Madarat Estratiegyya (No. 2, January-February 2010)

Page 1

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪3‬‬


‫ا�سرتاتيجية‬ ‫الأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�صرة‬ ‫ت�صدر كل �شهرين عن «مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية»‬ ‫ال�سنة الأوىل‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير ‪2010‬‬

‫رئي�س التحرير‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫‪director@shebacss.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫حممد �سيف حيدر‬

‫‪m_saif@shebacss.com‬‬

‫نائب مدير التحرير‬

‫�سقاف عمر ال�سقاف‬

‫‪saqaf@shebacss.com‬‬

‫املراجعة اللغوية‬

‫حممد حم�سن علوان‬

‫‪mohammed-al@shebacss.com‬‬

‫اال�شرتاكات‪:‬‬

‫ال�سنة الواحدة (�ستة �أعداد) �شاملة �أجرة الربيد‪:‬‬ ‫داخل اجلمهورية اليمنية‪ 3000 :‬ريال للأفراد‪ 5000 ،‬ريال للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫الدول العربية‪ 50 :‬دوالر ًا للأفراد‪ 90 ،‬دوالر ًا للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫بقية دول العامل‪ 70 :‬دوالر ًا للأفراد‪ 120 ،‬دوالر للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫ير�سل طلب اال�شرتاك �إىل عنوان املجلة مع حوالة م�صرفية �أو �شيك‬ ‫ُم�صدّق بقيمة اال�شرتاك لأمر مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫ولال�ستف�سار ميكن التوا�صل عرب الربيد الإلكرتوين‪:‬‬ ‫‪subscription@shebacss.com‬‬

‫ثمن الن�سخة‪:‬‬

‫اليمن ‪ 300‬ريال‪ ،‬ال�سعودية ‪ 20‬ريا ًال‪ ،‬الإمارات العربية املتحدة ‪ 20‬درهم ًا‪،‬‬ ‫الكويت ‪ 2‬دينار‪ ،‬مملكة البحرين ‪ 1.5‬دينار‪ ،‬قطر ‪ 20‬ريا ً‬ ‫ال‪� ،‬سلطنة عمان ‪1.5‬‬ ‫ريال‪ ،‬العراق ‪ 2500‬دينار‪ ،‬لبنان ‪ 4000‬لرية‪� ،‬سورية ‪ 200‬لرية‪ ،‬الأردن ‪ 2.5‬دينار‪،‬‬ ‫فل�سطني ‪ 5‬دوالر‪ ،‬م�صر ‪ 10‬جنيهات‪ ،‬ال�سودان ‪ 4‬جنيهات‪ ،‬ليبيا ‪ 2‬دينار‪ ،‬اجلزائر‬ ‫‪ 300‬دينار‪ ،‬تون�س ‪ 5‬دينار‪ ،‬املغرب ‪ 20‬درهم ًا‪ ،‬موريتانيا ‪� 300‬أوقية‪.‬‬ ‫‪Austria, France, Germany, and Italy: € 6, United‬‬

‫الت�صميم والإخراج الفني‬

‫‪Kingdom £ 3, USA $ 5‬‬

‫حممد عبدالرحمن الذبحاين‬ ‫‪m_aldbhani@shebacss.com‬‬

‫�سكرتارية املجلة‬

‫�أ�سماء حممد �إبراهيم‬

‫ُعب بال�ضرورة‬ ‫ُعب املقاالت املن�شورة عن �آراء كتّابها‪ ،‬وال ت رِّ‬ ‫ت رِّ‬ ‫عن ر�أي «مدارات ا�سرتاتيجية» �أو مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫‪asma@shebacss.com‬‬

‫‪:∞JÉg‬‬

‫‪+967 1 682144‬‬

‫‪:¢ùcÉa‬‬

‫‪16822 :Ü.¢U‬‬ ‫‪á«æª«dG ájQƒ¡ª÷G - AÉ©æ°U‬‬

‫‪E-mail: info@Shebacss.com‬‬ ‫‪4‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪+967 1 677879‬‬

‫‪www.Shebacss.com‬‬

‫جملة مدارات ا�سرتاتيجية‬ ‫مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‬ ‫�ص‪ .‬ب‪ 16822 .‬هاتف‪ +967 1 677466 :‬فاك�س‪+967 1 677466 :‬‬ ‫�صنعاء – اجلمهورية اليمنية‬ ‫الربيد الإلكرتوين‪madarat@shebacss.com :‬‬

‫‪ÊhεdE’G madaratistrategyya@yahoo.com‬‬ ‫‪™bƒŸG GƒëØ°üJ‬‬ ‫‪www.shebacss.com/madarat‬‬ ‫‪á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d‬‬ ‫املوقع على الإنرتنت‪CÉÑ°S õcôŸ :‬‬ ‫‪b‬ـة‬ ‫ال�سيا�سـ ـ ــة‪a‬باملعرفـ ـ‬ ‫‪w w w . s h e Relating‬‬ ‫‪ s . c o m‬رفـ ـ ـ‪s‬ـد ‪c‬‬ ‫‪Policy to Knowledge‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪5‬‬


‫فـي هذا العـدد‬ ‫كانون الثاين‪/‬يناير ‪� -‬شباط‪/‬فرباير‬

‫‪08‬‬

‫‪2010‬‬

‫�إفتتاحية‬ ‫على مفرتق طرق‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫يف ب�ؤرة االهتمام‬ ‫‪76‬‬

‫اليمن والعامل‬ ‫حتلي�لات‪ :‬يح���اول عمر عبدالعزيز �سرب �أغوار مع�ضلة �صعدة‪ ،‬عرب ا�ستعرا����ض خلفياتها التاريخية والفكرية طارح ًا �أفكار ًا ت�ساعد على‬ ‫جتاوزها؛ ويفكك ديفيد �س‪� .‬سورين�سُ ن �أ�ضالع التناف�س الثالثي‪ ،‬الأمريكي والرو�سي وال�صيني على اليمن‪ ،‬مبين ًا �أبعاد هذا التناف�س‬ ‫ومراميه‪ .‬ال�صفحات ‪25-15‬‬ ‫وجهات نظر‪ :‬ي�شدد معاذ الأ�شهبي على �أهمية �إعادة االعتبار لدبلوما�سية اليمن الثقافية‪ ،‬والتي يعتقد �أنها �ستبني للعامل‬ ‫ال�ص���ورة ال�ضائع���ة للبالد‪ ،‬والتي نالها كث�ي�ر من الت�شويه م�ؤخراً‪ ،‬يف ح�ي�ن يجادل �أحمد حممد الدغ�شي ب����أن املعلّم ميثّل‬ ‫�أولوية يف عملية الإ�صالح الرتبوي ال�شامل املن�شودة يف اليمن‪ .‬ال�صفحات ‪35-26‬‬ ‫تفاعالت اليمن والعامل يف ‪ 60‬يوماً‪� :‬شهرا ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب وكانون الأول‪/‬‬ ‫دي�سمرب‪ 2009‬ال�صفحات ‪41-36‬‬ ‫عني على اليمن‪:‬يبحث رونان ماكغي يف �آفاق ع�ضوية اليمن يف جمل�س التعاون اخلليجي؛ ويحذر‬ ‫ماثي���و ليفي���ت من خطورة التقاء اليمن مع غزة؛ ويُر�سِ ل توما����س فريدمان بطاقة بريدية لقرائه من‬ ‫اليم ��ن؛ �أما ديفيد �شينكر فيتق�صى حقيقة اجله ��ة التي تقف وراء املتمردين احلوثيني؛ ويحاول جون‬ ‫جوان�سون تقدمي �صورة �أكرث واقعية عن اليمن الذي يجهله غالبية الأمريكيني؛ و�أخري ًا يعر�ض مايكل‬ ‫نايت�س للتحديات واالعتبارات ال�سيا�سية التي تتخلل عملية تعزيز القوات اليمنية املخ�ص�صة ملكافحة‬ ‫الإرهاب‪ .‬ال�صفحات ‪52-42‬‬

‫‪54‬‬

‫‪58‬‬

‫‪62‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪6‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫الق�ضية الفل�سطينية الآن‬ ‫عياد البطنيجي‬ ‫«الإخوان امل�سلمون»‪� :‬أزمة جماعة �أم ت�أزم م�شروع؟‬ ‫خليل العناين‬ ‫�أيُّ م�ستقبل لل�سودان؟‬ ‫عبده خمتار مو�سى‬ ‫ا�سرتاتيجية �أوباما اجلديدة يف �أفغان�ستان‪:‬‬ ‫الفر�ص والتحديات وامل�صري‬ ‫علي ح�سني باكري‬

‫‪82‬‬

‫‪84‬‬

‫الإ�سالم و�أوروبا‪� :‬ش ّد وجذب و�آفاق مُل ّبدة‬ ‫حممد الدعمي‬ ‫يف البحث عن الدولة العربية‪ :‬ت�أمالت خاطفة‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬ ‫الإخفاق الأكرب‪:‬‬ ‫عجز ال�شرعية امل�ستدمي يف العامل العربي‬ ‫حممد عبداهلل حممد‬

‫املحــور‬ ‫‪88‬‬

‫من �أ�سامة �إىل الوحي�شي‪:‬‬

‫‪94‬‬

‫حممد �سيف حيدر‬ ‫هفوات اليقظة‪:‬‬

‫�صعود تنظيم القاعدة يف اليمن‬

‫طريق القاعدة �إىل هجوم ليلة عيد امليالد‬ ‫‪98‬‬

‫جريجوري د‪ .‬جون�سون‬ ‫معركة الأ�صابع املحرتقة‪:‬‬

‫اليمن و�أمريكا وحتديات املواجهة املقبلة مع القاعدة‬

‫علي العب�سي‬ ‫‪ 104‬اليمن والتهديد املت�صاعد لتنظيم القاعدة‬ ‫جيم�س فيليب�س‬ ‫‪ 108‬القاعدة والقبائل وعدم اال�ستقرار يف اليمن‬ ‫�سارة فيليب�س ورودجر �شاناهان‬ ‫‪ 115‬حلف الإرهاب بني «قاعدة» اليمن و«�شباب» ال�صومال‬ ‫خالد �أحمد الرماح‬ ‫التعامل مع القاعدة‪:‬‬ ‫‪120‬‬ ‫ا�سرتاتيجية اليمن وخياراتها يف مواجهة التحدي الإرهابي‬ ‫‪124‬‬

‫عاي�ش علي عوا�س‬ ‫�إدارة العجلة ببطء‬ ‫�إدوارد بريك‬

‫مدار الأفكار‬ ‫املائدة امل�ستديرة‪ :‬ال�س�ؤال الدميقراطي‬ ‫ال�ضائع يف اليمن‬ ‫�إلهام مانع‪� ،‬أحمد الأ�صبحي‬ ‫حممد الظاهري‪ ،‬عادل ال�شرجبي‬ ‫�سجال حول‪ :‬اليمن وطموحها اخلليجي‬ ‫من�صور الب�شريي و�سامي ال�سياغي‬ ‫ب�صراحة‪ :‬مع الدكتور عبدالكرمي الإرياين‬

‫‪130‬‬

‫‪138‬‬

‫‪144‬‬

‫الفهر�ست‬ ‫مراجعــات‪ :‬دبي وجناحها غري املح�صن‬ ‫يو�سف خليفة اليو�سف‪ /‬كري�ستوفر دايفيد�سون‬ ‫عرو�ض موجزة‬

‫‪150‬‬ ‫‪157‬‬

‫جيوبوليتيك‬ ‫ما وراء احل�ضور الإيراين‬ ‫يف القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر‬ ‫�سامح را�شد‬ ‫ال�صينيون قادمون‪:‬‬ ‫بكني وطموحاتها اجلديدة يف خليج عدن‬ ‫حممد �سيف حيدر‬ ‫تو�سيع النطاق‪:‬‬ ‫اال�سرتاتيجية ال�صينية يف خليج عدن‬ ‫م�صطفى بخو�ش‬

‫‪162‬‬

‫‪167‬‬

‫‪172‬‬

‫�أفق‬

‫نحو �سالم دائم‬ ‫�سقاف عمر ال�سقاف‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪178‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪7‬‬


‫مــن نحـن‬ ‫�آليات عمل املركز‬

‫مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‬ ‫‪Sheba Center for Strategic Studies‬‬

‫مركز �س��ب�أ للدرا�س��ات الإ�س�تراتيجية ه����و م�ؤ�س�سة‬ ‫فكري����ة م�ستقلة وال تتوخى الربح مقره����ا العا�صمة اليمنية �صنعاء‪.‬‬ ‫يرمي املركز �إىل تطبي����ق �أف�ضل معايري البحث العاملية‪ ،‬مبا ينعك�س‬ ‫�إيجابي���� ًا عل����ى الدول����ة واملجتمع اليمن����ي‪ .‬ويعمل عل����ى حتقيق نتائج‬ ‫عملي����ة‪ ،‬وو�ضع مقاربات �سيا�سية جدي����دة من خالل البحث والن�شر‬ ‫واالجتماع‪ ،‬ومتتد اهتماماته من اليمن �إىل جمالها احليوي (القرن‬ ‫الأفريق����ي ومنطقة اخلليج) و�إىل الق�ضاي����ا الأ�سا�سية والديناميات‬ ‫احلاكمة يف منطقة ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫يفرت�����ض مبخرج����ات املركز �أن تدع����م �صانعي الق����رار يف الأو�ساط‬ ‫ال�سيا�سي����ة والإقت�صادي����ة واالجتماعية وتزويده����م ب�سيا�سات بديلة‬ ‫معقول����ة‪ ،‬م����ن خ��ل�ال و�ضع ه����ذه املخرج����ات حت����ت ت�صرفهم على‬ ‫�ش����كل معلومات وبح����وث وتقاري����ر وحتليالت وت�ص����ورات م�ستقبلية‬ ‫(�سيناريوه����ات)‪ ،‬وب����ذا يقدم املركز �أكرب ع����دد ممكن من البدائل‬ ‫املتاح����ة التي تُ�سه����م يف تعزيز عملية عقلنة اتخ����اذ القرار مل�صلحة‬ ‫الب��ل�اد‪ .‬ومن جانب �آخ����ر‪ ،‬ينجز املركز �أعماله بالتع����اون والتفاعل‬ ‫الإيجابيني مع امل�ؤ�س�سات الأكادميية والبحثية اليمنية املختلفة‪.‬‬ ‫ت�ضيي����ق الفج����وة بني و�ض����ع ال�سيا�سات ُّ‬ ‫الر�ؤي��ة‬ ‫بالطرق‬ ‫التقليدي����ة من خالل دع����م العقالنية يف التفك��ي�ر وتقدمي حتليالت‬ ‫ودرا�سات �إ�سرتاتيجية ُمع ّمقة ومهنية من حيث �إحاطتها ور�صانتها‪،‬‬ ‫وواقعي����ة م����ن حي����ث �إمكان����ات تطبيقه����ا‪ ،‬ومنا�سبة م����ن حيث زمن‬ ‫تقدميها‪.‬‬

‫الأهداف‬

‫ط����رح الت�س����ا�ؤالت ال�صحيح����ة ح����ول الق�ضاي����ا الإ�سرتاتيجي����ة‬ ‫وال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية املتعلقة باليمن واملنطقة‪.‬‬ ‫تبني �أ�سلوب علمي وعقالين يف البحث يجانب املناهج ال�سكوالئية‬ ‫التقليدية‪.‬‬ ‫مراجع����ة النظري����ات واملفاهي����م الغربية التي يت����م �إ�سقاطها على‬ ‫املجتمعات العربية بغية اخلروج بنظريات ومفاهيم وت�صورات‬

‫�إعادة حتدي����د الأولويات البحثية بح�سب �أهمي����ة املوا�ضيع للدولة‬ ‫واملجتمع‪.‬‬ ‫اال�ستف����ادة م����ن كاف����ة الق����درات وامله����ارات املتواف����رة وتوجيهها‬ ‫للإ�سهام يف تراكم املعرفة‪.‬‬ ‫دعم الدرا�سات والأن�شطة التي من �ش�أنها حت�سني التعليم وتعزيز‬ ‫التفك��ي�ر النقدي وحترير املناهج من املفاهي����م املغلوطة وامل�سلمات‬ ‫اخلاطئ����ة ومن �أ�ساليب التعلي����م التقليدية القائمة على احلفظ دون‬ ‫تطوير املقاربة النقدية‪.‬‬ ‫�أخ����ذ زمام املب����ادرة لإعادة تعريف العالق����ة بالآخر (وخا�صة مع‬ ‫الغ����رب) من خالل فه����م ال�سم����ات الإيجابية للعالق����ات امل�شرتكة‪،‬‬ ‫و�إدراك تن����وع الغرب و�إختالفه وعدم التعام����ل مع دوله وجمتمعاته‬ ‫كنمط واحد‪.‬‬ ‫و�ضع الدرا�س����ات امل�ستقبلية وال�سيناريوهات املتوقعة �أو املنظورة‪،‬‬ ‫وبالتايل تقدمي ت�صورات بالبدائل املتاحة ل�صناع القرار يف اليمن‪.‬‬

‫نط��اق االهتم��ام‬

‫و�ضع املركز حمددين اثنني لنطاق‬

‫اهتماماته‪:‬‬ ‫النط����اق املو�ضوعات����ي‪ ،‬ويهت����م بدرا�س����ة ال�ش�����ؤون الإ�سرتاتيجية‬ ‫(ق�ضايا الأمن والدفاع)‪ ،‬وال�سيا�سية‪ ،‬والإقت�صادية‪ ،‬والإجتماعية‪.‬‬ ‫النطاق اجلغرايف‪ ،‬ويغطي كل من‪:‬‬ ‫ اليمن‪.‬‬‫ املجال احليوي لليمن‪ ،‬الذي ي�ضم الدول املطلة على البحر الأحمر‬‫ودول اخلليج (دول جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬و�إيران‪ ،‬والعراق)‪.‬‬ ‫ منطق����ة ال�ش����رق الأو�سط و�شم����ال �أفريقيا‪ ،‬والالعب��ي�ن الدوليني‬‫الرئي�سيني‪.‬‬ ‫وحيث �إن املحددات املذكورة �أعاله متداخلة بحكم طبيعة العالقات‬ ‫الدولي����ة‪ ،‬ف�����إن اليمن ي�ؤث����ر ويت�أثر بتفاع����ل وتداخل كث��ي�ر من تلك‬ ‫العنا�ص����ر‪ .‬وعليه‪ ،‬ف�إن املركز يقوم بدرا�س����ة وحتليل هذه املعطيات‬ ‫ري يف اليمن ب�شكل مبا�شر �أو غري‬ ‫والق�ضايا طامل����ا كان لها �أث ٌر �أو ت�أث ٌ‬ ‫مبا�شر‪.‬‬

‫و�سائل مقروءة‪ ،‬مطبوعة و�إلكرتونية‪:‬‬ ‫ الكتب‪.‬‬‫ جملة ربع �سنوية حمكمة‪.‬‬‫ جملة غري حمكمة ت�صدر كل �شهرين‪.‬‬‫�سال�س����ل درا�سات حمكمة (�سل�سلة درا�س����ات �إ�سرتاتيجية‪� ،‬سل�سلة‬‫ درا�س����ات �سيا�سي����ة‪� ،‬سل�سلة درا�سات �إقت�صادي����ة‪� ،‬سل�سلة درا�سات‬‫�إجتماعية)‪.‬‬ ‫ �أوراق بحثية‪.‬‬‫ تقارير‪.‬‬‫ موجز ال�سيا�سات‪.‬‬‫ التقرير الإ�سرتاتيجي ال�سنوي‪.‬‬‫ ترجمات‪.‬‬‫ القر�ص امل�ضغوط (‪.)CD‬‬‫ املوقع الإلكرتوين‪.‬‬‫ ن�شرة املركز الإخبارية ال�شهرية‪.‬‬‫عقد اجتماعات مبا�شرة‪:‬‬ ‫ م�ؤمترات‪.‬‬‫ ندوات‪.‬‬‫ ور�ش عمل‪.‬‬‫ برنامج مر�صد الأزمات‪.‬‬‫ حما�ضرات‪.‬‬‫‪ -‬مقابالت �إعالمية‪.‬‬

‫م�صادر التمويل‬

‫تربعات غري م�شروطة من املجتمع املدين والتجاري‪.‬‬ ‫تربعات ومنح غري م�شروطة من اجلهات الداعمة الدولية‪.‬‬ ‫منح لربامج حمددة‪.‬‬ ‫بيع مطبوعات املركز‪.‬‬ ‫الربامج التدريبية‪.‬‬ ‫ر�سوم ا�ست�شارية‪.‬‬ ‫�إعالنات جتارية ر�صينة‪.‬‬ ‫العم����ل عل����ى ت�أم��ي�ن وق����ف دائ����م للمرك����ز ي�ص����رف م����ن عوائ����ده‬ ‫الإ�ستثمارية‪.‬‬

‫عالقات املركز‬

‫بغي����ة تبادل اخلربات وتو�سيع املعرف����ة واالطالع‪ ،‬ف�إن املركز يحافظ‬ ‫على �شبكة �ضخمة من العالقات مع‪:‬‬ ‫ م�ؤ�س�سات الدولة املختلفة‪ .‬‬‫ امل�ؤ�س�سات الأكادميية والبحثية الوطنية والدولية‪.‬‬‫‪ -‬منظمات املجتمع املدين الوطنية والأجنبية‪.‬‬

‫ر‬ ‫ف‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ملعرف ـ ـة‬ ‫‪to Knowledge‬‬ ‫منا�سبة لتحليل الواقع العربي‪.‬‬

‫‪cy‬‬

‫‪Relating Poli‬‬

‫‪8‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪9‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫رئي�س التحرير‬

‫�سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أفكار‬

‫�إفتتاحيـة‬ ‫‪10‬‬

‫على مفرتق طرق‬ ‫ونح���ن يف املراحل الأخ�ي�رة من التح�ضري له���ذا العدد‪,‬‬ ‫ح�صلت نقطة حتول يف ال�ش�أن العام اليمني‪ .‬فقد �أم�ست اليمن تت�صدر‬ ‫عناوين الإعالم العاملية من خالل ت�صعيد احلرب على الإرهاب بجهود دولية ت�ساند اجلهد‬ ‫اليمني‪ ،‬وتبع ذلك تطورات مت�سارعة بدء ًا من اجتماع لندن يف الثامن والع�شرين من كانون‬ ‫الثاين‪/‬يناي���ر‪ ،‬و م���رور ًا مب�ؤمتر املانحني يف الريا�ض يف �أواخ���ر �شباط‪/‬فرباير‪ ،‬و�صو ًال �إىل‬ ‫م�ؤمتر برل�ي�ن الذي �سيعقد يف �آذار‪/‬مار�س‪ ،‬وذلك بالتوازي مع ت�سارع اخلطى لإنهاء حرب‬ ‫�صع���دة وبدء احلوار الوطني الذي �سي�ضم كل الأطراف اليمنية ذات العالقة‪ ،‬وهي خطوات‬ ‫نرجو �أن تكون بداية اخلروج من �أزمات اليمن املتعددة‪.‬‬ ‫وعل���ى �صل���ة وثيقة بذل���ك‪ُ ،‬ق ّي����ض يل ح�ضور م�ؤمت���ر ولتون ب���ارك باململك���ة املتحدة حول‬ ‫الأم���ن واال�ستق���رار والتنمية يف اليمن يف ‪� 17-15‬شباط‪/‬فرباي���ر والذي ح�ضره �أكرث من ‪40‬‬ ‫�شخ�صي���ة �سيا�سي���ة و�أكادميية من دول الإحتاد الأوروبي و�أم�ي�ركا واخلليج‪ ،‬وامتدت �أعمال‬ ‫امل�ؤمت���ر ملدة ثالثة �أيام تناول فيها امل�ؤمترون الأولويات الع�شر للحكومة اليمنية‪ ،‬واالقت�صاد‬ ‫واملالي���ة العامة‪ ،‬وق�ضية املياه‪ ،‬وق�ضية الطاق���ة وتطوير م�صادر الإقت�صاد الأخرى‪ ،‬وق�ضايا‬ ‫و�س ُبل تفعيل الإدارة‪،‬‬ ‫الإ�صالح���ات ال�سيا�سية واحلوار الوطني‪ ،‬والأم���ن والتطرف‪ ،‬والف�ساد ُ‬ ‫و�آث���ار التط���ورات ال�سابقة على دول اجل���وار‪ ،‬و�أخري ًا ولي�س �آخ���ر ًا دور ال�شركاء الدوليني يف‬ ‫م�ساع���دة اليمن‪ .‬وقد �أك���د امل�شاركون ب�أن ه���ذا امل�ؤمتر ميثل توا� ً‬ ‫صال مل�ؤمت���ر لندن‪ ،‬ومهيئ ًا‬ ‫للم�ؤمت���رات الالحقة‪ ،‬و�ش���دد امل�شاركون على �ض���رورة العمل اجلاد عل���ى معاجلة الأو�ضاع‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫وعل���ى �ضوء ه���ذه اخللفية‪ ،‬جاء مل���ف العدد مركز ًا ومكثف��� ًا حول “القاع���دة” والإرهاب‬ ‫والق�ضاي���ا ال�سالفة الذكر‪ ،‬منوهني ب�أن اليمن متر مبرحل���ة مف�صلية من تاريخها املعا�صر‪.‬‬ ‫وبالنياب���ة عن فريق املجلة‪ ،‬وكفرد منهم‪� ،‬أقول للق���ارىء العزيز‪ :‬هذا جهد املقل‪ ،‬والنق�ص‬ ‫ِجبلة ب�شرية‪ ،‬رغم وعدنا با�ستمرار التطوير والإبتكار‪.‬‬ ‫لقد بذل فريق حترير املجلة جهد ًا كبري ًا لإ�صدار العدد الأول بال�شكل املعقول الذي يحرتم‬ ‫القارى‪ ،‬ولكن ال���ردود فاقت توقعاتنا؛ فم���ا فتئت املجلة تتلقى الثن���اء‪ ،‬وبالقدر الذي‬ ‫عق���ل‬ ‫ْ‬ ‫�أ�سعدن���ا ف�إنه و�ضع عبئ��� ًا ثقي ًال على كاهلن���ا للحفاظ على رقي امل�ست���وى �إخراج ًا وحمتوى‪،‬‬ ‫فال�صع���ود �إىل القم���ة قد يكون ممكن��� ًا لكن احلفاظ عليه من �أ�صع���ب املهام‪ .‬ويزيد املهمة‬ ‫���ب متتلك من العلم والثقافة والتجربة‬ ‫م�شق���ة‪� ،‬أن املجلة تتوجه لنخب الفكر وال�سيا�سة‪ُ ،‬نخ ٌ‬ ‫خمزون ًا وافر ًا‪ ،‬فكان ال بد من التفرد والتميز يف �إ�ضافة املعرفة‪.‬‬ ‫وحلة بديعة‪،‬‬ ‫وه���ا هو الع���دد الثاين من جملة «مدارات �إ�سرتاتيجية» ي�صدر يف ٍ‬ ‫ثوب ق�شيب ُ‬ ‫حاوي��� ًا بني دفتيه من الفكر وال���ر�أي والتحليل ال�شيء الكثري‪ ،‬راجني �أن ينال هذا العدد عني‬ ‫الر�ضا من قارىء مثقف متخ�ص�ص من ال�صعب �إر�ضاءه‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪11‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫�سرب �أغوار‬ ‫مع�ضلة �صعدة‬

‫املقدمات التاريخية و�ضرورات التجاوز‬ ‫عمر عبد العزيز‬

‫م���اذا ج���رى ‪ -‬ورمبا ال ي���زال يجري ‪ -‬يف �صعدة؟ م���ن ال�صعوبة مبكان الإجاب���ة على مثل هذا‬ ‫ال�س����ؤال عطف ًا على معطيات اللحظة الراهنة وما حتمله من �أبعاد م�ستقبلية‪ ،‬ذلك �أن ما جرى‬ ‫يف �صع���دة ترجم���ة �أُخرى ملقدم���ات تتمو�ضع يف التاري���خ اليمني املعا�ص���ر‪ ،‬وتنطلق من من�صة‬ ‫�سابقة على احلدث‪ ،‬الأم���ر الذي ي�ستدعي منهجي ًا ا�ستعاد ًة وام�ضة لبع�ض تلك املُقدمات حتى‬ ‫يكون القارئ يف �صورة احلقيقة املو�ضوعية‪ ،‬وما ميكنها �أن ت�سفر عنه من نتائج‪ ،‬ولهذا �سنعود‬ ‫قلي ًال �إىل الوراء ّ‬ ‫لنتك�شف على بع�ض متاوجات التاريخ ال�سيا�سي املعا�صر باليمن‪ ،‬بالرتابط مع‬ ‫ما هو حا�صل يف �صعدة‪.‬‬ ‫م���ن املعروف تاريخي ًا �أن اليم���ن املعا�صر كان مكون ًا من �شطرين‪ ،‬ال�شط���ر ال�شمايل الذي كان‬ ‫ُي���دار وفق منه���ج احلاكمية التاريخية الت���ي ت�ستدعي الفكر الإمامي الزي���دي‪ ،‬و�آخر حمطاتها‬ ‫التاريخية حكم الإمام �أحمد بن يحيى حميد الدين الذي ورث امللك عن �أبيه الإمام يحيى حميد‬ ‫الدي���ن‪ ،‬والإمام يحي���ى حميد الدين مات يف حادث اغتيال �شه�ي�ر‪ ،‬وم ّثل ذلك احلادث ترميز ًا‬ ‫مكثف ًا لل�صراع على الإمامة بني بيوتات ادعت دوم ًا �أنها الأحق بهذه الإمامة‪ ،‬ولهذا ال�سبب كان‬ ‫تاريخ االغتيال ال�سيا�سي والدماء النازفة �أ� ً‬ ‫صال �أ�صي ًال يف معادلة احلكم الإمامي الزيدي‪،‬‬ ‫الأم���ر الذي توالت انعكا�سات���ه ال�سلبية يف عهد الإمام �أحمد يحي���ى حميد الدين‪ ،‬وخا�صة‬ ‫عند ُمنعطفي املحاولتني االنقالبيتني يف عامي ‪ 1948‬و‪ 1955‬حيث ظهر الإمام �أحمد ب�صورة‬ ‫‪12‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫عم���ر عبد العزيز رئي����س ق�سم الدرا�س���ات والبحوث بدائرة‬ ‫الثقافة والإعالم ‪ -‬حكومة ال�شارقة‪.‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫احلاكم الباط�ش املُهاب‪ ،‬ومل يتورع يف جرجرة ع�شرات الأ�سماء والقامات‬ ‫الهامة �إىل مقا�صل الإعدام‪.‬‬ ‫وهن���ا ال ب���د من الإ�ش���ارة �إىل �أن هذه احلال���ة ما كان له���ا �أن تكون لو �أن‬ ‫الإمام���ة الزيدية �أخ���ذت مبنهجية الفك���ر الزيدي فيما يتعل���ق بتن�صيب‬ ‫الإمام‪ ،‬فاملرجعية الزيدية تن�ص على �أن يكون الإمام �أحد �أفراد الطائفة‬ ‫�أي��� ًا كان‪ ،‬و�أن تتوفر فيه جملة م���ن ال�شروط الأ�سا�سية كالعلم والفرو�سية‬ ‫والرزانة والذكاء وح�سن ال�سرية وال�سلوك‪ ،‬وغريها من �أحكام كانت تدلل‬ ‫عل���ى ُر�ش���د يف كيفية اختيار احلاك���م‪ ،‬غري �أن �ص���راع الزيدية التاريخي‬ ‫ح���ول الإمام���ة دل���ل مبا ال يدع جم���ا ًال لل�شك عل���ى �أن املفه���وم الأ�سا�سي‬ ‫لفكرة احلاكمية كان���ت قد انتهكت من قبل نخب الطائفة‪ ،‬ومت ا�ستالبها‬ ‫اجلوه���ر الأ�صيل‪ ،‬ومل يكن هذا الأمر حكر ًا عل���ى الزيدية التاريخية‪ ،‬بل‬ ‫كان ل���ه ح�ضور ًا موازي��� ًا يف الفكر وال�سلوك ال�سيا�س���ي الإمامي الإبا�ضي‬ ‫اليماين تاريخي��� ًا مما ل�سنا ب�صدده هنا‪ ،‬وك���ذا الفقه ال�شيعي اجلعفري‬ ‫ال���ذي ا�ستبدل مفهوم احلاكمي���ة الدنيوية املُ�صانة ن�صح��� ًا و�إر�شاد ًا من‬ ‫قب���ل املرجع الدين���ي (الإمام) لي�صبح يف نهاية املط���اف حاكمية دنيوية‬ ‫ناج���زة للإم���ام ال�شيع���ي اجلعف���ري‪ ،‬و�ص���و ًال �إىل كبح جم���اح احلاكمية‬ ‫الدينية الرائية للفع���ل ال�سيا�سي وت�ضاري�سه املرتجرجة‪ ،‬ومتثل �إيران يف‬ ‫ه���ذا الب���اب خري دليل على م���دى االنتهاك التاريخي ملفه���وم الإمامة يف‬ ‫الفق���ه ال�شيعي اجلعفري‪ ،‬فالإمام عل���ي خامنئي مل يعد م�ساعد ًا للحاكم‬ ‫الدني���وي ونا�صح ًا له درء ًا ملفا�سد ال�سلطة‪ ،‬كم���ا تن�ص الأدبيات العقدية‬ ‫لل�شيعة اجلعفرية‪ ،‬بل �أ�صبح احلاكم الفعلي من وراء الكوالي�س‪.‬‬ ‫مرجعي���ة احلاكمي���ة الزيدية التاريخية تختلف متام ًا ع���ن ال�شيعة الإثني‬ ‫ع�شري���ة‪ ،‬فالإمام الزيدي يجمع بني ال�سلطتني الدينية والدنيوية‪ ،‬وهكذا‬ ‫هو احلال بالن�سبة للإمامة الإبا�ضية التاريخية‪.‬‬ ‫�أوردت ه���ذه املقدمة العابرة للإ�ش���ارة �إىل التفارق اجلوهري بني مفهوم‬ ‫احلاكمي���ة عند الزيدية اليمانية وال�شيعة اجلعفرية الإيرانية مما يلتب�س‬ ‫عل���ى الكثريين‪ ،‬لكن الأهم من ه���ذا وذاك �أن فقه الزيدية يختلف �أي�ض ًا‬ ‫وجوهر ًا مع فقه ال�شيعة اجلعفري‪ ،‬ولقد بينّ العالمة ال�شوكاين‪ ،‬وهو �أحد‬ ‫كبار فقهاء الدي���ن ممن � ّأ�صلوا فقه الزيدية من خالل التما�س الو�سطية‬ ‫الديني���ة‪ ،‬وردم الهوة املُفتعلة بني ال�شافعية ال�سني���ة والزيدية االعتزالية‬ ‫(ن�سب���ة �إىل فقه املعتزل���ة)‪ ،‬بينّ لنا �أنه ال تكاد توج���د فروق وا�ضحة بني‬ ‫املذهب�ي�ن يف الأ�صول والفروع‪ ،‬ولهذا ال�سبب كانت نقطة اللقاء التاريخي‬ ‫ب�ي�ن املذهبني اليمانيني الإ�سالميني الو�سطي���ة الناجزة‪ ،‬مما نراه ماث ًال‬ ‫يف كل �أوج���ه احلي���اة‪ ،‬فامل�ساج���د واح���دة والطقو����س واح���دة والتوا�شج‬ ‫االجتماعي احلياتي �شامل‬ ‫ع���دم التناق����ض ب�ي�ن املذهب�ي�ن ال�سائدي���ن يف اليم���ن يف�س���ر لن���ا معنى‬ ‫ال�صدامات التاريخية التي �سادت اليمن‪ ،‬فال�صراعات التي كانت قائمة‬ ‫يف �شم���ال اليم���ن مل تكن يف جوهرها �صراعات مذهبي���ة‪ ،‬بل كانت حول‬ ‫احلاكمية التي توازي املُلك‪ ،‬وقد ت�ساوى يف �أمر انتهاك املرجعية الزيدية‬ ‫حول احلاكمية كل الأئمة الذين تعاقبوا على ال�سلطة خالل �سنوات وعقود‬ ‫ماقب���ل قيام اجلمهورية يف ال�ساد����س والع�شرين من �سبتمرب لعام ‪.1962‬‬ ‫والذين انتموا للزيدي���ة الظاهرية تعاركوا عطف ًا على الإمامة الدنيوية ال‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫مقدم���ات امل�شكل���ة م���ا يج���ري ه���ذه الأي���ام يف منطق���ة‬ ‫�صع���دة اليماني���ة يت�صل مبقدم���ات ت�ستح���ق العر�ض وقد‬ ‫�أوم�أن���ا للبع�ض منها يف �إطار مفه���وم احلاكميتني الدينية‬ ‫والدنيوي���ة عند الزيدي���ة اليمانية‪ .‬كان���ت منطقة �صعدة‬ ‫تاريخي��� ًا مبثابة الكر�س���ي العلمي للمذه���ب الزيدي‪ ،‬وقد‬ ‫�أ�سه���م العالمة ال�شوكاين يف تقري���ب �ش ّقة اخلالفات بني‬ ‫ال�شافعية والزيدية خا�ص���ة و�أنها خالفات تت�صل بالفروع‬ ‫ال الأُ�ص���ول كم���ا �أ�سلفن���ا‪ ،‬فالزيدي���ة لي�ست بح���ال من الأح���وال م�شابهة‬ ‫لل�شيع���ة اجلعفرية االثن���ى ع�شرية‪ ،‬و�آية ذل���ك �أن التوا�شج التاريخي بني‬ ‫�أتب���اع املذهبني ال�شافع���ي والزيدي كان قائم ًا على وح���دة �شاملة يف دور‬ ‫العب���ادة‪ ،‬واالخت�ل�اط االجتماع���ي‪ ،‬والهم���وم امل�شرتك���ة‪ .‬والذي���ن قاموا‬ ‫باجتث���اث نظ���ام الإمام���ة التاريخي ال���ذي ا�ستمد حاكميت���ه من املذهب‬ ‫الزي���دي هم يف الغال���ب الأعم من ذات املذه���ب‪ ،‬وكان امل�شروع املطروح‬ ‫حينه���ا ّ‬ ‫يتلخ����ص يف �ض���رورة االنتق���ال �إىل احلداثة‪� ،‬سواء ع�ب�ر التغيري‬ ‫الرادي���كايل للنظام‪� ،‬أو عرب �إقامة ملكي���ة د�ستورية ع�صرية‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ب�شرت‬ ‫حركة الأحرار اليمنية بذلك امل�شروع وكانت هناك �سل�سلة من املحاوالت‬ ‫االنقالبي���ة �ضد ال�شرعية الإمامية الزيدي���ة‪ ،‬وجاءت ذروة التغيري يف ‪26‬‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب من عام ‪ 1962‬بقيادة كوكبة من النخبة ال�سيا�سية ومعهم‬ ‫بع�ض ال�ضباط من اجلي�ش‪.‬‬ ‫ظل���ت �صعدة حمتفظ���ة مبكانته���ا التاريخي���ة كمدر�سة �أ�سا�سي���ة للتعليم‬ ‫الدين���ي املج�ّي�رّ عل���ى املذهب الزي���دي‪ ،‬وكان���ت مدر�سة �صع���دة العلمية‬ ‫م�شرع���ة الأبواب والنوافذ ل���كل اليمانيني‪ ،‬ويف الف�ت�رة التي تلت الوحدة‬ ‫اليمني���ة ا�ستوعبت ه���ذه املنطقة ح�ضور ًا موازي ًا للتعلي���م الديني ال�سلفي‬ ‫املت�ش���دد وال���ذي كان ي�شرف عليه ال�شيخ الراحل مقب���ل الوادعي‪ ،‬وكانت‬ ‫الدول���ة ترى �أن م���ن واجبها دعم املدار����س الدينية على ق���دم امل�ساواة‪،‬‬ ‫وعدم ترك تلك املدار�س عر�ضة للإمدادات املالية اخلارجية‪ ،‬ولهذا جاء‬ ‫الدعم املايل للمدر�سة ال�سلفية بالتوازي مع الدعم املايل لتنظيم ال�شباب‬ ‫امل�ؤمن الذي تزعمه ح�سني بدر الدين احلوثي‪ ،‬والذي ا�ستند يف ر�ؤاه �إىل‬ ‫التعليم الزيدي مما ال ّ‬ ‫يق�ض م�ضجع �أحد وال يثري حفيظة �أحد‪.‬‬ ‫لك���ن وب�صورة مفاجئة ب���د�أ التما����س ال�سلبي بني الدول���ة واحلوثيني من‬ ‫خ�ل�ال ال�شع���ارات الت���ي كان يطلقها �أن�ص���ار تنظيم ال�شب���اب امل�ؤمن يف‬ ‫امل�ساج���د‪ ،‬والتي كانت تُنادي ب�سقوط �أمريكا و�إ�سرائيل‪ ،‬وبالرتافق بد�أت‬ ‫الرتا�شق���ات الكالمي���ة‪ ،‬وتداخلت احلمية العقائدية م���ع الأعياد الدينية‬ ‫الفولكلوري���ة الت���ي انبعثت بطريقة دراماتيكية ف�أث���ارت حفيظة ال�سلطة‪،‬‬ ‫لأن دوائ���ر الدولة اعتربت �إحي���اء منا�سبة الغدير مبثابة حتري�ض �ضمني‬ ‫على النظام قبل �أن يكون تقليد ًا فولكلوري ًا تاريخي ًا‪ ،‬وهكذا دخلت امل�شكلة‬ ‫طور ًا جديد ًا من االحتدام غري احلميد‪.‬‬

‫م�ش��كلة امل�ش��اكل‬ ‫الإحت���دام غ�ي�ر احلمي���د بني ال�سلطة‬ ‫اليمني���ة واحلوثي�ي�ن تراف���ق كم���ا �أ�سلفن���ا م���ع ال�شع���ارات الت���ي �أطلقها‬ ‫احلوثي���ون يف امل�ساج���د‪ ،‬والت���ي كانت حتر�ض �ض���د �أم�ي�ركا و�إ�سرائيل‪،‬‬ ‫وف�سرته���ا الدوائ���ر احلكومية اليمني���ة بو�صفها �شع���ارات ّ‬ ‫تتوخى �إحراج‬ ‫ال�سلط���ة واتهامها مبواالة الأمريكيني‪ ،‬ثم جاءت �أعياد الغدير التاريخية‬ ‫لتزي���د الطني بلة‪ ،‬وبالرتافق مع تلك املقدم���ات بد�أ احلل الع�سكري يلوح‬

‫اجلول ��ة الأخ�ي�رة حل ��رب �صع ��دة مثل ��ت ذروة امل�أ�س ��اة‪ ،‬لأنها حرب‬ ‫قتالها من املواطنني اليمنيني‪ ،‬ونتائجها �شكلت عبئاً م�ؤكداً على‬ ‫التنمية والإ�ستثمار‪ ،‬بقدر ما خلقت �شروخاً جمتمعية �صاعقة‬ ‫يف الأُف���ق‪ ،‬ثم ج���اءت املواجهات والو�ساطات‪ ،‬واختل���ط احلابل بالنابل‪،‬‬ ‫وك�ث�رت الأقاويل‪ ،‬وزاد الهرج واملرج‪ ،‬وقت���ل زعيم تنظيم ال�شباب امل�ؤمن‬ ‫ح�س�ي�ن بدر الدين احلوثي‪ ،‬وبا�شر و�سطاء اخلري حوار ًا مع الدولة �أف�ضى‬ ‫�إىل ت�سوية بدت حينها مقبولة‪ ،‬غري �أن الدورة الثانية من العنف املتبادل‬ ‫�أثبت���ت �أنه ال جدوى من احلل���ول ال�سابقة‪ ،‬وبعد تطويع ع�سكري للحوثيني‬ ‫اعتق���د اجلمي���ع �أن املو�ضوع قد �أ�سدل عنه ال�ست���ار‪ ،‬وخا�صة بعد الزيارة‬ ‫املهمة للرئي�س علي عبداهلل �صالح �إىل �صعدة‪ ،‬و�إعالنه قرار العفو العام‪،‬‬ ‫وتبن���ي ا�ستحقاق���ات العفو ابت���داء من �إط�ل�اق �سراح املعتقل�ي�ن‪ ،‬فالعفو‬ ‫ع���ن من �ش���ارك يف العمل الع�سكري �ضد اجلي����ش‪ ،‬وتعوي�ض املت�ضررين‪،‬‬ ‫وغريها من ا�ستحقاقات حتملتها الدولة‪.‬‬ ‫لك���ن م�شكل���ة امل�ش���اكل ظه���رت م���ع تع�ث�ر الأجه���زة املعنية بتنفي���ذ تلك‬ ‫اال�ستتباع���ات‪ ،‬فالأ�ص���ل �أن الأُم���ور الإجرائي���ة اخلا�صة ب�إط�ل�اق �سراح‬ ‫املعتقل�ي�ن‪ ،‬وعدم اعتق���ال امل�شاركني كانت جتري ب�ص���ورة طبيعية‪ ،‬لكن‬ ‫بع����ض اال�ستحقاق���ات كان���ت تتعرث لأنه���ا ذات طاب���ع �إجرائ���ي م�ؤ�س�سي‬ ‫كتعوي����ض املت�ضررين و�إعادة ت�شييد املنازل املهدّمة‪ ،‬و�إجراء منحة مالية‬ ‫لأُ�س���ر القتل���ى‪ ،‬الأمر الذي ت�ب�رره الأجه���زة املعنية بالتنفي���ذ باعتبارها‬ ‫�إج���راءات ت�ستغرق وقت ًا ومتوي ًال ا�ستثنائي ًا‪ ،‬لكن املت�ضررين مل ي�ستوعبوا‬ ‫ذلك فكانت اجلولة الثالثة من حرب �صعدة امل�ش�ؤومة‪.‬‬

‫ما بعد اجلولة اجلديدة‬ ‫اجلولة ال�ساد�سة والأخرية‬ ‫حل���رب �صع���دة متث���ل ذروة امل�أ�ساة‪ ،‬لأنه���ا حرب قتالها م���ن املواطنني‬ ‫اليمني�ي�ن‪ ،‬ونتائجه���ا ت�شكل عبئ ًا م�ؤك���د ًا على التنمي���ة والإ�ستثمار‪ ،‬بقدر‬ ‫كونها تخلق �شروخ ًا جمتمعية �صاعقة‪ ،‬فال�شاهد �أن اجلولة اجلديدة من‬ ‫احلرب متددت زمني ًا كما مل يكن متوقع ًا‪ّ ،‬‬ ‫وت�شظت يف تعبرياتها الذهنية‬ ‫وال�سيا�سية‪ ،‬وان�سابت �أقوال املتهافت�ي�ن لت�صنيفها وتو�صيفها‪ ،‬واختلطت‬ ‫فيه���ا احلقائق باملكائد‪ ،‬واحتارت فيها الأُمة‪ ،‬وا�صبحت يف نهاية املطاف‬ ‫ت�شكل حمنة حقيقية ال بد من اخلروج منها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فرق���اء ال�ساحة يتوزع���ون �إىل عقول ر�شي���دة رائية لل�ض���رورات‪ ،‬و�أخرى‬ ‫عقيمة تبحث ع���ن التدوير بالأزمة‪ ،‬ومن �سخري���ات القدر �أن مثل ه�ؤالء‬ ‫يتدث���رون ب�أردية خمتلف���ة‪ ،‬وي�صعب �إ�ستبانة مالحمه���م‪ ،‬فالبع�ض منهم‬ ‫يحر����ض الدولة على الإ�ستم���رار يف منهج احلل بالق���وة‪ ،‬والبع�ض الآخر‬ ‫ي�ستدع���ي التاريخ الوي ًا �أعناق احلقائق وحمم ًال احلوثيني ما ال يحتملون‪،‬‬ ‫وهناك من يرقب املوقف ت�شفي ًا وانتظار ًا خلرائب الأيام ُمتنا�سي ًا �أن تلك‬ ‫اخلرائب لن تُو ّفر �أحد ًا‪.‬‬ ‫لق���د حتولت احلوثية �إىل كرة ثلج تتكابر بق���در اال�ستيهامات واملبالغات‪،‬‬ ‫و�أ�صبح���ت امل�س�ألة برمتها قيد نظر القيادة العليا للدولة واملجتمع‪ ،‬الأمر‬ ‫ال���ذي يقت�ض���ي مب���اد�أة �سيا�سية ال تقل ع���ن الفعل الع�سك���ري‪ ،‬وال ترتك‬ ‫العن���ان لفرقاء امليدان فقط‪ ،‬بل ت�سلم امللف حلكماء الأُمة الناظرين �إىل‬

‫ما ينفع النا�س وميكث يف الأر�ض‪.‬‬

‫�أف��ول الو�س��طية اليماني��ة؟‬ ‫م���ن م�آث���ر‬ ‫ً‬ ‫التاري���خ اليمن���ي �أن اليم���ن كان حا�ضن���ا للف���رق الإ�سالمية‬ ‫املختلف���ة‪ ،‬وكان م�ل�اذ ًا �آمن���ا للهارب�ي�ن م���ن بط����ش املراكز‬ ‫الديني���ة وال�سيا�سية يف الع���راق وال�شام وم�ص���ر‪ ،‬ومع الأيام‬ ‫وت���وايل احلقب وال�سنني تبلورت الو�سطي���ة الدينية يف اليمن‬ ‫بو�صفه���ا الراف���ع الأك�ب�ر للتعاي�ش والتوا�ش���ج حد التكامل‪ ،‬ولق���د بينّ لنا‬ ‫الإم���ام ال�شافعي ومن بعده ال�شوكاين هذه املثاب���ة اال�ستثنائية التاريخية‬ ‫الت���ي م ّيزت اليمن عن غ�ي�ره من حوا�ضر الع���رب وامل�سلمني‪ ،‬فاملذهبان‬ ‫ال�سائ���دان ال يختلفان يف الأُ�صول والفروع‪ ،‬واحلاكمية اليمانية التاريخية‬ ‫مل جتاب���ه منطق اخلروج ال�سافر بحد ال�سي���ف‪ ،‬وما تال �سبتمرب ال�شمال‬ ‫ج�س���د حالة ع�صرية ُمغايرة‪ ،‬فيم���ا بلور فكرة التناوب‬ ‫و�أكتوب���ر اجلنوب ّ‬ ‫القل���ق لل�سلطة‪ ،‬وذلك عطف ًا على �سل�سل���ة الر�ؤ�ساء الذين تناوبوا احلكم‬ ‫يف اليمن �شما ًال وجنوب ًا‪.‬‬ ‫م���ن فداحات هذه الأيام �أن اليمن �أُ�صيب بداء التطرف كغريه من بلدان‬ ‫الع���رب وامل�سلمني‪ ،‬وتبلور هذا التطرف بداية يف ال ُبعد ال�سلفي اجلهادي‬ ‫(من���وذج طالب���ان) ال���ذي تغلغ���ل بعد الوح���دة م�ستفي���د ًا م���ن الت�سامح‬ ‫ومراهقات التعددية اجلنينية التي ترافقت مع مكايدات �سيا�سية بائ�سة‪،‬‬ ‫فيم���ا �ساعد هذا احل�ض���ور ال�سلفي النات���ئ على بلورة املُ�ض���اد الطبيعي‬ ‫ل���ه متج�س���د ًا يف ا�ستدع���اء فقه اخل���روج التاريخي ع���ن احلاكمية‪ ،‬ومن‬ ‫�سخري���ات القدر �أن تكون �صع���دة حا�ضن ًا للم�ستوي�ي�ن لأ�سباب �سيجليها‬ ‫التاري���خ حتم ًا‪ .‬وبهذه املنا�سبة ال بد من الإ�ش���ارة �إىل �أن مفهوم اخلروج‬ ‫عل���ى احلاكمية لي����س حكر ًا على مذه���ب بذاته‪ ،‬كما �أنه تراف���ق تاريخي ًا‬ ‫مع التقلب���ات ال�سيا�سية والأحوال املُـتع�س���رة‪ ،‬وكان يف جممله تعبري ًا عن‬ ‫فتنة دائم���ة ت�أكل الأخ�ضر والياب�س‪ ،‬ولهذا ال�سبب ك ّر�س فقهاء ال�شافعية‬ ‫والزيدي���ة اليمانيتني فك���رة الت�صالح مع املرجعية الدنيوي���ة‪ ،‬و ُمنا�صحة‬ ‫احلاكم‪ ،‬وعدم االجنرار وراء اخلروج‪ ،‬باعتبار �أن النتائج �ستكون �أفدح‪،‬‬ ‫والعواقب �أ�شد �إذا ما مت الإخالل مبيزان املجتمع واحلياة‪.‬‬ ‫�سنج���د مثل هذه النظ���رات عند كبار �أئمة الو�سطي���ة ال�شافعية واملعتزلة‬ ‫الزيدي���ة احلكيمة‪ ،‬و�سنع���رف �أن ما يجري الآن وج���رى بالأم�س القريب‬ ‫�إمنا هو ب�ضاعة م�ستودرة من تواريخ املتاهات واحلروب‪.‬‬

‫حمن��ة �ص��عدة‬ ‫يب���دو �أن مدين���ة �صع���دة مكتوب عليها‬ ‫�أن تظ���ل يف حمنة مقيمة‪ ،‬فمن���ذ �أيام خلت ابتهج النا����س بو�صول قوافل‬ ‫الإغاث���ة احلكومي���ة للمت�ضررين من احلرب يف �إ�ش���ارة تعك�س املعاجلات‬ ‫احلكيم���ة الت���ي د�أبت عليها الدول���ة اليمنية �إثر كل نائب���ة‪ ،‬كما حدث يف‬ ‫حرب الوحدة واالنف�صال ع���ام ‪ ،1994‬فقد حر�صت الدولة على مبا�شرة‬ ‫تزوي���د املناطق اجلنوبية املت�ضررة من احلرب بامل���اء والغذاء �إثر توقف‬ ‫القت���ال‪ ،‬كما اجرتح���ت م�أثرة غري م�سبوقة يف التاري���خ ال�سيا�سي اليمني‬ ‫بتطبيق قرار العفو العام كام ًال غري منقو�ص‪ ،‬مبا يف ذلك حق املعار�ضني‬ ‫يف ال�سفر وا�ستالم رواتبهم‪ ،‬وعدم تعر�ضهم لالعتقال‪.‬‬ ‫نذك���ر تل���ك املحطات بو�صفها قيم���ة نوعية حت�سب ل�صال���ح الدولة‪ ،‬غري‬ ‫�أنن���ا اليوم �أمام حالة ت�ستدعي ذات احلكمة والروية‪ .‬لقد �أظهرت حمنة‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪15‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬ ‫لن�ش���ر مقوالته���ا وثقافته���ا العدمي���ة‪ ،‬عطف ًا عل���ى الأح���وال االقت�صادية‬ ‫واالجتماعي���ة ال�سيئ���ة للنا����س‪ ،‬فيما يظ���ل القا�سم امل�ش�ت�رك الأعلى بني‬ ‫احلوثية وال�سلفية التكفريية “اجلهادية” الرغبة الدفينة طور ًا‪ ،‬واملعلنة‬ ‫م���رات �أخرى لإزالة �أنظم���ة “البغي والف�ساد” يف الع���امل العربي‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي ي�ؤ�ش���ر �إىل الأ�سباب العميقة وراء هذه الدع���وة‪ ،‬فلو كانت الأنظمة‬ ‫العربي���ة عادل���ة يف توزيع ال�ث�روة‪ ،‬ر�شيدة يف النظ���ر ملقت�ضيات احلا�ضر‬ ‫و�ض���رورات امل�ستقبل‪� ،‬أمينة على امل���ال العام‪ُ ،‬مقارعة للف�ساد‪ ،‬ملا وجدت‬ ‫جماع���ات الدين ال�سيا�سي املتطرفة �أي فر�ص���ة ملخاطبة م�شاعر النا�س‪،‬‬ ‫وا�ستقطاب ال�شباب �إىل م�شاريعهم الغام�ضة‪.‬‬ ‫ال يع�ت�رف النظام العربي ب�أخطائ���ه وخطاياه‪ ،‬بل يظل �سادر ًا يف غياهب‬ ‫طم�أنينت���ه املزيف���ة‪ُ ،‬م�ستدعي ًا تقاري���ر خمربيه وع ّرابي���ه الك ّذابني ممن‬ ‫ي�ص���ورون احلال ب�أنه على �أح�سن ما يرام!!‪ ،‬فيم���ا ماليني النا�س تلتحق‬ ‫بدوائر الفقر الأ�سود الذي يقتل العقول والقلوب مع ًا‪.‬‬ ‫احلوثي���ة لي�س���ت �إذن حال���ة واحدة ووحي���دة‪ ،‬وال ميكن اجتث���اث ثقافتها‬ ‫وم�شاريعه���ا يف الوقت الذي ينربي فيه حوثيون من طراز �آخر‪ ،‬ف�إذا كان‬ ‫ح�سني بدر الدين احلوثي‪ ،‬ومن بعده �شقيقه الأ�صغر عبدامللك‪ ،‬قد �أ�ص ّرا‬ ‫على مقارعة النظام تاركني خيارات التكتيك املتاحة‪ ،‬ف�إن الأخبث منهما‬ ‫ه���م الذي يزاولون كل �أن���واع التكتيك والتن���ازالت “الإجرائية” انتظار ًا‬ ‫للفر�صة ال�سانحة‪ ،‬لي�س لالنق�ضا�ض على النظام فح�سب‪ ،‬بل ل�شطب كل‬ ‫قيمة ع�صرية تتنافى مع منوذجهم الذهني الراكز يف �أغوار التاريخ‪.‬‬

‫�صع���دة �أن منطق الإدارة بالأزم���ة ال م�ستقبل له‪ ،‬و�أن الدعم الذي قدمته‬ ‫بع�ض �أجهزة الدولة لتلك التيارات التي تتبنى الإ�سالم ال�سيا�سي ال ميكن‬ ‫�إخ�ضاعه للتكتيكات املرحلية‪ .‬وما يزيد الطني بلة انت�شار �أ�سواق ال�سالح‬ ‫عل���ى مرمى حجر من العا�صم���ة �صنعاء‪ ،‬وا�ستغ���راق البع�ض يف الرتويج‬ ‫له���ذه الظاهرة بو�صفها تعب�ي�ر عن ال�شخ�صية اليمني���ة!‪ ،‬وتعطيل العمل‬ ‫ب�سل�سل���ة املقرتحات الربملانية التي �أرادت احلد من هذه الظاهرة و�صو ًال‬ ‫�إىل جتفيف منابعها‪.‬‬ ‫ال تتحرك تيارات الغلو والتطرف الديني خارج نطاق الظواهر املو�ضوعية‬ ‫املو�صول���ة بفل�سف���ة التربي���ر والتمري���ر التي يلج����أ �إليها فرق���اء امل�صالح‬ ‫اخلا�ص���ة غ�ي�ر امل�شروعة‪ ،‬ممن يتوهم���ون �إمكانية �إقام���ة حياة ع�صرية‬ ‫مدني���ة يف ظل انت�شار ال�سالح‪ ،‬والتالق���ح امل�شوه بني القبيلة والدولة‪ ،‬بني‬ ‫املا�ض���ي وامل�ستقبل‪ .‬لذلك من ال�ضرورة مب���كان النظر ملا حدث ويحدث‬ ‫يف �صع���دة بعد�س���ات مك�ّبةرّ ة ت�ستوعب �أبعاد ه���ذه الظاه���رة‪ ،‬مقدماتها‬ ‫وامللتب�س�ي�ن بالتهيئ���ة ملناخاتها القامت���ة‪ ،‬ال�سادرين يف غيبوب���ة االنت�شاء‬ ‫املزي���ف‪ ،‬مم���ن ا�ستمر�أوا مثل ه���ذه احلاالت ك�أنها جم���رد �سحب �صيف‬ ‫عابرة‪.‬‬ ‫يق���ول املث���ل‪“ :‬م���ا كل مرة ت�سل���م اجل ّرة”‪ ،‬وق���ال ال�صيني���ون بحكمتهم‬ ‫املعه���ودة‪ُ “ :‬ر ّب �شرارة �أحرقت �سه ًال”‪ ،‬ونق���ول �إ�ضافة �إىل ذلك �أن فقه‬ ‫اخل���روج على احلاك���م بال�سيف لي�س جدي���د ًا يف تاريخن���ا‪ ،‬وال هو رديف‬ ‫املذه���ب الزيدي فقط‪ ،‬بل �أن اخلروج كان وما زال حا�ضر ًا يف �أ�سا�س كل‬ ‫املذاهب والفرق الإ�سالمية‪ ،‬كما �إن تقييم الظاهرة تاريخي ًا يتطلب النظر‬ ‫ما ك�شفه احلوثي الأب‬ ‫قبل عدة �سنوات ا�شتعلت‬ ‫�إىل مقا�صد ذلك اخلروج‪ ،‬وهل يت�سق مع امل�صلحة العامة وامل�ستقبل‪� ،‬أم‬ ‫جول���ة جديدة من املواجهات الع�سكرية يف �صعدة بعد �أن �شرع بدر الدين‬ ‫يعترب ارتكا�س ًا �شديد ًا �إىل ما�ضوية م�ستنفذة‪.‬‬ ‫من ه���ذه الزاوي���ة ميكن ق���راءة بع�ض مظاه���ر اخلروج ع���ن طاعة ويل احلوثي باللجوء �إىل التمرت����س احلربي و�إطالق ت�صريحات نارية نقلتها‬ ‫الأمر‪ ،‬وتكييف مثل هذا اخلروج على فقه املا�ضي‪ ،‬واعتبار �أن الليربالية �إح���دى ال�صحف اليمنية‪ ،‬حيث ت�ضمنت تلك الت�صريحات الإنكار العلني‬ ‫ال�سيا�سية الناجزة كفيلة بقطع الطريق �أمام مثل هذه الظواهر‪ ،‬باعتبار للنظ���ام اجلمهوري‪ ،‬واعتبار �أن ما جرى منذ ثورة ‪� 26‬سبتمرب �ضد نظام‬ ‫�أن الليربالية ال�سيا�سية ت�سمح مبدئي ًا بتناوب ال�سلطة‪ ،‬وتنظيم تناق�ضات الإمامة‪ ،‬خط����أ تاريخي ي�ستحق الت�صحيح‪ ،‬و�أخري ًا الأخذ بخيار اخلروج‬ ‫امل�صال���ح وال���ر�ؤى عل���ى �أ�سا�س من امل�صلح���ة العليا للأوط���ان‪ ،‬والتغيري عن النظام باعتباره نظام ًا ظامل ًا‪.‬‬ ‫من���ذ �أن ق���ام الراحل ح�سني ب���در الدين احلوث���ي بالتمرد عل���ى النظام‬ ‫ا�ستئنا�س ًا بر�أي الأكرثية‪.‬‬ ‫يف ظل ممار�س���ة الدميقراطية ال ميكن للغلو والتط���رف �أن يجدا فر�صة ازدادت التخريجات والت�أويالت حول �أهدافه ومراميه‪ ،‬حيث قال البع�ض‬ ‫للتنف����س واالنت�ش���ار‪ ،‬ويف غيابها ي�صب���ح التطرف حت�صي���ل حا�صل‪ ،‬لأن ب����أن ح�سني بدر الدين يريد �إحياء الزيدي���ة الأكرث غلو ًا من خالل الفكر‬ ‫ملعب املجتمع ي�ضيق مبن فيه وما فيه‪ ،‬تلك هي الر�سالة‬ ‫عميق���ة املغ���زى التي قدمته���ا حمنة �صع���دة‪ ،‬ات�ساقا مع حتول ��ت احلوثي ��ة �إىل كرة ثلج تتكابر بقدر اال�ستيهامات واملبالغات‪ ،‬و�أ�صبحت‬ ‫احلالة املزمنة للع���امل العربي املخطوف بكوابح ما�ضيه‬ ‫امل�س�أل ��ة برمته ��ا قيد نظر القيادة العليا للدولة واملجتمع‪ ،‬الأمر الذي يقت�ضي‬ ‫التليد‪ ،‬والراف�ض ل�شروط امل�ستقبل‪.‬‬

‫مباد�أة �سيا�سية ال تقل عن الفعل الع�سكري‪ ،‬وال ترتك العنان لفرقاء امليدان فقط‬

‫احلوثي��ون ونظراءه��م‬ ‫ل�س�ب�ر‬ ‫�أغوار م�شكلة �صعدة‪ ،‬وتزايد �آثارها املرئية وغري املرئية‬ ‫الب���د من البحث عن الأ�سباب اجلوهرية �أمام هذه الظاهرة‪� ،‬أو ما ميكن‬ ‫ت�سميت���ه باالرت���داد �إىل �شكل م���ن �أ�ش���كال الأ�صولية الديني���ة‪ ،‬فاحلوثي‬ ‫املقت���ول وخليفته ومن ينا�صرهما لي�سوا الوحيدين يف هذا الباب‪ ،‬ولعلهم‬ ‫�أقل خطورة مبراحل م���ن اجلماعات ال�سلفية “اجلهادية” التي ما زالت‬ ‫ترتع���رع �ضمن توازن���ات القوى القائمة يف اليمن‪ ،‬وجت���د البيئة املنا�سبة‬ ‫‪16‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫(الهادوي) القائل باخل���روج على احلاكم الظامل بال�سيف‪ ،‬وقال �آخرون‬ ‫�أن احلوث���ي االبن �أدخل ال�سماحة الزيدي���ة املعروفة يف ثقب �إبرة ال�شيعة‬ ‫اجلعفرية معتمد ًا على ا�ستح�ضار النموذج الثوري الإيراين‪ ،‬واال�ستئنا�س‬ ‫بتجربة حزب اهلل يف لبنان‪.‬‬ ‫وما ذهب �إليه املراقبون حول تلك امل�سائل تنطوي على �إقامة “دولة داخل‬

‫الدول���ة”‪ ،‬وتكمن خط���ورة وح�سا�سي���ة امل�س�ألة‬ ‫يف �أن ه���ذه “الدول���ة االفرتا�ضي���ة” �ستك���ون‬ ‫يف منطق���ة �صع���دة معقل الزيدي���ة التاريخية‪،‬‬ ‫الأر�ض ال�صعبة بت�ضاري�سها وارتكازها املديد‬ ‫يف �أ�سا����س القابلية للخروج م���ن طاعة الدولة‬ ‫املركزي���ة‪ ،‬الأمر الذي تكرر كث�ي�ر ًا على مدى‬ ‫التاريخ الطويل لليمن‪ ،‬وما زال ي�ستعيد وهجه‬ ‫بالق���در ال���ذي ينت�ش���ر في���ه ال�س�ل�اح والنفوذ‬ ‫القبلي الع�صبوي‪.‬‬ ‫ه���ذه امل���رة اخلط���ورة �أك�ب�ر‪ ،‬لأن ت�سوي���ة‬ ‫م�شكل���ة القبائ���ل يتم ع���ادة باملرا�ض���اة ودفع‬ ‫الإتاوات‪ ،‬لك���ن احلوثي و�أن�ص���اره يتق ّم�صون‬ ‫روح��� ًا عقائدي���ة جهادي���ة‪ ،‬فق���د كان ال�شباب‬ ‫منه���م يته ّكم���ون بالق�ضاة �أثن���اء املحاكمات‪،‬‬ ‫ويخاطبونه���م بو�صفه���م �ضباط �أم���ن!‪ ،‬فيما‬ ‫ي�ضع���ون �أ�صابعه���م يف �آذانه���م‪ ،‬ويدي���رون‬ ‫ظهوره���م حامل���ا يتحدث القا�ض���ي‪ ،‬يف حركة‬ ‫جتم���ع ما ب�ي�ن ال�سخرية والالمب���االة‪ ,‬ولو مل‬ ‫يكن ه�ؤالء ال�شباب على قناعة عقائدية تخلط‬ ‫بني الأيديولوجيا املتع�صبة والدين ملا و�صلوا �إىل هذه احلالة‪ ،‬متام ًا كما‬ ‫نرى يف تيارات جهادية دينية تنطلق من منطلقات مغايرة‪.‬‬ ‫ال يع�ت�رف احلوث���ي الأب بالنظام اجلمهوري‪ ,‬ويعت�ب�ر �أن رئي�س الدولة‬ ‫يقوم بوالية عابرة‪ ،‬فيما يرى �أن الإمامة هي الأ�صل يف مرجعية احلكم‪،‬‬ ‫فق���د وردت مثل ه���ذه الأقوال يف �صحيف���ة “الو�سط” اليمني���ة و�أثارت‬ ‫حينئذ جد ًال وا�سع ًا يف ال�ساحة‪.‬‬

‫ترافقت املعطيات الإيديولوجية‬ ‫حالة تفارق املعقول‬ ‫العقائدي���ة يف منطقتي �صع���دة وم�أرب اليمنيت�ي�ن مبدر�ستني فقهيتني‬ ‫ع�صرنتني بت�أ�صي�ل�ات جديدة‪ .‬املدر�ستان تنتمي���ان �أُ�صولي ًا لل�سلفية‬ ‫ُم ْ‬ ‫ُ‬ ‫اجلهادي���ة‪ ،‬والزيدية الطهرانية الهادوية‪ ،‬وكلت���ا املدر�ستني تتفارقان‬ ‫يف الظاه���ر‪ ،‬وتلتقيان عند تخوم مقارعة احلاكمي���ة ولو خروج ًا بحد‬ ‫ال�سي���ف‪ ،‬وهو الأمر الذي ي�شكل قلق ًا معرفي ًا و�سيا�سي ًا م�ؤكد ًا يف عموم‬ ‫الزمن العربي ولي�س يف اليمن فقط‪.‬‬ ‫م���ا كان لهذه التي���ارات �أن تتبل���ور ب�صورته���ا املتجهمة لوال‬ ‫املظ���امل الداخلية والعاملية‪ ،‬فبالإ�ضاف���ة �إىل خطايا الداخل‬ ‫املاثل���ة للعيان ت�ستف���ز ف�ضائي���ات الأخبار اليومي���ة م�شاعر‬ ‫الع���رب وامل�سلم�ي�ن وال�شب���اب والأفتي���اء منه���م عل���ى وج���ه‬ ‫اخل�صو�ص‪ ،‬ف�إ�سرائيل تعربد ليل نهار يف الأر�ض املحتلة‪ ،‬وال‬ ‫ن�سمع حتى اعرتا�ض��� ًا واحتجاج ًا‪ ،‬و�أمريكا تفعل ما تفعل يف‬ ‫الع���راق و�أفغان�ستان ويلتزم اجلميع ال�صم���ت التام‪ ،‬و�إيران تُهدد الآن‬ ‫بحرب �شاملة �ستك���ون املنطقة العربية ميدانها الآخر‪ ،‬وال من خطاب‬ ‫بحده الأدنى‪ ،‬قال لغالة اليم�ي�ن الإجنيلي الهرجمدوين يف وا�شنطن‪:‬‬ ‫�إىل هنا وكفى‪.‬‬

‫ه���ذه املعطي���ات بجملتها هي ال�سبب يف احلالة الرمادي���ة التي ت�ست�أن�س‬ ‫الدكون���ة والعماء‪ ،‬بل حال���ة الت�ض ُّبب املو�صولة بقه���ر اجتماعي وطبقي‬ ‫ال يخف���ى على �أي لبيب‪� .‬إ�ضاف ًة �إىل هذا‪ ،‬ف����إن املعطيني اللذين �أ�سلفنا‬ ‫احلدي���ث عنهما يف �صع���دة وم�أرب اليمانيتني ال ميث�ل�ان بعد ًا جغرافي ًا‬ ‫دا ًال فح�س���ب‪ ،‬ب���ل بعد ًا عربي ًا �شام ًال قد جند نظ�ي�ره يف �أق�صى املغرب‬ ‫العرب���ي كما جنده���ا يف غابات جن���وب ال�صومال‪ ،‬فامل�شكل���ة ال ترتبط‬ ‫ب�ص���راع املفاهيم وتعار�ضاته���ا‪ ،‬بل �أي�ض ًا وبدرجة �أك�ب�ر ب�س�ؤال الأر�ض‬ ‫ودورة احلياة اليومية التي حتولت يف العامل العربي �إىل حمنة قاتلة‪.‬‬ ‫علين���ا �أن نع�ت�رف اعرتاف ًا مبدئي��� ًا و�أولي ًا و�سابق ًا لكل �ش���يء يف �أنه من‬ ‫طبائ���ع الأمور �أن تت�أث���ر احلركات الإ�سالمية املختلف���ة ب�شقيها ال�سلفي‬ ‫وغ�ي�ر ال�سلفي باحلركات املوازية لها يف �أي مكان‪� ،‬أو بالر�ؤى التنظريية‬ ‫والفكري���ة القائم���ة يف �أماك���ن �أخ���رى يف العاملني العرب���ي والإ�سالمي‪،‬‬ ‫وعلين���ا �أن نعرتف �أي�ض ًا ب�أن امل�شكلة اجلوهرية هي م�شكلة داخلية‪ ،‬و�أن‬ ‫البيئة الداخلية هي التي ت�صنع مقدمات االنتماء للتطرف‪ ،‬وت�ستطيع �أن‬ ‫حتا�صرها �أي�ض ًا‪ ،‬من خالل جمل���ة من التدابري الإمنائية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعي���ة املكتوبة عملي ًا يف عديد الربام���ج ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫املقدمة يف �إطار الدولة‪.‬‬ ‫تبع��� ًا لذل���ك‪ ،‬ف����إن الأو�ضاع الت���ي حتا�صرن���ا تباع��� ًا‪� ،‬س���واء ب�أ�شكالها‬ ‫الرتاجيدي���ة املكفه���رة‪� ،‬أو ب�أ�شكاله���ا ال�شعبي���ة ال�سلمي���ة الب�سيطة‪� ،‬أو‬ ‫ب�أ�شكاله���ا املطلبي���ة النظري���ة؛ كل ه���ذه تع�ب�ر ع���ن االعتق���اد ب�أنه من‬ ‫ال�ضرورة مبكان �أن ت�شرع الدولة عملي ًا ب�إعادة امل�أ�س�سة على قاعدة ف�ض‬ ‫اال�شتب���اك الع�سري بني القبيلة امل�شوه���ة والدولة احلديثة‪ ،‬وبني املجتمع‬ ‫ال���ذي يفرت�ض �أن ي�ستقيم عل���ى قاعدة النظام والقان���ون وعلى قاعدة‬ ‫تعمي���م ثقافة ال�سل���م وثقافة االنتم���اء للم�ؤ�س�سة‪ ،‬وب�ي�ن انت�شار ال�سالح‬ ‫املنافية ملرجعية الدولة‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪17‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬ ‫حتليالت‬

‫‪18‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪19‬‬


‫التناف�س الثالثي‬

‫التناف�س الثالثي لفر�ض النفوذ فـي اليمن‬

‫رو�سيــا‬

‫الواليات املتحدة ورو�سيا وال�صني فـي اليمن‬ ‫تق��ع اليمن عن��د �إحدى �أه��م مناطق الو�ص��ل الإ�س�تراتيجية يف العامل‪ ،‬حيث‬ ‫تطل على م�ضيق باب املندب مما جعلها حمط لالهتمام والأطماع الأجنبية منذ‬ ‫ق��رون م��ن الزمان وحتى يومن��ا هذا‪ .‬على �أن اليمن تعد م��ن البلدان التي تفتقر‬ ‫�إىل امل��وارد الطبيعي��ة‪ ،‬ويجد املحتلون الأجانب �أنف�س��هم يف �ص��راع مع املقاومني‬ ‫اليمنيني لك�سب رهان خا�سر‪ .‬وقد �أدى هذا النوع من العناد وال�شرا�سة التي �أبداها‬ ‫بلد ُمنت ٍِج اقت�صادي ًا‪� ،‬إىل‬ ‫املواطنون اليمنيون‪ ،‬وكذلك �ص��عوبة حتويل اليمن �إىل ٍ‬ ‫�إبع��اد الأجانب وتقليل رغبتهم يف البالد‪ .‬وعلى �إثر ذلك‪ ،‬عانت اليمن من املهمة‬ ‫ال�صعبة املتمثلة يف بناء الأمة‪.‬‬ ‫�سورين�سن‬ ‫ديفيد �س‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وم���ع ا�ستم���رار �أهمية نقل النف���ط و�أ�شكال التج���ارة الأخرى عرب طرق‬ ‫املالح���ة البحرية‪ ،‬ا�ستعادت اليمن االهتم���ام اخلارجي بها‪ .‬وبالإ�ضافة‬ ‫�إىل ذل���ك‪� ،‬أ�صبح���ت اليمن �أك�ث�ر �أهمية بالن�سبة للوالي���ات املتحدة بعد‬ ‫هجم���ات احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ 2001‬عندما ات�ضح لأمريكا‬ ‫�أن اليم���ن لي�ست موط���ن �أجداد �أ�سامة بن الدن فح�س���ب‪ ،‬بل �إنها مكان‬ ‫ين�شط فيه عنا�صر تنظيم القاعدة �أي�ض ًا‪ .‬فعندما هاجم عنا�صر ي�شتبه‬ ‫بانتمائه���م للقاعدة املدمرة الأمريكية (كول) عام ‪ 2000‬بد�أت الواليات‬ ‫املتح���دة تتعامل مع اليمن باهتم���ام �أكرب‪ ،‬غري �أن هذا االهتمام مل يكن‬ ‫قا�ص���ر ًا على الوالي���ات املتحدة وحده���ا‪� ،‬إذ مل تقطع رو�سي���ا عالقاتها‬ ‫باليم���ن الت���ي يعود تاريخه���ا �إىل عهد م���ا كان ي�سم���ى جمهورية اليمن‬ ‫الدميقراطي���ة ال�شعبية‪ ،‬كذلك �أبدت ال�ص�ي�ن م�ؤخر ًا اهتمامها (بتعزيز‬ ‫م�صاحلها) يف ال�شرق الأو�سط عموم ًا‪ ،‬مبا يف ذلك اليمن‪.‬‬ ‫وته���دف هذه الورق���ة �إىل درا�سة اجله���ود الثالثية الت���ي تبذلها كل من‬ ‫الواليات املتحدة ورو�سي���ا وال�صني من �أجل الت�أثري يف ال�سيا�سة اليمنية‬ ‫واخليارات الإ�سرتاتيجية‪ ،‬كما تهدف �إىل تقييم خيارات اليمن للتعامل‬ ‫مع ثالث قوى خارجية يف الوقت الذي ت�سعى فيه اليمن �إىل احلفاظ على‬ ‫ا�ستقالليتها‪ ،‬ويف نف�س الوقت اال�ستفادة من هذا االهتمام الذي حظيت‬ ‫به من ِق َبل القوى اخلارجية‪ .‬وال تعد الدول الثالث التي ت�شري �إليها هذه‬

‫‪20‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫الدرا�س���ة الدول الوحي���دة التي تهتم باليمن‪ ،‬و�إمن���ا نذكرها كونها تُثري‬ ‫اهتمام��� ًا �أكرب لأ�سباب خمتلفة‪ .‬فرو�سيا على ما يبدو ت�سعى �إىل جتديد‬ ‫روابطه���ا القدمية التي كانت مع جمهوري���ة اليمن الدميقراطية �سابق ًا‪،‬‬ ‫يف حني يعد االهتمام الذي تبديه كل من الواليات املتحدة وال�صني �أمر‬ ‫حدي���ث ن�سبي ًا‪ ،‬ولكل م���ن الدولتني �أجندتها اخلا�ص���ة بها واملختلفة عن‬ ‫الأخرى‪.‬‬ ‫عادي ملثل هذا النوع من االهتمام؛‬ ‫واحلقيقة �أن اليمن متثل مر�شح ًا غري ٍ ّ‬ ‫فهي تعترب من �أفقر الدول العربية �إذ ي�صل معدل قوتها ال�شرائية �إىل ما‬ ‫يقارب ‪ 800‬دوالر‪ ،‬مقارنة مبعدل القوة ال�شرائية لدولة الإمارات العربية‬ ‫املتحدة الذي ي�صل �إىل �أكرث من ‪ 25000‬دوالر‪ .‬ون�سبة النمو االقت�صادي‬ ‫يف اليمن هي ‪ ،%1.9‬ويزيد عدد �سكانها على ‪ 20‬مليون ن�سمة‪ ،‬وهو ينمو‬ ‫مبع���دل ‪� %3.5‬سنوي ًا‪ ،‬وتعد ن�سبة النمو هذه م���ن �أعلى الن�سب يف العامل‬ ‫العربي‪� .‬أما ن�سبة البطالة فت�صل �إىل ‪ %35‬ح�سب الأرقام الر�سمية‪ ،‬وقد‬ ‫تك���ون �أعلى من هذه الن�سب���ة‪ .‬وتعاين اليمن �أي�ض ًا م���ن اجلفاف‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي يدفع ال�سلطات �إىل التفكري بنقل العا�صمة �صنعاء �إىل مكان �آخر‪،‬‬ ‫وي�ضط���ر الكثري من املزارع�ي�ن �إىل زراعة �شجرة القات كونها ال تتطلب‬ ‫مياه��� ًا كث�ي�رة مقارنة بغريها م���ن النبات���ات‪ ،‬والنتيج���ة �أن الكثري من‬ ‫اليمني�ي�ن يتوقفون عن العمل ال�ساعة الواحدة ظهر ًا ل�شراء �أوراق القات‬ ‫�سورين�سن من كلي���ة احلرب اجلوي���ة الأمريكية‪ .‬واملق���ال يف الأ�صل ورقة‬ ‫ديفي���د ����س‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُق ِّدم���ت يف م�ؤمت���ر جمعية الدرا�س���ات الدولية ال�سن���وي الذي انعق���د يف �آذار‪/‬مار�س‬ ‫‪ ،2006‬ب�سان دييغو ‪ -‬كاليفورنيا‪ .‬ي�ؤكد امل�ؤلف �أن الورقة ال تعك�س �أي مواقف حلكومة‬ ‫الواليات املتحدة �أو �أي جهة �أخرى‪ ،‬و�إمنا تعك�س �آراءه ال�شخ�صية‪.‬‬

‫اليمن‬ ‫ال�صني‬ ‫وم�ضغه ل�ساعات‪ ،‬وهذا بدوره يعيق قدرة النمو االقت�صادي يف اليمن‪.‬‬ ‫وال يتنا�س���ب النظام التعليمي يف اليمن م���ع معدل النمو ال�سكاين‪ ،‬حيث‬ ‫جن���د �أن ن�سبة املتعلمني ال تزيد عن ‪( 50%‬حوايل ‪ %70‬بالن�سبة للذكور‬ ‫كاف‪،‬‬ ‫و‪ %30‬بالن�سب���ة للإن���اث)‪ .‬كم���ا �أن نظام الرعاي���ة ال�صحية غري ٍ‬ ‫الأمر الذي ينعك�س على معدل العمر الذي ال يكاد يتجاوز ‪� 60‬سنة‪.‬‬ ‫�إن امل�ش���اكل الت���ي تعاين منه���ا اليمن ناجتة ع���ن عدة �أم���ور‪ ،‬من بينها‬ ‫االحت�ل�ال اخلارجي‪ ،‬والتناف�س ال�سيا�سي الذي من �ش�أنه �إعاقة التعاون‬ ‫الداخل���ي‪ ،‬وق�سوة املناخ‪ ،‬وقل���ة املوارد الطبيعية‪� .‬أي�ض��� ًا ما يزال الكثري‬ ‫م���ن اليمنيني يظهرون والئهم للقبيلة �أكرث مما هو للدولة‪ .‬هذا االنتماء‬ ‫القبل���ي �أعاق وج���ود دولة مركزية قوية‪ ،‬ففي كثري م���ن املناطق الريفية‬ ‫يف اليمن يعترب كل من النظام القبلي وال�سيا�سة القبلية �أكرث �أهمية من‬ ‫احلكومة يف �صنع���اء‪ .‬و�إىل جانب تلك العوامل‪ ،‬هن���اك عوامل تاريخية‬ ‫لفتت انتباه القوى اخلارجية‪ ،‬ويف الوقت احلايل ن�ضيف �إليها احتياطي‬ ‫النف���ط املنخف�ض (حوايل ‪ 4‬ملي���ار برميل‪ ،‬و�إنتاج يومي مبعدل ‪417500‬‬ ‫برميل)‪.‬‬

‫مفه��وم التناف���س الثالث��ي‬ ‫عندم���ا تتناف�س‬ ‫ثالث���ة دول على م��� ّد نفوذها ف�إن ال�شكل الهند�س���ي (املثلث) يتبادر �إىل‬ ‫�أذهانن���ا‪ .‬وهذا الن���وع من التناف�س �أك�ث�ر تعقيد ًا م���ن التناف�س الثنائي‬ ‫ال���ذي ات�صف���ت به احلرب الب���اردة‪ .‬وهو ن���ادر ًا ما يظه���ر‪ ،‬وخري مثال‬ ‫علي���ه ما حدث يف �أجنوال �أثن���اء احلرب الأهلية عندم���ا �أيدت الواليات‬ ‫املتحدة واالحتاد ال�سوفيتي وجمهورية ال�صني ال�شعبية �أحزاب ًا خمتلفة‪.‬‬ ‫وق���د ي�صبح التناف�س الثالثي �أكرث �شيوع��� ًا �إذا لعبت ال�صني دور ًا عاملي ًا‬

‫�أمريكا‬ ‫من خ�ل�ال البحث عن املوارد وفر�ض نفوذه���ا‪ُ ،‬متحدية بذلك الواليات‬ ‫املتح���دة يف بع����ض املناط���ق‪ .‬ورو�سي���ا �أي�ض��� ًا‪ ،‬الت���ي يعتربه���ا البع����ض‬ ‫�إمرباطوري���ة منهارة‪ ،‬لها �أطماع قدمية يف بع�ض �أنحاء العامل حيث كان‬ ‫االحتاد ال�سوفيتي يب�سط نفوذه‪.‬‬ ‫فالتناف����س الثالث���ي يف الواقع هو عب���ارة عن تناف�س باطن���ي متنوع‪� ،‬أي‬ ‫تناف����س ثالث دول مع بع�ضه���ا البع�ض‪ ،‬وكل منها حتاول فر�ض نفوذها‪،‬‬ ‫ويف الوق���ت نف�سه تتناف�س الدول الثالث مع نظام احلكم لفر�ض النفوذ‬ ‫يف البلد املق�صود‪.‬‬ ‫وطبيعة التناف����س قد تكون حميدة ن�سبي ًا‪ ،‬مع وجود احتمال التعاون بني‬ ‫الأطراف املتناف�س���ة وتبادل بع�ض املعلومات املتعلق���ة بالبلد امل�ستهدف‬ ‫حني يك���ون الأمر يف �صال���ح الأطراف الثالث���ة‪ .‬فعلى �سبي���ل املثال‪ ،‬قد‬ ‫تتفق الأطراف املتناف�سة عل���ى ا�ستئ�صال �إحدى اجلماعات املقاتلة �إذا‬ ‫ا�ستهدفت تل���ك اجلماعة م�صالح �أي من تلك الأط���راف‪� ،‬أو على الأقل‬ ‫تق���وم بع�ض �أو كل الأطراف اخلارجية املتناف�سة بتبادل املعلومات‪ .‬لكن‬ ‫الو�ض���ع يف اليم���ن يختلف نظر ًا للم�صالح الت���ي يطمع بها كل من الدول‬ ‫الث�ل�اث املتناف�سة على فر�ض نفوذه���ا‪ ،‬والتي �ست����ؤدي �إىل انعدام روح‬ ‫التع���اون بني الأطراف يف ظل وجود م�صالح متداخلة‪ .‬ومع �أن لكل دولة‬ ‫جمموعة من امل�صالح �إال �أنه من املمكن تلخي�صها على النحو التايل‪:‬‬ ‫‪ .1‬حماربة الفكر القتايل املتطرف‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال�سيطرة على املوقع اال�سرتاتيجي‪.‬‬ ‫‪ .3‬ال�سيطرة االقت�صادية‪.‬‬ ‫وتت�ضم���ن امل�صال���ح الت���ي تتعل���ق مبحارب���ة الفك���ر القت���ايل املتط���رف‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪21‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬ ‫ب�ي�ن الإرهابيني يف ال�شي�شان واجلماع���ات املتمردة يف اليمن ف�إن رو�سيا‬ ‫و�سعت من حملتها �ضد جماعات العنف املقاتلة خارج ال�شي�شان‪.‬‬ ‫ّ‬

‫موقف�ي�ن مت�ضادي���ن �أو متعار�ضني‪ ،‬هم���ا تعزيز قدرة نظ���ام احلكم يف‬ ‫البلد امل�سته���دف على ا�ستئ�صال املقاتل�ي�ن املتطرفني ومن يدعمهم و‪/‬‬ ‫�أو تر�سي���خ املفاهي���م الدميقراطي���ة يف ذل���ك البلد‪ .‬وطبيع���ة الت�ضاد �أو‬ ‫توج���د ل���كل م���ن الدول الأجنبية كما‬ ‫التعار����ض يف هذي���ن املوقفني وا�ضح���ة مبا فيه الكفاي���ة‪� ،‬أي دعم نظام لعب��ة املثل��ث‬ ‫للبل���د امل�ستهدف ا�سرتاتيجي���ات خا�صة تتج�سد يف �إط���ار تناف�س ثالثي‬ ‫احلك���م يف ا�ستخدام و�سائل وح�شية وغ�ي�ر �شرعية ملحاربة التطرف قد‬ ‫افرتا�ض���ي‪ .‬فبالن�سب���ة للق���وى اخلارجية يعت�ب�ر وجود ع���دد فردي من‬ ‫ي�ساعد املتطرفني على ك�سب منا�صرين لهم‪ ،‬يف حني �أن تر�سيخ مفاهيم‬ ‫املتناف�س�ي�ن فر�صة لأن ت ِّ‬ ‫ُ�ش���كل قوتان منهما ائتالف ًا �ض���د القوة الثالثة‪،‬‬ ‫الدميقراطية قد يثري يف الأخري م�شاعر مناه�ضة للتدخل اخلارجي‪.‬‬ ‫وه���ذا يت�أتى حاملا وجدت م�صالح م�شرتكة بني تلك القوتني‪ .‬وهذا يعني‬ ‫�أم���ا احلاجة �إىل فر�ض ال�سيط���رة على املوق���ع اال�سرتاتيجي فتعود �إىل �أن عل���ى كل ط���رف ال�سع���ي �إىل ك�س���ب �شريك له حتى ال يك���ون هو تلك‬ ‫�أن اليم���ن تقع على باب املندب املط���ل على مدخل البحر الأحمر‪ .‬بينما الق���وة الثالثة التي تتحد �ضدها بقية القوى‪ .‬وباملثل‪ ،‬على القوى الثالث‬ ‫يتمث���ل الغر�ض من ال�سيطرة االقت�صادية يف التحكم مبوارد اليمن (مبا التناف�س لك�سب نفوذ يف البلد امل�ستهدف‪ ،‬الذي ي�ستطيع بدوره التالعب‬ ‫ّ‬ ‫يف ذل���ك النف���ط)‪� ،‬أو على الأق���ل احل�صول على ح�صة منه���ا‪ ،‬والتمكن بتل���ك القوى واحل�صول على ما يريده م���ن كل منها‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬هناك‬ ‫م���ن بيع الب�ضائع داخ���ل اليمن‪ .‬وهذه امل�صالح بال���كاد تُق�صي كل منها طبع��� ًا احتم���ال �أن تختار الق���وى اخلارجية الثالث االحت���اد وت�شكيل ما‬ ‫الأخ���رى‪ ،‬فه���ي عادة م���ا جتتمع وتع���زز بع�ضه���ا البع�ض (فعل���ى �سبيل ُيعرف بنظام “الثالوث” لل�ضغ���ط على البلد امل�ستهدف دون �أن تخ�شى‬ ‫املثال حماربة الفك���ر القتايل املتطرف قد ي�ساعد على فر�ض ال�سيطرة �أي منه���ا تواط����ؤ القوت�ي�ن الباقيتني �ضده���ا‪ .‬لكن مثل ه���ذا الرتتيب ال‬ ‫االقت�صادية)‪.‬‬ ‫يخل���و من املخاطرة‪� ،‬إذ قد يلع���ب �أحد الأطراف لعبة‬ ‫وترك���ز الواليات املتحدة على حمارب���ة الفكر القتايل‬ ‫“مع�ضلة ال�سجني” فيقوم بتقدمي عر�ض فردي للبلد‬ ‫متتلك اليمن عدد ً‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫املتط���رف �أكرث من غ�ي�ره يف ال�ش���رق الأو�سط‪ ،‬وهذا‬ ‫امل�ستهدف وبه يتفوق عل���ى الطرفني الآخرين اللذين‬ ‫امل�صالح التي جذبت‬ ‫هو احل���ال �أي�ض ًا يف اليم���ن كما �سيت�ض���ح الحق ًا‪� .‬أما‬ ‫مل يكت�شف���ا تل���ك اخليان���ة‪ .‬و�إذا حدث مث���ل هذا فقد‬ ‫االهتمام اخلارجي‪ ،‬وهو‬ ‫ال�سيطرة االقت�صادية ف�إنها ال متثل بالن�سبة للواليات‬ ‫يتّحد الطرفان يف تقدمي عر�ض م�شرتك يفوق عر�ض‬ ‫االهتمام الذي يحظى‬ ‫املتحدة �سوى دافع ثانوي كونها تقدر �أهمية ال�سيطرة‬ ‫الطرف املرتد‪ .‬ويف حال خامر ال�شك الأطراف الثالثة‬ ‫بالرتحيب من قبل الدولة‬ ‫عل���ى نقاط االختن���اق الإ�سرتاتيجية �أك�ث�ر من موارد تارة وبالرف�ض تارة �أخرى‪ .‬ب����أن �أحدهم يقوم بعملية ارت���داد‪ ،‬ف�إنه يكون لدى كل‬ ‫االقت�صاد‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن �أنها ت�ستورد معظم م�ؤن الطاقة‬ ‫ومن هذه امل�صالح تنمية‬ ‫منه���م دافع يف تقدمي عر�ض �سخي‪ ،‬بحيث ال ي�ستطيع‬ ‫من الن�صف الغربي للكرة الأر�ضية‪.‬‬ ‫م�صادر البرتول‪ ،‬وال�سيطرة الطرف���ان الآخران �أن يقدما �أف�ضل من���ه‪ .‬ويتبلور رد‬ ‫على احلدود اليمنية وموقع‬ ‫وبالن�سبة لل�صني‪ ،‬تعد اليمن م�صدر نفط �صغري لكنه‬ ‫فعل اليمن على النفوذ اخلارجي من خالل ما يعك�سه‬ ‫اليمن اال�سرتاتيجي‬ ‫مه���م‪ .‬وتزداد �شهي���ة ال�صني للبرتول ب�ش���كل وا�ضح‪،‬‬ ‫تاريخه���ا الذي هو زاخر باملقاوم���ة �ضد الغزاة الآتني‬ ‫فعندم���ا حرمته���ا الواليات املتحدة م���ن فر�صة �شراء‬ ‫م���ن اخلارج يف معظم احل���االت‪ ،‬وبالتك ّيف معهم �إذا‬ ‫�شرك���ة “يونيك���ول” (‪ )UNOCAL‬الأمريكية اختارت‬ ‫ما اقت�ضت ال�ضرورة ذلك‪.‬‬ ‫ال�ص�ي�ن �أن ت�ش�ت�ري �أو حت���ى ت�ش�ت�رك يف م�ص���ادر‬ ‫اليمن‪:‬امل�ص��الح احلالي��ة والتدخ��ل‬ ‫�صغرية للطاقة‪ .‬وباملث���ل‪ ،‬تعترب ال�سيطرة على املواقع‬ ‫متتل���ك اليم���ن‬ ‫اخلارج��ي‬ ‫الإ�سرتاتيجية مهمة بالن�سب���ة لل�صني كونها م�ستهلك‬ ‫ع���دد ًا من امل�صالح التي جذب���ت االهتمام اخلارجي‪،‬‬ ‫متنامي لب�ت�رول ال�شرق الأو�سط‪� .‬أم���ا بالن�سبة للفكر‬ ‫وه���و االهتمام الذي يحظى بالرتحيب من قبل الدولة‬ ‫القت���ايل الإرهابي فه���و ال ي�شكل خطر ًا على ال�ص�ي�ن‪ ،‬لأنها حتتوي على‬ ‫تارة وبالرف�ض تارة �أخ���رى‪ .‬ومن هذه امل�صالح تنمية م�صادر البرتول‪،‬‬ ‫�أقلي���ة من امل�سلمني (معظمهم يف �إقلي���م “�شينجيانغ” النائي) ومعظم‬ ‫وال�سيط���رة على احلدود اليمنية وموق���ع اليمن اال�سرتاتيجي‪ .‬يف الوقت‬ ‫ق�ضاياهم مع جمهورية ال�صني ال�شعبية تتعلق بامل�سائل املحلية‪ .‬وكما هو‬ ‫ً نف�س���ه‪ ،‬على اليمن الذود ع���ن �سيادتها وم�صاحلها اخلا�صة �ضد �أولئك‬ ‫احل���ال بالن�سبة للطرفني الآخرين‪ ،‬تُعتَرب اليم���ن بالن�سبة لل�صني �سوقا‬ ‫الذي���ن ي�سع���ون �إىل عقابها نتيج���ة عالقتها بالق���وى اخلارجية‪ ،‬خا�صة‬ ‫�صغرية مقيدة بالأو�ضاع االقت�صادية ال�سيئة‪.‬‬ ‫عالقته���ا بالوالي���ات املتح���دة‪ .‬فمنذ االعت���داء على املدم���رة الأمريكية‬ ‫وعن���د احلديث ع���ن الطرف الثال���ث (رو�سيا) جند �أن���ه كانت تربطها (ك���ول) ع���ام ‪ 2000‬والهجوم ال���ذي تعر�ضت له ناقلة النف���ط الفرن�سية‬ ‫ً‬ ‫عالقات مبا كان ي�سمى جمهوري���ة اليمن الدميقراطية ال�شعبية �سابقا‪( ،‬ليمربج)‪ ،‬كان البد لليمن من ا�ستثمار بع�ض مواردها اخلا�صة حلماية‬ ‫وم���ا تزال تهتم باملبيعات التجارية م���ع اجلمهورية اخللف (اجلمهورية املواقع التي متثل ال�سلطة الأمريكية‪ ،‬خا�صة ال�سفارة والبعثات الأمريكية‬ ‫ً‬ ‫اليمني���ة)‪ .‬وقد كانت رو�سيا هدفا للقتال املتطرف الذي ي�ستلهم �أفكاره الزائ���رة‪ .‬ونظر ًا لزي���ادة املخاطر والتهديدات الت���ي تتعر�ض لها الدول‬ ‫من ال�شي�ش���ان‪ ،‬وبالرغم من عدم وجود دليل قاط���ع يثبت وجود روابط‬ ‫‪22‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫الت���ي ت�ساند الواليات املتح���دة‪ ،‬كان لزام ًا على اليم���ن اتخاذ �إجراءات الهام���ة بالن�سب���ة للواليات املتح���دة لأن اليمن مل تقدم له���ا �سوى املوقع‬ ‫�إ�ضافي���ة‪ ،‬وكذلك عندم���ا هددت عنا�صر اجلماع���ات املقاتلة مبهاجمة اال�سرتاتيج���ي‪� .‬إ�ضاف���ة �إىل �أن الوالي���ات املتحدة مل تتعام���ل مع اليمن‬ ‫املن�ش�آت النفطية لأي دولة تربطها عالقات بالواليات املتحدة‪.‬‬ ‫مبا�ش���رة �أثن���اء االن�شقاق بني جمهوري���ة اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية‬ ‫�إنت��اج النف��ط والغ��از‪ :‬ال متتلك اليم���ن �سوى كمية قليل���ة ن�سبي ًا من واجلمهوري���ة العربي���ة اليمني���ة‪� ،‬إذ كان تعامله���ا مع الأخ�ي�رة يتم عرب‬ ‫احتياط���ي النف���ط ال���ذي يبل���غ ‪ 4‬مليار برمي���ل‪ ،‬وهي كمي���ة �ضئيلة جد ًا ال�سعودي���ة؛ فبعد مرور �سنتني من ت���ويل �إبراهيم احلمدي ال�سلطة عام‬ ‫مقارن���ة بالكمي���ة التي متتلكها ال�سعودية والتي تف���وق ‪ 260‬مليار برميل‪ 1974 .‬متك���ن من خالل التفاو����ض من �إبرام �صفقة �س�ل�اح مع الواليات‬ ‫وثم���ة عمليات ا�ستك�شاف قرب ال�ساحل اجلنوبي‪ ،‬لكنها مل ُتثمِ ر عن �أي املتح���دة مببل���غ ‪ 138‬مليون دوالر دفعت���ه ال�سعودي���ة‪ ،‬وت�ضمنت ال�صفقة‬ ‫اكت�شاف���ات مهم���ة �إىل الآن‪ ،‬حيث ت�ضخ اليمن من ذل���ك االحتياطي ما �سرب طائرات من نوع �إف‪ 5 -‬مت �شحنها عرب املوانئ ال�سعودية‪.‬‬ ‫يق���ارب ‪ 417000‬برميل يومي��� ًا‪ ،‬وتُ�صدّر ‪ 370300‬برمي���ل‪ .‬متتلك اليمن ويعود تاريخ االهتمام الأمريكي باليمن �إىل ما قبل االعتداء على املدمرة‬ ‫كذل���ك ما يقارب ‪ 480‬مليار مرت مكعب من الغ���از الطبيعي‪ ،‬لكن عملية الأمريكية (كول) (الت���ي �أر�سلها اجلرنال �أنتوين زيني ‪ -‬القائد الأعلى‬ ‫الإنتاج متوقفة حالي ًا (�أي وقت �إعداد الورقة)‪ .‬وبالرغم من �صغر حجم للقوات املركزية الأمريكية �آنذاك ‪ -‬من �أجل تعزيز العالقات الع�سكرية‬ ‫االقت�ص���اد النفط���ي ن�سبي��� ًا �إال �أنه ي�ش���كل ن�سبة ‪ %80‬من دخ���ل الدولة مع اليم���ن)‪ ،‬وزاد االهتمام بعد تلك احلادثة‪ .‬ثم ازداد �أكرث ف�أكرث بعد‬ ‫القوم���ي‪ .‬وقد وقعت اليمن عدد ًا م���ن اتفاقيات الإنتاج مع بع�ض الدول‪� .‬أح���داث احلادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب والك�شف ع���ن �أن اليمن هي‬ ‫فق���د وقع���ت اليمن وكوريا اجلنوبي���ة اتفاقية على تنمي���ة م�شرتكة لأحد موطن �أجداد �أ�سامة بن الدن‪ .‬ومل تركز ال�سيا�سة الأمريكية على متكني‬ ‫احلق���ول القريبة من ال�ساحل‪ ،‬والذي يحتوي عل���ى معدل تقريبي ي�صل اليم���ن من حمارب���ة التمرد الإ�سالمي يف اليمن فح�س���ب‪ ،‬بل �أي�ض ًا على‬ ‫بناء م�ؤ�س�س���ات �سيا�سية ت�سمح بوج���ود بنية حكومية‬ ‫�إىل ‪ 950‬ملي���ون برمي���ل‪ .‬كما وقع���ت اليمن مذكرة مع‬ ‫جيبوت���ي لإنتاج نفط ب�شكل م�شرتك يف منطقة جروان لفتت اليمن انتباه ًا حمدود ًا م�سئول���ة �أك�ث�ر‪� .‬إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك‪ ،‬ثمة جه���ود تُبذل‬ ‫عل���ى �ساحل �شب���وة‪ ،‬وهو م�ش���روع ت�شرتك في���ه �أي�ض ًا لكنه ُمر ّكز من ِقبل الواليات لدعم االقت�صاد اليمن���ي لكن تعيقها م�سائل �سيا�سية‬ ‫املتحدة ورو�سيا وال�صني‪،‬‬ ‫واجتماعية تقلل م���ن �أهل ّية اليمن وا�ستحقاقها لتلقي‬ ‫�شركة النفط الرتكية (بت)‪.‬‬ ‫م�صاحلها‬ ‫لها‬ ‫منها‬ ‫وكل‬ ‫الدعم الأمريكي‪ ،‬كما �سنالحظ الحق ًا‪.‬‬ ‫وتع���اين اليم���ن م���ن تدف���ق الالجئ�ي�ن القادم�ي�ن من‬ ‫اخلا�صة بها‪� .‬أما بالن�سبة‬ ‫لق���د �أ�صبح���ت اليمن حت���ت ال�ضغ���ط الأمريكي منذ‬ ‫�أفريقي���ا‪ ،‬والذي���ن ينزلون مبدئي��� ًا يف اليم���ن بعد �أن‬ ‫لليمن‪ ،‬فمن الوا�ضح �أنها‬ ‫يجت���ازوا البح���ر الأحم���ر عل���ى �أم���ل �أن يتجه���وا �إىل تنظر �إىل من يقدم العر�ض حادثة (كول) لك���ي تقوم مبالحقة املتمردين امل�شتبه‬ ‫ال�سعودي���ة �أو دول اخللي���ج الأخ���رى بحث ًا ع���ن العمل‪ .‬الأف�ضل من بني هذه القوى‪ ،‬بهم وحماكمتهم‪ ،‬وه���ذا الطلب يتعار�ض مع م�صالح‬ ‫وتعتق���د ال�سلط���ات الإماراتي���ة �أن اليم���ن ال يقوم مبا وبهذا ت�شجع زيادة املناف�سة الرئي����س علي عبداهلل �صال���ح ال�سيا�سية الذي تربطه‬ ‫لتحقيق تلك ال�صفقة‬ ‫بع����ض العالقات غ�ي�ر الر�سمي���ة مع الع���رب الأفغان‬ ‫في���ه الكفاية ملنع وفود الالجئني م���ن التوجه �إىل دول‬ ‫ً‬ ‫�سابقا‪ ،‬الذين تركوا اليمن ملحاربة االحتاد ال�سوفيتي‬ ‫اخللي���ج‪ ،‬لكنها ال تعرف عالج ًا ناجع��� ًا لهذه امل�شكلة‪.‬‬ ‫���م ع���ادوا �إىل‬ ‫وم���ن املعتقد �أن عدد الالجئني الذي���ن ي�صلون اليمن‬ ‫يف �أفغان�ست���ان يف الثمانيني���ات وم���ن ث ّ‬ ‫اليمن‪ .‬وقام �صالح بتجنيد الكثري من العرب الأفغان‬ ‫من ال�صومال وحدها يرتاوح ما بني ‪� 12000‬إىل ‪14000‬‬ ‫يف حماولت���ه تثبي���ت الوحدة ع���ام ‪ ،1994‬وق���دّم لهم‬ ‫�صوم���ايل كل �سن���ة‪ ،‬جالب�ي�ن معه���م الفق���ر والبطالة‬ ‫احلماي���ة والإعانات وهم ما زالوا على عالقة ب�أ�سامة‬ ‫والأمرا�ض كااليدز و�شلل الأطفال‪ .‬ويف ت�شرين الأول‪/‬‬ ‫بن الدن‪ .‬وبينما هناك من يقول �أن �صالح يريد فر�ض‬ ‫�أكتوب���ر ‪� ،2005‬أعلنت اليمن �إلقاء القب�ض على ‪12000‬‬ ‫�سيطرته على العرب الأفغان‪ ،‬جند �أي�ض ًا من يقول �أن‬ ‫مهاج���ر غري �شرعي ‪ -‬معظمهم عل���ى �ساحل �شبوة ‪-‬‬ ‫وترحيله���م �إىل بلدانهم‪ ،‬وي�شكل ال�صوماليون ‪ 11000‬تقريب ًا بينما القلة العرب الأفغان ما زالوا يتمتعون بالقوة و ُي�ش ّكلون عائق ًا �أمام قدرة اليمن‬ ‫على حت�سني عالقتها بالغرب‪.‬‬ ‫القليلة هم من �أثيوبيا وبلدان �أفريقية �أخرى‪.‬‬ ‫اعرتفت الواليات املتحدة وينم وجود ه�ؤالء على عدم متكن اليمن من ال�سيطرة على مناطق كبرية‬ ‫امل�صالح الأمريكية‬ ‫بدول���ة اليمن دبلوما�سي ًا عام ‪ 1945‬وبد�أت بتق���دمي امل�ساعدة الع�سكرية م���ن البالد‪ ،‬حيث جن���د يف املناطق الريفي���ة �أن اخلطب���اء الإ�سالميني‬ ‫له���ا ع���ام ‪ 1962‬يف وقت كانت احلرب الأهلية حمتدم���ة‪ .‬ويف عام ‪ 1976‬املت�شددين يخطبون �ضد الواليات املتحدة واليهود والدول العربية التي ال‬ ‫وقع���ت الواليات املتحدة واليمن معاهدة ع�سكرية ر�سمية مدعومة مببلغ تتفق مع �آرائهم‪ ،‬ومن �ضمن هذه الدول اليمن‪� .‬أما بعد هجمات احلادي‬ ‫‪ 176‬ملي���ون دوالر من الإعانة الع�سكرية املقدم���ة من الواليات املتحدة‪ .‬ع�ش���ر م���ن �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ 2001‬فقد حاول���ت حكومة الرئي����س �صالح‬ ‫لكن رغم ذلك‪ ،‬ومقارنة بدول اخلليج‪ ،‬مل ت�شكل اليمن �إحدى الأولويات ت�ضييق اخلناق على �أتباع �أ�سامة بن الدن واجلماعات امل�سلحة الأخرى‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪23‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫فف���ي مطل���ع عام ‪ 2002‬قام���ت الق���وات اليمنية باجتياح بع����ض املناطق‬ ‫النائية مثل م����أرب للقب�ض على الإرهابي�ي�ن واخلاطفني‪ ،‬الذي يقومون‬ ‫ب�إعمال �إرهابية تحَ ِرم اليمن من اال�ستفادة من اال�ستثمار الأجنبي‪ ،‬وقد‬ ‫القت ه���ذه العملية معار�ضة من قبل حزب الإ�ص�ل�اح الإ�سالمي (الذي‬ ‫كان ي�ستحوذ (�آنذاك) على ‪ 64‬مقعد ًا من �أ�صل ‪ 301‬مقعد يف الربملان)‪،‬‬ ‫وه���و احلزب الذي �صرح قائده بقول���ه‪« :‬عندما تت�صرف احلكومة وفق ًا‬ ‫ل�ضغوط الواليات املتحدة وم�صاحلها‪ ،‬ف�إن اليمنيني �س ُيقا ِتلون»‪.‬‬ ‫وي�س��� ّوغ �صالح ما قام به بقول���ه �إنه كان قادر ًا على منع الواليات املتحدة‬ ‫م���ن مهاجم���ة اليمن بع���د حادثة (ك���ول)‪� ،‬إذ قال‪« :‬كان���ت هناك خطة‬ ‫�أمريكي���ة الحتالل ع���دن �أثناء تل���ك احلادثة‪ ،‬لكن حل�س���ن احلظ كنت‬ ‫عنده���ا موج���ود ًا يف ع���دن وعملن���ا مب�سئولي���ة لتجنيب الب�ل�اد ما كان‬ ‫�سيحدث بوجود ثمان �سفن �أمريكية يف املياه الإقليمية عند مدخل خليج‬ ‫عدن‪ .‬وت�صرفنا بدبلوما�سي���ة وحزم حتى جنبنا البالد ما كان خمطط‬ ‫له���ا‪ ...‬لأن الإرهابي�ي�ن الذين قام���وا بتفجري املدم���رة ال يجلبون للبالد‬ ‫�سوى الدمار‪ ،‬و�إبعاد الأجانب عن البالد»‪.‬‬ ‫ويف ت�شري���ن الثاين‪�/‬أكتوبر ‪� 2005‬أعلن���ت الواليات املتحدة �أن بندقيتني‬ ‫م���ن نوع (‪ )AK-47‬واللت�ي�ن ا�ستخدمتا يف هجوم كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب‬ ‫‪ 2004‬عل���ى القن�صلي���ة الأمريكية بج���دة هما من ال�س�ل�اح اليمني‪ .‬وقد‬ ‫احتج���ت الوالي���ات املتح���دة وال�سعودية عل���ى عدم قيام اليم���ن بحماية‬ ‫ّ‬ ‫حدوده���ا على الوجه املطل���وب‪ .‬ويف اليوم التايل‪ ،‬و�صف���ت اليمن التهم‬ ‫املوجهة �إليها ب�أنها “ال �أ�سا�س لها من ال�صحة”‪.‬‬ ‫أزعج ُ�ص ّناع ال�سيا�سة الأمريكية هو تدفق من ي�سمون‬ ‫والأمر الآخر الذي � ِ‬ ‫“مقاتلي احلدود” �إىل العراق بعد االجتياح الأمريكي يف �آذار‪/‬مار�س‬ ‫‪ .2003‬له���ذا �ضغط امل�سئولون الأمريكيون على ُك ٍ ّل من ال�سعودية واليمن‬ ‫لإيقاف تدفق املقاتلني �إىل العراق‪ ،‬والذين زعمت الواليات املتحدة �أنهم‬ ‫ي�أت���ون من اليمن ويع�ب�رون ال�سعودية �إىل �أن ي�صل���وا العراق‪ .‬لكن وزير‬ ‫الداخلية ال�سعودي نايف بن عبد العزيز احتج على هذا قائ ًال‪� :‬إن بالده‬ ‫واليم���ن تتعاونان على منع ما ادعى �أنهم الجئني يعربون �إىل ال�سعودية‪،‬‬ ‫ودعم��� ًا لهذا اعتقلت ال�سعودية مت�سللني ميني�ي�ن على احلدود (بع�ضهم‬ ‫كان يرتدي زي ًا ع�سكري ًا �سعودي ًا مزور ًا)‪ ،‬ومت حجزهم للتحقيق‪.‬‬ ‫وال�ضغ���ط الأمريكي على اليمن يرتكز على �إنه���اء احلركات الإ�سالمية‬ ‫املحلية التي تدعم الإرهاب‪ .‬ففي ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪ ،2005‬على �سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬يقال �أن م�سئولني �أمريكيني �ضغطوا على اليمن لكي تعتقل ال�شيخ‬ ‫عبد املجيد الزنداين لقيامه ب�أن�شطة �إرهابية‪ ،‬لكنه دافع عن نف�سه �ضد‬ ‫ه���ذه االتهامات‪ ،‬كما ا�ستنكر احلكم ال�صادر على حممد امل�ؤيد (املتهم‬ ‫بنف����س التهم)‪ً ،‬‬ ‫قائ�ل�ا‪�« :‬إنه حكم ُم�شني لأنه ُيب�ي�ن حتيز ًا كامل ل�صالح‬ ‫الع���دو ال�صهيوين الذي احتل بلدان ًا م�سلمة‪ ،‬و�ش ّرد ال�شعب الفل�سطيني‪.‬‬ ‫وم���ا زال ال�صهاينة يظلمون ويعت���دون ويقتلون وي�ش���ردون حتى اليوم»‪.‬‬ ‫وق���د الم الزنداين امل�ؤمتر ال�شعبي العام على ه���ذه التهم‪ ،‬لأن الواليات‬ ‫املتحدة اعتمدت على امل�ؤمتر يف تقدمي الدليل الذي ا�ست�شهدت به‪ .‬ويف‬ ‫�آذار‪/‬مار����س عام ‪ 2006‬وبعد مفاو�ضات مطولة وتدخل الرئي�س �صالح‪،‬‬ ‫‪24‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ُيقال �أن الواليات املتحدة �أ�سقطت الزنداين من قائمة الإرهاب‪.‬‬ ‫ويف ع���ام ‪ 2004‬حاولت احلكومة اليمنية �إنهاء التمرد الذي قادة ح�سني‬ ‫بدرالدي���ن احلوثي وابنه �ض���د الدولة‪ ،‬وو�صفت الوالي���ات املتحدة ذلك‬ ‫التمرد ب�أنه ُم�ستل َهم من الفكر الإ�سالمي‪ ،‬و�أثنت على جهود �صالح للح ّد‬ ‫منه‪ .‬لكن ذلك التمرد يف احلقيقة له عالقة بالفقر يف املنطقة والتوازن‬ ‫القبل���ي بق���در ما له عالق���ة بال�سيا�سة اليمني���ة �أو الدور ال���ذي تقوم به‬ ‫الواليات املتحدة يف اليمن‪ .‬لذا �أطلق الرئي�س �صالح يف ت�شرين الثاين‪/‬‬ ‫نوفم�ب�ر ‪� 2005‬س���راح احلوثي و�أك�ث�ر من ‪� 500‬آخرين مب���ن فيهم �أولئك‬ ‫الذي���ن رددوا �شعارات معادية للواليات املتحدة يف ح�شود‪ ،‬وهذا احلدث‬ ‫لف���ت انتباه الوالي���ات املتحدة �إىل �شم���ال اليمن حيث توج���د ال�سيطرة‬ ‫القبلية‪ ،‬ور�آه امل�سئولون الأمريكيون �أنه ي�شكل بيئة خ�صبة ملفاهيم الفكر‬ ‫الإرهابي‪.‬‬ ‫وكان الع�ل�اج الأجن���ع له���ذا يتمثل يف ن�ش���ر املفاهي���م الدميقراطية يف‬ ‫املنطق���ة‪ ،‬وه���ي م�سئولية وقعت على كاهل املعه���د الدميقراطي الوطني‬ ‫لل�ش����ؤون الدولي���ة (‪ ،)NDI‬وق���ام املعهد ب���دوره حماو ًال بن���اء برنامج يف‬ ‫اليم���ن‪ ،‬لك���ن �صالح �شع���ر �أنه �س ُيعارِ����ض م�صاحله‪ ،‬وق���ال �أحد ممثلي‬ ‫املعه���د يف اليمن‪ ...« :‬كانت هناك بع����ض امل�سائل‪ ،‬خا�صة م�س�ألة ثارات‬ ‫ال���دم ‪ -‬ح�سب ما ترجموها لن���ا ‪ -‬والتي يعود تاريخها �إىل ما قبل وجود‬ ‫املعه���د الدميقراطي الوطني يف اليمن ب���ل �إىل مئات ال�سنني‪ ،‬فكان من‬ ‫امل�ستحي���ل �أن نفهم الو�ضع‪ .‬وقال (�صال���ح) �أنها م�س�ألة كبرية يف اليمن‪،‬‬ ‫وقد �ش���كل لها جلان و�أمور �أخرى ملعاجلة ه���ذه امل�شكلة‪ .‬وقال‪“ :‬ال يهم‬ ‫�إن خ�ص�صت���م ‪ 100‬ملي���ون دوالر �أو ‪ 500‬مليون دوالر لتنفقوها على هذه‬ ‫امل�شكلة‪ ،‬ف�أنت���م ك�أجانب لن تتمكنوا من ح ّلها”‪ .‬وقال �أي�ض ًا‪�« :‬أُ ِّ‬ ‫ف�ضل �أن‬ ‫تركزوا على الأ�شياء التي تقدرون عليها»‪.‬‬ ‫ويف ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ع���ام ‪� 2005‬أعلن �صالح �أنه �سيزور الواليات‬ ‫املتح���دة على �أمل احل�صول على زي���ادة يف الدعم اخلارجي والع�سكري‬ ‫ال���ذي تقدم���ه الوالي���ات املتح���دة‪ ،‬وملناق�ش���ة بع����ض الق�ضاي���ا الثنائية‬ ‫كالإره���اب وحري���ة ال�صحاف���ة يف اليمن‪ ،‬لكنه عاد م���ن وا�شنطن �صفر‬ ‫اليدي���ن‪ .‬ومع �أن وزير اخلارجية اليمني �أبو بكر القربي الذي ذهب معه‬ ‫ذك���ر �أنه ‪� -‬أي القربي ‪ -‬وق���ع اتفاقيات مع �صندوق النقد الدويل خالل‬ ‫�إقامته���م يف وا�شنط���ن (تخ�ص بناء الطرقات والتنمي���ة ال�سمكية)‪� ،‬إال‬ ‫���دّم �أي م�ساعدة اقت�صادي���ة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬كان‬ ‫�أن الوالي���ات املتح���دة مل ُتق ِ‬ ‫�أ�سبوع��� ًا �سيئ��� ًا بالن�سبة للرئي�س �صالح الذي ب���د�أ زيارته عندما �أخربته‬ ‫م�ؤ�س�س���ة حتدي الألفية (‪� )the MCC‬أن ح�ساب اليمن (‪ 20‬مليون دوالر)‬ ‫املخ�ص����ص لتح���دي الألفي���ة �سيتوق���ف نظر ًا لتف�ش���ي الف�س���اد وانعدام‬ ‫امل�سئولي���ة املالي���ة والف�شل يف تفعي���ل الإ�صالح���ات الدميقراطية‪ ،‬ومن‬ ‫���م �أخربه البنك الدويل عندما زاره �صال���ح ب�أن امل�ساعدة التي يقدمها‬ ‫ث ّ‬ ‫لليم���ن �ستنخف����ض م���ن ‪ 420‬ملي���ون دوالر �إىل ‪ 280‬ملي���ون دوالر ب�سبب‬ ‫الف�س���اد وانع���دام امل�سئولي���ة املالية‪ ،‬ومن ث���م التقى بوزي���رة اخلارجية‬ ‫الأمريكي���ة كوندوليزا راي����س‪ ،‬التي قال �أحد امل�ص���ادر �أنها‪ ...« :‬ذ ّكرته‬ ‫بالتف�صي���ل مبعايري اال�ستحقاق املذك���ورة يف اتفاقية حتدي الألفية التي‬

‫�أخفق���ت اليمن يف تلبيتها‪ ،‬مث���ل احلريات املدنية‪ ،‬واحل���د من الف�ساد‪،‬‬ ‫وتطبي���ق الأنظمة القانوني���ة‪ ،‬واحلرية االقت�صادي���ة‪ .‬وذ ّكرها (�صالح)‬ ‫مبدى التع���اون الذي �أبدته اليم���ن مع الواليات املتح���دة �ضد الإرهاب‪.‬‬ ‫لكنه���ا قالت �إن ه���ذا لي�س له عالق���ة بذلك‪ ،‬خا�صة يف ه���ذه احلالة‪...‬‬ ‫و�إذا م���ا وا�صل���ت اليم���ن تطبيق مفاهي���م الدميقراطية �ستتب���ع الإعانة‬ ‫االقت�صادية»‪ .‬بعد كل هذا‪ ،‬التقى �صالح بالرئي�س بو�ش‪ ،‬و�أخربه الأخري‬ ‫ب�أن الواليات املتح���دة تُقدّر �أ�صدقائها‪ .‬ولكن يبدو �أن ما قاله بو�ش كان‬ ‫كالم �أجوف��� ًا بالن�سبة للرئي�س �صال���ح بعد اللقاءات التي �أجراها قبل �أن‬ ‫يلتقي بالرئي�س الأمريكي‪.‬‬ ‫وق���د يكون �سبب النتائ���ج املخيبة للأمل التي عاد به���ا �صالح من رحلته‬ ‫ه���و �أداء االقت�ص���اد اليمني املخيب‪ ،‬وف�شل الق���ادة اليمنيني يف معاجلة‬ ‫م�س�أل���ة الإ�صالحات؛ فمخ�ص�صات النفط ال ت�صب يف م�صلحة الفقراء‬ ‫الذي���ن ال يح�صل���ون �إال على ‪ %15‬منها مقارن���ة بن�سبة ‪ %85‬التي تذهب‬ ‫لغ�ي�ر الفق���راء‪ .‬وقد ح���رر نائب رئي�س البن���ك الدويل لل�ش���رق الأو�سط‬ ‫و�شمال �أفريقيا تقرير ًا مهم ًا بهذا اخل�صو�ص وبف�شل اليمن يف مكافحة‬ ‫الف�س���اد‪ ،‬و�أعلن عن تخفي�ض ن�سبة دع���م البنك لليمن مبعدل ‪� ،%34‬أي‬ ‫من ‪ 420‬مليون دوالر �إىل ‪ 280‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫وبينم���ا تتلقى اليمن مابني ‪ 150 - 100‬ملي���ون دوالر ك�إعانة من الواليات‬ ‫املتح���دة �إال �أن ه���ذا املبل���غ يتال�شى �إذا م���ا قارناه مبا تتلق���اه �إ�سرائيل‬ ‫(الت���ي ال ميثل �سكانها �س���وى جزء ًا �صغري ًا من �س���كان اليمن)‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ال�ش���روط التي ت�صحب الإعانة‪ .‬وت�ضغط الربامج ال�سيا�سية‬ ‫الأمريكي���ة على اليمن مطالب ًة بانفتاح �سيا�سي �أكرب و�إ�صالحات‬ ‫�سيا�سية واجتماعية‪� ،‬إذ تهدف مبادرة ال�سالم يف ال�شرق الأو�سط‬ ‫التي ترعاها وزارة اخلارجية الأمريكية �إىل تقدمي الدعم املايل‬ ‫للربامج التي متن���ح قوة �أكرب للمنظمات غري احلكومية‪ ،‬وتعتني‬ ‫بتمك�ي�ن املر�أة اليمني���ة والنقاب���ات العمالية‪ .‬ورغ���م �أن كل تلك‬ ‫الربام���ج ال تتلقى �س���وى مبلغ زهي���د‪ ،‬ف�إنها �أحيان��� ًا تُثري �سخط‬ ‫اليمني�ي�ن الذين ي�ساورهم القلق من �أن الواليات املتحدة �ستدفع‬ ‫�سريع ًا باليمن بعيد ًا عن عادات املجتمع وتقاليده‪.‬‬ ‫�إن خيبة الأمل هذه قد تكون ناجتة عن اختالف الأجندة وتركيز‬ ‫الرئي����س الأمريكي على ق�ضية تنظيم القاع���دة‪ .‬وقد ا�ستهل كل‬ ‫م���ن الرئي�سني كلمته بطريقة كما ل���و �أنهما يوجهان تعليمات‪� ،‬إذ‬ ‫ق���ال الرئي�س بو�ش‪« :‬مرحب ًا بكم �سيادة الرئي�س! �إنني �أتطلع �إىل‬ ‫حوارن���ا و�إىل عملن���ا الدءوب ك���ي نت�أكد م���ن �أن تنظيم القاعدة‬ ‫ومنت�سبيه ميثلون �أم���ام العدالة»‪ .‬ومن ّثم حتدث الرئي�س �صالح‬ ‫ً‬ ‫قائ�ل�ا‪« :‬ي�س���رين �أن تُتاح يل الفر�صة بلقائك���م هذا اليوم �سيادة‬ ‫الرئي����س‪� ،‬إذ �أن لدين���ا ع���دد م���ن الق�ضايا منه���ا الثنائية ومنها‬ ‫م���ا ي�ص���ب يف م�صلحة املجتم���ع ال���دويل واال�ستق���رار وال�سالم‬ ‫العامليني»‪.‬‬ ‫لكن ه���ذه اللهجة تغريت يف �شباط‪/‬فرباي���ر ‪ 2006‬عندما هرب‬ ‫من �سجن ب�صنعاء ‪� 23‬سجين ًا ُي�شتبه ب�أنهم من عنا�صر القاعدة‪،‬‬

‫فانتق���دت الواليات املتح���دة احلكومة اليمنية وطلب���ت ال�سماح ملحققني‬ ‫�أمريكي�ي�ن بالتوا�صل مع باقي املحتجزين حتى يتم التحقيق معهم‪ ،‬لكن‬ ‫احلكومة اليمنية رف�ضت الطلب‪ ،‬معتربة ذلك �إهانة ل�سيادة اليمن‪.‬‬ ‫وتهدف ال�سيا�سة الأمريكية التقليدية جتاه الدول املتعاملة معها �إىل بناء‬ ‫الق���وة الع�سكرية‪ ،‬وهذا هدف يتحقق به‪ :‬ال�سم���اح با�ستخدام قوة البلد‬ ‫امل�ستفيد لتحقيق �أهداف �أمريكية (لذا ا�شرتك يف حرب العراق ‪1990-‬‬ ‫‪ 1991‬الكثري من القوى الع�سكرية‪ ،‬مبا فيها العديد من العامل العربي)‪،‬‬ ‫وكو�سيلة لت�سوي���ق الأ�سلحة الأمريكية‪ .‬وعندما �سع���ت الواليات املتحدة‬ ‫�إىل حت�س�ي�ن العالقة باليمن بعد حادثة كول‪ ،‬قام���ت بعملية م�سح للقوة‬ ‫الع�سكرية اليمنية وانتهت �إىل �أن تلك القوة ناق�صة التجهيزات و ُم ّ‬ ‫ر�شحة‬ ‫لأن تكون هدف ًا لعملي���ة التحديث املُل َهمة من الواليات املتحدة‪ .‬وبح�سب‬ ‫�أح���د امل�صادر‪ ،‬ف�إن معدات القوات اجلوي���ة اليمنية مكونة من طائرات‬ ‫تعود �إىل عه���د ال�سوفيت (انظر �أدناه)‪ ،‬واجلي����ش ي�سحقه الف�ساد‪� ،‬أما‬ ‫الق���وات البحرية فلي�ست �سوى �سفينتني غرقت �إحداهما عندما حاولت‬ ‫البحرية جتربتها‪ .‬ولهذا ركزت الواليات املتحدة على �إن�شاء حر�س خفر‬ ‫ال�سواح���ل من نقطة ال�صفر‪ ،‬و�أ�صبح عدد �أف���راد حر�س خفر ال�سواحل‬ ‫اليمني���ة ‪ 1200‬فرد ًا حتت �سلطة وزارة الداخلية اليمنية مبيزانية �سنوية‬ ‫قدرها ‪ 1.1‬مليون دوالر و�أكرث من ‪ 40‬قارب ًا‪ ،‬وبحلول ‪� 2008‬س ُي�ص ِبح خفر‬ ‫ال�سواحل قادري���ن على حماية كل ال�سواحل اليمني���ة‪ ،‬ولهم حق مراقبة‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪25‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫عمليات الإرهاب والقر�صنة وتعزيز �أمن املواين‪.‬‬ ‫والفائ���دة التي جتنيها اليمن تتمثل يف �أن �سواحلها �ستُ�ص ِبح �أكرث �أمان ًا‪،‬‬ ‫ال�سفن التي‬ ‫وحميطها �أكرث �أمن ًا (وبهذا �ستنخف�ض �أق�ساط الت�أمني على ّ‬ ‫جتوب املياه اليمنية وتر�سي يف موانيها)‪ .‬ومن م�سئوليات خفر ال�سواحل‬ ‫�أي�ض��� ًا البح���ث عن املهاجرين غ�ي�ر ال�شرعيني و�إعادته���م �إىل �أفريقيا‪.‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل كل ما �سب���ق‪ ،‬مل ت ُِ�صر الواليات املتحدة عل���ى �أن ما تقدمه‬ ‫م���ن دعم مادي خلفر ال�سواحل يجب �أن ُين َفق يف �شراء معدات �أمريكية‬ ‫فق���ط‪ ،‬ل���ذا ت�ستطي���ع اليم���ن �أن ت�شرتي معدات م���ن �إيطالي���ا وماليزيا‬ ‫و�أ�سرتاليا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وط���د االحت���اد ال�سوفيت���ي‬ ‫امل�ص��الح الرو�س��ية‬ ‫�سابق��� ًا عالقاته بال���دول النامية‪ ،‬ومل تكن اليم���ن م�ستثناة من هذا‪� ،‬إذ‬ ‫ا�ستف���ادت الق���وات الع�سكرية التابع���ة جلمهورية اليم���ن الدميقراطية‬ ‫ال�شعبية م���ن املعدات الع�سكرية ال�سوفيتية الت���ي تراوحت بني الب�سيطة‬ ‫واملتط���ورة ك�صواريخ (�سك���ود) والطائرات احلربي���ة ال�سوفيتية‪ .‬وهذا‬ ‫الن���وع م���ن الطائرات ما ي���زال يعمل يف الق���وات اجلوي���ة اليمنية‪ ،‬التي‬ ‫ت�ستخدم ط�ي�ران متطور من نوع (ميج ‪ )29-‬املوجودة يف مطار �صنعاء‬ ‫الدويل‪ .‬و�أعلنت رو�سيا م�ؤخر ًا ت�سليمها لليمن ‪ 20‬مقاتلة من نوع (ميج)‬ ‫و‪ 29‬مقاتل���ة م���ن نوع (�سم���ت) متع���ددة الأغرا�ض‪ ،‬التي تزع���م رو�سيا‬ ‫�أنه���ا من �آخر �إ�صداراتها من هذا الن���وع من الطائرات بح�سب ت�صريح‬ ‫املتح���دث با�سم رو�سيا يف معر����ض دبي الذي انعقد م�ؤخ���ر ًا‪ .‬واملهم يف‬ ‫هذا الت�صريح �أن رو�سيا‪ ،‬ح�سبما ُيقال‪ ،‬قدمت هذا النوع من الطائرات‬ ‫�إىل دول���ة �أخرى‪ ،‬وهذه الدولة هي �إريرتيا التي متتلك مقاتلتني من هذا‬ ‫النوع‪.‬‬ ‫وال�س����ؤال ال���ذي يطرح نف�سه هو م���ا مدى النفوذ ال���ذي �ستجنيه رو�سيا‬ ‫م���ن بي���ع ‪ 20‬طائرة (ميج) لليمن وطائرتني فق���ط لإريرتيا؟ ومع �أنه مل‬ ‫يت���م الإف�صاح ع���ن القيمة الذي دفعته���ا اليمن �إال �أنه الب���د و�أنها قيمة‬ ‫عالي���ة‪ .‬وقد ر�أت رو�سي���ا �أن نفوذها الدويل ب�شكل ع���ام‪ ،‬ومبيعاتها من‬ ‫الأ�سلح���ة على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬ق���د بد�أا يف الأفول من���ذ نهاية احلرب‬ ‫الباردة‪ ،‬وما زال���ت م�شكلة بيع �أ�سلحتها تتفاقم؛ فهي مل تتمكن بعد من‬ ‫�إنه���اء �صفقات بي���ع طائرات (ميج ‪ )29‬للجزائر وال�س���ودان واليمن «‪..‬‬ ‫مل ت�صب���ح اتفاقيات منجزة»‪ ،‬وم���ا زالت الهند‪ ،‬التي تعترب عميل رو�سيا‬ ‫الأك�ب�ر‪ ،‬ترتدد يف طلب مقاتلة من الوزن اخلفيف‪ ،‬وهذه �صفقة ت�صفها‬ ‫بع����ض التقاري���ر الرو�سي���ة ب�أنها «�صفق���ة تواجه املماطلة م���ن �سنة �إىل‬ ‫�ست�صب يف م�صلحة رو�سيا»‪ .‬ويبدو‬ ‫�أخرى‪ ،‬ولي�س هناك م�ؤ�شر على �أنها‬ ‫ّ‬ ‫�أن رو�سيا بد�أت تفقد تر�سان���ة دفاع �أخرى تتعلق ب�صيانة �أ�سلحتها التي‬ ‫باعتها م�سبق��� ًا‪ ،‬فنجد رو�سيا البي�ضاء تعل���ن يف ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب‬ ‫‪� 2005‬أنه���ا ف���ازت بعقد ل�صيانة ع�شر مقاتالت من ن���وع (�سو‪ )22‬تابعة‬ ‫للقوات اجلوية اليمنية ا�شرتتها اليمن م�سبق ًا من االحتاد ال�سوفيتي‪.‬‬ ‫فه���ل جن���ت رو�سيا نف���وذ ًا �أكرب بف�ض���ل مبيعاتها الع�سكري���ة؟ ح�سب ما‬ ‫قال���ه ع�ض���و جمل�س نواب ميني‪ ،‬كان امل�سئ���ول الأول عن �شراء مقاتالت‬ ‫‪26‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫(املي���ج) عنا�صر ا�شرتاكي���ة‪ ،‬وانتقد القيمة املدفوع���ة يف تلك ال�صفقة‬ ‫وا�صف ًا �أولئك امل�سئولني ب�أنهم “�أعداء اليمن”‪ .‬ورمبا �أن احلما�س الذي‬ ‫كان يبدي���ه اليمنيون �ضد االحتاد ال�سوفيتي امللحد ما يزال ي�سيطر على‬ ‫اليمني�ي�ن‪ ،‬ال�سيما �أفراد النخبة الديني���ة‪� ،‬إذ جند ال�شخ�ص ذاته ُيدين‬ ‫احل���زب احلاكم “ببيع اليم���ن للأمريكيني”‪ ،‬م�ش�ي�ر ًا �إىل �أن املعار�ضة‬ ‫�ض���د التعاون مع كل م���ن الواليات املتحدة‪ ،‬ورو�سيا مل حت�ض بالدعم يف‬ ‫بع�ض �أركان الربملان اليمني‪ ،‬خا�صة من قبل الأحزاب الدينية‪ .‬لكن مثل‬ ‫هذا الكالم مل ُيقال على ال�صني‪.‬‬ ‫وتطم���ع رو�سي���ا �أي�ض ًا يف موقع اليم���ن اال�سرتاتيجي نظ���ر ًا لعدد �سفنها‬ ‫الكبري التي تبحر عرب قناة ال�سوي�س؛ فالبنية التحتية للطرقات وال�سكك‬ ‫احلديدي���ة املتهالكة وقدمية الطراز جتعل �شح���ن الب�ضائع من املحيط‬ ‫اله���ادي �إىل البحر الأ�سود وبحر البلطيق �أقل تكلفة من نقلها عرب الرب‪.‬‬ ‫ومن املعروف �أن املواد اخلام التي ت�ستهلكها رو�سيا من البلدان ال�شرقية‬ ‫مت���ر عرب قناة ال�سوي�س �إىل البلدان الغربية الأكرث ت�صنيع ًا (مالحظات‬ ‫الكاتب‪ ،‬قناة ال�سوي�س‪� ،‬آذار‪/‬مار�س ‪ ،)2006‬والبد لل�سفن املحملة بتلك‬ ‫امل���واد �أن متر عرب م�ضي���ق باب املندب يف طريقه���ا �إىل البحر الأحمر‪.‬‬ ‫وله���ذا ال�سب���ب حتتاج رو�سي���ا �إىل عبور �آم���ن يف منطقة ت�شه���د �أعمال‬ ‫قر�صنة‪ ،‬وهجمات �إرهابية �ضد ال�سفن‪.‬‬ ‫�شح���ذ النم���و االقت�ص���ادي‬ ‫امل�ص��الح ال�ص��ينية‬ ‫الذي �شهدته ال�صني يف العق���د املا�ضي ال�شهية ال�صينية للح�صول على‬ ‫ُنمي‬ ‫الطاقة‪ ،‬التي �أخذت ال�ص�ي�ن ت�ستوردها يف الوقت الذي حتاول �أن ت ِّ‬ ‫م�صادره���ا الداخلية‪ .‬وق���د �أ�صبح �سعي ال�ص�ي�ن وراء الطاقة البرتولية‬ ‫عاملي ًا بحيث مل يعد ي�صل �إىل ال�شرق الأو�سط فح�سب بل ميتد �إىل �أمريكا‬ ‫اجلنوبي���ة وكن���دا‪ ،‬ومن املحتم���ل �أن يزداد هذا ال�سعي م���ع زيادة معدل‬ ‫النم���و االقت�صادي املتوقع �أن ي�ص���ل ‪� %9‬سنوي ًا خالل العقدين املقبلني‪.‬‬ ‫وكما هو احلال بالن�سبة ملعظم امل�ستوردين للطاقة‪ ،‬تمُ ِّثل منطقة ال�شرق‬ ‫الأو�س���ط امل�صدر الرئي�سي لل�صني الت���ي تزيد وارداتها منها على ‪%45‬؛‬ ‫وم���ن هذه الن�سبة ‪ %14‬م�صدره���ا ال�سعودية‪ ،‬و‪ %13‬من عمان‪ ،‬وحوايل‬ ‫‪ %11‬من �إيران‪ .‬كما ت�ستورد ال�صني ن�سبة قليلة من النفط عرب الأنابيب‬ ‫الأر�ضي���ة‪ ،‬وهذا يجعلها م�ضط���رة �إىل اال�سترياد ع�ب�ر النقل البحري‪،‬‬ ‫وبالت���ايل البد �أن تهتم ال�صني ب�ش�أن �أمن نقاط االختناق البحرية‪ ،‬ومن‬ ‫�ضمنها م�ضيق باب املندب‪.‬‬ ‫وت�ش�ت�رك ال�صني مع اليم���ن يف �أعمال جتارية حم���دودة لكنها متنامية‬ ‫و�صل���ت �إىل ‪ 3‬بلي���ون دوالر �أمريكي عام ‪ .2005‬كما عر�ضت ال�صني على‬ ‫اليمن القيام برتتيبات قيا�سية تتعلق ب�أعمال جتارية مع البلدان النامية‪،‬‬ ‫و�أال تفر�ض �ضرائب على بع�ض املنتجات (الأرجح �أنها املنتجات التي لن‬ ‫تناف�س املنتجات املحلية ال�صينية ب�شدة)‪.‬‬ ‫وال تقت�ص���ر امل�صال���ح ال�صيني���ة يف اليمن (وبلدان نامي���ة �أخرى) على‬ ‫امل�سائ���ل االقت�صادية ولكنه���ا توا�صل كذلك دعمها للبل���دان النامية يف‬ ‫ترتيب���ات متبادلة املنافع‪ ،‬والت���ي تت�ضمن الدعم الفعل���ي وال�سيا�سي يف‬

‫هيئات متعددة الأطراف ت�سعى �إىل �إيجاد توازن مع قوة الهيمنة العاملية‬ ‫املنفردة‪� ،‬أي الواليات املتحدة‪ .‬لكن ال�صني ال تقدم اخليارات التجارية‬ ‫املف�ضل���ة وغريها من �ص���ور الدعم للدول ال�صديق���ة دون مقابل‪ ،‬و�إمنا‬ ‫ت�سع���ى �إىل احل�ص���ول على دع���م تلك الدول ب�ش����أن الق�ضاي���ا ال�صينية‬ ‫مث���ل �إعادة الوحدة مع تايوان‪ .‬وق���د �شكر الزوار ال�صينيون من احلزب‬ ‫ال�شيوعي ال�صيني اليمن عند زيارتهم يف �آذار‪/‬مار�س ‪ 2006‬على دعمها‬ ‫املتوا�ص���ل لل�صني ب�ش�أن الق�ضايا املتعلقة بتاي���وان و�إقليم التبت وحقوق‬ ‫الإن�سان‪ ،‬وقالوا �إن احلزب ال�شيوعي واحلكومة ال�صينية يعتربان اليمن‬ ‫�صديق ًا دائم ًا ُيعت َمد عليه‪.‬‬ ‫وت�سع���ى ال�صني �إىل ك�سب �أكرب عدد ممكن من الدول ال�صديقة (ورمبا‬ ‫�أكرب عدد ممكن من الأ�صوات يف املنظمات الدولية مثل الأمم املتحدة)‬ ‫م���ن �أجل دع���م جهودها للحف���اظ على �إقلي���م التبت و�ض���م تايوان �إىل‬ ‫يوجه ل�سجلها اخلا�ص‬ ‫الأرا�ض���ي ال�صيني���ة‪ ،‬وحتاول �أي�ض ًا �ص ّد �أي نق���د ّ‬ ‫بحق���وق الإن�س���ان‪ ،‬وه���ي بحاج���ة �إىل بلدان مث���ل اليمن الت���ي تعر�ضت‬ ‫�سجالتها للنقد من قبل منظمات وقوى خارجية‪.‬‬ ‫ويف كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ 2005‬التقى م�سئولو التجارة والبنك ال�صيني‬ ‫بنائ���ب رئي����س الوزراء ووزي���ر التخطي���ط والتعاون ال���دويل – وقتذاك‬ ‫ �أحم���د �صوف���ان‪ ،‬للبحث يف م�سائ���ل الدعم املايل لأعم���ال اال�ستثمار‬‫ال�صيني���ة يف اليمن‪ ،‬ومل يف�ص���ح عن مدى و�شروط تل���ك الأعمال‪ .‬ويف‬ ‫الي���وم التايل التق���ى وزير النفط واملع���ادن اليمني ر�ش���اد �صالح بارباع‬ ‫م���ع نائب حمافظ البنك املركزي ال�صيني �س���و ت�شنغ والوفد املرافق له‬ ‫للبحث يف �سبل التعاون امل�شرتك يف التنقيب عن النفط والتنمية‪.‬‬

‫املايل اخلارجي املقدم للتغيري ال�سيا�سي‪ ،‬فقد قبلت يف ت�شرين الثاين‪/‬‬ ‫نوفم�ب�ر ‪ 2005‬عر�ض ًا مببلغ ‪ 2‬مليون يورو قدمه االحتاد الأوروبي لتعزيز‬ ‫وزارة حق���وق الإن�سان وت�شجيع م�شاركة املنظمات غري احلكومية‪ .‬وهذا‬ ‫ميث���ل �إدراك ًا ب�أن خيار العم���ل يف �إطار التناف�س الثالثي قد يجعل اليمن‬ ‫تبحث عن �شريك رابع يكون خالي ًا من املخاطر املحتملة التي قد ت�سببها‬ ‫الثالث القوى الكربى‪ .‬لهذا طلب الرئي�س �صالح اال�ستثمار االقت�صادي‬ ‫ورح���ب بال�شركة الفرن�سي���ة (توتال) لتدير م�ش���روع الغاز‬ ‫م���ن �أوروبا‪ّ ،‬‬ ‫الطبيعي املُ�سال يف اليمن‪.‬‬

‫ال تعد اليمن‪ ،‬من ناحية‪ ،‬مكان ًا تطمع‬ ‫ا�ستنتـــــاج‬ ‫به القوى اخلارجية‪ ،‬فهي بلد منعزل وفقري‪ .‬لكن يف نف�س الوقت هناك‬ ‫عوام���ل تلفت االنتباه �إىل اليمن‪ ،‬منها‪ :‬نفطها‪ ،‬وموقعها اال�سرتاتيجي‪،‬‬ ‫وكونه���ا م�ص���در للمتطرف�ي�ن الإ�سالمي�ي�ن‪ .‬لذا لفت���ت اليم���ن انتباه ًا‬ ‫حم���دود ًا لكنه ُمر ّكز م���ن ِقبل الواليات املتح���دة ورو�سيا وال�صني‪ ،‬وكل‬ ‫منه���ا لها م�صاحلها اخلا�صة بها وت�سع���ى للت�أثري يف احلكومة اليمنية‪.‬‬ ‫�أم���ا بالن�سبة لليم���ن‪ ،‬فمن الوا�ض���ح �أنها تنظر �إىل م���ن يقدم العر�ض‬ ‫الأف�ضل من ب�ي�ن هذه القوى‪ ،‬وبهذا ت�شجع زيادة املناف�سة لتحقيق تلك‬ ‫ال�صفقة‪.‬‬ ‫وم���ن بني القوى الثالث تقدم رو�سي���ا العر�ض الأقل لليمن؛ فالطائرات‬ ‫املقاتلة وال�صواريخ املتو�سطة املدى تُك ِّلف اليمن الكثري ويف ذات الوقت‬ ‫ال تُعزز الأمن اليمني‪ .‬واحلال �أن رو�سيا ال ت�ستطيع �أن تعيد الدور الذي‬ ‫كانت تلعبه �أثناء احلرب الباردة‪ ،‬ورمبا ال تريد ذلك يف الوقت احلايل‬ ‫و�إمن���ا ت�أم���ل �أن تبيع بع����ض املع���دات الع�سكرية لتحافظ عل���ى �إنتاجها‬ ‫م���ن الأ�سلحة‪� .‬أما الوالي���ات املتحدة فتعد �صاحبة ث���اين �أف�ضل عر�ض‬ ‫ت�صنيف امل�صالح اخلارجية‬ ‫ً‬ ‫بتقدميه���ا مواردا حم���دود ًة مل�ساعدة اليمن يف مواجه���ة التمرد املحلي‬ ‫بعد ذكر م�صالح القوى اخلارجية‪ ،‬ميكننا ت�صنيفها �إىل ما يلي‪:‬‬ ‫وال���دويل‪ ،‬ال�سيما من خ�ل�ال دعمها خف���ر ال�سواحل الذي يوف���ر �أماناً‬ ‫�أك�ث�ر ل�شحن امل���وارد اليمنية‪� .‬أما ال�ص�ي�ن فهي التي تقدم‬ ‫ثالث ًا‬ ‫ثاني ًا‬ ‫�أو ًال‬ ‫البلد‬ ‫�أف�ضل عر����ض لليمن عرب �ش���راء البرتول اليمن���ي‪ ،‬و�إزالة‬ ‫املوقع اال�سرتاتيجي امل�صالح االقت�صادية‬ ‫الإرهاب‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫العوائ���ق التجاري���ة الت���ي تعرقل �ش���راء الب�ضائ���ع الأخرى‬ ‫الإرهاب‬ ‫امل�صالح االقت�صادية املوقع اال�سرتاتيجي‬ ‫ال�صني‬ ‫من اليمن‪ .‬وق���د ا�ستفادت القي���ادة ال�سيا�سية اليمنية من‬ ‫املوقع اال�سرتاتيجي امل�صال���ح ال�صينية يف اليمن‪ ،‬رمب���ا لقدرتها على االعتماد‬ ‫الإرهاب‬ ‫امل�صالح االقت�صادية‬ ‫رو�سيا‬ ‫عل���ى ال�صني للحد من ال�ضغط الأمريكي ب�ش�أن اجلماعات‬ ‫املتم���ردة‪� ،‬إذ �أن ال�صني ال تفر�ض �شروط��� ًا �سيا�سية لبناء‬ ‫وم���ن ذل���ك يت�ض���ح �أن م�صالح ال�صني ه���ي الأق���رب �إىل اليمن‪ ،‬حيث عالقتها مع اليمن‪.‬‬ ‫تت�ص���در التنمي���ة االقت�صادي���ة الأولوية‪ .‬وم���ع �أن الرئي����س �صالح يدين‬ ‫والوا�ضح �أن ال�صني �أ�ضحت تلعب دور ًا دولي ًا �أكرب يف ال�سنوات الأخرية‬ ‫العن���ف الإ�سالمي علن��� ًا �إال �أنه ُي ّ‬ ‫ف�ضل التعامل مع���ه ب�سيا�ساته اخلا�صة‬ ‫ع���ن طريق تو�سي���ع نفوذها به���دوء يف منطقة ال�ش���رق الأو�سط و�شمال‬ ‫ب���د ًال م���ن اال�ستجابة لل�ضغ���وط اخلارجي���ة لتنفيذ �سيا�س���ات ت�صب يف‬ ‫�أفريقيا عن طريق البحث عن م�صادر برتول لتمويل النمو االقت�صادي‬ ‫م�صلحة الواليات املتحدة‪� .‬أما ال�صني فهي مل تطالب اليمن باالن�ضمام‬ ‫ال���ذي ت�شهده ال�ص�ي�ن‪ .‬و�إذا دخلت ال�صني يف عالق���ات مع دول �أخرى‬ ‫�إىل ما ي�سمى “باحلرب على الإرهاب”‪ ،‬ومل تربط م�صري �سيا�ستها مع‬ ‫يف املنطق���ة مماثل���ة لعالقاتها مع اليمن‪ ،‬ف�إن ه���ذه اجلهود �ستح ّد من‬ ‫اليمن ب�أي �شروط‪.‬‬ ‫النف���وذ الأمريكي يف املنطقة لأن ال�ص�ي�ن تتحا�شى �أنواع ال�ضغوط التي‬ ‫وعل���ى عك����س بع�ض دول اخللي���ج‪ ،‬كانت اليم���ن م�ستعدة لقب���ول الدعم تنتهجها الإدارة الأمريكية يف �سيا�ستها ال�شرق �أو�سطية‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪27‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫ال�صورة ال�ضائعة‬

‫�إعادة االعتبار للدبلوما�سية الثقافية اليمنية‬ ‫معـــاذ الأ�شهبـــي‬

‫‪28‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫�إن ماهية �أي ت�صور ب�ش�أن الدبلوما�سية الثقافية اليمنية ودورها الفاعل هو‪� ،‬أ�سا�س ًا‪ ،‬وبعك�س ما يعتقد‬ ‫البع�ض‪ ،‬حديث عن ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية وعن امل�ؤ�س�سات الدبلوما�سية‪ ،‬وال يجب تناوله‪ ،‬ح�صر ًا‪،‬‬ ‫يف الإط���ار الذي ي�شكل���ه الأداء البريوقراطي للأجه���زة احلكومية املعنية بال�ش����ؤون الثقافية؛ كوزارة‬ ‫الثقافة مث ًال‪� ،‬أو الهيئات وامل�ؤ�س�سات التابعة لها‪� .‬إذ �أنه حديث يف التخطيط ال�سيا�سي والدبلوما�سي‪،‬‬ ‫ويف �إع���ادة ر�س���م ال�سيا�سة اخلارجية للبالد‪ ،‬بال�ش���كل الذي ُيف ِّعل دورها يف عملي���ة البناء الوطني يف‬ ‫الداخل‪� ،‬أو يف تقدمي �صورة �إيجابية عن اليمن للآخرين يف العامل‪.‬‬ ‫ب�صفة عامة‪ ،‬الدبلوما�سية‬ ‫الثقافة بو�صفها تر�سانة!‬ ‫الثقافي���ة هي �إحدى �صور وو�سائل الق���وة الناعمة (‪ )1‬لأي دولة‪،‬‬ ‫والت���ي تعت�ب�ر يف مقدمة و�سائ���ل جذب و�إقن���اع ال�شع���وب الأخرى‬ ‫بالأفكار واملواقف التي تتبناها هذه الدولة‪ ،‬والإعجاب بها‪.‬‬ ‫وا�ستط���راد ًا‪ ،‬ف�إن للقوة الناعمة لأي دول���ة م�ساران‪� ،‬أحدهما يف‬ ‫التعامل مع احلكومات‪ ،‬وي�شمل و�سائل ال�ضغط املبا�شر دبلوما�سي ًا‪،‬‬ ‫ويف طريقة التعام���ل مع ممثلي الدول‪ ،‬وا�ستخ���دام و�سائل النفوذ‬ ‫يف امل�ؤ�س�س���ات الدولية كالأمم املتح���دة‪ ،‬والبنك الدويل‪ ،‬و�صندوق‬ ‫النقد الدويل‪.‬‬ ‫�أم���ا امل�س���ار الثاين فه���و التعامل م���ع ال�شعوب والأف���راد‪ ،‬وتتمثل‬ ‫و�سائل���ه ذات الت�أث�ي�ر غ�ي�ر املبا�ش���ر‪ ،‬ويف الأف�ل�ام ال�سينمائي���ة‪،‬‬ ‫والعرو����ض امل�سرحية‪ ،‬والكتاب والرواي���ة‪ ،‬واملو�سيقى‪ ،‬وغريها من‬ ‫و�سائل التعبري الأدبي والفني‪.‬‬ ‫وهذا امل�سار الث���اين هو ما ن�سميه “الدبلوما�سية الثقافية”‪ ،‬وقد‬ ‫مور����س هذا امل�سار من قبل و�أُدير م�ستق ًال عن ال�سيا�سة اخلارجية‬ ‫للدول���ة‪ ،‬وهو �أ�سلوب عرفته الدول املتقدمة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا يف الغرب‪،‬‬ ‫على مدى ع�شرات ال�سنني املا�ضية‪ ،‬يف تقدمي وجهها �إىل العامل يف‬ ‫�أح�سن �صورة‪ ،‬من خالل �إنتاجها الثقايف والفني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غري �أن اجلدي���د يف توجه الدبلوما�سية الثقافية‪ ،‬وحتديدا خالل‬ ‫ف�ت�رة اخلم�س ال�سنوات املا�ضي���ة‪ ،‬و�ضمن “معرك���ة ك�سب العقول‬ ‫والقلوب” يف �إطار ما ي�سمى “احلرب العاملية على الإرهاب”‪ ،‬هو‬ ‫يف اجتاه �صانعي القرار‪ ،‬الغربيني بالذات‪ ،‬نحو دمج الدبلوما�سية‬ ‫الثقافية يف �إدارة ال�سيا�سة اخلارجية ب�شكل كامل‪.‬‬ ‫�إن املق�ص���ود بالدبلوما�سية الثقافي���ة‪� ،‬أن يكون هناك توجه لدى‬ ‫الدول���ة نح���و خماطبة النخب���ة التي تق���ود الر�أي الع���ام وت�ؤثر فيه‬ ‫يف الب�ل�اد الأخ���رى امل�ستهدفة‪ ،‬م���ن مفكرين وكتاب وق���ادة ر�أي‪،‬‬ ‫ونقابات‪ ،‬و�إع�ل�ام‪ ،‬و�صحافة‪ ،‬بهدف ت�سويق الأف���كار والقيم التي‬ ‫تتبناها الدولة بينهم‪ .‬وتت�ضمن تر�سانة الأ�سلحة الثقافية‪� :‬صحف‬ ‫وكت���ب وم�ؤمت���رات ومنتديات ومعار����ض فنية وحف�ل�ات مو�سيقية‬ ‫وجوائز‪.‬‬

‫معاذ الأ�شهبي باحث وكاتب من اليمن‪.‬‬

‫م���ا يهمنا يف حم���اوالت التعريف ه���ذه‪ ،‬ه���و �أن الإدراك الأ�شمل‬ ‫للدبلوما�سي���ة الثقافي���ة ميكن �أن يتم من خالل فه���م ماهية القوة‬ ‫ً‬ ‫حق�ل�ا �أ�شمل ُتع���د الدبلوما�سية‬ ‫الناعم���ة‪ ،‬باعتب���ار ه���ذه الأخرية‬ ‫الثقافي���ة �إحدى مكوناته‪ .‬والقوة الناعمة‪ ،‬بح�سب التعريف الرائج‬ ‫لها‪ ،‬ه���ي القدرة على التو�صل �إىل الغاية املطلوبة من خالل جذب‬ ‫الآخري���ن‪ ،‬ولي�س باللجوء �إىل التهدي���دات �أو اجلزاء‪ ،‬وتعتمد هذه‬ ‫القوة على الثقافة‪ ،‬واملبادئ ال�سيا�سية‪ ،‬وال�سيا�سات املتبعة‪.‬‬ ‫وبتعري���ف كه���ذا‪ ،‬ي�سهل فه���م الدبلوما�سي���ة الثقافية عل���ى �أنها‬ ‫اال�ستخدام املخطط من قبل �أمة �أو دولة ما لدعاية و�أن�شطة (‪)2‬‬ ‫من �أجل �إي�صال �أفكار ومعلومات هدفها الت�أثري على �آراء ومواقف‬ ‫ومناهج وم�شاع���ر و�سلوك وت�صرفات جماع���ات �أجنبية ب�أ�ساليب‬ ‫وطرق ت�ساند �أو ت�سهل حتقيق الأهداف الوطنية‪.‬‬ ‫كل دول الع���امل‪ ،‬ولي����س اليم���ن‬ ‫مبعوثون��ا الأجان��ب‬ ‫وحدها‪ ،‬ت�ستجدي التقدير الإيجاب���ي من الآخرين‪ ،‬والدبلوما�سية‬ ‫الثقافي���ة الناجحة ت�ساعد النا�س على ق���ول ما كانوا �سيقولونه‪� ،‬أو‬ ‫ما يجب �أن يقولونه عن اليمن‪.‬‬ ‫ومبا �أن الدبلوما�سية الثقافي���ة هي العالقات العامة املنقولة من‬ ‫احلي���ز الثقايف �إىل احليز ال�سيا�سي‪ ،‬ف�إنه���ا يف املح�صلة‪ ،‬تغدو يف‬ ‫خدمة ال�سيا�سة العامة للبالد‪.‬‬ ‫الدبلوما�سي���ة الثقافي���ة‪ ،‬بكلمات �أخرى‪ ،‬تفع���ل الكثري‪ ،‬وبالن�سبة‬ ‫لبل���د يف حاج���ة ما�س���ة للآخري���ن با�ستم���رار كاليم���ن‪ ،‬ن�ستطي���ع‬ ‫باال�ستخ���دام الناج���ح له���ا �إن�شاء �شبك���ة وا�سعة بالغ���ة الت�أثري من‬ ‫ال�شخ�صيات الثقافية‪ ،‬وخمططي الإ�سرتاتيجيات ال�سيا�سية‪ ،‬ومن‬ ‫النظام القائم‪ ،‬والرواب���ط القدمية بني اجلامعيني (‪ ،)3‬مهمتها‬ ‫املزدوجة تكري����س النظرة الإيجابية عن اليم���ن‪ ،‬ومتهيد الطريق‬ ‫�أمام م�صالح ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية يف العامل‪.‬‬ ‫ويتطلب جناح الدبلوما�سي���ة الثقافية �إن�شاء مكاتب �أو م�ؤ�س�سات‬ ‫للعم���ل الثق���ايف يف اخل���ارج‪ ،‬و�إ�صدار املج�ل�ات الثقافي���ة‪ ،‬و�إقامة‬ ‫املعار����ض‪ ،‬وامت�ل�اك و�سائ���ل اخلدم���ات الإخباري���ة والتغطي���ات‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪29‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫‪XXX.ZFNFO- .DPN‬‬

