ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
3 2009
ا�سرتاتيجية الأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�صرة ت�صدر كل �شهرين عن «مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية» ال�سنة الأوىل ،العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب 2009
رئي�س التحرير
�أحمد عبدالكرمي �سيف مدير التحرير
حممد �سيف حيدر نائب مدير التحرير
�سقاف عمر ال�سقاف الت�صميم والإخراج الفني
اال�شرتاكات:
ال�سنة الواحدة (�ستة �أعداد) �شاملة �أجرة الربيد: داخل اجلمهورية اليمنية 3000 :ريال للأفراد 5000 ،ريال للم�ؤ�س�سات. الدول العربية 50 :دوالر ًا للأفراد 90 ،دوالر ًا للم�ؤ�س�سات. بقية دول العامل 70 :دوالر ًا للأفراد 120 ،دوالر للم�ؤ�س�سات. ير�سل طلب اال�شرتاك �إىل عنوان املجلة مع حوالة م�صرفية �أو �شيك ُم�صدّق بقيمة اال�شرتاك لأمر مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. ولال�ستف�سار ميكن التوا�صل عرب الربيد الإلكرتوين: subscription@shebacss.com
ثمن الن�سخة:
اليمن 300ريال ،ال�سعودية 20ريا ًال ،الإمارات العربية املتحدة 20درهم ًا، الكويت 2دينار ،مملكة البحرين 1.5دينار ،قطر 20ريا ً ال� ،سلطنة عمان 1.5 ريال ،العراق 2500دينار ،لبنان 4000لرية� ،سورية 200لرية ،الأردن 2.5دينار، فل�سطني 5دوالر ،م�صر 10جنيهات ،ال�سودان 4جنيهات ،ليبيا 2دينار ،اجلزائر 300دينار ،تون�س 5دينار ،املغرب 20درهم ًا ،موريتانيا � 300أوقية.
حممد عبدالرحمن الذبحاين �سكرتارية املجلة
عفاف الوزير
Austria, France, Germany, and Italy: € 6, United Kingdom £ 3, USA $ 5
ُعب بال�ضرورة ُعب املقاالت املن�شورة عن �آراء كتّابها ،وال ت رِّ ت رِّ عن ر�أي «مدارات ا�سرتاتيجية» �أو مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
جملة مدارات ا�سرتاتيجية مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �ص .ب 16822 .هاتف +967 1 677466 :فاك�س+967 1 677466 : �صنعاء – اجلمهورية اليمنية الربيد الإلكرتوينmadarat@shebacss.com : madaratistrategyya@yahoo.com املوقع على الإنرتنتwww.shebacss.com/madarat :
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
4
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
5 2009
فـي هذا العدد ت�شرين الثاين/نوفمرب -كانون الأول/دي�سمرب
2009
نافذة على scss
06
فـي التعريف مبركز �سبا للدرا�سات اال�سرتاتيجية
08
االفتتاحية ُنثري الت�سا�ؤالت ،ونحتفي بالتنوع رئي�س التحرير
اليمن والعامل
حتلي�لات :ير�ص ��د �أحم���د عبدالكرمي �سي���ف طبيعة العالقة ب�ي�ن احلوثيني و�إي ��ران وانعكا�ساته ��ا على اليمن واملنطق ��ة؛ ويكت����ب عبدالغن���ي املاوري ع����ن موق ��ع اليم ��ن يف اال�سرتاتيجي ��ة الإ�سرائيلية؛ ويقر�أ حمم���د الغرا�سي العامل اجليو�سرتاتيجي يف العالقات اليمنية – امل�صرية ،ويبني �صالح القا�ضي ملاذا ما زالت العالقات اليمنية – اخلليجية عادية ،وال ترقى �إىل م�ستوى ال�شراكة امل�أمولة؛ يف حني ُيعطينا عبداهلل الفقيه ملحة تاريخية مكثفة عن تطور مكانة اليمن يف اال�سرتاتيجية الأمريكية .ال�صفحات 31-10 وجه��ات نظ��ر :يحاول علي �سيف ح�سن ا�ستك�شاف �آفاق الدور املمكن الذي ميكن �أن تلعبه اليمن يف الإقليم؛ ويركز حممد الكهايل على �أهمية اجلانب النف�سي يف عملية بناء الإن�سان اليمني؛ �أما خالد الرماح فيتطرق �إىل بع�ض جوانب �أزمة منظمات املجتمع املدين يف اليمن .ال�صفحات 43-32 تفاعالت اليمن والعامل يف 60يوم ًا� :شهرا �آب�/أغ�سط�س و�أيلول�/سبتمرب 2009ال�صفحات 49-44 ع�ين على اليمن :يكتب يوئيل جوزن�سك���ي عن الأهمية املتزايدة لليمن يف ال�ص ��راع الإقليمي؛ ويحذر جريجوري جون�س���ون من تراجع اليقظة �إزاء ن�شاطات تنظيم القاعدة يف اليم ��ن ،وير�صد عادل الطريفي اجلدل القائم حول ال�سيا�س ��ات م ��ن �صع ��دة �إىل وزير�ستان ،وتركز ن����دوة �أقامتها م�ؤ�س�سة كارنيجي لل�سالم ال���دويل على خطورة تنظيم القاعدة يف اليمن وال�سيا�سات اليمنية والأمريكية ملحاربته؛ �أما �ساميون هندر�سون فيحاول حتليل م�شهد القتال الدائر على احلدود اليمنية -ال�سعودية .ال�صفحات 58-50
60
64 66
6
املراقب اال�سرتاتيجي �إيران ما بعد �أزمة االنتخابات الرئا�سية العا�شرة: ما الذي ينتظرنا؟ حمجوب الزويري ما وراء التقارب ال�سوري – ال�سعودي وما بعده ر�ضوان زيادة املمانعة والتفكيك :م�صري التحالف ال�سوري -الإيراين معاذ الأ�شهبي
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
70
74
78
يف ب�ؤرة االهتمام
مدار الأفكار
املخا�ض ال�صعب للعملة اخلليجية املوحدة �أحمد �أحمد مطهر هل �سينجح الرهان الأمريكي على ال�صوفية؟ عمار علي ح�سن ملاذا مل تكن القومية العربية ليربالية؟ �أحمد عبدالكرمي �سيف
املائدة امل�ستديرة :الأزمة يف جنوب اليمن� ..إىل �أين؟ علي دهم�س ،علي العمراين� ،أحمد ال�صويف ،زايد جابر �سجال حول قوة تنظيم القاعدة يف اليمن عبدالإله �شائع وعاي�ش عوا�س ب�صراحة مع �أحمد الدغ�شي حول: جدلية الديني وال�سيا�سي يف امل�شهد اليمني الراهن
املحــور � 84صراع املحاور (والأدوار) يف النظام العربي: ك�شف ح�ساب مت�أخر حممد �سيف حيدر 86زمن �أوباما :حدود التغري يف ال�سيا�سة الأمريكية جتاه ال�شرق الأو�سط عمرو حمزاوي دور �أوروبا املعطل يف ال�شرق الأو�سط 92 غ�سان العزي 98دروب �إ�سرائيل ال�شائكة يف ال�شرق الأو�سط م� .س .ح ال�سعودية و�إيران: 104 �سيا�سات اال�ستقطاب الإقليمي وعواقبه �سامح را�شد تركيا اجلديدة :ال�صعود الإقليمي 110 و�صراع الأجندات علي ح�سني باكري
116
124
130
الفهر�ست مراجعات كتب وعرو�ض موجزة
147-138
جيوبوليتيك طريق الربازيل نحو ال ُقطب ّية �سقاف عمر ال�سقاف الأمن املفقود يف ال�صومال :ر�ؤية من الداخل عبدالغفار فرح
150
158
ترجمات �ألوية �إيران االنتحارية� :إرهاب ناه�ض علي �ألفونه اجلغرافيا ال�سيا�سية جلائزة نوبل لل�سالم جورج فريدمان
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
166 174
7 2009
نافذة على SCSS
�آليات عمل املركز
مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية Sheba Center for Strategic Studies
مركز �س��ب�أ للدرا�س��ات الإ�س�تراتيجية ه����و م�ؤ�س�سة فكري����ة م�ستقلة وال تتوخى الربح مقره����ا العا�صمة اليمنية �صنعاء. يرمي املركز �إىل تطبي����ق �أف�ضل معايري البحث العاملية ،مبا ينعك�س �إيجابي���� ًا عل����ى الدول����ة واملجتمع اليمن����ي .ويعمل عل����ى حتقيق نتائج عملي����ة ،وو�ضع مقاربات �سيا�سية جدي����دة من خالل البحث والن�شر واالجتماع ،ومتتد اهتماماته من اليمن �إىل جمالها احليوي (القرن الأفريق����ي ومنطقة اخلليج) و�إىل الق�ضاي����ا الأ�سا�سية والديناميات احلاكمة يف منطقة ال�شرق الأو�سط. يفرت�����ض مبخرج����ات املركز �أن تدع����م �صانعي الق����رار يف الأو�ساط ال�سيا�سي����ة والإقت�صادي����ة واالجتماعية وتزويده����م ب�سيا�سات بديلة معقول����ة ،م����ن خ��ل�ال و�ضع ه����ذه املخرج����ات حت����ت ت�صرفهم على �ش����كل معلومات وبح����وث وتقاري����ر وحتليالت وت�ص����ورات م�ستقبلية (�سيناريوه����ات) ،وب����ذا يقدم املركز �أكرب ع����دد ممكن من البدائل املتاح����ة التي تُ�سه����م يف تعزيز عملية عقلنة اتخ����اذ القرار مل�صلحة الب��ل�اد .ومن جانب �آخ����ر ،ينجز املركز �أعماله بالتع����اون والتفاعل الإيجابيني مع امل�ؤ�س�سات الأكادميية والبحثية اليمنية املختلفة. ت�ضيي����ق الفج����وة بني و�ض����ع ال�سيا�سات ُّ الر�ؤي��ة بالطرق التقليدي����ة من خالل دع����م العقالنية يف التفك��ي�ر وتقدمي حتليالت ودرا�سات �إ�سرتاتيجية ُمع ّمقة ومهنية من حيث �إحاطتها ور�صانتها، وواقعي����ة م����ن حي����ث �إمكان����ات تطبيقه����ا ،ومنا�سبة م����ن حيث زمن تقدميها.
الأهداف
ط����رح الت�س����ا�ؤالت ال�صحيح����ة ح����ول الق�ضاي����ا الإ�سرتاتيجي����ة وال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية املتعلقة باليمن واملنطقة. تبني �أ�سلوب علمي وعقالين يف البحث يجانب املناهج ال�سكوالئية التقليدية. مراجع����ة النظري����ات واملفاهي����م الغربية التي يت����م �إ�سقاطها على املجتمعات العربية بغية اخلروج بنظريات ومفاهيم وت�صورات
ر ف ـ ـ ـ د ا ل � س ي ا � س ـ ـ ـ ة ب ا ملعرف ـ ـة to Knowledge
منا�سبة لتحليل الواقع العربي. �إعادة حتدي����د الأولويات البحثية بح�سب �أهمي����ة املوا�ضيع للدولة واملجتمع. اال�ستف����ادة م����ن كاف����ة الق����درات وامله����ارات املتواف����رة وتوجيهها للإ�سهام يف تراكم املعرفة. دعم الدرا�سات والأن�شطة التي من �ش�أنها حت�سني التعليم وتعزيز التفك��ي�ر النقدي وحترير املناهج من املفاهي����م املغلوطة وامل�سلمات اخلاطئ����ة ومن �أ�ساليب التعلي����م التقليدية القائمة على احلفظ دون تطوير املقاربة النقدية. �أخ����ذ زمام املب����ادرة لإعادة تعريف العالق����ة بالآخر (وخا�صة مع الغ����رب) من خالل فه����م ال�سم����ات الإيجابية للعالق����ات امل�شرتكة، و�إدراك تن����وع الغرب و�إختالفه وعدم التعام����ل مع دوله وجمتمعاته كنمط واحد. و�ضع الدرا�س����ات امل�ستقبلية وال�سيناريوهات املتوقعة �أو املنظورة، وبالتايل تقدمي ت�صورات بالبدائل املتاحة ل�صناع القرار يف اليمن.
نط��اق االهتم��ام
و�ضع املركز حمددين اثنني لنطاق
اهتماماته: النط����اق املو�ضوعات����ي ،ويهت����م بدرا�س����ة ال�ش�����ؤون الإ�سرتاتيجية (ق�ضايا الأمن والدفاع) ،وال�سيا�سية ،والإقت�صادية ،والإجتماعية. النطاق اجلغرايف ،ويغطي كل من: اليمن. املجال احليوي لليمن ،الذي ي�ضم الدول املطلة على البحر الأحمرودول اخلليج (دول جمل�س التعاون اخلليجي ،و�إيران ،والعراق). منطق����ة ال�ش����رق الأو�سط و�شم����ال �أفريقيا ،والالعب��ي�ن الدولينيالرئي�سيني. وحيث �إن املحددات املذكورة �أعاله متداخلة بحكم طبيعة العالقات الدولي����ة ،ف�����إن اليمن ي�ؤث����ر ويت�أثر بتفاع����ل وتداخل كث��ي�ر من تلك العنا�ص����ر .وعليه ،ف�إن املركز يقوم بدرا�س����ة وحتليل هذه املعطيات ري يف اليمن ب�شكل مبا�شر �أو غري والق�ضايا طامل����ا كان لها �أث ٌر �أو ت�أث ٌ مبا�شر.
و�سائل مقروءة ،مطبوعة و�إلكرتونية: الكتب. جملة ربع �سنوية حمكمة. جملة غري حمكمة ت�صدر كل �شهرين.�سال�س����ل درا�سات حمكمة (�سل�سلة درا�س����ات �إ�سرتاتيجية� ،سل�سلة درا�س����ات �سيا�سي����ة� ،سل�سلة درا�سات �إقت�صادي����ة� ،سل�سلة درا�سات�إجتماعية). �أوراق بحثية. تقارير. موجز ال�سيا�سات. التقرير الإ�سرتاتيجي ال�سنوي. ترجمات. القر�ص امل�ضغوط (.)CD املوقع الإلكرتوين. ن�شرة املركز الإخبارية ال�شهرية.عقد اجتماعات مبا�شرة: م�ؤمترات. ندوات. ور�ش عمل. برنامج مر�صد الأزمات. حما�ضرات. -مقابالت �إعالمية.
م�صادر التمويل
تربعات غري م�شروطة من املجتمع املدين والتجاري. تربعات ومنح غري م�شروطة من اجلهات الداعمة الدولية. منح لربامج حمددة. بيع مطبوعات املركز. الربامج التدريبية. ر�سوم ا�ست�شارية. �إعالنات جتارية ر�صينة. العم����ل عل����ى ت�أم��ي�ن وق����ف دائ����م للمرك����ز ي�ص����رف م����ن عوائ����ده الإ�ستثمارية.
عالقات املركز
بغي����ة تبادل اخلربات وتو�سيع املعرف����ة واالطالع ،ف�إن املركز يحافظ على �شبكة �ضخمة من العالقات مع: م�ؤ�س�سات الدولة املختلفة . امل�ؤ�س�سات الأكادميية والبحثية الوطنية والدولية. -منظمات املجتمع املدين الوطنية والأجنبية.
cy
Relating Poli
8
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
9 2009
اليمن والعامل
رئي�س التحرير
�إفتتاحيـة 10
ُنثري الت�سا�ؤالت، ونحتفي بالتنوع
�سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أفكار
ونح���ن �إذ ن�شه���د م���رور م���ا يناه���ز الع���ام على مي�ل�اد مرك���ز �سب�أ للدرا�س���ات الإ�سرتاتيجية يجب توجيه ال�شكر والعرفان لكل من قدم دعم ًا �أو ت�شجيع ًا �أو �إ�ست�شارة �ساهمت يف �إخراج املركز �إىل حيز الوجود ،وهم ُكرث .ورمبا يكون �أبلغ تعبري عن �إمتناننا له�ؤالء هو يف حتقي���ق ر�سال���ة و�أهداف املركز والتي ميكن تلخي�صها يف �إر�ساء عم���ل بحثي م�ؤ�س�سي ر�صني يقوم بتحليل الواقع ،وتقدمي ر�ؤى م�ستقبلية من �أجل النهو�ض بواقع جديد �أو تطوير الواقع احلايل �إىل م�ستوى �أف�ضل ،وفق مرجعي���ات �أكادميية وا�سرتاتيجية ،بعيد ًا عن االرجت���ال� ،أو النظرة الأحادية ،وبحيث يكون م�صدر ًا �أ�سا�سي ًا للمعلومات واال�ست�شارة وتقدمي البدائل ل�ص ّناع القرار على خمتلف م�ستوياتهم ،وهذا بال�ضبط ما دفع بع�ض املفكرين �إىل ت�سمية مثل ما نقوم به يف مركزنا هذا ببيوت اخلربة. �إنن���ا عل���ى وعي كام���ل ب�أهمية ما نقوم به ،لذا و�ضعنا م���ن املعايري وال�ضوابط ما ي�ضم���ن عم ًال م�ؤ�س�سي ًا ال �شخ�صي ًا ،علمي ًا مدرو�س ًا ال �إرجتاليا ،وا�ضعني ن�صب �أعيننا املعايري العاملية للو�صول �إليها .ومع هذا ال ندعي التف���رد ب���ل نرى �أن البلد حتتاج للمزيد من مثل هذه امل�ؤ�س�س���ات .وبنظرة �سريعة جند �أن هناك ما جمموعه 1924مرك���ز ًا يف �أم�ي�ركا ال�شمالية منها 1776مركز ًا يف الواليات املتحدة وحده���ا .يليها دول �أوروبا الغربية �إذ يوج���د فيه���ا 1198مركز ًا ،يف حني يوجد يف �آ�سيا 601مركز ،ويف �أوروب���ا ال�شرقية 483مركز ًا ويف �أمريكا الالتينية 408مراكز ،ويف �أفريقيا ،274مركز ًا ويف ال�شرق الأو�سط 192مركز ًا فقط. ف�أي���ن هي مراك���ز الدرا�سات العربي���ة؟ والالفت �أن املركز العرب���ي الوحيد الذي ورد �ضم���ن قائمة �أف�ضل ثالثني مركز ًا يف العامل هو مركز الأهرام للدرا�سات ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية .وقد يكون ذلك �إجناز ًا ،لكن ال�ص���ورة الكلية يف الع���امل العربي قامتة .لقد غاب���ت �أغلب هذه املراكز العربية عن البح���ث العلمي الأ�صيل وربط���ت جزء ًا كب�ي�ر ًا من ن�شاطاتها ب�شكل �أكرث م���ن الالزم بالإعالم (�ضمن حم�ل�ات عالقات عامة) على ح�ساب الدرا�سات اجلادة .ف�أين الدرا�س���ات اال�سرتاتيجية للتغريات الوطنية والدولية واخليارات ال�سيا�سية منه���ا �أو االقت�صادية بحيث يتم و�ضعه���ا �أمام �صاحب القرار ،وهنا القيمة العلي���ا للدرا�سات التي تربط بني الأكادميي���ا وال�سيا�سات .له���ذا كان �شعارنا ربط �صن���ع ال�سيا�سة باملعرف���ة Relating Policy to Knowledge ك�شرط �ضروري لرت�شيد �صنع ال�سيا�سات املختلفة ،و�شرط الزم للتقدم. ولع���ل �إ�صدار العدد الأول من جمل���ة “مدارات ا�سرتاتيجية” ميثل �أبلغ و�أن�س���ب �إحتفال مبرور هذه الفرتة على �إن�شاء املركز .وهذه املجلة �سوف متثل منرب ًا للنخبة وموجهة يف نف�س الوقت للنخب على �إختالفها ،لي�س يف اليم���ن فقط ولك���ن يف منطقة ال�شرق الأو�سط .واملجلة �إذ حتمل �إ�سم “مدارات ا�سرتاتيجية” فهي تعك�س ذل���ك لأنه���ا �ستجوب م���دارات متعددة بالتحليل والنق���د والفكر .وهي �إذ حتمل �صف���ة “جملة النخبة” ذلك �أنها موجهة للنخبة يف مرتبة و�سطي بني الكتابة الأكادميية والإعالمية .وكتابها �أي�ض ًا نخبة من الأكادمييني واملفكري���ن وال�سيا�سي�ي�ن واالقت�صاديني ورجال الأعمال ،وه���م �أي�ض ًا من مدار�س فكري���ة متعددة ،ومن دول وثقافات خمتلفة. وم���ن ناف���ل الق���ول التنويه ب�أن خل���ف �إ�صدار ه���ذه املجلة كان هن���اك ،و�سي�ستمر ،عم���ل دءوب وجهد كبري بذل���ه طاقم املرك���ز ،وعلى اخل�صو�ص ،هيئة حترير املجل���ة وكادرها الفني ،كما كانت هن���اك �سل�سلة طويلة م���ن الإ�ست�شارات واملراجع���ات لن�ضمن خروج العدد الأول مر�ضي ًا بحدود املمك���ن ،ذاكرين هذا لأننا نعد �أن عمليات التطوير �شك ًال وم�ضمون ًا لن تقف ولن تعرف حدود ًا. وختام��� ًا� ،إن هذه املجلة حماولة جادة ور�صين���ة للم�ساهمة يف �إثارة ت�سا�ؤالت جوهرية على م�ستوى الإقليم، توجه للنخبة ،ف�إنها �أي�ضا و�أي�ض ًا نافذة لتبادل الر�ؤى والأفكار التي جتيب على الت�سا�ؤالت املطروحة .وهي �إذ ّ لن ت�ستمر �إال بتفاعل هذه النخب مع املجلة وامل�ساهمة يف حمتوياتها.
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
�أحمد عبدالكرمي �سيف
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية
العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
11 2009
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
«احلوثيون»
و�ألعوبة �إيران فـي اليمن �أحمد عبدالكرمي �سيف
دخل ال�صراع يف اليمن بني حكومته املركزية وجماعة احلوثيني �سنته اخلام�سة ،خا�ض الطرفان فيها �ست����ة حروب ،ودخلت الأخرية مرحلة خطرية من املواجهة الع�سكرية يف بلد يواجه حتديات حقيقية؛ فهناك حراك �سيا�سي يف اجلنوب بد�أ مبطالب حقوقية ثم ت�صاعد ليطالب بالإنف�صال ،كما �أن القاعدة جتمع �شبكاتها وتتو�سع فيما تظن �أنه ملج�أ �آمن لإنطالق عملياتها يف اجلزيرة العربية ،ناهيك عن الو�ضع االقت�صادي الذي يجعل الإنفاق الع�سكري والأمني ملواجهة هذه التحديات عبئ ًا حقيقي ًا ،فما بالك بالإنفاق على مواجه����ة ع�سكرية ممتدة ،كتلك التي جتري وقائعها منذ �سن����وات بني ال�سلطة اليمنية واحلوثيني؟ ميث���ل موق���ع اليم���ن اجليو�سيا�سي نقط���ة جذب ل�ص���راع القوى الدولية والإقليمي���ة� ،شهدنا ذلك يف تاريخ اليمن املعا�صر وكيف مت تدوي���ل �صراعاتها الداخلية� ،إبتداء م���ن اال�ستقطاب العربي وال���دويل الذي تال ن�شوب الث���ورة اليمنية يف ع���ام ،1962وتكرر ���م فلم يكن الأم���ر نف�سه يف حرب االنف�ص���ال عام .1994ومن ث ّ غريب��� ًا وجود الدور اخلارجي يف ال�ص���راع الراهن بني احلكومة املركزي���ة واحلوثي�ي�ن ،ال���دور ال���ذي متح���ور حتدي���د ًا يف الدور الإيراين ،ودخ���ول الكتل ال�سيا�سية ال�شيعة واحلوزات الدينية يف العراق والبحرين والكويت على اخلط. كذل���ك ترددت �إتهامات �أكرث حيا ًء يف فرتة من الفرتات �إىل دور ليبي ،بدعوى رغبة ليبيا يف ت�صفية احل�ساب مع النظام ال�سعودي ال���ذي يدعم احلكوم���ة اليمني���ة يف موقفها م���ن احلوثيني ،على
�أ�سا����س �أن احلوثيني يف اليمن ميثلون ،م���ع الفارق ،جيب �شيعي م���وال لإيران �شبيه بدور حزب اهلل اللبناين ،والذي من �ش�أنه �أن ي�ؤثر على �أمن اململكة العربية ال�سعودية .كذلك تردد دور خافت لقط���ر التي قامت بو�ساط���ة بني طريف ال�ص���راع ،بدت �إىل حني �أنها ناجحة ،والتي اتُهمت يف بع�ض الكتابات ب�أن و�ساطتها كانت ملنع احل�سم الع�سكري ال���ذي كان �سي�ضع نهاية حلركة احلوثيني يف اليمن يف حماولة لإبقاء ال�ضغط على ال�سعودية. العوامل ال�سابقة ت�شري لوجود قوى خارجية �صاحبة دور يف تفجري ال�ص���راع و�إدامت���ه� ،إ�ضافة للحديث عن دعم �سع���ودي للحكومة اليمنية لإعتبارات الأمن الوطني ال�سعودي ،وعن �ضغوط غربية عام���ة ،على احلكوم���ة اليمني���ة للت�صعيد �ض���د احلوثيني ب�سبب موقفهم املعادي لليهود و�إ�سرائيل والواليات املتحدة. �أحمد عبدالك���رمي �سـيف رئي�س التحري���ر ،واملدير التنفيذي ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
انتهت دول���ة الإمامة ولكن اجل��ذر ال�سيا�س��ي للأزمـ��ة بق���ي الفكر .تكر�ست خ�ل�ال �ألف عام من حك���م الأئمة م�صالح �ضخم���ة لهم كفئة وطبق���ة .ومع جميء النظ���ام اجلمهوري عام 1962مت ن���زع احلكم منهم وتقلي�ص نفوذهم وم�صاحلهم ب�شكل كبري جد ًا ،م���ع بقاء �أعداد منهم يف مفا�ص���ل الدولة مت تثبيتهم حني متت امل�صاحلة ب�ي�ن اجلمهوريني وامللكيني عام .1968هذا الهام����ش مت انتزاعه ليعطى للجنوبيني بع���د الوحدة ،1990مما �أوج���د �سخط ًا بينه���م وعزز العزم على العم���ل ال�ستعادة امل�صالح املفق���ودة .وكان البد م���ن غطاء ديني و�آخ���ر �سيا�سي ميهد ب�شكل مقبول داخلي ًا وخارجي ًا لعودة النفوذ ال�سابق يف اليمن. وجدي���ر بالذك���ر �أن ال�سائ���د الآن ب�ي�ن �أتباع املذه���ب الزيدي هو الفرق���ة الهادوي���ة الأق���رب لل�سن���ة ،وق���د �أحيا احلوثي���ون الفرقة
اجلارودي���ة (ن�سبة �إىل �أبي اجلارود زياد بن املنذر العبدي املتويف �سن���ة 150هـ) وهي الأك�ث�ر تطرف ًا بني فرق الزيدي���ة والأبعد عن ال�سنة والأقرب �إىل الإثنى ع�شرية ،وقد حاربها الأئمة فيما م�ضى واندث���رت ،لهذا يح�صل اخللط ل���دى الكثري ب����أن احلوثيني �إثني ع�شرية جعفرية. ومع جميء الثورة الإيرانية 1979عاد �أ�صحاب امل�شروع اجلارودي عل���ى مهل .بد�أ �أول حترك على يد العالمة �أحمد فليتة عام 1986 ب�إن�شاء «احت���اد ال�شباب» ،وكان �ضمن ما يقوم بتدري�سة مادة عن الثورة الإيرانية يدر�سها حممد بدرالدين احلوثي .ويف عام 1988 جت���دد الن�ش���اط على ي���د بع�ض الرم���وز الدينية مث���ل جمدالدين امل�ؤي���دي وبدرالدي���ن احلوث���ي .وم���ع قي���ام الوح���دة حتولت هذه الأن�شط���ة �إىل م�شروع �سيا�س���ي بت�أ�سي�س حزب احلق ،ثم يف 1992
اليمن والعامل
حتليالت
قام حمم���د يحيى �سامل عزان بت�أ�سي�س «منت���دى ال�شباب امل�ؤمن» وال���ذي انقلب علي���ه يف 1997ح�سني بدرالدي���ن احلوثي وعبداهلل عي�ض���ة الرزام���ي وعبدالرحي���م احلم���ران وحت��� ّول التنظيم من املدلول الثق���ايف �إىل ال�سيا�سي (تنظيم ال�شب���اب امل�ؤمن) ،وتفرغ ح�سني احلوث���ي للتنظيم ت���ارك ًا مقعده يف الربمل���ان لأخيه يحيى، وجعل �أبوه بدرالدين احلوثي مرجع ًا ديني ًا للتنظيم.
ج���زء م���ن خمطط �إي���راين كب�ي�ر يرتكز عل���ى ت�صني���ع وت�صدير امل�ش���اكل الطائفية لي�سهل على �إي���ران التغلغل داخل الب�ؤر املتوترة ومتري���ر م�شروعه���ا التو�سعي .ه���ذا امل�شروع املعل���ن ر�سمي ًا الذي تبنت���ه احلكوم���ات ال�سيا�سية الإيراني���ة كافة ،وال���ذي يهدف �إىل ن�ش���ر الت�شيع اجلعفري وتر�صد ميزانيات مالية �ضخمة لإجناحه، ومبا يحق���ق م�ساعي التو�سع والهيمنة عل���ى املنطقة و�إعادة املجد الإيراين الغابر. �إن م�شروع التمدد الإيراين جاء تنفيذ ًا لتو�صيات امل�ؤمتر الت�أ�سي�سي ل�شيع���ة العامل فى مدين���ة قم الإيراني���ة ،والذي �أو�ص���ى ب�ضرورة تعميم التجربة ال�شيعي���ة ،التي قال �إنها كانت ناجحة فى العراق، �إىل باق���ى ال���دول العربي���ة والإ�سالمي���ة الأخرى منه���ا ال�سعودية والأردن واليمن وم�صر والكويت والبحرين ،وذلك من خالل بناء قوات ع�سكرية غري نظامية جلمي���ع الأحزاب واملنظمات ال�شيعية بالع���امل عن طريق �إدخال جمموعة م���ن الأفراد داخل امل�ؤ�س�سات احل�سا�سة الع�سكرية والأجه���زة الأمنية ،ودعمها مالي ًا عن طريق تخ�صي����ص ميزاني���ة خا�صة به���ا .لق���د ا�ستغل النظ���ام الإيراين حدوث مترد «احلوثيني» ،وعم���ل على �أن تكون جماعة م�ستن�سخة عن ملي�شيا «جي�ش املهدي» ،فتم ت�سليحها ودعمها من قبل النظام الإيراين لأغرا�ض �سيا�سية بحتة.
غزوه عام 2003فر�ص��� ًا ذهبية لتمدد النفوذ الإيراين يف املنطقة العربي���ة ،كذلك ا�ستف���ادت �إيران من �أح���داث � 11أيلول�/سبتمرب يف تكري����س فك���رة �أن الإرهاب �سني ولي�س �شيعي��� ًا ،و�س ّوقت �إيران فك���رة احللف ال�شيعي امل���وايل مل�صالح الغ���رب يف منطقة ال�شرق الأو�سط .وال ميكن �إغفال النجاح الن�سبي ملثل هذه الإ�سرتاتيجية، حيث �ساعدت �إيران احللف الغربي لإ�سقاط �صدام ح�سني وجلب حلفائها م���ن �شيعة العراق ل�سدة احلك���م ،ويف نف�س الوقت قامت بدع���م ف�صائل املقاومة ال�سنية والقاعدة ملزيد من توريط �أمريكا يف الع���راق و�أفغان�ستان لبقاء حاجة �أمريكا مل�ساعدة �إيران ،الأمر ال���ذي ذكره ب�صراحة الرئي�س باراك �أوباما ،وهذا بدوره ق ّوى من موق���ف �إيران على �صعيد امللف النووي الذي بدوره يدعم امل�شروع الإقليم���ي الإيراين ،خ�صو�ص ًا �أن �إي���ران تهدد ب�إغراق املنطقة يف الفو�ض���ى يف ح���ال مهاجمة مواقعه���ا النووية من خ�ل�ال الأقليات ال�شيعية يف دول اخلليج العربية.
هناك �ضرورة للوقوف مبو�ضوعية لتحديد وفهم �أبعاد التحركات االيراني���ة يف �ش���رق �أفريقي���ا والق���رن الأفريقي ،والت���ي زادت يف الآونة الأخرية لإيجاد الو�سيلة الأن�سب للتعامل مع هذه التحركات واحل�ؤول دون متكني �إيران من تو�سيع مناطق نفوذها وم�صاحلها يف املنطقة� ،إذ ي�ؤثر ذلك بال�سلب على م�صالح الدول القريبة من منطقة القرن الإفريقي وعلى ر�أ�سها م�صر وال�سعودية واليمن من ناحي���ة ،ودول اخلليج من ناحية �أخ���رى� .إن التحركات الإيرانية تفر�ض حتديات عل���ى م�صر وال�سعودية وعلى دول املنطقة حيث �أن �إفريقيا هي عم���ق ا�سرتاتيجي مل�صر وال�سعودية ،وعليهما �أن تواجه���ا حتدي���ات التح���ركات الإيرانية ،حيث �أنه���ا ال ت�ستهدف فقط زيادة نفوذها يف القارة ،ولكن الت�أثري على امل�صالح العربية يف ق���ارة �إفريقيا ،وخا�صة م���ا يحدث يف �ش���رق �إفريقيا والقرن الإفريق���ي ،بالإ�ضافة �إىل ما تت���م �إثارته من ا�ضطرابات وقالقل ته���دد ا�ستق���رار دول ذات عالقة �أمنية م�شرتك���ة مثل ال�صومال واليمن وال�سودان وغريها.
م���ع الوحدة برزت �أح���زاب �سيا�سية تعرب ع���ن م�صالح فئوية مثل ح���زب اهلل ،وح���زب احلق ،وح���زب احت���اد الق���وى ال�شعبية .ومل حت�صل جميعها �سوى على مقعدين يف �أول �إنتخابات برملانية عام 1993ومل حت�ص���ل عل���ى �أي مقعد يف �إنتخاب���ات 1997و ،2003يف حني تعزز متثيل الإ�سالميني ال�سنة والقوميني على ح�سابهم .هذا ر�س���خ القناعة لديهم بعدم جدوى اللعب���ة ال�سيا�سية القائمة على الإنتخاب���ات ال�ستع���ادة احلكم .تزامن مع ه���ذا ال�صعود املتنامي لتنظي���م ال�شباب امل�ؤمن ونزوع �إي���ران لت�صدير الثورة �إىل اليمن، وه���ذا الدع���م هو ما يجع���ل من بني �أدبي���ات احلوث���ي الثناء على الثورة الإ�سالمية يف �إيران له���دف �سيا�سي ولي�س عقائدي ،الأمر الذي جعل املراقبني يقولون باثناع�شرية احلركة احلوثية.
�إغالق الدائرة ال�شيعية وتهديدات الأمن القومي م ّث���ل �إ�ضع���اف الع���راق بعد ع���ام 1990ومن ثم العرب��ي
�إن املتتبع للأحداث ال يجد بالغ عناء يف اكت�شاف التواط�ؤ الإيراين وحماولة زعزعة املنطقة ككل ولي�س اليمن فقط؛ فاليمن والعراق 14
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
حت��ركات مريب��ة
تث��ي�ر الأن�شط����ة اال�ستخباراتي����ة
والع�سكري����ة الإيرانية على حدود العامل العربي القلق ال�شديد، ومل تعد تلك الأن�شطة خافية .وعلى �صعيد �آخر يتزايد احل�ضور الإي����راين يف املنطقة ،وتتمتع بت�سهيالت هامة يف ميناء ع�صب املطل على باب املندب مع زيادة التعاون مع �إريرتيا ،بالإ�ضافة �إىل التع����اون الع�سكرى بني طهران واخلرطوم و�إقامة عالقات م����ع بع�ض الأط����راف املتحارب����ة يف ال�صومال ،ث����م �أخري ًا دعم احلوثيني يف منطقة �صعدة و�شمال اليمن� .إن �إيران ت�سعى �إىل فت����ح ممرات بحرية وبرية ت�سهل الو�صول �إىل مناطق الأزمات يف منطقة ال�ش����رق الأو�سط ،ال�سيما منطقة ال�صراع العربي - الإ�سرائيلي ،من خالل ت�أمني وجود �إيراين بالقرب من املمرات البحرية ،خ�صو�ص���� ًا البحر الأحمر وباب املندب ،وهو ما يوفر ورق����ة ت�ستطيع �إي����ران ا�ستخدامها للتعامل م����ع ال�سيناريوهات املحتملة لأزم����ة ملفها النووي ،وعلى ر�أ�سه����ا احتمال تعر�ضها ل�ضربة ع�سكرية �سواء من جانب �إ�سرائيل �أو الواليات املتحدة، �أو االثنت��ي�ن مع���� ًا� .إن ال����دور الإيراين على ال�ساح����ة الإفريقية، ال يت����م عرب �أدوات الدولة الر�سمي����ة وال ي�سمح ب�إ�شراك الدولة ب�ش����كل مبا�ش����ر ،رغم �أنه يلع����ب دور ًا يف غاي����ة الأهمية خلدمة �أهداف ال�سيا�سة اخلارجية الإيرانية. وقد �أنتج ذلك ارتباك ًا وا�ضح ًا لدى الأو�ساط ال�سيا�سية ودوائر �صنع القرار يف العديد م����ن عوا�صم العامل؛ فالوجود الإيراين وا�ضح يف هذه املنطقة لكن بع�ض �أدواته غري مرئية .وهذا الدور اخلف����ي تقوم به م�ؤ�س�س����ات ما ي�سمى بـ «�إم����داد الإمام (بنياد �إمداد �إمام)» ،وهي م�ؤ�س�سات خريية تعمل مبعزل عن �سيطرة احلكومة ،ومتثل كيان����ات اقت�صادية عمالقة تناطح �إمكانيات الدول����ة نف�سه����ا ،مث����ل م�ؤ�س�س����ة «امل�ست�ضعف��ي�ن» ،و»ال�شهي����د»، و»الإم����ام الر�ض����ا» ،و»اخلام�����س ع�شر م����ن خ����رداد» وغريها. ومتار�����س هذه امل�ؤ�س�سات �أن�شطة كث��ي�رة متتد من التجارة �إىل الت�صنيع ون�شر الدعوة الدينية – ال�سيا�سية وتقدمي اخلدمات االجتماعي����ة ،وه����ي ُمعفاة من ال�ضرائب وتتب����ع املر�شد الأعلى للجمهوري����ة مبا�شرة .كم����ا �أن م�ؤ�س�س����ة �إمداد الإم����ام (بنياد ام����داد ام����ام) �إح����دى الأدوات التي ت�ستخدمها �إي����ران لت�أمني وجوده����ا يف �شرق �إفريقيا ،ال�سيم����ا جلهة دعم ت�أ�سي�س مراكز �شيعية يف هذه املنطقة ،وهو دور متار�سه م�ؤ�س�سة �إمداد الإمام يف �سياق ال�سعي �إىل ت�صدير الثورة الإيرانية �إىل اخلارج. ومن يوم لآخر تتزايد �شواهد وبراهني و�أدلة الأ�صابع الإيرانية يف حتري����ك مت����رد احلوثي��ي�ن يف �صع����دة (�أ�سلح����ة ،ام����وال،
م�ش��روع التمدد الإيراين جاء تنفي��ذ ًا ملقررات امل�ؤمت��ر الت�أ�سي�س��ي ل�ش��يعة الع��امل ف��ى مدينة ق��م الإيراني��ة ،والذي �أو�ص��ى ب�ض��رورة تعميم التجرب��ة ال�ش��يعية ،الت��ي ق��ال �إنه��ا كان��ت ناجح��ة فى الع��راق� ،إىل باقى ال��دول العربية والإ�س�لامية الأخ��رى منها ال�س��عودية والأردن واليمن وم�صر والكويت والبحرين من�ش����ورات ،تدري����ب ،اعرتافات ،مب����ادرات وو�ساط����ات �سرية وعلنية لإيق����اف احلرب عند ت�ضييق اخلن����اق على املتمردين، دع����م لوج�ستي و�سيا�س����ي للمتمردين...ال����خ) .وتلقائي ًا تتناثر مالم����ح الدع����م الإي����راين للتمرد احلوث����ي يف �أكرث م����ن زاوية وتتك�ش����ف عراها يف �سل�سلة �أحداث و�شواهد ميدانية و�أحاديث مرتابط����ة روحي ًا ولوج�ستي ًا ،ب�ش����كل يك�شف بو�ضوح عن حقيقة امل�ش����روع الذي حتاول �إيران تنفي����ذه يف املنطقة كلها ولي�س يف اليمن فح�سب. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
15 2009
اليمن والعامل
حتليالت
اليمن الإ�سرائيلية فـي اال�سرتاتيجية
ب�إعالن��ه يف �ش��هر ت�ش��رين الأول� /أكتوب��ر ،2008القب���ض عل��ى خلي��ة �إرهابي��ة مرتبطة باال�س��تخبارات الإ�س��رائيلية (املو�س��اد)� ،أثار الرئي�س علي عبد اهلل �ص��الح ده�شة الكثريين .وقد اعترب البع�ض هذا الإعالن رواية مفربكة الدعاء انت�ص��ار وهمي �ض��د �إ�س��رائيل .غري �أن املتتبع لل�سيا�س��ة الإ�س��رائيلية �إزاء املنطقة يعرف �أن م�س���ألة تورط �إ�سرائيل يف �أعمال تخريبية �أو جت�س�سية هي م�س�ألة واردة يف �أي وقت.
