ر�أ�سها الناقالت املعلوماتية والأطب���اق الالقطة� ،ست�سهم يف تقدم �س���وق املعلومات اجلديدة. لقد ب���د�أت الرق�صة بالفعل ،بح�سب ق���ول ديرتوزو�س ،منذ مطلع الألفي���ة ،ويبدو �أن ال�صحافة الورقية هي �أحد �أكرب امل�صارعني يف حلبة نزال امل�صالح اجلديدة. من جهته ،يحدد �سعد حميو الأقطاب املتنازعة حول ال�صحافة الورقي���ة مبع�سكري���ن متباين�ي�ن :مع�سك���ر دع���اة دف���ن ال�صحافة الكال�سيكية القدمية ومع�سكر دعاة الدفاع عنها .ويتكون املع�سكر الأول م���ن �أن�ص���ار الر�أ�سمالية املتطرفة ،وينق���ل حميو عن ممثل ه���ذا املع�سكر كاليل �شريكي ،الباح���ث يف �شئون االنرتنت ،وجهة نظرهم ال�ساعي���ة �إىل �إيجاد �صحافة رقمي���ة تت�سق مع االقت�صاد الكالم حول انقرا�ض �أو نعي ال�صحافة الورقية ما يزال مبكر ًا ج��داً ،وقد يكون م�ستحي ًال من منظور اجتماعي و�سيكولوج��ي ،نتيجة خل��ق الأدوات املختلفة يف حياة النا���س لأماكنه��ا اخلا�ص��ة وارتباطاته��ا العاطفي��ة وال�سيكولوجية التي يتطلب التحول فيها �أجيا ًال عدة �أو حتوالت جذرية يف حياة املجتمعات وال�شعوب
افرتا�ضية. يق���ول حميو« :وهكذا وبني ليل���ة و�ضحاها مل يعد منجم الذهب ال���ذي كانت تتمتع به ال�صحف الورقية من���ذ �أواخر القرن التا�سع ع�ش���ر وحتى �أواخ���ر الق���رن الع�شري���ن بالن�سبة لرج���ال الأعمال واملُعلنني ،ب�صفتها الو�سيلة الرئي�سة للو�صول �إىل قلوب امل�ستهلكني وجيوبهم ،بعد �أن بد�أت تظهر و�سائل �أ�سرع و�أرخ�ص لغ�سل عقول امل�ستهلكني وا�ستن���زاف جيوبهم ،وبد�أت تظهر االختناقات املالية يف ال�صح���ف الورقية بتقل�ص م���وارد الإعالنات التي تعتا�ش منها و�أعداد القراء الذين كانت تعتمد عليهم». م���ا يزيد م���ن دق���ة ه���ذا التو�صي���ف ،االفرتا�ض ال���ذي و�ضعة مايكل ديرتوزو�س يف كتاب���ه ال�شهري «كيف �سيغري عامل املعلومات حياتنا» الذي �صدر العام ،1998ففي �سياق ت�أكيد ديرتوزو�س على انته���اء ع�صر احت���كار االت�صاالت الوطني���ة ،وظهور عدد حمدود م���ن التحالفات القومية وانت�شاره���ا يف �أنحاء العامل تتناف�س على ا�ستغ�ل�ال �س���وق املعلومات النا�شئ���ة بقيم مالية بحت���ة ،ي�شري �إىل
الرقم���ي ،وتطي���ح بالنظ���ام ال�صحف���ي الق���دمي متام���اً .ويحظى ه���ذا املع�سكر بدعم كامل م���ن ال�شركات ورج���ال الأعمال الذين ا�ستخدموا ال�صحافة الورقية كو�سيلة لغاية جتارية بحتة ال كقيمة ووظيفة اجتماعية من الطراز الأول. ويف املع�سكر الأخر يقف �أن�صار ال�صحافة الورقية ال�ساعني �إىل دع���م ت�أقلم هذه ال�صحاف���ة مع الثورة التكنولوجي���ة واالت�صاالت والإنرتن���ت ،و�إنقاذه���ا م���ن و�ضعه���ا الراه���ن باعتب���ار دوره���ا االجتماع���ي والوطني الكبري ،وعدم قدرة ال�صحافة الرقمية على توف�ي�ر الدقة وامل�صداقية والنزع���ة املو�ضوعية العلمية وامل�س�ؤولية االجتماعية والوطني���ة التي تقدمها ال�صحافة الأم� .إن ال�صحافة وفق هذا املع�سكر لي�ست �سلعة يف ال�سوق االقت�صادية ،بل هي قيمة ك�ب�رى من قيم «اخلري العام»� ،إنها �ش���يء يحتاجه املجتمع املدين ويريده النا�س وقوى ال�سوق غري قادرة على توليد مثل هذا «اخلري العام» مب�ستويات ونوعية وكمية كافية. وي�ضع �أن�صار هذا املع�سكر حل الدعم الرئي�سي من احلكومات
لل�صح���ف ملواجه���ة الأعب���اء والنفق���ات دون امل�س بحريته���ا مثلما كان احل���ال علي���ه �سابق���اً ،حي���ث كان الر�ؤ�ساء ج���ورج وا�شنطن، وجيفر�سون ،ومادي�سون يعتربون هذا الدعم من املكونات الرئي�سية للدميقراطية الد�ستورية ،بالإ�ضافة �إىل الدعم املبا�شر من املجتمع املدين والهبات غري امل�شروطة من هيئات العمل اخلريي. يف اجت���اه موازٍ ،ي�ؤكد حميو كما غريه م���ن الباحثني على �أهمية ال�صحاف���ة احل���رة وامل�ستقلة يف الوط���ن العربي ،وحاجت���ه املا�سة �إليها يف مرحلة انتقاله نحو الدميقراطية .فالوطن العربي بالفعل م���ا زال بحاجة لأن تعمّه الثورة التكنولوجي���ة العاملية ،وتتطور فيه املنظومات االقت�صادية وت�ستقر وتعم القدرة على ح�صول املواطنني عل���ى الطاقة الكهربائي���ة ،كي تناف�س التكنولوجي���ا �أو ًال ال�صحافة الورقي���ة ،وتنخف�ض م�ستويات الأمية يف بع����ض �أقطاره عن ن�صف ال�سكان كي تنت�شر ال�صحافة الورقية واملطبوعات ،فبع�ض الأقطار العربي���ة ال ت�ص���ل فيها الكهرب���اء �إىل �أكرث م���ن %27من ال�سكان، والأمي���ة التقنية تتع���دى ،%95كم���ا �أن ال�صحاف���ة امل�ؤ�س�سية �شبه منعدمة و�أمامها معركة حقيقية يف تكوين البنى الأ�سا�سية وتكوين قواعد جماهريية حقيقية ووا�سعة. يف التحلي���ل النهائ���ي ،يب���دو �أن الكالم ح���ول انقرا����ض �أو نعي ال�صحاف���ة الورقية ما يزال مبكر ًا جداً ،وق���د يكون م�ستحي ًال من منظ���ور اجتماعي و�سيكولوج���ي ،نتيجة خل���ق الأدوات املختلفة يف حياة النا�س لأماكنها اخلا�صة وارتباطاتها العاطفية وال�سيكولوجية التي يتطل���ب التحول فيها �أجيا ًال عدة �أو حت���والت جذرية يف حياة املجتمع���ات وال�شع���وب ،كم���ا �أن الإ�ش���كاالت الت���ي تواجهه���ا بيئة ال�صحاف���ة الورقي���ة الأمريكي���ة ال�شمالي���ة �أو الأوروبي���ة (كما بدا م�ؤخ���ر ًا يف الأزم���ة اخلانق���ة التي تع���اين منها �صحيف���ة «لوموند» الفرن�سي���ة املعروفة على �سبيل املث���ال) ال تن�سحب بال�ضرورة على ال�صحافة الورقية املختلفة يف مناطق �أخرى من العامل. يف �أح���د امل�شاهد ال�سينمائي���ة ،يت�شارك �شاب وعج���وز يابانيان كبينة �سفر يف �أحد القطارات ..يتربم م�سلمو �أوروبا �أو الآخر كما ينبغي �أن يكون العج���وز من الكمبيوت���ر الكفّي يف يد التايل بقلم :علي العب�سي ال�ش���اب والأ�ص���وات ال�ص���ادرة عنه، وينظ���ر ال�ش���اب ب�سخري���ة �إىل اجلري���دة الكب�ي�رة التي يقلّب العج���وز �صفحاتها ب�إزع���اج مماثل ..ال تنتهي الرحل���ة �إال وقد ت�شارك ال�شاب مع العج���وز �صحيفته الورقية .لقد نفدت بطاري���ة الكمبيوتر اللوحي اخلا�ص به ،ويف احلال ارت�سمت ابت�سامة ر�ضا عميقة على وجه العجوز. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
145
فـي ب�ؤرة االهتمام �شهدت املجتمعات الأوروبية يف الآونة الأخرية تزايد ًا مل�شاعر اخلوف والكراهية للم�سلمني والإ�سالم ,بحيث مل تعد هذه امل�شاعر مقت�صرة على �شرائح اجتماعية �أو ثقافية معينة داخل �أوروبا بل جتاوزتها لت�شمل �أفراد ًا من النخ���ب الثقافية وال�سيا�سية والإعالمية ،ويف جمتمعات ُ�صنّفت دائم��� ًا على �أنها الأكرث ت�ساحم ًا والأكرث حترر ًا ب�ي�ن املجتمع���ات الأوروبي���ة .فمن منع بناء امل����آذن يف �سوي�سرا� ،إىل من���ع ارتداء النق���اب يف الأماكن العامة يف بلجي���كا وفرن�س���ا� ،إىل الفوز الأخري والتقدم الكبري حلزب مييني متطرف مكر�س ال�ستعداء امل�سلمني والإ�سالم يف انتخابات هولندا .كل املعطيات ال�سابقة وغريها كثري ،ت�ؤ�شر �إىل �أن امل�سلمني باتوا يواجهون م�شكلة تتلخ�ص يف �أنه مل يعد مرحب ًا بهم �أو بدينهم يف القارة الأوروبية.
م�سلمو �أوروبا �أو «الآخر» كما ينبغي �أن يكون علي �أحمد عمر العب�سي alabsiali2009@yahoo.de
تذه���ب العديد من التحليالت اخلا�صة بهذه الق�ضية �إىل �إرجاع موجة العداء والكراهية للم�سلمني �إىل �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب يف الوالي���ات املتح���دة ونتائجها الدموية التي ه���زت املجتمعات الغربية. وهن���ا ميكن القول �إن���ه بالت�أكيد كان لهجمات احل���ادي ع�شر من �أيلول/ �سبتم�ب�ر �أثر مهم ،لكن لي�س يف خلق موجة الكراهية واخلوف هذه بقدر م���ا �ساهم يف �شرعنة وتربي���ر الإعالن عنها و�إ�ضفاء غط���اء من التفهم على املجاهرة بها. عل���ى �أن اخلوف م���ن الإ�سالم ،وكراهية �أبنائ���ه ،يف احلقيقة ي�سبقان م���ا جرى يف احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب ،وهما �أعم���ق بكثري من �أن يكون���ا نتيجة مبا�ش���رة له .ورمبا ال يكون جمافي��� ًا للحقيقة القول ب�أن �إلإ�سالموفوبي���ا يف �أوروب���ا هي نت���اج مبا�شر خلربة وتفاع���ل املجتمعات الأوروبي���ة مع اجلاليات امل�سلمة داخلها �أكرث من كونها رد فعل حلدث – مهما عظم – وقع خارج القارة الأوروبية. �إن املع�ضل��ة املُركّب��ة للمهاجري��ن امل�سلم�ين م�شكل���ة املهاجرين امل�سلمني يف �أوروبا ت�أخذ طابعها املميز كونها مع�ضلة تنتظ���م يف �إطار م�شكلة �أخرى ,مبعنى �أن للمهاجرين امل�سلمني م�شاكلهم اخلا�ص���ة التي تتميز وتختلف عن م�شاكل املهاجرين الآخرين يف �أوروبا, 146
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
�إال �أنه���م يف نف����س الوقت ينتم���ون مب�شاكلهم �إىل ق�ضي���ة الهجرة ب�شكل ع���ام وتعقيداتها التي تواجهها الدول الأوروبي���ة� .إذ متثل ق�ضية الهجرة حتد ���د تواجه���ه دول �أوروب���ا الغربية الي���وم ،وهو ٍ ّ واملهاجري���ن �أه���م حت ٍ ّ حتد اجتماعي .وت���كاد تكون ق�ضية �سيا�س���ي واقت�صادي وقب���ل كل �شيء ٍ ّ املهاجري���ن الي���وم هي املحدد الأب���رز للمناخ ال�سيا�سي الع���ام يف العديد من ال���دول الأوروبية ،واملوجّ ���ه لعملية اال�ستقط���اب ال�سيا�سي الداخلي؛ فق�ضي���ة املهاجرين والت�شعّبات الناجتة عنه���ا متثل يف كثري من الأحيان الق�ضي���ة االنتخابي���ة الأوىل يف معظم دول �أوروب���ا الغربية الكربى ،وتعد �إىل جان���ب الو�ضع االقت�صادي املحدد الرئي�س���ي يف توقّع احلزب الفائز يف االنتخابات. وعلى الرغم من وجود جالي���ات و�أقليات عرقية ودينية متعددة داخل ه���ذه املجتمع���ات ،ف����إن اجلالي���ة امل�سلمة حتظ���ى بالرتكي���ز واالن�شغال اجلماه�ي�ري الأك�ب�ر؛ ف�إذا كان���ت ق�ضي���ة املهاجرين ب�شكل ع���ام ق�ضية اقت�صادي���ة واجتماعي���ة يف املق���ام الأول� ،إال �أنه���ا بالن�سب���ة للمهاجرين امل�سلمني ق�ضي���ة ثقافية ودينية بالأ�سا�س ،وتهديده���ا للمجتمع الأوروبي الغربي ال يتمثل يف كونها تهديد ًا اقت�صادي ًا و�إنهاك ًا ماليا للدولة واملجتمع واخلدم���ات التي يقدمانها فقط ،ب���ل هو تهديد ثقايف يتوج���ه بالأ�سا�س عل���ي �أحم���د عم���ر العب�س���ي باحث مين���ي .وهو حالي��� ًا يعد �أطروح���ة دكت���وراه يف العلوم ال�سيا�سية بجامعة برلني� ،أملانيا..
�شيطنة الآخر:منع بناء امل�أذن يف �سوي�سرا بني بو�ضوح �أن امل�سلمني باتوا غري مرحب بهم �أو بدينهم يف كثري من املجتمعات الأوروبية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
147
فـي ب�ؤرة االهتمام نحو هوية هذه املجتمعات وقيمها وثقافتها .فامل�سلم يف �أوروبا اليوم لي�س حتد ثقايف. حتدي ًا اقت�صادي ًا بقدر ما هو ٍ ّ وم���ع �أن م�سلم���ي �أوروبا ميتازون بتع���دد انتماءاته���م العرقية والإثنية والطائفي���ة� ،إال �أن���ه ينظ���ر �إليه���م يف الغالب ككتلة واحده م���ن قبل بقية �أف���راد و�شرائح املجتمعات الأوروبية وحتى من قبل جمتمعات املهاجرين الأخ���رى .فهم هن���ا يج�سدون حالة م���ن االنعزال الثق���ايف واالجتماعي، وجمتمع ًا موازي ًا ال يلتقي مع املجتمعات املحلية� ,إنهم عامل �آخر ال يكتفي ب����أن يعي�ش مبعزل عن بيئت���ه والأر�ض التي يوجد عليها ب���ل ي�سعى ليعيد �صياغة هذه البيئة وبنائها وفق ًا ملعتقداته وقيمه اخلا�صة. لق���د ت���رك الأوروبي���ون جمتمع���ات املهاجري���ن امل�سلم�ي�ن تنم���وا �إىل جواره���م دون االلتفات �إىل كثري مما يجري فيها ،فامل�شاكل وال�صعوبات الت���ي تعاين منها ه���ذه املجتمعات مل تكن تعنيهم يف �شيء ومل يرغبوا يف االن�شغال بها ,ب���ل لعل املجتمع الأوروبي قد رحّ ب كثري ًا ببقاء املهاجرين امل�سلم�ي�ن يف م���ا ميك���ن �أن ن�سمي���ه “جيتو �إ�سالم���ي”� ،أي ح���ي معزول ومنغلق على نف�سه يف و�سط مدنهم ال�صاخبة ,لكن هذا املجتمع املعزول �سرع���ان ما من���ا بوترية عالي���ة وتكاثر بطرائق خمتلف���ة ومبعدالت تفوق مبرات معدالت منو املجتمعات الأ�صلية ،لي�صبح احلي املعزول بعد ذلك كاف �أو مالئ���م ال�ستيعاب هذا النمو املت�س���ارع ،فخرج �أبناء اجليل غ�ي�ر ٍ الث���اين والثالث م���ن املهاجرين امل�سلم�ي�ن وانت�شروا يف اجل���وار .وهكذا ف����إن ما حاول الأوروبيون جتنّبه خالل نحو ن�صف قرن من عمر الهجرة �إىل بلدانه���م ،وجدوا �أنف�سه���م يف مواجهته على دفعة واحدة خالل عدد قلي���ل من ال�سنوات ،وليكت�شفوا خاللها �أن املهاجرين امل�سلمني مل يعودوا اجليل احلايل من �شباب �أوروبا �أكرث مي ًال من اجليل الذي �سبقه يف االجتاه نحو �أطروحات وفل�سفة اليمني، وااللتزام بخط وبتفكري حمافظ خ�صو�ص ًا فيما يخ�ص ق�ضايا الهجرة ,كما بدا جلي ًا �أن امل�شاعر العن�صرية واالعتزاز بالهوية العرقية والثقافية متجذرة يف تفكري و�سلوك اجليل الأحدث يف املجتمعات الأوروبية وبدرجة �أكرب مما كان يعتقد
جمموعة معزولة ال حيلة لها من �أمرها بل حتولت �إىل �شريحة اجتماعية لها ح�ضورها الالفت يف ال�شارع الأوروبي ,وهو ح�ضور الفت لي�س مبقدار حجم���ه فح�س���ب بل ه���و يف الأ�سا�س الفت ب�شكل���ه ومظه���ره و�سلوكه� .إذ غ�صت ال�شوارع يف كربى مدن �أوروبا الغربية برجال �سُ مر مُلتحني ون�ساء ّ تغط���ي ر�ؤو�سهن قطعة من القما�ش ،وه�ؤالء جميع��� ًا بالكاد يتحدثون لغة 148
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
البلد الذي يوجدون فيه ويت�صرفون وك�أنهم ال يعي�شون داخله. م���ن جهتهم ،واجه الأوروبيون ه����ؤالء املهاجرين ب�سلوك هو مزيج من االمتعا����ض مع اال�ستع�ل�اء م�صحوب ًا بكثري من الذع���ر ,فقد كان القبول به���ذا املكوّن اجلدي���د يف املجتمع على ما هو عليه �أم���ر ًا �شديد ال�صعوبة ثقافي��� ًا و�سيا�سي ًا لذا كان ت�صرف احلكوم���ات الأوروبية �إزاءه قائم ًا على منط�ي�ن من ال�سيا�س���ات ,متثل �أولهما يف التجاه���ل واعتبار امل�شاكل التي يع���اين منه���ا املهاجرون �أو تلك الت���ي يت�سببون فيها لبقي���ة املجتمع �أمر ًا ال ينبغ���ي التعامل مع���ه عرب �سيا�سة حمددة بل ترك���ه للمجتمع وللقواعد والأنظمة ال�سارية للتعامل معه. النم���ط الآخ���ر ال���ذي اتبعت���ه احلكوم���ات الأوروبي���ة يف التعام���ل مع املهاجري���ن متثّل يف القيام ب�إدماجهم ع�ب�ر برامج خا�صة يف املجتمعات الأ�صلي���ة ,وهي �سيا�سة رمبا خلقت م�ش���اكل �أكرث مما عملت على حلتها. لقد كان جوهر �سيا�سة االندماج يقوم على تخلي املهاجر عن ثقافته الأم مبجمله���ا مل�صلحة تبنّي ثقافة البلد كما ه���ي ,مبعنى �آخر ابتالع وه�ضم املهاج���ر متام ًا داخ���ل املجتمع الأوروب���ي .ورمبا ما جنحت في���ه �سيا�سة االندماج هذه ،وب�شكل ن�سبي ،هو حتقيق اخلطوة الأوىل املتمثلة يف ف�صل جزء م���ن املهاجرين (خ�صو�ص ًا الأجي���ال الأحدث/الأ�صغر منهم) عن ثقافتهم الأم� ,إال �أن اخلطوة التالية وهي االندماج الكامل وتبنّي الثقافة شال ذريعاً. الأوروبية فقد �سجلت فيها هذه ال�سيا�سة ف� ً ه���ذا الف�شل ،والذي �أدى �إىل مزيد من ت���ردي العالقة بني املجتمعات الأوروبية وبني �أع�ضائها من اجلاليات امل�سلمة ،ناجت عن الطبيعة اخلا�صة املت�شعبة واملرتبكة لعالقة املجتمع يف �أوروبا مع امل�سلمني والإ�سالم والتي يحكمها عاملني رئي�سي�ي�ن :الأول متعلق ب�أوروبا كح�ضارة وتاريخ و�سلوك ونظرته���ا للآخرين خ�صو�ص��� ًا امل�سلمني ,يف حني يرتب���ط العامل الثاين بظ���روف وطبيعة تكوّن اجلاليات الإ�سالمية وطريقة منوها وتفاعلها مع املجتمع الأوروبي. � .1أوروبا والإ�سالم ..عبء التاريخ لي����س الإ�س�ل�ام بالواف���د �أو الواقع احلدي���ث على الق���ارة الأوروبية بل �إن خ�ب�رة �أوروب���ا بالإ�سالم متتد ملئ���ات من ال�سنني� ,إذ مث���ل الإ�سالم - كح�ض���ارة وكدولة -واحد ًا من �أهم العنا�صر التي �صاغت تاريخ املجتمع الأوروبي وتطوره ،وذلك �سواء عرب النمط ال�صراعي كما جرى يف حقبة احلروب ال�صليبي���ة وحقب الفتوحات العثمانية يف عمق القارة الأوروبية �أو ع�ب�ر �صيغة تفاعلي���ة تعاونية كم���ا مثلتها حركة ترجم���ة املخطوطات والكتب العلمية الإ�سالمية و�إ�سهامها يف حركة النه�ضة الأوروبية. و�إذا كان اجلان���ب االيجاب���ي لعالقة �أوروبا بامل�سلم�ي�ن ،و�أثر الإ�سالم كح�ض���ارة يف النه�ض���ة الأوروبي���ة مغيب��� ًا ومُتجاهَ �ل�اً �إال يف دوائر �ضيقة م���ن الباحثني واملتخ�ص�صني ,ف�إن ال�ص���ورة ال�سلبية للم�سلمني والناجتة ع���ن �سل�سلة احل���روب وال�صراعات التي خا�ضتها احل�ض���ارة الإ�سالمية م���ع احل�ضارة الأوروبي���ة امل�سيحية يف �ش���كل �صراع �سلط���ات ونفوذ دول و�إمرباطوري���ات ما تزال حا�ضرة يف الوجدان ال�شعبي يف كثري من الدول
الأوروبي���ة� .إذ مل يكن امل�سلمون يوم��� ًا حلفاء �أو �أ�صدقاء للأوروبيني بقدر م���ا كانوا �أعدائهم ,لذا ف�إن �ص���ورة العدو هي املتخيل الأول والبديهي يف تو�صي���ف عالقة �أوروبا بامل�سلمني� ,صحي���ح �أن حقبة اال�ستعمار الأوروبي لنواح���ي كث�ي�رة من العامل والت���ي كان م���ن �ضمنها العديد م���ن البلدان الإ�سالمي���ة� ,إ�ضاف���ة �إىل ال�ص���راع بني ال���دول الأوروبي���ة وتفاقم العداء القومي ب�ي�ن الأمم الأوروبية واحلروب الدامية الت���ي عا�شتها وا�ستمرت تعي�شها حتى احلرب العاملي���ة الثانية ،قد خففت كثري ًا من �صورة امل�سلم تختف متام ًا والإ�س�ل�ام كعدو للح�ضارة الأوروبية� ,إال �أن هذه ال�صورة مل ِ يف �أي ي���وم م���ن الأي���ام وبقيت خمزون���ة يف الذاكرة اجلمعي���ة لكثري من املجتمعات الأوروبية. هذا املخزون ال�سلبي مت – ويتم -ا�ستدعائه اليوم خفية وعالنية على خلفية الإ�شكاليات والأزمات التي تواجهها �أوروبا ،لي�س فقط مع م�سلميها املواطن�ي�ن واملهاجرين على ال�سواء ,ولك���ن حتى �ضمن �إطار العالقة بني �شرائ���ح املجتمع الأوروبي وطبقاته املختلفة .يقود عملية اال�ستدعاء هذه �سا�سة ونخب ثقافية من قوى اليمني الأوروبي الديني والقومي ،ولأ�سباب وم�ب�ررات متعلقة بالأيديولوجيا والفل�سف���ات الدينية والقومية من جهة، وكذل���ك بح�سابات ك�سب مزيد من ال�شعبية وتو�سيع النفوذ ال�سيا�سي من جهة �أخ���رى� .إذ ت�ستخدم هذه الق���وى هذه ال�ص���ورة التاريخية املُتخيّلة كخلفي���ة لفهم (وللحكم على) كل ال�سلوكيات التي ميار�سها امل�سلمون يف �أوروب���ا ،وكمرجعية لتربير و�شرح الإ�شكالي���ات التي يت�سببون فيها ،ومن ث���مّ يتح���ول فعل �أو �سلوك ف���ردي حمدود �أو ظاهرة �سلوكي���ة جانبية �إىل حدث له دالالت تاريخي���ة وثقافية ،يتم معه حتميل املهاجر امل�سلم عبء تاريخ طويل من ال�صراع والكراهية ال يد له فيه. .2م�سلمو �أوروبا والعي�ش بذهنية املكان املا�ضوي لع���ل �أهم ما ميي���ز �أبناء اجلالي���ة الإ�سالمي���ة الكب�ي�رة واملنت�شرة يف ط���ول وعر�ض �أوروبا الغربي���ة ،واحلا�ضرة بقوة يف ك�ب�رى بلدانها� ،أنهم يف الأغل���ب الأعم مهاجرون لأ�سباب اقت�صادي���ة و�إن�سانية .فعلى العك�س من املهاجرين العرب وامل�سلمني يف �أمريكا وكندا وحتى �أ�سرتاليا والذين يتمي���ز �أغلبه���م بكونهم م���ن �أ�صحاب الكف���اءات العلمية الت���ي جذبتهم الفر����ص الهائل���ة التي تقدمها ه���ذه الدول لأ�صحاب العق���ول وامل�ؤهالت العلمي���ة ,تُ�ص ِنّ���ف الأغلبية العظمى م���ن املهاجرين امل�سلم�ي�ن يف �أوروبا �ضم���ن �إط���ار الهج���رة االقت�صادي���ة والإن�ساني���ة ،حيث ف ّر �أغل���ب ه�ؤالء م���ن حالة الفق���ر والعدم التي كانوا يعي�شونه���ا يف �أرياف و�ضواحي املدن الك�ب�رى يف بلدانه���م �إىل �أوروبا بحث��� ًا عن ت�أمني لقم���ة العي�ش واالكتفاء بذل���ك كه���دف نهائي للهج���رة ,وبع�ضهم الآخر ف ّر م���ن جحيم احلروب �أو االقتت���ال الأهل���ي يف بلده الأم للنج���اة ب�أرواحه���م معتربين �أن جمرد وجوده���م عل���ى الأر����ض الأوروبي���ة ه���و اخلال����ص يف حد ذات���ه .و�أغلب ه����ؤالء كان���وا ال ميتلكون م�ؤهالت علمية ذات �ش����أن ،ومل يرغبوا حتى يف امتالكه���ا ,ما جع���ل طموحهم ينح�صر يف عدم الع���ودة �إىل الواقع الذي ف���رّوا من���ه ،وا�ستغالل كل ما ميكن �أن تقدمه الدول���ة واملجتمع يف �أوروبا
خط موازٍ لنمط له���م م���ع تقدمي �أقل ما ميكن يف املقابل ،ومع البق���اء يف ٍ ّ احلي���اة الأوروبي���ة واالحتفاظ بذهني���ة وثقافة املكان ال���ذي قدموا منه. فاملهاج���ر الرتكي اليوم يف �أملاني���ا يريد �أن يعي�ش فيها بنف�س منط حياته ال���ذي عا�شه يف القرية التي قدم منها من ه�ضبة الأنا�ضول ،واملهاجرون الأوروبيون واملهاجرون امل�سلمون باتوا اليوم مقتنعني ومتفقني �ضمنياً ،وبطريقة �أو ب�أخرى ،على �أن يبقى كل طرف يف مكانه يف مواجهة الطرف الآخر .بل ميكن املجازفة بالقول �إن االحتياج يبدو م�شرتك ًا لدى الطرفني جلهة اال�ستنجاد ب�صيغة الآخر الذي ي�ؤدي وجوده وظيفة مهمة يف تعزيز متا�سك املجتمع وااللتفاف حول منظومة قيم موحدة
املغارب���ة واجلزائري���ون يف فرن�سا وبلجيكا يفر�ض���ون نف�س تقاليدهم يف امللب�س وامل�أكل وحتى يف منط العالقات االجتماعية والثقافية على �أجواء املدن التي يعي�ش فيها ،متجاهلني كل ما حولهم ومن حولهم ,يف حني نقل املهاجر العربي يف لندن جمتمعه القروي الذي عاي�شه �أبائه و�أجداده يف ريف م�ص���ر �أو ال�سودان �أو اليمن �إىل م�ستق���رّه الأوروبي اجلديد ،وجعل املدينة التي حتت�ضنه ال تتعرف على نف�سها بوجوده. كل ه���ذا كان انعكا�س��� ًا لل�ضعف يف القدرة عل���ى اال�ستيعاب واالندماج احل�ضاري الناجتني عن ت���دين التح�صيل املعريف للمهاجرين ،وانعكا�س النع���دام الثق���ة والقناعة الكاملة يف ق���وة وم�شروعية املرجعي���ة الثقافية التي ينتمي �إليها هذا املهاجر والذي خ�شي عليها من ال�ضياع فت�شبث مبا يعرف���ه عنها ,وال���ذي مل يكن يف جميع الأحوال كثرياً ,ومن �أجل �أن مينح امل�شروعية لهذا ال�سلوك االنعزايل ولكي يحمي نف�سه من ال�شعور بالف�شل �صب���غ كل عاداته القروي���ة والبدوية هذه ب�صبغة ديني���ة و�أحلقها بالدين الإ�سالمي ،على اعتبار �أنها عادة دينية و�أحيان ًا �صنفها كعبادة (بالرغم م���ن �أنها لي�ست هذه وال تلك) لت�صبح الغِلظَ ة والعدوانية واحتقار املدنية الت���ي متيز املجتم���ع الريفي والبدوي يف �أرياف وق���رى العامل الإ�سالمي، �سلوك ًا �إ�سالمي ًا �شرعي ًا فر�ضته تعاليم الدين. م���ن هن���ا ،ووفق��� ًا له���ذا املنط���ق ،ر�أت �شريح���ة كبرية م���ن امل�سلمني املهاجري���ن �أن االندماج والتفاع���ل الإيجابي مع املجتم���ع الأوروبي عم ٌل خمالفٌ لتعاليم الدين ،و�أم ٌر ال يُقرّه الإ�سالم .لقد كان الأمل يف اخلروج م���ن حالة الت�شابك احل�ضاري هذه منوط��� ًا بالأجيال الأحدث يف �أوروبا، �س���واء من املواطنني الأ�صليني �أو م���ن املهاجرين الذين ولدوا وترعرعوا يف القارة� ,إال �إن العك�س كان هو ما حدث. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
149
مدار الأفكار
فـي ب�ؤرة االهتمام
بال مواربة
املائدة امل�ستديرة
�آراء
�سجال
م��ا ح��اول الأوروبيون جتنّبه خ�لال نحو ن�صف قرن من عمر الهج��رة �إىل بلدانهم ،وجدوا �أنف�سه��م يف مواجهته على دفعة واحدة خ�لال ع��دد قلي��ل من ال�سن��وات ،وليكت�شفوا خاللها �أن املهاجري��ن امل�سلمني مل يع��ودوا جمموعة معزولة ال حيلة له��ا من �أمرها بل حتولت �إىل �شريحة اجتماعية لها ح�ضورها الالفت يف ال�شارع الأوروبي
لق����د ات�ضح �أن اجليل احل����ايل من �شباب �أوروبا �أك��ث�ر مي ًال من اجليل ال����ذي �سبقه يف االجت����اه نحو �أطروحات وفل�سفة اليم��ي�ن ،وااللتزام بخط وبتفك��ي�ر حماف����ظ خ�صو�ص ًا فيما يخ�����ص ق�ضايا الهجرة ,كم����ا بدا جلي ًا �أن امل�شاع����ر العن�صرية واالعتزاز بالهوي����ة العرقية والثقافية متجذرة يف تفكري و�سل����وك اجليل الأحدث يف املجتمعات الأوروبية وبدرجة �أكرب مما كان يعتقد ،وهو الأمر الذي �أرجعه العديد من الباحثني االجتماعيني �إىل الأو�ض����اع االقت�صادي����ة ال�سيئة وم�شاكل البطالة الت����ي عانت وتعاين منها العدي����د من ال����دول الأوروبية� ،إ�ضاف����ة �إىل حالة ال�سيول����ة ال�سيا�سية التي واجهتها �أوروبا عقب انتهاء احلرب الباردة وما نتج عنها من غياب اجتاه �سيا�سي وا�ضح املعامل يحكم م�سارات بلدانها امل�ستقبلية. م����ن جهته����م ،يعي�ش �شب����اب املهاجري����ن امل�سلمني يف �أوروب����ا حال ًة من التناق�����ض ال�سلوك����ي القيم����ي .فه�����ؤالء ال�شب����اب الذين فقدوا ج����زء ًا من هويته����م الثقافي����ة من خ��ل�ال ن�ش�أته����م يف و�س����ط املجتمع����ات الأوروبية، والذي����ن مل يتمكنوا �أو بالأ�صح مل يمُ كّنوا م����ن تبنّي ثقافة هذه املجتمعات واالندم����اج فيه����ا ،يحاول����ون �إع����ادة اكت�شاف ثقافته����م الأ�صلي����ة لتعزيز وحماي����ة هوي����ة كادت �أن متح����ى ,وخ��ل�ال ه����ذا البحث -وال����ذي مل يكن عقالني���� ًا ب����ل كان يف الأ�سا�س عاطفي ًا وحمم ًال مب�شاع����ر الغ�ضب واحلنق واملرارة مم����ا عاي�شته هذه الأجيال ال�شابة من عن�صرية وا�ستعالء و�سط املجتم����ع الأوروبي -وجدت يف الفكر ال�سلفي التكف��ي�ري �ضالتها ومن ثمّ فقد تبنّت الأفكار الفقهية الأكرث تطرف ًا التي ت�ؤدي �إىل �إر�ضاء رغبتها يف التناق�����ض والقطيعة الكاملة مع املجتم����ع الذي �سبق و�أن رف�ض وجودهم, على الرغم من �أن الغالبية العظمى من ه�ؤالء ال�شباب هم �أبعد ما يكونوا عن مظاهر و�سلوكيات التدين املرتبطة وامل�صاحبة لهذا الفكر ،ولي�صبح 150
ا�سرتاتيجية
كل م����ا ي�أخذونه منه هو ال�شعور بالتف����وق واال�ستعالء الأخالقي وامتالك امل�شروعي����ة واحل����ق يف حتق��ي�ر ثقاف����ة املجتم����ع الأوروبي وقيم����ه وجممل ح�ضارته. يف املح�صلة النهائية ،يبدو الأمر وك�أن الأوروبيني واملهاجرين امل�سلمني باتوا اليوم مقتنع��ي�ن ومتفقني �ضمنياً ،وبطريقة �أو ب�أخرى ،على �أن يبقى كل ط����رف يف مكانه يف مواجهة الطرف الآخر .بل ميكن املجازفة بالقول �إن االحتياج يب����دو م�شرتك ًا لدى الطرفني جلهة اال�ستنجاد ب�صيغة الآخر الذي ي�ؤدي وجوده وظيفة مهمة يف تعزيز متا�سك املجتمع وااللتفاف حول منظومة قيم موحدة ،وبالنتيجة الو�صول �إىل حماية كيان املجتمع وتعزيز وحدت����ه وكتم �أزمات����ه وتناق�ضات����ه .فاملجتمعات الأوروبية الت����ي تتجاذبها العدي����د من التناق�ضات ال�سيا�سية واالقت�صادي����ة والثقافية وحتى العرقية والقومي����ة لن جت����د �أف�ضل م����ن ا�ستخدام �ص����ورة الآخر املُناقِ�����ض لكل ما متثل����ه من قيم يف �سبي����ل التخفيف من هذه التجاذب����ات ،وحماية وحدتها ومتا�سكها. وبالن�سبة للمهاجرين امل�سلمني امل�سكونني بخوف دائم من فقدان الهوية ُرح����بٍ بهم ,ي�صبح التكتل والذوب����ان يف حميط يُ�شعرهم دوم ًا ب�أنه غري م ِّ والتقوقع على الذات ومواجهة هذا املحيط بندية وبكل ما ميكن جمعه من نق����اط االخت��ل�اف والتمايز هو ال�سبيل الوحيد حلماي����ة الهوية والذود عن الوج����ود .لذا يبدو جمتم����ع املهاجرين امل�سلمني يف �أوروب����ا مقتنع ًا ورا�ضي ًا متام���� ًا بتلبّ�س����ه �ص����ورة الآخر وت�أديت����ه وظيفت����ه ,وهو الأمر ال����ذي ال يجد هذا املجتم����ع �صعوبة يف القيام فيه مدعوم ًا بواق����ع حياتي ومعي�شي مواتٍ وت�شجي���� ٍع كاملٍ من املحيط الأوروبي ،لتك����ون النتيجة يف نهاية املطاف �أن �أ�صبح امل�سلمون يف �أوروبا منوذج ًا للآخر “املُغاير” كما ينبغي �أن يكون!
م�ساءلة الإ�سالم ال�سيا�سي حوار مع ر�ضوان ال�سيد
مع�ضلة املعار�ضة ال�سيا�سية يف العامل العربي
�سامل لبي�ض ،عمرو حمزاوي ،مراد ظافر ،في�صل جلــول
�سجال حول الدور الرتكي يف املنطقة عياد البطنيجي * �سقاف عمر ال�سقاف
التناغم الزائف والفحولة املنت�صرة حممد الدعمي
الإمامة واخلالفة وجمود العقل العربي �أحمد عبدالكرمي �سيف
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر
2010
ا�سرتاتيجية
151
مدار الأفكار
بال مواربة املائدة امل�ستديرة �سجــال �آراء
م��دارات ا�سرتاتيجي��ة :كيف يبدو لك امل�شهد العرب��ي والإ�سالم��ي احلايل ،وهل ت��رى �أن احلرك��ة الإ�صالحي��ة يف عاملن��ا العرب��ي والإ�سالمي ما زالت حية وم�ؤثرة �أم �أن اجلمود الديني وال�سيا�سي والفكري �صار �سيد املوقف؟
بال مواربة مع الدكتور ر�ضوان ال�سيد
مُ�ساءَ لة الإ�سالم ال�سيا�سي
“
لخ�ص «الإ�س�لام ال�سيا�س��ي �إ�س�لام فا�شل» ،به��ذا العبارة القاطع��ة – والتي قد تب��دو للبع�ض قا�سية ج��د ًا ُ -ي ِّ ِ الدكت��ور ر�ضوان ال�سي��د ،املفكر اللبناين املعروفُ ،م�ساءلت��ه النقدية لظاهرة احلركات الإ�سالمي��ة املُ�س ّي�سة ،وما �آل��ت �إلي��ه .ورغم �أن �أتباع الإ�س�لام ال�سيا�سي ،كما يجادل ،ما يزالون ظاهرة ت�ستح��ق االعتبار والت�أمل والدرا�سة، لكنهم يف تقديره «�أوقعوا بنا يف حا�ضرنا �ضرر ًا كبري ًا جد ًا من الناحية الفكرية والثقافية والإ�سالمية ،يكاد ي�ضاهي ال�ضرر ال��ذي �أوقع��ه بنا احلكام الع��رب» ،ورمبا يكون هذا الأمر هو ال��ذي يجعل درا�سة هذه الظاهرة املعق��دة وتفكيكها� ،أمر ًا مهم ًا. ويكت�س��ب حدي��ث ر�ضوان ال�سيد قيمة م�ضافة �إذا عرفنا �أنه من �أبرز الباحثني العرب يف امل�س�ألة الدينية ،ال�سيما الإ�سالمية، وعالقتها بال�سيا�سة يف ع�صرنا الراهن ،وله يف هذا املجال ع�شرات الإ�سهامات ،بني كتب ودرا�سات ومقاالت وحوارات وترجمات ومراجعات وغريها. يف منزل��ه بالعا�صم��ة اللبناني��ة بريوت� ،ألتقى ٌّ كل من حممد �سي��ف حيدر و �سقاف عمر ال�سقاف ،الدكت��ور ال�سيد ،و�أجريا مع��ه ح��وار ًا م�سهب ًا و�شائق ًا حول ق�ضاي��ا و�إ�شكاليات عدة ،كانت ظاهرة ح��ركات وجماعات الإ�س�لام ال�سيا�سي وم�آل ال�صحوة الإ�سالمي��ة يف مقدمته��ا ،بالإ�ضافة �إىل ق�ضايا �أخرى كالعالقة بني الإ�سالم والغرب ،والطائفية ال�سيا�سية يف عاملنا بلد عربي ،م��رور ًا بالو�ض��ع اللبناين الداخل��ي ال�شائك، العرب��ي الت��ي �أخ��ذت م�ؤخر ًا زخم ًا غ�ير م�سبوق يف غ�ير ٍ وتقييمه للدورين الرتكي والإيراين يف املنطقة ،و�صو ًال �إىل ر�أيه يف جمريات الأمور الدائرة يف اليمن.