‫وجهات نظر‬

‫ال�صحافية‪ ،‬وتنظيم امل�ؤمترات الدولية ذات‬ ‫ال�سمعة العالية‪ ،‬وتقدمي اجلوائز واملكاف�آت‬ ‫للمو�سيقي�ي�ن والفنان�ي�ن وامل�سرحي���ات‬ ‫اجلماهريي���ة‪ ،‬وغريها‪ .‬واله���دف من هذا‬ ‫كله‪ ،‬دائم ًا‪ ،‬الت�أثري يف �آراء ومواقف النخب‬ ‫الفكري���ة والثقافي���ة عل���ى نح���و يكيفها مع‬ ‫الأهداف الوطني���ة‪ ،‬وي�سهل �إجناز �أهداف‬ ‫ال�سيا�سة اخلارجية‪.‬‬ ‫وبكلم���ات �أخ���رى‪ ،‬ف����إن تو�سي���ع نط���اق‬ ‫الن�ش���اط الإبداع���ي اليمن���ي يف اخل���ارج الدبلوما�س��ية الثقافي��ة تفع��ل الكث�ير‪ ،‬وبالن�س��بة لبل��د يف حاج��ة ما�س��ة للآخري��ن‬ ‫م���ن �ش�أنه تق���دمي اليمن للخ���ارج ب�صورة با�س��تمرار كاليمن‪ ،‬ن�ستطيع باال�ستخدام الناجح لها �إن�شاء �شبكة وا�سعة بالغة الت�أثري‬ ‫�إيجابي���ة‪ ،‬واحل�صول على تقدي���ر �إيجابي من ال�شخ�ص��يات الثقافية‪ ،‬وخمططي الإ�س�تراتيجيات ال�سيا�سية‪ ،‬ومن النظام القائم‪،‬‬ ‫جتاه البل���د‪ ،‬و�صنع �أر�ستقراطي���ة مك ّر�سة والرواب��ط القدمي��ة بني اجلامعيني‪ ،‬مهمتها املزدوجة تكري���س النظرة الإيجابية عن‬ ‫خلدم���ة ه���ذا التقدي���ر‪ .‬ويف ه���ذا ال�سياق اليمن‪ ،‬ومتهيد الطريق �أمام م�صالح ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية يف العامل‬ ‫يتوقع من الأف���راد وامل�ؤ�س�سات التي يتوجه‬ ‫الع���امل الذي يرى اليمن بلد متخلف وغري م�ستقر ّ‬ ‫وه�ش وغري �آمن‬ ‫الطبيعية لغي���اب الدبلوما�سية الثقافية‬ ‫�إليه���ا ن�ش���اط الدبلوما�سي���ة الثقافي���ة اليمنية الت�ص���رف والعمل هو‪ ،‬يف تقدي���ري‪ ،‬النتيجة‬ ‫‪2010‬‬ ‫بو�صفه���م ج���زء ًا من حملة �إقن���اع وا�سع‪ ،‬وعلى النح���و الذي مينح عن �إدراك وفهم �صانعي ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية كلي ًا!‬ ‫ال�سيا�سة اليمنية ثق ًال ثقافي ًا ُيعت ّد به‪.‬‬ ‫تو�ضيحات‬ ‫(‪ )1‬ي�ستدعي م�صطلح “القوة الناعمة”‬ ‫لق���د كان���ت ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة‬ ‫�إدراك ال يت�س��ع‬ ‫ب�ش���كل تلقائ���ي نقي�ض���ه؛ الق���وة ال�صلب���ة �أو اخل�شن���ة‪ .‬و�إذا كانت‬ ‫والدبلوما�سي���ة اليمنية ذات �أهمي���ة ا�ستثنائية على الدوام‪ ،‬وتت�أتى‬ ‫أهداف املطلوبة‪،‬‬ ‫‪»ÁOÉcC‬أثري يف ال‬ ‫’ على الت�‬ ‫«القدرة‬ ‫“القوة”‬ ‫‪‹hódG‬‬ ‫عموم ًا‪ƒŸG‬هي‪G ô``“D‬‬ ‫‪OÉ≤©fG‬‬ ‫‪ø``Y 2010‬‬ ‫‪���á``ª¶æŸG‬ع‪ô“DƒŸ‬‬ ‫‪áæé∏dG‬‬ ‫‪ø``∏©J‬‬ ‫‪ øª«dG‬الذي‬ ‫اجلغرايف الهام‬ ‫خمتلفة مثل املوق‬ ‫���ن زوايا‬ ‫هذه الأهمية م‬ ‫‪Ωó≤àf‬ق���وة الناعمة‪،‬‬ ‫ال�ض���رورة»‪ ،‬ف����إن ال‬ ‫عند‬ ‫���ن‬ ‫ي‬ ‫آخر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫���وك‬ ‫ل‬ ‫�س‬ ‫وتغي�ي�ر‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪ƒ``jÉe‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‬‫‪17‬‬ ‫‪IÎ``ØdG‬‬ ‫‪∫Ó``N‬‬ ‫)‪¬«∏Yh .(AÉ``©æ°U ,∂``«Ñæaƒe ¥ó``æa‬‬ ‫‪.‬‬ ‫حتتله اليمن‪ ،‬والت�أثري الكبري الذي من املمكن �أن تلعبه اليمن على‬ ‫كم���ا يق���ول الأكادميي الأمريكي جوزيف ن���اي (االبن) مبتكر هذا‬ ‫والدويل‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫امل�ستوى الإقليمي‬ ‫‪ºµbGQhC‬‬ ‫‪ø``Y‬‬ ‫‪äÉ°üî∏e‬‬ ‫املفهوم‪Gh،‬هي‪∫É°SQE‬‬ ‫‪,ô``“DƒŸG Gò``g äÉ«dÉ©a ‘ á``cQÉ°ûª∏d‬‬ ‫‪º``µJƒYóH‬‬ ‫من خالل الإقناع‬ ‫على‪G‬ما تريد‬ ‫احل�صول‬ ‫«القدرة على‬ ‫�شهدته‬ ‫‪ ,ô“D‬الذي‬ ‫التطور‪ƒ‬الهائل‬ ‫الدبلوما�سية‬ ‫واملتتبع لتاريخ‬ ‫‪:âfÎfE’G ≈∏Y Éæ©bƒe‬‬ ‫‪∫ÓN øe‬‬ ‫‪∂dPh‬‬ ‫�سيلحظ ‘ ‪ŸG‬‬ ‫‪É¡Áó≤J‬‬ ‫‪ºà«°S »àdG‬‬ ‫ولي�س الإكراه»‪.‬‬ ‫مقارنة مبا كانت عليه يف بدايات ومنت�صف القرن املا�ضي‪ ،‬ويفر�ض‬ ‫(‪ )2‬املث���ال التاريخ���ي اجلدي���د باالهتم���ام يف ه���ذا ال�صدد‪ ،‬هو‬ ‫ه���ذا التطور على الدبلوما�سية اليمنية الكثري من التحديات جلهة‬ ‫‪���XXX.ZFNFO‬د الربيط���اين لو�ضع حد لتج���ارة الرقيق الدولي���ة يف القرن‬‫اجله‬ ‫ مع تطورات العامل‬ ‫‪ .DPN‬ين�سجم‬ ‫اعتم���اد منوذج جديد من الدبلوما�سية‬ ‫التا�س���ع ع�شر‪ ،‬ال���ذي كان عملية طويل���ة وا�سعة النط���اق ومتعددة‬ ‫من حولنا‪ ،‬وبالطريق���ة التي تفر�ض �أن تكون اجلهود الدبلوما�سية‬ ‫اجلوان���ب‪ .‬لق���د ا�ستغ���رق اجله���د خم�سني عام��� ًا‪ ،‬و�شارك���ت فيه‬ ‫اليمنية متكيفة مع حقائق العامل املعا�صر‪.‬‬ ‫بفاعلية البحرية الربيطاني���ة والكني�سة و�صحافيون ودبلوما�سيون‬ ‫�إن حتمي���ة ه���ذا التكيف تقودن���ا �إىل مالحظ���ة �أن ال�سمة الأبرز‬ ‫و�شخ�صيات جامعية‪ ،‬ويف نهاية املطاف جنح اجلهد يف قمع جتارة‬ ‫للدبلوما�سية العاملية املعا�صرة تت�صل بتداخل الن�شاط الدبلوما�سي‬ ‫الرقي���ق وجعلها غ�ي�ر م�شروعة‪ .‬ويف نهاية الق���رن التا�سع ع�شر مل‬ ‫الر�سمي مع ما ي�سمى بالدبلوما�سية ال�شعبية غري الر�سمية‪ ،‬والتي‬ ‫ي�ب�رر العامل املتقدم جت���ارة الرقيق �أو يت�سام���ح ب�ش�أنها مثلما كان‬ ‫�شه���دت العقود الأخرية م���ن القرن املن�صرم انت�ش���ار ًا وا�سع ًا لها‪،‬‬ ‫يفع���ل يف بداية ذلك القرن‪ .‬لقد غ�ّي�رّ اجلهد الربيطاين الطريقة‬ ‫وهذا النوع من الدبلوما�سية يعتمد على احتياطي كبري من املوروث‬ ‫ماليني‪Ωó≤àf‬‬ ‫بها ‪ɪc‬‬ ‫‪.á``jõ«∏‚’Gh‬‬ ‫النا�س‪.‬‬ ‫‪á``«Hô©dG‬ويتحدث ويت�صرف‬ ‫‪Úà¨∏dÉH äÉ``eƒ∏©ŸG ™«ªL ¿hó``éà°S å``«M‬التي كان يفكر‬ ‫الإن�ساين الذي ي�ستم���د �شرعيته من العرف القانوين غري املكتوب‬ ‫الدبلوما�سية الثقافية‬ ‫‪ á``cQÉ°ûª∏d‬جنح���ت‬ ‫‪Ú``ãMÉÑdG‬احلرب الباردة‪،‬‬ ‫(‪ )3‬يف غ�ض���ون‬ ‫‪‘ Qƒ°†◊Gh‬‬ ‫‪ÜÓ£dGh‬‬ ‫‪äÉ``©eÉ÷G‬‬ ‫‪G ™``«ªL‬‬ ‫الدبلوما�سية‬ ‫‪ Iò``JÉ°SC‬تعج���ز‬ ‫املجاالت التي‬ ‫‪Iƒ``YóH‬تعقي���د ًا يف‬ ‫حل���ل �أ�شد الق�ضايا‬ ‫‪øe‬خالل التبادل‬ ‫‪πªY‬م���ن‬ ‫ال�سوفيتي؛ ف‬ ‫االحتاد‬ ‫���ع‬ ‫م‬ ‫الغرب‬ ‫انتهجها‬ ‫���ي‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫‪¥GQhCÉH ÚcQÉ°ûª∏d äÓ≤æàdGh áeÉbE‬‬ ‫’‬ ‫‪G‬‬ ‫‪∞«dɵJ‬‬ ‫‪á«£¨J‬‬ ‫‪ºà«°Sh‬‬ ‫‪.ô“D‬‬ ‫‪ƒŸG‬‬ ‫الر�سمية عن �إيجاد حلول لها‪ ،‬ويتميز هذا ال�شكل من الدبلوما�سية الطالب���ي والثق���ايف جن���ح الغ���رب يف تدم�ي�ر الثق���ة ال�سوفيتية يف‬ ‫‪∂dP‬متحرر من‬ ‫ن�شاط���ه‬ ‫���اورة‪ ،‬ذلك‬ ‫وا�سع من املن‬ ‫بامتالك���ه حلي���ز‬ ‫‪á«æª«dG‬‬ ‫‪äÉ©eÉ÷G‬‬ ‫‪G �á``aÉ°VE‬أن‪¤E‬‬ ‫‪G ,AÉ©æ°U‬‬ ‫‪êQÉ``N‬‬ ‫‪øe‬لال�ستخبارات‬ ‫ال�سابق�ي�ن‬ ‫العمالء‬ ‫‪ÜÓ``Wh‬الحق ًا �أح���د‬ ‫‪IòJÉ°SC‬وقد �شه���د‬ ‫‪ G ≈Ø©«°S‬ال���ذات‪.‬‬ ‫«كانت‪ƒg‬‬ ‫‪π«é°ùà∏d‬‬ ‫الدبلوما�سي‪óYƒe ôNBGh . Gk Q’hO40»gh.‬‬ ‫الربوتوكول‪π«é°ùàdG‬‬ ‫التزامات ‪Ωƒ°SQ‬‬ ‫‪.2010‬‬ ‫مبثابة ح�صان طروادة‬ ‫‪¢SQÉe‬الثقايف‬ ‫‪19‬التبادل‬ ‫عمليات‬ ‫ال�سوفيتية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وختاما‪ ،‬البد من الت�أكيد على �أن االهتمام باحل�سا�سية الكامنة يف بالن�سبة للإحتاد ال�سوفيتي‪ .‬فقد لعبت دور ًا هائ ًال يف ت�آكل النظام‬ ‫م�س�ألة الدبلوما�سية الثقافية اليمنية هو يف احلقيقة اهتمام ب�إحدى ال�سوفيتي»‪.‬‬ ‫املكون���ات اخلادمة للأمن القومي اليمني‪� .‬إن الت�صور الرائج حول‬

‫‪ø`ª«dG ≈∏Y IòaÉf‬‬

‫ ‪;0 Y* ¶ {;303/ o ¶ {; Y2‬‬

‫‪30‬‬

‫‪XXX.ZFNFO- .DPN‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪ø`ª«dG ≈∏Y IòaÉf‬‬

‫‪2010‬‬

‫ ‪;0 Y* ¶ {;303/ o ¶ {; Y2‬‬ ‫‪‹hódG »ÁOÉcC’G ô``“DƒŸG OÉ≤©fG ø``Y 2010 øª«dG ô“DƒŸ á``ª¶æŸG áæé∏dG ø``∏©J‬‬ ‫‪Ωó≤àf ¬«∏Yh .(AÉ``©æ°U ,∂``«Ñæaƒe ¥ó``æa) .2010 ƒ``jÉe 19 - 17 IÎ``ØdG ∫Ó``N‬‬ ‫‪ºµbGQhCG ø``Y äÉ°üî∏e ∫É°SQEGh ,ô``“DƒŸG Gò``g äÉ«dÉ©a ‘ á``cQÉ°ûª∏d º``µJƒYóH‬‬ ‫‪:âfÎfE’G ≈∏Y Éæ©bƒe ∫ÓN øe ∂dPh ,ô“DƒŸG ‘ É¡Áó≤J ºà«°S »àdG‬‬

‫‪XXX.ZFNFO- .DPN‬‬

‫‪Ωó≤àf ɪc .á``jõ«∏‚’Gh á``«Hô©dG Úà¨∏dÉH äÉ``eƒ∏©ŸG ™«ªL ¿hó``éà°S å``«M‬‬ ‫‪‘ Qƒ°†◊Gh á``cQÉ°ûª∏d Ú``ãMÉÑdG ÜÓ£dGh äÉ``©eÉ÷G Iò``JÉ°SCG ™``«ªL Iƒ``YóH‬‬ ‫‪øe πªY ¥GQhCÉH ÚcQÉ°ûª∏d äÓ≤æàdGh áeÉbE’G ∞«dɵJ á«£¨J ºà«°Sh .ô“DƒŸG‬‬ ‫‪øe á«æª«dG äÉ©eÉ÷G ÜÓ``Wh IòJÉ°SCG ≈Ø©«°S ∂dP ¤EG á``aÉ°VEG ,AÉ©æ°U êQÉ``N‬‬ ‫‪.2010 ¢SQÉe 19 ƒg π«é°ùà∏d óYƒe ôNBGh . Gk Q’hO40»gh π«é°ùàdG Ωƒ°SQ‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪31‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫المع ِّلم‬ ‫كان‬ ‫البدء‬ ‫في‬ ‫ُ‬

‫ر�ؤية حول �إ�صالح التعليم فـي اليمن‬ ‫�أحمد حممد الدغ�شي‬ ‫ّ‬ ‫املتعلم؟ �أم‬ ‫مهم���ا اختلف �أولو ال�ش����أن الرتبوي يف � ّأي عنا�ص���ر التعليم هي الأ�س���ا�س املعل���م؟ �أم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املعلم مي ّثل‬ ‫ال�ص���فية؟ �أم الإدارة؟ �أم �س���وى ذلك؟؛ فال ريب �أن‬ ‫املنهج؟ �أم املدر�س���ة؟ �أم البيئة‬ ‫�أولوي���ة يف عملي���ة الإ�ص�ل�اح الرتبوي ال�ش���امل املن�ش���ودة ‪ -‬يف اليمن بوجه خا����ص ‪ ،-‬ذلك �أنه ال‬

‫يخ���رج ع���ن � ّأي م���ن تلك العنا�ص���ر من جهة‪ ،‬وبالنظ���ر �إىل الو�ضع املرتدي ال���ذي �آل �إليه �ش�أنه ‪-‬‬ ‫يدعي له �صاحب هذه ال�سطور �أنه بات حمل �إجماع املجتمع كافة‪ ،‬ولي�س املعنيني بالو�ضع‬ ‫وهو ما ّ‬

‫الرتبوي فح�سب ‪ -‬من جهة �أخرى‪.‬‬

‫وح�س���ب تقارير لبع�ض املنظمات الدولي���ة‪ ،‬ف�إن اليمن يعاين من‬ ‫اختالالت ب ّينة فيما يت�صل بعملية �إ�صالح التعليم‪ ،‬ويف مقدِّ متها‬ ‫�إ�صالح املع ّلم‪ .‬ففي تقرير للبنك الدويل �صدر عام ‪ 2007‬بعنوان‬ ‫«الطري���ق غ�ي�ر امل�سل���وك‪� :‬إ�ص�ل�اح التعلي���م يف منطق���ة ال�شرق‬ ‫الأو�سط و�شمال �أفريقي���ا»‪ ،‬احتل اليمن املرتبة قبل الأخرية بعد‬ ‫العراق وقبل جيبوت���ي‪ ،‬يف تقييم البنك لإ�صالح التعليم وحتقيق‬ ‫الأهداف املرج���وة منه‪ ،‬من حيث “اجلودة والكف���اءة وامل�ساواة‬ ‫والو�صول” (البنك الدويل‪.)2007 ،‬‬ ‫ً‬ ‫وب�إطالل���ة عجل���ى عل���ى و�ضع دول���ة متق ّدم���ة تربوي���ا كاليابان‪،‬‬ ‫وموق���ع املع ّلم فيها؛ جن���د �أن االهتمام ب�أولوي���ة الإ�صالح للمع ّلم‬ ‫احتل درج���ة عالية‪ .‬فاملعلِّ���م الياباين يحظى بتقدي���ر اجتماعي‬

‫‪32‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ومهن���ي مرموق‪ ،‬ذلك �أن���ه يتقا�ضى راتب ًا مغري��� ًا‪ ،‬يو ّفر له حياة‬ ‫كرمي���ة م�ستق ّرة‪ ،‬تعفيه م���ن التفكري يف ال�ضروري���ات الأ�سا�سية‬ ‫للحي���اة الطبيعية‪ ،‬ويالحظ �أ ّنه ال يوجد متييز بني مع ِّلم ومع ِ​ِّ​ّلمة‬ ‫يف�سر ه���ذا جانب ًا م���ن تهافت م���ن تطبق عليهم‬ ‫يف ذل���ك‪ .‬وق���د ِّ‬ ‫ال�شروط الأولية لاللتحاق مبهنة التعليم‪ ،‬يف الإقبال للتقدّم لها‪،‬‬ ‫غري �أن م���ا يح ّد من �سيل �أولئك املتقدِّ م�ي�ن؛ و�ضع معيار اجتياز‬ ‫االختب���ارات التحريرية وال�شفوية التي تو�ص���ف بـ «ال�شائكة»‪� ،‬إذ‬ ‫تع��� ّد �شرط ًا �أ�سا�س ًا للقبول يف ه���ذه املهنة (�شهاب فار�س‪:2002 ،‬‬ ‫‪.)22‬‬ ‫ويبدو �أن لهذه املكانة املتم ّيزة ت�أثريها الإيجابي يف �إبقاء م�ستوى‬ ‫ال���والء للمهن���ة متنامي ًا‪ ،‬رغ���م الأعا�صري ال�سيا�سي���ة التي غ�شت‬

‫�أحمد حممد الدغ�شي �أ�ستاذ �أ�صول الرتبية وفل�سفتها امل�شارك‪ ،‬كلية الرتبية – جامعة �صنعاء‪.‬‬

‫احت���اد املعلمني الياباين‪ ،‬املعروف با�س���م نيكويو�س ا ( ‪oNikkoy‬‬

‫‪ ،)sa‬من���ذ �سنوات احل���رب العاملي���ة الثانية‪ ،‬وو�صل���ت يف بع�ض‬ ‫مراحله���ا �إىل ح��� ّد الت�سيي����س الفعل���ي (�أدوين ري�ش���اور‪:1989 ،‬‬ ‫‪ .)248‬فرغ���م «ه���ذا اجلدل ظ ّل���ت الهالة اخلا�ص���ة التي حتيط‬ ‫بالتعلي���م ودور املع ّل���م م�ستق ّرة و�سائ���دة يف كل �أنح���اء اليابان‪.‬‬ ‫وي�شع���ر املع ِّلمون دائم��� ًا ب�أ ّنهم ي�شرتكون يف ه���ذا املرياث بفخر‬ ‫ووالء» (املرج���ع ال�ساب���ق‪ .)248 :‬ولع ّل هذا ال�شع���ور بالوالء من‬ ‫وراء تف ّوق التعليم الياباين – وفق املعدّالت العادية‪ -‬على نظريه‬ ‫الأمريك���ي يف مراحل التعليم العام (املرج���ع نف�سه‪ ،)244 :‬كما‬ ‫�أ ّن���ه – يف اعتقاد كاتب هذه ال�سطور‪ -‬م���ا كان للتعليم الياباين‬ ‫االبتدائ���ي والثانوي �أن يغدو من �أف�ض���ل نظم التعليم التي تتمتع‬ ‫ب�أعل���ى م�ستويات الكف���اءة والأخالق التي تغبطه���ا عليه معظم‬ ‫الأمم املتق ّدم���ة (نف�سه‪)248 :‬؛ ل���و مل يكن املع ّلم قد حظي مبثل‬ ‫تلك املكانة‪ ،‬وهو ما انعك�س �إيجاب ًا على �أدائه على ذلك النحو‪.‬‬ ‫وحا�ص���ل القول �إن االهتمام بالتعلي���م يف اليابان ب�صورة عامة‪،‬‬ ‫واملعلِّ���م على نحو �أخ����ص‪ ،‬هو الذي يجعل املرء يق���ف م�ست�سلم ًا‬ ‫�أم���ام تلك النتيجة التي خل�ص �إليه���ا �أحد الباحثني حني و�صف‬ ‫الياباني�ي�ن ب�أنهم «بالفعل �شعب يتمتّ���ع بنظام تعليمي على �أعلى‬ ‫م�ستوى» (نف�سه‪.)244 :‬‬

‫�سبب �أزمة املع ِّلم اليمني و�س ُبل الإ�صالح‬

‫�إن احلدي���ث عن �أزمة املع ّلم يف املجتم���ع اليمني يقت�ضي – قبل‬ ‫التط��� ّرق �إىل �سبيل الإ�صالح ‪ -‬التف�صيل من وجوه عديدة‪ ،‬و�إذا‬ ‫ُرمنا حماول���ة �أولية يف ت�شخي�ص �أ�سب���اب الوقوع يف هذه الأزمة‬ ‫فبو�سعنا �إيجاز ذلك يف الأ�سباب التالية‪:‬‬ ‫�أو ًال‪� :‬أ�سباب تتعلق مبرحلة ما قبل الإعداد و�سبيل �إ�صالحها‪:‬‬ ‫�أي مرحل���ة م���ا قبل الإعداد املهن���ي‪ ،‬وتتمث���ل يف �سيا�سة القبول‬ ‫للراغب�ي�ن يف االلتحاق باملهنة من حي���ث الرتكيز على امل�ؤهالت‬ ‫العلمية واجلوانب املادية (الفيزيقية) الأخرى فقط‪ ،‬والت�ساهل‬ ‫يف عملي���ة القبول ل���كل راغ���ب يف االلتحاق مبهن���ة التعليم‪ ،‬من‬ ‫زاوي���ة ع���دم �أو �ضعف االلتف���ات �إىل �ض���رورة تواف���ر امل�ؤهالت‬ ‫النف�سية (ال�سيكولوجية)‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬والوجدانية‪،‬‬ ‫واملهاري���ة‪ ،‬ع���ن طري���ق اختبارات علمي���ة ومقايي����س مو�ضوعية‬ ‫�إىل ح��� ّد معقول‪ .‬ومع �أن هذه م�ؤهالت ه���ي �إىل النظرية �أقرب‬ ‫منها �إىل التطبي���ق يف ظل الظروف الراهنة‪ ،‬بيد �أن الإمعان يف‬

‫ال�سيا�س���ات اخلاطئة يع ّمق الأزم���ة �أكرث‪ ،‬ويجعل من ال�صعب –‬ ‫بع���د ذلك ‪ -‬حماول���ة املعاجلة‪ ،‬ولذلك ف�إن �إبق���اء الأو�ضاع على‬ ‫حالتها‪ ،‬بعيد ًا عن التفكري يف هذه امل�ؤهالت وال�شروط من �ش�أنه‬ ‫�أن يبق���ي حالة ال�ضعف قائم���ة‪ ،‬وال�شكوى من تدين كفاءة املعلم‬ ‫العرب���ي م�ستمرة‪ ،‬ولذل���ك انعكا�ساته املبا�شرة وغ�ي�ر املبا�شرة‬ ‫على جممل العملية التعليمية‪ ،‬والنه�ضوية من ّثم‪.‬‬ ‫ويق�ت�رح الباحث اللبن���اين توما جورج خ���وري (‪)46-48 :1989‬‬ ‫جمل���ة من الآلي���ات العملية لتجاوز م�شكل���ة ال�ضعف قبل مرحلة‬ ‫الإع���داد‪ .‬وهذه املقرتح���ات و�إن كانت نابعة من وحي املعاناة يف‬ ‫املجتمع اللبناين – بلد الباحث ‪� -‬إال �أن فيها ما ي�ساعد �أ�صحاب‬ ‫الق���رار يف اليم���ن عل���ى تل ّم�س احل���ل يف جوهر تل���ك الأ�سباب‪،‬‬ ‫لت�شابه الأو�ضاع يف اجلملة‪ّ ،‬‬ ‫ونلخ�ص ذلك يف‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬قيام الدولة بتوفري كليات تربوية ومعاهد معلمني تفي باحلجة‬ ‫املجتمعية‪.‬‬ ‫ب‪ .‬تنظيم عملية قبول امللتحقني بكليات الرتبية ومعاهد �إعداد‬ ‫املعلمني واملع ّلمات باعتماد‪:‬‬ ‫ اختي���ار الكف���اءات الالزم���ة عل���ى �ض���وء و�سائ���ل ت�شخي�صية‬‫خا�صة‪.‬‬ ‫ عدم قبول الذين ثبت عدم �صالحيتهم للتدري�س‪.‬‬‫ج‪� .‬إن طبيع���ة عمل املع ّلم�ي�ن يف امل�ستقبل هي املح���دّدة لطريقة‬ ‫�إعدادهم‪.‬‬ ‫د‪ .‬يتم �إعداد املع ّلم ح�سب �أ�صول ومتط ّلبات هي‪:‬‬ ‫ الإملام التام باملادة الدرا�سية التي يد ّر�سها‪.‬‬‫ الإملام باملواد التي تت�صل مبادته‪.‬‬‫ معرف���ة واقعه االجتماع���ي واالقت�صادي والثق���ايف وال�سيا�سي‬‫حتى يتم ّكن من ممار�سة مهنته بنجاح‪.‬‬ ‫ وجود فل�سفة خا�صة باملع ّلم يك ّونها لنف�سه‪.‬‬‫هـ‪� .‬إملامه بامله���ارات التعليمية الالزمة ملمار�سة مهنته من مثل‪:‬‬ ‫درا�س���ة عل���م النف����س الرتب���وي‪ ،‬وعلم نف����س الطف���ل واملراهق‪،‬‬ ‫و�أ�صول طرق التدري�س اخلا�صة مبادته‪.‬‬ ‫و‪� .‬أن تهدف مناهج �إعداد املع ّلمني �إىل م�ساعدتهم على ممار�سة‬ ‫املهنة مبج ّرد تخ ّرجهم يف كليات الرتبية ومعاهد �إعداد املعلمني‬ ‫واملع ّلمات‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪33‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫ز‪ .‬يجب �أن ال ُيعطى �شهادة التخ ّرج ما مل يكن قد �أم�ضى فرتة الإعداد‬ ‫على �أف�ضل ما يكون‪.‬‬ ‫ح‪ .‬ميار�س املع ّلم اخلريج مهنة التعليم ملدّة عام حتت التجربة‪ ،‬ملعرفة‬ ‫مدى �صالحيته يف امليدان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ط‪� .‬أن تختل���ف املناهج املق��� ّررة لإعداد املعلم�ي�ن واملعلمات باختالف‬ ‫مراحل التعليم التي �سيد ّر�سونها‪.‬‬ ‫ي‪� .‬أن تكون �شخ�صية املع ّلم جديرة باالحرتام والتقدير والثقة‪.‬‬ ‫ووا�ض���ح �أن الخرتاق تلك ال�شروط وامل�ؤهالت �أ�سبابها املختلفة‪ ،‬لكنها‬ ‫ترتكز‪ -‬يف املجمل‪ -‬حول الثالثية التالية‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬الأ�سباب االقت�صادية و�سبيل �إ�صالحها‪ :‬ففي جمتمع كاليمن ت�سود‬ ‫البطال���ة معظم املجاالت مبا فيها جم���ال التدري�س‪� ،‬إال �أن من الالفت‬ ‫ا�ستم���رار التدافع على كليات الرتبية‪ ،‬ولع���ل ذلك يعزى – �إىل جانب‬ ‫عوام���ل �أخرى‪� -‬إىل عام���ل اقت�صادي بالدرج���ة الأ�سا�س‪ ،‬حيث ي�سود‬ ‫املجتم���ع اعتقاد حا�صله �أن ثمة امتياز ًا ج ّي���د ًا يح�صل عليه املع ّلم من‬ ‫حيث توافر راتب معقول‪ ،‬مقارنة بغريه من املهن‪ ،‬عالوة على الإجازة‬ ‫ال�سنوية املديدة ن�سبي ًا بخالف الوظائف الأخرى‪ ،‬وهي ما يتيح املجال‬ ‫لبع�ض املع ّلمني لتح�سني م�ستواه عن طريق عمل �إ�ضايف �آخر طيلة تلك‬ ‫الف�ت�رة‪ .‬ويف درا�سة �أعدتها وزارة اخلدمة املدنية والت�أمينات يف العام‬ ‫‪ 2007‬ع���ن م�ؤ�ش���رات العر�ض والطل���ب بني خمرج���ات التعليم العايل‬ ‫و�سوق العم���ل‪ ،‬تبني �أن �إجمايل املتقدمني للع���ام ‪ 2007‬ملكاتب الوزارة‬ ‫يف �أمان���ة العا�صمة واملحافظات الأخرى بلغ ‪ 89481‬طالب عمل‪ ،‬منهم‬ ‫‪ 59630‬ممن �سبق لهم الت�سجيل يف �أعوام �سابقة‪ ،‬و�أكدوا قيدهم للعام‬ ‫‪ 2007‬وبن�سب���ة ‪ .%66.6‬فيم���ا املتقدمون اجلدد لأول م���رة بلغ عددهم‬ ‫‪ 23260‬طال���ب عمل من خريجي عام ‪ 2006‬ومن �أعوام �سابقة‪ ،‬وبن�سبة‬ ‫‪�( .%34.4‬صحيفة الغد‪� ،‬صنعاء‪ 10 ،‬يونيو ‪.)2009‬‬ ‫ومن خالل ا�ستعرا�ض م�ؤ�شرات املتقدمني جند �أن ‪ 44081‬من خمرجات‬ ‫كليات الرتبية يت�شكلون من ‪ 9783‬من خمرجات الأق�سام العلمية و‪34297‬‬ ‫طال���ب عمل من الأق�سام الإن�ساني���ة‪ .‬وترتكز ‪ %78‬من هذه املخرجات‬ ‫الرتبوية يف التخ�ص�صات التالية‪ :‬لغة عربية ‪ ،7327‬درا�سات �إ�سالمية‬ ‫‪ ،5336‬لغة اجنليزية ‪ ،5238‬قر�آن وعلومه ‪ ،4791‬تاريخ ‪ ،4746‬جغرافيا‬ ‫‪ ،3724‬كيمي���اء ‪ .3136‬ومنحت هذه التخ�ص�صات ‪ ،1479‬توزعت بينها‬ ‫على التوايل (‪ )65- 31- 30- 330 464- 181- 378‬درجة وظيفية‪ .‬وتو�ضح‬ ‫م�ؤ�شرات العالقة بني عدد املتقدمني وعدد الوظائف �أن التخ�ص�صات‬ ‫العلمي���ة بالإ�ضاف���ة �إىل تخ�ص�ص���ات القر�آن الك���رمي‪ ،‬واللغة العربية‪،‬‬ ‫واللغ���ة االجنليزية‪ ،‬حت�صل على الن�سبة الأكرب من الوظائف التعليمية‬ ‫و�إن كان���ت حم���دودة مقارن���ة بع���دد اخلريج�ي�ن‪� ،‬أم���ا التخ�ص�ص���ات‬ ‫الت���ي تواجه �صعوبة حقيقي���ة يف التوظيف فهي التاري���خ‪ ،‬واجلغرافيا‪،‬‬ ‫والإ�سالمية‪ ،‬لذلك جند قائمة املنتظرين لهذه املخرجات من �سنوات‬ ‫�سابق���ة تت���وزع معظمه���ا يف تل���ك التخ�ص�ص���ات (املرج���ع ال�سابق)‪.‬‬ ‫و�أو�ضحت الدرا�سة �أن خمرجات كلي���ات الرتبية ترتفع ب�صورة كبرية‬ ‫‪34‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫لي�س �أمامنا �إذا ُرمنا �إ�صالح ًا فعلي ًا لو�ضع‬ ‫املعلّم اليمني ���س��وى االح��ت��ك��ام الفعلي‬ ‫�إىل امل�ؤ�س�سات الد�ستورية‪ ،‬وتنفيذ‬ ‫القوانني واللوائح والأنظمة‪،‬‬ ‫واعتبار معيار امل�ؤهل و�سواه‬ ‫م��ن امل��ع��اي�ير املن�ضبطة هي‬ ‫الأ�سا�س يف احل�صول على � ّأي‬ ‫حق‪� ،‬أو اكت�ساب � ّأي امتياز‬ ‫مم���ا يرتت���ب عليه���ا ظه���ور م�شكلة كب�ي�رة نتيج���ة الك���م الكبري من‬ ‫املخرجات‪ ،‬يقابله حمدودي���ة الوظائف املتاحة �أمامها‪ .‬فبينما و�صل‬ ‫ع���دد املتقدمني م���ن خمرجات هذه الكليات ع���ام ‪� 2002‬إىل ‪،13467‬‬ ‫توظ���ف منه���م ‪2830‬؛ ارتف���ع ع���دد املتقدم�ي�ن يف الع���ام ‪ 2006‬ممن‬ ‫يحمل���ون تخ�ص�صات تربوي���ة �إىل ‪ 33764‬توظف منه���م ‪ 2725‬فرد ًا‪،‬‬ ‫ويف الع���ام ‪ 2007‬و�ص���ل عدد املتقدم�ي�ن ‪ 44081‬طال���ب عمل‪ ،‬توظف‬ ‫منه���م ‪ ،2807‬وبع���د تنزيل م���ن مت توظيفهم ي�صبح ع���دد املنتظرين‬ ‫م���ن خمرجات التخ�ص�ص���ات الرتبوية ‪ 41280‬طال���ب عمل‪ .‬وتوقعت‬ ‫الدرا�سة �أن بطالة املتعلمني خ�ل�ال الفرتة ‪� 2010 2008-‬سوف تزداد‬ ‫تعقي���د ًا نتيجة االرتف���اع الكبري يف خمرجات التعلي���م العايل ب�صورة‬ ‫عام���ة والتخ�ص�صات الإن�سانية ب�صورة خا�ص���ة التي ي�شكل معظمها‬ ‫حالي��� ًا فائ�ض ًا ع���ن االحتياج‪ ،‬ي�صل امل���دى الزمن���ي �إىل العمر الذي‬ ‫ميكن �أن يبلغ فيه اخلريج �سن الإحالة �إىل املعا�ش التقاعدي دون �أن‬ ‫توفر �أمامه فر�صة عمل يف جمال تخ�ص�صه‪.‬‬ ‫وح�س���ب الدرا�سة ف����إن التوقف �أمام م�ؤ�ش���رات امللتحقني للعام ‪2005‬‬ ‫‪ 2006‬يف كليات الرتبية البالغ عددهم ‪ 74080‬طالب ًا‪ ،‬وبن�سبة ‪ %42‬من‬‫�إجمايل امللتحقني يف اجلامع���ات احلكومية والبالغ عددهم ‪174035‬‬ ‫طالب��� ًا‪ .‬واملتوقع تخرجهم خالل الأعوام ‪ 2009-2008-2007‬مبتو�سط‬ ‫�سنوي حدوده ‪ 14500 - 13000‬طالب‪ ،‬يف حني �أن التقديرات ال�سنوية‬ ‫لعدد الوظائف لن تتجاوز ‪ 3500 -3000‬درجة وظيفية‪ .‬مبعنى �أن عدد‬ ‫املتخرج�ي�ن خ�ل�ال الثالثة الأعوام قد ي�ص���ل �إىل ‪ 41250‬طالب عمل‬ ‫م�ضاف�ي�ن �إىل املنتظرين م���ن العام ‪ ،2007‬والبال���غ عددهم ‪،41280‬‬ ‫ل���ذا من املتوقع �أن ي�ص���ل املتقدمون يف العام ‪� 2010‬إىل ‪ 82250‬طالب‬ ‫عمل‪ ،‬يتناف�سون على ‪ 10000‬درجة وظيفية‪ .‬وهذا الو�ضع ينعك�س على‬ ‫التخ�ص�صات كافة‪ ،‬و�إن كان يظهر ب�شدة يف التخ�ص�صات الإن�سانية‬ ‫خ�صو�ص ًا‪ ،‬يف تلك التي ال يوجد لها �أدنى فر�صة يف �سوق العمل اخلا�ص‪ .‬‬ ‫وت�ساءل���ت الدرا�س���ة‪� :‬إذا كان التعلي���م و�سيلة مهمة للح���د من الفقر‬ ‫والبطالة‪ ،‬فلماذا �صار يف اليمن �سبب ًا لكارثة جديدة ا�سمها ( بطالة‬ ‫املتعلم�ي�ن)؟! (املرج���ع نف�س���ه) وب�سبب ه���ذا الإقب���ال املتزايد على‬

‫مهن���ة التعليم؛ َ�ضعف النظر �إىل تلك امل�ؤهالت وال�شروط �آنفة الذكر‬ ‫بعني االهتمام‪ ،‬ب���ل �إن هذا االجتاه وعلى هذا النحو �أ�سهم يف حدوث‬ ‫االزدراء ب�أهلها‪ ،‬و�أنزل م���ن مكانتهم االجتماعية‪ ،‬و�أحال مهنتهم يف‬ ‫ذهن قطاع وا�سع من املجتمع �إىل «مهنة من ال مهنة له»‪.‬‬ ‫ويعتق���د كات���ب هذه ال�سط���ور �أن �أبرز ُ�س ُب���ل �إ�صالح املع ّل���م‪ ،‬من هذه‬ ‫الزاوي���ة‪ ،‬هي تب�ص�ي�ر املتقدّمني لاللتح���اق باجلامع���ة بدليل �شامل‬ ‫واف ب���كل التخ�ص�ص���ات يف خمتل���ف الكليات‪ -‬وكلي���ات الرتبية على‬ ‫ٍ‬ ‫كاف‪ ،‬م�ض ّمناً‬ ‫وج���ه اخل�صو�ص‪ -‬قبل عملية الت�سجي���ل الفعلية بوقت ِ‬ ‫املجاالت املهنية املتو ّقع احل�صول عليها عقب التخ ّرج‪ ،‬ومدى الفر�ص‬ ‫املتاح���ة لاللتحاق به���ا على وج���ه التقريب‪ ،‬وذلك من خ�ل�ال عملية‬ ‫م�س���ح دقيقة يف �إطار ّ‬ ‫خطة ع�شري���ة –مث ًال‪ ،-‬تبينّ مدى حاجة �سوق‬ ‫العم���ل �إىل تلك التخ�ص�صات‪ ،‬مع �ضبط ن�سب القبول‪ ،‬وعدم ال�سماح‬ ‫بتجاوزه���ا‪ ،‬ملا لذلك من انعكا�س �سلبي عل���ى فر�ص احل�صول عليها‪.‬‬ ‫ويف ح���ال الت�أك���د من ع���دم توافر فر�ص عم���ل‪ ،‬فال ي�سم���ح بفتح � ّأي‬ ‫تخ�ص����ص ال ت�ستوعبه �سوق العمل �إال ح�ي�ن تتغيرّ املعطيات امليدانية‬ ‫جتاهه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهذا يقت�ضي �إعادة النظر فعليا يف و�ضع كل ّيات الرتبية يف املحافظات‪،‬‬ ‫�إذ م���ن املعل���وم �أن ق���رار �إن�شائه���ا مت يف ظ���روف خا�ص���ة‪ ،‬ولأ�سباب‬ ‫حم���دّدة‪ ،‬و�إذا تغيرّ ت تلك الأ�سب���اب فلي�س من املعقول �أن تظل عملية‬ ‫االلتح���اق م�شرعة �أبوبه���ا يف كل حني‪ .‬ومن املعل���وم كذلك �أن فتحها‬ ‫حتى يف تلك الظروف اخلا�صة؛ قد ت�سبب ‪ -‬لأ�سباب بيئية وجغرافية‬ ‫واجتماعي���ة حم�ضة ‪ -‬يف التحاق فئات من الطلبة بها دون �أن ميتلكوا‬ ‫احل��� ّد املعقول م���ن (�سيكولوجيا) الطال���ب املع ّلم‪ ،‬ب���ل التحق بها –‬ ‫لغر����ض اقت�صادي �أو حت�سني و�ض���ع مايل بالدرج���ة الأ�سا�س‪ -‬بع�ض‬ ‫�أ�صح���اب املهن الأخرى‪ ،‬من ع�سكريني‪ ،‬و ّ‬ ‫جتار‪ ،‬وموظفني يف خمتلف‬ ‫املواق���ع‪ ،‬وذوي مهن تبدو بعيدة عن �شخ�صية املع ّلم و(�سيكولوجيته)‬ ‫املفرت�ضة‪ .‬ومن �أبجديات النمو يف مهنة التدري�س �أن ال يلتحق بها من‬ ‫لي�س من �أهلها‪ّ � ،‬أي من لي�س لديه قابلية حقيقية للنمو املفرت�ض‪ ،‬وهو‬ ‫ما مت���ت الإ�شارة �إىل جانب منه �آنف ًا يف م�ستهل احلديث عن �أ�سباب‬ ‫ما قبل الإعداد‪.‬‬ ‫ب‪ .‬الأ�سب ��اب املجتمعي ��ة و�سبي ��ل �إ�صالحه ��ا‪ :‬للعام���ل املجتمعي دوره‬ ‫ال�سلبي يف ب���روز الأزمة وتف�شيها‪ ،‬كتدخل بع����ض الأمرا�ض ال�سائدة‬ ‫يف املجتم���ع اليمني‪ ،‬مثل التع�صب احلزب���ي �أو املذهبي‪� ،‬أو الطائفي‪،‬‬ ‫�أو الع�شائري‪� ،‬أو اجلهوي‪� ،‬أو العالقات ال�شخ�صية �أو ال�شللية ونحوها‬ ‫يف قب���ول �أو تعيني من لي�س من �أهل هذه املهنة‪ ،‬وممن ال ميتلك احل ّد‬ ‫الأدنى املعقول من م�ؤهالتها‪� ،‬سوى ذلك امل�ؤهل احلزبي‪� ،‬أو املذهبي‪،‬‬ ‫�أو الطائف���ي‪� ،‬أو الع�شائ���ري‪� ،‬أو اجله���وي‪� ،‬أو نحوه‪ ،‬مع �أن���ه لو التحق‬ ‫مبج���ال �آخر غري التعلي���م فلرمبا �أب���دع و�أنتج و�صار �شيئ��� ًا مذكور ًا‪.‬‬ ‫مي�سر ملا خلق‬ ‫والأ�ص���ل يف هذا اتباع املبد�أ النبوي الكرمي القائل‪« :‬كل َّ‬ ‫له»‪.‬‬ ‫وال ميك���ن معاجلة مث���ل هذه الآفات حت���ى يتم االحت���كام الفعلي �إىل‬

‫امل�ؤ�س�س���ات الد�ستورية‪ ،‬وتنفيذ القوان�ي�ن واللوائح والأنظمة‪ ،‬واعتبار‬ ‫معيار امل�ؤه���ل و�سواه من املعايري املن�ضبطة هي الأ�سا�س يف احل�صول‬ ‫على � ّأي حق‪� ،‬أو اكت�ساب � ّأي امتياز‪.‬‬ ‫ج‪ .‬الأ�سباب ال�سيا�سية و�سبيل �إ�صالحها‪ :‬ومع �أن الأ�سباب ال�سيا�سية‬ ‫ال تخ���رج ‪ -‬يف عمومها ‪ -‬ع���ن الأ�سباب االجتماعي���ة امل�شار �إليها يف‬ ‫البن���د املتقدّم‪� ،‬إال �أن تخ�صي�صها ببند م�ستقل هنا يرجع �إىل الدور‬ ‫ال�سلبي (اخلا�ص) الذي ميثل���ه العامل ال�سيا�سي يف االلتحاق باملهنة‬ ‫يف املجتمع اليمني‪� ،‬إىل ح��� ّد القيام بعمل ت�صفيات �إدارية �شبه عامة‬ ‫مل���دراء املدار����س احلكومية لكل م���ن يثبت عدم انتمائ���ه �إىل احلزب‬ ‫احلاك���م‪ ،‬و�إذا تذ ّك ّرن���ا ما يرتتب عل���ى االلتحاق مبهن���ة التعليم بعد‬ ‫ذلك من �آثار م�أ�ساوية على اجليل الذي ُيفر�ض عليه منط من الب�شر‬ ‫يتعام���ل معه كم���ا يتعام���ل الراعي مع القطي���ع‪� ،‬أو القائ���د الع�سكري‬ ‫الفظ الغليظ م���ع جنوده الط ّيعني اخلانعني‪ .‬ع�ل�اوة على االمتيازات‬ ‫الت���ي يح�صل عليها من توافرت فيه �ش���روط الوالء ال�سيا�سي من مثل‬ ‫الرتقي���ات ال�سريعة‪ ،‬والعالوات املنتظم���ة‪ ،‬واملكافئات التي ال تنقطع‪،‬‬ ‫وك���ذا التن ّقل بني الأعم���ال الإدارية على نحو م���ن الت�صعيد اخلارق؛‬ ‫�إذا تذ ّكرنا ذلك ف�سندرك مدى ما �أ�سهم به هذا ال�سبب من الرتاجع‬ ‫امللح���وظ لدور املع ّلم اليمني �إىل هذا ال���درك ال�سحيق من االنحدار‬ ‫والتخ ّلف‪.‬‬ ‫وم���رة �أخرى لي�س �أمامنا �إذا ُرمنا �إ�صالح ًا فعلي ًا لو�ضع املع ّلم اليمني‬ ‫�سوى االحت���كام الفعلي �إىل امل�ؤ�س�سات الد�ستوري���ة‪ ،‬وتنفيذ القوانني‬ ‫واللوائح والأنظمة‪ ،‬واعتبار معيار امل�ؤهل و�سواه من املعايري املن�ضبطة‬ ‫هي الأ�سا�س يف احل�صول على � ّأي حق‪� ،‬أو اكت�ساب � ّأي امتياز‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪�:‬أ�س��باب تتعل��ق مبرحل��ة الإع��داد ذاته��ا و�س��بيل‬ ‫�إ�ص�لاحها‪� :‬أي �أن تلك الأ�سباب تُعزى �إىل �ضعف الت�أهيل يف كليات‬ ‫الرتبي���ة‪ ،‬ومعاه���د �إع���داد املعلمني واملع ّلم���ات‪� ،‬أثناء ف�ت�رة اخلدمة‪،‬‬ ‫بدالل���ة املخرجات ال�ضعيفة الت���ي باتت ال�شكوى منه���ا متثل �إجماعا‬ ‫يف رب���وع البالد‪ .‬ويظه���ر �أن �أ�سباب ذلك عدي���دة متداخلة‪ ،‬بدا ًء من‬ ‫�ضعف ُمدخل الطال���ب ذاته‪ ،‬نظر ًا �إىل ت�ش ّكل ذلك االعتقاد اخلاطئ‬ ‫يف ذهنه ونف�سه حول «وثنية» ال�شهادة‪ ،‬وهدف احل�صول على م�صدر‬ ‫للرزق ب�أي ثمن ‪ -‬وك�أنه غدا غاية يف ح ّد ذاته‪ ،-‬مرور ًا ب�ضعف مدخل‬ ‫املناهج‪ ،‬وانتهاء ب�ضعف مدخلي الأ�ستاذ اجلامعي والإدارة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طوي�ل�ا بهذا ال�سياق هو ذلك الرتاجع‬ ‫ولع��� ّل ما ي�ستحق التو ّقف عنده‬ ‫املحزن الذي �أ�صاب مق ّرر الرتبية العملية مب�ستوييها (‪ 1‬و‪ )2‬يف كليات‬ ‫الرتبية‪ ،‬بحيث غدا ه���ذا املق ّرر �شكلي ًا وهام�شي ًا‪ ،‬والنجاح فيه �أ�صبح‬ ‫�آلي��� ًا‪ ،‬مع �أنه مق ّرر حموري لكل طلب���ة كليات الرتبية‪ ،‬ومي ّثل امل�ستقبل‬ ‫املهن���ي للطال���ب الع ِّلم‪ .‬والأ�ص���ل �أن يوىل هذا املق��� ّرر االهتمام الذي‬ ‫ي�ستحقه‪ ،‬بحيث يخ�ص�ص ف�صالن درا�سيان كامالن للتطبيق العملي‬ ‫يف املدر�س���ة‪ ،‬بعيد ًا ع���ن احل�شو الذي ي�ص ّر علي���ه بع�ض �أع�ضاء هيئة‬ ‫التدري�س بكليات الرتبية حني �أقحموا جزء ًا من هذا املق ّرر ملا و�صفوه‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪35‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫بالرتبية العملي���ة (النظرية)‪ ،‬ومع ما يف هذه الت�سمية من ا�ضطراب‬ ‫وتناق����ض �سافر م���ع املنطق الذي يت�ساءل بده�ش���ة عن كيفية التوفيق‬ ‫ب�ي�ن و�صف املق ّرر بالعملي م���ع �إ�ضافة و�صف �آخر هو (النظري)؛ �إال‬ ‫�أن م�ساح���ة الده�ش���ة �ستكرب‪ ،‬وعالمة اال�ستفه���ام �ستزداد حني نقف‬ ‫عند مق ّرر �آخر ي�سبق مق ّري الرتبية العملية (‪ 1‬و‪ ،)2‬عنوانه �أ�ساليب‬ ‫التدري����س (اخلا�ص���ة)‪ ،‬وهو عب���ارة عن اجلزء النظ���ري من الرتبية‬ ‫العملي���ة‪� ،‬إذ �إ ّن���ه يق���دّم للطال���ب املع ّلم الآلي���ات والطرائ���ق وو�سائل‬ ‫التدري�س و�أ�ساليب���ه املنا�سبة‪ ،‬ليتم ّكن عند ممار�سة املهنة التدري�سية‬ ‫يف ال�ص���ف الفعل���ي من تطبي���ق تل���ك التوجيهات النظري���ة على نحو‬ ‫م���ا تلقاها ما �أمك���ن‪ ،‬على �أن ت�ضاف �سنة خام�سة ه���ي �سنة االمتياز‬ ‫للطال���ب الرتبوي‪ ،‬بحي���ث ال يرتبط فيها الطالب بغ�ي�ر مق ّرر الرتبية‬ ‫العملي���ة‪ ،‬كي يتقنه ما �أمكن تطبيق ًا وممار�سة يف امليدان (املدر�سة)‪،‬‬ ‫الطب‬ ‫�إذ لي����س طالب كلي���ة الرتبية‪� ،‬أق ّل �ش�أن ًا من نظ�ي�ره طالب كل ّية ّ‬ ‫الب�شري‪ ،‬الذي يق�ضي �سنة الزمالة (ال�سنة ال�ساد�سة) يف امل�ست�شفى‪،‬‬ ‫بل �إ ّنه �إذا كان طالب الطب يع ّد ليغدو طبيب ًا للج�سم و�أع�ضاء البدن؛‬ ‫ف����إن طالب الرتبية يع ّد لي�صبح طبيب ًا للج�سم والبدن والروح والعقل‪.‬‬ ‫وال ميك���ن �أن يت���م ذلك فعلي ًا حتى يتم تخ�صي����ص مكافاءات جمزية‬ ‫لع�ض���و هيئة التدري����س امل�شرف عل���ى املق ّرر‪ ،‬وكذا حواف���ز ت�شجيعية‬ ‫جمزية لإدارة املدر�سة‪ ،‬ذات ال�صلة‪ ،‬وملن يلزم تعاونهم من املع ّلمني‬ ‫�أو الإداريني فيها‪.‬‬ ‫ثالث�� ًا‪� :‬أ�س��باب تتعل��ق بف�ترة ممار�س��ة اخلدم��ة و�س��بيل‬ ‫�إ�ص�لاحها‪� :‬أي تلك الت���ي تُعزى �إىل �ضعف الت�أهي���ل‪ ،‬وق ّلة التدريب‬ ‫�أثناء اخلدمة‪ .‬ومما يزيد من حدّة هذا ال�سبب وتفاقمه �أنه ‪ -‬ونظر ًا‬ ‫�إىل حتقي���ق تلك الأه���داف املحدودة امل�شار �إليه���ا يف البند ال�سابق‪-‬‬ ‫لكنها باتت �أ�شب���ه بالغايات النهائية لأغلبي���ة الطلبة املع ّلمني‪� -‬أعني‬ ‫احل�صول على ال�شه���ادة اجلامعية مث ًال ‪ -‬ومن ثم �ضمان وظيفة تدر‬ ‫رزق ًا م�ستمر ًا؛ ف�إن ذلك يدفعهم �إىل الرتاخي‪ ،‬حتى لبع�ض من ُعرف‬ ‫بتف ّوقه وعل ّو همته �أثناء مرحلة الإعداد‪ .‬و�آية ذلك �أن جتد هذا ال�صنف‬ ‫ربز ًا �إىل ح ّد مقدّر مع بداية االلتحاق باملهنة‪� ،‬سواء من‬ ‫من املع ّلمني م ّ‬ ‫حيث التح�ض�ي�ر والإعداد‪� ،‬أم من حيث احل�ضور واالن�ضباط بالدوام‬ ‫املدر�سي‪� ،‬أم من حيث االهتمام بدوره وحما�سته يف التفاعل مع ر�سالة‬ ‫التعليم‪ ،‬بيد �أن الرتاجع ال يلبث �أن يت�سلل �شيئ ًا ف�شيئ ًا �إىل �شخ�صيته‪،‬‬ ‫ومن ّثم �أدائه‪ ،‬بدء ًا من االعتماد على حت�ضري العام املن�صرم‪� ،‬إال من‬ ‫�شكلي���ات التغيري املظهري‪ ،‬ب�سبب التوجيه والإ�شراف‪ ،‬مرور ًا ب�ضعف‬ ‫التزام���ه مبواعيد احل�ص�ص ح�ضو ًرا وان�صراف ًا‪ ،‬وانتها ًء بدوره الك ّلي‬ ‫وتفاعل���ه م���ع ر�سالت���ه‪ .‬وق ّلة من املع ّلم�ي�ن هم الذين يتط���ورون مهني ًا‬ ‫بالفع���ل �أثناء اخلدمة‪ ،‬وي�ستم ّرون يف ذلك‪ ،‬ولكن غالب ًا ما ُيعزى ذلك‬ ‫�إىل رغبته���م الذاتي���ة يف التط ّور والنماء‪ .‬ولعل م���ا حتقق من التط ّور‬ ‫الذاتي والنم���اء امل�ست ّمر �إمنا يتم خارج ال���دورات وور�ش العمل‪ ،‬تلك‬ ‫التي تُعقد لهم ب�إ�ش���راف ر�سمي‪ .‬وهذا ال�سبب و�إن كان م�س�ألة ن�سبية‬ ‫‪36‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ي�صع���ب تعميمها‪ ،‬لكن مع الإق���رار ب�أن وزارة الرتبي���ة والتعليم تويل‬ ‫ه���ذا الأمر بع�ض م���ا ي�ستحقه من االهتم���ام؛ �إال �أن ا�ستمرار ظاهرة‬ ‫�ضع���ف كفاي���ة املع ّلم يف املي���دان‪� ،‬أي من جهة املخرج���ات؛ ت�شري �إىل‬ ‫�أن مظهرية تلك الور�ش التدريبية و�شكالنيتها‪ ،‬والرغبة يف احل�صول‬ ‫عل���ى وثيقة امل�شاركة ‪ -‬ب�صرف النظ���ر عن مدى احل�صيلة احلقيقية‬ ‫له���ا ‪ -‬طغت على الأه���داف اجلوهرية املق�صودة من وراء القيام بها‬ ‫وتنفيذها‪.‬‬ ‫ويق�ت�رح بع�ض الباحثني (خوري‪ )48-46 :1989 ،‬جملة �أهداف لإعداد‬ ‫املع ّلم�ي�ن �أثن���اء اخلدم���ة‪ ،‬وه���ذه الأه���داف و�إن كانت نابع���ة من وحي‬ ‫املعان���اة يف جمتمع الباحث (لبنان)لكنه���ا متثل ه ّم ًا م�شرتك ًا يف بع�ض‬ ‫املجتمع���ات ذات الظروف املت�شابه���ة‪ ،‬ومنها املجتم���ع اليمني‪ .‬وتتمثل‬ ‫خال�صة هذه الأهداف يف‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬ت�أهي���ل املع ّلم�ي�ن العاملني الذين ال يتجاوز م�ؤهله���م العلمي ال�شهادة‬ ‫الثانوية العامة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ب‪ .‬الت�أهيل الرتبوي ملعلمي املرحلة الثانوية الذين ح�صلوا على ال�شهادة‬ ‫اجلامعي���ة (البكالوريو�س �أواللي�سان�س) يف مو�ضوع �أكادميي بحت‪ ،‬ومل‬ ‫موجهة نحو متط ّلبات‬ ‫يح�صلوا على الت�أهيل املهن���ي امل�سلكي يف برامج ّ‬ ‫�إجازة التعليم للمرحلة الثانوية‪.‬‬ ‫ج‪ .‬التهيئ���ة لتلبية حاجات تربوية طارئة من نوع ما ي�ستدعيه تطوير �أو‬ ‫تغي�ي�ر يف بع�ض مناه���ج الدرا�سة‪� ،‬أو ما يتط ّلبه �إح���داث تنظيم تربوي‬ ‫خا�ص مثل العمل بنظام «مع ّلم ال�صف» �أو نظام «ال�صفوف املج ّمعة»‪.‬‬ ‫د‪ .‬التهيئة ل�سد العجز يف بع�ض التخ�ص�صات و�أنواع اخلربات العملية‪،‬‬ ‫مثل تعليم بع�ض الفنون‪ ،‬و�إعداد الو�سائل التعليمية وا�ستخدامها‪.‬‬ ‫رابع ًا‪� :‬أ�س��باب ذاتية و�س��بيل �إ�ص�لاحها‪� :‬أي تلك الأ�سباب التي‬ ‫ُتعزى �إىل تراجع الدور االجتماعي للمعلم باملوازنة مع املع ّلم يف املا�ضي‬ ‫غ�ي�ر البعيد‪ ،‬حيث كان يف ال�سابق يت���وىل القيام ب�أدوار اجتماعية ِعدّة‬ ‫ك�إمامة ال�صالة وخطبة اجلمعة‪ ،‬وتوثيق عقود الزواج‪ّ ،‬‬ ‫وف�ض املنازعات‬ ‫بني الأفراد‪ ،‬وال�سعي يف ح ّل اخلالفات العائلية والزوجية واالجتماعية‪،‬‬ ‫وت�ص���دّر املواقف والأزمات الطارئة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬على حني انعدم ذلك‬ ‫الي���وم‪ .‬ويب���دو �أن معظ���م ذلك ُيع���زى ملنزلق���ات امل�ؤ�س�س���ات الرتبوية‬ ‫املعا�ص���رة املعنية بتخري���ج املع ّلمني‪ ،‬من حي���ث انعزاليتها عن املجتمع‬ ‫و�آالم���ه و�آماله وطموحات���ه‪ ،‬والوقوع يف �شرك احل�ص���ول على ال�شهادة‬ ‫كغاي���ة نهائي���ة‪� ،‬إذ هي �سبيل احل�ص���ول على م�صدر لل���رزق‪ ،‬وتخريج‬ ‫موظفني �آليني؛ ه ّمهم انتظار نهاية ال�شهر لت�س ّلم الراتب‪ ،‬دومنا منو �أو‬ ‫تط ّور يف �شخ�صية املع ّلم من كل نواحيها‪.‬‬ ‫ويعتق���د كاتب هذه ال�سط���ور �أن �إعادة الدور املفرت����ض للمع ّلم يقت�ضي‬ ‫الأخ���ذ بجملة املعاجل���ات املتقدِّ مة‪ ،‬مع الرتكيز على �ض���رورة �إ�شراكه‬ ‫يف جمل���ة �أن�شط���ة وفعالي���ات حقيقي���ة �أثن���اء اخلدم���ة‪ ،‬ويف مقدّمتها‬ ‫الدورات الت�أهيلية والتدريب امل�ستمر‪ ،‬مع ما ُي�صاحب ذلك من حوافز‬ ‫وت�شجيعات مادية ومعنوية جمزية‪.‬‬

‫حروف مبعرثة‪ :‬يعاين اليمن من اختالالت ب ّينة فيما يت�صل بعملية �إ�صالح التعليم‪ ،‬ويف مقدِّ متها �إ�صالح املع ّلم‬

‫خام�س ًا‪� :‬أ�سباب تربوية وتعليمية و�سبيل �إ�صالحها‪ :‬و�أعني‬ ‫به���ا مظاهر ال�ضعف العلم���ي والثقايف والأخالقي ال���ذي باتت ُنخبنا‬ ‫الثقافي���ة والفكري���ة وال�سيا�سي���ة‪ ،‬ويف �أو�س���اط النخ���ب املختلفة‪ ،‬بل‬ ‫املجتم���ع باختالف م�ستوياته و�شرائحه جت�أر بال�شكوى منه‪ ،‬من حيث‬ ‫تف�ش���ي ظاهرة الأمية الثقافية احل�ضارية والفكرية‪ ،‬وف�ساد ال�ضمري‪،‬‬ ‫و�شلل الأخالق‪ ،‬وانعدام �أو �ضعف الإح�سا�س بالأمانة وامل�سئولية‪ ،‬لدى‬ ‫كل �أو معظم فئات املجتمع‪ ،‬ويف مقدّمتها فئة املع ّلمني‪ .‬وهذا ال�ضعف‬ ‫ال ينف�ص���ل عن ال�ضعف الع���ام املاحق يف التعلي���م الأ�سا�سي والثانوي‬ ‫والعايل‪.‬‬ ‫و�أح�س���ب �أن �سبيل جتاوز هذه امل�شكل���ة لي�س بالأمر الهينّ ‪� ،‬إذ يقت�ضي‬ ‫ذل���ك �إعادة النظر يف ال�سيا�سة التعليمية‪ ،‬واال�سرتاتيجيات واخلطط‬ ‫والربام���ج املرتبطة بها‪ ،‬مب���ا فيها �صناعة املناه���ج‪ ،‬وجملة الأن�شطة‬ ‫والفعالي���ات املفرت�ض القيام به���ا‪ ،‬يف �سبيل تخري���ج املع ّلم احلقيقي‬ ‫امل�ؤهّ ���ل‪ ،‬للقيام بر�سالته على خري وجه‪ .‬ووا�ضح �أن مثل هذه املطالب‬ ‫– يف ظ���ل و�ض���ع م�أزوم كهذا ال���ذي يعي�شه املجتم���ع اليمني ‪� -‬إىل‬ ‫الأماين البعيدة �أقرب منها �إىل �إمكان �إعادة النظر الفعلي‪ ،‬وحتقيق‬

‫الإ�ص�ل�اح امل�أمول على املدى املنظور‪ ،‬بيد �أن �أمانة الكلمة والإح�سا�س‬ ‫بامل�سئولية املهنية والأدبية تقت�ضي الإف�صاح عن ذلك!‬

‫املراجــع‪:‬‬ ‫�أدوي���ن ري�شاور‪ ،‬اليابانيون‪ ،‬ترجمة‪ :‬ليلى اجلبايل‪ ،‬ومراجعة‪:‬‬‫�شوقي جالل‪� ،‬سل�سلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪( 136‬الكويت‪ :‬املجل�س‬ ‫الوطني للثقافة والفنون والآداب‪ ، ،‬ني�سان‪�/‬أبريل‪.)1989‬‬ ‫ البن���ك ال���دويل‪ ،‬الطريق غري امل�سل���وك‪� :‬إ�ص�ل�اح التعليم يف‬‫منطق���ة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقي���ا (وا�شنطن العا�صمة‪،‬‬ ‫البنك الدويل للإن�شاء والتعمري‪.)2007 ،‬‬ ‫ توم���ا جورج خ���وري‪ ،‬علم النف�س الرتبوي (ب�ي�روت‪ :‬امل�ؤ�س�سة‬‫اجلامعية للدرا�سات والن�شر والتوزيع‪.)1989 ،‬‬ ‫ �شهاب فار�س‪« ،‬التعليم يف اليابان»‪ ،‬جملة املعرفة‪ ،‬العدد ‪،84‬‬‫الريا�ض‪ :‬وزارة املعارف‪ ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2002‬‬ ‫ �صحيفة الغد‪� ،‬صنعاء‪ 10 ،‬حزيران‪ /‬يونيو ‪.2009‬‬‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪37‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫وجهات نظر‬

‫عني على اليمن‬

‫‪ 9‬ر�أ����س نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادي���ة وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي‬ ‫الأرحب���ي‪ ،‬الأجتماع اخلتامي بني احلكومة اليمنية وبعثة �صندوق النقد الدويل‪ ،‬وناق�ش االجتماع‬ ‫جمل���ة من الق�ضايا املت�صل���ة بتعزيز اال�صالحات يف جمال املالية العامة وحت�سني وتطوير الإدارة‬ ‫املالية‪.‬‬

‫تفاعالت اليمن‬ ‫والعامل فـي‬

‫‪60‬‬

‫�شهرا ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪ -‬كانون الأول‪/‬دي�سمرب‬ ‫ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪2009‬‬

‫‪ 1‬ناق����ش رئي�س جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور‪ ،‬ب�صنعاء‪ ،‬مع ممثل �صندوق النقد‬ ‫ال���دويل ال�سيد تود �شنايدر‪ ،‬عالقات التعاون بني اليمن وال�صندوق وتوجهاتها للفرتة القادمة يف‬ ‫جم���االت اال�صالحات املالية والنقدية والإدارية و�إع���ادة الهيكلة‪ ،‬مبا يف ذلك الدعم الفني الذي‬ ‫�سيقدمه ال�صندوق يف هذه املجاالت‪.‬‬ ‫‪� 3‬أكد �أمري دولة قطر ال�شيخ حمد بن خليفة �آل ثاين‪� ،‬أن وحدة اليمن وا�ستقرارها �أمر حيوي‬ ‫لي����س لليم���ن فح�سب بل للمنطقة‪ .‬وج���دد ال�شيخ حمد يف كلمة افتتح به���ا دور االنعقاد العادي الـ‬ ‫‪ 38‬ملجل�س ال�شورى القطري موقف دولة قطر الثابت والتاريخي احلري�ص على ا�ستقرار اليمن‬ ‫ووحدته و �سالمة �أرا�ضيه‪.‬‬ ‫‪ 3‬بح���ث وزي���ر اخلارجي���ة الدكت���ور �أبوبك���ر القربي ب�صنع���اء‪ ،‬مع م�سئ���ول الدف���اع واملخاطر‬ ‫اال�سرتاتيجي���ة ب���وزارة اخلارجي���ة الربيطاني���ة ال�سيد �سامين مائل���ي‪� ،‬أوجه التع���اون القائم بني‬ ‫البلدين يف جمال مكافحة الإرهاب‪.‬‬ ‫‪ 3‬ت�سلم الرئي�س علي عبداهلل �صالح ر�سالة خطية من رئي�س الوزراء الربيطاين جوردن براون‪،‬‬ ‫تتعل���ق بالعالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها‪ ،‬ومنها التعاون‬ ‫يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب‪.‬‬ ‫‪ 4‬التق���ي نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي‬ ‫الأرحب���ي‪ ،‬بعثة البن���ك الدويل اخلا�صة بالتعلي���م العايل برئا�سة م�سئولة التعلي���م العايل بالبنك‬ ‫ال���دويل عائ�شة فودة‪ ،‬جرى خالل اللق���اء ا�ستعرا�ض الق�ضايا املت�صلة بالتعاون القائم بني اليمن‬ ‫والبنك يف جمال التعليم العايل ومناق�شة التفا�صيل املتعلقة بامل�شروع الثاين للتعليم العايل الذي‬ ‫�ست�ستفيد منه جميع اجلامعات اليمنية‪.‬‬ ‫‪ 9‬ق���ررت حكوم���ة اليابان تقدمي منح���ة مالية لتموي���ل م�شروعني مبحافظتي حج���ة واملحويت‬ ‫مببل���غ ‪ 37‬مليون و‪� 95‬ألف ريال �ضم���ن الربنامج الياباين «املنح املقدم���ة مل�شاريع الأمن الب�شري‬ ‫الأهلية»‪.‬‬ ‫‪ 7‬ناق����ش وزي���ر ال�صناعة والتج���ارة الدكتور يحيى املت���وكل‪ ،‬مع ال�سفري ال�صين���ي ب�صنعاء ليو‬ ‫دنغلني‪ ،‬عالقات التعاون االقت�صادي والتجاري بني البلدين‪ ،‬وا�ستعر�ض اللقاء التعاون القائم يف‬ ‫‪38‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫يوم ًا‬

‫‪2009‬‬

‫تطوي���ر م�صنع الغزل والن�سيج ب�صنعاء‪ ،‬وتو�سعة م�صنع �إ�سمنت باجل ودعوة ال�شركات ال�صينية‬ ‫للإ�سثتمار يف املناطق ال�صناعية اليمنية‪.‬‬ ‫‪ 7‬عق���دت ب���وزارة التخطيط والتع���اون الدويل جل�س���ة مباحثات ر�سمية ب�ي�ن احلكومة اليمنية‬ ‫والبنك الدويل برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل‬ ‫عبدالكرمي الأرحبي‪ ،‬ونائب رئي�س البنك الدويل ملنطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقيا �شم�ساد‬ ‫�أختار‪.‬‬ ‫‪ 7‬د�ش���ن الرئي����س علي عب���داهلل �صالح امل�ش���روع االقت�ص���ادي اال�سرتاتيجي العم�ل�اق املتمثل‬ ‫بت�صدير الغاز الطبيعي امل�سال عرب ميناء بلحاف يف حمافظة �شبوة‪.‬‬ ‫‪ 8‬ا�ستقب���ل الرئي����س علي عبداهلل �صال���ح نائبة رئي�س البن���ك الدويل ملنطقة ال�ش���رق الأو�سط‬ ‫و�شم���ال �أفريقي���ا �شم�س���اد �أختار‪ .‬وجرى يف اللق���اء بحث العالقات وجماالت التع���اون بني اليمن‬ ‫والبن���ك ال���دويل‪ ،‬وامل�شاريع الت���ي ميولها البنك يف اليم���ن‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل زي���ادة الدعم التنموي‬ ‫والفن���ي املق���دم من البنك‪ ،‬وح�شد املوارد م���ن املانحني الآخرين للم�شاري���ع التنموية‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن‬ ‫دعم جهود اال�صالحات االقت�صادية يف اليمن‪.‬‬ ‫‪ 9‬بح���ث وزير املالية نعمان ال�صهيب���ي ب�صنعاء‪ ،‬مع رئي�س قطاع اال�صالحات العامة يف البنك‬ ‫ال���دويل روبرت �شل‪� ،‬أوج���ه التعاون القائم بني اليم���ن والبنك‪ ،‬وتناول اللق���اء اجلوانب املت�صلة‬ ‫بدعم البنك الدويل لليمن يف جمال ا�صالح املالية العامة وتطوير االدارة املالية وم�شروع حتديث‬ ‫اخلدمة املدنية وتطوير النظام املحا�سبي‪.‬‬ ‫‪ 9‬ناق����ش رئي����س جمل����س ال���وزراء الدكت���ور علي حممد جم���ور‪ ،‬ب�صنع���اء‪ ،‬مع الوزي���ر الدائم‬ ‫ب���وزارة التنمية الدولية الربيطانية ال�سيدة نعمت �شفيق‪ ،‬عالق���ات التعاون بني اليمن وبريطانيا‬ ‫يف املجال�ي�ن االقت�ص���ادي والتنم���وي وتوجهاتها القادمة مب���ا يف ذلك اجلوان���ب املتعلقة باجندة‬ ‫اال�صالحات الوطنية والأولويات الع�شر املقرة من قبل احلكومة للفرتة الراهنة واملقبلة‪.‬‬ ‫‪ 9‬ا�ستقب���ل الرئي����س علي عب���داهلل �صالح الوزي���ر الدائم ب���وزارة التنمية الدولي���ة الربيطانية‬ ‫ال�سيدة نعمت �شفيق‪ ،‬وجرى يف اللقاء بحث جوانب العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك‬ ‫ب�ي�ن البلدين‪ ،‬وزيادة الدعم الربيط���اين لليمن يف املجال التنموي‪ ،‬بالإ�ضاف���ة �إىل دعم الأجندة‬ ‫الوطنية للإ�صالحات االقت�صادية واملالية واالدارية‪.‬‬

‫‪ 10‬عقدت ب�صنعاء اجلل�س���ة الوزارية ملراجعة اتفاقية ال�شراكة التنموية بني اليمن واململكة‬ ‫املتح���دة برئا�س���ة نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش����ؤون االقت�صادية وزي���ر التخطيط والتع���اون الدويل‬ ‫عبدالك���رمي الأرحب���ي‪ ،‬وال�سكرتري الدائ���م للمملكة املتحدة ب���وزارة التنمية الدولي���ة الربيطانية‬ ‫الوزي���ره نعمت �شفيق‪ .‬وا�ستعر�ض الأرحبي يف اجلل�سة جممل التحديات التى تواجه اليمن نتيجة‬ ‫تداعي���ات االزم���ة املالية وتدين ا�سع���ار و�إنتاج النفط والظ���روف الأمني���ة اال�ستتثنائية التى متر‬ ‫به���ا اليم���ن حالي ًا‪ ،‬منوه���ا ب�ضرورة �إعطاء اليم���ن �أولوية من قبل املانحني م���ن خالل رفع �سقف‬ ‫امل�ساعدات املقدمة لدعم م�سارات التنمية يف اليمن‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫وافق ال�صندوق العاملي ملكافحة الإيدز وال�سل واملالريا على تقدمي مبلغ ‪ 24‬مليون و‪769‬‬

‫�ألف دوالر لربنامج مكافحة ال�سل يف اليمن ملدة خم�س �سنوات‪.‬‬

‫‪ 10‬وقع���ت مب�صلحة خفر ال�سواحل اتفاقية تعاون يف جم���ال اخلدمات الطبية بني م�صلحة‬ ‫خفر ال�سواحل واحلكومة الأملانية‪ ,‬يقدم مبوجبها اجلانب الأملاين ‪� 750‬ألف يورو م�ساعدة لإن�شاء‬ ‫‪ 3‬وحدات �صحية تابعة للم�صلحة يف كل من‪ :‬عدن‪ ,‬وميون‪ ,‬وخور عمرية‪ .‬و ّقع الإتفاقية عن‬ ‫جان���ب م�صلحة خف���ر ال�سواحل العميد علي را�صع رئي�س امل�صلح���ة‪ ,‬وعن اجلانب الأملاين ال�سيد‬ ‫مي�شائيل كلور بري�شتولد �سفري جمهورية �أملانيا ب�صنعاء‪.‬‬ ‫‪� 10‬أكد الأمني العام جلامعة الدول العربية عمرو مو�سى رف�ض اجلامعة العربية لأي م�سا�س‬ ‫ب�سي���ادة اجلمهوري���ة اليمنية �أو اململك���ة العربية ال�سعودية‪ .‬و�أكد مو�س���ى يف ت�صريح لل�صحافيني‬ ‫يف القاه���رة‪ ،‬دعم اجلامعة لوح���دة وا�ستقرار االرا�ض���ي اليمنية‪ ،‬و�شدد �أن التع���دي على �سيادة‬ ‫اليم���ن وال�سعودية بقيام مت�سللني م�سلحني باجتياز احل���دود ال�سعودية واعتدائهم على �أفراد من‬ ‫ق���وات حر�س احلدود �أمر غري مقبول‪ ،‬و�أعرب يف ذات الوق���ت عن ثقته يف قدرة القوات امل�سلحة‬ ‫ال�سعودية على حماية �أرا�ضي اململكة وت�أمني حدودها وردع املعتدين‪.‬‬ ‫‪ 10‬نف���ى م�ص���در م�سئول بوزارة اخلارجي���ة‪ ،‬ما تناولته بع�ض و�سائ���ل الإعالم والف�ضائيات‬ ‫العربي���ة من �أنب���اء تزعم ان الوزارة ا�ستدعت �أم�س ال�سفري الأرت�ي�ري ب�صنعاء ملناق�شة معلومات‬ ‫تفيد عن تورط بالده يف دعم املتمردين احلوثيني ب�صعدة‪ .‬و�أو�ضح امل�صدر لوكالة الأنباء اليمنية‬ ‫(�سب����أ) �أن تل���ك الأنب���اء ال �أ�سا�س لها م���ن ال�صحة‪ ،‬م�ش�ي�ر ًا �إىل �أن لقاء وكي���ل وزارة اخلارجية‬ ‫لل�ش�ؤون العربية واالفريقية والآ�سيوية علي العيا�شي مع �سفري دولة �أرترييا ب�صنعاء مو�سى يا�سني‬ ‫�شي���خ‪ ،‬كان لق���ا ًء اعتيادي ًا وكر�س لبحث عالقات التعاون الثنائي ب�ي�ن البلدين‪ ،‬وبني امل�صدر ب�أن‬ ‫ال�سفري الأرتريي جدد خالل اللقاء موقف بالده الداعم لأمن وا�ستقرار اليمن‪.‬‬ ‫‪ 10‬جدد وزراء خارجية دول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬دعم بلدانهم للجمهورية‬ ‫اليمني���ة و�أمنها وا�ستقرارها وم�ساندة جهوده���ا يف مواجهة التحديات املحدقة بها‪ ،‬جاء ذلك يف‬ ‫كلماته���م يف اجلل�سة االفتتاحي���ة لالجتماع الثانى للمجل�س الوزارى ل���وزراء خارجية دول جمل�س‬ ‫التعاون التي عقدت بالعا�صمة القطرية الدوحة‪.‬‬ ‫‪� 10‬أعلن���ت اليابان عن تقدمي م�ساعدات عاجلة للنازحني ج���راء �أحداث احلرب يف �صعدة‬ ‫بقيمة مليون وت�سعمائة وع�شرون �ألف دوالر‪ ،‬و�ستقدم هذه امل�ساعدات عرب برنامج الغذاء العاملي‬ ‫ومفو�ضي���ة الأمم املتح���دة ال�سامي���ة لالجئني ومنظم���ة ال�صح���ة العاملي���ة‪ .‬و�ستخ�ص�ص لتقدمي‬ ‫م�ساعدات غذائية و�إن�ساني���ة وت�سجيل النازحني و�إدارة الفرق الطبية‪ ،‬وذلك ا�ستجابة للمنا�شدة‬ ‫ال�ص���ادرة م���ن الأمم املتحدة يف الث���اين من �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر املا�ضي وا�ستجاب��� ًة لطلب احلكومة‬ ‫اليمنية يف هذا اجلانب‪.‬‬ ‫‪ 11‬ق���ال م�صدر م�سئول ب���وزارة اخلارجية “لق���د تابعنا يف اجلمهورية اليمني���ة الت�صريحات‬ ‫الت���ي �أدىل بها وزير اخلارجية الإيراين ال�سيد منو�شهر متكي حول اليمن”‪ ،‬و�أ�ضاف امل�صدر قائ ًال‬ ‫“و�إننا بالقدر الذي نرحب فيه مبا �أكده متكي حويل موقف �إيران �إزاء وحدة اليمن وا�ستقراره‪،‬‬ ‫رف�ضا ً‬ ‫ف����إن اجلمهورية اليمني���ة ت�ؤكد جمدد ًا ب�أنها ترف�ض ً‬ ‫مطلقا التدخ���ل يف �ش�ؤونها الداخلية من‬ ‫قبل �أية جهة كانت �أو �إدعاء الو�صاية �أو احلر�ص على �أي من ابناء �شعبنا اليمني”‪ .‬و�أكد امل�صدر يف‬

‫ت�صريح لوكالة الأنب���اء اليمنية (�سب�أ) �أن‬ ‫ما يج���ري يف حمافظة �صعدة من مواجهة‬ ‫م���ع العنا�ص���ر املتمردة ه���و �ش����أن داخلي‬ ‫مين���ي‪ ،‬و�أن اليمن كفيل بح���ل ق�ضاياه دون‬ ‫تدخل �أو و�ساطة من الآخرين‪.‬‬ ‫‪ 11‬قدمت حكوم���ة اليابان منحة تبلغ ‪16‬‬ ‫ملي���ون و‪� 340‬ألف ريال لتموي���ل وحدة �صحية يف‬ ‫منطقة احلرث مبديرية بعدان حمافظة �إب ي�ستفيد‬ ‫منها ح���وايل ‪ 20.000‬ن�سمة‪ .‬وي�أتي هذا الدعم يف �إطار‬ ‫الربنام���ج الياب���اين امل�سم���ى “املن���ح املقدمه مل�شاري���ع الأمن‬ ‫الب�شري الأهلية” الهادف �إىل دعم امل�شاريع الأهلية ال�صغرية احلجم‬ ‫يف املج���االت املرتبط���ة باالحتياجات الأ�سا�سية مثل ال�صح���ة والتعليم الأ�سا�سي يف‬ ‫الدول النامية‪.‬‬

‫‪� 13‬أك���د امل�ؤمتر الراب���ع لرابطة جمال����س ال�شيوخ وال�ش���ورى واملجال�س املماثل���ة يف �إفريقيا‬ ‫والعامل العربي‪ ،‬ت�ضامنه الكامل مع اليمن‪ ،‬ودعمه موقفه احلازم �إزاء ما يتعر�ض له من تدخالت‬ ‫خارجي���ة يف �ش�ؤونه الداخلية‪ .‬ج���اء ذلك يف البيان اخلتامي ال�صادر يف خت���ام �أعمال امل�ؤمتر يف‬ ‫مق���ر جمل����س امل�ست�شارين بالعا�صمة املغربي���ة الرباط‪ ،‬والذي �شارك في���ه رئي�س جمل�س ال�شورى‬ ‫عبدالعزي���ز عبدالغني‪ ،‬عل���ى ر�أ�س وفد من املجل�س‪� ،‬إىل جانب ر�ؤ�س���اء جمال�س وممثلني عن ‪14‬‬ ‫دولة عربية و�إفريقية ومنظمات برملانية �إقليمية ودولية‪.‬‬ ‫‪ 14‬وقع بوزارة التخطيط والتعاون الدويل على اتفاقية املنحة اليابانية املقدمة لليمن بقيمة‬ ‫‪� 860‬ألف دوالر لتمويل م�شروع �إمدادات مياه الريف البالغ تكلفته االجمالية ‪ 16‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫‪ 15‬بح���ث وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي‪ ،‬خالل لقائه �سفري �سلطنة عمان ب�صنعاء‬ ‫عب���داهلل بن حمد الب���ادي‪ ،‬العالقات الثنائية ب�ي�ن البلدين‪ ،‬وتطرق اللق���اء �إىل �آخر امل�ستجدات‬ ‫عل���ى ال�ساحتني الإقليمية والدولية‪ .‬من جهة ثانية التقى وزير اخلارجية‪ ،‬ب�صنعاء‪� ،‬سفراء الدول‬ ‫الأوروبي���ة واملانح���ة والدائمة الع�ضوية يف جمل����س الأمن‪ ،‬ويف اللقاء �أطل���ع القربي �سفراء الدول‬ ‫الأوروبي���ة على �آخر التطورات يف ال�ساحت�ي�ن املحلية والإقليمية‪ ،‬م�ستعر�ض ًا معهم جهود احلكومة‬ ‫للت�ص���دي للمتمردين احلوثيني‪ ،‬ونتائج احل���وار ال�سيا�سي اليمني – الأوروبي‪ ،‬والآفاق امل�ستقبلية‬ ‫لتعزي���ز عالق���ات التعاون ب�ي�ن اليمن وبلدانهم‪ .‬م���ن جانبهم �أكد ال�سفراء دع���م بلدانهم لوحدة‬ ‫وا�ستقرار و�أمن اليمن‪.‬‬ ‫‪ 15‬وق���ع ب�صنع���اء على مذكرة تفاهم ب�ي�ن وزارة ال�صحة العامة وال�س���كان ومكتب التعاون‬ ‫الفن���ي الأملاين الـ (جي‪ .‬ت���ي‪ .‬زد) لت�أ�سي�س وحدة تنفيذ امل�شاري���ع ال�صحية املمولة من املانحني‪.‬‬ ‫وتق�ض���ي مذكرة التفاه���م التي وقعها نائب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون االقت�صادي���ة وزير التخطيط‬ ‫والتع���اون الدويل عبدالكرمي الأرحبي ووزير ال�صحة العامة وال�سكان الدكتور عبدالكرمي را�صع‪،‬‬ ‫وع���ن اجلانب الأملاين مدي���ر مكتب التعاون الفن���ي الأملاين ب�صنعاء توما����س �إجنلهارت‪ ،‬بتقدمي‬ ‫مكت���ب التع���اون الفني الأملاين ال���ـ (جي‪ .‬تي‪ .‬زد) الدع���م الفني الالزم لت�أ�سي����س وحدة ت�ضطلع‬ ‫بتنفيذ امل�شاريع ال�صحية املمولة من املانحني‪.‬‬ ‫‪ 15‬وقع���ت اجلمهورية اليمنية وهيئ���ة التنمية الدولية على �إتفاقية املنحة املقدمة من البنك‬ ‫الدويل لدعم برنامج الطرق الريفية و�صندوق �صيانة الطرق مببلغ ‪ 40‬مليون دوالر‪ .‬و ّقع الإتفاقية‬ ‫وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدويل لقطاع برجمة امل�شاريع املهند�س عبداهلل ال�شاطر‪ ،‬ورئي�س‬ ‫فريق املفاو�ضات يف البنك الدويل جون ت�شالر كرو�شيه‪.‬‬ ‫‪ 16‬وقع���ت وزارة التخطي���ط والتع���اون ال���دويل والبن���ك الإ�سالم���ي للتنمي���ة‪ ،‬على حم�ضر‬ ‫االجتم���اع اخلا�ص ب�إع���داد م�شروع الفر����ص االقت�صادية‪ ،‬وتقيي���م م�شروع حم���و الأمية املهنية‪،‬‬ ‫وال���ذي ت�ضمن تعهد البن���ك الإ�سالمي للتنمية بامل�ساهمة يف متويل م�ش���روع الفر�ص االقت�صادية‬ ‫مببلغ ‪ 11‬مليون دوالر والهادف �إىل التخفيف من الفقر يف العديد من املناطق الريفية يف اليمن‪،‬‬ ‫�إىل جان���ب م�ساهم���ة كل من ال�صندوق ال���دويل للتنمية الزراعية مببلغ ع�ش���رة ماليني و�ستمائة‬ ‫�أل���ف دوالر‪ ،‬والوكال���ة الفرن�سية للتنمية مببلغ مليونني ومائتي �أل���ف دوالر تقدمان كمنحة لتمويل‬ ‫امل�ش���روع‪ .‬كما ت�ضمن تخ�صي�ص البن���ك الإ�سالمي للتنمية مبلغ ‪ 11‬ملي���ون دوالر لتمويل م�شروع‬ ‫حم���و الأمي���ة املهنية‪� ،‬إىل جانب م�ساهمة �صندوق الأوبك للتنمي���ة الدولية مببلغ ‪ 9‬ماليني دوالر‪،‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪39‬‬


‫واحلكوم���ة اليمنية مببلغ مليون وخم�سمائة �ألف دوالر من كلف���ة امل�شروع‪ .‬من جهة �أخرى‪ ،‬وقعت‬ ‫اليم���ن وبرنامج الأمم املتحدة الإمنائي على االتفاقية املتعلق���ة بتمويل م�شروع الإدارة امل�ستدامة‬ ‫للم���وارد الطبيعية (املرحلة الثاني���ة)‪ ،‬وتق�ضي االتفاقية بتخ�صي�ص مبل���غ مليون وثالثمائة �ألف‬ ‫دوالر لتموي���ل املرحلة الثاني���ة من م�شروع الإدارة امل�ستدامة للم���وارد الطبيعية‪ ،‬وت�سهم احلكومة‬ ‫اليمني���ة يف امل�شروع مببلغ ‪� 400‬ألف دوالر‪ ،‬فيما ي�سهم برنامج الأمم املتحدة الإمنائي مببلغ ‪800‬‬ ‫�ألف دوالر‪.‬‬

‫‪ 17‬وقعت اليمن وهيئة التنمية الدولية مبقر البنك الدويل بالقاهرة على اتفاقية بالأحرف‬ ‫الأوىل تقدم مبوجبها الهيئة منحه مببلغ ‪ 25‬مليون دوالر لتمويل م�شروع التخل�ص من البلهار�سيا‬ ‫يف اليمن‪ .‬وي�ستهدف امل�شروع معاجلة �ستة ماليني وثمامنائة �ألف مواطن من خمتلف الأعمارعلى‬ ‫م���دى ‪� 6‬سنوات‪ ،‬و�سيغطي امل�شروع ح���وايل ‪ 225‬مديرية يف خمتلف املحافظات التي تنت�شر فيها‬ ‫البلهار�سيا‪.‬‬

‫‪ 23‬ا�ستقب���ل ال�سلطان قابو�س بن �سعيد �سلطان �سلطن���ة عمان‪ ،‬بق�صر ال�شموخ بوالية منح‪،‬‬ ‫العمي���د الركن �أحم���د علي عبداهلل �صالح قائد احلر�س اجلمهوري قائ���د القوات اخلا�صة‪ ،‬الذي‬ ‫نق���ل له ر�سالة خطية من الرئي�س علي عبداهلل �صالح تتعلق بالعالقات الثنائية وجماالت التعاون‬ ‫امل�شرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أبرز الق�ضايا والتطورات العربية والإقليمية‬ ‫ذات االهتمام امل�شرتك‪.‬‬

‫‪ 16‬وقع���ت اخلطوط اجلوية اليمنية يف دب���ي اتفاقية مع �شركة ال�صناعات اجلوية الأوروبية‬ ‫(�أيربا�ص) ل�شراء ع�شر طائرات (�إيه ‪ )320‬جديدة بقيمة �إجمالية مقدراها ‪ 700‬مليون دوالر‪.‬‬

‫‪ 18‬بح���ث وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري‪ ،‬خالل لقائ���ه ب�صنعاء نائب املدير الإقليمي‬ ‫ملنطق���ة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقيا مبنظمة الأمم املتحدة ل�ش�ؤون الالجئني ال�سيدة �أور�سوال‬ ‫�أبوبك���ر‪� ،‬أوج���ه التع���اون والتن�سيق بني املنظم���ة والوزارة يف املج���ال الأمني‪ .‬وتط���رق اللقاء �إىل‬ ‫�أو�ض���اع الالجئني القادمني من دول الق���رن الأفريقي‪ ،‬وخا�صة الالجئ�ي�ن ال�صوماليني والأعباء‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية التي ي�سببها الالجئني لليمن‪.‬‬

‫‪ 23‬التق���ى نائب رئي�س ال���وزراء ل�ش�ؤون الدف���اع والأمن وزير الإدارة املحلي���ة الدكتور ر�شاد‬ ‫العليم���ي‪ ،‬بنادي �ضب���اط القوات امل�سلحة قائد الأ�ساطيل البحري���ة الربيطانية الأدمريال تريفور‬ ‫�س���وار الذي ي���زور اليمن‪ .‬وجرى خالل اللقاء بح���ث �أوجه التعاون امل�شرتك ب�ي�ن جي�شي البلدين‬ ‫يف جم���ال التدريب والت�أهي���ل و�سبل تعزيزها‪ ،‬كما جرى ا�ستعرا�ض اجله���ود املبذولة يف مكافحة‬ ‫الإره���اب والت�صدي لأعمال التهريب والقر�صنة البحرية‪ ,‬و�سب���ل تطوير وتعزيز اجلهود الكفيلة‬ ‫بتعزيز الأمن واال�ستقرار يف املنطقة وحماية املمرات البحرية الدولية يف منطقتي البحر الأحمر‬ ‫وخلي���ج عدن والبح���ر العربي ومنطقة القرن الأفريق���ي‪ .‬وكان وزير الدفاع الل���واء الركن حممد‬ ‫نا�صر �أحمد قد التقى قائد الأ�ساطيل البحرية الربيطانية الأدمريال تريفور �سوار‪.‬‬

‫‪ 16‬عق���دت ب�صنع���اء جل�سة مباحثات مينية‪ -‬كورية‪ ،‬تناولت جم���االت التعاون امل�شرتك بني‬ ‫اجلانبني يف جماالت النفط والغاز واملعادن و�سبل تعزيزها والفر�ص اال�ستثمارية املتاحة يف هذه‬ ‫املجاالت يف اليمن‪.‬‬ ‫‪ 16‬بح���ث �سفري اليم���ن بالقاهرة الدكتور عبدال���ويل ال�شمريي‪ ،‬خالل لقائ���ه القائد العام‬ ‫للق���وات امل�سلحة وزير الدفاع واالنتاج احلربي امل�ص���ري امل�شري حممد ح�سني طنطاوي‪ ،‬عالقات‬ ‫التعاون الع�سكري بني البلدين و�سبل تعزيزها خ�صو�ص ًا يف جماالت اخلدمات الطبية الع�سكرية‪،‬‬ ‫والتدريب والت�أهيل‪.‬‬ ‫‪16‬بح���ث وزير الداخلية مطه���ر امل�صري‪ ،‬مع رئي�س بعثة االحت���اد الأوربي ميكيلي ت�شرفونة‬ ‫دور�س���و وفري���ق الأمن البحري الإقليم���ي الأوروبي‪ ،‬عالقات التعاون يف املج���ال الأمني خا�صة ما‬ ‫يتعل���ق بالأمن الإقليمي باملنطقة‪ ،‬وج���رى يف اللقاء مناق�شة �إمكانية �أن�ش���اء مركز �إقليمي لتبادل‬ ‫املعلومات البحرية يف اليمن‪ ،‬والتحديد الدقيق ملهامه ومتطلباته‪.‬‬ ‫‪16‬بد�أت ب�صنع���اء �أعمال االجتماع الثالث للجنة الأمنية اليمنية‪ -‬الإماراتية امل�شرتكة‪ .‬ويف‬ ‫االجتم���اع بحث اجلانب���ان جماالت التعاون الأمني بني البلدين و�آف���اق تعزيزها ويف مقدمة ذلك‬ ‫التن�سيق يف مكافحة الإرهاب واملخدرات وو�ضع �آلية م�شرتكة للتعاون يف جمال مكافحة التهريب‪.‬‬ ‫وناق�ش اجلانبان امكانية ت�سهيل �إجراءات �إقامة الرعايا اليمنيني يف دولة الإمارات وفق ًا للقوانني‬ ‫واللوائ���ح املنظمة لذل���ك‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل مناق�شة عدد من الق�ضاي���ا واملوا�ضيع املدرجة يف جدول‬ ‫الأعمال‪.‬‬ ‫‪ 17‬التق���ى وكي���ل �أول وزارة اخلارجي���ة حمي الدين ال�ضب���ي �سفري ايطالي���ا ب�صنعاء ماريو‬ ‫بوف���و‪ ..‬وج���رى خالل اللق���اء بحث اوجه العالقات ب�ي�ن البلدين وجوانب الدع���م التنموي املقدم‬ ‫م���ن احلكومة االيطالية لليمن‪ ،‬كما جرى خالل اللقاء بحث االو�ضاع يف ال�صومال واجلهود التي‬ ‫يبذلها البلدين لرت�سيخ اال�ستقرار يف ال�صومال من خالل دعم احلكومة االنتقالية ال�صومالية‪.‬‬ ‫‪ 17‬اختتم���ت بالريا����ض املباحث���ات الإعالمي���ة ب�ي�ن اجلمهورية اليمني���ة واململك���ة العربية‬ ‫ال�سعودي���ة التي عقدت على مدى يومني برئا�سة وزير الإعالم ح�سن �أحمد اللوزي‪ ،‬ووزير الثقافة‬ ‫والإع�ل�ام ال�سعودي الدكت���ور عبدالعزيز بن حميي الدين خوجة‪ ،‬ج���رى خالل اجلل�سة ا�ستكمال‬ ‫بحث املو�ضوعات املتعلقة ب�آفاق تنمية وتو�سيع التعاون الإعالمي بني البلدين‪.‬‬ ‫‪ 17‬و ّق���ع ب�صنعاء عل���ى اتفاقية املنحة املالي���ة للت�صاميم التف�صيلية مل�ش���روع الإمداد مبياه‬ ‫ال�شرب للمناطق الريفية املقدم من الوكالة اليابانية للتعاون الدويل (جايكا) لتنفيذ ‪ 19‬م�شروع ًا‬ ‫ملي���اه الريف يف خم�س حمافظات بتكلفة ‪ 86‬مليون ين ياب���اين‪ ،‬والتي مبوجبها تقدم الـ (جايكا)‬ ‫للهيئة العامة مل�شاريع مياه الريف مبلغ ‪ 86‬مليون ين ياباين لل�شروع يف �إن�شاء جتهيزات �إمدادات‬ ‫املياه يف حمافظات تعز‪ ،‬و�إب‪ ،‬وذمار‪ ،‬و�صنعاء‪ ،‬واملحويت‪.‬‬ ‫‪ 17‬وق���ع ب�صنع���اء بالأح���رف الأوىل بني اليم���ن وال�صن���دوق الكويتي للتنمي���ة االقت�صادية‬ ‫العربي���ة عل���ى االتفاقية املتعلقة بتمويل م�شروع ميناء �سقطرى التج���اري بتكلفة ‪ 41‬مليون دوالر‪،‬‬ ‫والت���ى تندرج �ضمن ايفاء الكويت بتعهداتها املقدمة لليم���ن خالل م�ؤمتر لندن للمانحني املنعقد‬ ‫يف منت�ص���ف ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب من العام ‪ .2006‬وق���ع االتفاقية نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون‬ ‫االقت�صادي���ة وزيرالتخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحبي ورئي�س بعثة ال�صندوق الكويتي‬ ‫للتنمية االقت�صادية العربية املهند�س طارق املني�سي‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪ 18‬ا�ستقب���ل رئي�س جمل����س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور‪ ،‬ب�صنعاء‪ ،‬الوفد ال�صومايل‬ ‫برئا�س���ة النائ���ب الأول لرئي�س الوزراء وزير الأ�سماك واخل�ي�رات البحرية يف احلكومة الإنتقالية‬ ‫الربوف�سور عبدالرحمن �آدم �إبراهيم‪ .‬حيث جرى مناق�شة عالقات التعاون بني البلدين يف قطاع‬ ‫ال�ث�روة ال�سمكية على �ضوء مذكرة التفاهم التي �سيتم التوقيع عليها خالل هذه الزيارة والرامية‬ ‫�إىل تعزي���ز التع���اون امل�ش�ت�رك يف خمتلف جماالت ال�صي���د البحري وو�سائ���ل الإ�صطياد واملجال‬ ‫الفني املرتبط بهذه العملية ملا من �ش�أنه خدمة امل�صالح امل�شرتكة للبلدين‪.‬‬ ‫‪ 19‬و ّق���ع ب�صنعاء عل���ى برنامج العمل التنفي���ذي ملذكرة التفاهم بني اليم���ن وال�صومال يف‬ ‫جم���ال املواءمة والتكامل بني قطاعي ال�ث�روة ال�سمكية يف البلدين‪ ،‬تت�ضم���ن ت�شجيع امل�ستثمرين‬ ‫يف البلدي���ن على تنفي���ذ م�شروعات �سمكية م�شرتك���ة وتقدمي الت�سهيالت الالزم���ة لهم والرتويج‬ ‫للفر����ص اال�ستثماري���ة املتوفرة يف جمال ال�ث�روة ال�سمكية‪ ،‬و�أهمها حت�ض�ي�ر الأ�سماك واعدادها‬ ‫للت�صدي���ر‪ .‬وي�شم���ل الربنامج م�ساعدة احلكومة ال�صومالية يف معاجل���ة مو�ضوع �سفنها الرا�سية‬ ‫يف مين���اء ال�صيد بعدن‪ ،‬وتبادل الزيارات واخلربات واملعلومات‪ ،‬والت�شريعات ال�سمكية ال�صادرة‬ ‫يف البلدين‪.‬‬ ‫‪ 19‬وقع���ت اليمن وهيئ���ة التنمية الدولية بالأحرف الأوىل مبقر البن���ك الدويل يف القاهرة‪،‬‬ ‫على اتفاقية املنحة املقدمة من االحتاد الأوروبي البالغة ‪ 17.5‬مليون يورو‪ ،‬لتمويل م�شاريع كل من‬ ‫ال�صن���دوق االجتماعي للتنمية و�صندوق الرعاية االجتماعي���ة‪ .‬ت�ستهدف املنحة خلق فر�ص عمل‬ ‫من خ�ل�ال تنفيذ عدد من امل�شروعات كثيفة العمالة عرب ال�صن���دوق الإجتماعي للتنمية ولنحـ ــو‬ ‫‪� 16 - 12‬أل���ف �أ�س���رة يف عدد من حمافظات اجلمهورية‪ ،‬كما ي�ستهدف توجيه الدعم املبا�شر من‬ ‫خ�ل�ال �صن���دوق الرعاية الإجتماعي���ة لـ ‪� 41‬ألف �أ�س���رة موزعة يف ‪ 54‬مديري���ة ب�سبع حمافظات‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا املناطق املت�ضررة من ال�سيول‪ ،‬وكذا النازحني جراء القتال يف �صعدة‪.‬‬ ‫‪ 22‬وقع���ت وزارة النفط واملعادن ممثلة بال�شرك���ة اليمنية لتكرير النفط مع �شركة �شينهان‬ ‫الكوري���ة للهند�س���ة واالن�ش���اءات املح���دودة على مذكرة تفاه���م لتو�سعة وحتدي���ث م�صفاة مارب‬ ‫بتكلف���ة تقديرية تتجاوز ‪ 150‬مليون دوالر‪ .‬ومبوجب املذكرة‪ ،‬تقوم �شركة �شينهان بتنفيذ ومتويل‬ ‫تو�سع���ة وحتديث م�صفاة م�أرب بالتعاون مع بع�ض البنوك الكورية لرفع الطاقة الإنتاجية من ‪10‬‬ ‫�آالف برمي���ل اىل ‪� 25‬ألف برميل يف الي���وم لتلبية احتياجات ال�سوق املحلية من امل�شتقات النفطية‬ ‫والغازي���ة‪ ،‬وانت���اج م�شتق���ات نفطية عالية اجل���ودة وفق ًا للموا�صف���ات العاملي���ة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أن‬ ‫امل�صفاة �ستقوم بانتاج منتجات جديدة ت�شمل وقود الطائرات وكميات من الغاز امل�سال‪.‬‬ ‫‪ 22‬ا�ستقب���ل عبدرب���ه من�ص���ور هادي نائب رئي����س اجلمهورية‪ ،‬مدير ع���ام برنامج التعاون‬ ‫الفن���ي الأمل���اين يف اليمن الـ “جي تي زد” يوخن روجنر‪ ،‬جرى خ�ل�ال اللقاء مناق�شة �سري العمل‬ ‫يف م�شاري���ع املي���اه وكيفية التع���اون امل�ش�ت�رك يف عمليات �سري تنفي���ذ تلك امل�شاري���ع يف عدد من‬ ‫امل���دن واملحافظات‪ ،‬وتط���رق النقا�ش �إىل مو�ضوع تنفيذ م�شروع مي���اه �أبني والبدء يف املناق�صات‬ ‫القانونية‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن االعتمادات املالية اخلا�صة بهذا امل�شروع متوفرة‪.‬‬ ‫‪ 23‬وقع بالعا�صمة الأردنية عمان على مذكرة تفاهم بني وحدة م�شروع �سوق الأوراق املالية‬ ‫والبور�ص���ة بوزارة املالية وهيئ���ة الأوراق املالية ممثلة مل�ؤ�س�سات �سوق ر�أ�س املال الأردنية ت�ضمنت‬ ‫�أطر التعاون والتن�سيق بني الطرفني لإن�شاء �سوق للأوراق املالية يف اليمن‪.‬‬

‫‪ 23‬بح���ث وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�ص���ري‪ ،‬مع ممثل املنظمة الدولية للهجرة ب�صنعاء‬ ‫فوزي الزي���ود �سبل تطوير و�سائل و�أ�ساليب عمل م�صلحتي الهج���رة واجلوازات‪ ،‬وخفر ال�سواحل‬ ‫اليمني���ة‪ .‬وجرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض الت�شريعات املتعلق���ة بالهجرة يف اليمن‪ ،‬وخطط تدريب‬ ‫وت�أهي���ل الك���وادر العاملة يف ه���ذا املجال‪ ،‬بالإ�ضاف���ة �إىل بحث �إمكانية م�ساهم���ة املنظمات غري‬ ‫احلكومية يف اجلهود الر�سمية التي تبذل للحد من الهجرة غري ال�شرعية �إىل اليمن‪.‬‬ ‫‪ 24‬بح���ث �سف�ي�ر اليمن لدى اململكة املتح���دة حممد طه م�صطفى‪ ،‬مع وزي���ر الدولة ل�ش�ؤون‬ ‫ال�ش���رق الأو�سط بوزارة اخلارجي���ة والكمنولث �إيفان لوي�س‪ ،‬جماالت التعاون الثنائي بني البلدين‬ ‫و�سبل تعزيزها‪.‬‬ ‫‪� 24‬أج���رى الرئي����س علي عب���داهلل �صالح ات�صا ًال هاتفي��� ًا مع العاهل ال�سع���ودي عبداهلل بن‬ ‫عبدالعزي���ز‪ .‬وج���رى خ�ل�ال االت�صال بح���ث العالقات الثنائي���ة وجماالت التع���اون امل�شرتك بني‬ ‫البلدي���ن و�آف���اق تنميته���ا وتو�سيعها‪� ،‬إىل جان���ب بحث التط���ورات يف املنطقة والق�ضاي���ا العربية‬ ‫والإ�سالمية والدولية الراهنة التي تهم البلدين والأمة‪.‬‬ ‫‪ 25‬بح���ث وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي‪ ،‬خالل لقائه بربلني‪ ،‬وزير التعاون الدويل‬ ‫الأملاين ال�سيد نيبل‪ ،‬جماالت التعاون بني اليمن واملانيا و�سبل تعزيزها‪ .‬كما التقى وزير اخلارجية‬ ‫وزي���ر الداخلية الأمل���اين الدكتور توما�س دي ميز‪ ،‬جرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض جهود البلدين يف‬ ‫جم���ال مكافحة الإره���اب‪ ,‬وكذا اجلهود التي تبذلها اليمن الي���واء واغاثة النازحني جراء القتال‬ ‫مبحافظ���ة �صعدة‪ .‬وبحث وزير اخلارجية كذلك مع وزير ال�صح���ة الأملاين الدكتور فيليب رو�سلر‬ ‫التع���اون بني البلدي���ن يف جمال ال�صحة‪ ,‬و�إمكاني���ة ت�أهيل الكوادر الطبي���ة اليمنية يف امل�ؤ�س�سات‬ ‫الطبية الأملانية‪.‬‬

‫كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪2009‬‬

‫‪ 1‬بح���ث وزي���ر ال�صناع���ة والتجارة الدكت���ور يحيى املتوكل‪ ،‬خ�ل�ال لقائه عل���ى هام�ش امل�ؤمتر‬ ‫ال���وزاري ال�سابع ملنظمة التج���ارة العاملية بجني���ف‪ ,‬وزراء التجارة بالوالي���ات املتحدة الأمريكية‬ ‫وكندا واليابان‪ ,‬ال�سبل الكفيلة ب�إنهاء املفاو�ضات الثنائية بني اليمن وهذه الدول‪ ,‬مبا ميكن اليمن‬ ‫من االن�ضمام ملنظمة التجارة العاملية العام ‪.2010‬‬ ‫‪ 1‬التقى وكيل �أول وزارة اخلارجية رئي�س اللجنة الوطنية حلظر الأ�سلحة الكيميائية والبيولوجية‬ ‫وال�سامة حمي الدين ال�ضبي يف الهاي كال على حده مدير عام منظمة حظر الأ�سلحة الكيميائية‬ ‫روخيلي���و فلرت ومدي���ر امل�ساعدة والتعاون الدويل باملنظمة ال�سي���دة كاليمي ماوريا‪ ،‬وبحث معهما‬ ‫التعاون الثنائي بني اليمن واملنظمة يف جمال احلماية وامل�ساعدة وت�أهيل الكادر وتعزيز القدرات‬ ‫الوطنية يف هذا املجال ال�سيما احلوادث الكيميائية الطارئة‪.‬‬ ‫‪ 3‬عقدت يف مقر الربملان الأوروبي يف بروك�سل جل�سة خا�صة ملناق�شة التطورات يف اليمن و�آفاق‬

‫تعزي���ز العالق���ات اليمني���ة ‪ -‬الأوروبي���ة‬ ‫برئا�سة رئي�س اللجنة الربملانية الأوروبية‬ ‫املعنية بالعالقات مع دول اجلزيرة العربية‬ ‫ال�سي���دة �أجنيالي���كا نيبل�ي�ر‪ ،‬وا�ستم���ع عدد‬ ‫من �أع�ض���اء الربملان احلا�ضري���ن يف اجلل�سة‬ ‫�إىل تقري���ر قدمت���ه املفو�ضي���ة الأوروبي���ة تن���اول‬ ‫التط���ورات يف اليمن‪ ،‬وكذا م�س�ي�رة تطور العالقات‬ ‫اليمنية – الأوروبية‪.‬‬ ‫‪ 5‬التق���ى وزي���ر الدفاع الل���واء الركن حممد نا�ص���ر �أحمد ال�سفري‬ ‫الكويتي لدى اليمن �سامل غ�صاب الزمانان‪ .‬جرى يف اللقاء بحث عالقات التعاون‬ ‫الثنائي و�سبل تعزيزها يف املجال الع�سكري وخا�صة فيما يتعلق بتبادل اخلربات يف جمال التاهيل‬ ‫والتدري���ب‪ ،‬وكذا �إتاحة الفر����ص للع�سكريني اليمنيني لاللتحاق بالكلي���ات واملعاهد الع�سكرية يف‬ ‫الكويت‪.‬‬ ‫‪ 5‬التقى حمافظ عدن الدكتور عدنان اجلفري‪ ،‬ال�سفري الفرن�سي ب�صنعاء جوزيف �سيلفا ومعه‬ ‫قائ���د الفرقاطة الع�سكرية الفرن�سية التي و�صلت ميناء عدن فريدريك ميلتي�س‪ ،‬وجرى يف اللقاء‬ ‫ا�ستعرا�ض عالقات التعاون القائمة بني اليمن وفرن�سا وخا�صة يف جمال خفر ال�سواحل ومكافحة‬ ‫القر�صنة والإرهاب و�آفاق تعزيزها‪.‬‬ ‫‪ 7‬و�صل���ت �إىل ميناء ع���دن ال�سفينة الع�سكري���ة املاليزية “بوناجا م�سلم���ا”‪ ،‬يف �إطار عالقات‬ ‫التع���اون الثنائ���ي القائمة ب�ي�ن البلدين يف جمال مكافح���ة الإرهاب و�أعم���ال القر�صنة البحرية‪،‬‬ ‫وت�أمني املمرات املالحية الدولية يف خليج عدن والبحر العربي‪.‬‬ ‫‪ 8‬التق���ى نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي‬ ‫الأرحب���ي‪ ،‬املديرة القطري���ة بوزارة التنمية الدولي���ة الربيطانية ب�صنعاء جوان���ا ريد وا�ست�شاري‬ ‫التوا�ص���ل اخلا�ص بالأجندة الوطنية لال�صالحات برو�س ما كفرن‪ .‬جرى خالل اللقاء ا�ستعرا�ض‬ ‫�أوج���ه التع���اون القائم ب�ي�ن اليمن وبريطاني���ا و�سبل تعزيزه‪ ،‬ومب���ا يتوائم والتوجه���ات امل�شرتكة‬ ‫للبلدين‪.‬‬ ‫‪ 8‬الرئي����س علي عب���داهلل �صالح ي�ستقبل رئي�س املكت���ب ال�سيا�سي حلركة حما����س الفل�سطينية‬ ‫خال���د م�شع���ل والوفد املراف���ق له من �أع�ض���اء احلركة‪ ،‬وال���ذي �أطلعه على تط���ورات الأو�ضاع يف‬ ‫ال�ساحة الفل�سطينية وما و�صلت اليه جهود امل�صاحلة الفل�سطينية‪ -‬الفل�سطينية‪ ،‬كما �أكد موقف‬ ‫حركة حما�س الداعم لأمن اليمن وا�ستقراره ووحدته‪.‬‬ ‫‪ 8‬طال���ب الكوجنر�س الأمريك���ي الإدارة الأمريكية واملجتمع الدويل تق���دمي الدعم وامل�ساعدة‬ ‫لليم���ن مبا ميكنه من مواجهة التحديات القائم���ة وتعزيز م�سريته التنموية‪ .‬ودعا جمل�س ال�شيوخ‬ ‫الأمريك���ي يف قرار �أ�صدره املجل�س و�ص���وّت عليه �أغلبية �أع�ضائه‪ ,‬الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما‬ ‫�إىل دعم التنمية والإ�صالحات يف اليمن‪ ،‬م�شدد ًا على �أهمية عدم جتاهل التحديات التي تواجهها‬ ‫اليمن يف الآونة الأخرية‪.‬‬ ‫‪ 8‬التق���ى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي‪� ،‬سف�ي�ر الواليات التحدة الأمريكية ب�صنعاء‬ ‫�ستيفن �سي�ش‪ .‬جرى خالل اللقاء بحث العالقات الثنائية بني البلدين‪ ،‬كما تناول اللقاء التطورات‬ ‫يف ال�ساحتني املحلية والعربية‪.‬‬ ‫‪ 9‬التق���ى وزير اخلارجية الدكت���ور �أبو بكر القربي‪ ،‬رئي�سة �سريالن���كا ال�سابقة �شاندريكا كوما‬ ‫رتنج���ا وم�ست�ش���ارة الرئي�س الأمريك���ي باراك �أوباما جاكل�ي�ن ويذر‪ ،‬امل�ش���اركات يف م�ؤمتر زيادة‬ ‫امل�شاركة ال�سيا�سية للمر�أة اليمني���ة‪ ،‬وجرى مناق�شة ال�صعوبات واملعوقات التي تعرت�ض امل�شاركة‬ ‫ال�سيا�سي���ة للم���ر�أة و�سب���ل تخطي ه���ذه املعوقات م���ن �أجل تعزي���ز م�شاركتها‪ ،‬وك���ذا �أهمية دعم‬ ‫الأحزاب ال�سيا�سية يف ذلك‪.‬‬ ‫‪� 9‬أدان���ت احلكومة اليمنية‪ ،‬التفجريات الإرهابية الت���ي تعر�ضت لها العا�صمة العراقية بغداد‬ ‫و�أدت �إىل �سق���وط العدي���د م���ن ال�ضحايا واجلرح���ى الأبرياء م���ن �أبناء ال�شع���ب العراقي‪ .‬وعبرّ‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪41‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫م�ص���در م�سئول بوزارة اخلارجية يف ت�صريح لوكالة (�سب�أ) عن تعازي احلكومة وموا�ساتها لأ�سر‬ ‫ال�ضحاي���ا وامل�صابني وت�ضامنها مع ال�شع���ب العراقي‪ .‬وجدد امل�صدر موقف اليمن الثابت و�إدانته‬ ‫ل���كل ما يهدد �أمن العراق ووحدت���ه وا�ستقراره‪ ,‬م�ؤكد ًا �ضرورة تظاف���ر جهود العراقيني مبختلف‬ ‫طوائفهم وانتمائهم ملا يحقق الوفاق الوطني وال�سالم االجتماعي يف العراق‪.‬‬ ‫‪ 9‬التق���ى نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي‬ ‫الأرحب���ي املديرالأقليمي ملكتب الأمم املتحدة خلدمات امل�شاريع �سيدرات ت�شرتجي‪ ،‬وبحث اللقاء‬ ‫جمل���ة من الق�ضايا املت�صلة بالتعاون الثنائي ب�ي�ن اليمن ومكتب الأمم املتحدة خلدمات امل�شاريع‬ ‫من �ضمنها فتح مكتب متثيل له يف اليمن‪.‬‬ ‫‪ 10‬وافق جمل�س وزراء ال�صناعة والتجارة العرب يف اجتماعهم مبقر الأمانة العامة جلامعة‬ ‫ال���دول العربي���ة بالقاهرة على انتخ���اب مر�شح اليمن ال�سف�ي�ر حممد الربيع �أمين��� ًا عام ًا ملجل�س‬ ‫الوحدة االقت�صادية ملدة خم�س �سنوات قادمة‪ ،‬خلف ًا للم�صري الدكتور �أحمد جويلي الذي تنتهي‬ ‫واليته الثانية يف العام ‪.2010‬‬ ‫‪ 13‬الرئي�س علي عبداهلل �صالح يت�سلم ر�سالة من امل�ست�شارة الأملانية �أجنيال مريكل تناولت‬ ‫العالق���ات الثنائي���ة وجم���االت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدي���ن‪� ،‬إ�ضافة �إىل العديد م���ن الق�ضايا‬ ‫والتطورات التي تهم البلدين‪.‬‬ ‫‪ 12‬مت ب���وزارة التخطيط والتع���اون الدويل التوقيع وتبادل املذك���رات على منحتي “برنامج‬ ‫امل�ساعدات اليابانية للبيئة وتغيرّ املناخ مببلغ ‪ 620‬مليون ين ياباين (ما يعادل �ستة ماليني وم�أتي‬ ‫�أل���ف دوالر)‪ ،‬واملنح���ة الثقافية للمخترب املركزي بجامعة �صنع���اء مببلغ ‪ 98‬مليون ين ياباين (ما‬ ‫يعادل ثمامنائة وت�سعون �ألف دوالر)‪ ،‬وقع الإتفاقيتان وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي‬ ‫الأرحبي وال�سفري الياباين ب�صنعاء ما�ساكازو تو�شيكاجي‪.‬‬ ‫‪ 13‬التق���ى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القرب���ي‪ ،‬بالكويت‪ ،‬وزير خارجية الكويت ال�شيخ‬ ‫حمم���د ال�صب���اح �سامل ال�صب���اح ووزير خارجي���ة �سلطنة عم���ان يو�سف بن عل���وي‪ .‬وبحث اللقاء‬ ‫عالق���ات اليم���ن بدول جمل�س التع���اون والعالقات الثنائي���ة بني اليمن وكل م���ن الكويت و�سلطنة‬ ‫عم���ان‪ ،‬والق�ضايا ذات االهتمام امل�شرتك‪ .‬كما التقى وزير اخلارجية يف العا�صمة الكويتية‪� ،‬أمني‬ ‫عام جمل�س التعاون اخلليجي عبدالرحمن العطيه‪ ،‬وبحث معه العالقات الثنائية بني اجلمهورية‬ ‫اليمني���ة ودول جمل�س التعاون‪ ،‬والتطورات عل���ى ال�ساحة اليمنية وكذا الإعداد لالجتماع الوزاري‬ ‫امل�شرتك الذي يتم التح�ضري النعقاده يف �شباط‪/‬فرباير ‪.2010‬‬ ‫‪ 13‬عقد ب�صنعاء اجتماع مو�سع بني احلكومة اليمنية وجمتمع املانحني لليمن برئا�سة نائب‬ ‫رئي����س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزي���ر التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحبي‪ُ ،‬ك ّر�س‬ ‫ملناق�شة �سري تنفيذ الأجندة الوطنية لال�صالحات‪.‬‬ ‫‪ 13‬وقعت احلكومة اليمنية وبرنامج الغذاء العاملي على مذكرة متديد فرتة تقدمي امل�ساعدات‬ ‫االن�سانية واالغاثية الطارئة للنازحني جراء احلرب يف �صعدة حتى حزيران‪/‬يونيو ‪ .2010‬و ّقعها‬ ‫نائ���ب رئي�س الوزراء لل�ش����ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون ال���دويل عبدالكرمي الأرحبي‬ ‫واملدير القطري لربنامج الغذاء العاملي جيان كارلو‪.‬‬ ‫‪ 13‬الرئي����س عل���ي عبداهلل �صالح يتلقى ات�صا ًال هاتفي ًا م���ن الرئي�س امل�صري حممد ح�سني‬ ‫مب���ارك‪ ،‬جرى خالل���ه بحث العالقات الثنائي���ة و�سبل تعزيزها‪ ،‬بالإ�ضاف���ة �إىل امل�ستجدات التي‬ ‫ته���م البلدي���ن والأمة العربية‪ .‬وخالل املحادث���ة �أكد الرئي�س مبارك جم���دد ًا وقوف م�صر القوي‬ ‫�إىل جان���ب اليمن ووحدته و�أمنه وا�ستقراره‪ ،‬وعبرّ عن تهانيه لرئي�س اجلمهورية بنجاح الأجهزة‬ ‫الأمنية يف عملياتها �ضد تنظيم القاعدة ومكافحة الإرهاب‪.‬‬ ‫‪ 13‬الرئي����س علي عبداهلل �صالح يتلقى ات�صا ًال هاتفي ًا م���ن الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما‬ ‫بح���ث خالله العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدين وعلى خمتلف الأ�صعدة‪.‬‬ ‫وع�ب�ر الرئي�س �أوباما فيه عن �شكره وتقديره جله���ود اليمن يف جمال مكافحة الإرهاب‪ ،‬كما هن�أ‬ ‫اليم���ن بالعمليات الناجحة التي قامت بها الأجهزة الأمنية اليمنية �ضد عنا�صر تنظيم القاعدة‪،‬‬ ‫والت���ي ت�ؤكد ت�صميم اليمن وعزمه على مواجهة خطر الإرهاب الذي ي�شكله تنظيم القاعدة على‬ ‫�أمن اليمن والعامل‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪ 13‬ا�ستقبل �أمري دولة الكويت ال�شيخ �صباح الأحمد اجلابر ال�صباح وزير اخلارجية الدكتور‬ ‫�أبوبك���ر القرب���ي‪ ،‬الذي �سلمه ر�سالة م���ن الرئي�س علي عبداهلل �صالح‪ ،‬و�أك���د الأمري خالل اللقاء‬ ‫موقف الكويت الثابت من وحدة اليمن و�أمنه وا�ستقراره‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن الكويت �ستبذل كل اجلهود مع‬ ‫�أ�شقائها يف دول املجل�س لدعم اليمن يف جهودها لتحقيق اال�ستقرار والتنمية‪.‬‬ ‫‪ 13‬ب���د�أت �شرك���ة “فال انكو” الربازيلي���ة �أكرب منتج خلام ومرك���زات احلديد‪ ،‬وثاين �أكرب‬ ‫منتج للنيكل يف العامل‪ ،‬عملها يف اليمن يف جمال التنقيب عن النحا�س والنيكل‪.‬‬ ‫‪ 14‬و ّقعت اليمن وكل من �أملانيا االحتادية ومملكة هولندا والبنك الدويل على مذكرة تفاهم‬ ‫لل�شراك���ة يف دعم قطاع املياه خالل الفرتة املقبلة‪ ،‬تق�ض���ي بح�شد الدعم القطاعي مل�شاريع املياه‬ ‫يف اليمن �ضمن �سلة متويلية واحدة‪ ،‬ويف �إطار تنفيذ �أولويات الربنامج اال�ستثماري لقطاع املياه‪.‬‬ ‫كما وقعت اليم���ن ومملكة هولندا على االتفاقية التمويلية اخلا�صة مب�ساهمة احلكومة الهولندية‬ ‫يف دع���م الربنامج القطاعي للمياه يف اليمن‪ ،‬تق�ضي بتقدمي احلكومة الهولندية مبلغ ‪ 19‬مليون‬ ‫دوالر �أمريكي للم�ساهمة يف متويل ودعم الربنامج القطاعي للمياه للفرتة ‪.2010-2011‬‬ ‫‪ُ 14‬ك ّر�س اجتماع مو�سع عقد ب�صنعاء بني احلكومة اليمنية ومنظمات الأمم املتحدة وممثلي‬ ‫جمتم���ع املانحني برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون اقت�صادية وزير التخطيط والتعاون الدويل‬ ‫عبدالكرمي الأرحبي‪ ،‬لتد�شني وثيقة خطة اليمن لال�ستجابة لالحتياجات الإن�سانية واملمولة مببلغ‬ ‫وق���دره ‪ 177‬مليون دوالر‪ ،‬وتت�ضمن خطة تلبية االحتياجات الإن�سانية ‪ 76‬م�شروع ًا مقدمة من ‪21‬‬ ‫جه���ة مانحة بكلفة متويلية ت�صل �إىل ‪ 177‬مليون دوالر‪ ،‬يخ�ص�ص ‪ 25‬باملائة للزراعة‪ ،‬و‪ 17‬باملائة‬ ‫للتغذية‪ ،‬و‪ 13‬باملائة لل�صحة‪ ،‬و‪ 13‬باملائة لالجئني‪.‬‬ ‫‪ 14‬التق���ى وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبوبك���ر القربي ب�صنعاء‪ ،‬املبعوث اخلا����ص للم�ست�شارة‬ ‫االملاني���ة يورقن كروب���وغ‪ ،‬وبحث اللقاء العالق���ات الثنائية وجماالت التع���اون املختلفة بني اليمن‬ ‫و�أملانيا‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل بحث الق�ضايا والتطورات الإقليمية والدولية ذات االهتمام امل�شرتك‪.‬‬ ‫‪ 14‬تفقد �سفري اليمن لدى الكويت الدكتور خالد راجح �شيخ‪� ،‬أو�ضاع جرحى يف �صعدة ممن‬ ‫يتلقون العالج مب�ست�شفى ال�صباح‪ .‬و�أ�شاد ال�سفري مببادرة احلكومة الكويتية ب�ش�أن التك ّفل بعالج‬ ‫‪ 20‬من اجلرحى بدولة الكويت‪.‬‬ ‫‪ 14‬التقى وزير الداخلية مطهر ر�شاد امل�صري‪ ،‬وفد منظمة “هيومن رايت�س ووت�ش” برئا�سة‬ ‫نائ���ب مدي���ر مراقبة حق���وق الإن�سان يف منطقة ال�ش���رق الأو�سط الذي ي���زور اليمن‪ .‬جرى خالل‬ ‫اللق���اء مناق�شة املوا�ضيع املتعلقة بعالق���ات التعاون بني اليمن واملنظمة يف جمال حقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫و�سبل تعزيزها مبا يخدم امل�صالح امل�شرتكة للجانبني يف هذا اجلانب‪.‬‬ ‫‪ 15‬التقى وزير ال�صناعة والتجارة الدكتور يحيى املتوكل ب�صنعاء‪� ،‬أمني عام منظمة اخلليج‬ ‫لال�ست�ش���ارات ال�صناعية بالإنابة الدكتورة لولوة بن���ت عبد اهلل امل�سند والوفد املرافق لها الزائر‬ ‫لليم���ن‪ ،‬جرى خالل اللقاء تب���ادل وثائق الت�صديق النهائي (الن�سخ���ة الوطنية) الن�ضمام اليمن‬ ‫ر�سمي��� ًا ملنظم���ة اخلليج لال�ست�ش���ارات ال�صناعية‪ .‬كما بح���ث اجلانبان �آفاق التع���اون بني اليمن‬ ‫واملنظمة يف املجاالت املتعلق���ة ب�أن�شطة ال�صناعة والتنمية ال�صناعية خا�صة م�شاركة املنظمة يف‬ ‫درا�س���ة و�إعداد وتطوير امل�شروع���ات ال�صناعية املتوفرة كفر�ص ا�ستثمارية يف اليمن‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫امل�ساعدة يف الرتويج للمناطق ال�صناعية اليمنية‪.‬‬ ‫‪ 15‬التق���ى وزير الداخلية مطهر ر�ش���اد امل�صري‪ ،‬ال�سفري الأثيوبي ب�صنع���اء الدكتور توفيق‬ ‫عب���د اهلل �أحمد‪ .‬وبح���ث اللقاء �أوجه العالق���ات الثنائية خا�صة يف املج���االت الأمنية‪ ،‬كما ناق�ش‬ ‫اللقاء �أو�ضاع بع����ض املواطنني الأثيوبيني الذين دخلوا �إىل اليمن بطريقة غري م�شروعة‪ ،‬وال�سبل‬ ‫الكفيلة ب�إعادتهم �إىل بالدهم‪.‬‬ ‫‪ 15‬ج���دد ق���ادة دول جمل����س التع���اون لدول اخللي���ج العربية دعمه���م الكامل لوح���دة و�أمن‬ ‫وا�ستقرار اليمن‪ ،‬ودعا القادة يف بيانهم اخلتامي للدورة الثالثني للمجل�س الأعلى ملجل�س التعاون‬ ‫ل���دول اخلليج العربية‪ ,‬الدول واجلهات املانحة على �سرع���ة ا�ستكمال تنفيذ تعهداتها لليمن التي‬ ‫قدمته���ا يف م�ؤمت���ر املانح�ي�ن يف لندن‪ .‬واعتمد املجل����س الأعلى ان�ضمام اليم���ن �إىل جلنة ر�ؤ�ساء‬ ‫ووكالء الربي���د ل���دول جمل�س التعاون‪ .‬وكان املجل�س الأعلى قد اطلع على تقرير �أمني عام جمل�س‬ ‫التعاون عبد الرحمن العطية‪ ،‬ب�ش�أن م�سارات التعاون بني اليمن ودول املجل�س‪ ,‬وعرب عن ارتياحه‬

‫للتق���دم ال���ذي مت �إحرازه خ�ل�ال عام ‪ 2009‬فيما يخ����ص متويل دول املجل����س مل�شاريع التنمية يف‬ ‫اليمن‪.‬‬ ‫‪ 16‬ج���دد وزي���ر اخلارجية الإماراتي ال�شي���خ عبداهلل بن زايد �آل نهي���ان ت�أكيد موقف بالده‬ ‫الداع���م لوح���دة اليمن و�أمنه وا�ستق���راره‪ .‬و�أ�شار يف خت���ام �أعمال الدورة الثاني���ة للجنة اليمنية‬ ‫الإماراتي���ة امل�شرتك���ة ب�أبوظبي‪� ،‬إىل الظ���روف والأو�ضاع التي مير بها اليم���ن جراء احلرب التي‬ ‫ت�شهده���ا حمافظ���ة �صعدة‪ .‬ويف ختام �أعمال الدورة الثانية للجن���ة امل�شرتكة اليمنية ‪ -‬الإماراتية‬ ‫الت���ي عقدت خالل الفرتة ‪ 16-14‬كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب بالعا�صمة الإماراتي���ة �أبوظبي برئا�سة‬ ‫وزي���ري خارجية البلدين‪ ،‬و ّقع اجلانبان على ‪ 11‬مذكرة تفاه���م وبرامج تنفيذية للتعاون الثنائي‬ ‫بني البلدين �شملت عدد من املجاالت‪.‬‬ ‫‪� 16‬أعلن ال�صندوق الدويل للتنمية الزراعية (�إيفاد) عن تنفيذ م�شروع تنمية انتاج زراعي‬ ‫يف اليم���ن مطلع العام ‪ 2010‬بتكلفة ‪ 40‬ملي���ون دوالر‪ .‬وي�ستهدف امل�شروع املمول كمنحة م�شرتكة‬ ‫مقدم���ة م���ن االحتاد الأوروب���ي وهيئة التنمي���ة الفرن�سية والإيف���اد‪� ،‬إىل جانب قر����ض من البنك‬ ‫اال�سالم���ي للتنمي���ة دعم انت���اج الع�سل وزراعة ال�ب�ن واخل�ضروت‪ ،‬يف عدد م���ن املحافظات منها‬ ‫�صنع���اء‪ ،‬عم���ران‪ ،‬ذمار‪ ،‬ال�ضالع‪ ،‬احلديدة‪ ،‬حل���ج‪ ،‬و�شبوة‪ .‬جاء ذلك خالل لق���اء وزير الزراعة‬ ‫وال���ري الدكتور من�صور احلو�شبي ب�صنعاء رئي�س حقيب���ة اليمن يف �صندوق الإيفاد الدكتور عمر‬ ‫ظفار‪.‬‬ ‫‪ 16‬وقع���ت احلكومة اليمنية ممثلة بوزارة الرثوة ال�سمكية و�صندوق “االيفاد” التابع للأمم‬ ‫املتح���دة مذك���رة تفاهم يقدم مبوجبة ال�صن���دوق ع�شرة ماليني دوالر لتموي���ل تنفيذ العديد من‬ ‫الربامج املتعلقة بالتنمية ال�سمكية يف اليمن‪.‬‬ ‫‪ 20‬ت�سلم���ت اليمن من ال�سلط���ات الأمريكية �ستة من املعتقلني اليمنيني يف غوانتانامو‪ .‬وقال‬ ‫الناط���ق الر�سمي با�سم ال�سف���ارة اليمنية بوا�شنطن حممد البا�شا لوكال���ة (�سب�أ) “�إن ال�سلطات‬ ‫الأمريكي���ة �أفرج���ت عن �ست���ة معتقلني مينيني م���ن غوانتانامو‪ ،‬ومت ت�سليمه���م �أم�س �إىل اجلانب‬ ‫اليمني”‪.‬‬ ‫‪ 22‬وقع���ت وزارة املالية والبنك ال���دويل ب�صنعاء على اتفاقية متوي���ل الأن�شطة التح�ضريية‬ ‫مل�ش���روع حتدي���ث املالية العام���ة بكفلة ملي���ون دوالر‪ ،‬تق�ضي بتقدمي البنك منح���ة فنية ت�صل �إىل‬ ‫ملي���ون دوالر كجزء من متويل م�شروع حتديث املالية العام���ة البالغ تكلفته ‪ 15‬مليون دوالر‪ ،‬منها‬ ‫‪ 12‬مليون دوالر مقدمة من البنك وثالثة ماليني دوالر متويل حكومي‪.‬‬ ‫‪ 23‬التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي‪� ،‬سفراء كل من بريطانيا وفرن�سا و�أ�سبانيا‬ ‫ب�صنع���اء‪ .‬جرى خ�ل�ال اللقاء بحث عالقات التع���اون الثنائي بني اليم���ن ودول االحتاد الأوروبي‬ ‫و�آفاق تعزيزها‪.‬‬ ‫‪ 23‬وقع���ت يف ال�سف���ارة الياباني���ة ب�صنعاء‪ ،‬اتفاقيتي تق���دمي احلكومة الياباني���ة منح مالية‬ ‫لتموي���ل م�شروعني يف حمافظتي �صنعاء واحلديدة بقيمة ‪ 32‬مليون ‪� 819‬ألف ريال ميني‪ .‬و�أو�ضح‬ ‫ب�ل�اغ �ص���ادر عن ال�سفارة‪� ،‬أن احلكومة اليابانية �أقرت تقدمي مبلغ ‪ 16‬مليون و‪� 60‬ألف ريال ميني‬ ‫لتموي���ل م�شروع مياه احل�صن الأبي����ض ‪ -‬جحانة ‪ -‬حمافظة �صنعاء‪ ،‬ومنح���ة مالية �أخرى مببلغ‬ ‫‪ 16‬ملي���ون ‪� 758‬ألف ريال ميني لدعم م�شروع حت�سني خدمات نقل الطالب التابع جلمعية ت�أهيل‬ ‫ورعاية ال�صم والبكم يف حمافظة احلديدة‪.‬‬ ‫‪ 23‬قدمت احلكومة اليابانية ع�ب�ر �سفارتها ب�صنعاء‪ ،‬منحتني ماليتني خم�ص�صتني لتمويل‬ ‫م�شروعني يف مدينة زبيد مبحافظة احلديدة بقيمة ‪ 35‬مليون ‪� 571‬ألف و ‪ 555‬ريال ميني‪ .‬ووفق‬ ‫بالغ �صادر عن ال�سفارة‪ ،‬ف�إن احلكومة اليابانية �أقرت تقدمي مبلغ قدره ‪ 18‬مليون و‪� 731‬ألف ريال‬ ‫ميني لبناء مدر�سة عبدالرحمن الأهدل يف زبيد‪� ،‬إ�ضافة �إىل منحة مالية �أخرى مببلغ وقدره ‪16‬‬ ‫ملي���ون ‪� 740‬أل���ف ريال ميني لدعم م�شروع حت�سني مياه قريتي بي���ت احلندج وبيت عامر والقرى‬ ‫املجاورة لهما يف زبيد‪.‬‬ ‫‪ 23‬ا�ستقب���ل العاه���ل ال�سع���ودي عبداهلل بن عبدالعزي���ز �آل �سعود‪ ،‬يف مزرعت���ه باجلنادرية‬ ‫وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي الذي �سلمه ر�سالة من الرئي�س علي عبداهلل �صالح تتعلق‬ ‫بالعالقات الثنائية بني البلدين و�سبل تعزيزها وتطويرها‪ ،‬و�أكد امللك عبداهلل خالل اللقاء دعم‬

‫اململكة لوحدة اليمن و�أمنها وا�ستقرارها‪،‬‬ ‫ووقوفها مع اجلهود التي تبذلها احلكومة‬ ‫اليمنية يف مواجهة اخلارجني عن القانون‬ ‫والعنا�صر الإرهابية‪.‬‬ ‫‪ 25‬الرئي�س عل���ي عبداهلل �صالح يتلقى‬ ‫ات�ص���ا ًال هاتفي ًا م���ن الرئي�س ال�صوم���ايل ه ّن�أه‬ ‫خالل���ه بنج���اح العملية الت���ي قامت به���ا الأجهزة‬ ‫الأمنية �ض���د عنا�صر تنظيم القاع���دة الإرهابية‪ ،‬كما‬ ‫جرى خالل االت�صال بحث العالق���ات الثنائية بني البلدين‬ ‫واجله���ود املبذولة لإحالل ال�سالم يف ال�صومال وجتاوز ال�صعوبات‬ ‫الت���ي تواجه عملية �إع���ادة الأمن واال�ستق���رار و�إعادة بن���اء م�ؤ�س�سات الدولة‬ ‫ال�صومالية‪.‬‬ ‫‪ 26‬وق���ع اليم���ن وال�صني على ثالث اتفاقي���ات تعاون بني البلدين بقيم���ة ‪ 105‬ماليني يوان‬ ‫�صين���ي‪ .‬ومبوجب االتفاقيات التى وقعها نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط‬ ‫والتع���اون ال���دويل عبدالكرمي االرحبي وال�سف�ي�ر ال�صيني ب�صنعاء ليو دان���غ لني‪ ،‬تقدم احلكومة‬ ‫ال�صيني���ة ‪ 50‬ملي���ون ي���وان �صيني لدعم جماالت التع���اون االقت�صادي والفني ب�ي�ن البلدين‪� ،‬إىل‬ ‫جانب تقدمي منحة متويلية بقيمة ‪ 50‬مليون يوان تكر�س لدعم القطاعات التنموية يف اليمن‪ ،‬وكذا‬ ‫تقدمي م�ساعدات �إغاثة للنازحني جراء احلرب يف �صعدة بقيمة خم�سة ماليني يوان �صيني‪.‬‬ ‫‪ 28‬التق���ى وزيراخلارجي���ة الدكت���ور �أبو بكر القرب���ي‪� ،‬سف���راء دول �أوروبا و�آ�سي���ا و�أفريقيا‬ ‫والوالي���ات املتحدة واملمثل املقيم لربامج الأمم املتحدة ب�صنعاء‪ .‬وقد �أطلع القربي ال�سفراء على‬ ‫�أه���داف ونتائج العملي���ات الأمنية التي نفذتها الق���وات اليمنية على مواقع تدري���ب و�أوكار تنظم‬ ‫القاع���دة يف كل من �أمانة العا�صمة ومنطقة املعجلة ب�أبني و�أرحب ب�صنعاء ورف�ض ب�شبوة‪ .‬و�أ�شار‬ ‫وزي���ر اخلارجي���ة �إىل �أن ق���رار احلكومة بتوجيه ه���ذه ال�ضربة �ض���د اخلالي���ا الإرهابية لتنظيم‬ ‫القاعدة كان قد اتخذ منذ فرتة و�أرجئ التنفيذ الختيار الوقت املنا�سب‪.‬‬ ‫‪� 28‬أدان م�ص���در م�سئول بوزارة اخلارج���ة اليمنية‪ ،‬املحاولة الإرهابية الفا�شلة التي قام بها‬ ‫عم���ر ف���اروق عبداملطلب‪ ،‬النيجريي اجلن�سي���ة‪ ،‬لتفجري طائرة ركاب �أمريكي���ة كانت متجهة من‬ ‫�أم�س�ت�ردام بهولن���دا �إىل ديرتويت بالواليات املتح���دة الأمريكية‪ .‬و�أ�ضاف امل�ص���در ب�أن الأجهزة‬ ‫الأمني���ة اليمني���ة تقوم بالتح���ري عن اجلهات الت���ي كان املتهم النيجريي على ات�ص���ال بها �أثناء‬ ‫وج���وده يف اليم���ن و�سيتم ت�سلي���م �أي نتائج للتحقيق���ات يتم التو�ص���ل �إليها �إىل الأجه���زة املعنية‬ ‫بالتحقي���ق يف املحاولة الإرهابي���ة يف الواليات املتحدة‪ ،‬وذلك يف �إطار التع���اون القائم بني اليمن‬ ‫والواليات املتحدة يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب‪.‬‬ ‫‪ 29‬ت�سل���م رئي����س جمل�س ال���وزراء الدكتور علي حممد جمور‪ ،‬ر�سالة م���ن الأمري �سلطان بن‬ ‫عبد العزيز �آل �سعود ويل العهد نائب رئي�س الوزراء وزير الدفاع والطريان واملفت�ش العام باململكة‬ ‫العربية ال�سعودية حول العالقات الثنائية بني البلدين ت�ضمنت التح�ضريات اخلا�صة باجتماعات‬ ‫الدورة الـ ‪ 19‬ملجل�س التن�سيق اليمني ال�سعودي امل�شرتك املقرر انعقادها خالل الن�صف الأول من‬ ‫العام ‪ ،2010‬قام بنقل الر�سالة �سفري اململكة العربية ال�سعودية ب�صنعاء على بن حممد احلمدان‬ ‫�أثناء ا�ستقبال رئي�س الوزراء له‪.‬‬ ‫‪ 31‬ك�شف ال�سفري الرو�سي لدى اليمن فالدميري تروفيموف عن اتفاق ميني‪ -‬رو�سي لتعزيز‬ ‫التع���اون الثنائي بني البلدي���ن يف مكافحة الإرهاب الدويل والقر�صن���ة يف املحيط الهندي وخليج‬ ‫ع���دن ابتدا ًء من الع���ام ‪ ،2010‬عرب التن�سيق بني وزارت���ي اخلارجية والتعاون وتب���ادل املعلومات‬ ‫بني الأجه���زة اال�ستخباراتية والأمنية‪ .‬و�أو�ضح ال�سفري تروفيم���وف يف ت�صريح �صحفي �أن املمثل‬ ‫اخلا����ص للرئي�س الرو�سي للتعاون ال���دويل يف مكافحة الإرهاب‪� ،‬سيزور اليمن مطلع العام ‪2010‬‬ ‫لإج���راء مباحث���ات مع م�سئويل جهاز الأم���ن القومي وقيادة وزارة الداخلي���ة بغر�ض �إقامة تعاون‬ ‫فعلي يف املجاالت اال�ستخباراتية ملكافحة الإرهاب والقر�صنة البحرية‪.‬‬ ‫‪ 31‬بحث وزير الداخلية مطهر امل�صري‪ ،‬مع �سفري جمهورية �إيطاليا ب�صنعاء بوفو‪ ،‬عالقات‬ ‫التع���اون الأمني ب�ي�ن البلدين‪ .‬كما بح���ث امل�صري‪ ،‬مع �سف�ي�ر جمهورية اجلزائ���ر الدميقراطية‬ ‫ال�شعبية ب�صنعاء عبدالوهاب بوزاهر‪� ،‬أوجه التعاون والتن�سيق الأمني بني البلدين‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪43‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫وجهات نظر‬

‫عني على اليمن‬ ‫م���ن ت�شويه �ص���ورة اليمن هو م���ا يحدث يف‬ ‫حمافظة �صعدة م���ن قالقل تثريها القبائل‬ ‫ال�شيعية املتمردة �ضد احلكومة املركزية‪.‬‬

‫حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*‬

‫اليمن وجمل�س التعاون اخلليجي‪:‬‬ ‫�آفاق الع�ضوية‬ ‫رونان ماكغي‬

‫مركز هرني �إل �ستيم�سون‪ ،‬وا�شنطن العا�صمة‬ ‫‪5‬ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪2009‬‬

‫اجلمهوري���ة اليمنية ه���ي الدولة الوحيدة يف‬ ‫�شب���ه اجلزي���رة العربية الت���ي مل تن�ضم بعد‬ ‫�إىل جمل����س التع���اون اخلليج���ي‪ ،‬وهو عبارة‬ ‫عن منظمة �إقليمي���ة ت�شجع على التعاون بني‬ ‫دول اخللي���ج‪ .‬وعلى الرغم م���ن �أن اليمن ال‬ ‫تقع عل���ى اخللي���ج العربي لكنها ث���اين �أكرب‬ ‫دولة يف �شبه اجلزيرة‪ ،‬واجلدل الدائر حول‬ ‫دعوة اليمن لالن�ضم���ام �إىل جمل�س التعاون‬ ‫يبني م���دى تطور مهمة ه���ذا املجل�س يف ظل‬ ‫التحديات الأمنية واالقت�صادية املوجودة يف‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫كان الأ�سا����س املنطق���ي وراء �إن�ش���اء جمل�س‬ ‫التعاون اخلليج���ي عام ‪ ،1981‬يتعلق �إىل حد‬ ‫كبري بالبيئة الأمنية وما �شهدته من �أحداث‪:‬‬ ‫كالث���ورة الإيراني���ة ع���ام ‪ ،1979‬واحل���رب‬ ‫الإيراني���ة العراقي���ة‪ ،‬والوج���ود ال�سوفيت���ي‬ ‫يف جن���وب اليم���ن‪ ،‬وكذل���ك م���ا ح���دث من‬ ‫انق�سام���ات يف �صف���وف دول الع���امل العربي‬ ‫نتيجة التفاقية ال�س�ل�ام التي �أبرمتها م�صر‬ ‫مع �إ�سرائيل؛ كل هذا دفع دول اخلليج ال�ست‬ ‫‪44‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫�إىل القي���ام بتكوي���ن تنظي���م جدي���د يهدف‬ ‫�إىل خلق نظ���ام دفاع جماع���ي‪� .‬أما التكامل‬ ‫االقت�ص���ادي فكان م���ن الناحي���ة التنظيمية‬ ‫�أق���ل و�ضوح ًا‪ ،‬مع �أنه قد حتقق بع�ض التقدم‬ ‫يف ال�سن���وات الأخ�ي�رة فيم���ا يتعل���ق ب�إن�شاء‬ ‫منطق���ة ح���رة واحتاد جمرك���ي موحد ورمبا‬ ‫عملة نقدية م�شرتكة‪.‬‬ ‫وبالرغم من املعار�ض���ة التاريخية الن�ضمام‬ ‫�أي دولة �أخ���رى �إىل املجل�س‪ ،‬ف�إن التطورات‬ ‫الأخ�ي�رة ت�ش�ي�ر �إىل �أن اليم���ن رمبا يح�صل‬ ‫عل���ى ع�ضوية املجل�س‪ ،‬ب���ل �إنه قد ان�ضم �إىل‬ ‫بع����ض م�ؤ�س�سات جمل����س التع���اون وجلانه‪،‬‬ ‫وح�ص���ل عل���ى دع���م كبري م���ن قب���ل البنك‬ ‫ال���دويل و�صن���دوق النق���د ال���دويل وجمل�س‬ ‫التع���اون اخلليجي نف�س���ه‪ ،‬وذلك يف حماولة‬ ‫لإنعا����ش االقت�ص���اد اليمن���ي اله����ش‪ .‬ومم���ا‬ ‫ال�ش���ك في���ه �أن معاجل���ة الق�ضاي���ا اليمني���ة‬ ‫�ستتطل���ب م���ن جمل����س التعاون ب���ذل جهود‬ ‫جبارة‪ ،‬وباملقابل �سيكون لذلك فوائد كبرية‬ ‫وعدي���دة �إذا ما حتقق اندم���اج �إقليمي (بني‬

‫اليم���ن ودول جمل�س التع���اون اخلليجي) ومت‬ ‫تنفيذه بعناية بالغة‪.‬‬ ‫ويعترب ان�ضمام اليمن مو�ضوع ًا مثري ًا للجدل‪،‬‬ ‫�إذ �إن اليم���ن تواج���ه الكث�ي�ر م���ن املعوقات‪،‬‬ ‫فهن���اك م���ا ن�سبته ‪ 45%‬م���ن ال�شعب اليمني‬ ‫يعي�ش���ون حت���ت خ���ط الفق���ر‪ ،‬وت�ص���ل ن�سبة‬ ‫البطالة �إىل ‪ ،40%‬بينما يقل �إجمايل الإنتاج‬ ‫املحل���ي للفرد كثري ًا عن م���ا هو عليه يف دول‬ ‫اخلليج الغني���ة بالنفط‪ ،‬وتتخلف اليمن وراء‬ ‫جاراته���ا يف جمال التعلي���م والبنية التحتية‪.‬‬ ‫ونظ���ر ًا لهذه الظروف ال�صعبة‪� ،‬سيكون على‬ ‫جمل�س التعاون تقدمي دعم مادي هائل حتى‬ ‫يتم �إ�صالح االقت�ص���اد اليمني ورفع م�ستواه‬ ‫مب���ا يتنا�سب مع املعاي�ي�ر القائمة يف جمل�س‬ ‫التعاون‪.‬‬ ‫وتث�ي�ر الإ�ش���كاالت الت���ي تعاين منه���ا اليمن‬ ‫فيم���ا يتعلق بانع���دام �سلطة القان���ون وعدم‬ ‫اال�ستق���رار ال�سيا�س���ي والإره���اب‪ ،‬ت�سا�ؤالت‬ ‫�إ�ضافي���ة‪ .‬فمجل����س التع���اون اخلليجي لديه‬ ‫خم���اوف من �أن اندم���اج �س���وق العمل ورفع‬ ‫بع����ض القيود املتعلقة باحل���دود وال�سفر‪ ،‬قد‬ ‫ي�ؤدي���ان �إىل تو�سيع دائرة ع���دم اال�ستقرار‪.‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل �أن���ه ُي َ‬ ‫نظر �إىل اليم���ن على �أنها‬ ‫وكر للجماعات الإرهابي���ة‪ ،‬وعنا�صر تنظيم‬ ‫القاع���دة عل���ى وج���ه اخل�صو����ص‪ ،‬وفيها ما‬ ‫يقارب ‪ 60‬ملي���ون قطعة �سالح مقابل �شعبها‬ ‫ً‬ ‫ف�ض�ل�ا عن جتارة‬ ‫البال���غ ‪ 20‬ملي���ون ن�سمة‪،‬‬ ‫الأ�سلحة التي تعد م�صدر قلق �آخر‪ .‬وما يزيد‬ ‫* التحليالت الواردة تعرب عن �آراء كتابها فقط‪.‬‬

‫وعل���ى الرغ���م م���ن ه���ذه املخ���اوف �إال �أن‬ ‫هن���اك ‪ -‬يف كل م���ن دول جمل����س التع���اون‬ ‫اخلليج���ي واليم���ن ‪ -‬م���ن يق���ول �إن جتاهل‬ ‫اليمن وم�شاكلها لي�س هو احلل‪ .‬فعلى �سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬ق���ال الرئي�س اليمن���ي على عبد اهلل‬ ‫�صال���ح �أن اليمن متث���ل “اخللفي���ة الأمنية‬ ‫ملجل�س التعاون”‪ ،‬يف حني �أكد عبد الرحمن‬ ‫ب���ن حم���د العطية‪ ،‬الأم�ي�ن الع���ام (ال�سابق)‬ ‫ملجل����س التع���اون اخلليجي‪ ،‬عل���ى �أن “�أمن‬ ‫اليمن جزء ال يتجز�أ ع���ن �أمن دول �أع�ضاء‬ ‫املجل�س”‪.‬‬ ‫ورمبا من الأف�ضل ملجل�س التعاون اخلليجي‬ ‫اال�ستف���ادة م���ن ‪ -‬ب���ل واالعتم���اد عل���ى ‪-‬‬ ‫جترب���ة االحتاد الأورب���ي املتعلقة باالندماج‬ ‫�ضم‬ ‫الإقليم���ي‪ ،‬بحيث يقوم بتنفي���ذ عملية ّ‬ ‫اليم���ن �إىل جمل����س التع���اون عل���ى مراحل‬ ‫متعددة ومتدرجة‪.‬‬ ‫و�إذا م���ا ت�أتى ذلك ب�ص���ورة �صحيحة‪ ،‬ف�إن‬ ‫من���ح اليمن ع�ضوية املجل����س �سيعود بالنفع‬ ‫والفائ���دة عل���ى اجلمي���ع‪ .‬فم���ن الناحي���ة‬ ‫ال�سيا�سي���ة �ستك���ون ه���ذه الع�ضوي���ة حافز ًا‬ ‫لتو�سي���ع نط���اق التع���اون الإقليم���ي يف كل‬ ‫جم���االت امل�صالح امل�شرتك���ة‪ .‬ومن الناحية‬ ‫االقت�صادي���ة �سيكون لتو�سي���ع ال�سوق و�إزالة‬ ‫العوائق التجارية �أثر كبري يف زيادة التناف�س‬

‫وعمليات الإنتاج واال�ستثمار وم�ستوى العمالة‬ ‫والن�شاط التج���اري يف املنطقة‪� .‬إ�ضافة �إىل‬ ‫ذلك‪� ،‬سي�سهم حجم ال�شعب اليمني الكبري‬ ‫كثري ًا يف �سوق العم���ل اخلليجية‪ ،‬و�ستفي�ض‬ ‫الفائدة لتعم قطاع���ات �أخرى تدعم التنوع‬ ‫االقت�ص���ادي على امل�ست���وى الإقليمي وتن�أى‬ ‫به بعي���د ًا عن هيمنة قط���اع النفط‪ .‬فميناء‬ ‫عدن‪� ،‬إذا ما مت ا�ستثماره ب�صورة �صحيحة‪،‬‬ ‫�سي�شكل مرك���ز ًا جتاري ًا رئي�س ًا‪ ،‬و�سيقلل من‬ ‫اعتم���اد دول اخللي���ج عل���ى م�ضي���ق هرمز‬ ‫الذي ميث���ل منطقة توتر مع �إي���ران‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال‬ ‫ع���ن الفائ���دة الت���ي �ستح�ص���ل عليه���ا دول‬ ‫اخلليج من املوقع اال�سرتاتيجي الذي تتمتع‬ ‫به اليمن على باب املندب كونه �سيطل على‬ ‫ما ي�سم���ى “ج�سر الق���رون” الذي �سريبط‬ ‫اليم���ن وجيبوت���ي‪ ،‬وه���و م�ش���روع مقرتح له‬ ‫فائدة ا�ستثمارية كبرية‪.‬‬ ‫ويف غ�ض���ون ا�ستم���رار املحادث���ات املتعلقة‬ ‫ب�ضم اليمن‪ ،‬ميكن ملجل�س التعاون اخلليجي‬ ‫ّ‬ ‫درا�س���ة و�ض���ع معاي�ي�ر �أكرث دق���ة للموافقة‬ ‫على ان�ضم���ام اليمن‪ ،‬وهي قد تكون معايري‬ ‫ال تنطب���ق عل���ى دول اخلليج ال�س���ت �أ�صلية‬ ‫الع�ضوي���ة‪ ،‬الأمر ال���ذي يتطلب م���ن اليمن‬ ‫تبن���ي االتفاقي���ات االقت�صادي���ة التي تعترب‬ ‫دول جمل�س التع���اون اخلليجي طرف ًا فيها‪،‬‬ ‫وتنفي���ذ ال�سيا�س���ات الت���ي يتبعه���ا املجل�س‬ ‫يف الوق���ت ال���ذي ي�سب���ق ان�ضم���ام اليم���ن‬ ‫للمجل�س‪ ،‬وحتديد �أهداف اقت�صادية معينة‬ ‫مث���ل الرتكي���ز عل���ى تنمي���ة مع���دالت �إنتاج‬ ‫القطاعات وتخفي�ض ن�سب���ة الفقر‪ .‬وهناك‬

‫عندما تلتقي اليمن مع غزة‬ ‫ماثيو ليفيت‬

‫فورين بولي�سي دوت كوم‬ ‫‪ 25‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪2010‬‬

‫يف ي���وم عيد امليالد كان الرجل الذي �أراد �أن‬ ‫يفجر (طائ���رة �أمريكية تابعة ل�شركة “نورث‬

‫وي�ست �إيرالينز”)‪ ،‬ق���د اتخذ م�سار ًا معروف ًا‬ ‫يف اجتاه���ه نحو الإره���اب العامل���ي (بدخوله‬

