ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
3
ا�سرتاتيجية الأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�صرة ت�صدر كل �شهرين عن «مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية» ال�سنة الأوىل ،العدد الثاين ،يناير/فرباير 2010
رئي�س التحرير
�أحمد عبدالكرمي �سيف
director@shebacss.com
مدير التحرير
حممد �سيف حيدر
m_saif@shebacss.com
نائب مدير التحرير
�سقاف عمر ال�سقاف
saqaf@shebacss.com
املراجعة اللغوية
حممد حم�سن علوان
mohammed-al@shebacss.com
اال�شرتاكات:
ال�سنة الواحدة (�ستة �أعداد) �شاملة �أجرة الربيد: داخل اجلمهورية اليمنية 3000 :ريال للأفراد 5000 ،ريال للم�ؤ�س�سات. الدول العربية 50 :دوالر ًا للأفراد 90 ،دوالر ًا للم�ؤ�س�سات. بقية دول العامل 70 :دوالر ًا للأفراد 120 ،دوالر للم�ؤ�س�سات. ير�سل طلب اال�شرتاك �إىل عنوان املجلة مع حوالة م�صرفية �أو �شيك ُم�صدّق بقيمة اال�شرتاك لأمر مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. ولال�ستف�سار ميكن التوا�صل عرب الربيد الإلكرتوين: subscription@shebacss.com
ثمن الن�سخة:
اليمن 300ريال ،ال�سعودية 20ريا ًال ،الإمارات العربية املتحدة 20درهم ًا، الكويت 2دينار ،مملكة البحرين 1.5دينار ،قطر 20ريا ً ال� ،سلطنة عمان 1.5 ريال ،العراق 2500دينار ،لبنان 4000لرية� ،سورية 200لرية ،الأردن 2.5دينار، فل�سطني 5دوالر ،م�صر 10جنيهات ،ال�سودان 4جنيهات ،ليبيا 2دينار ،اجلزائر 300دينار ،تون�س 5دينار ،املغرب 20درهم ًا ،موريتانيا � 300أوقية. Austria, France, Germany, and Italy: € 6, United
الت�صميم والإخراج الفني
Kingdom £ 3, USA $ 5
حممد عبدالرحمن الذبحاين m_aldbhani@shebacss.com
�سكرتارية املجلة
�أ�سماء حممد �إبراهيم
ُعب بال�ضرورة ُعب املقاالت املن�شورة عن �آراء كتّابها ،وال ت رِّ ت رِّ عن ر�أي «مدارات ا�سرتاتيجية» �أو مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
asma@shebacss.com
:∞JÉg
+967 1 682144
:¢ùcÉa
16822 :Ü.¢U á«æª«dG ájQƒ¡ª÷G - AÉ©æ°U
E-mail: info@Shebacss.com 4
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
+967 1 677879
www.Shebacss.com
جملة مدارات ا�سرتاتيجية مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �ص .ب 16822 .هاتف +967 1 677466 :فاك�س+967 1 677466 : �صنعاء – اجلمهورية اليمنية الربيد الإلكرتوينmadarat@shebacss.com :
ÊhεdE’G madaratistrategyya@yahoo.com ™bƒŸG GƒëØ°üJ www.shebacss.com/madarat á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d املوقع على الإنرتنتCÉÑ°S õcôŸ : bـة ال�سيا�سـ ـ ــةaباملعرفـ ـ w w w . s h e Relating s . c o mرفـ ـ ـsـد c Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
5
فـي هذا العـدد كانون الثاين/يناير � -شباط/فرباير
08
2010
�إفتتاحية على مفرتق طرق رئي�س التحرير
يف ب�ؤرة االهتمام 76
اليمن والعامل حتلي�لات :يح���اول عمر عبدالعزيز �سرب �أغوار مع�ضلة �صعدة ،عرب ا�ستعرا����ض خلفياتها التاريخية والفكرية طارح ًا �أفكار ًا ت�ساعد على جتاوزها؛ ويفكك ديفيد �س� .سورين�سُ ن �أ�ضالع التناف�س الثالثي ،الأمريكي والرو�سي وال�صيني على اليمن ،مبين ًا �أبعاد هذا التناف�س ومراميه .ال�صفحات 25-15 وجهات نظر :ي�شدد معاذ الأ�شهبي على �أهمية �إعادة االعتبار لدبلوما�سية اليمن الثقافية ،والتي يعتقد �أنها �ستبني للعامل ال�ص���ورة ال�ضائع���ة للبالد ،والتي نالها كث�ي�ر من الت�شويه م�ؤخراً ،يف ح�ي�ن يجادل �أحمد حممد الدغ�شي ب����أن املعلّم ميثّل �أولوية يف عملية الإ�صالح الرتبوي ال�شامل املن�شودة يف اليمن .ال�صفحات 35-26 تفاعالت اليمن والعامل يف 60يوماً� :شهرا ت�شرين الثاين/نوفمرب وكانون الأول/ دي�سمرب 2009ال�صفحات 41-36 عني على اليمن:يبحث رونان ماكغي يف �آفاق ع�ضوية اليمن يف جمل�س التعاون اخلليجي؛ ويحذر ماثي���و ليفي���ت من خطورة التقاء اليمن مع غزة؛ ويُر�سِ ل توما����س فريدمان بطاقة بريدية لقرائه من اليم ��ن؛ �أما ديفيد �شينكر فيتق�صى حقيقة اجله ��ة التي تقف وراء املتمردين احلوثيني؛ ويحاول جون جوان�سون تقدمي �صورة �أكرث واقعية عن اليمن الذي يجهله غالبية الأمريكيني؛ و�أخري ًا يعر�ض مايكل نايت�س للتحديات واالعتبارات ال�سيا�سية التي تتخلل عملية تعزيز القوات اليمنية املخ�ص�صة ملكافحة الإرهاب .ال�صفحات 52-42
54
58
62 69
6
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
املراقب اال�سرتاتيجي الق�ضية الفل�سطينية الآن عياد البطنيجي «الإخوان امل�سلمون»� :أزمة جماعة �أم ت�أزم م�شروع؟ خليل العناين �أيُّ م�ستقبل لل�سودان؟ عبده خمتار مو�سى ا�سرتاتيجية �أوباما اجلديدة يف �أفغان�ستان: الفر�ص والتحديات وامل�صري علي ح�سني باكري
82
84
الإ�سالم و�أوروبا� :ش ّد وجذب و�آفاق مُل ّبدة حممد الدعمي يف البحث عن الدولة العربية :ت�أمالت خاطفة �أحمد عبدالكرمي �سيف الإخفاق الأكرب: عجز ال�شرعية امل�ستدمي يف العامل العربي حممد عبداهلل حممد
املحــور 88
من �أ�سامة �إىل الوحي�شي:
94
حممد �سيف حيدر هفوات اليقظة:
�صعود تنظيم القاعدة يف اليمن
طريق القاعدة �إىل هجوم ليلة عيد امليالد 98
جريجوري د .جون�سون معركة الأ�صابع املحرتقة:
اليمن و�أمريكا وحتديات املواجهة املقبلة مع القاعدة
علي العب�سي 104اليمن والتهديد املت�صاعد لتنظيم القاعدة جيم�س فيليب�س 108القاعدة والقبائل وعدم اال�ستقرار يف اليمن �سارة فيليب�س ورودجر �شاناهان 115حلف الإرهاب بني «قاعدة» اليمن و«�شباب» ال�صومال خالد �أحمد الرماح التعامل مع القاعدة: 120 ا�سرتاتيجية اليمن وخياراتها يف مواجهة التحدي الإرهابي 124
عاي�ش علي عوا�س �إدارة العجلة ببطء �إدوارد بريك
مدار الأفكار املائدة امل�ستديرة :ال�س�ؤال الدميقراطي ال�ضائع يف اليمن �إلهام مانع� ،أحمد الأ�صبحي حممد الظاهري ،عادل ال�شرجبي �سجال حول :اليمن وطموحها اخلليجي من�صور الب�شريي و�سامي ال�سياغي ب�صراحة :مع الدكتور عبدالكرمي الإرياين
130
138
144
الفهر�ست مراجعــات :دبي وجناحها غري املح�صن يو�سف خليفة اليو�سف /كري�ستوفر دايفيد�سون عرو�ض موجزة
150 157
جيوبوليتيك ما وراء احل�ضور الإيراين يف القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر �سامح را�شد ال�صينيون قادمون: بكني وطموحاتها اجلديدة يف خليج عدن حممد �سيف حيدر تو�سيع النطاق: اال�سرتاتيجية ال�صينية يف خليج عدن م�صطفى بخو�ش
162
167
172
�أفق
نحو �سالم دائم �سقاف عمر ال�سقاف
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
178
2010
7
مــن نحـن �آليات عمل املركز
مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية Sheba Center for Strategic Studies
مركز �س��ب�أ للدرا�س��ات الإ�س�تراتيجية ه����و م�ؤ�س�سة فكري����ة م�ستقلة وال تتوخى الربح مقره����ا العا�صمة اليمنية �صنعاء. يرمي املركز �إىل تطبي����ق �أف�ضل معايري البحث العاملية ،مبا ينعك�س �إيجابي���� ًا عل����ى الدول����ة واملجتمع اليمن����ي .ويعمل عل����ى حتقيق نتائج عملي����ة ،وو�ضع مقاربات �سيا�سية جدي����دة من خالل البحث والن�شر واالجتماع ،ومتتد اهتماماته من اليمن �إىل جمالها احليوي (القرن الأفريق����ي ومنطقة اخلليج) و�إىل الق�ضاي����ا الأ�سا�سية والديناميات احلاكمة يف منطقة ال�شرق الأو�سط. يفرت�����ض مبخرج����ات املركز �أن تدع����م �صانعي الق����رار يف الأو�ساط ال�سيا�سي����ة والإقت�صادي����ة واالجتماعية وتزويده����م ب�سيا�سات بديلة معقول����ة ،م����ن خ��ل�ال و�ضع ه����ذه املخرج����ات حت����ت ت�صرفهم على �ش����كل معلومات وبح����وث وتقاري����ر وحتليالت وت�ص����ورات م�ستقبلية (�سيناريوه����ات) ،وب����ذا يقدم املركز �أكرب ع����دد ممكن من البدائل املتاح����ة التي تُ�سه����م يف تعزيز عملية عقلنة اتخ����اذ القرار مل�صلحة الب��ل�اد .ومن جانب �آخ����ر ،ينجز املركز �أعماله بالتع����اون والتفاعل الإيجابيني مع امل�ؤ�س�سات الأكادميية والبحثية اليمنية املختلفة. ت�ضيي����ق الفج����وة بني و�ض����ع ال�سيا�سات ُّ الر�ؤي��ة بالطرق التقليدي����ة من خالل دع����م العقالنية يف التفك��ي�ر وتقدمي حتليالت ودرا�سات �إ�سرتاتيجية ُمع ّمقة ومهنية من حيث �إحاطتها ور�صانتها، وواقعي����ة م����ن حي����ث �إمكان����ات تطبيقه����ا ،ومنا�سبة م����ن حيث زمن تقدميها.
الأهداف
ط����رح الت�س����ا�ؤالت ال�صحيح����ة ح����ول الق�ضاي����ا الإ�سرتاتيجي����ة وال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية املتعلقة باليمن واملنطقة. تبني �أ�سلوب علمي وعقالين يف البحث يجانب املناهج ال�سكوالئية التقليدية. مراجع����ة النظري����ات واملفاهي����م الغربية التي يت����م �إ�سقاطها على املجتمعات العربية بغية اخلروج بنظريات ومفاهيم وت�صورات
�إعادة حتدي����د الأولويات البحثية بح�سب �أهمي����ة املوا�ضيع للدولة واملجتمع. اال�ستف����ادة م����ن كاف����ة الق����درات وامله����ارات املتواف����رة وتوجيهها للإ�سهام يف تراكم املعرفة. دعم الدرا�سات والأن�شطة التي من �ش�أنها حت�سني التعليم وتعزيز التفك��ي�ر النقدي وحترير املناهج من املفاهي����م املغلوطة وامل�سلمات اخلاطئ����ة ومن �أ�ساليب التعلي����م التقليدية القائمة على احلفظ دون تطوير املقاربة النقدية. �أخ����ذ زمام املب����ادرة لإعادة تعريف العالق����ة بالآخر (وخا�صة مع الغ����رب) من خالل فه����م ال�سم����ات الإيجابية للعالق����ات امل�شرتكة، و�إدراك تن����وع الغرب و�إختالفه وعدم التعام����ل مع دوله وجمتمعاته كنمط واحد. و�ضع الدرا�س����ات امل�ستقبلية وال�سيناريوهات املتوقعة �أو املنظورة، وبالتايل تقدمي ت�صورات بالبدائل املتاحة ل�صناع القرار يف اليمن.
نط��اق االهتم��ام
و�ضع املركز حمددين اثنني لنطاق
اهتماماته: النط����اق املو�ضوعات����ي ،ويهت����م بدرا�س����ة ال�ش�����ؤون الإ�سرتاتيجية (ق�ضايا الأمن والدفاع) ،وال�سيا�سية ،والإقت�صادية ،والإجتماعية. النطاق اجلغرايف ،ويغطي كل من: اليمن. املجال احليوي لليمن ،الذي ي�ضم الدول املطلة على البحر الأحمرودول اخلليج (دول جمل�س التعاون اخلليجي ،و�إيران ،والعراق). منطق����ة ال�ش����رق الأو�سط و�شم����ال �أفريقيا ،والالعب��ي�ن الدولينيالرئي�سيني. وحيث �إن املحددات املذكورة �أعاله متداخلة بحكم طبيعة العالقات الدولي����ة ،ف�����إن اليمن ي�ؤث����ر ويت�أثر بتفاع����ل وتداخل كث��ي�ر من تلك العنا�ص����ر .وعليه ،ف�إن املركز يقوم بدرا�س����ة وحتليل هذه املعطيات ري يف اليمن ب�شكل مبا�شر �أو غري والق�ضايا طامل����ا كان لها �أث ٌر �أو ت�أث ٌ مبا�شر.
و�سائل مقروءة ،مطبوعة و�إلكرتونية: الكتب. جملة ربع �سنوية حمكمة. جملة غري حمكمة ت�صدر كل �شهرين.�سال�س����ل درا�سات حمكمة (�سل�سلة درا�س����ات �إ�سرتاتيجية� ،سل�سلة درا�س����ات �سيا�سي����ة� ،سل�سلة درا�سات �إقت�صادي����ة� ،سل�سلة درا�سات�إجتماعية). �أوراق بحثية. تقارير. موجز ال�سيا�سات. التقرير الإ�سرتاتيجي ال�سنوي. ترجمات. القر�ص امل�ضغوط (.)CD املوقع الإلكرتوين. ن�شرة املركز الإخبارية ال�شهرية.عقد اجتماعات مبا�شرة: م�ؤمترات. ندوات. ور�ش عمل. برنامج مر�صد الأزمات. حما�ضرات. -مقابالت �إعالمية.
م�صادر التمويل
تربعات غري م�شروطة من املجتمع املدين والتجاري. تربعات ومنح غري م�شروطة من اجلهات الداعمة الدولية. منح لربامج حمددة. بيع مطبوعات املركز. الربامج التدريبية. ر�سوم ا�ست�شارية. �إعالنات جتارية ر�صينة. العم����ل عل����ى ت�أم��ي�ن وق����ف دائ����م للمرك����ز ي�ص����رف م����ن عوائ����ده الإ�ستثمارية.
عالقات املركز
بغي����ة تبادل اخلربات وتو�سيع املعرف����ة واالطالع ،ف�إن املركز يحافظ على �شبكة �ضخمة من العالقات مع: م�ؤ�س�سات الدولة املختلفة . امل�ؤ�س�سات الأكادميية والبحثية الوطنية والدولية. -منظمات املجتمع املدين الوطنية والأجنبية.
ر ف ـ ـ ـ د ا ل � س ي ا � س ـ ـ ـ ة ب ا ملعرف ـ ـة to Knowledge منا�سبة لتحليل الواقع العربي.
cy
Relating Poli
8
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
9
اليمن والعامل
رئي�س التحرير
�سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أفكار
�إفتتاحيـة 10
على مفرتق طرق ونح���ن يف املراحل الأخ�ي�رة من التح�ضري له���ذا العدد, ح�صلت نقطة حتول يف ال�ش�أن العام اليمني .فقد �أم�ست اليمن تت�صدر عناوين الإعالم العاملية من خالل ت�صعيد احلرب على الإرهاب بجهود دولية ت�ساند اجلهد اليمني ،وتبع ذلك تطورات مت�سارعة بدء ًا من اجتماع لندن يف الثامن والع�شرين من كانون الثاين/يناي���ر ،و م���رور ًا مب�ؤمتر املانحني يف الريا�ض يف �أواخ���ر �شباط/فرباير ،و�صو ًال �إىل م�ؤمتر برل�ي�ن الذي �سيعقد يف �آذار/مار�س ،وذلك بالتوازي مع ت�سارع اخلطى لإنهاء حرب �صع���دة وبدء احلوار الوطني الذي �سي�ضم كل الأطراف اليمنية ذات العالقة ،وهي خطوات نرجو �أن تكون بداية اخلروج من �أزمات اليمن املتعددة. وعل���ى �صل���ة وثيقة بذل���كُ ،ق ّي����ض يل ح�ضور م�ؤمت���ر ولتون ب���ارك باململك���ة املتحدة حول الأم���ن واال�ستق���رار والتنمية يف اليمن يف � 17-15شباط/فرباي���ر والذي ح�ضره �أكرث من 40 �شخ�صي���ة �سيا�سي���ة و�أكادميية من دول الإحتاد الأوروبي و�أم�ي�ركا واخلليج ،وامتدت �أعمال امل�ؤمت���ر ملدة ثالثة �أيام تناول فيها امل�ؤمترون الأولويات الع�شر للحكومة اليمنية ،واالقت�صاد واملالي���ة العامة ،وق�ضية املياه ،وق�ضية الطاق���ة وتطوير م�صادر الإقت�صاد الأخرى ،وق�ضايا و�س ُبل تفعيل الإدارة، الإ�صالح���ات ال�سيا�سية واحلوار الوطني ،والأم���ن والتطرف ،والف�ساد ُ و�آث���ار التط���ورات ال�سابقة على دول اجل���وار ،و�أخري ًا ولي�س �آخ���ر ًا دور ال�شركاء الدوليني يف م�ساع���دة اليمن .وقد �أك���د امل�شاركون ب�أن ه���ذا امل�ؤمتر ميثل توا� ً صال مل�ؤمت���ر لندن ،ومهيئ ًا للم�ؤمت���رات الالحقة ،و�ش���دد امل�شاركون على �ض���رورة العمل اجلاد عل���ى معاجلة الأو�ضاع املختلفة. وعل���ى �ضوء ه���ذه اخللفية ،جاء مل���ف العدد مركز ًا ومكثف��� ًا حول “القاع���دة” والإرهاب والق�ضاي���ا ال�سالفة الذكر ،منوهني ب�أن اليمن متر مبرحل���ة مف�صلية من تاريخها املعا�صر. وبالنياب���ة عن فريق املجلة ،وكفرد منهم� ،أقول للق���ارىء العزيز :هذا جهد املقل ،والنق�ص ِجبلة ب�شرية ،رغم وعدنا با�ستمرار التطوير والإبتكار. لقد بذل فريق حترير املجلة جهد ًا كبري ًا لإ�صدار العدد الأول بال�شكل املعقول الذي يحرتم القارى ،ولكن ال���ردود فاقت توقعاتنا؛ فم���ا فتئت املجلة تتلقى الثن���اء ،وبالقدر الذي عق���ل ْ �أ�سعدن���ا ف�إنه و�ضع عبئ��� ًا ثقي ًال على كاهلن���ا للحفاظ على رقي امل�ست���وى �إخراج ًا وحمتوى، فال�صع���ود �إىل القم���ة قد يكون ممكن��� ًا لكن احلفاظ عليه من �أ�صع���ب املهام .ويزيد املهمة ���ب متتلك من العلم والثقافة والتجربة م�شق���ة� ،أن املجلة تتوجه لنخب الفكر وال�سيا�سةُ ،نخ ٌ خمزون ًا وافر ًا ،فكان ال بد من التفرد والتميز يف �إ�ضافة املعرفة. وحلة بديعة، وه���ا هو الع���دد الثاين من جملة «مدارات �إ�سرتاتيجية» ي�صدر يف ٍ ثوب ق�شيب ُ حاوي��� ًا بني دفتيه من الفكر وال���ر�أي والتحليل ال�شيء الكثري ،راجني �أن ينال هذا العدد عني الر�ضا من قارىء مثقف متخ�ص�ص من ال�صعب �إر�ضاءه.
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
�أحمد عبدالكرمي �سيف
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2010
11
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
�سرب �أغوار مع�ضلة �صعدة
املقدمات التاريخية و�ضرورات التجاوز عمر عبد العزيز
م���اذا ج���رى -ورمبا ال ي���زال يجري -يف �صعدة؟ م���ن ال�صعوبة مبكان الإجاب���ة على مثل هذا ال�س����ؤال عطف ًا على معطيات اللحظة الراهنة وما حتمله من �أبعاد م�ستقبلية ،ذلك �أن ما جرى يف �صع���دة ترجم���ة �أُخرى ملقدم���ات تتمو�ضع يف التاري���خ اليمني املعا�ص���ر ،وتنطلق من من�صة �سابقة على احلدث ،الأم���ر الذي ي�ستدعي منهجي ًا ا�ستعاد ًة وام�ضة لبع�ض تلك املُقدمات حتى يكون القارئ يف �صورة احلقيقة املو�ضوعية ،وما ميكنها �أن ت�سفر عنه من نتائج ،ولهذا �سنعود قلي ًال �إىل الوراء ّ لنتك�شف على بع�ض متاوجات التاريخ ال�سيا�سي املعا�صر باليمن ،بالرتابط مع ما هو حا�صل يف �صعدة. م���ن املعروف تاريخي ًا �أن اليم���ن املعا�صر كان مكون ًا من �شطرين ،ال�شط���ر ال�شمايل الذي كان ُي���دار وفق منه���ج احلاكمية التاريخية الت���ي ت�ستدعي الفكر الإمامي الزي���دي ،و�آخر حمطاتها التاريخية حكم الإمام �أحمد بن يحيى حميد الدين الذي ورث امللك عن �أبيه الإمام يحيى حميد الدي���ن ،والإمام يحي���ى حميد الدين مات يف حادث اغتيال �شه�ي�ر ،وم ّثل ذلك احلادث ترميز ًا مكثف ًا لل�صراع على الإمامة بني بيوتات ادعت دوم ًا �أنها الأحق بهذه الإمامة ،ولهذا ال�سبب كان تاريخ االغتيال ال�سيا�سي والدماء النازفة �أ� ً صال �أ�صي ًال يف معادلة احلكم الإمامي الزيدي، الأم���ر الذي توالت انعكا�سات���ه ال�سلبية يف عهد الإمام �أحمد يحي���ى حميد الدين ،وخا�صة عند ُمنعطفي املحاولتني االنقالبيتني يف عامي 1948و 1955حيث ظهر الإمام �أحمد ب�صورة 12
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
عم���ر عبد العزيز رئي����س ق�سم الدرا�س���ات والبحوث بدائرة الثقافة والإعالم -حكومة ال�شارقة.
اليمن والعامل
حتليالت
احلاكم الباط�ش املُهاب ،ومل يتورع يف جرجرة ع�شرات الأ�سماء والقامات الهامة �إىل مقا�صل الإعدام. وهن���ا ال ب���د من الإ�ش���ارة �إىل �أن هذه احلال���ة ما كان له���ا �أن تكون لو �أن الإمام���ة الزيدية �أخ���ذت مبنهجية الفك���ر الزيدي فيما يتعل���ق بتن�صيب الإمام ،فاملرجعية الزيدية تن�ص على �أن يكون الإمام �أحد �أفراد الطائفة �أي��� ًا كان ،و�أن تتوفر فيه جملة م���ن ال�شروط الأ�سا�سية كالعلم والفرو�سية والرزانة والذكاء وح�سن ال�سرية وال�سلوك ،وغريها من �أحكام كانت تدلل عل���ى ُر�ش���د يف كيفية اختيار احلاك���م ،غري �أن �ص���راع الزيدية التاريخي ح���ول الإمام���ة دل���ل مبا ال يدع جم���ا ًال لل�شك عل���ى �أن املفه���وم الأ�سا�سي لفكرة احلاكمية كان���ت قد انتهكت من قبل نخب الطائفة ،ومت ا�ستالبها اجلوه���ر الأ�صيل ،ومل يكن هذا الأمر حكر ًا عل���ى الزيدية التاريخية ،بل كان ل���ه ح�ضور ًا موازي��� ًا يف الفكر وال�سلوك ال�سيا�س���ي الإمامي الإبا�ضي اليماين تاريخي��� ًا مما ل�سنا ب�صدده هنا ،وك���ذا الفقه ال�شيعي اجلعفري ال���ذي ا�ستبدل مفهوم احلاكمي���ة الدنيوية املُ�صانة ن�صح��� ًا و�إر�شاد ًا من قب���ل املرجع الدين���ي (الإمام) لي�صبح يف نهاية املط���اف حاكمية دنيوية ناج���زة للإم���ام ال�شيع���ي اجلعف���ري ،و�ص���و ًال �إىل كبح جم���اح احلاكمية الدينية الرائية للفع���ل ال�سيا�سي وت�ضاري�سه املرتجرجة ،ومتثل �إيران يف ه���ذا الب���اب خري دليل على م���دى االنتهاك التاريخي ملفه���وم الإمامة يف الفق���ه ال�شيعي اجلعفري ،فالإمام عل���ي خامنئي مل يعد م�ساعد ًا للحاكم الدني���وي ونا�صح ًا له درء ًا ملفا�سد ال�سلطة ،كم���ا تن�ص الأدبيات العقدية لل�شيعة اجلعفرية ،بل �أ�صبح احلاكم الفعلي من وراء الكوالي�س. مرجعي���ة احلاكمي���ة الزيدية التاريخية تختلف متام ًا ع���ن ال�شيعة الإثني ع�شري���ة ،فالإمام الزيدي يجمع بني ال�سلطتني الدينية والدنيوية ،وهكذا هو احلال بالن�سبة للإمامة الإبا�ضية التاريخية. �أوردت ه���ذه املقدمة العابرة للإ�ش���ارة �إىل التفارق اجلوهري بني مفهوم احلاكمي���ة عند الزيدية اليمانية وال�شيعة اجلعفرية الإيرانية مما يلتب�س عل���ى الكثريين ،لكن الأهم من ه���ذا وذاك �أن فقه الزيدية يختلف �أي�ض ًا وجوهر ًا مع فقه ال�شيعة اجلعفري ،ولقد بينّ العالمة ال�شوكاين ،وهو �أحد كبار فقهاء الدي���ن ممن � ّأ�صلوا فقه الزيدية من خالل التما�س الو�سطية الديني���ة ،وردم الهوة املُفتعلة بني ال�شافعية ال�سني���ة والزيدية االعتزالية (ن�سب���ة �إىل فقه املعتزل���ة) ،بينّ لنا �أنه ال تكاد توج���د فروق وا�ضحة بني املذهب�ي�ن يف الأ�صول والفروع ،ولهذا ال�سبب كانت نقطة اللقاء التاريخي ب�ي�ن املذهبني اليمانيني الإ�سالميني الو�سطي���ة الناجزة ،مما نراه ماث ًال يف كل �أوج���ه احلي���اة ،فامل�ساج���د واح���دة والطقو����س واح���دة والتوا�شج االجتماعي احلياتي �شامل ع���دم التناق����ض ب�ي�ن املذهب�ي�ن ال�سائدي���ن يف اليم���ن يف�س���ر لن���ا معنى ال�صدامات التاريخية التي �سادت اليمن ،فال�صراعات التي كانت قائمة يف �شم���ال اليم���ن مل تكن يف جوهرها �صراعات مذهبي���ة ،بل كانت حول احلاكمية التي توازي املُلك ،وقد ت�ساوى يف �أمر انتهاك املرجعية الزيدية حول احلاكمية كل الأئمة الذين تعاقبوا على ال�سلطة خالل �سنوات وعقود ماقب���ل قيام اجلمهورية يف ال�ساد����س والع�شرين من �سبتمرب لعام .1962 والذين انتموا للزيدي���ة الظاهرية تعاركوا عطف ًا على الإمامة الدنيوية ال الدينية. 14
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
مقدم���ات امل�شكل���ة م���ا يج���ري ه���ذه الأي���ام يف منطق���ة �صع���دة اليماني���ة يت�صل مبقدم���ات ت�ستح���ق العر�ض وقد �أوم�أن���ا للبع�ض منها يف �إطار مفه���وم احلاكميتني الدينية والدنيوي���ة عند الزيدي���ة اليمانية .كان���ت منطقة �صعدة تاريخي��� ًا مبثابة الكر�س���ي العلمي للمذه���ب الزيدي ،وقد �أ�سه���م العالمة ال�شوكاين يف تقري���ب �ش ّقة اخلالفات بني ال�شافعية والزيدية خا�ص���ة و�أنها خالفات تت�صل بالفروع ال الأُ�ص���ول كم���ا �أ�سلفن���ا ،فالزيدي���ة لي�ست بح���ال من الأح���وال م�شابهة لل�شيع���ة اجلعفرية االثن���ى ع�شرية ،و�آية ذل���ك �أن التوا�شج التاريخي بني �أتب���اع املذهبني ال�شافع���ي والزيدي كان قائم ًا على وح���دة �شاملة يف دور العب���ادة ،واالخت�ل�اط االجتماع���ي ،والهم���وم امل�شرتك���ة .والذي���ن قاموا باجتث���اث نظ���ام الإمام���ة التاريخي ال���ذي ا�ستمد حاكميت���ه من املذهب الزي���دي هم يف الغال���ب الأعم من ذات املذه���ب ،وكان امل�شروع املطروح حينه���ا ّ يتلخ����ص يف �ض���رورة االنتق���ال �إىل احلداثة� ،سواء ع�ب�ر التغيري الرادي���كايل للنظام� ،أو عرب �إقامة ملكي���ة د�ستورية ع�صرية ،وقد ّ ب�شرت حركة الأحرار اليمنية بذلك امل�شروع وكانت هناك �سل�سلة من املحاوالت االنقالبي���ة �ضد ال�شرعية الإمامية الزيدي���ة ،وجاءت ذروة التغيري يف 26 �أيلول�/سبتمرب من عام 1962بقيادة كوكبة من النخبة ال�سيا�سية ومعهم بع�ض ال�ضباط من اجلي�ش. ظل���ت �صعدة حمتفظ���ة مبكانته���ا التاريخي���ة كمدر�سة �أ�سا�سي���ة للتعليم الدين���ي املج�ّي�رّ عل���ى املذهب الزي���دي ،وكان���ت مدر�سة �صع���دة العلمية م�شرع���ة الأبواب والنوافذ ل���كل اليمانيني ،ويف الف�ت�رة التي تلت الوحدة اليمني���ة ا�ستوعبت ه���ذه املنطقة ح�ضور ًا موازي ًا للتعلي���م الديني ال�سلفي املت�ش���دد وال���ذي كان ي�شرف عليه ال�شيخ الراحل مقب���ل الوادعي ،وكانت الدول���ة ترى �أن م���ن واجبها دعم املدار����س الدينية على ق���دم امل�ساواة، وعدم ترك تلك املدار�س عر�ضة للإمدادات املالية اخلارجية ،ولهذا جاء الدعم املايل للمدر�سة ال�سلفية بالتوازي مع الدعم املايل لتنظيم ال�شباب امل�ؤمن الذي تزعمه ح�سني بدر الدين احلوثي ،والذي ا�ستند يف ر�ؤاه �إىل التعليم الزيدي مما ال ّ يق�ض م�ضجع �أحد وال يثري حفيظة �أحد. لك���ن وب�صورة مفاجئة ب���د�أ التما����س ال�سلبي بني الدول���ة واحلوثيني من خ�ل�ال ال�شع���ارات الت���ي كان يطلقها �أن�ص���ار تنظيم ال�شب���اب امل�ؤمن يف امل�ساج���د ،والتي كانت تُنادي ب�سقوط �أمريكا و�إ�سرائيل ،وبالرتافق بد�أت الرتا�شق���ات الكالمي���ة ،وتداخلت احلمية العقائدية م���ع الأعياد الدينية الفولكلوري���ة الت���ي انبعثت بطريقة دراماتيكية ف�أث���ارت حفيظة ال�سلطة، لأن دوائ���ر الدولة اعتربت �إحي���اء منا�سبة الغدير مبثابة حتري�ض �ضمني على النظام قبل �أن يكون تقليد ًا فولكلوري ًا تاريخي ًا ،وهكذا دخلت امل�شكلة طور ًا جديد ًا من االحتدام غري احلميد.
م�ش��كلة امل�ش��اكل الإحت���دام غ�ي�ر احلمي���د بني ال�سلطة اليمني���ة واحلوثي�ي�ن تراف���ق كم���ا �أ�سلفن���ا م���ع ال�شع���ارات الت���ي �أطلقها احلوثي���ون يف امل�ساج���د ،والت���ي كانت حتر�ض �ض���د �أم�ي�ركا و�إ�سرائيل، وف�سرته���ا الدوائ���ر احلكومية اليمني���ة بو�صفها �شع���ارات ّ تتوخى �إحراج ال�سلط���ة واتهامها مبواالة الأمريكيني ،ثم جاءت �أعياد الغدير التاريخية لتزي���د الطني بلة ،وبالرتافق مع تلك املقدم���ات بد�أ احلل الع�سكري يلوح
اجلول ��ة الأخ�ي�رة حل ��رب �صع ��دة مثل ��ت ذروة امل�أ�س ��اة ،لأنها حرب قتالها من املواطنني اليمنيني ،ونتائجها �شكلت عبئاً م�ؤكداً على التنمية والإ�ستثمار ،بقدر ما خلقت �شروخاً جمتمعية �صاعقة يف الأُف���ق ،ثم ج���اءت املواجهات والو�ساطات ،واختل���ط احلابل بالنابل، وك�ث�رت الأقاويل ،وزاد الهرج واملرج ،وقت���ل زعيم تنظيم ال�شباب امل�ؤمن ح�س�ي�ن بدر الدين احلوثي ،وبا�شر و�سطاء اخلري حوار ًا مع الدولة �أف�ضى �إىل ت�سوية بدت حينها مقبولة ،غري �أن الدورة الثانية من العنف املتبادل �أثبت���ت �أنه ال جدوى من احلل���ول ال�سابقة ،وبعد تطويع ع�سكري للحوثيني اعتق���د اجلمي���ع �أن املو�ضوع قد �أ�سدل عنه ال�ست���ار ،وخا�صة بعد الزيارة املهمة للرئي�س علي عبداهلل �صالح �إىل �صعدة ،و�إعالنه قرار العفو العام، وتبن���ي ا�ستحقاق���ات العفو ابت���داء من �إط�ل�اق �سراح املعتقل�ي�ن ،فالعفو ع���ن من �ش���ارك يف العمل الع�سكري �ضد اجلي����ش ،وتعوي�ض املت�ضررين، وغريها من ا�ستحقاقات حتملتها الدولة. لك���ن م�شكل���ة امل�ش���اكل ظه���رت م���ع تع�ث�ر الأجه���زة املعنية بتنفي���ذ تلك اال�ستتباع���ات ،فالأ�ص���ل �أن الأُم���ور الإجرائي���ة اخلا�صة ب�إط�ل�اق �سراح املعتقل�ي�ن ،وعدم اعتق���ال امل�شاركني كانت جتري ب�ص���ورة طبيعية ،لكن بع����ض اال�ستحقاق���ات كان���ت تتعرث لأنه���ا ذات طاب���ع �إجرائ���ي م�ؤ�س�سي كتعوي����ض املت�ضررين و�إعادة ت�شييد املنازل املهدّمة ،و�إجراء منحة مالية لأُ�س���ر القتل���ى ،الأمر الذي ت�ب�رره الأجه���زة املعنية بالتنفي���ذ باعتبارها �إج���راءات ت�ستغرق وقت ًا ومتوي ًال ا�ستثنائي ًا ،لكن املت�ضررين مل ي�ستوعبوا ذلك فكانت اجلولة الثالثة من حرب �صعدة امل�ش�ؤومة.
ما بعد اجلولة اجلديدة اجلولة ال�ساد�سة والأخرية حل���رب �صع���دة متث���ل ذروة امل�أ�ساة ،لأنه���ا حرب قتالها م���ن املواطنني اليمني�ي�ن ،ونتائجه���ا ت�شكل عبئ ًا م�ؤك���د ًا على التنمي���ة والإ�ستثمار ،بقدر كونها تخلق �شروخ ًا جمتمعية �صاعقة ،فال�شاهد �أن اجلولة اجلديدة من احلرب متددت زمني ًا كما مل يكن متوقع ًاّ ، وت�شظت يف تعبرياتها الذهنية وال�سيا�سية ،وان�سابت �أقوال املتهافت�ي�ن لت�صنيفها وتو�صيفها ،واختلطت فيه���ا احلقائق باملكائد ،واحتارت فيها الأُمة ،وا�صبحت يف نهاية املطاف ت�شكل حمنة حقيقية ال بد من اخلروج منها. ُ فرق���اء ال�ساحة يتوزع���ون �إىل عقول ر�شي���دة رائية لل�ض���رورات ،و�أخرى عقيمة تبحث ع���ن التدوير بالأزمة ،ومن �سخري���ات القدر �أن مثل ه�ؤالء يتدث���رون ب�أردية خمتلف���ة ،وي�صعب �إ�ستبانة مالحمه���م ،فالبع�ض منهم يحر����ض الدولة على الإ�ستم���رار يف منهج احلل بالق���وة ،والبع�ض الآخر ي�ستدع���ي التاريخ الوي ًا �أعناق احلقائق وحمم ًال احلوثيني ما ال يحتملون، وهناك من يرقب املوقف ت�شفي ًا وانتظار ًا خلرائب الأيام ُمتنا�سي ًا �أن تلك اخلرائب لن تُو ّفر �أحد ًا. لق���د حتولت احلوثية �إىل كرة ثلج تتكابر بق���در اال�ستيهامات واملبالغات، و�أ�صبح���ت امل�س�ألة برمتها قيد نظر القيادة العليا للدولة واملجتمع ،الأمر ال���ذي يقت�ض���ي مب���اد�أة �سيا�سية ال تقل ع���ن الفعل الع�سك���ري ،وال ترتك العن���ان لفرقاء امليدان فقط ،بل ت�سلم امللف حلكماء الأُمة الناظرين �إىل
ما ينفع النا�س وميكث يف الأر�ض.
�أف��ول الو�س��طية اليماني��ة؟ م���ن م�آث���ر ً التاري���خ اليمن���ي �أن اليم���ن كان حا�ضن���ا للف���رق الإ�سالمية املختلف���ة ،وكان م�ل�اذ ًا �آمن���ا للهارب�ي�ن م���ن بط����ش املراكز الديني���ة وال�سيا�سية يف الع���راق وال�شام وم�ص���ر ،ومع الأيام وت���وايل احلقب وال�سنني تبلورت الو�سطي���ة الدينية يف اليمن بو�صفه���ا الراف���ع الأك�ب�ر للتعاي�ش والتوا�ش���ج حد التكامل ،ولق���د بينّ لنا الإم���ام ال�شافعي ومن بعده ال�شوكاين هذه املثاب���ة اال�ستثنائية التاريخية الت���ي م ّيزت اليمن عن غ�ي�ره من حوا�ضر الع���رب وامل�سلمني ،فاملذهبان ال�سائ���دان ال يختلفان يف الأُ�صول والفروع ،واحلاكمية اليمانية التاريخية مل جتاب���ه منطق اخلروج ال�سافر بحد ال�سي���ف ،وما تال �سبتمرب ال�شمال ج�س���د حالة ع�صرية ُمغايرة ،فيم���ا بلور فكرة التناوب و�أكتوب���ر اجلنوب ّ القل���ق لل�سلطة ،وذلك عطف ًا على �سل�سل���ة الر�ؤ�ساء الذين تناوبوا احلكم يف اليمن �شما ًال وجنوب ًا. م���ن فداحات هذه الأيام �أن اليمن �أُ�صيب بداء التطرف كغريه من بلدان الع���رب وامل�سلمني ،وتبلور هذا التطرف بداية يف ال ُبعد ال�سلفي اجلهادي (من���وذج طالب���ان) ال���ذي تغلغ���ل بعد الوح���دة م�ستفي���د ًا م���ن الت�سامح ومراهقات التعددية اجلنينية التي ترافقت مع مكايدات �سيا�سية بائ�سة، فيم���ا �ساعد هذا احل�ض���ور ال�سلفي النات���ئ على بلورة املُ�ض���اد الطبيعي ل���ه متج�س���د ًا يف ا�ستدع���اء فقه اخل���روج التاريخي ع���ن احلاكمية ،ومن �سخري���ات القدر �أن تكون �صع���دة حا�ضن ًا للم�ستوي�ي�ن لأ�سباب �سيجليها التاري���خ حتم ًا .وبهذه املنا�سبة ال بد من الإ�ش���ارة �إىل �أن مفهوم اخلروج عل���ى احلاكمية لي����س حكر ًا على مذه���ب بذاته ،كما �أنه تراف���ق تاريخي ًا مع التقلب���ات ال�سيا�سية والأحوال املُـتع�س���رة ،وكان يف جممله تعبري ًا عن فتنة دائم���ة ت�أكل الأخ�ضر والياب�س ،ولهذا ال�سبب ك ّر�س فقهاء ال�شافعية والزيدي���ة اليمانيتني فك���رة الت�صالح مع املرجعية الدنيوي���ة ،و ُمنا�صحة احلاكم ،وعدم االجنرار وراء اخلروج ،باعتبار �أن النتائج �ستكون �أفدح، والعواقب �أ�شد �إذا ما مت الإخالل مبيزان املجتمع واحلياة. �سنج���د مثل هذه النظ���رات عند كبار �أئمة الو�سطي���ة ال�شافعية واملعتزلة الزيدي���ة احلكيمة ،و�سنع���رف �أن ما يجري الآن وج���رى بالأم�س القريب �إمنا هو ب�ضاعة م�ستودرة من تواريخ املتاهات واحلروب.
حمن��ة �ص��عدة يب���دو �أن مدين���ة �صع���دة مكتوب عليها �أن تظ���ل يف حمنة مقيمة ،فمن���ذ �أيام خلت ابتهج النا����س بو�صول قوافل الإغاث���ة احلكومي���ة للمت�ضررين من احلرب يف �إ�ش���ارة تعك�س املعاجلات احلكيم���ة الت���ي د�أبت عليها الدول���ة اليمنية �إثر كل نائب���ة ،كما حدث يف حرب الوحدة واالنف�صال ع���ام ،1994فقد حر�صت الدولة على مبا�شرة تزوي���د املناطق اجلنوبية املت�ضررة من احلرب بامل���اء والغذاء �إثر توقف القت���ال ،كما اجرتح���ت م�أثرة غري م�سبوقة يف التاري���خ ال�سيا�سي اليمني بتطبيق قرار العفو العام كام ًال غري منقو�ص ،مبا يف ذلك حق املعار�ضني يف ال�سفر وا�ستالم رواتبهم ،وعدم تعر�ضهم لالعتقال. نذك���ر تل���ك املحطات بو�صفها قيم���ة نوعية حت�سب ل�صال���ح الدولة ،غري �أنن���ا اليوم �أمام حالة ت�ستدعي ذات احلكمة والروية .لقد �أظهرت حمنة ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
15
اليمن والعامل
حتليالت لن�ش���ر مقوالته���ا وثقافته���ا العدمي���ة ،عطف ًا عل���ى الأح���وال االقت�صادية واالجتماعي���ة ال�سيئ���ة للنا����س ،فيما يظ���ل القا�سم امل�ش�ت�رك الأعلى بني احلوثية وال�سلفية التكفريية “اجلهادية” الرغبة الدفينة طور ًا ،واملعلنة م���رات �أخرى لإزالة �أنظم���ة “البغي والف�ساد” يف الع���امل العربي ،الأمر الذي ي�ؤ�ش���ر �إىل الأ�سباب العميقة وراء هذه الدع���وة ،فلو كانت الأنظمة العربي���ة عادل���ة يف توزيع ال�ث�روة ،ر�شيدة يف النظ���ر ملقت�ضيات احلا�ضر و�ض���رورات امل�ستقبل� ،أمينة على امل���ال العامُ ،مقارعة للف�ساد ،ملا وجدت جماع���ات الدين ال�سيا�سي املتطرفة �أي فر�ص���ة ملخاطبة م�شاعر النا�س، وا�ستقطاب ال�شباب �إىل م�شاريعهم الغام�ضة. ال يع�ت�رف النظام العربي ب�أخطائ���ه وخطاياه ،بل يظل �سادر ًا يف غياهب طم�أنينت���ه املزيف���ةُ ،م�ستدعي ًا تقاري���ر خمربيه وع ّرابي���ه الك ّذابني ممن ي�ص���ورون احلال ب�أنه على �أح�سن ما يرام!! ،فيم���ا ماليني النا�س تلتحق بدوائر الفقر الأ�سود الذي يقتل العقول والقلوب مع ًا. احلوثي���ة لي�س���ت �إذن حال���ة واحدة ووحي���دة ،وال ميكن اجتث���اث ثقافتها وم�شاريعه���ا يف الوقت الذي ينربي فيه حوثيون من طراز �آخر ،ف�إذا كان ح�سني بدر الدين احلوثي ،ومن بعده �شقيقه الأ�صغر عبدامللك ،قد �أ�ص ّرا على مقارعة النظام تاركني خيارات التكتيك املتاحة ،ف�إن الأخبث منهما ه���م الذي يزاولون كل �أن���واع التكتيك والتن���ازالت “الإجرائية” انتظار ًا للفر�صة ال�سانحة ،لي�س لالنق�ضا�ض على النظام فح�سب ،بل ل�شطب كل قيمة ع�صرية تتنافى مع منوذجهم الذهني الراكز يف �أغوار التاريخ.
�صع���دة �أن منطق الإدارة بالأزم���ة ال م�ستقبل له ،و�أن الدعم الذي قدمته بع�ض �أجهزة الدولة لتلك التيارات التي تتبنى الإ�سالم ال�سيا�سي ال ميكن �إخ�ضاعه للتكتيكات املرحلية .وما يزيد الطني بلة انت�شار �أ�سواق ال�سالح عل���ى مرمى حجر من العا�صم���ة �صنعاء ،وا�ستغ���راق البع�ض يف الرتويج له���ذه الظاهرة بو�صفها تعب�ي�ر عن ال�شخ�صية اليمني���ة! ،وتعطيل العمل ب�سل�سل���ة املقرتحات الربملانية التي �أرادت احلد من هذه الظاهرة و�صو ًال �إىل جتفيف منابعها. ال تتحرك تيارات الغلو والتطرف الديني خارج نطاق الظواهر املو�ضوعية املو�صول���ة بفل�سف���ة التربي���ر والتمري���ر التي يلج����أ �إليها فرق���اء امل�صالح اخلا�ص���ة غ�ي�ر امل�شروعة ،ممن يتوهم���ون �إمكانية �إقام���ة حياة ع�صرية مدني���ة يف ظل انت�شار ال�سالح ،والتالق���ح امل�شوه بني القبيلة والدولة ،بني املا�ض���ي وامل�ستقبل .لذلك من ال�ضرورة مب���كان النظر ملا حدث ويحدث يف �صع���دة بعد�س���ات مك�ّبةرّ ة ت�ستوعب �أبعاد ه���ذه الظاه���رة ،مقدماتها وامللتب�س�ي�ن بالتهيئ���ة ملناخاتها القامت���ة ،ال�سادرين يف غيبوب���ة االنت�شاء املزي���ف ،مم���ن ا�ستمر�أوا مثل ه���ذه احلاالت ك�أنها جم���رد �سحب �صيف عابرة. يق���ول املث���ل“ :م���ا كل مرة ت�سل���م اجل ّرة” ،وق���ال ال�صيني���ون بحكمتهم املعه���ودةُ “ :ر ّب �شرارة �أحرقت �سه ًال” ،ونق���ول �إ�ضافة �إىل ذلك �أن فقه اخل���روج على احلاك���م بال�سيف لي�س جدي���د ًا يف تاريخن���ا ،وال هو رديف املذه���ب الزيدي فقط ،بل �أن اخلروج كان وما زال حا�ضر ًا يف �أ�سا�س كل املذاهب والفرق الإ�سالمية ،كما �إن تقييم الظاهرة تاريخي ًا يتطلب النظر ما ك�شفه احلوثي الأب قبل عدة �سنوات ا�شتعلت �إىل مقا�صد ذلك اخلروج ،وهل يت�سق مع امل�صلحة العامة وامل�ستقبل� ،أم جول���ة جديدة من املواجهات الع�سكرية يف �صعدة بعد �أن �شرع بدر الدين يعترب ارتكا�س ًا �شديد ًا �إىل ما�ضوية م�ستنفذة. من ه���ذه الزاوي���ة ميكن ق���راءة بع�ض مظاه���ر اخلروج ع���ن طاعة ويل احلوثي باللجوء �إىل التمرت����س احلربي و�إطالق ت�صريحات نارية نقلتها الأمر ،وتكييف مثل هذا اخلروج على فقه املا�ضي ،واعتبار �أن الليربالية �إح���دى ال�صحف اليمنية ،حيث ت�ضمنت تلك الت�صريحات الإنكار العلني ال�سيا�سية الناجزة كفيلة بقطع الطريق �أمام مثل هذه الظواهر ،باعتبار للنظ���ام اجلمهوري ،واعتبار �أن ما جرى منذ ثورة � 26سبتمرب �ضد نظام �أن الليربالية ال�سيا�سية ت�سمح مبدئي ًا بتناوب ال�سلطة ،وتنظيم تناق�ضات الإمامة ،خط����أ تاريخي ي�ستحق الت�صحيح ،و�أخري ًا الأخذ بخيار اخلروج امل�صال���ح وال���ر�ؤى عل���ى �أ�سا�س من امل�صلح���ة العليا للأوط���ان ،والتغيري عن النظام باعتباره نظام ًا ظامل ًا. من���ذ �أن ق���ام الراحل ح�سني ب���در الدين احلوث���ي بالتمرد عل���ى النظام ا�ستئنا�س ًا بر�أي الأكرثية. يف ظل ممار�س���ة الدميقراطية ال ميكن للغلو والتط���رف �أن يجدا فر�صة ازدادت التخريجات والت�أويالت حول �أهدافه ومراميه ،حيث قال البع�ض للتنف����س واالنت�ش���ار ،ويف غيابها ي�صب���ح التطرف حت�صي���ل حا�صل ،لأن ب����أن ح�سني بدر الدين يريد �إحياء الزيدي���ة الأكرث غلو ًا من خالل الفكر ملعب املجتمع ي�ضيق مبن فيه وما فيه ،تلك هي الر�سالة عميق���ة املغ���زى التي قدمته���ا حمنة �صع���دة ،ات�ساقا مع حتول ��ت احلوثي ��ة �إىل كرة ثلج تتكابر بقدر اال�ستيهامات واملبالغات ،و�أ�صبحت احلالة املزمنة للع���امل العربي املخطوف بكوابح ما�ضيه امل�س�أل ��ة برمته ��ا قيد نظر القيادة العليا للدولة واملجتمع ،الأمر الذي يقت�ضي التليد ،والراف�ض ل�شروط امل�ستقبل.
مباد�أة �سيا�سية ال تقل عن الفعل الع�سكري ،وال ترتك العنان لفرقاء امليدان فقط
احلوثي��ون ونظراءه��م ل�س�ب�ر �أغوار م�شكلة �صعدة ،وتزايد �آثارها املرئية وغري املرئية الب���د من البحث عن الأ�سباب اجلوهرية �أمام هذه الظاهرة� ،أو ما ميكن ت�سميت���ه باالرت���داد �إىل �شكل م���ن �أ�ش���كال الأ�صولية الديني���ة ،فاحلوثي املقت���ول وخليفته ومن ينا�صرهما لي�سوا الوحيدين يف هذا الباب ،ولعلهم �أقل خطورة مبراحل م���ن اجلماعات ال�سلفية “اجلهادية” التي ما زالت ترتع���رع �ضمن توازن���ات القوى القائمة يف اليمن ،وجت���د البيئة املنا�سبة 16
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
(الهادوي) القائل باخل���روج على احلاكم الظامل بال�سيف ،وقال �آخرون �أن احلوث���ي االبن �أدخل ال�سماحة الزيدي���ة املعروفة يف ثقب �إبرة ال�شيعة اجلعفرية معتمد ًا على ا�ستح�ضار النموذج الثوري الإيراين ،واال�ستئنا�س بتجربة حزب اهلل يف لبنان. وما ذهب �إليه املراقبون حول تلك امل�سائل تنطوي على �إقامة “دولة داخل
الدول���ة” ،وتكمن خط���ورة وح�سا�سي���ة امل�س�ألة يف �أن ه���ذه “الدول���ة االفرتا�ضي���ة” �ستك���ون يف منطق���ة �صع���دة معقل الزيدي���ة التاريخية، الأر�ض ال�صعبة بت�ضاري�سها وارتكازها املديد يف �أ�سا����س القابلية للخروج م���ن طاعة الدولة املركزي���ة ،الأمر الذي تكرر كث�ي�ر ًا على مدى التاريخ الطويل لليمن ،وما زال ي�ستعيد وهجه بالق���در ال���ذي ينت�ش���ر في���ه ال�س�ل�اح والنفوذ القبلي الع�صبوي. ه���ذه امل���رة اخلط���ورة �أك�ب�ر ،لأن ت�سوي���ة م�شكل���ة القبائ���ل يتم ع���ادة باملرا�ض���اة ودفع الإتاوات ،لك���ن احلوثي و�أن�ص���اره يتق ّم�صون روح��� ًا عقائدي���ة جهادي���ة ،فق���د كان ال�شباب منه���م يته ّكم���ون بالق�ضاة �أثن���اء املحاكمات، ويخاطبونه���م بو�صفه���م �ضباط �أم���ن! ،فيما ي�ضع���ون �أ�صابعه���م يف �آذانه���م ،ويدي���رون ظهوره���م حامل���ا يتحدث القا�ض���ي ،يف حركة جتم���ع ما ب�ي�ن ال�سخرية والالمب���االة ,ولو مل يكن ه�ؤالء ال�شباب على قناعة عقائدية تخلط بني الأيديولوجيا املتع�صبة والدين ملا و�صلوا �إىل هذه احلالة ،متام ًا كما نرى يف تيارات جهادية دينية تنطلق من منطلقات مغايرة. ال يع�ت�رف احلوث���ي الأب بالنظام اجلمهوري ,ويعت�ب�ر �أن رئي�س الدولة يقوم بوالية عابرة ،فيما يرى �أن الإمامة هي الأ�صل يف مرجعية احلكم، فق���د وردت مثل ه���ذه الأقوال يف �صحيف���ة “الو�سط” اليمني���ة و�أثارت حينئذ جد ًال وا�سع ًا يف ال�ساحة.
ترافقت املعطيات الإيديولوجية حالة تفارق املعقول العقائدي���ة يف منطقتي �صع���دة وم�أرب اليمنيت�ي�ن مبدر�ستني فقهيتني ع�صرنتني بت�أ�صي�ل�ات جديدة .املدر�ستان تنتمي���ان �أُ�صولي ًا لل�سلفية ُم ْ ُ اجلهادي���ة ،والزيدية الطهرانية الهادوية ،وكلت���ا املدر�ستني تتفارقان يف الظاه���ر ،وتلتقيان عند تخوم مقارعة احلاكمي���ة ولو خروج ًا بحد ال�سي���ف ،وهو الأمر الذي ي�شكل قلق ًا معرفي ًا و�سيا�سي ًا م�ؤكد ًا يف عموم الزمن العربي ولي�س يف اليمن فقط. م���ا كان لهذه التي���ارات �أن تتبل���ور ب�صورته���ا املتجهمة لوال املظ���امل الداخلية والعاملية ،فبالإ�ضاف���ة �إىل خطايا الداخل املاثل���ة للعيان ت�ستف���ز ف�ضائي���ات الأخبار اليومي���ة م�شاعر الع���رب وامل�سلم�ي�ن وال�شب���اب والأفتي���اء منه���م عل���ى وج���ه اخل�صو�ص ،ف�إ�سرائيل تعربد ليل نهار يف الأر�ض املحتلة ،وال ن�سمع حتى اعرتا�ض��� ًا واحتجاج ًا ،و�أمريكا تفعل ما تفعل يف الع���راق و�أفغان�ستان ويلتزم اجلميع ال�صم���ت التام ،و�إيران تُهدد الآن بحرب �شاملة �ستك���ون املنطقة العربية ميدانها الآخر ،وال من خطاب بحده الأدنى ،قال لغالة اليم�ي�ن الإجنيلي الهرجمدوين يف وا�شنطن: �إىل هنا وكفى.
ه���ذه املعطي���ات بجملتها هي ال�سبب يف احلالة الرمادي���ة التي ت�ست�أن�س الدكون���ة والعماء ،بل حال���ة الت�ض ُّبب املو�صولة بقه���ر اجتماعي وطبقي ال يخف���ى على �أي لبيب� .إ�ضاف ًة �إىل هذا ،ف����إن املعطيني اللذين �أ�سلفنا احلدي���ث عنهما يف �صع���دة وم�أرب اليمانيتني ال ميث�ل�ان بعد ًا جغرافي ًا دا ًال فح�س���ب ،ب���ل بعد ًا عربي ًا �شام ًال قد جند نظ�ي�ره يف �أق�صى املغرب العرب���ي كما جنده���ا يف غابات جن���وب ال�صومال ،فامل�شكل���ة ال ترتبط ب�ص���راع املفاهيم وتعار�ضاته���ا ،بل �أي�ض ًا وبدرجة �أك�ب�ر ب�س�ؤال الأر�ض ودورة احلياة اليومية التي حتولت يف العامل العربي �إىل حمنة قاتلة. علين���ا �أن نع�ت�رف اعرتاف ًا مبدئي��� ًا و�أولي ًا و�سابق ًا لكل �ش���يء يف �أنه من طبائ���ع الأمور �أن تت�أث���ر احلركات الإ�سالمية املختلف���ة ب�شقيها ال�سلفي وغ�ي�ر ال�سلفي باحلركات املوازية لها يف �أي مكان� ،أو بالر�ؤى التنظريية والفكري���ة القائم���ة يف �أماك���ن �أخ���رى يف العاملني العرب���ي والإ�سالمي، وعلين���ا �أن نعرتف �أي�ض ًا ب�أن امل�شكلة اجلوهرية هي م�شكلة داخلية ،و�أن البيئة الداخلية هي التي ت�صنع مقدمات االنتماء للتطرف ،وت�ستطيع �أن حتا�صرها �أي�ض ًا ،من خالل جمل���ة من التدابري الإمنائية واالقت�صادية واالجتماعي���ة املكتوبة عملي ًا يف عديد الربام���ج ال�سيا�سية واالقت�صادية املقدمة يف �إطار الدولة. تبع��� ًا لذل���ك ،ف����إن الأو�ضاع الت���ي حتا�صرن���ا تباع��� ًا� ،س���واء ب�أ�شكالها الرتاجيدي���ة املكفه���رة� ،أو ب�أ�شكاله���ا ال�شعبي���ة ال�سلمي���ة الب�سيطة� ،أو ب�أ�شكاله���ا املطلبي���ة النظري���ة؛ كل ه���ذه تع�ب�ر ع���ن االعتق���اد ب�أنه من ال�ضرورة مبكان �أن ت�شرع الدولة عملي ًا ب�إعادة امل�أ�س�سة على قاعدة ف�ض اال�شتب���اك الع�سري بني القبيلة امل�شوه���ة والدولة احلديثة ،وبني املجتمع ال���ذي يفرت�ض �أن ي�ستقيم عل���ى قاعدة النظام والقان���ون وعلى قاعدة تعمي���م ثقافة ال�سل���م وثقافة االنتم���اء للم�ؤ�س�سة ،وب�ي�ن انت�شار ال�سالح املنافية ملرجعية الدولة. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
17
اليمن والعامل
حتليالت حتليالت
18
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
19
التناف�س الثالثي
التناف�س الثالثي لفر�ض النفوذ فـي اليمن
رو�سيــا
الواليات املتحدة ورو�سيا وال�صني فـي اليمن تق��ع اليمن عن��د �إحدى �أه��م مناطق الو�ص��ل الإ�س�تراتيجية يف العامل ،حيث تطل على م�ضيق باب املندب مما جعلها حمط لالهتمام والأطماع الأجنبية منذ ق��رون م��ن الزمان وحتى يومن��ا هذا .على �أن اليمن تعد م��ن البلدان التي تفتقر �إىل امل��وارد الطبيعي��ة ،ويجد املحتلون الأجانب �أنف�س��هم يف �ص��راع مع املقاومني اليمنيني لك�سب رهان خا�سر .وقد �أدى هذا النوع من العناد وال�شرا�سة التي �أبداها بلد ُمنت ٍِج اقت�صادي ًا� ،إىل املواطنون اليمنيون ،وكذلك �ص��عوبة حتويل اليمن �إىل ٍ �إبع��اد الأجانب وتقليل رغبتهم يف البالد .وعلى �إثر ذلك ،عانت اليمن من املهمة ال�صعبة املتمثلة يف بناء الأمة. �سورين�سن ديفيد �س. ُ وم���ع ا�ستم���رار �أهمية نقل النف���ط و�أ�شكال التج���ارة الأخرى عرب طرق املالح���ة البحرية ،ا�ستعادت اليمن االهتم���ام اخلارجي بها .وبالإ�ضافة �إىل ذل���ك� ،أ�صبح���ت اليمن �أك�ث�ر �أهمية بالن�سبة للوالي���ات املتحدة بعد هجم���ات احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتم�ب�ر 2001عندما ات�ضح لأمريكا �أن اليم���ن لي�ست موط���ن �أجداد �أ�سامة بن الدن فح�س���ب ،بل �إنها مكان ين�شط فيه عنا�صر تنظيم القاعدة �أي�ض ًا .فعندما هاجم عنا�صر ي�شتبه بانتمائه���م للقاعدة املدمرة الأمريكية (كول) عام 2000بد�أت الواليات املتح���دة تتعامل مع اليمن باهتم���ام �أكرب ،غري �أن هذا االهتمام مل يكن قا�ص���ر ًا على الوالي���ات املتحدة وحده���ا� ،إذ مل تقطع رو�سي���ا عالقاتها باليم���ن الت���ي يعود تاريخه���ا �إىل عهد م���ا كان ي�سم���ى جمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية ،كذلك �أبدت ال�ص�ي�ن م�ؤخر ًا اهتمامها (بتعزيز م�صاحلها) يف ال�شرق الأو�سط عموم ًا ،مبا يف ذلك اليمن. وته���دف هذه الورق���ة �إىل درا�سة اجله���ود الثالثية الت���ي تبذلها كل من الواليات املتحدة ورو�سي���ا وال�صني من �أجل الت�أثري يف ال�سيا�سة اليمنية واخليارات الإ�سرتاتيجية ،كما تهدف �إىل تقييم خيارات اليمن للتعامل مع ثالث قوى خارجية يف الوقت الذي ت�سعى فيه اليمن �إىل احلفاظ على ا�ستقالليتها ،ويف نف�س الوقت اال�ستفادة من هذا االهتمام الذي حظيت به من ِق َبل القوى اخلارجية .وال تعد الدول الثالث التي ت�شري �إليها هذه
20
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
الدرا�س���ة الدول الوحي���دة التي تهتم باليمن ،و�إمن���ا نذكرها كونها تُثري اهتمام��� ًا �أكرب لأ�سباب خمتلفة .فرو�سيا على ما يبدو ت�سعى �إىل جتديد روابطه���ا القدمية التي كانت مع جمهوري���ة اليمن الدميقراطية �سابق ًا، يف حني يعد االهتمام الذي تبديه كل من الواليات املتحدة وال�صني �أمر حدي���ث ن�سبي ًا ،ولكل م���ن الدولتني �أجندتها اخلا�ص���ة بها واملختلفة عن الأخرى. عادي ملثل هذا النوع من االهتمام؛ واحلقيقة �أن اليمن متثل مر�شح ًا غري ٍ ّ فهي تعترب من �أفقر الدول العربية �إذ ي�صل معدل قوتها ال�شرائية �إىل ما يقارب 800دوالر ،مقارنة مبعدل القوة ال�شرائية لدولة الإمارات العربية املتحدة الذي ي�صل �إىل �أكرث من 25000دوالر .ون�سبة النمو االقت�صادي يف اليمن هي ،%1.9ويزيد عدد �سكانها على 20مليون ن�سمة ،وهو ينمو مبع���دل � %3.5سنوي ًا ،وتعد ن�سبة النمو هذه م���ن �أعلى الن�سب يف العامل العربي� .أما ن�سبة البطالة فت�صل �إىل %35ح�سب الأرقام الر�سمية ،وقد تك���ون �أعلى من هذه الن�سب���ة .وتعاين اليمن �أي�ض ًا م���ن اجلفاف ،الأمر الذي يدفع ال�سلطات �إىل التفكري بنقل العا�صمة �صنعاء �إىل مكان �آخر، وي�ضط���ر الكثري من املزارع�ي�ن �إىل زراعة �شجرة القات كونها ال تتطلب مياه��� ًا كث�ي�رة مقارنة بغريها م���ن النبات���ات ،والنتيج���ة �أن الكثري من اليمني�ي�ن يتوقفون عن العمل ال�ساعة الواحدة ظهر ًا ل�شراء �أوراق القات �سورين�سن من كلي���ة احلرب اجلوي���ة الأمريكية .واملق���ال يف الأ�صل ورقة ديفي���د ����س. ُ ُق ِّدم���ت يف م�ؤمت���ر جمعية الدرا�س���ات الدولية ال�سن���وي الذي انعق���د يف �آذار/مار�س ،2006ب�سان دييغو -كاليفورنيا .ي�ؤكد امل�ؤلف �أن الورقة ال تعك�س �أي مواقف حلكومة الواليات املتحدة �أو �أي جهة �أخرى ،و�إمنا تعك�س �آراءه ال�شخ�صية.
اليمن ال�صني وم�ضغه ل�ساعات ،وهذا بدوره يعيق قدرة النمو االقت�صادي يف اليمن. وال يتنا�س���ب النظام التعليمي يف اليمن م���ع معدل النمو ال�سكاين ،حيث جن���د �أن ن�سبة املتعلمني ال تزيد عن ( 50%حوايل %70بالن�سبة للذكور كاف، و %30بالن�سب���ة للإن���اث) .كم���ا �أن نظام الرعاي���ة ال�صحية غري ٍ الأمر الذي ينعك�س على معدل العمر الذي ال يكاد يتجاوز � 60سنة. �إن امل�ش���اكل الت���ي تعاين منه���ا اليمن ناجتة ع���ن عدة �أم���ور ،من بينها االحت�ل�ال اخلارجي ،والتناف�س ال�سيا�سي الذي من �ش�أنه �إعاقة التعاون الداخل���ي ،وق�سوة املناخ ،وقل���ة املوارد الطبيعية� .أي�ض��� ًا ما يزال الكثري م���ن اليمنيني يظهرون والئهم للقبيلة �أكرث مما هو للدولة .هذا االنتماء القبل���ي �أعاق وج���ود دولة مركزية قوية ،ففي كثري م���ن املناطق الريفية يف اليمن يعترب كل من النظام القبلي وال�سيا�سة القبلية �أكرث �أهمية من احلكومة يف �صنع���اء .و�إىل جانب تلك العوامل ،هن���اك عوامل تاريخية لفتت انتباه القوى اخلارجية ،ويف الوقت احلايل ن�ضيف �إليها احتياطي النف���ط املنخف�ض (حوايل 4ملي���ار برميل ،و�إنتاج يومي مبعدل 417500 برميل).
مفه��وم التناف���س الثالث��ي عندم���ا تتناف�س ثالث���ة دول على م��� ّد نفوذها ف�إن ال�شكل الهند�س���ي (املثلث) يتبادر �إىل �أذهانن���ا .وهذا الن���وع من التناف�س �أك�ث�ر تعقيد ًا م���ن التناف�س الثنائي ال���ذي ات�صف���ت به احلرب الب���اردة .وهو ن���ادر ًا ما يظه���ر ،وخري مثال علي���ه ما حدث يف �أجنوال �أثن���اء احلرب الأهلية عندم���ا �أيدت الواليات املتحدة واالحتاد ال�سوفيتي وجمهورية ال�صني ال�شعبية �أحزاب ًا خمتلفة. وق���د ي�صبح التناف�س الثالثي �أكرث �شيوع��� ًا �إذا لعبت ال�صني دور ًا عاملي ًا
�أمريكا من خ�ل�ال البحث عن املوارد وفر�ض نفوذه���اُ ،متحدية بذلك الواليات املتح���دة يف بع����ض املناط���ق .ورو�سي���ا �أي�ض��� ًا ،الت���ي يعتربه���ا البع����ض �إمرباطوري���ة منهارة ،لها �أطماع قدمية يف بع�ض �أنحاء العامل حيث كان االحتاد ال�سوفيتي يب�سط نفوذه. فالتناف����س الثالث���ي يف الواقع هو عب���ارة عن تناف�س باطن���ي متنوع� ،أي تناف����س ثالث دول مع بع�ضه���ا البع�ض ،وكل منها حتاول فر�ض نفوذها، ويف الوق���ت نف�سه تتناف�س الدول الثالث مع نظام احلكم لفر�ض النفوذ يف البلد املق�صود. وطبيعة التناف����س قد تكون حميدة ن�سبي ًا ،مع وجود احتمال التعاون بني الأطراف املتناف�س���ة وتبادل بع�ض املعلومات املتعلق���ة بالبلد امل�ستهدف حني يك���ون الأمر يف �صال���ح الأطراف الثالث���ة .فعلى �سبي���ل املثال ،قد تتفق الأطراف املتناف�سة عل���ى ا�ستئ�صال �إحدى اجلماعات املقاتلة �إذا ا�ستهدفت تل���ك اجلماعة م�صالح �أي من تلك الأط���راف� ،أو على الأقل تق���وم بع�ض �أو كل الأطراف اخلارجية املتناف�سة بتبادل املعلومات .لكن الو�ض���ع يف اليم���ن يختلف نظر ًا للم�صالح الت���ي يطمع بها كل من الدول الث�ل�اث املتناف�سة على فر�ض نفوذه���ا ،والتي �ست����ؤدي �إىل انعدام روح التع���اون بني الأطراف يف ظل وجود م�صالح متداخلة .ومع �أن لكل دولة جمموعة من امل�صالح �إال �أنه من املمكن تلخي�صها على النحو التايل: .1حماربة الفكر القتايل املتطرف. .2ال�سيطرة على املوقع اال�سرتاتيجي. .3ال�سيطرة االقت�صادية. وتت�ضم���ن امل�صال���ح الت���ي تتعل���ق مبحارب���ة الفك���ر القت���ايل املتط���رف ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
21
اليمن والعامل
حتليالت ب�ي�ن الإرهابيني يف ال�شي�شان واجلماع���ات املتمردة يف اليمن ف�إن رو�سيا و�سعت من حملتها �ضد جماعات العنف املقاتلة خارج ال�شي�شان. ّ
موقف�ي�ن مت�ضادي���ن �أو متعار�ضني ،هم���ا تعزيز قدرة نظ���ام احلكم يف البلد امل�سته���دف على ا�ستئ�صال املقاتل�ي�ن املتطرفني ومن يدعمهم و/ �أو تر�سي���خ املفاهي���م الدميقراطي���ة يف ذل���ك البلد .وطبيع���ة الت�ضاد �أو توج���د ل���كل م���ن الدول الأجنبية كما التعار����ض يف هذي���ن املوقفني وا�ضح���ة مبا فيه الكفاي���ة� ،أي دعم نظام لعب��ة املثل��ث للبل���د امل�ستهدف ا�سرتاتيجي���ات خا�صة تتج�سد يف �إط���ار تناف�س ثالثي احلك���م يف ا�ستخدام و�سائل وح�شية وغ�ي�ر �شرعية ملحاربة التطرف قد افرتا�ض���ي .فبالن�سب���ة للق���وى اخلارجية يعت�ب�ر وجود ع���دد فردي من ي�ساعد املتطرفني على ك�سب منا�صرين لهم ،يف حني �أن تر�سيخ مفاهيم املتناف�س�ي�ن فر�صة لأن ت ِّ ُ�ش���كل قوتان منهما ائتالف ًا �ض���د القوة الثالثة، الدميقراطية قد يثري يف الأخري م�شاعر مناه�ضة للتدخل اخلارجي. وه���ذا يت�أتى حاملا وجدت م�صالح م�شرتكة بني تلك القوتني .وهذا يعني �أم���ا احلاجة �إىل فر�ض ال�سيط���رة على املوق���ع اال�سرتاتيجي فتعود �إىل �أن عل���ى كل ط���رف ال�سع���ي �إىل ك�س���ب �شريك له حتى ال يك���ون هو تلك �أن اليم���ن تقع على باب املندب املط���ل على مدخل البحر الأحمر .بينما الق���وة الثالثة التي تتحد �ضدها بقية القوى .وباملثل ،على القوى الثالث يتمث���ل الغر�ض من ال�سيطرة االقت�صادية يف التحكم مبوارد اليمن (مبا التناف�س لك�سب نفوذ يف البلد امل�ستهدف ،الذي ي�ستطيع بدوره التالعب ّ يف ذل���ك النف���ط)� ،أو على الأق���ل احل�صول على ح�صة منه���ا ،والتمكن بتل���ك القوى واحل�صول على ما يريده م���ن كل منها .ويف املقابل ،هناك م���ن بيع الب�ضائع داخ���ل اليمن .وهذه امل�صالح بال���كاد تُق�صي كل منها طبع��� ًا احتم���ال �أن تختار الق���وى اخلارجية الثالث االحت���اد وت�شكيل ما الأخ���رى ،فه���ي عادة م���ا جتتمع وتع���زز بع�ضه���ا البع�ض (فعل���ى �سبيل ُيعرف بنظام “الثالوث” لل�ضغ���ط على البلد امل�ستهدف دون �أن تخ�شى املثال حماربة الفك���ر القتايل املتطرف قد ي�ساعد على فر�ض ال�سيطرة �أي منه���ا تواط����ؤ القوت�ي�ن الباقيتني �ضده���ا .لكن مثل ه���ذا الرتتيب ال االقت�صادية). يخل���و من املخاطرة� ،إذ قد يلع���ب �أحد الأطراف لعبة وترك���ز الواليات املتحدة على حمارب���ة الفكر القتايل “مع�ضلة ال�سجني” فيقوم بتقدمي عر�ض فردي للبلد متتلك اليمن عدد ً من ا املتط���رف �أكرث من غ�ي�ره يف ال�ش���رق الأو�سط ،وهذا امل�ستهدف وبه يتفوق عل���ى الطرفني الآخرين اللذين امل�صالح التي جذبت هو احل���ال �أي�ض ًا يف اليم���ن كما �سيت�ض���ح الحق ًا� .أما مل يكت�شف���ا تل���ك اخليان���ة .و�إذا حدث مث���ل هذا فقد االهتمام اخلارجي ،وهو ال�سيطرة االقت�صادية ف�إنها ال متثل بالن�سبة للواليات يتّحد الطرفان يف تقدمي عر�ض م�شرتك يفوق عر�ض االهتمام الذي يحظى املتحدة �سوى دافع ثانوي كونها تقدر �أهمية ال�سيطرة الطرف املرتد .ويف حال خامر ال�شك الأطراف الثالثة بالرتحيب من قبل الدولة عل���ى نقاط االختن���اق الإ�سرتاتيجية �أك�ث�ر من موارد تارة وبالرف�ض تارة �أخرى .ب����أن �أحدهم يقوم بعملية ارت���داد ،ف�إنه يكون لدى كل االقت�صاد ،ف� ً ضال عن �أنها ت�ستورد معظم م�ؤن الطاقة ومن هذه امل�صالح تنمية منه���م دافع يف تقدمي عر�ض �سخي ،بحيث ال ي�ستطيع من الن�صف الغربي للكرة الأر�ضية. م�صادر البرتول ،وال�سيطرة الطرف���ان الآخران �أن يقدما �أف�ضل من���ه .ويتبلور رد على احلدود اليمنية وموقع وبالن�سبة لل�صني ،تعد اليمن م�صدر نفط �صغري لكنه فعل اليمن على النفوذ اخلارجي من خالل ما يعك�سه اليمن اال�سرتاتيجي مه���م .وتزداد �شهي���ة ال�صني للبرتول ب�ش���كل وا�ضح، تاريخه���ا الذي هو زاخر باملقاوم���ة �ضد الغزاة الآتني فعندم���ا حرمته���ا الواليات املتحدة م���ن فر�صة �شراء م���ن اخلارج يف معظم احل���االت ،وبالتك ّيف معهم �إذا �شرك���ة “يونيك���ول” ( )UNOCALالأمريكية اختارت ما اقت�ضت ال�ضرورة ذلك. ال�ص�ي�ن �أن ت�ش�ت�ري �أو حت���ى ت�ش�ت�رك يف م�ص���ادر اليمن:امل�ص��الح احلالي��ة والتدخ��ل �صغرية للطاقة .وباملث���ل ،تعترب ال�سيطرة على املواقع متتل���ك اليم���ن اخلارج��ي الإ�سرتاتيجية مهمة بالن�سب���ة لل�صني كونها م�ستهلك ع���دد ًا من امل�صالح التي جذب���ت االهتمام اخلارجي، متنامي لب�ت�رول ال�شرق الأو�سط� .أم���ا بالن�سبة للفكر وه���و االهتمام الذي يحظى بالرتحيب من قبل الدولة القت���ايل الإرهابي فه���و ال ي�شكل خطر ًا على ال�ص�ي�ن ،لأنها حتتوي على تارة وبالرف�ض تارة �أخ���رى .ومن هذه امل�صالح تنمية م�صادر البرتول، �أقلي���ة من امل�سلمني (معظمهم يف �إقلي���م “�شينجيانغ” النائي) ومعظم وال�سيط���رة على احلدود اليمنية وموق���ع اليمن اال�سرتاتيجي .يف الوقت ق�ضاياهم مع جمهورية ال�صني ال�شعبية تتعلق بامل�سائل املحلية .وكما هو ً نف�س���ه ،على اليمن الذود ع���ن �سيادتها وم�صاحلها اخلا�صة �ضد �أولئك احل���ال بالن�سبة للطرفني الآخرين ،تُعتَرب اليم���ن بالن�سبة لل�صني �سوقا الذي���ن ي�سع���ون �إىل عقابها نتيج���ة عالقتها بالق���وى اخلارجية ،خا�صة �صغرية مقيدة بالأو�ضاع االقت�صادية ال�سيئة. عالقته���ا بالوالي���ات املتح���دة .فمنذ االعت���داء على املدم���رة الأمريكية وعن���د احلديث ع���ن الطرف الثال���ث (رو�سيا) جند �أن���ه كانت تربطها (ك���ول) ع���ام 2000والهجوم ال���ذي تعر�ضت له ناقلة النف���ط الفرن�سية ً عالقات مبا كان ي�سمى جمهوري���ة اليمن الدميقراطية ال�شعبية �سابقا( ،ليمربج) ،كان البد لليمن من ا�ستثمار بع�ض مواردها اخلا�صة حلماية وم���ا تزال تهتم باملبيعات التجارية م���ع اجلمهورية اخللف (اجلمهورية املواقع التي متثل ال�سلطة الأمريكية ،خا�صة ال�سفارة والبعثات الأمريكية ً اليمني���ة) .وقد كانت رو�سيا هدفا للقتال املتطرف الذي ي�ستلهم �أفكاره الزائ���رة .ونظر ًا لزي���ادة املخاطر والتهديدات الت���ي تتعر�ض لها الدول من ال�شي�ش���ان ،وبالرغم من عدم وجود دليل قاط���ع يثبت وجود روابط 22
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
الت���ي ت�ساند الواليات املتح���دة ،كان لزام ًا على اليم���ن اتخاذ �إجراءات الهام���ة بالن�سب���ة للواليات املتح���دة لأن اليمن مل تقدم له���ا �سوى املوقع �إ�ضافي���ة ،وكذلك عندم���ا هددت عنا�صر اجلماع���ات املقاتلة مبهاجمة اال�سرتاتيج���ي� .إ�ضاف���ة �إىل �أن الوالي���ات املتحدة مل تتعام���ل مع اليمن املن�ش�آت النفطية لأي دولة تربطها عالقات بالواليات املتحدة. مبا�ش���رة �أثن���اء االن�شقاق بني جمهوري���ة اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية �إنت��اج النف��ط والغ��از :ال متتلك اليم���ن �سوى كمية قليل���ة ن�سبي ًا من واجلمهوري���ة العربي���ة اليمني���ة� ،إذ كان تعامله���ا مع الأخ�ي�رة يتم عرب احتياط���ي النف���ط ال���ذي يبل���غ 4مليار برمي���ل ،وهي كمي���ة �ضئيلة جد ًا ال�سعودي���ة؛ فبعد مرور �سنتني من ت���ويل �إبراهيم احلمدي ال�سلطة عام مقارن���ة بالكمي���ة التي متتلكها ال�سعودية والتي تف���وق 260مليار برميل 1974 .متك���ن من خالل التفاو����ض من �إبرام �صفقة �س�ل�اح مع الواليات وثم���ة عمليات ا�ستك�شاف قرب ال�ساحل اجلنوبي ،لكنها مل ُتثمِ ر عن �أي املتح���دة مببل���غ 138مليون دوالر دفعت���ه ال�سعودي���ة ،وت�ضمنت ال�صفقة اكت�شاف���ات مهم���ة �إىل الآن ،حيث ت�ضخ اليمن من ذل���ك االحتياطي ما �سرب طائرات من نوع �إف 5 -مت �شحنها عرب املوانئ ال�سعودية. يق���ارب 417000برميل يومي��� ًا ،وتُ�صدّر 370300برمي���ل .متتلك اليمن ويعود تاريخ االهتمام الأمريكي باليمن �إىل ما قبل االعتداء على املدمرة كذل���ك ما يقارب 480مليار مرت مكعب من الغ���از الطبيعي ،لكن عملية الأمريكية (كول) (الت���ي �أر�سلها اجلرنال �أنتوين زيني -القائد الأعلى الإنتاج متوقفة حالي ًا (�أي وقت �إعداد الورقة) .وبالرغم من �صغر حجم للقوات املركزية الأمريكية �آنذاك -من �أجل تعزيز العالقات الع�سكرية االقت�ص���اد النفط���ي ن�سبي��� ًا �إال �أنه ي�ش���كل ن�سبة %80من دخ���ل الدولة مع اليم���ن) ،وزاد االهتمام بعد تلك احلادثة .ثم ازداد �أكرث ف�أكرث بعد القوم���ي .وقد وقعت اليمن عدد ًا م���ن اتفاقيات الإنتاج مع بع�ض الدول� .أح���داث احلادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب والك�شف ع���ن �أن اليمن هي فق���د وقع���ت اليمن وكوريا اجلنوبي���ة اتفاقية على تنمي���ة م�شرتكة لأحد موطن �أجداد �أ�سامة بن الدن .ومل تركز ال�سيا�سة الأمريكية على متكني احلق���ول القريبة من ال�ساحل ،والذي يحتوي عل���ى معدل تقريبي ي�صل اليم���ن من حمارب���ة التمرد الإ�سالمي يف اليمن فح�س���ب ،بل �أي�ض ًا على بناء م�ؤ�س�س���ات �سيا�سية ت�سمح بوج���ود بنية حكومية �إىل 950ملي���ون برمي���ل .كما وقع���ت اليمن مذكرة مع جيبوت���ي لإنتاج نفط ب�شكل م�شرتك يف منطقة جروان لفتت اليمن انتباه ًا حمدود ًا م�سئول���ة �أك�ث�ر� .إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك ،ثمة جه���ود تُبذل عل���ى �ساحل �شب���وة ،وهو م�ش���روع ت�شرتك في���ه �أي�ض ًا لكنه ُمر ّكز من ِقبل الواليات لدعم االقت�صاد اليمن���ي لكن تعيقها م�سائل �سيا�سية املتحدة ورو�سيا وال�صني، واجتماعية تقلل م���ن �أهل ّية اليمن وا�ستحقاقها لتلقي �شركة النفط الرتكية (بت). م�صاحلها لها منها وكل الدعم الأمريكي ،كما �سنالحظ الحق ًا. وتع���اين اليم���ن م���ن تدف���ق الالجئ�ي�ن القادم�ي�ن من اخلا�صة بها� .أما بالن�سبة لق���د �أ�صبح���ت اليمن حت���ت ال�ضغ���ط الأمريكي منذ �أفريقي���ا ،والذي���ن ينزلون مبدئي��� ًا يف اليم���ن بعد �أن لليمن ،فمن الوا�ضح �أنها يجت���ازوا البح���ر الأحم���ر عل���ى �أم���ل �أن يتجه���وا �إىل تنظر �إىل من يقدم العر�ض حادثة (كول) لك���ي تقوم مبالحقة املتمردين امل�شتبه ال�سعودي���ة �أو دول اخللي���ج الأخ���رى بحث ًا ع���ن العمل .الأف�ضل من بني هذه القوى ،بهم وحماكمتهم ،وه���ذا الطلب يتعار�ض مع م�صالح وتعتق���د ال�سلط���ات الإماراتي���ة �أن اليم���ن ال يقوم مبا وبهذا ت�شجع زيادة املناف�سة الرئي����س علي عبداهلل �صال���ح ال�سيا�سية الذي تربطه لتحقيق تلك ال�صفقة بع����ض العالقات غ�ي�ر الر�سمي���ة مع الع���رب الأفغان في���ه الكفاية ملنع وفود الالجئني م���ن التوجه �إىل دول ً �سابقا ،الذين تركوا اليمن ملحاربة االحتاد ال�سوفيتي اخللي���ج ،لكنها ال تعرف عالج ًا ناجع��� ًا لهذه امل�شكلة. ���م ع���ادوا �إىل وم���ن املعتقد �أن عدد الالجئني الذي���ن ي�صلون اليمن يف �أفغان�ست���ان يف الثمانيني���ات وم���ن ث ّ اليمن .وقام �صالح بتجنيد الكثري من العرب الأفغان من ال�صومال وحدها يرتاوح ما بني � 12000إىل 14000 يف حماولت���ه تثبي���ت الوحدة ع���ام ،1994وق���دّم لهم �صوم���ايل كل �سن���ة ،جالب�ي�ن معه���م الفق���ر والبطالة احلماي���ة والإعانات وهم ما زالوا على عالقة ب�أ�سامة والأمرا�ض كااليدز و�شلل الأطفال .ويف ت�شرين الأول/ بن الدن .وبينما هناك من يقول �أن �صالح يريد فر�ض �أكتوب���ر � ،2005أعلنت اليمن �إلقاء القب�ض على 12000 �سيطرته على العرب الأفغان ،جند �أي�ض ًا من يقول �أن مهاج���ر غري �شرعي -معظمهم عل���ى �ساحل �شبوة - وترحيله���م �إىل بلدانهم ،وي�شكل ال�صوماليون 11000تقريب ًا بينما القلة العرب الأفغان ما زالوا يتمتعون بالقوة و ُي�ش ّكلون عائق ًا �أمام قدرة اليمن على حت�سني عالقتها بالغرب. القليلة هم من �أثيوبيا وبلدان �أفريقية �أخرى. اعرتفت الواليات املتحدة وينم وجود ه�ؤالء على عدم متكن اليمن من ال�سيطرة على مناطق كبرية امل�صالح الأمريكية بدول���ة اليمن دبلوما�سي ًا عام 1945وبد�أت بتق���دمي امل�ساعدة الع�سكرية م���ن البالد ،حيث جن���د يف املناطق الريفي���ة �أن اخلطب���اء الإ�سالميني له���ا ع���ام 1962يف وقت كانت احلرب الأهلية حمتدم���ة .ويف عام 1976املت�شددين يخطبون �ضد الواليات املتحدة واليهود والدول العربية التي ال وقع���ت الواليات املتحدة واليمن معاهدة ع�سكرية ر�سمية مدعومة مببلغ تتفق مع �آرائهم ،ومن �ضمن هذه الدول اليمن� .أما بعد هجمات احلادي 176ملي���ون دوالر من الإعانة الع�سكرية املقدم���ة من الواليات املتحدة .ع�ش���ر م���ن �أيلول�/سبتم�ب�ر 2001فقد حاول���ت حكومة الرئي����س �صالح لكن رغم ذلك ،ومقارنة بدول اخلليج ،مل ت�شكل اليمن �إحدى الأولويات ت�ضييق اخلناق على �أتباع �أ�سامة بن الدن واجلماعات امل�سلحة الأخرى. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
23
اليمن والعامل
حتليالت
فف���ي مطل���ع عام 2002قام���ت الق���وات اليمنية باجتياح بع����ض املناطق النائية مثل م����أرب للقب�ض على الإرهابي�ي�ن واخلاطفني ،الذي يقومون ب�إعمال �إرهابية تحَ ِرم اليمن من اال�ستفادة من اال�ستثمار الأجنبي ،وقد القت ه���ذه العملية معار�ضة من قبل حزب الإ�ص�ل�اح الإ�سالمي (الذي كان ي�ستحوذ (�آنذاك) على 64مقعد ًا من �أ�صل 301مقعد يف الربملان)، وه���و احلزب الذي �صرح قائده بقول���ه« :عندما تت�صرف احلكومة وفق ًا ل�ضغوط الواليات املتحدة وم�صاحلها ،ف�إن اليمنيني �س ُيقا ِتلون». وي�س��� ّوغ �صالح ما قام به بقول���ه �إنه كان قادر ًا على منع الواليات املتحدة م���ن مهاجم���ة اليمن بع���د حادثة (ك���ول)� ،إذ قال« :كان���ت هناك خطة �أمريكي���ة الحتالل ع���دن �أثناء تل���ك احلادثة ،لكن حل�س���ن احلظ كنت عنده���ا موج���ود ًا يف ع���دن وعملن���ا مب�سئولي���ة لتجنيب الب�ل�اد ما كان �سيحدث بوجود ثمان �سفن �أمريكية يف املياه الإقليمية عند مدخل خليج عدن .وت�صرفنا بدبلوما�سي���ة وحزم حتى جنبنا البالد ما كان خمطط له���ا ...لأن الإرهابي�ي�ن الذين قام���وا بتفجري املدم���رة ال يجلبون للبالد �سوى الدمار ،و�إبعاد الأجانب عن البالد». ويف ت�شري���ن الثاين�/أكتوبر � 2005أعلن���ت الواليات املتحدة �أن بندقيتني م���ن نوع ( )AK-47واللت�ي�ن ا�ستخدمتا يف هجوم كان���ون الأول/دي�سمرب 2004عل���ى القن�صلي���ة الأمريكية بج���دة هما من ال�س�ل�اح اليمني .وقد احتج���ت الوالي���ات املتح���دة وال�سعودية عل���ى عدم قيام اليم���ن بحماية ّ حدوده���ا على الوجه املطل���وب .ويف اليوم التايل ،و�صف���ت اليمن التهم املوجهة �إليها ب�أنها “ال �أ�سا�س لها من ال�صحة”. أزعج ُ�ص ّناع ال�سيا�سة الأمريكية هو تدفق من ي�سمون والأمر الآخر الذي � ِ “مقاتلي احلدود” �إىل العراق بعد االجتياح الأمريكي يف �آذار/مار�س .2003له���ذا �ضغط امل�سئولون الأمريكيون على ُك ٍ ّل من ال�سعودية واليمن لإيقاف تدفق املقاتلني �إىل العراق ،والذين زعمت الواليات املتحدة �أنهم ي�أت���ون من اليمن ويع�ب�رون ال�سعودية �إىل �أن ي�صل���وا العراق .لكن وزير الداخلية ال�سعودي نايف بن عبد العزيز احتج على هذا قائ ًال� :إن بالده واليم���ن تتعاونان على منع ما ادعى �أنهم الجئني يعربون �إىل ال�سعودية، ودعم��� ًا لهذا اعتقلت ال�سعودية مت�سللني ميني�ي�ن على احلدود (بع�ضهم كان يرتدي زي ًا ع�سكري ًا �سعودي ًا مزور ًا) ،ومت حجزهم للتحقيق. وال�ضغ���ط الأمريكي على اليمن يرتكز على �إنه���اء احلركات الإ�سالمية املحلية التي تدعم الإرهاب .ففي ت�شرين الأول�/أكتوبر ،2005على �سبيل املثال ،يقال �أن م�سئولني �أمريكيني �ضغطوا على اليمن لكي تعتقل ال�شيخ عبد املجيد الزنداين لقيامه ب�أن�شطة �إرهابية ،لكنه دافع عن نف�سه �ضد ه���ذه االتهامات ،كما ا�ستنكر احلكم ال�صادر على حممد امل�ؤيد (املتهم بنف����س التهم)ً ، قائ�ل�ا�« :إنه حكم ُم�شني لأنه ُيب�ي�ن حتيز ًا كامل ل�صالح الع���دو ال�صهيوين الذي احتل بلدان ًا م�سلمة ،و�ش ّرد ال�شعب الفل�سطيني. وم���ا زال ال�صهاينة يظلمون ويعت���دون ويقتلون وي�ش���ردون حتى اليوم». وق���د الم الزنداين امل�ؤمتر ال�شعبي العام على ه���ذه التهم ،لأن الواليات املتحدة اعتمدت على امل�ؤمتر يف تقدمي الدليل الذي ا�ست�شهدت به .ويف �آذار/مار����س عام 2006وبعد مفاو�ضات مطولة وتدخل الرئي�س �صالح، 24
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ُيقال �أن الواليات املتحدة �أ�سقطت الزنداين من قائمة الإرهاب. ويف ع���ام 2004حاولت احلكومة اليمنية �إنهاء التمرد الذي قادة ح�سني بدرالدي���ن احلوثي وابنه �ض���د الدولة ،وو�صفت الوالي���ات املتحدة ذلك التمرد ب�أنه ُم�ستل َهم من الفكر الإ�سالمي ،و�أثنت على جهود �صالح للح ّد منه .لكن ذلك التمرد يف احلقيقة له عالقة بالفقر يف املنطقة والتوازن القبل���ي بق���در ما له عالق���ة بال�سيا�سة اليمني���ة �أو الدور ال���ذي تقوم به الواليات املتحدة يف اليمن .لذا �أطلق الرئي�س �صالح يف ت�شرين الثاين/ نوفم�ب�ر � 2005س���راح احلوثي و�أك�ث�ر من � 500آخرين مب���ن فيهم �أولئك الذي���ن رددوا �شعارات معادية للواليات املتحدة يف ح�شود ،وهذا احلدث لف���ت انتباه الوالي���ات املتحدة �إىل �شم���ال اليمن حيث توج���د ال�سيطرة القبلية ،ور�آه امل�سئولون الأمريكيون �أنه ي�شكل بيئة خ�صبة ملفاهيم الفكر الإرهابي. وكان الع�ل�اج الأجن���ع له���ذا يتمثل يف ن�ش���ر املفاهي���م الدميقراطية يف املنطق���ة ،وه���ي م�سئولية وقعت على كاهل املعه���د الدميقراطي الوطني لل�ش����ؤون الدولي���ة ( ،)NDIوق���ام املعهد ب���دوره حماو ًال بن���اء برنامج يف اليم���ن ،لك���ن �صالح �شع���ر �أنه �س ُيعارِ����ض م�صاحله ،وق���ال �أحد ممثلي املعه���د يف اليمن ...« :كانت هناك بع����ض امل�سائل ،خا�صة م�س�ألة ثارات ال���دم -ح�سب ما ترجموها لن���ا -والتي يعود تاريخها �إىل ما قبل وجود املعه���د الدميقراطي الوطني يف اليمن ب���ل �إىل مئات ال�سنني ،فكان من امل�ستحي���ل �أن نفهم الو�ضع .وقال (�صال���ح) �أنها م�س�ألة كبرية يف اليمن، وقد �ش���كل لها جلان و�أمور �أخرى ملعاجلة ه���ذه امل�شكلة .وقال“ :ال يهم �إن خ�ص�صت���م 100ملي���ون دوالر �أو 500مليون دوالر لتنفقوها على هذه امل�شكلة ،ف�أنت���م ك�أجانب لن تتمكنوا من ح ّلها” .وقال �أي�ض ًا�« :أُ ِّ ف�ضل �أن تركزوا على الأ�شياء التي تقدرون عليها». ويف ت�شرين الثاين/نوفمرب ع���ام � 2005أعلن �صالح �أنه �سيزور الواليات املتح���دة على �أمل احل�صول على زي���ادة يف الدعم اخلارجي والع�سكري ال���ذي تقدم���ه الوالي���ات املتح���دة ،وملناق�ش���ة بع����ض الق�ضاي���ا الثنائية كالإره���اب وحري���ة ال�صحاف���ة يف اليمن ،لكنه عاد م���ن وا�شنطن �صفر اليدي���ن .ومع �أن وزير اخلارجية اليمني �أبو بكر القربي الذي ذهب معه ذك���ر �أنه � -أي القربي -وق���ع اتفاقيات مع �صندوق النقد الدويل خالل �إقامته���م يف وا�شنط���ن (تخ�ص بناء الطرقات والتنمي���ة ال�سمكية)� ،إال ���دّم �أي م�ساعدة اقت�صادي���ة .وبالفعل ،كان �أن الوالي���ات املتح���دة مل ُتق ِ �أ�سبوع��� ًا �سيئ��� ًا بالن�سبة للرئي�س �صالح الذي ب���د�أ زيارته عندما �أخربته م�ؤ�س�س���ة حتدي الألفية (� )the MCCأن ح�ساب اليمن ( 20مليون دوالر) املخ�ص����ص لتح���دي الألفي���ة �سيتوق���ف نظر ًا لتف�ش���ي الف�س���اد وانعدام امل�سئولي���ة املالي���ة والف�شل يف تفعي���ل الإ�صالح���ات الدميقراطية ،ومن ���م �أخربه البنك الدويل عندما زاره �صال���ح ب�أن امل�ساعدة التي يقدمها ث ّ لليم���ن �ستنخف����ض م���ن 420ملي���ون دوالر �إىل 280ملي���ون دوالر ب�سبب الف�س���اد وانع���دام امل�سئولي���ة املالية ،ومن ث���م التقى بوزي���رة اخلارجية الأمريكي���ة كوندوليزا راي����س ،التي قال �أحد امل�ص���ادر �أنها ...« :ذ ّكرته بالتف�صي���ل مبعايري اال�ستحقاق املذك���ورة يف اتفاقية حتدي الألفية التي
�أخفق���ت اليمن يف تلبيتها ،مث���ل احلريات املدنية ،واحل���د من الف�ساد، وتطبي���ق الأنظمة القانوني���ة ،واحلرية االقت�صادي���ة .وذ ّكرها (�صالح) مبدى التع���اون الذي �أبدته اليم���ن مع الواليات املتح���دة �ضد الإرهاب. لكنه���ا قالت �إن ه���ذا لي�س له عالق���ة بذلك ،خا�صة يف ه���ذه احلالة... و�إذا م���ا وا�صل���ت اليم���ن تطبيق مفاهي���م الدميقراطية �ستتب���ع الإعانة االقت�صادية» .بعد كل هذا ،التقى �صالح بالرئي�س بو�ش ،و�أخربه الأخري ب�أن الواليات املتح���دة تُقدّر �أ�صدقائها .ولكن يبدو �أن ما قاله بو�ش كان كالم �أجوف��� ًا بالن�سبة للرئي�س �صال���ح بعد اللقاءات التي �أجراها قبل �أن يلتقي بالرئي�س الأمريكي. وق���د يكون �سبب النتائ���ج املخيبة للأمل التي عاد به���ا �صالح من رحلته ه���و �أداء االقت�ص���اد اليمني املخيب ،وف�شل الق���ادة اليمنيني يف معاجلة م�س�أل���ة الإ�صالحات؛ فمخ�ص�صات النفط ال ت�صب يف م�صلحة الفقراء الذي���ن ال يح�صل���ون �إال على %15منها مقارن���ة بن�سبة %85التي تذهب لغ�ي�ر الفق���راء .وقد ح���رر نائب رئي�س البن���ك الدويل لل�ش���رق الأو�سط و�شمال �أفريقيا تقرير ًا مهم ًا بهذا اخل�صو�ص وبف�شل اليمن يف مكافحة الف�س���اد ،و�أعلن عن تخفي�ض ن�سبة دع���م البنك لليمن مبعدل � ،%34أي من 420مليون دوالر �إىل 280مليون دوالر. وبينم���ا تتلقى اليمن مابني 150 - 100ملي���ون دوالر ك�إعانة من الواليات املتح���دة �إال �أن ه���ذا املبل���غ يتال�شى �إذا م���ا قارناه مبا تتلق���اه �إ�سرائيل (الت���ي ال ميثل �سكانها �س���وى جزء ًا �صغري ًا من �س���كان اليمن)� ،إ�ضافة �إىل ال�ش���روط التي ت�صحب الإعانة .وت�ضغط الربامج ال�سيا�سية الأمريكي���ة على اليمن مطالب ًة بانفتاح �سيا�سي �أكرب و�إ�صالحات �سيا�سية واجتماعية� ،إذ تهدف مبادرة ال�سالم يف ال�شرق الأو�سط التي ترعاها وزارة اخلارجية الأمريكية �إىل تقدمي الدعم املايل للربامج التي متن���ح قوة �أكرب للمنظمات غري احلكومية ،وتعتني بتمك�ي�ن املر�أة اليمني���ة والنقاب���ات العمالية .ورغ���م �أن كل تلك الربام���ج ال تتلقى �س���وى مبلغ زهي���د ،ف�إنها �أحيان��� ًا تُثري �سخط اليمني�ي�ن الذين ي�ساورهم القلق من �أن الواليات املتحدة �ستدفع �سريع ًا باليمن بعيد ًا عن عادات املجتمع وتقاليده. �إن خيبة الأمل هذه قد تكون ناجتة عن اختالف الأجندة وتركيز الرئي����س الأمريكي على ق�ضية تنظيم القاع���دة .وقد ا�ستهل كل م���ن الرئي�سني كلمته بطريقة كما ل���و �أنهما يوجهان تعليمات� ،إذ ق���ال الرئي�س بو�ش« :مرحب ًا بكم �سيادة الرئي�س! �إنني �أتطلع �إىل حوارن���ا و�إىل عملن���ا الدءوب ك���ي نت�أكد م���ن �أن تنظيم القاعدة ومنت�سبيه ميثلون �أم���ام العدالة» .ومن ّثم حتدث الرئي�س �صالح ً قائ�ل�ا« :ي�س���رين �أن تُتاح يل الفر�صة بلقائك���م هذا اليوم �سيادة الرئي����س� ،إذ �أن لدين���ا ع���دد م���ن الق�ضايا منه���ا الثنائية ومنها م���ا ي�ص���ب يف م�صلحة املجتم���ع ال���دويل واال�ستق���رار وال�سالم العامليني». لكن ه���ذه اللهجة تغريت يف �شباط/فرباي���ر 2006عندما هرب من �سجن ب�صنعاء � 23سجين ًا ُي�شتبه ب�أنهم من عنا�صر القاعدة،
فانتق���دت الواليات املتح���دة احلكومة اليمنية وطلب���ت ال�سماح ملحققني �أمريكي�ي�ن بالتوا�صل مع باقي املحتجزين حتى يتم التحقيق معهم ،لكن احلكومة اليمنية رف�ضت الطلب ،معتربة ذلك �إهانة ل�سيادة اليمن. وتهدف ال�سيا�سة الأمريكية التقليدية جتاه الدول املتعاملة معها �إىل بناء الق���وة الع�سكرية ،وهذا هدف يتحقق به :ال�سم���اح با�ستخدام قوة البلد امل�ستفيد لتحقيق �أهداف �أمريكية (لذا ا�شرتك يف حرب العراق 1990- 1991الكثري من القوى الع�سكرية ،مبا فيها العديد من العامل العربي)، وكو�سيلة لت�سوي���ق الأ�سلحة الأمريكية .وعندما �سع���ت الواليات املتحدة �إىل حت�س�ي�ن العالقة باليمن بعد حادثة كول ،قام���ت بعملية م�سح للقوة الع�سكرية اليمنية وانتهت �إىل �أن تلك القوة ناق�صة التجهيزات و ُم ّ ر�شحة لأن تكون هدف ًا لعملي���ة التحديث املُل َهمة من الواليات املتحدة .وبح�سب �أح���د امل�صادر ،ف�إن معدات القوات اجلوي���ة اليمنية مكونة من طائرات تعود �إىل عه���د ال�سوفيت (انظر �أدناه) ،واجلي����ش ي�سحقه الف�ساد� ،أما الق���وات البحرية فلي�ست �سوى �سفينتني غرقت �إحداهما عندما حاولت البحرية جتربتها .ولهذا ركزت الواليات املتحدة على �إن�شاء حر�س خفر ال�سواح���ل من نقطة ال�صفر ،و�أ�صبح عدد �أف���راد حر�س خفر ال�سواحل اليمني���ة 1200فرد ًا حتت �سلطة وزارة الداخلية اليمنية مبيزانية �سنوية قدرها 1.1مليون دوالر و�أكرث من 40قارب ًا ،وبحلول � 2008س ُي�ص ِبح خفر ال�سواحل قادري���ن على حماية كل ال�سواحل اليمني���ة ،ولهم حق مراقبة
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
25
اليمن والعامل
حتليالت
عمليات الإرهاب والقر�صنة وتعزيز �أمن املواين. والفائ���دة التي جتنيها اليمن تتمثل يف �أن �سواحلها �ستُ�ص ِبح �أكرث �أمان ًا، ال�سفن التي وحميطها �أكرث �أمن ًا (وبهذا �ستنخف�ض �أق�ساط الت�أمني على ّ جتوب املياه اليمنية وتر�سي يف موانيها) .ومن م�سئوليات خفر ال�سواحل �أي�ض��� ًا البح���ث عن املهاجرين غ�ي�ر ال�شرعيني و�إعادته���م �إىل �أفريقيا. �إ�ضاف���ة �إىل كل ما �سب���ق ،مل ت ُِ�صر الواليات املتحدة عل���ى �أن ما تقدمه م���ن دعم مادي خلفر ال�سواحل يجب �أن ُين َفق يف �شراء معدات �أمريكية فق���ط ،ل���ذا ت�ستطي���ع اليم���ن �أن ت�شرتي معدات م���ن �إيطالي���ا وماليزيا و�أ�سرتاليا. ّ وط���د االحت���اد ال�سوفيت���ي امل�ص��الح الرو�س��ية �سابق��� ًا عالقاته بال���دول النامية ،ومل تكن اليم���ن م�ستثناة من هذا� ،إذ ا�ستف���ادت الق���وات الع�سكرية التابع���ة جلمهورية اليم���ن الدميقراطية ال�شعبية م���ن املعدات الع�سكرية ال�سوفيتية الت���ي تراوحت بني الب�سيطة واملتط���ورة ك�صواريخ (�سك���ود) والطائرات احلربي���ة ال�سوفيتية .وهذا الن���وع م���ن الطائرات ما ي���زال يعمل يف الق���وات اجلوي���ة اليمنية ،التي ت�ستخدم ط�ي�ران متطور من نوع (ميج )29-املوجودة يف مطار �صنعاء الدويل .و�أعلنت رو�سيا م�ؤخر ًا ت�سليمها لليمن 20مقاتلة من نوع (ميج) و 29مقاتل���ة م���ن نوع (�سم���ت) متع���ددة الأغرا�ض ،التي تزع���م رو�سيا �أنه���ا من �آخر �إ�صداراتها من هذا الن���وع من الطائرات بح�سب ت�صريح املتح���دث با�سم رو�سيا يف معر����ض دبي الذي انعقد م�ؤخ���ر ًا .واملهم يف هذا الت�صريح �أن رو�سيا ،ح�سبما ُيقال ،قدمت هذا النوع من الطائرات �إىل دول���ة �أخرى ،وهذه الدولة هي �إريرتيا التي متتلك مقاتلتني من هذا النوع. وال�س����ؤال ال���ذي يطرح نف�سه هو م���ا مدى النفوذ ال���ذي �ستجنيه رو�سيا م���ن بي���ع 20طائرة (ميج) لليمن وطائرتني فق���ط لإريرتيا؟ ومع �أنه مل يت���م الإف�صاح ع���ن القيمة الذي دفعته���ا اليمن �إال �أنه الب���د و�أنها قيمة عالي���ة .وقد ر�أت رو�سي���ا �أن نفوذها الدويل ب�شكل ع���ام ،ومبيعاتها من الأ�سلح���ة على وجه اخل�صو�ص ،ق���د بد�أا يف الأفول من���ذ نهاية احلرب الباردة ،وما زال���ت م�شكلة بيع �أ�سلحتها تتفاقم؛ فهي مل تتمكن بعد من �إنه���اء �صفقات بي���ع طائرات (ميج )29للجزائر وال�س���ودان واليمن «.. مل ت�صب���ح اتفاقيات منجزة» ،وم���ا زالت الهند ،التي تعترب عميل رو�سيا الأك�ب�ر ،ترتدد يف طلب مقاتلة من الوزن اخلفيف ،وهذه �صفقة ت�صفها بع����ض التقاري���ر الرو�سي���ة ب�أنها «�صفق���ة تواجه املماطلة م���ن �سنة �إىل �ست�صب يف م�صلحة رو�سيا» .ويبدو �أخرى ،ولي�س هناك م�ؤ�شر على �أنها ّ �أن رو�سيا بد�أت تفقد تر�سان���ة دفاع �أخرى تتعلق ب�صيانة �أ�سلحتها التي باعتها م�سبق��� ًا ،فنجد رو�سيا البي�ضاء تعل���ن يف ت�شرين الثاين/نوفمرب � 2005أنه���ا ف���ازت بعقد ل�صيانة ع�شر مقاتالت من ن���وع (�سو )22تابعة للقوات اجلوية اليمنية ا�شرتتها اليمن م�سبق ًا من االحتاد ال�سوفيتي. فه���ل جن���ت رو�سيا نف���وذ ًا �أكرب بف�ض���ل مبيعاتها الع�سكري���ة؟ ح�سب ما قال���ه ع�ض���و جمل�س نواب ميني ،كان امل�سئ���ول الأول عن �شراء مقاتالت 26
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
(املي���ج) عنا�صر ا�شرتاكي���ة ،وانتقد القيمة املدفوع���ة يف تلك ال�صفقة وا�صف ًا �أولئك امل�سئولني ب�أنهم “�أعداء اليمن” .ورمبا �أن احلما�س الذي كان يبدي���ه اليمنيون �ضد االحتاد ال�سوفيتي امللحد ما يزال ي�سيطر على اليمني�ي�ن ،ال�سيما �أفراد النخبة الديني���ة� ،إذ جند ال�شخ�ص ذاته ُيدين احل���زب احلاكم “ببيع اليم���ن للأمريكيني” ،م�ش�ي�ر ًا �إىل �أن املعار�ضة �ض���د التعاون مع كل م���ن الواليات املتحدة ،ورو�سيا مل حت�ض بالدعم يف بع�ض �أركان الربملان اليمني ،خا�صة من قبل الأحزاب الدينية .لكن مثل هذا الكالم مل ُيقال على ال�صني. وتطم���ع رو�سي���ا �أي�ض ًا يف موقع اليم���ن اال�سرتاتيجي نظ���ر ًا لعدد �سفنها الكبري التي تبحر عرب قناة ال�سوي�س؛ فالبنية التحتية للطرقات وال�سكك احلديدي���ة املتهالكة وقدمية الطراز جتعل �شح���ن الب�ضائع من املحيط اله���ادي �إىل البحر الأ�سود وبحر البلطيق �أقل تكلفة من نقلها عرب الرب. ومن املعروف �أن املواد اخلام التي ت�ستهلكها رو�سيا من البلدان ال�شرقية مت���ر عرب قناة ال�سوي�س �إىل البلدان الغربية الأكرث ت�صنيع ًا (مالحظات الكاتب ،قناة ال�سوي�س� ،آذار/مار�س ،)2006والبد لل�سفن املحملة بتلك امل���واد �أن متر عرب م�ضي���ق باب املندب يف طريقه���ا �إىل البحر الأحمر. وله���ذا ال�سب���ب حتتاج رو�سي���ا �إىل عبور �آم���ن يف منطقة ت�شه���د �أعمال قر�صنة ،وهجمات �إرهابية �ضد ال�سفن. �شح���ذ النم���و االقت�ص���ادي امل�ص��الح ال�ص��ينية الذي �شهدته ال�صني يف العق���د املا�ضي ال�شهية ال�صينية للح�صول على ُنمي الطاقة ،التي �أخذت ال�ص�ي�ن ت�ستوردها يف الوقت الذي حتاول �أن ت ِّ م�صادره���ا الداخلية .وق���د �أ�صبح �سعي ال�ص�ي�ن وراء الطاقة البرتولية عاملي ًا بحيث مل يعد ي�صل �إىل ال�شرق الأو�سط فح�سب بل ميتد �إىل �أمريكا اجلنوبي���ة وكن���دا ،ومن املحتم���ل �أن يزداد هذا ال�سعي م���ع زيادة معدل النم���و االقت�صادي املتوقع �أن ي�ص���ل � %9سنوي ًا خالل العقدين املقبلني. وكما هو احلال بالن�سبة ملعظم امل�ستوردين للطاقة ،تمُ ِّثل منطقة ال�شرق الأو�س���ط امل�صدر الرئي�سي لل�صني الت���ي تزيد وارداتها منها على %45؛ وم���ن هذه الن�سبة %14م�صدره���ا ال�سعودية ،و %13من عمان ،وحوايل %11من �إيران .كما ت�ستورد ال�صني ن�سبة قليلة من النفط عرب الأنابيب الأر�ضي���ة ،وهذا يجعلها م�ضط���رة �إىل اال�سترياد ع�ب�ر النقل البحري، وبالت���ايل البد �أن تهتم ال�صني ب�ش�أن �أمن نقاط االختناق البحرية ،ومن �ضمنها م�ضيق باب املندب. وت�ش�ت�رك ال�صني مع اليم���ن يف �أعمال جتارية حم���دودة لكنها متنامية و�صل���ت �إىل 3بلي���ون دوالر �أمريكي عام .2005كما عر�ضت ال�صني على اليمن القيام برتتيبات قيا�سية تتعلق ب�أعمال جتارية مع البلدان النامية، و�أال تفر�ض �ضرائب على بع�ض املنتجات (الأرجح �أنها املنتجات التي لن تناف�س املنتجات املحلية ال�صينية ب�شدة). وال تقت�ص���ر امل�صال���ح ال�صيني���ة يف اليمن (وبلدان نامي���ة �أخرى) على امل�سائ���ل االقت�صادية ولكنه���ا توا�صل كذلك دعمها للبل���دان النامية يف ترتيب���ات متبادلة املنافع ،والت���ي تت�ضمن الدعم الفعل���ي وال�سيا�سي يف
هيئات متعددة الأطراف ت�سعى �إىل �إيجاد توازن مع قوة الهيمنة العاملية املنفردة� ،أي الواليات املتحدة .لكن ال�صني ال تقدم اخليارات التجارية املف�ضل���ة وغريها من �ص���ور الدعم للدول ال�صديق���ة دون مقابل ،و�إمنا ت�سع���ى �إىل احل�ص���ول على دع���م تلك الدول ب�ش����أن الق�ضاي���ا ال�صينية مث���ل �إعادة الوحدة مع تايوان .وق���د �شكر الزوار ال�صينيون من احلزب ال�شيوعي ال�صيني اليمن عند زيارتهم يف �آذار/مار�س 2006على دعمها املتوا�ص���ل لل�صني ب�ش�أن الق�ضايا املتعلقة بتاي���وان و�إقليم التبت وحقوق الإن�سان ،وقالوا �إن احلزب ال�شيوعي واحلكومة ال�صينية يعتربان اليمن �صديق ًا دائم ًا ُيعت َمد عليه. وت�سع���ى ال�صني �إىل ك�سب �أكرب عدد ممكن من الدول ال�صديقة (ورمبا �أكرب عدد ممكن من الأ�صوات يف املنظمات الدولية مثل الأمم املتحدة) م���ن �أجل دع���م جهودها للحف���اظ على �إقلي���م التبت و�ض���م تايوان �إىل يوجه ل�سجلها اخلا�ص الأرا�ض���ي ال�صيني���ة ،وحتاول �أي�ض ًا �ص ّد �أي نق���د ّ بحق���وق الإن�س���ان ،وه���ي بحاج���ة �إىل بلدان مث���ل اليمن الت���ي تعر�ضت �سجالتها للنقد من قبل منظمات وقوى خارجية. ويف كانون الأول/دي�سمرب 2005التقى م�سئولو التجارة والبنك ال�صيني بنائ���ب رئي����س الوزراء ووزي���ر التخطي���ط والتعاون ال���دويل – وقتذاك �أحم���د �صوف���ان ،للبحث يف م�سائ���ل الدعم املايل لأعم���ال اال�ستثمارال�صيني���ة يف اليمن ،ومل يف�ص���ح عن مدى و�شروط تل���ك الأعمال .ويف الي���وم التايل التق���ى وزير النفط واملع���ادن اليمني ر�ش���اد �صالح بارباع م���ع نائب حمافظ البنك املركزي ال�صيني �س���و ت�شنغ والوفد املرافق له للبحث يف �سبل التعاون امل�شرتك يف التنقيب عن النفط والتنمية.
املايل اخلارجي املقدم للتغيري ال�سيا�سي ،فقد قبلت يف ت�شرين الثاين/ نوفم�ب�ر 2005عر�ض ًا مببلغ 2مليون يورو قدمه االحتاد الأوروبي لتعزيز وزارة حق���وق الإن�سان وت�شجيع م�شاركة املنظمات غري احلكومية .وهذا ميث���ل �إدراك ًا ب�أن خيار العم���ل يف �إطار التناف�س الثالثي قد يجعل اليمن تبحث عن �شريك رابع يكون خالي ًا من املخاطر املحتملة التي قد ت�سببها الثالث القوى الكربى .لهذا طلب الرئي�س �صالح اال�ستثمار االقت�صادي ورح���ب بال�شركة الفرن�سي���ة (توتال) لتدير م�ش���روع الغاز م���ن �أوروباّ ، الطبيعي املُ�سال يف اليمن.
ال تعد اليمن ،من ناحية ،مكان ًا تطمع ا�ستنتـــــاج به القوى اخلارجية ،فهي بلد منعزل وفقري .لكن يف نف�س الوقت هناك عوام���ل تلفت االنتباه �إىل اليمن ،منها :نفطها ،وموقعها اال�سرتاتيجي، وكونه���ا م�ص���در للمتطرف�ي�ن الإ�سالمي�ي�ن .لذا لفت���ت اليم���ن انتباه ًا حم���دود ًا لكنه ُمر ّكز م���ن ِقبل الواليات املتح���دة ورو�سيا وال�صني ،وكل منه���ا لها م�صاحلها اخلا�صة بها وت�سع���ى للت�أثري يف احلكومة اليمنية. �أم���ا بالن�سبة لليم���ن ،فمن الوا�ض���ح �أنها تنظر �إىل م���ن يقدم العر�ض الأف�ضل من ب�ي�ن هذه القوى ،وبهذا ت�شجع زيادة املناف�سة لتحقيق تلك ال�صفقة. وم���ن بني القوى الثالث تقدم رو�سي���ا العر�ض الأقل لليمن؛ فالطائرات املقاتلة وال�صواريخ املتو�سطة املدى تُك ِّلف اليمن الكثري ويف ذات الوقت ال تُعزز الأمن اليمني .واحلال �أن رو�سيا ال ت�ستطيع �أن تعيد الدور الذي كانت تلعبه �أثناء احلرب الباردة ،ورمبا ال تريد ذلك يف الوقت احلايل و�إمن���ا ت�أم���ل �أن تبيع بع����ض املع���دات الع�سكرية لتحافظ عل���ى �إنتاجها م���ن الأ�سلحة� .أما الوالي���ات املتحدة فتعد �صاحبة ث���اين �أف�ضل عر�ض ت�صنيف امل�صالح اخلارجية ً بتقدميه���ا مواردا حم���دود ًة مل�ساعدة اليمن يف مواجه���ة التمرد املحلي بعد ذكر م�صالح القوى اخلارجية ،ميكننا ت�صنيفها �إىل ما يلي: وال���دويل ،ال�سيما من خ�ل�ال دعمها خف���ر ال�سواحل الذي يوف���ر �أماناً �أك�ث�ر ل�شحن امل���وارد اليمنية� .أما ال�ص�ي�ن فهي التي تقدم ثالث ًا ثاني ًا �أو ًال البلد �أف�ضل عر����ض لليمن عرب �ش���راء البرتول اليمن���ي ،و�إزالة املوقع اال�سرتاتيجي امل�صالح االقت�صادية الإرهاب الواليات املتحدة العوائ���ق التجاري���ة الت���ي تعرقل �ش���راء الب�ضائ���ع الأخرى الإرهاب امل�صالح االقت�صادية املوقع اال�سرتاتيجي ال�صني من اليمن .وق���د ا�ستفادت القي���ادة ال�سيا�سية اليمنية من املوقع اال�سرتاتيجي امل�صال���ح ال�صينية يف اليمن ،رمب���ا لقدرتها على االعتماد الإرهاب امل�صالح االقت�صادية رو�سيا عل���ى ال�صني للحد من ال�ضغط الأمريكي ب�ش�أن اجلماعات املتم���ردة� ،إذ �أن ال�صني ال تفر�ض �شروط��� ًا �سيا�سية لبناء وم���ن ذل���ك يت�ض���ح �أن م�صالح ال�صني ه���ي الأق���رب �إىل اليمن ،حيث عالقتها مع اليمن. تت�ص���در التنمي���ة االقت�صادي���ة الأولوية .وم���ع �أن الرئي����س �صالح يدين والوا�ضح �أن ال�صني �أ�ضحت تلعب دور ًا دولي ًا �أكرب يف ال�سنوات الأخرية العن���ف الإ�سالمي علن��� ًا �إال �أنه ُي ّ ف�ضل التعامل مع���ه ب�سيا�ساته اخلا�صة ع���ن طريق تو�سي���ع نفوذها به���دوء يف منطقة ال�ش���رق الأو�سط و�شمال ب���د ًال م���ن اال�ستجابة لل�ضغ���وط اخلارجي���ة لتنفيذ �سيا�س���ات ت�صب يف �أفريقيا عن طريق البحث عن م�صادر برتول لتمويل النمو االقت�صادي م�صلحة الواليات املتحدة� .أما ال�صني فهي مل تطالب اليمن باالن�ضمام ال���ذي ت�شهده ال�ص�ي�ن .و�إذا دخلت ال�صني يف عالق���ات مع دول �أخرى �إىل ما ي�سمى “باحلرب على الإرهاب” ،ومل تربط م�صري �سيا�ستها مع يف املنطق���ة مماثل���ة لعالقاتها مع اليمن ،ف�إن ه���ذه اجلهود �ستح ّد من اليمن ب�أي �شروط. النف���وذ الأمريكي يف املنطقة لأن ال�ص�ي�ن تتحا�شى �أنواع ال�ضغوط التي وعل���ى عك����س بع�ض دول اخللي���ج ،كانت اليم���ن م�ستعدة لقب���ول الدعم تنتهجها الإدارة الأمريكية يف �سيا�ستها ال�شرق �أو�سطية. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
27
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
ال�صورة ال�ضائعة
�إعادة االعتبار للدبلوما�سية الثقافية اليمنية معـــاذ الأ�شهبـــي
28
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
�إن ماهية �أي ت�صور ب�ش�أن الدبلوما�سية الثقافية اليمنية ودورها الفاعل هو� ،أ�سا�س ًا ،وبعك�س ما يعتقد البع�ض ،حديث عن ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية وعن امل�ؤ�س�سات الدبلوما�سية ،وال يجب تناوله ،ح�صر ًا، يف الإط���ار الذي ي�شكل���ه الأداء البريوقراطي للأجه���زة احلكومية املعنية بال�ش����ؤون الثقافية؛ كوزارة الثقافة مث ًال� ،أو الهيئات وامل�ؤ�س�سات التابعة لها� .إذ �أنه حديث يف التخطيط ال�سيا�سي والدبلوما�سي، ويف �إع���ادة ر�س���م ال�سيا�سة اخلارجية للبالد ،بال�ش���كل الذي ُيف ِّعل دورها يف عملي���ة البناء الوطني يف الداخل� ،أو يف تقدمي �صورة �إيجابية عن اليمن للآخرين يف العامل. ب�صفة عامة ،الدبلوما�سية الثقافة بو�صفها تر�سانة! الثقافي���ة هي �إحدى �صور وو�سائل الق���وة الناعمة ( )1لأي دولة، والت���ي تعت�ب�ر يف مقدمة و�سائ���ل جذب و�إقن���اع ال�شع���وب الأخرى بالأفكار واملواقف التي تتبناها هذه الدولة ،والإعجاب بها. وا�ستط���راد ًا ،ف�إن للقوة الناعمة لأي دول���ة م�ساران� ،أحدهما يف التعامل مع احلكومات ،وي�شمل و�سائل ال�ضغط املبا�شر دبلوما�سي ًا، ويف طريقة التعام���ل مع ممثلي الدول ،وا�ستخ���دام و�سائل النفوذ يف امل�ؤ�س�س���ات الدولية كالأمم املتح���دة ،والبنك الدويل ،و�صندوق النقد الدويل. �أم���ا امل�س���ار الثاين فه���و التعامل م���ع ال�شعوب والأف���راد ،وتتمثل و�سائل���ه ذات الت�أث�ي�ر غ�ي�ر املبا�ش���ر ،ويف الأف�ل�ام ال�سينمائي���ة، والعرو����ض امل�سرحية ،والكتاب والرواي���ة ،واملو�سيقى ،وغريها من و�سائل التعبري الأدبي والفني. وهذا امل�سار الث���اين هو ما ن�سميه “الدبلوما�سية الثقافية” ،وقد مور����س هذا امل�سار من قبل و�أُدير م�ستق ًال عن ال�سيا�سة اخلارجية للدول���ة ،وهو �أ�سلوب عرفته الدول املتقدمة ،وخ�صو�ص ًا يف الغرب، على مدى ع�شرات ال�سنني املا�ضية ،يف تقدمي وجهها �إىل العامل يف �أح�سن �صورة ،من خالل �إنتاجها الثقايف والفني. ً غري �أن اجلدي���د يف توجه الدبلوما�سية الثقافية ،وحتديدا خالل ف�ت�رة اخلم�س ال�سنوات املا�ضي���ة ،و�ضمن “معرك���ة ك�سب العقول والقلوب” يف �إطار ما ي�سمى “احلرب العاملية على الإرهاب” ،هو يف اجتاه �صانعي القرار ،الغربيني بالذات ،نحو دمج الدبلوما�سية الثقافية يف �إدارة ال�سيا�سة اخلارجية ب�شكل كامل. �إن املق�ص���ود بالدبلوما�سية الثقافي���ة� ،أن يكون هناك توجه لدى الدول���ة نح���و خماطبة النخب���ة التي تق���ود الر�أي الع���ام وت�ؤثر فيه يف الب�ل�اد الأخ���رى امل�ستهدفة ،م���ن مفكرين وكتاب وق���ادة ر�أي، ونقابات ،و�إع�ل�ام ،و�صحافة ،بهدف ت�سويق الأف���كار والقيم التي تتبناها الدولة بينهم .وتت�ضمن تر�سانة الأ�سلحة الثقافية� :صحف وكت���ب وم�ؤمت���رات ومنتديات ومعار����ض فنية وحف�ل�ات مو�سيقية وجوائز.
معاذ الأ�شهبي باحث وكاتب من اليمن.