“
152
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ر�ض��وان ال�سي��د :لنبق���ى يف امل�شهد العربي لأن امل�شه���د الإ�سالم���ي يف احلقيق���ة خمتل���ف، فامل�شه���د الإ�سالم���ي في���ه ح���راك �أك�ب�ر؛ �سلبي و�إيجاب���ي .امل�شهد العربي ،والذي ميكن احلديث فيه الآن ،هو م�شهد �سلبي على الإطالق .وامل�س�ألة لي�ست م�س�ألة اجلمود الديني ،بل م�س�ألة احلراك الدين���ي .فاحل���راك الديني يف جانبي���ه العنيف وغ�ي�ر العنيف هو ح���راك �أ�صويل ي���زداد حدة، فالعنيف ي���زداد عنفاً ،والأ�ص���ويل امل�سامل وغري العنيف يزداد حدة ،ويع�ِّب�ِّرّ عن نف�سه يف �أ�شكال خمتلفة؛ يف اللبا�س والقيافة وال�شكل ،يف الكالم وطريقة الت�صرف ،يف الف�ضائيات ،يف كل مكان ُيع�ِّب�ِّرّ هذا املخا�ض الإ�سالم���ي الكبري عن نف�سه ال�سن مل يتعودوها. وبطرائق الكبار يف ِّ �إننا الآن يف زمن العوملة ،وال�سيما يف ال�سنوات الع�ش���ر الأخرية ،جن���د �أن ظواهر كث�ي�رة تتعلق باحلراك الديني قد تفاقمت وا�شتدت ولكنها مل تكن موجودة يف ال�ستينيات وال�سبعينيات و�أحيان ًا يف الثمانيني���ات م���ن القرن املا�ض���ي ،ولهذا ف�إن الو�ض���ع �شديد ال�سوء لأن الإ�س�ل�ام اجلديد هذا يت�سب���ب يف عدة �أمور :فهو� ،أوالً ،يكاد يتحول �إىل �سيل �أو ظاهرة م�ستع�صية؛ فهو الآن بادئ هكذا �أو م�ستمر هكذا وال نعرف ما هو املنتهى .والأمر الث���اين� ،أنه م���ا انف���كّ يُ�سبب �شرذم���ة �شديدة. فهن���اك ثالث���ة تي���ارات �إ�سالمية ك�ب�رى ،التيار ال�سلف���ي ،والتي���ار ال�ص���ويف ،والتي���ار الإخواين، وهناك توا�ص���ل وتقاطع بني الإخوان وال�سلفيني، لكن هناك قطيعة فظيعة مع ال�سلفيني من جانب التيارين وبالذات من اجلانب ال�سلفي. وعلى كل حال ،ت�سبب ه���ذه التيارات �شرذم ًة هائل���ة تُعزز من حالة ع���دم اال�ستقرار يف العامل العربي .واحلقيقة �أن عندنا ثالثة عوامل تت�سبب يف عدم ا�ستقرار كبري؛ عندنا العامل الإ�سالمي احلرك���ي ،وعندنا امل�ش���كالت ال�سيا�سية املتعلقة بالأنظم���ة وا�ستحال���ة التداول عل���ى ال�سلطة وما �شاب���ه ،والعامل الثالث هو التدخ�ل�ات الإقليمية والدولية وحتوّل ع���دة بلدان عربية تكاد تخرب، �أو خرب بع�ضها مثل العراق� ،إىل �ساحة لل�صراع
الظاهرة الإ�سالمية الآن �صارت ظاهرة غالبة ولها دينامياتها ووج�����وب ا���س��ت��م��راره��ا ووج���وه ا�شتعالها التي ال ت�ؤثر فيها كثري ًا امل�شكالت الإقليمية والغربية الإقليمي والدويل. وماذا ع��ن الإ�س�لام ال�سيا�سي مبختلف جتليات��ه ومكونات��هُّ � ،أي موق��ع ي�شغ��ل يا ترى يف هذا امل�شهد؟ يف امل�شه���د الع���ام جت���د ك�أمنا ه���ذا الإ�سالم ال�سيا�س���ي ال�صاع���د ردة فع���ل عل���ى الهيمن���ة الأمريكي���ة� ،س���واء �أكان �إ�سالم��� ًا حركي��� ًا عربي ًا �أو �إ�سالم��� ًا �إيراني���اً ،م���ع مالحظ���ة �أن الإ�سالم احلرك���ي الآن وبال���ذات الأ�ص���ويل الإخ���واين متحالف م���ع �إيران ،وحتى لو مل يكونا متحالفني ُع�ِّب� ر عنه���ا ف����إن ردة الفع���ل الإ�سالمي���ة كم���ا ت ِرّ الأ�صولي���ة الإ�سالمي���ة ب�أ�شكاله���ا املتنوع���ة، العنيف���ة وغ�ي�ر العنيف���ة ،تب���دو ك�أنه���ا ردة فعل عل���ى الهجمة الأمريكي���ة عل���ى �أفغان�ستان وعلى العراق وال�سيطرة البحري���ة والربية يف اخلليج، واخلط���اب الأمريك���ي يف احلرب عل���ى الإرهاب �أي���ام بو�ش ،لك���ن �إذا دققن���ا النظ���ر لوجدنا �أن الظاه���رة الإ�سالمية هي ظاه���رة م�ستقلة� .إنها لي�ست ردة فعل فق���ط ،بدليل �أنها ال تهد�أ عندما يهد�أ الأمريكان مثالً .الأمريكان الآن ين�سحبون. حتى يف �أفغان�ستان ،حيث زاد عدد جنودهم ،هُ م يف �أنفا�سهم الأخرية. ول���ذا ف����إن الإ�سالميني ما ع���اد ميكن فهمهم كم���ا يريد بع�ض املفكرين من الي�سار باعتبارهم �أ�ش���كال متنوعة من املقاوم���ة واملمانعة تختارها ال�شع���وب يف مواجه���ة الهيمن���ة والهجم���ات الأمريكي���ة .قد يكون جز ٌء من هذا الأمر قبل 20 �سنة �أو � 15سنة �صحيحاً ،لكن الظاهرة الإ�سالمية الآن �ص���ارت ظاه���رة غالب���ة وله���ا دينامياته���ا ووجوب ا�ستمرارها ووجوه ا�شتعالها التي ال ت�ؤثر فيها كثري ًا امل�ش���كالت الإقليمية والغربية ،بدليل �أنن���ي ال �أجد �صلة بني احلجاب الن�سائي املتزايد يف م�ص���ر والهجم���ة الأمريكي���ة� ،أو ال �أجد �صلة بني ما يج���ري يف فل�سطني واملظامل الواقعة على ال�شع���ب الفل�سطين���ي وازدياد ع���دد الإ�سالميني يف فل�سطني ،لأنه �س���واء �أكانوا القاعدة �أم كانت جماع���ات �إ�سالمي���ة غريها ف�إنه���م غري مهتمني
كث�ي�ر ًا بق�ضية فل�سط�ي�ن .القاع���دة بالذات غري مهتم���ة (بالق�ضية الفل�سطيني���ة) ،رمبا يف الآونة الأخ�ي�رة �أبدت بع����ض االهتمام ،لكن���ه بالكالم فق���ط ولي����س بالأفعال� .أم���ا الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي الآخ���ر يف العامل العرب���ي فهو مهت���م بال�سيطرة على احلياة اخلا�ص���ة والعامة �أكرث من اهتمامه بق�ضي���ة فل�سطني .انظر كي���ف حتولوا �إىل �سلطة حملية �سخيفة و�صغرية يف غزة وانتهى الأمر. والظاه���رة الإ�سالمي���ة �أي�ض��� ًا م���ن ميزاته���ا �أنه���ا ال تت�أث���ر بالنجاح والف�شل ،انظ���ر مث ًال �إىل امل�صائ���ب اجلارية على ال�س���ودان واالنق�سامات احلا�صل���ة في���ه ومع ذل���ك ما ي���زال الإ�سالميون ي�ؤمنون بنظ���ام �سيا�سي �إ�سالم���ي� .إن ما يجري يف �إيران ال يُحبِطه���م وال يُث ِبّط هِ ممهم ،وكذلك م���ا يجري يف ال�سودان وهو �أ�س���و�أ مما يجري يف �إيران .نعم ،هذه الظاه���رة الإ�سالمية ال�شديدة والغالبة ت�شغل البال. لك��ن ثم��ة �س���ؤال ي�تردد يف الأذه��ان، وي��راه البع���ض جوهرياً ،وهو م��اذا يريد الإ�سالميون بالتحديد؟ طبع ًا هناك ِفرَق من الإ�سالميني تريد امل�شاركة يف ال�سلطة �أو تري���د اال�ستيالء على ال�سلطة مثل ح���زب اهلل يف لبن���ان ومثل احلوثي���ون يف اليمن الذي���ن ي�شاركون يف ال�صراع عل���ى ال�سلطة ،كما �أن الإخ���وان امل�سلمني يف م�صر يريدون امل�شاركة يف ال�سلط���ة ،والإ�سالمي���ون يف اليمن ب�شكل عام والتجم���ع اليمني للإ�صالح ب�شكل خا�ص يريدون �أي�ض��� ًا امل�شاركة يف ال�سلطة .لك���ن الذين ال يبدو لهم هدف وا�ضح هم «القاعدة» والعنيفون ،لأنه م���ن الوا�ضح �أنهم فقدوا �أملهم (يف الو�صول �إىل ال�سلط���ة واحلكم) ،فهم لي�س���وا �أ�صحاب م�شروع حت���ى ي�ستول���وا عل���ى بل���د ليحكموه .انظ���ر ماذا ح�صل يف املا�ضي القريب ،لقد ا�شتغلوا بالإيجار عن���د حرك���ة طالب���ان الأفغاني���ة حت���ى يكافحوا �أمريكا؛ فهم مل يزعج���وا طالبان ومل يناف�سوها عل���ى ال�سلط���ة� .إنه���م يري���دون بب�ساط���ة ه���دم الأنظمة العربية ولكن لي�س للحلول حملها؛ فهذا التنظي���م ث���وري عاملي مث���ل التنظي���م الذي كان يف �أملاني���ا �أيام درا�ستنا فيه���ا («بادر ماينهوف» �أو الألوي���ة احلم���راء) ،ف�أولئ���ك كان���وا يري���دون هدم الر�أ�سمالية ،وه����ؤالء يريدون هدم الهيمنة الأمريكية والغربية. هل �سي�ستطيعون؟ كي���ف �سي�ستطيع���ون؟! طبع��� ًا ل���ن ي�ستطيعوا. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
153
مدار الأفكار
بال مواربة
وبالطبع ف�إنه لي�س لهم هدف حمدد ،بحيث ميكن �أن تق���ول لهم «�إنكم حققتم هدفك���م فاهدءوا». وعموم ًا ف�إن الإ�سالمي�ي�ن اليوم ق�سمان كبريان، ق�س���م ي�ص���ارع عل���ى ال�سلطة من �أج���ل امل�شاركة فيها ،وق�س���م ثوري عاملي وهو الذي يت�أثر ب�أفعال الوالي���ات املتح���دة و�أفع���ال الأوروبي�ي�ن ،وتك���ون عن���ده ردود فع���ل عليهما .لكن فيم���ا وراء هذين النوع�ي�ن من �أنواع الإ�سالم� ،أي الإ�سالم العنيف والإ�سالم ال�سيا�سي الغالب���ان على امل�شهد ،جتد �أن ظاه���رة م���ا ي�سم���ى بال�صح���وة الإ�سالمي���ة ظاه���رة مُ�ستتب���ة وتت�صاعد كما قل���ت يف �أ�شكال اللبا����س والت�صرفات ،يف حت���وّل نهج احلياة ،يف حت���وّل نهج التفك�ي�ر ،يف امل�ؤلف���ات ال�صادرة ،يف الدع���اة اجلدد عل���ى التلفزيون���ات – كلها حياة �إ�سالمية جديدة. رمب��ا ه��ذا �سيقودن��ا �إىل ال�س���ؤال الذي كن��ا �سنطرح��ه علي��ك ،وهو خ�لال فرتة الثمانيني��ات والت�سعيني��ات م��ن الق��رن املا�ض��ي �س��ادت فك��رة تق��ول �إن ال�صحوة الإ�سالمي��ة ق��د انت�ص��رت و�أنه��ا �أ�صبحت حقيقة واقعة ،وال منا�ص منها �أو مهرب. ه��ل م�ضم��ون كالم��ك ي�ؤي��د ذل��ك �أم �أن ال�صح��وة الإ�سالمية قد حتولت �إىل طور �آخر كما يقول البع�ض؟ ال�صح���وة الإ�سالمي���ة الآن يف عِ ِزّها وال يبدو �أنه���ا �ستنق�ض���ي ،ال���ذي �سينق�ضي ه���و الأجزاء ال�سيا�سية والأجزاء العنيفة فيها ،فهذه الأجزاء النافرة والناتئة هي التي �ستنق�ضي� .إن الإ�سالم ال�سيا�س���ي ب�ش���كل ع���ام �إ�س�ل�ام فا�شل ،ول���و �أن الدول���ة العربية �أ�صلح بع�ش���رة يف املائة مما هي عليه النتهى الإ�سالم ال�سيا�سي .ما قيمة الإخوان امل�سلم�ي�ن يف الأردن مثالً؟ ماذا �سيفعل الإخوان امل�سلم���ون �إزاء امل�ش���كالت التي تواج���ه بلدانهم يف الأردن �أو يف م�ص���ر؟ لق���د �ص���اروا ظاه���رة احتجاجي���ة وح�س���ب ،لأن النا����س منزعجني من م�ش���كالت الدولة :ع���دم التداول عل���ى ال�سلطة، عدم وجود انتخابات �سليمة ونزيهة ،االفتقار �إىل تنمية حقيقية وما �شابه من م�شكالت اجتماعية واقت�صادية. لك��ن هذه اجلماع��ات تعتق��د �أنها جزء فاع��ل م��ن ه��ذه ال�صح��وة �أو �أنه��ا ت�ش��كل مبناها الأ�سا�سي؟ نعم هي جزء من ه���ذه ال�صحوة يف الأ�سا�س، لكن كما قلت ال�صحوة مُ�سالمِ ة� .إنه �إ�سالم جديد 154
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ين�ث�ر نف�س���ه يف كل �شيء ،ب���دء ًا مبالب����س املر�أة ومالب�س الرج���ل ،و�شكل الرجل وامل���ر�أة ،انتها ًء بالع���ادات الزوجي���ة وطقو����س ال���زواج والطالق وع���ادات ال�صحب���ة والأ�صدقاء وع���ادات امل�شي يف ال�ش���ارع ..كل �ش���يء جدي���د ،كال���ذي ت�صنعه الف�ضائيات ال ما ت�صنعه الفتاوى وال طبقة رجال الدين ،وي�ؤث���ر فيه احلركي���ون الإ�سالميون لكن لي�س كث�ي�راً ،فما عادت هذه النزع���ة الع�شائرية لدى ال�شباب امل�سلمني اجلدد ن�سا ًء ورجاالً ،تابع ًة لأفكار الإ�سالم ال�سيا�سي� .أكرث ه�ؤالء ال�صحويني وال�صحويات ال يفكرون يف ال�سيا�سة ،وال يريدون �سوى �أن يحيوا حي���اة �إ�سالمية يعتربونها �أ�صيلة و�صاحلة. يف كتاب��ه ال�شه�ير «�ص��دام احل�ض��ارات و�إع��ادة ت�شكي��ل النظ��ام العامل��ي»� ،أ�ش��ار املفك��ر الأمريك��ي الراح��ل �صاموي��ل هنتنجت��ون �إىل �أنه يف نقطة معينة �أو يف مرحل��ة ما �ستختفي ال�صحوة الإ�سالمية،
الإ�س�لام ال�سيا�س��ي ب�ش��كل ع��ام �إ�س�لام فا�ش��ل ،ول��و �أن الدول��ة العربي��ة �أ�صل��ح بع�ش��رة يف املائة مم��ا ه��ي علي��ه النته��ى الإ�س�لام ال�سيا�سي و�أنه��ا �ستذوب -ح�سب تعبريه -يف جمرى التاريخ� ..أي �أُفُقٍ تراه �أنت لهذه ال�صحوة الإ�سالمية؟ هذا م���ا يقوله �أوليفي���ه روا ،وما يقول���ه �أي�ض ًا جي���ل كيبي���ل و�آالن رو�سي���ون ،ه����ؤالء املفكري���ن ال�سو�سيولوجي�ي�ن الفرن�سي�ي�ن وبع�ضه���م اهت���م باليم���ن� .أنا �أرى �أن الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي ،وب�شكل �أخ����ص الإ�س�ل�ام العني���ف ،تراج���ع كث�ي�ر ًا �إىل ال���وراء ،والإ�سالم ال�سيا�سي الذي يريد امل�شاركة يف ال�سلطة وعنده م�شروع الدولة الإ�سالمية التي تطبق ال�شريعة �أي�ض ًا تراجع. فالقاعدة تراجعت كث�ي�راً ،لكنها لأنها تعتمد ال�شبكية� ،أي �أنها تنظي���م �شبكي ولي�ست تنظيم ًا عنقودي��� ًا مث���ل التنظيم���ات الأخ���رى( ،ف�إنها ما ت���زال حتتفظ بوج���ود وكياني ٍة م���ا) .ولأنها تركز كل م���رة يف منطقة محُ اوِل ًة ن�ش���ر حالة من عدم اال�ستق���رار فيه���ا ،فلو عم���ل �أن�صارها تفجريين
يف البح���ر الأحم���ر كم���ا يعمل���ون الآن يف اليمن وال�صوم���ال وم���ا �شاب���ه ،ف�إن���ك �ستب���دو وك�أنك م�سيط���ر .امله���م �أن ي�شعروا ب�أنه���م قادرين على ن�ش���ر حالة من عدم اال�ستقرار واال�ضطراب هنا �أو هن���اك .و»القاعدة» بهذا املعنى ما تزال متلك بع�ض القوة لكنها تراجعت كثري ًا عن ال�سابق. �أما الإ�س�ل�ام ال�سيا�س���ي �أي �إ�س�ل�ام الأخوان امل�سلم�ي�ن فقد تراج���ع �أي�ض ًا ب���دوره ،ولكن لي�س بنف�س الق���در كما تراجعت القاع���دة ،خ�صو�ص ًا �أن �أتباع ه���ذا الإ�سالم الأ�صويل يتميزون برتبية منتظمة ع�ب�ر ع�شرات ال�سن�ي�ن وبالتايل ي�صبح �أتباع احلزب م�ستقرين يف �أعدادهم ،ال يزيدون ولكنه���م ال ينق�صون ،لأنهم يرتبّ���ون يف عائالت �إخواني���ة �أو يف عائ�ل�ات �سلفي���ة .لق���د اختلطت ال�سلفية بالإخوان بعد الثمانينيات ب�سبب �أ�سامة ب���ن الدن ،لك���ن �أي�ض��� ًا ب�سبب ظه���ور اهتمامات �سلفي���ة بال�سيا�س���ة وبال�ش�أن الع���ام نتيجة حرب اخللي���ج وم���ا �شاب���ه .بي���د �أن جوه���ر ال�سلفي���ة بقي غ�ي�ر معني بال�سيا�س���ة وهو مت�ش���دد دينياً، والو�صل���ة الت���ي عملها ب�ي�ن الإخ���وان وال�سلفيني هو اب���ن الدن ،وقد �أنتج���ت «ال�سلفية اجلهادية» كما نعرفه���ا اليوم .وهناك �صي���غ �سلفية �أخرى، �شيء ا�سمه «اجلامية» و�شيء ا�سمه «ال�سرورية»، للتوليف بني الأخوان وال�سلفيني� .إمنا ب�شكل عام ال�سلفي���ون املعتدلون �أو ال�سلفي���ون العلميون غري معنيون بال�سيا�سة .الإخ���وان هم الأكرث اهتمام ًا بال�سيا�س���ة ،فه���م �أ�صح���اب فك���رة الهجمة على التغري���ب والغزو الثقايف وم���ا �شابه منذ خم�سني �سنة ،وهم �أ�صحاب فكرة الدولة الإ�سالمية التي تطبق ال�شريعة والتي يتطرفون �أحيان ًا في�سمونها، كما �سيد قطب فعل« ،احلاكمية». ه���ذا الإ�س�ل�ام نف�س���ه تراج���ع ،مبعن���ى �أنني �أراقبه���م يف االنتخاب���ات �إن كان يف اليمن �أو يف �شرق �آ�سيا ،و�إن كان يف لبنان �أو يف الأردن ،رغم �أن كثري ًا من االنتخابات فيها تزوير �ضد الإخوان ولكن حتى حيث لي�س هناك تزوير تراجعوا ،لكن ال ينبغ���ي �أن نُنكِ ر �أنه ما تزال لهم �شعبية معينة. �أن���ا �أُق���دّر عددهم ب�ي�ن الناخب�ي�ن يف م�صر ويف اليم���ن ويف الأردن ،ب�ي�ن %25و %30تقريباً .ويف املغرب ميكن ملختلف فرق الإ�سالميني هناك �أن جتمع ما ن�سبت���ه %30من الأ�صوات ،مع التذكري ب�أنهم لي�سوا حزب ًا واح���د ًا ولكنهم عدة �أحزاب. كذلك الإ�سالميون يف اجلزائر ميكن �أن يجمعوا فق���ط �أ�صوات��� ًا ت�ت�راوح ن�سبتها ب�ي�ن %20و%25 �أو �أق���ل قلي�ل�اً ،لأنه���م تلقوا �ضرب���ات قا�سية من
عند املقارنة بني امللكيات العربية واجلمهوريات العربية ،يبدو �أمر امللكيات �أف�ض��ل من �أم��ر اجلمهوريات ،خ�صو�ص ًا و�أن بع���ض اجلمهوريات �أخذت تتجه نحو التوريث يف احلكم� ،أي �أنها تريد �أن تتحول �إىل ممالك مزيفة اجلي�ش. وبالت���ايل ،ف�إنه���م (�أي �أتب���اع الإ�س�ل�ام ال�سيا�س���ي) ما يزالون ظاه���رة ت�ستحق االعتبار وت�ستح���ق الت�أم���ل وت�ستح���ق الدرا�س���ة ،و�أنا �أرى �أنه���م �أوقعوا بنا يف حا�ضرنا �ضرر ًا كبري ًا وكبري ًا جد ًا من الناحي���ة الفكرية والثقافية والإ�سالمية ي���كاد ي�ضاهي ال�ضرر ال���ذي �أوقعه بن���ا احلكام العرب. ولك��ن ه��ل �ستتجاوزه��م ال�صح��وة الإ�سالمي��ة باملفه��وم ال�شام��ل ال��ذي طرحت��ه ،مبعن��ى ه��ل �سيبق��ى ه���ؤالء يف ذيل هذه ال�صحوة التي ترى �أنها �ستم�ضي قدماً؟ ال�صح���وة الإ�سالمي���ة ما�ضي���ة ُق ُدم���اً ،وه���ي ظاهرة �سلبية �أي�ض ًا ولي�ست �إيجابية� ,إمنا لي�ست عنيفة ولي�ست �سيا�سية. �أين تكمن �سلبيتها يف ر�أيك؟ يف �أنها تهتم بال�شكل �أكرث مما تهتم بامل�ضمون. كل الوقت �أنت م�شغ���ول كيف تبدو� .صحيح �أنهم يتحدثون كثري ًا عن تر�شيد ال�صحوة ،ولكنه فكر متخل���ف �أن تظن املر�أة �أنها �إذا لب�ست نقاب ًا فقد بلغ���ت منته���ى الإ�سالم وتقاتل اجلمي���ع من �أجل ه���ذا الأمر ,انظ���ر �إىل اليمنيات من���ذ �ألف �سنة
وه���ن يلب�سن هذا النق���اب والربق���ع وال يعتربنه �أم���ر ًا �شدي���د الفظاع���ة والأهمية .ف�أن���ا �أرى �أن ال�صح���وة الإ�سالمي���ة م�شغولة �أك�ث�ر من الالزم باحلياة اخلا�صة وال�شخ�صية ،وال ميلكون ثوابت ًا اجتماعي���ة �أو اقت�صادي���ة �أو فكري���ة �أو �سيا�سية, وبعب���ارة �أخ���رى لي�س���ت لهم عقي���دة فكري���ة �أو �سيا�سية. �إن الأ�صويل العنيف �أو غ�ي�ر العنيف مُ�سيّ�س, بي���د �أن هن���اك ماليني م���ن النا�س م���ن ال�شباب والبن���ات لي�س���وا م�سي�س�ي�ن� ،إنهم الوج���ه الآخر لل�شب���اب املُنحَ ل�ي�ن .دعن���ا منه���ا (ال�صح���وة الإ�سالمي���ة) ،فهي ظاهرة �شاملة وكبرية �شملت �أك�ث�ر من ن�ص���ف املجتمع���ات الإ�سالمي���ة� ،إمنا ذوات الفعالي���ة �أي الذي���ن عنده���م فاعلي���ة من ه���ذه الظاه���رة الإ�سالمية الكب�ي�رة هم جماعة الإ�س�ل�ام العني���ف وجماعة الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي، وكما قلت ف�إن هذين «الإ�سالمَ ينْ ِ» تراجعا .وهما مل يرتاجع���ا �أك�ث�ر �أو كما يجب ب�سب���ب خيبتهما وف�شلهم���ا يف ال�س���ودان ويف �إي���ران ،وذلك نظر ًا ل�سوء الو�ضع ال�سيا�سي يف العامل العربي. وم��ع ذل��ك ،ف���إن ه��ذه اجلماع��ات رمبا �ستظ��ل تعود �إىل امل�شه��د كل فرتة وحني، بحك��م ال�ضغ��ط �أو القم��ع �أو التزوي��ر يف االنتخابات� ،إذ �أن ه��ذه ال�سيا�سات جتعل
النا�س ينظرون �إليهم كمظلومني ومن هذا املنطل��ق يج��دون منا�صري��ن لق�ضاياه��م. �ألي�س كذلك؟ ه���ذه تربي���ة� .أن���ت ردة فعل���ك تك���ون بح�سب تربيت���ك وه����ؤالء تربيته���م �إ�سالمي���ة ,بينم���ا لو كان���ت تربيته���م دميقراطية لوج���دوا �أن اللجوء �إىل املكافح���ة الدميقراطي���ة والتو�سّ ���ل بحق���وق الإن�س���ان �أح�سن لهم يف الو�صول �إىل النتائج من املكافح���ة بالإ�سالم .فردود الفع���ل ت�أتي بح�سب الثقاف���ة وه����ؤالء ثقافتهم �إ�سالمي���ة ،ولهذا ف�إن ردود �أفعاله���م تك���ون بهذه الطريق���ة .ولكن كما ه���و وا�ض���ح يف اليم���ن ويف غري اليم���ن �أن هناك جماه�ي�ر لي�س���ت ردة فعله���ا ديني���ة وال �أ�صولية؛ فجماع���ة احل���راك (اجلنوبي) مث�ل�اً تتكون من عدة فرق :بع�ضه���م �ضباط وبع�ضهم �إ�سالميني, ولكن بع�ضهم ال عالقة له ب�أي �شيءٍ �إ�سالمي. ف�أن���ا �أرى �أن الدعوة املدني���ة �أو الدولة املدنية �أجدى ،حت���ى للإ�سالمي�ي�ن لأن عندهم �شعبية. فعندما تكون من دعاة الدولة املدنية � -إذا كنت مقتنع ًا بها -ت�ستطيع �أن تنجح �شعبي ًا لأنك ناجح �أ�ص�ل�اً ،وت�ستطيع �أن ت�ؤثر يف م�شروعك ,لكن �إذا كان م�شروع���ك احلاكمية �أو �إقامة دولة اخلالفة يف الأر�ض �أو �إقامة دولة �إ�سالمية تُط ِبّق ال�شريعة �أي دول���ة ديني���ة ف�إن هذا الأم���ر ال ميكن اعتباره ظاه���رة �إيجابي���ة ,وال ميك���ن ت�شجيع���ه ,بل البد م���ن مكافحته ولكن من دون �أن نبلغ يف املكافحة ح���دود العن���ف �أو ح���دود الت�آم���ر م���ع ال�سلطات عليه���م ,فهذا �أمر غري �أخالق���ي و�سيا�سي ًا غلط، ولكن نحن نعار�ض م�شروع الدولة الدينية وندعو �إىل دول���ة مدني���ة .واحلقيقة �أن م�ش���روع الدولة الدينية هذا كان قوي ًا جداً ،والآن كما قلت تقامن وتراجع؛ فالذين كان���وا ي�شكلون %50رجعوا �إىل ،%20ومع ذلك ف�إنهم مل يختفوا. هل ت��رى �أن الإ�سالميني الذين يرفعون �شعار الدولة املدني��ة ويريدون �أن ي�صلوا �إىل ه��ذه الدول��ة مث��ل را�ش��د الغنو�ش��ي وغ�يره ,ق��د ا�ستطاع��وا �أن يكيف��وا �أطروحاته��م اجلديدة م��ع م�ضامني فكرة الدولة املدنية؟ نع���م ،هن���اك �أنا����س «حقيقي���ون» م���ع الدولة املدنية ،لك���ن هناك �أنا�س يتحدث���ون عن الدولة املدني���ة وهم يعن���ون بها الدول���ة الإ�سالمية التي تطبق ال�شريعة. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
155
مدار الأفكار
بال مواربة
يتحايلون؟ ال .يقولون ما دام احلاكم لي�س مع�صوم ًا �إذن فالدول���ة مدنية .فه���م م�صرون عل���ى �أن الدولة الكهنوتي���ة �أي الدولة الدينية هي دولة البابا كما كانت يف الع�صور الو�سطى ,وال يت�صورون الدولة الدينية �إال بهذا ال�شكل� ,أي يكون رئي�سها �شيخاً. امله���م ،ما دمت تعترب �أن���ت �أن هذه الدولة تحُ كَم بقانون مع�صوم مث���ل ال�شريعة الإ�سالمية فكيف تكون مدنية؟ البد �أنها دولة دينية. ه��ل تعتق��د �أن الأح��داث املهم��ة واخلط�يرة الت��ي مي��زت تفاع�لات العقد الأول من هذا القرن قد �ساهمت يف بلورة ا�ستقط��اب غرب��ي – �إ�سالمي �أخ��ذ �أبعاد ًا جدي��دة ب��د�أت ت�شكل حمور ج��دل مغاير بني اجلانبني� ،أم �أن الإ�شكال يظل ي�ستمد وهجه من الرتاكم��ات التاريخية املعقدة ب�ين الإ�س�لام والغرب كعامل�ين متمايزين، مبعن��ى هل ه��ذه املع�ضل��ة ما زال��ت تراوح مكانها؟ مع�ضل���ة �شرق -غ���رب موجودة .وق���د بد�أت عن���د الربيطاني�ي�ن والفرن�سي�ي�ن قب���ل �أن تب���د�أ عند امل�سلم�ي�ن يف ع�صر اال�ستعم���ار ,فهم كانوا ينظ���رون �إلين���ا �أننا خمتلف���ون عنه���م و�أنهم يف �أ�س���و�أ الأحوال �آت���ون �إىل ا�ستعمارنا ,ويف �أح�سن الأحوال �آتون �إىل حت�ضرينا .لكن الأمور ال�سائدة حالياً ،و�سوء العالقة بيننا وبني الغرب ،بد�أت يف احلرب الباردة حيث انق�سم العامل �إىل ق�سمني، و�أخ���ذت دول عربي���ة يف االنحي���از �إىل االحت���اد ال�سوفيتي بينما انحازت دول �أخرى �إىل الواليات املتح���دة ,ولأول م���رة اُ�ستخ���دم الإ�سالميون يف احلرب على االحتاد ال�سوفيتي ,فقد مت ا�ستخدم ���د م���ا ال�سلفيني من الأخ���وان امل�سلم�ي�ن و�إىل ح ٍ ّ قب���ل ال�سلطات العربية مل�صارع���ة الدول العربية الأخ���رى املوالية لالحت���اد ال�سوفيتي ،ومل�صارعة الفك���رة ال�شيوعي���ة باعتباره���ا فك���رة �إحلادية. لذلك بن���ى الإ�سالميون نظام��� ًا �أيديولوجي ًا �ضد التغريب ،و�ضد الغزو الثقايف� .. ،إلخ. ويف البداية كانوا متوجهني �ضد �أمريكا ،ف�سيد قطب رحم���ه اهلل كتب �ض���د �أم�ي�ركا ،وله كتاب �شه�ي�ر عن «معركة الإ�س�ل�ام والر�أ�سمالية» .لقد كان قط���ب �شبه ا�شرتاكي كم���ا ظهر يف توجهاته يف كتابه حول «العدالة االجتماعية يف الإ�سالم». لكن يف احل���رب الب���اردة ا�صط���ف الإ�سالميون جميع��� ًا حت���ت راي���ة اململك���ة العربي���ة ال�سعودية 156
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
والوالي���ات املتحدة ،بع�ضه���م مل يكن يعي م�س�ألة الوالي���ات املتحدة يف ذلك الوقت ,وبالتايل كانوا يرون �صراع��� ًا يف داخل العامل العربي بني جمال عبد النا�ص���ر وال�سعودية ,وبني �أتب���اع ال�سعودية و�أتب���اع جمال عبد النا�ص���ر ،وكانت حرب اليمن جزء ًا من هذا ال�صراع كما �صار معروفاً. هذا االنق�سام بُني علي���ه انق�سام �أيديولوجي, فالإ�سالميون وقتها حتولوا �إىل الإ�سالم ال�سيا�سي دون �أن ت�شعر اململكة العربية ال�سعودية� ،إذ �شعر بهم امل�صريون؛ وهكذا ف�إن كل من رفع ر�أ�سه من الإخوان امل�سلمني يف م�صر كان م�صريه القتل �أو ال�سج���ن .فال�سعودي���ة التي كان���ت ت�ستقبلهم مل تكن تدرك ذلك ,حتى �أن �شبّان ال�سلفية �أُف�سِ دوا وت�سي�س���وا ,ثم ج���اءت �أفغان�ستان وه���ي املرحلة النهائي���ة الت���ي تبلور فيه���ا الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي؛ قت���ل ال�س���ادات ،وذه���ب ال�شبّ���ان للمقاتل���ة يف �أفغان�ستان ،وجنحت الثورة الإ�سالمية يف �إيران. �أي �أن الإ�س�ل�ام العنيف والإ�س�ل�ام غري العنيف كالهم���ا ر�سم خط��� ًا لنف�سه وم�ضى في���ه .ويبدو
على الواليات املتح���دة �سنة ,2001فالعالقة بني امل�سلمني والغرب ف�سدت ف�ساد ًا �شديداً .وقد زاد التوتر يف �أوروبا مع م�شكلة الهجرة واملهاجرين، ���د م���ا. وربط���وا املهاجري���ن بالإره���اب �إىل ح ٍ ّ و�ص���ار عندنا ملفان :ملف الإره���اب الإ�سالمي، ومل���ف الهج���رة الإ�سالمي���ة �إىل �أوروب���ا و�أنه���م ي�ستنكرونها. فهات���ان امل�شكلت���ان الآن هما اللت���ان تفجران �أو ت�ؤث���ران ت�أثري ًا �سلبي��� ًا يف العالقة بني الإ�سالم والغ���رب .فامل�شكل���ة موج���ودة قبل �أن يق���ول بها هنتنجتون الذي حتدّث عن «�صدام احل�ضارات», وحتدي���د ًا �ص���دام احل�ض���ارة الإ�سالمي���ة م���ع احل�ض���ارة الغربي���ة ،لك���ن جوانبه���ا ال�سيا�سي���ة والع�سكرية والأمنية التهبت يف ال�سنوات املا�ضية ب�سبب الغ���زوات الأمريكية ,ومع �أنه���ا الآن تعود �إىل �ش���يء من اله���دوء �إال �أنه توج���د عندنا عدة م�ش���كالت� ،أهمه���ا الآن م�شكل���ة املهاجري���ن يف �أوروب���ا باعتب���ار �أن م�شكل���ة القاع���دة تراجع���ت ن�سبي���اً ،ولذل���ك �أن���ا ال �أرى �أفق��� ًا لعالقة �صحية و�سليمة الآن مع الغرب الأوروبي والأمريكي.
�أتب��اع الإ�س�لام ال�سيا�س��ي �أوقعوا بن��ا يف حا�ضرن��ا �ض��رر ًا كب�ير ًا وكبري ًا جد ًا من الناحية الفكرية والثقافي��ة والإ�سالمي��ة ي��كاد ي�ضاه��ي ال�ض��رر ال��ذي �أوقعه بنا احلكام العرب
يف الف�ترة الأخ�يرة �صع��دت امل�س�أل��ة الطائفي��ة ب�شكل ملح��وظ يف امل�شرق كما املغ��رب العرب��ي ،كيف تنظ��رون �إىل هذا الأم��ر ،واىل �أي ح��د و�صل��ت تداعيات��ه وم�ستويات��ه يف تقدي��رك؟ وه��ل م��ا زلنا يف الع��امل العربي منلك الق��درة على كبح جم��اح الغول الطائف��ي �أم �أنن��ا قد فقدنا زمام ال�سيطرة عليه ،وملاذا؟ الغ���ول الطائفي م�ص���دره �أم���ران :احلركات الإ�سالمي���ة املت�ش���ددة ,والعم���ل الإي���راين يف ال�سن���وات الع�ش���ر الأخ�ي�رة على ن�ش���ر نفوذه يف داخل العامل العربي .الإ�سالم املت�شدد ،وبخا�صة ال�سلفي ،كان يُك ِفّر الآخرين وخا�صة ال�شيعة ,ما ع���اد ال�سلفيون يفعل���ون ذلك لكنهم ب���دءوا هذا الأم���ر قب���ل مائ���ة �سنة وكان���ت له���م يف فرتة ما قوة ،ون�ش���روا نوع ًا من الع�صبية حتى داخل �أهل ال�سنة؛ من هو �سلفي ومن هو غري �سلفي .مل يكن ه���ذا الأمر ظاهر ًا جداً ،لأن الدولة ال�سعودية ما كان م���ن �صاحلها �أن يفع���ل ال�سلفيون ذلك وهي زعيم���ة الع���امل الإ�سالم���ي ،ولذلك �ص���ار هناك وعي كبري بخط���ورة امل�س�ألة الطائفية واملذهبية، حت���ى يف احلرب العراقية -الإيرانية التي حاول العراق ا�ستخدامها دعائي ًا والإيرانيون �أي�ضاً ،ما انفجر امللف ال�سني -ال�شيعي بينما انفجر الآن.
يل الآن �أن���ه ما بع���د عام 1989م���ا ظهرت دولة �إ�سالمية ،فبعد ال�س���ودان مل يح�صل �أي انقالب �إ�سالمي .وكما قلت البد �أن نف�صل بني ال�صحوة العام���ة واحلزبيات الإ�سالمي���ة التي لها �أهداف حم���ددة� ،إما امل�شاركة يف ال�سلط���ة �أو اال�ستيالء عل���ى ال�سلط���ة .ف�أن���ا وجه���ة نظ���ري �أن الأم���ور �إىل تراج���ع بالن�سب���ة للإ�سالميني م���ن الناحية ال�سيا�سي���ة ،و�أنه مل يعد لديهم �أمل يف اال�ستيالء على مقدرات دولة عربية �أو �إ�سالمية. وكي��ف �سينعك���س ه��ذا عل��ى عالق��ة امل�سلمني بالغرب؟ �إن عالق���ة امل�سلمني بالغ���رب مل تف�سد ب�سبب الأيديولوجي���ات التي طوّرها الإخوان ,بل ف�سدت ب�سبب الأفعال الأمريكية� ،سواء يف حرب اخلليج بعد غ���زو العراق للكويت �أو بع���د �إغارة القاعدة
انفجر منذ 2005بعد مقت���ل الرئي�س احلريري، ثم حرب متوز/يوليو التي قام بها حزب اهلل �ضد �إ�سرائي���ل و�إ�سرائيل �ضد حزب اهلل و�ضد لبنان، وتفجّ ���ر امل�شكل���ة العراقية بعد الغ���زو الأمريكي؛ والتي كان من �أب���رز تداعياتها و�أخطرها ن�شوب حرب �أهلية �سنية – �شيعية يف .2006 فعندنا يف امللف الطائفي هذان الأمران :الأمر الأول يتمثّل يف امل�ش���اكل الكامنة والطويلة املدى لل�سلطات العربي���ة يف اال�ستئثارات واالحتكارات الفئوية ،والتي تثري ح�سا�سيات طوائف ومذاهب �أخرى ال تنتمي �إىل نف�س مذهب ال�سلطة .ويتمثل الأمر الث���اين يف التوتر ال���ذي �أحدثه الأمريكان بدخوله���م �إىل املنطقة بهذه الطريق���ة العنيفة، ويف كل مكان دخلوه حتيّزوا ل�صالح فريق ،وهذا الفري���ق طائفي ،ويف �أفغان�ستان كان هذا الفريق �إثنياً؛ فقد دخلوا ل�صالح الأقليات �ضد الب�شتون، وبالطب���ع فقد حابوا ال�شيعة لكن لي�س كثرياً� .أما يف العراق فق���د �أتوا ومعهم ال�شيعة ،الذين كانوا يف الأ�صل يف �إيران� ،أو كانوا يف �إجنلرتا ،ودخلوا معهم. وعندم���ا نتح���دث ع���ن االنق�س���ام ال�سن���ي- ال�شيعي ،ونقول �إن حماوالت �إيران ا�ستقطاب كل الأقليات ال�شيعية يف العامل العربي ال�ستخدامهم يف �إق�ل�اق خ�صومه���ا يف العامل العرب���ي ال يعني �أن���ه يف كل ال���دول العربية التي فيه���ا توتر �سني – �شيع���ي ،كان هن���اك تدخ���ل مبا�شر من قبل �إي���ران؛ فهذه ثورة كربى و�أث���رت يف كل ال�شيعة، �أي �أنه���م يحاولون تقليد �أفكاره���ا ،و�أنا �أظن �أن احلوثي�ي�ن �إذا كانوا الآن عل���ى ات�صال ب�إيران �إال �أنه���م يف ال�سابق مل يكون���وا كذلك ولكن الإ�شعاع و�صل �إليهم .وق���د كنت �أرى كثريين من ال�شباب اليمني�ي�ن ي�أت���ون �إىل لبن���ان للتوا�ص���ل مع حزب اهلل ،لي�س لأنهم م�أمورون بذلك �أو خمطط لهم، ب���ل لأنهم �شع���روا باجنذاب ،وقد وج���دت �أي�ض ًا �أنا�س ًا لي�سوا �شيعة بل �سنّة �شعروا باجنذاب نحو حزب اهلل. فاالنق�سام ال�سن���ي -ال�شيعي الذي هو �أخطر الأ�شياء ،لأنه يهدد الع���امل الإ�سالمي كله وبنيته الداخلية� ،سببه حركات الإ�سالم ال�سيا�سي التي تثري احل�سا�سيات� :أحزاب �ضد �أحزاب� ,أحزاب �ض���د تقليديني� ,أحزاب �ض���د ال�سلطات ,و�سلفية �ضد الآخري���ن ،وهكذا .لكن ال�سبب الثاين �أهم، وهو التدخل الأمريك���ي وتعمّد �إثارة ح�سا�سيات، والعامل الثالث ه���و النفوذ الإيراين يف املنطقة. فعندن���ا ثالث���ة �أ�سب���اب �أقواه���ا ال�سب���ب الثاين
والثال���ث ،ومن وجهة نظري �أنه ميكن �أن نُ�ضيف �سبب��� ًا رابع ًا ه���و ال�سيا�سات الفئوي���ة للحكومات العربي���ة ،بحي���ث تبدو مع ه���ذه الفئ���ة �ضد تلك الفئ���ة ،ويثري ذلك تل���ك الفئة فتقات���ل احلكومة �أو تقات���ل فئ���ة اجتماعي���ة �أخ���رى .فعندن���ا هذه الأ�سباب الأربع���ة ،وكلها قابلة للإزالة؛ �إذا اجته الأمريكيون لالن�سح���اب ،واجتهت �إيران لت�سوية مع �أمريكا ب�صورة ال حتتاج معها �إىل مد نفوذها �إىل غ���رب الفرات مثالً .و�إذا ب���د�أت احلكومات العربي���ة يف معاملة �شعبه���ا بطريقة خمتلفة ومل وحترّ�ض طائفة على تعامل���ه على �أ�سا�س فئ���ويِ ، طائفة �أو جماعة على جماعة. �إن ه���ذه عوامل تت�أث���ر كثري ًا بالأفع���ال وردود الأفع���ال .فالعامل الطائفي لي����س عام ًال خالداً؛ ف����إذا مل ت�شع���ر الطائف���ة بخط���ر مل���اذا تلج����أ ال�ستخ���دام العنف؟ كم���ا �أن الطائفة التي ت�شعر بالأمان لي�ست م�ستعدة للتحزّب والت�سلّح .وحتى ل���و كان �أبناء ه���ذه الطائفة �أو تل���ك مظلومني �أو م�ضطهدي���ن يف لبنان �أو يف غري لبن���ان ،ف�إن مل
العام��ل الطائف��ي لي���س عام�ل ًا خال��داً؛ ف���إذا مل ت�شع��ر الطائفة بخط��ر مل��اذا تلج���أ ال�ستخ��دام العن��ف؟ كم��ا �أن الطائف��ة الت��ي ت�شع��ر بالأم��ان لي�س��ت م�ستع��دة للتحزّ ب والت�سلّح يتوافر عام���ل خارجي داع ٌم ومحُ ِ ٌّ ���ث ودافعٌ( ،ملا ب���رزت امل�شكل���ة الطائفي���ة بهذه احل���دّة) .فعلى �سبيل املث���ال ،بعد ث���ورة 1962تعرّ�ض الزيود يف ل�ضغوط ب�سبب ارتباطهم بفكرة الإمامة، ٍ اليمن �صحيح �أن���ه كان هناك م���ا ي�سم���ى «ال�شوكانية» التي تعبرّ عن نزعة تقدمية ,و�أنه لي�س كل الزيود رجعي���ون وكذا .ولكن النظ���ام يف �أكرث الفرتات، منذ ال�سبعيني���ات وحت���ى الآن ،كان متحالف ًا مع ال�سلفيني ومع الإخوان امل�سلمني �ضد الزيود ،ومع ذلك م���ا ثاروا؛ لق���د تظلموا ,وتكلم���وا ,و�أن�شئوا �أحزاب���اً ،وحاولوا �أن يقولوا ه���ذا الأمر �أو ذاك. ومل يب���د�أ الثوران �أو ما ي�سمى بالظاهرة احلوثية �إال م���ع دخ���ول العام���ل اخلارج���ي� ،أي عندم���ا �أ�صبح م�صدر الإلهام خارجي ًا وكذلك امل�ساعدة �أ�ضحت خارجية .فيما عدا ذلك ،هناك توترات ب�ي�ن ال�سنة وال�شيعة يف الع���راق ،ولكن لو مل ي�أتِ
الأم�ي�ركان والإيراني���ون و�أعطوا ه����ؤالء ال�سالح واملال ويقول���وا لهم «قاتلوا» ،ولو مل ت�أتِ القاعدة �إىل مناطق ال�سنة يف العراق ،رمبا اختلف الأمر. يف لبن���ان الأمر �شبيه بذل���ك .فامل�سيحيون �أثناء احل���رب الأهلي���ة كان عندهم م���ن يدعمهم من اخل���ارج ،وامل�سلمون كان عنده���م من يدعمهم. فالفل�سطيني���ون تول���وا دعمن���ا حت���ى يف الت�سلّح، وامل�سيحي���ون بدورهم كان عندهم من يدعمهم، وو�صل���وا يف الأخ�ي�ر �إىل �أن ملي�شياته���م املُ�سلّحة �صارت تدعمها �إ�سرائيل. فالعامل اخلارجي ي�ساعد على تفجري ال�صراع وال ي�صن���ع وحده توت���ر ًا داخلي���اً� ،إذ �أن التوتر ال ب���د �أن يكون موج���ود ًا لي�أت���ي العام���ل اخلارجي فيفجّ ���ره حمو ًال �إي���اه �إىل �ص���راع .والتوتر ب�شكل عام يح�ص���ل نتيجة ظروف تاريخي���ة �أو ظروف حا�ضرة ،واحلكومات العربية من ال�سهل جد ًا �أن تثري التوت���رات يف املجتمع ب�سبب �سوء ت�صرفها، لكن ه���ذا ال يكف���ي النفج���ار ث���ورة� ,إذ يجب �أن تكون هناك م�صالح خارجية مق�صودة جتنّد لها �أنا�س��� ًا وتعطيهم �سالح ًا بالع���دد مثل طالبان يف باك�ستان .ف�أمريكا والدني���ا كلها ظلوا ي�ساعدون املجاهدين على مدى ع�شري���ن �سنة حتى �أخذوا كابول وط���ردوا الرو�س وال�شيوعي�ي�ن الأفغان ثم اختلف���وا فيم���ا بينهم؛ فج����أة نه�ض طلب���ة العلم ه����ؤالء الذي���ن انزعج���وا م���ن ف�ت�ن املجاهدين، ف�شكل���وا منظم���ة انت�ص���رت عليه���م وطردتهم. ومعل���وم �أن املخاب���رات الباك�ستاني���ة �أعطته���م ال�سالح ودربتهم ،و�أحيان ًا كانت تقاتل بد ًال عنهم عندما كانوا يهربون. يف كتاب��ك ال�سِ ج��ايل امل�ش�ترك م��ع الدكت��ور عبدالإله بلقزي��ز ،ذكرت بع�ض مع��امل «�أزم��ة الفك��ر ال�سيا�س��ي العرب��ي» املعا�ص��ر ،م��ا تقييم��ك مل���آل ه��ذه الأزم��ة منذ �صدور كتابك وحت��ى اليوم ،هل ترى �أنه��ا يف طريقه��ا للح��ل �أم �أن حلقاتها قد ا�ستحكمت اليوم �أكرث؟ ا�ستحكمت �أكرث .مل���اذا؟ لأن الأنظمة العربية تتك ّل����س؛ فلي�س هن���اك تداول عل���ى ال�سلطة على الإط�ل�اق ،ولي�س هناك انتخابات نزيهة ،ولي�ست هن���اك م�ؤ�س�س���ات حقيقي���ة فاعلة عل���ى مديات متطاول���ة تخدم ق�ضية التنمية �أو ق�ضية التطوير �أو ق�ضية خلق الوظائف لل�شبان ،هذا الأمر حتى الثمانيني���ات كان يقابل بفك���ر ا�شرتاكي �أو بفكر ر�أ�سم���ايل �أو �إع���ادة هيكلة االقت�ص���اد وحتريره العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
157
مدار الأفكار
بال مواربة
�أو ما ي�سم���ى عملية التحري���ر االقت�صادي ،كلها هذه تب���دو الآن بل ومنذ ع�ش���ر �سنوات عالجات فا�شلة .فاملنطقة العربية من �أقل املناطق تطور ًا ومنو ًا يف العامل وال ي�ضاهيها يف ذلك �إال �أفريقيا ال�صح���راء ،رغ���م �أن امل���وارد �أح�س���ن بكثري من بع�ض الأقطار الأفريقية �أو الآ�سيوية الفقرية. كل ه���ذا يجع���ل الفك���ر ال�سيا�س���ي مت�أزم���اً، لأنه ي���دور يف ف���راغ ،ويدور يف ف�ض���اء .فالكالم عن الدول���ة املدني���ة ،وع���ن الدميقراطية ،وعن امل�ؤ�س�سات ،وع���ن امل�شاركة ،وحت���ى عن املجتمع امل���دين -كل���ه يبدو كالم��� ًا وهمي���اً ،لأن���ه لي�ست هن���اك �ضمان���ات لأي �شيء ،وهذا ه���و �سبب من �أ�سباب بق���اء الإ�س�ل�ام ال�سيا�س���ي ،لأنه ظاهرة احتجاجي���ة .فمهم���ا كان ،ه����ؤالء النا����س لي�سوا �سارقني ،وذممه���م املالية تبدو �صاحلة وح�سنة، و�سلوكه���م م�ستقيم ،ويف غال���ب الأحيان �صاروا الآن م�ساملني .ومما ي�ؤزم الفكر ال�سيا�سي العربي والإ�سالمي �أكرث� ،أنه لي�ست هناك نخب �سيا�سية مُفكّ���رة كبرية تطرح م�شروعاً� ،أ�ساتذة جامعيني ومثقف�ي�ن� ،أو �أحزاب �سيا�سي���ة حمرتمة لها فكر �سيا�سي يعمل على مديات متطاولة. فمن جه���ة� ،سوء ت�صرف الدولة طوال �أربعني �سنة ،ومن جهة �أخرى تهمي�ش الثقافة ال�سيا�سية، وهجرة النا����س اجليدين .فال من ناحية النخب ال�سيا�سي���ة ،وال من ناحية النخب الأكادميية ،وال من ناحية الأحزاب ،يب���دو الأمر جيداً .ولذلك، �أج���ل هن���اك �أزم���ة تتزاي���د يف الفك���ر ال�سيا�سي الإ�سالم���ي .والطريف فيها �أن���ه ما عادت هناك �شع���ارات كربى يقول به���ا �أحد؛ ف�ل�ا �أحد يقول بالدميقراطي���ة ،وال �أح���د يق���ول باحلاكمي���ة - كلها انتهت� .إمن���ا ك�أن النا�س متعبون ،ينتظرون ه���ذا احلاك���م �أو ذاك حت���ى مي���وت ،و�أحواله���م م�ضطرب���ة ،والتنمي���ة �ضئيل���ة ،واال�ستقرار غري مُتحقّ���ق ،و�إ�سرائيل تتعملق ،وح���ركات التحرير مث���ل �إ�سرائي���ل تري���د حتري���ر فل�سط�ي�ن وتنتهي باحت�ل�ال مدنن���ا يف غزة ويف ب�ي�روت ويف بغداد ويف ال�صوم���ال ،ويف كل م���كان .ف���كل احلركات الإ�سالمية الثورية التحريرية تعجز عن مواجهة �إ�سرائي���ل ،ولذلك فهي تنقلب �إىل الداخل رافع ًة �شعار «لنق�ضي على �أ�صدقاء �إ�سرائيل يف الداخل �أوالً» .هك���ذا كان يق���ول الثوري���ون العرب ،هكذا قال �أبو اياد �أنه كان يريد �أن يحرر فل�سطني بدء ًا م���ن مدينة جونيه ،والتي كانت رمز ًا للم�سيحيني يف احلرب الأهلية اللبنانية. فاملوق���ف �شدي���د التوت���ر ،لأن���ه لي�س���ت هناك 158
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ناف���ذة ،ال ل���دى احلكومات ،وال ل���دى احلركات الثوري���ة ،وال ل���دى جماع���ات املجتم���ع امل���دين والدميقراطي���ة ،وال ل���دى الأح���زاب .فالو�ض���ع مُتخ�ّث�رّ وي�شبه امل�ستنقع� ،إذ لي�س له ثبات ،ولي�س ل���ه مكان �صل���ب ت�ضع ي���دك عليه ،حت���ى لو كان رجعي��� ًا ولكنه���ا رجعي���ة �صلبة عندها م���ا تقوله، وعنده���ا ما تفعله .حتى الرجعي���ة لي�ست �صلبة، والر�أ�سمالي���ة لي�س���ت �صلب���ة ،واملارك�سية لي�ست �صلبة ،والإ�سالمية لي�ست �صلبة. �أال يقودن��ا حديث��ك ه��ذا �إىل �أننا بتنا نعي���ش مرحلة انعدام الأم��ل؟ هل تعتقد �أن هناك �إمكانية للخروج من هذا النفق، وهل هن��اك خمرج واقعي ميك��ن �أن يقود النا�س �إىل جتاوز هذه الأزمة ال�شديدة؟ نعم .بالت�صرّف العادي ،وبالدولة العادية. كيف؟ مث�ل�اً ،م���اذا ينق����ص �سورية ،وهي بل���د مُنتج وحم�ت�رم ،اقت�ص���اده الآن ي�سري نح���و النهو�ض،
«القاع��دة» والعنيف��ون فقدوا �أمله��م يف الو�صول �إىل ال�سلطة واحلك��م ,فه��م لي�س��وا �أ�صحاب م�شروع حت��ى ي�ستولوا على بلد ليحكموه ملاذا يكون الرئي����س مخُ لّداً؟ فليَجرِ التداول على ال�سلط���ة ،ويك���ون فيها برملان حم�ت�رم ،ومت�ضي الأم���ور ب�شكل طبيعي .واحلم���د هلل لي�س عندهم انق�س���ام �شعب���ي ،فكلهم ع���رب وقومي���ون عرب بعك����س لبن���ان؛ فعندن���ا م�شكل���ة هوي���ة وعندن���ا ع�شرات امل�ش���اكل ،وعندنا ن�ص���ف دميقراطية. �سوري���ة وم�ص���ر و�ضعهم���ا �أ�سه���ل بكث�ي�ر ،فهما جمتمعان �ضخم���ان .العراق عنده م�شكلة ,بينما �سوري���ة لي�ست عندها م�شكل���ة ،وال م�صر عندها م�شكل���ة ،وال تون����س عندها م�شكل���ة يف �أن تتحول �إىل جمتم���ع �سيا�س���ي عادي .امل�شكل���ة احلقيقية تكمن يف �إرادة الهيمنة وال�سيطرة على النا�س. ه��ذا م��ا يخ���ص الأنظم��ة اجلمهورية، ماذا عن الأنظمة امللكية؟ الأنظمة امللكية تتقدم بُخطىً �أف�ضل.