عبد الغنــي املـــــاوري وفيم����ا يتعلق باليمن ،ال يجب التقلي����ل من اخلطر الإ�سرائيلي على الأمن القومي اليمني .ويف هذا الإطارُ ،يخطئ من يعتقد �أن �إ�سرائيل ال متل����ك �سيا�س����ة جتاه اليم����ن ،ذل����ك �أن �إ�سرائيل تق����دم نف�سها على �أنه����ا دولة حمورية يف منطقة ال�شرق الأو�س����ط ،وبالتايل ف�إنها متتلك �سيا�سة خا�صة جتاه كل دول املنطقة ،هذا من ناحية ،من ناحية ثانية م ّثل احللم الإ�سرائيل����ي يف ال�سيطرة على البحر الأحمر وباب املندب دافع���� ًا قوي���� ًا العتماد ا�سرتاتيجي����ة �إ�سرائيلية جتاه ال����دول املطلة على البحر الأحمر ،ومن بينها اليمن .تقوم هذه اال�سرتاتيجية على �إقامة عالق����ات �سيا�سية واقت�صادية مع هذه الدول يتيح لها ح�ضور دائم يف البح����ر الأحمر ،ويف ح����ال مل ت�ستطع �إقامة هذه العالق����ة ،ف�إنه يجب �ضم����ان بقاء البحر الأحم����ر مفتوح ًا لل�سف����ن الإ�سرائيلية مهما كانت الظروف. وق����د حاول الإ�سرائيليون �إعط����اء اهتمامهم باليمن بعد ًا ديني ًا من خ��ل�ال القول �أن اليمن هي موط����ن لأ�سباط بني �إ�سرائيل ،وهي املكان الذي ي�ضم بالد �سب�أ التي ورد ذكرها يف العهد القدمي (مزمور ،10:72 �أ�شعياء .)3:43لكن هذه الق�شرة الدينية ،بح�سب الباحث الفل�سطيني �إبراهيم عبد الكرمي ،تُخفي حتتها اعتبارات ا�سرتاتيجية واقت�صادية وع�سكري����ة تدفع ال�صهيوني����ة و�إ�سرائيل للنظر �إىل ه����ذا اجلزء املهم من �شبه اجلزيرة العربي����ة بعني احلر�ص على تعطيل دوره �أو تقوي�ض 16
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
حتكم����ه يف املنفذ اجلنوبي للبحر الأحمر ،ال����ذي ت�صنفه �إ�سرائيل يف عداد املواقع احليوية لوجودها ولأمنها. ومل تك����ن ه����ذه ه����ي الأ�سط����ورة الوحي����دة الت����ي ي����ر ّوج له����ا بع�ض ال�صهاين����ة بغر�ض حماولة حتريف احلقائ����ق ال�سيا�سية واجلغرافية، فف����ي �سياق �إقناع الإثيوبيني ب�أهمية العالقات مع �إ�سرائيل مت الرتويج لأ�سطورة زواج النبي �سليمان عليه ال�سالم وال�سيدة بلقي�س ملكة �سب�أ، وق����د اقتنع [االمرباطور الإثيوبي هيال�سال�سي ب�أنه منحدر من �صلب �سليمان وبلقي�س ،وبالت����ايل فهو ن�صف �إ�سرائيلي ون�صف ميني ،وكان هذا م��ب�رر ًا للزعيم االثيوبي ب�أن مي�ض����ي يف عالقات ا�سرتاتيجية مع الدولة العربية دون حتفظات. تاريخي���� ًا ،تعود االهتمام����ات ال�صهيونية باليم����ن �إىل ما قبل قيام دولة الكيان الإ�سرائيلي ع����ام ،1948فقد �أُن�شئت جلنة خا�صة باليمن �ضمن عدة جلان ملتابعة �أحوال اليهود يف العامل يف امل�ؤمتر ال�صهيوين الأول ال����ذي ُع ِقد يف بال ب�سوي�سرا ع����ام ،1897وقد قامت هذه اللجنة بدور كبري يف ت�سهيل هجرة اليهود اليمنيني �إىل فل�سطني. وعل����ى الرغ����م م����ن �أن م�س�أل����ة الهج����رة مثل����ت بع����د ًا �أ�سا�سي���� ًا يف اال�سرتاتيجي����ة الإ�سرائيلية �إزاء اليم����ن حيث ال تزال الوكالة اليهودية ت�سع����ى جاه����د ًة �إىل نقل ما تبق����ى من اليهود اليمني��ي�ن �إىل �إ�سرائيل. لك����ن اهتمام �إ�سرائي����ل باليمن يتعدى ذلك �إىل م�سائ����ل تتعلق بالأمن عبدالغني املاوري �صحفي وكاتب من اليمن.
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
17 2009
اليمن والعامل
حتليالت
الإ�سرائيل����ي ،فقد مثل وجود اجلي�ش امل�ص����ري يف اليمن يف �ستينيات الق����رن املا�ض����ي تهدي����د ًا مبا�ش����ر ًا للم�صال����ح الإ�سرائيلي����ة يف البحر الأحمر ،وق����د حاول الإ�سرائيلي����ون بطرق �شتى �إغ����راق امل�صريني يف الرم����ال اليمني����ة املتحركة ،فعم����دوا �إىل الدخول كط����رف يف احلرب اليمني����ة من خالل توف��ي�ر ال�سالح والغ����ذاء والأدوية للق����وات املوالية للإم����ام الب����در يف حماولة منه����م لإنهاك اجلي�ش امل�ص����ري الذي كان يقات����ل �إىل جان����ب قوات الث����ورة ،وقالت �صحيف����ة �سالح اجلو
ُيخطئ من يعتقد �أن �إ�س��رائيل ال متلك �سيا�س��ة جتاه اليمن ،ذلك �أن �إ�سرائيل تقدم نف�سها على �أنها دولة حمورية يف منطقة ال�ش��رق الأو�سط، وبالتايل ف�إنها متتلك �سيا�س��ة خا�ص��ة جتاه كل دول املنطقة الإ�سرائيل����ي �أن الطريان الإ�سرائيلي نفذ ع����دد ًا من الطلعات اجلوية ف����وق اليمن �أ�سقط �أثناءها ال�سالح والعتاد للقوات املوالية للبدر ،وقد ك�شف����ت ال�صحيفة وثائ����ق �سرية ت�ؤك����د ذلك .ويف ه����ذا ال�سياق ،ذكر ال�صحف����ي امل�ص����ري حممد ح�سنني هيكل يف �سي����اق حديثه عن الدور الربيط����اين يف ح����رب � 1967أن �إ�سرائي����ل كان����ت متورط����ة يف احلرب يف اليم����ن وذلك بح�سب الوثائ����ق الربيطانية ،وهو م����ا يتقاطع مع ما تناقلته و�سائل الإعالم م�ؤخر ًا حول دور �إ�سرائيل يف حرب اليمن ،و�أن العالقة بني �إ�سرائيل ونظام البدر بد�أت عرب و�ساطة جمموعة �ضباط كومان����دوز بريطاني��ي�ن .ومن غ��ي�ر امل�ستبع����د �أن تعم����ل �إ�سرائيل على الدخ����ول جم����دد ًا يف ال�صراعات الداخلية يف اليم����ن ،ذلك �أن فل�سفة اال�سرتاتيجية الإ�سرائيلية جتاه الدول املطلة على البحر الأحمر تقوم على ا�ستمالتها �أو حماولة تفجريها من الداخل. وتع����د العالقة القوي����ة التي تربط اليم����ن بالف�صائ����ل الفل�سطينية الت����ي كانت جتد ملج�أً �آمن���� ًا لن�شاطها يف الأرا�ض����ي اليمنية �أحد �أهم االعتبارات التي جعلتها يف موقع متقدم يف اال�سرتاتيجية الإ�سرائيلية، وق����د لفتت عملي����ة اختطاف طائرة لوفتهانزا �أملاني����ة �إىل مدينة عدن ُخف عام 1972م����ن قبل اجلبهة ال�شعبية ،اهتم����ام �إ�سرائيل التي مل ت ِ خ�شيته����ا م����ن تو�س����ع عملي����ات احل����ركات الفل�سطيني����ة املقاومة �ضد �أه����داف خا�ص����ة بها يف البح����ر الأحمر ،وقد �أدى دخ����ول اليمن طرف ًا يف احل����رب الأهلي����ة اللبنانية الت����ي تفجرت يف ع����ام � 1975إىل جانب احلرك����ة الوطنية الت����ي �أ�س�سها الزعيم اللبناين كم����ال جنبالط �ضد 18
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
اجلبه����ة الوطنية التي كانت متث����ل الأحزاب امل�سيحي����ة �أو ما ُا�صطلح على ت�سميته باليم��ي�ن امل�سيحي املدعوم من قبل �إ�سرائيل� ،إىل ازدياد اهتمام الأخرية باليمن. عالوة على ذلك ،م ّثلت طبيعة النظام الذي كان قائم ًا يف اجلنوب عن�ص����ر ًا �إ�ضافي ًا لهذا االهتمام� ،إذ �أُ ِوكلت لال�ستخبارات الإ�سرائيلية مهمة التج�س�س على الدول التي كان ُيعتقد �أنها مبثابة قواعد لالحتاد ال�سوفييت����ي يف ال�ش����رق الأو�س����ط ،وكان جنوب اليمن �أح����د �أهم هذه ال����دول ،وقد امتد ن�شاط �إ�سرائيل التج�س�سي �إىل �شمال اليمن ،وذلك م����ن �أجل معرفة تفا�صي����ل القوة البحرية اليمني����ة ،ولعل من املنا�سب تذ ُّكر ق�ص����ة اجلا�سو�س الإ�سرائيلي ب����اروخ مرزاحي الذي مت القب�ض عليه يف مدينة احلديدة يف عام .1973 غ��ي�ر �أن �أهم مرتك����زات ال�سيا�سة الإ�سرائيلية جت����اه اليمن هو ما يتعلق ب�ضمان الهيمنة عل����ى البحر الأحمر ،وهذه امل�س�ألة متثل �أولوية متقدم����ة يف اال�سرتاتيجي����ة الإ�سرائيلية الأمنية ،فقد ب����د�أت �إ�سرائيل يف ع����ام � ،1949أي بعد �شهور قليلة م����ن �إن�شائها بت�أ�سي�س وجود لها يف البحر الأحمر ،و�صو ًال �إىل ال�سيطرة التامة عليه. وقد ع��ب�ر �أول رئي�س حكومة �إ�سرائيلية بن غوريون عن ذلك بقوله “�أنن����ي �أحلم ب�أ�ساطيل داوود متخ����ر عباب البحر الأحمر” ،وا�صف ًا مين����اء �إي��ل�ات املطل على البح����ر الأحمر مب����وت �إ�سرائي����ل وحياتها، واملعروف �أن الإ�سرائيليني �أع����ادوا اكت�شاف خطورة �ش ّل ميناء �إيالت �أثناء حرب ت�شرين الأول� /أكتوبر ،1973عندما قامت اليمن بالتعاون مع م�ص����ر ب�إغالق م�ضيق باب املندب ،وكان م����ن نتائج هذا الإغالق من����ع و�صول �إم����دادات النفط �إىل �إ�سرائيل ،وهو م����ا اعتربته الأخرية عم ًال ع�سكري ًا �ضدها. وكان م����ن نتائج هذه احل����رب �سقوط نظرية احل����دود الآمنة التي اعتمدتها الدولة العربية من����ذ قيامها ،وبح�سب تقرير رفعه �أبا �أيبان �إىل الكني�س����ت عام 1973ف�إن الإ�سرتاتيجي����ة الإ�سرائيلية جتاه البحر الأحم����ر ،تقوم على �ض����رورة �أن تدافع �إ�سرائيل ع����ن خمرجها الآمن واحلر �إىل هذا البحر ب�أي ثمن ،وقد ُعبرّ عن هذه ال�سيا�سة من خالل تهديد الدول املطلة على البحر الأحمر -ومن بينها اليمن -باحلرب يف حال قامت ب�أعمال عدائية �ضد الوجود الإ�سرائيلي يف هذا البحر. كم����ا ا�ستطاع����ت تل �أبي����ب تثبيت مبد�أ �إبق����اء البحر الأحم����ر مفتوح ًا �أم����ام املالح����ة البحري����ة الإ�سرائيلي����ة يف اتفاقية “ف�����ض اال�شتباك” الت����ي وقعته����ا مع م�صر ع����ام .1974وعلى الرغم م����ن �أن هذا االتفاق �أعطى �إ�سرائيل �أهم ما كانت تطالب به منذ فرتة طويلة ،ف�إنها عملت عل����ى تدوي����ل باب املندب واجل����زر التي تتحكم في����ه ،ويف موازاة ذلك ا�ستطاع����ت من خ��ل�ال عالقات خا�صة مع �إثيوبي����ا و�إريرتيا احل�صول عل����ى مواقع يف جزر دهلك وفاطمة وحالب وتعزيز وجودها الع�سكري يف البح����ر الأحمر ،و�ساعده����ا ذلك يف بناء �أنظم����ة ات�صاالت حديثة
لغر�����ض التج�س�����س على دول املنطقة ومن بينه����ا اليمن ،لذلك مل يكن م�ستغرب���� ًا �أن يك����ون راديو �أ�سرائي����ل �أول من �أعلن ع����ن هرب الرئي�س عل����ي نا�صر حممد �إث����ر �أحداث كانون الثاين /يناي����ر 1986بعد ر�صد الرادارات الإ�سرائيلية لطائرته املتوجهة �إىل �شمال اليمن. والوا�ض����ح �أن كل ه����ذه التح����ركات �ش ّكلت تهدي����د ًا مبا�شر ًا للأمن القومي اليمني والعربي .ويف هذا ال�سياق ،ميكن فهم الدور الإ�سرائيلي يف احتالل جزر �أرخبيل حني�ش نهاية ،1995من خالل توفري الأ�سلحة املتط����ورة للجانب الإريرتي و�ضمان جناح العمليات التي قادها مايكل دوما ،وهو طيار مقدم �إ�سرائيلي. ويف �أعق����اب حرب غزة نهاية العام املا�ض����ي ومطلع العام اجلاري ( )2009اكت�شفت �إ�سرائيل مهمة جديدة ميكنها من خالل وجودها يف البح����ر الأحمر القيام بها على �أكمل وجه ،وه����ي منع و�صول الأ�سلحة �إىل حرك����ة حما�����س الفل�سطيني����ة .ويف ه����ذا الإط����ار ،نقل����ت �صحيفة �صاندي تامي����ز الربيطاني����ة يف منت�صف ني�سان� /أبري����ل املا�ضي عن م�ص����ادر �أمني����ة �إ�سرائيلية �أن الغ����ارة التي ا�ستهدف����ت قافلتي �أ�سلحة كانت تعرب ال�س����ودان يف طريقها مل�صر ،متت بوا�سطة طائرة انطلقت م����ن �إريرتيا برغم نفي هذه الأخرية ،ما يعني �أن �إ�سرائيل باتت تعترب نف�سه����ا �أكرب قوة يف البح����ر الأحمر ،ومن حقها املبادرة �إىل �ضرب ما تعتقد �أنها �أهداف معادية ،وهو �أمر البد �أن يثري قلق الدول املطلة على ����ال كثري ًا بهذا الهجوم الذي ه����ذا البحر ،التي -ل�سوء احلظ -مل ُتب ِ �ستظهر نتائجه اخلطرية على الأمن العربي يف امل�ستقبل املنظور. والواق����ع �أن �إ�سرائيل حت����اول الإيحاء ب�أن ه����ذه املنطقة الهامة يف العامل غ��ي�ر �آمنة و�أن حركة املالحة الدولية فيها تظل ُمه ّددة ،و�صو ًال �إىل �أن ت�صبح فك����رة تدويل مياه البحر الأحمر مطلب ًا دولي ًا .ويف هذا ال�سي����اق ،قد يكون م����ن املنا�سب الإ�شارة �إىل احتم����ال تورط �إ�سرائيل يف ات�ساع ظاهرة القر�صن����ة يف خليج عدن والبحر الأحمر ،خ�صو�ص ًا �أن القر�صن����ة ت�ص����ب يف حتقي����ق حل����م �إ�سرائيل القدمي ،وه����و تدويل الأم����ن يف البحر الأحمر وباب املندب ،و�إخ����راج الدول العربية نهائي ًا م����ن املعادل����ة ال�سيا�سية والأمنية يف هذا املمر املائ����ي الهام .وقد تن ّبه جمل�س ال�ش����ورى اليمني لوجود �أطماع لإ�سرائيل يف تدويل مياه البحر الأحمر ،معترب ًا �أن ظاهرة القر�صنة البحرية املتزايدة تخدم امل�شروع الإ�سرائيل����ي الداع����ي �إىل التدوي����ل .وق����ال املجل�س يف تقري����ر له حول ظاه����رة “القر�صنة البحرية يف خليج ع����دن واملحيط الهندي” �صدر يف �أواخر �آذار /مار�س املا�ضي �أنه “ال يخفى على �أحد م�شروع الكيان ال�صهي����وين لتدويل البحر الأحمر ،وما لهذا امل�شروع من خماطر على الأمن القومي العربي”. ً عل����ى اجلان����ب الآخر ،تب����دو الدولة العربي����ة �أكرث ارتياح����ا ،فثمة اجت����اه يف �إ�سرائي����ل ي����رى �أن فكرة التدوي����ل مل تعد تل����ك الفكرة التي تخي����ف الدول العربية ،وبالت����ايل ف�إن مواجهة الأخط����ار امل�شرتكة قد
تك����ون فر�صة منا�سبة لإيجاد عالقات جيدة مع هذه الدول ،خ�صو�ص ًا �أن مفه����وم العدو ق����د تغيرّ ؛ فلم تعد �إ�سرائيل ه����ي العدو ،و�إمنا �إيران التي تعد ع����دو ًا م�شرتك ًا لإ�سرائيل والعرب مع���� ًا .ويدلل �أ�صحاب هذه النظري����ة على �صح����ة فكرتهم ب�����أن �إ�سرائيل تُبدي احرتام���� ًا متزايد ًا للأنظمة العربية ،فيما حتر�ص �إيران على التدخل يف ال�ش�ؤون الداخلية للدول العربية ودعم املنظمات واجلماعات اخلارجة على هذه الأنظمة. ومب���وازاة ذل���ك ،يرى بع�ض ال�سا�س���ة الإ�سرائيليني �أن���ه ينبغي العمل عل���ى �إقامة عالقات اقت�صادي���ة متميزة مع دول املنطق���ة ،خ�صو�ص ًا �أن مرحل���ة �إدخال ب�ضائع �إ�سرائيلي���ة �إىل الأ�سواق العربية ب�أ�سماء م�ستعارة قد �أثبتت �أن موجة املقاطع���ة االقت�صادية للمنتوجات الإ�سرائيلية �آخذة يف االنح�سار .ويف هذا ال�سياق ،نقلت جملة “الوطن العربي” يف عددها ال�ص���ادرة يف الأول م���ن ني�سان� /أبري���ل 2009عن �صحيف���ة “ه�آرت�س” الإ�سرائيلي���ة �أن جتار ًا �إ�سرائيليني باعوا �أ�سلح���ة لدول عربية منها ليبيا واليمن .ويف مو�ضوع �أكرث خطورة ،زعمت املجلة نف�سها ،نق ًال عن تقرير ل�صحيف���ة الوورل���د تريبيون الأمريكي���ة� ،أن �شركة الغ���از امل�سال اليمنية و ّقع���ت م�ؤخر ًا عقد ًا مع �شرك���ة �إ�سرائيلية �ضم���ن كون�سورتيوم يف جمال الطاق���ة تقوده �شركة توتال الفرن�سية العمالقة ،و�أن ال�شركة الإ�سرائيلية م�شارك ٌة ولكن من الباطن. ويف ح���ال �صح���ت هذه الأخبار وهي بحاج���ة �إىل مزيد من التدقيق، ف����إن هذا يعني �أن �إ�سرائيل قد ق���ررت الدخول �إىل ال�سوق اليمني
العالقة القوي��ة التي تربط اليمن بالف�ص��ائل الفل�سطينية التي كانت جتد ملج�أً �آمن ًا لن�شاطها يف الأرا�ض��ي اليمني��ة �أح��د �أه��م االعتب��ارات التي جعلتها يف موقع متقدم يف اال�س�تراتيجية الإ�سرائيلية م���ن بابه الوا�س���ع ،وهو باب اال�ستثم���ار يف جمال الطاق���ة ،ولو بطريقة غ�ي�ر معلنة ،ما يدل على وجود توجه �إ�سرائيلي ر�سمي يق�ضي بالبدء يف ق���رع الأبواب الر�سمية اليمنية .ولكن هذا اليعني ب�أي حال �أن �إ�سرائيل ق���ررت نهائي ًا التخلي عن �إ�شعال احلرائ���ق يف الدول العربية ومن بينها اليم���ن الت���ي متثل تهديد ًا لأمنها ولو نظري ًا ،يف �ض���وء ما يقال يف دوائر بحثي���ة �إ�سرائيلية من �أن اليمن م���ن �ضمن عدة دول قد ت�سقط يف �أيدي الأ�صولي�ي�ن الإ�سالمي�ي�ن الذي���ن ال يخفون عدائه���م للغ���رب و�إ�سرائيل بطبيعة احلال. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
19 2009
حتليالت
اليمن والعامل
فـي 60يوما
وجهات نظر
عني على اليمن
العامل اجليو�سرتاتيجي فـي العالقات اليمنية -امل�صرية على الرغم من انتفاء حالة التالم�س احلدودي بني م�ص��ر واليمن ،ف�إن املعطيات اجلغرافية الأخرى ,املتمثلة يف حتكم الدولتني مبداخل البحر الأحمر ،جعلت من عملية االحتكاك والتوا�صل بينهما حتمية �إ�سرتاتيجية� ,أك�سبت عالقات البلدين مزيد ًا من العمق والثبات.
حممد حممد الغرا�سي ه���ذه احلتمي���ة جعل���ت م���ن م�س�ألة قي���ام عالق���ات م�ستقرة وطبيعية تنطوي على قدر منا�سب من التفاهم بني البلدين �أمر ال منا����ص منه ,وال ميكن جتاهله .مبعنى �آخر� ,إن العالقات بني اليمن وم�صر مل تكن -ولن تكون -قائمة على م�صالح وظروف �آني���ة �أو ر�ؤى �شخ�صية ،وال من باب الرتف� ,أو املجامالت بحيث جتع���ل من وجود هذه العالق���ات كغيابها� ,أو ميك���ن للدولتني �أو �إحداهما �أن تقرر �أنها يف غنى عن عالقات م�ستقرة بينهما ،بل �إن وجود مثل هذه العالقات �أمر حتمي ال ميكن للدولتني جتاهل �ضرورة تنظيمها وتطويرها. وتت�ض���ح الآلية التي تبني كيفي���ة ارتباط ,وت�أثر العالقات بني اليمن وم�صر مبوقعهما اال�سرتاتيجي ،من خالل معرفة النقاط الرئي�سية التالية: الأوىل :ر�ؤية الدولتان لأهمية موقع كل منهما� ،أي ماذا يعني هذا املوقع بالن�سبة لأهداف وم�صالح وقيم الدولتني. الثانية :كيف ترجم���ت الدولتان ر�ؤيتهما تلك يف �شكل �سلوك مبا�شر� ,أو غري مبا�شر جتاه بع�ضهما ،مع الإ�شارة �إىل ردود فعل القوى الإقليمية ,والدولية يف هذا الإطار. الثالث���ة :كي���ف انعك����س موق���ع الدولت�ي�ن عل���ى �سيا�ساتهما, ومواقفهما جتاه الق�ضايا ذات االهتمام امل�شرتك ,وعلى �أمناط التعاون الثنائي وجماالته. ويف حديثن���ا عن النقطتني الأوىل والثاني���ة� ،سيكون الرتكيز عل���ى الر�ؤي���ة ,وال�سلوك امل�صري عل���ى افرتا����ض �أن م�صر هي الطرف الأكرب ,والأق���وى ,والأكرث ت�أثري ًا وت�أثر ًا ،وعلى افرتا�ض �أي�ض ًا �أن ال�سلوك اليمني هو رد فعل يف �أغلب الأوقات ,ولعل �أبرز دليل على ذلك �أن التاريخ �سجل لنا �أكرث من حالة وجود م�صري يف اليمن ,ولي�س العك�س. 20
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
تع���د اليم���ن م���ن الناحي���ة الإ�سرتاتيجية خط الدف���اع الأول بالن�سب���ة مل�ص���ر ،فالبح���ر الأحمر بح�ي�رة �شبه مغلق���ة ,تتحكم م�ص���ر يف مدخله���ا ال�شمايل ,بينم���ا تتحكم اليم���ن يف مدخلها اجلنوبي عرب م�ضيق باب املندب ،من خالل حتكمها يف مفاتيح ه���ذا امل�ضيق ،وهي اجلزر اليمني���ة الإ�سرتاتيجية ,و�أهمها جزر (ب���رمي ,وزقر ,وحني����ش) بالإ�ضافة �إىل خلي���ج عدن ,الذي يعد �أحد بواب���ات باب املندب ،وق���د ازدادت �أهمية اليم���ن بالن�سبة مل�ص���ر بع���د �شق قناة ال�سوي����س ،التي جعلت م���ن البحر الأحمر �شريان ًا مهم ًا ،للموا�صالت بني ال�شرق والغرب ،وللتجارة الدولية خا�صة جتارة النفط .وبالتايل ,عندما يتعر�ض املدخل اجلنوبي للبح���ر الأحمر لأي هزة ته���دد ب�إغالق باب املن���دب� ,أو عندما تك���ون الأو�ض���اع يف اليمن غ�ي�ر م�ستقرة ،ف�أمن قن���اة ال�سوي�س, والأمن القومي امل�صري عموم ًا ,الطرف الأكرث ت�ضرر ًا ,وعر�ضة للتهديد. ه���ذه الو�ضعية جعل���ت ال�سل���وك امل�صري جت���اه اليمن ي�أخذ �أمن���اط االحت���واء� ,إن مل نق���ل ال�سيط���رة �أحيان��� ًا والتحالف� ,أو التن�سيق �أحيان ًا �أخرى ،ومن �أبرز الدالئل التاريخية على ذلك: يف الق���رن اخلام�س ع�شر ,عندما �أراد الربتغاليون �إخ�ضاعم�ص���ر ,بهدف ال�سيطرة على جتارة ال�ش���رق القادمة من الهند وج���زر جنوب الهند ال�شرقية ،قرروا بداي���ة ال�سيطرة على مياه البح���ر العربي ,و�سد منافذ جنوب البحر الأحمر� ,أي ال�سيطرة على ال�سواحل اليمني���ة كاملة ،وكانت النتيجة �أن واجهت م�صر �أزم���ة اقت�صادية خانقة ب�سب���ب احل�صار الربتغ���ايل امل�ضروب على موانئها ،ويف املقابل كان ف�شل احلملة الربتغالية على عدن بداية انح�سار هذا احل�صار. وعل���ى �إثر تلك الأحداث� ,سع���ت الدولة امل�صرية اململوكية �إىل �إقام���ة حتال���ف مع الدولة اليمني���ة الطاهرية حينئذ ،فلما حممد حممد الغرا�سي كاتب ميني.