م���ا يهمنا يف حم���اوالت التعريف ه���ذه ،ه���و �أن الإدراك الأ�شمل للدبلوما�سي���ة الثقافي���ة ميكن �أن يتم من خالل فه���م ماهية القوة ً حق�ل�ا �أ�شمل ُتع���د الدبلوما�سية الناعم���ة ،باعتب���ار ه���ذه الأخرية الثقافي���ة �إحدى مكوناته .والقوة الناعمة ،بح�سب التعريف الرائج لها ،ه���ي القدرة على التو�صل �إىل الغاية املطلوبة من خالل جذب الآخري���ن ،ولي�س باللجوء �إىل التهدي���دات �أو اجلزاء ،وتعتمد هذه القوة على الثقافة ،واملبادئ ال�سيا�سية ،وال�سيا�سات املتبعة. وبتعري���ف كه���ذا ،ي�سهل فه���م الدبلوما�سي���ة الثقافية عل���ى �أنها اال�ستخدام املخطط من قبل �أمة �أو دولة ما لدعاية و�أن�شطة ()2 من �أجل �إي�صال �أفكار ومعلومات هدفها الت�أثري على �آراء ومواقف ومناهج وم�شاع���ر و�سلوك وت�صرفات جماع���ات �أجنبية ب�أ�ساليب وطرق ت�ساند �أو ت�سهل حتقيق الأهداف الوطنية. كل دول الع���امل ،ولي����س اليم���ن مبعوثون��ا الأجان��ب وحدها ،ت�ستجدي التقدير الإيجاب���ي من الآخرين ،والدبلوما�سية الثقافي���ة الناجحة ت�ساعد النا�س على ق���ول ما كانوا �سيقولونه� ،أو ما يجب �أن يقولونه عن اليمن. ومبا �أن الدبلوما�سية الثقافي���ة هي العالقات العامة املنقولة من احلي���ز الثقايف �إىل احليز ال�سيا�سي ،ف�إنه���ا يف املح�صلة ،تغدو يف خدمة ال�سيا�سة العامة للبالد. الدبلوما�سي���ة الثقافي���ة ،بكلمات �أخرى ،تفع���ل الكثري ،وبالن�سبة لبل���د يف حاج���ة ما�س���ة للآخري���ن با�ستم���رار كاليم���ن ،ن�ستطي���ع باال�ستخ���دام الناج���ح له���ا �إن�شاء �شبك���ة وا�سعة بالغ���ة الت�أثري من ال�شخ�صيات الثقافية ،وخمططي الإ�سرتاتيجيات ال�سيا�سية ،ومن النظام القائم ،والرواب���ط القدمية بني اجلامعيني ( ،)3مهمتها املزدوجة تكري����س النظرة الإيجابية عن اليم���ن ،ومتهيد الطريق �أمام م�صالح ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية يف العامل. ويتطلب جناح الدبلوما�سي���ة الثقافية �إن�شاء مكاتب �أو م�ؤ�س�سات للعم���ل الثق���ايف يف اخل���ارج ،و�إ�صدار املج�ل�ات الثقافي���ة ،و�إقامة املعار����ض ،وامت�ل�اك و�سائ���ل اخلدم���ات الإخباري���ة والتغطي���ات ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
29
اليمن والعامل
XXX.ZFNFO- .DPN
وجهات نظر
ال�صحافية ،وتنظيم امل�ؤمترات الدولية ذات ال�سمعة العالية ،وتقدمي اجلوائز واملكاف�آت للمو�سيقي�ي�ن والفنان�ي�ن وامل�سرحي���ات اجلماهريي���ة ،وغريها .واله���دف من هذا كله ،دائم ًا ،الت�أثري يف �آراء ومواقف النخب الفكري���ة والثقافي���ة عل���ى نح���و يكيفها مع الأهداف الوطني���ة ،وي�سهل �إجناز �أهداف ال�سيا�سة اخلارجية. وبكلم���ات �أخ���رى ،ف����إن تو�سي���ع نط���اق الن�ش���اط الإبداع���ي اليمن���ي يف اخل���ارج الدبلوما�س��ية الثقافي��ة تفع��ل الكث�ير ،وبالن�س��بة لبل��د يف حاج��ة ما�س��ة للآخري��ن م���ن �ش�أنه تق���دمي اليمن للخ���ارج ب�صورة با�س��تمرار كاليمن ،ن�ستطيع باال�ستخدام الناجح لها �إن�شاء �شبكة وا�سعة بالغة الت�أثري �إيجابي���ة ،واحل�صول على تقدي���ر �إيجابي من ال�شخ�ص��يات الثقافية ،وخمططي الإ�س�تراتيجيات ال�سيا�سية ،ومن النظام القائم، جتاه البل���د ،و�صنع �أر�ستقراطي���ة مك ّر�سة والرواب��ط القدمي��ة بني اجلامعيني ،مهمتها املزدوجة تكري���س النظرة الإيجابية عن خلدم���ة ه���ذا التقدي���ر .ويف ه���ذا ال�سياق اليمن ،ومتهيد الطريق �أمام م�صالح ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية يف العامل يتوقع من الأف���راد وامل�ؤ�س�سات التي يتوجه الع���امل الذي يرى اليمن بلد متخلف وغري م�ستقر ّ وه�ش وغري �آمن الطبيعية لغي���اب الدبلوما�سية الثقافية �إليه���ا ن�ش���اط الدبلوما�سي���ة الثقافي���ة اليمنية الت�ص���رف والعمل هو ،يف تقدي���ري ،النتيجة 2010 بو�صفه���م ج���زء ًا من حملة �إقن���اع وا�سع ،وعلى النح���و الذي مينح عن �إدراك وفهم �صانعي ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية كلي ًا! ال�سيا�سة اليمنية ثق ًال ثقافي ًا ُيعت ّد به. تو�ضيحات ( )1ي�ستدعي م�صطلح “القوة الناعمة” لق���د كان���ت ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة �إدراك ال يت�س��ع ب�ش���كل تلقائ���ي نقي�ض���ه؛ الق���وة ال�صلب���ة �أو اخل�شن���ة .و�إذا كانت والدبلوما�سي���ة اليمنية ذات �أهمي���ة ا�ستثنائية على الدوام ،وتت�أتى أهداف املطلوبة، »ÁOÉcCأثري يف ال ’ على الت� «القدرة “القوة” ‹hódG عموم ًاƒŸGهيG ô``“D OÉ≤©fG ø``Y 2010 ���á``ª¶æŸGعô“DƒŸ áæé∏dG ø``∏©J øª«dGالذي اجلغرايف الهام خمتلفة مثل املوق ���ن زوايا هذه الأهمية م Ωó≤àfق���وة الناعمة، ال�ض���رورة» ،ف����إن ال عند ���ن ي آخر ل ا ���وك ل �س وتغي�ي�ر 2010 ƒ``jÉe 19 17 IÎ``ØdG ∫Ó``N )¬«∏Yh .(AÉ``©æ°U ,∂``«Ñæaƒe ¥ó``æa . حتتله اليمن ،والت�أثري الكبري الذي من املمكن �أن تلعبه اليمن على كم���ا يق���ول الأكادميي الأمريكي جوزيف ن���اي (االبن) مبتكر هذا والدويل ،وغريها. امل�ستوى الإقليمي ºµbGQhC ø``Y äÉ°üî∏e املفهومGh،هي∫É°SQE ,ô``“DƒŸG Gò``g äÉ«dÉ©a ‘ á``cQÉ°ûª∏d º``µJƒYóH من خالل الإقناع علىGما تريد احل�صول «القدرة على �شهدته ,ô“Dالذي التطورƒالهائل الدبلوما�سية واملتتبع لتاريخ :âfÎfE’G ≈∏Y Éæ©bƒe ∫ÓN øe ∂dPh �سيلحظ ‘ ŸG É¡Áó≤J ºà«°S »àdG ولي�س الإكراه». مقارنة مبا كانت عليه يف بدايات ومنت�صف القرن املا�ضي ،ويفر�ض ( )2املث���ال التاريخ���ي اجلدي���د باالهتم���ام يف ه���ذا ال�صدد ،هو ه���ذا التطور على الدبلوما�سية اليمنية الكثري من التحديات جلهة ���XXX.ZFNFOد الربيط���اين لو�ضع حد لتج���ارة الرقيق الدولي���ة يف القرناجله مع تطورات العامل .DPNين�سجم اعتم���اد منوذج جديد من الدبلوما�سية التا�س���ع ع�شر ،ال���ذي كان عملية طويل���ة وا�سعة النط���اق ومتعددة من حولنا ،وبالطريق���ة التي تفر�ض �أن تكون اجلهود الدبلوما�سية اجلوان���ب .لق���د ا�ستغ���رق اجله���د خم�سني عام��� ًا ،و�شارك���ت فيه اليمنية متكيفة مع حقائق العامل املعا�صر. بفاعلية البحرية الربيطاني���ة والكني�سة و�صحافيون ودبلوما�سيون �إن حتمي���ة ه���ذا التكيف تقودن���ا �إىل مالحظ���ة �أن ال�سمة الأبرز و�شخ�صيات جامعية ،ويف نهاية املطاف جنح اجلهد يف قمع جتارة للدبلوما�سية العاملية املعا�صرة تت�صل بتداخل الن�شاط الدبلوما�سي الرقي���ق وجعلها غ�ي�ر م�شروعة .ويف نهاية الق���رن التا�سع ع�شر مل الر�سمي مع ما ي�سمى بالدبلوما�سية ال�شعبية غري الر�سمية ،والتي ي�ب�رر العامل املتقدم جت���ارة الرقيق �أو يت�سام���ح ب�ش�أنها مثلما كان �شه���دت العقود الأخرية م���ن القرن املن�صرم انت�ش���ار ًا وا�سع ًا لها، يفع���ل يف بداية ذلك القرن .لقد غ�ّي�رّ اجلهد الربيطاين الطريقة وهذا النوع من الدبلوما�سية يعتمد على احتياطي كبري من املوروث مالينيΩó≤àf بها ɪc .á``jõ«∏‚’Gh النا�س. á``«Hô©dGويتحدث ويت�صرف Úà¨∏dÉH äÉ``eƒ∏©ŸG ™«ªL ¿hó``éà°S å``«Mالتي كان يفكر الإن�ساين الذي ي�ستم���د �شرعيته من العرف القانوين غري املكتوب الدبلوما�سية الثقافية á``cQÉ°ûª∏dجنح���ت Ú``ãMÉÑdGاحلرب الباردة، ( )3يف غ�ض���ون ‘ Qƒ°†◊Gh ÜÓ£dGh äÉ``©eÉ÷G G ™``«ªL الدبلوما�سية Iò``JÉ°SCتعج���ز املجاالت التي Iƒ``YóHتعقي���د ًا يف حل���ل �أ�شد الق�ضايا øeخالل التبادل πªYم���ن ال�سوفيتي؛ ف االحتاد ���ع م الغرب انتهجها ���ي ت ال ¥GQhCÉH ÚcQÉ°ûª∏d äÓ≤æàdGh áeÉbE ’ G ∞«dɵJ á«£¨J ºà«°Sh .ô“D ƒŸG الر�سمية عن �إيجاد حلول لها ،ويتميز هذا ال�شكل من الدبلوما�سية الطالب���ي والثق���ايف جن���ح الغ���رب يف تدم�ي�ر الثق���ة ال�سوفيتية يف ∂dPمتحرر من ن�شاط���ه ���اورة ،ذلك وا�سع من املن بامتالك���ه حلي���ز á«æª«dG äÉ©eÉ÷G G �á``aÉ°VEأن¤E G ,AÉ©æ°U êQÉ``N øeلال�ستخبارات ال�سابق�ي�ن العمالء ÜÓ``Whالحق ًا �أح���د IòJÉ°SCوقد �شه���د G ≈Ø©«°Sال���ذات. «كانتƒg π«é°ùà∏d الدبلوما�سيóYƒe ôNBGh . Gk Q’hO40»gh. الربوتوكولπ«é°ùàdG التزامات Ωƒ°SQ .2010 مبثابة ح�صان طروادة ¢SQÉeالثقايف 19التبادل عمليات ال�سوفيتية: ً وختاما ،البد من الت�أكيد على �أن االهتمام باحل�سا�سية الكامنة يف بالن�سبة للإحتاد ال�سوفيتي .فقد لعبت دور ًا هائ ًال يف ت�آكل النظام م�س�ألة الدبلوما�سية الثقافية اليمنية هو يف احلقيقة اهتمام ب�إحدى ال�سوفيتي». املكون���ات اخلادمة للأمن القومي اليمني� .إن الت�صور الرائج حول
ø`ª«dG ≈∏Y IòaÉf
;0 Y* ¶ {;303/ o ¶ {; Y2
30
XXX.ZFNFO- .DPN
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ø`ª«dG ≈∏Y IòaÉf
2010
;0 Y* ¶ {;303/ o ¶ {; Y2 ‹hódG »ÁOÉcC’G ô``“DƒŸG OÉ≤©fG ø``Y 2010 øª«dG ô“DƒŸ á``ª¶æŸG áæé∏dG ø``∏©J Ωó≤àf ¬«∏Yh .(AÉ``©æ°U ,∂``«Ñæaƒe ¥ó``æa) .2010 ƒ``jÉe 19 - 17 IÎ``ØdG ∫Ó``N ºµbGQhCG ø``Y äÉ°üî∏e ∫É°SQEGh ,ô``“DƒŸG Gò``g äÉ«dÉ©a ‘ á``cQÉ°ûª∏d º``µJƒYóH :âfÎfE’G ≈∏Y Éæ©bƒe ∫ÓN øe ∂dPh ,ô“DƒŸG ‘ É¡Áó≤J ºà«°S »àdG
XXX.ZFNFO- .DPN
Ωó≤àf ɪc .á``jõ«∏‚’Gh á``«Hô©dG Úà¨∏dÉH äÉ``eƒ∏©ŸG ™«ªL ¿hó``éà°S å``«M ‘ Qƒ°†◊Gh á``cQÉ°ûª∏d Ú``ãMÉÑdG ÜÓ£dGh äÉ``©eÉ÷G Iò``JÉ°SCG ™``«ªL Iƒ``YóH øe πªY ¥GQhCÉH ÚcQÉ°ûª∏d äÓ≤æàdGh áeÉbE’G ∞«dɵJ á«£¨J ºà«°Sh .ô“DƒŸG øe á«æª«dG äÉ©eÉ÷G ÜÓ``Wh IòJÉ°SCG ≈Ø©«°S ∂dP ¤EG á``aÉ°VEG ,AÉ©æ°U êQÉ``N .2010 ¢SQÉe 19 ƒg π«é°ùà∏d óYƒe ôNBGh . Gk Q’hO40»gh π«é°ùàdG Ωƒ°SQ
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
31
اليمن والعامل
حتليالت
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
المع ِّلم كان البدء في ُ
ر�ؤية حول �إ�صالح التعليم فـي اليمن �أحمد حممد الدغ�شي ّ املتعلم؟ �أم مهم���ا اختلف �أولو ال�ش����أن الرتبوي يف � ّأي عنا�ص���ر التعليم هي الأ�س���ا�س املعل���م؟ �أم ّ ّ املعلم مي ّثل ال�ص���فية؟ �أم الإدارة؟ �أم �س���وى ذلك؟؛ فال ريب �أن املنهج؟ �أم املدر�س���ة؟ �أم البيئة �أولوي���ة يف عملي���ة الإ�ص�ل�اح الرتبوي ال�ش���امل املن�ش���ودة -يف اليمن بوجه خا����ص ،-ذلك �أنه ال
يخ���رج ع���ن � ّأي م���ن تلك العنا�ص���ر من جهة ،وبالنظ���ر �إىل الو�ضع املرتدي ال���ذي �آل �إليه �ش�أنه - يدعي له �صاحب هذه ال�سطور �أنه بات حمل �إجماع املجتمع كافة ،ولي�س املعنيني بالو�ضع وهو ما ّ
الرتبوي فح�سب -من جهة �أخرى.
وح�س���ب تقارير لبع�ض املنظمات الدولي���ة ،ف�إن اليمن يعاين من اختالالت ب ّينة فيما يت�صل بعملية �إ�صالح التعليم ،ويف مقدِّ متها �إ�صالح املع ّلم .ففي تقرير للبنك الدويل �صدر عام 2007بعنوان «الطري���ق غ�ي�ر امل�سل���وك� :إ�ص�ل�اح التعلي���م يف منطق���ة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقي���ا» ،احتل اليمن املرتبة قبل الأخرية بعد العراق وقبل جيبوت���ي ،يف تقييم البنك لإ�صالح التعليم وحتقيق الأهداف املرج���وة منه ،من حيث “اجلودة والكف���اءة وامل�ساواة والو�صول” (البنك الدويل.)2007 ، ً وب�إطالل���ة عجل���ى عل���ى و�ضع دول���ة متق ّدم���ة تربوي���ا كاليابان، وموق���ع املع ّلم فيها؛ جن���د �أن االهتمام ب�أولوي���ة الإ�صالح للمع ّلم احتل درج���ة عالية .فاملعلِّ���م الياباين يحظى بتقدي���ر اجتماعي
32
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ومهن���ي مرموق ،ذلك �أن���ه يتقا�ضى راتب ًا مغري��� ًا ،يو ّفر له حياة كرمي���ة م�ستق ّرة ،تعفيه م���ن التفكري يف ال�ضروري���ات الأ�سا�سية للحي���اة الطبيعية ،ويالحظ �أ ّنه ال يوجد متييز بني مع ِّلم ومع ِِّّلمة يف�سر ه���ذا جانب ًا م���ن تهافت م���ن تطبق عليهم يف ذل���ك .وق���د ِّ ال�شروط الأولية لاللتحاق مبهنة التعليم ،يف الإقبال للتقدّم لها، غري �أن م���ا يح ّد من �سيل �أولئك املتقدِّ م�ي�ن؛ و�ضع معيار اجتياز االختب���ارات التحريرية وال�شفوية التي تو�ص���ف بـ «ال�شائكة»� ،إذ تع��� ّد �شرط ًا �أ�سا�س ًا للقبول يف ه���ذه املهنة (�شهاب فار�س:2002 ، .)22 ويبدو �أن لهذه املكانة املتم ّيزة ت�أثريها الإيجابي يف �إبقاء م�ستوى ال���والء للمهن���ة متنامي ًا ،رغ���م الأعا�صري ال�سيا�سي���ة التي غ�شت
�أحمد حممد الدغ�شي �أ�ستاذ �أ�صول الرتبية وفل�سفتها امل�شارك ،كلية الرتبية – جامعة �صنعاء.
احت���اد املعلمني الياباين ،املعروف با�س���م نيكويو�س ا ( oNikkoy
،)saمن���ذ �سنوات احل���رب العاملي���ة الثانية ،وو�صل���ت يف بع�ض مراحله���ا �إىل ح��� ّد الت�سيي����س الفعل���ي (�أدوين ري�ش���اور:1989 ، .)248فرغ���م «ه���ذا اجلدل ظ ّل���ت الهالة اخلا�ص���ة التي حتيط بالتعلي���م ودور املع ّل���م م�ستق ّرة و�سائ���دة يف كل �أنح���اء اليابان. وي�شع���ر املع ِّلمون دائم��� ًا ب�أ ّنهم ي�شرتكون يف ه���ذا املرياث بفخر ووالء» (املرج���ع ال�ساب���ق .)248 :ولع ّل هذا ال�شع���ور بالوالء من وراء تف ّوق التعليم الياباين – وفق املعدّالت العادية -على نظريه الأمريك���ي يف مراحل التعليم العام (املرج���ع نف�سه ،)244 :كما �أ ّن���ه – يف اعتقاد كاتب هذه ال�سطور -م���ا كان للتعليم الياباين االبتدائ���ي والثانوي �أن يغدو من �أف�ض���ل نظم التعليم التي تتمتع ب�أعل���ى م�ستويات الكف���اءة والأخالق التي تغبطه���ا عليه معظم الأمم املتق ّدم���ة (نف�سه)248 :؛ ل���و مل يكن املع ّلم قد حظي مبثل تلك املكانة ،وهو ما انعك�س �إيجاب ًا على �أدائه على ذلك النحو. وحا�ص���ل القول �إن االهتمام بالتعلي���م يف اليابان ب�صورة عامة، واملعلِّ���م على نحو �أخ����ص ،هو الذي يجعل املرء يق���ف م�ست�سلم ًا �أم���ام تلك النتيجة التي خل�ص �إليه���ا �أحد الباحثني حني و�صف الياباني�ي�ن ب�أنهم «بالفعل �شعب يتمتّ���ع بنظام تعليمي على �أعلى م�ستوى» (نف�سه.)244 :
�سبب �أزمة املع ِّلم اليمني و�س ُبل الإ�صالح
�إن احلدي���ث عن �أزمة املع ّلم يف املجتم���ع اليمني يقت�ضي – قبل التط��� ّرق �إىل �سبيل الإ�صالح -التف�صيل من وجوه عديدة ،و�إذا ُرمنا حماول���ة �أولية يف ت�شخي�ص �أ�سب���اب الوقوع يف هذه الأزمة فبو�سعنا �إيجاز ذلك يف الأ�سباب التالية: �أو ًال� :أ�سباب تتعلق مبرحلة ما قبل الإعداد و�سبيل �إ�صالحها: �أي مرحل���ة م���ا قبل الإعداد املهن���ي ،وتتمث���ل يف �سيا�سة القبول للراغب�ي�ن يف االلتحاق باملهنة من حي���ث الرتكيز على امل�ؤهالت العلمية واجلوانب املادية (الفيزيقية) الأخرى فقط ،والت�ساهل يف عملي���ة القبول ل���كل راغ���ب يف االلتحاق مبهن���ة التعليم ،من زاوي���ة ع���دم �أو �ضعف االلتف���ات �إىل �ض���رورة تواف���ر امل�ؤهالت النف�سية (ال�سيكولوجية) ،واالجتماعية ،والعقلية ،والوجدانية، واملهاري���ة ،ع���ن طري���ق اختبارات علمي���ة ومقايي����س مو�ضوعية �إىل ح��� ّد معقول .ومع �أن هذه م�ؤهالت ه���ي �إىل النظرية �أقرب منها �إىل التطبي���ق يف ظل الظروف الراهنة ،بيد �أن الإمعان يف
ال�سيا�س���ات اخلاطئة يع ّمق الأزم���ة �أكرث ،ويجعل من ال�صعب – بع���د ذلك -حماول���ة املعاجلة ،ولذلك ف�إن �إبق���اء الأو�ضاع على حالتها ،بعيد ًا عن التفكري يف هذه امل�ؤهالت وال�شروط من �ش�أنه �أن يبق���ي حالة ال�ضعف قائم���ة ،وال�شكوى من تدين كفاءة املعلم العرب���ي م�ستمرة ،ولذل���ك انعكا�ساته املبا�شرة وغ�ي�ر املبا�شرة على جممل العملية التعليمية ،والنه�ضوية من ّثم. ويق�ت�رح الباحث اللبن���اين توما جورج خ���وري ()46-48 :1989 جمل���ة من الآلي���ات العملية لتجاوز م�شكل���ة ال�ضعف قبل مرحلة الإع���داد .وهذه املقرتح���ات و�إن كانت نابعة من وحي املعاناة يف املجتمع اللبناين – بلد الباحث � -إال �أن فيها ما ي�ساعد �أ�صحاب الق���رار يف اليم���ن عل���ى تل ّم�س احل���ل يف جوهر تل���ك الأ�سباب، لت�شابه الأو�ضاع يف اجلملةّ ، ونلخ�ص ذلك يف: �أ .قيام الدولة بتوفري كليات تربوية ومعاهد معلمني تفي باحلجة املجتمعية. ب .تنظيم عملية قبول امللتحقني بكليات الرتبية ومعاهد �إعداد املعلمني واملع ّلمات باعتماد: اختي���ار الكف���اءات الالزم���ة عل���ى �ض���وء و�سائ���ل ت�شخي�صيةخا�صة. عدم قبول الذين ثبت عدم �صالحيتهم للتدري�س.ج� .إن طبيع���ة عمل املع ّلم�ي�ن يف امل�ستقبل هي املح���دّدة لطريقة �إعدادهم. د .يتم �إعداد املع ّلم ح�سب �أ�صول ومتط ّلبات هي: الإملام التام باملادة الدرا�سية التي يد ّر�سها. الإملام باملواد التي تت�صل مبادته. معرف���ة واقعه االجتماع���ي واالقت�صادي والثق���ايف وال�سيا�سيحتى يتم ّكن من ممار�سة مهنته بنجاح. وجود فل�سفة خا�صة باملع ّلم يك ّونها لنف�سه.هـ� .إملامه بامله���ارات التعليمية الالزمة ملمار�سة مهنته من مثل: درا�س���ة عل���م النف����س الرتب���وي ،وعلم نف����س الطف���ل واملراهق، و�أ�صول طرق التدري�س اخلا�صة مبادته. و� .أن تهدف مناهج �إعداد املع ّلمني �إىل م�ساعدتهم على ممار�سة املهنة مبج ّرد تخ ّرجهم يف كليات الرتبية ومعاهد �إعداد املعلمني واملع ّلمات.
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
33
اليمن والعامل
وجهات نظر
ز .يجب �أن ال ُيعطى �شهادة التخ ّرج ما مل يكن قد �أم�ضى فرتة الإعداد على �أف�ضل ما يكون. ح .ميار�س املع ّلم اخلريج مهنة التعليم ملدّة عام حتت التجربة ،ملعرفة مدى �صالحيته يف امليدان. ّ ّ ط� .أن تختل���ف املناهج املق��� ّررة لإعداد املعلم�ي�ن واملعلمات باختالف مراحل التعليم التي �سيد ّر�سونها. ي� .أن تكون �شخ�صية املع ّلم جديرة باالحرتام والتقدير والثقة. ووا�ض���ح �أن الخرتاق تلك ال�شروط وامل�ؤهالت �أ�سبابها املختلفة ،لكنها ترتكز -يف املجمل -حول الثالثية التالية: �أ .الأ�سباب االقت�صادية و�سبيل �إ�صالحها :ففي جمتمع كاليمن ت�سود البطال���ة معظم املجاالت مبا فيها جم���ال التدري�س� ،إال �أن من الالفت ا�ستم���رار التدافع على كليات الرتبية ،ولع���ل ذلك يعزى – �إىل جانب عوام���ل �أخرى� -إىل عام���ل اقت�صادي بالدرج���ة الأ�سا�س ،حيث ي�سود املجتم���ع اعتقاد حا�صله �أن ثمة امتياز ًا ج ّي���د ًا يح�صل عليه املع ّلم من حيث توافر راتب معقول ،مقارنة بغريه من املهن ،عالوة على الإجازة ال�سنوية املديدة ن�سبي ًا بخالف الوظائف الأخرى ،وهي ما يتيح املجال لبع�ض املع ّلمني لتح�سني م�ستواه عن طريق عمل �إ�ضايف �آخر طيلة تلك الف�ت�رة .ويف درا�سة �أعدتها وزارة اخلدمة املدنية والت�أمينات يف العام 2007ع���ن م�ؤ�ش���رات العر�ض والطل���ب بني خمرج���ات التعليم العايل و�سوق العم���ل ،تبني �أن �إجمايل املتقدمني للع���ام 2007ملكاتب الوزارة يف �أمان���ة العا�صمة واملحافظات الأخرى بلغ 89481طالب عمل ،منهم 59630ممن �سبق لهم الت�سجيل يف �أعوام �سابقة ،و�أكدوا قيدهم للعام 2007وبن�سب���ة .%66.6فيم���ا املتقدمون اجلدد لأول م���رة بلغ عددهم 23260طال���ب عمل من خريجي عام 2006ومن �أعوام �سابقة ،وبن�سبة �( .%34.4صحيفة الغد� ،صنعاء 10 ،يونيو .)2009 ومن خالل ا�ستعرا�ض م�ؤ�شرات املتقدمني جند �أن 44081من خمرجات كليات الرتبية يت�شكلون من 9783من خمرجات الأق�سام العلمية و34297 طال���ب عمل من الأق�سام الإن�ساني���ة .وترتكز %78من هذه املخرجات الرتبوية يف التخ�ص�صات التالية :لغة عربية ،7327درا�سات �إ�سالمية ،5336لغة اجنليزية ،5238قر�آن وعلومه ،4791تاريخ ،4746جغرافيا ،3724كيمي���اء .3136ومنحت هذه التخ�ص�صات ،1479توزعت بينها على التوايل ( )65- 31- 30- 330 464- 181- 378درجة وظيفية .وتو�ضح م�ؤ�شرات العالقة بني عدد املتقدمني وعدد الوظائف �أن التخ�ص�صات العلمي���ة بالإ�ضاف���ة �إىل تخ�ص�ص���ات القر�آن الك���رمي ،واللغة العربية، واللغ���ة االجنليزية ،حت�صل على الن�سبة الأكرب من الوظائف التعليمية و�إن كان���ت حم���دودة مقارن���ة بع���دد اخلريج�ي�ن� ،أم���ا التخ�ص�ص���ات الت���ي تواجه �صعوبة حقيقي���ة يف التوظيف فهي التاري���خ ،واجلغرافيا، والإ�سالمية ،لذلك جند قائمة املنتظرين لهذه املخرجات من �سنوات �سابق���ة تت���وزع معظمه���ا يف تل���ك التخ�ص�ص���ات (املرج���ع ال�سابق). و�أو�ضحت الدرا�سة �أن خمرجات كلي���ات الرتبية ترتفع ب�صورة كبرية 34
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
لي�س �أمامنا �إذا ُرمنا �إ�صالح ًا فعلي ًا لو�ضع املعلّم اليمني ���س��وى االح��ت��ك��ام الفعلي �إىل امل�ؤ�س�سات الد�ستورية ،وتنفيذ القوانني واللوائح والأنظمة، واعتبار معيار امل�ؤهل و�سواه م��ن امل��ع��اي�ير املن�ضبطة هي الأ�سا�س يف احل�صول على � ّأي حق� ،أو اكت�ساب � ّأي امتياز مم���ا يرتت���ب عليه���ا ظه���ور م�شكلة كب�ي�رة نتيج���ة الك���م الكبري من املخرجات ،يقابله حمدودي���ة الوظائف املتاحة �أمامها .فبينما و�صل ع���دد املتقدمني م���ن خمرجات هذه الكليات ع���ام � 2002إىل ،13467 توظ���ف منه���م 2830؛ ارتف���ع ع���دد املتقدم�ي�ن يف الع���ام 2006ممن يحمل���ون تخ�ص�صات تربوي���ة �إىل 33764توظف منه���م 2725فرد ًا، ويف الع���ام 2007و�ص���ل عدد املتقدم�ي�ن 44081طال���ب عمل ،توظف منه���م ،2807وبع���د تنزيل م���ن مت توظيفهم ي�صبح ع���دد املنتظرين م���ن خمرجات التخ�ص�ص���ات الرتبوية 41280طال���ب عمل .وتوقعت الدرا�سة �أن بطالة املتعلمني خ�ل�ال الفرتة � 2010 2008-سوف تزداد تعقي���د ًا نتيجة االرتف���اع الكبري يف خمرجات التعلي���م العايل ب�صورة عام���ة والتخ�ص�صات الإن�سانية ب�صورة خا�ص���ة التي ي�شكل معظمها حالي��� ًا فائ�ض ًا ع���ن االحتياج ،ي�صل امل���دى الزمن���ي �إىل العمر الذي ميكن �أن يبلغ فيه اخلريج �سن الإحالة �إىل املعا�ش التقاعدي دون �أن توفر �أمامه فر�صة عمل يف جمال تخ�ص�صه. وح�س���ب الدرا�سة ف����إن التوقف �أمام م�ؤ�ش���رات امللتحقني للعام 2005 2006يف كليات الرتبية البالغ عددهم 74080طالب ًا ،وبن�سبة %42من�إجمايل امللتحقني يف اجلامع���ات احلكومية والبالغ عددهم 174035 طالب��� ًا .واملتوقع تخرجهم خالل الأعوام 2009-2008-2007مبتو�سط �سنوي حدوده 14500 - 13000طالب ،يف حني �أن التقديرات ال�سنوية لعدد الوظائف لن تتجاوز 3500 -3000درجة وظيفية .مبعنى �أن عدد املتخرج�ي�ن خ�ل�ال الثالثة الأعوام قد ي�ص���ل �إىل 41250طالب عمل م�ضاف�ي�ن �إىل املنتظرين م���ن العام ،2007والبال���غ عددهم ،41280 ل���ذا من املتوقع �أن ي�ص���ل املتقدمون يف العام � 2010إىل 82250طالب عمل ،يتناف�سون على 10000درجة وظيفية .وهذا الو�ضع ينعك�س على التخ�ص�صات كافة ،و�إن كان يظهر ب�شدة يف التخ�ص�صات الإن�سانية خ�صو�ص ًا ،يف تلك التي ال يوجد لها �أدنى فر�صة يف �سوق العمل اخلا�ص . وت�ساءل���ت الدرا�س���ة� :إذا كان التعلي���م و�سيلة مهمة للح���د من الفقر والبطالة ،فلماذا �صار يف اليمن �سبب ًا لكارثة جديدة ا�سمها ( بطالة املتعلم�ي�ن)؟! (املرج���ع نف�س���ه) وب�سبب ه���ذا الإقب���ال املتزايد على
مهن���ة التعليم؛ َ�ضعف النظر �إىل تلك امل�ؤهالت وال�شروط �آنفة الذكر بعني االهتمام ،ب���ل �إن هذا االجتاه وعلى هذا النحو �أ�سهم يف حدوث االزدراء ب�أهلها ،و�أنزل م���ن مكانتهم االجتماعية ،و�أحال مهنتهم يف ذهن قطاع وا�سع من املجتمع �إىل «مهنة من ال مهنة له». ويعتق���د كات���ب هذه ال�سط���ور �أن �أبرز ُ�س ُب���ل �إ�صالح املع ّل���م ،من هذه الزاوي���ة ،هي تب�ص�ي�ر املتقدّمني لاللتح���اق باجلامع���ة بدليل �شامل واف ب���كل التخ�ص�ص���ات يف خمتل���ف الكليات -وكلي���ات الرتبية على ٍ كاف ،م�ض ّمناً وج���ه اخل�صو�ص -قبل عملية الت�سجي���ل الفعلية بوقت ِ املجاالت املهنية املتو ّقع احل�صول عليها عقب التخ ّرج ،ومدى الفر�ص املتاح���ة لاللتحاق به���ا على وج���ه التقريب ،وذلك من خ�ل�ال عملية م�س���ح دقيقة يف �إطار ّ خطة ع�شري���ة –مث ًال ،-تبينّ مدى حاجة �سوق العم���ل �إىل تلك التخ�ص�صات ،مع �ضبط ن�سب القبول ،وعدم ال�سماح بتجاوزه���ا ،ملا لذلك من انعكا�س �سلبي عل���ى فر�ص احل�صول عليها. ويف ح���ال الت�أك���د من ع���دم توافر فر�ص عم���ل ،فال ي�سم���ح بفتح � ّأي تخ�ص����ص ال ت�ستوعبه �سوق العمل �إال ح�ي�ن تتغيرّ املعطيات امليدانية جتاهه. ً وهذا يقت�ضي �إعادة النظر فعليا يف و�ضع كل ّيات الرتبية يف املحافظات، �إذ م���ن املعل���وم �أن ق���رار �إن�شائه���ا مت يف ظ���روف خا�ص���ة ،ولأ�سباب حم���دّدة ،و�إذا تغيرّ ت تلك الأ�سب���اب فلي�س من املعقول �أن تظل عملية االلتح���اق م�شرعة �أبوبه���ا يف كل حني .ومن املعل���وم كذلك �أن فتحها حتى يف تلك الظروف اخلا�صة؛ قد ت�سبب -لأ�سباب بيئية وجغرافية واجتماعي���ة حم�ضة -يف التحاق فئات من الطلبة بها دون �أن ميتلكوا احل��� ّد املعقول م���ن (�سيكولوجيا) الطال���ب املع ّلم ،ب���ل التحق بها – لغر����ض اقت�صادي �أو حت�سني و�ض���ع مايل بالدرج���ة الأ�سا�س -بع�ض �أ�صح���اب املهن الأخرى ،من ع�سكريني ،و ّ جتار ،وموظفني يف خمتلف املواق���ع ،وذوي مهن تبدو بعيدة عن �شخ�صية املع ّلم و(�سيكولوجيته) املفرت�ضة .ومن �أبجديات النمو يف مهنة التدري�س �أن ال يلتحق بها من لي�س من �أهلهاّ � ،أي من لي�س لديه قابلية حقيقية للنمو املفرت�ض ،وهو ما مت���ت الإ�شارة �إىل جانب منه �آنف ًا يف م�ستهل احلديث عن �أ�سباب ما قبل الإعداد. ب .الأ�سب ��اب املجتمعي ��ة و�سبي ��ل �إ�صالحه ��ا :للعام���ل املجتمعي دوره ال�سلبي يف ب���روز الأزمة وتف�شيها ،كتدخل بع����ض الأمرا�ض ال�سائدة يف املجتم���ع اليمني ،مثل التع�صب احلزب���ي �أو املذهبي� ،أو الطائفي، �أو الع�شائري� ،أو اجلهوي� ،أو العالقات ال�شخ�صية �أو ال�شللية ونحوها يف قب���ول �أو تعيني من لي�س من �أهل هذه املهنة ،وممن ال ميتلك احل ّد الأدنى املعقول من م�ؤهالتها� ،سوى ذلك امل�ؤهل احلزبي� ،أو املذهبي، �أو الطائف���ي� ،أو الع�شائ���ري� ،أو اجله���وي� ،أو نحوه ،مع �أن���ه لو التحق مبج���ال �آخر غري التعلي���م فلرمبا �أب���دع و�أنتج و�صار �شيئ��� ًا مذكور ًا. مي�سر ملا خلق والأ�ص���ل يف هذا اتباع املبد�أ النبوي الكرمي القائل« :كل َّ له». وال ميك���ن معاجلة مث���ل هذه الآفات حت���ى يتم االحت���كام الفعلي �إىل
امل�ؤ�س�س���ات الد�ستورية ،وتنفيذ القوان�ي�ن واللوائح والأنظمة ،واعتبار معيار امل�ؤه���ل و�سواه من املعايري املن�ضبطة هي الأ�سا�س يف احل�صول على � ّأي حق� ،أو اكت�ساب � ّأي امتياز. ج .الأ�سباب ال�سيا�سية و�سبيل �إ�صالحها :ومع �أن الأ�سباب ال�سيا�سية ال تخ���رج -يف عمومها -ع���ن الأ�سباب االجتماعي���ة امل�شار �إليها يف البن���د املتقدّم� ،إال �أن تخ�صي�صها ببند م�ستقل هنا يرجع �إىل الدور ال�سلبي (اخلا�ص) الذي ميثل���ه العامل ال�سيا�سي يف االلتحاق باملهنة يف املجتمع اليمني� ،إىل ح��� ّد القيام بعمل ت�صفيات �إدارية �شبه عامة مل���دراء املدار����س احلكومية لكل م���ن يثبت عدم انتمائ���ه �إىل احلزب احلاك���م ،و�إذا تذ ّك ّرن���ا ما يرتتب عل���ى االلتحاق مبهن���ة التعليم بعد ذلك من �آثار م�أ�ساوية على اجليل الذي ُيفر�ض عليه منط من الب�شر يتعام���ل معه كم���ا يتعام���ل الراعي مع القطي���ع� ،أو القائ���د الع�سكري الفظ الغليظ م���ع جنوده الط ّيعني اخلانعني .ع�ل�اوة على االمتيازات الت���ي يح�صل عليها من توافرت فيه �ش���روط الوالء ال�سيا�سي من مثل الرتقي���ات ال�سريعة ،والعالوات املنتظم���ة ،واملكافئات التي ال تنقطع، وك���ذا التن ّقل بني الأعم���ال الإدارية على نحو م���ن الت�صعيد اخلارق؛ �إذا تذ ّكرنا ذلك ف�سندرك مدى ما �أ�سهم به هذا ال�سبب من الرتاجع امللح���وظ لدور املع ّلم اليمني �إىل هذا ال���درك ال�سحيق من االنحدار والتخ ّلف. وم���رة �أخرى لي�س �أمامنا �إذا ُرمنا �إ�صالح ًا فعلي ًا لو�ضع املع ّلم اليمني �سوى االحت���كام الفعلي �إىل امل�ؤ�س�سات الد�ستوري���ة ،وتنفيذ القوانني واللوائح والأنظمة ،واعتبار معيار امل�ؤهل و�سواه من املعايري املن�ضبطة هي الأ�سا�س يف احل�صول على � ّأي حق� ،أو اكت�ساب � ّأي امتياز. ثاني ًا�:أ�س��باب تتعل��ق مبرحل��ة الإع��داد ذاته��ا و�س��بيل �إ�ص�لاحها� :أي �أن تلك الأ�سباب تُعزى �إىل �ضعف الت�أهيل يف كليات الرتبي���ة ،ومعاه���د �إع���داد املعلمني واملع ّلم���ات� ،أثناء ف�ت�رة اخلدمة، بدالل���ة املخرجات ال�ضعيفة الت���ي باتت ال�شكوى منه���ا متثل �إجماعا يف رب���وع البالد .ويظه���ر �أن �أ�سباب ذلك عدي���دة متداخلة ،بدا ًء من �ضعف ُمدخل الطال���ب ذاته ،نظر ًا �إىل ت�ش ّكل ذلك االعتقاد اخلاطئ يف ذهنه ونف�سه حول «وثنية» ال�شهادة ،وهدف احل�صول على م�صدر للرزق ب�أي ثمن -وك�أنه غدا غاية يف ح ّد ذاته ،-مرور ًا ب�ضعف مدخل املناهج ،وانتهاء ب�ضعف مدخلي الأ�ستاذ اجلامعي والإدارة. ً طوي�ل�ا بهذا ال�سياق هو ذلك الرتاجع ولع��� ّل ما ي�ستحق التو ّقف عنده املحزن الذي �أ�صاب مق ّرر الرتبية العملية مب�ستوييها ( 1و )2يف كليات الرتبية ،بحيث غدا ه���ذا املق ّرر �شكلي ًا وهام�شي ًا ،والنجاح فيه �أ�صبح �آلي��� ًا ،مع �أنه مق ّرر حموري لكل طلب���ة كليات الرتبية ،ومي ّثل امل�ستقبل املهن���ي للطال���ب الع ِّلم .والأ�ص���ل �أن يوىل هذا املق��� ّرر االهتمام الذي ي�ستحقه ،بحيث يخ�ص�ص ف�صالن درا�سيان كامالن للتطبيق العملي يف املدر�س���ة ،بعيد ًا ع���ن احل�شو الذي ي�ص ّر علي���ه بع�ض �أع�ضاء هيئة التدري�س بكليات الرتبية حني �أقحموا جزء ًا من هذا املق ّرر ملا و�صفوه ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
35
اليمن والعامل
وجهات نظر
بالرتبية العملي���ة (النظرية) ،ومع ما يف هذه الت�سمية من ا�ضطراب وتناق����ض �سافر م���ع املنطق الذي يت�ساءل بده�ش���ة عن كيفية التوفيق ب�ي�ن و�صف املق ّرر بالعملي م���ع �إ�ضافة و�صف �آخر هو (النظري)؛ �إال �أن م�ساح���ة الده�ش���ة �ستكرب ،وعالمة اال�ستفه���ام �ستزداد حني نقف عند مق ّرر �آخر ي�سبق مق ّري الرتبية العملية ( 1و ،)2عنوانه �أ�ساليب التدري����س (اخلا�ص���ة) ،وهو عب���ارة عن اجلزء النظ���ري من الرتبية العملي���ة� ،إذ �إ ّن���ه يق���دّم للطال���ب املع ّلم الآلي���ات والطرائ���ق وو�سائل التدري�س و�أ�ساليب���ه املنا�سبة ،ليتم ّكن عند ممار�سة املهنة التدري�سية يف ال�ص���ف الفعل���ي من تطبي���ق تل���ك التوجيهات النظري���ة على نحو م���ا تلقاها ما �أمك���ن ،على �أن ت�ضاف �سنة خام�سة ه���ي �سنة االمتياز للطال���ب الرتبوي ،بحي���ث ال يرتبط فيها الطالب بغ�ي�ر مق ّرر الرتبية العملي���ة ،كي يتقنه ما �أمكن تطبيق ًا وممار�سة يف امليدان (املدر�سة)، الطب �إذ لي����س طالب كلي���ة الرتبية� ،أق ّل �ش�أن ًا من نظ�ي�ره طالب كل ّية ّ الب�شري ،الذي يق�ضي �سنة الزمالة (ال�سنة ال�ساد�سة) يف امل�ست�شفى، بل �إ ّنه �إذا كان طالب الطب يع ّد ليغدو طبيب ًا للج�سم و�أع�ضاء البدن؛ ف����إن طالب الرتبية يع ّد لي�صبح طبيب ًا للج�سم والبدن والروح والعقل. وال ميك���ن �أن يت���م ذلك فعلي ًا حتى يتم تخ�صي����ص مكافاءات جمزية لع�ض���و هيئة التدري����س امل�شرف عل���ى املق ّرر ،وكذا حواف���ز ت�شجيعية جمزية لإدارة املدر�سة ،ذات ال�صلة ،وملن يلزم تعاونهم من املع ّلمني �أو الإداريني فيها. ثالث�� ًا� :أ�س��باب تتعل��ق بف�ترة ممار�س��ة اخلدم��ة و�س��بيل �إ�ص�لاحها� :أي تلك الت���ي تُعزى �إىل �ضعف الت�أهي���ل ،وق ّلة التدريب �أثناء اخلدمة .ومما يزيد من حدّة هذا ال�سبب وتفاقمه �أنه -ونظر ًا �إىل حتقي���ق تلك الأه���داف املحدودة امل�شار �إليه���ا يف البند ال�سابق- لكنها باتت �أ�شب���ه بالغايات النهائية لأغلبي���ة الطلبة املع ّلمني� -أعني احل�صول على ال�شه���ادة اجلامعية مث ًال -ومن ثم �ضمان وظيفة تدر رزق ًا م�ستمر ًا؛ ف�إن ذلك يدفعهم �إىل الرتاخي ،حتى لبع�ض من ُعرف بتف ّوقه وعل ّو همته �أثناء مرحلة الإعداد .و�آية ذلك �أن جتد هذا ال�صنف ربز ًا �إىل ح ّد مقدّر مع بداية االلتحاق باملهنة� ،سواء من من املع ّلمني م ّ حيث التح�ض�ي�ر والإعداد� ،أم من حيث احل�ضور واالن�ضباط بالدوام املدر�سي� ،أم من حيث االهتمام بدوره وحما�سته يف التفاعل مع ر�سالة التعليم ،بيد �أن الرتاجع ال يلبث �أن يت�سلل �شيئ ًا ف�شيئ ًا �إىل �شخ�صيته، ومن ّثم �أدائه ،بدء ًا من االعتماد على حت�ضري العام املن�صرم� ،إال من �شكلي���ات التغيري املظهري ،ب�سبب التوجيه والإ�شراف ،مرور ًا ب�ضعف التزام���ه مبواعيد احل�ص�ص ح�ضو ًرا وان�صراف ًا ،وانتها ًء بدوره الك ّلي وتفاعل���ه م���ع ر�سالت���ه .وق ّلة من املع ّلم�ي�ن هم الذين يتط���ورون مهني ًا بالفع���ل �أثناء اخلدمة ،وي�ستم ّرون يف ذلك ،ولكن غالب ًا ما ُيعزى ذلك �إىل رغبته���م الذاتي���ة يف التط ّور والنماء .ولعل م���ا حتقق من التط ّور الذاتي والنم���اء امل�ست ّمر �إمنا يتم خارج ال���دورات وور�ش العمل ،تلك التي تُعقد لهم ب�إ�ش���راف ر�سمي .وهذا ال�سبب و�إن كان م�س�ألة ن�سبية 36
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ي�صع���ب تعميمها ،لكن مع الإق���رار ب�أن وزارة الرتبي���ة والتعليم تويل ه���ذا الأمر بع�ض م���ا ي�ستحقه من االهتم���ام؛ �إال �أن ا�ستمرار ظاهرة �ضع���ف كفاي���ة املع ّلم يف املي���دان� ،أي من جهة املخرج���ات؛ ت�شري �إىل �أن مظهرية تلك الور�ش التدريبية و�شكالنيتها ،والرغبة يف احل�صول عل���ى وثيقة امل�شاركة -ب�صرف النظ���ر عن مدى احل�صيلة احلقيقية له���ا -طغت على الأه���داف اجلوهرية املق�صودة من وراء القيام بها وتنفيذها. ويق�ت�رح بع�ض الباحثني (خوري )48-46 :1989 ،جملة �أهداف لإعداد املع ّلم�ي�ن �أثن���اء اخلدم���ة ،وه���ذه الأه���داف و�إن كانت نابع���ة من وحي املعان���اة يف جمتمع الباحث (لبنان)لكنه���ا متثل ه ّم ًا م�شرتك ًا يف بع�ض املجتمع���ات ذات الظروف املت�شابه���ة ،ومنها املجتم���ع اليمني .وتتمثل خال�صة هذه الأهداف يف: �أ .ت�أهي���ل املع ّلم�ي�ن العاملني الذين ال يتجاوز م�ؤهله���م العلمي ال�شهادة الثانوية العامة. ّ ب .الت�أهيل الرتبوي ملعلمي املرحلة الثانوية الذين ح�صلوا على ال�شهادة اجلامعي���ة (البكالوريو�س �أواللي�سان�س) يف مو�ضوع �أكادميي بحت ،ومل موجهة نحو متط ّلبات يح�صلوا على الت�أهيل املهن���ي امل�سلكي يف برامج ّ �إجازة التعليم للمرحلة الثانوية. ج .التهيئ���ة لتلبية حاجات تربوية طارئة من نوع ما ي�ستدعيه تطوير �أو تغي�ي�ر يف بع�ض مناه���ج الدرا�سة� ،أو ما يتط ّلبه �إح���داث تنظيم تربوي خا�ص مثل العمل بنظام «مع ّلم ال�صف» �أو نظام «ال�صفوف املج ّمعة». د .التهيئة ل�سد العجز يف بع�ض التخ�ص�صات و�أنواع اخلربات العملية، مثل تعليم بع�ض الفنون ،و�إعداد الو�سائل التعليمية وا�ستخدامها. رابع ًا� :أ�س��باب ذاتية و�س��بيل �إ�ص�لاحها� :أي تلك الأ�سباب التي ُتعزى �إىل تراجع الدور االجتماعي للمعلم باملوازنة مع املع ّلم يف املا�ضي غ�ي�ر البعيد ،حيث كان يف ال�سابق يت���وىل القيام ب�أدوار اجتماعية ِعدّة ك�إمامة ال�صالة وخطبة اجلمعة ،وتوثيق عقود الزواجّ ، وف�ض املنازعات بني الأفراد ،وال�سعي يف ح ّل اخلالفات العائلية والزوجية واالجتماعية، وت�ص���دّر املواقف والأزمات الطارئة ،ونحو ذلك ،على حني انعدم ذلك الي���وم .ويب���دو �أن معظ���م ذلك ُيع���زى ملنزلق���ات امل�ؤ�س�س���ات الرتبوية املعا�ص���رة املعنية بتخري���ج املع ّلمني ،من حي���ث انعزاليتها عن املجتمع و�آالم���ه و�آماله وطموحات���ه ،والوقوع يف �شرك احل�ص���ول على ال�شهادة كغاي���ة نهائي���ة� ،إذ هي �سبيل احل�ص���ول على م�صدر لل���رزق ،وتخريج موظفني �آليني؛ ه ّمهم انتظار نهاية ال�شهر لت�س ّلم الراتب ،دومنا منو �أو تط ّور يف �شخ�صية املع ّلم من كل نواحيها. ويعتق���د كاتب هذه ال�سط���ور �أن �إعادة الدور املفرت����ض للمع ّلم يقت�ضي الأخ���ذ بجملة املعاجل���ات املتقدِّ مة ،مع الرتكيز على �ض���رورة �إ�شراكه يف جمل���ة �أن�شط���ة وفعالي���ات حقيقي���ة �أثن���اء اخلدم���ة ،ويف مقدّمتها الدورات الت�أهيلية والتدريب امل�ستمر ،مع ما ُي�صاحب ذلك من حوافز وت�شجيعات مادية ومعنوية جمزية.
حروف مبعرثة :يعاين اليمن من اختالالت ب ّينة فيما يت�صل بعملية �إ�صالح التعليم ،ويف مقدِّ متها �إ�صالح املع ّلم
خام�س ًا� :أ�سباب تربوية وتعليمية و�سبيل �إ�صالحها :و�أعني به���ا مظاهر ال�ضعف العلم���ي والثقايف والأخالقي ال���ذي باتت ُنخبنا الثقافي���ة والفكري���ة وال�سيا�سي���ة ،ويف �أو�س���اط النخ���ب املختلفة ،بل املجتم���ع باختالف م�ستوياته و�شرائحه جت�أر بال�شكوى منه ،من حيث تف�ش���ي ظاهرة الأمية الثقافية احل�ضارية والفكرية ،وف�ساد ال�ضمري، و�شلل الأخالق ،وانعدام �أو �ضعف الإح�سا�س بالأمانة وامل�سئولية ،لدى كل �أو معظم فئات املجتمع ،ويف مقدّمتها فئة املع ّلمني .وهذا ال�ضعف ال ينف�ص���ل عن ال�ضعف الع���ام املاحق يف التعلي���م الأ�سا�سي والثانوي والعايل. و�أح�س���ب �أن �سبيل جتاوز هذه امل�شكل���ة لي�س بالأمر الهينّ � ،إذ يقت�ضي ذل���ك �إعادة النظر يف ال�سيا�سة التعليمية ،واال�سرتاتيجيات واخلطط والربام���ج املرتبطة بها ،مب���ا فيها �صناعة املناه���ج ،وجملة الأن�شطة والفعالي���ات املفرت�ض القيام به���ا ،يف �سبيل تخري���ج املع ّلم احلقيقي امل�ؤهّ ���ل ،للقيام بر�سالته على خري وجه .ووا�ضح �أن مثل هذه املطالب – يف ظ���ل و�ض���ع م�أزوم كهذا ال���ذي يعي�شه املجتم���ع اليمني � -إىل الأماين البعيدة �أقرب منها �إىل �إمكان �إعادة النظر الفعلي ،وحتقيق
الإ�ص�ل�اح امل�أمول على املدى املنظور ،بيد �أن �أمانة الكلمة والإح�سا�س بامل�سئولية املهنية والأدبية تقت�ضي الإف�صاح عن ذلك!
املراجــع: �أدوي���ن ري�شاور ،اليابانيون ،ترجمة :ليلى اجلبايل ،ومراجعة:�شوقي جالل� ،سل�سلة عامل املعرفة ،العدد ( 136الكويت :املجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب ، ،ني�سان�/أبريل.)1989 البن���ك ال���دويل ،الطريق غري امل�سل���وك� :إ�ص�ل�اح التعليم يفمنطق���ة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقي���ا (وا�شنطن العا�صمة، البنك الدويل للإن�شاء والتعمري.)2007 ، توم���ا جورج خ���وري ،علم النف�س الرتبوي (ب�ي�روت :امل�ؤ�س�سةاجلامعية للدرا�سات والن�شر والتوزيع.)1989 ، �شهاب فار�س« ،التعليم يف اليابان» ،جملة املعرفة ،العدد ،84الريا�ض :وزارة املعارف ،حزيران/يونيو .2002 �صحيفة الغد� ،صنعاء 10 ،حزيران /يونيو .2009ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
37
اليمن والعامل حتليالت
فـي 60يومـا
وجهات نظر
عني على اليمن
9ر�أ����س نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادي���ة وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحب���ي ،الأجتماع اخلتامي بني احلكومة اليمنية وبعثة �صندوق النقد الدويل ،وناق�ش االجتماع جمل���ة من الق�ضايا املت�صل���ة بتعزيز اال�صالحات يف جمال املالية العامة وحت�سني وتطوير الإدارة املالية.
تفاعالت اليمن والعامل فـي
60
�شهرا ت�شرين الثاين/نوفمرب -كانون الأول/دي�سمرب ت�شرين الثاين/نوفمرب 2009
1ناق����ش رئي�س جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور ،ب�صنعاء ،مع ممثل �صندوق النقد ال���دويل ال�سيد تود �شنايدر ،عالقات التعاون بني اليمن وال�صندوق وتوجهاتها للفرتة القادمة يف جم���االت اال�صالحات املالية والنقدية والإدارية و�إع���ادة الهيكلة ،مبا يف ذلك الدعم الفني الذي �سيقدمه ال�صندوق يف هذه املجاالت. � 3أكد �أمري دولة قطر ال�شيخ حمد بن خليفة �آل ثاين� ،أن وحدة اليمن وا�ستقرارها �أمر حيوي لي����س لليم���ن فح�سب بل للمنطقة .وج���دد ال�شيخ حمد يف كلمة افتتح به���ا دور االنعقاد العادي الـ 38ملجل�س ال�شورى القطري موقف دولة قطر الثابت والتاريخي احلري�ص على ا�ستقرار اليمن ووحدته و �سالمة �أرا�ضيه. 3بح���ث وزي���ر اخلارجي���ة الدكت���ور �أبوبك���ر القربي ب�صنع���اء ،مع م�سئ���ول الدف���اع واملخاطر اال�سرتاتيجي���ة ب���وزارة اخلارجي���ة الربيطاني���ة ال�سيد �سامين مائل���ي� ،أوجه التع���اون القائم بني البلدين يف جمال مكافحة الإرهاب. 3ت�سلم الرئي�س علي عبداهلل �صالح ر�سالة خطية من رئي�س الوزراء الربيطاين جوردن براون، تتعل���ق بالعالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها ،ومنها التعاون يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب. 4التق���ي نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحب���ي ،بعثة البن���ك الدويل اخلا�صة بالتعلي���م العايل برئا�سة م�سئولة التعلي���م العايل بالبنك ال���دويل عائ�شة فودة ،جرى خالل اللق���اء ا�ستعرا�ض الق�ضايا املت�صلة بالتعاون القائم بني اليمن والبنك يف جمال التعليم العايل ومناق�شة التفا�صيل املتعلقة بامل�شروع الثاين للتعليم العايل الذي �ست�ستفيد منه جميع اجلامعات اليمنية. 9ق���ررت حكوم���ة اليابان تقدمي منح���ة مالية لتموي���ل م�شروعني مبحافظتي حج���ة واملحويت مببل���غ 37مليون و� 95ألف ريال �ضم���ن الربنامج الياباين «املنح املقدم���ة مل�شاريع الأمن الب�شري الأهلية». 7ناق����ش وزي���ر ال�صناعة والتج���ارة الدكتور يحيى املت���وكل ،مع ال�سفري ال�صين���ي ب�صنعاء ليو دنغلني ،عالقات التعاون االقت�صادي والتجاري بني البلدين ،وا�ستعر�ض اللقاء التعاون القائم يف 38
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
يوم ًا
2009
تطوي���ر م�صنع الغزل والن�سيج ب�صنعاء ،وتو�سعة م�صنع �إ�سمنت باجل ودعوة ال�شركات ال�صينية للإ�سثتمار يف املناطق ال�صناعية اليمنية. 7عق���دت ب���وزارة التخطيط والتع���اون الدويل جل�س���ة مباحثات ر�سمية ب�ي�ن احلكومة اليمنية والبنك الدويل برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحبي ،ونائب رئي�س البنك الدويل ملنطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقيا �شم�ساد �أختار. 7د�ش���ن الرئي����س علي عب���داهلل �صالح امل�ش���روع االقت�ص���ادي اال�سرتاتيجي العم�ل�اق املتمثل بت�صدير الغاز الطبيعي امل�سال عرب ميناء بلحاف يف حمافظة �شبوة. 8ا�ستقب���ل الرئي����س علي عبداهلل �صال���ح نائبة رئي�س البن���ك الدويل ملنطقة ال�ش���رق الأو�سط و�شم���ال �أفريقي���ا �شم�س���اد �أختار .وجرى يف اللق���اء بحث العالقات وجماالت التع���اون بني اليمن والبن���ك ال���دويل ،وامل�شاريع الت���ي ميولها البنك يف اليم���ن ،بالإ�ضافة �إىل زي���ادة الدعم التنموي والفن���ي املق���دم من البنك ،وح�شد املوارد م���ن املانحني الآخرين للم�شاري���ع التنموية ،ف� ً ضال عن دعم جهود اال�صالحات االقت�صادية يف اليمن. 9بح���ث وزير املالية نعمان ال�صهيب���ي ب�صنعاء ،مع رئي�س قطاع اال�صالحات العامة يف البنك ال���دويل روبرت �شل� ،أوج���ه التعاون القائم بني اليم���ن والبنك ،وتناول اللق���اء اجلوانب املت�صلة بدعم البنك الدويل لليمن يف جمال ا�صالح املالية العامة وتطوير االدارة املالية وم�شروع حتديث اخلدمة املدنية وتطوير النظام املحا�سبي. 9ناق����ش رئي����س جمل����س ال���وزراء الدكت���ور علي حممد جم���ور ،ب�صنع���اء ،مع الوزي���ر الدائم ب���وزارة التنمية الدولية الربيطانية ال�سيدة نعمت �شفيق ،عالق���ات التعاون بني اليمن وبريطانيا يف املجال�ي�ن االقت�ص���ادي والتنم���وي وتوجهاتها القادمة مب���ا يف ذلك اجلوان���ب املتعلقة باجندة اال�صالحات الوطنية والأولويات الع�شر املقرة من قبل احلكومة للفرتة الراهنة واملقبلة. 9ا�ستقب���ل الرئي����س علي عب���داهلل �صالح الوزي���ر الدائم ب���وزارة التنمية الدولي���ة الربيطانية ال�سيدة نعمت �شفيق ،وجرى يف اللقاء بحث جوانب العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك ب�ي�ن البلدين ،وزيادة الدعم الربيط���اين لليمن يف املجال التنموي ،بالإ�ضاف���ة �إىل دعم الأجندة الوطنية للإ�صالحات االقت�صادية واملالية واالدارية.
10عقدت ب�صنعاء اجلل�س���ة الوزارية ملراجعة اتفاقية ال�شراكة التنموية بني اليمن واململكة املتح���دة برئا�س���ة نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش����ؤون االقت�صادية وزي���ر التخطيط والتع���اون الدويل عبدالك���رمي الأرحب���ي ،وال�سكرتري الدائ���م للمملكة املتحدة ب���وزارة التنمية الدولي���ة الربيطانية الوزي���ره نعمت �شفيق .وا�ستعر�ض الأرحبي يف اجلل�سة جممل التحديات التى تواجه اليمن نتيجة تداعي���ات االزم���ة املالية وتدين ا�سع���ار و�إنتاج النفط والظ���روف الأمني���ة اال�ستتثنائية التى متر به���ا اليم���ن حالي ًا ،منوه���ا ب�ضرورة �إعطاء اليم���ن �أولوية من قبل املانحني م���ن خالل رفع �سقف امل�ساعدات املقدمة لدعم م�سارات التنمية يف اليمن.
10
وافق ال�صندوق العاملي ملكافحة الإيدز وال�سل واملالريا على تقدمي مبلغ 24مليون و769
�ألف دوالر لربنامج مكافحة ال�سل يف اليمن ملدة خم�س �سنوات.
10وقع���ت مب�صلحة خفر ال�سواحل اتفاقية تعاون يف جم���ال اخلدمات الطبية بني م�صلحة خفر ال�سواحل واحلكومة الأملانية ,يقدم مبوجبها اجلانب الأملاين � 750ألف يورو م�ساعدة لإن�شاء 3وحدات �صحية تابعة للم�صلحة يف كل من :عدن ,وميون ,وخور عمرية .و ّقع الإتفاقية عن جان���ب م�صلحة خف���ر ال�سواحل العميد علي را�صع رئي�س امل�صلح���ة ,وعن اجلانب الأملاين ال�سيد مي�شائيل كلور بري�شتولد �سفري جمهورية �أملانيا ب�صنعاء. � 10أكد الأمني العام جلامعة الدول العربية عمرو مو�سى رف�ض اجلامعة العربية لأي م�سا�س ب�سي���ادة اجلمهوري���ة اليمنية �أو اململك���ة العربية ال�سعودية .و�أكد مو�س���ى يف ت�صريح لل�صحافيني يف القاه���رة ،دعم اجلامعة لوح���دة وا�ستقرار االرا�ض���ي اليمنية ،و�شدد �أن التع���دي على �سيادة اليم���ن وال�سعودية بقيام مت�سللني م�سلحني باجتياز احل���دود ال�سعودية واعتدائهم على �أفراد من ق���وات حر�س احلدود �أمر غري مقبول ،و�أعرب يف ذات الوق���ت عن ثقته يف قدرة القوات امل�سلحة ال�سعودية على حماية �أرا�ضي اململكة وت�أمني حدودها وردع املعتدين. 10نف���ى م�ص���در م�سئول بوزارة اخلارجي���ة ،ما تناولته بع�ض و�سائ���ل الإعالم والف�ضائيات العربي���ة من �أنب���اء تزعم ان الوزارة ا�ستدعت �أم�س ال�سفري الأرت�ي�ري ب�صنعاء ملناق�شة معلومات تفيد عن تورط بالده يف دعم املتمردين احلوثيني ب�صعدة .و�أو�ضح امل�صدر لوكالة الأنباء اليمنية (�سب����أ) �أن تل���ك الأنب���اء ال �أ�سا�س لها م���ن ال�صحة ،م�ش�ي�ر ًا �إىل �أن لقاء وكي���ل وزارة اخلارجية لل�ش�ؤون العربية واالفريقية والآ�سيوية علي العيا�شي مع �سفري دولة �أرترييا ب�صنعاء مو�سى يا�سني �شي���خ ،كان لق���ا ًء اعتيادي ًا وكر�س لبحث عالقات التعاون الثنائي ب�ي�ن البلدين ،وبني امل�صدر ب�أن ال�سفري الأرتريي جدد خالل اللقاء موقف بالده الداعم لأمن وا�ستقرار اليمن. 10جدد وزراء خارجية دول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية ،دعم بلدانهم للجمهورية اليمني���ة و�أمنها وا�ستقرارها وم�ساندة جهوده���ا يف مواجهة التحديات املحدقة بها ،جاء ذلك يف كلماته���م يف اجلل�سة االفتتاحي���ة لالجتماع الثانى للمجل�س الوزارى ل���وزراء خارجية دول جمل�س التعاون التي عقدت بالعا�صمة القطرية الدوحة. � 10أعلن���ت اليابان عن تقدمي م�ساعدات عاجلة للنازحني ج���راء �أحداث احلرب يف �صعدة بقيمة مليون وت�سعمائة وع�شرون �ألف دوالر ،و�ستقدم هذه امل�ساعدات عرب برنامج الغذاء العاملي ومفو�ضي���ة الأمم املتح���دة ال�سامي���ة لالجئني ومنظم���ة ال�صح���ة العاملي���ة .و�ستخ�ص�ص لتقدمي م�ساعدات غذائية و�إن�ساني���ة وت�سجيل النازحني و�إدارة الفرق الطبية ،وذلك ا�ستجابة للمنا�شدة ال�ص���ادرة م���ن الأمم املتحدة يف الث���اين من �أيلول�/سبتم�ب�ر املا�ضي وا�ستجاب��� ًة لطلب احلكومة اليمنية يف هذا اجلانب. 11ق���ال م�صدر م�سئول ب���وزارة اخلارجية “لق���د تابعنا يف اجلمهورية اليمني���ة الت�صريحات الت���ي �أدىل بها وزير اخلارجية الإيراين ال�سيد منو�شهر متكي حول اليمن” ،و�أ�ضاف امل�صدر قائ ًال “و�إننا بالقدر الذي نرحب فيه مبا �أكده متكي حويل موقف �إيران �إزاء وحدة اليمن وا�ستقراره، رف�ضا ً ف����إن اجلمهورية اليمني���ة ت�ؤكد جمدد ًا ب�أنها ترف�ض ً مطلقا التدخ���ل يف �ش�ؤونها الداخلية من قبل �أية جهة كانت �أو �إدعاء الو�صاية �أو احلر�ص على �أي من ابناء �شعبنا اليمني” .و�أكد امل�صدر يف
ت�صريح لوكالة الأنب���اء اليمنية (�سب�أ) �أن ما يج���ري يف حمافظة �صعدة من مواجهة م���ع العنا�ص���ر املتمردة ه���و �ش����أن داخلي مين���ي ،و�أن اليمن كفيل بح���ل ق�ضاياه دون تدخل �أو و�ساطة من الآخرين. 11قدمت حكوم���ة اليابان منحة تبلغ 16 ملي���ون و� 340ألف ريال لتموي���ل وحدة �صحية يف منطقة احلرث مبديرية بعدان حمافظة �إب ي�ستفيد منها ح���وايل 20.000ن�سمة .وي�أتي هذا الدعم يف �إطار الربنام���ج الياب���اين امل�سم���ى “املن���ح املقدمه مل�شاري���ع الأمن الب�شري الأهلية” الهادف �إىل دعم امل�شاريع الأهلية ال�صغرية احلجم يف املج���االت املرتبط���ة باالحتياجات الأ�سا�سية مثل ال�صح���ة والتعليم الأ�سا�سي يف الدول النامية.
� 13أك���د امل�ؤمتر الراب���ع لرابطة جمال����س ال�شيوخ وال�ش���ورى واملجال�س املماثل���ة يف �إفريقيا والعامل العربي ،ت�ضامنه الكامل مع اليمن ،ودعمه موقفه احلازم �إزاء ما يتعر�ض له من تدخالت خارجي���ة يف �ش�ؤونه الداخلية .ج���اء ذلك يف البيان اخلتامي ال�صادر يف خت���ام �أعمال امل�ؤمتر يف مق���ر جمل����س امل�ست�شارين بالعا�صمة املغربي���ة الرباط ،والذي �شارك في���ه رئي�س جمل�س ال�شورى عبدالعزي���ز عبدالغني ،عل���ى ر�أ�س وفد من املجل�س� ،إىل جانب ر�ؤ�س���اء جمال�س وممثلني عن 14 دولة عربية و�إفريقية ومنظمات برملانية �إقليمية ودولية. 14وقع بوزارة التخطيط والتعاون الدويل على اتفاقية املنحة اليابانية املقدمة لليمن بقيمة � 860ألف دوالر لتمويل م�شروع �إمدادات مياه الريف البالغ تكلفته االجمالية 16مليون دوالر. 15بح���ث وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي ،خالل لقائه �سفري �سلطنة عمان ب�صنعاء عب���داهلل بن حمد الب���ادي ،العالقات الثنائية ب�ي�ن البلدين ،وتطرق اللق���اء �إىل �آخر امل�ستجدات عل���ى ال�ساحتني الإقليمية والدولية .من جهة ثانية التقى وزير اخلارجية ،ب�صنعاء� ،سفراء الدول الأوروبي���ة واملانح���ة والدائمة الع�ضوية يف جمل����س الأمن ،ويف اللقاء �أطل���ع القربي �سفراء الدول الأوروبي���ة على �آخر التطورات يف ال�ساحت�ي�ن املحلية والإقليمية ،م�ستعر�ض ًا معهم جهود احلكومة للت�ص���دي للمتمردين احلوثيني ،ونتائج احل���وار ال�سيا�سي اليمني – الأوروبي ،والآفاق امل�ستقبلية لتعزي���ز عالق���ات التعاون ب�ي�ن اليمن وبلدانهم .م���ن جانبهم �أكد ال�سفراء دع���م بلدانهم لوحدة وا�ستقرار و�أمن اليمن. 15وق���ع ب�صنع���اء على مذكرة تفاهم ب�ي�ن وزارة ال�صحة العامة وال�س���كان ومكتب التعاون الفن���ي الأملاين الـ (جي .ت���ي .زد) لت�أ�سي�س وحدة تنفيذ امل�شاري���ع ال�صحية املمولة من املانحني. وتق�ض���ي مذكرة التفاه���م التي وقعها نائب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون االقت�صادي���ة وزير التخطيط والتع���اون الدويل عبدالكرمي الأرحبي ووزير ال�صحة العامة وال�سكان الدكتور عبدالكرمي را�صع، وع���ن اجلانب الأملاين مدي���ر مكتب التعاون الفن���ي الأملاين ب�صنعاء توما����س �إجنلهارت ،بتقدمي مكت���ب التع���اون الفني الأملاين ال���ـ (جي .تي .زد) الدع���م الفني الالزم لت�أ�سي����س وحدة ت�ضطلع بتنفيذ امل�شاريع ال�صحية املمولة من املانحني. 15وقع���ت اجلمهورية اليمنية وهيئ���ة التنمية الدولية على �إتفاقية املنحة املقدمة من البنك الدويل لدعم برنامج الطرق الريفية و�صندوق �صيانة الطرق مببلغ 40مليون دوالر .و ّقع الإتفاقية وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدويل لقطاع برجمة امل�شاريع املهند�س عبداهلل ال�شاطر ،ورئي�س فريق املفاو�ضات يف البنك الدويل جون ت�شالر كرو�شيه. 16وقع���ت وزارة التخطي���ط والتع���اون ال���دويل والبن���ك الإ�سالم���ي للتنمي���ة ،على حم�ضر االجتم���اع اخلا�ص ب�إع���داد م�شروع الفر����ص االقت�صادية ،وتقيي���م م�شروع حم���و الأمية املهنية، وال���ذي ت�ضمن تعهد البن���ك الإ�سالمي للتنمية بامل�ساهمة يف متويل م�ش���روع الفر�ص االقت�صادية مببلغ 11مليون دوالر والهادف �إىل التخفيف من الفقر يف العديد من املناطق الريفية يف اليمن، �إىل جان���ب م�ساهم���ة كل من ال�صندوق ال���دويل للتنمية الزراعية مببلغ ع�ش���رة ماليني و�ستمائة �أل���ف دوالر ،والوكال���ة الفرن�سية للتنمية مببلغ مليونني ومائتي �أل���ف دوالر تقدمان كمنحة لتمويل امل�ش���روع .كما ت�ضمن تخ�صي�ص البن���ك الإ�سالمي للتنمية مبلغ 11ملي���ون دوالر لتمويل م�شروع حم���و الأمي���ة املهنية� ،إىل جانب م�ساهمة �صندوق الأوبك للتنمي���ة الدولية مببلغ 9ماليني دوالر، ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
39
واحلكوم���ة اليمنية مببلغ مليون وخم�سمائة �ألف دوالر من كلف���ة امل�شروع .من جهة �أخرى ،وقعت اليم���ن وبرنامج الأمم املتحدة الإمنائي على االتفاقية املتعلق���ة بتمويل م�شروع الإدارة امل�ستدامة للم���وارد الطبيعية (املرحلة الثاني���ة) ،وتق�ضي االتفاقية بتخ�صي�ص مبل���غ مليون وثالثمائة �ألف دوالر لتموي���ل املرحلة الثاني���ة من م�شروع الإدارة امل�ستدامة للم���وارد الطبيعية ،وت�سهم احلكومة اليمني���ة يف امل�شروع مببلغ � 400ألف دوالر ،فيما ي�سهم برنامج الأمم املتحدة الإمنائي مببلغ 800 �ألف دوالر.
17وقعت اليمن وهيئة التنمية الدولية مبقر البنك الدويل بالقاهرة على اتفاقية بالأحرف الأوىل تقدم مبوجبها الهيئة منحه مببلغ 25مليون دوالر لتمويل م�شروع التخل�ص من البلهار�سيا يف اليمن .وي�ستهدف امل�شروع معاجلة �ستة ماليني وثمامنائة �ألف مواطن من خمتلف الأعمارعلى م���دى � 6سنوات ،و�سيغطي امل�شروع ح���وايل 225مديرية يف خمتلف املحافظات التي تنت�شر فيها البلهار�سيا.
23ا�ستقب���ل ال�سلطان قابو�س بن �سعيد �سلطان �سلطن���ة عمان ،بق�صر ال�شموخ بوالية منح، العمي���د الركن �أحم���د علي عبداهلل �صالح قائد احلر�س اجلمهوري قائ���د القوات اخلا�صة ،الذي نق���ل له ر�سالة خطية من الرئي�س علي عبداهلل �صالح تتعلق بالعالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها ،بالإ�ضافة �إىل �أبرز الق�ضايا والتطورات العربية والإقليمية ذات االهتمام امل�شرتك.
16وقع���ت اخلطوط اجلوية اليمنية يف دب���ي اتفاقية مع �شركة ال�صناعات اجلوية الأوروبية (�أيربا�ص) ل�شراء ع�شر طائرات (�إيه )320جديدة بقيمة �إجمالية مقدراها 700مليون دوالر.
18بح���ث وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري ،خالل لقائ���ه ب�صنعاء نائب املدير الإقليمي ملنطق���ة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقيا مبنظمة الأمم املتحدة ل�ش�ؤون الالجئني ال�سيدة �أور�سوال �أبوبك���ر� ،أوج���ه التع���اون والتن�سيق بني املنظم���ة والوزارة يف املج���ال الأمني .وتط���رق اللقاء �إىل �أو�ض���اع الالجئني القادمني من دول الق���رن الأفريقي ،وخا�صة الالجئ�ي�ن ال�صوماليني والأعباء االقت�صادية واالجتماعية التي ي�سببها الالجئني لليمن.
23التق���ى نائب رئي�س ال���وزراء ل�ش�ؤون الدف���اع والأمن وزير الإدارة املحلي���ة الدكتور ر�شاد العليم���ي ،بنادي �ضب���اط القوات امل�سلحة قائد الأ�ساطيل البحري���ة الربيطانية الأدمريال تريفور �س���وار الذي ي���زور اليمن .وجرى خالل اللقاء بح���ث �أوجه التعاون امل�شرتك ب�ي�ن جي�شي البلدين يف جم���ال التدريب والت�أهي���ل و�سبل تعزيزها ،كما جرى ا�ستعرا�ض اجله���ود املبذولة يف مكافحة الإره���اب والت�صدي لأعمال التهريب والقر�صنة البحرية ,و�سب���ل تطوير وتعزيز اجلهود الكفيلة بتعزيز الأمن واال�ستقرار يف املنطقة وحماية املمرات البحرية الدولية يف منطقتي البحر الأحمر وخلي���ج عدن والبح���ر العربي ومنطقة القرن الأفريق���ي .وكان وزير الدفاع الل���واء الركن حممد نا�صر �أحمد قد التقى قائد الأ�ساطيل البحرية الربيطانية الأدمريال تريفور �سوار.
16عق���دت ب�صنع���اء جل�سة مباحثات مينية -كورية ،تناولت جم���االت التعاون امل�شرتك بني اجلانبني يف جماالت النفط والغاز واملعادن و�سبل تعزيزها والفر�ص اال�ستثمارية املتاحة يف هذه املجاالت يف اليمن. 16بح���ث �سفري اليم���ن بالقاهرة الدكتور عبدال���ويل ال�شمريي ،خالل لقائ���ه القائد العام للق���وات امل�سلحة وزير الدفاع واالنتاج احلربي امل�ص���ري امل�شري حممد ح�سني طنطاوي ،عالقات التعاون الع�سكري بني البلدين و�سبل تعزيزها خ�صو�ص ًا يف جماالت اخلدمات الطبية الع�سكرية، والتدريب والت�أهيل. 16بح���ث وزير الداخلية مطه���ر امل�صري ،مع رئي�س بعثة االحت���اد الأوربي ميكيلي ت�شرفونة دور�س���و وفري���ق الأمن البحري الإقليم���ي الأوروبي ،عالقات التعاون يف املج���ال الأمني خا�صة ما يتعل���ق بالأمن الإقليمي باملنطقة ،وج���رى يف اللقاء مناق�شة �إمكانية �أن�ش���اء مركز �إقليمي لتبادل املعلومات البحرية يف اليمن ،والتحديد الدقيق ملهامه ومتطلباته. 16بد�أت ب�صنع���اء �أعمال االجتماع الثالث للجنة الأمنية اليمنية -الإماراتية امل�شرتكة .ويف االجتم���اع بحث اجلانب���ان جماالت التعاون الأمني بني البلدين و�آف���اق تعزيزها ويف مقدمة ذلك التن�سيق يف مكافحة الإرهاب واملخدرات وو�ضع �آلية م�شرتكة للتعاون يف جمال مكافحة التهريب. وناق�ش اجلانبان امكانية ت�سهيل �إجراءات �إقامة الرعايا اليمنيني يف دولة الإمارات وفق ًا للقوانني واللوائ���ح املنظمة لذل���ك ،بالإ�ضافة �إىل مناق�شة عدد من الق�ضاي���ا واملوا�ضيع املدرجة يف جدول الأعمال. 17التق���ى وكي���ل �أول وزارة اخلارجي���ة حمي الدين ال�ضب���ي �سفري ايطالي���ا ب�صنعاء ماريو بوف���و ..وج���رى خالل اللق���اء بحث اوجه العالقات ب�ي�ن البلدين وجوانب الدع���م التنموي املقدم م���ن احلكومة االيطالية لليمن ،كما جرى خالل اللقاء بحث االو�ضاع يف ال�صومال واجلهود التي يبذلها البلدين لرت�سيخ اال�ستقرار يف ال�صومال من خالل دعم احلكومة االنتقالية ال�صومالية. 17اختتم���ت بالريا����ض املباحث���ات الإعالمي���ة ب�ي�ن اجلمهورية اليمني���ة واململك���ة العربية ال�سعودي���ة التي عقدت على مدى يومني برئا�سة وزير الإعالم ح�سن �أحمد اللوزي ،ووزير الثقافة والإع�ل�ام ال�سعودي الدكت���ور عبدالعزيز بن حميي الدين خوجة ،ج���رى خالل اجلل�سة ا�ستكمال بحث املو�ضوعات املتعلقة ب�آفاق تنمية وتو�سيع التعاون الإعالمي بني البلدين. 17و ّق���ع ب�صنعاء عل���ى اتفاقية املنحة املالي���ة للت�صاميم التف�صيلية مل�ش���روع الإمداد مبياه ال�شرب للمناطق الريفية املقدم من الوكالة اليابانية للتعاون الدويل (جايكا) لتنفيذ 19م�شروع ًا ملي���اه الريف يف خم�س حمافظات بتكلفة 86مليون ين ياب���اين ،والتي مبوجبها تقدم الـ (جايكا) للهيئة العامة مل�شاريع مياه الريف مبلغ 86مليون ين ياباين لل�شروع يف �إن�شاء جتهيزات �إمدادات املياه يف حمافظات تعز ،و�إب ،وذمار ،و�صنعاء ،واملحويت. 17وق���ع ب�صنع���اء بالأح���رف الأوىل بني اليم���ن وال�صن���دوق الكويتي للتنمي���ة االقت�صادية العربي���ة عل���ى االتفاقية املتعلقة بتمويل م�شروع ميناء �سقطرى التج���اري بتكلفة 41مليون دوالر، والت���ى تندرج �ضمن ايفاء الكويت بتعهداتها املقدمة لليم���ن خالل م�ؤمتر لندن للمانحني املنعقد يف منت�ص���ف ت�شرين الثاين/نوفمرب من العام .2006وق���ع االتفاقية نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادي���ة وزيرالتخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحبي ورئي�س بعثة ال�صندوق الكويتي للتنمية االقت�صادية العربية املهند�س طارق املني�سي. 40
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
18ا�ستقب���ل رئي�س جمل����س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور ،ب�صنعاء ،الوفد ال�صومايل برئا�س���ة النائ���ب الأول لرئي�س الوزراء وزير الأ�سماك واخل�ي�رات البحرية يف احلكومة الإنتقالية الربوف�سور عبدالرحمن �آدم �إبراهيم .حيث جرى مناق�شة عالقات التعاون بني البلدين يف قطاع ال�ث�روة ال�سمكية على �ضوء مذكرة التفاهم التي �سيتم التوقيع عليها خالل هذه الزيارة والرامية �إىل تعزي���ز التع���اون امل�ش�ت�رك يف خمتلف جماالت ال�صي���د البحري وو�سائ���ل الإ�صطياد واملجال الفني املرتبط بهذه العملية ملا من �ش�أنه خدمة امل�صالح امل�شرتكة للبلدين. 19و ّق���ع ب�صنعاء عل���ى برنامج العمل التنفي���ذي ملذكرة التفاهم بني اليم���ن وال�صومال يف جم���ال املواءمة والتكامل بني قطاعي ال�ث�روة ال�سمكية يف البلدين ،تت�ضم���ن ت�شجيع امل�ستثمرين يف البلدي���ن على تنفي���ذ م�شروعات �سمكية م�شرتك���ة وتقدمي الت�سهيالت الالزم���ة لهم والرتويج للفر����ص اال�ستثماري���ة املتوفرة يف جمال ال�ث�روة ال�سمكية ،و�أهمها حت�ض�ي�ر الأ�سماك واعدادها للت�صدي���ر .وي�شم���ل الربنامج م�ساعدة احلكومة ال�صومالية يف معاجل���ة مو�ضوع �سفنها الرا�سية يف مين���اء ال�صيد بعدن ،وتبادل الزيارات واخلربات واملعلومات ،والت�شريعات ال�سمكية ال�صادرة يف البلدين. 19وقع���ت اليمن وهيئ���ة التنمية الدولية بالأحرف الأوىل مبقر البن���ك الدويل يف القاهرة، على اتفاقية املنحة املقدمة من االحتاد الأوروبي البالغة 17.5مليون يورو ،لتمويل م�شاريع كل من ال�صن���دوق االجتماعي للتنمية و�صندوق الرعاية االجتماعي���ة .ت�ستهدف املنحة خلق فر�ص عمل من خ�ل�ال تنفيذ عدد من امل�شروعات كثيفة العمالة عرب ال�صن���دوق الإجتماعي للتنمية ولنحـ ــو � 16 - 12أل���ف �أ�س���رة يف عدد من حمافظات اجلمهورية ،كما ي�ستهدف توجيه الدعم املبا�شر من خ�ل�ال �صن���دوق الرعاية الإجتماعي���ة لـ � 41ألف �أ�س���رة موزعة يف 54مديري���ة ب�سبع حمافظات، خ�صو�ص ًا املناطق املت�ضررة من ال�سيول ،وكذا النازحني جراء القتال يف �صعدة. 22وقع���ت وزارة النفط واملعادن ممثلة بال�شرك���ة اليمنية لتكرير النفط مع �شركة �شينهان الكوري���ة للهند�س���ة واالن�ش���اءات املح���دودة على مذكرة تفاه���م لتو�سعة وحتدي���ث م�صفاة مارب بتكلف���ة تقديرية تتجاوز 150مليون دوالر .ومبوجب املذكرة ،تقوم �شركة �شينهان بتنفيذ ومتويل تو�سع���ة وحتديث م�صفاة م�أرب بالتعاون مع بع�ض البنوك الكورية لرفع الطاقة الإنتاجية من 10 �آالف برمي���ل اىل � 25ألف برميل يف الي���وم لتلبية احتياجات ال�سوق املحلية من امل�شتقات النفطية والغازي���ة ،وانت���اج م�شتق���ات نفطية عالية اجل���ودة وفق ًا للموا�صف���ات العاملي���ة ،بالإ�ضافة �إىل �أن امل�صفاة �ستقوم بانتاج منتجات جديدة ت�شمل وقود الطائرات وكميات من الغاز امل�سال. 22ا�ستقب���ل عبدرب���ه من�ص���ور هادي نائب رئي����س اجلمهورية ،مدير ع���ام برنامج التعاون الفن���ي الأمل���اين يف اليمن الـ “جي تي زد” يوخن روجنر ،جرى خ�ل�ال اللقاء مناق�شة �سري العمل يف م�شاري���ع املي���اه وكيفية التع���اون امل�ش�ت�رك يف عمليات �سري تنفي���ذ تلك امل�شاري���ع يف عدد من امل���دن واملحافظات ،وتط���رق النقا�ش �إىل مو�ضوع تنفيذ م�شروع مي���اه �أبني والبدء يف املناق�صات القانونية ،خ�صو�ص ًا �أن االعتمادات املالية اخلا�صة بهذا امل�شروع متوفرة. 23وقع بالعا�صمة الأردنية عمان على مذكرة تفاهم بني وحدة م�شروع �سوق الأوراق املالية والبور�ص���ة بوزارة املالية وهيئ���ة الأوراق املالية ممثلة مل�ؤ�س�سات �سوق ر�أ�س املال الأردنية ت�ضمنت �أطر التعاون والتن�سيق بني الطرفني لإن�شاء �سوق للأوراق املالية يف اليمن.
23بح���ث وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�ص���ري ،مع ممثل املنظمة الدولية للهجرة ب�صنعاء فوزي الزي���ود �سبل تطوير و�سائل و�أ�ساليب عمل م�صلحتي الهج���رة واجلوازات ،وخفر ال�سواحل اليمني���ة .وجرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض الت�شريعات املتعلق���ة بالهجرة يف اليمن ،وخطط تدريب وت�أهي���ل الك���وادر العاملة يف ه���ذا املجال ،بالإ�ضاف���ة �إىل بحث �إمكانية م�ساهم���ة املنظمات غري احلكومية يف اجلهود الر�سمية التي تبذل للحد من الهجرة غري ال�شرعية �إىل اليمن. 24بح���ث �سف�ي�ر اليمن لدى اململكة املتح���دة حممد طه م�صطفى ،مع وزي���ر الدولة ل�ش�ؤون ال�ش���رق الأو�سط بوزارة اخلارجي���ة والكمنولث �إيفان لوي�س ،جماالت التعاون الثنائي بني البلدين و�سبل تعزيزها. � 24أج���رى الرئي����س علي عب���داهلل �صالح ات�صا ًال هاتفي��� ًا مع العاهل ال�سع���ودي عبداهلل بن عبدالعزي���ز .وج���رى خ�ل�ال االت�صال بح���ث العالقات الثنائي���ة وجماالت التع���اون امل�شرتك بني البلدي���ن و�آف���اق تنميته���ا وتو�سيعها� ،إىل جان���ب بحث التط���ورات يف املنطقة والق�ضاي���ا العربية والإ�سالمية والدولية الراهنة التي تهم البلدين والأمة. 25بح���ث وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي ،خالل لقائه بربلني ،وزير التعاون الدويل الأملاين ال�سيد نيبل ،جماالت التعاون بني اليمن واملانيا و�سبل تعزيزها .كما التقى وزير اخلارجية وزي���ر الداخلية الأمل���اين الدكتور توما�س دي ميز ،جرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض جهود البلدين يف جم���ال مكافحة الإره���اب ,وكذا اجلهود التي تبذلها اليمن الي���واء واغاثة النازحني جراء القتال مبحافظ���ة �صعدة .وبحث وزير اخلارجية كذلك مع وزير ال�صح���ة الأملاين الدكتور فيليب رو�سلر التع���اون بني البلدي���ن يف جمال ال�صحة ,و�إمكاني���ة ت�أهيل الكوادر الطبي���ة اليمنية يف امل�ؤ�س�سات الطبية الأملانية.
كانون الأول/دي�سمرب 2009
1بح���ث وزي���ر ال�صناع���ة والتجارة الدكت���ور يحيى املتوكل ،خ�ل�ال لقائه عل���ى هام�ش امل�ؤمتر ال���وزاري ال�سابع ملنظمة التج���ارة العاملية بجني���ف ,وزراء التجارة بالوالي���ات املتحدة الأمريكية وكندا واليابان ,ال�سبل الكفيلة ب�إنهاء املفاو�ضات الثنائية بني اليمن وهذه الدول ,مبا ميكن اليمن من االن�ضمام ملنظمة التجارة العاملية العام .2010 1التقى وكيل �أول وزارة اخلارجية رئي�س اللجنة الوطنية حلظر الأ�سلحة الكيميائية والبيولوجية وال�سامة حمي الدين ال�ضبي يف الهاي كال على حده مدير عام منظمة حظر الأ�سلحة الكيميائية روخيلي���و فلرت ومدي���ر امل�ساعدة والتعاون الدويل باملنظمة ال�سي���دة كاليمي ماوريا ،وبحث معهما التعاون الثنائي بني اليمن واملنظمة يف جمال احلماية وامل�ساعدة وت�أهيل الكادر وتعزيز القدرات الوطنية يف هذا املجال ال�سيما احلوادث الكيميائية الطارئة. 3عقدت يف مقر الربملان الأوروبي يف بروك�سل جل�سة خا�صة ملناق�شة التطورات يف اليمن و�آفاق
تعزي���ز العالق���ات اليمني���ة -الأوروبي���ة برئا�سة رئي�س اللجنة الربملانية الأوروبية املعنية بالعالقات مع دول اجلزيرة العربية ال�سي���دة �أجنيالي���كا نيبل�ي�ر ،وا�ستم���ع عدد من �أع�ض���اء الربملان احلا�ضري���ن يف اجلل�سة �إىل تقري���ر قدمت���ه املفو�ضي���ة الأوروبي���ة تن���اول التط���ورات يف اليمن ،وكذا م�س�ي�رة تطور العالقات اليمنية – الأوروبية. 5التق���ى وزي���ر الدفاع الل���واء الركن حممد نا�ص���ر �أحمد ال�سفري الكويتي لدى اليمن �سامل غ�صاب الزمانان .جرى يف اللقاء بحث عالقات التعاون الثنائي و�سبل تعزيزها يف املجال الع�سكري وخا�صة فيما يتعلق بتبادل اخلربات يف جمال التاهيل والتدري���ب ،وكذا �إتاحة الفر����ص للع�سكريني اليمنيني لاللتحاق بالكلي���ات واملعاهد الع�سكرية يف الكويت. 5التقى حمافظ عدن الدكتور عدنان اجلفري ،ال�سفري الفرن�سي ب�صنعاء جوزيف �سيلفا ومعه قائ���د الفرقاطة الع�سكرية الفرن�سية التي و�صلت ميناء عدن فريدريك ميلتي�س ،وجرى يف اللقاء ا�ستعرا�ض عالقات التعاون القائمة بني اليمن وفرن�سا وخا�صة يف جمال خفر ال�سواحل ومكافحة القر�صنة والإرهاب و�آفاق تعزيزها. 7و�صل���ت �إىل ميناء ع���دن ال�سفينة الع�سكري���ة املاليزية “بوناجا م�سلم���ا” ،يف �إطار عالقات التع���اون الثنائ���ي القائمة ب�ي�ن البلدين يف جمال مكافح���ة الإرهاب و�أعم���ال القر�صنة البحرية، وت�أمني املمرات املالحية الدولية يف خليج عدن والبحر العربي. 8التق���ى نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحب���ي ،املديرة القطري���ة بوزارة التنمية الدولي���ة الربيطانية ب�صنعاء جوان���ا ريد وا�ست�شاري التوا�ص���ل اخلا�ص بالأجندة الوطنية لال�صالحات برو�س ما كفرن .جرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض �أوج���ه التع���اون القائم ب�ي�ن اليمن وبريطاني���ا و�سبل تعزيزه ،ومب���ا يتوائم والتوجه���ات امل�شرتكة للبلدين. 8الرئي����س علي عب���داهلل �صالح ي�ستقبل رئي�س املكت���ب ال�سيا�سي حلركة حما����س الفل�سطينية خال���د م�شع���ل والوفد املراف���ق له من �أع�ض���اء احلركة ،وال���ذي �أطلعه على تط���ورات الأو�ضاع يف ال�ساحة الفل�سطينية وما و�صلت اليه جهود امل�صاحلة الفل�سطينية -الفل�سطينية ،كما �أكد موقف حركة حما�س الداعم لأمن اليمن وا�ستقراره ووحدته. 8طال���ب الكوجنر�س الأمريك���ي الإدارة الأمريكية واملجتمع الدويل تق���دمي الدعم وامل�ساعدة لليم���ن مبا ميكنه من مواجهة التحديات القائم���ة وتعزيز م�سريته التنموية .ودعا جمل�س ال�شيوخ الأمريك���ي يف قرار �أ�صدره املجل�س و�ص���وّت عليه �أغلبية �أع�ضائه ,الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما �إىل دعم التنمية والإ�صالحات يف اليمن ،م�شدد ًا على �أهمية عدم جتاهل التحديات التي تواجهها اليمن يف الآونة الأخرية. 8التق���ى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي� ،سف�ي�ر الواليات التحدة الأمريكية ب�صنعاء �ستيفن �سي�ش .جرى خالل اللقاء بحث العالقات الثنائية بني البلدين ،كما تناول اللقاء التطورات يف ال�ساحتني املحلية والعربية. 9التق���ى وزير اخلارجية الدكت���ور �أبو بكر القربي ،رئي�سة �سريالن���كا ال�سابقة �شاندريكا كوما رتنج���ا وم�ست�ش���ارة الرئي�س الأمريك���ي باراك �أوباما جاكل�ي�ن ويذر ،امل�ش���اركات يف م�ؤمتر زيادة امل�شاركة ال�سيا�سية للمر�أة اليمني���ة ،وجرى مناق�شة ال�صعوبات واملعوقات التي تعرت�ض امل�شاركة ال�سيا�سي���ة للم���ر�أة و�سب���ل تخطي ه���ذه املعوقات م���ن �أجل تعزي���ز م�شاركتها ،وك���ذا �أهمية دعم الأحزاب ال�سيا�سية يف ذلك. � 9أدان���ت احلكومة اليمنية ،التفجريات الإرهابية الت���ي تعر�ضت لها العا�صمة العراقية بغداد و�أدت �إىل �سق���وط العدي���د م���ن ال�ضحايا واجلرح���ى الأبرياء م���ن �أبناء ال�شع���ب العراقي .وعبرّ ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
41
اليمن والعامل
وجهات نظر
م�ص���در م�سئول بوزارة اخلارجية يف ت�صريح لوكالة (�سب�أ) عن تعازي احلكومة وموا�ساتها لأ�سر ال�ضحاي���ا وامل�صابني وت�ضامنها مع ال�شع���ب العراقي .وجدد امل�صدر موقف اليمن الثابت و�إدانته ل���كل ما يهدد �أمن العراق ووحدت���ه وا�ستقراره ,م�ؤكد ًا �ضرورة تظاف���ر جهود العراقيني مبختلف طوائفهم وانتمائهم ملا يحقق الوفاق الوطني وال�سالم االجتماعي يف العراق. 9التق���ى نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحب���ي املديرالأقليمي ملكتب الأمم املتحدة خلدمات امل�شاريع �سيدرات ت�شرتجي ،وبحث اللقاء جمل���ة من الق�ضايا املت�صلة بالتعاون الثنائي ب�ي�ن اليمن ومكتب الأمم املتحدة خلدمات امل�شاريع من �ضمنها فتح مكتب متثيل له يف اليمن. 10وافق جمل�س وزراء ال�صناعة والتجارة العرب يف اجتماعهم مبقر الأمانة العامة جلامعة ال���دول العربي���ة بالقاهرة على انتخ���اب مر�شح اليمن ال�سف�ي�ر حممد الربيع �أمين��� ًا عام ًا ملجل�س الوحدة االقت�صادية ملدة خم�س �سنوات قادمة ،خلف ًا للم�صري الدكتور �أحمد جويلي الذي تنتهي واليته الثانية يف العام .2010 13الرئي�س علي عبداهلل �صالح يت�سلم ر�سالة من امل�ست�شارة الأملانية �أجنيال مريكل تناولت العالق���ات الثنائي���ة وجم���االت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدي���ن� ،إ�ضافة �إىل العديد م���ن الق�ضايا والتطورات التي تهم البلدين. 12مت ب���وزارة التخطيط والتع���اون الدويل التوقيع وتبادل املذك���رات على منحتي “برنامج امل�ساعدات اليابانية للبيئة وتغيرّ املناخ مببلغ 620مليون ين ياباين (ما يعادل �ستة ماليني وم�أتي �أل���ف دوالر) ،واملنح���ة الثقافية للمخترب املركزي بجامعة �صنع���اء مببلغ 98مليون ين ياباين (ما يعادل ثمامنائة وت�سعون �ألف دوالر) ،وقع الإتفاقيتان وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحبي وال�سفري الياباين ب�صنعاء ما�ساكازو تو�شيكاجي. 13التق���ى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القرب���ي ،بالكويت ،وزير خارجية الكويت ال�شيخ حمم���د ال�صب���اح �سامل ال�صب���اح ووزير خارجي���ة �سلطنة عم���ان يو�سف بن عل���وي .وبحث اللقاء عالق���ات اليم���ن بدول جمل�س التع���اون والعالقات الثنائي���ة بني اليمن وكل م���ن الكويت و�سلطنة عم���ان ،والق�ضايا ذات االهتمام امل�شرتك .كما التقى وزير اخلارجية يف العا�صمة الكويتية� ،أمني عام جمل�س التعاون اخلليجي عبدالرحمن العطيه ،وبحث معه العالقات الثنائية بني اجلمهورية اليمني���ة ودول جمل�س التعاون ،والتطورات عل���ى ال�ساحة اليمنية وكذا الإعداد لالجتماع الوزاري امل�شرتك الذي يتم التح�ضري النعقاده يف �شباط/فرباير .2010 13عقد ب�صنعاء اجتماع مو�سع بني احلكومة اليمنية وجمتمع املانحني لليمن برئا�سة نائب رئي����س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزي���ر التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحبيُ ،ك ّر�س ملناق�شة �سري تنفيذ الأجندة الوطنية لال�صالحات. 13وقعت احلكومة اليمنية وبرنامج الغذاء العاملي على مذكرة متديد فرتة تقدمي امل�ساعدات االن�سانية واالغاثية الطارئة للنازحني جراء احلرب يف �صعدة حتى حزيران/يونيو .2010و ّقعها نائ���ب رئي�س الوزراء لل�ش����ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون ال���دويل عبدالكرمي الأرحبي واملدير القطري لربنامج الغذاء العاملي جيان كارلو. 13الرئي����س عل���ي عبداهلل �صالح يتلقى ات�صا ًال هاتفي ًا م���ن الرئي�س امل�صري حممد ح�سني مب���ارك ،جرى خالل���ه بحث العالقات الثنائي���ة و�سبل تعزيزها ،بالإ�ضاف���ة �إىل امل�ستجدات التي ته���م البلدي���ن والأمة العربية .وخالل املحادث���ة �أكد الرئي�س مبارك جم���دد ًا وقوف م�صر القوي �إىل جان���ب اليمن ووحدته و�أمنه وا�ستقراره ،وعبرّ عن تهانيه لرئي�س اجلمهورية بنجاح الأجهزة الأمنية يف عملياتها �ضد تنظيم القاعدة ومكافحة الإرهاب. 13الرئي����س علي عبداهلل �صالح يتلقى ات�صا ًال هاتفي ًا م���ن الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما بح���ث خالله العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدين وعلى خمتلف الأ�صعدة. وع�ب�ر الرئي�س �أوباما فيه عن �شكره وتقديره جله���ود اليمن يف جمال مكافحة الإرهاب ،كما هن�أ اليم���ن بالعمليات الناجحة التي قامت بها الأجهزة الأمنية اليمنية �ضد عنا�صر تنظيم القاعدة، والت���ي ت�ؤكد ت�صميم اليمن وعزمه على مواجهة خطر الإرهاب الذي ي�شكله تنظيم القاعدة على �أمن اليمن والعامل. 42
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
13ا�ستقبل �أمري دولة الكويت ال�شيخ �صباح الأحمد اجلابر ال�صباح وزير اخلارجية الدكتور �أبوبك���ر القرب���ي ،الذي �سلمه ر�سالة م���ن الرئي�س علي عبداهلل �صالح ،و�أك���د الأمري خالل اللقاء موقف الكويت الثابت من وحدة اليمن و�أمنه وا�ستقراره ،م�ؤكد ًا �أن الكويت �ستبذل كل اجلهود مع �أ�شقائها يف دول املجل�س لدعم اليمن يف جهودها لتحقيق اال�ستقرار والتنمية. 13ب���د�أت �شرك���ة “فال انكو” الربازيلي���ة �أكرب منتج خلام ومرك���زات احلديد ،وثاين �أكرب منتج للنيكل يف العامل ،عملها يف اليمن يف جمال التنقيب عن النحا�س والنيكل. 14و ّقعت اليمن وكل من �أملانيا االحتادية ومملكة هولندا والبنك الدويل على مذكرة تفاهم لل�شراك���ة يف دعم قطاع املياه خالل الفرتة املقبلة ،تق�ض���ي بح�شد الدعم القطاعي مل�شاريع املياه يف اليمن �ضمن �سلة متويلية واحدة ،ويف �إطار تنفيذ �أولويات الربنامج اال�ستثماري لقطاع املياه. كما وقعت اليم���ن ومملكة هولندا على االتفاقية التمويلية اخلا�صة مب�ساهمة احلكومة الهولندية يف دع���م الربنامج القطاعي للمياه يف اليمن ،تق�ضي بتقدمي احلكومة الهولندية مبلغ 19مليون دوالر �أمريكي للم�ساهمة يف متويل ودعم الربنامج القطاعي للمياه للفرتة .2010-2011 ُ 14ك ّر�س اجتماع مو�سع عقد ب�صنعاء بني احلكومة اليمنية ومنظمات الأمم املتحدة وممثلي جمتم���ع املانحني برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون اقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحبي ،لتد�شني وثيقة خطة اليمن لال�ستجابة لالحتياجات الإن�سانية واملمولة مببلغ وق���دره 177مليون دوالر ،وتت�ضمن خطة تلبية االحتياجات الإن�سانية 76م�شروع ًا مقدمة من 21 جه���ة مانحة بكلفة متويلية ت�صل �إىل 177مليون دوالر ،يخ�ص�ص 25باملائة للزراعة ،و 17باملائة للتغذية ،و 13باملائة لل�صحة ،و 13باملائة لالجئني. 14التق���ى وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبوبك���ر القربي ب�صنعاء ،املبعوث اخلا����ص للم�ست�شارة االملاني���ة يورقن كروب���وغ ،وبحث اللقاء العالق���ات الثنائية وجماالت التع���اون املختلفة بني اليمن و�أملانيا ،بالإ�ضافة �إىل بحث الق�ضايا والتطورات الإقليمية والدولية ذات االهتمام امل�شرتك. 14تفقد �سفري اليمن لدى الكويت الدكتور خالد راجح �شيخ� ،أو�ضاع جرحى يف �صعدة ممن يتلقون العالج مب�ست�شفى ال�صباح .و�أ�شاد ال�سفري مببادرة احلكومة الكويتية ب�ش�أن التك ّفل بعالج 20من اجلرحى بدولة الكويت. 14التقى وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري ،وفد منظمة “هيومن رايت�س ووت�ش” برئا�سة نائ���ب مدي���ر مراقبة حق���وق الإن�سان يف منطقة ال�ش���رق الأو�سط الذي ي���زور اليمن .جرى خالل اللق���اء مناق�شة املوا�ضيع املتعلقة بعالق���ات التعاون بني اليمن واملنظمة يف جمال حقوق الإن�سان، و�سبل تعزيزها مبا يخدم امل�صالح امل�شرتكة للجانبني يف هذا اجلانب. 15التقى وزير ال�صناعة والتجارة الدكتور يحيى املتوكل ب�صنعاء� ،أمني عام منظمة اخلليج لال�ست�ش���ارات ال�صناعية بالإنابة الدكتورة لولوة بن���ت عبد اهلل امل�سند والوفد املرافق لها الزائر لليم���ن ،جرى خالل اللقاء تب���ادل وثائق الت�صديق النهائي (الن�سخ���ة الوطنية) الن�ضمام اليمن ر�سمي��� ًا ملنظم���ة اخلليج لال�ست�ش���ارات ال�صناعية .كما بح���ث اجلانبان �آفاق التع���اون بني اليمن واملنظمة يف املجاالت املتعلق���ة ب�أن�شطة ال�صناعة والتنمية ال�صناعية خا�صة م�شاركة املنظمة يف درا�س���ة و�إعداد وتطوير امل�شروع���ات ال�صناعية املتوفرة كفر�ص ا�ستثمارية يف اليمن� ،إ�ضافة �إىل امل�ساعدة يف الرتويج للمناطق ال�صناعية اليمنية. 15التق���ى وزير الداخلية مطهر ر�ش���اد امل�صري ،ال�سفري الأثيوبي ب�صنع���اء الدكتور توفيق عب���د اهلل �أحمد .وبح���ث اللقاء �أوجه العالق���ات الثنائية خا�صة يف املج���االت الأمنية ،كما ناق�ش اللقاء �أو�ضاع بع����ض املواطنني الأثيوبيني الذين دخلوا �إىل اليمن بطريقة غري م�شروعة ،وال�سبل الكفيلة ب�إعادتهم �إىل بالدهم. 15ج���دد ق���ادة دول جمل����س التع���اون لدول اخللي���ج العربية دعمه���م الكامل لوح���دة و�أمن وا�ستقرار اليمن ،ودعا القادة يف بيانهم اخلتامي للدورة الثالثني للمجل�س الأعلى ملجل�س التعاون ل���دول اخلليج العربية ,الدول واجلهات املانحة على �سرع���ة ا�ستكمال تنفيذ تعهداتها لليمن التي قدمته���ا يف م�ؤمت���ر املانح�ي�ن يف لندن .واعتمد املجل����س الأعلى ان�ضمام اليم���ن �إىل جلنة ر�ؤ�ساء ووكالء الربي���د ل���دول جمل�س التعاون .وكان املجل�س الأعلى قد اطلع على تقرير �أمني عام جمل�س التعاون عبد الرحمن العطية ،ب�ش�أن م�سارات التعاون بني اليمن ودول املجل�س ,وعرب عن ارتياحه
للتق���دم ال���ذي مت �إحرازه خ�ل�ال عام 2009فيما يخ����ص متويل دول املجل����س مل�شاريع التنمية يف اليمن. 16ج���دد وزي���ر اخلارجية الإماراتي ال�شي���خ عبداهلل بن زايد �آل نهي���ان ت�أكيد موقف بالده الداع���م لوح���دة اليمن و�أمنه وا�ستق���راره .و�أ�شار يف خت���ام �أعمال الدورة الثاني���ة للجنة اليمنية الإماراتي���ة امل�شرتك���ة ب�أبوظبي� ،إىل الظ���روف والأو�ضاع التي مير بها اليم���ن جراء احلرب التي ت�شهده���ا حمافظ���ة �صعدة .ويف ختام �أعمال الدورة الثانية للجن���ة امل�شرتكة اليمنية -الإماراتية الت���ي عقدت خالل الفرتة 16-14كان���ون الأول/دي�سمرب بالعا�صمة الإماراتي���ة �أبوظبي برئا�سة وزي���ري خارجية البلدين ،و ّقع اجلانبان على 11مذكرة تفاه���م وبرامج تنفيذية للتعاون الثنائي بني البلدين �شملت عدد من املجاالت. � 16أعلن ال�صندوق الدويل للتنمية الزراعية (�إيفاد) عن تنفيذ م�شروع تنمية انتاج زراعي يف اليم���ن مطلع العام 2010بتكلفة 40ملي���ون دوالر .وي�ستهدف امل�شروع املمول كمنحة م�شرتكة مقدم���ة م���ن االحتاد الأوروب���ي وهيئة التنمي���ة الفرن�سية والإيف���اد� ،إىل جانب قر����ض من البنك اال�سالم���ي للتنمي���ة دعم انت���اج الع�سل وزراعة ال�ب�ن واخل�ضروت ،يف عدد م���ن املحافظات منها �صنع���اء ،عم���ران ،ذمار ،ال�ضالع ،احلديدة ،حل���ج ،و�شبوة .جاء ذلك خالل لق���اء وزير الزراعة وال���ري الدكتور من�صور احلو�شبي ب�صنعاء رئي�س حقيب���ة اليمن يف �صندوق الإيفاد الدكتور عمر ظفار. 16وقع���ت احلكومة اليمنية ممثلة بوزارة الرثوة ال�سمكية و�صندوق “االيفاد” التابع للأمم املتح���دة مذك���رة تفاهم يقدم مبوجبة ال�صن���دوق ع�شرة ماليني دوالر لتموي���ل تنفيذ العديد من الربامج املتعلقة بالتنمية ال�سمكية يف اليمن. 20ت�سلم���ت اليمن من ال�سلط���ات الأمريكية �ستة من املعتقلني اليمنيني يف غوانتانامو .وقال الناط���ق الر�سمي با�سم ال�سف���ارة اليمنية بوا�شنطن حممد البا�شا لوكال���ة (�سب�أ) “�إن ال�سلطات الأمريكي���ة �أفرج���ت عن �ست���ة معتقلني مينيني م���ن غوانتانامو ،ومت ت�سليمه���م �أم�س �إىل اجلانب اليمني”. 22وقع���ت وزارة املالية والبنك ال���دويل ب�صنعاء على اتفاقية متوي���ل الأن�شطة التح�ضريية مل�ش���روع حتدي���ث املالية العام���ة بكفلة ملي���ون دوالر ،تق�ضي بتقدمي البنك منح���ة فنية ت�صل �إىل ملي���ون دوالر كجزء من متويل م�شروع حتديث املالية العام���ة البالغ تكلفته 15مليون دوالر ،منها 12مليون دوالر مقدمة من البنك وثالثة ماليني دوالر متويل حكومي. 23التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي� ،سفراء كل من بريطانيا وفرن�سا و�أ�سبانيا ب�صنع���اء .جرى خ�ل�ال اللقاء بحث عالقات التع���اون الثنائي بني اليم���ن ودول االحتاد الأوروبي و�آفاق تعزيزها. 23وقع���ت يف ال�سف���ارة الياباني���ة ب�صنعاء ،اتفاقيتي تق���دمي احلكومة الياباني���ة منح مالية لتموي���ل م�شروعني يف حمافظتي �صنعاء واحلديدة بقيمة 32مليون � 819ألف ريال ميني .و�أو�ضح ب�ل�اغ �ص���ادر عن ال�سفارة� ،أن احلكومة اليابانية �أقرت تقدمي مبلغ 16مليون و� 60ألف ريال ميني لتموي���ل م�شروع مياه احل�صن الأبي����ض -جحانة -حمافظة �صنعاء ،ومنح���ة مالية �أخرى مببلغ 16ملي���ون � 758ألف ريال ميني لدعم م�شروع حت�سني خدمات نقل الطالب التابع جلمعية ت�أهيل ورعاية ال�صم والبكم يف حمافظة احلديدة. 23قدمت احلكومة اليابانية ع�ب�ر �سفارتها ب�صنعاء ،منحتني ماليتني خم�ص�صتني لتمويل م�شروعني يف مدينة زبيد مبحافظة احلديدة بقيمة 35مليون � 571ألف و 555ريال ميني .ووفق بالغ �صادر عن ال�سفارة ،ف�إن احلكومة اليابانية �أقرت تقدمي مبلغ قدره 18مليون و� 731ألف ريال ميني لبناء مدر�سة عبدالرحمن الأهدل يف زبيد� ،إ�ضافة �إىل منحة مالية �أخرى مببلغ وقدره 16 ملي���ون � 740أل���ف ريال ميني لدعم م�شروع حت�سني مياه قريتي بي���ت احلندج وبيت عامر والقرى املجاورة لهما يف زبيد. 23ا�ستقب���ل العاه���ل ال�سع���ودي عبداهلل بن عبدالعزي���ز �آل �سعود ،يف مزرعت���ه باجلنادرية وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي الذي �سلمه ر�سالة من الرئي�س علي عبداهلل �صالح تتعلق بالعالقات الثنائية بني البلدين و�سبل تعزيزها وتطويرها ،و�أكد امللك عبداهلل خالل اللقاء دعم
اململكة لوحدة اليمن و�أمنها وا�ستقرارها، ووقوفها مع اجلهود التي تبذلها احلكومة اليمنية يف مواجهة اخلارجني عن القانون والعنا�صر الإرهابية. 25الرئي�س عل���ي عبداهلل �صالح يتلقى ات�ص���ا ًال هاتفي ًا م���ن الرئي�س ال�صوم���ايل ه ّن�أه خالل���ه بنج���اح العملية الت���ي قامت به���ا الأجهزة الأمنية �ض���د عنا�صر تنظيم القاع���دة الإرهابية ،كما جرى خالل االت�صال بحث العالق���ات الثنائية بني البلدين واجله���ود املبذولة لإحالل ال�سالم يف ال�صومال وجتاوز ال�صعوبات الت���ي تواجه عملية �إع���ادة الأمن واال�ستق���رار و�إعادة بن���اء م�ؤ�س�سات الدولة ال�صومالية. 26وق���ع اليم���ن وال�صني على ثالث اتفاقي���ات تعاون بني البلدين بقيم���ة 105ماليني يوان �صين���ي .ومبوجب االتفاقيات التى وقعها نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتع���اون ال���دويل عبدالكرمي االرحبي وال�سف�ي�ر ال�صيني ب�صنعاء ليو دان���غ لني ،تقدم احلكومة ال�صيني���ة 50ملي���ون ي���وان �صيني لدعم جماالت التع���اون االقت�صادي والفني ب�ي�ن البلدين� ،إىل جانب تقدمي منحة متويلية بقيمة 50مليون يوان تكر�س لدعم القطاعات التنموية يف اليمن ،وكذا تقدمي م�ساعدات �إغاثة للنازحني جراء احلرب يف �صعدة بقيمة خم�سة ماليني يوان �صيني. 28التق���ى وزيراخلارجي���ة الدكت���ور �أبو بكر القرب���ي� ،سف���راء دول �أوروبا و�آ�سي���ا و�أفريقيا والوالي���ات املتحدة واملمثل املقيم لربامج الأمم املتحدة ب�صنعاء .وقد �أطلع القربي ال�سفراء على �أه���داف ونتائج العملي���ات الأمنية التي نفذتها الق���وات اليمنية على مواقع تدري���ب و�أوكار تنظم القاع���دة يف كل من �أمانة العا�صمة ومنطقة املعجلة ب�أبني و�أرحب ب�صنعاء ورف�ض ب�شبوة .و�أ�شار وزي���ر اخلارجي���ة �إىل �أن ق���رار احلكومة بتوجيه ه���ذه ال�ضربة �ض���د اخلالي���ا الإرهابية لتنظيم القاعدة كان قد اتخذ منذ فرتة و�أرجئ التنفيذ الختيار الوقت املنا�سب. � 28أدان م�ص���در م�سئول بوزارة اخلارج���ة اليمنية ،املحاولة الإرهابية الفا�شلة التي قام بها عم���ر ف���اروق عبداملطلب ،النيجريي اجلن�سي���ة ،لتفجري طائرة ركاب �أمريكي���ة كانت متجهة من �أم�س�ت�ردام بهولن���دا �إىل ديرتويت بالواليات املتح���دة الأمريكية .و�أ�ضاف امل�ص���در ب�أن الأجهزة الأمني���ة اليمني���ة تقوم بالتح���ري عن اجلهات الت���ي كان املتهم النيجريي على ات�ص���ال بها �أثناء وج���وده يف اليم���ن و�سيتم ت�سلي���م �أي نتائج للتحقيق���ات يتم التو�ص���ل �إليها �إىل الأجه���زة املعنية بالتحقي���ق يف املحاولة الإرهابي���ة يف الواليات املتحدة ،وذلك يف �إطار التع���اون القائم بني اليمن والواليات املتحدة يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب. 29ت�سل���م رئي����س جمل�س ال���وزراء الدكتور علي حممد جمور ،ر�سالة م���ن الأمري �سلطان بن عبد العزيز �آل �سعود ويل العهد نائب رئي�س الوزراء وزير الدفاع والطريان واملفت�ش العام باململكة العربية ال�سعودية حول العالقات الثنائية بني البلدين ت�ضمنت التح�ضريات اخلا�صة باجتماعات الدورة الـ 19ملجل�س التن�سيق اليمني ال�سعودي امل�شرتك املقرر انعقادها خالل الن�صف الأول من العام ،2010قام بنقل الر�سالة �سفري اململكة العربية ال�سعودية ب�صنعاء على بن حممد احلمدان �أثناء ا�ستقبال رئي�س الوزراء له. 31ك�شف ال�سفري الرو�سي لدى اليمن فالدميري تروفيموف عن اتفاق ميني -رو�سي لتعزيز التع���اون الثنائي بني البلدي���ن يف مكافحة الإرهاب الدويل والقر�صن���ة يف املحيط الهندي وخليج ع���دن ابتدا ًء من الع���ام ،2010عرب التن�سيق بني وزارت���ي اخلارجية والتعاون وتب���ادل املعلومات بني الأجه���زة اال�ستخباراتية والأمنية .و�أو�ضح ال�سفري تروفيم���وف يف ت�صريح �صحفي �أن املمثل اخلا����ص للرئي�س الرو�سي للتعاون ال���دويل يف مكافحة الإرهاب� ،سيزور اليمن مطلع العام 2010 لإج���راء مباحث���ات مع م�سئويل جهاز الأم���ن القومي وقيادة وزارة الداخلي���ة بغر�ض �إقامة تعاون فعلي يف املجاالت اال�ستخباراتية ملكافحة الإرهاب والقر�صنة البحرية. 31بحث وزير الداخلية مطهر امل�صري ،مع �سفري جمهورية �إيطاليا ب�صنعاء بوفو ،عالقات التع���اون الأمني ب�ي�ن البلدين .كما بح���ث امل�صري ،مع �سف�ي�ر جمهورية اجلزائ���ر الدميقراطية ال�شعبية ب�صنعاء عبدالوهاب بوزاهر� ،أوجه التعاون والتن�سيق الأمني بني البلدين. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
43
اليمن والعامل حتليالت
فـي 60يومـا
وجهات نظر
عني على اليمن م���ن ت�شويه �ص���ورة اليمن هو م���ا يحدث يف حمافظة �صعدة م���ن قالقل تثريها القبائل ال�شيعية املتمردة �ضد احلكومة املركزية.
حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*
اليمن وجمل�س التعاون اخلليجي: �آفاق الع�ضوية رونان ماكغي
مركز هرني �إل �ستيم�سون ،وا�شنطن العا�صمة 5ت�شرين الأول�/أكتوبر 2009
اجلمهوري���ة اليمنية ه���ي الدولة الوحيدة يف �شب���ه اجلزي���رة العربية الت���ي مل تن�ضم بعد �إىل جمل����س التع���اون اخلليج���ي ،وهو عبارة عن منظمة �إقليمي���ة ت�شجع على التعاون بني دول اخللي���ج .وعلى الرغم م���ن �أن اليمن ال تقع عل���ى اخللي���ج العربي لكنها ث���اين �أكرب دولة يف �شبه اجلزيرة ،واجلدل الدائر حول دعوة اليمن لالن�ضم���ام �إىل جمل�س التعاون يبني م���دى تطور مهمة ه���ذا املجل�س يف ظل التحديات الأمنية واالقت�صادية املوجودة يف املنطقة. كان الأ�سا����س املنطق���ي وراء �إن�ش���اء جمل�س التعاون اخلليج���ي عام ،1981يتعلق �إىل حد كبري بالبيئة الأمنية وما �شهدته من �أحداث: كالث���ورة الإيراني���ة ع���ام ،1979واحل���رب الإيراني���ة العراقي���ة ،والوج���ود ال�سوفيت���ي يف جن���وب اليم���ن ،وكذل���ك م���ا ح���دث من انق�سام���ات يف �صف���وف دول الع���امل العربي نتيجة التفاقية ال�س�ل�ام التي �أبرمتها م�صر مع �إ�سرائيل؛ كل هذا دفع دول اخلليج ال�ست 44
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
�إىل القي���ام بتكوي���ن تنظي���م جدي���د يهدف �إىل خلق نظ���ام دفاع جماع���ي� .أما التكامل االقت�ص���ادي فكان م���ن الناحي���ة التنظيمية �أق���ل و�ضوح ًا ،مع �أنه قد حتقق بع�ض التقدم يف ال�سن���وات الأخ�ي�رة فيم���ا يتعل���ق ب�إن�شاء منطق���ة ح���رة واحتاد جمرك���ي موحد ورمبا عملة نقدية م�شرتكة. وبالرغم من املعار�ض���ة التاريخية الن�ضمام �أي دولة �أخ���رى �إىل املجل�س ،ف�إن التطورات الأخ�ي�رة ت�ش�ي�ر �إىل �أن اليم���ن رمبا يح�صل عل���ى ع�ضوية املجل�س ،ب���ل �إنه قد ان�ضم �إىل بع����ض م�ؤ�س�سات جمل����س التع���اون وجلانه، وح�ص���ل عل���ى دع���م كبري م���ن قب���ل البنك ال���دويل و�صن���دوق النق���د ال���دويل وجمل�س التع���اون اخلليجي نف�س���ه ،وذلك يف حماولة لإنعا����ش االقت�ص���اد اليمن���ي اله����ش .ومم���ا ال�ش���ك في���ه �أن معاجل���ة الق�ضاي���ا اليمني���ة �ستتطل���ب م���ن جمل����س التعاون ب���ذل جهود جبارة ،وباملقابل �سيكون لذلك فوائد كبرية وعدي���دة �إذا ما حتقق اندم���اج �إقليمي (بني
اليم���ن ودول جمل�س التع���اون اخلليجي) ومت تنفيذه بعناية بالغة. ويعترب ان�ضمام اليمن مو�ضوع ًا مثري ًا للجدل، �إذ �إن اليم���ن تواج���ه الكث�ي�ر م���ن املعوقات، فهن���اك م���ا ن�سبته 45%م���ن ال�شعب اليمني يعي�ش���ون حت���ت خ���ط الفق���ر ،وت�ص���ل ن�سبة البطالة �إىل ،40%بينما يقل �إجمايل الإنتاج املحل���ي للفرد كثري ًا عن م���ا هو عليه يف دول اخلليج الغني���ة بالنفط ،وتتخلف اليمن وراء جاراته���ا يف جمال التعلي���م والبنية التحتية. ونظ���ر ًا لهذه الظروف ال�صعبة� ،سيكون على جمل�س التعاون تقدمي دعم مادي هائل حتى يتم �إ�صالح االقت�ص���اد اليمني ورفع م�ستواه مب���ا يتنا�سب مع املعاي�ي�ر القائمة يف جمل�س التعاون. وتث�ي�ر الإ�ش���كاالت الت���ي تعاين منه���ا اليمن فيم���ا يتعلق بانع���دام �سلطة القان���ون وعدم اال�ستق���رار ال�سيا�س���ي والإره���اب ،ت�سا�ؤالت �إ�ضافي���ة .فمجل����س التع���اون اخلليجي لديه خم���اوف من �أن اندم���اج �س���وق العمل ورفع بع����ض القيود املتعلقة باحل���دود وال�سفر ،قد ي�ؤدي���ان �إىل تو�سيع دائرة ع���دم اال�ستقرار. �إ�ضاف���ة �إىل �أن���ه ُي َ نظر �إىل اليم���ن على �أنها وكر للجماعات الإرهابي���ة ،وعنا�صر تنظيم القاع���دة عل���ى وج���ه اخل�صو����ص ،وفيها ما يقارب 60ملي���ون قطعة �سالح مقابل �شعبها ً ف�ض�ل�ا عن جتارة البال���غ 20ملي���ون ن�سمة، الأ�سلحة التي تعد م�صدر قلق �آخر .وما يزيد * التحليالت الواردة تعرب عن �آراء كتابها فقط.
وعل���ى الرغ���م م���ن ه���ذه املخ���اوف �إال �أن هن���اك -يف كل م���ن دول جمل����س التع���اون اخلليج���ي واليم���ن -م���ن يق���ول �إن جتاهل اليمن وم�شاكلها لي�س هو احلل .فعلى �سبيل املثال ،ق���ال الرئي�س اليمن���ي على عبد اهلل �صال���ح �أن اليمن متث���ل “اخللفي���ة الأمنية ملجل�س التعاون” ،يف حني �أكد عبد الرحمن ب���ن حم���د العطية ،الأم�ي�ن الع���ام (ال�سابق) ملجل����س التع���اون اخلليجي ،عل���ى �أن “�أمن اليمن جزء ال يتجز�أ ع���ن �أمن دول �أع�ضاء املجل�س”. ورمبا من الأف�ضل ملجل�س التعاون اخلليجي اال�ستف���ادة م���ن -ب���ل واالعتم���اد عل���ى - جترب���ة االحتاد الأورب���ي املتعلقة باالندماج �ضم الإقليم���ي ،بحيث يقوم بتنفي���ذ عملية ّ اليم���ن �إىل جمل����س التع���اون عل���ى مراحل متعددة ومتدرجة. و�إذا م���ا ت�أتى ذلك ب�ص���ورة �صحيحة ،ف�إن من���ح اليمن ع�ضوية املجل����س �سيعود بالنفع والفائ���دة عل���ى اجلمي���ع .فم���ن الناحي���ة ال�سيا�سي���ة �ستك���ون ه���ذه الع�ضوي���ة حافز ًا لتو�سي���ع نط���اق التع���اون الإقليم���ي يف كل جم���االت امل�صالح امل�شرتك���ة .ومن الناحية االقت�صادي���ة �سيكون لتو�سي���ع ال�سوق و�إزالة العوائق التجارية �أثر كبري يف زيادة التناف�س
وعمليات الإنتاج واال�ستثمار وم�ستوى العمالة والن�شاط التج���اري يف املنطقة� .إ�ضافة �إىل ذلك� ،سي�سهم حجم ال�شعب اليمني الكبري كثري ًا يف �سوق العم���ل اخلليجية ،و�ستفي�ض الفائدة لتعم قطاع���ات �أخرى تدعم التنوع االقت�ص���ادي على امل�ست���وى الإقليمي وتن�أى به بعي���د ًا عن هيمنة قط���اع النفط .فميناء عدن� ،إذا ما مت ا�ستثماره ب�صورة �صحيحة، �سي�شكل مرك���ز ًا جتاري ًا رئي�س ًا ،و�سيقلل من اعتم���اد دول اخللي���ج عل���ى م�ضي���ق هرمز الذي ميث���ل منطقة توتر مع �إي���ران ،ف� ً ضال ع���ن الفائ���دة الت���ي �ستح�ص���ل عليه���ا دول اخلليج من املوقع اال�سرتاتيجي الذي تتمتع به اليمن على باب املندب كونه �سيطل على ما ي�سم���ى “ج�سر الق���رون” الذي �سريبط اليم���ن وجيبوت���ي ،وه���و م�ش���روع مقرتح له فائدة ا�ستثمارية كبرية. ويف غ�ض���ون ا�ستم���رار املحادث���ات املتعلقة ب�ضم اليمن ،ميكن ملجل�س التعاون اخلليجي ّ درا�س���ة و�ض���ع معاي�ي�ر �أكرث دق���ة للموافقة على ان�ضم���ام اليمن ،وهي قد تكون معايري ال تنطب���ق عل���ى دول اخلليج ال�س���ت �أ�صلية الع�ضوي���ة ،الأمر ال���ذي يتطلب م���ن اليمن تبن���ي االتفاقي���ات االقت�صادي���ة التي تعترب دول جمل�س التع���اون اخلليجي طرف ًا فيها، وتنفي���ذ ال�سيا�س���ات الت���ي يتبعه���ا املجل�س يف الوق���ت ال���ذي ي�سب���ق ان�ضم���ام اليم���ن للمجل�س ،وحتديد �أهداف اقت�صادية معينة مث���ل الرتكي���ز عل���ى تنمي���ة مع���دالت �إنتاج القطاعات وتخفي�ض ن�سب���ة الفقر .وهناك
عندما تلتقي اليمن مع غزة ماثيو ليفيت
فورين بولي�سي دوت كوم 25كانون الثاين/يناير 2010
يف ي���وم عيد امليالد كان الرجل الذي �أراد �أن يفجر (طائ���رة �أمريكية تابعة ل�شركة “نورث
وي�ست �إيرالينز”) ،ق���د اتخذ م�سار ًا معروف ًا يف اجتاه���ه نحو الإره���اب العامل���ي (بدخوله
بع�ض اجلهات الفاعل���ة التي رمبا يكون لها م�صلح���ة يف ان�ضمام اليم���ن ،مثل االحتاد الأورب���ي و�صن���دوق النق���د العرب���ي وبن���ك التنمي���ة الإ�سالمي ،وهذه هي اجلهات التي قد ُت�سهِ م يف تقدمي التدريب الفني واملايل. وقب���ل هذا كل���ه ،على اليم���ن نف�سها ال�سعي وراء تنويع موارده���ا االقت�صادية ،ومعاقبة من ُي�س���يء الإدارة يف امل�ستويات احلكومية الدنيا ،وحت�سني �إدارة املوارد املائية ،وفر�ض ال�ضرائ���ب على �إنتاج القات وبيعه (والقات �شج���رة طبيعية منبهة مي�ضغه���ا عدد كبري من ال�شع���ب اليمن���ي)� ،إذ �أن زراعة القات ال متث���ل ه���در ًا للم���وارد املائي���ة فح�سب بل وتقلل من م�ستويات الدخل و�إنتاجية القوى العاملة التي هي متدنية يف الأ�صل. وينبغ���ي توخ���ي احلذر عند القي���ام بتو�سيع ل�ض���م اليمن، جمل����س التع���اون اخلليج���ي ّ وذلك من خالل التقدم باجتاه هذا الهدف ب�صورة تدريجي���ة مت�أنية ،ومع بذل اجلهود من كال اجلانب�ي�ن� .إذ �أن تويل �إعداد و�ضع املعاي�ي�ر نياب���ة ع���ن دول جمل����س التع���اون والإ�ش���راف احلكومي املع���اد تنظيمه نيابة ع���ن اليمن؛ من �ش�أن���ه �أن ي�سه���م كثري ًا يف تعزي���ز فر�ص حتقيق الفوائد املمكنة امل�شار �إليها �آنف ًا .وال جدل يف �أن خلق جمل�س تعاون خليج���ي �أو�سع قد ي�ش���كل م�صلحة للمنطقة ب�أ�سرها ،كما �أنه قد ي�ؤدي �إىل حتقيق نطاق تع���اون �أو�س���ع م�ستقب ًال �إذا م���ا متت عملية االندماج ب�شكل ف ّعال.