‫بع�ض اجلهات الفاعل���ة التي رمبا يكون لها‬ ‫م�صلح���ة يف ان�ضمام اليم���ن‪ ،‬مثل االحتاد‬ ‫الأورب���ي و�صن���دوق النق���د العرب���ي وبن���ك‬ ‫التنمي���ة الإ�سالمي‪ ،‬وهذه هي اجلهات التي‬ ‫قد ُت�سهِ م يف تقدمي التدريب الفني واملايل‪.‬‬ ‫وقب���ل هذا كل���ه‪ ،‬على اليم���ن نف�سها ال�سعي‬ ‫وراء تنويع موارده���ا االقت�صادية‪ ،‬ومعاقبة‬ ‫من ُي�س���يء الإدارة يف امل�ستويات احلكومية‬ ‫الدنيا‪ ،‬وحت�سني �إدارة املوارد املائية‪ ،‬وفر�ض‬ ‫ال�ضرائ���ب على �إنتاج القات وبيعه (والقات‬ ‫�شج���رة طبيعية منبهة مي�ضغه���ا عدد كبري‬ ‫من ال�شع���ب اليمن���ي)‪� ،‬إذ �أن زراعة القات‬ ‫ال متث���ل ه���در ًا للم���وارد املائي���ة فح�سب بل‬ ‫وتقلل من م�ستويات الدخل و�إنتاجية القوى‬ ‫العاملة التي هي متدنية يف الأ�صل‪.‬‬ ‫وينبغ���ي توخ���ي احلذر عند القي���ام بتو�سيع‬ ‫ل�ض���م اليمن‪،‬‬ ‫جمل����س التع���اون اخلليج���ي‬ ‫ّ‬ ‫وذلك من خالل التقدم باجتاه هذا الهدف‬ ‫ب�صورة تدريجي���ة مت�أنية‪ ،‬ومع بذل اجلهود‬ ‫من كال اجلانب�ي�ن‪� .‬إذ �أن تويل �إعداد و�ضع‬ ‫املعاي�ي�ر نياب���ة ع���ن دول جمل����س التع���اون‬ ‫والإ�ش���راف احلكومي املع���اد تنظيمه نيابة‬ ‫ع���ن اليمن؛ من �ش�أن���ه �أن ي�سه���م كثري ًا يف‬ ‫تعزي���ز فر�ص حتقيق الفوائد املمكنة امل�شار‬ ‫�إليها �آنف ًا‪ .‬وال جدل يف �أن خلق جمل�س تعاون‬ ‫خليج���ي �أو�سع قد ي�ش���كل م�صلحة للمنطقة‬ ‫ب�أ�سرها‪ ،‬كما �أنه قد ي�ؤدي �إىل حتقيق نطاق‬ ‫تع���اون �أو�س���ع م�ستقب ًال �إذا م���ا متت عملية‬ ‫االندماج ب�شكل ف ّعال‪.‬‬

‫بارتباط���ات م���ع متطرف�ي�ن) يف اليم���ن‪ .‬لقد‬ ‫�شكل���ت ه���ذه الدول���ة اخلليجي���ة من���ذ فرتة‬ ‫طويلة ب�ؤرة �إرهابية �ساخنة‪ ،‬بدء ًا من تفجري‬ ‫املدم���رة “يو �إ�س �إ�س ك���ول” يف خليج عدن‪،‬‬ ‫وم���رور ًا بال���دور الرئي�سي ال���ذي ا�ضطلع به‬ ‫اليمني���ون يف م�ؤام���رة ‪� 11‬أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر‪،‬‬ ‫وانتهاء ًا بال���دور املتزايد الأهمية الذي يقوم‬ ‫به قادة “تنظيم «القاعدة» يف �شبه اجلزيرة‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪45‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫العربي���ة” الذي���ن اتخ���ذوا من اليم���ن مقر ًا‬ ‫له���م‪ .‬وق���د ورد الآن يف و�سائ���ل الإعالم ب�أن‬ ‫عدد ًا �صغري ًا م���ن اليمنيني اجلهاديني كانوا‬ ‫ق���د ان�ضم���وا �إىل �آخرين م���ن �سوريا وم�صر‬ ‫وفرن�سا وبلجيكا لال�شرتاك يف حرب جديدة‬ ‫على جبهة القتال القدمية‪� ،‬أال وهي غزة‪.‬‬ ‫ووفق ًا مل�سئويل ا�ستخب���ارات (غربيني)‪ ،‬دخل‬ ‫ب�ضع ع�شرات من املقاتلني الأجانب �إىل قطاع‬ ‫غزة م���ن اليم���ن وغريها من بل���دان ال�شرق‬ ‫الأو�س���ط و�أوروب���ا‪ ،‬وكان بع�ضه���م مقاتل���ون‬ ‫متمر�سون يقومون ب�أعمال التدريب‪ ،‬يف حني‬ ‫ي�سع���ى �آخرون على الت���درب واحل�صول على‬ ‫اخل�ب�رة يف �أعمال اجلهاد‪ .‬ويق���ال �أن بع�ض‬ ‫الأوروبيني ق���د “قدم���وا وبحوزتهم بطاقات‬ ‫االئتم���ان اخلا�ص���ة به���م”‪ ،‬وقام���وا بتمويل‬ ‫الأن�شطة اجلهادية �أثناء وجودهم يف غزة‪.‬‬ ‫حدث ه���ذا التدفق ت�أث�ي�ر على ما‬ ‫لقد ب���د�أ ُي ِ‬ ‫كان يعترب تقليدي ًا جه���اد ًا حملي ًا‪ .‬وقد بد�أت‬ ‫جماع���ات مث���ل «حما����س» وحرك���ة «اجلهاد‬ ‫الإ�سالم���ي الفل�سطين���ي»‪ ،‬و«كتائ���ب �شهداء‬ ‫الأق�صى» تر�س���م طريق القومية الفل�سطينية‬ ‫جنب��� ًا �إىل جنب مع الإ�سالم املتطرف ولكنها‬ ‫ترك���ز عملياته���ا عل���ى اجلبه���ة الإ�سرائيلية‬ ‫الفل�سطيني���ة‪ .‬والآن‪ ،‬يق���وم بع����ض املقاتلني‬ ‫الفل�سطينيني الواقعني حتت ت�أثري اجلهاديني‬ ‫العامليني‪ ،‬بامل�شارك���ة يف جمموعات تدور مع‬ ‫�أفكار تنظي���م «القاعدة»‪ ،‬والقت���ال لي�س من‬ ‫�أج���ل الفل�سطينيني فح�سب‪ ،‬ب���ل لعموم الأمة‬ ‫الإ�سالمية‪.‬‬ ‫وحافظ���ت اجلماع���ات اجلهادي���ة التي تدور‬ ‫م���ع �أفكار تنظي���م «القاع���دة» يف قطاع غزة‬ ‫على القي���ام بعملياتها التنفيذية املحلية �ضد‬ ‫�إ�سرائي���ل (من) قط���اع غ���زة‪ ،‬ولكنها ربطت‬ ‫هجماته���ا م���ع الق�ضاي���ا العاملي���ة مث���ل �أزمة‬ ‫ر�سوم الكارتون الدمناركي���ة �أو �سجن منظر‬ ‫جه���ادي يف بريطاني���ا‪� .‬إن اخل���وف القائ���م‬ ‫يف �صف���وف الق���وات الأمريكي���ة واملخابرات‬ ‫الإ�سرائيلي���ة ه���و �أن مثل ه���ذه الإيديولوجية‬ ‫‪46‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫“العاملي���ة املحلية” هي مبثاب���ة ج�سر يربط‬ ‫ب�ي�ن القومي���ة الفل�سطيني���ة والأيديولوجي���ة‬ ‫اجلهادي���ة العاملية لتنظي���م «القاعدة»‪ .‬ومن‬ ‫الناحية النظرية ي�ؤمن �أولئك الذين ي�ؤمنون‬ ‫بالقومي���ة الفل�سطينية بح���ل الدولتني‪ ،‬بينما‬ ‫تتطل���ب الأيديولوجي���ة اجلهادي���ة العاملي���ة‬ ‫مت�س���ك �أن�صارها ب�شن‬ ‫لتنظي���م «القاع���دة» ُّ‬ ‫عمليات اجلهاد الت���ي تت�سم بالعنف �ضد كل‬ ‫الكفار واملرتدين حتى �إقامة دولة �إ�سالمية‪.‬‬ ‫�إن انخ���راط حرك���ة «حما����س» يف غ���زة يف‬ ‫ال�سيا�س���ة العلمانية وف�شله���ا يف �إقامة نظام‬ ‫يتم�س���ك بال�شريع���ة الإ�سالمي���ة وت�ضييقه���ا‬ ‫اخلناق عل���ى �أ�شقائه���ا الفل�سطينيني الذين‬ ‫يهاجم���ون �إ�سرائي���ل �أو يه���ددون حكمه���ا‪،‬‬ ‫ق���د خل���ق فراغ��� ًا بحي���ث كان���ت اجلماعات‬ ‫اجلهادية العاملية حري�صة على ملئه؛ وغالب ًا‬ ‫ما ت�شم���ل تلك اجلماعات ن�شط���اء «حما�س»‬ ‫ال�ساخط�ي�ن‪ .‬وحت���ى م���ع ذل���ك‪ ،‬يق���در عدد‬ ‫املنتم�ي�ن �إىل اجلماع���ات اجلهادي���ة العاملية‬ ‫يف غ���زة بعدة مئ���ات من الأف���راد‪ .‬ويف حني‬ ‫�أن قدراته���م حم���دودة‪� ،‬إال �أنه���م يفك���رون‬ ‫بالقي���ام ب�أعماله���م الإرهابية بحي���ث ت�شمل‬ ‫جماالت وا�سعة وب�صورة كبرية‪ .‬وقد جنحت‬ ‫املخاب���رات الإ�سرائيلي���ة يف �إحب���اط م�ؤامرة‬ ‫من قبل �أح���دى هذه اجلماع���ات �ضد رئي�س‬ ‫ال���وزراء الربيط���اين ال�ساب���ق ت���وين بلري يف‬ ‫متوز‪/‬يوليو ‪.2008‬‬ ‫وت�شتهر «جماعة جي�ش الإ�سالم» بتورطها يف‬ ‫خطف مرا�سل هيئة الإذاعة الربيطانية �آلن‬ ‫جون�ستون يف ع���ام ‪ .2007‬ويف منت�صف �آب‪/‬‬ ‫�أغ�سط�س ‪ ،2009‬قفزت �أن�شطة «جند �أن�صار‬ ‫اهلل» �إىل ال�صدارة عندما قامت قوات الأمن‬ ‫التابعة حلكومة «حما�س» يف قطاع غزة‪ ،‬جنب ًا‬ ‫�إىل جنب م���ع �أع�ضاء من كتائ���ب عز الدين‬ ‫الق�سام التابعة لـ «حما�س»‪ ،‬مبداهمة م�سجد ًا‬ ‫تابع ًا لـ «جند �أن�صار اهلل» و�شاركت يف معارك‬ ‫مطول���ة م���ع �أتباعه���ا‪ .‬وج���اءت اال�شتباكات‬ ‫ الت���ي خلف���ت ‪ً 24‬‬‫قتي�ل�ا و‪ 130‬جريح ًا ‪ -‬يف‬

‫�أعق���اب خطبة �صالة اجلمع���ة من قبل رجل‬ ‫الدي���ن املتطرف ال�شيخ عبد اللطيف مو�سى‪،‬‬ ‫ندد فيها بحكومة «حما�س» و�أعلن عن �إقامة‬ ‫�إمارة �إ�سالمية يف فل�سطني‪.‬‬ ‫ومب���ا �أن اجلماع���ات الت���ي ت���دور م���ع �أفكار‬ ‫تنظي���م «القاع���دة» ته���دد �سلط���ة «حما�س»‪،‬‬ ‫ف�إن���ه لي�س م���ن املفاجئ �أن قام���ت «حما�س»‬ ‫ب�شن حمل���ة �ضدها‪� .‬إن ما يث�ي�ر الده�شة هو‬ ‫�أن ه���ذه اجلماعات قد ف�شل���ت حتى الآن يف‬ ‫االرتب���اط بتنظي���م «القاعدة» ب�ص���ورة �أكرث‬ ‫ر�سمي���ة‪ ،‬نظ���ر ًا للكراهي���ة الت���ي ع�ب�ر عنها‬ ‫تنظي���م «القاع���دة» يف امل���دة الأخ�ي�رة جتاه‬ ‫حرك���ة «حما�س» جنب ًا �إىل جن���ب مع تاريخه‬ ‫املتمثل بدمج ال�صراع���ات املحلية مع حملته‬ ‫اجلهادية العاملية‪.‬‬ ‫ويبدو م���ن املرج���ح �أن تنظي���م «القاعدة» ال‬ ‫ي���زال غ�ي�ر مقتنع��� ًا بااللت���زام الإيديولوجي‬ ‫ملجموع���ات مثل «جماع���ة جي����ش الإ�سالم»‪،‬‬ ‫الت���ي ُيعرف زعيمها‪ ،‬ممتاز دغم�ش‪ ،‬ب�صورة‬ ‫�أف�ضل عن طريق ما�ضي���ه اجلنائي �أكرث من‬ ‫تع�صبه الديني‪ .‬وقد يكون لتنظيم «القاعدة»‬ ‫�أي�ض��� ًا خماوف ب�ش�أن قابلية بق���اء وا�ستمرار‬ ‫مثل هذه املجموعات عل���ى القيام بعملياتها‪،‬‬ ‫وق���د ينتظر «التنظيم» ب�ص�ب�ر حتى ت�ستطيع‬ ‫هذه اجلماعات �إثبات نف�سها قبل قبولها �إىل‬ ‫�صفوف احلركة اجلهادية العاملية‪.‬‬ ‫وقد جادل البع�ض ب�أن وجود اجلماعات التي‬ ‫ت���دور مع �أف���كار تنظيم «القاع���دة» يف قطاع‬ ‫غزة يعن���ي �أن حركة «حما�س» مل تعد اخليار‬ ‫الأ�س���و�أ‪ ،‬و�إنه يتعني على �إ�سرائيل التعامل مع‬ ‫«حما����س» دون �شروط م�سبق���ة‪ ،‬لئال ي�سيطر‬ ‫تنظي���م «القاع���دة» عل���ى غ���زة‪ .‬ويف الواقع‪،‬‬ ‫تفتقر اجلماعات اجلهادي���ة العاملية يف غزة‬ ‫�إىل الدع���م ال�شعب���ي وهي لي�س���ت يف موقف‬ ‫لك���ي تتحدى �سلطة «حما�س» بو�صفها الكيان‬ ‫احلاك���م‪ ،‬ناهيك ع���ن ال�سيط���رة على قطاع‬ ‫غ���زة‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬م���ا زالت «حما�س»‬ ‫يف �صميم امل�شكلة‪ .‬وعلى الرغم من خالفات‬

‫حرك���ة «حما����س» الإيديولوجي���ة م���ع زعماء‬ ‫«القاعدة» وحملته���ا العنيفة على اجلهاديني‬ ‫العاملي�ي�ن يف قطاع غزة‪ ،‬فم���ن املفارقات هو‬ ‫�أن تطرفها اخلا����ص قد خلق ما ي�شكل نقطة‬ ‫انط�ل�اق مثالية لقيام تط���رف �أكرث‪ .‬فعندما‬ ‫ي�صب���ح �أح���د االنتحاريني ال���ذي ينطلق من‬

‫دوافع �إيديولوجية منوذج ًا يحتذى به‪ ،‬ي�صبح‬ ‫جميع االنتحاريني الذين ينطلقون من دوافع‬ ‫�إيديولوجية قدوة يحتذى بهم‪.‬‬ ‫وال�س����ؤال املط���روح الآن هو ما الت���ي �ستكون‬ ‫نتائ���ج اللق���اءات ب�ي�ن التط���رف الإ�سالم���ي‬

‫بطاقة بريدية من اليمن‬ ‫توما�س فريدمان‬

‫�صحيفة نيويورك تاميز‬ ‫‪� 6‬شباط‪/‬فرباير ‪2010‬‬

‫عندما و�صل���ت �إىل منزله يف �صنعاء‪ ،‬مدعوا‬ ‫عل���ى الع�ش���اء‪� ،‬أ�ص���اب رئي����س وزراء اليمن‬ ‫ال�ساب���ق عبدالكرمي الإري���اين الهدف حينما‬ ‫�س�ألن���ي‪« :‬ح�سنا يا توما����س‪ ،‬هل كان ي�ستلزم‬ ‫الأم���ر ظه���ور «عبداملطل���ب» لت�أت���ي �أخ�ي�را‬ ‫لزيارتن���ا؟» فاعرتف���ت ل���ه ب�أن ه���ذا الكالم‬ ‫�صحي���ح‪ ،‬لأن النيج�ي�ري ال�ش���اب‪ ،‬وال���ذي‬ ‫ت���درب يف اليمن على يد القاع���دة‪ ،‬حاول �أن‬ ‫يفجر طائ���رة تابعة ل�شركة ن���ورث وي�ست يف‬ ‫علي �أن‬ ‫ي���وم الكري�سما�س‪ ،‬ل���ذا‪ ،‬قررت �أن���ه ّ‬ ‫�أرى اليم���ن يف املقام الأول‪ .‬ب���ل ذهبت �أبعد‬ ‫م���ن ذلك معرتف ًا ل���ه �أين‪« :‬كنت قلق��� ًا قلي ًال‬ ‫من قدوم���ي �إىل هنا‪ ،‬لقد توقع���ت لوهلة �أنه‬ ‫م���ن املمك���ن �أن ي�ستقبلن���ي عند �آخ���ر درجة‬ ‫م���ن درجات �سل���م الطائرة �أ�سام���ة بن الدن‬ ‫نف�سه»‪.‬‬ ‫رغم ذل���ك‪ ،‬وحل�سن احل���ظ بالطبع‪ ،‬وجدت‬ ‫�أن �صنع���اء لي�س���ت كاب���ول‪ ،‬و�أن اليمن لي�ست‬ ‫�أفغان�ست���ان‪ -‬حت���ى الآن‪ .‬فمدين���ة �صنع���اء‬ ‫القدمية املحاطة ب�سور‪ ،‬والتي هي على قائمة‬

‫اليوني�سك���و للموروث العامل���ي مببانيها املبنية‬ ‫من قوالب الط���وب اللنب املزخرفة بالأ�شكال‬ ‫���ج باملقاهي‬ ‫الهند�سي���ة املختلف���ة‪ ،‬كان���ت تع ّ‬ ‫ال�صغ�ي�رة الن�شط���ة ً‬ ‫���ج باملتجولني‬ ‫لي�ل�ا‪ ،‬وتع ّ‬ ‫والباع���ة وامل�شرتي���ن نه���ار ًا‪ .‬و�أن���ا �أمت�شى يف‬ ‫�شوارعها مع �صديق���ي اليمني رئي�س الوزراء‬ ‫ال�ساب���ق‪ ،‬قابلن���ا �أربع���ة ميني�ي�ن م�سنني من‬ ‫�أ�صح���اب اللحى واخلناج���ر التقليدية تزين‬ ‫اخل�ص���ر‪ ،‬يتناق�شون يف مل�ص���ق على حائط‬ ‫�صخ���ري يح���ث «الآب���اء والأمه���ات» على �أن‬ ‫ير�سلوا بناته���م �إىل املدر�سة‪ .‬وعندما �س�ألت‬ ‫امل�سن�ي�ن عم���ا ي���روه يف تل���ك الفك���رة‪ ،‬ق���ال‬ ‫�أكربه���م �سن��� ًا �أن���ه «م�ستع���د لأن يتخلى عن‬ ‫ج���زء من طعامه كل يوم حت���ى تتمكن املزيد‬ ‫من الفتيات والبنات من �أن يتعلمن القراءة»‪.‬‬ ‫عالوة على هذا‪ ،‬كما قال هو‪� ،‬سقط املل�صق‬ ‫من عل���ى احلائ���ط ال�صخري‪ ،‬لكن���ه ل�صقه‬ ‫م���رة �أخرى حتى ي���راه الآخ���رون‪ .‬حقيقة مل‬ ‫�أتوقع ذلك‪.‬‬ ‫ومل �أتوق���ع �أن �أج���د منظم���ات جمتمع مدين‬

‫الرادي���كايل يف غ���زة والإيديولوجية العدمية‬ ‫للجهاد العامل���ي‪ .‬و�إذا �أ�ضفنا �إىل ذلك تدفق‬ ‫عدد قليل من املقاتلني الأجانب ذوي القدرة‪،‬‬ ‫�سيبقى املرء مع م����أزق مقلق‪ :‬ماذا �سيحدث‬ ‫عندما “ت�أتي” اليمن �إىل غزة؟‬

‫يعم���ل به���ا متطوع���ون �أم�ي�ركان‪ -‬وكم���ا هو‬ ‫احلال م���ع �صحيفة مي���ن �أوبزيرف���ر‪ ،‬يومية‬ ‫ت�صدر باللغة الإجنليزية‪ ،‬غرفة �أخبار مليئة‬ ‫بهم‪ .‬كل ما �أمكنني فعله هو �أن �أتطلع لطالب‬ ‫اجلامع���ة الأم�ي�ركان ه����ؤالء و �أتعجب‪« :‬هل‬ ‫يع���رف والديكم �أنك���م هنا؟»‪ ،‬لك���ن ال�شباب‬ ‫�ضحكوا من �س�ؤايل‪ .‬وكل بائع حتدثت معه يف‬ ‫�صب اللوم عل���ى القاعدة‪ ،‬وقال �إنها‬ ‫�صنع���اء ّ‬ ‫ال�سبب يف موت ال�سياحة يف اليمن‪ .‬فمن كان‬ ‫يع���رف �أن اليم���ن يق�صدها ال�سي���اح؟ اليمن‬ ‫لي�س���ت �أفغان�ست���ان‪ ،‬هذا م�ؤك���د‪ .‬لكن اليمن‬ ‫�أي�ض ًا لي�ست هي الدمنارك‪.‬‬ ‫فالقاعدة مثل الفريو�س‪ ،‬عندما تظهر ب�شكل‬ ‫كبري‪ ،‬ه���ذا يو�ضح �أن هن���اك �شيئ ًا معلو ًال يف‬ ‫نظ���ام الدول���ة املناعي‪ .‬وهناك �ش���يء معلول‬ ‫يف نظ���ام اليمن املناعي‪ .‬فاحلكومة املركزية‬ ‫ال�ضعيف���ة يف �صنع���اء حتك���م ع���دد ًا خمتلف ًا‬ ‫وكب�ي�ر ًا م���ن القبائ���ل الرعوي���ة‪ ،‬م�ستخدمة‬ ‫نظام��� ًا خم�ص�ص ًا للرعاي���ة والتعاون‪ .‬وتظل‬ ‫مناط���ق وا�سع���ة م���ن الريف خ���ارج �سيطرة‬ ‫احلكومة‪ ،‬خا�صة يف اجلنوب وال�شرق‪ ،‬حيث‬ ‫وجد م���ن ‪� 300‬إىل ‪ 500‬عن�ص���ر من عنا�صر‬ ‫القاعدة مالذ ًا لهم‪ .‬وهذه «الطريقة اليمنية»‬ ‫متكنت من احلفاظ على عرى الدولة‪ ،‬والدفع‬ ‫ببطء �شديد بالدولة للأمام‪،‬على الرغم من‬ ‫احل���ركات االنف�صالية يف ال�شمال واجلنوب‪.‬‬ ‫لك���ن تلك الطريق���ة القدمية ومع���دل �سرعة‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪47‬‬


‫القي���ام بالأ�شي���اء مل يعودا قادري���ن بعد الآن‬ ‫على احلفاظ على ال�سالم بتوجهات �سلبية‪.‬‬ ‫ولننظر يف هذه الأرقام والن�سب املئوية‪ :‬معدل‬ ‫منو ال�سكان يف اليمن يقرتب من ‪ 3.5‬باملائة‪،‬‬ ‫وهو واحد م���ن �أعلى معدالت منو ال�سكان يف‬ ‫العامل‪ 50 .‬باملائة من تعداد ال�سكان البالغ ‪23‬‬ ‫ملي���ون ن�سمة حتت �سن ‪� 15‬سن���ة‪ ،‬و‪ 75‬منهم‬ ‫حت���ت �س���ن ‪� 29‬سن���ة‪ .‬ومع���دالت البحث عن‬ ‫عم���ل ترتاوح م���ن ‪� 35‬إىل ‪ 40‬باملائ���ة‪ ،‬جزئي ًا‬ ‫يعود هذا االرتفاع �إىل طرد ال�سعودية وبع�ض‬ ‫الدول اخلليجي���ة الأخرى قرابة مليون عامل‬ ‫ميني بعدم���ا �ساندت اليمن �صدام ح�سني يف‬ ‫حرب اخلليج ‪.1990‬‬ ‫وبف�ضل التخطيط ال�سيئ والنمو ال�سكاين‪ ،‬من‬ ‫املمك���ن �أن تكون اليمن �أول دولة ين�ضب فيها‬ ‫املاء خالل فرتة ت�ت�راوح من ‪� 10‬إىل ‪� 15‬سنة‬ ‫م���ن الآن‪ .‬وبالفعل يعاين الكثري من اليمنيني‬ ‫الآن من انقط���اع املياه بكرثة‪ ،‬كما هو احلال‬ ‫مع الكهرباء بالطبع‪ .‬ويف ريف اليمن‪ ،‬ت�ضطر‬ ‫الن�ساء لل�سري �أربع �ساعات بحث ًا عن بئر مياه‬ ‫�صاحلة‪ .‬لقد انخف�ض من�سوب املياه اجلوفية‬

‫يف �صنعاء كثري ًا‪ ،‬حت���ى �أن الأمر يلزمه �آالت‬ ‫التنقي���ب ع���ن النفط حت���ى تعرث عل���ى املاء‪.‬‬ ‫ناهيك عن القات وزراعته‪ ،‬التي ت�ستهلك ‪40‬‬ ‫باملائة من �إمدادات املياه كل عام‪ .‬وقرابة ‪65‬‬ ‫باملائة م���ن املعلمني اليمنيني لديهم ال�شهادة‬ ‫العامة فق���ط‪ .‬وغالبية النا����س يعي�شون على‬ ‫�أقل م���ن دوالرين يف الي���وم‪ .‬ولقد بيعت منذ‬ ‫ف�ت�رة قريب���ة يف �صنعاء �سي���ارة رولز روي�س‪،‬‬ ‫وكان ذل���ك للم���رة الأوىل يف تاري���خ املدينة‪.‬‬ ‫و�أك�ث�ر م���ن ‪ 70‬باملائة من الدخ���ل احلكومي‬ ‫ي�أت���ي من ال�ص���ادرات النفطي���ة املتناق�صة‪.‬‬ ‫ون�سب���ة الأمية و�صل���ت ‪ 70‬باملائة‪ .‬و‪ 15‬باملائة‬ ‫من الأطفال ال يذهبون للمدر�سة‪.‬‬ ‫رغم ه���ذا‪ ،‬ويف الوق���ت نف�سه‪ ،‬ه���ذه الدولة‬ ‫اليم���ن‪ -‬به���ا ع���دد م���ن ال�صحافي�ي�ن‬‫والن�شط���اء االجتماعي�ي�ن وال�سا�س���ة هم من‬ ‫خ�ي�رة م���ن قابل���ت يف الع���امل العرب���ي‪ .‬لقد‬ ‫�أم�ضيت �صباح ًا يف منتدى املر�أة الإعالمي‪،‬‬ ‫ويف �إح���دى املنظم���ات املدني���ة الت���ي تدرب‬ ‫ال�صحافي���ات ال�شابات ‪ -‬جزء من «احلر�س‬ ‫ال�شباب « من الإ�صالحيني املثاليني اليمنيني‪،‬‬ ‫والذين يريدون حق��� ًا خدمة �شعبهم‪ ،‬لكنهم‬

‫من يقف وراء احلوثيني؟‬ ‫ديفيد �شينكر‬

‫جملة «ويكلي �ستاندرد» الأمريكية‬ ‫"‪� 22‬شباط‪/‬فرباير ‪2010‬‬

‫قبل ح���وايل ‪ 50‬عام ًا‪ ،‬خا�ضت اليمن حرب ًا‬ ‫�أهلي���ة دارت بني حكوم���ة �صنعاء املدعومة‬ ‫م���ن م�صر �ض���د امل�سلح�ي�ن املدعومني من‬ ‫اململك���ة العربي���ة ال�سعودي���ة وكادره���ا من‬ ‫املرتزقة الأوروبيني‪ .‬وبعد �ست �سنوات من‬ ‫احل���رب الدامية‪ ،‬جل�أت القاه���رة ‪� -‬أثناء‬ ‫�إح���دى الف�ت�رات ال�صعب���ة الت���ي واجهتها‬ ‫‪48‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫تل���ك احلمل���ة ‪� -‬إىل ا�ستعمال غاز اخلردل‬ ‫وغ���از الأع�صاب يف حماول���ة للق�ضاء على‬ ‫املتمردين‪ .‬وانت�صرت احلكومة اليمنية يف‬ ‫النهاية‪ ،‬ولكن بعد �أن فقدت م�صر ‪� 26‬ألف ًا‬ ‫من جنودها‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬تختلف اخلطوط العري�ضة لل�صراع‬ ‫الدائ���ر يف اليم���ن‪ .‬فاملتم���ردون احلوثيون‬

‫مل يح�صلوا على الفر�صة املنا�سبة حتى الآن‪.‬‬ ‫وكان املكتب وه���و بتمويل من رحمة حجرية‪،‬‬ ‫م���ن نا�شطات حرية ال�صحاف���ة‪ ،‬كان املكتب‬ ‫���ج بالفتي���ات‪ ،‬الالئ���ي كان اجل���وع حلرية‬ ‫يع ّ‬ ‫التعبري واجل���وع ولأن يكن ذاتهن يطالن من‬ ‫خلف املالب����س ال�سوداء الف�ضفا�ضة التي كن‬ ‫يرتدينها‪.‬‬ ‫وي�ص���ر حمم���د الأ�سع���دي‪ ،‬وه���و م�ست�ش���ار‬ ‫�إعالم���ي‪ ،‬عل���ى �أن �إ�ص�ل�اح الدول���ة لي����س‬ ‫بالأم���ر ال�س���ر‪ .‬و ق���ال‪« :‬نح���ن بحاج���ة �إىل‬ ‫ث���ورة عل���ى الو�ض���ع الراه���ن‪ ،‬نح���ن بحاجة‬ ‫�إىل بناء املقدرة‪ ،‬ونح���ن بحاجة �إىل د�سرتة‬ ‫�سي���ادة القانون‪ ،‬نحن بحاجة �إىل بناء ثقافة‬ ‫امل�س�ؤولية»‪ .‬و�أ�ضاف مراد ها�شم‪ ،‬مدير مكتب‬ ‫اجلزي���رة يف اليم���ن‪ً ،‬‬ ‫قائ�ل�ا‪« :‬نح���ن بحاجة‬ ‫�إىل املزي���د من التعلي���م‪ ،‬لكننا مل ن�ستفد من‬ ‫اليمني�ي�ن املتعلم�ي�ن»‪ .‬حق ًا‪ ،‬اليم���ن لديه من‬ ‫املوارد وامل�صادر م���ا ميكنه من �إنقاذ نف�سه‪،‬‬ ‫لكن هذه املوارد وامل�صادر بحاجة �إىل املزيد‬ ‫من اجلهد احلكوم���ي ال�ستغاللها اال�ستغالل‬ ‫الأمثل‪ .‬و�إال �سينت�شر فريو�س القاعدة‪ ،‬والذي‬ ‫ما يزال حتى الآن حتت ال�سيطرة‪.‬‬

‫(الذين يتبعون املذه���ب الزيدي ال�شيعي)‬ ‫يتح���دون �صنع���اء يف ال�شمال‪ ،‬وه���و الأمر‬ ‫بالن�سب���ة لالنف�صاليني ال�سن���ة الفقراء يف‬ ‫اجلنوب‪ ،‬وتنظيم «القاعدة» الذي يتحدى‬ ‫احلكوم���ة يف عدة �أماك���ن يف البالد‪ .‬وعلى‬ ‫الرغ���م من وج���ود كيان���ات جدي���دة تلعب‬ ‫�أدواره���ا عل���ى ال�ساح���ة اليمني���ة‪ ،‬تعر�ض‬ ‫اجلول���ة احلالية من القت���ال مالمح بع�ض‬ ‫الت�شابه مع �سابقتها‪ .‬ومن بني �أكرثها �إثارة‬ ‫للده�شة ه���ي �أن اليمن تتحول مرة �أخرى‪،‬‬ ‫عل���ى م���ا يب���دو‪� ،‬إىل “ح���رب بالوكالة” ‪-‬‬ ‫املعرك���ة الأخ�ي�رة يف ال�ص���راع ب�ي�ن �إيران‬ ‫والدول العربية “املعتدلة”‪.‬‬ ‫وق���د حتال���ف نظ���ام امل�ل�ايل املت�ش���دد يف‬

‫�إيران مع قوى يف اليمن ت�سعى �إىل زعزعة‬ ‫ا�ستق���رار احلكوم���ة املركزي���ة‪ ،‬على عك�س‬ ‫توجهات الدولة املوالية ظاهري ًا للغرب‪ ،‬كما‬ ‫ح���دث يف دول �أخرى يف ال�ش���رق الأو�سط‪،‬‬ ‫ذات حكوم���ات مركزية �ضعيف���ة ‪ -‬ال�سيما‬ ‫يف العراق‪ ،‬ولبنان‪ ،‬وال�سلطة الفل�سطينية‪.‬‬ ‫وتعم���ل الآن اململك���ة العربي���ة ال�سعودية ‪-‬‬ ‫التي كان���ت قد قدمت العون للمتمردين يف‬ ‫املا�ضي‪ ،‬والذين �سعوا للإطاحة باحلكومة‬ ‫يف �صنع���اء ‪ --‬للم�ساعدة يف تدعيم نظام‬ ‫الرئي����س عل���ي عبد اهلل �صال���ح وعزله عن‬ ‫تهديد املتمردين احلوثيني‪.‬‬ ‫وال تدع���م الريا����ض الرئي����س اليمني علي‬ ‫عب���د اهلل �صال���ح م���ن �أج���ل عم���ل اخل�ي�ر‬ ‫والت�ضحية بالنف����س‪ .‬فاحلوثيون ينت�شرون‬ ‫عل���ى ط���ول احل���دود اليمني���ة ال�سعودي���ة‪.‬‬ ‫وت�شعر الريا�ض بالقل���ق حول �أمن احلدود‬ ‫نظر ًا لتاري���خ املنطقة‪ :‬ففي ال�ستينيات من‬ ‫القرن املا�ضي‪ ،‬قامت جمموعات مدعومة‬ ‫من قبل م�صر بتنفيذ عدة �أعمال تخريبية‬ ‫يف اململكة العربي���ة ال�سعودية‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫�ض���د وزارة الدفاع وقاع���دة جوية بالقرب‬ ‫من احلدود ال�سعودية اليمنية‪.‬‬ ‫ويف ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفم�ب�ر ‪ ،2009‬ع�ب�ر‬ ‫ع���دد كبري من امل�سلحني احلوثيني احلدود‬ ‫�إىل ال�سعودية و�سيط���روا على جزء �صغري‬ ‫جد ًا من �أرا�ضي اململكة‪ ،‬مما �أدى �إىل قيام‬ ‫الأخرية بردود فعل ع�سكرية �سريعة‪ .‬ومنذ‬ ‫ذل���ك احلني‪ ،‬وقعت ا�شتب���اكات عنيفة بني‬ ‫ال�سعوديني واحلوثيني على جانبي احلدود‪،‬‬ ‫�أ�سفرت عن وقوع خ�سائر كبرية يف �صفوف‬ ‫اجلي�ش ال�سعودي‪ .‬فقد لقي حتى الآن �أكرث‬ ‫من ‪ 110‬من اجلنود ال�سعوديني م�صرعهم‬ ‫يف تلك اال�شتباكات واعتقل �ستة �آخرون من‬ ‫قبل قوات احلوثيني‪ .‬وق���د ُذكر على نطاق‬ ‫وا�سع ب����أن املتمردي���ن احلوثي�ي�ن �أ�سقطوا‬

‫مروحية �سعودية من نوع “�أبات�شي”‪ .‬رمبا‬ ‫لي�س م���ن امل�ستغرب قي���ام الريا�ض باتهام‬ ‫طهران ب�أنها تق���ف وراء املهارة الع�سكرية‬ ‫العالية التي يتميز بها احلوثيون‪.‬‬ ‫وقد لعبت هذه االتهامات دور ًا يف ال�صحافة‬ ‫ال�سعودي���ة ب�ص���ورة �أ�سا�سية‪ .‬فف���ي كانون‬ ‫الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪� ،2009‬أف���ادت �صحيف���ة‬ ‫“ال�ش���رق الأو�س���ط” اللندني���ة اململوك���ة‬ ‫ل�سعوديني ب�أن “كبار امل�سئولني” من “فيلق‬ ‫احلر�س الث���وري الإيراين” و”حزب اهلل”‬ ‫اللبن���اين اجتمعوا م���ع متمردي���ن حوثيني‬ ‫لتن�سي���ق العمليات الع�سكري���ة �ضد اململكة‬ ‫العربية ال�سعودية‪ .‬ويف الآونة الأخرية‪ ،‬ملح‬ ‫م�ساع���د وزير الدفاع ال�سع���ودي �إىل وجود‬ ‫تورط �إيراين يف القت���ال‪ ،‬م�شري ًا �إىل “�أنه‬ ‫م���ن غري املمك���ن �أن يك���ون (احلوثيون) قد‬ ‫ح�صل���وا ب�أنف�سه���م على الأ�سلح���ة التي مت‬ ‫ن�شرها �ضدنا”‪.‬‬ ‫ومل تظه���ر حتى الآن �سوى �أدل���ة قليلة عن‬ ‫الدعم الإيراين املبا�ش���ر للحوثيني‪ .‬ويقول‬ ‫اليمنيون �إن لديهم دلي ًال‪ ،‬وقاموا مب�شاركة‬ ‫نظرائهم الإيرانيني يف م�ضمونه‪ ،‬لكنهم مل‬ ‫يعر�ضوا بعد ق�ضيته���م ب�صورة علنية �ضد‬ ‫�إيران‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد قام اليمنيون باتهام‬ ‫طهران طوال ال�سن���ة املا�ضية با�ستمرارها‬ ‫دعم احلوثيني‪.‬‬ ‫ويف العام املا�ضي‪ ،‬على �سبيل املثال‪ ،‬ادعى‬ ‫الرئي�س �صالح �أن ح���زب اهلل قام بتدريب‬ ‫احلوثي�ي�ن عل���ى ا�ستعم���ال “القذائ���ف‬ ‫ال�صاروخية والألغام والأ�سلحة املختلفة”؛‬ ‫وباملث���ل‪ ،‬ادع���ى دبلوما�سيون ميني���ون ب�أن‬ ‫احلوثيون تلقوا تدريبات على يد “احلر�س‬ ‫الث���وري” الإي���راين‪ .‬ويف ت�شري���ن الأول‪/‬‬ ‫�أكتوب���ر ‪� ،2009‬أعلنت �صنعاء �أنها �صادرت‬ ‫�سفينة �إيراني���ة كانت تنقل �أ�سلحة م�ضادة‬ ‫للدبابات �إىل احلوثيني‪ .‬وقبل �أ�سابيع قليلة‬

‫فقط‪ ،‬و�أثناء زيارته للواليات املتحدة‪ ،‬قال‬ ‫وزير خارجية اليمن ل�صحيفة “احلياة”‪،‬‬ ‫ب����أن املتمردين يتلق���ون دعم��� ًا مالي ًا “من‬ ‫قوى �شيعية داخل �إيران وخارجها»‪.‬‬ ‫وال ت���زال م�ص���ادر �أخ���رى ‪ -‬مب���ا يف ذلك‬ ‫ن�ش���رة م�ؤ�س�س���ة «�سرتاتف���ور» اخلا�ص���ة‬ ‫لال�ستخبارات العاملية ‪ -‬تدعي ب�أن �سوريا‪،‬‬ ‫حليفة �إيران‪ ،‬ت�سه���ل عبور اجلهاديني �إىل‬ ‫اليم���ن‪ ،‬وكم���ا تقوم �إي���ران نف�سه���ا بدعم‬ ‫“تنظي���م «القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة‬ ‫العربي���ة” ال���ذي مق���ره يف اليمن ‪ -‬وهي‬ ‫املجموعة القوية الت���ي �شاركت يف حماولة‬ ‫�إ�سقاط طائرة ركاب فوق مدينة ديرتويت‬ ‫يف يوم عيد امليالد‪.‬‬ ‫ومل تنك���ر طه���ران االتهام���ات ال�سعودي���ة‬ ‫واليمنية بقدر ما قامت بت�صعيد املواجهات‬ ‫الكالمي���ة �ضد اململكة العربي���ة ال�سعودية‪.‬‬ ‫فخالل خطاب متلفز يف ‪ 13‬كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناي���ر املن�ص���رم‪� ،‬أدان الرئي����س الإيراين‬ ‫حمم���ود �أحم���دي جن���اد الريا����ض ب�سبب‬ ‫“دخولـ(ـه���ا) يف احل���رب‪ ،‬وا�ستعمالـ(ـه���ا)‬ ‫القناب���ل‪ ...‬واملداف���ع الر�شا�ش���ة �ض���د‬ ‫امل�سلمني»‪.‬‬ ‫�إن قيام �أحمدي جناد بالدفاع عن احلوثيني‬ ‫مل يك���ن مفاجئ��� ًا‪ .‬فاحلوثي���ون يطلق���ون‬ ‫على فل�سفته���م لقب “ال�شيع���ة ال�صافية”‬ ‫ويعلن���ون �صراح���ة والءهم لطه���ران‪ .‬ويف‬ ‫الع���ام املا�ض���ي عندم���ا �سئل رج���ل الدين‬ ‫احلوثي ع�ص���ام العماد ع���ن الروابط بني‬ ‫�إيران واملتمردين‪ ،‬قال �إن زعيم اجلماعة‪،‬‬ ‫ح�س�ي�ن احلوثي‪ ،‬هو �أ�شب���ه بزعيم “حزب‬ ‫اهلل” ح�سن ن�صر اهلل‪ ،‬ذليل طهران‪.‬‬ ‫وت�شري وفرة الأدلة �إىل وجود عالقة كبرية‬ ‫بني طهران واحلوثيني‪ .‬ولكن حتى لو كانت‬ ‫الإدعاءات اليمني���ة وال�سعودية حول الدعم‬ ‫الإيراين للمتمردين مغ���اىل فيها‪ ،‬يبدو من‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪49‬‬


‫املرجح �أن �إيران تلعب دور ًا يف ت�أجيج نريان‬ ‫التمرد يف اليمن‪ ،‬نظر ًا ل�سجل طهران طويل‬ ‫الأمد يف هذا املجال‪.‬‬ ‫ومل تق���م وا�شنط���ن بع���د باته���ام طه���ران‬ ‫بالتورط يف النزاع‪ .‬ولكن رمبا ت�سري الإدارة‬ ‫الأمريكية يف ه���ذا االجتاه‪ .‬ففي ‪ 21‬كانون‬ ‫الثاين‪/‬يناير‪ ،‬قال قائ���د القوات الأمريكية‬ ‫يف املنطق���ة‪ ،‬اجلرنال ديفي���د برتيو�س‪ ،‬ب�أن‬ ‫هن���اك “بع����ض امل�ؤ�شرات” الت���ي ميكن �أن‬ ‫ت�ش�ي�ر �إىل ت���ورط �إيران يف ال�ص���راع‪ .‬وبعد‬ ‫ذل���ك‪ ،‬يف ‪ 31‬كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر‪� ،‬ص���رح‬ ‫م�ساعد وزي���رة اخلارجية الأمريكية ل�ش�ؤون‬ ‫ال�ش���رق الأدن���ى جيفري فيلتم���ان ل�صحيفة‬ ‫“احلي���اة” ب�أن���ه يف حني ت�أخ���ذ وا�شنطن‬ ‫ه���ذه االتهام���ات على حممل اجل���د‪“ ،‬لي�س‬ ‫لدينا �أدلة ب����أن التدخل الإي���راين (بق�ضية)‬ ‫احلوثيني عميق بقدر ما هو مع حزب اهلل”‪.‬‬ ‫�إن فيلتمان هو من بني �أف�ضل الدبلوما�سيني‬ ‫الأمريكي�ي�ن و�أكرثهم �صراحة‪ .‬ولذلك فمن‬ ‫اجلدير باملالحظة �أن���ه ال ينكر كلي ًا التورط‬ ‫الإي���راين‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬يبدو �أن املقارنة التي‬ ‫طرحها ت�ؤكد ذلك‪.‬‬

‫ومن املمكن ‪ -‬كما يدعي امل�س�ؤولون اليمنيون‬ ‫ �أن تك���ون اجله���ود الت���ي بذلته���ا الواليات‬‫املتح���دة حت���ى الآن للتقليل م���ن �أهمية هذه‬ ‫امل�س�أل���ة له���ا عالقة بالرغبة بع���دم تقوي�ض‬ ‫املحادثات ح���ول الربنامج النووي لطهران‪.‬‬ ‫ويف ح�ي�ن �أن ه���ذا التف�س�ي�ر ه���و مقلق‪ ،‬من‬ ‫�ش�أن���ه �أن ين�سجم مع ت���ردد �إدارة �أوباما يف‬ ‫دعم اتهامات العراق حول التواط�ؤ ال�سوري‬ ‫يف التفج�ي�رات التي وقعت يف بغداد يف �آب‪/‬‬ ‫�أغ�سط����س ‪ 2009‬والت���ي قت���ل فيه���ا �أكرث من‬ ‫‪� 100‬شخ����ص‪ ،‬ب�سبب اخلوف م���ن �أن ي�ؤدي‬ ‫انتقاد دم�شق �إىل �إف�شال امل�ساعي الأمريكية‬ ‫للتعامل مع نظام الأ�سد‪.‬‬ ‫وبغ�ض النظر عن كمي���ة الدعم الذي توفره‬ ‫�إي���ران للحوثيني‪ ،‬ينظر حلف���اء وا�شنطن ‪-‬‬ ‫على نحو متزايد ‪ -‬يف الريا�ض والقاهرة �إىل‬ ‫ال�صراع يف اليمن باعتباره قتا ًال �ضد �إيران‪.‬‬ ‫ففي منطق���ة غارقة يف �صراعات مع �إيران‪،‬‬ ‫يبدو �أن اليمن هي �أحدث �ساحة قتال‪.‬‬ ‫وم���ن املقرر �أن تق���وم الوالي���ات املتحدة يف‬ ‫الأ�سابي���ع القادمة بزيادة عدد وحداتها من‬ ‫“القوات اخلا�صة” القوية املوجودة بالفعل‬

‫اليمن الذي يجهله الأمريكيون‬ ‫جون جوان�سون‬

‫�صحيفة «اخلليج» الإمارتية‬ ‫"‪ 28‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪2010‬‬

‫حتى وقت قريب‪ ،‬مل يكن غالبية الأمريكيني‬ ‫تعل���م �أن هناك دولة تدعى اليمن‪ .‬وحتى بعد‬ ‫�أن �أ�صب���ح ا�سم اليمن يردد بكرثة يف ن�شرات‬ ‫الأخبار‪ ،‬ال ي���زال معظم الأمريكيني يجهلون‬ ‫موق���ع اليمن على اخلريط���ة‪ ،‬ولي�ست لديهم‬ ‫�أي فك���رة ع���ن جغرافي���ة �أو تاري���خ �أو ثقافة‬ ‫‪50‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫اليم���ن‪ .‬م�ؤخ���ر ًا‪� ،‬أ�صب���ح ذلك البل���د‪ ،‬الذي‬ ‫يت�سم بطبيعة جبلية ويقع يف الركن اجلنوبي‬ ‫الغرب���ي م���ن �شبه اجلزي���رة العربي���ة‪ ،‬يردد‬ ‫بكثاف���ة يف و�سائ���ل الإع�ل�ام الأمريكية التي‬ ‫ت�صفه بـ “مالذ” الإرهابيني‪ ،‬وتتهم زعما�ؤه‬ ‫الدينيني با�ستثارة الن�شاطات الإرهابية‪.‬‬

‫يف اليم���ن والتي يبلغ قوامه���ا ‪� 200‬شخ�ص؛‬ ‫وتقوم ه���ذه القوات مبهام التدريب‪ .‬و�سوف‬ ‫ل���ن يق���وم احلوثي���ون با�سته���داف اجلن���ود‬ ‫الأمريكي�ي�ن فق���ط ‪ -‬ا�ستن���اد ًا �إىل فت���وى‬ ‫�ص���درت يف ‪ 14‬كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر �ض���د‬ ‫الق���وات الأجنبي���ة‪ ،‬ووقعه���ا ‪ 150‬من رجال‬ ‫الدي���ن غري احلوثي�ي�ن مبن فيه���م ع�ضو يف‬ ‫الربمل���ان ‪ -‬بل ميكن �أي�ض��� ًا �أن جتد القوات‬ ‫الأمريكي���ة نف�سه���ا مب���ر�أى م���ن اليمني�ي�ن‬ ‫العاديني‪.‬‬ ‫�إن ن�ش���ر “الق���وات اخلا�ص���ة” املن���اط بها‬ ‫تدريب الق���وات اليمني���ة‪ ،‬ال ميثل فقط قمة‬ ‫التعاون يف مكافحة الإره���اب بني وا�شنطن‬ ‫و�صنع���اء‪ ،‬بل ي�شكل فر�ص���ة الحتواء التمدد‬ ‫الإي���راين يف اخلليج‪ .‬ففي ه���ذه البيئة التي‬ ‫ت���زداد تعقي���د ًا وخط���ورة مع الوق���ت‪ ،‬كلما‬ ‫يزداد تفه���م وا�شنطن وب�صورة عاجلة �أكرث‬ ‫للدرج���ة التي و�صلها احلوثي���ون يف تعاملهم‬ ‫مع طهران بحي���ث �أ�صبحوا عم�ل�اء �إيران‪،‬‬ ‫كلم���ا �ستكون الق���وات الأمريكي���ة يف اليمن‬ ‫ق���ادرة �أك�ث�ر عل���ى مواجه���ة ه���ذا اخلط���ر‬ ‫والتخفي���ف من خماطر ف�ش���ل دولة �أخرى‬ ‫يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫يف �أواخ���ر دي�سمرب‪/‬كان���ون الأول الفائ���ت‪،‬‬ ‫وبع���د �أي���ام م���ن حماول���ة تفج�ي�ر طائ���رة‬ ‫ديرتوي���ت الفا�شل���ة‪ ،‬الت���ي نفذه���ا �ش���اب‬ ‫نيجريي قي���ل �إن له �صلة بخلي���ة للقاعدة يف‬ ‫اليمن‪ ،‬طالب ال�سيناتور جو ليربمان بالقيام‬ ‫بغ���ارات وتوجيه �ضربات ع�سكرية على ذلك‬ ‫البل���د املثخ���ن بالفق���ر‪ .‬ويف ه���ذا ال�سياق‪،‬‬ ‫ا�ستطي���ع الق���ول �إن �آراء ليربمان مفرطة يف‬ ‫ال�سذاجة‪ .‬وتعك����س جه ًال عام ًا وعدم معرفة‬ ‫مبنطقة �شبه اجلزيرة العربية عامة‪ ،‬واليمن‬ ‫خا�صة‪ .‬وتعرب وجهة نظر ليربمان املتطابقة‬ ‫مع �آراء �أخرى �شائع���ة يف دوائر �صنع القرار‬ ‫يف الوالي���ات املتحدة‪ ،‬ع���ن ق�صر نظر وعجز‬

‫عن �إيجاد حلول و�سيا�سات بديلة للتعاطي مع‬ ‫املنطقة العربية‪.‬‬ ‫وعلى �سبيل املثال‪ ،‬اغ���ارت الواليات املتحدة‬ ‫م�ؤخر ًا على املتمردين احلوثيني يف ال�شمال‪،‬‬ ‫وعلى معاقل القاع���دة يف ال�شرق‪ ،‬وجنم عن‬ ‫هذه الغ���ارات مقتل الع�ش���رات من املدنيني‪.‬‬ ‫وم���ن امل�ستبعد �أن ت����ؤدي مثل ه���ذه الغارات‬ ‫والهجم���ات اىل ازال���ة القاع���دة �أو �سح���ق‬ ‫املتمردي���ن احلوثي�ي�ن‪ .‬ويف احلقيق���ة ف�شلت‬ ‫الغ���ارات عل���ى القاع���دة يف حتقي���ق هدفها‬ ‫الرئي�س���ي وهو ت�صفية �أن���ور العولقي‪ .‬والأمر‬ ‫امل�ؤكد على �أية حال‪ ،‬هو �أن مثل هذه الغارات‬ ‫تعم���ل عل���ى تقوي���ة العنا�ص���ر املت�ش���ددة يف‬ ‫املجتمع اليمني‪ ،‬وت�شجع املجموعات املن�شقة‬ ‫الت���ي متتل���ك مب���ادئ و�أ�س����س ايديولوجي���ة‬ ‫خمتلفة عل���ى ايجاد هدف م�شرتك يتمثل يف‬ ‫الدخيل الأجنبي‪.‬‬ ‫وبالن�سبة يل‪ ،‬كانت املرة الأوىل التي اتعرف‬ ‫فيه���ا اىل اليم���ن عندم���ا ب���د�أت مبعا�ش���رة‬ ‫املجتم���ع اليمن���ي الأمريكي‪ ،‬عندم���ا انتقلت‬ ‫م���ع عائلتي للعي�ش يف جن���وب �شرق ديربورن‬ ‫بالق���رب من م�صن���ع ف���ورد روج‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫يف الع���ام ‪ .1970‬حين���ذاك � ّأج���رت �صاحب���ة‬ ‫البناي���ة التي كنا نقيم فيه���ا وكانت �أمريكية‬ ‫م���ن �أ�صل لبن���اين غرفتني لرجل�ي�ن مينيني‪.‬‬ ‫وكان هذي���ن الرجل�ي�ن “حمم���د و�صال���ح”‬ ‫يعمالن يف م�صان���ع ال�سيارات‪ ،‬وكانا يقرتان‬ ‫على نف�سيهما وير�سالن معظم ما يتح�صالن‬ ‫عليه من نقود لأ�سرتيهما يف اليمن‪ .‬و ملا كنت‬ ‫�آن���ذاك انرثوبولوجي ًا طاحم��� ًا ذهلت عندما‬ ‫علمت �أن اليمن اح���دى �أكرث الدول املجهولة‬ ‫والأكرث فق���ر ًا على وج���ه الأر����ض‪ .‬وده�شتي‬ ‫مبعثها انن���ي كنت �أرق���ب الرجلني القادمني‬ ‫من ذلك البلد وهم���ا يعمالن بجد واجتهاد‪،‬‬ ‫ويتعاونان يف الذهاب للعمل بال�سيارة يومي ًا‪،‬‬ ‫وكانا يذهبان لعملهما امل�سائي بعد �أن يطهيا‬

‫طعامهما املكون من اللحم واخلرب‪ ،‬ويعودان‬ ‫للمنزل لي ًال ويعاودان الكرة يف اليوم التايل‪،‬‬ ‫وهك���ذا كان���ا يعمالن به���ذا النه���ج يوم ًا بعد‬ ‫ي���وم بال كلل �أو ملل‪ .‬وكانا يق�ضيان عطلتهما‬ ‫الأ�سبوعي���ة يف املقهى يلعبان الورق ويرثثران‬ ‫م���ع ا�صدقائهم���ا‪ .‬وكانا ي�ساف���ران لليمن كل‬ ‫ب�ض���ع �سن���وات‪ ،‬حي���ث يق�ضي���ان �أ�شهر عدة‬ ‫ينفق���ان فيه���ا كل مدخراتهم���ا ث���م يع���ودان‬ ‫للوالي���ات املتحدة لالنخ���راط يف العمل مرة‬ ‫�أخ���رى‪ .‬ويف النهاية اح�ض���ر هذين الرجلني‬ ‫�أ�سرتيهم���ا وحت���ول جمتمعهم���ا م���ن جمتمع‬ ‫رجل�ي�ن عازب�ي�ن اىل جمتم���ع عائل���ي مت���دد‬ ‫لأجداد و�أحفاد‪.‬‬ ‫يف يناير‪/‬كانون الثاين‪� 1974،‬سافرت برفقة‬ ‫زوجت���ي وطفلي االثن�ي�ن لليمن‪ ،‬لك���ي �أدر�س‬ ‫عن قرب �أثر حتوي�ل�ات ونقود املهاجرين يف‬ ‫ذلك البل���د‪ .‬و�أقمنا يف مدينة تعز وظلت تعز‬ ‫قاعدتنا يف الأ�شه���ر الـ ‪ 19‬التالية‪ .‬وقد عدنا‬ ‫لليمن مرار ًا وتك���رار ًا يف العقد التايل (عقد‬ ‫الثمانين���ات)‪ .‬ويف النهاي���ة ام�ضين���ا �ست���ة‬ ‫�أع���وام يف تلك البالد اجلميل���ة الفاتنة‪ .‬وكل‬ ‫اليمنيني الذين التقين���ا بهم عدا ا�ستثناءات‬ ‫قليل���ة كان���وا كرم���اء وطيب�ي�ن‪ ،‬ومت�ساحمني‬ ‫ومنفتحني‪ .‬و�ساعدون���ا كي جند منز ًال دائم ًا‬ ‫لن���ا‪ ،‬ومدر�سة البنتنا‪ ،‬ورحب���وا بنا يف مدينة‬ ‫مل تكن حينذاك ت�ضم �س���وى ب�ضعة ع�شرات‬ ‫م���ن االوروبي�ي�ن‪ .‬و�أعانن���ي الأمريكيون ذوي‬ ‫الأ�صول اليمنية الذين كانوا يعي�شون يف تعز‪،‬‬ ‫على �إجراء بحثي ودعوين لزيارة منازلهم يف‬ ‫الريف‪.‬‬ ‫ويف فرتة الحقة �سافرت لوحدي اىل مناطق‬ ‫نائية وق�صية يف اليمن وكنت اجول فيها م�شي ًا‬ ‫على قدم���ي‪� ،‬أو ا�ستقل �سيارة �أجرة �أو حافلة‬ ‫نقل ع���ام‪� ،‬أو ب�سي���ارة رباعي���ة الدفع‪ .‬خارج‬ ‫املدن اليمني���ة ال توجد فنادق �أو نزل �صغرية‬ ‫“موتيالت”‪ ،‬وقد كان النا�س ي�ستي�ضيفونني‬

‫بانتظام‪ ،‬وكان���وا يغ�ضون الطرف عن هيئتي‬ ‫الغريبة عنه���م‪� ،‬شعري وب�شرتي ال�شقراوين‪،‬‬ ‫حمي���اي اال�سكندن���ايف‪ ،‬مالب�س���ي املغ�ب�رة‬ ‫وتلعثمي يف اللغة العربي���ة‪ .‬وكان اليمنيون ال‬ ‫يبالون بكل ذلك‪ ،‬بل كانوا يقدمون يل �أف�ضل‬ ‫م���ا عندهم من طعام و�إذا هممت باعطائهم‬ ‫نق���ود ًا‪ ،‬كان م�ست�ضيف���ي يعت�ب�ر ذل���ك �إهانة‬ ‫بالغة‪.‬‬ ‫وال ب���د �أن اذك���ر اي�ض ًا �أن �إح�س���ان اليمنيني‬ ‫كان تقديره م�ضاعف��� ًا بالن�سبة يل‪ ،‬ذلك لأن‬ ‫اليمني�ي�ن وعلى الرغم من كرمهم وطيبتهم‪،‬‬ ‫�إال �أنهم ابعد النا����س عن التذلل واخلنوع يف‬ ‫تعاملهم مع الأجانب‪ .‬حيث مل ي�سبق �أن �صمد‬ ‫احت�ل�ال يف بالدهم‪ ،‬وي�ستمي���ت اليمنيون يف‬ ‫الدفاع عن حريته���م وا�ستقالليتهم وينطبق‬ ‫ذلك حتى على حكومتهم املركزية‪ .‬واليمنيون‬ ‫ال يكرمون �أو ي�ست�ضيفون �أحد ًا بدافع اخلوف‬ ‫منه‪ .‬ويقبلون النا�س بن���اء على ما هم عليه‪،‬‬ ‫ولي�س ما ميثلونه‪ .‬واليمنيون يحرتمون كثري ًا‬ ‫من الأ�شياء التي يقدمه���ا الغرب‪ ،‬ولكنهم ال‬ ‫يحمل���ون �أي �أوهام م�ضللة يف ما يتعلق بتفوق‬ ‫احل�ضارة الغربية التي وكما نعلم جميع ًا فيها‬ ‫كثري من النقائ�ص وال�سلبيات‪.‬‬ ‫ولكن م���ا الذي تغ�ي�ر وجعل بع����ض اليمنيني‬ ‫�أك�ث�ر ت�ش���دد ًا؟ �أح���د الأ�سباب ه���و �أن تعداد‬ ‫�س���كان اليمن قد ت�ضاعف ثالث مرات خالل‬ ‫العقود الثالثة الفائت���ة‪ ،‬والآن يقرتب من ال‬ ‫‪ 23‬ملي���ون ن�سمة ون�ص���ف ال�شعب اليمني من‬ ‫الفئ���ة العمرية ما دون الع�شرين عام ًا‪ .‬ودخل‬ ‫الف���رد اليمن���ي �ضعي���ف‪ ،‬والعطال���ة مرتفعة‬ ‫وه���ذا يعن���ي �أن كث�ي�ر ًا م���ن ال�شب���اب �صغار‬ ‫ال�سن فق���راء‪ ،‬وعاطلون‪ ،‬ولديه���م ت�صورات‬ ‫مت�شائمة ح���ول م�ستقبل حياته���م يف اليمن‪.‬‬ ‫كم���ا �أن فر����ص هجرتهم للوالي���ات املتحدة‪،‬‬ ‫واململك���ة املتح���دة‪ ،‬وال�سعودي���ة‪ ،‬و�أي م���كان‬ ‫�آخر‪ ،‬تناق�صت و�ضعفت ب�شدة‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪51‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫ولأن موارد اليم���ن �شحيحة و�أر�ضها قاحلة‪،‬‬ ‫ظلت احلكوم���ات املركزية �ضعيف���ة‪ .‬وتعتمد‬ ‫اليمن عل���ى عائ���دات الب�ت�رول وامل�ساعدات‬ ‫الدولية‪ ،‬ويبدو �أن وحدة البالد خالل العقود‬ ‫الثالث���ة ال�سابقة كانت متيل نح���و التما�سك‬ ‫امل�صطن���ع بف�ض���ل �إع���ادة توزي���ع للم���وارد‬ ‫م���ن القم���ة للقاعدة‪ .‬وم���ع تقل����ص عائدات‬ ‫البرتول وتنامي تع���داد ال�سكان‪ ،‬مل يعد لدى‬ ‫احلكوم���ة املركزية الكثري لكي توزعه �أو تعيد‬ ‫توزيع���ه على �شعبه���ا الذي يتزاي���د باطراد‪،‬‬ ‫وتزايد بالتايل نف���وذ وقوة ب�ؤر القوى القبلية‬ ‫والع�شائري���ة يف اليم���ن حيث املجتم���ع يقوم‬ ‫�أ�سا�س ًا على القبائل والع�شائر‪.‬‬ ‫ويف الوق���ت ذات���ه وف���ر ع���دم اال�ستق���رار‬ ‫ال�سيا�سي واالقت�صادي بيئة و�أر�ضية خ�صبة‪،‬‬ ‫لنم���و العنا�ص���ر والق���وى الدمياغوجية التي‬ ‫تع���د بيوتوبي���ا م�ستقبلي���ة‪� ،‬أ�سا�سه���ا الع���ودة‬ ‫لأح���كام وقواعد املا�ض���ي‪ .‬ع���دم اال�ستقرار‬ ‫والقالقل يف اليمن كم���ا يف �أي مكان �آخر يف‬ ‫العامل الإ�سالم���ي والعربي‪ ،‬تنت���ج غالب ًا عن‬ ‫�أفعال الواليات املتحدة وحليفتها يف املنطقة‬ ‫“�إ�سرائيل”‪.‬‬ ‫وعندم���ا ي�سم���ع الأمريكي���ون �أن الطائ���رات‬ ‫الأمريكي���ة ق�صف���ت معاق���ل م�شتبه��� ًا فيه���ا‬ ‫للقاعدة يف اليمن‪� ،‬أو �أن “�إ�سرائيل” ق�صفت‬

‫غزة‪ ،‬ن���ادر ًا ما يعر����ض التلفزيون الأمريكي‬ ‫�صور ًا لل�ضحايا الأطفال امل�ضرجني بالدماء‪،‬‬ ‫وال يعر����ض �صور القتلى من الن�سوة والرجال‬ ‫امل�سن�ي�ن‪ .‬واليوم اخ�ت�رق التلفاز كل ركن من‬ ‫�أركان الع���امل‪ ،‬وي�شاه���د اليمنيون يف معظم‬ ‫القرى النائية م�شاهد يومية لأنا�س ي�شبهونهم‬ ‫متام��� ًا يتعر�ضون للق�صف والقتل يف العراق‪،‬‬ ‫وفل�سط�ي�ن املحتل���ة‪ ،‬و�أفغان�ست���ان‪ ،‬ويف بع�ض‬ ‫احل���االت تثري هذه ال�ص���ور وامل�شاهد احلنق‬ ‫وال�سخ���ط‪ ،‬وغالب��� ًا تث�ي�ر الرع���ب‪ ،‬واحلرية‬ ‫والذهول واحلزن‪.‬‬ ‫ويف الأ�سب���وع الفائت‪ ،‬التقيت ب�صديق ميني‬ ‫اعرفه منذ ‪ 40‬عام ًا‪ ،‬قال يل �صديقي اليمني‪:‬‬ ‫“�أنا احب �أمريكا‪ ،‬ملاذا يكرهنا الأمريكيون؟‬ ‫حق ًا مل���اذا؟”‪ .‬ا�ستطيع �أن اقول‪� ،‬إن الواليات‬ ‫املتح���دة تت�ص���رف دائم ًا م���ن منطلق خوف‬ ‫وقل���ة معرفة بالأو�ض���اع والظ���روف املحلية‪،‬‬ ‫والعالقات االجتماعية واحلقائق ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫واعتق���د �أن ق���وة الوالي���ات املتح���دة مه���درة‬ ‫ومن�صبة على �أفعال انتقامية طائ�شة وردات‬ ‫فعل ال ت�صنع �شيئ ًا �سوى قتل الأبرياء‪.‬‬ ‫و�أعتق���د �أن غالبي���ة اليمنيني ظل���وا طيبني‪،‬‬ ‫كرماء‪ ،‬وم�ضيافني‪ ،‬ويف�ضل���ون ال�سالم على‬ ‫احل���رب‪� .‬سيمون وي���ل الفيل�س���وف الفرن�سي‬ ‫ال���ذي عا����ش يف الق���رن ال�ساب���ق‪ ،‬ق���ال �أن‬ ‫حت���ب جريانك ه���ذا يعني �أكرث م���ن م�شاعر‬

‫تعزيز «القوات اليمنية ملكافحة الإرهاب»‪:‬‬ ‫التحديات واالعتبارات ال�سيا�سية‬ ‫مايكل نايت�س‬

‫معهد وا�شنطن ل�سيا�سات ال�شرق الأدنى‬ ‫"‪ 6‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪2010‬‬

‫يف ‪ 2‬كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر‪� ،2010 ،‬أك���د‬ ‫الرئي����س ب���اراك اوبام���ا ب�أن���ه «ق���د جع���ل‬ ‫‪52‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫م���ن �أولوي���ات اهتمام���ات (الإدارة) تعزيز‬ ‫�شراكتن���ا م���ع احلكومة اليمني���ة ‪( -‬ويتمثل‬

‫دافئ���ة خفيفة تكنه���ا لهم‪ ،‬حب���ك جلريانك‬ ‫“�أو نظرائ���ك” يعن���ي معاملته���م وك�أنه���م‬ ‫يتمتع���ون بنف�س القوة واملزاي���ا التي متتلكها‪.‬‬ ‫وميكنن���ي �أن ا�ضيف �أن ح���ب الآخرين يعني‬ ‫اي�ض ًا ترك ال�ب�رود والالمباالة وتقبل تبعات‬ ‫�أفعالن���ا‪ .‬والإمي���ان ب����أن جي�شن���ا العم�ل�اق‬ ‫يجعلن���ا نت�ص���رف بحري���ة مطلق���ة‪ ،‬ونعربد‬ ‫كما ن�ش���اء ثم نفلت من �أي تبع���ات �أو نتائج‪،‬‬ ‫�إميان م�ضلل متغطر�س‪ .‬فالواليات املتحدة ال‬ ‫ميكنها ق�ص���ف �أفغان�ستان‪ ،‬والعراق‪ ،‬و�إيران‬ ‫وال�صوم���ال �أو اليم���ن ث���م تنعم ه���ي �أو هذه‬ ‫الدول بال�س�ل�ام‪ .‬وهذا ما تفعله “�إ�سرائيل”‬ ‫الت���ي تق�صف وتقم���ع الفل�سطيني�ي�ن وتعتقد‬ ‫�أنهم �سيقبلون احت�ل�ال وم�صادرة �أرا�ضيهم‬ ‫وطم�س حياتهم‪.‬‬ ‫جتاهل احلقوق ال�شرعية للفقراء وال�ضعفاء‬ ‫وعدم االك�ت�راث مب�آ�سيه���م و�آالمهم‪ ،‬يكلفنا‬ ‫ثمن��� ًا باهظ��� ًا ويعر�ضن���ا لأخط���ار بالغ���ة يف‬ ‫اليم���ن �أو يف �أي م���كان �آخ���ر‪ .‬واالنت�ص���ار‬ ‫احلقيق���ي يتحق���ق عندم���ا تتحل���ى الواليات‬ ‫املتحدة ويتحل���ى �شعبها بال�شجاعة ويقدمان‬ ‫حلو ًال وتطلعات ترتك���ز على العدالة بد ًال من‬ ‫العق���اب املبني على اجله���ل وتو�أمه اخلوف‪.‬‬ ‫و�إذا وا�صل���ت �أمريكا نهجها احلايل �ستخ�سر‬ ‫ال�شع���ب اليمن���ي‪ ،‬كم���ا فعل���ت يف الع���راق‬ ‫و�أفغان�ستان‪.‬‬ ‫ذل���ك) بتدري���ب وجتهي���ز ق���وات �أمنه���م‪،‬‬ ‫وتقا�س���م املعلوم���ات الإ�ستخباري���ة والعمل‬ ‫معهم ل�ضرب �إرهابيي «القاعدة»»‪ .‬وتنطوي‬ ‫زيادة امل�ساع���دات الع�سكرية ل�صنعاء على‬ ‫موقف ح�سا�س للغاي���ة‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬هناك‬ ‫م�صلحة قوية للوالي���ات املتحدة للحط من‬ ‫قدرة «تنظي���م «القاعدة» يف �شبه اجلزيرة‬ ‫العربي���ة» ملنع���ه م���ن مهاجم���ة امل�صال���ح‬ ‫الأمريكي���ة يف اليمن‪� ،‬أو املم���رات البحرية‬ ‫الإ�سرتاتيجية‪� ،‬أو الأه���داف الدولية‪ .‬ومن‬

‫ناحية �أخ���رى‪ ،‬هناك قطاع���ات كبرية من‬ ‫قوات الأمن اليمنية التي تُ�ستخدم يف القمع‬ ‫الداخل���ي‪ ،‬كم���ا يتعاطف لفيف م���ن جهاز‬ ‫املخابرات م���ع الت�ش���دد الإ�سالمي يف هذا‬ ‫البلد ال�ضعيف واملنق�سم‪ ،‬مما يثري احتمال‬ ‫�إمكانية تقوي�ض �أهداف الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫اخللفية‬ ‫ّ‬ ‫ال�صف الأول من قوى الأمن الداخلي‬ ‫ي�ضم‬ ‫يف اليم���ن وكالت�ي�ن ا�ستخباريت�ي�ن هم���ا‪:‬‬ ‫“جه���از الأم���ن القومي” و”جه���از الأمن‬ ‫ال�سيا�س���ي”‪ ،‬وه���ذا الأخ�ي�ر ه���و الأق���دم‬ ‫من بني الإثن�ي�ن وتربطه عالق���ات ات�صال‬ ‫وثيقة م���ع �أجهزة الإ�ستخب���ارات ال�سعودية‬ ‫والباك�ستانية‪� ،‬شملت قيام احلكومة اليمنية‬ ‫بتجني���د مقاتل�ي�ن للجهاد �ض���د ال�سوفيات‬ ‫يف �أفغان�ست���ان‪ .‬وق���د ا�ستخدم���ت حكوم���ة‬ ‫الرئي�س علي عبد اهلل �صالح “جهاز الأمن‬ ‫ال�سيا�س���ي” للتفاو����ض م���ع م�سلح�ي�ن من‬ ‫العرب ال�سنة املت�شددين يف اليمن من �أجل‬ ‫التو�ص���ل �إىل ترتيبات وت�سوي���ات خمتلفة‪،‬‬ ‫مبا يف ذلك جتنيد العائدين الأفغان العرب‬ ‫لإ�ستخدامهم م���ن قبل النظام كقوات �أمن‬ ‫يف ال�صراع���ات الداخلي���ة‪ .‬ويف ‪ 3‬كان���ون‬ ‫الثاين‪/‬فرباي���ر ‪ 2006‬ف���ر ثالث���ة وع�شرين‬ ‫�سجين��� ًا من اجلهاديني م���ن �سجن “جهاز‬ ‫الأمن ال�سيا�سي”‪ ،‬مبن فيهم قادة “تنظيم‬ ‫«القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة العربي���ة”‪.‬‬ ‫وقد ع���زز هذا احلادث م���ن مكانة “جهاز‬ ‫الأم���ن القومي”‪ ،‬ال���ذي كان قد �أن�شئ عام‬ ‫‪ 2002‬ل�ضم���ان وجود �شريك حملي لوكاالت‬ ‫الإ�ستخبارات الغربية يكون �أكرث ا�ست�ساغة‬ ‫م���ن «جهاز الأم���ن ال�سيا�س���ي»‪� .‬إن “جهاز‬ ‫الأمن القومي” ه���و الآن م�سئول عن توزيع‬ ‫‪ 3.4‬ملي���ون دوالر من الأم���وال التي وفرتها‬ ‫الواليات املتحدة من �أجل امل�شاركة القبلية‬

‫لدع���م احلملة �ضد “تنظي���م «القاعدة» يف‬ ‫�شبه اجلزيرة العربية”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال�صف الثاين م���ن قوى الأمن‬ ‫وق���د �أ�صبح‬ ‫الداخل���ي حت���ت �إط���ار “منظم���ة الأم���ن‬ ‫املركزي” التي ت�ضم ق���وات قوامها ‪50000‬‬ ‫�شرطي��� ًا‪ ،‬وهي ف���رع م�ستق���ل �إىل حد كبري‬ ‫وتاب���ع ل���وزارة الداخلي���ة‪ .‬وتتك���ون “قوات‬ ‫الأم���ن املرك���زي” التابع���ة ل���ـ “منظم���ة‬ ‫الأمن املرك���زي” من ق���وات ال�شرطة �شبه‬ ‫الع�سكري���ة الت���ي حتافظ عل���ى �أمن املباين‬ ‫الر�سمية والبنية التحتية وعلى �شبكة كثيفة‬ ‫م���ن نق���اط التفتي����ش الأمنية عل���ى الطرق‬ ‫ال�سريع���ة يف اليمن‪ .‬كما بد�أت هذه القوات‬ ‫ب�إج���راء عمليات املراقب���ة ال�سرية امل�ضادة‬ ‫على الأه���داف الإرهابية املحتملة‪ .‬وتتكون‬ ‫“وحدة مكافحة الإرهاب” من ‪ 150‬جندي ًا‬ ‫من الق���وات اخلا�صة القوي���ة التي جنحت‬ ‫يف القي���ام بغ���ارات يف جمي���ع �أنحاء البالد‬ ‫ّ‬ ‫ال�صف‬ ‫من���ذ ع���ام ‪ .2003‬وي�شكل اجلي����ش‬ ‫الثالث من ق���وى الأمن اليمني���ة الداخلية‪.‬‬ ‫وتوفر الق���وات الع�سكري���ة الأمن واحلماية‬ ‫يف (املناط���ق) التي ت�شكل �أه���داف �إرهابية‬ ‫حمتملة ويف نقاط التفتي�ش الأمنية‪ ،‬وغالب ًا‬ ‫ما تقف وحداتها جنب ًا �إىل جنب مع عنا�صر‬ ‫اجلي�ش من “قوات الأمن املركزي”؛ وكثري ًا‬ ‫ما تكون هذه العنا�صر الأخرية منهكة جد ًا‪،‬‬ ‫حي���ث ت�ستهلك انتفا�ض���ة احلوثي يف �شمال‬ ‫اليم���ن �أكرث من ن�صف من الق���وة الن�شطة‬ ‫له���ذه العنا�ص���ر‪ .‬وقد �أدى ه���ذا �إىل تفعيل‬ ‫“اجلي�ش ال�شعب���ي” وهي كتائ���ب ميلي�شيا‬ ‫�أقيم���ت على غرار ميلي�شي���ات حزب البعث‬ ‫العراق���ي‪ ،‬وت�ضم جزئي��� ًا عنا�صر �إ�سالمية‬ ‫مت�ش���ددة م���ن الع���رب ال�سنة‪ ،‬مب���ن فيهم‬ ‫جماهدي���ن �سابقني م���ن الأفغ���ان العرب‪.‬‬ ‫كم���ا تقوم قوات “م�صلح���ة خفر ال�سواحل‬ ‫اليمني���ة” و”�سالح اجلو” التي مت تدريبها‬

‫م���ن قب���ل الواليات املتح���دة مبه���ام توفري‬ ‫الدعم املتخ�ص�ص للأم���ن الداخلي‪ ،‬جنب ًا‬ ‫�إىل جنب مع القوات الع�سكرية‪.‬‬ ‫جماالت الرتكيز للقوات الع�س��كرية‬ ‫الأمريكية‪ :‬الدعم الفني‬ ‫متكن “تنظيم «القاعدة» يف �شبه اجلزيرة‬ ‫العربي���ة” من بن���اء قوته تدريجي��� ًا ب�سبب‬ ‫متتع���ه بقي���ادة م�ستقرة وفعال���ة تتكون من‬ ‫املت�شددين من ذوي اخل�ب�رة مثل (املثقف)‬ ‫العقائدي نا�صر الوحي�شي والقائد امليداين‬ ‫الع�سكري قا�سم الرميي‪ .‬وتبع ًا لذلك‪ ،‬فمن‬ ‫املنطقي �أن يتم مد يد امل�ساعدة الأمنية من‬ ‫قبل الوالي���ات املتح���دة �إىل ال�صفّني الأول‬ ‫والث���اين م���ن الأجه���زة الأمنية الت���ي تقود‬ ‫وتنف���ذ عمليات مط���اردة متوا�صل���ة داخل‬ ‫اليم���ن‪ ،‬وخ�صو�ص ًا “جهاز الأمن القومي”‬ ‫و”وح���دة مكافح���ة الإره���اب”‪ ،‬ووح���دات‬ ‫متخ�ص�صة من “�سالح اجلو”‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ال متث���ل هذه القوات �س���وى ق�سم واحد من‬ ‫املخابرات والبنية الأمنية املطلوبة لهزمية‬ ‫“تنظي���م «القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة‬ ‫العربية”‪.‬‬ ‫�إن املب���ادرة امل�شرتكة بني الواليات املتحدة‬ ‫وبريطاني���ا لدع���م تطوي���ر ق���وات ال�شرطة‬ ‫املحلي���ة ملكافح���ة الإره���اب يف اليم���ن‪،‬‬ ‫ب�إمكانه���ا �أن ت�ساع���د على تقلي���ل الإعتماد‬ ‫على “جه���از الأمن ال�سيا�سي” يف جماالت‬ ‫جم���ع املعلوم���ات الإ�ستخباري���ة وامل�شاركة‬ ‫ُدعم اجله���ود املبذولة ملكافحة‬ ‫القبلي���ة‪ .‬وت َ‬ ‫الإرهاب يف الوقت احلا�ضر من قبل خاليا‬ ‫“�إدارة البحث اجلنائي” يف قوات ال�شرطة‬ ‫املحلية‪ ،‬ولكن هذه الوحدات �ضعيفة وتفتقر‬ ‫للتموي���ل‪ .‬ومع ذل���ك‪ ،‬فهي ته���دد “تنظيم‬ ‫«القاعدة» يف �شبه اجلزي���رة العربية” مبا‬ ‫ُ�ستهدف‬ ‫في���ه الكفاي���ة بحي���ث �أنها كان���ت ت َ‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪53‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫ب�صورة مكثفة يف هجم���ات ترهيبية‪ .‬فعلى‬ ‫�سبيل املثال‪ ،‬مت �إعدام املقدم ب�سام �سليمان‬ ‫طربو�ش‪ ،‬رئي�س ق�س���م التحريات بـ “�إدارة‬ ‫البح���ث اجلنائ���ي” يف حمافظ���ة م�أرب يف‬ ‫منت�ص���ف �شه���ر ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفم�ب�ر‬ ‫املن�صرم‪ ،‬و�أُطلق �شريط فيديو على �شبكة‬ ‫الإنرتنت ي�صور عملية �إعدامه‪ .‬ولكي يتم‬ ‫�إحداث تغيري جدي يف قدرات ا�ستخبارات‬ ‫ال�شرطة اليمني���ة‪� ،‬سيتطلب (�إر�سال) بعثة‬ ‫لتدري���ب ق���وات ال�شرطة يف الب�ل�اد تكون‬ ‫م���زودة ب�إمكاني���ات جيدة وتتمت���ع ببع�ض‬ ‫احلرية لتعليم وتوجيه املتدربني يف املرافق‬ ‫املحلية‪ .‬وقد دلت جتربة الواليات املتحدة‬ ‫يف الع���راق و�أفغان�ست���ان ب����أن تطوير مثل‬ ‫هذه الق���درات هو �صعب وبطي���ئ ويعتمد‬ ‫على ر�صد القوات النامية عن قرب‪.‬‬ ‫وفيما ت�ستعد احلكوم���ة الأمريكية لزيادة‬ ‫م�ساعداته���ا الأمني���ة‪ ،‬يجب عليه���ا �أن ال‬ ‫تتغا�ض���ى ع���ن اجلي����ش اليمن���ي و“قوات‬ ‫الأم���ن املركزي”‪ .‬وعلى وجه اخل�صو�ص‪،‬‬ ‫يج���ب عل���ى وا�شنط���ن �أن ت�ض���ع برنام���ج‬ ‫تدري���ب ميك���ن �أن ي�ؤدي �إىل رف���ع م�ستوى‬ ‫القدرة لل���واء واحد من اجلي����ش اليمني‪.‬‬ ‫و�أثن���اء الف�ت�رات العالي���ة التهديد‪ ،‬ميكن‬ ‫�إن يوف���ر هذا اللواء دع���م خفيف من قبل‬ ‫ق���وات امل�شاة تكون قادرة على الإنت�شار يف‬ ‫العا�صم���ة ويف �شبكات الط���رق الرئي�سية‬ ‫بوا�سطة ق���وات مدربة جي���د ًا (وكما ُذكر‬ ‫�سابق��� ًا‪ ،‬تنت�ش���ر حالي��� ًا ق���وات الإحتياط‬ ‫الأمني والقوات الع�سكرية اخلا�صة التابعة‬ ‫حلكومة النظ���ام ( يف اجلبه���ة ال�شمالية)‬ ‫ملواجه���ة احلوثي�ي�ن)‪ .‬ومن املمك���ن �أي�ض ًا‬ ‫�أن متثل هذه القوات كادر للقيام بعمليات‬ ‫التدريب على مكافحة الإرهاب‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي تتن���اوب فيه وحداته���ا مع قطاعات‬ ‫�أخ���رى م���ن اجلي����ش لتقوم مبه���ام قوات‬ ‫م�ش���اة متخ�ص�ص���ة ومدرب�ي�ن‪ .‬وبالتوازي‬ ‫م���ع هذا اجلهد على املدى القريب‪ ،‬ميكن‬ ‫‪54‬‬

‫املراقب الإ�سرتاتيجي‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫�أن ي�ساع���د الدعم ال���ذي تقدمه الواليات‬ ‫املتح���دة للكلي���ات الع�سكري���ة اليمنية �إىل‬ ‫ت�شكي���ل �سل�سلة م���ن امل�ساع���دات الأمنية‬ ‫على امل���دى الأطول ترمي �إىل الت�أثري على‬ ‫اجلي���ل الق���ادم م���ن الق���ادة الع�سكريني‬ ‫ورجال النظام احلاك���م‪ .‬ومبا �أن اجلهود‬ ‫الرامي���ة �إىل حتقي���ق الإ�ستقرار يف اليمن‬ ‫�ست�ش���كل عل���ى الأرج���ح حتدي���ات طويل���ة‬ ‫ومفتوحة الزمن‪ ،‬ينبغي �أن ي�شمل الف�صل‬ ‫اجلدي���د م���ن امل�ساع���دات الأمني���ة الت���ي‬ ‫تقدمه���ا الوالي���ات املتحدة نوع��� ًا من هذه‬ ‫املبادرات بعيدة املدى‪.‬‬ ‫املزالق املحتملة‬ ‫تتالع���ب احلكوم���ات الإقليمي���ة ‪ -‬يف‬ ‫جمي���ع احل���االت تقريب��� ًا ‪ -‬بكل م���ا يتعلق‬ ‫بامل�ساعدة الأمنية الت���ي تقدمها الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬وذلك خلدم���ة م�آربها اخلا�صة‪.‬‬ ‫وال تُ�ستثن���ى م���ن ذل���ك حكوم���ة الرئي�س‬ ‫علي عب���د اهلل �صالح ‪ -‬التي بد�أت م�ؤخر ًا‬ ‫فق���ط مبراقب���ة القواع���د الدميقراطية‪،‬‬ ‫وما زال���ت حتمل م�ؤ�ش���رات �سيئ���ة للغاية‬ ‫ح���ول تدابري حقوق الإن�س���ان‪ .‬فعلى �سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬انتقدت وزارة اخلارجية الأمريكية‬ ‫و”منظم���ة العف���و الدولي���ة” كل م���ن‬ ‫“جه���از الأمن ال�سيا�سي” و”جهاز الأمن‬ ‫القومي” ب�سبب �أعم���ال العنف التي قاما‬ ‫بها �ض���د معار�ضي النظام‪ ،‬وال�صحفيني‪،‬‬ ‫والأقلي���ات الديني���ة‪ .‬وباملث���ل‪ ،‬ا�ستُخدمت‬ ‫وحدات مدربة وجمهزة من قبل الواليات‬ ‫املتحدة يف ال�ص���راع �ضد احلوثيني‪ ،‬ومن‬ ‫ب�ي�ن ه���ذه الوحدات‪ ،‬عل���ى �سبي���ل املثال‪،‬‬ ‫“وح���دة مكافحة الإره���اب”‪ .‬لذا‪ ،‬يجب‬ ‫عل���ى وا�شنطن النظر بعناي���ة على طبيعة‬ ‫امل�ساع���دة الأمنية الت���ي تقدمها‪ ،‬وحتقيق‬ ‫الت���وازن ب�ي�ن �أه���داف ال�سيا�س���ة العام���ة‬ ‫القريب���ة والطويلة الأجل عل���ى حد �سواء‪.‬‬ ‫وعل���ى وجه اخل�صو����ص‪ ،‬يج���ب عليها �أن‬ ‫متنع حتويل امل�ساع���دات التي قد ت�ستعمل‬

‫خلدم���ة �صراع���ات داخلي���ة دموي���ة مث���ل‬ ‫ا�شتب���اكات احلكوم���ة مع احلوثي�ي�ن التي‬ ‫بد�أت منذ خم�س �سنوات‪.‬‬ ‫وعالوة على ذلك‪ ،‬تعرب الأحداث الأخرية‬ ‫�ضد فكرة تقدمي �أن���واع معينة من الدعم‬ ‫الإ�ستخبارات���ي الع�سك���ري والفن���ي‪ .‬ففي‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر وت�شري���ن االول‪�/‬أكتوب���ر‬ ‫‪ ،2009‬عل���ى �سبي���ل املث���ال‪� ،‬ش���ن “�سالح‬ ‫اجلو”اليمني والطائرات ال�سعودية غارات‬ ‫جوية �ضد �أهداف احلوثيني‪� ،‬أ�سفرت عن‬ ‫وق���وع �أ�ضرار جانبية يف �أ�سواق ويف خميم‬ ‫لالجئني‪ ،‬وح�ص���ول حوادث �إطالق نريان‬ ‫�صديق���ة �أ�سف���رت ع���ن مقت���ل اثن���ا ع�شر‬ ‫جندي��� ًا ميني��� ًا‪ .‬وباملث���ل‪ ،‬يف ‪ 24-17‬كانون‬ ‫الأول‪/‬دي�سم�ب�ر‪� ،‬شن���ت احلكومة اليمنية‬ ‫ثالث غارات جوية �ضد اجتماعات ُعقدت‬ ‫يف حمافظات �أبني و�شب���وة‪ ،‬وي�شتبه ب�أنها‬ ‫�شملت م�شاركة �أع�ضاء من قيادة “تنظيم‬ ‫«القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة العربية”‪.‬‬ ‫وكما حدث يف ال�ضرب���ات على احلوثيني‪،‬‬ ‫مل يتم ا�ستهداف زعماء كبار من “تنظيم‬ ‫«القاع���دة» يف �شب���ه اجلزي���رة العربي���ة”‬ ‫ب�ص���ورة ناجح���ة‪ ،‬ولك���ن الهجم���ات �أدت‬ ‫�إىل مقت���ل عدد من املدني�ي�ن‪ .‬ويف الواقع‪،‬‬ ‫ق���ام مت�ش���ددون م�سلح���ون م���ن “تنظيم‬ ‫«القاعدة» يف �شب���ه اجلزيرة العربية” يف‬ ‫وقت الحق بزي���ارة �أحد املواقع امل�ستهدفة‬ ‫ملعاجل���ة املدني�ي�ن احلزين�ي�ن وامل�صابني‪.‬‬ ‫وبالنظ���ر �إىل الدرج���ة التي تعك����س فيها‬ ‫ه���ذه التكتي���كات عل���ى جه���ود الوالي���ات‬ ‫املتحدة يف اليم���ن‪ ،‬وال�سهولة التي يتمكن‬ ‫فيها “تنظيم «القاعدة» يف �شبه اجلزيرة‬ ‫العربي���ة” م���ن ا�ستغالله���ا‪ ،‬يج���ب عل���ى‬ ‫وا�شنط���ن تقدمي امل�شورة ح���ول ا�ستخدام‬ ‫انتقائ���ي للغاي���ة ل�ضربات من ه���ذا النوع‬ ‫حمفوف���ة باملخاط���ر‪ ،‬وذل���ك يف �أي مكان‬ ‫ت�شكل فيه عمليات الإعتقال التي تقوم بها‬ ‫ال�شرطة �شبه الع�سكرية بدي ًال جمدي ًا‪.‬‬

‫�سيا�سات اليوم وم�سارات الغد‬

‫الق�ضية الفل�سطينية الآن‬ ‫عياد البطنيجي‬ ‫«الإخوان امل�سلمون»‪� :‬أزمة جماعة �أم ت�أزم م�شروع؟‬ ‫خليل العناين‬ ‫�أيُّ م�ستقبل لل�سودان؟‬ ‫عبده خمتار مو�سى‬ ‫م�ساءلة ا�سرتاتيجية �أوباما اجلديدة يف �أفغان�ستان‬ ‫علي ح�سني باكري‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪55‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية‬

‫الآن‬

‫عياد البطنيجي‬

‫من ال�صعوبة مبكان الإحاطة بقراءة حتليلية لو�ضع الق�ضية الفل�سطينية عرب هذا املدخل املوجز‪،‬‬ ‫دون الأخذ بعني االعتبار عدد ًا من املتغريات الداخلية واخلارجية التي �أثرت يف تكوين الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬والتي �ست�ؤثر يف تطورها‪ .‬وقبل ذلك حري بنا �أن ن�ضع عدد ًا من املحددات‪:‬‬ ‫�أوله���ا‪ :‬الفرتة الزمنية‪ ،‬فنحن نقدم هذا التحليل يف حدود الفرتة‬ ‫الت���ي تب���و�أت فيها حرك���ة حما�س النظ���ام ال�سيا�س���ي يف ‪ 25‬كانون‬ ‫الثاين‪/‬يناي���ر ‪ ،2006‬حتى كتابة ه���ذا املقال‪ .‬بالإ�ضافة �إىل تقدمي‬ ‫ر�ؤية م�ستقبلية يف حدود امل�ستقبل املنظور‪.‬‬ ‫ثانيه���ا‪ :‬تعقي���د الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة وت�شابك العوام���ل املحلية‬ ‫والإقليمي���ة والدولية يف �صياغ���ة معادلتها‪ ،‬يف ظل اختالل هائل يف‬ ‫ً‬ ‫ف�ض�ل�ا عن �أزمات‬ ‫موازي���ن القوى‪ ،‬يعمل يف غ�ي�ر �صالح الق�ضية‪.‬‬ ‫عاملية و�إقليمية ت�صرف االنتب���اه عن املو�ضوع الفل�سطيني كالأزمة‬ ‫املالي���ة العاملي���ة‪ ،‬والأزم���ة النووي���ة الإيرانية‪ ،‬و�أزم���ة وا�شنطن يف‬ ‫�أفغان�ستان والعراق‪.‬‬ ‫ثالثه���ا‪� :‬ضع���ف النظام الإقليم���ي العرب���ي‪ .‬فامل�شهد الع���ام لهذا‬ ‫النظ���ام ي�ش�ي�ر �إىل �أن �آليات العجز داخل النظام ق���د تكفّلت بو�أد‬ ‫�إمكانات حتقيق نقلة نوعية يف �أداء النظام‪� ،‬سواء يف �شقه الر�سمي‬ ‫�أو من منظور قوى "املمانعة واملقاومة" وحركة اجلماهري العربية‪.‬‬ ‫باخت�صار فهو يف عجز م�ستدام وا�ستحقاقات م�ؤجلة‪.‬‬ ‫رابعها‪� :‬ضع���ف العامل الفل�سطيني‪ ،‬فهو يف �أ�س���و�أ �أحواله‪ ،‬ونذكر‬ ‫من���ه‪� :‬أزمة نخب �سيا�سية؛ فهي من دون ر�ؤية ودون مرجعية وطنية‬ ‫موحدة ومن دون برنامج وطني؛ �ضيق العقل ال�سيا�سي الفل�سطيني‬ ‫وان�شط���اره؛ ف� ً‬ ‫ضال عن االنق�س���ام الفل�سطيني‪ -‬الفل�سطيني يف ظل‬ ‫ح�صار �سيا�سي واقت�صادي‪.‬‬

‫�أو ً‬ ‫ال‪ :‬تفكيك امل�شهد الراهن‬

‫(‪ )1‬بع���د و�صول حركة حما����س �إىل ال�سلطة يف ‪ 25‬كانون الثاين‪/‬‬

‫‪56‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫يناي���ر ‪ ،2006‬وا�ستمراره���ا ط���وال فرتتها الد�ستوري���ة الكاملة‪ ،‬بل‬ ‫وجت���اوز دورتها االنتخابية‪� ،‬إذ �أن اال�ستحق���اق الد�ستوري يفرت�ض‬ ‫يجر‬ ‫�إجراء انتخابات ت�شريعية يف ‪ 25‬كانون الثاين‪/‬يناير‪ 2010‬ومل ِ‬ ‫هذا اال�ستحقاق حتى الآن‪ .‬نقول من ال�صعب احلديث عن جناحات‬ ‫ذات �أثر حلركة حما�س؛ فهي مل تتمكن من حتقيق �أي من �أهدافها‬ ‫ب���ل غيرّ ت احلركة من خطابها ال�سيا�س���ي‪ ،‬وع ّلقت املقاومة وبد�أت‬ ‫ترك���ز على املقاومة الثقافية باعتباره���ا ال تقل �أهمية عن املقاومة‬ ‫امل�سلح���ة حت���ى تتق���رب م���ن املجتمع ال���دويل‪ .‬فاحل�ص���ار والعزل‬ ‫م���ن منظور املجتم���ع الدويل �أتى بنتائجه‪ ،‬ور ّو����ض احلركة وعقلن‬ ‫�سلوكها‪ .‬وهذا يعني �أن املجتمع الدويل �سوف ي�ستمر ب�سيا�سته هذه‬ ‫جتاه احلركة و�ستزداد ثق ًال طاملا �أن ال�ضغوط ت�ؤتي �أكلها‪ ،‬لذا ف�إن‬ ‫املقاومة �سوف تبقى مع ّلقة �إىل �أمدٍ غري معلوم‪.‬‬ ‫ولي����س من ال�سهل �أن ت�صبح احلركة جزء ًا من النظام ال�سيا�سي‬ ‫الفل�سطيني؛ ذلك لأنها حمكومة بر�ؤيتها الإ�سرتاتيجية التي ترمي‬ ‫�إىل حتقي���ق م�شروع الإ�سالم ال�سيا�س���ي‪ ،‬لي�س يف فل�سطني فح�سب‬ ‫ب���ل يف البلدان العربي���ة الأخرى �ضمن �إ�سرتاتيجي���ة احلركة الأم‪:‬‬ ‫الإخ���وان امل�سلم�ي�ن‪ .‬وت�ش�ي�ر التقاري���ر �إىل �أن الإدارة الأمريكي���ة‬ ‫ب�ص���دد ت�شكيل �شبكات من الإ�سالميني املعتدلني من �أجل مواجهة‬ ‫املتطرف�ي�ن الإ�سالميني حفاظ��� ًا على م�صاحله���ا يف املنطقة‪ ،‬وهو‬ ‫م���ا ينبئ ع���ن ا�ستعداد وا�شنط���ن لالعرتاف بالإ�س�ل�ام ال�سيا�سي‬ ‫املعتدل‪ .‬وهذا م���ا تراهن عليه حما�س يف �إبقاء �سيطرتها املنفردة‬ ‫على قطاع غ���زة‪ ،‬متهيد ًا لالعرتاف بها كحركة بديلة عن ال�سلطة‬ ‫واملنظمة مع ًا‪ ،‬لتم�سي عنوان الق�ضية الفل�سطينية‪.‬‬ ‫عياد البطنيجي باحث فل�سطيني يف العلوم ال�سيا�سية‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪57‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫م���ن الثابت �أن ظه���ور الإ�سالم ال�سيا�سي جاء م���ع انهيار احلركة‬ ‫الوطني���ة‪ ،‬وبالتايل ف�إن مقومات انت�شاره ال ت���زال موجودة‪ ،‬ويبقى‬ ‫املتغري اخلارجي هو املتغري الوحيد الذي مينع و�صول هذه احلركات‬ ‫�إىل �س���دة احلك���م‪ ،‬و�إذا مت االعرتاف بها �ستك���ون الفاعل الوحيد‬ ‫لي����س فح�سب يف فل�سطني ب���ل يف املنطقة العربية‪ .‬ه���ذا االحتمال‬ ‫وارد يف امل�ستقب���ل‪ ،‬وبخا�ص���ة �أن وا�شنطن ال متان���ع من االعرتاف‬ ‫بدور الإ�سالم ال�سيا�سي املعتدل كما �سبق الإ�شارة‪� .‬إن بداية حتقيق‬ ‫هذا ال�سيناريو هو �إدخال حما�س يف النظام ال�سيا�سي بعد املوافقة‬ ‫الإ�سرائيلي���ة والأمريكية‪ ،‬لدفع الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي يف املنطقة من‬ ‫االع�ت�راف ب�إ�سرائيل من البوابة الفل�سطينية‪ ،‬بعد �أن �أق ّرت القوى‬ ‫الأخرى بهذا الوج���ود ومل يبق املمانع �سوى الإ�سالم ال�سيا�سي‪ .‬قد‬ ‫يكون ال�صع���ود الرتكي بقيادة حزب العدال���ة والتنمية الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ودخوله على خط ال�صراع العربي‪ -‬الإ�سرائيلي واملُع ِرتف ب�إ�سرائيل‬ ‫�شجع ًا على ذلك‪.‬‬ ‫ُم ِّ‬ ‫(‪ )2‬بع���د عقده���ا م�ؤمترها ال�ساد����س ال تزال حركة فت���ح بثوبها‬ ‫تجُ���ر احلرك���ة �إع���ادة ق���راءة مل�سريته���ا ال�سيا�سية‬ ‫الق���دمي؛ فل���م ِ‬ ‫وبخا�ص���ة م�سرية الت�سوية بعد و�صولها �إىل طريق م�سدود‪ ،‬و ُيخ�شى‬ ‫�أن ال يك���ون يف و�سع النخبة ال�سيا�سي���ة "اجلديدة" �أن تقدم جواب ًا‬ ‫�سيا�سي ًا ع���ن امل�س�ألة الوطنية‪ .‬الهاج�س الذي ي����ؤ ّرق حقيقة هو �أال‬ ‫يك���ون بو�سعها ال�صمود �أمام ال�ضغ���وط الإ�سرائيلية‪ ،‬و�أمام تراجع‬ ‫الإدارة الأمريكية عن ال�ضغط على احلكومة الإ�سرائيلية‪� ،‬أن تقدم‬ ‫التن���ازالت يف امللفات العالق���ة �أمام �صعود ق�ضاي���ا دولية و�إقليمية‬ ‫�أخذت جتذب االهتمام �إليها على ح�ساب امل�س�ألة الفل�سطينية‪.‬‬ ‫ويف ظ���ل البيئة النف�سية‪� ،‬أي جمموعة امل���دركات والتم ّثالت التي‬ ‫تهيمن على النخ���ب ال�سيا�سية الفل�سطيني���ة وبخا�صة حركتي فتح‬ ‫وحما����س‪ ،‬غ�ي�ر امل����ؤازرة لل�سل���وك الدميقراط���ي وال للم�صاحل���ة‬ ‫الوطنية‪ ،‬فالتخوين والإق�صاء و�شخ�صنة النزاع‪ ،‬هذا اخلطاب ما‬ ‫انف���ك يهيمن عل���ى عقليتي فتح وحما�س‪ .‬نق���ول يف ظل هذه البيئة‬ ‫النف�سية معطوفة على جملة من ال�ضغط الدويل واالنق�سام العربي؛‬ ‫كل ه���ذا �أدى �إىل ف�شل احلوار بني حركتي فتح وحما�س‪ ،‬ولي�س ثمة‬ ‫�أمل يف جناحه يف امل�ستقبل املنظور‪.‬‬ ‫وبالت���ايل‪ ،‬ف����إن حركة التح���رر الوطني الفل�سطين���ي و�صلت �إىل‬ ‫م�أزق عميق تتجلى مالحمه يف ف�شل نهج الت�سوية من ناحية‪ ،‬وعدم‬ ‫ق���درة نهج املقاومة واملمانعة حتقي���ق نتائج ملمو�سة‪ ،‬م�سحوب ًا على‬ ‫طغي���ان العوامل اخلارجية‪ ،‬والعجز عن التك ّيف مع البيئة الدولية؛‬ ‫كل ذلك يرتد �إىل �صراع داخلي‪ .‬هذا امل�أزق حرف بو�صلة ال�صراع‬ ‫�إما باجت���اه �صراع داخلي‪ ،‬و�إم���ا بتوجيه �أنظ���ار الفل�سطينيني �إىل‬ ‫م�صر وحتميل الأخرية احل�صار حتى ال تجُ رب حما�س على التعامل‬ ‫املبا�شر مع �إ�سرائيل و�إراحة الأخرية من م�سئولية احل�صار‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ميث���ل حتول املجتمع الإ�سرائيلي نح���و اليمني �ضربة قا�صمة‬ ‫مل�ش���روع ال�سالم‪ .‬فت�شري ا�ستطالعات الر�أي �إىل �أن �أغلبية املجتمع‬ ‫‪58‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫الإ�سرائيل���ي يرف�ض �إعطاء دولة للفل�سطينيني‪ ،‬وثمة قناعة را�سخة‬ ‫ب����أن كيان ًا فل�سطيني ًا �سوف ي�شكل تهديد ًا وجودي ًا لإ�سرائيل‪ ،‬ويعزز‬ ‫مقاومة الفل�سطينيني و�صموده���م‪ .‬وثمة قناعة �أخرى لدى النخبة‬ ‫ال�سيا�سية الإ�سرائيلية ب�أنه ال �سبيل �إىل العودة للخيارات القدمية‪،‬‬ ‫�أي ال للدولة الفل�سطينية على حدود الرابع من حزيران‪ ،‬وال تنازل‬ ‫ع���ن القد�س ف�ستبقى الأخرية عا�صمة �أبدية لإ�سرائيل‪ ،‬وال مل�شروع‬ ‫الكونفدرالي���ة بني الفل�سطينيني والأردن‪ .‬كل ما هو مطروح الآن ال‬ ‫يخرج عن طرح الدولة ذات احلدود امل�ؤقتة بعد ق�ضم امل�ستوطنات‬ ‫للأرا�ض���ي يف ال�ضف���ة الغربي���ة وا�ستم���رار بناء اجل���دار الفا�صل‪.‬‬ ‫�إذن كل م���ا يتبق���ى هو جمموعة م���ن الأرا�ضي الت���ي تف�صل بينها‬ ‫امل�ستوطنات الإ�سرائيلية‪ ،‬وال يربط بينها �أي رابط‪.‬‬ ‫(‪� )4‬ش��� ّكل جم���يء �إدارة �أمريكي���ة جدي���دة عقب دخ���ول باراك‬ ‫�أوبام���ا البيت الأبي�ض م�صدر تفا�ؤل راه���ن عليه الكثريون يف دفع‬ ‫م�سرية الت�سوية �إىل الأمام‪ ،‬ورفدها مبقومات احلياة حتى ال تذبل‬ ‫وللحيلول���ة دون ح�ص���ول فو�ضى ال ميكن ال�سيط���رة عليها‪ .‬بيد �أنه‬ ‫بعد م���رور عام على تويل �أوباما مل ينجح ه���ذا الأخري يف ال�ضغط‬ ‫على �إ�سرائي���ل لوقف بناء امل�ستوطن���ات‪ ،‬دع عنك حتقيق ال�سالم‪.‬‬ ‫وحتاول الإدارة الأمريكية عبث��� ًا �إقناع الفل�سطينيني والإ�سرائيليني‬ ‫بالعودة �إىل املفاو�ضات املجمدة منذ عام‪ .‬وال تزال الفجوة بينهما‬ ‫�شا�سعة‪.‬‬ ‫ويف مقابلة ن�شرتها جملة "تامي" الأمريكية‪ ،‬قال الرئي�س الأمريكي‬ ‫�إن���ه بالغ يف تقدير فر�ص ال�سالم يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬وهو ما يعني‬ ‫عج���ز "الو�سي���ط" الأمريكي عن �إحي���اء عملية ال�س�ل�ام وال�ضغط‬ ‫على اجلان���ب الإ�سرائيلي يف تقدمي ا�ستحقاق���ات الت�سوية‪ .‬ناهيك‬ ‫عن �إغفاله يف خط���اب حالة االحتاد‪ ،‬الذي �ألقاه �أمام الكوجنر�س‬ ‫يف ‪ 27‬كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر املا�ض���ي‪ ،‬للق�ضي���ة الفل�سطينية‪ ،‬وثمة‬ ‫رف����ض قاطع من اليمني الإ�سرائيلي لنهج �أوباما؛ لأنه لن ينجح مع‬ ‫الفل�سطينيني وال مع العرب وال مع �إيران وال مع رو�سيا وال مع ال�صني‪.‬‬ ‫وه���و م�ؤ�شر �صارخ على عقلية القوة والهيمنة ك�أ�سلوب وحيد لإدارة‬ ‫ال�ص���راع‪ .‬وجدير بالذكر �أن عل���م ال�سيا�سة الإ�سرائيلي ينطلق من‬ ‫منظور �إدارة ال�صراع ولي�س حله‪ .‬وقد عبرّ عن ذلك مناحيم بيجن‬ ‫يف كتابه "الثورة‪ :‬ق�صة الأرجون"‪ ،‬بقوله‪�" :‬ست�ستمر احلرب بيننا‬ ‫وبينهم العرب حتى ولو و ّقع العرب معنا معاهدة �صلح"‪.‬‬

‫( )‬

‫(‪ )5‬من���ذ ت�شكيل جامعة ال���دول العربية والو�ضع العربي يف حالة‬ ‫انق�س���ام متعدد‪ ،‬مب���ا يف ذلك ت�شكيل حم���اور مت�صارعة كل حمور‬ ‫يف مواجه���ة املحور الآخر‪ ،‬وا�ستم���رار حالة التجزئة‪ ،‬وتناف�س على‬ ‫القي���ادة والزعام���ة‪ ،‬وا�ستم���رار الإ�سرتاتيجية الدولي���ة املتعار�ضة‬ ‫م���ع م�صلح���ة الوحدة العربية‪ ،‬وم���ا يتولد عن ه���ذه الإ�سرتاتيجية‬ ‫م���ن تق�سيم الوطن العربي �إىل مناطق نف���وذ و�سيطرة مبا ي�ضعف‬ ‫الت�ضامن العربي‪ -‬العربي �إزاء الق�ضايا امل�صريية وال�سيما الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬مبا يعني تفاقم وا�ستمرار العجز العربي‪ ،‬الأمر الذي‬

‫ُي�ضع���ف قدرة الأنظمة العربية من حتقيق الطموحات الفل�سطينية‬ ‫ب�سبب املحددات وال�سقوف املنخف�ضة حلرية احلركة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬تركيب امل�شهد‬

‫يف ظ���ل هذه املعطيات البنيوي���ة‪ ،‬تكون �صورة الو�ض���ع �أكرث قتامة‬ ‫م���ن ذي قبل‪ ،‬و�ستزداد الأمور قتامة �أمام املنحنى الرتاجعي الذي‬ ‫وم�س���ت مفاعيله احلرك���ة الوطنية‬ ‫دخلت���ه الق�ضي���ة الفل�سطينية‪ّ ،‬‬ ‫الفل�سطيني���ة‪ ،‬وحتول���ت من "حرك���ة ت�ضحية ومقاوم���ة �إىل حركة‬ ‫ت�سوية وم�ساومة"‪.‬‬ ‫ويف املح�صل���ة ال يبدو يف الأف���ق ب�صي�ص �أمل يف حتقيق حل عادل‬ ‫للق�ضي���ة‪ ،‬وال يب���دو �أن احلركة الوطني���ة الفل�سطيني���ة‪ ،‬بخياراتها‬ ‫الراهن���ة‪ ،‬قادرة عل���ى طرح مقاربة جديدة لتف���ادي حالة الرتاجع‬ ‫هذه‪ .‬وحتى الرتتيبات التي ُد ِّ�شنت منذ اتفاقية كامب ديفيد مرور ًا‬ ‫باتفاق �أو�سل���و ووادي عربة والقرارات الدولية ذات ال�صلة وانتهاء‬ ‫بر�ؤي���ة بو�ش وخارطة الطريق‪ ،‬ق���د �أنتجت �أو�ضاع��� ًا قلقة‪ ،‬وهو ما‬ ‫ُينبئ بف�صل جديد من العنف والتوتر‪.‬‬ ‫وحت���ى �إن حتقق���ت امل�صاحلة العربية والفل�سطيني���ة‪ ،‬ف�إن ذلك ‪-‬‬ ‫رغ���م �أهميته ‪ -‬لن ُيحقق الطموح���ات الفل�سطينية كاملة؛ لأن ثمة‬ ‫ً‬ ‫وفاع�ل�ا يف ت�شكيل احلالة العربية‬ ‫عام ًال خارجي��� ًا ما يزال طاغي ًا‬ ‫والفل�سطيني���ة‪� .‬إن امل�صاحل���ة العربية والفل�سطيني���ة ت�شكل عام ًال‬ ‫مهم��� ًا يف من���ع منحن���ى التدهور واالنهي���ار على م�ست���وى الق�ضية‪،‬‬ ‫وي�ش���كل رافعة قوية‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال ع���ن �أنها ترفد ال�سيا�س���ة الفل�سطينية‬ ‫ومتنحه���ا املناع���ة واحل�صان���ة الذاتي���ة مب���ا ي�ضمن جت���اوز حالة‬ ‫االنق�س���ام‪ .‬وم���ا يدفع نح���و احل�صول عل���ى احلق���وق الفل�سطينية‬ ‫هو م�ساحة معين���ة من ال�صيغ وال�ش���روط ال�سيا�سية التوافقية بني‬ ‫العوام���ل املحلي���ة والإقليمية والدولية‪� ،‬أي ب�ي�ن �صياغة يتفق عليها‬ ‫الإ�سرائيليون والأمريكي���ون والعرب والقيادة الفل�سطينية‪ .‬دون �أن‬ ‫يعني ذل���ك ان�سجام ًا �أو توافق ًا كلي ًا بينهم���ا‪ ،‬بل مبا ي�ضمن حتقيق‬ ‫امل�صال���ح امل�شرتك���ة‪ .‬وال يب���دو يف الأفق م���ا ي�شي به���ذه ال�صياغة‬ ‫التوافقية‪.‬‬ ‫املطلوب فل�سطيني ًا‪ ،‬يف ظل ه���ذه املعطيات القامتة‪ ،‬هو املحافظة‬ ‫على االجنازات الوطنية ومنع تدهور الأو�ضاع والنكو�ص �إىل نقطة‬ ‫ال�صف���ر �أو املرب���ع الأول‪ ،‬من خالل �إطالق حوار وطني حقيقي بني‬ ‫ف�صائل احلرك���ة الوطنية الفل�سطينية حول م�ستقبل هذه احلركة‪،‬‬ ‫يف �ض���وء مكت�سباتها و�إخفاقاته���ا ال�سابقة‪ ،‬و�ض���رورة اجناز عقد‬ ‫اجتماع���ي و�سيا�س���ي وطني ي�ش���كل مرجعي���ة للفل�سطينيني ل�صون‬ ‫اجن���ازات الثورة من التبديد‪ ،‬وا�ستعادة منظمة التحرير‪ ،‬والتحرر‬ ‫م���ن العقلية احلزبية ال�ضيقة باجتاه عقل �سيا�سي م�ستنري ومنفتح‬ ‫ومرك���ب‪ ،‬وتطوي���ر �أ�ساليب ن�ضالية وطني���ة وتكييفها مع التطورات‬ ‫واحلقائق الإقليمية والدولية اجلديدة‪.‬‬ ‫ختام��� ًا‪ ،‬رغ���م كل مالمح ه���ذا امل�شه���د القامت الت���ي يعك�سها هذا‬ ‫التحلي���ل‪ ،‬تبق���ى ثم���ة حقائ���ق ال ميكن �إنكاره���ا قد ت�ص���ل بنا �إىل‬ ‫ا�ستنتاج���ات خمتلف���ة‪ ،‬وه���و �سي���اق �صم���ود ال�شع���ب الفل�سطين���ي‬

‫ال يبدو يف الأفق ب�صي�ص �أمل يف حتقيق حل عادل للق�ضية‪،‬‬ ‫وال يب��دو �أن احلرك��ة الوطني��ة الفل�س��طينية‪ ،‬بخياراته��ا‬ ‫الراهن��ة‪ ،‬قادرة على ط��رح مقاربة جدي��دة لتفادي حالة‬ ‫الرتاج��ع هذه‪ .‬وحتى الرتتيبات التي ُد ِّ�ش��نت منذ اتفاقية‬ ‫كامب ديفيد مرور ًا باتفاق �أو�س��لو ووادي عربة والقرارات‬ ‫الدولية ذات ال�صلة وانتهاء بر�ؤية بو�ش وخارطة الطريق‪،‬‬ ‫ق��د �أنتجت �أو�ض��اع ًا قلقة‪ ،‬وه��و ما ُينبئ بف�ص��ل جديد من‬ ‫العنف والتوتر‬

‫البطويل‪ ،‬الأمر الذي من �ش�أنه �أن يغري �أبعاد املعادلة الدولية التي‬ ‫تدفع نحو االنزالق باجتاه ا�ست�سالمي لي�س من بعده نهو�ض قريب‪.‬‬ ‫وعلي���ه ال �سبي���ل �آخر غري بن���اء املقومات الذاتي���ة‪ ،‬ومتتني الوحدة‬ ‫الوطني���ة‪ ،‬والقطيعة مع العقل احلزبي ال�ضي���ق‪ ،‬و�إال �سوف ي�ستمر‬ ‫احلال ال�سيا�سي يف التدهور واالنزالق‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪59‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫م��رت جماعة “الإخوان امل�س��لمني” فى م�ص��ر والع��امل العربي ب�أزم��ات متالحقة خالل ال�س��نوات‬ ‫الث�لاث الأخ�يرة‪ ،‬وق��د ب��دا �أن اجلماع��ة مبختلف فروعه��ا تعي�ش حال��ة من التخب��ط التنظيمي‬ ‫والعجز ال�سيا�س��ي مما �أثر يف �ص��ورتها �أمام الر�أى العام العربي‪ ،‬وقلل من بريقها باعتبارها البديل‬ ‫املحتمل للأنظمة القائمة‪.‬‬ ‫خليـل العنانـي‬

‫«الإخوان امل�سلمون»‬ ‫�أزمة جماعة �أم ت� ّأزم امل�شروع؟‬

‫وم���ع اخت�ل�اف ظ���روف كل بل���د‪� ،‬إال �أن اخليط الناظ���م بني فروع‬ ‫الإخوان املختلفة خا�صة فى م�صر والأردن واجلزائر هو �أن اجلماعة‬ ‫العج���وز تعي�ش �أزمة حقيقية‪� ،‬سواء على م�ستوى التنظيم وتفاعالته‬ ‫الداخلي���ة‪� ،‬أو فيما يخ�ص خطابها ال�سيا�سي والفكرى‪ .‬وهو ما جنم‬ ‫عنه حدوث خالفات حادة و�صلت �أحيان ًا �إىل م�ستويات غري م�سبوقة‬ ‫عل���ى غ���رار ما حدث ف���ى م�ص���ر والأردن‪ ،‬ويف �أحي���ان �أخرى و�صل‬ ‫اخل�ل�اف �إىل درجة حدوث ان�شقاق تنظيمي وان�شطار عمودى مثلما‬ ‫هو احلال مع حركة جمتمع ال�سلم (حم�س) اجلزائرية‪.‬‬ ‫للمرة‬ ‫وت�ص��دعات داخلي��ة‬ ‫�أزم��ة تاريخي��ة‬ ‫ّ‬ ‫الأوىل من���ذ ت�أ�سي����س جماع���ة الإخ���وان امل�سلمني قب���ل ثمانية عقود‬ ‫ونيف‪ ،‬واجهت اجلماعة �أزمة تاريخية غري م�سبوقة ب�سبب اخلالف‬ ‫حول �إج���راء انتخابات مكتب الإر�شاد الع���ام للمرة الأوىل منذ عام‬ ‫���م اختي���ار مر�شد جدي���د للجماعة‪ .‬وقد ب���د�أت الأزمة‬ ‫‪ 1995‬وم���ن ث ّ‬ ‫الأخرية عندما ت���ويف حممد هالل �أحد �أكرب �أع�ضاء مكتب الإر�شاد‬ ‫�سن��� ًا (‪� 90‬سنة) �أوائ���ل �شهر ت�شرين الأول‪�/‬أكتوب���ر ‪ ،2009‬وقد كان‬ ‫من املفرت����ض‪ ،‬ح�سب الالئح���ة الداخلية للإخ���وان �أن يتم ت�صعيد‬ ‫القيادي الب���ارز فى اجلماعة ع�صام العريان كي يحل حمله‪ ،‬وذلك‬ ‫باعتب���اره الأحق حيث ح�ص���ل على �أعلى ن�سبة م���ن الأ�صوات خالل‬ ‫�آخر انتخابات �أجريت ملكتب الإر�شاد فى حزيران‪/‬يونيو ‪ .2008‬بيد‬ ‫�أن التي���ار املحافظ رف�ض ذل���ك متعل ًال بعدم قانوني���ة هذا الإجراء‬ ‫م���ن جهة‪ ،‬وبعدم احلاجة الآني���ة له من ناحية �أخرى‪ .‬وقد �أدت هذه‬ ‫الأزم���ة �إىل �إعالن املر�شد العام للجماع���ة مهدي عاكف عن رغبته‬ ‫فى اال�ستقالة من من�صب���ه‪ ،‬حيث كان يريد �أن يتم ت�صعيد العريان‬ ‫ولكن مكتب الإر�شاد رف�ض ذلك‪ .‬وقد قال الدكتور حممد حبيب فى‬ ‫حوار مع قناة اجلزيرة �أن املر�شد العام قد فو�ضه �صالحياته ب�سبب‬ ‫هذه الأزمة‪.‬‬ ‫وخ�ل�ال �شه���ري ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوب���ر وت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب‬ ‫ت�صاع���دت الأزم���ة ب�شكل كبري حت���ى حدث انق�س���ام تاريخي داخل‬ ‫مكت���ب الإر�شاد ح���ول �إجراء انتخاب���ات عامة ملكت���ب الإر�شاد الذي‬ ‫يتك���ون من ‪ 16‬ع�ضو ًا‪ .‬وكان هناك تياران‪ ،‬الأول يقوده حممود عزت‬

‫‪60‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫خلي���ل العناين خبري فى �ش����ؤون الإ�س�ل�ام ال�سيا�سي‪ ،‬جامعة‬ ‫درم ‪ -‬بريطانيا‪.‬‬

‫ويرغ���ب فى �إجراء االنتخابات ب�أ�س���رع وقت حتى يتم اختيار مر�شد‬ ‫ع���ام جدي���د قبل حلول الراب���ع ع�شر من كان���ون الثاين‪/‬يناير ‪2010‬‬ ‫موعد نهاية والية عاكف‪ .‬والتيار الثاين يقوده حممد حبيب ويرغب‬ ‫فى ت�أجيل االنتخاب���ات حتى �شهر حزيران‪/‬يونيو ‪ 2010‬بعد انتخاب‬ ‫جمل����س جدي���د لل�ش���ورى ف���ى اجلماعة‪ .‬وم���ن املع���روف �أن جمل�س‬ ‫ال�ش���ورى الع���ام للإخوان‪ ،‬وال���ذي يتكون من ح���وايل ‪ 100‬ع�ضو‪ ،‬هو‬ ‫امل�سئول عن اختيار �أع�ضاء مكتب الإر�شاد واملر�شد العام‪.‬‬ ‫وبع���د �ص���راع طوي���ل ب�ي�ن كال التياري���ن مت ح�س���م الأم���ر و�أجريت‬ ‫االنتخابات العامة ملكتب الإر�شاد وحملت �أكرث من مفاج�أة‪ ،‬حيث مت‬ ‫�إق�ص���اء النائب الأول للمر�شد حممد حبيب والإ�صالحي عبد املنعم‬ ‫�أبو الفتوح من ع�ضوي���ة املكتب‪ .‬وبذلك مت �إق�صاء التيار الإ�صالحي‬ ‫متام��� ًا ف���ى اجلماعة‪ ،‬ف���ى حني مت ت�صعي���د ع�صام العري���ان ليكون‬ ‫ع�ض���و ًا مبكتب الإر�شاد للمرة الأوىل فى تاريخه‪ .‬وهو ما دفع حممد‬ ‫حبي���ب �إىل اال�ستقالة م���ن منا�صبه كافة داخ���ل اجلماعة با�ستثناء‬ ‫ع�ضويته فى جمل�س �شورى اجلماعة فى �سابقة تاريخية‪.‬‬ ‫وق���د ك�شفت �أزم���ة مكتب الإر�شاد عن غي���اب معايري الدميقراطية‬ ‫احلقيقي���ة وال�شفافي���ة داخ���ل جماع���ة الإخ���وان‪ ،‬حي���ث مت الطعن‬ ‫ف���ى م�شروعي���ة الطريقة التي جرت به���ا انتخابات مكت���ب الإر�شاد‬ ‫وتناق�ضها مع الالئحة الداخلية للجماعة‪ .‬فى حني بدا ال�سيد مهدي‬ ‫عاكف وك�أن ال حول له وال قوة فى معاجلة االنق�سامات وال�صراعات‬ ‫ب�ي�ن قي���ادات مكت���ب الإر�ش���اد حت���ى تط���ورت الأزمة وو�صل���ت �إىل‬ ‫م�ستوي���ات غري م�سبوقة‪ .‬وبعيد ًا عن التف�س�ي�رات املت�ضاربة لالئحة‬ ‫الداخلي���ة للإخوان‪ ،‬ف�إن كث�ي�ر ًا من �أع�ضاء اجلماع���ة ي�شككون فى‬ ‫�شرعي���ة جمل�س ال�شورى الع���ام القائم و�صالحيت���ه النتخاب مكتب‬ ‫�إر�ش���اد جديد‪ ،‬خا�صة فى ظل التعدى الوا�ضح على �صالحيات نائب‬ ‫املر�شد الذي كان من املفرت�ض �أن ير�أ�س جمل�س ال�شورى العام �أثناء‬ ‫انتخابات مكتب الإر�شاد‪ .‬وهو ما يطرح ت�سا�ؤالت جادة حول �شرعية‬ ‫مكت���ب الإر�شاد اجلدي���د وم�صداقيته‪ ،‬وح���ول �صالحيته فى اختيار‬ ‫املر�شد اجلديد‪.‬‬ ‫من جه���ة �أخرى‪ ،‬رفعت هذه الأزمة غطاء القد�سية والطهورية عن‬ ‫جماعة الإخوان امل�سلمني‪ ،‬وقد وجدنا �أنف�سنا �أمام ن�سخة مكررة مما‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪61‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫�أوله���ا �أن ثم���ة �شعور بنق�ص ال�شرعية �سوف ي�ل�ازم املر�شد اجلديد‬ ‫طيلة فرتة واليته وذلك ب�سبب الطريقة التي جاء بها‪ ،‬وهو �إن حاول‬ ‫جتاوز ذلك �شكلي ًا �إال �أن هذا ال�شعور �سوف يظل قابع ًا فى خلفية �أية‬ ‫قرارات �سوف ي�صدرها املر�شد اجلديد خالل املرحلة املقبلة‪.‬‬ ‫ثانيه���ا‪� ،‬أن���ه �سيك���ون من الع�س�ي�ر على املر�ش���د اجلدي���د �أن يقوم‬ ‫بعمل موازن���ات ومواءمات داخل اجلماعة ب�ي�ن املحافظني والرموز‬ ‫الإ�صالحي���ة الت���ي مل يع���د لها ت�أث�ي�ر فعلى داخ���ل الهي���اكل امل�ؤثرة‬ ‫للجماعة مثل مكتب الإر�شاد العام‪ .‬وقد كان مهدى عاكف ماهر ًا فى‬ ‫حتقيق مثل هذا التوازن ب�شكل �أعطى قدر من احلركة للإ�صالحيني‬ ‫فى مواجهة ال�صقور‪.‬‬ ‫ال�سلف واخللف‪:‬اختري املر�شد اجلديد حممد بديع (ي�سار ًا)‪ ،‬بد ًال من املر�شد ال�سابق مهدي عاكف (ميين ًا)‪.‬‬

‫يح���دث فى بقية الأحزاب ال�سيا�سية امل�صرية �سواء احلزب الوطني‬ ‫�أو ح���زب الوفد �أو حزب الأحرار ‪� ...‬إلخ م���ن �صراعات وم�ساومات‬ ‫وتربيط���ات �سيا�سي���ة حم�ضة‪ .‬وف���ى ظل نتائج االنتخاب���ات الأخرية‬ ‫ملكت���ب الإر�شاد‪ ،‬ميكن القول ب�أن �أ�سط���ورة ال�صراع بني املحافظني‬ ‫والإ�صالحيني قد انتهت‪ ،‬وذلك بعدما جنح التيار املحافظ‪ ،‬خا�صة‬ ‫اجلناح املت�شدد‪ ،‬فى �إق�صاء الإ�صالحيني والرباجماتيني من مكتب‬ ‫الإر�شاد اجلديد‪ ،‬فيما ي�شبه االنقالب الأبي�ض على الإ�صالحيني‪.‬‬ ‫كم���ا و�أدت هذه االنتخابات �آمال اجليل ال�شاب فى جماعة الإخوان‬ ‫ب�إمكانية �إ�صالح �أو�ضاع اجلماعة‪ ،‬ف�أغلب الأع�ضاء اجلدد فى مكتب‬ ‫الإر�ش���اد فوق �سن اخلم�س�ي�ن عام ًا‪ ،‬وغري معروف عنه���م �أي توجه‬ ‫�إ�صالح���ي‪ .‬كما �أنهم غري معروفني �إعالمي ًا �سواء داخل اجلماعة �أو‬ ‫خارجها با�ستثناء الدكت���ور ع�صام العريان‪ .‬فى حني مل تكن هناك‬ ‫�أي���ة مناف�سة حقيقية على من�صب املر�شد الع���ام اجلديد‪ ،‬فقد كان‬ ‫اختيار املر�ش���د �أقرب للتزكية �أو التعيني‪ .‬فجمي���ع الأع�ضاء ينتمون‬ ‫للتيار املحافظ ومل يكن هناك فروق كبرية بني ك ًال من حممد بديع‬ ‫�أو ر�ش���اد البيومي الذي كان مكت���ب الإر�شاد مييل الختياره باعتباره‬ ‫�أكرب الأع�ضاء �سن ًا‪.‬‬ ‫بع���د خما����ض‬ ‫مر�ش��د جدي��د وخط��اب ق��دمي‬ ‫ع�سري ا�ستمر ل�شهور جنحت جماعة الإخوان امل�سلمني فى م�صر فى‬ ‫اختي���ار مر�شد ع���ام جديد لها هو الدكتور حمم���د بديع‪ .‬وذلك بعد‬ ‫�أن �أ�ص ّر مر�شدها ال�ساب���ع حممد مهدي عاكف على االن�سحاب بعد‬ ‫نهاي���ة فرتته الأوىل ورغبته فى ع���دم البقاء لفرتة جديدة ملدة �ست‬ ‫�سنوات رغم �أن الالئحة الداخلية للجماعة تخ ّول له ذلك‪.‬‬ ‫بعي���د ًا عن الأزمة الت���ي رافقت اختي���ار املر�شد اجلدي���د للإخوان‬ ‫‪62‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ف����إن ثمة عالم���ات ا�ستفهام كث�ي�رة �أثارها اختي���ار الدكتور حممد‬ ‫بدي���ع كي ي�صبح املر�ش���د الثامن للجماعة‪ .‬ومنب���ع الأ�سئلة ال يتعلق‬ ‫بطريق���ة اختيار بدي���ع‪ ،‬والتى ال ت���زال تثري هواج����س عديدة داخل‬ ‫ال�صف الإخ���واين ب�سبب الطعن فى نزاهته���ا و�سالمتها القانونية‪،‬‬ ‫بقدر ما يرتبط بالق���درات والإمكانات الفكرية وال�سيا�سية للمر�شد‬ ‫اجلديد‪ .‬فاملر�شد اجلديد جاء من قلب التنظيم الإخواين‪ ،‬ومن بني‬ ‫ترو�س املاكين���ة امل�ؤ�س�سية للجماعة‪ ،‬و�إذا كانت هذه املاكينة تت�صف‬ ‫عموم ًا باملحافظة واحلر����ص ال�شديد على بقاء التنظيم حي ًا‪ ،‬بغ�ض‬ ‫النظر عن �أية �أدوار �سيا�سية‪ ،‬ي�صبح منطقي ًا �أن يكون الرجل ممث ًال‬ ‫فعلي��� ًا للتيار املحاف���ظ فى اجلماعة ومع�ب�ر ًا عن توجهات���ه الدينية‬ ‫وال�سيا�سي���ة‪ .‬وهو ما بدا بو�ضوح خالل خطاب التن�صيب الذي �ألقاه‬ ‫املر�ش���د اجلديد فور اعتالءه ملن�صبه‪ .‬فقد �أكد ما هو معروف �سلف ًا‬ ‫ب����أن الإخ���وان جماع���ة تنبذ العن���ف‪ ،‬و�أنها �سوف ت�س�ي�ر على خطى‬ ‫الإ�ص�ل�اح التدريج���ي‪ ،‬و�أن���ه ال �سبيل حل���دوث مواجهة م���ع النظام‬ ‫امل�ص���رى ‪� ..‬إل���خ‪� .‬صحيح �أن الرج���ل التزم لغة هي �أق���رب للتهدئة‬ ‫وال�سك���ون‪ ،‬بيد �أن ذلك ال يعني �أن ثمة ر�ؤية �سيا�سية متما�سكة تقبع‬ ‫خلف هذه اللغة املهادِ نة‪.‬‬ ‫وحت���ى الآن ف�إن ثمة فرق وا�ضح ب�ي�ن املر�شد اجلديد و�سلفه مهدى‬ ‫عاك���ف ال���ذي م���ا �إن و�ص���ل �إىل من�صبه ف���ى كان���ون الثاين‪/‬يناير‬ ‫‪ 2004‬حت���ى �أعلن‪ ،‬فى جر�أة الزمته طيل���ة واليته‪ ،‬عن مبادرة �شاملة‬ ‫للإ�ص�ل�اح �شكلت نقلة نوعية فى اخلط���اب ال�سيا�سي للجماعة طيلة‬ ‫ال�سنوات اخلم�س املا�ضية برغم بع�ض ثغراته‪.‬‬ ‫و�إذا كان من ال�صعب الت�سرع فى �إ�صدار حكم على �إمكانات املر�شد‬ ‫اجلديد‪� ،‬إال �أن ثمة مالحظات �سريعة ميكن الإ�شارة �إليها قد تعطي‬ ‫�صورة �أولية حول م�ستقب���ل اجلماعة حتت قيادة مر�شدها اجلديد‪.‬‬

‫جماعة الإخوان امل�سلمني‪ ،‬فهي �أن احلركة تعاين من حالة من الت�أزم‬ ‫التنظيم���ي وال�سيا�سي‪ ،‬وهو ما يط���رح ت�سا�ؤالت جدية حول م�ستقبل‬ ‫امل�شروع ال�سيا�سي للجماعة بوجه عام ومدى �صالحيته وقدرته على‬ ‫البق���اء ب�شكل فاعل‪ .‬فالتنظيم الإخواين ال يعمل فى فراغ بل ي�ستند‬ ‫�إىل ر�ؤية و�إيديولوجية هي مبثابة العقل املح ّرك للتنظيم‪.‬‬

‫وباعتق���ادي �أن ثمة �أزمة حقيقية تواج���ه امل�شروع الإخواين برمته‪،‬‬ ‫وتتج ّل���ى مظاهرها فى �أربعة نق���اط �أ�سا�سية‪� ،‬أولها تراجع اخلطاب‬ ‫الإخ���واين‪ ،‬ديني ًا و�سيا�سي ًا‪ ،‬وت����آكل قدرته على �إلهام ال�شارع العربي‬ ‫وذلك لي����س فقط ب�سبب وج���ود خطابات وحركات �أخ���رى مناف�سة‬ ‫كال�سلفي���ة التقليدي���ة والإ�سالمية الإ�صالحي���ة وال�سلفية اجلهادية‪،‬‬ ‫ثالثه���ا‪� ،‬أن املر�شد اجلديد لن تكون لديه القدرة على التخل�ص من و�إمن���ا �أي�ض ًا ب�سبب جم���ود مفردات اخلطاب الإخ���واين ذاته وعدم‬ ‫قدرت���ه عل���ى ا�ستنها����ض مفاهي���م �أك�ث�ر مدني���ة وحداثي���ة للعم���ل‬ ‫هيمن���ة التيار املحافظ على اجلماعة تنظيم ًا وفكر ًا‪ ،‬وذلك كونهم‬ ‫ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫امل�سئولني عن تن�صيبه واختياره‪.‬‬ ‫ثانيه���ا‪ ،‬جمود املبادرات الإ�صالحية التي تقدمها‬ ‫رابعه���ا‪� ،‬أن املر�شد اجلدي���د ال يتمتع‪ ،‬على الأقل‬ ‫جماعة الإخوان للجمهور العربي‪ ،‬كل فى بلده‪.‬‬ ‫حت���ى الآن‪ ،‬بعالقات وا�ضحة مع القوى والأحزاب‬ ‫فعلى �سبي���ل املثال مل تط���رح جماعة الإخوان‬ ‫ال�سيا�سي���ة الأخ���رى الت���ي ق���د متكن���ه م���ن عقد‬ ‫�أي جديد فيما يخ�ص ر�ؤيتها ال�سيا�سية وذلك‬ ‫حتالف���ات �أو �صفق���ات �سيا�سية معه���ا وذلك على‬ ‫من���ذ �أن طرح���ت مبادرته���ا للإ�ص�ل�اح ع���ام‬ ‫غرار ما كان يفعل مهدي عاكف‪.‬‬ ‫‪ ،2004‬وكذلك احلال ف���ى الأردن‪ ،‬واجلزائر‪،‬‬ ‫ورمبا اليمن‪.‬‬ ‫و�أخري ًا‪ ،‬من غري املتوقع �أن يدخل املر�شد اجلديد‬ ‫حركة «الإخوان‬ ‫ثالثها‪ ،‬ف�شل احل���ركات الإخوانية فى تكييف‬ ‫ف���ى �أي���ة مواجهة م���ع النظ���ام لي�س فق���ط ب�سبب‬ ‫عالقاته���ا بالأنظم���ة العربي���ة‪� ،‬س���واء ب�سبب‬ ‫اخلوف من بط�ش هذا الأخري‪ ،‬و�إمنا ب�سبب �ضعف‬ ‫امل�سلمني» لن ت�ضمر‬ ‫�إ�ص���رار هذه الأخرية على قمعه���ا و�إق�صاءها‬ ‫قدرت���ه على �ضب���ط القواع���د الإخواني���ة و�ضمان‬ ‫تنظيمي ًا �أو حركي ًا‪،‬‬ ‫وا�ستدراج احلركة �إىل معارك غري جمدية‪� ،‬أو‬ ‫ال�سيطرة على حتركاتها‪.‬‬ ‫على الأقل فى املدى‬ ‫ب�سبب افتقاد هذه احلركات لقيادات �سيا�سية‬ ‫�أم���ا م���ا ُيق���ال ح���ول احتم���ال نكو����ص الإخ���وان‬ ‫املنظور‪ ،‬بيد �أنها‬ ‫ذات مه���ارات تفاو�ضية ميكنها فر�ض معادلة‬ ‫وتراجعه���م عن االنخراط ف���ى احلياة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫بال �شك فقدت زمام‬ ‫االندماج على الأنظمة العربية‪.‬‬ ‫نتيجة لهيمنة املحافظني على اجلماعة‪ ،‬ف�إنه قول‬ ‫املبادرة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫و�أخري ًا‪ ،‬ات�ساع الفجوة اجليلية داخل احلركة‬ ‫تنق�صه الدقة واملعقولي���ة‪ .‬فالعمل ال�سيا�سي يبدو‬ ‫الإخواني���ة‪ ،‬وانعدام القدرة على دمج الأجيال‬ ‫ومل تعد قادرة على‬ ‫حيوي ًا جلماع���ة الإخوان �إن مل يكن بهدف حتقيق‬ ‫اجلديدة �ضمن الأطر التنظيمية للحركة‪ ،‬وهو‬ ‫فر�ض نف�سها كبديل‬ ‫مكا�س���ب �سيا�سي���ة‪ ،‬فمن �أج���ل �ضم���ان التوا�صل‬ ‫م���ا جنم عن���ه ا�ستنزاف احلركة ف���ى م�شاكل‬ ‫م���ع اجلماه�ي�ر وجتنيد �أع�ض���اء ج���دد للتنظيم‪.‬‬ ‫للأنظمة القائمة‬ ‫داخلي���ة �أثرت �سلب��� ًا يف �صورتها �أم���ام الر�أى‬ ‫وباعتقادي �أن امل�شكلة لن تكون فى تراجع الإخوان‬ ‫الع���ام‪ ،‬ناهيك عن حرم���ان احلركة من �ضخ‬ ‫عن العم���ل ال�سيا�سي‪ ،‬و�إمنا ف���ى طريقة �إدارتهم‬ ‫دماء جديدة فى هياكلها التنظيمية‪.‬‬ ‫له���ذا العمل خا�صة فى ظل وجود ملفات كثرية معلقة مثل الربنامج‬ ‫احلزبي للجماعة واملوقف من املر�أة والأقباط‪ ،‬ناهيك عن عالقتهم رمب���ا لن ت�ضمر حرك���ة “الإخ���وان امل�سلمني” تنظيمي��� ًا �أو حركي ًا‪،‬‬ ‫على الأقل فى املدى املنظور‪ ،‬بيد �أنها بال �شك فقدت زمام املبادرة‬ ‫مع النظام‪.‬‬ ‫ال�سيا�سي���ة‪ ،‬ومل تع���د ق���ادرة عل���ى فر�ض نف�سه���ا كبدي���ل للأنظمة‬ ‫م�س��تقبل الإخ��وان ب�ين فق��دان املب��اردة وت���أزّم القائم���ة‪ ،‬وهو ما قد يح���دو بال�شارع العرب���ى �إىل البحث عن بدائل‬ ‫�إذا كان ن داللة حتملها الأزمة الأخرية داخل �أخرى ميكنها ا�ستيعاب طموحاته وحتقيق �آماله‪.‬‬ ‫امل�شروع‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪63‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫� ُّأي‬ ‫م�ستقبل‬ ‫لل�سودان؟‬ ‫ملاذا يبدو �سيناريو االنف�صال �أقرب للتحقق‬ ‫من �أي وقت م�ضى‪ ،‬وما ال�سبيل للتعامل معه‬ ‫عبده خمتار مو�سى‬

‫‪64‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫عبده خمتار مو�سى �أ�ستاذ م�شارك فـي العلوم ال�سيا�سية‬ ‫جامعة �أمدرمان الإ�سالمية ‪ -‬ال�سودان‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪65‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫مير ال�سودان ب�أزمة �سيا�سية معقدة يعتمد م�سار امل�ستقبل على كيفية معاجلتها‪ .‬فهناك �أزمة‬ ‫ب��ي�ن �شريك����ي احلكم بعد اتفاق ال�س��ل�ام ال�شامل (كينيا ‪ )2005/1/9‬وهم����ا امل�ؤمتر الوطني‬ ‫(احلركة الإ�سالمية) واحلركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان (‪ - SPLM‬حركة التمرد الرئي�سية‬ ‫يف جن����وب ال�س����ودان)‪ ،‬مقرون ًا بها تداعيات �أزمة دارفور داخلي���� ًا وخارجي ًا‪ ،‬وبالتوازي معها‬ ‫تده����ور العالقات م����ع اجلارة ت�شاد‪ ،‬وه����ي دولة مفتاحي����ة يف �أزمة دارف����ور للتداخل القبلي‬ ‫ولإيوائها ودعمها حلركات التمرد الدارفورية امل�سلحة خا�صة حركة العدل وامل�ساواة بقيادة‬ ‫د‪ .‬خلي����ل �إبراهيم‪ ،‬الت����ي حاولت قلب نظام احلكم يف اخلرطوم بالق����وة يف هجوم م�سلح يف‬ ‫العا�شر من �شهر �أيار‪/‬مايو ‪.2008‬‬ ‫هذا �إ�ضاف���ة ِ�إىل قوى املعار�ضة الداخلية التي جمعت الأحزاب ال�شمالية‬ ‫– �أح���زاب الو�س���ط (مث���ل حزب الأم���ة القومي‪ ،‬واحل���زب االحتادي‬ ‫الدميقراط���ي) والي�س���ار (مثل احل���زب ال�شيوعي ال�س���وداين‪ ،‬واحلزب‬ ‫البعث العربي) واليمني (مثل حزب امل�ؤمتر ال�شعبي بزعامة الرتابي الذي‬ ‫ان�شق عن حزب امل�ؤمتر الوطني احلاكم يف ‪ – )1999‬حيث حتالفت هذه‬ ‫الأحزاب وبع�ض الأح���زاب اجلنوبية مع احلركة ال�شعبية يف م�ؤمتر جوبا‬ ‫يف ت�شري���ن الأول‪� /‬أكتوب���ر ‪ 2009‬و�سط خالفات داخل تكتل غري من�سجم‬ ‫�أيديولوجي ًا‪ ،‬مما �أ�ضعفه و�أ�ضعف خمرجاته و�أ�ضعف �إمكانية بناء جبهة‬ ‫معار�ضة قوية ومتما�سك���ة‪ .‬جتلى ذلك الف�شل يف �أول اختبار يف مظاهرة‬ ‫�سلمية قادته���ا �أحزاب حتالف جوبا يف اخلرط���وم (‪ .)2009/12/7‬وقد‬ ‫كان���ت امل�س�ي�رة – الت���ي مل تُ�ص���ادق ال�شرطة عليه���ا ‪ -‬موجه���ة النتقاد‬ ‫احلكوم���ة (�أو حتدي���د ًا امل�ؤمتر الوطني)‪ ،‬متهمة �إياه���ا بالتلك�ؤ يف �إجازة‬ ‫قوان�ي�ن ترى املعار�ض���ة �أنها مهمة لعملية التح���ول الدميقراطي‪ ،‬ال �سيما‬ ‫قان���ون الأمن الوطني‪ .‬النقطة اجلوهرية يف اخلالف هي يف مادة واحدة‬ ‫تخول للجهاز �سلطة االعتقال بينما ترى املعار�ضة �أن يتم جتريد اجلهاز‬ ‫م���ن هذه ال�سلطة‪ ،‬و�أن تنح�صر وظيفته يف جمع املعلومات فقط‪ ،‬يف حني‬ ‫يعرت�ض امل�ؤمتر الوطني على ذلك‪.‬‬ ‫ا�ستجابت احلركة ال�شعبية لدعوة – �أو وعود – امل�ؤمتر الوطني مبعاجلة‬ ‫الأم���ر داخل الربملان (املجل�س الوطن���ي)‪ .‬فان�سلخت احلركة تلقائي ًا من‬ ‫جتمع �أحزاب جوبا املعار�ض‪ ،‬وبالتايل تخلت عن فكرة مناه�ضة احلكومة‬ ‫ب�أ�سل���وب املظاهرات‪ ،‬مم���ا �أدى �إىل �إلغاء موكب �آخر كان���ت تعتزم كتلة‬ ‫املعار�ض���ة ت�سيريه بعد �أ�سبوع من امل�س�ي�رة الأوىل التي ت�صدت لها قوات‬ ‫ال�شرطة وفرقتها بالقوة واعتقلت الع�شرات من بينهم باقان �أموم‪ ،‬الأمني‬ ‫الع���ام للحركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان – وق���د مت �إطالق �سراحهم يف‬ ‫الي���وم ذاته‪ .‬بدا الأمر وك�أمنا ا�ستغلت احلرك���ة ال�شعبية �أحزاب ال�شمال‬ ‫املعار�ضة لل�ضغط على امل�ؤمتر الوطني احلاكم لتحقيق �أجندتها‪ .‬غري �أن‬ ‫حالة ال�شد واجلذب بني ال�شريكني مل ت�صل �إىل نهاية‪.‬‬

‫قمـ��ة جب��ل اجلليـد‬

‫هذا امل�شهد يف واقع الأمر امتداد‬

‫ل�سل�سل���ة من الأزمات بني ال�شريكني خ�ل�ال الأربعة �أعوام املا�ضية (‪2005‬‬

‫– ‪ ،)2009‬حيث كانت �أعنف الأزمات ما و�صل �إليه احلال بني ال�شريكني‬ ‫‪66‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫يف خواتي���م الع���ام ‪ 2007‬عندما �سحبت احلرك���ة ممثليها – الد�ستوريني‬ ‫والتنفيذي�ي�ن – من احلكومة على خلفية اتهامات متبادلة بني الطرفني‪،‬‬ ‫خا�ص���ة م���ن جان���ب احلركة ال�شعبي���ة جتاه امل�ؤمت���ر الوطن���ي‪� .‬أبرز هذه‬ ‫االتهامات �أن امل�ؤمتر الوطني يعمل على تهمي�ش عنا�صر احلركة ال�شعبية‬ ‫امل�شاركني يف احلكومة املعروفة بـ “حكومة الوحدة الوطنية”‪ ،‬و�أن امل�ؤمتر‬ ‫الوطني يخفي حقائق حول �أرقام �إنتاج وت�صدير و�إيرادات النفط (‪85%‬‬ ‫من حق���ول انتاجه يف اجلنوب)‪ ،‬وعدم �إ�شراكه للحركة ال�شعبية يف كثري‬ ‫م���ن امللفات املهمة‪ ،‬مثل �أزمة دارفور‪ ،‬وق�ضية املحكمة اجلنائية الدولية‪،‬‬ ‫وم�س�ألة �أبيي وغريها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مل تتوق���ف الأزمات بني ال�شريكني وهي �أحيان���ا ت�أخذ منحى دراميا يكاد‬ ‫يع�ص���ف بال�شراكة‪ ،‬حيث تت�صاعد املال�سنات يف املنا�سبات املختلفة بني‬ ‫الطرفني مثل ما حدث بني الرئي�س امل�شري ح�سن الب�شري‪ ،‬والفريق �سالفا‬ ‫ك�ي�ر ‪ -‬النائب الأول لرئي�س اجلمهوري���ة ورئي�س احلركة ال�شعبية ورئي�س‬ ‫حكومة اجلنوب ‪ -‬يف احتفال مبدينة جوبا يف عام ‪ ،2008‬و�أحيان ًا ت�صعيد‬ ‫�إعالم���ي ا�ستغل في���ه الطرف اجلنوبي الإعالم ال���دويل كلما زار م�سئول‬ ‫من احلركة ال�شعبية �إحدى دول الغرب‪.‬‬ ‫يف التحلي���ل النهائ���ي ميكن تلخي����ص ال�سبب اجلوهري مله���ددات تنفيذ‬ ‫اتفاقي���ة ال�س�ل�ام – وبالت���ايل مه���ددات م�ستقب���ل الوح���دة وال�سالم يف‬ ‫ال�س���ودان – يف ع���دم الثق���ة بني الطرف�ي�ن‪ .‬وبالتايل ميك���ن النظر لتلك‬ ‫الأزم���ات ب�أنها مبثابة قمة جبل اجلليد التي تُخفي كثري ًا من االحتقانات‬ ‫االجتماعية والرت�سبات النف�سية التي تراكمت عرب فرتة تاريخية طويلة‪.‬‬ ‫وه���ذا بدوره يع�ب�ر عن �ص���راع هويتني‪� :‬إحداهم���ا (�شمالي���ة �إ�سالمية‪/‬‬ ‫عربية) والأخرى (جنوبي���ة �أفريقية‪/‬زجنية‪/‬م�سيحية)‪ .‬الطرف الثاين‬ ‫يرى �أن الأول ينظر له با�ستعالئية‪.‬‬ ‫�إن‬ ‫ديناميكي��ات ال�ص��راع ومه��ددات الوحدة‬ ‫�أك�ث�ر ما يهدد تنفيذ اتفاقية ال�سالم ه���و عدم الثقة واالتهامات املتبادلة‬ ‫ب�ي�ن الطرفني منذ توقي���ع االتفاقية وبداية ال�شراك���ة (‪ ،)2005/7/9‬وحتى‬ ‫تاري���خ كتابة هذا املق���ال (منت�صف كان���ون الأول‪ /‬دي�سمرب ‪ .)2009‬وقد‬ ‫ي�ص���دق الق���ول – كما �أكدت ذلك الكثري من الأح���داث – �أنه كل ما يتم‬ ‫من حوار وجتاوز الأزمات بني ال�شريكني‪ ،‬ال يتجاوز ذلك املهدئات‪ .‬فبعد‬

‫اال�ستعداد ملا هو �أ�سو�أ‪ :‬على حكومة اخلرطوم �أن ت�ضع يف االعتبار �أن اجلنوبيني رمبا ي�ص ِّوتون ل�صالح خيار االنف�صال‪ ،‬و�أن ت�ضع �إ�سرتاتيجية حمددة للتعامل مع هذا الواقع اجلديد‬ ‫م���رور ما يقارب اخلم�سة �أعوام من اتف���اق نيفا�شا (�أي حتى نهاية ‪2009‬‬

‫ومطل���ع ‪ ،)2010‬م���ا زالت العالقة ب�ي�ن الطرفني متوت���رة وم�أزومة‪ .‬وقد‬ ‫�صرح �أحد قيادات احلركة ال�شعبية يف �أيار‪ /‬مايو ‪ 2009‬ب�أن حركته �سوف‬ ‫“ت�ش���ن حرب ًا على احلكومة”‪ ،‬ما مل يت���م ح�سم الق�ضايا العالقة ومن‬ ‫�أهمه���ا‪ .1 :‬ع���دم تنفيذ اتف���اق نيفا�شا ن�ص��� ًا وروح��� ًا؛ ‪ .2‬موقف امل�ؤمتر‬ ‫الوطن���ي من تبعية منطقة �أبي���ي للجنوب (وقد �صدر احلك���م ب�ش�أنها يف‬ ‫‪)22/7/2009‬؛ و ‪ .3‬ت�سلي���ح امل�ؤمتر الوطني قبائل اجلنوب لتقاتل احلركة‬ ‫ال�شعبية‪.‬‬ ‫ويف ت�صعي���د مفاجئ �ص���رح �سالفا كري النائ���ب الأول لرئي�س اجلمهورية‬ ‫ورئي����س احلركة ال�شعبي���ة ب�أن حكومته (حكومة جن���وب ال�سودان) تعمل‬ ‫عل���ى �إعادة تنظيم جي�شه���ا لال�ستعداد للدفاع عن نف�سه���ا �إذا ما عادت‬ ‫احل���رب مرة �أخرى‪ .‬وقال لراديو لندن (‪� )2009/6/18‬أنه لن يبد�أ احلرب‬ ‫ولكنه م�ستعد لها �إذا ما ُفر�ضت عليه‪.‬‬ ‫كذلك من م�ؤ�ش���رات الت�صعيد والدفع بالأمور نح���و االنف�صال ا�ستجابة‬ ‫ن���واب احلركة ال�شعبية داخل الربمل���ان بالت�صفيق احلاد والطويل ملقرتح‬ ‫االنف�ص���ال عن ال�شمال ال���ذي طرحه الع�ضو مارتن تاك���و موي‪ ،‬وتلذذوا‬ ‫بحديث���ه ال���ذي و�ص���ف في���ه ال�شماليني ب�أنهم غ�ي�ر جادي���ن يف ال�سالم‪.‬‬ ‫و�أ�ض���اف‪“ :‬طامل���ا ه���م يق�ص���د ال�شمالي�ي�ن ال يرغب���ون �أن يحكمه���م‬ ‫اجلنوبيون‪ ،‬فيجب علينا �إعالن ا�ستقالل اجلنوب من اليوم‪ ،‬و�أن احلديث‬ ‫عن الوحدة اجلاذب���ة م�ضيعة للوقت” (�صحيفة الر�أي العام ال�سودانية‪،‬‬ ‫‪.)2009/7/5‬‬ ‫ب�صورة عامة لي�س هن���اك ان�سجام بني ال�شريكني‪ .‬بل كثري من الأحداث‬ ‫واالتهامات املتبادلة بينهما – من حني �إىل �آخر – يعك�س عدم ثقة حاد‪،‬‬ ‫ويهدد م�ستقبل هذه ال�شراكة‪ ،‬ويهدد تنفيذ االتفاقية‪ ،‬وي�ضعف اجتاهات‬