رف����ض ال�سلطان عامر هذا التحال���ف ,بدافع اخلوف من فر�ض ال�سيطرة ال�سيا�سية والع�سكرية امل�صرية على اليمن ،دفع حياته ثمن��� ًا لذل���ك ,بالإ�ضافة �إىل �سقوط الدول���ة الطاهرية يف اليمن عل���ى يد املمالي���ك الذين �أتبع���وا بعد ذلك خط���ة دفاعية كانت مبقت�ضاها ال�سواحل اليمنية ه���ي خط الدفاع الأول يف مواجهة الأ�سطول الربتغايل يف البحر العربي ,وجنوب البحر الأحمر. عندم���ا حك���م العثمانيون م�صر يف �سن���ة ،1517ركزوا علىال�سواح���ل اليمني���ة لكونه���ا متثل القاع���دة� ,أو اخل���ط الأول يف الدف���اع عن م�ص���ر العثمانية .وفى القرن التا�س���ع ع�شر ا�ستعاد العثمانيون ال�سيطرة على اليمن ملحا�صرة حممد علي يف م�صر، ولل�سب���ب نف�س���ه �أي�ض ًا احتلت بريطانيا ع���دن التي �أ�صبحت بعد فتح قناة ال�سوي�س حمطة هامة جد ًا يف الطريق �إىل الهند. وا�صلت الدول���ة امل�صرية خالل الفرتات الالحقة �سيا�ساتاالحتواء �أو التحالف مع اليمن ،ففي العهد الأمامي كانت هناك معاه���دة الدف���اع امل�شرتك ثم احت���اد الدول العربي���ة مع م�صر و�سورية. كان قرار م�صر م�ساندة الثورة اليمنية يف بداية ال�ستينيات,يه���دف �أ�سا�س��� ًا �إىل حماية الث���ورة امل�صرية ,م���ن خالل �إغالق جمي���ع املنافذ التي قد ت�ؤدي �إىل الأرا�ضي امل�صرية ,ولي�س فقط ت�أمني حدودها الإقليمية. يف حرب 1973قامت القوات امل�صرية باال�شرتاك مع القواتاليمنية ،ب�إغالق م�ضي���ق باب املندب ملنع �أي حماولة �إ�سرائيلية
اخلريط��ة كق��در :املعطي���ات اجلغرافية جعل���ت عملية االحت���كاك والتوا�ص���ل بني اليمن وم�صر حتمية ا�سرتاتيجية
الحتالل اجلزر الإ�سرتاتيجية يف جنوب البحر الأحمر. .6مع انتهاء القطيعة العربية امل�صرية على �إثر كامب ديفيد، كان���ت م�صر يف تنظي���م �إقليمي واح���د مع اليم���ن ,وهو جمل�س التع���اون العرب���ي ،الذي �إنته���ى باندالع حرب اخللي���ج الثانية، لتدخل م�صر يف عالقة حتالفية مع دول اخلليج العربي يف �إطار دول �إعالن دم�شق. نتيج���ة للح�سا�سي���ة امل�صري���ة جت���اه موقع وحتك���م اليمن يف البواب���ة اجلنوبية للبحر الأحمر ,وللرغبة امل�صرية امل�ستمرة يف ت�أم�ي�ن الأو�ضاع يف هذه املنطقة ،كان البد من ظهور حاالت من التوتر والتوج�س� ,أو الريبة التي �أحاطت بعالقات البلدين �سواء عل���ى امل�ستوى الثنائي� ,أو على امل�ستوى الإقليمي ،وظهر ذلك يف حاالت وجوانب عدة منها: كانت اليمن يف كثري من الأوقات تخ�شى ,وتعمل على منع �أنيتح���ول �سلوك م�صر جتاهها �إىل ن���وع من ال�سيطرة �أو التحكم، وت�ؤكد عل���ى ا�ستقاللها و�سيادتها وخ�صو�صي���ة �أو�ضاعها .فقد عرفن���ا الثم���ن الذي دفعه ال�سلط���ان عامر نتيج���ة رف�ضه فكرة التحال���ف م���ع الدول���ة امل�صري���ة اململوكية ,وكذل���ك كانت حالة الريب���ة قائم���ة ب�ي�ن الطرفني �أثن���اء الوجود امل�ص���ري يف اليمن خالل الفرتة التي تلت قيام ثورة � 26أيلول� /سبتمرب ,1962وما ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
21 2009
اليمن والعامل
حتليالت
�ش���اب تل���ك الف�ت�رة م���ن خالف���ات ب�ي�ن القي���ادات اليمنية وامل�صري���ة ,و�صلت ذروته���ا باعتقال رئي����س و�أع�ضاء احلكومة اليمنية يف القاهرة. كان���ت اليم���ن ت���درك �أنه���ا �ساح���ة للتناف����س ال�سعودي -امل�صري خالل ال�ستينيات ،ورمب���ا ما يزال هذا الإدراك قائم ًا م���ع ا�ستم���رار التناف����س ولو ب�شكل غ�ي�ر ملمو�س ب�ي�ن الريا�ض والقاه���رة ,ال�سيما و�أن موازين القوى ت�ش�ي�ر �إىل �أنهما تعدان م���ن �أبرز الق���وى ال�سيا�سي���ة والع�سكرية يف املنطق���ة؛ فقد كان الوجود امل�صري يف اليمن حمل رف�ض كامل من قبل ال�سعودية؛ وال غراب���ة يف ذلك ،فهذا الوجود جع���ل م�صر مت�سك مبداخل وخم���ارج البحر الأحمر ,وت�سيطر على خط يبلغ �ألفي كيلو مرت م���ن �شمال البحر الأحمر �إىل جنوبه ،بالإ�ضافة �إىل �أن القوات امل�صرية كانت يف موقع ميكنها من فر�ض طوق بري كامل على ال�سعودي���ة ,فاليم���ن بحكم موقعها هي القاع���دة التحتية ل�شبه اجلزيرة العربية. وق���د زاد من حدة هذه التوت���رات ,ت�صريحات عبد النا�صر ب����أن القوات امل�صري���ة �ستهاجم قواعد الق���وات امللكية اليمنية يف الأرا�ض���ي ال�سعودي���ة ،التي كان���ت تدعم النظ���ام امللكي يف مواجه���ة الث���ورة وق���وات النظام اجلمه���وري .وبع���د ان�سحاب القوات امل�صري���ة من اليمن بعد هزمية 1967كان من الطبيعي �أن ت�صع���د بعد ذلك يف اليمن القوى الت���ي كانت تدعو �إىل حل واتفاق مع ال�سعودية. يف بداية الت�سعينيات توترت العالقات اليمنية -امل�صريةعندما اعتربت القاه���رة �أن اليمن حمطة انطالق للمتطرفني امل�صري�ي�ن من باك�ست���ان و�أفغان�ست���ان ,ثم اليم���ن ,فال�سودان وم�ص���ر ،بالإ�ضاف���ة �إىل قل���ق م�صر م���ن تنام���ي دور احلركة الإ�سالمي���ة يف اليمن ،وقد تقل�صت ه���ذه التوترات بعد التوقيع على االتفاقية الأمنية بني البلدين يف .1996 بالن�سبة للنقطة الرئي�سة الثالثة املتعلقة ب�سيا�سات ومواقف البلدين جت���اه الق�ضاي���ا الإقليمية والدولي���ة ,ال�سيما املرتبطة مبنطق���ة البح���ر الأحم���ر ،ميك���ن الت�أكي���د عل���ى �أن الدولت�ي�ن حتد واحد ,ه���و �أمن وعروبة البح���ر الأحمر ،وذلك تواجه���ان ٍّ طبع��� ًا مع ا�ستبع���اد �أي احتم���االت لقيام �أي م���ن الدولتني ب�أي ن�شاط ي�ستهدف �أمن وم�صالح الدولة الأخرى. 22
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
كم���ا ميك���ن الت�أكي���د �أي�ض ًا عل���ى �أن اله���دف اال�سرتاتيجي للدولت�ي�ن ه���و ا�ستق���رار الأو�ض���اع الأمنية ،مبا يحف���ظ وي�ؤمن �سالم���ة املالح���ة البحرية يف البح���ر الأحمر وقن���اة ال�سوي�س، ومبا ي�ضمن انتفاء �أي �أخطار ت�أتي عرب هذه املنطقة تهدد �أمن وم�صالح الدولتني ،ويرتبط حتقيق هذا الهدف ب�أمرين: الأول :العمل على منع �أو احتواء �أو الت�سوية ال�سلمية لأي نزاع يف البح���ر الأحمر ،غري �أننا جند �أن هذا البحر يعد �أبرز ب�ؤرة لل�صراع ال���دويل ،وذلك ب�سبب النزاع���ات احلدودية بني دوله التي تختلف �سيا�ساتها وا�سرتاتيجياتها ،بالإ�ضافة �إىل ت�شابك, وت�ص���ارع م�صال���ح وا�سرتاتيجيات القوى الدولي���ة التي ترتبط بالبحر الأحم���ر� ،إ�سرتاتيجي ًا و�سيا�سي��� ًا واقت�صادي ًا وع�سكري ًا يف مقدمته���ا دول اخلليج والوالي���ات املتحدة الأمريكية و�أوروبا والياب���ان وال�صني .فقد كان البح���ر الأحمر ,وما يزال م�سرح ًا لكثري م���ن النزاع���ات ،مثل احل���روب العربي���ة -الإ�سرائيلية وح���روب اخلليج ،بالإ�ضافة �إىل التوت���رات الثنائية مثل التوتر امل�ص���ري -ال�سوداين ،والتوتر ال�س���وداين -الأثيوبي ،وم�شاكل �إريرتي���ا (احتالله���ا جزيرة حني����ش اليمنية ،وتوت���ر العالقات ال�سودانية -الإريرتية وكذلك الإريرتية -الأثيوبية) ،والوجود الع�سك���ري الفرن�سي يف جيبوت���ي ،ونزاع �أوجادين ب�ي�ن �إثيوبيا وال�صوم���ال ،كذلك م�شاكل بع�ض الدول مثل امل�شكلة ال�سودانية وامل�شكلة ال�صومالية . الثاين :حتقي���ق الرقابة الفاعلة الت���ي ت�ضمن ت�أمني �سالمة مداخ���ل البح���ر الأحم���ر ,وبال���ذات املدخل اجلنوب���ي يف باب املندب ،وهن���ا �أي�ض ًا جند �أن هذه املنطقة ت�شهد حالي ًا عمليات قر�صن���ة ت�شكل تهدي���د ًا حقيقي��� ًا ل�سالمة هذا املم���ر ,و�سالمة التجارة الدولية عربه. �أم���ا بالن�سب���ة لعروبة البح���ر الأحمر ,فهو ه���دف �إ�سرتاتيجي للدول العربية املطلة علي���ه ,وذلك يف مواجهة حماوالت تدويل هذه املنطقة ،من خ�ل�ال وجود القوات الأجنبية فيها مبربرات متعلق���ة ب�أمن وم�صالح تلك القوى ,وب�أعذار خمتلفة منها على �سبيل املث���ال �إنهاء عمليات القر�صنة .وترف����ض الدول العربية املطلة على البحر الأحمر تدويل نزاعات هذا البحر وم�شاكله, وت�ؤكد على �أن حماية �أمنه م�س�ؤولية عربية .ويف هذا الإطار ،كان هناك حت���ركات �سيا�سية عربية ته���دف �إىل و�ضع �إ�سرتاتيجية
عربي���ة موحدة جت���اه البحر الأحمر� ,أو �إن�ش���اء منظمة �أو هيئة عربية �أو جمل�س عربي حلماية �أمن البحر الأحمر. بي���د �أن ه���ذه التوجه���ات مل تل���قَ جناح��� ًا ,ب�سب���ب الوج���ود الع�سكري الأجنبي يف البحر الأحمر وحوله ,والعتبارات داخلية و�إقليمي���ة قد ت�شكل خماوف��� ًا عربية متبادلة م���ن �سيطرة دولة �أو حم���ور معني على املنطق���ة .فم�صر ترى �أنها م���ا تزال �أكرب قوة ع�سكرية عربي���ة ,وال�سعودية ترى �أنها �أكرب قوة اقت�صادية عربية ،ومع���روف لدينا تناف����س الدولت���ان اال�سرتاتيجي حول زعام���ة النظ���ام الإقليم���ي العرب���ي ب�ش���كل عام ،وق���د تتالقى م�صالح الق���وى العربية الكربى ,وجتد ال���دول الأخرى ,ومنها اليم���ن نف�سه���ا حم�ش���ورة ب�ي�ن ع���دة ق���وى م�سيطرة ق���د تكون �إ�سرائيل �أحدها. وم���ع غياب �إ�سرتاتيجي���ة عربية موح���دة يف البحر الأحمر، ولرتك���ز معظم النزاع���ات وامل�ش���اكل يف جنوب البحر العالق��ات بني اليمن وم�ص��ر مل تك��ن -ولن تكون قائم��ة عل��ى م�ص��الح وظ��روف �آني��ة �أو ر�ؤى�شخ�صية ،وال من باب الرتف� ,أو املجامالت بحيث جتع��ل من وجود هذه العالق��ات كغيابها� ,أو ميكن للدولت�ين �أو �إحداهم��ا �أن تق��رر �أنه��ا يف غنى عن عالقات م�س��تقرة بينهما ،ب��ل �إن وجود مثل هذه العالق��ات �أم��ر حتم��ي ال ميكن للدولت�ين جتاهل �ضرورة تنظيمها وتطويرها
الأحم���ر ،تتحمل اليمن �أكرث من غريها ع���بء الرقابة الفاعلة على ب���اب املندب ،وهو الأم���ر الذي �شكل دافع ًا قوي��� ًا لها باجتاه تطوير قدراتها الع�سكري���ة البحرية ,وتكثيف جهودها الدبلوما�سية بهدف تنويع ,وتكثيف �آليات التن�سيق مع دول جنوب البحر الأحمر. ويف ه���ذا الإط���ار ،ي�أت���ي دور اليمن البارز يف �إن�ش���اء جتمع �صنعاء, ال���ذي ي�ض���م �إىل جانب اليمن كل م���ن ال�سودان وجيبوت���ي و�إثيوبيا وال�صومال ،بالإ�ضافة �إىل اجله���ود واملبادرات اليمنية التي هدفت �إىل ت�سوي���ة ع���دد من النزاع���ات ,مثل الن���زاع الإثيوب���ي الإريرتي, والنزاع ال�صومايل. ونفرت����ض يف كل تلك اجلهود ,وجود تن�سق ميني -م�صري على الرغم م���ن غياب حقائق دامغة يف هذا الإط���ار ،كما نلحظ غياب التوجهات التحالفية امل�صرية ال�سابقة جتاه اليمن ،ولعل �أبرز مثال عل���ى ذلك املوقف امل�ص���ري �إزاء احتالل �إريرتي���ا جلزيرة حني�ش, �إذ ظ���ل املوقف امل�ص���ري يدعو �إىل احلل ال�سلم���ي خوف ًا من حدوث �صراعات يف املنطقة تهدد حرية ,و�سالمة املالحة فيها. وفيم���ا يتعلق مب�ستوى التعاون االقت�ص���ادي بني اليمن وم�صر يف �ض���وء موقعهما امل�شرتك على البحر الأحمر ،جند �أن معطيات ث���روات هذا البح���ر ال�سمكية واملعدني���ة والنفطي���ة ،ت�ساعد على تكوين قاعدة كبرية لإقامة عالقات تعاون ,بل ,وتكامل اقت�صادي ا�ستثم���اري بني الدولتني� ،إال �أن م�ستوى هذا التعاون يبدو مت�أخر ًا نوع ًا ما مقارنة بتلك املقومات االقت�صادية امل�شرتكة .يف املقابل، كان البلدان يواجهان م�شاكل فيما بينهما حول اال�صطياد يف املياه الإقليمي���ة من قب���ل ال�صيادين امل�صريني ,عموم��� ًا ف�إن االتفاقات املوقعة بني البلدين يف جماالت التعاون االقت�صادي كثرية� ،إال �أن تطبيقها ,وتنفيذها يبدو مرهون ًا بعوامل �سيا�سية �أخرى. يف اخلت���ام ,ن�ؤك���د عل���ى حقيق���ة �إ�سرتاتيجية تق���ول �أنه مهما �أحاط���ت ب����ؤر التوت���ر بالعالقات اليمني���ة امل�صري���ة� ،إال �أن هذه العالقات �ستظل بعيدة عن التهور الذي ي�ؤدي بها �إىل مزيد من الت�أزم ،ومرد ذلك حتمية املوقع اال�سرتاتيجي؛ التي �أك�سبت هذه العالق���ات نوع ًا م���ن الثبات اال�سرتاتيج���ي ،فمهما بلغت درجة التوت���ر واالختالف يف ال���ر�ؤى ووجهات النظر ،ف����إن العالقات ب�ي�ن �صنعاء والقاهرة �ستظل قائمة على الأقل عند م�ستواها الع���ادي� ,أي �أنها لن ت�صل �إىل حال���ة القطيعة الكاملة �أو العداء وال�صراع املبا�شرين. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
23 2009
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
اليمن ودول اخلليج
عالقات
عادية متر العالقات اليمنية اخلليجية بحالة من اال�ستقرار والهدوء يف حاالتها االعتيادية ،غري �أنها مل ت�ص��ل بعد �إىل مرحلة التميز والثقة املتبادلة بني النظم ال�سيا�س��ية يف دول جمل�س التعاون اخلليج��ي واليم��ن ,رغ��م ما يب��دو يف الظاهر ويف الت�ص��ريحات الر�س��مية من تق��دم يف العالقات والتن�سيق الثنائي ،الذي ميهد الندماج كامل يف منظومة جمل�س التعاون اخلليجي.
�صالح القا�ضي اليم���ن الت���ي تقدمت ر�سمي��� ًا بطل���ب االن�ضمام �إىل جمل�س التع���اون يف قمة الدوحة عام ,1996ما زالت حتى اللحظة ت�أمل يف التفاتة حقيقية من دول اجلوار من �أجل و�ضع خطة زمنية لت�أهيلها ,و�ض ّمها يف هذا الكيان الإقليم���ي ،لأن بقاءها خارج املجل�س لي�س يف �صالح دول اخلليج ,ولي�س يف �صالح اليمن �أي�ض ًا وفق كل احل�سابات ال�سيا�سي���ة والإ�سرتاتيجية .وقد ثبت بالتجرب���ة �أن بقاء اليمن خارج ه���ذه املنظومة رمبا يدفعه���ا �إىل حتالفات خارج النطاق اجلغرايف ي�ضر ب���دول اخلليج ب�شكل �أو ب�آخر ،كما حدث �إبان ت�شكيل جمل����س التع���اون العربي ,ال���ذي مثل وج���وده خلط ًا ل�ل��أوراق وفرز حم���اور عدائية يف اجل�س���د العربي, قادا �إىل نتائج وخيمة على كل دول املنطقة. م���ن الوا�ض���ح �أن دول جمل����س التع���اون اخلليجي مل حت�سم �أمرها بعد حيال �ضم اليمن �إىل املجل�س ،وما زالت هناك اختالف���ات وتباينات يف الر�ؤى بني هذه ال���دول �إزاء ه���ذه الق�ضية وغريه���ا يف �إطار الت�ضاد احلا�ص���ل ح���ول ق�ضايا وم�صال���ح بيني���ة ،وكل دولة 24
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
�صالح القا�ضي �إعالمي وباحث ميني مقيم يف دبي.
م���ن دول جمل�س التعاون له���ا ح�ساباتها وم�صاحلها ومنظورها للعالقات مع اليمن. على �صعيد الواقع العملي ,مل يلتم�س املغرتب اليمني يف دول اجل���وار �أو اليمني�ي�ن يف بالدهم �أي تطور يف العالق���ات مع دول اخلليج ب�ص���ورة جتعلهم يدركون �أن بالده���م بات���ت قاب قو�س�ي�ن �أو �أدن���ى من دخول جمل����س التع���اون� ,إن على �صعيد امل�صال���ح املتبادلة �أو الت�سهي�ل�ات املقدم���ة لهم يف التنق���ل والإقامة يف دول اجلوار ،وم���ا زالت اجلن�سي���ات الآ�سيوية تتمتع بت�سهي�ل�ات و�أف�ضلي���ات يف دول اخللي���ج �أك�ث�ر م���ن اليمنيني. �إن العالق���ات اخلليجي���ة اليمني���ة ينبغ���ي �أن تغ���ادر مرحلة ال�شكوك وعدم الثق���ة بني النظم ال�سيا�سية, والب���د �أن تبن���ى ه���ذه العالق���ات عل���ى امل�صارح���ة واملكا�شف���ة ون�سج �شبكة من امل�صالح امل�شرتكة ،فمن الوا�ضح �أن الأزمات واحلروب التي عا�شتها املنطقة ما زال���ت عالقة يف ذاكرة النظم ال�سيا�سية ،التي مل تغادر بعد تلك احلقبة. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
25 2009
اليمن والعامل
حتليالت و�سد الثغرات الدميغرافي���ة والبنيوية لدى دول املنطقة ,و�سي�صبح احلج���م الكلي لل�سكان يف هذا التجمع الإقليمي ما يربو على �أربعني ملي���ون ن�سمة ,وهو ما �سي�شكل قوة ب�شرية يعتد بها يف ميزان القوى الإقليمية. �إن املحددات االقت�صادية بني اليمن ودول اخلليج لها �أهمية كربى, قد تفوق خ�ل�ال ال�سنوات القادم���ة العوامل واملح���ددات ال�سيا�سية والأمني���ة ,رغم �أن التن�سيق الأمني يف مواجه���ة الأن�شطة الإرهابية �ص���ار يحتل بند ًا هام ًا يف الأجن���دة ال�سيا�سية على �صعيد العالقات اخلارجي���ة .وق���د �شهدت م�س�ي�رة العالق���ات االقت�صادي���ة اليمنية اخلليجي���ة خالل ال�سن���وات املا�ضية تطور ًا ملحوظ��� ًا ,مبا يعزز من فر����ص التكامل لالقت�صاد اليمني م���ع االقت�صاديات اخلليجية� ،إذ ك�شفت الإح�صاءات اليمنية الر�سمية ارتفاع حجم التبادل التجاري بني اليمن ,ودول جمل�س التعاون اخلليجي �إىل �أعلى م�ستوى له منذ خم����س �سن���وات لي�ص���ل �إىل 646,6مليار ريال خ�ل�ال العام املا�ضي 2007مقارنة بـ 443,7مليار ريال يف .2006
رغبة تنتظر القدرة :على دول جمل�س التعاون �أن تتعامل مع اليمن وفق منظور �سيا�سي واقعي دون اخلو�ض يف املجامالت ال�سيا�سية التي ال تف�ضي �إىل نتيجة عملية
م���ن وجهة النظر الواقعية ,عل���ى دول جمل�س التعاون �أن تتعامل مع اليمن وفق منظور �سيا�سي واقعي ووا�ضح دون اخلو�ض يف املجامالت ال�سيا�سي���ة الت���ي ال تف�ضي �إىل �أي نتيجة عملي���ة ،وذلك عرب تقدمي خط���ة �إ�سرتاتيجية حقيقي���ة لليمن تت�ضمن ا�شرتاط���ات ومتطلبات االن�ضم���ام الكام���ل �إىل املجل����س يف خمتل���ف اجلوان���ب ال�سيا�سية واالقت�صادي���ة والأمني���ة والت�شريعية ،مقابل ا�ستع���داد اليمن عملي ًا بتنفي���ذ برنام���ج زمني ي�ؤهله���ا للع�ضوية الكاملة م���ن خالل تعديل ومواءم���ة الأنظمة والت�شريعات م���ع دول اخلليج ,و�إنهاء كل مظاهر االخت�ل�االت الأمنية ,والق�ضاء على انت�ش���ار ال�سالح ,وب�سط �سلطة الدول���ة عل���ى كل املحافظات ،والغزل على من���وال �سيا�سات مواكبة لتوجهات دول اخلليج. وب�ص���رف النظ���ر عن اختالف النظ���م ال�سيا�سية ب�ي�ن اليمن ودول ً ف�ض�ل�ا عن النظ���ام الأ�سا�س���ي للمجل�س وم���ا يحتويه من اخللي���ج, ن�صو����ص مقيدة ,ف�إن ق�ضية ان�ضمام اليمن ملجل�س التعاون متثل يف حقيقته���ا بعد ًا �سيا�سي ًا �صرف ًا ورغبة خليجية يف القبول من عدمه، واليم���ن يف الظ���روف االقت�صادي���ة ال�صعب���ة الت���ي تعي�شه���ا تعتقد مب�سئولي���ة دول اجل���وار يف م�ساعدته���ا ودعمها للنهو����ض واللحاق برك���ب التنمي���ة ,وبالتايل ت�أهيله���ا لالنخ���راط يف منظومة جمل�س التع���اون ،و�صنعاء بذلك ت�ستح�ضر دائم ًا من���وذج االحتاد الأوروبي الذي تبنى دعم �أ�سبانيا وت�أهيلها لدخول االحتاد. واق���ع احلال� ,أن اليم���ن يف ظروفها احلالية بحاج���ة �إىل “م�شروع 26
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
مار�شال خليجي” لدعمه���ا ا�سرتاتيجي ًا واقت�صادي ًا� ,ضمن م�شروع �شامل ي�ساعد يف حتقي���ق تقدم تنموي يقلل من الهوة ال�سحيقة بني اليم���ن ,ودول اجل���وار على �صعي���دي م�ستوى دخل الف���رد والتنمية االقت�صادية� ,إن كانت هناك رغبة حقيقية و�صادقة من دول اخلليج ب�ضم اليمن �إىل هذا التكتل الإقليمي. من الناحية ال�سيا�سية ،ومن منظور العالقات اخلارجية ,ف�إن اليمن �ص���ارت اليوم �أقرب �إىل دول اخلليج من �أي وقت م�ضى يف مواقفها ال�سيا�سي���ة جت���اه خمتلف الق�ضاي���ا الإقليمية والدولي���ة والتطورات احلا�صلة عل���ى ال�ساحة العربية على �صعيد امللفات ال�ساخنة ،وهذا ه���و الو�ضع الطبيع���ي لليم���ن� ,أن تن�سق مع دول اجل���وار الرتباطها الع�ض���وي وامل�صلح���ي معه���ا ،وق���د �أ�صبح���ت �صنع���اء حتر�ص على التن�سيق مع دول اجلوار وطرح م�صاحلها معها يف �سلم الأولويات. ويرى البع����ض �أن ان�ضمام دولة معينة �إىل تكتل �إقليمي جماور لها, ويال�صقها جغرافيا ,مل يعد مرهون��� ًا بت�شابه الظروف االقت�صادية وال�سيا�سية والثقافي���ة والتكنولوجية ,بل �أ�صبح الأمر متعلق ًا بحجم امل�صال���ح امل�شرتكة بني الطرفني ,وم���اذا ميكن �أن يحقق كل طرف للآخر من تلك امل�صالح. ال�شك� ,أن ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي �سيعيد ر�سم خريط���ة اخلليج واجلزي���رة العربية من الناحيت�ي�ن اجليوبوليتيكية والإ�سرتاتيجي���ة جلهة حتقيق م�صال���ح م�شرتكة ,وي�ساهم مبعاجلة
متث���ل ال���دول اخلليجية �شري���ك ًا جتاري ًا مهم��� ًا بالن�سب���ة لليمن� ،إذ ت�ستحوذ على الن�صيب الأكرب من واردات اليمن من ال�سلع املختلفة، كما ت�شكل �سوق ًا مهم ًا لل�صادرات اليمنية غري النفطية ,وبالأخ�ص ال�سل���ع الزراعي���ة وال�سمكية ،حيث احتل جمل����س التعاون اخلليجي املرتبة الأوىل خالل ال�سنوات املا�ضية. وال ميك���ن التقلي���ل ب�أي ح���ال من الأح���وال مما حتقق عل���ى �صعيد التقارب بني اليم���ن ودول جمل�س التعاون اخلليجي خالل ال�سنوات القليل���ة املا�ضية ,وما اتخ���ذه املجل�س من خطوات جت���اه اليمن� ،إذ مث���ل قرار قمة م�سقط يف دي�سمرب 2001ال���ذي ت�ضمن موافقة دول جمل����س التعاون على االن�ضمام اجلزئي لليم���ن �إىل �أربع م�ؤ�س�سات رئي�سية يف املجل����س ,هي مكتب الرتبية وال�صح���ة والعمل وال�ش�ؤون االجتماعية ودورة ك�أ�س اخلليج ،هذا القرار م ّثل نقطة حتول بارزة يف م�سرية العالقات اليمنية اخلليجية ،كما وافق جمل�س التعاون يف عام 2008على ان�ضمام اجلهاز املركزي للرقابة واملحا�سبة اليمني �إىل �أجه���زة الرقابة واملحا�سبة بدول املجل����س ،ف� ً ضال عن ان�ضمام مكتب براءة االخرتاع لأقرانه يف دول املجل�س. وال�شاه���د� ,أن احلكوم���ة اليمني���ة تب���ذل جه���ود ًا �شتى عل���ى �صعيد تعزي���ز العالق���ات مع دول جمل����س التع���اون والإيف���اء بااللتزامات واال�ستحقاق���ات املطلوبة لالن�ضمام �إىل املجل�س وفق��� ًا لإمكانياتها وقدراته���ا املتاحة ،وقد ك�شفت م�صفوفة خارط���ة الطريق الندماج اليم���ن يف جمل����س التعاون ل���دول اخللي���ج العربية املع���دة من قبل احلكوم���ة اليمني���ة ع���ن خم�س���ة م�س���ارات رئي�سي���ة لت�أهي���ل اليمن لالن�ضم���ام الكام���ل للمنظومة اخلليجي���ة وفق ر�ؤي���ة عملية ترتكز على حتقيق التكامل االقت�صادي مع دول جمل�س التعاون اخلليجي. وتتمثل هذه امل�سارات يف م�سار ال�شراكة التجارية ,ودورها يف عملية
ب�ص��رف النظر عن اختالف النظم ال�سيا�سية بني اليمن ودول اخلليج, ف� ً ضال عن النظام الأ�سا�سي للمجل�س وم��ا يحتوي��ه م��ن ن�ص��و�ص مقيدة, ف�إن ق�ض��ية ان�ض��مام اليم��ن ملجل�س التع��اون متث��ل يف حقيقته��ا بع��د ًا �سيا�سي ًا �ص��رف ًا ورغبة خليجية يف القبول من عدمه التكام���ل االقت�صادي ,واندماج اليم���ن يف اقت�صاديات دول جمل�س التعاون اخلليج���ي ،وم�سار ال�شراكة اال�ستثماري���ة لتعزيز التكامل, واالندم���اج لالقت�صاد اليمني يف اقت�صادي���ات دول جمل�س التعاون اخلليج���ي ،وم�سار العمالة اليمنية �إىل جانب م�سار البناء امل�ؤ�س�سي الالزم لت�أهيل اليمن لالن�ضمام �إىل جمل�س التعاون اخلليجي. �إن الأزم���ات ال�ساخنة الت���ي تعي�شها دول اخللي���ج العربي مع بع�ض الق���وى الإقليمي���ة مثل �إي���ران ,تدفع دول اخلليج �أك�ث�ر من �أي وقت م�ض���ى �إىل االلتفات �إىل اليمن وا�ستيعابها ملا متثله من كتلة ب�شرية وعم���ق تاريخي وا�سرتاتيج���ي حا�ضن لدول املنطق���ة ,ملواجهة مثل هذه التطورات والأخطار التي تهدد كينونة املنطقة و�إرثها التاريخي والعروبي. بكل املقايي�س ,ف����إن العالقات اليمنية اخلليجية متر اليوم بظروف �أن�ضج من ذي قبل� ،سيما و�أن اليمن طوى كل امللفات احلدودية مع كل م���ن ال�سعودية و�سلطنة عمان ,ومل تعد هناك عوائق ومنغ�صات حت���ول دون تطوي���ر العالق���ات الثنائي���ة ب�ي�ن �صنع���اء وكل ال���دول اخلليجية. وتبقى الق�ضية الأ�سا�سية يف توافر �إرادة �سيا�سية حقيقية من قبل دول جمل����س التعاون اخلليجي جت���اه ا�ستيعاب اليم���ن و�ض ّمها �إىل املجل����س ,ولو مت ذلك �ضمن خط���ة �إ�سرتاتيجية زمنية حمددة ،يتم م���ن خاللها و�ضع م�سارات وا�ضحة وجلي���ة وا�ستحقاقات تلتزم بها اليمن �أم���ام دول املجل�س ,مقابل دعم وم�سان���دة خليجية مربجمة للنهو�ض باالقت�صاد اليمن���ي و�إخراجه من غرفة الإنعا�ش �إىل واقع �أك�ث�ر قب���و ًال ومواءم���ة م���ع دول اجلوار الرثي���ة ،وتلك ه���ي املعادلة احلقيقية بني الطرفني ،ما مل �ستظل امل�س�ألة تدور يف �إطار ما ي�سمى «ح���وار الطر�شان» واملفاو�ض���ات طويلة املدى ,والتنظ�ي�ر ال�سيا�سي املحلق يف �آفاق بعيدة عن �أر�ض الواقع. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
27 2009
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
من
احتواء ال�شيوعية
�إىل
احتواء القاعدة مكانة اليمن فـي اال�سرتاتيجية الأمريكية من الأربعينيات حتى اليوم عبداهلل الفقيه
28
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
عبداهلل الفقية �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف جامعة �صنعاء.
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
29 2009
اليمن والعامل
حتليالت
ن����ال اجلزء ال�شمايل من اليمن ا�ستقالله عن تركيا يف ع����ام .1918وحاول الإمام يحيى حميد الدين ب�شكل متكرر لفت انتباه الواليات املتحدة �إىل مملكته القرو�سطية دون حتقيق قدر كبري من النجاح. وم����ع تنامي الدور الدويل للإمرباطوري����ة الأمريكية ال�صاعدة ازداد اهتم����ام الإمام باحل�صول على اعرتافها ،ومنت تطلعاته للح�صول على دعمها الع�سكري يف مواجهة خ�صومه ال�سعوديني يف ال�شمال والربيطاني��ي�ن يف اجلنوب .ومرت ثالثة عقود تقريب ًا قبل �أن يحظ����ى الإمام ،وبف�ضل التطورات التي �أتت بها احلرب الكونية الثانية ،باعرتاف الواليات املتحدة بـ “اململكة املتوكلية اليمنية”. وكان هن����اك ثالث����ة عوامل �أ�سا�سية لفتت انتب����اه الأمريكيني �إىل �شمال اليم����ن حينها ،هي :جماورته للملك����ة العربي����ة ال�سعودية ،واخلوف م����ن حتوله �إىل منطقة نف����وذ �سوفييتي ،وفتح الب����اب لل�شركات الأمريكية للتنقيب عن النفط .وظلت مكانة اليمن يف اال�سرتاتيجية الأمريكية ثابتة ن�سبي ًا على الأقل حت����ى نهاي����ة القرن املا�ضي� .أما اليوم ف�إن هناك م�ؤ�شرات متزاي����دة على �أن الإدارة الأمريكية جتري عملية مراجعة لإ�سرتاتيجيتها يف اليمن ويف الدول العربية الأخرى. حاول الإمام عقب ا�ستقالل �شمال اليمن �أمريكا والإمام عن تركيا وت�أ�سي�س اململكة املتوكلية اليمنية يف عام ،1918ا�ستغالل التناف����س الربيط���اين الأمريكي واحل�صول على اع�ت�راف الواليات املتحدة الأمريكي���ة ودعمها الع�سكري يف مواجه���ة الربيطانيني يف اجلنوب وال�سعوديني يف ال�شمال .وا�صطدمت جهود الإمام بالنفوذ الربيط���اين الكبري داخل دوائ���ر �صنع الق���رار الأمريكي من جهة، وبتنامي مكانة اململكة العربية ال�سعودية يف الإ�سرتاتيجية الأمريكية من جهة ثانية. وتغري ح���ظ الإمام يحي���ى بعد �أن و�ضع���ت احلرب العاملي���ة الثانية �أوزاره���ا� ،إذ ب���د�أت الوالي���ات املتح���دة يف تو�سيع دائ���رة عالقاتها يف املنطق���ة كي تقطع الطري���ق على االحت���اد ال�سوفييتي ،وتحُ �صِّ ن م�صاحله���ا املتنامي���ة يف ال�سعودي���ة واخللي���ج العرب���ي .وق���د عمل الكولونيل ويليام �إيدي �ضابط البحرية ال�سابق ،وامل�سئول حينها عن بناء العالقات الأمريكية مع ال�سعودية ودول اخلليج ،والذي مل يكن ليفوت���ه الأهمية الإ�سرتاتيجي���ة لليمن ال�شمايل ،عل���ى التوا�صل مع اململك���ة املتوكلية والتفاو�ض معها ب�ش����أن االعرتاف و�إقامة عالقات بني الدولتني .وتكللت جه���ود �إيدي بتوقيع الواليات املتحدة والإمام يحي���ى على معاه���دة �صداقة وجت���ارة اعرتفت مبوجبه���ا الواليات املتح���دة الأمريكية باململك���ة املتوكلية اليمنية كدول���ة م�ستقلة ذات �سيادة يف � 4آذار/مار�س .1946 ورمب���ا جاء االع�ت�راف الأمريك���ي مـت�أخ���ر ًا بع�ض ال�ش���يء بالن�سبة للإمام يحيى الذي كانت املعار�ضة حلكمه تتنامى ب�سرعة .وهناك من يذهب �إىل القول ب�أن االعرتاف الأمريكي قد �ساهم يف التعجيل 30
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ب���زوال الإمام يحيى� ،إذ اغتي���ل يف عام 1948بعد مرور عامني على االع�ت�راف ،وقبل �أن يتمكن م���ن توطيد عالقت���ه بالأمريكيني� .أما ابن���ه الإم���ام �أحمد ال���ذي �صع���د �إىل العر�ش عقب ف�ش���ل ثورة عام ،1948فق���د تعام���ل مع الأمريكي�ي�ن بحذر �شدي���د .وبينما جنح يف فت���ح بعث���ة دبلوما�سية ميني���ة يف وا�شنطن يف ع���ام ،1951ف�إنه ظل يف املقاب���ل مياط���ل الأمريكيني يف م�س�ألة ال�سماح له���م ب�إن�شاء بعثة دبلوما�سي���ة يف اليمن .وحاول الإمام �أحمد الت���زام �سيا�سة احلياد يف التعامل مع الأمريكيني من جهة ومع ال�سوفييت من جهة �أخرى، �أم ًال يف احل�صول على الدعم االقت�صادي والع�سكري من اجلانبني ومب���ا ميكنه من مواجه���ة الربيطانيني يف اجلن���وب وال�سعوديني يف ال�شمال .وقد حتقق ذلك للإم���ام ،بالرغم من املعار�ضة ال�سعودية والربيطاني���ة ،يف عام .1957ومتكن الأمريكيون بدورهم ،وبالرغم من تردد الإمام �أحمد ،من افتتاح بعثة دبلوما�سية يف تعز يف �أيلول/ �سبتم�ب�ر .1959و�إذا كان الإم���ام يحيى قد قت���ل بعد حوايل عامني م���ن اعرتاف الواليات املتحدة مبملكته ،ف�إن الإمام �أحمد قد َق َ�ضى ومع���ه �أي�ض ًا اململكة املتوكلية اليمنية بعد ح���وايل عامني من افتتاح الأمريكيني لأول بعثة دبلوما�سية يف اليمن. ثورة �أيلول�/سبتمرب 1962تلقى جمل�س الأمن القومي الأمريكي يف � 14أيلول�/سبتمرب 1962مذكرة من اال�ستخبارات تقول «يخط���ط جمموع���ة من �ضباط اجلي����ش اليمني ،رمب���ا للتنفيذ عن قريب ،الغتيال الإمام واعتق���ال البدر ،وت�أ�سي�س جمهورية ،و ُيعتقد �أن املخطط�ي�ن يحظ���ون بدعم نا�ص���ر (جمال عب���د النا�صر) وبوالء زعم���اء قبليني مهمني” .ويف � 20أيلول�/سبتمرب� ،أي يف اليوم التايل
مع�ض��لة ال�س��جناء :اجل���دل الدائ���ر حول ال�سجناء اليمنيني يف �سج���ن جوانتناموا ي�شري �إىل �أن اال�سرتاتيجي���ة الأمريكي���ة القادم���ة يف اليمن �ستتميز بدرجة عالية من املرونة
لوفاة الإمام �أحمد ،رفع ال�ضابط املخت�ص ب�ش�ؤون اجلزيرة العربية يف اخلارجي���ة الأمريكي���ة �إىل الرئي����س الأمريكي ج���ون �إف كنيدي تقري���ر ًا حول ما �سيرتتب عل���ى وفاة الإمام �أحمد م���ن �صراع حول ال�سلط���ة .وحي���ث �أن الأمري احل�سن� ،شقيق الإم���ام الراحل ورئي�س البعثة اليمنية يف الأمم املتحدة ،كان قد طلب من الأمريكيني دعمه لت���ويل الإمامة بعد �أخيه ،فقد مت �إل�صاق ورقة على التقرير م�ؤرخة يف � 21أيلول�/سبتم�ب�ر تقول “نعتقد �أن على الواليات املتحدة جت ّنب التدخ���ل يف ال�ص���راع الدائر حول ال�سلط���ة يف اليمن ما مل تنحرف اليمن ب�شكل كبري يف اجتاه املع�سكر ال�سوفييتي -ال�صيني». وي���ورد التقري���ر �سبب�ي�ن يجع�ل�ان �أمريكا متتن���ع عن دع���م الأمري احل�س���ن :الأول ه���و �أن الأمري احل�سن ينتم���ي �إىل �أ�سرة بيت حميد الدي���ن التي فق���د النا�س الثقة بها ،وتعي�ش خ���ارج الع�صر و”قد ال ت�ستم���ر طوي ًال” ،و�أنه ،و�إن كان يحظى بدع���م بع�ض �أفراد الأ�سرة املالكة وبع����ض القبائل� ،إال �أنه ال يحظى بدعم كبري من “العنا�صر امل�ستن�ي�رة” .ويف الوق���ت ال���ذي ي�شري في���ه التقري���ر �إىل �أن الأمري احل�س���ن منح���از لأم�ي�ركا ومع���اد لل�شيوعي���ة ،ف�إن���ه ي���رى يف ذلك عام���ل �ضعف للح�سن ولي����س عامل قوة� .أما ال�سب���ب الثاين لرف�ض الأمريكي�ي�ن دع���م احل�س���ن ،فهو وجود �ش���ك كبري لديه���م بجدوى “الدعم املحدود” الذي ميكن لهم تقدميه� ،أي بقدرة ذلك الدعم عل���ى �إي�صال احل�س���ن �إىل ال�سلطة ناهيك عن �إبقائ���ه فيها يف ظل وجود العديد من اجلماعات التي تتناف�س على وراثة الإمام.