بارتباط���ات م���ع متطرف�ي�ن) يف اليم���ن .لقد �شكل���ت ه���ذه الدول���ة اخلليجي���ة من���ذ فرتة طويلة ب�ؤرة �إرهابية �ساخنة ،بدء ًا من تفجري املدم���رة “يو �إ�س �إ�س ك���ول” يف خليج عدن، وم���رور ًا بال���دور الرئي�سي ال���ذي ا�ضطلع به اليمني���ون يف م�ؤام���رة � 11أيلول�/سبتم�ب�ر، وانتهاء ًا بال���دور املتزايد الأهمية الذي يقوم به قادة “تنظيم «القاعدة» يف �شبه اجلزيرة ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
45
اليمن والعامل
عني على اليمن
العربي���ة” الذي���ن اتخ���ذوا من اليم���ن مقر ًا له���م .وق���د ورد الآن يف و�سائ���ل الإعالم ب�أن عدد ًا �صغري ًا م���ن اليمنيني اجلهاديني كانوا ق���د ان�ضم���وا �إىل �آخرين م���ن �سوريا وم�صر وفرن�سا وبلجيكا لال�شرتاك يف حرب جديدة على جبهة القتال القدمية� ،أال وهي غزة. ووفق ًا مل�سئويل ا�ستخب���ارات (غربيني) ،دخل ب�ضع ع�شرات من املقاتلني الأجانب �إىل قطاع غزة م���ن اليم���ن وغريها من بل���دان ال�شرق الأو�س���ط و�أوروب���ا ،وكان بع�ضه���م مقاتل���ون متمر�سون يقومون ب�أعمال التدريب ،يف حني ي�سع���ى �آخرون على الت���درب واحل�صول على اخل�ب�رة يف �أعمال اجلهاد .ويق���ال �أن بع�ض الأوروبيني ق���د “قدم���وا وبحوزتهم بطاقات االئتم���ان اخلا�ص���ة به���م” ،وقام���وا بتمويل الأن�شطة اجلهادية �أثناء وجودهم يف غزة. حدث ه���ذا التدفق ت�أث�ي�ر على ما لقد ب���د�أ ُي ِ كان يعترب تقليدي ًا جه���اد ًا حملي ًا .وقد بد�أت جماع���ات مث���ل «حما����س» وحرك���ة «اجلهاد الإ�سالم���ي الفل�سطين���ي» ،و«كتائ���ب �شهداء الأق�صى» تر�س���م طريق القومية الفل�سطينية جنب��� ًا �إىل جنب مع الإ�سالم املتطرف ولكنها ترك���ز عملياته���ا عل���ى اجلبه���ة الإ�سرائيلية الفل�سطيني���ة .والآن ،يق���وم بع����ض املقاتلني الفل�سطينيني الواقعني حتت ت�أثري اجلهاديني العامليني ،بامل�شارك���ة يف جمموعات تدور مع �أفكار تنظي���م «القاعدة» ،والقت���ال لي�س من �أج���ل الفل�سطينيني فح�سب ،ب���ل لعموم الأمة الإ�سالمية. وحافظ���ت اجلماع���ات اجلهادي���ة التي تدور م���ع �أفكار تنظي���م «القاع���دة» يف قطاع غزة على القي���ام بعملياتها التنفيذية املحلية �ضد �إ�سرائي���ل (من) قط���اع غ���زة ،ولكنها ربطت هجماته���ا م���ع الق�ضاي���ا العاملي���ة مث���ل �أزمة ر�سوم الكارتون الدمناركي���ة �أو �سجن منظر جه���ادي يف بريطاني���ا� .إن اخل���وف القائ���م يف �صف���وف الق���وات الأمريكي���ة واملخابرات الإ�سرائيلي���ة ه���و �أن مثل ه���ذه الإيديولوجية 46
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
“العاملي���ة املحلية” هي مبثاب���ة ج�سر يربط ب�ي�ن القومي���ة الفل�سطيني���ة والأيديولوجي���ة اجلهادي���ة العاملية لتنظي���م «القاعدة» .ومن الناحية النظرية ي�ؤمن �أولئك الذين ي�ؤمنون بالقومي���ة الفل�سطينية بح���ل الدولتني ،بينما تتطل���ب الأيديولوجي���ة اجلهادي���ة العاملي���ة مت�س���ك �أن�صارها ب�شن لتنظي���م «القاع���دة» ُّ عمليات اجلهاد الت���ي تت�سم بالعنف �ضد كل الكفار واملرتدين حتى �إقامة دولة �إ�سالمية. �إن انخ���راط حرك���ة «حما����س» يف غ���زة يف ال�سيا�س���ة العلمانية وف�شله���ا يف �إقامة نظام يتم�س���ك بال�شريع���ة الإ�سالمي���ة وت�ضييقه���ا اخلناق عل���ى �أ�شقائه���ا الفل�سطينيني الذين يهاجم���ون �إ�سرائي���ل �أو يه���ددون حكمه���ا، ق���د خل���ق فراغ��� ًا بحي���ث كان���ت اجلماعات اجلهادية العاملية حري�صة على ملئه؛ وغالب ًا ما ت�شم���ل تلك اجلماعات ن�شط���اء «حما�س» ال�ساخط�ي�ن .وحت���ى م���ع ذل���ك ،يق���در عدد املنتم�ي�ن �إىل اجلماع���ات اجلهادي���ة العاملية يف غ���زة بعدة مئ���ات من الأف���راد .ويف حني �أن قدراته���م حم���دودة� ،إال �أنه���م يفك���رون بالقي���ام ب�أعماله���م الإرهابية بحي���ث ت�شمل جماالت وا�سعة وب�صورة كبرية .وقد جنحت املخاب���رات الإ�سرائيلي���ة يف �إحب���اط م�ؤامرة من قبل �أح���دى هذه اجلماع���ات �ضد رئي�س ال���وزراء الربيط���اين ال�ساب���ق ت���وين بلري يف متوز/يوليو .2008 وت�شتهر «جماعة جي�ش الإ�سالم» بتورطها يف خطف مرا�سل هيئة الإذاعة الربيطانية �آلن جون�ستون يف ع���ام .2007ويف منت�صف �آب/ �أغ�سط�س ،2009قفزت �أن�شطة «جند �أن�صار اهلل» �إىل ال�صدارة عندما قامت قوات الأمن التابعة حلكومة «حما�س» يف قطاع غزة ،جنب ًا �إىل جنب م���ع �أع�ضاء من كتائ���ب عز الدين الق�سام التابعة لـ «حما�س» ،مبداهمة م�سجد ًا تابع ًا لـ «جند �أن�صار اهلل» و�شاركت يف معارك مطول���ة م���ع �أتباعه���ا .وج���اءت اال�شتباكات الت���ي خلف���ت ً 24قتي�ل�ا و 130جريح ًا -يف
�أعق���اب خطبة �صالة اجلمع���ة من قبل رجل الدي���ن املتطرف ال�شيخ عبد اللطيف مو�سى، ندد فيها بحكومة «حما�س» و�أعلن عن �إقامة �إمارة �إ�سالمية يف فل�سطني. ومب���ا �أن اجلماع���ات الت���ي ت���دور م���ع �أفكار تنظي���م «القاع���دة» ته���دد �سلط���ة «حما�س»، ف�إن���ه لي�س م���ن املفاجئ �أن قام���ت «حما�س» ب�شن حمل���ة �ضدها� .إن ما يث�ي�ر الده�شة هو �أن ه���ذه اجلماعات قد ف�شل���ت حتى الآن يف االرتب���اط بتنظي���م «القاعدة» ب�ص���ورة �أكرث ر�سمي���ة ،نظ���ر ًا للكراهي���ة الت���ي ع�ب�ر عنها تنظي���م «القاع���دة» يف امل���دة الأخ�ي�رة جتاه حرك���ة «حما�س» جنب ًا �إىل جن���ب مع تاريخه املتمثل بدمج ال�صراع���ات املحلية مع حملته اجلهادية العاملية. ويبدو م���ن املرج���ح �أن تنظي���م «القاعدة» ال ي���زال غ�ي�ر مقتنع��� ًا بااللت���زام الإيديولوجي ملجموع���ات مثل «جماع���ة جي����ش الإ�سالم»، الت���ي ُيعرف زعيمها ،ممتاز دغم�ش ،ب�صورة �أف�ضل عن طريق ما�ضي���ه اجلنائي �أكرث من تع�صبه الديني .وقد يكون لتنظيم «القاعدة» �أي�ض��� ًا خماوف ب�ش�أن قابلية بق���اء وا�ستمرار مثل هذه املجموعات عل���ى القيام بعملياتها، وق���د ينتظر «التنظيم» ب�ص�ب�ر حتى ت�ستطيع هذه اجلماعات �إثبات نف�سها قبل قبولها �إىل �صفوف احلركة اجلهادية العاملية. وقد جادل البع�ض ب�أن وجود اجلماعات التي ت���دور مع �أف���كار تنظيم «القاع���دة» يف قطاع غزة يعن���ي �أن حركة «حما�س» مل تعد اخليار الأ�س���و�أ ،و�إنه يتعني على �إ�سرائيل التعامل مع «حما����س» دون �شروط م�سبق���ة ،لئال ي�سيطر تنظي���م «القاع���دة» عل���ى غ���زة .ويف الواقع، تفتقر اجلماعات اجلهادي���ة العاملية يف غزة �إىل الدع���م ال�شعب���ي وهي لي�س���ت يف موقف لك���ي تتحدى �سلطة «حما�س» بو�صفها الكيان احلاك���م ،ناهيك ع���ن ال�سيط���رة على قطاع غ���زة .وعالوة على ذلك ،م���ا زالت «حما�س» يف �صميم امل�شكلة .وعلى الرغم من خالفات
حرك���ة «حما����س» الإيديولوجي���ة م���ع زعماء «القاعدة» وحملته���ا العنيفة على اجلهاديني العاملي�ي�ن يف قطاع غزة ،فم���ن املفارقات هو �أن تطرفها اخلا����ص قد خلق ما ي�شكل نقطة انط�ل�اق مثالية لقيام تط���رف �أكرث .فعندما ي�صب���ح �أح���د االنتحاريني ال���ذي ينطلق من
دوافع �إيديولوجية منوذج ًا يحتذى به ،ي�صبح جميع االنتحاريني الذين ينطلقون من دوافع �إيديولوجية قدوة يحتذى بهم. وال�س����ؤال املط���روح الآن هو ما الت���ي �ستكون نتائ���ج اللق���اءات ب�ي�ن التط���رف الإ�سالم���ي
بطاقة بريدية من اليمن توما�س فريدمان
�صحيفة نيويورك تاميز � 6شباط/فرباير 2010
عندما و�صل���ت �إىل منزله يف �صنعاء ،مدعوا عل���ى الع�ش���اء� ،أ�ص���اب رئي����س وزراء اليمن ال�ساب���ق عبدالكرمي الإري���اين الهدف حينما �س�ألن���ي« :ح�سنا يا توما����س ،هل كان ي�ستلزم الأم���ر ظه���ور «عبداملطل���ب» لت�أت���ي �أخ�ي�را لزيارتن���ا؟» فاعرتف���ت ل���ه ب�أن ه���ذا الكالم �صحي���ح ،لأن النيج�ي�ري ال�ش���اب ،وال���ذي ت���درب يف اليمن على يد القاع���دة ،حاول �أن يفجر طائ���رة تابعة ل�شركة ن���ورث وي�ست يف علي �أن ي���وم الكري�سما�س ،ل���ذا ،قررت �أن���ه ّ �أرى اليم���ن يف املقام الأول .ب���ل ذهبت �أبعد م���ن ذلك معرتف ًا ل���ه �أين« :كنت قلق��� ًا قلي ًال من قدوم���ي �إىل هنا ،لقد توقع���ت لوهلة �أنه م���ن املمك���ن �أن ي�ستقبلن���ي عند �آخ���ر درجة م���ن درجات �سل���م الطائرة �أ�سام���ة بن الدن نف�سه». رغم ذل���ك ،وحل�سن احل���ظ بالطبع ،وجدت �أن �صنع���اء لي�س���ت كاب���ول ،و�أن اليمن لي�ست �أفغان�ست���ان -حت���ى الآن .فمدين���ة �صنع���اء القدمية املحاطة ب�سور ،والتي هي على قائمة
اليوني�سك���و للموروث العامل���ي مببانيها املبنية من قوالب الط���وب اللنب املزخرفة بالأ�شكال ���ج باملقاهي الهند�سي���ة املختلف���ة ،كان���ت تع ّ ال�صغ�ي�رة الن�شط���ة ً ���ج باملتجولني لي�ل�ا ،وتع ّ والباع���ة وامل�شرتي���ن نه���ار ًا .و�أن���ا �أمت�شى يف �شوارعها مع �صديق���ي اليمني رئي�س الوزراء ال�ساب���ق ،قابلن���ا �أربع���ة ميني�ي�ن م�سنني من �أ�صح���اب اللحى واخلناج���ر التقليدية تزين اخل�ص���ر ،يتناق�شون يف مل�ص���ق على حائط �صخ���ري يح���ث «الآب���اء والأمه���ات» على �أن ير�سلوا بناته���م �إىل املدر�سة .وعندما �س�ألت امل�سن�ي�ن عم���ا ي���روه يف تل���ك الفك���رة ،ق���ال �أكربه���م �سن��� ًا �أن���ه «م�ستع���د لأن يتخلى عن ج���زء من طعامه كل يوم حت���ى تتمكن املزيد من الفتيات والبنات من �أن يتعلمن القراءة». عالوة على هذا ،كما قال هو� ،سقط املل�صق من عل���ى احلائ���ط ال�صخري ،لكن���ه ل�صقه م���رة �أخرى حتى ي���راه الآخ���رون .حقيقة مل �أتوقع ذلك. ومل �أتوق���ع �أن �أج���د منظم���ات جمتمع مدين
الرادي���كايل يف غ���زة والإيديولوجية العدمية للجهاد العامل���ي .و�إذا �أ�ضفنا �إىل ذلك تدفق عدد قليل من املقاتلني الأجانب ذوي القدرة، �سيبقى املرء مع م����أزق مقلق :ماذا �سيحدث عندما “ت�أتي” اليمن �إىل غزة؟
يعم���ل به���ا متطوع���ون �أم�ي�ركان -وكم���ا هو احلال م���ع �صحيفة مي���ن �أوبزيرف���ر ،يومية ت�صدر باللغة الإجنليزية ،غرفة �أخبار مليئة بهم .كل ما �أمكنني فعله هو �أن �أتطلع لطالب اجلامع���ة الأم�ي�ركان ه����ؤالء و �أتعجب« :هل يع���رف والديكم �أنك���م هنا؟» ،لك���ن ال�شباب �ضحكوا من �س�ؤايل .وكل بائع حتدثت معه يف �صب اللوم عل���ى القاعدة ،وقال �إنها �صنع���اء ّ ال�سبب يف موت ال�سياحة يف اليمن .فمن كان يع���رف �أن اليم���ن يق�صدها ال�سي���اح؟ اليمن لي�س���ت �أفغان�ست���ان ،هذا م�ؤك���د .لكن اليمن �أي�ض ًا لي�ست هي الدمنارك. فالقاعدة مثل الفريو�س ،عندما تظهر ب�شكل كبري ،ه���ذا يو�ضح �أن هن���اك �شيئ ًا معلو ًال يف نظ���ام الدول���ة املناعي .وهناك �ش���يء معلول يف نظ���ام اليمن املناعي .فاحلكومة املركزية ال�ضعيف���ة يف �صنع���اء حتك���م ع���دد ًا خمتلف ًا وكب�ي�ر ًا م���ن القبائ���ل الرعوي���ة ،م�ستخدمة نظام��� ًا خم�ص�ص ًا للرعاي���ة والتعاون .وتظل مناط���ق وا�سع���ة م���ن الريف خ���ارج �سيطرة احلكومة ،خا�صة يف اجلنوب وال�شرق ،حيث وجد م���ن � 300إىل 500عن�ص���ر من عنا�صر القاعدة مالذ ًا لهم .وهذه «الطريقة اليمنية» متكنت من احلفاظ على عرى الدولة ،والدفع ببطء �شديد بالدولة للأمام،على الرغم من احل���ركات االنف�صالية يف ال�شمال واجلنوب. لك���ن تلك الطريق���ة القدمية ومع���دل �سرعة ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
47
القي���ام بالأ�شي���اء مل يعودا قادري���ن بعد الآن على احلفاظ على ال�سالم بتوجهات �سلبية. ولننظر يف هذه الأرقام والن�سب املئوية :معدل منو ال�سكان يف اليمن يقرتب من 3.5باملائة، وهو واحد م���ن �أعلى معدالت منو ال�سكان يف العامل 50 .باملائة من تعداد ال�سكان البالغ 23 ملي���ون ن�سمة حتت �سن � 15سن���ة ،و 75منهم حت���ت �س���ن � 29سن���ة .ومع���دالت البحث عن عم���ل ترتاوح م���ن � 35إىل 40باملائ���ة ،جزئي ًا يعود هذا االرتفاع �إىل طرد ال�سعودية وبع�ض الدول اخلليجي���ة الأخرى قرابة مليون عامل ميني بعدم���ا �ساندت اليمن �صدام ح�سني يف حرب اخلليج .1990 وبف�ضل التخطيط ال�سيئ والنمو ال�سكاين ،من املمك���ن �أن تكون اليمن �أول دولة ين�ضب فيها املاء خالل فرتة ت�ت�راوح من � 10إىل � 15سنة م���ن الآن .وبالفعل يعاين الكثري من اليمنيني الآن من انقط���اع املياه بكرثة ،كما هو احلال مع الكهرباء بالطبع .ويف ريف اليمن ،ت�ضطر الن�ساء لل�سري �أربع �ساعات بحث ًا عن بئر مياه �صاحلة .لقد انخف�ض من�سوب املياه اجلوفية
يف �صنعاء كثري ًا ،حت���ى �أن الأمر يلزمه �آالت التنقي���ب ع���ن النفط حت���ى تعرث عل���ى املاء. ناهيك عن القات وزراعته ،التي ت�ستهلك 40 باملائة من �إمدادات املياه كل عام .وقرابة 65 باملائة م���ن املعلمني اليمنيني لديهم ال�شهادة العامة فق���ط .وغالبية النا����س يعي�شون على �أقل م���ن دوالرين يف الي���وم .ولقد بيعت منذ ف�ت�رة قريب���ة يف �صنعاء �سي���ارة رولز روي�س، وكان ذل���ك للم���رة الأوىل يف تاري���خ املدينة. و�أك�ث�ر م���ن 70باملائة من الدخ���ل احلكومي ي�أت���ي من ال�ص���ادرات النفطي���ة املتناق�صة. ون�سب���ة الأمية و�صل���ت 70باملائة .و 15باملائة من الأطفال ال يذهبون للمدر�سة. رغم ه���ذا ،ويف الوق���ت نف�سه ،ه���ذه الدولة اليم���ن -به���ا ع���دد م���ن ال�صحافي�ي�نوالن�شط���اء االجتماعي�ي�ن وال�سا�س���ة هم من خ�ي�رة م���ن قابل���ت يف الع���امل العرب���ي .لقد �أم�ضيت �صباح ًا يف منتدى املر�أة الإعالمي، ويف �إح���دى املنظم���ات املدني���ة الت���ي تدرب ال�صحافي���ات ال�شابات -جزء من «احلر�س ال�شباب « من الإ�صالحيني املثاليني اليمنيني، والذين يريدون حق��� ًا خدمة �شعبهم ،لكنهم
من يقف وراء احلوثيني؟ ديفيد �شينكر
جملة «ويكلي �ستاندرد» الأمريكية "� 22شباط/فرباير 2010
قبل ح���وايل 50عام ًا ،خا�ضت اليمن حرب ًا �أهلي���ة دارت بني حكوم���ة �صنعاء املدعومة م���ن م�صر �ض���د امل�سلح�ي�ن املدعومني من اململك���ة العربي���ة ال�سعودي���ة وكادره���ا من املرتزقة الأوروبيني .وبعد �ست �سنوات من احل���رب الدامية ،جل�أت القاه���رة � -أثناء �إح���دى الف�ت�رات ال�صعب���ة الت���ي واجهتها 48
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
تل���ك احلمل���ة � -إىل ا�ستعمال غاز اخلردل وغ���از الأع�صاب يف حماول���ة للق�ضاء على املتمردين .وانت�صرت احلكومة اليمنية يف النهاية ،ولكن بعد �أن فقدت م�صر � 26ألف ًا من جنودها. واليوم ،تختلف اخلطوط العري�ضة لل�صراع الدائ���ر يف اليم���ن .فاملتم���ردون احلوثيون
مل يح�صلوا على الفر�صة املنا�سبة حتى الآن. وكان املكتب وه���و بتمويل من رحمة حجرية، م���ن نا�شطات حرية ال�صحاف���ة ،كان املكتب ���ج بالفتي���ات ،الالئ���ي كان اجل���وع حلرية يع ّ التعبري واجل���وع ولأن يكن ذاتهن يطالن من خلف املالب����س ال�سوداء الف�ضفا�ضة التي كن يرتدينها. وي�ص���ر حمم���د الأ�سع���دي ،وه���و م�ست�ش���ار �إعالم���ي ،عل���ى �أن �إ�ص�ل�اح الدول���ة لي����س بالأم���ر ال�س���ر .و ق���ال« :نح���ن بحاج���ة �إىل ث���ورة عل���ى الو�ض���ع الراه���ن ،نح���ن بحاجة �إىل بناء املقدرة ،ونح���ن بحاجة �إىل د�سرتة �سي���ادة القانون ،نحن بحاجة �إىل بناء ثقافة امل�س�ؤولية» .و�أ�ضاف مراد ها�شم ،مدير مكتب اجلزي���رة يف اليم���نً ، قائ�ل�ا« :نح���ن بحاجة �إىل املزي���د من التعلي���م ،لكننا مل ن�ستفد من اليمني�ي�ن املتعلم�ي�ن» .حق ًا ،اليم���ن لديه من املوارد وامل�صادر م���ا ميكنه من �إنقاذ نف�سه، لكن هذه املوارد وامل�صادر بحاجة �إىل املزيد من اجلهد احلكوم���ي ال�ستغاللها اال�ستغالل الأمثل .و�إال �سينت�شر فريو�س القاعدة ،والذي ما يزال حتى الآن حتت ال�سيطرة.
(الذين يتبعون املذه���ب الزيدي ال�شيعي) يتح���دون �صنع���اء يف ال�شمال ،وه���و الأمر بالن�سب���ة لالنف�صاليني ال�سن���ة الفقراء يف اجلنوب ،وتنظيم «القاعدة» الذي يتحدى احلكوم���ة يف عدة �أماك���ن يف البالد .وعلى الرغ���م من وج���ود كيان���ات جدي���دة تلعب �أدواره���ا عل���ى ال�ساح���ة اليمني���ة ،تعر�ض اجلول���ة احلالية من القت���ال مالمح بع�ض الت�شابه مع �سابقتها .ومن بني �أكرثها �إثارة للده�شة ه���ي �أن اليمن تتحول مرة �أخرى، عل���ى م���ا يب���دو� ،إىل “ح���رب بالوكالة” - املعرك���ة الأخ�ي�رة يف ال�ص���راع ب�ي�ن �إيران والدول العربية “املعتدلة”. وق���د حتال���ف نظ���ام امل�ل�ايل املت�ش���دد يف
�إيران مع قوى يف اليمن ت�سعى �إىل زعزعة ا�ستق���رار احلكوم���ة املركزي���ة ،على عك�س توجهات الدولة املوالية ظاهري ًا للغرب ،كما ح���دث يف دول �أخرى يف ال�ش���رق الأو�سط، ذات حكوم���ات مركزية �ضعيف���ة -ال�سيما يف العراق ،ولبنان ،وال�سلطة الفل�سطينية. وتعم���ل الآن اململك���ة العربي���ة ال�سعودية - التي كان���ت قد قدمت العون للمتمردين يف املا�ضي ،والذين �سعوا للإطاحة باحلكومة يف �صنع���اء --للم�ساعدة يف تدعيم نظام الرئي����س عل���ي عبد اهلل �صال���ح وعزله عن تهديد املتمردين احلوثيني. وال تدع���م الريا����ض الرئي����س اليمني علي عب���د اهلل �صال���ح م���ن �أج���ل عم���ل اخل�ي�ر والت�ضحية بالنف����س .فاحلوثيون ينت�شرون عل���ى ط���ول احل���دود اليمني���ة ال�سعودي���ة. وت�شعر الريا�ض بالقل���ق حول �أمن احلدود نظر ًا لتاري���خ املنطقة :ففي ال�ستينيات من القرن املا�ضي ،قامت جمموعات مدعومة من قبل م�صر بتنفيذ عدة �أعمال تخريبية يف اململكة العربي���ة ال�سعودية ،مبا يف ذلك �ض���د وزارة الدفاع وقاع���دة جوية بالقرب من احلدود ال�سعودية اليمنية. ويف ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر ،2009ع�ب�ر ع���دد كبري من امل�سلحني احلوثيني احلدود �إىل ال�سعودية و�سيط���روا على جزء �صغري جد ًا من �أرا�ضي اململكة ،مما �أدى �إىل قيام الأخرية بردود فعل ع�سكرية �سريعة .ومنذ ذل���ك احلني ،وقعت ا�شتب���اكات عنيفة بني ال�سعوديني واحلوثيني على جانبي احلدود، �أ�سفرت عن وقوع خ�سائر كبرية يف �صفوف اجلي�ش ال�سعودي .فقد لقي حتى الآن �أكرث من 110من اجلنود ال�سعوديني م�صرعهم يف تلك اال�شتباكات واعتقل �ستة �آخرون من قبل قوات احلوثيني .وق���د ُذكر على نطاق وا�سع ب����أن املتمردي���ن احلوثي�ي�ن �أ�سقطوا
مروحية �سعودية من نوع “�أبات�شي” .رمبا لي�س م���ن امل�ستغرب قي���ام الريا�ض باتهام طهران ب�أنها تق���ف وراء املهارة الع�سكرية العالية التي يتميز بها احلوثيون. وقد لعبت هذه االتهامات دور ًا يف ال�صحافة ال�سعودي���ة ب�ص���ورة �أ�سا�سية .فف���ي كانون الأول/دي�سم�ب�ر � ،2009أف���ادت �صحيف���ة “ال�ش���رق الأو�س���ط” اللندني���ة اململوك���ة ل�سعوديني ب�أن “كبار امل�سئولني” من “فيلق احلر�س الث���وري الإيراين” و”حزب اهلل” اللبن���اين اجتمعوا م���ع متمردي���ن حوثيني لتن�سي���ق العمليات الع�سكري���ة �ضد اململكة العربية ال�سعودية .ويف الآونة الأخرية ،ملح م�ساع���د وزير الدفاع ال�سع���ودي �إىل وجود تورط �إيراين يف القت���ال ،م�شري ًا �إىل “�أنه م���ن غري املمك���ن �أن يك���ون (احلوثيون) قد ح�صل���وا ب�أنف�سه���م على الأ�سلح���ة التي مت ن�شرها �ضدنا”. ومل تظه���ر حتى الآن �سوى �أدل���ة قليلة عن الدعم الإيراين املبا�ش���ر للحوثيني .ويقول اليمنيون �إن لديهم دلي ًال ،وقاموا مب�شاركة نظرائهم الإيرانيني يف م�ضمونه ،لكنهم مل يعر�ضوا بعد ق�ضيته���م ب�صورة علنية �ضد �إيران .ومع ذلك ،فقد قام اليمنيون باتهام طهران طوال ال�سن���ة املا�ضية با�ستمرارها دعم احلوثيني. ويف العام املا�ضي ،على �سبيل املثال ،ادعى الرئي�س �صالح �أن ح���زب اهلل قام بتدريب احلوثي�ي�ن عل���ى ا�ستعم���ال “القذائ���ف ال�صاروخية والألغام والأ�سلحة املختلفة”؛ وباملث���ل ،ادع���ى دبلوما�سيون ميني���ون ب�أن احلوثيون تلقوا تدريبات على يد “احلر�س الث���وري” الإي���راين .ويف ت�شري���ن الأول/ �أكتوب���ر � ،2009أعلنت �صنعاء �أنها �صادرت �سفينة �إيراني���ة كانت تنقل �أ�سلحة م�ضادة للدبابات �إىل احلوثيني .وقبل �أ�سابيع قليلة
فقط ،و�أثناء زيارته للواليات املتحدة ،قال وزير خارجية اليمن ل�صحيفة “احلياة”، ب����أن املتمردين يتلق���ون دعم��� ًا مالي ًا “من قوى �شيعية داخل �إيران وخارجها». وال ت���زال م�ص���ادر �أخ���رى -مب���ا يف ذلك ن�ش���رة م�ؤ�س�س���ة «�سرتاتف���ور» اخلا�ص���ة لال�ستخبارات العاملية -تدعي ب�أن �سوريا، حليفة �إيران ،ت�سه���ل عبور اجلهاديني �إىل اليم���ن ،وكم���ا تقوم �إي���ران نف�سه���ا بدعم “تنظي���م «القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة العربي���ة” ال���ذي مق���ره يف اليمن -وهي املجموعة القوية الت���ي �شاركت يف حماولة �إ�سقاط طائرة ركاب فوق مدينة ديرتويت يف يوم عيد امليالد. ومل تنك���ر طه���ران االتهام���ات ال�سعودي���ة واليمنية بقدر ما قامت بت�صعيد املواجهات الكالمي���ة �ضد اململكة العربي���ة ال�سعودية. فخالل خطاب متلفز يف 13كانون الثاين/ يناي���ر املن�ص���رم� ،أدان الرئي����س الإيراين حمم���ود �أحم���دي جن���اد الريا����ض ب�سبب “دخولـ(ـه���ا) يف احل���رب ،وا�ستعمالـ(ـه���ا) القناب���ل ...واملداف���ع الر�شا�ش���ة �ض���د امل�سلمني». �إن قيام �أحمدي جناد بالدفاع عن احلوثيني مل يك���ن مفاجئ��� ًا .فاحلوثي���ون يطلق���ون على فل�سفته���م لقب “ال�شيع���ة ال�صافية” ويعلن���ون �صراح���ة والءهم لطه���ران .ويف الع���ام املا�ض���ي عندم���ا �سئل رج���ل الدين احلوثي ع�ص���ام العماد ع���ن الروابط بني �إيران واملتمردين ،قال �إن زعيم اجلماعة، ح�س�ي�ن احلوثي ،هو �أ�شب���ه بزعيم “حزب اهلل” ح�سن ن�صر اهلل ،ذليل طهران. وت�شري وفرة الأدلة �إىل وجود عالقة كبرية بني طهران واحلوثيني .ولكن حتى لو كانت الإدعاءات اليمني���ة وال�سعودية حول الدعم الإيراين للمتمردين مغ���اىل فيها ،يبدو من ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
49
املرجح �أن �إيران تلعب دور ًا يف ت�أجيج نريان التمرد يف اليمن ،نظر ًا ل�سجل طهران طويل الأمد يف هذا املجال. ومل تق���م وا�شنط���ن بع���د باته���ام طه���ران بالتورط يف النزاع .ولكن رمبا ت�سري الإدارة الأمريكية يف ه���ذا االجتاه .ففي 21كانون الثاين/يناير ،قال قائ���د القوات الأمريكية يف املنطق���ة ،اجلرنال ديفي���د برتيو�س ،ب�أن هن���اك “بع����ض امل�ؤ�شرات” الت���ي ميكن �أن ت�ش�ي�ر �إىل ت���ورط �إيران يف ال�ص���راع .وبعد ذل���ك ،يف 31كان���ون الثاين/يناي���ر� ،ص���رح م�ساعد وزي���رة اخلارجية الأمريكية ل�ش�ؤون ال�ش���رق الأدن���ى جيفري فيلتم���ان ل�صحيفة “احلي���اة” ب�أن���ه يف حني ت�أخ���ذ وا�شنطن ه���ذه االتهام���ات على حممل اجل���د“ ،لي�س لدينا �أدلة ب����أن التدخل الإي���راين (بق�ضية) احلوثيني عميق بقدر ما هو مع حزب اهلل”. �إن فيلتمان هو من بني �أف�ضل الدبلوما�سيني الأمريكي�ي�ن و�أكرثهم �صراحة .ولذلك فمن اجلدير باملالحظة �أن���ه ال ينكر كلي ًا التورط الإي���راين .ويف الواقع ،يبدو �أن املقارنة التي طرحها ت�ؤكد ذلك.
ومن املمكن -كما يدعي امل�س�ؤولون اليمنيون �أن تك���ون اجله���ود الت���ي بذلته���ا الوالياتاملتح���دة حت���ى الآن للتقليل م���ن �أهمية هذه امل�س�أل���ة له���ا عالقة بالرغبة بع���دم تقوي�ض املحادثات ح���ول الربنامج النووي لطهران. ويف ح�ي�ن �أن ه���ذا التف�س�ي�ر ه���و مقلق ،من �ش�أن���ه �أن ين�سجم مع ت���ردد �إدارة �أوباما يف دعم اتهامات العراق حول التواط�ؤ ال�سوري يف التفج�ي�رات التي وقعت يف بغداد يف �آب/ �أغ�سط����س 2009والت���ي قت���ل فيه���ا �أكرث من � 100شخ����ص ،ب�سبب اخلوف م���ن �أن ي�ؤدي انتقاد دم�شق �إىل �إف�شال امل�ساعي الأمريكية للتعامل مع نظام الأ�سد. وبغ�ض النظر عن كمي���ة الدعم الذي توفره �إي���ران للحوثيني ،ينظر حلف���اء وا�شنطن - على نحو متزايد -يف الريا�ض والقاهرة �إىل ال�صراع يف اليمن باعتباره قتا ًال �ضد �إيران. ففي منطق���ة غارقة يف �صراعات مع �إيران، يبدو �أن اليمن هي �أحدث �ساحة قتال. وم���ن املقرر �أن تق���وم الوالي���ات املتحدة يف الأ�سابي���ع القادمة بزيادة عدد وحداتها من “القوات اخلا�صة” القوية املوجودة بالفعل
اليمن الذي يجهله الأمريكيون جون جوان�سون
�صحيفة «اخلليج» الإمارتية " 28كانون الثاين/يناير 2010
حتى وقت قريب ،مل يكن غالبية الأمريكيني تعل���م �أن هناك دولة تدعى اليمن .وحتى بعد �أن �أ�صب���ح ا�سم اليمن يردد بكرثة يف ن�شرات الأخبار ،ال ي���زال معظم الأمريكيني يجهلون موق���ع اليمن على اخلريط���ة ،ولي�ست لديهم �أي فك���رة ع���ن جغرافي���ة �أو تاري���خ �أو ثقافة 50
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
اليم���ن .م�ؤخ���ر ًا� ،أ�صب���ح ذلك البل���د ،الذي يت�سم بطبيعة جبلية ويقع يف الركن اجلنوبي الغرب���ي م���ن �شبه اجلزي���رة العربي���ة ،يردد بكثاف���ة يف و�سائ���ل الإع�ل�ام الأمريكية التي ت�صفه بـ “مالذ” الإرهابيني ،وتتهم زعما�ؤه الدينيني با�ستثارة الن�شاطات الإرهابية.
يف اليم���ن والتي يبلغ قوامه���ا � 200شخ�ص؛ وتقوم ه���ذه القوات مبهام التدريب .و�سوف ل���ن يق���وم احلوثي���ون با�سته���داف اجلن���ود الأمريكي�ي�ن فق���ط -ا�ستن���اد ًا �إىل فت���وى �ص���درت يف 14كان���ون الثاين/يناي���ر �ض���د الق���وات الأجنبي���ة ،ووقعه���ا 150من رجال الدي���ن غري احلوثي�ي�ن مبن فيه���م ع�ضو يف الربمل���ان -بل ميكن �أي�ض��� ًا �أن جتد القوات الأمريكي���ة نف�سه���ا مب���ر�أى م���ن اليمني�ي�ن العاديني. �إن ن�ش���ر “الق���وات اخلا�ص���ة” املن���اط بها تدريب الق���وات اليمني���ة ،ال ميثل فقط قمة التعاون يف مكافحة الإره���اب بني وا�شنطن و�صنع���اء ،بل ي�شكل فر�ص���ة الحتواء التمدد الإي���راين يف اخلليج .ففي ه���ذه البيئة التي ت���زداد تعقي���د ًا وخط���ورة مع الوق���ت ،كلما يزداد تفه���م وا�شنطن وب�صورة عاجلة �أكرث للدرج���ة التي و�صلها احلوثي���ون يف تعاملهم مع طهران بحي���ث �أ�صبحوا عم�ل�اء �إيران، كلم���ا �ستكون الق���وات الأمريكي���ة يف اليمن ق���ادرة �أك�ث�ر عل���ى مواجه���ة ه���ذا اخلط���ر والتخفي���ف من خماطر ف�ش���ل دولة �أخرى يف ال�شرق الأو�سط. يف �أواخ���ر دي�سمرب/كان���ون الأول الفائ���ت، وبع���د �أي���ام م���ن حماول���ة تفج�ي�ر طائ���رة ديرتوي���ت الفا�شل���ة ،الت���ي نفذه���ا �ش���اب نيجريي قي���ل �إن له �صلة بخلي���ة للقاعدة يف اليمن ،طالب ال�سيناتور جو ليربمان بالقيام بغ���ارات وتوجيه �ضربات ع�سكرية على ذلك البل���د املثخ���ن بالفق���ر .ويف ه���ذا ال�سياق، ا�ستطي���ع الق���ول �إن �آراء ليربمان مفرطة يف ال�سذاجة .وتعك����س جه ًال عام ًا وعدم معرفة مبنطقة �شبه اجلزيرة العربية عامة ،واليمن خا�صة .وتعرب وجهة نظر ليربمان املتطابقة مع �آراء �أخرى �شائع���ة يف دوائر �صنع القرار يف الوالي���ات املتحدة ،ع���ن ق�صر نظر وعجز
عن �إيجاد حلول و�سيا�سات بديلة للتعاطي مع املنطقة العربية. وعلى �سبيل املثال ،اغ���ارت الواليات املتحدة م�ؤخر ًا على املتمردين احلوثيني يف ال�شمال، وعلى معاقل القاع���دة يف ال�شرق ،وجنم عن هذه الغ���ارات مقتل الع�ش���رات من املدنيني. وم���ن امل�ستبعد �أن ت����ؤدي مثل ه���ذه الغارات والهجم���ات اىل ازال���ة القاع���دة �أو �سح���ق املتمردي���ن احلوثي�ي�ن .ويف احلقيق���ة ف�شلت الغ���ارات عل���ى القاع���دة يف حتقي���ق هدفها الرئي�س���ي وهو ت�صفية �أن���ور العولقي .والأمر امل�ؤكد على �أية حال ،هو �أن مثل هذه الغارات تعم���ل عل���ى تقوي���ة العنا�ص���ر املت�ش���ددة يف املجتمع اليمني ،وت�شجع املجموعات املن�شقة الت���ي متتل���ك مب���ادئ و�أ�س����س ايديولوجي���ة خمتلفة عل���ى ايجاد هدف م�شرتك يتمثل يف الدخيل الأجنبي. وبالن�سبة يل ،كانت املرة الأوىل التي اتعرف فيه���ا اىل اليم���ن عندم���ا ب���د�أت مبعا�ش���رة املجتم���ع اليمن���ي الأمريكي ،عندم���ا انتقلت م���ع عائلتي للعي�ش يف جن���وب �شرق ديربورن بالق���رب من م�صن���ع ف���ورد روج ،وكان ذلك يف الع���ام .1970حين���ذاك � ّأج���رت �صاحب���ة البناي���ة التي كنا نقيم فيه���ا وكانت �أمريكية م���ن �أ�صل لبن���اين غرفتني لرجل�ي�ن مينيني. وكان هذي���ن الرجل�ي�ن “حمم���د و�صال���ح” يعمالن يف م�صان���ع ال�سيارات ،وكانا يقرتان على نف�سيهما وير�سالن معظم ما يتح�صالن عليه من نقود لأ�سرتيهما يف اليمن .و ملا كنت �آن���ذاك انرثوبولوجي ًا طاحم��� ًا ذهلت عندما علمت �أن اليمن اح���دى �أكرث الدول املجهولة والأكرث فق���ر ًا على وج���ه الأر����ض .وده�شتي مبعثها انن���ي كنت �أرق���ب الرجلني القادمني من ذلك البلد وهم���ا يعمالن بجد واجتهاد، ويتعاونان يف الذهاب للعمل بال�سيارة يومي ًا، وكانا يذهبان لعملهما امل�سائي بعد �أن يطهيا
طعامهما املكون من اللحم واخلرب ،ويعودان للمنزل لي ًال ويعاودان الكرة يف اليوم التايل، وهك���ذا كان���ا يعمالن به���ذا النه���ج يوم ًا بعد ي���وم بال كلل �أو ملل .وكانا يق�ضيان عطلتهما الأ�سبوعي���ة يف املقهى يلعبان الورق ويرثثران م���ع ا�صدقائهم���ا .وكانا ي�ساف���ران لليمن كل ب�ض���ع �سن���وات ،حي���ث يق�ضي���ان �أ�شهر عدة ينفق���ان فيه���ا كل مدخراتهم���ا ث���م يع���ودان للوالي���ات املتحدة لالنخ���راط يف العمل مرة �أخ���رى .ويف النهاية اح�ض���ر هذين الرجلني �أ�سرتيهم���ا وحت���ول جمتمعهم���ا م���ن جمتمع رجل�ي�ن عازب�ي�ن اىل جمتم���ع عائل���ي مت���دد لأجداد و�أحفاد. يف يناير/كانون الثاين� 1974،سافرت برفقة زوجت���ي وطفلي االثن�ي�ن لليمن ،لك���ي �أدر�س عن قرب �أثر حتوي�ل�ات ونقود املهاجرين يف ذلك البل���د .و�أقمنا يف مدينة تعز وظلت تعز قاعدتنا يف الأ�شه���ر الـ 19التالية .وقد عدنا لليمن مرار ًا وتك���رار ًا يف العقد التايل (عقد الثمانين���ات) .ويف النهاي���ة ام�ضين���ا �ست���ة �أع���وام يف تلك البالد اجلميل���ة الفاتنة .وكل اليمنيني الذين التقين���ا بهم عدا ا�ستثناءات قليل���ة كان���وا كرم���اء وطيب�ي�ن ،ومت�ساحمني ومنفتحني .و�ساعدون���ا كي جند منز ًال دائم ًا لن���ا ،ومدر�سة البنتنا ،ورحب���وا بنا يف مدينة مل تكن حينذاك ت�ضم �س���وى ب�ضعة ع�شرات م���ن االوروبي�ي�ن .و�أعانن���ي الأمريكيون ذوي الأ�صول اليمنية الذين كانوا يعي�شون يف تعز، على �إجراء بحثي ودعوين لزيارة منازلهم يف الريف. ويف فرتة الحقة �سافرت لوحدي اىل مناطق نائية وق�صية يف اليمن وكنت اجول فيها م�شي ًا على قدم���ي� ،أو ا�ستقل �سيارة �أجرة �أو حافلة نقل ع���ام� ،أو ب�سي���ارة رباعي���ة الدفع .خارج املدن اليمني���ة ال توجد فنادق �أو نزل �صغرية “موتيالت” ،وقد كان النا�س ي�ستي�ضيفونني
بانتظام ،وكان���وا يغ�ضون الطرف عن هيئتي الغريبة عنه���م� ،شعري وب�شرتي ال�شقراوين، حمي���اي اال�سكندن���ايف ،مالب�س���ي املغ�ب�رة وتلعثمي يف اللغة العربي���ة .وكان اليمنيون ال يبالون بكل ذلك ،بل كانوا يقدمون يل �أف�ضل م���ا عندهم من طعام و�إذا هممت باعطائهم نق���ود ًا ،كان م�ست�ضيف���ي يعت�ب�ر ذل���ك �إهانة بالغة. وال ب���د �أن اذك���ر اي�ض ًا �أن �إح�س���ان اليمنيني كان تقديره م�ضاعف��� ًا بالن�سبة يل ،ذلك لأن اليمني�ي�ن وعلى الرغم من كرمهم وطيبتهم، �إال �أنهم ابعد النا����س عن التذلل واخلنوع يف تعاملهم مع الأجانب .حيث مل ي�سبق �أن �صمد احت�ل�ال يف بالدهم ،وي�ستمي���ت اليمنيون يف الدفاع عن حريته���م وا�ستقالليتهم وينطبق ذلك حتى على حكومتهم املركزية .واليمنيون ال يكرمون �أو ي�ست�ضيفون �أحد ًا بدافع اخلوف منه .ويقبلون النا�س بن���اء على ما هم عليه، ولي�س ما ميثلونه .واليمنيون يحرتمون كثري ًا من الأ�شياء التي يقدمه���ا الغرب ،ولكنهم ال يحمل���ون �أي �أوهام م�ضللة يف ما يتعلق بتفوق احل�ضارة الغربية التي وكما نعلم جميع ًا فيها كثري من النقائ�ص وال�سلبيات. ولكن م���ا الذي تغ�ي�ر وجعل بع����ض اليمنيني �أك�ث�ر ت�ش���دد ًا؟ �أح���د الأ�سباب ه���و �أن تعداد �س���كان اليمن قد ت�ضاعف ثالث مرات خالل العقود الثالثة الفائت���ة ،والآن يقرتب من ال 23ملي���ون ن�سمة ون�ص���ف ال�شعب اليمني من الفئ���ة العمرية ما دون الع�شرين عام ًا .ودخل الف���رد اليمن���ي �ضعي���ف ،والعطال���ة مرتفعة وه���ذا يعن���ي �أن كث�ي�ر ًا م���ن ال�شب���اب �صغار ال�سن فق���راء ،وعاطلون ،ولديه���م ت�صورات مت�شائمة ح���ول م�ستقبل حياته���م يف اليمن. كم���ا �أن فر����ص هجرتهم للوالي���ات املتحدة، واململك���ة املتح���دة ،وال�سعودي���ة ،و�أي م���كان �آخر ،تناق�صت و�ضعفت ب�شدة. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
51
اليمن والعامل
عني على اليمن
ولأن موارد اليم���ن �شحيحة و�أر�ضها قاحلة، ظلت احلكوم���ات املركزية �ضعيف���ة .وتعتمد اليمن عل���ى عائ���دات الب�ت�رول وامل�ساعدات الدولية ،ويبدو �أن وحدة البالد خالل العقود الثالث���ة ال�سابقة كانت متيل نح���و التما�سك امل�صطن���ع بف�ض���ل �إع���ادة توزي���ع للم���وارد م���ن القم���ة للقاعدة .وم���ع تقل����ص عائدات البرتول وتنامي تع���داد ال�سكان ،مل يعد لدى احلكوم���ة املركزية الكثري لكي توزعه �أو تعيد توزيع���ه على �شعبه���ا الذي يتزاي���د باطراد، وتزايد بالتايل نف���وذ وقوة ب�ؤر القوى القبلية والع�شائري���ة يف اليم���ن حيث املجتم���ع يقوم �أ�سا�س ًا على القبائل والع�شائر. ويف الوق���ت ذات���ه وف���ر ع���دم اال�ستق���رار ال�سيا�سي واالقت�صادي بيئة و�أر�ضية خ�صبة، لنم���و العنا�ص���ر والق���وى الدمياغوجية التي تع���د بيوتوبي���ا م�ستقبلي���ة� ،أ�سا�سه���ا الع���ودة لأح���كام وقواعد املا�ض���ي .ع���دم اال�ستقرار والقالقل يف اليمن كم���ا يف �أي مكان �آخر يف العامل الإ�سالم���ي والعربي ،تنت���ج غالب ًا عن �أفعال الواليات املتحدة وحليفتها يف املنطقة “�إ�سرائيل”. وعندم���ا ي�سم���ع الأمريكي���ون �أن الطائ���رات الأمريكي���ة ق�صف���ت معاق���ل م�شتبه��� ًا فيه���ا للقاعدة يف اليمن� ،أو �أن “�إ�سرائيل” ق�صفت
غزة ،ن���ادر ًا ما يعر����ض التلفزيون الأمريكي �صور ًا لل�ضحايا الأطفال امل�ضرجني بالدماء، وال يعر����ض �صور القتلى من الن�سوة والرجال امل�سن�ي�ن .واليوم اخ�ت�رق التلفاز كل ركن من �أركان الع���امل ،وي�شاه���د اليمنيون يف معظم القرى النائية م�شاهد يومية لأنا�س ي�شبهونهم متام��� ًا يتعر�ضون للق�صف والقتل يف العراق، وفل�سط�ي�ن املحتل���ة ،و�أفغان�ست���ان ،ويف بع�ض احل���االت تثري هذه ال�ص���ور وامل�شاهد احلنق وال�سخ���ط ،وغالب��� ًا تث�ي�ر الرع���ب ،واحلرية والذهول واحلزن. ويف الأ�سب���وع الفائت ،التقيت ب�صديق ميني اعرفه منذ 40عام ًا ،قال يل �صديقي اليمني: “�أنا احب �أمريكا ،ملاذا يكرهنا الأمريكيون؟ حق ًا مل���اذا؟” .ا�ستطيع �أن اقول� ،إن الواليات املتح���دة تت�ص���رف دائم ًا م���ن منطلق خوف وقل���ة معرفة بالأو�ض���اع والظ���روف املحلية، والعالقات االجتماعية واحلقائق ال�سيا�سية. واعتق���د �أن ق���وة الوالي���ات املتح���دة مه���درة ومن�صبة على �أفعال انتقامية طائ�شة وردات فعل ال ت�صنع �شيئ ًا �سوى قتل الأبرياء. و�أعتق���د �أن غالبي���ة اليمنيني ظل���وا طيبني، كرماء ،وم�ضيافني ،ويف�ضل���ون ال�سالم على احل���رب� .سيمون وي���ل الفيل�س���وف الفرن�سي ال���ذي عا����ش يف الق���رن ال�ساب���ق ،ق���ال �أن حت���ب جريانك ه���ذا يعني �أكرث م���ن م�شاعر
تعزيز «القوات اليمنية ملكافحة الإرهاب»: التحديات واالعتبارات ال�سيا�سية مايكل نايت�س
معهد وا�شنطن ل�سيا�سات ال�شرق الأدنى " 6كانون الثاين/يناير 2010
يف 2كان���ون الثاين/يناي���ر� ،2010 ،أك���د الرئي����س ب���اراك اوبام���ا ب�أن���ه «ق���د جع���ل 52
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
م���ن �أولوي���ات اهتمام���ات (الإدارة) تعزيز �شراكتن���ا م���ع احلكومة اليمني���ة ( -ويتمثل
دافئ���ة خفيفة تكنه���ا لهم ،حب���ك جلريانك “�أو نظرائ���ك” يعن���ي معاملته���م وك�أنه���م يتمتع���ون بنف�س القوة واملزاي���ا التي متتلكها. وميكنن���ي �أن ا�ضيف �أن ح���ب الآخرين يعني اي�ض ًا ترك ال�ب�رود والالمباالة وتقبل تبعات �أفعالن���ا .والإمي���ان ب����أن جي�شن���ا العم�ل�اق يجعلن���ا نت�ص���رف بحري���ة مطلق���ة ،ونعربد كما ن�ش���اء ثم نفلت من �أي تبع���ات �أو نتائج، �إميان م�ضلل متغطر�س .فالواليات املتحدة ال ميكنها ق�ص���ف �أفغان�ستان ،والعراق ،و�إيران وال�صوم���ال �أو اليم���ن ث���م تنعم ه���ي �أو هذه الدول بال�س�ل�ام .وهذا ما تفعله “�إ�سرائيل” الت���ي تق�صف وتقم���ع الفل�سطيني�ي�ن وتعتقد �أنهم �سيقبلون احت�ل�ال وم�صادرة �أرا�ضيهم وطم�س حياتهم. جتاهل احلقوق ال�شرعية للفقراء وال�ضعفاء وعدم االك�ت�راث مب�آ�سيه���م و�آالمهم ،يكلفنا ثمن��� ًا باهظ��� ًا ويعر�ضن���ا لأخط���ار بالغ���ة يف اليم���ن �أو يف �أي م���كان �آخ���ر .واالنت�ص���ار احلقيق���ي يتحق���ق عندم���ا تتحل���ى الواليات املتحدة ويتحل���ى �شعبها بال�شجاعة ويقدمان حلو ًال وتطلعات ترتك���ز على العدالة بد ًال من العق���اب املبني على اجله���ل وتو�أمه اخلوف. و�إذا وا�صل���ت �أمريكا نهجها احلايل �ستخ�سر ال�شع���ب اليمن���ي ،كم���ا فعل���ت يف الع���راق و�أفغان�ستان. ذل���ك) بتدري���ب وجتهي���ز ق���وات �أمنه���م، وتقا�س���م املعلوم���ات الإ�ستخباري���ة والعمل معهم ل�ضرب �إرهابيي «القاعدة»» .وتنطوي زيادة امل�ساع���دات الع�سكرية ل�صنعاء على موقف ح�سا�س للغاي���ة .فمن ناحية ،هناك م�صلحة قوية للوالي���ات املتحدة للحط من قدرة «تنظي���م «القاعدة» يف �شبه اجلزيرة العربي���ة» ملنع���ه م���ن مهاجم���ة امل�صال���ح الأمريكي���ة يف اليمن� ،أو املم���رات البحرية الإ�سرتاتيجية� ،أو الأه���داف الدولية .ومن
ناحية �أخ���رى ،هناك قطاع���ات كبرية من قوات الأمن اليمنية التي تُ�ستخدم يف القمع الداخل���ي ،كم���ا يتعاطف لفيف م���ن جهاز املخابرات م���ع الت�ش���دد الإ�سالمي يف هذا البلد ال�ضعيف واملنق�سم ،مما يثري احتمال �إمكانية تقوي�ض �أهداف الواليات املتحدة. اخللفية ّ ال�صف الأول من قوى الأمن الداخلي ي�ضم يف اليم���ن وكالت�ي�ن ا�ستخباريت�ي�ن هم���ا: “جه���از الأم���ن القومي” و”جه���از الأمن ال�سيا�س���ي” ،وه���ذا الأخ�ي�ر ه���و الأق���دم من بني الإثن�ي�ن وتربطه عالق���ات ات�صال وثيقة م���ع �أجهزة الإ�ستخب���ارات ال�سعودية والباك�ستانية� ،شملت قيام احلكومة اليمنية بتجني���د مقاتل�ي�ن للجهاد �ض���د ال�سوفيات يف �أفغان�ست���ان .وق���د ا�ستخدم���ت حكوم���ة الرئي�س علي عبد اهلل �صالح “جهاز الأمن ال�سيا�س���ي” للتفاو����ض م���ع م�سلح�ي�ن من العرب ال�سنة املت�شددين يف اليمن من �أجل التو�ص���ل �إىل ترتيبات وت�سوي���ات خمتلفة، مبا يف ذلك جتنيد العائدين الأفغان العرب لإ�ستخدامهم م���ن قبل النظام كقوات �أمن يف ال�صراع���ات الداخلي���ة .ويف 3كان���ون الثاين/فرباي���ر 2006ف���ر ثالث���ة وع�شرين �سجين��� ًا من اجلهاديني م���ن �سجن “جهاز الأمن ال�سيا�سي” ،مبن فيهم قادة “تنظيم «القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة العربي���ة”. وقد ع���زز هذا احلادث م���ن مكانة “جهاز الأم���ن القومي” ،ال���ذي كان قد �أن�شئ عام 2002ل�ضم���ان وجود �شريك حملي لوكاالت الإ�ستخبارات الغربية يكون �أكرث ا�ست�ساغة م���ن «جهاز الأم���ن ال�سيا�س���ي»� .إن “جهاز الأمن القومي” ه���و الآن م�سئول عن توزيع 3.4ملي���ون دوالر من الأم���وال التي وفرتها الواليات املتحدة من �أجل امل�شاركة القبلية
لدع���م احلملة �ضد “تنظي���م «القاعدة» يف �شبه اجلزيرة العربية”. ّ ال�صف الثاين م���ن قوى الأمن وق���د �أ�صبح الداخل���ي حت���ت �إط���ار “منظم���ة الأم���ن املركزي” التي ت�ضم ق���وات قوامها 50000 �شرطي��� ًا ،وهي ف���رع م�ستق���ل �إىل حد كبري وتاب���ع ل���وزارة الداخلي���ة .وتتك���ون “قوات الأم���ن املرك���زي” التابع���ة ل���ـ “منظم���ة الأمن املرك���زي” من ق���وات ال�شرطة �شبه الع�سكري���ة الت���ي حتافظ عل���ى �أمن املباين الر�سمية والبنية التحتية وعلى �شبكة كثيفة م���ن نق���اط التفتي����ش الأمنية عل���ى الطرق ال�سريع���ة يف اليمن .كما بد�أت هذه القوات ب�إج���راء عمليات املراقب���ة ال�سرية امل�ضادة على الأه���داف الإرهابية املحتملة .وتتكون “وحدة مكافحة الإرهاب” من 150جندي ًا من الق���وات اخلا�صة القوي���ة التي جنحت يف القي���ام بغ���ارات يف جمي���ع �أنحاء البالد ّ ال�صف من���ذ ع���ام .2003وي�شكل اجلي����ش الثالث من ق���وى الأمن اليمني���ة الداخلية. وتوفر الق���وات الع�سكري���ة الأمن واحلماية يف (املناط���ق) التي ت�شكل �أه���داف �إرهابية حمتملة ويف نقاط التفتي�ش الأمنية ،وغالب ًا ما تقف وحداتها جنب ًا �إىل جنب مع عنا�صر اجلي�ش من “قوات الأمن املركزي”؛ وكثري ًا ما تكون هذه العنا�صر الأخرية منهكة جد ًا، حي���ث ت�ستهلك انتفا�ض���ة احلوثي يف �شمال اليم���ن �أكرث من ن�صف من الق���وة الن�شطة له���ذه العنا�ص���ر .وقد �أدى ه���ذا �إىل تفعيل “اجلي�ش ال�شعب���ي” وهي كتائ���ب ميلي�شيا �أقيم���ت على غرار ميلي�شي���ات حزب البعث العراق���ي ،وت�ضم جزئي��� ًا عنا�صر �إ�سالمية مت�ش���ددة م���ن الع���رب ال�سنة ،مب���ن فيهم جماهدي���ن �سابقني م���ن الأفغ���ان العرب. كم���ا تقوم قوات “م�صلح���ة خفر ال�سواحل اليمني���ة” و”�سالح اجلو” التي مت تدريبها
م���ن قب���ل الواليات املتح���دة مبه���ام توفري الدعم املتخ�ص�ص للأم���ن الداخلي ،جنب ًا �إىل جنب مع القوات الع�سكرية. جماالت الرتكيز للقوات الع�س��كرية الأمريكية :الدعم الفني متكن “تنظيم «القاعدة» يف �شبه اجلزيرة العربي���ة” من بن���اء قوته تدريجي��� ًا ب�سبب متتع���ه بقي���ادة م�ستقرة وفعال���ة تتكون من املت�شددين من ذوي اخل�ب�رة مثل (املثقف) العقائدي نا�صر الوحي�شي والقائد امليداين الع�سكري قا�سم الرميي .وتبع ًا لذلك ،فمن املنطقي �أن يتم مد يد امل�ساعدة الأمنية من قبل الوالي���ات املتح���دة �إىل ال�صفّني الأول والث���اين م���ن الأجه���زة الأمنية الت���ي تقود وتنف���ذ عمليات مط���اردة متوا�صل���ة داخل اليم���ن ،وخ�صو�ص ًا “جهاز الأمن القومي” و”وح���دة مكافح���ة الإره���اب” ،ووح���دات متخ�ص�صة من “�سالح اجلو” .ومع ذلك، ال متث���ل هذه القوات �س���وى ق�سم واحد من املخابرات والبنية الأمنية املطلوبة لهزمية “تنظي���م «القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة العربية”. �إن املب���ادرة امل�شرتكة بني الواليات املتحدة وبريطاني���ا لدع���م تطوي���ر ق���وات ال�شرطة املحلي���ة ملكافح���ة الإره���اب يف اليم���ن، ب�إمكانه���ا �أن ت�ساع���د على تقلي���ل الإعتماد على “جه���از الأمن ال�سيا�سي” يف جماالت جم���ع املعلوم���ات الإ�ستخباري���ة وامل�شاركة ُدعم اجله���ود املبذولة ملكافحة القبلي���ة .وت َ الإرهاب يف الوقت احلا�ضر من قبل خاليا “�إدارة البحث اجلنائي” يف قوات ال�شرطة املحلية ،ولكن هذه الوحدات �ضعيفة وتفتقر للتموي���ل .ومع ذل���ك ،فهي ته���دد “تنظيم «القاعدة» يف �شبه اجلزي���رة العربية” مبا ُ�ستهدف في���ه الكفاي���ة بحي���ث �أنها كان���ت ت َ ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
53
اليمن والعامل
عني على اليمن
ب�صورة مكثفة يف هجم���ات ترهيبية .فعلى �سبيل املثال ،مت �إعدام املقدم ب�سام �سليمان طربو�ش ،رئي�س ق�س���م التحريات بـ “�إدارة البح���ث اجلنائ���ي” يف حمافظ���ة م�أرب يف منت�ص���ف �شه���ر ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر املن�صرم ،و�أُطلق �شريط فيديو على �شبكة الإنرتنت ي�صور عملية �إعدامه .ولكي يتم �إحداث تغيري جدي يف قدرات ا�ستخبارات ال�شرطة اليمني���ة� ،سيتطلب (�إر�سال) بعثة لتدري���ب ق���وات ال�شرطة يف الب�ل�اد تكون م���زودة ب�إمكاني���ات جيدة وتتمت���ع ببع�ض احلرية لتعليم وتوجيه املتدربني يف املرافق املحلية .وقد دلت جتربة الواليات املتحدة يف الع���راق و�أفغان�ست���ان ب����أن تطوير مثل هذه الق���درات هو �صعب وبطي���ئ ويعتمد على ر�صد القوات النامية عن قرب. وفيما ت�ستعد احلكوم���ة الأمريكية لزيادة م�ساعداته���ا الأمني���ة ،يجب عليه���ا �أن ال تتغا�ض���ى ع���ن اجلي����ش اليمن���ي و“قوات الأم���ن املركزي” .وعلى وجه اخل�صو�ص، يج���ب عل���ى وا�شنط���ن �أن ت�ض���ع برنام���ج تدري���ب ميك���ن �أن ي�ؤدي �إىل رف���ع م�ستوى القدرة لل���واء واحد من اجلي����ش اليمني. و�أثن���اء الف�ت�رات العالي���ة التهديد ،ميكن �إن يوف���ر هذا اللواء دع���م خفيف من قبل ق���وات امل�شاة تكون قادرة على الإنت�شار يف العا�صم���ة ويف �شبكات الط���رق الرئي�سية بوا�سطة ق���وات مدربة جي���د ًا (وكما ُذكر �سابق��� ًا ،تنت�ش���ر حالي��� ًا ق���وات الإحتياط الأمني والقوات الع�سكرية اخلا�صة التابعة حلكومة النظ���ام ( يف اجلبه���ة ال�شمالية) ملواجه���ة احلوثي�ي�ن) .ومن املمك���ن �أي�ض ًا �أن متثل هذه القوات كادر للقيام بعمليات التدريب على مكافحة الإرهاب ،يف الوقت الذي تتن���اوب فيه وحداته���ا مع قطاعات �أخ���رى م���ن اجلي����ش لتقوم مبه���ام قوات م�ش���اة متخ�ص�ص���ة ومدرب�ي�ن .وبالتوازي م���ع هذا اجلهد على املدى القريب ،ميكن 54
املراقب الإ�سرتاتيجي
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
�أن ي�ساع���د الدعم ال���ذي تقدمه الواليات املتح���دة للكلي���ات الع�سكري���ة اليمنية �إىل ت�شكي���ل �سل�سلة م���ن امل�ساع���دات الأمنية على امل���دى الأطول ترمي �إىل الت�أثري على اجلي���ل الق���ادم م���ن الق���ادة الع�سكريني ورجال النظام احلاك���م .ومبا �أن اجلهود الرامي���ة �إىل حتقي���ق الإ�ستقرار يف اليمن �ست�ش���كل عل���ى الأرج���ح حتدي���ات طويل���ة ومفتوحة الزمن ،ينبغي �أن ي�شمل الف�صل اجلدي���د م���ن امل�ساع���دات الأمني���ة الت���ي تقدمه���ا الوالي���ات املتحدة نوع��� ًا من هذه املبادرات بعيدة املدى. املزالق املحتملة تتالع���ب احلكوم���ات الإقليمي���ة -يف جمي���ع احل���االت تقريب��� ًا -بكل م���ا يتعلق بامل�ساعدة الأمنية الت���ي تقدمها الواليات املتحدة ،وذلك خلدم���ة م�آربها اخلا�صة. وال تُ�ستثن���ى م���ن ذل���ك حكوم���ة الرئي�س علي عب���د اهلل �صالح -التي بد�أت م�ؤخر ًا فق���ط مبراقب���ة القواع���د الدميقراطية، وما زال���ت حتمل م�ؤ�ش���رات �سيئ���ة للغاية ح���ول تدابري حقوق الإن�س���ان .فعلى �سبيل املثال ،انتقدت وزارة اخلارجية الأمريكية و”منظم���ة العف���و الدولي���ة” كل م���ن “جه���از الأمن ال�سيا�سي” و”جهاز الأمن القومي” ب�سبب �أعم���ال العنف التي قاما بها �ض���د معار�ضي النظام ،وال�صحفيني، والأقلي���ات الديني���ة .وباملث���ل ،ا�ستُخدمت وحدات مدربة وجمهزة من قبل الواليات املتحدة يف ال�ص���راع �ضد احلوثيني ،ومن ب�ي�ن ه���ذه الوحدات ،عل���ى �سبي���ل املثال، “وح���دة مكافحة الإره���اب” .لذا ،يجب عل���ى وا�شنطن النظر بعناي���ة على طبيعة امل�ساع���دة الأمنية الت���ي تقدمها ،وحتقيق الت���وازن ب�ي�ن �أه���داف ال�سيا�س���ة العام���ة القريب���ة والطويلة الأجل عل���ى حد �سواء. وعل���ى وجه اخل�صو����ص ،يج���ب عليها �أن متنع حتويل امل�ساع���دات التي قد ت�ستعمل
خلدم���ة �صراع���ات داخلي���ة دموي���ة مث���ل ا�شتب���اكات احلكوم���ة مع احلوثي�ي�ن التي بد�أت منذ خم�س �سنوات. وعالوة على ذلك ،تعرب الأحداث الأخرية �ضد فكرة تقدمي �أن���واع معينة من الدعم الإ�ستخبارات���ي الع�سك���ري والفن���ي .ففي �أيلول�/سبتم�ب�ر وت�شري���ن االول�/أكتوب���ر ،2009عل���ى �سبي���ل املث���ال� ،ش���ن “�سالح اجلو”اليمني والطائرات ال�سعودية غارات جوية �ضد �أهداف احلوثيني� ،أ�سفرت عن وق���وع �أ�ضرار جانبية يف �أ�سواق ويف خميم لالجئني ،وح�ص���ول حوادث �إطالق نريان �صديق���ة �أ�سف���رت ع���ن مقت���ل اثن���ا ع�شر جندي��� ًا ميني��� ًا .وباملث���ل ،يف 24-17كانون الأول/دي�سم�ب�ر� ،شن���ت احلكومة اليمنية ثالث غارات جوية �ضد اجتماعات ُعقدت يف حمافظات �أبني و�شب���وة ،وي�شتبه ب�أنها �شملت م�شاركة �أع�ضاء من قيادة “تنظيم «القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة العربية”. وكما حدث يف ال�ضرب���ات على احلوثيني، مل يتم ا�ستهداف زعماء كبار من “تنظيم «القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة العربي���ة” ب�ص���ورة ناجح���ة ،ولك���ن الهجم���ات �أدت �إىل مقت���ل عدد من املدني�ي�ن .ويف الواقع، ق���ام مت�ش���ددون م�سلح���ون م���ن “تنظيم «القاعدة» يف �شب���ه اجلزيرة العربية” يف وقت الحق بزي���ارة �أحد املواقع امل�ستهدفة ملعاجل���ة املدني�ي�ن احلزين�ي�ن وامل�صابني. وبالنظ���ر �إىل الدرج���ة التي تعك����س فيها ه���ذه التكتي���كات عل���ى جه���ود الوالي���ات املتحدة يف اليم���ن ،وال�سهولة التي يتمكن فيها “تنظيم «القاعدة» يف �شبه اجلزيرة العربي���ة” م���ن ا�ستغالله���ا ،يج���ب عل���ى وا�شنط���ن تقدمي امل�شورة ح���ول ا�ستخدام انتقائ���ي للغاي���ة ل�ضربات من ه���ذا النوع حمفوف���ة باملخاط���ر ،وذل���ك يف �أي مكان ت�شكل فيه عمليات الإعتقال التي تقوم بها ال�شرطة �شبه الع�سكرية بدي ًال جمدي ًا.
�سيا�سات اليوم وم�سارات الغد
الق�ضية الفل�سطينية الآن عياد البطنيجي «الإخوان امل�سلمون»� :أزمة جماعة �أم ت�أزم م�شروع؟ خليل العناين �أيُّ م�ستقبل لل�سودان؟ عبده خمتار مو�سى م�ساءلة ا�سرتاتيجية �أوباما اجلديدة يف �أفغان�ستان علي ح�سني باكري ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2010
55
املراقب اال�سرتاتيجي
الق�ضية الفل�سطينية
الآن
عياد البطنيجي
من ال�صعوبة مبكان الإحاطة بقراءة حتليلية لو�ضع الق�ضية الفل�سطينية عرب هذا املدخل املوجز، دون الأخذ بعني االعتبار عدد ًا من املتغريات الداخلية واخلارجية التي �أثرت يف تكوين الق�ضية الفل�سطينية ،والتي �ست�ؤثر يف تطورها .وقبل ذلك حري بنا �أن ن�ضع عدد ًا من املحددات: �أوله���ا :الفرتة الزمنية ،فنحن نقدم هذا التحليل يف حدود الفرتة الت���ي تب���و�أت فيها حرك���ة حما�س النظ���ام ال�سيا�س���ي يف 25كانون الثاين/يناي���ر ،2006حتى كتابة ه���ذا املقال .بالإ�ضافة �إىل تقدمي ر�ؤية م�ستقبلية يف حدود امل�ستقبل املنظور. ثانيه���ا :تعقي���د الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة وت�شابك العوام���ل املحلية والإقليمي���ة والدولية يف �صياغ���ة معادلتها ،يف ظل اختالل هائل يف ً ف�ض�ل�ا عن �أزمات موازي���ن القوى ،يعمل يف غ�ي�ر �صالح الق�ضية. عاملية و�إقليمية ت�صرف االنتب���اه عن املو�ضوع الفل�سطيني كالأزمة املالي���ة العاملي���ة ،والأزم���ة النووي���ة الإيرانية ،و�أزم���ة وا�شنطن يف �أفغان�ستان والعراق. ثالثه���ا� :ضع���ف النظام الإقليم���ي العرب���ي .فامل�شهد الع���ام لهذا النظ���ام ي�ش�ي�ر �إىل �أن �آليات العجز داخل النظام ق���د تكفّلت بو�أد �إمكانات حتقيق نقلة نوعية يف �أداء النظام� ،سواء يف �شقه الر�سمي �أو من منظور قوى "املمانعة واملقاومة" وحركة اجلماهري العربية. باخت�صار فهو يف عجز م�ستدام وا�ستحقاقات م�ؤجلة. رابعها� :ضع���ف العامل الفل�سطيني ،فهو يف �أ�س���و�أ �أحواله ،ونذكر من���ه� :أزمة نخب �سيا�سية؛ فهي من دون ر�ؤية ودون مرجعية وطنية موحدة ومن دون برنامج وطني؛ �ضيق العقل ال�سيا�سي الفل�سطيني وان�شط���اره؛ ف� ً ضال عن االنق�س���ام الفل�سطيني -الفل�سطيني يف ظل ح�صار �سيا�سي واقت�صادي.
�أو ً ال :تفكيك امل�شهد الراهن
( )1بع���د و�صول حركة حما����س �إىل ال�سلطة يف 25كانون الثاين/
56
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
يناي���ر ،2006وا�ستمراره���ا ط���وال فرتتها الد�ستوري���ة الكاملة ،بل وجت���اوز دورتها االنتخابية� ،إذ �أن اال�ستحق���اق الد�ستوري يفرت�ض يجر �إجراء انتخابات ت�شريعية يف 25كانون الثاين/يناير 2010ومل ِ هذا اال�ستحقاق حتى الآن .نقول من ال�صعب احلديث عن جناحات ذات �أثر حلركة حما�س؛ فهي مل تتمكن من حتقيق �أي من �أهدافها ب���ل غيرّ ت احلركة من خطابها ال�سيا�س���ي ،وع ّلقت املقاومة وبد�أت ترك���ز على املقاومة الثقافية باعتباره���ا ال تقل �أهمية عن املقاومة امل�سلح���ة حت���ى تتق���رب م���ن املجتمع ال���دويل .فاحل�ص���ار والعزل م���ن منظور املجتم���ع الدويل �أتى بنتائجه ،ور ّو����ض احلركة وعقلن �سلوكها .وهذا يعني �أن املجتمع الدويل �سوف ي�ستمر ب�سيا�سته هذه جتاه احلركة و�ستزداد ثق ًال طاملا �أن ال�ضغوط ت�ؤتي �أكلها ،لذا ف�إن املقاومة �سوف تبقى مع ّلقة �إىل �أمدٍ غري معلوم. ولي����س من ال�سهل �أن ت�صبح احلركة جزء ًا من النظام ال�سيا�سي الفل�سطيني؛ ذلك لأنها حمكومة بر�ؤيتها الإ�سرتاتيجية التي ترمي �إىل حتقي���ق م�شروع الإ�سالم ال�سيا�س���ي ،لي�س يف فل�سطني فح�سب ب���ل يف البلدان العربي���ة الأخرى �ضمن �إ�سرتاتيجي���ة احلركة الأم: الإخ���وان امل�سلم�ي�ن .وت�ش�ي�ر التقاري���ر �إىل �أن الإدارة الأمريكي���ة ب�ص���دد ت�شكيل �شبكات من الإ�سالميني املعتدلني من �أجل مواجهة املتطرف�ي�ن الإ�سالميني حفاظ��� ًا على م�صاحله���ا يف املنطقة ،وهو م���ا ينبئ ع���ن ا�ستعداد وا�شنط���ن لالعرتاف بالإ�س�ل�ام ال�سيا�سي املعتدل .وهذا م���ا تراهن عليه حما�س يف �إبقاء �سيطرتها املنفردة على قطاع غ���زة ،متهيد ًا لالعرتاف بها كحركة بديلة عن ال�سلطة واملنظمة مع ًا ،لتم�سي عنوان الق�ضية الفل�سطينية. عياد البطنيجي باحث فل�سطيني يف العلوم ال�سيا�سية.
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
57
املراقب اال�سرتاتيجي م���ن الثابت �أن ظه���ور الإ�سالم ال�سيا�سي جاء م���ع انهيار احلركة الوطني���ة ،وبالتايل ف�إن مقومات انت�شاره ال ت���زال موجودة ،ويبقى املتغري اخلارجي هو املتغري الوحيد الذي مينع و�صول هذه احلركات �إىل �س���دة احلك���م ،و�إذا مت االعرتاف بها �ستك���ون الفاعل الوحيد لي����س فح�سب يف فل�سطني ب���ل يف املنطقة العربية .ه���ذا االحتمال وارد يف امل�ستقب���ل ،وبخا�ص���ة �أن وا�شنطن ال متان���ع من االعرتاف بدور الإ�سالم ال�سيا�سي املعتدل كما �سبق الإ�شارة� .إن بداية حتقيق هذا ال�سيناريو هو �إدخال حما�س يف النظام ال�سيا�سي بعد املوافقة الإ�سرائيلي���ة والأمريكية ،لدفع الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي يف املنطقة من االع�ت�راف ب�إ�سرائيل من البوابة الفل�سطينية ،بعد �أن �أق ّرت القوى الأخرى بهذا الوج���ود ومل يبق املمانع �سوى الإ�سالم ال�سيا�سي .قد يكون ال�صع���ود الرتكي بقيادة حزب العدال���ة والتنمية الإ�سالمي، ودخوله على خط ال�صراع العربي -الإ�سرائيلي واملُع ِرتف ب�إ�سرائيل �شجع ًا على ذلك. ُم ِّ ( )2بع���د عقده���ا م�ؤمترها ال�ساد����س ال تزال حركة فت���ح بثوبها تجُ���ر احلرك���ة �إع���ادة ق���راءة مل�سريته���ا ال�سيا�سية الق���دمي؛ فل���م ِ وبخا�ص���ة م�سرية الت�سوية بعد و�صولها �إىل طريق م�سدود ،و ُيخ�شى �أن ال يك���ون يف و�سع النخبة ال�سيا�سي���ة "اجلديدة" �أن تقدم جواب ًا �سيا�سي ًا ع���ن امل�س�ألة الوطنية .الهاج�س الذي ي����ؤ ّرق حقيقة هو �أال يك���ون بو�سعها ال�صمود �أمام ال�ضغ���وط الإ�سرائيلية ،و�أمام تراجع الإدارة الأمريكية عن ال�ضغط على احلكومة الإ�سرائيلية� ،أن تقدم التن���ازالت يف امللفات العالق���ة �أمام �صعود ق�ضاي���ا دولية و�إقليمية �أخذت جتذب االهتمام �إليها على ح�ساب امل�س�ألة الفل�سطينية. ويف ظ���ل البيئة النف�سية� ،أي جمموعة امل���دركات والتم ّثالت التي تهيمن على النخ���ب ال�سيا�سية الفل�سطيني���ة وبخا�صة حركتي فتح وحما����س ،غ�ي�ر امل����ؤازرة لل�سل���وك الدميقراط���ي وال للم�صاحل���ة الوطنية ،فالتخوين والإق�صاء و�شخ�صنة النزاع ،هذا اخلطاب ما انف���ك يهيمن عل���ى عقليتي فتح وحما�س .نق���ول يف ظل هذه البيئة النف�سية معطوفة على جملة من ال�ضغط الدويل واالنق�سام العربي؛ كل ه���ذا �أدى �إىل ف�شل احلوار بني حركتي فتح وحما�س ،ولي�س ثمة �أمل يف جناحه يف امل�ستقبل املنظور. وبالت���ايل ،ف����إن حركة التح���رر الوطني الفل�سطين���ي و�صلت �إىل م�أزق عميق تتجلى مالحمه يف ف�شل نهج الت�سوية من ناحية ،وعدم ق���درة نهج املقاومة واملمانعة حتقي���ق نتائج ملمو�سة ،م�سحوب ًا على طغي���ان العوامل اخلارجية ،والعجز عن التك ّيف مع البيئة الدولية؛ كل ذلك يرتد �إىل �صراع داخلي .هذا امل�أزق حرف بو�صلة ال�صراع �إما باجت���اه �صراع داخلي ،و�إم���ا بتوجيه �أنظ���ار الفل�سطينيني �إىل م�صر وحتميل الأخرية احل�صار حتى ال تجُ رب حما�س على التعامل املبا�شر مع �إ�سرائيل و�إراحة الأخرية من م�سئولية احل�صار. ( )3ميث���ل حتول املجتمع الإ�سرائيلي نح���و اليمني �ضربة قا�صمة مل�ش���روع ال�سالم .فت�شري ا�ستطالعات الر�أي �إىل �أن �أغلبية املجتمع 58
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
الإ�سرائيل���ي يرف�ض �إعطاء دولة للفل�سطينيني ،وثمة قناعة را�سخة ب����أن كيان ًا فل�سطيني ًا �سوف ي�شكل تهديد ًا وجودي ًا لإ�سرائيل ،ويعزز مقاومة الفل�سطينيني و�صموده���م .وثمة قناعة �أخرى لدى النخبة ال�سيا�سية الإ�سرائيلية ب�أنه ال �سبيل �إىل العودة للخيارات القدمية، �أي ال للدولة الفل�سطينية على حدود الرابع من حزيران ،وال تنازل ع���ن القد�س ف�ستبقى الأخرية عا�صمة �أبدية لإ�سرائيل ،وال مل�شروع الكونفدرالي���ة بني الفل�سطينيني والأردن .كل ما هو مطروح الآن ال يخرج عن طرح الدولة ذات احلدود امل�ؤقتة بعد ق�ضم امل�ستوطنات للأرا�ض���ي يف ال�ضف���ة الغربي���ة وا�ستم���رار بناء اجل���دار الفا�صل. �إذن كل م���ا يتبق���ى هو جمموعة م���ن الأرا�ضي الت���ي تف�صل بينها امل�ستوطنات الإ�سرائيلية ،وال يربط بينها �أي رابط. (� )4ش��� ّكل جم���يء �إدارة �أمريكي���ة جدي���دة عقب دخ���ول باراك �أوبام���ا البيت الأبي�ض م�صدر تفا�ؤل راه���ن عليه الكثريون يف دفع م�سرية الت�سوية �إىل الأمام ،ورفدها مبقومات احلياة حتى ال تذبل وللحيلول���ة دون ح�ص���ول فو�ضى ال ميكن ال�سيط���رة عليها .بيد �أنه بعد م���رور عام على تويل �أوباما مل ينجح ه���ذا الأخري يف ال�ضغط على �إ�سرائي���ل لوقف بناء امل�ستوطن���ات ،دع عنك حتقيق ال�سالم. وحتاول الإدارة الأمريكية عبث��� ًا �إقناع الفل�سطينيني والإ�سرائيليني بالعودة �إىل املفاو�ضات املجمدة منذ عام .وال تزال الفجوة بينهما �شا�سعة. ويف مقابلة ن�شرتها جملة "تامي" الأمريكية ،قال الرئي�س الأمريكي �إن���ه بالغ يف تقدير فر�ص ال�سالم يف ال�شرق الأو�سط ،وهو ما يعني عج���ز "الو�سي���ط" الأمريكي عن �إحي���اء عملية ال�س�ل�ام وال�ضغط على اجلان���ب الإ�سرائيلي يف تقدمي ا�ستحقاق���ات الت�سوية .ناهيك عن �إغفاله يف خط���اب حالة االحتاد ،الذي �ألقاه �أمام الكوجنر�س يف 27كان���ون الثاين/يناي���ر املا�ض���ي ،للق�ضي���ة الفل�سطينية ،وثمة رف����ض قاطع من اليمني الإ�سرائيلي لنهج �أوباما؛ لأنه لن ينجح مع الفل�سطينيني وال مع العرب وال مع �إيران وال مع رو�سيا وال مع ال�صني. وه���و م�ؤ�شر �صارخ على عقلية القوة والهيمنة ك�أ�سلوب وحيد لإدارة ال�ص���راع .وجدير بالذكر �أن عل���م ال�سيا�سة الإ�سرائيلي ينطلق من منظور �إدارة ال�صراع ولي�س حله .وقد عبرّ عن ذلك مناحيم بيجن يف كتابه "الثورة :ق�صة الأرجون" ،بقوله�" :ست�ستمر احلرب بيننا وبينهم العرب حتى ولو و ّقع العرب معنا معاهدة �صلح".
( )
( )5من���ذ ت�شكيل جامعة ال���دول العربية والو�ضع العربي يف حالة انق�س���ام متعدد ،مب���ا يف ذلك ت�شكيل حم���اور مت�صارعة كل حمور يف مواجه���ة املحور الآخر ،وا�ستم���رار حالة التجزئة ،وتناف�س على القي���ادة والزعام���ة ،وا�ستم���رار الإ�سرتاتيجية الدولي���ة املتعار�ضة م���ع م�صلح���ة الوحدة العربية ،وم���ا يتولد عن ه���ذه الإ�سرتاتيجية م���ن تق�سيم الوطن العربي �إىل مناطق نف���وذ و�سيطرة مبا ي�ضعف الت�ضامن العربي -العربي �إزاء الق�ضايا امل�صريية وال�سيما الق�ضية الفل�سطينية ،مبا يعني تفاقم وا�ستمرار العجز العربي ،الأمر الذي
ُي�ضع���ف قدرة الأنظمة العربية من حتقيق الطموحات الفل�سطينية ب�سبب املحددات وال�سقوف املنخف�ضة حلرية احلركة.
ثاني ًا :تركيب امل�شهد
يف ظ���ل هذه املعطيات البنيوي���ة ،تكون �صورة الو�ض���ع �أكرث قتامة م���ن ذي قبل ،و�ستزداد الأمور قتامة �أمام املنحنى الرتاجعي الذي وم�س���ت مفاعيله احلرك���ة الوطنية دخلت���ه الق�ضي���ة الفل�سطينيةّ ، الفل�سطيني���ة ،وحتول���ت من "حرك���ة ت�ضحية ومقاوم���ة �إىل حركة ت�سوية وم�ساومة". ويف املح�صل���ة ال يبدو يف الأف���ق ب�صي�ص �أمل يف حتقيق حل عادل للق�ضي���ة ،وال يب���دو �أن احلركة الوطني���ة الفل�سطيني���ة ،بخياراتها الراهن���ة ،قادرة عل���ى طرح مقاربة جديدة لتف���ادي حالة الرتاجع هذه .وحتى الرتتيبات التي ُد ِّ�شنت منذ اتفاقية كامب ديفيد مرور ًا باتفاق �أو�سل���و ووادي عربة والقرارات الدولية ذات ال�صلة وانتهاء بر�ؤي���ة بو�ش وخارطة الطريق ،ق���د �أنتجت �أو�ضاع��� ًا قلقة ،وهو ما ُينبئ بف�صل جديد من العنف والتوتر. وحت���ى �إن حتقق���ت امل�صاحلة العربية والفل�سطيني���ة ،ف�إن ذلك - رغ���م �أهميته -لن ُيحقق الطموح���ات الفل�سطينية كاملة؛ لأن ثمة ً وفاع�ل�ا يف ت�شكيل احلالة العربية عام ًال خارجي��� ًا ما يزال طاغي ًا والفل�سطيني���ة� .إن امل�صاحل���ة العربية والفل�سطيني���ة ت�شكل عام ًال مهم��� ًا يف من���ع منحن���ى التدهور واالنهي���ار على م�ست���وى الق�ضية، وي�ش���كل رافعة قوية ،ف� ً ضال ع���ن �أنها ترفد ال�سيا�س���ة الفل�سطينية ومتنحه���ا املناع���ة واحل�صان���ة الذاتي���ة مب���ا ي�ضمن جت���اوز حالة االنق�س���ام .وم���ا يدفع نح���و احل�صول عل���ى احلق���وق الفل�سطينية هو م�ساحة معين���ة من ال�صيغ وال�ش���روط ال�سيا�سية التوافقية بني العوام���ل املحلي���ة والإقليمية والدولية� ،أي ب�ي�ن �صياغة يتفق عليها الإ�سرائيليون والأمريكي���ون والعرب والقيادة الفل�سطينية .دون �أن يعني ذل���ك ان�سجام ًا �أو توافق ًا كلي ًا بينهم���ا ،بل مبا ي�ضمن حتقيق امل�صال���ح امل�شرتك���ة .وال يب���دو يف الأفق م���ا ي�شي به���ذه ال�صياغة التوافقية. املطلوب فل�سطيني ًا ،يف ظل ه���ذه املعطيات القامتة ،هو املحافظة على االجنازات الوطنية ومنع تدهور الأو�ضاع والنكو�ص �إىل نقطة ال�صف���ر �أو املرب���ع الأول ،من خالل �إطالق حوار وطني حقيقي بني ف�صائل احلرك���ة الوطنية الفل�سطينية حول م�ستقبل هذه احلركة، يف �ض���وء مكت�سباتها و�إخفاقاته���ا ال�سابقة ،و�ض���رورة اجناز عقد اجتماع���ي و�سيا�س���ي وطني ي�ش���كل مرجعي���ة للفل�سطينيني ل�صون اجن���ازات الثورة من التبديد ،وا�ستعادة منظمة التحرير ،والتحرر م���ن العقلية احلزبية ال�ضيقة باجتاه عقل �سيا�سي م�ستنري ومنفتح ومرك���ب ،وتطوي���ر �أ�ساليب ن�ضالية وطني���ة وتكييفها مع التطورات واحلقائق الإقليمية والدولية اجلديدة. ختام��� ًا ،رغ���م كل مالمح ه���ذا امل�شه���د القامت الت���ي يعك�سها هذا التحلي���ل ،تبق���ى ثم���ة حقائ���ق ال ميكن �إنكاره���ا قد ت�ص���ل بنا �إىل ا�ستنتاج���ات خمتلف���ة ،وه���و �سي���اق �صم���ود ال�شع���ب الفل�سطين���ي
ال يبدو يف الأفق ب�صي�ص �أمل يف حتقيق حل عادل للق�ضية، وال يب��دو �أن احلرك��ة الوطني��ة الفل�س��طينية ،بخياراته��ا الراهن��ة ،قادرة على ط��رح مقاربة جدي��دة لتفادي حالة الرتاج��ع هذه .وحتى الرتتيبات التي ُد ِّ�ش��نت منذ اتفاقية كامب ديفيد مرور ًا باتفاق �أو�س��لو ووادي عربة والقرارات الدولية ذات ال�صلة وانتهاء بر�ؤية بو�ش وخارطة الطريق، ق��د �أنتجت �أو�ض��اع ًا قلقة ،وه��و ما ُينبئ بف�ص��ل جديد من العنف والتوتر
البطويل ،الأمر الذي من �ش�أنه �أن يغري �أبعاد املعادلة الدولية التي تدفع نحو االنزالق باجتاه ا�ست�سالمي لي�س من بعده نهو�ض قريب. وعلي���ه ال �سبي���ل �آخر غري بن���اء املقومات الذاتي���ة ،ومتتني الوحدة الوطني���ة ،والقطيعة مع العقل احلزبي ال�ضي���ق ،و�إال �سوف ي�ستمر احلال ال�سيا�سي يف التدهور واالنزالق. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
59
املراقب اال�سرتاتيجي م��رت جماعة “الإخوان امل�س��لمني” فى م�ص��ر والع��امل العربي ب�أزم��ات متالحقة خالل ال�س��نوات الث�لاث الأخ�يرة ،وق��د ب��دا �أن اجلماع��ة مبختلف فروعه��ا تعي�ش حال��ة من التخب��ط التنظيمي والعجز ال�سيا�س��ي مما �أثر يف �ص��ورتها �أمام الر�أى العام العربي ،وقلل من بريقها باعتبارها البديل املحتمل للأنظمة القائمة. خليـل العنانـي
«الإخوان امل�سلمون» �أزمة جماعة �أم ت� ّأزم امل�شروع؟
وم���ع اخت�ل�اف ظ���روف كل بل���د� ،إال �أن اخليط الناظ���م بني فروع الإخوان املختلفة خا�صة فى م�صر والأردن واجلزائر هو �أن اجلماعة العج���وز تعي�ش �أزمة حقيقية� ،سواء على م�ستوى التنظيم وتفاعالته الداخلي���ة� ،أو فيما يخ�ص خطابها ال�سيا�سي والفكرى .وهو ما جنم عنه حدوث خالفات حادة و�صلت �أحيان ًا �إىل م�ستويات غري م�سبوقة عل���ى غ���رار ما حدث ف���ى م�ص���ر والأردن ،ويف �أحي���ان �أخرى و�صل اخل�ل�اف �إىل درجة حدوث ان�شقاق تنظيمي وان�شطار عمودى مثلما هو احلال مع حركة جمتمع ال�سلم (حم�س) اجلزائرية. للمرة وت�ص��دعات داخلي��ة �أزم��ة تاريخي��ة ّ الأوىل من���ذ ت�أ�سي����س جماع���ة الإخ���وان امل�سلمني قب���ل ثمانية عقود ونيف ،واجهت اجلماعة �أزمة تاريخية غري م�سبوقة ب�سبب اخلالف حول �إج���راء انتخابات مكتب الإر�شاد الع���ام للمرة الأوىل منذ عام ���م اختي���ار مر�شد جدي���د للجماعة .وقد ب���د�أت الأزمة 1995وم���ن ث ّ الأخرية عندما ت���ويف حممد هالل �أحد �أكرب �أع�ضاء مكتب الإر�شاد �سن��� ًا (� 90سنة) �أوائ���ل �شهر ت�شرين الأول�/أكتوب���ر ،2009وقد كان من املفرت����ض ،ح�سب الالئح���ة الداخلية للإخ���وان �أن يتم ت�صعيد القيادي الب���ارز فى اجلماعة ع�صام العريان كي يحل حمله ،وذلك باعتب���اره الأحق حيث ح�ص���ل على �أعلى ن�سبة م���ن الأ�صوات خالل �آخر انتخابات �أجريت ملكتب الإر�شاد فى حزيران/يونيو .2008بيد �أن التي���ار املحافظ رف�ض ذل���ك متعل ًال بعدم قانوني���ة هذا الإجراء م���ن جهة ،وبعدم احلاجة الآني���ة له من ناحية �أخرى .وقد �أدت هذه الأزم���ة �إىل �إعالن املر�شد العام للجماع���ة مهدي عاكف عن رغبته فى اال�ستقالة من من�صب���ه ،حيث كان يريد �أن يتم ت�صعيد العريان ولكن مكتب الإر�شاد رف�ض ذلك .وقد قال الدكتور حممد حبيب فى حوار مع قناة اجلزيرة �أن املر�شد العام قد فو�ضه �صالحياته ب�سبب هذه الأزمة. وخ�ل�ال �شه���ري ت�شري���ن الأول�/أكتوب���ر وت�شري���ن الثاين/نوفمرب ت�صاع���دت الأزم���ة ب�شكل كبري حت���ى حدث انق�س���ام تاريخي داخل مكت���ب الإر�شاد ح���ول �إجراء انتخاب���ات عامة ملكت���ب الإر�شاد الذي يتك���ون من 16ع�ضو ًا .وكان هناك تياران ،الأول يقوده حممود عزت
60
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
خلي���ل العناين خبري فى �ش����ؤون الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي ،جامعة درم -بريطانيا.
ويرغ���ب فى �إجراء االنتخابات ب�أ�س���رع وقت حتى يتم اختيار مر�شد ع���ام جدي���د قبل حلول الراب���ع ع�شر من كان���ون الثاين/يناير 2010 موعد نهاية والية عاكف .والتيار الثاين يقوده حممد حبيب ويرغب فى ت�أجيل االنتخاب���ات حتى �شهر حزيران/يونيو 2010بعد انتخاب جمل����س جدي���د لل�ش���ورى ف���ى اجلماعة .وم���ن املع���روف �أن جمل�س ال�ش���ورى الع���ام للإخوان ،وال���ذي يتكون من ح���وايل 100ع�ضو ،هو امل�سئول عن اختيار �أع�ضاء مكتب الإر�شاد واملر�شد العام. وبع���د �ص���راع طوي���ل ب�ي�ن كال التياري���ن مت ح�س���م الأم���ر و�أجريت االنتخابات العامة ملكتب الإر�شاد وحملت �أكرث من مفاج�أة ،حيث مت �إق�ص���اء النائب الأول للمر�شد حممد حبيب والإ�صالحي عبد املنعم �أبو الفتوح من ع�ضوي���ة املكتب .وبذلك مت �إق�صاء التيار الإ�صالحي متام��� ًا ف���ى اجلماعة ،ف���ى حني مت ت�صعي���د ع�صام العري���ان ليكون ع�ض���و ًا مبكتب الإر�شاد للمرة الأوىل فى تاريخه .وهو ما دفع حممد حبي���ب �إىل اال�ستقالة م���ن منا�صبه كافة داخ���ل اجلماعة با�ستثناء ع�ضويته فى جمل�س �شورى اجلماعة فى �سابقة تاريخية. وق���د ك�شفت �أزم���ة مكتب الإر�شاد عن غي���اب معايري الدميقراطية احلقيقي���ة وال�شفافي���ة داخ���ل جماع���ة الإخ���وان ،حي���ث مت الطعن ف���ى م�شروعي���ة الطريقة التي جرت به���ا انتخابات مكت���ب الإر�شاد وتناق�ضها مع الالئحة الداخلية للجماعة .فى حني بدا ال�سيد مهدي عاكف وك�أن ال حول له وال قوة فى معاجلة االنق�سامات وال�صراعات ب�ي�ن قي���ادات مكت���ب الإر�ش���اد حت���ى تط���ورت الأزمة وو�صل���ت �إىل م�ستوي���ات غري م�سبوقة .وبعيد ًا عن التف�س�ي�رات املت�ضاربة لالئحة الداخلي���ة للإخوان ،ف�إن كث�ي�ر ًا من �أع�ضاء اجلماع���ة ي�شككون فى �شرعي���ة جمل�س ال�شورى الع���ام القائم و�صالحيت���ه النتخاب مكتب �إر�ش���اد جديد ،خا�صة فى ظل التعدى الوا�ضح على �صالحيات نائب املر�شد الذي كان من املفرت�ض �أن ير�أ�س جمل�س ال�شورى العام �أثناء انتخابات مكتب الإر�شاد .وهو ما يطرح ت�سا�ؤالت جادة حول �شرعية مكت���ب الإر�شاد اجلدي���د وم�صداقيته ،وح���ول �صالحيته فى اختيار املر�شد اجلديد. من جه���ة �أخرى ،رفعت هذه الأزمة غطاء القد�سية والطهورية عن جماعة الإخوان امل�سلمني ،وقد وجدنا �أنف�سنا �أمام ن�سخة مكررة مما ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
61
املراقب اال�سرتاتيجي �أوله���ا �أن ثم���ة �شعور بنق�ص ال�شرعية �سوف ي�ل�ازم املر�شد اجلديد طيلة فرتة واليته وذلك ب�سبب الطريقة التي جاء بها ،وهو �إن حاول جتاوز ذلك �شكلي ًا �إال �أن هذا ال�شعور �سوف يظل قابع ًا فى خلفية �أية قرارات �سوف ي�صدرها املر�شد اجلديد خالل املرحلة املقبلة. ثانيه���ا� ،أن���ه �سيك���ون من الع�س�ي�ر على املر�ش���د اجلدي���د �أن يقوم بعمل موازن���ات ومواءمات داخل اجلماعة ب�ي�ن املحافظني والرموز الإ�صالحي���ة الت���ي مل يع���د لها ت�أث�ي�ر فعلى داخ���ل الهي���اكل امل�ؤثرة للجماعة مثل مكتب الإر�شاد العام .وقد كان مهدى عاكف ماهر ًا فى حتقيق مثل هذا التوازن ب�شكل �أعطى قدر من احلركة للإ�صالحيني فى مواجهة ال�صقور. ال�سلف واخللف:اختري املر�شد اجلديد حممد بديع (ي�سار ًا) ،بد ًال من املر�شد ال�سابق مهدي عاكف (ميين ًا).
يح���دث فى بقية الأحزاب ال�سيا�سية امل�صرية �سواء احلزب الوطني �أو ح���زب الوفد �أو حزب الأحرار � ...إلخ م���ن �صراعات وم�ساومات وتربيط���ات �سيا�سي���ة حم�ضة .وف���ى ظل نتائج االنتخاب���ات الأخرية ملكت���ب الإر�شاد ،ميكن القول ب�أن �أ�سط���ورة ال�صراع بني املحافظني والإ�صالحيني قد انتهت ،وذلك بعدما جنح التيار املحافظ ،خا�صة اجلناح املت�شدد ،فى �إق�صاء الإ�صالحيني والرباجماتيني من مكتب الإر�شاد اجلديد ،فيما ي�شبه االنقالب الأبي�ض على الإ�صالحيني. كم���ا و�أدت هذه االنتخابات �آمال اجليل ال�شاب فى جماعة الإخوان ب�إمكانية �إ�صالح �أو�ضاع اجلماعة ،ف�أغلب الأع�ضاء اجلدد فى مكتب الإر�ش���اد فوق �سن اخلم�س�ي�ن عام ًا ،وغري معروف عنه���م �أي توجه �إ�صالح���ي .كما �أنهم غري معروفني �إعالمي ًا �سواء داخل اجلماعة �أو خارجها با�ستثناء الدكت���ور ع�صام العريان .فى حني مل تكن هناك �أي���ة مناف�سة حقيقية على من�صب املر�شد الع���ام اجلديد ،فقد كان اختيار املر�ش���د �أقرب للتزكية �أو التعيني .فجمي���ع الأع�ضاء ينتمون للتيار املحافظ ومل يكن هناك فروق كبرية بني ك ًال من حممد بديع �أو ر�ش���اد البيومي الذي كان مكت���ب الإر�شاد مييل الختياره باعتباره �أكرب الأع�ضاء �سن ًا. بع���د خما����ض مر�ش��د جدي��د وخط��اب ق��دمي ع�سري ا�ستمر ل�شهور جنحت جماعة الإخوان امل�سلمني فى م�صر فى اختي���ار مر�شد ع���ام جديد لها هو الدكتور حمم���د بديع .وذلك بعد �أن �أ�ص ّر مر�شدها ال�ساب���ع حممد مهدي عاكف على االن�سحاب بعد نهاي���ة فرتته الأوىل ورغبته فى ع���دم البقاء لفرتة جديدة ملدة �ست �سنوات رغم �أن الالئحة الداخلية للجماعة تخ ّول له ذلك. بعي���د ًا عن الأزمة الت���ي رافقت اختي���ار املر�شد اجلدي���د للإخوان 62
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ف����إن ثمة عالم���ات ا�ستفهام كث�ي�رة �أثارها اختي���ار الدكتور حممد بدي���ع كي ي�صبح املر�ش���د الثامن للجماعة .ومنب���ع الأ�سئلة ال يتعلق بطريق���ة اختيار بدي���ع ،والتى ال ت���زال تثري هواج����س عديدة داخل ال�صف الإخ���واين ب�سبب الطعن فى نزاهته���ا و�سالمتها القانونية، بقدر ما يرتبط بالق���درات والإمكانات الفكرية وال�سيا�سية للمر�شد اجلديد .فاملر�شد اجلديد جاء من قلب التنظيم الإخواين ،ومن بني ترو�س املاكين���ة امل�ؤ�س�سية للجماعة ،و�إذا كانت هذه املاكينة تت�صف عموم ًا باملحافظة واحلر����ص ال�شديد على بقاء التنظيم حي ًا ،بغ�ض النظر عن �أية �أدوار �سيا�سية ،ي�صبح منطقي ًا �أن يكون الرجل ممث ًال فعلي��� ًا للتيار املحاف���ظ فى اجلماعة ومع�ب�ر ًا عن توجهات���ه الدينية وال�سيا�سي���ة .وهو ما بدا بو�ضوح خالل خطاب التن�صيب الذي �ألقاه املر�ش���د اجلديد فور اعتالءه ملن�صبه .فقد �أكد ما هو معروف �سلف ًا ب����أن الإخ���وان جماع���ة تنبذ العن���ف ،و�أنها �سوف ت�س�ي�ر على خطى الإ�ص�ل�اح التدريج���ي ،و�أن���ه ال �سبيل حل���دوث مواجهة م���ع النظام امل�ص���رى � ..إل���خ� .صحيح �أن الرج���ل التزم لغة هي �أق���رب للتهدئة وال�سك���ون ،بيد �أن ذلك ال يعني �أن ثمة ر�ؤية �سيا�سية متما�سكة تقبع خلف هذه اللغة املهادِ نة. وحت���ى الآن ف�إن ثمة فرق وا�ضح ب�ي�ن املر�شد اجلديد و�سلفه مهدى عاك���ف ال���ذي م���ا �إن و�ص���ل �إىل من�صبه ف���ى كان���ون الثاين/يناير 2004حت���ى �أعلن ،فى جر�أة الزمته طيل���ة واليته ،عن مبادرة �شاملة للإ�ص�ل�اح �شكلت نقلة نوعية فى اخلط���اب ال�سيا�سي للجماعة طيلة ال�سنوات اخلم�س املا�ضية برغم بع�ض ثغراته. و�إذا كان من ال�صعب الت�سرع فى �إ�صدار حكم على �إمكانات املر�شد اجلديد� ،إال �أن ثمة مالحظات �سريعة ميكن الإ�شارة �إليها قد تعطي �صورة �أولية حول م�ستقب���ل اجلماعة حتت قيادة مر�شدها اجلديد.
جماعة الإخوان امل�سلمني ،فهي �أن احلركة تعاين من حالة من الت�أزم التنظيم���ي وال�سيا�سي ،وهو ما يط���رح ت�سا�ؤالت جدية حول م�ستقبل امل�شروع ال�سيا�سي للجماعة بوجه عام ومدى �صالحيته وقدرته على البق���اء ب�شكل فاعل .فالتنظيم الإخواين ال يعمل فى فراغ بل ي�ستند �إىل ر�ؤية و�إيديولوجية هي مبثابة العقل املح ّرك للتنظيم.
وباعتق���ادي �أن ثمة �أزمة حقيقية تواج���ه امل�شروع الإخواين برمته، وتتج ّل���ى مظاهرها فى �أربعة نق���اط �أ�سا�سية� ،أولها تراجع اخلطاب الإخ���واين ،ديني ًا و�سيا�سي ًا ،وت����آكل قدرته على �إلهام ال�شارع العربي وذلك لي����س فقط ب�سبب وج���ود خطابات وحركات �أخ���رى مناف�سة كال�سلفي���ة التقليدي���ة والإ�سالمية الإ�صالحي���ة وال�سلفية اجلهادية، ثالثه���ا� ،أن املر�شد اجلديد لن تكون لديه القدرة على التخل�ص من و�إمن���ا �أي�ض ًا ب�سبب جم���ود مفردات اخلطاب الإخ���واين ذاته وعدم قدرت���ه عل���ى ا�ستنها����ض مفاهي���م �أك�ث�ر مدني���ة وحداثي���ة للعم���ل هيمن���ة التيار املحافظ على اجلماعة تنظيم ًا وفكر ًا ،وذلك كونهم ال�سيا�سي. امل�سئولني عن تن�صيبه واختياره. ثانيه���ا ،جمود املبادرات الإ�صالحية التي تقدمها رابعه���ا� ،أن املر�شد اجلدي���د ال يتمتع ،على الأقل جماعة الإخوان للجمهور العربي ،كل فى بلده. حت���ى الآن ،بعالقات وا�ضحة مع القوى والأحزاب فعلى �سبي���ل املثال مل تط���رح جماعة الإخوان ال�سيا�سي���ة الأخ���رى الت���ي ق���د متكن���ه م���ن عقد �أي جديد فيما يخ�ص ر�ؤيتها ال�سيا�سية وذلك حتالف���ات �أو �صفق���ات �سيا�سية معه���ا وذلك على من���ذ �أن طرح���ت مبادرته���ا للإ�ص�ل�اح ع���ام غرار ما كان يفعل مهدي عاكف. ،2004وكذلك احلال ف���ى الأردن ،واجلزائر، ورمبا اليمن. و�أخري ًا ،من غري املتوقع �أن يدخل املر�شد اجلديد حركة «الإخوان ثالثها ،ف�شل احل���ركات الإخوانية فى تكييف ف���ى �أي���ة مواجهة م���ع النظ���ام لي�س فق���ط ب�سبب عالقاته���ا بالأنظم���ة العربي���ة� ،س���واء ب�سبب اخلوف من بط�ش هذا الأخري ،و�إمنا ب�سبب �ضعف امل�سلمني» لن ت�ضمر �إ�ص���رار هذه الأخرية على قمعه���ا و�إق�صاءها قدرت���ه على �ضب���ط القواع���د الإخواني���ة و�ضمان تنظيمي ًا �أو حركي ًا، وا�ستدراج احلركة �إىل معارك غري جمدية� ،أو ال�سيطرة على حتركاتها. على الأقل فى املدى ب�سبب افتقاد هذه احلركات لقيادات �سيا�سية �أم���ا م���ا ُيق���ال ح���ول احتم���ال نكو����ص الإخ���وان املنظور ،بيد �أنها ذات مه���ارات تفاو�ضية ميكنها فر�ض معادلة وتراجعه���م عن االنخراط ف���ى احلياة ال�سيا�سية، بال �شك فقدت زمام االندماج على الأنظمة العربية. نتيجة لهيمنة املحافظني على اجلماعة ،ف�إنه قول املبادرة ال�سيا�سية، و�أخري ًا ،ات�ساع الفجوة اجليلية داخل احلركة تنق�صه الدقة واملعقولي���ة .فالعمل ال�سيا�سي يبدو الإخواني���ة ،وانعدام القدرة على دمج الأجيال ومل تعد قادرة على حيوي ًا جلماع���ة الإخوان �إن مل يكن بهدف حتقيق اجلديدة �ضمن الأطر التنظيمية للحركة ،وهو فر�ض نف�سها كبديل مكا�س���ب �سيا�سي���ة ،فمن �أج���ل �ضم���ان التوا�صل م���ا جنم عن���ه ا�ستنزاف احلركة ف���ى م�شاكل م���ع اجلماه�ي�ر وجتنيد �أع�ض���اء ج���دد للتنظيم. للأنظمة القائمة داخلي���ة �أثرت �سلب��� ًا يف �صورتها �أم���ام الر�أى وباعتقادي �أن امل�شكلة لن تكون فى تراجع الإخوان الع���ام ،ناهيك عن حرم���ان احلركة من �ضخ عن العم���ل ال�سيا�سي ،و�إمنا ف���ى طريقة �إدارتهم دماء جديدة فى هياكلها التنظيمية. له���ذا العمل خا�صة فى ظل وجود ملفات كثرية معلقة مثل الربنامج احلزبي للجماعة واملوقف من املر�أة والأقباط ،ناهيك عن عالقتهم رمب���ا لن ت�ضمر حرك���ة “الإخ���وان امل�سلمني” تنظيمي��� ًا �أو حركي ًا، على الأقل فى املدى املنظور ،بيد �أنها بال �شك فقدت زمام املبادرة مع النظام. ال�سيا�سي���ة ،ومل تع���د ق���ادرة عل���ى فر�ض نف�سه���ا كبدي���ل للأنظمة م�س��تقبل الإخ��وان ب�ين فق��دان املب��اردة وت���أزّم القائم���ة ،وهو ما قد يح���دو بال�شارع العرب���ى �إىل البحث عن بدائل �إذا كان ن داللة حتملها الأزمة الأخرية داخل �أخرى ميكنها ا�ستيعاب طموحاته وحتقيق �آماله. امل�شروع ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
63
املراقب اال�سرتاتيجي
� ُّأي م�ستقبل لل�سودان؟ ملاذا يبدو �سيناريو االنف�صال �أقرب للتحقق من �أي وقت م�ضى ،وما ال�سبيل للتعامل معه عبده خمتار مو�سى
64
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
عبده خمتار مو�سى �أ�ستاذ م�شارك فـي العلوم ال�سيا�سية جامعة �أمدرمان الإ�سالمية -ال�سودان.
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
65
املراقب اال�سرتاتيجي
مير ال�سودان ب�أزمة �سيا�سية معقدة يعتمد م�سار امل�ستقبل على كيفية معاجلتها .فهناك �أزمة ب��ي�ن �شريك����ي احلكم بعد اتفاق ال�س��ل�ام ال�شامل (كينيا )2005/1/9وهم����ا امل�ؤمتر الوطني (احلركة الإ�سالمية) واحلركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان ( - SPLMحركة التمرد الرئي�سية يف جن����وب ال�س����ودان) ،مقرون ًا بها تداعيات �أزمة دارفور داخلي���� ًا وخارجي ًا ،وبالتوازي معها تده����ور العالقات م����ع اجلارة ت�شاد ،وه����ي دولة مفتاحي����ة يف �أزمة دارف����ور للتداخل القبلي ولإيوائها ودعمها حلركات التمرد الدارفورية امل�سلحة خا�صة حركة العدل وامل�ساواة بقيادة د .خلي����ل �إبراهيم ،الت����ي حاولت قلب نظام احلكم يف اخلرطوم بالق����وة يف هجوم م�سلح يف العا�شر من �شهر �أيار/مايو .2008 هذا �إ�ضاف���ة ِ�إىل قوى املعار�ضة الداخلية التي جمعت الأحزاب ال�شمالية – �أح���زاب الو�س���ط (مث���ل حزب الأم���ة القومي ،واحل���زب االحتادي الدميقراط���ي) والي�س���ار (مثل احل���زب ال�شيوعي ال�س���وداين ،واحلزب البعث العربي) واليمني (مثل حزب امل�ؤمتر ال�شعبي بزعامة الرتابي الذي ان�شق عن حزب امل�ؤمتر الوطني احلاكم يف – )1999حيث حتالفت هذه الأحزاب وبع�ض الأح���زاب اجلنوبية مع احلركة ال�شعبية يف م�ؤمتر جوبا يف ت�شري���ن الأول� /أكتوب���ر 2009و�سط خالفات داخل تكتل غري من�سجم �أيديولوجي ًا ،مما �أ�ضعفه و�أ�ضعف خمرجاته و�أ�ضعف �إمكانية بناء جبهة معار�ضة قوية ومتما�سك���ة .جتلى ذلك الف�شل يف �أول اختبار يف مظاهرة �سلمية قادته���ا �أحزاب حتالف جوبا يف اخلرط���وم ( .)2009/12/7وقد كان���ت امل�س�ي�رة – الت���ي مل تُ�ص���ادق ال�شرطة عليه���ا -موجه���ة النتقاد احلكوم���ة (�أو حتدي���د ًا امل�ؤمتر الوطني) ،متهمة �إياه���ا بالتلك�ؤ يف �إجازة قوان�ي�ن ترى املعار�ض���ة �أنها مهمة لعملية التح���ول الدميقراطي ،ال �سيما قان���ون الأمن الوطني .النقطة اجلوهرية يف اخلالف هي يف مادة واحدة تخول للجهاز �سلطة االعتقال بينما ترى املعار�ضة �أن يتم جتريد اجلهاز م���ن هذه ال�سلطة ،و�أن تنح�صر وظيفته يف جمع املعلومات فقط ،يف حني يعرت�ض امل�ؤمتر الوطني على ذلك. ا�ستجابت احلركة ال�شعبية لدعوة – �أو وعود – امل�ؤمتر الوطني مبعاجلة الأم���ر داخل الربملان (املجل�س الوطن���ي) .فان�سلخت احلركة تلقائي ًا من جتمع �أحزاب جوبا املعار�ض ،وبالتايل تخلت عن فكرة مناه�ضة احلكومة ب�أ�سل���وب املظاهرات ،مم���ا �أدى �إىل �إلغاء موكب �آخر كان���ت تعتزم كتلة املعار�ض���ة ت�سيريه بعد �أ�سبوع من امل�س�ي�رة الأوىل التي ت�صدت لها قوات ال�شرطة وفرقتها بالقوة واعتقلت الع�شرات من بينهم باقان �أموم ،الأمني الع���ام للحركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان – وق���د مت �إطالق �سراحهم يف الي���وم ذاته .بدا الأمر وك�أمنا ا�ستغلت احلرك���ة ال�شعبية �أحزاب ال�شمال املعار�ضة لل�ضغط على امل�ؤمتر الوطني احلاكم لتحقيق �أجندتها .غري �أن حالة ال�شد واجلذب بني ال�شريكني مل ت�صل �إىل نهاية.