‫(‬

‫)‬

‫الوحدة‪ .‬واملتابع لواقع ال�شراكة وعملية تنفيذ االتفاقية على مدى الأربعة‬ ‫�سن���وات املا�ضية يلحظ الكثري من التناق�ضات واختالف الر�ؤى واملواقف‬ ‫ب�ي�ن الطرفني‪ .‬وال يخرج الطرفان من �أزم���ة �إال ودخال يف �أخرى‪ .‬وحتى‬ ‫نهاية العام ‪ 2009‬ظلت اخلالفات بني ال�شريكني قائمة ومتجددة يف كثري‬ ‫من النقاط بل وامل�سائل اجلوهرية‪ .‬فما زال هناك توتر يف منطقة �أبيي‪،‬‬ ‫وما زال هناك اختالف يف م�س�ألة تر�سيم احلدود والقوانني‪.‬‬ ‫كذلك هناك م�شكالت خا�صة باجلانب اجلنوبي رمبا ت�ؤثر �سلب ًا يف تعامل‬ ‫النخبة ال�سيا�سية ال�شمالية مع اجلنوب وم�ستقبله منها‪ :‬مث ًال �أن احلركة‬ ‫ال�شعبي���ة ال متثل كل اجلنوب‪ ،‬فهناك قوى �سيا�سية �أخرى ت�ستنكر هيمنة‬ ‫احلرك���ة على الأم���ور يف اجلنوب واق�صاء القوى الأخ���رى‪ .‬كذلك هناك‬ ‫تياران يف داخل احلرك���ة ال�شعبية‪ :‬تيار القوميني اجلنوبيني الذين يرون‬ ‫ب�ض���رورة االنكفاء جنوب ًا للأخ���ذ بيد اجلنوب دون �إي�ل�اء بقية ال�سودان‬ ‫اعتب���ارات �أكرب وهذا التيار انف�صايل؛ وتيار ال�سودان اجلديد الذي يرى‬ ‫ب�ض���رورة �صياغة ال�س���ودان على �أ�س����س جديدة ت�ستوع���ب اجلميع‪ .‬لكن‬ ‫على ر�أ����س هذه الأ�س����س اجلدي���دة الدميقراطية والعلماني���ة‪ .‬والأخرية‬ ‫(العلماني���ة) غري مقبولة ل�شم���ال يدين بالإ�س�ل�ام‪ ،‬وبالتايل رمبا ي�شكل‬ ‫هذا االجتاه �أي�ض ًا مهدد ًا خليار الوحدة‪.‬‬ ‫ميك���ن احلديث عن الو�ضع يف ال�سودان بعد مرور �أربعة �أعوام على اتفاق‬ ‫ال�سالم ب�أنه يت�سم بال�سلبيات الآتيــة‪:‬‬ ‫رغ���م اتفاقي���ة ال�س�ل�ام �إال �أن املواط���ن ال�س���وداين حت���ى الآن مل ينعم‬ ‫بعائ���دات ال�سالم �أمن ًا �أو رخ���ا ًء اقت�صادي ًا؛ فما زال���ت ال�ضرائب عالية‪،‬‬ ‫وتكلف���ة اخلدمات يف ارتف���اع‪ ،‬وكذلك غالء املعي�شة وزي���ادة ن�سبة الفقر‬ ‫واملعاناة رغم انتاج وت�صدير النفط وتوقف احلرب‪.‬‬ ‫انت�ش���ار ال�س�ل�اح بني الأفراد واالنفالت الأمن���ي يف املدن مثل ما حدث‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪67‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫يف جوبا وملكال وواو (كربيات مدن اجلنوب) ويف بع�ض �أحياء العا�صمة‬ ‫ال�سوداني���ة اخلرطوم خا�صة التي يك�ث�ر فيها اجلنوبيون‪ ،‬كذلك يف �أبيي‪،‬‬ ‫وم���ا حدث ويح���دث لل�شماليني يف اجلنوب من م�ضايق���ات وقتل‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل وجود �أكرث من ‪ 600000‬قطعة �سالح غري مرخ�صة يف �أيدي املواطنني‬ ‫يف جنوب كردفان وحدها‪.‬‬ ‫ت���ردي احلما����س ل���دى املواط���ن لالتف���اق حت���ى يف اجلن���وب رغم كل‬ ‫املكت�سب���ات على امل�ست���وى احلكومي؛ فم���ا زالت عمليات �إع���ادة الإعمار‬ ‫�ضعيفة‪ ،‬وعودة النازحني حمدودة‪.‬‬ ‫ا�ستم���رار احتكار الدول���ة للإعالم امل�سموع واملرئ���ي وتبني وجهة نظر‬ ‫احلكوم���ة (م���ع �أغلبية امل�ؤمتر الوطني)‪ ،‬ال�شيء ال���ذي مل ي�سهم يف ن�شر‬ ‫االتفاقية �أو تناولها املو�ضوعي ون�شر ثقافة ال�سالم‪.‬‬ ‫حال���ة االحب���اط منذ وفاة قرنق وم���ا تالها من �أح���داث رمبا تدفع يف‬ ‫اجت���اه االنف�صال‪ ،‬خا�ص���ة يف وجود عنا�ص���ر من ال�شم���ال واجلنوب لها‬ ‫م�صالح مبا�شرة يف االنف�صال‪.‬‬ ‫الو�ض���ع الد�ستوري االنتقايل احلايل للجنوب والت�سليح الكبري والنوعي‬ ‫للجي�ش ال�شعب���ي الذي ي�سيطر على‬ ‫الأم���ن يف اجلن���وب‪ ،‬وا�ستم���رار‬ ‫اخلالف���ات ب�ي�ن ال�شريك�ي�ن يف‬ ‫كث�ي�ر م���ن الق�ضاي���ا الأ�سا�سي���ة‬ ‫وامل�ستجدات املختلفة؛ كلها عوامل‬ ‫قد جتعل احلرك���ة ال�شعبية تنزوي‬ ‫تدريجي ًا يف اجلنوب وتن�سحب من‬ ‫الق�ضاي���ا القومي���ة‪ ،‬كل ذلك رمبا‬ ‫ي�شجع االجتاه نحو االنف�صال‪.‬‬ ‫اتفاقي���ة نيفا�ش���ا ومب���ا منحت���ه‬ ‫للجنوب‪ ،‬من �سلطة وثروة‪� ،‬شجعت‬ ‫اجلماع���ات امل�سلح���ة الأخ���رى املعار�ض���ة – مث���ل ال�ش���رق ودارف���ور –‬ ‫للمطالبة مبن�صب نائب الرئي�س‪ .‬وهذا من �ش�أنه �أن ي�سبب عدم ا�ستقرار‬ ‫يف الد�ست���ور‪ ،‬وي�شجع املزيد من اجلهات الأخ���رى ملطالبات مماثلة مما‬ ‫ي�سبب تعقيدات �سيا�سية �أخرى‪.‬‬ ‫�أب���رم نظ���ام الإنقاذ اتفاقيات �س�ل�ام معيبة جنح���ت يف �إر�ضاء بع�ض‬ ‫الق���وى ال�سيا�سي���ة ولكنها مل تنج���ح يف بناء ال�سالم الع���ادل ال�شامل‪ ،‬بل‬ ‫�ص���ارت مدخ ًال لتدويل ال�ش����أن ال�سوداين ب�صورة غ�ي�ر م�سبوقة‪ ،‬مثل ما‬ ‫حدث يف دارفور‪ ،‬وجنوب كردفان‪.‬‬ ‫حت���ى منت�صف ‪ 2009‬ما زالت العالقة ب�ي�ن الطرفني م�أزومة ومتوترة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فمث�ل�ا الفري���ق �سلفا ك�ي�ر‪ ،‬وعل���ى الرغم من �أن���ه النائ���ب الأول لرئي�س‬ ‫اجلمهوري���ة �أك���د يف ت�صريح ل���ه (�صحيف���ة ال�س���وداين‪� )2007/6/26 ،‬أن‬ ‫االنف�صاليني يف جنوب ال�س���ودان ي�شكلون الأغلبية العظمى من ال�سكان‪،‬‬ ‫وقال “علينا نحن اجلنوبيون �أن ال ن�سمح لأحد ب�أن ي�ضعنا �أمام خيارين‪:‬‬ ‫�إم���ا �أن نخت���ار الوح���دة ون�صبح مواطنني م���ن الدرجة الثاني���ة‪ ،‬و�إما �أن‬ ‫نخت���ار االنف�صال ونعي�ش يف دولتن���ا امل�ستقلة”‪ .‬ال �شك �أن يف ذلك �إيحاء‬ ‫يف �ش���كل تنوير للجنوبيني ب�أن االنف�صال �أك���رم لهم لأن الوحدة جتعلهم‬ ‫مواطن�ي�ن من الدرجة الثانية‪ .‬ويف ت�صريح ل���ه الحق ًا ل�صحيفة نيويورك‬ ‫تامي���ز (‪� ،)2007/9/25‬شنّ �سلفا كري هجوم��� ًا جديد ًا على امل�ؤمتر الوطني‬ ‫ً‬ ‫قائ�ل�ا “�إنه���م ما زالوا يخادعونن���ا ال �أكرث‪ .‬ونحن ال ن���زال مواطنني من‬ ‫الدرج���ة الرابعة يف بالدنا‪ ،‬وهذا ما �سيدفع بغالبية اجلنوبيني للت�صويت‬ ‫‪68‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ل�صالح االنف�صال”‪.‬‬ ‫ه���ذه االتفاقية رغم عظمته���ا وقيمتها يف �إيقاف احلرب �إال �أنها بطابعها‬ ‫ال�سيا�س���ي واالقت�صادي تظ���ل قا�صرة دون حتقيق االندم���اج الكامل بني‬ ‫�شع���ب ال�شم���ال و�شعب اجلن���وب‪ .‬فه���ي ‪� -‬سيا�سي ًا ‪ -‬ت�ش���رك اجلنوبيني‬ ‫يف مرك���ز القرار‪ ،‬واقت�صادي��� ًا رمبا ت�ساعد يف تخفي���ف ال�شعور بالظلم‪.‬‬ ‫غ�ي�ر �أن كل ذلك يظل تدابري �سيا�سي���ة واقت�صادية ال مت�س جوهر البناء‬ ‫تغي يف طبيعة العالقات اجلنوبي���ة ال�شمالية‪ ،‬وال ميكنها‬ ‫االجتماع���ي �أو ِرّ‬ ‫حتقيق اندم���اج الهويات ال�شمالية اجلنوبية مبا يحق���ق الوحدة الوطنية‬ ‫الكاملة وامل�ستدامة‪.‬‬ ‫خال�ص���ة ه���ذا الط���رح ه���و‬ ‫الر�ؤي��ة امل�س��تقبليـة‬ ‫�أن توقي���ع اتفاقية ال�سالم ال�شامل يف كينيا (‪ 9‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪)2005‬‬ ‫���د للحرب‪ .‬لكن م���ن املخاط���رة االعتماد عليه‬ ‫تكم���ن قيمت���ه يف و�ضع ح ٍ ّ‬ ‫يف ت�أ�سي����س جمتمع �س���وداين متكام���ل (‪)integrated society‬؛ لأن التعويل‬ ‫عل���ى اتفاقية ال�سالم لتكون ً‬ ‫ح�ل�ا جذري ًا يعك�س ر�ؤي���ة قا�صرة وقد يثبت‬ ‫الواق���ع عدم �صدقها‪ .‬هناك فرق كبري بني الواقع االجتماعي و�أطروحات‬ ‫ال�سيا�سيني‪ .‬ومتثل اتفاقية ال�سالم �أحد هذه الأطروحات‪ .‬ذلك لأن‬

‫لي�س هناك ان�سجام بني �شريكي احلكم يف ال�سودان‪،‬‬ ‫ب��ل كثري من الأحداث واالتهامات املتبادلة بينهما‬ ‫– م��ن ح�ين �إىل �آخ��ر – يعك�س ع��دم ثقة حاد‪،‬‬ ‫ويه��دد م�س��تقبل ه��ذه ال�ش��راكة‪ ،‬ويه��دد تنفي��ذ‬ ‫اتفاقي��ة ال�س�لام‪ ،‬وي�ض��عف اجتاه��ات الوح��دة >>‬ ‫ه���ذه االتفاقية تخت���زل م�شكلة معقدة – مث���ل م�شكلة الهوية – يف‬ ‫معاجل���ات �سيا�سية‪-‬اقت�صادي���ة‪ .‬بينما جوهر العالق���ات يكمن يف البعد‬ ‫االجتماعي والهوية الثقافية‪.‬‬ ‫�إن الأم���ر يحت���اج �إىل جه���د كبري ووق���ت طويل ودور فاعل م���ن املفكرين‬ ‫والعلم���اء يف �صياغة برنام���ج وطني لالندماج من خ�ل�ال �آليات حمددة‬ ‫مثل عملية تثاقف م�ستمرة وتفاعل اجتماعي حقيقي يتغري فيه اخلطاب‪،‬‬ ‫وتن�س���اب في���ه عملي���ة الت���زاوج االجتماع���ي لتحقي���ق عملي���ة االندم���اج‬ ‫االجتماعي ال�شاملة والتكام���ل الوطني يف املدى البعيد‪ .‬وهي تعتمد على‬ ‫عملي���ة (هرمنة) للهوي���ات ال�سودانية املتعددة بتفعي���ل تلك الآليات التي‬ ‫�سبق���ت الإ�شارة �إليها‪ .‬لك���ن حتتاج احلكومة لعدة تداب�ي�ر للتمهيد لتلك‬ ‫العملية منها‪:‬‬ ‫�أو ًال‪� :‬إح���داث تنمية �شاملة خا�صة يف جم���ال م�شاريع البنية الأ�سا�سية يف‬ ‫الوالي���ات اجلنوبية‪ ،‬ويف جمال اخلدم���ات لو�ضع �أول لبنة يف �أر�ضية بناء‬ ‫الثقة بني الطرفني‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬التمهيد لعملية االندم���اج االجتماعي والتوا�صل الثقايف عن طريق‬ ‫احلوار الفكري املتوا�صل بني النخبة ال�شمالية واجلنوبية لإزالة احلواجز‪،‬‬ ‫وتعديل ال�صورة الذهنية النمطية التي تراكمت عرب التاريخ‪.‬‬ ‫�إن احلل ال�شامل واجلذري ينبغي �أن ينطلق من ر�ؤية ا�سرتاتيجية �شاملة‬ ‫لل�س�ل�ام و�إال رمب���ا يكون م�صري اتفاقي���ة نيفا�شا (كيني���ا ‪ )2005‬هو ذات‬ ‫م�صري اتفاقية �أدي�س �أبابا (�إثيوبيا ‪ ،)1972‬من حيث احتمال ظهور نخبة‬ ‫جنوبية جديدة تنتقدها وتنق�ضها وترف�ضها‪ ،‬وبالتايل تنقلب عليها ويعود‬

‫ال�سودان مرة �أخ���رى لدوامة التمرد واحلرب الأهلي���ة والتدخل الدويل‪،‬‬ ‫وكل ذل���ك يكون خ�صم ًا على ا�ستقرار البالد والتنمية وم�ستقبل الوحدة‪،‬‬ ‫ويدفع ال�شع���ب ال�سوداين الثمن با�ستمرار الدم���ار واخل�سارة يف الأرواح‬ ‫وامل���وارد‪ .‬ومثل هذا ال�سيناريو ميك���ن �أن يتم بعنا�صر جنوبية جديدة لها‬ ‫ط���رح �آخ���ر رمبا من منطل���ق دين���ي �أو �أيديولوجي �أو كليهم���ا مع ًا وتدعو‬ ‫لالنف�صال الكامل‪.‬‬ ‫�أخري ًا يخل�ص املقال �إىل النتائج التالية‪:‬‬ ‫�إن اتفاقي���ة نيفا�شا (كينيا) لل�سالم قد �أوقفت احلرب لكنها مل حتقق‬ ‫ال�سالم مما يهدد امكانية حدوث وحدة م�ستدامة‪.‬‬ ‫ما زال خطاب النخب اجلنوبية – مبا فيها الطبقة ال�سيا�سية – يقوم‬ ‫على نربة انف�صالية‪ ،‬وما زال يعك�س عدم الثقة‪.‬‬ ‫فجرت‬ ‫�إن اتفاقية نيفا�شا التي قامت على مبد�أ ق�سمة ال�سلطة والرثوة ّ‬ ‫�صراع هويات رمبا يهدد التعاي�ش ال�سلمي‪.‬‬ ‫�إن نيفا�ش���ا �أ�س�ست لنهج جديد (�سلبي) وه���و �أن احلكومة املركزية ال‬ ‫تذع���ن �إال للذين يحملون ال�سالح لذلك ج���اء االنفجار امل�سلح يف دارفور‬ ‫وال�ش���رق و ُن ُذر انفالتات �أخرى يف كردفان (�شهامة و�شمم ثم حتالف‬

‫>> واملتابع لواقع ال�ش��راكة وعملية تنفيذ االتفاقية‬ ‫عل��ى مدى الأربعة �س��نوات املا�ض��ية يلح��ظ الكثري‬ ‫م��ن التناق�ض��ات واخت�لاف ال��ر�ؤى واملواق��ف ب�ين‬ ‫الطرف�ين‪ .‬وال يخرج الطرفان م��ن �أزمة �إال ودخال‬ ‫يف �أخرى‬ ‫كردفان للتنمية ‪.)KAD‬‬ ‫ً‬ ‫�إن ط���رح الوحدوي�ي�ن يف اجلن���وب ي�ش�ت�رط – �ضمن���ا – قي���ام وحدة‬ ‫عل���ى �أ�سا�س مفه���وم ال�س���ودان اجلديد الذي يق���وم عل���ى العلمانية وهو‬ ‫يتناق�ض مع الطرح الأيديولوجي الأ�سا�سي للنخبة ال�شمالية الذي يرف�ض‬ ‫العلماني���ة باعتبارها نقي�ض للحكم الإ�سالم���ي‪ ،‬وهذا التناق�ض اجلذري‬ ‫بني الطرحني ي�ضعف الأمل يف حتقيق وحدة م�ستدامة‪.‬‬ ‫�إن االندم���اج االجتماعي‪/‬الثقايف ال�ل�ازم للتعاي�ش والوحدة امل�ستدامة‬ ‫مل يتحقق باتفاقية �سيا�سية بل مبيكانيزمات املجتمع (التزاوج والتمازج‬ ‫واالن�صه���ار يف بوتق���ة قومية واحدة)‪ ،‬وه���ذه امليكانيزمات غري متوافرة‬ ‫الآن يف احلال���ة ال�سودانية بني ال�شمال واجلنوب حيث �أكدت ذلك جتربة‬ ‫�أبيي التي دامت لعدة قرون‪.‬‬ ‫�إن التن���وع الديني والإثني والثقايف لي�س امل�شكل���ة‪ ،‬و�إمنا تكمن امل�شكلة‬ ‫يف ف�ش���ل النخب احلاكم���ة يف حتقيق العدالة والت���وازن بني مكونات هذه‬ ‫املوزاييك (الف�سيف�ساء)‪.‬‬ ‫جان���ب �آخر مهم ح���ول �ضمانات ا�ستدامة ال�سالم ه���و �أن ت�ضع احلكومة‬ ‫ال�سوداني���ة يف احل�سبان ب�أن وف���اة جون قرنق ال تعني نهاي���ة �أيديولوجيا‬ ‫احلرك���ة ال�شعبية‪ .‬فاحلركة ال�شعبية لها مباد�ؤها و�أدبياتها التي ما تزال‬ ‫النخب���ة اجلنوبي���ة متم�سكة به���ا‪ .‬فر�ؤي���ة احلركة املتمثل���ة يف “ال�سودان‬ ‫اجلديد” تنطوي على خيارات �أ�سا�سية على ر�أ�سها �إقامة �سودان جنوبي‬ ‫م�ستق���ل قوام���ه كونفدرالي���ة (‪ )Confederacy‬من النيلي�ي�ن واال�ستوائيني‬ ‫لت�شكي���ل “جمهوري���ة �أزاني���ا” (‪ .)The Republic of Azania‬فه���ل بتوقي���ع‬ ‫اتفاقي���ة ال�س�ل�ام تخل���ت احلركة ال�شعبية ع���ن هذا اخلي���ار؟ رمبا يكون‬

‫خي���ار ال�س�ل�ام قد �أ�صبح قوي ًا وواقعي��� ًا للحركة ال�شعبية عل���ى �أ�سا�س �أنه‬ ‫مرحل���ة انتقالية‪ .‬مبعنى �أن���ه ال يعني تخلي احلركة عن خياراتها الأخرى‬ ‫بق���در ما يعني ت�أجيلها و�إعطاء فر�ص���ة لل�سالم الذي ميكن �أن يحقق لها‬ ‫�أهدافه���ا الإ�سرتاتيجي���ة بطريقة �أف�ض���ل مما ميكن حتقيق���ه باحلرب‪،‬‬ ‫خا�صة �إذا ما و�ضعن���ا يف احل�سبان ال�ضغوط الدولية على الطرفني جتاه‬ ‫احل���ل ال�سلمي‪� ،‬إ�ضاف���ة �إىل اجلانب الإن�ساين حيث م���ات باحلرب �أكرث‬ ‫من مليوين �سوداين ومت ت�شريد �أكرث من ثالثة ماليني من اجلنوب الذي‬ ‫د ُِّمرت في���ه البنية التحتية وتوقفت التنمية �إ�ضافة �إىل الآثار االجتماعية‬ ‫والنف�سية للحرب‪.‬‬ ‫لذلك على حكومة امل�ؤمتر الوطني �أن ت�ضع يف االعتبار �أن �شعب اجلنوب‬ ‫رمب���ا ي�ص ِّوت ل�صال���ح خيار االنف�ص���ال‪ ،‬و�أن ت�ض���ع �إ�سرتاتيجية حمددة‬ ‫للتعامل مع هذا الواقع اجلديد‪ .‬وهذا ي�ستدعي النظر �إىل ال�سيناريوهات‬ ‫الت���ي �سوف ترتت���ب على واقع االنف�ص���ال‪� .‬صحي���ح �أن يف داخل احلركة‬ ‫ال�شعبي���ة تياران متعار�ضان‪ :‬تيار وحدوي و�آخر �إنف�صايل‪ .‬ويدعو الأخري‬ ‫�إىل قيام ال�سودان اجلديد الذي يقوم على الدميقراطية والعلمانية‪ ،‬ويرى‬ ‫�أن ذل���ك ال يت�أت���ى �إال باالنف�ص���ال‪.‬‬ ‫لكن هذا اخليار – االنف�صال ‪-‬‬ ‫يق���رره �شعب اجلنوب من خالل‬ ‫اال�ستفتاء ولي�س النخبة‪ .‬غري �أن‬ ‫النخبة اجلنوبية التي تقود خيار‬ ‫االنف�ص���ال عل���ى الأرجح ت�شجع‬ ‫�شع���ب اجلنوب ب����أن الوحدة مل‬ ‫تع���د جاذب���ة و�أن الإنف�صال هو‬ ‫الأف�ضل‪.‬‬ ‫يرى ه���ذا املقال الأف�ضل �أن يتم‬ ‫االنف�صال ب�ص���ورة �سلمية‪ ،‬و�أن‬ ‫ال ت�ضع احلكومة العقبات �أمامه لأن ال�سودان (ال�شمايل) �إذا فقد اجلزء‬ ‫اجلنوب���ي ب�صورة غري �سلمية ف�إن الدولة النا�شئة �سوف ت�شكل من ناحية‬ ‫�إ�سرتاتيجي���ة خطر ًا �أك�ب�ر من حرب اجلن���وب نف�سها‪ .‬ذل���ك لأن الدولة‬ ‫الولي���دة �سوف تت�شكل يف �سياق خمتلف عن ال�شم���ال ورمبا تدير نخبتها‬ ‫ظهرها لل�س���ودان ال�شمايل – وهم يحملون يف دواخلهم مرارات املا�ضي‬ ‫ لت�شكيل حتالفات مع دوائر �أفريقية وغربية‪ ،‬ورمبا �صهيونية‪ ،‬قد تهدد‬‫كيان ال�سودان ال�شمايل‪.‬‬ ‫�أم���ا من ناحي���ة البنية الداخلي���ة للدولة الوليدة فعل���ى حكومة اخلرطوم‬ ‫�أن ت�ض���ع يف االعتب���ار اال�ضطرابات الت���ي �سوف تندل���ع يف �شكل توترات‬ ‫ونزاع���ات قبلية وحروب �أهلية قد ينتقل ت�أثريه���ا �إىل ال�شمال من خالل‬ ‫التداخ���ل القبلي وحركة الرعاة من ال�شم���ال للجنوب دون وعي باحلدود‬ ‫ال�سيا�سية اجلديدة‪.‬‬ ‫كذل���ك �إذا انف�صل اجلنوب (باال�ستفت���اء �أو بغريه) رمبا ت�سعى الواليات‬ ‫املتح���دة الأمريكي���ة‪ ،‬ومعه���ا �إ�سرائي���ل‪ ،‬لدع���م ه���ذه الدول���ة اجلدي���دة‬ ‫وتزويده���ا بالتكنولوجيا والتدري���ب واملال وال�س�ل�اح لت�أ�سي�س “�إ�سرائيل‬ ‫�أفريقي���ة”‪ .‬فعلى حكومة اخلرطوم �أن تتوقع كل ال�سيناريوهات و�أن تغري‬ ‫م���ن �سيا�ستها جت���اه اجلنوبيني لك�سب ثقة قادة لدول���ة جارة رمبا حتتاج‬ ‫لل�س���ودان ال�شمايل يف كل �شئ ب���د ًال من �أن تلج�أ للقوى الإقليمية والدولية‬ ‫الأخرى فتكون خ�صم ًا على ا�ستقرار و�أمن ال�سودان ال�شمايل بد ًال عن �أن‬ ‫تكون جارة �صديقة وحليف ًا ا�سرتاتيجي ًا‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪69‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫ا�سرتاتيجية‬ ‫�أوباما اجلديدة‬ ‫فـي �أفغان�ستان‬

‫الفر�ص والتحديات وامل�صري‬ ‫علـي ح�سيـن باكيـر‬

‫عل���ى الرغم م���ن �أن �أفغان�ستان بلد حبي�س م���ن الناحية اجليوبوليتيكي���ة ‪،Land -Locked State‬‬ ‫وفق�ي�ر م���ن الناحية االقت�صادية‪ ،‬ا ّال �أنّ موقعه يف �س ّدة الع���امل ‪� Top of the World‬أغرى العديد‬ ‫من القوى العاملية تاريخي ًا على احتالله‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لطاملا لعب هذا البلد دور ًا حا�سم ًا يف �إحداث‬ ‫حت ّوالت جوهرية يف تفاعالت العالقات الدولية‪ ،‬فبقدر ما يكون غزوه يف العادة �سه ًال جد ًا‪ ،‬بقدر‬ ‫م���ا تك���ون حماولة البقاء داخله �أو تغيري واقعه �أمر �شبه م�ستحي���ل‪ ،‬مما يجعل منه عقدة تاريخية‬ ‫للإمرباطوريات ميتلك القدرة على ا�ستنزافها والت�أثري يف م�صريها‪.‬‬ ‫تواجه الواليات املتحدة اليوم هذا الواقع ال�صعب يف �أفغان�ستان‪ ،‬وهي مثقلة ب�أعباء موقعها الدويل‬ ‫وخائفة من �أن تلقى م�صري الأمم ال�سابقة التي دخلته ومل تخرج منه ا ّال مفككة �أو منهارة‪ ،‬خا�صة‬ ‫�أن جت���ارب بريطاني���ا واالحتاد ال�سوفيتي يف �أفغان�ستان ال ت���زال ماثلة يف ذهنها‪ ،‬يف وقت يت�ساءل‬ ‫في���ه اجلميع عن مدى قدرة الإ�سرتاتيجية التي �أقرها الرئي����س باراك �أوباما على انت�شال �أمريكا‬ ‫م���ن ورطته���ا يف ظل تراج���ع موقعها العاملي كق ّوة خارق���ة ‪ Super Power‬منذ �أح���داث ‪� 11‬أيلول‪/‬‬ ‫�سبتمرب ‪.2001‬‬

‫‪70‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫علي ح�سني باكري باحث فـي العالقات الدولية‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير ‪71 2010‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫�سيا�س��ة �أوبام��ا جت��اه �أفغان�س��تان عن��د ت�س��لّمه‬ ‫يف �شهادت���ه �أم���ام جلنتَ���ي اخلدم���ات‬ ‫الرئا�س��ة‬

‫ملجل�سي ال�شي���وخ والنواب‪ ،‬بداية �شهر كان���ون الثاين‪/‬يناير‬ ‫امل�س َّلح���ة َ‬ ‫‪2009‬؛ ّ‬ ‫خل����ص وزير الدفاع الأمريك���ي روبرت غيت�س موقع �أفغان�ستان‬ ‫يف الئحة املهام احليوية والإ�سرتاتيجية للإدارة الأمريكية اجلديدة‪،‬‬ ‫بقوله‪�« :‬إن �أفغان�ستان هي �أعظم حتدياتنا الع�سكرية حالي ًا‪ ،‬والرئي�س‬ ‫(�أوبام���ا) �أعل���ن بو�ضوح �أنّ امل�سرح الأفغاين يج���ب �أن يكون على ر�أ�س‬ ‫�أولوياتنا الع�سكرية عرب البحار»‪.‬‬ ‫وفور ت�س ّلمه ملن�صبه يف البي���ت الأبي�ض خلف ًا لبو�ش االبن‪ ،‬وممار�سة‬ ‫مهام���ه الفعلية يف ‪ 21‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪� ،2009‬شرع الرئي�س �أوباما‬ ‫يف �إع���ادة تقييم���ه للأو�ض���اع يف �أفغان�ست���ان‪ ،‬وق���رر يف ‪� 17‬شب���اط‪/‬‬ ‫فرباي���ر ‪ 2009‬املوافق���ة على زيادة عديد الق���وات الأمريكية املوجودة‬ ‫يف �أفغان�ست���ان ب���ـ ‪ 17000‬جندي خالل ‪� 6‬أ�شهر عل���ى �أن يكون الهدف‬ ‫منها‪:‬‬ ‫ منع تدهور الأو�ضاع‪.‬‬‫ حتقيق اال�ستقرار‪.‬‬‫ تدريب قوات �أفغانية‪.‬‬‫كما قرر الرئي�س �أوباما و�ضع �إ�سرتاتيجية جديدة للتعامل مع الو�ضع‬ ‫الأفغ���اين‪ ،‬واخل���روج من امل����أزق العميق يف ظل ت�صاع���د قوة طالبان‬ ‫وتت���ايل الت�صريحات الع�سكرية الأمريكية التي ت�شري �إىل �أنّ الواليات‬ ‫امل ّتح���دة على و�ش���ك خ�سارة �أفغان�ست���ان نهائي ًا م���ا مل يتم الت�صرف‬ ‫�سريع ًا‪.‬‬ ‫ويف ‪� 27‬آذار‪/‬مار����س ‪ ،2009‬مت الإع�ل�ان ع���ن الإ�سرتاتيجي���ة الأ ّولية‬ ‫ال�شامل���ة للتعام���ل مع �أفغان�ست���ان‪ ،‬ومن �أبرز املالحظ���ات التي ميكن‬ ‫ت�سجيلها على هذه الإ�سرتاتيجية يف هذا الإطار‪:‬‬ ‫�أو ًال‪� :‬أ ّنه���ا غ�ّيترّ ت الهدف املعلن من احلرب‪ ،‬وال���ذي ّمت �إقراره يف‬ ‫عه���د بو�ش االبن ومتحور حول القب�ض على �أ�سامة بن الدن‪ ،‬والق�ضاء‬ ‫عل���ى القاعدة وطالبان ك�أولوية‪ ،‬والت ّ‬ ‫���ف عليه عرب �إقرار �أهداف �أكرث‬ ‫واقعية وقابلة للتحقيق‪.‬‬ ‫ثاني�� ًا‪ :‬ربط���ت ال�ساح���ة الأفغاني���ة والباك�ستاني���ة يف ق�ضية واحدة‬ ‫و�أعطته���ا بع���د ًا �إقليمي��� ًا ودولي��� ًا م���ن خ�ل�ال الرتكيز عل���ى القاعدة‬ ‫و»الإرهابيني»‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪� :‬أنها �أعطت �أهمية ل���دور القوات الأفغانية واحلكومة الأفغانية‬ ‫يف ت�س ّلم م�سئوليات املرحلة املقبلة‪.‬‬ ‫رابع�� ًا‪ :‬ربطت اخلي���ار الع�سكري م���ع خيارات �أخ���رى �أي�ض ًا كخيار‬ ‫التفاو����ض مع الفئات «املعتدلة» من طالب���ان‪ ،‬وخيار مواجهة الأفغان‬ ‫عرب الأفغان‪� ،‬أي ا�ستن�ساخ منوذج ال�صحوات العراقية (ت�سليح قوات‬ ‫قبلية �أفغانية لتواجه طالبان بنف�سها)‪.‬‬ ‫خام�س��� ًا‪ :‬دجمت البع���د الع�سكري بالبعد امل���دين الإغاثي والتنموي‪،‬‬ ‫‪72‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫وهو اع�ت�راف بف�شل �سيا�سة الق ّوة الع�سكري���ة وحدها يف حل املع�ضلة‬ ‫الأفغانية‪.‬‬

‫امل�شاكل التي واجهت �إ�سرتاتيجية‬ ‫واجه���ت �إ�سرتاتيجي���ة اوباما على‬ ‫�أوبام��ا الأ ّولي��ة‬

‫�أر�ض الواقع العديد من امل�شاكل عند تنفيذها �أبرزها‪:‬‬ ‫التخ ّب���ط وع���دم التن�سيق بني عم���ل القوات الأمريكي���ة التي تعمل‬ ‫�ضم���ن (‪ )OEF‬والبالغ عدده���ا حتى نهاية �شهر ت�شري���ن �أول‪�/‬أكتوبر‬ ‫‪ 2009‬ح���وايل ‪� 36‬ألف جندي‪ ،‬وقوات النات���و (‪ )NATO‬البالغ عددها‬ ‫حوايل ‪( 71030‬من �ضمنهم ح���وايل ‪ 34800‬جندي �أمريكي)‪ .‬وي�شري‬ ‫عدد من امل�سئول�ي�ن الربيطانيني �إىل �أنّ �أحد الأ�سباب الرئي�سية وراء‬ ‫هزمي���ة وا�شنط���ن والنات���و يف �أفغان�ست���ان يرجع �إىل غي���اب التن�سيق‬ ‫واالفتقار �إىل التزام وا�سع‪ ،‬و�أدى �إىل ارتفاع عدد القتلى من املدنيني‬ ‫بعمليات التحالف‪ ،‬ما �سمح حلركة طالبان با�ستغالل الثغرات والبدء‬ ‫بتنفي���ذ عملي���ات متزاي���دة خارج معاقله���ا يف اجلن���وب‪ ،‬والعودة �إىل‬ ‫�أج���زاء من �أفغان�ستان كانوا ي�سيطرون عليها قبل االحتالل الأمريكي‬ ‫يف العام ‪.2001‬‬ ‫الغي���اب التام للتن�سيق الف ّعال للجه���د الدويل الإن�ساين والإعماري‬ ‫يف �أفغان�ست���ان‪ ،‬وهو ما ف ّرغ الإ�سرتاتيجية من فحواها املدين وجعلها‬ ‫تقت�صر على ال�شق الع�سكري‪ ،‬الذي مييل ل�صالح طالبان يف املعطيات‬ ‫احلالية‪.‬‬ ‫�أ ّما عل���ى امل�ستوى الأفغاين‪ ،‬مل جت���د الإ�سرتاتيجية �شريك ًا داخلي ًا‬ ‫م�سئ���و ًال قادر ًا على مواكبتها‪� .‬إذ تع���اين الطبقة احلاكمة من الف�ساد‬ ‫امل�ست�شري فيه���ا‪ ،‬وال تتمتع بالكفاءة الالزم���ة لإدارة البالد‪ ،‬ومعظم‬ ‫الطبق���ة ال�سيا�سي���ة فا�شل���ة‪ ،‬وتر ِّكز عل���ى امل�صال���ح ال�شخ�صية وعلى‬ ‫نطاقه���ا القبلي ال�ض ّي���ق‪ ،‬وهو ما جع���ل املوقف الأمريك���ي والتحالف‬ ‫ال���دويل يف غاية الإحراج �أمام �إ�سرتاتيجي���ة طالبان التي تتق َّدم منذ‬ ‫م���دة طويلة ببطء لكن بثب���ات؛ ال�ستعادة ال�سيطرة عل���ى �أفغان�ستان‪،‬‬ ‫حي���ث �أ�صبح���ت احلركة توج���د ب�شكل كثي���ف وتقوم بن�سب���ة عمليات‬ ‫مرتفعة يف ‪ 80%‬من م�ساحة �أفغان�ستان‪.‬‬ ‫ثب���ت �أنّ �إغالق احلدود مع باك�ستان �أمر �صعب ومعقد جد ًا‪ ،‬وحتى‬ ‫ل���و افرت�ضنا وقوع ذل���ك‪ ،‬ف�إن هزمي���ة طالبان �ستتطل���ب وقت ًا طوي ًال‬ ‫مب���ا �أ ّنهم ميتلكون زخم ًا �شعبي��� ًا عالي ًا‪ ،‬كم���ا �أنّ �إدراج باك�ستان بهذا‬ ‫الفج والعلني يف الإ�سرتاتيجية �أوقعها يف م�شكلة داخلية‪ ،‬حيث‬ ‫ال�شكل ّ‬ ‫�أ�صبح���ت �شريحة وا�سعة من الباك�ستانيني تنظر �إىل العمل الع�سكري‬ ‫احلكوم���ي �ضد طالبان باك�ستان على �أنه تنفيذ لأوامر �أمريكية ولي�س‬ ‫مل�صلحة داخلية وطنية‪.‬‬ ‫يف‬ ‫ماكري�س��تال و�إعادة تقييم الأو�ض��اع‬ ‫تقري���ره الر�سمي ح���ول «التقيي���م الأويل للإ�سرتاتيجي���ة الع�سكرية»‪،‬‬ ‫ر�أى اجلرنال �ستانلي ماكري�ست���ال قائد القوات امل�شرتكة (الأمريكية‬ ‫والتابع���ة حللف �شم���ال الأطل�س���ي) يف �أفغان�ستان ب�أنه���ا غري ناجحة‬

‫ب�شكله���ا ال�ساب���ق وبحاج���ة �إىل تعديل‪ ،‬عل���ى اعتبار �أنه���ا تفتقر �إىل‬ ‫الو�سائ���ل الالزمة لإجنازها و�أهمها القوات الع�سكرية‪ .‬ولذلك طالب‬ ‫اجلرنال ماكري�ستال بزيادة القوات هناك بواقع ‪� 40‬ألف جندي كحد‬ ‫�أدن���ى مع خماطر عالية من �أن ي�ستمر تدهور الو�ضع ل�صالح طالبان‪،‬‬ ‫وبواقع ‪� 60‬ألف جندي كمعدل و�سطي مع خماطر متو�سطة‪ ،‬وبواقع ‪80‬‬ ‫�ألف جندي �إذا كان املراد ا�ستبعاد احتماالت خ�سارة احلرب هناك‪.‬‬ ‫لك���ن كان وا�ضحا �أ ّنه لي����س با�ستطاعة الوالي���ات املتّحدة توفري هذا‬ ‫الع���دد من اجلنود يف ظل الإره���اق واال�ستنزاف الذي �أ�صاب اجلي�ش‬ ‫الأمريك���ي مع وج���ود حوايل ‪� 120‬أل���ف جندي يف الع���راق وحوايل ‪68‬‬ ‫�ألف جندي يف �أفغان�ستان‪� ،‬إ�ضافة �إىل عدم قدرة احلكومة الأمريكية‬ ‫متوي���ل طلب اجلرنال �ستانلي نتيجة للم����أزق االقت�صادي الذي تعاين‬ ‫منه �إثر الأزمة االقت�صادية العاملية وارتفاع تكاليف احلربني العراقية‬ ‫والأفغاني���ة �إىل �أكرث من تريليون دوالر‪ .‬كما مل يكن هناك �إجماع بني‬ ‫التحال���ف ال���دويل على زيادة ع���دد الق���وات الع�سكرية عل���ى الأر�ض‬ ‫يف �أفغان�ست���ان‪ ،‬ال�سيم���ا من ِق َبل فرن�سا و�أملانيا وكن���دا‪ ،‬نظر ًا للخطر‬ ‫احلقيقي الذي �ستتعر�ض له هذه القوات يف ظل تطور قدرات طالبان‬ ‫الع�سكرية ب�شكل ف ّعال وحا�سم‪.‬‬

‫ �إر�س���ال املزي���د م���ن اجلن���ود بواق���ع ‪� 30‬أل���ف جندي �إ�ض���ايف �إىل‬‫�أفغان�ست���ان بدء ًا من مطلع ‪ ،2010‬عل���ى �أن تقوم دول الناتو ب�إر�سال ‪5‬‬ ‫�آالف جندي على الأقل‪.‬‬ ‫ حتدي���د موع���د للبدء ب�سح���ب القوات‪ ،‬وذل���ك بع���د ‪� 18‬شهر ًا من‬‫تاريخه‪� ،‬أي يف منت�صف ‪.2011‬‬ ‫�أ ّم���ا التعدي�ل�ات الت���ي �أدخلت يف نط���اق الأهداف‪ ،‬والت���ي متت بعد‬ ‫ن�صت على‪:‬‬ ‫م�شاورات مكثفة مع فريق الأمن القومي‪ ،‬فقد ّ‬ ‫جتريد تنظيم القاعدة من املالذ الآمن‪.‬‬ ‫كب���ح الزخ���م الذي اكت�سبت���ه حركة طالب���ان و�إفقاده���ا القدرة على‬ ‫الإطاحة باحلكومة‪.‬‬ ‫تعزيز قدرات قوات الأم���ن واحلكومة الأفغانية كي تتمكن من ت�س ّلم‬ ‫القيادة مب�سئولية‪.‬‬ ‫كما �سبق �إعالن هذه التعديالت اجلوهرية‪ ،‬طرح “مبادرة الدفاع”‬ ‫الت���ي يحثّ فيه���ا امل�سئولون الأمريكي���ون على ا�ستح���داث “�صحوات‬ ‫�أفغانية” ملواجهة طالبان يف مناطق اجلنوب وال�شرق من �أفغان�ستان‪،‬‬ ‫ع�ب�ر ت�سلي���ح �آالف القبلي�ي�ن املعادين لطالب���ان لإ�شغاله���م ريثما يتم‬ ‫تدريب القوات احلكومية الكافية‪.‬‬ ‫وميكنن���ا‪ ،‬يف هذا الإطار‪� ،‬أن نالحظ �أنّ الإ�سرتاتيجية املعدّلة جاءت‬ ‫لترُ �ضي اجلهات امل�ؤيدة لزيادة القوات الأمريكية عرب �إقرار الزيادة‪،‬‬ ‫وجاءت �أي�ض ًا لترُ �ضي معار�ضي الزيادة عرب حتديد تاريخ لبدء �سحب‬ ‫القوات الأمريكية من �أفغان�ستان‪.‬‬ ‫كم���ا ميكننا مالحظ���ة �أنّ الإ�سرتاتيجية املعدّلة حمل���ت �أهداف ًا �أكرث‬ ‫توا�ضع���� ًا من �سابقته����ا‪ .‬فعلى الرغم م����ن �أنّ عدد الق����وات الأمريكية‬ ‫املوج����ودة يف �أفغان�ست����ان �سيبلغ مع ه����ذه الزيادة حوايل‬

‫�شهد الداخل‬ ‫�إ�س�تراتيجية �أوباما اجلديدة‬ ‫الأمريكي بداية لتململ وا�سع النطاق على ال�صعيد ال�شعبي والر�سمي‬ ‫�أي�ض ًا نظر ًا لتفاقم املع�ضلة الأفغانية �سريع ًا وتدهور الو�ضع‪ ،‬وارتفاع‬ ‫عدد قتلى اجلنود الأمريكيني �إىل �أكرث من ‪ 300‬قتيل حتى بداية �شهر‬ ‫‪� ،12‬أي حوايل �ضعفي عدد القتلى الأمريكيني عام ‪ ،2008‬كما ارتفعت‬ ‫م�صاري���ف متويل العمليات الع�سكرية الأمريكية فقط �إىل ‪ 60.2‬مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬الأمر الذي بد�أ ُيف ِقد الرئي�س �أوباما الزخم املتع ّلق ب�أفغان�ستان‬ ‫والذي ح�صل عليه عند فوزه باالنتخابات �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪.‬‬ ‫و�أظه���ر ا�ستط�ل�اع لل���ر�أي ترا‬ ‫للحربجيف���ع ك ّلما طال املكوث الأجنبي يف �أفغان�ستان ك ّلما ازداد غرقه‬ ‫امل�ؤيدي���ن لطريق���ة �إدارته‬ ‫�أفغان�ست���ان م���ن ‪� 56%‬إىل ‪ ،44%‬كما يف امل�ستنقع وق ّلت خياراته‪ ،‬وظهرت نتائج ا�ستنزافه‬ ‫�ضغ���ط اجلمهوري���ون باجت���اه زيادة‬ ‫املـذل!‬ ‫القوات وعلى ر�أ�سهم املر�شح ال�سابق ب�شكل مي ّهد خلروجه‬ ‫للرئا�س���ة الأمريكي���ة ال�سيناتور جون‬ ‫ماك�ي�ن‪ .‬ومن املعروف �أنّ خيار زيادة‬ ‫الق��� ّوات يحت���اج �إىل �صرب وجه���د‪ ،‬و�إىل وق���ت ومتوي���ل‪ ،‬و�إىل عتاد‬ ‫وتدريب‪ ،‬كما �أنّ النتائج قد ال تكون م�ضمونة ذلك �أنّ الواقع الأفغاين‬ ‫مع ّق���د للغاي���ة‪ ،‬ال�سيما يف ظ���ل تطور ق���درات الطالب���ان الع�سكرية‬ ‫وتكتيكاتها القتالية‪.‬‬ ‫و�أمام ه���ذا الواقع‪ ،‬ونظر ًا للم�شاكل التي اعرت�ضت‬ ‫تنفي���ذ الإ�سرتاتيجية‪ ،‬قام الرئي�س �أوباما يف الأول‬ ‫من كان���ون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ ،2009‬باملوافقة‬ ‫عل���ى �إق���رار تعدي�ل�ات جوهري���ة نظ���ر ًا‬ ‫ون�صت على‪:‬‬ ‫لأهميتها‪ّ ،‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪73‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫�إع��ادة تقيي��م الو�ض��ع‪ :‬ق���رر الرئي����س �أوبام���ا و�ض���ع‬ ‫�إ�سرتاتيجية جديدة للتعامل م���ع الو�ضع الأفغاين‪ ،‬واخلروج‬ ‫من امل�أزق العميق يف ظل ت�صاعد قوة طالبان‬

‫‪� 100‬أل����ف جندي �أمريك����ي‪� ،‬إال �أنّ جوهرها الع�سك����ري املتمثل بزيادة‬ ‫الق����وات ارتب����ط ب�إع��ل�ان تاريخ ان�سحاب‪ ،‬مم����ا يعن����ي �أنّ الهدف من‬ ‫الزي����ادة الع�سكرية ال يكمن يف االنخ����راط يف حرب كبرية مع طالبان‬ ‫للق�ض����اء عليها‪ ،‬فه����ذا غري ممكن �أ� ً‬ ‫صال يف ظرف �سن����ة‪ ،‬و�إمنا ت�أمني‬ ‫اال�ستقرار وتهيئة اجلنود الأفغان لال�ضطالع مبهامهم‪ ،‬وما تبقى يتم‬ ‫ح�ش����ده لوقف زحف طالب����ان التي باتت ت�سيطر وفق ًا ملا �أدىل به رئي�س‬ ‫هيئ����ة الأركان امل�شرتكة للق����وات الأمريكية مايكل مولن على ثلث عدد‬ ‫الواليات الأفغانية وتعمل على تو�سيع تواجدها يف باقي الواليات‪.‬‬ ‫�أ ّما عنا�صر تنفيذ ه����ذه الإ�سرتاتيجية فت�شري �إىل التم�سك مبا ميكن‬ ‫�أن ن�سميه “اخليار العراقي”‪ ،‬والذي يعتمد على‪:‬‬ ‫ ا�ستغالل الزيادة الع�سكرية يف ت�سريع زخم تدريب القوات الأفغانية‬‫الع�سكري����ة‪� ،‬إ�ضافة �إىل وقف التمدد الطالباين والزحف باجتاه املدن‬ ‫الكربى وعلى ر�أ�سها كابل‪.‬‬ ‫ فت����ح الباب التفاو�ضي مع م����ن يو�صفون بالعنا�ص����ر املعتدلة داخل‬‫املقاوم����ة‪� ،‬أو من يريد �أن يرتاجع عن العمل امل�س ّلح‪ ،‬وذلك بهدف �شق‬ ‫�صف����وف املقاتلني من جهة‪ ،‬وا�ستيعاب املرتاجعني لإدماجهم بالعملية‬ ‫ال�سيا�سية لإعطائها ال�شرعية الالزمة من جهة ثانية‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ خل����ق جبهة داخلية �شبيهة بال�صح����وات العراقية معادية لطالبان‪،‬‬‫والتعاون مع دول اجلوار لتحقيق الأهداف املرجوة‪.‬‬ ‫نظ����ر ًا لتداخ����ل‬ ‫م�ص�ير الإ�س�تراتيجية الأمريكي��ة‬ ‫العنا�ص����ر الت����ي تعتمد عليه����ا الإ�سرتاتيجية الأمريكي����ة املعدّلة‪ ،‬ولأنه‬ ‫ال ميك����ن االعتم����اد على الق���� ّوة الع�سكري����ة وحدها لتحقي����ق الأهداف‬ ‫املرج���� ّوة‪ ،‬ف�إن م�صري الإ�سرتاتيجي����ة يتع ّلق ب�شكل �أ�سا�سي بثالث �أمور‬ ‫�أ�سا�سية هي‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬و�ض����ع حركة طالبان ومدى قدرتها عل����ى امت�صا�ص ال�صدمة‬ ‫الأوىل لزيادة عدد القوات‪ ،‬ومن ّثم مدى التك ّيف الذي من املمكن �أن‬ ‫حتقق����ه يف مواجهة �إ�سرتاتيجية �أوباما اجلديدة‪ .‬وقد بدا وا�ضح ًا من‬ ‫خالل �سري الأحداث �إىل الآن �أنّ طالبان م�ستعدة ب�شكل تام‪ ،‬بل و�أنها‬ ‫متلك �إ�سرتاتيجية مواجهة تعمل على حت�شيد كل عنا�صر القوة‪ ،‬وكان‬ ‫�أح����د �أب����رز معاملها ال�ضربة املوجع����ة التي ت ّلقتها املخاب����رات املركزية‬ ‫الأمريكي����ة (‪ )CIA‬وه����ي م����ن �أك��ب�ر العملي����ات الت����ي �أدت �إىل خ�سائر‬ ‫مرتفعة يف تاريخها‪.‬‬ ‫ثاني�� ًا‪ :‬طريقة �أداء قوات التحالف عل����ى �أر�ض الواقع ومدى القدرة‬ ‫على ال�س��ي�ر يف م�سار مت����وازن بني اجلهد الع�سك����ري واجلهد املدين‪،‬‬

‫�إ�ضاف���ة �إىل قدرة وا�شنطن على التن�سي���ق بينها وبني جميع الأطراف‬ ‫الداخلي���ة والإقليمي���ة والدولية املعني���ة بتطبيق ه���ذه الإ�سرتاتيجية‪،‬‬ ‫ال�سيم���ا و�أنّ م�شكل���ة احلدود م���ع باك�ستان والت�شاب���ك القبلي‪ ،‬ت�ش ّكل‬ ‫مع�ضل���ة من �ش�أن عدم ح ّله���ا �أن يع ّقد الأمور ويزي���د من قوة طالبان‬ ‫الت���ي تتغ ّذى على اخلزان الب�شري واملواق���ع الآمنة على طول احلدود‬ ‫مع باك�ستان‪.‬‬ ‫ثالث�� ًا‪ :‬مدى قدرة احلكوم���ة الأفغانية واجلي����ش الوطني الذي يتم‬ ‫حت�ضريه على اال�ضطالع مب�سئوليت���ه‪ ،‬خا�صة �أن الق ّوات الأجنبية لن‬ ‫تك���ون حا�ضرة للبق���اء �إىل الأبد‪ ،‬وعل���ى القوات الأفغاني���ة عاج ًال �أم‬ ‫� ً‬ ‫آج�ل�ا مواجهة التحديات بنف�سها‪ .‬كما �أنّ انت�شار الف�ساد يف احلكومة‬ ‫الأفغاني���ة من �ش�أن���ه �أن ي�سحب ب�ساط ال�شرعية م���ن حتتها و ُيفقدها‬ ‫ثق���ة الداخل واخلارج‪ ،‬علم ًا �أن ك�س���ب ال�شرعية ال�شعبية يع ّد التحدي‬ ‫الأك�ب�ر يف مواجهة طالبان ومن �ش�أن���ه �أن يحدد م�ستقبل العالقة بني‬ ‫الطرفني‪.‬‬ ‫يف تقيي���م �أويل للمح���اور ال�سابق���ة‪ ،‬ن�ستطي���ع �أن نالح���ظ �أن حركة‬ ‫طالب���ان ما ت���زال متقدمة يف املواجه���ة ميداني��� ًا؛ ف�أفغان�ستان لي�ست‬ ‫الع���راق‪ ،‬وما جنح هناك لي�س بال�ضرورة �أن ينجح هنا‪ ،‬والوقت كفيل‬ ‫ّ‬ ‫فاخلطة الأمريكية حتتاج �إىل وقت‬ ‫�صحة ذلك من عدم���ه‪.‬‬ ‫يف �إثب���ات ّ‬

‫طوي���ل لتقييمه���ا‪ ،‬ووفق��� ًا للخطة نف�سها ف����إن موعد التقيي���م النهائي‬ ‫يجب �أن يكون خالل ‪� 18‬شهر ًا‪ .‬قد مي ّهد هذا التاريخ بالذات �إىل فتح‬ ‫باب لت�أم�ي�ن ان�سحاب م�ش ّرف لأمريكا مقابل احت���واء طالبان‪ ،‬وخلق‬ ‫ا�ستق���رار �سيا�س���ي ن�سب���ي يف �أفغان�ستان‪ ،‬لكنّ ه���ذا التاريخ قد مي ّهد‬ ‫باملقاب���ل لف�شل �أمريكي ذريع قد تتخط���ى انعكا�ساته الو�ضع الأفغاين‬ ‫الداخلي‪.‬‬ ‫وم���ن ه���ذا املنطلق‪ ،‬ف����إن عامل الوق���ت يعت�ب�ر حا�سم ًا ل���دى جميع‬ ‫الأط���راف‪� ،‬إذ تراهن طالبان دوم ًا عل���ى �أن عن�صر الوقت ل�صاحلها‬ ‫عل���ى ال�صعيد اال�سرتاتيجي‪ .‬فهي تعتمد �سيا�سة جتميع النقاط الذي‬ ‫يقوم عل���ى املب���د�أ الرتاكم���ي (‪ )Accumulating‬للعم���ل البطيء لكن‬ ‫املتدح���رج‪� ،‬أي املتط���ور واملتعاظ���م يف النتائج‪ .‬وعلى ه���ذا الأ�سا�س‪،‬‬ ‫فك ّلما ط���ال املكوث الأجنبي يف البالد ك ّلم���ا ازداد غرقه يف امل�ستنقع‬ ‫وق ّل���ت خياراته‪ ،‬وظهرت نتائج ا�ستنزافه ب�شكل مي ّهد خلروجه املذل‪.‬‬ ‫فالبقاء يعني حت ّمل املزيد من اخل�سائر املادية والب�شرية واالقت�صادية‬ ‫وال�سيا�سي���ة‪ ،‬وهو �أمر مل تعد الواليات امل ّتح���دة قادرة على فعله حال‬ ‫ف�شل هذه الإ�سرتاتيجية‪� .‬أ ّما االن�سحاب �ضمن هذه املعطيات‪ ،‬فيعني‬ ‫هزمية ك�ب�رى قد ال تنح�صر تداعياتها عل���ى �أفغان�ستان فقط‪ ،‬و�إمنا‬ ‫على النظام الدويل ب�أكمله وموقع الواليات املتّحدة يف هذا النظام‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪75‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�صاد وال�ش�ؤون اجلارية‬

‫ي�صدر قريب ًا‬

‫الآلية ال�شرعية فـي مكافحة الف�ساد‬

‫حممد غالب ال�شرعبي‬

‫حمم ــد الدعمــي‬

‫الإ�سالم و�أوروبا ‪� ..‬إرث ال�صدام وم�ستقبله‬ ‫فـي البحـث عن الدولة العربيــة‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫َعجز ال�شرعية املُـ�ستدمي فـي العامل الـعربي‬

‫حممد عبداهلل حممد‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫‪76‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪77‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫يذه���ب م�ؤرخ���و الثقاف���ة العربي���ة الإ�سالمية احلديث���ة �إىل �أن انهيار الدول���ة العثمانية‬ ‫�ش��� ّكل نقطة البداي���ة بالن�سبة للعديد من ال���دول العربية والإ�سالمية باجت���اه اال�ستقالل‪،‬‬ ‫مميزي���ن بني ثالثة تيارات فكرية رئي�سة لعب���ت الأدوار الأهم والأكرث ح�سم ًا مللء الف�ضاء‬ ‫الأيديولوجي الناجت وامل�ؤمل عليه لت�شكيل تاريخنا املعا�صر‪ ،‬وهي‪ :‬التيار الإ�سالمي؛ والتيار‬ ‫القومي؛ والتيار الي�ساري �أو ال�شيوعي‪ .‬و�إذا مل نكن نختلف كثري ًا مع هذا الو�صف جلغرافيا‬ ‫الثقافة ال�سيا�سية العربية الإ�سالمية على �أعتاب القرن املا�ضي‪ ،‬ف�إن لنا �أن ن�ستذكر كيف‬ ‫تناق�ض���ت هذه التي���ارات الثالثة ثم ت�صارعت على نحو دموي يف ح���االت عدة على �سبيل‬ ‫�إحراز التفوق اجلماهريي �أو الأرجحية ال�شعبية‪.‬‬

‫و�سلوكي���ة ومن �شواخ�ص تاريخي���ة‪ .‬لذا ح���اول الربيطانيون‪ ،‬بكل ما‬ ‫�أوت���وا من حنك���ة ودقة‪ ،‬حتا�ش���ي االحت���كاك بالإ�سالم‪ ،‬نظ���ر ًا لأنهم‬ ‫الحظ���وا قدرات ه���ذا الدين التعبوية من خالل جت���ارب عدة‪� ،‬أهمها‬ ‫دور العلم���اء يف �إيران‪ ،‬خا�ص ًة بعد جت���ارب االحتكاك بالعامل الغربي‬ ‫(الح���ظ م�شكلة التنباك ومقاومة هذه الفئ���ة االجتماعية املهمة لهذا‬ ‫امل�ست���ورد‪ ،‬الذي ُن ِظر �إليه وك�أن���ه الكحول �أو املخدرات يف خماطره)‪.‬‬ ‫وم���ن ناحية ثانية‪ ،‬الحظ الربيطانيون م���ن بناة الإمرباطورية كذلك‬ ‫�سرعة انت�شار الإ�سالم بني الأمم الأفريقية جنوبي ال�صحراء الكربى‬ ‫درجة �ضرب الرعب يف قلوب رجال الكني�سة الإنكليكانية الذين كانوا‬ ‫يعتق���دون �أن املُ ّ‬ ‫ب�شرين من رجال الدي���ن يجب �أن ي�سبقوا اجلنود �إىل‬ ‫مثل هذه البلدان الفقرية‪.‬‬ ‫لق���د كان التناف����س الإ�سالم���ي امل�سيحي على �أفريقي���ا يف القرن‬

‫الثورات والتمردات ذات الهوية الإ�سالمية �ضد القوات الربيطانية يف‬ ‫الهند وفار�س ويف �سواهما من بقاع العامل الإ�سالمي العري�ض‪.‬‬ ‫لق���د كان���ت التهمة الأ�سا�س الت���ي �أطلقها القومي���ون والي�ساريون‬ ‫�ض���د التيارات الإ�سالمية هي تهمة “الرجعية” �أو الرجوعية والقبول‬ ‫ال�ضمن���ي بال�شرور املحلي���ة كاخلرافات والروحاني���ات والإقطاع �إىل‬ ‫�آخر هذا املنطق املجايف للحقيقة‪ ،‬م�ستح�ضرين �شرور الإمرباطورية‬ ‫العثمانية دالئ ًال على جدلهم‪.‬‬ ‫�أم���ا تهمة التيار املارك�س���ي �أو الي�ساري‪ ،‬فهي �أن���ه كان تيار ًا فكري ًا‬ ‫م�ست���ورد ًا من اخل���ارج‪ ،‬ال ي�صلح للعامل العرب���ي الإ�سالمي ب�سبب �أن‬ ‫م�ؤ�س�سي���ه كانوا �أملان وبريطاني�ي�ن‪ ،‬قيا�ساتهم حم���دودة باملجتمعات‬ ‫الأوروبية الباردة‪.‬‬ ‫لقد �أجمع القوميون والي�ساريون على اتهام الإ�سالميني بالرجعية‬

‫الإ�سالم و�أوروبا‬ ‫ّ‬ ‫�شد وجذب و�آفاق ُمل ّبدة‬ ‫حممـــد الدعمــي‬ ‫وبغ����ض النظ���ر ع���ن ه���ذه ال�صراع���ات واخل�صوم���ات الفكري���ة‬ ‫والتحزبي���ة بني التي���ارات الثالثة الرئي�سة‪ ،‬للم���رء �أن يت�أمل‪ :‬ماذا لو‬ ‫�أنه���ا تعاي�شت وتالقح���ت ثم تنا�سل���ت وتكافلت‪ ،‬ما دام���ت الأهداف‬ ‫النهائي���ة لها جميع ًا متطابقة‪ ،‬وهي‪ :‬اال�ستقالل والتحرر والتقدم؟ مل‬ ‫يح���دث هذا التفاعل الإيجاب���ي‪ ،‬بل �إن معاك�سه هو الذي حدث‪ ،‬حيث‬ ‫راحت ه���ذه التيارات‪ ،‬ممثلة يف �أحزاب �سيا�سي���ة‪ ،‬تتبادل االتهامات‬ ‫وتختزن ال�ضغائن فيما بينه���ا بد ًال عن التعاون والت�ضامن �أو التكافل‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬الأمر الذي ق���اد �إىل الكراهية درجة �شطب الآخر و�إزالته‬ ‫�إن �أمكن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لق���د تبل���ورت هذه التي���ارات �أ�ص�ل�ا كا�ستجابات فكري���ة للهجمة‬ ‫الكولونيالي���ة الأوروبي���ة باجتاه العامل العرب���ي الإ�سالمي‪ ،‬على �سبيل‬ ‫تق�سي���م �أو تقا�سم تركة الدول���ة العثمانية‪ ،‬الأمر ال���ذي يف�سر م�آ�سي‬ ‫‪78‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫العامل العربي منذ معاهدة �سايك�س ‪ -‬بيكو حتى اللحظة‪.‬‬ ‫لق���د عمد التيار القومي �إىل ت�سفيه التي���ار الديني باعتباره تياراً‬ ‫رجوعي ًا ميكن �أن يتحالف مع اال�ستعمار �أو مع الإمرباطوريات الأوروبية‬ ‫(الفرن�سية والربيطانية)‪ ،‬من �أجل البقاء وحتقيق �أهدافه‪.‬‬ ‫مل يك���ن هذا �صحيح ًا‪ ،‬ل�س���وء الطالع‪ :‬فت�أ�سي�س��� ًا على �أهم �آليات‬ ‫التط���ور والتغري يف تاريخ الب�شرية‪ ،‬وهي �آلية املحفزات واال�ستجابات‬ ‫‪ stimuli and responses‬علين���ا �أن ن�سل���م �أن املت�ص���دي الأول للغريب‬ ‫الأوروب���ي كان �إ�سالمي��� ًا ولي�س قومي ًا‪� ،‬إن عربي��� ًا �أو فار�سي ًا‪ ،‬هندي ًا �أو‬ ‫تركي��� ًا طوراني ًا‪� ،‬أو �أفريقي ًا‪ .‬لق���د �أدركت الكولونياليات الأوروبية منذ‬ ‫وق���ت مبكر �أن الأديان يف ال�شرق عامة‪ ،‬ويف ال�شرق العربي الإ�سالمي‬ ‫خا�ص���ة‪� ،‬إمن���ا متث���ل العمود الفق���ري للكينون���ة االجتماعي���ة ومن ثم‬ ‫ال�سيا�سي���ة ع�ب�ر وظيفته���ا املرتكن���ة �إىل جمموع���ة مب���ادئ �أخالقية‬ ‫حمم ــد الدعمــي باحث و�أكادميي عراقي‪.‬‬

‫التا�س���ع ع�ش���ر وما قبل���ه على �أ�شده حقب���ة ذاك‪ ،‬ملقن��� ًا الربيطانيني‬ ‫درو�س��� ًا ال ين�سوها يف �أهمية الإ�سالم ومكانت���ه‪ ،‬تقليد ًا روحي ًا ونظام ًا‬ ‫اجتماعي��� ًا يف حياة ال�شعوب الت���ي تعتنقه‪ .‬لذا كان بناة الإمرباطورية‬ ‫الربيطاني���ة �أكرث دق���ة وحذر ًا من �سواه���م يف تعاملهم م���ع الإ�سالم‬ ‫(مقارنة بالإيطاليني والإ�سب���ان والربتغاليني والفرن�سيني) على نحو‬ ‫ُيقدم هذا الدين على �سواه من �أديان ال�شرق كالهندو�سية �أو البوذية‪،‬‬ ‫من بني �أديان �أخرى‪.‬‬ ‫الحظ �أن الفكر القومي الذي اعتمد فكرة العرب والعروبية حاول‬ ‫ت�شوي���ه الفكر الإ�سالمي كي يفل���ح يف االنت�صار على الإ�سالميني على‬ ‫ال�ساح���ات العربية‪ :‬ف�إ�ضافة �إىل الإدعاء ب����أن الإ�سالميني متحالفني‬ ‫ومتفاهم�ي�ن مع بريطاني���ا وفرن�سا‪ ،‬مع الرجوعي���ة املحلية والإقطاع‪،‬‬ ‫راح املنظرون القوميون‪ ،‬متعمدين وتع�سف ًا‪ ،‬يحاولون الإقالل من �ش�أن‬

‫وال�سلفي���ة واملاورائي���ة والغيبية؛ �إال �أن احلقيقة‪ ،‬كم���ا يبدو‪ ،‬كانت مع‬ ‫التي���ارات الإ�سالمية الت���ي اتهمت القومي�ي�ن وال�شيوعيني باال�ستعارة‬ ‫املتعامي���ة من الغ���رب على �سبي���ل التطبيق التع�سف���ي (الفوقي) على‬ ‫الأرا�ض���ي وال�شع���وب العربية الإ�سالمي���ة املختلفة متام��� ًا عن العامل‬ ‫الأوروبي امل�سيحي‪ ،‬الآري الر�أ�سمايل‪.‬‬ ‫التي���ارات الإ�سالمي���ة كانت ه���ي الأكرث ح�سا�سي���ة يف اال�ستجابة‬ ‫للحوافز الأجنبية الكولونيالي���ة الأوروبية‪ .‬لذا حاول نابليون بونابرت‬ ‫ت�سك�ي�ن ح�سا�سية الإ�سالم حال نزوله القاهرة وهو يرى جمده مت�ألق ًا‬ ‫من عل���ى �أهرامات اجليزة‪ ،‬ب�أن ادّعى اعتن���اق الإ�سالم‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫مثابرت���ه الرتدد على �إحدى الزواي���ا ال�صوفية يف القاهرة‪ ،‬وهو ي�ضع‬ ‫على ر�أ�س���ه عمامة �إ�سالمية مرتاق�ص ًا عل���ى اللحن ال�صويف‪“ :‬مدد‪،‬‬ ‫م���دد‪ ،‬ي���ا �سي���دي �أحمد يا زكريي”! لق���د دلنا الغربي���ون قبل �أن ندل‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪79‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫‪80‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪81‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫�أنف�سنا �إىل موا�ضع القوة وال�ضعف يف �صفوفنا‪.‬‬ ‫�أم����ا احلركة القومية‪ ،‬فق����د كانت هي الأخرى (يف العامل العربي‬ ‫ويف تركي����ا وفار�س كذلك) من ت�شظيات حماكاة العامل الغربي الذي‬ ‫كان يعي�����ش �آنذاك الع�صر الذهب����ي ملفهوم الدولة القومية بعد حركة‬ ‫الإ�ص��ل�اح الديني التي قادها مارتن لوث����ر ‪ ،Reformation‬من �أملانيا‬ ‫�إىل �إيطاليا‪ ،‬ومن �إيطاليا �إىل فرن�سا ثم �إىل العامل امل�سيحي ب�أ�سره‪.‬‬ ‫لقد با�شرت احلركات القومية العربية‪ ،‬خا�صة‪ ،‬دورها التاريخي‬ ‫م����ن خالل حماكاة نوع من �أن����واع ال�شوفينيات الآري����ة (بغ�ض النظر‬ ‫عن النظرة الدونية نحو العرب من قبل �أ�صحاب الأ�سطورة الآرية)‪:‬‬ ‫“�أملاني����ا الفت����اة” �أو “�إنكل��ت�را الفت����اة” ‪ Young Englandism‬على‬ ‫�سبيل اخل����روج بحركات من نوع “تركيا الفتاة” و”العربية الفتاة”‪،‬‬ ‫وكالهما حركات فا�شل����ة ال تزيد عن ردود فعل �ضد �سيا�سة الترتيك‬ ‫ذات النزعة الطورانية العثمانية‪.‬‬ ‫لق����د كان ال�سب����ق احلقيق����ي نح����و‬ ‫اال�ستق��ل�ال وتكوي����ن �شخ�صي����ة حملي����ة‬ ‫تعت����د بنف�سه����ا وب�إرثه����ا الثق����ايف ه����و‬ ‫للح����ركات الإ�سالمية‪ ،‬ابتدا ًء من ع�صر‬ ‫ال�سي����د جم����ال الدين الأفغ����اين ومريده‬ ‫ال�شي����خ حمم����د عب����ده (رحمهم����ا اهلل)‬ ‫وانتها ًء باحل����ركات التنويري����ة املعتدلة‬ ‫م�ستقبل العالقة بني الإ�سالم‬ ‫و�أوروبا لن يكون م�ستقب ًال �سكوني ًا‬ ‫هادئ ًا‪ ،‬برغم حماوالت مدّ ج�سور‬ ‫التفاهم والتعاون على �أنواعها‬

‫الأخ����رى (كحرك����ة الإخ����وان امل�سلمني)‬ ‫الت����ي ا�ستح�ضرت روح الإ�س��ل�ام نظام ًا‬ ‫اجتماعي���� ًا وعقي����دة ترف�����ض اال�ستعمار‬ ‫وتدعو �إىل الوح����دة والتكافل والأخوة بني‬ ‫اجلميع‪.‬‬ ‫ت�ش��ي�ر كتابات بناة الإمرباطوري����ة الربيطانية‪ ،‬كتلك التي قدمها‬ ‫الل����ورد ماك����ويل ‪ ،)Lord Macaulay (1800-1859‬ال����ذي عمل �إداري ًا‬ ‫�إمرباطوري ًا لربيطانيا يف الهند‪� ،‬إىل �أن ه�ؤالء الرجال الأكرث معرفة‬ ‫ب�ش�����ؤون ال�شع����وب ال�شرقية كانوا يدرك����ون �أهمية الإ�س��ل�ام وخطورة‬ ‫توظيف����ه �سيا�سي ًا �ضد اال�ستحواذ الإمرباط����وري والو�صاية الأجنبية‪:‬‬ ‫فبعد عدد م����ن الثورات الإ�سالمية الكربى �ضد االحتالل الربيطاين‬ ‫يف �شبه القارة الهندية (ولي�س يف العامل العربي)‪ ،‬الحظ الربيطانيون‬ ‫ما يلي‪:‬‬ ‫(‪� )1‬أن الإ�س��ل�ام ال يختل����ف عن اليهودية وامل�سيحي����ة يف �أنه جزء �أو‬ ‫‪82‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫توا�صل للتقليد الروحي التوحيدي‬ ‫‪ tradition‬ال����ذي ميكن �أن نتتبع����ه �إىل �أبي الأنبي����اء �سيدنا �إبراهيم‬ ‫(عليه ال�سالم) املولود يف �أور جنوبي العراق؛‬ ‫(‪� )2‬أن����ه‪ ،‬دين ًا ونظام ًا اجتماعي ًا‪ ،‬ال ميكن �أن يقبل الهيمنة الأجنبية‬ ‫وظل����م الإن�س����ان لأخيه الإن�س����ان‪ ،‬الأمر ال����ذي يف�سر تف�ضي����ل اللورد‬ ‫ماكويل‪ ،‬ب�صراحة وا�ضحة‪ ،‬الإ�سالم على الهندو�سية وعلى �سواها من‬ ‫الأديان غري املنزلة املنت�شرة يف �شبه القارة الهندية وما جاورها‪.‬‬ ‫م����ن هن����ا كان الإدراك الربيط����اين املتعم����ق ب�أهمي����ة الإ�س��ل�ام‬ ‫وقدرات����ه على التولي����د يف دواخل �أمم كب��ي�رة‪� ،‬إدراك ًا قوي ًا وم�ؤثر ًا يف‬ ‫ت�شكي����ل �سيا�سات الإمرباطوريات الأوروبي����ة‪ ،‬الأمر الذي برر البحث‬ ‫الربيط����اين الدءوب واال�ستغف����ايل عن “�صيغ �إ�سالمي����ة” ميكن �أن‬ ‫تتعام���ل م���ع الإدارة الإمرباطورية وميكن �أن تقب���ل بوجودها‪ ،‬ومترر‬ ‫ه����ذا القبول على الكتل الب�شرية املهولة‬ ‫الت����ي تعتن����ق الإ�س��ل�ام يف دول كب��ي�رة‬ ‫كالهن����د وفار�س و�إندوني�سي����ا وماليزيا‪،‬‬ ‫م����ن بني دول كبرية �أخ����رى‪ .‬هنا جاءت‬ ‫فك����رة “القاديانية”‪ ،‬وهي �صيغة دينية‬ ‫“�إ�سالمي����ة” �أ�س�سها وب�ش����ر بها رجل‬ ‫دين ينتمي �إىل قري����ة قاديان الهندية‪.‬‬ ‫ه����ذه ال�صيغ����ة تختل����ف ع����ن الإ�س��ل�ام‬ ‫“الرادي����كايل” (�أو حت����ى املعت����دل)‬ ‫امل�سئ����ول ع����ن الث����ورات والتم����ردات‬ ‫املتع����ددة يف الهند �ضد الربيطانيني يف‬ ‫�أنها كانت ت�ستم����رئ التعامل مع املحتل‬ ‫الربيطاين على �أ�سا�س �أن بريطانيا �إمنا‬ ‫هي عامل يدفع نحو التقدم واحل�ضارة‪،‬‬ ‫وباعتب����ار �أنها حترتم الإ�سالم وال تريد‬ ‫االحت����كاك به �أو االخت��ل�اف مع عقائده‬ ‫يف �أي موق����ع ومنا�سب����ة كان����ت‪ .‬وهن����ا‬ ‫حاول الربيطانيون تطوير “نخبة” من‬ ‫ال�شب����اب امل�سل����م الهندي املت�أث����ر بالفكر‬ ‫الغرب����ي العلماين على �سبيل اخلدمة كحلق����ة و�صل بني فقراء الهند‬ ‫والتاج الربيطاين‪.‬‬ ‫لقد كانت هذه الإدعاءات �صحيحة بحق‪ ،‬ذلك �أن بريطانيا وبنا ًء‬ ‫على جتربتها الأعمق‪ ،‬من التجارب الفرن�سية والإيطالية والإ�سبانية‬ ‫والربتغالي����ة‪ ،‬غالب���� ًا ما عم����دت �إىل اعتم����اد �إدارات �إمرباطورية �أو‬ ‫انتدابية تعمل على �أ�سا�س عدم االحتكاك بامل�سلمني خا�صة‪ ،‬من بني‬ ‫معتنق����ي الديان����ات ال�شرقية الكربى‪ .‬هذا بكل دقة م����ا يف�سر �أ�صول‬ ‫اخلوف الربيطاين من الإ�سالم كمولد للتمردات وللثورات عرب بقاع‬ ‫الإمرباطورية التي مل تكن ال�شم�س لتغرب عنها‪.‬‬ ‫ل���ذا عمد العلم���اء واملتخ�ص�صون الربيطاني���ون الذين بنوا تلك‬ ‫‪Judaeo-Christian‬‬

‫الإمرباطورية‪ ،‬لي�س �إىل الإقالل من �ش�أن الإ�سالم وامل�سلمني كما فعل‬ ‫�آخ����رون من بعد؛ بل �إىل ر�ص����د الإ�سالم ودرا�سته بطرائق علمية من‬ ‫�أج����ل التعمق يف مدار�س����ه الفقهية وت�شعباته الطائفي����ة التي مل تزل‬ ‫فاعل����ة حت����ى اللحظة‪ ،‬الأمر ال����ذي يف�سر جن����اح بريطانيا يف جت ُّنب‬ ‫ا�ستف����زاز الإ�سالم وامل�شاعر الدينية لدى ال�شعوب التي تعتنقه والتي‬ ‫كانت ج����زء ًا م����ن الإمرباطوري����ة الربيطانية (الح����ظ‪� ،‬أن البغاددة‬ ‫ح�س����دوا �أهل الب�صرة �سنة ‪ 2003‬باعتب����ار �أن الربيطانيني كانوا هم‬ ‫القائمني على الب�صرة وه����م الأكرث تفهم ًا و�إدراك ًا لتقاليد الإ�سالم‪،‬‬ ‫مقارن����ة بالأمريكيني الذين فر�ضوا �سيطرتهم عل����ى بغداد واملو�صل‬ ‫وما تبقى)‪ .‬ومقارن����ة بفرن�سا‪ ،‬كانت بريطانيا �أكرث حنكة و ُبعد نظر‬ ‫يف ه����ذا احلق����ل‪ ،‬الأمر ال����ذي يف�سر جن����اح الأكادميي����ة الربيطانية‬ ‫يف بن����اء �أكرب �أر�شي����ف �إ�سالمي‪ :‬م����ن درا�س����ات وخمطوطات وكتب‬ ‫ومعارف‪ ،‬وهو �أر�شيف مل يزل حي ًا يف املتحف الربيطاين ويف مكتبته‬ ‫الت����ي مل يزل يرتدد عليها العلماء والباحث����ون دون كلل �أو ملل‪ ،‬ودون‬ ‫قدرة كافية على تغطية حمتوياتها الكثرية حتى اللحظة‪.‬‬ ‫الفرن�سي����ون‪ ،‬برغم حماوالت اجلرنال‬ ‫بوناب����رت �إدع����اء اعتن����اق الإ�س��ل�ام‪ ،‬مل‬ ‫يكون����وا بنف�����س درج����ة احلنك����ة والدق����ة‬ ‫الربيطانية يف حدود التعامل مع الإ�سالم‬ ‫واملحافظ����ة على م�ساف����ة �أمينة كافية بني‬ ‫الإمرباطورية وبني م�شاعر وطقو�س �أتباع‬ ‫هذا الدين احلني����ف‪ .‬تنطبق ذات احلال‬ ‫عل����ى ال����دول الأوروبية الت����ي مل تكن تبني‬ ‫�إمرباطوري����ات كربى يف �آ�سي����ا و�أفريقيا‪،‬‬ ‫مث����ل �أملاني����ا و�سوي�س����را والدامن����ارك‬ ‫وهولن����دا وفنلندا وايرلن����دا‪ ،‬من بني دول‬ ‫�أوروبي����ة �أخرى‪ .‬لذا كانت ه����ذه ال�شعوب‬ ‫�أو ال����دول �أقل معرفة بالإ�س��ل�ام و�أ�ضعف‬ ‫وعي���� ًا بطاقات����ه التثويرية املهول����ة‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي يف�سر عدم االكرتاث �أو عدم جت ّنب‬ ‫االحتكاك مب�شاعر امل�سلمني‪.‬‬ ‫بالن�سبة لل�شعوب �أع��ل��اه‪ ،‬م��ن غري‬ ‫ال�بري��ط��ان��ي�ين وال��ف��رن�����س��ي�ين‪ ،‬امل�سلمون‬ ‫ه��ن��اك ال ي��زي��دون ع��ن كونهم فوائ�ض‬ ‫�سكانية فقرية قادمة �إىل �أوروب��ا لل�سخرة وللعمل وحتى للعبودية‪.‬‬ ‫هذا ما يف�سر الطرائق الدونية التي تعاملت بها مثل هذه الدول مع‬ ‫امل�سلمني ومع الإ�سالم عرب تواريخها‪ ،‬وهي طرائق دونية م�شحونة‬ ‫بالنظرة اال�ستعالئية الفوقية للإ�سالم ولل�شعوب الإ�سالمية التي‬ ‫طاملا ُم ّثلت ك�شعوب بدائية ت�ؤمن بدين ُيقدّ�س العنف وميجد تعدد‬ ‫الزوجات وا�ستغالل املر�أة وا�ضطهادها‪.‬‬ ‫�إن م�ستقب����ل العالقة بني الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬من ناحية‪ ،‬والعامل‬

‫الغرب���ي (�أوروب���ا خا�صة) م���ن الناحية الثانية‪ ،‬لن يك���ون م�ستقب ًال‬ ‫�سكوني��� ًا هادئ ًا‪ ،‬برغ���م حماوالت م ّد ج�سور التفاه���م والتعاون على‬ ‫�أنواعه���ا (الح���ظ دالالت رابطة البح���ر املتو�س���ط)‪� ،‬إذ �أن ال�شعور‬ ‫ال�شعبي الأوروبي بال�ضيق من امل�سلمني ومن تقاليدهم الغريبة على‬ ‫ثقافة �أوروبا ال ميك���ن �أن تك�سبهم للإ�سالم بقدر ما �أنها �ستدفعهم‬ ‫للتنافر مع الإ�سالم‪ ،‬خا�صة و�أن هذا التنافر يجري و ُي�شجع من قبل‬ ‫ال�سلوكيات العدائية للراديكاليني الإ�سالميني املنطوية على كراهية‬ ‫الع���امل امل�سيحي‪ ،‬التي تقدمه���ا احلركات الراديكالي���ة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫كمنظم���ة القاعدة‪ ،‬حيث تعمق هذه احل���ركات من خالل تطبيقات‬ ‫عنيف���ة وقا�سية ح���ال اخلوف من الإ�سالم و�أهل���ه ‪ Islam phobia‬يف‬ ‫�أوروب����ا عامة وعرب العامل الغربي خا�صة‪ .‬لذا‪ ،‬للمرء �أن يتوقع املزيد‬ ‫م����ن نقاط التما�����س ورمبا االحت����كاك ب��ي�ن ال�شع����وب الأوروبية وبني‬ ‫اجلالي����ات العربية امل�سلمة التي ذهبت لأوروبا طلب ًا للعمل وللحريات‬ ‫وللكرامة!‬ ‫ه����ذا ال�شيء مل يح����دث يف بريطانيا‪� ،‬أي ل����دى “�أبو ناجي”‪ ،‬وهو‬ ‫املرادف العا ّمي العراقي لتعبري ‪،John Ball‬‬ ‫كناي���ة ع���ن الإمرباطوري���ة الربيطانية!‬ ‫رمبا كانت ه���ذه النظرات ذات داللة يف‬ ‫تف�سري ع���دم جتنب االحتكاك بالإ�سالم‬ ‫وامل�سلمني عرب دول �أوروبية عدة (�سوى‬ ‫�أوروبا التي �شعرت باالختناق‬ ‫يف الع�صر الو�سيط ب�سبب الطوق‬ ‫الإ�سالمي املحيط بها‪ ،‬ت�شعر اليوم‬ ‫بذات التحدي الفقهي والع�سكري‬

‫بريطاني���ا)‪ .‬ولكن الأهم م���ن هذا كله‪،‬‬ ‫بر�أي���ي‪ ،‬ه���و نق����ص املعرف���ة الأمريكية‬ ‫الت���ي ال ميكن �أن ترق���ى قط �إىل م�ستوى‬ ‫املعرف���ة الربيطاني���ة بالإ�س�ل�ام‪ .‬ل���ذا‬ ‫توجب عل���ى وا�شنطن ا�ستع���ارة الذاكرة‬ ‫الإمرباطوري���ة الربيطاني���ة والأر�شي���ف‬ ‫العلم���ي والأكادمي���ي والإنرثوبولوج���ي‬ ‫الربيط���اين ودرا�ستهم من �أجل فه���م �أدق و�أنقى للإ�سالم‪ :‬عقائده‬ ‫و�شعوبه وم�ستقبله‪.‬‬ ‫�إن �أوروب���ا الت���ي �شع���رت باالختناق يف الع�ص���ر الو�سيط ب�سبب‬ ‫الط���وق الإ�سالمي املحيط بها‪ ،‬ت�شعر الي���وم بذات التحدي الفقهي‬ ‫والع�سك���ري‪ ،‬لي�س من خالل الإحاط���ة اجلغرافية اخلانقة فقط‪ ،‬بل‬ ‫كذل���ك من خالل �شعوره���ا بابتالع “جرعة �سكاني���ة م�سلمة” �أكرب‬ ‫مما هي قادرة على حتمله �أو على ه�ضمه ومن ثم ا�ستهالكه‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪83‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫القوة عرب عالقات و�آليات خارج م�ؤ�س�سات الدولة‪.‬‬

‫�أحم‬

‫د عب‬ ‫دالكر‬

‫مي‬

‫�سيف‬

‫الدولة‪ ،‬هذا املفهوم املبهم‪ .‬مل ير �أح ٌد الدولة �أبد ًا‪ ،‬ولكن ال ينكر وجودها �أحد‪ .‬نح�س �سلطتها بفعل‬ ‫ال�شرطي والقا�ضي‪ ،‬ال نخ�ضع لهما ولكن لل�سلطة التي ميثالنها‪ .‬وت�شكل النظريات املتناف�سة حول‬ ‫الدولة الق�سم الأكرب من النظرية ال�سيا�سية؛ مثل الليربالية‪ ،‬املارك�سية‪ ،‬الإ�شرتاكية الدميقراطية‪،‬‬ ‫الليربالي���ة اجلديدة‪ ،‬الن�سوية والفو�ضوية‪ .‬ورغم تباين هذه املدار�س الفل�سفية ف�إن مفهوم الدولة‬ ‫و�آلياتها متفق عليها �إىل حد بعيد‪ .‬فماذا عن الدولة يف الوطن العربي؟‬ ‫وفق��� ًا للتعري���ف الكال�سيك���ي‪ ،‬الدول���ة عب���ارة عن جتمع‬ ‫�سيا�س���ي يف نط���اق �إقليم���ي حم���دد وميار����س ال�سلطة عرب‬ ‫منظوم���ة م���ن امل�ؤ�س�س���ات الدائمة‪ ،‬الت���ي ت�ؤ�س����س كيان ًا ذا‬ ‫�إخت�صا����ص �سيادي‪ .‬وبالتايل ف����إن العنا�صر الأ�سا�سية لأي‬ ‫دولة هي احلكومة وال�شعب والإقليم‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ال�سيادة‬ ‫واالعرتاف بهذه الدولة‪ ،‬مب���ا يك�سبها ال�شخ�صية القانونية‬ ‫‪84‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫الدولي���ة‪ ،‬وميكنه���ا م���ن ممار�س���ة اخت�صا�ص���ات ال�سيادة‬ ‫ال�سيم���ا اخلارجي���ة منه���ا‪� .‬إن �إ�سقاط ه���ذا التعريف على‬ ‫احلال���ة العربي���ة يفيد بوجود الدول���ة‪� ،‬إال �أننا ال نوافق على‬ ‫ذلك‪ ،‬ونعتق���د ب�أن الدولة يف الوطن العربي‪ ،‬رمبا ب�إ�ستثناء‬ ‫م�صر‪ ،‬مل تتبلور وتتطور بال�شكل الذي ينطبق عليها املفهوم‬ ‫الغربي املعا�صر للدولة‪ ،‬وما هو موجود �إمنا �سلطات متار�س‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير‪ ،‬واملدير التنفيذي‬ ‫ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪.‬‬

‫ينبغ���ي �أو ًال التميي���ز‬ ‫لف��ظ ب�لا معن��ى؟!‬ ‫ب�ي�ن الدولة واحلكومة‪ ،‬رغم �أن املفهومني ي�ستخدمان بالتناوب‬ ‫كمرتادفات يف كثري م���ن الأحيان‪ .‬فمفهوم الدولة �أكرث ات�ساع ًا‬ ‫من احلكومة‪� .‬إذ �أن الدولة كيان �شامل يت�ضمن جميع م�ؤ�س�سات‬ ‫املج���ال العام وكل �أع�ضاء املجتم���ع بو�صفهم مواطنني‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعن���ي �أن احلكومة لي�ست �إال ج���زء ًا من الدولة‪� .‬أي �أن احلكومة‬ ‫ه���ي الو�سيل���ة �أو الآلية التي ت����ؤدي من خالله���ا الدولة �سلطتها‬ ‫وه���ي مبثاب���ة عق���ل الدول���ة‪� .‬إال �أن الدول���ة كيان �أك�ث�ر دميومة‬ ‫مقارن���ة باحلكومة امل�ؤقتة بطبيعتها‪ :‬حي���ث يفرت�ض �أن تتعاقب‬ ‫احلكوم���ات‪ ،‬وقد يتعر�ض نظام احلك���م للتغيري �أو التعديل‪ ،‬مع‬ ‫ا�ستم���رار النظام الأو�سع والأكرث ا�ستق���رار ًا ودوام ًا الذي متثله‬ ‫الدولة‪ .‬كما �أن ال�سلطة التي متار�سها الدولة هي �سلطة جمردة‬ ‫“غري م�شخ�صنة”‪ :‬مبعنى �أن الأ�سلوب البريوقراطي يف اختيار‬ ‫موظفي هيئ���ات الدول���ة وتدريبهم‪ ،‬يفرت�ض ع���ادة �أن يجعلهم‬ ‫حمايدي���ن �سيا�سي ًا حت�صين ًا له���م من التقلب���ات الأيديولوجية‬ ‫الناجمة عن تغري احلكومات‪ .‬وثمة فارق �آخر وهو تعبري الدولة‬ ‫(نظري��� ًا عل���ى الأقل) عن ال�صال���ح العام �أو اخل�ي�ر امل�شرتك‪،‬‬ ‫بينم���ا تعك�س احلكومة تف�ضي�ل�ات حزبي���ة و�أيديولوجية معينة‬ ‫ترتبط ب�شاغلي منا�صب ال�سلطة يف وقت معني‪.‬‬ ‫مل���اذا الإ�ص���رار �إذ ًا‪ ،‬دون دول العامل‪ ،‬عل���ى لفظة دولة بحيث‬ ‫ت�سب���ق ا�س���م الدولة الر�سم���ي يف بع�ض الأقط���ار العربية؟ ملاذا‬ ‫الت�ش���رذم والإنق�سام لإثن�ي�ن وع�شرين دولة م���ع �إدعاء العروبة‬ ‫والتاري���خ وامل�ص�ي�ر امل�شرتك�ي�ن؟ مل���اذا رغ���م امت�ل�اك �أجهزة‬ ‫بريوقراطية �إداري���ة وع�سكرية �ضخمة ال ت���زال الدولة العربية‬ ‫عاجزة عن الإخرتاق والتغلغل يف املجتمع‪ ،‬وتنظيمه وفق ًا لإطار‬ ‫عام متفق عليه ويحظى بالقبول العام؟‬ ‫رمب���ا تكمن الإجابة يف وجود ال�سلط���ة دون وجود الدولة‪ ،‬وهو‬ ‫الأم���ر ال���ذي يحتاج لنقا�ش���ه وتفنيده �إىل كت���ب ال يت�سع املجال‬ ‫هن���ا �إال ملالم�سة �سطحية �سريعة‪ ،‬هي �أقرب �إىل �إثارة املو�ضوع‬ ‫لنقا�ش �أ�شمل‪� .‬إذ لي����س كل جمتمع �سيا�سي منظم دولة‪ ،‬فهذه‪،‬‬ ‫كما يقول جورج بوردو‪ ،‬تراتبية تك�شف فقط وجود ال�سلطة‪.‬‬ ‫ب���رزت الدول���ة يف‬ ‫“الدول��ة” كم�ش��كلة!‬ ‫الوط���ن العربي مب���ا يوحي باملفهوم احلدي���ث “للدولة”‪ ،‬ولي�س‬ ‫دول الرج���ال العربية والإ�سالمية كدولة بن���ي �أمية‪ ،‬ودولة بني‬ ‫العبا�س‪ /‬ودولة بني حمدان‪..‬الخ‪ ،‬يف وقت كان املثقفون العرب‬ ‫م�أخوذي���ن مبفاهيم �أخرى غري الدولة البريوقراطية مثل الأمة‬ ‫الإ�سالمية والقومية العربية‪ ،‬مع �إ�ستثناءات حمدودة يف م�صر‬ ‫ورمبا تون�س‪� .‬إن الدولة يف الوطن العربي متلك جميع امل�ؤ�س�سات‬

‫الالزمة وال�شبيهة مبثيالتها يف الدول املتقدمة‪ ،‬مثل الربملانات‬ ‫واملحاك���م الد�ستوري���ة العلي���ا والأنظم���ة الق�ضائي���ة والأجهزة‬ ‫احلكومية املختلفة ومنظمات املجتمع املدين وال�صحافة‪ .‬ولكن‬ ‫الفارق اجلوهري يكم���ن يف جمالني‪ :‬الأول؛ �أن القرارات غالب ًا‬ ‫تتخذ خارج امل�ؤ�س�سات الر�سمية يف �شخ�صنة واختزال‪ .‬والثاين؛‬ ‫يكمن يف الثقاف���ة ال�سائدة التي تكر�س الو�ضع التقليدي لعالقة‬ ‫الدولة باملجتمع القائم على الأبوية والزبائنية والت�ضامنية‪.‬‬ ‫�إن ج���زء ًا من امل�شكلة يكمن يف طبيع���ة الدولة املزدوجة؛ فهي‬ ‫متخلفة يف جوانب ومتطورة يف جوانب �أخرى‪ .‬فالدولة مل تتطور‬ ‫كنتيجة طبيعية لنمو الق���وى الإجتماعية والإقت�صادية املحلية‪،‬‬ ‫ولك���ن مت �إن�شاء الدولة بفعل ق���وى الإ�ستعمار التي �ضخمت من‬ ‫حج���م املاكينة البريوقراطية‪ ،‬خ�صو�ص��� ًا يف اجلانب الع�سكري‬ ‫خلدمة جهازه���ا الإ�ستعماري‪ ،‬الذي كان منف� ً‬ ‫صال عن الغالبية‬ ‫العظم���ى من ال�سكان وع���ن م�صاحلهم الوطني���ة‪ .‬وقد وا�صلت‬ ‫ه���ذه البريوقراطية بع���د الإ�ستق�ل�ال دورها كرافع���ة للتنمية‪،‬‬ ‫وبه���ذا �سيطرت على املجالني ال�سيا�س���ي واالقت�صادي‪ ،‬ونتيجة‬ ‫ل�ضي���ق القاعدة الإنتاجي���ة غدت �أجهزة الدول���ة م�صدر اجلاه‬ ‫وال�ث�راء‪ ،‬لذا كلما كانت الدول���ة �ضعيفة كلما كانت عنيفة لأنها‬ ‫مل تن�ش�أ متناغمة مع احلقوق واحلريات‪.‬‬ ‫وللحك���م على ن�ض���ج الدولة العربية‪ ،‬كما يج���ادل نزيه �أيوبي‪،‬‬ ‫البد من قيا�س املعايري التالية‪:‬‬ ‫ �إىل �أي م���دى حتظى هذه الدول���ة بالو�ضع القانوين املجرد‪،‬‬‫مبعن���ى ال�سيادة على �أرا�ضيه���ا ومواطنيها و�إحتكارها ال�شرعي‬ ‫لو�سائل العنف على مواطنيها داخلي ًا وجتاه نظرائها من الدول‬ ‫خارجي��� ًا‪ ،‬والتجري���د القانوين هذا يفرت�ض �أي�ض��� ًا الف�صل بني‬ ‫الدولة و�أجهزتها وبني �شخ�ص احلاكم و�أركان حكمه‪.‬‬ ‫ م���ا ه���ي موا�صف���ات ووظائ���ف وح���دود م�ؤ�س�س���ات الدولة‪،‬‬‫وخ�صو�ص ًا البريوقراطية الإدارية والع�سكرية‪.‬‬ ‫ م���ا هي �أ�ساليب ومناذج وعالق���ات الدولة باملجتمع‪ ،‬بعبارة‬‫�أخرى طبيعة وظائف الدولة ونطاقها‪.‬‬ ‫ �أي التق�سيمات وال�شرائح الإجتماعية واملناطقية والطائفية‬‫وجماع���ات امل�صالح التي حتق���ق �أو ال حتقق الدولة م�صاحلها‪،‬‬ ‫و�إىل �أي م���دى ه���ذه اجلماع���ات ممثل���ة يف النخ���ب ال�سيا�سية‬ ‫والإقت�صادي���ة والع�سكرية ويف �أجه���زة الدولة املختلفة‪ ،‬وكذلك‬ ‫ما هي العالقات والأمناط الإجتماعية والإقت�صادية التي تنحو‬ ‫الدولة لإنتاجها و�إعادة �إنتاجها‪.‬‬ ‫ و�أخ�ي�ر ًا ماهي املعايري الثقافي���ة والأخالقية والإيديولوجية‬‫املعلنة وغري املعلنة التي حتدد �سلوك الدولة داخلي ًا وخارجي ًا‪.‬‬ ‫�إن حتلي���ل هذه املعايري و�إ�سقاطه���ا على مناذج الدول العربية‬ ‫يفيدن���ا بنتيجة �صادمة مفادها وج���ود ال�سلطة وتغولها و�ضمور‬ ‫�أو بدائية الدولة‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪85‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫الإخفاق الأكرب‬ ‫َعجز ال�شرعية املُـ�ستدمي‬ ‫فـي العامل الـعربي‬ ‫حممد عبداهلل حممد‬

‫يف �سبعينيات القرن املا�ضي جادل عامل ال�سيا�سة الأمريكي‪ ،‬مايكل ِهد�سون‪ ،‬ب�أن «ال�شرعية‬ ‫ال�سيا�سي���ة ه���ي م�شكلة ا ُ‬ ‫حلك���م املركزية يف الع���امل العربي املعا�صر؛ ففق���دان هذه املادة‬ ‫حد كبري‪ -‬الطبيعة املتقلب���ة لل�سيا�سة العربية‬ ‫ف�سر ‪� -‬إىل ٍ‬ ‫الأ�سا�سي���ة التي ال غنى عنه���ا‪ُ ،‬ي ِّ‬ ‫والطاب���ع الت�سلطي املرتجرج ل���كل ال�سلطات العربي���ة الراهنة‪ ،‬وعل���ى ال�سيا�سيني العرب‬ ‫بالتايل �أن يتحركوا يف بيئة �سيا�سية �شرعية‪ ،‬احلكام والأنظمة وامل�ؤ�س�سات فيها ُمتقطعة‪،‬‬ ‫ويف �أف�ضل احلاالت نادرة ‪.»..‬‬ ‫تب����دو هذه الكلمات وك�أنه����ا قيلت اليوم ومل ّ‬ ‫يجف احل��ب�ر الذي ُكتبت به‬ ‫بعد؛ �ألي�س هذا الكالم الذي ُكتب قبل عقود ثالثة من الآن ال يزال ُمنطبق ًا‬ ‫– متام ًا وبحذافريه ‪ -‬على الدولة العربية املعا�صرة (جد ًا!!)‪ ،‬ذلك �أن‬ ‫�أح����د �أهم �أ�سباب �أزمة هذه الدولة يتعلق ب�أزمة ال�شرعية التي عانت منها‬ ‫من����ذ والدتها؛ ف�����إذا كانت دول عربي����ة معينة مثل م�صر واملغ����رب وتون�س‬ ‫جت�سد‬ ‫واليم����ن وعمان قد �شهدت جتربة الدولة قبل احلديثة على نحو ما‪ّ ،‬‬ ‫يف «الدول����ة النهري����ة املركزي����ة» �أو «الدولة املخزنية» قب����ل مرحلة الهيمنة‬ ‫الأوروبي����ة‪ ،‬ف�����إن �أغلبية الدول العربي����ة قد �شهدت مي��ل�اد م�ؤ�س�سة الدولة‬ ‫لأول م����رة بعد احل����رب العاملي����ة الأوىل (العراق‪� ،‬سوريا‪ ،‬لبن����ان‪ ،‬الأردن‪،‬‬ ‫ال�سعودي����ة) �أو بعد احلرب العاملي����ة الثانية (ليبيا‪ ،‬ال�س����ودان‪ ،‬موريتانيا‪،‬‬ ‫ال�صوم����ال‪ ،‬اجلزائ����ر‪ ،‬دول اخللي����ج‪ ،)..‬الأم����ر ال����ذي نتج عن����ه �أن كانت‬ ‫ال�شرعي����ة التاريخية لهذه الدول‪ ،‬عن����د املجموعات غري املندجمة �سيا�سي ًا‬ ‫يف املج����رى الرئي�سي للحي����اة العامة يف هذه الدول‪ ،‬مه����زوز ٌة يف مظهرها‬ ‫ومعطوب���� ٌة يف جوهره����ا‪ ،‬م����ع �أن كيانية الدول����ة يف هذه البل����دان �أ�صبحت‬ ‫حقيقة واقعة بغ�ض النظر عن ر�ضى مواطنيها �أو عدم ر�ضاهم‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫و�إذا كـ����ان البـاحثـ����ون يف م�صـ����ادر‬ ‫�أزم��ة ُمركّب��ة‬ ‫ال�شرعي����ة يعودون �إىل عامل االجتماع الأمل����اين الأ�شهر‪ ،‬ماك�س فيرب‪ ،‬الذي‬ ‫يح����دد م�صادرهـا يف التقـاليد‪ ،‬والعقـالنيـ����ة ‪ -‬القانونية‪ ،‬والقيادة امللهمة‬ ‫(الكارزمية)‪ ،‬وي�ضيف �آخرون م�صدر ًا رابع ًا لل�شرعية هو �شرعية الإجناز‬ ‫التي تقوم عل����ى الأعمال التي �أقدم عليها احلكم ب�صرف النظر عن مدى‬ ‫�شرعية وجوده يف ال�سلطة �أو مدى متثيله للمواطنني؛ ف�إن كل هذه امل�صادر‬ ‫�إذا م����ا بحثنا عنها يف واقع الدولة العربي����ة املعا�صرة جند �أنها �إما غائبة‬ ‫�أ� ً‬ ‫ص��ل�ا (العقالني����ة ‪ -‬القانونية) �أو �أن ما وجد منه����ا يف فرتات �سابقة قد‬ ‫ت�آكل (التقاليد‪ ،‬الزعامة الكارزمية‪ ،‬الإجناز)‪.‬‬ ‫وال ب����د من القول �أن �أزمة ال�شرعية تعد من �أهم و�أعمق و�أخطر الأزمات‬ ‫الت����ي (عانت) وتع����اين منها الدولة العربية الي����وم‪ .‬وال�سبب يعود يف ذلك‬ ‫�إىل �أ ّنه����ا مل ُت ِ�ص����ب النظام القائ����م فح�سب‪ ،‬بل وتع ّدت����ه �إىل فكرة الدولة‬ ‫ذاتها‪ .‬مما جعل من �أزمة ال�شرعية �أزمة �سيا�سية مركبة‪ ،‬وذلك ملا للدولة‬ ‫م����ن �أهمية جوهرية بالن�سبة لتثبيت قيم ال�شرعي����ة من جهة‪ ،‬وتفعيلها يف‬ ‫الوع����ي االجتماعي والقانوين م����ن جهة ثانية‪ ،‬ومن ث����م قدرتها على جعل‬ ‫حممد عبداهلل حممد كاتب من اليمن‪.‬‬

‫نف�سها ب�ؤرة الوالء الأكرب للفرد واملجتمع من جهة ثالثة‪.‬‬ ‫ولي�����س اعتباط ًا �أن تنم����و وترتاكم خمتلف من����اذج الوالء اجلزئي‬ ‫والتقليدي‪ ،‬مبعنى تنامي نف�سية وذهنية الوالء الفردي واالجتماعي‬ ‫لكيان����ات ما قبل الدولة‪ ،‬مث����ل االنتماء اجله����وي والطائفي والقبلي‬ ‫والدين����ي‪ .‬فهي مظاهر ت�شري من الناحي����ة العامة �إىل وجود خلل يف‬ ‫�شرعية الدولة العربية احلديثة‪ ،‬و�إ�شكالية �سيا�سية فيها �أي�ض ًا‪ .‬وهو‬ ‫واق����ع جعل البع�ض يتكلم عن �أنَّ هذه الأزم����ة ت�شمل ك ًال من النظام‬ ‫ال�سيا�س����ي والدول����ة يف � ٍآن واح ٍ����د‪ .‬وه����ي �أزمة جت����د تعبريها يف منو‬ ‫خمتلف مظاهر االحتجاج جتاهها من ال�سلمي �إىل العنيف‪.‬‬ ‫ولع����ل م����ن �أهم مظاه����ر �إدراك ه����ذا ال�ضعف‪ ،‬ا�ش��ت�راك خمتلف‬ ‫االجتاه����ات الفكري����ة وال�سيا�سية على تقرير واقعه����ا‪ ،‬مبعنى اتفاق‬ ‫خمتل����ف الباحثني عل����ى وجودها‪� .‬أم����ا تف�سريها اخلا�����ص ف�إ ّنه �أمر‬ ‫خمتل����ف ومتنوع‪ ،‬وهو �أمر طبيع����ي‪ .‬ويف هذا الإطار ميكننا احلديث‬ ‫عن اجتاهني عامني يف املوقف من تف�سري هذا املظهر العام للأزمة‪.‬‬ ‫االجتاه الأول‪ ،‬الذي يرى �أنَّ �ضعف ال�شرعية مرتبط �أ�سا�س ًا بظروف‬ ‫ن�ش�����أة الدولة العربية املعا�صرة ذاتها‪ .‬يف حني يذهب االجتاه الثاين‬ ‫�إىل �أنَّ ال�سب����ب الرئي�سي يع����ود �إىل عجز الدول����ة العربية املعا�صرة‬ ‫ع����ن �أن تكون وعا ًء ل�سيا�سة تعك�س امل�صالح الوطنية العامة‪ .‬وكذلك‬ ‫عجزها عن �إ�شاعة مفه����وم الدولة الدميقراطية والقانونية‪ ،‬ك�إطار‬ ‫لتنمي����ة مفه����وم املواطنة‪ ،‬وجت����اوز خمتلف �أ�صناف ال����والء اجلزئي‬ ‫والتقلي����دي �إىل م�صاف الوالء للدولة والقانون‪ .‬وال�سبب يعود بذلك‬ ‫�إىل �إخفاقه����ا يف حتقي����ق االندماج ال�سيا�س����ي واالجتماعي والتنمية‬ ‫االقت�صادية والعدالة يف توزيع الرثوة وال�سلطة‪.‬‬ ‫بل �إن �إحدى الدرا�سات التي بحثت يف �أزمة ال�شرعية العربية‪ ،‬قد‬ ‫تو�صلت �إىل �أنَّ ما ت�شرتك فيه الدول العربية‪ ،‬ولو بدرجات خمتلفة‪،‬‬ ‫ه����و ت�شرذم �أ�سا�سه����ا االجتماعي واغرتابها‪ .‬الأم����ر الذي يدل عليه‬ ‫م�ؤ�ش����ران اثن����ان‪ ،‬الأول‪ ،‬وهو وجود عج����ز يف ال�شرعي����ة ال�سيا�سية‪،‬‬

‫والث����اين‪ ،‬الأ�سا�س الأبوي لل�سلط����ة ال�سيا�سية‪ .‬من هن����ا ا�ستنتاجها‬ ‫القائل‪ ،‬ب�أنَّ �أزمة الدول����ة العربية احلديثة تتعدى نظامها ال�سيا�سي‬ ‫�إىل منط عالقاتها االجتماعية القائمة على ثقافة �سيا�سية �أبوية‪.‬‬ ‫وفيم����ا ل����و طبقنا ب�ش����كل ع����ام ومكثف م�ضم����ون التحلي����ل الفعلي‬ ‫لطبيع����ة الأزمة البنيوية للدولة العربي����ة احلديثة‪ ،‬وانعكا�س مظاهر‬ ‫�ضعف �أو غياب ال�شرعية فيها على خمتلف الدول العربية و�أنظمتها‬ ‫ال�سيا�سي����ة‪ ،‬ف�إ ّنن����ا ن�ستطيع ر�ؤية ت�أثريها املُخ���� ِّرب‪ ،‬و�آثارها املدمرة‬ ‫عل����ى خمتلف جوانب احلياة‪ .‬وقد يك����ون �أكرثها تدمري ًا هو تعري�ض‬ ‫الدول����ة نف�سها �إىل االنحطاط وال�سق����وط والتال�شي‪ .‬فامل�صري الذي‬ ‫�آلت �إليه يف مناذج احلرب الأهلية كما جرى يف لبنان وال�سودان‪� ،‬أو‬ ‫�سقوط الدولة كما جرى يف العراق‪� ،‬أو و�صولها �إىل حافة الف�شل كما‬ ‫هو احلال يف اليم����ن‪� ،‬أو تال�شيها كما جرى يف ال�صومال هي جمرد‬ ‫�أحد �أ�شكالها ال غري‪.‬‬ ‫واملثري‬ ‫إجماع على �إدراك االنحطاط‬ ‫� ٌ‬ ‫أمد بعيد‬ ‫يف الأمر �أن النخب ال�سيا�سية يف عاملنا العربي �أدركت منذ � ٍ‬ ‫عم����ق الأزمة التي تعاين منه����ا الدولة العربي����ة املعا�صرة‪ ،‬لكن هذا‬ ‫الإدراك – رغ����م واقعيته ‪ -‬م����ا فتئ ُعر�ضة للتع�س����ف الأيديولوجي‬ ‫الناب����ع من موقف معني لهذه النخب����ة �أو تلك‪ .‬ويف هذا الإطار‪ ،‬جند‬ ‫�أن ثالثة مواقف نخبوية نقدية من الدولة الوطنية يف البالد العربية‬ ‫منذ ميالده����ا بني العقدين الثال����ث وال�سابع من الق����رن الع�شرين‪،‬‬ ‫عق����ب نيل تل����ك الب��ل�اد ا�ستقالله����ا ال�سيا�س����ي‪ ،‬قد تبل����ورت – �أي‬ ‫املواقف‪ُ -‬معرب ًة عن نف�سها بكل و�ضوح‪:‬‬ ‫�أول تلك املواق����ف النقدية املوقف القومي العربي‪ .‬وتذهب مقولته‬ ‫�إىل �إ�سق����اط �شرعية تل����ك الدولة لأنه����ا ناجتة ع����ن �إرادة التق�سيم‬ ‫والتجزئة اال�ستعمارية‪ ،‬ولأن وظيفتها ال�سيا�سية الوحيدة هي متزيق‬ ‫وحدة الأمة والوطن‪ ،‬وما تب ّقى ‪ -‬من قبيل نوع النخبة احلاكمة فيها‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪87‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫الداخلي����ة عرب �إثارة النزاعات وامل�ش����اكل احلدودية مع الدول املجاورة‪� ،‬أو‬ ‫اته����ام احلركات واجلماعات املعار�ضة لها يف الداخل باالرهاب ال�ستدرار‬ ‫العط����ف من الق����وى اخلارجية ودفعها �إىل التعاون معه����ا يف (�أو التغا�ضي‬ ‫ع����ن) �إخ�ض����اع املعار�ض��ي�ن لها وتف ُّه����م ما تقوم ب����ه من قم����ع وبط�ش بهم‬ ‫حت����ت مزاعم دح����ر «االرهاب» والتعاون يف «احل����رب» الكونية �ضده‪ .‬وهي‬ ‫�سيا�س����اتٌ ع ّمقت بال ريب من �أزمة الدول����ة العربية املعا�صرة وانك�شافها‪،‬‬ ‫داخلي ًا وخارجي ًا‪ ،‬ومن ّثم �ساهمت يف زيادة تعرثها وعطبها ب�شكل ُمريع‪.‬‬

‫ومن����ط والءاتها ‪ -‬تفا�صيل‪ .‬وثاين تلك املواقف النقدية املوقف الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وتطعن مقولته �أي�ض ًا يف �شرعية الدولة الوطنية �إما لأنها �أتت على �أنقا�ض‬ ‫اخلالف����ة �أو لأنها ال حتكم مبا �أنزل اهلل‪ .‬فهي دولة «علمانية» تفر�ض على‬ ‫امل�سلم��ي�ن �أحكام���� ًا لي�ست م����ن �صميم �شريعته����م‪� .‬أما ثالث تل����ك املواقف‬ ‫النقدية منها‪ ،‬فاملوقف املارك�سي والي�ساري الذي يذهب �أ�صحابه �إىل اتهام‬ ‫تلك الدولة ب�أنها دولة طبقة هي الربجوازية‪ ،‬و�أنها دولة تابعة للميرتوبول‬ ‫الر�أ�سمايل الغربي ومعادية مل�صلحة ال�شعب وطبقاته الكادحة‪.‬‬ ‫اتهامات هي‪� ،‬إذن‪ ،‬التي كيلت لهذه الدولة الوطنية‪ :‬معاداة وحدة‬ ‫ثالثة‬ ‫ٍ‬ ‫الأم����ة‪ ،‬معاداة �شريع����ة الإ�سالم‪ ،‬معاداة م�صالح طبق����ات ال�شعب‪ .‬الدولة الف�شل الأكرب واحلل الذي ال مهرب منه‬ ‫ويف تقديرن����ا �أن عجز الدولة العربية املعا�صرة عن �إعادة �صياغة ر�ؤيتها‬ ‫ه����ذه دولة التجزئة‪� ،‬أو دول����ة العلمانية‪� ،‬أو دولة الطبقة‪ .‬ويف هذه احلاالت‬ ‫الث��ل�اث‪ ،‬هي ال متث����ل �إال فريق ًا �صغري ًا‪ :‬الق����وى االجتماعية القطرية التي لل�سيا�س����ة واحلكم ميثل اخلطر والف�شل الأكرب‪ ،‬ذلك �أن النخب ال�سيا�سية‬ ‫تتغ����ذى م�صاحله����ا م����ن التجزئ����ة‪� ،‬أو النخ����ب العلمانية املرتبط����ة ثقافي ًا احلاكم����ة مهم����ا تباينت �أمناطها يف نظم ملكي����ة �أو جمهورية مل تدرك �أنه‬ ‫بالغ����رب‪� ،‬أو الق����وى البورجوازي����ة املحلي����ة التابع����ة للق����وى الر�أ�سمالي����ة �آن �أوان تو�سي����ع �إطار دائرة احلكم‪ ،‬و�إ�ش����راك عنا�صر جديدة من النخب‬ ‫الإمربيالي����ة‪ .‬ويف هذه احل����االت الثالث �أي�ض ًا‪ ،‬لي�س له����ذه الدولة �أيّ قدر العربي����ة املثقفة يف الدائرة‪ ،‬وع����دم ا�ستئثار �أفراد الأ�سر املالكة �أو �أع�ضاء‬ ‫م����ن التمثيل لل�شعب وللمجتمع وللأمة �أو من التعبري عن م�صاحلها‪ ،‬فهذه احل����زب احلاكم بكل منا�ص����ب الدولة‪ ،‬اعتماد ًا على قاع����دة الثقة والوالء‬ ‫ولي�س الكفاية والتخ�ص�ص‪.‬‬ ‫ال تتحقق �إال يف كن����ف الدولة القومية �أو الدولة‬ ‫ويف �ض����وء ذل����ك قد يك����ون �أجدى لأه����ل احلكم‬ ‫الإ�سالمية �أو الدولة اال�شرتاكية‪.‬‬ ‫يف الع����امل العرب����ي‪� ،‬أن يقوم����وا بعملي����ة ح����وار‬ ‫عل����ى �أن ه����ذه املواق����ف‪ ،‬بغ�����ض النظر عن‬ ‫دميوقراط����ي حقيقي وا�سع امل����دى‪ ،‬ي�شمل �أطراف‬ ‫خلفيته����ا الإيديولوجي����ة وال�سيا�سية‪ ،‬ما لبثت‬ ‫املعار�ض����ة واملثقف��ي�ن وممثلي م�ؤ�س�س����ات املجتمع‬ ‫�أن وجدت لها مع الوقت �صدىً و�أذان ًا �صاغية‬ ‫املدين كافة ودون ا�ستثناء‪ ،‬لإعادة �صياغة احلكم‬ ‫وتبنته����ا قطاع����ات وا�سع����ة يف معظ����م الدول‬ ‫ب�ص����ورة دميوقراطية تكفل تو�سي����ع �أطر امل�شاركة‬ ‫العربي����ة‪ ،‬وهك����ذا �أ�صبح����ت �شرعي����ة �أنظم����ة‬ ‫ال�سيا�سي����ة‪ ،‬وه����و �أم ٌر حتمي وال مه����رب منه حتى‬ ‫الدول����ة العربي����ة املعا�ص����رة الي����وم حمل �شك‬ ‫ي�ستعيد ه�ؤالء م�شروعيتهم املفقودة بفعل الت�سلط‬ ‫كب��ي�ر من قطاع����ات عري�ضة م����ن مواطنيها‪،‬‬ ‫والف�شل يف بناء الإن�سان والدولة‪.‬‬ ‫لك����ن اخلطري يف الأمر �أن هن����اك دو ًال عربية‬ ‫و�إذا كان����ت �إع����ادة �صياغ����ة احلك����م وال�سري يف‬ ‫�أخ����ذت تتعر�����ض �شرعي����ة الدولة فيه����ا ل�شك‬ ‫�أزمة ال�شرعية تعد من‬ ‫طري����ق الدميوقراطي����ة الطوي����ل خط����وة مهم����ة‬ ‫من بع�����ض القطاعات التي مل تندمج �سيا�سي ًا‬ ‫أخطر‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫أعمق‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫أهم‬ ‫�‬ ‫وحا�سم����ة لكنها ‪ -‬يف الواقع‪ -‬لي�ست �سوى اخلطوة‬ ‫واجتماعيا يف هذه الدولة‪.‬‬ ‫(عانت)‬ ‫التي‬ ‫أزمات‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫الأوىل و�ستظ����ل‪ ،‬يف املح�صل����ة‪ ،‬غ��ي�ر كافية ما مل‬ ‫لك����ن �أخطر م����ا ميكن �أن تتج�س����د فيه �أزمة‬ ‫وتعاين منها الدولة‬ ‫تتبعها خطوات �أخرى ال تقل عنها �أهمية وح�سما‪ً.‬‬ ‫ال�شرعي����ة يف الدول����ة العربي����ة املعا�ص����رة هو‬ ‫�سبب‬ ‫و‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫العربية‬ ‫ف��ل�ا بد‪ ،‬عل����ى �سبيل املثال ال احل�ص����ر‪ ،‬من �إعادة‬ ‫�أن يتزام����ن اهت����زاز �شرعي����ة النظام احلاكم‬ ‫ذلك يعود �إىل �أنّها مل‬ ‫�صياغة ال�سيا�س����ات االقت�صادية مبا يكفل حتقيق‬ ‫م����ع اهتزاز �شرعية الدول����ة ذاتها‪ ،‬فقد ي�ؤدي‬ ‫ُ�صب النظام القائم‬ ‫ت ِ‬ ‫مطالب التنمية الب�شرية امل�ستدامة‪ ،‬يف ظل �صيغة‬ ‫جل����وء ال�سلطة �إىل مزيد م����ن القمع والبط�ش‬ ‫واقعي����ة لتحقي����ق العدال����ة االجتماعي����ة‪ .‬كم����ا �أن‬ ‫وتعدته �إىل‬ ‫بل‬ ‫فح�سب‪،‬‬ ‫واال�ستئ�ص����ال لقوى املعار�ضة �إىل �أن ت�ستقوي‬ ‫ّ‬ ‫الإ�ص��ل�اح الدميوقراطي يجب �أن يكون م�سبوق ًا �أو‬ ‫هذه القوى بالتدخل الأجنبي الذي له �أجندته‬ ‫فكرة الدولة ذاتها‬ ‫ً‬ ‫إ�ص��ل�اح �آخر عميق و�ضروري‬ ‫عل����ى الأقل مقرونا ب�‬ ‫اخلا�ص����ة الت����ي تتع����دى �إ�سق����اط النظام اىل‬ ‫ٍ‬ ‫إ�صالح‬ ‫�إ�سقاط الدول����ة ذاتها على نحو ما ك�شف عنه‬ ‫يف جم����االت الأمية واملعرف����ة والرتبي����ة وب� ٍ‬ ‫موا ٍز على �صعي����د احرتام وحماية حقوق الإن�سان؛‬ ‫ب�ص����ورة �صارخ����ة النم����وذج العراق����ي‪ ،‬ورمبا‬ ‫ً‬ ‫تق�سي����م الدول����ة على النحو ال����ذي ميكن �أن ت�ص����ل �إليه تداعي����ات امل�شهد لأن اخلوف ال ي�صنع �إبداعا مثلما �أن القهر ال ي�ضمن انتماء!‬ ‫ت�صب يف فك����رة البدء‪ :‬تلك التي يجب‬ ‫و�إجم����ا ًال‪ ،‬ف�إن امل�س�ألة يف النهاية ّ‬ ‫ال�سوداين �إذا ظلت الأمور ت�سري نحو الأ�سو�أ‪.‬‬ ‫ا�صرة بفعل افتقادها لل�شرعية �أن من ّي����ز فيها بني عربة املجتمع وطريق الدولة النموذج‪ .‬للمجتمع طاقات‬ ‫غري �أن �إح�سا�س الأنظمة العربية ب�أنها محُ َ‬ ‫و�ضغ����وط امل�ش����اكل الداخلية يدفعه����ا‪ ،‬يف كثري من الأحي����ان‪� ،‬إىل حماولة ينبغ����ي �إحيا�ؤها وللدول����ة – الباحثة عن امل�شروعي����ة بالت�أكيد‪ -‬دو ٌر ينبغي‬ ‫اخلروج من امل�أزق بافتعال الأزمات اخلارجية ل�صرف النظر عن امل�شاكل تطويره‪ .‬فال الطريق ُيغني عن العربة وال معنى للعربة بغري الطريق!‬ ‫‪88‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫املحـــور‬ ‫ق�ضيــــة العـــدد‬

‫الكفاح �ضد‬ ‫«القاعدة» فـي اليمن‬ ‫حممد �سيف حيدر‬ ‫جريجوري جون�سون‬ ‫علي العب�سي‬ ‫جيم�س فيليب�س‬ ‫�سارة فيليب�س ورودجر �شاناهان‬ ‫خالد �أحمد الرماح‬ ‫عاي�ش علي عوا�س‬ ‫�إدوارد بيـرك‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪89‬‬


‫املحــور‬

‫من‬ ‫�أ�سامة‬ ‫�إىل‬ ‫الوحي�شي‬

‫الإيديولوجي���ة واحل�شد العقائ���دي‪ ،‬وتالي ًا ا�ستقطاب كثري من ال�شباب الذين ي�شكل���ون الفئة الأكرب بني فئات �سكان‬ ‫البالد التي تنوء بحمل دميغرايف ثقيل ومت�سارع على نح ٍو يبدو وك�أنه غري قابل للكبح �أو االحتواء‪.‬‬ ‫وعليه ف�إن التعامل مع واق ٍع كهذا ي�ستدعي �إدراك ًا واعي ًا بخلفياته ومكوناته وم�ساراته كما التبا�ساته التي �ساهمت‪،‬‬ ‫ولزمن طويل‪ ،‬يف ت�شتيت الأذهان والقدرات عن مالحظة (ومواجهة) تهديد ما انفك يتعاظم يوم ًا بعد يوم‪ ،‬وتالي ًا‬ ‫ وهذا ما ي�ؤ�سف حق ًا ‪ -‬فقد مت جتاهل قنبلة موقوتة ظلت كامنة بني ظهرانينا لفرتة‪ ،‬ومل ن�ست ِفق �إال وقد انفجرت‬‫فج�أة‪� .‬صحيح �أن احلكومة اليمنية حققت خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية جناح ًا ن�سبي ًا يف �إدارة املواجهة مع تنظيم‬ ‫“القاع���دة”‪ ،‬لك���ن الأخري‪ ،‬وخ�صو�ص ًا من خالل عملياته التي تب ّناها م�ؤخر ًا (و�آخرها حماولة مجُ ّنده النيجريي‬ ‫عم���ر فاروق عبداملطلب الفا�شلة لتفجري طائرة الركاب الأمريكية يف �سماء مدينة ديرتويت ليلة عيد امليالد)‪ ،‬عاد‬ ‫لي�ؤكد �أن العوامل التي �ساعدت على وجوده يف البالد ومتدده يف بع�ض �أرجائها “ال تزال قائمة”‪.‬‬ ‫وملزي���د م���ن الفهم ملوقع اليمن ودوره���ا يف الإ�سرتاتيجية الكونية لتنظيم «القاعدة» وكيف ب���رزا وتطورا‪ ,‬ف�إنه ال‬ ‫منا����ص م���ن مراجعة التجرب���ة املعقدة التي ه ّي����أت البالد لتحتل هذه املكان���ة املتقدمة‪ ،‬والتي بات���ت ُتنبئ مبخاطر‬

‫�صعود تنظيم «القاعدة» فـي اليمن‬ ‫حممد �سيف حيدر‬

‫مل تغ���ب اليم���ن يف يوم من الأيام عن تفكري تنظيم القاعدة‪ ،‬ودوائر حركته �شرق ًا وغرب ًا‪ ،‬كما ا�سرتاتيجيته‬ ‫العاملي���ة املكونة من مزيج غري متجان�س من الت�صورات العقائدية وال�سيا�سية املفعمة بدالالت تب�شريية رمزية‬ ‫وت�ضمينات جيوبوليتيكية حا�سمة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل قواعد ا�شتباك ُمر ِبكة ترتكز ب�شكل رئي�سي على فكرة احلرب‬ ‫غري املتماثلة‪ .‬واحلال �أن التنظيم وجد يف هذا البلد الفقري الذي تتجذر فيه الروح القبلية والدينية املحافظة‬ ‫بق���وة‪ ،‬بيئ��� ًة مالئم ًة قابلة لال�ستغالل الفك���ري والتنظيمي و�إمكانية �إدارة حملة منظم���ة وطويلة الأمد للتعبئة‬ ‫‪90‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫حممد �سيف حيدر مدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية»‪ ،‬وباحث يف مركز �سب�أ‬ ‫للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪.‬‬

‫وحتديات ج ّمة يتعني اال�ستعداد ملواجهتها يف قادم الأيام‪.‬‬ ‫منذ اللحظة الأوىل لتكون نواة تنظيم «القاعدة»‬ ‫�أ�سامة و»م�شروعه اجلهادي» يف اليمن‬ ‫يف الأرا�ضي الأفغانية‪ /‬الباك�ستانية من خالل �إن�شاء م�أ�سدة الأن�صار (التي حتولت �إىل «القاعدة» الحق ًا‪ ،‬و�إن‬ ‫كان���ت هذه الت�سمية مل تظهر �إال يف منت�صف عقد الت�سعينيات من القرن املا�ضي)‪ ،‬لفت اجلهاديون اليمنيون‬ ‫انتب���اه �أ�سامة ب���ن الدن �إليهم‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد �أن �أبلوا ح�سن ًا ‪� -‬إىل جان���ب جهاديني عرب �آخرين ‪ -‬يف معارك‬ ‫«جاج���ي» ال�شه�ي�رة التي خا�ضها بن الدن واملقاتلون العرب يف رم�ض���ان من العام ‪ ،1987‬والتي م ّهدت الطريق‬ ‫لالن�سحاب ال�سوفيتي من �أفغان�ستان‪.‬‬ ‫خالل تلك الفرتة‪ ،‬حر�ص بن الدن على تكوين جمموعة ُم ّ‬ ‫نظمة حوله ر ّكز فيها على العنا�صر اجلهادية‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪91‬‬


‫املحــور‬ ‫من �شبه اجلزي���رة العربية وال�سيما من ال�سعودية واليمن‪ .‬وعلى �إثر‬ ‫االن�سح���اب ال�سوفيتي م���ن �أفغان�ستان الذي ب���د�أت طالئعه يف �شباط‪/‬‬ ‫فرباي���ر ‪ ،1989‬توجهت �أنظ���ار بن الدن �إىل اليمن‪ ،‬م�سق���ط ر�أ�س والده‬ ‫و�أر����ض �أجداده‪ ،‬بدف���ع وت�أييد تام من بع�ض �أن�ص���اره املقربني‪ .‬و�أخذت‬ ‫فك���رة اجلهاد يف اليمن وجدواها ت�ستح���وذ على تفكريه‪ ،‬ال�سيما بعد �أن‬ ‫�أقتن���ع ب�أن «اليمن (�أ�ضحت) من �أكرث مناطق العامل العربي جاهزية لأن‬ ‫تقوم فيه���ا حركة جهادية‪ ،‬تتوفر لها معظم عنا�ص���ر النجاح ال�سببية»‪.‬‬ ‫وزاد م���ن حما�ست���ه‪� ،‬إطالعه الوثيق عل���ى جتربة اجلهادي�ي�ن اليمنيني‬ ‫يف �أفغان�ست���ان‪ ،‬والذي���ن �شكلوا ‪ -‬وقتها ‪ -‬ث���اين �أعلى �إح�صائية من بني‬ ‫ال�شب���اب العرب الذين قدموا للجه���اد الأفغاين‪ ،‬وكان���وا يف ر�أيه «مثا ًال‬ ‫للإقدام‪ ،‬وال�شجاعة‪ ،‬وخ�صال الفرو�سية‪ ،‬و�أ�صالة العروبة»‪.‬‬ ‫ووفق رواية �أبي م�صعب ال�سوري‪ ،‬فقد كان «امل�شروع اجلهادي» اخلا�ص‬ ‫والرئي�سي لأ�سامة بن الدن هو �إحداث «حركة جهادية» يف اليمن اجلنوبي‪،‬‬ ‫وق���د با�شر ذلك يف �سنتي ‪ 1989‬و‪ 1990‬عقب عودته �إىل ال�سعودية؛ فقام‬ ‫ب�إر�س���ال الدعم املادي ال�ل�ازم مل�ؤيديه يف اليمن لتهيئ���ة الأجواء حلملة‬ ‫«جهادية» ُم ّ‬ ‫نظم���ة هدفها ك�سب عنا�صر‬ ‫جديدة هن���اك‪ ،‬وا�ستمر يف حماولته �إىل‬ ‫كان «امل�شروع‬ ‫قي���ام الوح���دة اليمني���ة منت�ص���ف العام‬ ‫‪ .1990‬ورغ���م �أن ع���دد ًا م���ن اجلهاديني اجلهادي» اخلا�ص‬ ‫املقرب�ي�ن من بن الدن �أيامها قد ح ّر�ضوه والرئي�سي لأ�سامة‬ ‫على امل�ضي يف م�شروعه مبا�شرة‪� ،‬إال �أنه‬ ‫بن الدن هو‬ ‫احلركية‬ ‫ت���ردد بانتظار �إقناع القي���ادات‬ ‫�إحداث «حركة‬ ‫الإ�سالمية املعروف���ة يف اليمن من �أمثال‬ ‫جهادية» يف‬ ‫عبد املجي���د الزنداين باالنخ���راط فيه‪ ،‬اليمن اجلنوبي‪،‬‬ ‫ُم�ست ِغ ًال اخل�ل�اف الذي ن�شب عقب قيام‬ ‫وقد با�شر ذلك‬ ‫الوح���دة ح���ول الد�ستور‪ ،‬وه���و اخلالف‬ ‫يف �سنتي ‪1989‬‬ ‫ال���ذي حاول ب���ن الدن توظيف���ه «لإعالن‬ ‫و‪ 1990‬عقب‬ ‫اجلهاد على حكومة اليمن املوحد حديثة‬ ‫عودته �إىل‬ ‫الن�ش����أة»‪ .‬لك���ن حماوالت ب���ن الدن هذه‬ ‫ال�سعودية‬ ‫انته���ت بالف�شل بع���د �أن امتنع الكثري من‬ ‫علماء اليم���ن ويف مقدمته���م الزنداين‪،‬‬ ‫وم�شاي���خ ال�سلفي�ي�ن وعل���ى ر�أ�سهم مقبل‬ ‫ً‬ ‫الوادع���ي عن دعمها‪ ،‬رغم �أنه بذل �أم���واال طائلة ال�ستمالتهم وا�ستمالة‬ ‫بع�ض القبائل لدعم «م�شروعه اجلهادي» اخلا�ص يف اليمن‪.‬‬ ‫ومع هذا مل ُي ِبد بن الدن �أي نية له يف اال�ست�سالم؛ فوا�صل تقدمي الدعم‬ ‫�إىل ف�صائ���ل جهادي���ة ميني���ة‪ ,‬ومينيني توط���دت عالقته به���م منذ �أيام‬ ‫اجله���اد الأفغاين‪ .‬كما كان���ت له روابط وعالق���ات وثيقة يف ح�ضرموت‬ ‫نف�سها التي تنحدر منها عائلته‪ .‬وبا�ستعمال هذه الروابط‪ ،‬قام بن الدن‬ ‫با�ستقط���اب املزي���د من اليمني�ي�ن �إىل خميمات التدري���ب التابعة له يف‬ ‫�أفغان�ست���ان وباك�ستان‪ ،‬و ُيقال �أنه َعمِ ���ل على ا�ستخدام الأرا�ضي اليمنية‬ ‫(يف مديرية مودية ب�أبني حتديد ًا بح�سب معلومات ا�ستخباراتية غربية)‬ ‫كموقع تدريب �إ�ضايف لتنظيمه النا�شئ ابتدا ًء من عام ‪ .1993‬كما �شملت‬ ‫ن�شاطات بن الدن وخالي���اه ال�سرية يف اليمن‪ ،‬ا�ستخدام املوانئ اليمنية‬ ‫كم�ص���ادر لتهريب الأ�سلحة �إىل الدول واملناط���ق املجاورة‪ .‬وكدليل على‬ ‫‪92‬‬ ‫‪92‬‬

‫نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬ ‫الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬ ‫العددالأول‪،‬‬ ‫ا��سرتاتسرتايتيججيةية العدد‬

‫‪2009‬‬ ‫‪2010‬‬

‫تزايد اهتمامه ووترية ن�شاطاته باليمن يف تلك الفرتة‪� ،‬أ�شارت تقديرات‬ ‫اال�ستخب���ارات الأمريكية �إىل �أن ب���ن الدن �أجرى من هاتفه‪ ،‬الذي يعمل‬ ‫بوا�سط���ة الأقمار اال�صطناعية‪� ،‬أكرث م���ن ‪ 221‬مكاملة هاتفية �إىل اليمن‬ ‫من بني ‪ 1100‬مكاملة قام ب�إجرائها يف منت�صف الت�سعينيات‪.‬‬ ‫عل���ى �أن �أخطر تلك الن�شاطات كانت قد جرت قبلها وحتديد ًا يف مطلع‬ ‫الع���ام ‪ ،1992‬عندما ح���اول �أن�صاره الهجوم على ق���وات �أمريكية كانت‬ ‫متوقف���ة يف عدن يف طريقه���ا �إىل ال�صومال‪ .‬فقد قامت جمموعة مكونة‬ ‫م���ن �ست���ة مينيني وليبي يدعى �أب���و بكر خريي �صال���ح‪ ،‬مبحاولة تفجري‬ ‫فن���دق ال�ساحل الذهب���ي (جولد مور) وفندق عدن يف ليل���ة ر�أ�س ال�سنة‬ ‫وم���ن ّثم قتل الع�سكريني الأمريكي�ي�ن املوجودين داخلهما‪ ،‬لكن املحاولة‬ ‫�أخفق���ت ومتكن���ت ال�سلط���ات الأمنية من اعتق���ال �أف���راد اخللية الذين‬ ‫اعرتفوا بتبعيتهم لأ�سامة بن الدن‪.‬‬ ‫ويف الأثن���اء‪ ،‬تنام���ى عن���ف «اجلهادي�ي�ن» يف البالد لي�شم���ل حماوالت‬ ‫اغتيال �شخ�صي���ات �سيا�سية ا�شرتاكية بارزة كعلي �صالح عباد (مقبل)‬ ‫وغ�ي�ره م���ن القيادي�ي�ن يف احل���زب اال�شرتاك���ي اليمن���ي‪ .‬وكان لتنظيم‬ ‫«اجلهاد الإ�سالمي» يف اليمن اليد الطوىل يف تنفيذ مثل هذه العمليات‪.‬‬ ‫وق�ص���ة هذا التنظي���م‪ /‬اجلماعة ب���د�أت بعودة زعيمها ط���ارق الف�ضلي‬ ‫_ وه���و �أح���د �أهم رموز الأفغان اليمنيني و�أح���د املقربني من بن الدن‬ ‫�آن���ذاك _ �إىل اليمن‪ ،‬وحتديد ًا �إىل حمافظة �أب�ي�ن‪ ،‬بعد م�شاركته يف‬ ‫اجلهاد الأفغ���اين‪ .‬وهناك قام الف�ضلي‪ ،‬وبدافع من خ�صومته ال�شديدة‬ ‫التح�صن م���ع �أتباعه بجبال املراق�شة التي‬ ‫م���ع احلزب اال�شرتاكي‪� ،‬إىل‬ ‫ّ‬ ‫اعتربها املكان املالئم والأن�سب لتنفيذ م�شروعه‪ ،‬بالنظر �إىل كونها من‬ ‫�أف�ضل التح�صينات اجلبلية‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغم م���ن �أن عالقة ب���ن الدن كان���ت قوية بجماع���ة «اجلهاد»‬ ‫اليمني���ة‪� ،‬إال �أنه���ا �ضعفت بعد انتهاء حرب االنف�ص���ال يف �صيف ‪،1994‬‬ ‫�إذ قام قائدها طارق الف�ضلى مب�ساعدة احلكومة اليمنية �أثناء احلرب‪،‬‬ ‫وبعدها انخ���رط يف اللعبة ال�سيا�سية الداخلية‪ ,‬وان�ضم مع بع�ض �أتباعه‬ ‫�إىل امل�ؤمت���ر ال�شعب���ي العام يف حني �أخت���ار بع�ضهم االلتح���اق ب�أحزاب‬ ‫وتنظيمات �أخرى‪ .‬ومنذ ذلك احلني مل تقم للجهاديني من �أتباع �أ�سامة‬ ‫ب���ن الدن �أي حماولة تُذك���ر للتحرك يف اليمن‪� ،‬إذ حتول���ت �إ�سرتاتيجية‬ ‫الأخري‪ ،‬بدء ًا من منت�صف ت�سعينيات القرن الفائت‪ ،‬من حماربة «العدو‬ ‫القري���ب» (�أنظمة احلكم يف العاملني العرب���ي والإ�سالمي) �إىل مقارعة‬ ‫«الع���دو البعي���د» (�أي الوالي���ات املتح���دة) يف �أماك���ن �شتى م���ن العامل‪،‬‬ ‫وعنده���ا �أخذ موقع اليم���ن ودورها �أي�ض ًا يف التغ�ّيفرّ يف �إ�سرتاتيجية بن‬ ‫الدن وتنظيمه الآخذ يف ال�صعود عاملي ًا‪.‬‬ ‫يف �إط���ار الر�ؤي���ة‬ ‫م��ن النظري��ة �إىل التطبي��ق‬ ‫اجلديدة هذه‪ ،‬ومع حتول تنظيم «القاعدة» �إىل ظاهرة معوملة خ�صو�صاً‬ ‫بعد �إعالن �أ�سامة بن الدن و�أمين الظواهري عن والدة «اجلبهة العاملية‬ ‫لقت���ال اليه���ود والن�ص���ارى» يف �شه���ر �شب���اط‪ /‬فرباي���ر ‪ ،1998‬اتخذت‬ ‫اليم���ن موقعها اجلديد ل���دى التنظيم بو�صفها «حا�ضن���ة مثالية» للعمل‬ ‫احلرك���ي والتعبوي تُ�شابه يف بع�ض الأوجه «احلا�ضنة الأم» للقاعدة‪� ،‬أي‬ ‫�أفغان�ست���ان‪ ،‬وتقع على مرمى حجر من غايته الأ�سمى «بالد احلرمني»‪،‬‬ ‫�أي العربية ال�سعودية‪.‬‬

‫واحلقيق���ة �أن ه���ذه الر�ؤي���ة لليم���ن وموقعه���ا كم���ا دوره���ا يف العم���ل‬ ‫«اجله���ادي» يف �صيغت���ه «القاعدي���ة» املُحدث���ة‪ ،‬ق���د مت ت�أ�صيله���ا نظري ًا‬ ‫نظ���ري «القاعدة» البارزين‪ ،‬وال���ذي كانت اليمن ّ‬ ‫م���ن قبل �أحد ُم ّ‬ ‫حمط‬ ‫اهتمام���ه منذ وق���ت لي�س بالق�صري‪ .‬فف���ي ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر ‪1999‬‬ ‫ق���ام �أبو م�صع���ب ال�سوري‪ ،‬امللقب ب���ـ «داهية الفكر اجله���ادي»‪ ،‬بت�أليف‬ ‫كتاب �صغري �أو ر�سال���ة مطولة تقع يف ‪� 36‬صفحة‪ ،‬بعنوان «م�سئولية �أهل‬ ‫اليمن جتاه مقد�س���ات امل�سلمني وثرواتهم»‪ ،‬حتدث فيها عن �أهمية بناء‬ ‫قواع���د �إ�سرتاتيجي���ة طويلة الأمد يف اليمن‪ .‬وتتب���دى �أهمية الأخرية يف‬ ‫نظ���ر ال�سوري من خالل ثمانية عوامل رئي�سية متتاز بها عن غريها من‬ ‫الدول الإ�سالمية‪ ،‬وتحُ ّفزها ر�ؤى وب�شائر دينية حتمل يف طياتها دالالت‬ ‫رمزية‪ ،‬ولكنها كا�شفة‪ُ ،‬تع�ّب�ررّ عنها �أحاديث نبوية �شهرية‪ ،‬ال حتتاج �إىل‬ ‫كثري من الت�أويل ملقاربتها �أو فهمها‪.‬‬ ‫�أول هذه العوامل هو الكثافة ال�سكانية العالية يف اليمن مقارنة بدول‬ ‫اجلوار يف منطقة �شبه اجلزيرة العربية‪ .‬وين�صرف ثاين هذه العوامل‬ ‫�إىل طبيعة الب��ل�اد اخل�صبة من حيث الزراعة والكفاية الغذائية‪� .‬أما‬ ‫ثالث تلك العوامل‪ ،‬التي يعددها ال�سوري‪ ،‬فيكمن يف العامل اجلغرايف‬ ‫املرتب����ط مبا تتميز ب����ه اليمن من طبيعة جبلي����ة ح�صينة «جتعل منها‬ ‫القلعة الطبيعية املنيعة لكافة �أهل اجلزيرة‪ ،‬بل لكافة ال�شرق الأو�سط‪،‬‬ ‫فه����ي املعق����ل الذي ميك����ن �أن ي�أوي �إلي����ه �أهلها وجماهدوه����ا»‪ .‬ويتعلق‬ ‫العام����ل الرابع‪ ،‬يف نظر �أبي م�صعب‪ ،‬بال�شوك����ة والب�أ�س و�أهلية القتال‬ ‫عن����د اليمنيني ومتا�سك تركيبتهم القبلية‪ ،‬بعك�س غريهم من محُ دثي‬ ‫النعم����ة يف دول اجل����وار الذين «غلب على �أكرثه����م اال�سرتخاء وعدم‬ ‫الأهلية للقتال»‪ .‬يف حني ي�شري العامل اخلام�س �إىل واقع �سوق ال�سالح‬ ‫يف اليم����ن وانت�ش����ار الذخرية ب�أ�شكاله����ا كافة‪« ،‬وذلك نظ����ر ًا للتقاليد‬ ‫القبلي����ة التي تفخر ب����ه‪ ،‬وللمخزون الذي خلف����ه ال�شيوعيون يف جنوب‬ ‫اليمن‪ ،‬وازدهار جتارة ال�س��ل�اح مع ال�سواحل املقابلة للقرن الأفريقي‬ ‫و�شرق و�سط �أفريقيا‪( ،‬التي) تتكد�س (فيها) خملفات الأ�سلحة والذخرية‬ ‫والكميات الهائلة نتيجة الثورات واحلروب املتالحقة يف تلك املناطق»‪.‬‬ ‫�أم���ا العام���ل ال�ساد�س فيتمثل يف امتالك اليمن ح���دود ًا مفتوحة «تزيد‬ ‫عل���ى �أربع���ة �آالف ك���م»‪ ،‬و�سواحل بحري���ة «تزيد على ثالث���ة �آالف كم»‪،‬‬ ‫وحتكمه���ا بواحد من �أه���م البوابات البحرية وهو م�ضي���ق باب املندب‪.‬‬ ‫وبح�س���ب ال�سوري‪ ،‬ف�إن «هذه احلدود املفتوحة‪ ،‬التي ال ميكن ال�سيطرة‬ ‫عليه����ا‪ ،‬تتي����ح حري����ة احلرك����ة‪ ،‬كم����ا توف����ر هام�����ش من����اورة ع�سكرية‬ ‫�إ�سرتاتيجية غاية يف الأهمية ال تخفى على كل ب�صري»‪ .‬وميدح ال�سوري‬ ‫خالل حديثه عن العامل ال�سابع ما ي�سميه «الطبيعة احلرة لأهل اليمن‬ ‫كم����ا هو حال الأر�ض؛ فالقبائ����ل وال�شباب وال�صحوة الإ�سالمية مل تقع‬ ‫�أ�سرية الأ�سر والتنومي وال�سيطرة النف�سية كما حال معظم �سكان باقي‬ ‫بق����اع اجلزيرة‪ ،‬فاالنفت����اح الثقايف والعلمي وتع����دد االجتاهات ووجود‬ ‫التي����ارات الفكرية عام����ة واملدار�����س الإ�سالمية والدعوي����ة واجلهادية‬ ‫خا�ص����ة‪ ،‬و ّف����ر طبيع����ة حرة ل����دى �أهل اليم����ن عامة و�شب����اب ال�صحوة‬ ‫واملجاهدي����ن فيها خا�صة» بعك�س غريهم من �شباب اجليلني الأخريين‬ ‫يف بقي����ة دول اجلزي����رة العربية «املُك ّبل��ي�ن ب�سال�سل الأَ ْ�س����ر املختلفة»‪،‬‬ ‫الأمر الذي مينعهم من �أن يكونوا «�أم ًال يف اجلهاد والب�أ�س الع�سكري»‪،‬‬ ‫كما يقول‪.‬‬

‫ويف كالم����ه ع����ن العامل الثام����ن والأخري ال����ذي متتاز ب����ه اليمن عن‬ ‫غريها من دول �شبه اجلزيرة‪ ،‬يتحدث �أبو م�صعب ال�سوري عن �ضرورة‬ ‫ا�ستغ�ل�ال عامل الفق���ر العام يف اليمن و�إك�سابه معن���ى ثوري ًا ليكون كما‬ ‫يقول محُ ّفز ًا لل�شعور «بالظلم والغنب والذي يعترب حمرك ًا �أ�سا�سي ًا دفين ًا‬ ‫يجب توجيهه التوجيه ال�صحيح‪� ،‬إذ يعترب عند ذلك عام ًال �إ�سرتاتيجي ًا‬ ‫مهم��� ًا يف حتري���ك النا����س للجهاد ال�س�ت�رداد حقهم و�أهليته���م لذلك»‪،‬‬ ‫ح�سب تعبريه!‬ ‫واحل���ال �أن هذه الر�ؤية احلاكمة امل�ؤط���رة ملوقع اليمن ودورها املحوري‬ ‫يف �إ�سرتاتيجي���ة تنظي���م «القاعدة» ب�صف���ة خا�صة‪ ،‬وباق���ي اجلماعات‬ ‫والتنظيم���ات املن�ضوية �ضمن التيار ال�سلفي‪ -‬اجلهادي عموم ًا‪ ،‬كان لها‬ ‫�ص���دى ملحوظ ًا‪ ,‬و�ساهمت بقوة يف �إعادة توجيه دفة العمل «اجلهادي»‪،‬‬ ‫خ�صو�ص��� ًا بعد �أح���داث ‪� 11‬أيلول‪�/‬سبتمرب ع���ام ‪ .2001‬وبالفعل‪ ،‬ميكن‬ ‫الق���ول �أنها كانت «�أ�شب���ه بتو�صية من �أبي م�صعب لقي���ادات «القاعدة»‬ ‫للتفك�ي�ر يف مواق���ع بديلة عن �أفغان�ست���ان واحلدود املتاخم���ة لباك�ستان‬ ‫وغريه���ا من كانتون���ات جماعات العنف امل�سلح» كم���ا الحظ ذلك بع�ض‬ ‫املتابع�ي�ن ل�ش����ؤون جماع���ات العن���ف اجلهادي���ة‪ ،‬ويف مقدمته���ا تنظيم‬ ‫«القاعدة» بزعامة �أ�سامة بن الدن‪.‬‬ ‫الر�ؤية احلاكمة‬ ‫وم����ع �أهمي����ة الر�ؤية النظري����ة هذه التي‬ ‫امل�ؤطرة ملوقع‬ ‫بل����ورت املكانة اخلا�ص����ة لليمن يف عقول‬ ‫اليمن ودورها‬ ‫وقل����وب منت�سب����ي التي����ار اجله����ادي –‬ ‫املحوري يف‬ ‫ال�سلف����ي‪� ،‬إال �أن ال�سياق ال�سيا�سي املحلي‬ ‫�إ�سرتاتيجية‬ ‫تنظيم «القاعدة»‬ ‫يف ه����ذا البلد خ��ل�ال العقدين الأخريين‬ ‫كان لها �صدى‬ ‫قد �أ�ضفى عليها �أهمية م�ضاعفة و�أبعاد ًا‬ ‫و�ساهمت‬ ‫ملحوظاً‪,‬‬ ‫�أكرث عملية‪ .‬والعارف����ون بكوالي�س اللعبة‬ ‫بقوة يف �إعادة‬ ‫ال�سيا�سية اليمني����ة منذ مطلع ت�سعينيات‬ ‫العمل‬ ‫توجيه دفة‬ ‫الق����رن الفائت حتى اليوم يدركون متام ًا‬ ‫«اجلهادي»‪،‬‬ ‫الكيفي����ة التي �أُدير به����ا ملف اجلماعات‬ ‫خ�صو�صاً‬ ‫بعد‬ ‫اجلهادي����ة ‪ -‬ال�سلفية‪ ،‬ال�سيم����ا املقاتلني‬ ‫�أحداث ‪� 11‬أيلول‪ /‬العائدين من �أفغان�ستان‪ ،‬اليمنيني منهم‬ ‫�سبتمرب‬ ‫وغ��ي�ر اليمني��ي�ن‪ ،‬وطبيع����ة التجاذب����ات‬ ‫قح����م ه����ذا املل����ف‬ ‫وال�صراع����ات الت����ي �أُ ِ‬ ‫يف �إطاره����ا‪ ،‬بغر�ض توظيف املنتم��ي�ن �إىل التيار اجله����ادي ‪ -‬ال�سلفي‬ ‫مبختل����ف ت�شكيالته����م‪ ،‬مب����ا فيه����م املنتم��ي�ن �إىل تنظي����م «القاعدة»‪،‬‬ ‫وا�ستغاللهم �سيا�سي���� ًا من �أجل دعم املواقف واملطامح ال�سيا�سية لدى‬ ‫بع�ض الالعبني الكبار يف ال�ساحة اليمنية‪.‬‬ ‫وزاد م����ن �إغراء فك����رة ا�ستغالل اليم����ن ك�إحدى من�ص����ات االنطالق‬ ‫الأ�سا�سي����ة لعم����ل “القاع����دة”‪ ،‬ال�شع����ور املع����ادي املنت�ش����ر يف الب��ل�اد‬ ‫لل�سيا�س����ات الأمريكي����ة املنحازة لإ�سرائي����ل‪ ،‬وهو ال�شع����ور الذي �سعى‬ ‫التنظي����م (وال ي����زال) �إىل ا�ستغالل����ه �إىل �أق�ص����ى حدٍّ ممك����ن‪ .‬ولهذا‬ ‫مل يك����ن م����ن قبي����ل امل�صادف����ة ‪ -‬رمب����ا ‪ -‬قي����ام التنظي����م بواحدة من‬ ‫�أه����م عملياته و�أكرثها �صخب���� ًا يف اليمن‪ ،‬وهي عملي����ة تفجري املدمرة‬ ‫الأمريكي����ة (كول) يف ميناء ع���دن يف ‪ 12‬ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر ‪،2000‬‬ ‫وذل���ك بعد يومني فقط من خروج �أكرث من ‪� 50.000‬شخ�ص للتظاهر يف‬ ‫عدن للتنديد بالدعم الأمريكي لإ�سرائيل‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪93‬‬


‫املحــور‬ ‫واملرجح �أن قناعة �أ�سامة بن الدن جمدد ًا مبكانة اليمن وحمورية دورها‬ ‫ّ‬ ‫املتو ّق���ع يف �إ�سرتاتيجية تنظيمه العاملي���ة‪ ،‬كانت قد بلغت ذروتها يف تلك‬ ‫خف م�شاع���ره جتاهها وحنينه �إليها من خالل‬ ‫الف�ت�رة‪ ،‬وتبع ًا لذلك مل ُي ِ‬ ‫ا�ستدعاءه���ا ‪ -‬ول���و رمزي ًا ‪ -‬يف ظروف ومنا�سبات ع���دة‪ .‬كما �أنه حاول‬ ‫وقته���ا الن�أي باليم���ن قدر الإمكان بعي���د ًا عن �صراعه م���ع الأمريكيني‪،‬‬ ‫وجه �أن�صاره �إىل �أن يبقوا ه���ذا البلد «بعيد ًا عن‬ ‫وال�شاه���د �أن ب���ن الدن ّ‬ ‫عملياتهم»‪ .‬وطبق ًا ملا ذكره مرافقه ال�سابق «�أبو جندل» نا�صر البحري‪،‬‬ ‫ف�إن���ه حتى عملية املدمرة الأمريكية (ك���ول) كانت خطة «ال�شيخ �أ�سامة‬ ‫(�أن يت���م �ضربه���ا) يف املي���اه الدولية‪ ،‬لكن خط����أً فني ًا ب�سيط��� ًا يف عملية‬ ‫عجل �ضربها يف ميناء عدن»‪.‬‬ ‫الرقابة ّ‬ ‫م���ن هنا‪ ،‬ن�ستطي���ع �أن نفهم اخللفية التي جعل���ت اليمن تفر�ض نف�سها‬ ‫عل���ى العمل احلركي والن�شاط التعبوي للقاعدة‪ ،‬وذلك يف �أكرث الأوقات‬ ‫ح�سا�سية ودقة بالن�سبة لهذا التنظيم‪ .‬ففي �أواخر ‪ ،2001‬وقبل هجمات‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب يف نيويورك ووا�شنطن ب�أيام قليلة‪ ،‬جمع بن الدن �أن�صاره‬ ‫يف مدين���ة قندهار الأفغاني���ة ليبلغهم �أن يحزم���وا �أمتعتهم وحقائبهم‪،‬‬ ‫والتوج���ه �إىل اليمن‪.‬‬ ‫ا�ستع���داد ًا للرحيل‬ ‫ّ‬ ‫غ�ي�ر �أن الهجوم الأمريك���ي ال�سريع على‬ ‫قبل هجمات‬ ‫�أفغان�ست���ان يف مطل���ع ت�شري���ن الأول‪/‬‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب‬ ‫�أكتوب���ر من الع���ام نف�سه‪ ،‬قط���ع الطريق‬ ‫يف نيويورك‬ ‫عل���ى الكثريين م���ن �أع�ض���اء «القاعدة»‬ ‫ووا�شنطن ب�أيام‬ ‫ومن بينهم بن الدن ذاته‪ ،‬وكان قدرهم‪،‬‬ ‫قليلة‪ ،‬جمع بن‬ ‫خ�ل�ا قلة منه���م ا�ستطاع���وا املجيء �إىل‬ ‫الدن �أن�صاره يف‬ ‫اليم���ن‪� ،‬أن يبق���وا يف �أفغان�ست���ان ملقاتلة‬ ‫مدينة قندهار‬ ‫الأمريكي�ي�ن هناك‪ ،‬قب���ل �أن ينتقلوا �إىل‬ ‫الأفغانية‬ ‫املناط���ق الواقع���ة يف حم���اذاة احل���دود‬ ‫ليبلغهم �أن‬ ‫الأفغاني���ة الباك�ستاني���ة حي���ث وج���دوا‪ ،‬يحزموا �أمتعتهم‬ ‫وحقائبهم‪،‬‬ ‫باملثل‪ ،‬جغرافيا وعرة وح�صينة حتت�ضن‬ ‫جمتمع��� ًا قبلي��� ًا حمافظ��� ًا وم�شحون��� ًا ا�ستعداداً للرحيل‬ ‫والتوجه �إىل‬ ‫ّ‬ ‫مب�شاع���ر دينية مت�أججة‪ ،‬ا�ستفادوا منها‬ ‫اليمن‬ ‫لإعادة الروح �إىل تنظيمهم املُن َهك الذي‬ ‫كان على و�شك االنهيار‪.‬‬ ‫عل���ى مدى‬ ‫ظه��ور تنظي��م القاع��دة يف اليم��ن‬ ‫ال�سن���وات التي �أعقبت الهجوم الأمريكي العنيف على تنظيم «القاعدة»‬ ‫وحركة «طالبان» يف �أفغان�ستان‪� ،‬شغلت فكرة �إيجاد «مالذ بديل» حمتمل‬ ‫للتنظيم حيز ًا مهم ًا من تفكري قيادته‪ ،‬التي �أقلقتها حالة التنظيم الذي‬ ‫�أخذ ي�ستنزف ذاته ويفقد ج���زء ًا كبري ًا من حيويته بفعل توايل ال�ضغط‬ ‫العامل���ي وال�ضربات القوية التي حلقت ب���ه يف «قواعده» وامتداداته كافة‬ ‫من قبل الكثري من حكومات ودول العامل‪.‬‬ ‫ومن هنا بد�أت تبحث بكل جدية عن �أماكن �أخرى تو ّفر للتنظيم فر�صة‬ ‫مالئم���ة ال�س�ت�رداد �أنفا�س���ه‪ ،‬وتُ�سهم تالي��� ًا يف عملية �إعادة بن���اء بنيته‬ ‫املدم���رة من جديد‪ .‬ول�سوء احل���ظ مرة �أخرى‪ ،‬فقد �أكدت كل امل�ؤ�شرات‬ ‫�أن «القاعدة» �شرعت يف ا�ستهداف اليمن‪ ،‬ويف �شكل �إ�سرتاتيجي‪ ،‬لتكون‬ ‫ً‬ ‫بدي�ل�ا لها‪� ،‬إم���ا يف �شكل مرك���زي �أو كنقطة داعم���ة لتحركاتها‬ ‫خي���ار ًا‬

‫يف �شب���ه اجلزيرة العربي���ة والقرن الأفريقي‪ ،‬ال�سيم���ا بعد عودة ن�شاط‬ ‫الإ�سالميني يف ال�صومال‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬فقد حتولت اليمن �إىل «منطقة‬ ‫مواجه���ة قاعدي���ة» ل�ص���رف الأنظ���ار ع���ن التوج���ه الأمريك���ي اجلديد‬ ‫با�سته���داف التنظيم والرتكيز علي���ه يف ال�شريط احلدودي يف باك�ستان‬ ‫ومناط���ق القبائل واملناطق الأفغانية التي عادت �إليها «طالبان»‪ ،‬ال�سيما‬ ‫بعد �أن مت تقوي�ض فرعيه يف العراق وال�سعودية‪.‬‬ ‫وخ�ل�ال ال�سنوات الأخرية‪ ،‬بدا �أن اليمن تتعر�ض بالفعل‪ ،‬وعرب موجات‬ ‫متتالي���ة من الهجم���ات والعمليات الإرهابية‪ ،‬لرتكي���ز جدي و�شديد من‬ ‫قب���ل تنظي���م «القاع���دة» بهدف تعزي���ز دور اليم���ن كـ «قاع���دة خلفية»‬ ‫للتنظيم ُيعيد من خالله���ا بع�ض ًا من حيويته املفقودة‪ ،‬وعلى نح ٍو ميكنه‬ ‫م���ن تفعي���ل قدرته عل���ى املب���ادرة واالنط�ل�اق �إىل الهج���وم وا�ستهداف‬ ‫���ف وق�سوة‪ .‬و ُيث ِبت ر�ص���د ن�شاط القاعدة يف‬ ‫�أع���داءه املفرت�ضني بكل عن ٍ‬ ‫اليمن بوجهه القدمي الذي مت احتواءه (يف ظل اجليل الأول) �أو اجلديد‬ ‫احلايل املُ�ستع�صي على ال�سلطات اليمنية (يف ظل اجليل الثاين‪ ،‬والذي‬ ‫ا�ستط���اع �أب���رز نا�شطيه الهروب من �سجن الأم���ن ال�سيا�سي يف �شباط‪/‬‬ ‫فرباي���ر ‪� ،)2006‬أن���ه ال يخرج عن �سي���اق َج ْعله���ا ‪� -‬أي اليمن ‪ -‬منطلق ًا‬ ‫«للجه���اد» يف اجلزي���رة العربية‪ ،‬وهو ما حدث ح�ي�ن كان �أغلب ال�سالح‬ ‫بيد «جهادي���ي» ال�سعودية ي�أتي من اليمن‪ ،‬ومما يدلل على ذلك‪� ،‬أي�ض ًا‪،‬‬ ‫�أن اليم���ن وال�سعودي���ة وقعتا اتفاقي���ة للتعاون الأمني ع���ام ‪ ،2003‬ومنذ‬ ‫ذلك احل�ي�ن‪ ،‬تبادل البل���دان ت َ​َ�سلُّم (وت�سليم) الع�ش���رات من املطلوبني‬ ‫واملالحقني �أمني ًا‪.‬‬ ‫والوا�ض���ح �أن التنظيم‪ ،‬ال���ذي ما لبث خالل الأع���وام ‪� 2008 - 2006‬أن‬ ‫�أع���اد بناء نف�سه‪ُ ،‬مع���زز ًا قدراته العملياتية وحم ّدث��� ًا هياكله التنظيمية‬ ‫ومو�سع��� ًا �شبكة حتالفاته حملي��� ًا و�إقليمي ًا‪ ،‬قد و�صل �إىل ذروة ن�شاطه يف‬ ‫اليمن خالل العام الفائت ‪ .2009‬فقد �أعلن فرعاه اليمني وال�سعودي يف‬ ‫كان���ون الثاين‪/‬يناير من العام نف�س���ه‪ ،‬االندماج يف تنظيم �إقليمي واحد‬ ‫هو «تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب»‪ ،‬و�س ُِّمي اليمني «�أبو ب�صري»‬ ‫نا�ص���ر الوحي�شي (‪ 31‬عام ًا) �أم�ي�ر ًا له وذلك مبباركة قيادة القاعدة يف‬ ‫�أفغان�ستان وباك�ستان‪.‬‬ ‫ومنذ ذل���ك التاريخ تنوعت ن�شاطات التنظيم وتع���ددت عملياته ب�شكل‬ ‫وعبرَ ت ابتكاراتُ التنظيم‬ ‫الفت‪ ،‬واكت�سبت زخم ًا غري م�سبوق يف اليمن‪َ ،‬‬ ‫املُخيفة احلدو َد لت�صل �إىل ق�صور العائلة ال�سعودية احلاكمة والطائرات‬ ‫الأمريكي���ة املُح ِّلقة يف �أجواء ب���دت لوهل ٍة � ِآمنة‪ ،‬محُ ِدث��� ًة بلبل ًة واخرتاق ًا‬ ‫�أمني��� ًا وا�ضح��� ًا‪ .‬كما �أن التنظيم‪ ،‬عرب ا�ستخدام���ه �أ�سلوب «قوائم املوت‬ ‫ال�س���وداء» �أخ���ذ يف ت�صفية ح�سابات���ه القدمية‪/‬اجلديدة م���ع القيادات‬ ‫الأمني���ة الت���ي تالحق���ه منذ ف�ت�رة‪ ،‬واح���د ًا تلو الآخ���ر‪ ،‬لي����س يف اليمن‬ ‫وح�س���ب بل ويف الدول املجاورة �أي�ض ًا‪ .‬وامتدت عمليات التنظيم لتطال‪،‬‬ ‫بالتخطي���ط والتنفيذ‪� ،‬أهداف ًا عدة‪� :‬سياح ًا وموظفني �أجانب‪ ،‬وم�سئولني‬ ‫�أمنيني‪ ،‬وم�صالح حكومية و�أجنبية‪ ،‬ومن�ش�آت نفطية و�أمنية‪.‬‬ ‫و ُتظهِ ���ر الدالئل �أن تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب‪ ،‬والذي يتخذ من‬ ‫اليمن مركز ًا �إقليمي ًا لن�شاطاته‪ ،‬بات ميتلك ذراع ًا ع�سكري ًا فاع ًال‪ ،‬وقد‬ ‫زادته اخلربات ال�سعودية الناجتة عن اندماج فرعيه اليمني وال�سعودي‬ ‫ف� ً‬ ‫ضال عن اخلربات الأجنبية الأخرى‪ ،‬قو ًة وفعالية‪ .‬وبدت معامل مثل هذه‬