ويب���دو �أن التقري���ر املرف���وع �إىل الرئي����س كني���دي يف الع�شرين من �أيلول�/سبتمرب 1962قد و�ض���ع �أهم معامل الإ�سرتاتيجية الأمريكية يف اليم���ن ،وهي .1 :عدم التدخل يف ال�ش�ؤون اليمنية �إال يف احلدود ال�ضيقة جد ًا؛ .2رفع م�ستوى التدخل عندما يزداد خطر وقوع اليمن حت���ت النفوذ ال�سوفييت���ي؛ .3عدم االهتمام مبا يجري يف اليمن �إال من حيث �أثره املتوق���ع يف الأمن بالدول املجاورة؛ .4االنحياز لقوى التحديث واال�ستن���ارة يف بلد يعي�ش ظروف ًا م�شابهة ملمالك الع�صور الو�سطى. عم���ل الأمريكي���ون ،وف���ق تل���ك اخلط���وط العري�ضة ،عل���ى مقاومة ال�ضغوط ال�سعودي���ة والربيطانية لدفعهم للتدخل يف ال�ش�أن اليمني ب�شكل �أكرب خالل ال�ستينيات .وعلى عك�س الربيطانيني وال�سعوديني، الذي���ن ر�أوا يف الدور امل�ص���ري يف اليمن خطر ًا يجب مقاومته ،ر�أى الأمريكيون �أن نوع العالقة التي �سرتبط احلكومة اليمنية اجلديدة يف �شمال اليمن باحلكومة امل�صرية غري مهم طاملا �أدركت احلكومة امل�صري���ة ب�أن للحكومة الأمريكية م�صال���ح حيوية يف احلفاظ على الأم���ن يف اخلليج ،ويف حممي���ة عدن ،وطاملا ح�ص���رت احلكومتان اليمنية وامل�صرية جهودهما يف تثبيت الأو�ضاع يف اليمن دون خو�ض �أي مغامرات يف ال�شمال �أو يف اجلنوب. وم���ع �أن الأمريكي�ي�ن �أدرك���وا جي���د ًا �أن التدخل امل�ص���ري يف اليمن �سيزيد من ح���دة ال�ضغوط على الأنظمة املحافظة يف اخلليج وعلى الوجود الربيطاين يف اجلنوب� ،إال �أنهم كما يبدو مل ينظروا �إىل ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
31 2009
اليمن والعامل
حتليالت
تل���ك ال�ضغوط على �أنها عامل �سلبي ،ب���ل حاولوا توظيفها لتحريك التكلف���ة املرتفع���ة لأي تعامل �أمريك���ي مبا�شر مع اليم���ن وم�شاكله املي���اه الراك���دة يف املنطقة .وعل���ى عك�س الربيطاني�ي�ن يف اجلنوب الكبرية ،وخ�صو�ص ًا يف اجلانب االقت�صادي والتنموي. وال�سعودي�ي�ن يف ال�شم���ال ،مل ي��� َر الأمريكي���ون �أن ال�ص���راع امل�سلح ويالح���ظ �أن التعامل الأمريكي املبا�شر م���ع �شمال اليمن قد ارتبط يف �شم���ال اليمن ميكن���ه �أن ي�ساه���م يف انت�شار ال�شيوعي���ة .و�أظهر بنمو امل�صالح االقت�صادية الأمريكية .فعلى �سبيل املثال ،ف�إن زيارة الأمريكي���ون من���ذ البداي���ة ،ورمب���ا كان للتطورات داخ���ل الواليات نائ���ب الرئي�س الأمريكي جورج بو�ش يف عام ،1986وهو �أول م�سئول املتحدة دورها يف ذلك ،درجة عالية من اليقني �أنه ومهما �أمريكي رفيع يزور اليمن ال�شمايل ،ارتبطت بامل�شاركة طال���ت احلرب ب�ي�ن امللكي�ي�ن واجلمهوري�ي�ن ،ف�إن �إذا كانت يف افتت���اح م�صفاة �صافر لتكري���ر النفط التي النهاية �ستكون ل�صالح اجلمهوريني. الواليات املتحدة قد اكتفت مت �إقامته���ا يف حمافظة م����أرب ،بعد جناح ب�إهداء الإمام يحيى جهاز �إر�سال وتعك�س الوثائق الأمريكية التي مت الإفراج �شرك���ة هن���ت الأمريكي���ة يف اكت�ش���اف الع�صر إىل � انتباهه للفت إذاعي � عنه���ا �أن �إدارة الرئي����س كني���دي ،وق���د النفط بكميات جتاري���ة .ويف 26كانون إنها � ف مملكته، حدود خارج املتغري انح���ازت �إىل النظ���ام اجلمه���وري منذ الثاين/يناي���ر ،1990وبعد تلقيه دعوة إىل � يحتاج اليمن أن � اليوم تدرك �أول وهل���ةّ � ،أجل���ت االع�ت�راف بالنظام م���ن ال�سيد جورج بو�ش ال���ذي كان قد االلتحاق ل�ضمان اجلهود من الكثري ً اجلديد حت���ى ت�ستطلع نواي���ا امل�صريني مت انتخاب���ه رئي�سا للواليات املتحدة يف تهديد إىل � حتوله وعدم بالع�صر واجلمهوري�ي�ن يف �صنعاء وحت���ى تُطمئن ع���ام � ،1988سافر الرئي����س �صالح �إىل جلريانه أو � لذاته ال�سعودي�ي�ن ب����أن اعرتافه���ا بالنظ���ام وا�شنط���ن ليك���ون بذل���ك �أول رئي�س ميني الدويل املجتمع أو � اجلمهوري ال ي�أتي على ح�ساب التزامها ب�أمن ي���زور الواليات املتحدة .وق���د جاءت الزيارة اململك���ة .وملا حتقق لها ذلك �أعلنت �إدارة كندي يف مب���ا حتمله م���ن رمزية ،وما ت���دل عليه من حتول 19كان���ون الأول/دي�سم�ب�ر 1962اعرتافها ب���ـ «اجلمهورية يف طريق���ة التعام���ل الأمريكي م���ع اليم���ن ،متزامنة مع العربية اليمني���ة» .ويف 20كانون الأول/دي�سمرب� ،أي بعد االعرتاف التح�ض�ي�رات القائم���ة على قدم و�س���اق لتوحيد �شط���ري اليمن يف الأمريك���ي بيوم واحد ،جل����س حم�سن العيني عل���ى مقعد اليمن يف دول���ة واح���دة مع ما يحمله مث���ل ذلك التطور م���ن �أهمية للم�صالح الأمم املتحدة بعد �أن كان الأ�ستاذ �أحمد حممد ال�شامي رئي�س وفد الأمريكية. ً اململك���ة املتوكلي���ة قد ترك مقع���ده يف اليوم ال�ساب���ق احتجاجا على م���ن جهة ثاني���ة ،حاف���ظ الأمريكي���ون رغ���م �إيكالهم مل���ف اليمن االعرتاف الأمريكي. لل�سعودي���ة عل���ى درجة منخف�ضة م���ن احل�ضور يف ال�ش����أن اليمني، هدفت فيما يبدو �إىل مراقبة ما يجري والت�أكد من �أن جبهة �شمال احتواء ال�ش��يوعية �سعى الأمريكيون منذ عام ،1946اليم���ن غري معر�ضة لالخرتاق من قب���ل ال�سوفييت .وقد متثل ذلك وبنج���اح كبري� ،إىل منع �شمال اليمن من التحول �إىل منطقة للنفوذ احل�ضور يف التمثيل الدبلوما�سي والقن�صلي ،ويف الدعم االقت�صادي ال�شيوعي .وف�شل���ت احلكومة الربيطانية املحتل���ة جلنوب اليمن يف والإن�ساين. القي���ام بنف�س ال���دور .وبينما متكن���ت عنا�صر الي�س���ار من الهيمنة عل���ى ال�سلطة يف اجلنوب وح ّولته �إىل منطقة نفوذ �سوفييتي ،متكن م���ن جه���ة ثالث���ة ،حاف���ظ الأمريكيون عل���ى م�ست���وى منخف�ض من اجلمهوري���ون م���ن الو�ص���ول �إىل ال�سلط���ة يف ال�شم���ال وح ّولوه �إىل ال�صراع بني �شطري اليمن وداخل كل �شطر .وقد ظهر ذلك وا�ضح ًا جبه���ة من جبهات املواجهة واالحتواء لل�شيوعية .وات�سمت ال�سيا�سة من خالل الطريقة التي مت بها التعامل مع طلبات الأ�سلحة اليمنية الأمريكي���ة يف اليم���ن خالل عق���دي ال�سبعيني���ات والثمانينيات من �أو م���ع النزاعات التي اندلعت ب�ي�ن ال�شطرين .ولعل الأمريكيون قد الق���رن املا�ضي بااللتزام باال�سرتاتيجي���ة التي تبلورت ب�شكل وا�ضح �شعروا ،وعلى نحو م�ستمر ،ب�أن �أي �صراع طويل �أو وا�سع النطاق بني �شط���ري اليمن �سيكون له �آثاره ال�سيئة عل���ى اال�ستقرار يف اخلليج. خالل ال�ستينيات. و�أكد املوقف الأمريكي من حرب عام 1994ا�ستمرار ذات التوجه. من جهة ،ترك الأمريكي���ون ملف �شمال اليمن وم�شكالته الداخلية دعم���ت الوالي���ات املتح���دة توحيد للمملكة العربية ال�سعودية .وذهبوا �أبعد من ذلك فجعلوا عالقاتهم احت��واء القاع��دة مع �شمال اليمن متر عرب الو�سيط ال�سعودي رغم املحاوالت احلثيثة �شط���ري اليم���ن يف ع���ام ،1990ور�أت يف ذل���ك عام���ل تعزي���ز ً للنظ���ام اليمني ،وخ�صو�صا يف عه���د الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ،لال�ستق���رار يف املنطق���ة وت�صفية جليب من جي���وب ال�شيوعية .ومل التعام���ل م���ع وا�شنط���ن مبا�شرة .وميك���ن �إرجاع ذل���ك التوجه �إىل يهت���م الأمريكيون مع مطلع الت�سعينيات كث�ي�ر ًا مب�س�ألة تبني الدولة عدة �أ�سباب �أبرزها عدم وج���ود م�صالح �أمريكية كبرية يف اليمن ،اجلدي���دة للدميقراطية خوف ًا من �أن ي�ؤدي ت�شجيع مثل ذلك التوجه والرغبة يف تطم�ي�ن ال�سعوديني ب�أن الواليات املتحدة ال تلعب بالنار �إىل حال���ة من عدم اال�ستقرار يف الدول املجاورة لليمن .و�إذا كانت ً يف بل���د نظروا �إليه عل���ى �أنه مبثابة احلديقة اخللفي���ة ،وهروبا من �إدارة الرئي�س كنيدي مل تعرتف بالنظام اجلمهوري يف �شمال اليمن 32
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
�سيا�سات الواقع :تدرك احلكومة اليمنية �أنه ال ميكن حتقيق اال�ستقرار �إال من خالل مواجهة امل�شكالت ولي�س ترحيلها �أو الهروب منها
�إال بع���د احل�صول عل���ى تطمينات من �أن اليمني�ي�ن ال يطمحون �إىل ت�صدي���ر ثورتهم �إىل الدول املجاورة ،فقد حذر م�سئولون �أمريكيون نظرائه���م اليمنيني يف ال�سنوات الأوىل من الت�سعينيات من حماولة ت�صدير الدميقراطية اليمنية �إىل جريانهم. ورغم �أن التطورات التي �شهدها اليمن مع نهاية الثمانينيات وبداية الت�سعينيات مثلت �أح���د الرباهني على انت�صار الواليات املتحدة يف �صراعه���ا مع املع�سك���ر ال�شرقي� ،إال �أن التط���ورات التي �ستتلو ذلك �ستربه���ن بدورها عل���ى �أن ك�سب احلرب الب���اردة مل يكن من دون ترك���ة ،وتركة ثقيلة .فال ميكن ف�صل الغزو العراقي للكويت يف عام ،1990والتدخ���ل الع�سكري الدويل لتحري���ر الكويت ،وظهور تنظيم القاعدة وتطوره ،وحرب ع���ام 1994الأهلية يف اليمن ،و�أحداث 11 �أيلول�/سبتم�ب�ر ،2001والغزو الأمريكي لأفغان�ستان والعراق ،وغري ذلك م���ن الأحداث عل���ى امل�ستوي���ات الدولية والإقليمي���ة واملحلية، ع���ن �صراعات احلرب الب���اردة وعن ال�سيا�س���ات واال�سرتاتيجيات الت���ي مت �إتباعها .وبنف�س الطريق���ة ،ف�إنه ال ميكن ف�صل ال�سيا�سات الت���ي تتبعها الوالي���ات املتحدة اليوم الحت���واء القاعدة واجلماعات الإرهابي���ة الأخ���رى يف اليمن �أو غريها من ال���دول عن تلك التي مت �إتباعها الحتواء ال�شيوعية. لك���ن الوا�ضح �أن عامل الي���وم يختلف كثري ًا عن ع���امل الأم�س .و�إذا كانت الواليات املتحدة قد اكتفت يف عام 1946ب�إهداء الإمام يحيى جهاز �إر�س���ال �إذاعي للفت انتباهه �إىل الع�ص���ر املتغري خارج حدود مملكت���ه ،ف�إنها ت���درك اليوم بالت�أكي���د �أن اليمن يحت���اج �إىل الكثري
م���ن اجلهود ل�ضم���ان االلتح���اق بالع�صر وع���دم حتول���ه �إىل تهديد لذات���ه �أو جلريان���ه �أو املجتمع الدويل .وتدرك كذل���ك �أن التهديدات الت���ي تواجهها ال�شعوب من الداخل هي �أك�ث�ر تعقيد ًا من التهديدات خارجي���ة امل�ص���در .و�إذا كان الإم���ام يحيى وجنله الإم���ام �أحمد من بع���ده قد ح���اوال يف القرن املا�ض���ي عزل اململكة املتوكلي���ة عن العامل كا�سرتاتيجي���ة للبقاء يف ال�سلطة ولو لبع����ض الوقت فقط كما �أثبتت الأح���داث �أو للحف���اظ على اال�ستقرار ،ف�إن احلكوم���ة اليمنية تدرك اليوم �أن���ه ،ويف ظل قوى العوملة ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافي���ة والتكنولوجية التي ال تتقيد ب����أي حدود ،ال ميكن احلفاظ عل���ى ال�سلطة �أو حتقيق اال�ستقرار �إال من خ�ل�ال االندماج يف العامل ولي����س االنعزال عنه ،ومواجهة امل�ش���كالت ولي�س ترحيلها �أو الهروب منها. ومع �أنه من ال�صعب يف ظل فرتة م�ضطربة مثل التي تعي�شها املنطقة والع���امل ،احلديث عن مالمح معين���ة لإ�سرتاتيجية �أمريكية م�ستقرة نح���و اليمن� ،إال �أن الوا�ضح �أن �سيا�سة حتقيق اال�ستقرار ب�أي ثمن مل تعد ممكنة ،و�أن اال�ستق���رار املطلوب والذي يحقق م�صالح الواليات املتحدة وم�صالح �شعوب املنطق���ة ينبغي �أن تخلق �شروطه احلقيقية الت���ي ت�ضمن ا�ستم���راره� ،س���واء على م�ست���وى املنطق���ة ككل �أو على م�ستوى كل دولة. و�إذا كان اجلدل الدائر حول ال�سجناء اليمنيني يف �سجن جوانتناموا ي�ؤ�ش���ر �إىل �شيء ف�إن���ه �إمنا ي�ؤ�ش���ر �إىل �أن اال�سرتاتيجي���ة الأمريكية القادم���ة يف اليم���ن �ستُعط���ي اهتمام��� ًا كب�ي�ر ًا لل�شراك���ة يف التنمية ومواجهة التحديات ،و�ستتميز بدرجة عالية من املرونة. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
33 2009
دور
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
يبحث عن مين
ل�س��ت بحاج��ة �إىل تركيز النظر لأرى يف �أفق اليم��ن دور ًا محُ ِّلق ًا يبحث عن مين ليحط رحال��ه فيه .فاملحيط الإقليمي والبعد الدويل بحاجة ما�س��ة ليمن قادر على القيام بدور يتوافق مع احلديث النبوي ال�ش��ريف الذي �أو�صي باليمن �إذا ما ا�شتدت املحن .وهم فع ًال اليوم يواجهون حتديات وحمن �شديدة ،وقد ا�ستخدموا كل ما هو متاح �أمامهم ملواجهة هذه التحديات� ،إال �إنهم مازالوا بحاجة �إىل دور ال �أحد ي�ستطيع �أن ي�ؤديه غري اليمن.
علي �سيف ح�سن
عل����ى م����دى التاري����خ والق����ادة الإ�سرتاتيجي����ون يعرفون �أهمي����ة اليمن وت�أثرياته����ا ال�سلبية والإيجابية عليه����م ،وكان ر�سول اهلل حممد �صلى اهلل علي����ه و�سلم ال����ذي يعتربه غري امل�ؤمنني ب����ه �أعظم الق����ادة الذين عرفتهم الب�شري����ة ،كان ق����د ن ّبه و�أكد على ال����دور الإ�سرتاتيجي اله����ام لليمن .كما �أن ق����ادة وم�ؤ�س�سي دول اجلوار وبنظرته����م الثاقبة ،وكما يردد الرواة ،قد �أو�ص����وا خلفائهم ب�أن خريهم و�ش ّرهم من اليمن ،وبالغريزة الفطرية لدى الإن�س����ان ،وباحل�صافة والبديه����ة مت تقدمي خي����ار درء املف�سدة على خيار جلب امل�صلحة يف عالقاتهم معنا .وكذلك فعل الأبعدون. مل����اذا اقت�ص����ر خيار اجلمي����ع يف عالقتهم معنا عل����ى �إ�سرتاتيجية درء املف�س����دة وه����ي حال����ة ا�ستثنائي����ة وم�ؤقت����ة يف كل العالق����ات ب��ي�ن ال�شعوب والأمم؟ وملاذا مل ينتقلوا �إىل �إ�سرتاتيجية جلب امل�صلحة بالرغم من �أنها هي العالقة الطبيعية وامل�ستدامة يف العالقة بني ال�شعوب والأمم؟ ال �أري����د �أن �أحمل الآخرين امل�سئولية وتربئة ال����ذات ،كما �إنني ال �أحب جل����د ال����ذات �أي�ض���� ًا� .س�أكتفي بالق����ول �إننا نح����ن اليمني����ون مل نتمكن من التع����رف عل����ى اليمن كما هو ب����كل مكوناته واكتفينا مبعرف����ة ما هو ظاهر وب����ارز لن����ا كيمنيني من ميننا ،و�ضاق بنا الأفق �إىل حد �أننا مل نعد نرى يف اليم����ن �سوى كثاف����ة �سكانية وموارد �شحيحة م�ستنزف����ة .ت�صورنا هذا عن ذاتنا بلغ �إىل عقول وتفك��ي�ر التكنوقراط املهتمني باليمن من اجلوار ومن القوى الدولية. وبالنتيجة �ضمرت طموحاتنا وتراجعت من �إ�سرتاتيجية �إدارة التنمية �إىل مهارات �إدارة الفقر ،ومعها تقزّمت �آفاق عالقاتنا مع اجلوار والعامل م����ن �آفاق ال�شراك����ة �إىل قنوات امل�ساع����دات ،و�أ�صبحنا نتعام����ل مع العامل واجلوار كمانحني ال ك�شركاء. مين كهذا ال ي�ستطيع �أن يحقق �سوى حتفيز وا�ستنفار املخاوف الغريزية 34
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
علي �سيف ح�سن رئي�س منتدى التنمية ال�سيا�سية ب�صنعاء.
لدى اجل����وار والعامل ويعزز لديه����م �صوابية اختياره����م لإ�سرتاتيجية درء املف�س����دة يف عالقتهم معنا .باملقابل ،وكرد فع����ل غريزي �أي�ض ًا ،فقد تعزز لدين����ا االرتياب والتوج�س منهم ،وكحلقة مغلق����ة تعززت �إ�سرتاتيجية درء املف�سدة وجتنب املخاطر املتبادلة بيننا وبينهم. مي����ن كه����ذا لي�س هو اليم����ن الذي يبحث عن����ه الدور ،مي����ن كهذا غري م�ؤه����ل خلل����ق �إ�سرتاتيجية عالقات م����ع الآخرين قائمة عل����ى �أ�سا�س جلب امل�صلح����ة .ف�أي مي����ن يبحث عنه الدور املحلق يف م����دارات اليمن وافقها؟ �إن����ه اليمن الذي يتجاوز ح����دود الكثافة ال�سكانية وامل����وارد امل�ستنزفة� .إنه اليمن بتاريخه العريق ،وموقعه الإ�سرتاتيجي الهام ،وغنى تنوعه :البيئي، الطبيعي ،االجتماعي ،الثقايف ،ال�سيا�سي ،الإعالمي. �إن����ه اليم����ن كما ه����و فع ً ��ل�ا ال كما ن����راه نحن الي����وم� .إنه مي����ن النخبة ال�سيا�سية والثقافي����ة واالقت�صادية املقتدرة على التخيل والإبداع ،ومتتلك الأف����ق الوا�س����ع النظر بامت����داد خارطة العامل لرتى ب�أن النم����و والتنمية ال تعتم����دان على املوارد الطبيعة فقط ،فكثري م����ن دول العامل الغنية باملورد الطبيعي����ة تعاين من �شقاء التخلف وكث��ي�ر من الدول �شحيحة املوارد تنعم بالرفاه. �إنه اليمن �صاحب الإرادة الوطنية الواثقة واملقتدرة على �إعادة �صياغة �أ�س�س العالقة مع الآخرين ،من �إ�سرتاتيجية درء املف�سدة �إىل �إ�سرتاتيجية جل����ب امل�صلحة .فما الذي ل����دى اليمن كل اليمن ليقدم����ه للجوار والعامل كم�صلحة هم بحاجة �إليها لي�ستطيع يف املقابل طلب م�صلحة مقابلة متثل الثمن العادل ملا يقدمه؟ لنب����د�أ بالنظ����ر �إىل الطرف ال�شرق����ي لليمن ،والذي ميث����ل بوابتنا نحو اخللي����ج العربي ،حيث تتوفر كل ال�شروط واملتطلب����ات لنقل وتخرين جزء كبري من نفط اخلليج ب�أمان ومبا يجنبه خماطر املرور يف م�ضيق هرمز. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
35 2009
اليمن والعامل
وجهات نظر
هذا الدور ميثل حاجة �إ�سرتاتيجية ملنتجي النفط وم�ستهلكيه يف اخلليج والعامل .وهذا اجلزء من اليمن ميثل املوقع الإ�سرتاتيجي الأن�سب. وبالن�سب����ة لن����ا ف�إن م�شروع���� ًا كهذا يحق����ق عوائد تنموية نح����ن ب�أم�س احلاجة لها ،وي�ستحق �أن نقاي�ضه مب�صالح ال تقل �أهمية لنا كما هو بالن�سبة لهم .املانع �أو العائ����ق الوحيد �أمام جلب امل�صلحة املتبادلة من خالل هذا امل�ش����روع هو هيمنة ثقافة التوج�س واالرتياب لدى الأطراف امل�ستفيدة من امل�ش����روع ،وه����ي هواج�س م�شروع����ة ومنطقية يف ظل �سي����ادة �إ�سرتاتيجية درء املف�س����دة� ،إال �إنها ميكن �أن ت�ض����ع لها االحتياطيات واملعاجلات �إذا ما توفرت الإرادة العتماد �إ�سرتاتيجية جلب امل�صلحة. كل م����ا حتتاجه ه����ذا الأطراف جمتمعة� ،أو مبب����ادرة �أحدها ،هو فقط الإ�ص����رار على تبن����ي امل�شروع باعتباره �أ�سا�س ملزيد م����ن م�شاريع امل�صالح املتبادلة ،وحينها �ستوجد الكثري من املتاحات للتعامل مع مربرات التوج�س واالرتياب� .إن �أب�سط البدائل املتاحة واملمكنة والفاعلة لتحقيق ذلك تتمثل مبنح حق �إدارة ت�شغيل و�أمن هذه الأنابيب واخلزانات �إىل �شركة خمتلطة ن�ساهم نحن يف ت�أ�سي�سه����ا مع بقية ال�شركاء امل�ستفيدين من امل�شروع ،من منتجي النفط اخلليجيني وال�شركات النفطية العاملية. و�إذا م����ا و�صلنا �إىل مثلث عدن الكربى ،وال����ذي ميكن حتديده مبدئي ًا بذلك املثلث املمتد من �شقرة �إىل املخاء مرور ًا مبنطقة العند ،والذي ميثل واجهة اليمن التاريخية وامل�ستقبلية نحو العامل واملنفذ الأكرث تنا�سب ًا لدول اخلليج العربي نحو �أفريقيا� ،سنجد مو�ضع ًا ا�سرتاتيجي ًا منا�سب ًا ومناف�س ًا ال�ست�ضافة املخازن التجارية وجممع����ات ال�صناعات التجميعية لل�شركات اخلليجية و العاملية املتطلعة �إىل الأ�سواق الأفريقية. ونبق����ى يف مداراتن����ا ح����ول ال�شواط����ئ واجل����زر اليمنية مب����ا متثله من منتجع����ات �سياحي����ة و�صحية يحتاجه����ا ال�سياح من خمتلف بل����دان العامل و�شعوب الأر�ض ،ومبا ميلكونه من ا�ستعداد ومقدرة على دفع الثمن العادل لذلك. تتج����ه امل����دارات نح����و العم����ق اليمن����ي ومرتفعاته ،ال����ذي ميثل ح�صن اليم����ن وحت�صيناته عن����د ال�ضرورة واحلاجة .هنا �سنج����د التاريخ اليمني العري����ق متج�سد ًا باملواقع والآثار التاريخية للعديد من الديانات ال�سماوية واحل�ضارات الإن�سانية .هذه املواقع متثل بالن�سبة لليمن ،كما هي بالن�سبة لبقي����ة �شعوب الأر�����ض ،ثروة هائلة وم�ص����در ًا مل�صال����ح م�ستدامة .وكل ما حتتاجه هو �إعادة ت�أهيلها واملحافظة عليها وجعلها متاحة و�آمنة للراغبني بزيارتها من كل بقاع الأر�ض ك�سياحة دينية وثقافية متزايدة. وم����ع ارتف����اع مداراتنا يب����دو اليمن �أمامن����ا كيان ًا واحد ًا ب����كل مكوناته ومبوقع����ه الإ�سرتاتيج����ي اله����ام ،ال����ذي قد يبدو بعي����د ًا عن ح����دود الدول العظم����ى �إال �أن����ه يف الواقع قريب ج����د ًا من م�صاحلها و�أمنه����ا .فما الذي يحتاج����ه العامل من بلد يحتل ه����ذا املوقع الإ�سرتاتيج����ي الهام ،وما الذي ميكننا �أن نقدمه نح����ن للعامل من خالل عالقة جديدة قائمة على �أ�سا�س جلب امل�صالح املتبادلة. �إن العامل ودل اجلوار مع ًا ب�أم�س احلاجة �إىل الأمن واال�ستقرار يف هذه البقعة م����ن الأر�ض ،وهم يعلمون جيد ًا وبحك����م تقييمهم لدور اليمن على مر التاريخ ،وملا متثله املكونات الطبيعية وال�سكانية لليمن من م�صدر خري �أو �ش����ر للآخرين .لقد عرفوا يقين���� ًا �أن اليمن احلايل مقتدر على �أن يكون 36
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
نحن اليمنيون مل نتمكن من التعرف على اليم��ن كم��ا هو ب��كل مكونات��ه واكتفينا مبعرفة ما هو ظاه��ر وبارز لنا كيمنيني من ميننا ،و�ض��اق بنا الأفق �إىل حد �أننا مل نعد نرى يف اليمن �سوى كثافة �سكانية وموارد �شحيحة م�ستنزفة م�ص����در ًا للمخاط����ر ،وعلى هذا الأ�سا�����س تبنوا �إ�سرتاتيجي����ة درء املف�سدة يف عالقته����م احلالية مع اليم����ن .لكن املنطق واحل�صاف����ة ت�ؤكد حاجتهم وا�ستعداده����م لالنتق����ال �إىل �إ�سرتاتيجي����ة جل����ب امل�صلح����ة كونها اخليار الطبيعي واملنطقي القابل لال�ستدامة لهم ولنا. فه����ل نحن قادرون عل����ى توفري الأمن واال�ستقرار لن����ا ولهم؟ نعم نحن قادرون على ذلك ،ولدينا كل املقومات الالزمة لذلك .وكل ما نحتاجه هو �إرادة وطنية جمعية واثقة ومقتدرة على التغلب على الهواج�س واالرتياب، وجت����اوز عالق����ة درء املف�س����دة �إىل عالقة جل����ب امل�صلحة م����ع الأهل ومع الآخري����ن� .إن �إرادة كه����ذه ال ميكن �أن تتوفر م����ن دون وفاق وتوافق وطني جمع����ي يعزز هذا االختيار ويبدد م�صادر التوج�س واالرتياب ،ويوفر الثقة واالقتدار الوطني للتعامل مع احتماالت الكمائن ال�سيا�سية. ه����ذه جمرد مالمح ملا ميكن �أن يقدمه اليمن للجوار والعامل وي�ستطيع �أن يتب����ادل معهم امل�صالح ،و�أن يرتقي بعالقته معهم من م�ستوى املانحني �إىل م�ست����وى ال�شركاء .وما زال بالإم����كان ر�ؤية فر�ص وممكنات ومتاحات كثرية ،املهم �أن تتوفر الإرادة والتوافق الوطني لذلك. �إن مين���� ًا كه����ذا �سيك����ون قادر ًا على توف��ي�ر متطلبات ال����دور احلائم يف م����دارات اليمن ،و�سيكون قادر ًا �أي�ض ًا على �أن ينتقل بنا نحن اليمنيون من حال����ة ان�شغالنا ببع�ضنا -كما هو حا�صل حالي���� ًا � -إىل حالة ان�شغالنا عن بع�ضنا ،كما يجب �أن تكون عليه حالتنا. �إن التعمق يف البحث ع����ن الأ�سباب احلقيقية وراء الكثري من الأزمات وامل�ش����اكل التي نعي�شه����ا حالي ًا ،مبا فيها امل�ش����اكل يف اجلنوب �أو يف �صعدة ترج����ع �أ�سا�س���� ًا �إىل متركز كل م�صاحلنا ك�أف����راد وجماعات حول ما تبقى من م����وارد م�ستنزفة وح����ول ما يتاح لنا م����ن منح وم�ساع����دات� .سيتزايد تكالبن����ا وتنازعن����ا بل وت�صارعنا ح����ول ما تبقى لنا من م����وارد على و�شك اال�ستنزاف ،وحول ما تي�سر لنا من منح وم�ساعدات من مانحني متوج�سني من����ا ،ما مل حت����دث املعجزة اال�ستثنائية لهذا اجلي����ل وميتلك �إرادة وطنية واثقة ومقتدرة ،حممية ومعززة بوف����اق وطني ،ت�ستطيع تفعيل وا�ستخدام كل املكون����ات اليمنية وتوفر املجال والفر�ص لكل من����ا� ،أفراد ًا وجماعات، لتحقي����ق ال����ذات وجني امل�صال����ح امل�شروعة ب�صورة عادل����ة تتنا�سب مع ما بالإم����كان �أن يقدمه كل من مكونات اليمن الب�شري����ة والطبيعية والثقافية وال�سيا�سية يف عملية تبادل جلب امل�صالح مع الآخرين.
�صدر حديث ًا �ضمن �سل�سلة درا�سات �سيا�سية
الإرهاب � ..إ�شكالية املفهوم �أحمد عبدالكرمي �سيف رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
37 2009
اليمن والعامل حتليالت
فـي 60يوما
وجهات نظر
عني على اليمن
جودة
احلياة
�أو ً ال
ال�صحة النف�سية كمقدمة لإعادة بناء الإن�سان اليمني
حممد �أحمد الكهايل
نكت�شف يف معظ م الأحيان �أن خلفية كثري من الب�شر الذين جنحوا يف تقدمي �أعمال جليلة ملجتمعاتهم و�أثبتوا ذواتهم وتركوا ب�صمات م�ؤثرة وم�ستمرة الت�أثري� ،أنهم مل يكونوا من الأغنياء �أو �أ�صحاب اجلاه، كم���ا �أنه���م مل يكونوا من �أ�صحاب ال�سلطة �أو القريبني منها .لقد كانوا من الب�سطاء �شديدي التوا�ضع يف �إطاره���م االجتماع���ي �أو العلمي �أو العملي ،والأمثلة على ذلك كث�ي�رة �شرق ًا وغرب ًا� ،شما ًال وجنوب ًا. لق���د كانوا يتمتعون بق���درات عادية جد ًا ،وا�ستثنائية جد ًا .عادية يف ذاته���ا الإن�ساين ،وا�ستثنائية يف القدرة على املبادرة واال�ستمرار يف خدمة الآخرين ،بل والتفاين يف ذلك. رج���ع علماء ال�سلوك الإن�ساين ذل���ك �إىل امتالك �أولئك النا�س ُي ِ للتوازن بني القدرات والأهداف التي ي�ضعونها لأنف�سهم بو�ضوح وب�ساط���ة ،ووج���ود الأنظمة العامة التي ت�ضم���ن لهم حتقيق تلك الأه���داف �أو الو�ص���ول �إىل غاياته���م بجدارة .وهذا م���ا يفتقده جمتمع مثل جمتمعنا اليمني اليوم فالكثري من معدومي القدرات 38
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ي�ستطيع���ون الو�صول �إىل مراتب ومكانات تخ�ص �آخرين ال ينظر �إىل قدراته���م وال يهت���م بها ،كما �أن تغيرّ قيم���ة العمل واحرتامه وانعكا�سه���ا �سلب ًا على ُح ِّبه ،والعطاء من �أجل الآخرين ومن �أجل تط���ور العمل ،تنتج العج���ز عن التك ّيف مع امل�ش���كالت والأزمات اليومية �أو العارِ�ضة ،وتقتل القدرات الكامنة يف الإن�سان ،لتجاوز حممد �أحمد الكهايل كاتب وباحث ميني.
ال���ذات والعم���ل م���ن �أج���ل الآخرين الذي���ن ي�شكل���ون بفرديتهم املجموع العام امل�ساوي للوطن كقيمة ح�سية ومعنوية. ه���ذا التفكيك للم�شكلة من منظور ال�صح���ة النف�سية وال�سلوكية يك�شف ع���ن حقيقة خط�ي�رة تتمثل يف فق���دان الإن�س���ان اليمني الي���وم لكل ه���ذه العنا�ص���ر جمتمع���ة؛ فالتفوق العلم���ي والعملي اليوم ال ي�ضمن لل�شب���اب الذين ي�شكلون �أكرث من ن�صف ال�سكان الفر����ص الت���ي ي�ستحقونها يف الأعم���ال �أو التعلي���م �أو الرتقي �أو الأجر �أو املكانة .وتعاين الأعمال اليوم يف البلد من ندرة الكفاءة واخل�ب�رة ،و َيتب َّنى اخلطاب ال�سيا�سي فتح ب���اب الهجرة للعمالة املاهرة .وهذا ما يولد هذه احلالة امل�ستغربة من الالمباالة وعدم االكرتاث لكثري من الأمور التي �أ�صبحت �سمة غالبة لدى العامة واخلا�ص���ة ،وحال���ة االن�سحاب م���ن الفعل االجتماع���ي والتفاعل م���ع املتغريات وامل�شكالت ،وظهور م�ش���كالت اجتماعية و�سلوكية خط�ي�رة يتط���ور البع����ض منه���ا �إىل ح���د الظواه���ر االجتماعية كالتط���رف �أو الإدم���ان �أو االنتح���ار �أو الهج���رة ،وب���روز م�شكلة �ضع���ف االنتماء ب�شكله���ا اخلطري وم�شكالته���ا املتعددة� .صحيح �أن الفقر والأو�ضاع االقت�صادي���ة غري امل�ستقرة تخلق الكثري من امل�ش���كالت املت�شابهة ،لكنها ال ت�صل �إىل ح���د ا�ستالب الهوية �أو �إ�ضعاف االنتماء والدافعية. �إن م���ا ي�ؤك���ده الواق���ع اليوم ه���و ا�ست�شراء مر�ض خط�ي�ر �أ�صاب النف�س اليمنية التي هي جزء من حميطها العربي النادر تعافيه خ�ل�ال احلقبة احلالية من هذا املر����ض املرتبط ب�سالمة النف�س و�صحتها وقدرتها على العم���ل والتحرك واكت�ساب املعرفة وفهم الآخ���ر ،واملحيط العام الداخل���ي واخلارجي لها وامتالكها للثقة وتقدي���ر ال���ذات ،واحرتامها .ول���و فح�صنا النظري���ات اخلا�صة بت�ش��� ّكل ال�شخ�صية الإن�سانية ،لوجدنا �أنن���ا �إزاء م�شكلة من نوع جديد ومر�ض يتطلب تطعيم ًا ووقاية من نوع خا�ص �أي�ض ًا. �إن دور احل�ض���ارة يف ت�شكيل ال�شخ�صية اليوم ي�صعب حتديده �أو الإ�ش���ارة �إىل �أثر من �آثاره يف حياتنا ،بل �إننا كثري ًا ما نقف �أمام �س�ؤال وعتب دائم« :ما هكذا كنا!» ،وهل نحن �أبناء هذه احل�ضارة حق ًا؟! كما �أن الأخذ بنظرية التفاعل القائم بني الفرد واملجتمع وم�ؤ�س�سات���ه و�أثر ذل���ك يف بناء وتكوي���ن ال�شخ�صية �سيذهب بنا �إىل البحث عن امل�ؤ�س�سات القائمة امل�ؤثرة يف ال�شخ�صية اليمنية الي���وم ،والتي افتقدت قدرتها على الت�أث�ي�ر يف التكوين الإيجابي لوقوعها يف ذات املر�ض و�إال ملا كان هذا حال املتفاعلني معها. �إن ه���ذا الإ�ش���كال يعيدنا �إىل البحث يف م���دى توافر �أو ا�ستقرار �أنظم���ة احلاج���ات الأ�سا�سية اخلم�س التي و�ضعه���ا عامل النف�س ً منتق�ل�ا من مرحلة ال�شه�ي�ر �إبراه���ام ما�سلو .فالإن�س���ان يعي�ش �إىل �أخرى ابتداء باحلاج���ات الف�سيولوجية (الطعام ،ال�شراب، اله���واء ،النوم) وكل االحتياجات املرافقة اخلا�صة بالبقاء على قيد احلياة ،وهي من �أخطر املراحل التي قد ي�ؤدي النق�ص يف ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
39 2009
اليمن والعامل
وجهات نظر
على حافة الإرهاق :عدم ا�ستقرار منظومة االحتياجات النف�سية للإن�سان اليمني جعل جودة احلياة التي يعي�شها منخف�ضة و�أقل ا�ستقرار ًا
�إ�شباعها �إىل �سيطرة ذلك النق�ص على باقي املراحل. يقول ما�سلو �إن جنة اجلائع املكان الذي يوجد به �أكرث قدر ممكن م���ن الطعام ،وي�سيطر على تفك�ي�ره �أن توفري حاجته من الطعام باقي حياته �سيكون مفتاح ال�سعادة الدائمة ولن يحتاج �إىل �شيء �آخر .فال�شعور باالنتم���اء واحلرية واحلب واالحرتام ،والتعليم، وكل القي���م ت�ستبع���د وتو�ض���ع يف �إطار الكمالي���ات غري املجدية، لأنها ال ت�ستطيع �أن توق���ف �صوت اجلوع .تقول ليندا دافيدوف، عامل���ة النف�س وال�سل���وك ،يف �شرحها ل�س ّلم احلاج���ات �أن �إ�شباع احلاجات الف�سيولوجية الأ�سا�سية وتك ّون �شعور بالأمان �إزاءها، يدف���ع الإن�سان مبا�ش���رة �إىل ال�شعور باحلاج���ة للحماية والبعد ع���ن اخلطر؛ فالأطفال مث ًال يرغبون يف طريقة حمددة روتينية ميكن االعتماد عليها يف حياتهم بينما يبحث الكبار عن وظائف م�ستقرة وتكوين املدخرات ،وقد يقر�أ الأفراد الديانات ووجهات النظر الفل�سفية لتنظيم حياته���م و�إعطائهم االح�سا�س بالأمن التي مبجرد حتققها تظهر احلاجة �إىل احلب ،والألفة واالنتماء، حيث ي�سعى الأفراد �إىل احلب و�إىل �أن يكونوا حمبوبني. 40
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ت�ب�رز عقب ذلك حاجات االح�ت�رام وال�شعور بالقب���ول والقدرة عل���ى الإجناز والتقدير واالعرتاف بالكيان الفردي و�إ�ستح�سانه لينطل���ق الإن�س���ان �إىل املرحل���ة اخلام�سة والأخ�ي�رة املتمثلة يف حتقيق الذات وحتقيق الإمكانات والقدرات. �إن ع���دم ا�ستقرار هذه املنظومة م���ن االحتياجات لدى الإن�سان اليمني الي���وم يعني �أن جودة احلياة مبعنى �أدق منخف�ضة وغري م�ستق���رة ،وهذا يحيلن���ا �إىل حقيقة افتقادن���ا لل�صحة النف�سية الت���ي ال تعني املر�ض النف�سي بل تعني ج���ودة احلياة� .أي -كما �أ�سلفن���ا -امتالك الإن�سان اليمني للتوازن بني قدراته و�إمكانياته ور�ؤيت����ه للم�ستقب����ل ،وكيفية العم����ل لتحقيق �أهداف����ه ،ور�سوخ حب العم����ل والعطاء يف العمل ،والعم����ل من �أجل الآخرين حوله ،وهو ما يق����ود �إىل �أهم عنا�صر ال�صح����ة النف�سية وهو ق����درة الإن�سان على مواجه����ة الأزمات وال�صدم����ات وامل�شكالت ،وبالت����ايل القدرة على جت����اوز ال����ذات �إىل الآخري����ن والعمل م����ن �أجلهم وم����ن �أجل القيم واملثل ،ور�سوخ االنتماء للوطن واملجتمع. �إن احلرم����ان م����ن ه����ذه املقوم����ات لل�صح����ة النف�سي����ة يخلق هذه
امل�ش����كالت املعا�شة اليوم؛ فغي����اب ال�شعور بالإنتم����اء وال�سلبية �إزاء الق�ضاي����ا العام����ة مرجعها افتقادن����ا لل�شعور ب�أن لن����ا دور يف كل ما يج����ري حولنا ويف كل م�ش����كالت البلد والنا�����س ،ويف مت ّكن ال�شعور بالقه����ر والظل����م وع����دم القدرة على حتقي����ق العدل وغي����اب حرية الر�أي الفاعلة وال�شعور بالأمان على امل�ستقبل. كم����ا �أن العمل ال�سيا�سي املنفتح على املجتمع واملتفاعل معه واملو ِّلد للطاقات املبدعة واخلالقة غري موجود اليوم يف جمتمعنا ،ون�شاط الأحزاب ال يتعدى جتنيد املنا�صرين حتى �شاخت وترهلت يف زمن قيا�س����ي ،ويف طياتها منظمات املجتمع املدين الت����ي يع ّول عليها يف احلف����اظ على م�ؤ�شرات عدة مثل م�ؤ�شر حماية احلقوق ال�شخ�صية والعامة وتر�سيخ قيم النظ����ام والقانون واحلريات والعمل الطوعي واخلدمة املجتمعية. والتعليم اليوم يف حالة من الرتدي تزداد خطورته كل يوم ،وتقول الكث�ي�ر من الدرا�س���ات �أنه مب�شكالته احلالية م���ن �ضعف املنهج و�ضعف املعلم والإدارة وغريها �أخطر عنا�صر م�شكالت امل�ستقبل، و�أك�ب�ر �أبواب غياب ال�صحة النف�سي���ة يف املجتمع .يكفي �أن ندلل بوفرة خمرجات العملية التعليمية ووجود البطالة .التعليم اليوم ال ينتج عمالة ماهرة� ،أو عمالة يتطلبها �سوق العمل! وتوفِّ���ر البنى التعليمية الأهلية العامة بيئة خ�صبة للقيم ال�سالبة �أي�ض ًا عرب �ضعف الأداء والإدارة وع�شوائية املناهج و�ضعف املتابعة وت�سلي���ع التعليم يف كل م�ستوياته ،ما ي�ضرب ال�ضمري اجلمعي يف ال�صمي���م وينت���ج املزيد من الأزم���ات النف�سية الت���ي تظهر اليوم ب�ش���كل العجز النف�سي وال�سلوكي ،و�سيزي���د هذا العجز م�ستقب ًال لأن قاعدة من العجز تنت���ج �أخرى �أكرث ات�ساع ًا .كما يو ِّلد �ضعف اللغة وتعليمها مزيد ًا من امل�شكالت النف�سية وا�ضطراب ال�سلوك كونها �أداة التفكري والإبداع. وكث�ي�ر ًا ما يالح���ظ �أن العقدين الأخريين قد م ّث�ل�ا نقاط حتول قوي���ة بالن�سبة لل�شخ�صي���ة اليمنية ،والعربية عموم��� ًا ،عرب الآلية الإعالمية واالنفتاح املباغت عل���ى عامل الف�ضاء والف�ضائيات يف ظل عجز داخلي تام عن املناف�سة �أو حتى البقاء يف قائمة اهتمام الإن�س���ان اليمني ب�إعالمه املحلي ،وبالتايل انفتاح �شخ�صيته على ثقافات وفنون و�ألوان و�شخ�صيات جاذبة ّ وجذابة جنحت بالفعل يف �إح���داث الكثري من التغ�ّي�ررّ يف ال�شخ�صية ،ويف ال�سلوك �آثارها ونتائجه���ا وخا�ص���ة ال�سالبة منه���ا وا�ضحة للعي���ان وخا�صة على الفئات العمرية ال�صغرية واليافعة �سريعة الت�أثر والتق ّبل والتب ّني حت�س �أنه ُم رِّعب عنها �أو �أنها يجب �أن ل���كل ما جتد في���ه �ضالتها �أو ّ تك���ون يف ذات الو�ضع ،ال�سيما يف تل���ك الق�ضايا املتعلقة باحلرية ال�شخ�صي���ة �أو العام���ة �أو الأمثل���ة املتج���اوزة ل�ص���راع الأجي���ال وبالف���روق وال�سم���ات ذات الب���ون ال�شا�سع التي تذيبه���ا الأ�ضواء وامل�ؤثرات لتجعل منها �أهداف ًا حمققة. �إن �أب���رز مالم���ح الت�أثري غ�ي�ر ال�صحي يف النف�سي���ة اليمنية عرب
م��ن املهم اليوم ،يف �س��ياق تعاظ��م الأهميات والأولويات التي يجب �أن يبد�أ العمل لأجلها، االهتمام بال�ص��حة النف�س��ية واال�س��تقرار النف�س��ي للإن�سان اليمني حمور كل ما ُيبذل م��ن جهد ،وم��ا ُينف��ق من �أم��وال ،وم��ا ُينفّذ من ُبن��ى ،و�أن نبحث عن احلل��ول احلقيقية واجلادة لكل ما يعرتي ال�شخ�ص��ية اليمنية م��ن عل��ل ينتجه��ا الفق��ر �أو غي��اب الق��دوة واملث��ل م��ن احلي��اة �أو احلرم��ان املركّ��ب من فر���ص احلي��اة الكرمية واحلري��ة والقدرة على املناف�سة وامتالك القرار الإع�ل�ام تتمث���ل يف ح���االت ال�ص���راع الوا�ضح���ة مع ال���ذات ومع الآخ���ر يف املحيط ذاته التي نلحظه���ا ب�سهولة يف النقا�شات ،ويف االهتمام���ات ،ويف الأزياء ،ويف الأذواق العامة التي �شابها الكثري من اخللل امللحوظ. احلدي���ث عن مر����ض �إن�س���ان مرتب���ط بهوي���ة تاريخي���ة ووطنية وح�ضارة وتراث� ،أمر فيه الكثري من اخلطورة والكثري من اجلدية واحل���ذر� ،إال �أن الأعرا�ض املر�ضية وما تفرزه من �إ�شكاالت جتعل للحدي���ث �أهميت���ه اال�ستثنائي���ة ب���ل و�ضرورته .وم���ن امل�ؤ�سف �أن املكتب���ة اليمنية وامل�ؤ�س�سات املتعاملة م���ع الإن�سان اليمني خدمية كانت �أو غريها تفتقر �إىل امل�ؤ�شرات العلمية والبيئية والدرا�سات اجل���ادة والدقيقة ح���ول هذا الإن�سان ،وحتدي���د ًا حول �شخ�صيته وم���دى ثباته���ا والعوام���ل امل�ؤث���رة فيها م���ن داخله���ا وخارجها، والأمرا�ض التي �أ�صابتها ع�ب�ر التاريخ ،وكيف واجهتها ،وماهية الآث���ار املرتتب عليها؟ و�إذا كانت ال�صحة النف�سية لهذا الإن�سان يف حال���ة مر�ضي���ة ،فم���ا ه���ي ال�سمات والق���درات الت���ي حتملها ال�شخ�صي���ة اليمنية لكي تو�ضع عل���ى �ضوئها التدخالت واحللول واملعاجلات املنا�سبة؟ من املهم اليوم ،يف �سياق تعاظم الأهميات والأولويات التي يجب �أن يب���د�أ العمل لأجلها ،االهتمام بال�صح���ة النف�سية واال�ستقرار النف�س���ي للإن�سان اليمني حمور كل ما ُيبذل من جهد ،وما ُينفق م���ن �أموال ،وما ُينفّذ م���ن ُبنى ،و�أن نبحث عن احللول احلقيقية واجلادة لكل ما يعرتي ال�شخ�صية اليمنية من علل ينتجها الفقر �أو غي���اب القدوة واملثل من احلياة �أو احلرمان املر ّكب من فر�ص احلياة الكرمية واحلرية والقدرة على املناف�سة وامتالك القرار وحب العمل واملبادرة لأجل الآخرين كقيم اجتماعية و�سلوكية. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
41 2009
اليمن والعامل
حتليالت
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
ازدادت يف العقدي��ن الأخريي��ن ،وب�ش��كل ملفت ،وت�يرة الأدوار التي ت�ض��طلع بها منظمات املجتمع امل��دين ،وتنوعت املهام والوظائ��ف الت��ي تقوم بها .وتنبع �أهمية منظمات املجتمع املدين من كونها قطاع حيوي ي�ش��غل احليز االجتماعي املمتد بني الأ�س��رة والدولة ،ويلعب دور ًا مهم ًا يف تو�س��يع فر�ص الأفراد على امل�ش��اركة يف احلياة العامة ،وتنمية روح املبادرات الطوعية ،وتعميق م�شاعر االنتماء املجتمعي وال�سيا�سي .والأهم �أنه ي�شارك الدولة يف الوظائف التي ال ت�ستطيع القيام بها ،مبا يحقق التكامل الوظيفي بني الدولة واملجتمع املدين يف خدمة �أهداف التنمية ال�شاملة والنهو�ض باملجتمع.