قمـ��ة جب��ل اجلليـد
هذا امل�شهد يف واقع الأمر امتداد
ل�سل�سل���ة من الأزمات بني ال�شريكني خ�ل�ال الأربعة �أعوام املا�ضية (2005
– ،)2009حيث كانت �أعنف الأزمات ما و�صل �إليه احلال بني ال�شريكني 66
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
يف خواتي���م الع���ام 2007عندما �سحبت احلرك���ة ممثليها – الد�ستوريني والتنفيذي�ي�ن – من احلكومة على خلفية اتهامات متبادلة بني الطرفني، خا�ص���ة م���ن جان���ب احلركة ال�شعبي���ة جتاه امل�ؤمت���ر الوطن���ي� .أبرز هذه االتهامات �أن امل�ؤمتر الوطني يعمل على تهمي�ش عنا�صر احلركة ال�شعبية امل�شاركني يف احلكومة املعروفة بـ “حكومة الوحدة الوطنية” ،و�أن امل�ؤمتر الوطني يخفي حقائق حول �أرقام �إنتاج وت�صدير و�إيرادات النفط (85% من حق���ول انتاجه يف اجلنوب) ،وعدم �إ�شراكه للحركة ال�شعبية يف كثري م���ن امللفات املهمة ،مثل �أزمة دارفور ،وق�ضية املحكمة اجلنائية الدولية، وم�س�ألة �أبيي وغريها. ً ً مل تتوق���ف الأزمات بني ال�شريكني وهي �أحيان���ا ت�أخذ منحى دراميا يكاد يع�ص���ف بال�شراكة ،حيث تت�صاعد املال�سنات يف املنا�سبات املختلفة بني الطرفني مثل ما حدث بني الرئي�س امل�شري ح�سن الب�شري ،والفريق �سالفا ك�ي�ر -النائب الأول لرئي�س اجلمهوري���ة ورئي�س احلركة ال�شعبية ورئي�س حكومة اجلنوب -يف احتفال مبدينة جوبا يف عام ،2008و�أحيان ًا ت�صعيد �إعالم���ي ا�ستغل في���ه الطرف اجلنوبي الإعالم ال���دويل كلما زار م�سئول من احلركة ال�شعبية �إحدى دول الغرب. يف التحلي���ل النهائ���ي ميكن تلخي����ص ال�سبب اجلوهري مله���ددات تنفيذ اتفاقي���ة ال�س�ل�ام – وبالت���ايل مه���ددات م�ستقب���ل الوح���دة وال�سالم يف ال�س���ودان – يف ع���دم الثق���ة بني الطرف�ي�ن .وبالتايل ميك���ن النظر لتلك الأزم���ات ب�أنها مبثابة قمة جبل اجلليد التي تُخفي كثري ًا من االحتقانات االجتماعية والرت�سبات النف�سية التي تراكمت عرب فرتة تاريخية طويلة. وه���ذا بدوره يع�ب�ر عن �ص���راع هويتني� :إحداهم���ا (�شمالي���ة �إ�سالمية/ عربية) والأخرى (جنوبي���ة �أفريقية/زجنية/م�سيحية) .الطرف الثاين يرى �أن الأول ينظر له با�ستعالئية. �إن ديناميكي��ات ال�ص��راع ومه��ددات الوحدة �أك�ث�ر ما يهدد تنفيذ اتفاقية ال�سالم ه���و عدم الثقة واالتهامات املتبادلة ب�ي�ن الطرفني منذ توقي���ع االتفاقية وبداية ال�شراك���ة ( ،)2005/7/9وحتى تاري���خ كتابة هذا املق���ال (منت�صف كان���ون الأول /دي�سمرب .)2009وقد ي�ص���دق الق���ول – كما �أكدت ذلك الكثري من الأح���داث – �أنه كل ما يتم من حوار وجتاوز الأزمات بني ال�شريكني ،ال يتجاوز ذلك املهدئات .فبعد
اال�ستعداد ملا هو �أ�سو�أ :على حكومة اخلرطوم �أن ت�ضع يف االعتبار �أن اجلنوبيني رمبا ي�ص ِّوتون ل�صالح خيار االنف�صال ،و�أن ت�ضع �إ�سرتاتيجية حمددة للتعامل مع هذا الواقع اجلديد م���رور ما يقارب اخلم�سة �أعوام من اتف���اق نيفا�شا (�أي حتى نهاية 2009
ومطل���ع ،)2010م���ا زالت العالقة ب�ي�ن الطرفني متوت���رة وم�أزومة .وقد �صرح �أحد قيادات احلركة ال�شعبية يف �أيار /مايو 2009ب�أن حركته �سوف “ت�ش���ن حرب ًا على احلكومة” ،ما مل يت���م ح�سم الق�ضايا العالقة ومن �أهمه���ا .1 :ع���دم تنفيذ اتف���اق نيفا�شا ن�ص��� ًا وروح��� ًا؛ .2موقف امل�ؤمتر الوطن���ي من تبعية منطقة �أبي���ي للجنوب (وقد �صدر احلك���م ب�ش�أنها يف )22/7/2009؛ و .3ت�سلي���ح امل�ؤمتر الوطني قبائل اجلنوب لتقاتل احلركة ال�شعبية. ويف ت�صعي���د مفاجئ �ص���رح �سالفا كري النائ���ب الأول لرئي�س اجلمهورية ورئي����س احلركة ال�شعبي���ة ب�أن حكومته (حكومة جن���وب ال�سودان) تعمل عل���ى �إعادة تنظيم جي�شه���ا لال�ستعداد للدفاع عن نف�سه���ا �إذا ما عادت احل���رب مرة �أخرى .وقال لراديو لندن (� )2009/6/18أنه لن يبد�أ احلرب ولكنه م�ستعد لها �إذا ما ُفر�ضت عليه. كذلك من م�ؤ�ش���رات الت�صعيد والدفع بالأمور نح���و االنف�صال ا�ستجابة ن���واب احلركة ال�شعبية داخل الربمل���ان بالت�صفيق احلاد والطويل ملقرتح االنف�ص���ال عن ال�شمال ال���ذي طرحه الع�ضو مارتن تاك���و موي ،وتلذذوا بحديث���ه ال���ذي و�ص���ف في���ه ال�شماليني ب�أنهم غ�ي�ر جادي���ن يف ال�سالم. و�أ�ض���اف“ :طامل���ا ه���م يق�ص���د ال�شمالي�ي�ن ال يرغب���ون �أن يحكمه���م اجلنوبيون ،فيجب علينا �إعالن ا�ستقالل اجلنوب من اليوم ،و�أن احلديث عن الوحدة اجلاذب���ة م�ضيعة للوقت” (�صحيفة الر�أي العام ال�سودانية، .)2009/7/5 ب�صورة عامة لي�س هن���اك ان�سجام بني ال�شريكني .بل كثري من الأحداث واالتهامات املتبادلة بينهما – من حني �إىل �آخر – يعك�س عدم ثقة حاد، ويهدد م�ستقبل هذه ال�شراكة ،ويهدد تنفيذ االتفاقية ،وي�ضعف اجتاهات
(
)
الوحدة .واملتابع لواقع ال�شراكة وعملية تنفيذ االتفاقية على مدى الأربعة �سن���وات املا�ضية يلحظ الكثري من التناق�ضات واختالف الر�ؤى واملواقف ب�ي�ن الطرفني .وال يخرج الطرفان من �أزم���ة �إال ودخال يف �أخرى .وحتى نهاية العام 2009ظلت اخلالفات بني ال�شريكني قائمة ومتجددة يف كثري من النقاط بل وامل�سائل اجلوهرية .فما زال هناك توتر يف منطقة �أبيي، وما زال هناك اختالف يف م�س�ألة تر�سيم احلدود والقوانني. كذلك هناك م�شكالت خا�صة باجلانب اجلنوبي رمبا ت�ؤثر �سلب ًا يف تعامل النخبة ال�سيا�سية ال�شمالية مع اجلنوب وم�ستقبله منها :مث ًال �أن احلركة ال�شعبي���ة ال متثل كل اجلنوب ،فهناك قوى �سيا�سية �أخرى ت�ستنكر هيمنة احلرك���ة على الأم���ور يف اجلنوب واق�صاء القوى الأخ���رى .كذلك هناك تياران يف داخل احلرك���ة ال�شعبية :تيار القوميني اجلنوبيني الذين يرون ب�ض���رورة االنكفاء جنوب ًا للأخ���ذ بيد اجلنوب دون �إي�ل�اء بقية ال�سودان اعتب���ارات �أكرب وهذا التيار انف�صايل؛ وتيار ال�سودان اجلديد الذي يرى ب�ض���رورة �صياغة ال�س���ودان على �أ�س����س جديدة ت�ستوع���ب اجلميع .لكن على ر�أ����س هذه الأ�س����س اجلدي���دة الدميقراطية والعلماني���ة .والأخرية (العلماني���ة) غري مقبولة ل�شم���ال يدين بالإ�س�ل�ام ،وبالتايل رمبا ي�شكل هذا االجتاه �أي�ض ًا مهدد ًا خليار الوحدة. ميك���ن احلديث عن الو�ضع يف ال�سودان بعد مرور �أربعة �أعوام على اتفاق ال�سالم ب�أنه يت�سم بال�سلبيات الآتيــة: رغ���م اتفاقي���ة ال�س�ل�ام �إال �أن املواط���ن ال�س���وداين حت���ى الآن مل ينعم بعائ���دات ال�سالم �أمن ًا �أو رخ���ا ًء اقت�صادي ًا؛ فما زال���ت ال�ضرائب عالية، وتكلف���ة اخلدمات يف ارتف���اع ،وكذلك غالء املعي�شة وزي���ادة ن�سبة الفقر واملعاناة رغم انتاج وت�صدير النفط وتوقف احلرب. انت�ش���ار ال�س�ل�اح بني الأفراد واالنفالت الأمن���ي يف املدن مثل ما حدث ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
67
املراقب اال�سرتاتيجي يف جوبا وملكال وواو (كربيات مدن اجلنوب) ويف بع�ض �أحياء العا�صمة ال�سوداني���ة اخلرطوم خا�صة التي يك�ث�ر فيها اجلنوبيون ،كذلك يف �أبيي، وم���ا حدث ويح���دث لل�شماليني يف اجلنوب من م�ضايق���ات وقتل� ،إ�ضافة �إىل وجود �أكرث من 600000قطعة �سالح غري مرخ�صة يف �أيدي املواطنني يف جنوب كردفان وحدها. ت���ردي احلما����س ل���دى املواط���ن لالتف���اق حت���ى يف اجلن���وب رغم كل املكت�سب���ات على امل�ست���وى احلكومي؛ فم���ا زالت عمليات �إع���ادة الإعمار �ضعيفة ،وعودة النازحني حمدودة. ا�ستم���رار احتكار الدول���ة للإعالم امل�سموع واملرئ���ي وتبني وجهة نظر احلكوم���ة (م���ع �أغلبية امل�ؤمتر الوطني) ،ال�شيء ال���ذي مل ي�سهم يف ن�شر االتفاقية �أو تناولها املو�ضوعي ون�شر ثقافة ال�سالم. حال���ة االحب���اط منذ وفاة قرنق وم���ا تالها من �أح���داث رمبا تدفع يف اجت���اه االنف�صال ،خا�ص���ة يف وجود عنا�ص���ر من ال�شم���ال واجلنوب لها م�صالح مبا�شرة يف االنف�صال. الو�ض���ع الد�ستوري االنتقايل احلايل للجنوب والت�سليح الكبري والنوعي للجي�ش ال�شعب���ي الذي ي�سيطر على الأم���ن يف اجلن���وب ،وا�ستم���رار اخلالف���ات ب�ي�ن ال�شريك�ي�ن يف كث�ي�ر م���ن الق�ضاي���ا الأ�سا�سي���ة وامل�ستجدات املختلفة؛ كلها عوامل قد جتعل احلرك���ة ال�شعبية تنزوي تدريجي ًا يف اجلنوب وتن�سحب من الق�ضاي���ا القومي���ة ،كل ذلك رمبا ي�شجع االجتاه نحو االنف�صال. اتفاقي���ة نيفا�ش���ا ومب���ا منحت���ه للجنوب ،من �سلطة وثروة� ،شجعت اجلماع���ات امل�سلح���ة الأخ���رى املعار�ض���ة – مث���ل ال�ش���رق ودارف���ور – للمطالبة مبن�صب نائب الرئي�س .وهذا من �ش�أنه �أن ي�سبب عدم ا�ستقرار يف الد�ست���ور ،وي�شجع املزيد من اجلهات الأخ���رى ملطالبات مماثلة مما ي�سبب تعقيدات �سيا�سية �أخرى. �أب���رم نظ���ام الإنقاذ اتفاقيات �س�ل�ام معيبة جنح���ت يف �إر�ضاء بع�ض الق���وى ال�سيا�سي���ة ولكنها مل تنج���ح يف بناء ال�سالم الع���ادل ال�شامل ،بل �ص���ارت مدخ ًال لتدويل ال�ش����أن ال�سوداين ب�صورة غ�ي�ر م�سبوقة ،مثل ما حدث يف دارفور ،وجنوب كردفان. حت���ى منت�صف 2009ما زالت العالقة ب�ي�ن الطرفني م�أزومة ومتوترة، ً فمث�ل�ا الفري���ق �سلفا ك�ي�ر ،وعل���ى الرغم من �أن���ه النائ���ب الأول لرئي�س اجلمهوري���ة �أك���د يف ت�صريح ل���ه (�صحيف���ة ال�س���وداين� )2007/6/26 ،أن االنف�صاليني يف جنوب ال�س���ودان ي�شكلون الأغلبية العظمى من ال�سكان، وقال “علينا نحن اجلنوبيون �أن ال ن�سمح لأحد ب�أن ي�ضعنا �أمام خيارين: �إم���ا �أن نخت���ار الوح���دة ون�صبح مواطنني م���ن الدرجة الثاني���ة ،و�إما �أن نخت���ار االنف�صال ونعي�ش يف دولتن���ا امل�ستقلة” .ال �شك �أن يف ذلك �إيحاء يف �ش���كل تنوير للجنوبيني ب�أن االنف�صال �أك���رم لهم لأن الوحدة جتعلهم مواطن�ي�ن من الدرجة الثانية .ويف ت�صريح ل���ه الحق ًا ل�صحيفة نيويورك تامي���ز (� ،)2007/9/25شنّ �سلفا كري هجوم��� ًا جديد ًا على امل�ؤمتر الوطني ً قائ�ل�ا “�إنه���م ما زالوا يخادعونن���ا ال �أكرث .ونحن ال ن���زال مواطنني من الدرج���ة الرابعة يف بالدنا ،وهذا ما �سيدفع بغالبية اجلنوبيني للت�صويت 68
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ل�صالح االنف�صال”. ه���ذه االتفاقية رغم عظمته���ا وقيمتها يف �إيقاف احلرب �إال �أنها بطابعها ال�سيا�س���ي واالقت�صادي تظ���ل قا�صرة دون حتقيق االندم���اج الكامل بني �شع���ب ال�شم���ال و�شعب اجلن���وب .فه���ي � -سيا�سي ًا -ت�ش���رك اجلنوبيني يف مرك���ز القرار ،واقت�صادي��� ًا رمبا ت�ساعد يف تخفي���ف ال�شعور بالظلم. غ�ي�ر �أن كل ذلك يظل تدابري �سيا�سي���ة واقت�صادية ال مت�س جوهر البناء تغي يف طبيعة العالقات اجلنوبي���ة ال�شمالية ،وال ميكنها االجتماع���ي �أو ِرّ حتقيق اندم���اج الهويات ال�شمالية اجلنوبية مبا يحق���ق الوحدة الوطنية الكاملة وامل�ستدامة. خال�ص���ة ه���ذا الط���رح ه���و الر�ؤي��ة امل�س��تقبليـة �أن توقي���ع اتفاقية ال�سالم ال�شامل يف كينيا ( 9كانون الثاين/يناير )2005 ���د للحرب .لكن م���ن املخاط���رة االعتماد عليه تكم���ن قيمت���ه يف و�ضع ح ٍ ّ يف ت�أ�سي����س جمتمع �س���وداين متكام���ل ()integrated society؛ لأن التعويل عل���ى اتفاقية ال�سالم لتكون ً ح�ل�ا جذري ًا يعك�س ر�ؤي���ة قا�صرة وقد يثبت الواق���ع عدم �صدقها .هناك فرق كبري بني الواقع االجتماعي و�أطروحات ال�سيا�سيني .ومتثل اتفاقية ال�سالم �أحد هذه الأطروحات .ذلك لأن
لي�س هناك ان�سجام بني �شريكي احلكم يف ال�سودان، ب��ل كثري من الأحداث واالتهامات املتبادلة بينهما – م��ن ح�ين �إىل �آخ��ر – يعك�س ع��دم ثقة حاد، ويه��دد م�س��تقبل ه��ذه ال�ش��راكة ،ويه��دد تنفي��ذ اتفاقي��ة ال�س�لام ،وي�ض��عف اجتاه��ات الوح��دة >> ه���ذه االتفاقية تخت���زل م�شكلة معقدة – مث���ل م�شكلة الهوية – يف معاجل���ات �سيا�سية-اقت�صادي���ة .بينما جوهر العالق���ات يكمن يف البعد االجتماعي والهوية الثقافية. �إن الأم���ر يحت���اج �إىل جه���د كبري ووق���ت طويل ودور فاعل م���ن املفكرين والعلم���اء يف �صياغة برنام���ج وطني لالندماج من خ�ل�ال �آليات حمددة مثل عملية تثاقف م�ستمرة وتفاعل اجتماعي حقيقي يتغري فيه اخلطاب، وتن�س���اب في���ه عملي���ة الت���زاوج االجتماع���ي لتحقي���ق عملي���ة االندم���اج االجتماعي ال�شاملة والتكام���ل الوطني يف املدى البعيد .وهي تعتمد على عملي���ة (هرمنة) للهوي���ات ال�سودانية املتعددة بتفعي���ل تلك الآليات التي �سبق���ت الإ�شارة �إليها .لك���ن حتتاج احلكومة لعدة تداب�ي�ر للتمهيد لتلك العملية منها: �أو ًال� :إح���داث تنمية �شاملة خا�صة يف جم���ال م�شاريع البنية الأ�سا�سية يف الوالي���ات اجلنوبية ،ويف جمال اخلدم���ات لو�ضع �أول لبنة يف �أر�ضية بناء الثقة بني الطرفني. ثاني ًا :التمهيد لعملية االندم���اج االجتماعي والتوا�صل الثقايف عن طريق احلوار الفكري املتوا�صل بني النخبة ال�شمالية واجلنوبية لإزالة احلواجز، وتعديل ال�صورة الذهنية النمطية التي تراكمت عرب التاريخ. �إن احلل ال�شامل واجلذري ينبغي �أن ينطلق من ر�ؤية ا�سرتاتيجية �شاملة لل�س�ل�ام و�إال رمب���ا يكون م�صري اتفاقي���ة نيفا�شا (كيني���ا )2005هو ذات م�صري اتفاقية �أدي�س �أبابا (�إثيوبيا ،)1972من حيث احتمال ظهور نخبة جنوبية جديدة تنتقدها وتنق�ضها وترف�ضها ،وبالتايل تنقلب عليها ويعود
ال�سودان مرة �أخ���رى لدوامة التمرد واحلرب الأهلي���ة والتدخل الدويل، وكل ذل���ك يكون خ�صم ًا على ا�ستقرار البالد والتنمية وم�ستقبل الوحدة، ويدفع ال�شع���ب ال�سوداين الثمن با�ستمرار الدم���ار واخل�سارة يف الأرواح وامل���وارد .ومثل هذا ال�سيناريو ميك���ن �أن يتم بعنا�صر جنوبية جديدة لها ط���رح �آخ���ر رمبا من منطل���ق دين���ي �أو �أيديولوجي �أو كليهم���ا مع ًا وتدعو لالنف�صال الكامل. �أخري ًا يخل�ص املقال �إىل النتائج التالية: �إن اتفاقي���ة نيفا�شا (كينيا) لل�سالم قد �أوقفت احلرب لكنها مل حتقق ال�سالم مما يهدد امكانية حدوث وحدة م�ستدامة. ما زال خطاب النخب اجلنوبية – مبا فيها الطبقة ال�سيا�سية – يقوم على نربة انف�صالية ،وما زال يعك�س عدم الثقة. فجرت �إن اتفاقية نيفا�شا التي قامت على مبد�أ ق�سمة ال�سلطة والرثوة ّ �صراع هويات رمبا يهدد التعاي�ش ال�سلمي. �إن نيفا�ش���ا �أ�س�ست لنهج جديد (�سلبي) وه���و �أن احلكومة املركزية ال تذع���ن �إال للذين يحملون ال�سالح لذلك ج���اء االنفجار امل�سلح يف دارفور وال�ش���رق و ُن ُذر انفالتات �أخرى يف كردفان (�شهامة و�شمم ثم حتالف
>> واملتابع لواقع ال�ش��راكة وعملية تنفيذ االتفاقية عل��ى مدى الأربعة �س��نوات املا�ض��ية يلح��ظ الكثري م��ن التناق�ض��ات واخت�لاف ال��ر�ؤى واملواق��ف ب�ين الطرف�ين .وال يخرج الطرفان م��ن �أزمة �إال ودخال يف �أخرى كردفان للتنمية .)KAD ً �إن ط���رح الوحدوي�ي�ن يف اجلن���وب ي�ش�ت�رط – �ضمن���ا – قي���ام وحدة عل���ى �أ�سا�س مفه���وم ال�س���ودان اجلديد الذي يق���وم عل���ى العلمانية وهو يتناق�ض مع الطرح الأيديولوجي الأ�سا�سي للنخبة ال�شمالية الذي يرف�ض العلماني���ة باعتبارها نقي�ض للحكم الإ�سالم���ي ،وهذا التناق�ض اجلذري بني الطرحني ي�ضعف الأمل يف حتقيق وحدة م�ستدامة. �إن االندم���اج االجتماعي/الثقايف ال�ل�ازم للتعاي�ش والوحدة امل�ستدامة مل يتحقق باتفاقية �سيا�سية بل مبيكانيزمات املجتمع (التزاوج والتمازج واالن�صه���ار يف بوتق���ة قومية واحدة) ،وه���ذه امليكانيزمات غري متوافرة الآن يف احلال���ة ال�سودانية بني ال�شمال واجلنوب حيث �أكدت ذلك جتربة �أبيي التي دامت لعدة قرون. �إن التن���وع الديني والإثني والثقايف لي�س امل�شكل���ة ،و�إمنا تكمن امل�شكلة يف ف�ش���ل النخب احلاكم���ة يف حتقيق العدالة والت���وازن بني مكونات هذه املوزاييك (الف�سيف�ساء). جان���ب �آخر مهم ح���ول �ضمانات ا�ستدامة ال�سالم ه���و �أن ت�ضع احلكومة ال�سوداني���ة يف احل�سبان ب�أن وف���اة جون قرنق ال تعني نهاي���ة �أيديولوجيا احلرك���ة ال�شعبية .فاحلركة ال�شعبية لها مباد�ؤها و�أدبياتها التي ما تزال النخب���ة اجلنوبي���ة متم�سكة به���ا .فر�ؤي���ة احلركة املتمثل���ة يف “ال�سودان اجلديد” تنطوي على خيارات �أ�سا�سية على ر�أ�سها �إقامة �سودان جنوبي م�ستق���ل قوام���ه كونفدرالي���ة ( )Confederacyمن النيلي�ي�ن واال�ستوائيني لت�شكي���ل “جمهوري���ة �أزاني���ا” ( .)The Republic of Azaniaفه���ل بتوقي���ع اتفاقي���ة ال�س�ل�ام تخل���ت احلركة ال�شعبية ع���ن هذا اخلي���ار؟ رمبا يكون
خي���ار ال�س�ل�ام قد �أ�صبح قوي ًا وواقعي��� ًا للحركة ال�شعبية عل���ى �أ�سا�س �أنه مرحل���ة انتقالية .مبعنى �أن���ه ال يعني تخلي احلركة عن خياراتها الأخرى بق���در ما يعني ت�أجيلها و�إعطاء فر�ص���ة لل�سالم الذي ميكن �أن يحقق لها �أهدافه���ا الإ�سرتاتيجي���ة بطريقة �أف�ض���ل مما ميكن حتقيق���ه باحلرب، خا�صة �إذا ما و�ضعن���ا يف احل�سبان ال�ضغوط الدولية على الطرفني جتاه احل���ل ال�سلمي� ،إ�ضاف���ة �إىل اجلانب الإن�ساين حيث م���ات باحلرب �أكرث من مليوين �سوداين ومت ت�شريد �أكرث من ثالثة ماليني من اجلنوب الذي د ُِّمرت في���ه البنية التحتية وتوقفت التنمية �إ�ضافة �إىل الآثار االجتماعية والنف�سية للحرب. لذلك على حكومة امل�ؤمتر الوطني �أن ت�ضع يف االعتبار �أن �شعب اجلنوب رمب���ا ي�ص ِّوت ل�صال���ح خيار االنف�ص���ال ،و�أن ت�ض���ع �إ�سرتاتيجية حمددة للتعامل مع هذا الواقع اجلديد .وهذا ي�ستدعي النظر �إىل ال�سيناريوهات الت���ي �سوف ترتت���ب على واقع االنف�ص���ال� .صحي���ح �أن يف داخل احلركة ال�شعبي���ة تياران متعار�ضان :تيار وحدوي و�آخر �إنف�صايل .ويدعو الأخري �إىل قيام ال�سودان اجلديد الذي يقوم على الدميقراطية والعلمانية ،ويرى �أن ذل���ك ال يت�أت���ى �إال باالنف�ص���ال. لكن هذا اخليار – االنف�صال - يق���رره �شعب اجلنوب من خالل اال�ستفتاء ولي�س النخبة .غري �أن النخبة اجلنوبية التي تقود خيار االنف�ص���ال عل���ى الأرجح ت�شجع �شع���ب اجلنوب ب����أن الوحدة مل تع���د جاذب���ة و�أن الإنف�صال هو الأف�ضل. يرى ه���ذا املقال الأف�ضل �أن يتم االنف�صال ب�ص���ورة �سلمية ،و�أن ال ت�ضع احلكومة العقبات �أمامه لأن ال�سودان (ال�شمايل) �إذا فقد اجلزء اجلنوب���ي ب�صورة غري �سلمية ف�إن الدولة النا�شئة �سوف ت�شكل من ناحية �إ�سرتاتيجي���ة خطر ًا �أك�ب�ر من حرب اجلن���وب نف�سها .ذل���ك لأن الدولة الولي���دة �سوف تت�شكل يف �سياق خمتلف عن ال�شم���ال ورمبا تدير نخبتها ظهرها لل�س���ودان ال�شمايل – وهم يحملون يف دواخلهم مرارات املا�ضي لت�شكيل حتالفات مع دوائر �أفريقية وغربية ،ورمبا �صهيونية ،قد تهددكيان ال�سودان ال�شمايل. �أم���ا من ناحي���ة البنية الداخلي���ة للدولة الوليدة فعل���ى حكومة اخلرطوم �أن ت�ض���ع يف االعتب���ار اال�ضطرابات الت���ي �سوف تندل���ع يف �شكل توترات ونزاع���ات قبلية وحروب �أهلية قد ينتقل ت�أثريه���ا �إىل ال�شمال من خالل التداخ���ل القبلي وحركة الرعاة من ال�شم���ال للجنوب دون وعي باحلدود ال�سيا�سية اجلديدة. كذل���ك �إذا انف�صل اجلنوب (باال�ستفت���اء �أو بغريه) رمبا ت�سعى الواليات املتح���دة الأمريكي���ة ،ومعه���ا �إ�سرائي���ل ،لدع���م ه���ذه الدول���ة اجلدي���دة وتزويده���ا بالتكنولوجيا والتدري���ب واملال وال�س�ل�اح لت�أ�سي�س “�إ�سرائيل �أفريقي���ة” .فعلى حكومة اخلرطوم �أن تتوقع كل ال�سيناريوهات و�أن تغري م���ن �سيا�ستها جت���اه اجلنوبيني لك�سب ثقة قادة لدول���ة جارة رمبا حتتاج لل�س���ودان ال�شمايل يف كل �شئ ب���د ًال من �أن تلج�أ للقوى الإقليمية والدولية الأخرى فتكون خ�صم ًا على ا�ستقرار و�أمن ال�سودان ال�شمايل بد ًال عن �أن تكون جارة �صديقة وحليف ًا ا�سرتاتيجي ًا. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
69
املراقب اال�سرتاتيجي
ا�سرتاتيجية �أوباما اجلديدة فـي �أفغان�ستان
الفر�ص والتحديات وامل�صري علـي ح�سيـن باكيـر
عل���ى الرغم م���ن �أن �أفغان�ستان بلد حبي�س م���ن الناحية اجليوبوليتيكي���ة ،Land -Locked State وفق�ي�ر م���ن الناحية االقت�صادية ،ا ّال �أنّ موقعه يف �س ّدة الع���امل � Top of the Worldأغرى العديد من القوى العاملية تاريخي ًا على احتالله .ومع ذلك ،لطاملا لعب هذا البلد دور ًا حا�سم ًا يف �إحداث حت ّوالت جوهرية يف تفاعالت العالقات الدولية ،فبقدر ما يكون غزوه يف العادة �سه ًال جد ًا ،بقدر م���ا تك���ون حماولة البقاء داخله �أو تغيري واقعه �أمر �شبه م�ستحي���ل ،مما يجعل منه عقدة تاريخية للإمرباطوريات ميتلك القدرة على ا�ستنزافها والت�أثري يف م�صريها. تواجه الواليات املتحدة اليوم هذا الواقع ال�صعب يف �أفغان�ستان ،وهي مثقلة ب�أعباء موقعها الدويل وخائفة من �أن تلقى م�صري الأمم ال�سابقة التي دخلته ومل تخرج منه ا ّال مفككة �أو منهارة ،خا�صة �أن جت���ارب بريطاني���ا واالحتاد ال�سوفيتي يف �أفغان�ستان ال ت���زال ماثلة يف ذهنها ،يف وقت يت�ساءل في���ه اجلميع عن مدى قدرة الإ�سرتاتيجية التي �أقرها الرئي����س باراك �أوباما على انت�شال �أمريكا م���ن ورطته���ا يف ظل تراج���ع موقعها العاملي كق ّوة خارق���ة Super Powerمنذ �أح���داث � 11أيلول/ �سبتمرب .2001
70
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
علي ح�سني باكري باحث فـي العالقات الدولية. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير 71 2010
املراقب اال�سرتاتيجي �سيا�س��ة �أوبام��ا جت��اه �أفغان�س��تان عن��د ت�س��لّمه يف �شهادت���ه �أم���ام جلنتَ���ي اخلدم���ات الرئا�س��ة
ملجل�سي ال�شي���وخ والنواب ،بداية �شهر كان���ون الثاين/يناير امل�س َّلح���ة َ 2009؛ ّ خل����ص وزير الدفاع الأمريك���ي روبرت غيت�س موقع �أفغان�ستان يف الئحة املهام احليوية والإ�سرتاتيجية للإدارة الأمريكية اجلديدة، بقوله�« :إن �أفغان�ستان هي �أعظم حتدياتنا الع�سكرية حالي ًا ،والرئي�س (�أوبام���ا) �أعل���ن بو�ضوح �أنّ امل�سرح الأفغاين يج���ب �أن يكون على ر�أ�س �أولوياتنا الع�سكرية عرب البحار». وفور ت�س ّلمه ملن�صبه يف البي���ت الأبي�ض خلف ًا لبو�ش االبن ،وممار�سة مهام���ه الفعلية يف 21كانون الثاين/يناير � ،2009شرع الرئي�س �أوباما يف �إع���ادة تقييم���ه للأو�ض���اع يف �أفغان�ست���ان ،وق���رر يف � 17شب���اط/ فرباي���ر 2009املوافق���ة على زيادة عديد الق���وات الأمريكية املوجودة يف �أفغان�ست���ان ب���ـ 17000جندي خالل � 6أ�شهر عل���ى �أن يكون الهدف منها: منع تدهور الأو�ضاع. حتقيق اال�ستقرار. تدريب قوات �أفغانية.كما قرر الرئي�س �أوباما و�ضع �إ�سرتاتيجية جديدة للتعامل مع الو�ضع الأفغ���اين ،واخل���روج من امل����أزق العميق يف ظل ت�صاع���د قوة طالبان وتت���ايل الت�صريحات الع�سكرية الأمريكية التي ت�شري �إىل �أنّ الواليات امل ّتح���دة على و�ش���ك خ�سارة �أفغان�ست���ان نهائي ًا م���ا مل يتم الت�صرف �سريع ًا. ويف � 27آذار/مار����س ،2009مت الإع�ل�ان ع���ن الإ�سرتاتيجي���ة الأ ّولية ال�شامل���ة للتعام���ل مع �أفغان�ست���ان ،ومن �أبرز املالحظ���ات التي ميكن ت�سجيلها على هذه الإ�سرتاتيجية يف هذا الإطار: �أو ًال� :أ ّنه���ا غ�ّيترّ ت الهدف املعلن من احلرب ،وال���ذي ّمت �إقراره يف عه���د بو�ش االبن ومتحور حول القب�ض على �أ�سامة بن الدن ،والق�ضاء عل���ى القاعدة وطالبان ك�أولوية ،والت ّ ���ف عليه عرب �إقرار �أهداف �أكرث واقعية وقابلة للتحقيق. ثاني�� ًا :ربط���ت ال�ساح���ة الأفغاني���ة والباك�ستاني���ة يف ق�ضية واحدة و�أعطته���ا بع���د ًا �إقليمي��� ًا ودولي��� ًا م���ن خ�ل�ال الرتكيز عل���ى القاعدة و»الإرهابيني». ثالث ًا� :أنها �أعطت �أهمية ل���دور القوات الأفغانية واحلكومة الأفغانية يف ت�س ّلم م�سئوليات املرحلة املقبلة. رابع�� ًا :ربطت اخلي���ار الع�سكري م���ع خيارات �أخ���رى �أي�ض ًا كخيار التفاو����ض مع الفئات «املعتدلة» من طالب���ان ،وخيار مواجهة الأفغان عرب الأفغان� ،أي ا�ستن�ساخ منوذج ال�صحوات العراقية (ت�سليح قوات قبلية �أفغانية لتواجه طالبان بنف�سها). خام�س��� ًا :دجمت البع���د الع�سكري بالبعد امل���دين الإغاثي والتنموي، 72
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
وهو اع�ت�راف بف�شل �سيا�سة الق ّوة الع�سكري���ة وحدها يف حل املع�ضلة الأفغانية.
امل�شاكل التي واجهت �إ�سرتاتيجية واجه���ت �إ�سرتاتيجي���ة اوباما على �أوبام��ا الأ ّولي��ة
�أر�ض الواقع العديد من امل�شاكل عند تنفيذها �أبرزها: التخ ّب���ط وع���دم التن�سيق بني عم���ل القوات الأمريكي���ة التي تعمل �ضم���ن ( )OEFوالبالغ عدده���ا حتى نهاية �شهر ت�شري���ن �أول�/أكتوبر 2009ح���وايل � 36ألف جندي ،وقوات النات���و ( )NATOالبالغ عددها حوايل ( 71030من �ضمنهم ح���وايل 34800جندي �أمريكي) .وي�شري عدد من امل�سئول�ي�ن الربيطانيني �إىل �أنّ �أحد الأ�سباب الرئي�سية وراء هزمي���ة وا�شنط���ن والنات���و يف �أفغان�ست���ان يرجع �إىل غي���اب التن�سيق واالفتقار �إىل التزام وا�سع ،و�أدى �إىل ارتفاع عدد القتلى من املدنيني بعمليات التحالف ،ما �سمح حلركة طالبان با�ستغالل الثغرات والبدء بتنفي���ذ عملي���ات متزاي���دة خارج معاقله���ا يف اجلن���وب ،والعودة �إىل �أج���زاء من �أفغان�ستان كانوا ي�سيطرون عليها قبل االحتالل الأمريكي يف العام .2001 الغي���اب التام للتن�سيق الف ّعال للجه���د الدويل الإن�ساين والإعماري يف �أفغان�ست���ان ،وهو ما ف ّرغ الإ�سرتاتيجية من فحواها املدين وجعلها تقت�صر على ال�شق الع�سكري ،الذي مييل ل�صالح طالبان يف املعطيات احلالية. �أ ّما عل���ى امل�ستوى الأفغاين ،مل جت���د الإ�سرتاتيجية �شريك ًا داخلي ًا م�سئ���و ًال قادر ًا على مواكبتها� .إذ تع���اين الطبقة احلاكمة من الف�ساد امل�ست�شري فيه���ا ،وال تتمتع بالكفاءة الالزم���ة لإدارة البالد ،ومعظم الطبق���ة ال�سيا�سي���ة فا�شل���ة ،وتر ِّكز عل���ى امل�صال���ح ال�شخ�صية وعلى نطاقه���ا القبلي ال�ض ّي���ق ،وهو ما جع���ل املوقف الأمريك���ي والتحالف ال���دويل يف غاية الإحراج �أمام �إ�سرتاتيجي���ة طالبان التي تتق َّدم منذ م���دة طويلة ببطء لكن بثب���ات؛ ال�ستعادة ال�سيطرة عل���ى �أفغان�ستان، حي���ث �أ�صبح���ت احلركة توج���د ب�شكل كثي���ف وتقوم بن�سب���ة عمليات مرتفعة يف 80%من م�ساحة �أفغان�ستان. ثب���ت �أنّ �إغالق احلدود مع باك�ستان �أمر �صعب ومعقد جد ًا ،وحتى ل���و افرت�ضنا وقوع ذل���ك ،ف�إن هزمي���ة طالبان �ستتطل���ب وقت ًا طوي ًال مب���ا �أ ّنهم ميتلكون زخم ًا �شعبي��� ًا عالي ًا ،كم���ا �أنّ �إدراج باك�ستان بهذا الفج والعلني يف الإ�سرتاتيجية �أوقعها يف م�شكلة داخلية ،حيث ال�شكل ّ �أ�صبح���ت �شريحة وا�سعة من الباك�ستانيني تنظر �إىل العمل الع�سكري احلكوم���ي �ضد طالبان باك�ستان على �أنه تنفيذ لأوامر �أمريكية ولي�س مل�صلحة داخلية وطنية. يف ماكري�س��تال و�إعادة تقييم الأو�ض��اع تقري���ره الر�سمي ح���ول «التقيي���م الأويل للإ�سرتاتيجي���ة الع�سكرية»، ر�أى اجلرنال �ستانلي ماكري�ست���ال قائد القوات امل�شرتكة (الأمريكية والتابع���ة حللف �شم���ال الأطل�س���ي) يف �أفغان�ستان ب�أنه���ا غري ناجحة
ب�شكله���ا ال�ساب���ق وبحاج���ة �إىل تعديل ،عل���ى اعتبار �أنه���ا تفتقر �إىل الو�سائ���ل الالزمة لإجنازها و�أهمها القوات الع�سكرية .ولذلك طالب اجلرنال ماكري�ستال بزيادة القوات هناك بواقع � 40ألف جندي كحد �أدن���ى مع خماطر عالية من �أن ي�ستمر تدهور الو�ضع ل�صالح طالبان، وبواقع � 60ألف جندي كمعدل و�سطي مع خماطر متو�سطة ،وبواقع 80 �ألف جندي �إذا كان املراد ا�ستبعاد احتماالت خ�سارة احلرب هناك. لك���ن كان وا�ضحا �أ ّنه لي����س با�ستطاعة الوالي���ات املتّحدة توفري هذا الع���دد من اجلنود يف ظل الإره���اق واال�ستنزاف الذي �أ�صاب اجلي�ش الأمريك���ي مع وج���ود حوايل � 120أل���ف جندي يف الع���راق وحوايل 68 �ألف جندي يف �أفغان�ستان� ،إ�ضافة �إىل عدم قدرة احلكومة الأمريكية متوي���ل طلب اجلرنال �ستانلي نتيجة للم����أزق االقت�صادي الذي تعاين منه �إثر الأزمة االقت�صادية العاملية وارتفاع تكاليف احلربني العراقية والأفغاني���ة �إىل �أكرث من تريليون دوالر .كما مل يكن هناك �إجماع بني التحال���ف ال���دويل على زيادة ع���دد الق���وات الع�سكرية عل���ى الأر�ض يف �أفغان�ست���ان ،ال�سيم���ا من ِق َبل فرن�سا و�أملانيا وكن���دا ،نظر ًا للخطر احلقيقي الذي �ستتعر�ض له هذه القوات يف ظل تطور قدرات طالبان الع�سكرية ب�شكل ف ّعال وحا�سم.
�إر�س���ال املزي���د م���ن اجلن���ود بواق���ع � 30أل���ف جندي �إ�ض���ايف �إىل�أفغان�ست���ان بدء ًا من مطلع ،2010عل���ى �أن تقوم دول الناتو ب�إر�سال 5 �آالف جندي على الأقل. حتدي���د موع���د للبدء ب�سح���ب القوات ،وذل���ك بع���د � 18شهر ًا منتاريخه� ،أي يف منت�صف .2011 �أ ّم���ا التعدي�ل�ات الت���ي �أدخلت يف نط���اق الأهداف ،والت���ي متت بعد ن�صت على: م�شاورات مكثفة مع فريق الأمن القومي ،فقد ّ جتريد تنظيم القاعدة من املالذ الآمن. كب���ح الزخ���م الذي اكت�سبت���ه حركة طالب���ان و�إفقاده���ا القدرة على الإطاحة باحلكومة. تعزيز قدرات قوات الأم���ن واحلكومة الأفغانية كي تتمكن من ت�س ّلم القيادة مب�سئولية. كما �سبق �إعالن هذه التعديالت اجلوهرية ،طرح “مبادرة الدفاع” الت���ي يحثّ فيه���ا امل�سئولون الأمريكي���ون على ا�ستح���داث “�صحوات �أفغانية” ملواجهة طالبان يف مناطق اجلنوب وال�شرق من �أفغان�ستان، ع�ب�ر ت�سلي���ح �آالف القبلي�ي�ن املعادين لطالب���ان لإ�شغاله���م ريثما يتم تدريب القوات احلكومية الكافية. وميكنن���ا ،يف هذا الإطار� ،أن نالحظ �أنّ الإ�سرتاتيجية املعدّلة جاءت لترُ �ضي اجلهات امل�ؤيدة لزيادة القوات الأمريكية عرب �إقرار الزيادة، وجاءت �أي�ض ًا لترُ �ضي معار�ضي الزيادة عرب حتديد تاريخ لبدء �سحب القوات الأمريكية من �أفغان�ستان. كم���ا ميكننا مالحظ���ة �أنّ الإ�سرتاتيجية املعدّلة حمل���ت �أهداف ًا �أكرث توا�ضع���� ًا من �سابقته����ا .فعلى الرغم م����ن �أنّ عدد الق����وات الأمريكية املوج����ودة يف �أفغان�ست����ان �سيبلغ مع ه����ذه الزيادة حوايل
�شهد الداخل �إ�س�تراتيجية �أوباما اجلديدة الأمريكي بداية لتململ وا�سع النطاق على ال�صعيد ال�شعبي والر�سمي �أي�ض ًا نظر ًا لتفاقم املع�ضلة الأفغانية �سريع ًا وتدهور الو�ضع ،وارتفاع عدد قتلى اجلنود الأمريكيني �إىل �أكرث من 300قتيل حتى بداية �شهر � ،12أي حوايل �ضعفي عدد القتلى الأمريكيني عام ،2008كما ارتفعت م�صاري���ف متويل العمليات الع�سكرية الأمريكية فقط �إىل 60.2مليار دوالر ،الأمر الذي بد�أ ُيف ِقد الرئي�س �أوباما الزخم املتع ّلق ب�أفغان�ستان والذي ح�صل عليه عند فوزه باالنتخابات �شيئ ًا ف�شيئ ًا. و�أظه���ر ا�ستط�ل�اع لل���ر�أي ترا للحربجيف���ع ك ّلما طال املكوث الأجنبي يف �أفغان�ستان ك ّلما ازداد غرقه امل�ؤيدي���ن لطريق���ة �إدارته �أفغان�ست���ان م���ن � 56%إىل ،44%كما يف امل�ستنقع وق ّلت خياراته ،وظهرت نتائج ا�ستنزافه �ضغ���ط اجلمهوري���ون باجت���اه زيادة املـذل! القوات وعلى ر�أ�سهم املر�شح ال�سابق ب�شكل مي ّهد خلروجه للرئا�س���ة الأمريكي���ة ال�سيناتور جون ماك�ي�ن .ومن املعروف �أنّ خيار زيادة الق��� ّوات يحت���اج �إىل �صرب وجه���د ،و�إىل وق���ت ومتوي���ل ،و�إىل عتاد وتدريب ،كما �أنّ النتائج قد ال تكون م�ضمونة ذلك �أنّ الواقع الأفغاين مع ّق���د للغاي���ة ،ال�سيما يف ظ���ل تطور ق���درات الطالب���ان الع�سكرية وتكتيكاتها القتالية. و�أمام ه���ذا الواقع ،ونظر ًا للم�شاكل التي اعرت�ضت تنفي���ذ الإ�سرتاتيجية ،قام الرئي�س �أوباما يف الأول من كان���ون الأول/دي�سم�ب�ر ،2009باملوافقة عل���ى �إق���رار تعدي�ل�ات جوهري���ة نظ���ر ًا ون�صت على: لأهميتهاّ ،
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
73
املراقب اال�سرتاتيجي
�إع��ادة تقيي��م الو�ض��ع :ق���رر الرئي����س �أوبام���ا و�ض���ع �إ�سرتاتيجية جديدة للتعامل م���ع الو�ضع الأفغاين ،واخلروج من امل�أزق العميق يف ظل ت�صاعد قوة طالبان
� 100أل����ف جندي �أمريك����ي� ،إال �أنّ جوهرها الع�سك����ري املتمثل بزيادة الق����وات ارتب����ط ب�إع��ل�ان تاريخ ان�سحاب ،مم����ا يعن����ي �أنّ الهدف من الزي����ادة الع�سكرية ال يكمن يف االنخ����راط يف حرب كبرية مع طالبان للق�ض����اء عليها ،فه����ذا غري ممكن �أ� ً صال يف ظرف �سن����ة ،و�إمنا ت�أمني اال�ستقرار وتهيئة اجلنود الأفغان لال�ضطالع مبهامهم ،وما تبقى يتم ح�ش����ده لوقف زحف طالب����ان التي باتت ت�سيطر وفق ًا ملا �أدىل به رئي�س هيئ����ة الأركان امل�شرتكة للق����وات الأمريكية مايكل مولن على ثلث عدد الواليات الأفغانية وتعمل على تو�سيع تواجدها يف باقي الواليات. �أ ّما عنا�صر تنفيذ ه����ذه الإ�سرتاتيجية فت�شري �إىل التم�سك مبا ميكن �أن ن�سميه “اخليار العراقي” ،والذي يعتمد على: ا�ستغالل الزيادة الع�سكرية يف ت�سريع زخم تدريب القوات الأفغانيةالع�سكري����ة� ،إ�ضافة �إىل وقف التمدد الطالباين والزحف باجتاه املدن الكربى وعلى ر�أ�سها كابل. فت����ح الباب التفاو�ضي مع م����ن يو�صفون بالعنا�ص����ر املعتدلة داخلاملقاوم����ة� ،أو من يريد �أن يرتاجع عن العمل امل�س ّلح ،وذلك بهدف �شق �صف����وف املقاتلني من جهة ،وا�ستيعاب املرتاجعني لإدماجهم بالعملية ال�سيا�سية لإعطائها ال�شرعية الالزمة من جهة ثانية. 74
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
خل����ق جبهة داخلية �شبيهة بال�صح����وات العراقية معادية لطالبان،والتعاون مع دول اجلوار لتحقيق الأهداف املرجوة. نظ����ر ًا لتداخ����ل م�ص�ير الإ�س�تراتيجية الأمريكي��ة العنا�ص����ر الت����ي تعتمد عليه����ا الإ�سرتاتيجية الأمريكي����ة املعدّلة ،ولأنه ال ميك����ن االعتم����اد على الق���� ّوة الع�سكري����ة وحدها لتحقي����ق الأهداف املرج���� ّوة ،ف�إن م�صري الإ�سرتاتيجي����ة يتع ّلق ب�شكل �أ�سا�سي بثالث �أمور �أ�سا�سية هي: �أو ًال :و�ض����ع حركة طالبان ومدى قدرتها عل����ى امت�صا�ص ال�صدمة الأوىل لزيادة عدد القوات ،ومن ّثم مدى التك ّيف الذي من املمكن �أن حتقق����ه يف مواجهة �إ�سرتاتيجية �أوباما اجلديدة .وقد بدا وا�ضح ًا من خالل �سري الأحداث �إىل الآن �أنّ طالبان م�ستعدة ب�شكل تام ،بل و�أنها متلك �إ�سرتاتيجية مواجهة تعمل على حت�شيد كل عنا�صر القوة ،وكان �أح����د �أب����رز معاملها ال�ضربة املوجع����ة التي ت ّلقتها املخاب����رات املركزية الأمريكي����ة ( )CIAوه����ي م����ن �أك��ب�ر العملي����ات الت����ي �أدت �إىل خ�سائر مرتفعة يف تاريخها. ثاني�� ًا :طريقة �أداء قوات التحالف عل����ى �أر�ض الواقع ومدى القدرة على ال�س��ي�ر يف م�سار مت����وازن بني اجلهد الع�سك����ري واجلهد املدين،
�إ�ضاف���ة �إىل قدرة وا�شنطن على التن�سي���ق بينها وبني جميع الأطراف الداخلي���ة والإقليمي���ة والدولية املعني���ة بتطبيق ه���ذه الإ�سرتاتيجية، ال�سيم���ا و�أنّ م�شكل���ة احلدود م���ع باك�ستان والت�شاب���ك القبلي ،ت�ش ّكل مع�ضل���ة من �ش�أن عدم ح ّله���ا �أن يع ّقد الأمور ويزي���د من قوة طالبان الت���ي تتغ ّذى على اخلزان الب�شري واملواق���ع الآمنة على طول احلدود مع باك�ستان. ثالث�� ًا :مدى قدرة احلكوم���ة الأفغانية واجلي����ش الوطني الذي يتم حت�ضريه على اال�ضطالع مب�سئوليت���ه ،خا�صة �أن الق ّوات الأجنبية لن تك���ون حا�ضرة للبق���اء �إىل الأبد ،وعل���ى القوات الأفغاني���ة عاج ًال �أم � ً آج�ل�ا مواجهة التحديات بنف�سها .كما �أنّ انت�شار الف�ساد يف احلكومة الأفغاني���ة من �ش�أن���ه �أن ي�سحب ب�ساط ال�شرعية م���ن حتتها و ُيفقدها ثق���ة الداخل واخلارج ،علم ًا �أن ك�س���ب ال�شرعية ال�شعبية يع ّد التحدي الأك�ب�ر يف مواجهة طالبان ومن �ش�أن���ه �أن يحدد م�ستقبل العالقة بني الطرفني. يف تقيي���م �أويل للمح���اور ال�سابق���ة ،ن�ستطي���ع �أن نالح���ظ �أن حركة طالب���ان ما ت���زال متقدمة يف املواجه���ة ميداني��� ًا؛ ف�أفغان�ستان لي�ست الع���راق ،وما جنح هناك لي�س بال�ضرورة �أن ينجح هنا ،والوقت كفيل ّ فاخلطة الأمريكية حتتاج �إىل وقت �صحة ذلك من عدم���ه. يف �إثب���ات ّ
طوي���ل لتقييمه���ا ،ووفق��� ًا للخطة نف�سها ف����إن موعد التقيي���م النهائي يجب �أن يكون خالل � 18شهر ًا .قد مي ّهد هذا التاريخ بالذات �إىل فتح باب لت�أم�ي�ن ان�سحاب م�ش ّرف لأمريكا مقابل احت���واء طالبان ،وخلق ا�ستق���رار �سيا�س���ي ن�سب���ي يف �أفغان�ستان ،لكنّ ه���ذا التاريخ قد مي ّهد باملقاب���ل لف�شل �أمريكي ذريع قد تتخط���ى انعكا�ساته الو�ضع الأفغاين الداخلي. وم���ن ه���ذا املنطلق ،ف����إن عامل الوق���ت يعت�ب�ر حا�سم ًا ل���دى جميع الأط���راف� ،إذ تراهن طالبان دوم ًا عل���ى �أن عن�صر الوقت ل�صاحلها عل���ى ال�صعيد اال�سرتاتيجي .فهي تعتمد �سيا�سة جتميع النقاط الذي يقوم عل���ى املب���د�أ الرتاكم���ي ( )Accumulatingللعم���ل البطيء لكن املتدح���رج� ،أي املتط���ور واملتعاظ���م يف النتائج .وعلى ه���ذا الأ�سا�س، فك ّلما ط���ال املكوث الأجنبي يف البالد ك ّلم���ا ازداد غرقه يف امل�ستنقع وق ّل���ت خياراته ،وظهرت نتائج ا�ستنزافه ب�شكل مي ّهد خلروجه املذل. فالبقاء يعني حت ّمل املزيد من اخل�سائر املادية والب�شرية واالقت�صادية وال�سيا�سي���ة ،وهو �أمر مل تعد الواليات امل ّتح���دة قادرة على فعله حال ف�شل هذه الإ�سرتاتيجية� .أ ّما االن�سحاب �ضمن هذه املعطيات ،فيعني هزمية ك�ب�رى قد ال تنح�صر تداعياتها عل���ى �أفغان�ستان فقط ،و�إمنا على النظام الدويل ب�أكمله وموقع الواليات املتّحدة يف هذا النظام. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
75
فـي ب�ؤرة االهتمام قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�صاد وال�ش�ؤون اجلارية
ي�صدر قريب ًا
الآلية ال�شرعية فـي مكافحة الف�ساد
حممد غالب ال�شرعبي
حمم ــد الدعمــي
الإ�سالم و�أوروبا � ..إرث ال�صدام وم�ستقبله فـي البحـث عن الدولة العربيــة
�أحمد عبدالكرمي �سيف
َعجز ال�شرعية املُـ�ستدمي فـي العامل الـعربي
حممد عبداهلل حممد
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 76
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2010
77
فـي ب�ؤرة االهتمام
يذه���ب م�ؤرخ���و الثقاف���ة العربي���ة الإ�سالمية احلديث���ة �إىل �أن انهيار الدول���ة العثمانية �ش��� ّكل نقطة البداي���ة بالن�سبة للعديد من ال���دول العربية والإ�سالمية باجت���اه اال�ستقالل، مميزي���ن بني ثالثة تيارات فكرية رئي�سة لعب���ت الأدوار الأهم والأكرث ح�سم ًا مللء الف�ضاء الأيديولوجي الناجت وامل�ؤمل عليه لت�شكيل تاريخنا املعا�صر ،وهي :التيار الإ�سالمي؛ والتيار القومي؛ والتيار الي�ساري �أو ال�شيوعي .و�إذا مل نكن نختلف كثري ًا مع هذا الو�صف جلغرافيا الثقافة ال�سيا�سية العربية الإ�سالمية على �أعتاب القرن املا�ضي ،ف�إن لنا �أن ن�ستذكر كيف تناق�ض���ت هذه التي���ارات الثالثة ثم ت�صارعت على نحو دموي يف ح���االت عدة على �سبيل �إحراز التفوق اجلماهريي �أو الأرجحية ال�شعبية.
و�سلوكي���ة ومن �شواخ�ص تاريخي���ة .لذا ح���اول الربيطانيون ،بكل ما �أوت���وا من حنك���ة ودقة ،حتا�ش���ي االحت���كاك بالإ�سالم ،نظ���ر ًا لأنهم الحظ���وا قدرات ه���ذا الدين التعبوية من خالل جت���ارب عدة� ،أهمها دور العلم���اء يف �إيران ،خا�ص ًة بعد جت���ارب االحتكاك بالعامل الغربي (الح���ظ م�شكلة التنباك ومقاومة هذه الفئ���ة االجتماعية املهمة لهذا امل�ست���ورد ،الذي ُن ِظر �إليه وك�أن���ه الكحول �أو املخدرات يف خماطره). وم���ن ناحية ثانية ،الحظ الربيطانيون م���ن بناة الإمرباطورية كذلك �سرعة انت�شار الإ�سالم بني الأمم الأفريقية جنوبي ال�صحراء الكربى درجة �ضرب الرعب يف قلوب رجال الكني�سة الإنكليكانية الذين كانوا يعتق���دون �أن املُ ّ ب�شرين من رجال الدي���ن يجب �أن ي�سبقوا اجلنود �إىل مثل هذه البلدان الفقرية. لق���د كان التناف����س الإ�سالم���ي امل�سيحي على �أفريقي���ا يف القرن
الثورات والتمردات ذات الهوية الإ�سالمية �ضد القوات الربيطانية يف الهند وفار�س ويف �سواهما من بقاع العامل الإ�سالمي العري�ض. لق���د كان���ت التهمة الأ�سا�س الت���ي �أطلقها القومي���ون والي�ساريون �ض���د التيارات الإ�سالمية هي تهمة “الرجعية” �أو الرجوعية والقبول ال�ضمن���ي بال�شرور املحلي���ة كاخلرافات والروحاني���ات والإقطاع �إىل �آخر هذا املنطق املجايف للحقيقة ،م�ستح�ضرين �شرور الإمرباطورية العثمانية دالئ ًال على جدلهم. �أم���ا تهمة التيار املارك�س���ي �أو الي�ساري ،فهي �أن���ه كان تيار ًا فكري ًا م�ست���ورد ًا من اخل���ارج ،ال ي�صلح للعامل العرب���ي الإ�سالمي ب�سبب �أن م�ؤ�س�سي���ه كانوا �أملان وبريطاني�ي�ن ،قيا�ساتهم حم���دودة باملجتمعات الأوروبية الباردة. لقد �أجمع القوميون والي�ساريون على اتهام الإ�سالميني بالرجعية
الإ�سالم و�أوروبا ّ �شد وجذب و�آفاق ُمل ّبدة حممـــد الدعمــي وبغ����ض النظ���ر ع���ن ه���ذه ال�صراع���ات واخل�صوم���ات الفكري���ة والتحزبي���ة بني التي���ارات الثالثة الرئي�سة ،للم���رء �أن يت�أمل :ماذا لو �أنه���ا تعاي�شت وتالقح���ت ثم تنا�سل���ت وتكافلت ،ما دام���ت الأهداف النهائي���ة لها جميع ًا متطابقة ،وهي :اال�ستقالل والتحرر والتقدم؟ مل يح���دث هذا التفاعل الإيجاب���ي ،بل �إن معاك�سه هو الذي حدث ،حيث راحت ه���ذه التيارات ،ممثلة يف �أحزاب �سيا�سي���ة ،تتبادل االتهامات وتختزن ال�ضغائن فيما بينه���ا بد ًال عن التعاون والت�ضامن �أو التكافل ال�سيا�سي ،الأمر الذي ق���اد �إىل الكراهية درجة �شطب الآخر و�إزالته �إن �أمكن. ً لق���د تبل���ورت هذه التي���ارات �أ�ص�ل�ا كا�ستجابات فكري���ة للهجمة الكولونيالي���ة الأوروبي���ة باجتاه العامل العرب���ي الإ�سالمي ،على �سبيل تق�سي���م �أو تقا�سم تركة الدول���ة العثمانية ،الأمر ال���ذي يف�سر م�آ�سي 78
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
العامل العربي منذ معاهدة �سايك�س -بيكو حتى اللحظة. لق���د عمد التيار القومي �إىل ت�سفيه التي���ار الديني باعتباره تياراً رجوعي ًا ميكن �أن يتحالف مع اال�ستعمار �أو مع الإمرباطوريات الأوروبية (الفرن�سية والربيطانية) ،من �أجل البقاء وحتقيق �أهدافه. مل يك���ن هذا �صحيح ًا ،ل�س���وء الطالع :فت�أ�سي�س��� ًا على �أهم �آليات التط���ور والتغري يف تاريخ الب�شرية ،وهي �آلية املحفزات واال�ستجابات stimuli and responsesعلين���ا �أن ن�سل���م �أن املت�ص���دي الأول للغريب الأوروب���ي كان �إ�سالمي��� ًا ولي�س قومي ًا� ،إن عربي��� ًا �أو فار�سي ًا ،هندي ًا �أو تركي��� ًا طوراني ًا� ،أو �أفريقي ًا .لق���د �أدركت الكولونياليات الأوروبية منذ وق���ت مبكر �أن الأديان يف ال�شرق عامة ،ويف ال�شرق العربي الإ�سالمي خا�ص���ة� ،إمن���ا متث���ل العمود الفق���ري للكينون���ة االجتماعي���ة ومن ثم ال�سيا�سي���ة ع�ب�ر وظيفته���ا املرتكن���ة �إىل جمموع���ة مب���ادئ �أخالقية حمم ــد الدعمــي باحث و�أكادميي عراقي.
التا�س���ع ع�ش���ر وما قبل���ه على �أ�شده حقب���ة ذاك ،ملقن��� ًا الربيطانيني درو�س��� ًا ال ين�سوها يف �أهمية الإ�سالم ومكانت���ه ،تقليد ًا روحي ًا ونظام ًا اجتماعي��� ًا يف حياة ال�شعوب الت���ي تعتنقه .لذا كان بناة الإمرباطورية الربيطاني���ة �أكرث دق���ة وحذر ًا من �سواه���م يف تعاملهم م���ع الإ�سالم (مقارنة بالإيطاليني والإ�سب���ان والربتغاليني والفرن�سيني) على نحو ُيقدم هذا الدين على �سواه من �أديان ال�شرق كالهندو�سية �أو البوذية، من بني �أديان �أخرى. الحظ �أن الفكر القومي الذي اعتمد فكرة العرب والعروبية حاول ت�شوي���ه الفكر الإ�سالمي كي يفل���ح يف االنت�صار على الإ�سالميني على ال�ساح���ات العربية :ف�إ�ضافة �إىل الإدعاء ب����أن الإ�سالميني متحالفني ومتفاهم�ي�ن مع بريطاني���ا وفرن�سا ،مع الرجوعي���ة املحلية والإقطاع، راح املنظرون القوميون ،متعمدين وتع�سف ًا ،يحاولون الإقالل من �ش�أن
وال�سلفي���ة واملاورائي���ة والغيبية؛ �إال �أن احلقيقة ،كم���ا يبدو ،كانت مع التي���ارات الإ�سالمية الت���ي اتهمت القومي�ي�ن وال�شيوعيني باال�ستعارة املتعامي���ة من الغ���رب على �سبي���ل التطبيق التع�سف���ي (الفوقي) على الأرا�ض���ي وال�شع���وب العربية الإ�سالمي���ة املختلفة متام��� ًا عن العامل الأوروبي امل�سيحي ،الآري الر�أ�سمايل. التي���ارات الإ�سالمي���ة كانت ه���ي الأكرث ح�سا�سي���ة يف اال�ستجابة للحوافز الأجنبية الكولونيالي���ة الأوروبية .لذا حاول نابليون بونابرت ت�سك�ي�ن ح�سا�سية الإ�سالم حال نزوله القاهرة وهو يرى جمده مت�ألق ًا من عل���ى �أهرامات اجليزة ،ب�أن ادّعى اعتن���اق الإ�سالم ،ناهيك عن مثابرت���ه الرتدد على �إحدى الزواي���ا ال�صوفية يف القاهرة ،وهو ي�ضع على ر�أ�س���ه عمامة �إ�سالمية مرتاق�ص ًا عل���ى اللحن ال�صويف“ :مدد، م���دد ،ي���ا �سي���دي �أحمد يا زكريي”! لق���د دلنا الغربي���ون قبل �أن ندل ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
79
فـي ب�ؤرة االهتمام
80
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
81
فـي ب�ؤرة االهتمام �أنف�سنا �إىل موا�ضع القوة وال�ضعف يف �صفوفنا. �أم����ا احلركة القومية ،فق����د كانت هي الأخرى (يف العامل العربي ويف تركي����ا وفار�س كذلك) من ت�شظيات حماكاة العامل الغربي الذي كان يعي�����ش �آنذاك الع�صر الذهب����ي ملفهوم الدولة القومية بعد حركة الإ�ص��ل�اح الديني التي قادها مارتن لوث����ر ،Reformationمن �أملانيا �إىل �إيطاليا ،ومن �إيطاليا �إىل فرن�سا ثم �إىل العامل امل�سيحي ب�أ�سره. لقد با�شرت احلركات القومية العربية ،خا�صة ،دورها التاريخي م����ن خالل حماكاة نوع من �أن����واع ال�شوفينيات الآري����ة (بغ�ض النظر عن النظرة الدونية نحو العرب من قبل �أ�صحاب الأ�سطورة الآرية): “�أملاني����ا الفت����اة” �أو “�إنكل��ت�را الفت����اة” Young Englandismعلى �سبيل اخل����روج بحركات من نوع “تركيا الفتاة” و”العربية الفتاة”، وكالهما حركات فا�شل����ة ال تزيد عن ردود فعل �ضد �سيا�سة الترتيك ذات النزعة الطورانية العثمانية. لق����د كان ال�سب����ق احلقيق����ي نح����و اال�ستق��ل�ال وتكوي����ن �شخ�صي����ة حملي����ة تعت����د بنف�سه����ا وب�إرثه����ا الثق����ايف ه����و للح����ركات الإ�سالمية ،ابتدا ًء من ع�صر ال�سي����د جم����ال الدين الأفغ����اين ومريده ال�شي����خ حمم����د عب����ده (رحمهم����ا اهلل) وانتها ًء باحل����ركات التنويري����ة املعتدلة م�ستقبل العالقة بني الإ�سالم و�أوروبا لن يكون م�ستقب ًال �سكوني ًا هادئ ًا ،برغم حماوالت مدّ ج�سور التفاهم والتعاون على �أنواعها
الأخ����رى (كحرك����ة الإخ����وان امل�سلمني) الت����ي ا�ستح�ضرت روح الإ�س��ل�ام نظام ًا اجتماعي���� ًا وعقي����دة ترف�����ض اال�ستعمار وتدعو �إىل الوح����دة والتكافل والأخوة بني اجلميع. ت�ش��ي�ر كتابات بناة الإمرباطوري����ة الربيطانية ،كتلك التي قدمها الل����ورد ماك����ويل ،)Lord Macaulay (1800-1859ال����ذي عمل �إداري ًا �إمرباطوري ًا لربيطانيا يف الهند� ،إىل �أن ه�ؤالء الرجال الأكرث معرفة ب�ش�����ؤون ال�شع����وب ال�شرقية كانوا يدرك����ون �أهمية الإ�س��ل�ام وخطورة توظيف����ه �سيا�سي ًا �ضد اال�ستحواذ الإمرباط����وري والو�صاية الأجنبية: فبعد عدد م����ن الثورات الإ�سالمية الكربى �ضد االحتالل الربيطاين يف �شبه القارة الهندية (ولي�س يف العامل العربي) ،الحظ الربيطانيون ما يلي: (� )1أن الإ�س��ل�ام ال يختل����ف عن اليهودية وامل�سيحي����ة يف �أنه جزء �أو 82
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
توا�صل للتقليد الروحي التوحيدي traditionال����ذي ميكن �أن نتتبع����ه �إىل �أبي الأنبي����اء �سيدنا �إبراهيم (عليه ال�سالم) املولود يف �أور جنوبي العراق؛ (� )2أن����ه ،دين ًا ونظام ًا اجتماعي ًا ،ال ميكن �أن يقبل الهيمنة الأجنبية وظل����م الإن�س����ان لأخيه الإن�س����ان ،الأمر ال����ذي يف�سر تف�ضي����ل اللورد ماكويل ،ب�صراحة وا�ضحة ،الإ�سالم على الهندو�سية وعلى �سواها من الأديان غري املنزلة املنت�شرة يف �شبه القارة الهندية وما جاورها. م����ن هن����ا كان الإدراك الربيط����اين املتعم����ق ب�أهمي����ة الإ�س��ل�ام وقدرات����ه على التولي����د يف دواخل �أمم كب��ي�رة� ،إدراك ًا قوي ًا وم�ؤثر ًا يف ت�شكي����ل �سيا�سات الإمرباطوريات الأوروبي����ة ،الأمر الذي برر البحث الربيط����اين الدءوب واال�ستغف����ايل عن “�صيغ �إ�سالمي����ة” ميكن �أن تتعام���ل م���ع الإدارة الإمرباطورية وميكن �أن تقب���ل بوجودها ،ومترر ه����ذا القبول على الكتل الب�شرية املهولة الت����ي تعتن����ق الإ�س��ل�ام يف دول كب��ي�رة كالهن����د وفار�س و�إندوني�سي����ا وماليزيا، م����ن بني دول كبرية �أخ����رى .هنا جاءت فك����رة “القاديانية” ،وهي �صيغة دينية “�إ�سالمي����ة” �أ�س�سها وب�ش����ر بها رجل دين ينتمي �إىل قري����ة قاديان الهندية. ه����ذه ال�صيغ����ة تختل����ف ع����ن الإ�س��ل�ام “الرادي����كايل” (�أو حت����ى املعت����دل) امل�سئ����ول ع����ن الث����ورات والتم����ردات املتع����ددة يف الهند �ضد الربيطانيني يف �أنها كانت ت�ستم����رئ التعامل مع املحتل الربيطاين على �أ�سا�س �أن بريطانيا �إمنا هي عامل يدفع نحو التقدم واحل�ضارة، وباعتب����ار �أنها حترتم الإ�سالم وال تريد االحت����كاك به �أو االخت��ل�اف مع عقائده يف �أي موق����ع ومنا�سب����ة كان����ت .وهن����ا حاول الربيطانيون تطوير “نخبة” من ال�شب����اب امل�سل����م الهندي املت�أث����ر بالفكر الغرب����ي العلماين على �سبيل اخلدمة كحلق����ة و�صل بني فقراء الهند والتاج الربيطاين. لقد كانت هذه الإدعاءات �صحيحة بحق ،ذلك �أن بريطانيا وبنا ًء على جتربتها الأعمق ،من التجارب الفرن�سية والإيطالية والإ�سبانية والربتغالي����ة ،غالب���� ًا ما عم����دت �إىل اعتم����اد �إدارات �إمرباطورية �أو انتدابية تعمل على �أ�سا�س عدم االحتكاك بامل�سلمني خا�صة ،من بني معتنق����ي الديان����ات ال�شرقية الكربى .هذا بكل دقة م����ا يف�سر �أ�صول اخلوف الربيطاين من الإ�سالم كمولد للتمردات وللثورات عرب بقاع الإمرباطورية التي مل تكن ال�شم�س لتغرب عنها. ل���ذا عمد العلم���اء واملتخ�ص�صون الربيطاني���ون الذين بنوا تلك Judaeo-Christian
الإمرباطورية ،لي�س �إىل الإقالل من �ش�أن الإ�سالم وامل�سلمني كما فعل �آخ����رون من بعد؛ بل �إىل ر�ص����د الإ�سالم ودرا�سته بطرائق علمية من �أج����ل التعمق يف مدار�س����ه الفقهية وت�شعباته الطائفي����ة التي مل تزل فاعل����ة حت����ى اللحظة ،الأمر ال����ذي يف�سر جن����اح بريطانيا يف جت ُّنب ا�ستف����زاز الإ�سالم وامل�شاعر الدينية لدى ال�شعوب التي تعتنقه والتي كانت ج����زء ًا م����ن الإمرباطوري����ة الربيطانية (الح����ظ� ،أن البغاددة ح�س����دوا �أهل الب�صرة �سنة 2003باعتب����ار �أن الربيطانيني كانوا هم القائمني على الب�صرة وه����م الأكرث تفهم ًا و�إدراك ًا لتقاليد الإ�سالم، مقارن����ة بالأمريكيني الذين فر�ضوا �سيطرتهم عل����ى بغداد واملو�صل وما تبقى) .ومقارن����ة بفرن�سا ،كانت بريطانيا �أكرث حنكة و ُبعد نظر يف ه����ذا احلق����ل ،الأمر ال����ذي يف�سر جن����اح الأكادميي����ة الربيطانية يف بن����اء �أكرب �أر�شي����ف �إ�سالمي :م����ن درا�س����ات وخمطوطات وكتب ومعارف ،وهو �أر�شيف مل يزل حي ًا يف املتحف الربيطاين ويف مكتبته الت����ي مل يزل يرتدد عليها العلماء والباحث����ون دون كلل �أو ملل ،ودون قدرة كافية على تغطية حمتوياتها الكثرية حتى اللحظة. الفرن�سي����ون ،برغم حماوالت اجلرنال بوناب����رت �إدع����اء اعتن����اق الإ�س��ل�ام ،مل يكون����وا بنف�����س درج����ة احلنك����ة والدق����ة الربيطانية يف حدود التعامل مع الإ�سالم واملحافظ����ة على م�ساف����ة �أمينة كافية بني الإمرباطورية وبني م�شاعر وطقو�س �أتباع هذا الدين احلني����ف .تنطبق ذات احلال عل����ى ال����دول الأوروبية الت����ي مل تكن تبني �إمرباطوري����ات كربى يف �آ�سي����ا و�أفريقيا، مث����ل �أملاني����ا و�سوي�س����را والدامن����ارك وهولن����دا وفنلندا وايرلن����دا ،من بني دول �أوروبي����ة �أخرى .لذا كانت ه����ذه ال�شعوب �أو ال����دول �أقل معرفة بالإ�س��ل�ام و�أ�ضعف وعي���� ًا بطاقات����ه التثويرية املهول����ة ،الأمر الذي يف�سر عدم االكرتاث �أو عدم جت ّنب االحتكاك مب�شاعر امل�سلمني. بالن�سبة لل�شعوب �أع��ل��اه ،م��ن غري ال�بري��ط��ان��ي�ين وال��ف��رن�����س��ي�ين ،امل�سلمون ه��ن��اك ال ي��زي��دون ع��ن كونهم فوائ�ض �سكانية فقرية قادمة �إىل �أوروب��ا لل�سخرة وللعمل وحتى للعبودية. هذا ما يف�سر الطرائق الدونية التي تعاملت بها مثل هذه الدول مع امل�سلمني ومع الإ�سالم عرب تواريخها ،وهي طرائق دونية م�شحونة بالنظرة اال�ستعالئية الفوقية للإ�سالم ولل�شعوب الإ�سالمية التي طاملا ُم ّثلت ك�شعوب بدائية ت�ؤمن بدين ُيقدّ�س العنف وميجد تعدد الزوجات وا�ستغالل املر�أة وا�ضطهادها. �إن م�ستقب����ل العالقة بني الإ�سالم وامل�سلمني ،من ناحية ،والعامل
الغرب���ي (�أوروب���ا خا�صة) م���ن الناحية الثانية ،لن يك���ون م�ستقب ًال �سكوني��� ًا هادئ ًا ،برغ���م حماوالت م ّد ج�سور التفاه���م والتعاون على �أنواعه���ا (الح���ظ دالالت رابطة البح���ر املتو�س���ط)� ،إذ �أن ال�شعور ال�شعبي الأوروبي بال�ضيق من امل�سلمني ومن تقاليدهم الغريبة على ثقافة �أوروبا ال ميك���ن �أن تك�سبهم للإ�سالم بقدر ما �أنها �ستدفعهم للتنافر مع الإ�سالم ،خا�صة و�أن هذا التنافر يجري و ُي�شجع من قبل ال�سلوكيات العدائية للراديكاليني الإ�سالميني املنطوية على كراهية الع���امل امل�سيحي ،التي تقدمه���ا احلركات الراديكالي���ة الإ�سالمية، كمنظم���ة القاعدة ،حيث تعمق هذه احل���ركات من خالل تطبيقات عنيف���ة وقا�سية ح���ال اخلوف من الإ�سالم و�أهل���ه Islam phobiaيف �أوروب����ا عامة وعرب العامل الغربي خا�صة .لذا ،للمرء �أن يتوقع املزيد م����ن نقاط التما�����س ورمبا االحت����كاك ب��ي�ن ال�شع����وب الأوروبية وبني اجلالي����ات العربية امل�سلمة التي ذهبت لأوروبا طلب ًا للعمل وللحريات وللكرامة! ه����ذا ال�شيء مل يح����دث يف بريطانيا� ،أي ل����دى “�أبو ناجي” ،وهو املرادف العا ّمي العراقي لتعبري ،John Ball كناي���ة ع���ن الإمرباطوري���ة الربيطانية! رمبا كانت ه���ذه النظرات ذات داللة يف تف�سري ع���دم جتنب االحتكاك بالإ�سالم وامل�سلمني عرب دول �أوروبية عدة (�سوى �أوروبا التي �شعرت باالختناق يف الع�صر الو�سيط ب�سبب الطوق الإ�سالمي املحيط بها ،ت�شعر اليوم بذات التحدي الفقهي والع�سكري
بريطاني���ا) .ولكن الأهم م���ن هذا كله، بر�أي���ي ،ه���و نق����ص املعرف���ة الأمريكية الت���ي ال ميكن �أن ترق���ى قط �إىل م�ستوى املعرف���ة الربيطاني���ة بالإ�س�ل�ام .ل���ذا توجب عل���ى وا�شنطن ا�ستع���ارة الذاكرة الإمرباطوري���ة الربيطاني���ة والأر�شي���ف العلم���ي والأكادمي���ي والإنرثوبولوج���ي الربيط���اين ودرا�ستهم من �أجل فه���م �أدق و�أنقى للإ�سالم :عقائده و�شعوبه وم�ستقبله. �إن �أوروب���ا الت���ي �شع���رت باالختناق يف الع�ص���ر الو�سيط ب�سبب الط���وق الإ�سالمي املحيط بها ،ت�شعر الي���وم بذات التحدي الفقهي والع�سك���ري ،لي�س من خالل الإحاط���ة اجلغرافية اخلانقة فقط ،بل كذل���ك من خالل �شعوره���ا بابتالع “جرعة �سكاني���ة م�سلمة” �أكرب مما هي قادرة على حتمله �أو على ه�ضمه ومن ثم ا�ستهالكه. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
83
فـي ب�ؤرة االهتمام
القوة عرب عالقات و�آليات خارج م�ؤ�س�سات الدولة.
�أحم
د عب دالكر
مي
�سيف
الدولة ،هذا املفهوم املبهم .مل ير �أح ٌد الدولة �أبد ًا ،ولكن ال ينكر وجودها �أحد .نح�س �سلطتها بفعل ال�شرطي والقا�ضي ،ال نخ�ضع لهما ولكن لل�سلطة التي ميثالنها .وت�شكل النظريات املتناف�سة حول الدولة الق�سم الأكرب من النظرية ال�سيا�سية؛ مثل الليربالية ،املارك�سية ،الإ�شرتاكية الدميقراطية، الليربالي���ة اجلديدة ،الن�سوية والفو�ضوية .ورغم تباين هذه املدار�س الفل�سفية ف�إن مفهوم الدولة و�آلياتها متفق عليها �إىل حد بعيد .فماذا عن الدولة يف الوطن العربي؟ وفق��� ًا للتعري���ف الكال�سيك���ي ،الدول���ة عب���ارة عن جتمع �سيا�س���ي يف نط���اق �إقليم���ي حم���دد وميار����س ال�سلطة عرب منظوم���ة م���ن امل�ؤ�س�س���ات الدائمة ،الت���ي ت�ؤ�س����س كيان ًا ذا �إخت�صا����ص �سيادي .وبالتايل ف����إن العنا�صر الأ�سا�سية لأي دولة هي احلكومة وال�شعب والإقليم ،بالإ�ضافة �إىل ال�سيادة واالعرتاف بهذه الدولة ،مب���ا يك�سبها ال�شخ�صية القانونية 84
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
الدولي���ة ،وميكنه���ا م���ن ممار�س���ة اخت�صا�ص���ات ال�سيادة ال�سيم���ا اخلارجي���ة منه���ا� .إن �إ�سقاط ه���ذا التعريف على احلال���ة العربي���ة يفيد بوجود الدول���ة� ،إال �أننا ال نوافق على ذلك ،ونعتق���د ب�أن الدولة يف الوطن العربي ،رمبا ب�إ�ستثناء م�صر ،مل تتبلور وتتطور بال�شكل الذي ينطبق عليها املفهوم الغربي املعا�صر للدولة ،وما هو موجود �إمنا �سلطات متار�س �أحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير ،واملدير التنفيذي ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.
ينبغ���ي �أو ًال التميي���ز لف��ظ ب�لا معن��ى؟! ب�ي�ن الدولة واحلكومة ،رغم �أن املفهومني ي�ستخدمان بالتناوب كمرتادفات يف كثري م���ن الأحيان .فمفهوم الدولة �أكرث ات�ساع ًا من احلكومة� .إذ �أن الدولة كيان �شامل يت�ضمن جميع م�ؤ�س�سات املج���ال العام وكل �أع�ضاء املجتم���ع بو�صفهم مواطنني ،وهو ما يعن���ي �أن احلكومة لي�ست �إال ج���زء ًا من الدولة� .أي �أن احلكومة ه���ي الو�سيل���ة �أو الآلية التي ت����ؤدي من خالله���ا الدولة �سلطتها وه���ي مبثاب���ة عق���ل الدول���ة� .إال �أن الدول���ة كيان �أك�ث�ر دميومة مقارن���ة باحلكومة امل�ؤقتة بطبيعتها :حي���ث يفرت�ض �أن تتعاقب احلكوم���ات ،وقد يتعر�ض نظام احلك���م للتغيري �أو التعديل ،مع ا�ستم���رار النظام الأو�سع والأكرث ا�ستق���رار ًا ودوام ًا الذي متثله الدولة .كما �أن ال�سلطة التي متار�سها الدولة هي �سلطة جمردة “غري م�شخ�صنة” :مبعنى �أن الأ�سلوب البريوقراطي يف اختيار موظفي هيئ���ات الدول���ة وتدريبهم ،يفرت�ض ع���ادة �أن يجعلهم حمايدي���ن �سيا�سي ًا حت�صين ًا له���م من التقلب���ات الأيديولوجية الناجمة عن تغري احلكومات .وثمة فارق �آخر وهو تعبري الدولة (نظري��� ًا عل���ى الأقل) عن ال�صال���ح العام �أو اخل�ي�ر امل�شرتك، بينم���ا تعك�س احلكومة تف�ضي�ل�ات حزبي���ة و�أيديولوجية معينة ترتبط ب�شاغلي منا�صب ال�سلطة يف وقت معني. مل���اذا الإ�ص���رار �إذ ًا ،دون دول العامل ،عل���ى لفظة دولة بحيث ت�سب���ق ا�س���م الدولة الر�سم���ي يف بع�ض الأقط���ار العربية؟ ملاذا الت�ش���رذم والإنق�سام لإثن�ي�ن وع�شرين دولة م���ع �إدعاء العروبة والتاري���خ وامل�ص�ي�ر امل�شرتك�ي�ن؟ مل���اذا رغ���م امت�ل�اك �أجهزة بريوقراطية �إداري���ة وع�سكرية �ضخمة ال ت���زال الدولة العربية عاجزة عن الإخرتاق والتغلغل يف املجتمع ،وتنظيمه وفق ًا لإطار عام متفق عليه ويحظى بالقبول العام؟ رمب���ا تكمن الإجابة يف وجود ال�سلط���ة دون وجود الدولة ،وهو الأم���ر ال���ذي يحتاج لنقا�ش���ه وتفنيده �إىل كت���ب ال يت�سع املجال هن���ا �إال ملالم�سة �سطحية �سريعة ،هي �أقرب �إىل �إثارة املو�ضوع لنقا�ش �أ�شمل� .إذ لي����س كل جمتمع �سيا�سي منظم دولة ،فهذه، كما يقول جورج بوردو ،تراتبية تك�شف فقط وجود ال�سلطة. ب���رزت الدول���ة يف “الدول��ة” كم�ش��كلة! الوط���ن العربي مب���ا يوحي باملفهوم احلدي���ث “للدولة” ،ولي�س دول الرج���ال العربية والإ�سالمية كدولة بن���ي �أمية ،ودولة بني العبا�س /ودولة بني حمدان..الخ ،يف وقت كان املثقفون العرب م�أخوذي���ن مبفاهيم �أخرى غري الدولة البريوقراطية مثل الأمة الإ�سالمية والقومية العربية ،مع �إ�ستثناءات حمدودة يف م�صر ورمبا تون�س� .إن الدولة يف الوطن العربي متلك جميع امل�ؤ�س�سات
الالزمة وال�شبيهة مبثيالتها يف الدول املتقدمة ،مثل الربملانات واملحاك���م الد�ستوري���ة العلي���ا والأنظم���ة الق�ضائي���ة والأجهزة احلكومية املختلفة ومنظمات املجتمع املدين وال�صحافة .ولكن الفارق اجلوهري يكم���ن يف جمالني :الأول؛ �أن القرارات غالب ًا تتخذ خارج امل�ؤ�س�سات الر�سمية يف �شخ�صنة واختزال .والثاين؛ يكمن يف الثقاف���ة ال�سائدة التي تكر�س الو�ضع التقليدي لعالقة الدولة باملجتمع القائم على الأبوية والزبائنية والت�ضامنية. �إن ج���زء ًا من امل�شكلة يكمن يف طبيع���ة الدولة املزدوجة؛ فهي متخلفة يف جوانب ومتطورة يف جوانب �أخرى .فالدولة مل تتطور كنتيجة طبيعية لنمو الق���وى الإجتماعية والإقت�صادية املحلية، ولك���ن مت �إن�شاء الدولة بفعل ق���وى الإ�ستعمار التي �ضخمت من حج���م املاكينة البريوقراطية ،خ�صو�ص��� ًا يف اجلانب الع�سكري خلدمة جهازه���ا الإ�ستعماري ،الذي كان منف� ً صال عن الغالبية العظم���ى من ال�سكان وع���ن م�صاحلهم الوطني���ة .وقد وا�صلت ه���ذه البريوقراطية بع���د الإ�ستق�ل�ال دورها كرافع���ة للتنمية، وبه���ذا �سيطرت على املجالني ال�سيا�س���ي واالقت�صادي ،ونتيجة ل�ضي���ق القاعدة الإنتاجي���ة غدت �أجهزة الدول���ة م�صدر اجلاه وال�ث�راء ،لذا كلما كانت الدول���ة �ضعيفة كلما كانت عنيفة لأنها مل تن�ش�أ متناغمة مع احلقوق واحلريات. وللحك���م على ن�ض���ج الدولة العربية ،كما يج���ادل نزيه �أيوبي، البد من قيا�س املعايري التالية: �إىل �أي م���دى حتظى هذه الدول���ة بالو�ضع القانوين املجرد،مبعن���ى ال�سيادة على �أرا�ضيه���ا ومواطنيها و�إحتكارها ال�شرعي لو�سائل العنف على مواطنيها داخلي ًا وجتاه نظرائها من الدول خارجي��� ًا ،والتجري���د القانوين هذا يفرت�ض �أي�ض��� ًا الف�صل بني الدولة و�أجهزتها وبني �شخ�ص احلاكم و�أركان حكمه. م���ا ه���ي موا�صف���ات ووظائ���ف وح���دود م�ؤ�س�س���ات الدولة،وخ�صو�ص ًا البريوقراطية الإدارية والع�سكرية. م���ا هي �أ�ساليب ومناذج وعالق���ات الدولة باملجتمع ،بعبارة�أخرى طبيعة وظائف الدولة ونطاقها. �أي التق�سيمات وال�شرائح الإجتماعية واملناطقية والطائفيةوجماع���ات امل�صالح التي حتق���ق �أو ال حتقق الدولة م�صاحلها، و�إىل �أي م���دى ه���ذه اجلماع���ات ممثل���ة يف النخ���ب ال�سيا�سية والإقت�صادي���ة والع�سكرية ويف �أجه���زة الدولة املختلفة ،وكذلك ما هي العالقات والأمناط الإجتماعية والإقت�صادية التي تنحو الدولة لإنتاجها و�إعادة �إنتاجها. و�أخ�ي�ر ًا ماهي املعايري الثقافي���ة والأخالقية والإيديولوجيةاملعلنة وغري املعلنة التي حتدد �سلوك الدولة داخلي ًا وخارجي ًا. �إن حتلي���ل هذه املعايري و�إ�سقاطه���ا على مناذج الدول العربية يفيدن���ا بنتيجة �صادمة مفادها وج���ود ال�سلطة وتغولها و�ضمور �أو بدائية الدولة. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
85
فـي ب�ؤرة االهتمام
الإخفاق الأكرب َعجز ال�شرعية املُـ�ستدمي فـي العامل الـعربي حممد عبداهلل حممد
يف �سبعينيات القرن املا�ضي جادل عامل ال�سيا�سة الأمريكي ،مايكل ِهد�سون ،ب�أن «ال�شرعية ال�سيا�سي���ة ه���ي م�شكلة ا ُ حلك���م املركزية يف الع���امل العربي املعا�صر؛ ففق���دان هذه املادة حد كبري -الطبيعة املتقلب���ة لل�سيا�سة العربية ف�سر � -إىل ٍ الأ�سا�سي���ة التي ال غنى عنه���اُ ،ي ِّ والطاب���ع الت�سلطي املرتجرج ل���كل ال�سلطات العربي���ة الراهنة ،وعل���ى ال�سيا�سيني العرب بالتايل �أن يتحركوا يف بيئة �سيا�سية �شرعية ،احلكام والأنظمة وامل�ؤ�س�سات فيها ُمتقطعة، ويف �أف�ضل احلاالت نادرة .».. تب����دو هذه الكلمات وك�أنه����ا قيلت اليوم ومل ّ يجف احل��ب�ر الذي ُكتبت به بعد؛ �ألي�س هذا الكالم الذي ُكتب قبل عقود ثالثة من الآن ال يزال ُمنطبق ًا – متام ًا وبحذافريه -على الدولة العربية املعا�صرة (جد ًا!!) ،ذلك �أن �أح����د �أهم �أ�سباب �أزمة هذه الدولة يتعلق ب�أزمة ال�شرعية التي عانت منها من����ذ والدتها؛ ف�����إذا كانت دول عربي����ة معينة مثل م�صر واملغ����رب وتون�س جت�سد واليم����ن وعمان قد �شهدت جتربة الدولة قبل احلديثة على نحو ماّ ، يف «الدول����ة النهري����ة املركزي����ة» �أو «الدولة املخزنية» قب����ل مرحلة الهيمنة الأوروبي����ة ،ف�����إن �أغلبية الدول العربي����ة قد �شهدت مي��ل�اد م�ؤ�س�سة الدولة لأول م����رة بعد احل����رب العاملي����ة الأوىل (العراق� ،سوريا ،لبن����ان ،الأردن، ال�سعودي����ة) �أو بعد احلرب العاملي����ة الثانية (ليبيا ،ال�س����ودان ،موريتانيا، ال�صوم����ال ،اجلزائ����ر ،دول اخللي����ج ،)..الأم����ر ال����ذي نتج عن����ه �أن كانت ال�شرعي����ة التاريخية لهذه الدول ،عن����د املجموعات غري املندجمة �سيا�سي ًا يف املج����رى الرئي�سي للحي����اة العامة يف هذه الدول ،مه����زوز ٌة يف مظهرها ومعطوب���� ٌة يف جوهره����ا ،م����ع �أن كيانية الدول����ة يف هذه البل����دان �أ�صبحت حقيقة واقعة بغ�ض النظر عن ر�ضى مواطنيها �أو عدم ر�ضاهم. 86
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
و�إذا كـ����ان البـاحثـ����ون يف م�صـ����ادر �أزم��ة ُمركّب��ة ال�شرعي����ة يعودون �إىل عامل االجتماع الأمل����اين الأ�شهر ،ماك�س فيرب ،الذي يح����دد م�صادرهـا يف التقـاليد ،والعقـالنيـ����ة -القانونية ،والقيادة امللهمة (الكارزمية) ،وي�ضيف �آخرون م�صدر ًا رابع ًا لل�شرعية هو �شرعية الإجناز التي تقوم عل����ى الأعمال التي �أقدم عليها احلكم ب�صرف النظر عن مدى �شرعية وجوده يف ال�سلطة �أو مدى متثيله للمواطنني؛ ف�إن كل هذه امل�صادر �إذا م����ا بحثنا عنها يف واقع الدولة العربي����ة املعا�صرة جند �أنها �إما غائبة �أ� ً ص��ل�ا (العقالني����ة -القانونية) �أو �أن ما وجد منه����ا يف فرتات �سابقة قد ت�آكل (التقاليد ،الزعامة الكارزمية ،الإجناز). وال ب����د من القول �أن �أزمة ال�شرعية تعد من �أهم و�أعمق و�أخطر الأزمات الت����ي (عانت) وتع����اين منها الدولة العربية الي����وم .وال�سبب يعود يف ذلك �إىل �أ ّنه����ا مل ُت ِ�ص����ب النظام القائ����م فح�سب ،بل وتع ّدت����ه �إىل فكرة الدولة ذاتها .مما جعل من �أزمة ال�شرعية �أزمة �سيا�سية مركبة ،وذلك ملا للدولة م����ن �أهمية جوهرية بالن�سبة لتثبيت قيم ال�شرعي����ة من جهة ،وتفعيلها يف الوع����ي االجتماعي والقانوين م����ن جهة ثانية ،ومن ث����م قدرتها على جعل حممد عبداهلل حممد كاتب من اليمن.
نف�سها ب�ؤرة الوالء الأكرب للفرد واملجتمع من جهة ثالثة. ولي�����س اعتباط ًا �أن تنم����و وترتاكم خمتلف من����اذج الوالء اجلزئي والتقليدي ،مبعنى تنامي نف�سية وذهنية الوالء الفردي واالجتماعي لكيان����ات ما قبل الدولة ،مث����ل االنتماء اجله����وي والطائفي والقبلي والدين����ي .فهي مظاهر ت�شري من الناحي����ة العامة �إىل وجود خلل يف �شرعية الدولة العربية احلديثة ،و�إ�شكالية �سيا�سية فيها �أي�ض ًا .وهو واق����ع جعل البع�ض يتكلم عن �أنَّ هذه الأزم����ة ت�شمل ك ًال من النظام ال�سيا�س����ي والدول����ة يف � ٍآن واح ٍ����د .وه����ي �أزمة جت����د تعبريها يف منو خمتلف مظاهر االحتجاج جتاهها من ال�سلمي �إىل العنيف. ولع����ل م����ن �أهم مظاه����ر �إدراك ه����ذا ال�ضعف ،ا�ش��ت�راك خمتلف االجتاه����ات الفكري����ة وال�سيا�سية على تقرير واقعه����ا ،مبعنى اتفاق خمتل����ف الباحثني عل����ى وجودها� .أم����ا تف�سريها اخلا�����ص ف�إ ّنه �أمر خمتل����ف ومتنوع ،وهو �أمر طبيع����ي .ويف هذا الإطار ميكننا احلديث عن اجتاهني عامني يف املوقف من تف�سري هذا املظهر العام للأزمة. االجتاه الأول ،الذي يرى �أنَّ �ضعف ال�شرعية مرتبط �أ�سا�س ًا بظروف ن�ش�����أة الدولة العربية املعا�صرة ذاتها .يف حني يذهب االجتاه الثاين �إىل �أنَّ ال�سب����ب الرئي�سي يع����ود �إىل عجز الدول����ة العربية املعا�صرة ع����ن �أن تكون وعا ًء ل�سيا�سة تعك�س امل�صالح الوطنية العامة .وكذلك عجزها عن �إ�شاعة مفه����وم الدولة الدميقراطية والقانونية ،ك�إطار لتنمي����ة مفه����وم املواطنة ،وجت����اوز خمتلف �أ�صناف ال����والء اجلزئي والتقلي����دي �إىل م�صاف الوالء للدولة والقانون .وال�سبب يعود بذلك �إىل �إخفاقه����ا يف حتقي����ق االندماج ال�سيا�س����ي واالجتماعي والتنمية االقت�صادية والعدالة يف توزيع الرثوة وال�سلطة. بل �إن �إحدى الدرا�سات التي بحثت يف �أزمة ال�شرعية العربية ،قد تو�صلت �إىل �أنَّ ما ت�شرتك فيه الدول العربية ،ولو بدرجات خمتلفة، ه����و ت�شرذم �أ�سا�سه����ا االجتماعي واغرتابها .الأم����ر الذي يدل عليه م�ؤ�ش����ران اثن����ان ،الأول ،وهو وجود عج����ز يف ال�شرعي����ة ال�سيا�سية،
والث����اين ،الأ�سا�س الأبوي لل�سلط����ة ال�سيا�سية .من هن����ا ا�ستنتاجها القائل ،ب�أنَّ �أزمة الدول����ة العربية احلديثة تتعدى نظامها ال�سيا�سي �إىل منط عالقاتها االجتماعية القائمة على ثقافة �سيا�سية �أبوية. وفيم����ا ل����و طبقنا ب�ش����كل ع����ام ومكثف م�ضم����ون التحلي����ل الفعلي لطبيع����ة الأزمة البنيوية للدولة العربي����ة احلديثة ،وانعكا�س مظاهر �ضعف �أو غياب ال�شرعية فيها على خمتلف الدول العربية و�أنظمتها ال�سيا�سي����ة ،ف�إ ّنن����ا ن�ستطيع ر�ؤية ت�أثريها املُخ���� ِّرب ،و�آثارها املدمرة عل����ى خمتلف جوانب احلياة .وقد يك����ون �أكرثها تدمري ًا هو تعري�ض الدول����ة نف�سها �إىل االنحطاط وال�سق����وط والتال�شي .فامل�صري الذي �آلت �إليه يف مناذج احلرب الأهلية كما جرى يف لبنان وال�سودان� ،أو �سقوط الدولة كما جرى يف العراق� ،أو و�صولها �إىل حافة الف�شل كما هو احلال يف اليم����ن� ،أو تال�شيها كما جرى يف ال�صومال هي جمرد �أحد �أ�شكالها ال غري. واملثري إجماع على �إدراك االنحطاط � ٌ أمد بعيد يف الأمر �أن النخب ال�سيا�سية يف عاملنا العربي �أدركت منذ � ٍ عم����ق الأزمة التي تعاين منه����ا الدولة العربي����ة املعا�صرة ،لكن هذا الإدراك – رغ����م واقعيته -م����ا فتئ ُعر�ضة للتع�س����ف الأيديولوجي الناب����ع من موقف معني لهذه النخب����ة �أو تلك .ويف هذا الإطار ،جند �أن ثالثة مواقف نخبوية نقدية من الدولة الوطنية يف البالد العربية منذ ميالده����ا بني العقدين الثال����ث وال�سابع من الق����رن الع�شرين، عق����ب نيل تل����ك الب��ل�اد ا�ستقالله����ا ال�سيا�س����ي ،قد تبل����ورت – �أي املواقفُ -معرب ًة عن نف�سها بكل و�ضوح: �أول تلك املواق����ف النقدية املوقف القومي العربي .وتذهب مقولته �إىل �إ�سق����اط �شرعية تل����ك الدولة لأنه����ا ناجتة ع����ن �إرادة التق�سيم والتجزئة اال�ستعمارية ،ولأن وظيفتها ال�سيا�سية الوحيدة هي متزيق وحدة الأمة والوطن ،وما تب ّقى -من قبيل نوع النخبة احلاكمة فيها ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
87
فـي ب�ؤرة االهتمام الداخلي����ة عرب �إثارة النزاعات وامل�ش����اكل احلدودية مع الدول املجاورة� ،أو اته����ام احلركات واجلماعات املعار�ضة لها يف الداخل باالرهاب ال�ستدرار العط����ف من الق����وى اخلارجية ودفعها �إىل التعاون معه����ا يف (�أو التغا�ضي ع����ن) �إخ�ض����اع املعار�ض��ي�ن لها وتف ُّه����م ما تقوم ب����ه من قم����ع وبط�ش بهم حت����ت مزاعم دح����ر «االرهاب» والتعاون يف «احل����رب» الكونية �ضده .وهي �سيا�س����اتٌ ع ّمقت بال ريب من �أزمة الدول����ة العربية املعا�صرة وانك�شافها، داخلي ًا وخارجي ًا ،ومن ّثم �ساهمت يف زيادة تعرثها وعطبها ب�شكل ُمريع.
ومن����ط والءاتها -تفا�صيل .وثاين تلك املواقف النقدية املوقف الإ�سالمي. وتطعن مقولته �أي�ض ًا يف �شرعية الدولة الوطنية �إما لأنها �أتت على �أنقا�ض اخلالف����ة �أو لأنها ال حتكم مبا �أنزل اهلل .فهي دولة «علمانية» تفر�ض على امل�سلم��ي�ن �أحكام���� ًا لي�ست م����ن �صميم �شريعته����م� .أما ثالث تل����ك املواقف النقدية منها ،فاملوقف املارك�سي والي�ساري الذي يذهب �أ�صحابه �إىل اتهام تلك الدولة ب�أنها دولة طبقة هي الربجوازية ،و�أنها دولة تابعة للميرتوبول الر�أ�سمايل الغربي ومعادية مل�صلحة ال�شعب وطبقاته الكادحة. اتهامات هي� ،إذن ،التي كيلت لهذه الدولة الوطنية :معاداة وحدة ثالثة ٍ الأم����ة ،معاداة �شريع����ة الإ�سالم ،معاداة م�صالح طبق����ات ال�شعب .الدولة الف�شل الأكرب واحلل الذي ال مهرب منه ويف تقديرن����ا �أن عجز الدولة العربية املعا�صرة عن �إعادة �صياغة ر�ؤيتها ه����ذه دولة التجزئة� ،أو دول����ة العلمانية� ،أو دولة الطبقة .ويف هذه احلاالت الث��ل�اث ،هي ال متث����ل �إال فريق ًا �صغري ًا :الق����وى االجتماعية القطرية التي لل�سيا�س����ة واحلكم ميثل اخلطر والف�شل الأكرب ،ذلك �أن النخب ال�سيا�سية تتغ����ذى م�صاحله����ا م����ن التجزئ����ة� ،أو النخ����ب العلمانية املرتبط����ة ثقافي ًا احلاكم����ة مهم����ا تباينت �أمناطها يف نظم ملكي����ة �أو جمهورية مل تدرك �أنه بالغ����رب� ،أو الق����وى البورجوازي����ة املحلي����ة التابع����ة للق����وى الر�أ�سمالي����ة �آن �أوان تو�سي����ع �إطار دائرة احلكم ،و�إ�ش����راك عنا�صر جديدة من النخب الإمربيالي����ة .ويف هذه احل����االت الثالث �أي�ض ًا ،لي�س له����ذه الدولة �أيّ قدر العربي����ة املثقفة يف الدائرة ،وع����دم ا�ستئثار �أفراد الأ�سر املالكة �أو �أع�ضاء م����ن التمثيل لل�شعب وللمجتمع وللأمة �أو من التعبري عن م�صاحلها ،فهذه احل����زب احلاكم بكل منا�ص����ب الدولة ،اعتماد ًا على قاع����دة الثقة والوالء ولي�س الكفاية والتخ�ص�ص. ال تتحقق �إال يف كن����ف الدولة القومية �أو الدولة ويف �ض����وء ذل����ك قد يك����ون �أجدى لأه����ل احلكم الإ�سالمية �أو الدولة اال�شرتاكية. يف الع����امل العرب����ي� ،أن يقوم����وا بعملي����ة ح����وار عل����ى �أن ه����ذه املواق����ف ،بغ�����ض النظر عن دميوقراط����ي حقيقي وا�سع امل����دى ،ي�شمل �أطراف خلفيته����ا الإيديولوجي����ة وال�سيا�سية ،ما لبثت املعار�ض����ة واملثقف��ي�ن وممثلي م�ؤ�س�س����ات املجتمع �أن وجدت لها مع الوقت �صدىً و�أذان ًا �صاغية املدين كافة ودون ا�ستثناء ،لإعادة �صياغة احلكم وتبنته����ا قطاع����ات وا�سع����ة يف معظ����م الدول ب�ص����ورة دميوقراطية تكفل تو�سي����ع �أطر امل�شاركة العربي����ة ،وهك����ذا �أ�صبح����ت �شرعي����ة �أنظم����ة ال�سيا�سي����ة ،وه����و �أم ٌر حتمي وال مه����رب منه حتى الدول����ة العربي����ة املعا�ص����رة الي����وم حمل �شك ي�ستعيد ه�ؤالء م�شروعيتهم املفقودة بفعل الت�سلط كب��ي�ر من قطاع����ات عري�ضة م����ن مواطنيها، والف�شل يف بناء الإن�سان والدولة. لك����ن اخلطري يف الأمر �أن هن����اك دو ًال عربية و�إذا كان����ت �إع����ادة �صياغ����ة احلك����م وال�سري يف �أخ����ذت تتعر�����ض �شرعي����ة الدولة فيه����ا ل�شك �أزمة ال�شرعية تعد من طري����ق الدميوقراطي����ة الطوي����ل خط����وة مهم����ة من بع�����ض القطاعات التي مل تندمج �سيا�سي ًا أخطر � و أعمق � و أهم � وحا�سم����ة لكنها -يف الواقع -لي�ست �سوى اخلطوة واجتماعيا يف هذه الدولة. (عانت) التي أزمات ل ا الأوىل و�ستظ����ل ،يف املح�صل����ة ،غ��ي�ر كافية ما مل لك����ن �أخطر م����ا ميكن �أن تتج�س����د فيه �أزمة وتعاين منها الدولة تتبعها خطوات �أخرى ال تقل عنها �أهمية وح�سماً. ال�شرعي����ة يف الدول����ة العربي����ة املعا�ص����رة هو �سبب و اليوم. العربية ف��ل�ا بد ،عل����ى �سبيل املثال ال احل�ص����ر ،من �إعادة �أن يتزام����ن اهت����زاز �شرعي����ة النظام احلاكم ذلك يعود �إىل �أنّها مل �صياغة ال�سيا�س����ات االقت�صادية مبا يكفل حتقيق م����ع اهتزاز �شرعية الدول����ة ذاتها ،فقد ي�ؤدي ُ�صب النظام القائم ت ِ مطالب التنمية الب�شرية امل�ستدامة ،يف ظل �صيغة جل����وء ال�سلطة �إىل مزيد م����ن القمع والبط�ش واقعي����ة لتحقي����ق العدال����ة االجتماعي����ة .كم����ا �أن وتعدته �إىل بل فح�سب، واال�ستئ�ص����ال لقوى املعار�ضة �إىل �أن ت�ستقوي ّ الإ�ص��ل�اح الدميوقراطي يجب �أن يكون م�سبوق ًا �أو هذه القوى بالتدخل الأجنبي الذي له �أجندته فكرة الدولة ذاتها ً إ�ص��ل�اح �آخر عميق و�ضروري عل����ى الأقل مقرونا ب� اخلا�ص����ة الت����ي تتع����دى �إ�سق����اط النظام اىل ٍ إ�صالح �إ�سقاط الدول����ة ذاتها على نحو ما ك�شف عنه يف جم����االت الأمية واملعرف����ة والرتبي����ة وب� ٍ موا ٍز على �صعي����د احرتام وحماية حقوق الإن�سان؛ ب�ص����ورة �صارخ����ة النم����وذج العراق����ي ،ورمبا ً تق�سي����م الدول����ة على النحو ال����ذي ميكن �أن ت�ص����ل �إليه تداعي����ات امل�شهد لأن اخلوف ال ي�صنع �إبداعا مثلما �أن القهر ال ي�ضمن انتماء! ت�صب يف فك����رة البدء :تلك التي يجب و�إجم����ا ًال ،ف�إن امل�س�ألة يف النهاية ّ ال�سوداين �إذا ظلت الأمور ت�سري نحو الأ�سو�أ. ا�صرة بفعل افتقادها لل�شرعية �أن من ّي����ز فيها بني عربة املجتمع وطريق الدولة النموذج .للمجتمع طاقات غري �أن �إح�سا�س الأنظمة العربية ب�أنها محُ َ و�ضغ����وط امل�ش����اكل الداخلية يدفعه����ا ،يف كثري من الأحي����ان� ،إىل حماولة ينبغ����ي �إحيا�ؤها وللدول����ة – الباحثة عن امل�شروعي����ة بالت�أكيد -دو ٌر ينبغي اخلروج من امل�أزق بافتعال الأزمات اخلارجية ل�صرف النظر عن امل�شاكل تطويره .فال الطريق ُيغني عن العربة وال معنى للعربة بغري الطريق! 88
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
املحـــور ق�ضيــــة العـــدد
الكفاح �ضد «القاعدة» فـي اليمن حممد �سيف حيدر جريجوري جون�سون علي العب�سي جيم�س فيليب�س �سارة فيليب�س ورودجر �شاناهان خالد �أحمد الرماح عاي�ش علي عوا�س �إدوارد بيـرك ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2010
89
املحــور
من �أ�سامة �إىل الوحي�شي
الإيديولوجي���ة واحل�شد العقائ���دي ،وتالي ًا ا�ستقطاب كثري من ال�شباب الذين ي�شكل���ون الفئة الأكرب بني فئات �سكان البالد التي تنوء بحمل دميغرايف ثقيل ومت�سارع على نح ٍو يبدو وك�أنه غري قابل للكبح �أو االحتواء. وعليه ف�إن التعامل مع واق ٍع كهذا ي�ستدعي �إدراك ًا واعي ًا بخلفياته ومكوناته وم�ساراته كما التبا�ساته التي �ساهمت، ولزمن طويل ،يف ت�شتيت الأذهان والقدرات عن مالحظة (ومواجهة) تهديد ما انفك يتعاظم يوم ًا بعد يوم ،وتالي ًا وهذا ما ي�ؤ�سف حق ًا -فقد مت جتاهل قنبلة موقوتة ظلت كامنة بني ظهرانينا لفرتة ،ومل ن�ست ِفق �إال وقد انفجرتفج�أة� .صحيح �أن احلكومة اليمنية حققت خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية جناح ًا ن�سبي ًا يف �إدارة املواجهة مع تنظيم “القاع���دة” ،لك���ن الأخري ،وخ�صو�ص ًا من خالل عملياته التي تب ّناها م�ؤخر ًا (و�آخرها حماولة مجُ ّنده النيجريي عم���ر فاروق عبداملطلب الفا�شلة لتفجري طائرة الركاب الأمريكية يف �سماء مدينة ديرتويت ليلة عيد امليالد) ،عاد لي�ؤكد �أن العوامل التي �ساعدت على وجوده يف البالد ومتدده يف بع�ض �أرجائها “ال تزال قائمة”. وملزي���د م���ن الفهم ملوقع اليمن ودوره���ا يف الإ�سرتاتيجية الكونية لتنظيم «القاعدة» وكيف ب���رزا وتطورا ,ف�إنه ال منا����ص م���ن مراجعة التجرب���ة املعقدة التي ه ّي����أت البالد لتحتل هذه املكان���ة املتقدمة ،والتي بات���ت ُتنبئ مبخاطر
�صعود تنظيم «القاعدة» فـي اليمن حممد �سيف حيدر
مل تغ���ب اليم���ن يف يوم من الأيام عن تفكري تنظيم القاعدة ،ودوائر حركته �شرق ًا وغرب ًا ،كما ا�سرتاتيجيته العاملي���ة املكونة من مزيج غري متجان�س من الت�صورات العقائدية وال�سيا�سية املفعمة بدالالت تب�شريية رمزية وت�ضمينات جيوبوليتيكية حا�سمة ،بالإ�ضافة �إىل قواعد ا�شتباك ُمر ِبكة ترتكز ب�شكل رئي�سي على فكرة احلرب غري املتماثلة .واحلال �أن التنظيم وجد يف هذا البلد الفقري الذي تتجذر فيه الروح القبلية والدينية املحافظة بق���وة ،بيئ��� ًة مالئم ًة قابلة لال�ستغالل الفك���ري والتنظيمي و�إمكانية �إدارة حملة منظم���ة وطويلة الأمد للتعبئة 90
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
حممد �سيف حيدر مدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية» ،وباحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.
وحتديات ج ّمة يتعني اال�ستعداد ملواجهتها يف قادم الأيام. منذ اللحظة الأوىل لتكون نواة تنظيم «القاعدة» �أ�سامة و»م�شروعه اجلهادي» يف اليمن يف الأرا�ضي الأفغانية /الباك�ستانية من خالل �إن�شاء م�أ�سدة الأن�صار (التي حتولت �إىل «القاعدة» الحق ًا ،و�إن كان���ت هذه الت�سمية مل تظهر �إال يف منت�صف عقد الت�سعينيات من القرن املا�ضي) ،لفت اجلهاديون اليمنيون انتب���اه �أ�سامة ب���ن الدن �إليهم ،خ�صو�ص ًا بعد �أن �أبلوا ح�سن ًا � -إىل جان���ب جهاديني عرب �آخرين -يف معارك «جاج���ي» ال�شه�ي�رة التي خا�ضها بن الدن واملقاتلون العرب يف رم�ض���ان من العام ،1987والتي م ّهدت الطريق لالن�سحاب ال�سوفيتي من �أفغان�ستان. خالل تلك الفرتة ،حر�ص بن الدن على تكوين جمموعة ُم ّ نظمة حوله ر ّكز فيها على العنا�صر اجلهادية ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
91
املحــور من �شبه اجلزي���رة العربية وال�سيما من ال�سعودية واليمن .وعلى �إثر االن�سح���اب ال�سوفيتي م���ن �أفغان�ستان الذي ب���د�أت طالئعه يف �شباط/ فرباي���ر ،1989توجهت �أنظ���ار بن الدن �إىل اليمن ،م�سق���ط ر�أ�س والده و�أر����ض �أجداده ،بدف���ع وت�أييد تام من بع�ض �أن�ص���اره املقربني .و�أخذت فك���رة اجلهاد يف اليمن وجدواها ت�ستح���وذ على تفكريه ،ال�سيما بعد �أن �أقتن���ع ب�أن «اليمن (�أ�ضحت) من �أكرث مناطق العامل العربي جاهزية لأن تقوم فيه���ا حركة جهادية ،تتوفر لها معظم عنا�ص���ر النجاح ال�سببية». وزاد م���ن حما�ست���ه� ،إطالعه الوثيق عل���ى جتربة اجلهادي�ي�ن اليمنيني يف �أفغان�ست���ان ،والذي���ن �شكلوا -وقتها -ث���اين �أعلى �إح�صائية من بني ال�شب���اب العرب الذين قدموا للجه���اد الأفغاين ،وكان���وا يف ر�أيه «مثا ًال للإقدام ،وال�شجاعة ،وخ�صال الفرو�سية ،و�أ�صالة العروبة». ووفق رواية �أبي م�صعب ال�سوري ،فقد كان «امل�شروع اجلهادي» اخلا�ص والرئي�سي لأ�سامة بن الدن هو �إحداث «حركة جهادية» يف اليمن اجلنوبي، وق���د با�شر ذلك يف �سنتي 1989و 1990عقب عودته �إىل ال�سعودية؛ فقام ب�إر�س���ال الدعم املادي ال�ل�ازم مل�ؤيديه يف اليمن لتهيئ���ة الأجواء حلملة «جهادية» ُم ّ نظم���ة هدفها ك�سب عنا�صر جديدة هن���اك ،وا�ستمر يف حماولته �إىل كان «امل�شروع قي���ام الوح���دة اليمني���ة منت�ص���ف العام .1990ورغ���م �أن ع���دد ًا م���ن اجلهاديني اجلهادي» اخلا�ص املقرب�ي�ن من بن الدن �أيامها قد ح ّر�ضوه والرئي�سي لأ�سامة على امل�ضي يف م�شروعه مبا�شرة� ،إال �أنه بن الدن هو احلركية ت���ردد بانتظار �إقناع القي���ادات �إحداث «حركة الإ�سالمية املعروف���ة يف اليمن من �أمثال جهادية» يف عبد املجي���د الزنداين باالنخ���راط فيه ،اليمن اجلنوبي، ُم�ست ِغ ًال اخل�ل�اف الذي ن�شب عقب قيام وقد با�شر ذلك الوح���دة ح���ول الد�ستور ،وه���و اخلالف يف �سنتي 1989 ال���ذي حاول ب���ن الدن توظيف���ه «لإعالن و 1990عقب اجلهاد على حكومة اليمن املوحد حديثة عودته �إىل الن�ش����أة» .لك���ن حماوالت ب���ن الدن هذه ال�سعودية انته���ت بالف�شل بع���د �أن امتنع الكثري من علماء اليم���ن ويف مقدمته���م الزنداين، وم�شاي���خ ال�سلفي�ي�ن وعل���ى ر�أ�سهم مقبل ً الوادع���ي عن دعمها ،رغم �أنه بذل �أم���واال طائلة ال�ستمالتهم وا�ستمالة بع�ض القبائل لدعم «م�شروعه اجلهادي» اخلا�ص يف اليمن. ومع هذا مل ُي ِبد بن الدن �أي نية له يف اال�ست�سالم؛ فوا�صل تقدمي الدعم �إىل ف�صائ���ل جهادي���ة ميني���ة ,ومينيني توط���دت عالقته به���م منذ �أيام اجله���اد الأفغاين .كما كان���ت له روابط وعالق���ات وثيقة يف ح�ضرموت نف�سها التي تنحدر منها عائلته .وبا�ستعمال هذه الروابط ،قام بن الدن با�ستقط���اب املزي���د من اليمني�ي�ن �إىل خميمات التدري���ب التابعة له يف �أفغان�ست���ان وباك�ستان ،و ُيقال �أنه َعمِ ���ل على ا�ستخدام الأرا�ضي اليمنية (يف مديرية مودية ب�أبني حتديد ًا بح�سب معلومات ا�ستخباراتية غربية) كموقع تدريب �إ�ضايف لتنظيمه النا�شئ ابتدا ًء من عام .1993كما �شملت ن�شاطات بن الدن وخالي���اه ال�سرية يف اليمن ،ا�ستخدام املوانئ اليمنية كم�ص���ادر لتهريب الأ�سلحة �إىل الدول واملناط���ق املجاورة .وكدليل على 92 92
نوفمرب/دي�سمرب الثاين ،يناير/فرباير العددالأول، ا��سرتاتسرتايتيججيةية العدد
2009 2010
تزايد اهتمامه ووترية ن�شاطاته باليمن يف تلك الفرتة� ،أ�شارت تقديرات اال�ستخب���ارات الأمريكية �إىل �أن ب���ن الدن �أجرى من هاتفه ،الذي يعمل بوا�سط���ة الأقمار اال�صطناعية� ،أكرث م���ن 221مكاملة هاتفية �إىل اليمن من بني 1100مكاملة قام ب�إجرائها يف منت�صف الت�سعينيات. عل���ى �أن �أخطر تلك الن�شاطات كانت قد جرت قبلها وحتديد ًا يف مطلع الع���ام ،1992عندما ح���اول �أن�صاره الهجوم على ق���وات �أمريكية كانت متوقف���ة يف عدن يف طريقه���ا �إىل ال�صومال .فقد قامت جمموعة مكونة م���ن �ست���ة مينيني وليبي يدعى �أب���و بكر خريي �صال���ح ،مبحاولة تفجري فن���دق ال�ساحل الذهب���ي (جولد مور) وفندق عدن يف ليل���ة ر�أ�س ال�سنة وم���ن ّثم قتل الع�سكريني الأمريكي�ي�ن املوجودين داخلهما ،لكن املحاولة �أخفق���ت ومتكن���ت ال�سلط���ات الأمنية من اعتق���ال �أف���راد اخللية الذين اعرتفوا بتبعيتهم لأ�سامة بن الدن. ويف الأثن���اء ،تنام���ى عن���ف «اجلهادي�ي�ن» يف البالد لي�شم���ل حماوالت اغتيال �شخ�صي���ات �سيا�سية ا�شرتاكية بارزة كعلي �صالح عباد (مقبل) وغ�ي�ره م���ن القيادي�ي�ن يف احل���زب اال�شرتاك���ي اليمن���ي .وكان لتنظيم «اجلهاد الإ�سالمي» يف اليمن اليد الطوىل يف تنفيذ مثل هذه العمليات. وق�ص���ة هذا التنظي���م /اجلماعة ب���د�أت بعودة زعيمها ط���ارق الف�ضلي _ وه���و �أح���د �أهم رموز الأفغان اليمنيني و�أح���د املقربني من بن الدن �آن���ذاك _ �إىل اليمن ،وحتديد ًا �إىل حمافظة �أب�ي�ن ،بعد م�شاركته يف اجلهاد الأفغ���اين .وهناك قام الف�ضلي ،وبدافع من خ�صومته ال�شديدة التح�صن م���ع �أتباعه بجبال املراق�شة التي م���ع احلزب اال�شرتاكي� ،إىل ّ اعتربها املكان املالئم والأن�سب لتنفيذ م�شروعه ،بالنظر �إىل كونها من �أف�ضل التح�صينات اجلبلية. وعل���ى الرغم م���ن �أن عالقة ب���ن الدن كان���ت قوية بجماع���ة «اجلهاد» اليمني���ة� ،إال �أنه���ا �ضعفت بعد انتهاء حرب االنف�ص���ال يف �صيف ،1994 �إذ قام قائدها طارق الف�ضلى مب�ساعدة احلكومة اليمنية �أثناء احلرب، وبعدها انخ���رط يف اللعبة ال�سيا�سية الداخلية ,وان�ضم مع بع�ض �أتباعه �إىل امل�ؤمت���ر ال�شعب���ي العام يف حني �أخت���ار بع�ضهم االلتح���اق ب�أحزاب وتنظيمات �أخرى .ومنذ ذلك احلني مل تقم للجهاديني من �أتباع �أ�سامة ب���ن الدن �أي حماولة تُذك���ر للتحرك يف اليمن� ،إذ حتول���ت �إ�سرتاتيجية الأخري ،بدء ًا من منت�صف ت�سعينيات القرن الفائت ،من حماربة «العدو القري���ب» (�أنظمة احلكم يف العاملني العرب���ي والإ�سالمي) �إىل مقارعة «الع���دو البعي���د» (�أي الوالي���ات املتح���دة) يف �أماك���ن �شتى م���ن العامل، وعنده���ا �أخذ موقع اليم���ن ودورها �أي�ض ًا يف التغ�ّيفرّ يف �إ�سرتاتيجية بن الدن وتنظيمه الآخذ يف ال�صعود عاملي ًا. يف �إط���ار الر�ؤي���ة م��ن النظري��ة �إىل التطبي��ق اجلديدة هذه ،ومع حتول تنظيم «القاعدة» �إىل ظاهرة معوملة خ�صو�صاً بعد �إعالن �أ�سامة بن الدن و�أمين الظواهري عن والدة «اجلبهة العاملية لقت���ال اليه���ود والن�ص���ارى» يف �شه���ر �شب���اط /فرباي���ر ،1998اتخذت اليم���ن موقعها اجلديد ل���دى التنظيم بو�صفها «حا�ضن���ة مثالية» للعمل احلرك���ي والتعبوي تُ�شابه يف بع�ض الأوجه «احلا�ضنة الأم» للقاعدة� ،أي �أفغان�ست���ان ،وتقع على مرمى حجر من غايته الأ�سمى «بالد احلرمني»، �أي العربية ال�سعودية.
واحلقيق���ة �أن ه���ذه الر�ؤي���ة لليم���ن وموقعه���ا كم���ا دوره���ا يف العم���ل «اجله���ادي» يف �صيغت���ه «القاعدي���ة» املُحدث���ة ،ق���د مت ت�أ�صيله���ا نظري ًا نظ���ري «القاعدة» البارزين ،وال���ذي كانت اليمن ّ م���ن قبل �أحد ُم ّ حمط اهتمام���ه منذ وق���ت لي�س بالق�صري .فف���ي ت�شري���ن الأول�/أكتوبر 1999 ق���ام �أبو م�صع���ب ال�سوري ،امللقب ب���ـ «داهية الفكر اجله���ادي» ،بت�أليف كتاب �صغري �أو ر�سال���ة مطولة تقع يف � 36صفحة ،بعنوان «م�سئولية �أهل اليمن جتاه مقد�س���ات امل�سلمني وثرواتهم» ،حتدث فيها عن �أهمية بناء قواع���د �إ�سرتاتيجي���ة طويلة الأمد يف اليمن .وتتب���دى �أهمية الأخرية يف نظ���ر ال�سوري من خالل ثمانية عوامل رئي�سية متتاز بها عن غريها من الدول الإ�سالمية ،وتحُ ّفزها ر�ؤى وب�شائر دينية حتمل يف طياتها دالالت رمزية ،ولكنها كا�شفةُ ،تع�ّب�ررّ عنها �أحاديث نبوية �شهرية ،ال حتتاج �إىل كثري من الت�أويل ملقاربتها �أو فهمها. �أول هذه العوامل هو الكثافة ال�سكانية العالية يف اليمن مقارنة بدول اجلوار يف منطقة �شبه اجلزيرة العربية .وين�صرف ثاين هذه العوامل �إىل طبيعة الب��ل�اد اخل�صبة من حيث الزراعة والكفاية الغذائية� .أما ثالث تلك العوامل ،التي يعددها ال�سوري ،فيكمن يف العامل اجلغرايف املرتب����ط مبا تتميز ب����ه اليمن من طبيعة جبلي����ة ح�صينة «جتعل منها القلعة الطبيعية املنيعة لكافة �أهل اجلزيرة ،بل لكافة ال�شرق الأو�سط، فه����ي املعق����ل الذي ميك����ن �أن ي�أوي �إلي����ه �أهلها وجماهدوه����ا» .ويتعلق العام����ل الرابع ،يف نظر �أبي م�صعب ،بال�شوك����ة والب�أ�س و�أهلية القتال عن����د اليمنيني ومتا�سك تركيبتهم القبلية ،بعك�س غريهم من محُ دثي النعم����ة يف دول اجل����وار الذين «غلب على �أكرثه����م اال�سرتخاء وعدم الأهلية للقتال» .يف حني ي�شري العامل اخلام�س �إىل واقع �سوق ال�سالح يف اليم����ن وانت�ش����ار الذخرية ب�أ�شكاله����ا كافة« ،وذلك نظ����ر ًا للتقاليد القبلي����ة التي تفخر ب����ه ،وللمخزون الذي خلف����ه ال�شيوعيون يف جنوب اليمن ،وازدهار جتارة ال�س��ل�اح مع ال�سواحل املقابلة للقرن الأفريقي و�شرق و�سط �أفريقيا( ،التي) تتكد�س (فيها) خملفات الأ�سلحة والذخرية والكميات الهائلة نتيجة الثورات واحلروب املتالحقة يف تلك املناطق». �أم���ا العام���ل ال�ساد�س فيتمثل يف امتالك اليمن ح���دود ًا مفتوحة «تزيد عل���ى �أربع���ة �آالف ك���م» ،و�سواحل بحري���ة «تزيد على ثالث���ة �آالف كم»، وحتكمه���ا بواحد من �أه���م البوابات البحرية وهو م�ضي���ق باب املندب. وبح�س���ب ال�سوري ،ف�إن «هذه احلدود املفتوحة ،التي ال ميكن ال�سيطرة عليه����ا ،تتي����ح حري����ة احلرك����ة ،كم����ا توف����ر هام�����ش من����اورة ع�سكرية �إ�سرتاتيجية غاية يف الأهمية ال تخفى على كل ب�صري» .وميدح ال�سوري خالل حديثه عن العامل ال�سابع ما ي�سميه «الطبيعة احلرة لأهل اليمن كم����ا هو حال الأر�ض؛ فالقبائ����ل وال�شباب وال�صحوة الإ�سالمية مل تقع �أ�سرية الأ�سر والتنومي وال�سيطرة النف�سية كما حال معظم �سكان باقي بق����اع اجلزيرة ،فاالنفت����اح الثقايف والعلمي وتع����دد االجتاهات ووجود التي����ارات الفكرية عام����ة واملدار�����س الإ�سالمية والدعوي����ة واجلهادية خا�ص����ة ،و ّف����ر طبيع����ة حرة ل����دى �أهل اليم����ن عامة و�شب����اب ال�صحوة واملجاهدي����ن فيها خا�صة» بعك�س غريهم من �شباب اجليلني الأخريين يف بقي����ة دول اجلزي����رة العربية «املُك ّبل��ي�ن ب�سال�سل الأَ ْ�س����ر املختلفة»، الأمر الذي مينعهم من �أن يكونوا «�أم ًال يف اجلهاد والب�أ�س الع�سكري»، كما يقول.
ويف كالم����ه ع����ن العامل الثام����ن والأخري ال����ذي متتاز ب����ه اليمن عن غريها من دول �شبه اجلزيرة ،يتحدث �أبو م�صعب ال�سوري عن �ضرورة ا�ستغ�ل�ال عامل الفق���ر العام يف اليمن و�إك�سابه معن���ى ثوري ًا ليكون كما يقول محُ ّفز ًا لل�شعور «بالظلم والغنب والذي يعترب حمرك ًا �أ�سا�سي ًا دفين ًا يجب توجيهه التوجيه ال�صحيح� ،إذ يعترب عند ذلك عام ًال �إ�سرتاتيجي ًا مهم��� ًا يف حتري���ك النا����س للجهاد ال�س�ت�رداد حقهم و�أهليته���م لذلك»، ح�سب تعبريه! واحل���ال �أن هذه الر�ؤية احلاكمة امل�ؤط���رة ملوقع اليمن ودورها املحوري يف �إ�سرتاتيجي���ة تنظي���م «القاعدة» ب�صف���ة خا�صة ،وباق���ي اجلماعات والتنظيم���ات املن�ضوية �ضمن التيار ال�سلفي -اجلهادي عموم ًا ،كان لها �ص���دى ملحوظ ًا ,و�ساهمت بقوة يف �إعادة توجيه دفة العمل «اجلهادي»، خ�صو�ص��� ًا بعد �أح���داث � 11أيلول�/سبتمرب ع���ام .2001وبالفعل ،ميكن الق���ول �أنها كانت «�أ�شب���ه بتو�صية من �أبي م�صعب لقي���ادات «القاعدة» للتفك�ي�ر يف مواق���ع بديلة عن �أفغان�ست���ان واحلدود املتاخم���ة لباك�ستان وغريه���ا من كانتون���ات جماعات العنف امل�سلح» كم���ا الحظ ذلك بع�ض املتابع�ي�ن ل�ش����ؤون جماع���ات العن���ف اجلهادي���ة ،ويف مقدمته���ا تنظيم «القاعدة» بزعامة �أ�سامة بن الدن. الر�ؤية احلاكمة وم����ع �أهمي����ة الر�ؤية النظري����ة هذه التي امل�ؤطرة ملوقع بل����ورت املكانة اخلا�ص����ة لليمن يف عقول اليمن ودورها وقل����وب منت�سب����ي التي����ار اجله����ادي – املحوري يف ال�سلف����ي� ،إال �أن ال�سياق ال�سيا�سي املحلي �إ�سرتاتيجية تنظيم «القاعدة» يف ه����ذا البلد خ��ل�ال العقدين الأخريين كان لها �صدى قد �أ�ضفى عليها �أهمية م�ضاعفة و�أبعاد ًا و�ساهمت ملحوظاً, �أكرث عملية .والعارف����ون بكوالي�س اللعبة بقوة يف �إعادة ال�سيا�سية اليمني����ة منذ مطلع ت�سعينيات العمل توجيه دفة الق����رن الفائت حتى اليوم يدركون متام ًا «اجلهادي»، الكيفي����ة التي �أُدير به����ا ملف اجلماعات خ�صو�صاً بعد اجلهادي����ة -ال�سلفية ،ال�سيم����ا املقاتلني �أحداث � 11أيلول /العائدين من �أفغان�ستان ،اليمنيني منهم �سبتمرب وغ��ي�ر اليمني��ي�ن ،وطبيع����ة التجاذب����ات قح����م ه����ذا املل����ف وال�صراع����ات الت����ي �أُ ِ يف �إطاره����ا ،بغر�ض توظيف املنتم��ي�ن �إىل التيار اجله����ادي -ال�سلفي مبختل����ف ت�شكيالته����م ،مب����ا فيه����م املنتم��ي�ن �إىل تنظي����م «القاعدة»، وا�ستغاللهم �سيا�سي���� ًا من �أجل دعم املواقف واملطامح ال�سيا�سية لدى بع�ض الالعبني الكبار يف ال�ساحة اليمنية. وزاد م����ن �إغراء فك����رة ا�ستغالل اليم����ن ك�إحدى من�ص����ات االنطالق الأ�سا�سي����ة لعم����ل “القاع����دة” ،ال�شع����ور املع����ادي املنت�ش����ر يف الب��ل�اد لل�سيا�س����ات الأمريكي����ة املنحازة لإ�سرائي����ل ،وهو ال�شع����ور الذي �سعى التنظي����م (وال ي����زال) �إىل ا�ستغالل����ه �إىل �أق�ص����ى حدٍّ ممك����ن .ولهذا مل يك����ن م����ن قبي����ل امل�صادف����ة -رمب����ا -قي����ام التنظي����م بواحدة من �أه����م عملياته و�أكرثها �صخب���� ًا يف اليمن ،وهي عملي����ة تفجري املدمرة الأمريكي����ة (كول) يف ميناء ع���دن يف 12ت�شري���ن الأول�/أكتوبر ،2000 وذل���ك بعد يومني فقط من خروج �أكرث من � 50.000شخ�ص للتظاهر يف عدن للتنديد بالدعم الأمريكي لإ�سرائيل. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
93
املحــور واملرجح �أن قناعة �أ�سامة بن الدن جمدد ًا مبكانة اليمن وحمورية دورها ّ املتو ّق���ع يف �إ�سرتاتيجية تنظيمه العاملي���ة ،كانت قد بلغت ذروتها يف تلك خف م�شاع���ره جتاهها وحنينه �إليها من خالل الف�ت�رة ،وتبع ًا لذلك مل ُي ِ ا�ستدعاءه���ا -ول���و رمزي ًا -يف ظروف ومنا�سبات ع���دة .كما �أنه حاول وقته���ا الن�أي باليم���ن قدر الإمكان بعي���د ًا عن �صراعه م���ع الأمريكيني، وجه �أن�صاره �إىل �أن يبقوا ه���ذا البلد «بعيد ًا عن وال�شاه���د �أن ب���ن الدن ّ عملياتهم» .وطبق ًا ملا ذكره مرافقه ال�سابق «�أبو جندل» نا�صر البحري، ف�إن���ه حتى عملية املدمرة الأمريكية (ك���ول) كانت خطة «ال�شيخ �أ�سامة (�أن يت���م �ضربه���ا) يف املي���اه الدولية ،لكن خط����أً فني ًا ب�سيط��� ًا يف عملية عجل �ضربها يف ميناء عدن». الرقابة ّ م���ن هنا ،ن�ستطي���ع �أن نفهم اخللفية التي جعل���ت اليمن تفر�ض نف�سها عل���ى العمل احلركي والن�شاط التعبوي للقاعدة ،وذلك يف �أكرث الأوقات ح�سا�سية ودقة بالن�سبة لهذا التنظيم .ففي �أواخر ،2001وقبل هجمات �أيلول�/سبتمرب يف نيويورك ووا�شنطن ب�أيام قليلة ،جمع بن الدن �أن�صاره يف مدين���ة قندهار الأفغاني���ة ليبلغهم �أن يحزم���وا �أمتعتهم وحقائبهم، والتوج���ه �إىل اليمن. ا�ستع���داد ًا للرحيل ّ غ�ي�ر �أن الهجوم الأمريك���ي ال�سريع على قبل هجمات �أفغان�ست���ان يف مطل���ع ت�شري���ن الأول/ �أيلول�/سبتمرب �أكتوب���ر من الع���ام نف�سه ،قط���ع الطريق يف نيويورك عل���ى الكثريين م���ن �أع�ض���اء «القاعدة» ووا�شنطن ب�أيام ومن بينهم بن الدن ذاته ،وكان قدرهم، قليلة ،جمع بن خ�ل�ا قلة منه���م ا�ستطاع���وا املجيء �إىل الدن �أن�صاره يف اليم���ن� ،أن يبق���وا يف �أفغان�ست���ان ملقاتلة مدينة قندهار الأمريكي�ي�ن هناك ،قب���ل �أن ينتقلوا �إىل الأفغانية املناط���ق الواقع���ة يف حم���اذاة احل���دود ليبلغهم �أن الأفغاني���ة الباك�ستاني���ة حي���ث وج���دوا ،يحزموا �أمتعتهم وحقائبهم، باملثل ،جغرافيا وعرة وح�صينة حتت�ضن جمتمع��� ًا قبلي��� ًا حمافظ��� ًا وم�شحون��� ًا ا�ستعداداً للرحيل والتوجه �إىل ّ مب�شاع���ر دينية مت�أججة ،ا�ستفادوا منها اليمن لإعادة الروح �إىل تنظيمهم املُن َهك الذي كان على و�شك االنهيار. عل���ى مدى ظه��ور تنظي��م القاع��دة يف اليم��ن ال�سن���وات التي �أعقبت الهجوم الأمريكي العنيف على تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» يف �أفغان�ستان� ،شغلت فكرة �إيجاد «مالذ بديل» حمتمل للتنظيم حيز ًا مهم ًا من تفكري قيادته ،التي �أقلقتها حالة التنظيم الذي �أخذ ي�ستنزف ذاته ويفقد ج���زء ًا كبري ًا من حيويته بفعل توايل ال�ضغط العامل���ي وال�ضربات القوية التي حلقت ب���ه يف «قواعده» وامتداداته كافة من قبل الكثري من حكومات ودول العامل. ومن هنا بد�أت تبحث بكل جدية عن �أماكن �أخرى تو ّفر للتنظيم فر�صة مالئم���ة ال�س�ت�رداد �أنفا�س���ه ،وتُ�سهم تالي��� ًا يف عملية �إعادة بن���اء بنيته املدم���رة من جديد .ول�سوء احل���ظ مرة �أخرى ،فقد �أكدت كل امل�ؤ�شرات �أن «القاعدة» �شرعت يف ا�ستهداف اليمن ،ويف �شكل �إ�سرتاتيجي ،لتكون ً بدي�ل�ا لها� ،إم���ا يف �شكل مرك���زي �أو كنقطة داعم���ة لتحركاتها خي���ار ًا
يف �شب���ه اجلزيرة العربي���ة والقرن الأفريقي ،ال�سيم���ا بعد عودة ن�شاط الإ�سالميني يف ال�صومال .وبهذا املعنى ،فقد حتولت اليمن �إىل «منطقة مواجه���ة قاعدي���ة» ل�ص���رف الأنظ���ار ع���ن التوج���ه الأمريك���ي اجلديد با�سته���داف التنظيم والرتكيز علي���ه يف ال�شريط احلدودي يف باك�ستان ومناط���ق القبائل واملناطق الأفغانية التي عادت �إليها «طالبان» ،ال�سيما بعد �أن مت تقوي�ض فرعيه يف العراق وال�سعودية. وخ�ل�ال ال�سنوات الأخرية ،بدا �أن اليمن تتعر�ض بالفعل ،وعرب موجات متتالي���ة من الهجم���ات والعمليات الإرهابية ،لرتكي���ز جدي و�شديد من قب���ل تنظي���م «القاع���دة» بهدف تعزي���ز دور اليم���ن كـ «قاع���دة خلفية» للتنظيم ُيعيد من خالله���ا بع�ض ًا من حيويته املفقودة ،وعلى نح ٍو ميكنه م���ن تفعي���ل قدرته عل���ى املب���ادرة واالنط�ل�اق �إىل الهج���وم وا�ستهداف ���ف وق�سوة .و ُيث ِبت ر�ص���د ن�شاط القاعدة يف �أع���داءه املفرت�ضني بكل عن ٍ اليمن بوجهه القدمي الذي مت احتواءه (يف ظل اجليل الأول) �أو اجلديد احلايل املُ�ستع�صي على ال�سلطات اليمنية (يف ظل اجليل الثاين ،والذي ا�ستط���اع �أب���رز نا�شطيه الهروب من �سجن الأم���ن ال�سيا�سي يف �شباط/ فرباي���ر � ،)2006أن���ه ال يخرج عن �سي���اق َج ْعله���ا � -أي اليمن -منطلق ًا «للجه���اد» يف اجلزي���رة العربية ،وهو ما حدث ح�ي�ن كان �أغلب ال�سالح بيد «جهادي���ي» ال�سعودية ي�أتي من اليمن ،ومما يدلل على ذلك� ،أي�ض ًا، �أن اليم���ن وال�سعودي���ة وقعتا اتفاقي���ة للتعاون الأمني ع���ام ،2003ومنذ ذلك احل�ي�ن ،تبادل البل���دان ت ََ�سلُّم (وت�سليم) الع�ش���رات من املطلوبني واملالحقني �أمني ًا. والوا�ض���ح �أن التنظيم ،ال���ذي ما لبث خالل الأع���وام � 2008 - 2006أن �أع���اد بناء نف�سهُ ،مع���زز ًا قدراته العملياتية وحم ّدث��� ًا هياكله التنظيمية ومو�سع��� ًا �شبكة حتالفاته حملي��� ًا و�إقليمي ًا ،قد و�صل �إىل ذروة ن�شاطه يف اليمن خالل العام الفائت .2009فقد �أعلن فرعاه اليمني وال�سعودي يف كان���ون الثاين/يناير من العام نف�س���ه ،االندماج يف تنظيم �إقليمي واحد هو «تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب» ،و�س ُِّمي اليمني «�أبو ب�صري» نا�ص���ر الوحي�شي ( 31عام ًا) �أم�ي�ر ًا له وذلك مبباركة قيادة القاعدة يف �أفغان�ستان وباك�ستان. ومنذ ذل���ك التاريخ تنوعت ن�شاطات التنظيم وتع���ددت عملياته ب�شكل وعبرَ ت ابتكاراتُ التنظيم الفت ،واكت�سبت زخم ًا غري م�سبوق يف اليمنَ ، املُخيفة احلدو َد لت�صل �إىل ق�صور العائلة ال�سعودية احلاكمة والطائرات الأمريكي���ة املُح ِّلقة يف �أجواء ب���دت لوهل ٍة � ِآمنة ،محُ ِدث��� ًة بلبل ًة واخرتاق ًا �أمني��� ًا وا�ضح��� ًا .كما �أن التنظيم ،عرب ا�ستخدام���ه �أ�سلوب «قوائم املوت ال�س���وداء» �أخ���ذ يف ت�صفية ح�سابات���ه القدمية/اجلديدة م���ع القيادات الأمني���ة الت���ي تالحق���ه منذ ف�ت�رة ،واح���د ًا تلو الآخ���ر ،لي����س يف اليمن وح�س���ب بل ويف الدول املجاورة �أي�ض ًا .وامتدت عمليات التنظيم لتطال، بالتخطي���ط والتنفيذ� ،أهداف ًا عدة� :سياح ًا وموظفني �أجانب ،وم�سئولني �أمنيني ،وم�صالح حكومية و�أجنبية ،ومن�ش�آت نفطية و�أمنية. و ُتظهِ ���ر الدالئل �أن تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب ،والذي يتخذ من اليمن مركز ًا �إقليمي ًا لن�شاطاته ،بات ميتلك ذراع ًا ع�سكري ًا فاع ًال ،وقد زادته اخلربات ال�سعودية الناجتة عن اندماج فرعيه اليمني وال�سعودي ف� ً ضال عن اخلربات الأجنبية الأخرى ،قو ًة وفعالية .وبدت معامل مثل هذه
القدرات الع�سكري���ة وفعاليتها مث ًال يف مواجهات التنظيم مع ال�سلطات الأمنية يف م����أرب قبل عدة �أ�شهر ،وكذلك يف قدرة التنظيم على ابتكار و�سائل خمتلفة وغري متوقعة يف كل مرة ينفذ فيها عملياته هنا �أو هناك. فمث ًال ا�ستخدم التنظيم تكتيك الر�سائل والطرود املفخخة يف ا�ستهداف القي���ادات الأمنية اليمنية ،كما متكن من الو�صول �إىل �أحد �أهدافه عرب تفخيخ �إحدى ال�ص���ور (كما يف عمليته التي ا�ستهدفت ال�سياح الكوريني يف �شبام منت�صف �آذار/مار�س ،)2009وط ّور التنظيم �أ�ساليبه يف متويه املتفجرات و�إخفائها ب�شكل كبري كما يف عملية حماولة اغتيال حممد بن ناي���ف م�ساعد وزير الداخلية ال�سع���ودي (�آب�/أغ�سط�س ،)2009و�أي�ض ًا من خ�ل�ال عملية حماولة تفج�ي�ر الطائرة الأمريكي���ة م�ؤخر ًا عرب �أحد مجُ ّنديه النيجرييني (كانون الأول/دي�سمرب .)2009 ويف الأثن���اء ،ازداد ع���دد �أفراد التنظيم ومنا�ص���روه خ�صو�ص ًا من فئة �صغ���ار ال�س���ن الأكرث حتم�س ًا للعمل «اجله���ادي» يف و�سط جمتمعي فقري وراكد ت�سوده م�شاعر الإحباط ،وات�سعت م�ساحات انت�شاره داخل اليمن وع�ب�ر احلدود ،وح�صل على �أموال ومع���دات تقنية متطورة ،وا�ستقطب عرب��� ًا و�أجانب لالنخراط يف �صفوفه ،ووث���ق �صالته القبلية حيث يوجد كب���ار قادته ويختبئون ،و�أظهر نف�س���ه كقوة متغ ِّولة ي�صعب النيل منها �أو ا�ستئ�صاله���ا حتى من خالل عمليات موجعة كما ح�صل يف �أبني و�صنعاء و�شبوة �أواخر العام املا�ضي. وهذا كله يعزز االعتقادات التي تذهب �إىل �أن تنظيم القاعدة يف اليمن و ّف���ر لنف�س���ه «بيئة ُمثلى» للعم���ل وتطوير الق���درات الع�سكرية واملهارات القتالي���ة ،كم���ا �أن اجلغرافيا اليمني���ة �ساعدته على �إيج���اد مع�سكرات تدري���ب بعيدة ع���ن الأنظ���ار ،ال�سيما يف مناط���ق ك�أبني و�شب���وة وم�أرب واجل���وف و�صعدة .ف� ً ضال عن �أن اليمن كبلد مكت���ظ بالأ�سلحة (حوايل 10ملي���ون قطعة �س�ل�اح كما جادلت �أح���دث الدرا�سات به���ذا ال�ش�أن)، وارتف���اع عمليات تهري���ب خمتلف �أن���واع ال�سالح عرب احل���دود اليمنية الربي���ة والبحرية ،كل ذل���ك ي�ساهم يف رفد التنظي���م بقاعدة ت�سليحية متنوعة ،كم ًا وكيف ًا ،وتت�سم باحلداثة والتطور التقني. ورغ���م �أن ال�سلط���ات يف اليم���ن متكنت من احتواء ع���دد ال ب�أ�س به من عنا�ص���ر وقيادات تنظيم القاع���دة .لكن عملية االحت���واء ،وقد اتخذت �أ�ش���كا ًال و�ص���ور ًا ع���دة ناعمة وخ�شن���ة ،ما ت���زال بعيدة -م���ن الناحية اال�سرتاتيجي���ة -ع���ن حتقي���ق هدفه���ا الأ�سا�س���ي ،وهو حتيي���د تنظيم القاع���دة ومنعه ب�شكل كامل م���ن ممار�سة العن���ف يف اليمن .ولذا نرى ً ماث�ل�ا للعيان ،برغم كل ما قيل �سابق��� ًا وما يقال اليوم. خط���ر التنظيم ً �صحيح �أن التنظيم قد تلقى �ضربات موجعة م�ؤخرا �إال �أنها لي�ست كافية ناج���ز ب�أن ق���وة التنظيم قد ت�آكلت متام��� ًا ،و�أنه بح���ال لإعط���اء انطباع ِ �أ�صي���ب يف مقتل .م�ؤك ٌد �أنه قد ت�ضرر ب�شدة ،لكنه ،بحكم بنيته الهيكلية املرنة ،وارتباطاته املحلية والإقليمية امل�ستمرة ،وخطابه املعادي للغرب، وقدرت���ه على التك ّيف مع �أ�صعب ظروف العمل احلركي ،يبدو قادر ًا على ت�ضميد اجل���راح الغائرة التي �أ�صيب بها ،ومن ّثم ف�إن فر�صة ا�ستعادته لقوت���ه من جديد �ستظل قائمة ،خ�صو�ص��� ًا �إذا علمنا �أن جزء ًا مهم ًا من قياداته امل�ؤثرة ال ت���زال حية وقادرة على احلركة ،و�إعادة بناء ما تهدّم كما ح�صل يف املا�ضي القريب.