‫القدرات الع�سكري���ة وفعاليتها مث ًال يف مواجهات التنظيم مع ال�سلطات‬ ‫الأمنية يف م����أرب قبل عدة �أ�شهر‪ ،‬وكذلك يف قدرة التنظيم على ابتكار‬ ‫و�سائل خمتلفة وغري متوقعة يف كل مرة ينفذ فيها عملياته هنا �أو هناك‪.‬‬ ‫فمث ًال ا�ستخدم التنظيم تكتيك الر�سائل والطرود املفخخة يف ا�ستهداف‬ ‫القي���ادات الأمنية اليمنية‪ ،‬كما متكن من الو�صول �إىل �أحد �أهدافه عرب‬ ‫تفخيخ �إحدى ال�ص���ور (كما يف عمليته التي ا�ستهدفت ال�سياح الكوريني‬ ‫يف �شبام منت�صف �آذار‪/‬مار�س ‪ ،)2009‬وط ّور التنظيم �أ�ساليبه يف متويه‬ ‫املتفجرات و�إخفائها ب�شكل كبري كما يف عملية حماولة اغتيال حممد بن‬ ‫ناي���ف م�ساعد وزير الداخلية ال�سع���ودي (�آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ ،)2009‬و�أي�ض ًا‬ ‫من خ�ل�ال عملية حماولة تفج�ي�ر الطائرة الأمريكي���ة م�ؤخر ًا عرب �أحد‬ ‫مجُ ّنديه النيجرييني (كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪.)2009‬‬ ‫ويف الأثن���اء‪ ،‬ازداد ع���دد �أفراد التنظيم ومنا�ص���روه خ�صو�ص ًا من فئة‬ ‫�صغ���ار ال�س���ن الأكرث حتم�س ًا للعمل «اجله���ادي» يف و�سط جمتمعي فقري‬ ‫وراكد ت�سوده م�شاعر الإحباط‪ ،‬وات�سعت م�ساحات انت�شاره داخل اليمن‬ ‫وع�ب�ر احلدود‪ ،‬وح�صل على �أموال ومع���دات تقنية متطورة‪ ،‬وا�ستقطب‬ ‫عرب��� ًا و�أجانب لالنخراط يف �صفوفه‪ ،‬ووث���ق �صالته القبلية حيث يوجد‬ ‫كب���ار قادته ويختبئون‪ ،‬و�أظهر نف�س���ه كقوة متغ ِّولة ي�صعب النيل منها �أو‬ ‫ا�ستئ�صاله���ا حتى من خالل عمليات موجعة كما ح�صل يف �أبني و�صنعاء‬ ‫و�شبوة �أواخر العام املا�ضي‪.‬‬ ‫وهذا كله يعزز االعتقادات التي تذهب �إىل �أن تنظيم القاعدة يف اليمن‬ ‫و ّف���ر لنف�س���ه «بيئة ُمثلى» للعم���ل وتطوير الق���درات الع�سكرية واملهارات‬ ‫القتالي���ة‪ ،‬كم���ا �أن اجلغرافيا اليمني���ة �ساعدته على �إيج���اد مع�سكرات‬ ‫تدري���ب بعيدة ع���ن الأنظ���ار‪ ،‬ال�سيما يف مناط���ق ك�أبني و�شب���وة وم�أرب‬ ‫واجل���وف و�صعدة‪ .‬ف� ً‬ ‫ضال عن �أن اليمن كبلد مكت���ظ بالأ�سلحة (حوايل‬ ‫‪ 10‬ملي���ون قطعة �س�ل�اح كما جادلت �أح���دث الدرا�سات به���ذا ال�ش�أن)‪،‬‬ ‫وارتف���اع عمليات تهري���ب خمتلف �أن���واع ال�سالح عرب احل���دود اليمنية‬ ‫الربي���ة والبحرية‪ ،‬كل ذل���ك ي�ساهم يف رفد التنظي���م بقاعدة ت�سليحية‬ ‫متنوعة‪ ،‬كم ًا وكيف ًا‪ ،‬وتت�سم باحلداثة والتطور التقني‪.‬‬ ‫ورغ���م �أن ال�سلط���ات يف اليم���ن متكنت من احتواء ع���دد ال ب�أ�س به من‬ ‫عنا�ص���ر وقيادات تنظيم القاع���دة‪ .‬لكن عملية االحت���واء‪ ،‬وقد اتخذت‬ ‫�أ�ش���كا ًال و�ص���ور ًا ع���دة ناعمة وخ�شن���ة‪ ،‬ما ت���زال بعيدة ‪ -‬م���ن الناحية‬ ‫اال�سرتاتيجي���ة ‪ -‬ع���ن حتقي���ق هدفه���ا الأ�سا�س���ي‪ ،‬وهو حتيي���د تنظيم‬ ‫القاع���دة ومنعه ب�شكل كامل م���ن ممار�سة العن���ف يف اليمن‪ .‬ولذا نرى‬ ‫ً‬ ‫ماث�ل�ا للعيان‪ ،‬برغم كل ما قيل �سابق��� ًا وما يقال اليوم‪.‬‬ ‫خط���ر التنظيم‬ ‫ً‬ ‫�صحيح �أن التنظيم قد تلقى �ضربات موجعة م�ؤخرا �إال �أنها لي�ست كافية‬ ‫ناج���ز ب�أن ق���وة التنظيم قد ت�آكلت متام��� ًا‪ ،‬و�أنه‬ ‫بح���ال لإعط���اء انطباع ِ‬ ‫�أ�صي���ب يف مقتل‪ .‬م�ؤك ٌد �أنه قد ت�ضرر ب�شدة‪ ،‬لكنه‪ ،‬بحكم بنيته الهيكلية‬ ‫املرنة‪ ،‬وارتباطاته املحلية والإقليمية امل�ستمرة‪ ،‬وخطابه املعادي للغرب‪،‬‬ ‫وقدرت���ه على التك ّيف مع �أ�صعب ظروف العمل احلركي‪ ،‬يبدو قادر ًا على‬ ‫ت�ضميد اجل���راح الغائرة التي �أ�صيب بها‪ ،‬ومن ّثم ف�إن فر�صة ا�ستعادته‬ ‫لقوت���ه من جديد �ستظل قائمة‪ ،‬خ�صو�ص��� ًا �إذا علمنا �أن جزء ًا مهم ًا من‬ ‫قياداته امل�ؤثرة ال ت���زال حية وقادرة على احلركة‪ ،‬و�إعادة بناء ما تهدّم‬ ‫كما ح�صل يف املا�ضي القريب‪.‬‬

‫وما هو بحكم امل�ؤك���د �أن التطورات الأخرية �ستدفع التنظيم �إىل �إعادة‬ ‫ق���راءة الواقع الأمن���ي يف اليمن من جديد‪ ،‬كما �أن���ه �سيعمل على تقييم‬ ‫و�ضع���ه التنظيم���ي والعملياتي من جمي���ع النواحي‪ .‬فالعملي���ات الأمنية‬ ‫امل�ض���ادة الأخرية ت�شري بو�ضوح �إىل �أن التنظيم �أ�صبح خمرتق ًا من قبل‬ ‫الأجهزة الأمنية اليمنية (ورمبا ال�سعودية �أي�ض ًا)‪ ،‬وهذا الأمر بات مثار‬ ‫قلق بالغ لدى قادة التنظيم‪ ،‬و�سيدفعهم بالت�أكيد �إىل مراجعة اخلارطة‬ ‫امليداني���ة وظ���روف البيئ���ة املحيط���ة‪ ،‬و�إعادة ترتي���ب �أولوي���ات املرحلة‬ ‫املقبل���ة‪ ،‬ال�سيما و�أن خطط التنظي���م وعملياته �أخذت م�ؤخر ًا يف التو�سع‬ ‫والتم���دد �إىل خارج حدود اليم���ن (كما يف العمليت�ي�ن الفا�شلتني – و�إن‬ ‫كانتا ُمقلقتني بالفعل ‪ -‬والتي ا�ستهدفت �أوالهما الأمري حممد بن نايف‬ ‫يف ال�سعودي���ة‪ ،‬بينما ا�ستهدف���ت الثانية الطائرة الأمريكي���ة التي كانت‬ ‫متوجهة �إىل مدينة ديرتويت)‪.‬‬ ‫وم���ا يبعث على القلق �أي�ض ًا �إمكانية عودة «قاعديني» �سابقني للعمل من‬ ‫جديد‪ ،‬وهناك �سوابق و�أمثلة عديدة على حدوث نكو�ص كهذا‪ .‬فالقيادي‬ ‫حممد �صالح الكازمي الذي قت���ل يف عملية �أبني منت�صف كانون الأول‪/‬‬ ‫دي�سم�ب�ر الفائت‪� ،‬سب���ق اعتقاله قبل نحو‬ ‫�أربع �سنوات لك���ن ال�سلطات �أفرجت عنه‬ ‫تنوعت ن�شاطات‬ ‫ب�ضمان���ات قبلية وتعهدات بعدم ممار�سة‬ ‫التنظيم وتعددت‬ ‫العنف �أو االت�صال بتنظيم القاعدة‪ ،‬ولكنه‬ ‫عملياته ب�شكل‬ ‫ �أي الكازم���ي ‪ -‬عاد ملمار�س���ة ن�شاطاته‬‫الفت‪ ،‬واكت�سبت‬ ‫زخماً غري م�سبوق والتح���ق من جديد بتنظيم القاعدة حتت‬ ‫قيادة «�أب���و ب�صري» (نا�ص���ر الوحي�شي)‪.‬‬ ‫وعَبت‬ ‫يف اليمن‪ ،‬رَ‬ ‫وجن���د كذلك �أن «قاعدي ًا» �آخر مثل هاين‬ ‫ابتكاراتُ التنظيم‬ ‫ال�شع�ل�ان الذي ُق ِتل يف عملية �أرحب‪ ،‬كان‬ ‫املُخيفة احلدو َد‬ ‫قد ع���اد قبل مدة من معتق���ل غوانتنامو‪،‬‬ ‫لت�صل �إىل ق�صور‬ ‫العائلة ال�سعودية‬ ‫ولكنه ما لبث �أن ان�ضم ل�صفوف التنظيم‬ ‫احلاكمة والطائرات من جدي���د‪ .‬فه����ؤالء عينة ومث���ال لأفراد‬ ‫الأمريكية املُح ِّلقة عادوا �إىل العم���ل التنظيمي جمدد ًا رغم‬ ‫يف �أجواء بدت‬ ‫حم���اوالت احتوائه���م من قب���ل ال�سلطات‬ ‫لوهل ٍة �آمِ نة‬ ‫الأمنية‪ ،‬ومتابعتها لهم‪ .‬والأرجح �أنهم لن‬ ‫يكونوا �آخر م���ن ينك�ص‪ ،‬عائد ًا �إىل مربع‬ ‫«القاعدة» الأول‪.‬‬ ‫عل���ى �أن احلقيق���ة ال�ساطع���ة الت���ي ال ن�ستطي���ع �أن ننكره���ا‪ ،‬يف نهاي���ة‬ ‫املطاف‪� ،‬أن اليمن بو�ضعها احلايل‪ ،‬املت�أزم �سيا�سي ًا و�أمني ًا واقت�صادي ًا‪،‬‬ ‫ومبجتمعه���ا الطاف���ح �شباب��� ًا‪ ،‬واملحاف���ظ اجتماعي��� ًا واملتدي���ن والقبلي‬ ‫وامل�س ّل���ح‪ ،‬وبجغرافيتها املمتدة وت�ضاري�سه���ا ال�صعبة وحدودها املثقوبة‬ ‫الع�ص ّية عل���ى ال�سيطرة التامة و‪ ..‬و‪..‬؛ كل هذه الأمور جمتمعة ما تزال‬ ‫ت�صب يف �صالح «القاعدة» وغريه من التنظيمات واجلماعات املت�شددة‪.‬‬ ‫وم���ا دامت املعادل���ة املخت ّلة مل تتغري يف اليمن ل�صال���ح ظهور دولة قوية‬ ‫وق���ادرة على ب�سط �سلطته���ا يف �أرجاء البلد‪ ،‬وحتقي���ق احلد الأدنى من‬ ‫وظائفها التي تكت�سب من �أدائها م�شروعيتها‪ ،‬ف�إن «القاعدة» وغريه من‬ ‫التنظيم���ات امل�سلح���ة �ستظل جتد يف هذه الأر�ض مرتع��� ًا خ�صب ًا ومكان ًا‬ ‫منا�سب ًا للعي�ش والتفريخ واال�ستنبات‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الأول‪ ،‬نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬

‫‪95 2009‬‬


‫املحــور‬

‫هفوات‬ ‫اليقظة‬

‫هفوات اليقظة و«القاعدة» ال�صاعدة‬

‫طريق «القاعدة» �إىل هجوم ليلة عيد امليالد‬ ‫جريجوري د‪ .‬جون�سون‬

‫املحاول���ة الفا�شلة التي قام بها املواطن النيجريي عمر ف���اروق عبد املطلب لتفجري الطائرة التابعة ل�شركة‬ ‫اخلط���وط اجلوي���ة “ن���ورث وي�ست” ليلة عيد املي�ل�اد‪� ،‬أعادت لفت انتباه الغرب جت���اه تنظيم القاعدة يف �شبه‬ ‫جزيرة العرب (‪ ،)AQAP‬واملخاطر التي تنطلق من اليمن‪ .‬وقد دفع ذلك احلدث املهم رئي�س الوزراء الربيطاين‬ ‫غ���وردون ب���راون �إىل الإعالن بعد املحاولة الفا�شلة عن ا�ست�ضافة لن���دن مل�ؤمتر خم�ص�ص ملحاربة القاعدة يف‬ ‫اليم���ن‪ ،‬وا�ستجابت وزيرة اخلارجية الأمريكية هيالري كلينتون للمخ���اوف التي �أعرب عنها بروان‪ ،‬وو�صفت‬ ‫الو�ضع يف اليمن ب�أنه مبثابة تهديد يواجه دول العامل ب�أ�سره‪.‬‬ ‫لكنن���ا نق���ول هنا ب�أن امل�ش���اكل يف اليمن لي�ست جدي���دة وال غريبة‪ .‬ومل تكن حماولة ليل���ة عيد امليالد �سوى‬ ‫امت���داد منطق���ي لطموحات القاعدة يف �شبه جزيرة العرب‪ ،‬التي كان الكثري م���ن النا�س يعتقد �أنها جمموعة‬ ‫فعل كهذا يف ظل الظروف الراهنة‪ ،‬لكن القاعدة يف �شبه جزيرة العرب و�سلفها ‪ -‬القاعدة يف‬ ‫غري قادرة على ٍ‬ ‫اليم���ن ‪ -‬ا�ستطاعت���ا وب�سرعة املرور مبراحل التطور يف حماولتهما للقيام بذلك الهجوم‪ .‬كما �أن هذه املحاولة‬ ‫ظهر �إىل �أي مدى ا�ستطاع نا�صر الوحي�شي‪� ،‬أمري التنظيم يف �شبه جزيرة العرب حالي ًا‪ ،‬االقتداء ب�أ�سامة بن‬ ‫ُت ِ‬ ‫الدن‪ ،‬لي����س يف �أ�سل���وب القيادة فح�سب و�إمنا �أي�ض ًا يف �صياغة �أهداف تنظيمه وفق ًا للمنظومة التي �أن�ش�أها بن‬ ‫الدن يف �أفغان�ستان‪.‬‬ ‫و�سنح���اول يف طيات ه���ذه املقالة تو�ضيح كيف �أن ال َغفلة �سمحت للقاع���دة بالتج ّمع مرة �أخرى و�إعادة بناء‬ ‫�صفوفه���ا يف اليمن‪ ،‬و�شرح م���دى �أهمية االندماج بني فرعي القاعدة ال���ذي مت يف كانون الثاين‪/‬يناير ‪،2009‬‬ ‫والتع���رف على ردة الفعل اليمني���ة الأمريكية الأخرية‪ ،‬وكذلك درا�سة وحتليل القرار الذي اتخذته القاعدة يف‬ ‫�شبه جزيرة العرب ب�شن هجمات �إرهابية يف عقر الدار الأمريكية‪.‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪96‬‬

‫نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬ ‫الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬ ‫العددالأول‪،‬‬ ‫ا��سرتاتسرتايتيججيةية العدد‬

‫‪2009‬‬ ‫‪2010‬‬

‫جريج���وري دي جون�سون باحث �أمريكي متخ�ص�ص ب�ش����ؤون تنظيم القاعدة يف اليمن‪ ،‬وهو حائز �سابق‬ ‫على منحة فولربايت يف اليمن‪ ،‬كما �أنه مر�شح للدكتوراه يف درا�سات التاريخ وال�شرق الأو�سط والإ�سالم‬ ‫بجامعة نيويورك‪.‬‬

‫�أ�صبح���ت القاع���دة يف ال�سنوات الأخ�ي�رة �أكرث ن�شاط��� ًا وطموح ًا يف‬ ‫اليم���ن‪ ،‬ويعترب النمط احلايل للتنظي���م ‪ -‬قاعدة �شبه جزيرة العرب‬ ‫ جت�سي���د ًا ثاني ًا لف���رع القاعدة الأم يف اليمن‪� .‬أم���ا اجلماعة الأولية‬‫فلم تكن �سوى حفنة غري منظمة من �أفراد كانوا ي�شنون حرب ًا رجعية‬ ‫�ضد �أمريكا واليمن من عام ‪ 2001‬وحتى ‪ .2003‬وتعود جذور القاعدة‬ ‫يف اليم���ن �إىل حوايل عقد م���ن الزمان قبل �أحداث احلادي ع�شر من‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬وبالرغم من ذلك �إال �أنه مل تكن �سوى تلك الهجمات‬ ‫والتهدي���دات الأمريكي���ة ال�ضمنية باالنتقام هما م���ا �أجربا احلكومة‬ ‫اليمنية على حماربة عنا�صر القاعدة يف بالدها‪.‬‬ ‫و�أثن���اء م���ا و�صف���ه كاتب ه���ذه ال�سطور ب�أنه���ا “املرحل���ة الأوىل من‬ ‫احلرب عل���ى القاعدة يف اليمن”‪ ،‬بد�أ التعاون الوثيق بني احلكومتني‬ ‫الأمريكي���ة واليمنية‪ ،‬وعملتا مع ًا حتى يف قتل زعيم القاعدة يف اليمن‬ ‫�آن���ذاك �أبو علي احلارث���ي با�ستخدام طائرة دون طي���ار تابعة لوكالة‬ ‫املخاب���رات املركزي���ة الأمريكي���ة (‪ )CIA‬يف ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفم�ب�ر‬ ‫‪ .2002‬ث���م قام���ت ال�سلط���ات اليمنية باعتقال خليفت���ه حممد حمدي‬ ‫االه���دل بعد �سنة من هذا التاريخ‪ .‬وقد �أدى فقدان زعيمني �أ�سا�سيني‬ ‫على التوايل‪� ،‬إىل جانب العديد من االعتقاالت �ضد عنا�صر القاعدة‪،‬‬ ‫�إىل �ش��� ّل حرك���ة التنظيم ون�شاط���ه يف اليمن‪ .‬ويف غ�ض���ون �أ�شهر بعد‬ ‫انخفا����ض ن�شاط القاعدة ومن ثم تال�شيه نهائي ًا اعتقدت احلكومتان‬ ‫الأمريكي���ة واليمنية �أنهما ق�ضتا على التنظي���م دون رجعة‪ ،‬وبد ًال من‬ ‫موا�صل���ة البناء على �أ�سا����س انت�صارهما هذا حولت���ا اهتمامهما �إىل‬ ‫اجتاه �آخر‪.‬‬ ‫وهذه الغفل���ة فتحت املجال �أمام القاعدة لإع���ادة بناء �صفوفها بعد‬ ‫اله���روب الكبري من �سج���ن الأمن‬ ‫ال�سيا�س���ي ب�صنع���اء يف �شب���اط‪/‬‬ ‫فرباير ‪ ،2006‬حي���ث كان من بني‬ ‫الفارين نا�صر الوحي�شي‪ ،‬امل�ساعد‬ ‫ال�شخ�صي لأ�سامة بن الدن �سابق ًا‬ ‫وقائ���د تنظي���م القاع���دة يف �شبه‬ ‫جزي���رة الع���رب حالي��� ًا‪ ،‬وقا�س���م‬ ‫الرميي‪ ،‬القائد الع�سكري امليداين‬ ‫للتنظي���م‪ ،‬وكذل���ك كل من حزام‬ ‫جملي وحمود العم���دة‪ ،‬اللذان ما‬ ‫زاال فارين من ال�سلطات اليمنية‪.‬‬ ‫وهذا الهروب م���ن ال�سجن �أعلن‬

‫بداي���ة املرحلة الثانية من احلرب على القاعدة يف اليمن‪ ،‬ومنذ ذلك‬ ‫احل�ي�ن مرت القاعدة بث�ل�اث مراحل متميزة من التط���ور يف اليمن‪.‬‬ ‫فاملرحل���ة �ألأوىل كانت الف�ت�رة ‪ ،2007 - 2006‬عمل خاللها الوحي�شي‬ ‫والرمي���ي من �أجل انت�ش���ال التنظيم من احل�ضي����ض‪ ،‬وا�ضعني اليمن‬ ‫ن�ص���ب عينيهم���ا لإقام���ة م�شروعهما عل���ى �أ�سا�س مت�ي�ن‪ .‬ويف كانون‬ ‫الثاين‪/‬يناير ‪� 2008‬أطلق التنظيم �أول عدد ملجلته التي ت�صدر مرتني‬ ‫يف ال�شه���ر وامل�سماة “�صدى املالحم”‪ ،‬ثم تلى ذلك مبا�شرة الهجوم‬ ‫الإرهابي على �سياح بلجيكي�ي�ن يف ح�ضرموت‪ .‬وهذا �أطلق حملة عام‬ ‫‪ 2008‬الت���ي انته���ت يف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 2008‬باالعت���داء على ال�سفارة‬ ‫الأمريكي���ة يف �صنعاء‪ .‬وبعد ذلك يف كانون الثاين‪/‬يناير ‪� 2009‬أعلنت‬ ‫فرعي القاع���دة يف اليم���ن وال�سعودية يف تنظيم‬ ‫اجلماع���ة عن دم���ج ّ‬ ‫موح���د حتت ا�س���م “تنظيم القاعدة يف �شبه جزي���رة العرب”‪ .‬وهذا‬ ‫االندم���اج‪ ،‬الذي ح���ول بفعالية دور القاعدة م���ن امل�ستوى املحلي �إىل‬ ‫امل�ستوى الإقليمي‪ّ ،‬‬ ‫دل على رغب���ة التنظيم يف التو�سع الإقليمي‪ ،‬ودفع‬ ‫بتلك اجلماعة خطوة �إىل الأمام لت�صبح فيما بعد جماعة قادرة على‬ ‫تنفيذ عملياتها على امل�ستوى العاملي‪.‬‬ ‫مل‬ ‫تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب‬ ‫تبد�أ الواليات املتحدة بالتن ّبه للخطر الذي ت�شكله القاعدة يف اليمن �إال‬ ‫يف �أواخر عام ‪ ،2008‬خا�صة بعد االعتداء على ال�سفارة الأمريكية يف‬ ‫فرعي القاعدة يف كانون الثاين‪/‬‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب‪ .‬وبعد �إعالن اندماج ّ‬ ‫يناي���ر ‪ ،2009‬زاد م�ستوى ذلك االهتمام ولكنه مل يكن بامل�ستوى الذي‬ ‫و�صل �إليه التعاون الع�سكري والأمني خالل ‪.2002 - 2001‬‬ ‫وخالل عام ‪ 2009‬قام تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب بتنفيذ‬ ‫ع���دد من الهجمات الإرهابية دلت على طموح���ه وقدراته املتنامية‪.‬‬ ‫فف���ي �آذار‪/‬مار����س �أر�س���ل �أح���د‬ ‫االنتحاريني وقام بقتل �سياح من‬ ‫كوري���ا اجلنوبي���ة يف ح�ضرموت‪،‬‬ ‫وبعده���ا ب�أيام وج���ه �ضربة ثانية‬ ‫عندم���ا ق���ام باالعت���داء عل���ى‬ ‫جمموع���ة م�سئول�ي�ن م���ن كوريا‬ ‫اجلنوبي���ة مت �إر�ساله���م للتحقيق‬ ‫يف الهج���وم الأول‪ .‬ويف �صي���ف‬ ‫نف�س العام‪ ،‬يف �أغ�سط�س‪ ،‬نفذت‬ ‫القاع���دة �أح���د �أب���رع هجماتها‪،‬‬ ‫وه���ي حماول���ة اغتي���ال حمم���د‬ ‫ب���ن نايف الذي ه���و رئي�س �شعبة‬ ‫النيجريي عمر فاروق عبداملطلب مكافح���ة الإره���اب يف ال�سعودية‬ ‫الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬ ‫نوفمرب‪/‬دي�سمرب‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الأول‪،‬‬

‫‪2010‬‬ ‫‪2009‬‬

‫‪97‬‬


‫املحــور‬ ‫وبع���د ن�شر‬ ‫ونائب وزير الداخلية‪ .‬وتذك���ر املعلومات �أن منفذ املحاولة‪ ،‬عبد اهلل ردة الفع��ل الأمريكي��ة واليمني��ة‬ ‫ع�س�ي�ري‪ ،‬كان يحمل عبوة متفجرات من نوع (‪ )PETN‬قام ب�إيالجها الو�صيتان على االنرتنت يف كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ 2009‬بفرتة وجيزة‪،‬‬ ‫ع�ب�ر فتحة ال�ش���رج حتى ال يت���م اكت�شافها‪ .‬و�شبيه ه���ذا العمل املريع‬ ‫ن�سق���ت الوالي���ات املتحدة واليم���ن �ضربة ثالثي���ة ا�ستهدفت القاعدة‬ ‫ّ‬ ‫تكرر يف حماولة عبد املطلب ليلة عيد امليالد‪.‬‬ ‫يف اليم���ن‪ ،‬ومل ي���زل ال���دور الذي لعبت���ه �أمريكا غري وا�ض���ح املعامل‪،‬‬ ‫ويبدو �أن القاعدة يف �شبه جزيرة العرب تعلمت درو�س ًا من حماولتها ولك���ن بح�سب ما جاء يف جري���دة “نيويورك تاميز” من الوا�ضح �أنها‬ ‫الفا�شلة مع متفجرات (‪� .)PETN‬أي �أن �سبب ف�شل حماولة ع�سريي‪ ،‬ا�شرتك���ت يف تنفيذ العمليات‪ .‬وبح�س���ب املعلومات املتوافرة‪ ،‬فقد كان‬ ‫كم���ا يعتقد الكثري من املحللني‪ ،‬كان نتيجة امت�صا�ص ج�سمه ملعظم من �أهداف العملية امل�شرتكة �أحد مع�سكرات التدريب التابعة للقاعدة‬ ‫املادة املتفجرة‪ ،‬وهذا وا�ض���ح من ال�صور املخيفة التي مت التقاطها يف حمافظة �أبني‪ ،‬وهناك من يعار�ض هذه الرواية‪ .‬وقد قتلت الغارة‪،‬‬ ‫للقنبل���ة بعد االنفجار‪ ،‬ورمبا لهذا ال�سب���ب قام عبد املطلب ب�إخفاء الت���ي من املحتمل �أن فيه���ا م�شاركة �أمريكية‪ ،‬ع���دد ًا من الأ�شخا�ص‪،‬‬ ‫مب���ن فيهم عنا�صر ُي�شتبه �أنهم من القاعدة وكذلك عدد ًا من الن�ساء‬ ‫املتفجرات حتت مالب�سه الداخلية بد ًال من زرعها يف ج�سده‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والأطف���ال‪ .‬وتختلف كث�ي�را املعلومات عن ع���دد ال�ضحايا من م�صدر‬ ‫وتف���ادت ال�سعودي���ة �ضربة �أخ���رى يف ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر ‪� 2009‬إىل �آخ���ر‪ ،‬لكن نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون الأمنية ر�ش���اد العليمي‬ ‫عندما عرثت �إحدى دورياتها املتنقلة على خلية من خاليا القاعدة �أخ�ب�ر بع�ض �أع�ضاء جمل����س النواب يف ‪ 23‬كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب �أن‬ ‫مكونة من ثالث���ة �أ�شخا�ص قاموا بالت�سلل �إىل ال�سعودية عرب اليمن التحقيق ما زال جاري ًا حول مقتل املدنيني‪.‬‬ ‫ومت �إيقاف مركبتهم يف �إحدى نقاط‬ ‫كم���ا �شن���ت �أي�ض��� ًا الق���وات اليمنية‬ ‫التفتي����ش‪ ،‬حي���ث كان �أح���د الثالثة‬ ‫غارات على خمابئ لعنا�صر القاعدة‬ ‫يق���ود ال�سي���ارة بينم���ا كان الآخران‬ ‫ردة الفعل الأمريكية قد تدفع‬ ‫يف �صنع���اء و�ضواحيه���ا يف ‪ 17‬كانون‬ ‫يف املقع���د اخللف���ي ومتخفيان حتت‬ ‫الأول‪/‬دي�سمرب‪ ،‬حي���ث �ألقي القب�ض‬ ‫القاعدة يف �شبه جزيرة العرب �إىل‬ ‫مالب����س ن�س���اء‪ ،‬وق���د كان م���ن بني‬ ‫عل���ى ‪� 14‬شخ�ص��� ًا يف �صنعاء متهمني‬ ‫لتنفيذ‬ ‫أكرث‬ ‫�‬ ‫وموارد‬ ‫وقت‬ ‫تخ�صي�ص‬ ‫م�سئ���ويل وحدة ال�شرط���ة ال�سعودية‬ ‫بتزويد القاع���دة بامل����ؤن الع�سكرية‪،‬‬ ‫وهذا‬ ‫امل�ستقبل‪،‬‬ ‫يف‬ ‫نوعية‬ ‫هجمات‬ ‫ام���ر�أة‪ ،‬وعندم���ا تقدم���ت للتفتي�ش‬ ‫بينما داهمت قوات مكافحة الإرهاب‬ ‫عن هوي���ة املتخفني كن�س���اء ‪ -‬وهم‬ ‫�سيعتمد �إىل حد كبري على املوارد‬ ‫اليمني���ة �أحد املنازل التابعة للقاعدة‬ ‫رائ���د احلرب���ي ويو�س���ف ال�شهري‪،‬‬ ‫يف مدين���ة �أرح���ب �شم���ال العا�صم���ة‬ ‫التي متتلكها القاعدة‬ ‫�أحد معتقلي غوانتنامو و�صهر �سعيد‬ ‫وقتل���ت ثالثة من امل�شتب���ه بهم‪ ،‬مبن‬ ‫ال�شهري‪ ،‬نائب زعم تنظيم القاعدة‬ ‫فيهم ه���اين ال�شع�ل�ان‪� ،‬أحد معتقلي‬ ‫يف جزيرة الع���رب ‪ -‬قاما ب�إطالق النار‪،‬‬ ‫غوانتنامو �سابق ًا‪ .‬لكن ه���دف الغارة الرئي�سي‪ ،‬قا�سم الرميي‪ ،‬مت ّكن‬ ‫لكنها ُقتال �أثناء تب���ادل �إطالق النار بينما مت اعتقال ال�سائق الذي من الف���رار ب�صحبة حزام جملي‪� ،‬أحد امل�شتبه بهم‪ .‬وبعد ذلك ب�أيام‬ ‫مت ا�ستجواب���ه‪ ،‬و�ساع���دت اعرتافاته ال�سلط���ات ال�سعودية يف ك�شف (‪ 21‬كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب) ع���اد �أحد عنا�صر القاع���دة ‪ -‬الذي مت‬ ‫عدد من عنا�صر القاعدة املوجودين يف البلد‪.‬‬ ‫التع���رف عليه الحق ًا ب�أنه حممد �صال���ح العولقي ‪� -‬إىل مكان ال�ضربة‬ ‫يف �أب�ي�ن و�ألقى خطب���ة ق�صرية مرجتل���ة حل�شد م���ن املعار�ضني على‬ ‫وي�ؤكد هذه الرواية و�صيتا احلربي وال�شهري التي مت ت�سجيلهما قبل الهجوم وقامت قناة اجلزيرة بت�سجيلهم يف �شريط فيديو‪.‬‬ ‫ال�سفر �إىل ال�سعودية ون�شرهما تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب‬ ‫يف كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪2009‬؛ �إذ تدل الو�صيتان على �أن �صاحبيهما ويف ‪ 22‬كان���ون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر قام���ت طائ���رات مقاتلة‪ ،‬يب���دو �أنها‬ ‫كانا يف مهمة انتحارية لكن مل ُيع َرف هدفها‪ .‬كما تدل حماولة اغتيال تعمل م���ع املخابرات الأمريكي���ة‪ ،‬بتعقب العولق���ي �إىل موطنه القبلي‬ ‫حممد بن نايف واملحاولة املجه�ضة التي قام بها ال�شهري واحلربي �أن يف حمافظ���ة �شبوة وهاجمت املكان ال���ذي كان ُيعتقد �أنه يختبئ فيه‪،‬‬ ‫اندماج كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2009‬الذي متخ�ض عن تنظيم القاعدة ومل تفل���ح ال�ضربة الأوىل‪ ،‬لكنها تكررت بع���د يومني على نف�س املكان‬ ‫يف �شب���ه جزيرة العرب‪ ،‬كان حرك���ة مدرو�سة بعناية مل تُ�صمم لتزيد وجنح���ت يف قتل العولقي وحفنة ي�شتبه ب�أنه���م من عنا�صر القاعدة‪.‬‬ ‫من موقف اجلماعة الإ�سالمي���ة دولي ًا فح�سب بل �أي�ض ًا لتو�سيع نطاق وتق���ول ال�شائعات �أن هدف الهجمة كان لقاء للقادة‪ ،‬يجمع الوحي�شي‬ ‫و�سعيد علي ال�شهري و�أنور العولقي‪ ،‬لكن يبدو �أن هذه جمرد �شائعات‬ ‫عملياتها خارج اليمن‪.‬‬ ‫ال �صحة لها ومل ُيقتل �أي من ه�ؤالء الثالثة‪.‬‬

‫ويف الي���وم التايل‬ ‫حماول��ة ليل��ة عي��د املي�لاد‬ ‫حاول عمر فاروق عبد املطلب تفجري �إحدى الطائرات يف �سماء والية‬ ‫«دتروي���ت» الأمريكي���ة‪ ،‬وقال البي���ان الذي ن�شره تنظي���م القاعدة يف‬ ‫جزي���رة العرب يف ‪ 28‬كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب �إن املحاولة كانت انتقام‬ ‫لأ�سب���وع ال�ضرب���ات التي تدّعي القاعدة �أنها ُنفِّ���ذت من قبل الواليات‬ ‫املتحدة با�ستخدام �صواريخ «كروز»‪ ،‬لكن اجلدول الزمني ل�سفر عبد‬ ‫املطلب يجعل من هذا دعاية �أكرث ما هو حقيقة‪.‬‬ ‫و�إىل الآن لي����س هن���اك الكثري من املعلومات ع���ن �إقامة عبد املطلب‬ ‫يف اليمن‪ ،‬و�أي���ن كان يذهب ومع من كان يلتقي‪ ،‬وعما �إذا كان جمرد‬ ‫«بال���ون اختبار» بالن�سب���ة لتنظيم القاعدة يف �شب���ه جزيرة العرب �أو‬ ‫هو فقط الأول من بني عدد من االنتحاريني‪� .‬أما بالن�سبة للقاعدة يف‬ ‫�شبه جزي���رة العرب ف�إن العملية كانت قليل���ة التكاليف وغري خطرية‬ ‫ن�سبي��� ًا‪� ،‬إذ مل تُر�س���ل �أح���د عنا�صرها اخلا�صني و�إمن���ا �شخ�ص �سعى‬ ‫بنف�س���ه �إىل ه���ذه اجلماعة‪ ،‬ويعترب‪ ،‬من املنظ���ور التنظيمي‪� ،‬شخ�ص ًا‬ ‫ميك���ن اال�ستغناء عنه‪ .‬ومن بني التط���ورات التي من املحتمل �أن تُلقي‬ ‫بع����ض ال�ض���وء على ق�ضية عب���د املطلب هو عما �إذا ق���ام عبد املطلب‬ ‫بت�سجي���ل و�صي���ة وتركها مع زعم���اء القاعدة يف اليم���ن‪ .‬وحتى لو �أنه‬ ‫فع���ل ذلك م���ن امل�ستبعد �أن يقوم التنظيم بن�ش���ر الو�صية نظر ًا لف�شل‬ ‫املحاولة‪.‬‬ ‫وق���د قيل الكثري عن احتمال عالقات عب���د املطلب مع �أنور العولقي‪،‬‬ ‫لك���ن لي�س هناك �أدل���ة كافية تثبت هذه ال�شكوك‪ .‬وم���ا يثري القلق هو‬ ‫�أن الرتكي���ز عل���ى وج���ود عالقات م���ع �أن���ور العولقي فق���ط قد يجعل‬ ‫الواليات املتح���دة تغفل عن �أ�شخا�ص �آخري���ن لي�سوا معروفني كثري ًا‪.‬‬ ‫فعل���ى �سبيل املثال‪ ،‬بعد حادثة الهروب من ال�سجن يف �شباط‪/‬فرباير‬ ‫‪ 2006‬مبا�ش���ر ًة ركزت الواليات املتحدة انتباهه���ا على جمال البدوي‬ ‫وجاب���ر البناء‪ ،‬اللذان تعرف عنهما الكثري‪ ،‬لكنها مل تكن تعرف �شيئ ًا‬ ‫ع���ن نا�ص���ر الوحي�شي وقا�س���م الرميي‪ ،‬اللذين كانا م���ن بني الفارين‬ ‫و�أ�صبحا ي�شكالن �أكرب تهديد للم�صالح الأمريكية‪.‬‬ ‫وطاملا رحبت القاعدة يف �شبه جزيرة العرب بالهجمات �ضد امل�صالح‬ ‫الأمريكي���ة يف جميع �أنحاء العامل‪ ،‬ولك���ن هذه املرة الأوىل التي حاول‬ ‫التنظيم فيها تنفيذ عملية �إرهابية خارج نطاق �شبه اجلزيرة‪ .‬وحتى‬ ‫يف البي���ان الذي ن�شرته القاعدة لت�شي���د بالهجوم الفا�شل ركزت على‬ ‫«ط���رد الكفار من �شبه اجلزيرة العربي���ة»‪ ،‬الذي يعترب �سبب ما تقوم‬ ‫به هذه اجلماعة من �أعمال �إرهابية‪ .‬ومن ثم زادت من حدت لهجتها‬ ‫«حرب �شاملة على كل ال�صليبيني يف اجلزيرة»‪.‬‬ ‫قلي ًال داعية ل�شن ٍ‬ ‫وم���ن ال�صعب معرف���ة ال�سبب وراء قرار التنظي���م �شنّ هجمات على‬ ‫الواليات املتحدة يف مثل هذه الفرتة الزمنية‪ :‬فهل ر�أى فر�صة �سانحة‬ ‫يف ا�ستخ���دام عبد املطلب كونه يحمل ت�أ�ش�ي�رة �أمريكية؟ �أم �أن ذلك‬

‫ف�شـل بطعـم النجـاح؟‪ :‬نظر تنظيم القاعدة �إىل حماولة‬ ‫عبداملطلب تفجري الطائرة الأمريكية باعتبارها عملية ناجحة‬

‫لي�س �سوى جزء م���ن �إ�سرتاتيجية �أكرب؟ وما يقلق الكثري من املحللني‬ ‫يف املخاب���رات وم�سئويل الأمن هو �أن جن���اح القاعدة يف �شبه جزيرة‬ ‫العرب يف �إدخال انتحاري �إىل الأرا�ضي الأمريكية �سيجذب �أ�شخا�ص ًا‬ ‫�آخرين ممن ي�ستطيعون التنقل بني البلدان الغربية‪.‬‬ ‫هن���اك م�صدر �آخ���ر للقل���ق وه���و �أن ردة الفعل الأمريكي���ة قد تدفع‬ ‫القاع���دة يف �شب���ه جزيرة الع���رب �إىل تخ�صي�ص وقت وم���وارد �أكرث‬ ‫لتنفي���ذ حماوالت مماثل���ة يف امل�ستقبل‪ ،‬وهذا �سيعتم���د �إىل حد كبري‬ ‫على املوارد التي متتلكها القاعدة‪ .‬ومع �أنها يف الوقت احلايل تتعر�ض‬ ‫لبع����ض ال�ضغ���وط يف اليمن لك���ن لديها جما ًال كب�ي�ر ًا لي�س للتخطيط‬ ‫فح�س���ب و�إمنا �أي�ض��� ًا لإطالق هجمات من خمابئه���ا يف البالد‪ .‬ودون‬ ‫�شك هن���اك الكثري من املواهب واملبدعني يعمل���ون داخل التنظيم يف‬ ‫اليم���ن‪ ،‬ولهم القدرة على جذب الط�ل�اب املتحم�سني و�أع�ضاء جدد‪.‬‬ ‫و�سيتوق���ف اختيار �أهداف القاع���دة يف امل�ستقبل على عنا�صرها التي‬ ‫متتلكهم وحتت ت�صرفها‪ ،‬وهذا هو �أي�ض ًا من الأ�سباب الداعية للقلق‪.‬‬ ‫لكن ما ن�ستطيع التو�صل �إليه بنوع من التيقن يف الوقت الراهن هو �أن‬ ‫حماولة هجوم ليلة عيد امليالد تدل على �أن ت�صورات تنظيم القاعدة‬ ‫يف �شبه جزيرة العرب ت�ساوي طموحاته‪.‬‬


‫املحــور‬

‫معركة الأ�صابع‬ ‫املحرتقة‬

‫اليمن و�أمريكا وحتديات املواجهة املقبلة مع «القاعدة»‬

‫علي العب�سي‬

‫خ��ل�ال وقت ق�صري حتول����ت اليمن‪ ،‬وب�شكل مفاجئ وغ��ي�ر متوقع‪� ،‬إىل مركز اهتم����ام العامل �أجمع‪،‬‬ ‫وحتولت الأو�ضاع يف اليمن وم�شاكلها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية �إىل ق�ضية دولية ت�ستدعي‬ ‫حركة مت�سارعه من القوى الدولية للبحث يف هذه امل�شاكل وال�سعي �إىل حلها‪.‬‬ ‫لق����د �أطل����ق اعرتاف ال�ش����اب النيجريي عمر فاروق عب����د املطلب‪ ،‬الذي حاول تفج��ي�ر طائرة ركاب‬ ‫�أمريكي����ة قبيل هبوطه����ا خالل مو�سم الأعي����اد يف الواليات املتح����دة‪ ،‬ب�أنه تلقى تدريب����ه والتعليمات‬ ‫اخلا�ص����ة بتنفي����ذ العملية يف اليم����ن‪ ،‬موجة من القل����ق م�صحوبة بنوع من الع�صبي����ة يف ت�صريحات‬ ‫و�سلوك العديد من ال�سيا�سيني الغربيني‪ ،‬فك�أمنا ال تكفيهم �أفغان�ستان وباك�ستان والعراق كم�ستنقعات‬ ‫موحلة تغرق فيها �أقدامهم يوم ًا بعد يوم رافعة كلفة حربهم �ضد الإرهاب من الدم واملال �إىل حدود‬ ‫�ص����ار التذ ّمر من ه����ذه احلرب وال�سعي �إىل اخلروج منها �أمر ًا م�شروع ًا ب����ل وملح ًا‪ .‬فها هو م�ستنقع‬ ‫�آخ����ر يل����وح يف الأفق ُمنذر ًا ب�أو�ض����اع �أكرث كارثية لهذه الدول مما تعي�ش����ه يف ثالثي الرمال املتحركة‬ ‫(�أفغان�ستان‪ ،‬باك�ستان والعراق)‪.‬‬ ‫لقد كان القرب ال�شديد لنجاح الهجوم على الواليات املتحدة‪ ،‬والذي جنت منه بفعل احلظ‪ُ ،‬مفزع ًا‬ ‫لدرجة مل يعد ممكن ًا للإدارة الأمريكية الركون على ترك مهمة حماربة القاعدة يف اليمن يف �أيدي‬ ‫حكومته‪ ،‬يدفعها يف ذلك ما تراه «تباط�ؤ ًا من قبل احلكومة اليمنية وتثاق ًال» يف التحرك �ضد القاعدة‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫علي العب�سي باحث ميني‪ .‬وهو حالي ًا يعد �أطروحة دكتورة يف العلوم‬ ‫ال�سيا�سية بجامعة برلني‪� ،‬أملانيا‪.‬‬

‫بالإ�ضاف���ة �إىل �أن �إج���راءات الأمن الغربي���ة مهما بلغت من تقدم‬ ‫ل���ن ميكنها النج���اح دائم ًا يف من���ع االعتداء‪ ،‬وال ميكنه���ا االعتماد‬ ‫عل���ى احل���ظ الذي ال ت�ضم���ن �أن يكون دائم��� ًا �إىل جواره���ا‪ ،‬كما ال‬ ‫ميكنه���ا البقاء يف حالة انتظار حت���ى يجد تنظيم القاعدة الفر�صة‬ ‫�أو الإمكاني���ة ليوج���ه �ضرب���ة للم�صال���ح الغربي���ة‪ .‬ل���ذا كان القرار‬ ‫�أن تتدخ���ل ه���ذه ال���دول بنف�سه���ا‪ ،‬و�أن تتوىل زم���ام الإ�شراف على‬ ‫معركتها القادمة مع تنظيم القاعدة على ال�ساحة اليمنية بالتعاون‬ ‫م���ع احلكوم���ة اليمنية لو �أمكن‪ ،‬ومن دونه���ا �إذا ما فر�ضت احلرب‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫معركة «القاعدة» الأخرية‬

‫ال تب���دو هذه املعركة القادم���ة �شبيه ًة باملع���ارك ال�سابقة للواليات‬ ‫املتحدة مع القاعدة‪ ،‬وهي ال ت�شبه كذلك املعارك املتقطعة واملو�سمية‬ ‫التي تخو�ضها احلكومة اليمنية �ضد هذا التنظيم؛ فتنظيم القاعدة‬ ‫يف اليم���ن ال ي�شبه فروع تنظي���م القاعدة يف �أي من الدول الأخرى‪،‬‬ ‫واحلكوم���ة يف اليمن لي�ست كحكومات الدول الأخرى‪ .‬كما �أن قدرة‬ ‫الواليات املتحدة و�إمكانيات حركتها يف اليمن ال متاثل قدرتها على‬ ‫احلرك���ة يف امليادين الأخ���رى‪ ،‬فتنظيم القاعدة يف اليمن من حيث‬ ‫العنا�ص���ر املنتمية �إليه‪ ،‬وم�صادر متويل���ه‪ ،‬وقدرته على احلركة‪ ،‬ال‬ ‫مييل بال�شبه �إىل فروع التنظيم املنت�شرة يف دول العامل الأخرى‪.‬‬ ‫�إن تنظي���م القاعدة‪� ،‬سواء يف �أفغان�ست���ان �أو باك�ستان �أو العراق �أو‬ ‫حتى يف ال�صومال‪ ،‬هو تنظيم غريب �أو �أجنبي عن هذه الأرا�ضي؛‬ ‫فعنا�ص���ره م�ؤتلفة وم�ؤلفة من قوميات عدة و�إن غلب عليها العن�صر‬ ‫العرب���ي‪ ،‬وه���ي لذلك حمتاج���ة دائم ًا حلا�ضن حمل���ي يتوىل توفري‬ ‫م����أوى له���ا وت�سهي���ل �إقامته���ا وت�أمني حركته���ا‪ ،‬وكث�ي�ر ًا ما �صرف‬ ‫التنظي���م ج���زء ًا مهم ًا م���ن جهده يف عملي���ة ت�أمني ه���ذا احلا�ضن‬ ‫ع�ب�ر ن�سج حتالف���ات م�صلحية م���ع القوى املحلي���ة يف البلدان التي‬ ‫يوجد فيها‪ .‬ومن ه���ذه الزاوية كذلك (�أي زاوية احلا�ضن املحلي)‬ ‫كان���ت ال�ضربات التي توجه �إىل التنظيم ت�أتي عربه – �أي عرب هذا‬ ‫احلا�ضن ‪ -‬الذي �إما �أن ينقلب عليه كما ح�صل يف العراق‪،‬‬

‫حي���ث انقلب ال�سنة هناك على تنظي���م القاعدة عرب �إ�سرتاتيجية‬ ‫ال�صحوات التي اتبعتها الواليات املتحدة واحلكومة العراقية والتي‬ ‫�أدت يف النهاي���ة �إىل حتجي���م تنظي���م القاعدة يف ب�ل�اد الرافدين‬ ‫�إىل درج���ة يكاد معه���ا �أن يختفي من ال�ساح���ة العراقية‪ ،‬و�إما عرب‬ ‫�ضرب هذا احلا�ضن املحلي بحد ذاته‪ ،‬وبالتايل حما�صرة التنظيم‬ ‫وك�ش���ف الغطاء واحلماية عن���ه‪ ،‬مما يوفر فر�ص���ة توجيه �ضربات‬ ‫�أمنية وع�سكرية �إليه لتكون النتيجة هي بقاء التنظيم يف حالة دفاع‬ ‫دائم عن النف�س‪ ،‬الأمر الذي يجري الآن يف �أفغان�ستان وباك�ستان‪.‬‬ ‫�أما تنظي���م القاعدة بن�سخت���ه اليمنية في�صح الق���ول ب�أنه موجود‬ ‫يف منزله وقاعدت���ه اخللفية؛ ف�أغلب عنا�صر التنظيم وقياداته هم‬ ‫�أبن���اء لع�شائر وقبائل مينية تربطهم به���ا روابط الدم وامل�صاهرة‪،‬‬ ‫وت�شمله���م لهذا ال�سب���ب القبائل بالرعاية واحلماي���ة‪ ،‬لي�س باعتبار‬ ‫�أن ه���ذه القبائل منا�صرة لتنظيم القاعدة بل باعتبار عنا�صر هذا‬ ‫التنظيم هم من �أبنائها مما يلزمها‪ ،‬وفق ًا لثقافة وتقاليد الع�صبية‬ ‫واالنتم���اء القبل���ي‪ ،‬حمايته���م والذود عنه���م واعتب���ار ا�ستهدافهم‬ ‫ا�ستهداف��� ًا للقبيلة بحد ذاتها‪ ،‬وهو الأم���ر الذي ي�ؤدي �إىل �أن تجُيرّ‬ ‫القبيلة كل جهودها وعالقات حتالفها مع القبائل الأخرى مل�صلحة‬ ‫حماية هذه العنا�صر والدفاع عنها‪ ،‬وهو ما يتيح لتنظيم القاعدة ‪-‬‬ ‫عرب �أفراده ه�ؤالء ‪ -‬حرية حركة وهام�ش مناورة وا�سعني‪.‬‬ ‫من جه���ة التمويل‪ ،‬يعتم���د تنظيم القاعدة ب�صف���ة عامة يف �أغلب‬ ‫م�صادر متويله على تربع���ات ومنح منا�صريه و�أع�ضائه املنت�شرين‬ ‫يف املنطق���ة العربي���ة والإ�سالمية وحتى يف عدد م���ن الدول الغربية‬ ‫الذي���ن يدعمونه ع�ب�ر �أموالهم اخلا�ص���ة �أو عرب جم���ع التربعات‪،‬‬ ‫�أم���ا تنظي���م القاع���دة يف اليمن ف�إنه ق���د اقرتب كث�ي�ر ًا من تطوير‬ ‫اقت�ص���اد وم�صادر متويل خا�صة فيه ووفر لنف�سه موارد ذاتية تدار‬ ‫ب�ش���كل مبا�شر �أو غ�ي�ر مبا�شر من قبل �أع�ضائ���ه‪ ،‬والتي ت�شمل على‬ ‫ع���دد من املزارع و�شبك���ة من حمالت اخلدم���ات املختلفة و�أن�شطة‬ ‫جتاري���ة �أخرى متعددة‪� ،‬إ�ضاف���ة �إىل م�صادر التمويل التقليدية من‬ ‫التربعات واملنح القادمة من دول اجلوار (اخلليجية �أ�سا�س ًا) التي‬ ‫يتمتع مواطنوها بقدرات مالي���ة كبرية‪ .‬و�إذا �أ�ضفنا �ضعف النظام‬ ‫امل�ص���ريف يف اليم���ن و�ض�آل���ة الق���درة الرقابية له‪ ،‬ف����إن الإمكانات‬ ‫املالية التي تتمتع بها القاعدة يف اليمن واملوارد املتوفرة لها وقابلية‬ ‫ا�ستمراره���ا‪ ،‬هي �أف�ضل بعدة مراحل م���ن �إمكانات التنظيم املالية‬ ‫خارج اليمن‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪101‬‬


‫املحــور‬ ‫يف جمال الت�سلح‪ ،‬ال يكاد تنظيم القاعدة يجد مكان ًا �أف�ضل للح�صول‬ ‫عل���ى ال�سالح م���ن اليمن‪ ،‬بل �أن اليم���ن م ّثلت م�ص���در ت�سليح تنظيم‬ ‫القاع���دة يف ال�سعودي���ة وال�صومـ���ال ومناطق �شرق �أفريقي���ا‪ ،‬و�أخري ًا‬ ‫ات�ض���ح �أنه���ا م�صدر الت�سلي���ح للتنظيم ال���دويل للقاع���دة‪� .‬إذ مل يعد‬ ‫يخف���ى على �أحد مدى حجم جتارة ال�س�ل�اح يف اليمن‪ ،‬ومدى النفوذ‬ ‫ال���ذي يتمتع به لوبي ال�سالح داخل البلد‪ ،‬وال���ذي �أ�صبح مثار �شكوى‬ ‫لي����س جلريان اليمن والقوى الدولية والأمم املتحدة فح�سب بل �أ�صبح‬ ‫مث���ار ًا لل�شكـ���وى من قب���ل �أطراف حملي���ة من �ضمنها ق���وى من�ضوية‬ ‫�ضمن تركيـبة النظام ال�سيا�سي اليمن ــي‪.‬‬ ‫يف �ضوء هذا كله‪ ،‬ف�إن من �سي�سعى ملواجهة تنظيم القاعدة يف اليمن‬ ‫ف�إن���ه لن يواجه �أنا�س ًا م�ست�ضعفني فاري���ن �أو خمتبئني ينق�صهم املال‬ ‫والرج���ال والعت���اد‪ ،‬ب���ل �إنه �سيواج���ه القاعدة يف �أقوى �ص���ورة لها يف‬ ‫مرحلة ما بعد احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب‪.‬‬ ‫يزي���د على ذلك �أن هذه املعرك���ة بالن�سبة للقاعدة هي معركة نهائية‬ ‫وحا�سم���ة �أو مبعن���ى �آخ���ر معرك���ة حياة �أو م���وت؛ ف����إذا كان عنا�صر‬ ‫القاع���دة يف �أفغان�ست���ان وباك�ستان والع���راق لديه���م الفر�صة للفرار‬ ‫واللج���وء �إىل مكان �آمن (غالب ًا ما كان هذا املكان الآمن هو اليمن)‪،‬‬ ‫ف����إن عنا�صر التنظــيم يف اليمن لن جتد له���ا مفر ًا �أو ملج�أ �آخر‪ ،‬لذا‬ ‫فهي معركته���م الأخــرية �إذا ما �أُجربوا عليه���ا و�سيخو�ضونها بكل ما‬ ‫ميلكونه من قوة‪.‬‬

‫اليمن و»القاعدة» ‪ ..‬مواجهة ملتب�سة‬ ‫ك�أمنا‬ ‫ال يكف���ي احلكومة اليمنية ما تعانيه من �أزم���ات وم�شاكل �أمنية كانت‬ ‫�أو �سيا�سي���ة �أو اقت�صادية �أو اجتماعية‪ ،‬وك�أمنا �أي�ض ًا ال يكفيها �أن لها‬ ‫جبه���ة م�شرعة الأب���واب يف �صعدة وم�شروع جبهة ط���ور التح�ضري يف‬ ‫اجلنوب لتجد نف�سه���ا الآن مجُ ربة على فتح جبهة �شاملة و�شنّ حرب‬ ‫على تنظيم القاعدة‪ ،‬حرب طاملا �أجلتها وكثري ًا ما جنحت يف التحايل‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫رمبا ال ت�شبه عالقة اليمن مع تنظيم القاعدة عالقة �أية دولة �أخرى‬ ‫معه‪ ،‬فهي عالقة غريبة يف كون �أن كل طرف يعد الطرف الآخر عدو ًا‬

‫من �سي�سعى ملواجهة تنظيم القاعدة يف‬ ‫اليمن ف�إنه لن يواجه �أنا�ساً م�ست�ضعفني‬ ‫فارين �أو خمتبئني ينق�صهم املال والرجال‬ ‫والعتاد‪ ،‬بل �إنه �سيواجه القاعدة يف �أقوى‬ ‫�صورة لها يف مرحلة ما بعد احلادي ع�شر‬ ‫من �أيلول‪�/‬سبتمرب‬ ‫‪102‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ل���ه لكنهما متفاهمان عل���ى �أن ال يخو�ضا مواجه���ة �شاملة من �أي نوع‬ ‫(�أمني���ة �أو فكرية)‪ ،‬وهذا الو�ضع الغري���ب مل يت�أتى عرب اتفاق كتابي‬ ‫�أو حت���ى �شفهي يف حلظة �أو زمن معني ب���ل راكمته خربة الطرفني يف‬ ‫عالقتهما مع بع�ضهما‪.‬‬ ‫لق���د مرت عالقة احلكومة اليمنية م���ع تنظيم القاعدة بعدة مراحل‬ ‫بد�أت ب�ش���كل حقيقي بعد ظهور القاعدة كتنظي���م وكفكر ذي ح�ضور‬ ‫ملمو�س‪� ،‬سواء يف �أفغان�ستان �أو يف الف�ضاء العربي‪ ،‬وذلك بداية عقد‬ ‫الت�سعيني���ات‪ ،‬وكان االت�ص���ال الأول واملبا�ش���ر بني احلكوم���ة اليمنية‬ ‫والقاعدة �أثناء موجة عودة عنا�صر هذه الأخرية من �أفغان�ستان‪ ،‬حيث‬ ‫مل ت�ستقب���ل اليمن عنا�ص���ر القاعدة من اليمنيني فق���ط بل ا�ستقبلت‬ ‫كذلك �إىل جانبهم العنا�صر املنتمية �إىل عدة جن�سيات عربية �أخرى‪،‬‬ ‫والتي رف�ضت دولهم �آنذاك ا�ستقبالهم‪.‬‬ ‫و�إذا م���ا كان���ت ق���د ت���رددت �أقاوي���ل خالل تل���ك الفرتة ع���ن وجود‬ ‫تفاهم���ات ميني���ة عربي���ة �أو ميني���ة �أمريكية من نوع ما ق���ادت �إىل ما‬ ‫جرى‪ ،‬ف�إن احلكومة اليمنية �أو جزء ًا منها وقتذاك مل تكن مرتددة يف‬ ‫قبول ه�ؤالء �إذ كانت احلاجة �إليهم تلوح يف الأفق‪ .‬لقد كانت �أولويات‬ ‫ال�ص���راع ال�سيا�سي الذي تال �إع�ل�ان الوحدة اليمنية بني �شركاء هذه‬ ‫الوح���دة تتقدم على غريها من الأولويات‪ ،‬لذا كانت عنا�صر القاعدة‬ ‫وحتى فكر القاعدة يف ذلك الوقت �أداة مهمة يف يد �أحد �أطراف هذا‬ ‫ال�صراع ال�سيا�سي‪ ،‬والذي ما لبث �أن ا�ستخدمها بكامل طاقتها خالل‬ ‫حرب �صيف ‪.1994‬‬ ‫ت�ؤ�شر هذه املرحلة يف عالقة القاعدة بالنظام ال�سيا�سي اليمني على‬ ‫�أنها مرحلة تقاط���ع م�صالح وا�ضحة املعامل‪ ،‬حيث كان للطرفني عدو‬ ‫م�ش�ت�رك وجب الق�ضاء عليه مع اختالف �أ�سباب كل طرف‪ .‬تلت هذه‬ ‫املرحل���ة عالقة تهادني���ة بني الطرفني جرى فيه���ا ا�ستيعاب كثري من‬ ‫العائدي���ن من �أفغان�ستان يف جهاز الدول���ة اليمني الع�سكري واملدين‪،‬‬ ‫وذلك كن���وع من املكاف�أة على م�ساهمتهم يف ح���رب ‪ ،1994‬خ�صو�ص ًا‬ ‫�أن عنا�ص���ر التنظيم ‪ -‬والتنظي���م كذلك ‪ -‬مل يكونا على ال�شكل الذي‬ ‫هما عليه اليوم لذا مل تكن هنالك �إ�شكالية حقيقية يف ا�ستيعاب هذه‬ ‫العنا�صر‪ ،‬كما �أن تنظيم القاعدة يف ذلك الوقت مل يكن غريب ًا �أو على‬ ‫الأقل م�ستهجن ًا من قبل املجتمع اليمني �شديد املحافظة والتدين‪.‬‬ ‫�إال �أن ت�ص���ادم القاعدة مع الواليات املتحدة نهاية عقد الت�سعينيات‪،‬‬ ‫وت�صاع���د وترية هذا الت�صادم و�ص���و ًال �إىل تفجري املدمرة الأمريكية‬ ‫(يو �إ�س �إ�س كول) يف ميناء عدن اليمني وانتهاء بهجوم احلادي ع�شر‬ ‫من �أيول‪�/‬سبتمرب ‪� ،2001‬أخرج العفريت من القمقم مرة �أخرى‪.‬‬ ‫ووج���دت احلكومة اليمني���ة نف�سها‪ ،‬ورمبا للم���رة الأوىل‪ ،‬يف مواجهة‬ ‫حقيقي���ة وغري اختياري���ة مع تنظيم القاعدة بع���د �سنوات من الهدوء‬

‫والتعاي����ش نتج ع���ن تفاهم بني احلكوم���ة وعنا�صر‬ ‫التنظيم يق�ضي ب�أن ّ‬ ‫تكف الدولة يدها عن التنظيم‬ ‫يف مقاب���ل �أن يلت���زم التنظي���م بع���دم القي���ام ب�أية‬ ‫ن�شاطات داخل الأرا�ضي اليمنية ت�ستهدف احلكومة‬ ‫�أو تت�سب���ب يف �إحراجها �أم���ام الغرب‪ ،‬وهو التفاهم‬ ‫الذي ُخرق عدة مرات م���ن قبل تنظيم القاعدة �إال‬ ‫�أن احلكومة اليمنية ظلت حري�صة عليه‪ ،‬بل وقدمت‬ ‫تنازالت كبرية ويف �أكرث م���ن منا�سبة للحفاظ على‬ ‫هذا التفاهم‪.‬‬ ‫ولكنه���ا الي���وم تبدو مجُ�ب�رة على خو����ض مواجهة‬ ‫حقيقية مع التنظيم بعد �أن ت�أكد �أنه حتول �إىل نقطة‬ ‫جت ّمع وقاعدة خلفية لعنا�صر التنظيم الدولية‪ ،‬وهو‬ ‫حت���ول نتج ع���ن ظهور �أجي���ال جديدة م���ن عنا�صر‬ ‫التنظيم غري تلك التي تعودت احلكومة اليمنية �أن تتعامل معها والتي‬ ‫مت بطريقة �أو �أخ���رى تدجينها �إذا �صح التعبري‪ .‬فاجليل احلديث من‬ ‫عنا�ص���ر القاعدة هم �شباب �أ�صغر �سن ًا و�أكرث راديكالية ويبدون �أكرث‬ ‫ا�ستع���داد ًا وحما�سة وحت ّف���ز ًا للمواجهة‪ ،‬لهذا كان���ت حماوالت �إيجاد‬ ‫تفاهم���ات معهم �أكرث �صعوبة وتعقيد ًا بل �إن التوا�صل معهم بحد ذاته‬ ‫ال يبدو بال�سهولة التي كان عليها مع �أقرانهم الأقدم‪.‬‬ ‫�إن قلق احلكومة اليمنية من مواجهة كهذه مع القاعدة حتى مع الدعم‬ ‫الغرب���ي والعربي الكامل ال يبدو قلي ًال‪ ،‬فه���ذه املواجهة يجب �أن تكون‬ ‫�شاملة و�أن ال توفر �أي جهد �سيا�سي �أو مايل �أو دعائي �أو اجتماعي لأن‬ ‫مواجه���ة �أقل من هذا امل�ستوى �ست����ؤدي �إىل �أن جتد احلكومة اليمنية‬ ‫نف�سه���ا يف مواجه���ة �أخرى‪ ،‬لك���ن هذه امل���رة مع حلفائها م���ن القوى‬ ‫الغربية والعربية و�سيظهر عند ذلك خيار التدخل الأمريكي والغربي‬ ‫املبا�ش���ر يف اليمن‪ ،‬وهو تدخ���ل لن يكون فقط ع�سكري��� ًا ويف مواجهة‬ ‫القاع���دة‪ ،‬بل �سيكون قبل ذلك �سيا�سي ًا ويف مواجهة احلكومة اليمنية‬ ‫ذاتها‪.‬‬ ‫ويف ظ���روف �سيا�سية واقت�صادي���ة واجتماعية مت�أزم���ة من الأ�سا�س‬ ‫تبقى ق���درة احلكوم���ة اليمني���ة يف مواجهة ه���ذا التدخ���ل ال�سيا�سي‬ ‫الدويل �ضعيفة ج���د ًا‪ ،‬وتعلو احتماالت �إجراء تغيري �سيا�سي يف اليمن‬ ‫برعاية غربية وبغطاء عربي‪.‬‬ ‫من جانب �آخ���ر‪ ،‬تبدو املواجهة ال�شاملة مع تنظيم القاعدة عم ًال ذا‬ ‫عواقب خط�ي�رة؛ فاحلكومة لديه���ا من الأزمات م���ا يجعلها يف و�ضع‬ ‫احلكوم���ة املحا�ص���رة الت���ي تق�ضي ج ّل وقته���ا يف الدفاع ع���ن نف�سها‬ ‫وال�صراع من �أجل البقاء واال�ستمرار‪ ،‬وفتح جبهة جديدة يف ظل هذه‬ ‫الأو�ض���اع والظروف لي�س عم ًال حكيم ًا ب�أي �شكل من الأ�شكال‪ ،‬كما �أن‬

‫طبيع���ة هذه املواجهة خمتلفة عما عهدت���ه احلكومة من �أزمات؛ فهي‬ ‫�أو ًال �ستواج���ه تنظيم ًا �شديد العن���ف وال�شرا�سة‪ ،‬جيد التنظيم‪� ,‬سريع‬ ‫احلرك���ة‪ ،‬تنظيم ًا زئبقي��� ًا ال ميكن ح�ص���ره �أو حما�صرته يف مكان ما‬ ‫حت���ى و لو بدا �أنه يرتكز يف مناط���ق �أو حمافظات بعينها‪� ،‬إذ �أن فرد ًا‬ ‫واحد ًا م���ن التنظيم ي�ستطي���ع القيام بعملي���ات ذات ت�أثري كبري‪ ،‬كما‬ ‫�أن خلي���ة مكونة من عدد من الأف���راد تعد قوة �ضاربة ت�ستطيع �إحراج‬ ‫الدولة وه ّز الثقة يف قدراتها الأمنية والع�سكرية‪.‬‬ ‫فا�سرتاتيجي���ة القاعدة يف القتال ال تق���وم على اال�شتباك املبا�شر بل‬ ‫ه���ي قائم���ة على ما ميكن �أن ن�سمي���ه «الل�سعة القاتل���ة»‪ ،‬حيث تهاجم‬ ‫القاع���دة هدف��� ًا معين ًا وحم���دد ًا بدقة وت�ستخدم يف ه���ذا الهجوم كل‬ ‫طاقته���ا وقدراتها لتُحدث �أكرب �ضرر ممكن‪ ،‬وم���ن هنا ينبع �س ّر قوة‬ ‫القاع���دة وقدرتها على البقاء واال�ستمرار رغم كل ما تعر�ضت له من‬ ‫�ضربات من قبل قوى عظمى متتلك كل �أ�سباب التفوق الع�سكري‪.‬‬ ‫يف اليم���ن �أي�ض ًا ل���ن تواجه احلكومة اليمني���ة عنا�صر القاعدة فقط‬ ‫ب���ل �ستك���ون مواجهتها مع مناط���ق وقبائل ب�أكملها‪ ،‬تل���ك التي ال ترى‬ ‫يف احلكومة �س���وى �أنها قبيلة �أخرى م�ستب���دة وظاملة لها معها ر�صيد‬ ‫تاريخي معترب من التحديات واملواجهات‪ ،‬ناهيك عن �أن هذه القبائل‬ ‫(ك�ُث�رُ عددها �أو ق��� ّل) م�سلحة وتكاد تكون هي �صاحب���ة اليد الطوىل‬ ‫وال�سلطة احلقيقية يف املناطق التي تعي�ش فيها‪.‬‬ ‫ويج���ب �أن ال نن�س���ى �أن حتالف احلكومة اليمنية م���ع الغرب ملواجهة‬ ‫مواطن�ي�ن مينيني (�س���واء �أكان���وا من�ضوين يف تنظي���م القاعدة �أو مل‬ ‫يكون���وا) لن يحظى كث�ي�ر ًا بر�ضا �شرائح مهم���ة و�أ�سا�سية يف املجتمع‬ ‫اليمني‪ ،‬لي�س ت�ضامنا م���ع القاعدة ولكن كراهة للغرب الذي حتتفظ‬ ‫ل���ه الذاك���رة ال�شعبية اليمني���ة ب�صورة بالغ���ة ال�سلبي���ة والناجتة عما‬ ‫جرى ويجري يف فل�سطني والعراق و�أفغان�ستان‪ .‬لذا تبدو املعركة التي‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪103‬‬


‫املحــور‬

‫ّ‬ ‫تتح�ض���ر لها احلكومة اليمنية �ضد تنظيم القاعدة معركة خا�سرة يف الأب����واب ي�سكنه����ا �شعب فق��ي�ر م�سلح بكثافة ت����كاد تناق�ضات����ه ال�سيا�سية‬ ‫ً‬ ‫جميع الأحوال‪ ،‬يبدو فيها الن�صر كالهزمية متاما‪.‬‬ ‫واالقت�صادي����ة واالجتماعية تت�سب����ب يف انهيار دولته ونظام����ه ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫بب�ساطة بلد �أ�شبه بربميل بارود ينتظر �إ�شعال الفتيل حتى ينفجر‪.‬‬ ‫التدخ��ل الأمريك��ي � ٍآت ال حمال��ة!‬ ‫ُع ِ���رف‬ ‫عن الواليات املتحدة‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف احلقبة الأخرية‪ ،‬حت ّم�سها للتدخل وي�صب����ح خو�ض حرب يف ال�ساحة اليمنية �أم����ر ًا خمتلف ًا عما يجري على‬ ‫الع�سك���ري وانتهازه���ا الفر�صة تل���و الأخرى ال�ستخ���دام القوة يف حل ال�ساح����ة الأفغانية‪ ،‬ف�إذا كان احلريق الأفغ����اين قد حو�صر ومنع امتداده‬ ‫�إ�شكاالتها مع العديد من اخل�صوم‪� ،‬إذ يبد�أ ال�سا�سة الأمريكيون �أثناء �إىل اجل����وار الوا�سع بف�ضل وجود دول جوار قوي����ة ومتما�سكة ولها عقيدة‬ ‫مواجهتهم لأية �أزمة يف التفكري �أو ًال يف خيار احلرب وا�ستخدام القوة �سيا�سي����ة وديني����ة مناه�ض����ة للقاع����دة وحلفائها كما هو احل����ال يف �إيران‬ ‫حل���ل الأزمة وبطرح ت�سا�ؤل حول متى ن�ستخدم القوة؟ الآن �أو يف وقت ال�شيعية غرب���� ًا �أو يف دول �أوزبك�ستان وطاجاك�ستان وتركمان�ستان �شما ًال‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ال�صني والهند �شرق ًَا وحكومة باك�ستان وجي�شها القوي جنوب ًا‪،‬‬ ‫الحق؟! �أكرث من الت�سا�ؤل حول هل ن�ستخدمها �أم ال؟!‬ ‫ف�����إن الدول املجاورة لليمن لي�ست على ذات التما�سك والقوة التي مت ّكنها‬ ‫�إال �أن اليم���ن كان���ت �إح���دى اال�ستثن���اءات القليلة والن���ادرة يف هذا‬ ‫م����ن جتنب الآث����ار والأ�ض����رار املتوقع حدوثه����ا نتيجة فت����ح جبهة جديدة‬ ‫املج���ال‪ ،‬على الرغم م���ن كل الإغ���راءات واال�ستف���زازات التي كانت‬ ‫و�شامل����ة لقتال القاع����دة فيه‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن للقاع����دة ‪ -‬بدرجة �أو ب�أخرى‬ ‫اليم���ن م�ص���در ًا له���ا بالن�سب���ة �إىل الوالي���ات املتح���دة‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف‬ ‫ �ص����دى ديني واجتماع����ي يف هذه الدول‪ ،‬والتي يج����ب �أن ال نن�سى ب�أنها‬‫العق���د الأخري‪ .‬لق���د كان الهج���وم على‬ ‫ال����دول التي خرج من ظهراين جمتمعاتها‬ ‫املدم���رة الأمريكية (يو �إ����س �إ�س كول)‬ ‫تنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫ما يثري قلق الأمريكيني �أن‬ ‫�أثن���اء ر�سوها يف مين���اء عدن عام ‪2000‬‬ ‫م����ا يثري قل����ق الأمريكي��ي�ن �أك��ث�ر �أن دول‬ ‫دول اجلوار اليمني ترقد على‬ ‫فر�ص���ة ومنا�سبة للتدخ���ل الع�سكري يف‬ ‫اجل����وار اليمن����ي ترق����د على خ����زان نفط‬ ‫خزان نفط العامل‪ ،‬والنفط �سلعة‬ ‫اليمن مل ي�ص���دق كث�ي�رون �أن الواليات‬ ‫الع����امل‪ ،‬والنف����ط ك�سلع����ة �إ�سرتاتيجي����ة‬ ‫�إ�سرتاتيجية �شديدة احل�سا�سية‬ ‫املتح���دة فوتته���ا لتوظي���ف تفوقه���ا‬ ‫�شدي����دة احل�سا�سي����ة جت����اه اال�ضطرابات‬ ‫جتاه اال�ضطرابات ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫الع�سك���ري احلا�سم يف معاقبة من جت ّر�أ‬ ‫ال�سيا�سي����ة‪ ،‬ناهي����ك ع����ن اال�ضطراب����ات‬ ‫على قتل جنوده���ا ويف معاقبة من ف�شل‬ ‫ناهيك عن اال�ضطرابات الأمنية‬ ‫الأمني����ة‪ .‬وبالت����ايل ي�صب����ح خط����ر خروج‬ ‫يف حمايته���م‪ ،‬ثم ت�أت���ي �أحداث احلادي‬ ‫النفط ك�سلعة من نطاق ال�سيطرة الدولية‬ ‫ع�ش���ر م���ن �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر والت���ي �أدت‬ ‫ب���الإدارة الأمريكي���ة �إىل الت�صرف بق���در كبري من الهي���اج والغ�ضب �شدي����د احل�ض����ور‪ ،‬الأمر الذي قد ي�����ؤدي �إىل عواق����ب اقت�صادية ال ميكن‬ ‫العارم يف �سلوكها اخلارجي واندفاعها يف معارك مع كل من اعتقدت ح�سابه����ا وهي عواقب قد متتد لت�شمل الع����امل �أجمع الذي ال تنق�صه الآن‬ ‫�أن���ه �ساهم بدرجة �أو ب�أخ���رى يف الت�سبب مبا جرى‪ ،‬ومرة �أخرى بدت امل�صاعب والأزمات االقت�صادية‪.‬‬ ‫اليمن هدف ًا منطقي ًا ومنا�سب ًا ب�شدة لتفريغ الغ�ضب الأمريكي‪ ،‬فها هي ه����ذه املخ����اوف التي طامل����ا حدّت م����ن التفك��ي�ر الأمريك����ي يف التدخل‬ ‫فقا�سة عنا�ص���ر القاعدة والبلد امل�سئول عن �إم���داد القاعدة بن�صف الع�سك����ري املبا�شر يف اليمن‪ ،‬تراجعت م�ؤخ����ر ًا يف مواجهة ق�ضية الأمن‬ ‫عنا�صرها املقاتلة وثلثي املب�شرين بفكرها‪ ،‬ت�صبح يف مرمى النريان‪ ،‬الأمريك����ي املبا�شر‪ ،‬والذي هددته القاعدة يف اليمن والتي ال يبدو كذلك‬ ‫ومرة �أخرى تحُ ِجم الواليات املتحدة عن تك�شري �أنيابها لليمن حل�سن �أن حكوم����ة اليمن لوحدها قادرة على منعه‪ .‬ل����ذا ف�إن التدخل الأمريكي‬ ‫ح���ظ لي�س اليمن فح�سب‪ ،‬بل وحل�سن ح���ظ الأمريكيني وحل�سن حظ ق����ادم رغ����م كراه����ة القاع����دة واليم����ن ودول جوارها له‪ ،‬ورغ����م كراهة‬ ‫الأمريكيني له حتى‪.‬‬ ‫العرب املجاورين �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫فعلى عك�س �أفغان�ست���ان املحا�صرة بالطبيعة والدميوغرافيا من بيئة �أخ��ي�ر ًا‪ ،‬و�إذا م����ا اختلفت التوقع����ات حول ما �ستنتهي �إلي����ه هذه املعركة‬ ‫جبلي���ة وعرة وقا�سية حت���د من القدرة على احلرك���ة‪ ،‬ومن تنوع �إثني القادم����ة‪ ،‬ف�إن النتيجة امل�ؤكدة فيها �أن اجلميع اليمن‪ ،‬وتنظيم القاعدة‪،‬‬ ‫وعرق���ي ح�صر القاع���دة وحلفائها يف مناطق �سك���ن قومية الب�شتون‪ ،‬والوالي����ات املتح����دة‪� ،‬سيخرج����ون م����ن ه����ذه املعرك����ة جميع���� ًا ب�أ�صاب����ع‬ ‫تب����دو اليم����ن مع ط����ول �سواحله����ا ووديانه����ا و�صحاريها‪� ،‬ساح����ة م�شرعة حمرتقة‪.‬‬ ‫‪104‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ي�صدر قريب ًا‬

‫الأ�سلحة ال�صغرية فـي اليمن‬ ‫درا�سة ميدانية‬

‫عبدال�سالم الدار احلكيمي‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪105‬‬


‫املحــور‬

‫اليمن والتهديد املت�صاعد‬ ‫لتنظيم «القاعدة»‬ ‫جيم�س فيليب�س‬

‫�أدت املحاول����ة الفا�شلة لتفجري الطائرة الأمريكية التي كانت تتجه �إىل والية “ديرتويت” ليلة عيد امليالد �إىل‬ ‫لفت االنتباه �إىل اخلطر املتنامي الذي ي�شكله فرع تنظيم القاعدة يف اليمن‪ ،‬معقل القوى الإ�سالمية املت�شددة‬ ‫القدمي‪ .‬واليمن بلد يوفر لأع�ضاء القاعدة الكثري من الفر�ص ي�ستفيد منها عنا�صر التنظيم‪ ،‬ومنها‪ :‬احلماية‬ ‫التي حتظى بها تلك العنا�صر من قبل زعماء القبائل املتعاطفني املناه�ضني للحكومة املركزية ال�ضعيفة؛ ودعم‬ ‫رجال الدين الإ�سالميني املت�شددين؛ واحلدود املليئة بالثغرات التي ُت�س ِّهل عملية التنقالت ال�سرية ومتثل بوابة‬ ‫خلفي����ة للت�سل����ل �إىل الأرا�ضي ال�سعودية؛ وكذلك وجود �شعب متعاطف مت تغذيته بالدعايات املعادية للغرب منذ‬ ‫عقود من الزمن على �أيدي الإ�سالميني املقاتلني واملارك�سيني املنا�صرين لل�سوفيت‪.‬‬ ‫وملحارب����ة خط����ر الإرهابي��ي�ن املتنامي يف اليمن ينبغ����ي للواليات املتح����دة العمل يد ًا بيد م����ع احلكومة اليمنية‬ ‫وبريطاني����ا واململك����ة العربية ال�سعودية وغريها م����ن البلدان التي تتعر�ض لتهدي����دات تنظيم القاعدة حتى يتم‬ ‫التمكن من �ضرب قادة التنظيم و�شل عملياته الإرهابية و�إ�ضعاف مقدرته على �شن هجمات �إرهابية‪.‬‬ ‫طامل����ا كانت اليمن ‪ -‬م�سق����ط ر�أ�س �أجداد �أ�سامة بن الدن ‪-‬‬ ‫مرت��ع الفك��ر الإ�س�لامي املت�ش��دد‬ ‫معق ًال ح�صين ًا لدعم الفكر الإ�سالمي القتايل ولتنظيم القاعدة‪ ،‬فقد تعر�ض املهاجرون اليمنيون يف ال�سعودية‬ ‫�أثناء الطفرة النفطية يف ال�سبعينيات من القرن املا�ضي �إىل الأفكار الوهابية التي تغذيها الروح القتالية‪ .‬وقد‬ ‫�ش����كل اليمني����ون عدد ًا غري متنا�سب من عدد امل�سلمني الأجانب (‪ 25.000‬تقريب ًا) الذين تدفقوا �إىل �أفغان�ستان‬ ‫للجهاد �ضد االحتالل ال�سوفيتي خالل الثمانينيات من القرن املا�ضي‪ .‬وهم ي�شكلون �أي�ض ًا فئة كبرية يف تنظيم‬ ‫القاعدة‪ ،‬الذي �أ�س�سه �أولئك املجاهدون‪ ،‬الأمر الذي و�سع نطاق الكفاح الثوري �إىل حملة عاملية متطرفة‪.‬‬ ‫وكان �أول هج����وم �إرهاب����ي تقوم به عنا�صر القاعدة �ضد الأمريكي��ي�ن يف اليمن يف كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪1992‬‬ ‫عندم����ا قام����وا بتفجري قنبلة يف �أحد الفنادق كان ي�سكنه الع�سكريون الأمريكيون الذين كانوا ي�شاركون يف دعم‬ ‫رحالت الإغاثة الإن�سانية �إىل ال�صومال‪ .‬ثم تلى ذلك هجوم �آخر يف اليمن حقق جناح ًا �أكرب يف ت�شرين الأول‪/‬‬ ‫�أكتوب����ر ‪ 2000‬عندما قام تنظيم القاعدة بتفجري املدمرة الأمريكية (كول) يف خليج عدن‪ ،‬ما �أدى �إىل م�صرع‬ ‫‪ 17‬بحار ًا �أمريكي ًا‪.‬‬ ‫جيم�س فيليب�س زميل باحث �أقدم ل�ش�ؤون ال�شرق االو�سط يف مركز دوغال�س و�سارة �ألي�سون لدرا�سات‬ ‫ال�سيا�سة اخلارجية التابع مل�ؤ�س�سة هريجت (الرتاث) الأمريكية‪ .‬وقد كتب على نطاق وا�سع ب�ش�أن‬ ‫ق�ضايا ال�شرق الأو�سط والإرهاب الدويل منذ عام ‪.1978‬‬

‫كم���ا ت�ؤخذ اليم���ن يف االعتبار نظر ًا لت�سببه���ا يف تطرف م�سلمني‬ ‫�أمريكيني من �أمثال جون ووكر ليند‪ ،‬الذي �سافر �إىل اليمن لدرا�سة‬ ‫الدي���ن الإ�سالمي قبل �أن يتم جتنيده للقتال يف �أفغان�ستان‪ ،‬وكذلك‬ ‫�سبعة مينيني �أمريكيني من مدينة “لكوانا” بوالية نيويورك‪ ،‬وهم‬ ‫الذي���ن ق���ام تنظي���م القاع���دة بتجنيده���م قبل احل���ادي ع�شر من‬ ‫الزج‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬وقد اعرتف �ستة منهم بدعمهم للإرهاب ومت ّ‬ ‫بهم يف ال�سجن بينما ف ّر ال�شخ�ص ال�سابع وظهر الحق ًا يف اليمن‪.‬‬ ‫فج���ر عنا�ص���ر القاع���دة ناقلة النف���ط الفرن�سية‬ ‫ويف ع���ام ‪ّ 2002‬‬ ‫ُ‬ ‫“ليمبرُ ج” ُقبالة ال�سواحل اليمنية‪ ،‬ويف نف�س ذلك العام قتل �أحد‬ ‫ق���ادة القاع���دة يف اليم���ن على �إث���ر �أول‬ ‫هجوم يتم الإعالن عنه‪ ،‬قامت به �إحدى‬ ‫الطائرات م���ن دون طي���ار‪ .‬لكن تنظيم‬ ‫القاع���دة ازداد قوة يف اليمن بعد حادثة‬ ‫�شباط‪/‬فرباي���ر ‪ 2006‬عندم���ا متكن ‪23‬‬ ‫�شخ�ص ًا ي�شتبه �أنهم ينتمون �إىل التنظيم‬ ‫من الهرب م���ن �أحد ال�سج���ون اليمنية‪،‬‬ ‫ومن �ضمنه���م الإرهابي�ي�ن الذين قاموا‬ ‫بتفج�ي�ر “كول”‪ .‬ويق���ول بع�ض م�سئويل‬ ‫املخابرات الأمريكية �أن الهروب املُ ّ‬ ‫نظم‬ ‫�أنور العولقي‬ ‫م���ن ال�سجن ق���د مت مب�ساع���دة من قبل‬ ‫بع����ض رج���ال املخاب���رات اليمنية ممن‬ ‫يتعاطفون مع القاعدة‪.‬‬

‫خطر القاعدة املتنامي‬ ‫�أ�صبح اليمن مبثابة‬ ‫حمطة انطالق مهمة لعمليات عنا�صر القاعدة بعد �أن �ضاق اخلناق‬ ‫على التنظيم يف بلدان �أخرى م�ؤخر ًا‪ ،‬حيث قام عنا�صر القاعدة‬ ‫يف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 2008‬بهجوم ُمع ّقد �ضد ال�سفارة الأمريكية يف‬ ‫اليمن‪ ،‬وقتلوا ‪� 19‬شخ�ص ًا‪ ،‬من بينهم امر�أة �أمريكية‪ .‬وقد ازدادت‬ ‫�أهمية اليمن بالن�سبة للقاعدة عندما مت طرد عنا�صر التنظيم من‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬وقاموا باالندماج مع فرع التنظيم يف اليمن‪ ،‬و�شكلوا‬ ‫ما �أ�سموه “تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب” (‪ )AQAP‬يف‬ ‫كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2009‬‬ ‫وتع���د اليمن �أي�ض ًا م�ل�اذ ًا ي�ؤوي رجل الدي���ن الإ�سالمي املتطرف‬ ‫�أن���ور العولقي‪ ،‬وهو املُ ِّ‬ ‫نظر اليمني الأمريك���ي الذي ُيقال �أنه مر�شد‬ ‫م�ؤث���ر لكثري من عنا�صر القاعدة‪ ،‬من �ضمنهم ثالثة من خمتطفي‬ ‫طائرات احلادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب‪ .‬وقد قام الرائد ن�ضال‬

‫ح�س���ن ‪ -‬ال���ذي قت���ل ‪� 13‬شخ�ص ًا خ�ل�ال حالة هيجان���ه يف ت�شرين‬ ‫الثاين‪/‬نوفم�ب�ر ‪ 2009‬يف قاع���دة ف���ورت ه���وود الع�سكري���ة بوالي���ة‬ ‫تك�سا����س الأمريكية ‪ -‬بتلقي تعليم���ات �إر�شادية من العولقي وتبادال‬ ‫ر�سائل الربيد الإلكرتوين لعدد من الأ�شهر قبل الهجوم‪.‬‬ ‫وتق���ول احلكومة اليمنية بوجود عالقة ب�ي�ن العولقي وعمر فاروق‬ ‫عب���د املطل���ب‪ ،‬منف���ذ املحاول���ة الفا�شلة لتفج�ي�ر طائ���رة ليلة عيد‬ ‫املي�ل�اد‪� .‬أما تنظيم القاعدة يف �شبه جزي���رة العرب فقد ا�ستخدم‬ ‫م�سبق ًا متفجرات �شبيهة بتلك التي ا�ستخدمها عبد املطلب‪ ،‬وذلك‬ ‫يف حماولة االغتيال الفا�شلة التي قام بها �أحد االنتحاريني يف �آب‪/‬‬ ‫�أغ�سط����س (املا�ض���ي) �ضد �أح���د الأمراء‬ ‫ال�سعوديني‪ ،‬والذي قاد حمالت مكافحة‬ ‫الإرهاب يف ال�سعودية‪.‬‬ ‫ويقوم تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة‬ ‫العرب ‪ -‬الذي ُيقدر عدد عنا�صره كاملي‬ ‫الع�ضوي���ة م���ا ب�ي�ن ‪ 200‬و‪ 300‬عن�صر ‪-‬‬ ‫با�ستغالل التحالفات مع القبائل اليمنية‬ ‫القوي���ة امل�سلح���ة‪ ،‬وذلك بغر����ض �إن�شاء‬ ‫م�ل�اذات لهم وقواعد تدريب يف اجلبال‬ ‫اليمنية الوعرة‪ .‬وه���و الأمر الذي ي�شبه‬ ‫ن�ضال ح�سن‬ ‫م���ا قامت به القاعدة يف �أفغان�ستان قبل‬ ‫احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬وما‬ ‫تقوم به اليوم يف الأرا�ضي القبلية القاحلة يف باك�ستان‪.‬‬

‫تعزيز جهود مكافحة الإرهاب يف اليمن‬

‫لي�س���ت اليمن دولة فا�شلة �إىل الآن‪ ،‬ولكنه���ا يف طريقها �إىل ذلك‬ ‫�إذا ا�ستمرت التوجهات احلالية على ما هي عليه‪ .‬ف�صادرات اليمن‬ ‫ال�شحيح���ة من النفط‪ ،‬م�صدر دخل الدولة الأ�سا�سي‪ ،‬بلغت ذروتها‬ ‫ع���ام ‪ ،2002‬ومن املحتمل �أن تن�ضب خ�ل�ال العقد املقبل‪ .‬وقد �أدى‬ ‫نق�ص املوارد املائية املتزايد‪ ،‬والف�ساد احلكومي والتوترات القائمة‬ ‫يف �صعدة‪ ،‬والتناف�س القبلي �إىل �ش ّل و�إعاقة واحد من �أكرث قطاعات‬ ‫ال�سكان منو ًا يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫لق���د ظلت الوالي���ات املتحدة حت���ثّ احلكومة اليمنية م���رار ًا على‬ ‫اتخاذ �إجراءات �أقوى �ض���د عنا�صر القاعدة‪ ،‬وقد حقق هذا بع�ض‬ ‫النتائ���ج‪ ،‬غ�ي�ر �أن نظام الرئي�س علي عب���د اهلل �صالح يدرك وجود‬ ‫خماط���ر �أكرب من قب���ل التم���رد ال�شيعي الذي يق���وده احلوثيون يف‬


‫املحــور‬

‫�أبرز عمليات الفرع اليمني لتنظيم «القاعدة»‬

‫ال�شمال والهيجان االنف�ص���ايل امل�ستمر يف اجلنوب الغني بالنفط‪،‬‬ ‫وه���و الإقلي���م ال���ذي كان ينتمي �إىل اليم���ن اجلنوب���ي �سابق ًا الذي‬ ‫اندمج مع اليمن ال�شمايل عام ‪ 1990‬م�ؤلف ًا دولة واحدة‪.‬‬ ‫وت���دل العملية التي وجهت فيه���ا �ضربتان جويت���ان على الأقل‬ ‫�ض���د �أهداف تابعة لتنظي���م القاعدة يف كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب‬ ‫الفائ���ت‪ ،‬عل���ى �أن احلكومة اليمنية قد ب���د�أت تزيد من التعاون‬ ‫�ض���د القاعدة‪ .‬ويتعني على الواليات املتحدة رفع م�ستوى الدعم‬ ‫اخلارج���ي ل�ضمان تع���اون �أق���وى يف امل�ستقبل‪ .‬وعل���ى وا�شنطن‬ ‫�أي�ض��� ًا تق���دمي امل�ساع���دة يف بناء ق���درات اليمن عل���ى مواجهة‬ ‫الإره���اب‪ ،‬و�ضمان �أن ت�صب تلك الق���درات يف الأعمال الهادفة‬ ‫�إىل تقوي����ض تنظيم القاع���دة يف �شبه اجلزي���رة العربية ولي�س‬ ‫حتويلها واال�ستفادة منه���ا يف مواجهة املتمردين احلوثيني‪ .‬كما‬ ‫ينبغي تقدمي الدعم املايل والتدري���ب واملعدات والتعاون الوثيق‬ ‫جله���از الأمن القومي اليمني‪ ،‬الذي يتمت���ع ب�سجل �أف�ضل بكثري‬ ‫يف حمارب���ة تنظيم القاع���دة يف �شبه جزيرة الع���رب من �سجل‬ ‫الأمن ال�سيا�سي‪ ،‬الذي هو عب���ارة عن وكالة خمابرات م�شكوك‬ ‫ب����أن عنا�صر متعاطفة مع تنظي���م القاعدة تخرتقها‪ ،‬ولذا يجب‬ ‫حتا�شيها‪.‬‬ ‫وعل���ى وا�شنطن ال�ضغط من �أج���ل ا�ستخدام طائرات من دون‬ ‫طي���ار من نوع “بريداتور” ل�ض���رب العنا�صر القيادية املهمة يف‬ ‫تنظي���م القاع���دة يف �شبه اجلزي���رة العربية‪ ،‬م���ع احلر�ص على‬ ‫تقلي���ل عدد ال�ضحايا املدنيني �إىل �أق�صى درجة ممكنة‪� .‬إن هذا‬ ‫بالطب���ع لي�س ح ًال �سحري ًا‪ ،‬ولكنه مع مرور الوقت يمُ كن �أن يحد‬

‫من فعالية تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ذل����ك‪ ،‬ينبغي على وا�شنطن العمل يد ًا بيد مع احللفاء‬ ‫مثل بريطانيا وال�سعودية لزيادة دعم التنمية االقت�صادية للحد من‬ ‫خ�صوبة �أرا�ضي جتني����د وتفريخ عنا�صر قاعدة �شبه اجلزيرة‪ .‬وقد‬ ‫دع����ا رئي�س الوزراء الربيطاين غوردون براون �إىل عقد م�ؤمتر دويل‬ ‫يه����دف �إىل دعم اليمن‪ ،‬ومع �أن ذلك ال يبدو ح ًال على املدى البعيد‬ ‫لكن����ه �سي�ساع����د على زي����ادة التع����اون اليمني يف مكافح����ة الإرهاب‬ ‫على املدى القريب‪� .‬أما ال�سعودي����ة فيمكنها تقدمي مكاف�آت لزعماء‬ ‫القبائ����ل اليمنية لقاء حتولها �ضد تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة‬ ‫العربية‪� ،‬أو على الأقل تقوم مبنع عنا�صر هذا التنظيم من الدخول‬ ‫�إىل �أرا�ضيها‪.‬‬ ‫وم���ن ال�سيا�س���ات الأك�ث�ر فعالي���ة وفائدة من���ع تفاق���م امل�شكلة‪،‬‬ ‫وذلك من خالل التوقف عن �إع���ادة الإرهابيني اليمنيني املعتقلني‬ ‫غوانتنام���و حيث ما زال���وا ي�شكلون �أكرب جمموع���ة ممن تبقى من‬ ‫ال�سجن���اء؛ فال�سج���ون اليمني���ة ذات الأب���واب ال���دوارة‪ ،‬التي تعج‬ ‫بعنا�ص���ر متعاطف���ة مع التنظي���م‪ ،‬ال توفر ال�ضمان ال���كايف من �أن‬ ‫املعتقلني العائدين لن يعودوا �إىل ارتكاب �أعمالهم الإجرامية‪.‬‬ ‫كم���ا �أن برنامج ت�أهي���ل الإرهابيني الذي قامت ب���ه ال�سعودية مل‬ ‫يثمر �سوى عن نتائج م�شكوك يف �أمرها‪ ،‬فقد كان هناك على الأقل‬ ‫اثن�ي�ن من ب�ي�ن خمططي حماولة التفجري ليلة عي���د امليالد‪ ،‬وهما‬ ‫م���ن عنا�صر القاعدة الذين �أطل���ق �سراحهم من معتقل غوانتنامو‬ ‫ع���ام ‪ 2007‬و�أر�سلوا �إىل ال�سعودية‪ ،‬حي���ث التحقا “بربنامج �إعادة‬ ‫الت�أهي���ل واملنا�صح���ة” الذي مل ُيعرف له �س���وى القليل من الت�أثري‬ ‫عل���ى �أيديولوجيتهم���ا الإجرامية‪ ،‬ومتكنا‬ ‫الحق��� ًا م���ن احل�صول على م�ل�اذ �آمن يف‬ ‫اليمن‪.‬‬

‫تخفي��ف خط��ورة التهدي��د‬

‫بالنظ����ر �إىل البيئة اليمني����ة املواتية التي‬ ‫تعمل فيه����ا‪ ،‬فمن املمك����ن �أن تظل �شبكة‬ ‫�أ�سامة بن الدن الإرهابية العابرة للحدود‬ ‫ق����وة فعال����ة يف ذل����ك البل����د امل�ضط����رب‬ ‫خالل العديد من ال�سن����وات املقبلة‪ .‬ومع‬ ‫ذل����ك‪ ،‬ف�إن التعاون احل����ذر واملنظم �ضد‬ ‫الأهداف الإرهابية بني الواليات املتحدة‬ ‫واحلكوم����ة اليمني����ة والتن�سيق العايل مع‬ ‫احللف����اء الآخرين ميكن له التخفيف من‬ ‫خماطر ذلك التهديد‪.‬‬ ‫‪108‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫يع���د تنظيم القاعدة يف اليمن م�سئو ًال ع���ن �سل�سلة من الهجمات الدامية قبل وبعد‬ ‫ان�ضم���ام الفرع ال�سع���ودي �إليه مطلع الع���ام املا�ضي‪ ،‬وحتول���ه اىل «تنظيم قاعدة‬ ‫اجله���اد يف جزيرة العرب»‪ .‬نظ���رة على �أهم الهجمات الت���ي تبناها التنظيم حتى‬ ‫نهاية عام ‪:2009‬‬ ‫‪� 28‬آب (�أغ�سط�س) ‪2009‬‬

‫عبدالل ��ه ح�س ��ن الع�سريي ال ��ذي �أعلن توبته ع ��ن انتمائه‬ ‫للقاع ��دة‪ ،‬يفجر نف�سه يف حماول ��ة الغتيال الأمري حممد‬ ‫بن ناي ��ف‪ ،‬الرجل الق ��وي يف مكافحة الإرهاب يف‬

‫‪ 13‬ت�شرين الأول (�أكتوبر) ‪2000‬‬ ‫هج ��وم عل ��ى ال�سف ��ارة الربيطاني ��ة يف‬ ‫�صنعاء‪ .‬خ�سائر مادية وال �إ�صابات‪.‬‬

‫ال�سعودي ��ة‪ .‬القنبل ��ة تنفج ��ر ب�شكل مبك ��ر وي�صاب‬ ‫الأمري بجروح طفيفة‪.‬‬ ‫‪ 2‬متوز (يوليو) ‪2007‬‬

‫مقت ��ل ثمانية �سي ��اح �أ�سب ��ان ومينيني‬ ‫اثن�ي�ن يف انفج ��ار �سي ��ارة مفخخ ��ة‬ ‫بالق ��رب م ��ن معل ��م �أث ��ري يف م� ��أرب‬ ‫�شرق �صنعاء‪.‬‬

‫‪� 15‬آذار (مار�س) ‪2009‬‬

‫مقت ��ل �أربع ��ة �سي ��اح كوري�ي�ن جنوبي�ي�ن‬ ‫و�إ�صابة �أربعة اخرين بجروح يف تفجري‬ ‫انتحاري يف �شبام‪� ،‬شرق اليمن‪.‬‬

‫‪� 18‬آذار (مار�س) ‪2 008‬‬ ‫مقتل ج�ن��دي وط��ال�ب��ة يف هجوم‬ ‫بال�صواريخ ا�ستهدف ال�سفارة‬ ‫الأم�يرك �ي��ة يف ��ص�ن�ع��اء و�أ�صاب‬ ‫مدر�سة جماورة‪.‬‬ ‫‪� 17‬أيلول (�سبتمرب) ‪2008‬‬

‫مقتل ‪� 16‬شخ�ص ًا يف انفجار‬ ‫ب�سيارتني مفخختني ا�ستهدفتا‬ ‫ال�سفارة الأمريكية‪.‬‬

‫‪ 6‬ت�شرين الأول (�أكتوبر) ‪2002‬‬

‫هجوم على ناقلة النفط الفرن�سية ليمبورج‬ ‫يف املكال‪ .‬مقتل بحار بلغاري‪.‬‬ ‫‪ 18‬كانون الثاين (يناير)‬

‫‪2008‬‬

‫مقتل �سائحتني بلجيكيتني‬ ‫و�سائقهما ومر�شدهما‬ ‫اليمنيني يف �إطالق نار‬ ‫بوادي ح�ضرموت‪� ،‬شرق‬ ‫�صنعاء‪.‬‬

‫‪ 12‬ت�شرين الأول (�أكتوبر) ‪2000‬‬

‫مقت ��ل ‪ 17‬جندي� � ًا �أمريكي� � ًا و�إ�صاب ��ة ‪ 38‬بجروح يف‬ ‫هجوم انتحاري ا�ستهدف املدمرة الأمريكية‬ ‫(يو ا�س ا�س كول) يف مرف�أ عدن‪.‬‬

‫‪ 25‬كانون الأول (دي�سمرب) ‪2009‬‬ ‫نيجريي يحاول تفجري طائرة �أمريكية‬ ‫ق �ب �ي��ل و� �ص��ول �ه��ا �إىل دي�ت��روي� ��ت من‬ ‫�أم�سرتدام‪ .‬فرع القاعدة يف اليمن تبنى‬ ‫املحاولة‪.‬‬

‫يناير‪/‬فرباير‬ ‫ال�صحافة‪109 2010‬‬ ‫الفرن�سية‪.‬‬ ‫الثاين‪،‬وكالة‬ ‫ا�سرتاتيجية العددامل�صدر‪:‬‬


‫املحــور‬

‫«القاعدة» والقبائل‬ ‫وعدم اال�ستقرار فـي اليمن‬ ‫�سارة فيليب�س ورودجر �شاناهان‬

‫منذ العام ‪ 2008‬واليمن حتت جمهر قلق متنامي �إزاء الظهور اجلديد واحل�ضور املهم لتنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة‬ ‫العربية؛ فاالعتداء على املدمرة الأمريكية “كول” يف ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪( 2000‬وحماولة �أجه�ضت قبل ذلك ا�ستهدفت‬ ‫مدم���رة ال�صواري���خ الأمريكي���ة “�سوليفانز” يف كانون الثاين‪/‬يناير م���ن نف�س العام)‪ ،‬وهج���وم ‪ 2002‬على ناقلة النفط‬ ‫الفرن�سي���ة “ليمربج” ُقبال���ة ال�سواحل اليمنية‪ ،‬ووجود امل�ؤ�س�س���ات التعليمية ال�سلفية املت�ش���ددة‪ ،‬وعدد من ال�شخ�صيات‬ ‫الإرهابي���ة؛ كل ذل���ك �أو�ضح �أن ثم���ة �إمكانية مبكرة لأن تتحول اليم���ن �إىل بيئة ن�شاط مت�ساهلة لتنظي���م القاعدة‪ .‬وبعد‬ ‫م�ض���ي ف�ت�رة من الزمن عندما ب���دا الأمر وك�أن اخلطر قد مت احت���وا�ؤه �إىل درجة كبرية‪ ،‬بد�أت املخ���اوف تنمو منذ عام‬ ‫‪ 2006‬م���ن �أن الأزم���ات ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية املتعددة يف اليم���ن �ستجعل من هذا البلد مالذ ًا �أك�ث�ر جاذبية لعنا�صر‬ ‫القاع���دة‪ ،‬وبالتحدي���د لفروعه���ا‪ .‬وكما �أ�شار مدي���ر املخابرات القومي���ة الأمريكية‪ ،‬ف�إن اليمن �أخ���ذت “تربز من جديد‬ ‫ك�ساح���ة قتال جهادية وقاع���دة �إقليمية ممكنة لعمليات تنظيم القاعدة والقي���ام بالتخطيط لهجمات داخلية وخارجية‪،‬‬ ‫وتدريب الإرهابيني‪ ،‬وت�سهيل حركة تنقالت عنا�صره”‪.‬‬ ‫ولكن قدرة التنظيمات اجلهادية املقاتلة على العمل بح�صانة حتى يف بلد يفتقر للنظام مثل اليمن لي�س واقع ًا ال يتغري‪.‬‬ ‫فكم���ا ه���و احلال يف الع���راق وحتى يف باك�ستان‪ ،‬ف�إن القاع���دة ال جتد دائم ًا �سهولة يف التم ّل���ق وك�سب احرتام املجتمعات‬ ‫ال�س ّنة‬ ‫املحلية‪ .‬ففي العراق بالتحديد ثبت �أن جهود التنظيم اخلرقاء وال�سيئة التخطيط غالب ًا لإقامة عالقات مع قبائل ُّ‬ ‫املحلي���ة كانت �سبب��� ًا يف دماره‪ .‬ويف اليمن �أي�ض ًا �سيعتمد �إىل حد كبري العامل الأ�سا�س���ي يف جهوده الرامية لتحويل البلد‬ ‫�إىل حمطة جاذبة و�صاحلة لعملياته على قدرته على بناء عالقات جيدة مع القبائل املحلية‪ .‬لذا تهدف هذه الورقة �إىل‬ ‫القي���ام بتقيي���م �أويل جلهود القاعدة (�أو بالتحديد فرعها املحلي‪ ،‬تنظيم القاع���دة يف �شبه جزيرة العرب) الرامية �إىل‬ ‫حتقيق مثل تلك العالقات‪ .‬كذلك �ستتطرق باخت�صار �إىل �أثر ردود الغرب �إزاء ح�ضور القاعدة يف اليمن يف تلك اجلهود‬ ‫التي تبذلها القاعدة‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫�سارة فيليب�س تعمل حما�ضرة بجامعة �سيدين‪� ،‬أ�سرتاليا‪ .‬وهي باحثة متخ�ص�صة يف �ش�ؤون احلكم واال�صالح يف‬ ‫اليمن وال�شرق الأو�سط‪ .‬تبحث ال�سيدة فيليب�س حالي ًا يف التطورات ال�سيا�سية والأمنية يف اليمن واململكة العربية‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬وباك�ستان‪ ،‬والقرن الأفريقي‪ ،‬والعالقة بني القبائل وال�شبكات اجلهادية املت�شددة يف الدول ال�ضعيفة‪.‬‬ ‫�أما ال�سيد رودجر �شاناهان فيعمل زمي ًال غري مقيم يف معهد لوي لل�سيا�سة الدولية‪� ،‬سيدين ‪� -‬أ�سرتاليا‪.‬‬ ‫‪2010‬‬

‫�إ�شراك القبائل‪ :‬دعا قادة تنظيم القاعدة القبائل اليمنية �إىل االقتداء بالقبائل الباك�ستانية والأفغانية يف دعمها للتنظيم‬

‫منذ �سنوات عدة واليمن‬ ‫الأزمات يف اليمن‬ ‫تقرتب من حافة الف�شل نظر ًا لعجز الدولة اليمنية �أمام ال�صراعات‬ ‫املدنية والقبلية‪ ،‬واملكائد اخلارجية‪ ،‬وم�ستويات التعليم املتدنية‪،‬‬ ‫والبنية التحتية ال�ضعيفة ومفاهيم احلكم غري الفعالة‪ ،‬وازدادت‬ ‫يف غ�ضون ال�سنوات املا�ضية القليلة حدة هذه امل�شكالت‪ ،‬و�أ�صبحت‬ ‫اليمن تواجه اليوم حتديات كبرية جد ًا‪ :‬فهي الدولة الأفقر يف العامل‬ ‫العربي؛ وبها معدالت بطالة عالية وم�ستويات تعليمية متدنية؛ وهي‬ ‫من بني �أكرث دول العامل منو ًا لل�سكان؛ وتواجه ن�ضوب ًا يف مواردها‬ ‫املائية والنفطية‪.‬‬ ‫وتعترب ال�صادرات النفطية �شريان احلياة االقت�صادية بالن�سبة‬ ‫للدولة اليمنية‪� ،‬إذ ت�سهم مبعدل ‪ %75‬من �إيرادات امليزانية العامة‪،‬‬ ‫وبلغ �إنتاج النفط يف اليمن ذروته (حوايل ‪ 465.000‬برميل يومي ًا)‬ ‫ع��ام ‪ ،2003‬لكنه انخف�ض �إىل ما يقارب ‪ 280.000‬برميل يومي ًا‬ ‫يف كانون الثاين‪/‬يناير ‪ ،2009‬وه��ذا يعد انخفا�ض ًا ح��اد ًا خالل‬ ‫فرتة وجيزة جد ًا‪ .‬ونتيجة لهذا االنخفا�ض‪� ،‬أ�صدرت وزارة املالية‬ ‫مر�سوم ًا ق�ضى بتقليل نفقات الوزارات بن�سبة ‪ 50%‬يف مطلع ‪.2009‬‬ ‫كل ذل��ك االنخفا�ض يف واردات النفط ُير ِبك ق��درة الدولة على‬ ‫احلفاظ ب�شبكات العمل غري الر�سمية الوا�سعة التي ت�شكل القاعدة‬

‫الأ�سا�سية للدولة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من دخل الدولة املت�ضاءل ف�إن النظام احلاكم ما زال‬ ‫يقدم الهبات ال�سخية بغر�ض حت�سني �صورته و�شرعيته ال�شعبية‪.‬‬ ‫وكثري ًا ما ُيقال‪ ،‬حتى يف �أو�ساط م�سئويل وزارة املالية‪� ،‬أن الدولة‬ ‫قد تواجه م�شاكل يف دفع مرتبات موظفيها املدنيني والع�سكريني‬ ‫يف امل�ستقبل القريب �إذا انخف�ضت �أ�سعار النفط �إىل ما كانت عليه‬ ‫بداية عام ‪.2009‬‬ ‫وهذه التحديات االقت�صادية بدورها �ستُ�ض ِعف من قدرة النظام‬ ‫على �إدارة العديد من ال�صراعات الداخلية والتحديات الأمنية‪.‬‬ ‫ففي �صعدة الواقعة �شمال البالد والقريبة من احلدود ال�سعودية‪،‬‬ ‫يقوم املتمردون من الزيدية ال�شيعة اخلارجني على الدولة بتزعم‬ ‫حركات عنف متقطعة �ضد النظام منذ ‪ ،2004‬بينما جند �أن احلراك‬ ‫االنف�صايل يف اجلنوب قد حظي بزخم و�شرعية جماهريية منذ‬ ‫عام ‪ .2007‬ويف الوقت نف�سه‪ ،‬يقوم الرئي�س بتقليل عدد املجموعة‬ ‫التي تُ�سدي له الن�صح‪ ،‬ويعتمد كثري ًا على بطانته الداخلية ممن‬ ‫لهم م�صالح �شخ�صية يف تقدمي ت�صورات اخليارات ال�سيا�سية يف‬ ‫اليمن‪.‬‬ ‫لكن ال يعني �أي من هذا �أن ف�شل الدولة التام هو نتيجة حمتومة‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪111‬‬


‫املحــور‬

‫�إن �أزمة الدولة املتنامية هو‬ ‫التما�س الفر�صة؟‬ ‫ما ت�ستغله القاعدة �إىل حد ما لظهورها البارز يف اليمن‪ ،‬ومن خالل‬ ‫اليمن‪ ،‬لتجديد ظهورها مرة �أخرى يف �شبه اجلزيرة العربية‪ .‬وهذا‬ ‫التوجه هو نتيجة الندحار فرع القاعدة يف ال�سعودية‪ ،‬الذي �سبق‬ ‫له �أن قام بتنفيذ عدد من الهجمات اجلريئة والفعالة �ضد �أهداف‬ ‫�أجنبية على �أرا�ضي اململكة العربية ال�سعودية عامي ‪ 2003‬و‪.2004‬‬ ‫ومع ارتفاع م�ستوى فعالية قوات الأمن ال�سعودية وبعد مقتل زعيم‬ ‫القاعدة املخ�ضرم عبد العزيز املقرن يف حزيران‪/‬يونيو ‪،2004‬‬ ‫تدهورت فعالية عمليات التنظيم‪ ،‬حيث �أع�ترف بع�ض عنا�صر‬ ‫القاعدة املحليني يف مطلع ‪ 2008‬ب�أن ا�ستمرار بقائهم يحتم عليهم‬ ‫نقل عنا�صر التنظيم �إىل بيئة �أكرث ت�ساه ًال‪ ،‬وهي متوفرة يف اليمن‪.‬‬ ‫وميكن القول �إن ظهور �أن�شطة القاعدة يف اليمن يعود �إىل عام‬ ‫‪ 1992‬عندما مت تفجري فندقني يف حماولة فا�شلة للنيل من جنود‬ ‫‪112‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫�أمريكيني كانوا يعربون �إىل ال�صومال‪ .‬ومنذ ذلك الوقت ا�ستمرت‬ ‫وترية عمليات القاعدة‪ ،‬وازدادت و�ضوح ًا منذ �شباط‪/‬فرباير ‪2006‬‬ ‫عندما ف ّر ‪� 23‬شخ�ص ًا من �أحد ال�سجون ب�صنعاء وكان من �ضمنهم‬ ‫نا�صر الوحي�شي‪ ،‬الرفيق ال�سابق لأ�سامة بن الدن‪.‬‬ ‫ويف كانون الثاين‪/‬يناير ‪� 2009‬أعلن نا�صر الوحي�شي‪ ،‬الذي �أ�صبح‬ ‫زعيم تنظيم القاعدة يف اليمن‪ ،‬عن ت�أ�سي�س تنظيم قاعدة اجلهاد‬ ‫يف �شبه جزيرة العرب (‪ ،)AQAP‬وهذا الإعالن عن اخللية اليمنية‬ ‫ال�سعودية امل�شرتكة قام به الوحي�شي بح�ضور ابن بلده قا�سم الرميي‬ ‫واملعتق َلني ال�ساب َقني يف غوانتنامو �سعيد ال�شهري وحممد العويف‪،‬‬ ‫اللذان �أعلنا الوالء له‪ ،‬م�ؤكدين بذلك �سطوع النجم اليماين يف هذا‬ ‫التنظيم‪ .‬وتفيد بع�ض املعلومات ب�أن الوحي�شي يعمل على مقربة من‬ ‫بن الدن نف�سه‪ ،‬وقد متكن الآن من �إنعا�ش فرع تنظيم القاعدة يف‬ ‫�شبه اجلزيرة العربية املتهالك‪ .‬ومثل هذه العالقة قد تمُ ّكنه من‬ ‫توجيه التنظيم يف االجتاه الذي ترغب به القاعدة الأم دون احلاجة‬ ‫للتوجيه املبا�شر والوا�ضح من املناطق القبلية يف باك�ستان‪.‬‬ ‫وال ينبغي اال�ستخفاف بالأهمية التي ت�شكلها القاعدة يف �شبه‬ ‫اجلزيرة العربية بالن�سبة للقاعدة الأم‪ .‬ففي ظل وج��ود اجليل‬ ‫النا�شئ املحبط اقت�صادي ًا وعلمي ًا‪ ،‬تعترب اليمن منتجع ًا مهم ًا لتجنيد‬ ‫عنا�صر التنظيم‪ ،‬وبهذا �ستتمكن احلركة ‪ -‬من خالل فرعها يف‬ ‫�شبه اجلزيرة ‪ -‬من �إثبات �أنها ما زالت ن�شطة‪ ،‬بل وق��ادرة على‬ ‫التكاثر‪ ،‬خا�صة يف ظل ال�ضغوط التي تواجهها يف باك�ستان‪ .‬كذلك‬ ‫يوفر موقع اليمن اال�سرتاتيجي فر�ص ًا ل�شن هجمات على املناطق‬ ‫التي ي�ستهدفها التنظيم‪ ،‬وذل��ك كونه (�أي اليمن) على مقربة‬

‫من “العدو القريب”‪ ،‬وقد �أبدا تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة‬ ‫العربية رغبته فع ًال يف موا�صلة ا�ستهداف ال�سعودية‪ ،‬ويدل على‬ ‫هذا حماولة االغتيال الفا�شلة التي ا�ستهدفت نائب وزير الداخلية‬ ‫ال�سعودي الأمري حممد بن نايف يف �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ ،2009‬والقتال‬ ‫امل�ستميت الذي ن�شب يف ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪ 2009‬مع عنا�صر من‬ ‫القاعدة ت�سللوا �إىل الأرا�ضي ال�سعودية عن طريق اليمن‪.‬‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬ف�إن وجود حمطة انطالق قوية يف اليمن‬ ‫�سيمكن تنظيم القاعدة من �شن هجمات على املالحة البحرية عرب‬ ‫م�ضيق باب املندب يف البحر الأحمر‪ ،‬وهو املنفذ اال�سرتاتيجي الذي‬ ‫متر به �أكرث من ثالثة ماليني برميل من النفط و�أطنان ال حت�صى‬ ‫من ال�سلع التجارية يف طريقها �إىل �أوروب��ا والواليات املتحدة كل‬ ‫يوم‪ .‬واحلال �أن حدوث العديد من اعتداءات القر�صنة ال�صومالية‬ ‫م�ؤخر ًا على مقربة من ال�سواحل اليمنية قد �أثار ال�شكوك من �أن‬ ‫هناك عنا�صر يف اليمن متد يد العون للقرا�صنة‪ .‬وقد حدد مركز‬ ‫ال�شحن التابع للناتو خم�سة موانئ مينية كانت تقوم بتقدمي الدعم‬ ‫اللوج�ستي لل�سفن التي ا�ستخدمها القرا�صنة ال�صوماليون‪ .‬ومع �أن‬ ‫هذه االدع��اءات مل تثبت بعد �إال �أن هناك خماوف كبرية من �أن‬ ‫انهيار اليمن �سيمنح القرا�صنة �أو �شبكات �إجرامية �أخرى املزيد‬ ‫من احلرية يف التنقل يف �أرجاء املنطقة‪.‬‬ ‫و�أخ�ير ًا‪ ،‬هناك من يقول �أن �شخ�صيات من قادة القاعدة الأم‬

‫“‬

‫يفكرون يف االنتقال �إىل اليمن‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬ذكرت جريدة‬ ‫“نيويورك تاميز” �أن “حفنة من قادة اجلماعة الإرهابية يقومون‬ ‫باالنتقال �إىل ال�صومال واليمن من مالذهم الرئي�سي يف املناطق‬ ‫القبلية الباك�ستانية”‪ .‬ويف املرحلة احلالية هناك دالئل قليلة على‬ ‫�أن قادة القاعدة الرئي�سيني يرغبون يف‪� ،‬أو �أنهم قادرون فع ًال على‪،‬‬ ‫االنتقال‪ .‬ولكن بكل ت�أكيد تظل رواب��ط تنظيم القاعدة باملناطق‬ ‫القبلية امل��دارة فدرالي ًا (‪ )FATA‬يف باك�ستان وطيدة جد ًا‪ ،‬وتظل‬ ‫خطورة التعر�ض لالنك�شاف‪� ،‬أثناء االنتقال �إىل بلد �آخر‪ ،‬كبري ًة �إذا‬ ‫ما مت الأخذ بهذا اخليار املحتمل‪.‬‬ ‫�إذا متكنت القاعدة وفرعها (تنظيم‬ ‫�إ�شراك القبائل‬ ‫القاعدة يف �شبه جزيرة العرب) من احل�صول على �أي فر�صة‬ ‫لإقامة عالقة جيدة مع القبائل اليمنية ف�إن الو�ضع �سي�صبح يف غاية‬ ‫اخلطورة‪ ،‬وهو الأمر الذي يبدو �أن قادة التنظيمني يدركونه‪ .‬ففي‬ ‫�شباط‪/‬فرباير ‪� ،2009‬أظهر نائب زعيم القاعدة �أمين الظواهري‬ ‫وزعيم تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية نا�صر الوحي�شي‬ ‫نيتهما يف �إ�شراك القبائل اليمنية‪ ،‬وذلك يف �إطار �سعيهما لإثارة‬ ‫املعار�ضة �ضد الدولة يف اليمن‪ .‬ويف حني دعا الوحي�شي القبائل‬ ‫اليمنية �إىل رف�ض ال�ضغوط التي متار�س من �أجل ال�سماح بال�سيطرة‬ ‫احلكومية على املناطق القبلية‪ ،‬دعا الظواهري القبائل اليمنية‬ ‫�إىل االقتداء بالقبائل الباك�ستانية والأفغانية يف دعمها لتنظيم‬

‫كلم��ا متكنت قاعدة �ش��به اجلزيرة من البقاء يف اليمن دون تعري���ض القبائل اليمنية لأعمال‬ ‫العنف‪ ،‬ا�ستطاعـت تر�سيــخ ُعرى العالقة مع تلك القبائـل من خـالل الزواج وتبـادل اخلربات‬

‫“‬

‫ال منا�ص منها‪ ،‬فبالرغم من غياب االن�ضباط املايل للدولة من‬ ‫املحتمل �أن التداعيات الإقليمية التي قد تنجم عن وج��ود دولة‬ ‫فا�شلة �ستدفع دول اجلوار اخلليجية الغنية �إىل تقدمي م�ساعدات‬ ‫مالية �سخية لتعزيز قدرة الدولة على البقاء‪ .‬بل ُيقال �أن ال�سعودية‬ ‫تُقدم بالفعل ملياري دوالر كم�ساعدة مالية مبا�شرة �سنوي ًا‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن الدعم املايل ال�شخ�صي الذي يتدفق �إىل العديد من �أ�صحاب‬ ‫امل�صالح ال�سيا�سية‪ ،‬خا�صة �أول��ئ��ك الذين ينتمون �إىل �أو�ساط‬ ‫القبائل‪ .‬ومع ذلك‪� ،‬إذا ما ا�ستمر النظام متخبط ًا تتقاذفه الأزمات‬ ‫املتعاقبة ف�إن خياراته املتاحة للتعامل مع هذه امل�شاكل املتعددة‪ ،‬مبا‬ ‫فيها التحديات الأمنية‪� ،‬ستنكم�ش �إىل درجة تنذر باخلطر‪.‬‬

‫“‬

‫“‬

‫�إذا متكنــت القاعـدة وفرعها (تنظيم القاعدة يف �شبه جزيـرة العرب) مــن احل�صـول على‬ ‫�أي فر�صة لإقامة عالقة جيدة مع القبائل اليمنية ف�إن الو�ضع �سي�صبح يف غاية اخلطورة‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪113‬‬


‫املحــور‬

‫القاعدة‪ ،‬حيث قال‪�« :‬إنني �أدعو القبائل اليمنية ال�شريفة واملقاومة‪،‬‬ ‫و�أقول لهم �أال تكونوا �أقل من �إخوانكم القبائل املقاومة يف الب�شتون‬ ‫والبلو�ش‪ ...‬يا قبائل اليمن ال�شريفة‪ ...‬ال تكونوا من �أن�صار علي‬ ‫عبد اهلل �صالح‪ ...‬ولكن �ساندوا �إخوانكم املجاهدين«‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح �أن ت�صريحات الزعيمني تالعبت بالأفكار املتعلقة‬ ‫بال�شرف القبلي واحلكم الذاتي والكره الطويل لل�سلطات املركزية‪.‬‬ ‫وقد �أظهر اخلطابان �أن القاعدة قد ت�ستغل ثقة القبائل املزعزعة‬ ‫يف الدولة‪� .‬إ�ضافة �إىل هذا‪� ،‬أظهرت ت�صرفات تنظيم القاعدة يف‬ ‫�شبه اجلزيرة العربية �أن هناك �إدراك ًا وا�ضح ًا للظروف الداخلية‪،‬‬ ‫فتبنت على ما يبدو عدد ًا من املفاهيم �إزاء القبائل اليمنية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫يف املناطق القبلية يف باك�ستان‪ ،‬و�سي�ساعد تنظيم القاعدة يف �شبه‬ ‫اجلزيرة العربية على بناء قاعدة قوية له يف املنطقة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫�سي�شكل تهديد ًا �أ�شد خطر ًا مما هو عليه يف الوقت احلايل‪.‬‬

‫ الرتكيز على املظامل املحلية ولي�س العاملية‪ :‬حاولت‬‫قاعدة �شبه اجلزيرة العربية بكل و�ضوح يف �أح��د املقاالت التي‬ ‫طبعتها يف جملتها االلكرتونية “�صدى املالحم”‪ ،‬ال�صادرة يف‬ ‫�آب‪�/‬أغ�سط�س ‪� ،2009‬أن جتعل م�س�ألة ا�ستخراج النفط �ش�أن ًا قبلي ًا‬ ‫داخلي ًا‪ ،‬حيث تقول املقالة �إنه يتم ا�ستغالل النفط امل�ستخرج من‬ ‫�شبوة وح�ضرموت وم�أرب من قبل الدولة اليمنية والدول الغربية‬ ‫بينما ال ي�ستفيد عامة ال�شعب من ذلك النفط‪ .‬وهنا نقوم باقتبا�س‬ ‫ عدم تعري�ض قبائل اليمن للخطر‪ :‬على الرغم من املعارك جزء مما ن�صت عليه املقالة‪« :‬يدفع (�سكان هذه املناطق) ثمن ًا‬‫ال�ضارية التي ن�شبت بني عنا�صر قاعدة �شبه اجلزيرة وقوات الدولة لظلمهم (يف ظل اختال�س الدولة للرثوة النفطية)»‪ .‬والقول مبثل‬ ‫يف حمافظة م���أرب (املنطقة القبلية التي ُيقال �أنها خمب�أ لقادة هذا ميثل مقاربة مناطقية مل�س�ألة النفط �أكرث مما هو عليه احلال‬ ‫يف رواي���ة ال��ق��اع��دة‪ .‬ف��ب��د ًال م��ن القول‬ ‫التنظيم)‪� ،‬إال �أن ه��ذه املحافظة مل‬ ‫ب���أن ال��غ��رب يدعم الأنظمة اجل�شعة‬ ‫تُتخذ كم�سرح للهجمات الكربى التي‬ ‫وغري ال�شرعية لي�ضمن احل�صول على‬ ‫تنفذها عنا�صر قاعدة �شبه اجلزيرة تنظيم القاعدة ال يرغب يف خلق‬ ‫النفط‪ ،‬مت و�صف امل�س�ألة باحلديث‬ ‫�ضد الأجانب �أو البنية التحتية النفطية عداء مع القبائل التي هي مبثابة‬ ‫عن جمتمعات حملية ال تتقا�ضى �شيئ ًا‬ ‫منذ عام ‪ ،2007‬و�أن دل هذا على �شي مالذ لعنا�صره‪ ،‬لهذا فهو ال يعر�ضها‬ ‫مقابل �أخ��ذ ما هو ملك �شرعي لها‪.‬‬ ‫فهو يدل على �أن التنظيم ال يرغب يف‬ ‫خلق عداء مع القبائل التي هي مبثابة ب�صورة مبا�شرة للمخاطر التي قد‬ ‫�أي �أن امل�س�ألة هي م�س�ألة م�صادر رزق‬ ‫وعدالة �أك�ثر مما هي �سيا�سة دولية‪.‬‬ ‫مالذ لعنا�صره‪ ،‬لهذا فهو ال يعر�ضها تنتج عن ردة فعل وانتقام الدولة‬ ‫وعليه يبدو �أن قاعدة �شبه اجلزيرة‬ ‫ب�صورة مبا�شرة للمخاطر التي قد‬ ‫حتاول الرتويج لنف�سها كحركة مقاومة‬ ‫تنتج عن ردة فعل وانتقام الدولة‪ .‬كما‬ ‫�أن التنظيم يحقق انت�صار ًا ملمو�س ًا من خالل عمليات االغتيال التي تنا�ضل من �أجل ق�ضايا تهم القبائل‪ ،‬كا�ستقاللها (�أي القبائل)‬ ‫ينفذها �ضد امل�سئولني اليمنيني وال�سعوديني دون تعري�ض املجتمعات االقت�صادي وال�سيا�سي‪.‬‬ ‫القبلية‪ ،‬التي يطمع التنظيم توطيد العالقات معها‪ ،‬للخطر‪� .‬إذ �أن‬ ‫ منا�شدة ال�شرف القبلي‪ :‬يف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪� 2009‬أ�صدر‬‫من الأ�سباب التي �أدت �إىل تهمي�ش القاعدة يف العراق عامي ‪� 2007‬شريط فيديو حول «معركة م�أرب» ‪ -‬عملية ع�سكرية ُنفذت م�ؤخر ًا‬ ‫و‪ 2008‬هو ما قامت به من ت�صرفات جعلت القبائل ب�شكل مبا�شر �ضد تنظيم قاعدة �شبه اجلزيرة ‪ -‬وقد ذهب �إىل حد بعيد يف منا�شدة‬ ‫يف خ�ضم حمالتها الإرهابية‪ .‬لهذا‪ ،‬ف�إن قيام قاعدة �شبه اجلزيرة القبائل اليمنية‪ ،‬وفيه يوجه قا�سم الرميي‪� ،‬أحد نواب قادة قاعدة‬ ‫العربية برتكيز هجماتها على �أهداف �سعودية واالختباء يف اليمن �شبه اجلزيرة‪ ،‬نقد ًا الذع ًا مل�شايخ القبائل ممن ينا�صرون الرئي�س‬ ‫قد يحقق غاياتها التي ترمي �إليها دون �إثارة القبائل �ضدها‪.‬‬ ‫علي عبد اهلل �صالح‪ ،‬ويقول �إن �أولئك امل�شائخ ال ميثلون القبائل‬ ‫ �إقامة عالقات طويلة امل��دى‪ :‬كلما متكنت قاعدة �شبه اليمنية فقد فقدوا �شهامتهم وخانوا �سلفهم‪ .‬وهذا الت�صريح‪ ،‬مثله‬‫اجلزيرة من البقاء يف اليمن دون تعري�ض القبائل اليمنية لأعمال مثل ت�صريحات الظواهري والوحي�شي‪ ،‬يعزف على وتر ال�شرف‬ ‫العنف‪ ،‬ا�ستطاعت تر�سيخ ُعرى العالقة مع تلك القبائل من خالل القبلي وكيف ينبغي لل�شيخ �أن يت�صرف‪ .‬ويف الثقافة اليمنية يكون‬ ‫الزواج وتبادل اخلربات‪ .‬وهذا هو �سر جناح القاعدة يف االختباء ملثل هذه االتهامات �صدى قوي ًا‪ ،‬ال�سيما و�أن �أفراد القبائل يتذمرون‬ ‫‪114‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫من قيام الدولة ب�إ�ضعاف فعالية الأعراف والتقاليد القبلية لديهم‪ .‬للتنظيم ويجعل القبائل يف املرتبة الأدنى‪ ،‬ويف نهاية املطاف �ستن�ش�أ‬ ‫ويبدو �أن قاعدة �شبه اجلزيرة العربية ت�سعى ب���إدراك �إىل تلميع املواجهة بني التنظيم والقبائل‪ .‬لكن ميكن للقاعدة تقليل خماطر‬ ‫نف�سها كبديل لنظام الو�صاية يف الدولة‪ ،‬الذي ُيتهم عادة بتوزيع املواجهة مع القبائل �إذا ما �ص ّبت جهودها لتنفيذ عمليات الإرهاب‬ ‫يف ال�سعودية �أو لتنفيذ عمليات اغتيال ت�ستهدف امل�سئولني اليمنيني‪،‬‬ ‫الرثوة للم�شايخ على ح�ساب �أفراد القبائل (العاديني)‪.‬‬ ‫�إن ما �أثبتته لنا جتارب ال�صومال والعراق هو �أن الأطماع الدولية م��ع حم��اول��ة ت��زوي��د القبائل باخلدمات التي ال ت�ستطيع الدولة‬ ‫والفكر الأيديولوجي اخلا�ص بجماعات القاعدة متيل كثري ًا �إىل تقدميها‪ .‬فبد ًال من �أن تتناف�س مع القبائل اليمنية على �إيجاد �إقليم‬ ‫الت�صادم مع الأعراف والتقاليد القبلية‪ ،‬والرغبة يف نيل اال�ستقالل تقيم فيه كيان ًا جهادي ًا‪� ،‬ستتمكن من ك�سب الت�أييد من خالل تقدمي‬ ‫الذاتي ال�سيا�سي‪ .‬ولكن على عك�س ما هو عليه احلال يف ال�صومال نف�سها كحل بديل لنظام احلكم ولي�س كمجرد جماعة �إ�سالمية‬ ‫وال��ع��راق‪ ،‬جند �أن الأف��ك��ار الأيديولوجية اجلهادية التي يحملها تتقاتل مع الدولة‪.‬‬ ‫املقاتلون يف اليمن قد تغذت كثري ًا لعدد من العقود‪ ،‬فعدد العائدين‬ ‫و�أي�ض ًا حتى لو جنحت قاعدة �شبه اجل��زي��رة يف الو�صول �إىل‬ ‫اليمنيني من احلرب الأوىل يف �أفغان�ستان ي�صل �إىل الآالف‪ ،‬وقد مراميها هذه‪ ،‬ف�إن طبيعة املجتمع اليمني الذي ي�صعب ال�سيطرة‬ ‫بالغت احلكومة يف حماولتها �إعادة دجمهم �إىل املجتمع واحلياة عليه �ست�شكل �إ�شكاليات كثرية لأي تنظيم ذي طابع �أيديولوجي‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬ويف ا�ستخدامهم كمقاتلني �ضد اجلنوب �أثناء احلرب مت�شدد كالأيديولوجية التي عك�سها �إعالن الوحي�شي يف �أيار‪/‬مايو‬ ‫الأهلية ع��ام ‪ .1994‬ويف الوقت الذي‬ ‫‪ 2009‬عندما �أعلن منا�صرته “ل�شعب‬ ‫حتافظ الدولة على عالقاتها مع اجليل‬ ‫اليمن اجلنوبي” ال���ذي ينا�ضل من‬ ‫الأول من عنا�صر القاعدة‪ ،‬جند �أن حتى لو جنحت قاعدة �شبه اجلزيرة �أجل االنف�صال عن نظام الرئي�س علي‬ ‫اجل��ي��ل ال��ث��اين ال���ذي ت��رع��رع يف زمن يف الو�صول �إىل مراميها‪ ،‬ف�إن طبيعة عبد اهلل �صالح‪ ،‬فقد �صاغ الوحي�شي‬ ‫النفط يرى �أن الفكر اجلهادي القتايل‬ ‫ت�صريحه يف �إط����ار ج��ه��ادي �صريح‬ ‫ال�سيطرة‬ ‫ي�صعب‬ ‫الذي‬ ‫اليمني‬ ‫املجتمع‬ ‫عبارة عن جزء من املقاومة املطردة‬ ‫عندما �أك���د �أن ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫�ضد �سلطة الدولة‪.‬‬ ‫عليه �ست�شكل �إ�شكاليات كثرية لأي هي ال�سبيل الوحيد للخال�ص من ظلم‬ ‫وجور نظام الرئي�س �صالح‪ .‬وتردد ذلك‬ ‫على الرغم تنظيم ذي طابع �أيديولوجي مت�شدد‬ ‫�شركاء ولكن؟‬ ‫ً‬ ‫�أي�ضا يف حديث غالب عبد اهلل الزيدي‪،‬‬ ‫من كل ما �سبق قوله‪ ،‬ف���إن الأم��ر لن‬ ‫�أحد امل�شتبهني باالنتماء �إىل اجلماعة‬ ‫يكن يف غاية ال�سهولة بالن�سبة لقاعدة‬ ‫�شبه اجلزيرة العربية يف حماولتها خو�ض غمار بحر ال�سيا�سة املت�شددة‪ ،‬الذي �أ�شار �إىل �أن تبني ال�شريعة الإ�سالمية هو ال�شرط‬ ‫القبلية يف اليمن‪ .‬فالهو�س املتنامي يف الغرب �إزاء احل�ضور الفعلي ال�ضروري توافره لتقدمي م�ساعدة املجاهدين يف اجلنوب‪� ،‬إذ قال‪:‬‬ ‫للقاعدة على االنرتنت وو�سائل الإع�لام‪ ،‬وكذلك ظهورها كرواية «�إذا ظلوا يعتنقون الأفكار اال�شرتاكية وال�شيوعية فلن نن�ضم �إليهم»‪.‬‬ ‫للتعبري عن ال�سخط بعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب‪،‬‬ ‫يحجبان �أحيان ًا ال�صورة احلقيقية التي تفيد ب�أن ك ًال من القاعدة‬ ‫الأم وفروعها ما زالت ت�شكل تنظيمات حقيقية تتطلب وجود �إقليم‬ ‫�آمن لر�سم املخططات‪ ،‬والتدريب‪ ،‬والتنفيذ‪ .‬وهذه احلاجة هي ما‬ ‫قد ت�سبب التناف�س بني هذه التنظيمات والقبائل اليمنية كما حدث‬ ‫يف العراق‪.‬‬ ‫وحتى يف حال ح��اول تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية‬ ‫الوقوف مع القبائل �ضد الدولة‪ ،‬ف�إن �أحد �أهدافه العامة ‪ -‬املتمثل‬ ‫يف �إي��ج��اد م�ساحات يحكمها اجلهاد ‪ -‬يعترب حم�صور الفائدة‬

‫وه��ذا الت�صريح يدل على وج��ود مناف�سني �أيديولوجيني لتنظيم‬ ‫قاعدة �شبه اجلزيرة العربية يف اجلنوب‪ ،‬ويف حال حاول التنظيم‬ ‫�إيجاد ق�ضية م�شرتكة مع اجلنوبيني ف�إنه قد يواجه �صعوبة يف احلفاظ‬ ‫على موقفه الأيديولوجي املت�شدد‪ .‬وتكمن امل�شكلة بالن�سبة جلماعات‬ ‫القاعدة يف �أن موقفها هذا يحدد ب�شكل كبري طبيعة عملها التنظيمي‪.‬‬ ‫ومع �أن خاليا القاعدة‪ ،‬كقاعدة �شبه اجلزيرة‪� ،‬أخذت تكت�سب مهارة‬ ‫وخربة يف كيفية االنخراط يف ال�صراعات ال�سيا�سية الداخلية‪� ،‬إال‬ ‫�أنها تقوم بذلك حتت تهديد ح��دوث توتر بني الطموحات املحلية‬ ‫والأهداف العامة التي تتبناها �أيديولوجيتها الإ�سالمية الدولية‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪115‬‬


‫املحــور‬

‫مبا �أن اليمن يحظى باهتمام خا�صة ال�سعودية التي تكمن م�صلحتها يف ا�ستئ�صال جذور قاعدة‬ ‫ما هو رد الغرب؟‬ ‫اجلهود الغربية ملكافحة الإره��اب‪ ،‬ف�إن على احلكومات اتخاذ �شبه اجلزيرة من اليمن‪� ،‬أن تلعب دور ًا قيادي ًا يف الوقوف مع‬ ‫احليطة واحل��ذر يف م�ساعيها ملكافحة الإره���اب‪ .‬وعلى الدول اليمن‪ ،‬وذلك من خالل تف ّهم الو�ضع الراهن يف البلد والتدخل‬ ‫الغربية اغتنام الفر�صة ال�سانحة �أمامها لتقدمي م�سوغات ملمو�سة طويل املدى حلل الأزمة‪ .‬ولكن هذا �أي�ض ًا ال يخلو من الإ�شكاليات‪،‬‬ ‫للقبائل اليمنية التي يجب �إقناعها برف�ض مقرتحات قاعدة �شبه وذلك لأنه كلما تدخلت �أي دولة �أجنبية يف �ش�ؤون اليمن الداخلية‬ ‫اجلزيرة‪� ،‬إذ من الطبيعي �أن تتوىل الدولة اليمنية مثل ذلك لكن كلما �سعت �إىل تبني �أجندة ت�صب يف م�صلحتها اخلا�صة بد ًال من‬ ‫قدرتها يف الوقت الراهن تبقى حتت جمهر ال�شك والريبة‪ ،‬فهي تلبية حاجيات اليمن‪.‬‬ ‫وباخت�صار لي�س هناك حل �سريع وثابت ملناه�ضة االقتتال‬ ‫تواجه مترد ًا يف ال�شمال وحراك ًا انف�صالي ًا يف اجلنوب‪ .‬وكباقي‬ ‫اليمنيني ال جتد القبائل دافع ًا كافي ًا حلماية دولة ال�سلب والنهب املتنامي يف اليمن‪ ،‬فامل�أزق الذي تقع فيه الدولة اليوم هو نتيجة‬ ‫التي يبدو �أنها �آيلة �إىل ال�سقوط‪ .‬وم��ع ذل��ك‪ ،‬ميكن القول �أن لفرتة طويلة من الإهمال لعملية التنمية من قبل القادة‪ ،‬وال ميكن‬ ‫القاعدة قد تتمكن من امل�ساعدة يف �إ�ضعاف الدولة يف اليمن‪ ،‬لأي طرف خارجي �س ّد الفراغ ومعاجلته على امل��دى الق�صري‪.‬‬ ‫لكنها حتم ًا لن تتمكن من تقدمي الرعاية التي تقدمها الدولة‪ .‬ولكن احلل الفعال على املدى البعيد يكمن يف عمل الدول الغربية‬ ‫وهذا ما يتيح الفر�صة للتدخل احل�سا�س واحلذر من قبل طرف �إىل جانب اليمن والدول املجاورة من خالل ا�ستهداف عنا�صر‬ ‫تنظيم ال��ق��اع��دة يف �شبه اجلزيرة‬ ‫ثالث‪.‬‬ ‫ً‬ ‫العربية وبنيته التحتية �أوال‪ ،‬ومن ثم‬ ‫وبهذا اخل�صو�ص ينبغي �أن نتعلم‬ ‫درو����س��� ًا م��ن ال��ط��ري��ق��ة ال��ت��ي مت بها القاعدة ق��د تتمكن م��ن امل�ساعدة يف �إقامة م�ؤ�س�سات �سيا�سية �أكرث �شمو ًال‪.‬‬ ‫وال �شك يف �أن التغلب على التنظيم‬ ‫�إ�ضعاف القاعدة يف العراق وال�سعودية �إ�ضعاف الدولة يف اليمن‪ ،‬لكنها حتم ًا لن‬ ‫يف ال��ي��م��ن م��ه��م��ة �صعبة ل��ك��ن عدم‬ ‫و�ضربها يف باك�ستان‪ .‬و�أهم عن�صرين‬ ‫تقدمها‬ ‫التي‬ ‫الرعاية‬ ‫تقدمي‬ ‫من‬ ‫تتمكن‬ ‫معاجلة الو�ضع له تبعات على امل�ستوى‬ ‫يف �أي �إ�سرتاتيجية ناجحة هما‪� :‬أو ًال‪،‬‬ ‫ا�ستهداف العنا�صر القيادية يف قاعدة الدولة‪ .‬وهذا ما يتيح الفر�صة للتدخل ال���دويل يف امل�ستقبل‪ ،‬فكلما ُ�سمِ ح‬ ‫لتنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة‬ ‫�شبه اجل��زي��رة ال��ع��رب��ي��ة‪ ،‬ومعاجلة احل�سا�س واحلذر من قبل طرف ثالث‬ ‫بالعمل على الأرا���ض��ي اليمنية كلما‬ ‫مظامل ال�شعب اليمني عامة والقبائل‬ ‫ا�ستطاع تو�صيل ر�سالته �إىل ال�شباب‬ ‫خا�صة‪ ،‬فهي امل�صدر الرئي�سي الذي‬ ‫ُي�س ِعف القاعدة ويبقيها على قيد احلياة‪ .‬وما يتعلق با�ستهداف ال�ساخط على امل�ستوى الإقليمي‪ ،‬ويف ح��ال ت�ضاءلت القاعدة‬ ‫ر�شدة للحركة‬ ‫العنا�صر القيادية يف تنظيم �شبه اجلزيرة‪� ،‬سيكون من املهم الأم يف باك�ستان �سيكون اليمن مبثابة ال�شعلة املُ ِ‬ ‫للدول الغربية العمل على ذلك من خالل قوات الأمن اليمنية‪ ،‬لأن الإرهابية ودليل مرونتها‪ .‬و�سيكون اليمن �أي�ض ًا قاعدة تدريب‪،‬‬ ‫�أي تدخل وا�ضح للغرب �س ُيثري �سخط القبائل‪ ،‬التي من املحتمل بل وجتنيد �أقوى لتنظيم �ضاق عليه اخلناق يف مالذه الآمن على‬ ‫�أن تعزز من دعمها للتنظيم‪ .‬ومواجهة ال�صعاب التي قد تنجم الأرا�ضي الباك�ستانية‪ .‬كما �أن توطيد �أقدامه يف �شبه اجلزيرة‬ ‫عن حماولة القاعدة ا�ستبدال زعماء ذوي خربة وكفاءة يجب �أن العربية يعني الكثري للتنظيم يف موا�صلة القتال على تربة �أرا�ضي‬ ‫ت�شكل حجر زاوية يف �أي �إ�سرتاتيجية تهدف �إىل �إحداث ثلم يف نبع الإ�سالم‪ .‬و�إمكانية قاعدة �شبه اجلزيرة على �إقامة عالقات‬ ‫مع حركة ال�شباب يف ال�صومال وم ّد فروعها بعد تر�سيخ جذورها‬ ‫فعالية تنظيم القاعدة يف �شبه اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ ،‬معاجلة الأ�سباب الأعمق التي تقف وراء ال�سخط يف يف اليمن‪� ،‬سيم ّد يف حياة التهديد الدويل الذي ي�شكله املقاتلون‬ ‫�أو�ساط املجتمع اليمني‪ ،‬وهذه م�س�ألة �أكرث تعقيد ًا وتتطلب تبني اجلهاديون‪ .‬والعامل الأ�سا�سي مل�ستقبل تنظيم القاعدة يف �شبه‬ ‫ر�ؤية �أو�سع للم�شاكل التي يواجهها اليمن‪ .‬فمجرد �إدراك �إمكانية اجلزيرة يف اليمن مرهون بالقبائل اليمنية‪ ،‬ف�إن تعاونت تع ّر�ض‬ ‫البلد على ا�ست�ضافة التنظيمات املقاتلة ال يعترب �سوى عالمة من التنظيم للخطر‪ ،‬و�إن كان الأمر غري ذلك ف�سيواجه الغرب تهديد ًا‬ ‫العالمات الدالة على ه�شا�شة اليمن‪ .‬وينبغي للدول الإقليمية‪ ،‬طويل املدى على �أيدي عنا�صر القاعدة‪.‬‬ ‫‪116‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ي�صدر قريب َا‬

‫اخل�صائ�ص الدميغرافية لل�سكان فـي اجلمهورية اليمنية‬

‫�أمني حممد حمي الدين‬

‫�أحمد نعمان الربكاين‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪117‬‬


‫املحــور‬

‫حلف الإرهاب‬ ‫العالقات املتنامية بني تنظيم «القاعدة» يف اليمن وحركة‬ ‫«�شباب املجاهدين»ال�صومالية‪ ،‬وتداعياتها �إقليمي ًا وعاملي ًا‬ ‫خالد �أحمد الرماح‬

‫يف ر�سالة وجهها �إىل خاليا التنظيم يف اليمن يحثهم فيها على منا�صرة جماعة �شباب املجاهدين يف حربهم‬ ‫�ضد احلكومة ال�صومالية يف �شباط‪/‬فرباير ‪ ،2009‬قال �أمري تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب نا�صر الوحي�شي‬ ‫�أن م����ا يف�ص����ل اليم����ن عن منطقة القرن الأفريق����ي لي�س �أكرث من “نطفة م����اء”‪ .‬ويف ال�ضفة الأخرى من خليج‬ ‫عدن‪� ،‬أعلنت حركة ال�شباب املجاهدين ال�صومالية منت�صف كانون الثاين‪/‬يناير ‪� ،2010‬أنها �سرت�سل «مقاتلني»‬ ‫�إىل اليم����ن مل�ساع����دة عنا�صر «القاعدة» عل����ى ال�ضوء ال�ضربات الأخرية التي تعر�ض له����ا التنظيم �أواخر العام‬ ‫املا�ض����ي ومطل����ع العام احلايل‪ .‬وقال ال�شيخ خمتار روب����و املعروف بـ «�أبو من�صور» القي����ادي يف «حركة ال�شباب‬ ‫املجاهدي����ن» �أن مقاتلي جماعته م�ستعدون لقطع م�سافة املياه الق�صرية عرب خليج عدن لتقدمي العون للقاعدة‬ ‫يف اليمن‪ .‬و�أ�ضاف‪ «:‬قلنا لإخوتنا امل�سلمني يف اليمن �إننا �سنعرب البحر‪ ...‬ون�صل �إليهم مل�ساعدتهم على حماربة‬ ‫�أعداء اهلل»‪.‬‬ ‫�إن خطورة الأو�ضاع يف هذه املنطقة (اليمن وال�صومال) ت�أتي من جانبني‪ :‬اجلانب الأول‪ ،‬االجتاه نحو مزيد‬ ‫من تركيز الإرهاب يف هاتني الدولتني‪ .‬واجلانب الثاين‪ ،‬تنامي عالقات التعاون والتن�سيق بني خاليا القاعدة‬

‫‪118‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫خالد الرماح باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫يف اليمن وال�صومال‪ ،‬والذي يعد بدوره الأخطر بالن�سبة لكل من‬ ‫اليمن واململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬واجلهود الدولية يف مكافحة‬ ‫الإرهاب‪.‬‬ ‫فمن املتوقع �أن ي�ؤدي ت�شديد القب�ضة على القاعدة يف باك�ستان‬ ‫و�أفغان�ستان‪ ،‬و�سابق ًا يف ال�سعودية وال��ع��راق‪� ،‬إىل جعل اليمن‬ ‫وال�صومال ال�ساحة الأكرث زخم ًا بعنا�صر القاعدة‪ .‬وت�شري التقديرات‬ ‫الأمريكية �إىل �أن الع�شرات من عنا�صر القاعدة ب�صدد االنتقال من‬ ‫باك�ستان �إىل اليمن وال�صومال‪ ،‬حيث يقول اجلرنال جيم�س جونز‬ ‫�أن القاعدة «ت�شعر بعدم االرتياح �أكرث ف�أكرث يف باك�ستان‪ ،‬وهناك‬ ‫م�ؤ�شرات‪� ،‬أن ق�سم منهم على الأق��ل‪ ،‬ب�صدد االجت��اه �إىل اليمن‬ ‫وال�صومال»‪ .‬كما حذر مدير املركز الوطني ملكافحة الإرهاب «مايكل‬ ‫ليرت»‪ ،‬يف ‪ 30‬ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب‪� ،2009‬أثناء جل�سة ا�ستماع يف‬ ‫الكوجنر�س الأمريكي من �أن اليمن وال�صومال قد ي�صبح بالن�سبة‬ ‫لتنظيم القاعدة‪ ،‬لي�س فقط م�سرح ًا للعمليات الإرهابية‪ ،‬بل وقاعدة‬ ‫التدريب وت�صدير العمليات الإرهابية �إىل بقية �أجزاء العامل‪.‬‬ ‫واحل���ال �أن ال�����ص��وم��ال وال��ي��م��ن ت�شرتكان يف ت���ردي الأو���ض��اع‬ ‫االقت�صادية‪ ،‬وتف�شي الفقر والبطالة بني ال�سكان بن�سب متفاوتة‪،‬‬ ‫ما يجعلهما البيئة الأكرث مالئمة لنمو الإره��اب‪ .‬ويبدو من جانب‬ ‫�آخر �أن خاليا القاعدة يف اليمن وال�صومال حتاول اال�ستفادة من‬ ‫�ضعف �سلطة احلكومة املركزية وتراجعها للتمدد واالنت�شار‪ .‬وهو‬ ‫ما ظهر جلي ًا يف حالة اليمن‪ ،‬عندما ا�ستفادت القاعدة من �ضعف‬

‫�سلطة احلكومة املركزية يف بع�ض املحافظات اجلنوبية وال�شرقية‪،‬‬ ‫وحتديد ًا يف حمافظتي �أب�ين و�شبوة ملحاولة التمدد وم��لء الفراغ‬ ‫الناجت عن تراجع قب�ضة احلكومة يف هذه املناطق‪ ،‬وقد ظهر ذلك‬ ‫بو�ضوح يف املهرجانات اجلماهريية التي تزعمتها القاعدة يف‬ ‫هذه املناطق‪ ،‬لتكون اليمن الدولة الثالثة على م�ستوى العامل �إىل‬ ‫جانب ال�صومال و�أفغان�ستان التي ي�سفر تنظيم القاعدة فيها عن‬ ‫نف�سه عالنية يف مهرجانات جماهريية‪ .‬ومن املرجح بدرجة كبرية‬ ‫�أن ي�ؤدي تراجع �سلطة احلكومة املركزية ونفوذها يف املحافظات‬ ‫اجلنوبية‪� ،‬إىل تقوية خاليا القاعدة يف تلك املناطق‪ ،‬لتكون املر�شح‬ ‫الأكرب مللء الفراغ فيها‪ ،‬بالنظر �إىل كونها الأكرث تنظيم ًا مقارن ًة‬ ‫بالقوى الأخ���رى‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن حتالفها مع �شيوخ القبائل والقوى‬ ‫التقليدية املتمردة والطاحمة‪.‬‬ ‫وتتنامى املخاوف الغربية من تزايد ن�شاط القاعدة يف اليمن‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا بعد اندماج فرعي تنظيم القاعدة يف ال�سعودية واليمن‬ ‫حتت م�سمى «تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب» مطلع العام ‪،2009‬‬ ‫ويرى م�سئولون يف مكافحة الإرهاب «�أن جناح القاعدة يف جزيرة‬ ‫العرب يتطور منذ عدة �أ�شهر»‪« ،‬ورمبا يكون اجلناح الأكرث ن�شاط ًا‬ ‫للقاعدة خارج �أفغان�ستان وباك�ستان»‪ .‬ي�أتي ذلك بعد اال�شتباه يف‬ ‫تورط فرع تنظيم القاعدة يف اليمن يف اثنتني من �أخطر العمليات‬ ‫الإرهابية التي برزت على ال�ساحة خالل ال�سنوات الأخرية‪ .‬الأوىل‪،‬‬ ‫عملية �إطالق النار يف قاعدة «فورت هود» الع�سكرية الأمريكية يف‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪119‬‬