متويل �ضعيف وا�ستقاللية م�ستباحة
�أزمــة
منظمات املجـتمع املدين فـي اليمن
خالد �أحمد الرماح وق���د �شهدت منظمات املجتمع املدين يف اليمن منذ بداية ت�سعينيات الق���رن املا�ضي منو ًا مطرد ًا ،بفع���ل �أجواء االنفت���اح والتعددية التي �شهدته���ا اليم���ن بع���د �إعادة حتقي���ق وحدة الب�ل�اد و�إق���رار النظام الدميقراطي يف الثاين والع�شرين من �أيار /مايو .1990فطبق ًا لآخر االح�ص���اءات الر�سمية ,ف�إن عدد منظمات املجتمع املدين يف اليمن و�ص���ل حتى منت�صف عام � ،2008إىل نحو 5,620منظمة ,منها 4,045 منظم���ة �أهلي���ة ،يف حني كان العدد قبل قي���ام الوحدة ال يتجاوز 286 منظمة يف ال�شطرين. �إال �أن امل�شكل���ة الأ�سا�سية الت���ي تواجهنا هنا تتمثل يف �أن معظم هذه املنظمات تظل عدمي الفاعلية �أو متعرثة ،لأ�سباب عديدة من بينها: و�شحة م�صادر التمويل، االفتقار �إىل اخلربة الكافية ،وال�شخ�صنةّ ، وع���دم اال�ستقاللي���ة ،وغريها م���ن الأ�سباب الأخرى الت���ي ال ي�سعنا اخلو����ض فيه���ا� .إال �أن �إ�شكالي���ة التمويل حتظى بالأولوي���ة لأهميتها يف �إجن���اح عمل منظمات املجتمع املدين ,وتعزي���ز قدرتها يف تنفيذ م�شاريعها و�أهدافها ،خ�صو�ص ًا يف املجتمعات حديثة العهد بالتجربة كم���ا هو حال اليمن ،التي ما زالت تفتق���د �إىل قيمة العمل التطوعي الهادف خلدمة ال�صالح العام. وامل�ؤك���د �أن فقد منظمات املجتمع املدين م�ص���ادر التمويل الكافية، وع���دم قدرته���ا على ت�أم�ي�ن احتياجاته���ا املالية ال�ضروري���ة ينعك�س بال�ض���رورة عل���ى �أدائه���ا لدوره���ا وفاعليته���ا يف املجتم���ع .ويرتبط ب�إ�شكالي���ة التموي���ل �إ�شكالي���ة �أخ���رى ال تق���ل �أهمية ،وه���ي �إ�شكالية اال�ستقاللي���ة .ففي خ�ض���م البحث عن م�صادر متوي���ل ،تفقد بع�ض منظم���ات املجتم���ع امل���دين ا�ستقالليتها الذاتية ل�صال���ح تف�ضيالت اجلهات املمولة الداخلية واخلارجية.
باجلمعي���ات وامل�ؤ�س�سات الأهلية ،قد منح منظم���ات املجتمع املدين مي���زات عديدة كنوع من الدعم ،منه���ا� :إعفاء جميع م�صادر دخلها وعوائدها م���ن ال�ضرائب ,و�إعفاء كل ما ت�ستورده �أو تتلقاه كمعونات وهب���ات من اخلارج م���ن ال�ضرائب والر�س���وم اجلمركية ،وتخفي�ض 50%م���ن تكلفة ا�سته�ل�اك املياه والكهرباء ملقراته���ا الرئي�سية .كما ن����ص القانون عل���ى منح املنظم���ات الأهلية ذات النف���ع العام دعم ًا حكومي��� ًا� ،إذا م���ا ا�ستوف���ت �شروط ًا معينة م���ن بينه���ا� :أن يكون قد م�ض���ى عل���ى ت�أ�سي�سه���ا ومبا�شرته���ا لن�شاطها الفعل���ي امللمو�س عام عل���ى الأق���ل ،و�أن يكون ن�شاطه���ا حمقق ًا للمنفعة العام���ة ،و�أن تقدم �ص���ورة من ح�سابها اخلتام���ي ال�سنوي املقر م���ن اجلمعية العمومية �إىل وزارة ال�ش����ؤون االجتماعي���ة .وم���ع ذل���ك ف�إن الدع���م احلكومي ال ي���زال حم���دود ًا ,وال ي�ستفي���د منه �س���وى عدد قليل م���ن منظمات املجتمع امل���دين .فوفق ًا للم�سح امليداين الذي �أج���راه مكتب ال�ش�ؤون االجتماعي���ة والعمل ب�أمانة العا�صمة خالل الفرتة 2008/7/15 - 5/1 ف����إن 86منظمة من �أ�صل 493منظمة يف �أمانة العا�صمة تلقت دعم ًا حكومي��� ًا مالي ًا وعيني��� ًا ،و 44منظمة منها تلقت دعم��� ًا حكومي ًا مالي ًا يقدر بـ 6,170,000ريال� ,أي مبتو�سط 140,000ريال �سنوي ًا لكل منها، وهو مبلغ �ضئيل وبالكاد يغطي الإيجارات وامل�صاريف الت�شغيلية على مدار العام ،ف� ً ضال عن �أن�شطة املنظمة الأ�سا�سية. �أم���ا ما يتعلق بالدعم ال�شعبي� ،سواء املقدم من �أفراد �أو من القطاع اخلا����ص ،ف�إنه ووفق��� ًا للم�سح ذات���ه ,يعد امل�ص���در الرئي�سي لتمويل املنظم���ات الأهلي���ة ( 217منظمة من �إجم���ايل 493منظمة يف �أمانة العا�صم���ة) ،وه���و يف كل الأحوال يع���اين من �صعوبات ،لع���ل �أهمها �ضع���ف الوعي املجتمع���ي ب�أهمي���ة منظمات املجتمع امل���دين ،وعدم الثقة يف قدرتها على امل�ساهمة يف تنمية املجتمع وحل م�شاكله� ،سواء من قبل الأفراد �أو القطاع اخلا�ص �أو رجال الأعمال.
متوي��ل �ض��عيف ت�أت���ي �إ�شكالي���ة التموي���ل بدرج���ة رئي�سية م���ن �ضعف التمويل املحل���ي ب�أنواعه الثالثة (احلكوم���ي ،وال�شعبي ،وم���ا زاد الطني بلة� ,أن منظمات املجتم���ع املدين تعاين من عجز يف والذات���ي) .فرغم �أن القان���ون اليمني رقم ( )1لع���ام 2001اخلا�ص قدرتها على التمويل الذاتي وتنمية مواردها الذاتية .نتيجة لعوائق 42
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
خالد الرماح باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
43 2009
اليمن والعامل
وجهات نظر و�أجندة ق�ضاي���ا خا�صة حتقق م�صاحلهم ,والت���ي قد ال تتطابق مع امل�صالح الوطنية ،كما ال يخلو الأمر من خماطر التبعية ,وا�ستخدام املنظمات املحلية لتنفيذ �أهداف وم�صالح �أطراف خارجية ،ف� ً ضال ع���ن ا�ستخدام الدع���م الأجنبي ملنظم���ات املجتمع امل���دين كو�سيلة الخرتاق املجتمع ،وحماولة خلق تغيريات ثقافية واجتماعية عميقة يف ن�سيج���ه ،تخدم م�صالح القوى الغربية عل���ى املدى البعيد .ولعل الأثر املبا�شر ملخاطر االعتماد احل�صري على التمويل الأجنبي� ،أنه يحول اجتاه ودور منظمات املجتمع املدين من تنفيذ ورعاية �أجندة ُ ق�ضاي���ا و�أولويات نابعة من حاجات املجتمع وق�ضاياه الأكرث �إحلاحاً �إىل ا�ست�ي�راد �أجن���دة ق�ضايا و�أولوي���ات جاهزة تُراع���ي تف�ضيالت وم�صالح الأطراف اخلارجية املقدمة للدعم.
املنظمات الطوعية غري احلكومية املمولة خارجي ًا، ت�ص��بح يوم ًا ع��ن يوم ج��زء ًا من حرك��ة دولية ذات ت�أثري متزايد يف �ص��نع ال�سيا�س��ات املحلية ،خ�صو�ص ًا يف بيئ��ة ال��دول النامي��ة يف ظ��ل �أج��واء العومل��ة والتحلل التدريجي للحدود ال�سيادية للدول ،بحيث ت�ص��بح هذه املنظمات �أكرث ارتباط�� ًا ب�أهداف القوى اخلارجية ،و�أدوات بيدها توجهها كيف ت�شاء
ويف املقاب���ل ،ي���رى م�ؤيدو التمويل اخلارجي �أن���ه ال ميكن اال�ستغناء عن الدعم املقدم من اخل���ارج ،نتيجة لل�صعوبات املتعلقة بالتمويل املحل���ي ،و�أن���ه ال يتم تبنى �أجن���دة ق�ضايا اجله���ات املمولة ،بل يتم التقاط���ع معه���ا يف الق�ضاي���ا ذات االهتم���ام امل�ش�ت�رك .وبالت���ايل, فالتموي���ل الأجنب���ي فر�صة لإنعا����ش وتفعيل دور منظم���ات املجتمع امل���دين املحلي���ة ،يف ظ���ل احل�صار ال���ذي تفر�ض���ه احلكومات على بع�ضها. غزل منقو�ض؟ :معظم منظمات املجتمع املدين يف اليمن تظل عدمية الفاعلية �أو متعرثة
رئي�سي���ة �أهمها :االفتقار �إىل ر�ؤو����س الأموال (�أو قرو�ض مي�سرة من دون ا�ستثن���اء �أو متيي���ز .ف� ً ضال ع���ن �أن ت�صنيفه���ا �سيا�سي ًا يحرمها دون فوائ���د) لإن�شاء م�شاريع ا�ستثمارية �أو وقفيات ت�ساهم يف متويل احل�صول عل���ى التمويل من امل�صادر الأخ���رى لدخولها يف ح�سابات �أن�شط���ة هذه املنظمات على امل���دى الطويل .ف� ً ضال عن �ضعف البنية ال�صراع ال�سيا�سي من قبل هذا الطرف �أو ذاك. امل�ؤ�س�سي���ة لكثري منها ,وغي���اب ال�شفافي���ة والدميقراطية الداخلية ً ���ي التمويل واال�ستقاللية عندما يتم احلديث ت إ�شكالي � تثار ما ا وغالب ّ وامل�ساءل���ة ،م���ا يجعلها عر�ض���ة للف�س���اد و�سوء اال�ستغ�ل�ال من قبل عن التمويل الأجنبي ،والذي �أ�صبح يف الوقت الراهن م�صدر ًا مهم ًا القائمني عليها وحتويلها �إىل و�سيلة لالنتفاع ال�شخ�صي. لتمويل كثري م���ن منظمات املجتمع املدين ،يف ظ���ل اجتاه املنظمات ..وا�س��تقاللية م�س��تباحة جمم���ل املعوق���ات امل�ش���ار الدولي���ة والدول الكربى �إىل ر�صد مبالغ كبرية لدعم هذه املنظمات �إليه���ا �سالف��� ًا دفعت بع����ض منظم���ات املجتمع امل���دين يف اليمن �إما و�أن�شطتها كجزء من دعم عملية الإ�صالح يف املنطقة .وتعترب اليمن �إىل ا�ست�ي�راد �أجن���دات �أط���راف خارجي���ة� ,أو العم���ل خلدم���ة قوى م���ن البلدان العربي���ة القليلة التي �سمحت ملنظم���ات املجتمع املدين �سيا�سي���ة داخلية ،وهو ما ميثل يف حد ذاته م�شكلة حقيقية ،ذلك �أن باحل�صول على متويل �أجنبي ب�شرط �إبالغ وزارة الت�أمينات وال�ش�ؤون اال�ستقاللية �شرط �ضروري ل�ضمان فعالية منظمات املجتمع املدين ,االجتماعي���ة بذلك ،واحل�صول على موافقة الوزارة على الأن�شطة �أو وقيامه���ا بدور ايجابي ومثمر يلبي حاجات املجتمع ,وي�ساهم يف حل امل�شروعات التي �ستمول من �أموال الدعم الأجنبي. م�شاكله بحي���اد ومو�ضوعية .وتعني اال�ستقاللي���ة �أن تكون منظمات املجتم���ع املدين م�ستقلة يف حتديد �أولوياته���ا و�أجندة ق�ضاياها بنا ًء التموي��ل كمقدم��ة للتطويع �إن �سعي منظمات املجتمع عل���ى الغر�ض الذي وجدت من �أجله ،وبن���ا ًء على احتياجات املجتمع املدين املحلية لزيادة مواردها التمويلية من املانحني الأجانب �سواء و�أولويات���ه الأكرث �إحلاح��� ًا ،بعيد ًا عن تف�ضي�ل�ات الأطراف املانحة .كان���وا دو ًال �أو منظم���ات ،كان وال ي���زال حمل خ�ل�اف وجدل �شديد وكذلك �أن تكون م�ستقلة �سيا�سي ًا؛ مبعنى �أن تن�أى بنف�سها عن هيمنة بني فري���ق معار�ض و�آخ���ر م�ؤيد ،وفري���ق ثالث ي�سع���ى �إىل املوائمة الأحزاب ال�سيا�سية� ،أو �أن تكون طرف ًا يف ال�صراع ال�سيا�سي ،والذي بني اال�ستف���ادة من التمويل الأجنبي ,واحلف���اظ على اال�ستقاللية, ال يحرمه���ا فقط م���ن اال�ستقاللي���ة ،ب���ل و ُيبعدها عن ال���دور الذي وت�أمني امل�صلحة الوطنية للبالد يف الوقت ذاته. وج���دت ومن �أجله ،وهو خدمة املجتمع بكل �أطيافه وقواه ال�سيا�سية ,ينطلق الفريق الأول يف معار�ضته من كون املانحني يفر�ضون �شروطاً, 44
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
وبغ�ض النظر عن هذا ال���ر�أي �أو ذاك ,ف�إن ال�شواهد الواقعية ت�ؤكد �أن بع�ض اجله���ات املانحة متار�س �أحيان ًا �ضغوط��� ًا معلنة �أو مبطنة على منظمات املجتمع املدين املحلي���ة لتحديد اجتاهاتها ومواقفها يف ق�ضاي���ا �أخ���رى ال عالقة لها بالق�ضايا امل�شرتك���ة .ومن ال�شواهد اجلديرة بالذكر هنا �أن �إحدى املنظمات الدولية املانحة العاملة يف اليم���ن �أوقفت متويلها مل�شاريع م�شرتكة مع �إحدى منظمات املجتمع امل���دين املحلي���ة ب�سبب تك���رار الأخ�ي�رة ملواقفه���ا امل�ؤي���دة للق�ضية الفل�سطيني���ة ،لأن ذل���ك ال ير�ض���ي الداعم�ي�ن (اليه���ود) للمنظمة الدولية على حد زعمها. �أما النتائج بعيدة املدى على امل�ستوى االجتماعي -ال�سيا�سي للتمويل الأجنب���ي� ،أن املنظم���ات الطوعية غري احلكومي���ة املمولة خارجي ًا، ت�صب���ح يوم ًا ع���ن يوم جزء ًا من حركة دولي���ة ذات ت�أثري متزايد يف �صن���ع ال�سيا�س���ات املحلية ،خ�صو�ص ًا يف بيئة ال���دول النامية يف ظل �أج���واء العوملة والتحل���ل التدريجي للحدود ال�سيادي���ة للدول ،بحيث ت�صب���ح هذه املنظم���ات �أكرث ارتباط��� ًا ب�أهداف الق���وى اخلارجية، و�أدوات بيدها توجهها كيف ت�شاء. وت�ؤك���د التجربة حت���ى الآن على النتائج ال�سلبي���ة للتمويل اخلارجي ال�ضخ���م والزائد عن احلاجة ،والذي كان �سبب��� ًا يف انت�شار الف�ساد يف �أو�س���اط منظم���ات املجتمع املدين ،ف�أ�صبح البح���ث عن التمويل الأجنب���ي هدف��� ًا يف ح���د ذات���ه ,بغ����ض النظ���ر عن طبيع���ة وجدوى الأن�شط���ة املمول���ة .و�أغرى وف���رة الدع���م الأجنبي البع����ض لإن�شاء منظم���ات جمتمع مدين لي�س خلدم���ة ق�ضايا معين���ة �أو �إميان ًا بها،
بق���در ما �أ�صبحت و�سيلة �سهلة للإث���راء والك�سب ال�شخ�صي .لذلك غالب��� ًا ما يظهر على ال�سطح اخلالف عل���ى الغنائم بني امل�ؤ�س�سني، والتعام���ل مع الق�ضايا التي تعنى بها املنظم���ة بانتهازية وبرغماتية �شديدة. ولت�ل�ايف هذه ال�سلبي���ات ،ف�إن الأمر يتطلب قي���ام منظمات املجتمع امل���دين بو�ض���ع معاي�ي�ر �صارمة لتلق���ي التموي���ل �س���واء كان داخلي ًا �أو خارجي��� ًا ،والت�أكي���د على مب���د�أ ال�شفافي���ة الكامل���ة يف �أعمالها، واملحا�سبة الذاتي���ة ،والدميقراطية الداخلية .و�ضرورة وجود حوار م�ستم���ر ودوري بني الطرفني املانح واملمنوح ل���ه يف وجود احلكومة كطرف ثالث ،وو�ضع خطط �إ�سرتاتيجية جلذب التمويالت املحلية، وتنمية الوعي لدى املواطن العادي ب�أهمية منظمات املجتمع املدين ودوره���ا يف خدم���ة املجتمع ،وت�شجي���ع العمل التطوع���ي يف �أو�ساط ال�شب���اب كجزء مه���م لتنمية الق���درات الذاتية له���ذه املنظمات يف تنفيذ �أن�شطتها. وعل���ى الدول���ة م���ن جانبه���ا �أن تق���وم بدور �أك�ث�ر ايجابي���ة يف دعم املنظمات الأكرث فاعلية بحيادية و�شفافية ،خ�صو�ص ًا تلك التي تعنى بالق�ضايا الأكرث حيوية يف املجتمع ،كمحاربة الفقر والبطالة وحمو الأمي���ة وغريه���ا ،لتحقيق ال�شراك���ة الفعلية بني الدول���ة ومنظمات املجتمع املدين ،مبا يخ���دم التنمية وي�ساهم يف حل م�شاكل املجتمع الأكرث �إحلاح ًا. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
45 2009
اليمن والعامل حتليالت
فـي 60يومـا
وجهات نظر
عني على اليمن للجه���ود واالت�صاالت املكثفة التي �أجرتها اليمن بهدف الإفراج عن ال�شيخ حممد علي امل�ؤيد ومرافقه حممد زايد.
تفاعالت اليمن والعامل فـي
60
12
يوم ًا
�شهرا �آب�/أغ�سط�س و �أيلول�/سبتمرب 2009
�آب�/أغ�سط�س 2009
5
التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي ،ب�صنعاء ،نائب املدير الإقليمي لربنامج الغذاء العاملي فليب وارد .وجرى يف اللقاء ا�ستعرا�ض �أن�شطة الربنامج وجماالت التعاون معه ،وال�سبل الكفيلة بتو�سيع �أن�شطته ملواجهة ظاهرة اجلفاف ودعم جهود حتقيق الأمن الغذائي يف اليمن.
5
وق���ع ب�صنعاء على مذكرة تفاهم ب�ي�ن �شركتي النفط اليمنية و�شرك���ة كوراك البحرينية القاب�ضة ،لدرا�سة �إن�شاء �شركة م�شرتكة مينية -بحرينية ،وت�أ�سي�س جممع لل�صناعات النفطية يف اليمن.
7
التق���ى نائب رئي�س الوزراء ل�ش����ؤون الدفاع والأمن وزير الإدارة املحلي���ة الدكتور ر�شاد العليم���ي بال�سفري الربيط���اين ب�صنعاء تيم تورل���و ،والقائم ب�أعم���ال ال�سفري الأمل���اين ب�صنعاء ماي���كل ريو�س, لبح���ث نتائ���ج التحقيق���ات يف جرمية االختطاف ال���ذي تعر�ض لها ت�سعة �أجانب يف �صعدة خ�ل�ال حزيران/يونيو املا�ضي بينهم �سبعة مواطن�ي�ن �أمل���ان ومواطن بريط���اين ومواطنة كوري���ة جنوبية ,وقتل ثالث ن�ساء من بني املختطفني.
7
ق���ررت ال�سلط���ات الق�ضائي���ة الأمريكية �إطالق �س���راح ال�شيخ حممد عل���ي امل�ؤيد ومرافقه حممد زايد امل�سجونني يف �سجن بوالية كل���ورادو على خلفية حكمني ق�ضائيني كانا ق���د �صدرا �ضدهما قبل �سنوات من الق�ضاء الأمريكي. 46
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
8
التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي� ،سفري الواليات املتح���دة الأمريكي���ة ب�صنع���اء �ستيف���ن �سي����ش ،تناول اللق���اء قرار احلكومة الأمريكية الإفراج عن ال�شيخ امل�ؤيد ومرافقه حممد زايد، والتفا�صي���ل املرتبط���ة بنقلهما �إىل اليم���ن ،بالإ�ضاف���ة �إىل ق�ضايا املعتقلني اليمنيني بجوانتنامو وباج���رام .وبحث اللقاء الأو�ضاع يف ال�صومال و�ضرورة تنفيذ قرارات جمل�س الأمن واالحتاد الأفريقي املتعلق���ة بدع���م احلكوم���ة الفيدرالي���ة االنتقالي���ة مبا يع���زز الأمن واال�ستقرار يف ال�صومال ويحقق امل�صاحلة.
9
الرئي����س علي عبداهلل �صالح ي�ستقبل �سف�ي�ر الواليات املتحدة الأمريكي���ة ب�صنع���اء �ستيف���ن �سي�ش ،و�سف�ي�ر اململك���ة املتحدة تيم تورل���و ،وال�سف�ي�ر الهولندي ه���اري بوكيما ،ونائ���ب ال�سفري الأملاين ماي���كل روي�س ،وجرى خ�ل�ال اللقاء ا�ستعرا�ض عالق���ات اليمن مع ال���دول املانحة� ،إ�ضافة �إىل ا�ستعرا����ض توجهات احلكومة للمرحلة القادمة.
9
التق���ى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بك���ر القربي� ،سفري اليابان ب�صنع���اء تو�شيكاجي .وجرى خالل اللق���اء بحث العالقات الثنائية بني البلدين ،والدعم الياب���اين خلفر ال�سواحل يف اليمن ،واجلهود امل�شرتكة يف مكافحة القر�صنة.
10
الرئي����س علي عب���داهلل �صال���ح يتلقى ات�ص���ا ًال هاتفي ًا من مدير مكتب التحقيقات الفيدرايل الأمريكي (�إف .بي� .آي) روبرت مولل���ر ،والذي �أبلغ���ه �أن الواليات املتحدة الأمريكي���ة قد ا�ستجابت
الرئي����س علي عب���داهلل �صال���ح يتلقى ات�ص���ا ًال هاتفي ًا من الرئي����س ال�صومايل �شريف �شيخ �أحمد رئي����س احلكومة االنتقالية ال�صومالية� ،أطلعه فيه على تطورات الأو�ضاع يف ال�صومال واجلهود املبذولة لتعزيز دعائم الأمن واال�ستقرار هناك.
12
التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي املمثل املقيم لربنام���ج الأمم املتح���دة الإمنائي ب�صنعاء براتيب���ا مهتا .جرى يف اللقاء بحث تطورات الأو�ضاع يف حمافظة �صعدة يف �ضوء ا�ستمرار احلرب مع املتمردين ،ومناق�شة ال�سبل الكفيلة ب�إي�صال امل�ساعدات الإن�سانية للنازحني من املناطق املت�ضررة من القتال.
15
وق���ع بالعا�صم���ة اليمني���ة عل���ى اتفاقيت���ي متوي���ل ،تق���دم مبوجبه���ا الياب���ان لليمن منح���ة قيمتها 15ملي���ون و� 100ألف دوالر. وقع االتفاقيت�ي�ن وزير اخلارجية الدكتور �أبو بك���ر القربي وال�سفري الياباين ب�صنعاء ما�ساكازو تو�شيكاجي.
15
ق���ال ال�سفري الهن���دي ب�صنعاء ،برافني فريم���ا� ،أن حجم التب���ادل التج���اري بني اليم���ن والهن���د ارتفع خالل عام���ي - 2007 2008لي�ص���ل �إىل ملياري���ن و 486ملي���ون دوالر .و�أو�ض���ح ال�سفري فريما خالل احتفال نظمته �سفارة الهند ب�صنعاء احتفا ًء بالذكرى الثالث���ة وال�ستني لعيد ا�ستقالل الهند� ،أن قيمة �صادرات اليمن �إىل الهن���د خالل نف�س الف�ت�رة بلغت ملي���ار و 469ملي���ون دوالر ،متثلت بالنف���ط اخلام واخل���ردة واجلل���ود واحلجر اجل�ي�ري ،بينما بلغت قيمة واردات اليمن من الهند مليار و 17مليون دوالر و�شملت ال�شاي والأرز والقمح واحلبوب والدواجن والتوابل والتبغ ومنتجات اللحوم والأدوية وامل�شغوالت اليدوية واملواد الكيمائية.
16
تلقى الرئي�س علي عبداهلل �صالح ر�سالة خطية من العاهل ال�سع���ودي عب���داهلل ب���ن عبدالعزي���ز �آل �سع���ود ،تتعل���ق بالعالقات الثنائي���ة و�سبل تعزيزها .كما ت�ضمن���ت الر�سالة التي قام بت�سليمها ال�سفري ال�سعودي ب�صنعاء علي بن حممد احلمدان ،دعوة الرئي�س، حل�ضور االفتتاح الر�سمي جلامعة امللك عبداهلل للعلوم والتقنية يف �أيلول�/سبتمرب .2009
16
الرئي����س عل���ي عب���داهلل �صال���ح ي�ستقبل املبع���وث اخلا�ص للأم�ي�ن العام ل�ل��أمم املتح���دة اىل ال�صومال �أحم���د ولد عبداهلل، ال���ذي اطلعه على تط���ورات الأو�ض���اع يف ال�صوم���ال واجلهود التي
تبذله���ا الأمم املتح���دة لدعم احلكومة ال�صومالي���ة احلالية بهدف تعزيز الأمن واال�ستقرار يف �أنحاء ال�صومال.
17
الرئي����س عل���ي عب���داهلل �صال���ح ي�ستقبل وف���د الكوجنر�س الأمريكي الذي ي���زور اليمن برئا�سة ال�سيناتور جون ماكني ،وجرى خ�ل�ال اللقاء بحث العالق���ات الثنائية وجم���االت التعاون امل�شرتك و�سب���ل تطويرها يف كافة املجاالت ،وعلى وج���ه اخل�صو�ص التعاون يف املجال االقت�صادي والأمني وجمال مكافحة الإرهاب.
17
تلق���ى رئي����س جمل�س ال���وزراء الدكتور عل���ي حممد جمور ر�سال���ة جوابية من نظريه الفرن�سي فران�سوا فيون ،رد ًا على ر�سالته ح���ول اجلهود التي تبذلها ال�سلطات الفرن�سي���ة ال�ستكمال التحقيق و�إجراءات البحث وانت�شال ال�صندوقني الأ�سودين للطائرة اليمنية املنكوبة قبالة �سواحل جزر القمر �أواخر حزيران /يونيو املا�ضي.
17
التق���ى وزي���ر اخلارجي���ة ال�سف�ي�رة كري�ست�ي�ن روبيت�ش���ن املكلف���ة من قب���ل رئي�س ال���وزراء الفرن�سي مب�ساع���دة ومتابعة �أ�سر �ضحاي���ا حادثة حتطم الطائرة اليمني���ة ،والتي قامت بتقدمي عزاء فرن�س���ا حكوم ًة و�شعب��� ًا يف �ضحايا احل���ادث .كما مت خ�ل�ال اللقاء تناول جمري���ات التحقيق اخلا�ص���ة بتحطم الطائ���رة والبحث عن ال�صندوق�ي�ن الأ�سودي���ن ،و�أهمية الو�ص���ول بالتحقي���ق �إىل �أ�سباب احلادث احلقيقية.
17
التق���ى وزي���ر الدفاع حمم���د نا�ص���ر �أحمد نائ���ب ال�سفري الرو�س���ي ب�صنعاء �أولي���غ ليفني .جرى خالل اللق���اء بحث عالقات وجماالت التعاون الع�سكري بني جي�شي البلدين ،خا�صة يف جماالت التدري���ب والت�أهيل وتبادل اخل�ب�رات واملعلومات فيما يخ�ص العمل امل�شرتك ملكافحة الإرهاب والقر�صنة البحرية يف املنطقة.
18
�أعل���ن ال�صندوق الدويل للتنمي���ة الزراعية (الإيفاد) عن تق���دمي منحة �إ�ضافي���ة لليمن بقيمة �سبعة مالي�ي�ن وخم�سمائة �ألف دوالر ،تكر�س للم�ساهمة يف تغطية الفجوة التمويلية املتعلقة مب�شروع التنمي���ة الريفية يف اليمن .جاء ذل���ك خالل املباحثات التى عقدت بني اليمن وال�صندوق ال���دويل للتنمية الزراعية (الإيفاد) برئا�سة وكي���ل وزارة التخطي���ط والتعاون ال���دويل لقطاع برجم���ة امل�شاريع املهند�س عب���داهلل ال�شاطر وم�ست�شار (الإيفاد) �إفران لوكا.
18
ناق����ش وزي���ر ال�صناعة والتجارة ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
47 2009
اليمن والعامل
فـي 60يومـا
الدكتور يحيى املتوكل مع ال�سفري الأمريكي ب�صنعاء �ستيفن �سي�ش، الرتتيب���ات اجلاري���ة لعق���د املجل�س اليمن���ي الأمريك���ي لال�ستثمار والتج���ارة خالل الأ�شهر القليل���ة املقبلة .وتطرق اللقاء �إىل م�ساعي اليمن لالن�ضمام ملنظمة التج���ارة العاملية واخلطوات التي قطعتها يف ه���ذا اجلانب� ،سواء على م�ستوى املفاو�ضات الثنائية �أو املتعددة الأطراف.
19
التق���ى وزي���ر اخلارجية الدكت���ور �أبو بك���ر القربي� ،سفري الوالي���ات املتحدة الأمريكي���ة ب�صنعاء �ستيفن �سي����ش .تناول اللقاء التع���اون بني البلدي���ن يف املجال التنم���وي والدعم ال���ذي �ستقدمه الوالي���ات املتحدة لليمن يف الف�ت�رة املقبلة ،كما تناول اللقاء ق�ضايا املعتقلني اليمنيني بجوانتانامو.