وما هو بحكم امل�ؤك���د �أن التطورات الأخرية �ستدفع التنظيم �إىل �إعادة ق���راءة الواقع الأمن���ي يف اليمن من جديد ،كما �أن���ه �سيعمل على تقييم و�ضع���ه التنظيم���ي والعملياتي من جمي���ع النواحي .فالعملي���ات الأمنية امل�ض���ادة الأخرية ت�شري بو�ضوح �إىل �أن التنظيم �أ�صبح خمرتق ًا من قبل الأجهزة الأمنية اليمنية (ورمبا ال�سعودية �أي�ض ًا) ،وهذا الأمر بات مثار قلق بالغ لدى قادة التنظيم ،و�سيدفعهم بالت�أكيد �إىل مراجعة اخلارطة امليداني���ة وظ���روف البيئ���ة املحيط���ة ،و�إعادة ترتي���ب �أولوي���ات املرحلة املقبل���ة ،ال�سيما و�أن خطط التنظي���م وعملياته �أخذت م�ؤخر ًا يف التو�سع والتم���دد �إىل خارج حدود اليم���ن (كما يف العمليت�ي�ن الفا�شلتني – و�إن كانتا ُمقلقتني بالفعل -والتي ا�ستهدفت �أوالهما الأمري حممد بن نايف يف ال�سعودي���ة ،بينما ا�ستهدف���ت الثانية الطائرة الأمريكي���ة التي كانت متوجهة �إىل مدينة ديرتويت). وم���ا يبعث على القلق �أي�ض ًا �إمكانية عودة «قاعديني» �سابقني للعمل من جديد ،وهناك �سوابق و�أمثلة عديدة على حدوث نكو�ص كهذا .فالقيادي حممد �صالح الكازمي الذي قت���ل يف عملية �أبني منت�صف كانون الأول/ دي�سم�ب�ر الفائت� ،سب���ق اعتقاله قبل نحو �أربع �سنوات لك���ن ال�سلطات �أفرجت عنه تنوعت ن�شاطات ب�ضمان���ات قبلية وتعهدات بعدم ممار�سة التنظيم وتعددت العنف �أو االت�صال بتنظيم القاعدة ،ولكنه عملياته ب�شكل �أي الكازم���ي -عاد ملمار�س���ة ن�شاطاتهالفت ،واكت�سبت زخماً غري م�سبوق والتح���ق من جديد بتنظيم القاعدة حتت قيادة «�أب���و ب�صري» (نا�ص���ر الوحي�شي). وعَبت يف اليمن ،رَ وجن���د كذلك �أن «قاعدي ًا» �آخر مثل هاين ابتكاراتُ التنظيم ال�شع�ل�ان الذي ُق ِتل يف عملية �أرحب ،كان املُخيفة احلدو َد قد ع���اد قبل مدة من معتق���ل غوانتنامو، لت�صل �إىل ق�صور العائلة ال�سعودية ولكنه ما لبث �أن ان�ضم ل�صفوف التنظيم احلاكمة والطائرات من جدي���د .فه����ؤالء عينة ومث���ال لأفراد الأمريكية املُح ِّلقة عادوا �إىل العم���ل التنظيمي جمدد ًا رغم يف �أجواء بدت حم���اوالت احتوائه���م من قب���ل ال�سلطات لوهل ٍة �آمِ نة الأمنية ،ومتابعتها لهم .والأرجح �أنهم لن يكونوا �آخر م���ن ينك�ص ،عائد ًا �إىل مربع «القاعدة» الأول. عل���ى �أن احلقيق���ة ال�ساطع���ة الت���ي ال ن�ستطي���ع �أن ننكره���ا ،يف نهاي���ة املطاف� ،أن اليمن بو�ضعها احلايل ،املت�أزم �سيا�سي ًا و�أمني ًا واقت�صادي ًا، ومبجتمعه���ا الطاف���ح �شباب��� ًا ،واملحاف���ظ اجتماعي��� ًا واملتدي���ن والقبلي وامل�س ّل���ح ،وبجغرافيتها املمتدة وت�ضاري�سه���ا ال�صعبة وحدودها املثقوبة الع�ص ّية عل���ى ال�سيطرة التامة و ..و..؛ كل هذه الأمور جمتمعة ما تزال ت�صب يف �صالح «القاعدة» وغريه من التنظيمات واجلماعات املت�شددة. وم���ا دامت املعادل���ة املخت ّلة مل تتغري يف اليمن ل�صال���ح ظهور دولة قوية وق���ادرة على ب�سط �سلطته���ا يف �أرجاء البلد ،وحتقي���ق احلد الأدنى من وظائفها التي تكت�سب من �أدائها م�شروعيتها ،ف�إن «القاعدة» وغريه من التنظيم���ات امل�سلح���ة �ستظل جتد يف هذه الأر�ض مرتع��� ًا خ�صب ًا ومكان ًا منا�سب ًا للعي�ش والتفريخ واال�ستنبات. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
95 2009
املحــور
هفوات اليقظة
هفوات اليقظة و«القاعدة» ال�صاعدة
طريق «القاعدة» �إىل هجوم ليلة عيد امليالد جريجوري د .جون�سون
املحاول���ة الفا�شلة التي قام بها املواطن النيجريي عمر ف���اروق عبد املطلب لتفجري الطائرة التابعة ل�شركة اخلط���وط اجلوي���ة “ن���ورث وي�ست” ليلة عيد املي�ل�اد� ،أعادت لفت انتباه الغرب جت���اه تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ( ،)AQAPواملخاطر التي تنطلق من اليمن .وقد دفع ذلك احلدث املهم رئي�س الوزراء الربيطاين غ���وردون ب���راون �إىل الإعالن بعد املحاولة الفا�شلة عن ا�ست�ضافة لن���دن مل�ؤمتر خم�ص�ص ملحاربة القاعدة يف اليم���ن ،وا�ستجابت وزيرة اخلارجية الأمريكية هيالري كلينتون للمخ���اوف التي �أعرب عنها بروان ،وو�صفت الو�ضع يف اليمن ب�أنه مبثابة تهديد يواجه دول العامل ب�أ�سره. لكنن���ا نق���ول هنا ب�أن امل�ش���اكل يف اليمن لي�ست جدي���دة وال غريبة .ومل تكن حماولة ليل���ة عيد امليالد �سوى امت���داد منطق���ي لطموحات القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ،التي كان الكثري م���ن النا�س يعتقد �أنها جمموعة فعل كهذا يف ظل الظروف الراهنة ،لكن القاعدة يف �شبه جزيرة العرب و�سلفها -القاعدة يف غري قادرة على ٍ اليم���ن -ا�ستطاعت���ا وب�سرعة املرور مبراحل التطور يف حماولتهما للقيام بذلك الهجوم .كما �أن هذه املحاولة ظهر �إىل �أي مدى ا�ستطاع نا�صر الوحي�شي� ،أمري التنظيم يف �شبه جزيرة العرب حالي ًا ،االقتداء ب�أ�سامة بن ُت ِ الدن ،لي����س يف �أ�سل���وب القيادة فح�سب و�إمنا �أي�ض ًا يف �صياغة �أهداف تنظيمه وفق ًا للمنظومة التي �أن�ش�أها بن الدن يف �أفغان�ستان. و�سنح���اول يف طيات ه���ذه املقالة تو�ضيح كيف �أن ال َغفلة �سمحت للقاع���دة بالتج ّمع مرة �أخرى و�إعادة بناء �صفوفه���ا يف اليمن ،و�شرح م���دى �أهمية االندماج بني فرعي القاعدة ال���ذي مت يف كانون الثاين/يناير ،2009 والتع���رف على ردة الفعل اليمني���ة الأمريكية الأخرية ،وكذلك درا�سة وحتليل القرار الذي اتخذته القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ب�شن هجمات �إرهابية يف عقر الدار الأمريكية. 96 96
نوفمرب/دي�سمرب الثاين ،يناير/فرباير العددالأول، ا��سرتاتسرتايتيججيةية العدد
2009 2010
جريج���وري دي جون�سون باحث �أمريكي متخ�ص�ص ب�ش����ؤون تنظيم القاعدة يف اليمن ،وهو حائز �سابق على منحة فولربايت يف اليمن ،كما �أنه مر�شح للدكتوراه يف درا�سات التاريخ وال�شرق الأو�سط والإ�سالم بجامعة نيويورك.
�أ�صبح���ت القاع���دة يف ال�سنوات الأخ�ي�رة �أكرث ن�شاط��� ًا وطموح ًا يف اليم���ن ،ويعترب النمط احلايل للتنظي���م -قاعدة �شبه جزيرة العرب جت�سي���د ًا ثاني ًا لف���رع القاعدة الأم يف اليمن� .أم���ا اجلماعة الأوليةفلم تكن �سوى حفنة غري منظمة من �أفراد كانوا ي�شنون حرب ًا رجعية �ضد �أمريكا واليمن من عام 2001وحتى .2003وتعود جذور القاعدة يف اليم���ن �إىل حوايل عقد م���ن الزمان قبل �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب ،وبالرغم من ذلك �إال �أنه مل تكن �سوى تلك الهجمات والتهدي���دات الأمريكي���ة ال�ضمنية باالنتقام هما م���ا �أجربا احلكومة اليمنية على حماربة عنا�صر القاعدة يف بالدها. و�أثن���اء م���ا و�صف���ه كاتب ه���ذه ال�سطور ب�أنه���ا “املرحل���ة الأوىل من احلرب عل���ى القاعدة يف اليمن” ،بد�أ التعاون الوثيق بني احلكومتني الأمريكي���ة واليمنية ،وعملتا مع ًا حتى يف قتل زعيم القاعدة يف اليمن �آن���ذاك �أبو علي احلارث���ي با�ستخدام طائرة دون طي���ار تابعة لوكالة املخاب���رات املركزي���ة الأمريكي���ة ( )CIAيف ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر .2002ث���م قام���ت ال�سلط���ات اليمنية باعتقال خليفت���ه حممد حمدي االه���دل بعد �سنة من هذا التاريخ .وقد �أدى فقدان زعيمني �أ�سا�سيني على التوايل� ،إىل جانب العديد من االعتقاالت �ضد عنا�صر القاعدة، �إىل �ش��� ّل حرك���ة التنظيم ون�شاط���ه يف اليمن .ويف غ�ض���ون �أ�شهر بعد انخفا����ض ن�شاط القاعدة ومن ثم تال�شيه نهائي ًا اعتقدت احلكومتان الأمريكي���ة واليمنية �أنهما ق�ضتا على التنظي���م دون رجعة ،وبد ًال من موا�صل���ة البناء على �أ�سا����س انت�صارهما هذا حولت���ا اهتمامهما �إىل اجتاه �آخر. وهذه الغفل���ة فتحت املجال �أمام القاعدة لإع���ادة بناء �صفوفها بعد اله���روب الكبري من �سج���ن الأمن ال�سيا�س���ي ب�صنع���اء يف �شب���اط/ فرباير ،2006حي���ث كان من بني الفارين نا�صر الوحي�شي ،امل�ساعد ال�شخ�صي لأ�سامة بن الدن �سابق ًا وقائ���د تنظي���م القاع���دة يف �شبه جزي���رة الع���رب حالي��� ًا ،وقا�س���م الرميي ،القائد الع�سكري امليداين للتنظي���م ،وكذل���ك كل من حزام جملي وحمود العم���دة ،اللذان ما زاال فارين من ال�سلطات اليمنية. وهذا الهروب م���ن ال�سجن �أعلن
بداي���ة املرحلة الثانية من احلرب على القاعدة يف اليمن ،ومنذ ذلك احل�ي�ن مرت القاعدة بث�ل�اث مراحل متميزة من التط���ور يف اليمن. فاملرحل���ة �ألأوىل كانت الف�ت�رة ،2007 - 2006عمل خاللها الوحي�شي والرمي���ي من �أجل انت�ش���ال التنظيم من احل�ضي����ض ،وا�ضعني اليمن ن�ص���ب عينيهم���ا لإقام���ة م�شروعهما عل���ى �أ�سا�س مت�ي�ن .ويف كانون الثاين/يناير � 2008أطلق التنظيم �أول عدد ملجلته التي ت�صدر مرتني يف ال�شه���ر وامل�سماة “�صدى املالحم” ،ثم تلى ذلك مبا�شرة الهجوم الإرهابي على �سياح بلجيكي�ي�ن يف ح�ضرموت .وهذا �أطلق حملة عام 2008الت���ي انته���ت يف �أيلول�/سبتمرب 2008باالعت���داء على ال�سفارة الأمريكي���ة يف �صنعاء .وبعد ذلك يف كانون الثاين/يناير � 2009أعلنت فرعي القاع���دة يف اليم���ن وال�سعودية يف تنظيم اجلماع���ة عن دم���ج ّ موح���د حتت ا�س���م “تنظيم القاعدة يف �شبه جزي���رة العرب” .وهذا االندم���اج ،الذي ح���ول بفعالية دور القاعدة م���ن امل�ستوى املحلي �إىل امل�ستوى الإقليميّ ، دل على رغب���ة التنظيم يف التو�سع الإقليمي ،ودفع بتلك اجلماعة خطوة �إىل الأمام لت�صبح فيما بعد جماعة قادرة على تنفيذ عملياتها على امل�ستوى العاملي. مل تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب تبد�أ الواليات املتحدة بالتن ّبه للخطر الذي ت�شكله القاعدة يف اليمن �إال يف �أواخر عام ،2008خا�صة بعد االعتداء على ال�سفارة الأمريكية يف فرعي القاعدة يف كانون الثاين/ �أيلول�/سبتمرب .وبعد �إعالن اندماج ّ يناي���ر ،2009زاد م�ستوى ذلك االهتمام ولكنه مل يكن بامل�ستوى الذي و�صل �إليه التعاون الع�سكري والأمني خالل .2002 - 2001 وخالل عام 2009قام تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب بتنفيذ ع���دد من الهجمات الإرهابية دلت على طموح���ه وقدراته املتنامية. فف���ي �آذار/مار����س �أر�س���ل �أح���د االنتحاريني وقام بقتل �سياح من كوري���ا اجلنوبي���ة يف ح�ضرموت، وبعده���ا ب�أيام وج���ه �ضربة ثانية عندم���ا ق���ام باالعت���داء عل���ى جمموع���ة م�سئول�ي�ن م���ن كوريا اجلنوبي���ة مت �إر�ساله���م للتحقيق يف الهج���وم الأول .ويف �صي���ف نف�س العام ،يف �أغ�سط�س ،نفذت القاع���دة �أح���د �أب���رع هجماتها، وه���ي حماول���ة اغتي���ال حمم���د ب���ن نايف الذي ه���و رئي�س �شعبة النيجريي عمر فاروق عبداملطلب مكافح���ة الإره���اب يف ال�سعودية الثاين ،يناير/فرباير نوفمرب/دي�سمرب ا�سرتاتيجية العدد الأول،
2010 2009
97
املحــور وبع���د ن�شر ونائب وزير الداخلية .وتذك���ر املعلومات �أن منفذ املحاولة ،عبد اهلل ردة الفع��ل الأمريكي��ة واليمني��ة ع�س�ي�ري ،كان يحمل عبوة متفجرات من نوع ( )PETNقام ب�إيالجها الو�صيتان على االنرتنت يف كانون الأول/دي�سمرب 2009بفرتة وجيزة، ع�ب�ر فتحة ال�ش���رج حتى ال يت���م اكت�شافها .و�شبيه ه���ذا العمل املريع ن�سق���ت الوالي���ات املتحدة واليم���ن �ضربة ثالثي���ة ا�ستهدفت القاعدة ّ تكرر يف حماولة عبد املطلب ليلة عيد امليالد. يف اليم���ن ،ومل ي���زل ال���دور الذي لعبت���ه �أمريكا غري وا�ض���ح املعامل، ويبدو �أن القاعدة يف �شبه جزيرة العرب تعلمت درو�س ًا من حماولتها ولك���ن بح�سب ما جاء يف جري���دة “نيويورك تاميز” من الوا�ضح �أنها الفا�شلة مع متفجرات (� .)PETNأي �أن �سبب ف�شل حماولة ع�سريي ،ا�شرتك���ت يف تنفيذ العمليات .وبح�س���ب املعلومات املتوافرة ،فقد كان كم���ا يعتقد الكثري من املحللني ،كان نتيجة امت�صا�ص ج�سمه ملعظم من �أهداف العملية امل�شرتكة �أحد مع�سكرات التدريب التابعة للقاعدة املادة املتفجرة ،وهذا وا�ض���ح من ال�صور املخيفة التي مت التقاطها يف حمافظة �أبني ،وهناك من يعار�ض هذه الرواية .وقد قتلت الغارة، للقنبل���ة بعد االنفجار ،ورمبا لهذا ال�سب���ب قام عبد املطلب ب�إخفاء الت���ي من املحتمل �أن فيه���ا م�شاركة �أمريكية ،ع���دد ًا من الأ�شخا�ص، مب���ن فيهم عنا�صر ُي�شتبه �أنهم من القاعدة وكذلك عدد ًا من الن�ساء املتفجرات حتت مالب�سه الداخلية بد ًال من زرعها يف ج�سده. ً والأطف���ال .وتختلف كث�ي�را املعلومات عن ع���دد ال�ضحايا من م�صدر وتف���ادت ال�سعودي���ة �ضربة �أخ���رى يف ت�شري���ن الأول�/أكتوبر � 2009إىل �آخ���ر ،لكن نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون الأمنية ر�ش���اد العليمي عندما عرثت �إحدى دورياتها املتنقلة على خلية من خاليا القاعدة �أخ�ب�ر بع�ض �أع�ضاء جمل����س النواب يف 23كان���ون الأول/دي�سمرب �أن مكونة من ثالث���ة �أ�شخا�ص قاموا بالت�سلل �إىل ال�سعودية عرب اليمن التحقيق ما زال جاري ًا حول مقتل املدنيني. ومت �إيقاف مركبتهم يف �إحدى نقاط كم���ا �شن���ت �أي�ض��� ًا الق���وات اليمنية التفتي����ش ،حي���ث كان �أح���د الثالثة غارات على خمابئ لعنا�صر القاعدة يق���ود ال�سي���ارة بينم���ا كان الآخران ردة الفعل الأمريكية قد تدفع يف �صنع���اء و�ضواحيه���ا يف 17كانون يف املقع���د اخللف���ي ومتخفيان حتت الأول/دي�سمرب ،حي���ث �ألقي القب�ض القاعدة يف �شبه جزيرة العرب �إىل مالب����س ن�س���اء ،وق���د كان م���ن بني عل���ى � 14شخ�ص��� ًا يف �صنعاء متهمني لتنفيذ أكرث � وموارد وقت تخ�صي�ص م�سئ���ويل وحدة ال�شرط���ة ال�سعودية بتزويد القاع���دة بامل����ؤن الع�سكرية، وهذا امل�ستقبل، يف نوعية هجمات ام���ر�أة ،وعندم���ا تقدم���ت للتفتي�ش بينما داهمت قوات مكافحة الإرهاب عن هوي���ة املتخفني كن�س���اء -وهم �سيعتمد �إىل حد كبري على املوارد اليمني���ة �أحد املنازل التابعة للقاعدة رائ���د احلرب���ي ويو�س���ف ال�شهري، يف مدين���ة �أرح���ب �شم���ال العا�صم���ة التي متتلكها القاعدة �أحد معتقلي غوانتنامو و�صهر �سعيد وقتل���ت ثالثة من امل�شتب���ه بهم ،مبن ال�شهري ،نائب زعم تنظيم القاعدة فيهم ه���اين ال�شع�ل�ان� ،أحد معتقلي يف جزيرة الع���رب -قاما ب�إطالق النار، غوانتنامو �سابق ًا .لكن ه���دف الغارة الرئي�سي ،قا�سم الرميي ،مت ّكن لكنها ُقتال �أثناء تب���ادل �إطالق النار بينما مت اعتقال ال�سائق الذي من الف���رار ب�صحبة حزام جملي� ،أحد امل�شتبه بهم .وبعد ذلك ب�أيام مت ا�ستجواب���ه ،و�ساع���دت اعرتافاته ال�سلط���ات ال�سعودية يف ك�شف ( 21كان���ون الأول/دي�سمرب) ع���اد �أحد عنا�صر القاع���دة -الذي مت عدد من عنا�صر القاعدة املوجودين يف البلد. التع���رف عليه الحق ًا ب�أنه حممد �صال���ح العولقي � -إىل مكان ال�ضربة يف �أب�ي�ن و�ألقى خطب���ة ق�صرية مرجتل���ة حل�شد م���ن املعار�ضني على وي�ؤكد هذه الرواية و�صيتا احلربي وال�شهري التي مت ت�سجيلهما قبل الهجوم وقامت قناة اجلزيرة بت�سجيلهم يف �شريط فيديو. ال�سفر �إىل ال�سعودية ون�شرهما تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب يف كانون الأول/دي�سمرب 2009؛ �إذ تدل الو�صيتان على �أن �صاحبيهما ويف 22كان���ون الأول/دي�سم�ب�ر قام���ت طائ���رات مقاتلة ،يب���دو �أنها كانا يف مهمة انتحارية لكن مل ُيع َرف هدفها .كما تدل حماولة اغتيال تعمل م���ع املخابرات الأمريكي���ة ،بتعقب العولق���ي �إىل موطنه القبلي حممد بن نايف واملحاولة املجه�ضة التي قام بها ال�شهري واحلربي �أن يف حمافظ���ة �شبوة وهاجمت املكان ال���ذي كان ُيعتقد �أنه يختبئ فيه، اندماج كانون الثاين/يناير ،2009الذي متخ�ض عن تنظيم القاعدة ومل تفل���ح ال�ضربة الأوىل ،لكنها تكررت بع���د يومني على نف�س املكان يف �شب���ه جزيرة العرب ،كان حرك���ة مدرو�سة بعناية مل تُ�صمم لتزيد وجنح���ت يف قتل العولقي وحفنة ي�شتبه ب�أنه���م من عنا�صر القاعدة. من موقف اجلماعة الإ�سالمي���ة دولي ًا فح�سب بل �أي�ض ًا لتو�سيع نطاق وتق���ول ال�شائعات �أن هدف الهجمة كان لقاء للقادة ،يجمع الوحي�شي و�سعيد علي ال�شهري و�أنور العولقي ،لكن يبدو �أن هذه جمرد �شائعات عملياتها خارج اليمن. ال �صحة لها ومل ُيقتل �أي من ه�ؤالء الثالثة.
ويف الي���وم التايل حماول��ة ليل��ة عي��د املي�لاد حاول عمر فاروق عبد املطلب تفجري �إحدى الطائرات يف �سماء والية «دتروي���ت» الأمريكي���ة ،وقال البي���ان الذي ن�شره تنظي���م القاعدة يف جزي���رة العرب يف 28كان���ون الأول/دي�سمرب �إن املحاولة كانت انتقام لأ�سب���وع ال�ضرب���ات التي تدّعي القاعدة �أنها ُنفِّ���ذت من قبل الواليات املتحدة با�ستخدام �صواريخ «كروز» ،لكن اجلدول الزمني ل�سفر عبد املطلب يجعل من هذا دعاية �أكرث ما هو حقيقة. و�إىل الآن لي����س هن���اك الكثري من املعلومات ع���ن �إقامة عبد املطلب يف اليمن ،و�أي���ن كان يذهب ومع من كان يلتقي ،وعما �إذا كان جمرد «بال���ون اختبار» بالن�سب���ة لتنظيم القاعدة يف �شب���ه جزيرة العرب �أو هو فقط الأول من بني عدد من االنتحاريني� .أما بالن�سبة للقاعدة يف �شبه جزي���رة العرب ف�إن العملية كانت قليل���ة التكاليف وغري خطرية ن�سبي��� ًا� ،إذ مل تُر�س���ل �أح���د عنا�صرها اخلا�صني و�إمن���ا �شخ�ص �سعى بنف�س���ه �إىل ه���ذه اجلماعة ،ويعترب ،من املنظ���ور التنظيمي� ،شخ�ص ًا ميك���ن اال�ستغناء عنه .ومن بني التط���ورات التي من املحتمل �أن تُلقي بع����ض ال�ض���وء على ق�ضية عب���د املطلب هو عما �إذا ق���ام عبد املطلب بت�سجي���ل و�صي���ة وتركها مع زعم���اء القاعدة يف اليم���ن .وحتى لو �أنه فع���ل ذلك م���ن امل�ستبعد �أن يقوم التنظيم بن�ش���ر الو�صية نظر ًا لف�شل املحاولة. وق���د قيل الكثري عن احتمال عالقات عب���د املطلب مع �أنور العولقي، لك���ن لي�س هناك �أدل���ة كافية تثبت هذه ال�شكوك .وم���ا يثري القلق هو �أن الرتكي���ز عل���ى وج���ود عالقات م���ع �أن���ور العولقي فق���ط قد يجعل الواليات املتح���دة تغفل عن �أ�شخا�ص �آخري���ن لي�سوا معروفني كثري ًا. فعل���ى �سبيل املثال ،بعد حادثة الهروب من ال�سجن يف �شباط/فرباير 2006مبا�ش���ر ًة ركزت الواليات املتحدة انتباهه���ا على جمال البدوي وجاب���ر البناء ،اللذان تعرف عنهما الكثري ،لكنها مل تكن تعرف �شيئ ًا ع���ن نا�ص���ر الوحي�شي وقا�س���م الرميي ،اللذين كانا م���ن بني الفارين و�أ�صبحا ي�شكالن �أكرب تهديد للم�صالح الأمريكية. وطاملا رحبت القاعدة يف �شبه جزيرة العرب بالهجمات �ضد امل�صالح الأمريكي���ة يف جميع �أنحاء العامل ،ولك���ن هذه املرة الأوىل التي حاول التنظيم فيها تنفيذ عملية �إرهابية خارج نطاق �شبه اجلزيرة .وحتى يف البي���ان الذي ن�شرته القاعدة لت�شي���د بالهجوم الفا�شل ركزت على «ط���رد الكفار من �شبه اجلزيرة العربي���ة» ،الذي يعترب �سبب ما تقوم به هذه اجلماعة من �أعمال �إرهابية .ومن ثم زادت من حدت لهجتها «حرب �شاملة على كل ال�صليبيني يف اجلزيرة». قلي ًال داعية ل�شن ٍ وم���ن ال�صعب معرف���ة ال�سبب وراء قرار التنظي���م �شنّ هجمات على الواليات املتحدة يف مثل هذه الفرتة الزمنية :فهل ر�أى فر�صة �سانحة يف ا�ستخ���دام عبد املطلب كونه يحمل ت�أ�ش�ي�رة �أمريكية؟ �أم �أن ذلك
ف�شـل بطعـم النجـاح؟ :نظر تنظيم القاعدة �إىل حماولة عبداملطلب تفجري الطائرة الأمريكية باعتبارها عملية ناجحة
لي�س �سوى جزء م���ن �إ�سرتاتيجية �أكرب؟ وما يقلق الكثري من املحللني يف املخاب���رات وم�سئويل الأمن هو �أن جن���اح القاعدة يف �شبه جزيرة العرب يف �إدخال انتحاري �إىل الأرا�ضي الأمريكية �سيجذب �أ�شخا�ص ًا �آخرين ممن ي�ستطيعون التنقل بني البلدان الغربية. هن���اك م�صدر �آخ���ر للقل���ق وه���و �أن ردة الفعل الأمريكي���ة قد تدفع القاع���دة يف �شب���ه جزيرة الع���رب �إىل تخ�صي�ص وقت وم���وارد �أكرث لتنفي���ذ حماوالت مماثل���ة يف امل�ستقبل ،وهذا �سيعتم���د �إىل حد كبري على املوارد التي متتلكها القاعدة .ومع �أنها يف الوقت احلايل تتعر�ض لبع����ض ال�ضغ���وط يف اليمن لك���ن لديها جما ًال كب�ي�ر ًا لي�س للتخطيط فح�س���ب و�إمنا �أي�ض��� ًا لإطالق هجمات من خمابئه���ا يف البالد .ودون �شك هن���اك الكثري من املواهب واملبدعني يعمل���ون داخل التنظيم يف اليم���ن ،ولهم القدرة على جذب الط�ل�اب املتحم�سني و�أع�ضاء جدد. و�سيتوق���ف اختيار �أهداف القاع���دة يف امل�ستقبل على عنا�صرها التي متتلكهم وحتت ت�صرفها ،وهذا هو �أي�ض ًا من الأ�سباب الداعية للقلق. لكن ما ن�ستطيع التو�صل �إليه بنوع من التيقن يف الوقت الراهن هو �أن حماولة هجوم ليلة عيد امليالد تدل على �أن ت�صورات تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ت�ساوي طموحاته.
املحــور
معركة الأ�صابع املحرتقة
اليمن و�أمريكا وحتديات املواجهة املقبلة مع «القاعدة»
علي العب�سي
خ��ل�ال وقت ق�صري حتول����ت اليمن ،وب�شكل مفاجئ وغ��ي�ر متوقع� ،إىل مركز اهتم����ام العامل �أجمع، وحتولت الأو�ضاع يف اليمن وم�شاكلها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية �إىل ق�ضية دولية ت�ستدعي حركة مت�سارعه من القوى الدولية للبحث يف هذه امل�شاكل وال�سعي �إىل حلها. لق����د �أطل����ق اعرتاف ال�ش����اب النيجريي عمر فاروق عب����د املطلب ،الذي حاول تفج��ي�ر طائرة ركاب �أمريكي����ة قبيل هبوطه����ا خالل مو�سم الأعي����اد يف الواليات املتح����دة ،ب�أنه تلقى تدريب����ه والتعليمات اخلا�ص����ة بتنفي����ذ العملية يف اليم����ن ،موجة من القل����ق م�صحوبة بنوع من الع�صبي����ة يف ت�صريحات و�سلوك العديد من ال�سيا�سيني الغربيني ،فك�أمنا ال تكفيهم �أفغان�ستان وباك�ستان والعراق كم�ستنقعات موحلة تغرق فيها �أقدامهم يوم ًا بعد يوم رافعة كلفة حربهم �ضد الإرهاب من الدم واملال �إىل حدود �ص����ار التذ ّمر من ه����ذه احلرب وال�سعي �إىل اخلروج منها �أمر ًا م�شروع ًا ب����ل وملح ًا .فها هو م�ستنقع �آخ����ر يل����وح يف الأفق ُمنذر ًا ب�أو�ض����اع �أكرث كارثية لهذه الدول مما تعي�ش����ه يف ثالثي الرمال املتحركة (�أفغان�ستان ،باك�ستان والعراق). لقد كان القرب ال�شديد لنجاح الهجوم على الواليات املتحدة ،والذي جنت منه بفعل احلظُ ،مفزع ًا لدرجة مل يعد ممكن ًا للإدارة الأمريكية الركون على ترك مهمة حماربة القاعدة يف اليمن يف �أيدي حكومته ،يدفعها يف ذلك ما تراه «تباط�ؤ ًا من قبل احلكومة اليمنية وتثاق ًال» يف التحرك �ضد القاعدة.
100
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
علي العب�سي باحث ميني .وهو حالي ًا يعد �أطروحة دكتورة يف العلوم ال�سيا�سية بجامعة برلني� ،أملانيا.
بالإ�ضاف���ة �إىل �أن �إج���راءات الأمن الغربي���ة مهما بلغت من تقدم ل���ن ميكنها النج���اح دائم ًا يف من���ع االعتداء ،وال ميكنه���ا االعتماد عل���ى احل���ظ الذي ال ت�ضم���ن �أن يكون دائم��� ًا �إىل جواره���ا ،كما ال ميكنه���ا البقاء يف حالة انتظار حت���ى يجد تنظيم القاعدة الفر�صة �أو الإمكاني���ة ليوج���ه �ضرب���ة للم�صال���ح الغربي���ة .ل���ذا كان القرار �أن تتدخ���ل ه���ذه ال���دول بنف�سه���ا ،و�أن تتوىل زم���ام الإ�شراف على معركتها القادمة مع تنظيم القاعدة على ال�ساحة اليمنية بالتعاون م���ع احلكوم���ة اليمنية لو �أمكن ،ومن دونه���ا �إذا ما فر�ضت احلرب ذلك.
معركة «القاعدة» الأخرية
ال تب���دو هذه املعركة القادم���ة �شبيه ًة باملع���ارك ال�سابقة للواليات املتحدة مع القاعدة ،وهي ال ت�شبه كذلك املعارك املتقطعة واملو�سمية التي تخو�ضها احلكومة اليمنية �ضد هذا التنظيم؛ فتنظيم القاعدة يف اليم���ن ال ي�شبه فروع تنظي���م القاعدة يف �أي من الدول الأخرى، واحلكوم���ة يف اليمن لي�ست كحكومات الدول الأخرى .كما �أن قدرة الواليات املتحدة و�إمكانيات حركتها يف اليمن ال متاثل قدرتها على احلرك���ة يف امليادين الأخ���رى ،فتنظيم القاعدة يف اليمن من حيث العنا�ص���ر املنتمية �إليه ،وم�صادر متويل���ه ،وقدرته على احلركة ،ال مييل بال�شبه �إىل فروع التنظيم املنت�شرة يف دول العامل الأخرى. �إن تنظي���م القاعدة� ،سواء يف �أفغان�ست���ان �أو باك�ستان �أو العراق �أو حتى يف ال�صومال ،هو تنظيم غريب �أو �أجنبي عن هذه الأرا�ضي؛ فعنا�ص���ره م�ؤتلفة وم�ؤلفة من قوميات عدة و�إن غلب عليها العن�صر العرب���ي ،وه���ي لذلك حمتاج���ة دائم ًا حلا�ضن حمل���ي يتوىل توفري م����أوى له���ا وت�سهي���ل �إقامته���ا وت�أمني حركته���ا ،وكث�ي�ر ًا ما �صرف التنظي���م ج���زء ًا مهم ًا م���ن جهده يف عملي���ة ت�أمني ه���ذا احلا�ضن ع�ب�ر ن�سج حتالف���ات م�صلحية م���ع القوى املحلي���ة يف البلدان التي يوجد فيها .ومن ه���ذه الزاوية كذلك (�أي زاوية احلا�ضن املحلي) كان���ت ال�ضربات التي توجه �إىل التنظيم ت�أتي عربه – �أي عرب هذا احلا�ضن -الذي �إما �أن ينقلب عليه كما ح�صل يف العراق،
حي���ث انقلب ال�سنة هناك على تنظي���م القاعدة عرب �إ�سرتاتيجية ال�صحوات التي اتبعتها الواليات املتحدة واحلكومة العراقية والتي �أدت يف النهاي���ة �إىل حتجي���م تنظي���م القاعدة يف ب�ل�اد الرافدين �إىل درج���ة يكاد معه���ا �أن يختفي من ال�ساح���ة العراقية ،و�إما عرب �ضرب هذا احلا�ضن املحلي بحد ذاته ،وبالتايل حما�صرة التنظيم وك�ش���ف الغطاء واحلماية عن���ه ،مما يوفر فر�ص���ة توجيه �ضربات �أمنية وع�سكرية �إليه لتكون النتيجة هي بقاء التنظيم يف حالة دفاع دائم عن النف�س ،الأمر الذي يجري الآن يف �أفغان�ستان وباك�ستان. �أما تنظي���م القاعدة بن�سخت���ه اليمنية في�صح الق���ول ب�أنه موجود يف منزله وقاعدت���ه اخللفية؛ ف�أغلب عنا�صر التنظيم وقياداته هم �أبن���اء لع�شائر وقبائل مينية تربطهم به���ا روابط الدم وامل�صاهرة، وت�شمله���م لهذا ال�سب���ب القبائل بالرعاية واحلماي���ة ،لي�س باعتبار �أن ه���ذه القبائل منا�صرة لتنظيم القاعدة بل باعتبار عنا�صر هذا التنظيم هم من �أبنائها مما يلزمها ،وفق ًا لثقافة وتقاليد الع�صبية واالنتم���اء القبل���ي ،حمايته���م والذود عنه���م واعتب���ار ا�ستهدافهم ا�ستهداف��� ًا للقبيلة بحد ذاتها ،وهو الأم���ر الذي ي�ؤدي �إىل �أن تجُيرّ القبيلة كل جهودها وعالقات حتالفها مع القبائل الأخرى مل�صلحة حماية هذه العنا�صر والدفاع عنها ،وهو ما يتيح لتنظيم القاعدة - عرب �أفراده ه�ؤالء -حرية حركة وهام�ش مناورة وا�سعني. من جه���ة التمويل ،يعتم���د تنظيم القاعدة ب�صف���ة عامة يف �أغلب م�صادر متويله على تربع���ات ومنح منا�صريه و�أع�ضائه املنت�شرين يف املنطق���ة العربي���ة والإ�سالمية وحتى يف عدد م���ن الدول الغربية الذي���ن يدعمونه ع�ب�ر �أموالهم اخلا�ص���ة �أو عرب جم���ع التربعات، �أم���ا تنظي���م القاع���دة يف اليمن ف�إنه ق���د اقرتب كث�ي�ر ًا من تطوير اقت�ص���اد وم�صادر متويل خا�صة فيه ووفر لنف�سه موارد ذاتية تدار ب�ش���كل مبا�شر �أو غ�ي�ر مبا�شر من قبل �أع�ضائ���ه ،والتي ت�شمل على ع���دد من املزارع و�شبك���ة من حمالت اخلدم���ات املختلفة و�أن�شطة جتاري���ة �أخرى متعددة� ،إ�ضاف���ة �إىل م�صادر التمويل التقليدية من التربعات واملنح القادمة من دول اجلوار (اخلليجية �أ�سا�س ًا) التي يتمتع مواطنوها بقدرات مالي���ة كبرية .و�إذا �أ�ضفنا �ضعف النظام امل�ص���ريف يف اليم���ن و�ض�آل���ة الق���درة الرقابية له ،ف����إن الإمكانات املالية التي تتمتع بها القاعدة يف اليمن واملوارد املتوفرة لها وقابلية ا�ستمراره���ا ،هي �أف�ضل بعدة مراحل م���ن �إمكانات التنظيم املالية خارج اليمن.
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
101
املحــور يف جمال الت�سلح ،ال يكاد تنظيم القاعدة يجد مكان ًا �أف�ضل للح�صول عل���ى ال�سالح م���ن اليمن ،بل �أن اليم���ن م ّثلت م�ص���در ت�سليح تنظيم القاع���دة يف ال�سعودي���ة وال�صومـ���ال ومناطق �شرق �أفريقي���ا ،و�أخري ًا ات�ض���ح �أنه���ا م�صدر الت�سلي���ح للتنظيم ال���دويل للقاع���دة� .إذ مل يعد يخف���ى على �أحد مدى حجم جتارة ال�س�ل�اح يف اليمن ،ومدى النفوذ ال���ذي يتمتع به لوبي ال�سالح داخل البلد ،وال���ذي �أ�صبح مثار �شكوى لي����س جلريان اليمن والقوى الدولية والأمم املتحدة فح�سب بل �أ�صبح مث���ار ًا لل�شكـ���وى من قب���ل �أطراف حملي���ة من �ضمنها ق���وى من�ضوية �ضمن تركيـبة النظام ال�سيا�سي اليمن ــي. يف �ضوء هذا كله ،ف�إن من �سي�سعى ملواجهة تنظيم القاعدة يف اليمن ف�إن���ه لن يواجه �أنا�س ًا م�ست�ضعفني فاري���ن �أو خمتبئني ينق�صهم املال والرج���ال والعت���اد ،ب���ل �إنه �سيواج���ه القاعدة يف �أقوى �ص���ورة لها يف مرحلة ما بعد احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب. يزي���د على ذلك �أن هذه املعرك���ة بالن�سبة للقاعدة هي معركة نهائية وحا�سم���ة �أو مبعن���ى �آخ���ر معرك���ة حياة �أو م���وت؛ ف����إذا كان عنا�صر القاع���دة يف �أفغان�ست���ان وباك�ستان والع���راق لديه���م الفر�صة للفرار واللج���وء �إىل مكان �آمن (غالب ًا ما كان هذا املكان الآمن هو اليمن)، ف����إن عنا�صر التنظــيم يف اليمن لن جتد له���ا مفر ًا �أو ملج�أ �آخر ،لذا فهي معركته���م الأخــرية �إذا ما �أُجربوا عليه���ا و�سيخو�ضونها بكل ما ميلكونه من قوة.
اليمن و»القاعدة» ..مواجهة ملتب�سة ك�أمنا ال يكف���ي احلكومة اليمنية ما تعانيه من �أزم���ات وم�شاكل �أمنية كانت �أو �سيا�سي���ة �أو اقت�صادية �أو اجتماعية ،وك�أمنا �أي�ض ًا ال يكفيها �أن لها جبه���ة م�شرعة الأب���واب يف �صعدة وم�شروع جبهة ط���ور التح�ضري يف اجلنوب لتجد نف�سه���ا الآن مجُ ربة على فتح جبهة �شاملة و�شنّ حرب على تنظيم القاعدة ،حرب طاملا �أجلتها وكثري ًا ما جنحت يف التحايل عليها. رمبا ال ت�شبه عالقة اليمن مع تنظيم القاعدة عالقة �أية دولة �أخرى معه ،فهي عالقة غريبة يف كون �أن كل طرف يعد الطرف الآخر عدو ًا
من �سي�سعى ملواجهة تنظيم القاعدة يف اليمن ف�إنه لن يواجه �أنا�ساً م�ست�ضعفني فارين �أو خمتبئني ينق�صهم املال والرجال والعتاد ،بل �إنه �سيواجه القاعدة يف �أقوى �صورة لها يف مرحلة ما بعد احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب 102
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ل���ه لكنهما متفاهمان عل���ى �أن ال يخو�ضا مواجه���ة �شاملة من �أي نوع (�أمني���ة �أو فكرية) ،وهذا الو�ضع الغري���ب مل يت�أتى عرب اتفاق كتابي �أو حت���ى �شفهي يف حلظة �أو زمن معني ب���ل راكمته خربة الطرفني يف عالقتهما مع بع�ضهما. لق���د مرت عالقة احلكومة اليمنية م���ع تنظيم القاعدة بعدة مراحل بد�أت ب�ش���كل حقيقي بعد ظهور القاعدة كتنظي���م وكفكر ذي ح�ضور ملمو�س� ،سواء يف �أفغان�ستان �أو يف الف�ضاء العربي ،وذلك بداية عقد الت�سعيني���ات ،وكان االت�ص���ال الأول واملبا�ش���ر بني احلكوم���ة اليمنية والقاعدة �أثناء موجة عودة عنا�صر هذه الأخرية من �أفغان�ستان ،حيث مل ت�ستقب���ل اليمن عنا�ص���ر القاعدة من اليمنيني فق���ط بل ا�ستقبلت كذلك �إىل جانبهم العنا�صر املنتمية �إىل عدة جن�سيات عربية �أخرى، والتي رف�ضت دولهم �آنذاك ا�ستقبالهم. و�إذا م���ا كان���ت ق���د ت���رددت �أقاوي���ل خالل تل���ك الفرتة ع���ن وجود تفاهم���ات ميني���ة عربي���ة �أو ميني���ة �أمريكية من نوع ما ق���ادت �إىل ما جرى ،ف�إن احلكومة اليمنية �أو جزء ًا منها وقتذاك مل تكن مرتددة يف قبول ه�ؤالء �إذ كانت احلاجة �إليهم تلوح يف الأفق .لقد كانت �أولويات ال�ص���راع ال�سيا�سي الذي تال �إع�ل�ان الوحدة اليمنية بني �شركاء هذه الوح���دة تتقدم على غريها من الأولويات ،لذا كانت عنا�صر القاعدة وحتى فكر القاعدة يف ذلك الوقت �أداة مهمة يف يد �أحد �أطراف هذا ال�صراع ال�سيا�سي ،والذي ما لبث �أن ا�ستخدمها بكامل طاقتها خالل حرب �صيف .1994 ت�ؤ�شر هذه املرحلة يف عالقة القاعدة بالنظام ال�سيا�سي اليمني على �أنها مرحلة تقاط���ع م�صالح وا�ضحة املعامل ،حيث كان للطرفني عدو م�ش�ت�رك وجب الق�ضاء عليه مع اختالف �أ�سباب كل طرف .تلت هذه املرحل���ة عالقة تهادني���ة بني الطرفني جرى فيه���ا ا�ستيعاب كثري من العائدي���ن من �أفغان�ستان يف جهاز الدول���ة اليمني الع�سكري واملدين، وذلك كن���وع من املكاف�أة على م�ساهمتهم يف ح���رب ،1994خ�صو�ص ًا �أن عنا�ص���ر التنظيم -والتنظي���م كذلك -مل يكونا على ال�شكل الذي هما عليه اليوم لذا مل تكن هنالك �إ�شكالية حقيقية يف ا�ستيعاب هذه العنا�صر ،كما �أن تنظيم القاعدة يف ذلك الوقت مل يكن غريب ًا �أو على الأقل م�ستهجن ًا من قبل املجتمع اليمني �شديد املحافظة والتدين. �إال �أن ت�ص���ادم القاعدة مع الواليات املتحدة نهاية عقد الت�سعينيات، وت�صاع���د وترية هذا الت�صادم و�ص���و ًال �إىل تفجري املدمرة الأمريكية (يو �إ�س �إ�س كول) يف ميناء عدن اليمني وانتهاء بهجوم احلادي ع�شر من �أيول�/سبتمرب � ،2001أخرج العفريت من القمقم مرة �أخرى. ووج���دت احلكومة اليمني���ة نف�سها ،ورمبا للم���رة الأوىل ،يف مواجهة حقيقي���ة وغري اختياري���ة مع تنظيم القاعدة بع���د �سنوات من الهدوء
والتعاي����ش نتج ع���ن تفاهم بني احلكوم���ة وعنا�صر التنظيم يق�ضي ب�أن ّ تكف الدولة يدها عن التنظيم يف مقاب���ل �أن يلت���زم التنظي���م بع���دم القي���ام ب�أية ن�شاطات داخل الأرا�ضي اليمنية ت�ستهدف احلكومة �أو تت�سب���ب يف �إحراجها �أم���ام الغرب ،وهو التفاهم الذي ُخرق عدة مرات م���ن قبل تنظيم القاعدة �إال �أن احلكومة اليمنية ظلت حري�صة عليه ،بل وقدمت تنازالت كبرية ويف �أكرث م���ن منا�سبة للحفاظ على هذا التفاهم. ولكنه���ا الي���وم تبدو مجُ�ب�رة على خو����ض مواجهة حقيقية مع التنظيم بعد �أن ت�أكد �أنه حتول �إىل نقطة جت ّمع وقاعدة خلفية لعنا�صر التنظيم الدولية ،وهو حت���ول نتج ع���ن ظهور �أجي���ال جديدة م���ن عنا�صر التنظيم غري تلك التي تعودت احلكومة اليمنية �أن تتعامل معها والتي مت بطريقة �أو �أخ���رى تدجينها �إذا �صح التعبري .فاجليل احلديث من عنا�ص���ر القاعدة هم �شباب �أ�صغر �سن ًا و�أكرث راديكالية ويبدون �أكرث ا�ستع���داد ًا وحما�سة وحت ّف���ز ًا للمواجهة ،لهذا كان���ت حماوالت �إيجاد تفاهم���ات معهم �أكرث �صعوبة وتعقيد ًا بل �إن التوا�صل معهم بحد ذاته ال يبدو بال�سهولة التي كان عليها مع �أقرانهم الأقدم. �إن قلق احلكومة اليمنية من مواجهة كهذه مع القاعدة حتى مع الدعم الغرب���ي والعربي الكامل ال يبدو قلي ًال ،فه���ذه املواجهة يجب �أن تكون �شاملة و�أن ال توفر �أي جهد �سيا�سي �أو مايل �أو دعائي �أو اجتماعي لأن مواجه���ة �أقل من هذا امل�ستوى �ست����ؤدي �إىل �أن جتد احلكومة اليمنية نف�سه���ا يف مواجه���ة �أخرى ،لك���ن هذه امل���رة مع حلفائها م���ن القوى الغربية والعربية و�سيظهر عند ذلك خيار التدخل الأمريكي والغربي املبا�ش���ر يف اليمن ،وهو تدخ���ل لن يكون فقط ع�سكري��� ًا ويف مواجهة القاع���دة ،بل �سيكون قبل ذلك �سيا�سي ًا ويف مواجهة احلكومة اليمنية ذاتها. ويف ظ���روف �سيا�سية واقت�صادي���ة واجتماعية مت�أزم���ة من الأ�سا�س تبقى ق���درة احلكوم���ة اليمني���ة يف مواجهة ه���ذا التدخ���ل ال�سيا�سي الدويل �ضعيفة ج���د ًا ،وتعلو احتماالت �إجراء تغيري �سيا�سي يف اليمن برعاية غربية وبغطاء عربي. من جانب �آخ���ر ،تبدو املواجهة ال�شاملة مع تنظيم القاعدة عم ًال ذا عواقب خط�ي�رة؛ فاحلكومة لديه���ا من الأزمات م���ا يجعلها يف و�ضع احلكوم���ة املحا�ص���رة الت���ي تق�ضي ج ّل وقته���ا يف الدفاع ع���ن نف�سها وال�صراع من �أجل البقاء واال�ستمرار ،وفتح جبهة جديدة يف ظل هذه الأو�ض���اع والظروف لي�س عم ًال حكيم ًا ب�أي �شكل من الأ�شكال ،كما �أن
طبيع���ة هذه املواجهة خمتلفة عما عهدت���ه احلكومة من �أزمات؛ فهي �أو ًال �ستواج���ه تنظيم ًا �شديد العن���ف وال�شرا�سة ،جيد التنظيم� ,سريع احلرك���ة ،تنظيم ًا زئبقي��� ًا ال ميكن ح�ص���ره �أو حما�صرته يف مكان ما حت���ى و لو بدا �أنه يرتكز يف مناط���ق �أو حمافظات بعينها� ،إذ �أن فرد ًا واحد ًا م���ن التنظيم ي�ستطي���ع القيام بعملي���ات ذات ت�أثري كبري ،كما �أن خلي���ة مكونة من عدد من الأف���راد تعد قوة �ضاربة ت�ستطيع �إحراج الدولة وه ّز الثقة يف قدراتها الأمنية والع�سكرية. فا�سرتاتيجي���ة القاعدة يف القتال ال تق���وم على اال�شتباك املبا�شر بل ه���ي قائم���ة على ما ميكن �أن ن�سمي���ه «الل�سعة القاتل���ة» ،حيث تهاجم القاع���دة هدف��� ًا معين ًا وحم���دد ًا بدقة وت�ستخدم يف ه���ذا الهجوم كل طاقته���ا وقدراتها لتُحدث �أكرب �ضرر ممكن ،وم���ن هنا ينبع �س ّر قوة القاع���دة وقدرتها على البقاء واال�ستمرار رغم كل ما تعر�ضت له من �ضربات من قبل قوى عظمى متتلك كل �أ�سباب التفوق الع�سكري. يف اليم���ن �أي�ض ًا ل���ن تواجه احلكومة اليمني���ة عنا�صر القاعدة فقط ب���ل �ستك���ون مواجهتها مع مناط���ق وقبائل ب�أكملها ،تل���ك التي ال ترى يف احلكومة �س���وى �أنها قبيلة �أخرى م�ستب���دة وظاملة لها معها ر�صيد تاريخي معترب من التحديات واملواجهات ،ناهيك عن �أن هذه القبائل (ك�ُث�رُ عددها �أو ق��� ّل) م�سلحة وتكاد تكون هي �صاحب���ة اليد الطوىل وال�سلطة احلقيقية يف املناطق التي تعي�ش فيها. ويج���ب �أن ال نن�س���ى �أن حتالف احلكومة اليمنية م���ع الغرب ملواجهة مواطن�ي�ن مينيني (�س���واء �أكان���وا من�ضوين يف تنظي���م القاعدة �أو مل يكون���وا) لن يحظى كث�ي�ر ًا بر�ضا �شرائح مهم���ة و�أ�سا�سية يف املجتمع اليمني ،لي�س ت�ضامنا م���ع القاعدة ولكن كراهة للغرب الذي حتتفظ ل���ه الذاك���رة ال�شعبية اليمني���ة ب�صورة بالغ���ة ال�سلبي���ة والناجتة عما جرى ويجري يف فل�سطني والعراق و�أفغان�ستان .لذا تبدو املعركة التي ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
103
املحــور
ّ تتح�ض���ر لها احلكومة اليمنية �ضد تنظيم القاعدة معركة خا�سرة يف الأب����واب ي�سكنه����ا �شعب فق��ي�ر م�سلح بكثافة ت����كاد تناق�ضات����ه ال�سيا�سية ً جميع الأحوال ،يبدو فيها الن�صر كالهزمية متاما. واالقت�صادي����ة واالجتماعية تت�سب����ب يف انهيار دولته ونظام����ه ال�سيا�سي، بب�ساطة بلد �أ�شبه بربميل بارود ينتظر �إ�شعال الفتيل حتى ينفجر. التدخ��ل الأمريك��ي � ٍآت ال حمال��ة! ُع ِ���رف عن الواليات املتحدة ،خ�صو�ص ًا يف احلقبة الأخرية ،حت ّم�سها للتدخل وي�صب����ح خو�ض حرب يف ال�ساحة اليمنية �أم����ر ًا خمتلف ًا عما يجري على الع�سك���ري وانتهازه���ا الفر�صة تل���و الأخرى ال�ستخ���دام القوة يف حل ال�ساح����ة الأفغانية ،ف�إذا كان احلريق الأفغ����اين قد حو�صر ومنع امتداده �إ�شكاالتها مع العديد من اخل�صوم� ،إذ يبد�أ ال�سا�سة الأمريكيون �أثناء �إىل اجل����وار الوا�سع بف�ضل وجود دول جوار قوي����ة ومتما�سكة ولها عقيدة مواجهتهم لأية �أزمة يف التفكري �أو ًال يف خيار احلرب وا�ستخدام القوة �سيا�سي����ة وديني����ة مناه�ض����ة للقاع����دة وحلفائها كما هو احل����ال يف �إيران حل���ل الأزمة وبطرح ت�سا�ؤل حول متى ن�ستخدم القوة؟ الآن �أو يف وقت ال�شيعية غرب���� ًا �أو يف دول �أوزبك�ستان وطاجاك�ستان وتركمان�ستان �شما ًال، �إ�ضافة �إىل ال�صني والهند �شرق ًَا وحكومة باك�ستان وجي�شها القوي جنوب ًا، الحق؟! �أكرث من الت�سا�ؤل حول هل ن�ستخدمها �أم ال؟! ف�����إن الدول املجاورة لليمن لي�ست على ذات التما�سك والقوة التي مت ّكنها �إال �أن اليم���ن كان���ت �إح���دى اال�ستثن���اءات القليلة والن���ادرة يف هذا م����ن جتنب الآث����ار والأ�ض����رار املتوقع حدوثه����ا نتيجة فت����ح جبهة جديدة املج���ال ،على الرغم م���ن كل الإغ���راءات واال�ستف���زازات التي كانت و�شامل����ة لقتال القاع����دة فيه ،خ�صو�ص ًا �أن للقاع����دة -بدرجة �أو ب�أخرى اليم���ن م�ص���در ًا له���ا بالن�سب���ة �إىل الوالي���ات املتح���دة ،خ�صو�ص ًا يف �ص����دى ديني واجتماع����ي يف هذه الدول ،والتي يج����ب �أن ال نن�سى ب�أنهاالعق���د الأخري .لق���د كان الهج���وم على ال����دول التي خرج من ظهراين جمتمعاتها املدم���رة الأمريكية (يو �إ����س �إ�س كول) تنظيم القاعدة. ما يثري قلق الأمريكيني �أن �أثن���اء ر�سوها يف مين���اء عدن عام 2000 م����ا يثري قل����ق الأمريكي��ي�ن �أك��ث�ر �أن دول دول اجلوار اليمني ترقد على فر�ص���ة ومنا�سبة للتدخ���ل الع�سكري يف اجل����وار اليمن����ي ترق����د على خ����زان نفط خزان نفط العامل ،والنفط �سلعة اليمن مل ي�ص���دق كث�ي�رون �أن الواليات الع����امل ،والنف����ط ك�سلع����ة �إ�سرتاتيجي����ة �إ�سرتاتيجية �شديدة احل�سا�سية املتح���دة فوتته���ا لتوظي���ف تفوقه���ا �شدي����دة احل�سا�سي����ة جت����اه اال�ضطرابات جتاه اال�ضطرابات ال�سيا�سية، الع�سك���ري احلا�سم يف معاقبة من جت ّر�أ ال�سيا�سي����ة ،ناهي����ك ع����ن اال�ضطراب����ات على قتل جنوده���ا ويف معاقبة من ف�شل ناهيك عن اال�ضطرابات الأمنية الأمني����ة .وبالت����ايل ي�صب����ح خط����ر خروج يف حمايته���م ،ثم ت�أت���ي �أحداث احلادي النفط ك�سلعة من نطاق ال�سيطرة الدولية ع�ش���ر م���ن �أيلول�/سبتم�ب�ر والت���ي �أدت ب���الإدارة الأمريكي���ة �إىل الت�صرف بق���در كبري من الهي���اج والغ�ضب �شدي����د احل�ض����ور ،الأمر الذي قد ي�����ؤدي �إىل عواق����ب اقت�صادية ال ميكن العارم يف �سلوكها اخلارجي واندفاعها يف معارك مع كل من اعتقدت ح�سابه����ا وهي عواقب قد متتد لت�شمل الع����امل �أجمع الذي ال تنق�صه الآن �أن���ه �ساهم بدرجة �أو ب�أخ���رى يف الت�سبب مبا جرى ،ومرة �أخرى بدت امل�صاعب والأزمات االقت�صادية. اليمن هدف ًا منطقي ًا ومنا�سب ًا ب�شدة لتفريغ الغ�ضب الأمريكي ،فها هي ه����ذه املخ����اوف التي طامل����ا حدّت م����ن التفك��ي�ر الأمريك����ي يف التدخل فقا�سة عنا�ص���ر القاعدة والبلد امل�سئول عن �إم���داد القاعدة بن�صف الع�سك����ري املبا�شر يف اليمن ،تراجعت م�ؤخ����ر ًا يف مواجهة ق�ضية الأمن عنا�صرها املقاتلة وثلثي املب�شرين بفكرها ،ت�صبح يف مرمى النريان ،الأمريك����ي املبا�شر ،والذي هددته القاعدة يف اليمن والتي ال يبدو كذلك ومرة �أخرى تحُ ِجم الواليات املتحدة عن تك�شري �أنيابها لليمن حل�سن �أن حكوم����ة اليمن لوحدها قادرة على منعه .ل����ذا ف�إن التدخل الأمريكي ح���ظ لي�س اليمن فح�سب ،بل وحل�سن ح���ظ الأمريكيني وحل�سن حظ ق����ادم رغ����م كراه����ة القاع����دة واليم����ن ودول جوارها له ،ورغ����م كراهة الأمريكيني له حتى. العرب املجاورين �أي�ض ًا. فعلى عك�س �أفغان�ست���ان املحا�صرة بالطبيعة والدميوغرافيا من بيئة �أخ��ي�ر ًا ،و�إذا م����ا اختلفت التوقع����ات حول ما �ستنتهي �إلي����ه هذه املعركة جبلي���ة وعرة وقا�سية حت���د من القدرة على احلرك���ة ،ومن تنوع �إثني القادم����ة ،ف�إن النتيجة امل�ؤكدة فيها �أن اجلميع اليمن ،وتنظيم القاعدة، وعرق���ي ح�صر القاع���دة وحلفائها يف مناطق �سك���ن قومية الب�شتون ،والوالي����ات املتح����دة� ،سيخرج����ون م����ن ه����ذه املعرك����ة جميع���� ًا ب�أ�صاب����ع تب����دو اليم����ن مع ط����ول �سواحله����ا ووديانه����ا و�صحاريها� ،ساح����ة م�شرعة حمرتقة. 104
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ي�صدر قريب ًا
الأ�سلحة ال�صغرية فـي اليمن درا�سة ميدانية
عبدال�سالم الدار احلكيمي
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
105
املحــور
اليمن والتهديد املت�صاعد لتنظيم «القاعدة» جيم�س فيليب�س
�أدت املحاول����ة الفا�شلة لتفجري الطائرة الأمريكية التي كانت تتجه �إىل والية “ديرتويت” ليلة عيد امليالد �إىل لفت االنتباه �إىل اخلطر املتنامي الذي ي�شكله فرع تنظيم القاعدة يف اليمن ،معقل القوى الإ�سالمية املت�شددة القدمي .واليمن بلد يوفر لأع�ضاء القاعدة الكثري من الفر�ص ي�ستفيد منها عنا�صر التنظيم ،ومنها :احلماية التي حتظى بها تلك العنا�صر من قبل زعماء القبائل املتعاطفني املناه�ضني للحكومة املركزية ال�ضعيفة؛ ودعم رجال الدين الإ�سالميني املت�شددين؛ واحلدود املليئة بالثغرات التي ُت�س ِّهل عملية التنقالت ال�سرية ومتثل بوابة خلفي����ة للت�سل����ل �إىل الأرا�ضي ال�سعودية؛ وكذلك وجود �شعب متعاطف مت تغذيته بالدعايات املعادية للغرب منذ عقود من الزمن على �أيدي الإ�سالميني املقاتلني واملارك�سيني املنا�صرين لل�سوفيت. وملحارب����ة خط����ر الإرهابي��ي�ن املتنامي يف اليمن ينبغ����ي للواليات املتح����دة العمل يد ًا بيد م����ع احلكومة اليمنية وبريطاني����ا واململك����ة العربية ال�سعودية وغريها م����ن البلدان التي تتعر�ض لتهدي����دات تنظيم القاعدة حتى يتم التمكن من �ضرب قادة التنظيم و�شل عملياته الإرهابية و�إ�ضعاف مقدرته على �شن هجمات �إرهابية. طامل����ا كانت اليمن -م�سق����ط ر�أ�س �أجداد �أ�سامة بن الدن - مرت��ع الفك��ر الإ�س�لامي املت�ش��دد معق ًال ح�صين ًا لدعم الفكر الإ�سالمي القتايل ولتنظيم القاعدة ،فقد تعر�ض املهاجرون اليمنيون يف ال�سعودية �أثناء الطفرة النفطية يف ال�سبعينيات من القرن املا�ضي �إىل الأفكار الوهابية التي تغذيها الروح القتالية .وقد �ش����كل اليمني����ون عدد ًا غري متنا�سب من عدد امل�سلمني الأجانب ( 25.000تقريب ًا) الذين تدفقوا �إىل �أفغان�ستان للجهاد �ضد االحتالل ال�سوفيتي خالل الثمانينيات من القرن املا�ضي .وهم ي�شكلون �أي�ض ًا فئة كبرية يف تنظيم القاعدة ،الذي �أ�س�سه �أولئك املجاهدون ،الأمر الذي و�سع نطاق الكفاح الثوري �إىل حملة عاملية متطرفة. وكان �أول هج����وم �إرهاب����ي تقوم به عنا�صر القاعدة �ضد الأمريكي��ي�ن يف اليمن يف كانون الأول/دي�سمرب 1992 عندم����ا قام����وا بتفجري قنبلة يف �أحد الفنادق كان ي�سكنه الع�سكريون الأمريكيون الذين كانوا ي�شاركون يف دعم رحالت الإغاثة الإن�سانية �إىل ال�صومال .ثم تلى ذلك هجوم �آخر يف اليمن حقق جناح ًا �أكرب يف ت�شرين الأول/ �أكتوب����ر 2000عندما قام تنظيم القاعدة بتفجري املدمرة الأمريكية (كول) يف خليج عدن ،ما �أدى �إىل م�صرع 17بحار ًا �أمريكي ًا. جيم�س فيليب�س زميل باحث �أقدم ل�ش�ؤون ال�شرق االو�سط يف مركز دوغال�س و�سارة �ألي�سون لدرا�سات ال�سيا�سة اخلارجية التابع مل�ؤ�س�سة هريجت (الرتاث) الأمريكية .وقد كتب على نطاق وا�سع ب�ش�أن ق�ضايا ال�شرق الأو�سط والإرهاب الدويل منذ عام .1978
كم���ا ت�ؤخذ اليم���ن يف االعتبار نظر ًا لت�سببه���ا يف تطرف م�سلمني �أمريكيني من �أمثال جون ووكر ليند ،الذي �سافر �إىل اليمن لدرا�سة الدي���ن الإ�سالمي قبل �أن يتم جتنيده للقتال يف �أفغان�ستان ،وكذلك �سبعة مينيني �أمريكيني من مدينة “لكوانا” بوالية نيويورك ،وهم الذي���ن ق���ام تنظي���م القاع���دة بتجنيده���م قبل احل���ادي ع�شر من الزج �أيلول�/سبتمرب ،وقد اعرتف �ستة منهم بدعمهم للإرهاب ومت ّ بهم يف ال�سجن بينما ف ّر ال�شخ�ص ال�سابع وظهر الحق ًا يف اليمن. فج���ر عنا�ص���ر القاع���دة ناقلة النف���ط الفرن�سية ويف ع���ام ّ 2002 ُ “ليمبرُ ج” ُقبالة ال�سواحل اليمنية ،ويف نف�س ذلك العام قتل �أحد ق���ادة القاع���دة يف اليم���ن على �إث���ر �أول هجوم يتم الإعالن عنه ،قامت به �إحدى الطائرات م���ن دون طي���ار .لكن تنظيم القاع���دة ازداد قوة يف اليمن بعد حادثة �شباط/فرباي���ر 2006عندم���ا متكن 23 �شخ�ص ًا ي�شتبه �أنهم ينتمون �إىل التنظيم من الهرب م���ن �أحد ال�سج���ون اليمنية، ومن �ضمنه���م الإرهابي�ي�ن الذين قاموا بتفج�ي�ر “كول” .ويق���ول بع�ض م�سئويل املخابرات الأمريكية �أن الهروب املُ ّ نظم �أنور العولقي م���ن ال�سجن ق���د مت مب�ساع���دة من قبل بع����ض رج���ال املخاب���رات اليمنية ممن يتعاطفون مع القاعدة.
خطر القاعدة املتنامي �أ�صبح اليمن مبثابة حمطة انطالق مهمة لعمليات عنا�صر القاعدة بعد �أن �ضاق اخلناق على التنظيم يف بلدان �أخرى م�ؤخر ًا ،حيث قام عنا�صر القاعدة يف �أيلول�/سبتمرب 2008بهجوم ُمع ّقد �ضد ال�سفارة الأمريكية يف اليمن ،وقتلوا � 19شخ�ص ًا ،من بينهم امر�أة �أمريكية .وقد ازدادت �أهمية اليمن بالن�سبة للقاعدة عندما مت طرد عنا�صر التنظيم من ال�سعودية ،وقاموا باالندماج مع فرع التنظيم يف اليمن ،و�شكلوا ما �أ�سموه “تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب” ( )AQAPيف كانون الثاين/يناير .2009 وتع���د اليمن �أي�ض ًا م�ل�اذ ًا ي�ؤوي رجل الدي���ن الإ�سالمي املتطرف �أن���ور العولقي ،وهو املُ ِّ نظر اليمني الأمريك���ي الذي ُيقال �أنه مر�شد م�ؤث���ر لكثري من عنا�صر القاعدة ،من �ضمنهم ثالثة من خمتطفي طائرات احلادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب .وقد قام الرائد ن�ضال
ح�س���ن -ال���ذي قت���ل � 13شخ�ص ًا خ�ل�ال حالة هيجان���ه يف ت�شرين الثاين/نوفم�ب�ر 2009يف قاع���دة ف���ورت ه���وود الع�سكري���ة بوالي���ة تك�سا����س الأمريكية -بتلقي تعليم���ات �إر�شادية من العولقي وتبادال ر�سائل الربيد الإلكرتوين لعدد من الأ�شهر قبل الهجوم. وتق���ول احلكومة اليمنية بوجود عالقة ب�ي�ن العولقي وعمر فاروق عب���د املطل���ب ،منف���ذ املحاول���ة الفا�شلة لتفج�ي�ر طائ���رة ليلة عيد املي�ل�اد� .أما تنظيم القاعدة يف �شبه جزي���رة العرب فقد ا�ستخدم م�سبق ًا متفجرات �شبيهة بتلك التي ا�ستخدمها عبد املطلب ،وذلك يف حماولة االغتيال الفا�شلة التي قام بها �أحد االنتحاريني يف �آب/ �أغ�سط����س (املا�ض���ي) �ضد �أح���د الأمراء ال�سعوديني ،والذي قاد حمالت مكافحة الإرهاب يف ال�سعودية. ويقوم تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب -الذي ُيقدر عدد عنا�صره كاملي الع�ضوي���ة م���ا ب�ي�ن 200و 300عن�صر - با�ستغالل التحالفات مع القبائل اليمنية القوي���ة امل�سلح���ة ،وذلك بغر����ض �إن�شاء م�ل�اذات لهم وقواعد تدريب يف اجلبال اليمنية الوعرة .وه���و الأمر الذي ي�شبه ن�ضال ح�سن م���ا قامت به القاعدة يف �أفغان�ستان قبل احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب ،وما تقوم به اليوم يف الأرا�ضي القبلية القاحلة يف باك�ستان.
تعزيز جهود مكافحة الإرهاب يف اليمن
لي�س���ت اليمن دولة فا�شلة �إىل الآن ،ولكنه���ا يف طريقها �إىل ذلك �إذا ا�ستمرت التوجهات احلالية على ما هي عليه .ف�صادرات اليمن ال�شحيح���ة من النفط ،م�صدر دخل الدولة الأ�سا�سي ،بلغت ذروتها ع���ام ،2002ومن املحتمل �أن تن�ضب خ�ل�ال العقد املقبل .وقد �أدى نق�ص املوارد املائية املتزايد ،والف�ساد احلكومي والتوترات القائمة يف �صعدة ،والتناف�س القبلي �إىل �ش ّل و�إعاقة واحد من �أكرث قطاعات ال�سكان منو ًا يف ال�شرق الأو�سط. لق���د ظلت الوالي���ات املتحدة حت���ثّ احلكومة اليمنية م���رار ًا على اتخاذ �إجراءات �أقوى �ض���د عنا�صر القاعدة ،وقد حقق هذا بع�ض النتائ���ج ،غ�ي�ر �أن نظام الرئي�س علي عب���د اهلل �صالح يدرك وجود خماط���ر �أكرب من قب���ل التم���رد ال�شيعي الذي يق���وده احلوثيون يف
املحــور
�أبرز عمليات الفرع اليمني لتنظيم «القاعدة»
ال�شمال والهيجان االنف�ص���ايل امل�ستمر يف اجلنوب الغني بالنفط، وه���و الإقلي���م ال���ذي كان ينتمي �إىل اليم���ن اجلنوب���ي �سابق ًا الذي اندمج مع اليمن ال�شمايل عام 1990م�ؤلف ًا دولة واحدة. وت���دل العملية التي وجهت فيه���ا �ضربتان جويت���ان على الأقل �ض���د �أهداف تابعة لتنظي���م القاعدة يف كان���ون الأول/دي�سمرب الفائ���ت ،عل���ى �أن احلكومة اليمنية قد ب���د�أت تزيد من التعاون �ض���د القاعدة .ويتعني على الواليات املتحدة رفع م�ستوى الدعم اخلارج���ي ل�ضمان تع���اون �أق���وى يف امل�ستقبل .وعل���ى وا�شنطن �أي�ض��� ًا تق���دمي امل�ساع���دة يف بناء ق���درات اليمن عل���ى مواجهة الإره���اب ،و�ضمان �أن ت�صب تلك الق���درات يف الأعمال الهادفة �إىل تقوي����ض تنظيم القاع���دة يف �شبه اجلزي���رة العربية ولي�س حتويلها واال�ستفادة منه���ا يف مواجهة املتمردين احلوثيني .كما ينبغي تقدمي الدعم املايل والتدري���ب واملعدات والتعاون الوثيق جله���از الأمن القومي اليمني ،الذي يتمت���ع ب�سجل �أف�ضل بكثري يف حمارب���ة تنظيم القاع���دة يف �شبه جزيرة الع���رب من �سجل الأمن ال�سيا�سي ،الذي هو عب���ارة عن وكالة خمابرات م�شكوك ب����أن عنا�صر متعاطفة مع تنظي���م القاعدة تخرتقها ،ولذا يجب حتا�شيها. وعل���ى وا�شنطن ال�ضغط من �أج���ل ا�ستخدام طائرات من دون طي���ار من نوع “بريداتور” ل�ض���رب العنا�صر القيادية املهمة يف تنظي���م القاع���دة يف �شبه اجلزي���رة العربية ،م���ع احلر�ص على تقلي���ل عدد ال�ضحايا املدنيني �إىل �أق�صى درجة ممكنة� .إن هذا بالطب���ع لي�س ح ًال �سحري ًا ،ولكنه مع مرور الوقت يمُ كن �أن يحد
من فعالية تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية. �إ�ضافة �إىل ذل����ك ،ينبغي على وا�شنطن العمل يد ًا بيد مع احللفاء مثل بريطانيا وال�سعودية لزيادة دعم التنمية االقت�صادية للحد من خ�صوبة �أرا�ضي جتني����د وتفريخ عنا�صر قاعدة �شبه اجلزيرة .وقد دع����ا رئي�س الوزراء الربيطاين غوردون براون �إىل عقد م�ؤمتر دويل يه����دف �إىل دعم اليمن ،ومع �أن ذلك ال يبدو ح ًال على املدى البعيد لكن����ه �سي�ساع����د على زي����ادة التع����اون اليمني يف مكافح����ة الإرهاب على املدى القريب� .أما ال�سعودي����ة فيمكنها تقدمي مكاف�آت لزعماء القبائ����ل اليمنية لقاء حتولها �ضد تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية� ،أو على الأقل تقوم مبنع عنا�صر هذا التنظيم من الدخول �إىل �أرا�ضيها. وم���ن ال�سيا�س���ات الأك�ث�ر فعالي���ة وفائدة من���ع تفاق���م امل�شكلة، وذلك من خالل التوقف عن �إع���ادة الإرهابيني اليمنيني املعتقلني غوانتنام���و حيث ما زال���وا ي�شكلون �أكرب جمموع���ة ممن تبقى من ال�سجن���اء؛ فال�سج���ون اليمني���ة ذات الأب���واب ال���دوارة ،التي تعج بعنا�ص���ر متعاطف���ة مع التنظي���م ،ال توفر ال�ضمان ال���كايف من �أن املعتقلني العائدين لن يعودوا �إىل ارتكاب �أعمالهم الإجرامية. كم���ا �أن برنامج ت�أهي���ل الإرهابيني الذي قامت ب���ه ال�سعودية مل يثمر �سوى عن نتائج م�شكوك يف �أمرها ،فقد كان هناك على الأقل اثن�ي�ن من ب�ي�ن خمططي حماولة التفجري ليلة عي���د امليالد ،وهما م���ن عنا�صر القاعدة الذين �أطل���ق �سراحهم من معتقل غوانتنامو ع���ام 2007و�أر�سلوا �إىل ال�سعودية ،حي���ث التحقا “بربنامج �إعادة الت�أهي���ل واملنا�صح���ة” الذي مل ُيعرف له �س���وى القليل من الت�أثري عل���ى �أيديولوجيتهم���ا الإجرامية ،ومتكنا الحق��� ًا م���ن احل�صول على م�ل�اذ �آمن يف اليمن.
تخفي��ف خط��ورة التهدي��د
بالنظ����ر �إىل البيئة اليمني����ة املواتية التي تعمل فيه����ا ،فمن املمك����ن �أن تظل �شبكة �أ�سامة بن الدن الإرهابية العابرة للحدود ق����وة فعال����ة يف ذل����ك البل����د امل�ضط����رب خالل العديد من ال�سن����وات املقبلة .ومع ذل����ك ،ف�إن التعاون احل����ذر واملنظم �ضد الأهداف الإرهابية بني الواليات املتحدة واحلكوم����ة اليمني����ة والتن�سيق العايل مع احللف����اء الآخرين ميكن له التخفيف من خماطر ذلك التهديد. 108
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
يع���د تنظيم القاعدة يف اليمن م�سئو ًال ع���ن �سل�سلة من الهجمات الدامية قبل وبعد ان�ضم���ام الفرع ال�سع���ودي �إليه مطلع الع���ام املا�ضي ،وحتول���ه اىل «تنظيم قاعدة اجله���اد يف جزيرة العرب» .نظ���رة على �أهم الهجمات الت���ي تبناها التنظيم حتى نهاية عام :2009 � 28آب (�أغ�سط�س) 2009
عبدالل ��ه ح�س ��ن الع�سريي ال ��ذي �أعلن توبته ع ��ن انتمائه للقاع ��دة ،يفجر نف�سه يف حماول ��ة الغتيال الأمري حممد بن ناي ��ف ،الرجل الق ��وي يف مكافحة الإرهاب يف
13ت�شرين الأول (�أكتوبر) 2000 هج ��وم عل ��ى ال�سف ��ارة الربيطاني ��ة يف �صنعاء .خ�سائر مادية وال �إ�صابات.
ال�سعودي ��ة .القنبل ��ة تنفج ��ر ب�شكل مبك ��ر وي�صاب الأمري بجروح طفيفة. 2متوز (يوليو) 2007
مقت ��ل ثمانية �سي ��اح �أ�سب ��ان ومينيني اثن�ي�ن يف انفج ��ار �سي ��ارة مفخخ ��ة بالق ��رب م ��ن معل ��م �أث ��ري يف م� ��أرب �شرق �صنعاء.
� 15آذار (مار�س) 2009
مقت ��ل �أربع ��ة �سي ��اح كوري�ي�ن جنوبي�ي�ن و�إ�صابة �أربعة اخرين بجروح يف تفجري انتحاري يف �شبام� ،شرق اليمن.
� 18آذار (مار�س) 2 008 مقتل ج�ن��دي وط��ال�ب��ة يف هجوم بال�صواريخ ا�ستهدف ال�سفارة الأم�يرك �ي��ة يف ��ص�ن�ع��اء و�أ�صاب مدر�سة جماورة. � 17أيلول (�سبتمرب) 2008
مقتل � 16شخ�ص ًا يف انفجار ب�سيارتني مفخختني ا�ستهدفتا ال�سفارة الأمريكية.
6ت�شرين الأول (�أكتوبر) 2002
هجوم على ناقلة النفط الفرن�سية ليمبورج يف املكال .مقتل بحار بلغاري. 18كانون الثاين (يناير)
2008
مقتل �سائحتني بلجيكيتني و�سائقهما ومر�شدهما اليمنيني يف �إطالق نار بوادي ح�ضرموت� ،شرق �صنعاء.
12ت�شرين الأول (�أكتوبر) 2000
مقت ��ل 17جندي� � ًا �أمريكي� � ًا و�إ�صاب ��ة 38بجروح يف هجوم انتحاري ا�ستهدف املدمرة الأمريكية (يو ا�س ا�س كول) يف مرف�أ عدن.
25كانون الأول (دي�سمرب) 2009 نيجريي يحاول تفجري طائرة �أمريكية ق �ب �ي��ل و� �ص��ول �ه��ا �إىل دي�ت��روي� ��ت من �أم�سرتدام .فرع القاعدة يف اليمن تبنى املحاولة.
يناير/فرباير ال�صحافة109 2010 الفرن�سية. الثاين،وكالة ا�سرتاتيجية العددامل�صدر:
املحــور
«القاعدة» والقبائل وعدم اال�ستقرار فـي اليمن �سارة فيليب�س ورودجر �شاناهان
منذ العام 2008واليمن حتت جمهر قلق متنامي �إزاء الظهور اجلديد واحل�ضور املهم لتنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية؛ فاالعتداء على املدمرة الأمريكية “كول” يف ت�شرين الأول�/أكتوبر ( 2000وحماولة �أجه�ضت قبل ذلك ا�ستهدفت مدم���رة ال�صواري���خ الأمريكي���ة “�سوليفانز” يف كانون الثاين/يناير م���ن نف�س العام) ،وهج���وم 2002على ناقلة النفط الفرن�سي���ة “ليمربج” ُقبال���ة ال�سواحل اليمنية ،ووجود امل�ؤ�س�س���ات التعليمية ال�سلفية املت�ش���ددة ،وعدد من ال�شخ�صيات الإرهابي���ة؛ كل ذل���ك �أو�ضح �أن ثم���ة �إمكانية مبكرة لأن تتحول اليم���ن �إىل بيئة ن�شاط مت�ساهلة لتنظي���م القاعدة .وبعد م�ض���ي ف�ت�رة من الزمن عندما ب���دا الأمر وك�أن اخلطر قد مت احت���وا�ؤه �إىل درجة كبرية ،بد�أت املخ���اوف تنمو منذ عام 2006م���ن �أن الأزم���ات ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية املتعددة يف اليم���ن �ستجعل من هذا البلد مالذ ًا �أك�ث�ر جاذبية لعنا�صر القاع���دة ،وبالتحدي���د لفروعه���ا .وكما �أ�شار مدي���ر املخابرات القومي���ة الأمريكية ،ف�إن اليمن �أخ���ذت “تربز من جديد ك�ساح���ة قتال جهادية وقاع���دة �إقليمية ممكنة لعمليات تنظيم القاعدة والقي���ام بالتخطيط لهجمات داخلية وخارجية، وتدريب الإرهابيني ،وت�سهيل حركة تنقالت عنا�صره”. ولكن قدرة التنظيمات اجلهادية املقاتلة على العمل بح�صانة حتى يف بلد يفتقر للنظام مثل اليمن لي�س واقع ًا ال يتغري. فكم���ا ه���و احلال يف الع���راق وحتى يف باك�ستان ،ف�إن القاع���دة ال جتد دائم ًا �سهولة يف التم ّل���ق وك�سب احرتام املجتمعات ال�س ّنة املحلية .ففي العراق بالتحديد ثبت �أن جهود التنظيم اخلرقاء وال�سيئة التخطيط غالب ًا لإقامة عالقات مع قبائل ُّ املحلي���ة كانت �سبب��� ًا يف دماره .ويف اليمن �أي�ض ًا �سيعتمد �إىل حد كبري العامل الأ�سا�س���ي يف جهوده الرامية لتحويل البلد �إىل حمطة جاذبة و�صاحلة لعملياته على قدرته على بناء عالقات جيدة مع القبائل املحلية .لذا تهدف هذه الورقة �إىل القي���ام بتقيي���م �أويل جلهود القاعدة (�أو بالتحديد فرعها املحلي ،تنظيم القاع���دة يف �شبه جزيرة العرب) الرامية �إىل حتقيق مثل تلك العالقات .كذلك �ستتطرق باخت�صار �إىل �أثر ردود الغرب �إزاء ح�ضور القاعدة يف اليمن يف تلك اجلهود التي تبذلها القاعدة.
110
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
�سارة فيليب�س تعمل حما�ضرة بجامعة �سيدين� ،أ�سرتاليا .وهي باحثة متخ�ص�صة يف �ش�ؤون احلكم واال�صالح يف اليمن وال�شرق الأو�سط .تبحث ال�سيدة فيليب�س حالي ًا يف التطورات ال�سيا�سية والأمنية يف اليمن واململكة العربية ال�سعودية ،وباك�ستان ،والقرن الأفريقي ،والعالقة بني القبائل وال�شبكات اجلهادية املت�شددة يف الدول ال�ضعيفة. �أما ال�سيد رودجر �شاناهان فيعمل زمي ًال غري مقيم يف معهد لوي لل�سيا�سة الدولية� ،سيدين � -أ�سرتاليا. 2010
�إ�شراك القبائل :دعا قادة تنظيم القاعدة القبائل اليمنية �إىل االقتداء بالقبائل الباك�ستانية والأفغانية يف دعمها للتنظيم
منذ �سنوات عدة واليمن الأزمات يف اليمن تقرتب من حافة الف�شل نظر ًا لعجز الدولة اليمنية �أمام ال�صراعات املدنية والقبلية ،واملكائد اخلارجية ،وم�ستويات التعليم املتدنية، والبنية التحتية ال�ضعيفة ومفاهيم احلكم غري الفعالة ،وازدادت يف غ�ضون ال�سنوات املا�ضية القليلة حدة هذه امل�شكالت ،و�أ�صبحت اليمن تواجه اليوم حتديات كبرية جد ًا :فهي الدولة الأفقر يف العامل العربي؛ وبها معدالت بطالة عالية وم�ستويات تعليمية متدنية؛ وهي من بني �أكرث دول العامل منو ًا لل�سكان؛ وتواجه ن�ضوب ًا يف مواردها املائية والنفطية. وتعترب ال�صادرات النفطية �شريان احلياة االقت�صادية بالن�سبة للدولة اليمنية� ،إذ ت�سهم مبعدل %75من �إيرادات امليزانية العامة، وبلغ �إنتاج النفط يف اليمن ذروته (حوايل 465.000برميل يومي ًا) ع��ام ،2003لكنه انخف�ض �إىل ما يقارب 280.000برميل يومي ًا يف كانون الثاين/يناير ،2009وه��ذا يعد انخفا�ض ًا ح��اد ًا خالل فرتة وجيزة جد ًا .ونتيجة لهذا االنخفا�ض� ،أ�صدرت وزارة املالية مر�سوم ًا ق�ضى بتقليل نفقات الوزارات بن�سبة 50%يف مطلع .2009 كل ذل��ك االنخفا�ض يف واردات النفط ُير ِبك ق��درة الدولة على احلفاظ ب�شبكات العمل غري الر�سمية الوا�سعة التي ت�شكل القاعدة
الأ�سا�سية للدولة. وعلى الرغم من دخل الدولة املت�ضاءل ف�إن النظام احلاكم ما زال يقدم الهبات ال�سخية بغر�ض حت�سني �صورته و�شرعيته ال�شعبية. وكثري ًا ما ُيقال ،حتى يف �أو�ساط م�سئويل وزارة املالية� ،أن الدولة قد تواجه م�شاكل يف دفع مرتبات موظفيها املدنيني والع�سكريني يف امل�ستقبل القريب �إذا انخف�ضت �أ�سعار النفط �إىل ما كانت عليه بداية عام .2009 وهذه التحديات االقت�صادية بدورها �ستُ�ض ِعف من قدرة النظام على �إدارة العديد من ال�صراعات الداخلية والتحديات الأمنية. ففي �صعدة الواقعة �شمال البالد والقريبة من احلدود ال�سعودية، يقوم املتمردون من الزيدية ال�شيعة اخلارجني على الدولة بتزعم حركات عنف متقطعة �ضد النظام منذ ،2004بينما جند �أن احلراك االنف�صايل يف اجلنوب قد حظي بزخم و�شرعية جماهريية منذ عام .2007ويف الوقت نف�سه ،يقوم الرئي�س بتقليل عدد املجموعة التي تُ�سدي له الن�صح ،ويعتمد كثري ًا على بطانته الداخلية ممن لهم م�صالح �شخ�صية يف تقدمي ت�صورات اخليارات ال�سيا�سية يف اليمن. لكن ال يعني �أي من هذا �أن ف�شل الدولة التام هو نتيجة حمتومة ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
111
املحــور
�إن �أزمة الدولة املتنامية هو التما�س الفر�صة؟ ما ت�ستغله القاعدة �إىل حد ما لظهورها البارز يف اليمن ،ومن خالل اليمن ،لتجديد ظهورها مرة �أخرى يف �شبه اجلزيرة العربية .وهذا التوجه هو نتيجة الندحار فرع القاعدة يف ال�سعودية ،الذي �سبق له �أن قام بتنفيذ عدد من الهجمات اجلريئة والفعالة �ضد �أهداف �أجنبية على �أرا�ضي اململكة العربية ال�سعودية عامي 2003و.2004 ومع ارتفاع م�ستوى فعالية قوات الأمن ال�سعودية وبعد مقتل زعيم القاعدة املخ�ضرم عبد العزيز املقرن يف حزيران/يونيو ،2004 تدهورت فعالية عمليات التنظيم ،حيث �أع�ترف بع�ض عنا�صر القاعدة املحليني يف مطلع 2008ب�أن ا�ستمرار بقائهم يحتم عليهم نقل عنا�صر التنظيم �إىل بيئة �أكرث ت�ساه ًال ،وهي متوفرة يف اليمن. وميكن القول �إن ظهور �أن�شطة القاعدة يف اليمن يعود �إىل عام 1992عندما مت تفجري فندقني يف حماولة فا�شلة للنيل من جنود 112
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
�أمريكيني كانوا يعربون �إىل ال�صومال .ومنذ ذلك الوقت ا�ستمرت وترية عمليات القاعدة ،وازدادت و�ضوح ًا منذ �شباط/فرباير 2006 عندما ف ّر � 23شخ�ص ًا من �أحد ال�سجون ب�صنعاء وكان من �ضمنهم نا�صر الوحي�شي ،الرفيق ال�سابق لأ�سامة بن الدن. ويف كانون الثاين/يناير � 2009أعلن نا�صر الوحي�شي ،الذي �أ�صبح زعيم تنظيم القاعدة يف اليمن ،عن ت�أ�سي�س تنظيم قاعدة اجلهاد يف �شبه جزيرة العرب ( ،)AQAPوهذا الإعالن عن اخللية اليمنية ال�سعودية امل�شرتكة قام به الوحي�شي بح�ضور ابن بلده قا�سم الرميي واملعتق َلني ال�ساب َقني يف غوانتنامو �سعيد ال�شهري وحممد العويف، اللذان �أعلنا الوالء له ،م�ؤكدين بذلك �سطوع النجم اليماين يف هذا التنظيم .وتفيد بع�ض املعلومات ب�أن الوحي�شي يعمل على مقربة من بن الدن نف�سه ،وقد متكن الآن من �إنعا�ش فرع تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية املتهالك .ومثل هذه العالقة قد تمُ ّكنه من توجيه التنظيم يف االجتاه الذي ترغب به القاعدة الأم دون احلاجة للتوجيه املبا�شر والوا�ضح من املناطق القبلية يف باك�ستان. وال ينبغي اال�ستخفاف بالأهمية التي ت�شكلها القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية بالن�سبة للقاعدة الأم .ففي ظل وج��ود اجليل النا�شئ املحبط اقت�صادي ًا وعلمي ًا ،تعترب اليمن منتجع ًا مهم ًا لتجنيد عنا�صر التنظيم ،وبهذا �ستتمكن احلركة -من خالل فرعها يف �شبه اجلزيرة -من �إثبات �أنها ما زالت ن�شطة ،بل وق��ادرة على التكاثر ،خا�صة يف ظل ال�ضغوط التي تواجهها يف باك�ستان .كذلك يوفر موقع اليمن اال�سرتاتيجي فر�ص ًا ل�شن هجمات على املناطق التي ي�ستهدفها التنظيم ،وذل��ك كونه (�أي اليمن) على مقربة
من “العدو القريب” ،وقد �أبدا تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية رغبته فع ًال يف موا�صلة ا�ستهداف ال�سعودية ،ويدل على هذا حماولة االغتيال الفا�شلة التي ا�ستهدفت نائب وزير الداخلية ال�سعودي الأمري حممد بن نايف يف �آب�/أغ�سط�س ،2009والقتال امل�ستميت الذي ن�شب يف ت�شرين الأول�/أكتوبر 2009مع عنا�صر من القاعدة ت�سللوا �إىل الأرا�ضي ال�سعودية عن طريق اليمن. وبالإ�ضافة �إىل ذلك ،ف�إن وجود حمطة انطالق قوية يف اليمن �سيمكن تنظيم القاعدة من �شن هجمات على املالحة البحرية عرب م�ضيق باب املندب يف البحر الأحمر ،وهو املنفذ اال�سرتاتيجي الذي متر به �أكرث من ثالثة ماليني برميل من النفط و�أطنان ال حت�صى من ال�سلع التجارية يف طريقها �إىل �أوروب��ا والواليات املتحدة كل يوم .واحلال �أن حدوث العديد من اعتداءات القر�صنة ال�صومالية م�ؤخر ًا على مقربة من ال�سواحل اليمنية قد �أثار ال�شكوك من �أن هناك عنا�صر يف اليمن متد يد العون للقرا�صنة .وقد حدد مركز ال�شحن التابع للناتو خم�سة موانئ مينية كانت تقوم بتقدمي الدعم اللوج�ستي لل�سفن التي ا�ستخدمها القرا�صنة ال�صوماليون .ومع �أن هذه االدع��اءات مل تثبت بعد �إال �أن هناك خماوف كبرية من �أن انهيار اليمن �سيمنح القرا�صنة �أو �شبكات �إجرامية �أخرى املزيد من احلرية يف التنقل يف �أرجاء املنطقة. و�أخ�ير ًا ،هناك من يقول �أن �شخ�صيات من قادة القاعدة الأم
“
يفكرون يف االنتقال �إىل اليمن .فعلى �سبيل املثال ،ذكرت جريدة “نيويورك تاميز” �أن “حفنة من قادة اجلماعة الإرهابية يقومون باالنتقال �إىل ال�صومال واليمن من مالذهم الرئي�سي يف املناطق القبلية الباك�ستانية” .ويف املرحلة احلالية هناك دالئل قليلة على �أن قادة القاعدة الرئي�سيني يرغبون يف� ،أو �أنهم قادرون فع ًال على، االنتقال .ولكن بكل ت�أكيد تظل رواب��ط تنظيم القاعدة باملناطق القبلية امل��دارة فدرالي ًا ( )FATAيف باك�ستان وطيدة جد ًا ،وتظل خطورة التعر�ض لالنك�شاف� ،أثناء االنتقال �إىل بلد �آخر ،كبري ًة �إذا ما مت الأخذ بهذا اخليار املحتمل. �إذا متكنت القاعدة وفرعها (تنظيم �إ�شراك القبائل القاعدة يف �شبه جزيرة العرب) من احل�صول على �أي فر�صة لإقامة عالقة جيدة مع القبائل اليمنية ف�إن الو�ضع �سي�صبح يف غاية اخلطورة ،وهو الأمر الذي يبدو �أن قادة التنظيمني يدركونه .ففي �شباط/فرباير � ،2009أظهر نائب زعيم القاعدة �أمين الظواهري وزعيم تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية نا�صر الوحي�شي نيتهما يف �إ�شراك القبائل اليمنية ،وذلك يف �إطار �سعيهما لإثارة املعار�ضة �ضد الدولة يف اليمن .ويف حني دعا الوحي�شي القبائل اليمنية �إىل رف�ض ال�ضغوط التي متار�س من �أجل ال�سماح بال�سيطرة احلكومية على املناطق القبلية ،دعا الظواهري القبائل اليمنية �إىل االقتداء بالقبائل الباك�ستانية والأفغانية يف دعمها لتنظيم
كلم��ا متكنت قاعدة �ش��به اجلزيرة من البقاء يف اليمن دون تعري���ض القبائل اليمنية لأعمال العنف ،ا�ستطاعـت تر�سيــخ ُعرى العالقة مع تلك القبائـل من خـالل الزواج وتبـادل اخلربات
“
ال منا�ص منها ،فبالرغم من غياب االن�ضباط املايل للدولة من املحتمل �أن التداعيات الإقليمية التي قد تنجم عن وج��ود دولة فا�شلة �ستدفع دول اجلوار اخلليجية الغنية �إىل تقدمي م�ساعدات مالية �سخية لتعزيز قدرة الدولة على البقاء .بل ُيقال �أن ال�سعودية تُقدم بالفعل ملياري دوالر كم�ساعدة مالية مبا�شرة �سنوي ًا ،ناهيك عن الدعم املايل ال�شخ�صي الذي يتدفق �إىل العديد من �أ�صحاب امل�صالح ال�سيا�سية ،خا�صة �أول��ئ��ك الذين ينتمون �إىل �أو�ساط القبائل .ومع ذلك� ،إذا ما ا�ستمر النظام متخبط ًا تتقاذفه الأزمات املتعاقبة ف�إن خياراته املتاحة للتعامل مع هذه امل�شاكل املتعددة ،مبا فيها التحديات الأمنية� ،ستنكم�ش �إىل درجة تنذر باخلطر.
“
“
�إذا متكنــت القاعـدة وفرعها (تنظيم القاعدة يف �شبه جزيـرة العرب) مــن احل�صـول على �أي فر�صة لإقامة عالقة جيدة مع القبائل اليمنية ف�إن الو�ضع �سي�صبح يف غاية اخلطورة
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
113
املحــور
القاعدة ،حيث قال�« :إنني �أدعو القبائل اليمنية ال�شريفة واملقاومة، و�أقول لهم �أال تكونوا �أقل من �إخوانكم القبائل املقاومة يف الب�شتون والبلو�ش ...يا قبائل اليمن ال�شريفة ...ال تكونوا من �أن�صار علي عبد اهلل �صالح ...ولكن �ساندوا �إخوانكم املجاهدين«. ومن الوا�ضح �أن ت�صريحات الزعيمني تالعبت بالأفكار املتعلقة بال�شرف القبلي واحلكم الذاتي والكره الطويل لل�سلطات املركزية. وقد �أظهر اخلطابان �أن القاعدة قد ت�ستغل ثقة القبائل املزعزعة يف الدولة� .إ�ضافة �إىل هذا� ،أظهرت ت�صرفات تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية �أن هناك �إدراك ًا وا�ضح ًا للظروف الداخلية، فتبنت على ما يبدو عدد ًا من املفاهيم �إزاء القبائل اليمنية ،منها:
يف املناطق القبلية يف باك�ستان ،و�سي�ساعد تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية على بناء قاعدة قوية له يف املنطقة ،وبالتايل �سي�شكل تهديد ًا �أ�شد خطر ًا مما هو عليه يف الوقت احلايل.