هل هذه مفارقة؟ ه���ذه مفارقة� .أوالً ،عنده���ا ا�ستقرار �أف�ضل. انظ���ر النظام امللكي املغرب���ي عنده خطة تنموية هائل���ة .والنظام الأردين امللكي لوال وجود امللكية رمبا زالت الأردن؛ فهناك جمموعة من الت�سويات وو�ض���ع ا�سرتاتيجي �صعب بني �سورية و�إ�سرائيل, و�أكرث م���ن ن�صف ال�سكان فل�سطينيو الأ�صل� .أما اململكة العربية ال�سعودية ،وبرغم �أنها دولة غنية لكنه���ا متتلك خط���ة تنموية هائل���ة ,وامل�ؤ�س�سات فيها ترت�سخ .واحلقيقة �أن ال�سعودية هي املجتمع ال�سيا�س���ي العربي الوحيد ال���ذي هناك فرق بني الدي���ن والدولة فيه؛ فامللك ي�أمر رجال الدين �أال يت�ص���دى للإفت���اء �سوى فئة معين���ة (منهم) ،من يج���ر�ؤ يف اليمن �أو حت���ى يف �سورية على �أن يقول ذلك؟ �أن متنع رجل دين �أن يُفتي. ه��ل ه��ذا بحك��م التحال��ف القائم بني الديني وال�سيا�سي يف اململكة؟ ثنائي���ة ال�شيخ والأمري م�س�ألة قدمية .ولكن ما هو مالحظ الي���وم �أن الدول���ة (ال�سعودية) قوية، وم�ؤ�س�ساته���ا قوي���ة ،وتتج���ه نح���و التنمي���ة ,كان ممك���ن �أن تتجه نح���و التنمية ب�ش���كل �أكرب وقبل الآن ،وعندهم حركة انفت���اح هائلة ،و�أنا �أح�ضر معر�ض الكت���اب يف الريا����ض ..اهلل �أكرب ..جتد �أحده���م وحليته حتى �أ�سفل بطنه يحكي لك عن فوكو ،وع���ن الفل�سفة احلديثة ،وع���ن الإ�صالح. يقرئ���ون كثرياً ،وتدخ���ل كل الكت���ب �إليهم� .إنهم لي�س���وا جمتمع ًا مثالي��� ًا طبعاً ،وعنده���م م�شاكل كثرية. يق��ال �إنه��م منفتح�ين عل��ى «الآخ��ر الغربي» �أكرث م��ن «الآخر املحلي» �إن جاز التعبري ،هل هذه م�شكلة؟ هذا �أمر ممك���ن� .أنا لي�س عندي م�شكلة؛ ف�أنا حمب���وب يف اململك���ة م���ن ال�شعب وم���ن الأمراء، ولكني �أعرف �أن عنده���م ح�سا�سيات �ضد بع�ض اجلن�سيات .ففي اجتماعاتهم ،ودون �أن ينتبهوا، يقولون �أ�شياء ت�ستطيع �أن حت�س من وراءها ب�أنهم متح ِفّظون �أحياناً ،وم�شكالتهم كربى ال تقل عن م�ش���كالت الع���رب الآخري���ن .لكن ميك���ن القول �إنه عن���د املقارنة ب�ي�ن امللكي���ات واجلمهوريات، يبدو �أمر امللكي���ات �أف�ضل من �أمر اجلمهوريات، خ�صو�ص��� ًا و�أن بع�ض اجلمهوري���ات �أخذت تتجه نح���و التوريث يف احلكم� ،أي �أنها تريد �أن تتحول �إىل ممالك مزيفة.
ه��ذا الو�ض��ع العرب��ي و�أزم��ة الفك��ر ال�سيا�سي القائمة فيه ينقالنا �إىل تدار�س والبح��ث يف جت��ارب الق��وى املحيط��ة من حولنا ،وبالت�أكيد ت�أتي التجربة الرتكية يف املقدم��ة .م��ا ه��و تقييم��ك للتجرب��ة الرتكية يف الإ�ص�لاح ال�سيا�سي والديني؟ ه��ل تعتق��د �أن الإ�سالمي�ين هن��اك باتوا ي�شكل��ون منوذج ًا �صاحل�� ًا ميكن االحتذاء به يف عاملنا العربي ،ال�سيما من قبل كربى اجلماعات الإ�سالمية املُ�سيّ�سة؟ يف احلقيق���ة �أن لدين���ا عدة من���اذج للإ�سالم ال�سيا�س���ي ،فهن���اك النموذج الإي���راين ،وهناك النم���وذج الإخ���واين ال���ذي ب���د�أ ج���زء من���ه يف ال�س���ودان ،وهناك النموذج ال�سع���ودي للإ�سالم التقليدي ،ولدينا بالطب���ع النموذج الرتكي ،كما �أن الأمريكي�ي�ن يتحدثون عن النم���وذج الآ�سيوي ويق�صدون به ماليزيا و�إندوني�سيا .طبع ًا ال�شباب مييل���ون �إىل النموذج الرتكي ،وهذا �صنعته دولة علماني���ة عنيف���ة .و�أن���ا �أرى �أن الأت���راك جنحوا مبدئي��� ًا يف عمل �صيغة تقوم على �أن تكون الدولة علمانية و�أن يكون النظام �إ�سالمياً. �أهذه ال�صيغة فريدة من نوعها؟ بالفعل هي �صيغة فريدة من نوعها يف العامل، وطبع ًا يف العامل الإ�سالمي �أي�ضاً.
ف�إنك ت�صل �إىل ال�سلطة �أو ت�شارك فيها». �إمن���ا لي����س ه���ذا �أه���م م���ا ت�ؤث���ر في���ه تركيا فين���ا ،ف�أهم م���ا ت�ؤثر فيه تركيا فين���ا هو الو�ضع اال�سرتاتيج���ي� .إن �إي���ران والإ�س�ل�ام الث���وري مُتحالف�ي�ن يف مواجهة �إ�سرائي���ل ،وال يرون ح ًال �إال احل���رب والكفاح والقت���ال والن�ضال .الأنظمة العربية تق���ول مبا ي�سمى الت�سوي���ة ال�سلمية التي مل تنجح حت���ى الآن ولي�ست له���ا �شعبية� ,إمنا يف احلقيق���ة الإ�س�ل�ام الث���وري الذي ي�ستظ���ل الآن ب�إي���ران و�أب���رز مظاه���ره ح���زب اهلل يف لبن���ان وحما����س يف غ���زة� ،أي�ض��� ًا ال ميل���ك ح�ل�اً حت���ى بالقت���ال ,ف���الآن �أق�صى ما يقوله ح���زب اهلل �أنه ق���وة رادع���ة «�إذا هاجمتنا �إ�سرائي���ل نردعهم». �إذن حترير فل�سطني �أين؟ تبخّ ر الهدف. تركي���ا تعر����ض منوذج ًا �آخ���ر ،تق���ول بت�سوية عادل���ة ،وهي من���وذج لدعم �سوري���ة ودعم لبنان ودع���م الفل�سطينيني من �أجل ال�س�ل�ام ومقاومة �إ�سرائي���ل ولكن �سلمي ًا ولي����س باحلرب وال�سالح (كم���ا يف حالة ال�سفين���ة التي بعثته���ا تركيا �إىل غ���زة ،وامل�سم���اة «�أ�سط���ول احلري���ة») ،من �أجل حل عادل بال�ضغ���وط الدبلوما�سية الو�ص���ول �إىل ٍ ّ والإقليمية والدولية والقان���ون الدويل وال�صراخ � ..إل���خ ،وال���ذي ال يبل���غ درج���ة العن���ف .هذا هو
�أمل متج���دد عملته لن���ا تركي���ا يف الت�سوية ،ويف �إمكان���ه الو�صول �إىل �شيء م���ن طريق �إجراءات غ�ي�ر عنيفة .مل يكن هناك من���وذج �آخر �أف�ضل، فال���دول العربية مل ميكن اتخاذها منوذج ًا لأنها دول �ضعيف���ة ،فالت�سوي���ة �إذا قام���ت به���ا الدول العربي���ة -واملبادرة العربي���ة لل�سالم موجودة - ال يحرتمونه���ا ,حتى رغبتنا ال�سلمية ال يحرتمها �أح���د .مل���اذا؟ لأنه���م يعرف���ون �أن جمهورنا لي�س كذل���ك ,جمهورن���ا م���ع العنيف�ي�ن ،لأن���ه يائ�س. فرتكيا بهذا الو�ض���ع اال�سرتاتيجي عملت توازن ًا م���ع �إي���ران ،ف�أع���ادت الت���وازن �إىل امل�سائل التي ال تخ����ص الت�سوي���ة فقط بل وا�ستق���رار الأنظمة �أي�ضاً ،وبالذات النظام ال�سوري ،وميكن �أن ت�ؤثر �إيجاب ًا يف اال�ستقرار بالعراق. يعني ذل��ك �أن دورها مرحب�� ًا به� ،سواءً من قبل الأنظمة �أو من قبل ال�شعوب؟ نعم. ولك��ن هل هن��اك �أفق �أي�ض�� ًا لتمثّل هذا النم��وذج؟ �أو بعبارة �أخ��رى هل تعتقد �أن العامل العربي ي�ستطي��ع متثّله وعلى نح ٍو مينعه من االجنرار خلف النموذج الثوري (الإيراين) مثالً؟
وهل �ست�ستمر هذه ال�صيغة بر�أيك؟ �أعتق���د ب�أنه���ا �ست�ستمر ،لأنه حت���ى لو خ�سروا االنتخاب���ات �سيظل���ون فاعل�ي�ن وم�ؤثري���ن يف ال�سيا�س���ة ،والغ���رب يري���د تركيا م�ستق���رة لأنها على �أبوابه ،ويريد منوذج ًا مثل النموذج الرتكي يحتذي به العامل الإ�سالم���ي .طبع ًا هم يُح ِبّذون النموذج الإندوني�سي ،ولكن �إندوني�سيا بعيدة عن العامل العربي. لك��ن ،عملي��اً ،ه��ل تعتق��د �أن النم��وذج الرتكي ميكن متثّله يف العامل العربي؟ ال� .أعتق���د �أنه من غري املُمك���ن متثّل النموذج الرتكي يف العامل العربي� ،إن ذلك ممكن جزئي ًا فقط .فهو قد ا�ستطاع �أن يُثبِت للإ�سالم العربي، وللإ�سالميني العرب� ،أنه ال حتتاج �أن تكون عنيف ًا حتى ت�ستطي���ع امل�شاركة يف ال�سلط���ة �أو �أن ت�صل �إىل ال�سلط���ة .لقد تعذّب ه����ؤالء الإ�سالميون يف تركيا ،ولكنه���م مل يقابلوا العنف بالعنف ،طوال ع�شري���ن �أو ثالث�ي�ن �سنة ،ث���م و�صل���وا« .فيا �أيها امل�سلم العربي اعتدل .اعتنق الطروحات املدنية،
الإ�سالم ال�سيا�سي يف العامل العربي مهتم بال�سيطرة على احلياة اخلا�صة والعامة �أكرث من اهتمامه بق�ضية فل�سطني .انظر كيف حتولوا �إىل �سلطة حملية �سخيفة و�صغرية يف غزة وانتهى الأمر! العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
159
مدار الأفكار
بال مواربة
ال .نحن ما نطم���ح �إليه هو �إقامة دولة قانون، وه���ذا م���ا هو موج���ود يف تركي���ا ولكن م���ن دون تلوين �إ�سالمي .يف تركيا الآن دولة قانون بتلوين �إ�سالم���ي .ونح���ن ال نطم���ح �إىل من���وذج مطابق متام���اً ,فو�ضعن���ا خمتلف ع���ن و�ض���ع الأتراك. كل م���ا يف الأم���ر يف ه���ذا النم���وذج �أن���ه منوذج منفت���ح ،ويفت���ح �إمكاني���ات ،ويفتح �آفاق���اً ،حتى على امل�ستوى اال�سرتاتيج���ي كما قلت ،حتى على م�ست���وى العالقة مع �أوروبا ,انظر كيف ينا�ضلون بطريقة خفية ولكنها دءوبة للدخول �إىل االحتاد الأوروبي .ف�سلوك الدولة الرتكية ميكن �أن يكون منوذج��� ًا لدولة مثل م�صر �أو مث���ل املغرب ،لي�س بتقلي���ده يف النظ���ام الداخل���ي �أو يف ال�سيا�س���ات ولك���ن بطريق���ة التفك�ي�ر ،بالعم���ل عل���ى امل���دى الطوي���ل ،باعتب���ار الإ�سالم لي�س بعبع���اً� ،إنه من املمكن �أن تكون م�سلم ًا وعلماني ًا يف الوقت نف�سه. ه���ذه الأمور العامة ،فنحن ل�سنا مُطالبني بتقليد النم���وذج الرتكي تقليد ًا بحذاف�ي�ره «حذو القذة بالق���ذة» كم���ا ج���اء يف احلدي���ث النب���وي ،مثلما يطل���ب الإيرانيون من �أتباعه���م� ،إنه عليك � -إن كنت �شيعياً� -أن تكون من جماعة والية الفقيه. ه��ذا يقودن��ا �إىل ال�س���ؤال التايل :ماذا ب�ش���أن النم��وذج الإ�سالم��ي الإي��راين يف احلك��م وال�سيا�سة ،كيف تنظ��ر �إليه بعد ما يناهز 30عام ًا من قيامه؟ ما ت���زال �أكرثية ال�شعب الإي���راين مع النظام املوج���ود هن���اك ،ولكن���ه يع���اين م���ن م�ش���كالت �شدي���دة بع�ضه���ا ب�سب���ب بنيت���ه وبع�ضه���ا ب�سبب احل�ص���ار الغربي عليه ،وهو نظ���ام �شعبي �أقامه ال�شع���ب الإي���راين احلقيق���ة ،يف ث���ورة – 1978 ،1979ولي����س له ذنب كب�ي�ر يف احلرب العراقية – الإيراني���ة .لكن فيما عدا ذلك ،نعم النظام م�س����ؤول عن �سيا�سات���ه الداخلية وع���ن �سيا�سته الإقليمي���ة .فم���ا الداع���ي له���ذا الن�ش���ر الهائ���ل للنفوذ ،باملال ،وبالفك���ر ،فيمن حولك يف العامل العربي والإ�سالم���ي ،ويف �آ�سيا الو�سطى .النزوع اال�ستف���زازي ه���ذا كل الوق���ت ،و�أن���ك على حق مطلق وغريك باطل� ،أم���ا م�س�ألة طبيعة النظام وك���ذا ،ف�إن ه���ذه الطبيعة ال ت�ص���ح يف �أي نظام �آخر� ،إذ �أنها م�ستمدة من جوهر املذهب ال�شيعي ال���ذي هو تقلي���د الفقي���ه الأعلى ،وه���م عمومها الآن ف�ص���ارت واليته عامة .ولذل���ك هذه م�س�ألة مذهبية ،لي����س من حقنا احلك���م عليها �إذا كان ال�شعب الإيراين ق���د اختارها .الذي �أقوله �إنه ال 160
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ي�ش���كل منوذج ًا لأحد ،وحتى لل�شيعة خارج �إيران ال ي�شكل منوذجاً .بل �إنه قد �أ�ض ّر بال�شيعة ،حيث ق�س���م جمتمعاتن���ا يف الكوي���ت ،يف البحرين ،يف لبن���ان ،ولأهداف خا�ص ًة به ه���و ،ولي�س لأهداف تتعل���ق (بال�شيع���ة الع���رب) .فال�شيع���ة الكويتيون لي�سوا مظلومني ،وكذا ال�شيع���ة اللبنانيون لي�سوا مظلوم�ي�ن .ويف كل بلد عرب���ي يعمل م�شكلة معه، ففي اليم���ن �شجّ ع على انق�سام البلد .ما �أق�صده �أنني ل�ست �ضد النظام الإي���راين �شخ�صياً ،و�أنا �أرى �أن���ه نظام �أقامه ال�شع���ب الإيراين وما تزال �أكرثي���ة ال�شعب الإي���راين ت�ؤيده ،لك���ن �سيا�سات هذا النظام جتاه العامل العربي لي�ست �سيا�سات �سليم���ة وال �سلميّ���ة .مل �أ َر �أن الأت���راك ين�ش���رون مذهبهم لدينا ,ال علمانيتهم وال �إ�سالمهم. لك��ن �أغلبي��ة ال�شع��ب الإي��راين تب��دو م�سان��دة للنظ��ام ،هل ه��ذا ب�سب��ب �ضعف البدائ��ل �أو غيابه��ا �أم ب�سب��ب طبيع��ة املجتمع هناك؟ لل�سبب�ي�ن مع���اً .الآن �صار عنده���م معار�ضة،
عالق��ة امل�سلم�ين بالغ��رب مل تف�س��د ب�سب��ب الأيديولوجي��ات التي طوّرها الإخ��وان ,بل ف�سدت ب�سبب الأفع��ال الأمريكية� ،سواء يف ح��رب اخلليج بعد غزو العراق للكوي��ت �أو بع��د �إغ��ارة القاع��دة على الواليات املتحدة �سنة 2001 فهن���اك مو�سوي ومه���دي كروب���ي وخامتي ،وقد �صار عندهم تيار �إ�صالحي .و�أنا �شخ�صي ًا ل�ست �ض���د الن���ووي الإي���راين� ،س���واء كان ع�سكري ًا �أو مدنياً ،ولكنني مزعوج من ... (مقاطع�� ًا) لك��ن البع���ض اتهم��ك �أن��ك يف مرحل��ة م��ا خرج��ت م��ن �إط��ار الفكر، و�ساهم��ت يف بع���ض كتابات��ك يف ت�أجي��ج ال�شح��ن الطائف��ي ب�ين ال�سن��ة وال�شيعة، وب�ين الإيرانيني والع��رب ،وحتديد ًا بعد اغتيال رفيق احلريري؟ كان���وا ال يريدون ال�سماح لنا ب�أن نعمل حمكمة ملحاكمة القتلة ،و�صاروا كل يوم يقتلون منّا �أحداً. فه���م الذين ب���دءوا ،و�أنا ما كتب���ت �شيئ ًا وذكرت البع���د املذهبي للم�س�أل���ة �إال بع���د ،2007ما قبل ذلك كنا مخُ تلفني يف ال�سيا�سة :على ت�سيري �أمور
الدولة بعد مقت���ل احلريري ،وهل يجوز �أن نعمل حمكم���ة دولية ما دام الق�ض���اء اللبناين عاجزاً. وقد ت���واىل علينا القت���ل ،وقتل���وا ع�شرين واحد ًا م���ن كبار النا����س ،م���اذا نفعل؟ جننون���ا ،ونحن كل الوق���ت كنّا متوجهني �ضد �سورية ،ولي�س �ضد حزب اهلل ثم وجدنا احلزب يحتل بريوت. لقد راقب���ت املنطقة ،فوجدت ماذا يفعلون يف العراق ،وماذا يفعلون يف لبنان ,وماذا يفعلون يف البحرين والكويت ,وماذا يفعلون يف غزة .وجدت �أن هن���اك اجتاه ًا �إيراني��� ًا لن�شر النفوذ يف غرب الفرات ،و�أن هذا يت�سب���ب يف تق�سيم جمتمعاتنا وين�ش���ر اال�ضطراب فيه���ا ،ويعر�ض حلو ًال وهمية للم�ش���كالت؛ فال والي���ة الفقيه حت���ل م�شكالتنا، وال «منطه���م» يف الكفاح يُحرر فل�سطني .ولذلك، �صحي���ح �أن���ا وقفت �ضده���م .فعندما ب���د�أ بع�ض ال ُكتّ���اب ي�سبوننا مذهبي���اً ،ويقول���ون «�إن ال�سنّة رجعيني» ،و«�أنهم مع �إ�سرائيل»( ,ت�صديت لهم)؛ ال�سن���ة يف لبنان ف�أن���ا ع���امل �سُ ِنّ���ي ،و�أك ُرث �أه���ل ُّ قدرة عل���ى الكتابة والتعبري ،وعندم���ا ُقتِل رفيق احلري���ري ولي����س لدين���ا زعي���م بعده ج���اء وليد جنب�ل�اط وتزعّ من���ا ،وكان البد حت���ى تظل هذه اجلماع���ة مجُ تمِ ع���ة �أو متما�سك���ة -قب���ل م�س�ألة اخل�ل�اف م���ع ح���زب اهلل � -أن يك���ون لن���ا ل�سا ٌن خا����ص بنا ،وعق ٌل خا�ص بن���ا ،و�أن يكون لنا قل ٌم ٌ ٌ خا�ص بنا ،ولي�س هناك غ�ي�ري .ولذلك� ،صاروا ٌ يقول���ون «�أنت �س ِنّي» وخالفه؛ فماذا �أفعل؟ هكذا ولِدتُ . يف ه��ذا الإط��ار ،وقب��ل �أن نخت��م ه��ذا املح��ور ،ظه��رت م�ؤخ��ر ًا ت�سريب��ات ب�أن��ه �سي�ص��در قرار ظني م��ن املحكمة الدولية يق�ضي باتهام عنا�صر «غري من�ضبطة» من ح��زب اهلل باغتي��ال احلري��ري .يف حال �ص��دور مث��ل هذا الق��رار ،كي��ف �سينعك�س ذلك على الداخل اللبناين؟ احل���ق �أنن���ا ال نعرف فع�ل�اً .فنح���ن ال نعرف طبيع���ة القرار �إال م���ا ذكره املقال ال���ذي ن�شرته جري���دة «الدير �شبيجل» الأملانية ،ما عدا ذلك ال نعرف �شيئاً .لكنهم – �أي الإيرانيني وحزب اهلل يبدون مت�أكدين �أنهم ُمتّهمون يف القرار.ولك��ن ال�صح��ف كتب��ت �أن ال�شي��خ �سعد احلري��ري زار ال�سي��د ح�س��ن ن�ص��ر اهلل، و�أخ�بره ب���أن هن��اك ق��رار ًا �سي�ص��در م��ن املحكم��ة الدولي��ة باته��ام عنا�ص��ر «غري من�ضبطة» من حزب اهلل باغتيال والده؟
مل يق���ل ذلك ،ب���ل قال ل���ه «�أي ًا تك���ن ال�شائعة ينبغ���ي �أن نحر����ص قب���ل �ص���دور الق���رار وبعده عل���ى عدم ح�صول فتن���ة ،و�أن نبق���ى على وحدة امل�سلم�ي�ن ،ووحدة اللبنانيني مقدمة على كل �أمرٍ �آخ���ر وعل���ى �أي اعتب���ار» ،دون �أن يق���ول ما قاله ح�س���ن ن�صر اهلل ،و�أنا مت�أكد من ذلك .هذا غري مهم ،امله���م �أننا ال منلك مقدم���ات ،فاملقدمات متلكها املحكمة ،وال ن�ستطيع الت�أثري عليها .نحن منل���ك النتائ���ج� :أن نتجنّب �أي ًا يك���ن القرار فتنة �سني���ة – �شيعية ،فهذا �أم���ر تعلّمناه وال ميكن �أن نتورط في���ه .نحن ل�سنا يف الع���راق ,واحلمد هلل لي�س عندنا القاعدة كما هي القاعدة عند ال�سنّة يف الع���راق .الأمر الث���اين� ،أن هذا البلد ال بد �أن يُدار بحكوم���ة ،و�إذن فنحن لن ن�سمح بالقرار - ُفكّك احلكوم���ة اللبنانية �أي��� ًا تكن طبيعت���ه� -أن ي ِ ع���ن طريق �أن ين�سحب منها فالن �أو �أن ين�سحب هذا الفري���ق �أو ذاك �أو نتخلى نحن ،وقد جرّبوا التعطي���ل ومل ي�ستطيع���وا .ولذل���ك ،فب�إمكانن���ا �أن نتعام���ل م���ع النتائج ،ب�أن نك���ون ثابتني و�أكرث ا�ستيعاب ًا وهدوء ًا وبُعد ًا عن الفتنة.
ال�ساح���ة ه���و القاعدة ولي����س احلكوم���ة اليمنية ت�سببت يف ذلك. �إمنا فيما يتعلق بامل�شكالت يف �صعدة وجوارها، وم�ش���كالت احلراك اجلنوب���ي ،فبالطبع تتحمل احلكوم���ة م�س�ؤوليته���ا كلي���اً :بطريق���ة ال�سلوك، وبطريق���ة الإدارة ،وبطريق���ة التفكري ،وبطريقة الت�ص���رّف .كم���ا �أن هناك م�س�ؤولي���ة ثانية لدول اجلوار ،ف���دول اجلوار كانت ت�ستطي���ع م�ساعدة اليمن �أكرث .وهن���اك م�س�ألة ثالثة تتعلق باملحيط اال�سرتاتيجي ،و�أعني به املحيط الهندي والبحر الأحمر ،وهما الآن بُحريتان �شديدتا اال�ضطراب؛ فاملحيط الهندي هو �أهم بحر يف القرن احلادي والع�شري���ن لأنه هو الذي ينق���ل الطاقة للنهو�ض ُ�ص���دّر ال�سل���ع الآ�سيوية عربه وعرب الآ�سي���وي ،وي ِ املحي���ط البا�سيفيك���ي ،وي�ست���ورد كل طاقته عرب املحيط الهن���دي وبحر العرب والبح���ر الأحمر. فه���ذا املحي���ط الب���د ل���ه م���ن �إدارة دولي���ة ُيتّفق عليه���ا ،ومل ي�صلوا �إىل ذلك بعد .ولذلك ،هناك �صراع �شديد واليمن اليوم يف قلب هذا ال�صراع.
لك��ن يف ح��ال ن�شب��ت ،كما تق��ول بع�ض التقارير ،ح��رب بني �إي��ران و�إ�سرائيل �أو �إي��ران و�أم�يركا؛ باعتق��ادك �أي��ن �سيكون موقع لبنان من هذه املواجهة؟ م�ؤك��� ٌد �أن ح���زب اهلل �س ُيغِ�ي�ر عل���ى �إ�سرائيل، �سواء �شئن���ا �أم �أبينا .فهو �سيُغ�ي�ر على �إ�سرائيل مبجرد �أن تقوم هذه الأخرية ب�ضرب �إيران �أو يف حال هاجمت الواليات املتحدة �إيران.
عندم��ا ته��د�أ الأم��ور يف اليم��ن البد م��ن �صيغ��ة فيدرالية ت�سمح للمحلي��ات ،يف �أن يك��ون لها وجود يف برملان��ات حملي��ة �صغ�يرة� .إنه �ش��يء �أ�شب��ه بحك��م ذات��ي يك��ون مُتن َفّ�س�� ًا له��م ،وبحي��ث ي�شتغل��ون على تنمي��ة �أنف�سه��م وعلى عالج م�شاكلهم
�أخرياً ،كيف تنظر �إىل الو�ضع يف اليمن ال��ذي اجتمع��ت عليه يف الآون��ة الأخرية مروح��ة م��ن امل�ش��كالت كم��ا ب��ات وا�ضح ًا للجمي��ع� .أي��ن تكم��ن الأزم��ة واخلط��ر يف ر�أي��ك :ه��ل يف �سيا�س��ة الدول��ة� ،أم يف طبيع��ة البني��ة القبلية للمجتم��ع� ،أم يف املجال اجليو�سيا�سي الذي يحيط بالبلد، �أم يف كونه �أ�صبح حمل �أطماع خارجية ما فتئت تبحث لها عن موطئ قدم فيه؟ �أعتق���د �أن امل�س�أل���ة يف الأ�صل تتعل���ق بال�سلطة اليمني���ة� ،س���واء فيم���ا يتعل���ق باحلوثي�ي�ن �أو م���ا يتعلق باحل���راك اجلنوبي� ،أم���ا القاعدة فال يد لل�سلط���ة فيها� ،إمنا ل���و كان الو�ض���ع االجتماعي واالقت�ص���ادي �أكرث متا�سك ًا و�أكرث ه���دوء ًا و�أكرث ُع�ش�ش يف واعدي���ة مل���ا ا�ستطاع���ت القاع���دة �أن ت ِّ املناط���ق القبلية ،لك���ن يف الأ�سا����س الذي اختار
لقد ب���د�أ ال�صراع يف ال�صوم���ال ولكنه و�صل �إىل اليمن ،و�أعتقد �أنه حتى العراق جزء منه. ه���ذه �إذن ثالث���ة �أ�سب���اب متوالي���ة ،وال�سب���ب الرابع متعلق – كما ذكرت يف �س�ؤالك -بالرتكيبة اليمني���ة التي عندها ا�ستع���داد (للت�أزّم) .وبرغم �أن الزي���ود وال�شافعية مل يختلفوا ع�ب�ر التاريخ، ولي�س���ت هن���اك �إىل الآن (م�شكل���ة) مذهبية بني الزي���ود وال�شافعي���ة ،لك���ن علين���ا �أن نتوق���ع �أنه كم���ا ظهر عن���د ال�شيع���ة �أ�صوليون وعن���د ال�سنة �أ�صولي���ون� ،أن يظه���ر عند الزيدي�ي�ن �أ�صوليون. �إمن���ا ،كما قلت ،ما كان الأم���ر لينفجر لوال �أنهم ق���د ُز ِر َع فيهم وعي باالنف�ص���ال وباالنق�سام ،ثم �سوع���دوا من اخلارج .واحلقيق���ة �أنني ال �أعرف مت���ى �ستنحل م�شكل���ة احلوثي�ي�ن ،و�إن كانوا هم الذين �أهلكوا �أنف�سهم؛ ف�صدامهم مع القبائل هو
الذي �سيُنهيهم ،لأن���ه مل ي�صطدم �أحد بالقبائل يف اليمن �إال وزال هو وبقيت هي. �أم���ا اجلنوب ،وكم���ا هو مع���روف ،ف�إنه توجد فيه عدة ف�صائ���ل كالأحزاب ال�سابقة وال�سلفيني وغريه���م ،وب�سبب حالة الفق���ر املُدقِع ال�سائدة، و�سوء الأو�ض���اع االجتماعية ،والف�ساد امل�ست�شري يف �أجه���زة الدولة ،كل هذه الأمور �أعادت جتميع م���ا ي�سم���ى باحل���راك اجلنوب���ي .والطري���ف �أن احلراك اجلنوب���ي ذو �صبغة مدنية� ،أي �أنه لي�س ذو �صبغ���ة دينية ،وه���ذا يُعطي �أم�ل�اً ب�أنه ميكن الو�صول �إىل ت�صالح. لقد قر�أت ت�صريح���ات للرئي�س اليمني ولعدة م�س�ؤولني ي�شريون فيه���ا �إىل �أنهم ال يخافون من احل���راك اجلنوب���ي ،وال يخافون م���ن احلوثيني، و�إمن���ا يخافون م���ن القاعدة ،و�أن���ا �أرى العك�س. فالقاعدة هي الوحيدة امل�ستوردة ،وبالتايل يمُ كِ ن الق�ضاء عليها ب�سهولة .وعلى �أية حال ،يبدو �أننا (نح���ن العرب) متوهمني ،فه���ذه اخل�صو�صيات الإقليمي���ة واملحلي���ة ن�ستخف بها ب�سب���ب التطلع للوح���دة العربية ومل ينجح �إال اليمن يف جتاوزها بالوح���دة التي حتقق���ت �سن���ة ،1990وال�شك يف �أن ه���ذه اخل�صو�صيات املحلية موج���ودة وباقية وخالدة. كونك متابع ًا له��ذه الأمور ،كيف تعتقد �أن الو�ض��ع يف اليم��ن �سينتهي وب�أي �صيغة من �صيغ احلل؟ يب���دو �أن���ه الب���د م���ن تغي�ي�ر �إداري ،لي����س مع اجلنوب فقط بل مع ال�شمال �أي�ضاً .فعندما تهد�أ الأمور البد من �صيغة فيدرالية ت�سمح للمحليات يف اليم���ن� ،سواء كانت ديني���ة �أو قبيلة �أو حملية بحت���ة ،يف �أن يكون له���ا وجود يف برملانات حملية �صغرية� .إنه �شيء �أ�شبه بحكم ذاتي يكون مُتن َفّ�س ًا لهم ،وبحي���ث ي�شتغلون على تنمية �أنف�سهم وعلى عالج م�شاكلهم. ولك��ن هناك من يقول �إن اليمن ما زالت غ�ير ق��ادرة عل��ى ا�ستيع��اب الفيدرالي��ة كح��ل م�شاكله��ا ،لأن تطبيقها ق��د يت�سبب مب�شاكل �أكرث مما هو حا�صل حالياً؟ بالعك�س ،فاليمنيون هم الذين حققوا الوحدة ولن يعجزوا ع���ن ا�ستيعاب الفيدرالية وتطبيقها للخروج من دوامة الأزمات التي دخلوا فيها. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
161
املائدة امل�ستديرة
املائدة
�سجــال
�آراء
امل�ستديرة
امل�ستديرة
بال مواربة
مدار الأفكار
املائدة
مع�ضلة املعار�ضة ال�سيا�سية يف العامل العربي “
«ملاذا تخف��ق القوى واحل��ركات ال�سيا�سية املعار�ضة يف الوط��ن العرب��ي؟» � ،س���ؤال عري���ض ما فت��ئ ي�شغل بال باحث��ي العل��وم ال�سيا�سية كم��ا النا�شط�ين ال�سيا�سيني الع��رب� ،إىل جانب قط��اع وا�سع من عامة النا���س ،الذين ميلئون احليز اجلغرايف الكبري املمتد من املحيط �إىل اخلليج .ويف كل مرة تطف��و جدلية ال�سلطة – املعار�ضة على �سطح احلياة ال�سيا�سية العربي��ة ،تتك��رر �أ�ص��داء ه��ذا ال�س���ؤال املهجو���س با�ستك�ش��اف الأ�سب��اب الت��ي �أدت �إىل �إخف��اق املعار�ض��ات ال�سيا�سية العربية بكافة �أ�شكالها (ي�سارية ,وقومية ،وليربالية ،و�إ�سالمية) طوال العق��ود املا�ضية ،وعجزها عن خلق ت��وازن حقيقي مع ال�سلطات والنظ��م احلاكم��ة يف الوط��ن العربي م��ن �ش�أنه �ضم��ان ا�ستمرار احلياة ال�سيا�سية من دون ا�ضطرابات ،ومدّ ها ب�أ�سباب اال�ستقرار كما هو حا�صل يف معظم الدميقراطيات الغربية.
�إىل ال�سلط��ة �إال ع�بر االنقالب��ات الع�سكرية .ه��ل اخللل يكمن يف الق��وى والأح��زاب واحل��ركات املعار�ضة نف�سه��ا �أم يف طبيعة ال�سلط��ات اال�ستبدادي��ة القائم��ة �أم يف الرتكيب��ة ال�سيا�سي��ة واالجتماعي��ة والثقافي��ة للدول واملجتمع��ات العربية .و�أخري ًا كيف تنظ��رون مل�ستقبل ه��ذه املعار�ضات ،وم��ا ال�سبيل خلروجها من هذا امل�أزق.
�أ�سئل��ة مهم��ة توجه��ت به��ا «م��دارات ا�سرتاتيجي��ة» �إىل نخبة م��ن �أعالم الفك��ر وال�سيا�سة املهتمني والباحث�ين املتخ�ص�صني يف ه��ذا ال�ش�أن ،وقد ّ تف�ضل بالإجاب��ة عليها كل من :الدكتور �سامل لبي�ض الأ�ستاذ املحا�ض��ر يف علم االجتماع بجامعة تون�س املنار، والدكتور عمرو حمزاوي كبري الباحثني يف مركز كارنيغي لل�شرق الأو�س��ط بب�يروت ،والأ�ست��اذ م��راد عبدالواحد ظاف��ر الباحث مبرك��ز الدرا�س��ات والبح��وث اليمن��ي ،والأ�ست��اذ في�ص��ل جلول وثمة �أ�سئلة �أخرى ترتبط بال�س�ؤال املركزي املطروح ،من قبيل :الباح��ث اللبناين املقيم يف باري���س ،وبح�صيلة �إجاباتهم ملاذا مل تتمكن بع�ض هذه القوى واحلركات املعار�ضة من الو�صول الرثية خرجنا مبائدتنا امل�ستديرة لهذا العدد.
“
162
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
�شرعية املعار�ضة �أم �شرعية الدولة يف الوطن العربي �سالـم لبي ــ�ض من ال�صعب النظ���ر �إىل املعار�ضة العربية ومعاجلتها على �أنها ج�سد متجان�س جتمع���ه نف�س اخل�صائ�ص ويعاين من نف�س الأمرا�ض ،فه���ي متعددة �أيديولوجي ًا وخمتلف���ة �سيا�سي ًا وم�شتتة تنظيمي ًا ومنق�سم���ة على نف�سها ما بني خيار القانونية ودواع���ي ال�سري���ة ،وهي يف و�ض���ع ال نظري له مقارن���ة ببقية معار�ض���ات العامل. وم���ن الأجدى والأي�سر �أن نتحدث ع���ن معار�ضات عربية حمكومة مبنطق الدولة وطبيعته���ا ،فالدولة الدينية يف اجلزي���رة العربية واخللي���ج مل ت�سمح باملعار�ضة الليربالي���ة املتع���ارف عليه���ا �إذا ما ا�ستثنين���ا التجربة الكويتية ،مم���ا و ّفر املناخ املالئ���م لن�ش�أة ومنو املعار�ضات الديني���ة املو�صومة بالتطرف ،والدولة «الوطنية» يف م�ص���ر وبع�ض بلدان املغرب العرب���ي التي تعلن الليربالية واحلداثة طبيعة لها ال ت�سم���ح �إال مبعار�ض���ة عل���ى مقا�سها تزين له���ا �سيا�ستها ومتن���ع عنها حقها يف الت���داول عل���ى ال�سلطة �أو حتى جم���رد امل�شاركة فيها مهم���ا كان �صغر حجم تلك امل�شاركة(م�ص���ر وتون�س و�سورية) ،و�إذا �سمحت بذلك فعلى جماجم وت�ضحيات الآالف الذي���ن ح�صدتهم احل���روب الأهلية (اجلزائر ولبن���ان وال�سودان) .ومن ناف���ل القول وبديهياته الي���وم �أن املعار�ضة العربية تنق�س���م �إىل ق�سمني رئي�سيني ق�س���م �أن�ش�أت���ه الدول���ة نف�سها مب���ا اقت�ضته �ض���رورات ال�سيا�سة و�ش���روط العوملة والفل�سف���ة احلقوقي���ة امل�صاحبة لها ،مم���ا جعل الدولة العربي���ة �أداة قادرة على تفريخ الأحزاب والتنظيمات ال�سيا�سية ومتكينها مما ي�ستوجبه امل�شهد ال�سيا�سي م���ن ح�ص���ة تليق مبقامه���ا وفق منط���ق الدولة نف�سه���ا .ولكن ه���ذا النموذج من الأحزاب عادة ما يكون حمدود الفعل و�ضعيف االنت�شار وقليل اجلماهريية ،ولي�س له يف جتربته من املواقف املعار�ضة ل�سيا�سات الدولة وتوجهاتها وخياراتها �إال ما ن���در حت���ى �أن كثري ًا من �أح���زاب املعار�ضة العربية تو�صف ب�أنه���ا ملكية �أكرث من امللك ،مم���ا جعلها حتظى بت�سمية خا�صة املجتمع ال�سيا�سي يف التجرب���ة التون�سي���ة ه���ي «الأح���زاب العربي يعي�ش تناق�ض ًا الإداري���ة» �أو �أحزاب امل���واالة يف جتارب عربية �أخ���رى �أو �أحزاب الديكور يف جتارب �صارخ ًا وحاد ًا بني ثالثة ،وهي جميع ًا م�سميات ل�صنف من �أحزاب دولة ت�صنع معار�ضتها املعار�ضة مل ين�ش�أ ن�ش�أة مو�ضوعية ومل يولد من لتبقي على �شرعيتها، رحم احلراك االجتماع���ي الذي يعي�شه ال�شارع ومعار�ضة ترف�ض ال�سيا�س���ي بنخب���ه وحركات���ه االجتماعية وقواه �شرعية تلك الدولة وت�شتغل خارج �أطرها الراغبة يف التغيري. �أم���ا الق�س���م الثاين م���ن املعار�ض���ات العربية فغالب��� ًا ما يتج�سد يف تنظيمات �سيا�سية و�أح���زاب ال ت�ستمد �شرعيتها من الدولة العربي���ة بطابعه���ا القطري امل�ألوف ،وهن���ا ن�شري حتدي���د ًا �إىل ثالثة مناذج بات خطابه���ا معروف��� ًا وفعله���ا مت�أكد ًا يف حقول الفع���ل ال�سيا�سي ،وه���ي على التوايل الأحزاب والتنظيم���ات القومية العربية بف�صيليها الرئي�سيني البعث والنا�صرية، والق���وى الي�سارية املارك�سية ب�شرائحها املتعددة ،واحل���ركات الدينية الإ�سالمية
“
�سالـم لبي ــ�ض �أ�ستاذ حما�ضر يف علم االجتماع ،جامعة تون�س املنار.