20
التق���ى وزير اخلارجي���ة الدكتور �أبو بك���ر القربي� ،سفراء ك ًال م���ن االحتاد الأوروبي والدول الأع�ض���اء الدائمة مبجل�س الأمن و�سفري تركيا وممثل الأمم املتح���دة املقيم ب�صنعاء ،وممثل البعثة الأوربية ب�صنعاء .كما التقى وزير اخلارجية ب�سفراء الدول العربية يف �إطار اللق���اءات الدورية لبحث الأو�ض���اع يف املنطقة والتطورات عل���ى ال�ساح���ة اليمنية .وق���د �أطلع الدكت���ور القرب���ي ال�سفراء على تطورات الأو�ضاع يف حمافظة �صعدة.
23
التق���ى وزي���ر اخلارجية الدكت���ور �أبو بك���ر القربي ممثلي منظم���ات الإغاث���ة الدولي���ة واملنظم���ات الإن�سانية غ�ي�ر احلكومية العاملة يف اليمن .وك ّر�س اللق���اء ال�ستعرا�ض الأو�ضاع الإن�سانية يف حمافظة �صعدة ب�سبب الأعمال القتالية يف املحافظة.
23
التق���ى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بك���ر القربي ب�صنعاء، �سفراء ال���دول الأفريقية والآ�سيوية املعتمدي���ن لدى اليمن يف �إطار اللق���اءات الدوري���ة لبح���ث الأو�ض���اع يف املنطقة والتط���ورات على ال�ساحة اليمنية ،ال�سيما الأو�ضاع يف �صعدة.
24
بح���ث وزير اخلارجية الدكتور �أبو بك���ر القربي ،مع �سفري الوالي���ات املتح���دة الأمريكي���ة ب�صنع���اء �ستيفن �سي����ش ،العالقات الثنائي���ة بني البلدي���ن .وتطرق اللقاء �إىل التط���ورات يف ال�ساحتني املحلية والعربية.
25
نقل الدكتور عبدالكرمي الإرياين امل�ست�شار ال�سيا�سي لرئي�س اجلمهورية ،خالل لقائه �صاحب ال�سمو ال�شيخ حمد بن خليفة �آل ثاين �أم�ي�ر دولة القطر ،ر�سال���ة �شفوية من الرئي�س عل���ي عبداهلل �صالح، تتعل���ق بالعالقات الثنائية ب�ي�ن البلدين وامل�ستج���دات على ال�ساحات الإقليمية والعربية والدولية والق�ضايا ذات االهتمام امل�شرتك. 48
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
26
بح���ث وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي ،مع �سفري الياب���ان ب�صنعاء ما�ساكازو تو�شيكاج���ي ،التعاون القائم بني اليمن والياب���ان يف جم���ال مكافحة الإره���اب و�سبل دعم وح���دة مكافحة الإره���اب يف اليمن .كم���ا جرى بحث �سبل تعزي���ز عالقات التعاون بني البلدين يف خمتلف املجاالت.
26
ا�ستقب���ل وزي���ر خارجي���ة احلكوم���ة االنتقالي���ة الفدرالية ال�صومالي���ة علي �أحم���د جامع يف العا�صمة مقدي�ش���و� ،سفري اليمن ل���دى ال�صوم���ال �أحمد حميد عم���ر ،ال���ذي �سلمه تهنئ���ة من وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي مبنا�سبة تعيينه وزير ًا للخارجية. وبح���ث ال�سفري عمر مع الوزير ال�صوم���ايل التطورات اجلارية على ال�ساح���ة ال�صومالي���ة واجلهود املبذولة لر�أب ال�ص���دع بني الفرقاء ال�صومال�ي�ن ،ودع���وة الرئي����س ال�صومايل للمعار�ض���ة وقف القتال خالل �شهر رم�ضان املبارك.
29
�أج���رى الرئي�س علي عبداهلل �صالح ات�صا ًال هاتفي ًا بالأمري حمم���د ب���ن نايف بن عبدالعزي���ز �آل �سعود م�ساعد وزي���ر الداخلية باململك���ة العربية ال�سعودية ،اطمئن خالله على �سالمته بعد جناته م���ن احلادث الإرهابي الذي كان ي�ستهدفه ،وه ّن�أه بالنجاة من هذا احلادث الإجرامي.
29
التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي �سفري جنوب �أفريقيا غري املقيم لدى اليمن جون ديفيز .جرى خالل اللقاء بحث العالقات الثنائية بني البلدين ،و�آخر امل�ستجدات يف �صعدة .وت�سلم الدكت���ور القربي ر�سالة تت�ضم���ن دعوته لزيارة جن���وب افريقيا يف كانون الأول/دي�سمرب املقبل لتوقيع اتفاقية تفاهم بني البلدين.
30
�أعلن���ت الوكال���ة الأمريكي���ة للتنمي���ة اعتزامه���ا تق���دمي م�ساع���دات غذائي���ة للنازحني ج���راء التمرد والقت���ال يف حمافظة �صع���دة بتكلف���ة تزيد عن 2.5مليون دوالر .و�أو�ض���ح بيان �صادر عن ال�سف���ارة الأمريكي���ة ب�صنع���اء �أن امل�ساعدات ت�شم���ل 3440طن ًا من القمح ،و 460طن ًا من الفا�صوليا.
31
بح���ث وزير اخلارجية �أبو بكر القربي ،مع �سفري جمهورية الع���راق طالل جميل العبيدي العالقات الثنائية بني البلدين ،و�آخر امل�ستجدات على ال�ساحة الإقليمية والدولية و�أهمها تطورات الو�ضع يف العراق.
31
بح���ث وزي���ر اخلارجية �أبو بك���ر القربي م���ع املمثل املقيم لربنامج الأمم املتح���دة الإمنائي براتيبا ميهتا ،الأو�ضاع الإن�سانية
للنازحني جراء احلرب يف �صعدة.
31
بح���ث وزير اخلارجية �أبو بك���ر القربي ،مع �سفري الواليات املتح���دة �ستيف���ن �سي����ش ،العالق���ات الثنائية ب�ي�ن البلدي���ن و�سبل تطويرها ،بالإ�ضافة �إىل التطورات يف ال�ساحتني املحلية والعربية.
31
بحث وزير اخلارجية �أبو بكر القربي ،مع �سفري دولة قطر ب�صنعاء جا�سم عبد العزيز بوالعينني� ،أوجه العالقات الثنائية بني البلدين وتطورات الأو�ضاع يف املنطقة.
31
قال الأمني العام ملجل�س التعاون اخلليجي عبد الرحمن بن حم���د العطية� ،أن اليمن “يحتل مكانة خا�صة لدى جمل�س التعاون، و�أن دول املجل����س تدعم وحدة وا�ستقرار اليمن ف�أمن اليمن جزء ال يتجز�أ من �أمن دول املنطقة”. �أيلول�/سبتمرب 2009
1
عقدت بالعا�صمة الليبية طرابل�س جل�سة مباحثات بني الرئي�س علي عب���داهلل �صالح ،والعقيد معمر الق���ذايف قائد ثورة الفاحت من �أيلول�/سبتم�ب�ر الليبية ،حيث بحثا �سب���ل تعزيز العالقات الثنائية، كم���ا بحثا تطورات الأو�ضاع العربية الراهنة وامل�ستجدات الإقليمية والدولي���ة الت���ي تهم البلدي���ن ويف مقدمتها التط���ورات يف فل�سطني والعراق وال�سودان وال�صومال.
2
ا�ستقب���ل عبدربه من�صور هادي نائب رئي�س اجلمهورية� ،سفري جمهوري���ة ال�ص�ي�ن ال�شعبية اجلديد ل���دى اليمن لي���و دنغلني ومعه املحل���ق الع�سكري يف ال�سف���ارة .جرى خالل املقابل���ة مناق�شة عدد من الق�ضايا واملو�ضوعات املت�صلة بعالقات ال�صداقة احلميمة بني اليمن وال�صني.
2
�أك���دت دول جمل����س التع���اون اخلليجي ،دعمه���ا لكامل لوحدة وامن وا�ستقرار اجلمهوري���ة اليمنية ،جمددة الدعم لكافة اجلهود الهادف���ة لتعزيز احل���وار وتغليب امل�صلحة ال�شامل���ة .وكلف املجل�س ال���وزاري اخلليج���ي على م�ست���وى وزراء اخلارجي���ة يف ختام دورته ال���ـ 112بج���دة ,الأمني العام ملجل�س التع���اون عبدالرحمن بن حمد العطي���ة بزي���ارة �صنع���اء للت�ش���اور مع احلكوم���ة اليمني���ة ،كما �أقر املجل����س ال���وزاري اخلليج���ي ان�ضمام اليم���ن �إىل اللجن���ة الوزارية للربيد واالت�صاالت ،ورفع تو�صية بذلك �إىل القمة اخلليجية املقبلة التي �ستنعقد يف كانون الأول/دي�سمرب 2009يف دولة الكويت.
4
ا�ستقب���ل الرئي�س علي عبداهلل �صالح �أمني عام جمل�س التعاون
لدول اخللي���ج العربية عبدالرحمن العطية ،الذي �أطلعه على نتائج اجتم���اع املجل�س ال���وزاري لدول املجل����س الذي انعق���د يف الريا�ض م�ؤخ���ر ًا ،وما اتخ���ذ من قرارات ب�ش����أن اليمن ومنه���ا املوافقة على ان�ضمام اليمن �إىل هيئة الربيد واالت�صاالت.
6
ا�ستقبل الرئي�س علي عبداهلل �صالح ،عثمان �صالح حممد وزير الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية بدولة �إريرتيا ،الذي نقل له ر�سالة خطية م���ن الرئي�س �أ�سيا�سي �أفورقي رئي�س دولة �إريرتيا ،تتعلق بالعالقات الثنائي���ة ،بالإ�ضافة �إىل الت�شاور �إزاء تط���ورات الأو�ضاع يف منطقة القرن الأفريقي ويف مقدمتها الأو�ضاع يف ال�صومال وتن�سيق جهود البلدين من اجل حتقيق الوفاق بني خمتلف الأطراف ال�صومالية.
6
ا�ستقبل الرئي�س علي عبداهلل �صالح م�ساعد الرئي�س الأمريكي ل�ش����ؤون الأمن ومكافحة الإرهاب ج���ون برينن ،الذي نقل له ر�سالة خطية من الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما ،تتعلق بالعالقات الثنائية وال�شراك���ة والتعاون القائم ب�ي�ن البلدين ويف مقدمته���ا التعاون يف جمال مكافحة الإرهاب.
7
بح���ث وزير اخلارجي���ة الدكتور �أب���و بكر القربي ،م���ع ال�سفري الأمريك���ي ب�صنعاء �ستيفن �سي�ش ،العالق���ات الثنائية بني البلدين، كما بحث اجلانبان الأو�ضاع يف ال�صومال وجهود مكافحة الإرهاب وجهود احلكوم���ة اليمنية لتوفري احلماي���ة للنازحني جراء احلرب يف �صع���دة .كما بحث الدكتور القربي ،مع وزير اخلارجية الإريرتي عثمان �صالح حممد وم�ست�شار الرئي�س الإريرتي لل�ش�ؤون ال�سيا�سية مي���ان ج�ب�ر �آب ،العالق���ات الثنائي���ة بني البلدي���ن و�أهمي���ة انعقاد اللجن���ة التنفيذية لبحث العديد من امل�شاري���ع املقدمة من البلدين و�إقرارها.
8
ناق����ش وزير اخلارجي���ة الدكتور �أبو بك���ر القربي ،خالل لقائه يف القاه���رة الأم�ي�ن الع���ام جلامع���ة ال���دول العربية عم���ر مو�سى, املو�ضوع���ات املدرجة على جدول �أعمال اجتم���اع الدورة العادية الـ 132ملجل�س جامعة الدول العربية على امل�ستوى الوزاري.
9
وق���ع ب�صنع���اء ،بح�ضور رئي����س جمل�س ال���وزراء الدكتور علي حممد جمور ،على مذكرة تفاهم بني وزارة النفط واملعادن و�شركة “جاز �سيتي” اخلليجية ب�ش�أن �إجراء درا�سة اجلدوى االقت�صادية لإقامة م�شروع مدينة غ���از مينية ت�شمل عل���ى جتمعات �صناعي���ة ملختلف ال�صناعات الت���ي ي�ستخدم فيها الغ���از مبا يف ذلك �صناعة ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
49 2009
اليمن والعامل
فـي 60يومـا
البرتوكيماويات� ،إ�ضافة �إىل حمطة للطاقة الكهربائية وحتلية املياه وغريه���ا من امل�شاريع واال�ستثماري���ة املرتبطة بالغاز .و ّقع االتفاقية وزي���ر النفط واملع���ادن �أمري العيدرو����س ،فيما وقعها ع���ن ال�شركة الرئي�س التنفيذي بدر حميد جعفر.
12
ا�ستقب���ل الرئي����س علي عب���داهلل �صالح ،عل���وي بن �شهاب ممث���ل الرئي�س الإندوني�سي .وجرى بحث جوانب التعاون بني اليمن ً ممث�ل�ا يف �شركة و�إندوني�سي���ا ومنه���ا رغب���ة اجلان���ب الإندوني�سي �أندورام���ا الإندوني�سية العاملية ،اال�ستثمار يف جماالت النفط والغاز وال�صناع���ات البرتوكيماوي���ة خا�ص���ة �صناع���ة البول�س�ت�ر ب�أنواع���ه البال�ستيكية والن�سيجية.
13
التق���ى وزير اخلارجية الدكت���ور �أبوبكر القرب���ي ب�صنعاء مدي���ر مكتب تن�سيق امل�ساع���دات الإن�سانية ب���الأمم املتحدة را�شيد خاليكوف ،واملن�سق املقيم لهيئات الأمم املتحدة والربنامج الإمنائي لدى اليمن براتيبا مهتا .جرى خالل اللقاء بحث تطورات الأو�ضاع يف حمافظة �صعدة وال�سبل الكفيل���ة ب�إي�صال امل�ساعدات الإن�سانية للنازحني من مناطق املواجهات الع�سكرية.
13
�أكد الربملان العربي االنتقايل دعمه الكامل للوحدة اليمنية وت�أيي���ده للحكومة اليمنية وما تتخذه م���ن �إجراءات لدعم الوحدة، ورف�ضه الكامل لأي تدخل يف ال�ش�ؤون الداخلية اليمنية.
14
التق���ى وزي���ر اخلارجية الدكت���ور �أبو بك���ر القربي ال�سفري الياب���اين ب�صنع���اء ما�س���كازو تو�شيكاج���ي الذي بحث مع���ه� ،أوجه التعاون بني البلدين عل���ى �صعيد مكافحة الإرهاب والقر�صنة ،كما ناق����ش اللقاء املعونة اليابانية خلف���ر ال�سواحل يف اليمن والعالقات الثنائية بني البلدين و�سبل تعزيزها.
15
التق���ى وزي���ر اخلارجي���ة الدكت���ور �أب���و بكر القرب���ي وكيل م�ساع���د وزارة اخلارجية الأمريكية لل�ش�ؤون العربية ال�سيدة جانيت �ساندر�س���ون التي بحثت معه العالقات الثنائي���ة بني البلدين و�سبل تطويره���ا ،كما بح���ث اللقاء ق�ضايا الإرهاب ودع���م برامج التنمية واال�ستثمار يف اليمن.
15
�أق���رت الوالي���ات املتح���دة الأمريكي���ة رف���ع �سق���ف الدعم التنموي املقدم لليم���ن لي�صل �إىل 121مليون دوالر يف مبادرة متثل نقلة نوعية يف م�سار التعاون الثنائي مع اجلمهورية اليمنية.
16
وقع بوزارة التخطيط والتعاون الدويل ،على اتفاقية �إطار امل�ساعدات الأمريكية لليمن للأعوام 2011 - 2009مببلغ 121مليون 50
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
دوالر .تكر����س االتفاقي���ة التي وقعه���ا نائب رئي�س ال���وزراء لل�ش�ؤون االقت�صادي���ة وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكرمي الأرحبي، ومدي���ر الوكالة الأمريكي���ة للتنمي���ة الدولية الدكتور جي���ف �إ�شلي، لدع���م برام���ج وم�شاريع فني���ة ومالي���ة يف القطاع���ات االجتماعية وبخا�ص���ة التعليم وال�صحة والتنمي���ة االقت�صادية وجماالت احلكم اجليد والتنمية الدميقراطية.
16
التق���ى وزي���ر اخلارجية الدكت���ور �أبو بك���ر القربي� ،سفري ايطالي���ا ماريو بوفو والقائم ب�أعمال بعثة املفو�ضية الأوروبية ميكلي �شريفونه والقائم ب�أعم���ال ال�سفارة اال�سبانية ب�صنعاء فران�سي�سكو خافري بوغا .جرى يف اللقاء بحث التح�ضريات اجلارية الجتماعات جلن���ة احلوار ال�سيا�س���ي اليمني -الأوروبي املق���رر انعقادها نهاية �شهر ت�شرين الأول�/أكتوبر 2009يف بروك�سل.
17
ا�ستقب���ل الرئي����س علي عب���داهلل �صال���ح م�صطفى عثمان م�ست�ش���ار الرئي����س ال�س���وداين عمر الب�ش�ي�ر ،الذي نقل ل���ه ر�سالة خطية من الرئي�س الب�شري تتعلق بالعالقات الثنائية ،بالإ�ضافة �إىل تط���ورات الأو�ضاع يف ال�سودان واملنطقة ويف مقدمتها التطورات يف ال�ساحة الفل�سطينية والأو�ضاع يف ال�صومال ،كما ت�ضمنت الر�سالة ت�أكي���د وقوف ال�سودان وت�ضامنه �إىل جانب اليمن و�أمنه وا�ستقراره ووحدته.
18
رح���ب م�صدر م�سئول بدعوة ال�سي���د ح�سن ن�صر اهلل� ،أمني عام ح���زب اهلل اللبناين ،بوقف �إطالق النار ب�ي�ن الدولة واملتمردين احلوثي�ي�ن .وقال امل�صدر يف ت�صري���ح لوكالة الأنب���اء اليمنية (�سب�أ) “�إنن���ا يف الوق���ت ال���ذي نق���در في���ه لل�سيد ح�س���ن ن�ص���ر اهلل دعوته وحر�ص���ه على جتنب �إراقة الدم اليمني ،ف�إننا ن�ؤكد له ب�أن الدولة قد فر�ضت عليها احلرب فر�ض ًا وكانت دوم ًا -وما تزال -حري�صة على اللجوء �إىل كل اخليارات ال�سلمية من �أجل جتنب احلرب وعدم �إراقة الدماء ،و�أر�سلت العديد من اللجان ومن خمتلف الفعاليات ال�سيا�سية واالجتماعية لإقناع العنا�صر املتمردة اخلارجة على النظام والقانون بالكف عن �أعمالها الإرهابية والتخريبية واعتداءاتها على املواطنني و�أفراد القوات امل�سلح���ة والأمن واجلنوح لل�سلم� ،إال �أن تلك العنا�صر ظل���ت على غيها وا�ستم���رت �أعمال القتل والتخري���ب وقطع الطرقات ونه���ب وتخري���ب املن�ش����آت العام���ة واخلا�ص���ة ،مم���ا �أ�ضط���ر الدولة لال�ضط�ل�اع مب�سئوليتها م���ن �أجل �إخم���اد الفتنة الت���ي �أ�شعلتها تلك العنا�صر و�إجبارها على االلتزام بالنظام والقانون».
23
و�ص���ل الرئي����س علي عب���داهلل �صال���ح �إىل مدينة جدة يف زي���ارة للمملك���ة العربية ال�سعودي���ة ،تلبية للدع���وة املوجهة �إليه من العاهل ال�سعودي عبداهلل بن عبدالعزيز �آل �سعود ،وذلك للم�شاركة
يف حفل افتتاح جامعة امللك عبداهلل للعلوم التقنية.
24
وقعت اجلمهوية اليمنية وجمهورية الدومنيكان بنيويورك اتفاقية متثي���ل دبلوما�سي يف �إطار توجه اليمن نحو تعزيز عالقتها م���ع دول �أمريكا الالتينية ،وقعها وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي ،ووزير اخلارجية الدومنيكاين كارويل مورالي�س.
24
�أق���ر جمل����س حق���وق الإن�س���ان التاب���ع ل�ل��أمم املتحدة يف اجتماع���ه بجني���ف التقرير الوطني ال�شامل ع���ن حقوق الإن�سان يف اليمن يف �إطار املراجعة الدورية ال�شاملة حلقوق الإن�سان.
25
انتخب���ت اجلمهوري���ة اليمنية بالإجم���اع رئي�س ًا ملجموعة (ال���ـ + 77ال�صني) للع���ام 2010يف االجتماع الذي عقد مبقر الأمم املتحدة بنيويورك .و�ستت�سلم اليمن الرئا�سة من جمهورية ال�سودان بعد انتهاء رئا�ستها نهاية العام .2009
26
التق���ى وزي���ر اخلارجي���ة الدكتور �أب���و بك���ر القربي ،مبقر الأمم املتحدة بنيويورك م�ساعد وزيرة اخلارجية الأمريكية ل�ش�ؤون ال�ش���رق الأو�سط جيفري فليتم���ان .جرى خالل اللق���اء ا�ستعرا�ض جوانب التع���اون الثنائي بني اليمن والوالي���ات املتحدة يف املجاالت التنموية واالقت�صادية وحماربة الإرهاب ،و�أهمية تقدمي املزيد من الدعم لليمن ملواجهة الآثار االقت�صادية الناجتة عن الأزمة املالية، ودع���م برامج احلكوم���ة للحد من الفقر والبطال���ة وتنفيذ الأجندة الوطنية للإ�صالحات.
27
�أعل���ن الأمني العام ملنظمة امل�ؤمت���ر الإ�سالمي الربوفي�سور �أكم���ل الدين �إح�س���ان �أوغلو عن �إدان���ة وا�ستن���كار املنظمة لأعمال العنف التي يقوم بها املتمردون يف �صعدة.
27
�أكد وزراء خارجية الواليات املتحدة ودول جمل�س التعاون اخلليجي وم�صر والأردن والع���راق يف بيان م�شرتك ,دعم بلدانهم الكامل حلكوم���ة اجلمهورية اليمنية وجه���ود الرئي�س علي عبداهلل �صالح ،للحفاظ على وحدة و�أم���ن وا�ستقرار اليمن .و�أ�شار الوزراء يف البي���ان ال�صادر عقب اجتماع مغلق عقدوه على هام�ش مداوالت اجلمعي���ة العام���ة ل�ل��أمم املتح���دة يف نيوي���ورك ،اهتم���ام بلدانهم بالو�ضع يف اليم���ن .و�أكدوا دعمهم الكامل جلهود احلكومة اليمنية املكر�س���ة من �أجل احلفاظ على وحدة و�أمن وا�ستقرار اليمن ،وكذا لبذل جهود حثيثة لإيجاد حوار �سلمي.
�سفراء كل من الواليات املتحدة الأمريكية واململكة املتحدة ومملكة هولن���دا وجمهوري���ة �أملاني���ا االحتادية والقائ���م ب�أعم���ال املفو�ضية الأوروبي���ة ب�صنع���اء .تط���رق اللق���اء �إىل بحث ومناق�ش���ة جملة من الق�ضايا املت�صلة بالتعاون القائم بني اليمن وجمتمع �أملانحني و�سبل تطوي���ره وتعزيزه ومبا يتواءم والتطلعات امل�شرتكة ،كما بحث اللقاء الق�ضايا املت�صلة بتعزيز جهود الإغاثة الإن�سانية للنازحني املدنيني من حمافظة �صعدة.
29
وقع ب�صنعاء بني احلكومة اليمنية ممثلة بوزارة التخطيط والتع���اون الدويل واحلكوم���ة الأمريكية ممثلة بالوكال���ة الأمريكية للتنمية الدولي���ة على مذكرة تفاهم تق�ض���ي بتعديل اتفاقية املنحة الأمريكي���ة اخلا�صة بدع���م مراكز التدريب املهن���ي وبرامج الدعم الفنية لقطاع التعليم الفني والتدريب املهني يف اليمن ،وبحيث يتم رف���ع قيمة املنحة الأمريكية لت�صل �إىل ثالثة ماليني و�سبعمائة �ألف دوالر.
29
�أق���ر االجتماع ال���وزاري لدول جتمع �صنع���اء �إعداد ميثاق للتجمع وخطة عمل طويلة املدى بحيث تقدم �إىل االجتماع الوزاري يف ت�شرين الثاين/نوفمرب .2009و�أكد االجتماع املنعقد على هام�ش اجتماعات اجلمعية العامة للأمم املتحدة يف نيويورك برئا�سة وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القرب���ي ،على متابعة تنفيذ قرارات قمة جتم���ع �صنعاء اخلام�سة املنعقدة يف اخلرط���وم �آذار/مار�س ،2009 وحتديد مواعيد اجتماع���ات اللجان الفنية لدرا�سة امل�شاريع املعدة من الدول الأع�ضاء لتعزيز التعاون وال�شراكة .وا�ستعر�ض االجتماع تفعيل اللجان الفنية للتجمع ،و�سبل دعم حكومة ال�صومال امل�ؤقتة، وحتديد موعد القمة القادمة للدول املن�ضوية يف التجمع.
30
ا�ستقبل الرئي�س ال�سوداين عمر ح�سن الب�شري يف العا�صمة ال�سوداني���ة اخلرط���وم ،نائب رئي����س اجلمهورية عبدرب���ه من�صور هادي الذي يزور ال�س���ودان للم�شاركة يف احتفاالت امل�ؤمتر الوطني يف دورته الثالثة.
30
ا�ستقب���ل رئي�س جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جمور، ب�صنع���اء ،املدي���ر الإقليم���ي اجلديد للبن���ك الدويل ل�ش����ؤون اليمن وم�ص���ر وجيبوتي ديفيد كريج ،وجرى مناق�شة العالقات بني اليمن والبنك الدويل وتوجهاتها التنموية للفرتة املقبلة.
29
عق���د نائ���ب رئي����س ال���وزراء لل�ش����ؤون االقت�صادي���ة وزير التخطي���ط والتعاون الدويل عبد الكرمي الأرحب���ي ،لقا ًء مو�سع ًا مع ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
51 2009
اليمن والعامل حتليالت
فـي 60يومـا
وجهات نظر
عني على اليمن
حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*
اليمن و�أهميته املتزايدة يف ال�صراع الإقليمي يوئيل جوزن�سكي
معهد درا�سات الأمن القومي (�إ�سرائيل) � 11أيلول�/سبتمرب 2009
بعيد ًا ع���ن �أنظار اجلمهور وو�سائل الإعالم، تزداد �أهمية اليمن باعتباره �ساحة لل�صراع بني الق���وى الإقليمية .وعلى م���دار ال�سنوات الأخ�ي�رة �ش���كل القت���ال الدائ���ر يف الأجزاء ال�شمالية الغربية من البالد م�صدر التهديد الرئي�س���ي لليمن ،وال���ذي اندلع جم���دد ًا يف �أوائ���ل �آب� /أغ�سط����س ،و�أ�ضاف بع���د ًا �آخر لع���دم اال�ستق���رار يف بلد يع���اين بالفعل من مواجه���ة الن���زاع االنف�ص���ايل يف اجلن���وب والن�ش���اط اجله���اد العاملي ،والت���ي �أ�صبحت م�ؤخر ًا حمطة على الطريق ملهربي الأ�سلحة املوجهة يف جزء منها حلركة حما�س. كج���زء م���ن القت���ال احل���ايل يف جولت���ه (ال�ساد�س���ة) ،حت���اول الق���وات احلكومي���ة �إخماد التمرد الذي يقوده عبد امللك احلوثي، الذي ي�سيطر رجاله على املناطق اجلبلية يف حمافظة �صعدة �شمال غ���رب البالد ،والتي تقع بالقرب من احل���دود مع اململكة العربية ال�سعودي���ة .وي���دور القتال ما ب�ي�ن احلوثيني واحلكوم���ة اليمني���ة ب�ص���ورة دوري���ة من���ذ حزيران/يونيو ،2004ومع كل موجة من هذا القتال ت���زداد االو�ضاع وح�شي���ة ،مما �أ�سفر 52
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ع���ن �آالف اجلرح���ى و�أ�ض���رار هائل���ة .رغم �أن���ه ال يوجد �أ�سا�س الدعاء احلكومة اليمنية �أن االنتفا�ض���ات الث�ل�اث -االنف�صاليني يف اجلنوب ،وتعزيز ق���وة اجلهاديني املرتبطني م���ع تنظيم القاعدة ،وحركة التمرد ال�شيعية يف ال�شمال -متحدون �ضدها ،واجلمع بينها هو �أم���ر مقلق� .إن �أعم���ال العنف احلالية ال تهدد وحدة اليمن وا�ستقراره فح�سب ،ولكن تهدد �أي�ض��� ًا �أمن اململكة العربي���ة ال�سعودية و�شب���ه اجلزي���رة العربي���ة .وين�ض���م �إليه���ا املحاوالت املتزايدة م���ن املنظمات املرتبطة مع تنظي���م القاع���دة التي حت���اول الإطاحة باحلكوم���ة اليمنية ،وكذل���ك بالعائلة املالكة يف اململك���ة العربي���ة ال�سعودي���ة ،حيث ميكن اال�ست���دالل عل���ى ذلك من حماول���ة الهجوم الإرهاب���ي الأخ�ي�ر ،والت���ي كان م�صدره���ا اليمن وا�ستهدف���ت العائلة املالكة ال�سعودية. يف هذا الهجوم الذي ا�ستهدف الأمري نايف بن عبدالعزيز ،وال���ذي يعد واحد ًا من قادة اململك���ة يف احل���رب عل���ى االره���اب ،وجنل الرج���ل الثالث يف الت�سل�س���ل الهرمي للعائلة املالكة يف ال�سعودية� ،أ�صيب بجروح طفيفة.
�إن القتال ال���ذي تخو�ضه احلكوم���ة اليمنية �ض���د املتمردي���ن احلوثي�ي�ن ميث���ل �إىل ح���د كب�ي�ر منوذج��� ًا م�صغ���ر ًا للتوت���رات الدينية واالجتماعي���ة واالقت�صادي���ة ،وال�سيا�سي���ة، واالقليمي���ة التي تغل���ي حتت ال�سط���ح .ومن بعي���د ،ميكن للم���رء �أن يفرت�ض ب����أن النزاع ه���و عبارة عن �صراع م�سل���ح بني اجلماعات امل�سلح���ة واحلكوم���ة -وه���و م�س�أل���ة ميني���ة حملي���ة – ولك���ن ال�صراع ي�ض���م يف �صفوفه �أطراف ا�ضافية اخرى ،م���ن بينها ال�صراع بني �إيران التي تقود الكتلة الراديكالية وكتلة الدول الربغماتية ،والذي يف جزء منه تقوده اململكة العربية ال�سعودية. اجلولة الأخ�ي�رة من القت���ال اندلعت نتيجة النهي���ار وقف �إطالق الن���ار ،الذي دخل حيز التنفي���ذ يف 16حزيران/يونيو ،2007والذي ج���اء خرق ًا لالتف���اق الر�سمي ال���ذي وقع يف الدوحة يف الثاين من �شباط/فرباير ،2008 بو�ساط���ة م���ن �أمري قط���ر� ،آل ث���اين .ووفق ًا لالتف���اق كان م���ن املفرت�ض عل���ى احلكومة تعوي�ض امل�صابني �أو املت�ضررين من العمليات الع�سكري���ة ،وامل�ساعدة يف �إعادة بناء القرى الت���ي حلقت بها الأ�ض���رار من جراء القتال، والك���ف عن �ش���ن هجمات ع�سكري���ة �أخرى. يف املقاب���ل ،تعهد احلوثيون بالقاء �أ�سلحتهم واحلف���اظ على ال�س�ل�ام يف الأقلي���م .وعلى الرغم من االنخفا�ض يف نطاق القتال �إال �أن اال�شتباكات املتقطعة بني اجلانبني ا�ستمرت حتى بع���د �أن �أعل���ن الرئي�س اليمن���ي �صالح وقف��� ًا الطالق النار م���ن جانب واحد احتفا ًء * التحليالت الواردة تعرب عن �آراء كتابها فقط.