الرتكيز على املظامل املحلية ولي�س العاملية :حاولتقاعدة �شبه اجلزيرة العربية بكل و�ضوح يف �أح��د املقاالت التي طبعتها يف جملتها االلكرتونية “�صدى املالحم” ،ال�صادرة يف �آب�/أغ�سط�س � ،2009أن جتعل م�س�ألة ا�ستخراج النفط �ش�أن ًا قبلي ًا داخلي ًا ،حيث تقول املقالة �إنه يتم ا�ستغالل النفط امل�ستخرج من �شبوة وح�ضرموت وم�أرب من قبل الدولة اليمنية والدول الغربية بينما ال ي�ستفيد عامة ال�شعب من ذلك النفط .وهنا نقوم باقتبا�س عدم تعري�ض قبائل اليمن للخطر :على الرغم من املعارك جزء مما ن�صت عليه املقالة« :يدفع (�سكان هذه املناطق) ثمن ًاال�ضارية التي ن�شبت بني عنا�صر قاعدة �شبه اجلزيرة وقوات الدولة لظلمهم (يف ظل اختال�س الدولة للرثوة النفطية)» .والقول مبثل يف حمافظة م���أرب (املنطقة القبلية التي ُيقال �أنها خمب�أ لقادة هذا ميثل مقاربة مناطقية مل�س�ألة النفط �أكرث مما هو عليه احلال يف رواي���ة ال��ق��اع��دة .ف��ب��د ًال م��ن القول التنظيم)� ،إال �أن ه��ذه املحافظة مل ب���أن ال��غ��رب يدعم الأنظمة اجل�شعة تُتخذ كم�سرح للهجمات الكربى التي وغري ال�شرعية لي�ضمن احل�صول على تنفذها عنا�صر قاعدة �شبه اجلزيرة تنظيم القاعدة ال يرغب يف خلق النفط ،مت و�صف امل�س�ألة باحلديث �ضد الأجانب �أو البنية التحتية النفطية عداء مع القبائل التي هي مبثابة عن جمتمعات حملية ال تتقا�ضى �شيئ ًا منذ عام ،2007و�أن دل هذا على �شي مالذ لعنا�صره ،لهذا فهو ال يعر�ضها مقابل �أخ��ذ ما هو ملك �شرعي لها. فهو يدل على �أن التنظيم ال يرغب يف خلق عداء مع القبائل التي هي مبثابة ب�صورة مبا�شرة للمخاطر التي قد �أي �أن امل�س�ألة هي م�س�ألة م�صادر رزق وعدالة �أك�ثر مما هي �سيا�سة دولية. مالذ لعنا�صره ،لهذا فهو ال يعر�ضها تنتج عن ردة فعل وانتقام الدولة وعليه يبدو �أن قاعدة �شبه اجلزيرة ب�صورة مبا�شرة للمخاطر التي قد حتاول الرتويج لنف�سها كحركة مقاومة تنتج عن ردة فعل وانتقام الدولة .كما �أن التنظيم يحقق انت�صار ًا ملمو�س ًا من خالل عمليات االغتيال التي تنا�ضل من �أجل ق�ضايا تهم القبائل ،كا�ستقاللها (�أي القبائل) ينفذها �ضد امل�سئولني اليمنيني وال�سعوديني دون تعري�ض املجتمعات االقت�صادي وال�سيا�سي. القبلية ،التي يطمع التنظيم توطيد العالقات معها ،للخطر� .إذ �أن منا�شدة ال�شرف القبلي :يف �أيلول�/سبتمرب � 2009أ�صدرمن الأ�سباب التي �أدت �إىل تهمي�ش القاعدة يف العراق عامي � 2007شريط فيديو حول «معركة م�أرب» -عملية ع�سكرية ُنفذت م�ؤخر ًا و 2008هو ما قامت به من ت�صرفات جعلت القبائل ب�شكل مبا�شر �ضد تنظيم قاعدة �شبه اجلزيرة -وقد ذهب �إىل حد بعيد يف منا�شدة يف خ�ضم حمالتها الإرهابية .لهذا ،ف�إن قيام قاعدة �شبه اجلزيرة القبائل اليمنية ،وفيه يوجه قا�سم الرميي� ،أحد نواب قادة قاعدة العربية برتكيز هجماتها على �أهداف �سعودية واالختباء يف اليمن �شبه اجلزيرة ،نقد ًا الذع ًا مل�شايخ القبائل ممن ينا�صرون الرئي�س قد يحقق غاياتها التي ترمي �إليها دون �إثارة القبائل �ضدها. علي عبد اهلل �صالح ،ويقول �إن �أولئك امل�شائخ ال ميثلون القبائل �إقامة عالقات طويلة امل��دى :كلما متكنت قاعدة �شبه اليمنية فقد فقدوا �شهامتهم وخانوا �سلفهم .وهذا الت�صريح ،مثلهاجلزيرة من البقاء يف اليمن دون تعري�ض القبائل اليمنية لأعمال مثل ت�صريحات الظواهري والوحي�شي ،يعزف على وتر ال�شرف العنف ،ا�ستطاعت تر�سيخ ُعرى العالقة مع تلك القبائل من خالل القبلي وكيف ينبغي لل�شيخ �أن يت�صرف .ويف الثقافة اليمنية يكون الزواج وتبادل اخلربات .وهذا هو �سر جناح القاعدة يف االختباء ملثل هذه االتهامات �صدى قوي ًا ،ال�سيما و�أن �أفراد القبائل يتذمرون 114
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
من قيام الدولة ب�إ�ضعاف فعالية الأعراف والتقاليد القبلية لديهم .للتنظيم ويجعل القبائل يف املرتبة الأدنى ،ويف نهاية املطاف �ستن�ش�أ ويبدو �أن قاعدة �شبه اجلزيرة العربية ت�سعى ب���إدراك �إىل تلميع املواجهة بني التنظيم والقبائل .لكن ميكن للقاعدة تقليل خماطر نف�سها كبديل لنظام الو�صاية يف الدولة ،الذي ُيتهم عادة بتوزيع املواجهة مع القبائل �إذا ما �ص ّبت جهودها لتنفيذ عمليات الإرهاب يف ال�سعودية �أو لتنفيذ عمليات اغتيال ت�ستهدف امل�سئولني اليمنيني، الرثوة للم�شايخ على ح�ساب �أفراد القبائل (العاديني). �إن ما �أثبتته لنا جتارب ال�صومال والعراق هو �أن الأطماع الدولية م��ع حم��اول��ة ت��زوي��د القبائل باخلدمات التي ال ت�ستطيع الدولة والفكر الأيديولوجي اخلا�ص بجماعات القاعدة متيل كثري ًا �إىل تقدميها .فبد ًال من �أن تتناف�س مع القبائل اليمنية على �إيجاد �إقليم الت�صادم مع الأعراف والتقاليد القبلية ،والرغبة يف نيل اال�ستقالل تقيم فيه كيان ًا جهادي ًا� ،ستتمكن من ك�سب الت�أييد من خالل تقدمي الذاتي ال�سيا�سي .ولكن على عك�س ما هو عليه احلال يف ال�صومال نف�سها كحل بديل لنظام احلكم ولي�س كمجرد جماعة �إ�سالمية وال��ع��راق ،جند �أن الأف��ك��ار الأيديولوجية اجلهادية التي يحملها تتقاتل مع الدولة. املقاتلون يف اليمن قد تغذت كثري ًا لعدد من العقود ،فعدد العائدين و�أي�ض ًا حتى لو جنحت قاعدة �شبه اجل��زي��رة يف الو�صول �إىل اليمنيني من احلرب الأوىل يف �أفغان�ستان ي�صل �إىل الآالف ،وقد مراميها هذه ،ف�إن طبيعة املجتمع اليمني الذي ي�صعب ال�سيطرة بالغت احلكومة يف حماولتها �إعادة دجمهم �إىل املجتمع واحلياة عليه �ست�شكل �إ�شكاليات كثرية لأي تنظيم ذي طابع �أيديولوجي ال�سيا�سية ،ويف ا�ستخدامهم كمقاتلني �ضد اجلنوب �أثناء احلرب مت�شدد كالأيديولوجية التي عك�سها �إعالن الوحي�شي يف �أيار/مايو الأهلية ع��ام .1994ويف الوقت الذي 2009عندما �أعلن منا�صرته “ل�شعب حتافظ الدولة على عالقاتها مع اجليل اليمن اجلنوبي” ال���ذي ينا�ضل من الأول من عنا�صر القاعدة ،جند �أن حتى لو جنحت قاعدة �شبه اجلزيرة �أجل االنف�صال عن نظام الرئي�س علي اجل��ي��ل ال��ث��اين ال���ذي ت��رع��رع يف زمن يف الو�صول �إىل مراميها ،ف�إن طبيعة عبد اهلل �صالح ،فقد �صاغ الوحي�شي النفط يرى �أن الفكر اجلهادي القتايل ت�صريحه يف �إط����ار ج��ه��ادي �صريح ال�سيطرة ي�صعب الذي اليمني املجتمع عبارة عن جزء من املقاومة املطردة عندما �أك���د �أن ال�شريعة الإ�سالمية �ضد �سلطة الدولة. عليه �ست�شكل �إ�شكاليات كثرية لأي هي ال�سبيل الوحيد للخال�ص من ظلم وجور نظام الرئي�س �صالح .وتردد ذلك على الرغم تنظيم ذي طابع �أيديولوجي مت�شدد �شركاء ولكن؟ ً �أي�ضا يف حديث غالب عبد اهلل الزيدي، من كل ما �سبق قوله ،ف���إن الأم��ر لن �أحد امل�شتبهني باالنتماء �إىل اجلماعة يكن يف غاية ال�سهولة بالن�سبة لقاعدة �شبه اجلزيرة العربية يف حماولتها خو�ض غمار بحر ال�سيا�سة املت�شددة ،الذي �أ�شار �إىل �أن تبني ال�شريعة الإ�سالمية هو ال�شرط القبلية يف اليمن .فالهو�س املتنامي يف الغرب �إزاء احل�ضور الفعلي ال�ضروري توافره لتقدمي م�ساعدة املجاهدين يف اجلنوب� ،إذ قال: للقاعدة على االنرتنت وو�سائل الإع�لام ،وكذلك ظهورها كرواية «�إذا ظلوا يعتنقون الأفكار اال�شرتاكية وال�شيوعية فلن نن�ضم �إليهم». للتعبري عن ال�سخط بعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب، يحجبان �أحيان ًا ال�صورة احلقيقية التي تفيد ب�أن ك ًال من القاعدة الأم وفروعها ما زالت ت�شكل تنظيمات حقيقية تتطلب وجود �إقليم �آمن لر�سم املخططات ،والتدريب ،والتنفيذ .وهذه احلاجة هي ما قد ت�سبب التناف�س بني هذه التنظيمات والقبائل اليمنية كما حدث يف العراق. وحتى يف حال ح��اول تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية الوقوف مع القبائل �ضد الدولة ،ف�إن �أحد �أهدافه العامة -املتمثل يف �إي��ج��اد م�ساحات يحكمها اجلهاد -يعترب حم�صور الفائدة
وه��ذا الت�صريح يدل على وج��ود مناف�سني �أيديولوجيني لتنظيم قاعدة �شبه اجلزيرة العربية يف اجلنوب ،ويف حال حاول التنظيم �إيجاد ق�ضية م�شرتكة مع اجلنوبيني ف�إنه قد يواجه �صعوبة يف احلفاظ على موقفه الأيديولوجي املت�شدد .وتكمن امل�شكلة بالن�سبة جلماعات القاعدة يف �أن موقفها هذا يحدد ب�شكل كبري طبيعة عملها التنظيمي. ومع �أن خاليا القاعدة ،كقاعدة �شبه اجلزيرة� ،أخذت تكت�سب مهارة وخربة يف كيفية االنخراط يف ال�صراعات ال�سيا�سية الداخلية� ،إال �أنها تقوم بذلك حتت تهديد ح��دوث توتر بني الطموحات املحلية والأهداف العامة التي تتبناها �أيديولوجيتها الإ�سالمية الدولية. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
115
املحــور
مبا �أن اليمن يحظى باهتمام خا�صة ال�سعودية التي تكمن م�صلحتها يف ا�ستئ�صال جذور قاعدة ما هو رد الغرب؟ اجلهود الغربية ملكافحة الإره��اب ،ف�إن على احلكومات اتخاذ �شبه اجلزيرة من اليمن� ،أن تلعب دور ًا قيادي ًا يف الوقوف مع احليطة واحل��ذر يف م�ساعيها ملكافحة الإره���اب .وعلى الدول اليمن ،وذلك من خالل تف ّهم الو�ضع الراهن يف البلد والتدخل الغربية اغتنام الفر�صة ال�سانحة �أمامها لتقدمي م�سوغات ملمو�سة طويل املدى حلل الأزمة .ولكن هذا �أي�ض ًا ال يخلو من الإ�شكاليات، للقبائل اليمنية التي يجب �إقناعها برف�ض مقرتحات قاعدة �شبه وذلك لأنه كلما تدخلت �أي دولة �أجنبية يف �ش�ؤون اليمن الداخلية اجلزيرة� ،إذ من الطبيعي �أن تتوىل الدولة اليمنية مثل ذلك لكن كلما �سعت �إىل تبني �أجندة ت�صب يف م�صلحتها اخلا�صة بد ًال من قدرتها يف الوقت الراهن تبقى حتت جمهر ال�شك والريبة ،فهي تلبية حاجيات اليمن. وباخت�صار لي�س هناك حل �سريع وثابت ملناه�ضة االقتتال تواجه مترد ًا يف ال�شمال وحراك ًا انف�صالي ًا يف اجلنوب .وكباقي اليمنيني ال جتد القبائل دافع ًا كافي ًا حلماية دولة ال�سلب والنهب املتنامي يف اليمن ،فامل�أزق الذي تقع فيه الدولة اليوم هو نتيجة التي يبدو �أنها �آيلة �إىل ال�سقوط .وم��ع ذل��ك ،ميكن القول �أن لفرتة طويلة من الإهمال لعملية التنمية من قبل القادة ،وال ميكن القاعدة قد تتمكن من امل�ساعدة يف �إ�ضعاف الدولة يف اليمن ،لأي طرف خارجي �س ّد الفراغ ومعاجلته على امل��دى الق�صري. لكنها حتم ًا لن تتمكن من تقدمي الرعاية التي تقدمها الدولة .ولكن احلل الفعال على املدى البعيد يكمن يف عمل الدول الغربية وهذا ما يتيح الفر�صة للتدخل احل�سا�س واحلذر من قبل طرف �إىل جانب اليمن والدول املجاورة من خالل ا�ستهداف عنا�صر تنظيم ال��ق��اع��دة يف �شبه اجلزيرة ثالث. ً العربية وبنيته التحتية �أوال ،ومن ثم وبهذا اخل�صو�ص ينبغي �أن نتعلم درو����س��� ًا م��ن ال��ط��ري��ق��ة ال��ت��ي مت بها القاعدة ق��د تتمكن م��ن امل�ساعدة يف �إقامة م�ؤ�س�سات �سيا�سية �أكرث �شمو ًال. وال �شك يف �أن التغلب على التنظيم �إ�ضعاف القاعدة يف العراق وال�سعودية �إ�ضعاف الدولة يف اليمن ،لكنها حتم ًا لن يف ال��ي��م��ن م��ه��م��ة �صعبة ل��ك��ن عدم و�ضربها يف باك�ستان .و�أهم عن�صرين تقدمها التي الرعاية تقدمي من تتمكن معاجلة الو�ضع له تبعات على امل�ستوى يف �أي �إ�سرتاتيجية ناجحة هما� :أو ًال، ا�ستهداف العنا�صر القيادية يف قاعدة الدولة .وهذا ما يتيح الفر�صة للتدخل ال���دويل يف امل�ستقبل ،فكلما ُ�سمِ ح لتنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة �شبه اجل��زي��رة ال��ع��رب��ي��ة ،ومعاجلة احل�سا�س واحلذر من قبل طرف ثالث بالعمل على الأرا���ض��ي اليمنية كلما مظامل ال�شعب اليمني عامة والقبائل ا�ستطاع تو�صيل ر�سالته �إىل ال�شباب خا�صة ،فهي امل�صدر الرئي�سي الذي ُي�س ِعف القاعدة ويبقيها على قيد احلياة .وما يتعلق با�ستهداف ال�ساخط على امل�ستوى الإقليمي ،ويف ح��ال ت�ضاءلت القاعدة ر�شدة للحركة العنا�صر القيادية يف تنظيم �شبه اجلزيرة� ،سيكون من املهم الأم يف باك�ستان �سيكون اليمن مبثابة ال�شعلة املُ ِ للدول الغربية العمل على ذلك من خالل قوات الأمن اليمنية ،لأن الإرهابية ودليل مرونتها .و�سيكون اليمن �أي�ض ًا قاعدة تدريب، �أي تدخل وا�ضح للغرب �س ُيثري �سخط القبائل ،التي من املحتمل بل وجتنيد �أقوى لتنظيم �ضاق عليه اخلناق يف مالذه الآمن على �أن تعزز من دعمها للتنظيم .ومواجهة ال�صعاب التي قد تنجم الأرا�ضي الباك�ستانية .كما �أن توطيد �أقدامه يف �شبه اجلزيرة عن حماولة القاعدة ا�ستبدال زعماء ذوي خربة وكفاءة يجب �أن العربية يعني الكثري للتنظيم يف موا�صلة القتال على تربة �أرا�ضي ت�شكل حجر زاوية يف �أي �إ�سرتاتيجية تهدف �إىل �إحداث ثلم يف نبع الإ�سالم .و�إمكانية قاعدة �شبه اجلزيرة على �إقامة عالقات مع حركة ال�شباب يف ال�صومال وم ّد فروعها بعد تر�سيخ جذورها فعالية تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية. ثاني ًا ،معاجلة الأ�سباب الأعمق التي تقف وراء ال�سخط يف يف اليمن� ،سيم ّد يف حياة التهديد الدويل الذي ي�شكله املقاتلون �أو�ساط املجتمع اليمني ،وهذه م�س�ألة �أكرث تعقيد ًا وتتطلب تبني اجلهاديون .والعامل الأ�سا�سي مل�ستقبل تنظيم القاعدة يف �شبه ر�ؤية �أو�سع للم�شاكل التي يواجهها اليمن .فمجرد �إدراك �إمكانية اجلزيرة يف اليمن مرهون بالقبائل اليمنية ،ف�إن تعاونت تع ّر�ض البلد على ا�ست�ضافة التنظيمات املقاتلة ال يعترب �سوى عالمة من التنظيم للخطر ،و�إن كان الأمر غري ذلك ف�سيواجه الغرب تهديد ًا العالمات الدالة على ه�شا�شة اليمن .وينبغي للدول الإقليمية ،طويل املدى على �أيدي عنا�صر القاعدة. 116
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ي�صدر قريب َا
اخل�صائ�ص الدميغرافية لل�سكان فـي اجلمهورية اليمنية
�أمني حممد حمي الدين
�أحمد نعمان الربكاين
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
117
املحــور
حلف الإرهاب العالقات املتنامية بني تنظيم «القاعدة» يف اليمن وحركة «�شباب املجاهدين»ال�صومالية ،وتداعياتها �إقليمي ًا وعاملي ًا خالد �أحمد الرماح
يف ر�سالة وجهها �إىل خاليا التنظيم يف اليمن يحثهم فيها على منا�صرة جماعة �شباب املجاهدين يف حربهم �ضد احلكومة ال�صومالية يف �شباط/فرباير ،2009قال �أمري تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب نا�صر الوحي�شي �أن م����ا يف�ص����ل اليم����ن عن منطقة القرن الأفريق����ي لي�س �أكرث من “نطفة م����اء” .ويف ال�ضفة الأخرى من خليج عدن� ،أعلنت حركة ال�شباب املجاهدين ال�صومالية منت�صف كانون الثاين/يناير � ،2010أنها �سرت�سل «مقاتلني» �إىل اليم����ن مل�ساع����دة عنا�صر «القاعدة» عل����ى ال�ضوء ال�ضربات الأخرية التي تعر�ض له����ا التنظيم �أواخر العام املا�ض����ي ومطل����ع العام احلايل .وقال ال�شيخ خمتار روب����و املعروف بـ «�أبو من�صور» القي����ادي يف «حركة ال�شباب املجاهدي����ن» �أن مقاتلي جماعته م�ستعدون لقطع م�سافة املياه الق�صرية عرب خليج عدن لتقدمي العون للقاعدة يف اليمن .و�أ�ضاف «:قلنا لإخوتنا امل�سلمني يف اليمن �إننا �سنعرب البحر ...ون�صل �إليهم مل�ساعدتهم على حماربة �أعداء اهلل». �إن خطورة الأو�ضاع يف هذه املنطقة (اليمن وال�صومال) ت�أتي من جانبني :اجلانب الأول ،االجتاه نحو مزيد من تركيز الإرهاب يف هاتني الدولتني .واجلانب الثاين ،تنامي عالقات التعاون والتن�سيق بني خاليا القاعدة
118
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
خالد الرماح باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
يف اليمن وال�صومال ،والذي يعد بدوره الأخطر بالن�سبة لكل من اليمن واململكة العربية ال�سعودية ،واجلهود الدولية يف مكافحة الإرهاب. فمن املتوقع �أن ي�ؤدي ت�شديد القب�ضة على القاعدة يف باك�ستان و�أفغان�ستان ،و�سابق ًا يف ال�سعودية وال��ع��راق� ،إىل جعل اليمن وال�صومال ال�ساحة الأكرث زخم ًا بعنا�صر القاعدة .وت�شري التقديرات الأمريكية �إىل �أن الع�شرات من عنا�صر القاعدة ب�صدد االنتقال من باك�ستان �إىل اليمن وال�صومال ،حيث يقول اجلرنال جيم�س جونز �أن القاعدة «ت�شعر بعدم االرتياح �أكرث ف�أكرث يف باك�ستان ،وهناك م�ؤ�شرات� ،أن ق�سم منهم على الأق��ل ،ب�صدد االجت��اه �إىل اليمن وال�صومال» .كما حذر مدير املركز الوطني ملكافحة الإرهاب «مايكل ليرت» ،يف 30ت�شرين الثاين/نوفمرب� ،2009أثناء جل�سة ا�ستماع يف الكوجنر�س الأمريكي من �أن اليمن وال�صومال قد ي�صبح بالن�سبة لتنظيم القاعدة ،لي�س فقط م�سرح ًا للعمليات الإرهابية ،بل وقاعدة التدريب وت�صدير العمليات الإرهابية �إىل بقية �أجزاء العامل. واحل���ال �أن ال�����ص��وم��ال وال��ي��م��ن ت�شرتكان يف ت���ردي الأو���ض��اع االقت�صادية ،وتف�شي الفقر والبطالة بني ال�سكان بن�سب متفاوتة، ما يجعلهما البيئة الأكرث مالئمة لنمو الإره��اب .ويبدو من جانب �آخر �أن خاليا القاعدة يف اليمن وال�صومال حتاول اال�ستفادة من �ضعف �سلطة احلكومة املركزية وتراجعها للتمدد واالنت�شار .وهو ما ظهر جلي ًا يف حالة اليمن ،عندما ا�ستفادت القاعدة من �ضعف
�سلطة احلكومة املركزية يف بع�ض املحافظات اجلنوبية وال�شرقية، وحتديد ًا يف حمافظتي �أب�ين و�شبوة ملحاولة التمدد وم��لء الفراغ الناجت عن تراجع قب�ضة احلكومة يف هذه املناطق ،وقد ظهر ذلك بو�ضوح يف املهرجانات اجلماهريية التي تزعمتها القاعدة يف هذه املناطق ،لتكون اليمن الدولة الثالثة على م�ستوى العامل �إىل جانب ال�صومال و�أفغان�ستان التي ي�سفر تنظيم القاعدة فيها عن نف�سه عالنية يف مهرجانات جماهريية .ومن املرجح بدرجة كبرية �أن ي�ؤدي تراجع �سلطة احلكومة املركزية ونفوذها يف املحافظات اجلنوبية� ،إىل تقوية خاليا القاعدة يف تلك املناطق ،لتكون املر�شح الأكرب مللء الفراغ فيها ،بالنظر �إىل كونها الأكرث تنظيم ًا مقارن ًة بالقوى الأخ���رى ،ف� ً ضال عن حتالفها مع �شيوخ القبائل والقوى التقليدية املتمردة والطاحمة. وتتنامى املخاوف الغربية من تزايد ن�شاط القاعدة يف اليمن، خ�صو�ص ًا بعد اندماج فرعي تنظيم القاعدة يف ال�سعودية واليمن حتت م�سمى «تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب» مطلع العام ،2009 ويرى م�سئولون يف مكافحة الإرهاب «�أن جناح القاعدة يف جزيرة العرب يتطور منذ عدة �أ�شهر»« ،ورمبا يكون اجلناح الأكرث ن�شاط ًا للقاعدة خارج �أفغان�ستان وباك�ستان» .ي�أتي ذلك بعد اال�شتباه يف تورط فرع تنظيم القاعدة يف اليمن يف اثنتني من �أخطر العمليات الإرهابية التي برزت على ال�ساحة خالل ال�سنوات الأخرية .الأوىل، عملية �إطالق النار يف قاعدة «فورت هود» الع�سكرية الأمريكية يف
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
119
املحــور
ت�شرين الثاين/نوفمرب ،2009و�أودت بحياة 13ع�سكري ًا �أمريكي ًا، وت�شري العديد من الدالئل �إىل �أن تنامي عالقات التن�سيق والتعاون وقام بتنفيذها امليجور ن�ضال ح�سن ،وي�شتبه يف قيام ع�ضو القاعدة بني «حركة ال�شباب» وخاليا القاعدة يف جزيرة العرب ،مل يعد يف اليمني حامل اجلن�سية الأمريكية �أن��ور العولقي بتجنيده ل�صالح مرحلة ال�سيناريو املحتمل ،بل هو �أ�شبه ب�أمر واقع ،فح�سب بع�ض القاعدة� ،أو يف �أقل الأحوال الت�أثري فيه فكري ًا� .أما العملية الثانية التقديرات ف���إن �أك�ثر من 90عن�صر ًا ميني ًا من �أع�ضاء القاعدة فهي الهجوم الفا�شل للنيجريي عمر ف��اروق عبد املطلب ،والذي يقاتلون �إىل ج��ان��ب «ح��رك��ة �شباب امل��ج��اه��دي��ن» �ضد احلكومة حاول فيه تفجري طائرة ركاب �أمريكية خالل رحلتها من �أم�سرتدام ال�صومالية ،وي�شكلون ن�سبة %30من املواقع القيادية للحركة. �إىل ديرتويت ،يف ليلة ر�أ�س ال�سنة ،2009واعرتف ب�أنه تلقى التدريب وعالقة اليمنيني بخاليا القاعدة يف ال�صومال قدمية تعود �إىل يف اليمن ،و�أن نا�شط ًا كبري ًا يف تنظيم القاعدة يف اليمن هو من بداية الت�سعينيات من القرن املا�ضي ،وبالتحديد �إىل عام 1992 ز ّوده باملواد املتفجرة امل�ستخدمة يف العملية. عندما و�صل بع�ض اجلهاديني اليمنيني �إىل �شرق ال�صومال بهدف ال�صورة على ال�ضفة الأخرى خلليج عدن لي�ست �أقل بريق ًا ،فقد التدريب يف مع�سكرات حركة االحتاد الإ�سالمي ،ويف مرحلة الحقة �أعلنت «حركة �شباب املجاهدين» يف �شباط/فرباير ،2010والئها توا�صل دعم القاعدة لالحتاد الإ�سالمي يف منطقة ج��دو ،وكان ر�سمي ًا لتنظيم القاعدة الأم و�أفكاره ال�شيح ح�سن طاهر �أوي�س زعيم حركة يف اجلهاد العاملي ،وهو تهديد �إقليمي االحت���اد �سابق ًا واحل���زب الإ�سالمي ً ودويل ال ي�ستهان به� ،أ�شبه بال�سماح حاليا م��ن ال�شخ�صيات امل�ست�ضيفة ح�سب بع�ض التقديرات ف�إن �أكرث من 90 ب��وج��ود ط��ال��ب��ان �أخ����رى ت�����ش��رف على عن�صر ًا ميني ًا من �أع�ضاء القاعدة يقاتلون ل��ل��ق��اع��دة ،وق���د ت��وث��ق��ت ال��ع�لاق��ة بني املمرات املائية الأكرث حيوية يف العامل، الطرفني وو�صلت يف بع�ض الأحيان �إىل �ضد املجاهدين» �شباب «حركة جانب إىل � وت��ه��دد م��ن��اب��ع ال��ن��ف��ط يف ال�سعودية حد امل�صاهرة� ،إذ ز ّوج �أوي�س كرميته احلكومة ال�صومالية ،وي�شكلون ن�سبة واخل��ل��ي��ج (يف ح���ال ت��ط��ور عالقات لع�ضو ميني من القاعدة ك��ان يتوىل التن�سيق والتعاون مع خاليا القاعدة يف مهمة التدريب يف املع�سكرات .ويبدو %30من املواقع القيادية للحركة اليمن) .ويعود ذلك �أي�ض ًا لكونها قوة �أن تنظيم القاعدة يف اليمن قد �ص َّدر ناه�ضة ،يف مرحلة منو وتو�سع ،ميكن �إىل ال�صومال العديد م��ن املقاتلني و�صفها القوه الأوىل يف ال�صومال حالي ًا ،حيث ت�سيطر على معظم واملدربني ،منهم �أبو عا�صم التبوكي ،وهو من �أبناء منطقة بيحان اجلنوب ال�صومايل ( 8حمافظات من 18حمافظة �صومالية) ،مبحافظة �شبوة جنوب اليمن ،وال��ذي كان يف قائمة الـ 23الذين و�أج��زاء كبرية من العا�صمة ال�صومالية مقدي�شو ،بينما ينح�صر ف ُّروا من �سجن الأمن ال�سيا�سي مع قادة القاعدة يف �شباط /فرباير نفوذ احلكومة ال�صومالية وبعثة االحتاد الأفريقي يف �أجزاء �صغرية ،2006و ُق ِت َل يف غارة جوية على مع�سكر للقاعدة يف ال�صومال �أواخر من العا�صمة ،تت�ضمن املطار واملوانئ البحرية واملقر الرئا�سي .وهي العام .2007 بذلك ت�شكل تهديد ًا فعلي ًا للحكومة ال�صومالية ،وميكن �أن تنجح يف ويدل �إعالن «حركة ال�شباب املجاهدين» م�ؤخر ًا ا�ستعدادها لإر�سال �إ�سقاطها يف �أي وقت ،ومن ثم �إقامة �سلطة بديلة على �أنقا�ضها .مقاتلني مل�ساعدة عنا�صر «القاعدة» يف اليمن ،على �أن العالقات بني وح�سب الت�صريحات املعلنة حلركة �شباب املجاهدين ،ف�إنها يف اجلانبني قد تكون �أعمق مما تبدو ظاهري ًا .وعلى الرغم من �أن و�ضعها احلايل ت�شكل �أكرب داعم خلاليا القاعدة يف املنطقة .ومزيد هذا الإعالن قد يكون نوع ًا من الدعم املعنوي لي�س �أكرث� ،إال �أنه من �سيطرتها على الأو�ضاع يف ال�صومال ،يعني تكوين قاعدة خلفية من اخلط�أ �أي�ض ًا جتاهل قدرة هذه اجلماعة -التي ت�سيطر على قوية خلاليا القاعدة يف اجلزيرة العربية و�شرق وو�سط �أفريقيا� ،أجزاء وا�سعة من ال�صومال -على تقدمي دعم عملي لفرع القاعدة وخلق بيئة حا�ضنة متكن القاعدة من التدريب وجتنيد مزيد من يف اليمن ،خ�صو�ص ًا �أن اليمن ال يف�صله عن ال�صومال �سوى م�سافة العنا�صر الإرهابية. 120
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ي�سرية يقطعها ب�سهولة كل عام مئات املهاجرين ال�صوماليني عرب �إىل بقية �أجزاء العامل. قوارب �صغرية تنقلهم �إىل �سواحل اليمن .كما �أن اليمن ي�ست�ضيف و�أمام هذه التهديدات املتنامية ،ف�إنه يجب �إدراك �أو ًال� ،أن تردي مئات الآالف من الالجئني ال�صوماليني الفارين من احلرب .وال الأو�ضاع يف ال�صومال ومواجهة تهديد “حركة �شباب املجاهدين”، توجد �ضمانات متنع �إمكانية ا�ستخدامهم يف �أعمال �إرهابية� ،أو لي�ست م�شكلة احلكومة ال�صومالية وحدها ،بل هي م�شكلة جميع جتنيدهم ل�صالح القاعدة. دول املنطقة مبا فيها الفاعلني الدوليني الرئي�سيني ،لأن ما �ست�سفر ويف كل الأحوال ،ف�إن تنامي عالقات التن�سيق والتعاون بني فرعي عنه الأو�ضاع يف ال�صومال �ستنعك�س ب�شكل مبا�شر على اال�ستقرار التنظيم ي�شكل خطر ًا حيوي ًا لأم��ن اليمن ودول الإقليم الأخرى الإقليمي ،وعلى �أمن املمرات املائية القريبة. ويف مقدمتها العربية ال�سعودية ،كما �أن��ه ي�شكل حتدي ًا وا�ضح ًا ومما ال �شك فيه �أن �سيناريو �سقوط احلكومة ال�صومالية احلالية، للجهود الإقليمية والدولية يف مكافحة الإره��اب .وحتقيق جماعة و�سيطرة “حركة ال�شباب” على الأو�ضاع يف ال�صومال،يعد – �إن �شباب املجاهدين مزيد من املكا�سب على الأر���ض ،ي�شكل بدوره ح�صل � -أمر ًا كارثي ًا و�ستنعك�س تداعياته ال�سلبية مبا�شرة على �أمن تهديد ًا مبا�شر ًا لليمن ،لي�س فقط لأنه ميثل دعم ًا وم�ساند ًة لفرع الدول القريبة من ال�صومال ،ويف مقدمتها اليمن واململكة العربية القاعدة يف جزيرة العرب املتمركز يف ال�سعودية ،كما على اجلهود الدولية اليمن ،ولكن لأنه �أي�ض ًا �سيفاقم امل�شكلة ملكافحة الإره����اب .والأم���ر الثاين ال�صومالية و ُيع ِّقد م�ساعي �إع��ادة بناء من امل�ستبعد يف الوقت الراهن �أن تتطور الواجب �إدراكه� ،أن التدخل الع�سكري الدولة ،وامل�ؤكد �أن قيام دول��ة �صومالية العالقات بني فرعي القاعدة يف جزيرة اخلارجي لن يجدي يف ال�صومال �إذ يحكمها �شباب املجاهدين القريبة من من �ش�أنه �إك�ساب “حركة ال�شباب” العرب وال�صومال لت�صل �إىل مرحلة مزيد ًا من القوة وال�شرعية ال�سيا�سية القاعدة يعد �أمر ًا �صعب التحقق ناهيك االندماج كما حدث مع فرعي التنظيم عن اال�ستمرار ،ب�سبب افتقار كيان كهذا والدينية ،التي تفتقر �إليها حالي ًا يف يف اليمن وال�سعودية �إال �أن هذا للقبول الإقليمي وال��دويل .وهذا التعقيد مواجهة القوى ال�صومالية الأخرى. االحتمال يظل قائم ًا والإط��ال��ة للم�شكلة ال�صومالية ينعك�س وب��ال��ت��ايل ف����إن احل��ل يف ال�صومال �سلب ًا ب�صورة مبا�شرة على اليمن يف �شكل ي��ب��د�أ م��ن داخ��ل ال�صومال نف�سه، مزيد من الالجئني ،وا�ستمرار امل�شاكل الأمنية الأخرى كالقر�صنة ،عرب جهد �إقليمي ودويل من�سق ومكثف ومت�سارع ،لدعم القدرات وتهريب الأ�سلحة واملخدرات ،وانتقال الأمرا�ض والأوبئة ،واجلرمية الع�سكرية للحكومة ال�صومالية يف مواجهة املتمردين ،و�أي�ض ًا من املنظمة ،وغريها. خالل تقدمي م�ساعدات �إمنائية يف جميع املجاالت الأخرى ،لإعادة ومع �أنه من امل�ستبعد يف الوقت الراهن �أن تتطور العالقات بني �إعمار البنية التحتية واملرافق العامة املدمرة ،ودعم االقت�صاد فرعي القاعدة يف جزيرة العرب وال�صومال لت�صل �إىل مرحلة ال�صومايل �شبه املنهار. االن��دم��اج كما ح��دث مع فرعي التنظيم يف اليمن وال�سعودية يف ورمبا تكون احلكومة ال�صومالية القائمة برئا�سة �شيخ �شريف كانون الثاين/يناير � ،2009إال �أن هذا االحتمال يظل قائم ًا .وترى �أحمد ،هي الفر�صة التي قد ال تتكرر يف الأمد القريب ،لتحقيق حلم اخلبرية الفرن�سية يف �ش�ؤون الإرهاب �آن جوديت�شلي� ،أن ما �سيقع �إعادة بناء الدولة ال�صومالية ،بالنظر �إىل حجم التوافق الداخلي بني اليمنيني وال�صوماليني هو تنظيم ثنائي لفرعي القاعدة يف والقبول الإقليمي وال��دويل الذي حظيت – وال تزال حتظى -به، البلدين ي�شكل امتداد تنظيمي واحد ،يف �شكل قاعدة �إقليمية يف وباعتبارها ـ بف�ضل ذلك ـ ال�سلطة الوحيدة التي ا�ستطاعت اال�ستمرار القرن الأفريقي واليمن واجل��زي��رة العربية ،لت�صبح لي�س فقط حتى الآن ،رغم التحديات التي تواجهها ،بعد ما يقارب 14حماولة م�سرح ًا للعمليات الإرهابية ،بل وقاعدة الت�صدير الأوىل للإرهاب فا�شلة لإعادة بناء �سلطة �سيا�سية متما�سكة يف ال�صومال. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
121
املحــور
التعامل مع «القاعدة» ا�سرتاتيجية اليمن وخياراتها املمكنة يف مواجهة ّ التحدي الإرهابي عاي�ش علي عوا�س
�شه����د ملف الإرهاب يف اليمن خ��ل�ال ال�سنوات الثالث الأخرية تطورات الفتة عل����ى �أكرث من م�ستوى ،ففي مطلع العام املا�ضي �أعلن ذراعا تنظيم القاعدة يف اليمن وال�سعودية اندماجهما يف كيان واحد حتت م�سمى “تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب” بزعامة نا�صر الوحي�شي ،بهدف حتقيق التكامل بني القدرات الب�شرية واملادية ورفع الروح املعنوية لأع�ضاء التنظيم ،وتطوير قدراته العمالنية .وقد �أظهرت الوقائع تالي ًا �أن ذل����ك احل����دث له ما بعده� ،إذ ط���� ّور التنظيم خططه وتكتيكاته ،وقام بتنفيذ ع����دد ًا من العمليات النوعية يف اليم����ن وال�سعودية ،كما �أظهرت الأح����داث �أن طموحاته �أ�صبحت عاملية وخا�صة بعد تبنيه حماولة تفجري طائ����رة ال����ركاب الأمريكية يوم 25كانون الأول/دي�سمرب .2009وبخ��ل�اف املرحلة ال�سابقة ،مل تعد هجمات القاع����دة يف الوقت الراهن تفرق ب��ي�ن ال�سكان املحليني والأجانب ،و�صار االثنان مع���� ًا �أهداف ًا م�ستباحة �إىل درجة �أن عدد ال�ضحايا من اليمنيني جراء عمليات التنظيم فاق عدد الأجانب بكثري .والأدهى من ذلك �أن تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب ،وعلى عك�س منظومته الفكرية التي تدعو اىل وحدة املجتمعات اال�سالمية، ب����د�أ ينخ����رط يف ال�صراعات املحلية ب�شكل غري م�ألوف عرب �إثارة القبائل �ض����د الدولة و�إعالن ت�أييده للقوى املطالب����ة بانف�ص����ال جنوب اليمن عن �شماله ،كما �أن الأرا�ضي اليمنية يف �سياق هذه التطورات مل تعد بنظر القاع����دة جمرد مركز للتجنيد بل وقاع����دة للتدريب والتخطيط ورمبا للتحهيز �أي�ض ًا؛ وهي خطوة قد يرتتب عليها حتول اليمن �إىل �ساحة جديدة للحرب �ضد الإرهاب بعد �أفغان�ستان وباك�ستان. م�ضاف ًا �إىل ذلك ،فقد تبني من خالل العمليات اال�ستباقية التي نفذتها القوات اليمنية �ضد �أهداف تابعة للتنظيم يف �أبني و�شبوة وجنوب حمافظة �صعدة نهاية العام املن�صرم وبداية العام اجلاري� ،أن هيكلية التنظيم وتركيبت����ه ال تقت�صر على اجلن�سيتني اليمنية وال�سعودية ب����ل وعنا�صر من جن�سيات �أخرى منهم باك�ستانيني يقوم����ون بتدريب �أف����راد القاعدة يف اليمن على ت�صني����ع املتفجرات والقنابل اليدوي����ة ،وكيفية ا�ستخدامها، وتنفي����ذ عمليات االغتيال با�ستخ����دام املواد والغازات ال�سامة ،الأمر الذي يوح����ي ب�إمكانية حت ّول اليمن �إىل «مالذ بديل» لقيادات وعنا�صر القاعدة بعد ت�ضييق اخلناق عليهم يف منطقة القبائل يف باك�ستان. 122
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
عاي�ش عوا�س باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
كذلك �أبانت جمريات الأح���داث يف الأ�شهر الأخ�يرة �أن تنظيم و�سع �شبكة حتالفاته �إىل خ��ارج �شبه القاعدة يف جزيرة العرب ّ اجلزيرة العربية وبالتحديد �إىل منطقة القرن الأفريقي ،حيث �أعلنت حركة ال�شباب املجاهدين ال�صومالية �صراحة نهاية العام الفائت دعمها ووقفها �إىل جانب التنظيم يف وجه من �أ�سمتهم “�أعداء اهلل”. بل وع�ّب�رّ ت احلركة عن نيتها �إر�سال مقاتلني �إىل اليمن ملنا�صرته والوقوف اىل جانبه ،وعالقة احلركة ال�صومالية بالقاعدة كما هو معلوم مل تعد جمرد �شكوك و�إمنا حقيقة م�ؤكدة ،وال�سيما بعد �إعالن قادتها مبايعتهم لأ�سامه بن الدن يف 27كانون الثاين/يناير املا�ضي، الأمر الذي ي�ضاعف وال �شك من حجم املخاطر التي يواجهها اليمن بحكم قربه اجلغرايف من القرن الأفريقي ،ووجود مئات الآالف من الالجئني ال�صوماليني على �أرا�ضيه. و�إىل جانب ما �سبق ،ورمب��ا نتيجة ل��ه� ،أ�صبحت ال��دول اخلم�س الدائمة الع�ضوية يف جمل�س الأمن والواليات املتحدة منها على وجه اخل�صو�ص ،تنظر �إىل ن�شاط تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب باعتباره تهديد ًا مل�صاحلها و�أمنها الداخلى ،وقد ال ترتدد يف �ضوء هذا التحول من التدخل املبا�شر الحتواء خطر التنظيم يف اليمن عم ًال مببد�أ ال�ضربات اال�ستباقية الذي جاء به الرئي�س الأمريكي ال�سابق جورج دبليو بو�ش .واذا كانت خمرجات امل�ؤمتر الدويل الذي ا�ست�ضافتة بريطانيا لبحث كيفية مكافحة الإرهاب يف اليمن �أواخر �شهر يناير املا�ضي يعك�س رغبة ال��دول الكربى يف ت��ويل احلكومة اليمنية م�س�ألة مواجهة القاعدة على �أرا�ضيها� ،إال �أن تردد الأخرية �أو عجزها عن احتواء امل�شكلة قد يدفع هذه الدول اىل العمل ب�شكل م�ستقل. وخال�صة ما ميكن قوله بهذا ال�ش�أن هو �أن ن�شاط القاعدة يف �ضوء هذه التطورات �أ�صبح ي�شكل ،من وجهة نظر �صانع القرار اليمني، واحد ًا من �أخطر التحديات بحيث ي�صعب جتاهله �أو التغا�ضي عنه. وال�س�ؤال املطروح هنا :ما هي اخليارات املتاحة �أمام احلكومة اليمنية للتعامل مع امل�شكلة واحتواء تداعياتها؟ وهل اال�سرتاتيجية التي تنتهجها ملكافحة االرهاب منذ عدد من ال�سنني ما زالت قادرة على الت�صدى لهذه التحديات� ،أو ان هناك حاجة ال�سرتاتيجية بديلة؟ قبل اخلو�ض يف حماولة الإجابة على اخليارات املمكنة الأ�سئلة املطروحة �سلف ًا ال بد من الإ�شارة بداية اىل �أن اال�سرتاتيجية اليمنية ملكافحة الإرهاب تقوم على �أربعة مرتكزات �أ�سا�سية� :أولها هو
احل�سم يف مواجهة عنا�صر القاعدة املتورطة يف اجلرائم الأرهابية، والثاين العمل على ت�صحيح الأفكار املغلوطة عن الإ�سالم يف �أذهان املغرر بهم واع��ادة دجمهم يف املجتمع (برنامج احل��وار الفكري)، والثالث حت�سني الظروف االقت�صادية وتو�سيع فر�ص العمل �أمام ال�شباب ،لأن الفقر يخلق البيئة املف ّرخة للإرهاب ،واملرتكز الرابع والأخري هو تعزيز التعاون والتن�سيق الأمني مع دول املنطقة واملجتمع ال��دويل ب�صفة عامة باعتبار �أن ظاهرة الإره���اب م�شكلة عابرة للحدود. وعليه لي�س �أم���ام احلكومة اليمنية م��ن الناحية النظرية �سوى خيارين اثنني للتعامل م��ع تنظيم القاعدة يف املرحلة القادمة؛ اخليار الأول� :أن حت ّيد احلكومة اال�سرتاتيجية ال�سابقة ،وتركز يف املقابل على احللول الأمنية والع�سكرية باعتبارها �أ�سرع الطرق الحتواء خطر القاعدة املتنامي، خ�صو�ص ًا يف �ضوء توقف برنامج احلوار الفكري و�صعوبة �إعادة دمج عنا�صر القاعدة يف املجتمع خالل الفرتة املا�ضية ،ووابل االنتقادات املتكرره للربنامج من قبل امل�سئولني الأمريكيني والذي ي�صفونه من حني لآخر باملت�ساهل وغري املجدي. بيد �أن هذا اخليار ال يبدو حتمي ًا �أو خيار �ضرورة كما يقال؛ فمن ناحية ي�صعب احلكم على الربنامج بالف�شل قيا�س ًا على نتائج برامج مماثلة يف املنطقة� .صحيح �أن بع�ض الأ�شخا�ص الذين �أُفرج عنهم مبوجب الربنامج ع��اودوا مزاولة ن�شاطهم يف �صفوف القاعدة من جديد ،لكن عددهم حمدود ،وحتى �إذا ما حيدنا ر�أي�� ًا كهذا جانب ًا وال��ذي قد ال يبدو مقنع ًا و�أ�سهبنا يف التفا�صيل ن�ستطيع القول �أن التخلي عن الربنامج يف ظل ثقافة التحكيم وال�صلح ال�سائدة يف �أو�ساط العامة ،والرتكيبة القبلية للمجتمع اليمني وما يرتتب عليها من عالقة ترابطية بني الفرد والقبيلة التي ينتمي �إليها قد ي�ؤدي �إىل تو�سيع نطاق املواجهة مع تنظيم القاعدة ،ورمبا حت ّولها من جمرد مواجهة ما بني احلكومة وعنا�صر حمدوة خارجة عن القانون �إىل �صراع بني الدولة والقبيلة .ويزيد من خطورة هذا التوجه �أن املناطق القبلية يف املرحلة املقبلة مر�شحة لأن تكون م�سرح العمليات بعد تراجع عنا�صر القاعدة �إليها وحماولتهم �إقامة عالقات جيدة مع ع�شائرها. وهذا اخليار �أي�ض ًا ال يعالج الأ�سباب واجلذور احلقيقية للظاهرة مثل الفقر والبطالة و�ضعف الوعى بالدين الإ�سالمي .وحتى �إن جنح يف الق�ضاء على القاعدة يف املدى الق�صري �إال �أن من امل�ستبعد متام ًا ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
123
ا�ستمرار دميومة هذا النجاح على امل��دى الطويل ما دام��ت الأ�سباب املولدة للم�شكلة قائمة من دون حل. �أما ما يقال عن وجود �ضغوط دولية على احلكومة اليمنية لتبني احلل الأمني كخيار وحيد ،ف�أح�سب جازم ًا �أن املجتمع الدويل يف هذه اللحظة من الزمن مبا يف ذلك الواليات املتحدة� ،صار مقتنع ًا و�أك�ثر من �أي وقت م�ضى ب�أن الق�ضاء على ما ي�سمى الإرهاب يف حاجة �إىل منظومة متكاملة من الإجراءات الأمنية والفكرية والتنموية وغريها ،ويت�أكد ذلك من مطالعة ن�ص البيان اخلتامي الجتماع لندن الأخري حول �أفغان�ستان والذي �أو�صي يف �أحد بنوده حكومة كرزاى باحلوار مع طالبان ،وكذلك من مطالبة �أمريكا لعدد من الدول العربية ومنها اليمن ب�ضرورة �إعادة ت�أهيل معتقلي غوانتانامو بل و�إبداء ا�ستعدادها للم�ساعدة يف ذلك �إذا توفرت ال�ضمانات .وبعبارة �أكرث �صراحة ،مل يعد اخلالف بني �أمريكا واحلكومة اليمنية يف الوقت احلايل حول برنامج احلوار و�إعادة الت�أهيل ذاته ،و�إمنا حول الإجراءات املعززة لنجاحه. واخليار الثاين هو �أن ت�ستمر احلكومة اليمنية يف تنفيذ ا�سرتاتيجيتها
124
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ال�سابقة بكل مقوماتها ولكن ب�صورة اكرث فاعلية ومبا يتالئم واملعطيات اجلديدة ،وه��ذا هو االحتمال الأق��رب �إىل التحقق على �أر���ض الواقع بحكم �شموليته وقدرته على ح ّل امل�شكلة من جوانبها املختلفة ،وطابعه املتوازن ،بالإ�ضافة �إىل �أنه ي�سمح لليمن باال�ستفادة من احلرب الدولية �ضد الإرهاب يف حت�سني �أو�ضاعها االقت�صادية وت�سريع عجلة التنمية. وعليه فمن املتوقع �أن ت�ستمر القوات اليمنية يف مالحقة وتعقب عنا�صر القاعدة ،لكن املتغري اجلديد بهذا اخل�صو�ص �سيكون االنتقال من �سيا�سة رد الفعل التي و�سمت تعاطيها خالل الفرتة املا�ضية �إىل العمل مببد�أ ال�ضربات اال�ستباقية الذي يرى �ضرورة احتواء التهديدات يف التوجه �سيبقى مهدها ولي�س االنتظار حتى وقوعها ،و�أح�سب �أن هذا ّ قائم ًا يف الفرتة املقبلة طاملا ا�ستمر املجتمع الدويل يف تقدمي املعلومات اال�ستخبارية والدعم الفني واللوج�ستي للقوات اليمنية ،وقد يتال�شى �إذا ما حدث العك�س. وال ي�ساورين �شك ب�أن املحافظات الطرفية �ستكون يف �صدارة اهتمام ا�سرتاتيجية اليمن اخلا�صة مبكافحة الإره���اب ،لي�س لكونها �ساحة املواجهة املقبلة وح�سب و�إمن��ا باعتبارها العامل الأه��م ال��ذي �سوف يح�سم م�صري املواجهة بني احلكومة والقاعدة .فقد �أثبتت التجارب يف �أفغان�ستان وباك�ستان ويف غريها من الدول �أن تزايد ال�ضربات وال�ضغوط على القاعدة يدفع عنا�صرها �إىل االن�سحاب �إىل االطراف التي ت�سكنها يف العادة جتمعات قبلية ويق ّل فيها ح�ضور الدولة و�سيطرتها .وال ي�ستبعد ،يف هذا ال�سياق� ،أن تلج�أ احلكومة اليمنية �إىل حماولة ك�سب والء ال�سكان يف تلك املناطق من خالل �سيا�سة “الع�صا واجلزرة”، و�ستعمد يف �سبيل ذلك �إىل ال�ضربات اجلوية اخلاطفة ،وتكثيف العمل اال�ستخباري من �أجل ردع القبائل عن �إيواء وحماية عنا�صر القاعدة، والعمل يف نف�س الوقت على توفري امل�شاريع التنموية واخلدمية يف املناطق نف�سها ،وت�شديد احلرا�سات على املن�شئات النفطية والغازية بحكم قربها من �أماكن وجود عنا�صر التنظيم. وال نبالغ �إذا قلنا �إن هذه اللحظة التاريخية متثل فر�صة ال تعو�ض لتنمية املحافظات النائية وحت�سني م�ستوى معي�شة �سكانها بحكم اهتمام الواليات املتحدة الأمريكية والدول الغربية عموم ًا بهذه املحافظات، نظر ًا لتمركز عنا�صر القاعدة فيها .وقد ال متانع هذة الدول� ،إن مل تكن م�ستعدة �أ� ً صال ،يف امل�ساهمة يف تنميتها لدواعي �أمنية بالأ�سا�س؛ الأمر الذي ي�ستدعي من احلكومة امل�سارعة �إىل �إعداد برامج خا�صة لتنمية تلك املناطق وفق �أهداف وا�ضحة وجداول زمنية حمددة. ويف �ضوء الآراء التي ترجح �إمكانية انتقال قيادات القاعدة من منطقة القبائل الباك�ستانية �إىل اليمن وال�صومال ،ونظرة البع�ض �إىل اليمن ب�أنها متثل ج�سر ًا لعبور الأ�سلحة ومقاتلي القاعدة �إىل دول املنطقة ،فمن امل�ؤكد �أن احلكومة اليمنية �ست�سعي وبالتعاون مع املجتمع
“
ال�سلطات اليمنية تبدو بحاجة ملحة ،و�أكرث من �أي وقت م�ضى ،لتعزيز القدرات الب�شرية يف جمال تقنية االت�صاالت واملعلومات ،ال �سيما وقد ثبت �أن �شبكة املعلومات الدولية (الإنرتنت) باتت �أحد �أهم عنا�صر قوة القاعدة
الدويل ودول اجلوار االقليمي �إىل ت�شديد الرقابة على منافذ البالد اجلوية والبحرية والربية ،من خالل زي��ادة �أع��داد القوى الب�شرية العاملة يف قوات حر�س احلدود وقوات خفر ال�سواحل وتزويد ها بالأجهزة واملعدات احلديثة ،بالإ�ضافة �إىل ت�شديد االجراءات الأمنية يف املطارات واملنافذ الربية .وكل ذلك بطبيعة احلال من �أجل منع ت�سرب عنا�صر القاعدة اىل الأرا�ضي اليمنية واخل��روج منها ،وت�أمني حركة املالحة يف م�ضيق باب املندب واملوانئ واملياه الإقليمية اليمنية من �أي هجمات حمتملة .ف� ً ضال عن تكثيف جهودها للحد من ت��داول الأ�سلحة اخلفيفة واملتو�سطة بني املواطنني ،وال�سيطرة على جتارتها بحكم العالقة االرتباطية بني انت�شار الأ�سلحة والهجمات الإرهابية من ناحية ،وتزايد ال�ضغوط الإقليمية والدولية املطالبة مبعاجلة امل�شكلة واحتواء تداعياتها من ناحية ثانية. ونلم�س م�ؤ�شرات هذا التوجه يف �إعالن احلكومة م�ؤخر ًا ،ولأول مرة ،قائمة بتجار ال�سالح ثم قيامها تالي ًا باعتقال عدد من كبار جتار ال�سالح �سوداء ّ الذين ت�ضمنتهم القائمة. وحتملنا ال�صراحة على القول �أن ال�سلطات اليمنية تبدو بحاجة ملحة، و�أك�ثر من �أي وق��ت م�ضى ،لتعزيز ال��ق��درات الب�شرية يف جم��ال تقنية االت�صاالت واملعلومات ،ال �سيما وقد ثبت �أن �شبكة املعلومات الدولية (الإنرتنت) باتت �أحد �أهم عنا�صر قوة القاعدة ،ب�سبب دورها امل�ؤثر يف ت�سهيل عمليات التوا�صل بني الفروع �أو بني القيادة والأفراد ،وكذلك من حيث توفري املناهج والكتب حتى �أنها �أ�صبحت ت�شكل مدار�س مفرت�ضة لن�شر وتعليم وا�ستقطاب ال�شباب �إىل �صفوف التنظيم ،بل �أن ال�شبكة حتولت �إىل مع�سكرات تدريب �إىل درجة مل يعد من ال�صعب معها ح�صول الفرد �إذا ما رغب يف اكت�ساب خربات قتالية وقدرة على ت�صنيع املتفجرات وما �إىل ذلك .وهنا ال ي�ستبعد �أن تركز احلكومة اليمنية يف �إطار م�ساعيها الحتواء خطر القاعدة� ،إىل تعزيز الرقابة على االت�صاالت وحظر املواقع التي تروج لفكر القاعدة ،وهي مهمة �صعبة يف كل الأحوال. كما يتوقع ،يف هذا ال�سياق� ،أن تبادر احلكومة اليمنية يف املرحلة املقبلة �إىل تعزيز خطواتها لن�شر قيم الت�سامح واالعتدال والو�سطية ،وتر�سيخ الثقافة املجتمعية املناه�ضة للتطرف والعنف عرب تو�سيع دائرة احلوار لت�شمل مكونات املجتمع كافة ،وتفنيد �إيديولوجيا القاعدة وجماعات العنف ب�صفة عامة يف امل�ساجد ،وو�سائل االعالم الر�سمية وغري الر�سمية بهدف حت�صني الن�شء وال�شباب من الأفكار املتطرفة ،ورمبا تتجه لإن�شاء �أطر م�ؤ�س�سية جديدة خم�ص�صة لهذه املهمة حتديد ًا. �أم��ا التعاون مع املجتمع ال��دويل ،فامل�ؤكد �أن��ه �سوف ي�ستمر لأن��ه ميثل بالن�سبة لليمن خيار �ضرورة ،ل�سببني اثنني� :أولهما حاجة البالد للمعونات وامل�ساعدات احلارجية ،لي�س يف املجال الأمني والع�سكري بل ويف املجاالت كافة بحكم �شحة املوارد والإمكانات املادية والفنية لديها .ويتمثل ال�سبب الآخر يف �صعوبة الق�ضاء على ظاهرة الإرهاب ب�شكل منفرد ،كونها م�شكلة
“
“
املحافظات الطرفية �س��تكون يف �صدارة اهتمام ا�س�تراتيجية اليمن اخلا�صة مبكافحة الإرهاب ،لي�س لكونها �ساحة املواجهة املقبلة وح�سب و�إمنا باعتبارها العامل الأهم الذي �سوف يح�سم م�صري املواجهة بني احلكومة والقاعدة
“
املحــور
عابرة للحدود .لكن احلكومة اليمنية مع ذلك لن تندفع يف تعاونها مع املجتمع الدويل �إىل ما ال نهاية �أو اىل درجة ال�سماح لقوات �أجنبية برية بتعقب عنا�صر القاعدة على �أرا�ضيها ،لأنها �ستفقد � -إن فعلت ذلك - م�صداقيتها يف الداخل واخلارج .كما �أن خطوة من هذا القبيل �ستحول حتم ًا دون ح�صول القوات اليمنية على الأ�سلحة والأجهزه احلديثة ما دام �أن القوات الأجنبية �ستتوىل مكافحة الإرهاب بنف�سها. وعليه فمن املتوقع �أن ي�ستمر التعاون وفق منط الفرتة املا�ضية ،بحيث تتوىل القوات اليمنية مواجهة القاعدة ومالحقة عنا�صرها فيما يقت�صر دور املجتمع ال��دويل على تقدمي الدعم الفني واللوج�ستي واملعلومات اال�ستخبارية ،مع زيادة حجم الدعم والعون الفني للقوات اليمنية وبالذات منها املتخ�ص�صة يف مكافحة الإره��اب .بيد �أن التعاون يف هذه املرحلة �سي�صبح �أك�ثر جدية بحكم �أن اليمن باتت ت��درك ،يف �ضوء املتغريات الأخرية� ،أن التهاون يف احتواء خطر القاعدة قد يق�ضي �إىل �إف�ساح املجال للتدخالت اخلارجية ،ويف املقابل تدرك �أمريكا ومعها الدول الغربية �أن عدم م�ساعدة اليمن يف جت��اوز التحديات التي تواجهها �سيرتتب عليه عواقب وخيمة تهدد �أمن املنطقة وا�ستقرارها. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
125
املحــور
�إدارة العجلة ببطء نحو ا�سرتاتيجية �إقليمية ودولية ناجعة مل�ساعدة اليمن يف حربها �ضد تنظيم القاعدة �إدوارد بيـرك
منذ زمن طويل وتنظيم القاعدة يرى اليمن املكان املنا�سب لإقامة �إمارة �إ�سالمية ت�شكل حمطة انطالق لعملياته العاملية .وقد ذكر املُ ِّ نظر اال�سرتاتيجي للقاعدة� ،أبو م�صعب ال�سوري ،يف كتابه امل�ؤثر «دعوة املقاومة الإ�سالمية العاملي����ة» �أن اليمن متثل «الركيزة الأ�سا�سية» للجهاد نظر ًا «للعوامل الدينية واالقت�صادية املتوفرة هناك» .وتعي القاع����دة متام ًا �أهمية اليمن الإ�سرتاتيجية نظر ًا ملوقعها على م�ضيق باب املندب الذي ي�شكل مدخ ًال �إىل البحر الأحمر ولقربها من اململكة العربية ال�سعودية ،ناهيك عن تاريخ اليمن احلافل بال�صراعات العنيفة التي تركت البلد يعج بالأ�سلحة بكميات وفرية ورخي�صة ي�سهل �شرائها وحيازتها. واجلدير بالذكر �أن القاعدة يف اليمن تتخذ �أ�شكا ًال كثرية ،حيث جند العديد من اجلماعات اجلهادية املختلفة مم����ن قاتل����ت يف �صف �أ�سامة بن الدن وجماعة املجاهدين �أثناء احلرب �ضد االحتاد ال�سوفيتي يف �أفغان�ستان يف الثمانينيات من القرن املا�ضي .ولكن لي�س هناك �إجماع يف الر�أي حول عما �إذا كانت احلكومة اليمنية من �ضمن الأه����داف ال�شرعية التي ت�ستهدفها عمليات اجلهاد .ومع �أن هذا يق�سم «اجليل الأفغاين» للقاعدة يف اليمن �إىل ق�سم��ي�ن �إال �أن مث����ل هذه املزاعم ال تنطبق على «اجليل العراقي» م����ن اجلهاديني املتطوعني الأ�صغر �سن ًا ،الذين تدربوا وقاتلوا مع �أبو م�صعب الزرقاوي يف العراق. �أما الرئي�س علي عبداهلل �صالح فطاملا �سعى منذ زمن طويل للتو�صل �إىل ت�سوية مع املقاتلني الأفغانُ ،م�ستخدم ًا ملي�شيات منهم خالل حرب 1994الأهلية ،وم�ؤخر ًا يف التمرد الزيدي ال�شيعي للقبائل املوالية لأ�سرة احلوثي يف ال�شم����الُ ،مظ ِهر ًا ت�ساه ً ��ل�ا ملحوظ ًا مع �أولئك املواطنني اليمنيني الذين قاتلوا مع القاعدة يف العراق ،لكن كانت نتيجة ذلك الت�سامح �صفعة للحكومة اليمنية .فقد انتقد املقاتلون العائدون من العراق حلفائهم ال�سابقني ممن عار�ضوا تنفيذ هجمات �إرهابية �ضد نظام الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ونعتوهم بـ «علماء ال�سلطان» .وبخالف “الأحداث املثرية” �ضد املدمرة الأمريكية «كول» عام 2000وناقلة النفط الفرن�سية «ملبريج» عام � ،2002أ�صبح هن����اك توج����ه كبري ل�شنّ هجمات �ضد الدول����ة و�شريا ّ ين احلياة االقت�صادية يف البل����د� ،أي البنية التحتية للطاقة وقطاع ال�سياحة. 126
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
�إدوارد بريك باحث يف معهد فرايد ،مدريد� -أ�سبانيا .يعمل بريك حالي ًا على م�شروع لتقييم �سيا�سة الطاقة يف منطقة ال�شرق الأو�سط.
القاعدة يف اليمن :الكيان نف�سه بت�سمية خمتلفة
ع�لاوة على احت��اد عنا�صر فرعي القاعدة اليمني وال�سعودي يف تنظيم واحد ،ا�ستغل تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب بدهاء وجه خطاباته مبا�شرة املظلمة التي يرددها بع�ض �سكان اجلنوب� ،إذ ّ ٌ �إىل عامة ال�شعب هناك ،قائ ًال« :ما تطالبون به هو حق من حقوقكم التي منحكم �إياها دينكم ( )...فال ينبغي ممار�سة الظلم والطغيان با�سم الوحدة» .وحظت فكرة وجود "احتالل" ،وا�ستغالل النخبة احلاكمة ملوارد اجلنوب بت�أييد بع�ض احللفاء ال�سابقني للدولة ممن نا�ضلوا �ضد النظام اال�شرتاكي يف اجلنوب ،ومنهم الزعيم القبلي واملحارب "الأفغاين" طارق الف�ضلي ،وان�ضموا للحراك اجلنوبي االنف�صايل الذي يقوده �أعدائهم �سابق ًا وعنا�صر القاعدة يف �شبه جزيرة العرب .ولكن الرئي�س �صالح يفهم ،حتى و�أن مل يعلن عن هذا� ،أن القبائل التي تقبل باملبالغ املالية من القاعدة �إمنا تفعل ذلك بدافع الإح�سا�س بالظلم ال�سيا�سي الداخلي �أو الي�أ�س االقت�صادي ولي�س بدافع احلما�س للجهاد العاملي. ولعله لي�س من الغريب �أن جند �أن الدعم القبلي لتنظيم القاعدة يف جزيرة العرب قد ازداد بالتزامن مع تدهور االقت�صاد اليمني .ومن املحتمل �أن يكون عدد عنا�صر القاعدة قليل (�أقل من 1000عن�صر)، لكن نطاق وجودهم قد ات�سع خالل العام املن�صرم ،ومن �أ�سباب ذلك االت�ساع تدفق العديد من ال�سعوديني والأجانب وان�ضمامهم �إىل �صفوف عنا�صر القاعدة .وبالرغم �أن بع�ض املراقبني ي�سمون اليمن "العا�صفة املثالية" للمظامل ال�سيا�سية واالجتماعية واالقت�صادية� ،إال �أن مثل هذا التحليل اجلارف يبالغ يف و�صف �ضعف الدولة املركزية ويتجاهل مقدرة القبائل الكربى التي كثري منها يرف�ض رف�ض ًا قاطع ًا ت�سلل عنا�صر القاعدة. وهذا ال يعني �إنكار الو�ضع االقت�صادي التعي�س يف اليمن ،ف�صادرات النفط التي ت�شكل املورد الأ�سا�سي لدخل الدولة انخف�ضت مبعدل الن�صف خالل ال�سنوات الأخرية .وق ّلة الدخل ووجود قطاع عام فا�سد يعنيان �أن الرئي�س �صالح �سيواجه م�شكلة نق�ص يف العملة النقدية التي تُدفع منها رواتب موظفي الدولة وتعزز �شبكات الرعاية القبلية ،يف الوقت ال��ذي ازداد عدد ال�سكان بن�سبة %600خالل الأربعني �سنة املا�ضية ،ومن املحتمل �أن يت�ضاعف عددهم يف الع�شرين �سنة املقبلة .وتنحدر اليمن ب�سرعة كبرية باجتاه املجاعة ،فبح�سب الأمم املتحدة هناك ما يقارب %40 من ال�سكان يعانون من �سوء التغذية .ويف الوقت احلايل اليمن جمربة على ا�سترياد %90 – 75من املواد الغذائية التي تتفاقم قلتها مع زراع��ة القات (ال��ذي يحظى ب�شهرة الحتواءه على مادة مهدئة نوع ًا ما ،وكونه ي�شكل حم�صو ًال نقدي ًا) ،وي�ستهلك ما يقارب
%30من املخزون املائي املحدود جد ًا يف اليمن. وعلى ال��رغ��م م��ن اخلطر ال��ذي ت�شكله القاعدة يف اليمن ف�إن هذا البلد وب�شكل ملحوظ لي�س من �ضمن �أولويات الدعم التنموي الأمريكي الذي يتخلف وراء ما تقدمه اجلهات املانحة يف �أوروبا مثل اململكة املتحدة و�أملانيا� ،إذ خ�ص�صت وكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( )USAIDلليمن �أقل من 15مليون دوالر عام ،2005وانخف�ض هذا املبلغ �إىل 9مليون دوالر عام 2006نتيجة للخالف الثنائي حول قيام اليمن ب�إطالق �سراح عنا�صر ي�شتبه بانتمائهم للقاعدة� .أي�ض ًا تتذمر اجلهات املانحة الغربية من ع��دم متكن اليمن من �إدارة الدعم املقدم وتنفيذ امل�شاريع الإمن��ائ��ي ،.ويف ع��ام � 2009أنهت وكالة التنمية الأمريكية جزء ًا كبري ًا من الربامج املعنية مبفاهيم احلكم الر�شيد يف اليمن .و�إذا ما بد�أت الواليات املتحدة ب�ضخ ما يقارب 70مليون دوالر كدعم ال�ستقرار الأمن وعملية التنمية لعام ،2010ف�إن ا�ستدامة الدعم �ستتوقف على مدى جدية التزام الدولة واملانحني الدوليني بتح�سني م�ستوى ومفاهيم احلكم يف اليمن .لكن مقرتحات الواليات املتحدة بزيادة الدعم الع�سكري لقوات الأمن اليمنية تتجاهل التناف�س ال�شديد والعداء بني بع�ض القادة وتدخلهم يف �ش�ؤون االقت�صاد اليمني ،مبا يف ذلك ب�سط اليد على الأرا�ضي وغريها من املمتلكات يف اجلنوب بعد انتهاء حرب 1994الأهلية.
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
127
املحــور
عندما ال�سعودية :الالعب ال��رئ��ي�����س يتعلق الأمر بالت�أثري ال�سيا�سي وتقدمي الدعم ف�إن �أهم جهة مانحة دولية دون منازع هي اململكة العربية ال�سعودية؛ فهي التي التزمت بتقدمي 1.25مليار دوالر كدعم لعملية التنمية يف جارتها اجلنوبية عام ،2010وهو املبلغ الذي يتقزّم �أمامه ما تقدمه اجلهات املانحة الغربية؛ وه��ذا لي�س �أم��ر ًا جديد ًا ،فمنذ زمن طويل ودول جمل�س التعاون اخلليجي ُت�سهِ م بالن�صيب الأكرب من �إجمايل الدعم املقدم لليمن ،وذل��ك عرب قنوات مكتب الرئا�سة مبا�شرة �أو من خالل ال�شبكات القبلية بهدف تخفيف وط���أة النق�ص احلاد يف �إيرادات الدولة ،ودعم امل�شاريع الكربى للبنية التحتية .لكن ثمة دبلوما�سيني خليجيي يبدون تذمرهم من �أنه يتم اختال�س كمية كبرية من ذلك الدعم بد ًال من ا�ستغالله لتخفيف معدل الفقر يف البالد. ومنذ عقود وال�سعودية تقدم الدعم املادي للقبائل اليمنية حتى ت�شكل عامل توازن �سيا�سي مبواجهة الدولة يف �صنعاء �إذا ما ا�ستدعى الأمر ذلك ،وي�شعر حكامها (�أي ال�سعودية) بتهديد حمتمل من قبل اليمن ،لذا قاموا بطرد ما يقارب مليون عامل ميني خالل حرب اخلليج الأوىل بعد �أن امتنعت اليمن عن الت�صويت لقرار جمل�س الأمن الذي ي�سمح با�ستخدام القوة �ضد العراق .وقد تبني بو�ضوح م���ؤخ��ر ًا الت�أثري ال�سعودي يف القبائل اليمنية يف مقابلة �أجراها �صحفي �سعودي مع �أبرز �شيخني قبليني يف اليمنُ ،يقال �أنهما من �ضمن امل�ستفيدين من الدعم املادي ال�سعودي ،وهما ال�شيخ ناجي بن عبد العزيز ال�شائف وال�شيخ �صادق بن عبداهلل بن ح�سني الأحمر، �شيخي قبيلتي بكيل وحا�شد على التوايل؛ وقد �شجبا الغارات التي ّ قام بها املتمردون اليمنيون على الأرا�ضي ال�سعودية� ،إذ قاال�“ :إن اململكة واليمن هما بلد واح��د و�شعب واح��د ،والعالقات الأخوية بينهما و�شعبيهما تعود �إىل �أعماق التاريخ الأزلية ،ولن ن�سمح ب�أي �شيء يهدد �أمن اململكة” .وبرغم ما تعر�ضت له هذه التعليقات من نقد من قبل الكثري من القوميني اليمنيني �إال �أنها تدل على ثقل الريا�ض وت�أثريها يف �ش�ؤون جارتها. وجند �أن ال�سيا�سة ال�سعودية جتاه اليمن تتحلى دوم ًا بطابع الت�أثري الرجعي ،دون �أي �إ�سرتاتيجية وا�ضحة لكيفية �إبطال التهديد املتنامي الذي ي�شكله تنظيم القاعدة يف املنطقة .وبالرغم من املجامالت التي يعرب عنها الدبلوما�سيون ال�سعوديون ب�ش�أن �إمكانية ان�ضمام اليمن �إىل منظومة جمل�س التعاون اخلليجي ف�إنه مل يتم حتقيق الكثري بهذا ال�ش�أن على �أر�ض الواقع .ومن �أبرز مالمح ال�سيا�سة ال�سعودية يف ال�سنوات الأخرية مقرتح بناء حاجز �ضخم على طول حدودها مع اليمن .كما ُيقال �أن الريا�ض تعمدت �إف�شال الهدنة التي تو�سطت فيها قطر عام 2008بني الدولة اليمنية واملتمردين احلوثيني يف �صعدة، 128
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
نظر ًا ل�شكوكها من وجود عالقات تربط قطر و�إيران ،وكذلك الدعم الذي يتلقاه احلوثيون من قبل �إيران والعراق .ويبدو �أن لذلك ردة فعل �سلبية �أعقبها جتديد العداوة عام 2009وعك�ستها الغارات التي قام بها املتمردون �إىل داخل الأرا�ضي ال�سعودية وكان نتيجتها مقتل �أكرث من مائة جندي �سعودي. وقد �أ�شعل �إميان ال�شيعة باملتمردين ،مع �أنهم يختلفون عن ال�شيعة االثنى ع�شرية يف �إيران والعراق ،روح العداوة يف هذين البلدين �ضد ال�سعودية ،وذلك يف ظل وجود �آية اهلل علي ال�س�ستاين ومكتب مقتدى ال�صدر يف العراق الذلذين دعيا لن�صرة املتمردين� .أما الرئي�س الإي��راين حممود �أحمدي جناد فقد دان ال�سعودية ب�سعيها ل�سحق امل�سلمني ب��د ًال من ا�ستخدام �أ�سلحتها لن�صرة �شعب غ��زة .وهذا ال�صراع الإقليمي املت�صاعد واملتزامن مع تنفيذ القاعدة يف �شبه جزيرة العرب للهجوم االنتحاري الذي ا�ستهدف نائب وزير الداخلية الأمري حممد بن نايف ،ي�شري �إىل حمدودية امل�شاركة ال�سعودية يف اليمن واحلاجة العاجلة لقيام الريا�ض ب�إعادة تقييم عالقاتها مع جارتها اجلنوبية. “على الواليات املتحدة و�أوروبا احلزم والعزم على الدفع باحلوار مع ال�سعودية جتاه �إ�سرتاتيجية جماعية تهدف �إىل قلب املوازين �ضد القاعدة يف �شبه جزيرة العرب، وحل املظامل ،وتقليل الدعم القبلي للقاعدة ”
ما ال��ع��م��ل؟ ينذر ع��ام 2010ب�أنه �سيكون �أكرث ً ا�ضطراب ًا من �سابقه ( )2009يف اليمن .ولكن بدال من تقدمي القليل فيما يتعلق بجهود حماربة الإره���اب يف اليمن يبدو �أن الواليات املتحدة و�أوربا يعتزمان تقدمي الكثري .ومع ذلك على املجتمع الدويل �أن ي�أخذ يف احل�سبان مدى الت�أثري الذي قد يحدثه برنامج الدعم الع�سكري الكبري يف ت��وازن ال�سلطة يف اليمن ،لهذا يجب ربط �أي دعم ع�سكري بربنامج لإ�صالح القطاع الأمني حتى يتحقق احلد من �أ�سو�أ مفا�سد قوات الأمن اليمنية .فال�سجون اليمنية مكتظة، وبها معامالت وح�شية ،بل �إنها املكان الذي ت�ستغله القاعدة لتجنيد عنا�صر جديدة؛ �أ�ضف �إىل ذلك �أنها لي�ست محُ َكمة ،فقد حدثت عمليات هروب ناجحة قام بها عنا�صر مهمة ينتمون �إىل القاعدة يف �شبه جزيرة العرب خالل ال�سنوات الأخرية .كما تكرر قام اجلي�ش اليمني وال�شرطة ب�إطالق النار على حركات االحتجاج غري امل�سلحة التي خرجت �إىل ال�شوارع ،يف حني كان بالإمكان ا�ستخدام رد غري قاتل لردع اجلماهري املعار�ضة وتفادي النتائج الكارثية فيما يتعلق
بخلق تنافر بني ال�شعب واحلكومة .وتوجد هناك روايات مقلقة عن قيام بع�ض اجلنود ببيع الأ�سلحة والذخرية للمتمردين دون �أن ينالوا عقاب على فعل ذلك. ومن الوا�ضح �أنه ال توجد رغبة لدى مانحي املجتمع الدويل يف لعب دور حلل املوقف املت�أزم بني الدولة واملعار�ضة الذي �أدى �إىل �إرجاء االنتخابات الربملانية ،التي كان من املفرت�ض انعقادها عام ،2009 �إىل عام .2011وقد زاد �إىل حد كبري اللغط املحاط بتعيني جلنة انتخابية وعملية الت�سجيل لالنتخابات من م�ستوى عدم الثقة يف قيام الدولة بالإ�صالحات .وبالرغم من وجود رغبة قوية يف التعاون ملكافحة الإرهاب �إال �أن دبلوما�سيني �أمريكيني و�أوروبيني يف �صنعاء �أعرتفوا ب�أن حكوماتهم ال ترغب كثري ًا ورمبا مطلق ًا يف ال�ضغط على احلكومة اليمنية لإج��راء انتخابات عادلة ،وال حتى �إعطاء �أولوية لتخفيف مظامل اجلنوب ،مع �أنه ينبغي على اجلهات املانحة الإ�صرار على تخ�صي�ص جزء منا�سب للجنوب من الدعم املقدم ،و�أن تقوم الدولة ب�إعداد وتنفيذ �إ�سرتاتيجية تهتم مبعاجلة مثل تلك املظامل. �إن و�ضع عملية الإ�صالح يف اليمن للح�صول على م�شاركة �أمنية “�إذا قامت الواليات املتحدة ب�أي تدخل ع�سكري ا�ستباقي وعلني يف اليمن ف�إنه �سيكون مبثابة «�ضابط التعبئة» الذي طاملا حلمت به القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ،و�سيحول هذه اجلماعة من جمرد حركة تتلقى دعم ًا ب�سيط ًا يف اخلليج �إىل مترد �شعبي” �أكرث واقعية على ّ الرف هو مبثابة تدمري للذات؛ فالكثري من الإحباط الذي كان نتيجته منو القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ميكن عزوه �إىل غياب وتطبيق مفهوم املحا�سبة ،وقيام الدولة مبقا�ضاة نا�شطني �سيا�سيني و�آخرين من املجتمع املدين ،حيث مت �سجن بع�ضهم �إىل �أجل غري م�سمى مبوجب قانون غام�ض ملكافحة الإره��اب .وال�شك يف �أن هناك حاجة ملحة لزيادة الدعم الأمريكي والأوروبي لليمن، ولكن من املهم �أي�ض ًا ا�ستدامة ذلك الدعم خالل ال�سنوات املقبلة. ويجب �أن تكون اليمن من �أول��وي��ات العالقات بني الغرب ودول اخلليج ،وكل ال�سبل للخروج من الأزمة احلالية يف اليمن متر عرب الريا�ض .لكننا جند اليمن تقع دائم ًا يف خانة الأج��ن��دة امللحقة للعالقات الثنائية �أو املتعددة مع ال�سعودية التي ا�ستطاعت بدهاء جتاهل ما يحدث يف اليمن باعتباره م�س�ألة داخلية .فيجب �أن يتوقف مثل هذا التجاهل ،وعلى الواليات املتحدة و�أوروب��ا احلزم والعزم على الدفع باحلوار مع ال�سعودية جتاه �إ�سرتاتيجية جماعية تهدف
�إىل قلب املوازين �ضد القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ،وحل املظامل، وتقليل الدعم القبلي للقاعدة ،والتفاو�ض لإنهاء التمرد احلوثي املدمر يف ال�شمال .وتعترب قطر والإمارات العربية املتحدة �شريكان يف انت�شال اليمن من الركود االقت�صادي ،ودعم الربامج التي تهدف �إىل تخفي�ض معدل الأمية العالية جد ًا يف اليمن ،وذلك من خالل تطوير املعايري التعليمية .ومثل هذا ال يوفر الفر�ص االقت�صادية لل�شباب اليمني وح�سب و�إمنا �أي�ض ًا يقلل من �إمكانية الت�شدد الفكري الذي يحدث يف الغرف الدرا�سية.
التعجل البطيء �إثر حماولة تفجري طائرة الرحلة رقم 253التابعة ل�شركة اخلطوط اجلوية “نورث وي�ست” ليلة عيد امليالد �أ�صبحت لهجة التهديد با�ستخدام القوة ت�سود يف العا�صمة وا�شنطن ،داعي ًة �إىل توجيه �ضربات ع�سكرية �ضد تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ،حيث �صرح ال�سناتور جو ليربمان ،رئي�س جلنة الأمن الداخلي يف جمل�س ال�شيوخ الأمريكي ،قائ ًال�“ :إن �أفغان�ستان هي حرب اليوم .و�إذا مل نتبع املبادرة اال�ستباقية ،ف�ست�صبح اليمن حرب الغد” .وا�ستخدام هذه اللهجة يف غاية اخلطورة بعد �أعوام من الر�ضا الذاتي الأمريكي ،وعدم االكرتاث باليمن. ف���إذا قامت الواليات املتحدة ب���أي تدخل ع�سكري قوي ا�ستباقي وعلني يف اليمن ف�إنه �سيكون مبثابة “�ضابط التعبئة” الذي طاملا حلمت به القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ،و�سيحول هذه اجلماعة من جمرد حركة تتلقى دعم ًا ب�سيط ًا يف اخلليج �إىل مترد �شعبي. واملقارنة مع �أفغان�ستان لي�ست يف منتهى ال�سذاجة فح�سب و�إمنا �أي�ض ًا لها نتائج عك�سية� ،إذا ما �أخذنا يف االعتبار ال�شك اليمني �إزاء الأطماع الغربية .فالكثري من اليمنيني ال يرون �أن �أفغان�ستان بلد حترر من حكم متطرفني �إ�سالميني ،و�إمنا هو �شعب م�سلم �أذ ّله االحتالل الذي ُفر�ض عليه. وحتى فرتة ق�صرية كان الوجود الأمريكي والأوروب��ي على �أر�ض الواقع يف اليمن يف �أدنى م�ستوياته ،ي�شكله قلة من الدبلوما�سيني ورج��ال املخابرات وموظفني ع�سكريني ،مع �أن القوى الداخلية املحركة لليمن معقدة جد ًا .ويف ظل �شح املوارد ووجود �شعب يخ�شى �أي تدخل �أجنبي �سيكون على الواليات املتحدة و�أوربا ّ توخي احلذر يف خطاهما خالل الأ�شهر املقبلة .والعمل يد ًا بيد مع ال�سعودية ودول اخلليج الأخرى حلل املظامل ال�سيا�سية التي �أنهكت قوى الدولة يف اليمن ،الأمر الذي �سي�شكل �ضربة قاتلة و�أكرث �ضرر ًا لتنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب من �أي رد ع�سكري ق�صري املدى ،خا�ص ًة �أن م�شكالت اليمن يغلب عليها الطابع املحلي وتعدد اجلوانب ،وهذا النوع من امل�شكالت هو ما تتغذى عليه القاعدة لتنمو. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
129
مدار الأفكار املائدة امل�ستديرة
ب�صراحة
�سجال
ال � س � ؤ ا ل الد
ي�صدر قريب ًا
�إله ميق ر ا ط ي ام ا ل م ا � ن ـ ض ع ا حم ئع مد
ال ظاهري
�أحمد ا فـي ا ل ي م ن لأ عادل ال� �صبحي شر جبي
حلرب ال�سابعة»
«�آن �أوان ا
دالكرمي الإرياين
وار مع الدكتور عب
ح
ال ي م ن و ط مو ح ه ا ا خل ل من� يجي ص و ر ا ل ب � ش ريي * � س ا م ي ا ل�س ياغي
جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل الأ�سلحة واحلد من انت�شارها
الدوافع -ال�سيا�سات -املعوقات عاي�ش على عوا�س
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 130
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2010
131
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
ب�صراحة
�سجال
املائدة
م��دارات �إ�س�تراتيجية :ما ه��و تقييمك��م للحال��ة الدميقراطية يف اليم��ن يف ظ��ل الأزمات والتحدي��ات التي مير بها البل��د اليوم؟ وكيف تنظ��رون �إىل اتف��اق �ش��باط/فرباير 2009بني ال�س��لطة واملعار�ض��ة، والذي مبوجبه مت ت�أجيل االنتخابات الربملانية العام املا�ضي؟
امل�ستديرة
املائدة
امل�ستديرة
ال�س�ؤال الدميقراطي ال�ضائع فـي اليمن “
يف ظ��ل الأزمات والتحديات الأمنية وال�سيا�س��ية واالقت�ص��ادية التي تعي�ش��ها وتواجهها اليمن هذه الأيام ،يبدو ال�س���ؤال الدميقراطي غائب ًا ،ولوحظ �أن ثمة تراجع ًا يف احلديث -ر�س��مي ًا و�ش��عبي ًا -عن واقع وم�س��تقبل التجربة الدميقراطية التي تخو�ض اليمن غمارها منذ عقدين من الزمن ،وحتديد ًا منذ قيام الوحدة اليمنية يف العام .1990وكما هو ظاهر ف�إن ق�ض��ية الدميقراطية امل�س��كوت عنها اليوم تثري لدى النخب اليمنية الكثري من اجلدل والت�س��ا�ؤالت حول مدى جناحها �أو �إخفاقها كثقافة �سيا�س��ية و�آلية حكم يف بناء دولة مدنية حديثة ،تقوم على احلرية وامل�س��اواة والأمن واحرتام حقوق الإن�س��ان.فالبع�ض ينظر �إىل هذه التجربة بعني الر�ض��ا ،ويقول �إنها قطعت �ش��وط ًا ال ب�أ�س به باجتاه حتقيق �أهدافها ،وهي مت�ض��ي قدم ًا متجاوزة كل التحديات والعقبات الداخلية واخلارجية .لكن يف املقابل ،هناك من يرى �أن التجربة الدميقراطية يف اليمن ،رغم م�ض��ي عقدين على انطالقتها ما تزال �ش��كلية ،وهي غري قادرة على تخطي العوائق االجتماعية والثقافية وال�سيا�س��ية الكامنة يف بنية املجتمع اليمني وتركيبته ،والتي انعك�ست ب�صورة �أو ب�أخرى على البناء امل�ؤ�س�سي للدولة. واليوم مع دخول احلياة ال�سيا�سية يف حالة من الت�أزم ،وانعدام احلوار اجلاد وامل�سئول بني القوى والأحزاب ال�سيا�سية يف البلد حول ق�ضايا �أ�سا�سية تهم م�ستقبل اليمن و�أبناءه ويف مقدمتها ق�ضية الدميقراطية ،بدا لنا �أنه من املهم �إعادة طرح ال�س�ؤال الدميقراطي ال�ض��ائع على نخبة من �أعالم الفكر وال�سيا�س��ة املهتمني والباحثني املتخ�ص�ص�ين يف هذا ال�ش���أن .وللإحاطة بجميع جوانب امل�س���ألة توجهت “مدارات �إ�س�تراتيجية” ب�أربعة �أ�س��ئلة – نظن �أنها -جوهرية لكل من :الدكتور �أحمد الأ�ص��بحي ع�ض��و جمل�س ال�ش��ورى اليمني ،والدكتورة �إلهام مانع املحا�ض��رة وكبرية الباحثني يف معهد العلوم ال�سيا�سية بجامعة زيوريخ ،ومعهد درا�سات ال�شرق الأو�س��ط بجامعة برن ال�سوي�س��رية ،والدكتور حممد الظاهري �أ�س��تاذ العلوم ال�سيا�س��ية بجامعة �ص��نعاء ،والدكتور عادل ال�شرجبي �أ�ستاذ علم االجتماع بجامعة �صنعاء ،وبح�صيلة �إجاباتهم الرثية خرجنا مبائدتنا امل�ستديرة لهذا العدد.
“
132
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
�سيك���ون حوار ًا على �أعرا�ض الأزمة ولي�س على جذورها و�أ�سبابها ،وبالتايل �سيقع املمار�سون اليمنيون يف مثلبة حتويل الو�سيلة (االنتخابات) �إىل غاية. �إن م���ن دالالت اتف���اق الأحزاب على ت�أجي���ل موعد االنتخاب���ات والتمديد ملجل�س النواب احلايل: ب���دء االع�ت�راف الر�سم���ي بوج���ود �أزم���ة ,مبعنى بداي���ة االقرتاب م���ن ثقافةاالعرتاف بالف�شل. تدين كفاءة النظام ال�سيا�سي اليمني وفاعليته. ح�ضور التكتيك يف مقابل غياب الر�ؤية الإ�سرتاتيجية. اجل���ر�أة يف نحت الن�صو�ص (د�ساتري ,قوانني ,مبادرات)دون تطبيقه���ا ,وكذل���ك اجل���ر�أة �أي�ض ًا يف تعديله���ا ,ومتديد فرتات املجال�س املنتخبة. ب���دء انتقال املعار�ض���ة من مرحلة اال�ست�ضع���اف و�إ�صدارالبيان���ات �أو القب���ول بالأم���ر الواق���ع �إىل مرحل���ة االقت���دار ال�سيا�س���ي وال�سع���ي لتغي�ي�ر الواق���ع ,واالق�ت�راب م���ن هموم املواطنني ,وق�ضايا املجتمع.
�إله��ام مان��ع :التجرب���ة الدميقراطية يف اليم���ن ميكن و�صفه���ا ب�أنها يف حالة انتظار ،وهي يف الواقع تقف على مفرتق طرق� :إما �أن تعود �إىل امل�سار الذي بد�أته بعد الوحدة عام 1990وال���ذي كان يب�شر يف الواقع بتجربة دميقراطي���ة فريدة يف �شب���ة اجلزيرة العربي���ة ب�أ�سرها� ،أو �أنه���ا �ستوا�صل االنحدار �إىل حك���م احلزب الواحد امل�سيطر على مقاليد احلكم ت���ارك ًا م�ساحة وحيز ًا هام�شي ًا لعدد من الأح���زاب� .إتف���اق �شباط/فرباير لعام 2009ب�ي�ن ال�سلطة واملعار�ضة كان الهدف منه �إتاحة الفر�صة للجانبني للتو�صل �إىل �إتف���اق يحدد م�س���ار ًا و�أُفق ًا للم�ستقب���ل الدميقراطي يف البالد ،وهو ما مل يحدث حتى الآن .رغم ذلك ،ف�إن اخلوف كل اخلوف هو �أن ي�صبح الت�أجيل عادةُ ،ت�ستخدم مع الوقت �إلهام مانع كذريعة ُنعيد معه���ا الزمن �إىل الوراء ،ونطوى معها �صفحة التجربة الدميقراطية. حمم��د الظاه��ري :ب���ادئ ذي ب���دء ميك���ن الق���ول �إن اليم���ن تعاين من �أزمة �سيا�سي���ة وجمتمعية �شاملة ومركبة, عل���ى م�ستوى النظام احلزبي والنظ���ام ال�سيا�سي ,بل وعلى م�ست���وى العالق���ة ب�ي�ن املجتم���ع والدول���ة� .إن الدميقراطية والتعددية ال�سيا�سية يف اليم���ن ليربالية الآليات والو�سائل, وميني���ة الثقاف���ة والقيم؛ حي���ث اكتفى اليمني���ون با�سترياد املبنى الدميقراطي الليربايل الغربي ,بينما بقى “املعنى” و”املمار�س���ة” والفع���ل مين���ي املحتوى ,وما �أنف���ك ي�صطبغ بالإطار املجتمعي العام. �إن م���ن �أه���م مواطن �ضعف جترب���ة التعددي���ة ال�سيا�سية والتوجه الدميقراطي يف اليمن ،وجود: تعددي���ة �سيا�سي���ة ترك���ن �إىل ت���وازن اجتماع���ي م�سي�س,نزاعي و�صراعي. تعددي���ة ت�ستن���د �إىل ثقافة ث�أرية جتاه الأخ���وة والأقرباء,ومت�ساحمة جتاه الأجانب والغرباء. تعددي���ة ترك���ن �إىل ثقافة �سيا�سية جتمع ب�ي�ن التحكيميةوالقتالية.
�أحمد الأ�صبحي
�إن ت�أجي���ل االنتخابات ومتديدها غ���دت ظاهرة يف احلياة ال�سيا�سية اليمنية حيث ُبدء بتمديد فرتة االنتخابات املحلية وت�أجيله���ا لأرب���ع �سنوات قادمة ,وتاله���ا متديد فرتة جمل�س النواب �إىل �ست �سنوات ثم �إىل ثماين �سنوات .من املحزن �أن ظاه���رة التمديد والت�أجيل للمجال�س املنتخبة �أ�صبحت ثقافة �سيا�سي���ة �سائدة ,ويب���دو �أن هذا مرتب���ط بانت�شار مبا ميكن ت�سميت���ه بثقافة التمل���ك ال�سيا�سي ,وانت�ش���ار ثقافة التمديد بد ًال عن التحديد! الإ�شكالية هنا �أن اليمنيني نحتوا ن�صو�ص ًا د�ستوري���ة وقانونية تدفع بهم �إىل ال�س�ي�ر نحو الدميقراطية, لك���ن الثقافة االجتماعية وال�سيا�سي���ة ال�سائدة مل ت�ساعدهم عل���ى تفعيل هذه الن�صو����ص ,والتي غالب ًا ال ت���رى النور ,وما زال الكثري منها مبن�أى عن التطبيق!
�أحم��د الأ�ص��بحي :ال ينبغ���ي �أن ينظ���ر �إىل الأزم���ات والتحدي���ات بو�صفها �أمر ًا مرادف��� ًا للحالة الدميقراطية؛ ثم �أن الدميقراطي���ة لي�ست حالة ،بل هي منه���ج ارت�ضاه �شعبنا لتنظي���م حيات���ه ال�سيا�سية واالقت�صادي���ة واالجتماعية .ومن ث���م ف����إنّ الأزم���ات والتحدي���ات التي مي���ر بها الوط���ن اليوم حممد الظاهري متوق���ع حدوثها بح�سبها �إفراز لواقع مل ترت�سخ فيه بعد ثقافة التحول الدميقراطي ،وما زال حمكوم ًا يف كثري من �سلوكياته وعالقات���ه ب�إرث معي���ق لعملية التح���ول الدميقراطي ،يتمثل �إن �إ�شكالية اليمنيني �أنهم ي�صنعون احلدث �أو املنجز دون بالأمية والفقر والبطالة و�أ�ش���كال الوالءات ال�ضيقة ،وتبادل ال�سع���ي جلني ثماره! �أم���ا حول نظرتن���ا �إىل اتفاق �شباط/ االنطباعات اخلاطئة و�ضعف الت�سليم بال�شراكة الوطنية� ،إ ّال فرباي���ر 2009ب�ي�ن ال�سلط���ة واملعار�ضة وال���ذي مبوجبه مت �أنه على الرغم من هذه املعوقات ،وما جنم عنها من الأزمات ت�أجيل االنتخابات الربملانية ,فيمكن القول �إن احلديث عن الراهن���ة ،فق���د اختطت م�س�ي�رة التحول نح���و الدميقراطية ت�أجيل موع���د االنتخابات النيابية الت���ي كان يجب �إجرائها طريقها يف حراك فكري و�سيا�سي ،وبناء ت�شريعات د�ستورية يف 27ني�سان�/أبريل ,2009والتمديد لفرتة جمل�س النواب وقانونية لتنظيم املمار�سات الدميقراطية ،وانعقاد الدورات عادل ال�شرجبي لعام�ي�ن �آخرين؛ هو يف جوهره حدي���ث عن حاله غري �سوية االنتخابي���ة الرئا�سية والنيابية واملحلي���ة وات�ساع بنية ون�شاط تعرفها احلياة ال�سيا�سية اليمنية ،تتمثل يف ما ميكن ت�سمية منظمات املجتمع املدين والت���ي متثل مبجملها حالة املخا�ض با�ست�سه���ال تعديل الد�ستور والقوانني ,وال�سعي لتمدي���د فرتات جمال�س منتخبة! التي ت�سبق مرحلة التحول الدميقراطي. ونخ�ش���ى يف ه���ذا ال�سي���اق� ,أن يك���ون الت�أجيل ملجل����س النواب جم���رد هروب من وي�أتي اتفاق �شباط/فرباير ،2009يف �سياق هذا املخا�ض والذي بلغت فيه الأمور مواجه���ه الأزم���ات �إىل التمدي���د والت�أجيل .لك���ن يف الوقت ذاته �أمتن���ى �أال يكون ه���ذا االتفاق بداف���ع �ضغوط اللحظة �أو جمرد تكتيك �سيا�س���ي .ويبدو �أنه �سيكون ح���د ًا منذر ًا بتفاقم الأم���ور التي كان البد معها من العمل عل���ى تالفيها بالتوافق خط����أً �سيا�سي ًا كب�ي�ر ًا فيما لو اختزل احلوار حول ق�ضي���ه االنتخابات ,لأنه حينئذ ب�ي�ن ال�سلط���ة واملعار�ضة حتت قبة الربمل���ان الذي �أف�ضى �إىل ت�أجي���ل االنتخابات ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
133
املائدة
املائدة
مبربرات ال تخالف القوانني النافذة ،وقد ا�ستدعى ذلك �إجراء تعديالت قانونية الذين يتبنون مواقف معار�ضة لها. ود�ستوري���ة باتفاق الأط���راف املعنية ،ولك���ن م�ضى عام ب�أكمله بع���د هذا االتفاق ف� ً ضال عن ذلك ,عملت النخبة احلاكمة على حتريف �إرادة املواطنني من خالل ً دون وج���ود �أي تق���دم يذكر حتى ه���ذه اللحظة ،وحيث مل يتبق �س���وى عام تقريبا ت�أ�سي����س �أحزاب �شكلية ال تعرب عن م�صالح املواطنني ،وال ت�شكل قناة للتعبري عن َّ عل���ى �إج���راء االنتخابات ،وهي فرتة ي�صع���ب معها �إجناز م���ا مت االتفاق عليه ما �أ�صواتهم ،وا�ستخدامها كدوبلري لأحزاب املعار�ضة احلقيقية يف �أوقات الأزمات، مل تب���ذل �أق�ص���ى اجلهود ،وتكثف اللقاءات ،ويف توا�ص���ل ال ينقطع؛ ف�إنه ال جمال كم���ا ح���دث يف 23متوز/يوليو ،2008ويف املقاب���ل م�ضايقة الأح���زاب ال�سيا�سية لتعوي����ض ما فات ،وا�ستغالل ما تبق���ى من الزمن �إ ّ من تام تفرغ هناك يكون أن � ال الت���ي تعرب عن م�صاحلها ،ومل تعمل احلكوم���ة على الوفاء بالتزاماتها لل�شعب يف قب���ل اللجان املعنية للوفاء مب�ضم���ون االتفاق وكالتزام قانوين و�أدبي �أمام ال�شعب احلف���اظ على الأموال العامة ،ومل ت�ؤ�س�س �آلي���ات حقيقية وفاعلة ملكافحة الف�ساد حت���ى ال جته�ض العملية الدميقراطية ،وحت���ى ال يظهر التوافق على �أنه كان حالة وحما�سبة الفا�سدين .ما يوجد لدينا هو “دميقراطية غري ليربالية” ح�سب و�صف هروب وحتايل على الد�ستور والقانون ،وهو ما ال يرت�ضي �أي طرف �أن يو�صم به �أو ع���امل ال�سيا�س���ة الأمريكي من �أ�صل هن���دي ،فريد زكري���ا� ،أدت �إىل انتهاك مبد�أ �أن يكون �سبب ًا يف الت�شكيك بالأخذ مببد�أ التوافق م�ستقب ً االقت�ضاء. عند ال املواطنة املت�ساوية على امل�ستوى الفردي ،و�إىل التهمي�ش على امل�ستوى االجتماعي، فالأفراد الذين لي�ست لديهم قوى اجتماعية قوية ت�سندهم حرم���وا من كثري من االمتيازات الت���ي يح�صل عليها �أفراد الفاعلون ال�سيا�سيون احلاليون� ،سواء �آخ���رون ،وكذلك حرمت اجلماع���ات ال�ضعيفة وغري القوية من هم يف ال�سلطة �أو املعار�ضة يف البلد، من امل�شاركة يف ال�سلطة و�صناعة القرار.
ميار�سون لعبة البقاء يف احلكم ،وهي
�أم���ا بالن�سب���ة التف���اق �شباط/فرباي���ر 2009بني احلزب لعبة ميار�سها كافة الفاعلني يف بلدان العامل العربي .و�أجد من ال�صعوبة احلاك���م و�أح���زاب املعار�ض���ة ،ف�إن���ه جاء كخامت���ة مل�سل�سل توقع حتقيق تقدم مهم يف العملية طويل من التجاذبات ب�ي�ن الطرفني .فبعد انتخابات 2003 الدميقراطية مع ا�ستمرار هذه كان هن���اك توجهات عامة ،ترى �ض���رورة تنفيذ �إ�صالحات اللعبة ،وامل�صالح املرتبطة بها انتخابي���ة قبل االنتخاب���ات الرئا�سية واملحلي���ة عام ،2006 لتدارك جوانب الق�صور الفني يف قانون االنتخابات ،و�إزالة التناق�ض���ات ،وا�ستكم���ال اجلوانب الإجرائي���ة التي �أغفلها ع��ادل ال�ش��رجبي :يف ر�أيي �أن احلزب احلاك���م يف اليمن عمل طوال الفرتة القان���ون .ويف 18كان���ون الثاين/يناير 2006وقع امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام و�أحزاب املا�ضية على �إح���داث دميقراطية �شكليةً ،من خالل ت�أ�سي�س نظام انتخابي ي�ؤدي اللق���اء امل�شرتك اتفاق مبادئ لتنفيذ تو�صيات بعثة االحتاد الأوربي ،ووقعا اتفاق ًا �إىل �إع���ادة �إنت���اج النخبة احلاكم���ة ،عو�ض ًا ع���ن � ًأن ي�شكل �آلية حقيقي���ة للتداول �آخ���ر يف 11كان���ون الأول/دي�سم�ب�ر ،2006وقد ب���د�أ احل���وار يف � 19آذار/مار�س ال�سلمي لل�سلطةً .ومل ت�ؤ�س�س احلكومة نظاما �سيا�سيا يقوم على املواطنة املت�ساوية ،2007 ،وكان مق���رر ًا �أن يتم الت�صوي���ت النهائي على التعديالت يف جمل�س النواب ب���ل كر�ست نظاما يقوم على ًعالقات امل���واالة ،فقد بات اختيار ر�ؤ�ساء اجلامعات ي���وم � 18آب�/أغ�سط����س � ،2008إال �أن بع�ض �أع�ضاء كتلة �أح���زاب اللقاء امل�شرتك يتم وفق��� ً ومت أقدمية، ل وا الكفاءة على القائمة املناف�سة � أ ملبد ا وفق ال املواالة � أ ملبد ا يف الربمل���ان مل يح�ض���روا اجلل�سة ،ومل تق���دم �أ�سماء مر�شحيه���ا لع�ضوية اللجنة احتكار منا�ص���ب وكالء املحافظات والوكالء امل�ساعدين عل���ى النخب التقليدية ،العلي���ا لالنتخاب���ات� ،إذ ا�شرتطت الإفراج ع���ن الن�شطاء املعتقل�ي�ن للم�شاركة يف ومت تعيني �أفراد ال ميتلكون م�ؤهالت ر�سمية ت�ؤهلهم ل�شغل املنا�صب التي �شغلوها ،جل�س���ة جمل�س النواب املخ�ص�صة لإق���رار تعديل قانون االنتخابات .وقد اقرتحت ومت الت�ساه���ل يف تطبيق القانون على اجلماعات والنخ���ب القبلية التقليدية التي بع����ض املنظمات الدولية وبع����ض منظمات املجتمع املدين اليمني���ة �أن يتم ت�أجيل التقطع ،حفاظ ً تنته���ك القانون يف جمال ّ النخب تربط التي املواالة ���ة ق عال على ا االنتخابات خم�سة �أ�شهر ،و�إجرائها يف �شهر �أيلول�/سبتمرب � ،2009إال �أن احلزب القبلية بالنخبة احلاكمة. احلاك���م رف�ض هذه املقرتحات� ،إذ كان يرى �أن ت�أجيل االنتخابات ي�شكل اعرتاف َا وعل���ى م�ستوى عالقة الدولة باملجتمع ،عملت النخبة احلاكمة على التعتيم على ب�أزم���ة ،هي غري موجودة م���ن وجهة نظره ،لذلك فقد ح�سم �أم���ره بامل�ضي قدم َا �أعماله���ا وحج���ب املعلومات ع���ن املواطنني مبا يح���ول دون تفعيل ح���ق املواطنني يف الإع���داد لالنتخابات ،وتنفيذها �سواء مب�شاركة �أح���زاب املعار�ضة �أو من دون يف مراقب���ة امل�سئول�ي�ن العمومي�ي�ن وحما�سبته���م ،وقد تعاظم ذل���ك يف ظل تدين م�شاركتها ،ف�أعلن رئي�س الربملان يف جل�سة � 18آب�/أغ�سط�س 2008اال�ستمرار يف م�ست���وى ا�ستقالل الإعالم الر�سمي ،فهو �إعالم �أحادي البعد يُقدم للمواطنني ما التح�ض�ي�ر لالنتخابات وفق ًا للقان���ون ال�ساري ،ويف اليوم التايل � 19آب�/أغ�سط�س ُتري���د �أن تو�صل���ه احلكومة �إليه���م ،وال يو�صل �صوت املواطن�ي�ن �إىل احلكومة ،وال � 2008صدر قرار رئي�س اجلمهورية بت�شكيل اللجنة العليا لالنتخابات ،دون وجود ي�ساه���م يف تو�سيع النقا�ش الع���ام حول الق�ضايا ال�سيا�سي���ة ،فالربامج الإخبارية توافق حولها ،ومن ّثم بد�أت الأخرية يف تنفيذ مرحلة القيد والت�سجيل .وقد و�صفت حمدودة يف املحط���ات الإذاعية والتلفزيونية (الف�ضائي���ة والأر�ضية) ،ون�شراتها �أح���زاب اللقاء امل�شرتك هذا الق���رار بانقالب � 18أغ�سط����س ،و�أعلنت مقاطعتها الإخبارية على الرغم من �أنها طويلة� ،إال �أن معظم وقتها خم�ص�ص للحديث عن لالنتخاب���ات الت�شريعية ،ودعت �أع�ضائه���ا و�أن�صارها �إىل مقاطعة املرحلة الأوىل �أخب���ار احلكومة� ،أما الربامج احلوارية (ال�سيم���ا املبا�شرة) فال تناق�ش الق�ضايا من مراحل العملية االنتخابية ،املتمثلة يف عملية القيد والت�سجيل. الأ�سا�سي���ة الت���ي تهم املواط���ن ،و�إن فعلت ف�إن ال�ضيوف فيه���ا دائم ًا هم من كبار ويف � 23شباط/فرباي���ر ،2009وحت���ت �ضغ���وط داخلية وخارجي���ة ،مت التوافق املوظف�ي�ن احلكوميني� ،أو من اخلرباء واملثقفني املوال�ي�ن للحكومة ،وال ت�ست�ضيف ب�ي�ن امل�ؤمتر ال�شعبي الع���ام و�أحزاب اللقاء امل�شرتك عل���ى ت�أجيل االنتخابات �إىل املثقف�ي�ن واخل�ب�راء الذين يتبنون وجه���ة نظر نقدية جت���اه احلكومة ،ناهيك عن ني�سان�/أبري���ل ،2011فيم���ا بات ي�سمى باتف���اق فرباير .ورغم م���رور عام كامل 134
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
من���ذ �إبرام االتف���اق حتى الآن� ،إال �أن الطرفني مل يدخ�ل�ا يف عملية حوار حقيقي ح���ول بنود الإ�صالح التي �شمله���ا االتفاق ،وكل طرف يته���م الطرف الأخر بعدم اجلدية واملماطلة ،ولعل ما تبقى من فرتة ال تتيح الو�صول �إىل توافق حول �إ�صالح دميقراط���ي �شامل .مع ذل���ك� ،أعتقد �إن �إ�صالح النظ���ام االنتخابي والتحول نحو نظ���ام االنتخاب الن�سبي� ،سوف ي����ؤدي �إىل م�شاركة �أح���زاب املعار�ضة احلقيقية (ممثل���ة باللقاء امل�ش�ت�رك) يف االنتخابات الت�شريعية املقبل���ة ،الأمر الذي �سوف ي�ساه���م يف تخفي���ف االحتقان���ات ال�سيا�سية� ،إال �أن���ه لن ي�ؤدي �إىل ح���ل الأزمات ال�سيا�سية القائمة ب�شكل جذري.
امل�ستديرة
امل�ستديرة
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
ع��ادل ال�ش��رجبي :الأزم���ة ال�سيا�سي���ة الت���ي ت�شهده���ا اليمن حالي��� ًا والتي تب���دو �أنها �أزمة ح���ول االنتخابات ،ه���ي يف حقيقتها �أزمة ح���ول ق�ضايا الإ�صالح الدميقراطي .فمفهوم الدميقراطية املعا�صر يتجاوز دالالت مفهوم الدميقراطية الليربالي���ة التقليدي���ة ،الذي كان يركز عل���ى الإ�صالحات ال�سيا�سي���ة والقانونية، الت���ي من �ش�أنه���ا تكري�س نظام �سيا�سي يقوم على انتخاب���ات حرة ونزيهة ،بحيث بات ي�شم���ل حكم القانون ،وف�ص���ل ال�سلطات ،وحماية احلري���ات الأ�سا�سية ،ويف مقدمه���ا حرية التعب�ي�ر ،وحرية التجمع ،ف� ً ضال عن حماي���ة احلقوق ويف مقدمها احل���ق يف امللكية ،فالدميقراطية املعا�صرة متث���ل �آلية لتحقيق التقدم االجتماعي واالقت�ص���ادي ،وتو�سي���ع خيارات املواطن�ي�ن يف املجاالت ال�سيا�سي���ة واالجتماعية واالقت�صادية والثقافية.
مدارات �إ�س�تراتيجية :ما هو باعتقادكم م�صري اال�ستحقاقات الدميقراطية القادم��ة (االنتخاب��ات النيابي��ة يف ني�س��ان�/أبريل )2011يف ظ��ل الأزم��ة ال�سيا�س��ية القائم��ة ،وغي��اب احل��وار ب�ين الفرق��اء ال�سيا�سيني (ال�سلطة واملعار�ضة)؟ بيدنا نحن مع�شر اليمانيني �أن جنعل �أحمد الأ�ص��بحي :لي�س م�ست�ساغ ًا ،وال هو من احلكمة من م�ستجدات العامل الإقليمي والدويل يف �شيء �أن يرهن م�صري ا�ستحقاقات الدميقراطية القادمة الذي �أثارته متغريات الداخل اليمني -بغي���اب احل���وار وت����أزم العالق���ة ب�ي�ن ال�سلط���ة واملعار�ضة، عامل دفع لتعزيز جتربتنا الدميقراطية، ولي����س مت�ص���ور ًا �أن يقب���ل �أي م���ن الفرق���اء �أن يت�سب���ب يف وذلك بتجديد الثقة ابتدا ًء بني قوى �إعاق���ة االنتخاب���ات عن موعده���ا املقرر مرة �أخ���رى .فقد ال�سلطة واملعار�ضة ،وجت�سيد ثقافة نا�ضل اجلميع م���ن �أجل �أن يكون نظامن���ا ال�سيا�سي نظام ًا التحول الدميقراطي دميقراطي��� ًا تعددي ًا ،و� ّأ�صلوا لذل���ك يف الد�ستور والقوانني، وب���ات الأم���ر خي���ار ًا �شعبي��� ًا ال رجع���ة عن���ه ،و�أنّ ال�سلط���ة واملعار�ضة هما جناحا هذا النظام ال�سيا�سي الدميقراطي، وبغ����ض النظر عن ح�سابات الأرباح واخل�سائر احلزبية ،ف�إن �إجراء االنتخابات وال���ذي ل���ن يتمكن من التحلي���ق يف ف�ضاءات التنمي���ة ال�شاملة والبن���اء امل�ؤ�س�سي لدولتنا الفتية �إ ّال بهذين اجلناحني مع ًا ،الأمر الذي ي�ستدعي من جناحي النظام دون وج���ود توافق وطني حول الق�ضايا الكربى ،ل���ه �آثار �سلبية على املدى البعيد. تغليب احلكمة ،ومعاودة احلوار اجلاد وامل�س�ؤول ،فلي�س ثمة م�ستحيل يف االهتداء فتغيي���ب املعار�ضة ال�شرعية والد�ستورية ع���ن ال�ساحة ال�سيا�سية� ،سوف ي�سهم يف �إىل ح���ل ه���ذه الإ�شكالي���ة على من ي�ستح�ض���رون م�صلحة الوط���ن ،وميثلون بحق تكري����س التحول نحو نظام احلزب الواحد والأحادية احلزبية غري املعلنة ،وتغدو �ضم�ي�ر ال�شع���ب ،و�إن اقت�ضى ذلك �إقدام كل من الطرف�ي�ن على تقدمي التنازالت التعددي���ة ال�سيا�سية جمرد تعددي���ة �شكلية ،ال ت�سهم يف بن���اء جتربة دميقراطية مهم���ا ب���دت جمحفة يف حقه ،لكنها تهون من �أجل الوط���ن ،وهو احلق الأكرب ،بل فاعلة ،ب���ل تنتج دميقراطية قا�صرة عن حتقيق �أهدافه���ا ،وتعطيل مبد�أ التداول وحت�سب لهذا الطرف �أو ذاك ،ويعظم يف قلوب املواطنني .فالتقاء الفرقاء -وما ال�سلم���ي لل�سلطة ،وجمود النخب���ة احلاكمة ،وبالتايل ال�شلل والرك���ود ال�سيا�سي. ه���م بفرقاء -على ت�صور م�شرتك ي�سعفون به ما تبقى من الزمن الق�صري هو ما كم���ا �أنها �ست�ؤدي �إىل وج���ود دميقراطية �صورية متكن احل���زب احلاكم والنخبة يحافظون به على ثقة ال�شعب و�أمله بهم ،ويدركون �أنّ �أبواب االنفراج لن ت�سد يف االجتماعي���ة املتحالف معها من التحكم يف العملي���ة الدميقراطية .و�سوف يف�سح وجه ال�شعب و�ستظل ُم�شرعة �أمامه ،فهو الأبقى ،وهو -يف نهاية املطاف -الأقدر املج���ال للمعار�ض���ة االنف�صالية لدى بع����ض اجلماعات اجلنوبي���ة ،و�سوف يخلق عل���ى جتاوز الأزمات واملحن مهما كلفه ذلك من ثم���ن ،والوطنيون ومن ر�شحهم حال���ة من ال�شعور املتزايد لدى املواطنني يف عموم حمافظات اجلمهورية بالي�أ�س الق���در قادة فكر ور�أي وحكمة ال يفوتون الفر�ص ،وال يتقاع�سون حتت وط�أة املراء م���ن �إمكانية التغيري االجتماع���ي وال�سيا�سي ال�سلمي ،وبالت���ايل اللجوء للخيارات العنيفة يف التغيري ،ورمبا عاود احلوثيون متردهم وحربهم �ضد الدولة يف �صعدة والأنانية عن �أداء مهامهم الوطنية يف اللحظات احلا�سمة. وتد�ش�ي�ن حرب �سابعة �ضد الدولة ،و�سوف ي�ؤدي �إىل تنامي حالة عدم اال�ستقرار �إله��ام مان��ع :بالن�سب���ة يل �أظ���ل م�ؤمنة ب�أهمي���ة عقد االنتخاب���ات النيابية يف ال�سيا�س���ي التي تعي�شها اليمن .فال�صراع���ات القائمة هي �إفراز لعدم و�ضع حلول ني�سان�/أبريل ،2011رغم الأزمة ال�سيا�سية القائمة يف اليمن ،وغياب احلوار بني توافقي���ة للم�ش���كالت الوطني���ة ،فما ي�سم���ى باحلراك اجلنوبي يرج���ع �إىل فر�ض ال�سلط���ة واملعار�ضة .هذا ال يعني �أين غ�ي�ر مدركة لطبيعة املحاذير واملثالب التي احل���زب احلاكم لتوجهاته عل���ى املناطق اجلنوبية بعد ح���رب �صيف عام ،1994 ت�شوب التجربة القائمة يف بالدنا� .إىل يومنا هذا ،مل تتمكن االنتخابات الربملانية وع���دم �إجراء م�صاحل���ة وطنية ،وكذلك احلروب الت���ي �شهدتها حمافظة �صعدة الت���ي عقدت منذ عام 1993من حتقي���ق الهدف الأ�سا�سي من �إج���راء �إنتخابات ال�شمالي���ة ب�ي�ن اجلي�ش واملتمردين احلوثي�ي�ن ،متثل واحدة م���ن النتائج الفرعية دوري���ة� ،أعني �إمكانية حما�سب���ة امل�س�ؤولني ومعاملتهم على �أنه���م �أي�ض ًا م�سئولون لتل���ك احلرب ،حيث ترجع �إىل التحالف���ات التكتيكية التي نفذها احلزب احلاكم �أم���ام القانون .غياب هذا العن�صر يظهر الطبيعة ّ اله�شة لتجربتنا الدميقراطية .قب���ل تلك احلرب ،و�إع���ادة ر�سم اخلارطة ال�سيا�سية من خ�ل�ال التحالف مع قوة لكني �أراهن على الزمن ،وعلى املجتمع املدين اليمني احلي ،الذي يف حال تطوره �سيا�سي���ة �أو اجتماعية لإق�ص���اء نخبة �سيا�سية �أو اجتماعي���ة ،وبعد حتقيق هدفه بال�ص���ورة التي نراها اليوم �سيمكنه مع الوقت �أن ي�صحح من م�سار هذه التجربة يقوم ب�إق�صاء اجلماعة التي كان متحالف ًا معها ،وهكذا. اليمنية. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
135
املائدة
املائدة
والتغي�ي�ر الدائم يف التحالفات ال�سيا�سية ،وت�شجي���ع االنق�سامات احلزبية ،هي �سيا�س���ة كلف���ت الدولة كلف���ة مالية عالية ،الأم���ر الذي ترتب علي���ه تزايد انت�شار الفق���ر ،ف� ً ضال عن كلفتها االجتماعية الت���ي متثلت يف �إعاقة ا�ستكمال بناء الأمة، وتنام���ي �شعور �أبناء املحافظات اجلنوبي���ة بالتمييز ،و�أن الوحدة كانت عبارة عن �إحل���اق و�ض���م ،وما ترت���ب عليه من تنام���ي الأعمال االحتجاجي���ة يف املحافظات اجلنوبي���ة منذ ع���ام ،2007وبروز بع�ض اجلماعات املطالب���ة باالنف�صال ،ومترد ما ي�سمى بجماعة ال�شباب امل�ؤمن (احلوثيني) يف حمافظة �صعدة ،والتي خا�ضت �ستة حروب �ضد اجلي�ش منذ عام .2004 باخت�ص���ار� ،إن الأزمة ال�سيا�سية التي ت�شهده���ا اليمن حالي ًا والتي تتجلى بع�ض مظاهره���ا يف التمرد عل���ى الدولة والدع���وة �إىل االنف�ص���ال ،ويف �أزمة الإ�صالح االنتخابي ،ه���ي يف حقيقتها �أزمة حول ق�ضايا الإ�ص�ل�اح الدميقراطي ،فاحلزب احلاك���م والنخبة االجتماعية التقليدي���ة املتحالفة معه ،ت�سعى �إىل �صياغة جتربة دميقراطي���ة �شكلية ،تقت�صر على ت�أ�سي�س منظمات كالربملان املنتخب ،والأحزاب ال�سيا�سية ،وتنفيذ عمليات انتخابية ،تعيد �إنتاج النخبة احلاكمة ذاتها ،وال ت�ؤدي �إىل ت���داول �سلم���ي لل�سلط���ة ،وقد �صاغت قان���ون االنتخابات مبا يت���واءم مع هذه الدميقراطي���ة ال�شكلية ،فقانون االنتخاب���ات القائم على الدوائر ال�صغرية ،ميثل �آلية لإعادة �إنتاج النخبة احلاكمة ،عو�ض َا عن �أن يكون �آلية لتنظيم عملية التداول ال�سلمي لل�سلطة. حمم��د الظاه��ري :بداية نذك���ر �أن الدميقراطية لي�ست �إج���راءات و�أ�شكا ًال وانتخاب���ات ,وهي �أو�سع من �أن نختزلها يف انتخاب���ات دورية تعقد يف فرتة زمنية حم���ددة ,فم���ن �أهم القي���م الدميقراطية وج���ود الت�سامح ال�سيا�س���ي جتاه الآخر ال�سيا�س���ي �أو الفك���ري ,ووجود تداول �سلم���ي لل�سلطة ,ووجود ن���وع من االعرتاف بالآخر ,ووجود ثقافة تبادل الأدوار بني ال�سلطة واملعار�ضة. �إن انتخابات ع���ام 1993النيابية كانت �أول انتخابات �أجريت بعد قيام الوحدة عل���ى �أ�سا����س ت���وازين ,لأن الدميقراطية �أي�ض ًا تق���وم على الت���وازن ,وهى �أف�ضل انتخاب���ات ج���رت يف اليم���ن ,حتى م���ع علمن���ا �أن ه���ذا الت���وازن كان ي�ستند �إىل التقا�س���م ويركن �إىل امل�ؤ�س�سة الع�سكرية .ورغم ما يح�سب للتجربة الدميقراطية يف اليم���ن �أن االنتخاب���ات كانت تعق���د يف مواعيدها املحددة؛ لك���ن الإ�شكالية �أن ه���ذه االنتخابات �إىل الآن مل ت� ِؤت ُ�أكلها ,كما �أنها حتولت �إىل غاية بد ًال من كونها و�سيلة لتحقيق حياة �شريفة وكرمية ,و�إيجاد ا�ستقرار �سيا�سي� ,إذ ال تزال ثقافتنا ال�سيا�سية �أقرب �إىل ثقافة التعيني والتزكية. عط ثمارها ,و�أ�صبح���ت �أداة للتحايل ال�سيا�سي ,لأننا �إذ ًا فه���ذه االنتخابات مل ُت ِ لدين���ا يف اليمن �إجراءات دميقراطية ,ولي�س���ت لدينا قيم دميقراطية ,وهذه هي الإ�شكالية احلقيقية ال�سائدة� .إ�ضافة �إىل عدم وجود م�ؤ�س�سات حديثة ,فنحن لدينا عب���اءات م�ؤ�س�سية �أكرث من كونها فع ًال وجوه���ر ًا م�ؤ�س�سي ًا� .إن م�صري االنتخابات النيابية القادمة امل�ؤجلة �إىل ني�سان�/أبريل ,2011م�ص ٌري جمهول ,ف�إما �أنه �سيتم متدي���د املُمدّد �أو ت�أجيل امل�ؤجل ,وبالتايل تفقد هذه االنتخابات مربر وجودها� ,أو �أن عدم اال�ستقرار ال�سيا�س���ي يتحول �إىل عدم ا�ستقرار اجتماعي ,فتدخل اليمن جمتمع ًا ودولة ونظام ًا �سيا�سي ًا -مرحلة انت�شار احلروب وانك�شاف اليمن جتاهاخلارج ،فتغيب “احلكمة اليمانية” وتتفرق �أيادي �سب�أمن جديد ! �أم���ا غياب احل���وار بني فرقاء العم���ل ال�سيا�سي (ال�سلط���ة واملعار�ضة) .فيمكن الق���ول �إن ا�ستق���راء م�س�ي�رة احل���وار (احلزبي -احلزب���ي) هو �أق���رب �إىل حوار الطر�ش���ان ,فاملح���زن �أن الثقاف���ة اليمني���ة من �سماته���ا �أنها ثقافة غ�ي�ر حوارية 136
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
داخلي ًا ,فاليمني���ون ال يتحاورون كيمنيني لكنهم يتحاورون مع الأجانب والغرباء, �أما تعامل اليمني مع �أخيه اليمني ف�إنه يتم عرب حوار البنادق ,لأن الثقة منعدمة بينهم ،وثقافة ال�شك وعدم امل�صداقية هي ال�سائدة يف احلياة ال�سيا�سية اليمنية. ويف ه���ذا ال�ص���دد ,يتعني الت�أكيد على حاجة اليمنيني للتح���اور مع �أنف�سهم ,فيما بينه���م ,لأن احل���وار هو الأ�صل ,والقطيع���ة هي اال�ستثناء ,كم���ا �أن �أهمية احلوار تزداد حينما تتكاثر الأزمات وتزداد الأخطار. يتعني العمل على رد االعتبار والثقة �إىل احلوار ك�آلية حلل التباينات واخلالفات ب�ي�ن القوى ال�سيا�سي���ة املت�صارعة .فاحلوار ينبغي �أن يك���ون على م�ستويني ,حوار حزب���ي – حزب���ي ث���م حوار حزب���ي -جمتمعي .مبعن���ى ال�سعي لأن يك���ون احلوار �شعبي��� ًا� ,أي �أننا نحتاج �إىل �أن يغ���دو احلوار جمتمعي ًا و�شعبي ًا .كما �أنه يتعني عدم اخت���زال احل���وار يف مو�ض���وع االنتخاب���ات ,لأن اقت�صار احلوار عل���ى االنتخابات و�آلياته���ا وجلنتها �سيكون حوار ًا على �أعرا�ض الأزم���ة ولي�س على جذورها ،وهذا �سي�ؤدي �إىل تهدئة الأزمة وت�سكينها دون حلها من جذورها. عل���ى اجلمي���ع �أن يعرتف ب����أن الوطن اليمن���ي حتيط به خماطر جم���ة ,ويتعني ال�سع���ي لت�سيي���ج اجلبهة الداخلي���ة لنتمكن م���ن الت�صدي للأخط���ار اخلارجية. �إنن���ا مع احل���وار املثمر املُ�س ّيج بالثقة وامل�صداقي���ة ال�سيا�سية .احلوار الذي ي�صل بال�سفينة اليمانية �إىل بر الأمان. م��دارات �إ�س�تراتيجية :م��ا هو ت�أث�ير العامل الإقليم��ي والدويل يف م�سار التجربة الدميقراطية باليمن ،وهل يعد عامل دفع للتجربة �أم كابح لها ،ال�س��يما يف ظل الأزمات الأخرية التي جعلت اليمن م�س��رح ًا لتدخالت �إقليمية ودولية متعددة الأطراف؟ حمم��د الظاهري� :إن احلديث عن ت�أث�ي�ر العامل الإقليمي والدويل يف م�سار التجرب���ة ال�سيا�سية يف اليمن ه���و يف جوهره حديث عن عالق���ة اليمن مبحيطها اخلارج���ي؛ حي���ث يالح���ظ �أن توج���ه اليمنيني نحو اخل���ارج وحماكات���ه قد �شكل ظاه���رة يف التاريخ ال�سيا�س���ي اليمني ,القدمي ,واحلدي���ث ,واملعا�صر .فاليمنيون كث�ي�ر ًا ما يولون وجوههم وعقوله���م نحو اخلارج ,بل وي�سع���ون �إىل حتكيم الآخر اخلارج���ي� ,س���واء �أكان هذا الآخ���ر �أ�شخا�ص ًا �أو �أف���كار ًا و�أيديولوجي���ا� .إذ تت�سم الثقافة اليمنية يف بع�ض �أبعادها ب�أنها ثقافة حتكيمية ,تثق باخلارجي والبعيد يف مقاب���ل ال�شك بالأخ والقريب! بل �إن اليم���ن ال تت�أثر باخلارج (حتكمي ًا وحماكاة) فح�س���ب ،و�إمنا متار�س جتاه هذا اخلارجي ما ميك���ن ت�سميته مبفهوم “ال�ضيافة ال�سيا�سي���ة”؛ �إذ ت�ست�ضيف هذا اخلارج���ي مبا يحمله من �أفكار و”ب�ضاعة” رغم عوز البيئة اليمنية وافتقارها “للرتبة ال�صاحلة” واملهيئة ال�ستنبات هذه الأفكار وا�ستزراعها ب�أر�ض اليمن ال�سعيدة. ب���ل ميك���ن الت�أكي���د هنا عل���ى �أن اليمني�ي�ن ال يكتف���ون ,يف حماكاته���م للخارج والغري���ب ,با�ست�ضافته ال�سيا�سية فح�سب ,بل �إنهم كثري ًا ما يثقون فيه ,وي�ستندوا �إلي���ه ,ويقوم���ون بتحكيم���ه يف م�ش���كالت وق�ضاي���ا (ميني���ة -ميني���ة)؛ وما جلوء اليمني�ي�ن �إىل اخلارج� ,سواء �أثناء حمادثات الوح���دة اليمنية (قبل قيامها) منذ �سبعيني���ات الق���رن الع�شري���ن وحتى قيامه���ا يف � 22أيار/ماي���و 1990؛ �أو �أثناء ما ع���رف ب�أزمة االنف�صال �أو حرب �صي���ف 1994؛ �إذ تدخل يف الأزمة (كو�ساطات) ووفود فرن�سية ,وعُ مانية ,و�أردنية .كما �أن بع�ض القيادات ال�سيا�سية املتنازعة قد زارت بع�ض العوا�صم العربية مثل القاهرةَّ ,وعمان ,وم�سقط؛ يف حماولة للتحكيم يف ق�ضي���ة (مينية -مينية) داخلية� .أما اجلول���ة ال�ساد�سة من حرب �صعدة التي �سعدن���ا ب�إعالن �إيقاف العمليات الع�سكري���ة فيها ،لأنه مبثابة �إيقاف لنزيف الدم
اليمن���ي؛ فقد ك�شف���ت انك�شاف اليمن واليمنيني جتاه ت�أث�ي�ر اخلارج واالنفعال به وما م�ؤمتر لندن وما �سيتلوه يف �أواخر �شباط/فرباير من م�ؤمتر يف الريا�ض ,ويف �آذار/مار�س املقبل اجتماع ما ي�سمى بلقاء “جمموعة �أ�صدقاء اليمن”� ،إال بع�ض �شواهد هذا اال�ستنتاج. �صحي���ح �أن تدويل الق�ضايا املحلية �أ�صبح جزء ًا من �إدارة الأزمات وال�صراعات الدولي���ة .كما �أننا نعي����ش يف ع�صر �صناعة “الفزاعات” و�إع���ادة �صناعة العدو, �إال �أن م���ن ال�صحيح �أي�ض ًا �أن للأجنبي م�صاحله و�أجندته التي لي�ست بال�ضرورة تتف���ق مع م�صاحلن���ا و�أجندتنا ,و�إن كنا ندرك �أننا �أي�ض��� ًا نعي�ش يف ع�صر القرية الكونية الواحدة ,واالعتماد املتبادل بني الأمم وال�شعوب .ويف هذا ال�سياق ,يتعني التذكري والتنويه �إىل �أن انعقاد م�ؤمتر لندن بتاريخ 27كانون الثاين/يناير 2010 ال���ذي ناق�ش بع����ض �أزمات اليمن ما هو �إال �شاهد على تدوي���ل الق�ضايا والأزمات اليمني���ة .فم���ا حدث ويحدث يف اليمن مل يع���د �ش�أن ًا ميني ًا ,بل غ���دا �ش�أن ًا �إقليمي ًا ودولي��� ًا .واخلط���ورة هنا �أن اليمن حا�ض���رة على امل�ست���وى الإقليمي والدويل عرب �أحداثه���ا و�أزماته���ا ,ولي�س عرب اجنازاته���ا ومنتجاتها .ويف ه���ذا ال�صدد ,ميكن الق���ول �إنن���ي ل�ست مع �أولئ���ك الذين يرددون مق���والت “�إذا كان بيتي يحرتق فلن �أ�س����أل ع���ن جن�سية رجال املطاف���ئ” ،بل �أقول دون مواربة�“ :إنن���ي مع بقية �أبناء وطن���ي للتغيري م���ن الداخل من �أجل وط���ن خال من الف�ساد والظل���م ,وطنٌ ينعم بدولة احلق والعدل والقانون”. �أحمد الأ�ص��بحي :يتوق���ف اتخاذ الق���وى والأنظمة الإقليمي���ة والدولية لأي موق���ف �إزاء �أي دولة عل���ى جملة من العوامل التي يتحدد عل���ى �ضوئها مدى ت�أثر م�صاحلها �سلب ًا �أو �إيجاب ًا ،وبيد �أي دولة م�ستهدفة �أن جتعل من جبهتها الداخلية موجه��� ًا �أ�سا�سي ًا للت�أثري اخلارجي عليها يف االجتاه الإيجابي ،وهذا ما ا�ستطاعت بالدن���ا -بفع���ل الإدارة الناجح���ة للعملي���ة الدميقراطي���ة � -أن حتدث���ه وانعك�س يف �ص���ورة تق���دم ملمو�س يف عالقته���ا باملحيط�ي�ن الإقليمي وال���دويل ،واكت�سبت احرتام اجلمي���ع حني ان�ضبطت ال���دورات االنتخابية الربملاني���ة الثالث ال�سابقة يف مواعيده���ا ،وحني �أجريت االنتخاب���ات الرئا�سية واملجال����س املحلية بدورتيها ال�سابقت�ي�ن .وح�ي�ن ا�ست�ضافت بالدنا �أكرث م���ن م�ؤمتر ،و�أكرث من ن���دوة �إقليمية ودولي���ة حول حوار الثقافات واحل�ضارات ،وح���ول الدميقراطية وحقوق الإن�سان، وح�ي�ن تبنت بالدنا �أكرث من مبادرة عربية لإ�صالح جامعة الدول العربية و�إعادة ترتي���ب �أو�ضاع البيت العربي ،وحني ُح ّل���ت �إ�شكاليات احلدود بني بالدنا وكل من اململك���ة العربي���ة ال�سعودي���ة و�سلطنة عمان ودول���ة �أرترييا ،الأم���ر الذي عزز من الأم���ن الإقليمي وغريها مم���ا ا�شتملت عليه العملي���ة الدميقراطية من تفاعالت ن�شط���ة وحراك فكري و�سيا�سي ،ا�ستحقت بالدنا بذلك كله �أن تغدو مركز �إ�شعاع دميقراطي يف املنطقة. �إنّ ه���ذا الزخم ال���ذي �أك�سب اليمن مكان���ة مرموقة لدى الأ�شق���اء والأ�صدقاء طر�أت عليه يف الآونة الأخرية متغريات يف ال�ساحة الداخلية غلب عليها بروز خلل يف �إدارة العملية الدميقراطي���ة ت�صاعدت معها اخلالفات ،و�سادت �أجواء التوتر يف العالق���ة ب�ي�ن ال�سلط���ة واملعار�ضة ،وتراف���ق ذلك مع �أعمال التم���رد يف �صعدة و�إ�شكالي���ات احلراك يف بع����ض املحافظ���ات اجلنوبية ،ون�شاط �إره���اب القاعدة و�أعمال التقط���ع واالختطافات من حني لآخر ،ناهيكم عن انعكا�س �سلبيات ذلك عل���ى الو�ضع االقت�ص���ادي والتنموي ..وقد ترتب على ه���ذه املتغريات حدوث قلق �إقليم���ي ودويل عُ برّ عنه بانعقاد م�ؤمتر لندن يف نهاي���ة �شهر كانون الثاين/يناير م���ن العام اجل���اري ،والتح�ضري النعقاد م�ؤمتر الريا����ض يف نهاية �شباط/فرباير م���ن هذا العام ،فالق���وى والأنظمة الإقليمية والدولية الت���ي يهمها �أمن وا�ستقرار
امل�ستديرة
امل�ستديرة
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
اليم���ن ،ق���د تداعت �إذ ًا مل�ؤمت���ري لندن والريا����ض �سعي ًا لتفادي تفاق���م الأو�ضاع االقت�صادي���ة والأمني���ة وال�سيا�سية يف الداخل اليمن���ي ،بح�سبها كذلك مت�س �أمن وم�صالح هذه القوى والدول على ح ٍّد �سواء. وعلي���ه ،ف�إن���ه بيدنا نح���ن مع�ش���ر اليمانيني �أن جنع���ل من م�ستج���دات العامل الإقليم���ي والدويل -ال���ذي �أثارته متغريات الداخل اليمن���ي -عامل دفع لتعزيز جتربتنا الدميقراطية ،وذلك بتجدي���د الثقة ابتدا ًء بني قوى ال�سلطة واملعار�ضة، وجت�سي���د ثقافة التح���ول الدميقراطي� ،س���واء يف �إطار التكوين���ات الداخلية لكل ح���زب وتنظيم عل���ى حدة� ،أو يف �إط���ار العالقات البينية للأح���زاب �أو يف اجلهد امل�شرتك مع خمتلف امل�ؤ�س�سات املعنية بالتن�شئة ال�سيا�سية والرتبوية واالجتماعية والثقافية للإرتقاء بالوع���ي العام لدى عموم املواطنني باحلقوق والواجبات� ،إىل م�ست���وى ي�شعر في���ه املواطنون والأجيال الواع���دة باالقتدار ال�سيا�س���ي يف الت�أثري الإيجابي الفاعل واملتفاعل مع العمليات املجتمعية ال�شاملة ،والتمكن من مواجهة خمتل���ف التحديات ،وامل�شاركة يف م�س�ؤوليات النهو�ض الوطني ال�شامل ،والت�سليم من قبل اجلميع ب�أن ق���در �شعبنا وقواه ال�سيا�سية واالجتماعية ومنظمات املجتمع امل���دين هو الت�ضامن والتكافل والتواد والت�سامح ،وجعل وطننا واحة حب و�سالم، أمان ال مو�ض���ع فيه للتباغ�ض والتقاطع والتناحر ،وطن يلتقي الكل على �أر�ضه يف � ٍ ورخ���اء ،ير�س���ون بناء �ص���رح جمتمع متما�س���ك كالبنيان املر�صو����ص ي�شد بع�ضه بع�ض��� ًا ،ويعي�ش���ون جتربته���م الدميقراطية يف كن���ف التفاهم والتع���اون واملودة، وي�صنعون حياة حرة كرمية تتعزز باالعتدال والو�سطية ،والت�سامح والإقرار بحق الآخري���ن ومبب���د�أ �شرعية االخت�ل�اف ،و�أدب االختالف ،واحرتام ال���ر�أي والر�أي الآخ���ر ،وتبني اال�ستمرار يف الإ�صالحات ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية وتفعيل الهيئة العليا ملحاربة الف�ساد ،وا�شتغال اجلميع يف حماربة الف�ساد؛ فالف�ساد دمار التنمية وخ���راب العم���ران ،والإلتفات �إىل تكري�س العمل يف مي���دان التنمية الب�شرية .و�إذ ذاك �ستتب���دد كل االحتم���االت التي تذهب �إليها تكهنات احلال���ة امل�أزومة ،وتزول كل املخاوف التي تتوقعها التحليالت الظنية يف �أن تغدو اليمن م�سرح ًا لتدخالت �إقليمية �أو دولية ،ف�إنّ مين احلكمة والإميان مهما تعر�ضت للأزمات ف�إنها تو�شك على الإنفراج. عادل ال�شرجبي� :أرى �أنه من ال�سذاجة القول ب�أن امل�شاريع الدولية وحتديد ًا امل�ش���روع الأمريكي للإ�صالح يف اليمن نابع من توجه �إن�ساين خال�ص ،و�أنه تعبري ع���ن التزام �إن�س���اين و�أخالقي ،فهو بالت�أكيد مدف���وع مب�صلحة �أمريكية ،مع ذلك فم���ن ال�شوفينية والدوجماطيقية �أن نقول ب�أنه ال يحقق �أي تقدم يف اجتاه حتقيق م�صال���ح املواطنني اليمني�ي�ن �إذا طبق ب�أ�سلوب منهجي عق�ل�اين مالئم ،غري �أن تنفيذ هذا الربنامج �سيواجه برف�ض �شديد من قبل النخبة احلاكمة ،التي �سوف تتعام���ل مع���ه تعام ًال انتقائي ًا ،بحي���ث تتقبل اجلوانب ال�شكلية في���ه ،وتلك التي ال ت�ؤدي �إىل تداول �سلمي لل�سلطة ،و�ستقبل بالتنازل عن بع�ض م�صاحلها .يف املقابل �س���وف تتنازل الواليات املتحدة عن الق�ضايا التي حتقق م�صالح املواطن اليمني، و�ست�ص���ر على الق�ضايا التي حتقق م�صاحلها ،وهو ما يبدو وا�ضح ًا من التناق�ض املنهج���ي يف بني���ة امل�شروع (الأمريك���ي) ،فبينم���ا يطالب ب�إ�صالح���ات اقت�صادية هيكلي���ة ،ف�إن���ه يطالب بتغي�ي�رات جزئي���ة وبطيئة اجتماعي��� ًا و�سيا�سي��� ًا وثقافي ًا، و�سيخ�ض���ع امل�شروع يف الأخري للتفاو�ض والت�سوي���ة بني الإدارة الأمريكية والنخبة احلاكم���ة ،بحيث يتالقيان عند �إهمال دور اجلماهري ،وتنفيذ �إ�صالحات م�شوهة يغل���ب عليها الطابع ال�شكلي ،ال حتقق �أهداف املجتمع ،الأمر الذي يجعل املواطن اليمني واقع ًا بني “قمع الداخل وظلم اخلارج”. فالتحول الدميقراطي احلقيقي الذي يحرر املواطنني ويحقق �أهدافهم يتطلب ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
137
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
امل�ستديرة
املائدة
املائدة
عادل ال�ش��رجبي� :إن تقييم الدميقراطية وا�ست�شراف م�ستقبلها يف اليمن، يتطل����ب بداية �أن نع����رف الدميقراطي����ة ،ونحدد �أهدافه����ا ووظائفه����ا و�آلياتها. فالدميقراطي����ة هي نظ����ام �سيا�سي يقوم على ملكية ال�شع����ب لل�سلطة ،يف جمتمع تنظ����م فيه عملي����ة الو�ص����ول �إىل القوة (ال�سلط����ة ،الرثوة والهيب����ة االجتماعية) وفق���� ًا ملب����د�أ التناف�س ،ال وفق ًا للمكان����ة االجتماعية املوروث����ة .يف �ضوء ذلك ،ف�إن الدميقراطي����ة متث����ل و�سيل����ة �أو �آلي����ة لإدارة ال�ص����راع االجتماع����ي والتوفيق بني امل�صالح ال�سيا�سية ،عرب التداول ال�سلمي لل�سلطة �أو تقا�سمها ،ولي�ست غاية بحد ذاته����ا ،وبالتايل ف�إن عملي����ة التحول الدميقراطي هي عملي����ة حتول منهجي من جمتم����ع الوراث����ة �إىل جمتمع املواطنة املت�ساوية ،الذي يق����وم على عقد اجتماعي (د�ست����ور) ينظ����م العالقة ب��ي�ن املواطنني بع�ضهم م����ع البع�ض الأخ����ر ،والعالقة بينه����م وب��ي�ن الدولة ،وفق���� ًا ملب����ادئ امل�س����اواة ،والتعددية، وتكاف�����ؤ الفر�����ص ،ويعرتف بحق����وق املواطن��ي�ن يف التجمع م�ستقبل التجربة الدميقراطية يف والتنظي����م والتعب��ي�ر ع����ن �أ�صواته����م بحرية ،وجه����از دولة اليمن وجناحها مرهون بح�ضور يكفل �إنفاذ القانون ،يحمي حق����وق الأفراد ،وينظم عملية �إرادة �سيا�سية تنت�صر على مكبالتها التناف�����س وفق ًا ملبادئ العقد االجتماع����ي والأطر القانونية واحتبا�سها ،بحيث يتم االنتقال من ً وعظ الفا�سدين �إىل حما�سبتهم املكمل����ة له ،ووفقا لإج����راءات قانونية يث����ق املواطنون بها، وعقابهم يف �إطار املحا�سبة وال�شفافية وجه����از ق�ضائ����ي م�ستقل يف�ص����ل يف النزاع����ات التي تقوم وحكم القانون ,واالعرتاف باملعار�ضة ب��ي�ن املواطنني بع�ضهم مع البع�����ض الأخر ،والتي تقوم بني ال�سيا�سية وح�ضور احلكم امل�ؤ�س�سي املواطنني والدولة.
�سلطة م���ن �سلطات الدولة ،ويحقق توازن �سلطات الدول���ة ،ويحول دون ممار�سة ب�شكل تع�سفي� ،أو حرم���ان املواطنني من الأف���راد الذي���ن ي�شغلون مواقع ال�سلط���ة ٍ حقوقهم ال�سيا�سية وحرياتهم املدنية. �إله��ام مان��ع� :أ�ستطيع اجل���زم ب�أن العام���ل الأقليمي وال���دويل ال ينف�صل عن املعطي���ات والأزم���ات الداخلية يف اليمن .فاحل���رب القائمة يف �صع���دة �أ�صبحت �ش�أن ًا �إقليمي ًا ،وانت�شار املد الوهابي ال�سلفي ،ووجود ب�ؤر لتنظيم القاعدة الإرهابي �أدخ���ل اليم���ن يف دائرة احلرب الدولية القائمة �ض���د الأرهاب .يف الواقع �أنا على قناعة ب�أن عالج هذه الأزمات الداخلية يتطلب تعاون ًا ميني ًا مع الأطراف الأقليمية والدولية� .إدماج اليمن يف جمل�س التعاون اخلليجي �أراه �ضروري ًا كي يتمكن اليمن من تطوير هياكله الإدارية واالقت�صادية والرتبوية وال�صحية ب�صورة تتما�شى مع �إحتياج���ات ال�شعب اليمني ،وتقطع الطريق يف الوقت ذاته �أمام املتطرفني الذين ُيجريون الفقر وان�سداد الأفق �أمام املواطن اليمني ل�صالح �أهدافهم. ه���ذا العالج يتطلب �أي�ض ًا التعامل مع الآزمات القائمة يف اجلنوب و�صعدة على �أنه���ا �إنعكا�س ملطالب اجتماعي���ة و�شعبية حقيقية ،ولي�ست افتع���ا ًال ،و�أن التحدي الفعل���ي ه���و �إيجاد حلول �صادقة له���ذه املطالب وتلبيتها قب���ل �أن تخرج عن نطاق ال�سيط���رة .و�أخ�ي�ر�أ ،التع���اون الأمن���ي م���ع الواليات املتح���دة ال يعن���ي جتاهل �أن التط���رف يتغ ّذى عل���ى الفقر واجلهل ،و�أن مواجتهه ت�ستل���زم خطة تنموية �شاملة يتحتم على املجتمع الدويل امل�شاركة يف متويلها ،وعلى احلكومة اليمنية �أن تلتزم بعدم �إهدار تلك الأموال ب�سبب الف�ساد امل�ست�شري يف الدوائر احلكومية. مدارات �إ�س�تراتيجية :كيف تنظرون �إىل م�ستقبل عملية /جتربة التحول الدميقراطي يف اليمن ،وما هي �أهم �إيجابيات و�س��لبيات هذه التجربة ،وهل �س��يتمكن الفاعلون ال�سيا�س��يون احلاليون يف البلد من 138
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
وبالنظ����ر �إىل عملية التح����ول الدميقراطي التي �شهدتها اليمن منذ عام ،1990فقد مت �صياغة د�ستور (رغم النواق�ص التي يعانيها) يفي باملبادئ العامة للد�ساتري الدميقراطية ،وعلى م�ستوى الواقع �شهدت البالد حتو ًال باجتاه احرتام ن�سبي لبع�ض احلريات الدميقراطية ،ومنها حرية التنظيم ،حيث ي���زاول 22حزب ًا وتنظيم ًا �سيا�سي��� ًا ن�شاط ًا قانوني ًا ،وقد نفذت اليمن ثالث دورات انتخابي���ة برملانية ودورت���ان انتخابيتان رئا�سيتان ودورت���ان انتخابيتان حمليتان. وعل���ى الرغم م���ن �أهمية ه���ذه التح���والت �إىل �أن الدميقراطي���ة اليمنية ال زالت ناق�ص���ة ،ومل حتق���ق �أهدافها ،يف حت�س�ي�ن �أحوال املواطن�ي�ن ،وحتقيق اال�ستقرار ال�سيا�س���ي ،بل على العك�س متام ًا ،فقد تزام���ن مع التحول الدميقراطي تزايد يف مع���دالت انت�شار الفق���ر ،وعدم اال�ستق���رار والعنف ال�سيا�س���ي ،وانت�شار الإرهاب املوجه نحو الداخل واخلارج ،واحلروب الأهلية. لي�س���ت الدميقراطي���ة م�سئول���ة عن هذه الأو�ض���اع ب�أي حال من الأح���وال� ،إمنا امل�سئول عنها هو الطريقة والأ�سلوب الذي نفذت به التحوالت الدميقراطية ،حيث اقت�ص���رت عملية التحول الدميقراطي على املجال ال�سيا�سي ،ومل ت�شمل املجاالت االجتماعي���ة والثقافي���ة واالقت�صادي���ة ،ب���ل على العك����س تعاظم حتي���ز توجهات النظ���ام ال�سيا�س���ي للنخب االجتماعي���ة التقليدي���ة ،وبرامج التنمي���ة التي نفذت واجل���اري تنفيذها ،ت�صب يف �صاحله���ا ،ومل ي�ستفيد منها املواطن���ون العاديون. فقد مت التحول نح���و دميقراطية عقيمة تقف عند حدود احلريات ،وال تتجاوزها �إىل جم���ال احلقوق ،وبالتايل فهي تعجز عن حتقيق �أهدافها ،بل ال ت�ستطيع �أداء وظائفها الأ�سا�سية ،فف� ً ضال عن عدم حتقيق هدف التداول ال�سلمي لل�سلطة ف�إنها مل ت�ستط���ع �ضم���ان املواطنة املت�ساوية ،واحرتام حق���وق املواطنني الأ�سا�سية ،ومل تعمل على تكري�س التعددية ال�سيا�سية احلقيقية (ولي�س التعددية التنظيمة) ،ومل ت�ستطع حتقيق ال�شعور بالأمن لدى املواطن.
امل�ستديرة
تنفي���ذ عملية �إ�صالح �شامل ،مبا ي�ضمن التحول نح���و جمتمع املواطنة املت�ساوية، ف�ل�ا يكفي �أن يكون امل�سئولون العموميون منتخبون حتى يو�صف النظام ال�سيا�سي ب�أن���ه نظ���ام دميقراطي ،ب���ل ينبغي �إح���داث �إ�ص�ل�اح ت�شريعي يكر����س امل�ساواة، و�إ�صالح اقت�صادي ميكن جميع املواطنني من الو�صول �إىل املوارد ،وي�ؤ�س�س لنظام اقت�صادي يقوم على حرية ال�سوق واملناف�سة الكاملة ،ويح�ضر على �شاغلي املواقع ال�سيا�سية ممار�سة الأعمال التجارية واملقاوالت ،و�إ�صالح �سيا�سي ميكن اجلميع من امل�شارك���ة يف �إدارة ال�ش�أن العام ،ومن مراقب���ة ت�صرفات احلكام وم�سائلتهم وحما�سبته���م ،و�إ�صالح اجتماعي وثقايف يكر�س م���ا ي�سمى مبجتمع الثقة ،ويطور ر�أ�س املال االجتماعي ،يقوم على تنظيمات اجتماعية �إدماجية ،Inclusiveمتكن اجلمي���ع من امل�شاركة يف خمتلف �أن�شطة املجتمع ،و�إ�صالح م�ؤ�س�سي يكفل الف�صل ب�ي�ن ال�سلط���ات ومتايزها وتوازنه���ا ،واحليلولة دون تركيزه���ا ،وو�ضع حدود لكل
حتقيق تقدم مهم يف العملية الدميقراطية؟
والفكري واملذهبي ,وال تت�سامح جتاهه! �إ�ضافة �إىل �إ�شكالية ا�ستنزاف �شرعية الوحدة دون االنتقال �إىل �شرعية االجناز والأداء .واخل�شي���ة هنا من نفاذ املخ���زون العاطفي لدى ال�شع���ب اليمني الواحد, فتغدو الوحدة اليمنية يف خطر حمدق وحقيقي .كما �أن من مواطن �ضعف التجربة اليمنية ركون “النهج الدميقراطي اليمني” �إىل ثقافة �أهل ال�سيف ,و�شيوع ظاهرة االقتت���ال وا�ستمرار احلروب اليمنية -اليمنية ,وكراهية امل�ؤ�س�سية لدى املمار�سني ال�سيا�سي�ي�ن اليمنيني وغياب ثقافة الت���داول ال�سلمي لل�سلطة ,وعدم تبادل الأدوار و�ضعف املعار�ضة ال�سيا�سية وح�صارها. �إن م�ستقب���ل التجربة الدميقراطي���ة يف اليمن وجناحها مره���ون بح�ضور �إرادة �سيا�سي���ة تنت�ص���ر عل���ى مكبالته���ا واحتبا�سه���ا ،بحي���ث يت���م االنتق���ال من وعظ الفا�سدي���ن �إىل حما�سبتهم وعقابهم يف �إطار املحا�سبة وال�شفافية وحكم القانون,
�إله��ام مانع :بر�أيي �أن امل�ستقبل يعتمد علين���ا .نحن� .إذا �إ�ستمرت الأمور على حاله���ا اجل���اري ف�إن التجرب���ة الدميقراطية ل���ن ت�ستمر ،بل لن �أ�ستغ���رب �إذا ما و�صلن���ا �إىل مرحلة نعيد فيه���ا �أ�سلوب االنتخابات ال���ذي كان جاري ًا قبل الوحدة، انتخاب���ات بال نتائج .لكن ا�ستمرار الأمور على ما ه���و عليه الآن لن ي�ؤدي �إال �إىل حتقي���ق ال�سيناريو الأول الذي توقعه التقرير العربي للتنمية الب�شرية لعام ،2004 وال���ذي �أ�سماه بالكارثة القادم���ة ،لأن بقاء احلال على ما هو عليه �سيتمخ�ض عنه �إنفجار الأزمات القائمة حالي ًا ب�صورة ي�صعب معها ال�سيطرة على الأمور ،وب�شكل قد يهدد كيان الدولة القائم حالي ًا ووحدتها. الفاعل���ون ال�سيا�سيون احلاليون� ،سواء من هم يف ال�سلطة او املعار�ضة يف البلد، ميار�سون لعبة البقاء يف احلكم ،وهي لعبة ميار�سها كافة الفاعلني يف بلدان العامل العرب���ي .و�أجد من ال�صعوبة توقع حتقيق تقدم مه���م يف العملية الدميقراطية مع ا�ستم���رار هذه اللعب���ة ،وامل�صالح املرتبطة به���ا .كي يحدث مثل هذا التقدم ،يتوجب يف الواقع �أن ي�ؤمن ه�ؤالء الفاعلون الدميقراطية اليمنية ال زالت ناق�صة، بجدوى التجربة الدميقراطية و�أن ي�ؤمنوا ب�أهدافها ،وهو ما ومل حتقق �أهدافها يف حت�سني �أحوال �أ�ستبعده.
املواطنني ،وحتقيق اال�ستقرار ال�سيا�سي، بل على العك�س متاماً ،فقد تزامن مع التحول الدميقراطي تزايد يف معدالت انت�شار الفقر ،وعدم اال�ستقرار والعنف ال�سيا�سي
حمم��د الظاه��ري� :إذا كان ل���كل جترب���ة �سيا�سي���ة مواط���ن ق���وة ,ومواطن �ضعف فيمكن الق���ول �إن ثمة جوانب قوة (�إيجابيات) للتجرب���ة اليمنية ،وباملقابل هناك مواطن �ضعف (�سلبيات) لهذه التجربة اليمنية .فمن �أهم �إيجابيات التجربة ال�سيا�سية اليمنية ومواطن قوتها: �إن اليم���ن ق���د عرفت �أول جتربة برملاني���ة نزيهة ن�سبي ًا,وحتدي���د ًا االنتخاب���ات النيابي���ة الت���ي �أجري���ت يف ني�سان�/أبري���ل ع���ام ،1993 واالنتخاب���ات الرئا�سي���ة الأخرية ع���ام 2006والتي ات�سم���ت مبناف�سة وا�ضحة، حي���ث جعلت بع�ض املراقبني (�س���واء �أكانوا عرب ًا �أم �أجان���ب) ال يخفون �إعجابهم وا�ستغرابه���م من قي���ام تعددية حزبي���ة وانتخابات يف جمتمع يو�ص���ف بالتقليدية والقبلية. قي���ام احلكومات اليمنية املتعاقبة بدعوة مراقبني دوليني ملراقبة االنتخابات,�سواء �أكانت برملاني���ة �أو انتخابات رئا�سية وحملية ،فهي انتخابات تحُ اكي اخلارج دون خوف �أو تخ ّفي. ً ويف ه���ذا ال�سياق ,ميك���ن التنوي���ه والتذكري والتحذي���ر معا ب�أن الوط���ن اليمني املوحد مل يعد يحتمل الف�ساد والظلم والوحدة مع ًا؛ فالواقع االجتماعي وال�سيا�سي مل يع���د مهيئ ًا لقبول الوحدة دون دميقراطية ,لأنهما �أ�صبحتا وجهني لكيان وطني ميني دميقراطي واحد .فال دميقراطية مع ت�شطري وانف�صال ,وال وحدة مع ف�ساد وا�ستب���داد .كما يتعني التذكري ب�أن ات�س���اع الوطن اليمني بعد توحيده يعد من �أهم م�صادر �شرعية النخبة احلاكمة القائمة ,وبالتايل ف�إن كلفة حماولة تهمي�ش النهج الدميقراط���ي �أو تغييب���ه قد ي�ؤدي على املدى املتو�س���ط والطويل �إىل متزيق الوطن وجتزئت���ه ,وهذا يفرت�ض �أال يقب���ل به احلاكم الذي يعت�ب�ر املحافظة على الوحدة اليمنية من �أهم املنجزات التاريخية حلكمه. �أم���ا �أهم مواطن �ضعف التجربة اليمنية (�سلبياتها) فتتمثل يف �أنها دميقراطية ترك���ن �إىل توازن اجتماعي ُم�سي�س ,حيث تت�س���م البيئة املجتمعية اليمنية بالتنوع, �إال �أن ه���ذا التنوع كثري ًا ما ي�ستقطب وي�سي����س يف ثنائيات نزاعية ت�ساهم يف عدم اال�ستق���رار ال�سيا�سي واالجتماعي .كما �أن ه���ذه التجربة (�أو التوجه الدميقراطي اليمن���ي) ي�ستند �إىل ثقافة ث�أرية ا�ستبعادية تفتقر �إىل االعرتاف بالأخر ال�سيا�سي
واالع�ت�راف باملعار�ض���ة ال�سيا�سية وح�ضور احلكم امل�ؤ�س�س���ي ,وا�ستقالل الق�ضاء, واالنتق���ال من ال�شع���ار �إىل املمار�سة ,ومن النظر �إىل الوظيفي���ة العامة من كونها للحكمة مغنم ًا �إىل �أنها مغن ٌم ومغر ٌم مع ًا .ف�إذا ح�ضر كل مما �سبق نكون قد �أعدنا العمراين اليماني���ة اعتبارها ,وللدولة اليمنية قوته���ا ,وللمجتمع اليمني ا�ستقراره و�سعادته. في�صلح الأمر من كل جانب. �أحمد الأ�ص��بحي :ال�شك �أنّ حر�ص جميع الق���وى ال�سيا�سية واالجتماعية يف ال�ساحة الوطنية عل���ى الإلتزام بالنهج الدميقراطي التعددي الذي ارت�ضاه �شعبنا بكل فئاته و�شرائحه وقواه ال�سيا�سية واالجتماعية وث ّبتوه حق ًا �أ�سا�سي ًا يف الد�ستور، وف�صل���وه يف القوان�ي�ن ،وذهب���وا ميار�س���ون ه���ذا احلق عل���ى �أ�سا�س م���ن التجربة ّ واخلط�أ ،وما جنم عنها من خربة مكت�سبة ،ف� ً ضال عما حتقق من معرفة تراكمية، والتف���ات �إىل �ضرورة ن�شر ثقافة التحول الدميقراطي؛ كل ذلك يجعلنا ننظر بعني الأمل والتفا�ؤل �إىل �صناعة م�ستقبل �أكرث تفاع ًال و�إثراء ًا للتجربة الدميقراطية. ولق���د �أ�ش���رت يف مداخالتي الث�ل�اث �آنف���ة الذكر ب�ص���ورة �أو ب�أخ���رى �إىل �أهم �إيجابي���ات و�سلبيات التجرب���ة الدميقراطية ،و�أنّ ما يعت���ور التجربة من معوقات، وم���ا يحدث فيها من �سلبيات ال ت�شينها ،وال توقف امل�سرية الدميقراطية ،بل تدعو اجلمي���ع �إىل تنظي���م جهودهم ملواجهته���ا ،والعمل على جتاوزه���ا و�إ�صحاح م�سار احلي���اة الدميقراطية .وكلنا �أم���ل يف �أن يعقد الفاعل���ون ال�سيا�سيون احلاليون ك ٌل عل���ى ح���دة ،م�صارحة مع ال���ذات �أو ًال ،وعق���د مراجعة مو�ضوعي���ة لتقييم الو�ضع الراه���ن ،ومدى �إ�سهامه يف ما يجري يف ال�ساحة الوطني���ة �سلب ًا و�إيجاب ًا ،وحتديد موا�ض���ع اخللل ،لي�سهل على اجلميع بعد ذل���ك تبني مطالب امل�ستقبل ،وعقد حوار وطني ج���اد وم�سئول يف�ضي �إىل عقد اجتماعي يتواثق���ون عليه ،ويبنون براجمهم امل�ستقبلية التي يحققون بها تقدم ًا متميز ًا يف العملية الدميقراطية. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
139
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
ب�صراحــة
�سج ــال
اليمن وطموحــــــــــــها اخلليجي
1 ال بديل عن ان�ضمام اليمن ملجل�س التعاون مثل��ت الدورة ال�س��ابعة ع�ش��ر مل�ؤمتر القمة اخلليج��ي املنعقد بالعا�ص��مة القطرية الدوح��ة يف كانون الأول/ دي�سمرب 1996نقطة حتول رئي�سية يف عالقة اليمن بدول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية ،حيث تقدمت اليمن ولأول مرة ب�ص��ورة ر�س��مية بطلب االن�ض��مام �إىل جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية على الرغم من مرور �س��تة ع�ش��ر �سنة منذ ت�أ�س��ي�س املجل�س يف � 25أيار/مايو ،1981و�إن كان ت�أخر اليمن يف طلب االن�ضمام �إىل املجل�س ال يعني بال�ضرورة �أن اليمن كانت زاهدة يف ع�ضوية املجل�س خالل الفرتة املا�ضية.