وقواها اجلهادية وجماعاتها املذهبية. �إن ا�شتغ���ال بع����ض تنظيمات ه���ذه التيارات الك�ب�رى �ضمن م�ؤ�س�س���ات الدولة العربي���ة والقبول ب�شرعيتها مل يكن حال���ة دائمة ،ف�أغلبها ي�صنف نف�سه انطالق ًا م���ن خطابه و�إيديولوجيته وخياراته ال�سيا�سي���ة على �أنه فوق تلك الدولة الفاقدة لل�شرعي���ة � ً أ�ص�ل�ا ،فهي نتاج مبا�ش���ر �أو غري مبا�ش���ر للفعل اال�ستعم���اري املوايل للح���رب العاملي���ة الأوىل ،وم���ن ّثم يك���ون من ال�صعب ملث���ل تلك الق���وى التي لها امت���دادات فكري���ة و�سيا�سي���ة �أحيان��� ًا وكذلك ب�شرية خ���ارج حدود تل���ك الدولة وخارج م�ؤ�س�ساته���ا� ،أن تقبل ب�شرعية تعتربها نتاج��� ًا للفعل اال�ستعماري القدمي �أو اجلديد. ومل تفل���ح املرونة التي ميزت جتارب بع�ض الأح���زاب العربية املنتمية �إىل تلك التي���ارات الك�ب�رى مثل الإخ���وان امل�سلمني بدخوله���م الربملان امل�ص���ري �أو عمل الأح���زاب اال�شرتاكي���ة والقومي���ة �ضمن جبه���ة واحدة مع ح���زب البعث احلاكم يف �سوري���ة �أو غريه���ا من جت���ارب الإ�سالمي�ي�ن يف اجلزائر واملغ���رب وال�سودان ..ال���خ ،مل تفلح يف تغيري املوقف العام من �أن الدول���ة القطرية العربية هي �إنتاج ا�ستعماري بامتياز حتى بعد مرور ن�صف قرن �أو �أكرث على ا�ستقالالتها وت�شكيلها حلكومات من �أبن���اء جلدة تلك املعار�ضات ،فه���ذه اال�ستقالليات �صورية ح�سب تلك املعار�ضات ،وتلك احلكومات وما و�ضعته من د�ساتري وبرملانات كلها �شكلية اقت�ضاها امل�شهد ال�سيا�سي العاملي بعد احلرب العاملية الثانية ،ولقد باتت فاقدة ل���كل متثيلية حقيقية لدى �شعوبها على حد ما جاء يف خطابات تيارات املعار�ضة الك�ب�رى العربي���ة ،وال ت�ستطيع اتخ���اذ اب�سط الق���رارات ال�سيادي���ة منذ �سقوط االحت���اد ال�سوفياتي ونهاي���ة القطبية �سنة 1991الذي تزام���ن مع ما بات يعرف بالعومل���ة ،و�إن فعلت ذلك فم�صريها الدمار الكل���ي والقتل املنهجي كما هو حال الع���راق ،فالكل يع���رف �أن الدولة العربية اليوم ت�سري وفق م���ا تر�سمه م�ؤ�س�سات العوملة وم�صالح ال�شركات الكربى. وخال�ص���ة الق���ول �إن املجتمع ال�سيا�سي العرب���ي يعي�ش تناق�ض��� ًا �صارخ ًا وحاداً بني دولة ت�صنع معار�ضته���ا لتبقي على �شرعيتها ،ومعار�ضة ترف�ض �شرعية تلك الدول���ة وت�شتغل خارج �أطرها ،ب���ل هي ال تتوانى يف رفع �شع���ارات تب�شر ب�إلغائها ككي���ان �سيا�سي ل�صال���ح طوبى القومي���ة العربية �أو الأمة الإ�سالمي���ة �أو الأممية ال�شيوعية. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
163
املائدة
املائدة
ُتغية �أقدار املُعار�ضة امل رِّ من العمل ال�سري �إىل الثورة املخملية
معار�ضات ُمتكّل�سة يف مواجهة �سلطويات ُمهي ِمنة عمرو حمزاوي
يك�ش���ف امل�شه���د العرب���ي الراه���ن ع���ن مفارقة هام���ة تتمث���ل يف حمدودية التحديات املجتمعية التي تواجهها ال�سلطوية احلاكمة على الرغم من ال�ضعف البني لأداء نخبها االجتماعي واالقت�صادي وتهافت �سجل �إجنازاتها التنموية. فعلى �سبيل املثال ،وبا�ستثناء منطقة اخلليج ،ما تزال معدالت الفقر والبطالة والأمي���ة يف عموم الع���امل العربي مرتفعة للغاية بينم���ا تتدنى �إىل مهابط غري م�سبوق���ة م�ستوي���ات اخلدم���ة العام���ة املقدمة يف قطاع���ات حيوي���ة كالتعليم املدر�سي واجلامعي وال�صحة وال�ضمانات االجتماعية لإعانة حمدودي الدخل والفق���راء والعجائ���ز .ا�ستم���ر كذلك �إخف���اق ال�سلطوية احلاكم���ة يف مكافحة ظواهر خط�ي�رة م�ست�شرية ومعطل���ة للتنمية احلقيقية كالف�س���اد واملح�سوبية، وا�ستغالل املن�صب العام ،والغياب �شب���ه الكامل لل�شفافية واملحا�سبة كمبادئ يتعني �أن حتكم عمل امل�ؤ�س�سات العامة واخلا�صة. بعب���ارة بديل���ة ،نحن هنا �أم���ام �سلطوية فاق���دة ل�شرعية الإجن���از مبعناها التنم���وي وم�ضامينه���ا املرتبطة مبا ا�صطلح على ت�سميت���ه احلكامة الر�شيدة، وتهيم���ن نخبها بقب�ض���ة حديدية على الدولة واملجتم���ع واملواطنني ،فال ت�سمح يف املج���ال ال�سيا�س���ي مبناف�س���ة فعلي���ة وتقي���د -و�إن بدرج���ات متفاوتة -من حري���ات املواطن�ي�ن يف التعب�ي�ر ع���ن ف�شلت العديد من قوى الر�أي والتنظيم وامل�شاركة يف ال�ش�أن املعار�ضة التي ترفع العام .وعلى الرغم من ذلك ،و�إذا ما �شعاري الدميقراطية ا�ستثنين���ا حال���ة العراق حيث امت���زج انهيار وحقوق الإن�سان ال�سلطوية بق���دوم االحتالل وت���داول احلكم يف متثل امل�ضامني بانهيار النظ���ام العام ،ال تواج���ه ال�سلطوية الفعلية لل�شعارين يف احلاكمة حتدي���ات حقيقية �أو وا�سعة النطاق ممار�ساتها ،وعجزت من قبل جمتمعاتها ،بل وال حتتاج يف الأغلب عن �صياغة ت�صور الأع���م �إىل توظي���ف العنف املفت���وح �أو القمع برناجمي للتغيري الوا�سع النطاق لل�سيطرة عليها. املرجتى تكم���ن املفارق���ة �إذن يف تواكب عجز نخب احلك���م العربي���ة االجتماع���ي واالقت�ص���ادي وفقدانه���ا ل�شرعي���ة الإجناز مع ا�ستمراري���ة مريحة وغ�ي�ر مكلفة لل�سلطوي���ة ،على نحو يناق����ض من جهة جل اخلربات العاملية املعا�ص���رة النهيار ال�سلطوية عندما تتعرث جمتمعي ًا وينتف�ض املواطن���ون طلب ًا حلقوقهم وبحث ًا عن التغي�ي�ر ،ويحفز من جهة �أخرى الباحث على الت�سا�ؤل عن ماهية العوامل امل�سببة لال�ستثناء العربي يف هذا ال�صدد. � أح���د العوام���ل الرئي�سية يف ه���ذا ال�صدد يتمثل يف توفر نخ���ب حكم عربية فاق���دة ل�شرعي���ة الإجن���از وعاجزة ع���ن تقدمي املنتظ���ر منه���ا جمتمعيا على خطاب���ات ر�سمية ال تعدم القدرة الإقناعية تخي���ف بها �أغلبية املواطنني ،على معاناتهم وق�س���وة ظروفهم املعي�شية ،من التغيري وتباع���د بينهم وبني االلتئام وراء ق���وى معار�ضة ت�سعى لإنهاء ال�سلطوية .توظف النخب م�ؤ�س�ساتها الدينية
“
164
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
امل�ستديرة
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
امل�ستديرة
مراد عبد الواحد ظافر
والإعالمي���ة� ،إن امل���دارة حكومي��� ًا دون موارب���ة �أو امل�سيط���ر ً عم�ل�ا على فعلها وممار�ساتها اليومية ،لإنتاج حلظة �إدراكية ممتدة يف املخيلة اجلمعية يرادف يف �سياقه���ا بني املطالبة بالتغيري وب�ي�ن تهديد النظام العام وخطر دفع البالد �إىل حال���ة من الفو�ضى العارمة ،وهو ما يحول دون ترجمة طاقة الرف�ض لدى املواطن�ي�ن الناجتة عن �سخطه���م احلقيقي على �أداء النخ���ب �إىل عمل �شعبي منظم يتخطى حدود الن�شاط االحتجاجي العفوي واجلزئي الذي �شهده العامل العرب���ي طوال الأع���وام املا�ضية وب�ص���ورة مت�صاعدة .وال ري���ب يف �أن القدرة الإقناعي���ة خلطابات «التخويف من التغي�ي�ر» الر�سمية لي�ست مبنقطعة ال�صلة بف�ش���ل العديد م���ن قوى املعار�ض���ة التي ترف���ع �شع���اري الدميقراطية وحقوق الإن�س���ان يف متثل امل�ضام�ي�ن الفعلية لل�شعاري���ن يف ممار�ساتها وعجزها ،هي ومعه���ا منظمات املجتم���ع املدين املعنية ب���ذات الق�ضايا ،ع���ن �صياغة ت�صور برناجم���ي للتغيري املرجت���ى وا�ضح املع���امل ومطمئن ملواطن�ي�ن تفر�ض عليهم ق�س���وة الظ���روف املعي�شية احل���ذر امل�ستم���ر وعلمتهم جتارب املا�ض���ي املريرة اخل���وف على القليل املتهاف���ت الذي يتمتعون به اليوم م���ن تغيري م�ستقبلي قد ي�أتي عليه. كذل���ك ت�سهم الو�ضعية اله�شة والهام�شية لقوى و�أحزاب املعار�ضة وعجزها ع���ن ال�ضغط بفاعلية على نخب احلكم بغية �إجن���از التحول الدميوقراطي يف تعميق التداعيات ال�سلبية للعامل ال�سابق .فمعظم القوى الليربالية والي�سارية تفتق���د الي���وم ،ويف ظ���ل الرتتيب���ات ال�سلطوي���ة ال�ضاغطة ،القواع���د ال�شعبية احلقيقي���ة ،وتتكل�س بالت���ايل نخبه���ا وخطاباتها وبراجمها� .أم���ا احل���ركات الإ�سالمي���ة فه���ي عل���ى النقي����ض م�ص���در حليوي���ة غ�ي�ر م�سبوق���ة يف امل�شهد ال�سيا�س���ي العرب���ي ترتبط بتما�سكه���ا التنظيمي وقدرتها عل���ى جتديد نخبها وتطويره���ا لر�أ�سمال اجتماع���ي قابل لال�ستثمار ال�سيا�س���ي من خالل الوجود امل�ستم���ر يف ال�ساح���ات الديني���ة واخلريي���ة .بي���د �أن م�شارك���ة الإ�سالميني يف احلياة ال�سيا�سية تطرح عليهم وعليها حتديات عميقة ج ّلها يدور حول متوالية االلتزام الإيديولوج���ي يف مقابل الربجماتية واملفا�ضلة بني الر�ؤية اال�ستئثارية بحج���ة �سمو املرجعية واملنطلق وبني االعرتاف غري امل�شروط بالتعددية وقبول تداول احلكم .هنا يقلل الرتدد البادي على خيارات الإ�سالميني من فاعليتهم يف ال�ضغط على ال�سلطوية. عمرو حمزاوي كبري الباحثني يف مركز كارنيغي لل�شرق الأو�سط ببريوت.
ما زالت املعار�ضة متثل اخلطر الرئي�سي الذي يواجهه مركز احلكم يف العديد م���ن الدول العربي���ة ،رغم �أن النظرة ال�سريعة وال�سطحي���ة تذهب �إىل القول ب�أن املعار�ض���ة احلزبية ما زالت �ضعيف���ة .وهذه النظرة جملوبة من القراءة املتخلفة للنتائ���ج االنتخابية التي يرك���ز عليها الدعم اخلارج���ي للدميقراطيةُ ،متجاه ًال تقدمي العون الفني وامل�ساعدة يف جمال الهند�سة التنظيمية للأحزاب التي ولدت �إما يف ظروف العمل ال�سري �أو يف كنف نظام ال�سلطة احلاكمة. وعل���ى ذلك نق���ول� ،إن الهيئات التنظيمية -احلزبية م���ا زالت تعاين من �أوجه اخلل���ل والق�ص���ور حني و�ضع���ت يف �ساحات املع�ت�رك االنتخاب���ي ،لت�صطف قوى �سيا�سي���ة يف مواجه���ة �آلي���ات الدول���ة وموارده���ا �أو م���ا يطلق عليه���ا – جزاف ًا- م�صطلح الأحزاب احلاكمة. ً تل���ك الأح���زاب املعار�ضة – مثال -كانت ذات �ش����أن �سيا�سي وثقل تنظيمي يف حقب���ة م���ا قبل الثورة واال�ستق�ل�ال� ،أي خالل فرتة العمل ال�س���ري .وت�صبح ذات ت�أثري قوي حني تكون معار�ضة طرفية خارج الإطار الر�سمي للأنظمة متكئة على قواع���د تقليدية ديني���ة �أو �أثنية .لك���ن ال�شمولية العربية �أ�صبح���ت �أكرث ع�صرية ومرون���ة يف ج���ذب �أحزاب العمل ال�س���ري لت�صطف مع نخب الأنظم���ة ال�شمولية فيم���ا غدا ُيعرف خالل حقبة التط���ور الدميقراطي ،بالأحزاب احلاكمة .وبذلك �أ�صبح���ت تلك الأح���زاب ،والتي متث���ل الأقلية ،م���ن النخب احلاكم���ة يف معظم ال���دول؛ ت�ست�أثر مبوقع ال�سلط���ة وحتظى بكافة موارد الف���وز والنجاح ،و�إن كانت �أ�شد �ضعف ًا من �أحزاب املعار�ضة. بينم���ا �أح���زاب املعار�ض���ة ارمت���ت – �أحزاب املعار�ضة باملقابل -يف �ساح���ة اللعبة االنتخابية، ارمتت يف �ساحة تلك اللعبة التي مل تعد �سوى �آلية للقبول بالأقلي���ة من النخ���ب احلاكمة ،وتعن���ي �إيقاف اللعبة االنتخابية، خطاب املعار�ضة ،واال�ست�سالم لقدرها املهزوم تلك اللعبة التي �إن مل يك���ن املُخت ِن���ق واملتم ِّرغ ب�ص���وت ال�شارع .مل تعد �سوى �آلية وهنا البد من الإ�ش���ارة �إىل الثقافة االجتماعية للقبول بالأقلية من النخب احلاكمة، ال�سائدة لقمع خطاب املعار�ضة. بذل���ك يخط���ئ الباح���ث اجل���اد ح�ي�ن يظ���ن وتعني �إيقاف خطاب �أن االنتخاب���ات ه���ي �أداة التعب�ي�ر ع���ن الإرادة املعار�ضة ،واال�ست�سالم ال�شعبية ،وحتقيق ال�شرعية لنظام احلكم .ف�إن لقدرها املهزوم كان الأمر كذلك ،لر�أينا تلك الأحزاب احلاكمة تدي���ر ال�ش�ؤون العامة و�أجهزة احلكم عل���ى نهج دميقراطي بعد نيلها اال�ستحقاق االنتخاب���ي� .إن �آلي���ات ال�شرعي���ة م���ا زال���ت قائمة عل���ى “�سيف املُ ِع���ز وذهبه”، وق���درة تلك الأنظم���ة ال�شمولية على �إعادة توزيع امل���وارد على الأقلية من النخب امل�ستفيدة . وب�سبب �أوجه اخللل والق�صور يف النمو التنظيمي للأحزاب ،على وجه العموم،
“
مراد ظافر باحث مبركز الدرا�سات والبحوث اليمني.
هيمن���ت القيادات التاريخية على الأح���زاب يف جمتمعات َفت ّية ،يحتل ال�شباب – ذك���ور ًا و�إناث ًا -م�ساحة وا�سعة م���ن البنية ال�سكانية فيها .ومل يعد ال�شباب جمرد «لحَ َق���ة» (كما نقول يف الدارِجة اليمنية) �أو �صوت ًا يتبع تلك القيادات التاريخية. فرغ���م الت�شوه���ات يف ن�شوء منظمات املجتمع املدين ،انق���اد العديد من ال�شباب �إىل تل���ك املنظمات ليربزها يف موقع حيوي وم�ؤثر يف الدفاع عن احلقوق املدنية حلراك اجتماعي مكونات ف�صح عن ٍ ٍ وال�سيا�سي���ة منذ مطلع الألفية اجلدي���دة ،ل ُي ِ ُمعارِ�ض خارج نطاق الأحزاب التاريخية -املُعارِ�ضة. ومثلم���ا كان الأمر قب���ل اال�ستقالل ،ت�شعر املعار�ضة احلزبي���ة بقوتها وت�أثريها ح�ي�ن ترتبط باحلراك االجتماعي ،وت�ضعف حني تنقاد �إىل لعبة حتدد خ�سرانها �سلف ًا وفق قواعد انتخابية ُمعدّة لإِبطال املعار�ضة ،و�إق�صاءها عن حركة املجتمع. وال مندوح���ة من القول هنا ،ب����أن التناف�س احلزبي ال�سيا�سي يتدهور ،وتت�صاعد مظاهر مقاطعة االنتخابات وفق �شروط احلاكم يف عدة دول عربية. كل ذلك الأمر ي�ؤدي �إىل �سيادة �سيا�سة ا�ستقطاب حادة بني الأنظمة ال�شمولية واملعار�ض���ة ،ليربز يف خامتة املطاف ،حتالف جبهوي وا�س���ع ي�ضم كافة �أطياف الأح���زاب ال�سيا�سي���ة والفعاليات االجتماعي���ة وال�سيا�سية واملدني���ة ،لتقف على �صعي���د معار�ضة الأنظم���ة ال�شمولية .ويف هذا املقام ،نذه���ب �إىل القول ب�ضعف الأداء التنظيم���ي للأحزاب املن�ضوية يف حتالف املعار�ضة ،عالوة على ت�أرجحها ب�ي�ن التما�س���ك والتف���كك يف مواجه���ة متطلب���ات العم���ل ال�سيا�س���ي -ال�سلم���ي بتوجه ذاك التحالف – والدميقراط���ي .لكني ويف خامتة املطاف� ،أرج���ح القول ّ غالب��� ًا � -إىل موقع التما�سك م���ع احلراك االجتماعي ،ال���ذي ي�ؤكد غلبة مفهوم «الث���ورة املخملي���ة» على ع�صرنا الراه���ن ،والتي ت�ستهل يف مكوناته���ا الأ�سا�سية بثورة التفاو�ض حني ت�ضعف احتماالت �سقوط النخبة احلاكمة .وي�شتد �أوار وقوة ذاك التيار التحالفي -املعار�ض حني تربز يف الأفق احتماالت انتقال احلكم �إىل �آخر �ضمن الأقلية من النخب احلاكمة . و�أرى �أن مالم���ح االقتح���ام الق�سري للجماهري �إىل عر����ش احلكم غري ُمبالني ب�أنف�سه���م ليك�سب���وا حريته���م املدني���ة والإن�سانية عل���ى غرار ما ح���دث يف نهاية حقب���ة احلرب الباردة� ،سيتكرر – على الأرجح -يف بع�ض دول ال�شرق الأو�سط، م���ا مل يت�أجل ذل���ك امل�شهد لعوام���ل متعلقة مبرون���ة الأنظمة ال�شمولي���ة الراعية لدميقراطيتها النا�شئة . العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
165
مدار الأفكار
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
بال مواربة
م�أزق احلداثيني العرب: اللعب يف ح ّيز �سيا�سي «مت�صل»
الدور الرتكي
في�صل جلــول
�أعتق���د �أن �إخفاق التي���ارات الإيديولوجي���ة املذكورة يف �س�ؤالك���م يف الو�صول �إىل ال�سلطة بطرق �سلمية يف العامل العربي ناجم عن �أ�سباب مو�ضوعية م�ستقلة عن هذه التيارات و�أ�سباب ذاتية مت�صلة بتكوينها وطرائق عملها� .أما عن الإطار املو�ضوعي للإخف���اق فيمكن اخت�صاره ل�ضي���ق املكان يف طبيعة اللعب���ة ال�سيا�سية بني ال�سلطة واملعار�ض���ة يف بلدانن���ا والت���ي ال تتم يف حي���ز منف�صل عن الدولة و�إمن���ا يف متنها. علم ًا �أن االنف�صال عن الدولة هو �شرط التداول ال�سلمي لل�سلطة يف الدميقراطيات الغربي���ة والنا�شئة وحتى يكون بالإمكان االنف�صال عن الدولة ،ال بد �أن تكف الدولة ع���ن �أن تكون رب العمل الأك�ب�ر �أو احل�صري يف البالد ،و�أن تكون ال�سوق هي مركز ال�سلطة الفعلي كما هي احلال يف الغرب. �إن الذي���ن يتولون ال�سلطة يف الغرب ه���م الذين يخدمون ال�سوق وعالقات ال�سوق بطريق���ة �أف�ض���ل من مناف�سيهم ل���ذا عندما يخفق تيار يف خدم���ة ال�سوق وعالقاته يف دورة زمني���ة معينة يتقدم تي���ار �آخر خلدمته وي�ستفتى على �أف�ضليته يف �صناديق االقرتاع يف عملية تو�صف بدميقراطية ال�سوق وهي كما يوحي ا�سمها لي�ست طريق ًا نح���و املدينة الفا�ضل���ة ،و�إمنا نحو ال�سوق � -أما الدولة يف الغرب فهي توفر احلماية لل�س���وق وتعمل على تطوي���ره ،والالفت يف بلد كفرن�سا �أن���ه عندما يعاين ال�سوق من م�صاعب يت���م �إ�ضعاف الدولة مل�ساعدته التيارات الإيديولوجية كما يقع ه���ذه الأيام حيث مت اال�ستغناء احل��داث��ي��ة يف ال��ع��امل عن �آالف املوظف�ي�ن الر�سميني لتخفيف ال��ع��رب��ي �أخ��ف��ق��ت من �أعباء ال�سوق. �أم���ا الدول���ة يف عاملنا العربي فه���ي دولة �أمة ق��ب��ل ورمب���ا تخفق من كان عليه���ا �أن ت�ضطل���ع مب�ش���روع تاريخي يعيد بعد يف ت��ويل ال�سلطة للأمة جمدها وهذا هو معنى �شعار «�أمة عربية ب�سبب تكوين ال�سلطة واحدة ذات ر�سالة خالدة» .وهذه الدولة لي�ست يف دولنا ،وب�سبب عجز خا�ضع���ة للت���داول ،و�إمنا عليه���ا �أن تنفذ مهمة هذه التيارات يف توطني تاريخي���ة ،وقد و�ضعت يف �سي���اق نظام دويل ما الأفكار التي جاءتنا من ع���اد يتي���ح �أدوار ًا تاريخية للأمم و�إمن���ا �أدوار ًا الغرب تابع���ة وخا�ضعة .هكذا كان عل���ى الدولة عندنا �أن تعرت����ض الت���داول ال �أن ُت�سهِّ���ل �أمره لأن وظيفتها التاريخي���ة خمتلفة عن الدولة الغربية. يف ه���ذه ال�سياق ،كانت التي���ارات الإيديولوجية املذكورة يف ال�س�ؤال تعمل يف �إطار دول���ة ال تتيح لها وال تتيح لنف�سها تداو ًال لل�سلط���ة ،وكانت تقفل كل تداول �إىل احلد ال���ذي يدفع النا�س نحو خيارات التغيري بالق���وة عرب االنقالب الع�سكري �أو احلرب الأهلي���ة �أو االغتي���االت ال�سيا�سي���ة .ويف هذا ال�سياق ،نالح���ظ �أن جانب ًا من م�شكلة التي���ارات الإيديولوجية العربي���ة احلداثية ناجم عن كونها ق���وى �سيا�سية م�ؤدجلة بطريق���ة �سطحية ويف �سياق التبعية للتي���ارات الأم يف الغرب .يف املح�صلة جند �أن الغ���رب هو املحر�ض الأكرب على الت���داول ال�سلمي لل�سلطة ،ولي�س التكوين املجتمعي الأهل���ي املنف�صل عن الإيديولوجي���ات الغربية والذي ال يدي���ن بيومياته �إىل ال�سوق و�إمنا �إىل الدولة الأمة ذات الر�سالة اخلالدة. �أم���ا عن الظروف الذاتي���ة لإخفاق التيارات الإيديولوجي���ة العربية املعار�ضة فهو يف ظن���ي يكمن يف تعذر توطن الأفكار التي رفعتها تلك التيارات يف البيئة العربية،
“
166
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
املائدة امل�ستديرة
�سجــال
�آراء
وذل���ك بخالف غريه���ا من اجلماع���ات القومي���ة الأ�صلية التي جنح���ت يف توطني تل���ك الأف���كار الغربية ،والإف���ادة منها يف جتاربها اخلا�ص���ة ويف منط اندماجها يف العالقات الدولية. �إن �إلقاء نظرة على التجربة املارك�سية يتيح االنتباه �إىل توطني هذه الإيديولوجيا يف ال�ص�ي�ن ع�ب�ر املاوي���ة ،ويف رو�سي���ا ع�ب�ر اللينيني���ة ،ويف كوب���ا ع�ب�ر اجليفارية والبوليفارية ،وحتى يف كوريا و�ألبانيا عرب الكورية والألبانية ،ناهيك عن املارك�سية الأوروبي���ة الغربي���ة ،بيد �أننا مل نح���ظ يف عاملنا العربي مبارك�سي���ة عربية لذا ظلت املارك�سية عندنا هام�شية ،ومل يربز دور لل�شيوعيني هنا وهناك يف هذا البلد العربي �أو ذاك �إال يف ق�ضاي���ا قومية كال�صراع العرب���ي – الإ�سرائيلي ،و�أظن �أن املارك�سية غ�ي�ر املوطنة هي واحد م���ن �أ�سباب ف�شل جتربة اليم���ن الدميقراطي� ،إذ كان على الرفاق اجلنوبي�ي�ن املنت�صرين يف حرب حترر وطني �أن يطبقوا نظرية مارك�سية ال �سلطة لهم عليها و�إمنا ترجمها حرفي ًا ،و�أحيان ًا بطريقة �سيئة ،لبنانيون وم�صريون وعراقيون وتعاطوا معها بطريقة مقد�سة يف حني جتر�أ ماو ت�سي تونغ وقلب �أولويات املارك�سية من العمال �إىل الفالحني والريف لكي تتنا�سب مع ظروف بالده وثورته. لق���د ف�ش���ل تطبيق املارك�سية يف جن���وب اليمن لأنها مل توط���ن يف البيئة اليمنية، ولع���ل �أبرز دليل على �سوء توطينها هو بقاء ال���والءات ما قبل املارك�سية هي املحدد الأهم لتويل ال�سلطة وللتنازع حولها. وم���ا ي�ص���ح على املارك�سي���ة ي�صح عل���ى الليربالي���ة واال�شرتاكية ،وم���ا كان لهذه النظري���ات غري املوطنة �إال �أن تنتج نخب ًا �سيا�سية هام�شية كانت تتعر�ض غالب ًا �إىل ال�سج���ن والقم���ع وتلج�أ �إىل العمل ال�س���ري دون �أن تتمكن من ت���ويل زمام ال�سلطة. وم���ع انهيار احلرب الباردة ،وانت�شار مناخات احلري���ة على نطاق �أو�سع ف� ً ضال عن ث���ورة االت�صاالت ،الحظنا �أن التيارات الإيديولوجية املذكورة يف ال�س�ؤال بدا وك�أنها غري م�ستعدة وغري مهي�أة ال�ستقبال هذا احلدث ،فكان على �سبيل املثال ال احل�صر �أن تعامل جزء كبري م���ن املارك�سيني مع االحتالل الأمريكي للعراق ،وتعاطى التيار اللي�ب�رايل يف م�صر والعامل العربي مع الغ���رب بو�صفه حمالة التقدم والتحديث يف ح�ي�ن �صعد الإ�سالمي���ون ومعهم القومي���ون �إىل �صدارة امل�س���رح دون �أن يتمكن �أي م���ن الطرفني من تويل زمام الأمور ب�سبب تكوين ال�سلطة والدولة الأمة وال�سوق يف ف�ضائنا العربي. خال�صة القول �إن التيارات الإيديولوجية احلداثية يف العامل العربي حتتل موقع ًا هام�شي��� ًا يف خريطة القوى ال�سيا�سية يف بلداننا ،وهي �أخفقت من قبل ورمبا تخفق من بعد يف تويل ال�سلطة ب�سبب تكوين ال�سلطة يف دولنا ،وب�سبب عجز هذه التيارات يف توطني الأفكار التي جاءتنا من الغرب �أي من بيئة خمتلفة. في�صل جلول باحث لبناين مقيم يف باري�س.
�إنتهازي �أم مخُ لِّ�ص؟ كم���ا �أن �إيران -ج���ارة العرب ال�شيعية – ما فتئت تثري اللغط واجل���دل يف �سيا�ساتها الداخلية واخلارجية ال�سن ّية -وجارة الع���رب كذلك -تركيا واملتوثبة للعب دور �إقليمي وعاملي ودوره���ا الإقليمي مع ًا ،ف�إن جارتها ّ �أك�ث�ر ت�أث�ي�ر ًا بفعل تراك���م مقومات القوة لديها ب�شكل الف���ت م�ؤخر ًا� ،أخذت هي الأخ���رى تثري جد ًال مماث ًال، يقف فيه معظم العرب كالعادة موقف املُتف ّرج املُنف ِعل الذي يقول �أكرث مما يفعل .وال �شك يف �أن حالة الفراغ اال�سرتاتيج���ي التي تع���اين منها منطقتنا العربية �أخذت تغري القوى الإقليمية املجاورة -كما هو حال القوى الدولي���ة الك�ب�رى -باقتحام الفجوة القائم���ة والتحرك يف م�ساحاتها املت�شعبة ،بحث ًا ع���ن دور �إقليمي قيادي يعزز م�صاحلها الوطنية وامل�شروعة على �أية حال. لكن �إذا كان كثري من العرب � -أنظمة ونخب ًا -يظهرون ارتياب ًا �إزاء ال�سيا�سات الإقليمية الإيرانية ،ف�إنهم يب���دون مرتبكني �إزاء نظرتهم وتقييمهم لل���دور الرتكي البازغ يف �سماء هذا الف�ضاء اجليو�سرتاتيجي الفائق الأهمية .فبينما يقف البع�ض مبهور ًا بهذا الدور ،وم�أخوذ ًا ب�سيا�ساته الناعمة وظالله الإ�سالميةُ ،معت ِقد ًا �أن ال���دور الرتكي يقدم للع���رب فر�صة مواتية على طبق من ذهب ،ال�ستعادة توازنهم املفقود من خالل االعتماد على �شريك �إقليمي قوي ُيعتد بدوره اخلالق كثري ًا؛ جند البع�ض يبدون ت�شككهم يف �أ�س�س وم�ضامني التوجهات الرتكي���ة اجلديدة ،ويرون يف تركيا منوذج��� ًا �آخر للرباجماتية (�إن مل يكن االنتهازي���ة) ال�سيا�سية ،و�أنها لن تق���دم الكث�ي�ر للعرب التواقني لتج���اوز �ضعفهم وتخ ّبطهم عل���ى الأ�صعدة كافة من طري���ق االعتماد على قوة جارهم «الأنا�ضويل» ومنوذجه اجل ّذاب يف التخطيط اال�سرتاتيجي� ،سيا�سي ًا واقت�صادي ًا وح�ضاري ًا. يف «�سجال» هذا العدد ،نعر�ض كال الر�أيني املت�ضادين �إزاء الدور الرتكي ال�صاعد يف املنطقة ،ع ّلنا ن�سهم يف بل���ورة �ص���ورة �أكرث �شمولية للمو�ضوع املطروح ،ت�ساعدنا على اخلروج م���ن �إ�سار الثنائيات املعهودة ،والتي رج���ة يف زمن حافل باملتغريات ،ال عزاء فيه مل تنف���ك جدلياته���ا املت�ضاربة جتعلنا نراوح مكاننا مكتفني بال ُف َ تفرجني! لأمثالنا من املُ ِّ العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
167
مدار الأفكار
�سجـ ــال
ال تراهنـوا كثيـراً على الدورالرتكي عياد البطنيجي
ayyadalbutniji@hotmail.com
�أم�س ��ى ال ��دور الرتك ��ي مادة د�سمة للت ��داول يف عاملنا العرب ��ي� ،إذ ال تكاد تخل ��و �صحيفة �أو موقع �إلك�ت�روين م ��ن خ�ب�ر �أو مقال ع ��ن تركيا .فارتفع �سق ��ف توقع ��ات الع ��رب وازدادت �آمالهم ،وهي توقعات �أ�سرية �أوهام �أكرث مما هي تعبري عن الواقع الفعلي لقدرات تركيا .ونحن ال ندّعي ذلك اف�ت�راءً ،فيكف ��ي �إلقاء ال�ضوء على التعبريات امل�ستخدم ��ة يف و�صفهم للدور الرتكي حتى يتبني ذل ��ك (�سن�ش�ي�ر له ��ا الحقاً يف ه ��ذا املقال ،وملن يري ��د اال�ستزادة ميكنه مراجع ��ة مقالنا« :خطاب املثقفني العرب جتاه ال�صعود الرتكي» ،منرب احلرية ،حزيران/يونيو .) 2010 امتلك الدور الرتكي �صناعة الوهم بالفعل بع�ض النجاحات احلقيقية التي ال ميكن �إنكارها ،ومع ذل����ك ،يرتك����ب املراقبون �أخط����ا ًء يف فهم هذا ال����دور ،ويعود ذلك �إىل العديد من الأ�سباب� ،أبرزها: �أوالً :تعم����ل تركي����ا ،كما هي �إيران ،عل����ى ا�ستمالة بع�ض الكت����اب الع����رب؛ للرتوي����ج لدوره����ا ،وت�سويق����ه �إىل اجلمهور العرب����ي ،عن طريق امل����ال �أو بدعوتهم �إىل تركي����ا واالحتفاء به����م .وهك����ذا ،ي�صبح املطل����وب من الع����رب القب����ول املطلق برتكي����ا ،وت�سهيل مهمتها ،هكذا م����ن دون �شروط .و�أكرث من ذلك ،يدعو البع�����ض �إىل اال�ستثمار العربي يف الدور الرتكي؛ لأنن����ا كع����رب �ضعفاء غ��ي�ر قادرين عل����ى حماي����ة �أنف�سنا من �إ�سرائيل و�إيران ،فلي�س لنا �إال تركيا املخلّ�ص النهائي جلميع �أزماتن����ا؛ �إذ �ستدفع �إ�سرائيل �إىل عملي����ة ال�سالم مع العرب، و�سرت ِوّ�ض التمدد الإيراين وحتتويه. �أمام ه����ذا الت�صور ،ما ه����ي نتيجة الو�ساط����ة الرتكية بني �إ�سرائي����ل و�سورية؟ هل حققت �شيئا؟ مل����اذا مل ت�ستطع تركيا 168
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010 ،5 - 4168يوليو�/أكتوبر 2010 العددان
ا�سرتاتيجية
�أن ت�ضغط على �إ�سرائيل ،ودفعها �إىل القبول بعملية ال�سالم، لي�س م����ع العرب جميع ًا كما يذهب �صاحبن����ا ،و�إمنا يكفي مع �سوري����ة فقط؟! وملاذا افرت�ض �صاحبنا املبهور بالدور الرتكي �أن الأخ��ي�رة �ستعم����ل عل����ى احت����واء التمدد الإي����راين؟ ما هو املُ�ضمَ����ر هنا؟ �ألي�س من املحتمل �أن تتف����ق تركيا و�إيران على تق�سي����م النف����وذ بينهما يف ظ����ل غياب الدور العرب����ي؟! �ألي�س احتواء تركيا للتمدد الإيراين ي�ؤدي �إىل توتري العالقة الرتكية – الإيرانية ،وهذا يخالف مبد�أ املوازنة وت�صفري امل�شكالت، التي يراه����ن عليها �صاحبنا كثري ًا يف تقومي����ه للدور الرتكي! مل����اذا مت ال�سك����وت عن هذه اخليارات؟ وقب����ل ذلك ،هل يقبل ح����زب العدالة والتنمية (احلاكم يف تركي����ا) �أن يلعب دور ًا يف �سيا�ساته م����ن هذا النوع؟ فرتكيا لن تك����ون جزء ًا من موقف عرب����ي له طابع مذهبي �ضد النفوذ الإي����راين .هكذا تقت�ضي م�صلحة تركيا. ثاني��اً :يتحكم منظور عقدي �أو �أيديولوجي عند املحللني لل����دور الرتكي ،ف��ل�ا يقر�ؤون����ه �إال من خ��ل�ال �إيديولوجياتهم عياد البطنيجي باحث فل�سطيني يف العلوم ال�سيا�سية.