مب�ضي 30عام ًا على توليه من�صبه ،ورمبا مع العلم �أنه كان عاجز ًا عن و�ضع حد النتفا�ضة احلوثيني. يف ح�ي�ن ينتم���ي املتم���ردون اىل الطائف���ة الزيدية م���ن ال�شيعة والت���ي تختلف �إىل حد م���ا ع���ن ال�شيعي���ة احلالي���ة املوج���ودة عادة يف �إي���ران� ،إال �أن �إي���ران مل ت�ت�ردد -وفق��� ًا للحكوم���ة يف العا�صمة �صنع���اء – يف تقدمي الدع���م للمتمردي���ن ف���ى �أوائل ع���ام ،2004 حيث �أكد كبار م�س�ؤويل احلكومة اليمنية ويف �أكرث من منا�سبة اتهاماته���م لإيران بتزويد احلوثي�ي�ن باال�سلح���ة ،والتموي���ل ،وتدري���ب اجلن���اح الع�سك���ري للمتمردي���ن (حرك���ة ال�شباب امل�ؤمن) .ويف (مطلع �أيول�/سبتمرب )2009اته���م وزي���ر الإعالم اليمن���ي اللوزي «عنا�صر �أجنبي���ة» بتزويد املتمردين ال�شيعة يف حمافظة �صعدة بامل�ساعدات االقت�صادية وال�سيا�سي���ة و�إحل���اق «ال�ضرر ب�أم���ن اليمن وا�ستق���راره» .ع�ل�اوة على ذل���ك ،فقد �أعلن �أن وزي���ر اخلارجي���ة اليمن���ي م���ن جانبه قد اجتمع م���ع ال�سفري الإي���راين يف �صنعاء من �أج���ل «حتذي���ر �إي���ران حول اخلط���وات التي �ستتخذه���ا احلكوم���ة اليمني���ة ...رد ًا عل���ى حقيقة ان و�سائل االعالم املرتبطة مع �إيران هي التي ت�شعل نار النزاع ،ويف الواقع الفعلي هي عبارة ع���ن �أدوات للمتمردين ..و�أ�ضاف الوزير �أنه يف حال ا�ستمر هذا الو�ضع �سوف يرتتب عنه �آثار �سلبية من �ش�أنها �أن ت�ؤثر يف العالقة بني �إيران واليمن». يف خط���وة ميك���ن ان تف�س���ر عل���ى �أنها دعم للمتمردي���ن ،قال وزي���ر ال�ش����ؤون اخلارجية الإي���راين متك���ي ،ال���ذي اجتمع م���ع ال�سفري اليمني يف طه���ران ،والذي �أعرب عن «قلقه العمي���ق لو�ضع ال�شيع���ة يف اليمن» ،ويف نف�س الوقت �أكد على �أهمية العالقات ال�صحيحة بني احلكومة يف �صنع���اء وال�شيعة يف اليمن. وخ�ل�ال الأ�سابي���ع الأخرية �أ�ش���ارت م�صادر �إعالمية حم�سوبة على طهران �إىل �أن �سالح اجل���و ال�سع���ودي �ش���ارك يف ق�ص���ف معاقل املتمردي���ن داخ���ل الأرا�ض���ي اليمني���ة (يف حماول���ة ملنع القتال م���ن االنت�شار �إىل داخل
حدوده���ا) ،وب�أن اململكة العربي���ة ال�سعودية قد وع���دت الرئي�س اليمني عب���د اهلل �صالح بتموي���ل حرب���ه �ض���د املتمردي���ن .علم��� ًا �أن اململكة العربية ال�سعودية مل ترد ر�سمي ًا على ه���ذه التقاري���ر الإعالمية ،ولك���ن ال�صحف ال�سعودي���ة كثري ًا م���ا تتهم �إي���ران مب�ساعدة املتمردين .ويف اجلول���ة احلالية من القتال، رف����ض كال اجلانبني اقرتاح��� ًا لوقف �إطالق الن���ار؛ حي���ث زعم���ت احلكوم���ة �أن العر�ض االخ�ي�ر ال يحت���وي «�شيئ��� ًا جدي���د ًا» ،ومت مواجهة االقرتاح من خالل تقدمي احلكومة الئحة من املطال���ب للمتمردين :فتح الطرق امل�س���دودة ،و�إزالة الألغام؛ ان�سحاب احلركة املتم���ردة من معاقله���ا يف اجلب���ال ،و�إعادة املع���دات امل�سروقة ؛ �إط�ل�اق �سراح الأ�سرى، ووقف كل تدخل يف ال�سيا�سة الداخلية. وفقا مل�ص���ادر احلكومة اليمنية ،ف�إن اجلولة الرابع���ة م���ن القت���ال (�شباط/فرباير حتى حزيران/يونيو � )2007شهدت تهديدات من قبل احلوثي �ضد اجلالية اليهودية يف �صعدة، وق���د ك���ذب املتم���ردون ادع���اءات احلكومة ونف���وا �أن يكونوا قد وجهوا تهديدات للجالية اليهودي���ة يف �صعدة .ومع ذل���ك ،وخوف ًا من ان تتعر����ض اجلالية اليهودية لال�ضطهاد يف مناطق القتال ،فقد قامت احلكومة برتحيل عدد من العائ�ل�ات اليهودية من �صعدة �إىل �صنعاء ،ويقال �أنها وفرت لهم ال�سكن. ما ه���ي مطال���ب املتمردين؟ ب�صف���ة عامة، ي�سع���ى املتم���ردون لتحقي���ق ق���در �أك�ب�ر من احلك���م الذات���ي يف �إدارة �ش�ؤونهم اخلا�صة، وكذلك الإف���راج عن ان�صاره���م امل�سجونني وو�ضع ح���د للهجمات من جانب قوات الأمن والقم���ع املتوا�ص���ل ،والت���ي يزعم���ون �أنه���ا ال�صف���ة الغالبة ل�سل���وك احلكومة جتاههم. كما �أنهم يعار�ضون ال���دفء املتزايد وزيادة التع���اون ب�ي�ن اليم���ن والوالي���ات املتح���دة، وخا�صة يف جم���ال مكافحة الإرهاب ،ف� ً ضال ع���ن تدخل ال�سعودي���ة يف ال�سيا�سة الداخلية اليمني���ة .ويته���م املتمردون اململك���ة العربية ال�سعودية بتمويل احلكومة اليمنية يف حربها �ضدهم وتقدمي امل�ساعدات للعنا�صر القبلية
ال�سنية. وب�سب���ب التعتي���م الإعالم���ي ،ف����إن الأعداد الدقيقة للخ�سائر يف �أي من اجلانبني لي�ست وا�ضح���ة ،ولكن م���ن املع���روف �أن احلكومة اليمني���ة تق���وم با�ستخ���دام قواته���ا املدرعة واملدفعية والقوات اجلوية ل�سحق االنتفا�ضة م���رة و�إىل الأب���د (وفق��� ًا الع�ل�ان �أدىل ب���ه الرئي����س �صالح) ،ورمبا �أي�ض��� ًا للإ�شارة �إىل االنف�صاليني يف اجلنوب �أن احلكومة عاقدة العزم على الن�ضال من �أجل الوحدة الوطنية. ت�ش�ي�ر التقدي���رات �إىل �أن ح���وايل 100,000 ن�سمة ،معظمهم من الن�ساء والأطفال ،فروا م���ن منازلهم ،ولك���ن حدة القت���ال ،وطبيعة الت�ضاري����س ،والتعتي���م م���ن قب���ل احلكومة يجعل م���ن ال�صعوبة مب���كان م�ساعدة قوات الأمم املتحدة وو�سائل الإعالم على الدخول ملناطق القتال. حت���ى لو كان���ت اتهام���ات من جان���ب �إيران واململكة العربية ال�سعودية هي عملية دعائية �أكرث منها واقعية ،ف�إن احلرب لي�ست جمرد تهدي���د داخل���ي لوح���دة اليمن ،ولك���ن �أي�ض ًا تهدي���دا متزايدا للمملك���ة العربية ال�سعودية و�شبه اجلزيرة العربي���ة ،واملنطقة ب�أ�سرها. والقتال الدائ���ر يف اليمن عمل �إىل حد كبري يف حتوي���ل اليمن �إىل �ساح���ة �أخرى لل�صراع (الأهمي���ة الكب�ي�رة للموق���ع اال�سرتاتيج���ي ال�س ّن���ة الواقعي���ة الت���ي ت�سعى لليم���ن) ب�ي�ن ُ الحت���واء اليمن يف �صفوفه���ا و�إيران ال�شيعية الراديكالي���ة ،التي ت�سعى �إىل تو�سيع نفوذها الإقليمي ،و�إن�شاء وجود لها يف منطقة البحر الأحم���ر والقرن الأفريقي .وقد عملت �إيران على زيادة تواجد قواتها البحرية يف منطقة خليج عدن (وتزعم �أنها تهدف اىل التعامل م���ع تزاي���د �أعم���ال القر�صن���ة يف املنطقة). كم���ا �أنها تعمل على تعزيز نفوذها ال�سيا�سي وعالقاتها االقت�صادية مع ال�سودان وجيبوتي و�إريرتي���ا وبطريق���ة م���ن �ش�أنه���ا �أن ت�سم���ح له���ا باحلفاظ على وج���ود ع�سكري ن�شط يف البحر الأحمر ،وحتمل �إيران خيار ا�ستخدام هذا الوجود الع�سكري �ضد ا�سرائيل. خالف ًا جلريانها يف �شبه اجلزيرة العربية ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
53 2009
اليمن والعامل
عني على اليمن
واخلليج الفار�س���ي التي تريد �أي�ض ًا احلد من نفوذ �إيران ،ف�إن اليمن غري قادر على ال�سيطرة الفعال����ة عل����ى جميع �أرا�ضيه����ا واحلفاظ على �سيادته����ا ،وهذا يوف����ر بدوره فر�ص����ة �سانحة �أم����ام خمتل����ف املت�شددين للو�ص����ول اىل دول اخللي����ج ومنطق����ة الق����رن الأفريق����ي ،والدول املطل����ة على البح����ر الأحم����ر .كم����ا �أن اليمن �أب����دى يف الآون����ة الأخ��ي�رة اهتمام���� ًا متجدد ًا ب�إقامة قاعدة �أمريكية ب�سبب القلق الأمريكي
من حماوالت تنظيم القاع����دة اليجاد قاعدة له .وقبل نحو �شهر قام قائد القيادة املركزية الأمريكي����ة اجل��ن�رال برتايو�س وتعه����د لليمن مب�ساع����دة احلكومة على مكافح����ة الإرهاب. لي�س من الوا�ض����ح �إذا كانت الواليات املتحدة �أي�ض ًا �س����وف تدعم احلكوم����ة يف �صنعاء �ضد االنتفا�ض����ة يف ال�شم���ال ،و�إذا كان���ت الزيارة �شملت هذا الهدف. حتى ل���و كان النزاع يف اليمن م���ا يزال بعيد ًا
تراجع اليقظة :ظهور تنظيم «القاعدة» من جديد يف اليمن جريجوري جون�سون
معهد وا�شنطن ل�سيا�سات ال�شرق الأدنى 14متوز/يوليو2009 ,
ج��ددت التقارير الأخ�ي�رة التي ت�شري ب�أن مقاتلي تنظيم «القاعدة» يغادرون باك�ستان و�أف��غ��ان�����س��ت��ان ،ح��ي��ث ت��ك��ب��دت املجموعة انتكا�سات خطرية ،املخاوف الدولية ب�أن اليمن ت��ع��ود للظهور م��رة �أخ���رى كمالذ ًا �إره��اب��ي�� ًا رئي�سي ًا و�آم��ن�� ًا .وعلى الرغم من �أن التقييمات حول معاودة ظهور «تنظيم «ال��ق��اع��دة» يف اليمن» هي دقيقة ،ال يعود ت��ده��ور ال��و���ض��ع �إىل جن��اح��ات ال��والي��ات املتحدة يف �أي مكان �آخ���ر ،ب��ل ه��و نتيجة ت��راج��ع االهتمام الأم�يرك��ي واليمني على م��دى ال�سنوات اخلم�س املا�ضية .وميكن �أن ي�ساعد جت��دي��د ال��ت��ع��اون ب�ين �صنعاء ووا�شنطن يف التعامل مع تنظيم «القاعدة» ومعاجلة م�شاكل اليمن املنهجية ،يف احلد من جاذبية املنظمة الإرهابية يف هذا البلد امل�ضطرب. الهزمية الظاهرة لـ «تنظيم «القاعدة» يف اليمن» يف �أواخ���ر ع���ام ،2003هُ ���زم «تنظي���م «القاعدة» يف اليمن» �إىل حد كبري من خالل التعاون الوثيق ب�ي�ن الواليات املتحدة وقوات الأم���ن اليمنية .وبلغ ه���ذا التعاون ذروته يف 54
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر ع���ام 2002عندما اغتال���ت وكال���ة املخابرات املركزي���ة ،رئي�س التنظي���م «�أبو عل���ي احلارث���ي» ،ولكن وزارة الدفاع الأمريكية جت���اوزت «رواية التغطية» املتفق عليها و�سرب���ت (تفا�صيل) العملية �إىل ال�صحاف���ة .لقد كان���ت وا�شنطن حتتاج �إىل (�إظهار نوع من) االنت�صار يف وقت مبكر من احلرب عل���ى الإره���اب ،وكان اغتيال زعيم «تنظي���م «القاع���دة» يف اليم���ن» �أكرث من �أن يكون جيد ًا لكي يبقى دون اعرتاف. ولكن اليم���ن ،نظرت �إىل ذل���ك ب�أنه قد «مت بيعها» على ح�ساب م�صالح الواليات املتحدة الداخلية .وقد دفع الرئي�س اليمني علي عبد اهلل �صال���ح ثمن��� ًا باهظ ًا ب�سماح���ه للواليات املتح���دة بتنفي���ذ الهج���وم --وه���ي (حجة) ال ي���زال تنظي���م «القاع���دة» ي�ستخدمه���ا يف دعايت���ه حي���ث يجد له���ا ت�أثري كب�ي�ر – وقد ا�ستغرق �أكرث من عام من الزمن لكي تعرتف احلكوم���ة علن��� ًا ب�أنها ق���د �أذن���ت لوا�شنطن بتنفيذ (االغتيال). ويف ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر ،2003كان���ت الوالي���ات املتح���دة ال تزال تدف���ع ثمن ًا لذلك اخلط����أ عندم���ا اعتقل���ت اليم���ن يف �ش���وارع
عن �شا�ش���ات التلفزيون� ،إال �أنه يتمتع ب�أهمية �إقليمي���ة رئي�سي���ة يف املنطق���ة .وبعي���د ًا ع���ن ا�ستق���رار اليمن الدخلي ،وه���ي امتحان �آخر لق���درة ال�شعوب الربغماتي���ة على كبح جماح النف���وذ الإي���راين االقليم���ي ،وهك���ذا حتى لو انته���ت موج���ة العن���ف احلالي���ة بوق���ف �آخر الط�ل�اق النار ف����إن ثباته لن مي���ر عليه وقت طوي���ل دون �أن يتعر����ض وق���ف �إط�ل�اق النار لالختبار.
�صنع���اء «حممد حم���دي الأه���دل»( ،الرجل الث���اين يف «تنظي���م «القاع���دة» يف اليم���ن» ال���ذي ا�ستل���م) من�ص���ب القيادة بع���د مقتل «احلارث���ي» .وب���د ًال من �أن متن���ح للم�سئولني الأمريكي�ي�ن �إمكاني���ة الو�ص���ول املبا�شر �إىل «الأهدل» ،ا�ضطر ه�ؤالء �إىل العمل عن طريق و�سطاء مينيني؛ ومع ذلك ،ففي الوقت الذي كان ق���د مت اغتيال قيادت���ه �أو كانت تقبع يف ال�سجون ،وبنيت���ه التحتية قد دمرت �إىل حد كب�ي�ر ،ومقاتليه كانوا �أك�ث�ر مي ًال لالن�ضمام �إىل التم���رد يف الع���راق من���ه �إىل اجلهاد يف الداخ���ل ،كان يبدو �أن «تنظيم «القاعدة» يف اليمن» قد هزم �إىل حد كبري. تنظيم «القاعدة» يعيد بناء �صفوفه لقد اعتربت كل من الواليات املتحدة واليمن ب����أن ذل���ك االنت�ص���ار كان مطلق��� ًا ،حيث مل تدركا ب����أن ع���دو ًا مهزوم ًا لي����س بال�ضرورة �أن يكون مقه���ور ًا .ويف الواقع�ُ ،شطب تنظيم «القاعدة» من قائمة �أولويات البلدين ،ومتت ا�ستعا�ضت���ه مبوا�ضي���ع مقلقة �أخ���رى ،كانت تبدو �أك�ث�ر �إحلاح��� ًا .وبالن�سب���ة لوا�شنطن، هيمنت الإ�صالحات الدميقراطية وحمالت مكافح���ة الف�س���اد عل���ى ج���دول الأعم���ال الثنائي (بني البلدي���ن) باعتبارها جزء ًا من رغب���ة �إدارة بو����ش يف جت�سيد �ش���رق �أو�سط جدي���د .وبالن�سب���ة لليم���ن ،حت���ول االهتمام ب�شكل متزاي���د �إىل احلرب الأهلية الطائفية الدائ���رة يف ال�سن���وات اخلم����س الأخرية يف ال�شم���ال ،و�إىل تهدي���دات االنف�ص���ال (التي ظهرت) م�ؤخ���ر ًا يف اجلنوب .وخالل عامني متتالي�ي�ن من اله���دوء الن�سبي الت���ي �أعقبت
(هزمي���ة تنظي���م «القاع���دة») ،مت بالت�أكي���د جتاهل التهديد الذي ي�شكله التنظيم ،ولكن، لي����س م���ن ال�ض���روري ب�أن���ه ق���د مت ن�سيانه. وق���د ازده���رت ال�سياح���ة ،وب���ادرت وزارة اخلارجية الأمريكية بطرح برنامج (لت�شجيع الأمريكيني) على الدرا�سة يف اليمن. وحت���ى مو�ض���وع ه���روب ثالث���ة وع�ش���رون (حمتج���ز ًا) ،م���ن امل�شتب���ه بانتمائه���م �إىل تنظيم «القاعدة» ،من ال�سجن يف مطلع عام - 2006والذي �ألقى فيه م�سئولون �أمريكيون الل���وم ب�صورة �سري���ة على تع���اون احلكومة اليمنية -متت معاملته ب�صورة �أكرث كعملية انح���راف ،من (اعتب���اره و�سيل���ة) لفتح وابل معرك���ة جدي���دة .وكان م���ن ب�ي�ن الهارب�ي�ن «قا�س���م الرمي���ي» و«نا�ص���ر الوحي�شي» ،وهو �سكرت�ي�ر �ساب���ق لأ�سام���ة ب���ن الدن و�أح���د املخ�ضرم�ي�ن م���ن القتال يف تورا ب���ورا .وقد �أوج���د �إهمال احلكومة ال���ذي دام ما يقرب م���ن عامني ون�صف الع���ام الكثري من املجال للرجلني لك���ي ينتظما من جديد ويعيدا بناء «تنظيم «القاعدة» يف اليمن». وي���دل ت���ورط «الرمي���ي» و»الوحي�ش���ي»� ،إىل جانب ع���دد كبري من اليمني�ي�ن من خمتلف �أنح���اء البالد� ،إحدى �أك�ث�ر احلقائق املثرية للقل���ق ح���ول التج�سي���د احل���ايل لتنظي���م «القاعدة» :منظمة لها متثيل �أكرب يف البالد، حيث يتجاوز (وج���ود) «تنظيم «القاعدة» يف اليمن» ،املنزلة الطبقي���ة ،والقبيلة ،والهوية االقليمية ،ب�ش���كل ال ميكن مظاهاته من قبل �أي جماعة �أو ح���زب �سيا�سي يف اليمن .وقد �أثبت «الوحي�شي» وغريه (من �أع�ضاء القيادة) داخل التنظيم موهبة خا�صة يف التعبري عن �سرد يهدف �إىل جذب جمهور حملي ،وذلك با�ستخدام كل �شئ بدء ًا من فل�سطني وحمنة ال�شي���خ امل�ؤيد -رجل دين ميني كان يعمل يف جمعي���ة خريية وا�سعة االنت�شار( ،وكان يقبع) يف �سج���ن �أمريك���ي ب�سب���ب توف�ي�ره الأموال للإرهابي�ي�ن (قبل �أن يطل���ق �سراحه م�ؤخر ًا) – من �أجل زيادة جاذبيتهم اخلطابية (لكي
ت�ستله���م) مينيني �شبان .لق���د كانت حكومتا الوالي���ات املتح���دة واليم���ن عاجزت���ان ع���ن الت�صدي لهذا النه���ج ،ومن الناحية الفعلية تركتا ال�ساحة (مفتوحة) لتنظيم «القاعدة». ويف حزيران/يوني���و � ،2007أعل���ن تنظي���م «القاع���دة» ر�سمي��� ًا ع���ن وج���وده يف الب�ل�اد و�أن قائ���ده ه���و «الوحي�ش���ي» .ويف غ�ض���ون �أي���ام قليلة� ،شدد على نواي���اه بقيامه بهجوم انتح���اري على فوج من ال�سي���اح الأ�سبانيني. ومنذ ذلك احلني ،ازدادت املنظمة قوة .ففي كان���ون الثاين/يناير ،2008قام���ت ب�إ�صدار الع���دد الأول م���ن جملتها الن�ص���ف �شهرية، «�ص���دى املالح���م» ،ويف ذلك ال�شه���ر نف�سه �شنت �سل�سلة من الهجمات ،بلغت ذروتها يف االعتداء عل���ى ال�سفارة الأمريكية يف �أيلول/ �سبتم�ب�ر .2008ويف وق���ت �ساب���ق م���ن هذا العام ،قامت بهجوم�ي�ن انتحاريني ا�ستهدفا مواطن�ي�ن من كوري���ا اجلنوبي���ة ،الأول �ضد جمموعة من ال�سي���اح والثاين �ضد م�سئولني �أر�سلوا للتحقيق يف احلادث (الأول). وق���د ا�ستف���اد تنظي���م «القاع���دة» �أي�ض ًا من جناحاته الأخ�ي�رة ،بجذبه جمندين من كل من اليم���ن واململكة العربي���ة ال�سعودية .ويف كان���ون الثاين/يناير (املا�ضي) ،ان�ضم اثنان من ال�سجناء ال�سابقني يف معتقل جوانتانامو �إىل اجلماع���ة كق���ادة (ميداني�ي�ن) ،وق���ادا عملية دمج الفروع املحلية يف اململكة العربية ال�سعودي���ة واليم���ن �إىل «وكال���ة» اقليمي���ة واحدة .ومنذ ذلك احلني ،قام �أحد القادة، «حممد العويف» ،بت�سليم نف�سه �إىل ال�سلطات ال�سعودية ،ولكن يبدو �أن لفتته اندفعت �أكرث م���ن الرغب���ة يف حماي���ة �أ�سرته م���ن حدوث تغيري يف مواقفه. �إن ه���ذه املنظم���ة الإقليمية اجلدي���دة ،التي تطلق عل���ى نف�سها ا�سم «تنظي���م «القاعدة» يف �شبه اجلزي���رة العربية» ،تدل على تنامي طموح «الوحي�شي» .فط���وال العامني الأولني من قيادته ،كان يعمل بجد لتهيئة بنية حتتية
دائم���ة ميكنه���ا �أن تبقى حيوية بع���د فقدان ق���ادة رئي�سي�ي�ن .وق���د ثبت جناح���ه يف هذا املجال من خالل الواقع العملي ب�أنه حتى مع خ�سارة املنظمة لـ «حم���زة القعيطي» ،قائد ًا حملي��� ًا ماه���ر ًا ب�ص���ورة خا�ص���ة ،يف تب���ادل لإطالق النار جرى مع ق���وات الأمن اليمنية يف �آب�/أغ�سط����س ،2008كان التنظي���م ال ي���زال قادر ًا عل���ى �شن هجوم عل���ى ال�سفارة الأمريكي���ة بعد �شهر واح���د فقط من مقتله. وينظ���ر حالي��� ًا «الوحي�ش���ي» �إىل ا�ستخ���دام املناط���ق اليمنية «املحكوم���ة ب�صورة جزئية جد ًا» كنق���اط انطالق ل�ش���ن هجمات ،لي�س يف اليمن فح�سب ولكن �أي�ض ًا يف جميع �أنحاء �شبه اجلزيرة العربية والقرن الأفريقي. الدرو�س امل�ستفادة ال ينبع ظه���ور تنظيم «القاع���دة» من جديد يف اليمن من جناح���ات الواليات املتحدة يف �إزاحته���م من �أماكن اخرى .وبد ًال من ذلك، م���ن ال�ض���روري �أن تفهم الوالي���ات املتحدة وحلفائها ب����أن هزمية جيل واحد من تنظيم «القاع���دة» ال يزيل اخلطر متام ًا .يجب على وا�شنطن �أن ت�ضع ا�سرتاتيجية ذات م�سارين للق�ض���اء على «تنظيم «القاع���دة» يف اليمن» بالتع���اون مع اليمن وحلفاء الواليات املتحدة ب�ي�ن دول «جمل�س التع���اون اخلليجي» .وعلى املدى الق�ص�ي�ر ،يجب على الواليات املتحدة �أن ت�ش���ارك م���رة �أخ���رى مع كل م���ن اليمن واململكة العربية ال�سعودية ب�صورة منف�صلة، ال�سته���داف قيادة تنظي���م «القاعدة» وبنيته التحتي���ة .وعل���ى الرغ���م م���ن �أن النجاح يف ذلك �سيكون �أ�صعب بكث�ي�ر يف املرة الثانية، �إال �أن���ه بالإمكان حتقيق ذلك عن طريق �شن �ضربات دقيقة ومن�سقة. ومع ذلك ،ف����إن تنفيذ النه���ج الطويل الأمد هو �أكرث �أهمية و�أكرث �صعوبة على حد �سواء. ولدى التج�سيد احلايل لـ «تنظيم «القاعدة» يف اليمن» عدد ًا �أكرب من املجندين – والذين هم �أ�صغر �سن ًا -م���ن �أي وقت م�ضى ،نظر ًا ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
55 2009
اليمن والعامل
عني على اليمن
للدعاي���ة القوية التي يقوم بها «الوحي�شي»، ف� ً ضال عن انعدام الفر�ص واالنهيار الأويل لل�سلط���ة االجتماعي���ة التقليدي���ة .وع�ل�اوة على ذلك ،ف�إن اليم���ن من�شغلة ،و�أجهزتها الأمني���ة مرهق���ة بدع���وات االنف�صال عن اجلن���وب الت���ي ت���زداد عنف��� ًا ،وبتهديدات لتج���دد القت���ال يف ال�شم���ال ،والأه���م م���ن
ذلك( ،تع���اين) م���ن اقت�صاد متع�ث�ر يجعل الأ�سالي���ب التقليدي���ة التب���اع حوكم���ة م���ن «من���ط الرعاية واحلماية» �شب���ه م�ستحيل. كما تواجه الواليات املتحدة واليمن جماعة من تنظي���م «القاعدة» �أ�صبح���ت الآن �أكرث قب���و ًال كمنظمة م�شروعة .و�سيك���ون قتل �أو �إلقاء القب�ض على قادة «تنظيم «القاعدة»
جدل حول ال�سيا�سات ..من �صعدة �إىل وزير�ستان عادل بن زيد الطريفي جريدة «الريا�ض» ال�سعودية 14ت�شرين الأول�/أكتوبر 2009
ما العمل؟ ال �شك� ،أن مواجهة تزايد الن�شاط امل�سل���ح �ضروري ،بيد �أن احلل���ول الع�سكرية وحدها ال ت�ضمن الن�صر من دون توافر �أفق �سيا�سي معقول. هناك ج���دل دائر ي���زداد �صخب���ه يوما بعد يوم ح���ول ال�سيا�سات الواج���ب اتباعها فيما يخ����ص ع���ودة الن�ش���اط امل�سل���ح �إىل ع���دد م���ن ب����ؤر التوت���ر ال�سيا�س���ي يف �أفغان�ست���ان و�شمال اليمن ومناط���ق القبائل الباك�ستانية وال�صوم���ال .البع�ض ي�ؤي���د ال�سيا�سات التي تدع���و �إىل الت�صعي���د الع�سكري �ض���د العمل امل�سل���ح ،والبع����ض الآخ���ر يف�ض���ل �أن تك���ون هن���اك �أف���كار �أو �أطروحات تتجن���ب �إر�سال اجلي����ش – �أو املزيد من اجلن���ود يف احلالة الأفغاني���ة -لأن من �ش�أن ذل���ك �أن يذكي نار تل���ك املواجهات ،ويت�سبب على املدى الطويل يف انفالت املواجهات من عقالها. مواجه���ة طالب���ان �أفغان�ست���ان� ،أو طالب���ان باك�ستان ،ومث���ل ذلك احلوثي���ون واملقاتلون العراقيون هو يف حقيقته مواجهة جلماعات متتل���ك زخم���ا يف حميطها وج���ذورا حملية، وهو �أمر �صعب بالن�سب���ة حلكومات مركزية ال ت�سيط���ر عل���ى كام���ل الأر����ض .احلركات امل�سلح���ة ترفع �شعار مواجهة املحتل يف حالة �أفغان�ست���ان �أو الع���راق� ،أو قت���ال احلكوم���ة املارق���ة يف حالة باك�ستان واليمن ،وما يجعل 56
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
التح���دي مزدوج���ا ه���و ك���ون مواجه���ة هذه احل���ركات مكلف��� ًا عل���ى ال�صعيدي���ن املادي وال�سيا�س���ي ،كما �أن جتن���ب مواجهتها يعني اخل�ض���وع لأحكامه���ا .ال�ش���ك �أن �أي حكومة �ست�سع���ى ملواجه���ة خ�صومه���ا امل�سلحني �إذا ما كان���ت واثقة م���ن االنت�ص���ار �أو م�ضطرة �إىل القت���ال ،ولك���ن يف احل���االت التي ميلك الق���ادة ال�سيا�سيون فيها ن�صف اخليار ،ك�أن تكون مواجهة اخل�ص���وم مكلفة من الناحية ال�سيا�سي���ة بو�صفه���ا خيارات غ�ي�ر �شعبية، �أو لأنها خي���ارات تت�ضمن لزام���ا خ�سائر يف الوالءات والتحالفات -ال�سيما يف دول قبلية وع�شائرية ،-ف����إن اخلالف حول ال�سيا�سات الواجب اتباعها منهك ومدمر. يف الوق���ت الراه���ن حت���اول �إدارة الرئي����س �أوبام���ا تقري���ر م���ا �إذا كان���ت �ست�ستجي���ب ل�ضغ���وط اجل�ن�راالت ب�إر�س���ال جن���ود �إ�ضافي�ي�ن يف ح���رب غري �شعبية ب���ل وبوجود �ضغ���وط داخلية �أمريكية متمثل���ة يف الهموم االقت�صادي���ة والرعاي���ة ال�صحية� .أمام هذه اخليارات املعاقة هن���اك �صندوق (بندورا) من املفاج����آت ال�سيئة ،فالرتكي���ز الأمريكي على العراق بنتائجه املتوا�ضعة ،حجب متدد منظم���ات م�سلح���ة متطرف���ة ،فف���ي منطقة وزير�ستان ووادي �سوات منت حركة طالبان باك�ستان والتي تف���وق يف تهديدها وتطرفها
يف اليم���ن» ،وتفكيك بنيت���ه التحتية خطوة هام���ة �إىل الأم���ام ،ولكن م���ن غري املرجح الق�ضاء على هذه امل�شكلة على املدى البعيد. و�ستكون معاجلة الق�ضاي���ا الأ�سا�سية ،و�إن كان���ت �صعبة جد ًا ،عن�صر ًا رئي�سي ًا ل�ضمان عدم ظه���ور تنظيم «القاع���دة» مرة �أخرى من جديد يف اليمن. الأيديولوج���ي نظريته���ا الأفغانية ،ثم هناك التم���رد احلوث���ي يف اليم���ن حي���ث مزج���ت الدعاي���ة احلوثي���ة ب�ي�ن مع���اداة احلكوم���ة واحل���رب �ض���د �أمري���كا و�إ�سرائي���ل ،وميكن مالحظ���ة �أن���ه يف الوق���ت ال���ذي تراجع���ت في���ه ن�شاط���ات تنظي���م القاع���دة يف العراق وبع����ض البل���دان الت���ي كان���ت نا�شط���ة فيه، عادت �أفغان�ست���ان وال�صومال لت�صبح م�أوى ح�صين���ا للن�ش���اط املتط���رف واخل���ارج عن ال�سيط���رة واملتابعة� .أي �أن���ه يف الوقت الذي ذهبت �أمري���كا لت�صفي القاعدة هناك منت ع���دة مواط���ن للقاعدة .الي���وم ،يعترب بع�ض املراقب�ي�ن �أن تهديد طالب���ان باك�ستان يفوق تهدي���د الطالب���ان الأ�صلية ،ث���م �إن الن�شاط الع�سك���ري الي���وم يف�ش���ل يوم���ا بع���د يوم يف �أفغان�ست���ان باعرتاف اجل�ن�رال ماكري�ستال حيث باتت طالبان ت�سيطر على ثلث م�ساحة الأرا�ضي الأفغانية. ما العمل؟ ال �شك� ،أن مواجهة تزايد الن�شاط امل�سل���ح �ضروري ،بيد �أن احلل���ول الع�سكرية وحده���ا ال ت�ضم���ن الن�صر ب���دون توافر �أفق �سيا�سي معقول .الزخم ( )momentumال�سيا�سي والع�سكري مهمان ،وهما مرتبطان ببع�ضهما البع�ض� .إدارة الرئي�س �أوباما ال تريد خ�سارة احلرب هناك �أو فقدان ثقة اجلرناالت ،كما �أنه���ا ال تريد �أن تدعم حرب���ا ال تتمتع بغطاء �شعبي ال�سيما من رئي�س يفرت�ض به �أن يكون قائد �سالم حائز على جائزة نوبل .يف الوقت ذاته ،جتد احلكوم���ة الباك�ستانية نف�سها يف موقع �صعب ،حي���ث ت�ست�شعر تنامي التهديد الأ�صويل يف منطقة القبائل ،وكما جربت يف العمليات الع�سكرية الأخرية يف وادي �سوات ف�إن التكلفة الب�شرية ال�سيما �سقوط املدنيني و�آالف املهجري���ن يخل���ق ال�ضغائ���ن واملق���ت
�ض���د احلكومة �أكرث مم���ا ي�ساهم يف ت�صفية الطالب���ان .احلكومة اليمنية كذلك ،واجهت خي���ارا �صعب���ا يف تنفي���ذ ال�ضرب���ات اجلوية ملعاق���ل التم���رد اجلبلية املح�صن���ة ،وهي ما تزال حتى ال�ساعة جتاهد حل�صر املواجهات خارج التجمعات املدنية. يف بداية ا�شتداد الت�صعيد احلربي يف فيتنام، كان الأمريكي���ون ب�ي�ن خيارين �إم���ا تخفيف تواجدهم و�إع���ادة التمركز يف مكان �آخر يف �شرق �آ�سيا� ،أو ار�سال املزيد من اجلنود وقد فعلوا ،وطال���ت احلرب ل�سن���وات .هل كانت �ضروري���ة؟ رمبا ،فمعايري الرب���ح واخل�سارة يف املقايي�س اال�سرتاتيجية خمتلفة .بالن�سبة لأولئ���ك الذي���ن دعم���وا احل���رب كان ذل���ك �ضروري���ا حت���ى و�إن مل تنت�ص���ر الوالي���ات املتح���دة ب�ش���كل كام���ل �ض���د خ�صمه���ا ،لأن اله���دف الأهم ه���و �أن ال يح���دث االن�سحاب الأمريك���ي �أ�ض���رارا جيو�سيا�سي���ة مل�صال���ح
الوالي���ات املتح���دة يف �آ�سي���ا وبقي���ة العامل، ومن �أجل �أن ي���درك اخل�صوم –والالعبون ال�صغ���ار الذي���ن تتب���دل والءاته���م ل�صال���ح الق���وي� -أن الواليات املتح���دة ال تت�ساهل يف مواجهة الذين يتحدون �سيا�ساتها. �سواء كان ذلك �صحيحا ً�أم خاطئ ًا ،ف�إن الأهم بالن�سب���ة لأولئ���ك الذي���ن يدعم���ون مواجهة الن�شاط امل�سلح ه���و �أن ال يت�سبب االن�سحاب يف تقوي����ض امل�صال���ح الأ�سا�سي���ة للدول���ة. احلكوم���ة اليمني���ة تواج���ه التم���رد احلوثي لأن القب���ول به يعني فتح ب���اب التق�سيم لكل جماعة ترغب يف حت���دي احلكومة .مواجهة طالب���ان يعني �أن ال تتكرر �أحداث � 11أيلول/ �سبتم�ب�ر .مواجهة القاع���دة يعني �أن ال يعود م�سل�سل العمليات االنتحارية �إىل الواجهة يف بلدان املنطقة. املع�ضل���ة هنا� ،أن �إر�س���ال املزيد من اجلنود يعن���ي �سقوط املزيد م���ن ال�ضحايا الأبرياء،
«القاعدة» فـي اليمن ندوة م�ؤ�س�سة كارنيجي لل�سالم الدويل 7متوز/يوليو 2009
رغ���م الإخفاق���ات العدي���دة الت���ي منيت بها القاع���دة يف معقله���ا الرئي����س يف منطق���ة القبائل على احلدود الباك�ستانية ـ الأفغانية، ف����إن التنظي���م م���ا زال ميار����س ن�شاطات���ه ب�ص���ورة متزاي���دة وبقوة �أك�ب�ر يف عديدٍ من مناط���ق الع���امل ،م���ن �أهمه���ا اليم���ن .فقد ً ملحوظا يف �شهدت ال�سنوات الأخرية تنام ًيا العمليات التي تقوم به���ا القاعدة يف اليمن. ويزداد الأمر خطورة يف ظل الأزمات العديدة الت���ي تع�صف بالدولة اليمنية �سواء من جهة مت���رد احلوثي�ي�ن يف ال�شم���ال �أو الدع���وات االنف�صالية املت�صاعدة يف اجلنوب. ويف ه���ذا ال�سياق نظمت م�ؤ�س�س���ة كارنيجي
لل�س�ل�ام الدويل ندوة حتت عنوان “القاعدة يف اليمن” م�ؤخر ًا �أدارها كري�ستوفر بو�سيك ،Christopher Boucekالباح���ث بربنام���ج ال�ش���رق الأو�س���ط بامل�ؤ�س�س���ة ،و�ش���ارك فيها كل م���ن جريج���وري جون�س���ون Gregory D. ،Johnsenالذي عمل مب�ؤ�س�سة فولربايت يف اليمن ،و�شاري فيالرو�سا ،Shari Villarosaنائب من�س���ق ال�ش����ؤون الإقليمية يف مكت���ب من�سق مكافحة الإرهاب. ي���رى جريج���وري جون�س���ون �أن هن���اك قل ًقا متزاي���دً ا م���ن �أن ال�ضغ���ط املتنام���ي ال���ذي تتعر�ض له القاعدة يف باك�ستان و�أفغان�ستان ق���د يدفعه���ا �إىل �إع���ادة جتمي���ع نف�سه���ا يف
�أو �إيجاد الظروف املنا�سبة للتغرير بع�شرات ال�شبان ملواجهة املحتل �أو احلكومة� .إذا ازداد زخم الن�شاط امل�سلح ا�ستطاع انتزاع والءات النا����س بالقوة لأنهم يدرك���ون �أنه الرابح يف املعرك���ة ،وازدادت قدرته على جتنيد املزيد �إىل �صفوف���ه .يف املقاب���ل� ،إذا ازداد زخ���م االنت�صارات الع�سكري���ة مع قدوم املزيد من اجلن���ود ازدادت قدرة اجليو����ش على فر�ض الأم���ن وا�ستعادة ال�سيط���رة ،وبالتايل ازداد الزخ���م ال�سيا�سي الداع���م لتوجهات القادة ال�سيا�سيني .كم���ا نرى م�شكلة “الزخم” �أنه ي�صلح تف�سريا لكال الطرفني. بي���د �أن الأكي���د ه���و �أن املكا�س���ب ال�سيا�سية تتغري بتغ�ي�ر الظروف وامل�سببات ،متاما كما يدور احلكم مع العلة وجودا وعدما .املواجهة الع�سكرية لها �أبعاد فني���ة حربية و�سيا�سية، ولكنها حتمل قدرا كبريا من املقامرة ،فكما يقال للفوز �ألف �أب ،والهزمية يتيمة. �أماكن مث���ل اليمن .ورغ���م �أن جون�سون يقر بوجود �أ�سباب ثيولوجية (الهوتية �أو عقدية) و�أ�سب���اب ظرفية تدعم هذا القلق ،ف�إنه يرى �أن امل�سلمة القائلة ب�أن ال�ضغط الأمريكي يف �أحد �أجزاء العامل م�سئ���ول ب�صورة مبا�شرة ع���ن �إع���ادة ظه���ور املنظم���ات الإرهابية يف �أماك���ن �أخ���رى لي�س���ت حقيقية ،عل���ى الأقل عندم���ا يتعل���ق بع���ودة القاع���دة للظه���ور يف اليمن .فالقاعدة ،طب ًق���ا جلون�سون� ،أعادت جتمي���ع وتنظيم نف�سها يف اليمن لي�س ب�سبب جناحات الواليات املتح���دة يف �أي مكان من الع���امل ،بل عل���ى العك����س كنتيج���ة مبا�شرة لف�شل اليمن والواليات كل على حدة. وي�شري �إىل �أن تنظي���م القاعدة يف اليمن قد مر مبرحلت�ي�ن رئي�سينت :املرحل���ة الأوىل يف الفرتة من �أكتوب���ر � 2000إىل نوفمرب ،2003 والثاني���ة ،وه���ي املرحلة احلالي���ة ،بد�أت يف نوفمرب 2006مع هروب ما يقرب من 23من عنا�صر القاعدة امل�شتبه بهم من �أحد ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
57 2009
اليمن والعامل
عني على اليمن
�سج���ون اليمن .وبني هذي���ن املرحلتني ،كان هناك فا�صل زمني مل���دة عامني ،بدا خالله �أن القاعدة قد هزم���ت ب�صورة كبرية .لكن بدال م���ن ت�أمني هذا الف���وز ،تعاملت كل من احلكومة اليمني���ة والأمريكية مع الفوز على القاع���دة ك�أن���ه مطل���ق وم�ضم���ون ،ومن ثم تراجع���ت القاعدة م���ن �أولوي���ات الطرفني، إحلاحا. ومت ا�ستبدالهما ب�أم���ور �أخرى �أكرث � ً (للمزيد من التفا�صيل� ،أنظر مقال جون�سون ال�سابق ايراده �ضمن «عني على اليمن») من جهته���ا ،ت�شري �ش���اري فيالرو�سا �إىل �أن الو�ض���ع الأمني يف اليمن ق���د تدهور ب�صورة ملحوظ���ة ،ونتيجة لذل���ك ف�إن موق���ع اليمن اجلغ���رايف ،وافتق���اره للتنمي���ة االقت�صادية و�ضع���ف امل�ؤ�س�س���ات احلكومية ،يث�ي�ر القلق من �أن يتحول اليمن �إىل مالذ �آمن للقاعدة. وبجانب هذا الو�ضع الأمني املتدهور ،يعاين اليمن من م�ش���كالت و�أزمات �أخرى عديدة، ح�سبما تذك���ر فيالرو�سا .فمعظ���م �إيرادات احلكوم���ة اليمني���ة ت�أتي من النف���ط ،ويتوقع معظ���م املحلل�ي�ن �أن يتحول اليم���ن من دولة م�صدر للنفط �إىل دولة م�ستوردة يف غ�ضون اخلم�س �سنوات القادم���ة .كما يعاين اليمن من نق�ص يف كميات املياه املتاحة ،وانخفا�ض يف م�ؤ�ش���رات التنمية مقارنة بالدول الأخرى يف ال�ش���رق الأو�س���ط ،ب�ش���كل يجع���ل اليم���ن �أق���رب �إىل دول �أفريقي���ا جن���وب ال�صحراء من���ه �إىل دول ال�شرق الأو�س���ط� .إ�ضافة �إىل �أن احلكوم���ة املركزية ال ت�سيطر ب�شكل كامل عل���ى كل �أجزاء البالد ،فف���ي ال�شمال هناك مت���رد مت�صاع���د م���ن قب���ل احلوثي�ي�ن ،ويف اجلنوب هناك توترات م�ستمرة. وبالإ�ضافة لهذه امل�شكالت ،يعاين اليمن من م�شكالت �ضب���ط احلدود ،والأم���ن البحري غ�ي�ر الكفء .كما ميثل املواطن���ون اليمنيون ن�سب���ة كبرية م���ن املقاتلني الأجان���ب الذين يحارب���ون م���ن �أج���ل القاعدة ح���ول العامل، وخا�ص���ة يف العراق وباك�ست���ان و�أفغان�ستان. وهن���اك م�ؤ�شرات عل���ى �أن ه����ؤالء املقاتلني يع���ودون �إىل اليمن .وهن���اك � ً أي�ضا ،ح�سبما تذك���ر فيالرو�س���ا ،ق�ضية تهري���ب الأ�سلحة، فاليم���ن ،الذي يبل���غ عدد �سكان���ه 22مليون ن�سمة ،لدي���ه ما يقرب م���ن 60مليون قطعة �س�ل�اح .وه���ذه الأ�سلحة لي�س���ت فقط يف كل 58
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
م���كان ،ب���ل �إنه���ا تنقل ب�ص���ورة �شائع���ة �إىل ال�صومال وتغذي عدم اال�ستقرار ال�سائد يف املنطقة. وفيما يتعلق مبواجهة القاعدة ،فرغم �إبداء احلكوم���ة اليمني���ة لرغبتها يف التع���اون مع الواليات املتحدة ،واتخاذها بع�ض اخلطوات يف هذا الإطار من قبيل اعتقال امل�شتبه بهم، ف����إن القدرات اليمنية يف هذا املجال ال تزال حمدودة ،ومن ثم يتطلع اليمن �إىل الواليات املتحدة وغريها من الدول لتقدمي امل�ساعدة من خالل التدريب والت�سهيل. ومن جانبها تريد الواليات املتحدة م�ساعدة اليم���ن“ ،لأنها ال تريد �أن ترى اليمن يتحول �إىل �أفغان�ستان �أخ���رى ،حيث بو�سع القاعدة �أن تدرب وتخطط وتنفذ العمليات الإرهابية �سواء �ضد الواليات املتحدة �أو �شركائها حول الع���امل �أو يف �أي م���كان يف املنطقة” ،وذلك ح�سب كلمات فيالرو�سا .وتتمثل ا�سرتاتيجية الوالي���ات املتحدة يف تقلي���ل التهديدات التي تواجهها م�صاحلها القومية وحماولة حت�سني اال�ستق���رار يف اليمن ،الأم���ر الذي من �ش�أنه �أن ي�ساعد يف توفري اال�ستقرار الإقليمي. ويف ه���ذا الإط���ار تق���وم الوالي���ات املتح���دة بعديدٍ من اخلط���وات هدفها حتقيق التنمية االقت�صادية والب�شرية ،وتعزيز الدميقراطية واحلكم الر�شيد وحت�س�ي�ن التعليم والرعاية ال�صحية ،وذلك ملواجهة القاعدة يف اليمن، طب ًقا لفيالرو�سا .فم���ن ناحية تدفع الإدارة باجت���اه �إ�ص���دار اليم���ن لت�شريع ق���وى يتعلق مبكافح���ة ومتويل الإرهاب ،ميكن اليمن من حماكمة الإرهابيني ومن ميولهم باملال .كما حت���ث الوالي���ات املتح���دة احلكوم���ة اليمنية على تطوير برنامج لإعادة ت�أهيل املتطرفني املوجودين يف ال�سجون �أو الذين �ست�ستقبلهم اليم���ن يف امل�ستقب���ل ( %40م���ن معتقل���ي جوانتانام���و ه���م م���ن اليمن) .وم���ن ناحية ثانية تدف���ع الواليات املتح���دة اليمن باجتاه تعزي���ز التدابري الأمنية على احلدود ،وذلك للحد م���ن تهريب ال�سالح ،وم���رور املقاتلني الأجانب. وم���ن ناحية ثالث���ة توف���ر الوالي���ات املتحدة برامج “تدريب لفر����ض القانون” ،بوا�سطة مكت���ب الأمن الدبلوما�س���ي ،وذلك منذ عام .1998ورغم �أن بع�ض املحا�ضرات التدريبية
قد �أ�صبحت �أكرث �صعوبة يف ال�سنوات الأخرية ال�سيم���ا يف ظل الأو�ض���اع الأمنية املتدهورة، ف����إن الإدارة الأمريكية ت�سعى للح�صول على متوي���ل �أكرث لهذه الربام���ج .ويف هذا الإطار قام فري���ق لتقييم نظم التموي���ل بزيارة �إىل اليمن يف عام .2007 وم���ن ناحية رابع���ة تتطلع الوالي���ات املتحدة مل�ساعدة اليمنيني يف بناء وحدة ا�ستخبارات خا�صة مبكافحة متويل اجلماعات الإرهابية، وتوفري التدريب لعنا�ص���ر هذه الوحدة حول كيفية �إج���راء التحقيق���ات املتعلق���ة بتمويل املنظمات الإرهابي���ة ،وكذلك تعليم املدعني والق�ضاة �إجراءات مكافح���ة غ�سيل الأموال املتعلقة بتمويل الإرهاب. ومن ناحية خام�س���ة قامت الواليات املتحدة بزي���ادة امل�ساع���دات الت���ي يقدمه���ا برنامج � USAIDإىل اليمن من 9.3مليون دوالر عام � 2008إىل 24مليون دوالر عام .2009وتركز ه���ذه امل�ساع���دات ،طب ًق���ا لفيالرو�س���ا ،على جماالت :ال�صحة والتعليم واحلوكمة وتعزيز النم���و االقت�صادي .و�إ�ضافة لذلك فقد تلقى اليمن يف ع���ام ،2009نح ��و 2.8مليون دوالر كتمويل ع�سكري �أجنب���ي ،و 60مليون لتمويل وت�سلي���ح ق���وات الأم���ن ،و 3.4ملي���ون لدعم ا�سرتاتيجي���ة “ارتب���اط م���ا بع���د القبلية”. و�إ�ضاف���ة �إىل ما �سب���ق ،تق���وم وزارة الدفاع الأمريكي���ة وق���وات خف���ر ال�سواح���ل بتوفري الدعم والتدريب لقوات الأمن اليمنية. ه���ذه اخلط���وات الت���ي تق���وم به���ا الواليات املتح���دة ،ح�سبم���ا ت���رى فيالرو�س���ا ،لي�ست فق���ط من �أج���ل اليم���ن“ ،ف����إذا نظرنا �إىل اخلريط���ة �س�ن�رى �أن تده���ور الأو�ض���اع يف اليم���ن �سي�ؤثر لي�س فق���ط يف اململكة العربية ال�سعودي���ة ودول اخللي���ج ،ب���ل �سي�ؤث���ر يف ال�صوم���ال ب�ش���كل خا����ص” .ف�أك�ب�ر جتم���ع لل�صومالي�ي�ن يف اخلارج موج���ود يف اليمن، كم���ا �أن عدم اال�ستق���رار يف اليمن ي�ؤدي �إىل ع���دم اال�ستق���رار يف ال�صوم���ال .ولذا ت�شري فيالرو�س���ا �إىل �أن اال�ستق���رار يف اليمن �أمر هام لي�س فقط ملنطق���ة ال�شرق الأو�سط ،بل � ً أي�ضا ملنطقة القرن الأفريقي .ومن ثم تنظر الواليات املتحدة �إىل اليمن وال�صومال ك�أحد �أولوي���ات حمارب���ة الإره���اب بع���د باك�ستان و�أفغان�ستان.