من�صور علي الب�شريي وعلى الرغم من رف�ض دول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية طلب اليم���ن لالن�ضم���ام �إىل املجل�س املق���دم يف قمة الدوح���ة ب�صورة قطعية ومبا�ش���رة ،لك���ن الأمور تغريت يف ال�سن���وات القليلة املا�ضي���ة� ،إذ �أقرت قم���ة م�سقط الثانية والع�شرين لقادة دول جمل�س التعاون اخلليجي عام 2001ا�ستيع���اب اليمن ب�صورة تدريجي���ة يف البيت اخلليجي ،من خالل االن�ضم���ام �إىل ع�ضوية كل من مكتب الرتبية وال�صحة والعمل وال�ش�ؤون االجتماعي���ة ودورة ك�أ�س اخللي���ج� ،أ�ضف �إىل ذلك الق���رارات الالحقة يف ال�سن���وات التالي���ة والتي �أق���رت ان�ضم���ام اليمن �إىل هيئ���ة التقيي�س اخلليجية ،ومنظمة اخلليج لال�ست�شارات ال�صناعية ،واحتاد ال�صحافة اخلليجية ،الأمر الذي ميهد الن�ضمام اليمن �إىل بقية منظمات وهيئات املجل�س التخ�ص�صية. ويرج���ع التغري يف املوقف اخلليجي جت���اه اليمن �إىل عدد من الأ�سباب واملتغريات الداخلي���ة واخلارجية و�إن كان �أبرزه���ا التوقيع على اتفاقية تر�سي���م احلدود مع اململكة العربي���ة ال�سعودية يف حزيران/يونيو ،2000 والت���ي �أنهت قرابة 60عام ًا من ال�ص���راع اخلفي بني اليمن وال�سعودية، وم ّهدت الطريق ال�ستئناف ال�سعودية دعمها لليمن بعد قطيعة ا�ستمرت ع�شر �سنوات كاملة. �إن عملية ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي قد خلقت جد ًال وا�سع��� ًا يف �أو�ساط املفكرين و�صناع القرار لي�س يف اليمن فح�سب ،و�إمنا يف منطقة اجلزيرة واخلليج واملنطق���ة العربية نظر ًا لأهمية وح�سا�سية 140
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ه���ذا املو�ض���وع بالن�سبة لكل م���ن اليمن ودول جمل����س التعاون اخلليجي على حد �سواء .وميكن اخت�صار ذلك اجلدل يف وجهتي نظر رئي�سيتني: الأوىل ،وه���ي الأع���م والأ�شم���ل ،تنطلق م���ن �أهمية ان�ضم���ام اليمن �إىل جمل����س التع���اون ل���دول اخللي���ج العربي���ة نظر ًا مل���ا يربط اليم���ن بدول املجل����س من عالقات وروابط م�شرتكة� ،س���وا ًء يف اجلوانب االقت�صادية �أو اجلوان���ب ال�سيا�سي���ة والأمني���ة واالجتماعي���ة� ،إىل جان���ب املكا�س���ب الت���ي �ستجنيها كل من اليمن ودول اخلليج ج���راء عملية االن�ضمام� .أما وجهة النظر الثانية ف�ت�رى ا�ستحالة ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليج���ي ،و�إن كان امل�ؤيدين لها �أقلية �سوا ًء يف اليمن �أو يف دول اخلليج العربية ،وميكن القول �أن �أغلب مقوالتها تنبع من معطيات �صحيحة من الناحي���ة النظري���ة ،وتنطلق من اختالف النظ���ام ال�سيا�سي اليمني عن الأنظمة ال�سيا�سية اخلليجية� ،إىل جانب الفوارق االقت�صادية والتنموية الكبرية بني اجلانبني. من ناحية ثانية ،وبتقييم م�ستوى االجنازات مل�سرية التعاون اخلليجي خ�ل�ال 29عام��� ًا هي عم���ر جمل�س التع���اون اخلليجي ،ي���رى العديد من الباحث�ي�ن املهتم�ي�ن بال�ش�أن اخلليج���ي �أن جمل�س التع���اون لدول اخلليج العربية منظم���ة فا�شلة على امل�ستوى التنم���وي وميكن اعتبارها منظمة �سيا�سي���ة قائمة بعوام���ل خارجية ولي�س وفق معطي���ات حملية نابعة من م�صال���ح م�شرتكة للدول املكونة للمجل�س ،وعليه ف�إنه من الأجدى لليمن البحث عن منظمة �إقليمية �أخرى لالن�ضمام �إليها ،و�أن تعزيز عالقاتها من�صور الب�شريي باحث ميني .يعمل حالي ًا مدير ًا عام ًا للدرا�سات االقت�صادية بوزارة التخطيط والتعاون الدويل.
الثنائية مع دول املجل�س �ست�ؤمن لليمن احتياجاتها ومتطلباتها التنموية التي ترجوها من �سعيها لالن�ضمام �إىل املجل�س. وم���ع �صحة الأ�س�س واالفرتا�ضات الت���ي بنى عليها كل طرف ر�ؤيته من عملية ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي� ،إال �أننا نرى �أهمية، ب���ل �ض���رورة ان�ضمام اليمن �إىل ه���ذا الكيان الإقليمي ،نظ���ر ًا ملا يربط اليمن ودول اخلليج العربي���ة من روابط الن�سب والدين واللغة والعادات والتقالي���د امل�شرتكة والتاريخ امل�شرتك ،والت���ي بدورها جتعل من اليمن وحميطها اخلليجي وحدة ثقافية واقت�صادية واجتماعية واحدة� .أ�ضف �إىل ذل���ك ،املكا�سب االقت�صادي���ة والأمنية التي �ستجنيه���ا اليمن ودول اخلليج العربية على حد �سواء من عملية االن�ضمام. واحلال �أن ان�ضمام اليمن �إىل ع�ضوية جمل�س التعاون اخلليجي يحتل �أهمي���ة �إ�سرتاتيجية كبرية بالن�سبة لليمن ،نظر ًا ملا ميكن �أن يحققه من فوائ���د اقت�صادي���ة وتنموية عديدة لليم���ن ،بل ميكن الق���ول �أن اندماج االقت�ص���اد اليمني يف حميط���ة اخلليجي يعد �أحد �أه���م �أبرز التوجهات التنموي���ة التي ينبغي �أن تنتهجها احلكومة اليمنية يف م�سريتها التنموية خالل الفرتة املقبلة� ،إىل جانب توجهاتها التنموية الرئي�سية املتمثلة يف زيادة معدالت النمو االقت�صادي وتنويع م�صادره والتخفيف من الفقر، ويرجع ذلك �إىل عدد من العوامل �أهمها: .1النم���و ال�سكاين الكبري الذي تعاين منه اليم���ن ،والذي يفرز مئات الآالف م���ن الق���وى العامل���ة الداخل���ة �سنوي��� ًا �إىل �سوق العم���ل اليمني، وب�ص���ورة تف���وق �إمكاني���ات االقت�صاد املحل���ي على ا�ستيعابه���م وتوفري فر����ص العم���ل الكافية له���م� .إذ ت�شري العدي���د من التقاري���ر احلكومية �إىل دخ���ول ح���وايل � 200ألف فرد جدي���د �إىل �سوق العم���ل �سنوي ًا ،يوفر اجله���از احلكومي ما ب�ي�ن � 12 – 10ألف فر�صة عم���ل �سنوية ،فيما يوفر القط���اع اخلا�ص عدد ًا حمدود ًا من فر�ص العمل ،وبالتايل ف�إن ما يولده االقت�ص���اد الوطني �سنوي ًا من فر�ص عم���ل �أقل بكثري من عدد الداخلني اجلدد �إىل �سوق العمل ،مبعنى وجود �إ�ضافات �سنوية ومتتالية من القوى العامل���ة �إىل �صفوف العاطل�ي�ن .وت�شري تلك التقاري���ر �إىل بلوغ معدالت البطال���ة ب�شقيه���ا ال�صريحة واجلزئية حوايل %35م���ن �إجمايل القوى العامل���ة يف االقت�صاد ،وترتفع يف الفئة العمرية � 25 - 15سنة �إىل حوايل .%53وبن���ا ًء عليه ف�إن ان�ضم���ام اليمن �إىل جمل�س التعاون لدول اخلليج العربي���ة كفي���ل بحل جزء كب�ي�رة من م�شكل���ة البطالة يف اليم���ن� ،سوا ًء م���ن خالل ال�سماح للعمالة اليمني���ة باالنتقال �إىل ال�سوق اخلليجية التي تعاين من نق�ص حاد يف العمالة الوطنية ،وزيادة تدفق العمالة الأجنبية
(الآ�سيوي���ة) وما �أحدثته من خلل يف الرتكيب���ة ال�سكانية لدول املجل�س، حيث �أ�صبح ال�سكان املحليون يف بع�ض دول اخلليج العربية ميثلون �أقلية داخ���ل بلدانه���م ( %20يف الإم���ارات %21 ،يف قط���ر %34 ،يف الكويت) وه���ذا الو�ضع ميثل خط���ورة م�ستقبلية على �أم���ن وا�ستقرار هذه الدول. كم���ا ميك���ن �أن ي�ساهم ان�ضمام اليمن �إىل جمل����س التعاون اخلليجي يف ح���ل م�شكلة البطالة من خالل زي���ادة اال�ستثمارات اخلليجية يف اليمن، وما يرتتب على ذلك من زيادة معدالت الت�شغيل يف االقت�صاد. .2حمدودي���ة �إمكاني���ات اليمن املالي���ة والتقنية الت���ي ت�ؤهلها لإحداث نه�ض���ة تنموية �شاملة ت�ساه���م يف التخفيف من حدة امل�ش���اكل التنموية الكب�ي�رة التي تع���اين منها اليمن ،وعل���ى ر�أ�سها الفق���ر والأمية ،وتدين م�ست���وى اخلدمات العامة ،وبالتايل ف�إنه ال غن���ى لليمن عن الإمكانيات املالي���ة اخلليجي���ة للخروج م���ن �أزماتها املتداخلة ،وميك���ن �أن يتم ذلك م���ن خالل قيام ال���دول اخلليجية بتمويل م�شاري���ع التنمية التي تنفذها احلكومة يف القطاعات االقت�صادية املختلفة. .3تدين معدالت النمو االقت�صادي املتحققة خالل ال�سنوات املا�ضية. ويف هذا ال�سي���اق ،ف�إن الدعم اخلليجي املبا�شر� ،إىل جانب توجيه جزء من اال�ستثمارات اخلليجية نحو اال�ستثمار يف اليمن كفيل برفع معدالت النمو االقت�صادي وحت�سني م�ستويات الدخول الفردية يف اليمن وحتقيق الأه���داف التنموية املن�شودة ،مع العل���م �أن االقت�صاد اليمني يحتوي يف داخله على الكثري من الفر�ص اال�ستثمارية املجدية واملغرية لر�أ�س املال اخلليجي. � .4إن ارتباط ال���دول اخلليجية مبنطقة جتارة حرة منذ الثمانينيات، وباحت���اد جمرك���ي منذ الع���ام ،2003يعني الدخول �ضم���ن �سوق واحدة ومفتوح���ة ،وبالتايل ف����إن ان�ضمام اليم���ن �إىل ع�ضوية جمل����س التعاون �سيمث���ل فر�ص���ة كبرية لليم���ن لال�ستفادة م���ن �إمكانيات وق���درات هذا ال�سوق ،من خالل زيادة قدراتها الإنتاجية الداخلية ويعزز من مقدرتها التناف�سي���ة ،مع العلم �أن دول جمل�س التع���اون لدول اخلليج العربية تعد ال�س���وق اخلارجية الرئي�سية ال�ستيعاب ال�صادرات اليمنية غري النفطية واملتمثلة يف املنتجات الزراعي���ة وال�سمكية ،كما متثل ال�شريك التجاري لليمن يف جمال الواردات. من ناحية �أخرى ،ميكن الق���ول �أن ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون ل���دول اخللي���ج العربية ميث���ل �إ�ضافة نوعي���ة بالن�سبة ملفه���وم الأمن يف منطق���ة اخلليج مبا له م���ن انعكا�سات على الأمن ال���دويل� .إذ �أن املوقع اجلغرايف لليمن ميثل �أهمي���ة ا�سرتاتيجية للأمن اخلليجي ،كونه ميكن ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
141
مدار الأفكار
�سجال
اليمن وطموحــــــــــــها اخلليجي �أن ي�سهم يف حل العديد من امل�شاكل اجليوبوليتيكية التي قد تعاين منها جت���اه منطقة اخللي���ج� ,أو قد تكون م�صدر القل���ق الأ�سا�سي لها؛ وعليه, ال���دول اخلليجية ،وعل���ى ر�أ�سها ت�أمني خط �آمن لنق���ل النفط اخلليجي ف����إن ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية ,ودخولها بعي���د ًا عن م�ضيق هرمز ,والتهديدات الإيرانية املتكررة ب�إغالق م�ضيق يف منظوم���ة �أمنية موحدة مع الدول اخلليجي���ة �سيعزز من قدرة اليمن هرمز ,وذلك من خالل مد �أنابيب النفط من مناطق الإنتاج يف اخلليج الأمنية مبا لها من انعكا�سات �إيجابية على الأمن الإقليمي والدويل. العربي �إىل ال�سواحل اليمنية على بحر العرب واملحيط الهندي. و�إىل جان���ب املخاط���ر الأمني���ة ال�سابقة ,هناك خماط���ر �أمنية �أخرى وقد �أ�سهم���ت الأحداث الأخرية التي �شهدتها كامن���ة تته���دد املنطق���ة ,وتتمث���ل يف التوجهات املنطق���ة العربية �إبت���دا ًء من �أح���داث احلادي الأمني���ة الأمريكي���ة الرامي���ة �إىل تكري����س ع�ش���ر من �أيل���ول� /سبتم�ب�ر ,2001وم���ا تالها وجوده���ا الع�سكري يف املنطقة و�سعيها الدءوب من ح���رب عل���ى حرك���ة طالب���ان والقاعدة يف لإح���داث تغي�ي�رات يف الت���وازن الإقليمي ,ومبا �أفغان�ستان ,وانتها ًء باالحتالل الأمريكي للعراق يخ���دم م�صالح حليفته���ا �إ�سرائي���ل .وبالتايل, يف م�ضاعفة املخاط���ر الأمنية التي تعاين منها ف����إن احلاج���ة ما�س���ة �إىل انخ���راط اليم���ن يف املنطقة و�أمنه���ا الإ�سرتاتيج���ي ,و�أهمها تزايد املنظوم���ة اخلليجية ك���ون اليم���ن ,و�إن كان يف خطر احلركات الأ�صولية ,وعلى ر�أ�سها تنظيم اخلان���ة التنموية املتدني���ة� ,إال �أنه ميتلك مزايا ان�ضمام اليمن �إىل املجل�س بات ومقوم���ات �إ�سرتاتيجي���ة يف املنطقة �أهمها ثقله القاعدة ,وال���ذي ي�سعى �إىل �إخراج من دعاهم �ضرورة اقت�صادية ملحة ،وو�سيلة ً بال�صليبي�ي�ن (الأم�ي�ركان ,والأوربي�ي�ن) م���ن ال�سكاين ,وموقعة اجلغرايف الفريد .ف�ضال عن مهمة لتعزيز فر�ص النمو اجلزي���رة العربي���ة ,وحترير مناب���ع النفط من �أن اجلرمية يف عامل اليوم مل تعد حم�صورة يف والتنمية يف اليمن وما يرتتب لال�ستقرار تعزيز من عليها �سيطرتهم. بلد معني ,ومل يعد �أي �إقليم مبن�أى عن خماطر اليمن يف أمني ل وا ال�سيا�سي كما �أن تعزيز وحماي���ة امل�صالح االقت�صادية اجلرمي���ة املنظمة العابرة للح���دود يف �صورها ولذلك �سواء، حد على واملنطقة وال�سيا�سية والأمني���ة للمنطقة لن يتحقق ما مل العادي���ة �أو الإرهابي���ة ،ويربز يف ه���ذا اجلانب احلكومة على ينبغي إنه � ف يكن هناك تن�سيق كامل وعلى م�ستوى رفيع بني خط���ر االجتار باملخ���درات ,وبالأخ�ص القادمة اليمنية م�ضاعفة جهودها اجله���ات الأمنية اليمني���ة واخلليجي���ة يف تتبع م���ن �أفغان�ست���ان ,والت���ي م���ن املمك���ن �أن مت���ر لتحقيق هذا الهدف ه���ذا اخلطر واحل���د من �آث���اره ،خ�صو�ص��� ًا �أن ع�ب�ر ال�سواحل اجلنوبية لليم���ن باجتاه منطقة هناك من يرى �أن ال�سواحل اليمنية متثل �أقرب اخللي���ج ,مم���ا يتطلب تعاون��� ًا �أمني��� ًا عالي ًا بني ً ً الطرق من باك�ستان �إىل دول اخلليج العربي ,و�أكرثها �أمنا نظرا ل�ضعف الأجهزة الأمنية يف املنطقة. القدرات الأمنية اليمنية يف ال�سيطرة على ال�سواحل اليمنية الطويلة. ويف الأخ�ي�ر ميكن القول �إن ان�ضمام اليم���ن �إىل منظومة دول جمل�س ً ً و�إىل جان���ب م���ا �سبق ،ميث���ل اليمن همزة الو�صل ب�ي�ن منطقة اخلليج التع���اون اخلليج���ي ال �شك �أنه �سي�ضيف عامال مهم���ا �إىل معادلة الأمن والق���ارة الأفريقية .وبالذات دول الق���رن الأفريقي التي تعاين من عدم واال�ستق���رار يف �شبه اجلزي���رة العربية ,ويعمل على تعظيم م�صالح دول اال�ستقرار واحلروب الأهلية امل�ستمرة ،وتعاين اليمن من التدفق الكبري املجل�س واليمن مبا يعزز مكا�سبها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية لالجئ�ي�ن الأفارقة من القرن الأفريق���ي ,والذين يرون يف اليمن حمطة والثقافية .كما �أن �أن ان�ضمام اليمن �إىل املجل�س بات �ضرورة اقت�صادية ترانزيت �أ�سا�سية يف طريق هجرتهم �إىل الدول اخلليجية الغنية والدول ملح���ة ،وو�سيلة مهمة لتعزيز فر����ص النمو والتنمية يف اليمن وما يرتتب الأوربي���ة� .أ�ضف �إىل ذلك تزاي���د عمليات القر�صنة من قبل املجموعات عليه���ا من تعزيز لال�ستق���رار ال�سيا�سي والأمني يف اليمن واملنطقة على وامللي�شيات ال�صومالية يف هذا اجلزء الإ�سرتاتيجي من العامل .وبالتايل ,حد �سواء ،ولذلك ف�إنه ينبغ���ي على احلكومة اليمنية م�ضاعفة جهودها ف����إن اليمن قد تكون احلاجز الأمني الأ�سا�سي �أمام الهجرات الأفريقية لتحقيق هذا الهدف. 142
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2 ل ُننحي م�س�ألة االن�ضمام جانب ًا �ير من الكتاب واملتخ�ص�ص�ين وال�سيا�س��يني اليمنيني وبع���ض اخلليجيني ينافحون هنا وهن��اك عن «حتمية» كث ٌ فك��رة ان�ض��مام اليم��ن �إىل جمل���س التع��اون لدول اخللي��ج العربي��ة يف الأمد املنظ��ور ،ذلك بالطب��ع على �أكرث ا�س��تبطاء .وتلك املنافحة تظل -بال ريب � -أمر ًا حمموداً ,و�أمنيات يتوق كل خمل�ص على اجلانبني التوقعات ً لتحققها .ولكن البع�ض يجهل �أو رمبا يتجاهل الكثري من املعطيات املو�ض��وعية التي حتيط بتلك امل�س���ألة على �أكرث من �صعيد ,وتفر�ض بالتايل �إعادة التفكري يف ذلك النهج من الطروحات “الب�سيطة”.
�سامي حممد ال�س َّياغي معل���وم �أن عالق���ات «التع���اون» بني ال���دول و�إن كان���ت يف حاجة دائمة بطبيعته���ا الإن�ساني���ة � -إىل �شحنات عاطفية تُبق���ي على وهج جذوتهامتق���د ًا ودافئ ًا� ,إ ّال �أنها قطع��� ًا ال ت�سري �إىل الأمام اتكا ًال على ذلك االتقاد والدفء فح�سب .فامل�صالح تبقى بطبيعتها “الرباجماتية” هي القاطرة الفعلية لذلك امل�سري على الدوام. م���ن هذا املنطل���ق ,وت�أ�سي�س ًا على ر�ؤية نقدية ل���دى الكاتب لكث ٍري مما َي ِ���رد من ر�ؤى و�أف���كار حول م�س�ألة ان�ضمام اليم���ن للمجل�س وفق الت�صور النمطي املط���روح على ال�ساح���ة اليمنية بالذات ,ميك���ن لل�سطور التالية �أن حت���اول �إع���ادة توجيه التفكري يف تلك امل�س�ألة وف���ق منظور مغاير نراه �أك�ث�ر واقعي��� ًة ,و�أعمق ت�أثري ًا يف خدم���ة امل�صلحة الوطني���ة لليمن ,ورمبا يك���ون �أي�ض ًا �أكرث قبو ًال لدى الطرف اخلليجي املعني ابتدا ًء بتحريك تلك امل�س�ألة �إىل الأمام. املنظ���ور املغاي���ر �سالف الذك���ر يقوم عل���ى عدة معطي���ات مو�ضوعية ميك���ن �أن ت�ؤ�س����س – م���ن وجهة نظ���ر الكات���ب – لقناع���ات واقعية لدى �أط���راف العالقة ,مبا يف�ض���ي يف نهاية املط���اف �إىل تطويرها وتعزيزها خدم ًة مل�صاحلهم���ا الإ�سرتاتيجية ,ولآجال زمني���ة طويلة قد تُثمر يف �أي وق���ت حتقق هدف االندماج/التكامل بينهم���ا وفق معطيات جديدة �أكرث جاذبية وقبو ًال لدى كليهما.
ً «جن��ة» تكاملي��ة! املجل���س لي���س مما ال ريب في���ه �أن ملجل����س التعاون اخلليجي يف حميطه الإقليم���ي بريق ًا وجاذبي ًة ال يقاوم���ان .فهو تاريخي ًا يع���د �أحد �أكرث جت���ارب التكامل/التعاون العربي �سامي ال�سياغي باحث ميني يف العلوم ال�سيا�سية ,وم�ست�شار �ش�ؤون البحث العلمي -وكالة الأنباء اليمنية (�سب�أ).
عل���ى حمدوديته���ا -جناح��� ًا� ,إن مل يكن �أجنحها عل���ى الإطالق .وهو�أي�ض��� ًا يع���د واحد ًا من �أبرز التجمع���ات الإقليمية تنا�سق��� ًا -ن�سبي ًا -من حيث �إمكانات �أع�ضائه املادي���ة ,وم�ستويات تطورهم على �صعيد التنمية يعن -للأ�سف ب�صوره���ا املتعددة .ولكن ذلك التميز الن�سبي للمجل�س مل ِ يعزّز �أي�ض ًا فاعليته يف خدمة �أهداف �أع�ضائه من �إن�شائه ,وهو متي ٌز مل ِا�ستنفاده -يف واقع املمار�سة العملية -ملقومات النجاح “النظرية” التي يتمت���ع بها ,بحيث يرق���ى ب�أدائه �إىل م�صاف جتمع���ات التكامل الإقليمي الأكرث فاعلية كاالحتاد الأوروبي -على �سبيل املثال. واملجل����س بطبيعة احل���ال يتمتع بالعدي���د من مظاهر النج���اح لعل من �أهمها وجود م�ستوى ن�سبي من التن�سيق ال�سيا�سي اخلارجي بني دوله ,و�إن موح���دة للمجل�س؛ واالنتظام ���ن ذلك مطلق ًا وجود �سيا�سة خارجية ّ مل يع ِ امللحوظ النعقاد اجتماعاته على م�ستوى القمة واملجل�س الوزاري واللجان الوزاري���ة والفني���ة؛ والتوا�ص���ل امل�ستمر ب�ي�ن قادته؛ وجناح���ه يف احتواء التوترات احلدودية بني دوله وح ّل معظمها؛ ف� ً ضال عن م�ساندته الفاعلة للعراق يف حربه مع �إيران خالل الثمانينيات ,ثم م�ساندته للكويت خالل �أزمة الغزو العراقي عام .1990 يف املقابل ،يعاين املجل�س عديد ًا من مظاهر التعثرّ امل�ؤ�س�سي وال�ضعف البنيوي .فقد ُولِدَ املجل�س حمم ًال بكثري من املثالب النظامية والتنظيمية, كم���ا اكت�سب على م ّر الزمن الكثري من �صفات �أع�ضائه املعطلة بطبيعتها لإمكانيات تطور تلك التجربة وحتقيق �أهدافها يف التكامل ورمبا الوحدة بني �أولئ���ك الأع�ضاء ,وذلك بالرغم من مرور ما يربو على 28عام ًا منذ ت�أ�سي�س ذلك التجمع الإقليمي. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
143
مدار الأفكار
�سجال
اليمن وطموحــــــــــــها اخلليجي ولع���ل م���ن �أه���م مظاهر تع�ّث�ررّ املجل����س )1( :ب���طء حتقي���ق االندماج االقت�ص���ادي ,وتدين م�ستوى التبادل التجاري بني دوله والذي مل يتجاوز خ�ل�ال الف�ت�رة ( )2001 - 1990ن�سب���ة %7,6م���ن �إجمايل حج���م التبادل التج���اري لتلك الدول مع الع���امل؛ ( )2معاناة اقت�صادات دوله من ت�شابه هياكله���ا الإنتاجي���ة ,واعتمادها املف���رط على �إي���رادات القطاع النفطي (دول ريعي���ة يف الأ�سا����س) بن�سب ت�ص���ل �إىل %75من م���وارد موازناتها ال�سنوي���ة ,كما تعاين تلك االقت�صادات من تع�ث�ر حماوالتها و�ضع خطط عملي���ة لإكمال ما ي�سم���ى “دورة تولي���د الدخل م���ن الإي���رادات النفطي���ة” ,وه���ي تت�سم كذلك مبحدودي���ة �أمناط اال�ستثم���ار واقت�صارها على عوائ��ق حقيق��ة ومو�ض��وعية ال�صناع���ات البرتوكيماوي���ة و�صناع���ة الت�شييد لي�س م���ن املج���دي �أن يتجاهل طرف���ا “معادلة والبن���اء واخلدم���ات املالي���ة وال�سياح���ة ,ذل���ك االن�ضم���ام” حقيق���ة وج���ود ع���دد م���ن العوائق املوج���ه من �أر�صدة �أي�ض��� ًا يف ظ���ل توا�ضع ن�سبة ّ املو�ضوعي���ة التي تقف يف طري���ق �إقامة �أود تلك البن���وك املحلي���ة �إىل التنمي���ة الداخلي���ة ومبا ال املعادل���ة وحلها ،ال �سيم���ا �أنها عوائق تبدو جادة يتج���اوز ن�سبة %7من تل���ك الأر�صدة ،والرتكيز وم�ؤث���رة .فه���ل لأن�ص���ار االن�ضم���ام “الف���وري املال عو�ض ًا عن ذلك عل���ى اال�ستثمار يف �أ�سواق نحي على الدبلوما�سية اليمنية �أن ُت ِّ وامل�ستعج���ل” �أن يبينوا لن���ا كيف �سيتغلبون على اخلارجي���ة والغربية منها بال���ذات مع ما يحمله م�س�ألة االن�ضمام جانباً -ولو ب�صورة مع�ضلة اخت�ل�اف طبيعة النظ���م ال�سيا�سية بني م�ؤقتة -وتتفرغ لرتكيز جهودها على ذلك من خماطر اقت�صادية جمة خا�صة يف ظل اليمن ودول املجل�س �إجما ًال؛ وهل لهم �أن يحددوا �ضرورة التو�صل لر�ؤى و�آليات فاعلة الأزمة املالية العاملية التي تفاقمت خالل العامني لنا مكون���ات الو�صفة ال�سحري���ة التي �سيتناولها لتعزيز الدعم اخلليجي لالقت�صاد املا�ضيني 2008و ,2009ناهيك �أي�ض ًا عن معاناة اليمني على م�ستوياته املختلفة .وعلى املواطن �أو مبعنى �أدق “العامل” اليمني لتهدئة تل���ك االقت�صادات م���ن اختالل هي���اكل الإنفاق دول املجل�س ،باملقابل� ،أن ترتجم �إدراكها لواعج ال�شوق واللهف���ة لال�ستظالل بوارف جنة الكل���ي بن�سب تتج���اوز معدالت النم���و يف الناجت لأهمية ذلك الدعم والتعاون من خالل امل���ال والأعم���ال ,والتمتع بخريات دول���ة الرفاه املحلي الإجمايل ,وذلك بالتزامن مع انخفا�ض تبني م�شروع جماعي �أكرث فاعلية لدعم يف اخللي���ج ,يف ظ���ل م�شهد ق���د ينته���ي باليمن االقت�صاد اليمني ,وامل�ساهمة يف حل م�ستوي���ات التكوين الر�أ�سم���ايل ومعدالت منوه؛ �إىل حمط���ة خلفية لالنتق���ال املت�سارع ملواطنيها مع�ضالته امل�ستع�صية ( )3ع���دم قدرة املجل�س على حتويل قراراته �إىل �إىل دول اخلليج ,مع م���ا �سيفر�ضه بالطبع واقع قوة ملزم���ة لأع�ضائه لغي���اب الآليات املفرت�ضة �إمكاني���ة التنق���ل بالبطاق���ة ال�شخ�صية بني دول للتنفي���ذ ,ف� ً ضال عن ع���دم وج���ود �أي �إجراءات املجل����س �أو بني معظمها كما هو حا�صل يف الوقت الراهن؛ ثم هل لأولئك يتن�ص���ل من تنفيذ م���ا مت االتفاق عليه عقابي���ة ميك���ن �أن توق���ع على من ّ الأن�صار �أن ي�صفوا لنا طبيعة املعاجلات التي ميكن �أن يداووا بها �ضيعة م���ن ق���رارات؛ ( )4عدم وج���ود غطاء �شعب���ي (برملاين ً مث�ل�ا) للمجل�س, �سلط���ان الدولة املركزي على ت�شكيالت املجتمع اليمني القبلية ,وانك�سار واكتفائه ب�إرادات قياداته؛ ( )5جمود النظم الأ�سا�سية الداخلية للمجل�س ذل���ك ال�سلطان بني احل�ي�ن والآخر �أمام تغ��� ُّول النفوذ غ�ي�ر الر�سمي يف وم�ؤ�س�سات���ه الفرعية ،وعدم مواكبتها للتط���ورات يف بيئته على امل�ستويني �ش����ؤون الدولة ,وجت ُّ ���ذر ب�ؤر ومراكز القوى يف بع����ض مفا�صل الدولة على الداخل���ي واخلارج���ي؛ ( )6حمدودي���ة ال�صالحيات ال�سيا�سي���ة املمنوحة ح�ساب ذلك ال�سلطان. لأم�ي�ن عام املجل�س ,وع���دم تبني فكرة وج���ود «مفو�ض خليج���ي» ك�إطار ه���ل يتوقع �أولئك الأن�صار ان�صهارهم يف جتمع ت�سعى �سلطات �أع�ضائه �سيا�سي وتنفيذي م�ساعد للأمني العام؛ ( )7حمدودية هام�ش اال�ستقالل الر�سمية عل���ى الدوام لت�أكيد �سلطانها املرك���زي على جمتمعاتها -التي املمن���وح للمجل�س عن حكومات ال���دول الأع�ضاء؛ ( )8انغالق الع�ضوية يف ال تع���دم يف واقع احل���ال وجود قدر حمدود من تل���ك املظاهر ال�سلبية – املجل�س ,وع���دم وجود مادة ميكن �أن تعالج م�س�أل���ة تو�سيع ع�ضويته؛ ()9 يف ظ���ل �سعيها احلثيث لك�س���ب والءاتها عرب كفاءاته���ا «الريعية» ,وذلك تعثرّ مفه���وم الأمن اجلماعي يف ظل املعاه���دات الدفاعية والأمنية التي
وقعتها دول املجل�س مع دول �أخرى وغربية بالذات يف �أعقاب �أزمة وحرب اخلليج الثانية ( ,)1991 -1990وبالت���ايل ف�إن الوظيفة الأمنية والدفاعية اجلماعي���ة للمجل����س مل تع���د ذات معن���ى يف ظ���ل وجود مظل���ة احلماية الأجنبية. وت�أ�سي�س��� ًا عل���ى ما تق���دم ،ف�إنه من املنطق���ي الت�أكيد عل���ى �أن حلظة ���ن -مطلق ًا -حت���و ًال “دراماتيكي ًا” ان�ضم���ام اليم���ن �إىل املجل����س لن تع ِ باجتاه حتقيق الرفاه ,والتخل�ص من امل�شاكل االقت�صادية .فوجود اليمن يف املجل�س ال ريب �سيفر�ض عليها التدثر بعبائته التنظيمية بكل مميزاتها ونقائ�صها.
144
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
يف وق���ت ي�سعى فيه كل قادر �أو«قبيل���ي» يف اليمن �إىل التمرت�س وراء �أكرب ق���در ممكن من ال�س�ل�اح يف وج���ه �أي �سلطان قد يتعدى ح���دود �سلطانه “الذاتي”؛ و�أخري ًا ولي�س �آخر ًا� ,ألدى �أولئك الأن�صار ح ًال واقعي ًا و�سريع ًا ملع�ضل���ة “القات”! ال ريب بالطبع �أن ملجتمع���ات اخلليج م�شاكلها التي قد تك���ون م�شابهة لتلك املع�ضلة �أو رمب���ا �أ�سو�أ منها يف مدى ت�أثرياتها املدمرة على املبتلني بها كاملخدرات مث ًال ,ولكن فيما يتعلق مبع�ضلة القات (زراع ًة, وتناو ًال) الكل يدرك �أنه ال حل لها -يف حال افرتا�ض مت تد�شني اخلطوات احلقيقي����ة الن�ضم����ام اليمن للمجل�����س – �إ ّال يف �أحد خياري����ن� :إما �أن يقبل اخلليجيون �أ�شقاءهم اليمنيني على عالتهم ,ويتماهى مع تلك املع�ضلة بكل جتلياته����ا (زراع ًة ,وتن����او ًال ,وت�سويق ًا)؛ و�إما �أن يتحل����ل اليمنيون من �أوزار تلك املع�ضلة ويدخلوا �إىل املجل�س ب�صك براءة منها .ولعل من ميعن النظر يف كال اخلياري����ن �سيج����د �أن �أحالهما ُم ٌر� ,إن مل يكن م�ستبعد احلدوث� ,أو رمبا حتى م�ستحي ًال – و�إن يف املدى املنظور على الأقل.
ال�ضم فيها نظر! هل لدى املجل�س نية حقيقة جدية ّ ل�ضم اليم����ن يف الوقت الراهن؟! ذلك بالفعل ه����و ال�س�ؤال اجلوهري الذي تتوجب الإجابة عنه يف هذه املرحلة بالذات .ولعل ما ميكن اجلزم بتحققه عل����ى �أر�����ض الواقع يف ه����ذه املرحل����ة ب�صورة جدي����ة وملمو�سة ه����و �أن دول املجل�����س �أ�صبحت -دون ا�ستثناء -مدرك����ة متام ًا خلط�أ جتاهل دور اليمن و�أهميته����ا يف املنطق����ة ,و�أنه����ا � -أي دول املجل�س � -أ�صبح����ت مدركة �أي�ض ًا لأهمي����ة ووجوب �ضم����ان وجود “مين قوي و�آمن وم�ستق����ر” ,وهو باملنا�سبة �إدراك رمب����ا ع ّز ا�ستلهامه من ِق َبل بع�����ض دول املجل�س لفرتة طويلة �سابقة من الزمن. ولك����ن ,هل و�صل ذلك الإدراك اخلليجي حد الإقدام الفعلي على خطوة �ضم اليمن للمجل�س؟! الإجابة -للأ�سف -بـ “ال”! وال�سبب �أو رمبا الأ�سباب ق����د تتعدد وتت�شع����ب منطلقاتها من دولة خليجية لأخ����رى .ولكن بع�ض تلك الأ�سباب ميكن �أن جتد لها �سند ًا مو�ضوعي ًا يف العوائق �سالفة الذكر. ولك����ي نت�أك����د بالفع����ل من م����دى جدية املجل�����س يف ذات ال�ص����دد ،ميكن بب�ساط����ة �أن يلق����ي �أحدنا نظر ًة فاح�ص ًة على منط����وق وم�ضمون كل بيانات “القمة اخلليجية” و”املجل�س الوزاري” منذ �إثارة مو�ضوع ان�ضمام اليمن للمجل�س .وللأ�سف ,ف�إن نتاج تلك النظرة قد تكون خميبة للآمال! فلم َت ِرد يف واقع احلال -يف � ٍأي من تلك البيانات �أي �إ�شارة فعلية مل�س�ألة االن�ضمامتل����ك ,ال من قري����ب وال من بعيد .بل �إن الأغرب من ذل����ك �أن تلك البيانات �أظهرت حتا�شي ًا م�ستمر ًا ملجرد الربط “اجلغرايف” لليمن مبنطقة اخلليج العربي ,حيث ظل ذلك الربط مقت�صر ًا على منطقة اجلزيرة العربية! �أم����ا ع����ن م�س�ألة �ضم اليم����ن لبع�ض مكاتب ومنظم����ات املجل�س ،فيمكن الق����ول بب�ساطة �أن تل����ك امل�س�ألة ت�ؤك����د الر�ؤية �سالفة الذك����ر وال تدح�ضها.
����دد من وتعلي����ل ذل����ك �أن مث����ل م�س�أل����ة ال�ضم تل����ك تعد عرف���� ًا �سائد ًا يف ع ٍ املنظم����ات الإقليمية والدولية ,وال ترتب “قانوني ًا” حق االعرتاف بالطرف امل�شم����ول بتلك ال�صفة ع�ضو ًا يف تلك املنظمات؛ كما �أن قرارات �ضم اليمن لتل����ك املنظمات واملكاتب تبقى “قرارات م����ن طرف واحد” ومل ت� ِأت نتاج ًا التفاق����ات مكتوب����ة وموقعة بني الطرف��ي�ن ,ناهيك عن �أن تل����ك القرارات ال حتتوي �أي �إ�شارة تفيد بتدرجية تلك اخلطوات يف �سبيل االن�ضمام للمجل�س ذات����ه يف نهاية املط����اف .وملن ال يعلم ف�إن بع�ض ًا من تلك املكاتب واملنظمات �سبق����ت يف ن�ش�أتها وجود املجل�س ذات����ه ,ومل تكن لها �أي عالقة “متهيدية” بن�ش�أت����ه ,وبع�ضه����ا كان العراق ع�ض����و ًا فيها ل�سنوات عدي����دة ,ومل ي�شفع له ذلك لنيل ع�ضوية املجل�س. ض����م اليمن لبع�ض مكاتب ومنظم����ات املجل�س يف خانة ولرمب����ا ُيحتَ�سب � ّ تر�شي����د تطلعات اليمن �إزاء م�س�ألة االندم����اج يف املجل�س! �أو قد يكون ذلك ال�ضم مبثابة جتربة “معملية” لبيان �إمكانية ان�صهار اليمن يف �إطار �شبكة العم����ل التنظيمي اخلليجي ,وذلك � -إن �ص����ح يف واقع احلال � -أم ٌر ح�سن. ال�ضم تلك مت�سقة مع ولك����ن ,يبقى الأح�سن منه بالطبع �أن تكون خط����وات ّ نظرة “وظيفية” فعلية لإدم����اج اليمن يف �إطار منظومة املجل�س بالتدريج, وهو للأ�سف ما مل تتم الإ�شارة �إليه ر�سمي ًا يف � ٍأي من بيانات هيئات املجل�س املتع����ددة ,ما يلقي منطقي ًا ظال ًال من الريبة على امل�آالت النهائية املُفرتَ�ضة ملث����ل تلك اخلطوات .وواق����ع احلال �أنه ال يكفي مع مث����ل هذه الأمور جمرد التطمينات ال�شفاهية يف الأماكن املغلقة.
الدع��م بدي�ل ًا م�ؤقت ًا ومرغوب ًا على الدبلوما�سية ً نحي م�س�ألة االن�ضم����ام جانبا -ولو اليمني����ة يف ه����ذا التوقيت بال����ذات �أن ُت ِّ ب�صورة م�ؤقتة -وتتفرغ لرتكيز جهودها على �ضرورة التو�صل لر�ؤى و�آليات فاعلة لتعزيز الدعم اخلليج����ي لالقت�صاد اليمني على م�ستوياته املختلفة. وعل����ى دول املجل�����س ،باملقاب����ل� ،أن ترتج����م �إدراكه����ا لأهمية ذل����ك الدعم والتع����اون م����ن خالل تبن����ي م�شروع جماع����ي �أكرث فاعلية لدع����م االقت�صاد اليمن����ي ,وامل�ساهم����ة يف حل مع�ضالت����ه امل�ستع�صية عرب ر�ؤي����ة �إ�سرتاتيجية ترك����ز – �إىل جان����ب املعونات املبا�شرة – على ت�شجي����ع تدفق اال�ستثمارات اخلليجي����ة كثيفة ر�أ�س املال يف امل�شاريع الإنتاجية وال�صناعية والزراعية يف اليمن ,وذلك وفق م�صفوفة افرتا�ضي����ة تتزايد مبوجبها تلك اال�ستثمارات بوت��ي�رة �سنوية مت�صاعدة .ذل����ك الو�ضع �سي�ساهم �إىل ح����د كبري يف توفري من����اخ اال�ستقرار والتنمية يف اليمن ,ولعل����ه ُيعفي دول املجل�س من “حرج” فت����ح �أ�سواقها “املت�شبع����ة” �أمام العمال����ة اليمنية ,عن����د �أن ي�صبح ال�سوق اليمني ق����ادر ًا على ا�ستيعاب �أبن����اء اليمن من العم����ال والكفاءات املختلفة �سيعم بلدان لي�ساهم����وا يف بناء بلدهم .وال ريب �أن في�ض ذل����ك اال�ستقرار ّ املنطقة قاطبة. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
145
مدار الأفكار املائدة امل�ستديرة
ب�صراحة
�سجال
ب�صراحة مع الدكتور عبدالكرمي الإرياين
و�صايــا لتجاوز الأزمــة
“
الرجل الذي نحاوره “ب�صراحة” هذا العدد، �شخ�ص��ية ذائعة ال�ص��يت ويعرفها ّ ج��ل اليمنيني؛ �إن��ه الدكت��ور عبدالك��رمي الإري��اين ،امل�ست�ش��ار يل��م بتاريخ ال�سيا�س��ي لرئي���س اجلمهوري��ة .ومن ّ الدكت��ور الإرياين الذي �ش��غل منا�ص��ب ًا رفيعة ع��دة ،يعرف بكل ت�أكي��د الأدوار ال�سيا�س��ية الب��ارزة الت��ي لعبه��ا يف حي��اة البل��د ال�سيا�س��ية واالجتماعي��ة ،وكي��ف خا���ض من��ذ وق��ت مبك��ر يف ال�ش���أن العام ،وخرب دهاليز العمل ال�سيا�س��ي واحلزبي ،و�إىل � ّأي حد كان م�ؤثر ًا وحا�ض��ر ًا يف معظم حلظات تاريخ اليمن املعا�صر ٍّ ً ً املف�ص��لية .ولأن اليم��ن تعي���ش اليوم و�ض��عا دقيق��ا للغاية على ال�ص�� ُعد ال�سيا�س��ية واالقت�ص��ادية والأمنية ،كان البد خمتلف ُ م��ن حم��اورة الرج��ل ،وا�س��تطالع ر�ؤاه و�أف��كاره �إزاء العديد من الق�ضايا وامللفات ال�ساخنة ،بدء ًا من مع�ضلة احلرب وال�سالم يف �ص��عدة ،وكذا ق�ضية احلوار املعطل بني احلزب احلاكم و�أحزاب املعار�ضة ،مرور ًا مبلف تنظيم القاعدة وجهود مكافحة الإرهاب يف اليم��ن ،و�ص��و ًال �إىل ق�ض��ية احل��راك اجلنوب��ي و�إ�ش��كاليات الوح��دة واالنف�ص��ال .ه��ذه الق�ض��ايا وغريه��ا ناق�ش��ها كل م��ن عبدالغني املاوري وحممد �سيف حيدر و�سقاف عمر ال�سقاف مع الدكت��ور عبد الكرمي الإرياين ،الذي ن�ش��كر له تفاعله وروحه املرحة الودودة.
“
146
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
انته��ت احل��رب ال�ساد�س��ة (ب�ين الدول��ة واملتمردي��ن احلوثي�ين يف �صعدة) ،هل على اليمنيني اال�ستعداد للحرب ال�سابعة؟ عبدالكرمي الإرياين :بالطبع ال. ما الذي تغيرّ (هذه املرة) حتى ال تندلع احلرب جمدد ًا؟ �أعتق����د �أن �أه����م تغيري يف ه����ذه احلرب يكم����ن يف العبء الإن�س����اين الذي ترتب عليه����ا .وبالت�أكيد ف�إنه �سواء الطرف املتمرد �أو الدولة يدركون خطورة ما ترتب عل����ى احل����رب ال�ساد�سة من ن����زوح ما يقرب م����ن مائتي �ألف من �أبن����اء اليمن، �أطف����ا ًال و�شيوخ���� ًا ون�سا ًء ،و�أنا �أعتقد �أن اجلميع �س ُيق����دِّ ر �أن هذا العبء ال بد �أن ي�صبح هو احلرب ال�سابعة .العبء الإن�ساين الذي ترتب على احلرب ال�ساد�سة يج����ب �أن ي�صبح هو احلرب ال�سابعة� :إعادة النا�س �إىل منازلهم ،و�إعادة اعمار ما د ُِّمر. مبعنى �إحالل ال�سالم؟ ال�س��ل�ام ال يعني وقف �إطالق النار� ،إذ ال قيمة لوقف �إطالق النار �إذا مل يرتتب علي����ه التح�ضري واال�ستعداد والبدء يف التنفيذ .اخلطوة الأوىل :عودة املهجرين �إىل قراه����م ومنازلهم .اخلط����وة الثانية :البدء يف االعمار و�إعادة بناء ما د ُِّمر، اخلطوة الثالث����ة :تنمية حمافظة �صعدة وتعمريها ،مع االعرتاف ب�أن كثري ًا من مناطقه����ا �أُهمِ ل لفرتة طويلة .عندي ثقة مطلقة �أن اجلميع �سيتحمل امل�سئولية، وم����ا م����ن �شك يف �أن العودة �إىل املرت�س �أو �إىل املدف����ع �سيكون جناية كربى على مئات الآالف من الب�شر ،وه�ؤالء هم م�سئوليتنا ،ف�إذا �أهملنا م�سئوليتنا نحوهم، ف�أعتق����د �أن اهلل �سينتق����م من����ا ونحن يف هذه الأر�����ض ،ولن ي�ؤخ����ر انتقامه �إىل الآخرة. باعتقادك ملاذا مل ت�ستطع الدولة ح�سم املعركة ع�سكري ًا؟ الأم����ر يرجع ب�شكل �أ�سا�س����ي �إىل طبيعة احلروب هذه� .إنه����ا حروب ع�صابات، وحروب الع�صابات مل تحُ �سم يوم ًا ع�سكري ًا .رمبا احلرب الوحيدة التي ح�سمت به����ذا املعن����ى هي التي وقعت يف �سرييالنكا ،وبالرغم م����ن �أنها كانت �أقرب �إىل من����وذج حرب اجليو�ش ولي�س حرب الع�صابات فق����د ا�ستمرت خم�سة وع�شرين ك�سب ع�سكري ًا. �سنة ،فهذه طبيعة حروب الع�صابات :ال تحُ َ�سم وال ُت َ واخلط�����أ يف مواجهة حروب الع�صاب����ات � -صراحة -هو البط�ش بغري املحارب؛ فحروب الع�صابات -ر�ضينا �أم كرهنا – ال�ضحية الأبرز فيها هو غري املحارب، وبالتايل يتولد م����دد جديد للمحاربني� .أعتقد �أنك يف �أي حرب ع�صابات يجب �أن تب����د�أ مواجهتها �أو ًال بك�سب النا�س يف املنطقة التي فيها هذه الق�صة ،عندما تك�سبه����م �أنت تقطع الطري����ق على الذين يقومون بهذه احل����روب بحيث ي�صبح عدده����م يف تناق�����ص نتيج����ة املواجهات ولي�س له����م مدد من املجتم����ع ،وبحيث يكون����وا يف النهاية منبوذين م����ن جمتمعهم .اك�سب النا�����س الذين انطلقت من منطقته����م هذه الع�صابات حتى ت�ستطيع �أن حترمهم من الأر�ضية التي يقيمون عليها ،هذه �أقوى �إ�سرتاتيجية لدحر حرب الع�صابات. لك��ن ه��ذا يتطلب م��ن الدول��ة �أن تك��ون حا�ض��رة يف �ص��عدة� ،ألي�س كذلك؟ بالطب����ع .تف�سري ما ح�ص����ل هو غياب الدولة ،حتى م�ست����وى التعليم كان �ضعيف ًا ج����د ًا ،لك����ن ال نريد �أن نل����وم �أنف�سن����ا ،الأف�ضل �أن نحف����ز �أنف�سنا لك����ي نتفادى
الأخطاء التي كانت حا�صلة يف �صعدة. �أال ُيغ��ري ه��ذا التف�س�ير الق��وة املتم��ردة بالع��ودة �إىل احل��رب جم��دد ًا ،لأنه��ا ت��درك �صعوبة ح�سم حرب الع�صابات؟ �إذا حرمته����م من الأر�ضية التي يقف����ون عليها ،كيف �سي�ستم����رون يف التم����رد؟ ال �ش����ك �أن الق����درة عل����ى ا�ستئناف ح����رب الع�صاب����ات لي�ست متوف����رة لديهم و�إال ملا قبل����وا .الهدف الرئي�سي للدولة الآن هو ك�سب النا�����س و�إرجاعهم �إىل بيوته����م وقراهم ،و�إ�شعارهم بالأمن واالطمئنان .ف�����إذا �شعر ه�ؤالء �أن الدولة هي الت����ي حتميهم ،وهي من يعيده����م �إىل �سكنهم ،وهي من ي�ساعدهم على �إعادة حياتهم الطبيعية ،فعندئذ لن يك����ون للمتمردين الأر�ضية الت����ي ت�ساعدهم على التمرد. ه��ل يعن��ي ذل��ك �أن «احلوثي�ين» قد خ�س��روا معركة العقول والقلوب يف �صعدة؟ �أعتقد �أنهم خ�سروا هذه املعركة منذ البداية ،خ�سروا الهدف الذي انطلقوا من �أجله� .إن �إرجاع النا�س �إىل ظالم املا�ضي لي�س �أم����ر ًا قاب ًال للدميومة والبقاء .ال �ش����ك لديَّ �أنه����م حاربوا وقاتلوا نتيج����ة اجلهل ،لكن دميوم����ة هذا الفكر �آيل ٌة -يف ر�أيي � -إىل االنقرا�ض. غري �أن����ه ال ميكن �أن ينقر�ض باملدفع والدبابة ،ولكن
بالتعليم ،وبالتنمية ،وبك�سب والء النا�س. م��ا ه��ي ال�ض��مانات الت��ي متنع جت��دد احلرب بخالف م�س���ألة العبء الإن�س��اين ،خا�صة �أن هناك جتارب مريرة واجهتنا من قبل؟ ال�ضم����ان الرئي�س����ي ،م����رة �أخ����رى ،يكم����ن يف ك�سب والء النا�����س للدولة؛ ون�ستطي����ع ك�سب والء النا�س من خ��ل�ال تغيري واقعه����م .الآن واقع املواط����ن يف �صعدة يف غاي����ة الب�ؤ�����س والع����ذاب؛ �إذا مل ي�شع����ر �أن الدولة خرجه من حيات����ه البائ�س����ة ،وتعيد النازح ترع����اه و ُت ِ �إىل قريت����ه وت�ساع����د امل����زارع على مع����اودة ن�شاطه، والتاجر على �أن يفت����ح دكانه( ،ف�إن ه�ؤالء �سيتجهون اجتاه���� ًا �آخر) .ال�ضمانة هي الدولة .الدولة هي التي ت�ضم����ن كل �شيء ،ف�إن �أح�سن����ت فال�ضمانة موجودة، و�إن مل تحُ ِ�س����ن فال يوج����د �ضمانة .ال ب����د �أن ت�ضمن والء املواط����ن ل����ك ،ووالء املواط����ن ي�أت����ي م����ن خالل �شعوره ب�أن �أمنه وا�ستقراره ومعي�شته حممية من قبل الدول����ة ،و�أن �أي بديل �آخر ه����و الطريق �إىل خ�سران احلرب. هل هناك بنود �س��رية مل يتم الإف�صاح عنها يف االتفاق الذي مت التو�صل �إليه بني الدولة واحلوثيني؟ ال توجد �أي بنود �سرية.
هل ت�ؤكد �أنه ال يوجد بالفعل بنود �سرية؟ على الإطالق. وه��ل هن��اك عالق��ة م��ا ب�ين اجتم��اع لن��دن واتفاق وقف احلرب؟ ال توج����د �أي عالقة� .أنا �شخ�صي���� ًا كنت ممن يتمنون �أن تنته����ي احل����رب قب����ل اجتم����اع لن����دن ،ويف �أح����د االجتماع����ات �أبدي����ت ر�أي����ي ،لكن الظ����روف مل تكن مهيئ����ة بع����د لإنهاء احل����رب (قب����ل اجتم����اع لندن)، �صحي����ح �أن الظ����روف كانت قد ب����د�أت تتهي�����أ لإنهاء احل����رب ،لكن كم����ا تعرفون احلروب تب����د�أ يف �ساعة وتنتهي ب�أ�شهر .ما �أ�سهل �أن تبد�أ احلرب وما �أ�صعب �أن تنهيها. نفهم من كالمك �أن وقف احلرب كانت حاجة حملية �أكرث منها ا�ستجابة للخارج؟ نعم .لقد كانت حاجة حملية مائة يف املائة. لك��ن حتى الي��وم ما ي��زال هناك ح�يرة لدى كثري من املراقبني واملتابعني للحرب يف �صعدة بخ�ص��و�ص ال�س��بب احلقيق��ي ال��ذي �أدى �إىل اندالع هذه احلرب ،فهناك روايات مت�ضاربة. هل لديك تو�ضيحات بهذا ال�ش�أن؟ �سب����ق يل �أن ذك����رت �سبب���� ًا (يف حدي����ث �أجريته) مع �صحيفة «ال�سيا�سة» الكويتية ،وغ�ضب له كثريون� .إنه ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
147
مدار الأفكار
ب�صراحة
مبد�أ التكف��ي�ر ،ففي اليمن هناك م����ن يُك ّفر املذهب الزيدي ،جي����ل جديد ال يعرف املذه����ب الزيدي ،وال يعل����م تاريخه ،وال يفهم����ه .هناك م����ن يُك ِّفر املذهب ����ي ����ي �أحده����م وب����د�أ ردّه عل ّ الزي����دي ،وق����د رد عل ّ ً بتكفريهم ،فقل����ت «�إذن ،جزاه اهلل خريا ،فقد �أثبتَ ما قلت» ،وال �أريد �أن ا�سميه. ه��ل يعني ذلك �أن ه�ؤالء النا�س قد ُا�س��ت ِف ّزوا ب�شكل ما؟ نعم. هل كان مركز دماج ال�س��لفي �أحد �أ�شكال هذه اال�ستفزازات؟ لق����د �أ�ش����رت يف املقابلة الت����ي �أجرتها مع����ي �صحيفة «ال�سيا�س����ة» الكويتية �إىل �أن����ه كان البداية ،وال تن�سى �أن هن����اك فتوى �صدرت يف ال�سبعيني����ات بعدم جواز ال�ص��ل�اة وراء الزي����دي �أو الزواج منه ،وج����اء �أنا�س يحملون هذه الفتوى وحاولوا �أن يطبقوها. �إذا انتقلنا �إىل ملف �آخر وهو ملف احلوار.. احلوار ال بد �أن ي�ستم����ر ،حتى لو قالوا �أنني قلت «�إن باب احلوار مغل����ق ،وباب التوقيع مفت����وح» .لقد قلت لهم ذلك ،لأنهم هم من �أغلق الباب. كيف �أغلقوه؟ �أغلق����وه عندما ح ّولوا االتف����اق �إىل اتفاق بني اللجنة التح�ضريي����ة للقاء الت�شاوري وامل�ؤمتر ال�شعبي العام، واتفاق فرباير هو بني �أحزاب اللقاء امل�شرتك املمثلة يف نف�����س الوق����ت يف اللقاء الت�ش����اوري ،و�أه ًال و�سه ًال باللق����اء الت�ش����اوري� .إننا مل نعرت�ض عل����ى وجوده يف احلوار ،لكن �أنا �-صراح���� ًة -ال ي�ش ّرفني �أن �أو ّقع مع اللجن����ة التح�ضريية ،و�أن����ا وقعت مع �أح����زاب اللقاء امل�ش��ت�رك .رمبا يج����دون �شخ�ص ًا �آخر يو ّق����ع� ،أما �أنا فلن �أوقع. ه��م يقول��ون �أن املرجعي��ة �س��تظل اتف��اق فرباير ،فما املانع من تو�سيع طاولة احلوار؟ هذا لي�س تو�سيع ًا� ،إنه ا�ستبدال .يف �آخر اجتماع قالوا نري����د االتف����اق �أن يتم بني امل�ؤمتر واللق����اء الت�شاوري كممث����ل لأحزاب اللقاء امل�شرتك ،وه����م ال ي�ستطيعوا �أن ينك����روا هذا الأمر رغم املغالطات الكربى .و�سبق �أن �شرح����ت ما جرى بيننا يف امل�ؤمتر ال�صحفي الذي عقدته مبع ّية �ص����ادق �أمني �أبو را�س و�أحمد بن دغر. وق����د قيل لن����ا يف بي����ت الأخ عبدالوه����اب حممود ما مل يك����ن االتفاق ب��ي�ن امل�ؤمتر ال�شعبي الع����ام واللجنة التح�ضريي����ة ،وما مل يكن املوقع ه����و امل�ؤمتر ال�شعبي العام وحلفائه ورئي�س املجل�س الأعلى لأحزاب اللقاء امل�ش��ت�رك «مفو�ض ًا من» اللجنة التح�ضريية (ف�إنه لن يك����ون هناك �أي اتفاق)� .شخ�صي���� ًا ،ال ميكن �أن �أقبل بذلك� .أم����ا �أن يزعم����وا �أننا راف�ضني وج����ود اللجنة التح�ضريي����ة يف احل����وار ،ف�����إن هذا ال����كالم اعتربه 148
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
“
�أهم تغيري يف احلرب الأخرية يكمن يف العبء الإن�ساين الذي ترتب عليها ،و�أنا �أعتقد �أن اجلميع �س ُيقدِّر �أن العبء الإن�ساين الذي ترتب على احلرب ال�ساد�سة يجب �أن ي�صبح احلرب ال�سابعة تعدي���� ًا على النا�س ولي�س جتريح ًا� .إن����ه تعدٍّ ،لأننا مل نعرت�ض يف �أي حلظة على وجود «لقاءهم الت�شاوري» ك�أع�ضاء يف جلنة احلوار. ولي�س كطرف؟ ط����رف �أو �أع�ضاء ال فرق ،عندما ي�صبح ع�ضو ًا ف�إنه يكون يف نف�����س الوقت طرف ًا .امل�س�أل����ة قانونية بحتة. املح�ضر الذي تو�صلنا �إليه ومهام اللجنة التح�ضريية للح����وار الوطن����ي ال�شامل ه����م من جاء به����ا ،اللجنة ل�سن����ا من طرحها ،هم من جاء به����ا ،وقد قبلنا بها. قمنا بتعدي����ل حول �إ�شراك الأ�شقاء والأ�صدقاء� .إذن مه����ام اللجنة هم م����ن اقرتحها .اخل��ل�اف هو على الديباجة والتوقيع ومن املوق����ع .قانوني ًا هذا حم�ضر لتنفي����ذ اتفاق وقعت عليه �أط����راف معينة هي املعنية بالتوقيع على املح�ضر. �إذا مل يتم ا�ستئناف احلوار... ال �إن �ش����اء اهلل (�س ُي�ست�أن����ف) ،ال �أري����د �أن �أك����ون مت�شائم ًا. يف حال ح�ص��ل ذلك (ومل ي�ست�أنف احلوار مع
“
ال�سبب احلقيقي الذي �أدى �إىل اندالع احلرب يف �صعدة هو مبد�أ التكفري .فهناك من ُيك ّفر املذهب الزيدي؛ جيل جديد ال يعرف املذهب الزيدي ،وال يعلم تاريخه ،وال يفهمه �أح��زاب املعار�ض��ة) ،هل �ستم�ض��ون يف امل�ؤمتر ال�شعبي العام منفردين يف �إجراء االنتخابات الربملانية املقبلة؟ ه����ذه م�سئولي����ة د�ستوري����ة وقانوني����ة ،والتخل����ي عنها ه����و تخ ٍّل عن ال�شرعي����ة؛ �إذا تخليت ع����ن م�سئوليتك الد�ستورية والقانونية ف�أنت تتخلى عن �شرعيتك. لكنك��م -يف الواقع -تخليتم عن ذلك عندما مت ت�أجيل الإنتخابات؟
�أب����د ًا ،مل نتخ���� ّل بهذا ال�ش����كل .لقد اتفقن����ا �أن نطلب من جمل�س الن����واب -وهو ال�سلط����ة الت�شريعية � -أن يع����دل امل����ادة 65م����ن الد�ست����ور ،ومل نتخ���� ّل عن �أي �صالحي����ة من �صالحيات الدولة� .أن����ا لديّ اعرتا�ض على ما يقال يف �إع��ل�ام «(�أحزاب اللقاء) امل�شرتك». مث ًال ،قال����وا �إن االنتخابات التكميلية خمالفة التفاق فرباير .د�ستوري ًا لي�����س فيها خمالفة التفاق فرباير، اتف����اق فرباير مل مينع الدول����ة �إال من خطوة واحدة، �إذ ق����ال له����ا�« :أجلي االنتخابات مل����دة �سنتني»�( ،أما) بقية م����واد الد�ستور فعاملة وفاعل����ة ،والقول �أنها مل تعد نافذة �أمر غري �صحيح� .أي دولة هذه التي ت�سلب �شرعيته����ا بنف�سه����ا؟! ت�أجيل االنتخاب����ات مت بتعديل م����ادة د�ستورية ،ومواد الد�ست����ور نافذة؛ لديك مقعد خ����ايل البد من ملئه .لديك مهم����ة انتخابية ال بد �أن تق����وم ب�أدائها� .إن الواجب الد�ست����وري يمُ لي على �أي دولة �أال تتخلى عن �شرعيتها. �أال ت��رون �أن ه��ذه اخلالفات (يف جمملها) هي خالف��ات �ش��كلية .مل��اذا ال تقوم��ون بتق��دمي تنازالت لإحراج الطرف الآخر ،خ�صو�ص ًا �أن البلد مير يف مرحلة �صعبة؟ �إنه����ا م�س�أل����ة قانوني����ة ،ولي�س����ت �شكلي����ة .م�س�أل����ة قانوني����ة� :أن����ا وقع����ت حم�ضر مع����ك� ،أن����ا �أوقع معك �آلي����ة لتنفيذه .لق����د تنازلن����ا؛ واتفاقي����ة فرباير ترى �ض����رورة متك��ي�ن الأح����زاب والتنظيم����ات ال�سيا�سية م����ن مناق�شة التعدي��ل�ات الد�ستوري����ة بغر�ض تطوير النظام ال�سيا�سي .املنطق يقول �أن املوقعني على هذا االتفاق هم الذين ّ يح�ض����رون التعديالت الد�ستورية ث����م يعر�ضوها عل����ى الأحزاب والق����وى الأخرى .ومع ذل����ك ،فق����د جتاوزنا ه����ذا وقلنا نبد�أ باحل����وار .هذا تنازل من قبل امل�ؤمتر� .أن����ا �شخ�صي ًا كنت �أقول «من ُنج����ح احل����وار ،علي����ه �أن يح�ضر التعديالت �أراد �أن ي ِ الت����ي يتناق�ش النا�س حوله����ا» ،لكنن����ا جتاوزنا هذا. أعط اجلمه����ور م����واد ًا د�ستورية لكي املنطق يق����ول «� ِ يناق�شوها». مبنا�سبة احلديث عن التعديالت الد�ستورية، �أال تعتق��د �أنن��ا بحاج��ة �إىل د�س��تور جديد، ذل��ك �أن الد�س��تور احلايل كما يق��ول العديد من اخلرباء مليء باملواد املتناق�ضة؟ نع����م ،ثمة مالحظات عل����ى الد�ستور ،لك����ن �أنا ل�ست من دع����اة تكرار ن�س����خ الد�ساتري وتعديله����ا� .صحيح �أين ل�س����ت متخ�ص�ص ًا يف القان����ون الد�ستوري ،لكني �سمعت م����ن متخ�ص�صني �أن فيه �شيئ ًا من التناق�ض، لكن����ي �شخ�صي���� ًا ل�ست من ه����واة الرتوي����ج ال�ستمرار التعديالت الد�ستورية. كي��ف تنظ��رون �إىل م�س��تقبل التجرب��ة الدميقراطية يف اليم��ن يف ظل الأزمات التي تع�صف بالبلد؟
�أن����ا دائم����ا �أقول« :الوح����دة والدميقراطي����ة �صنوان؛ فمن �أراد �أن يتالع����ب بالوحدة اليمنية فلن ي�ستطيع ذل����ك �إال �إذا �ألغى الدميقراطية ،وم����ن �أراد �أن يُلغي الدميقراطية فلن ي�ستطيع �أن يفعل ذلك وهو يحافظ على الوحدة اليمنية». عطف ًا على حديثك �سننتقل �إىل امللف الثالث، وه��و مل��ف اجلن��وب .فع��دد م��ن حمافظ��ات اجلنوب ت�ش��هد حتركات انف�ص��الية وبع�ض��ها منح��ى م�س��لح ًا ،م��ا ه��ي احلل��ول ب��د�أ ي�أخ��ذ ً املنا�سبة لوقف ذلك ح�سب ر�أيك؟ باعتقادي ،لقد بد�أ الإخوان مبطالب كانت م�شروعة وقابل����ة للنقا�ش ،يُقبل منها ما ه����و منطقي وي�ستبعد منها م����ا هو غري منطق����ي ،لكن الأمور فج�����أة بد�أت ت�س��ي�ر يف اجت����اه ال ي�ص����ب يف م�صلح����ة دعاتها ،كما ال ي�ص����ب يف م�صلح����ة الوط����ن ككل .وم����ن يعتقد �أن دعوته �إىل االنف�صال هي خدمة للجنوب ،ف�إين �أقول ل����ه �إن����ه يجني عل����ى املحافظات اجلنوبي����ة �أو ما كان ي�سم����ى باجلنوب �سابق ًا� ،إن����ه يجني عليه جناية �أكرث م����ن اجلناية التي كان ي�شكو منه����ا .العودة �إىل بحث الق�ضاي����ا التي �شكا النا�س منها ،وتغيري الواقع فيها، و�إيجاد نظ����ام احلكم املحلي الكام����ل بطرق قانونية ود�ستوري����ة متكامل����ة ه����و احلل له����ذه الق�ضاي����ا� .إن الإعالم يركز على ال�شكوى يف املحافظات اجلنوبية، لكن املحافظات الأخ����رى �أي�ض ًا لديها �شكوى ،لكن ال ميكن �أن تك����ون ال�شكاوى مربر ًا لالنف�صال�« ،سيبني وا�سيبك» هذا لن يح�صل. م��ا ه��ي م�ش��كلة اجلن��وب حتديد ًا م��ن وجهة نظرك؟ ً �إنن����ي مل �أكن طرفا يف احلوارات التي �سبقت املناداة باالنف�ص����ال وفك االرتباط ،حتى الي����وم ل�ست طرف ًا يف املناق�ش����ات الت����ي تدور يف هذا املو�ض����وع� .أنا كنت كغ��ي�ري �أ�سمع عن بع�ض املطالب :ع����ودة املف�صولني م����ن الق����وات امل�سلحة وم����ن �أجهزة الأم����ن ،معاجلة ق�ضاي����ا الأرا�ض����ي ،هذا ما كن����ا ن�سمع عن����ه ،جمرد �سم����اع .و�أنا مل �أكن طرف ًا فيها حتى �أعطيك تو�صيف ًا دقيق���� ًا للم�شكل����ة ،لكن����ي �أعترب �أن ه����ذه املطالب هي مطالب معقولة. بع���ض القيادات التي تدعو لالنف�ص��ال تقول �إن هن��اك مرجعية دولية ملطلب االنف�ص��ال، �إذ �أن مل��ف ح��رب �ص��يف 1994مل ُيغ َل��ق على م�س��توى الأمم املتحدة .ب�ص��فتك كنت هناك وتعرف ماذا ح�صل ،ما هو ردك على مثل هذا الكالم؟ ق����ل لهم �أن يتعلموا .ق�ضي����ة فل�سطني موجودة يف كل تقري����ر �سن����وي يقدمه الأم��ي�ن العام ل��ل��أمم املتحدة �إىل اجلمعي����ة العامة ل��ل��أمم املتحدة ،مل����اذا؟ ،لأنها ق�ضي����ة مل تنت���� ِه .بع����د �سنة م����ن نهاية احل����رب قدّم
(الأم��ي�ن العام للأمم املتحدة وقتذاك) بطر�س غايل تقري����ره ،وخالل ال�سن����ة الثالثة �أُغل����ق امللف .مل يقل �أن����ا �أغلقته ،ال يتخذ ق����رار ب�إغالقه مثلما يُتخذ قرار بفتحه ،لكن ك����ون التقارير ال�سنوي����ة للأمم املتحدة مل تع����د تتناول املو�ض����وع ،فهذا يعني �أن����ه قد انتهى. هن����اك ق�ضاي����ا كث��ي�رة يف الع����امل يتم التعام����ل معها بهذا ال�شكل ،فق�ضية قرب�ص مل يُغلق ملفها ،ما يزال
“
الوحدة والدميقراطية �صنوان؛ فمن �أراد �أن يتالعب بالوحدة فلن ي�ستطيع ذلك �إال �إذا �ألغى الدميقراطية ،ومن �أراد �أن ُيلغي الدميقراطية فلن ي�ستطيع �أن يفعل ذلك وهو يحافظ على الوحدة اليمنية احلدي����ث عنها موج����ود ًا يف التقاري����ر ال�سنوية ،لكن ق�ضي����ة الكونغو انتهت ،و�أُغل����ق امللف .دعهم يحلمون ب�أن الأمم املتحدة �سوف تلب�س القبعة الزرقاء ،وت�أتي تف�صل بيننا. لكي ِ ال يوجد جمال لتدويل الأزمة يف اجلنوب؟ �أبد ًا. يف هذا ال�سياق ،ثمة تقارير غري معروف مدى �ص��حتها تتح��دث عن وج��ود اجت��اه يف �إيران ي�سعى للم�ساعدة يف االنف�صال ،ما ر�أيك؟ �أن����ا مل �أ�سمع بذل����ك ،الذي �أمل�س����ه �أن �إيران تتعاطف مع احلوثي تعاطف���� ًا كام ًال ،لكن مع االنف�صال �أنا مل �أ�سمع ومل �أمل�س �شيئ ًا من هذا القبيل حتى الآن. لك��ن هن��اك م��ن ُيحاج��ج ب���أن الأح��داث يف اجلن��وب حتظ��ى بتغطي��ة كب�يرة م��ن قب��ل الإعالم الإيراين الر�س��مي ،ومن جهة �أخرى دع��ا عل��ي �س��امل البي���ض يف ح��وار �أُج��ري مع��ه �إي��ران �إىل �ض��رورة دع��م توجهه بفك االرتباط؟
“
االعالم الغربي هول من خطر تنظيم القاعدة يف اليمن والقاعدة موجودة وال ُننكر هذا، �أما كون «�أن اليمن تعد م�أوى �آمن للقاعدة» ،فهذه م�س�ألة حتتاج �إىل تدقيق
ه����ذا مزاج����ه فق����ط ،وال يعني ذلك �أن����ه يتحدث عن امل����زاج الإي����راين� .أن����ا ال �أتوقع �أن تتح����ول �إيران �إىل طرف يف جتزئة اليمن. هل �أنت قلق من املنحى الذي �أخذته الق�ضية يف حمافظ��ات اجلنوب ،نق�ص��د منح��ى القتل على الهوية؟ احلقيق����ة �أن كث��ي�ر ًا من قيادات م����ا ي�سمى باحلراك رف�ض����ت هذا ال�سل����وك و�أدانته� .إنه����ا جرائم ولي�ست ن�ضا ًال وطني ًا ،وهذه جرائم ترتكب ،واملجرم جمرم. �أال تخ�ش��ى من �ص��راع هوياتي ،و�إيجاد هوية جنوبي��ة مقاب��ل هوي��ة �ش��مالية �إن ج��از التعبري؟ ال ،ولك����ن �أظرف ما يف احل����راك �أن العلم الأمريكي يرتف����ع على منزل قائ����د احلراك يف �أب��ي�ن ،هو لي�س قائ����د احل����راك يف اجلن����وب ،ب����ل قائد احل����راك يف زجنبار تقريب ًا. تق�ص��د طارق الف�ضلي ،حتى يف زجنبار هناك انق�سام كبري حوله.. ب�ص����دق� ،أن����ا �أ�شكره على ما عمل .م����ن املفرو�ض �أن ن�شكر طارق .يف مقابل����ة له مع �صحيفة اخلليج قال: «�سرتون �أعالم بريطانيا و�أمريكا يف كل بيت ويف كل جبل» .واهلل نحن ن�شكره ،لأنه قطع ال�صلة بينه وبني كل وطني يف اليمن كل����ه ب�شماله وجنوبه ،وهذا عمل يُ�ش َكر عليه. ه��ل تعتقد �أن هذا ال�ش��خ�ص قد ي�ص��بح رقم ًا مهم ًا يف قادم الأيام؟ لقد �أ�صبح علم ًا .ح ّول نف�سه �إىل علم �أمريكي فقط. �إىل �أي مدى ت�ساهم اال�ستقطابات الإقليمية والدولي��ة يف تده��ور �أو ا�س��تقرار الأو�ض��اع الأمنية وال�سيا�سية يف اليمن؟ يف احلقيقة �أن عدم ا�ستق����رار اليمن هو الذي يُغري الآخري����ن (بالتدخ����ل) .اليم����ن امل�ستقر ال����ذي ي�سري نحو التنمية والتطور والتعلي����م ال يُغري �أحد ًا .اليمن امللتهب يغري الآخرين ،وال ت�ستطيع �أن حتمي نف�سك منه����م �إذا كنت ت�سري يف اجتاه عدم اال�ستقرار ونحو الهاوية. لننتق��ل للحديث عن تنظيم القاعدة .ت�ش�ير بع���ض التقاري��ر الدولي��ة �إىل �أن اليم��ن ق��د ي�شكل «مالذ ًا �آمن ًا» للقاعدة ،ما ر�أيك؟ �أو ًال ،القاعدة موجودة يف اليمن وال ُننكر هذا الأمر. وق����د ان�ضم �إليه����ا �آخرون من خ����ارج اليمن وذلك ال يُنك����ر .حمافظ م����ارب يف مقابلة �صحفي����ة �أ�شار �إىل وجود باك�ستانيني ،وهذا حمتمل� .أما كون «�أن اليمن تعد م�����أوى �آمن للقاع����دة» ،فهذه م�س�أل����ة حتتاج �إىل تدقيق .القاعدة لها م�أوى يف كل بلد ،ال ي�ستطيع �أحد ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
149
مدار الأفكار
ب�صراحة
�أن يق����ول «لي�����س عندي قاعدة» ،لك����ن االعرتا�ض هو على امل�أوى الآمن ،هذا هو الت�ضخيم الذي ي�أتي حتى من الإعالم الغربي .الأحداث التي جرت يف الأ�شهر الأخرية ت����دل على �أنه لي�س للقاعدة م�����أوى �آمن (يف اليم����ن)؛ لها م�����أوى ،ولكنه غري �آم����ن .ولذلك ف�إنهم كل ي����وم يف جب����ل وكل يوم يف (�سايل����ة) ،وكل يوم يف وادي ،لأنه����م غري �آمنني وغري م�ستقرين .و�أنا �أعتقد �أن الو�سيلة الناجع����ة ملواجهة تنظيم القاعدة هي �أن ال تعطيه فر�ص����ة لي�شعر بالأم����ان ويخطط .يجب �أن يظل مطارد ًا. يف ه��ذا الإطار ،ما هو تقييمك حلجم اخلطر الذي ميثله تنظيم القاعدة يف اليمن؟ �أعتقد �أنه قد ه ِّول �أكرث مما يجب�ُ ,ض ِّخم ،والإعالم الغرب����ي هو م����ن ّ �ضخمه .ج����رت الع����ادة �أن الإعالم العرب����ي ه����و ال����ذي يُ�ضخِّ����م (الأ�شي����اء) ،ه����ذه املرة الإعالم الغربي هو من تولىّ ت�ضخيم �أمر القاعدة. ولك��ن م��ا ه��ي الأ�س��باب وراء ت�ض��خيم خطر القاعدة؟ �إن نوعي����ة احلادث ال����ذي قام ب����ه (النيجريي) عمر عبداملطل����ب وتقنيته ،هو ال����ذي �أدى �إىل الت�ضخيم. �أو ًال� ،آلي����ة التفج��ي�ر ون����وع امل����واد امل�ستخدم����ة الت����ي دل����ت عل����ى �أن هن����اك تقني����ات متط����ورة ،و�أن هناك متخ�ص�ص��ي�ن .ثاني ًا ،اختيار تاريخ ي����وم الكري�سم�س واالحتفال بر�أ�س ال�سن����ة امليالدية .ثالث ًا ،كان هناك طائ����رة حتمل عل����ى متنها عدد ًا كب��ي�ر ًا من املدنيني. له����ذه الأ�سباب كلها كان رد الفعل هو الت�ضخيم .لقد اعتقدوا �أن القاعدة م�ستقرة و�آمنة ،و�أن لها مواقعها الت����ي ت�ستطي����ع منها �أن تخطط كم����ا خطط بن الدن �أيام �إمارة طالبان. رمب��ا ما يزيد م��ن خماوف الأمريكي�ين البعد الأفريقي ،خ�صو�ص�� ًا يف ظل املعلومات امل�ؤكدة ع��ن تع��اون تنظي��م «ال�ش��باب املجاهدين» يف ال�صومال مع تنظيم القاعدة يف اليمن.. ال �شك يف ذلك .البيان الر�سمي الذي �أ�صدره تنظيم القاع����دة يف اليمن ،والذي حيا في����ه حركة «ال�شباب املجاهدين» الن�ضمامها �إليه ،له بعد كبري وخطري. �أال ميكن �أن يكون وراء الت�ضخيم الذي �أ�شرت �إلي��ه ،حماول��ة ل�ش��رعنة ن��وع م��ن الوج��ود الع�سكري �أو حتقيق �أطماع يف اليمن؟ مل يع����د �أحد يطمع يف �أحد .لديهم �إمكانات �أكرب من �أي قواع����د .ي�ستطيعون حتقيق �أهدافهم و�أغرا�ضهم ب�سبل حديثة .يف اخلم�سينيات كان اجلميع يبحث عن قواع����د� ،أما يف القرن الواحد والع�شرين� ،إذا مل تكن ه����ذه القوى الدولية ت�شعر بالأم����ان جتاهك ومل تكن مطمئنة �إليك ،ف�إن لديها و�سائلها التي جتعلها تقوم مبعاقبتك دون احلاجة �إىل �أن تنزل �إىل �أر�ضك. 150
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
“
الدميقراطية التي تبنيناها على املحك بالت�أكيد ،وال بد من انتخابات حرة ونزيهة ودميقراطية وتعددية يف ،2011 وال بد من انتخابات رئا�سية بنف�س هذه ال�شروط مناط��ق القبائ��ل الت��ي ي�ش��تبه ب���أن عنا�ص��ر تنطي��م القاع��دة يتحرك��ون فيه��ا ب�ش��كل �أو ب�آخ��ر ،ه��ل تعتق��د �أنه��ا �س��تكون املع�ترك القادم؟ املناط����ق الت����ي يتحرك����ون فيه����ا ه����ي �أ� ً أرا�ض ص��ل�ا � ٍ �شحيحة ال�سكان� .صحي����ح �أن القبائل ّ تغ�ض الطرف ع����ن وجودهم ،لكن ه�ؤالء ي�ستغلون الأعراف وال�شيم القبلية حلماية �أنف�سهم. كيف ب�إمكان الدولة �أن تت�ص��رف مع مثل هذا الواقع؟ ب�����أن ال ت�سم����ح له����م باال�ستق����رار .لي�س �ضروري���� ًا �أن تخو�ض حرب���� ًا مع القبائل .ما �أ�سمع����ه �أنهم متنقلني لأنه����م غري مطمئنني ،فينبغ����ي �أن ال تعطيهم فر�صة للأمان. هل هذا يعني �أنك ت�س��تخف بتهديدهم فيما يخ�ص باب املندب؟ هذه نكتة ت�ستحق ال�ضحك. نقلت عنك �إحدى ال�ص��حف الأمريكية قولك َ مخُ�تر ٌق من قبل �أن جه��از الأم��ن ال�سيا�س��ي « تنظيم القاعدة» ،فهل هذا الكالم دقيق؟ ل�س����ت �أول من قال ه����ذا الكالم ،ول�س����ت �أنا الوحيد ال����ذي قال ذل����ك ،فقد قيل �أكرث من م����رة� .أنا �أعتقد �أن هروب �أع�ضاء تنظيم القاعدة يف �شباط/فرباير 2006م����ن �سجن الأم����ن ال�سيا�سي ٌ حدث ال ميكن �أن يتم من دون وج����ود موظفني �صغار متواطئني معهم.
“
الذي ��ن يعتقدون ب� ��أن الأمم املتحدة �س ��وف تلب�س القبع ��ة الزرقاء ،وت�أتي تف�صل بيننا ،واهمون لكي ِ �أن����ا مل �أُ ِ�ش����ر بكالم����ي �إىل قي����ادة الأم����ن ال�سيا�سي، لك����ن هناك موظف��ي�ن موجودين لي ًال ونه����ار ًا باملبنى يف الوقت ال����ذي كان �أفراد التنظي����م ي�ش ّقون النفق، ث����م يق����ال «لقد مت����ت العملي����ة دون �أن يك����ون هناك
متواطئني» ،هذا ا�ستخفاف بعقول النا�س! يف ه��ذا ال�س��ياق ،كي��ف تنظ��ر �إىل التع��اون اليمن��ي -الأمريك��ي يف جم��ال مكافح��ة الإرهاب؟ �أعتقد �أنه الآن قد �أخذ جمراه ال�سليم. تقول تقارير دولية عدة �أن اليمن تتجه لأن ت�صبح دولة فا�شلة ،ما تعليقك؟ �أنا دائم ًا �أحت����دث عن هذا املو�ضوع ،و�أقول �أن ه�ؤالء يجهل����ون اليمن وتاريخه والأزم����ات التي مر بها عرب التاري����خ وعرب الع�صور ،واليمن دول����ة منذ �ألف �سنة قبل امليالد؛ مل تكن الدولة يف اليمن يف يوم من الأيام دول����ة فا�شلة ،كان هن����اك دولة �ضعيف����ة ودولة قوية، عندما ت�ضعف الدولة الأطراف تتململ وعندما تقوى الدولة الأطراف تعود �إىل املركز .فاحلديث عن دولة فا�شل����ة يف اليمن حدي����ث له عالقة بواق����ع ال�صومال و�أفغان�ستان والكونغو ،لكن هذا الكالم غري �صحيح. لكن لديهم معايري علمية؟ �أن����ا ُمط ّلع على تلك املعاي��ي�ر ،معظمها ال ينطبق على اليمن. �أخري ًا ،كيف تنظرون مل�ستقبل اليمن ووحدته يف ظ��ل ه��ذه الأزم��ات وه��ذه اال�س��تقطابات املحلية والإقليمية والدولية؟ كث��ي�ر ًا ما ي�أتي �أنا�س زائرين ي�صلوا اليمن لأول مرة، وفع ً ��ل�ا مبج����رد �أن �ألتقي ب�أحدهم حت����ى يُبدي ت�أثره بالو�ض����ع الذي نحن فيه ،ف�أقول له «وينك وين!» ،لقد عدت �سنة 1968وجبال �صنعاء هذه التي حولنا كلها يف يد امللكيني ومل �أ�صل �إىل �صنعاء �إال بعد �أن �سافرت �إىل احلديدة ،وحتى طري����ق احلديدة كان مقطوع ًا. ورغ����م ه����ذا ف�إن الدول����ة مل تف�ش����ل ،ومل ت�سقط ،ومل تنت ِه .عل����ى العك�س �أنا �أقول �إن اليم����ن مرت ب�أزمات �أخط����ر من هذه الأزم����ة ،لكننا يف �أزم����ة ال ميكن �أن ننكرها ،وال بد �أن نتعامل مع هذه الأزمة. �إنن��ا كما يبدو على املح��ك ،فهناك انتخابات يف ني�س��ان�/أبريل 2011وانتخاب��ات رئا�س��ية يف 2013ولي���س هن��اك تواف��ق �سيا�س��ي حتى الآن.. الدميقراطية التي تبنيناها هي على املحك بالت�أكيد، وال ب����د م����ن انتخاب����ات ح����رة ونزيه����ة ودميقراطي����ة وتعددي����ة يف ،2011وال ب����د م����ن انتخاب����ات رئا�سية بنف�����س هذه ال�ش����روط؛ �إذا تخلينا عن ه����ذه الأ�شياء ف�إننا نك����ون قد و�ضعنا اليمن عل����ى عجلة ال�سري �إىل الوراء. �س���ؤال �أخ�ير ،ه��ل تعت�بر نف�س��ك م��ن ح��زب املتفائلني؟ �أنا دائم ًا متفاءل.
الفهر�ست مراجعات للكتب وعرو�ض موجزة
دبي وجناحها غري املح�صن
يو�سف خليفة اليو�سف (كري�ستوفر دايفيد�سون)
بالإ�ضافة �إىل عرو�ض موجزة ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2010
151
الفهر�ست
مراجعات
عرو�ض م�ؤجزة
ُ ح�صن جناح دبي غري امل ّ يتح���دث ه���ذا الكتاب عن دبي �أو عن «النموذج التنم���وي الدّبوي» �إذا �صح التعبري ,وهو منوذج وال�شك �أثار كثري ًا من النقا�ش بني امل�ؤيدين واملعار�ضني وحتى احلا�سدين ،ونحن طبع ًا ال تهمنا هذه الفئة الأخرية و�إمنا منطلقنا يف قراءة هذا الكتاب هو �أن جتربة دبي جتربة غنية بالدرو�س والعرب التنموية الإيجابية وال�سلبية والتي يطرح هذا الكتاب الكثري منها ،وال مينعنا من ا�ستيعاب هذه التج���ارب ق�ص���ور بع�ض جوانب التحليل �أو املبالغ���ة يف جوانب �أخرى لأن عمر الفاروق ر�ضي اهلل عن���ه علمنا �أن ن�ستفيد من نقد الآخرين بت�صحيح �أخطائنا واحلفاظ على جناحاتنا مبقولته امل�شهورة «رحم اهلل �أمرى ًء �أهدى �إ ّ يل عيوبي» �أو كما قال. وامل�ؤ ّل���ف الذي نراجعه هنا هو لكري�ستوف���ر دايفيد�سون �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف جامعة درم باململكة املتحدة ،وقد كان �أ�ستاذ ًا زائ���ر ًا بجامع���ة زايد يف الإمارات ،وله �إ�ضافة �إىل هذا الكتاب كتب �أخرى ككت���اب «الإمارات العربية املتحدة :درا�سة يف البقاء»، وكتاب جديد هو «�أبوظبي :النفط وما بعد» .و�ستكون تعليقاتنا على هذا الكتاب يف �سياق املراجعة ،نظر ًا لتعدد املو�ضوعات التي يعاجلها ،ذلك بالإ�ضافة �إىل تعليقنا العام الذي نختم به هذه القراءة . يتحدث امل�ؤلف يف بداية كتابه والدة م�شيخة عن مرحلة ت�أ�سي�س �إمارة دبي ،والتي مرت مبراحل متعددة وواجهتها كثري من التحديات الداخلية واخلارجية ،وتفاعلت فيها كذلك القوى املحلي���ة والدولية .يتتبع امل�ؤلف الظ���روف التي تكونت فيها �إمارة دبي ابتداء من الت�أكيد على �أن عائلة �آل مكتوم هي جزء من جتمع قبلي هو جتم���ع بني يا�س التي كانت عا�صمته «املارية» الواقعة يف واحة «ليوا»، وانتقل���ت عا�صمة ه���ذا التجمع بعد ذلك �إىل ما يع���رف اليوم مبدينة «�أبوظب���ي» .وكانت تلك الفرتة ت�شهد �صراعات وحتالفات كثرية منها مثلث ال�صراع بني بني يا�س والقوا�سم والعمانيني ،وقد �أدت تطورات ه���ذا ال�صراع ،يف ر�أي امل�ؤل���ف� ،إىل ظهور م�شيخة دبي حتت حكم �آل مكت���وم �إىل ما ي�شبه املنطق���ة العازلة يف هذا ال�صراع خا�صة بني بني يا����س يف �أبوظب���ي والقوا�سم يف ر�أ�س اخليمة ،وبع���د ذلك �أ�ضيف �إىل هذا املثلث بعد ًا �آخر �أال وهو االمتداد ال�سعودي يف املنطقة. ويتطرق امل�ؤلف لتفا�صيل تاريخية حول الكيفية التي متت بها عملية انف�صال دبي عن �أبوظبي ،وعن الظروف التي متت فيها وهي تفا�صيل التهمن���ا كثري ًا هن���ا لأن الدخول فيها ق���د ي�ستغرق �صفح���ات كثرية، �إ�ضافة �إىل �أنها خالفات معهودة يف املجتمعات القبلية التي �أ�صبحت �أ�سرية لأه���واء الب�شر ،الأمر الذي يجعلها عر�ض���ة للنامو�س الرباين املتمثل يف قول احلق �سبحانه «لو �أنفقت ما يف الأر�ض جميع ًا ما �ألفت 152
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
بني قلوبهم ولكن اهلل �أ ّلف بينهم» .بعد ذلك ا�ستطاعت بريطانيا من خ�ل�ال معاهدات احلماية التي وقعته���ا مع �شيوخ هذه الإمارات تقليل وت�ي�رة ال�صراعات وجتمي���د اخلالفات عل���ى حاله���ا ،و�أ�صبحت هي الت���ي ت�سري �أمور هذه امل�شيخات خا�صة يف ما يتعلق بالعامل اخلارجي وحتمي هذه احلكومات من �أي «�أخطار داخلية». وقد لعبت جتارة الل�ؤل�ؤ يف دبي دور ًا مهم ًا يف ن�ش�أة اقت�صادها ،وكانت لهذه التجارة وما يرتبط بها من �صناعة لل�سفن وغريها من متطلبات �صي���د الل�ؤل�ؤ �أث���ر ًا يف ازدهار �إمارة دبي يف الف�ت�رة الأوىل من ن�ش�أتها حت���ى �أن احلكومة الربيطانية ،كما ي�ش�ي�ر الكاتب ،فر�ضت كثري ًا من القي���ود على هذه التجارة �سواء �أكان ذل���ك فيما يتعلق بحجم قوارب ال�صي���د �أو ب�إمكانية ا�سترياد تقني���ات ال�صيد امل�ستخدمة يف اخلارج، كل ذلك من �أجل �إبقاء هيمنة الربيطانيني على اقت�صاد املنطقة و�إن كانت التربيرات هي �أن ذلك كان من اجل �أبناء املنطقة .طبعا هناك �أ�شكال �أخرى من حماولة احلكومة الربيطانية عزل املنطقة عن بقية الع���امل ال يت�سع املجال هنا للتف�صي���ل فيها ،ولكن الذي يت�ضح للقارئ �أن اتفاقيات احلماية املتعددة التي وقعتها دبي وغريها من امل�شيخات مع احلكومة الربيطانية كان���ت مبثابة القيود املتتالية واملتزايدة على حرية مواطني هذه املنطقة ال�سيا�سية واالقت�صادية. فاقت�صادي���ا �أعط���ت هذه املعاه���دات للحكوم���ة الربيطانية والدول
الك�ب�رى الأخرى هيمنة كاملة على ال�سيا�سات النفطية التي ا�ستمرت �إىل وقتن���ا احلا�ضر م���ع بع�ض التح�سن بعد ت�أ�سي����س منظمة الأوبك. �أم���ا ما ح�صل عل���ى اجلانب ال�سيا�سي نتيجة ه���ذه املعاهدات فهو �أن احلكوم���ة الربيطاني���ة �أ�صبحت طرف ًا يف معادل���ة العالقة التي تربط احلاك���م باملحكوم؛ فهي قد ج ّمدت ال�سلط���ة يف �أيدي احلكام وقامت بحمايته���م ،وذلك مقابل ح�صولها على امتيازات النفط يف املنطقة، وه���ذه ال�سيا�سة كان لها كثري من الآث���ار ال�سلبية حتى وقتنا احلا�ضر و�إن تفاوتت هذه الآثار من دولة �إىل �أخرى. بعد ذلك يتحدث امل�ؤلف عن م���ا عرف «باحلركة الإ�صالحية» التي ظه���رت عام 1938يف دب���ي ويف كثري من دول املنطقة خا�صة الكويت. وق���د كانت هذه احلرك���ة ،التي �ضمت بني �أع�ضائه���ا �أفراد من عائلة املكت���وم وجتار ومثقفني ،تطال���ب بنوع من الرقابة عل���ى �إدارة موارد الإمارة من قبل احلاكم وتوجيهها �إىل م�شروعات تنموية تعود بالنفع على �شرائح املجتمع كافة� ،أي �أن هذه الفئة كانت تعرت�ض على احتكار احلاكم لقرارات تتعل���ق بتوجيه ثروة بيانات الكتاب املجتمع .ولكن هذه احلركة �أجه�ضت ومل تتبلور لت�ص���ل �إىل م�ستوى النظام دبي:النجاح غري الرقاب���ي املطل���وب ،ويف اعتقادن���ا �أن ه���ذه املطالب الت���ي تقدم���ت بها هذه املح�صن الفئ���ة ال زال���ت بدرج���ة م���ن الأهمية كري�ستوفر دايفيد�سون وال�ضرورة لنجاح منوذج دبي التنموي ،نيويورك :من�شورات لأن بناء الإن�سان بامل�شاركة الفاعلة هو جامعة كولومبيا �أك�ث�ر م�ساهم���ة يف ا�ستمرارية التنمية 2008 م���ن بناء احلجر وح���ده .كذلك ي�شري الكات���ب �إىل �أن ال�شي���خ را�ش���د ب���ن � 320صفحة �سعيد رحمه اهلل ،ال���ذي كان معار�ض ًا 32.50دوالر ًا ملطال���ب حرك���ة الإ�ص�ل�اح ق���ام نف�سه بعد توليه احلكم ع���ام 1958بت�أ�سي�س املجل����س البلدي وتبني غالبية تلك املطالب ،وهذا �أمر ُي�سجل لكل من املطالب�ي�ن ولل�شيخ را�شد نف�سه لأنه قام به���ذه املبادرة التي ت�صب يف خط امل�شاركة يف القرار �إىل حد ما.
من القومية العربية �إىل الأمن اجلماعي
يتح���دث امل�ؤلف عن املد القومي خا�ص���ة النا�صري منه الذي اجتاح دب���ي وبقي���ة �أنح���اء اخلليج خالل ف�ت�رة اخلم�سيني���ات ،وكيف قامت بريطاني���ا مبحاول���ة عزل ه���ذه املنطقة ع���ن ت�أثريه وق���د توجت هذه اجلهود بت�أ�سي�س نظ���ام �إقليمي خليجي منف�صل عن املحيط العربي. فف���ي ع���ام 1953ت�أ�س�ست اجلبه���ة الوطنية يف دبي وه���ي جبهة ،كما ي�ش�ي�ر امل�ؤل���ف ،ت�أ�س�ست من �أجل مناه�ضة النف���وذ الإيراين والهندي وحماي���ة طبق���ة رجال الأعم���ال املحلي�ي�ن .وي�ست�شهد امل�ؤل���ف بتقرير املعتمد الربيطاين الذي ي�ؤكد �أن �أهم �أهداف هذه اجلبهة كانت تقليل
النفوذ الربيط���اين يف املنطقة وفر�ض رقابة على �سلطات احلاكم يف دب���ي والذي كان عندئذ هو ال�شيخ �سعي���د بن مكتوم رحمه اهلل .ولقد ات�س���ع ت�أث�ي�ر هذه اجلبهة يف دب���ي خالل عام � 1956أو ف�ت�رة العدوان الثالث���ي على م�صر ،وكانت هناك بع����ض �أحداث العنف كحرق جزء من ال�سفارة الربيطانية ،وق���د كانت هناك حوادث م�شابهة يف بع�ض الإمارات الأخرى خالل هذه الفرتة. هذا املد القومي مل يعج���ب احلكومة الربيطانية ،كما ي�ؤكد امل�ؤلف، وبالتايل مت اتخاذ كثري من ال�سيا�سات الحتوائه �أو لإبعاد املنطقة عن انعكا�ساته كت�أميم النفط �أو تبلور �سيا�سات معادية للنفوذ الربيطاين. ومن بني هذه ال�سيا�سات التي تبنتها احلكومة الربيطانية تقوية �أجهزة الأم���ن الداخلي ،و�إعادة هيكلة حماكم دب���ي ،و�إحداث �إ�صالحات يف النظ���ام التعليمي متثلت يف تعيني مدير معارف �سوداين ا�سمه الأمني وكان �صديق ًا للمعتمد الربيطاين وقد كلف ب�إيجاد نظام تعليمي جيد وغ�ي�ر م�سي�س وتوجيه الطلب���ة �إىل الأندي���ة ذات «الن�شاطات الربيئة « كلع���ب ال���ورق ،ذل���ك بالإ�ضاف���ة �إىل الت�أك���د من ع���دم وقوع املجالت ال�سيا�سي���ة يف �أي���دي ه����ؤالء الطلبة. ومل تكن بريطانيا ،كما يقول امل�ؤلف، راغب���ة �أ� ً صال يف تطوير نظام تعليمي معا�صر نظر ًا لتخوفها من خمرجاته ولكنها وجدت نف�سها م�ضطرة نتيجة للم���د القوم���ي النا�ص���ري �أن حتدث بع����ض الإ�صالحات التعليمية املقيدة مب���ا يحف���ظ الأو�ض���اع الراهنة ،مبا يف ذل���ك ا�ستم���رار قب�ض���ة بريطانيا على مق���درات املنطقة ذات املخزون النفطي املتزايد .وقد قامت احلكومة الربيطاني���ة بح�س���ب امل�ؤل���ف ب�إبعاد كث�ي�ر من املعلمني من ذوي االجت���اه القومي من العملية التعليمية ،بل �إنها منعت بع�ض رحالت الطريان امل�صري �إىل املنطقة. �أم���ا طبقة التجار فلم ت�سلم م���ن هذه ال�سيا�سات ،كما يقول امل�ؤلف، فه���ي قد مت �إ�ضعاف ت�أثريها من خالل �إعطائها كثري من االمتيازات وم���ن �أهمها الوكاالت التجاري���ة التي ظلت حمتكرة من قبل فئة قليلة من رجال الأعمال منذ تلك الفرتة وحتى يومنا هذا ،وامل�ؤلف يرى �أن هذه الإغراءات كانت �سبب ًا يف تراجع � شريحة من التجار عن مطالب الإ�صالح التي تقدموا بها �سابق ًا يف �إطار «اجلبهة الوطنية». وم���ن بني ال�سيا�سات بعي���دة املدى الحتواء امل���د القومي يف املنطقة ال�سعي لإيجاد احتاد ما بني ه���ذه الإمارات متهيد ًا الن�سحاب القوات الربيطانية من املنطقة ،وقد كان من املقرر �أن يكون االحتاد من ت�سع �إم���ارات مب���ا يف ذلك البحرين وقطر ولكن ذل���ك مل يتحقق ومت قيام ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
153
الفهر�ست
مراجعات
احت���اد الإمارات ال�ست عام ،1971وحلقت ر�أ�س اخليمة باالحتاد بعد ع���ام من ت�أ�سي�سه .وال�ش���ك �أن هذا االن�سح���اب الربيطاين جزء منه ف�س���ر مبحاولة تقليل تكاليف الوجود الع�سك���ري ،ولكن جزء منه هو ُي َّ عدم الرغب���ة يف تكرار ظاهرة املواجهات الت���ي ح�صلت يف عدن بني القوات الربيطانية وبني �شعب يطالب با�ستقالله. يتحدث امل�ؤلف عن ن�ش�أة مرتكزات امليناء احلر دب���ي كميناء جتاري كانت ر�أ�س احلربة فيه هي �إعادة الت�صدير التي �ساعد على جناحها �إنفاق حكومة دبي يف تلك الفرتة على م�شروعات البنية الأ�سا�سي���ة ،مبا ت�سمح به موارد الإم���ارة وانخفا�ض ال�ضرائب والرتاخي����ص عل���ى ال�سف���ن وكذلك هج���رة طبقة التجار م���ن الدول املج���اورة كالهند و�إيران وحتى من الإمارات املجاورة ك�إمارة �أبوظبي وال�شارق���ة للعم���ل واال�ستقرار يف دبي ،نظرا لقل���ة القالقل ال�سيا�سية فيها مقارنة مبا كان يحدث من �صراعات يف بقية املناطق. باخت�ص���ار �إن ما ميكن قوله �أن �سيا�سات �إزال���ة احلواجز التجارية الت���ي تبناه���ا ال�شيخ ح�ش���ر املكتوم يف بداي���ة الق���رن الع�شرين كانت مبثاب���ة تد�شني لدور �إم���ارة دبي كمركز جتاري مزده���ر يف املنطقة. وكانت �أهم ال�سلع املتاجر بها والتي متر عرب دبي ت�شتمل على الن�سيج والذه���ب والإلكرتونيات ،ويت���م نقلها ما بني الهند وال���دول الآ�سيوية ومنطق���ة اخلليج .وال�ش���ك �أن ا�ستمرار حكومة دب���ي يف تو�سيع بنيتها الأ�سا�سي���ة �س���واء �أكان ذلك يف ما يتعلق باالت�ص���االت �أو املوا�صالت، وذل���ك باالقرتا�ض م���ن اخل���ارج وت�شجي���ع اال�ستثم���ارات اخلارجية وكذل���ك البدء بتطوي���ر النظام امل�صريف خا�ص���ة البنوك ،كان عام ًال مهم��� ًا يف جع���ل هذه الإم���ارة نقطة ج���ذب للن�ش���اط االقت�صادي من املناطق املحيطة بها وكذلك املناطق البعيدة. وي�ش�ي�ر امل�ؤل���ف �إىل بعد النظر ال���ذي كان يت�صف ب���ه ال�شيخ را�شد املكت���وم رحم���ه اهلل خا�ص���ة عندم���ا كان الأمر يتعل���ق بوترية وحجم التو�س���ع يف البني���ة الأ�سا�سية ،حت���ى �أن تقديراته كان���ت يف كثري من الأحي���ان �أ�صوب و�أدق م���ن تقديرات بع�ض «اخل�ب�راء» كما ح�صل يف تو�سيع طاقة ميناء جبل علي وكثري من امل�شروعات الأخرى. ي�شري امل�ؤلف �إىل تنويع الهيكل االقت�صادي �أن �إح�سا�س �إمارة دبي مبحدودية خمزونها النفطي مقارنة ب�أبوظبي �أعطاها دفعة وحافز ًا للعمل الدءوب على تخطي هذه العقبة مبحاولة حثيث���ة لتنويع هيكله���ا االقت�صادي ا�ستع���داد ًا للفرتة الت���ي �سين�ضب فيها خمزونها النفطي .ففي منت�صف الثمانينيات واحلرب العراقية الإيراني���ة على �أ�شده���ا ،وعندما كانت دول املنطق���ة تدر فوائ�ضهاالنفطي���ة �إىل االقت�صاديات الغربية ،قرر ،كم���ا يقول امل�ؤلف ،كل من ويل العهد عندئذ ال�شيخ مكت���وم بن را�شد رحمه اهلل و�أخويه حمدان وحممد ب����أن زيادة ا�ستثماراتهم يف تطوير البنية الأ�سا�سية لدبي من �أج���ل تعمي���ق دور الإم���ارة التجاري ،وم���ن �أجل مزيد م���ن التنويع يف 154
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
الهيكل االقت�صادي للإمارة ،هو امل�سار الأف�ضل. وق���د كان���ت هذه الر�ؤي���ة امتداد ًا ملا ق���ام به ال�شيخ را�ش���د من قبل، �س���واء تعلق ذلك بتو�سيع ميناء جبل علي �أو احلو�ض اجلاف �أو �شركة موان���ئ دب���ي �أو ط�ي�ران الإم���ارات الحق��� ًا �أو غريها م���ن م�شروعات البني���ة الأ�سا�سي���ة الت���ي تبعتها .ولق���د ا�ستمرت دب���ي يف جهود تنويع هيكله���ا االقت�صادي لتجعله مزيج ًا من النفط والتجارة خا�صة �إعادة الت�صدير واخلدمات ال�سياحية واملالي���ة وال�صناعات اخلفيفة ،وبعد ذل���ك بد�أت عملية التو�س���ع العقاري .ولكن امل�ؤلف ال���ذي يذكر كثري ًا م���ن البيانات للتعبري عن هذه اجلهود التي بذلتها دبي لتنويع هيكلها يخرج بنتيجة م�ؤداها �أن جناحات هذه امل�سرية املتعلقة بتنويع الهيكل االقت�ص���ادي لدبي كانت �سطحية� ،أي �أنه ال يعتقد �أنها متينة وهذا ما يح���اول تف�سريه يف بقية ف�صول كتابه كما �سيت�ضح للقارئ ،ونحن و�إن كن���ا ال ن�ؤيد كل جوان���ب منوذج دبي التنموي �إال �أنن���ا نعتقد �أن حكمه هن���ا في���ه �شيء من التعمي���م والإجحاف ،خا�ص���ة �إذا نظرنا �إىل هذا النم���وذج بايجابياته التي ميك���ن �أن يبنى عليها ،و�سلبياته التي ميكن تقليلها مقارنة مبحي���ط خليجي وعربي و�إ�سالمي يفتقد للحد الأدنى م���ن الر�ؤية التنموية التي ميك���ن �أن يت�أملها الإن�س���ان �أو يحكم عليها �سلب ًا و�إيجاب ًا. ينتقل اال�ستقرار ال�سيا�سي وثمن احلكم امل�ؤل���ف بع���د ذل���ك للت�أكيد عل���ى �أن جه���ود التنمي���ة االقت�صادية التي عا�شته���ا دب���ي مل يواكبها انفتاح �سيا�سي حتى مقارن���ة بال�سعودية التي ح�صل���ت فيها انتخابات بلدية ع���ام ،2005ويعزو امل�ؤلف هذا االزدهار االقت�ص���ادي الذي تزام���ن مع جمود �سيا�سي �إىل ق���وة عائلة �آل مكتوم داخلي��� ًا ،و�إىل نوع م���ن التفاهم بينها وبني �شريح���ة طبقة التجار التي ح�صلت عل���ى امتيازات اقت�صادية مقابل تنازلها عن الدور ال�سيا�سي. �أم���ا فيما يتعلق بقوة مكان���ة عائلة �آل مكتوم يف الداخل ف�إنه يعزو ذلك �إىل ال���دور الرائ���د الذي لعب���ه ال�شيخ را�شد يف ت�أ�سي����س الإمارة والذي جعل���ه بحق يلقب «ب���الأب امل�ؤ�س�س لإم���ارة دبي» ،وق���د �أثبت جدارة يف القي���ادة لي����س فقط عل���ى م�ستوى الإم���ارة وحدها و�إمنا عل���ى م�ستوى الدولة كذلك ،لأنه كان احلاكم الفعلي لدبي منذ الثالثينات. وق���د خلف ال�شي���خ را�ش���د وراءه ،كما يق���ول امل�ؤلف� ،أبن���اء يت�صفون بالر�شد وقد �شارك كل منهم و�إن بدرجات متفاوتة يف امل�شروع التنموي لدبي من���ذ الثمانينيات ،وبذلك �أ ّمن ال�شي���خ را�شد ،كما يقول الكاتب، ا�ستمراري���ة عائلت���ه يف احلكم .ويتحدث بعد ذلك ع���ن انتقال ال�سلطة م���ن ال�شيخ را�ش���د �إىل �أبنائه ابتدا ًء من ال�شيخ مكت���وم وانتهاء بال�شيخ حممد بن را�شد احلاكم احل���ايل ،ويف�سر بع�ض تفا�صيل عملية توارث احلك���م ب�صورة قد يتف���ق �أو يختلف معه فيها الق���ارئ ولكنها تفا�صيل لي�ست �أ�سا�سية فمنها مث ًال انتقال احلكم من الأب �إىل االبن ثم انتقاله من الأخ �إىل �أخيه ،وهذه ظاهرة م�شاهدة يف جميع دول املنطقة.
مع�ض��لة دبي:التنوي ��ع يف الهيكل االقت�صادي لدبي قد يقلل من اعتماده ��ا على النفط ولكنه يعمق اعتمادها عل ��ى الع ��امل اخلارجي بدرجة كبرية ،وهذا ي� ��ؤدي بدوره �إىل �صدمات قد تنتج من هذا االعتماد كما ح�صل يف الأزمة املالية احلالية التي قام خاللها كثري من م�ستثمري الأموال ب�سحب �أموالهم ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
155
الفهر�ست
مراجعات
ٌ خمطئ وال�شك يف بع�ضها الآخر ،ولي�س من اما العامل الثاين الذي يطرحه امل�ؤلف ك�سبب ال�ستمرار الفجوة بني م�صيب��� ًا يف بع�ضها ولكنه النمو االقت�صادي وال�سيا�سي يف دبي فهو متعلق بحر�ص �آل مكتوم على اهتماماتن���ا هنا الدخ���ول �إىل قلوب النا�س ومتحي����ص نواياهم فهي توزيع جزء من ثروة الإمارة على �شرائح املجتمع ،وي�ست�شهد بكيف �أن مرتوك���ة هلل �سبحان���ه وتعاىل ،ويف قيمن���ا �أن من فعل خ�ي�ر ًا �شكرناه ال�شي���خ �سعيد ب���ن مكتوم ،رحمه اهلل ،كان ي�ت�ردد على جمل�سه� ،أبناء ودعونا اهلل �أن يتقبل �أعماله وكفى . باخت�ص���ار �إن ما ح���اول امل�ؤلف قوله يف هذا الف�ص���ل هو �أن حكومة املجتم���ع ويطلبون امل�ساع���دة وكان ي�ستجيب لهم ويعطيهم ما يكفيهم ل�شه���ر �أحيان��� ًا ،وقد ا�ستم���ر ال�شيخ را�شد يف منح���ى العطاء هذا بعد دبي مل حت�صن جهودها االقت�صادية بدرجة من امل�شاركة ال�سيا�سية، وفاة �أبي���ه ولكن طريقته اختلفت بع�ض ال�ش���يء فبعد العطاء املبا�شر ومهم���ا اختلفن���ا معه يف بع����ض التفا�صيل �إال �أننا نتف���ق معه يف املبد�أ لل�شي���خ �سعيد املكتوم �أ�صبح ال�شي���خ را�شد ي�ساعد املواطن على �إيجاد الع���ام ب����أن منوذج دب���ي خا�صة بع���د الأزم���ة املالية احلالي���ة بحاجة عم���ل� ،أي �أن ي�ساع���د نف�سه ً عم�ل�ا باملثل ال�صين���ي �أن تعطي الإن�سان ملراجع���ة كث�ي�ر من جوان���ب ال�ضعف فيه ،وم���ن �أهمه���ا تو�سيع دائرة �صن���ارة لي�صيد ال�سمك خري م���ن �إعطائه �سمكة ،وه���ذا اال�ست�شهاد الق���رار وذلك من �أج���ل تطوير جودة البني���ة الأ�سا�سي���ة� ،سواء تعلق لنا ولي����س للكاتب حتى نظل دقيقني يف تقييم مق���والت امل�ؤلف .وكان ذل���ك بكفاءة امل�ؤ�س�س���ات الق�ضائية �أو املالي���ة �أو الإدارية التي يتطلب من بني الو�سائل التي ا�ستخدمها ال�شيخ را�شد مل�ساعدة �أبناء املجتمع تطورها وارتقاء �أدائها درجة ال ب�أ�س بها من ال�شفافية وامل�ساءلة التي ه���و تزكيتهم للعمل يف م���كان ما �أو التربع لهم بقط���ع �أرا�ضي لإقامة ت�أت���ي عادة مع وجود امل�شارك���ة ال�سيا�سية� .أي �أن ما ن�ؤكده مع الكاتب �أن ال�صيغ���ة ال�سيا�سية الب�سيط���ة التي كانت �سائدة يف ال�سابق مل تعد ن�شاطات اقت�صادية عليها. وامت���دت ه���ذه امل�ساع���دات احلكومي���ة لت�شتمل على توف�ي�ر التعليم كافي���ة لتحمل م�سئولي���ات وت�شابكات االقت�صاد احلدي���ث ،و�أملنا هو وال�صحة وتوفري الوظائف للخريجني ودعم بع�ض اخلدمات الأ�سا�سية �أن جت���د هذه الدعوة �آذان��� ًا �صاغية وقلوب ًا واعية و�صدور ًا وا�سعة لدى �ص ّناع الق���رار يف دبي ،لأن التفكري الأخرى .ويتحدث امل�ؤلف كذلك �أن �سيا�سات �إزالة احلواجز التجارية التي تبناها ال�شيخ اجل���اد يف ه���ذه امل�س�ألة ه���و وحده م���ن و�سائل احلفاظ عل���ى ال�سلطة ح�شر املكتوم يف بداية القرن الع�شرين كانت مبثابة جدير ب�إبقاء من���وذج دبي التنموي يف �إم���ارة دب���ي اعتم���اد احلكوم���ة ً عل���ى عدد قليل من الأ�سر للعمل يف تد�شني لدور �إمارة دبي كمركز جتاري مزدهر يف املنطقة رائ���دا يف املنطقة ،وه���ذه امل�شاركة فيه���ا كث�ي�ر م���ن اخل�ي�ر والرتابط الوظائ���ف احلكومية ،و�إن كان هذا كذلك بني احلاكم واملحكوم. الأ�سلوب �أك�ث�ر ا�ستخدام ًا يف �إمارة ً بع���د ت�أكي���ده عل���ى الفج���وة بني النمو �أبوظب���ي كم���ا يق���ول امل�ؤلف طبعا .هن���ا البد من التذكري ب����أن امل�ؤلف مع�ض��لة دب��ي ينظر من منظور جمتمعه ،حيث املواطنني ي�شكلون غالبية عظمى يف االقت�ص���ادي والتطور ال�سيا�سي يف دب���ي يغو�ص امل�ؤلف يف بع�ض �أبعاد الوظائ���ف وبالتايل فهو ي�سقط هذا املنظور على املجتمعات اخلليجية هذا النم���وذج التي ميكن �أن ت�شكل عوامل �ضع���ف ،وهي يف اعتقادنا خا�ص���ة الإمارات ،حيث �أن الفئة املواطنة هي �أقلية وبالتايل ف�إن فتح مو�ضوع���ات جديرة بالتدبر واالهتمام من قب���ل من ي�صنع القرار يف الأب���واب على م�صراعيها يف التوظيف لن يبق���ي ملواطني هذه الدولة دب���ي بغ�ض النظر عن ال�صيغة الت�شا�ؤمي���ة التي يطرحها بها الكاتب. ً ً حكام���ا وحمكومني �أي���ة �شرعية ،وهذه �إ�شكالية تتك���رر كثريا من قبل فمن هذه امل�شاكل ت�أ�صل روح الك�سب ال�سريع والريعي يف �أذهان �أبناء الباحثني الأجانب يف �ش�ؤون املنطقة فهم يقعون يف خط�أ قيا�س واقعنا الإم���ارة والدولة مع ًا ،وهي م�شكل���ة متف�شية يف دول املنطقة جمتمعة، ً بواقعه���م مع اختالف املعطيات وهذا م�ؤ�سف حقا .مبعنى �آخر �إننا ال حي���ث �أن امله���ارات التي يتخرج به���ا ه�ؤالء الأبن���اء ال ت�ؤهلهم لتكوين نعرت�ض على �إعطاء املواطنني الأولوية يف الوظائف يف بلدهم ب�شرط قاعدة املوارد الب�شري���ة املطلوبة لتحقيق التنمية الفعلية ،الأمر الذي �أن تك���ون لديه���م الكف���اءة والأمان���ة ،و�أن ال تتح���ول البل���د �إىل �أفراد يحم���ل يف طيات���ه ا�ستمراري���ة وتزايد درج���ة االعتماد عل���ى العمالة يقدم���ون م�صاحلهم على م�صلحة املجتمع ب�أكمله كما ر�أينا يف جميع الوافدة وما حتمله من انعكا�سات يتحدث عنها امل�ؤلف الحق ًا. الدول اخلليجية يف ال�سنوات الأخرية. �إن ه���ذه الق�ضية ه���ي يف اعتقادنا من �أهم الق�ضاي���ا التي يجب �أن �إ�ضاف���ة �إىل م���ا �سبق ي�شري امل�ؤل���ف �إىل انتخاب���ات املجل�س الوطني ت�أخ���ذ الأولوي���ة يف تفكري حكومات املنطقة كله���ا ولي�س دبي فقط لأن االحت���ادي كتجربة غري ج���ادة للم�شاركة ال�سيا�سي���ة� ،سواء من حيث النج���اح يف التنمية ،كما بين���ا يف كثري من كتاباتن���ا ،يعني باخت�صار الرت�شي���ح واالنتخ���اب وهي مالحظ���ة مالحظة نواف���ق امل�ؤلف عليها .حتوي���ل النف���ط النا�ض���ب �إىل �إن�سان منت���ج ي�ستطيع �أن يق���دم للعامل ويخت���م حديثه ع���ن اجلهود الت���ي تبذله���ا حكومة دب���ي يف املجاالت اخلارج���ي �سلع���ة �أو خدمة ي�شرتي بقيمتها حاجات���ه من بقية العامل. الثقافية والديني���ة والريا�ضية ويف جم���االت العمل اخلريي وغريها ،لذل���ك ف�إن ال�ث�روة النفطية احلالي���ة يجب �أن ت�ستخ���دم لإيجاد هذا والت���ي يرى فيه���ا الكاتب �أنه���ا واجهات لبن���اء ال�شرعي���ة ،وقد يكون 156
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
�سيواجه املنطقة يف ال�سنوات املقبلة. وهناك نقط���ة هامة يتطرق لها امل�ؤلف يف حديثه عن حجم الهجرة القادم���ة �إىل املنطق���ة ،وتتعلق باملنظوم���ة القيمي���ة والأخالقية التي يحمله���ا ه�ؤالء املهاج���رون �إىل بل���دان اخلليج و�أثر ذل���ك يف الن�سيج الأخالقي لهذه املجتمعات .وال�ش���ك �أن هذه الآثار م�شاهدة ،وهي يف ر�أين���ا خطرية وتكاليفه���ا باهظة .ومن هنا ف�إننا نعتق���د �أن املنظومة القيمي���ة لهذه املجتمعات يجب �أن ال يحكم عليها باالنهيار واالنح�سار �أمام مد القي���م الوافدة ،وذلك لأنها قيم املجتمع ،وهي قيم الر�سالة الربانية اخلامت���ة التي يجب �أن ترتقي �إىل م�ستواها �سلوكيات الب�شر الذي���ن يرغبون يف التح�ضر ،وبالتايل ف�ل�ا ينبغي �أن نخجل ب�إعالنها عل���ى امللأ والدفاع عنها �أم���ام كل وافد وطل���ب احرتامها من كل من يرغ���ب يف املجيء �إىل منطقتن���ا ،لأن الذي يفرط يف قيمه ومعتقداته لن يتبقى له اجناز يفتخر به.