اجلغ����رايف يف �سيا�س����ة تركي����ا اخلارجي����ة؟ اخلا�ص����ة .هذا النوع من املحللني ال يرون حتى وهكذا مع باقي املحددات. �أنف�سهم �إال كاللون الذي و�ضعوه على �أعينهم، أعلنت � أن � منذ فينظرون �إىل الدور الرتكي باللون الذي يحب ض��ل�ا ع����ن ذلك ،ف�����إن وج����ه اخلط�أ يف ف� ً �أن ي����روه ب����ه .وهك����ذا ينع����زل ه�����ؤالء يف مغارة تركيا عن مرتكزات �سيا�ستها اخلارجية ،حتليل القوة الرتكية يتجلى يف �أمرين :الأول، �أن القوة ،كظاهرة �إن�سانية و�سيا�سية ب�شكل �شخ�صي����ة ،و�أحكامه����م املت�سرع����ة .ومن هنا ،انربى املحللون يف ي�صبح ال����دور الرتكي يرم����ي �إىل “الدفاع عن حتليل الدور الرتكي خا�ص ،تخ�ص الكيف ولي�س الكم .ومن هنا، �أهل ال�سنة �ض����د الأحالم ال�صفوية ال�شيعية”، ما هو نوع القوة التي متلكها تركيا؟ خُ ذ على من خالل هذه ويردون ال�سبب يف التغيري الذي حلق ال�سيا�سة املبادئ ،دون نقد �أو �سبي����ل املث����ال ال احل�صر نوعية الق����وة التي اخلارجي����ة �إىل “�صح����وة �ضم��ي�ر امل�سئول��ي�ن متحي�ص علمي لها ،حتوزها �إ�سرائيل ،فهي تتمتع بقدرات نوعية ومدى جديّة هذه الأتراك”. يف جمال املعلومات ،والتكنولوجيا ،والتقنية ال�صاخبة ال�شعارات الع�سكرية ،وال�صناعة والزراعة ،وتقدم يف وهك����ذا ،يُثبِت ال�شعب الرتك����ي ب�أنه “�شعبٌ ه����ذه املج����االت للعامل م����ا ال ت�ستطيع تركيا م����ن �أف�ض����ل �شع����وب امل�سلمني”؛ لأن����ه “�شعب تقدمي ج����زء منه ،وحتى تركي����ا تعتمد على يتمي����ز بحم َيّة �إ�سالمية عالي����ة ،وبرُوح �إميانية ضال عن ق����وة اللوبي اليهودي رائع ��ة” ،وبع����ودة تركيا “تع����ود اخلالفة” .ال نري����د �أن نُف ِنّد �إ�سرائي����ل يف بع�ض املجاالت .ف� ً ه����ذه الأ�سط����ورة التي ت�ص����ور تركي����ا كـ”قب�ض����اي �إقليمي” ،يف الع����امل ،وبخا�صة يف الواليات املتح����دة الأمريكية� ،إ�ضافة وك����دور �صالح الدي����ن الأيوبي يف التاري����خ الإ�سالمي ،وباعثة �إىل الدعم امل����ادي واملعنوي الغربي لإ�سرائيل وتعاطفه معها، ال����روح الإ�سالمي����ة من جدي����د ،و�أمل للخالف����ة ال�ضائعة؛ لأن وق����ارن ذل����ك برتكيا ،لندرك �أن القوة ه����ي يف النوع ولي�س يف اخلط����ل وا�ضح ب�شكل جل����ي للقارئ النبي����ه .ورغم �أن مالمح الكم فقط. ال�سيا�سة الرتكية م����ا زالت قي����د الت�شكل ،وق�سم����ات امل�شروع الأم����ر الثاين� ،أن القوة هي ظاهرة ن�سبية ،وبالتايل فنحن الرتك����ي مل تتبلور بعد ،بيد �أن ه�����ؤالء �أ�صدروا �أحكام ًا قطعية ال ن�ستطي����ع معرفة حقيقة قوة دولة ما �إال من خالل مقارنتها ويقيني����ة ،يف الوقت الذي تُبني القراءة الهادئة ل�سيا�سة تركيا بدول����ة �أخرى .فم����ن خ��ل�ال املقارنة نُق ِّي����م ونفه����م الأ�شياء، اخلارجية� ،أنها كانت دائم ًا حذرة ن�سبياً ،ومرتددة ،وممزقة ونع����رف حقيقة قوة كل دول����ة �أو الالعب ال�سيا�س����ي ،فقوة �أو ب��ي�ن ال�شرق والغرب ،وب��ي�ن العزلة واالندم����اج .وعليه ي�صبح �ضع����ف �أي الع����ب دويل مرتبطان بق����وة �أو �ضعف العب دويل م�شروع����اً ،واحلال����ة ه����ذه� ،أن نت�ش����كك يف ا�ستمرارية وثبات �آخ����ر .وهكذا نق����ول� :إن القوة ظاهرة ن�سبي����ة ،فقوة �أي العب �سيا�ستها جتاه املنطقة العربية. هي �ضعف لالعب الآخ����ر ،وبخا�صة �إذا كانت العالقة بينهما ثالث��اً :يقر�أ البع�����ض الدور الرتكي ب�أث����ر رجعي� ،إن جاز �صراعي����ة .وعلي����ه ،فرتكيا قوي����ة بالن�سبة ملن؟ م����ن امل�ؤكد �أن الق����ول .فبمج����رد �أن طرح����ت تركي����ا نف�سه����ا عل����ى ال�ساح����ة تنام����ي الدور الرتك����ي لن يكون على ح�ساب ال����دول القوية يف الإقليمي����ة ،ب����د�أوا بق����راءة الق����درات الرتكي����ة االقت�صادية ،املنطق����ة ،بل على ح�ساب الدول ال�ضعيفة ،ونق�صد هنا الدول واجليو�سيا�سية...ال����خ ،وتكييفه����ا مب����ا يتنا�س����ب م����ع ط����رح العربية. اخلا�ص����ة .بعبارة ّ م�شروعه����ا ،ومب����ا ين�سجم م����ع توجهاته����م رابع��اً :ع����دم الرب����ط والتمييز ب��ي�ن ال�ش����كل وامل�ضمون. �أخ����رى ،فب����د ًال م����ن قيا�����س حقيقي لق����وة تركي����ا؛ ملعرفة هل فمن����ذ �أن �أعلنت تركيا ع����ن مرتكزات �سيا�سته����ا اخلارجية، تتنا�س����ب هذه القوة مع امل�شروع الرتك����ي �أم ال؟ نقول بد ًال من ان��ب�رى املحلل����ون يف حتلي����ل ال����دور الرتك����ي من خ��ل�ال هذه ذلك ،يذهب املنبهرون بامل�شروع الرتكي� ،إىل تكييف قدراتها املب����ادئ ،دون نق����د �أو متحي�ص علمي لها ،وم����دى جديّة هذه وقوتها مع رغباتهم و�أهوائهم .وهكذا ،ت�صبح تركيا متلك من ال�شع����ارات ال�صاخبة ،ودون الت�سا�ؤل عن �أ�صول هذه املبادئ، القدرات ما ي�ؤهلها لإنفاذ م�شروعها .هكذا بكل ب�ساطة ،دون ومدى ق����درة تركيا عل����ى اال�ستمرار بها .وهك����ذا �شكلت هذه �أن يتح����دث �أحد ع����ن الكيفية التي ت�ؤثر فيه����ا هذه املحددات الكلي�شيه����ات �سلط ًة ا�ستطاع����ت �أن ت�أ�سِ ����ر البع�ض وتقحمهم ضال عن ذل����ك ،فبمجرد حت�سّ ن عل����ى ال����دور الرتكي! فمثالً ،كي����ف ي�ؤثر املح����دد اجلغرايف �أو يف ت�ص����ورات غري واقعية .ف� ً ال�سكاين يف الدور الرتكي؟ و�أين هي العالقة بني اجلغرافيا �أو العالقة التجارية بني تركيا و�سوريا ،ذهب البع�ض �إىل و�صف ال�س����كان والدور الرتكي؟ وكيف ت�ؤثر الكتلة ال�سكانية �أو املوقع ه����ذه العالق����ة بالعالق����ة الإ�سرتاتيجية والتحالفي����ة ،رغم �أن 2010 العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010 169
ا�سرتاتيجية
ا�سرتاتيجية
169
مدار الأفكار
�سجـ ــال
البلدين مل يحال �أي ًا من املع�ضالت البنيوية العالقة بينهما مثل الرتكي ،وكلها مهمة والبد �أن ت�أخذ حقها يف البحث والدرا�سة، ��ل�ا حا�سم ًا وراء ه����ذا التحول ،وهو ولك����ن الحظنا �أن ثمة عام ً احلدود واملياه. خام�س��اً :يغل����ب التحلي����ل املجت����ز�أ واالنتقائ����ي للظاه����رة ثم����رة للأحوال املكانية� ،أي حتت �ضغ����ط اجلغرافيا ال�سيا�سية الرتكي����ة ،دون ت�أم����ل تراب����ط الأ�شي����اء جميع����اً ،فال�ش����يء يتلو لرتكي����ا ،معطوف ًا على اع��ت�راف دويل بهذا التح����ول .والحظنا ال�ش����يء يف نظام مرتابط .وهكذا ،ف�����إن التحول الرتكي ما هو �أي�ض���� ًا �أن هذا العامل احلا�سم ي�ش����كل يف بع�ض الأحيان عامل �إال “�صح����وة �ضم��ي�ر امل�سئول��ي�ن الأت����راك”� ،أو ب�سب����ب التوجه �إعاق����ة للدور الرتكي .ويعترب البن����اء اجلغرايف لرتكيا ملتب�ساً، الإ�سالم����ي حلزب العدالة والتنمي����ة� ،أو ب�سبب ف�شل االن�ضمام فج����زء منه واقع يف �أوروبا والث����اين يف �آ�سيا ،وبالتايل فهو غري �إىل االحتاد الأوروب����ي ،دون �أن يتم الربط بني ت�أثري املتغريات حم����دد بطريق����ة نهائي����ة ،و�إن �شئنا الدق����ة فهو بن����ا ٌء تائ ٌه بني ضال عن ذلك ،ثمة �آ�سي����ا و�أوروب����ا .وحتي����ط برتكي����ا جمموعة من ال����دول العالقة الداخلي����ة واخلارجية على هذا التح����ول .ف� ً افتقار �إىل املعرفة الكاملة بالنظام ال�سيا�سي الرتكي ومراحل معها ترتاوح بني التع����اون وال�صراع .ويتميز البناء االجتماعي تط����وره .فمث ًال يُ�شاع خط�����أً �أن مبد�أي “املوازن����ة” و”امل�سالك الرتك����ي بتكوين عرقي ودين����ي ولغوي متعدد ،وتلع����ب العوامل املتع ��ددة” هما من اج��ت�راح (وزير اخلارجي����ة احلايل) �أحمد الإقليمية يف كثري من الأحيان على �إثارة م�شكالت جتاه التكوين داود �أوغل����و ،هكذا دون �ساب����ق �إنذار ،رغم �أن هذه املبادئ هي االجتماع����ي املتنوع .ومنذ انهي����ار االحت����اد ال�سوفيتي ،تبدلت امتداد طبيع����ي ،وت�أكيد لدور من قبله من ال�سيا�سيني الأتراك اجلغرافي����ا ال�سيا�سية لرتكي����ا ،فرتك الأثر الكب��ي�ر على تبدل �أمث����ال �سليمان دميريي����ل مثالً ،الرئي�س التا�س����ع لرتكيا ،الذي �سيا�ستها اخلارجية ،بغية تكييفها مع املتغريات اجليو�سيا�سية �أعل����ن يف الع����ام � 1976أن «بالده تف�ضل �إتب����اع �سيا�سة متعددة اجلديدة .وهكذا فعقد الت�سعينيات يعترب املقدمات ال�ضرورية اجلوان����ب بد ًال م����ن �أن تك����ون معتمدة على العالق����ات مع دولة لهذا “التحول اال�سرتاتيجي”. وكان م����ن نتائ����ج هذه التح����والت� ،أن فقدت تركي����ا �أهميتها ن�ص على �أن تركيا واحدة»� ،إ�ضافة �إىل بروتوكول ،1982الذي ّ الإ�سرتاتيجي����ة ،كقلع����ة �أطل�سي����ة ،يف مواجه����ة حد واحد �أبداً» .ويكرر «ل����ن تنتهج �سيا�سة ذات ٍ ّ التهدي����د ال�سوفيت����ي .وبالتايل يظه����ر جمدد ًا اليوم �أوغلو مرة �أخرى هذه املبادئ .وهذا ما هاج�����س اخل����وف م����ن تهمي�ش ال����دور الرتكي. يلفت ب�ش����كل وا�ضح �إىل �أنه لي�����س من ال�سهل تركيا يف موقع �إ�ضاف����ة �إىل بروز خم�س جمهوري����ات �سوفيتية حتقي����ق ه����ذه املب����ادئ� ،إذ بقي����ت ال�سيا�س����ة جيوبوليتكي غري م�سلمة ا�ستقلت ،هي ذات �أ�صول عرقية تركية، مريح ،ومثقل اخلارجية الرتكية “وحيدة البعد” �أو “وحيدة وحتت بالتناق�ضات؛ و�ضعت حتديات كربى �أم����ام ال�سيا�سة الرتكية االجت����اه” ومنح����ازة نح����و الغ����رب .ولكن من املالح����ظ �أنه يف الفرتة الأخ��ي�رة حدث تغيري �ضغط جريانها ،لذا جتاه �آ�سيا الو�سطى التي متثل مركز ًا �آ�سيوي ًا ذا على ذلك ،بيد �أن تركيا تواجه تعقيدات جتاه تتعدد اجتاهاتها، ت�أثري متوقع يف ال�سيا�سة العاملية للدول الكربى، �إنفاذه����ا .فهل ينجح �أوغل����و؟! وهذا ي�شي ب�أن وعليه ،يت�ضح �أن ض��ل�ا عن تناف�س دول عدي����دة على النفوذ يف ف� ً يلعب اجلوار الإقليمي تلك املنطقة يف طليعتها �إيران ورو�سيا و�إ�سرائيل ثم����ة عوائق مو�ضوعية تق����ف حجر عرثة �أمام دور ًا بالغ ًا جتاه �آمال و�أم��ي�ركا وباك�ستان ،بالإ�ضاف����ة �إىل الأطراف �إنفاذها. الأتراك التنموية البعيدة مثل الياب����ان وكوريا اجلنوبية .وهكذا �إنفاذ الدور الرتكي املُكبّل �أ�صبحت �آ�سي����ا الو�سطى ،دائ����رة جيوبوليتكية الدور الرتكي منوط بامتالك مقومات القيام يف غاي����ة الأهمي����ة ،و�ساح����ة مفتوح����ة للتجاذب ب����ه ،والقب����ول ب����ه داخلي���� ًا وخارجياً .يث����ار جدل ح����ول �أ�سباب الإقليم����ي وال����دويل .فالإمكاني����ات املتفوق����ة الت����ي متلكها هذه “التح����ول اال�سرتاتيج����ي” لرتكيا .امل�شكلة هن����ا �أن الباحثني ال����دول قد تكون عامل �إعاقة �أم����ام ال�سيا�سة الرتكية الكت�ساب الع����رب يذكرون متغريات عدي����دة� ،أو يركزون على دور وحيد ،النف����وذ� ،إذ قد تعج����ز الإمكانات الذاتية لرتكي����ا على مناف�سة يف�س����رون م����ن خالله����ا ه����ذا “التح����ول” ،دون ترتي����ب �أهمية هذه ال����دول .وبالت����ايل ف�إن جن����اح �سيا�ستها يف ه����ذه املنطقة املتغريات ح�س����ب وزنها الن�سبي ،حتى ميك����ن حتديد امل�ؤثرات مرهون بعدم ا�ستفزاز الدول التي لها م�صالح هناك. والأ�سباب للو�صول �إىل فهم وا�ضح ،ونتيجة تعي تلك املتغريات وعليه ،يتبني لنا �أن املوق����ع اجلغرايف املتميز لرتكيا ،والذي املختلفة وراء هذا “التحول”. يتغنّى ب����ه املراقبون ،رغم �أنه يُ�شكل رافعة لرتكيا ما يجعل لها هن����اك العدي����د م����ن العوام����ل الت����ي كان����ت وراء “التحول” مكان����ة جيو�سرتاتيجية ،بي����د �أنه يف الوقت ذات����ه فر�ض عليها 170
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010 ،5 - 4170يوليو�/أكتوبر 2010 العددان
ا�سرتاتيجية
قي����وداً .والأه����م م����ن كل ذلك ،هو ب����زوغ ال����روح الرو�سية من بوا�شنط����ن ،واال�ستمرار يف التحالف الغربي والعك�س �صحيح. جدي����د ،وعودته����ا كقوة دولي����ة ذات نفوذ ،م����ا يُعرّ�ض �سيا�سة وبالتايل ،ف�����إن العالقات الرتكية -الأمريكي����ة «كانت تتو�سع تركيا اخلارجية جتاه منطقة �آ�سيا الو�سطى للعرقلة والتحدي كلما وجد الطرفان �ضرورة لتو�سع مفهوم الأمن لي�شمل ق�ضايا ُذكّ����ر الأتراك بحقب����ة اخلط����ر ال�سوفيتي ،ال�سيا�س����ة واالقت�ص����اد والثقاف����ة» .ف�آ�سي����ا الو�سط����ى وال�شرق الرو�س����ي ،وه����ذا ي ِ ويح����ول دون تف����رّد �سيا�سة تركيا جتاه دائ����رة �آ�سيا الو�سطى .الأو�سط يُ�شكالن مناطق جيو�سيا�سية ،ال ي�سمح عمالقة القوة فرو�سيا قادرة على كبح التو�سع الرتكي يف حال امتلكت �أنقرة بالعبث بها .ويدرك الأتراك �أن معاجلة امل�شكالت االقت�صادية �إيديولوجيا تو�سعية �أو �إذا تعاطت مبنظور �إيديولوجي �إ�سالمي تتطلب م�ساعدة الدول الكربى ،وبخا�صة �أمريكا ،ومن خالل امل�ؤ�س�سات املالية الدولية. لتحد ما. �أو قوموي� ،أو عرّ�ضت م�صالح رو�سيا ٍ ّ وبخ�صو�����ص الدائ����رة اجلغرافية الأخ����رى واملهمة لرتكيا، بالتايل ،ف�إن حتقي����ق م�صالح تركيا وتلبية احتياجاتها من الطاقة قد تتعر�ض لتحديات ،وبخا�صة �أن تركيا �إحدى الدول �أي ال�ش����رق الأو�س����ط ،ف�إن الأخ��ي�ر يتميز باال�ستق����رار ،ويعد امل�ست����وردة للنفط والغاز ،وهي ال متلك �إال القليل من الو�سائل منطق����ة مهم����ة ا�سرتاتيجي���� ًا واقت�صادي����اً ،وجاذب����ة لل����دول اخلا�صة الالزمة لتحقي����ق م�صاحلها يف �آ�سيا الو�سطى وبحر الك��ب�رى التي ترتبط م�صاحلها احليوية بهذه املنطقة وتتعدد قزوي����ن؛ فنج����اح �سيا�ستها هن����ا يتوقف يف املق����ام الأول على م�صاحله����ا ،وال����دور الرتك����ي هن����ا مرتب����ط بع����دم ا�ستفزاز الدع����م ال�سيا�سي من قبل وا�شنطن ،وعدم ا�ستفزاز ال�سيا�سة م�صالح هذه الدول .فمن املالحظ مث ًال �أن تركيا ت�ؤكد يف كل الرو�سية ،واحلفاظ على �سيا�سة متوازنة .يفر�ض هذا النمط حتركاتها عل����ى �أن دورها لن يكون عل����ى ح�ساب �أحد ،مبعنى املعق����د واملت�شاب����ك من عالق����ات الطاقة عملي����ة موازنة بالغة �أن اجلغرافي����ا ال�سيا�سي����ة لل�شرق الأو�س����ط ،وتكالب م�صالح ضال عن وجود �إ�سرائيل القلعة الدق����ة م����ن جانب تركي����ا ،و�أال ت�أخذ �صفة الثنائي����ة ،بل �صفة الدول الكربى على املنطقة ،ف� ً التعددية على الأمن����اط ال�سيا�سية واالقت�صادية يف تفاعالتها الغربي����ة والالعب الرئي�س؛ كل ذل����ك يُك ِبّل من حرية احلركة الرتكي����ة ،ويكبحه����ا م����ن الذهاب بعي����د ًا عن مع الدول ذات ال�صلة بعالقات الطاقة ،ومت�سقة �سيا�سة الدول الكربى وبالتحديد وا�شنطن. مع امل�صالح ال�سيا�سية واالقت�صادية حللفائها الأمريكيني ،والأوروبيني .وهذا يتطلب القدرة جيوبوليتيك ال�شرق فم����ن املالحظ مث ًال �أن تركيا ظلت حري�صة على �أال مت�س تداعيات �أزمة �أ�سطول احلرية عل����ى االلتزام مبب����ادئ “املوازنة” و”امل�سالك الأو�سط يجعل من جوه����ر العالق����ات الإ�سرائيلي����ة – الرتكية. املتعددة”. �إمكانية �أن تكون ضال ع����ن االحتالل الأمريكي للعراق الذي وهكذا نفهم كيف اجرتح �أوغلو مقاربته حتت تركيا «ر�أ�س حربة» ف� ً ت�أثري ال����دور احلا�س����م للجغرافي����ا ال�سيا�سية .يف �سيا�سات ال�شرق دفع الأت����راك �إىل االهتمام بال�ش�أن العراقي �شك، فرتكيا يف موقع جيوبوليتكي غري مريح ،ومثقل �أو�سطية مو�ضع ملا يت�صل ذلك بو�ضع الأك����راد ،و�أزمة امللف بالتناق�ضات؛ وحتت �ضغط جريانها ،لذا تتعدد ويحد من قدرتها على النووي الإيراين .وهكذا يتبني لنا كيف لعبت �أن تلعب دور ًا اجلغرافيا ال�سيا�سية لرتكيا دور ًا حا�سم ًا يف اجتاهاتها .وعلي����ه ،يت�ضح �أن اجلوار الإقليمي جهود يف ا ً كبري اج��ت�راح املبادئ التي ي�س��ي�ر عليها �أوغلو يف يلعب دور ًا بالغ ًا جت����اه �آمال الأتراك التنموية، ال�سالم باملنطقة ت�سيري دفة ال�سيا�سة اخلارجية لبالده. مما يتطل����ب االنفتاح ال�سيا�س����ي واالقت�صادي وعليه ،ف�����إن جيوبوليتيك ال�شرق الأو�سط على ه����ذا اجلوار ال�ضاغط ،الذي ميثل جما ًال يجع����ل م����ن �إمكاني����ة �أن تك����ون تركي����ا “ر�أ�س حيوي���� ًا لنم����و عالقاته����ا االقت�صادي����ة ،وبخا�صة حرب ��ة” يف �سيا�سات ال�شرق �أو�سطي����ة مو�ضع �شك ،ويحد من جتاه املنطقة العربية و�إيران و�آ�سيا الو�سطى. وم����ن هن����ا يتبني م����دى �صعوبة و�ض����ع الأت����راك اجلغرايف ،قدرتها عل����ى �أن تلعب دور ًا كبري ًا يف جه����ود ال�سالم والتوفيق فرتكي����ا واقع����ة بني �سن����دان �آ�سي����ا الو�سطى ومطرق����ة ال�شرق ب��ي�ن الفل�سطينيني والإ�سرائيليني �أو بني �سوريا و�إ�سرائيل؛ لأن الأو�س����ط ،والرغبة يف االندم����اج بالغرب ،مما يخل����ق �شعور ًا ذل����ك يعتمد بالأ�سا�س على قبول ه����ذه الدول لدور تركيا �أكرث بوجود قدر كب��ي�ر من املخاطر لديها يفاق����م الإح�سا�س العام م����ن الق����درات الذاتية للأخ��ي�رة ،و�ستظل قا�ص����رة عن تغيري بال�ضي����ق وعدم االطمئنان ،يدفعه����ا �إىل اال�ستمرار بالروابط م�سار اجليوبوليتيك �سواء على �صعيد ال�شرق الأو�سط �أو �آ�سيا الدفاعي����ة مع وا�شنط����ن وحلفائها الغربيني م����ن خالل حلف الو�سط����ى .ومع ذلك تبقى تركيا مهم����ة لأنها الو�سيط الوحيد الناتو؛ لأنه كلما تعر�ضت تركيا لتحديات �أمنية زاد ارتباطها الذي ميتلك عالقات جيدة مع اجلميع. 2010 العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010 171
ا�سرتاتيجية
ا�سرتاتيجية
171
مدار الأفكار
�سجـ ــال
تركيا قوة مُ �سالمِ ةٌ يعتمد عليها �سقاف عمر ال�سقاف saqqaf@shebacss.com
م ��ع �صع ��ود ال ��دور الرتك ��ي يف منطق ��ة ال�شرق الأو�س ��ط وتعاظمه خ�ل�ال ال�سن ��وات القليلة املا�ضي ��ة ،وحتدي ��داً من ��ذ و�صول حزب العدالة والتنمية �إىل ال�سلط ��ة يف العام 2001ظهرت �أ�ص ��وات هن ��ا وهناك حتاول التقليل م ��ن هذا الدور والت�شكيك في ��ه� .إذ ترى هذه الأ�صوات ب� ��أن تركي ��ا ال تق ��ر�أ املتغ�ي�رات الإقليمي ��ة والدولي ��ة بال�شكل ال�صحي ��ح ،و�أنه م ��ن اخلط�أ �أن تعتق ��د �أنق ��رة ب�أن حتركاته ��ا ال�سيا�سية والدبلوما�سي ��ة البارزة م�ؤخراً ه ��ي انعكا�س لقوتها و�إمكاناته ��ا الذاتي ��ة ،فه ��ذه التحركات م ��ا هي �إال هام� ��ش حركة ب�سيط ت�سمح ب ��ه الواليات املتحدة وتوظفه خلدمة م�صاحلها و�أجندتها اخلا�صة يف املنطقة. وبح�س���ب ه����ؤالء ،ف�إن تركي���ا ما زال���ت دول���ة تفتقر �إىل الق���درات والإمكان���ات الت���ي ت�ؤهله���ا ملمار�س���ة دور �سيا�سي م�ستقل يف ال�ش���رق الأو�سط بعيد ًا عن الإطار العام املر�سوم من قبل الواليات املتحدة الأمريكية. وبالتايل على كل الذين يرفعون �سقف الرهان ،وخ�صو�ص ًا يف العاملني العربي والإ�سالمي� ،أن يراجعوا ح�ساباتهم ،و�أال يتوهموا ب����أن تركيا �ست�ضحي بعالقتها مع الغرب و�إ�سرائيل خدم���ة للق�ضايا العربية والإ�سالمية .وله�ؤالء نقول �أنتم من ال تق���ر�ؤون جيد ًا التط���ورات واملتغريات� ،س���وا ًء على �صعيد الداخ���ل الرتكي �أو على امل�ستويني الإقليمي والدويل؛ فرتكيا لديها اليوم من عوامل القوة ما ي�ؤهلها للعب دور �سيا�سي يف ال�شرق الأو�سط �أكرب مما هو عليه الآن. ويف ح���ال اتفقنا ب�أن قوة ال���دول وزيادة نفوذها وت�أثريها يف حميطه���ا اخلارج���ي ه���و جت�سي���د لقوته���ا ومتا�سكه���ا الداخلي ،وقدرتها على توظيف وا�ستغالل �إمكاناتها الذاتية �أح�س���ن ا�ستغ�ل�ال ،ف�إن تركي���ا ال تعتمد فق���ط على م�صادر قوته���ا الذاتي���ة ،و�إمن���ا ت�ستغ���ل �أي�ض��� ًا املتغ�ي�رات الإقليمية والدولية لتعزيز مكانتها وقوتها يف املنطقة .وبنظرة �سريعة على م�ص���ادر القوة التي متتلكها تركي���ا يف الوقت الراهن، 172
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010 ،5 - 4172يوليو�/أكتوبر 2010 العددان
ا�سرتاتيجية
�سنالحظ �أنه منذ و�صول حزب العدالة والتنمية �إىل ال�سلطة يف الع���امل 2002حدث���ت حتوالت مهمة عل���ى م�ستوى الدولة واملجتم���ع؛ فاحل���زب ا�ستطاع �أن يحق���ق املعادل���ة ال�صعبة الت���ي عجزت احلكوم���ات ال�سابقة وخ�صو�ص��� ًا ذات التوجه الإ�سالم���ي منها يف حتقيقها ط���وال العقود املا�ضية ،وتتمثل ه���ذه املعادل���ة يف قدرة هذا احل���زب ذو اخللفية الإ�سالمية م���ن احلكم لف�ت�رة طويلة ن�سبي��� ًا مع احلفاظ عل���ى م�ستوى معني من اال�ستق���رار ال�سيا�سي والأمني ,وذلك على العك�س من جتربة الأحزاب الإ�سالمي���ة ال�سابقة يف احلكم التي مل تتمكن م���ن �إدارة البالد وتنفيذ �سيا�سته���ا دون اال�صطدام ببع�ض القوى املجتمعية وم�ؤ�س�سات الدولة ،ال �سيما امل�ؤ�س�سة الع�سكرية التي وقفت باملر�صاد وانقلبت على كل احلكومات الإ�سالمي���ة و�آخرها حكومة حزب الرف���اه التي �شكلها جنم الدين �أربكان يف العام .1996 �أم���ا يف حال���ة حزب العدال���ة والتنمية فق���د متكن -حتى الآن على الأقل -م���ن تغيري قواعد اللعبة ال�سيا�سية وح�صر م�س�أل���ة ال�ص���راع على توجه���ات احلكم والدول���ة يف الإطار ال�سيا�س���ي والدميقراطي ،وتعامل مبرونة وا�ضحة مع القوى العلماني���ة وامل�ؤ�س�س���ة الع�سكري���ة املت�ش���ددة ,كم���ا راعى يف �سقاف عمر ال�سقاف باحث وكاتب من اليمن ،نائب مدير حترير «مدارات ا�سرتاتيجية» .واملقال ال يعرب بال�ضرورة عن ر�أي املجلة.
�سيا�ست���ة الداخلية واخلارجي���ة الثوابت التي جريانه���ا ،ب���ل ومتكن���ت من حتوي���ل بع�ض قامت عليها الدولة الرتكي���ة احلديثة ،ولكن عداواته���ا ال�سابق���ة �إىل عالق���ات �صداقة على تعتمد أنقرة � يف الوق���ت نف�سه مل يتجاه���ل حقائق التاريخ وتع���اون مثمرة كم���ا هو احلال م���ع �سورية القوة من مزيج واجلغرافيا وطبيعة التحوالت املجتمعية التي ال�صلبة والناعمة يف الآن .وق���د �أعطى هذا النه���ج يف ال�سيا�سة واكب���ت م�سرية الدولة الرتكي���ة طوال العقود �سيا�ستها اخلارجية ،اخلارجية م�صداقية كبرية لرتكيا وجعلها املا�ضية. وهذا ما �أعطاها ثقة حتظ���ى باحرتام اجلميع ،كما �أهلها للقيام واحل���ال �أن طريقة تعاطي ح���زب العدالة عالية بالنف�س و�أهلها بالعديد من الأدوار ال�سيا�سية التي عجزت والتنمي���ة يف �إدارة �ش����ؤون الدول���ة الرتكي���ة للقيام بدور �سيا�سي حت���ى بع����ض الق���وى العاملي���ة الك�ب�رى عن وال�سيا�سات املتبع���ة خلقت ا�ستقرار ًا �سيا�سي ًا بارز لي�س يف ال�شرق القيام بها. غري معهود ,وه���ذا اال�ستقرار الذي تتمتع به الأو�سط فقط و�إمنا وفيم���ا يخ����ص �سيا�س���ة تركي���ا جت���اه على م�ستوى العامل تركيا الآن يعد كلم���ة ال�سر التي مكنت تركيا منطق���ة ال�ش���رق الأو�س���ط وحتدي���د ًا جتاه من ا�ستثم���ار وتنمي���ة باقي م�ص���ادر قوتها, املنطق���ة العربي���ة ،ف����إن نظري���ة “العم���ق وعل���ى ر�أ�س ه���ذه امل�ص���ادر املوق���ع اجلغرايف اال�سرتاتيج���ي” التي ابتدعه���ا �أحمد داوود ال���ذي �أعطى تركيا �أهمي���ه �إ�سرتاتيجية فائق���ة وو�ضعها يف �أوغل���و هي التي حتكم توجه���ات ال�سيا�سة اخلارجية يف هذه قل���ب التفاع�ل�ات الإقليمي���ة والدولي���ة .فرتكي���ا بحكم هذا املنطق���ة ،ونظري���ة العم���ق اال�سرتاتيج���ي تعن���ى باملزاوجة املوق���ع تعت�ب�ر دولة �أوروبي���ة و�آ�سيوية يف نف����س الوقت ،وهي ب�ي�ن املكونني اجلغ���رايف والتاريخي لرتكي���ا ،و�أخذهما بعني دول���ة متو�سطية ,ولها �سواح���ل طويلة على البح���ر الأ�سود ,االعتب���ار �أثناء و�ض���ع وتنفيذ ال�سيا�س���ة اخلارجية .ومبا �أن كم���ا ت�شرف تركي���ا على �أهم املم���رات وامل�ضايق الدولية يف املنطق���ة العربية على �صلة وثيقة باملكونني ال�سيما التاريخي الب�سفور والدردنيل ,ولها �إطاللة فريدة على البلقان ,ف� ً ضال منهم���ا ،ف�إن احلكومة احلالية ذات اخللفية الإ�سالمية ترى عن متا�سها املبا�ش���ر مع العامل العربي عند حدودها الربية على ما يبدو �أن الفر�صة مواتية لإعادة متو�ضعها اجلغرايف م���ع ك ًال من العراق و�سورية ،وهي �أي�ض��� ًا قريبة من �أفريقيا وال�سيا�س���ي جت���اه م���ا ميك���ن و�صف���ه بعمقه���ا احل�ض���اري التي حتظى باهتمام كبري يف �سيا�سة تركيا اخلارجية .وكما والتاريخي يف ال�ش���رق الأو�سط ،وهي اليوم ترمي بكل ثقلها يقول وزير خارجية تركي���ا ومهند�س دبلوما�سيتها اجلديدة ال�سيا�سي واالقت�صادي من �أجل ممار�سة دور قوي وم�ؤثر يف �أحم���د داود �أوغل���و ،ف����إن تركيا دول���ة ذات هوي���ات �إقليمية ال�ش���رق الأو�سط مُ�ستغِلة حالة الف���راغ اال�سرتاتيجي الكبري متع���ددة ،وبالتايل ف�إن احلدي���ث عن كونها دولة طرفية تقع يف املنطقة جراء عجز الأنظمة العربية الر�سمية عن القيام على حافة العامل الإ�سالمي �أو الغربي �صار من املا�ضي. ب�أي دور حموري يف املنطقة ،وكذلك تعثرّ امل�شروع الأمريكي وعلى الرغم من �أن هذا املوقع ت�سبب بالكثري من املتاعب وف�شله يف حتقيق �أهدافه املر�سومة �سلفاً. والإ�شكالي���ات لرتكيا �أثناء احلرب الب���اردة ،بحكم موقعها م���ن جهة �أخ���رى ،ت���درك �أنق���ره �أن���ه كلم���ا زاد نفوذها كقاع���دة متقدم���ة للغ���رب يف مواجه���ة االحت���اد ال�سوفيتي وت�أثريه���ا يف منطقة ال�ش���رق الأو�سط ،كلم���ا زاد ح�ضورها �سابق���اً ,غري �أن تركيا يف ظل حكومة حزب العدالة والتنمية وتعززت مكانتها يف النظام العاملي اجلديد ،وبالتايل ت�سعى تعيد ق���راءة موقعها اجلغرايف من جدي���د ،وعلى �ضوء هذا تركي���ا م���ن خ�ل�ال انغما�سها وخو�ضه���ا يف �أزم���ات املنطقة الق���راءة اجلدي���دة ت�ض���ع اخلط���وط العري�ض���ة ل�سيا�سته���ا وق�ضاياه���ا الرئي�سية �إىل تو�صيل ر�سال���ة للأوروبيني الذين اخلارجي���ة التي ترتكز على مبد�أي���ن �أ�سا�سيني وهما “تعدد م���ا زالوا ميا طل���ون يف �ضمه���ا لالحتاد الأوروب���ي ،وكذلك امل�س���ارات وت�صفري امل�شكالت” ،ووفق هذي���ن املبد�أين ف�إن للأمريكي�ي�ن ب�أنه���ا قادرة عل���ى ممار�س���ة دور �سيا�سي قوي تركيا تقيم عالق���ات �سيا�سية مع جميع الفاعلني الإقليميني وم�ستق���ل يف املنطقة ،و�أنه م���ن ال�صعب مترير �أي �سيا�سات والدولي�ي�ن ،ويف نف����س الوقت ت�سعى �إىل ح���ل جميع امل�شاكل �أو م�شاري���ع يف ال�ش���رق الأو�سط مبعزل عنه���ا .ولعل من بني العالق���ة م���ع حميطه���ا الإقليم���ي ،وبالفع���ل جنح���ت تركيا �أه���م العوام���ل امل�ساع���دة على تغلغ���ل تركيا ب�سهول���ة وي�سر �إىل ح���د كبري يف ت�صفري معظ���م م�شكالته���ا ال�سيا�سية مع �إىل املنطق���ة هو امتالكها مل�صادر الق���وة الناعمة التي ت�شد 2010 العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010 173
ا�سرتاتيجية
ا�سرتاتيجية
173
مدار الأفكار
�سجـ ــال
الآخري���ن �إليه���ا ،وجتعله���م يقبلون طواعية بال���دور الرتكي ق���وة تركيا ال�صلبة فهو اجلي�ش الرتكي الذي يعد ثاين �أكرب بل وي�ستدعونه من �أج���ل حل العديد من �أزماتهم ال�سيا�سية جي�ش يف حلف �شم���ال الأطل�سي بعد اجلي�ش الأمريكي ،وهو والأمنية؛ فبالن�سبة للعرب ،فقد ارتفعت �أ�سهم تركيا �شعبي ًا ثامن �أك�ب�ر جي�ش عاملي ًا من حيث ع���دد اجلنود املو�ضوعني خ�صو�ص��� ًا بعد مواقفها ال�شجاعة �إزاء ال�سيا�سات العدوانية يف اخلدمة. الإ�سرائيلي���ة على ال�شعب الفل�سطين���ي ،ال�سيما بعد املجازر �إذن م���ن الوا�ض���ح �أن �أنقرة تعتمد عل���ى مزيج من القوة الت���ي ارتكبتها �إ�سرائي���ل �إبان اجتياحها لقط���اع غزة نهاية ال�صلبة والناعمة يف �سيا�ستها اخلارجية ،وهذا ما �أعطاها الع���ام .2008ور�سمي���اً ،نظ���رت بع����ض ال���دول العربية �إىل ثق���ة عالية بالنف�س تفتق���ر �إليها الكثري من دول الدور الرتكي ب�صفته معادل موازي للدور املنطق���ة و�أهله���ا للقي���ام ب���دور �سيا�سي بارز الإي���راين املت�صاعد يف املنطق���ة ،وكذلك لي����س يف ال�ش���رق الأو�س���ط فق���ط و�إمنا على م�شكلة البع�ض كو�سي���ط حماي���د ميكن االحت���كام �إليه يف يف املنطقة العربية م�ستوى العامل. حل بع�ض اخلالفات العربية -العربية. مع الدور الرتكي �إن ه���ذه الإطاللة ال�سريعة على دعائم قوة والواق���ع �أن تنام���ي ال�شع���ور القوي لدى ترجع �أ�سا�س ًا �إىل تركي���ا ال�صلب���ة والناعم���ة تعد مبثاب���ة برقية احلكومة وقطاع كبري م���ن ال�شعب الرتكي �إ�سقاطهم خلربات عاجل���ة ل���كل الذي���ن يقلل���ون م���ن ق���وة تركيا بالت�ضامن مع العاملني العربي والإ�سالمي ،املا�ضي على امل�ستقبل، ودوره���ا الإقليمي يف املنطق���ة ،وب�شكل �أو�ضح وعدم قدرتهم ووقوفه���م �إىل جان���ب ق�ضاياه���م العادل���ة للذي���ن يقارن���ون بني ق���وة تركي���ا و�إ�سرائيل، على ا�ستيعاب ال�سيم���ا الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة ،ق���د عززا املتغريات الإقليمية ومرة �أخرى نق���ول له�ؤالء �أنه ال يجوز املقارنة من ح�ض���ور تركي���ا و�ضاعف م���ن قدرتها والعاملية الأخرية ب����أي حال من الأح���وال ،وعل���ى �أي �شكلٍ كان ال�سيا�سي���ة عل���ى النف���اذ ب�سهول���ة وي�س���ر بني �إ�سرائيل وتركي���ا .واحلقيقة �أن مثل هذه �إىل املنطق���ة العربي���ة� .أما عل���ى ال�صعيد املقارن���ة فيه���ا ظل���م كب�ي�ر لإ�سرائي���ل ،فهي الغرب���ي ،ف����إن ق���وة تركي���ا الناعم���ة تتج�سد �أو ًال دول���ة م�صطنعة بينما تركيا دول���ة طبيعية ،وبينما عمر يف منوذجه���ا ال�سيا�س���ي الفري���د م���ن نوع���ه ،حيث جنحت �إ�سرائي���ل ال يتج���اوز ب�ضعة عقود ،ف�إن تركي���ا عمرها �آالف يف اجلمع ب�ي�ن الإ�س�ل�ام والدميقراطية ،وبرهن���ت للجميع ال�سن�ي�ن ،و�إ�سرائيل دولة �صغرية وحم���دودة امل�ساحة وعدد ب����أن الإ�سالميني لديه���م القدرة عل���ى �إدارة �ش�ؤون بالدهم �سكانه���ا ال يتعدى ال�ستة ماليني ن�سمة� ،أم���ا تركيا فتتجاوز و�إح���داث تنمي���ة حقيقي���ة يف جمتمعاته���م .وبالت���ايل ،ف�إن م�ساحتها الـ � 700ألف كيلو مرت مربع ،ويتجاوز عدد �سكانها الإ�س�ل�ام املعت���دل يف تركيا ي�شكل م�شروع��� ًا جذاب ًا بالن�سبة ال� �ـ 70ملي���ون ن�سم���ة .وبينما تعتم���د �إ�سرائيل عل���ى الدعم للغرب ميكن ت�سويقه يف العاملني العربي والإ�سالمي لرت�سيخ واملعونات الغربية ،جند �أن تركيا تعتمد على قدراتها الذاتية قيم احلداث���ة والدميقراطية يف منطق���ة �أ�صبحت “فري�سة الكامنة .و�إ�سرائي���ل -رغم الق�شرة الدميقراطية الظاهرة للتناحر ب�ي�ن الأ�صولي���ات والدكتاتوري���ات” بح�سب عبارة -دولة عن�صرية ،بينم���ا تركيا دولة دميقراطية .و�إ�سرائيل الباحث امل�صري م�صطفى اللباد. دولة عدوانية ولديها ع���داوات مع كل جريانها ،بينما تركيا بالإ�ضافة �إىل ذل���ك ،ف�إن قوة تركيا الناعمة تدعمها قوة دول���ة م�ساملة ،ولديه���ا حالي ًا �صداقات م���ع معظم جريانها، اقت�صادية وع�سكرية �صلب���ة ،فاالقت�صاد الرتكي يف غ�ضون و�إ�سرائي���ل تغلب قوته���ا املادية ب�أ�شواط قوته���ا املعنوية ،يف �سنوات قليل���ة �أ�صبح يحت���ل املرتبة اخلام�سة ع�ش���ر عاملياً ،ح�ي�ن متتلك تركيا القوتني املادية واملعنوي���ة معاً .و�إ�سرائيل وف���اق معدل النم���و االقت�صادي الـ 10%ه���ذا العام ،وارتفع بالرغم من كل القوة النارية التي ا�ستخدمتها – وال تزال - حجم اال�ستثمارات حالي��� ًا �إىل خم�سة �أ�ضعاف ما كان عليه مل حتقق �أهدافه���ا يف �إخ�ضاع املقاومة ال يف فل�سطني وال يف قبل �صع���ود حزب العدال���ة والتنمي���ة �إىل ال�سلطة ،وحت�سن لبن���ان وال يف املنطقة ،ويف املقابل ف�إن تركيا حتقق �أهدافها مع���دل الدخل الف���ردي للمواط���ن الرتكي م���ن 3300دوالر يف املنطق���ة ب���كل �سال�س���ة وهدوء .وبينم���ا تن�ش���ر �إ�سرائيل �إىل 10000دوالر ،كم���ا زاد الناجت القومي بني عامي - 2002احلرب يف كل مكان ،ف�إن تركيا ت�سعى ل�صنع ال�سالم يف كل 2008من 300مليار �إىل 750ملياراً� .أما الدعامة الثانية يف مكان .ومن ث���مّ ال جمال للمقارنة بني دولة كبرية لها تاريخ 174
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010 ،5 - 4174يوليو�/أكتوبر 2010 العددان
ا�سرتاتيجية
وح�ض���ارة مثل تركيا ،وكي���ان ع�سكري �صغري ي����ؤدي وظيفة على م�ست���وى ال�شعوب يف املنطقة العربي���ة وخارجها نتيجة م�ؤقتة يف املنطقة مثل �إ�سرائيل. لتنام���ي نزعة الهيمن���ة وال�سيط���رة يف �سيا�ستها اخلارجية، �أما بخ�صو�ص ت�شكيك البع�ض بالدبلوما�سية الرتكية من كل ذل���ك دف���ع بال�شع���وب احلي���ة واحلكوم���ات القوي���ة �إىل مدخل ال�س����ؤال عن ما الذي حققته يف و�ساطتها بني �سورية التم���رد على هذه الهيمنة وامل�ض���ي قدم ًا يف �سيا�سات تخدم و�إ�سرائيل ،ف�إن اجلواب بكل ب�ساطة هو �أن الو�ساطة الرتكية م�صاحله���م وم�صالح املنطق���ة بالدرج���ة الأوىل .ومن هنا مل تط���رح نف�سها على الآخرين ،بل �أن هذه الو�ساطة جاءت خطت تركيا لنف�سها مقارب���ة �سيا�سية و�أمنية جديدة بعيد ًا عن �سيا�سات وا�شنط���ن الكارثية ،وهي ترف�ض اليوم القيام بنا ًء على رغبة الطرف�ي�ن ال�سوري والإ�سرائيلي ب����أي دور ل�صال���ح وا�شنط���ن يف املنطق���ة يف ا�ضط�ل�اع تركي���ا به���ذا ال���دور ،ومبباركة وا�شنطن الت���ي مل تتمكن �إداراته���ا املتعاقبة خطت تركيا لنف�سها ال يتواف���ق ور�ؤيته���ا ال�سيا�سي���ة وال يخ���دم م�صاحله���ا الوطنية العليا ،وقد كان رف�ض من حتقي���ق اخ�ت�راق يذكر يف ه���ذا ال�صدد مقاربة �سيا�سية الربملان الرتكي لطلب الواليات املتحدة من و�أمنية جديدة على عك�س الو�ساطة الرتكية التي قربت كثري ًا بني وجهات نظ���ر الطرفني ،ومهّ���دت ملرحلة بعيد ًا عن �سيا�سات احلكوم���ة الرتكية بتق���دمي ت�سهيالت لغزو احل���وار املبا�ش���ر ،ولكن الهج���وم الإ�سرائيلي وا�شنطن الكارثية ،العراق يف العام 2003خري دليل على قدرة عل���ى قطاع غ���زة مطل���ع الع���ام املا�ضي جعل وهي ترف�ض اليوم تركي���ا على رف�ض �أي �سيا�س���ات ال تنا�سبها القيام ب�أي دور يف املنطقة .والواقع �أن تركيا لي�ست وحدها يف تركيا توقف و�ساطته���ا وتلقي مب�س�ؤولية ذلك ل�صالح وا�شنطن املنطقة ال يتوافق الت���ي ت�ستغل تراج���ع قوة ومكان���ه الواليات على عاتق �إ�سرائيل. املتحدة ،فهن���اك �إيران وكوري���ا ال�شمالية �أك�ث�ر م���ن ذل���ك ،ف����إن الإدارة الأمريكية ور�ؤيتها ال�سيا�سية وبع����ض دول �أم�ي�ركا الالتيني���ة كفنزويال ال ت�ستطي���ع الي���وم ح���ل الكثري م���ن امل�شاكل والربازي���ل؛ فجميعه���م لديه���م الق���درة وامللف���ات املنخرط���ة فيها مثل املل���ف النووي واجلر�أة عل���ى التمرد عل���ى �سيا�سة الهيمنة الإي���راين ،وم�س�ألة ال�س�ل�ام والت�سوية يف ال�ش���رق الأو�سط، وبع����ض امللفات العالقة يف �آ�سي���ا الو�سطى والقوقاز من دون والغطر�س���ة الأمريكية التي مل جتلب �س���وى الفو�ضى للعامل طلب امل�ساعدة من الدبلوما�سي���ة الرتكية التي تتمتع بالثقة كل���ه .ولكن يبقى الع���رب وحدهم م�صرين عل���ى �أن �أمريكا وامل�صداقي���ة العالية ل���دى الآخرين ،وبالت���ايل تفتح لها كل قوة ال تقهر ،وبالتايل على اخلنوع والتبعية لها! ختام��� ًا نق���ول ل���كل الكت���اب وال�سيا�سيني الع���رب الذين �أبواب العوا�صم العربية والأجنبية املو�صدة. واحلقيق���ة �أن م�شكل���ة البع����ض يف املنطق���ة العربي���ة مع يتجاهلون التحوالت الكربى اجلارية على امل�ستويني الداخلي ال���دور الرتكي ترجع �أ�سا�س ًا �إىل �إ�سقاطهم خلربات املا�ضي واخلارج���ي يف تركيا ،وك���ذا الت�شكيك امل�ستمر يف حتركاتها عل���ى امل�ستقب���ل ،وع���دم قدرتهم عل���ى ا�ستيع���اب املتغريات الدبلوما�سية ودورها ال�سيا�س���ي يف املنطقة ،والإ�صرار على الإقليمية والعاملي���ة الأخرية ،التي �ساهمت يف تبدل خريطة تبعيته للغرب ،دون قراءة فاح�صة للظروف املو�ضوعية التي الق���وى الدولية؛ فه����ؤالء مازالوا يبالغ���ون يف تقييمهم للقوة �صاحبت هذا التحول ،ودون فهم لال�ستجابة الذاتية وفق ما الأمريكي���ة ،وال يت�صورون ب�أن هناك قوى �إقليمية مثل تركيا تقت�ضي���ه م�صلحة تركيا الوطني���ة يف انتهاج �سيا�سة جديدة ت�ستطيع �أن متار�س دور ًا �سيا�سي ًا قوي ًا وم�ستق ًال يف املنطقة ،يف ال�ش���رق الأو�س���ط “تعيد الأم���ور �إىل طبيعته���ا” بح�سب فهم يعتقدون �أن حال تركيا و�إيران مث ًال كحال باقي النظم �إبراهيم قالن ،كبري م�ست�شاري رئي�س الوزراء الرتكي رجب العربي���ة التي ما تزال مُ�صرّة ب�أن �أمريكا هي القوة الوحيدة طيب �أردوغان؛ كل ذلك �سي�ساعد على تفويت فر�صة ذهبية القادرة على �إدارة �ش�ؤون العامل واملنطقة ،رغم تراجع قوتها و�ضعته���ا تركيا ب�ي�ن �أيدي العرب للعمل مع��� ًا وبناء عالقات ومكانته���ا ب�ش���كل وا�ضح خالل ال�سن���وات القليل���ة املا�ضية .تع���اون و�شراك���ة �إ�سرتاتيجية تخدم الطرف�ي�ن ،وتعمل على فعلى امل�ستوى الداخلي ،تعاين �أمريكا من م�شكلة اقت�صادية مواجه���ة التحدي���ات واملخاط���ر التي حتي���ق باملنطقة جراء حادة ،وخارجي ًا تتعر����ض الواليات املتحدة النتكا�سات قوية التدخ�ل�ات اخلارجي���ة وال�سيا�سات املته���ورة التي متار�سها يف كلٍ م���ن �أفغان�ست���ان والعراق ،وما ت���زال �أمريكا مكروهة القوى املتغطر�سة �إقليمي ًا ودولي ًا يف املنطقة. 2010 العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010 175
ا�سرتاتيجية
ا�سرتاتيجية
175
مدار الأفكار
بال مواربة �سجــال
املائدة امل�ستديرة �آراء
التناغم الزائف �إمعـان النظــر فـي مقــوالت
حممد الدعمي
maldaami@yahoo.com
�إذا كان املفك����رون قد تفننوا يف �إيجاد �أو ابتداع ت�سميات لع�صرنا ه����ذا ،ت�أ�سي�س ًا عل����ى �أهم ما برزت عربه م����ن ظواهر :من «ع�صر الفوالذ» �أو «ع�صر البال�ستيك» �إىل «ع�صر الطريان والف�ضاء»� ،أو من «ع�صر الذرة» �إىل «ع�ص����ر ال�سرعة» ،من بني ت�سميات �أخرى لها م����ا يربرها ويوا�شجه����ا بالذاكرة احلية ،ف�����إن الت�سمية الأكرث وقع ًا يف دواخ����ل النفو�س الواعية بالتن����وع واالختالف والتناق�ض، ه����ي ت�سمية «ع�صر احل����وارات»� ،إذ ابتكر ع�صرن����ا ،ب�سبب ما مر ذكره من تناق�ضات وتنوع ،جتاذب وتنافر� ،أنواع ًا من احلوارات: حوار ال�شمال/اجلنوب ،حوار ال�شرق/الغرب ،حوار الدول الغنية/ الدول الفق��ي�رة ،حوار الدول ال�صناعية وال����دول غري ال�صناعية، 176
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
من ب��ي�ن �أنواع �أخ����رى من احلوارات الت����ي �أماطت اللث����ام عن �أن احلوار الأ�سا�س هو «ح����وار احل�ضارات» ،ذلك احلوار الذي ي�ضم �أغلب التنوعات التي عينتها الت�سميات ال�سابقة .ومع هذا ،ومع ما يلم�س����ه املرء من اختالفات وتنوع ،ف�إن ل����ه �أن ي�س�أل :هل �أن حوار الثقاف����ات هو جمرد �أ�سطورة ال جمال لتبلورها على �أر�ض الواقع؟ �أم ان����ه حقيقة ينبغي �أن نفعّلها ون�شجعه����ا على �سبيل التو�صل �إىل �ص����ورة لع����امل متناغم« ،هارم����وين» ،ي�سري بان�سيابي����ة ولي�س على نغم����ة ال�صراع والت�صادم �أو ال�صدام ،عامل يربهن خط�أ ما ذهب �إليه �أح����د الفال�سفة عندما قال �أن «ال�شرق �شرق ،والغرب غرب، فهما ال يلتقيان». حممد الدعمي باحث و�أكادميي عراقي.