‫املحــور‬

‫ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب‪ ،2009‬و�أودت بحياة ‪ 13‬ع�سكري ًا �أمريكي ًا‪،‬‬ ‫وت�شري العديد من الدالئل �إىل �أن تنامي عالقات التن�سيق والتعاون‬ ‫وقام بتنفيذها امليجور ن�ضال ح�سن‪ ،‬وي�شتبه يف قيام ع�ضو القاعدة بني «حركة ال�شباب» وخاليا القاعدة يف جزيرة العرب‪ ،‬مل يعد يف‬ ‫اليمني حامل اجلن�سية الأمريكية �أن��ور العولقي بتجنيده ل�صالح مرحلة ال�سيناريو املحتمل‪ ،‬بل هو �أ�شبه ب�أمر واقع‪ ،‬فح�سب بع�ض‬ ‫القاعدة‪� ،‬أو يف �أقل الأحوال الت�أثري فيه فكري ًا‪� .‬أما العملية الثانية التقديرات ف���إن �أك�ثر من ‪ 90‬عن�صر ًا ميني ًا من �أع�ضاء القاعدة‬ ‫فهي الهجوم الفا�شل للنيجريي عمر ف��اروق عبد املطلب‪ ،‬والذي يقاتلون �إىل ج��ان��ب «ح��رك��ة �شباب امل��ج��اه��دي��ن» �ضد احلكومة‬ ‫حاول فيه تفجري طائرة ركاب �أمريكية خالل رحلتها من �أم�سرتدام ال�صومالية‪ ،‬وي�شكلون ن�سبة ‪ %30‬من املواقع القيادية للحركة‪.‬‬ ‫�إىل ديرتويت‪ ،‬يف ليلة ر�أ�س ال�سنة ‪ ،2009‬واعرتف ب�أنه تلقى التدريب‬ ‫وعالقة اليمنيني بخاليا القاعدة يف ال�صومال قدمية تعود �إىل‬ ‫يف اليمن‪ ،‬و�أن نا�شط ًا كبري ًا يف تنظيم القاعدة يف اليمن هو من‬ ‫بداية الت�سعينيات من القرن املا�ضي‪ ،‬وبالتحديد �إىل عام ‪1992‬‬ ‫ز ّوده باملواد املتفجرة امل�ستخدمة يف العملية‪.‬‬ ‫عندما و�صل بع�ض اجلهاديني اليمنيني �إىل �شرق ال�صومال بهدف‬ ‫ال�صورة على ال�ضفة الأخرى خلليج عدن لي�ست �أقل بريق ًا‪ ،‬فقد التدريب يف مع�سكرات حركة االحتاد الإ�سالمي‪ ،‬ويف مرحلة الحقة‬ ‫�أعلنت «حركة �شباب املجاهدين» يف �شباط‪/‬فرباير ‪ ،2010‬والئها توا�صل دعم القاعدة لالحتاد الإ�سالمي يف منطقة ج��دو‪ ،‬وكان‬ ‫ر�سمي ًا لتنظيم القاعدة الأم و�أفكاره‬ ‫ال�شيح ح�سن طاهر �أوي�س زعيم حركة‬ ‫يف اجلهاد العاملي‪ ،‬وهو تهديد �إقليمي‬ ‫االحت���اد �سابق ًا واحل���زب الإ�سالمي‬ ‫ً‬ ‫ودويل ال ي�ستهان به‪� ،‬أ�شبه بال�سماح‬ ‫حاليا م��ن ال�شخ�صيات امل�ست�ضيفة‬ ‫ح�سب بع�ض التقديرات ف�إن �أكرث من ‪90‬‬ ‫ب��وج��ود ط��ال��ب��ان �أخ����رى ت�����ش��رف على عن�صر ًا ميني ًا من �أع�ضاء القاعدة يقاتلون ل��ل��ق��اع��دة‪ ،‬وق���د ت��وث��ق��ت ال��ع�لاق��ة بني‬ ‫املمرات املائية الأكرث حيوية يف العامل‪،‬‬ ‫الطرفني وو�صلت يف بع�ض الأحيان �إىل‬ ‫�ضد‬ ‫املجاهدين»‬ ‫�شباب‬ ‫«حركة‬ ‫جانب‬ ‫إىل‬ ‫�‬ ‫وت��ه��دد م��ن��اب��ع ال��ن��ف��ط يف ال�سعودية‬ ‫حد امل�صاهرة‪� ،‬إذ ز ّوج �أوي�س كرميته‬ ‫احلكومة ال�صومالية‪ ،‬وي�شكلون ن�سبة‬ ‫واخل��ل��ي��ج (يف ح���ال ت��ط��ور عالقات‬ ‫لع�ضو ميني من القاعدة ك��ان يتوىل‬ ‫التن�سيق والتعاون مع خاليا القاعدة يف‬ ‫مهمة التدريب يف املع�سكرات‪ .‬ويبدو‬ ‫‪ %30‬من املواقع القيادية للحركة‬ ‫اليمن)‪ .‬ويعود ذلك �أي�ض ًا لكونها قوة‬ ‫�أن تنظيم القاعدة يف اليمن قد �ص َّدر‬ ‫ناه�ضة‪ ،‬يف مرحلة منو وتو�سع‪ ،‬ميكن‬ ‫�إىل ال�صومال العديد م��ن املقاتلني‬ ‫و�صفها القوه الأوىل يف ال�صومال حالي ًا‪ ،‬حيث ت�سيطر على معظم واملدربني‪ ،‬منهم �أبو عا�صم التبوكي‪ ،‬وهو من �أبناء منطقة بيحان‬ ‫اجلنوب ال�صومايل (‪ 8‬حمافظات من ‪ 18‬حمافظة �صومالية)‪ ،‬مبحافظة �شبوة جنوب اليمن‪ ،‬وال��ذي كان يف قائمة الـ ‪ 23‬الذين‬ ‫و�أج��زاء كبرية من العا�صمة ال�صومالية مقدي�شو‪ ،‬بينما ينح�صر ف ُّروا من �سجن الأمن ال�سيا�سي مع قادة القاعدة يف �شباط‪ /‬فرباير‬ ‫نفوذ احلكومة ال�صومالية وبعثة االحتاد الأفريقي يف �أجزاء �صغرية ‪ ،2006‬و ُق ِت َل يف غارة جوية على مع�سكر للقاعدة يف ال�صومال �أواخر‬ ‫من العا�صمة‪ ،‬تت�ضمن املطار واملوانئ البحرية واملقر الرئا�سي‪ .‬وهي العام ‪.2007‬‬ ‫بذلك ت�شكل تهديد ًا فعلي ًا للحكومة ال�صومالية‪ ،‬وميكن �أن تنجح يف‬ ‫ويدل �إعالن «حركة ال�شباب املجاهدين» م�ؤخر ًا ا�ستعدادها لإر�سال‬ ‫�إ�سقاطها يف �أي وقت‪ ،‬ومن ثم �إقامة �سلطة بديلة على �أنقا�ضها‪ .‬مقاتلني مل�ساعدة عنا�صر «القاعدة» يف اليمن‪ ،‬على �أن العالقات بني‬ ‫وح�سب الت�صريحات املعلنة حلركة �شباب املجاهدين‪ ،‬ف�إنها يف اجلانبني قد تكون �أعمق مما تبدو ظاهري ًا‪ .‬وعلى الرغم من �أن‬ ‫و�ضعها احلايل ت�شكل �أكرب داعم خلاليا القاعدة يف املنطقة‪ .‬ومزيد هذا الإعالن قد يكون نوع ًا من الدعم املعنوي لي�س �أكرث‪� ،‬إال �أنه‬ ‫من �سيطرتها على الأو�ضاع يف ال�صومال‪ ،‬يعني تكوين قاعدة خلفية من اخلط�أ �أي�ض ًا جتاهل قدرة هذه اجلماعة ‪ -‬التي ت�سيطر على‬ ‫قوية خلاليا القاعدة يف اجلزيرة العربية و�شرق وو�سط �أفريقيا‪� ،‬أجزاء وا�سعة من ال�صومال ‪ -‬على تقدمي دعم عملي لفرع القاعدة‬ ‫وخلق بيئة حا�ضنة متكن القاعدة من التدريب وجتنيد مزيد من يف اليمن‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن اليمن ال يف�صله عن ال�صومال �سوى م�سافة‬ ‫العنا�صر الإرهابية‪.‬‬ ‫‪120‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ي�سرية يقطعها ب�سهولة كل عام مئات املهاجرين ال�صوماليني عرب �إىل بقية �أجزاء العامل‪.‬‬ ‫قوارب �صغرية تنقلهم �إىل �سواحل اليمن‪ .‬كما �أن اليمن ي�ست�ضيف‬ ‫و�أمام هذه التهديدات املتنامية‪ ،‬ف�إنه يجب �إدراك �أو ًال‪� ،‬أن تردي‬ ‫مئات الآالف من الالجئني ال�صوماليني الفارين من احلرب‪ .‬وال الأو�ضاع يف ال�صومال ومواجهة تهديد “حركة �شباب املجاهدين”‪،‬‬ ‫توجد �ضمانات متنع �إمكانية ا�ستخدامهم يف �أعمال �إرهابية‪� ،‬أو لي�ست م�شكلة احلكومة ال�صومالية وحدها‪ ،‬بل هي م�شكلة جميع‬ ‫جتنيدهم ل�صالح القاعدة‪.‬‬ ‫دول املنطقة مبا فيها الفاعلني الدوليني الرئي�سيني‪ ،‬لأن ما �ست�سفر‬ ‫ويف كل الأحوال‪ ،‬ف�إن تنامي عالقات التن�سيق والتعاون بني فرعي عنه الأو�ضاع يف ال�صومال �ستنعك�س ب�شكل مبا�شر على اال�ستقرار‬ ‫التنظيم ي�شكل خطر ًا حيوي ًا لأم��ن اليمن ودول الإقليم الأخرى الإقليمي‪ ،‬وعلى �أمن املمرات املائية القريبة‪.‬‬ ‫ويف مقدمتها العربية ال�سعودية‪ ،‬كما �أن��ه ي�شكل حتدي ًا وا�ضح ًا‬ ‫ومما ال �شك فيه �أن �سيناريو �سقوط احلكومة ال�صومالية احلالية‪،‬‬ ‫للجهود الإقليمية والدولية يف مكافحة الإره��اب‪ .‬وحتقيق جماعة و�سيطرة “حركة ال�شباب” على الأو�ضاع يف ال�صومال‪،‬يعد – �إن‬ ‫�شباب املجاهدين مزيد من املكا�سب على الأر���ض‪ ،‬ي�شكل بدوره ح�صل ‪� -‬أمر ًا كارثي ًا و�ستنعك�س تداعياته ال�سلبية مبا�شرة على �أمن‬ ‫تهديد ًا مبا�شر ًا لليمن‪ ،‬لي�س فقط لأنه ميثل دعم ًا وم�ساند ًة لفرع الدول القريبة من ال�صومال‪ ،‬ويف مقدمتها اليمن واململكة العربية‬ ‫القاعدة يف جزيرة العرب املتمركز يف‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬كما على اجلهود الدولية‬ ‫اليمن‪ ،‬ولكن لأنه �أي�ض ًا �سيفاقم امل�شكلة‬ ‫ملكافحة الإره����اب‪ .‬والأم���ر الثاين‬ ‫ال�صومالية و ُيع ِّقد م�ساعي �إع��ادة بناء من امل�ستبعد يف الوقت الراهن �أن تتطور الواجب �إدراكه‪� ،‬أن التدخل الع�سكري‬ ‫الدولة‪ ،‬وامل�ؤكد �أن قيام دول��ة �صومالية العالقات بني فرعي القاعدة يف جزيرة اخلارجي لن يجدي يف ال�صومال �إذ‬ ‫يحكمها �شباب املجاهدين القريبة من‬ ‫من �ش�أنه �إك�ساب “حركة ال�شباب”‬ ‫العرب وال�صومال لت�صل �إىل مرحلة‬ ‫مزيد ًا من القوة وال�شرعية ال�سيا�سية‬ ‫القاعدة يعد �أمر ًا �صعب التحقق ناهيك االندماج كما حدث مع فرعي التنظيم‬ ‫عن اال�ستمرار‪ ،‬ب�سبب افتقار كيان كهذا‬ ‫والدينية‪ ،‬التي تفتقر �إليها حالي ًا يف‬ ‫يف اليمن وال�سعودية �إال �أن هذا‬ ‫للقبول الإقليمي وال��دويل‪ .‬وهذا التعقيد‬ ‫مواجهة القوى ال�صومالية الأخرى‪.‬‬ ‫االحتمال يظل قائم ًا‬ ‫والإط��ال��ة للم�شكلة ال�صومالية ينعك�س‬ ‫وب��ال��ت��ايل ف����إن احل��ل يف ال�صومال‬ ‫�سلب ًا ب�صورة مبا�شرة على اليمن يف �شكل‬ ‫ي��ب��د�أ م��ن داخ��ل ال�صومال نف�سه‪،‬‬ ‫مزيد من الالجئني‪ ،‬وا�ستمرار امل�شاكل الأمنية الأخرى كالقر�صنة‪ ،‬عرب جهد �إقليمي ودويل من�سق ومكثف ومت�سارع‪ ،‬لدعم القدرات‬ ‫وتهريب الأ�سلحة واملخدرات‪ ،‬وانتقال الأمرا�ض والأوبئة‪ ،‬واجلرمية الع�سكرية للحكومة ال�صومالية يف مواجهة املتمردين‪ ،‬و�أي�ض ًا من‬ ‫املنظمة‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫خالل تقدمي م�ساعدات �إمنائية يف جميع املجاالت الأخرى‪ ،‬لإعادة‬ ‫ومع �أنه من امل�ستبعد يف الوقت الراهن �أن تتطور العالقات بني �إعمار البنية التحتية واملرافق العامة املدمرة‪ ،‬ودعم االقت�صاد‬ ‫فرعي القاعدة يف جزيرة العرب وال�صومال لت�صل �إىل مرحلة ال�صومايل �شبه املنهار‪.‬‬ ‫االن��دم��اج كما ح��دث مع فرعي التنظيم يف اليمن وال�سعودية يف‬ ‫ورمبا تكون احلكومة ال�صومالية القائمة برئا�سة �شيخ �شريف‬ ‫كانون الثاين‪/‬يناير ‪� ،2009‬إال �أن هذا االحتمال يظل قائم ًا‪ .‬وترى �أحمد‪ ،‬هي الفر�صة التي قد ال تتكرر يف الأمد القريب‪ ،‬لتحقيق حلم‬ ‫اخلبرية الفرن�سية يف �ش�ؤون الإرهاب �آن جوديت�شلي‪� ،‬أن ما �سيقع �إعادة بناء الدولة ال�صومالية‪ ،‬بالنظر �إىل حجم التوافق الداخلي‬ ‫بني اليمنيني وال�صوماليني هو تنظيم ثنائي لفرعي القاعدة يف والقبول الإقليمي وال��دويل الذي حظيت – وال تزال حتظى ‪ -‬به‪،‬‬ ‫البلدين ي�شكل امتداد تنظيمي واحد‪ ،‬يف �شكل قاعدة �إقليمية يف وباعتبارها ـ بف�ضل ذلك ـ ال�سلطة الوحيدة التي ا�ستطاعت اال�ستمرار‬ ‫القرن الأفريقي واليمن واجل��زي��رة العربية‪ ،‬لت�صبح لي�س فقط حتى الآن‪ ،‬رغم التحديات التي تواجهها‪ ،‬بعد ما يقارب ‪ 14‬حماولة‬ ‫م�سرح ًا للعمليات الإرهابية‪ ،‬بل وقاعدة الت�صدير الأوىل للإرهاب فا�شلة لإعادة بناء �سلطة �سيا�سية متما�سكة يف ال�صومال‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪121‬‬


‫املحــور‬

‫التعامل مع «القاعدة»‬ ‫ا�سرتاتيجية اليمن وخياراتها املمكنة يف مواجهة ّ‬ ‫التحدي الإرهابي‬ ‫عاي�ش علي عوا�س‬

‫�شه����د ملف الإرهاب يف اليمن خ��ل�ال ال�سنوات الثالث الأخرية تطورات الفتة عل����ى �أكرث من م�ستوى‪ ،‬ففي‬ ‫مطلع العام املا�ضي �أعلن ذراعا تنظيم القاعدة يف اليمن وال�سعودية اندماجهما يف كيان واحد حتت م�سمى‬ ‫“تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب” بزعامة نا�صر الوحي�شي‪ ،‬بهدف حتقيق التكامل بني القدرات‬ ‫الب�شرية واملادية ورفع الروح املعنوية لأع�ضاء التنظيم‪ ،‬وتطوير قدراته العمالنية‪ .‬وقد �أظهرت الوقائع تالي ًا‬ ‫�أن ذل����ك احل����دث له ما بعده‪� ،‬إذ ط���� ّور التنظيم خططه وتكتيكاته‪ ،‬وقام بتنفيذ ع����دد ًا من العمليات النوعية‬ ‫يف اليم����ن وال�سعودية‪ ،‬كما �أظهرت الأح����داث �أن طموحاته �أ�صبحت عاملية وخا�صة بعد تبنيه حماولة تفجري‬ ‫طائ����رة ال����ركاب الأمريكية يوم ‪ 25‬كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ .2009‬وبخ��ل�اف املرحلة ال�سابقة‪ ،‬مل تعد هجمات‬ ‫القاع����دة يف الوقت الراهن تفرق ب��ي�ن ال�سكان املحليني والأجانب‪ ،‬و�صار االثنان مع���� ًا �أهداف ًا م�ستباحة �إىل‬ ‫درجة �أن عدد ال�ضحايا من اليمنيني جراء عمليات التنظيم فاق عدد الأجانب بكثري‪ .‬والأدهى من ذلك �أن‬ ‫تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب‪ ،‬وعلى عك�س منظومته الفكرية التي تدعو اىل وحدة املجتمعات اال�سالمية‪،‬‬ ‫ب����د�أ ينخ����رط يف ال�صراعات املحلية ب�شكل غري م�ألوف عرب �إثارة القبائل �ض����د الدولة و�إعالن ت�أييده للقوى‬ ‫املطالب����ة بانف�ص����ال جنوب اليمن عن �شماله‪ ،‬كما �أن الأرا�ضي اليمنية يف �سياق هذه التطورات مل تعد بنظر‬ ‫القاع����دة جمرد مركز للتجنيد بل وقاع����دة للتدريب والتخطيط ورمبا للتحهيز �أي�ض ًا؛ وهي خطوة قد يرتتب‬ ‫عليها حتول اليمن �إىل �ساحة جديدة للحرب �ضد الإرهاب بعد �أفغان�ستان وباك�ستان‪.‬‬ ‫م�ضاف ًا �إىل ذلك‪ ،‬فقد تبني من خالل العمليات اال�ستباقية التي نفذتها القوات اليمنية �ضد �أهداف تابعة‬ ‫للتنظيم يف �أبني و�شبوة وجنوب حمافظة �صعدة نهاية العام املن�صرم وبداية العام اجلاري‪� ،‬أن هيكلية التنظيم‬ ‫وتركيبت����ه ال تقت�صر على اجلن�سيتني اليمنية وال�سعودية ب����ل وعنا�صر من جن�سيات �أخرى منهم باك�ستانيني‬ ‫يقوم����ون بتدريب �أف����راد القاعدة يف اليمن على ت�صني����ع املتفجرات والقنابل اليدوي����ة‪ ،‬وكيفية ا�ستخدامها‪،‬‬ ‫وتنفي����ذ عمليات االغتيال با�ستخ����دام املواد والغازات ال�سامة‪ ،‬الأمر الذي يوح����ي ب�إمكانية حت ّول اليمن �إىل‬ ‫«مالذ بديل» لقيادات وعنا�صر القاعدة بعد ت�ضييق اخلناق عليهم يف منطقة القبائل يف باك�ستان‪.‬‬ ‫‪122‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫عاي�ش عوا�س باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫كذلك �أبانت جمريات الأح���داث يف الأ�شهر الأخ�يرة �أن تنظيم‬ ‫و�سع �شبكة حتالفاته �إىل خ��ارج �شبه‬ ‫القاعدة يف جزيرة العرب ّ‬ ‫اجلزيرة العربية وبالتحديد �إىل منطقة القرن الأفريقي‪ ،‬حيث �أعلنت‬ ‫حركة ال�شباب املجاهدين ال�صومالية �صراحة نهاية العام الفائت‬ ‫دعمها ووقفها �إىل جانب التنظيم يف وجه من �أ�سمتهم “�أعداء اهلل”‪.‬‬ ‫بل وع�ّب�رّ ت احلركة عن نيتها �إر�سال مقاتلني �إىل اليمن ملنا�صرته‬ ‫والوقوف اىل جانبه‪ ،‬وعالقة احلركة ال�صومالية بالقاعدة كما هو‬ ‫معلوم مل تعد جمرد �شكوك و�إمنا حقيقة م�ؤكدة‪ ،‬وال�سيما بعد �إعالن‬ ‫قادتها مبايعتهم لأ�سامه بن الدن يف ‪ 27‬كانون الثاين‪/‬يناير املا�ضي‪،‬‬ ‫الأمر الذي ي�ضاعف وال �شك من حجم املخاطر التي يواجهها اليمن‬ ‫بحكم قربه اجلغرايف من القرن الأفريقي‪ ،‬ووجود مئات الآالف من‬ ‫الالجئني ال�صوماليني على �أرا�ضيه‪.‬‬ ‫و�إىل جانب ما �سبق‪ ،‬ورمب��ا نتيجة ل��ه‪� ،‬أ�صبحت ال��دول اخلم�س‬ ‫الدائمة الع�ضوية يف جمل�س الأمن والواليات املتحدة منها على وجه‬ ‫اخل�صو�ص‪ ،‬تنظر �إىل ن�شاط تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب‬ ‫باعتباره تهديد ًا مل�صاحلها و�أمنها الداخلى‪ ،‬وقد ال ترتدد يف �ضوء‬ ‫هذا التحول من التدخل املبا�شر الحتواء خطر التنظيم يف اليمن‬ ‫عم ًال مببد�أ ال�ضربات اال�ستباقية الذي جاء به الرئي�س الأمريكي‬ ‫ال�سابق جورج دبليو بو�ش‪ .‬واذا كانت خمرجات امل�ؤمتر الدويل الذي‬ ‫ا�ست�ضافتة بريطانيا لبحث كيفية مكافحة الإرهاب يف اليمن �أواخر‬ ‫�شهر يناير املا�ضي يعك�س رغبة ال��دول الكربى يف ت��ويل احلكومة‬ ‫اليمنية م�س�ألة مواجهة القاعدة على �أرا�ضيها‪� ،‬إال �أن تردد الأخرية‬ ‫�أو عجزها عن احتواء امل�شكلة قد يدفع هذه الدول اىل العمل ب�شكل‬ ‫م�ستقل‪.‬‬ ‫وخال�صة ما ميكن قوله بهذا ال�ش�أن هو �أن ن�شاط القاعدة يف �ضوء‬ ‫هذه التطورات �أ�صبح ي�شكل‪ ،‬من وجهة نظر �صانع القرار اليمني‪،‬‬ ‫واحد ًا من �أخطر التحديات بحيث ي�صعب جتاهله �أو التغا�ضي عنه‪.‬‬ ‫وال�س�ؤال املطروح هنا‪ :‬ما هي اخليارات املتاحة �أمام احلكومة اليمنية‬ ‫للتعامل مع امل�شكلة واحتواء تداعياتها؟ وهل اال�سرتاتيجية التي‬ ‫تنتهجها ملكافحة االرهاب منذ عدد من ال�سنني ما زالت قادرة على‬ ‫الت�صدى لهذه التحديات‪� ،‬أو ان هناك حاجة ال�سرتاتيجية بديلة؟‬ ‫قبل اخلو�ض يف حماولة الإجابة على‬ ‫اخليارات املمكنة‬ ‫الأ�سئلة املطروحة �سلف ًا ال بد من الإ�شارة بداية اىل �أن اال�سرتاتيجية‬ ‫اليمنية ملكافحة الإرهاب تقوم على �أربعة مرتكزات �أ�سا�سية‪� :‬أولها هو‬

‫احل�سم يف مواجهة عنا�صر القاعدة املتورطة يف اجلرائم الأرهابية‪،‬‬ ‫والثاين العمل على ت�صحيح الأفكار املغلوطة عن الإ�سالم يف �أذهان‬ ‫املغرر بهم واع��ادة دجمهم يف املجتمع (برنامج احل��وار الفكري)‪،‬‬ ‫والثالث حت�سني الظروف االقت�صادية وتو�سيع فر�ص العمل �أمام‬ ‫ال�شباب‪ ،‬لأن الفقر يخلق البيئة املف ّرخة للإرهاب‪ ،‬واملرتكز الرابع‬ ‫والأخري هو تعزيز التعاون والتن�سيق الأمني مع دول املنطقة واملجتمع‬ ‫ال��دويل ب�صفة عامة باعتبار �أن ظاهرة الإره���اب م�شكلة عابرة‬ ‫للحدود‪.‬‬ ‫وعليه لي�س �أم���ام احلكومة اليمنية م��ن الناحية‬ ‫النظرية �سوى خيارين اثنني للتعامل م��ع تنظيم‬ ‫القاعدة يف املرحلة القادمة؛ اخليار الأول‪� :‬أن حت ّيد‬ ‫احلكومة اال�سرتاتيجية ال�سابقة‪ ،‬وتركز يف املقابل على احللول الأمنية‬ ‫والع�سكرية باعتبارها �أ�سرع الطرق الحتواء خطر القاعدة املتنامي‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا يف �ضوء توقف برنامج احلوار الفكري و�صعوبة �إعادة دمج‬ ‫عنا�صر القاعدة يف املجتمع خالل الفرتة املا�ضية‪ ،‬ووابل االنتقادات‬ ‫املتكرره للربنامج من قبل امل�سئولني الأمريكيني والذي ي�صفونه من‬ ‫حني لآخر باملت�ساهل وغري املجدي‪.‬‬ ‫بيد �أن هذا اخليار ال يبدو حتمي ًا �أو خيار �ضرورة كما يقال؛ فمن‬ ‫ناحية ي�صعب احلكم على الربنامج بالف�شل قيا�س ًا على نتائج برامج‬ ‫مماثلة يف املنطقة‪� .‬صحيح �أن بع�ض الأ�شخا�ص الذين �أُفرج عنهم‬ ‫مبوجب الربنامج ع��اودوا مزاولة ن�شاطهم يف �صفوف القاعدة من‬ ‫جديد‪ ،‬لكن عددهم حمدود‪ ،‬وحتى �إذا ما حيدنا ر�أي�� ًا كهذا جانب ًا‬ ‫وال��ذي قد ال يبدو مقنع ًا و�أ�سهبنا يف التفا�صيل ن�ستطيع القول �أن‬ ‫التخلي عن الربنامج يف ظل ثقافة التحكيم وال�صلح ال�سائدة يف‬ ‫�أو�ساط العامة‪ ،‬والرتكيبة القبلية للمجتمع اليمني وما يرتتب عليها‬ ‫من عالقة ترابطية بني الفرد والقبيلة التي ينتمي �إليها قد ي�ؤدي �إىل‬ ‫تو�سيع نطاق املواجهة مع تنظيم القاعدة‪ ،‬ورمبا حت ّولها من جمرد‬ ‫مواجهة ما بني احلكومة وعنا�صر حمدوة خارجة عن القانون �إىل‬ ‫�صراع بني الدولة والقبيلة‪ .‬ويزيد من خطورة هذا التوجه �أن املناطق‬ ‫القبلية يف املرحلة املقبلة مر�شحة لأن تكون م�سرح العمليات بعد‬ ‫تراجع عنا�صر القاعدة �إليها وحماولتهم �إقامة عالقات جيدة مع‬ ‫ع�شائرها‪.‬‬ ‫وهذا اخليار �أي�ض ًا ال يعالج الأ�سباب واجلذور احلقيقية للظاهرة‬ ‫مثل الفقر والبطالة و�ضعف الوعى بالدين الإ�سالمي‪ .‬وحتى �إن جنح‬ ‫يف الق�ضاء على القاعدة يف املدى الق�صري �إال �أن من امل�ستبعد متام ًا‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪123‬‬


‫ا�ستمرار دميومة هذا النجاح على امل��دى الطويل ما دام��ت الأ�سباب‬ ‫املولدة للم�شكلة قائمة من دون حل‪.‬‬ ‫�أما ما يقال عن وجود �ضغوط دولية على احلكومة اليمنية لتبني احلل‬ ‫الأمني كخيار وحيد‪ ،‬ف�أح�سب جازم ًا �أن املجتمع الدويل يف هذه اللحظة‬ ‫من الزمن مبا يف ذلك الواليات املتحدة‪� ،‬صار مقتنع ًا و�أك�ثر من �أي‬ ‫وقت م�ضى ب�أن الق�ضاء على ما ي�سمى الإرهاب يف حاجة �إىل منظومة‬ ‫متكاملة من الإجراءات الأمنية والفكرية والتنموية وغريها‪ ،‬ويت�أكد ذلك‬ ‫من مطالعة ن�ص البيان اخلتامي الجتماع لندن الأخري حول �أفغان�ستان‬ ‫والذي �أو�صي يف �أحد بنوده حكومة كرزاى باحلوار مع طالبان‪ ،‬وكذلك‬ ‫من مطالبة �أمريكا لعدد من الدول العربية ومنها اليمن ب�ضرورة �إعادة‬ ‫ت�أهيل معتقلي غوانتانامو بل و�إبداء ا�ستعدادها للم�ساعدة يف ذلك �إذا‬ ‫توفرت ال�ضمانات‪ .‬وبعبارة �أكرث �صراحة‪ ،‬مل يعد اخلالف بني �أمريكا‬ ‫واحلكومة اليمنية يف الوقت احلايل حول برنامج احلوار و�إعادة الت�أهيل‬ ‫ذاته‪ ،‬و�إمنا حول الإجراءات املعززة لنجاحه‪.‬‬ ‫واخليار الثاين هو �أن ت�ستمر احلكومة اليمنية يف تنفيذ ا�سرتاتيجيتها‬

‫‪124‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ال�سابقة بكل مقوماتها ولكن ب�صورة اكرث فاعلية ومبا يتالئم واملعطيات‬ ‫اجلديدة‪ ،‬وه��ذا هو االحتمال الأق��رب �إىل التحقق على �أر���ض الواقع‬ ‫بحكم �شموليته وقدرته على ح ّل امل�شكلة من جوانبها املختلفة‪ ،‬وطابعه‬ ‫املتوازن‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أنه ي�سمح لليمن باال�ستفادة من احلرب الدولية‬ ‫�ضد الإرهاب يف حت�سني �أو�ضاعها االقت�صادية وت�سريع عجلة التنمية‪.‬‬ ‫وعليه فمن املتوقع �أن ت�ستمر القوات اليمنية يف مالحقة وتعقب عنا�صر‬ ‫القاعدة‪ ،‬لكن املتغري اجلديد بهذا اخل�صو�ص �سيكون االنتقال من‬ ‫�سيا�سة رد الفعل التي و�سمت تعاطيها خالل الفرتة املا�ضية �إىل العمل‬ ‫مببد�أ ال�ضربات اال�ستباقية الذي يرى �ضرورة احتواء التهديدات يف‬ ‫التوجه �سيبقى‬ ‫مهدها ولي�س االنتظار حتى وقوعها‪ ،‬و�أح�سب �أن هذا ّ‬ ‫قائم ًا يف الفرتة املقبلة طاملا ا�ستمر املجتمع الدويل يف تقدمي املعلومات‬ ‫اال�ستخبارية والدعم الفني واللوج�ستي للقوات اليمنية‪ ،‬وقد يتال�شى �إذا‬ ‫ما حدث العك�س‪.‬‬ ‫وال ي�ساورين �شك ب�أن املحافظات الطرفية �ستكون يف �صدارة اهتمام‬ ‫ا�سرتاتيجية اليمن اخلا�صة مبكافحة الإره���اب‪ ،‬لي�س لكونها �ساحة‬ ‫املواجهة املقبلة وح�سب و�إمن��ا باعتبارها العامل الأه��م ال��ذي �سوف‬ ‫يح�سم م�صري املواجهة بني احلكومة والقاعدة‪ .‬فقد �أثبتت التجارب يف‬ ‫�أفغان�ستان وباك�ستان ويف غريها من الدول �أن تزايد ال�ضربات وال�ضغوط‬ ‫على القاعدة يدفع عنا�صرها �إىل االن�سحاب �إىل االطراف التي ت�سكنها‬ ‫يف العادة جتمعات قبلية ويق ّل فيها ح�ضور الدولة و�سيطرتها‪ .‬وال‬ ‫ي�ستبعد‪ ،‬يف هذا ال�سياق‪� ،‬أن تلج�أ احلكومة اليمنية �إىل حماولة ك�سب‬ ‫والء ال�سكان يف تلك املناطق من خالل �سيا�سة “الع�صا واجلزرة”‪،‬‬ ‫و�ستعمد يف �سبيل ذلك �إىل ال�ضربات اجلوية اخلاطفة‪ ،‬وتكثيف العمل‬ ‫اال�ستخباري من �أجل ردع القبائل عن �إيواء وحماية عنا�صر القاعدة‪،‬‬ ‫والعمل يف نف�س الوقت على توفري امل�شاريع التنموية واخلدمية يف‬ ‫املناطق نف�سها‪ ،‬وت�شديد احلرا�سات على املن�شئات النفطية والغازية‬ ‫بحكم قربها من �أماكن وجود عنا�صر التنظيم‪.‬‬ ‫وال نبالغ �إذا قلنا �إن هذه اللحظة التاريخية متثل فر�صة ال تعو�ض‬ ‫لتنمية املحافظات النائية وحت�سني م�ستوى معي�شة �سكانها بحكم اهتمام‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية والدول الغربية عموم ًا بهذه املحافظات‪،‬‬ ‫نظر ًا لتمركز عنا�صر القاعدة فيها‪ .‬وقد ال متانع هذة الدول‪� ،‬إن مل‬ ‫تكن م�ستعدة �أ� ً‬ ‫صال‪ ،‬يف امل�ساهمة يف تنميتها لدواعي �أمنية بالأ�سا�س؛‬ ‫الأمر الذي ي�ستدعي من احلكومة امل�سارعة �إىل �إعداد برامج خا�صة‬ ‫لتنمية تلك املناطق وفق �أهداف وا�ضحة وجداول زمنية حمددة‪.‬‬ ‫ويف �ضوء الآراء التي ترجح �إمكانية انتقال قيادات القاعدة من‬ ‫منطقة القبائل الباك�ستانية �إىل اليمن وال�صومال‪ ،‬ونظرة البع�ض‬ ‫�إىل اليمن ب�أنها متثل ج�سر ًا لعبور الأ�سلحة ومقاتلي القاعدة �إىل دول‬ ‫املنطقة‪ ،‬فمن امل�ؤكد �أن احلكومة اليمنية �ست�سعي وبالتعاون مع املجتمع‬

‫“‬

‫ال�سلطات اليمنية تبدو بحاجة ملحة‪ ،‬و�أكرث من �أي وقت م�ضى‪ ،‬لتعزيز القدرات الب�شرية يف جمال تقنية االت�صاالت‬ ‫واملعلومات‪ ،‬ال �سيما وقد ثبت �أن �شبكة املعلومات الدولية (الإنرتنت) باتت �أحد �أهم عنا�صر قوة القاعدة‬

‫الدويل ودول اجلوار االقليمي �إىل ت�شديد الرقابة على منافذ البالد اجلوية‬ ‫والبحرية والربية‪ ،‬من خالل زي��ادة �أع��داد القوى الب�شرية العاملة يف‬ ‫قوات حر�س احلدود وقوات خفر ال�سواحل وتزويد ها بالأجهزة واملعدات‬ ‫احلديثة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ت�شديد االجراءات الأمنية يف املطارات واملنافذ‬ ‫الربية‪ .‬وكل ذلك بطبيعة احلال من �أجل منع ت�سرب عنا�صر القاعدة اىل‬ ‫الأرا�ضي اليمنية واخل��روج منها‪ ،‬وت�أمني حركة املالحة يف م�ضيق باب‬ ‫املندب واملوانئ واملياه الإقليمية اليمنية من �أي هجمات حمتملة‪ .‬ف� ً‬ ‫ضال‬ ‫عن تكثيف جهودها للحد من ت��داول الأ�سلحة اخلفيفة واملتو�سطة بني‬ ‫املواطنني‪ ،‬وال�سيطرة على جتارتها بحكم العالقة االرتباطية بني انت�شار‬ ‫الأ�سلحة والهجمات الإرهابية من ناحية‪ ،‬وتزايد ال�ضغوط الإقليمية‬ ‫والدولية املطالبة مبعاجلة امل�شكلة واحتواء تداعياتها من ناحية ثانية‪.‬‬ ‫ونلم�س م�ؤ�شرات هذا التوجه يف �إعالن احلكومة م�ؤخر ًا‪ ،‬ولأول مرة‪ ،‬قائمة‬ ‫بتجار ال�سالح ثم قيامها تالي ًا باعتقال عدد من كبار جتار ال�سالح‬ ‫�سوداء ّ‬ ‫الذين ت�ضمنتهم القائمة‪.‬‬ ‫وحتملنا ال�صراحة على القول �أن ال�سلطات اليمنية تبدو بحاجة ملحة‪،‬‬ ‫و�أك�ثر من �أي وق��ت م�ضى‪ ،‬لتعزيز ال��ق��درات الب�شرية يف جم��ال تقنية‬ ‫االت�صاالت واملعلومات‪ ،‬ال �سيما وقد ثبت �أن �شبكة املعلومات الدولية‬ ‫(الإنرتنت) باتت �أحد �أهم عنا�صر قوة القاعدة‪ ،‬ب�سبب دورها امل�ؤثر يف‬ ‫ت�سهيل عمليات التوا�صل بني الفروع �أو بني القيادة والأفراد‪ ،‬وكذلك من‬ ‫حيث توفري املناهج والكتب حتى �أنها �أ�صبحت ت�شكل مدار�س مفرت�ضة‬ ‫لن�شر وتعليم وا�ستقطاب ال�شباب �إىل �صفوف التنظيم‪ ،‬بل �أن ال�شبكة‬ ‫حتولت �إىل مع�سكرات تدريب �إىل درجة مل يعد من ال�صعب معها ح�صول‬ ‫الفرد �إذا ما رغب يف اكت�ساب خربات قتالية وقدرة على ت�صنيع املتفجرات‬ ‫وما �إىل ذلك‪ .‬وهنا ال ي�ستبعد �أن تركز احلكومة اليمنية يف �إطار م�ساعيها‬ ‫الحتواء خطر القاعدة‪� ،‬إىل تعزيز الرقابة على االت�صاالت وحظر املواقع‬ ‫التي تروج لفكر القاعدة‪ ،‬وهي مهمة �صعبة يف كل الأحوال‪.‬‬ ‫كما يتوقع‪ ،‬يف هذا ال�سياق‪� ،‬أن تبادر احلكومة اليمنية يف املرحلة املقبلة‬ ‫�إىل تعزيز خطواتها لن�شر قيم الت�سامح واالعتدال والو�سطية‪ ،‬وتر�سيخ‬ ‫الثقافة املجتمعية املناه�ضة للتطرف والعنف عرب تو�سيع دائرة احلوار‬ ‫لت�شمل مكونات املجتمع كافة‪ ،‬وتفنيد �إيديولوجيا القاعدة وجماعات‬ ‫العنف ب�صفة عامة يف امل�ساجد‪ ،‬وو�سائل االعالم الر�سمية وغري الر�سمية‬ ‫بهدف حت�صني الن�شء وال�شباب من الأفكار املتطرفة‪ ،‬ورمبا تتجه لإن�شاء‬ ‫�أطر م�ؤ�س�سية جديدة خم�ص�صة لهذه املهمة حتديد ًا‪.‬‬ ‫�أم��ا التعاون مع املجتمع ال��دويل‪ ،‬فامل�ؤكد �أن��ه �سوف ي�ستمر لأن��ه ميثل‬ ‫بالن�سبة لليمن خيار �ضرورة‪ ،‬ل�سببني اثنني‪� :‬أولهما حاجة البالد للمعونات‬ ‫وامل�ساعدات احلارجية‪ ،‬لي�س يف املجال الأمني والع�سكري بل ويف املجاالت‬ ‫كافة بحكم �شحة املوارد والإمكانات املادية والفنية لديها‪ .‬ويتمثل ال�سبب‬ ‫الآخر يف �صعوبة الق�ضاء على ظاهرة الإرهاب ب�شكل منفرد‪ ،‬كونها م�شكلة‬

‫“‬

‫“‬

‫املحافظات الطرفية �س��تكون يف �صدارة اهتمام ا�س�تراتيجية اليمن اخلا�صة مبكافحة الإرهاب‪ ،‬لي�س لكونها �ساحة‬ ‫املواجهة املقبلة وح�سب و�إمنا باعتبارها العامل الأهم الذي �سوف يح�سم م�صري املواجهة بني احلكومة والقاعدة‬

‫“‬

‫املحــور‬

‫عابرة للحدود‪ .‬لكن احلكومة اليمنية مع ذلك لن تندفع يف تعاونها مع‬ ‫املجتمع الدويل �إىل ما ال نهاية �أو اىل درجة ال�سماح لقوات �أجنبية برية‬ ‫بتعقب عنا�صر القاعدة على �أرا�ضيها‪ ،‬لأنها �ستفقد ‪� -‬إن فعلت ذلك ‪-‬‬ ‫م�صداقيتها يف الداخل واخلارج‪ .‬كما �أن خطوة من هذا القبيل �ستحول‬ ‫حتم ًا دون ح�صول القوات اليمنية على الأ�سلحة والأجهزه احلديثة ما دام‬ ‫�أن القوات الأجنبية �ستتوىل مكافحة الإرهاب بنف�سها‪.‬‬ ‫وعليه فمن املتوقع �أن ي�ستمر التعاون وفق منط الفرتة املا�ضية‪ ،‬بحيث‬ ‫تتوىل القوات اليمنية مواجهة القاعدة ومالحقة عنا�صرها فيما يقت�صر‬ ‫دور املجتمع ال��دويل على تقدمي الدعم الفني واللوج�ستي واملعلومات‬ ‫اال�ستخبارية‪ ،‬مع زيادة حجم الدعم والعون الفني للقوات اليمنية وبالذات‬ ‫منها املتخ�ص�صة يف مكافحة الإره��اب‪ .‬بيد �أن التعاون يف هذه املرحلة‬ ‫�سي�صبح �أك�ثر جدية بحكم �أن اليمن باتت ت��درك‪ ،‬يف �ضوء املتغريات‬ ‫الأخرية‪� ،‬أن التهاون يف احتواء خطر القاعدة قد يق�ضي �إىل �إف�ساح املجال‬ ‫للتدخالت اخلارجية‪ ،‬ويف املقابل تدرك �أمريكا ومعها الدول الغربية �أن‬ ‫عدم م�ساعدة اليمن يف جت��اوز التحديات التي تواجهها �سيرتتب عليه‬ ‫عواقب وخيمة تهدد �أمن املنطقة وا�ستقرارها‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪125‬‬


‫املحــور‬

‫�إدارة العجلة ببطء‬ ‫نحو ا�سرتاتيجية �إقليمية ودولية ناجعة مل�ساعدة‬ ‫اليمن يف حربها �ضد تنظيم القاعدة‬ ‫�إدوارد بيـرك‬

‫منذ زمن طويل وتنظيم القاعدة يرى اليمن املكان املنا�سب لإقامة �إمارة �إ�سالمية ت�شكل حمطة انطالق لعملياته‬ ‫العاملية‪ .‬وقد ذكر املُ ِّ‬ ‫نظر اال�سرتاتيجي للقاعدة‪� ،‬أبو م�صعب ال�سوري‪ ،‬يف كتابه امل�ؤثر «دعوة املقاومة الإ�سالمية‬ ‫العاملي����ة» �أن اليمن متثل «الركيزة الأ�سا�سية» للجهاد نظر ًا «للعوامل الدينية واالقت�صادية املتوفرة هناك»‪ .‬وتعي‬ ‫القاع����دة متام ًا �أهمية اليمن الإ�سرتاتيجية نظر ًا ملوقعها على م�ضيق باب املندب الذي ي�شكل مدخ ًال �إىل البحر‬ ‫الأحمر ولقربها من اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ناهيك عن تاريخ اليمن احلافل بال�صراعات العنيفة التي تركت‬ ‫البلد يعج بالأ�سلحة بكميات وفرية ورخي�صة ي�سهل �شرائها وحيازتها‪.‬‬ ‫واجلدير بالذكر �أن القاعدة يف اليمن تتخذ �أ�شكا ًال كثرية‪ ،‬حيث جند العديد من اجلماعات اجلهادية املختلفة‬ ‫مم����ن قاتل����ت يف �صف �أ�سامة بن الدن وجماعة املجاهدين �أثناء احلرب �ضد االحتاد ال�سوفيتي يف �أفغان�ستان يف‬ ‫الثمانينيات من القرن املا�ضي‪ .‬ولكن لي�س هناك �إجماع يف الر�أي حول عما �إذا كانت احلكومة اليمنية من �ضمن‬ ‫الأه����داف ال�شرعية التي ت�ستهدفها عمليات اجلهاد‪ .‬ومع �أن هذا يق�سم «اجليل الأفغاين» للقاعدة يف اليمن �إىل‬ ‫ق�سم��ي�ن �إال �أن مث����ل هذه املزاعم ال تنطبق على «اجليل العراقي» م����ن اجلهاديني املتطوعني الأ�صغر �سن ًا‪ ،‬الذين‬ ‫تدربوا وقاتلوا مع �أبو م�صعب الزرقاوي يف العراق‪.‬‬ ‫�أما الرئي�س علي عبداهلل �صالح فطاملا �سعى منذ زمن طويل للتو�صل �إىل ت�سوية مع املقاتلني الأفغان‪ُ ،‬م�ستخدم ًا‬ ‫ملي�شيات منهم خالل حرب ‪ 1994‬الأهلية‪ ،‬وم�ؤخر ًا يف التمرد الزيدي ال�شيعي للقبائل املوالية لأ�سرة احلوثي يف‬ ‫ال�شم����ال‪ُ ،‬مظ ِهر ًا ت�ساه ً‬ ‫��ل�ا ملحوظ ًا مع �أولئك املواطنني اليمنيني الذين قاتلوا مع القاعدة يف العراق‪ ،‬لكن كانت‬ ‫نتيجة ذلك الت�سامح �صفعة للحكومة اليمنية‪ .‬فقد انتقد املقاتلون العائدون من العراق حلفائهم ال�سابقني ممن‬ ‫عار�ضوا تنفيذ هجمات �إرهابية �ضد نظام الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ونعتوهم بـ «علماء ال�سلطان»‪ .‬وبخالف‬ ‫“الأحداث املثرية” �ضد املدمرة الأمريكية «كول» عام ‪ 2000‬وناقلة النفط الفرن�سية «ملبريج» عام ‪� ،2002‬أ�صبح‬ ‫هن����اك توج����ه كبري ل�شنّ هجمات �ضد الدول����ة و�شريا ّ‬ ‫ين احلياة االقت�صادية يف البل����د‪� ،‬أي البنية التحتية للطاقة‬ ‫وقطاع ال�سياحة‪.‬‬ ‫‪126‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫�إدوارد بريك باحث يف معهد فرايد‪ ،‬مدريد‪� -‬أ�سبانيا‪ .‬يعمل بريك حالي ًا على م�شروع لتقييم‬ ‫�سيا�سة الطاقة يف منطقة ال�شرق الأو�سط‪.‬‬

‫القاعدة يف اليمن‪ :‬الكيان نف�سه بت�سمية خمتلفة‬

‫ع�لاوة على احت��اد عنا�صر فرعي القاعدة اليمني وال�سعودي يف‬ ‫تنظيم واحد‪ ،‬ا�ستغل تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب بدهاء‬ ‫وجه خطاباته مبا�شرة‬ ‫املظلمة التي يرددها بع�ض �سكان اجلنوب‪� ،‬إذ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫�إىل عامة ال�شعب هناك‪ ،‬قائ ًال‪« :‬ما تطالبون به هو حق من حقوقكم‬ ‫التي منحكم �إياها دينكم (‪ )...‬فال ينبغي ممار�سة الظلم والطغيان‬ ‫با�سم الوحدة»‪ .‬وحظت فكرة وجود "احتالل"‪ ،‬وا�ستغالل النخبة‬ ‫احلاكمة ملوارد اجلنوب بت�أييد بع�ض احللفاء ال�سابقني للدولة ممن‬ ‫نا�ضلوا �ضد النظام اال�شرتاكي يف اجلنوب‪ ،‬ومنهم الزعيم القبلي‬ ‫واملحارب "الأفغاين" طارق الف�ضلي‪ ،‬وان�ضموا للحراك اجلنوبي‬ ‫االنف�صايل الذي يقوده �أعدائهم �سابق ًا وعنا�صر القاعدة يف �شبه‬ ‫جزيرة العرب‪ .‬ولكن الرئي�س �صالح يفهم‪ ،‬حتى و�أن مل يعلن عن‬ ‫هذا‪� ،‬أن القبائل التي تقبل باملبالغ املالية من القاعدة �إمنا تفعل ذلك‬ ‫بدافع الإح�سا�س بالظلم ال�سيا�سي الداخلي �أو الي�أ�س االقت�صادي‬ ‫ولي�س بدافع احلما�س للجهاد العاملي‪.‬‬ ‫ولعله لي�س من الغريب �أن جند �أن الدعم القبلي لتنظيم القاعدة يف‬ ‫جزيرة العرب قد ازداد بالتزامن مع تدهور االقت�صاد اليمني‪ .‬ومن‬ ‫املحتمل �أن يكون عدد عنا�صر القاعدة قليل (�أقل من ‪ 1000‬عن�صر)‪،‬‬ ‫لكن نطاق وجودهم قد ات�سع خالل العام املن�صرم‪ ،‬ومن �أ�سباب‬ ‫ذلك االت�ساع تدفق العديد من ال�سعوديني والأجانب وان�ضمامهم �إىل‬ ‫�صفوف عنا�صر القاعدة‪ .‬وبالرغم �أن بع�ض املراقبني ي�سمون اليمن‬ ‫"العا�صفة املثالية" للمظامل ال�سيا�سية واالجتماعية واالقت�صادية‪� ،‬إال‬ ‫�أن مثل هذا التحليل اجلارف يبالغ يف و�صف �ضعف الدولة املركزية‬ ‫ويتجاهل مقدرة القبائل الكربى التي كثري منها يرف�ض رف�ض ًا قاطع ًا‬ ‫ت�سلل عنا�صر القاعدة‪.‬‬ ‫وهذا ال يعني �إنكار الو�ضع االقت�صادي التعي�س يف اليمن‪ ،‬ف�صادرات‬ ‫النفط التي ت�شكل املورد الأ�سا�سي لدخل الدولة انخف�ضت مبعدل‬ ‫الن�صف خالل ال�سنوات الأخرية‪ .‬وق ّلة الدخل ووجود قطاع عام‬ ‫فا�سد يعنيان �أن الرئي�س �صالح �سيواجه م�شكلة نق�ص يف العملة‬ ‫النقدية التي تُدفع منها رواتب موظفي الدولة وتعزز �شبكات‬ ‫الرعاية القبلية‪ ،‬يف الوقت ال��ذي ازداد عدد ال�سكان بن�سبة‬ ‫‪ %600‬خالل الأربعني �سنة املا�ضية‪ ،‬ومن املحتمل �أن يت�ضاعف‬ ‫عددهم يف الع�شرين �سنة املقبلة‪ .‬وتنحدر اليمن ب�سرعة كبرية‬ ‫باجتاه املجاعة‪ ،‬فبح�سب الأمم املتحدة هناك ما يقارب ‪%40‬‬ ‫من ال�سكان يعانون من �سوء التغذية‪ .‬ويف الوقت احلايل اليمن‬ ‫جمربة على ا�سترياد ‪ %90 – 75‬من املواد الغذائية التي تتفاقم‬ ‫قلتها مع زراع��ة القات (ال��ذي يحظى ب�شهرة الحتواءه على مادة‬ ‫مهدئة نوع ًا ما‪ ،‬وكونه ي�شكل حم�صو ًال نقدي ًا)‪ ،‬وي�ستهلك ما يقارب‬

‫‪ %30‬من املخزون املائي املحدود جد ًا يف اليمن‪.‬‬ ‫وعلى ال��رغ��م م��ن اخلطر ال��ذي ت�شكله القاعدة يف اليمن ف�إن‬ ‫هذا البلد وب�شكل ملحوظ لي�س من �ضمن �أولويات الدعم التنموي‬ ‫الأمريكي الذي يتخلف وراء ما تقدمه اجلهات املانحة يف �أوروبا مثل‬ ‫اململكة املتحدة و�أملانيا‪� ،‬إذ خ�ص�صت وكالة الأمريكية للتنمية الدولية‬ ‫(‪ )USAID‬لليمن �أقل من ‪ 15‬مليون دوالر عام ‪ ،2005‬وانخف�ض هذا‬ ‫املبلغ �إىل ‪ 9‬مليون دوالر عام ‪ 2006‬نتيجة للخالف الثنائي حول‬ ‫قيام اليمن ب�إطالق �سراح عنا�صر ي�شتبه بانتمائهم للقاعدة‪� .‬أي�ض ًا‬ ‫تتذمر اجلهات املانحة الغربية من ع��دم متكن اليمن من �إدارة‬ ‫الدعم املقدم وتنفيذ امل�شاريع الإمن��ائ��ي‪ ،.‬ويف ع��ام ‪� 2009‬أنهت‬ ‫وكالة التنمية الأمريكية جزء ًا كبري ًا من الربامج املعنية مبفاهيم‬ ‫احلكم الر�شيد يف اليمن‪ .‬و�إذا ما بد�أت الواليات املتحدة ب�ضخ ما‬ ‫يقارب ‪ 70‬مليون دوالر كدعم ال�ستقرار الأمن وعملية التنمية لعام‬ ‫‪ ،2010‬ف�إن ا�ستدامة الدعم �ستتوقف على مدى جدية التزام الدولة‬ ‫واملانحني الدوليني بتح�سني م�ستوى ومفاهيم احلكم يف اليمن‪ .‬لكن‬ ‫مقرتحات الواليات املتحدة بزيادة الدعم الع�سكري لقوات الأمن‬ ‫اليمنية تتجاهل التناف�س ال�شديد والعداء بني بع�ض القادة وتدخلهم‬ ‫يف �ش�ؤون االقت�صاد اليمني‪ ،‬مبا يف ذلك ب�سط اليد على الأرا�ضي‬ ‫وغريها من املمتلكات يف اجلنوب بعد انتهاء حرب ‪ 1994‬الأهلية‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪127‬‬


‫املحــور‬

‫عندما‬ ‫ال�سعودية‪ :‬الالعب ال��رئ��ي�����س‬ ‫يتعلق الأمر بالت�أثري ال�سيا�سي وتقدمي الدعم ف�إن �أهم جهة مانحة‬ ‫دولية دون منازع هي اململكة العربية ال�سعودية؛ فهي التي التزمت‬ ‫بتقدمي ‪ 1.25‬مليار دوالر كدعم لعملية التنمية يف جارتها اجلنوبية‬ ‫عام ‪ ،2010‬وهو املبلغ الذي يتقزّم �أمامه ما تقدمه اجلهات املانحة‬ ‫الغربية؛ وه��ذا لي�س �أم��ر ًا جديد ًا‪ ،‬فمنذ زمن طويل ودول جمل�س‬ ‫التعاون اخلليجي ُت�سهِ م بالن�صيب الأكرب من �إجمايل الدعم املقدم‬ ‫لليمن‪ ،‬وذل��ك عرب قنوات مكتب الرئا�سة مبا�شرة �أو من خالل‬ ‫ال�شبكات القبلية بهدف تخفيف وط���أة النق�ص احلاد يف �إيرادات‬ ‫الدولة‪ ،‬ودعم امل�شاريع الكربى للبنية التحتية‪ .‬لكن ثمة دبلوما�سيني‬ ‫خليجيي يبدون تذمرهم من �أنه يتم اختال�س كمية كبرية من ذلك‬ ‫الدعم بد ًال من ا�ستغالله لتخفيف معدل الفقر يف البالد‪.‬‬ ‫ومنذ عقود وال�سعودية تقدم الدعم املادي للقبائل اليمنية حتى‬ ‫ت�شكل عامل توازن �سيا�سي مبواجهة الدولة يف �صنعاء �إذا ما ا�ستدعى‬ ‫الأمر ذلك‪ ،‬وي�شعر حكامها (�أي ال�سعودية) بتهديد حمتمل من قبل‬ ‫اليمن‪ ،‬لذا قاموا بطرد ما يقارب مليون عامل ميني خالل حرب‬ ‫اخلليج الأوىل بعد �أن امتنعت اليمن عن الت�صويت لقرار جمل�س‬ ‫الأمن الذي ي�سمح با�ستخدام القوة �ضد العراق‪ .‬وقد تبني بو�ضوح‬ ‫م���ؤخ��ر ًا الت�أثري ال�سعودي يف القبائل اليمنية يف مقابلة �أجراها‬ ‫�صحفي �سعودي مع �أبرز �شيخني قبليني يف اليمن‪ُ ،‬يقال �أنهما من‬ ‫�ضمن امل�ستفيدين من الدعم املادي ال�سعودي‪ ،‬وهما ال�شيخ ناجي بن‬ ‫عبد العزيز ال�شائف وال�شيخ �صادق بن عبداهلل بن ح�سني الأحمر‪،‬‬ ‫�شيخي قبيلتي بكيل وحا�شد على التوايل؛ وقد �شجبا الغارات التي‬ ‫ّ‬ ‫قام بها املتمردون اليمنيون على الأرا�ضي ال�سعودية‪� ،‬إذ قاال‪�“ :‬إن‬ ‫اململكة واليمن هما بلد واح��د و�شعب واح��د‪ ،‬والعالقات الأخوية‬ ‫بينهما و�شعبيهما تعود �إىل �أعماق التاريخ الأزلية‪ ،‬ولن ن�سمح ب�أي‬ ‫�شيء يهدد �أمن اململكة”‪ .‬وبرغم ما تعر�ضت له هذه التعليقات‬ ‫من نقد من قبل الكثري من القوميني اليمنيني �إال �أنها تدل على ثقل‬ ‫الريا�ض وت�أثريها يف �ش�ؤون جارتها‪.‬‬ ‫وجند �أن ال�سيا�سة ال�سعودية جتاه اليمن تتحلى دوم ًا بطابع الت�أثري‬ ‫الرجعي‪ ،‬دون �أي �إ�سرتاتيجية وا�ضحة لكيفية �إبطال التهديد املتنامي‬ ‫الذي ي�شكله تنظيم القاعدة يف املنطقة‪ .‬وبالرغم من املجامالت التي‬ ‫يعرب عنها الدبلوما�سيون ال�سعوديون ب�ش�أن �إمكانية ان�ضمام اليمن‬ ‫�إىل منظومة جمل�س التعاون اخلليجي ف�إنه مل يتم حتقيق الكثري بهذا‬ ‫ال�ش�أن على �أر�ض الواقع‪ .‬ومن �أبرز مالمح ال�سيا�سة ال�سعودية يف‬ ‫ال�سنوات الأخرية مقرتح بناء حاجز �ضخم على طول حدودها مع‬ ‫اليمن‪ .‬كما ُيقال �أن الريا�ض تعمدت �إف�شال الهدنة التي تو�سطت فيها‬ ‫قطر عام ‪ 2008‬بني الدولة اليمنية واملتمردين احلوثيني يف �صعدة‪،‬‬ ‫‪128‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫نظر ًا ل�شكوكها من وجود عالقات تربط قطر و�إيران‪ ،‬وكذلك الدعم‬ ‫الذي يتلقاه احلوثيون من قبل �إيران والعراق‪ .‬ويبدو �أن لذلك ردة‬ ‫فعل �سلبية �أعقبها جتديد العداوة عام ‪ 2009‬وعك�ستها الغارات التي‬ ‫قام بها املتمردون �إىل داخل الأرا�ضي ال�سعودية وكان نتيجتها مقتل‬ ‫�أكرث من مائة جندي �سعودي‪.‬‬ ‫وقد �أ�شعل �إميان ال�شيعة باملتمردين‪ ،‬مع �أنهم يختلفون عن ال�شيعة‬ ‫االثنى ع�شرية يف �إيران والعراق‪ ،‬روح العداوة يف هذين البلدين �ضد‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬وذلك يف ظل وجود �آية اهلل علي ال�س�ستاين ومكتب مقتدى‬ ‫ال�صدر يف العراق الذلذين دعيا لن�صرة املتمردين‪� .‬أما الرئي�س‬ ‫الإي��راين حممود �أحمدي جناد فقد دان ال�سعودية ب�سعيها ل�سحق‬ ‫امل�سلمني ب��د ًال من ا�ستخدام �أ�سلحتها لن�صرة �شعب غ��زة‪ .‬وهذا‬ ‫ال�صراع الإقليمي املت�صاعد واملتزامن مع تنفيذ القاعدة يف �شبه‬ ‫جزيرة العرب للهجوم االنتحاري الذي ا�ستهدف نائب وزير الداخلية‬ ‫الأمري حممد بن نايف‪ ،‬ي�شري �إىل حمدودية امل�شاركة ال�سعودية يف‬ ‫اليمن واحلاجة العاجلة لقيام الريا�ض ب�إعادة تقييم عالقاتها مع‬ ‫جارتها اجلنوبية‪.‬‬ ‫“على الواليات املتحدة و�أوروبا احلزم والعزم على الدفع‬ ‫باحلوار مع ال�سعودية جتاه �إ�سرتاتيجية جماعية تهدف‬ ‫�إىل قلب املوازين �ضد القاعدة يف �شبه جزيرة العرب‪،‬‬ ‫وحل املظامل‪ ،‬وتقليل الدعم القبلي للقاعدة ”‬

‫ما ال��ع��م��ل؟‬ ‫ينذر ع��ام ‪ 2010‬ب�أنه �سيكون �أكرث‬ ‫ً‬ ‫ا�ضطراب ًا من �سابقه (‪ )2009‬يف اليمن‪ .‬ولكن بدال من تقدمي القليل‬ ‫فيما يتعلق بجهود حماربة الإره���اب يف اليمن يبدو �أن الواليات‬ ‫املتحدة و�أوربا يعتزمان تقدمي الكثري‪ .‬ومع ذلك على املجتمع الدويل‬ ‫�أن ي�أخذ يف احل�سبان مدى الت�أثري الذي قد يحدثه برنامج الدعم‬ ‫الع�سكري الكبري يف ت��وازن ال�سلطة يف اليمن‪ ،‬لهذا يجب ربط �أي‬ ‫دعم ع�سكري بربنامج لإ�صالح القطاع الأمني حتى يتحقق احلد‬ ‫من �أ�سو�أ مفا�سد قوات الأمن اليمنية‪ .‬فال�سجون اليمنية مكتظة‪،‬‬ ‫وبها معامالت وح�شية‪ ،‬بل �إنها املكان الذي ت�ستغله القاعدة لتجنيد‬ ‫عنا�صر جديدة؛ �أ�ضف �إىل ذلك �أنها لي�ست محُ َكمة‪ ،‬فقد حدثت‬ ‫عمليات هروب ناجحة قام بها عنا�صر مهمة ينتمون �إىل القاعدة يف‬ ‫�شبه جزيرة العرب خالل ال�سنوات الأخرية‪ .‬كما تكرر قام اجلي�ش‬ ‫اليمني وال�شرطة ب�إطالق النار على حركات االحتجاج غري امل�سلحة‬ ‫التي خرجت �إىل ال�شوارع‪ ،‬يف حني كان بالإمكان ا�ستخدام رد غري‬ ‫قاتل لردع اجلماهري املعار�ضة وتفادي النتائج الكارثية فيما يتعلق‬

‫بخلق تنافر بني ال�شعب واحلكومة‪ .‬وتوجد هناك روايات مقلقة عن‬ ‫قيام بع�ض اجلنود ببيع الأ�سلحة والذخرية للمتمردين دون �أن ينالوا‬ ‫عقاب على فعل ذلك‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح �أنه ال توجد رغبة لدى مانحي املجتمع الدويل يف لعب‬ ‫دور حلل املوقف املت�أزم بني الدولة واملعار�ضة الذي �أدى �إىل �إرجاء‬ ‫االنتخابات الربملانية‪ ،‬التي كان من املفرت�ض انعقادها عام ‪،2009‬‬ ‫�إىل عام ‪ .2011‬وقد زاد �إىل حد كبري اللغط املحاط بتعيني جلنة‬ ‫انتخابية وعملية الت�سجيل لالنتخابات من م�ستوى عدم الثقة يف‬ ‫قيام الدولة بالإ�صالحات‪ .‬وبالرغم من وجود رغبة قوية يف التعاون‬ ‫ملكافحة الإرهاب �إال �أن دبلوما�سيني �أمريكيني و�أوروبيني يف �صنعاء‬ ‫�أعرتفوا ب�أن حكوماتهم ال ترغب كثري ًا ورمبا مطلق ًا يف ال�ضغط على‬ ‫احلكومة اليمنية لإج��راء انتخابات عادلة‪ ،‬وال حتى �إعطاء �أولوية‬ ‫لتخفيف مظامل اجلنوب‪ ،‬مع �أنه ينبغي على اجلهات املانحة الإ�صرار‬ ‫على تخ�صي�ص جزء منا�سب للجنوب من الدعم املقدم‪ ،‬و�أن تقوم‬ ‫الدولة ب�إعداد وتنفيذ �إ�سرتاتيجية تهتم مبعاجلة مثل تلك املظامل‪.‬‬ ‫�إن و�ضع عملية الإ�صالح يف اليمن للح�صول على م�شاركة �أمنية‬ ‫“�إذا قامت الواليات املتحدة ب�أي تدخل ع�سكري ا�ستباقي وعلني‬ ‫يف اليمن ف�إنه �سيكون مبثابة «�ضابط التعبئة» الذي طاملا حلمت‬ ‫به القاعدة يف �شبه جزيرة العرب‪ ،‬و�سيحول هذه اجلماعة من‬ ‫جمرد حركة تتلقى دعم ًا ب�سيط ًا يف اخلليج �إىل مترد �شعبي”‬ ‫�أكرث واقعية على ّ‬ ‫الرف هو مبثابة تدمري للذات؛ فالكثري من الإحباط‬ ‫الذي كان نتيجته منو القاعدة يف �شبه جزيرة العرب ميكن عزوه‬ ‫�إىل غياب وتطبيق مفهوم املحا�سبة‪ ،‬وقيام الدولة مبقا�ضاة نا�شطني‬ ‫�سيا�سيني و�آخرين من املجتمع املدين‪ ،‬حيث مت �سجن بع�ضهم �إىل‬ ‫�أجل غري م�سمى مبوجب قانون غام�ض ملكافحة الإره��اب‪ .‬وال�شك‬ ‫يف �أن هناك حاجة ملحة لزيادة الدعم الأمريكي والأوروبي لليمن‪،‬‬ ‫ولكن من املهم �أي�ض ًا ا�ستدامة ذلك الدعم خالل ال�سنوات املقبلة‪.‬‬ ‫ويجب �أن تكون اليمن من �أول��وي��ات العالقات بني الغرب ودول‬ ‫اخلليج‪ ،‬وكل ال�سبل للخروج من الأزمة احلالية يف اليمن متر عرب‬ ‫الريا�ض‪ .‬لكننا جند اليمن تقع دائم ًا يف خانة الأج��ن��دة امللحقة‬ ‫للعالقات الثنائية �أو املتعددة مع ال�سعودية التي ا�ستطاعت بدهاء‬ ‫جتاهل ما يحدث يف اليمن باعتباره م�س�ألة داخلية‪ .‬فيجب �أن يتوقف‬ ‫مثل هذا التجاهل‪ ،‬وعلى الواليات املتحدة و�أوروب��ا احلزم والعزم‬ ‫على الدفع باحلوار مع ال�سعودية جتاه �إ�سرتاتيجية جماعية تهدف‬

‫�إىل قلب املوازين �ضد القاعدة يف �شبه جزيرة العرب‪ ،‬وحل املظامل‪،‬‬ ‫وتقليل الدعم القبلي للقاعدة‪ ،‬والتفاو�ض لإنهاء التمرد احلوثي‬ ‫املدمر يف ال�شمال‪ .‬وتعترب قطر والإمارات العربية املتحدة �شريكان‬ ‫يف انت�شال اليمن من الركود االقت�صادي‪ ،‬ودعم الربامج التي تهدف‬ ‫�إىل تخفي�ض معدل الأمية العالية جد ًا يف اليمن‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫تطوير املعايري التعليمية‪ .‬ومثل هذا ال يوفر الفر�ص االقت�صادية‬ ‫لل�شباب اليمني وح�سب و�إمنا �أي�ض ًا يقلل من �إمكانية الت�شدد الفكري‬ ‫الذي يحدث يف الغرف الدرا�سية‪.‬‬

‫التعجل البطيء ‬ ‫�إثر حماولة تفجري طائرة الرحلة‬ ‫رقم ‪ 253‬التابعة ل�شركة اخلطوط اجلوية “نورث وي�ست” ليلة عيد‬ ‫امليالد �أ�صبحت لهجة التهديد با�ستخدام القوة ت�سود يف العا�صمة‬ ‫وا�شنطن‪ ،‬داعي ًة �إىل توجيه �ضربات ع�سكرية �ضد تنظيم القاعدة يف‬ ‫�شبه جزيرة العرب‪ ،‬حيث �صرح ال�سناتور جو ليربمان‪ ،‬رئي�س جلنة‬ ‫الأمن الداخلي يف جمل�س ال�شيوخ الأمريكي‪ ،‬قائ ًال‪�“ :‬إن �أفغان�ستان‬ ‫هي حرب اليوم‪ .‬و�إذا مل نتبع املبادرة اال�ستباقية‪ ،‬ف�ست�صبح اليمن‬ ‫حرب الغد”‪ .‬وا�ستخدام هذه اللهجة يف غاية اخلطورة بعد �أعوام‬ ‫من الر�ضا الذاتي الأمريكي‪ ،‬وعدم االكرتاث باليمن‪.‬‬ ‫ف���إذا قامت الواليات املتحدة ب���أي تدخل ع�سكري قوي ا�ستباقي‬ ‫وعلني يف اليمن ف�إنه �سيكون مبثابة “�ضابط التعبئة” الذي طاملا‬ ‫حلمت به القاعدة يف �شبه جزيرة العرب‪ ،‬و�سيحول هذه اجلماعة‬ ‫من جمرد حركة تتلقى دعم ًا ب�سيط ًا يف اخلليج �إىل مترد �شعبي‪.‬‬ ‫واملقارنة مع �أفغان�ستان لي�ست يف منتهى ال�سذاجة فح�سب و�إمنا‬ ‫�أي�ض ًا لها نتائج عك�سية‪� ،‬إذا ما �أخذنا يف االعتبار ال�شك اليمني‬ ‫�إزاء الأطماع الغربية‪ .‬فالكثري من اليمنيني ال يرون �أن �أفغان�ستان‬ ‫بلد حترر من حكم متطرفني �إ�سالميني‪ ،‬و�إمنا هو �شعب م�سلم �أذ ّله‬ ‫االحتالل الذي ُفر�ض عليه‪.‬‬ ‫وحتى فرتة ق�صرية كان الوجود الأمريكي والأوروب��ي على �أر�ض‬ ‫الواقع يف اليمن يف �أدنى م�ستوياته‪ ،‬ي�شكله قلة من الدبلوما�سيني‬ ‫ورج��ال املخابرات وموظفني ع�سكريني‪ ،‬مع �أن القوى الداخلية‬ ‫املحركة لليمن معقدة جد ًا‪ .‬ويف ظل �شح املوارد ووجود �شعب يخ�شى‬ ‫�أي تدخل �أجنبي �سيكون على الواليات املتحدة و�أوربا ّ‬ ‫توخي احلذر‬ ‫يف خطاهما خالل الأ�شهر املقبلة‪ .‬والعمل يد ًا بيد مع ال�سعودية ودول‬ ‫اخلليج الأخرى حلل املظامل ال�سيا�سية التي �أنهكت قوى الدولة يف‬ ‫اليمن‪ ،‬الأمر الذي �سي�شكل �ضربة قاتلة و�أكرث �ضرر ًا لتنظيم القاعدة‬ ‫يف �شبه جزيرة العرب من �أي رد ع�سكري ق�صري املدى‪ ،‬خا�ص ًة �أن‬ ‫م�شكالت اليمن يغلب عليها الطابع املحلي وتعدد اجلوانب‪ ،‬وهذا‬ ‫النوع من امل�شكالت هو ما تتغذى عليه القاعدة لتنمو‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪129‬‬


‫مدار الأفكار‬ ‫املائدة امل�ستديرة‬

‫ب�صراحة‬

‫�سجال‬

‫ال‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫�‬ ‫ؤ‬ ‫ا‬ ‫ل الد‬

‫ي�صدر قريب ًا‬

‫�إله ميق‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ام‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫حم‬ ‫ئع‬ ‫مد‬

‫ال‬ ‫ظاهري‬

‫�أحمد ا فـي‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫لأ‬ ‫عادل ال� �صبحي‬ ‫شر‬ ‫جبي‬

‫حلرب ال�سابعة»‬

‫«�آن �أوان ا‬

‫دالكرمي الإرياين‬

‫وار مع الدكتور عب‬

‫ح‬

‫ال‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ط‬ ‫مو‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫خل‬ ‫ل‬ ‫من�‬ ‫يجي‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫ريي‬ ‫*‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ل�س‬ ‫ياغي‬

‫جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل الأ�سلحة واحلد من انت�شارها‬

‫الدوافع‪ -‬ال�سيا�سات‪ -‬املعوقات‬ ‫عاي�ش على عوا�س‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫‪130‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪131‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫ب�صراحة‬

‫�سجال‬

‫املائدة‬

‫م��دارات �إ�س�تراتيجية‪ :‬ما ه��و تقييمك��م للحال��ة الدميقراطية يف‬ ‫اليم��ن يف ظ��ل الأزمات والتحدي��ات التي مير بها البل��د اليوم؟ وكيف‬ ‫تنظ��رون �إىل اتف��اق �ش��باط‪/‬فرباير ‪ 2009‬بني ال�س��لطة واملعار�ض��ة‪،‬‬ ‫والذي مبوجبه مت ت�أجيل االنتخابات الربملانية العام املا�ضي؟‬

‫امل�ستديرة‬

‫املائدة‬

‫امل�ستديرة‬

‫ال�س�ؤال الدميقراطي‬ ‫ال�ضائع فـي اليمن‬ ‫“‬

‫يف ظ��ل الأزمات والتحديات الأمنية وال�سيا�س��ية واالقت�ص��ادية التي تعي�ش��ها وتواجهها اليمن هذه الأيام‪ ،‬يبدو ال�س���ؤال‬ ‫الدميقراطي غائب ًا‪ ،‬ولوحظ �أن ثمة تراجع ًا يف احلديث ‪ -‬ر�س��مي ًا و�ش��عبي ًا ‪ -‬عن واقع وم�س��تقبل التجربة الدميقراطية‬ ‫التي تخو�ض اليمن غمارها منذ عقدين من الزمن‪ ،‬وحتديد ًا منذ قيام الوحدة اليمنية يف العام ‪ .1990‬وكما هو ظاهر ف�إن‬ ‫ق�ض��ية الدميقراطية امل�س��كوت عنها اليوم تثري لدى النخب اليمنية الكثري من اجلدل والت�س��ا�ؤالت حول مدى جناحها �أو �إخفاقها‬ ‫كثقافة �سيا�س��ية و�آلية حكم يف بناء دولة مدنية حديثة‪ ،‬تقوم على احلرية وامل�س��اواة والأمن واحرتام حقوق الإن�س��ان‪.‬فالبع�ض‬ ‫ينظر �إىل هذه التجربة بعني الر�ض��ا‪ ،‬ويقول �إنها قطعت �ش��وط ًا ال ب�أ�س به باجتاه حتقيق �أهدافها‪ ،‬وهي مت�ض��ي قدم ًا متجاوزة كل‬ ‫التحديات والعقبات الداخلية واخلارجية‪ .‬لكن يف املقابل‪ ،‬هناك من يرى �أن التجربة الدميقراطية يف اليمن‪ ،‬رغم م�ض��ي عقدين‬ ‫على انطالقتها ما تزال �ش��كلية‪ ،‬وهي غري قادرة على تخطي العوائق االجتماعية والثقافية وال�سيا�س��ية الكامنة يف بنية املجتمع‬ ‫اليمني وتركيبته‪ ،‬والتي انعك�ست ب�صورة �أو ب�أخرى على البناء امل�ؤ�س�سي للدولة‪.‬‬ ‫واليوم مع دخول احلياة ال�سيا�سية يف حالة من الت�أزم‪ ،‬وانعدام احلوار اجلاد وامل�سئول بني القوى والأحزاب ال�سيا�سية يف البلد حول‬ ‫ق�ضايا �أ�سا�سية تهم م�ستقبل اليمن و�أبناءه ويف مقدمتها ق�ضية الدميقراطية‪ ،‬بدا لنا �أنه من املهم �إعادة طرح ال�س�ؤال الدميقراطي‬ ‫ال�ض��ائع على نخبة من �أعالم الفكر وال�سيا�س��ة املهتمني والباحثني املتخ�ص�ص�ين يف هذا ال�ش���أن‪ .‬وللإحاطة بجميع جوانب امل�س���ألة‬ ‫توجهت “مدارات �إ�س�تراتيجية” ب�أربعة �أ�س��ئلة – نظن �أنها ‪ -‬جوهرية لكل من‪ :‬الدكتور �أحمد الأ�ص��بحي ع�ض��و جمل�س ال�ش��ورى‬ ‫اليمني‪ ،‬والدكتورة �إلهام مانع املحا�ض��رة وكبرية الباحثني يف معهد العلوم ال�سيا�سية بجامعة زيوريخ‪ ،‬ومعهد درا�سات ال�شرق‬ ‫الأو�س��ط بجامعة برن ال�سوي�س��رية‪ ،‬والدكتور حممد الظاهري �أ�س��تاذ العلوم ال�سيا�س��ية بجامعة �ص��نعاء‪ ،‬والدكتور عادل‬ ‫ال�شرجبي �أ�ستاذ علم االجتماع بجامعة �صنعاء‪ ،‬وبح�صيلة �إجاباتهم الرثية خرجنا مبائدتنا امل�ستديرة لهذا العدد‪.‬‬

‫“‬

‫‪132‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫�سيك���ون حوار ًا على �أعرا�ض الأزمة ولي�س على جذورها و�أ�سبابها‪ ،‬وبالتايل �سيقع‬ ‫املمار�سون اليمنيون يف مثلبة حتويل الو�سيلة (االنتخابات) �إىل غاية‪.‬‬ ‫�إن م���ن دالالت اتف���اق الأحزاب على ت�أجي���ل موعد االنتخاب���ات والتمديد ملجل�س‬ ‫النواب احلايل‪:‬‬ ‫ ب���دء االع�ت�راف الر�سم���ي بوج���ود �أزم���ة‪ ,‬مبعنى بداي���ة االقرتاب م���ن ثقافة‬‫االعرتاف بالف�شل‪.‬‬ ‫ تدين كفاءة النظام ال�سيا�سي اليمني وفاعليته‪.‬‬‫ ح�ضور التكتيك يف مقابل غياب الر�ؤية الإ�سرتاتيجية‪.‬‬‫ اجل���ر�أة يف نحت الن�صو�ص (د�ساتري‪ ,‬قوانني‪ ,‬مبادرات)‬‫دون تطبيقه���ا‪ ,‬وكذل���ك اجل���ر�أة �أي�ض ًا يف تعديله���ا‪ ,‬ومتديد‬ ‫فرتات املجال�س املنتخبة‪.‬‬ ‫ ب���دء انتقال املعار�ض���ة من مرحلة اال�ست�ضع���اف و�إ�صدار‬‫البيان���ات �أو القب���ول بالأم���ر الواق���ع �إىل مرحل���ة االقت���دار‬ ‫ال�سيا�س���ي وال�سع���ي لتغي�ي�ر الواق���ع‪ ,‬واالق�ت�راب م���ن هموم‬ ‫املواطنني‪ ,‬وق�ضايا املجتمع‪.‬‬

‫�إله��ام مان��ع‪ :‬التجرب���ة الدميقراطية يف اليم���ن ميكن و�صفه���ا ب�أنها يف حالة‬ ‫انتظار‪ ،‬وهي يف الواقع تقف على مفرتق طرق‪� :‬إما �أن تعود �إىل امل�سار الذي بد�أته‬ ‫بعد الوحدة عام ‪ 1990‬وال���ذي كان يب�شر يف الواقع بتجربة‬ ‫دميقراطي���ة فريدة يف �شب���ة اجلزيرة العربي���ة ب�أ�سرها‪� ،‬أو‬ ‫�أنه���ا �ستوا�صل االنحدار �إىل حك���م احلزب الواحد امل�سيطر‬ ‫على مقاليد احلكم ت���ارك ًا م�ساحة وحيز ًا هام�شي ًا لعدد من‬ ‫الأح���زاب‪� .‬إتف���اق �شباط‪/‬فرباير لعام ‪ 2009‬ب�ي�ن ال�سلطة‬ ‫واملعار�ضة كان الهدف منه �إتاحة الفر�صة للجانبني للتو�صل‬ ‫�إىل �إتف���اق يحدد م�س���ار ًا و�أُفق ًا للم�ستقب���ل الدميقراطي يف‬ ‫البالد‪ ،‬وهو ما مل يحدث حتى الآن‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬ف�إن اخلوف‬ ‫كل اخلوف هو �أن ي�صبح الت�أجيل عادة‪ُ ،‬ت�ستخدم مع الوقت‬ ‫�إلهام مانع‬ ‫كذريعة ُنعيد معه���ا الزمن �إىل الوراء‪ ،‬ونطوى معها �صفحة‬ ‫التجربة الدميقراطية‪.‬‬ ‫حمم��د الظاه��ري‪ :‬ب���ادئ ذي ب���دء ميك���ن الق���ول �إن‬ ‫اليم���ن تعاين من �أزمة �سيا�سي���ة وجمتمعية �شاملة ومركبة‪,‬‬ ‫عل���ى م�ستوى النظام احلزبي والنظ���ام ال�سيا�سي‪ ,‬بل وعلى‬ ‫م�ست���وى العالق���ة ب�ي�ن املجتم���ع والدول���ة‪� .‬إن الدميقراطية‬ ‫والتعددية ال�سيا�سية يف اليم���ن ليربالية الآليات والو�سائل‪,‬‬ ‫وميني���ة الثقاف���ة والقيم؛ حي���ث اكتفى اليمني���ون با�سترياد‬ ‫املبنى الدميقراطي الليربايل الغربي‪ ,‬بينما بقى “املعنى”‬ ‫و”املمار�س���ة” والفع���ل مين���ي املحتوى‪ ,‬وما �أنف���ك ي�صطبغ‬ ‫بالإطار املجتمعي العام‪.‬‬ ‫�إن م���ن �أه���م مواطن �ضعف جترب���ة التعددي���ة ال�سيا�سية‬ ‫والتوجه الدميقراطي يف اليمن‪ ،‬وجود‪:‬‬ ‫ تعددي���ة �سيا�سي���ة ترك���ن �إىل ت���وازن اجتماع���ي م�سي�س‪,‬‬‫نزاعي و�صراعي‪.‬‬ ‫ تعددي���ة ت�ستن���د �إىل ثقافة ث�أرية جتاه الأخ���وة والأقرباء‪,‬‬‫ومت�ساحمة جتاه الأجانب والغرباء‪.‬‬ ‫ تعددي���ة ترك���ن �إىل ثقافة �سيا�سية جتمع ب�ي�ن التحكيمية‬‫والقتالية‪.‬‬

‫�أحمد الأ�صبحي‬

‫�إن ت�أجي���ل االنتخابات ومتديدها غ���دت ظاهرة يف احلياة‬ ‫ال�سيا�سية اليمنية حيث ُبدء بتمديد فرتة االنتخابات املحلية‬ ‫وت�أجيله���ا لأرب���ع �سنوات قادمة‪ ,‬وتاله���ا متديد فرتة جمل�س‬ ‫النواب �إىل �ست �سنوات ثم �إىل ثماين �سنوات‪ .‬من املحزن �أن‬ ‫ظاه���رة التمديد والت�أجيل للمجال�س املنتخبة �أ�صبحت ثقافة‬ ‫�سيا�سي���ة �سائدة‪ ,‬ويب���دو �أن هذا مرتب���ط بانت�شار مبا ميكن‬ ‫ت�سميت���ه بثقافة التمل���ك ال�سيا�سي‪ ,‬وانت�ش���ار ثقافة التمديد‬ ‫بد ًال عن التحديد! الإ�شكالية هنا �أن اليمنيني نحتوا ن�صو�ص ًا‬ ‫د�ستوري���ة وقانونية تدفع بهم �إىل ال�س�ي�ر نحو الدميقراطية‪,‬‬ ‫لك���ن الثقافة االجتماعية وال�سيا�سي���ة ال�سائدة مل ت�ساعدهم‬ ‫عل���ى تفعيل هذه الن�صو����ص‪ ,‬والتي غالب ًا ال ت���رى النور‪ ,‬وما‬ ‫زال الكثري منها مبن�أى عن التطبيق!‬

‫�أحم��د الأ�ص��بحي‪ :‬ال ينبغ���ي �أن ينظ���ر �إىل الأزم���ات‬ ‫والتحدي���ات بو�صفها �أمر ًا مرادف��� ًا للحالة الدميقراطية؛ ثم‬ ‫�أن الدميقراطي���ة لي�ست حالة‪ ،‬بل هي منه���ج ارت�ضاه �شعبنا‬ ‫لتنظي���م حيات���ه ال�سيا�سية واالقت�صادي���ة واالجتماعية‪ .‬ومن‬ ‫ث���م ف����إنّ الأزم���ات والتحدي���ات التي مي���ر بها الوط���ن اليوم‬ ‫حممد الظاهري‬ ‫متوق���ع حدوثها بح�سبها �إفراز لواقع مل ترت�سخ فيه بعد ثقافة‬ ‫التحول الدميقراطي‪ ،‬وما زال حمكوم ًا يف كثري من �سلوكياته‬ ‫وعالقات���ه ب�إرث معي���ق لعملية التح���ول الدميقراطي‪ ،‬يتمثل‬ ‫�إن �إ�شكالية اليمنيني �أنهم ي�صنعون احلدث �أو املنجز دون‬ ‫بالأمية والفقر والبطالة و�أ�ش���كال الوالءات ال�ضيقة‪ ،‬وتبادل‬ ‫ال�سع���ي جلني ثماره! �أم���ا حول نظرتن���ا �إىل اتفاق �شباط‪/‬‬ ‫االنطباعات اخلاطئة و�ضعف الت�سليم بال�شراكة الوطنية‪� ،‬إ ّال‬ ‫فرباي���ر ‪ 2009‬ب�ي�ن ال�سلط���ة واملعار�ضة وال���ذي مبوجبه مت‬ ‫�أنه على الرغم من هذه املعوقات‪ ،‬وما جنم عنها من الأزمات‬ ‫ت�أجيل االنتخابات الربملانية‪ ,‬فيمكن القول �إن احلديث عن‬ ‫الراهن���ة‪ ،‬فق���د اختطت م�س�ي�رة التحول نح���و الدميقراطية‬ ‫ت�أجيل موع���د االنتخابات النيابية الت���ي كان يجب �إجرائها‬ ‫طريقها يف حراك فكري و�سيا�سي‪ ،‬وبناء ت�شريعات د�ستورية‬ ‫يف ‪ 27‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪ ,2009‬والتمديد لفرتة جمل�س النواب‬ ‫وقانونية لتنظيم املمار�سات الدميقراطية‪ ،‬وانعقاد الدورات‬ ‫عادل ال�شرجبي‬ ‫لعام�ي�ن �آخرين؛ هو يف جوهره حدي���ث عن حاله غري �سوية‬ ‫االنتخابي���ة الرئا�سية والنيابية واملحلي���ة وات�ساع بنية ون�شاط‬ ‫تعرفها احلياة ال�سيا�سية اليمنية‪ ،‬تتمثل يف ما ميكن ت�سمية‬ ‫منظمات املجتمع املدين والت���ي متثل مبجملها حالة املخا�ض‬ ‫با�ست�سه���ال تعديل الد�ستور والقوانني‪ ,‬وال�سعي لتمدي���د فرتات جمال�س منتخبة!‬ ‫التي ت�سبق مرحلة التحول الدميقراطي‪.‬‬ ‫ونخ�ش���ى يف ه���ذا ال�سي���اق‪� ,‬أن يك���ون الت�أجيل ملجل����س النواب جم���رد هروب من‬ ‫وي�أتي اتفاق �شباط‪/‬فرباير ‪ ،2009‬يف �سياق هذا املخا�ض والذي بلغت فيه الأمور‬ ‫مواجه���ه الأزم���ات �إىل التمدي���د والت�أجيل‪ .‬لك���ن يف الوقت ذاته �أمتن���ى �أال يكون‬ ‫ه���ذا االتفاق بداف���ع �ضغوط اللحظة �أو جمرد تكتيك �سيا�س���ي‪ .‬ويبدو �أنه �سيكون ح���د ًا منذر ًا بتفاقم الأم���ور التي كان البد معها من العمل عل���ى تالفيها بالتوافق‬ ‫خط����أً �سيا�سي ًا كب�ي�ر ًا فيما لو اختزل احلوار حول ق�ضي���ه االنتخابات‪ ,‬لأنه حينئذ ب�ي�ن ال�سلط���ة واملعار�ضة حتت قبة الربمل���ان الذي �أف�ضى �إىل ت�أجي���ل االنتخابات‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪133‬‬


‫املائدة‬

‫املائدة‬

‫مبربرات ال تخالف القوانني النافذة‪ ،‬وقد ا�ستدعى ذلك �إجراء تعديالت قانونية الذين يتبنون مواقف معار�ضة لها‪.‬‬ ‫ود�ستوري���ة باتفاق الأط���راف املعنية‪ ،‬ولك���ن م�ضى عام ب�أكمله بع���د هذا االتفاق‬ ‫ف� ً‬ ‫ضال عن ذلك‪ ,‬عملت النخبة احلاكمة على حتريف �إرادة املواطنني من خالل‬ ‫ً‬ ‫دون وج���ود �أي تق���دم يذكر حتى ه���ذه اللحظة‪ ،‬وحيث مل يتبق �س���وى عام تقريبا ت�أ�سي����س �أحزاب �شكلية ال تعرب عن م�صالح املواطنني‪ ،‬وال ت�شكل قناة للتعبري عن‬ ‫َّ‬ ‫عل���ى �إج���راء االنتخابات‪ ،‬وهي فرتة ي�صع���ب معها �إجناز م���ا مت االتفاق عليه ما �أ�صواتهم‪ ،‬وا�ستخدامها كدوبلري لأحزاب املعار�ضة احلقيقية يف �أوقات الأزمات‪،‬‬ ‫مل تب���ذل �أق�ص���ى اجلهود‪ ،‬وتكثف اللقاءات‪ ،‬ويف‬ ‫توا�ص���ل ال ينقطع؛ ف�إنه ال جمال كم���ا ح���دث يف ‪ 23‬متوز‪/‬يوليو ‪ ،2008‬ويف املقاب���ل م�ضايقة الأح���زاب ال�سيا�سية‬ ‫لتعوي����ض ما فات‪ ،‬وا�ستغالل ما تبق���ى من الزمن �إ ّ‬ ‫من‬ ‫تام‬ ‫تفرغ‬ ‫هناك‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫ال‬ ‫الت���ي تعرب عن م�صاحلها‪ ،‬ومل تعمل احلكوم���ة على الوفاء بالتزاماتها لل�شعب يف‬ ‫قب���ل اللجان املعنية للوفاء مب�ضم���ون االتفاق وكالتزام قانوين و�أدبي �أمام ال�شعب احلف���اظ على الأموال العامة‪ ،‬ومل ت�ؤ�س�س �آلي���ات حقيقية وفاعلة ملكافحة الف�ساد‬ ‫حت���ى ال جته�ض العملية الدميقراطية‪ ،‬وحت���ى ال يظهر التوافق على �أنه كان حالة وحما�سبة الفا�سدين‪ .‬ما يوجد لدينا هو “دميقراطية غري ليربالية” ح�سب و�صف‬ ‫هروب‬ ‫وحتايل على الد�ستور والقانون‪ ،‬وهو ما ال يرت�ضي �أي طرف �أن يو�صم به �أو ع���امل ال�سيا�س���ة الأمريكي من �أ�صل هن���دي‪ ،‬فريد زكري���ا‪� ،‬أدت �إىل انتهاك مبد�أ‬ ‫�أن يكون �سبب ًا يف الت�شكيك بالأخذ مببد�أ التوافق م�ستقب ً‬ ‫االقت�ضاء‪.‬‬ ‫عند‬ ‫ال‬ ‫املواطنة املت�ساوية على امل�ستوى الفردي‪ ،‬و�إىل التهمي�ش على امل�ستوى االجتماعي‪،‬‬ ‫فالأفراد الذين لي�ست لديهم قوى اجتماعية قوية ت�سندهم‬ ‫حرم���وا من كثري من االمتيازات الت���ي يح�صل عليها �أفراد‬ ‫الفاعلون ال�سيا�سيون احلاليون‪� ،‬سواء‬ ‫�آخ���رون‪ ،‬وكذلك حرمت اجلماع���ات ال�ضعيفة وغري القوية‬ ‫من هم يف ال�سلطة �أو املعار�ضة يف البلد‪،‬‬ ‫من امل�شاركة يف ال�سلطة و�صناعة القرار‪.‬‬

‫ميار�سون لعبة البقاء يف احلكم‪ ،‬وهي‬

‫�أم���ا بالن�سب���ة التف���اق �شباط‪/‬فرباي���ر ‪ 2009‬بني احلزب‬ ‫لعبة ميار�سها كافة الفاعلني يف بلدان‬ ‫العامل العربي‪ .‬و�أجد من ال�صعوبة‬ ‫احلاك���م و�أح���زاب املعار�ض���ة‪ ،‬ف�إن���ه جاء كخامت���ة مل�سل�سل‬ ‫توقع حتقيق تقدم مهم يف العملية‬ ‫طويل من التجاذبات ب�ي�ن الطرفني‪ .‬فبعد انتخابات ‪2003‬‬ ‫الدميقراطية مع ا�ستمرار هذه‬ ‫كان هن���اك توجهات عامة‪ ،‬ترى �ض���رورة تنفيذ �إ�صالحات‬ ‫اللعبة‪ ،‬وامل�صالح املرتبطة بها‬ ‫انتخابي���ة قبل االنتخاب���ات الرئا�سية واملحلي���ة عام ‪،2006‬‬ ‫لتدارك جوانب الق�صور الفني يف قانون االنتخابات‪ ،‬و�إزالة‬ ‫التناق�ض���ات‪ ،‬وا�ستكم���ال اجلوانب الإجرائي���ة التي �أغفلها‬ ‫ع��ادل ال�ش��رجبي‪ :‬يف ر�أيي �أن احلزب احلاك���م يف اليمن عمل طوال الفرتة القان���ون‪ .‬ويف ‪ 18‬كان���ون الثاين‪/‬يناير ‪ 2006‬وقع امل�ؤمت���ر ال�شعبي العام و�أحزاب‬ ‫املا�ضية على �إح���داث دميقراطية �شكلية‪ً ،‬من خالل ت�أ�سي�س نظام انتخابي ي�ؤدي اللق���اء امل�شرتك اتفاق مبادئ لتنفيذ تو�صيات بعثة االحتاد الأوربي‪ ،‬ووقعا اتفاق ًا‬ ‫�إىل �إع���ادة �إنت���اج النخبة احلاكم���ة‪ ،‬عو�ض ًا ع���ن � ًأن ي�شكل �آلية حقيقي���ة للتداول �آخ���ر يف ‪ 11‬كان���ون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ ،2006‬وقد ب���د�أ احل���وار يف ‪� 19‬آذار‪/‬مار�س‬ ‫ال�سلمي لل�سلطة‪ً .‬ومل ت�ؤ�س�س احلكومة نظاما �سيا�سيا يقوم على املواطنة املت�ساوية‪ ،2007 ،‬وكان مق���رر ًا �أن يتم الت�صوي���ت النهائي على التعديالت يف جمل�س النواب‬ ‫ب���ل‬ ‫كر�ست نظاما يقوم على ًعالقات امل���واالة‪ ،‬فقد بات اختيار ر�ؤ�ساء اجلامعات ي���وم ‪� 18‬آب‪�/‬أغ�سط����س ‪� ،2008‬إال �أن بع�ض �أع�ضاء كتلة �أح���زاب اللقاء امل�شرتك‬ ‫يتم وفق��� ً‬ ‫ومت‬ ‫أقدمية‪،‬‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫الكفاءة‬ ‫على‬ ‫القائمة‬ ‫املناف�سة‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫ملبد‬ ‫ا‬ ‫وفق‬ ‫ال‬ ‫املواالة‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫ملبد‬ ‫ا‬ ‫يف الربمل���ان مل يح�ض���روا اجلل�سة‪ ،‬ومل تق���دم �أ�سماء مر�شحيه���ا لع�ضوية اللجنة‬ ‫احتكار منا�ص���ب وكالء املحافظات والوكالء امل�ساعدين عل���ى النخب التقليدية‪ ،‬العلي���ا لالنتخاب���ات‪� ،‬إذ ا�شرتطت الإفراج ع���ن الن�شطاء املعتقل�ي�ن للم�شاركة يف‬ ‫ومت تعيني �أفراد ال ميتلكون م�ؤهالت ر�سمية ت�ؤهلهم ل�شغل املنا�صب التي �شغلوها‪ ،‬جل�س���ة جمل�س النواب املخ�ص�صة لإق���رار تعديل قانون االنتخابات‪ .‬وقد اقرتحت‬ ‫ومت الت�ساه���ل يف تطبيق القانون على‬ ‫اجلماعات والنخ���ب القبلية التقليدية التي بع����ض املنظمات الدولية وبع����ض منظمات املجتمع املدين اليمني���ة �أن يتم ت�أجيل‬ ‫التقطع‪ ،‬حفاظ ً‬ ‫تنته���ك القانون يف جمال ّ‬ ‫النخب‬ ‫تربط‬ ‫التي‬ ‫املواالة‬ ‫���ة‬ ‫ق‬ ‫عال‬ ‫على‬ ‫ا‬ ‫االنتخابات خم�سة �أ�شهر‪ ،‬و�إجرائها يف �شهر �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪� ،2009‬إال �أن احلزب‬ ‫القبلية بالنخبة احلاكمة‪.‬‬ ‫احلاك���م رف�ض هذه املقرتحات‪� ،‬إذ كان يرى �أن ت�أجيل االنتخابات ي�شكل اعرتاف َا‬ ‫وعل���ى م�ستوى عالقة الدولة باملجتمع‪ ،‬عملت النخبة احلاكمة على التعتيم على ب�أزم���ة‪ ،‬هي غري موجودة م���ن وجهة نظره‪ ،‬لذلك فقد ح�سم �أم���ره بامل�ضي قدم َا‬ ‫�أعماله���ا وحج���ب املعلومات ع���ن املواطنني مبا يح���ول دون تفعيل ح���ق املواطنني يف الإع���داد لالنتخابات‪ ،‬وتنفيذها �سواء مب�شاركة �أح���زاب املعار�ضة �أو من دون‬ ‫يف مراقب���ة امل�سئول�ي�ن العمومي�ي�ن وحما�سبته���م‪ ،‬وقد تعاظم ذل���ك يف ظل تدين م�شاركتها‪ ،‬ف�أعلن رئي�س الربملان يف جل�سة ‪� 18‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ 2008‬اال�ستمرار يف‬ ‫م�ست���وى ا�ستقالل الإعالم الر�سمي‪ ،‬فهو �إعالم �أحادي البعد يُقدم للمواطنني ما التح�ض�ي�ر لالنتخابات وفق ًا للقان���ون ال�ساري‪ ،‬ويف اليوم التايل ‪� 19‬آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫ُتري���د �أن تو�صل���ه احلكومة �إليه���م‪ ،‬وال يو�صل �صوت املواطن�ي�ن �إىل احلكومة‪ ،‬وال ‪� 2008‬صدر قرار رئي�س اجلمهورية بت�شكيل اللجنة العليا لالنتخابات‪ ،‬دون وجود‬ ‫ي�ساه���م يف تو�سيع النقا�ش الع���ام حول الق�ضايا ال�سيا�سي���ة‪ ،‬فالربامج الإخبارية توافق حولها‪ ،‬ومن ّثم بد�أت الأخرية يف تنفيذ مرحلة القيد والت�سجيل‪ .‬وقد و�صفت‬ ‫حمدودة يف املحط���ات الإذاعية والتلفزيونية (الف�ضائي���ة والأر�ضية)‪ ،‬ون�شراتها �أح���زاب اللقاء امل�شرتك هذا الق���رار بانقالب ‪� 18‬أغ�سط����س‪ ،‬و�أعلنت مقاطعتها‬ ‫الإخبارية على الرغم من �أنها طويلة‪� ،‬إال �أن معظم وقتها خم�ص�ص للحديث عن لالنتخاب���ات الت�شريعية‪ ،‬ودعت �أع�ضائه���ا و�أن�صارها �إىل مقاطعة املرحلة الأوىل‬ ‫�أخب���ار احلكومة‪� ،‬أما الربامج احلوارية (ال�سيم���ا املبا�شرة) فال تناق�ش الق�ضايا من مراحل العملية االنتخابية‪ ،‬املتمثلة يف عملية القيد والت�سجيل‪.‬‬ ‫الأ�سا�سي���ة الت���ي تهم املواط���ن‪ ،‬و�إن فعلت ف�إن ال�ضيوف فيه���ا دائم ًا هم من كبار‬ ‫ويف ‪� 23‬شباط‪/‬فرباي���ر ‪ ،2009‬وحت���ت �ضغ���وط داخلية وخارجي���ة‪ ،‬مت التوافق‬ ‫املوظف�ي�ن احلكوميني‪� ،‬أو من اخلرباء واملثقفني املوال�ي�ن للحكومة‪ ،‬وال ت�ست�ضيف ب�ي�ن امل�ؤمتر ال�شعبي الع���ام و�أحزاب اللقاء امل�شرتك عل���ى ت�أجيل االنتخابات �إىل‬ ‫املثقف�ي�ن واخل�ب�راء الذين يتبنون وجه���ة نظر نقدية جت���اه احلكومة‪ ،‬ناهيك عن ني�سان‪�/‬أبري���ل ‪ ،2011‬فيم���ا بات ي�سمى باتف���اق فرباير‪ .‬ورغم م���رور عام كامل‬ ‫‪134‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫من���ذ �إبرام االتف���اق حتى الآن‪� ،‬إال �أن الطرفني مل يدخ�ل�ا يف عملية حوار حقيقي‬ ‫ح���ول بنود الإ�صالح التي �شمله���ا االتفاق‪ ،‬وكل طرف يته���م الطرف الأخر بعدم‬ ‫اجلدية واملماطلة‪ ،‬ولعل ما تبقى من فرتة ال تتيح الو�صول �إىل توافق حول �إ�صالح‬ ‫دميقراط���ي �شامل‪ .‬مع ذل���ك‪� ،‬أعتقد �إن �إ�صالح النظ���ام االنتخابي والتحول نحو‬ ‫نظ���ام االنتخاب الن�سبي‪� ،‬سوف ي����ؤدي �إىل م�شاركة �أح���زاب املعار�ضة احلقيقية‬ ‫(ممثل���ة باللقاء امل�ش�ت�رك) يف االنتخابات الت�شريعية املقبل���ة‪ ،‬الأمر الذي �سوف‬ ‫ي�ساه���م يف تخفي���ف االحتقان���ات ال�سيا�سية‪� ،‬إال �أن���ه لن ي�ؤدي �إىل ح���ل الأزمات‬ ‫ال�سيا�سية القائمة ب�شكل جذري‪.‬‬

‫امل�ستديرة‬

‫امل�ستديرة‬

‫مدار الأفكار‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫ع��ادل ال�ش��رجبي‪ :‬الأزم���ة ال�سيا�سي���ة الت���ي ت�شهده���ا اليمن حالي��� ًا والتي‬ ‫تب���دو �أنها �أزمة ح���ول االنتخابات‪ ،‬ه���ي يف حقيقتها �أزمة ح���ول ق�ضايا الإ�صالح‬ ‫الدميقراطي‪ .‬فمفهوم الدميقراطية املعا�صر يتجاوز دالالت مفهوم الدميقراطية‬ ‫الليربالي���ة التقليدي���ة‪ ،‬الذي كان يركز عل���ى الإ�صالحات ال�سيا�سي���ة والقانونية‪،‬‬ ‫الت���ي من �ش�أنه���ا تكري�س نظام �سيا�سي يقوم على انتخاب���ات حرة ونزيهة‪ ،‬بحيث‬ ‫بات ي�شم���ل حكم القانون‪ ،‬وف�ص���ل ال�سلطات‪ ،‬وحماية احلري���ات الأ�سا�سية‪ ،‬ويف‬ ‫مقدمه���ا حرية التعب�ي�ر‪ ،‬وحرية التجمع‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن حماي���ة احلقوق ويف مقدمها‬ ‫احل���ق يف امللكية‪ ،‬فالدميقراطية املعا�صرة متث���ل �آلية لتحقيق التقدم االجتماعي‬ ‫واالقت�ص���ادي‪ ،‬وتو�سي���ع خيارات املواطن�ي�ن يف املجاالت ال�سيا�سي���ة واالجتماعية‬ ‫واالقت�صادية والثقافية‪.‬‬

‫مدارات �إ�س�تراتيجية‪ :‬ما هو باعتقادكم م�صري اال�ستحقاقات الدميقراطية‬ ‫القادم��ة (االنتخاب��ات النيابي��ة يف ني�س��ان‪�/‬أبريل ‪ )2011‬يف ظ��ل الأزم��ة‬ ‫ال�سيا�س��ية القائم��ة‪ ،‬وغي��اب احل��وار ب�ين الفرق��اء‬ ‫ال�سيا�سيني (ال�سلطة واملعار�ضة)؟‬ ‫بيدنا نحن مع�شر اليمانيني �أن جنعل‬ ‫�أحمد الأ�ص��بحي‪ :‬لي�س م�ست�ساغ ًا‪ ،‬وال هو من احلكمة‬ ‫من م�ستجدات العامل الإقليمي والدويل‬ ‫يف �شيء �أن يرهن م�صري ا�ستحقاقات الدميقراطية القادمة‬ ‫ الذي �أثارته متغريات الداخل اليمني ‪-‬‬‫بغي���اب احل���وار وت����أزم العالق���ة ب�ي�ن ال�سلط���ة واملعار�ضة‪،‬‬ ‫عامل دفع لتعزيز جتربتنا الدميقراطية‪،‬‬ ‫ولي����س مت�ص���ور ًا �أن يقب���ل �أي م���ن الفرق���اء �أن يت�سب���ب يف‬ ‫وذلك بتجديد الثقة ابتدا ًء بني قوى‬ ‫�إعاق���ة االنتخاب���ات عن موعده���ا املقرر مرة �أخ���رى‪ .‬فقد‬ ‫ال�سلطة واملعار�ضة‪ ،‬وجت�سيد ثقافة‬ ‫نا�ضل اجلميع م���ن �أجل �أن يكون نظامن���ا ال�سيا�سي نظام ًا‬ ‫التحول الدميقراطي‬ ‫دميقراطي��� ًا تعددي ًا‪ ،‬و� ّأ�صلوا لذل���ك يف الد�ستور والقوانني‪،‬‬ ‫وب���ات الأم���ر خي���ار ًا �شعبي��� ًا ال رجع���ة عن���ه‪ ،‬و�أنّ ال�سلط���ة‬ ‫واملعار�ضة هما جناحا هذا النظام ال�سيا�سي الدميقراطي‪،‬‬ ‫وبغ����ض النظر عن ح�سابات الأرباح واخل�سائر احلزبية‪ ،‬ف�إن �إجراء االنتخابات‬ ‫وال���ذي ل���ن يتمكن من التحلي���ق يف ف�ضاءات التنمي���ة ال�شاملة والبن���اء امل�ؤ�س�سي‬ ‫لدولتنا الفتية �إ ّال بهذين اجلناحني مع ًا‪ ،‬الأمر الذي ي�ستدعي من جناحي النظام دون وج���ود توافق وطني حول الق�ضايا الكربى‪ ،‬ل���ه �آثار �سلبية على املدى البعيد‪.‬‬ ‫تغليب احلكمة‪ ،‬ومعاودة احلوار اجلاد وامل�س�ؤول‪ ،‬فلي�س ثمة م�ستحيل يف االهتداء فتغيي���ب املعار�ضة ال�شرعية والد�ستورية ع���ن ال�ساحة ال�سيا�سية‪� ،‬سوف ي�سهم يف‬ ‫�إىل ح���ل ه���ذه الإ�شكالي���ة على من ي�ستح�ض���رون م�صلحة الوط���ن‪ ،‬وميثلون بحق تكري����س التحول نحو نظام احلزب الواحد والأحادية احلزبية غري املعلنة‪ ،‬وتغدو‬ ‫�ضم�ي�ر ال�شع���ب‪ ،‬و�إن اقت�ضى ذلك �إقدام كل من الطرف�ي�ن على تقدمي التنازالت التعددي���ة ال�سيا�سية جمرد تعددي���ة �شكلية‪ ،‬ال ت�سهم يف بن���اء جتربة دميقراطية‬ ‫مهم���ا ب���دت جمحفة يف حقه‪ ،‬لكنها تهون من �أجل الوط���ن‪ ،‬وهو احلق الأكرب‪ ،‬بل فاعلة‪ ،‬ب���ل تنتج دميقراطية قا�صرة عن حتقيق �أهدافه���ا‪ ،‬وتعطيل مبد�أ التداول‬ ‫وحت�سب لهذا الطرف �أو ذاك‪ ،‬ويعظم يف قلوب املواطنني‪ .‬فالتقاء الفرقاء ‪ -‬وما ال�سلم���ي لل�سلطة‪ ،‬وجمود النخب���ة احلاكمة‪ ،‬وبالتايل ال�شلل والرك���ود ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫ه���م بفرقاء ‪ -‬على ت�صور م�شرتك ي�سعفون به ما تبقى من الزمن الق�صري هو ما كم���ا �أنها �ست�ؤدي �إىل وج���ود دميقراطية �صورية متكن احل���زب احلاكم والنخبة‬ ‫يحافظون به على ثقة ال�شعب و�أمله بهم‪ ،‬ويدركون �أنّ �أبواب االنفراج لن ت�سد يف االجتماعي���ة املتحالف معها من التحكم يف العملي���ة الدميقراطية‪ .‬و�سوف يف�سح‬ ‫وجه ال�شعب و�ستظل ُم�شرعة �أمامه‪ ،‬فهو الأبقى‪ ،‬وهو ‪ -‬يف نهاية املطاف ‪ -‬الأقدر املج���ال للمعار�ض���ة االنف�صالية لدى بع����ض اجلماعات اجلنوبي���ة‪ ،‬و�سوف يخلق‬ ‫عل���ى جتاوز الأزمات واملحن مهما كلفه ذلك من ثم���ن‪ ،‬والوطنيون ومن ر�شحهم حال���ة من ال�شعور املتزايد لدى املواطنني يف عموم حمافظات اجلمهورية بالي�أ�س‬ ‫الق���در قادة فكر ور�أي وحكمة ال يفوتون الفر�ص‪ ،‬وال يتقاع�سون حتت وط�أة املراء م���ن �إمكانية التغيري االجتماع���ي وال�سيا�سي ال�سلمي‪ ،‬وبالت���ايل اللجوء للخيارات‬ ‫العنيفة يف التغيري‪ ،‬ورمبا عاود احلوثيون متردهم وحربهم �ضد الدولة يف �صعدة‬ ‫والأنانية عن �أداء مهامهم الوطنية يف اللحظات احلا�سمة‪.‬‬ ‫وتد�ش�ي�ن حرب �سابعة �ضد الدولة‪ ،‬و�سوف ي�ؤدي �إىل تنامي حالة عدم اال�ستقرار‬ ‫�إله��ام مان��ع‪ :‬بالن�سب���ة يل �أظ���ل م�ؤمنة ب�أهمي���ة عقد االنتخاب���ات النيابية يف ال�سيا�س���ي التي تعي�شها اليمن‪ .‬فال�صراع���ات القائمة هي �إفراز لعدم و�ضع حلول‬ ‫ني�سان‪�/‬أبريل ‪ ،2011‬رغم الأزمة ال�سيا�سية القائمة يف اليمن‪ ،‬وغياب احلوار بني توافقي���ة للم�ش���كالت الوطني���ة‪ ،‬فما ي�سم���ى باحلراك اجلنوبي يرج���ع �إىل فر�ض‬ ‫ال�سلط���ة واملعار�ضة‪ .‬هذا ال يعني �أين غ�ي�ر مدركة لطبيعة املحاذير واملثالب التي احل���زب احلاكم لتوجهاته عل���ى املناطق اجلنوبية بعد ح���رب �صيف عام ‪،1994‬‬ ‫ت�شوب التجربة القائمة يف بالدنا‪� .‬إىل يومنا هذا‪ ،‬مل تتمكن االنتخابات الربملانية وع���دم �إجراء م�صاحل���ة وطنية‪ ،‬وكذلك احلروب الت���ي �شهدتها حمافظة �صعدة‬ ‫الت���ي عقدت منذ عام ‪ 1993‬من حتقي���ق الهدف الأ�سا�سي من �إج���راء �إنتخابات ال�شمالي���ة ب�ي�ن اجلي�ش واملتمردين احلوثي�ي�ن‪ ،‬متثل واحدة م���ن النتائج الفرعية‬ ‫دوري���ة‪� ،‬أعني �إمكانية حما�سب���ة امل�س�ؤولني ومعاملتهم على �أنه���م �أي�ض ًا م�سئولون لتل���ك احلرب‪ ،‬حيث ترجع �إىل التحالف���ات التكتيكية التي نفذها احلزب احلاكم‬ ‫�أم���ام القانون‪ .‬غياب هذا العن�صر يظهر الطبيعة ّ‬ ‫اله�شة لتجربتنا الدميقراطية‪ .‬قب���ل تلك احلرب‪ ،‬و�إع���ادة ر�سم اخلارطة ال�سيا�سية من خ�ل�ال التحالف مع قوة‬ ‫لكني �أراهن على الزمن‪ ،‬وعلى املجتمع املدين اليمني احلي‪ ،‬الذي يف حال تطوره �سيا�سي���ة �أو اجتماعية لإق�ص���اء نخبة �سيا�سية �أو اجتماعي���ة‪ ،‬وبعد حتقيق هدفه‬ ‫بال�ص���ورة التي نراها اليوم �سيمكنه مع الوقت �أن ي�صحح من م�سار هذه التجربة يقوم ب�إق�صاء اجلماعة التي كان متحالف ًا معها‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫اليمنية‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪135‬‬


‫املائدة‬

‫املائدة‬

‫والتغي�ي�ر الدائم يف التحالفات ال�سيا�سية‪ ،‬وت�شجي���ع االنق�سامات احلزبية‪ ،‬هي‬ ‫�سيا�س���ة كلف���ت الدولة كلف���ة مالية عالية‪ ،‬الأم���ر الذي ترتب علي���ه تزايد انت�شار‬ ‫الفق���ر‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن كلفتها االجتماعية الت���ي متثلت يف �إعاقة ا�ستكمال بناء الأمة‪،‬‬ ‫وتنام���ي �شعور �أبناء املحافظات اجلنوبي���ة بالتمييز‪ ،‬و�أن الوحدة كانت عبارة عن‬ ‫�إحل���اق و�ض���م‪ ،‬وما ترت���ب عليه من تنام���ي الأعمال االحتجاجي���ة يف املحافظات‬ ‫اجلنوبي���ة منذ ع���ام ‪ ،2007‬وبروز بع�ض اجلماعات املطالب���ة باالنف�صال‪ ،‬ومترد‬ ‫ما ي�سمى بجماعة ال�شباب امل�ؤمن (احلوثيني) يف حمافظة �صعدة‪ ،‬والتي خا�ضت‬ ‫�ستة حروب �ضد اجلي�ش منذ عام ‪.2004‬‬ ‫باخت�ص���ار‪� ،‬إن الأزمة ال�سيا�سية التي ت�شهده���ا اليمن حالي ًا والتي تتجلى بع�ض‬ ‫مظاهره���ا يف التمرد عل���ى الدولة والدع���وة �إىل االنف�ص���ال‪ ،‬ويف �أزمة الإ�صالح‬ ‫االنتخابي‪ ،‬ه���ي يف حقيقتها �أزمة حول ق�ضايا الإ�ص�ل�اح الدميقراطي‪ ،‬فاحلزب‬ ‫احلاك���م والنخبة االجتماعية التقليدي���ة املتحالفة معه‪ ،‬ت�سعى �إىل �صياغة جتربة‬ ‫دميقراطي���ة �شكلية‪ ،‬تقت�صر على ت�أ�سي�س منظمات كالربملان املنتخب‪ ،‬والأحزاب‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬وتنفيذ عمليات انتخابية‪ ،‬تعيد �إنتاج النخبة احلاكمة ذاتها‪ ،‬وال ت�ؤدي‬ ‫�إىل ت���داول �سلم���ي لل�سلط���ة‪ ،‬وقد �صاغت قان���ون االنتخابات مبا يت���واءم مع هذه‬ ‫الدميقراطي���ة ال�شكلية‪ ،‬فقانون االنتخاب���ات القائم على الدوائر ال�صغرية‪ ،‬ميثل‬ ‫�آلية لإعادة �إنتاج النخبة احلاكمة‪ ،‬عو�ض َا عن �أن يكون �آلية لتنظيم عملية التداول‬ ‫ال�سلمي لل�سلطة‪.‬‬ ‫حمم��د الظاه��ري‪ :‬بداية نذك���ر �أن الدميقراطية لي�ست �إج���راءات و�أ�شكا ًال‬ ‫وانتخاب���ات‪ ,‬وهي �أو�سع من �أن نختزلها يف انتخاب���ات دورية تعقد يف فرتة زمنية‬ ‫حم���ددة‪ ,‬فم���ن �أهم القي���م الدميقراطية وج���ود الت�سامح ال�سيا�س���ي جتاه الآخر‬ ‫ال�سيا�س���ي �أو الفك���ري‪ ,‬ووجود تداول �سلم���ي لل�سلطة‪ ,‬ووجود ن���وع من االعرتاف‬ ‫بالآخر‪ ,‬ووجود ثقافة تبادل الأدوار بني ال�سلطة واملعار�ضة‪.‬‬ ‫�إن انتخابات ع���ام ‪ 1993‬النيابية كانت �أول انتخابات �أجريت بعد قيام الوحدة‬ ‫عل���ى �أ�سا����س ت���وازين‪ ,‬لأن الدميقراطية �أي�ض ًا تق���وم على الت���وازن‪ ,‬وهى �أف�ضل‬ ‫انتخاب���ات ج���رت يف اليم���ن‪ ,‬حتى م���ع علمن���ا �أن ه���ذا الت���وازن كان ي�ستند �إىل‬ ‫التقا�س���م ويركن �إىل امل�ؤ�س�سة الع�سكرية‪ .‬ورغم ما يح�سب للتجربة الدميقراطية‬ ‫يف اليم���ن �أن االنتخاب���ات كانت تعق���د يف مواعيدها املحددة؛ لك���ن الإ�شكالية �أن‬ ‫ه���ذه االنتخابات �إىل الآن مل ت� ِؤت ُ�أكلها‪ ,‬كما �أنها حتولت �إىل غاية بد ًال من كونها‬ ‫و�سيلة لتحقيق حياة �شريفة وكرمية‪ ,‬و�إيجاد ا�ستقرار �سيا�سي‪� ,‬إذ ال تزال ثقافتنا‬ ‫ال�سيا�سية �أقرب �إىل ثقافة التعيني والتزكية‪.‬‬ ‫عط ثمارها‪ ,‬و�أ�صبح���ت �أداة للتحايل ال�سيا�سي‪ ,‬لأننا‬ ‫�إذ ًا فه���ذه االنتخابات مل ُت ِ‬ ‫لدين���ا يف اليمن �إجراءات دميقراطية‪ ,‬ولي�س���ت لدينا قيم دميقراطية‪ ,‬وهذه هي‬ ‫الإ�شكالية احلقيقية ال�سائدة‪� .‬إ�ضافة �إىل عدم وجود م�ؤ�س�سات حديثة‪ ,‬فنحن لدينا‬ ‫عب���اءات م�ؤ�س�سية �أكرث من كونها فع ًال وجوه���ر ًا م�ؤ�س�سي ًا‪� .‬إن م�صري االنتخابات‬ ‫النيابية القادمة امل�ؤجلة �إىل ني�سان‪�/‬أبريل ‪ ,2011‬م�ص ٌري جمهول‪ ,‬ف�إما �أنه �سيتم‬ ‫متدي���د املُمدّد �أو ت�أجيل امل�ؤجل‪ ,‬وبالتايل تفقد هذه االنتخابات مربر وجودها‪� ,‬أو‬ ‫�أن عدم اال�ستقرار ال�سيا�س���ي يتحول �إىل عدم ا�ستقرار اجتماعي‪ ,‬فتدخل اليمن‬ ‫ جمتمع ًا ودولة ونظام ًا �سيا�سي ًا ‪ -‬مرحلة انت�شار احلروب وانك�شاف اليمن جتاه‬‫اخلارج‪ ،‬فتغيب “احلكمة اليمانية” وتتفرق �أيادي �سب�أمن جديد !‬ ‫�أم���ا غياب احل���وار بني فرقاء العم���ل ال�سيا�سي (ال�سلط���ة واملعار�ضة)‪ .‬فيمكن‬ ‫الق���ول �إن ا�ستق���راء م�س�ي�رة احل���وار (احلزبي‪ -‬احلزب���ي) هو �أق���رب �إىل حوار‬ ‫الطر�ش���ان‪ ,‬فاملح���زن �أن الثقاف���ة اليمني���ة من �سماته���ا �أنها ثقافة غ�ي�ر حوارية‬ ‫‪136‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫داخلي ًا‪ ,‬فاليمني���ون ال يتحاورون كيمنيني لكنهم يتحاورون مع الأجانب والغرباء‪,‬‬ ‫�أما تعامل اليمني مع �أخيه اليمني ف�إنه يتم عرب حوار البنادق‪ ,‬لأن الثقة منعدمة‬ ‫بينهم‪ ،‬وثقافة ال�شك وعدم امل�صداقية هي ال�سائدة يف احلياة ال�سيا�سية اليمنية‪.‬‬ ‫ويف ه���ذا ال�ص���دد‪ ,‬يتعني الت�أكيد على حاجة اليمنيني للتح���اور مع �أنف�سهم‪ ,‬فيما‬ ‫بينه���م‪ ,‬لأن احل���وار هو الأ�صل‪ ,‬والقطيع���ة هي اال�ستثناء‪ ,‬كم���ا �أن �أهمية احلوار‬ ‫تزداد حينما تتكاثر الأزمات وتزداد الأخطار‪.‬‬ ‫يتعني العمل على رد االعتبار والثقة �إىل احلوار ك�آلية حلل التباينات واخلالفات‬ ‫ب�ي�ن القوى ال�سيا�سي���ة املت�صارعة‪ .‬فاحلوار ينبغي �أن يك���ون على م�ستويني‪ ,‬حوار‬ ‫حزب���ي – حزب���ي ث���م حوار حزب���ي ‪ -‬جمتمعي‪ .‬مبعن���ى ال�سعي لأن يك���ون احلوار‬ ‫�شعبي��� ًا‪� ,‬أي �أننا نحتاج �إىل �أن يغ���دو احلوار جمتمعي ًا و�شعبي ًا‪ .‬كما �أنه يتعني عدم‬ ‫اخت���زال احل���وار يف مو�ض���وع االنتخاب���ات‪ ,‬لأن اقت�صار احلوار عل���ى االنتخابات‬ ‫و�آلياته���ا وجلنتها �سيكون حوار ًا على �أعرا�ض الأزم���ة ولي�س على جذورها‪ ،‬وهذا‬ ‫�سي�ؤدي �إىل تهدئة الأزمة وت�سكينها دون حلها من جذورها‪.‬‬ ‫عل���ى اجلمي���ع �أن يعرتف ب����أن الوطن اليمن���ي حتيط به خماطر جم���ة‪ ,‬ويتعني‬ ‫ال�سع���ي لت�سيي���ج اجلبهة الداخلي���ة لنتمكن م���ن الت�صدي للأخط���ار اخلارجية‪.‬‬ ‫�إنن���ا مع احل���وار املثمر املُ�س ّيج بالثقة وامل�صداقي���ة ال�سيا�سية‪ .‬احلوار الذي ي�صل‬ ‫بال�سفينة اليمانية �إىل بر الأمان‪.‬‬ ‫م��دارات �إ�س�تراتيجية‪ :‬م��ا هو ت�أث�ير العامل الإقليم��ي والدويل يف‬ ‫م�سار التجربة الدميقراطية باليمن‪ ،‬وهل يعد عامل دفع للتجربة �أم‬ ‫كابح لها‪ ،‬ال�س��يما يف ظل الأزمات الأخرية التي جعلت اليمن م�س��رح ًا‬ ‫لتدخالت �إقليمية ودولية متعددة الأطراف؟‬ ‫حمم��د الظاهري‪� :‬إن احلديث عن ت�أث�ي�ر العامل الإقليمي والدويل يف م�سار‬ ‫التجرب���ة ال�سيا�سية يف اليمن ه���و يف جوهره حديث عن عالق���ة اليمن مبحيطها‬ ‫اخلارج���ي؛ حي���ث يالح���ظ �أن توج���ه اليمنيني نحو اخل���ارج وحماكات���ه قد �شكل‬ ‫ظاه���رة يف التاريخ ال�سيا�س���ي اليمني‪ ,‬القدمي‪ ,‬واحلدي���ث‪ ,‬واملعا�صر‪ .‬فاليمنيون‬ ‫كث�ي�ر ًا ما يولون وجوههم وعقوله���م نحو اخلارج‪ ,‬بل وي�سع���ون �إىل حتكيم الآخر‬ ‫اخلارج���ي‪� ,‬س���واء �أكان هذا الآخ���ر �أ�شخا�ص ًا �أو �أف���كار ًا و�أيديولوجي���ا‪� .‬إذ تت�سم‬ ‫الثقافة اليمنية يف بع�ض �أبعادها ب�أنها ثقافة حتكيمية‪ ,‬تثق باخلارجي والبعيد يف‬ ‫مقاب���ل ال�شك بالأخ والقريب! بل �إن اليم���ن ال تت�أثر باخلارج (حتكمي ًا وحماكاة)‬ ‫فح�س���ب‪ ،‬و�إمنا متار�س جتاه هذا اخلارجي ما ميك���ن ت�سميته مبفهوم “ال�ضيافة‬ ‫ال�سيا�سي���ة”؛ �إذ ت�ست�ضيف هذا اخلارج���ي مبا يحمله من �أفكار و”ب�ضاعة” رغم‬ ‫عوز البيئة اليمنية وافتقارها “للرتبة ال�صاحلة” واملهيئة ال�ستنبات هذه الأفكار‬ ‫وا�ستزراعها ب�أر�ض اليمن ال�سعيدة‪.‬‬ ‫ب���ل ميك���ن الت�أكي���د هنا عل���ى �أن اليمني�ي�ن ال يكتف���ون‪ ,‬يف حماكاته���م للخارج‬ ‫والغري���ب‪ ,‬با�ست�ضافته ال�سيا�سية فح�سب‪ ,‬بل �إنهم كثري ًا ما يثقون فيه‪ ,‬وي�ستندوا‬ ‫�إلي���ه‪ ,‬ويقوم���ون بتحكيم���ه يف م�ش���كالت وق�ضاي���ا (ميني���ة ‪ -‬ميني���ة)؛ وما جلوء‬ ‫اليمني�ي�ن �إىل اخلارج‪� ,‬سواء �أثناء حمادثات الوح���دة اليمنية (قبل قيامها) منذ‬ ‫�سبعيني���ات الق���رن الع�شري���ن وحتى قيامه���ا يف ‪� 22‬أيار‪/‬ماي���و ‪1990‬؛ �أو �أثناء ما‬ ‫ع���رف ب�أزمة االنف�صال �أو حرب �صي���ف ‪1994‬؛ �إذ تدخل يف الأزمة (كو�ساطات)‬ ‫ووفود فرن�سية‪ ,‬وعُ مانية‪ ,‬و�أردنية‪ .‬كما �أن بع�ض القيادات ال�سيا�سية املتنازعة قد‬ ‫زارت بع�ض العوا�صم العربية مثل القاهرة‪َّ ,‬وعمان‪ ,‬وم�سقط؛ يف حماولة للتحكيم‬ ‫يف ق�ضي���ة (مينية ‪ -‬مينية) داخلية‪� .‬أما اجلول���ة ال�ساد�سة من حرب �صعدة التي‬ ‫�سعدن���ا ب�إعالن �إيقاف العمليات الع�سكري���ة فيها‪ ،‬لأنه مبثابة �إيقاف لنزيف الدم‬

‫اليمن���ي؛ فقد ك�شف���ت انك�شاف اليمن واليمنيني جتاه ت�أث�ي�ر اخلارج واالنفعال به‬ ‫وما م�ؤمتر لندن وما �سيتلوه يف �أواخر �شباط‪/‬فرباير من م�ؤمتر يف الريا�ض‪ ,‬ويف‬ ‫�آذار‪/‬مار�س املقبل اجتماع ما ي�سمى بلقاء “جمموعة �أ�صدقاء اليمن”‪� ،‬إال بع�ض‬ ‫�شواهد هذا اال�ستنتاج‪.‬‬ ‫�صحي���ح �أن تدويل الق�ضايا املحلية �أ�صبح جزء ًا من �إدارة الأزمات وال�صراعات‬ ‫الدولي���ة‪ .‬كما �أننا نعي����ش يف ع�صر �صناعة “الفزاعات” و�إع���ادة �صناعة العدو‪,‬‬ ‫�إال �أن م���ن ال�صحيح �أي�ض ًا �أن للأجنبي م�صاحله و�أجندته التي لي�ست بال�ضرورة‬ ‫تتف���ق مع م�صاحلن���ا و�أجندتنا‪ ,‬و�إن كنا ندرك �أننا �أي�ض��� ًا نعي�ش يف ع�صر القرية‬ ‫الكونية الواحدة‪ ,‬واالعتماد املتبادل بني الأمم وال�شعوب‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ,‬يتعني‬ ‫التذكري والتنويه �إىل �أن انعقاد م�ؤمتر لندن بتاريخ ‪ 27‬كانون الثاين‪/‬يناير ‪2010‬‬ ‫ال���ذي ناق�ش بع����ض �أزمات اليمن ما هو �إال �شاهد على تدوي���ل الق�ضايا والأزمات‬ ‫اليمني���ة‪ .‬فم���ا حدث ويحدث يف اليمن مل يع���د �ش�أن ًا ميني ًا‪ ,‬بل غ���دا �ش�أن ًا �إقليمي ًا‬ ‫ودولي��� ًا‪ .‬واخلط���ورة هنا �أن اليمن حا�ض���رة على امل�ست���وى الإقليمي والدويل عرب‬ ‫�أحداثه���ا و�أزماته���ا‪ ,‬ولي�س عرب اجنازاته���ا ومنتجاتها‪ .‬ويف ه���ذا ال�صدد‪ ,‬ميكن‬ ‫الق���ول �إنن���ي ل�ست مع �أولئ���ك الذين يرددون مق���والت “�إذا كان بيتي يحرتق فلن‬ ‫�أ�س����أل ع���ن جن�سية رجال املطاف���ئ”‪ ،‬بل �أقول دون مواربة‪�“ :‬إنن���ي مع بقية �أبناء‬ ‫وطن���ي للتغيري م���ن الداخل من �أجل وط���ن خال من الف�ساد والظل���م‪ ,‬وطنٌ ينعم‬ ‫بدولة احلق والعدل والقانون”‪.‬‬ ‫�أحمد الأ�ص��بحي‪ :‬يتوق���ف اتخاذ الق���وى والأنظمة الإقليمي���ة والدولية لأي‬ ‫موق���ف �إزاء �أي دولة عل���ى جملة من العوامل التي يتحدد عل���ى �ضوئها مدى ت�أثر‬ ‫م�صاحلها �سلب ًا �أو �إيجاب ًا‪ ،‬وبيد �أي دولة م�ستهدفة �أن جتعل من جبهتها الداخلية‬ ‫موجه��� ًا �أ�سا�سي ًا للت�أثري اخلارجي عليها يف االجتاه الإيجابي‪ ،‬وهذا ما ا�ستطاعت‬ ‫بالدن���ا ‪ -‬بفع���ل الإدارة الناجح���ة للعملي���ة الدميقراطي���ة ‪� -‬أن حتدث���ه وانعك�س‬ ‫يف �ص���ورة تق���دم ملمو�س يف عالقته���ا باملحيط�ي�ن الإقليمي وال���دويل‪ ،‬واكت�سبت‬ ‫احرتام اجلمي���ع حني ان�ضبطت ال���دورات االنتخابية الربملاني���ة الثالث ال�سابقة‬ ‫يف مواعيده���ا‪ ،‬وحني �أجريت االنتخاب���ات الرئا�سية واملجال����س املحلية بدورتيها‬ ‫ال�سابقت�ي�ن‪ .‬وح�ي�ن ا�ست�ضافت بالدنا �أكرث م���ن م�ؤمتر‪ ،‬و�أكرث من ن���دوة �إقليمية‬ ‫ودولي���ة حول حوار الثقافات واحل�ضارات‪ ،‬وح���ول الدميقراطية وحقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫وح�ي�ن تبنت بالدنا �أكرث من مبادرة عربية لإ�صالح جامعة الدول العربية و�إعادة‬ ‫ترتي���ب �أو�ضاع البيت العربي‪ ،‬وحني ُح ّل���ت �إ�شكاليات احلدود بني بالدنا وكل من‬ ‫اململك���ة العربي���ة ال�سعودي���ة و�سلطنة عمان ودول���ة �أرترييا‪ ،‬الأم���ر الذي عزز من‬ ‫الأم���ن الإقليمي وغريها مم���ا ا�شتملت عليه العملي���ة الدميقراطية من تفاعالت‬ ‫ن�شط���ة وحراك فكري و�سيا�سي‪ ،‬ا�ستحقت بالدنا بذلك كله �أن تغدو مركز �إ�شعاع‬ ‫دميقراطي يف املنطقة‪.‬‬ ‫�إنّ ه���ذا الزخم ال���ذي �أك�سب اليمن مكان���ة مرموقة لدى الأ�شق���اء والأ�صدقاء‬ ‫طر�أت عليه يف الآونة الأخرية متغريات يف ال�ساحة الداخلية غلب عليها بروز خلل‬ ‫يف �إدارة العملية الدميقراطي���ة ت�صاعدت معها اخلالفات‪ ،‬و�سادت �أجواء التوتر‬ ‫يف العالق���ة ب�ي�ن ال�سلط���ة واملعار�ضة‪ ،‬وتراف���ق ذلك مع �أعمال التم���رد يف �صعدة‬ ‫و�إ�شكالي���ات احلراك يف بع����ض املحافظ���ات اجلنوبية‪ ،‬ون�شاط �إره���اب القاعدة‬ ‫و�أعمال التقط���ع واالختطافات من حني لآخر‪ ،‬ناهيكم عن انعكا�س �سلبيات ذلك‬ ‫عل���ى الو�ضع االقت�ص���ادي والتنموي‪ ..‬وقد ترتب على ه���ذه املتغريات حدوث قلق‬ ‫�إقليم���ي ودويل عُ برّ عنه بانعقاد م�ؤمتر لندن يف نهاي���ة �شهر كانون الثاين‪/‬يناير‬ ‫م���ن العام اجل���اري‪ ،‬والتح�ضري النعقاد م�ؤمتر الريا����ض يف نهاية �شباط‪/‬فرباير‬ ‫م���ن هذا العام‪ ،‬فالق���وى والأنظمة الإقليمية والدولية الت���ي يهمها �أمن وا�ستقرار‬

‫امل�ستديرة‬

‫امل�ستديرة‬

‫مدار الأفكار‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫اليم���ن‪ ،‬ق���د تداعت �إذ ًا مل�ؤمت���ري لندن والريا����ض �سعي ًا لتفادي تفاق���م الأو�ضاع‬ ‫االقت�صادي���ة والأمني���ة وال�سيا�سية يف الداخل اليمن���ي‪ ،‬بح�سبها كذلك مت�س �أمن‬ ‫وم�صالح هذه القوى والدول على ح ٍّد �سواء‪.‬‬ ‫وعلي���ه‪ ،‬ف�إن���ه بيدنا نح���ن مع�ش���ر اليمانيني �أن جنع���ل من م�ستج���دات العامل‬ ‫الإقليم���ي والدويل ‪ -‬ال���ذي �أثارته متغريات الداخل اليمن���ي ‪ -‬عامل دفع لتعزيز‬ ‫جتربتنا الدميقراطية‪ ،‬وذلك بتجدي���د الثقة ابتدا ًء بني قوى ال�سلطة واملعار�ضة‪،‬‬ ‫وجت�سي���د ثقافة التح���ول الدميقراطي‪� ،‬س���واء يف �إطار التكوين���ات الداخلية لكل‬ ‫ح���زب وتنظيم عل���ى حدة‪� ،‬أو يف �إط���ار العالقات البينية للأح���زاب �أو يف اجلهد‬ ‫امل�شرتك مع خمتلف امل�ؤ�س�سات املعنية بالتن�شئة ال�سيا�سية والرتبوية واالجتماعية‬ ‫والثقافية للإرتقاء بالوع���ي العام لدى عموم املواطنني باحلقوق والواجبات‪� ،‬إىل‬ ‫م�ست���وى ي�شعر في���ه املواطنون والأجيال الواع���دة باالقتدار ال�سيا�س���ي يف الت�أثري‬ ‫الإيجابي الفاعل واملتفاعل مع العمليات املجتمعية ال�شاملة‪ ،‬والتمكن من مواجهة‬ ‫خمتل���ف التحديات‪ ،‬وامل�شاركة يف م�س�ؤوليات النهو�ض الوطني ال�شامل‪ ،‬والت�سليم‬ ‫من قبل اجلميع ب�أن ق���در �شعبنا وقواه ال�سيا�سية واالجتماعية ومنظمات املجتمع‬ ‫امل���دين هو الت�ضامن والتكافل والتواد والت�سامح‪ ،‬وجعل وطننا واحة حب و�سالم‪،‬‬ ‫أمان‬ ‫ال مو�ض���ع فيه للتباغ�ض والتقاطع والتناحر‪ ،‬وطن يلتقي الكل على �أر�ضه يف � ٍ‬ ‫ورخ���اء‪ ،‬ير�س���ون بناء �ص���رح جمتمع متما�س���ك كالبنيان املر�صو����ص ي�شد بع�ضه‬ ‫بع�ض��� ًا‪ ،‬ويعي�ش���ون جتربته���م الدميقراطية يف كن���ف التفاهم والتع���اون واملودة‪،‬‬ ‫وي�صنعون حياة حرة كرمية تتعزز باالعتدال والو�سطية‪ ،‬والت�سامح والإقرار بحق‬ ‫الآخري���ن ومبب���د�أ �شرعية االخت�ل�اف‪ ،‬و�أدب االختالف‪ ،‬واحرتام ال���ر�أي والر�أي‬ ‫الآخ���ر‪ ،‬وتبني اال�ستمرار يف الإ�صالحات ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية وتفعيل الهيئة‬ ‫العليا ملحاربة الف�ساد‪ ،‬وا�شتغال اجلميع يف حماربة الف�ساد؛ فالف�ساد دمار التنمية‬ ‫وخ���راب العم���ران‪ ،‬والإلتفات �إىل تكري�س العمل يف مي���دان التنمية الب�شرية‪ .‬و�إذ‬ ‫ذاك �ستتب���دد كل االحتم���االت التي تذهب �إليها تكهنات احلال���ة امل�أزومة‪ ،‬وتزول‬ ‫كل املخاوف التي تتوقعها التحليالت الظنية يف �أن تغدو اليمن م�سرح ًا لتدخالت‬ ‫�إقليمية �أو دولية‪ ،‬ف�إنّ مين احلكمة والإميان مهما تعر�ضت للأزمات ف�إنها تو�شك‬ ‫على الإنفراج‪.‬‬ ‫عادل ال�شرجبي‪� :‬أرى �أنه من ال�سذاجة القول ب�أن امل�شاريع الدولية وحتديد ًا‬ ‫امل�ش���روع الأمريكي للإ�صالح يف اليمن نابع من توجه �إن�ساين خال�ص‪ ،‬و�أنه تعبري‬ ‫ع���ن التزام �إن�س���اين و�أخالقي‪ ،‬فهو بالت�أكيد مدف���وع مب�صلحة �أمريكية‪ ،‬مع ذلك‬ ‫فم���ن ال�شوفينية والدوجماطيقية �أن نقول ب�أنه ال يحقق �أي تقدم يف اجتاه حتقيق‬ ‫م�صال���ح املواطنني اليمني�ي�ن �إذا طبق ب�أ�سلوب منهجي عق�ل�اين مالئم‪ ،‬غري �أن‬ ‫تنفيذ هذا الربنامج �سيواجه برف�ض �شديد من قبل النخبة احلاكمة‪ ،‬التي �سوف‬ ‫تتعام���ل مع���ه تعام ًال انتقائي ًا‪ ،‬بحي���ث تتقبل اجلوانب ال�شكلية في���ه‪ ،‬وتلك التي ال‬ ‫ت�ؤدي �إىل تداول �سلمي لل�سلطة‪ ،‬و�ستقبل بالتنازل عن بع�ض م�صاحلها‪ .‬يف املقابل‬ ‫�س���وف تتنازل الواليات املتحدة عن الق�ضايا التي حتقق م�صالح املواطن اليمني‪،‬‬ ‫و�ست�ص���ر على الق�ضايا التي حتقق م�صاحلها‪ ،‬وهو ما يبدو وا�ضح ًا من التناق�ض‬ ‫املنهج���ي يف بني���ة امل�شروع (الأمريك���ي)‪ ،‬فبينم���ا يطالب ب�إ�صالح���ات اقت�صادية‬ ‫هيكلي���ة‪ ،‬ف�إن���ه يطالب بتغي�ي�رات جزئي���ة وبطيئة اجتماعي��� ًا و�سيا�سي��� ًا وثقافي ًا‪،‬‬ ‫و�سيخ�ض���ع امل�شروع يف الأخري للتفاو�ض والت�سوي���ة بني الإدارة الأمريكية والنخبة‬ ‫احلاكم���ة‪ ،‬بحيث يتالقيان عند �إهمال دور اجلماهري‪ ،‬وتنفيذ �إ�صالحات م�شوهة‬ ‫يغل���ب عليها الطابع ال�شكلي‪ ،‬ال حتقق �أهداف املجتمع‪ ،‬الأمر الذي يجعل املواطن‬ ‫اليمني واقع ًا بني “قمع الداخل وظلم اخلارج”‪.‬‬ ‫فالتحول الدميقراطي احلقيقي الذي يحرر املواطنني ويحقق �أهدافهم يتطلب‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪137‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫امل�ستديرة‬

‫املائدة‬

‫املائدة‬

‫عادل ال�ش��رجبي‪� :‬إن تقييم الدميقراطية وا�ست�شراف م�ستقبلها يف اليمن‪،‬‬ ‫يتطل����ب بداية �أن نع����رف الدميقراطي����ة‪ ،‬ونحدد �أهدافه����ا ووظائفه����ا و�آلياتها‪.‬‬ ‫فالدميقراطي����ة هي نظ����ام �سيا�سي يقوم على ملكية ال�شع����ب لل�سلطة‪ ،‬يف جمتمع‬ ‫تنظ����م فيه عملي����ة الو�ص����ول �إىل القوة (ال�سلط����ة‪ ،‬الرثوة والهيب����ة االجتماعية)‬ ‫وفق���� ًا ملب����د�أ التناف�س‪ ،‬ال وفق ًا للمكان����ة االجتماعية املوروث����ة‪ .‬يف �ضوء ذلك‪ ،‬ف�إن‬ ‫الدميقراطي����ة متث����ل و�سيل����ة �أو �آلي����ة لإدارة ال�ص����راع االجتماع����ي والتوفيق بني‬ ‫امل�صالح ال�سيا�سية‪ ،‬عرب التداول ال�سلمي لل�سلطة �أو تقا�سمها‪ ،‬ولي�ست غاية بحد‬ ‫ذاته����ا‪ ،‬وبالتايل ف�إن عملي����ة التحول الدميقراطي هي عملي����ة حتول منهجي من‬ ‫جمتم����ع الوراث����ة �إىل جمتمع املواطنة املت�ساوية‪ ،‬الذي يق����وم على عقد اجتماعي‬ ‫(د�ست����ور) ينظ����م العالقة ب��ي�ن املواطنني بع�ضهم م����ع البع�ض الأخ����ر‪ ،‬والعالقة‬ ‫بينه����م وب��ي�ن الدولة‪ ،‬وفق���� ًا ملب����ادئ امل�س����اواة‪ ،‬والتعددية‪،‬‬ ‫وتكاف�����ؤ الفر�����ص‪ ،‬ويعرتف بحق����وق املواطن��ي�ن يف التجمع‬ ‫م�ستقبل التجربة الدميقراطية يف‬ ‫والتنظي����م والتعب��ي�ر ع����ن �أ�صواته����م بحرية‪ ،‬وجه����از دولة‬ ‫اليمن وجناحها مرهون بح�ضور‬ ‫يكفل �إنفاذ القانون‪ ،‬يحمي حق����وق الأفراد‪ ،‬وينظم عملية‬ ‫�إرادة �سيا�سية تنت�صر على مكبالتها‬ ‫التناف�����س وفق ًا ملبادئ العقد االجتماع����ي والأطر القانونية‬ ‫واحتبا�سها‪ ،‬بحيث يتم االنتقال من‬ ‫ً‬ ‫وعظ الفا�سدين �إىل حما�سبتهم‬ ‫املكمل����ة له‪ ،‬ووفقا لإج����راءات قانونية يث����ق املواطنون بها‪،‬‬ ‫وعقابهم يف �إطار املحا�سبة وال�شفافية‬ ‫وجه����از ق�ضائ����ي م�ستقل يف�ص����ل يف النزاع����ات التي تقوم‬ ‫وحكم القانون‪ ,‬واالعرتاف باملعار�ضة‬ ‫ب��ي�ن املواطنني بع�ضهم مع البع�����ض الأخر‪ ،‬والتي تقوم بني‬ ‫ال�سيا�سية وح�ضور احلكم امل�ؤ�س�سي‬ ‫املواطنني والدولة‪.‬‬

‫�سلطة م���ن �سلطات الدولة‪ ،‬ويحقق توازن �سلطات الدول���ة‪ ،‬ويحول دون ممار�سة‬ ‫ب�شكل تع�سفي‪� ،‬أو حرم���ان املواطنني من‬ ‫الأف���راد الذي���ن ي�شغلون مواقع ال�سلط���ة ٍ‬ ‫حقوقهم ال�سيا�سية وحرياتهم املدنية‪.‬‬ ‫�إله��ام مان��ع‪� :‬أ�ستطيع اجل���زم ب�أن العام���ل الأقليمي وال���دويل ال ينف�صل عن‬ ‫املعطي���ات والأزم���ات الداخلية يف اليمن‪ .‬فاحل���رب القائمة يف �صع���دة �أ�صبحت‬ ‫�ش�أن ًا �إقليمي ًا‪ ،‬وانت�شار املد الوهابي ال�سلفي‪ ،‬ووجود ب�ؤر لتنظيم القاعدة الإرهابي‬ ‫�أدخ���ل اليم���ن يف دائرة احلرب الدولية القائمة �ض���د الأرهاب‪ .‬يف الواقع �أنا على‬ ‫قناعة ب�أن عالج هذه الأزمات الداخلية يتطلب تعاون ًا ميني ًا مع الأطراف الأقليمية‬ ‫والدولية‪� .‬إدماج اليمن يف جمل�س التعاون اخلليجي �أراه �ضروري ًا كي يتمكن اليمن‬ ‫من تطوير هياكله الإدارية واالقت�صادية والرتبوية وال�صحية ب�صورة تتما�شى مع‬ ‫�إحتياج���ات ال�شعب اليمني‪ ،‬وتقطع الطريق يف الوقت ذاته �أمام املتطرفني الذين‬ ‫ُيجريون الفقر وان�سداد الأفق �أمام املواطن اليمني ل�صالح �أهدافهم‪.‬‬ ‫ه���ذا العالج يتطلب �أي�ض ًا التعامل مع الآزمات القائمة يف اجلنوب و�صعدة على‬ ‫�أنه���ا �إنعكا�س ملطالب اجتماعي���ة و�شعبية حقيقية‪ ،‬ولي�ست افتع���ا ًال‪ ،‬و�أن التحدي‬ ‫الفعل���ي ه���و �إيجاد حلول �صادقة له���ذه املطالب وتلبيتها قب���ل �أن تخرج عن نطاق‬ ‫ال�سيط���رة‪ .‬و�أخ�ي�ر�أ‪ ،‬التع���اون الأمن���ي م���ع الواليات املتح���دة ال يعن���ي جتاهل �أن‬ ‫التط���رف يتغ ّذى عل���ى الفقر واجلهل‪ ،‬و�أن مواجتهه ت�ستل���زم خطة تنموية �شاملة‬ ‫يتحتم على املجتمع الدويل امل�شاركة يف متويلها‪ ،‬وعلى احلكومة اليمنية �أن تلتزم‬ ‫بعدم �إهدار تلك الأموال ب�سبب الف�ساد امل�ست�شري يف الدوائر احلكومية‪.‬‬ ‫مدارات �إ�س�تراتيجية‪ :‬كيف تنظرون �إىل م�ستقبل عملية‪ /‬جتربة‬ ‫التحول الدميقراطي يف اليمن‪ ،‬وما هي �أهم �إيجابيات و�س��لبيات هذه‬ ‫التجربة‪ ،‬وهل �س��يتمكن الفاعلون ال�سيا�س��يون احلاليون يف البلد من‬ ‫‪138‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫وبالنظ����ر �إىل عملية التح����ول الدميقراطي التي �شهدتها‬ ‫اليمن منذ عام ‪ ،1990‬فقد مت �صياغة د�ستور (رغم النواق�ص التي يعانيها) يفي‬ ‫باملبادئ العامة للد�ساتري الدميقراطية‪ ،‬وعلى م�ستوى الواقع �شهدت البالد حتو ًال‬ ‫باجتاه احرتام ن�سبي لبع�ض احلريات الدميقراطية‪ ،‬ومنها حرية التنظيم‪ ،‬حيث‬ ‫ي���زاول ‪ 22‬حزب ًا وتنظيم ًا �سيا�سي��� ًا ن�شاط ًا قانوني ًا‪ ،‬وقد نفذت اليمن ثالث دورات‬ ‫انتخابي���ة برملانية ودورت���ان انتخابيتان رئا�سيتان ودورت���ان انتخابيتان حمليتان‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغم م���ن �أهمية ه���ذه التح���والت �إىل �أن الدميقراطي���ة اليمنية ال زالت‬ ‫ناق�ص���ة‪ ،‬ومل حتق���ق �أهدافها‪ ،‬يف حت�س�ي�ن �أحوال املواطن�ي�ن‪ ،‬وحتقيق اال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�س���ي‪ ،‬بل على العك�س متام ًا‪ ،‬فقد تزام���ن مع التحول الدميقراطي تزايد يف‬ ‫مع���دالت انت�شار الفق���ر‪ ،‬وعدم اال�ستق���رار والعنف ال�سيا�س���ي‪ ،‬وانت�شار الإرهاب‬ ‫املوجه نحو الداخل واخلارج‪ ،‬واحلروب الأهلية‪.‬‬ ‫لي�س���ت الدميقراطي���ة م�سئول���ة عن هذه الأو�ض���اع ب�أي حال من الأح���وال‪� ،‬إمنا‬ ‫امل�سئول عنها هو الطريقة والأ�سلوب الذي نفذت به التحوالت الدميقراطية‪ ،‬حيث‬ ‫اقت�ص���رت عملية التحول الدميقراطي على املجال ال�سيا�سي‪ ،‬ومل ت�شمل املجاالت‬ ‫االجتماعي���ة والثقافي���ة واالقت�صادي���ة‪ ،‬ب���ل على العك����س تعاظم حتي���ز توجهات‬ ‫النظ���ام ال�سيا�س���ي للنخب االجتماعي���ة التقليدي���ة‪ ،‬وبرامج التنمي���ة التي نفذت‬ ‫واجل���اري تنفيذها‪ ،‬ت�صب يف �صاحله���ا‪ ،‬ومل ي�ستفيد منها املواطن���ون العاديون‪.‬‬ ‫فقد مت التحول نح���و دميقراطية عقيمة تقف عند حدود احلريات‪ ،‬وال تتجاوزها‬ ‫�إىل جم���ال احلقوق‪ ،‬وبالتايل فهي تعجز عن حتقيق �أهدافها‪ ،‬بل ال ت�ستطيع �أداء‬ ‫وظائفها الأ�سا�سية‪ ،‬فف� ً‬ ‫ضال عن عدم حتقيق هدف التداول ال�سلمي لل�سلطة ف�إنها‬ ‫مل ت�ستط���ع �ضم���ان املواطنة املت�ساوية‪ ،‬واحرتام حق���وق املواطنني الأ�سا�سية‪ ،‬ومل‬ ‫تعمل على تكري�س التعددية ال�سيا�سية احلقيقية (ولي�س التعددية التنظيمة)‪ ،‬ومل‬ ‫ت�ستطع حتقيق ال�شعور بالأمن لدى املواطن‪.‬‬

‫امل�ستديرة‬

‫تنفي���ذ عملية �إ�صالح �شامل‪ ،‬مبا ي�ضمن التحول نح���و جمتمع املواطنة املت�ساوية‪،‬‬ ‫ف�ل�ا يكفي �أن يكون امل�سئولون العموميون منتخبون حتى يو�صف النظام ال�سيا�سي‬ ‫ب�أن���ه نظ���ام دميقراطي‪ ،‬ب���ل ينبغي �إح���داث �إ�ص�ل�اح ت�شريعي يكر����س امل�ساواة‪،‬‬ ‫و�إ�صالح اقت�صادي ميكن جميع املواطنني من الو�صول �إىل املوارد‪ ،‬وي�ؤ�س�س لنظام‬ ‫اقت�صادي يقوم على حرية ال�سوق واملناف�سة الكاملة‪ ،‬ويح�ضر على �شاغلي املواقع‬ ‫ال�سيا�سية ممار�سة الأعمال التجارية واملقاوالت‪ ،‬و�إ�صالح �سيا�سي ميكن اجلميع‬ ‫من امل�شارك���ة يف �إدارة ال�ش�أن العام‪ ،‬ومن مراقب���ة ت�صرفات احلكام وم�سائلتهم‬ ‫وحما�سبته���م‪ ،‬و�إ�صالح اجتماعي وثقايف يكر�س م���ا ي�سمى مبجتمع الثقة‪ ،‬ويطور‬ ‫ر�أ�س املال االجتماعي‪ ،‬يقوم على تنظيمات اجتماعية �إدماجية ‪ ،Inclusive‬متكن‬ ‫اجلمي���ع من امل�شاركة يف خمتلف �أن�شطة املجتمع‪ ،‬و�إ�صالح م�ؤ�س�سي يكفل الف�صل‬ ‫ب�ي�ن ال�سلط���ات ومتايزها وتوازنه���ا‪ ،‬واحليلولة دون تركيزه���ا‪ ،‬وو�ضع حدود لكل‬

‫حتقيق تقدم مهم يف العملية الدميقراطية؟‬

‫والفكري واملذهبي‪ ,‬وال تت�سامح جتاهه!‬ ‫�إ�ضافة �إىل �إ�شكالية ا�ستنزاف �شرعية الوحدة دون االنتقال �إىل �شرعية االجناز‬ ‫والأداء‪ .‬واخل�شي���ة هنا من نفاذ املخ���زون العاطفي لدى ال�شع���ب اليمني الواحد‪,‬‬ ‫فتغدو الوحدة اليمنية يف خطر حمدق وحقيقي‪ .‬كما �أن من مواطن �ضعف التجربة‬ ‫اليمنية ركون “النهج الدميقراطي اليمني” �إىل ثقافة �أهل ال�سيف‪ ,‬و�شيوع ظاهرة‬ ‫االقتت���ال وا�ستمرار احلروب اليمنية ‪ -‬اليمنية‪ ,‬وكراهية امل�ؤ�س�سية لدى املمار�سني‬ ‫ال�سيا�سي�ي�ن اليمنيني وغياب ثقافة الت���داول ال�سلمي لل�سلطة‪ ,‬وعدم تبادل الأدوار‬ ‫و�ضعف املعار�ضة ال�سيا�سية وح�صارها‪.‬‬ ‫�إن م�ستقب���ل التجربة الدميقراطي���ة يف اليمن وجناحها مره���ون بح�ضور �إرادة‬ ‫�سيا�سي���ة تنت�ص���ر عل���ى مكبالته���ا واحتبا�سه���ا‪ ،‬بحي���ث يت���م االنتق���ال من وعظ‬ ‫الفا�سدي���ن �إىل حما�سبتهم وعقابهم يف �إطار املحا�سبة وال�شفافية وحكم القانون‪,‬‬

‫�إله��ام مانع‪ :‬بر�أيي �أن امل�ستقبل يعتمد علين���ا‪ .‬نحن‪� .‬إذا �إ�ستمرت الأمور على‬ ‫حاله���ا اجل���اري ف�إن التجرب���ة الدميقراطية ل���ن ت�ستمر‪ ،‬بل لن �أ�ستغ���رب �إذا ما‬ ‫و�صلن���ا �إىل مرحلة نعيد فيه���ا �أ�سلوب االنتخابات ال���ذي كان جاري ًا قبل الوحدة‪،‬‬ ‫انتخاب���ات بال نتائج‪ .‬لكن ا�ستمرار الأمور على ما ه���و عليه الآن لن ي�ؤدي �إال �إىل‬ ‫حتقي���ق ال�سيناريو الأول الذي توقعه التقرير العربي للتنمية الب�شرية لعام ‪،2004‬‬ ‫وال���ذي �أ�سماه بالكارثة القادم���ة‪ ،‬لأن بقاء احلال على ما هو عليه �سيتمخ�ض عنه‬ ‫�إنفجار الأزمات القائمة حالي ًا ب�صورة ي�صعب معها ال�سيطرة على الأمور‪ ،‬وب�شكل‬ ‫قد يهدد كيان الدولة القائم حالي ًا ووحدتها‪.‬‬ ‫الفاعل���ون ال�سيا�سيون احلاليون‪� ،‬سواء من هم يف ال�سلطة او املعار�ضة يف البلد‪،‬‬ ‫ميار�سون لعبة البقاء يف احلكم‪ ،‬وهي لعبة ميار�سها كافة الفاعلني يف بلدان العامل‬ ‫العرب���ي‪ .‬و�أجد من ال�صعوبة توقع حتقيق تقدم مه���م يف العملية الدميقراطية مع‬ ‫ا�ستم���رار هذه اللعب���ة‪ ،‬وامل�صالح املرتبطة به���ا‪ .‬كي يحدث‬ ‫مثل هذا التقدم‪ ،‬يتوجب يف الواقع �أن ي�ؤمن ه�ؤالء الفاعلون‬ ‫الدميقراطية اليمنية ال زالت ناق�صة‪،‬‬ ‫بجدوى التجربة الدميقراطية و�أن ي�ؤمنوا ب�أهدافها‪ ،‬وهو ما‬ ‫ومل حتقق �أهدافها يف حت�سني �أحوال‬ ‫�أ�ستبعده‪.‬‬

‫املواطنني‪ ،‬وحتقيق اال�ستقرار ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫بل على العك�س متاماً‪ ،‬فقد تزامن مع‬ ‫التحول الدميقراطي تزايد يف معدالت‬ ‫انت�شار الفقر‪ ،‬وعدم اال�ستقرار‬ ‫والعنف ال�سيا�سي‬

‫حمم��د الظاه��ري‪� :‬إذا كان ل���كل جترب���ة �سيا�سي���ة‬ ‫مواط���ن ق���وة‪ ,‬ومواطن �ضعف فيمكن الق���ول �إن ثمة جوانب‬ ‫قوة (�إيجابيات) للتجرب���ة اليمنية‪ ،‬وباملقابل هناك مواطن‬ ‫�ضعف (�سلبيات) لهذه التجربة اليمنية‪ .‬فمن �أهم �إيجابيات‬ ‫التجربة ال�سيا�سية اليمنية ومواطن قوتها‪:‬‬ ‫ �إن اليم���ن ق���د عرفت �أول جتربة برملاني���ة نزيهة ن�سبي ًا‪,‬‬‫وحتدي���د ًا االنتخاب���ات النيابي���ة الت���ي �أجري���ت يف ني�سان‪�/‬أبري���ل ع���ام ‪،1993‬‬ ‫واالنتخاب���ات الرئا�سي���ة الأخرية ع���ام ‪ 2006‬والتي ات�سم���ت مبناف�سة وا�ضحة‪،‬‬ ‫حي���ث جعلت بع�ض املراقبني (�س���واء �أكانوا عرب ًا �أم �أجان���ب) ال يخفون �إعجابهم‬ ‫وا�ستغرابه���م من قي���ام تعددية حزبي���ة وانتخابات يف جمتمع يو�ص���ف بالتقليدية‬ ‫والقبلية‪.‬‬ ‫ قي���ام احلكومات اليمنية املتعاقبة بدعوة مراقبني دوليني ملراقبة االنتخابات‪,‬‬‫�سواء �أكانت برملاني���ة �أو انتخابات رئا�سية وحملية‪ ،‬فهي انتخابات تحُ اكي اخلارج‬ ‫دون خوف �أو تخ ّفي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويف ه���ذا ال�سياق‪ ,‬ميك���ن التنوي���ه والتذكري والتحذي���ر معا ب�أن الوط���ن اليمني‬ ‫املوحد مل يعد يحتمل الف�ساد والظلم والوحدة مع ًا؛ فالواقع االجتماعي وال�سيا�سي‬ ‫مل يع���د مهيئ ًا لقبول الوحدة دون دميقراطية‪ ,‬لأنهما �أ�صبحتا وجهني لكيان وطني‬ ‫ميني دميقراطي واحد‪ .‬فال دميقراطية مع ت�شطري وانف�صال‪ ,‬وال وحدة مع ف�ساد‬ ‫وا�ستب���داد‪ .‬كما يتعني التذكري ب�أن ات�س���اع الوطن اليمني بعد توحيده يعد من �أهم‬ ‫م�صادر �شرعية النخبة احلاكمة القائمة‪ ,‬وبالتايل ف�إن كلفة حماولة تهمي�ش النهج‬ ‫الدميقراط���ي �أو تغييب���ه قد ي�ؤدي على املدى املتو�س���ط والطويل �إىل متزيق الوطن‬ ‫وجتزئت���ه‪ ,‬وهذا يفرت�ض �أال يقب���ل به احلاكم الذي يعت�ب�ر املحافظة على الوحدة‬ ‫اليمنية من �أهم املنجزات التاريخية حلكمه‪.‬‬ ‫�أم���ا �أهم مواطن �ضعف التجربة اليمنية (�سلبياتها) فتتمثل يف �أنها دميقراطية‬ ‫ترك���ن �إىل توازن اجتماعي ُم�سي�س‪ ,‬حيث تت�س���م البيئة املجتمعية اليمنية بالتنوع‪,‬‬ ‫�إال �أن ه���ذا التنوع كثري ًا ما ي�ستقطب وي�سي����س يف ثنائيات نزاعية ت�ساهم يف عدم‬ ‫اال�ستق���رار ال�سيا�سي واالجتماعي‪ .‬كما �أن ه���ذه التجربة (�أو التوجه الدميقراطي‬ ‫اليمن���ي) ي�ستند �إىل ثقافة ث�أرية ا�ستبعادية تفتقر �إىل االعرتاف بالأخر ال�سيا�سي‬