الإن�س���ان املنتج بدل �أن تكون هذه ال�ث�روة �أداة لإ�ضعاف هذا الإن�سان وحتويل���ه �إىل باح���ث عن عم���ل� ..أي عمل ،ويف ه���ذا ال�صدد ال ميكن اال�ستمرار يف االعتماد على العمالة الوافدة وبهذا احلجم لأن التنمية الت���ي تتحقق بالوافدين وحدهم دون املواطن�ي�ن هي تنمية �أقرب �إىل ال�سراب منها �إىل احلقيقة. ي�ش�ي�ر الكاتب كذلك �إىل درجة اعتماد تنويع الهيكل االقت�صادي يف دبي على بقي���ة العامل� ،سواء �أكان ذل���ك يف ال�سياحة �أو اال�ستثمارات �أو العق���ارات �أو املناط���ق احل���رة �أو التج���ارة �أو اخلدم���ات� ،أي �أن ما يقول���ه امل�ؤلف هن���ا �أن هذا التنوي���ع يف الهيكل االقت�ص���ادي لدبي قد يقل���ل من اعتماده���ا على النفط ولكن���ه يعمق اعتماده���ا على العامل اخلارج���ي بدرجة كبرية ،وهذا ي�ؤدي بدوره �إىل �صدمات قد تنتج من ه���ذا االعتماد كما ح�صل يف الأزمة املالي���ة احلالية التي قام خاللها كثري من م�ستثمري الأموال ب�سحب �أموالهم وهذا �أدى �إىل انعكا�سات يتحدث م�ؤلف الكتاب عن امل�سار �سلبي���ة عل���ى جميع املنطق���ة ،ولكن درج���ة اعتماد دبي عل���ى الأموال ا�ستقرار االحتاد اخلارجية جعلت ت�أثرها �أكرث من غريها بهذه الأزمة. الذي �أخذه االحتاد منذ ت�أ�سي�سه على م�ستوى الت�شريعات وم�ستوى وعلى الرغم من �أن االعتماد املفرط على قطاع �أو منطقة جغرافية امل��م��ار���س��ة .ف��ه��و ي���رى �أن هناك ً دائم���ا له �آث���ار �سلبي���ة� ،إال �أن عامل �إح�سا�س �إمارة دبي مبحدودية خمزونها النفطي مقارنة بع�ض الن�صو�ص ال��واردة يف مواد الي���وم ع���امل منفت���ح وال ميك���ن �أن الد�ستور االحت��ادي التي قد ت�شري تنغل���ق دبي �أو غريه���ا على نف�سها ،ب�أبوظبي �أعطاها دفعة وحافزاً للعمل الدءوب على تخطي �إىل مرونة هذا الد�ستور ،ولكن هذه وبالت���ايل ف�إنن���ا ال ن�شاط���ر امل�ؤلف هذه العقبة مبحاولة حثيثة لتنويع هيكلها االقت�صادي الن�صو�ص قد تكون يف نف�س الوقت نظرت���ه املت�شائمة لك���ن درجة هذا ذات انعكا�سات �سلبية على تطور االعتم���اد على الغري ميكن تهذيبها هذا االحتاد .وي�ضرب مثا ًال على ذلك مبا يعطيه هذا الد�ستور لكل بح�س���ن اختيار القطاعات التي تتم تنميته���ا ،ومب�صادر الأموال التي �إمارة من ا�ستقاللية يف �إدارة مواردها الطبيعية ،وما ينتج عن ذلك يتم ا�ستريادها ،وبطبيعة هذه الأموال من حيث فرتة بقائها ،وبتعميق من م�سارات تنموية منف�صلة قد تعمق فجوة الدخل بني �أبناء هذه درج���ة التكامل مع املحيطني العرب���ي والإ�سالمي ،وهذه كلها �أمور يف الإم��ارات ،وهذا حمذور نتفق فيه مع امل�ؤلف ونعتقد �أنه بد�أ يتعدى مق���دور حكومة دب���ي مراجعتها والت�أث�ي�ر فيها يف ال�سن���وات القادمة قطاع امل��وارد الطبيعية �إىل جم��االت �أخ��رى قد تكون �أك�ثر خطورة لتطوير منوذجها التنموي. وتتعلق بحقوق �أ�صحاب اال�ستثمارات اخلارجية يف هذه الدولة ،وهذه وي�شري امل�ؤلف كذلك �إىل م�شكلة �أخرى يف منوذج دبي التنموي وهي م�س�ألة �أمنية قبل �أن تكون اقت�صادية ،وبالتايل فالقرارات املتعلقة بها حج���م االعتماد عل���ى العمالة الواف���دة وما تعنيه م���ن �أخطار للهوية يجب �أن تتخذ على م�ستوى امل�ؤ�س�سات الت�شريعية االحتادية وحدها. الوطني���ة ،وزيادة حجم املوارد التي تقوم ه���ذه العمالة بتدويرها �إىل فاملرونة املطلوبة يف الت�شريعات االحتادية هي املرونة التي ت�ساعد بلدانه���ا الأ�صلية مما يحرم االقت�صاد املحل���ي منها وغريها من �آثار على تقوية ومنو االحتاد� ،أما املرونة التي ت�ساعد على جمود وتفكك هذه العمالة .وال�شك �أن هذه الق�ضية التي يثريها امل�ؤلف من الق�ضايا االحتاد التدريجي فهي مرونة غري مطلوبة بل �إنها مرفو�ضة. الت���ي حت���دث عنها �أبناء املنطق���ة منذ �سنوات ،وه���ي ق�ضية مرتبطة وي�ست�شهد امل�ؤلف بعدد من املحطات التي �ساعدت فيها هذه املرونة بغي���اب التكام���ل االقت�صادي يف املنطق���ة ،ومرتبط���ة بطبيعة النظم املفرط���ة يف غي���اب احل�س���م يف كث�ي�ر م���ن الق�ضايا االحتادي���ة كدور التعليمي���ة ،ومرتبطة بقوان�ي�ن هجرة العمال���ة ،ومرتبطة مبمار�سات امل�صرف املركزي و�سيا�سات الدولة اخلارجية وال�سيا�سات النفطية، القط���اع اخلا����ص ،ومرتبطة بحفظ حدود الدولة م���ن الهجرات غري و�أخ�ي�ر ًا كم���ا ر�أين���ا يف كيفية التعامل م���ع الأزمة املالي���ة وغريها من ال�شرعي���ة ،وبالت���ايل فهن���اك �أكرث من مدخ���ل لعالج ه���ذه الق�ضية ،املواقف التي ت�شري �إىل �ضرورة تعميق م�سار االحتاد بتقليل امل�سارات وال�ش���ك �أن عالجها ينبغ���ي �أن يكون من �أولوي���ات حكومة دبي وبقية التنموي���ة الفردية مهما كان���ت �سلبيات امل�سار االحت���ادي وهي كثرية حكوم���ات املنطق���ة و�إال ف�إنن���ا �سنكت�شف بعد ف�ت�رة �أن الأر�ض مل تعد وال�ش���ك ،ولكنها لي�ست غري قابلة للحل �إذا وجدت الإرادة .ونحن هنا �أر�ضن���ا ،و�أن غالبية من ي�سكنها مل يعد من �أهلها وهذا من �أخطر ما ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
157
الفهر�ست
الفهر�ست
مراجعات
لب الق�ضية التي يتو�سع الكاتب يف ذكر �أمثلة عليها ،ونتفق والطريان و�أ�سواق املال وال�سياحة املعقولة ،مع االبتعاد عن اخلدمات ن�ؤكد على ّ الت���ي تت�ضارب مع قيم املجتمع ،وجعل قطاع العق���ارات رافد ًا وتابعاً معه يف بع�ضها ونختلف معه يف بع�ضها الآخر. ً يختتم امل�ؤلف كتابه للطلب يف القطاعات اخلدمية ولي�س رائدا لها. الأمن ،اجلرمية ،والإرهاب ثانيا :تعمي���ق دور التج���ارة و�إع���ادة الت�صدير ،وحماول���ة تطوي���ر باحلدي���ث عن حمددات الأمن يف الدولة ويف وبقية دول املنطقة .فهو يتحدث عن املراحل التي مرت بها عملية ت�أ�سي�س الدفاع االحتادي من بع����ض ال�صناعات اخلفيفة واملتو�سط���ة خا�صة يف منطقة جبل علي، حيث عدد القوات ،وم�ستوى تدريبها ،ونوعية الت�سلح ،وحجم الإنفاق والب���د �أن تت���م عملية تطوي���ر ه���ذا النم���وذج يف �إط���ار ر�ؤي���ة تنموية الع�سك���ري ،وهو يعتق���د �أن هذا اجلي�ش ما زال �ضعيف ًا ،ومن هنا ي�أتي تكاملي���ة يف املحيط�ي�ن العرب���ي والإ�سالمي وحتى الدائ���رة الآ�سيوية دور املظل���ة الأمنية الغربية وما ي�أتي معه���ا من امتيازات نفطية لهذه �إذا �أري���د له���ذا النموذج اال�ستق���رار واال�ستم���رار يف �آن واحد ،طبع ًا الدول ومن �صفقات �سالح ،وما ي�أتي معها من قواعد ع�سكرية ووجود م���ع ا�ستثناء �إ�سرائي���ل خا�صة و�أن ه���ذه الدول���ة اال�ستعمارية ت�سعى كثي���ف للقوات الغربية ومعهم طبع ًا قيمهم ومعتقداتهم و�سلوكياتهم ،حثيث��� ًا ،كما ت�ش�ي�ر بع�ض امل�ص���ادر الأجنبية� ،إىل اخ�ت�راق املقاطعة ���ان كثرية م���ع املنظوم���ة القيمية لأبن���اء هذه ب���كل �أ�شكالها باال�ستف���ادة من االنفت���اح االقت�ص���ادي يف دبي .فهذه الت���ي تتعار����ض يف �أحي ٍ امل�ص���ادر ً مث�ل�ا ت�شري �إىل �أن جتارة املا�س ،وبع����ض ن�شاطات املالحة املنطقة. ويتح���دث عن اخلطر الإيراين الذي تواجهه دولة الإمارات واجلزر وحت���ى التجارة ،قد ب���د�أت هذه الدولة تخرتقها ع�ب�ر �أقنعة خمتلفة الإماراتي���ة الثالث التي احتلتها ليل���ة ان�سحاب القوات الربيطانية يف وبالتوا�ص���ل م���ع بع����ض امل�سئول�ي�ن اخلليجي�ي�ن الذين ال يب���دو �أنهم يدرك���ون �أن الإ�سرائيليني ديدنهم الغدر وتدمري ال�صديق والعدو من ع���ام .1971ويتح���دث ع���ن �أجل �إ�سرائيل وحدها. عملي���ات التهري���ب وغ�سي���ل جهود التنمية االقت�صادية التي عا�شتها دبي مل يواكبها انفتاح ثالث��� ًا :البد من جعل املوارد الأم���وال وجت���ارة الرقي���ق الب�شري���ة املواطن���ة و�سيل���ة الأبي����ض وجت���ارة ال�س�ل�اح �سيا�سي حتى مقارنة بال�سعودية التي ح�صلت فيها انتخابات التنمي���ة وغايته���ا و�إال ف����إن وغريه���ا م���ن الأخط���ار التي ال ميك���ن �إن���كار وجودها وان بلدية عام ،2005ويعزو امل�ؤلف ذلك �إىل قوة عائلة �آل مكتوم داخلياً النتيج���ة هي تنمي���ة م�شوهة تدفع ثمنها �أجي���ال امل�ستقبل اختلف���ت الآراء حول حجمها ب���كل ت�أكي���د ،لأن االنفت���اح ودرج���ة خطورته���ا عل���ى ه���ذه املنطق���ة ،و�إن كان امل�ؤل���ف يغو�ص يف تفا�صي���ل و�أحداث ي�صعب ت�أكيده���ا �أو نفيها ولكننا ال ميكننا �أن ننكر عل���ى العامل �شيء بينما �إغراق الوطن يف حميط من الأجانب و�إذابة ثقافته يف هجني من الثقافات الواردة �أمر �آخر. عليه ذلك. رابع ًا :لقد �أثبتت الأزمة الأخرية ب�أن البنية الأ�سا�سية يف دبي خا�صة ويف اخلتام لنا كلمة �إن هذا الكتاب جدير بالقراءة املتعلقة منها ب�إدارة القطاع اخلا�ص وبقوانني ال�شركات وبالف�صل بني م���ن قبل جميع �أبناء املنطقة ،مب���ا فيهم �صانعي القرار يف �إمارة دبي اخلا�ص والعام ،مل تكن بامل�ستوى املطلوب خا�صة ملواجهة ال�صدمات نف�سه���ا ،لأن فيه حدي���ث يتّ�صف يف غالبه باملو�ضوعي���ة والتوثيق وهو والأزمات املرتبطة باالنفتاح على العامل اخلارجي ،وهو �أحد مكونات من���ط مل يتعود عليه �أبناء املنطقة ومن هن���ا ت�أتي احل�سا�سية جتاهه .النم���وذج الدبوي .لذلك ف�إن املطلوب االهتمام بهذا اجلانب حتى ال �صحيح �أن امل�ؤلف قد ال يو ّفق يف تف�سري بع�ض الأحداث �أو قد يبالغ يف ت����ؤدي الأزم���ات ،التي هي من خ�صائ�ص االقت�ص���اد املعا�صر يف ظل �أهمي���ة �أحداث �أخرى �أو قد يت�أثر بثقافته يف ر�ؤية بع�ض الأمور ،ولكن العوملة� ،إىل كوارث مكلفة . هذا �أمر طبيعي ومتوقع يف كت���اب بهذا ال�شمول واالمتداد التاريخي. و�أخ�ي�ر ًا البد من �إع���ادة النظر يف وترية النمو احلالي���ة ،لأن �إبقاء ولقد ا�ستمتعت مبراجعته لأن كثري ًا من الكتب التي كتبت يف ال�سنوات مع���دالت النم���و والتو�سع احلالي�ي�ن �ستنتج عنهما عدد م���ن امل�شاكل الأخ�ي�رة ع���ن ه���ذه املنطقة تت�ص���ف عادة �إم���ا بالرتوي���ج الرخي�ص �أهمها ظه���ور اختناق���ات ونق����ص يف الكهرب���اء وزي���ادة يف تكالي���ف للأنظمة احلاكمة وهي ال ت����ؤدي خدمة لهذه الأنظمة يف الواقع و�إمنا توفريه���ا ،وكذلك احلال مع املاء وما يعني���ه ذلك من تكاليف حتلية متار����س ارتزاق ًا غبي��� ًا� ،أو بالتعميم الذي يفتق���ر �إىل التفا�صيل التي باهظ���ة ،كما �أن هذا النم���و احلايل له وال�شك �آث���ار �سلبية يف البيئة ميك���ن �أن تُعم���ق من فهم الق���ارئ للق�ضايا املطروح���ة يف طيات هذه ب���كل �أبعاده���ا ،وه���ذه التكلفة البيئية ع���ادة ما تقدم لن���ا على املدى الكت���ب .ونحن بدورنا ن�ؤك���د وبكلمات خمت�صرة ب�أن «منوذج دبي» هو البعي���د بعد �أن نك���ون قد �أفرطنا يف �إهمال البيئ���ة يف خ�ضم كفاحنا جدير ب�أن يحافظ عليه وتتم تقويته ،وذلك من خالل خم�سة م�سارات من �أجل التنمية ،فينبغي عدم جتاهل هذا الأمر. رئي�سية هي: يو�سف خليفة اليو�سف �أو ًال :االجت���اه �إىل القطاع���ات اخلدمي���ة خا�ص���ة ال�صح���ة والتعليم
�أ�ستاذ االقت�صاد يف جامعة الإمارات.
158
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
عرو�ض موجزة الإرهاب� :إ�شكالية املفهوم �أحمد عبدالكرمي �سيف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية (�صنعاء)2009 ، � 41صفحة يرى امل�ؤلف �أن املرحلة التي تلت �أحداث احلادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتم�ب�ر � 2001أحدثت خلط ًا وا�ضح ًا يف املفاهيم ،و�أن هذا اخللط املفاهيمي بات ق�ضي���ة مركزية جتب م�ساءلته���ا وا�ستثارة مكنوناته���ا ،والبح���ث يف كيف ميك���ن للألفاظ �أن تك ّي���ف لت�ستوعب امل�صالح وتغرياتها ،كما يف الكيفية الت���ي �أمكن بها ا�ستث���ارة �أبعاد دينية/ عقائدية للأحداث والكلمات. ويرك���ز امل�ؤل���ف يف مقاربت���ه هذه عل���ى مفهوم الإرهاب ،باعتباره �أحد املفاهيم الأكرث تعر�ض ًا للخل���ط والت�سيي�س بالنظر �إىل مطاطيته ومرونته ،وقد زاد هذا اخللط ب�ش�أنه لدرج���ة مت فيها حتميل امل�صطلح ب�أكرث مم���ا يحتمل معناه ،الأمر الذي جعلها تتخط���ى حدود الديني والثق���ايف وال�سيا�سي �إىل الوطن���ي والقومي والعقائدي حني مت �إحلاق �صفة الإرهاب بكل فعل �إ�سالمي .ويف مقاربته لإ�شكالية املفهوم، بح���ث امل�ؤلف يف تعري���ف الإرهاب لغ���ة وا�صطالح ًا ،معرج ًا عل���ى مفهومه يف الق���ر�آن الكرمي ،ومبين ًا �أنواع الإرهاب ،والف���رق بينه وبع�ض الأعمال امل�شابهة له كاحل���رب واجلرمية املنظمة وحركات التحرر الوطن���ي .و�أو�ضح �إىل ذلك، �إ�شكاليات �إدراك مفهوم الإرهاب وتربيرات املمار�سات ال�سيا�سية ،ال�سيما يف �إط���ار احلرب العاملية على الإرهاب وف�ضاءاتها املتع���ددة ،ع�سكري ًا و�سيا�سي ًا، وثقافي ًا وديني ًا ،وما تثريه من ر�ؤى متبادلة ملتب�سة بني الغرب والإ�سالم. ثم يخل�ص امل�ؤلف ،يف الأخري� ،إىل �أهمية و�ضع الأ�سئلة ال�صحيحة (وال�صعبة يف نف����س الوق���ت) ،والت���ي جتاهلته���ا الأدبيات العربي���ة والإ�سالمي���ة طوي ًال، داعي��� ًا �إىل �ض���رورة �إع���ادة ق���راءة تاريخنا وتراثن���ا الدين���ي وال�سيا�سي بعني ناق���دة وحماي���دة .م�ؤكد ًا �أن �شكوانا م���ن قيام الغرب بخل���ط املفاهيم ،و�سوء ا�ستخدامها ،ال يعفينا من مواجهة احلقيقة يف �أننا نقوم بنف�س ال�شيء ،ورمبا من دون وعي. نوا�ص��ب ورواف�ض :منازعات ال�س��نة وال�ش��يعة يف العامل الإ�سالمي اليوم �إعداد :حازم �صاغية دار ال�ساقي (بريوت)2009 , � 222صفحة
يحاول هذا الكتاب اال�شتباك مع �أكرث ق�ضايا للتفجر، االجتماع الإ�سالم���ي �سخونة وقابلية ّ وه���ي ق�ضي���ة ال�ص���راع املذهب���ي يف الع���امل الإ�سالمي بني ال�س ّنة� ،أن�صار املذهب ال�سائد والغال���ب يف الأم���ة ،وال�شيعة املذه���ب الثاين ال���ذي ن�ش�أ حرك���ة احتجاج دائ���م .وقد اختار الكتّ���اب امل�ساهم�ي�ن ،كما يقول مع���د الكتاب يف ت�صدي���ره ،طريقته يف الدخول �إىل امل�س�ألة هذه واجلوانب التي �آثر الرتكيز عليها يف ظل عنوان جامع هو “منازعات ال�س ّنة وال�شيعة يف العامل الإ�سالمي اليوم” .فقد ر�صد �أحمد بي�ضون م�سار التحوالت التي طر�أت على الطائفت�ي�ن ال�سنية وال�شيعية يف لبنان وا�ضعة �إياهما ،بعد طول “اعتدال واق�ت�راب” ،عل���ى تخ���وم “�ش���ر م�ستطري” .وب���دوره ركز ح�س���ام عيتاين على �ساح���ة املناف�سة الإيديولوجية وال�سيا�سية اخل�صبة بني الطائفتني اللبنانيتني، وم���ا يعرتيها م���ن حتوير وتوظيف �ضروري�ي�ن يف كل م�ساجلة كه���ذه� .أما فالح عبداجلب���ار فتناول العراق يف درا�سة مطولة ،متوقف��� ًا خ�صو�ص ًا عند العملية ال�سيا�سي���ة و�أ�ش���كال التفاعل والتكيف بينها وبني ما زامنه���ا من �صعود �شيعي �إث���ر �سق���وط نظام �صدام ح�س�ي�ن .ومثله فعل يا�سني احل���اج �صالح ومو�ضوعه املجتم���ع ال�س���وري ،م�ؤث���ر ًا تن���اول امل�س�ألة الطائفي���ة داخل الت�ش���كل التاريخي وال�سو�سيولوج���ي للدول���ة – الأم���ة يف �سوريا .و�إذ تابع ف����ؤاد �إبراهيم املنازعة املذهبية يف خمتربها ال�سع���ودي ،ا�ستحوذ على تناوله دور اخلطاب والإعالم بو�صفهما م���ر�آة وحمفز ًا يف الوقت نف�سه .كما �شدد باقر النجار ،من ناحيته، عل���ى التداخ���ل بني امل�شكل���ة املذهبي���ة يف البحرين وب�ي�ن العنا�ص���ر الإقليمية واخلارجية ،ال�سيم���ا ثورة �إيران يف 1979واحلرب الأمريكية على العراق عام � .2003أم���ا اخللفيات ال�سيا�سي���ة والعقيدية ،املحلية واخلارجي���ة ،التي �أ ّزمت امل�س�ألة املذهبي���ة يف باك�ستان وت�شابكت مع �أعمال ال�سلطة الع�سكرية ونواياها فكانت مو�ضوع ندمي الكاظمي. و�أخ�ي�ر ًا يختم املعد ،حازم �صاغية ،الكت���اب م�سج ًال بع�ض املالحظات العامة عن منازعات “النوا�صب” والرواف�ض” ،و�أهم ما يلحظه�“ ،أن النزاع ال�س ّني ال�شيع���ي الذي عا����ش طوي ًال �ضام���ر ًا �أو حم��� ّور ًا� ،صار ك�أ ّنه عاب���ر للأزمنةوم�ضامينه���ا التقني���ة والثقافية ،كجوه���ر للأ�شياء ،تتق ّل����ص حياله النزاعات الأخ���رى :ال ميني وال ي�سار ،وال تط ّرف وال اعتدال ،وال مواالة للغرب ومعار�ضة ل���ه ،ف���ك ّل تلك الت�صاني���ف احلداثية و�شب���ه احلداثي���ة ،اال�سرتاتيجية الطابع و�شب���ه اال�سرتاتيجية ،تنكم�ش مل�صلح���ة «الأ�صلي» و«اخلام» الذي نرت ّد �إليه يف اللحظات احلا�سمة� :س ّنة و�شيعة”. م�س�ألة اجلنوب ومهددات الوحدة يف ال�سودان عبده خمتار مو�سى مركز درا�سات الوحدة العربية (بريوت)2009 ، ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
159
الفهر�ست
عرو�ض موجزة
� 318صفحة يح���اول الأكادمي���ي والباحث ال�س���وداين عبده خمت���ار مو�س���ى يف كتاب���ه “م�س�أل���ة اجلن���وب ومه���ددات الوح���دة يف ال�س���ودان” البح���ث يف �إمكاني���ة حتقي���ق وحدة م�ستدامة ب�ي�ن ال�شمال واجلنوب ،من خالل الأطروحات التقليدية التي تخت���زل امل�س�ألة يف اختالف �سيا�سة ميكن حلها ب�إع���ادة توزيع ال�سلط���ة� ،أو تظلمات اقت�صادية ميكن ح�سمها من خالل معادلة جديدة لتوزيع الرثوة� ،أو من خالل ترتيبات �إدارية تقوم على الفدرالية ،وذلك ع�ب�ر ا�ستقراء �أحداث كثرية ي�ستخدمها الباحث كم�ؤ�شرات رمبا ت�ساعد على التنب�ؤ ب�إمكانية حتقيق التكامل الوطن���ي �أو بناء �سالم م�ستدام ،وبالتايل وحدة م�ستق���رة بني �شمال ال�سودان وجنوب���ه ،يف ظ���ل غياب اندماج اجتماعي /ثقايف حقيق���ي ميهد الن�صهار بني القومي���ات يف هوية �سودانية ك�ب�رى واحدة تتعاي�ش يف داخله���ا عنا�صر التنوع الثقايف يف ان�سجام تلقائي. ويرى امل�ؤلف �أن م�شكلة جنوب ال�سودان قد تفاقمت �ضمن عوامل متعددة ،ب�سبب عج���ز النخبة ال�سودانية عن حتقيق االن�سجام بني مكونات املجتمع ال�سوداين، و�أن���ه لأ�سباب تاريخية وعوامل مو�ضوعية ظهرت �أزمة ثقة بني الطرفني ،على م�ست���وى النخبة ال�سيا�سية .كما يالحظ امل�ؤلف �أن جوهر ال�صراع بني ال�شمال واجلن���وب يف ال�س���ودان هو �صراع هوي���ات .ولذلك يقدم امل�ؤل���ف �إطار ًا نظري ًا ملفه���وم الهوية والظاهرة الإثنية وامل�ضامني ال�سيا�سية للإثنية ،وت�أثريات ذلك يف العالق���ات اجلنوبية ال�شمالي���ة .وت�أتي �أهمية هذا الكتاب من كونه �صدر يف وق���ت متر فيه عالقة اجلنوب بال�شمال يف ال�س���ودان مبنعطف خطري ،وفق ما ج���اءت به اتفاقي���ة نيفا�شا لل�س�ل�ام ال�شامل والتي �أعطت ح���ق تقرير امل�صري ل�شع���ب اجلنوب بعد ف�ت�رة انتقالية مدتها �ست �سن���وات ( ،)2011 - 2005وهذا يعني �أن االتفاقية ت�شكل نقطة حتول يف تاريخ ال�سودان ،مما ي�ستدعي �ضرورة البحث يف جممل املتغريات وم�آالتها.
بريطانيا يف �أفريقيا توم بور تيو�س ترجمة :عثمان جبايل املثلوثي الدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)2009 ، � 190صفحة ي�سعى الباحث واخلبري الربيطاين توم بورتيو�س �إىل الإجابة على جمموعة م���ن الت�سا�ؤالت التي تبحث يف �سر اكت�ساب �أفريقيا لقدر ًا من الأهمية بالن�سب���ة �إىل ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة الربيطانية خ�ل�ال ال�سنوات الأخرية م���ن حكومة توين بلري العمالية ،حيث �أ�صبح���ت �أفريقيا ب�شكل وا�ضح مو�ضوع��� ًا رئي�سي��� ًا يف ُ�صلب �أولوي���ات ال�سيا�سة اخلارجي���ة الربيطاني���ة .ويق���ول امل�ؤل���ف الذي عمل ملدة ث�ل�ات �سنوات يف الوايتهول كم�ست�شار يف �إدارة ال�ص���راع بجن���وب �أفريقيا ال�صحراء الك�ب�رى يف وزارة اخلارجي���ة الربيطاني���ة و�ش�ؤون الكومنولث �أن هناك ثالث �أغرا�ض رئي�سية من هذا الكتاب :الأول هو درا�سة كي���ف وملاذا حدث ذلك االهتمام ب�أفريقي م�ؤخر ًا ،وما هي العوامل والأحداث 160
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
الت���ي ت�ضافرت وجلب���ت �أفريقيا �إىل واجه���ة ال�سيا�سة اخلارجي���ة الربيطانية خ�ل�ال �أعوم بلري الع�شرة الأخ�ي�رة ،وما هي الأحداث الت���ي وقعت يف �أفريقيا والعامل و�ساعدت على �صياغة �سيا�سات احلكومة الربيطانية جتاه �أفريقيا؟ والغر����ض الث���اين م���ن الكت���اب كم���ا يق���ول امل�ؤل���ف ه���و حتدي���د ال�سيا�س���ات واال�سرتاتيجي���ات الربيطاني���ة يف �أفريقي���ا ب�ي�ن عام���ي 1997و ،2007وكي���ف تط���ورت .وكيف �سعت حكوم���ة اململكة املتحدة لتحقي���ق �أهدافها و�ضمانها يف �أفريقيا يف جماالت التنمية االقت�صادية واحلد من الفقر ،ومكافحة الإرهاب، ومن���ع ال�صراع���ات ،والدميقراطية وحقوق الإن�سان ،و�أم���ن الطاقة ،والتجارة والأعمال. �أم���ا الغر�ض الثالث فهو تقييم فعالية ال�سيا�سات الربيطانية يف تلبية �أهدافها يف �أفريقي���ا .و�إىل �أي مدى جنح���ت اململكة املتحدة يف حتقيق �أهدافها وت�أمني م�صاحله���ا ،وم���ا هي الأ�سب���اب التي الكامن���ة وراء جناح وف�ش���ل بريطانيا يف �أفريقي���ا .وما مدى القرارات التي اتخ���ذت على �أ�سا�س حتليل �سليم للم�شاكل الت���ي �سعت اململكة املتحدة لت�سخريها وحتقي���ق �أهدافها .بالإ�ضافة �إىل ذلك يقدم ت���وم بورتيو�س عر�ض ًا لالعب�ي�ن الرئي�سيني ،وال�سيا�س���ات التي و�ضعوها يف ظل احلرب على الع���راق وم�ستقبل م�شاركة بريطانيا يف القارة .باخت�صار يق���دم هذا الكتاب ك�شف ح�ساب ملا حققت���ه بريطانيا ،ويف �أي املجاالت ف�شلت يف �أفريقيا وملاذا؟
اخلربة الإيرانية :االنتقال من الثورة �إىل الدولة �أمل حمادة ال�شبكة العربية للأبحاث (بريوت)2008 ، � 390صفحة يبحث هذا الكتاب ،وه���و يف الأ�صل �أطروحة جامعية ح�صل���ت امل�ؤلفة مبوجبها على درجة الدكت���وراه ،يف جترب���ة �إيران املث�ي�رة للجدل وخربته���ا يف االنتق���ال م���ن الط���ور الث���وري �إىل ط���ور الدولة امل�ستقرة .وت���رى امل�ؤلفة �أن النخب���ة الإيراني���ة بع���د اخلمين���ي مل ترغب باالنحراف عن م�سار “الإمام” ،فلم تحُ دث تغيري ًا يف التوجهات الرئي�سية للنظام� ،سواء عل���ى امل�ست���وى الأيديولوجي �أو عل���ى م�ستوى ال�سيا�سات ،وهكذا بات �أحد حماور ال�صراع ب�ي�ن �أجنحة احلك���م يف �إيران ،يدور حول املطالبة مبزي���د من الت�شدد ل�صالح مقوالت الثورة! وعلى هذا ،ف�إن املجتمع الإيراين مل ي�شهد ،وال ُيتوقع له يف امل�ستقبل املنظور �أن ي�شهد ،حت���و ًال جذري ًا من الثورة �إىل الدولة ،و�إمنا يتحرك يف خطني متوازيني ميث���ل �أحدهما الثورة والث���اين الدولة ،وهم���ا يتقاطعان �أحيان��� ًا ويفرتقان يف �أحي���ان �أخ���رى .ولع���ل انتخاب �أحمدي جن���اد رئي�س ًا يف الع���ام ،2005ومن ثم �إع���ادة انتخاب���ه جمدد ًا ع���ام ،2009ميث���ل دلي ًال عل���ى ذلك� ،إذ في���ه �إ�صرار عل���ى منطق الث���ورة ،يف وقت متثل ال�سيا�سة اخلارجي���ة للجمهورية الإ�سالمية الإيرانية ،منوذج ًا وا�ضح ًا ملنطق الدولة. ُتع��� ّرف الث���ورة ب�أنها انتق���ال راديكايل م���ن و�ضع �إىل �آخر .ولك���ي يحدث هذا االنتق���ال ،فال بد م���ن توافر درجة ما من الوعي ال�سيا�سي حول كل من الو�ضع املعا�ش غري املقبول اال�ستمرار فيه ،والو�ضع املراد الو�صول �إليه ،كما ي�سبق هذا االنتقال حدوث عدد من التطورات على كل من امل�ستوى ال�سيا�سي واالجتماعي واالقت�ص���ادي والثقايف ،وتكون هذه التط���ورات كلها �أو بع�ضها غري مقبولة من
ال�شع���ب ،ما يدفع بقطاعات متزايدة منه �إىل تبن���ي �أفكار تيار �سيا�سي جديد يدفع �إىل التغيري ومقوالته وتوجهاته .لكن الثورة والدولة يظالن وجهني لعملة واح���دة؛ فالث���ورة ال حتدث �إال يف �إط���ار نظام �سيا�سي واقت�ص���ادي واجتماعي منظم يطلق علي���ه ا�سم “دولة” ،وكذلك فالثورة هي حالة م�ؤقتة� ،إذ ال ميكن ت�ص��� ّور �أن جمتمع ًا ما يعي�ش يف حالة ال نهائية من الثورة ،فال بد للمجتمع من التحول التدريج���ي �إىل حالة من التنظيم ال�سيا�سي واالقت�صادي واالجتماعي والإداري ،تت�شاب���ه �أو تختل���ف م���ع م���ا كان موج���ود ًا م���ن قبل ،وه���ذا التحول التدريجي هو ما ميهد حلالة اال�ستقرار. وتخل����ص امل�ؤلفة �إىل �أنه برغم ما ُيقال عن تناق�ض النظام احلاكم يف �إيران، ف�إن���ه ما يزال ميتلك القدرة على الت�أثري يف جمموعة من القواعد االجتماعية والقانوني���ة التي مت ّكن���ه من اال�ستمرار ،ومن هنا ف����إن االنتقال التام من حال الث���ورة �إىل ح���ال الدولة ،مرهون بتلك القوى ال�سيا�سي���ة واملجتمعية التي ترى يف م�ؤ�س�س���ات الدولة و�آلياتها وخطابها� ،ضمان���ة ال�ستكمال عملية التح ّول �إىل الدميقراطية. انهي��ار الر�أ�س��مالية� :أ�س��باب �إخفاق اقت�ص��اد ال�س��وق املحررة من القيود �أولري�ش �شيفر ترجمة :عدنان عبا�س علي املجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت)2010 ، � 472صفحة ي�ؤك���د الباح���ث االقت�صادي الأمل���اين �أولري�ش �شيف���ر يف ه���ذا الكتاب �إن االقت�ص���اد الغربي الذي ُعرف منذ ثالث عقود وحتى الآن انهار يف خري���ف ،2008و�إن الع���امل �سيتخ���ذ �شك ًال خمتلف ًا من االقت�ص���اد يف امل�ستقبل ،و�سيطفو على ال�سط���ح ،نظام عاملي جدي���د ،و�سيتبلور كم���ا يج���زم الكات���ب اقت�ص���اد �س���وق جدي���د قائم عل���ى مب���د�أ العدالة االجتماعي���ة؛ فبعد ثالث���ة عق���ود �سيطر فيه���ا االقت�ص���اد املحرر من القيود �أم�سا الع���امل يف �أم�س احلاجة �إىل �إحي���اء الدولة �إحيا ًء متزن ًا� ،إذ المنا�ص للدولة ع���ن �أن ت�ستعيد ال�سيطرة على املج���االت الت���ي خ�صرتها ،املجاالت الت���ي تخلت عنها من���ذ �سبعينيات القرن املا�ض���ي .فالدولة ملزم���ة بح�سب امل�ؤلف بر�سم احل���دود للأ�سواق من غري �أن ت�ش���ل قواها ،ويقت�ضي الواجب من الدولة �أن متن���ح مواطنيها ال�شعور بالأمان والثق���ة ،م���ن غري �أن متار�س الو�صاية عليه���م؛ و�إن تتكفل – ثانية – ب�أن تكون الراعي الأكيد للمناف�سة العادلة والعدالة االجتماعية. ولكي ت�ستطيع الدولة النهو����ض بهذه الوظائف ،ف�إنها ت�صبح يف �أم�س احلاجة �إىل ممار�س���ة دورها بثقة �أكرب ،و�إ�صرار �أ�شد ،فال �سبب يدعوها لأن ت�ست�سلم مل���ا تفر�ض���ه عليها الأ�سواق ،فاحلكوم���ات و�سلطات الرقابة �أك�ث�ر �سلطان ًا من ال�شركات العمالقة وامل�صارف املختلفة. �إن م�ستقب���ل النظ���ام الر�أ�سمايل كم���ا يعتقد الكاتب يتوقف عل���ى مدى التغري ال���ذي �سيطر�أ عل���ى الأخالقية ال�سائ���دة يف املجتمع وعل���ى �إدراك اجلميع �أن مب���د�أ امل�س�ؤولي���ة االجتماعي���ة ال يقل �أهمية ع���ن مبد�أ ال�سوق احل���رة� .أما �إذا جتاه���ل املجتمع ه���ذه احلقيقة ،ف����إن اقت�صاد ال�سوق معر����ض للم�صري نف�سه ال���ذي تعر�ضت ل���ه اال�شرتاكي���ة :االنهيار واالختف���اء عن الوج���ود .فاقت�صاد ال�س���وق اخلا�ضع لل�ضوابط هو وح���ده النظام القادر عل���ى موا�صلة احلياة يف
الأمد الطويل� .أما الر�أ�سمالية املحررة من ال�ضوابط والقيود ف�إنها تدمر نف�سا بنف�سها.
جدوى القوة :فن احلرب يف العامل املعا�صر اجلرنال روبرت �سميث ترجمة :مازن جنديل الدار العربية للعلوم نا�شرون ( ،بريوت)2008 ، � 462صفحة ينظر اجلرنال روبرت �سميث من خالل كتابه ه���ذا يف تاري���خ فن احل���رب و�صراع���ات هذا الزم���ن ،ليق���ول لن���ا �إن علينا يف ه���ذا العامل تغي�ي�ر الطريق���ة الت���ي نتقاتل به���ا ون�ستخدم القوة ،قبل �أن ندفع الثمن جميع ًا �إن مل نفعل. �أم�ض���ى اجل�ن�رال روب���رت �سمي���ث 40عام��� ًا يف اجلي����ش الربيط���اين ،حي���ث ق���اد الفرق���ة الربيطانية املدرعة يف ح���رب اخلليج ،و�شغل من�ص���ب القائ���د الع���ام يف ح���رب �إيرلن���دا وع�ي�ن قائ���د ًا عام ًا لق���وات الأمم ال�شمالي���ةُ ، املتح���دة يف البو�سن���ة ،ونائب القائد العام لقوات حل���ف �شمال الأطل�سي .ومن واق���ع خربت���ه العملية يقول روب���رت �سميث يف مقدمة الكتاب ع���ن فهم القوة: �أن احل���رب مل تعد موج���ودة .ولكن ال�شك م���ن وجود حتدِّ ون���زاع و�صراع ،يف جمي���ع �أنحاء العامل ،ولي�س فق���ط ،يف العراق و�أفغان�ست���ان وجمهورية الكونغو الدميقراطية والأرا�ضي الفل�سطينية ،وما تزال لدى الدول جيو�ش ت�ستخدمها كرمز للقوة وال�سلطان .ومع ذلك ،فاحلرب كما يفهمها جمهر غري املحاربني، ه���ي معركة يف امليدان بني الرج���ال والآليات ،وحدث �ضخم حا�سم ل�صراع ما يف ال�ش�ؤون الدولية؛ هذه احلرب مل تعد موجودة. وي�ضي���ف امل�ؤلف �أن���ه ال يوحي من خالل ه���ذه الكلمات �أن الق���وة الع�سكرية ال ميك���ن ا�ستخدامها ،وبفاعلية ،لتحقيق هدف �سيا�سي؛ فللقوة جدوى ال�شك يف ذلك .لكن لكي تكون القوة م�ؤثرة يجب �أن تفهم النتيجة املرجوة من تطبيقها بق���د ٍر من التف�صيل يتي���ح لنا تعريف �سي���اق هذا التطبيق ومكان���ه .فالغر�ض الع���ام من جميع التدخ�ل�ات وا�ضح؛ فالغرب ي�سعى للإقام���ة يف عقول النا�س وعق���ول زعمائه���م� .إن خيار ال�صراع الدائم لي�س ه���و �سبيل العمل املف�ضل يف املواجه���ة حول هذه امل�س�ألة �أو تلك .ينطبق هذا على الدولة التي لديها �أ�سلحة نووي���ة �أو الدول���ة ال�شري���رة �أو غريها قدر م���ا ينطبق هذا عل���ى الإرهابيني �أو املتمردين م�ستخدمي املِدي؛ فك ٌل من ه�ؤالء يهدد النا�س لإقامة حالة ي�ستطيع فيه���ا حتقيق هدفه ال�سيا�سي .وكي نتمكن من �إقامة ذلك يف العقول ،يحق لنا بح�س���ب الكاتب ا�ستخ���دام القوة الع�سكرية ك�أداة تدخل ونف���وذ ك�سائر �أدوات النف���وذ الأخرى االقت�صادية وال�سيا�سي���ة والدبلوما�سية .لكن كي تكون فاعلة، يجب تطبيقها كجز ٍء من خطة �أكرب تركز كل اجلهود على هدف واحد.
رعب القنبلة :تاريخ الأ�سلحة النووية وم�ستقبلها جوزيف �سريين�سيوين ترجمة :مركز ابن العماد للرتجمة والتعريب هيئة �أبو ظبي للثقافة والرتاث “كلمة”2009 ، ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
161
الفهر�ست
عرو�ض موجزة
� 272صفحة يف هذا الكت����اب ،يركز جوزي����ف �سريين�سيوين، وه����و واح����د م����ن �أ�شه����ر اخل��ب�راء الأمريكي��ي�ن املخت�صني بالأ�سلحة ،على كيفية ازدياد انت�شار الأ�سلحة النووية و�أ�سبابه ،وما الذي ميكن فعله لإبطاء �أو وقف �أو منع هذا االنت�شار كلي ًا؛ ويقدم جوزي����ف �سريين�سيوين افرتا�ض ًا بال����غ الأهمية: وه����و �أن انت�ش����ار الأ�سلح����ة النووي����ة �أم����ر ًا غري مرغوب به. ولكن ه����ذا االفرتا�ض بح�س����ب امل�ؤلف ال يحظى بقب����ول عامل����ي �شامل .وق����د احت����دم نقا�ش حاد من����ذ الأي����ام الأوىل للع�ص����ر الن����ووي ب��ي�ن العلماء والأكادميي��ي�ن و�صناع ال�سيا�سة حول هذه الق�ضية .فقد �أكد املتفائلون �أن الأ�سلحة النووية مفي����دة ،ووجودها يعزز اال�ستقرار ال����دويل ،وانت�شارها �أم ٌر حمتوم يتعذر اجتناب����ه� .أما املت�شائمون فقد ح����ذروا من �أن الرت�سانات النووي����ة ُتوجد حالة من ع����دم اال�ستق����رار ،و�أن �أخط����ار ا�ستخدامه����ا – عم����د ًا �أو عر�ض���� ًا – ال ميكن قبول عواقبها ،وال�شيء حمتوم يف ما يتعلق باالنت�شار النووي. ويف الوقت الذي يعر�ض فيه الكاتب �آراء طريف اجلدل اخلاليف ،ف�إنه يقف بو�ضوح �إىل جانب املت�شائمني يف ما يتعلق باالنت�شار النووي .ويقول الكاتب �أنه على الرغم م����ن ع����دم ا�ستخدام الأ�سلحة النووي����ة منذ �آب� /أغ�سط�س ع����ام � ،1945إال �أنه من امل�ستحي����ل �ضمان ا�ستم����رار هذا احلظ ال�سعي����د ،فالعواقب املادي����ة واالقت�صادية وال�سيا�سي����ة الوخيم����ة لأي انفجار ن����ووي يف �أي مدينه كربى �ستتج����اوز �أهوالها ما �شهده العامل منذ احلرب العاملية الثانية. وينطلق الكاتب يف م�ؤلفه هذا من االكت�شافات الذرية الأوىل يف الثالثينيات متتبعاً تاريخ انت�شارها وتعاظمها حتى الأزمة احلالية مع �إيران ،كا�شف ًا التقنيات العلمية واال�سرتاتيجي����ات وال�سيا�سات التي دفعت �إىل تطوي����ر الرت�سانات النووية وفاقمت م����ن �إمكانية الهجمات الإرهابي����ة النووية ،ويُق ّيم كذلك �أ�سب����اب اختيار دول عدة عدم اقتن����اء الأ�سلحة النووية ،م�ستنتج ًا اخلط����وط العري�ضة حلل م�شكلة التنامي الن����ووي .وال يكتف����ي الكاتب بتزويد الق����ارئ العادي بفهم وا�ض����ح لق�ضية االنت�شار الن����ووي .بل يق����دم جمموعة م����ن الأدوات التي ميكن ل�صن����اع ال�سيا�سة والباحثني املتخ�ص�صني ا�ستخدامها ملنع العواقب الكارثية الوخيمة لأي هجوم نووي �آخر.
عندم��ا حتكم ال�ص�ين الع��امل :نهاية الع��امل الغرب��ي ووالدة نظام عاملي جديد
When China Rules the World: The End of the Western World and the Birth of a new Global Order مارتن جاك Martin Jaques
بنغوين بري�س2009 ،
� 576صفحة ً وفق���� ًا لأكرث التوقعات اعتداال ،ف�����إن ال�صني �سوف تفوق الواليات املتح����دة يف كونها �أكرب اقت�صاد يف العامل ع����ام ،2027و�سوف حتت����ل املركز الأول يف �سي����ادة االقت�صاد العاملي يف ع����ام 2050على �أبعد تقدير .غري �أن التداعيات التي تواكب هذا التفوق ال�صيني -بالن�سبة لل�صني ذاتها وباقي املعمورة- مل يت����م تو�ضيح �أو فه����م �إال ن�سبة �ضئيلة منها .ويف هذا البحث بعيد املدى ،يقدم الكاتب مارتن جاك �إجاب����ات لبع�ض �أك��ث�ر الأ�سئلة املهم����ة حول املكان 162
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
الذي يحتله منو وتطور ال�صني على املن�صة العاملية. ويك�ش����ف مارتن جاك ،من خ��ل�ال و�ضع ثالث حقائق تاريخي����ة ،كيف �سوف تعمل ال�ص��ي�ن على ت�شكي����ل العامل يف ال�صورة الت����ي تريدها .فال�صيني����ون لديهم تاريخ طوي����ل وغن����ي كح�ضارة عريقة ،حتى �إن حوايل %94م����ن �سكان ال�صني ال يزالون يعتق����دون �أنهم ينحدرون م����ن �أ�صل واحد .احل�س القوي للتف����وق املزروع يف تاريخ ال�ص��ي�ن يعد ب�إعادة الظهور يف القرن الواحد الع�شرين ،ومن ثم يقوى عرب الزمن ويوحد البالد ب�شكل �أكرب. ه����ذا العم��ل�اق الآ�سيوي الواثق م����ن نف�سه ،وب�سكان����ه الذين يبل����غ عددهم حوايل ملي����ار ون�صف �سوف يق����اوم العوملة التي نعرفها نحن .ه����ذا اال�ستثناء �سوف يكون له ت�شعبات قوية لباقي �أنحاء العامل والواليات املتحدة على وجه التحديد .ومبا �أن ال�صني ب����د�أت بالظهور على �أنها املركز اجلديد القت�صاد �شرق �آ�سيا ،ف�إن معطف العالق����ات االقت�صادية وبالتايل احل�ضارية �س����وف يبد�أ يف االنتقال على مر�أى من �أعيننا من باري�س ومانهاتن �إىل مدن مثل بكني و�شانغهاي. �إن العالق����ة الأمريكية و�سلوكه����ا جتاه ال�صني ،كما يقول الكات����ب ،هي التي �سوف حت����دد م����ا �إذا كان القرن الواحد والع�شري����ن �سيكون �آمنا وم�سامل����ا وهادئا� ،أو �أنه �سيك����ون م�شحونا بالتوتر ،ع����دم اال�ستقرار واخلطر .هذا الكت����اب هو الأول الذي ي�ص����ور ب�شكل كامل ال�صعود ال�صيني القوي وي�شرح اال�ضطرابات التي قد ي�سببها هذا ال�صعود يف امل�ستقبل.
جيوبوليتيك نظرات فـي ق�ضايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�صرة
بذور الإرهاب :كيف ميول الهريوين طالبان والقاعدة
Seeds of Terror: How Heroin Is Bankrolling the Taliban and al Qaeda جريت�شني بيرتز Gretchen Peters توما�س دون بوك�س2009 ،
� 320صفحة يعتق���د الكث�ي�رون �أن حركة طالب���ان وتنظيم القاع���دة جم���رد جمموعتني م���ن الأ�صوليني امللتح�ي�ن الذي���ن يقاتل���ون حت���ت �شع���ارات �إ�سالمي���ة من كهوف يف �أفغان�ستان .لكن ذلك ال يف�س���ر عودته���م بق���وة مده�ش���ة عل���ى طول احل���دود الباك�ستاني���ة الأفغاني���ة .مل���اذا ،بعد ثماين �سنوات من الغزو الأمريكي لأفغان�ستان، تقول وكالة اال�ستخب���ارات الأمريكية� :إن هذه اجلماع���ات الآن �أف�ضل ت�سليح��� ًا ومتوي ًال مما كانت عليه يف �أي وقت م�ضى؟ يعيد كتاب «بذور الإرهاب» ر�سم كل من طالبان والقاع���دة على �أنهم���ا تنظيمان �إجراميان �أكرث منهما تنظيم���ان �أيديولوجيان، وهم���ا يحققان ربح��� ًا ي�صل �إىل ن�صف ملي���ار دوالر �سنوي ًا من جت���ارة الأفيون. يتحدث الكاتب جرت�شتني بي�ت�رز عن الأن�شطة غري امل�شروعة لهذين التنظيمني يف حقول الأفيون جنوب �أفغان�ستان و�صو ًال �إىل خمتربات الهريويني التي يديرها ق���ادة طالبان ،وعن قوافل املخ���درات امل�سلحة ب�صواري���خ �ستينجر �إىل عمليات غ�سيل الأموال يف كرات�شي ودبي. ي�ستن���د كتاب «ب���ذور الإرهاب» �إىل مئات املقاب�ل�ات ال�شخ�صية مع مقاتلني من طالبان ومهربني وعمالء ا�ستخب���ارات وغريهم .املعلومات التي جمعها الكاتب م���ن ال�شه���ود تتطابق م���ع تقاري���ر ا�ستخباراتية قر�أه���ا الكاتب عن���د م�س�ؤولني �أمريكيني �أعربوا عن ا�ستيائهم وخوفهم من �أن الهجمات الإرهابية القادمة على �أم�ي�ركا �ستكون �أق���وى و�أ�شد من هجمات � 11أيلول�/سبتم�ب�ر – 2001و�ستمولها �أموال املخدرات.
�إيران يف القرن الأفريقي والبحر الأحمر �سامــح را�ش ــد
ال�صني يف خليج عدن حممد �سيف حيدر م�صطفى بخو�ش ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2010
163
جيوبوليتيك
ما وراء
احل�ضور الإيراين يف القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر ازدادت منطقتا البحر الأحمر والقرن الأفريقي �أهمية لدى ال�سيا�سة الإيرانية خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية، خ�صو�ص ًا مع بداية الألفية الثالثة .وملا كان هناك ارتباط وا�ضح وتالزم بني البحر الأحمر والقرن الأفريقي بحي���ث �أ�صبحت التطورات يف �أيهما تنعك�س مبا�شرة على الآخ���ر وبالعك�س ،ف�إن اهتمام �إيران وحتركاتها يف هات�ي�ن املنطقتني ينب���ع بالأ�سا�س من اهتمامها بكل من �أفريقيا يف جان���ب ،واملنطقة العربية يف جانب موازٍ . ب���ل �إن اهتمامه���ا ب�أفريقيا يرجع �أ�سا�س ًا �إىل كون الق���ارة ال�سمراء حا�ضنة لل�شم���ال الأفريقي وجوار مبا�شر للجزي���رة العربية .ف� ً ضال عن �أهميتها االقت�صادية كم�صدر للمواد الأولية وجمال ا�ستثماري وا�سع ،و�أهميتها التجارية ك�سوق ا�ستهالكي كبري. �سامــح را�شــد ي�ض���اف �إىل ذلك �أن البحر الأحمر ميثل �شريان ًا حيوي ًا للتجارة الإيرانية �سواء النفطية �أو غريها ،كونه املمر املالحي الرئي�س الذي يربطها ب�أوروبا والبح���ر املتو�سط .و�أخري ًا ميث���ل البحر الأحمر (وقبل���ه القرن الأفريقي) �شريط��� ًا جيوا�سرتاتيجي��� ًا يق�س���م املنطق���ة ر�أ�سي��� ًا ،ما مين���ح احل�ضور �أو الت�أث�ي�ر الإيراين فيه �أهمية ق�صوى وداللة ا�سرتاتيجية مهمة جلهة امليزان اال�سرتاتيج���ي بينه���ا وبني الدول العربي���ة يف امل�ست���وى الإقليمي ،وموازين الق���وى بني �إيران والواليات املتحدة والق���وى الكربى يف م�ستوى �آخر يتعلق بالعالقات الإيرانية الغربية بتوتراتها وتوافقاتها. وال ميك���ن يف هذا ال�سي���اق ا�ستبعاد العالقات الإيراني���ة -اخلليجية من التحليل ،ويف �ضوء ما ميكن و�صفه باال�ستقرار احلرج املميز لتلك العالقات ب�ش���كل عام ،ف�إن البحر الأحمر ميثل حزام��� ًا طبيعي ًا غربي ًا مقاب ًال للخليج كح���زام �شرقي ل�شبه اجلزيرة العربية .م���ا يجعل لأي دور �أو وجود �إيراين يف البحر الأحمر �أو قريب ًا منه انعكا�سات وتداعيات �شديدة الأهمية جلهة عالقاته���ا م���ع دول �شبه اجلزي���رة العربية واخلليج ،ب���دء ًا باليمن وانتهاء 164
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
بالكوي���ت ،م���رور ًا بال�سعودية ب�صف���ة خا�صة كونها الدول���ة اخلليجية التي متل���ك ال�ساح���ل الأطول على البح���ر الأحمر .حيث ميث���ل �أي تنامي لت�أثري �إي���ران يف البحر الأحم���ر – مهما كان �ضئي ًال �أو غ�ي�ر مبا�شر -اقرتاب ًا �أو نوع ًا من التطويق لدول جمل�س التعاون اخلليجي واليمن. وم���ن املهم الإ�ش���ارة �إىل �أن تلك الأبعاد واملداخ���ل لأهمية البحر الأحمر والق���رن الأفريق���ي لإيران ،مل تك���ن كلها ظاه���رة �أو ُمف ّعل���ة ،و�إمنا تتطور الأهمي���ة بح�سب تط���ور املعطي���ات والأح���داث� ،إذ مل تكن منطق���ة القرن الأفريق���ي بالأهمية الراهن���ة قبل انتقال ظاهرة امل���د الأ�صويل الإ�سالمي �إليه���ا ،ث���م زادت �أهميتها �أكرث مع تنام���ي ظاهرة القر�صن���ة .وكذا الأمر بالن�سبة للبحر الأحمر ،فحتى �سنوات قليلة م�ضت مل يكن وارد ًا ا�ستخدام البح���ر الأحم���ر كممر لنقل �أ�سلحة ودعم �إىل حرك���ة حما�س �أو غريها من حركات املقاومة امل�سلحة يف فل�سطني.
�سيا�سات �إيران ومداخلها
يف �ضوء تلك الأهمية،
�سامح را�شد كاتب وباحث مب�ؤ�س�سة الأهرام ،م�صر.
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
165
جيوبوليتيك �أ�صبح القرن الأفريقي والبح���ر الأحمر يج�سد م�صالح مت�شابكة لل�سيا�سة الإيرانية .من بينها ا�ستقرار وا�ستمرار املالحة يف البحر الأحمر ،ذلك �أن لطهران م�صلحة مبا�شرة يف �أال تتعر�ض املالحة البحرية يف البحر الأحمر �إىل خماطر من �ش�أنها تعطيل حركة الناقالت املارة به ،حفاظ ًا على تدفق جتارتها خ�صو�ص ًا �صادراتها النفطية ووارداتها من البنزين. لك���ن اال�ستق���رار املرغوب �إيراني��� ًا يف مي���اه البحر الأحمر ،ق���د ال يكون مطلوب��� ًا بالدرج���ة ذاتها – ورمبا مطلق��� ًا -داخل ال���دول امل�شاطئة للبحر الأحمر ومدخله اجلنوبي ،خ�صو�ص ًا على اجلانب ال�شرقي منه (ال�سعودية ي�صب يف التحليل واليم���ن) ،فتما�سك وقوة كل من الريا����ض و�صنعاء �إمنا ّ اال�سرتاتيج���ي الوا�سع يف اجتاه تدعي���م ومتا�سك الدول العربية الواقعة يف �شب���ه اجلزي���رة وبالتبعية تلك املطل���ة على اخلليج ،ما ي�ؤث���ر بال�ضرورة يف ميزان القوة للنظام الإقليمي اخلليجي ،الذي ين�ضم �إليه اليمن تدريجي ًا، ومتثل ال�سعودية ركن ًا �أ�سا�سي ًا فيه� ،أو بالأحرى قطب ًا مقاب ًال لإيران. بالتوازي مع ذلك ،ي�صب عدم ا�ستقرار القرن الأفريقي يف �صالح �إيران، كون���ه ي�سم���ح لطهران بالنف���اذ �إىل تل���ك املنطقة عرب �إقام���ة عالقات مع الأط���راف املتنازعة فيها� ،سواء كانت احلكومات مث���ل �إريرتيا وال�سودان، �أو م���ع الق���وى املعار�ض���ة واجلماع���ات امل�سلح���ة والكيان���ات االنف�صالي���ة كم���ا هو الو�ض���ع يف ال�صوم���ال .وملا كان الق���رن الأفريق���ي مبثابة حا�ضن جيو�سرتاتيج���ي لباب املندب وجنوب البح���ر الأحمر ،فهو ميثل ُمتك�أً مهم ًا لطهران يف حتركاتها و�سيا�ساتها الإقليمية. ويف االجت���اه العك�سي ،ميث���ل القرن الأفريق���ي مدخل �إي���ران �إىل القارة الأفريقي���ة ككل ،وجت���در الإ�ش���ارة هن���ا �إىل �أن لإي���ران تاري���خ طوي���ل من العالق���ات الدينية والثقافي���ة واالقت�صادية م���ع قارة �أفريقي���ا ،خ�صو�ص ًا �شرقه���ا .وال تزال �إيران متم�سكة ب���دور فاعل وعالقات وثيقة ونفوذ حيوي داخل القارة ال�سمراء. ً ولت�أم�ي�ن تل���ك امل�صالح والأه���داف ،حتر�ص طه���ران دائما عل���ى �إقامة عالق���ات ورواب���ط م���ع القوى امل�ؤث���رة يف مدخ���ل البحر الأحم���ر وحميطه القري���ب .و�إيجاد نق���اط متركز ا�سرتاتيج���ي على �سواح���ل البحر الأحمر وقريب ًا من مدخله اجلنوبي. ت�س�ي�ر حتركات �إيران يف البحر الأحمر والق���رن الأفريقي على م�سارات متوازي���ة ،تت�ضاف���ر مع ًا لت�ش���كل حزمة �سيا�س���ات وا�سرتاتيجي���ات بع�ضها مرحل���ي وبع�ضها الآخر طويل الأجل .ويف �ضوء تط���ور امل�صالح والأهداف الإيراني���ة املبتغ���اة يف البحر الأحمر والقرن الأفريق���ي ،ميكننا النظر �إىل ال�سيا�سات الإيرانية عرب مدخلني تعتمدهما طهران يف حتركاتها نحو تلك املنطقة: .1احل�ض��ور الع�س��كري :ونق�صد ب���ه �أن يكون لإي���ران �أداة ع�سكرية قابل���ة لال�ستخ���دام عند ال�ض���رورة ،وجتدر الإ�ش���ارة �إىل �أن تلك الأداة مل تك���ن مطلوبة �أو ذات �ضرورة بالن�سبة لإيران حتى ما قبل عامني �أو ثالثة، عندم���ا ت�أزمت تطورات امللف الن���ووي الإيراين ،و�أ�صبح���ت �إيران عر�ضة لعم���ل ع�سكري ي�ستهدف من�ش�آتها النووي���ة �أو رمبا على نطاق �أو�سع� ،سواء م���ن جانب الواليات املتحدة الأمريكي���ة �أو �إ�سرائيل .ف�أ�صبحت احل�سابات الإيرانية ت�ستلزم ح�ش���د كل �أدوات وو�سائل الدفاع عن �أرا�ضيها ومن�ش�آتها النووية. 166
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ومع���روف �أن البحر الأحمر هو املمر الأ�س���ا�س للقوات الأمريكية املتجهة �إىل اخللي���ج واملحيط الهن���دي ،بالتايل يعد �أي نوع من الوجود الع�س���كري الإي���راين يف مدخل البح���ر الأحمر �أو قريب ًا من���ه يف ال�سواحل ال�صومالية �أو يف بح���ر العرب وخليج عدن ،يعد ورقة دفاعية �إيرانية مهمة يف موازين الق���وى الع�س���كرية ب�ي�ن اجلانب�ي�ن .وهنا جت���ب الإ�ش���ارة �إىل قي���ام �إيران فعلي ًا بت�س���يري دوريات ع�س���كرية بحرية يف تل���ك املناطق حتت هدف معلن هو حماية ال�سفن الإيرانية يف مواجهة عمليات القر�صنة . ويف الإط���ار ذات���ه ،ت�أت���ي عملي���ات التن�سيق والتع���اون مع ق���وى �أو �أطراف �إقليمي���ة� ،سواء كانت دو ًال �أو جماعات وتنظيم���ات من غري الدول .وميكن ب�سهول���ة مالحظة وجود هذا التعاون يف نط���اق الدول بني �إيران وال�سودان و�إريرتيا وبدرج���ة �أقل جيبوتي .ويف نطاق اجلماع���ات والتنظيمات هناك العالق���ة مع عدد من الف�صائل ال�صومالية امل�سلحة و�أمراء احلرب هناك، واحلوثيني يف اليمن ،وحركة حما�س عند الطرف ال�شمايل للبحر الأحمر. وغن���ي عن البيان �أن القوام الرئي����س لتلك العالقات هو التعاون الع�سكري ممتزج��� ًا بعالق���ات اقت�صادية مدنية .ويوف���ر هذا التعاون لإي���ران منفذ ًا حتركات �إيران ومواقفها –امل�ستجدة م�ؤخر ًا منها خ�صو�ص ًا ر�س��خت و�ضعية �إيران كدولة «غري توافقية» يف منطقةال�شرق الأو�س��ط ككل ،ولي�س فقط يف نطاق مدخل البحر >>
للوج���ود الع�سكري غ�ي�ر املبا�شر ،من خالل عدة م�س���ارات �أبرزها التعاون اال�ستخباري ،ونقل اخلربات القتالية والتدريبية ،وت�صدير �أ�سلحة ومعدات �إيرانية �إىل تلك الدول �أو التنظيمات. .2التحالف مع الأقليات واملختلفني :رغم طغيان الوجه الع�سكري للح�ض���ور الإي���راين يف البح���ر الأحم���ر والق���رن الأفريق���ي عل���ى الأوج���ه االقت�صادية وال�سيا�سية� ،إال �أنه يظل جزء ًا من كل ،وواحد ًا من عدة حماور تُ�شكل �سيا�سة �إيرانية خارجية عامة قوامها التحالف مع الدول والقوى التي تتبنى توجهات و�سيا�سات خمالفة للتوجه الغالب �سواء يف النطاق الإقليمي �أو العامل���ي ،والتي ميك���ن �أن ن�صفها بالدول «املخالف���ة» �أو «�شبه املعزولة». وواق���ع احل���ال �أن ذلك االجن���ذاب الإيراين �إىل تل���ك املجموعة من الدول (�أو حت���ى القوى والأطراف م���ن غري الدول) التي غالب ًا م���ا تكون معزولة �أو �شب���ه معزولة عاملي ًا� ،إمنا يجد جذوره يف املذهب ال�شيعي الإثنى ع�شري كعقي���دة دينية� /سيا�سية ،حيث جتب ن�ص���رة «امل�ست�ضعفني» يف الأر�ض �أي ال�شع���وب امل�ست�ضعف���ة ،يف مواجهة قوى «اال�ستكبار» .ورغ���م �أن هذا املبد�أ لي����س مطلق ًا وكثري ًا م���ا حتيد ال�سيا�س���ة الإيرانية عنه ب���ل وتخالفه متام ًا بالتن�سيق �أو التعاون م���ع دول «م�ستكربة» منها الواليات املتحدة الأمريكية ذاتها (ف�ضيحة �إيران جيت يف الثمانينيات)� ،إال �أن التوجه العام لل�سيا�سة اخلارجي���ة الإيراني���ة يتما�شى مع هذا املبد�أ� ،إن مل يك���ن �إعما ًال عقيدي ًا له وح�سب ،فعلى الأقل بهدف املن���اورة واملداورة ال�سيا�سية مع القوى الكربى ال�ستخال����ص م�صالح ومكا�سب �إيرانية منها� ،أو لدرء �أخطار �أو خ�سائر قد تنزلها تلك القوى بطهران. وبقيا����س ذل���ك النمط عل���ى الو�ضع الإقليم���ي ،ميك���ن ب�سهولة مالحظة
انطباق���ه عل���ى عالقات �إي���ران مع دول مث���ل �سوري���ا وال�س���ودان و�إريرتيا وجيبوتي ،وبدرجة �أقل كل م���ن �سلطنة عمان واجلزائر وليبيا وموريتانيا. ومع غري دول مثل حزب اهلل وحركة حما�س وجماعة احلوثي ،وبدرجة �أقل مع بقايا تنظيم القاعدة وحركة �شباب املجاهدين يف ال�صومال. يف ه���ذا ال�سياق ،ت�أتي توجه���ات طهران وحتركاته���ا الأخرية يف منطقة مدخ���ل البحر الأحم���ر والقرن الأفريق���ي باالقرتاب م���ن جماعة احلوثي املناوئ���ة لل�سلط���ة ال�شرعي���ة يف اليم���ن ،وم���ن دولة مث���ل �إريرتي���ا ال تت�سق توجهاته���ا اخلارجية مع التوجه العام ل���دول املنطقة ،وتبدو غري من�سجمة مع حميطها اخلارجي �سواء يف النطاق احليوي املبا�شر الذي ي�شمل �إثيوبيا وال�سودان وجيبوتي واليمن وال�سعودية� ،أو يف النطاق الإقليمي الأو�سع الذي ي�ض���م ال���دول العربية و�إ�سرائيل ،الت���ي جتمعها عالق���ات تعاونية ب�إريرتيا �أو�سع و�أعمق كثري ًا مما يجمع �إريرتيا بالدول العربية. وباملنطق ذاته ،ميكن فهم عالقات �إيران املتذبذبة بل والغام�ضة بالقوى الك�ب�رى يف املنطق���ة – كما هو حالها مع القوى الك�ب�رى يف العامل -حيث ت�ت�راوح عالقات �إيران بكل م���ن ال�سعودية وم�صر بني الفت���ور والتوتر .بل >> الأحم��ر ،الأمر ال��ذي يعطي حجية �سيا�س��ية ملواقف دول املنطق��ة الأخ��رى التي تتحفظ على حت�س�ين عالقاتها مع �إيران �أو الرتحيب بخطابها الإعالمي الإيجابي �أحيان ًا
�أحيان��� ًا تتطور عالقاتها بالقوى الكربى يف العامل لتنتقل �إىل مربع التعاون امل�صلحي ولو مرحلي ًا ،بينما ال تكاد عالقاتها مع الريا�ض والقاهرة ت�شهد حت�سن ًا ن�سبي ًا �إال و�سرعان ما ينهار وتنتك�س العالقات قبل �أن ت�صل �إىل حد التعاون �أو حتى التوافق املرحلي. حتى تكتمل مك�سب قريب وخ�سائر الحقة ال�صورة ،ينبغ���ي على املراقب التوقف قلي ًال عن���د مكا�سب وخ�سائر �إيران من �سيا�ساتها وحتركاتها جتاه تلك املنطقة احليوية واحلرجة ،حتى ميكن تقييم مدى جن���اح �أو �إخفاق تلك ال�سيا�سات م���ن منظور وح�سابات �إيران ولي�س من منظور الدول الأخرى يف املنطقة. و�أول م���ا يظه���ر يف جردة احل�س���اب تل���ك� ،أن �إيران جنح���ت بالفعل يف فر����ض وجودها داخل منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي جيو�سيا�سي ًا وجيو�سرتاتيجي ًا� ،أي باملعني�ي�ن ال�سيا�سي والع�سكري .وهو ما يعني تو�صيل ر�سالة مهمة �إىل دول املنطقة و�إىل الدول الأخرى ،مفادها �أن قدرة �إيران على التعام���ل وا�ستخدام الأداتني ال�سيا�سي���ة والع�سكرية لي�ست حم�صورة يف منطق���ة اخلليج ،و�أن البحر الأحمر م�شم���ول يف نطاق القدرة واحلركة الإيرانية ال�سيا�سية ،والع�سكرية عند ال�ضرورة. كم���ا جنح���ت طهران يف ت�أكي���د �أن امل�ش���كالت والتوت���رات �أو حتى بع�ض امللف���ات الداخلي���ة والإقليمي���ة املعلق���ة �أو امل�ؤجل���ة ،ت�شكل �أر�ضي���ة خ�صبة للتدخالت اخلارجية م���ا مل تتم ت�صفيتها �أو معاجلتها بحكمة وحزم مع ًا. وه���و ما ينطبق �أي�ض ًا على الأزمات الإقليمية املفتوحة مثل �أزمة القر�صنة، فغي���اب �آلية موح���دة �إقليمية �أو دولية للتعامل مع تل���ك الظاهرة/اخلطر، مل ي����ؤ ِّد �إىل تفاقمه���ا وح�س���ب ،بل فتح الب���اب �أمام ظه���ور خماطر �أخرى
�أ�شب���ه بقنابل موقوتة م�ؤجلة ،من بينها م�س�ألة الوجود الع�سكري لعدد غري حمدود من الدول قريب ًا من املدخل اجلنوبي للبحر الأحمر. لك���ن مقابل ه���ذا النج���اح ،ات�سعت رقعة «ع���داوات» �إي���ران يف املنطقة، ع���دد ًا بان�ضم���ام اليمن �إىل ال���دول املت�ضررة من حت���ركات �إيران ودورها يف املنطق���ة (ب���ل يف ال�ش�أن الداخلي اليمني ذات���ه) .وكيف ًا بتو�سيع وتعميق الفج���وة القائمة �أ� ً صال بينها وبني اململك���ة العربية ال�سعودية وم�صر .فعلى �سبي���ل املثال ،ظل���ت العالقات الإيراني���ة ال�سعودية ملا يق�ت�رب من عقدين كامل�ي�ن (منذ الغزو العراقي للكوي���ت )1990حم�صورة بني نطاقي الفتور والتوت���ر املكت���وم .ثم ج���اء ات�ساع نط���اق �أزمة احلوثي�ي�ن يف اليمن ودخول الريا����ض طرف ًا فيها ،لي�ضع �إي���ران يف مواجهة �سيا�سية و�إعالمية مبا�شرة وعلني���ة مع ال�سعودية ،وهي حالة ندر تكراره���ا يف العالقات امل�شدودة بني البلدين .وهي مفارقة جدي���رة بالت�أمل� ،إذ مل تتخذ �إيران املوقف ذاته مع ال�سلطات اليمنية الطرف الأ�صلي يف املواجهة مع احلوثيني ،يف م�ؤ�شر �إىل حر����ص طه���ران على عدم خ�س���ران عالقاتها مع �صنع���اء ،بينما عك�س رد الفعل عل���ى التدخل ال�سعودي اندفاع ًا يف �إب���داء الغ�ضب ،وجاء �أقرب �إىل االنفعال من���ه �إىل املواقف املدرو�سة .ما يحمل ب���دوره مغزى مهم ًا جلهة ارتب���اك ح�سابات �إي���ران وخلل تقديراته���ا وتوقعاتها ملواق���ف الأطراف الأخرى املعنية بالو�ضع يف جنوب البحر الأحمر. يف الوقت ذات���ه� ،أ�ضحت ال�سيا�سة الإيرانية جت���اه الأقليات يف املنطقة وحتدي���د ًا ال�شيعية منه���ا تعاين م�أزق ًا ،بعد �أن �أخفق���ت طهران يف �إثبات �صدقيته���ا مب�سان���دة اجلماع���ات �أو التي���ارات ذات الأقلي���ة �أو �صاحب���ة التوجه���ات املخالفة ،بف�شلها يف دعم احلوثيني خا�صة بعد �أن �أ�صبحوا بني �شقي رح���ى ،القوات ال�سعودية �شما ًال ،واجلي�ش اليمني جنوب ًا .الأمر الذي �سينعك����س �سلب ًا بال�ضرورة على ال�صورة الذهنية التي حتر�ص �إيران دائم ًا عل���ى تر�سيخها يف اخل���ارج ب�أنها دولة ق���ادرة على ن�ص���رة «امل�ست�ضعفني» عموم��� ًا ،وامل�سلمني خ�صو�ص ًا� ،إذ مل تتمكن م���ن ن�صرة احلوثيني (ال�شيعة الزيديني) �أي من ُيفرت�ض �أنهم خا�صة اخل�صو�ص لديها. وارتداد ًا على �إيران ذاتها ،ف�إن احل�ضور الإيراين يف منطقة مدخل البحر الأحمر والقرن الأفريقي وامت���داده �إىل ق�ضايا وملفات داخلية مثل ق�ضية احلوثيني ،ي�ضعف موقف �إي���ران عندما ت�سارع �إىل اتهام �أطراف خارجية بال�ضل���وع يف ملفات �إيرانية داخلي���ة ،فبغ�ض النظر عن �صحة �أو خط�أ تلك االتهام���ات؛ ف�إن املوقف الإيراين بهذا يت�سم باالزدواج والتناق�ض ،مفتقد ًا املنطقية واالت�ساق. �أخري ًا ،ف�إن حتركات �إيران ومواقفها – امل�ستجدة م�ؤخر ًا منها خ�صو�صاً ر�سخ���ت و�ضعية �إيران كدولة «غري توافقي���ة» يف منطقة ال�شرق الأو�سطككل ،ولي�س فقط يف نطاق مدخل البحر الأحمر ،الأمر الذي يعطي حجية �سيا�سي���ة ملواقف دول املنطقة الأخ���رى التي تتحفظ على حت�سني عالقاتها مع �إيران �أو الرتحيب بخطابها الإعالمي الإيجابي �أحيان ًا .و�ستت�أثر �إيران به���ذا التقيي���م لو�ضعيته���ا الحق ًا ،خا�صة بع���د �إغالق ملفها الن���ووي �سواء ب�شكل �سلمي �أو بغري ذل���ك ،ففي احلالني �ستكون �إيران بحاجة �إىل قبولها يف املنطقة ،وهو ما ال تب�شر به �سيا�سات �إيران وحتركاتها يف الإقليم ككل، م���ا يرجح احتماالت حتولها م�ستقب ًال �إىل دولة معزولة �أو �شبه معزولة ،يف و�ضعية تذكر باحلالة الإ�سرائيلية. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
167
جيوبوليتيك
ال�صينيون قادمون بكني وطموحاتها اجلديدة يف خليج عدن حممد �سيف حيدر
يف �آخ���ر �أيام العام املن�صرم � ،2009أعلنت جمهورية ال�صني ال�شعبية ،على ل�سان الأمريال «يني ج���و» وهو ناطق ر�سمي يف ال�ش�ؤون البحرية بوزارة الدف���اع ال�صينية� ،أنها تدر�س �إمكانية �إقامة قاع���دة بحرية دائمة له���ا يف خليج عدن بهدف دعم عمليات مكافح���ة القر�صنة التي تقوم بها قواته���ا قبالة �سواحل ال�صومال .واملالحظ �أن ه���ذا الإعالن ،يف حد ذاته ومن جميع النواحي، يعد تطور ًا مهم ًا ورمبا فا ِرق ًا يف الفكر اال�سرتاتيجي ال�صيني الذي كان يغلب عليه طابع احليطة واحل���ذر وعدم اجلر�أة ،ال�سيما فيما يخ�ص تو�سيع دوائ���ر احلركة العاملية للع�سكرية ال�صينية. �سيطر عليه هواج�س وخماوف �أمنية عديدة ت�أتي كما �أنه جاء يف �سياق �إقليمي ودويل �ضاغط ُت ِ القر�صنة البحرية يف خليج عدن وغرب املحيط الهندي والتي تفاقمت خالل ال�سنتني الأخريتني ب�ش���كل غري م�سبوق ،ف� ً ضال عن احتم���االت �شنّ جماعات �إرهابية العتداءات ت�ستهدف الإ�ضرار بالأمن البحري يف واحد من �أهم طرق املالحة الدولية ،يف مقدمتها. و�إذا كان الإع�ل�ان ال�صين���ي ق���د بدا مفاجئ��� ًا للكثريي���ن �إال �أن املتابع للتح���ركات ال�صيني���ة الأخ�ي�رة يف خليج ع���دن وغرب املحي���ط الهندي ي���درك متام��� ًا �أن توجه بك�ي�ن اجلديد هذا ُيع�ِّب�ِّرّ عن تط���ور طبيعي يف مدركاتها الأمني���ة واجليو�سرتاتيجية ،ور�ؤيته���ا للف�ضاء اجليوبوليتيكي ال���ذي تتمو�ضع في���ه م�صالح ال�صني القومية الواج���ب حمايتها والدفاع عنه���ا ،كما �أنه يتزامن مع (وي�أخذ وهجه م���ن) نه�ضة ال�صني وحتولها م���ن جدي���د � -إىل قوة دولية م�ؤث���رة ،ت�سعى �إىل �إع���ادة �صياغة وبناءالنظام العاملي الراهن وفق ًا لأ�س�س مغايرة تُلبي طموحاتها الكونية. واملع���روف �أن بكني كانت ق���د �أخذت يف ت�سيري بع����ض قطعها و�سفنها 168
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
حممد �سيف حيدر مدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية» ،وباحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.
احلربي���ة يف خليج عدن منذ �أواخر كانون الأول/دي�سمرب ،2008بغر�ض حماية ال�سف���ن ال�صينية وطواقمها �أثناء مروره���م بهذا املعرب البحري املقاب���ل لل�سواح���ل ال�صومالي���ة ،والذي حت���ول م�ؤخ���ر ًا �إىل مرتع مثايل ُبحر فيها لن�ش���اط القرا�صنة الإجرامي .وكانت هذه امل���رة الأوىل التي ت ِ �سف���ن حربية �صينية �إىل �شرق الق���ارة الأفريقية منذ �أن قاد امل�ستك�شف والأم�ي�رال “�شينغ ه���ي” �أ�سطو ًال قب���ل نحو �ستة ق���رون ،يف وقت كانت ال�صني تفر�ض هيمنته���ا على �آ�سيا يف جمال القوة البحرية حتى القرن ال�ساب���ع ع�شر؛ فخالل حكم �أ�سرة مين���غ ( )1644 -1368كانت “البحرية العظمى” ال�صينية هي القوة البحرية الأعظم يف العامل. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
169
جيوبوليتيك التو�سع باطراد :يف جماالت التنمية االقت�صادية ،والإدارة الإقليمية، و�إذا كان ميك���ن و�صف زي���ارة الع�سكريني ال�صيني�ي�ن ملياه خليج عدن يف ّ غ���رب املحي���ط الهندي قبالة ال�سواح���ل الأفريقية واليمني���ة يف املا�ضي وت�أم�ي�ن الطاقة والغذاء ،عالوة على التج���ارة .وتبع ًا لذلك كان البد �أن البعي���د ب�أنه���ا كان���ت “ودودة” وال تُث�ي�ر الريبة كث�ي�ر ًا ،لكنه���ا اليوم ال تهتم ال�صني ب�ش�أن �أمن نقاط الو�صل البحرية ،ومن �ضمنها خليج عدن تب���دو – على الأقل بالن�سب���ة للبع�ض -كذلك� .إذ ُي َ نظ���ر �إليها بانزعاج وم�ضيق باب املندب اللذين مير عربهما جزء مهم من وارداتها النفطية ومبادالته���ا التجارية (على �سبيل املثال حت�صل ال�صني على حوايل %7 �شديد� ،سواء م���ن قبل ع�صابات القر�صن���ة ال�صومالية التي ت�ستهدفها دوري���ات البحري���ة ال�صيني���ة �أو م���ن قب���ل بع����ض الالعب�ي�ن الإقليميني من �إجمايل وارداتها النفطية من ال�سودان مبفردها). والدوليني الذين ي���رون التحركات ال�صينية مبنظور خمتلف ميتزج فيه ومم���ا ال�شك في���ه �أن تفاقم ظاهرة القر�صن���ة البحرية يف خليج عدن ال�ش���ك والقلق بالكثري م���ن احل�سابات اال�سرتاتيجي���ة .فال�صني �أخذت خ�ل�ال ال�سنتني الأخريت�ي�ن ،وا�ستهداف القرا�صن���ة ال�صوماليون �سفن ًا ُتظهِ ���ر ثقة متزايدة بذاتها وبقوتها ال�صاع���دة ،وجمرد قيامها ب�إر�سال وبواخ���ر جتاري���ة �صيني���ة ع���دة �إىل جان���ب تعري�ضه���م واردات ال�صني قواته���ا و�أ�ساطيلها البحرية �إىل خليج ع���دن ،ف� ً ضال عن التفكري ب�إقامة النفطية كما �صادراتها من الأ�سلحة واملعدات الع�سكرية العابرة يف هذا قاع���دة ع�سكري���ة دائمة يف واحد م���ن �أكرث املمرات البحري���ة �أهمية يف املم���ر املالحي للخطر ،بات �أمر ًا ُيق ِلق احلكومة ال�صينية ب�شدة ،ال�سيما الع���امل ،وقرب املنطقة التي حتت�ضن �آبار وحقول النفط الأ�ضخم عاملي ًا و�أن ال�ص�ي�ن تعاين �أ� ً صال من “مع�ضلة م�ضيق ملقا” ،الذي ي�شكل نقطة و�إمداداته الأكرث ح�سا�سية ،هو �أم ٌر �أخذ ُي�ش ِعر بع�ض الالعبني الدوليني اختناق حلركة التجارة ال�صادرة منها بالإ�ضافة �إىل وارداتها النفطية، الكبار كالوالي���ات املتحدة ودول �أوروبية له���ا م�صالح حيوية يف املنطقة وهو ممر ما انفكت ال�صني تبحث منذ مدة عن بدائل له ،لكن ال�صينيني كربيطاني���ا وفرن�سا ،بتوتر بالغ و�إن ظ���ل -حتى هذه اللحظة – مكتوم ًا يف غمار ذلك فوجئ���وا ب�أن �إمداداتهم النفطية وجتارتهم املنقولة بحر ًا وم�سترت ًا. تتعر�ض للتهدي���د يف نقطة اختناق �أخرى غري متوقعة غري �أن���ه �س���واء ر�ضيت وهي خليج ع���دن وم�ضيق هذه ال���دول �أو غريها عن عدن خليج يف البحرية القر�صنة ��رة ه ��ا ظ تفاقم ب���اب املن���دب ،وقب���ل �أن �أجندة ال�صني وطموحاتها البحري���ة اجلدي���دة �أم مل خ�لال ال�سنتني الأخ�يرت�ين ،وا�ستهداف القرا�صنة ت�ص���ل حت���ى �إىل م�ضي���ق َ ملقا حيث تكمن هواج�س تر�ض ،ف�إن قراءة ب�سيطة ال�صوماليون �سفن ًا وب��واخ��ر جت��اري��ة �صينية عدة بكني وخماوفها الكربى. يف خلفي���ات حت���ركات �إىل جانب تعري�ضهم واردات ال�صني النفطية كما بكني وتوجهاتها ال ويف �ضوء ذلك� ،سارعت أخرية� ،صادراتها من الأ�سلحة واملعدات الع�سكرية العابرة يف ومن بينه���ا ال�ص�ي�ن يف �أواخ���ر العام التفكريبحريجدي ًا���ة هذا املمر املالحي للخطر ،بات �أمر ً احلكومة ق ل ق ي ا ِ ُ ب�إقام���ة قاع���دة � 2008إىل الإع�ل�ان ع���ن ً من صال أ� � تعاين ال�صني أن � و ال�سيما ب�شدة، ال�صينية دائم���ة يف خلي���ج ع���دن، نيته���ا �إر�س���ال ع���دد م���ن م���ن �ش�أنه���ا �أن تو ّف���ر لنا «مع�ضلة م�ضيق ملقا» �سفنها احلربية �إىل خليج منطلق��� ًا لفه���م الأ�س����س عدن واملي���اه ال�صومالية، التي تدف���ع ال�صينيني �إىل يدفعها لذلك �سبب وجيه تعزيز ح�ضورهم الع�سكري ���م عاملي ،وهو �أن هذا املمر املالح���ي يعد الطريق التجاري يحظى بتفه ٍ البحري يف هذه املنطقة من العامل. الرئي�س���ي للأ�س���واق يف �أوروب���ا ،وقد تعر�ض���ت �سفن له���ا للخطف فيه. تو�سعه وذروة ومعل���وم �أن الهجمات على �سفن ال�شحن ترفع تكاليف الت�أمني ،وت�ضطر فم���ن جهة ،يبدو االقت�صاد ال�صيني هذه الأيام يف كامل ّ كم �أكرب من الوقود عن���د �سلوكها الطريق ت�ألقه ،كما �أن تطوره املثري يتكئ على حاجة كربى للطاقة .وقد �أ�صبحت بع����ض ال�سف���ن �إىل ا�ستخدام ٍ ّ ً ال�ص�ي�ن تناف�س الواليات املتح���دة الأمريكية على لق���ب «�أكرب م�ستهلك الأطول والأكرث �أمن ًا حول �أفريقيا بدال من �سلوك قناة ال�سوي�س ،ناهيك للنف���ط يف الع���امل» .ومتثل ال�صني الي���وم ما يقرب م���ن %6من الطلب ع���ن اخل�سائر املادية واملعنوية الأخ���رى .وبالفعل ما �أن جاء يوم 26من العامل���ي على الطاقة ،وي���رى االقت�صاديون �أن ه���ذه الن�سبة �ستت�ضاعف كان���ون الأول/دي�سمرب ،2008حتى �أبح���ر الأ�سطول ال�صيني امل�ؤلف من يف ع���ام ،2030وك���ي حتاف���ظ ال�صني عل���ى درجة منو تق���ارب %8ف�إنه املدم���رة “وو ه���ان” واملدمرة “هايك���و” و�سفينة الإم���دادات “وي�شان �سيتوج���ب عليها �أن ت�ست���ورد املوارد الطاقوية بطريق���ة �أُ ّ�سية .ويف �ضوء هو” ،من مين���اء �سانيا مبقاطعة هاينان �إىل املي���اه ال�صومالية ،حام ًال مع���ه طاقم��� ًا مكون ًا من 800ع�ض���و وطائرتي هيلوكبرت م���ن طراز “كا- املعطيات التي ت�شري �إىل �أن %90من حجم جتارة ال�صني اخلارجية يتم نقلها عن طريق ال�شحن البحري ،كما �أن %60من النفط الذي حتتاجه .”28 الأخ�ي�رة وي�أتيه���ا من اخل���ارج ُين َقل عل���ى ال�سفن والناق�ل�ات البحرية، وم���ن جه���ة �أخ���رى� ،إذا كان ه���ذا التح���رك الع�سك���ري ال�صيني غري �سعت بكني �إىل توف�ي�ر كل الو�سائل حلماية م�صاحلها الآخذة نطاقاتها امل�ألوف يف الع�صر احلديث قد �أ�شار �إىل عزم بكني اتخاذ كل اخلطوات 170
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
الالزم����ة حلماي����ة م�صاحله����ا البحرية يف مواجه����ة �أي تهدي����د ،مبا فيها ال�سع����ي �إىل ت�أمني الق����وة البحرية الالزمة لدعم مثل ه����ذه الأن�شطة ،من خ��ل�ال التطوير وال�شراء من اخلارج (من رو�سي����ا يف �أغلب الأحوال ،ومن ج�سد بكل و�ضوح االحت����اد الأوروبي كلما �أمك����ن) ،غري �أنه يف الوقت نف�سه ّ الدبلوما�سي����ة والأجن����دة الأمني����ة اجلديدة لل�ص��ي�ن ،ومقاربته����ا الراهنة الأك��ث�ر مرونة وديناميكي����ة لق�ضايا جدلي����ة و�شائكة كالتدخ����ل وال�سيادة. واحل����ال �أن ال�سن����وات القليلة املا�ضية �شهدت تراجع���� ًا يف االحرتام املعتاد م����ن جانب ال�صني ل�سيادة الدول ،عل����ى الأقل يف حاالت بعينها .فم�شاركة ال�ص��ي�ن بقوات حلفظ ال�سالم يف ال�سودان و�إر�سالها �سفن ًا حربية ملواجهة القرا�صن����ة ال�صوماليني تع����د مبثابة �أمثلة وا�ضحة ت����دل على هذا املنحى اجلديد. واملث����ال الأخري ل����ه داللته اخلا�ص����ة ل�سببني :ف�أو ًال ،هن����اك ا�شتباه يف �أن يك����ون القرن الأفريقي مرتع���� ًا “للإرهابي��ي�ن” وللراديكاليني الإ�سالميني ذوي الطموح����ات العاملي����ة .وثاني���� ًا ،ال ت����زال ال�صني تحُ ِج����م �إىل الآن عن لع����ب دور فاع����ل يف جهود مواجهة القر�صنة الأق����رب �إليها يف مناطق مثل م�ضي����ق ملق����ا ودلتا ميكوجن .وقد ي�شري ه����ذا �إىل �أن بكني ال ت�سعى فح�سب �إىل مواجه����ة خط����ر القر�صنة يف ال�صومال؛ فلو �أخذن����ا يف االعتبار وجود جماع����ات �إ�سالمية متم����ردة يف القرن الأفريقي ترتب����ط بتنظيم القاعدة وتتلق����ى الدع����م من بع�����ض دول ال�ش����رق الأو�سط ،ل����ن يك����ون م�ستغرب ًا �أن ت�سع����ى احلكوم����ة ال�صينية لتقطيع �أي روابط �أو �ص��ل�ات حمتملة بني هذه اجلماعات وحرك����ة اال�ستقالل الن�شطة يف �إقلي����م �شينجيانغ الذي تقطنه غالبي����ة م�سلم����ة .ويبدو �أنها عل����ى ا�ستعداد للم�شاركة بق����وات ع�سكرية يف �سبيل حتقيق ذلك. وع��ل�اوة على هذا ،ما ت����زال احلاجات االقت�صادي����ة لل�صني ومتطلباتها م����ن الطاقة تهيمن على �سيا�سة بكني حي����ال ال�شرق الأو�سط .لكن الوجود الع�سك����ري ال�صيني يف مياه ال�صومال ،وبح����ث بكني �إمكانية �إقامة قاعدة ع�سكرية بحرية دائمة يف خليج عدنُ ،ي ِربزان -كما الحظ بع�ض املراقبني بدق����ة -نوع���� ًا جدي����د ًا من احل�س����م فيما يت�ص����ل بالدفاع ع����ن م�صاحلها الوطني����ة؛ وق����د مت تف�سري ه����ذا احل�سم يف منطق����ة ال�ش����رق الأو�سط على �أن ال�ص��ي�ن ترغب يف اال�ضط��ل�اع بدور �أكرب يف مكافح����ة انت�شار الأ�سلحة النووية ،وزيادة جهودها ملواجهة الإرهاب. وبالرتكي����ز عل����ى تط ّل����ع ال�ص��ي�ن �إىل �إن�شاء القاع����دة البحري����ة الدائمة يف خلي����ج ع����دن� ،سنج����د �أن الطموح ال�صين����ي املعلن يرتاف����ق مع “حرب قواعد” حممومة بني الدول الكربى طفت �إىل ال�سطح بقوة م�ؤخر ًا ،وذلك بالتوازي مع تفاقم م�شكلة القر�صن����ة ال�صومالية ومع�ضالت �أمنية �أخرى متنوعة .و�إذا كان الع�سكريون ال�صينيون ي�س ّوغون �سعيهم هذا من منطلق «�أن ت�أ�سي�����س قاع����دة م�ستقرة و�صلبة متخ�ص�ص����ة بتموين و�إ�صالح القطع البحرية �سيكون �أم����ر ًا منا�سب ًا .فمن �ش�أن قاعدة كهذه �أن توفر للأ�سطول ال�صين����ي (املوجود يف خليج عدن وقبالة �سواحل ال�صومال) خدمات توفري الغ����ذاء ،وت�سهيل االت�صاالت ،و�إ�صالح ال�سفن ،والرتفيه عن البحارة»� ،إال �أن����ه ميكن الق����ول �أن ذلك ال يتعار�����ض مع وجود م�صلح����ة �صينية حقيقية يف ت�أكيد ح�ضوره����ا يف هذه املنطقة اال�سرتاتيجية من العامل ،وعدم ترك
ال�ساحة خالي����ة ملناف�سني تقليدي��ي�ن كالواليات املتح����دة والهند يحتفظون بوجود دائم يف غرب املحيط الهندي. وق����د ظهر م�سعى ال�ص��ي�ن لإثبات ح�ضورها يف املحي����ط الهندي بو�ضوح يف االحتف����االت الت����ي �أقامتها عام 2005لإعادة �إحي����اء ر�ؤية “زينغ هي”، امل�ستك�ش����ف والأمريال ال�صيني الذي جاب البحار بني ال�صني و�إندوني�سيا و�سريالن����كا واخلليج العرب����ي والقرن الأفريقي يف �أوائ����ل القرن اخلام�س ع�ش����ر ،وهي احتفاالت عك�ست قناع����ة ال�صني ب�أَن هذه البحار كانت دائم ًا ج����زء ًا من منطق����ة نفوذها .وق����د �سبق ذل����ك وواكبه وتاله قي����ام ال�صني ب�إن�شاء ع����دد من املوانئ والقواع����د البحرية والإ�سرتاتيجي����ة على امتداد �شواطئ املحي����ط الهندي ،وذلك يف دول كميامن����ار وتايالند وبنجالدي�ش و�سريالن����كا وباك�ستان ،بحيث ت�صبح نقاط ارت����كاز ا�سرتاتيجي لل�سيا�سة ال�صيني����ة امل�سم����اة “عقد الل�ؤل�ؤ” ،ومب����ا ي�سمح مب ّد النف����وذ ال�صيني �إىل �أبع����د مدى م����ن الناحية اجليوبوليتيكي����ة ،وبالتايل مقارع����ة نفوذ كل من غرميتيه����ا التقليديت��ي�ن (نيودله����ي ووا�شنط����ن) يف �أك��ب�ر م�ساحة ممكنة داخل نطاق املحيط الهندي و�ساحاته الأكرث �سخونة. لكن ال�س�����ؤال االفرتا�ضي الذي يطرح نف�سه هنا ه����و «�أين �سيكون املوقع املحتم����ل للقاعدة البحرية ال�صينية يف خليج عدن؟» ،واحلقيقة �أن القرار الأخ��ي�ر ب�ش�أن ذل����ك �سيك����ون – كما ج����ادل م�سئولون �صيني����ون بالفعل - للحزب ال�شيوعي ال�صيني .على �أنه ميكن القول �إن اجلزر اليمنية يف بحر العرب وقرب خليج عدن تبدو �إحدى �أقوى املواقع املر�شحة لذلك ،وهناك �أ�سب����اب كثرية جتعلها الأقرب للتفكري ال�صيني ،باعتبارها الأكرث منا�سبة وقرب���� ًا من الناحية اجلغرافية �إىل م�سرح عملي����ات القر�صنة والتهديدات الأمنية الأخرى املحتملة. وبالت�أكي����د ف�����إن ال�ص��ي�ن لي�ست الدول����ة الوحي����دة التي ُتظ ِه����ر مثل هذا التطل����ع ،فقد �أبدت دول كربى غريها كالوالي����ات املتحدة ورو�سيا وفرن�سا – تلميح ًا �أو ت�صريح ًا -رغبتها يف �إقامة قواعد ع�سكرية دائمة يف اجلزر اليمني����ة ،وثم����ة تقارير متواترة ت�ش��ي�ر �إىل تعر�ض اليمن خ��ل�ال ال�سنوات ل�ضغوط كبرية من قبل ه����ذه الدول بهدف احل�صول على الع�ش����ر الأخرية ٍ موافقته����ا على �إقام����ة قواعد ع�سكري����ة ونقاط مراقبة ور�ص����د بحرية يف اجلزر اليمنية ،ال�سيما يف �أرخبيل �سقطرى وجزيرة ميون. ����اد -الر�ضوخ ملثل هذه و�إذا كان����ت �صنعاء ق����د رف�ضت حتى الآن -وبعن ٍ ال�ضغ����وط ،باعتبار �أن ذل����ك من �ش�أنه امل�سا�س ب�سي����ادة الدولة اليمنية يف ال�صمي����م� ،إال �أن فر�صة ح�صول ال�صني على موطئ قدم يف �إحدى اجلزر اليمني����ة الواقع����ة يف بح����ر الع����رب � -إن �أعلنت �صراح����ة رغبتها يف ذلك، ر�ض َي����ة -قد تكون حمل بحث واهتمام من قبل ووف����رت �ضمانات كافية و ُم ِ �صانع����ي القرار اليمنيني ،بالنظ����ر �إىل اخلربة اليمنية الطويلة يف التعامل مع دولة كربى كال�صني ،تعتربها �صنعاء منذ عقود “�صديق ًا حقيقي ًا” لها �ستجد يف املنطقة ،خا�ص ًة وال حتم����ل �أي �شكوك �إزاء دورها وح�ضوره����ا املُ َ �أن ال�ص��ي�ن – وبعك�����س القوى الدولية الأخرى -ما فتئت تعلن بكل و�ضوح ع����ن �أهدافها التي تتقاطع ب�شكل �أو ب�آخر مع �أهداف اليمن ومراميها ،من خ��ل�ال دعوتها بل����دان العامل �إىل العم����ل مع ًا ملواجه����ة «التحديات الدولية امل�شرتكة كالقر�ص��نة والإرهاب واالنف�ص��ال والتطرف ( )..حتت مظلة الأمم املتحدة وب�إ�شرافها»! ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
171
جيوبوليتيك
172
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
173
جيوبوليتيك م�صطفى بخو�ش
مثل���ت نهاي���ة احلرب الباردة يف الفك���ر اال�سرتاتيجي الغربي نهاية للكثري م���ن التهديدات على امل�ستوى اال�سرتاتيجي واالقت�صادي ،ومهدت لظهور الكثري من املخاطر ذات الطبيعة اجلديدة. وكان مو�ض���وع �صعود ال�صني املت�س���ارع على امل�ستوى االقت�صادي واحد م���ن �أهم املوا�ضيع التي تناولته���ا مراكز البحث يف الواليات املتح���دة الأمريكية ،على اعتبار �أن التمدد االقت�صادي لأي كيان ي�ستدعي بالت�أكيد الحق ًا بناء قوة ع�سكرية قادرة على توفري احلماية الالزمة لهذا الكيان ومالحق���ة م�صاحل���ه والدفاع عنها �أينم���ا وجدت ،وه���ذا بال�ضبط ما �أ�شار �إلي���ه الباحث جون مري�شامي���ر عندما جتادل مع م�ست�شار الأمن القومي الأمريكي الأ�سبق زبغنيو بريجن�سكي حول مو�ضوع م�ستقبل القوة ال�صينية� ،إذ قال« :ال ميكن لل�صني �أن ت�ستمر يف ال�صعود ب�شكل �سلمي؛ ف����إذا ا�ستم���ر منوها االقت�صادي بالوترية احلالي���ة يف العقود القليلة املقبل���ة ،ف�إنها �ستدخل يف �سباق �أمني جاد مع الواليات املتحدة ،دون ا�ستبعاد احتماالت دخولهما يف حرب».
تو�سيع النطاق الإ�سرتاتيجية ال�صينية يف خليج عدن 174
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
لذلك اعترب الكثري من املفكرين �أن بروز قوة ع�سكرية �صينية ق���ادرة عل���ى التدخل يف �أع���ايل البح���ار ويف البح���ار املفتوحة، م�س�أل���ة وقت لي�س �إال .و�أن ال�صدام بني الغرب بزعامة الواليات املتح���دة وال�صني م�س�أل���ة م�ؤجلة �إىل حني فق���ط .وال�ست�شراف م�ستقب���ل الق���وة ال�صينية يحت���اج املرءلنظرية تظه���ر له كيف تت�ص���رف الق���وى ال�صاع���دة ،وكي���ف تك���ون ردات فع���ل الدول الأخرى جتاهها. �إن اله���دف الأويل لأي���ة ق���وة عظم���ى هوتعظي���م ح�صتها من توزي���ع القوة الدويل على �أمل الهيمنة عل���ى النظام ب�شكل كلي. وب�سبب فو�ضوية النظام الدويل ف�إن �أف�ضل طريقة للحفاظ على البقاء هو �أن تزيد الدولة من م�ستوياتقوتها مقارنة باخل�صوم املحتمل�ي�ن؛ فكلما كان���ت الدولة �أقوى كلم���ا تراجعت احتماالت تعر�ضها لهج���وم من قبل دولة �أخرى .لذل���ك يعتقد البع�ض �أن القي���ادة ال�صينية تركز علىبناء اقت�صاد يتفوق على االقت�صاد الأمريك���ي ،حينها ميكنها حتويل قوته���م االقت�صادية �إىل قدرة ع�سكري���ة ،وميكنهم خلق ظروف متكنهم م���ن �إمالء �شروطهم على دول املنطقة. ه���ذا ع���ن الر�ؤي���ة الغربية� ،أم���ا املقارب���ة ال�صيني���ة فتميزت مبحاوالته���ا لتهدئ���ة هواج����س الغ���رب وطم�أنت���ه بخ�صو����ص طموحاته���ا الع�سكري���ة ،م���ن خ�ل�ال الت�أكيد على غي���اب نزعة ع�سكراتي���ة يف العقي���دة الإ�سرتاتيجي���ة ال�صيني���ة ،والتي تقوم �أ�سا�س��� ًا على الت�أكيد على دور العوامل غري الع�سكرية يف �ضمان �أمن ال�صني وا�ستقرارها.
غري �أن ه���ذا اجلدل ال يجب �أن ُيخفي علين���ا تطلعات ال�صني للع���ب دور ريادي يلي���ق بها كق���وة �إقليمية من الدرج���ة الأوىل، وكع�ضو دائ���م يف جمل�س الأمن ،وكثال���ث اقت�صاد عاملي مر�شح لإزاح���ة االقت�ص���اد الياب���اين ع���ن املرتب���ة الثانية قريب��� ًا .وما يهمن���ا اليوم يف هذا املقال ه���و الوقوف على حمددات االهتمام ال�صين���ي بخليج عدن والبحر الأحم���ر ب�صفة خا�صة ،ومبنطقة اخللي���ج العرب���ي ب�صف���ة عام���ة .وعليه نت�س���اءل ه���ل االهتمام ال�صيني باملنطقة ظريف �أملته م�ستجدات املنطقة (القر�صنة)، �أم �أنه يعك�س �إ�سرتاتيجية �صينية حقيقية تعرب عن ر�ؤية ال�صني لدورها يف القرن الواحد والع�شرين على امل�ستوى الدويل؟ �أو ًال :ر�ؤية القيادة ال�صينية لدور ال�صني ت�سع���ى ال�ص�ي�ن لتعزي���ز نفوذه���ا الع�سك���ري والدبلوما�سي يف عمقها اال�سرتاتيجي خ�صو�ص��� ًا الأرا�ضي املجاورة التي تطالب به���ا بك�ي�ن ،والق���درة عل���ى الو�ص���ول �إليه���ا ،والدف���اع عن حق ا�ستخ���دام خط���وط املوا�ص�ل�ات احليوية يف املحيط���ات .لذلك ب���د�أت ال�ص�ي�ن يف تنفيذ برنام���ج يتيح لها اكت�س���اب املزيد من القدرات البحرية الإ�سرتاتيجية عن طريق حامالت الطائرات الت���ي �ستجعل م���ن ال�صني ق���وة ع�سكرية بحري���ة عاملية .وعلى امل�ست���وى اال�سرتاتيجي ،ف�إن لهذا التوج���ه �أكرث من داللة وعلى وجه اخل�صو�ص فيم���ا �سيتعلق بت�أثري ظهور حامالت الطائرات والأ�ساطيل البحرية ال�صينية يف النظام الع�سكري العاملي الذي تنفرد الواليات املتحدة بال�سيطرة عليه. وت���زداد �أهمية هذا الأم���ر بالن�سبة لل�صني عندم���ا نعرف �أن
م�صطفى بخو�ش �أ�ستاذ حما�ضر يف العالقات الدولية بجامعة حممد خي�ضر -ب�سكرة ،اجلزائر.
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
175
جيوبوليتيك
تدرك ال�صني نقطة �ضعفها �إزاء التحرك الع�سكري الذي ي�ستهدف تز ّودها بالنفط .ولهذا طور ال�صينيون قواعدهم البحرية ،ويبذلون اجلهد لبناء مرافئ نفطية وممرات نفطية برية ت�صل مبا�شرة بني �آ�سيا الو�سطى وال�صني عرب االحتاد الرو�سي\ الإح�صائي���ات ت�ش�ي�ر �أن % 60م���ن الب�ت�رول الذي حتت���اج �إليه ال�صني مطلوب من اخلارج وينقل على ال�سفن البحرية؛ ف�صارت �سالمة النقل البحري جزء ًا مهم ًا من �أمن ال�صني ،التي ترى �أن املحافظة على �أم���ن الدولة وم�صالح الدول���ة االقت�صادية بقوة بحرية لي�ست حق��� ًا خا�ص ًا لبع�ض الدول الكبرية ،بل �صارت من مطالب خمتلف الدول التي تت�صل بالعامل ات�صا ًال وثيق ًا. .1ا�سرتاتيجية الأمن البحري ال�صيني ال يتيح موقع ال�صني اجلغ���رايف �إال منفذ ًا وحيد ًا على العامل، ه���و ال�سواحل ال�صينية املطلة على املحي���ط البا�سفيكي .ووجود �سل�سل���ة من ال���دول املرتبطة بالواليات املتح���دة الأمريكية على ط���ول امتداد ال�ساح���ل ال�صيني البا�سفيك���ي (اليابان – كوريا اجلنوبية -تايوان) ،ووجود القواعد الع�سكرية اجلوية والبحرية الأمريكية� ،إ�ضافة �إىل انت�ش���ار القطع الربية الأمريكية الوا�سع النط���اق يف ه���ذه املنطق���ة� ،أدت جمتمع���ة �إىل تزاي���د املخاطر الت���ي تهدد الأمن القومي ال�صيني .الأم���ر الذي ا�ستدعى ر�سم �إ�سرتاتيجية لتطوير البحرية ال�صينية على ثالث مراحل هي: املرحلة الأوىل :تنتهي يف �سنة ،2010والهدف فيها هو احتواء تايوان واليابان فيما يع���رف بـ “اخلط الأخ�ضر” ،وهي �سل�سلة م���ن اجلزر يف �أعايل الفلب�ي�ن ،وذلك من خالل زي���ادة قدرتها الع�سكرية يف م�ضيق تايوان. املرحل���ة الثانية :ب�ي�ن 2010و ،2020والهدف فيه���ا هو القدرة عل���ى التدخ���ل ع�سكري��� ًا فيما يعرف ب���ـ “اخل���ط الأزرق” وهي �سل�سل���ة م���ن اجلزر �شرق���ي الفلبني ،وذلك من خ�ل�ال عمليات حتديث كبرية للأ�سطول. املرحل���ة الثالث���ة :بحلول ع���ام ،2050وته���دف ال�صني يف هذه 176
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
املرحل���ة �إىل تقدمي نف�سها باعتبارها الق���وة البحرية الرئي�سية يف �ش���رق �آ�سيا ،وذلك بف�ضل التحدي���ث التكنولوجي (ال�شبكات الرقمي���ة) الذي من �ش�أنه �أن يقلل �إىل حد ما من تفوق البحرية الأمريكية. وعلي���ه ف�إنه نظ���ر ًا لإدراك القيادة ال�صيني���ة ملخاطر التهديد املاثلة واملحتملة ،وكذا لتج�سيد هذه الإ�سرتاتيجية ،فقد و�ضعت يف احل�سبان الآتي: التوج���ه نحو بن���اء الق���درات الع�سكرية البحري���ة ،مبا يتيحلل�صني ت�أمني خطوط الإمدادات البحرية اخلارجية. ت�أم�ي�ن املم���رات البحرية ذات الأهمي���ة احلرجة ،وحتديداًممر ملقا اال�سرتاتيجي. ن�ش���ر الق���وة البحري���ة ال�صيني���ة يف املناط���ق البحري���ةالإ�سرتاتيجي���ة ،مثل باب املندب وخلي���ج عدن واملحيط الهندي ومناطق بحر ال�صني ال�شرقي واجلنوبي. �إن جن���اح م�ش���روع القوة ال�صينية �سيتي���ح لل�صني التحول من جمرد قوة �إقليمي���ة كربى �إىل قوة دولية كربى .وبكلمات �أخرى ميكن الإ�شارة �إىل �أن �أبرز التداعيات �ستتمثل يف الآتي: حتوي���ل الق���درات الع�سكرية ال�صينية من ق���درات برية �إىلقدرات بحرية. و�صول القوة ال�صينية للمناطق البحرية الإقليمية والدولية�سيتي���ح لها لع���ب دور كبري على ال�ساحة الدولي���ة ما يزال لليوم حكر ًا على الواليات املتحدة الأمريكية. تو�سيع مدى ونطاق ا�ستخدام القدرات الع�سكرية ال�صينية،طامل���ا �أن ال�ص�ي�ن ت�ستطيع �إط�ل�اق ال�صواري���خ والطائرات من حامالت الطائرات املنت�شرة يف �سائر �أنحاء العامل. وبالت�أكي���د �سيرتت���ب عل���ى ذل���ك �إعط���اء طاقة جدي���دة لقوة ال���ردع اال�سرتاتيجي ال�صيني ،مبا ميك���ن �أن ي�ؤدي باملقابل �إىل تقلي����ص قوة ال���ردع اال�سرتاتيجي الأمريكي .لك���ن حتويل هذه الإ�سرتاتيجي���ة الع�سكري���ة �إىل واق���ع قائم �سيحت���اج يف النهاية �إىل اكت�س���اب قدرات �أخرى تكفي لتعزي���ز طموحات ال�صني يف �أن ت�صب���ح دول���ة عظمى .وهو ما يف�سر ارتف���اع �إجمايل الإنفاق الدفاعي ال�صيني ب�أكرث من � %10سنوي ًا منذ العام ،1990وركزت التح�سينات الع�سكرية على زيادة القدرات والتقنيات الع�سكرية والق���درة على �أداء عمليات معقدة بعي���د ًا عن ال�ساحل ولفرتات طويل���ة .وعلى �سبيل املث���ال� ،أجرت البحري���ة ال�صينية عمليات ومن���اورات �شاركت فيها ال�سفن والغوا�ص���ات والطائرات ،وا�شتملت العمليات على فر�ض احل�صار البحري وخرقه ،و�شن الهجمات على خطوط الأنابيب ،وحتديد مواقع �ألغام العدو وتدمريها.
.2ا�سرتاتيجيات ال�صني النفطية تبن���ت ال�ص�ي�ن منذ م���دة لي�س���ت بالق�صرية م���ا ا�صطلح على ت�سميته “دبلوما�سية مطاردة النفط” ،والتي تقوم على ت�شجيع ال�شركات ال�صينية للح�صول على املزيد من �إنتاج النفط حملي ًا وتطوي���ر احتياطات ال�صني منه با�ستخدام تكنولوجيا متقدمة، ويف نف����س الوق���ت تعم���ل عل���ى اال�ستثم���ار يف القط���اع النفطي خارجي ًا ،وك���ذا �شراء ح�ص�ص من ال�ش���ركات النفطية الغربية والعاملي���ة ،ولذلك ف�إن ال�شركات ال�صيني���ة اخرتقت الكثري من الأ�س���واق النفطية الت���ي كانت يف ال�سابق حك���ر ًا على ال�شركات الغربية ،وقامت بتنويع م�صادر وارداتها النفطية. وقد ج���اءت هذه الإ�سرتاتيجية لتعك�س واقع النمو االقت�صادي ال�صيني غري امل�سبوق ،فقد �أدى هذا النمو املتوا�صل (ما بني %8 وتو�سع ال�صني �صناعي ًا وعمراني ًا، �إىل %10على مدى � 20سنة)ّ ، �إىل ارتف���اع احتياجاته���ا الطاقوية .وب�سب���ب �أن اعتماد ال�صني عل���ى النفط امل�ست���ورد ق���د زاد و�سي�ستمر باالزدي���اد م�ستقب ًال، تق�ضي الإ�سرتاتيجي���ة ال�صينية ال�سعي �إىل تقليل االعتماد على ا�سترياد النفط ،وتعمل حالي ًا على الآتي: -1ت�أم�ي�ن ط���رق الإم���داد بالنفط م���ن التعر����ض للتهديد �أو التوق���ف ب�سب���ب احلروب �أو الإره���اب �أو غريها م���ن الأ�سباب، وبالتايل فقدان امل�صدر الرئي�سي للطاقة يف البالد. -2اال�ستثمار يف عمليات ا�ستك�شاف احتياطات نفطية جديدة ب�سبب القلق املتزايد من ن�ضوب البرتول �أو نفاد احتياطاته. ولذلك ف�إنه كثري ًا ما متت مناق�شة �أهمية طرق النفط يف �آ�سيا الو�سط���ى عرب املم���رات الربية على م�ستوى القي���ادة ال�صينية، ولكنها �أدركت �أنه يجب االهتمام �أي�ض ًا بالطرق البحرية للنفط وباملمرات املائية الدولي���ة ذات الأهمية الإ�سرتاتيجية .فالتز ّود بالطاق���ة �شدي���د االرتب���اط بالأم���ن القومي ال�صين���ي وبنموها وبقدرتها الع�سكرية. وت���درك ال�صني نقط���ة �ضعفها �إزاء التح���رك الع�سكري الذي ي�سته���دف تز ّوده���ا بالنفط .وله���ذا طور ال�صيني���ون قواعدهم البحرية ،ويبذلون اجله���د لبناء مرافئ نفطية وممرات نفطية بري���ة ت�صل مبا�شرة ب�ي�ن �آ�سيا الو�سطى وال�ص�ي�ن عرب االحتاد الرو�س���ي .كما تعمل ال�صني على تطوي���ر قواتها البحرية �ضمن �سيا�س���ة بحرية م�ؤث���رة هدفها ت�أم�ي�ن جميع املم���رات البحرية الدولية التي تنقل نف���ط �أفريقيا وال�شرق الأو�سط نحو ال�صني. وبالتايل ،فه���دف ال�صني حماية تزودها احلي���وي بالطاقة من بحرية الواليات املتحدة وحلفائها .وقد ك�شفت التقارير ال�سنوية لوزارة الدف���اع الأمريكي���ة (البنتاغون) �أنه م���ع تنامي اعتماد
مع منو قوة ال�صني الع�سكرية، يبدو �أن املهام الإ�سرتاتيجية التي �أ�سندت �إىل هذه القوة قد تنامت هي الأخرى .وينبغي �أن ال يكون ذلك م�صدر ده�شة� ،إذ يعلمنا التاريخ �أن طموحات الأمم تكرب مع منو قوتها الع�سكرية ال�ص�ي�ن على النف���ط امل�ستورد م���ن ال�شرق الأو�س���ط و�أفريقيا، تعم���ل ال�صني على ت�شكيل ق���وات بحرية زرق���اء * blue-water navyلت�أم�ي�ن خطوط �إمداد الطاقة لبك�ي�ن .وقد تكون القيادة الع�سكري���ة ب�ص���دد �إعادة النظ���ر يف �سيا�سته���ا النووية القائمة على مبد�أ “عدم انته���اج �سيا�سة اال�ستخدام �أو ًال”� ،إ�ضافة �إىل درا�س���ة طرق لت�أمني حقوق ال�ص�ي�ن الإقليمية يف بحري ال�صني اجلنوبي وال�شرقي. وكما يعرب هذا الواقع بب�ساطة ،ومع منو قوة ال�صني الع�سكرية، ف�إن���ه يبدو �أي�ض ًا �أن امله���ام الإ�سرتاتيجية التي �أ�سندت �إىل هذه الق���وة قد تنامت هي الأخرى .وينبغ���ي �أن ال يكون ذلك م�صدر ده�شة� ،إذ يعلمنا التاريخ �أن طموحات الأمم تكرب مع منو قوتها الع�سكري���ة .وللت�أكيد على هذه النقط���ة ،ن�شر �صحايف ع�سكري �صيني م�ؤخر ًا مقا ًال يقول فيه �إنه يتوجب على بكني �أن تطور قوة ع�سكرية “تتنا�سب ومكانتها الدولية”. ثاني ًا :موقع خليج عدن يف الإ�سرتاتيجية ال�صينية بداية ن�شري �إىل الأهمية الإ�سرتاتيجية ملنطقة القرن الإفريقي وخلي���ج ع���دن ،حيث يتحك���م خليج ع���دن يف املدخ���ل اجلنوبي للبحر الأحمر وقناة ال�سوي�س ،وهو واحد من �أهم طرق املالحة البحرية يف العامل ،ويقدر عدد ال�سفن التي تعربه �سنوي ًا ما بني � 16ألف��� ًا و� 20أل���ف �سفين���ة ،وحوايل 30%من املالح���ة النفطية العاملية .وهو ي�شكل طريق ًا رئي�سي ًا للتجارة بني �أوروبا و�آ�سيا. ويتميز البحر الأحمر مبوقعه كممر مائي يربط بني العديد من القارات ،فهو يرتبط بث�ل�اث مناطق مهمة؛ من ال�شمال يرتبط بالب ح���ر الأبي�ض املتو�سط وبالتايل بال���دول املطلة عليه ،ومن ال�شرق منطقة اخلليج العربي ذات الرثوة النفطية ،ويف الغرب
* م�صطلح ع�سكري ي�ستخدم لو�صف قوة بحرية قادرة على العمل عرب املياه العميقة واملحيطات املفتوحة.
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
177
جيوبوليتيك
التحرك ال�صيني ب�إر�سال �سفن حربية للمنطقة �أتاح لل�صني فر�صة منا�سبة ومالئمة للولوج �إىل املياه الدولية يف منطقة بعيدة عن نفوذها املبا�شر و�أمنها الوطني املبا�شر ،لكنها حيوية بالن�سبة لل�صني منطقة القرن الإفريقي التي تتحكم يف مدخل البحر الأحمر من ناحي���ة اجلنوب .وهو بذلك يخت�صر الوق���ت وامل�سافات والكلفة املالية مما يجعله يتمتع بالعديد من املميزات الإ�سرتاتيجية. ونظ���را له���ذا املوقع كان خلي���ج ع���دن وال يزال �أح���د ميادين ال�صراع الدويل من �أجل ال�سيطرة على مناطق النفوذ واملمرات املائي���ة ،فه���و يتحكم يف �إح���دى �أهم الط���رق الرئي�سية للتجارة العاملية خ�صو�ص ًا النفطية منها. قامت ال�صني ب�إر�سال قطع حربية �إىل بحر العرب وخليج عدن يف 26كان���ون الأول/دي�سمرب ،2008وقد جاء �إر�سال هذه القطع �إىل هذه املنطقة ا�ستجابة لعدة عوامل جنملها يف الآتي: .1العام���ل القانوين ال���دويل املتمثل يف ق���رارات جمل�س الأمن الت���ي تدعو ال���دول القادرة عل���ى �إر�س���ال �سفن وطائ���رات �إىل املنطقة املقابل���ة لل�ساحل ال�صومايل ملقاوم���ة القر�صنة و�إنقاذ ال�سف���ن املخطوفة �أو الت���ي تتعر�ض للتهدي���د واخلطف (�أ�صدر جمل����س الأمن الدويل يف 16كان���ون الأول/دي�سمرب 2008قرار ًا يحمل رق���م 1851يجيز �ضرب قرا�صنة ال�صومال) .وهنا يقول الأ�ست���اذ منغ �شيانغ ت�شينغ اخلبري ال�صين���ي واالخت�صا�صي يف عل���م الإ�سرتاتيجية الأمنية“ :ال�صني �أر�سل���ت ال�سفن احلربية �إىل ال�صوم���ال ل�ض���رب القر�صنة .يتفق ذل���ك والقانون الدويل وقرار الأمم املتحدة مت���ام االتفاق .و�ضرب القر�صنة له �أهمية �إ�سرتاتيجي���ة بالن�سبة �إىل �صيانة ال�س�ل�ام الإقليمي واال�ستقرار العاملي و�سالمة املالحة البحرية”. .2تع ّر����ض بع�ض ال�سفن التجاري���ة ال�صينية بالفعل لتهديدات باخلط���ف ،وكذل���ك �سف���ن دول �أخ���رى عدي���دة� .إذن يف �إط���ار التعاون الدويل جاء التحرك ال�صيني هذا .وي�شري جيوي ت�شنغ 178
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ت�ش���ي مدير التعاون الدويل لوزارة املوا�صالت ال�صينية� ،إىل �أن الأه���داف الرئي�سية التي يخدمها الأ�سطول ال�صيني هذه املرة، هي ال�سفن التابع���ة للم�ؤ�س�سات ال�صيني���ة وال�شركات ال�صينية التموي���ل� ،إىل جان���ب ناقالت امل���واد الإن�ساني���ة التابعة ملنظمة الأغذية والزراعة للأمم املتحدة. وال �ش���ك �أن التحرك ال�صيني ب�إر�س���ال �سفن حربية للمنطقة �أت���اح لل�صني فر�صة منا�سبة ومالئمة للول���وج �إىل املياه الدولية يف منطق���ة بعيدة عن نفوذها املبا�ش���ر و�أمنها الوطني املبا�شر، لكنها حيوية بالن�سبة لل�صني الرتباط ذلك بثالثة �أمور: .1ال�صني تعتمد يف نه�ضتها احلديثة على ال�صادرات للعديد م���ن املناط���ق وم���ن بينه���ا ال�ش���رق الأو�س���ط و�أورب���ا و�أفريقيا، والقر�صنة كتهديد للتجارة واملالحة الدولية متثل تهديد ًا للأمن والتقدم االقت�صادي ال�صيني. .2ال�ص�ي�ن ت�ست���ورد النف���ط بقدر كب�ي�ر من ال�ش���رق الأو�سط و�أفريقي���ا (ال�سودان و�أنغوال) وغريهم���ا ،وعليه فهي تعمل على ت�أمني خطوط نقل النفط. .3ال�صني بنت �سيا�ستها يف العقد الأخري من القرن الع�شرين والعق���د الأول من القرن احلادي والع�شري���ن على �أ�سا�س �إقامة منتدي���ات للتع���اون االقت�ص���ادي والتج���اري واال�ستثماري ،ومن �أبرز تلك املنتديات منتدى التعاون ال�صيني الإفريقي ,ومنتدى التعاون ال�صيني العربي .و�أعمال القر�صنة تهدد عملية التعاون ب�ي�ن ال�صني وهاتني املنطقتني ،ف� ً ضال ع���ن التعاون بني ال�صني وال���دول الأوروبية� .إذ ت�شري االح�صائي���ات �إىل �أنه كل عام متر �أكرث من � 1000سفين���ة جتارية �صينية عرب خليج عدن .وباملثل، ف����إن %80م���ن واردات النف���ط �إىل ال�ص�ي�ن مت���ر ع�ب�ر م�ضيق ملق���ا ،والذي ميكن ب�سهولة �أن يتعر����ض للغلق من قبل البحرية الأمريكية يف حال ن�شوب �صراع. لذل���ك هناك من يعتقد �أن ثم���ة �أ�سباب ًا كثرية وحيوية بالن�سبة لل�صني تدفعها لتطوير وا�ستخدام قواتها البحرية� ،أق ّلها ت�أمني ط���رق الإمداد احليوي .والت�س���ا�ؤل الذي يط���رح نف�سه هنا هو: ه���ل خروج ال�صني �إىل املياه الدولية يف خليج عدن يدخل �ضمن �سياق التناف�س الدويل بني القوى الكربى؟ وحت���ى جنيب على ه���ذا ال�س�ؤال ن�ش�ي�ر بداي���ة �إىل �أن ال�صني يف ه���ذه املرحل���ة حري�صة على تن�سي���ق �سيا�ستها م���ع الواليات املتحدة بوج���ه خا�ص ب�صفتها القوة الدولي���ة املهيمنة والقطب الواح���د ،ولذا كان من الالفت للنظ���ر �أنه عندما قررت ال�صني �إر�سال �سفن ملنطقة خليج عدن� ،ص ّرح املتحدث الر�سمي با�سم اخلارجي���ة ال�صينية �أن وجود �سفنها احلربية يف املنطقة �سوف
ُيعزز امل�صالح الأمريكية. بعب���ارة �أخرى ،ف����إن ال�صني ت�ؤكد �أنها ت���درك �أن هذه املنطقة هي منطقة نفوذ �أمريك���ي ,و�أنها ال ت�سعى للإ�ضرار بذلك و�إمنا ظهر ومل ت�سعى للتعاون ,ولعل ما يعزز هذا التوجه �أن ال�صني مل ُت ِ تتخذ �أي موقف ميثل حتدي ًا �أو نقد ًا وا�ضح ًا لل�سيا�سة الأمريكية. وه���و ما يعني �أن ال�صني حري�صة عل���ى ما يطلق عليه “ال�صعود ال�سلم���ي” وعدم اال�ستعجال يف دخ���ول �صراعات مل يحن وقتها بع���د ،و�أن �سيا�ستها قامت على �إعطاء �أولوي���ة مطلقة للم�صالح الأمني���ة املبا�ش���رة والتنمي���ة االقت�صادي���ة وحري�ص���ة على عدم امل�سا�س بهذي���ن الهدفني ،وهذا بال�ضبط م���ا ي�شري �إليه اخلبري الع�سك���ري ال�صين���ي ت�شن ت�شو حني قال�« :إر�س���ال ال�صني قوتها الع�سكري���ة �إىل اخل���ارج حلماية م�صالح الدول���ة ال يعني البحث ع���ن فر�صة لتو�سيع قوتها الع�سكري���ة فيما وراء البحار» .م�ضيف ًا �أن «الق���وات البحري���ة ال�صينية النامية لي�س���ت ،كما قال هذا �أو ذاك ،ت�ش���كل تهديدا �أب���د ًا ،وواجبها اليوم ا�ستخ���دام التجارب املتكررة حتى تكون قدرتها متفقة مع ما يحتاجه تطوير ال�صني، وم���ع حماية امل�صالح الوطنية لل�ص�ي�ن وحت ّمل الواجبات الدولية الأكرث وامل�ساهمات الأكرث يف �صيانة ال�سالم العاملي والإقليمي». ه���ذا من جهة ،وم���ن جهة �أخرى ،ظهرت وجه���ة نظر معاك�سة تق���ول ح�سب ما اقتب�ست���ه وكال���ة الأ�سو�شيتد بري����س�« :أ�صبحت مناف�سة القوات البحرية ال�صينية والأمريكية ممكنة م�ستقب ًال. لأن���ه حتم��� ًا الوج���ود ال�صين���ي احلايل �س���وف يث�ي�ر الكثري من احل�سا�سي���ة الأمريكي���ة يف امل�ستقب���ل عل���ى اعتب���ار �أن الواليات املتح���دة تنظر لل�صني كقوة مناف�سة لها ،ومن املحتمل �أن تنقلب �إىل ق���وة معادي���ة يف امل�ستقب���ل ،و�أن الواليات املتح���دة ال ترغب يف ال�سم���اح لل�ص�ي�ن �أو لأية ق���وة معادية لها بالوج���ود يف ال�شرق الأو�س���ط لأهميته الإ�سرتاتيجية والنفطية ووجود الغاز الطبيعي �أي�ض ًا». ختام ًا ،ميكن القول �أن القر�صنة البحرية ت�شكل م�شكلة حقيقية، غري �أنها حتولت مع مرور الوقت �إىل مربر للقوى الكربى للتموقع �إزاء خطوط املالحة البحري���ة املهمة جد ًا للتجارة .فكما الحظ W. Raleighيف نهاي���ة القرن ال�ساد����س ع�شر �أنه من يتح ّكم يف البح���ر� ،سيتحكم يف جتارة العامل ،ومن يتحكم يف جتارة العامل حت ّك���م يف ثرواته ،ومن حت ّكم يف ث���روات العامل حت ّكم يف العامل ذاته. ميك���ن القول بناء على م���ا �سبق �أن التزام ال�صني يف مكافحة القر�صن���ة يف خلي���ج ع���دن لي����س ا�ستجاب���ة ب�سيطة عل���ى املدى * م�صطلح ع�سكري ي�صف حماولة حلرمان العدو من القدرة على ا�ستخدام البحار.
ال�صني ت�ؤكد �أنها تدرك �أن هذه املنطقة هي منطقة نفوذ �أمريكي, و�أنها ال ت�سعى للإ�ضرار بذلك و�إمنا ت�سعى للتعاون ,ولعل ما يعزز هذا التوجه �أن ال�صني مل ُتظ ِهر ومل تتخذ �أي موقف ميثل حتدي ًا �أو نقد ًا وا�ضح ًا لل�سيا�سة الأمريكية الق�صري .بل يك�شف ذلك لي�س فقط عن رغبة �صينية يف الدفاع ع���ن م�صاحله���ا االقت�صادية ،ولك���ن �أي�ض ًا رغب���ة للتموقع على ال�صعيدي���ن الإقليم���ي والعامل���ي .ويف هذا ال�سياق ،ف����إن تطوير الق���وات ال�صيني���ة البحرية وحتديثه���ا بات �أم���ر ًا ال غنى عنه. ولكن كما تبني الكثري من الوقائع الدولية ،ف�إنه يبقى هدف ًا على امل���دى الطويل وي�شكل حتو ًال ا�سرتاتيجي��� ًا حقيقي ًا يطرح الكثري من املخاوف على م�ستوى الفكر اال�سرتاتيجي الغربي. وميك���ن تف�سري ه���ذه املخ���اوف انطالق��� ًا من مق���والت املفكر �ألف���رد ماه���ان Alfred Mahanالت���ي تقوم على فك���رة الهيمنة على البحار ك�ض���رورة ل�ضمان حرية املالحة وا�ستغالل خطوط املالح���ة البحري���ة التجارية؛ فالتج���ارة تقت�ضي وج���ود �أ�سطول جت���اري ،وهذا الأخري يتطلب �أ�سطول حربي حلمايته .و�إذا كان ت�أث�ي�ر �أفكار ماهان كانت دائم ًا حا�ضرة يف الفكر اال�سرتاتيجي الغرب���ي عموم��� ًا ويف الفك���ر اال�سرتاتيجي الأمريك���ي على وجه اخل�صو����ص ،ف����إن ال�ص�ي�ن بدورها ب���د�أت تهتم ب�ش���كل متزايد بهذه الأفكار بحيث دخل���ت يف برنامج لتحديث قواتها البحرية لتنتق���ل �شيئ��� ًا ف�شيئ ًا م���ن جمرد ق���وات للحماي���ة والدفاع على ال�سواحل ال�صيني���ة �إىل �إ�سرتاتيجية “احلرمان من البحر” * ،Sea denialويب���دو �أنها ت�سعى لبناء ق���وة بحرية �ضاربة قادرة عل���ى العمل بعيد ًا يف �أعايل البح���ار blue-water navyملالحقة امل�صالح ال�صينية �أينما وجدت؛ فن�سبة %90من جتارة ال�صني تتم ع�ب�ر البحر ،وه���و ما يف�س���ر الرغبة ال�صيني���ة يف امتالك القدرة على التدخل يف �أي مكان تتعر�ض فيه امل�صالح ال�صينية للتهدي���د ،ومنطقة خليج عدن واحدة م���ن �أهم هذه املناطق يف الإ�سرتاتيجية ال�صينية. ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
179
ُ �أفـُـــق
نحو �سالم دائم
�سقاف عمر ال�سقاف
خا�ض���ت اليمن خالل العقدين املا�ضيني الكثري من احلروب وال�صراعات الداخلية التي كلفت �أثمان ًا باهظ���ة ،وخ�سائر مادية وب�شرية ال حت�صى وال تعد .واحلال �أن اليمنيني الذين �أرهقتهم هذه احلروب يعم م���ا مل تطوى �صفحة والنزاع���ات الداخلي���ة تواق���ون اليوم �إىل ال�سالم؛ وه���ذا ال�سالم ال ميكن �أن ّ احلرب ب�شكل نهائي. الآن توقفت احلرب ال�ساد�سة يف �صعدة ،ولكنها من دون �شك خلفت �آثار ًا نف�سية واجتماعية و�سيا�سية واقت�صادية عميقة ،البد من معاجلتها ،و�إال لن تكون هناك �أي �ضمانات متنع ن�شوب حرب �سابعة .وكي يتح���ول اتف���اق وقف احلرب يف �صعدة �إىل �سالم دائم ،على اجلميع العمل من �أجل معاجلة الآثار التي خلفتها احلرب .فعودة مئات الآالف من النازحني وامل�شردين �إىل قراهم ومدنهم ،و�إح�سا�سهم بالأمن واال�ستق���رار ،ودفع التعوي�ضات ،و�إعادة الأعمار؛ كلها �أمور يجب �أن تكون يف مقدمة مهام احلكومة يف ه���ذه املرحلة ،وعلى الدولة �أن تكون حا�ضرة بخدماتها ووظائفها الأ�سا�سية ،و�أن تفر�ض هيبة القانون و�سيادت���ه يف ه���ذه املناطق الت���ي �أُهملت طوي ًال .وعندها فق���ط �س ُيقطع الطريق على كل م���ن تُ�س ِّول له نف�س���ه التم���رد على الدولة� ،أو �إعادة عجلة التاريخ �إىل الوراء ،و�سنكون يف الوقت ذاته قد و�ضعنا �أوىل اخلطوات يف طريق �صنع �سالم دائم ،ولي�س جمرد هدنة م�ؤقتة بني حربني كما يعتقد البع�ض. من جهة �أخرى ،علينا كيمنيني تغليب لغة احلوار واملنطق على ما �سواها ،لأنها اللغة الوحيدة القادرة عل���ى تقدمي احللول وو�ضع البدائل ل���كل م�شكالتنا و�أزماتنا القائمة� .إن غياب احلوار وانعدام التوافق ب�ي�ن الق���وى ال�سيا�سية الرئي�سي���ة خلق حالة من عدم اال�ستق���رار ،و�ساهم يف ت�أزمي احلي���اة ال�سيا�سية واالجتماعي���ة يف البلد ،وجعل النا�س ي�شعرون بالإحباط والي�أ����س جراء ان�سداد الأفق ال�سيا�سي ،وهذا ال �ش���ك انعك����س ب�صورة �أو ب�أخرى عل���ى �أمن البلد وا�ستقراره .لذا ن�أمل م���ن كل القوى ال�سيا�سية ويف مقدمته���ا احلزب احلاك���م واملعار�ض���ة اال�ستجابة �إىل الدع���وات املتكررة من قبل رئي����س اجلمهورية باجللو����س �إىل طاولة احلوار ،واالرتقاء مب�ستوى احل���وار �إىل م�ستوى الوطن ،وذلك من خالل االبتعاد ع���ن املماحكات واملكايدات ال�سيا�سية ،والنظ���ر �إىل ق�ضاياه من منظور وطني ولي�س من منظور حزبي �ضيق؛ فاملرحلة الراهنة تقت�ضي من اجلميع تقدمي تنازالت حقيقية ،لي�س للطرف الآخر ولكن ل�صالح اليمن. ومبا �أن اليمن �أ�ضحت هذه الأيام حمط اهتمام �إقليمي ودويل ،فعلينا ا�ستغالل هذا االهتمام من �أجل امل�ساعدة يف التخل�ص من امل�شاكل والتحديات ال�سيا�سية والأمنية واالقت�صادية التي تواجهنا ،ومن ّثم التف��� ّرغ للبناء والتنمية .على اليم���ن �أن تكون حا�ضرة يف املحافل الإقليمية والدولية من خالل متا�سك �أبنائه���ا ووحدتهم ،و�إعادة االعتب���ار لنموذجها الدميقراطي الذي طاملا �أث���ار �إعجاب العامل ،وكذلك م���ن خالل �إجنازاتها املحلية وم�شاريعها التنموية ،ولي�س من خ�ل�ال م�شاكلها و�أزماتها التي ال تنتهي، الداخل 1 677879 جهود +967 1 682144 وهذا ال �شك :∞JÉg +967كما يتطلب �إرادة �سيا�سية قوية واخلارج، ً:¢ùcÉaا يف اليمنيني جميع يتطلب ت�ضافر 16822إيجابي وفعال ،وبروح من امل�سئولية الوطنية. :Ü.¢Uب�شكل � ملعاجلة كل الأزمات والتحديات القائمة á«æª«dG ájQƒ¡ª÷G - AÉ©æ°U E-mail: info@Shebacss.com
www.Shebacss.com
نائب مدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية». 180
ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
ÊhεdE’G ™bƒŸG GƒëØ°üJ á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôŸ w w w . s h e b a c s s . c o m ا�سرتاتيجية العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
181
w w w . s h e b a c s s . c o m
á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôe Sheba Center for Strategic Studies
á`` `aô©ŸÉH á`` ` `°SÉ«°ùdG ó`` ` `aQ
Relating Policy to Knowledge 2010
فرباير/ يناير،ا�سرتاتيجية العدد الثاين
182