والفحولة املنت�صرة «احلـوار» و«التالقح» الثقافـي
ه����ذا مو�ض����وع مهم وطري����ف لأننا عندما نفرت�����ض وجود «حوار» ح�ض����ارات �أو ثقاف����ات ،ف�إنن����ا نفرت�ض �ضمن���� ًا كذلك وج����ود كينونتني قادرت��ي�ن على النط����ق ،ممثلتان من قب����ل «فئات حم����اورة»! ولكن هل ثم����ة �شيء كهذا يف الوجود؟ هل يوجد حمفل يجمع مفكري ال�شرق مع مفك����ري الغرب حيث ميكن �أن يتحاورا؟ ث����م من هم ه�ؤالء املفكرون؟ هل هم رجال ال�سيا�سة واحلكم؟ �أم �أنهم رجال القلم والفكر والثقافة؟ �أم �أنه����م رج����ال الدين ،م����ادام «�ص����دام احل�ضارات» ق����د اختزل �إىل االختالف بني «الإ�سالم اجلهادي وامل�سيحية ال�صليبية» ،هذه الأيام؟ ثم����ة فر�ضية للمرء �أن يقدمها للقارئ املهتم بهذا املو�ضوع (مت�أم ًال �أن ال ت�ستفزه) ،وهي فر�ضية تفيد ب�أن عنوان حوار احل�ضارات ال يزيد عن كون����ه �أ�سطورة متفائلة ترن����و �إىل ر�ؤيا فردو�سي����ة يوتوبية ال ميكن
�أن تتحق����ق .والأدل����ة كثرية على ذل����ك :فحيث تتوافر فر�����ص االلتقاء ب��ي�ن «ح�ضارتن����ا» و»ح�ضارته����م» عرب جت����ارب االحت��ل�ال واال�ستعمار والو�صايات واالنتدابات ،ثم جتارب خملفات ع�صر الكولونياليات من فرن�سا و�أملانيا وبريطاني����ا ،نقول حيث تتوافر مثل هذه الفر�ص ،تغيب معه����ا جميع �أر�ضيات التفاهم والت�سام����ح ،الأمر الذي يربر ما ن�شهده الي����وم يف �أوروبا م����ن ا�ستع�صاءات وعدم قدرة عل����ى التناغم و�إخفاق التنازل عن بع�ض ال�شكلي����ات ،وهي �شكليات ميكن �أن تقود العامل �إىل املزيد من االنق�سام والف�شل يف التناغم. كي����ف �إذن ،ميك����ن �أن نتكلم عن حوار احل�ض����ارات بعقالنية كافية: ه����ل نتب����ع خطى بع�����ض الكتّاب الع����رب الذين وجدوا يف وف����رة الرثوة النفطية لدينا �سبب ًا كافي ًا ال�ستدراج فال�سفة العامل الغربي �إىل طاولة العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
177
مدار الأفكار
�آراء
م�ستديرة :كي ننتقدهم وينتقدوننا �إىل �أن يتحقق «احلوار» منتهي ًا �إىل تبادل اللكم����ات والركالت زيادة على ال�سب����اب وال�شتائم؟ ذكر مفكر فرن�س����ي يف �سبعيني����ات القرن املا�ض����ي �أن وجود ال��ث�روة النفطية (�أو م��ا وراء «التالق��ح الثق��ايف» ل�س����ت �أدري ملاذا يوحي م�صطلح «التالق����ح الثقايف» للمرء بفكرة تناق�ض الفحولة الب��ت�رودوالر) لدى بع�ض دول ال�شرق الأو�س����ط ال ي�ؤهلها لأن جتال�سنا م����ع الأنوثة� ،أو بفك����رة ال����زواج باعتبارها «�إحتاد» ب��ي�ن كيانني ،الأول ثقافي ًا على نح����و ندّي ،باعتبار اختالف اخللفيات الفكرية والفل�سفية مذكر والثاين م�ؤن����ث لتكوين كيان جديد �أو كينونة جديدة ،هي مزيج والرتاثية التي جتعل ما ي�شغلنا اليوم (يف العامل ال�شرقي) من م�شاكل م����ن عنا�صر الأبوي����ن الأ�سا�س ،العائل����ة .بقيت هذه الفك����رة تراودين وعقد حالة م�ضحكة بالن�سبة للعقل الغربي الذي كان قد جتاوزها قبل لأوق����ات طويلة ،حتى �إذا ما �أت����اح يل تخ�ص�صي الأكادميي يف �أدبيات الث����ورة الفرن�سية! �إن م�شاك ًال وعقد ًا من نوع االختالط �أو احلريات �أو اال�ست�ش����راق ع����دد ًا م����ن النوافذ على تاري����خ �أمناط �سل����وك الثقافات مفاهي����م الدولة العلمانية والدين ،من ب��ي�ن �سواها من الق�ضايا كانت العاملي����ة ك����ي يت�أكد يل وج����ود �شيء من ه����ذا القبيل فعلي���� ًا عرب تاريخ مهم����ة للعقل الغرب����ي يف �سابق الدهور وه����ي الآن مو�ضوعات مطوية، الن����وع الآدمي (الحظ كتابي :اال�ست�شراق :اال�ستجابة الثقافية الغربية ج����زء ًا من تورخ����ة العقل الغرب����ي لنف�سه ،وهو العق����ل الذي متكن من للتاري����خ العربي الإ�سالمي .ب��ي�روت .2006 ،ط ،2008 2الف�صل الرابع جتاوزه����ا بطرائ����ق خمتلف����ة ،وبغ�ض النظر ع����ن ر�أينا فيه����ا ،ف�إنه قد «كوام����ن الرغب����ة بت�أنيث امل�شرق»����� ،ص �����ص � ،)109-85إذ ت�أكد مل�ؤرخ جتاوزه����ا ،بينما مل نزل قابعني يف زنزاناتها عرب العامل ال�شرقي حتى الأفكار �أن الثقافات هي الأخرى ميكن �أن ت�صنف على نحو «جن�سي»، اللحظة! �إذا ما �صح التعبري يف �سياق كهذا� ،أي باعتبار �سلوكها �إن كان عدائي ًا ثمة عقد �أخرى ال ميكن لفكرة حوار احل�ضارات �أن تتجاوزها ،وهي ا�ستفزازي ًا �أو �سكوني ًا ينتظر اال�ستفزاز! فكرة �إخفاق اللغة ،مبعنى غياب قناة الأخذ والرد بني العقلني ال�شرقي �إن الأدل����ة عل����ى وجود �أمن����اط �سلوك جن�سي����ة (فحولي����ة �أو �أنثوية) والغرب����ي ،باعتب����ار احل����وار هو عب����ارة ع����ن جمموعة م����ن املحفزات يف تواري����خ الثقاف����ات العاملية عدي����دة ومتوالية .وقد stimuliواال�ستجابات � .responsesإن تخيل جلو�س رجال جت�س����دت ه����ذه الظاهرة عل����ى نحو ال يقب����ل ال�شك فكر �شرقيني� ،سوية مع �أقران لهم من العامل الغربي على ثمة ثقافات عاملية ت�ستند هذه الأيام� ،أي يف ع�صر العوملة .ثمة ثقافات عاملية �سبيل احل����وار البد �أن تكون معقدة ب�سب����ب �إخفاق اللغة، �إىل م���ن���ج���زات ف��ك��ري��ة ت�ستن����د �إىل منج����زات فكري����ة وفل�سفي����ة وح�ضارية وكما فعل����ت الإدارة الأمريكية عندما كان����ت تعد التحاور وفل�سفية وح�ضارية وتقنية وتقني����ة عالي����ة متكنها م����ن ال�سلوك �سل����وك ًا فحولي ًا م����ع الفل�سطينيني نوع���� ًا من القبول باحل����وار مع الإرهاب عالية متكنها من ال�سلوك ا�ستفزازي���� ًا حي����ال ثقافات �أخرى تتمي����ز بال�سكونية يف �سبعيني����ات الق����رن املا�ض����ي� ،إذ ف�سر �أح����د املتحدثني �سلوك ًا فحولي ًا ا�ستفزازي ًا ح���ي���ال ث���ق���اف���ات �أخ�����رى وال�سلبية واالختباء خلف اخلم����ار خ�شية الآخر� ،إن الأم��ي�ركان هذا االمتناع بقوله �أنه����م (�أي الفل�سطينيني) تتميز بال�سكونيةوال�سلبية كان ج�سد ًا �أو �صوت ًا �أو حتى نظرة .هي ثقافات �أنثوية غ��ي�ر قادرين عل����ى “فهم لغتن����ا” .وبلف����ظ “لغتنا” ،هو واالخ��ت��ب��اء خ��ل��ف اخلمار ال فاعلة ،م�ستكينة ولكنها تنتظر الثقافات الذكورية ال يق�ص����د االخت��ل�اف ب��ي�ن العربي����ة والإنكليزي����ة (نحوي ًا خ�شية الآخر� ،إن كان ج�سد ًا الفاعل����ة ك����ي ت�ستفزه����ا ومن ث����م تفعّله����ا لت�ضطلع وداللي����اً) ،كما ميكن �أن يتوقع امل����رء ،و�إمنا االختالف �أو بدوره����ا التالقحي �أو التزاوجي �شب����ه البايولوجي. �أو �صوت ًا �أو حتى نظرة التناق�����ض يف امل�صطل����ح ويف املفاهي����م الت����ي ال ميكن �أن ه����ي عملي����ة �أ�شبه ما تك����ون بخرق احلي����وان املنوي تع����رّب �أو �أن ترتجم :العقل العربي الإ�سالمي يرتكن �إىل جدار البوي�ضة على �سبيل تلقيحها. بالغيات �أو خلفية مفهومية وا�صطالحية ال تتطابق �أو تتواءم ه����ذا ما ي�ش��ي�ر �إليه التاري����خ كذل����ك :فالثقافات املرتكن����ة �إىل �أمم م����ع اخللفي����ة املفهومية واال�صطالحي����ة التي يعتمده����ا العقل الغربي. ه����ذه تعقيدات ال ميكن �أن يتجاوزها �أك��ب�ر املرتجمني واملعربني �سوية قوية متتلك نا�صية التقدم العلم����ي والتقني ،الفقهي والع�سكري ،تتبع م����ع �أالف الهوام�����ش وال�شروح والإي�ضاحات :هي ت�شب����ه ما قاله �أ�ستاذ �أمناط���� ًا �سلوكية ا�ستفزازية «حتر�شية» ذكرية عندما ت�سنح لها فر�صة �أدب عربي يف جامع����ة �أمريكية ،عندما قال لتالميذه بتلذذ �أن العرب االحتكاك بالثقافات التي لي�س لديها ما يكفي للإرتكان �إليه� ،إن مادي ًا ي�سمون النار “فاكهة ال�شتاء”� ،إذ كانت اال�ستجابة �شديدة اال�ستغراب �أو اعتبارياً. و�إذا كانت اليوم الثقافات الغربية ت�سلك �سلوكيات فحولية «تع�سفية» وال��ب�رود� ،أو عندما قال لهم يف منا�سبة �أخرى�“ :أن اجلمل هو �سفينة ال�صح����راء” ،حتى هذه اال�ستعارات والت�شبيهات تنطوي على ذبذبات �أو ق�سري����ة حيال الثقافات ال�شرقية الت����ي بقيت �سكونية م�ؤنثة خمتبئة داللي����ة ال تقب����ل ولوج منافذ العقل الغربي الذي يج����د �صعوبة بالغة يف خلف «احلجاب» خ�شية اال�ستفزاز �أو جتنب ًا له (خا�صة يف �سياق ع�صر ا�ستقباله����ا وا�ستيعابه����ا ومن ث����م متثيلها على �سبي����ل تطوير جمموعة العومل����ة) ،ف�إن الثقافة الأمريكي����ة التي يحلو لنا هذه الأيام �أن ن�سفهها كامل����ة من املفاهيم والقيم واللغ����ة امل�شرتكة التي ميكن �أن تخدم قناة ونقلل من �ش�أنها �إمنا ت�ستقوي بخلفية ح�ضارية وتقنية وحتى ع�سكرية �أو ج�سر ًا لذلك احلوار املفرت�ض �أو املنتظر.
178
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
الثقاف��ات املرتكنة �إىل �أمم قوية متتلك نا�صي��ة التقدم العلمي والتقني، الفقهي والع�سك��ري ،تتبع �أمناط ًا �سلوكية ا�ستفزازية “حتر�شية” ذكرية عندم��ا ت�سنح لها فر�صة االحت��كاك بالثقافات التي لي���س لديها ما يكفي للإرتكان �إليه� ،إن مادي ًا �أو اعتباري ًا
متكنها من ا�ستفزاز الثقافات ال�شرقية درجة �إ�صابة بع�ض حاملي �ألوي����ة ه����ذه الثقافات برهاب خا�����ص ميكن �أن �أطل����ق عليه ت�سمية «فوبي����ا الثقافة الغربية �أو الأمريكية» .ومع هذا كله ،ف�إن االرجتاع �إىل تعب��ي�ر «الغزو الثقايف» بحد ذاته ي�ؤك����د وجود ثقافتني :الأوىل غازي����ة ،بينما تكون الثانية مغزوة �أو «م�سبية» .والثقافة الأمريكية اليوم ت�سلك �سلوكيات ذكرية �شديدة اال�ستفزاز للثقافات الأنثوية الراك����دة وامل�ستكين����ة لأنه����ا تبا�شرها م����ن حيث مواط����ن �ضعفها ونق����اط ركاكتها م����ن خالل �ص����ورة احلي����اة الأمريكي����ة وال�سيارة الأمريكي����ة والأطعم����ة ال�سريعة امل�سلفنة وغ����زو الف�ضاء اخلارجي والرق�ص عل����ى �أنغام «الراب» .هي ظواهر ثقافية �أمريكية ال ت�أتي فقط مع امل�سل�س��ل�ات املدبلجة �أو مع الوافدي����ن الأجانب ،بل ت�أتي عرب قنوات متنوعة ال ميكن لأحد �أن ي�سدها قط ،خا�صة يف ع�صر �شبك����ة املعلومات الدولي����ة والكومبيوتر حيث يك����ون �ضخ الثقافات الذكوري����ة الأكرث ا�ستفزاز ًا متوا� ً صال � 24ساعة يف اليوم و 365يوم ًا يف ال�سنة. علين����ا �أن ال ننزع����ج كثري ًا ونحن نراقب �أمن����اط �سلوك الثقافات امل�ش����ار �إليه����ا يف �أع��ل�اه ،ذل����ك �أن الع�ص����ر الو�سيط قد �شه����د �سطوة ثقافية/فحولية عربية �إ�سالمية اخرتقت جميع �أ�صقاع العامل القدمي، خا�ص����ة عرب �آ�سي����ا و�أفريقيا :ف�ص����ارت اللغة العربية ،كم����ا الإنكليزية اليوم ،لغة الثقافة ولغة البالطات والفنون واملخاطبات والعلوم ،بينما ت�صرفت ثقافات مهمة �أخرى على نحو �أنثوي «م�ست�سلم» «خنوع» �أمام ثقاف����ة العرب املرتكن����ة �إىل دين جدي����د م�شحون باحليوي����ة والثورية. الح����ظ كيف تخلت ثقافات �أق����دم و�أعمق من الثقافة العربية حتى عن ح����روف �أبجدياتها كي تعتمد الأحرف العربية بدي ًال منا�سباً .ح�صلت تالقح����ات ثقافي����ة �أو زيجات ثقافية يف املناط����ق ال�شا�سعة املمتدة بني ب��ل�اد الرافدي����ن والهن����د ،بل وب��ي�ن الرافدي����ن وال�صني �شق����اً ،وكانت الثقافة العربية هي الثقافة املتفوقة القادرة على «تلقيح» ثقافات بقت �سكونية خنوعة لقرون. علين����ا �أن ال ن�ستف����ز من مالحظة تورخة الأف����كار يف �أعاله :فهذه هي دورات التق����دم progressionوالرتاج����ع regressionالتي حتياها الأمم �سوي����ة م����ع ثقافاتها على نح����و دوري :الحظ املدي����ات الذكورية الت����ي تقم�صته����ا الثقاف����ة الإنكليزية والثقاف����ة الفرن�سي����ة يف الع�صر الذهب����ي للكولونياليات الأوروبية درجة �أن ثالث����ة �أرباع �أفريقيا تخلت ع����ن لغاته����ا الأم لتتعل����م الفرن�سية ،ودرج����ة �أن �شبه ق����ارة الهند كلها
ترك����ت لغاتها الأم املق����درة باملئات كي تعتمد الإنكليزي����ة ،والإنكليزية فق����ط قناة لالت�ص����ال والتوا�صل .مل يبقَ �إال �أن ن�ش��ي�ر �إىل تلك اللوعة الغي����ورة التي �أ�صابت �شاب ًا جزائري���� ًا وطني ًا بالآالم وهو يتل�ص�ص على جن����ود فرن�سيني وهم يتبادلون النظر �إىل �صورة �شابة جزائرية بديعة اجلم����ال ،كي ي�شع����ر هو ،يف دخيلت����ه ،بوط�أة ال�ضع����ف والهزمية �أمام ه�ؤالء ال�شُّ قر املدججني بال�سالح .وللمرء �أن ي�ستذكر كذلك ملاذا اتخذ اجل��ن�رال نابليون بونابرت من “فاطمة” ،ابنة ال�شيخ امل�صري ،خليلة ل����ه ليمار�س �سلطة الذكر على الأنثى عل����ى نحو رمزي مثل ممار�سات فرن�سا مع م�صر �آنذاك. �إذا كان “ح����وار الثقاف����ات” جم����رد �شعار طيب يراد ل����ه �أن يخدم �إط����ار ًا لنوع من التناغ����م ال�سيا�سي يف ع�صرنا امل�ضط����رب هذا؛ و�إذا كانت الثقافات غالب ًا م����ا تعك�س عنا�صر قوة فحولية ،وعنا�صر رخاوة �أنثوية عرب �أمناط �سلوكية تاريخية ال تبتعد كثري ًا عما �أوتيت كل ثقافة ب����ه من خلفيات ح�ضارية وتقنية وعملي����ة ،فان احلديث عن “�صراع” “�ص����دام ثقايف” يكون مقب����و ًال بحدود افرتا�ض ح����دوث “تفاعل” �أو ِ ولي�����س “حرب����اً” ب��ي�ن الثقاف����ات :الثقاف����ات الفتي����ة احليوي����ة حتاول ا�ستفزاز الثقافات ال�سكونية اخلنوعة؛ ثم ما تلبث الأوىل حتى حتاول �أن ت�ستدرجه����ا لإ�شباع رغباتها بـ”التالق����ح” الذي ميكن �أن يقود �إىل والدة ثقاف����ة “جدي ��دة” ه����ي مركب م����ن الثقافت��ي�ن املتالقحتني عرب ف�صول تاريخ النوع الآدمي. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
179
مدار الأفكار
�آراء
عندما نفرت�ض وجود «حوار» ح�ضارات �أو ثقافات ،ف�إننا نفرت�ض �ضمن ًا كذل��ك وج��ود كينونتني قادرتني عل��ى النطق ،ممثلتان م��ن قبل «فئات حماورة»! ولكن هل ثمة �شيء كهذا يف الوجود؟ هل يوجد حمفل يجمع مفكري ال�شرق مع مفكري الغرب حيث ميكن �أن يتحاورا؟
للم����رء �أن يتب��ي�ن اجل����دل �أع��ل�اه يف كل منا�سب����ة تاريخي����ة �شهدت اختالط���� ًا �أو تفاع ًال ثقافي ًا كبرياً .يقول �أبو الأدب الأمريكي ،وا�شنطن �إرفن����غ ،Irvingخ��ل�ال زيارته لإ�سباني����ا بدايات الق����رن التا�سع ع�شر: “عندما ت�سري عرب هذه الأرا�ضي ال�شا�سعة وترى الفالحني ،بيوتهم ودوابه����م ،ف�إن����ك ال متلك �إال �أن تتخيل ب�أن����ك يف و�سط مع�سكر جلي�ش �أم����وي م����ن العرب الآتني م����ن �أعماق اجلزيرة العربي����ة ،و�أنت يف قلب �إ�سباني����ا!” .هن����ا نالح����ظ �آث����ار العدائي����ة الذكوري����ة الت����ي ا�ضطلعت با�ستفزاز الثقافة الأوروبي����ة ال�سكونية الراكدة التي كانت �سائدة قبل فت����ح الأندل�س .عندما نق����ر�أ تاريخ الوجود الإ�سالم����ي يف �شبه جزيرة �إيربيا نالح����ظ �أن ال�سطوة والغلبة كانت من ن�صي����ب الثقافة العربية الإ�سالمي����ة الغازية ط����وال �أكرث من ثمانية قرون م����ن البقاء العربي/ الإ�سالمي هناك ،الأمر الذي قاد �إىل والدة ثقافة “�أندل�سية” جديدة: ال هي ثقافة عربية�/إ�سالمية باملعنى ال�صحيح ،وال هي ثقافة �أوروبية قوطي����ة مت�أ�صلة يف ما�ضي �إ�سباني����ا قبل جميء طارق بن زياد .وهكذا مل نزل نحن ،يف اجلامعات العربية ،ن�شعر بالتمايز �أو باالختالف بني ثقافة الأندل�س (يف ذروة تقدمها) وبني ثقافتنا (يف ع�صرها الذهبي ببغداد) ،بالرغم من الرغبة اجلاحمة لدينا ل�ضم الأوىل �إىل الثانية، �إال �أن����ه ال مهرب م����ن التمييز ،لذا يجد الباح����ث يف �أق�سام التاريخ يف اجلامعات العربي����ة تخ�ص�صات يف “التاريخ الأندل�سي” بو�صفه �شيئ ًا خمتلف ًا عن تاريخ الع����رب والإ�سالم العام؛ وكذلك جند متخ�ص�صني يف “الأدب الأندل�س����ي” لأن ما خط����ه ابن زيدون ،وما تغنت به الوالدة بنت امل�ستكفي ال ميكن �أن ي�صنفا يف �سلة واحدة مع ما خطّ ه ال�شريف الر�ض����ي وما قالته اخلن�س����اء .الآن تتبل����ور يف الدرا�سات اجلارية عرب عوا�ص����م الدول العربية ع��ب�ر �شمال �أفريقيا �أف����كار مهمة عن مدر�سة اجتماعية/تاريخية يقودها ابن خلدون ،و�أخرى فكرية/فل�سفية يرمز له����ا “ابن ر�ش����د” بو�صفهما حالتني مغاربيت��ي�ن متفردتني ال ميكن �أن تو�ضع����ا جنب ًا �إىل جنب مع اجلاحظ �أو مع الغزايل امل�شرقيني ،ناهيك ع����ن فكرة �أخرى �أكرث �أهمية وت�شكيلية يف ق����راءة تاريخ الأفكار ،وهي فكرة �أن كولومب�س (مكت�شف �أمريكا� /أو الأمريكي الأول) �إمنا انطلق 180
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
يف م�شروع����ه العظيم لإكمال دائرية الأر�ض ع��ب�ر الإبحار من �إ�سبانيا غرب���� ًا عرب املحيط الأطل�سي للو�ص����ول �إىل الهند ،فكرة �أن هذا الرجل ال����ذي قلب تاريخ الع����امل ،مل يكن �س����وى نتاج ت����زاوج ثقافتني :الأوىل �شرقي����ة ،عربية �إ�سالمي����ة (�سامية عرقياً) ،والثاني����ة ،غربية �أوروبية م�سيحية (�آرية عرقياً). وهك����ذا ميكن النظر �إىل م����ا نطلق عليه الي����وم “التالقح الثقايف” بو�صف����ه حقيقة حتدث عرب التاريخ يف منا�سبات معينة ،خا�صة عندما تق��ت�رب حاف����ات ثقافة معينة م����ن حافات ثقافة خمتلف����ة كي يكون يف ال�صدام �أو االحتكاك �شيئ ًا من التمازج والتفاعل .ويبدو �أن احلمالت ال�صليبي����ة كانت واح����دة من �أبرز الظواه����ر �أو املنا�سب����ات التاريخية الدال����ة على مثل هذه احلال “القالب����ة” لثقافات �أمم العامل� ،إذ ي�ؤكد امل�ؤرخ����ون �أن اجلن����د ال�صليبيون الذي����ن “طردته����م” �أوروبا باجتاه فل�سطني بق�صد ا�ستعادة ال�ضريح املقد�س (ا�سمياً) وبق�صد التخل�ص م����ن فائ�ض القوة املعار�ض (فعلي ًا وعملياً)� ،أن ه�ؤالء اجلند مل يعودوا �إىل �أوطانهم الأ�صل يف �أوروبا بـ”ال�شيء” و�إمنا عادوا حمملني ب�أنواع الب�ضائع والنتاجات الثقافي����ة التي قلبت �صورة احلياة يف �أوروبا فيما بع����د ،درجة �أنها ميكن �أن تكون ق����د �ساعدت على حدوث �أهم ثورة يف تاري����خ العامل الغرب����ي� ،أي الإ�صالح الدين����ي الربوت�ستانتي على �أيدي مارتن لوثر ،الرجل الذي د�شن ع�صرا النه�ضة والأنوار ليمهد الطريق لأوروبا احلديثة عل����ى طريق الثورتني العظمي��ي�ن التاليتني :الفرن�سية (باري�س) وال�صناعية (لندن). ل����ذا ميكن القول �إن الثقافات ،بغ�����ض النظر عن درجة ذكوريتها �أو انوثتها ،ال ميك����ن �أن تفنى ،ذلك �أنها غالب ًا ما ترتك �صفاتها الوراثية فيما ينتج عن تالقحها من ثقافات �أو ثقافة وليدة جديدة. وبر�أي����ي ،ف�إن واحدة من �أقوى جتارب التالقح الثقايف التي مرت به����ا ثقافتنا العربي����ة الإ�سالمية ق����د حدثت يف الع�ص����ر الذهبي لها، على �سنوات الر�شيد وامل�أم����ون ،حيث �ضمت هذه الثقافة �إىل ن�سيجها عنا�ص����ر فل�سف����ات �إغريقي����ة و�أعجمية �أخ����رى طارئة ،وه����ي عنا�صر خدم����ت يف حتوير الثقافة العربية الإ�سالمية وحتريرها بطرائق �شتى حت����ى تناهت �إىل الع�صر احلديث على نحو ثقافة خمتلفة عن الثقافة الأ�ص����ل الت����ي ب�شّ ر بها حمم����د (�ص) ،الأمر الذي ب����رر ظهور حركات التجدي����د والتنقي����ة puritanوالع����ودة �إىل ال�سل����ف ال�صال����ح ،وحترير ثقافتنا مما علق بها و�شابها عرب التاريخ من �أجنبي ودخيل وغريب.
�صدر حديث ًا يف �سل�سلة درا�سات اجتماعية
الآلية ال�شرعية فـي مكافحة الف�ساد
حممد غالب ال�شرعبي
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
181
مدار الأفكار بال مواربة
املائدة امل�ستديرة
�سجال
�آراء
ِ�صدَ ام الأوهام
م�س�ألتا الإمامة واخلالفة وجمود العقل العربي �أحمد عبدالكرمي �سيف director@shebacss.com
ال تكتف���ي القوى امل�سيطرة بالتحدث با�س���م اجلماهري ،بل متتد لت�سيطر عل���ى طرق التفك�ي�ر لتلغي اجلمع وتفكر بالنيابة عن���ه ،وبالتايل لتنتج له م���ا عليه اعتقاده ،كما قال هيجل نق�ل�اً عن مارك�س “ال يزال امليت �آخذ ًا بتالبي���ب احلي” .وهك���ذا يتم اال�ستي�ل�اء على املا�ضي وال�ت�راث و�إعادة �إنتاج���ه ليحمل طموح���ات وم�صالح الفئ���ات امل�سيطرة ،فئوي���ة و�ساللية و�سيا�سي���ة .ومن �أهم م���ا اختلفت علي���ه الأمة منذ وف���اة الر�سول (عليه ال�ص�ل�اة وال�سالم) وحتى الي���وم الإمامة واخلالف���ة� ،أي �سلطتي الن�ص الديني واحلكم ال�سيا�سي. �إن الإمامة من امل�سائل الكبرية التي بحثها علماء �أ�صول الدين يف كتبهم صال من �أ�صول الدين �أو فرعاً، عل���ى اختالف مذاهبهم ،على اعتبارها �أ� ً �أي ه���ل يكتم���ل �إميان الإن�س���ان من دونه���ا� ،أو �إنها ج���زء �أ�صيل ال ي�صح الإمي���ان �إال ب���ه .وبحثوا يف فائدته���ا للجن�س الب�ش���ري ،وغايتها ،وطريق الو�ص���ول �إليها .وم���ع اختالفاتهم يف تلك املباح���ث� ،إال �إنهم اتفقوا على �أهميتها بغ�ض النظر عن اعتبار موقعها .وتركز اخلالف ،مع وجود �آراء �أخرى لفرق غريها ،على الإمامة بني �أهل ال�سنة وال�شيعة الإمامية الإثني ع�شري���ة ،لأن فهم حقيق���ة االختالف بني هذين الفريق�ي�ن ي�صبح �أ�سهل عند تو�ضيح الأمر عندهما. وال ب��� َّد لن���ا �أن ننب���ه �أن هن���اك ا�صطالح�ي�ن ي�ستعمالن يف ه���ذا املقام، الأول اخلالف���ة ،والث���اين الإمامة ،ف�أهل ال�سنة ال ي���رون اختالف ًا بينهما، وي�ستعمل���ون �أحدهما حم���لَّ الآخر ،و�أم���ا ال�شيعة فيفرق���ون بينهما ،كما �سنو�ضح الحقاً .فعند ال�سنة ،عرَّف الإمام التفتازاين يف “�شرح العقائد” اخلالف���ة ،فقال“ :نيابة ع���ن الر�سول يف �إقامة الدي���ن بحيث يجب على كافة الأمم الإتباع” .فاخلالفة �إذن حم�صورة يف كونها نيابة لر�سول اهلل �صل���ى اهلل عليه و�سلم ،يف �إقام���ة الدين ،ولي�ست ا�ستئناف ًا للنبوة ،وال هي من جن�س النبوة ،كما هي عند ال�شيعة .فاخلليفة مهمته تطبيق ال�شريعة الإ�سالمية التي �أنزله���ا اهلل تعاىل على ر�سوله الكرمي .ومن هنا مبا �أنها تطبي���ق لل�شريعة ،ف�ل�ا حاجة �إذن لك���ون اخلليفة مع�صوم���اً ،كما يدعي ال�شيعة ،لأن تطبيق ال�شريعة ممكن بح�سب الطاقة الب�شرية ،وال ي�شرتط 182
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
يف الطاقة الب�شرية كونها مع�صومة ،بل الأ�صل كونها لي�ست مع�صومة. �أما ال�شيعة فيقولون بخالف���ة الأئمة الثالثة دون �إمامتهم “ونفهم متاما مل يزع���م ال�شيعة الفرق ب�ي�ن الإمامة واخلالفة ،فهم ال يعرتفون للخلفاء الثالثة الأوائل� ،أبو بكر ال�صديق ،وعمر بن اخلطاب ،وعثمان بن عفان، ر�ضي اهلل تعاىل عنهم ،ال يعرتفون له�ؤالء بالإمامة ،بل رمبا ين�سبون لهم اخلالفة فقط .وذلك لأنهم يقولون ب�أن الإمام خليفة عن النبي من حيث هو نبي ،فالإمامة من جن�س النبوة عندهم ،ال فرق بني النبي والإمام �إال من جهة �أن الإمام غري النبي ال يوحى �إليه� ،أو ال تنزل �إليه ر�سالة و�شريعة جديدة ،وي�شرتك مع النبوة فيما �سوى ذلك ،ولذلك ي�شرتطون يف الإمام ما ي�شرتطون يف النبي م���ن الع�صمة والن�صِّ وغري ذلك .فمفهوم الإمام عند ال�شيعة مغاير متاما ملفهوم الإمام عند �أهل ال�سنة. قال ال�سيد حم�سن اخلرازي يف “�شرحه على عقائد املظفر” (�ص:)275 “وال يذهب عليك �أن جمهور العامة ف�سروها مبا اعتقدوها يف الإمامة من اخلالفة الظاهرية والإمارة ،وقالوا �إن الإمامة عند الأ�شاعرة هي خالفة الر�س���ول يف �إقامة الدين وحفظ حوزة امللة بحيث يجب �إتباعه على كافة الأم���ة ،وم���ن املعلوم �أن مراده���م منها هي اخلالف���ة الظاهرية التي هي �إقامة غري النبي مكانه يف �إقامة العدل وحفظ املجتمع الإ�سالمي ،ولو مل ين�صبه النبي للخالفة ب�إذنه تعاىل”. هذا عن مفه���وم م�صطلح الإمامة عند ال�شيع���ة ،و�أما عن تعريفها ،فقد قال اخل���رازي يف ����ص“ :276الإمامة عن���د ال�شيعة هي اخلالف���ة الكلية الإلهي���ة التي من �آثارها واليتهم الت�شريعي���ة التي منها الإمارة واخلالفة الظاهرية لأن ارتقاء الإمام �إىل املقامات الإلهية املعنوية يوجب �أن يكون زعيم��� ًا �سيا�سي��� ًا لإدارة املجتمع الإ�سالم���ي �أي�ضا ،فالإمام ه���و الإن�سان الكام���ل الإلهي العامل بجميع ما يحتاج �إلي���ه النا�س يف تعيني م�صاحلهم وم�ضاره���م ،الأم�ي�ن عل���ى �أح���كام اهلل تع���اىل و�أ�س���راره ،املع�ص���وم من الذن���وب واخلطايا ،املرتبط باملبد�أ الأعل���ى ،ال�صراط امل�ستقيم ،احلجة عل���ى عب���اده ،املفرت����ض طاعته الالئ���ق لإقتداء الع���ام ب���ه والتبعية عنه احلاف���ظ لدين اهلل ،املرجع العلمي حلل املع�ضالت واالختالفات وتف�سري �أحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير ،واملدير التنفيذي ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.
املجمالت ،الزعيم ال�سيا�سي واالجتماعي ،الهادي للنفو�س �إىل درجاتها الالئق���ة بهم من الكم���االت املعنوي���ة الو�سيط يف نيل الفي����ض من املبد�أ الأعلى �إىل اخللق ،وغري ذلك من �ش�ؤون الإمامة” .وكما ترى ف�إن الإمام عنده���م مع�ص���وم �أي�ضاً ،وعامل بالعل���م ال�شامل ،والتحقي���ق �أنه عندهم ع���امل بالكليات واجلزئيات ،لأن الإمام خليفة اهلل تعاىل ولذلك ي�صفونه بالإلهي. والإمام يق���وم مقام النبي يف كل �صفاته ما عدا كونه نبياً ،قال اخلرازي (يف ����ص“ :)278وهكذا فالإمام يقوم مق���ام النبي يف جميع �صفاته عدا كون���ه نبياً ،وباجلملة فالأئمة هم والة �أمر اهلل وخزنة علم اهلل ،وتراجمه وح���ي اهلل واحلجج البالغ���ة على اخللق وخلفاء اهلل يف �أر�ضه و�أبواب اهلل ع َّز وج َّل التي ي�ؤتى منها ،فهذه منزلة عظيمة ال ينالها النا�س بعقولهم �أو �آرائه���م” .وبناء على هذا الت�ص���ور ،ي�ستحيل �أن ال تكون الإمامة عندهم من �أ�صول الدين ،ولذلك قال اخلرازي (يف �ص“ :)282فما �أوجب �إدراج النب���وة يف �أ�صول الدي���ن �أوجب �إدراج الإمامة باملعن���ى املذكور فيها ،و�إال ف�ل�ا وجه لإدراج النبوة فيه���ا �أي�ضا” .وبناء على ذلك ،فال �إ�سالم ملن مل يعرف الإمامة. وبعي���د ًا عن الطائفتني (ال�سنة وال�شيعة) ،ف�إن الإمامة من حيث هي فعل �إن�س���اين ،عبارة عن �إدارة �ش�ؤون اخللق العام���ة ،باال�ستناد على الأحكام ال�شرعي���ة املتعلقة بتلك الأمور .فالإمامة �إذن ،ي�شرتط فيها جهاز كامل، ال �شخ�ص واحد ،ولكن ال بد �أن يكون لهذا اجلهاز رئي�س م�سئول ،ل�ضمان ع���دم اختالل الأحوال وتن���ازع الأطراف ،وبعد هذا ال يه���م ما �أ�سميتها: �إمامة �أم حكم ًا �أم رئا�سة �أم �أي �شيء �آخر. �إنَّ �أوَّلَ �أَمْ ���رٍ يج���ب تقري���ره والت�سليم ب���ه ،هو �أن قي���ادة الأمة (اجلماعة الب�شري���ة) �ضروري���ة للجن����س الب�ش���ري� ،أي �إنها الزمة لو�ص���ول اجلن�س الب�شري �إىل غايته من اال�ستقرار واحل�صول على الأمان وال�سعادة بح�سب الإمكان الب�شري .فاالحتياج �إىل القيادة �أمر وا�ضح ،لأن املنازعات تتكاثر ب�ي�ن النا����س ،والو�سيلة الأكرب حلل هذه الإ�ش���كاالت واحلد من التعديات الواقع���ة بني النا�س ،ه���و تنظيم قيادة الأمة .فه���ي �إذن من ناحية العقل
ع���دم وجوده ،ولكن ال يخفى �إن احلكم العقلي بالوجوب العملي ،ال ينايف م���ا قلناه �سابقا من احلكم عليها باجل���واز العقلي ،من الناحية املح�ضة. فيتبني لنا �إذن �أن احلكم العقلي على الإمامة هو اجلواز ،ال الوجوب. توظي��ف ال�سلط��ة الدنيوي��ة للدي��ن يف التاري��خ الإ�سالم��ي ه���ذه امل�س�أل���ة لي�س���ت عقلية جمردة ال واق���ع لها ،بل لها واق���ع ولها ت�أثري يف ه���ذا الواق���ع! ب���ل ن�ستطي���ع �أن نقول �إنه���ا ت�شكل جانب���ا مهما جدا يف حي���اة وتاريخ �أيّ �أمة من الأمم يف الع�ص���ور القدمية واحلديثة حتى هذا الزم���ان .فالإن�س���ان واقع بح�سب الت�صور الإ�سالم���ي بني طرفني ،الأول: الدنيا ،والثاين :الآخ���رة ،وم�صريه يتحدد بح�سب عمله ،وعمله يجب �أن يك���ون متقيدا في���ه بالأحكام ال�شرعي���ة ،والعمل الواق���ع يف الدنيا �إما �أن يك���ون مق�صودا في���ه �صالح الدني���ا �أو �صالح الآخ���رة� ،أي �صالح �أحوال الإن�سان يف �آخرته. وق���د ف�ص���ل العلماء يف ال�صف���ات التي يجب حتققه���ا يف الإمام ،ولكنهم م���ا اهتموا بذل���ك �إال خلطورة ه���ذا املن�صب وعظيم �أث���ره ،فالذي يقوم علي���ه يجب �أن يكون متميزا ومنا�سبا ل���ه ،و�إال ترتبت العديد من املفا�سد عل���ى النا�س يف دينهم ودنياهم .وقد خل�ص الإم���ام الرازي الطرق التي ميكن �أن ي�صري بها الإم���ام �إماما ،وذلك بح�سب ما افرتقت عليه الفرق الن�ص م���نَ اهلل تعاىل ور�سوله الإ�سالمي���ة فق���ال“ :اتفقت الأمة على �أنَّ َّ عل���ى �شخ�ص بالإمامة �سببٌ م�ستقل ل�صريورته �إماما ،لكنهم اختلفوا يف �أن���ه هل ي�ص�ي�ر �إماما بطريق �آخ���ر �سوى هذا التن�صي����ص �أم ال؟ فقالت الزيدي���ة� :إنَّ الفاطم���ي �إذا كان عامل���ا زاه���دا وخرج بال�سي���ف ودعا �إىل نف�س���ه بالإمامة �صار �إماما .وق���ال الأ�شاعرة واملعتزلة :عق ُد البيعة �سبب حل�صول الإمامة ،والإثنا ع�شرية �أنكروا ذلك” .فيفهم من ذلك �أن الأمة ن�ص من ال�شارع يقول فيه� :إن فالن ًا من النا�س �أجمعت على �أنه �إذا وجد ٌّ هو الإمام ،لكان هذا الطريق �سائغ ًا ومقبوالً ،وتثبت به �إمامة املن�صو�ص عليه ،وال ميكن اخلالف بني امل�سلمني يف هذا الطريق. ووا�ضح �أن ما قالته الزيدية من وجوب كون الإمام من ن�سل فاطمة الزهراء
العق��ل العرب��ي يف التاري��خ والرتاث ظ��ل م�ش��دود ًا �إىل �سلطت�ين كبحتاه عن الإنتاج احلر للمعرفة� :سلطة الن�ص الديني وال�سلطة ال�سيا�سية احلاكمة العملي و�سيلة للو�صول �إىل الغاية املحمودة من التعاي�ش بني النا�س. فف���ي ظ���لِّ هذا التو�ضي���ح ،هل ميكن �أن نق���ول �إن وجود الإم���ام �ضروري عق�ل�اً ،مبعنى �إنه ال ميكن �أن ت�ستم���ر حياة النا�س �إال به� ،أي هل ال يوجد بدائ���ل و�إن كان���ت ال تقوم بنف�س ق���در املهمة التي يقوم به���ا الإمام؟ من الوا�ض���ح �أن العق���ل ال يحك���م بال�ضرورة العقلي���ة هنا ،كما �أن���ه ال يحكم بال�ض���رورة يف �إر�سال الر�سل والأنبياء �إىل النا�س .فحكم الرئي�س للنا�س يف العق���ل هو اجلواز ال الوجوب� ،إذن .و�أم���ا �إن �أريد ب�أن الرئا�سة واجبة عق�ل�اً ،مبعن���ى �إنها راجحة عمليا على نفيها وعدمه���ا �أو �ضدها ،باملعنى ال�سابق ،فاجلواب نعم� ،إن العقل العملي يحكم برتجيح وجود القائد على
ر�ضي اهلل تعاىل عنها لي�س لهم عليه �أي دلي���ل ،فتم�سكه���م ب���ه جم���رد حتكم .وقيا�ساتهم التي يعتمدون عليها ميكن معار�ضتها بغريها مم���ا يقابله���ا ،وه���ذا كاف لإ�سقاطه���ا .و�أم���ا ق���ول ال�شيع���ة الإمامي���ة الإثن���ي ع�شرية من �أن���ه ال يعترب الواحد �إمام ًا �إال �إذا العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
183
مدار الأفكار
�آراء
كان من�صو�ص��� ًا على ا�سمه يف ال�شريعة فهو �إغالق منهم لباب عظيم من املناف���ع للب�ش���ر يف الدين والدنيا ،وحتكم منه���م بال�شريعة ،و�إدعاء ملا مل يثبت لهم عليه دليل .فلم ي�سلم لهم غريهم �صحة ما ادعوه من �أن النبي ن�ص عل���ى �إمامة علي كرم اهلل تع���اىل وجهه ،وقد بني علي���ه ال�س�ل�ام قد َّ علم���اء ال�سنة �أن جمي���ع ما اعتمد عليه ه�ؤالء جم���رد توهمات وحتكمات منه���م ،ولو كان ن�ص الر�سول بين ًا وا�ضح ًا بالدرجة التي ادعاها ال�شيعة، مل���ا خف���ي يف زمان ال�صحابة ،وملا ا�ستطاع �أح���د ال �أبو بكر وال عمر ر�ضي اهلل عنهم���ا �أن يخفي���ه وال �أن يخالف���ه كما ادعى ال�شيع���ة ،فلم يكن عليٌّ ر�ض���ي اهلل مقطوع ًا من قومه ومل يكن جمه���و ًال بينهم ،ومل يكن الر�سول عليه ال�سالم منبوذ ًا من ال�صحابة وال من قومه ،ولو قال مثل هذا الن�ص ال���ذي يدعيه ال�شيعة ملا خفي على �أحد منهم ،ولو �أراد بعد ذلك بع�ضهم خيانته يف ذلك الأمر كما يزعم ال�شيعة ،ملا ا�ستطاع �إىل ذلك �سبيالً ،وملا وافقه على ذلك �أغلب ال�صحابة. وف���وق ذلك كله ،ف�إنه ي�ستحيل �أن ي�سك���ت على ذلك �صاحب ال�ش�أن الأول يف ذل���ك وهو عل���ي ر�ضي اهلل عن���ه ،ولكننا عرفنا �أن���ه مل يعار�ضهم ومل يقاتله���م بل م�شى معهم وعاونهم و�أيدهم ،ولو كان يعلم مثل ذلك الن�ص و�سك���ت عليه ومل يعلنه ب�ي�ن ال�صحابة ومل يدعُ هُم �إلي���ه ويقاومهم عليه، ل���كان – حا�شاه � -أول اخلائنني .ول���و كان �أبو بكر وعمر خائنني للر�سول علي���ه ال�سالم ويبيت���ون ذلك من قبل موت���ه كما يدعي ال�شيع���ة ،فما بال را�ض عنهم ،وهو ُمعَظِّ ٌم ل�ش�أنهم ،وما باله مل يُ�شِ ْر مطلق ًا النبي مات وهو ٍ �إىل خ�ل�اف ذل���ك �أثناء حيات���ه؛ هل كان النب���ي جاه�ل�اً ب�أمرهم وعلمه ال�شيعة املت�أخرون بعد مئات ال�سنني؟ ولو كان عامل ًا ب�ش�أنهم فكيف جاز له ال�سك���وت عليهم خا�صة يف �أمر عظيم يدعي ال�شيعة �أنه من �أ�صول الدين التي يكفر من يخالفها؟ باملقاب���ل �إذن ي���رى الأ�شاع���رة واملعتزل���ة �أن الطريق ال�شرع���ي الوا�ضح الن�ص �إمنا هو البيعة للإمام. وال�صحي���ح الذي يثبت لتعيني الإم���ام عدا ّ والبيع���ة ق���د حت�صل بالتغلب وق���د حت�صل بالر�ضا ،وال �ش���كَّ �أن ح�صول البيع���ة بالر�ضا من �سائر امل�سلمني هي الأ�صل ،وهي القانون ،ويكفي عن جماهري امل�سلمني �أعيانهم ،وهم من يُ�سَ َّموْنَ ب�أهل احلل والعقد �إذا تعذر اجلماه�ي�ر ،ف�إن املق�صود �إمنا ه���و حت�صيل ر�ضا الأمة بهذا الإمام ،ف�أي طريق ح�صل به التيق���ن بهذا الر�ضا ،كفى بعد حت�صيل املر�شَّ حِ ل�شروط الإمام و�صفاته. �إن حتلي���ل احل���وار الذي دار يف �سقيف���ة بني �ساعدة الختي���ار من يخلف ر�س���ول اهلل بعد وفات���ه يك�شف اجلانب الدنيوي البح���ت مل�س�ألة اخلالفة، فرواي���ة حممد بن جرير الطربي ملا حدث يظه���ر �صراع ًا م�صلحي ًا بحت ًا ب�ي�ن ثالثة فرقاء :فري���ق بني ها�شم وفريق املهاجري���ن وفريق الأن�صار، وكان اخل�ل�اف من منظور الواقع ال من منظور الدين� ،إذ لو كان املنطلق ديني��� ًا لتم تق���دمي الدليل الذي ي�سكت الآخرين لك���ن ذلك مل يتم وجرى اجل���دال تربيري ًا واقعي��� ًا دنيوي ًا حم�ض���اً ،ف�أين الو�ض���ع الديني للخالفة هن���ا!؟ لقد كان االنق�سام ينفي وجود ن�ص دين���ي يدل على �أن الأئمة من قري����ش ،و�إمن���ا مت �إنتاج هذه الن�صو�ص يف تاري���خ الحق من جهات علوية و�أموية وعبا�سية لت�ؤيد املرجعية الدينية لأحقية كل منها باحلكم. 184
ا�سرتاتيجية
ه���ذه �إذن حجج �أكرب مع�سكرين يف التاري���خ الإ�سالمي ،ويبدو �أن العقل العربي يف التاريخ والرتاث ظل م�شدود ًا �إىل �سلطتني كبحتاه عن الإنتاج احل���ر للمعرفة� ،سلطة الن�ص الدين���ي وال�سلطة ال�سيا�سية احلاكمة .بد�أ �صراع هات�ي�ن ال�سلطتني ب�صراع علي ومعاوي���ة يف معركة �صفني ،و�سبق ذل���ك خالف �سقيف���ة بني �ساعدة ع�شي���ة وفاة الر�سول �صل���ى اهلل عليه و�سلم ،حيث دجمت ال�سلطتان يف قري�ش لذا �أ�صبح ت�أويل الن�ص الديني دائم ًا �ش�أن ًا من �شئون الدولة ،و�صار رجل الدين موظف ًا يف بالط الدولة. وتكر����س ذلك ب�إلغ���اء القراءات ال�سبع للق���ر�آن يف لهجة قري�ش ،و�إعالن اخلليفة الثال���ث عثمان �صراحة بداية احلك���م الثيوقراطي بقولة للثوار “ال �أخل���ع قمي�ص��� ًا �ألب�سني���ه اهلل” .به���ذا ق�ضت قري�ش عل���ى التعددية الثقافي���ة ث���م ا�ستول���ت على الإ�س�ل�ام ذاته .فنج���د اخلالف���ة الرا�شدة والأموي���ة والعبا�سي���ة والفاطمية وحكم الأئمة يف اليم���ن واملغرب ..الخ كلها يف قري�ش� ،أي مت حتويل الإ�سالم لإيديولوجية قبيلة هي قري�ش ،ثم بعد اختزال الإ�سالم يف قبيلة بد�أ ال�صراع داخل القبيلة العلوي/الأموي ثم العلوي/العبا�سي. ال غراب���ة �إذن تربير الأمويون �أحقيته���م باخلالفة باال�ستناد �إىل حقهم يف الث����أر من قتلة عثم���ان� .أدى التربير الديني للم�صلح���ة الدنيوية �إىل جع���ل الن�صو�ص الدينية غاية كل الق���وى ال�سيا�سية واالجتماعية لتبحث فيها وت�ؤول منها ما يخدم غاياتها الدنيوية ،مما ح�صر العقل العربي يف هام�ش �ضيق للتفكري اخلالق وجعل ن�شاطه ينح�صر يف التربير والتواط�ؤ، وبذا مل ت�ستطع العقالنية العربي���ة جتاوز �إطار ت�أويل الن�صو�ص الدينية �إىل ت�أ�سي�س ر�ؤي���ة عقالنية للعامل والإن�سان ،وعجزت عن �إنتاج املعرفة. فحت���ى حني يج���ادل املثقف� ،سواء م���ن داخل ال�سلطة �أو م���ن خارجها، الق���وى التي تدعي الو�صاية عل���ى الدين� ،سواء معتدلة �أم متطرفة ،ف�إنه يجادله���ا معترب ًا الدين �إطار ًا مرجعي���اً ،ال يختلف عليه كمرجعية ،ولكن يتم االختالف حول معناه وال يكون اجلدل حول هموم الواقع التي تتطلب حلو ًال م�ستنبته منه. ولأن العقالني���ة مل تتكر�س يف بنية العق���ل العربي نتيجة اختطاف العقل العرب���ي ب�سبب �سي���ادة الن�ص الديني عل���ى ما عداه ،وب�سب���ب الو�صاية ال�ضيق���ة عل���ى ت�أوي���ل الن�ص الدين���ي ،ف�إنه دائم���اً ،وعلى غ���رار انتقال ال�سلطة ال�سيا�سي���ة باالنقالب ،ما يتم االنقالب على الفكر دون �إحداث قطيع���ة �إبي�ستمولوجية �أو ح���دوث نقلة اجتماعية ،مث���ل انقالب امل�أمون على النقل حل�ساب العقل ،ومن ثم انقالب املتوكل العك�سي من االعتزال �إىل الأ�شعرية. �إن ما ي�سمى بتاريخ اخلالفة لي�س �إال تاريخ ًا لنظام �سيا�سي ال عالقة له بالدين ،نظا ٌم برز �إىل الوجود وفق موازين القوى ال�سيا�سية واالجتماعية يف حينه ،ووفق املتاح من معرفة وخربة ثقافية لذلك الزمن ،لكن �إلبا�س ه���ذا ال�ش�أن غط���ا ًء ديني ًا جمّد التطور ال�سيا�س���ي لقرون عديدة ما نزال نع���اين م���ن تبعاتها حتى الي���وم ،متمثل���ة يف تكل�س الثقاف���ة االجتماعية وال�سيا�سي���ة� .إن �ش���كل احلك���م من امل�سائ���ل املناطة ملقت�ضي���ات الزمان واحل���ال وامل�صلحة العامة للنا�س ،وحمور ذل���ك العدل ،وبعدها فليتخذ احلكم �أي �شكل ارت�ضته �أغلبية النا�س.