‫واالع�ت�راف باملعار�ض���ة ال�سيا�سية وح�ضور احلكم امل�ؤ�س�س���ي‪ ,‬وا�ستقالل الق�ضاء‪,‬‬ ‫واالنتق���ال من ال�شع���ار �إىل املمار�سة‪ ,‬ومن النظر �إىل الوظيفي���ة العامة من كونها‬ ‫للحكمة‬ ‫مغنم ًا �إىل �أنها مغن ٌم ومغر ٌم مع ًا‪ .‬ف�إذا ح�ضر كل مما �سبق نكون قد �أعدنا‬ ‫العمراين‬ ‫اليماني���ة اعتبارها‪ ,‬وللدولة اليمنية قوته���ا‪ ,‬وللمجتمع اليمني ا�ستقراره و�سعادته‪.‬‬ ‫في�صلح الأمر من كل جانب‪.‬‬ ‫�أحمد الأ�ص��بحي‪ :‬ال�شك �أنّ حر�ص جميع الق���وى ال�سيا�سية واالجتماعية يف‬ ‫ال�ساحة الوطنية عل���ى الإلتزام بالنهج الدميقراطي التعددي الذي ارت�ضاه �شعبنا‬ ‫بكل فئاته و�شرائحه وقواه ال�سيا�سية واالجتماعية وث ّبتوه حق ًا �أ�سا�سي ًا يف الد�ستور‪،‬‬ ‫وف�صل���وه يف القوان�ي�ن‪ ،‬وذهب���وا ميار�س���ون ه���ذا احلق عل���ى �أ�سا�س م���ن التجربة‬ ‫ّ‬ ‫واخلط�أ‪ ،‬وما جنم عنها من خربة مكت�سبة‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عما حتقق من معرفة تراكمية‪،‬‬ ‫والتف���ات �إىل �ضرورة ن�شر ثقافة التحول الدميقراطي؛ كل ذلك يجعلنا ننظر بعني‬ ‫الأمل والتفا�ؤل �إىل �صناعة م�ستقبل �أكرث تفاع ًال و�إثراء ًا للتجربة الدميقراطية‪.‬‬ ‫ولق���د �أ�ش���رت يف مداخالتي الث�ل�اث �آنف���ة الذكر ب�ص���ورة �أو ب�أخ���رى �إىل �أهم‬ ‫�إيجابي���ات و�سلبيات التجرب���ة الدميقراطية‪ ،‬و�أنّ ما يعت���ور التجربة من معوقات‪،‬‬ ‫وم���ا يحدث فيها من �سلبيات ال ت�شينها‪ ،‬وال توقف امل�سرية الدميقراطية‪ ،‬بل تدعو‬ ‫اجلمي���ع �إىل تنظي���م جهودهم ملواجهته���ا‪ ،‬والعمل على جتاوزه���ا و�إ�صحاح م�سار‬ ‫احلي���اة الدميقراطية‪ .‬وكلنا �أم���ل يف �أن يعقد الفاعل���ون ال�سيا�سيون احلاليون ك ٌل‬ ‫عل���ى ح���دة‪ ،‬م�صارحة مع ال���ذات �أو ًال‪ ،‬وعق���د مراجعة مو�ضوعي���ة لتقييم الو�ضع‬ ‫الراه���ن‪ ،‬ومدى �إ�سهامه يف ما يجري يف ال�ساحة الوطني���ة �سلب ًا و�إيجاب ًا‪ ،‬وحتديد‬ ‫موا�ض���ع اخللل‪ ،‬لي�سهل على اجلميع بعد ذل���ك تبني مطالب امل�ستقبل‪ ،‬وعقد حوار‬ ‫وطني ج���اد وم�سئول يف�ضي �إىل عقد اجتماعي يتواثق���ون عليه‪ ،‬ويبنون براجمهم‬ ‫امل�ستقبلية التي يحققون بها تقدم ًا متميز ًا يف العملية الدميقراطية‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪139‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫املائدة امل�ستديرة‬

‫ب�صراحــة‬

‫�سج ــال‬

‫اليمن وطموحــــــــــــها اخلليجي‬

‫‪1‬‬ ‫ال بديل عن ان�ضمام اليمن ملجل�س التعاون‬ ‫مثل��ت الدورة ال�س��ابعة ع�ش��ر مل�ؤمتر القمة اخلليج��ي املنعقد بالعا�ص��مة القطرية الدوح��ة يف كانون الأول‪/‬‬ ‫دي�سمرب ‪ 1996‬نقطة حتول رئي�سية يف عالقة اليمن بدول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬حيث تقدمت‬ ‫اليمن ولأول مرة ب�ص��ورة ر�س��مية بطلب االن�ض��مام �إىل جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية على الرغم من‬ ‫مرور �س��تة ع�ش��ر �سنة منذ ت�أ�س��ي�س املجل�س يف ‪� 25‬أيار‪/‬مايو ‪ ،1981‬و�إن كان ت�أخر اليمن يف طلب االن�ضمام �إىل‬ ‫املجل�س ال يعني بال�ضرورة �أن اليمن كانت زاهدة يف ع�ضوية املجل�س خالل الفرتة املا�ضية‪.‬‬

‫من�صور علي الب�شريي‬ ‫وعلى الرغم من رف�ض دول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية طلب‬ ‫اليم���ن لالن�ضم���ام �إىل املجل�س املق���دم يف قمة الدوح���ة ب�صورة قطعية‬ ‫ومبا�ش���رة‪ ،‬لك���ن الأمور تغريت يف ال�سن���وات القليلة املا�ضي���ة‪� ،‬إذ �أقرت‬ ‫قم���ة م�سقط الثانية والع�شرين لقادة دول جمل�س التعاون اخلليجي عام‬ ‫‪ 2001‬ا�ستيع���اب اليمن ب�صورة تدريجي���ة يف البيت اخلليجي‪ ،‬من خالل‬ ‫االن�ضم���ام �إىل ع�ضوية كل من مكتب الرتبية وال�صحة والعمل وال�ش�ؤون‬ ‫االجتماعي���ة ودورة ك�أ�س اخللي���ج‪� ،‬أ�ضف �إىل ذلك الق���رارات الالحقة‬ ‫يف ال�سن���وات التالي���ة والتي �أق���رت ان�ضم���ام اليمن �إىل هيئ���ة التقيي�س‬ ‫اخلليجية‪ ،‬ومنظمة اخلليج لال�ست�شارات ال�صناعية‪ ،‬واحتاد ال�صحافة‬ ‫اخلليجية‪ ،‬الأمر الذي ميهد الن�ضمام اليمن �إىل بقية منظمات وهيئات‬ ‫املجل�س التخ�ص�صية‪.‬‬ ‫ويرج���ع التغري يف املوقف اخلليجي جت���اه اليمن �إىل عدد من الأ�سباب‬ ‫واملتغريات الداخلي���ة واخلارجية و�إن كان �أبرزه���ا التوقيع على اتفاقية‬ ‫تر�سي���م احلدود مع اململكة العربي���ة ال�سعودية يف حزيران‪/‬يونيو ‪،2000‬‬ ‫والت���ي �أنهت قرابة ‪ 60‬عام ًا من ال�ص���راع اخلفي بني اليمن وال�سعودية‪،‬‬ ‫وم ّهدت الطريق ال�ستئناف ال�سعودية دعمها لليمن بعد قطيعة ا�ستمرت‬ ‫ع�شر �سنوات كاملة‪.‬‬ ‫�إن عملية ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي قد خلقت جد ًال‬ ‫وا�سع��� ًا يف �أو�ساط املفكرين و�صناع القرار لي�س يف اليمن فح�سب‪ ،‬و�إمنا‬ ‫يف منطقة اجلزيرة واخلليج واملنطق���ة العربية نظر ًا لأهمية وح�سا�سية‬ ‫‪140‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ه���ذا املو�ض���وع بالن�سبة لكل م���ن اليمن ودول جمل����س التعاون اخلليجي‬ ‫على حد �سواء‪ .‬وميكن اخت�صار ذلك اجلدل يف وجهتي نظر رئي�سيتني‪:‬‬ ‫الأوىل‪ ،‬وه���ي الأع���م والأ�شم���ل‪ ،‬تنطلق م���ن �أهمية ان�ضم���ام اليمن �إىل‬ ‫جمل����س التع���اون ل���دول اخللي���ج العربي���ة نظر ًا مل���ا يربط اليم���ن بدول‬ ‫املجل����س من عالقات وروابط م�شرتكة‪� ،‬س���وا ًء يف اجلوانب االقت�صادية‬ ‫�أو اجلوان���ب ال�سيا�سي���ة والأمني���ة واالجتماعي���ة‪� ،‬إىل جان���ب املكا�س���ب‬ ‫الت���ي �ستجنيها كل من اليمن ودول اخلليج ج���راء عملية االن�ضمام‪� .‬أما‬ ‫وجهة النظر الثانية ف�ت�رى ا�ستحالة ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون‬ ‫اخلليج���ي‪ ،‬و�إن كان امل�ؤيدين لها �أقلية �سوا ًء يف اليمن �أو يف دول اخلليج‬ ‫العربية‪ ،‬وميكن القول �أن �أغلب مقوالتها تنبع من معطيات �صحيحة من‬ ‫الناحي���ة النظري���ة‪ ،‬وتنطلق من اختالف النظ���ام ال�سيا�سي اليمني عن‬ ‫الأنظمة ال�سيا�سية اخلليجية‪� ،‬إىل جانب الفوارق االقت�صادية والتنموية‬ ‫الكبرية بني اجلانبني‪.‬‬ ‫من ناحية ثانية‪ ،‬وبتقييم م�ستوى االجنازات مل�سرية التعاون اخلليجي‬ ‫خ�ل�ال ‪ 29‬عام��� ًا هي عم���ر جمل�س التع���اون اخلليجي‪ ،‬ي���رى العديد من‬ ‫الباحث�ي�ن املهتم�ي�ن بال�ش�أن اخلليج���ي �أن جمل�س التع���اون لدول اخلليج‬ ‫العربية منظم���ة فا�شلة على امل�ستوى التنم���وي وميكن اعتبارها منظمة‬ ‫�سيا�سي���ة قائمة بعوام���ل خارجية ولي�س وفق معطي���ات حملية نابعة من‬ ‫م�صال���ح م�شرتكة للدول املكونة للمجل�س‪ ،‬وعليه ف�إنه من الأجدى لليمن‬ ‫البحث عن منظمة �إقليمية �أخرى لالن�ضمام �إليها‪ ،‬و�أن تعزيز عالقاتها‬ ‫من�صور الب�شريي باحث ميني‪ .‬يعمل حالي ًا مدير ًا عام ًا للدرا�سات‬ ‫االقت�صادية بوزارة التخطيط والتعاون الدويل‪.‬‬

‫الثنائية مع دول املجل�س �ست�ؤمن لليمن احتياجاتها ومتطلباتها التنموية‬ ‫التي ترجوها من �سعيها لالن�ضمام �إىل املجل�س‪.‬‬ ‫وم���ع �صحة الأ�س�س واالفرتا�ضات الت���ي بنى عليها كل طرف ر�ؤيته من‬ ‫عملية ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي‪� ،‬إال �أننا نرى �أهمية‪،‬‬ ‫ب���ل �ض���رورة ان�ضمام اليمن �إىل ه���ذا الكيان الإقليمي‪ ،‬نظ���ر ًا ملا يربط‬ ‫اليمن ودول اخلليج العربي���ة من روابط الن�سب والدين واللغة والعادات‬ ‫والتقالي���د امل�شرتكة والتاريخ امل�شرتك‪ ،‬والت���ي بدورها جتعل من اليمن‬ ‫وحميطها اخلليجي وحدة ثقافية واقت�صادية واجتماعية واحدة‪� .‬أ�ضف‬ ‫�إىل ذل���ك‪ ،‬املكا�سب االقت�صادي���ة والأمنية التي �ستجنيه���ا اليمن ودول‬ ‫اخلليج العربية على حد �سواء من عملية االن�ضمام‪.‬‬ ‫واحلال �أن ان�ضمام اليمن �إىل ع�ضوية جمل�س التعاون اخلليجي يحتل‬ ‫�أهمي���ة �إ�سرتاتيجية كبرية بالن�سبة لليمن‪ ،‬نظر ًا ملا ميكن �أن يحققه من‬ ‫فوائ���د اقت�صادي���ة وتنموية عديدة لليم���ن‪ ،‬بل ميكن الق���ول �أن اندماج‬ ‫االقت�ص���اد اليمني يف حميط���ة اخلليجي يعد �أحد �أه���م �أبرز التوجهات‬ ‫التنموي���ة التي ينبغي �أن تنتهجها احلكومة اليمنية يف م�سريتها التنموية‬ ‫خالل الفرتة املقبلة‪� ،‬إىل جانب توجهاتها التنموية الرئي�سية املتمثلة يف‬ ‫زيادة معدالت النمو االقت�صادي وتنويع م�صادره والتخفيف من الفقر‪،‬‬ ‫ويرجع ذلك �إىل عدد من العوامل �أهمها‪:‬‬ ‫‪ .1‬النم���و ال�سكاين الكبري الذي تعاين منه اليم���ن‪ ،‬والذي يفرز مئات‬ ‫الآالف م���ن الق���وى العامل���ة الداخل���ة �سنوي��� ًا �إىل �سوق العم���ل اليمني‪،‬‬ ‫وب�ص���ورة تف���وق �إمكاني���ات االقت�صاد املحل���ي على ا�ستيعابه���م وتوفري‬ ‫فر����ص العم���ل الكافية له���م‪� .‬إذ ت�شري العدي���د من التقاري���ر احلكومية‬ ‫�إىل دخ���ول ح���وايل ‪� 200‬ألف فرد جدي���د �إىل �سوق العم���ل �سنوي ًا‪ ،‬يوفر‬ ‫اجله���از احلكومي ما ب�ي�ن ‪� 12 – 10‬ألف فر�صة عم���ل �سنوية‪ ،‬فيما يوفر‬ ‫القط���اع اخلا�ص عدد ًا حمدود ًا من فر�ص العمل‪ ،‬وبالتايل ف�إن ما يولده‬ ‫االقت�ص���اد الوطني �سنوي ًا من فر�ص عم���ل �أقل بكثري من عدد الداخلني‬ ‫اجلدد �إىل �سوق العمل‪ ،‬مبعنى وجود �إ�ضافات �سنوية ومتتالية من القوى‬ ‫العامل���ة �إىل �صفوف العاطل�ي�ن‪ .‬وت�شري تلك التقاري���ر �إىل بلوغ معدالت‬ ‫البطال���ة ب�شقيه���ا ال�صريحة واجلزئية حوايل ‪ %35‬م���ن �إجمايل القوى‬ ‫العامل���ة يف االقت�صاد‪ ،‬وترتفع يف الفئة العمرية ‪� 25 - 15‬سنة �إىل حوايل‬ ‫‪ .%53‬وبن���ا ًء عليه ف�إن ان�ضم���ام اليمن �إىل جمل�س التعاون لدول اخلليج‬ ‫العربي���ة كفي���ل بحل جزء كب�ي�رة من م�شكل���ة البطالة يف اليم���ن‪� ،‬سوا ًء‬ ‫م���ن خالل ال�سماح للعمالة اليمني���ة باالنتقال �إىل ال�سوق اخلليجية التي‬ ‫تعاين من نق�ص حاد يف العمالة الوطنية‪ ،‬وزيادة تدفق العمالة الأجنبية‬

‫(الآ�سيوي���ة) وما �أحدثته من خلل يف الرتكيب���ة ال�سكانية لدول املجل�س‪،‬‬ ‫حيث �أ�صبح ال�سكان املحليون يف بع�ض دول اخلليج العربية ميثلون �أقلية‬ ‫داخ���ل بلدانه���م (‪ %20‬يف الإم���ارات‪ %21 ،‬يف قط���ر‪ %34 ،‬يف الكويت)‬ ‫وه���ذا الو�ضع ميثل خط���ورة م�ستقبلية على �أم���ن وا�ستقرار هذه الدول‪.‬‬ ‫كم���ا ميك���ن �أن ي�ساهم ان�ضمام اليمن �إىل جمل����س التعاون اخلليجي يف‬ ‫ح���ل م�شكلة البطالة من خالل زي���ادة اال�ستثمارات اخلليجية يف اليمن‪،‬‬ ‫وما يرتتب على ذلك من زيادة معدالت الت�شغيل يف االقت�صاد‪.‬‬ ‫‪ .2‬حمدودي���ة �إمكاني���ات اليمن املالي���ة والتقنية الت���ي ت�ؤهلها لإحداث‬ ‫نه�ض���ة تنموية �شاملة ت�ساه���م يف التخفيف من حدة امل�ش���اكل التنموية‬ ‫الكب�ي�رة التي تع���اين منها اليمن‪ ،‬وعل���ى ر�أ�سها الفق���ر والأمية‪ ،‬وتدين‬ ‫م�ست���وى اخلدمات العامة‪ ،‬وبالتايل ف�إنه ال غن���ى لليمن عن الإمكانيات‬ ‫املالي���ة اخلليجي���ة للخروج م���ن �أزماتها املتداخلة‪ ،‬وميك���ن �أن يتم ذلك‬ ‫م���ن خالل قيام ال���دول اخلليجية بتمويل م�شاري���ع التنمية التي تنفذها‬ ‫احلكومة يف القطاعات االقت�صادية املختلفة‪.‬‬ ‫‪ .3‬تدين معدالت النمو االقت�صادي املتحققة خالل ال�سنوات املا�ضية‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سي���اق‪ ،‬ف�إن الدعم اخلليجي املبا�شر‪� ،‬إىل جانب توجيه جزء‬ ‫من اال�ستثمارات اخلليجية نحو اال�ستثمار يف اليمن كفيل برفع معدالت‬ ‫النمو االقت�صادي وحت�سني م�ستويات الدخول الفردية يف اليمن وحتقيق‬ ‫الأه���داف التنموية املن�شودة‪ ،‬مع العل���م �أن االقت�صاد اليمني يحتوي يف‬ ‫داخله على الكثري من الفر�ص اال�ستثمارية املجدية واملغرية لر�أ�س املال‬ ‫اخلليجي‪.‬‬ ‫‪� .4‬إن ارتباط ال���دول اخلليجية مبنطقة جتارة حرة منذ الثمانينيات‪،‬‬ ‫وباحت���اد جمرك���ي منذ الع���ام ‪ ،2003‬يعني الدخول �ضم���ن �سوق واحدة‬ ‫ومفتوح���ة‪ ،‬وبالتايل ف����إن ان�ضمام اليم���ن �إىل ع�ضوية جمل����س التعاون‬ ‫�سيمث���ل فر�ص���ة كبرية لليم���ن لال�ستفادة م���ن �إمكانيات وق���درات هذا‬ ‫ال�سوق‪ ،‬من خالل زيادة قدراتها الإنتاجية الداخلية ويعزز من مقدرتها‬ ‫التناف�سي���ة‪ ،‬مع العلم �أن دول جمل�س التع���اون لدول اخلليج العربية تعد‬ ‫ال�س���وق اخلارجية الرئي�سية ال�ستيعاب ال�صادرات اليمنية غري النفطية‬ ‫واملتمثلة يف املنتجات الزراعي���ة وال�سمكية‪ ،‬كما متثل ال�شريك التجاري‬ ‫لليمن يف جمال الواردات‪.‬‬ ‫من ناحية �أخرى‪ ،‬ميكن الق���ول �أن ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون‬ ‫ل���دول اخللي���ج العربية ميث���ل �إ�ضافة نوعي���ة بالن�سبة ملفه���وم الأمن يف‬ ‫منطق���ة اخلليج مبا له م���ن انعكا�سات على الأمن ال���دويل‪� .‬إذ �أن املوقع‬ ‫اجلغرايف لليمن ميثل �أهمي���ة ا�سرتاتيجية للأمن اخلليجي‪ ،‬كونه ميكن‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪141‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�سجال‬

‫اليمن وطموحــــــــــــها اخلليجي‬ ‫�أن ي�سهم يف حل العديد من امل�شاكل اجليوبوليتيكية التي قد تعاين منها جت���اه منطقة اخللي���ج‪� ,‬أو قد تكون م�صدر القل���ق الأ�سا�سي لها؛ وعليه‪,‬‬ ‫ال���دول اخلليجية‪ ،‬وعل���ى ر�أ�سها ت�أمني خط �آمن لنق���ل النفط اخلليجي ف����إن ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية‪ ,‬ودخولها‬ ‫بعي���د ًا عن م�ضيق هرمز‪ ,‬والتهديدات الإيرانية املتكررة ب�إغالق م�ضيق يف منظوم���ة �أمنية موحدة مع الدول اخلليجي���ة �سيعزز من قدرة اليمن‬ ‫هرمز‪ ,‬وذلك من خالل مد �أنابيب النفط من مناطق الإنتاج يف اخلليج الأمنية مبا لها من انعكا�سات �إيجابية على الأمن الإقليمي والدويل‪.‬‬ ‫العربي �إىل ال�سواحل اليمنية على بحر العرب واملحيط الهندي‪.‬‬ ‫و�إىل جان���ب املخاط���ر الأمني���ة ال�سابقة‪ ,‬هناك خماط���ر �أمنية �أخرى‬ ‫وقد �أ�سهم���ت الأحداث الأخرية التي �شهدتها‬ ‫كامن���ة تته���دد املنطق���ة‪ ,‬وتتمث���ل يف التوجهات‬ ‫املنطق���ة العربية �إبت���دا ًء من �أح���داث احلادي‬ ‫الأمني���ة الأمريكي���ة الرامي���ة �إىل تكري����س‬ ‫ع�ش���ر من �أيل���ول‪� /‬سبتم�ب�ر ‪ ,2001‬وم���ا تالها‬ ‫وجوده���ا الع�سكري يف املنطقة و�سعيها الدءوب‬ ‫من ح���رب عل���ى حرك���ة طالب���ان والقاعدة يف‬ ‫لإح���داث تغي�ي�رات يف الت���وازن الإقليمي‪ ,‬ومبا‬ ‫�أفغان�ستان‪ ,‬وانتها ًء باالحتالل الأمريكي للعراق‬ ‫يخ���دم م�صالح حليفته���ا �إ�سرائي���ل‪ .‬وبالتايل‪,‬‬ ‫يف م�ضاعفة املخاط���ر الأمنية التي تعاين منها‬ ‫ف����إن احلاج���ة ما�س���ة �إىل انخ���راط اليم���ن يف‬ ‫املنطقة و�أمنه���ا الإ�سرتاتيج���ي‪ ,‬و�أهمها تزايد‬ ‫املنظوم���ة اخلليجية ك���ون اليم���ن‪ ,‬و�إن كان يف‬ ‫خطر احلركات الأ�صولية‪ ,‬وعلى ر�أ�سها تنظيم‬ ‫اخلان���ة التنموية املتدني���ة‪� ,‬إال �أنه ميتلك مزايا‬ ‫ان�ضمام اليمن �إىل املجل�س بات‬ ‫ومقوم���ات �إ�سرتاتيجي���ة يف املنطقة �أهمها ثقله‬ ‫القاعدة‪ ,‬وال���ذي ي�سعى �إىل �إخراج من دعاهم �ضرورة اقت�صادية ملحة‪ ،‬وو�سيلة‬ ‫ً‬ ‫بال�صليبي�ي�ن (الأم�ي�ركان‪ ,‬والأوربي�ي�ن) م���ن‬ ‫ال�سكاين‪ ,‬وموقعة اجلغرايف الفريد‪ .‬ف�ضال عن‬ ‫مهمة لتعزيز فر�ص النمو‬ ‫اجلزي���رة العربي���ة‪ ,‬وحترير مناب���ع النفط من‬ ‫�أن اجلرمية يف عامل اليوم مل تعد حم�صورة يف‬ ‫والتنمية يف اليمن وما يرتتب‬ ‫لال�ستقرار‬ ‫تعزيز‬ ‫من‬ ‫عليها‬ ‫�سيطرتهم‪.‬‬ ‫بلد معني‪ ,‬ومل يعد �أي �إقليم مبن�أى عن خماطر‬ ‫اليمن‬ ‫يف‬ ‫أمني‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ال�سيا�سي‬ ‫كما �أن تعزيز وحماي���ة امل�صالح االقت�صادية‬ ‫اجلرمي���ة املنظمة العابرة للح���دود يف �صورها‬ ‫ولذلك‬ ‫�سواء‪،‬‬ ‫حد‬ ‫على‬ ‫واملنطقة‬ ‫وال�سيا�سية والأمني���ة للمنطقة لن يتحقق ما مل‬ ‫العادي���ة �أو الإرهابي���ة‪ ،‬ويربز يف ه���ذا اجلانب‬ ‫احلكومة‬ ‫على‬ ‫ينبغي‬ ‫إنه‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫يكن هناك تن�سيق كامل وعلى م�ستوى رفيع بني‬ ‫خط���ر االجتار باملخ���درات‪ ,‬وبالأخ�ص القادمة‬ ‫اليمنية م�ضاعفة جهودها‬ ‫اجله���ات الأمنية اليمني���ة واخلليجي���ة يف تتبع‬ ‫م���ن �أفغان�ست���ان‪ ,‬والت���ي م���ن املمك���ن �أن مت���ر‬ ‫لتحقيق هذا الهدف‬ ‫ه���ذا اخلطر واحل���د من �آث���اره‪ ،‬خ�صو�ص��� ًا �أن‬ ‫ع�ب�ر ال�سواحل اجلنوبية لليم���ن باجتاه منطقة‬ ‫هناك من يرى �أن ال�سواحل اليمنية متثل �أقرب‬ ‫اخللي���ج‪ ,‬مم���ا يتطلب تعاون��� ًا �أمني��� ًا عالي ًا بني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الطرق من باك�ستان �إىل دول اخلليج العربي‪ ,‬و�أكرثها �أمنا نظرا ل�ضعف الأجهزة الأمنية يف املنطقة‪.‬‬ ‫القدرات الأمنية اليمنية يف ال�سيطرة على ال�سواحل اليمنية الطويلة‪.‬‬ ‫ويف الأخ�ي�ر ميكن القول �إن ان�ضمام اليم���ن �إىل منظومة دول جمل�س‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫و�إىل جان���ب م���ا �سبق‪ ،‬ميث���ل اليمن همزة الو�صل ب�ي�ن منطقة اخلليج التع���اون اخلليج���ي ال �شك �أنه �سي�ضيف عامال مهم���ا �إىل معادلة الأمن‬ ‫والق���ارة الأفريقية‪ .‬وبالذات دول الق���رن الأفريقي التي تعاين من عدم واال�ستق���رار يف �شبه اجلزي���رة العربية‪ ,‬ويعمل على تعظيم م�صالح دول‬ ‫اال�ستقرار واحلروب الأهلية امل�ستمرة‪ ،‬وتعاين اليمن من التدفق الكبري املجل�س واليمن مبا يعزز مكا�سبها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية‬ ‫لالجئ�ي�ن الأفارقة من القرن الأفريق���ي‪ ,‬والذين يرون يف اليمن حمطة والثقافية‪ .‬كما �أن �أن ان�ضمام اليمن �إىل املجل�س بات �ضرورة اقت�صادية‬ ‫ترانزيت �أ�سا�سية يف طريق هجرتهم �إىل الدول اخلليجية الغنية والدول ملح���ة‪ ،‬وو�سيلة مهمة لتعزيز فر����ص النمو والتنمية يف اليمن وما يرتتب‬ ‫الأوربي���ة‪� .‬أ�ضف �إىل ذلك تزاي���د عمليات القر�صنة من قبل املجموعات عليه���ا من تعزيز لال�ستق���رار ال�سيا�سي والأمني يف اليمن واملنطقة على‬ ‫وامللي�شيات ال�صومالية يف هذا اجلزء الإ�سرتاتيجي من العامل‪ .‬وبالتايل‪ ,‬حد �سواء‪ ،‬ولذلك ف�إنه ينبغ���ي على احلكومة اليمنية م�ضاعفة جهودها‬ ‫ف����إن اليمن قد تكون احلاجز الأمني الأ�سا�سي �أمام الهجرات الأفريقية لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫‪142‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2‬‬ ‫ل ُننحي م�س�ألة االن�ضمام جانب ًا‬ ‫�ير من الكتاب واملتخ�ص�ص�ين وال�سيا�س��يني اليمنيني وبع���ض اخلليجيني ينافحون هنا وهن��اك عن «حتمية»‬ ‫كث ٌ‬ ‫فك��رة ان�ض��مام اليم��ن �إىل جمل���س التع��اون لدول اخللي��ج العربي��ة يف الأمد املنظ��ور‪ ،‬ذلك بالطب��ع على �أكرث‬ ‫ا�س��تبطاء‪ .‬وتلك املنافحة تظل ‪ -‬بال ريب ‪� -‬أمر ًا حمموداً‪ ,‬و�أمنيات يتوق كل خمل�ص على اجلانبني‬ ‫التوقعات‬ ‫ً‬ ‫لتحققها‪ .‬ولكن البع�ض يجهل �أو رمبا يتجاهل الكثري من املعطيات املو�ض��وعية التي حتيط بتلك امل�س���ألة على‬ ‫�أكرث من �صعيد‪ ,‬وتفر�ض بالتايل �إعادة التفكري يف ذلك النهج من الطروحات “الب�سيطة”‪.‬‬

‫�سامي حممد ال�س َّياغي‬ ‫معل���وم �أن عالق���ات «التع���اون» بني ال���دول و�إن كان���ت يف حاجة دائمة‬ ‫ بطبيعته���ا الإن�ساني���ة ‪� -‬إىل �شحنات عاطفية تُبق���ي على وهج جذوتها‬‫متق���د ًا ودافئ ًا‪� ,‬إ ّال �أنها قطع��� ًا ال ت�سري �إىل الأمام اتكا ًال على ذلك االتقاد‬ ‫والدفء فح�سب‪ .‬فامل�صالح تبقى بطبيعتها “الرباجماتية” هي القاطرة‬ ‫الفعلية لذلك امل�سري على الدوام‪.‬‬ ‫م���ن هذا املنطل���ق‪ ,‬وت�أ�سي�س ًا على ر�ؤية نقدية ل���دى الكاتب لكث ٍري مما‬ ‫َي ِ���رد من ر�ؤى و�أف���كار حول م�س�ألة ان�ضمام اليم���ن للمجل�س وفق الت�صور‬ ‫النمطي املط���روح على ال�ساح���ة اليمنية بالذات‪ ,‬ميك���ن لل�سطور التالية‬ ‫�أن حت���اول �إع���ادة توجيه التفكري يف تلك امل�س�ألة وف���ق منظور مغاير نراه‬ ‫�أك�ث�ر واقعي��� ًة‪ ,‬و�أعمق ت�أثري ًا يف خدم���ة امل�صلحة الوطني���ة لليمن‪ ,‬ورمبا‬ ‫يك���ون �أي�ض ًا �أكرث قبو ًال لدى الطرف اخلليجي املعني ابتدا ًء بتحريك تلك‬ ‫امل�س�ألة �إىل الأمام‪.‬‬ ‫املنظ���ور املغاي���ر �سالف الذك���ر يقوم عل���ى عدة معطي���ات مو�ضوعية‬ ‫ميك���ن �أن ت�ؤ�س����س – م���ن وجهة نظ���ر الكات���ب – لقناع���ات واقعية لدى‬ ‫�أط���راف العالقة‪ ,‬مبا يف�ض���ي يف نهاية املط���اف �إىل تطويرها وتعزيزها‬ ‫خدم ًة مل�صاحلهم���ا الإ�سرتاتيجية‪ ,‬ولآجال زمني���ة طويلة قد تُثمر يف �أي‬ ‫وق���ت حتقق هدف االندماج‪/‬التكامل بينهم���ا وفق معطيات جديدة �أكرث‬ ‫جاذبية وقبو ًال لدى كليهما‪.‬‬

‫ً‬ ‫«جن��ة» تكاملي��ة!‬ ‫املجل���س لي���س‬ ‫مما ال ريب‬ ‫في���ه �أن ملجل����س التعاون اخلليجي يف حميطه الإقليم���ي بريق ًا وجاذبي ًة ال‬ ‫يقاوم���ان‪ .‬فهو تاريخي ًا يع���د �أحد �أكرث جت���ارب التكامل‪/‬التعاون العربي‬ ‫�سامي ال�سياغي باحث ميني يف العلوم ال�سيا�سية‪ ,‬وم�ست�شار �ش�ؤون البحث‬ ‫العلمي ‪ -‬وكالة الأنباء اليمنية (�سب�أ)‪.‬‬

‫ عل���ى حمدوديته���ا ‪ -‬جناح��� ًا‪� ,‬إن مل يكن �أجنحها عل���ى الإطالق‪ .‬وهو‬‫�أي�ض��� ًا يع���د واحد ًا من �أبرز التجمع���ات الإقليمية تنا�سق��� ًا ‪ -‬ن�سبي ًا ‪ -‬من‬ ‫حيث �إمكانات �أع�ضائه املادي���ة‪ ,‬وم�ستويات تطورهم على �صعيد التنمية‬ ‫يعن ‪ -‬للأ�سف‬ ‫ب�صوره���ا املتعددة‪ .‬ولكن ذلك التميز الن�سبي للمجل�س مل ِ‬ ‫يعزّز �أي�ض ًا‬ ‫ فاعليته يف خدمة �أهداف �أع�ضائه من �إن�شائه‪ ,‬وهو متي ٌز مل ِ‬‫ا�ستنفاده ‪ -‬يف واقع املمار�سة العملية ‪ -‬ملقومات النجاح “النظرية” التي‬ ‫يتمت���ع بها‪ ,‬بحيث يرق���ى ب�أدائه �إىل م�صاف جتمع���ات التكامل الإقليمي‬ ‫الأكرث فاعلية كاالحتاد الأوروبي ‪ -‬على �سبيل املثال‪.‬‬ ‫واملجل����س بطبيعة احل���ال يتمتع بالعدي���د من مظاهر النج���اح لعل من‬ ‫�أهمها وجود م�ستوى ن�سبي من التن�سيق ال�سيا�سي اخلارجي بني دوله‪ ,‬و�إن‬ ‫موح���دة للمجل�س؛ واالنتظام‬ ‫���ن ذلك مطلق ًا وجود �سيا�سة خارجية ّ‬ ‫مل يع ِ‬ ‫امللحوظ النعقاد اجتماعاته على م�ستوى القمة واملجل�س الوزاري واللجان‬ ‫الوزاري���ة والفني���ة؛ والتوا�ص���ل امل�ستمر ب�ي�ن قادته؛ وجناح���ه يف احتواء‬ ‫التوترات احلدودية بني دوله وح ّل معظمها؛ ف� ً‬ ‫ضال عن م�ساندته الفاعلة‬ ‫للعراق يف حربه مع �إيران خالل الثمانينيات‪ ,‬ثم م�ساندته للكويت خالل‬ ‫�أزمة الغزو العراقي عام ‪.1990‬‬ ‫يف املقابل‪ ،‬يعاين املجل�س عديد ًا من مظاهر التعثرّ امل�ؤ�س�سي وال�ضعف‬ ‫البنيوي‪ .‬فقد ُولِدَ املجل�س حمم ًال بكثري من املثالب النظامية والتنظيمية‪,‬‬ ‫كم���ا اكت�سب على م ّر الزمن الكثري من �صفات �أع�ضائه املعطلة بطبيعتها‬ ‫لإمكانيات تطور تلك التجربة وحتقيق �أهدافها يف التكامل ورمبا الوحدة‬ ‫بني �أولئ���ك الأع�ضاء‪ ,‬وذلك بالرغم من مرور ما يربو على ‪ 28‬عام ًا منذ‬ ‫ت�أ�سي�س ذلك التجمع الإقليمي‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪143‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�سجال‬

‫اليمن وطموحــــــــــــها اخلليجي‬ ‫ولع���ل م���ن �أه���م مظاهر تع�ّث�ررّ املجل����س‪ )1( :‬ب���طء حتقي���ق االندماج‬ ‫االقت�ص���ادي‪ ,‬وتدين م�ستوى التبادل التجاري بني دوله والذي مل يتجاوز‬ ‫خ�ل�ال الف�ت�رة (‪ )2001 - 1990‬ن�سب���ة ‪ %7,6‬م���ن �إجمايل حج���م التبادل‬ ‫التج���اري لتلك الدول مع الع���امل؛ (‪ )2‬معاناة اقت�صادات دوله من ت�شابه‬ ‫هياكله���ا الإنتاجي���ة‪ ,‬واعتمادها املف���رط على �إي���رادات القطاع النفطي‬ ‫(دول ريعي���ة يف الأ�سا����س) بن�سب ت�ص���ل �إىل ‪ %75‬من م���وارد موازناتها‬ ‫ال�سنوي���ة‪ ,‬كما تعاين تلك االقت�صادات من تع�ث�ر حماوالتها و�ضع خطط‬ ‫عملي���ة لإكمال ما ي�سم���ى “دورة تولي���د الدخل‬ ‫م���ن الإي���رادات النفطي���ة”‪ ,‬وه���ي تت�سم كذلك‬ ‫مبحدودي���ة �أمناط اال�ستثم���ار واقت�صارها على‬ ‫عوائ��ق حقيق��ة ومو�ض��وعية‬ ‫ال�صناع���ات البرتوكيماوي���ة و�صناع���ة الت�شييد‬ ‫لي�س م���ن املج���دي �أن يتجاهل طرف���ا “معادلة‬ ‫والبن���اء واخلدم���ات املالي���ة وال�سياح���ة‪ ,‬ذل���ك‬ ‫االن�ضم���ام” حقيق���ة وج���ود ع���دد م���ن العوائق‬ ‫املوج���ه من �أر�صدة‬ ‫�أي�ض��� ًا يف ظ���ل توا�ضع ن�سبة ّ‬ ‫املو�ضوعي���ة التي تقف يف طري���ق �إقامة �أود تلك‬ ‫البن���وك املحلي���ة �إىل التنمي���ة الداخلي���ة ومبا ال‬ ‫املعادل���ة وحلها‪ ،‬ال �سيم���ا �أنها عوائق تبدو جادة‬ ‫يتج���اوز ن�سبة ‪ %7‬من تل���ك الأر�صدة‪ ،‬والرتكيز‬ ‫وم�ؤث���رة‪ .‬فه���ل لأن�ص���ار االن�ضم���ام “الف���وري‬ ‫املال‬ ‫عو�ض ًا عن ذلك عل���ى اال�ستثمار يف �أ�سواق‬ ‫نحي‬ ‫على الدبلوما�سية اليمنية �أن ُت ِّ‬ ‫وامل�ستعج���ل” �أن يبينوا لن���ا كيف �سيتغلبون على‬ ‫اخلارجي���ة والغربية منها بال���ذات مع ما يحمله‬ ‫م�س�ألة االن�ضمام جانباً ‪ -‬ولو ب�صورة‬ ‫مع�ضلة اخت�ل�اف طبيعة النظ���م ال�سيا�سية بني‬ ‫م�ؤقتة ‪ -‬وتتفرغ لرتكيز جهودها على‬ ‫ذلك من خماطر اقت�صادية جمة خا�صة يف ظل‬ ‫اليمن ودول املجل�س �إجما ًال؛ وهل لهم �أن يحددوا‬ ‫�ضرورة التو�صل لر�ؤى و�آليات فاعلة‬ ‫الأزمة املالية العاملية التي تفاقمت خالل العامني‬ ‫لنا مكون���ات الو�صفة ال�سحري���ة التي �سيتناولها‬ ‫لتعزيز الدعم اخلليجي لالقت�صاد‬ ‫املا�ضيني ‪ 2008‬و‪ ,2009‬ناهيك �أي�ض ًا عن معاناة‬ ‫اليمني على م�ستوياته املختلفة‪ .‬وعلى‬ ‫املواطن �أو مبعنى �أدق “العامل” اليمني لتهدئة‬ ‫تل���ك االقت�صادات م���ن اختالل هي���اكل الإنفاق‬ ‫دول املجل�س‪ ،‬باملقابل‪� ،‬أن ترتجم �إدراكها‬ ‫لواعج ال�شوق واللهف���ة لال�ستظالل بوارف جنة‬ ‫الكل���ي بن�سب تتج���اوز معدالت النم���و يف الناجت‬ ‫لأهمية ذلك الدعم والتعاون من خالل‬ ‫امل���ال والأعم���ال‪ ,‬والتمتع بخريات دول���ة الرفاه‬ ‫املحلي الإجمايل‪ ,‬وذلك بالتزامن مع انخفا�ض‬ ‫تبني م�شروع جماعي �أكرث فاعلية لدعم‬ ‫يف اخللي���ج‪ ,‬يف ظ���ل م�شهد ق���د ينته���ي باليمن‬ ‫االقت�صاد اليمني‪ ,‬وامل�ساهمة يف حل‬ ‫م�ستوي���ات التكوين الر�أ�سم���ايل ومعدالت منوه؛‬ ‫�إىل حمط���ة خلفية لالنتق���ال املت�سارع ملواطنيها‬ ‫مع�ضالته امل�ستع�صية‬ ‫(‪ )3‬ع���دم قدرة املجل�س على حتويل قراراته �إىل‬ ‫�إىل دول اخلليج‪ ,‬مع م���ا �سيفر�ضه بالطبع واقع‬ ‫قوة ملزم���ة لأع�ضائه لغي���اب الآليات املفرت�ضة‬ ‫�إمكاني���ة التنق���ل بالبطاق���ة ال�شخ�صية بني دول‬ ‫للتنفي���ذ‪ ,‬ف� ً‬ ‫ضال عن ع���دم وج���ود �أي �إجراءات‬ ‫املجل����س �أو بني معظمها كما هو حا�صل يف الوقت الراهن؛ ثم هل لأولئك‬ ‫يتن�ص���ل من تنفيذ م���ا مت االتفاق عليه‬ ‫عقابي���ة ميك���ن �أن توق���ع على من ّ‬ ‫الأن�صار �أن ي�صفوا لنا طبيعة املعاجلات التي ميكن �أن يداووا بها �ضيعة‬ ‫م���ن ق���رارات؛ (‪ )4‬عدم وج���ود غطاء �شعب���ي (برملاين ً‬ ‫مث�ل�ا) للمجل�س‪,‬‬ ‫�سلط���ان الدولة املركزي على ت�شكيالت املجتمع اليمني القبلية‪ ,‬وانك�سار‬ ‫واكتفائه ب�إرادات قياداته؛ (‪ )5‬جمود النظم الأ�سا�سية الداخلية للمجل�س‬ ‫ذل���ك ال�سلطان بني احل�ي�ن والآخر �أمام تغ��� ُّول النفوذ غ�ي�ر الر�سمي يف‬ ‫وم�ؤ�س�سات���ه الفرعية‪ ،‬وعدم مواكبتها للتط���ورات يف بيئته على امل�ستويني‬ ‫�ش����ؤون الدولة‪ ,‬وجت ُّ‬ ‫���ذر ب�ؤر ومراكز القوى يف بع����ض مفا�صل الدولة على‬ ‫الداخل���ي واخلارج���ي؛ (‪ )6‬حمدودي���ة ال�صالحيات ال�سيا�سي���ة املمنوحة‬ ‫ح�ساب ذلك ال�سلطان‪.‬‬ ‫لأم�ي�ن عام املجل�س‪ ,‬وع���دم تبني فكرة وج���ود «مفو�ض خليج���ي» ك�إطار‬ ‫ه���ل يتوقع �أولئك الأن�صار ان�صهارهم يف جتمع ت�سعى �سلطات �أع�ضائه‬ ‫�سيا�سي وتنفيذي م�ساعد للأمني العام؛ (‪ )7‬حمدودية هام�ش اال�ستقالل‬ ‫الر�سمية عل���ى الدوام لت�أكيد �سلطانها املرك���زي على جمتمعاتها ‪ -‬التي‬ ‫املمن���وح للمجل�س عن حكومات ال���دول الأع�ضاء؛ (‪ )8‬انغالق الع�ضوية يف‬ ‫ال تع���دم يف واقع احل���ال وجود قدر حمدود من تل���ك املظاهر ال�سلبية –‬ ‫املجل�س‪ ,‬وع���دم وجود مادة ميكن �أن تعالج م�س�أل���ة تو�سيع ع�ضويته؛ (‪)9‬‬ ‫يف ظ���ل �سعيها احلثيث لك�س���ب والءاتها عرب كفاءاته���ا «الريعية»‪ ,‬وذلك‬ ‫تعثرّ مفه���وم الأمن اجلماعي يف ظل املعاه���دات الدفاعية والأمنية التي‬

‫وقعتها دول املجل�س مع دول �أخرى وغربية بالذات يف �أعقاب �أزمة وحرب‬ ‫اخلليج الثانية (‪ ,)1991 -1990‬وبالت���ايل ف�إن الوظيفة الأمنية والدفاعية‬ ‫اجلماعي���ة للمجل����س مل تع���د ذات معن���ى يف ظ���ل وجود مظل���ة احلماية‬ ‫الأجنبية‪.‬‬ ‫وت�أ�سي�س��� ًا عل���ى ما تق���دم‪ ،‬ف�إنه من املنطق���ي الت�أكيد عل���ى �أن حلظة‬ ‫���ن ‪ -‬مطلق ًا ‪ -‬حت���و ًال “دراماتيكي ًا”‬ ‫ان�ضم���ام اليم���ن �إىل املجل����س لن تع ِ‬ ‫باجتاه حتقيق الرفاه‪ ,‬والتخل�ص من امل�شاكل االقت�صادية‪ .‬فوجود اليمن‬ ‫يف املجل�س ال ريب �سيفر�ض عليها التدثر بعبائته‬ ‫التنظيمية بكل مميزاتها ونقائ�صها‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫يف وق���ت ي�سعى فيه كل قادر �أو«قبيل���ي» يف اليمن �إىل التمرت�س وراء �أكرب‬ ‫ق���در ممكن من ال�س�ل�اح يف وج���ه �أي �سلطان قد يتعدى ح���دود �سلطانه‬ ‫“الذاتي”؛ و�أخري ًا ولي�س �آخر ًا‪� ,‬ألدى �أولئك الأن�صار ح ًال واقعي ًا و�سريع ًا‬ ‫ملع�ضل���ة “القات”! ال ريب بالطبع �أن ملجتمع���ات اخلليج م�شاكلها التي قد‬ ‫تك���ون م�شابهة لتلك املع�ضلة �أو رمب���ا �أ�سو�أ منها يف مدى ت�أثرياتها املدمرة‬ ‫على املبتلني بها كاملخدرات مث ًال‪ ,‬ولكن فيما يتعلق مبع�ضلة القات (زراع ًة‪,‬‬ ‫وتناو ًال) الكل يدرك �أنه ال حل لها ‪ -‬يف حال افرتا�ض مت تد�شني اخلطوات‬ ‫احلقيقي����ة الن�ضم����ام اليمن للمجل�����س – �إ ّال يف �أحد خياري����ن‪� :‬إما �أن يقبل‬ ‫اخلليجيون �أ�شقاءهم اليمنيني على عالتهم‪ ,‬ويتماهى مع تلك املع�ضلة بكل‬ ‫جتلياته����ا (زراع ًة‪ ,‬وتن����او ًال‪ ,‬وت�سويق ًا)؛ و�إما �أن يتحل����ل اليمنيون من �أوزار‬ ‫تلك املع�ضلة ويدخلوا �إىل املجل�س ب�صك براءة منها‪ .‬ولعل من ميعن النظر‬ ‫يف كال اخلياري����ن �سيج����د �أن �أحالهما ُم ٌر‪� ,‬إن مل يكن م�ستبعد احلدوث‪� ,‬أو‬ ‫رمبا حتى م�ستحي ًال – و�إن يف املدى املنظور على الأقل‪.‬‬

‫ال�ضم فيها نظر!‬ ‫هل لدى املجل�س نية حقيقة‬ ‫جدية ّ‬ ‫ل�ضم اليم����ن يف الوقت الراهن؟! ذلك بالفعل ه����و ال�س�ؤال اجلوهري الذي‬ ‫تتوجب الإجابة عنه يف هذه املرحلة بالذات‪ .‬ولعل ما ميكن اجلزم بتحققه‬ ‫عل����ى �أر�����ض الواقع يف ه����ذه املرحل����ة ب�صورة جدي����ة وملمو�سة ه����و �أن دول‬ ‫املجل�����س �أ�صبحت ‪ -‬دون ا�ستثناء ‪ -‬مدرك����ة متام ًا خلط�أ جتاهل دور اليمن‬ ‫و�أهميته����ا يف املنطق����ة‪ ,‬و�أنه����ا ‪� -‬أي دول املجل�س ‪� -‬أ�صبح����ت مدركة �أي�ض ًا‬ ‫لأهمي����ة ووجوب �ضم����ان وجود “مين قوي و�آمن وم�ستق����ر”‪ ,‬وهو باملنا�سبة‬ ‫�إدراك رمب����ا ع ّز ا�ستلهامه من ِق َبل بع�����ض دول املجل�س لفرتة طويلة �سابقة‬ ‫من الزمن‪.‬‬ ‫ولك����ن‪ ,‬هل و�صل ذلك الإدراك اخلليجي حد الإقدام الفعلي على خطوة‬ ‫�ضم اليمن للمجل�س؟! الإجابة ‪ -‬للأ�سف ‪ -‬بـ “ال”! وال�سبب �أو رمبا الأ�سباب‬ ‫ق����د تتعدد وتت�شع����ب منطلقاتها من دولة خليجية لأخ����رى‪ .‬ولكن بع�ض تلك‬ ‫الأ�سباب ميكن �أن جتد لها �سند ًا مو�ضوعي ًا يف العوائق �سالفة الذكر‪.‬‬ ‫ولك����ي نت�أك����د بالفع����ل من م����دى جدية املجل�����س يف ذات ال�ص����دد‪ ،‬ميكن‬ ‫بب�ساط����ة �أن يلق����ي �أحدنا نظر ًة فاح�ص ًة على منط����وق وم�ضمون كل بيانات‬ ‫“القمة اخلليجية” و”املجل�س الوزاري” منذ �إثارة مو�ضوع ان�ضمام اليمن‬ ‫للمجل�س‪ .‬وللأ�سف‪ ,‬ف�إن نتاج تلك النظرة قد تكون خميبة للآمال! فلم َت ِرد‬ ‫ يف واقع احلال ‪ -‬يف � ٍأي من تلك البيانات �أي �إ�شارة فعلية مل�س�ألة االن�ضمام‬‫تل����ك‪ ,‬ال من قري����ب وال من بعيد‪ .‬بل �إن الأغرب من ذل����ك �أن تلك البيانات‬ ‫�أظهرت حتا�شي ًا م�ستمر ًا ملجرد الربط “اجلغرايف” لليمن مبنطقة اخلليج‬ ‫العربي‪ ,‬حيث ظل ذلك الربط مقت�صر ًا على منطقة اجلزيرة العربية!‬ ‫�أم����ا ع����ن م�س�ألة �ضم اليم����ن لبع�ض مكاتب ومنظم����ات املجل�س‪ ،‬فيمكن‬ ‫الق����ول بب�ساطة �أن تل����ك امل�س�ألة ت�ؤك����د الر�ؤية �سالفة الذك����ر وال تدح�ضها‪.‬‬

‫����دد من‬ ‫وتعلي����ل ذل����ك �أن مث����ل م�س�أل����ة ال�ضم تل����ك تعد عرف���� ًا �سائد ًا يف ع ٍ‬ ‫املنظم����ات الإقليمية والدولية‪ ,‬وال ترتب “قانوني ًا” حق االعرتاف بالطرف‬ ‫امل�شم����ول بتلك ال�صفة ع�ضو ًا يف تلك املنظمات؛ كما �أن قرارات �ضم اليمن‬ ‫لتل����ك املنظمات واملكاتب تبقى “قرارات م����ن طرف واحد” ومل ت� ِأت نتاج ًا‬ ‫التفاق����ات مكتوب����ة وموقعة بني الطرف��ي�ن‪ ,‬ناهيك عن �أن تل����ك القرارات ال‬ ‫حتتوي �أي �إ�شارة تفيد بتدرجية تلك اخلطوات يف �سبيل االن�ضمام للمجل�س‬ ‫ذات����ه يف نهاية املط����اف‪ .‬وملن ال يعلم ف�إن بع�ض ًا من تلك املكاتب واملنظمات‬ ‫�سبق����ت يف ن�ش�أتها وجود املجل�س ذات����ه‪ ,‬ومل تكن لها �أي عالقة “متهيدية”‬ ‫بن�ش�أت����ه‪ ,‬وبع�ضه����ا كان العراق ع�ض����و ًا فيها ل�سنوات عدي����دة‪ ,‬ومل ي�شفع له‬ ‫ذلك لنيل ع�ضوية املجل�س‪.‬‬ ‫ض����م اليمن لبع�ض مكاتب ومنظم����ات املجل�س يف خانة‬ ‫ولرمب����ا ُيحتَ�سب � ّ‬ ‫تر�شي����د تطلعات اليمن �إزاء م�س�ألة االندم����اج يف املجل�س! �أو قد يكون ذلك‬ ‫ال�ضم مبثابة جتربة “معملية” لبيان �إمكانية ان�صهار اليمن يف �إطار �شبكة‬ ‫العم����ل التنظيمي اخلليجي‪ ,‬وذلك ‪� -‬إن �ص����ح يف واقع احلال ‪� -‬أم ٌر ح�سن‪.‬‬ ‫ال�ضم تلك مت�سقة مع‬ ‫ولك����ن‪ ,‬يبقى الأح�سن منه بالطبع �أن تكون خط����وات ّ‬ ‫نظرة “وظيفية” فعلية لإدم����اج اليمن يف �إطار منظومة املجل�س بالتدريج‪,‬‬ ‫وهو للأ�سف ما مل تتم الإ�شارة �إليه ر�سمي ًا يف � ٍأي من بيانات هيئات املجل�س‬ ‫املتع����ددة‪ ,‬ما يلقي منطقي ًا ظال ًال من الريبة على امل�آالت النهائية املُفرتَ�ضة‬ ‫ملث����ل تلك اخلطوات‪ .‬وواق����ع احلال �أنه ال يكفي مع مث����ل هذه الأمور جمرد‬ ‫التطمينات ال�شفاهية يف الأماكن املغلقة‪.‬‬

‫الدع��م بدي�ل ًا م�ؤقت ًا ومرغوب ًا‬ ‫على الدبلوما�سية‬ ‫ً‬ ‫نحي م�س�ألة االن�ضم����ام جانبا ‪ -‬ولو‬ ‫اليمني����ة يف ه����ذا التوقيت بال����ذات �أن ُت ِّ‬ ‫ب�صورة م�ؤقتة ‪ -‬وتتفرغ لرتكيز جهودها على �ضرورة التو�صل لر�ؤى و�آليات‬ ‫فاعلة لتعزيز الدعم اخلليج����ي لالقت�صاد اليمني على م�ستوياته املختلفة‪.‬‬ ‫وعل����ى دول املجل�����س‪ ،‬باملقاب����ل‪� ،‬أن ترتج����م �إدراكه����ا لأهمية ذل����ك الدعم‬ ‫والتع����اون م����ن خالل تبن����ي م�شروع جماع����ي �أكرث فاعلية لدع����م االقت�صاد‬ ‫اليمن����ي‪ ,‬وامل�ساهم����ة يف حل مع�ضالت����ه امل�ستع�صية عرب ر�ؤي����ة �إ�سرتاتيجية‬ ‫ترك����ز – �إىل جان����ب املعونات املبا�شرة – على ت�شجي����ع تدفق اال�ستثمارات‬ ‫اخلليجي����ة كثيفة ر�أ�س املال يف امل�شاريع الإنتاجية وال�صناعية والزراعية يف‬ ‫اليمن‪ ,‬وذلك وفق م�صفوفة افرتا�ضي����ة تتزايد مبوجبها تلك اال�ستثمارات‬ ‫بوت��ي�رة �سنوية مت�صاعدة‪ .‬ذل����ك الو�ضع �سي�ساهم �إىل ح����د كبري يف توفري‬ ‫من����اخ اال�ستقرار والتنمية يف اليمن‪ ,‬ولعل����ه ُيعفي دول املجل�س من “حرج”‬ ‫فت����ح �أ�سواقها “املت�شبع����ة” �أمام العمال����ة اليمنية‪ ,‬عن����د �أن ي�صبح ال�سوق‬ ‫اليمني ق����ادر ًا على ا�ستيعاب �أبن����اء اليمن من العم����ال والكفاءات املختلفة‬ ‫�سيعم بلدان‬ ‫لي�ساهم����وا يف بناء بلدهم‪ .‬وال ريب �أن في�ض ذل����ك اال�ستقرار ّ‬ ‫املنطقة قاطبة‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪145‬‬


‫مدار الأفكار‬ ‫املائدة امل�ستديرة‬

‫ب�صراحة‬

‫�سجال‬

‫ب�صراحة مع الدكتور عبدالكرمي الإرياين‬

‫و�صايــا‬ ‫لتجاوز‬ ‫الأزمــة‬

‫“‬

‫الرجل الذي نحاوره “ب�صراحة” هذا العدد‪،‬‬ ‫�شخ�ص��ية ذائعة ال�ص��يت ويعرفها ّ‬ ‫ج��ل اليمنيني؛‬ ‫�إن��ه الدكت��ور عبدالك��رمي الإري��اين‪ ،‬امل�ست�ش��ار‬ ‫يل��م بتاريخ‬ ‫ال�سيا�س��ي لرئي���س اجلمهوري��ة‪ .‬ومن ّ‬ ‫الدكت��ور الإرياين الذي �ش��غل منا�ص��ب ًا رفيعة ع��دة‪ ،‬يعرف بكل‬ ‫ت�أكي��د الأدوار ال�سيا�س��ية الب��ارزة الت��ي لعبه��ا يف حي��اة البل��د‬ ‫ال�سيا�س��ية واالجتماعي��ة‪ ،‬وكي��ف خا���ض من��ذ وق��ت مبك��ر يف‬ ‫ال�ش���أن العام‪ ،‬وخرب دهاليز العمل ال�سيا�س��ي واحلزبي‪ ،‬و�إىل � ّأي‬ ‫حد كان م�ؤثر ًا وحا�ض��ر ًا يف معظم حلظات تاريخ اليمن املعا�صر‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املف�ص��لية‪ .‬ولأن اليم��ن تعي���ش اليوم و�ض��عا دقيق��ا للغاية على‬ ‫ال�ص�� ُعد ال�سيا�س��ية واالقت�ص��ادية والأمنية‪ ،‬كان البد‬ ‫خمتلف ُ‬ ‫م��ن حم��اورة الرج��ل‪ ،‬وا�س��تطالع ر�ؤاه و�أف��كاره �إزاء العديد من‬ ‫الق�ضايا وامللفات ال�ساخنة‪ ،‬بدء ًا من مع�ضلة احلرب وال�سالم يف‬ ‫�ص��عدة‪ ،‬وكذا ق�ضية احلوار املعطل بني احلزب احلاكم و�أحزاب‬ ‫املعار�ضة‪ ،‬مرور ًا مبلف تنظيم القاعدة وجهود مكافحة الإرهاب‬ ‫يف اليم��ن‪ ،‬و�ص��و ًال �إىل ق�ض��ية احل��راك اجلنوب��ي و�إ�ش��كاليات‬ ‫الوح��دة واالنف�ص��ال‪ .‬ه��ذه الق�ض��ايا وغريه��ا ناق�ش��ها كل م��ن‬ ‫عبدالغني املاوري وحممد �سيف حيدر و�سقاف عمر ال�سقاف مع‬ ‫الدكت��ور عبد الكرمي الإرياين‪ ،‬الذي ن�ش��كر له تفاعله وروحه‬ ‫املرحة الودودة‪.‬‬

‫“‬

‫‪146‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫انته��ت احل��رب ال�ساد�س��ة (ب�ين الدول��ة واملتمردي��ن احلوثي�ين يف‬ ‫�صعدة)‪ ،‬هل على اليمنيني اال�ستعداد للحرب ال�سابعة؟‬ ‫عبدالكرمي الإرياين‪ :‬بالطبع ال‪.‬‬ ‫ما الذي تغيرّ (هذه املرة) حتى ال تندلع احلرب جمدد ًا؟‬ ‫�أعتق����د �أن �أه����م تغيري يف ه����ذه احلرب يكم����ن يف العبء الإن�س����اين الذي ترتب‬ ‫عليه����ا‪ .‬وبالت�أكيد ف�إنه �سواء الطرف املتمرد �أو الدولة يدركون خطورة ما ترتب‬ ‫عل����ى احل����رب ال�ساد�سة من ن����زوح ما يقرب م����ن مائتي �ألف من �أبن����اء اليمن‪،‬‬ ‫�أطف����ا ًال و�شيوخ���� ًا ون�سا ًء‪ ،‬و�أنا �أعتقد �أن اجلميع �س ُيق����دِّ ر �أن هذا العبء ال بد �أن‬ ‫ي�صبح هو احلرب ال�سابعة‪ .‬العبء الإن�ساين الذي ترتب على احلرب ال�ساد�سة‬ ‫يج����ب �أن ي�صبح هو احلرب ال�سابعة‪� :‬إعادة النا�س �إىل منازلهم‪ ،‬و�إعادة اعمار‬ ‫ما د ُِّمر‪.‬‬ ‫مبعنى �إحالل ال�سالم؟‬ ‫ال�س��ل�ام ال يعني وقف �إطالق النار‪� ،‬إذ ال قيمة لوقف �إطالق النار �إذا مل يرتتب‬ ‫علي����ه التح�ضري واال�ستعداد والبدء يف التنفيذ‪ .‬اخلطوة الأوىل‪ :‬عودة املهجرين‬ ‫�إىل قراه����م ومنازلهم‪ .‬اخلط����وة الثانية‪ :‬البدء يف االعمار و�إعادة بناء ما د ُِّمر‪،‬‬ ‫اخلطوة الثالث����ة‪ :‬تنمية حمافظة �صعدة وتعمريها‪ ،‬مع االعرتاف ب�أن كثري ًا من‬ ‫مناطقه����ا �أُهمِ ل لفرتة طويلة‪ .‬عندي ثقة مطلقة �أن اجلميع �سيتحمل امل�سئولية‪،‬‬ ‫وم����ا م����ن �شك يف �أن العودة �إىل املرت�س �أو �إىل املدف����ع �سيكون جناية كربى على‬ ‫مئات الآالف من الب�شر‪ ،‬وه�ؤالء هم م�سئوليتنا‪ ،‬ف�إذا �أهملنا م�سئوليتنا نحوهم‪،‬‬ ‫ف�أعتق����د �أن اهلل �سينتق����م من����ا ونحن يف هذه الأر�����ض‪ ،‬ولن ي�ؤخ����ر انتقامه �إىل‬ ‫الآخرة‪.‬‬ ‫باعتقادك ملاذا مل ت�ستطع الدولة ح�سم املعركة ع�سكري ًا؟‬ ‫الأم����ر يرجع ب�شكل �أ�سا�س����ي �إىل طبيعة احلروب هذه‪� .‬إنه����ا حروب ع�صابات‪،‬‬ ‫وحروب الع�صابات مل تحُ �سم يوم ًا ع�سكري ًا‪ .‬رمبا احلرب الوحيدة التي ح�سمت‬ ‫به����ذا املعن����ى هي التي وقعت يف �سرييالنكا‪ ،‬وبالرغم م����ن �أنها كانت �أقرب �إىل‬ ‫من����وذج حرب اجليو�ش ولي�س حرب الع�صابات فق����د ا�ستمرت خم�سة وع�شرين‬ ‫ك�سب ع�سكري ًا‪.‬‬ ‫�سنة‪ ،‬فهذه طبيعة حروب الع�صابات‪ :‬ال تحُ َ�سم وال ُت َ‬ ‫واخلط�����أ يف مواجهة حروب الع�صاب����ات ‪� -‬صراحة ‪ -‬هو البط�ش بغري املحارب؛‬ ‫فحروب الع�صابات ‪ -‬ر�ضينا �أم كرهنا – ال�ضحية الأبرز فيها هو غري املحارب‪،‬‬ ‫وبالتايل يتولد م����دد جديد للمحاربني‪� .‬أعتقد �أنك يف �أي حرب ع�صابات يجب‬ ‫�أن تب����د�أ مواجهتها �أو ًال بك�سب النا�س يف املنطقة التي فيها هذه الق�صة‪ ،‬عندما‬ ‫تك�سبه����م �أنت تقطع الطري����ق على الذين يقومون بهذه احل����روب بحيث ي�صبح‬ ‫عدده����م يف تناق�����ص نتيج����ة املواجهات ولي�س له����م مدد من املجتم����ع‪ ،‬وبحيث‬ ‫يكون����وا يف النهاية منبوذين م����ن جمتمعهم‪ .‬اك�سب النا�����س الذين انطلقت من‬ ‫منطقته����م هذه الع�صابات حتى ت�ستطيع �أن حترمهم من الأر�ضية التي يقيمون‬ ‫عليها‪ ،‬هذه �أقوى �إ�سرتاتيجية لدحر حرب الع�صابات‪.‬‬ ‫لك��ن ه��ذا يتطلب م��ن الدول��ة �أن تك��ون حا�ض��رة يف �ص��عدة‪� ،‬ألي�س‬ ‫كذلك؟‬ ‫بالطب����ع‪ .‬تف�سري ما ح�ص����ل هو غياب الدولة‪ ،‬حتى م�ست����وى التعليم كان �ضعيف ًا‬ ‫ج����د ًا‪ ،‬لك����ن ال نريد �أن نل����وم �أنف�سن����ا‪ ،‬الأف�ضل �أن نحف����ز �أنف�سنا لك����ي نتفادى‬

‫الأخطاء التي كانت حا�صلة يف �صعدة‪.‬‬ ‫�أال ُيغ��ري ه��ذا التف�س�ير الق��وة املتم��ردة‬ ‫بالع��ودة �إىل احل��رب جم��دد ًا‪ ،‬لأنه��ا ت��درك‬ ‫�صعوبة ح�سم حرب الع�صابات؟‬ ‫�إذا حرمته����م من الأر�ضية التي يقف����ون عليها‪ ،‬كيف‬ ‫�سي�ستم����رون يف التم����رد؟ ال �ش����ك �أن الق����درة عل����ى‬ ‫ا�ستئناف ح����رب الع�صاب����ات لي�ست متوف����رة لديهم‬ ‫و�إال ملا قبل����وا‪ .‬الهدف الرئي�سي للدولة الآن هو ك�سب‬ ‫النا�����س و�إرجاعهم �إىل بيوته����م وقراهم‪ ،‬و�إ�شعارهم‬ ‫بالأمن واالطمئنان‪ .‬ف�����إذا �شعر ه�ؤالء �أن الدولة هي‬ ‫الت����ي حتميهم‪ ،‬وهي من يعيده����م �إىل �سكنهم‪ ،‬وهي‬ ‫من ي�ساعدهم على �إعادة حياتهم الطبيعية‪ ،‬فعندئذ‬ ‫لن يك����ون للمتمردين الأر�ضية الت����ي ت�ساعدهم على‬ ‫التمرد‪.‬‬ ‫ه��ل يعن��ي ذل��ك �أن «احلوثي�ين» قد خ�س��روا‬ ‫معركة العقول والقلوب يف �صعدة؟‬ ‫�أعتقد �أنهم خ�سروا هذه املعركة منذ البداية‪ ،‬خ�سروا‬ ‫الهدف الذي انطلقوا من �أجله‪� .‬إن �إرجاع النا�س �إىل‬ ‫ظالم املا�ضي لي�س �أم����ر ًا قاب ًال للدميومة والبقاء‪ .‬ال‬ ‫�ش����ك لديَّ �أنه����م حاربوا وقاتلوا نتيج����ة اجلهل‪ ،‬لكن‬ ‫دميوم����ة هذا الفكر �آيل ٌة ‪ -‬يف ر�أيي ‪� -‬إىل االنقرا�ض‪.‬‬ ‫غري �أن����ه ال ميكن �أن ينقر�ض باملدفع والدبابة‪ ،‬ولكن‬

‫بالتعليم‪ ،‬وبالتنمية‪ ،‬وبك�سب والء النا�س‪.‬‬ ‫م��ا ه��ي ال�ض��مانات الت��ي متنع جت��دد احلرب‬ ‫بخالف م�س���ألة العبء الإن�س��اين‪ ،‬خا�صة �أن‬ ‫هناك جتارب مريرة واجهتنا من قبل؟‬ ‫ال�ضم����ان الرئي�س����ي‪ ،‬م����رة �أخ����رى‪ ،‬يكم����ن يف ك�سب‬ ‫والء النا�����س للدولة؛ ون�ستطي����ع ك�سب والء النا�س من‬ ‫خ��ل�ال تغيري واقعه����م‪ .‬الآن واقع املواط����ن يف �صعدة‬ ‫يف غاي����ة الب�ؤ�����س والع����ذاب؛ �إذا مل ي�شع����ر �أن الدولة‬ ‫خرجه من حيات����ه البائ�س����ة‪ ،‬وتعيد النازح‬ ‫ترع����اه و ُت ِ‬ ‫�إىل قريت����ه وت�ساع����د امل����زارع على مع����اودة ن�شاطه‪،‬‬ ‫والتاجر على �أن يفت����ح دكانه‪( ،‬ف�إن ه�ؤالء �سيتجهون‬ ‫اجتاه���� ًا �آخر)‪ .‬ال�ضمانة هي الدولة‪ .‬الدولة هي التي‬ ‫ت�ضم����ن كل �شيء‪ ،‬ف�إن �أح�سن����ت فال�ضمانة موجودة‪،‬‬ ‫و�إن مل تحُ ِ�س����ن فال يوج����د �ضمانة‪ .‬ال ب����د �أن ت�ضمن‬ ‫والء املواط����ن ل����ك‪ ،‬ووالء املواط����ن ي�أت����ي م����ن خالل‬ ‫�شعوره ب�أن �أمنه وا�ستقراره ومعي�شته حممية من قبل‬ ‫الدول����ة‪ ،‬و�أن �أي بديل �آخر ه����و الطريق �إىل خ�سران‬ ‫احلرب‪.‬‬ ‫هل هناك بنود �س��رية مل يتم الإف�صاح عنها‬ ‫يف االتفاق الذي مت التو�صل �إليه بني الدولة‬ ‫واحلوثيني؟‬ ‫ال توجد �أي بنود �سرية‪.‬‬

‫هل ت�ؤكد �أنه ال يوجد بالفعل بنود �سرية؟‬ ‫على الإطالق‪.‬‬ ‫وه��ل هن��اك عالق��ة م��ا ب�ين اجتم��اع لن��دن‬ ‫واتفاق وقف احلرب؟‬ ‫ال توج����د �أي عالقة‪� .‬أنا �شخ�صي���� ًا كنت ممن يتمنون‬ ‫�أن تنته����ي احل����رب قب����ل اجتم����اع لن����دن‪ ،‬ويف �أح����د‬ ‫االجتماع����ات �أبدي����ت ر�أي����ي‪ ،‬لكن الظ����روف مل تكن‬ ‫مهيئ����ة بع����د لإنهاء احل����رب (قب����ل اجتم����اع لندن)‪،‬‬ ‫�صحي����ح �أن الظ����روف كانت قد ب����د�أت تتهي�����أ لإنهاء‬ ‫احل����رب‪ ،‬لكن كم����ا تعرفون احلروب تب����د�أ يف �ساعة‬ ‫وتنتهي ب�أ�شهر‪ .‬ما �أ�سهل �أن تبد�أ احلرب وما �أ�صعب‬ ‫�أن تنهيها‪.‬‬ ‫نفهم من كالمك �أن وقف احلرب كانت حاجة‬ ‫حملية �أكرث منها ا�ستجابة للخارج؟‬ ‫نعم‪ .‬لقد كانت حاجة حملية مائة يف املائة‪.‬‬ ‫لك��ن حتى الي��وم ما ي��زال هناك ح�يرة لدى‬ ‫كثري من املراقبني واملتابعني للحرب يف �صعدة‬ ‫بخ�ص��و�ص ال�س��بب احلقيق��ي ال��ذي �أدى �إىل‬ ‫اندالع هذه احلرب‪ ،‬فهناك روايات مت�ضاربة‪.‬‬ ‫هل لديك تو�ضيحات بهذا ال�ش�أن؟‬ ‫�سب����ق يل �أن ذك����رت �سبب���� ًا (يف حدي����ث �أجريته) مع‬ ‫�صحيفة «ال�سيا�سة» الكويتية‪ ،‬وغ�ضب له كثريون‪� .‬إنه‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪147‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫ب�صراحة‬

‫مبد�أ التكف��ي�ر‪ ،‬ففي اليمن هناك م����ن يُك ّفر املذهب‬ ‫الزيدي‪ ،‬جي����ل جديد ال يعرف املذه����ب الزيدي‪ ،‬وال‬ ‫يعل����م تاريخه‪ ،‬وال يفهم����ه‪ .‬هناك م����ن يُك ِّفر املذهب‬ ‫����ي‬ ‫����ي �أحده����م وب����د�أ ردّه عل ّ‬ ‫الزي����دي‪ ،‬وق����د رد عل ّ‬ ‫ً‬ ‫بتكفريهم‪ ،‬فقل����ت «�إذن‪ ،‬جزاه اهلل خريا‪ ،‬فقد �أثبتَ‬ ‫ما قلت»‪ ،‬وال �أريد �أن ا�سميه‪.‬‬ ‫ه��ل يعني ذلك �أن ه�ؤالء النا�س قد ُا�س��ت ِف ّزوا‬ ‫ب�شكل ما؟‬ ‫نعم‪.‬‬ ‫هل كان مركز دماج ال�س��لفي �أحد �أ�شكال هذه‬ ‫اال�ستفزازات؟‬ ‫لق����د �أ�ش����رت يف املقابلة الت����ي �أجرتها مع����ي �صحيفة‬ ‫«ال�سيا�س����ة» الكويتية �إىل �أن����ه كان البداية‪ ،‬وال تن�سى‬ ‫�أن هن����اك فتوى �صدرت يف ال�سبعيني����ات بعدم جواز‬ ‫ال�ص��ل�اة وراء الزي����دي �أو الزواج منه‪ ،‬وج����اء �أنا�س‬ ‫يحملون هذه الفتوى وحاولوا �أن يطبقوها‪.‬‬ ‫�إذا انتقلنا �إىل ملف �آخر وهو ملف احلوار‪..‬‬ ‫احلوار ال بد �أن ي�ستم����ر‪ ،‬حتى لو قالوا �أنني قلت «�إن‬ ‫باب احلوار مغل����ق‪ ،‬وباب التوقيع مفت����وح»‪ .‬لقد قلت‬ ‫لهم ذلك‪ ،‬لأنهم هم من �أغلق الباب‪.‬‬ ‫كيف �أغلقوه؟‬ ‫�أغلق����وه عندما ح ّولوا االتف����اق �إىل اتفاق بني اللجنة‬ ‫التح�ضريي����ة للقاء الت�شاوري وامل�ؤمتر ال�شعبي العام‪،‬‬ ‫واتفاق فرباير هو بني �أحزاب اللقاء امل�شرتك املمثلة‬ ‫يف نف�����س الوق����ت يف اللقاء الت�ش����اوري‪ ،‬و�أه ًال و�سه ًال‬ ‫باللق����اء الت�ش����اوري‪� .‬إننا مل نعرت�ض عل����ى وجوده يف‬ ‫احلوار‪ ،‬لكن �أنا ‪�-‬صراح���� ًة ‪ -‬ال ي�ش ّرفني �أن �أو ّقع مع‬ ‫اللجن����ة التح�ضريية‪ ،‬و�أن����ا وقعت مع �أح����زاب اللقاء‬ ‫امل�ش��ت�رك‪ .‬رمبا يج����دون �شخ�ص ًا �آخر يو ّق����ع‪� ،‬أما �أنا‬ ‫فلن �أوقع‪.‬‬ ‫ه��م يقول��ون �أن املرجعي��ة �س��تظل اتف��اق‬ ‫فرباير‪ ،‬فما املانع من تو�سيع طاولة احلوار؟‬ ‫هذا لي�س تو�سيع ًا‪� ،‬إنه ا�ستبدال‪ .‬يف �آخر اجتماع قالوا‬ ‫نري����د االتف����اق �أن يتم بني امل�ؤمتر واللق����اء الت�شاوري‬ ‫كممث����ل لأحزاب اللقاء امل�شرتك‪ ،‬وه����م ال ي�ستطيعوا‬ ‫�أن ينك����روا هذا الأمر رغم املغالطات الكربى‪ .‬و�سبق‬ ‫�أن �شرح����ت ما جرى بيننا يف امل�ؤمتر ال�صحفي الذي‬ ‫عقدته مبع ّية �ص����ادق �أمني �أبو را�س و�أحمد بن دغر‪.‬‬ ‫وق����د قيل لن����ا يف بي����ت الأخ عبدالوه����اب حممود ما‬ ‫مل يك����ن االتفاق ب��ي�ن امل�ؤمتر ال�شعبي الع����ام واللجنة‬ ‫التح�ضريي����ة‪ ،‬وما مل يكن املوقع ه����و امل�ؤمتر ال�شعبي‬ ‫العام وحلفائه ورئي�س املجل�س الأعلى لأحزاب اللقاء‬ ‫امل�ش��ت�رك «مفو�ض ًا من» اللجنة التح�ضريية (ف�إنه لن‬ ‫يك����ون هناك �أي اتفاق)‪� .‬شخ�صي���� ًا‪ ،‬ال ميكن �أن �أقبل‬ ‫بذلك‪� .‬أم����ا �أن يزعم����وا �أننا راف�ضني وج����ود اللجنة‬ ‫التح�ضريي����ة يف احل����وار‪ ،‬ف�����إن هذا ال����كالم اعتربه‬ ‫‪148‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫“‬

‫�أهم تغيري يف احلرب الأخرية‬ ‫يكمن يف العبء الإن�ساين الذي‬ ‫ترتب عليها‪ ،‬و�أنا �أعتقد �أن اجلميع‬ ‫�س ُيقدِّر �أن العبء الإن�ساين الذي‬ ‫ترتب على احلرب ال�ساد�سة يجب‬ ‫�أن ي�صبح احلرب ال�سابعة‬ ‫تعدي���� ًا على النا�س ولي�س جتريح ًا‪� .‬إن����ه تعدٍّ‪ ،‬لأننا مل‬ ‫نعرت�ض يف �أي حلظة على وجود «لقاءهم الت�شاوري»‬ ‫ك�أع�ضاء يف جلنة احلوار‪.‬‬ ‫ولي�س كطرف؟‬ ‫ط����رف �أو �أع�ضاء ال فرق‪ ،‬عندما ي�صبح ع�ضو ًا ف�إنه‬ ‫يكون يف نف�����س الوقت طرف ًا‪ .‬امل�س�أل����ة قانونية بحتة‪.‬‬ ‫املح�ضر الذي تو�صلنا �إليه ومهام اللجنة التح�ضريية‬ ‫للح����وار الوطن����ي ال�شامل ه����م من جاء به����ا‪ ،‬اللجنة‬ ‫ل�سن����ا من طرحها‪ ،‬هم من جاء به����ا‪ ،‬وقد قبلنا بها‪.‬‬ ‫قمنا بتعدي����ل حول �إ�شراك الأ�شقاء والأ�صدقاء‪� .‬إذن‬ ‫مه����ام اللجنة هم م����ن اقرتحها‪ .‬اخل��ل�اف هو على‬ ‫الديباجة والتوقيع ومن املوق����ع‪ .‬قانوني ًا هذا حم�ضر‬ ‫لتنفي����ذ اتفاق وقعت عليه �أط����راف معينة هي املعنية‬ ‫بالتوقيع على املح�ضر‪.‬‬ ‫�إذا مل يتم ا�ستئناف احلوار‪...‬‬ ‫ال �إن �ش����اء اهلل (�س ُي�ست�أن����ف)‪ ،‬ال �أري����د �أن �أك����ون‬ ‫مت�شائم ًا‪.‬‬ ‫يف حال ح�ص��ل ذلك (ومل ي�ست�أنف احلوار مع‬

‫“‬

‫ال�سبب احلقيقي الذي �أدى �إىل‬ ‫اندالع احلرب يف �صعدة هو‬ ‫مبد�أ التكفري‪ .‬فهناك من ُيك ّفر‬ ‫املذهب الزيدي؛ جيل جديد ال‬ ‫يعرف املذهب الزيدي‪ ،‬وال يعلم‬ ‫تاريخه‪ ،‬وال يفهمه‬ ‫�أح��زاب املعار�ض��ة)‪ ،‬هل �ستم�ض��ون يف امل�ؤمتر‬ ‫ال�شعبي العام منفردين يف �إجراء االنتخابات‬ ‫الربملانية املقبلة؟‬ ‫ه����ذه م�سئولي����ة د�ستوري����ة وقانوني����ة‪ ،‬والتخل����ي عنها‬ ‫ه����و تخ ٍّل عن ال�شرعي����ة؛ �إذا تخليت ع����ن م�سئوليتك‬ ‫الد�ستورية والقانونية ف�أنت تتخلى عن �شرعيتك‪.‬‬ ‫لكنك��م ‪ -‬يف الواقع ‪ -‬تخليتم عن ذلك عندما‬ ‫مت ت�أجيل الإنتخابات؟‬

‫�أب����د ًا‪ ،‬مل نتخ���� ّل بهذا ال�ش����كل‪ .‬لقد اتفقن����ا �أن نطلب‬ ‫من جمل�س الن����واب ‪ -‬وهو ال�سلط����ة الت�شريعية ‪� -‬أن‬ ‫يع����دل امل����ادة ‪ 65‬م����ن الد�ست����ور‪ ،‬ومل نتخ���� ّل عن �أي‬ ‫�صالحي����ة من �صالحيات الدولة‪� .‬أن����ا لديّ اعرتا�ض‬ ‫على ما يقال يف �إع��ل�ام «(�أحزاب اللقاء) امل�شرتك»‪.‬‬ ‫مث ًال‪ ،‬قال����وا �إن االنتخابات التكميلية خمالفة التفاق‬ ‫فرباير‪ .‬د�ستوري ًا لي�����س فيها خمالفة التفاق فرباير‪،‬‬ ‫اتف����اق فرباير مل مينع الدول����ة �إال من خطوة واحدة‪،‬‬ ‫�إذ ق����ال له����ا‪�« :‬أجلي االنتخابات مل����دة �سنتني»‪�( ،‬أما)‬ ‫بقية م����واد الد�ستور فعاملة وفاعل����ة‪ ،‬والقول �أنها مل‬ ‫تعد نافذة �أمر غري �صحيح‪� .‬أي دولة هذه التي ت�سلب‬ ‫�شرعيته����ا بنف�سه����ا؟! ت�أجيل االنتخاب����ات مت بتعديل‬ ‫م����ادة د�ستورية‪ ،‬ومواد الد�ست����ور نافذة؛ لديك مقعد‬ ‫خ����ايل البد من ملئه‪ .‬لديك مهم����ة انتخابية ال بد �أن‬ ‫تق����وم ب�أدائها‪� .‬إن الواجب الد�ست����وري يمُ لي على �أي‬ ‫دولة �أال تتخلى عن �شرعيتها‪.‬‬ ‫�أال ت��رون �أن ه��ذه اخلالفات (يف جمملها) هي‬ ‫خالف��ات �ش��كلية‪ .‬مل��اذا ال تقوم��ون بتق��دمي‬ ‫تنازالت لإحراج الطرف الآخر‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن‬ ‫البلد مير يف مرحلة �صعبة؟‬ ‫�إنه����ا م�س�أل����ة قانوني����ة‪ ،‬ولي�س����ت �شكلي����ة‪ .‬م�س�أل����ة‬ ‫قانوني����ة‪� :‬أن����ا وقع����ت حم�ضر مع����ك‪� ،‬أن����ا �أوقع معك‬ ‫�آلي����ة لتنفيذه‪ .‬لق����د تنازلن����ا؛ واتفاقي����ة فرباير ترى‬ ‫�ض����رورة متك��ي�ن الأح����زاب والتنظيم����ات ال�سيا�سية‬ ‫م����ن مناق�شة التعدي��ل�ات الد�ستوري����ة بغر�ض تطوير‬ ‫النظام ال�سيا�سي‪ .‬املنطق يقول �أن املوقعني على هذا‬ ‫االتفاق هم الذين ّ‬ ‫يح�ض����رون التعديالت الد�ستورية‬ ‫ث����م يعر�ضوها عل����ى الأحزاب والق����وى الأخرى‪ .‬ومع‬ ‫ذل����ك‪ ،‬فق����د جتاوزنا ه����ذا وقلنا نبد�أ باحل����وار‪ .‬هذا‬ ‫تنازل من قبل امل�ؤمتر‪� .‬أن����ا �شخ�صي ًا كنت �أقول «من‬ ‫ُنج����ح احل����وار‪ ،‬علي����ه �أن يح�ضر التعديالت‬ ‫�أراد �أن ي ِ‬ ‫الت����ي يتناق�ش النا�س حوله����ا»‪ ،‬لكنن����ا جتاوزنا هذا‪.‬‬ ‫أعط اجلمه����ور م����واد ًا د�ستورية لكي‬ ‫املنطق يق����ول «� ِ‬ ‫يناق�شوها»‪.‬‬ ‫مبنا�سبة احلديث عن التعديالت الد�ستورية‪،‬‬ ‫�أال تعتق��د �أنن��ا بحاج��ة �إىل د�س��تور جديد‪،‬‬ ‫ذل��ك �أن الد�س��تور احلايل كما يق��ول العديد‬ ‫من اخلرباء مليء باملواد املتناق�ضة؟‬ ‫نع����م‪ ،‬ثمة مالحظات عل����ى الد�ستور‪ ،‬لك����ن �أنا ل�ست‬ ‫من دع����اة تكرار ن�س����خ الد�ساتري وتعديله����ا‪� .‬صحيح‬ ‫�أين ل�س����ت متخ�ص�ص ًا يف القان����ون الد�ستوري‪ ،‬لكني‬ ‫�سمعت م����ن متخ�ص�صني �أن فيه �شيئ ًا من التناق�ض‪،‬‬ ‫لكن����ي �شخ�صي���� ًا ل�ست من ه����واة الرتوي����ج ال�ستمرار‬ ‫التعديالت الد�ستورية‪.‬‬ ‫كي��ف تنظ��رون �إىل م�س��تقبل التجرب��ة‬ ‫الدميقراطية يف اليم��ن يف ظل الأزمات التي‬ ‫تع�صف بالبلد؟‬

‫�أن����ا دائم����ا �أقول‪« :‬الوح����دة والدميقراطي����ة �صنوان؛‬ ‫فمن �أراد �أن يتالع����ب بالوحدة اليمنية فلن ي�ستطيع‬ ‫ذل����ك �إال �إذا �ألغى الدميقراطية‪ ،‬وم����ن �أراد �أن يُلغي‬ ‫الدميقراطية فلن ي�ستطيع �أن يفعل ذلك وهو يحافظ‬ ‫على الوحدة اليمنية»‪.‬‬ ‫عطف ًا على حديثك �سننتقل �إىل امللف الثالث‪،‬‬ ‫وه��و مل��ف اجلن��وب‪ .‬فع��دد م��ن حمافظ��ات‬ ‫اجلنوب ت�ش��هد حتركات انف�ص��الية وبع�ض��ها‬ ‫منح��ى م�س��لح ًا‪ ،‬م��ا ه��ي احلل��ول‬ ‫ب��د�أ ي�أخ��ذ‬ ‫ً‬ ‫املنا�سبة لوقف ذلك ح�سب ر�أيك؟‬ ‫باعتقادي‪ ،‬لقد بد�أ الإخوان مبطالب كانت م�شروعة‬ ‫وقابل����ة للنقا�ش‪ ،‬يُقبل منها ما ه����و منطقي وي�ستبعد‬ ‫منها م����ا هو غري منطق����ي‪ ،‬لكن الأمور فج�����أة بد�أت‬ ‫ت�س��ي�ر يف اجت����اه ال ي�ص����ب يف م�صلح����ة دعاتها‪ ،‬كما‬ ‫ال ي�ص����ب يف م�صلح����ة الوط����ن ككل‪ .‬وم����ن يعتقد �أن‬ ‫دعوته �إىل االنف�صال هي خدمة للجنوب‪ ،‬ف�إين �أقول‬ ‫ل����ه �إن����ه يجني عل����ى املحافظات اجلنوبي����ة �أو ما كان‬ ‫ي�سم����ى باجلنوب �سابق ًا‪� ،‬إن����ه يجني عليه جناية �أكرث‬ ‫م����ن اجلناية التي كان ي�شكو منه����ا‪ .‬العودة �إىل بحث‬ ‫الق�ضاي����ا التي �شكا النا�س منها‪ ،‬وتغيري الواقع فيها‪،‬‬ ‫و�إيجاد نظ����ام احلكم املحلي الكام����ل بطرق قانونية‬ ‫ود�ستوري����ة متكامل����ة ه����و احلل له����ذه الق�ضاي����ا‪� .‬إن‬ ‫الإعالم يركز على ال�شكوى يف املحافظات اجلنوبية‪،‬‬ ‫لكن املحافظات الأخ����رى �أي�ض ًا لديها �شكوى‪ ،‬لكن ال‬ ‫ميكن �أن تك����ون ال�شكاوى مربر ًا لالنف�صال‪�« ،‬سيبني‬ ‫وا�سيبك» هذا لن يح�صل‪.‬‬ ‫م��ا ه��ي م�ش��كلة اجلن��وب حتديد ًا م��ن وجهة‬ ‫نظرك؟‬ ‫ً‬ ‫�إنن����ي مل �أكن طرفا يف احلوارات التي �سبقت املناداة‬ ‫باالنف�ص����ال وفك االرتباط‪ ،‬حتى الي����وم ل�ست طرف ًا‬ ‫يف املناق�ش����ات الت����ي تدور يف هذا املو�ض����وع‪� .‬أنا كنت‬ ‫كغ��ي�ري �أ�سمع عن بع�ض املطالب‪ :‬ع����ودة املف�صولني‬ ‫م����ن الق����وات امل�سلحة وم����ن �أجهزة الأم����ن‪ ،‬معاجلة‬ ‫ق�ضاي����ا الأرا�ض����ي‪ ،‬هذا ما كن����ا ن�سمع عن����ه‪ ،‬جمرد‬ ‫�سم����اع‪ .‬و�أنا مل �أكن طرف ًا فيها حتى �أعطيك تو�صيف ًا‬ ‫دقيق���� ًا للم�شكل����ة‪ ،‬لكن����ي �أعترب �أن ه����ذه املطالب هي‬ ‫مطالب معقولة‪.‬‬ ‫بع���ض القيادات التي تدعو لالنف�ص��ال تقول‬ ‫�إن هن��اك مرجعية دولية ملطلب االنف�ص��ال‪،‬‬ ‫�إذ �أن مل��ف ح��رب �ص��يف ‪ 1994‬مل ُيغ َل��ق على‬ ‫م�س��توى الأمم املتحدة‪ .‬ب�ص��فتك كنت هناك‬ ‫وتعرف ماذا ح�صل‪ ،‬ما هو ردك على مثل هذا‬ ‫الكالم؟‬ ‫ق����ل لهم �أن يتعلموا‪ .‬ق�ضي����ة فل�سطني موجودة يف كل‬ ‫تقري����ر �سن����وي يقدمه الأم��ي�ن العام ل��ل��أمم املتحدة‬ ‫�إىل اجلمعي����ة العامة ل��ل��أمم املتحدة‪ ،‬مل����اذا؟‪ ،‬لأنها‬ ‫ق�ضي����ة مل تنت���� ِه‪ .‬بع����د �سنة م����ن نهاية احل����رب قدّم‬

‫(الأم��ي�ن العام للأمم املتحدة وقتذاك) بطر�س غايل‬ ‫تقري����ره‪ ،‬وخالل ال�سن����ة الثالثة �أُغل����ق امللف‪ .‬مل يقل‬ ‫�أن����ا �أغلقته‪ ،‬ال يتخذ ق����رار ب�إغالقه مثلما يُتخذ قرار‬ ‫بفتحه‪ ،‬لكن ك����ون التقارير ال�سنوي����ة للأمم املتحدة‬ ‫مل تع����د تتناول املو�ض����وع‪ ،‬فهذا يعني �أن����ه قد انتهى‪.‬‬ ‫هن����اك ق�ضاي����ا كث��ي�رة يف الع����امل يتم التعام����ل معها‬ ‫بهذا ال�شكل‪ ،‬فق�ضية قرب�ص مل يُغلق ملفها‪ ،‬ما يزال‬

‫“‬

‫الوحدة والدميقراطية �صنوان؛‬ ‫فمن �أراد �أن يتالعب بالوحدة‬ ‫فلن ي�ستطيع ذلك �إال �إذا �ألغى‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬ومن �أراد �أن ُيلغي‬ ‫الدميقراطية فلن ي�ستطيع �أن‬ ‫يفعل ذلك وهو يحافظ على‬ ‫الوحدة اليمنية‬ ‫احلدي����ث عنها موج����ود ًا يف التقاري����ر ال�سنوية‪ ،‬لكن‬ ‫ق�ضي����ة الكونغو انتهت‪ ،‬و�أُغل����ق امللف‪ .‬دعهم يحلمون‬ ‫ب�أن الأمم املتحدة �سوف تلب�س القبعة الزرقاء‪ ،‬وت�أتي‬ ‫تف�صل بيننا‪.‬‬ ‫لكي ِ‬ ‫ال يوجد جمال لتدويل الأزمة يف اجلنوب؟‬ ‫�أبد ًا‪.‬‬ ‫يف هذا ال�سياق‪ ،‬ثمة تقارير غري معروف مدى‬ ‫�ص��حتها تتح��دث عن وج��ود اجت��اه يف �إيران‬ ‫ي�سعى للم�ساعدة يف االنف�صال‪ ،‬ما ر�أيك؟‬ ‫�أن����ا مل �أ�سمع بذل����ك‪ ،‬الذي �أمل�س����ه �أن �إيران تتعاطف‬ ‫مع احلوثي تعاطف���� ًا كام ًال‪ ،‬لكن مع االنف�صال �أنا مل‬ ‫�أ�سمع ومل �أمل�س �شيئ ًا من هذا القبيل حتى الآن‪.‬‬ ‫لك��ن هن��اك م��ن ُيحاج��ج ب���أن الأح��داث يف‬ ‫اجلن��وب حتظ��ى بتغطي��ة كب�يرة م��ن قب��ل‬ ‫الإعالم الإيراين الر�س��مي‪ ،‬ومن جهة �أخرى‬ ‫دع��ا عل��ي �س��امل البي���ض يف ح��وار �أُج��ري‬ ‫مع��ه �إي��ران �إىل �ض��رورة دع��م توجهه بفك‬ ‫االرتباط؟‬

‫“‬

‫االعالم الغربي هول من‬ ‫خطر تنظيم القاعدة يف اليمن‬ ‫والقاعدة موجودة وال ُننكر هذا‪،‬‬ ‫�أما كون «�أن اليمن تعد م�أوى‬ ‫�آمن للقاعدة»‪ ،‬فهذه م�س�ألة‬ ‫حتتاج �إىل تدقيق‬

‫ه����ذا مزاج����ه فق����ط‪ ،‬وال يعني ذلك �أن����ه يتحدث عن‬ ‫امل����زاج الإي����راين‪� .‬أن����ا ال �أتوقع �أن تتح����ول �إيران �إىل‬ ‫طرف يف جتزئة اليمن‪.‬‬ ‫هل �أنت قلق من املنحى الذي �أخذته الق�ضية‬ ‫يف حمافظ��ات اجلنوب‪ ،‬نق�ص��د منح��ى القتل‬ ‫على الهوية؟‬ ‫احلقيق����ة �أن كث��ي�ر ًا من قيادات م����ا ي�سمى باحلراك‬ ‫رف�ض����ت هذا ال�سل����وك و�أدانته‪� .‬إنه����ا جرائم ولي�ست‬ ‫ن�ضا ًال وطني ًا‪ ،‬وهذه جرائم ترتكب‪ ،‬واملجرم جمرم‪.‬‬ ‫�أال تخ�ش��ى من �ص��راع هوياتي‪ ،‬و�إيجاد هوية‬ ‫جنوبي��ة مقاب��ل هوي��ة �ش��مالية �إن ج��از‬ ‫التعبري؟‬ ‫ال‪ ،‬ولك����ن �أظرف ما يف احل����راك �أن العلم الأمريكي‬ ‫يرتف����ع على منزل قائ����د احلراك يف �أب��ي�ن‪ ،‬هو لي�س‬ ‫قائ����د احل����راك يف اجلن����وب‪ ،‬ب����ل قائد احل����راك يف‬ ‫زجنبار تقريب ًا‪.‬‬ ‫تق�ص��د طارق الف�ضلي‪ ،‬حتى يف زجنبار هناك‬ ‫انق�سام كبري حوله‪..‬‬ ‫ب�ص����دق‪� ،‬أن����ا �أ�شكره على ما عمل‪ .‬م����ن املفرو�ض �أن‬ ‫ن�شكر طارق‪ .‬يف مقابل����ة له مع �صحيفة اخلليج قال‪:‬‬ ‫«�سرتون �أعالم بريطانيا و�أمريكا يف كل بيت ويف كل‬ ‫جبل»‪ .‬واهلل نحن ن�شكره‪ ،‬لأنه قطع ال�صلة بينه وبني‬ ‫كل وطني يف اليمن كل����ه ب�شماله وجنوبه‪ ،‬وهذا عمل‬ ‫يُ�ش َكر عليه‪.‬‬ ‫ه��ل تعتقد �أن هذا ال�ش��خ�ص قد ي�ص��بح رقم ًا‬ ‫مهم ًا يف قادم الأيام؟‬ ‫لقد �أ�صبح علم ًا‪ .‬ح ّول نف�سه �إىل علم �أمريكي فقط‪.‬‬ ‫�إىل �أي مدى ت�ساهم اال�ستقطابات الإقليمية‬ ‫والدولي��ة يف تده��ور �أو ا�س��تقرار الأو�ض��اع‬ ‫الأمنية وال�سيا�سية يف اليمن؟‬ ‫يف احلقيقة �أن عدم ا�ستق����رار اليمن هو الذي يُغري‬ ‫الآخري����ن (بالتدخ����ل)‪ .‬اليم����ن امل�ستقر ال����ذي ي�سري‬ ‫نحو التنمية والتطور والتعلي����م ال يُغري �أحد ًا‪ .‬اليمن‬ ‫امللتهب يغري الآخرين‪ ،‬وال ت�ستطيع �أن حتمي نف�سك‬ ‫منه����م �إذا كنت ت�سري يف اجتاه عدم اال�ستقرار ونحو‬ ‫الهاوية‪.‬‬ ‫لننتق��ل للحديث عن تنظيم القاعدة‪ .‬ت�ش�ير‬ ‫بع���ض التقاري��ر الدولي��ة �إىل �أن اليم��ن ق��د‬ ‫ي�شكل «مالذ ًا �آمن ًا» للقاعدة‪ ،‬ما ر�أيك؟‬ ‫�أو ًال‪ ،‬القاعدة موجودة يف اليمن وال ُننكر هذا الأمر‪.‬‬ ‫وق����د ان�ضم �إليه����ا �آخرون من خ����ارج اليمن وذلك ال‬ ‫يُنك����ر‪ .‬حمافظ م����ارب يف مقابلة �صحفي����ة �أ�شار �إىل‬ ‫وجود باك�ستانيني‪ ،‬وهذا حمتمل‪� .‬أما كون «�أن اليمن‬ ‫تعد م�����أوى �آمن للقاع����دة»‪ ،‬فهذه م�س�أل����ة حتتاج �إىل‬ ‫تدقيق‪ .‬القاعدة لها م�أوى يف كل بلد‪ ،‬ال ي�ستطيع �أحد‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪149‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫ب�صراحة‬

‫�أن يق����ول «لي�����س عندي قاعدة»‪ ،‬لك����ن االعرتا�ض هو‬ ‫على امل�أوى الآمن‪ ،‬هذا هو الت�ضخيم الذي ي�أتي حتى‬ ‫من الإعالم الغربي‪ .‬الأحداث التي جرت يف الأ�شهر‬ ‫الأخرية ت����دل على �أنه لي�س للقاعدة م�����أوى �آمن (يف‬ ‫اليم����ن)؛ لها م�����أوى‪ ،‬ولكنه غري �آم����ن‪ .‬ولذلك ف�إنهم‬ ‫كل ي����وم يف جب����ل وكل يوم يف (�سايل����ة)‪ ،‬وكل يوم يف‬ ‫وادي‪ ،‬لأنه����م غري �آمنني وغري م�ستقرين‪ .‬و�أنا �أعتقد‬ ‫�أن الو�سيلة الناجع����ة ملواجهة تنظيم القاعدة هي �أن‬ ‫ال تعطيه فر�ص����ة لي�شعر بالأم����ان ويخطط‪ .‬يجب �أن‬ ‫يظل مطارد ًا‪.‬‬ ‫يف ه��ذا الإطار‪ ،‬ما هو تقييمك حلجم اخلطر‬ ‫الذي ميثله تنظيم القاعدة يف اليمن؟‬ ‫�أعتقد �أنه قد ه ِّول �أكرث مما يجب‪�ُ ,‬ض ِّخم‪ ،‬والإعالم‬ ‫الغرب����ي هو م����ن ّ‬ ‫�ضخمه‪ .‬ج����رت الع����ادة �أن الإعالم‬ ‫العرب����ي ه����و ال����ذي يُ�ضخِّ����م (الأ�شي����اء)‪ ،‬ه����ذه املرة‬ ‫الإعالم الغربي هو من تولىّ ت�ضخيم �أمر القاعدة‪.‬‬ ‫ولك��ن م��ا ه��ي الأ�س��باب وراء ت�ض��خيم خطر‬ ‫القاعدة؟‬ ‫�إن نوعي����ة احلادث ال����ذي قام ب����ه (النيجريي) عمر‬ ‫عبداملطل����ب وتقنيته‪ ،‬هو ال����ذي �أدى �إىل الت�ضخيم‪.‬‬ ‫�أو ًال‪� ،‬آلي����ة التفج��ي�ر ون����وع امل����واد امل�ستخدم����ة الت����ي‬ ‫دل����ت عل����ى �أن هن����اك تقني����ات متط����ورة‪ ،‬و�أن هناك‬ ‫متخ�ص�ص��ي�ن‪ .‬ثاني ًا‪ ،‬اختيار تاريخ ي����وم الكري�سم�س‬ ‫واالحتفال بر�أ�س ال�سن����ة امليالدية‪ .‬ثالث ًا‪ ،‬كان هناك‬ ‫طائ����رة حتمل عل����ى متنها عدد ًا كب��ي�ر ًا من املدنيني‪.‬‬ ‫له����ذه الأ�سباب كلها كان رد الفعل هو الت�ضخيم‪ .‬لقد‬ ‫اعتقدوا �أن القاعدة م�ستقرة و�آمنة‪ ،‬و�أن لها مواقعها‬ ‫الت����ي ت�ستطي����ع منها �أن تخطط كم����ا خطط بن الدن‬ ‫�أيام �إمارة طالبان‪.‬‬ ‫رمب��ا ما يزيد م��ن خماوف الأمريكي�ين البعد‬ ‫الأفريقي‪ ،‬خ�صو�ص�� ًا يف ظل املعلومات امل�ؤكدة‬ ‫ع��ن تع��اون تنظي��م «ال�ش��باب املجاهدين» يف‬ ‫ال�صومال مع تنظيم القاعدة يف اليمن‪..‬‬ ‫ال �شك يف ذلك‪ .‬البيان الر�سمي الذي �أ�صدره تنظيم‬ ‫القاع����دة يف اليمن‪ ،‬والذي حيا في����ه حركة «ال�شباب‬ ‫املجاهدين» الن�ضمامها �إليه‪ ،‬له بعد كبري وخطري‪.‬‬ ‫�أال ميكن �أن يكون وراء الت�ضخيم الذي �أ�شرت‬ ‫�إلي��ه‪ ،‬حماول��ة ل�ش��رعنة ن��وع م��ن الوج��ود‬ ‫الع�سكري �أو حتقيق �أطماع يف اليمن؟‬ ‫مل يع����د �أحد يطمع يف �أحد‪ .‬لديهم �إمكانات �أكرب من‬ ‫�أي قواع����د‪ .‬ي�ستطيعون حتقيق �أهدافهم و�أغرا�ضهم‬ ‫ب�سبل حديثة‪ .‬يف اخلم�سينيات كان اجلميع يبحث عن‬ ‫قواع����د‪� ،‬أما يف القرن الواحد والع�شرين‪� ،‬إذا مل تكن‬ ‫ه����ذه القوى الدولية ت�شعر بالأم����ان جتاهك ومل تكن‬ ‫مطمئنة �إليك‪ ،‬ف�إن لديها و�سائلها التي جتعلها تقوم‬ ‫مبعاقبتك دون احلاجة �إىل �أن تنزل �إىل �أر�ضك‪.‬‬ ‫‪150‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫“‬

‫الدميقراطية التي تبنيناها‬ ‫على املحك بالت�أكيد‪ ،‬وال بد‬ ‫من انتخابات حرة ونزيهة‬ ‫ودميقراطية وتعددية يف ‪،2011‬‬ ‫وال بد من انتخابات رئا�سية‬ ‫بنف�س هذه ال�شروط‬ ‫مناط��ق القبائ��ل الت��ي ي�ش��تبه ب���أن عنا�ص��ر‬ ‫تنطي��م القاع��دة يتحرك��ون فيه��ا ب�ش��كل‬ ‫�أو ب�آخ��ر‪ ،‬ه��ل تعتق��د �أنه��ا �س��تكون املع�ترك‬ ‫القادم؟‬ ‫املناط����ق الت����ي يتحرك����ون فيه����ا ه����ي �أ� ً‬ ‫أرا�ض‬ ‫ص��ل�ا � ٍ‬ ‫�شحيحة ال�سكان‪� .‬صحي����ح �أن القبائل ّ‬ ‫تغ�ض الطرف‬ ‫ع����ن وجودهم‪ ،‬لكن ه�ؤالء ي�ستغلون الأعراف وال�شيم‬ ‫القبلية حلماية �أنف�سهم‪.‬‬ ‫كيف ب�إمكان الدولة �أن تت�ص��رف مع مثل هذا‬ ‫الواقع؟‬ ‫ب�����أن ال ت�سم����ح له����م باال�ستق����رار‪ .‬لي�س �ضروري���� ًا �أن‬ ‫تخو�ض حرب���� ًا مع القبائل‪ .‬ما �أ�سمع����ه �أنهم متنقلني‬ ‫لأنه����م غري مطمئنني‪ ،‬فينبغ����ي �أن ال تعطيهم فر�صة‬ ‫للأمان‪.‬‬ ‫هل هذا يعني �أنك ت�س��تخف بتهديدهم فيما‬ ‫يخ�ص باب املندب؟‬ ‫هذه نكتة ت�ستحق ال�ضحك‪.‬‬ ‫نقلت عنك �إحدى ال�ص��حف الأمريكية قولك‬ ‫َ‬ ‫مخُ�تر ٌق من قبل‬ ‫�أن جه��از الأم��ن ال�سيا�س��ي «‬ ‫تنظيم القاعدة»‪ ،‬فهل هذا الكالم دقيق؟‬ ‫ل�س����ت �أول من قال ه����ذا الكالم‪ ،‬ول�س����ت �أنا الوحيد‬ ‫ال����ذي قال ذل����ك‪ ،‬فقد قيل �أكرث من م����رة‪� .‬أنا �أعتقد‬ ‫�أن هروب �أع�ضاء تنظيم القاعدة يف �شباط‪/‬فرباير‬ ‫‪ 2006‬م����ن �سجن الأم����ن ال�سيا�سي ٌ‬ ‫حدث ال ميكن �أن‬ ‫يتم من دون وج����ود موظفني �صغار متواطئني معهم‪.‬‬

‫“‬

‫الذي ��ن يعتقدون ب� ��أن الأمم املتحدة‬ ‫�س ��وف تلب�س القبع ��ة الزرقاء‪ ،‬وت�أتي‬ ‫تف�صل بيننا‪ ،‬واهمون‬ ‫لكي ِ‬ ‫�أن����ا مل �أُ ِ�ش����ر بكالم����ي �إىل قي����ادة الأم����ن ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫لك����ن هناك موظف��ي�ن موجودين لي ًال ونه����ار ًا باملبنى‬ ‫يف الوقت ال����ذي كان �أفراد التنظي����م ي�ش ّقون النفق‪،‬‬ ‫ث����م يق����ال «لقد مت����ت العملي����ة دون �أن يك����ون هناك‬

‫متواطئني»‪ ،‬هذا ا�ستخفاف بعقول النا�س!‬ ‫يف ه��ذا ال�س��ياق‪ ،‬كي��ف تنظ��ر �إىل التع��اون‬ ‫اليمن��ي ‪ -‬الأمريك��ي يف جم��ال مكافح��ة‬ ‫الإرهاب؟‬ ‫�أعتقد �أنه الآن قد �أخذ جمراه ال�سليم‪.‬‬ ‫تقول تقارير دولية عدة �أن اليمن تتجه لأن‬ ‫ت�صبح دولة فا�شلة‪ ،‬ما تعليقك؟‬ ‫�أنا دائم ًا �أحت����دث عن هذا املو�ضوع‪ ،‬و�أقول �أن ه�ؤالء‬ ‫يجهل����ون اليمن وتاريخه والأزم����ات التي مر بها عرب‬ ‫التاري����خ وعرب الع�صور‪ ،‬واليمن دول����ة منذ �ألف �سنة‬ ‫قبل امليالد؛ مل تكن الدولة يف اليمن يف يوم من الأيام‬ ‫دول����ة فا�شلة‪ ،‬كان هن����اك دولة �ضعيف����ة ودولة قوية‪،‬‬ ‫عندما ت�ضعف الدولة الأطراف تتململ وعندما تقوى‬ ‫الدولة الأطراف تعود �إىل املركز‪ .‬فاحلديث عن دولة‬ ‫فا�شل����ة يف اليمن حدي����ث له عالقة بواق����ع ال�صومال‬ ‫و�أفغان�ستان والكونغو‪ ،‬لكن هذا الكالم غري �صحيح‪.‬‬ ‫لكن لديهم معايري علمية؟‬ ‫�أن����ا ُمط ّلع على تلك املعاي��ي�ر‪ ،‬معظمها ال ينطبق على‬ ‫اليمن‪.‬‬ ‫�أخري ًا‪ ،‬كيف تنظرون مل�ستقبل اليمن ووحدته‬ ‫يف ظ��ل ه��ذه الأزم��ات وه��ذه اال�س��تقطابات‬ ‫املحلية والإقليمية والدولية؟‬ ‫كث��ي�ر ًا ما ي�أتي �أنا�س زائرين ي�صلوا اليمن لأول مرة‪،‬‬ ‫وفع ً‬ ‫��ل�ا مبج����رد �أن �ألتقي ب�أحدهم حت����ى يُبدي ت�أثره‬ ‫بالو�ض����ع الذي نحن فيه‪ ،‬ف�أقول له «وينك وين!»‪ ،‬لقد‬ ‫عدت �سنة ‪ 1968‬وجبال �صنعاء هذه التي حولنا كلها‬ ‫يف يد امللكيني ومل �أ�صل �إىل �صنعاء �إال بعد �أن �سافرت‬ ‫�إىل احلديدة‪ ،‬وحتى طري����ق احلديدة كان مقطوع ًا‪.‬‬ ‫ورغ����م ه����ذا ف�إن الدول����ة مل تف�ش����ل‪ ،‬ومل ت�سقط‪ ،‬ومل‬ ‫تنت ِه‪ .‬عل����ى العك�س �أنا �أقول �إن اليم����ن مرت ب�أزمات‬ ‫�أخط����ر من هذه الأزم����ة‪ ،‬لكننا يف �أزم����ة ال ميكن �أن‬ ‫ننكرها‪ ،‬وال بد �أن نتعامل مع هذه الأزمة‪.‬‬ ‫�إنن��ا كما يبدو على املح��ك‪ ،‬فهناك انتخابات‬ ‫يف ني�س��ان‪�/‬أبريل ‪ 2011‬وانتخاب��ات رئا�س��ية‬ ‫يف ‪ 2013‬ولي���س هن��اك تواف��ق �سيا�س��ي حتى‬ ‫الآن‪..‬‬ ‫الدميقراطية التي تبنيناها هي على املحك بالت�أكيد‪،‬‬ ‫وال ب����د م����ن انتخاب����ات ح����رة ونزيه����ة ودميقراطي����ة‬ ‫وتعددي����ة يف ‪ ،2011‬وال ب����د م����ن انتخاب����ات رئا�سية‬ ‫بنف�����س هذه ال�ش����روط؛ �إذا تخلينا عن ه����ذه الأ�شياء‬ ‫ف�إننا نك����ون قد و�ضعنا اليمن عل����ى عجلة ال�سري �إىل‬ ‫الوراء‪.‬‬ ‫�س���ؤال �أخ�ير‪ ،‬ه��ل تعت�بر نف�س��ك م��ن ح��زب‬ ‫املتفائلني؟‬ ‫�أنا دائم ًا متفاءل‪.‬‬

‫الفهر�ست‬ ‫مراجعات للكتب وعرو�ض موجزة‬

‫دبي وجناحها‬ ‫غري املح�صن‬

‫يو�سف خليفة اليو�سف‬ ‫(كري�ستوفر دايفيد�سون)‬

‫بالإ�ضافة �إىل‬ ‫عرو�ض موجزة‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪151‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫عرو�ض م�ؤجزة‬

‫ُ‬ ‫ح�صن‬ ‫جناح دبي غري امل ّ‬ ‫يتح���دث ه���ذا الكتاب عن دبي �أو عن «النموذج التنم���وي الدّبوي» �إذا �صح التعبري‪ ,‬وهو منوذج وال�شك �أثار كثري ًا من النقا�ش بني‬ ‫امل�ؤيدين واملعار�ضني وحتى احلا�سدين‪ ،‬ونحن طبع ًا ال تهمنا هذه الفئة الأخرية و�إمنا منطلقنا يف قراءة هذا الكتاب هو �أن جتربة‬ ‫دبي جتربة غنية بالدرو�س والعرب التنموية الإيجابية وال�سلبية والتي يطرح هذا الكتاب الكثري منها‪ ،‬وال مينعنا من ا�ستيعاب هذه‬ ‫التج���ارب ق�ص���ور بع�ض جوانب التحليل �أو املبالغ���ة يف جوانب �أخرى لأن عمر الفاروق ر�ضي اهلل عن���ه علمنا �أن ن�ستفيد من نقد‬ ‫الآخرين بت�صحيح �أخطائنا واحلفاظ على جناحاتنا مبقولته امل�شهورة «رحم اهلل �أمرى ًء �أهدى �إ ّ‬ ‫يل عيوبي» �أو كما قال‪.‬‬ ‫وامل�ؤ ّل���ف الذي نراجعه هنا هو لكري�ستوف���ر دايفيد�سون �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف جامعة درم باململكة املتحدة‪ ،‬وقد كان �أ�ستاذ ًا‬ ‫زائ���ر ًا بجامع���ة زايد يف الإمارات‪ ،‬وله �إ�ضافة �إىل هذا الكتاب كتب �أخرى ككت���اب «الإمارات العربية املتحدة‪ :‬درا�سة يف البقاء»‪،‬‬ ‫وكتاب جديد هو «�أبوظبي‪ :‬النفط وما بعد»‪ .‬و�ستكون تعليقاتنا على هذا الكتاب يف �سياق املراجعة‪ ،‬نظر ًا لتعدد املو�ضوعات التي‬ ‫يعاجلها‪ ،‬ذلك بالإ�ضافة �إىل تعليقنا العام الذي نختم به هذه القراءة‪ .‬‬ ‫يتحدث امل�ؤلف يف بداية كتابه‬ ‫والدة م�شيخة‬ ‫عن مرحلة ت�أ�سي�س �إمارة دبي‪ ،‬والتي مرت مبراحل متعددة وواجهتها‬ ‫كثري من التحديات الداخلية واخلارجية‪ ،‬وتفاعلت فيها كذلك القوى‬ ‫املحلي���ة والدولية‪ .‬يتتبع امل�ؤلف الظ���روف التي تكونت فيها �إمارة دبي‬ ‫ابتداء من الت�أكيد على �أن عائلة �آل مكتوم هي جزء من جتمع قبلي هو‬ ‫جتم���ع بني يا�س التي كانت عا�صمته «املارية» الواقعة يف واحة «ليوا»‪،‬‬ ‫وانتقل���ت عا�صمة ه���ذا التجمع بعد ذلك �إىل ما يع���رف اليوم مبدينة‬ ‫«�أبوظب���ي»‪ .‬وكانت تلك الفرتة ت�شهد �صراعات وحتالفات كثرية منها‬ ‫مثلث ال�صراع بني بني يا�س والقوا�سم والعمانيني‪ ،‬وقد �أدت تطورات‬ ‫ه���ذا ال�صراع‪ ،‬يف ر�أي امل�ؤل���ف‪� ،‬إىل ظهور م�شيخة دبي حتت حكم �آل‬ ‫مكت���وم �إىل ما ي�شبه املنطق���ة العازلة يف هذا ال�صراع خا�صة بني بني‬ ‫يا����س يف �أبوظب���ي والقوا�سم يف ر�أ�س اخليمة‪ ،‬وبع���د ذلك �أ�ضيف �إىل‬ ‫هذا املثلث بعد ًا �آخر �أال وهو االمتداد ال�سعودي يف املنطقة‪.‬‬ ‫ويتطرق امل�ؤلف لتفا�صيل تاريخية حول الكيفية التي متت بها عملية‬ ‫انف�صال دبي عن �أبوظبي‪ ،‬وعن الظروف التي متت فيها وهي تفا�صيل‬ ‫التهمن���ا كثري ًا هن���ا لأن الدخول فيها ق���د ي�ستغرق �صفح���ات كثرية‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل �أنها خالفات معهودة يف املجتمعات القبلية التي �أ�صبحت‬ ‫�أ�سرية لأه���واء الب�شر‪ ،‬الأمر الذي يجعلها عر�ض���ة للنامو�س الرباين‬ ‫املتمثل يف قول احلق �سبحانه «لو �أنفقت ما يف الأر�ض جميع ًا ما �ألفت‬ ‫‪152‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫بني قلوبهم ولكن اهلل �أ ّلف بينهم»‪ .‬بعد ذلك ا�ستطاعت بريطانيا من‬ ‫خ�ل�ال معاهدات احلماية التي وقعته���ا مع �شيوخ هذه الإمارات تقليل‬ ‫وت�ي�رة ال�صراعات وجتمي���د اخلالفات عل���ى حاله���ا‪ ،‬و�أ�صبحت هي‬ ‫الت���ي ت�سري �أمور هذه امل�شيخات خا�صة يف ما يتعلق بالعامل اخلارجي‬ ‫وحتمي هذه احلكومات من �أي «�أخطار داخلية»‪.‬‬ ‫وقد لعبت جتارة الل�ؤل�ؤ يف دبي دور ًا مهم ًا يف ن�ش�أة اقت�صادها‪ ،‬وكانت‬ ‫لهذه التجارة وما يرتبط بها من �صناعة لل�سفن وغريها من متطلبات‬ ‫�صي���د الل�ؤل�ؤ �أث���ر ًا يف ازدهار �إمارة دبي يف الف�ت�رة الأوىل من ن�ش�أتها‬ ‫حت���ى �أن احلكومة الربيطانية‪ ،‬كما ي�ش�ي�ر الكاتب‪ ،‬فر�ضت كثري ًا من‬ ‫القي���ود على هذه التجارة �سواء �أكان ذل���ك فيما يتعلق بحجم قوارب‬ ‫ال�صي���د �أو ب�إمكانية ا�سترياد تقني���ات ال�صيد امل�ستخدمة يف اخلارج‪،‬‬ ‫كل ذلك من �أجل �إبقاء هيمنة الربيطانيني على اقت�صاد املنطقة و�إن‬ ‫كانت التربيرات هي �أن ذلك كان من اجل �أبناء املنطقة‪ .‬طبعا هناك‬ ‫�أ�شكال �أخرى من حماولة احلكومة الربيطانية عزل املنطقة عن بقية‬ ‫الع���امل ال يت�سع املجال هنا للتف�صي���ل فيها‪ ،‬ولكن الذي يت�ضح للقارئ‬ ‫�أن اتفاقيات احلماية املتعددة التي وقعتها دبي وغريها من امل�شيخات‬ ‫مع احلكومة الربيطانية كان���ت مبثابة القيود املتتالية واملتزايدة على‬ ‫حرية مواطني هذه املنطقة ال�سيا�سية واالقت�صادية‪.‬‬ ‫فاقت�صادي���ا �أعط���ت هذه املعاه���دات للحكوم���ة الربيطانية والدول‬

‫الك�ب�رى الأخرى هيمنة كاملة على ال�سيا�سات النفطية التي ا�ستمرت‬ ‫�إىل وقتن���ا احلا�ضر م���ع بع�ض التح�سن بعد ت�أ�سي����س منظمة الأوبك‪.‬‬ ‫�أم���ا ما ح�صل عل���ى اجلانب ال�سيا�سي نتيجة ه���ذه املعاهدات فهو �أن‬ ‫احلكوم���ة الربيطاني���ة �أ�صبحت طرف ًا يف معادل���ة العالقة التي تربط‬ ‫احلاك���م باملحكوم؛ فهي قد ج ّمدت ال�سلط���ة يف �أيدي احلكام وقامت‬ ‫بحمايته���م‪ ،‬وذلك مقابل ح�صولها على امتيازات النفط يف املنطقة‪،‬‬ ‫وه���ذه ال�سيا�سة كان لها كثري من الآث���ار ال�سلبية حتى وقتنا احلا�ضر‬ ‫و�إن تفاوتت هذه الآثار من دولة �إىل �أخرى‪.‬‬ ‫بعد ذلك يتحدث امل�ؤلف عن م���ا عرف «باحلركة الإ�صالحية» التي‬ ‫ظه���رت عام ‪ 1938‬يف دب���ي ويف كثري من دول املنطقة خا�صة الكويت‪.‬‬ ‫وق���د كانت هذه احلرك���ة‪ ،‬التي �ضمت بني �أع�ضائه���ا �أفراد من عائلة‬ ‫املكت���وم وجتار ومثقفني‪ ،‬تطال���ب بنوع من الرقابة عل���ى �إدارة موارد‬ ‫الإمارة من قبل احلاكم وتوجيهها �إىل م�شروعات تنموية تعود بالنفع‬ ‫على �شرائح املجتمع كافة‪� ،‬أي �أن هذه الفئة كانت تعرت�ض على احتكار‬ ‫احلاكم لقرارات تتعل���ق بتوجيه ثروة‬ ‫بيانات الكتاب‬ ‫املجتمع‪ .‬ولكن هذه احلركة �أجه�ضت‬ ‫ومل تتبلور لت�ص���ل �إىل م�ستوى النظام‬ ‫دبي‪:‬النجاح غري‬ ‫الرقاب���ي املطل���وب‪ ،‬ويف اعتقادن���ا �أن‬ ‫ه���ذه املطالب الت���ي تقدم���ت بها هذه املح�صن‬ ‫الفئ���ة ال زال���ت بدرج���ة م���ن الأهمية كري�ستوفر دايفيد�سون‬ ‫وال�ضرورة لنجاح منوذج دبي التنموي‪ ،‬نيويورك‪ :‬من�شورات‬ ‫لأن بناء الإن�سان بامل�شاركة الفاعلة هو‬ ‫جامعة كولومبيا‬ ‫�أك�ث�ر م�ساهم���ة يف ا�ستمرارية التنمية‬ ‫‪2008‬‬ ‫م���ن‪ ‬بناء احلجر وح���ده‪ .‬كذلك ي�شري‬ ‫الكات���ب �إىل �أن ال�شي���خ را�ش���د ب���ن ‪� 320‬صفحة‬ ‫�سعيد رحمه اهلل‪ ،‬ال���ذي كان معار�ض ًا ‪ 32.50‬دوالر ًا‬ ‫ملطال���ب حرك���ة الإ�ص�ل�اح ق���ام نف�سه‬ ‫بعد توليه احلكم ع���ام ‪ 1958‬بت�أ�سي�س‬ ‫املجل����س البلدي وتبني غالبية تلك املطالب‪ ،‬وهذا �أمر ُي�سجل لكل من‬ ‫املطالب�ي�ن ولل�شيخ را�شد نف�سه لأنه قام به���ذه املبادرة التي ت�صب يف‬ ‫خط امل�شاركة يف القرار �إىل حد ما‪.‬‬

‫من القومية العربية �إىل الأمن اجلماعي‬

‫يتح���دث امل�ؤلف عن املد القومي خا�ص���ة النا�صري منه الذي اجتاح‬ ‫دب���ي وبقي���ة �أنح���اء اخلليج خالل ف�ت�رة اخلم�سيني���ات‪ ،‬وكيف قامت‬ ‫بريطاني���ا مبحاول���ة عزل ه���ذه املنطقة ع���ن ت�أثريه وق���د توجت هذه‬ ‫اجلهود بت�أ�سي�س نظ���ام �إقليمي خليجي منف�صل عن املحيط العربي‪.‬‬ ‫فف���ي ع���ام ‪ 1953‬ت�أ�س�ست اجلبه���ة الوطنية يف دبي وه���ي جبهة‪ ،‬كما‬ ‫ي�ش�ي�ر امل�ؤل���ف‪ ،‬ت�أ�س�ست من �أجل مناه�ضة النف���وذ الإيراين والهندي‬ ‫وحماي���ة طبق���ة رجال الأعم���ال املحلي�ي�ن‪ .‬وي�ست�شهد امل�ؤل���ف بتقرير‬ ‫املعتمد الربيطاين الذي ي�ؤكد �أن �أهم �أهداف هذه اجلبهة كانت تقليل‬

‫النفوذ الربيط���اين يف املنطقة وفر�ض رقابة على �سلطات احلاكم يف‬ ‫دب���ي والذي كان عندئذ هو ال�شيخ �سعي���د بن مكتوم رحمه اهلل‪ .‬ولقد‬ ‫ات�س���ع ت�أث�ي�ر هذه اجلبهة يف دب���ي خالل عام ‪� 1956‬أو ف�ت�رة العدوان‬ ‫الثالث���ي على م�صر‪ ،‬وكانت هناك بع����ض �أحداث العنف كحرق جزء‬ ‫من ال�سفارة الربيطانية‪ ،‬وق���د كانت هناك حوادث م�شابهة يف بع�ض‬ ‫الإمارات الأخرى خالل هذه الفرتة‪.‬‬ ‫هذا املد القومي مل يعج���ب احلكومة الربيطانية‪ ،‬كما ي�ؤكد امل�ؤلف‪،‬‬ ‫وبالتايل مت اتخاذ كثري من ال�سيا�سات الحتوائه �أو لإبعاد املنطقة عن‬ ‫انعكا�ساته كت�أميم النفط �أو تبلور �سيا�سات معادية للنفوذ الربيطاين‪.‬‬ ‫ومن بني هذه ال�سيا�سات التي تبنتها احلكومة الربيطانية تقوية �أجهزة‬ ‫الأم���ن الداخلي‪ ،‬و�إعادة هيكلة حماكم دب���ي‪ ،‬و�إحداث �إ�صالحات يف‬ ‫النظ���ام التعليمي متثلت يف تعيني مدير معارف �سوداين ا�سمه الأمني‬ ‫وكان �صديق ًا للمعتمد الربيطاين وقد كلف ب�إيجاد نظام تعليمي جيد‬ ‫وغ�ي�ر م�سي�س وتوجيه الطلب���ة �إىل الأندي���ة ذات «الن�شاطات الربيئة‬ ‫« كلع���ب ال���ورق‪ ،‬ذل���ك بالإ�ضاف���ة‬ ‫�إىل الت�أك���د من ع���دم وقوع املجالت‬ ‫ال�سيا�سي���ة يف �أي���دي ه����ؤالء الطلبة‪.‬‬ ‫ومل تكن بريطانيا‪ ،‬كما يقول امل�ؤلف‪،‬‬ ‫راغب���ة �أ� ً‬ ‫صال يف تطوير نظام تعليمي‬ ‫معا�صر نظر ًا لتخوفها من خمرجاته‬ ‫ولكنها وجدت نف�سها م�ضطرة نتيجة‬ ‫للم���د القوم���ي النا�ص���ري �أن حتدث‬ ‫بع����ض الإ�صالحات التعليمية املقيدة‬ ‫مب���ا يحف���ظ الأو�ض���اع الراهنة‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذل���ك ا�ستم���رار قب�ض���ة بريطانيا‬ ‫على مق���درات املنطقة ذات املخزون‬ ‫النفطي املتزايد‪ .‬وقد قامت احلكومة‬ ‫الربيطاني���ة بح�س���ب امل�ؤل���ف ب�إبعاد‬ ‫كث�ي�ر من املعلمني من ذوي االجت���اه القومي من العملية التعليمية‪ ،‬بل‬ ‫�إنها منعت بع�ض رحالت الطريان امل�صري �إىل املنطقة‪.‬‬ ‫�أم���ا طبقة التجار فلم ت�سلم م���ن هذه ال�سيا�سات‪ ،‬كما يقول امل�ؤلف‪،‬‬ ‫فه���ي قد مت �إ�ضعاف ت�أثريها من خالل �إعطائها كثري من االمتيازات‬ ‫وم���ن �أهمها الوكاالت التجاري���ة التي ظلت حمتكرة من قبل فئة قليلة‬ ‫من رجال الأعمال منذ تلك الفرتة وحتى يومنا هذا‪ ،‬وامل�ؤلف يرى �أن‬ ‫هذه الإغراءات كانت �سبب ًا يف تراجع ‪� ‬شريحة من التجار عن مطالب‬ ‫الإ�صالح التي تقدموا بها �سابق ًا يف �إطار «اجلبهة الوطنية»‪.‬‬ ‫وم���ن بني ال�سيا�سات بعي���دة املدى الحتواء امل���د القومي يف املنطقة‬ ‫ال�سعي لإيجاد احتاد ما بني ه���ذه الإمارات متهيد ًا الن�سحاب القوات‬ ‫الربيطانية من املنطقة‪ ،‬وقد كان من املقرر �أن يكون االحتاد من ت�سع‬ ‫�إم���ارات مب���ا يف ذلك البحرين وقطر ولكن ذل���ك مل يتحقق ومت قيام‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪153‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫احت���اد الإمارات ال�ست عام ‪ ،1971‬وحلقت ر�أ�س اخليمة باالحتاد بعد‬ ‫ع���ام من ت�أ�سي�سه‪ .‬وال�ش���ك �أن هذا االن�سح���اب الربيطاين جزء منه‬ ‫ف�س���ر مبحاولة تقليل تكاليف الوجود الع�سك���ري‪ ،‬ولكن جزء منه هو‬ ‫ُي َّ‬ ‫عدم الرغب���ة يف تكرار ظاهرة املواجهات الت���ي ح�صلت يف عدن بني‬ ‫القوات الربيطانية وبني �شعب يطالب با�ستقالله‪.‬‬ ‫يتحدث امل�ؤلف عن ن�ش�أة‬ ‫مرتكزات امليناء احلر‬ ‫دب���ي كميناء جتاري كانت ر�أ�س احلربة فيه هي �إعادة الت�صدير التي‬ ‫�ساعد على جناحها �إنفاق حكومة دبي يف تلك الفرتة على م�شروعات‬ ‫البنية الأ�سا�سي���ة‪ ،‬مبا ت�سمح به موارد الإم���ارة وانخفا�ض ال�ضرائب‬ ‫والرتاخي����ص عل���ى ال�سف���ن وكذلك هج���رة طبقة التجار م���ن الدول‬ ‫املج���اورة كالهند و�إيران وحتى من الإمارات املجاورة ك�إمارة �أبوظبي‬ ‫وال�شارق���ة للعم���ل واال�ستقرار يف دبي‪ ،‬نظرا لقل���ة القالقل ال�سيا�سية‬ ‫فيها مقارنة مبا كان يحدث من �صراعات يف بقية املناطق‪.‬‬ ‫باخت�ص���ار �إن ما ميكن قوله �أن �سيا�سات �إزال���ة احلواجز التجارية‬ ‫الت���ي تبناه���ا ال�شيخ ح�ش���ر املكتوم يف بداي���ة الق���رن الع�شرين كانت‬ ‫مبثاب���ة تد�شني لدور �إم���ارة دبي كمركز جتاري مزده���ر يف املنطقة‪.‬‬ ‫وكانت �أهم ال�سلع املتاجر بها والتي متر عرب دبي ت�شتمل على الن�سيج‬ ‫والذه���ب والإلكرتونيات‪ ،‬ويت���م نقلها ما بني الهند وال���دول الآ�سيوية‬ ‫ومنطق���ة اخلليج‪ .‬وال�ش���ك �أن ا�ستمرار حكومة دب���ي يف تو�سيع بنيتها‬ ‫الأ�سا�سي���ة �س���واء �أكان ذلك يف ما يتعلق باالت�ص���االت �أو املوا�صالت‪،‬‬ ‫وذل���ك باالقرتا�ض م���ن اخل���ارج وت�شجي���ع اال�ستثم���ارات اخلارجية‬ ‫وكذل���ك البدء بتطوي���ر النظام امل�صريف خا�ص���ة البنوك‪ ،‬كان عام ًال‬ ‫مهم��� ًا يف جع���ل هذه الإم���ارة نقطة ج���ذب للن�ش���اط االقت�صادي من‬ ‫املناطق املحيطة بها وكذلك املناطق البعيدة‪.‬‬ ‫وي�ش�ي�ر امل�ؤل���ف �إىل بعد النظر ال���ذي كان يت�صف ب���ه ال�شيخ را�شد‬ ‫املكت���وم رحم���ه اهلل‪ ‬خا�ص���ة عندم���ا كان الأمر يتعل���ق بوترية وحجم‬ ‫التو�س���ع يف البني���ة الأ�سا�سية‪ ،‬حت���ى �أن تقديراته كان���ت يف كثري من‬ ‫الأحي���ان �أ�صوب و�أدق م���ن تقديرات بع�ض «اخل�ب�راء» كما ح�صل يف‬ ‫تو�سيع طاقة ميناء جبل علي وكثري من امل�شروعات الأخرى‪.‬‬ ‫ي�شري امل�ؤلف �إىل‬ ‫تنويع الهيكل االقت�صادي‬ ‫�أن �إح�سا�س �إمارة دبي مبحدودية خمزونها النفطي مقارنة ب�أبوظبي‬ ‫�أعطاها دفعة وحافز ًا للعمل الدءوب على تخطي هذه العقبة مبحاولة‬ ‫حثيث���ة لتنويع هيكله���ا االقت�صادي ا�ستع���داد ًا للفرتة الت���ي �سين�ضب‬ ‫فيها خمزونها النفطي‪ .‬ففي منت�صف الثمانينيات واحلرب العراقية‬ ‫ الإيراني���ة على �أ�شده���ا‪ ،‬وعندما كانت دول املنطق���ة تدر فوائ�ضها‬‫النفطي���ة �إىل االقت�صاديات الغربية‪ ،‬قرر‪ ،‬كم���ا يقول امل�ؤلف‪ ،‬كل من‬ ‫ويل العهد عندئذ ال�شيخ مكت���وم بن را�شد رحمه اهلل و�أخويه حمدان‬ ‫وحممد ب����أن زيادة ا�ستثماراتهم يف تطوير البنية الأ�سا�سية لدبي من‬ ‫�أج���ل تعمي���ق دور الإم���ارة التجاري‪ ،‬وم���ن �أجل مزيد م���ن التنويع يف‬ ‫‪154‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫الهيكل االقت�صادي للإمارة‪ ،‬هو امل�سار الأف�ضل‪.‬‬ ‫وق���د كان���ت هذه الر�ؤي���ة امتداد ًا ملا ق���ام به ال�شيخ را�ش���د من قبل‪،‬‬ ‫�س���واء تعلق ذلك بتو�سيع ميناء جبل علي �أو احلو�ض اجلاف �أو �شركة‬ ‫موان���ئ دب���ي �أو ط�ي�ران الإم���ارات الحق��� ًا �أو غريها م���ن م�شروعات‬ ‫البني���ة الأ�سا�سي���ة الت���ي تبعتها‪ .‬ولق���د ا�ستمرت دب���ي يف جهود تنويع‬ ‫هيكله���ا االقت�صادي لتجعله مزيج ًا من النفط والتجارة خا�صة �إعادة‬ ‫الت�صدير واخلدمات ال�سياحية واملالي���ة وال�صناعات اخلفيفة‪ ،‬وبعد‬ ‫ذل���ك بد�أت عملية التو�س���ع العقاري‪ .‬ولكن امل�ؤلف ال���ذي يذكر كثري ًا‬ ‫م���ن البيانات للتعبري عن هذه اجلهود التي بذلتها دبي لتنويع هيكلها‬ ‫يخرج بنتيجة م�ؤداها �أن جناحات هذه امل�سرية املتعلقة بتنويع الهيكل‬ ‫االقت�ص���ادي لدبي كانت �سطحية‪� ،‬أي �أنه ال يعتقد �أنها متينة وهذا ما‬ ‫يح���اول تف�سريه يف بقية ف�صول كتابه كما �سيت�ضح للقارئ‪ ،‬ونحن و�إن‬ ‫كن���ا ال ن�ؤيد كل جوان���ب منوذج دبي التنموي �إال �أنن���ا نعتقد �أن حكمه‬ ‫هن���ا في���ه �شيء من التعمي���م والإجحاف‪ ،‬خا�ص���ة �إذا نظرنا �إىل هذا‬ ‫النم���وذج بايجابياته التي ميك���ن �أن يبنى عليها‪ ،‬و�سلبياته التي ميكن‬ ‫تقليلها مقارنة مبحي���ط خليجي وعربي و�إ�سالمي يفتقد للحد الأدنى‬ ‫م���ن الر�ؤية التنموية التي ميك���ن �أن يت�أملها الإن�س���ان �أو يحكم عليها‬ ‫�سلب ًا و�إيجاب ًا‪.‬‬ ‫ينتقل‬ ‫اال�ستقرار ال�سيا�سي وثمن احلكم ‪ ‬‬ ‫امل�ؤل���ف بع���د ذل���ك للت�أكيد عل���ى �أن جه���ود التنمي���ة االقت�صادية التي‬ ‫عا�شته���ا دب���ي مل يواكبها انفتاح �سيا�سي حتى مقارن���ة بال�سعودية التي‬ ‫ح�صل���ت فيها انتخابات بلدية ع���ام ‪ ،2005‬ويعزو امل�ؤلف هذا االزدهار‬ ‫االقت�ص���ادي الذي تزام���ن مع جمود �سيا�سي �إىل ق���وة عائلة �آل مكتوم‬ ‫داخلي��� ًا‪ ،‬و�إىل نوع م���ن التفاهم بينها وبني �شريح���ة طبقة التجار التي‬ ‫ح�صلت عل���ى امتيازات اقت�صادية مقابل تنازلها عن الدور ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫�أم���ا فيما يتعلق بقوة مكان���ة عائلة �آل مكتوم يف الداخل ف�إنه يعزو ذلك‬ ‫�إىل ال���دور الرائ���د الذي لعب���ه ال�شيخ را�شد يف ت�أ�سي����س الإمارة والذي‬ ‫جعل���ه بحق يلقب «ب���الأب امل�ؤ�س�س لإم���ارة دبي»‪ ،‬وق���د �أثبت جدارة يف‬ ‫القي���ادة لي����س فقط عل���ى م�ستوى الإم���ارة وحدها و�إمنا عل���ى م�ستوى‬ ‫الدولة كذلك‪ ،‬لأنه كان احلاكم الفعلي لدبي منذ الثالثينات‪.‬‬ ‫وق���د خلف ال�شي���خ را�ش���د وراءه‪ ،‬كما يق���ول امل�ؤلف‪� ،‬أبن���اء يت�صفون‬ ‫بالر�شد وقد �شارك كل منهم و�إن بدرجات متفاوتة يف امل�شروع التنموي‬ ‫لدبي من���ذ الثمانينيات‪ ،‬وبذلك �أ ّمن ال�شي���خ را�شد‪ ،‬كما يقول الكاتب‪،‬‬ ‫ا�ستمراري���ة عائلت���ه يف احلكم‪ .‬ويتحدث بعد ذلك ع���ن انتقال ال�سلطة‬ ‫م���ن ال�شيخ را�ش���د �إىل �أبنائه ابتدا ًء من ال�شيخ مكت���وم وانتهاء بال�شيخ‬ ‫حممد بن را�شد احلاكم احل���ايل‪ ،‬ويف�سر بع�ض تفا�صيل عملية توارث‬ ‫احلك���م ب�صورة قد يتف���ق �أو يختلف معه فيها الق���ارئ ولكنها تفا�صيل‬ ‫لي�ست �أ�سا�سية فمنها مث ًال انتقال احلكم من الأب �إىل االبن ثم انتقاله‬ ‫من الأخ �إىل �أخيه‪ ،‬وهذه ظاهرة م�شاهدة يف جميع دول املنطقة‪.‬‬

‫مع�ض��لة دبي‪:‬التنوي ��ع يف الهيكل االقت�صادي لدبي قد يقلل من اعتماده ��ا على النفط ولكنه يعمق اعتمادها‬ ‫عل ��ى الع ��امل اخلارجي بدرجة كبرية‪ ،‬وهذا ي� ��ؤدي بدوره �إىل �صدمات قد تنتج من هذا االعتماد كما ح�صل يف‬ ‫الأزمة املالية احلالية التي قام خاللها كثري من م�ستثمري الأموال ب�سحب �أموالهم‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪155‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫ٌ‬ ‫خمطئ وال�شك يف بع�ضها الآخر‪ ،‬ولي�س من‬ ‫اما العامل الثاين الذي يطرحه امل�ؤلف ك�سبب ال�ستمرار الفجوة بني م�صيب��� ًا يف بع�ضها ولكنه‬ ‫النمو االقت�صادي وال�سيا�سي يف دبي فهو متعلق بحر�ص �آل مكتوم على اهتماماتن���ا هنا الدخ���ول �إىل قلوب النا�س ومتحي����ص نواياهم فهي‬ ‫توزيع جزء من ثروة الإمارة على �شرائح املجتمع‪ ،‬وي�ست�شهد بكيف �أن مرتوك���ة هلل �سبحان���ه وتعاىل‪ ،‬ويف قيمن���ا �أن من فعل خ�ي�ر ًا �شكرناه‬ ‫ال�شي���خ �سعيد ب���ن مكتوم‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬كان ي�ت�ردد على جمل�سه‪� ،‬أبناء ودعونا اهلل �أن يتقبل �أعماله وكفى‪ .‬‬ ‫باخت�ص���ار �إن ما ح���اول امل�ؤلف قوله يف هذا الف�ص���ل هو �أن حكومة‬ ‫املجتم���ع ويطلبون امل�ساع���دة وكان ي�ستجيب لهم ويعطيهم ما يكفيهم‬ ‫ل�شه���ر �أحيان��� ًا‪ ،‬وقد ا�ستم���ر ال�شيخ را�شد يف منح���ى العطاء هذا بعد دبي مل حت�صن جهودها االقت�صادية بدرجة من امل�شاركة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وفاة �أبي���ه ولكن طريقته اختلفت بع�ض ال�ش���يء فبعد العطاء املبا�شر ومهم���ا اختلفن���ا معه يف بع����ض التفا�صيل �إال �أننا نتف���ق معه يف املبد�أ‬ ‫لل�شي���خ �سعيد املكتوم �أ�صبح ال�شي���خ را�شد ي�ساعد املواطن على �إيجاد الع���ام ب����أن منوذج دب���ي خا�صة بع���د الأزم���ة املالية احلالي���ة بحاجة‬ ‫عم���ل‪� ،‬أي �أن ي�ساع���د نف�سه ً‬ ‫عم�ل�ا باملثل ال�صين���ي �أن تعطي الإن�سان ملراجع���ة كث�ي�ر من جوان���ب ال�ضعف فيه‪ ،‬وم���ن �أهمه���ا تو�سيع دائرة‬ ‫�صن���ارة لي�صيد ال�سمك خري م���ن �إعطائه �سمكة‪ ،‬وه���ذا اال�ست�شهاد الق���رار وذلك من �أج���ل تطوير جودة البني���ة الأ�سا�سي���ة‪� ،‬سواء تعلق‬ ‫لنا ولي����س للكاتب حتى نظل دقيقني يف تقييم مق���والت امل�ؤلف‪ .‬وكان ذل���ك بكفاءة امل�ؤ�س�س���ات الق�ضائية �أو املالي���ة �أو الإدارية التي يتطلب‬ ‫من بني الو�سائل التي ا�ستخدمها ال�شيخ را�شد مل�ساعدة �أبناء املجتمع تطورها وارتقاء �أدائها درجة ال ب�أ�س بها من ال�شفافية وامل�ساءلة التي‬ ‫ه���و تزكيتهم للعمل يف م���كان ما �أو التربع لهم بقط���ع �أرا�ضي لإقامة ت�أت���ي عادة مع وجود امل�شارك���ة ال�سيا�سية‪� .‬أي �أن ما ن�ؤكده مع الكاتب‬ ‫�أن ال�صيغ���ة ال�سيا�سية الب�سيط���ة التي كانت �سائدة يف ال�سابق مل تعد‬ ‫ن�شاطات اقت�صادية عليها‪.‬‬ ‫وامت���دت ه���ذه امل�ساع���دات احلكومي���ة لت�شتمل على توف�ي�ر التعليم كافي���ة لتحمل م�سئولي���ات وت�شابكات االقت�صاد احلدي���ث‪ ،‬و�أملنا هو‬ ‫وال�صحة وتوفري الوظائف للخريجني ودعم بع�ض اخلدمات الأ�سا�سية �أن جت���د هذه الدعوة �آذان��� ًا �صاغية وقلوب ًا واعية و�صدور ًا وا�سعة لدى‬ ‫�ص ّناع الق���رار يف دبي‪ ،‬لأن التفكري‬ ‫الأخرى‪ .‬ويتحدث امل�ؤلف كذلك �أن‬ ‫�سيا�سات �إزالة احلواجز التجارية التي تبناها ال�شيخ‬ ‫اجل���اد يف ه���ذه امل�س�ألة ه���و وحده‬ ‫م���ن و�سائل احلفاظ عل���ى ال�سلطة‬ ‫ح�شر املكتوم يف بداية القرن الع�شرين كانت مبثابة‬ ‫جدير ب�إبقاء من���وذج دبي التنموي‬ ‫يف �إم���ارة دب���ي اعتم���اد احلكوم���ة‬ ‫ً‬ ‫عل���ى عدد قليل من الأ�سر للعمل يف تد�شني لدور �إمارة دبي كمركز جتاري مزدهر يف املنطقة رائ���دا يف املنطقة‪ ،‬وه���ذه امل�شاركة‬ ‫فيه���ا كث�ي�ر م���ن اخل�ي�ر والرتابط‬ ‫الوظائ���ف احلكومية‪ ،‬و�إن كان هذا‬ ‫كذلك بني احلاكم واملحكوم‪.‬‬ ‫الأ�سلوب �أك�ث�ر ا�ستخدام ًا يف �إمارة‬ ‫ً‬ ‫بع���د ت�أكي���ده عل���ى الفج���وة بني النمو‬ ‫�أبوظب���ي كم���ا يق���ول امل�ؤلف طبعا‪ .‬هن���ا البد من التذكري ب����أن امل�ؤلف ‪ ‬مع�ض��لة دب��ي‬ ‫ينظر من منظور جمتمعه‪ ،‬حيث املواطنني ي�شكلون غالبية عظمى يف االقت�ص���ادي والتطور ال�سيا�سي يف دب���ي يغو�ص امل�ؤلف يف بع�ض �أبعاد‬ ‫الوظائ���ف وبالتايل فهو ي�سقط هذا املنظور على املجتمعات اخلليجية هذا النم���وذج التي ميكن �أن ت�شكل عوامل �ضع���ف‪ ،‬وهي يف اعتقادنا‬ ‫خا�ص���ة الإمارات‪ ،‬حيث �أن الفئة املواطنة هي �أقلية وبالتايل ف�إن فتح مو�ضوع���ات جديرة بالتدبر واالهتمام من قب���ل من ي�صنع القرار يف‬ ‫الأب���واب على م�صراعيها يف التوظيف لن يبق���ي ملواطني هذه الدولة دب���ي بغ�ض النظر عن ال�صيغة الت�شا�ؤمي���ة التي يطرحها بها الكاتب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حكام���ا وحمكومني �أي���ة �شرعية‪ ،‬وهذه �إ�شكالية تتك���رر كثريا من قبل فمن هذه امل�شاكل ت�أ�صل روح الك�سب ال�سريع والريعي يف �أذهان �أبناء‬ ‫الباحثني الأجانب يف �ش�ؤون املنطقة فهم يقعون يف خط�أ قيا�س واقعنا الإم���ارة والدولة مع ًا‪ ،‬وهي م�شكل���ة متف�شية يف دول املنطقة جمتمعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بواقعه���م مع اختالف املعطيات وهذا م�ؤ�سف حقا‪ .‬مبعنى �آخر �إننا ال حي���ث �أن امله���ارات التي يتخرج به���ا ه�ؤالء الأبن���اء ال ت�ؤهلهم لتكوين‬ ‫نعرت�ض على �إعطاء املواطنني الأولوية يف الوظائف يف بلدهم ب�شرط قاعدة املوارد الب�شري���ة املطلوبة لتحقيق التنمية الفعلية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫�أن تك���ون لديه���م الكف���اءة والأمان���ة‪ ،‬و�أن ال تتح���ول البل���د �إىل �أفراد يحم���ل يف طيات���ه ا�ستمراري���ة وتزايد درج���ة االعتماد عل���ى العمالة‬ ‫يقدم���ون م�صاحلهم على م�صلحة املجتمع ب�أكمله كما ر�أينا يف جميع الوافدة وما حتمله من انعكا�سات يتحدث عنها امل�ؤلف الحق ًا‪.‬‬ ‫الدول اخلليجية يف ال�سنوات الأخرية‪.‬‬ ‫�إن ه���ذه الق�ضية ه���ي يف اعتقادنا من �أهم الق�ضاي���ا التي يجب �أن‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل م���ا �سبق ي�شري امل�ؤل���ف �إىل انتخاب���ات املجل�س الوطني ت�أخ���ذ الأولوي���ة يف تفكري حكومات املنطقة كله���ا ولي�س دبي فقط لأن‬ ‫االحت���ادي كتجربة غري ج���ادة للم�شاركة ال�سيا�سي���ة‪� ،‬سواء من حيث النج���اح يف التنمية‪ ،‬كما بين���ا يف كثري من كتاباتن���ا‪ ،‬يعني باخت�صار‬ ‫الرت�شي���ح واالنتخ���اب وهي مالحظ���ة مالحظة نواف���ق امل�ؤلف عليها‪ .‬حتوي���ل النف���ط النا�ض���ب �إىل �إن�سان منت���ج ي�ستطيع �أن يق���دم للعامل‬ ‫ويخت���م حديثه ع���ن اجلهود الت���ي تبذله���ا حكومة دب���ي يف املجاالت اخلارج���ي �سلع���ة �أو خدمة ي�شرتي بقيمتها حاجات���ه من بقية العامل‪.‬‬ ‫الثقافية والديني���ة والريا�ضية ويف جم���االت العمل اخلريي وغريها‪ ،‬لذل���ك ف�إن ال�ث�روة النفطية احلالي���ة يجب �أن ت�ستخ���دم لإيجاد هذا‬ ‫والت���ي يرى فيه���ا الكاتب �أنه���ا واجهات لبن���اء ال�شرعي���ة‪ ،‬وقد يكون‬ ‫‪156‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫�سيواجه املنطقة يف ال�سنوات املقبلة‪.‬‬ ‫وهناك نقط���ة هامة يتطرق لها امل�ؤلف يف حديثه عن حجم الهجرة‬ ‫القادم���ة �إىل املنطق���ة‪ ،‬وتتعلق باملنظوم���ة القيمي���ة والأخالقية التي‬ ‫يحمله���ا ه�ؤالء املهاج���رون �إىل بل���دان اخلليج و�أثر ذل���ك يف الن�سيج‬ ‫الأخالقي لهذه املجتمعات‪ .‬وال�ش���ك �أن هذه الآثار م�شاهدة‪ ،‬وهي يف‬ ‫ر�أين���ا خطرية وتكاليفه���ا باهظة‪ .‬ومن هنا ف�إننا نعتق���د �أن املنظومة‬ ‫القيمي���ة لهذه املجتمعات يجب �أن ال يحكم عليها باالنهيار واالنح�سار‬ ‫�أمام مد القي���م الوافدة‪ ،‬وذلك لأنها قيم املجتمع‪ ،‬وهي قيم الر�سالة‬ ‫الربانية اخلامت���ة التي يجب �أن ترتقي �إىل م�ستواها �سلوكيات الب�شر‬ ‫الذي���ن يرغبون يف التح�ضر‪ ،‬وبالتايل ف�ل�ا ينبغي �أن نخجل ب�إعالنها‬ ‫عل���ى امللأ والدفاع عنها �أم���ام كل وافد وطل���ب احرتامها من كل من‬ ‫يرغ���ب يف املجيء �إىل منطقتن���ا‪ ،‬لأن الذي يفرط يف قيمه ومعتقداته‬ ‫لن يتبقى له اجناز يفتخر به‪.‬‬

‫الإن�س���ان املنتج بدل �أن تكون هذه ال�ث�روة �أداة لإ�ضعاف هذا الإن�سان‬ ‫وحتويل���ه �إىل باح���ث عن عم���ل‪� ..‬أي عمل‪ ،‬ويف ه���ذا ال�صدد ال ميكن‬ ‫اال�ستمرار يف االعتماد على العمالة الوافدة وبهذا احلجم لأن التنمية‬ ‫الت���ي تتحقق بالوافدين وحدهم دون املواطن�ي�ن هي تنمية �أقرب �إىل‬ ‫ال�سراب منها �إىل احلقيقة‪.‬‬ ‫ي�ش�ي�ر الكاتب كذلك �إىل درجة اعتماد تنويع الهيكل االقت�صادي يف‬ ‫دبي على بقي���ة العامل‪� ،‬سواء �أكان ذل���ك يف ال�سياحة �أو اال�ستثمارات‬ ‫�أو العق���ارات �أو املناط���ق احل���رة �أو التج���ارة �أو اخلدم���ات‪� ،‬أي �أن ما‬ ‫يقول���ه امل�ؤلف هن���ا �أن هذا التنوي���ع يف الهيكل االقت�ص���ادي لدبي قد‬ ‫يقل���ل من اعتماده���ا على النفط ولكن���ه يعمق اعتماده���ا على العامل‬ ‫اخلارج���ي بدرجة كبرية‪ ،‬وهذا ي�ؤدي بدوره �إىل �صدمات قد تنتج من‬ ‫ه���ذا االعتماد كما ح�صل يف الأزمة املالي���ة احلالية التي قام خاللها‬ ‫كثري من م�ستثمري الأموال ب�سحب �أموالهم وهذا �أدى �إىل انعكا�سات‬ ‫يتحدث م�ؤلف الكتاب عن امل�سار‬ ‫�سلبي���ة عل���ى جميع املنطق���ة‪ ،‬ولكن درج���ة اعتماد دبي عل���ى الأموال ا�ستقرار االحتاد‬ ‫اخلارجية جعلت ت�أثرها �أكرث من غريها بهذه الأزمة‪.‬‬ ‫الذي �أخذه االحتاد منذ ت�أ�سي�سه على م�ستوى الت�شريعات وم�ستوى‬ ‫وعلى الرغم من �أن االعتماد املفرط على قطاع �أو منطقة جغرافية‬ ‫امل��م��ار���س��ة‪ .‬ف��ه��و ي���رى �أن هناك‬ ‫ً‬ ‫دائم���ا له �آث���ار �سلبي���ة‪� ،‬إال �أن عامل �إح�سا�س �إمارة دبي مبحدودية خمزونها النفطي مقارنة بع�ض الن�صو�ص ال��واردة يف مواد‬ ‫الي���وم ع���امل منفت���ح وال ميك���ن �أن‬ ‫الد�ستور االحت��ادي التي قد ت�شري‬ ‫تنغل���ق دبي �أو غريه���ا على نف�سها‪ ،‬ب�أبوظبي �أعطاها دفعة وحافزاً للعمل الدءوب على تخطي‬ ‫�إىل مرونة هذا الد�ستور‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫وبالت���ايل ف�إنن���ا ال ن�شاط���ر امل�ؤلف‬ ‫هذه العقبة مبحاولة حثيثة لتنويع هيكلها االقت�صادي‬ ‫الن�صو�ص قد تكون يف نف�س الوقت‬ ‫نظرت���ه املت�شائمة لك���ن درجة هذا‬ ‫ذات انعكا�سات �سلبية على تطور‬ ‫االعتم���اد على الغري ميكن تهذيبها‬ ‫هذا االحتاد‪ .‬وي�ضرب مثا ًال على ذلك مبا يعطيه هذا الد�ستور لكل‬ ‫بح�س���ن اختيار القطاعات التي تتم تنميته���ا‪ ،‬ومب�صادر الأموال التي �إمارة من ا�ستقاللية يف �إدارة مواردها الطبيعية‪ ،‬وما ينتج عن ذلك‬ ‫يتم ا�ستريادها‪ ،‬وبطبيعة هذه الأموال من حيث فرتة بقائها‪ ،‬وبتعميق من م�سارات تنموية منف�صلة قد تعمق فجوة الدخل بني �أبناء هذه‬ ‫درج���ة التكامل مع املحيطني العرب���ي والإ�سالمي‪ ،‬وهذه كلها �أمور يف الإم��ارات‪ ،‬وهذا حمذور نتفق فيه مع امل�ؤلف ونعتقد �أنه بد�أ يتعدى‬ ‫مق���دور حكومة دب���ي مراجعتها والت�أث�ي�ر فيها يف ال�سن���وات القادمة قطاع امل��وارد الطبيعية �إىل جم��االت �أخ��رى قد تكون �أك�ثر خطورة‬ ‫لتطوير منوذجها التنموي‪.‬‬ ‫وتتعلق بحقوق �أ�صحاب اال�ستثمارات اخلارجية يف هذه الدولة‪ ،‬وهذه‬ ‫وي�شري امل�ؤلف كذلك �إىل م�شكلة �أخرى يف منوذج دبي التنموي وهي م�س�ألة �أمنية قبل �أن تكون اقت�صادية‪ ،‬وبالتايل فالقرارات املتعلقة بها‬ ‫حج���م االعتماد عل���ى العمالة الواف���دة‪ ‬وما تعنيه م���ن �أخطار للهوية يجب �أن تتخذ على م�ستوى امل�ؤ�س�سات الت�شريعية االحتادية وحدها‪.‬‬ ‫الوطني���ة‪ ،‬وزيادة حجم املوارد التي تقوم ه���ذه العمالة بتدويرها �إىل فاملرونة املطلوبة يف الت�شريعات االحتادية هي املرونة التي ت�ساعد‬ ‫بلدانه���ا الأ�صلية مما يحرم االقت�صاد املحل���ي منها وغريها من �آثار على تقوية ومنو االحتاد‪� ،‬أما املرونة التي ت�ساعد على جمود وتفكك‬ ‫هذه العمالة‪ .‬وال�شك �أن هذه الق�ضية التي يثريها امل�ؤلف من الق�ضايا االحتاد التدريجي فهي مرونة غري مطلوبة بل �إنها مرفو�ضة‪.‬‬ ‫الت���ي حت���دث عنها �أبناء املنطق���ة منذ �سنوات‪ ،‬وه���ي ق�ضية مرتبطة‬ ‫وي�ست�شهد امل�ؤلف بعدد من املحطات التي �ساعدت فيها هذه املرونة‬ ‫بغي���اب التكام���ل االقت�صادي يف املنطق���ة‪ ،‬ومرتبط���ة بطبيعة النظم املفرط���ة يف غي���اب احل�س���م يف كث�ي�ر م���ن الق�ضايا االحتادي���ة كدور‬ ‫التعليمي���ة‪ ،‬ومرتبطة بقوان�ي�ن هجرة العمال���ة‪ ،‬ومرتبطة مبمار�سات امل�صرف املركزي و�سيا�سات الدولة اخلارجية وال�سيا�سات النفطية‪،‬‬ ‫القط���اع اخلا����ص‪ ،‬ومرتبطة بحفظ حدود الدولة م���ن الهجرات غري و�أخ�ي�ر ًا كم���ا ر�أين���ا يف كيفية التعامل م���ع الأزمة املالي���ة وغريها من‬ ‫ال�شرعي���ة‪ ،‬وبالت���ايل فهن���اك �أكرث من مدخ���ل لعالج ه���ذه الق�ضية‪ ،‬املواقف التي ت�شري �إىل �ضرورة تعميق م�سار االحتاد بتقليل امل�سارات‬ ‫وال�ش���ك �أن عالجها ينبغ���ي �أن يكون من �أولوي���ات حكومة دبي وبقية التنموي���ة الفردية مهما كان���ت �سلبيات امل�سار االحت���ادي وهي كثرية‬ ‫حكوم���ات املنطق���ة و�إال ف�إنن���ا �سنكت�شف بعد ف�ت�رة �أن الأر�ض مل تعد وال�ش���ك‪ ،‬ولكنها لي�ست غري قابلة للحل �إذا وجدت الإرادة‪ .‬ونحن هنا‬ ‫�أر�ضن���ا‪ ،‬و�أن غالبية من ي�سكنها مل يعد من �أهلها وهذا من �أخطر ما‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪157‬‬