الفهر�ست مراجعات للكتب وعرو�ض موجزة
تعرية الإمرباطورية حممد �سيف حيدر
طريق االندماج ال�صعب عبدالغني املاوري
بالإ�ضافة �إىل عرو�ض موجزة العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر
2010
ا�سرتاتيجية
185
الفهر�ست
مراجعات
عرو�ض موجزة
الق�سر واالحتالل من مُراكمة ر�أ�س املال �إىل �شرعنة ْ
تعرية الإمرباطورية رمبا تكون كلمة “الإمربيالية” واحدة من �أكرث الكلمات انت�شار ًا وذيوع ًا يف ع�صرنا ،لكنها ،ورغم �سهولة لفظها والتحدّث بها ،حتمل معاين خمتلف����ة ي�صعُ����ب معه����ا ا�ستخدام هذه الكلم����ة دون تقدمي بع�ض التو�ضيح����ات على �سبيل التحلي����ل ولي�س بق�صد اجلدلية وتفني����د الر�أي� .إن الإمربيالية التي يتعر�ض لها مقالنا هذا -وكما يناق�شها ويُفكّكها م�ؤلفو كتابيّ “الإمربيالية اجلديدة” و”الإمرباطورية” اللّذين نركز عليهما هن����ا -ه����ي املعروفة با�سم “الإمربيالية الر�أ�سمالية” والتي باتت م�صطلح ًا يت�ضم����ن نقي�ضني هما “�سيا�سة الدولة و�سيا�سة الإمرباطورية” (على اعتبار �أن الإمرباطورية م�شروع �سيا�سي يف �أيدي الالعبني الذين ت�ستند قوتهم �إىل ال�سيطرة على الأرا�ضي وقدرتهم على ح�شد املوارد الب�شرية والطبيعية يف �سبيل حتقيق غايات �سيا�سية واقت�صادية وع�سكرية)� ,إىل جانب “تلك العمليات اجلزئية لرتاكم ر�أ�س املال يف الزمان واملكان”( ,وهنا تكون الإمربيالية عملية �سيا�سية واقت�صادية مع ًا تتجه الأولوية فيها �إىل ال�سيطرة على ر�أ�س املال وا�ستخدامه) . تن�ش�أ الإمربيالي���ة ذات ال�شكل الر�أ�سمايل ،كما يو�ض���ح �أ�ستاذ الأنرثوبولوجيا وع���امل االجتماع الرائِد ديفي���د هاريف ،من تلك العالق���ة اجلدلية بني املنطق الر�أ�سم���ايل واملنط���ق الإقليم���ي للقوة .وه���ذان املنطقان متماي���زان وال ميكن اخت���زال �أحدهم���ا بالآخر ،رغ���م �أنهما متداخ�ل�ان ببع�ضهما بق���وة .فدوافع �أ�صحاب هذين املنطقني /املظهرين للقوة وم�صاحلهما خمتلفة ،فالر�أ�سمايل ال���ذي ميل���ك املال ي�ضع �أمواله حي���ث يجد الربح وهو ي�سع���ى -عادة -لزيادة ر�أ�سمال���ه� .أما ال�سا�سة ورجال احلكم في�سع���ون للح�صول على نتائج تزيد قوة دولته���م �أمام الدول الأخرى .ومن املحتم���ل يف �أية حلظة جغرافية -تاريخية معين���ة �أن يهيمن �أح���د هذين املنطقني ويرتاجع الآخر .زي���ادة ال�سيطرة على منطق���ة معين���ة كغاية بحد ذاتها حتم���ل �آثار ًا اقت�صادي���ة وا�ضحة ،رمبا تكون �إيجابي���ة ،ورمبا تكون �سلبي���ة ،ولذا ف�إن ما يمُ يّز الإمربيالية الر�أ�سمالية -كما يق���ول هاريف -عن غريه���ا من الت�ص���ورات الإمرباطورية ه���و هيمنة املنطق الر�أ�سم���ايل ،رغ���م وجود �أوق���ات تكون الهيمن���ة فيها ملنطق الإقلي���م .على �أن كل واح���د م���ن املنطقني ُيف���رز تناق�ضات ال ب���د �أن يحتويها الآخ���ر .فالرتاكم الالمتناه���ي لر�أ����س امل���ال ،مث�ل�اً ،يُ�س ِبّب �أزم���ات على فرتات �ضم���ن املنطق الإقليمي ب�سبب احلاجة �إىل تراكم موازٍ للقوة ال�سيا�سية /الع�سكرية .وعندما تتب���دل ال�سيطرة ال�سيا�سية داخل املنطق الإقليم���ي ال بد �أن يتبدل تدفق ر�أ�س ُنظم �ش�ؤونها طبق ًا لتقاليدها املال على النحو ذاته ليتكيّف معه .فالدول عادة ت ِّ وقواعده���ا اخلا�ص���ة بها ،ولذلك تظهر للوجود �أ�سالي���ب خمتلفة ومتمايزة يف احلكم ،وتتكون قاعدة تُ�شكل �أ�سا�س ًا لتطورات جغرافية غري متكافئة ،و�صراع جيو�سيا�سي و�أ�شكال متعددة من ال�سيا�سات الإمربيالية. وعل���ى ه���ذا ال يمُ ك���ن فه���م الإمربيالي���ة دون الإحاطة جي���د ًا بنظري���ة الدولة الر�أ�سمالي���ة بكل تنوعها .فلكل دول���ة �إمربياليتها اخلا�ص���ة ،وهكذا كان حال �إمربيالي���ة كل من بريطانيا وفرن�سا وهولن���دا وبلجيكا� ..،إلخ ،ابتداء من �سنة 186
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
1870حتى �سنة .1945 لكل منها �شكله اخلا�ص املختلف عن الآخر. والإمربياليات ،كالإمرباطورياتّ ٍ ، واملث���ال الأكرث داللة (وحداثةً) على هذا االخت�ل�اف ،والذي ي�ستك�شفه مقالنا هذا من خالل الكتابني اللذين نعر�ضهما ،هي الواليات املتحدة الأمريكية التي انتقلت -كما ي�شرح ك ٌل من امل ُِفكّرينِ الالمع ِني مايكل هاردت و�أنطونيو نيغري بعم���قٍ نافذ -من �إمربيالية ر�أ�سمالية �إىل �إمرباطورية ذات �شكل جديد وغري معهود (لها مكانتها املرموقة يف �إمرباطورية العوملة اجلديدة الأكرث ات�ساعاً). وه���ذه الإمرباطورية اجلدي���دة باتت متج�سدة �أمام �أعينن���ا بكل و�ضوح .فعرب العق���ود الأخ�ي�رة -وفيما كانت ال ُنّظُ ���م اال�ستعماري���ة (الكولونيالية) تتعر�ض للإطاح���ة ،واحلواجز ال�سوفيتية تنهار �أمام ال�سوق العاملية ب�سرعة كبرية �آخر املط���اف – كان اجلميع �شهود ًا عل���ى عملية املب���ادالت االقت�صادية والثقافية غ�ي�ر القابلة للمقاومة� ،أو تغيري االجتاه ل�س�ي�رورة العوملة .وجنب ًا �إىل جنب مع ال�س���وق العاملية ودورات الإنتاج املعوملة ،برز نظام عاملي ،منطق و�آلية جديدان للحك���م� ،ش���كل جديد من �أ�ش���كال ال�سيادة يتمي���ز بامليوعة ال�شدي���دة ،ولكنه، يف الوق���ت نف�س���ه ،يتميز -وهو ما يده����ش حق ًا -مبركزيت���ه ال�شديدة �أي�ضاً. باخت�ص���ار ،باتت الإمرباطورية (اجلديدة) هي ال���ذات ال�سيا�سية التي تتوىل اال�ضطالع مبهم���ة تنظيم هذه املبادالت العاملية ،ه���ي ال�سلطة ال�سيادية التي حتكُم العامل. وكم���ا هو احلال م���ع الإمربياليات ،فقد م���رت بتاريخ الب�شرية �أن���وا ٌع متعددة من الإمرباطوري���ات :الرومانية والعثمانية وال�صينية والإمرباطورية الرو�سية ثم ال�سوفيتي���ة والنم�ساوية الهنغارية والنابليوني���ة والإمرباطورية الربيطانية والفرن�سي���ة � ...إلخ .ومن هذا التنوع والتع���دد ميكن اال�ستنتاج ب�سهولة �أن ثمة فُ�سح���ة جيدة للمناورة يف الطريقة الت���ي يجب بها تف�سري معنى الإمرباطورية وبالت���ايل طريق���ة �إن�شائه���ا و�إدارته���ا .كم���ا �أن ثم���ة ت�ص���ورات متباين���ة ،ويف
الإمربيالية اجلديدة ت�أليف :ديفيد هاريف تعريب :وليد �شحادة النا�شر� :شركة احلوار الثقايف ،بريوت �سنة الن�شر2004 : عدد ال�صفحات222 :
بع����ض الأحي���ان متعار�ضة ،للإمرباطورية ميكن لها �أن تق���وم مع ًا داخل مكان واح���د .فالإمرباطوري���ة ال�صيني���ة ،مث�ل�اً ،م���رت مبرحلة تو�سع ج���ارف امتد �إىل ا�ستك�ش���اف املحي���ط ،وب�ص���ورة مباغت���ة وغام�ض���ة تراجع���ت �إىل ذاتها. والإمربيالي���ة الأمريكي���ة منذ احلرب العاملية الثانية �أخ���ذت تراوح بني ت�صور و�إدراك غام�ض�ي�ن للإمرباطورية (لأن �أحد ًا مل يناق�ش ويبحث الأمر) وت�صور و�إدراك �آخري���ن .وعندما بد�أ هذا الت�ص���ور الإمرباطوري يف الن�ضوج ،يف ظل �إدارة جورج دبليو بو�ش ،و�أخذ حملّه من النقا�ش لي�س يف داخل �أمريكا وح�سب بل ويف كثري من بقاع الدنيا ،بدا �أن الإمرباطورية الأمريكية ،التي تقود م�سرية العومل���ة ال�شاملة ،ك�شفت �أخري ًا القناع عن وجهها و�أظهرت ميولها الإمربيالية ب���كل �صالفة ،وا�ستفاق اجلميع عل���ى والدة �إمرباطورية خمتلفة عن ما عهدوه وقر�أوا عنه يف كتب التاريخ ،وكان الأمر كما عك�سته �صورة ظهرت على غالف جمل���ة نيويورك تاميز بتاريخ اخلام�س من كانون الثاين /يناير ،2003وحتمل عبارة “الإمرباطورية الأمريكية :تعودوا على هذا اال�سم”. على �أن املفارقة ما انفكت تُالزم هذا احلدث .وكما يالحظ مايكل �إغناتييف، ع���امل ال�سيا�س���ة املع���روف و�أ�ستاذ حق���وق الإن�س���ان يف جامعة هارف���ارد ،ف�إن الإمرباطوري���ة الأمريكي���ة احلقيقي���ة كما هي الآن ،مل تتحق���ق من خالل نوبة م���ن الذهول و�ش���رود الذهن (كما يحل���و للربيطانيني �أن يزعم���وا) و�إمنا من خ�ل�ال حالة الإنكار والرف�ض� ،أي رف�ض احلديث عن الأفعال الإمربيالية التي تق���وم بها الواليات املتح���دة على �أنها فِع�ل�اً �أفعال �إمربيالي���ة ،وعدم ال�سماح لإرها�ص���ات ه���ذه الأفعال �أن يك���ون لها �أدنى �أث���ر يف الو�ض���ع الداخلي .وهذا م���ا �أف�ضى حق��� ًا �إىل “�إمرباطورية لطيفة املذاق” بد ًال م���ن �إمرباطورية ذات التزام �شديد طويل املدى .وثمة وجه �آخر مهم لتميّز الإمرباطورية الأمريكية يالحظ���ه ه���اردت ونيغ���ري ،وه���ذا التميّز لي����س م�ستم���د ًا من �أوج���ه �شبهها بالق���وى الإمربيالية الأوربية القدمية ،بل من نق���اط تباينها واختالفها عنها. ونق���اط التباين هذه تتجلى ب�أو�ضح �أ�شكالها ل���دى ت�سليط ال�ضوء على الأُ�سُ �س الإمرباطورية (ال الإمربيالية) اخلال�صة لرتكيبة الواليات املتحدة ،وتت�ضمن كلم���ة “تركيبة” ،Constitutionبح�سبهما ،املعنى الر�سمي للد�ستور الذي هو امليثاق املكتوب مع �سائر تعديالته ،و�أدواته احلقوقية املختلفة من جهة ،ومعنى الرتكيبة املادية� ،أي عملية الت�شكل و�إعادة الت�شكل امل�ستمرة للقوى االجتماعية
الإمرباطورية: �إمرباطورية العوملة اجلديدة ت�أليف :مايكل هاردت و�أنطونيو نيغري تعريب :فا�ضل جتكر النا�شر :مكتبة العبيكان، الريا�ض �سنة الن�شر2002 : عدد ال�صفحات592 :
م���ن جه���ة ثانية .لق���د كان كل من توما����س جِ فر�سون ،م�ؤلف كت���اب االحتادي ، Federalistو�آخري���ن غ�ي�ره م���ن م�ؤ�س�س���ي الوالي���ات املتحدة عل���ى ال�صعيد النظ���ري /الأيديولوج���ي ي�ستلهم���ون النم���وذج الإمرباط���وري الق���دمي؛ كانوا ي�ؤمن���ون ب�أنهم عاكفون عل���ى �إن�شاء �إمرباطورية جدي���دة ذات حدود مفتوحة دائب���ة على االت�ساع ،حيث �ستكون ال�سلط���ة موزعة فعل ّي ًا عرب �شبكات حمددة، على اجلان���ب الآخر من املحيط الأطل�سي .وهذه الفكرة الإمرباطورية عا�شت وبلغ���ت مرحلة الن�ضج عرب تاري���خ الواليات املتحدة وتكوّنها ،وما لبثت الآن �أن برزت على امل�ستوى العاملي ب�صيغتها املتحققة حتقق ًا كامالً. لق���د مار�ست الواليات املتحدة مدة طويلة م���ن ال�سنني الدور القيادي يف ذلك اجل���زء من العامل ال���ذي يكر�س جهوده املتوا�صلة لرتاك���م ر�أ�س املال ،ون�شرت بالت���ايل �أ�ساليبه���ا يف الأعم���ال التجاري���ة يف بق���اع كث�ي�رة من الع���امل .لكنها وخ�ل�ال �سِ ن���يّ احلرب الباردة مل تمُ ا ِر����س الهيمنة العاملية ب���كل معنى الكلمة، رغ���م �أنها بادرت خالل ه���ذه املرحلة �إىل ارت���داء عب���اءة الإمربيالية وقامت ب�إخ�ض���اع الق���وى الإمربيالية القدمية لنظامها اخلا�ص� .أم���ا الآن ،وقد قُ�ضي عل���ى التهدي���د ال�شيوعي ،فق���د بات تعريف ال���دور الأمريكي يف ع���امل ما بعد احل���رب الباردة -كما ُيق���رّر ديفيد هاريف� -أكرث �صعوبة م���ن قبل ،وتلك هي امل�س�ألة الت���ي مل يناق�شها �أولئك الذين يريدون �أن يُربزوا م�ستقبل الإمربيالية الأمريكية و�سعيه���ا للإمرباطورية �أمام العامل يف الق���رن احلادي والع�شرين. وذاك هو �أي�ض ًا ال�س�ؤال الذي يطرحه من يرون التق�سيم الإقليمي ل ِلقُوى بدي ًال عن ترتيب���ات �سيا�سية جتري �ضم���ن القواعد العامة لعومل���ة تت�سم بالليربالية اجلديدة. عل���ى �أنه من امل�ؤك���د �أن �أهم �آثار احلرب الباردة ،كما يق���ول هاردت ونيغري، ه���و التعرف على خطوط الهيمنة داخل العامل الإمربيايل ،تلك اخلطوط التي د�أبت على ت�سريع عملية تدهور القوى القدمية ،ورفع م�ستوى مبادرة الواليات املتح���دة على �صعيد ت�أ�سي�س نظام �إمرباطوري .ول���و مل يكن قد مت اال�ستعداد م�سبق��� ًا لنم���ط جدي���د م���ن املب���ادرة اله ْيمَنية ،مل���ا خرجت الوالي���ات املتحدة منت�صرة يف نهاية احلرب الباردة ،وملا �صارت ،يف �أعقابها ،م�س�ؤولية ممار�سة دور الدّرك���ي (= ال�شرطي) العامل���ي “مُلقاة” على عاتقه���ا وحدها دون بقية القوى العاملية .وكانت حرب اخلليج الثانية بوتقة االختبار الأوىل التي �أظهرت العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
187
الفهر�ست
مراجعات
فيها الواليات املتحدة قدرتها الكاملة على ممار�سة هذا الدور. �أم�ي�ركا على النظام العاملي اجلديد غري م�ضمونة اال�ستمرار ويكتنف م�ستقبلها مل تكن احلرب ،يف احلقيقة� ،سوى عملية قمع تافهة غري ذات �أهمية من وجهة الغمو����ض .ويت�ض���ح �أي�ض ًا �أن املنط���ق الإقليمي واملنطق الر�أ�سم���ايل يعي�شان يف الأهداف وامل�صالح الإقليمية ،والإيديولوجيات ال�سيا�سية ذات العالقة .جرى حال���ة جت���اذب �شديدة القوة .غ�ي�ر �أن املنط���ق الإقليمي الأمريك���ي حتت �إدارة اته���ام العراق بانتهاك القانون الدويل ،ف�أ�صبحت حماكمته ومعاقبته واجبتني .الرئي����س ال�سابق بو�ش (االبن) كان ق���د ات�ضحت معامله ،ولهذا ال�سبب ما انفك لع���ل �أهمية حرب اخلليج الثاني���ة تكمُن يف حقيقة �أنها ق ّدم���ت �أمريكا بو�صفها يدور معظم احلديث من���ذ ذلك الوقت عن الإمرباطورية وعن الإمربيالية التي الق���وة الوحيدة القادرة على �إدارة العدال���ة الدولية ،ال ك�إحدى وظائف دوافعها تتمركز يف الواليات املتحدة. القومية -الوطنية اخلا�صة ،بل با�سم “احلق العاملي” .من امل�ؤكد �أن قوى كثرية لك���ن ميزان الق���وى التي تعم���ل داخل املنط���ق الر�أ�سمايل ي�ش�ي�ر �إىل اجتاهات زعم���ت زور ًا �أنها منطلقة من امل�صلحة الكوني���ة ال�شاملة يف ال�سابق ،ولكن هذا خمتلف���ة نوع ًا م���ا .عندما قاد جوزي���ف ت�شامربلني بريطاني���ا �إىل حرب البوير ال���دور اجلدي���د للواليات املتحدة يبقى خمتلفاً ،وه���ذا الأمر هو الذي يجعل من Boerب�ضمه لإقليم ِڤِتڤاتر�سران���د Witwatersrandيف مطلع القرن الع�شرين، تعريفه �أمر ًا �صعب ًا عند الكثريين .قد يكون �أق�صى م�ستويات الدقة هو �أن يقال :كان اجلمي���ع يعلمون �أن الدافع لذل���ك ال�ضم وجود موارد الذهب والأملا�س .ومع �إن ادع���اء الكونية وال�شمول ه���ذا قد يكون هو الآخر زائفاً ،ولكنه زائف بطريقة ذل���ك ،كان الباع���ث يف حتوّله �إىل املنط���ق الر�أ�سمايل عجزه ع���ن �إيجاد حلول جدي���دة .فدركيّ الوالي���ات املتحدة العاملي ال ينطلق م���ن امل�صلحة الإمربيالية ،داخلي���ة يف بريطانيا مل�شكل���ة َفرْط تراكم ر�أ�س املال املزمن���ة .وكان لعجزه هذا بل يخدم م�صلح���ة �إمرباطورية .وبهذا املعنى ،ف�إن حرب اخلليج الثانية �شكّلت عالق���ة وثيقة ال�صلة بهي���اكل الطبقية الداخلية التي اعرت�ض���ت �سبيل التطبيق تطبيق��� ًا وا�سع ًا لفائ�ض ر�ؤو����س الأموال يف الإ�صالح االجتماع���ي واال�ستثمار يف بالفعل ،كما زعم جورج بو�ش (الأب)� ،إعالن ًا مليالد نظام عاملي جديد. غ�ي�ر �أن �إ�ضف���اء ال�شرعي���ة على النظ���ام الإمرباطوري ال ميك���ن فر�ضه مبجرد البني���ة التحتية داخل البالد .وعلى هذا النحو ذاته �سار التحرك يف �إدارة بو�ش اال�ستن���اد �إىل فاعلي���ة املباركة احلقوقي���ة ،والقوة الع�سكري���ة وحدها .ال بد من (االب���ن) للتدخل ع�سكري ًا يف ال�شرق الأو�سط بغية ال�سيطرة الكاملة على منابع تطوي���ر الأمر عرب �إنتاج معايري ق�ضائية ترفع من �ش����أن �سلطة الطرف املهيمن النف���ط يف هذه املنطقة .وق���د ازدادت احلاجة يف ت�صاعد متوا�صل لفر�ض هذه ال�سيط���رة منذ �أن �أعلن الرئي�س جيمي كارتر مبد�أه القائل بطريقة ثابتة وقانونية ،وهو ما ح�صل بالفعل .ومتاماً ،كما قام �أع�ضاء جمل�س �شيوخ روما يف القرن الأول من احلقبة امل�سيحية� ،إ����ض���ف���اء ال�����ش��رع��ي��ة على �إن الوالي���ات املتح���دة على ا�ستع���داد ال�ستخ���دام الو�سائل الع�سكري���ة يف �سبيل احلفاظ على تدف���ق دون توقف لنفط مبطالبة �أوغ�سطو�س بت���ويل �سلطات �إدارة �إمرباطورية خلدمة ال���ن���ظ���ام الإم��ب��راط�����وري ال�شرق الأو�سط يف االقت�صاد العاملي. ال�صال���ح الع���امُ ،تب���ادر جمموعة املنظم���ات الدولي���ة (الأمم ال مي��ك��ن ف��ر���ض��ه مب��ج��رد املتح���دة ،املنظم���ات النقدي���ة الدولي���ة ،ب���ل وحت���ى املنظمات اال���س��ت��ن��اد �إىل فاعلية وملّا كان الركود يف االقت�صاد العاملي مُرتبط ًا بارتفاع �أ�سعار النف���ط ،ف�إن التخفي�ض العام لهذه الأ�سعار ميكن �أن يُعترب الإن�ساني���ة) الي���وم �إىل مطالب���ة الواليات املتح���دة باال�ضطالع املباركة احلقوقية ،والقوة �إح���دى و�سائل الت�صدي مل�شاكل فَ���رْط الرتاكم التي برزت بال���دور املركزي يف نظ���ام عاملي جديد .فف���ي �سائر النزاعات بد ال ��ا. ه ��د ح و الع�سكرية عل���ى امل�سرح ال���دويل خالل ال�سن���وات الثالث�ي�ن املا�ضية. الإقليمي���ة الت���ي ن�شبت يف العق���د الأخري من الق���رن الع�شرين، من هاييتي �إىل اخلليج ،ومن ال�صومال �إىل البو�سنة فكو�سوفا ،من تطوير الأمر عرب �إنتاج وكما ح���دث يف بريطانيا عن���د نهاية القرن قب���ل املا�ضي، دُعيت �أم�ي�ركا �إىل التدخل ع�سكري ًا -وهذه الدعوات حقيقية ،معايري ق�ضائية ترفع من لع���ب ت�ض���ارب امل�صال���ح الطبقية الت���ي اعرت�ض���ت �سبيل وذات م�ضم���ون جوه���ري ،ال ( َف�ْب�ررْ َ كات) �إعالمي���ة دعائي���ة �ش�أن �سلطة الطرف املهيمن الإ�صالح���ات الداخلي���ة واال�ستثمارات يف البني���ة التحتية جم���ردة لتهدئ���ة معار�ضة اجلمه���ور يف الوالي���ات املتحدة .ولو بطريقة ثابتة وقانونية ،دور ًا مهم��� ًا وبارز ًا يف حتويل �سيا�س���ة الواليات املتحدة �إىل عل���ى م�ض�ضَ ،تعينّ على جي�ش الواليات املتحدة �أن يلبي النداء وهو ما ح�صل بالفعل احت�ض���ان الإمربيالية احت�ضان ًا مك�شوفاً .لذلك ،يجد املرء ما يدعوه بقوة لريى غزو واحتالل الواليات املتحدة للعراق با�س���م ال�س�ل�ام والنظام .لعل هذه هي �إح���دى ال�سمات املميزة للإمرباطوري���ة � -إنه���ا تعي�ش يف �سياق عامل���ي يدعوها با�ستم���رار �إىل �أن تكون مماث�ل�اً ،بل �شديد ال�شبه بدخول بريطانيا حرب البوي���ر ،فكلتا احلربان وقعتا موج���ودة وحا�ضرة .ال ت�ضطل���ع الواليات املتحدة بدور درك���ي ال�سالم (�شرطي عند بداية نهاية الهيمنة. ال�سالم) �إال يف اللحظة الأخرية� ،إال حني تطالب منظمات ال�سالم فوق القومية لق���د بدّد “املحافظ���ون اجلدد” يف الوالي���ات املتحدة كثري ًا م���ن قدرة بالدهم بن�شاط منظم ،ومببادرات قانونية وتنظيمية مدرو�سة بعمق ومعقدة. على القيادة الأخالقي���ة ،فانخف�ضت بذلك قدرتها على القيادة مبح�ض القبول لك���ن هذا الأم���ر ال مي�ضي على ا�ستقامت���ه حتى النهاية دائم���اً ،وحرب �أمريكا واملوافق���ة ،حت���ى ب���ات ت�أثريها الثق���ايف مُت�ضائ�ل�اً ،ومل يزل االنح���دار يوا�صل الأخ�ي�رة على الع���راق التي انتهت باحتالل���ه� ،شاهد فاق ٌع على ذل���ك .فال�سياق م�سريت���ه حت���ى �أن الرئي����س احلايل ب���اراك �أوبام���ا -بكل ما ميلك م���ن �شعبية العامل���ي قبل هذه احلرب ،وبعده���ا ،كان يدعو الواليات املتح���دة -وعلى عك�س وكاريزمي���ة داخل �أمريكا وخارجها -مل ي�ستطِ ���ع �أن يعيد التفوق الأمريكي �إىل امل���رات واحلاالت ال�سابق���ة – �أن تبتعد� ،أن تغيب .فما ال���ذي جرى حتى تتبدل �سال���ف وهجه وجاذبيته .لقد كان “املحافظون اجل���دد” يعتقدون ،وما يزالون الأم���ور؟ بب�ساطة� ،إنه منطق الإمرباطوري���ة القائم على ممار�سة �أعمال الق�سر رغ���م خروجهم من ال�سلطة� ،أنهم ،بعد �أن يفرغ���وا من �إقامة النظام يف العامل �أجم���ع وبعد �أن تتب�ي�ن منافع هذا النظام� ،سوف تتب���دد كل معار�ضة لأ�ساليبهم والهيمنة يف �آن معاً. لق���د �آذنت نهاي���ة احلرب الب���اردة بح�صول تغي�ي�رات كربى .وال ي���زال املنطق الع�سكري���ة �سواء من ال�شع���وب �أم احلكومات ويف كل م���كان يف العامل .ويف هذه الإقليم���ي للقوة يف طور التحول لكن النتائج غري م�ؤك���دة ،وهذا يعني �أن هيمنة الر�ؤي���ة قد ٌر ال ب�أ�س به من �أفكار املدينة الفا�ضلة ،غري �أن حتقيق هذه الر�ؤية �أو 188
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
الإمرباطوري��ة الأمريكي��ة احلقيقي��ة كما هي الآن ،مل تتحقق من خالل نوبة من الذه��ول و�شرود الذهن (كما يحلو للربيطاني�ين �أن يزعم��وا) و�إمنا م��ن خالل حالة الإنكار والرف���ض� ،أي رف�ض احلديث عن الأفع��ال الإمربيالية التي ال �أفعال �إمربيالية تقوم بها الواليات املتحدة على �أنها فِع ً جزء منها يعتمد كثري ًا عل���ى طبيعة املنافع الناجتة عنها وطريقة توزيعها .لكن “املحافظني اجلدد” يتفقون مع الليرباليني يف االعتقاد �أن حترير الأ�سواق �أمام ال�سل���ع ور�أ�س املال ي�شمل كل ما يلزم لتقدمي احلرية والرفاه للجميع .وكل الذي فعله ه����ؤالء “املحافظون” �أنهم ح ّول���وا حرب ًا ذات كثافة متدني���ة �أُ�شعلت حتت �شع���ار الليربالية اجلديدة يف �شتى بق���اع الأر�ض �إىل مواجهة عنيفة يظنون �أنها حتل امل�شكالت ح ًال نهائياً ،وذلك يف �إِثباتٍ ظاهرٍ لعدم �صحة هذا االعتقاد .بل �س���وف ي�ستمر الو�ضع من خالل اقت�ص���اد �سيا�سي قائم على مبد�أ الرتاكم بنزع احليازة (ونقطة البداية املك�شوفة له نزع حِ يازة نفط العراق) وعدم فعل �شي ٍء عل���ى الإطالق للت�ص���دي مل�شكالت الالم�ساواة املتزاي���دة والناجتة عن الأ�شكال املعا�صرة للر�أ�سمالية. ومن هذا املنطلق ميكن �أن نتوقع ازدياد ًا بد ًال من ت�ضا�ؤل يف ال�صراعات العاملية �ض���د ن���زع احلِ يازة ،وازدي���اد ًا بد ًال من ت�ض���ا�ؤلٍ يف القلق ال���ذي يُحرّك حركات مناه�ض���ة للعوملة �أو مطالبة ببديل له���ا حتى و�صلت �إىل درجة انتخاب حكومات تُخفف من وط����أة الليربالية اجلديدة� ،إن مل تعمل على �إلغائها كلياً ،كما ح�صل عن���د انتخاب ل���وال رئي�س ًا للربازيل ث���م �إعادة انتخابه لتويل ه���ذا املن�صب مرة �أخ���رى .وكما ح�ص���ل �أي�ض ًا يف دول �أمريكية التينية �أخ���رى اعتلت �سدة ال�سلطة فيه���ا حكومات ي�سارية مناه�ضة للخط الليربايل اجلديد الذي ت�ؤيده وا�شنطن. وع�ل�اوة عل���ى ذلك ،ال يوجد م���ا يلجم االنزالق نح���و قومية متع�صب���ة و�سيا�سة اال�ستبع���اد كو�سيل���ة للدفاع �ض���د �أعمال النه���ب وال�سلب حتت ا�س���م الليربالية اجلدي���دة .وملّ���ا كانت الوالي���ات املتحدة نف�سها تتج���ه �أكرث ف�أكرث نح���و �سيا�سة التميي���ز العن�صري تتخذها و�سيلة للو�صل بني القومية والإمربيالية (وهو الأمر الذي مل يكب���ح جماحه ،كما يبدو ،انتخاب �أوبام���ا “الأ�سود” رئي�س ًا لأمريكا)، ف�إنه يبدو �صعب ًا – باملثل -كبح جماح هذا النوع من التفكّك. �أم���ا ال�س����ؤال ال���ذي يطرح نف�س���ه وراء ذل���ك ،فهو كي���ف �سيكون وق���ع امل�شروع الإمرباط���وري /الإمربي���ايل كم���ا �صاغه حمافظ���و �أمريكا اجل���دد على العامل العرب���ي ،والع���امل الإ�سالم���ي عام���ة؟ يف ه���ذا ال�ص���دد ،يب���دو �أن “املحافظني اجلدد” ،الذين رغم �أنهم قد ولوا الأدبار م�ؤقت ًا لكنهم ما فتئوا يوا�صلون الرتويج لأفكارهم “القدمي���ة” بذات احلما�سة ،قد وطئوا �أر�ض ًا حمفوفة باملخاطر كما ي���رى هاريف .وال ب���د من القول بداي��� ًة �إن �أي تقارب مع الع���امل العربي يجب �أن ي�ستن���د �إىل حل مقبول للنزاع العرب���ي -الإ�سرائيلي الذي بدت وا�شنطن �أمامه
(يف عه���د بو����ش كما يف عهد خلفه �أوباما) ملتزم���ة بال�صمت املطبق ،با�ستثناء بع�ض الوعود التي تطلقها بني حني و�آخر ،وبناء على �ضغوط خارجية من بع�ض احللف���اء ال�سيما بريطانيا .و�سيكون الإخف���اق يف الو�صول لأي ت�سوية للنزاع من خ�ل�ال القوة الإمربيالية الأمريكي���ة يف املنطقة �ضرب ًة مل�صالح الواليات املتحدة يف الع���امل العرب���ي وقد تتجاوز هذا الع���امل .و�سيكون بال ري���ب م�صدر ًا لأعمال عن���ف متفرقة �ضد �إ�سرائيل و�أمريكا على ال�س���واء ،ورمبا يُ�شعل �شرارة الثورات يف العامل الإ�سالمي. وثاني���اً� ،إن فكرة ا�ستخدام العراق كم�شروع جتريبي لإثبات �أن العامل الإ�سالمي ميك���ن �أن يتخل�ص من الأ�صولية ومن �أ�ساليب���ه “املعادية للدميقراطية” ت�ستند �إىل فر�ضية بعيدة املنال� ،إن مل تكن م�ستحيلة ،م�آلها �أن العراق ميكن �أن يتحول ب�ضربة �سحرية �إىل دولة دميقراطية ر�أ�سمالية تنعم باالزدهار يف ظل الو�صاية الأمريكي���ة .ويف هذه النقطة رمبا يكون اختيار الع���راق موفقاً ،فهو بلد ال ميلك ث���روة نفطية �ضخمة فح�سب ،بل ميل���ك �أي�ض ًا ر�صيد ًا كبري ًا من املواهب العلمية واملعرفة التكنولوجية ،وكان ميلك �أي�ض ًا قاعدة �صناعية وزراعية على قد ٍر كب ٍري ُدمّرها الواليات املتحدة و�صدام ح�سني معاً. من الأهمية قبل �أن ت ِ لذل���ك �سوف يج���د فائ�ض ر�أ�س املال منفذ ًا لإعادة بن���اء الق�سم الأكرب من هذه القاع���دة ،وبالنظر لوجود تلك القواع���د الليربالية اجلديدة التي ال تزال تنظم عملي���ات التجارة والتدفق املايل ،و�إذا �أخذنا بعني االعتبار احلالة العامة ِل َفرْط الرتاك���م ،ف�إنه من الع�سري �أن نرى العراق يتح���ول يف ب�ضع �سنني �إىل ٍ ّند لكوريا اجلنوبي���ة .وحتى لو �شرع يف ال�سري على ه���ذه اخلُطى ،فلي�س وا�ضح ًا �أن حتدث نتائ���ج �إيجابية ل���ذاك التجريب �إذا �أخذن���ا بعني االعتبار الإخفاق���ات التنموية الكبرية التي تعر�ضت لها بع�ض الدول ،كباك�ستان وم�صر ،التي اختارت ال�سبيل الر�أ�سم���ايل يف التنمي���ة االقت�صادية خ�ل�ال العقدين املن�صرم�ي�ن ومب�ساعدات هائل���ة م���ن الوالي���ات املتح���دة .واحلال���ة الوحي���دة التي حتم���ل الأم���ل لتنمية اقت�صادية حقيقي���ة يف العراق حتت الهيمنة الأمريكية تكمُن يف حدوث انتعا�ش يف االقت�ص���اد العاملي �أقوى مما حدث يف ظروف ما بعد احلرب العاملية الثانية، وه���و �أم ٌر يبدو -حتى اللحظة ويف امل���دى القريب املنظور � -صعب ًا وبعيد املنال، متام ًا كدميقراطية العراق املوعودة.
حممد �سيف حيدر العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
189
الفهر�ست
مراجعات
عرو�ض موجزة
طريق االندماج ال�صعب من���ذ ت�أ�سي����س جمل�س التع���اون لدول اخلليج العربي���ة مطلع ثمانينيات القرن املا�ض���ي ،وهناك جدل مل يتوق���ف �إىل يومنا هذا حول الطريقة املثلى ال�ستيعاب اليمن �ضمن املنظومة اخلليجية ،وعن الآثار املرتتبة على مثل هذا الأمر �إن مت .فهناك فريق يرى �أن قبول اليمن ع�ضو ًا يف هذا التجمع اخلليجي خط�أ �سي�ؤدي �إىل الإ�ضرار با�ستقراره وم�صاحله ،فيما يبدي فريق �آخر ت�أييده الن�ضمام اليمن كون ذلك يجعله �أكرث قوة وي�ساعد على حت�صني م�صالح دوله على نحو �أف�ضل .وقد انتقلت هذه الثنائية من جمال اجلدل ال�سيا�سي �إىل جمال البحث الأكادميي ،ما جعل معظم الدرا�سات التي عاجلت م�س�ألة ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي تت�سم بعدم املو�ضوعية ،ويعود ال�سبب يف ذلك �إىل انطالقها من مواقف م�سبقة ُتر�ضي هذا الطرف �أو ذاك.
قلة م���ن الدرا�سات حاولت تقييم العالقات اليمني���ة -اخلليجية وم�ساراتها املختلفة ،ومنها ما يتعلق مب�س�ألة ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي (كمنظوم���ة �إقليمية) بعيد ًا ع���ن التحيّزات ال�صارخة .وتع���د الدرا�سة التي �صدرت حديث ًا عن مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية بعنوان “اليمن وجمل�س التعاون لدول اخلليج العربية :البحث عن االندماج” للباحث اليمن���ي حممد �سيف حيدر ،منوذج ًا لهذا الن���وع من الدرا�سات اجلادة التي ميك���ن �أن تُ�سهِ م يف معرفة واقع العالقات ب�ي�ن اليمن والدول اخلليجية ،ويف توقّع امل�ستقبل الذي ينتظرها بعيد ًا عن املبالغات. يلف���ت امل�ؤلف يف مقدم���ة الدرا�س���ة �إىل �أن العالقات اليمني���ة – اخلليجية، الت���ي تبدو اليوم “�أكرث من جيدة” مقارن ًة ب�سن���وات العقد الأخري يف القرن الع�شرين ،بالنظر �إىل طبيعة جمريات الأمور التي تظهر �أن ثمة تقب ًال خليجي ًا عام��� ًا لوجود اليم���ن يف �إطار النظام االقليمي اخلليج���ي� ،إال �أن هذا ال يعني �أن���ه قد مت التخل�ص من جملة العوائق والعقبات التي تقف حائ ًال دون و�صول ه���ذه العالقات �إىل الو�ض���ع الأمثل� .إن هذا يتطلب دف���ع �أثمان باهظة ميني ًا وخليجياً ،الأمر الذي قد يتجاوز ح�سابات الطرفني يف الوقت الراهن ،ورمبا لهذا ال�سبب ،يرى حيدر �أن التقدم احلا�صل يف العالقات اليمنية -اخلليجية عموم���اً ،ويف م�سرية التكامل االقليمي الذي يتيح لليمن نيل الع�ضوية الكاملة يف جمل����س التعاون خ�صو�صاً ،يظ���ل �شكلي ًا وغري مثمركث�ي�راً ،وينتظر دفعة ا�سرتاتيجية �أقوى حترك مفا�صلة املتثاقلة. ولتحقي���ق حتول نوع���ي وحقيقي يف عالق���ة اليمن مبحيط���ه اخلليجي ي�ؤدي يف النهاي���ة �إىل اندم���اج اليمن التام يف اجل�سم اخلليج���ي ،يدعو امل�ؤلف �إىل جت���اوز امل�سائ���ل التقليدي���ة القليلة الفاعلي���ة التي جربها الطرف���ان لفرتة ال ب�أ����س بها من الزم���ن والتي عرّج �إليه���ا امل�ؤلف يف مو�ضع �آخ���ر من درا�سته، وم���ن ثمّ انتهاج م�سار �أك�ث�ر جر�أة ،ال يتوقف عند رهان���ات الربح واخل�سارة 190
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
امل���وروث من اعتبارات احلقب املا�ضية وظروفها و�سيا�ساتها وحتالفاتها كما خ�صوماتها. اخلط��وات الأوىل ح���ال ت�أ�سي�س���ه يف مطل���ع ُخف امل�سئولون اليمنيون يف ال�شمال �أو اجلنوب امتعا�ضهم الثمانيني���ات ،مل ي ِ م���ن عدم دعوته���م لالن�ضم���ام ملجل�س التع���اون اخلليجي ،ورف�ض���وا املنطق القائل ب�أن اليمن لي�س دولة خليجية .ومن احلجج التي �سيقت لت�أكيد املوقف اليمن���ي �أن ا�ش�ت�راط الإطاللة على اخللي���ج العربي لالن�ضم���ام �إىل جمل�س التع���اون يجع���ل �إيران �أق���رب من اليمن لل���دول اخلليجية ،وه���و الأمر الذي يخالف منطق التاريخ واجلغرافيا. وعل���ى كل حال ،مثّ���ل قيام جمل�س التع���اون يف املح�صلة النهائي���ة ا�ستفزاز ًا لليمن ،و�شكّل له قلق ًا �سيا�سي ًا وحتدي ًا دبلوما�سياً .وبح�سب حيدر ،ف�إن اليمن وج���د نف�سه معزو ًال �إقليمي��� ًا ووحيد ًا من دون �سند �أو حلي���ف ميكن االعتماد علي���ه يف مواجه���ة كتلة دبلوما�سي���ة و�سيا�سية تزداد �أهمية عل���ى ال�صعيدين العرب���ي والعاملي ،ولكنها جتاهل���ت جارتها اجلنوبية وق���ررت �صرف وجهها بعيد ًا عنها ،ومن ثمّ فقد كانت ردة الفعل اليمنية ال�سلبية وال�ساخطة طبيعية ومتوقعة ،و�أ�صبح اليمن من �أكرب املعار�ضني للمجل�س ومن �أبرز امل�شككني يف �أهدافه ونواياه. ونتيج��� ًة لذلك ،قرر اليم���ن يف نهاية الثمانينيات االلتح���اق مبجل�س التعاون العرب���ي الذي �ض���مّ �إىل جانبه ك ًال من م�صر والع���راق والأردن ،وذلك للحد م���ن وط�أة �شعوره املتعاظم بعزلته الإقليمية قبل �أن ينهار هذا التجمع ب�سبب تداعي���ات حرب اخلليج الثانية يف العام .1990على �أن ف�شل هذه التجربة مل ي�ؤثر يف حما�سة �صانع القرار اليمني الذي �أظهر ن�شاط ًا حمموم ًا لالن�ضمام �إىل العدي���د م���ن املنظم���ات الإقليمية؛ فان�ض���مّ اليمن يف �أواخ���ر عام 1996 �إىل رابط���ة جتم���ع الدول املطلة على املحيط الهن���دي ،و�سعى من دون جناح
النم��ط الراه��ن من التط��ور يف عالقات املجل�س باليمن مدرو���س بدقة من قبل دول املجل�س ،ويراد ب��ه و�ضع كرة االندماج يف امللع��ب اليمن��ي ،بحيث يدفع اليمن للمبادرة �إىل و�ضع مقاربة حم��ددة ووا�ضحة املعامل مل�سارات اندماجه يف التجمع اخلليجي وم�ستوياته ،واتخاذ خطوات عملية من �ش�أنها حتقيق هذه الغاية
لالن�ضمام �إىل رابطة الكومنولث يف عام ،1997كما �أبدى رغبته يف االن�ضمام �إىل منظمات وجتمع���ات �أخرى كمنظمة ال�سوق امل�شرتكة لدول �شرق وجنوب وو�س���ط �أفريقيا واملعروف���ة بـ»الكومي�س���ا» ،وجمموعة دول الهيئ���ة احلكومية للتنمية واملعروفة اخت�ص���ار ًا با�سم «�إيجاد» ،وكذلك جتمع دول جنوب البحر الأبي�ض املتو�سط. وميكن القول �إن هذه املحاوالت كانت مبثابة ردة فعل على جتاهل طلب اليمن لالن�ضمام �إىل جمل�س التعاون الذي تقدم به يف قمة الدوحة التي انعقدت يف كان���ون الأول /دي�سمرب .1996ويرى حيدر يف هذا ال�سياق� ،أن الطلب اليمني مل يك���ن توقيته منا�سباً ،وجاء يف ظروف غري مالئم���ة متاماً ،وكان حمكوم ًا عليه بالرف�ض ال�سيا�سي قبل �أن يواجه بالرف�ض الدبلوما�سي.