‫الفهر�ست‬

‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫لب الق�ضية التي يتو�سع الكاتب يف ذكر �أمثلة عليها‪ ،‬ونتفق والطريان و�أ�سواق املال وال�سياحة املعقولة‪ ،‬مع االبتعاد عن اخلدمات‬ ‫ن�ؤكد على ّ‬ ‫الت���ي تت�ضارب مع قيم املجتمع‪ ،‬وجعل قطاع العق���ارات رافد ًا وتابعاً‬ ‫معه يف بع�ضها ونختلف معه يف بع�ضها الآخر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يختتم امل�ؤلف كتابه للطلب يف القطاعات اخلدمية ولي�س رائدا لها‪.‬‬ ‫الأمن‪ ،‬اجلرمية‪ ،‬والإرهاب‬ ‫ثانيا‪ :‬تعمي���ق دور التج���ارة و�إع���ادة الت�صدير‪ ،‬وحماول���ة تطوي���ر‬ ‫باحلدي���ث عن حمددات الأمن يف الدولة ويف وبقية دول املنطقة‪ .‬فهو‬ ‫يتحدث عن املراحل التي مرت بها عملية ت�أ�سي�س الدفاع االحتادي من بع����ض ال�صناعات اخلفيفة واملتو�سط���ة خا�صة يف منطقة جبل علي‪،‬‬ ‫حيث عدد القوات‪ ،‬وم�ستوى تدريبها‪ ،‬ونوعية الت�سلح‪ ،‬وحجم الإنفاق والب���د �أن تت���م عملية‪ ‬تطوي���ر ه���ذا النم���وذج يف �إط���ار ر�ؤي���ة تنموية‬ ‫الع�سك���ري‪ ،‬وهو يعتق���د �أن هذا اجلي�ش ما زال �ضعيف ًا‪ ،‬ومن هنا ي�أتي تكاملي���ة يف‪ ‬املحيط�ي�ن العرب���ي والإ�سالمي وحتى الدائ���رة الآ�سيوية‬ ‫دور املظل���ة الأمنية الغربية وما ي�أتي معه���ا من امتيازات نفطية لهذه �إذا �أري���د له���ذا النموذج اال�ستق���رار واال�ستم���رار يف �آن واحد‪ ،‬طبع ًا‬ ‫الدول ومن �صفقات �سالح‪ ،‬وما ي�أتي معها من قواعد ع�سكرية ووجود م���ع ا�ستثناء �إ�سرائي���ل خا�صة و�أن ه���ذه الدول���ة اال�ستعمارية ت�سعى‬ ‫كثي���ف للقوات الغربية ومعهم طبع ًا قيمهم ومعتقداتهم و�سلوكياتهم‪ ،‬حثيث��� ًا‪ ،‬كما ت�ش�ي�ر بع�ض امل�ص���ادر الأجنبية‪� ،‬إىل اخ�ت�راق املقاطعة‬ ‫���ان كثرية م���ع املنظوم���ة القيمية لأبن���اء هذه ب���كل �أ�شكالها‪ ‬باال�ستف���ادة من‪ ‬االنفت���اح االقت�ص���ادي يف دبي‪ .‬فهذه‬ ‫الت���ي تتعار����ض يف �أحي ٍ‬ ‫امل�ص���ادر ً‬ ‫مث�ل�ا ت�شري �إىل �أن جتارة املا�س‪ ،‬وبع����ض ن�شاطات املالحة‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫ويتح���دث عن اخلطر الإيراين الذي تواجهه دولة الإمارات واجلزر وحت���ى التجارة‪ ،‬قد ب���د�أت هذه الدولة تخرتقها ع�ب�ر �أقنعة خمتلفة‬ ‫الإماراتي���ة الثالث التي احتلتها ليل���ة ان�سحاب القوات الربيطانية يف وبالتوا�ص���ل م���ع بع����ض امل�سئول�ي�ن اخلليجي�ي�ن الذين ال يب���دو �أنهم‬ ‫يدرك���ون �أن الإ�سرائيليني ديدنهم الغدر وتدمري ال�صديق والعدو من‬ ‫ع���ام ‪ .1971‬ويتح���دث ع���ن‬ ‫�أجل �إ�سرائيل وحدها‪.‬‬ ‫عملي���ات التهري���ب وغ�سي���ل جهود التنمية االقت�صادية التي عا�شتها دبي مل يواكبها انفتاح‬ ‫ثالث��� ًا‪ :‬البد من جعل املوارد‬ ‫الأم���وال وجت���ارة الرقي���ق‬ ‫الب�شري���ة املواطن���ة و�سيل���ة‬ ‫الأبي����ض وجت���ارة ال�س�ل�اح �سيا�سي حتى مقارنة بال�سعودية التي ح�صلت فيها انتخابات‬ ‫التنمي���ة وغايته���ا و�إال ف����إن‬ ‫وغريه���ا م���ن الأخط���ار التي‬ ‫ال ميك���ن �إن���كار وجودها وان بلدية عام ‪ ،2005‬ويعزو امل�ؤلف ذلك �إىل قوة عائلة �آل مكتوم داخلياً النتيج���ة هي تنمي���ة م�شوهة‬ ‫تدفع ثمنها �أجي���ال امل�ستقبل‬ ‫اختلف���ت الآراء حول حجمها‬ ‫ب���كل ت�أكي���د‪ ،‬لأن االنفت���اح‬ ‫ودرج���ة خطورته���ا عل���ى ه���ذه املنطق���ة‪ ،‬و�إن كان امل�ؤل���ف يغو�ص يف‬ ‫تفا�صي���ل و�أحداث ي�صعب ت�أكيده���ا �أو نفيها ولكننا ال ميكننا �أن ننكر عل���ى العامل �شيء بينما �إغراق الوطن يف حميط من الأجانب و�إذابة‬ ‫ثقافته يف هجني من الثقافات الواردة �أمر �آخر‪.‬‬ ‫عليه ذلك‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬لقد �أثبتت الأزمة الأخرية ب�أن البنية الأ�سا�سية يف دبي خا�صة‬ ‫‪ ‬ويف اخلتام لنا كلمة‬ ‫�إن هذا الكتاب جدير بالقراءة املتعلقة منها ب�إدارة القطاع اخلا�ص وبقوانني ال�شركات وبالف�صل بني‬ ‫م���ن قبل جميع �أبناء املنطقة‪ ،‬مب���ا فيهم �صانعي القرار يف �إمارة دبي اخلا�ص والعام‪ ،‬مل تكن بامل�ستوى املطلوب خا�صة ملواجهة ال�صدمات‬ ‫نف�سه���ا‪ ،‬لأن فيه حدي���ث يتّ�صف يف غالبه باملو�ضوعي���ة والتوثيق وهو والأزمات املرتبطة باالنفتاح على العامل اخلارجي‪ ،‬وهو �أحد مكونات‬ ‫من���ط مل يتعود عليه �أبناء املنطقة ومن هن���ا ت�أتي احل�سا�سية جتاهه‪ .‬النم���وذج الدبوي‪ .‬لذلك ف�إن املطلوب االهتمام بهذا اجلانب حتى ال‬ ‫�صحيح �أن امل�ؤلف قد ال يو ّفق يف تف�سري بع�ض الأحداث �أو قد يبالغ يف ت����ؤدي الأزم���ات‪ ،‬التي هي من خ�صائ�ص االقت�ص���اد املعا�صر يف ظل‬ ‫�أهمي���ة �أحداث �أخرى �أو قد يت�أثر بثقافته يف ر�ؤية بع�ض الأمور‪ ،‬ولكن العوملة‪� ،‬إىل كوارث مكلفة‪ .‬‬ ‫هذا �أمر طبيعي ومتوقع يف كت���اب بهذا ال�شمول واالمتداد التاريخي‪.‬‬ ‫و�أخ�ي�ر ًا البد من �إع���ادة النظر يف وترية النمو احلالي���ة‪ ،‬لأن �إبقاء‬ ‫ولقد ا�ستمتعت مبراجعته لأن كثري ًا من الكتب التي كتبت يف ال�سنوات مع���دالت النم���و والتو�سع احلالي�ي�ن �ستنتج عنهما عدد م���ن امل�شاكل‬ ‫الأخ�ي�رة ع���ن ه���ذه املنطقة تت�ص���ف عادة �إم���ا بالرتوي���ج الرخي�ص �أهمها‪ ‬ظه���ور اختناق���ات ونق����ص يف الكهرب���اء وزي���ادة يف تكالي���ف‬ ‫للأنظمة احلاكمة وهي ال ت����ؤدي خدمة لهذه الأنظمة يف الواقع و�إمنا توفريه���ا‪ ،‬وكذلك‪ ‬احلال مع املاء وما يعني���ه ذلك من تكاليف حتلية‬ ‫متار����س ارتزاق ًا غبي��� ًا‪� ،‬أو بالتعميم الذي يفتق���ر �إىل التفا�صيل التي باهظ���ة‪ ،‬كما �أن‪ ‬هذا‪ ‬النم���و احلايل له وال�شك �آث���ار �سلبية يف البيئة‬ ‫ميك���ن �أن تُعم���ق من فهم الق���ارئ للق�ضايا املطروح���ة يف طيات هذه ب���كل �أبعاده���ا‪ ،‬وه���ذه التكلفة البيئية ع���ادة ما تقدم لن���ا على املدى‬ ‫الكت���ب‪ .‬ونحن بدورنا ن�ؤك���د وبكلمات خمت�صرة ب�أن «منوذج دبي» هو البعي���د بعد �أن نك���ون قد �أفرطنا يف �إهمال البيئ���ة يف خ�ضم كفاحنا‬ ‫جدير ب�أن يحافظ عليه وتتم تقويته‪ ،‬وذلك من خالل خم�سة‪ ‬م�سارات من �أجل التنمية‪ ،‬فينبغي عدم جتاهل هذا الأمر‪.‬‬ ‫رئي�سية هي‪:‬‬ ‫يو�سف خليفة اليو�سف‬ ‫�أو ًال‪ :‬االجت���اه �إىل القطاع���ات اخلدمي���ة خا�ص���ة ال�صح���ة والتعليم‬

‫�أ�ستاذ االقت�صاد يف جامعة الإمارات‪.‬‬

‫‪158‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫عرو�ض موجزة‬ ‫الإرهاب‪� :‬إ�شكالية املفهوم‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬ ‫مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‬ ‫(�صنعاء)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 41‬صفحة‬ ‫يرى امل�ؤلف �أن املرحلة التي تلت �أحداث احلادي‬ ‫ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪� 2001‬أحدثت خلط ًا‬ ‫وا�ضح ًا يف املفاهيم‪ ،‬و�أن هذا اخللط املفاهيمي‬ ‫بات ق�ضي���ة مركزية جتب م�ساءلته���ا وا�ستثارة‬ ‫مكنوناته���ا‪ ،‬والبح���ث يف كيف ميك���ن للألفاظ‬ ‫�أن تك ّي���ف لت�ستوعب امل�صالح وتغرياتها‪ ،‬كما يف‬ ‫الكيفية الت���ي �أمكن بها ا�ستث���ارة �أبعاد دينية‪/‬‬ ‫عقائدية للأحداث والكلمات‪.‬‬ ‫ويرك���ز امل�ؤل���ف يف مقاربت���ه هذه عل���ى مفهوم‬ ‫الإرهاب‪ ،‬باعتباره �أحد املفاهيم الأكرث تعر�ض ًا‬ ‫للخل���ط والت�سيي�س بالنظر �إىل مطاطيته ومرونته‪ ،‬وقد زاد هذا اخللط ب�ش�أنه‬ ‫لدرج���ة مت فيها حتميل امل�صطلح ب�أكرث مم���ا يحتمل معناه‪ ،‬الأمر الذي جعلها‬ ‫تتخط���ى حدود الديني والثق���ايف وال�سيا�سي �إىل الوطن���ي والقومي والعقائدي‬ ‫حني مت �إحلاق �صفة الإرهاب بكل فعل �إ�سالمي‪ .‬ويف مقاربته لإ�شكالية املفهوم‪،‬‬ ‫بح���ث امل�ؤلف يف تعري���ف الإرهاب لغ���ة وا�صطالح ًا‪ ،‬معرج ًا عل���ى مفهومه يف‬ ‫الق���ر�آن الكرمي‪ ،‬ومبين ًا �أنواع الإرهاب‪ ،‬والف���رق بينه وبع�ض الأعمال امل�شابهة‬ ‫له كاحل���رب واجلرمية املنظمة وحركات التحرر الوطن���ي‪ .‬و�أو�ضح �إىل ذلك‪،‬‬ ‫�إ�شكاليات �إدراك مفهوم الإرهاب وتربيرات املمار�سات ال�سيا�سية‪ ،‬ال�سيما يف‬ ‫�إط���ار احلرب العاملية على الإرهاب وف�ضاءاتها املتع���ددة‪ ،‬ع�سكري ًا و�سيا�سي ًا‪،‬‬ ‫وثقافي ًا وديني ًا‪ ،‬وما تثريه من ر�ؤى متبادلة ملتب�سة بني الغرب والإ�سالم‪.‬‬ ‫ثم يخل�ص امل�ؤلف‪ ،‬يف الأخري‪� ،‬إىل �أهمية و�ضع الأ�سئلة ال�صحيحة (وال�صعبة‬ ‫يف نف����س الوق���ت)‪ ،‬والت���ي جتاهلته���ا الأدبيات العربي���ة والإ�سالمي���ة طوي ًال‪،‬‬ ‫داعي��� ًا �إىل �ض���رورة �إع���ادة ق���راءة تاريخنا وتراثن���ا الدين���ي وال�سيا�سي بعني‬ ‫ناق���دة وحماي���دة‪ .‬م�ؤكد ًا �أن �شكوانا م���ن قيام الغرب بخل���ط املفاهيم‪ ،‬و�سوء‬ ‫ا�ستخدامها‪ ،‬ال يعفينا من مواجهة احلقيقة يف �أننا نقوم بنف�س ال�شيء‪ ،‬ورمبا‬ ‫من دون وعي‪.‬‬ ‫نوا�ص��ب ورواف�ض‪ :‬منازعات ال�س��نة وال�ش��يعة يف العامل الإ�سالمي‬ ‫اليوم‬ ‫�إعداد‪ :‬حازم �صاغية‬ ‫دار ال�ساقي‬ ‫(بريوت)‪2009 ,‬‬ ‫‪� 222‬صفحة‬

‫يحاول هذا الكتاب اال�شتباك مع �أكرث ق�ضايا‬ ‫للتفجر‪،‬‬ ‫االجتماع الإ�سالم���ي �سخونة وقابلية ّ‬ ‫وه���ي ق�ضي���ة ال�ص���راع املذهب���ي يف الع���امل‬ ‫الإ�سالمي بني ال�س ّنة‪� ،‬أن�صار املذهب ال�سائد‬ ‫والغال���ب يف الأم���ة‪ ،‬وال�شيعة املذه���ب الثاين‬ ‫ال���ذي ن�ش�أ حرك���ة احتجاج دائ���م‪ .‬وقد اختار‬ ‫الكتّ���اب امل�ساهم�ي�ن‪ ،‬كما يقول مع���د الكتاب‬ ‫يف ت�صدي���ره‪ ،‬طريقته يف الدخول �إىل امل�س�ألة‬ ‫هذه واجلوانب التي �آثر الرتكيز عليها يف ظل‬ ‫عنوان جامع هو “منازعات ال�س ّنة وال�شيعة يف‬ ‫العامل الإ�سالمي اليوم”‪ .‬فقد ر�صد �أحمد بي�ضون م�سار التحوالت التي طر�أت‬ ‫على الطائفت�ي�ن ال�سنية وال�شيعية يف لبنان وا�ضعة �إياهما‪ ،‬بعد طول “اعتدال‬ ‫واق�ت�راب”‪ ،‬عل���ى تخ���وم “�ش���ر م�ستطري”‪ .‬وب���دوره ركز ح�س���ام عيتاين على‬ ‫�ساح���ة املناف�سة الإيديولوجية وال�سيا�سية اخل�صبة بني الطائفتني اللبنانيتني‪،‬‬ ‫وم���ا يعرتيها م���ن حتوير وتوظيف �ضروري�ي�ن يف كل م�ساجلة كه���ذه‪� .‬أما فالح‬ ‫عبداجلب���ار فتناول العراق يف درا�سة مطولة‪ ،‬متوقف��� ًا خ�صو�ص ًا عند العملية‬ ‫ال�سيا�سي���ة و�أ�ش���كال التفاعل والتكيف بينها وبني ما زامنه���ا من �صعود �شيعي‬ ‫�إث���ر �سق���وط نظام �صدام ح�س�ي�ن‪ .‬ومثله فعل يا�سني احل���اج �صالح ومو�ضوعه‬ ‫املجتم���ع ال�س���وري‪ ،‬م�ؤث���ر ًا تن���اول امل�س�ألة الطائفي���ة داخل الت�ش���كل التاريخي‬ ‫وال�سو�سيولوج���ي للدول���ة – الأم���ة يف �سوريا‪ .‬و�إذ تابع ف����ؤاد �إبراهيم املنازعة‬ ‫املذهبية يف خمتربها ال�سع���ودي‪ ،‬ا�ستحوذ على تناوله دور اخلطاب والإعالم‬ ‫بو�صفهما م���ر�آة وحمفز ًا يف الوقت نف�سه‪ .‬كما �شدد باقر النجار‪ ،‬من ناحيته‪،‬‬ ‫عل���ى التداخ���ل بني امل�شكل���ة املذهبي���ة يف البحرين وب�ي�ن العنا�ص���ر الإقليمية‬ ‫واخلارجية‪ ،‬ال�سيم���ا ثورة �إيران يف ‪ 1979‬واحلرب الأمريكية على العراق عام‬ ‫‪� .2003‬أم���ا اخللفيات ال�سيا�سي���ة والعقيدية‪ ،‬املحلية واخلارجي���ة‪ ،‬التي �أ ّزمت‬ ‫امل�س�ألة املذهبي���ة يف باك�ستان وت�شابكت مع �أعمال ال�سلطة الع�سكرية ونواياها‬ ‫فكانت مو�ضوع ندمي الكاظمي‪.‬‬ ‫و�أخ�ي�ر ًا يختم املعد‪ ،‬حازم �صاغية‪ ،‬الكت���اب م�سج ًال بع�ض املالحظات العامة‬ ‫عن منازعات “النوا�صب” والرواف�ض”‪ ،‬و�أهم ما يلحظه‪�“ ،‬أن النزاع ال�س ّني‬ ‫ ال�شيع���ي الذي عا����ش طوي ًال �ضام���ر ًا �أو حم��� ّور ًا‪� ،‬صار ك�أ ّنه عاب���ر للأزمنة‬‫وم�ضامينه���ا التقني���ة والثقافية‪ ،‬كجوه���ر للأ�شياء‪ ،‬تتق ّل����ص حياله النزاعات‬ ‫الأخ���رى‪ :‬ال ميني وال ي�سار‪ ،‬وال تط ّرف وال اعتدال‪ ،‬وال مواالة للغرب ومعار�ضة‬ ‫ل���ه‪ ،‬ف���ك ّل تلك الت�صاني���ف احلداثية و�شب���ه احلداثي���ة‪ ،‬اال�سرتاتيجية الطابع‬ ‫و�شب���ه اال�سرتاتيجية‪ ،‬تنكم�ش مل�صلح���ة «الأ�صلي» و«اخلام» الذي نرت ّد �إليه يف‬ ‫اللحظات احلا�سمة‪� :‬س ّنة و�شيعة”‪.‬‬ ‫م�س�ألة اجلنوب ومهددات الوحدة يف ال�سودان‬ ‫عبده خمتار مو�سى‬ ‫مركز درا�سات الوحدة العربية (بريوت)‪2009 ،‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪159‬‬


‫الفهر�ست‬

‫عرو�ض موجزة‬

‫‪� 318‬صفحة‬ ‫يح���اول الأكادمي���ي والباحث ال�س���وداين عبده‬ ‫خمت���ار مو�س���ى يف كتاب���ه “م�س�أل���ة اجلن���وب‬ ‫ومه���ددات الوح���دة يف ال�س���ودان” البح���ث يف‬ ‫�إمكاني���ة حتقي���ق وحدة م�ستدامة ب�ي�ن ال�شمال‬ ‫واجلنوب‪ ،‬من خالل الأطروحات التقليدية التي‬ ‫تخت���زل امل�س�ألة يف اختالف �سيا�سة ميكن حلها‬ ‫ب�إع���ادة توزيع ال�سلط���ة‪� ،‬أو تظلمات اقت�صادية‬ ‫ميكن ح�سمها من خالل معادلة جديدة لتوزيع‬ ‫الرثوة‪� ،‬أو من خالل ترتيبات �إدارية تقوم على‬ ‫الفدرالية‪ ،‬وذلك ع�ب�ر ا�ستقراء �أحداث كثرية‬ ‫ي�ستخدمها الباحث كم�ؤ�شرات رمبا ت�ساعد على التنب�ؤ ب�إمكانية حتقيق التكامل‬ ‫الوطن���ي �أو بناء �سالم م�ستدام‪ ،‬وبالتايل وحدة م�ستق���رة بني �شمال ال�سودان‬ ‫وجنوب���ه‪ ،‬يف ظ���ل غياب اندماج اجتماعي‪ /‬ثقايف حقيق���ي ميهد الن�صهار بني‬ ‫القومي���ات يف هوية �سودانية ك�ب�رى واحدة تتعاي�ش يف داخله���ا عنا�صر التنوع‬ ‫الثقايف يف ان�سجام تلقائي‪.‬‬ ‫ويرى امل�ؤلف �أن م�شكلة جنوب ال�سودان قد تفاقمت �ضمن عوامل متعددة‪ ،‬ب�سبب‬ ‫عج���ز النخبة ال�سودانية عن حتقيق االن�سجام بني مكونات املجتمع ال�سوداين‪،‬‬ ‫و�أن���ه لأ�سباب تاريخية وعوامل مو�ضوعية ظهرت �أزمة ثقة بني الطرفني‪ ،‬على‬ ‫م�ست���وى النخبة ال�سيا�سية‪ .‬كما يالحظ امل�ؤلف �أن جوهر ال�صراع بني ال�شمال‬ ‫واجلن���وب يف ال�س���ودان هو �صراع هوي���ات‪ .‬ولذلك يقدم امل�ؤل���ف �إطار ًا نظري ًا‬ ‫ملفه���وم الهوية والظاهرة الإثنية وامل�ضامني ال�سيا�سية للإثنية‪ ،‬وت�أثريات ذلك‬ ‫يف العالق���ات اجلنوبية ال�شمالي���ة‪ .‬وت�أتي �أهمية هذا الكتاب من كونه �صدر يف‬ ‫وق���ت متر فيه عالقة اجلنوب بال�شمال يف ال�س���ودان مبنعطف خطري‪ ،‬وفق ما‬ ‫ج���اءت به اتفاقي���ة نيفا�شا لل�س�ل�ام ال�شامل والتي �أعطت ح���ق تقرير امل�صري‬ ‫ل�شع���ب اجلنوب بعد ف�ت�رة انتقالية مدتها �ست �سن���وات (‪ ،)2011 - 2005‬وهذا‬ ‫يعني �أن االتفاقية ت�شكل نقطة حتول يف تاريخ ال�سودان‪ ،‬مما ي�ستدعي �ضرورة‬ ‫البحث يف جممل املتغريات وم�آالتها‪.‬‬

‫بريطانيا يف �أفريقيا‬ ‫توم بور تيو�س‬ ‫ترجمة‪ :‬عثمان جبايل املثلوثي‬ ‫الدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 190‬صفحة‬ ‫ي�سعى الباحث واخلبري الربيطاين توم بورتيو�س‬ ‫�إىل الإجابة على جمموعة م���ن الت�سا�ؤالت التي‬ ‫تبحث يف �سر اكت�ساب �أفريقيا لقدر ًا من الأهمية‬ ‫بالن�سب���ة �إىل ال�سيا�س���ة اخلارجي���ة الربيطانية‬ ‫خ�ل�ال ال�سنوات الأخرية م���ن حكومة توين بلري‬ ‫العمالية‪ ،‬حيث �أ�صبح���ت �أفريقيا ب�شكل وا�ضح‬ ‫مو�ضوع��� ًا رئي�سي��� ًا يف ُ�صلب �أولوي���ات ال�سيا�سة‬ ‫اخلارجي���ة الربيطاني���ة‪ .‬ويق���ول امل�ؤل���ف الذي‬ ‫عمل ملدة ث�ل�ات �سنوات يف الوايتهول كم�ست�شار‬ ‫يف �إدارة ال�ص���راع بجن���وب �أفريقيا ال�صحراء‬ ‫الك�ب�رى يف وزارة اخلارجي���ة الربيطاني���ة و�ش�ؤون‬ ‫الكومنولث �أن هناك ثالث �أغرا�ض رئي�سية من هذا الكتاب‪ :‬الأول هو درا�سة‬ ‫كي���ف وملاذا حدث ذلك االهتمام ب�أفريقي م�ؤخر ًا‪ ،‬وما هي العوامل والأحداث‬ ‫‪160‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫الت���ي ت�ضافرت وجلب���ت �أفريقيا �إىل واجه���ة ال�سيا�سة اخلارجي���ة الربيطانية‬ ‫خ�ل�ال �أعوم بلري الع�شرة الأخ�ي�رة‪ ،‬وما هي الأحداث الت���ي وقعت يف �أفريقيا‬ ‫والعامل و�ساعدت على �صياغة �سيا�سات احلكومة الربيطانية جتاه �أفريقيا؟‬ ‫والغر����ض الث���اين م���ن الكت���اب كم���ا يق���ول امل�ؤل���ف ه���و حتدي���د ال�سيا�س���ات‬ ‫واال�سرتاتيجي���ات الربيطاني���ة يف �أفريقي���ا ب�ي�ن عام���ي ‪ 1997‬و‪ ،2007‬وكي���ف‬ ‫تط���ورت‪ .‬وكيف �سعت حكوم���ة اململكة املتحدة لتحقي���ق �أهدافها و�ضمانها يف‬ ‫�أفريقيا يف جماالت التنمية االقت�صادية واحلد من الفقر‪ ،‬ومكافحة الإرهاب‪،‬‬ ‫ومن���ع ال�صراع���ات‪ ،‬والدميقراطية وحقوق الإن�سان‪ ،‬و�أم���ن الطاقة‪ ،‬والتجارة‬ ‫والأعمال‪.‬‬ ‫�أم���ا الغر�ض الثالث فهو تقييم فعالية ال�سيا�سات الربيطانية يف تلبية �أهدافها‬ ‫يف �أفريقي���ا‪ .‬و�إىل �أي مدى جنح���ت اململكة املتحدة يف حتقيق �أهدافها وت�أمني‬ ‫م�صاحله���ا‪ ،‬وم���ا هي الأ�سب���اب التي الكامن���ة وراء جناح وف�ش���ل بريطانيا يف‬ ‫�أفريقي���ا‪ .‬وما مدى القرارات التي اتخ���ذت على �أ�سا�س حتليل �سليم للم�شاكل‬ ‫الت���ي �سعت اململكة املتحدة لت�سخريها وحتقي���ق �أهدافها‪ .‬بالإ�ضافة �إىل ذلك‬ ‫يقدم ت���وم بورتيو�س عر�ض ًا لالعب�ي�ن الرئي�سيني‪ ،‬وال�سيا�س���ات التي و�ضعوها‬ ‫يف ظل احلرب على الع���راق وم�ستقبل م�شاركة بريطانيا يف القارة‪ .‬باخت�صار‬ ‫يق���دم هذا الكتاب ك�شف ح�ساب ملا حققت���ه بريطانيا‪ ،‬ويف �أي املجاالت ف�شلت‬ ‫يف �أفريقيا وملاذا؟‬

‫اخلربة الإيرانية‪ :‬االنتقال من الثورة �إىل الدولة‬ ‫�أمل حمادة‬ ‫ال�شبكة العربية للأبحاث (بريوت)‪2008 ،‬‬ ‫‪� 390‬صفحة‬ ‫يبحث هذا الكتاب‪ ،‬وه���و يف الأ�صل �أطروحة‬ ‫جامعية ح�صل���ت امل�ؤلفة مبوجبها على درجة‬ ‫الدكت���وراه‪ ،‬يف جترب���ة �إيران املث�ي�رة للجدل‬ ‫وخربته���ا يف االنتق���ال م���ن الط���ور الث���وري‬ ‫�إىل ط���ور الدولة امل�ستقرة‪ .‬وت���رى امل�ؤلفة �أن‬ ‫النخب���ة الإيراني���ة بع���د اخلمين���ي مل ترغب‬ ‫باالنحراف عن م�سار “الإمام”‪ ،‬فلم تحُ دث‬ ‫تغيري ًا يف التوجهات الرئي�سية للنظام‪� ،‬سواء‬ ‫عل���ى امل�ست���وى الأيديولوجي �أو عل���ى م�ستوى‬ ‫ال�سيا�سات‪ ،‬وهكذا بات �أحد حماور ال�صراع‬ ‫ب�ي�ن �أجنحة احلك���م يف �إيران‪ ،‬يدور حول املطالبة مبزي���د من الت�شدد ل�صالح‬ ‫مقوالت الثورة!‬ ‫وعلى هذا‪ ،‬ف�إن املجتمع الإيراين مل ي�شهد‪ ،‬وال ُيتوقع له يف امل�ستقبل املنظور �أن‬ ‫ي�شهد‪ ،‬حت���و ًال جذري ًا من الثورة �إىل الدولة‪ ،‬و�إمنا يتحرك يف خطني متوازيني‬ ‫ميث���ل �أحدهما الثورة والث���اين الدولة‪ ،‬وهم���ا يتقاطعان �أحيان��� ًا ويفرتقان يف‬ ‫�أحي���ان �أخ���رى‪ .‬ولع���ل انتخاب �أحمدي جن���اد رئي�س ًا يف الع���ام ‪ ،2005‬ومن ثم‬ ‫�إع���ادة انتخاب���ه جمدد ًا ع���ام ‪ ،2009‬ميث���ل دلي ًال عل���ى ذلك‪� ،‬إذ في���ه �إ�صرار‬ ‫عل���ى منطق الث���ورة‪ ،‬يف وقت متثل ال�سيا�سة اخلارجي���ة للجمهورية الإ�سالمية‬ ‫الإيرانية‪ ،‬منوذج ًا وا�ضح ًا ملنطق الدولة‪.‬‬ ‫ُتع��� ّرف الث���ورة ب�أنها انتق���ال راديكايل م���ن و�ضع �إىل �آخر‪ .‬ولك���ي يحدث هذا‬ ‫االنتق���ال‪ ،‬فال بد م���ن توافر درجة ما من الوعي ال�سيا�سي حول كل من الو�ضع‬ ‫املعا�ش غري املقبول اال�ستمرار فيه‪ ،‬والو�ضع املراد الو�صول �إليه‪ ،‬كما ي�سبق هذا‬ ‫االنتقال حدوث عدد من التطورات على كل من امل�ستوى ال�سيا�سي واالجتماعي‬ ‫واالقت�ص���ادي والثقايف‪ ،‬وتكون هذه التط���ورات كلها �أو بع�ضها غري مقبولة من‬

‫ال�شع���ب‪ ،‬ما يدفع بقطاعات متزايدة منه �إىل تبن���ي �أفكار تيار �سيا�سي جديد‬ ‫يدفع �إىل التغيري ومقوالته وتوجهاته‪ .‬لكن الثورة والدولة يظالن وجهني لعملة‬ ‫واح���دة؛ فالث���ورة ال حتدث �إال يف �إط���ار نظام �سيا�سي واقت�ص���ادي واجتماعي‬ ‫منظم يطلق علي���ه ا�سم “دولة”‪ ،‬وكذلك فالثورة هي حالة م�ؤقتة‪� ،‬إذ ال ميكن‬ ‫ت�ص��� ّور �أن جمتمع ًا ما يعي�ش يف حالة ال نهائية من الثورة‪ ،‬فال بد للمجتمع من‬ ‫التحول التدريج���ي �إىل حالة من التنظيم ال�سيا�سي واالقت�صادي واالجتماعي‬ ‫والإداري‪ ،‬تت�شاب���ه �أو تختل���ف م���ع م���ا كان موج���ود ًا م���ن قبل‪ ،‬وه���ذا التحول‬ ‫التدريجي هو ما ميهد حلالة اال�ستقرار‪.‬‬ ‫وتخل����ص امل�ؤلفة �إىل �أنه برغم ما ُيقال عن تناق�ض النظام احلاكم يف �إيران‪،‬‬ ‫ف�إن���ه ما يزال ميتلك القدرة على الت�أثري يف جمموعة من القواعد االجتماعية‬ ‫والقانوني���ة التي مت ّكن���ه من اال�ستمرار‪ ،‬ومن هنا ف����إن االنتقال التام من حال‬ ‫الث���ورة �إىل ح���ال الدولة‪ ،‬مرهون بتلك القوى ال�سيا�سي���ة واملجتمعية التي ترى‬ ‫يف م�ؤ�س�س���ات الدولة و�آلياتها وخطابها‪� ،‬ضمان���ة ال�ستكمال عملية التح ّول �إىل‬ ‫الدميقراطية‪.‬‬ ‫انهي��ار الر�أ�س��مالية‪� :‬أ�س��باب �إخفاق اقت�ص��اد ال�س��وق املحررة من‬ ‫القيود‬ ‫�أولري�ش �شيفر‬ ‫ترجمة‪ :‬عدنان عبا�س علي‬ ‫املجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 472‬صفحة‬ ‫ي�ؤك���د الباح���ث االقت�صادي الأمل���اين �أولري�ش‬ ‫�شيف���ر يف ه���ذا الكتاب �إن االقت�ص���اد الغربي‬ ‫الذي ُعرف منذ ثالث عقود وحتى الآن انهار‬ ‫يف خري���ف ‪ ،2008‬و�إن الع���امل �سيتخ���ذ �شك ًال‬ ‫خمتلف ًا من االقت�ص���اد يف امل�ستقبل‪ ،‬و�سيطفو‬ ‫على ال�سط���ح‪ ،‬نظام عاملي جدي���د‪ ،‬و�سيتبلور‬ ‫كم���ا يج���زم الكات���ب اقت�ص���اد �س���وق جدي���د‬ ‫قائم عل���ى مب���د�أ العدالة االجتماعي���ة؛ فبعد‬ ‫ثالث���ة عق���ود �سيطر فيه���ا االقت�ص���اد املحرر‬ ‫من القيود �أم�سا الع���امل يف �أم�س احلاجة �إىل‬ ‫�إحي���اء الدولة �إحيا ًء متزن ًا‪� ،‬إذ المنا�ص للدولة ع���ن �أن ت�ستعيد ال�سيطرة على‬ ‫املج���االت الت���ي خ�صرتها‪ ،‬املجاالت الت���ي تخلت عنها من���ذ �سبعينيات القرن‬ ‫املا�ض���ي‪ .‬فالدولة ملزم���ة بح�سب امل�ؤلف بر�سم احل���دود للأ�سواق من غري �أن‬ ‫ت�ش���ل قواها‪ ،‬ويقت�ضي الواجب من الدولة �أن متن���ح مواطنيها ال�شعور بالأمان‬ ‫والثق���ة‪ ،‬م���ن غري �أن متار�س الو�صاية عليه���م؛ و�إن تتكفل – ثانية – ب�أن تكون‬ ‫الراعي الأكيد للمناف�سة العادلة والعدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫ولكي ت�ستطيع الدولة النهو����ض بهذه الوظائف‪ ،‬ف�إنها ت�صبح يف �أم�س احلاجة‬ ‫�إىل ممار�س���ة دورها بثقة �أكرب‪ ،‬و�إ�صرار �أ�شد‪ ،‬فال �سبب يدعوها لأن ت�ست�سلم‬ ‫مل���ا تفر�ض���ه عليها الأ�سواق‪ ،‬فاحلكوم���ات و�سلطات الرقابة �أك�ث�ر �سلطان ًا من‬ ‫ال�شركات العمالقة وامل�صارف املختلفة‪.‬‬ ‫�إن م�ستقب���ل النظ���ام الر�أ�سمايل كم���ا يعتقد الكاتب يتوقف عل���ى مدى التغري‬ ‫ال���ذي �سيطر�أ عل���ى الأخالقية ال�سائ���دة يف املجتمع وعل���ى �إدراك اجلميع �أن‬ ‫مب���د�أ امل�س�ؤولي���ة االجتماعي���ة ال يقل �أهمية ع���ن مبد�أ ال�سوق احل���رة‪� .‬أما �إذا‬ ‫جتاه���ل املجتمع ه���ذه احلقيقة‪ ،‬ف����إن اقت�صاد ال�سوق معر����ض للم�صري نف�سه‬ ‫ال���ذي تعر�ضت ل���ه اال�شرتاكي���ة‪ :‬االنهيار واالختف���اء عن الوج���ود‪ .‬فاقت�صاد‬ ‫ال�س���وق اخلا�ضع لل�ضوابط هو وح���ده النظام القادر عل���ى موا�صلة احلياة يف‬

‫الأمد الطويل‪� .‬أما الر�أ�سمالية املحررة من ال�ضوابط والقيود ف�إنها تدمر نف�سا‬ ‫بنف�سها‪.‬‬

‫جدوى القوة‪ :‬فن احلرب يف العامل املعا�صر‬ ‫اجلرنال روبرت �سميث‬ ‫ترجمة‪ :‬مازن جنديل‬ ‫الدار العربية للعلوم نا�شرون‪ ( ،‬بريوت)‪2008 ،‬‬ ‫‪� 462‬صفحة‬ ‫ينظر اجلرنال روبرت �سميث من خالل كتابه‬ ‫ه���ذا يف تاري���خ فن احل���رب و�صراع���ات هذا‬ ‫الزم���ن‪ ،‬ليق���ول لن���ا �إن علينا يف ه���ذا العامل‬ ‫تغي�ي�ر الطريق���ة الت���ي نتقاتل به���ا ون�ستخدم‬ ‫القوة‪ ،‬قبل �أن ندفع الثمن جميع ًا �إن مل نفعل‪.‬‬ ‫�أم�ض���ى اجل�ن�رال روب���رت �سمي���ث ‪ 40‬عام��� ًا‬ ‫يف اجلي����ش الربيط���اين‪ ،‬حي���ث ق���اد الفرق���ة‬ ‫الربيطانية املدرعة يف ح���رب اخلليج‪ ،‬و�شغل‬ ‫من�ص���ب القائ���د الع���ام يف ح���رب �إيرلن���دا‬ ‫وع�ي�ن قائ���د ًا عام ًا لق���وات الأمم‬ ‫ال�شمالي���ة‪ُ ،‬‬ ‫املتح���دة يف البو�سن���ة‪ ،‬ونائب القائد العام لقوات حل���ف �شمال الأطل�سي‪ .‬ومن‬ ‫واق���ع خربت���ه العملية يقول روب���رت �سميث يف مقدمة الكتاب ع���ن فهم القوة‪:‬‬ ‫�أن احل���رب مل تعد موج���ودة‪ .‬ولكن ال�شك م���ن وجود حتدِّ ون���زاع و�صراع‪ ،‬يف‬ ‫جمي���ع �أنحاء العامل‪ ،‬ولي�س فق���ط‪ ،‬يف العراق و�أفغان�ست���ان وجمهورية الكونغو‬ ‫الدميقراطية والأرا�ضي الفل�سطينية‪ ،‬وما تزال لدى الدول جيو�ش ت�ستخدمها‬ ‫كرمز للقوة وال�سلطان‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فاحلرب كما يفهمها جمهر غري املحاربني‪،‬‬ ‫ه���ي معركة يف امليدان بني الرج���ال والآليات‪ ،‬وحدث �ضخم حا�سم ل�صراع ما‬ ‫يف ال�ش�ؤون الدولية؛ هذه احلرب مل تعد موجودة‪.‬‬ ‫وي�ضي���ف امل�ؤلف �أن���ه ال يوحي من خالل ه���ذه الكلمات �أن الق���وة الع�سكرية ال‬ ‫ميك���ن ا�ستخدامها‪ ،‬وبفاعلية‪ ،‬لتحقيق هدف �سيا�سي؛ فللقوة جدوى ال�شك يف‬ ‫ذلك‪ .‬لكن لكي تكون القوة م�ؤثرة يجب �أن تفهم النتيجة املرجوة من تطبيقها‬ ‫بق���د ٍر من التف�صيل يتي���ح لنا تعريف �سي���اق هذا التطبيق ومكان���ه‪ .‬فالغر�ض‬ ‫الع���ام من جميع التدخ�ل�ات وا�ضح؛ فالغرب ي�سعى للإقام���ة يف عقول النا�س‬ ‫وعق���ول زعمائه���م‪� .‬إن خيار ال�صراع الدائم لي�س ه���و �سبيل العمل املف�ضل يف‬ ‫املواجه���ة حول هذه امل�س�ألة �أو تلك‪ .‬ينطبق هذا على الدولة التي لديها �أ�سلحة‬ ‫نووي���ة �أو الدول���ة ال�شري���رة �أو غريها قدر م���ا ينطبق هذا عل���ى الإرهابيني �أو‬ ‫املتمردين م�ستخدمي املِدي؛ فك ٌل من ه�ؤالء يهدد النا�س لإقامة حالة ي�ستطيع‬ ‫فيه���ا حتقيق هدفه ال�سيا�سي‪ .‬وكي نتمكن من �إقامة ذلك يف العقول‪ ،‬يحق لنا‬ ‫بح�س���ب الكاتب ا�ستخ���دام القوة الع�سكرية ك�أداة تدخل ونف���وذ ك�سائر �أدوات‬ ‫النف���وذ الأخرى االقت�صادية وال�سيا�سي���ة والدبلوما�سية‪ .‬لكن كي تكون فاعلة‪،‬‬ ‫يجب تطبيقها كجز ٍء من خطة �أكرب تركز كل اجلهود على هدف واحد‪.‬‬

‫رعب القنبلة‪ :‬تاريخ الأ�سلحة النووية وم�ستقبلها‬ ‫جوزيف �سريين�سيوين‬ ‫ترجمة‪ :‬مركز ابن العماد للرتجمة والتعريب‬ ‫هيئة �أبو ظبي للثقافة والرتاث “كلمة”‪2009 ،‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪161‬‬


‫الفهر�ست‬

‫عرو�ض موجزة‬

‫‪� 272‬صفحة‬ ‫يف هذا الكت����اب‪ ،‬يركز جوزي����ف �سريين�سيوين‪،‬‬ ‫وه����و واح����د م����ن �أ�شه����ر اخل��ب�راء الأمريكي��ي�ن‬ ‫املخت�صني بالأ�سلحة‪ ،‬على كيفية ازدياد انت�شار‬ ‫الأ�سلحة النووية و�أ�سبابه‪ ،‬وما الذي ميكن فعله‬ ‫لإبطاء �أو وقف �أو منع هذا االنت�شار كلي ًا؛ ويقدم‬ ‫جوزي����ف �سريين�سيوين افرتا�ض ًا بال����غ الأهمية‪:‬‬ ‫وه����و �أن انت�ش����ار الأ�سلح����ة النووي����ة �أم����ر ًا غري‬ ‫مرغوب به‪.‬‬ ‫ولكن ه����ذا االفرتا�ض بح�س����ب امل�ؤلف ال يحظى‬ ‫بقب����ول عامل����ي �شامل‪ .‬وق����د احت����دم نقا�ش حاد‬ ‫من����ذ الأي����ام الأوىل للع�ص����ر الن����ووي ب��ي�ن العلماء‬ ‫والأكادميي��ي�ن و�صناع ال�سيا�سة حول هذه الق�ضية‪ .‬فقد �أكد املتفائلون �أن الأ�سلحة‬ ‫النووية مفي����دة‪ ،‬ووجودها يعزز اال�ستقرار ال����دويل‪ ،‬وانت�شارها �أم ٌر حمتوم يتعذر‬ ‫اجتناب����ه‪� .‬أما املت�شائمون فقد ح����ذروا من �أن الرت�سانات النووي����ة ُتوجد حالة من‬ ‫ع����دم اال�ستق����رار‪ ،‬و�أن �أخط����ار ا�ستخدامه����ا – عم����د ًا �أو عر�ض���� ًا – ال ميكن قبول‬ ‫عواقبها‪ ،‬وال�شيء حمتوم يف ما يتعلق باالنت�شار النووي‪.‬‬ ‫ويف الوقت الذي يعر�ض فيه الكاتب �آراء طريف اجلدل اخلاليف‪ ،‬ف�إنه يقف بو�ضوح‬ ‫�إىل جانب املت�شائمني يف ما يتعلق باالنت�شار النووي‪ .‬ويقول الكاتب �أنه على الرغم‬ ‫م����ن ع����دم ا�ستخدام الأ�سلحة النووي����ة منذ �آب‪� /‬أغ�سط�س ع����ام ‪� ،1945‬إال �أنه من‬ ‫امل�ستحي����ل �ضمان ا�ستم����رار هذا احلظ ال�سعي����د‪ ،‬فالعواقب املادي����ة واالقت�صادية‬ ‫وال�سيا�سي����ة الوخيم����ة لأي انفجار ن����ووي يف �أي مدينه كربى �ستتج����اوز �أهوالها ما‬ ‫�شهده العامل منذ احلرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫وينطلق الكاتب يف م�ؤلفه هذا من االكت�شافات الذرية الأوىل يف الثالثينيات متتبعاً‬ ‫تاريخ انت�شارها وتعاظمها حتى الأزمة احلالية مع �إيران‪ ،‬كا�شف ًا التقنيات العلمية‬ ‫واال�سرتاتيجي����ات وال�سيا�سات التي دفعت �إىل تطوي����ر الرت�سانات النووية وفاقمت‬ ‫م����ن �إمكانية الهجمات الإرهابي����ة النووية‪ ،‬ويُق ّيم كذلك �أ�سب����اب اختيار دول عدة‬ ‫عدم اقتن����اء الأ�سلحة النووية‪ ،‬م�ستنتج ًا اخلط����وط العري�ضة حلل م�شكلة التنامي‬ ‫الن����ووي‪ .‬وال يكتف����ي الكاتب بتزويد الق����ارئ العادي بفهم وا�ض����ح لق�ضية االنت�شار‬ ‫الن����ووي‪ .‬بل يق����دم جمموعة م����ن الأدوات التي ميكن ل�صن����اع ال�سيا�سة والباحثني‬ ‫املتخ�ص�صني ا�ستخدامها ملنع العواقب الكارثية الوخيمة لأي هجوم نووي �آخر‪.‬‬

‫عندم��ا حتكم ال�ص�ين الع��امل‪ :‬نهاية الع��امل الغرب��ي ووالدة نظام‬ ‫عاملي جديد‬

‫‪When China Rules the World: The End of the Western‬‬ ‫‪World and the Birth of a new Global Order‬‬ ‫مارتن جاك ‪Martin Jaques‬‬

‫بنغوين بري�س‪2009 ،‬‬

‫‪� 576‬صفحة‬ ‫ً‬ ‫وفق���� ًا لأكرث التوقعات اعتداال‪ ،‬ف�����إن ال�صني �سوف‬ ‫تفوق الواليات املتح����دة يف كونها �أكرب اقت�صاد يف‬ ‫العامل ع����ام ‪ ،2027‬و�سوف حتت����ل املركز الأول يف‬ ‫�سي����ادة االقت�صاد العاملي يف ع����ام ‪ 2050‬على �أبعد‬ ‫تقدير‪ .‬غري �أن التداعيات التي تواكب هذا التفوق‬ ‫ال�صيني ‪-‬بالن�سبة لل�صني ذاتها وباقي املعمورة‪-‬‬ ‫مل يت����م تو�ضيح �أو فه����م �إال ن�سبة �ضئيلة منها‪ .‬ويف‬ ‫هذا البحث بعيد املدى‪ ،‬يقدم الكاتب مارتن جاك‬ ‫�إجاب����ات لبع�ض �أك��ث�ر الأ�سئلة املهم����ة حول املكان‬ ‫‪162‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫الذي يحتله منو وتطور ال�صني على املن�صة العاملية‪.‬‬ ‫ويك�ش����ف مارتن جاك‪ ،‬من خ��ل�ال و�ضع ثالث حقائق تاريخي����ة‪ ،‬كيف �سوف تعمل‬ ‫ال�ص��ي�ن على ت�شكي����ل العامل يف ال�صورة الت����ي تريدها‪ .‬فال�صيني����ون لديهم تاريخ‬ ‫طوي����ل وغن����ي كح�ضارة عريقة‪ ،‬حتى �إن حوايل ‪ %94‬م����ن �سكان ال�صني ال يزالون‬ ‫يعتق����دون �أنهم ينحدرون م����ن �أ�صل واحد‪ .‬احل�س القوي للتف����وق املزروع يف تاريخ‬ ‫ال�ص��ي�ن يعد ب�إعادة الظهور يف القرن الواحد الع�شرين‪ ،‬ومن ثم يقوى عرب الزمن‬ ‫ويوحد البالد ب�شكل �أكرب‪.‬‬ ‫ه����ذا العم��ل�اق الآ�سيوي الواثق م����ن نف�سه‪ ،‬وب�سكان����ه الذين يبل����غ عددهم حوايل‬ ‫ملي����ار ون�صف �سوف يق����اوم العوملة التي نعرفها نحن‪ .‬ه����ذا اال�ستثناء �سوف يكون‬ ‫له ت�شعبات قوية لباقي �أنحاء العامل والواليات املتحدة على وجه التحديد‪ .‬ومبا �أن‬ ‫ال�صني ب����د�أت بالظهور على �أنها املركز اجلديد القت�صاد �شرق �آ�سيا‪ ،‬ف�إن معطف‬ ‫العالق����ات االقت�صادية وبالتايل احل�ضارية �س����وف يبد�أ يف االنتقال على مر�أى من‬ ‫�أعيننا من باري�س ومانهاتن �إىل مدن مثل بكني و�شانغهاي‪.‬‬ ‫�إن العالق����ة الأمريكية و�سلوكه����ا جتاه ال�صني‪ ،‬كما يقول الكات����ب‪ ،‬هي التي �سوف‬ ‫حت����دد م����ا �إذا كان القرن الواحد والع�شري����ن �سيكون �آمنا وم�سامل����ا وهادئا‪� ،‬أو �أنه‬ ‫�سيك����ون م�شحونا بالتوتر‪ ،‬ع����دم اال�ستقرار واخلطر‪ .‬هذا الكت����اب هو الأول الذي‬ ‫ي�ص����ور ب�شكل كامل ال�صعود ال�صيني القوي وي�شرح اال�ضطرابات التي قد ي�سببها‬ ‫هذا ال�صعود يف امل�ستقبل‪.‬‬

‫جيوبوليتيك‬ ‫نظرات فـي ق�ضايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�صرة‬

‫بذور الإرهاب‪ :‬كيف ميول الهريوين طالبان والقاعدة‬

‫‪Seeds of Terror: How Heroin Is Bankrolling the Taliban‬‬ ‫‪and al Qaeda‬‬ ‫جريت�شني بيرتز ‪Gretchen Peters‬‬ ‫توما�س دون بوك�س‪2009 ،‬‬

‫‪� 320‬صفحة‬ ‫يعتق���د الكث�ي�رون �أن حركة طالب���ان وتنظيم‬ ‫القاع���دة جم���رد جمموعتني م���ن الأ�صوليني‬ ‫امللتح�ي�ن الذي���ن يقاتل���ون حت���ت �شع���ارات‬ ‫�إ�سالمي���ة من كهوف يف �أفغان�ستان‪ .‬لكن ذلك‬ ‫ال يف�س���ر عودته���م بق���وة مده�ش���ة عل���ى طول‬ ‫احل���دود الباك�ستاني���ة الأفغاني���ة‪ .‬مل���اذا‪ ،‬بعد‬ ‫ثماين �سنوات من الغزو الأمريكي لأفغان�ستان‪،‬‬ ‫تقول وكالة اال�ستخب���ارات الأمريكية‪� :‬إن هذه‬ ‫اجلماع���ات الآن �أف�ضل ت�سليح��� ًا ومتوي ًال مما‬ ‫كانت عليه يف �أي وقت م�ضى؟‬ ‫يعيد كتاب «بذور الإرهاب» ر�سم كل من طالبان‬ ‫والقاع���دة على �أنهم���ا تنظيمان �إجراميان �أكرث منهما تنظيم���ان �أيديولوجيان‪،‬‬ ‫وهم���ا يحققان ربح��� ًا ي�صل �إىل ن�صف ملي���ار دوالر �سنوي ًا من جت���ارة الأفيون‪.‬‬ ‫يتحدث الكاتب جرت�شتني بي�ت�رز عن الأن�شطة غري امل�شروعة لهذين التنظيمني‬ ‫يف حقول الأفيون جنوب �أفغان�ستان و�صو ًال �إىل خمتربات الهريويني التي يديرها‬ ‫ق���ادة طالبان‪ ،‬وعن قوافل املخ���درات امل�سلحة ب�صواري���خ �ستينجر �إىل عمليات‬ ‫غ�سيل الأموال يف كرات�شي ودبي‪.‬‬ ‫ي�ستن���د كتاب «ب���ذور الإرهاب» �إىل مئات املقاب�ل�ات ال�شخ�صية مع مقاتلني من‬ ‫طالبان ومهربني وعمالء ا�ستخب���ارات وغريهم‪ .‬املعلومات التي جمعها الكاتب‬ ‫م���ن ال�شه���ود تتطابق م���ع تقاري���ر ا�ستخباراتية قر�أه���ا الكاتب عن���د م�س�ؤولني‬ ‫�أمريكيني �أعربوا عن ا�ستيائهم وخوفهم من �أن الهجمات الإرهابية القادمة على‬ ‫�أم�ي�ركا �ستكون �أق���وى و�أ�شد من هجمات ‪� 11‬أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪– 2001‬و�ستمولها‬ ‫�أموال املخدرات‪.‬‬

‫�إيران يف القرن‬ ‫الأفريقي والبحر‬ ‫الأحمر‬ ‫�سامــح را�ش ــد‬

‫ال�صني يف خليج عدن‬ ‫حممد �سيف حيدر‬ ‫م�صطفى بخو�ش‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪163‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫ما وراء‬

‫احل�ضور الإيراين‬ ‫يف القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر‬ ‫ازدادت منطقتا البحر الأحمر والقرن الأفريقي �أهمية لدى ال�سيا�سة الإيرانية خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا مع بداية الألفية الثالثة‪ .‬وملا كان هناك ارتباط وا�ضح وتالزم بني البحر الأحمر والقرن الأفريقي‬ ‫بحي���ث �أ�صبحت التطورات يف �أيهما تنعك�س مبا�شرة على الآخ���ر وبالعك�س‪ ،‬ف�إن اهتمام �إيران وحتركاتها يف‬ ‫هات�ي�ن املنطقتني ينب���ع بالأ�سا�س من اهتمامها بكل من �أفريقيا يف جان���ب‪ ،‬واملنطقة العربية يف جانب موازٍ ‪.‬‬ ‫ب���ل �إن اهتمامه���ا ب�أفريقيا يرجع �أ�سا�س ًا �إىل كون الق���ارة ال�سمراء حا�ضنة لل�شم���ال الأفريقي وجوار مبا�شر‬ ‫للجزي���رة العربية‪ .‬ف� ً‬ ‫ضال عن �أهميتها االقت�صادية كم�صدر للمواد الأولية وجمال ا�ستثماري وا�سع‪ ،‬و�أهميتها‬ ‫التجارية ك�سوق ا�ستهالكي كبري‪.‬‬ ‫�سامــح را�شــد‬ ‫ي�ض���اف �إىل ذلك �أن البحر الأحمر ميثل �شريان ًا حيوي ًا للتجارة الإيرانية‬ ‫�سواء النفطية �أو غريها‪ ،‬كونه املمر املالحي الرئي�س الذي يربطها ب�أوروبا‬ ‫والبح���ر املتو�سط‪ .‬و�أخري ًا ميث���ل البحر الأحمر (وقبل���ه القرن الأفريقي)‬ ‫�شريط��� ًا جيوا�سرتاتيجي��� ًا يق�س���م املنطق���ة ر�أ�سي��� ًا‪ ،‬ما مين���ح احل�ضور �أو‬ ‫الت�أث�ي�ر الإيراين فيه �أهمية ق�صوى وداللة ا�سرتاتيجية مهمة جلهة امليزان‬ ‫اال�سرتاتيج���ي بينه���ا وبني الدول العربي���ة يف امل�ست���وى الإقليمي‪ ،‬وموازين‬ ‫الق���وى بني �إيران والواليات املتحدة والق���وى الكربى يف م�ستوى �آخر يتعلق‬ ‫بالعالقات الإيرانية الغربية بتوتراتها وتوافقاتها‪.‬‬ ‫وال ميك���ن يف هذا ال�سي���اق ا�ستبعاد العالقات الإيراني���ة ‪ -‬اخلليجية من‬ ‫التحليل‪ ،‬ويف �ضوء ما ميكن و�صفه باال�ستقرار احلرج املميز لتلك العالقات‬ ‫ب�ش���كل عام‪ ،‬ف�إن البحر الأحمر ميثل حزام��� ًا طبيعي ًا غربي ًا مقاب ًال للخليج‬ ‫كح���زام �شرقي ل�شبه اجلزيرة العربية‪ .‬م���ا يجعل لأي دور �أو وجود �إيراين‬ ‫يف البحر الأحمر �أو قريب ًا منه انعكا�سات وتداعيات �شديدة الأهمية جلهة‬ ‫عالقاته���ا م���ع دول �شبه اجلزي���رة العربية واخلليج‪ ،‬ب���دء ًا باليمن وانتهاء‬ ‫‪164‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫بالكوي���ت‪ ،‬م���رور ًا بال�سعودية ب�صف���ة خا�صة كونها الدول���ة اخلليجية التي‬ ‫متل���ك ال�ساح���ل الأطول على البح���ر الأحمر‪ .‬حيث ميث���ل �أي تنامي لت�أثري‬ ‫�إي���ران يف البحر الأحم���ر – مهما كان �ضئي ًال �أو غ�ي�ر مبا�شر ‪ -‬اقرتاب ًا �أو‬ ‫نوع ًا من التطويق لدول جمل�س التعاون اخلليجي واليمن‪.‬‬ ‫وم���ن املهم الإ�ش���ارة �إىل �أن تلك الأبعاد واملداخ���ل لأهمية البحر الأحمر‬ ‫والق���رن الأفريق���ي لإيران‪ ،‬مل تك���ن كلها ظاه���رة �أو ُمف ّعل���ة‪ ،‬و�إمنا تتطور‬ ‫الأهمي���ة بح�سب تط���ور املعطي���ات والأح���داث‪� ،‬إذ مل تكن منطق���ة القرن‬ ‫الأفريق���ي بالأهمية الراهن���ة قبل انتقال ظاهرة امل���د الأ�صويل الإ�سالمي‬ ‫�إليه���ا‪ ،‬ث���م زادت �أهميتها �أكرث مع تنام���ي ظاهرة القر�صن���ة‪ .‬وكذا الأمر‬ ‫بالن�سبة للبحر الأحمر‪ ،‬فحتى �سنوات قليلة م�ضت مل يكن وارد ًا ا�ستخدام‬ ‫البح���ر الأحم���ر كممر لنقل �أ�سلحة ودعم �إىل حرك���ة حما�س �أو غريها من‬ ‫حركات املقاومة امل�سلحة يف فل�سطني‪.‬‬

‫�سيا�سات �إيران ومداخلها‬

‫يف �ضوء تلك الأهمية‪،‬‬

‫�سامح را�شد كاتب وباحث مب�ؤ�س�سة الأهرام‪ ،‬م�صر‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪165‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫�أ�صبح القرن الأفريقي والبح���ر الأحمر يج�سد م�صالح مت�شابكة لل�سيا�سة‬ ‫الإيرانية‪ .‬من بينها ا�ستقرار وا�ستمرار املالحة يف البحر الأحمر‪ ،‬ذلك �أن‬ ‫لطهران م�صلحة مبا�شرة يف �أال تتعر�ض املالحة البحرية يف البحر الأحمر‬ ‫�إىل خماطر من �ش�أنها تعطيل حركة الناقالت املارة به‪ ،‬حفاظ ًا على تدفق‬ ‫جتارتها خ�صو�ص ًا �صادراتها النفطية ووارداتها من البنزين‪.‬‬ ‫لك���ن اال�ستق���رار املرغوب �إيراني��� ًا يف مي���اه البحر الأحمر‪ ،‬ق���د ال يكون‬ ‫مطلوب��� ًا بالدرج���ة ذاتها – ورمبا مطلق��� ًا ‪ -‬داخل ال���دول امل�شاطئة للبحر‬ ‫الأحمر ومدخله اجلنوبي‪ ،‬خ�صو�ص ًا على اجلانب ال�شرقي منه (ال�سعودية‬ ‫ي�صب يف التحليل‬ ‫واليم���ن)‪ ،‬فتما�سك وقوة كل من الريا����ض و�صنعاء �إمنا ّ‬ ‫اال�سرتاتيج���ي الوا�سع يف اجتاه تدعي���م ومتا�سك الدول العربية الواقعة يف‬ ‫�شب���ه اجلزي���رة وبالتبعية تلك املطل���ة على اخلليج‪ ،‬ما ي�ؤث���ر بال�ضرورة يف‬ ‫ميزان القوة للنظام الإقليمي اخلليجي‪ ،‬الذي ين�ضم �إليه اليمن تدريجي ًا‪،‬‬ ‫ومتثل ال�سعودية ركن ًا �أ�سا�سي ًا فيه‪� ،‬أو بالأحرى قطب ًا مقاب ًال لإيران‪.‬‬ ‫بالتوازي مع ذلك‪ ،‬ي�صب عدم ا�ستقرار القرن الأفريقي يف �صالح �إيران‪،‬‬ ‫كون���ه ي�سم���ح لطهران بالنف���اذ �إىل تل���ك املنطقة عرب �إقام���ة عالقات مع‬ ‫الأط���راف املتنازعة فيها‪� ،‬سواء كانت احلكومات مث���ل �إريرتيا وال�سودان‪،‬‬ ‫�أو م���ع الق���وى املعار�ض���ة واجلماع���ات امل�سلح���ة والكيان���ات االنف�صالي���ة‬ ‫كم���ا هو الو�ض���ع يف ال�صوم���ال‪ .‬وملا كان الق���رن الأفريق���ي مبثابة حا�ضن‬ ‫جيو�سرتاتيج���ي لباب املندب وجنوب البح���ر الأحمر‪ ،‬فهو ميثل ُمتك�أً مهم ًا‬ ‫لطهران يف حتركاتها و�سيا�ساتها الإقليمية‪.‬‬ ‫ويف االجت���اه العك�سي‪ ،‬ميث���ل القرن الأفريق���ي مدخل �إي���ران �إىل القارة‬ ‫الأفريقي���ة ككل‪ ،‬وجت���در الإ�ش���ارة هن���ا �إىل �أن لإي���ران تاري���خ طوي���ل من‬ ‫العالق���ات الدينية والثقافي���ة واالقت�صادية م���ع قارة �أفريقي���ا‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫�شرقه���ا‪ .‬وال تزال �إيران متم�سكة ب���دور فاعل وعالقات وثيقة ونفوذ حيوي‬ ‫داخل القارة ال�سمراء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ولت�أم�ي�ن تل���ك امل�صالح والأه���داف‪ ،‬حتر�ص طه���ران دائما عل���ى �إقامة‬ ‫عالق���ات ورواب���ط م���ع القوى امل�ؤث���رة يف مدخ���ل البحر الأحم���ر وحميطه‬ ‫القري���ب‪ .‬و�إيجاد نق���اط متركز ا�سرتاتيج���ي على �سواح���ل البحر الأحمر‬ ‫وقريب ًا من مدخله اجلنوبي‪.‬‬ ‫ت�س�ي�ر حتركات �إيران يف البحر الأحمر والق���رن الأفريقي على م�سارات‬ ‫متوازي���ة‪ ،‬تت�ضاف���ر مع ًا لت�ش���كل حزمة �سيا�س���ات وا�سرتاتيجي���ات بع�ضها‬ ‫مرحل���ي وبع�ضها الآخر طويل الأجل‪ .‬ويف �ضوء تط���ور امل�صالح والأهداف‬ ‫الإيراني���ة املبتغ���اة يف البحر الأحمر والقرن الأفريق���ي‪ ،‬ميكننا النظر �إىل‬ ‫ال�سيا�سات الإيرانية عرب مدخلني تعتمدهما طهران يف حتركاتها نحو تلك‬ ‫املنطقة‪:‬‬ ‫‪ .1‬احل�ض��ور الع�س��كري‪ :‬ونق�صد ب���ه �أن يكون لإي���ران �أداة ع�سكرية‬ ‫قابل���ة لال�ستخ���دام عند ال�ض���رورة‪ ،‬وجتدر الإ�ش���ارة �إىل �أن تلك الأداة مل‬ ‫تك���ن مطلوبة �أو ذات �ضرورة بالن�سبة لإيران حتى ما قبل عامني �أو ثالثة‪،‬‬ ‫عندم���ا ت�أزمت تطورات امللف الن���ووي الإيراين‪ ،‬و�أ�صبح���ت �إيران عر�ضة‬ ‫لعم���ل ع�سكري ي�ستهدف من�ش�آتها النووي���ة �أو رمبا على نطاق �أو�سع‪� ،‬سواء‬ ‫م���ن جانب الواليات املتحدة الأمريكي���ة �أو �إ�سرائيل‪ .‬ف�أ�صبحت احل�سابات‬ ‫الإيرانية ت�ستلزم ح�ش���د كل �أدوات وو�سائل الدفاع عن �أرا�ضيها ومن�ش�آتها‬ ‫النووية‪.‬‬ ‫‪166‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ومع���روف �أن البحر الأحمر هو املمر الأ�س���ا�س للقوات الأمريكية املتجهة‬ ‫�إىل اخللي���ج واملحيط الهن���دي‪ ،‬بالتايل يعد �أي نوع من الوجود الع�س���كري‬ ‫الإي���راين يف مدخل البح���ر الأحمر �أو قريب ًا من���ه يف ال�سواحل ال�صومالية‬ ‫�أو يف بح���ر العرب وخليج عدن‪ ،‬يعد ورقة دفاعية �إيرانية مهمة يف موازين‬ ‫الق���وى الع�س���كرية ب�ي�ن اجلانب�ي�ن‪ .‬وهنا جت���ب الإ�ش���ارة �إىل قي���ام �إيران‬ ‫فعلي ًا بت�س���يري دوريات ع�س���كرية بحرية يف تل���ك املناطق حتت هدف معلن‬ ‫هو حماية ال�سفن الإيرانية يف مواجهة عمليات القر�صنة‪ .‬‬ ‫ويف الإط���ار ذات���ه‪ ،‬ت�أت���ي عملي���ات التن�سيق والتع���اون مع ق���وى �أو �أطراف‬ ‫�إقليمي���ة‪� ،‬سواء كانت دو ًال �أو جماعات وتنظيم���ات من غري الدول‪ .‬وميكن‬ ‫ب�سهول���ة مالحظة وجود هذا التعاون يف نط���اق الدول بني �إيران وال�سودان‬ ‫و�إريرتيا وبدرج���ة �أقل جيبوتي‪ .‬ويف نطاق اجلماع���ات والتنظيمات هناك‬ ‫العالق���ة مع عدد من الف�صائل ال�صومالية امل�سلحة و�أمراء احلرب هناك‪،‬‬ ‫واحلوثيني يف اليمن‪ ،‬وحركة حما�س عند الطرف ال�شمايل للبحر الأحمر‪.‬‬ ‫وغن���ي عن البيان �أن القوام الرئي����س لتلك العالقات هو التعاون الع�سكري‬ ‫ممتزج��� ًا بعالق���ات اقت�صادية مدنية‪ .‬ويوف���ر هذا التعاون لإي���ران منفذ ًا‬ ‫حتركات �إيران ومواقفها –امل�ستجدة م�ؤخر ًا منها خ�صو�ص ًا‬ ‫ ر�س��خت و�ضعية �إيران كدولة «غري توافقية» يف منطقة‬‫ال�شرق الأو�س��ط ككل‪ ،‬ولي�س فقط يف نطاق مدخل البحر >>‬

‫للوج���ود الع�سكري غ�ي�ر املبا�شر‪ ،‬من خالل عدة م�س���ارات �أبرزها التعاون‬ ‫اال�ستخباري‪ ،‬ونقل اخلربات القتالية والتدريبية‪ ،‬وت�صدير �أ�سلحة ومعدات‬ ‫�إيرانية �إىل تلك الدول �أو التنظيمات‪.‬‬ ‫‪ .2‬التحالف مع الأقليات واملختلفني‪ :‬رغم طغيان الوجه الع�سكري‬ ‫للح�ض���ور الإي���راين يف البح���ر الأحم���ر والق���رن الأفريق���ي عل���ى الأوج���ه‬ ‫االقت�صادية وال�سيا�سية‪� ،‬إال �أنه يظل جزء ًا من كل‪ ،‬وواحد ًا من عدة حماور‬ ‫تُ�شكل �سيا�سة �إيرانية خارجية عامة قوامها التحالف مع الدول والقوى التي‬ ‫تتبنى توجهات و�سيا�سات خمالفة للتوجه الغالب �سواء يف النطاق الإقليمي‬ ‫�أو العامل���ي‪ ،‬والتي ميك���ن �أن ن�صفها بالدول «املخالف���ة» �أو «�شبه املعزولة»‪.‬‬ ‫وواق���ع احل���ال �أن ذلك االجن���ذاب الإيراين �إىل تل���ك املجموعة من الدول‬ ‫(�أو حت���ى القوى والأطراف م���ن غري الدول) التي غالب ًا م���ا تكون معزولة‬ ‫�أو �شب���ه معزولة عاملي ًا‪� ،‬إمنا يجد جذوره يف املذهب ال�شيعي الإثنى ع�شري‬ ‫كعقي���دة دينية‪� /‬سيا�سية‪ ،‬حيث جتب ن�ص���رة «امل�ست�ضعفني» يف الأر�ض �أي‬ ‫ال�شع���وب امل�ست�ضعف���ة‪ ،‬يف مواجهة قوى «اال�ستكبار»‪ .‬ورغ���م �أن هذا املبد�أ‬ ‫لي����س مطلق ًا وكثري ًا م���ا حتيد ال�سيا�س���ة الإيرانية عنه ب���ل وتخالفه متام ًا‬ ‫بالتن�سيق �أو التعاون م���ع دول «م�ستكربة» منها الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫ذاتها (ف�ضيحة �إيران جيت يف الثمانينيات)‪� ،‬إال �أن التوجه العام لل�سيا�سة‬ ‫اخلارجي���ة الإيراني���ة يتما�شى مع هذا املبد�أ‪� ،‬إن مل يك���ن �إعما ًال عقيدي ًا له‬ ‫وح�سب‪ ،‬فعلى الأقل بهدف املن���اورة واملداورة ال�سيا�سية مع القوى الكربى‬ ‫ال�ستخال����ص م�صالح ومكا�سب �إيرانية منها‪� ،‬أو لدرء �أخطار �أو خ�سائر قد‬ ‫تنزلها تلك القوى بطهران‪.‬‬ ‫وبقيا����س ذل���ك النمط عل���ى الو�ضع الإقليم���ي‪ ،‬ميك���ن ب�سهولة مالحظة‬

‫انطباق���ه عل���ى عالقات �إي���ران مع دول مث���ل �سوري���ا وال�س���ودان و�إريرتيا‬ ‫وجيبوتي‪ ،‬وبدرجة �أقل كل م���ن �سلطنة عمان واجلزائر وليبيا وموريتانيا‪.‬‬ ‫ومع غري دول مثل حزب اهلل وحركة حما�س وجماعة احلوثي‪ ،‬وبدرجة �أقل‬ ‫مع بقايا تنظيم القاعدة وحركة �شباب املجاهدين يف ال�صومال‪.‬‬ ‫يف ه���ذا ال�سياق‪ ،‬ت�أتي توجه���ات طهران وحتركاته���ا الأخرية يف منطقة‬ ‫مدخ���ل البحر الأحم���ر والقرن الأفريق���ي باالقرتاب م���ن جماعة احلوثي‬ ‫املناوئ���ة لل�سلط���ة ال�شرعي���ة يف اليم���ن‪ ،‬وم���ن دولة مث���ل �إريرتي���ا ال تت�سق‬ ‫توجهاته���ا اخلارجية مع التوجه العام ل���دول املنطقة‪ ،‬وتبدو غري من�سجمة‬ ‫مع حميطها اخلارجي �سواء يف النطاق احليوي املبا�شر الذي ي�شمل �إثيوبيا‬ ‫وال�سودان وجيبوتي واليمن وال�سعودية‪� ،‬أو يف النطاق الإقليمي الأو�سع الذي‬ ‫ي�ض���م ال���دول العربية و�إ�سرائيل‪ ،‬الت���ي جتمعها عالق���ات تعاونية ب�إريرتيا‬ ‫�أو�سع و�أعمق كثري ًا مما يجمع �إريرتيا بالدول العربية‪.‬‬ ‫وباملنطق ذاته‪ ،‬ميكن فهم عالقات �إيران املتذبذبة بل والغام�ضة بالقوى‬ ‫الك�ب�رى يف املنطق���ة – كما هو حالها مع القوى الك�ب�رى يف العامل ‪ -‬حيث‬ ‫ت�ت�راوح عالقات �إيران بكل م���ن ال�سعودية وم�صر بني الفت���ور والتوتر‪ .‬بل‬ ‫>> الأحم��ر‪ ،‬الأمر ال��ذي يعطي حجية �سيا�س��ية ملواقف دول‬ ‫املنطق��ة الأخ��رى التي تتحفظ على حت�س�ين عالقاتها مع‬ ‫�إيران �أو الرتحيب بخطابها الإعالمي الإيجابي �أحيان ًا‬

‫�أحيان��� ًا تتطور عالقاتها بالقوى الكربى يف العامل لتنتقل �إىل مربع التعاون‬ ‫امل�صلحي ولو مرحلي ًا‪ ،‬بينما ال تكاد عالقاتها مع الريا�ض والقاهرة ت�شهد‬ ‫حت�سن ًا ن�سبي ًا �إال و�سرعان ما ينهار وتنتك�س العالقات قبل �أن ت�صل �إىل حد‬ ‫التعاون �أو حتى التوافق املرحلي‪.‬‬ ‫حتى تكتمل‬ ‫مك�سب قريب وخ�سائر الحقة‬ ‫ال�صورة‪ ،‬ينبغ���ي على املراقب التوقف قلي ًال عن���د مكا�سب وخ�سائر �إيران‬ ‫من �سيا�ساتها وحتركاتها جتاه تلك املنطقة احليوية واحلرجة‪ ،‬حتى ميكن‬ ‫تقييم مدى جن���اح �أو �إخفاق تلك ال�سيا�سات م���ن منظور وح�سابات �إيران‬ ‫ولي�س من منظور الدول الأخرى يف املنطقة‪.‬‬ ‫و�أول م���ا يظه���ر يف جردة احل�س���اب تل���ك‪� ،‬أن �إيران جنح���ت بالفعل يف‬ ‫فر����ض وجودها داخل منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي جيو�سيا�سي ًا‬ ‫وجيو�سرتاتيجي ًا‪� ،‬أي باملعني�ي�ن ال�سيا�سي والع�سكري‪ .‬وهو ما يعني تو�صيل‬ ‫ر�سالة مهمة �إىل دول املنطقة و�إىل الدول الأخرى‪ ،‬مفادها �أن قدرة �إيران‬ ‫على التعام���ل وا�ستخدام الأداتني ال�سيا�سي���ة والع�سكرية لي�ست حم�صورة‬ ‫يف منطق���ة اخلليج‪ ،‬و�أن البحر الأحمر م�شم���ول يف نطاق القدرة واحلركة‬ ‫الإيرانية ال�سيا�سية‪ ،‬والع�سكرية عند ال�ضرورة‪.‬‬ ‫كم���ا جنح���ت طهران يف ت�أكي���د �أن امل�ش���كالت والتوت���رات �أو حتى بع�ض‬ ‫امللف���ات الداخلي���ة والإقليمي���ة املعلق���ة �أو امل�ؤجل���ة‪ ،‬ت�شكل �أر�ضي���ة خ�صبة‬ ‫للتدخالت اخلارجية م���ا مل تتم ت�صفيتها �أو معاجلتها بحكمة وحزم مع ًا‪.‬‬ ‫وه���و ما ينطبق �أي�ض ًا على الأزمات الإقليمية املفتوحة مثل �أزمة القر�صنة‪،‬‬ ‫فغي���اب �آلية موح���دة �إقليمية �أو دولية للتعامل مع تل���ك الظاهرة‪/‬اخلطر‪،‬‬ ‫مل ي����ؤ ِّد �إىل تفاقمه���ا وح�س���ب‪ ،‬بل فتح الب���اب �أمام ظه���ور خماطر �أخرى‬

‫�أ�شب���ه بقنابل موقوتة م�ؤجلة‪ ،‬من بينها م�س�ألة الوجود الع�سكري لعدد غري‬ ‫حمدود من الدول قريب ًا من املدخل اجلنوبي للبحر الأحمر‪.‬‬ ‫لك���ن مقابل ه���ذا النج���اح‪ ،‬ات�سعت رقعة «ع���داوات» �إي���ران يف املنطقة‪،‬‬ ‫ع���دد ًا بان�ضم���ام اليمن �إىل ال���دول املت�ضررة من حت���ركات �إيران ودورها‬ ‫يف املنطق���ة (ب���ل يف ال�ش�أن الداخلي اليمني ذات���ه)‪ .‬وكيف ًا بتو�سيع وتعميق‬ ‫الفج���وة القائمة �أ� ً‬ ‫صال بينها وبني اململك���ة العربية ال�سعودية وم�صر‪ .‬فعلى‬ ‫�سبي���ل املثال‪ ،‬ظل���ت العالقات الإيراني���ة ال�سعودية ملا يق�ت�رب من عقدين‬ ‫كامل�ي�ن (منذ الغزو العراقي للكوي���ت ‪ )1990‬حم�صورة بني نطاقي الفتور‬ ‫والتوت���ر املكت���وم‪ .‬ثم ج���اء ات�ساع نط���اق �أزمة احلوثي�ي�ن يف اليمن ودخول‬ ‫الريا����ض طرف ًا فيها‪ ،‬لي�ضع �إي���ران يف مواجهة �سيا�سية و�إعالمية مبا�شرة‬ ‫وعلني���ة مع ال�سعودية‪ ،‬وهي حالة ندر تكراره���ا يف العالقات امل�شدودة بني‬ ‫البلدين‪ .‬وهي مفارقة جدي���رة بالت�أمل‪� ،‬إذ مل تتخذ �إيران املوقف ذاته مع‬ ‫ال�سلطات اليمنية الطرف الأ�صلي يف املواجهة مع احلوثيني‪ ،‬يف م�ؤ�شر �إىل‬ ‫حر����ص طه���ران على عدم خ�س���ران عالقاتها مع �صنع���اء‪ ،‬بينما عك�س رد‬ ‫الفعل عل���ى التدخل ال�سعودي اندفاع ًا يف �إب���داء الغ�ضب‪ ،‬وجاء �أقرب �إىل‬ ‫االنفعال من���ه �إىل املواقف املدرو�سة‪ .‬ما يحمل ب���دوره مغزى مهم ًا جلهة‬ ‫ارتب���اك ح�سابات �إي���ران وخلل تقديراته���ا وتوقعاتها ملواق���ف الأطراف‬ ‫الأخرى املعنية بالو�ضع يف جنوب البحر الأحمر‪.‬‬ ‫يف الوقت ذات���ه‪� ،‬أ�ضحت ال�سيا�سة الإيرانية جت���اه الأقليات يف املنطقة‬ ‫وحتدي���د ًا ال�شيعية منه���ا تعاين م�أزق ًا‪ ،‬بعد �أن �أخفق���ت طهران يف �إثبات‬ ‫�صدقيته���ا مب�سان���دة اجلماع���ات �أو التي���ارات ذات الأقلي���ة �أو �صاحب���ة‬ ‫التوجه���ات املخالفة‪ ،‬بف�شلها يف دعم احلوثيني خا�صة بعد �أن �أ�صبحوا بني‬ ‫�شقي رح���ى‪ ،‬القوات ال�سعودية �شما ًال‪ ،‬واجلي�ش اليمني جنوب ًا‪ .‬الأمر الذي‬ ‫�سينعك����س �سلب ًا بال�ضرورة على ال�صورة الذهنية التي حتر�ص �إيران دائم ًا‬ ‫عل���ى تر�سيخها يف اخل���ارج ب�أنها دولة ق���ادرة على ن�ص���رة «امل�ست�ضعفني»‬ ‫عموم��� ًا‪ ،‬وامل�سلمني خ�صو�ص ًا‪� ،‬إذ مل تتمكن م���ن ن�صرة احلوثيني (ال�شيعة‬ ‫الزيديني) �أي من ُيفرت�ض �أنهم خا�صة اخل�صو�ص لديها‪.‬‬ ‫وارتداد ًا على �إيران ذاتها‪ ،‬ف�إن احل�ضور الإيراين يف منطقة مدخل البحر‬ ‫الأحمر والقرن الأفريقي وامت���داده �إىل ق�ضايا وملفات داخلية مثل ق�ضية‬ ‫احلوثيني‪ ،‬ي�ضعف موقف �إي���ران عندما ت�سارع �إىل اتهام �أطراف خارجية‬ ‫بال�ضل���وع يف ملفات �إيرانية داخلي���ة‪ ،‬فبغ�ض النظر عن �صحة �أو خط�أ تلك‬ ‫االتهام���ات؛ ف�إن املوقف الإيراين بهذا يت�سم باالزدواج والتناق�ض‪ ،‬مفتقد ًا‬ ‫املنطقية واالت�ساق‪.‬‬ ‫�أخري ًا‪ ،‬ف�إن حتركات �إيران ومواقفها – امل�ستجدة م�ؤخر ًا منها خ�صو�صاً‬ ‫ ر�سخ���ت و�ضعية �إيران كدولة «غري توافقي���ة» يف منطقة ال�شرق الأو�سط‬‫ككل‪ ،‬ولي�س فقط يف نطاق مدخل البحر الأحمر‪ ،‬الأمر الذي يعطي حجية‬ ‫�سيا�سي���ة ملواقف دول املنطقة الأخ���رى التي تتحفظ على حت�سني عالقاتها‬ ‫مع �إيران �أو الرتحيب بخطابها الإعالمي الإيجابي �أحيان ًا‪ .‬و�ستت�أثر �إيران‬ ‫به���ذا التقيي���م لو�ضعيته���ا الحق ًا‪ ،‬خا�صة بع���د �إغالق ملفها الن���ووي �سواء‬ ‫ب�شكل �سلمي �أو بغري ذل���ك‪ ،‬ففي احلالني �ستكون �إيران بحاجة �إىل قبولها‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬وهو ما ال تب�شر به �سيا�سات �إيران وحتركاتها يف الإقليم ككل‪،‬‬ ‫م���ا يرجح احتماالت حتولها م�ستقب ًال �إىل دولة معزولة �أو �شبه معزولة‪ ،‬يف‬ ‫و�ضعية تذكر باحلالة الإ�سرائيلية‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪167‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫ال�صينيون قادمون‬ ‫بكني وطموحاتها اجلديدة يف خليج عدن‬ ‫حممد �سيف حيدر‬

‫يف �آخ���ر �أيام العام املن�صرم ‪� ،2009‬أعلنت جمهورية ال�صني ال�شعبية‪ ،‬على ل�سان الأمريال «يني‬ ‫ج���و» وهو ناطق ر�سمي يف ال�ش�ؤون البحرية بوزارة الدف���اع ال�صينية‪� ،‬أنها تدر�س �إمكانية �إقامة‬ ‫قاع���دة بحرية دائمة له���ا يف خليج عدن بهدف دعم عمليات مكافح���ة القر�صنة التي تقوم بها‬ ‫قواته���ا قبالة �سواحل ال�صومال‪ .‬واملالحظ �أن ه���ذا الإعالن‪ ،‬يف حد ذاته ومن جميع النواحي‪،‬‬ ‫يعد تطور ًا مهم ًا ورمبا فا ِرق ًا يف الفكر اال�سرتاتيجي ال�صيني الذي كان يغلب عليه طابع احليطة‬ ‫واحل���ذر وعدم اجلر�أة‪ ،‬ال�سيما فيما يخ�ص تو�سيع دوائ���ر احلركة العاملية للع�سكرية ال�صينية‪.‬‬ ‫�سيطر عليه هواج�س وخماوف �أمنية عديدة ت�أتي‬ ‫كما �أنه جاء يف �سياق �إقليمي ودويل �ضاغط ُت ِ‬ ‫القر�صنة البحرية يف خليج عدن وغرب املحيط الهندي والتي تفاقمت خالل ال�سنتني الأخريتني‬ ‫ب�ش���كل غري م�سبوق‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن احتم���االت �شنّ جماعات �إرهابية العتداءات ت�ستهدف الإ�ضرار‬ ‫بالأمن البحري يف واحد من �أهم طرق املالحة الدولية‪ ،‬يف مقدمتها‪.‬‬ ‫و�إذا كان الإع�ل�ان ال�صين���ي ق���د بدا مفاجئ��� ًا للكثريي���ن �إال �أن املتابع‬ ‫للتح���ركات ال�صيني���ة الأخ�ي�رة يف خليج ع���دن وغرب املحي���ط الهندي‬ ‫ي���درك متام��� ًا �أن توجه بك�ي�ن اجلديد هذا ُيع�ِّب�ِّرّ عن تط���ور طبيعي يف‬ ‫مدركاتها الأمني���ة واجليو�سرتاتيجية‪ ،‬ور�ؤيته���ا للف�ضاء اجليوبوليتيكي‬ ‫ال���ذي تتمو�ضع في���ه م�صالح ال�صني القومية الواج���ب حمايتها والدفاع‬ ‫عنه���ا‪ ،‬كما �أنه يتزامن مع (وي�أخذ وهجه م���ن) نه�ضة ال�صني وحتولها‬ ‫ م���ن جدي���د ‪� -‬إىل قوة دولية م�ؤث���رة‪ ،‬ت�سعى �إىل �إع���ادة �صياغة وبناء‬‫النظام العاملي الراهن وفق ًا لأ�س�س مغايرة تُلبي طموحاتها الكونية‪.‬‬ ‫واملع���روف �أن بكني كانت ق���د �أخذت يف ت�سيري بع����ض قطعها و�سفنها‬ ‫‪168‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫حممد �سيف حيدر مدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية»‪ ،‬وباحث يف مركز �سب�أ‬ ‫للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪.‬‬

‫احلربي���ة يف خليج عدن منذ �أواخر كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ ،2008‬بغر�ض‬ ‫حماية ال�سف���ن ال�صينية وطواقمها �أثناء مروره���م بهذا املعرب البحري‬ ‫املقاب���ل لل�سواح���ل ال�صومالي���ة‪ ،‬والذي حت���ول م�ؤخ���ر ًا �إىل مرتع مثايل‬ ‫ُبحر فيها‬ ‫لن�ش���اط القرا�صنة الإجرامي‪ .‬وكانت هذه امل���رة الأوىل التي ت ِ‬ ‫�سف���ن حربية �صينية �إىل �شرق الق���ارة الأفريقية منذ �أن قاد امل�ستك�شف‬ ‫والأم�ي�رال “�شينغ ه���ي” �أ�سطو ًال قب���ل نحو �ستة ق���رون‪ ،‬يف وقت كانت‬ ‫ال�صني تفر�ض هيمنته���ا على �آ�سيا يف جمال القوة البحرية حتى القرن‬ ‫ال�ساب���ع ع�شر؛ فخالل حكم �أ�سرة مين���غ (‪ )1644 -1368‬كانت “البحرية‬ ‫العظمى” ال�صينية هي القوة البحرية الأعظم يف العامل‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪169‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫التو�سع باطراد‪ :‬يف جماالت التنمية االقت�صادية‪ ،‬والإدارة الإقليمية‪،‬‬ ‫و�إذا كان ميك���ن و�صف زي���ارة الع�سكريني ال�صيني�ي�ن ملياه خليج عدن يف ّ‬ ‫غ���رب املحي���ط الهندي قبالة ال�سواح���ل الأفريقية واليمني���ة يف املا�ضي وت�أم�ي�ن الطاقة والغذاء‪ ،‬عالوة على التج���ارة‪ .‬وتبع ًا لذلك كان البد �أن‬ ‫البعي���د ب�أنه���ا كان���ت “ودودة” وال تُث�ي�ر الريبة كث�ي�ر ًا‪ ،‬لكنه���ا اليوم ال تهتم ال�صني ب�ش�أن �أمن نقاط الو�صل البحرية‪ ،‬ومن �ضمنها خليج عدن‬ ‫تب���دو – على الأقل بالن�سب���ة للبع�ض ‪ -‬كذلك‪� .‬إذ ُي َ‬ ‫نظ���ر �إليها بانزعاج وم�ضيق باب املندب اللذين مير عربهما جزء مهم من وارداتها النفطية‬ ‫ومبادالته���ا التجارية (على �سبيل املثال حت�صل ال�صني على حوايل ‪%7‬‬ ‫�شديد‪� ،‬سواء م���ن قبل ع�صابات القر�صن���ة ال�صومالية التي ت�ستهدفها‬ ‫دوري���ات البحري���ة ال�صيني���ة �أو م���ن قب���ل بع����ض الالعب�ي�ن الإقليميني من �إجمايل وارداتها النفطية من ال�سودان مبفردها)‪.‬‬ ‫والدوليني الذين ي���رون التحركات ال�صينية مبنظور خمتلف ميتزج فيه‬ ‫ومم���ا ال�شك في���ه �أن تفاقم ظاهرة القر�صن���ة البحرية يف خليج عدن‬ ‫ال�ش���ك والقلق بالكثري م���ن احل�سابات اال�سرتاتيجي���ة‪ .‬فال�صني �أخذت خ�ل�ال ال�سنتني الأخريت�ي�ن‪ ،‬وا�ستهداف القرا�صن���ة ال�صوماليون �سفن ًا‬ ‫ُتظهِ ���ر ثقة متزايدة بذاتها وبقوتها ال�صاع���دة‪ ،‬وجمرد قيامها ب�إر�سال وبواخ���ر جتاري���ة �صيني���ة ع���دة �إىل جان���ب تعري�ضه���م واردات ال�صني‬ ‫قواته���ا و�أ�ساطيلها البحرية �إىل خليج ع���دن‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن التفكري ب�إقامة النفطية كما �صادراتها من الأ�سلحة واملعدات الع�سكرية العابرة يف هذا‬ ‫قاع���دة ع�سكري���ة دائمة يف واحد م���ن �أكرث املمرات البحري���ة �أهمية يف املم���ر املالحي للخطر‪ ،‬بات �أمر ًا ُيق ِلق احلكومة ال�صينية ب�شدة‪ ،‬ال�سيما‬ ‫الع���امل‪ ،‬وقرب املنطقة التي حتت�ضن �آبار وحقول النفط الأ�ضخم عاملي ًا و�أن ال�ص�ي�ن تعاين �أ� ً‬ ‫صال من “مع�ضلة م�ضيق ملقا”‪ ،‬الذي ي�شكل نقطة‬ ‫و�إمداداته الأكرث ح�سا�سية‪ ،‬هو �أم ٌر �أخذ ُي�ش ِعر بع�ض الالعبني الدوليني اختناق حلركة التجارة ال�صادرة منها بالإ�ضافة �إىل وارداتها النفطية‪،‬‬ ‫الكبار كالوالي���ات املتحدة ودول �أوروبية له���ا م�صالح حيوية يف املنطقة وهو ممر ما انفكت ال�صني تبحث منذ مدة عن بدائل له‪ ،‬لكن ال�صينيني‬ ‫كربيطاني���ا وفرن�سا‪ ،‬بتوتر بالغ و�إن ظ���ل ‪ -‬حتى هذه اللحظة – مكتوم ًا يف غمار ذلك فوجئ���وا ب�أن �إمداداتهم النفطية وجتارتهم املنقولة بحر ًا‬ ‫وم�سترت ًا‪.‬‬ ‫تتعر�ض للتهدي���د يف نقطة‬ ‫اختناق �أخرى غري متوقعة‬ ‫غري �أن���ه �س���واء ر�ضيت‬ ‫وهي خليج ع���دن وم�ضيق‬ ‫هذه ال���دول �أو غريها عن‬ ‫عدن‬ ‫خليج‬ ‫يف‬ ‫البحرية‬ ‫القر�صنة‬ ‫��رة‬ ‫ه‬ ‫��ا‬ ‫ظ‬ ‫تفاقم‬ ‫ب���اب املن���دب‪ ،‬وقب���ل �أن‬ ‫�أجندة ال�صني وطموحاتها‬ ‫البحري���ة اجلدي���دة �أم مل خ�لال ال�سنتني الأخ�يرت�ين‪ ،‬وا�ستهداف القرا�صنة‬ ‫ت�ص���ل حت���ى �إىل م�ضي���ق‬ ‫َ‬ ‫ملقا حيث تكمن هواج�س‬ ‫تر�ض‪ ،‬ف�إن قراءة ب�سيطة ال�صوماليون �سفن ًا وب��واخ��ر جت��اري��ة �صينية عدة‬ ‫بكني وخماوفها الكربى‪.‬‬ ‫يف خلفي���ات حت���ركات �إىل جانب تعري�ضهم واردات ال�صني النفطية كما‬ ‫بكني وتوجهاتها ال‬ ‫ويف �ضوء ذلك‪� ،‬سارعت‬ ‫أخرية‪� ،‬صادراتها من الأ�سلحة واملعدات الع�سكرية العابرة يف‬ ‫ومن بينه���ا‬ ‫ال�ص�ي�ن يف �أواخ���ر العام‬ ‫التفكريبحريجدي ًا���ة هذا املمر املالحي للخطر‪ ،‬بات �أمر ً‬ ‫احلكومة‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ب�إقام���ة قاع���دة‬ ‫‪� 2008‬إىل الإع�ل�ان ع���ن‬ ‫ً‬ ‫من‬ ‫صال‬ ‫أ�‬ ‫�‬ ‫تعاين‬ ‫ال�صني‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫ال�سيما‬ ‫ب�شدة‪،‬‬ ‫ال�صينية‬ ‫دائم���ة يف خلي���ج ع���دن‪،‬‬ ‫نيته���ا �إر�س���ال ع���دد م���ن‬ ‫م���ن �ش�أنه���ا �أن تو ّف���ر لنا «مع�ضلة م�ضيق ملقا»‬ ‫�سفنها احلربية �إىل خليج‬ ‫منطلق��� ًا لفه���م الأ�س����س‬ ‫عدن واملي���اه ال�صومالية‪،‬‬ ‫التي تدف���ع ال�صينيني �إىل‬ ‫يدفعها لذلك �سبب وجيه‬ ‫تعزيز ح�ضورهم الع�سكري‬ ‫���م عاملي‪ ،‬وهو �أن هذا املمر املالح���ي يعد الطريق التجاري‬ ‫يحظى بتفه ٍ‬ ‫البحري يف هذه املنطقة من العامل‪.‬‬ ‫الرئي�س���ي للأ�س���واق يف �أوروب���ا‪ ،‬وقد تعر�ض���ت �سفن له���ا للخطف فيه‪.‬‬ ‫تو�سعه وذروة ومعل���وم �أن الهجمات على �سفن ال�شحن ترفع تكاليف الت�أمني‪ ،‬وت�ضطر‬ ‫فم���ن جهة‪ ،‬يبدو االقت�صاد ال�صيني هذه الأيام يف كامل ّ‬ ‫كم �أكرب من الوقود عن���د �سلوكها الطريق‬ ‫ت�ألقه‪ ،‬كما �أن تطوره املثري يتكئ على حاجة كربى للطاقة‪ .‬وقد �أ�صبحت بع����ض ال�سف���ن �إىل ا�ستخدام ٍ ّ‬ ‫ً‬ ‫ال�ص�ي�ن تناف�س الواليات املتح���دة الأمريكية على لق���ب «�أكرب م�ستهلك الأطول والأكرث �أمن ًا حول �أفريقيا بدال من �سلوك قناة ال�سوي�س‪ ،‬ناهيك‬ ‫للنف���ط يف الع���امل»‪ .‬ومتثل ال�صني الي���وم ما يقرب م���ن ‪ %6‬من الطلب ع���ن اخل�سائر املادية واملعنوية الأخ���رى‪ .‬وبالفعل ما �أن جاء يوم ‪ 26‬من‬ ‫العامل���ي على الطاقة‪ ،‬وي���رى االقت�صاديون �أن ه���ذه الن�سبة �ستت�ضاعف كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ ،2008‬حتى �أبح���ر الأ�سطول ال�صيني امل�ؤلف من‬ ‫يف ع���ام ‪ ،2030‬وك���ي حتاف���ظ ال�صني عل���ى درجة منو تق���ارب ‪ %8‬ف�إنه املدم���رة “وو ه���ان” واملدمرة “هايك���و” و�سفينة الإم���دادات “وي�شان‬ ‫�سيتوج���ب عليها �أن ت�ست���ورد املوارد الطاقوية بطريق���ة �أُ ّ�سية‪ .‬ويف �ضوء هو”‪ ،‬من مين���اء �سانيا مبقاطعة هاينان �إىل املي���اه ال�صومالية‪ ،‬حام ًال‬ ‫مع���ه طاقم��� ًا مكون ًا من ‪ 800‬ع�ض���و وطائرتي هيلوكبرت م���ن طراز “كا‪-‬‬ ‫املعطيات التي ت�شري �إىل �أن ‪ %90‬من حجم جتارة ال�صني اخلارجية يتم‬ ‫نقلها عن طريق ال�شحن البحري‪ ،‬كما �أن ‪ %60‬من النفط الذي حتتاجه ‪.”28‬‬ ‫الأخ�ي�رة وي�أتيه���ا من اخل���ارج ُين َقل عل���ى ال�سفن والناق�ل�ات البحرية‪،‬‬ ‫وم���ن جه���ة �أخ���رى‪� ،‬إذا كان ه���ذا التح���رك الع�سك���ري ال�صيني غري‬ ‫�سعت بكني �إىل توف�ي�ر كل الو�سائل حلماية م�صاحلها الآخذة نطاقاتها امل�ألوف يف الع�صر احلديث قد �أ�شار �إىل عزم بكني اتخاذ كل اخلطوات‬ ‫‪170‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫الالزم����ة حلماي����ة م�صاحله����ا البحرية يف مواجه����ة �أي تهدي����د‪ ،‬مبا فيها‬ ‫ال�سع����ي �إىل ت�أمني الق����وة البحرية الالزمة لدعم مثل ه����ذه الأن�شطة‪ ،‬من‬ ‫خ��ل�ال التطوير وال�شراء من اخلارج (من رو�سي����ا يف �أغلب الأحوال‪ ،‬ومن‬ ‫ج�سد بكل و�ضوح‬ ‫االحت����اد الأوروبي كلما �أمك����ن)‪ ،‬غري �أنه يف الوقت نف�سه ّ‬ ‫الدبلوما�سي����ة والأجن����دة الأمني����ة اجلديدة لل�ص��ي�ن‪ ،‬ومقاربته����ا الراهنة‬ ‫الأك��ث�ر مرونة وديناميكي����ة لق�ضايا جدلي����ة و�شائكة كالتدخ����ل وال�سيادة‪.‬‬ ‫واحل����ال �أن ال�سن����وات القليلة املا�ضية �شهدت تراجع���� ًا يف االحرتام املعتاد‬ ‫م����ن جانب ال�صني ل�سيادة الدول‪ ،‬عل����ى الأقل يف حاالت بعينها‪ .‬فم�شاركة‬ ‫ال�ص��ي�ن بقوات حلفظ ال�سالم يف ال�سودان و�إر�سالها �سفن ًا حربية ملواجهة‬ ‫القرا�صن����ة ال�صوماليني تع����د مبثابة �أمثلة وا�ضحة ت����دل على هذا املنحى‬ ‫اجلديد‪.‬‬ ‫واملث����ال الأخري ل����ه داللته اخلا�ص����ة ل�سببني‪ :‬ف�أو ًال‪ ،‬هن����اك ا�شتباه يف �أن‬ ‫يك����ون القرن الأفريقي مرتع���� ًا “للإرهابي��ي�ن” وللراديكاليني الإ�سالميني‬ ‫ذوي الطموح����ات العاملي����ة‪ .‬وثاني���� ًا‪ ،‬ال ت����زال ال�صني تحُ ِج����م �إىل الآن عن‬ ‫لع����ب دور فاع����ل يف جهود مواجهة القر�صنة الأق����رب �إليها يف مناطق مثل‬ ‫م�ضي����ق ملق����ا ودلتا ميكوجن‪ .‬وقد ي�شري ه����ذا �إىل �أن بكني ال ت�سعى فح�سب‬ ‫�إىل مواجه����ة خط����ر القر�صنة يف ال�صومال؛ فلو �أخذن����ا يف االعتبار وجود‬ ‫جماع����ات �إ�سالمية متم����ردة يف القرن الأفريقي ترتب����ط بتنظيم القاعدة‬ ‫وتتلق����ى الدع����م من بع�����ض دول ال�ش����رق الأو�سط‪ ،‬ل����ن يك����ون م�ستغرب ًا �أن‬ ‫ت�سع����ى احلكوم����ة ال�صينية لتقطيع �أي روابط �أو �ص��ل�ات حمتملة بني هذه‬ ‫اجلماعات وحرك����ة اال�ستقالل الن�شطة يف �إقلي����م �شينجيانغ الذي تقطنه‬ ‫غالبي����ة م�سلم����ة‪ .‬ويبدو �أنها عل����ى ا�ستعداد للم�شاركة بق����وات ع�سكرية يف‬ ‫�سبيل حتقيق ذلك‪.‬‬ ‫وع��ل�اوة على هذا‪ ،‬ما ت����زال احلاجات االقت�صادي����ة لل�صني ومتطلباتها‬ ‫م����ن الطاقة تهيمن على �سيا�سة بكني حي����ال ال�شرق الأو�سط‪ .‬لكن الوجود‬ ‫الع�سك����ري ال�صيني يف مياه ال�صومال‪ ،‬وبح����ث بكني �إمكانية �إقامة قاعدة‬ ‫ع�سكرية بحرية دائمة يف خليج عدن‪ُ ،‬ي ِربزان ‪ -‬كما الحظ بع�ض املراقبني‬ ‫بدق����ة ‪ -‬نوع���� ًا جدي����د ًا من احل�س����م فيما يت�ص����ل بالدفاع ع����ن م�صاحلها‬ ‫الوطني����ة؛ وق����د مت تف�سري ه����ذا احل�سم يف منطق����ة ال�ش����رق الأو�سط على‬ ‫�أن ال�ص��ي�ن ترغب يف اال�ضط��ل�اع بدور �أكرب يف مكافح����ة انت�شار الأ�سلحة‬ ‫النووية‪ ،‬وزيادة جهودها ملواجهة الإرهاب‪.‬‬ ‫وبالرتكي����ز عل����ى تط ّل����ع ال�ص��ي�ن �إىل �إن�شاء القاع����دة البحري����ة الدائمة‬ ‫يف خلي����ج ع����دن‪� ،‬سنج����د �أن الطموح ال�صين����ي املعلن يرتاف����ق مع “حرب‬ ‫قواعد” حممومة بني الدول الكربى طفت �إىل ال�سطح بقوة م�ؤخر ًا‪ ،‬وذلك‬ ‫بالتوازي مع تفاقم م�شكلة القر�صن����ة ال�صومالية ومع�ضالت �أمنية �أخرى‬ ‫متنوعة‪ .‬و�إذا كان الع�سكريون ال�صينيون ي�س ّوغون �سعيهم هذا من منطلق‬ ‫«�أن ت�أ�سي�����س قاع����دة م�ستقرة و�صلبة متخ�ص�ص����ة بتموين و�إ�صالح القطع‬ ‫البحرية �سيكون �أم����ر ًا منا�سب ًا‪ .‬فمن �ش�أن قاعدة كهذه �أن توفر للأ�سطول‬ ‫ال�صين����ي (املوجود يف خليج عدن وقبالة �سواحل ال�صومال) خدمات توفري‬ ‫الغ����ذاء‪ ،‬وت�سهيل االت�صاالت‪ ،‬و�إ�صالح ال�سفن‪ ،‬والرتفيه عن البحارة»‪� ،‬إال‬ ‫�أن����ه ميكن الق����ول �أن ذلك ال يتعار�����ض مع وجود م�صلح����ة �صينية حقيقية‬ ‫يف ت�أكيد ح�ضوره����ا يف هذه املنطقة اال�سرتاتيجية من العامل‪ ،‬وعدم ترك‬

‫ال�ساحة خالي����ة ملناف�سني تقليدي��ي�ن كالواليات املتح����دة والهند يحتفظون‬ ‫بوجود دائم يف غرب املحيط الهندي‪.‬‬ ‫وق����د ظهر م�سعى ال�ص��ي�ن لإثبات ح�ضورها يف املحي����ط الهندي بو�ضوح‬ ‫يف االحتف����االت الت����ي �أقامتها عام ‪ 2005‬لإعادة �إحي����اء ر�ؤية “زينغ هي”‪،‬‬ ‫امل�ستك�ش����ف والأمريال ال�صيني الذي جاب البحار بني ال�صني و�إندوني�سيا‬ ‫و�سريالن����كا واخلليج العرب����ي والقرن الأفريقي يف �أوائ����ل القرن اخلام�س‬ ‫ع�ش����ر‪ ،‬وهي احتفاالت عك�ست قناع����ة ال�صني ب�أَن هذه البحار كانت دائم ًا‬ ‫ج����زء ًا من منطق����ة نفوذها‪ .‬وق����د �سبق ذل����ك وواكبه وتاله قي����ام ال�صني‬ ‫ب�إن�شاء ع����دد من املوانئ والقواع����د البحرية والإ�سرتاتيجي����ة على امتداد‬ ‫�شواطئ املحي����ط الهندي‪ ،‬وذلك يف دول كميامن����ار وتايالند وبنجالدي�ش‬ ‫و�سريالن����كا وباك�ستان‪ ،‬بحيث ت�صبح نقاط ارت����كاز ا�سرتاتيجي لل�سيا�سة‬ ‫ال�صيني����ة امل�سم����اة “عقد الل�ؤل�ؤ”‪ ،‬ومب����ا ي�سمح مب ّد النف����وذ ال�صيني �إىل‬ ‫�أبع����د مدى م����ن الناحية اجليوبوليتيكي����ة‪ ،‬وبالتايل مقارع����ة نفوذ كل من‬ ‫غرميتيه����ا التقليديت��ي�ن (نيودله����ي ووا�شنط����ن) يف �أك��ب�ر م�ساحة ممكنة‬ ‫داخل نطاق املحيط الهندي و�ساحاته الأكرث �سخونة‪.‬‬ ‫لكن ال�س�����ؤال االفرتا�ضي الذي يطرح نف�سه هنا ه����و «�أين �سيكون املوقع‬ ‫املحتم����ل للقاعدة البحرية ال�صينية يف خليج عدن؟»‪ ،‬واحلقيقة �أن القرار‬ ‫الأخ��ي�ر ب�ش�أن ذل����ك �سيك����ون – كما ج����ادل م�سئولون �صيني����ون بالفعل ‪-‬‬ ‫للحزب ال�شيوعي ال�صيني‪ .‬على �أنه ميكن القول �إن اجلزر اليمنية يف بحر‬ ‫العرب وقرب خليج عدن تبدو �إحدى �أقوى املواقع املر�شحة لذلك‪ ،‬وهناك‬ ‫�أ�سب����اب كثرية جتعلها الأقرب للتفكري ال�صيني‪ ،‬باعتبارها الأكرث منا�سبة‬ ‫وقرب���� ًا من الناحية اجلغرافية �إىل م�سرح عملي����ات القر�صنة والتهديدات‬ ‫الأمنية الأخرى املحتملة‪.‬‬ ‫وبالت�أكي����د ف�����إن ال�ص��ي�ن لي�ست الدول����ة الوحي����دة التي ُتظ ِه����ر مثل هذا‬ ‫التطل����ع‪ ،‬فقد �أبدت دول كربى غريها كالوالي����ات املتحدة ورو�سيا وفرن�سا‬ ‫– تلميح ًا �أو ت�صريح ًا ‪ -‬رغبتها يف �إقامة قواعد ع�سكرية دائمة يف اجلزر‬ ‫اليمني����ة‪ ،‬وثم����ة تقارير متواترة ت�ش��ي�ر �إىل تعر�ض اليمن خ��ل�ال ال�سنوات‬ ‫ل�ضغوط كبرية من قبل ه����ذه الدول بهدف احل�صول على‬ ‫الع�ش����ر الأخرية‬ ‫ٍ‬ ‫موافقته����ا على �إقام����ة قواعد ع�سكري����ة ونقاط مراقبة ور�ص����د بحرية يف‬ ‫اجلزر اليمنية‪ ،‬ال�سيما يف �أرخبيل �سقطرى وجزيرة ميون‪.‬‬ ‫����اد ‪ -‬الر�ضوخ ملثل هذه‬ ‫و�إذا كان����ت �صنعاء ق����د رف�ضت حتى الآن ‪ -‬وبعن ٍ‬ ‫ال�ضغ����وط‪ ،‬باعتبار �أن ذل����ك من �ش�أنه امل�سا�س ب�سي����ادة الدولة اليمنية يف‬ ‫ال�صمي����م‪� ،‬إال �أن فر�صة ح�صول ال�صني على موطئ قدم يف �إحدى اجلزر‬ ‫اليمني����ة الواقع����ة يف بح����ر الع����رب ‪� -‬إن �أعلنت �صراح����ة رغبتها يف ذلك‪،‬‬ ‫ر�ض َي����ة ‪ -‬قد تكون حمل بحث واهتمام من قبل‬ ‫ووف����رت �ضمانات كافية و ُم ِ‬ ‫�صانع����ي القرار اليمنيني‪ ،‬بالنظ����ر �إىل اخلربة اليمنية الطويلة يف التعامل‬ ‫مع دولة كربى كال�صني‪ ،‬تعتربها �صنعاء منذ عقود “�صديق ًا حقيقي ًا” لها‬ ‫�ستجد يف املنطقة‪ ،‬خا�ص ًة‬ ‫وال حتم����ل �أي �شكوك �إزاء دورها وح�ضوره����ا املُ َ‬ ‫�أن ال�ص��ي�ن – وبعك�����س القوى الدولية الأخرى ‪ -‬ما فتئت تعلن بكل و�ضوح‬ ‫ع����ن �أهدافها التي تتقاطع ب�شكل �أو ب�آخر مع �أهداف اليمن ومراميها‪ ،‬من‬ ‫خ��ل�ال دعوتها بل����دان العامل �إىل العم����ل مع ًا ملواجه����ة «التحديات الدولية‬ ‫امل�شرتكة كالقر�ص��نة والإرهاب واالنف�ص��ال والتطرف (‪ )..‬حتت‬ ‫مظلة الأمم املتحدة وب�إ�شرافها»!‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪171‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫‪172‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪173‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫م�صطفى بخو�ش‬

‫مثل���ت نهاي���ة احلرب الباردة يف الفك���ر اال�سرتاتيجي الغربي نهاية للكثري م���ن التهديدات على‬ ‫امل�ستوى اال�سرتاتيجي واالقت�صادي‪ ،‬ومهدت لظهور الكثري من املخاطر ذات الطبيعة اجلديدة‪.‬‬ ‫وكان مو�ض���وع �صعود ال�صني املت�س���ارع على امل�ستوى االقت�صادي واحد م���ن �أهم املوا�ضيع التي‬ ‫تناولته���ا مراكز البحث يف الواليات املتح���دة الأمريكية‪ ،‬على اعتبار �أن التمدد االقت�صادي لأي‬ ‫كيان ي�ستدعي بالت�أكيد الحق ًا بناء قوة ع�سكرية قادرة على توفري احلماية الالزمة لهذا الكيان‬ ‫ومالحق���ة م�صاحل���ه والدفاع عنها �أينم���ا وجدت‪ ،‬وه���ذا بال�ضبط ما �أ�شار �إلي���ه الباحث جون‬ ‫مري�شامي���ر عندما جتادل مع م�ست�شار الأمن القومي الأمريكي الأ�سبق زبغنيو بريجن�سكي حول‬ ‫مو�ضوع م�ستقبل القوة ال�صينية‪� ،‬إذ قال‪« :‬ال ميكن لل�صني �أن ت�ستمر يف ال�صعود ب�شكل �سلمي؛‬ ‫ف����إذا ا�ستم���ر منوها االقت�صادي بالوترية احلالي���ة يف العقود القليلة املقبل���ة‪ ،‬ف�إنها �ستدخل يف‬ ‫‏�سباق �أمني جاد مع الواليات املتحدة‪ ،‬دون ا�ستبعاد احتماالت دخولهما يف حرب»‪.‬‬

‫تو�سيع النطاق‬ ‫الإ�سرتاتيجية ال�صينية يف خليج عدن‬ ‫‪174‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫لذلك اعترب الكثري من املفكرين �أن بروز قوة ع�سكرية �صينية‬ ‫ق���ادرة عل���ى التدخل يف �أع���ايل البح���ار ويف البح���ار املفتوحة‪،‬‬ ‫م�س�أل���ة وقت لي�س �إال‪ .‬و�أن ال�صدام بني الغرب بزعامة الواليات‬ ‫املتح���دة وال�صني م�س�أل���ة م�ؤجلة �إىل حني فق���ط‪ .‬وال�ست�شراف‬ ‫م�ستقب���ل الق���وة ال�صينية يحت���اج املرء‏لنظرية تظه���ر له كيف‬ ‫تت�ص���رف الق���وى ال�صاع���دة‪ ،‬وكي���ف تك���ون ردات فع���ل الدول‬ ‫الأخرى جتاهها‪.‬‬ ‫�إن اله���دف الأويل لأي���ة ق���وة عظم���ى هو‏تعظي���م ح�صتها من‬ ‫توزي���ع القوة الدويل على �أمل الهيمنة عل���ى النظام ب�شكل كلي‪.‬‏‬ ‫وب�سبب فو�ضوية النظام الدويل ف�إن �أف�ضل طريقة للحفاظ على‬ ‫البقاء هو �أن تزيد الدولة من م�ستويات‏قوتها مقارنة باخل�صوم‬ ‫املحتمل�ي�ن؛ فكلما كان���ت الدولة �أقوى كلم���ا تراجعت احتماالت‬ ‫تعر�ضها لهج���وم من قبل دولة �أخرى‪ .‬لذل���ك يعتقد البع�ض �أن‬ ‫القي���ادة ال�صينية تركز على‏بناء اقت�صاد يتفوق على االقت�صاد‬ ‫الأمريك���ي‪ ،‬حينها ميكنها حتويل قوته���م االقت�صادية �إىل قدرة‬ ‫ع�سكري���ة‪ ،‬وميكنهم خلق ظروف متكنهم م���ن �إمالء �شروطهم‬ ‫‏على دول املنطقة‪.‬‏‬ ‫ه���ذا ع���ن الر�ؤي���ة الغربية‪� ،‬أم���ا املقارب���ة ال�صيني���ة فتميزت‬ ‫مبحاوالته���ا لتهدئ���ة هواج����س الغ���رب وطم�أنت���ه بخ�صو����ص‬ ‫طموحاته���ا الع�سكري���ة‪ ،‬م���ن خ�ل�ال الت�أكيد على غي���اب نزعة‬ ‫ع�سكراتي���ة يف العقي���دة الإ�سرتاتيجي���ة ال�صيني���ة‪ ،‬والتي تقوم‬ ‫�أ�سا�س��� ًا على الت�أكيد على دور العوامل غري الع�سكرية يف �ضمان‬ ‫�أمن ال�صني وا�ستقرارها‪.‬‬

‫غري �أن ه���ذا اجلدل ال يجب �أن ُيخفي علين���ا تطلعات ال�صني‬ ‫للع���ب دور ريادي يلي���ق بها كق���وة �إقليمية من الدرج���ة الأوىل‪،‬‬ ‫وكع�ضو دائ���م يف جمل�س الأمن‪ ،‬وكثال���ث اقت�صاد عاملي مر�شح‬ ‫لإزاح���ة االقت�ص���اد الياب���اين ع���ن املرتب���ة الثانية قريب��� ًا‪ .‬وما‬ ‫يهمن���ا اليوم يف هذا املقال ه���و الوقوف على حمددات االهتمام‬ ‫ال�صين���ي بخليج عدن والبحر الأحم���ر ب�صفة خا�صة‪ ،‬ومبنطقة‬ ‫اخللي���ج العرب���ي ب�صف���ة عام���ة‪ .‬وعليه نت�س���اءل ه���ل االهتمام‬ ‫ال�صيني باملنطقة ظريف �أملته م�ستجدات املنطقة (القر�صنة)‪،‬‬ ‫�أم �أنه يعك�س �إ�سرتاتيجية �صينية حقيقية تعرب عن ر�ؤية ال�صني‬ ‫لدورها يف القرن الواحد والع�شرين على امل�ستوى الدويل؟‬ ‫�أو ًال‪ :‬ر�ؤية القيادة ال�صينية لدور ال�صني‬ ‫ت�سع���ى ال�ص�ي�ن لتعزي���ز نفوذه���ا الع�سك���ري والدبلوما�سي يف‬ ‫عمقها اال�سرتاتيجي خ�صو�ص��� ًا الأرا�ضي املجاورة التي تطالب‬ ‫به���ا بك�ي�ن‪ ،‬والق���درة عل���ى الو�ص���ول �إليه���ا‪ ،‬والدف���اع عن حق‬ ‫ا�ستخ���دام خط���وط املوا�ص�ل�ات احليوية يف املحيط���ات‪ .‬لذلك‬ ‫ب���د�أت ال�ص�ي�ن يف تنفيذ برنام���ج يتيح لها اكت�س���اب املزيد من‬ ‫القدرات البحرية الإ�سرتاتيجية عن طريق حامالت الطائرات‬ ‫الت���ي �ستجعل م���ن ال�صني ق���وة ع�سكرية بحري���ة عاملية‪ .‬وعلى‬ ‫امل�ست���وى اال�سرتاتيجي‪ ،‬ف�إن لهذا التوج���ه �أكرث من داللة وعلى‬ ‫وجه اخل�صو�ص فيم���ا �سيتعلق بت�أثري ظهور حامالت الطائرات‬ ‫والأ�ساطيل البحرية ال�صينية يف النظام الع�سكري العاملي الذي‬ ‫تنفرد الواليات املتحدة بال�سيطرة عليه‪.‬‬ ‫وت���زداد �أهمية هذا الأم���ر بالن�سبة لل�صني عندم���ا نعرف �أن‬

‫م�صطفى بخو�ش �أ�ستاذ حما�ضر يف العالقات الدولية بجامعة حممد خي�ضر ‪ -‬ب�سكرة‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪175‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫تدرك ال�صني نقطة �ضعفها �إزاء‬ ‫التحرك الع�سكري الذي ي�ستهدف‬ ‫تز ّودها بالنفط‪ .‬ولهذا طور ال�صينيون‬ ‫قواعدهم البحرية‪ ،‬ويبذلون اجلهد‬ ‫لبناء مرافئ نفطية وممرات نفطية‬ ‫برية ت�صل مبا�شرة بني �آ�سيا الو�سطى‬ ‫وال�صني عرب االحتاد الرو�سي\‬ ‫الإح�صائي���ات ت�ش�ي�ر �أن ‪ % 60‬م���ن الب�ت�رول الذي حتت���اج �إليه‬ ‫ال�صني مطلوب من اخلارج وينقل على ال�سفن البحرية؛ ف�صارت‬ ‫�سالمة النقل البحري جزء ًا مهم ًا من �أمن ال�صني‪ ،‬التي ترى �أن‬ ‫املحافظة على �أم���ن الدولة وم�صالح الدول���ة االقت�صادية بقوة‬ ‫بحرية لي�ست حق��� ًا خا�ص ًا لبع�ض الدول الكبرية‪ ،‬بل �صارت من‬ ‫مطالب خمتلف الدول التي تت�صل بالعامل ات�صا ًال وثيق ًا‪.‬‬ ‫‪ .1‬ا�سرتاتيجية الأمن البحري ال�صيني‬ ‫ال يتيح موقع ال�صني اجلغ���رايف �إال منفذ ًا وحيد ًا على العامل‪،‬‬ ‫ه���و ال�سواحل ال�صينية املطلة على املحي���ط البا�سفيكي‪ .‬ووجود‬ ‫�سل�سل���ة من ال���دول املرتبطة بالواليات املتح���دة الأمريكية على‬ ‫ط���ول امتداد ال�ساح���ل ال�صيني البا�سفيك���ي (اليابان – كوريا‬ ‫اجلنوبية ‪ -‬تايوان)‪ ،‬ووجود القواعد الع�سكرية اجلوية والبحرية‬ ‫الأمريكية‪� ،‬إ�ضافة �إىل انت�ش���ار القطع الربية الأمريكية الوا�سع‬ ‫النط���اق يف ه���ذه املنطق���ة‪� ،‬أدت جمتمع���ة �إىل تزاي���د املخاطر‬ ‫الت���ي تهدد الأمن القومي ال�صيني‪ .‬الأم���ر الذي ا�ستدعى ر�سم‬ ‫�إ�سرتاتيجية لتطوير البحرية ال�صينية على ثالث مراحل هي‪:‬‬ ‫املرحلة الأوىل‪ :‬تنتهي يف �سنة ‪ ،2010‬والهدف فيها هو احتواء‬ ‫تايوان واليابان فيما يع���رف بـ “اخلط الأخ�ضر”‪ ،‬وهي �سل�سلة‬ ‫م���ن اجلزر يف �أعايل الفلب�ي�ن‪ ،‬وذلك من خالل زي���ادة قدرتها‬ ‫الع�سكرية يف م�ضيق تايوان‪.‬‬ ‫املرحل���ة الثانية‪ :‬ب�ي�ن ‪ 2010‬و‪ ،2020‬والهدف فيه���ا هو القدرة‬ ‫عل���ى التدخ���ل ع�سكري��� ًا فيما يعرف ب���ـ “اخل���ط الأزرق” وهي‬ ‫�سل�سل���ة م���ن اجلزر �شرق���ي الفلبني‪ ،‬وذلك من خ�ل�ال عمليات‬ ‫حتديث كبرية للأ�سطول‪.‬‬ ‫املرحل���ة الثالث���ة‪ :‬بحلول ع���ام ‪ ،2050‬وته���دف ال�صني يف هذه‬ ‫‪176‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫املرحل���ة �إىل تقدمي نف�سها باعتبارها الق���وة البحرية الرئي�سية‬ ‫يف �ش���رق �آ�سيا‪ ،‬وذلك بف�ضل التحدي���ث التكنولوجي (ال�شبكات‬ ‫الرقمي���ة) الذي من �ش�أنه �أن يقلل �إىل حد ما من تفوق البحرية‬ ‫الأمريكية‪.‬‬ ‫وعلي���ه ف�إنه نظ���ر ًا لإدراك القيادة ال�صيني���ة ملخاطر التهديد‬ ‫املاثلة واملحتملة‪ ،‬وكذا لتج�سيد هذه الإ�سرتاتيجية‪ ،‬فقد و�ضعت‬ ‫يف احل�سبان الآتي‪:‬‬ ‫ التوج���ه نحو بن���اء الق���درات الع�سكرية البحري���ة‪ ،‬مبا يتيح‬‫لل�صني ت�أمني خطوط الإمدادات البحرية اخلارجية‪.‬‬ ‫ ت�أم�ي�ن املم���رات البحرية ذات الأهمي���ة احلرجة‪ ،‬وحتديداً‬‫ممر ملقا اال�سرتاتيجي‪.‬‬ ‫ ن�ش���ر الق���وة البحري���ة ال�صيني���ة يف املناط���ق البحري���ة‬‫الإ�سرتاتيجي���ة‪ ،‬مثل باب املندب وخلي���ج عدن واملحيط الهندي‬ ‫ومناطق بحر ال�صني ال�شرقي واجلنوبي‪.‬‬ ‫�إن جن���اح م�ش���روع القوة ال�صينية �سيتي���ح لل�صني التحول من‬ ‫جمرد قوة �إقليمي���ة كربى �إىل قوة دولية كربى‪ .‬وبكلمات �أخرى‬ ‫ميكن الإ�شارة �إىل �أن �أبرز التداعيات �ستتمثل يف الآتي‪:‬‬ ‫ حتوي���ل الق���درات الع�سكرية ال�صينية من ق���درات برية �إىل‬‫قدرات بحرية‪.‬‬ ‫ و�صول القوة ال�صينية للمناطق البحرية الإقليمية والدولية‬‫�سيتي���ح لها لع���ب دور كبري على ال�ساحة الدولي���ة ما يزال لليوم‬ ‫حكر ًا على الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫ تو�سيع مدى ونطاق ا�ستخدام القدرات الع�سكرية ال�صينية‪،‬‬‫طامل���ا �أن ال�ص�ي�ن ت�ستطيع �إط�ل�اق ال�صواري���خ والطائرات من‬ ‫حامالت الطائرات املنت�شرة يف �سائر �أنحاء العامل‪.‬‬ ‫وبالت�أكي���د �سيرتت���ب عل���ى ذل���ك �إعط���اء طاقة جدي���دة لقوة‬ ‫ال���ردع اال�سرتاتيجي ال�صيني‪ ،‬مبا ميك���ن �أن ي�ؤدي باملقابل �إىل‬ ‫تقلي����ص قوة ال���ردع اال�سرتاتيجي الأمريكي‪ .‬لك���ن حتويل هذه‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة الع�سكري���ة �إىل واق���ع قائم �سيحت���اج يف النهاية‬ ‫�إىل اكت�س���اب قدرات �أخرى تكفي لتعزي���ز طموحات ال�صني يف‬ ‫�أن ت�صب���ح دول���ة عظمى‪ .‬وهو ما يف�سر ارتف���اع �إجمايل الإنفاق‬ ‫الدفاعي ال�صيني ب�أكرث من ‪� %10‬سنوي ًا منذ العام ‪ ،1990‬وركزت‬ ‫التح�سينات الع�سكرية على زيادة القدرات والتقنيات الع�سكرية‬ ‫والق���درة على �أداء عمليات معقدة بعي���د ًا عن ال�ساحل ولفرتات‬ ‫طويل���ة‪ .‬وعلى �سبيل املث���ال‪� ،‬أجرت البحري���ة ال�صينية عمليات‬ ‫ومن���اورات �شاركت فيها ال�سفن والغوا�ص���ات والطائرات‪ ،‬وا�شتملت‬ ‫العمليات على فر�ض احل�صار البحري وخرقه‪ ،‬و�شن الهجمات على‬ ‫خطوط الأنابيب‪ ،‬وحتديد مواقع �ألغام العدو وتدمريها‪.‬‬

‫‪ .2‬ا�سرتاتيجيات ال�صني النفطية‬ ‫تبن���ت ال�ص�ي�ن منذ م���دة لي�س���ت بالق�صرية م���ا ا�صطلح على‬ ‫ت�سميته “دبلوما�سية مطاردة النفط”‪ ،‬والتي تقوم على ت�شجيع‬ ‫ال�شركات ال�صينية للح�صول على املزيد من �إنتاج النفط حملي ًا‬ ‫وتطوي���ر احتياطات ال�صني منه با�ستخدام تكنولوجيا متقدمة‪،‬‬ ‫ويف نف����س الوق���ت تعم���ل عل���ى اال�ستثم���ار يف القط���اع النفطي‬ ‫خارجي ًا‪ ،‬وك���ذا �شراء ح�ص�ص من ال�ش���ركات النفطية الغربية‬ ‫والعاملي���ة‪ ،‬ولذلك ف�إن ال�شركات ال�صيني���ة اخرتقت الكثري من‬ ‫الأ�س���واق النفطية الت���ي كانت يف ال�سابق حك���ر ًا على ال�شركات‬ ‫الغربية‪ ،‬وقامت بتنويع م�صادر وارداتها النفطية‪.‬‬ ‫وقد ج���اءت هذه الإ�سرتاتيجية لتعك�س واقع النمو االقت�صادي‬ ‫ال�صيني غري امل�سبوق‪ ،‬فقد �أدى هذا النمو املتوا�صل (ما بني ‪%8‬‬ ‫وتو�سع ال�صني �صناعي ًا وعمراني ًا‪،‬‬ ‫�إىل ‪ %10‬على مدى ‪� 20‬سنة)‪ّ ،‬‬ ‫�إىل ارتف���اع احتياجاته���ا الطاقوية‪ .‬وب�سب���ب �أن اعتماد ال�صني‬ ‫عل���ى النفط امل�ست���ورد ق���د زاد و�سي�ستمر باالزدي���اد م�ستقب ًال‪،‬‬ ‫تق�ضي الإ�سرتاتيجي���ة ال�صينية ال�سعي �إىل تقليل االعتماد على‬ ‫ا�سترياد النفط‪ ،‬وتعمل حالي ًا على الآتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ت�أم�ي�ن ط���رق الإم���داد بالنفط م���ن التعر����ض للتهديد �أو‬ ‫التوق���ف ب�سب���ب احلروب �أو الإره���اب �أو غريها م���ن الأ�سباب‪،‬‬ ‫وبالتايل فقدان امل�صدر الرئي�سي للطاقة يف البالد‪.‬‬ ‫‪ -2‬اال�ستثمار يف عمليات ا�ستك�شاف احتياطات نفطية جديدة‬ ‫ب�سبب القلق املتزايد من ن�ضوب البرتول �أو نفاد احتياطاته‪.‬‬ ‫ولذلك ف�إنه كثري ًا ما متت مناق�شة �أهمية طرق النفط يف �آ�سيا‬ ‫الو�سط���ى عرب املم���رات الربية على م�ستوى القي���ادة ال�صينية‪،‬‬ ‫ولكنها �أدركت �أنه يجب االهتمام �أي�ض ًا بالطرق البحرية للنفط‬ ‫وباملمرات املائية الدولي���ة ذات الأهمية الإ�سرتاتيجية‪ .‬فالتز ّود‬ ‫بالطاق���ة �شدي���د االرتب���اط بالأم���ن القومي ال�صين���ي وبنموها‬ ‫وبقدرتها الع�سكرية‪.‬‬ ‫وت���درك ال�صني نقط���ة �ضعفها �إزاء التح���رك الع�سكري الذي‬ ‫ي�سته���دف تز ّوده���ا بالنفط‪ .‬وله���ذا طور ال�صيني���ون قواعدهم‬ ‫البحرية‪ ،‬ويبذلون اجله���د لبناء مرافئ نفطية وممرات نفطية‬ ‫بري���ة ت�صل مبا�شرة ب�ي�ن �آ�سيا الو�سطى وال�ص�ي�ن عرب االحتاد‬ ‫الرو�س���ي‪ .‬كما تعمل ال�صني على تطوي���ر قواتها البحرية �ضمن‬ ‫�سيا�س���ة بحرية م�ؤث���رة هدفها ت�أم�ي�ن جميع املم���رات البحرية‬ ‫الدولية التي تنقل نف���ط �أفريقيا وال�شرق الأو�سط نحو ال�صني‪.‬‬ ‫وبالتايل‪ ،‬فه���دف ال�صني حماية تزودها احلي���وي بالطاقة من‬ ‫بحرية الواليات املتحدة وحلفائها‪ .‬وقد ك�شفت التقارير ال�سنوية‬ ‫لوزارة الدف���اع الأمريكي���ة (البنتاغون) �أنه م���ع تنامي اعتماد‬

‫مع منو قوة ال�صني الع�سكرية‪،‬‬ ‫يبدو �أن املهام الإ�سرتاتيجية‬ ‫التي �أ�سندت �إىل هذه القوة قد‬ ‫تنامت هي الأخرى‪ .‬وينبغي �أن ال‬ ‫يكون ذلك م�صدر ده�شة‪� ،‬إذ يعلمنا‬ ‫التاريخ �أن طموحات الأمم تكرب مع‬ ‫منو قوتها الع�سكرية‬ ‫ال�ص�ي�ن على النف���ط امل�ستورد م���ن ال�شرق الأو�س���ط و�أفريقيا‪،‬‬ ‫تعم���ل ال�صني على ت�شكيل ق���وات بحرية زرق���اء * ‪blue-water‬‬ ‫‪ navy‬لت�أم�ي�ن خطوط �إمداد الطاقة لبك�ي�ن‪ .‬وقد تكون القيادة‬ ‫الع�سكري���ة ب�ص���دد �إعادة النظ���ر يف �سيا�سته���ا النووية القائمة‬ ‫على مبد�أ “عدم انته���اج �سيا�سة اال�ستخدام �أو ًال”‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫درا�س���ة طرق لت�أمني حقوق ال�ص�ي�ن الإقليمية يف بحري ال�صني‬ ‫اجلنوبي وال�شرقي‪.‬‬ ‫وكما يعرب هذا الواقع بب�ساطة‪ ،‬ومع منو قوة ال�صني الع�سكرية‪،‬‬ ‫ف�إن���ه يبدو �أي�ض ًا �أن امله���ام الإ�سرتاتيجية التي �أ�سندت �إىل هذه‬ ‫الق���وة قد تنامت هي الأخرى‪ .‬وينبغ���ي �أن ال يكون ذلك م�صدر‬ ‫ده�شة‪� ،‬إذ يعلمنا التاريخ �أن طموحات الأمم تكرب مع منو قوتها‬ ‫الع�سكري���ة‪ .‬وللت�أكيد على هذه النقط���ة‪ ،‬ن�شر �صحايف ع�سكري‬ ‫�صيني م�ؤخر ًا مقا ًال يقول فيه �إنه يتوجب على بكني �أن تطور قوة‬ ‫ع�سكرية “تتنا�سب ومكانتها الدولية”‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬موقع خليج عدن يف الإ�سرتاتيجية ال�صينية‬ ‫بداية ن�شري �إىل الأهمية الإ�سرتاتيجية ملنطقة القرن الإفريقي‬ ‫وخلي���ج ع���دن‪ ،‬حيث يتحك���م خليج ع���دن يف املدخ���ل اجلنوبي‬ ‫للبحر الأحمر وقناة ال�سوي�س‪ ،‬وهو واحد من �أهم طرق املالحة‬ ‫البحرية يف العامل‪ ،‬ويقدر عدد ال�سفن التي تعربه �سنوي ًا ما بني‬ ‫‪� 16‬ألف��� ًا و‪� 20‬أل���ف �سفين���ة‪ ،‬وحوايل ‪ 30%‬من املالح���ة النفطية‬ ‫العاملية‪ .‬وهو ي�شكل طريق ًا رئي�سي ًا للتجارة بني �أوروبا و�آ�سيا‪.‬‬ ‫ويتميز البحر الأحمر مبوقعه كممر مائي يربط بني العديد من‬ ‫القارات‪ ،‬فهو يرتبط بث�ل�اث مناطق مهمة؛ من ال�شمال يرتبط‬ ‫بالب ح���ر الأبي�ض املتو�سط وبالتايل بال���دول املطلة عليه‪ ،‬ومن‬ ‫ال�شرق منطقة اخلليج العربي ذات الرثوة النفطية‪ ،‬ويف الغرب‬

‫* م�صطلح ع�سكري ي�ستخدم لو�صف قوة بحرية قادرة على العمل عرب املياه العميقة واملحيطات املفتوحة‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪177‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫التحرك ال�صيني ب�إر�سال �سفن‬ ‫حربية للمنطقة �أتاح لل�صني‬ ‫فر�صة منا�سبة ومالئمة للولوج‬ ‫�إىل املياه الدولية يف منطقة‬ ‫بعيدة عن نفوذها املبا�شر و�أمنها‬ ‫الوطني املبا�شر‪ ،‬لكنها حيوية‬ ‫بالن�سبة لل�صني‬ ‫منطقة القرن الإفريقي التي تتحكم يف مدخل البحر الأحمر من‬ ‫ناحي���ة اجلنوب‪ .‬وهو بذلك يخت�صر الوق���ت وامل�سافات والكلفة‬ ‫املالية مما يجعله يتمتع بالعديد من املميزات الإ�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫ونظ���را له���ذا املوقع كان خلي���ج ع���دن وال يزال �أح���د ميادين‬ ‫ال�صراع الدويل من �أجل ال�سيطرة على مناطق النفوذ واملمرات‬ ‫املائي���ة‪ ،‬فه���و يتحكم يف �إح���دى �أهم الط���رق الرئي�سية للتجارة‬ ‫العاملية خ�صو�ص ًا النفطية منها‪.‬‬ ‫قامت ال�صني ب�إر�سال قطع حربية �إىل بحر العرب وخليج عدن‬ ‫يف ‪ 26‬كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ ،2008‬وقد جاء �إر�سال هذه القطع‬ ‫�إىل هذه املنطقة ا�ستجابة لعدة عوامل جنملها يف الآتي‪:‬‬ ‫‪ .1‬العام���ل القانوين ال���دويل املتمثل يف ق���رارات جمل�س الأمن‬ ‫الت���ي تدعو ال���دول القادرة عل���ى �إر�س���ال �سفن وطائ���رات �إىل‬ ‫املنطقة املقابل���ة لل�ساحل ال�صومايل ملقاوم���ة القر�صنة و�إنقاذ‬ ‫ال�سف���ن املخطوفة �أو الت���ي تتعر�ض للتهدي���د واخلطف (�أ�صدر‬ ‫جمل����س الأمن الدويل يف ‪ 16‬كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب ‪ 2008‬قرار ًا‬ ‫يحمل رق���م ‪ 1851‬يجيز �ضرب قرا�صنة ال�صومال)‪ .‬وهنا يقول‬ ‫الأ�ست���اذ منغ �شيانغ ت�شينغ اخلبري ال�صين���ي واالخت�صا�صي يف‬ ‫عل���م الإ�سرتاتيجية الأمنية‪“ :‬ال�صني �أر�سل���ت ال�سفن احلربية‬ ‫�إىل ال�صوم���ال ل�ض���رب القر�صنة‪ .‬يتفق ذل���ك والقانون الدويل‬ ‫وقرار الأمم املتحدة مت���ام االتفاق‪ .‬و�ضرب القر�صنة له �أهمية‬ ‫�إ�سرتاتيجي���ة بالن�سبة �إىل �صيانة ال�س�ل�ام الإقليمي واال�ستقرار‬ ‫العاملي و�سالمة املالحة البحرية”‪.‬‬ ‫‪ .2‬تع ّر����ض بع�ض ال�سفن التجاري���ة ال�صينية بالفعل لتهديدات‬ ‫باخلط���ف‪ ،‬وكذل���ك �سف���ن دول �أخ���رى عدي���دة‪� .‬إذن يف �إط���ار‬ ‫التعاون الدويل جاء التحرك ال�صيني هذا‪ .‬وي�شري جيوي ت�شنغ‬ ‫‪178‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫ت�ش���ي مدير التعاون الدويل لوزارة املوا�صالت ال�صينية‪� ،‬إىل �أن‬ ‫الأه���داف الرئي�سية التي يخدمها الأ�سطول ال�صيني هذه املرة‪،‬‬ ‫هي ال�سفن التابع���ة للم�ؤ�س�سات ال�صيني���ة وال�شركات ال�صينية‬ ‫التموي���ل‪� ،‬إىل جان���ب ناقالت امل���واد الإن�ساني���ة التابعة ملنظمة‬ ‫الأغذية والزراعة للأمم املتحدة‪.‬‬ ‫وال �ش���ك �أن التحرك ال�صيني ب�إر�س���ال �سفن حربية للمنطقة‬ ‫�أت���اح لل�صني فر�صة منا�سبة ومالئمة للول���وج �إىل املياه الدولية‬ ‫يف منطق���ة بعيدة عن نفوذها املبا�ش���ر و�أمنها الوطني املبا�شر‪،‬‬ ‫لكنها حيوية بالن�سبة لل�صني الرتباط ذلك بثالثة �أمور‪:‬‬ ‫‪ .1‬ال�صني تعتمد يف نه�ضتها احلديثة على ال�صادرات للعديد‬ ‫م���ن املناط���ق وم���ن بينه���ا ال�ش���رق الأو�س���ط و�أورب���ا و�أفريقيا‪،‬‬ ‫والقر�صنة كتهديد للتجارة واملالحة الدولية متثل تهديد ًا للأمن‬ ‫والتقدم االقت�صادي ال�صيني‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال�ص�ي�ن ت�ست���ورد النف���ط بقدر كب�ي�ر من ال�ش���رق الأو�سط‬ ‫و�أفريقي���ا (ال�سودان و�أنغوال) وغريهم���ا‪ ،‬وعليه فهي تعمل على‬ ‫ت�أمني خطوط نقل النفط‪.‬‬ ‫‪ .3‬ال�صني بنت �سيا�ستها يف العقد الأخري من القرن الع�شرين‬ ‫والعق���د الأول من القرن احلادي والع�شري���ن على �أ�سا�س �إقامة‬ ‫منتدي���ات للتع���اون االقت�ص���ادي والتج���اري واال�ستثماري‪ ،‬ومن‬ ‫�أبرز تلك املنتديات منتدى التعاون ال�صيني الإفريقي‪ ,‬ومنتدى‬ ‫التعاون ال�صيني العربي‪ .‬و�أعمال القر�صنة تهدد عملية التعاون‬ ‫ب�ي�ن ال�صني وهاتني املنطقتني‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال ع���ن التعاون بني ال�صني‬ ‫وال���دول الأوروبية‪� .‬إذ ت�شري االح�صائي���ات �إىل �أنه كل عام متر‬ ‫�أكرث من ‪� 1000‬سفين���ة جتارية �صينية عرب خليج عدن‪ .‬وباملثل‪،‬‬ ‫ف����إن ‪ %80‬م���ن واردات النف���ط �إىل ال�ص�ي�ن مت���ر ع�ب�ر م�ضيق‬ ‫ملق���ا‪ ،‬والذي ميكن ب�سهولة �أن يتعر����ض للغلق من قبل البحرية‬ ‫الأمريكية يف حال ن�شوب �صراع‪.‬‬ ‫لذل���ك هناك من يعتقد �أن ثم���ة �أ�سباب ًا كثرية وحيوية بالن�سبة‬ ‫لل�صني تدفعها لتطوير وا�ستخدام قواتها البحرية‪� ،‬أق ّلها ت�أمني‬ ‫ط���رق الإمداد احليوي‪ .‬والت�س���ا�ؤل الذي يط���رح نف�سه هنا هو‪:‬‬ ‫ه���ل خروج ال�صني �إىل املياه الدولية يف خليج عدن يدخل �ضمن‬ ‫�سياق التناف�س الدويل بني القوى الكربى؟‬ ‫وحت���ى جنيب على ه���ذا ال�س�ؤال ن�ش�ي�ر بداي���ة �إىل �أن ال�صني‬ ‫يف ه���ذه املرحل���ة حري�صة على تن�سي���ق �سيا�ستها م���ع الواليات‬ ‫املتحدة بوج���ه خا�ص ب�صفتها القوة الدولي���ة املهيمنة والقطب‬ ‫الواح���د‪ ،‬ولذا كان من الالفت للنظ���ر �أنه عندما قررت ال�صني‬ ‫�إر�سال �سفن ملنطقة خليج عدن‪� ،‬ص ّرح املتحدث الر�سمي با�سم‬ ‫اخلارجي���ة ال�صينية �أن وجود �سفنها احلربية يف املنطقة �سوف‬

‫ُيعزز امل�صالح الأمريكية‪.‬‬ ‫بعب���ارة �أخرى‪ ،‬ف����إن ال�صني ت�ؤكد �أنها ت���درك �أن هذه املنطقة‬ ‫هي منطقة نفوذ �أمريك���ي‪ ,‬و�أنها ال ت�سعى للإ�ضرار بذلك و�إمنا‬ ‫ظهر ومل‬ ‫ت�سعى للتعاون‪ ,‬ولعل ما يعزز هذا التوجه �أن ال�صني مل ُت ِ‬ ‫تتخذ �أي موقف ميثل حتدي ًا �أو نقد ًا وا�ضح ًا لل�سيا�سة الأمريكية‪.‬‬ ‫وه���و ما يعني �أن ال�صني حري�صة عل���ى ما يطلق عليه “ال�صعود‬ ‫ال�سلم���ي” وعدم اال�ستعجال يف دخ���ول �صراعات مل يحن وقتها‬ ‫بع���د‪ ،‬و�أن �سيا�ستها قامت على �إعطاء �أولوي���ة مطلقة للم�صالح‬ ‫الأمني���ة املبا�ش���رة والتنمي���ة االقت�صادي���ة وحري�ص���ة على عدم‬ ‫امل�سا�س بهذي���ن الهدفني‪ ،‬وهذا بال�ضبط م���ا ي�شري �إليه اخلبري‬ ‫الع�سك���ري ال�صين���ي ت�شن ت�شو حني قال‪�« :‬إر�س���ال ال�صني قوتها‬ ‫الع�سكري���ة �إىل اخل���ارج حلماية م�صالح الدول���ة ال يعني البحث‬ ‫ع���ن فر�صة لتو�سيع قوتها الع�سكري���ة فيما وراء البحار»‪ .‬م�ضيف ًا‬ ‫�أن «الق���وات البحري���ة ال�صينية النامية لي�س���ت‪ ،‬كما قال هذا �أو‬ ‫ذاك‪ ،‬ت�ش���كل تهديدا �أب���د ًا‪ ،‬وواجبها اليوم ا�ستخ���دام التجارب‬ ‫املتكررة حتى تكون قدرتها متفقة مع ما يحتاجه تطوير ال�صني‪،‬‬ ‫وم���ع حماية امل�صالح الوطنية لل�ص�ي�ن وحت ّمل الواجبات الدولية‬ ‫الأكرث وامل�ساهمات الأكرث يف �صيانة ال�سالم العاملي والإقليمي»‪.‬‬ ‫ه���ذا من جهة‪ ،‬وم���ن جهة �أخرى‪ ،‬ظهرت وجه���ة نظر معاك�سة‬ ‫تق���ول ح�سب ما اقتب�ست���ه وكال���ة الأ�سو�شيتد بري����س‪�« :‬أ�صبحت‬ ‫مناف�سة القوات البحرية ال�صينية والأمريكية ممكنة م�ستقب ًال‪.‬‬ ‫لأن���ه حتم��� ًا الوج���ود ال�صين���ي احلايل �س���وف يث�ي�ر الكثري من‬ ‫احل�سا�سي���ة الأمريكي���ة يف امل�ستقب���ل عل���ى اعتب���ار �أن الواليات‬ ‫املتح���دة تنظر لل�صني كقوة مناف�سة لها‪ ،‬ومن املحتمل �أن تنقلب‬ ‫�إىل ق���وة معادي���ة يف امل�ستقب���ل‪ ،‬و�أن الواليات املتح���دة ال ترغب‬ ‫يف ال�سم���اح لل�ص�ي�ن �أو لأية ق���وة معادية لها بالوج���ود يف ال�شرق‬ ‫الأو�س���ط لأهميته الإ�سرتاتيجية والنفطية ووجود الغاز الطبيعي‬ ‫�أي�ض ًا»‪.‬‬ ‫ختام ًا‪ ،‬ميكن القول �أن القر�صنة البحرية ت�شكل م�شكلة حقيقية‪،‬‬ ‫غري �أنها حتولت مع مرور الوقت �إىل مربر للقوى الكربى للتموقع‬ ‫�إزاء خطوط املالحة البحري���ة املهمة جد ًا للتجارة‪ .‬فكما الحظ‬ ‫‪ W. Raleigh‬يف نهاي���ة القرن ال�ساد����س ع�شر �أنه من يتح ّكم يف‬ ‫البح���ر‪� ،‬سيتحكم يف جتارة العامل‪ ،‬ومن يتحكم يف جتارة العامل‬ ‫حت ّك���م يف ثرواته‪ ،‬ومن حت ّكم يف ث���روات العامل حت ّكم يف العامل‬ ‫ذاته‪.‬‬ ‫ميك���ن القول بناء على م���ا �سبق �أن التزام ال�صني يف مكافحة‬ ‫القر�صن���ة يف خلي���ج ع���دن لي����س ا�ستجاب���ة ب�سيطة عل���ى املدى‬ ‫* م�صطلح ع�سكري ي�صف حماولة حلرمان العدو من القدرة على ا�ستخدام البحار‪.‬‬

‫ال�صني ت�ؤكد �أنها تدرك �أن هذه‬ ‫املنطقة هي منطقة نفوذ �أمريكي‪,‬‬ ‫و�أنها ال ت�سعى للإ�ضرار بذلك و�إمنا‬ ‫ت�سعى للتعاون‪ ,‬ولعل ما يعزز هذا‬ ‫التوجه �أن ال�صني مل ُتظ ِهر ومل‬ ‫تتخذ �أي موقف ميثل حتدي ًا �أو‬ ‫نقد ًا وا�ضح ًا لل�سيا�سة الأمريكية‬ ‫الق�صري‪ .‬بل يك�شف ذلك لي�س فقط عن رغبة �صينية يف الدفاع‬ ‫ع���ن م�صاحله���ا االقت�صادية‪ ،‬ولك���ن �أي�ض ًا رغب���ة للتموقع على‬ ‫ال�صعيدي���ن الإقليم���ي والعامل���ي‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪ ،‬ف����إن تطوير‬ ‫الق���وات ال�صيني���ة البحرية وحتديثه���ا بات �أم���ر ًا ال غنى عنه‪.‬‬ ‫ولكن كما تبني الكثري من الوقائع الدولية‪ ،‬ف�إنه يبقى هدف ًا على‬ ‫امل���دى الطويل وي�شكل حتو ًال ا�سرتاتيجي��� ًا حقيقي ًا يطرح الكثري‬ ‫من املخاوف على م�ستوى الفكر اال�سرتاتيجي الغربي‪.‬‬ ‫وميك���ن تف�سري ه���ذه املخ���اوف انطالق��� ًا من مق���والت املفكر‬ ‫�ألف���رد ماه���ان ‪ Alfred Mahan‬الت���ي تقوم على فك���رة الهيمنة‬ ‫على البحار ك�ض���رورة ل�ضمان حرية املالحة وا�ستغالل خطوط‬ ‫املالح���ة البحري���ة التجارية؛ فالتج���ارة تقت�ضي وج���ود �أ�سطول‬ ‫جت���اري‪ ،‬وهذا الأخري يتطلب �أ�سطول حربي حلمايته‪ .‬و�إذا كان‬ ‫ت�أث�ي�ر �أفكار ماهان كانت دائم ًا حا�ضرة يف الفكر اال�سرتاتيجي‬ ‫الغرب���ي عموم��� ًا ويف الفك���ر اال�سرتاتيجي الأمريك���ي على وجه‬ ‫اخل�صو����ص‪ ،‬ف����إن ال�ص�ي�ن بدورها ب���د�أت تهتم ب�ش���كل متزايد‬ ‫بهذه الأفكار بحيث دخل���ت يف برنامج لتحديث قواتها البحرية‬ ‫لتنتق���ل �شيئ��� ًا ف�شيئ ًا م���ن جمرد ق���وات للحماي���ة والدفاع على‬ ‫ال�سواحل ال�صيني���ة �إىل �إ�سرتاتيجية “احلرمان من البحر” *‬ ‫‪ ،Sea denial‬ويب���دو �أنها ت�سعى لبناء ق���وة بحرية �ضاربة قادرة‬ ‫عل���ى العمل بعيد ًا يف �أعايل البح���ار ‪ blue-water navy‬ملالحقة‬ ‫امل�صالح ال�صينية �أينما وجدت؛ فن�سبة ‪ %90‬من جتارة ال�صني‬ ‫تتم ع�ب�ر البحر‪ ،‬وه���و ما يف�س���ر الرغبة ال�صيني���ة يف امتالك‬ ‫القدرة على التدخل يف �أي مكان تتعر�ض فيه امل�صالح ال�صينية‬ ‫للتهدي���د‪ ،‬ومنطقة خليج عدن واحدة م���ن �أهم هذه املناطق يف‬ ‫الإ�سرتاتيجية ال�صينية‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪179‬‬


‫ُ‬ ‫�أفـُـــق‬

‫نحو �سالم دائم‬

‫�سقاف عمر ال�سقاف‬

‫خا�ض���ت اليمن خالل العقدين املا�ضيني الكثري من احلروب وال�صراعات الداخلية التي كلفت �أثمان ًا‬ ‫باهظ���ة‪ ،‬وخ�سائر مادية وب�شرية ال حت�صى وال تعد‪ .‬واحلال �أن اليمنيني الذين �أرهقتهم هذه احلروب‬ ‫يعم م���ا مل تطوى �صفحة‬ ‫والنزاع���ات الداخلي���ة تواق���ون اليوم �إىل ال�سالم؛ وه���ذا ال�سالم ال ميكن �أن ّ‬ ‫احلرب ب�شكل نهائي‪.‬‬ ‫الآن توقفت احلرب ال�ساد�سة يف �صعدة‪ ،‬ولكنها من دون �شك خلفت �آثار ًا نف�سية واجتماعية و�سيا�سية‬ ‫واقت�صادية عميقة‪ ،‬البد من معاجلتها‪ ،‬و�إال لن تكون هناك �أي �ضمانات متنع ن�شوب حرب �سابعة‪ .‬وكي‬ ‫يتح���ول اتف���اق وقف احلرب يف �صعدة �إىل �سالم دائم‪ ،‬على اجلميع العمل من �أجل معاجلة الآثار التي‬ ‫خلفتها احلرب‪ .‬فعودة مئات الآالف من النازحني وامل�شردين �إىل قراهم ومدنهم‪ ،‬و�إح�سا�سهم بالأمن‬ ‫واال�ستق���رار‪ ،‬ودفع التعوي�ضات‪ ،‬و�إعادة الأعمار؛ كلها �أمور يجب �أن تكون يف مقدمة مهام احلكومة يف‬ ‫ه���ذه املرحلة‪ ،‬وعلى الدولة �أن تكون حا�ضرة بخدماتها ووظائفها الأ�سا�سية‪ ،‬و�أن تفر�ض هيبة القانون‬ ‫و�سيادت���ه يف ه���ذه املناطق الت���ي �أُهملت طوي ًال‪ .‬وعندها فق���ط �س ُيقطع الطريق على كل م���ن تُ�س ِّول له‬ ‫نف�س���ه التم���رد على الدولة‪� ،‬أو �إعادة عجلة التاريخ �إىل الوراء‪ ،‬و�سنكون يف الوقت ذاته قد و�ضعنا �أوىل‬ ‫اخلطوات يف طريق �صنع �سالم دائم‪ ،‬ولي�س جمرد هدنة م�ؤقتة بني حربني كما يعتقد البع�ض‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬علينا كيمنيني تغليب لغة احلوار واملنطق على ما �سواها‪ ،‬لأنها اللغة الوحيدة القادرة‬ ‫عل���ى تقدمي احللول وو�ضع البدائل ل���كل م�شكالتنا و�أزماتنا القائمة‪� .‬إن غياب احلوار وانعدام التوافق‬ ‫ب�ي�ن الق���وى ال�سيا�سية الرئي�سي���ة خلق حالة من عدم اال�ستق���رار‪ ،‬و�ساهم يف ت�أزمي احلي���اة ال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعي���ة يف البلد‪ ،‬وجعل النا�س ي�شعرون بالإحباط والي�أ����س جراء ان�سداد الأفق ال�سيا�سي‪ ،‬وهذا‬ ‫ال �ش���ك انعك����س ب�صورة �أو ب�أخرى عل���ى �أمن البلد وا�ستقراره‪ .‬لذا ن�أمل م���ن كل القوى ال�سيا�سية ويف‬ ‫مقدمته���ا احلزب احلاك���م واملعار�ض���ة اال�ستجابة �إىل الدع���وات املتكررة من قبل رئي����س اجلمهورية‬ ‫باجللو����س �إىل طاولة احلوار‪ ،‬واالرتقاء مب�ستوى احل���وار �إىل م�ستوى الوطن‪ ،‬وذلك من خالل االبتعاد‬ ‫ع���ن املماحكات واملكايدات ال�سيا�سية‪ ،‬والنظ���ر �إىل ق�ضاياه من منظور وطني ولي�س من منظور حزبي‬ ‫�ضيق؛ فاملرحلة الراهنة تقت�ضي من اجلميع تقدمي تنازالت حقيقية‪ ،‬لي�س للطرف الآخر ولكن ل�صالح‬ ‫اليمن‪.‬‬ ‫ومبا �أن اليمن �أ�ضحت هذه الأيام حمط اهتمام �إقليمي ودويل‪ ،‬فعلينا ا�ستغالل هذا االهتمام من �أجل‬ ‫امل�ساعدة يف التخل�ص من امل�شاكل والتحديات ال�سيا�سية والأمنية واالقت�صادية التي تواجهنا‪ ،‬ومن ّثم‬ ‫التف��� ّرغ للبناء والتنمية‪ .‬على اليم���ن �أن تكون حا�ضرة يف املحافل الإقليمية والدولية من خالل متا�سك‬ ‫�أبنائه���ا ووحدتهم‪ ،‬و�إعادة االعتب���ار لنموذجها الدميقراطي الذي طاملا �أث���ار �إعجاب العامل‪ ،‬وكذلك‬ ‫م���ن خالل �إجنازاتها املحلية وم�شاريعها التنموية‪ ،‬ولي�س من خ�ل�ال م�شاكلها و�أزماتها التي ال تنتهي‪،‬‬ ‫الداخل ‪1‬‬ ‫‪677879‬‬ ‫جهود ‪+967‬‬ ‫‪1 682144‬‬ ‫وهذا ال �شك ‪:∞JÉg‬‬ ‫‪ +967‬كما يتطلب �إرادة �سيا�سية قوية‬ ‫واخلارج‪،‬‬ ‫‪ً:¢ùcÉa‬ا يف‬ ‫اليمنيني جميع‬ ‫يتطلب ت�ضافر‬ ‫‪16822‬إيجابي وفعال‪ ،‬وبروح من امل�سئولية الوطنية‪.‬‬ ‫‪:Ü.¢U‬ب�شكل �‬ ‫ملعاجلة كل الأزمات والتحديات القائمة‬ ‫‪á«æª«dG ájQƒ¡ª÷G - AÉ©æ°U‬‬ ‫‪E-mail: info@Shebacss.com‬‬

‫‪www.Shebacss.com‬‬

‫نائب مدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية»‪.‬‬ ‫‪180‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪ÊhεdE’G ™bƒŸG GƒëØ°üJ‬‬ ‫‪á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôŸ‬‬ ‫‪w w w . s h e b a c s s . c o m‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪181‬‬


w w w . s h e b a c s s . c o m

á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôe Sheba Center for Strategic Studies

á`` `aô©ŸÉH á`` ` `°SÉ«°ùdG ó`` ` `aQ

Relating Policy to Knowledge 2010

‫فرباير‬/‫ يناير‬،‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‬

182


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.