نقط��ة حت��ول وبح�س���ب امل�ؤل���ف ،فق���د ظ���ل املوق���ف اخلليجي م���ن ان�ضمام اليم���ن �إىل جمل�س التعاون عل���ى هذا النحو حت���ى منت�صف العام ،2000وال���ذي �شهد حدث ًا مهم ًا متثّ���ل يف توقيع كل من اليم���ن وال�سعودي���ة على معاهدة ج���دة الت���ي مبوجبها تو�ص���ل الطرفان �إىل ت�سوي���ة نهائية خلالفاتهما احلدودية .وق���د ان�سحب هذا االتفاق على عالقة اليم���ن ب���دول املجل�س ب�شكل عام ،وكان من نتائج���ه ،حدوث حتول جذري يف املوق���ف اخلليجي م���ن ق�ضية عالقة اليم���ن مبجل�س التع���اون .وقد ات�ضحت مع���امل هذا التح���ول يف القمة اخلليجي���ة الثانية والع�شري���ن التي انعقدت يف العا�صم���ة العمانية م�سقط يف �أواخر �شهر كانون الأول /دي�سمرب .2001ففي ه���ذه القمة متت املوافقة على ان�ضمام اليمن �إىل عدد من م�ؤ�س�سات املجل�س غري ال�سيا�سية التي تعنى بال�صحة ،والرتبية ،والعمل ،وال�ش�ؤون االجتماعية، بالإ�ضافة لال�شرتاك يف دورة ك�أ�س اخلليج لكرة القدم. وطبق ًا حلي���در ،ف�إنه ومنذ مطلع العام 2002تبلورت �أربعة م�سارات �أ�سا�سية
ب���دا �أنها تقود قاط���رة النمو يف العالق���ات اليمنية -اخلليجي���ة وتدل عليه، ارتب���ط �أولها بت�صدي���ر الأيدي العاملة اليمني���ة �إىل دول املجل�س ،وخ�صو�ص ًا ال�سعودي���ة ،التي تع���د امل�ستقبل الأول لها .يف حني ارتب���ط امل�سار الثاين بفتح الأ�س���واق اخلليجية �أمام املنتجات الزراعية اليمنية� .أما ثالث هذه امل�سارات فق���د �أف�سح الطريق �أمام اليمن للح�صول على قرو�ض مالية معتربة من دول املجل����س .وبالن�سبة للم�سار الرابع ،فقد �أمكن لليم���ن اال�ستفادة من املواقف التي تتخذها دول جمل�س التع���اون املن�ضوية يف �إطار منظمة الدول امل�صدرة للنفط (�أوبك) عند التعامل مع �سوق النفط الدولية. وبالنظ���ر �إىل ه���ذه التطورات ،الح���ظ امل�ؤلف �أن املراقبني ق���د انق�سموا �إزاء �ش���كل العالق���ة بني اليم���ن وجمل����س التعاون اخلليج���ي يف ظل ه���ذا التقدم املح�س���وب ال���ذي �شهدت���ه هذه العالق���ة .فهناك م���ن اعترب التط���ورات التي �شهدته���ا العالق���ات اليمنية – اخلليجية منذ نهاية �سن���ة ،2001م�ؤ�شر ًا قوي ًا بيانات الكتاب
اليمن وجمل�س التعاون لدول اخلليج العربية: البحث عن االندماج حممد �سيف حيدر مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية (�أبوظبي) 2010 � 98صفحة العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
191
الفهر�ست
الفهر�ست
مراجعات
عل���ى �أن قب���و ًال خليجي ًا جزئي ًا لليم���ن قد حتقق ،و�أن ه���ذا القبول لي�س �سوى واالقت�صادية املحيطة بها. بداية للح�صول على الع�ضوية الكاملة يف املجل�س ،يف حني ر�أى فريق �آخر من واحل���ال كما ي���رى حيدر� ،أن التحول الذي ح�ص���ل يف قمة م�سقط عام 2001 املراقبني �أن م�س�ألة ان�ضمام اليمن �إىل املجل�س ما تزال تراوح مكانها بالرغم وما ت�ل�ا ذلك من تطورات ،مل يكن ثمرة طبيعية لإحلاح اليمن و�صربه بقدر من التطورات الأخرية التي �شهدتها عالقة اليمن مع جمل�س التعاون. م���ا جاء نتيج���ة للتغيرّ ات الت���ي طر�أت عل���ى منطلقات دول جمل����س التعاون بالن�سبة حليدر ،ف�إن امل�شهد الراهن مل�ستوى التكامل اليمني -اخلليجي يبدو ومدركاته���ا ملوق���ع اليم���ن ودوره املحتم���ل يف الإقلي���م .فق���د �أدت املتغريات �أك�ث�ر تعقيد ًا مما تطرحه ال���ر�ؤى ال�سالفة الذكر .والوا�ض���ح �أن هذا النمط العا�صف���ة التي مرّت بها املنطقة نتيجة تداعي���ات احلرب على الإرهاب بعد م���ن التطور يف عالقات املجل�س باليمن -كما يقول -مدرو�س بدقة من قبل �أح ��داث � 11أيلول�/سبتم�ب�ر واالحت�ل�ال الأمريكي للعراق يف ع���ام � 2003إىل دول املجل����س ،وي���راد به و�ضع ك���رة االندماج يف امللعب اليمن���ي ،بحيث يدفع �إع���ادة ر�سم خريطة التفاعالت االقليمية يف عم���وم منطقة ال�شرق الأو�سط اليم���ن للمبادرة �إىل و�ضع مقاربة حمددة ووا�ضحة املعامل مل�سارات اندماجه ويف منطق���ة اخلليج ب�ش���كل خا����ص .وبالإ�ضافة �إىل ذلك ،ف����إن دول جمل�س يف التجم���ع اخلليج���ي وم�ستوياته ،واتخاذ خطوات عملي���ة من �ش�أنها حتقيق التع���اون اخلليج���ي قد ب���د�أت تعي خط���ورة ت���رك اليمن وحي���د ًا يف مواجهة هذه الغاية .ومن خالل مراقبة �أداء ال�سيا�سة اليمنية ،ميكن القول �إن هناك التحدي���ات العاتية التي ته���دد �أمنه وا�ستقراره ،وق���د زاد التمرد احلوثي يف مقاربة جديدة مغايرة ملا كان يف املا�ضي ،فقد مت التخلي عن طموح االندماج ال�شم���ال م���ن قناعة القادة اخلليجي�ي�ن ب�أن اليمن يف ح���ال تركه للتدخالت الف���وري والكام���ل يف جمل�س التعاون مل�صلح���ة ال�شروع يف البح���ث عن �صيغٍ اخلارجي���ة ،وخ�صو�ص ًا التدخالت الإيراني���ة� ،سي�صبح منوذج ًا غري جيد ملا ميكن �أن يح�صل يف بلدانهم. �أخرى تكفل م�ستوى من التعاون مع دول املجل�س ،يو�صل الحق ًا لالندماج. مل تتغري دوافع لكن ه���ذه النظرة االيجابية �إزاء اليمن ودوره ،كم���ا يجادل امل�ؤلف ،ال ميكن دوافع االندماج و�صعوباته اليمن �إزاء م�س�ألة االندماج يف بنية جمل�س التعاون ومنظومته االقليمية ،فقد �أن ت����ؤدي عملي ًا �إىل اندماج اليمن يف املنظوم���ة اخلليجية يف نهاية املطاف، ظلت ال�سيا�سة اليمنية ترى �أن املوقع اجلغرايف الذي يحتله اليمن يف منطقة �إذ يقع على عاتق اليمن وجمل�س التعاون مع ًا م�سئولية تذليل ال�صعوبات التي اخللي���ج و�شبه اجلزي���رة العربية ،وما يتب���ع ذلك من اال�ش�ت�راك يف التاريخ ما تزال تقف �أمام عملية التكامل واالندماج يف مرحلة تالية .ورغم ت�شديده عل���ى �أنه يقع عل���ى اليمن العبء الأكرب يف حت�سني �أو�ضاع���ه وبناء م�ؤ�س�سات والثقافة ،مربر ًا كافي ًا لإقن���اع الدول اخلليجية ب�أهمية قوية ،جتعله �أكرث قو ًة ومتا�سكاً ،ف�إن امل�ؤلف يف الوقت نف�سه ان�ضمام اليمن �إىل املجل�س. ال��ت��ح��ول ال���ذي ح�صل يف ي�ؤك���د �أنه ال ميك���ن لدول اخللي���ج �أن تفكر يف قب���ول اليمن ويف ه���ذا ال�سياق ،يلحظ الباحث �أمرين هامني .الأول، قمة م�سقط عام 2001وما ع�ضو ًا وهو غري م�ستقر �سيا�سي ًا �أو اقت�صادي ًا �أو �أمنياً. �أن االندم���اج كان -وم���ا ي���زال -مطلب��� ًا ميني��� ًا �أك�ث�ر من كون���ه مطلب ًا خليجي���اً؛ فاليمن هو م���ن بادر لطلب تال ذل��ك من ت��ط��ورات ،مل ولهذا ي�شري حيدر ،يف نهاية الدرا�سة� ،إىل �ضرورة الو�صول االن�ضم���ام �إىل ع�ضوية جمل�س التعاون و�سعى �إليه ،ومل يكن ثمرة طبيعية لإحلاح لو�ضع ميكن في���ه تقبل اليمن يف املنظوم���ة اخلليجية ،ولن تعر�ض �أي من دول املجل�س ال�ست ،منفردة �أم جمتمعة ال��ي��م��ن و���ص�بره ب��ق��در ما يت���م ذل���ك �إال من خالل �إع���ادة ت�أهيل اليم���ن بو�صف ذلك عل���ى اليمن يف �أي وقت �أن يكون ع�ضو ًا يف هذا التجمّع ،جاء نتيجة للتغيرّ ات التي معيار ًا رئي�سي ًا وحاكم ًا لردم الفجوة التنموية ال�ضخمة بينه ودول اخلليج ،حمذر ًا يف الوق���ت نف�سه من �أن هذه املقاربة الذي كان وال يزال من الناحية النظامية جتمع ًا �إقليمي ًا طر�أت على منطلقات دول تظل حمفوف���ة بالتحديات وال�صعوب���ات وتكتنفها حماذير مغلق ًا على �أع�ضائه امل�ؤ�س�سني. جمل�س التعاون ومدركاتها وتعقي���دات عدة قد تف�ضي به���ا يف النهاية ،وبعك�س املنتظر �أم���ا الأمر الثاين ال���ذي يلحظه حيدر يف ه���ذا ال�ش�أن، فهو ثبات مطل���ب اليمن لالن�ضمام �إىل جمل�س التعاون ملوقع اليمن ودوره املحتمل �أو امل�أم���ول ،لأن ت�صب���ح حج���ر ع�ث�رة حقيقية �أم���ام عملية يف الإقليم االندم���اج بد ًال م���ن �أن تكون مدخ�ل�اً �إليها �أو حم���رك ًا لها، و�أولويت���ه من���ذ مت االع�ل�ان عن���ه ر�سمي��� ًا يف منت�صف الأمر الذي يفر�ض على اليمن وجمل�س التعاون العمل �سوي ًا الت�سعينيات يف القرن املا�ض���ي ،وهذا يدل على ا�ستقرار الدوافع اليمنية جتاه م�س�ألة االندماج ،و�أن ال�شواغل الأ�سا�سية التي حتفزها م���ن �أج���ل تغيري الواق���ع احلايل الذي ال ميك���ن معه امل�ض���ي يف عملية �إدماج ما زالت موج���ودة كما هي من الناحيتني املو�ضوعية والعملية ،ولهذا فان �أي اليمن يف املنظومة اخلليجية الإقليمية. حدي���ث عن دور �أو ت�أثري الح���ق للمتغريات االقليمي���ة والدولية يف دفع اليمن �أخرياً ،ق���د ال يكون هذا املقام هو املكان املنا�س���ب لالحتفاء بهذه الدرا�سة، نح���و التكام���ل الع�ضوي مع دول اخللي���ج العربية ال يكت�س���ب �أهمية كبرية ما لكنه بال �شك املكان املنا�سب لالعرتاف ب�أنها درا�سة مهمة وجديرة بالقراءة كب�ي�ر عن الدعائية والتف�سريات دام���ت دوافع اليم���ن تنطلق من �شواغ���ل حملية �صرف ،وذل���ك على العك�س واالهتم���ام واملناق�شة ،فقد ابتعدت �إىل حدٍّ ٍ من منطلقات دول جمل����س التعاون الأكرث ح�سا�سية بطبيعتها جتاه ال�ضغوط غ�ي�ر املنطقية لق�ضية فائقة الأهمية واحل�سا�سي���ة ،و�أحوج ما تكون لأن تظل الناجتة عن التحوالت واملتغريات التي ت�ؤثر يف البيئة الأمنية واجليو�سيا�سية مبن�أى عن ذلك كله.
عبدالغني املاوري
192
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
عرو�ض موجزة ا�سرتاتيجية ال�صراع توما�س �شيلينج ترجمة :نزهت طيب و�أكرم حمدان. مركز اجلزيرة للدرا�سات (الدوحة) والدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)2010 ، � 320صفحة ت�أتي �أهمية هذا الكتاب من كونه يعالج موا�ضيع مت�شعب���ة يف النزاع���ات الدولي���ة ،واالقت�ص���اد، وعلم االجتم���اع ،واال�سرتاتيجي���ة الدولية .فهو كت���اب خا����ص يف علم���ي امل�ساوم���ة والت�ص���رف اال�سرتاتيج���ي ،وواحد ًا م���ن الكتب املائة الأكرث ت�أث�ي�ر ًا يف الغرب منذ العام � ،1945أي منذ �أكرث من ع�شرين �سنة� ،إال �أن املبادئ والأفكار الواردة في���ه ما زال���ت تنطبق عل���ى النزاع���ات القائمة يف وقتن���ا احلا�ض���ر .ومب���ا �أن ف����ض النزاعات الدولي���ة هي من �أولوي���ات امل�ؤ�س�س���ات الدولية، كان ال ب���د من �إيج���اد �آليات و�أفكار �أ�صيلة ،تقنع �أط���راف النزاع دون �شعورها بالغ�ب�ن الفاح�ش ،ال���ذي قد ي�صيب طرف ًا م���ا من �أطراف الن���زاع وهنا تظهر �أهمية الأفكار والآليات التي ابتدعها امل�ؤلف يف كتابه هذا .وقد ُ�سميت ب�أ�سماء خمتلف���ة منها« :نظرية اللعب» � Theory Gameأو النظرية اال�سرتاتيجية .وقد ا�ستعان امل�ؤلف يف �ش���رح نظريته و�أفكاره باملعادالت الريا�ضية التي قد ت�ساعد الق���ارئ املتمر�س بالعلوم الريا�ضية على فه���م �أفكاره ومقا�صده ب�سهولة .ولقد و�ض���ع امل�ؤلف هذا الكت���اب عندما كان الن���زاع يف �أوجه ب�ي�ن الواليات املتحدة واالحت���اد ال�سوفيتي ،وبالرغم من ادعائه احلياد� ،إال �أنه كان مييل �إىل ترجيح الكفة الأمريكية. تت�س���م حمتوي���ات هذا الكت���اب بالغزارة والأ�صال���ة� ،إذ ي�ضم ب�ي�ن دفتيه �أربعة �أج���زاء تت�ضم���ن العناوين التالية :اجل���زء الأول ي�أتي بعن���وان :عنا�صر نظرية اال�سرتاتيجي���ة� .أما اجلزء الث���اين فجاء بعنوان� :إعادة توجي���ه نظرية اللعب. وي�أت���ي اجلزء الثالث بعن���وان :اال�سرتاتيجية ذات املكون الع�شوائي� .أما اجلزء الراب���ع والأخ�ي�ر فيبحث يف الهج���وم املفاج���ئ :درا�سة يف االرتي���اب املتبادل، ويرك���ز على اخلوف م���ن الطرف الآخر والدفاع عن النف����س .ويختتم الباحث كتابه بثالثة مالحق وخامتة ومالحظات هام�شية. يبق���ى �أن نذك���ر ب����أن توما����س �شيلين���ج ،م���ن موالي���د �سن���ة 1921يف �أوكالند بكاليفورني���ا ،يحمل �إجازة يف االقت�صاد من جامع���ة كاليفورنيا ،ودكتوراه من جامع���ة هارف���ارد �سنة 1948م .والتح���ق مبكتب موظفي البي���ت الأبي�ض وعمل م�ست�ش���ار ًا للرئي�س يف �ش�ؤون ال�سيا�سة اخلارجية ثم التحق يف �أواخر عام 1953 بجامع���ة ي���ال حيث ب���د�أ بن�شر م���ا عدته جلنة جائ���زة نوبل �إ�سهام��� ًا يف “فهم التعاون والنزاع” وح�صل على جائزة نوبل لالقت�صاد يف العام .2005
عندما تت�صادم الأ�سواق :ا�سرتاتيجيات ا�ستثمارية يف ع�صر التقلبات االقت�صادية العاملية حممد العريان ترجمة :حليم ن�سيب ن�صر دار الكتاب العربي (بريوت)2009 ، � 391صفحة ي�ض���ع حممد العريان ،الذي يعت�ب�ر �أحد �أكرث الأ�سماء احرتام ًا يف عامل املال اليوم ،الأحداث الأخ�ي�رة يف ال�س���وق املالي���ة �ضم���ن �سياقه���ا ال�صحي���ح ،ويقدم للقارئ الأدوات التي ميكن �أن ت�ساعده يف درا�سة ال�سوق ،واال�ستفادة من التب���دل االقت�صادي العاملي ،ويف كيفية جتاوز املخاطر .وقد �صدر هذا الكتاب يف وقت يبدو منا�سب ًا� ،إذ ينبه �إىل التغريات الأ�سا�سية التي حتدث الي���وم يف الأنظمة االقت�صادية واملالية العاملي���ة -وه���و �إنذار للم�ستثمري���ن الذين قد يقع���ون �ضحي���ة ت�أويالت خاطئة �أو �س���وء تف�سري لبع�ض الإ�ش���ارات املهمة .ويف الوقت الذي ينظر فيه بع�ض امل�ستثمرين �إىل م�س�ألة �سوء تقدير ت�سعري الأ�صول على �أنها جمرد «�ضجة وجلبة» ،يبني هذا الكتاب املقنع مدى �أهمية الإ�شارات، الت���ي تدل �إىل الفر�ص �أو املخاطر ،يف حتديد و�صياغة �شكل الأ�سواق لل�سنوات القادمة. حالي��� ًا ،يعي�ش االقت�صاد العاملي يف خ�ضم �سل�سل���ة متالحقة من الأزمات ،وقد بد�أ النمو العاملي يت�أثر بدول مل يكن لها يف ال�سابق �أي ت�أثري يذكر على اقت�صاد ال�سوق ،بعد �أن ا�ستطاعت �أن تراكم ثروات خيالية غري متوقعة وبات لها ت�أثري مهم ،وهو �أمر جعلها تواجه حتديات غري م�سبوقة� .إ�ضافة �إىل ذلك� ،ساهمت امل�شتقات املالية اجلديدة يف تبديل �سلوك كثري من قطاعات ال�سوق والالعبني فيه���ا .لكن ،ورغم كل هذه التغريات ،ينبغي االرتقاء بالبنية الأ�سا�سية للنظام املايل حتى يتمكن من عك�س حقائق وقائع العامل حالي ًا وم�ستقب ًال. يدر����س العري���ان الدواف���ع الكامن���ة وراء هذا التغ�ي�ر العاملي ،وه���و يطلب من امل�ستثمر �أن: يفكر جيد ًا يف الفر�ص اجلديدة املتاحة �أمامه ،و�أي�ض ًا يف املخاطر التي ميكن�أن تعرت�ضه. ين�شئ حمفظة متنوعة ومد ّولة ب�شكل منا�سب. يحمي حمفظته من �أي م�صدر خطر �شامل. يفكر يف ت�أثري البنوك املركزية وال�سيا�سات املالية العاملية.ويف معر����ض توقعات���ه للتط���ورات املالي���ة امل�ستقبلي���ة ،يحاول العري���ان تقدمي امل�ساعدة ملن يه ّمه الأمر يف اال�ستفادة ما �أمكن من امل�شهد االقت�صادي واملايل اجلديد ،ويف احلد ،يف الوقت نف�سه ،من التعر�ض لأية خماطر جديدة. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
193
الفهر�ست
عرو�ض موجزة
عودة تركيا �إىل ال�شرق :االجتاهات اجلديدة لل�سيا�سة الرتكية مي�شال نوفل الدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)2010 ، � 151صفحة يلق���ي ه���ذا الكت���اب �أ�ض���واء كا�شفة عل���ى �أهم عنا�صر و�سمات التحول يف ال�سيا�سة اخلارجية الرتكي���ة وب���روز اجت���اه «العثماني���ة اجلدي���دة» ح�سب تعبري امل�ؤلف ،مذكر ًا مبنعطفات �أ�سا�سية وم�ؤث���رة يف حركة التغيري الرتك���ي منها ما بد�أ عام 1980يف �سيا�سة االنفتاح االقت�صادي التي �شكلت نقطة انطالق بارزة و�أ�سا�س ًا لبناء توازن بني الدولة واملجتمع ع�ب�ر البوابة االقت�صادية، وتك ّر����س الحق ًا عرب البواب���ة الثقافية مع �إعادة �إعط���اء الإ�سالم مكانت���ه ال�سيا�سية واملجتمعية يف تركيا يف �إطار حركة «التوليف الرتكي -الإ�سالمي» .وعلى وقع ديناميات البيئ���ة العاملية املتحولة عق���ب �أفول احلرب الباردة ،كان على تركيا �أن تُط ّور وتع���دّل توجه���ات �سيا�ستها اخلارجي���ة .وعليه ،عملت امل�ؤ�س�س���ة احلاكمة يف تركي���ا ل�ص���وغ مقارب���ة جيوثقافية جتعل تاريخه���ا الإمرباط���وري العثماين، ومي���زات موقعه���ا اجليو�سيا�سي املح���وري ،ر�صي���د ًا �إيجابي ًا يف �إع���ادة بناء النظرية ال�سيا�سية للدولة. ويت�س���اءل امل�ؤل���ف ع���ن التب���دل يف الوظيف���ة ال�سيا�سي���ة للت�ص���ور العثم���اين اجلدي���د بني مرحلة و�أخرى منذ مطلع ت�سعينيات القرن املا�ضي ،و�صو ًال �إىل دبلوما�سية حكومة رجب طيب �أردوغان التي تظهر مفارقة �صارخة �إن قورنت باالنع���زال الرتكي التقليدي واالبتع���اد عن �ش�ؤون ال�ش���رق الأو�سط وق�ضاياه ال�ساخن���ة .وي�شري امل�ؤلف �إىل �أن التغ�ي�ر يف ال�سيا�سة اخلارجية الرتكية جتاه منطقة ال�ش���رق الأو�سط ي�ستند �إىل مقاربة وزي���ر اخلارجية الرتكي احلايل �أحم���د داود �أوغل���و ،التي ترى �أن تركي���ا عليها �أن ت�سه���م يف بناء ال�سالم يف املنطق���ة ،وت�سع���ى �إىل التقريب ب�ي�ن دول ال�شرق الأو�س���ط ،وذلك باالعتماد على �سيا�سة خارجية ،مبنية على ثالثة مكونات �أ�سا�سية� ،سيا�سية ،وثقافية، واقت�صادية. ولذا عمل���ت تركيا على تطبيق نظرية «ت�صف�ي�ر اخلالفات» مع دول اجلوار، الأمر ال���ذي ا�ستدعى بروز ديناميكية نا�شط���ة ،متكنت من �صياغة عالقات جدي���دة وخمتلفة م���ع كل من �سورية و�إيران والع���راق ،وب�شكل �أحدث قطيعة م���ع عالقات املا�ضي ،التي �شابها التوتر والتوج�س والعداء ،وفتح الباب �أمام ت�أ�سي����س مدخ���ل تعاوين �شامل م���ع دول اجلوار ،ب���د�أ من الأم���ن وو�صل �إىل ال�سيا�سة ثم �إىل االقت�صاد.
كيف ي�صنع القرار يف الأنظمة العربية جمموعة من الباحثني مركز درا�سات الوحدة العربية (بريوت)، 2010
� 720صفحة �ضم هذا الكتاب ح�صيلة لدرا�سة �شاملة لعملية �صن���ع الق���رار يف �أحد ع�شر بل���د ًا عربي ًا ،متثل 194
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
خمتلف مكونات الوطن العربي .قام ب�إعداد هذه الدرا�سات خرباء مربزون م���ن خلفي���ات فكري���ة وعلمية متنوع���ة ،وج���اء م�ضمونها معرب ًا ع���ن تكامل احلق���ول املعرفي���ة ،يف هذا امليدان امله���م من ميادين البح���ث العلمي الذي تتقاطع فيه علوم الإدارة وال�سيا�سة واالجتماع واالقت�صاد والإن�سانيات. يتكون الكتاب من اثنى ع�شر ف� ً صال ،متثل البلدان مو�ضع الدرا�سة (الأردن، اجلزائ���ر ،ال�سعودي���ة ،ال�سودان� ،سوري���ا ،العراق ،الكوي���ت ،لبنان ،م�صر، املغ���رب ،اليم���ن) بالإ�ضاف���ة �إىل ف�صل ختام���ي يقارن بني تل���ك احلاالت، ويق���دم خال�ص���ات ممثلة للقوا�س���م امل�شرتك���ة يف عملية �صنع الق���رار على امل�ست���وى العربي العام .وتتناول الف�صول التطورات التي حلقت بعملية �صنع القرار يف الوطن العربي ،من حيث بيئة القرار الداخلية واخلارجية ،وتغري الفاعلني القائمني ب�صنع القرار� ،أو �أولئك امل�ؤثرين فيه. يف الف�صل اخلتامي الذي �أعدته من�سقة وحمررة الدرا�سة د .نيفني م�سعد، حتلي���ل م�سهب للتغ�ي�ر يف �أطراف �صنع القرار ،مثل ال���دور املحوري لرئي�س الدول���ة ،وتزايد �أدوار �أبناء الر�ؤ�ساء ،وحمدودي���ة دور ال�سلطتني الت�شريعية والق�ضائية باملقارنة مع ال�سلطة التنفيذية ،والرتاجع الن�سبي لدور اجلي�ش، وب���روز دور رج���ال الأعم���ال ،و�صع���ود احل���ركات االجتماعي���ة باملقارنة مع الأحزاب ال�سيا�سية ،و�صعود وتنوع الفاعلني من اخللفية الدينية ،بالإ�ضافة �إىل فاعل�ي�ن جدد كاملر�أة وقنوات الب���ث الف�ضائي .كما ت�شري الدرا�سة �أي�ض ًا �إىل تزاي���د دور العوامل اخلارجية يف �صنع القرار ،وافتقاد الطابع امل�ؤ�س�سي لعملي���ة �صنع الق���رار ككل .وتختتم الدرا�سة با�ستنتاج���ات مهمة جد ًا تف�سر الواقع القائم ،وتقدم م�ؤ�شرات للم�ستقبل.
مراكز الفكر� :أدمغة حرب الأفكار �ستيفن بو�شيه ومارتني رو ّيو ترجمة :ماجد كنج دار الفارابي (بريوت)2009 ، � 230صفحة يف كتابهم���ا «مراكز الفكر» ،يب�ّي�نّ امل�ؤلفان �ستيف���ن بو�شيه ومارتني روي���و �أنّ هنالك يف �أمريكا وال���دول الأوروبي���ة جمموعات عمل فكري���ة «مراكز الفكر» ،مه ّمته���ا درا�سة � ّأي ق�ضية حملية �أو خارجية من جميع جوانبها وحيثياته���ا باالرتباط باحل���دث امل�ستقبلي، وو�ضع هذه الدرا�س���ات �أمام �صانعي القرار يف �أعل���ى م�ستويات اله���رم احلكومي للدولة املعنية. ويع�ّب�رّ امل�ؤلف���ان ع���ن مركز الفك���ر بالقول: مرك���ز الفكر معرب بني �أولئك الذي���ن لديهم �أفكار ويحلم���ون بالو�صول �إىل ال�سلط���ة ،و�أولئك الذين ه���م يف ال�سلطة ويري���دون �أن يدعموا ممار�ساتهم بالتحلي���ل املعمق� ،أي ب�شكل �إجما ّ يل :مركز الفكر ج�سر بني �أ�صحاب القرار واخلرباء وو�سائط الإعالم واجلمهور الوا�سع. يبينّ امل�ؤلف���ان �سمات مراكز الفكر باعتبارها هيئ���ات دائمة ،ومركز الفكر متخ�ص�ص متف ّرغ متخ�ص����ص ب�إنتاج حل���ول لل�سيا�سة العا ّمة بف�ضل طاق���م ّ ّ ً ً للبح���ث .ي�ؤ ّمن مركز الفكر ناجت���ا �أ�صيال من التفك�ي�ر والتحليل والن�صح،
مهام حكومية، العام ،وغري مك ّلف ب�إجناز ّ يوجه للحكام وللر�أي ّ ور�سالته �أن ّ وي�سع���ى ب�شكل عام للإبقاء عل���ى ا�ستقالليته الثقافي���ة وال يرتبط مب�صالح العام، خفي للعمل على مفهوم م���ا للخري ّ حم���ددة ،ولعمله طموح ظاه���ر �أو ّ بخالف الهيئات التي هدفها التجارة والربح فقط. وي�ش�ي�ر امل�ؤلف���ان �إىل ظهور �أرب���ع موجات ملراكز الفكر عاملي��� ًا :الأوىل :قبل احلرب العاملية الأوىل و�أثناءها يف اجنلرتا والواليات املتحدة ،ولأ ّنها مل تكن معروفة حتت ا�س���م مراكز الفكر ،ظهرت مراكز للبحث ال�سيا�سي يف بداية القرن الع�شرين من �أج���ل �إفادة النواب واملوظفني بالن�صائح املحايدة ومن �أج���ل تق ّدم العلوم االجتماعي���ة� .أما املوجة الثانية فق���د جاءت بعد احلرب العاملي���ة الثاني���ة ،وخالله���ا انت�ش���ر مفهوم مرك���ز الفكر ب�سرع���ة ،بدء ًا من الواليات املتحدة ث���م �إىل دول �أخرى .وحدثت املوجة الثالثة بعد ال�صدمات النفطي���ة يف ال�سبعيني���ات يف الوالي���ات املتحدة كم���ا يف �أوروب���ا� .أما املوجة الرابع���ة ملراك���ز الفكر فقد ظه���رت يف الواليات املتحدة و�أورب���ا العام 1990 حي���ث �أدّت نهاية احلرب الب���اردة �إىل �أن يطرح الباحث���ون �أ�سئلة جديدة عن �آلية عمل العالقات الدولية يف ظل ظهور متغريات وحتديات عاملية جديدة.
احلروب وتوازن القوى :درا�سة �شاملة لنظرية توازن القوى وعالقتها اجلدلية باحلرب وال�سالم �إبراهيم �أبو خزام دار الكتاب اجلديد املتحدة (بريوت)2009 ، � 300صفحة ه���ذا الكتاب ه���و ا�ستمرار جل���زء من كتاب �سبق �أن ن�ش���ره الباح���ث والأكادميي الليبي �إبراهيم �أبو خزام من���ذ �أعوام حتت عنوان «الع���رب وت���وازن القوى يف الق���رن احلادي والع�شرين» ،وهو درا�س���ة ا�ست�شرافية لواقع القوى العظمى يف الت�سعينيات ،وقد انطلقت تلك الدرا�سة م���ن افرتا�ضات نظرية معينة تذه���ب �إىل وج���ود ثواب���ت ومتغ�ي�رات يف ال�سيا�س���ة الدولي���ة؛ والثوابت ه���ي ما �أطلق امل�ؤلف عليها «قوان�ي�ن التاريخ» ،وهي عبارة ع���ن ا�ستنتاجات متكررة طوال التاريخ ،ال متتل���ك الدول تغيري كنهها لكنها ت�ستطي���ع ا�ستخدامها يف �أثناء تعاملها الدويل .ويذهب امل�ؤلف �إىل �أن جناح ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة لأي���ة دولة يعتم���د على مق���دار فهمها له���ذه القوانني التاريخية ،ومدى قدرتها على التعامل معها. ويقول �إن غاية درا�سته املتممة هذه تذهب �إىل ناحيتني� :أكادميية و�سيا�سية. فه���ي حماولة لو�ضع درا�سة علمية �أكادميية تتن���اول ظاهرة �سيا�سية مهمة، ال�سيم���ا و�أن املكتبة العربية ،واملن�شورات اجلامعي���ة ب�شكل خا�ص ،تخلو من درا�س���ة متكاملة يف التوازن الدويل ،فما كتب يف الفكر العربي غالب ًا ،تناول ه���ذه الظاهرة باقت�ضاب �شدي���د ،وذلك بغر�ض تعريفه���ا و�إدخالها مدارك الط�ل�اب ،ومل تذهب هذه الدرا�س���ات �إىل حماولة تق���دمي �صياغة متكاملة لهذا املو�ضوع اخلطري. �أم���ا ال�سبب ال�سيا�سي فيح���اول خدمة ال�سيا�سة العربي���ة ولفت عنايتها �إىل �أهمي���ة حتليل ه���ذه الظاهرة ،وقد ب���دا للم�ؤلف �أن بع�ض ح���االت الف�شل يف
ال�سيا�س���ة العربية تعود �إىل عدم �إدراك �أهمية الت���وازن الدويل .ولهذا دفع العرب وما زالوا يدفعون ثمن الفهم ال�سيا�سي اخلاطئ ،هذا ما حدث عقب احل���رب العاملي���ة الأوىل وتكرر بعد احل���رب العاملية الثانية ،وق���د يتكرر مرة �أخرى بعد �أن انتهت احلرب الباردة و�أ�صبح العامل يت�شكل من جديد.
العوملة والدميقراطية والإرهاب �إيريك هوبزباوم ترجمة� :أكرم حمدان ونزهت الطيب مركز اجلزيرة للدرا�سات (الدوحة) والدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)2009 ، � 141صفحة ي�أت���ي كت���اب “العومل���ة والدميقراطي���ة والإره���اب” تكمي ًال للكت���ب ال�سابقة للم�ؤرخ الربيط���اين ال�شه�ي�ر �إيري���ك هوبزباوم .وال يقت�ص���ر الكت���اب على تلم����س مالمح القرن الع�شري���ن ب���ل �أك�ث�ر م���ن ذلك يلق���ي نظرة ا�ست�شرافي���ة مل�ستقب���ل الع���امل .وتنتظ���م يف الكتاب جمموعة مق���االت ن�شرها هوبزباوم فيم���ا ب�ي�ن � 1990إىل .2006ومو�ض���وع ه���ذا الكت���اب �سيا�س���ي �إال �أنه يت���وزع �إىل خم�سة موا�ضيع تنتظمها ع�شرة ف�صول وموا�ضيع، وهي :احلرب وال�سلم يف القرن احل���ادي والع�شرين ،ما�ضي �إمرباطوريات الع���امل وم�ستقبلها ،طبيعة القومي���ة و�سياقها املتقلب� ،آف���اق الدميقراطية الليربالية ،م�س�ألة العنف ال�سيا�سي والإرهاب. وال يغف���ل هوبزباوم عن كون هذه العنا�صر اخلم�سة تتفاعل يف �سياق يت�سم بالت�سارع املتوا�صل يف املجالني التقني واالقت�صادي امل�ستندين �إىل عوملة ما فتئت تداعياتها تتحكم يف م�صائر ال�شعوب والأمم يف �سائر قارات العامل. و�أ�صبح���ت املفاو�ضات واحللول ال ت�أتي ب�س�ل�ام و�إمنا بغياب مطول ملظاهر القت���ال ،وهذا ما ي�ؤكد اختالط مفهوم���ي احلرب وال�سلم الذي طبع القرن الع�شري���ن ،حيث ي�ؤكد هوبزباوم �أنه ال يوج���د �إطالق ًا �أي نزاع م�سلح حدث يف القرن الع�شرين وانتهى بت�سوية م�ستقرة. وميتاز القرن الع�شرين بك���ون مفهومي احلرب وال�سلم قد �شهدا فيه تغرياً جذري��� ًا و�أحدثا قطيع���ة مع املفهوم التقليدي لهذي���ن امل�صطلحني .ومل تعد احلرب تبد�أ ب�إعالن عمل ع�سكري وتنتهي بتوقيع اتفاقية �سالم ،بل اختلط املفهوم���ان� ،إذ جن���د ف�ت�رات زمنية يف ه���ذا القرن ال هي ف�ت�رات �سلم وال ف�ت�رات حرب باملفهوم التقلي���دي (و�ضعية العراق قب���ل حرب اخلليج خري مثال على ذلك ،وكذلك العالقة بني الفل�سطينيني والإ�سرائيليني). ومم���ا زاد من تعقيد م�س�أل���ة احلرب وال�سلم �أن الق���وة �أ�صبحت بيد الدول ولي�س���ت بيد امل�ؤ�س�سات الدولي���ة .ويقرتح هوبزباوم �ض���رورة التخل�ص من خط���اب احلرب الب���اردة وفر�ضياتها الإيديولوجي���ة وال�سيا�سية ،خ�صو�ص ًا يف ظ���ل �إخفاق فر�ض النظام العاملي اجلديد بوا�سط���ة قوة �أحادية ،ف� ً ضال ع���ن تقوية وظيف���ة امل�ؤ�س�سات الدولية (الأمم املتح���دة وغريها) .ويرى �أن ن�شر الدميقراطية الليربالية لن ينجح لأنها تهدد وحدة القيم العاملية .كما تناول ظاهرة الإرهاب والعنف ال�سيا�سي بالتحليل والقراءة. العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
195
�أُفـُـــق
رغيد ال�صلح
عندما يلتقي العداء للعرب مع العداء للغرب اقرتن���ت كلم���ة ‘املهجر’ يف الذهن العربي نظ���رات مت�ضاربة .عند البع�ض اقرتن املهجر ب�ص���ور النفي والت�شرد والغربة، وعن���د البع�ض الآخر مبناخات احلرية واالبداع والتقدم .ول�سن���وات عديدة خلت ،كانت الكفة متوازنة بني هذين النمطني من النظرات .وخالل ال�سنوات الأخرية عندما منا االهتمام بالدميقراطية والإ�صالح يف املنطقة العربية ،وعندما ارتفعت �أرق���ام الهج���رة �إىل الدميقراطيات الغربية� ،أمل البع�ض ،ومنهم هذا الكات���ب� ،أن متيل الكفة �إىل جانب ال�صور املتفائلة. �أم���ل ه����ؤالء �أن يتعرف �أكرب عدد من املهاجرين الع���رب على الأفكار الدميقراطية ،و�أن يتع���ودوا على ممار�ساتها يف دول املهج���ر ،وم���ن ّثم �أن يتحول���وا �إىل ر�سل للدميقراطي���ة يف بالدهم ،في�ساع���دوا على تعميقها حيث ه���ي ال تزال يف مرحلة الن�ش����أة ،وعل���ى توطيده���ا حيث حققت بع�ض التقدم .وقائ���ع الهجرة د ّلت على �أن مثل هذه الآم���ال هي �أقرب �إىل التفكري الرغائب���ي ،خا�ص��� ًة عندما كان���ت ترتطم بعقبات كربى جعلت م���ن ن�شر الدميقراطية بني املهاجري���ن العرب� ،أ�صعب من ن�شرها بني �أبناء الوطن. كان���ت م���ن �أهم هذه العقبات نزعة الآرابوفوبيا �أو العداء للعرب يف دول وجمتمعات الهجرة .فحيث انت�شرت هذه النزعة تر�سخ���ت معها م�شاع���ر الغربة بني العرب ،وتعرقلت م�ساعي اندماجهم باملجتمعات اجلديدة ،وم�ساهمتهم يف م�ؤ�س�ساتها ّ واحلي���اة العام���ة فيها .كانت ه���ذه النزعة موجودة دائم��� ًا يف الأو�ساط القومي���ة والدينية املتع�صب���ة� ،إال �أنها كانت تزداد انت�شار ًا وعمق ًا مع ارتفاع عدد املهاجرين العرب .بل ازدادت هذه النزعة عنف ًا و�ضراوة مع حمالت التحري�ض املنظم التي ا�ضطلعت بها اجلماعات امل�ؤيدة لإ�سرائيل يف الغرب �ضد الهجرة واملهاجرين العرب .ذلك �أن هذه اجلماعات باتت ت�شعر بالقل���ق من جراء ارتفاع ن�سب���ة ال�سكان العرب يف املجتمعات الغربية ،ومن احتمال اندماج ه�ؤالء بامل�ؤ�س�سات العامة ،ومن ت�أثريهم عرب امل�سالك الدميقراطية يف �سيا�سات الدول الغربية جتاه ال�صراع العربي-الإ�سرائيلي. درء ًا لهذا ‘اخلطر’� ،أطلقت جماعات ال�ضغط امل�ؤيدة لإ�سرائيل �صفارات االنذار �ضد ‘الغزو الدميغرايف العربي’ املتفاقم للمجتمع���ات الغربية ،وطفقوا يروجون للآرابوفوبيا ويح���ذرون من حت ّول �أوروبا �إىل ‘يوريبيا’ كما �س ّمت الكاتبة الأمريكية امل�ؤي���دة لإ�سرائي���ل بات يئور ،كتابها التحري�ضي �ضد العرب! و�أ�سفرت هذه احلمالت التحري�ضية عن جناحات رمبا فاقت توقع���ات ُمطلقيه���ا .ولقد بتنا ن�شهد يومي ًا يف امل���دن الأمريكية والأوروبية ثمار هذه النجاح���ات كما كان الأمر يف نيويورك يف نهاي���ة �شه���ر �آب�/أغ�سط�س الفائت ،عندما جت ّم���ع مئات الألوف من الأمريكيني املتع�صبني لك���ي يطلقوا العنان مل�شاعر الآرابوفوبيا والإ�سالموفوبيا. من العقبات الأخرى املهمة التي حالت دون تفاعل املهاجرين العرب مع بالد االغرتاب نزعة ‘الأوروفوبيا’ �أو العداء لأوروبا والغ���رب املنت�شرة يف العديد من الأو�س���اط العربية ،وخا�صة املهاجرين العرب يف دول الغرب� .إذ يعتقد ‘الأوروفوبيون’ �أن الدميقراطي���ة ه���ي غربية املن�ش�أ والهوية ودخيلة على البالد العربية ،ف�إنهم يحول���ون مناه�ضة الدميقراطية �إىل وجه من وج���وه الكفاح �ض���د الهيمنة الأوروبي���ة والغربية على الع���رب� .إن الأورفوبيني ال يعرفون �إال القليل ع���ن الدميقراطية وعن عالقته���ا بال�شرق ،ف� ً ضال ع���ن ذلك ف�إنهم يعطلون م�شاركة املهاجرين العرب يف احلي���اة العامة يف عوامل االغرتاب .هذا بالطبع يحرم الأمة العربية من قوة كربى ميكن �أن ت�ساهم يف تبديل نظرة هذه العوامل �إىل العرب و�إىل ق�ضاياهم العادلة، و�أن ت�شارك يف بناء �أف�ضل العالقات بني العرب والأمم االخرى .هكذا ي�سري الآرابوفوبيون (كارهو العرب) والأوروفوبيون (كارهو �أوروبا والغرب) على طريق واحد. رغيد ال�صلح باحث وكاتب لبناين.
196
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010
ا�سرتاتيجية
197
w w w . s h e b a c s s . c o m
مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية Sheba Center for Strategic Studies
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 198
ا�سرتاتيجية
العددان ،5 - 4يوليو�/أكتوبر 2010