حرب �صغرية �أو م�شكلة كبرية؟ القتال على احلدود اليمنية ال�سعودية �ساميون هندر�سون
معهد وا�شنطن ل�سيا�سات ال�شرق الأدنى 10ت�شرين الثاين/نوفمرب2009 ,
ق����د ينفجر التوتر القائم من����ذ فرتة طويلة بني احلكوم����ة اليمنية وع�ش��ي�رة متمردة يف منطقة نائي����ة على احلدود (م����ع ال�سعودي����ة) �إىل �أزمة �إقليمي����ة ك��ب�رى ،حي����ث ت�ش��ي�ر تقاري����ر و�سائل الإعالم ب�����أن التوتر القائ����م يتميز بخ�صائ�ص اندالع ح����رب بالوكالة بني ال�سعودي����ة و�إيران. فف����ي 10ت�شري����ن الثاين/نوفمرب ،ح����ذر وزير اخلارجية الإي����راين منو�شهر متقي من حدوث تدخل �أجنب����ي ،يف �إ�شارة وا�ضح����ة �إىل اململكة العربي����ة ال�سعودي����ة .وهناك احتم����ال وارد ب�أن ت�صب����ح اليم����ن دولة فا�شل����ة ،يف الوق����ت الذي �أ�صبح����ت فيه بالفعل م��ل�اذ ًا لعنا�ص����ر تنظيم «القاع����دة» .يبدو �أن التعامل م����ع هذا التحدي �سيك����ون مبثاب����ة اختب����ار مبك����ر لل�صالحي����ات التنفيذي����ة الت����ي يتمتع بها اجلي����ل اجلديد من القيادة ال�سعودية.
هجوم القوات احلكومية يع����ود القت����ال الدائ����ر حالي���� ًا (ب��ي�ن احلكوم����ة اليمني����ة واملتمردين) �إىل �شه����ر �آب�/أغ�سط�س املا�ض����ي ،عندما بد�أت حكوم����ة �صنعاء هجوم ًا �ض����د املقاتل��ي�ن م����ن ع�ش��ي�رة احلوث����ي الذي����ن كان����وا يحا�ص����رون الطرق يف املناط����ق اجلبلية �شم����ال غرب البالد ،قرب احل����دود مع اململكة العربي����ة ال�سعودي����ة .و�أطلق����ت احلكوم����ة على ذلك الهجوم ا�سم عملية “الأر�ض املحروقة”، واعتربت �أعمال املتمردين انتهاك ًا للهدنة التي مت ترتيبها يف الع����ام املا�ضي .لقد كانت هناك �صعوبات يف عملية مكافحة املتمردين :فقد مت اعتق����ال بع�ض اجلنود من الق����وات احلكومية، كما �أظهرت لقطات فيديو عر�ضها املتمردون، مدرع����ات ميني����ة مدم����رة .وقد ف����ر الكثري من
الالجئ��ي�ن من املنطقة ،كم����ا كان هناك بع�ض املدنيني من بني ال�ضحايا. يق����ول احلوثي����ون ،الذي����ن ي�ستم����دون ا�سمه����م م����ن عائل����ة زعيمه����م ،ب�أنه����م يري����دون املزيد من احلك����م الذات����ي املحلي ودور ًا �أك��ب�ر لأتباع مذهبهم الزيدي ال�شيع����ي الأ�صل يف الإ�سالم، الذي عادة ما يعت��ب�ر معتد ًال .وتتمتع املجموعة بعالقة وثيقة مع ال�سنة املحليني ،الذين ي�شكلون الأغلبي����ة .ويف الواق����ع� ،أن الرئي�س اليمني علي عبد اهلل �صالح هو نف�س����ه زيدي .وحتى اندالع القت����ال االخ��ي�ر ،ع����ادة م����ا كان����ت التحليالت امل�ستن����دة عل����ى املناق�شات املتعلق����ة باالنق�سام ال�سني ال�شيعي غري منا�سبة لليمن ،بالرغم من �أن تلك التحليالت كان����ت يف كثري من الأحيان و�سيلة مفي����دة لفهم �أجزاء �أخ����رى من ال�شرق الأو�س����ط .ومع ذلك ،ف�إن القت����ال الدائر حالي ًا يف �شمال اليم����ن لديه ما ي�ؤهله لأن يكون حرب ًا بالوكال����ة ،تقوم في����ه �إي����ران (ال�شيعية) بدعم املتمردين احلوثيني بينم����ا ترد اململكة العربية ال�سعودية (ال�سنية) على ذلك بدعمها الرئي�س اليمن����ي علي عب����د اهلل �صال����ح .ويع����ود القتال ب��ي�ن احلوثيني والق����وات احلكومية �إىل الأعوام ،2005 - 2004وا�ستم����ر حتى بع����د مقتل زعيم املتمردين ح�سني احلوثي .ويف عام 2007اندلع املزيد م����ن القتال ،ولكن القائ����د اجلديد عبد امللك احلوثي� ،شقيق ح�سني احلوثي ،وافق على اتفاقي����ة لوقف �إطالق الن����ار .لكن اال�شتباكات اندلع����ت مرة �أخ����رى يف �أوائل ع����ام ،2008قبل �أن يتمكن الدبلوما�سيون القطريون من ترتيب هدنة بني الطرفني. وعلى الرغ����م من �أن الق����وات احلوثية ال متلك
طائ����رات وعرب����ات مدرع����ة ،يق����ال �إن لديه����ا ميزة تكتيكية يف عملي����ات املواجهة مع القوات اليمني����ة ب�سبب �أعداده����ا وتدريبها ،ف� ً ضال عن ا�ستخدامه����ا املاهر للألغ����ام الأر�ضية .وتظهر املواق����ع احلوثي����ة على �شبك����ة الإنرتن����ت �إقامة جتمع����ات وا�سع����ة مب�شاركة ح�ض����ور كبري� ،إىل جانب قي����ام تدريبات متوالية على درجة عالية م����ن االن�ضب����اط ِّ تذك����ر (املتتبع��ي�ن) بن�شاطات دع����م ادعاءات حكومة ح����زب اهلل يف لبنان .و ُت َ �صنع����اء ع����ن وج����ود ت����ورط �إيراين م����ن خالل ن�ش����ر ال�شعارات عل����ى �إحدى مواق����ع احلوثيني عل����ى �شبكة االنرتنت وه����ي“ :اهلل �أكرب ،املوت لأمريكا ،املوت لإ�سرائي����ل ،اللعنة على اليهود، والن�صر للإ�سالم” .ويوحي هذا الإ�سلوب عن وج����ود �أهداف تتج����اوز بكثري ال�سع����ي لتحقيق احلكم الذاتي املحلي. ويف 4ت�شري����ن الثاين/نوفم��ب�ر� ،شن����ت القوات اجلوي����ة ال�سعودي����ة هجم����ات �ض����د املتمردي����ن احلوثي��ي�ن با�ستخدامه����ا مقات��ل�ات م����ن طراز �إف 15-وطائ����رات تورنادو للهجوم على املواقع الأر�ضي����ة .ووفق���� ًا مل����ا �أعلنت����ه الريا�����ض ،كان املتم����ردون قد عربوا احلدود �إىل داخل اململكة العربية ال�سعودية ،وقتلوا عدد ًا من ال�سعوديني. وقد نفت كلتا العا�صمتني تقارير و�سائل الإعالم عن ق�صف الطائ����رات ال�سعودية لأهداف عرب احل����دود يف اليمن .وبع����د ذل����ك ،يف 8ت�شرين الثاين/نوفم��ب�ر ،حتطم����ت مقاتل����ة ميني����ة يف ح����ادث ن�س����ب م�س�ؤولون يف �صنع����اء وقوعه �إىل م�ش����اكل ميكانيكية؛ بيد ادع����ى املتمردون ب�أن نريانهم امل�ضادة للطائرات هي التي جنحت يف �إ�سق����اط تلك املقاتلة .وترج����ع الق�صة احلالية ح����ول قيام ت����ورط �إيراين حمتم����ل� ،إىل �أواخر ت�شرين الأول�/أكتوبر املن�صرم ،عندما �أوقفت اليم����ن �سفينة �إيرانية حممل����ة بال�سالح �شملت �أي�ض ًا �أ�سلحة م�ض����ادة للدبابات .ومما ي�ضاف �إىل ه����ذه الق�ص����ة املث��ي�رة ،هو �أح����دث �شريط فيديو مت بثه على �إح����دى مواقع احلوثيني على �شبك����ة االنرتن����ت ،يظه����ر جندي���� ًا �سعودي ًا من الق����وات اخلا�ص����ة وق����ع يف الأ�س����ر ،ف� ً ضال عن �أ�سلحة ومركبات �سعودية كان قد مت الإ�ستيالء ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
59 2009
اليمن والعامل
عني على اليمن
عليه����ا ،بالإ�ضاف����ة عل����ى م����ا يبدو �أنه����ا طائرة �سعودية تق�صف الفو�سفور الأبي�ض على مواقع املتمردين يف اجلبال.
التداعيات الإقليمية قد تكون للأزم����ة يف اليمن عواقب وخيمة على �أم����ن اخللي����ج .فاليم����ن ،الدولة الأك��ث�ر كثافة يف �شب����ه اجلزي����رة العربية من ناحي����ة ال�سكان والأك��ث�ر فقر ًا فيها – هي �أي�ض ًا �أفقر بلد عربي ب�ص����ورة �إجمالية ،ح�سب قيا�����س الناجت املحلي الإجمايل للفرد الواحد .وتقع القارة الأفريقية عل����ى بعد ثماني����ة ع�شر مي ًال فق����ط من اليمن، عرب م�ضيق ب����اب املندب ،الذي مير من خالله �أك��ث�ر من ثالثة ماليني برميل من النفط يومي ًا يف طريق����ه �إىل �أوروبا .كما تقع دولة ال�صومال الفا�شل����ة ع��ب�ر خليج عدن ،ال����ذي �أ�صبح حالي ًا “وعاء ًا للقر�صنة” ،كما �أنه كان موقع ًا لهجوم من قب����ل تنظيم «القاعدة» عل����ى ناقلة نفط يف عام .2002ه����ذا وينحدر �أي�ض ًا والد �أ�سامة بن الدن م����ن اليمن ،التي ما زال يجد فيها الآالف م����ن مقاتلي «القاعدة» ملج�����أً ،وفق ًا للم�سئولني يف �صنع����اء .وبالرغ����م م����ن �أن الب��ل�اد كان����ت قائم����ة ب�ص����ورة �أو ب�أخرى مئات م����ن ال�سنني، يع����ود ت�شكيلها احلايل �إىل ع����ام ،1990عندما احتدتا اليم����ن ال�شمالية واليمن اجلنوبية .ويف ع����ام � ،1994سحقت احلكومة مترد ًا من جانب جنوبيني �سع����وا �إىل احل�صول على الإ�ستقالل، ولك����ن اال�ستي����اء م����ن هيمن����ة �صنع����اء �آخذ يف اال�ستمرار. الآثار املرتتبة على ال�سعوديني م����ن الناحية التاريخية ،حت����ذر اململكة العربية ال�سعودي����ة م����ن الت����ورط يف ال�ش�����ؤون اليمنية. فخالل احلرب الأهلي����ة اليمنية يف ال�ستينيات م����ن الق����رن املا�ض����ي ،وق����ف ال�سعودي����ون م����ع اجلان����ب امللكي ،يف حني دعم����ت م�صر القوات اجلمهوري����ة التي انت�ص����رت يف النهاية .وكانت الق����وات امل�صري����ة ق����د ا�ستخدم����ت الأ�سلح����ة الكيميائي����ة يف تل����ك احل����رب .وبع����د عقود من الزم����ن ،عندم����ا دع����م الرئي�س عل����ي عبد اهلل �صالح الرئي�س العراق����ي ال�سابق �صدام ح�سني يف غ����زوه للكويت ع����ام ،1990قامت ال�سعودية بطرد مئ����ات الآالف من اليمنيني ،الذين كانوا حت����ى ذل����ك احل��ي�ن ج����زء ًا رئي�سي ًا م����ن قوتها العامل����ة .كم����ا �أن احل����دود ب��ي�ن البلدين كانت �أي�ض ًا مو�ضع ت�س����ا�ؤل ،حيث طالب اليمنيون يف 60
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
ال�ساب����ق باملحافظ����ات اجلنوبي����ة للمملكة .ويف حني مت الآن حل تلك امل�س�ألة -على ما يبدو ،- تقوم الريا�ض يف بع�ض الأحيان ب�إهانة ال�سكان املحليني ،الذين غالبيته����م من الزيديني (كما هو احل����ال بالن�سب����ة لليمنيني ع��ب�ر احلدود)، والإ�سماعيلي��ي�ن .وتتعر�����ض كلت����ا املجموعت��ي�ن للتمييز م����ن قبل ال�شرط����ة الديني����ة ال�سعودية (الت����ي تتبع املذهب الوهاب����ي) .ويف �أوائل عام ،2001فقدت ال�سلطات ال�سعودية ب�صورة م�ؤقتة ال�سيطرة على العا�صم����ة الإقليمية جنران بعد �أن قام����ت ال�شرطة الدينية بحملة اتخذت فيها �إجراءات �صارمة �ضد اجلماعات املحلية. خ��ل�ال الأزمة احلالي����ة ،تعهد جمل�����س الوزراء ال�سع����ودي بـ “عدم الت�سامح مع املت�سللني” ،يف �إ�شارة وا�ضح����ة �إىل املتمردين احلوثيني .ومن املثري للإهتمام� ،أن امللك عبد اهلل كان قد منح وب�صورة فعالة ،تفوي�ض لإدارة (بع�ض املنا�صب احلكومية) �إىل اجليل املقبل من الأمراء .ففي 8ت�شري����ن الثاين/نوفم��ب�ر ،ق����ام الأمري خالد ب����ن �سلط����ان ،م�ساعد وزير الدف����اع وجنل ويل العهد املري�ض الأمري �سلط����ان ،بزيارة القوات ال�سعودي����ة على احلدود حيث خ�ص�ص (حزام) ميتد �ست����ة �أميال داخ����ل الأرا�ض����ي ال�سعودية، كـ “منطق����ة تخ�ضع لعمليات القت����ل” .وهناك �شخ�صي����ة رئي�سية �أخرى مثل الأمري حممد بن ناي����ف بن عب����د العزيز ،رئي�س جه����از مكافحة الإره����اب (م�ساع����د وزي����ر الداخلي����ة لل�ش�����ؤون الأمني����ة) ،ال����ذي جن����ا م����ن امل����وت املحق����ق يف �أواخ����ر �آب�/أغ�سط�����س املن�ص����رم عندم����ا قام مقاتل تاب����ع لتنظيم «القاع����دة» و�صل لتوه من اليمن ،بتفجري نف�س����ه بينما كان من املفرت�ض �أن يقوم بت�سليم نف�سه .كما ي�شارك �أي�ض ًا جنل العاه����ل ال�سعودي الأمري م�شع����ل بن عبد اهلل، (يف املنا�ص����ب الإداري����ة احلكومي����ة) حيث عني يف وق����ت �ساب����ق من هذا الع����ام �أم��ي�ر ًا ملنطقة جنران ،بالإ�ضافة �إىل تعيني جنل �شقيق امللك الأم��ي�ر من�ص����ور ب����ن متع����ب ،ال����ذي حل حمل والده الطاعن يف ال�س����ن با�ستالمه يف الأ�سبوع (االول م����ن ت�شري����ن الثاين/نوفم��ب�ر) من�صب وزير ال�ش�����ؤون البلدية والقروية .وت�شعر اململكة بقيام حتد خا�ص يتمث����ل با�ضطرارها ال�سماح للحج����اج اليمنيني بزيارة مدين����ة مكة املكرمة خ��ل�ال مو�سم احل����ج احلايل ،عل����ى الرغم من التوت����ر القائ����م عل����ى احل����دود .ويف 8ت�شري����ن الثاين/نوفمرب احلايل� ،أوعز الأمري م�شعل بن
عبد اهلل للم�سئولني ال�سعودي��ي�ن ب�إبقاء املعابر احلدودية مفتوحة.
�سيا�سة الواليات املتحدة بالن�سب����ة لوا�شنط����ن ،يزي����د توتر احل����دود من تعقيد العالقات التي هي معقدة بالفعل .فمنذ تفج��ي�ر (ال�سفين����ة احلربي����ة الأمريكي����ة) “يو. �أ�����س� .أ�����س .كول” م����ن قبل تنظي����م «القاعدة» يف مين����اء ع����دن يف ع����ام ،2000ر�أت الوالي���ات املتح���دة ب����أن اليم���ن مل تت�ص���رف بق���وة كافي���ة �ض���د مقاتل���ي «القاعدة» .وحت���ى �أولئك املقاتلني الذي���ن مت �سجنه���م ،غالب ًا م���ا �أُطل���ق �سراحهم �أو �سم���ح لهم عل���ى ما يبدو بالف���رار .ويع ّقد هذا ال�سيناري���و جه���ود حكوم���ة الرئي����س الأمريك���ي �أوباما لإغ�ل�اق معتقل جوانتانام���و ،الذي ي�شكل في���ه اليمني���ون �أكرب وح���دة وطني���ة متبقية .وقد ف�شل���ت حتى الآن جهود الوالي���ات املتحدة لإقناع الرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح بال�سماح ب�إر�سال ه����ؤالء املعتقل�ي�ن لي�ساهم���وا يف برام���ج �إع���ادة الت�أهي���ل ال�سعودي���ة ،لأن وا�شنط���ن ال تثق بقيام اليم���ن برعاي���ة املعتقلني مبا في���ه الكفاية .ومن ناحية �أخرى ،عملت وا�شنطن بنجاح مع �صنعاء لرتتي���ب هج���رة �أع�ضاء م���ن اجلالي���ة اليهودية املتبقي���ة يف اليم���ن ،الت���ي كان���ت م�ستهدفة من قبل كل م���ن احلوثيني وتنظي���م «القاعدة» .وقد �أو�ضحت وزارة اخلارجي���ة الأمريكية ر�أيها ب�أنه لن يت���م حل ال�ص���راع بني احلوثي�ي�ن واحلكومة اليمني���ة املركزية بالو�سائل الع�سكرية .ولكن من جانبهم ،يحذر امل�سئولون اليمنيون ب�صورة غري علني���ة ب�أن الدول���ة قد ت�صبح مه���ددة �إذا ال تتم م�ساعدة �صنعاء بالإم���دادات الع�سكرية و ُتعطى لها حرية الت�ص���رف ملوا�صلة حملتها الع�سكرية. وعل���ى اجلبه���ة الدبلوما�سية ،ت�أم���ل �صنعاء ب�أن تتمك���ن م���ن جع���ل عالقاته���ا م���ع �إي���ران خالية م���ن اللب����س والغمو����ض ،بينما تطل���ب يف الوقت الراه���ن من احلوثي�ي�ن ،الذين ي�ت�راوح عددهم ب�ي�ن 6,000و 7,000رجل م�سل����ح ،بالتخلي عن مواقعه����م الع�سكري����ة .وتخ�شى �صنع����اء من �أن يهدف احلوثي����ون -بت�شجيع من طهران � -إىل تقوي�����ض م�صالح الواليات املتح����دة وال�سعودية يف ه����ذه البقعة التي ت�شكل زاوية اليمن يف �شبه اجلزي����رة العربي����ة .و�سوف يت����م اختبار نظرة كه����ذه خالل �أ�شه����ر ال�شت����اء املقب����ل ،التي هي �أف�ض����ل وقت للقتال يف جبال اليمن ،على عك�س الكثري من بقية مناطق العامل.
املراقب الإ�سرتاتيجي �سيا�سات اليوم وم�سارات الغد
�إيران ما بعد �أزمة االنتخابات الرئا�سية..ماالذي ينتظرنا؟
حمجوب الزويري
ما وراء التقارب ال�سعودي -ال�سوري وما بعده
ر�ضوان زيادة
م�صري التحالف ال�سوري -الإيراين
معاذ الأ�شهبي ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية
العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
61 2009
املراقب اال�سرتاتيجي
�إيران ما بعد �أزمة االنتخابات الرئا�سية العا�شرة..
ما الذي ينتظرنا؟ مل يكن حدث االنتخابات الرئا�سية الإيرانية العا�شرة التي جرت يف 12حزيران/ يونيو 2009حدث ًا عادي ًا �أو عابر ًا بالن�سبة لإيران� ،إذ �أن االنتخابات ،التي دائم ًا ما ُتع َقد لإعادة ح�شد الر�أي العام خلف النظام ال�سيا�سي� ،أفرزت هذه املرة نوع ًا من االختالف ،ال يبدو �أن غيومه �ستختفي �سريع ًا عن �سماء �إيران ال�سيا�سية. حمجوب الزويري اعت���ادت �إي���ران يف ظ���ل اجلمهوري���ة الإ�سالمي���ة عل���ى �أن حدث االنتخاب���ات املتك���رر �إمنا هو يف احلقيقة و�سيل���ة لتجاوز االختالفات وعوام���ل التناق�ض بني ال���ر�أي العام الإيراين وب�ي�ن النظام ،من هنا كان احلر�ص عل���ى �أن تكون ن�سبة امل�شاركة يف �أي انتخابات يف �إيران عالي��� ًة ،لأن ه���ذه الن�سب���ة العالية له���ا دالالتها الكب�ي�رة يف ما يتعلق بعالقة النظام مع ال�شعب. لق���د �ش ّكلت نتائ���ج االنتخابات الرئا�سي���ة الإيراني���ة بداية ف�صل جدي���د يف تاريخ اجلمهورية الإ�سالمي���ة ،هذا الف�صل مل ُيقر�أ منه �إال مقدمته يف احلقيقة لأن الكثري من حمتويات هذا الف�صل رمبا حتتاج �إىل مزيد من الوقت لقراءتها وفهمها بعمق .وقد طرح �إعادة انتخاب الرئي����س الإي���راين حممود �أحمدي جناد �س�ؤا ًال كب�ي�ر ًا حول ما ميكن �أن ت����ؤول �إلي���ه التطورات الداخلي���ة يف �إيران ،وم���دى انعكا�سها على �سيا�سات �إيران الإقليمية و الدولية وهو مو�ضوع هذه الورقة. الأم���ر الذي يبدو ملفت ًا لالنتباه ه���و عن�صر املفاج�أة الذي �أ�صاب الكثريين �سواء يف املنطقة �أو يف العامل ب�سبب ما جرى بعد االنتخابات، و�إ�ص���رار ق���وى التيار الإ�صالح���ي على اال�ستم���رار يف االحتجاج على نتيج���ة االنتخابات رغم القب�ضة الأمني���ة احلديدية التي واجهت بها احلكوم���ة تلك التطورات ،وعن�ص���ر املفاج�أة هذا �أي�ض��� ًا امتد لي�ؤكد عل���ى �أن هنالك نق�ص ًا كبري ًا يف املعرفة حول �إيران� ،سواء �أكان ذلك يف الإقلي���م �أو يف العامل ،ولعل ذلك يف�سر ما ذهب �إليه البع�ض �أن ما حدث رمبا يكون بداية نهاية نظام اجلمهورية الإ�سالمية. النظ��ام فـ��ي �أزم��ة لق���د خ ّلف���ت االنتخاب���ات الرئا�سية الإيرانية جملة من الق�ضاي���ا التي ميكن القول ب�أنها �أ�ضحت عنا�صر 62
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
�ضع���ف للنظ���ام بع���د �أن كان���ت عنا�صر ق���وة ،وه���ذه العنا�صر ميكن �إجمالها يف ما يلي: �أو ًال :طرح���ت االنتخابات الأخرية �أ�سئلة حول مدى نزاهة العملية االنتخابي���ة وجديتها يف �أن تك���ون ممثل ًة لر�أي ال�شع���ب الإيراين وثار حوله���ا كثري م���ن ال�شك والريب���ة واللغ���ط ،ف� ً ضال ع���ن الت�شكيك يف الإج���راءات املتبعة للت�صديق على �شرعي���ة املر�شحني هو الأمر الذي يق���وم فيه ع���اد ًة جمل����س �صيان���ة الد�ستور ،وه���ذا الأم���ر ال يبدو �أن النظام بحاجة �إليه يف ه���ذا الوقت ال�سيما مع ارتفاع وترية املواجهة م���ع الغرب فيما يتعلق بالربنامج النووي الإيراين .وامل�ؤكد �أن عن�صر ال�شرعي���ة يف االنتخابات مهم لأنه يعطي النظام �شرعية �شعبية تعزز م���ن �شرعيته الديني���ة التي ت�أ�س�س���ت بنا ًء على نظري���ة والية الفقيه، وه���ذان العن�صران (ال�شرعي���ة الدينية وال�شرعي���ة ال�شعبية) ي�ستند �إليهما النظام يف مواجهة خ�صومه� ،سواء يف الداخل �أو يف اخلارج. لق���د بدا وا�ضح��� ًا �أن م�س�ألة االنتخابات يف �إي���ران �أُزيل عنها ثوب امل�صداقي���ة ،وهو الأمر ال���ذي ُيرى من خالل املطالب���ة من قبل قوى التيار الإ�صالحي ب�ضرورة عقد انتخابات حرة ونزيهة حتت �إ�شراف م�ستقل. ثاني ًا :حدة اجلدل بني قوى التيار املحافظ وقوى التيار الإ�صالحي �أخ���ذت خالل ه���ذه االنتخابات منح���ى غري م�سبوق ،وم���ع �أن هذا ال ينف���ي بالطبع وجود تناف�س �شديد بني املحافظني والإ�صالحيني ،لكن االخت�ل�اف هذه املرة و�صل �إىل درج���ة انق�سم فيها كبار قادة النظام بني التيارين .فاملر�شد الأعلى للثورة الإ�سالمية �آية اهلل علي خامنئي �أعل���ن بو�ضوح �أنه ي�ؤيد الرئي�س �أحمدي جناد ،وبالتايل فقد �أكد على �شرعية االنتخابات الرئا�سية العا�شرة .يف حني بدا رئي�س
حمجوب الزويري �أ�ستاذ الدرا�سات ال�شرق �أو�سطية مبركز الدرا�سات اال�سرتاتيجية ،اجلامعة الأردنية.
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
63 2009
املراقب اال�سرتاتيجي جمل�س ت�شخي�ص م�صلح���ة النظام ورئي�س جمل�س خرباء القيادة ها�شم���ي راف�سنج���اين عل���ى النقي�ض؛ فموقف���ه بدا �أق���رب �إىل قوى التي���ار الإ�صالحي ،وكان ذلك وا�ضح ًا من الهج���وم الذي �شنته عليه قوىالتي���ار املحافظ ب�سبب ع���دم ا�ستنكاره ملواق���ف املر�شح اخلا�سر مري ح�سني مو�سوي. ه���ذا االنق�سام بني �أهم ال�سيا�سيني الإيرانيني انت�شرت عدواه �إىل القي���ادات الدينية التي اختارت �أن تكون بعي���دة عن ميدان ال�سيا�سة اليومية ،و�أعني بهم املرجعيات الدينية التي يرتكز معظمها يف مدينة ق���م .فاالنتقادات التي وجهه���ا املرجع الدين �آي���ة اهلل على منتظري �إىل احلكوم���ة الإيراني���ة ب�سب���ب الإج���راءات القمعي���ة الت���ي اتبعتها يف مواجه���ة املحتج�ي�ن عل���ى نتائج االنتخاب���ات الرئا�سي���ة العا�شرة، جت���اوزت جمرد االنتق���اد واالحتجاج على تلك الإج���راءات �إىل طرح م�س�أل���ة غاية يف الأهمية ترتبط بال�شرعي���ة ال�سيا�سية للنظام برمته. الأمر ال���ذي �أ�ضاف �إىل اجل���دل ال�سيا�سي الداخلي بع���د ًا جديد ًا مل يك���ن مطروح ًا من قب���ل ،والأهم رمب���ا �أنه انعك�س خارجي��� ًا .فوزيرة اخلارجي���ة الأمريكية ،هي�ل�اري كلينتون ،مل ت�ت�ردد يف احلديث عن م�شكلة “امل�شروعية التي يواجهها النظام ال�سيا�سي الإيراين”. ومل يقف احلد عند �آية اهلل منتظري بل جتاوزه �إىل ع�ضو جمل�س خ�ب�راء القيادة �آية اهلل د�ستغيب الذي حت���دث عن جانب �آخر متعلق بتغيي���ب دور م�ؤ�س�سة جمل�س خرباء القيادة وال���ذي تعد مراقبة �أداء املر�ش���د الأعل���ى للث���ورة الإ�سالمي���ة �آية اهلل عل���ي خامنئ���ي ،مهمته الأ�سا�سي���ة� .إن حديث �آية اهلل د�ستغيب له �أهميته ب�سبب الربط الذي جرى نتيجة موقف املر�شد املعلن دعم �إعادة انتخاب الرئي�س �أحمدي جن���اد .وجوهر طرح املو�ض���وع يعود �إىل �أن املر�ش���د الأعلى يف �إيران يج���ب �أن ال يتبن���ى موقف �أي تيار �سيا�سي باعتب���اره مرجعية للجميع ولي����س لتي���ار �أو ل�شخ�ص معني .ه���ذا النقا�ش ما ي���زال متوا� ً صال بني مرجعي���ات متع���ددة وهناك حديث ع���ن اجتماعات ليلي���ة ُعقِ دت مع مرجعي���ات مهمة مثل �آي���ة اهلل مكارم �شريازي ،ويب���دو �أنها مرتبطة بتطورات الو�ضع يف �إي���ران بعد االنتخابات الرئا�سية .غري �أن امللفت لالنتباه �أكرث ه���و توا�صل �آية اهلل علي ال�سي�ستاين واملرجعية ال�شيعية يف الع���راق مع مرجعي���ات �أخرى داخ���ل �إيران ملناق�ش���ة االنعكا�سات الت���ي ميك���ن �أن ترتكها الأزم���ة ال�سيا�سي���ة التي �أعقب���ت االنتخابات الرئا�سية. ثالث��� ًا :ع�سكرة امل�شه���د ال�سيا�سي الإي���راين .فالنظ���ام ال�سيا�سي الإي���راين يعتمد على التفاعل بني رجال الدين ورجال ال�سيا�سة ،لكن التط���ورات الت���ي �أعقبت �أح���داث جامعة طه���ران 1999يف ظل والية الرئي�س الإ�صالحي حممد خامتي ،والتي هاجمت فيها قوات التعبئة
(البا�سي���ج) �أماكن �سك���ن الطلبة� ،أع���ادت دور امل�ؤ�س�س���ة الع�سكرية والأمني���ة الإيراني���ة يف احلي���اة ال�سيا�سي���ة �إىل الواجه���ة من جديد. حينها رد القائد العام للحر�س الثوري والتعبئة رحيم �صفوي بطريقة توعد بقطع �أل�سنة ورقاب قوي���ة على منتقدي �سلوك قوات التعبئة� ،إذ ّ من يهددون النظام. على �أن التدخل الع�سكري يف احلياة ال�سيا�سية تعزز �أكرث وبدا قوي ًا عق���ب انتخاب الرئي�س �أحمدي جناد يف حزيران /يونيو .2005حيث ظه���ر دعم امل�ؤ�س�س���ة الع�سكرية له وتعزز طيلة ف�ت�رة جناد الرئا�سية الأوىل وكذلك خ�ل�ال �إعادة انتخابه للمرة الثاني���ة ،وهو الأمر الذي �أ�ش���ار له املر�شح���ان اخلا�سران مري ح�سني مو�س���وي ومهدي كروبي، كم���ا �أ�ش���ارت له كذل���ك الت�صريح���ات التي �ص���درت من كب���ار قادة خف رغبته يف �أن احلر�س الث���وري مثل حممد على جعفري الذي مل ُي ِ يفوز الرئي�س �أحمدي جناد بفرتة رئا�سية ثانية .هذا كله طرح �س�ؤا ًال حول ت�أثري تدخل امل�ؤ�س�سة الع�سكري���ة يف ال�ش�ؤون ال�سيا�سية ،وعالقة ذلك مبو�ضوع �شرعية النظام. رابع ًا :ال يبدو �أن النقاط املثارة �أعاله �ستكون بال ت�أثري على �صورة � Imageإيران يف املنطقة ويف العامل� .إذ لطاملا عمل النظام ال�سيا�سي الإي���راين على �إظهار نف�سه كنظام دميقراطي و�إ�سالمي ،يعتمد على ال�شرعية الدينية و�شرعي���ة �صناديق االقرتاع مع ًا ،لكن هذه ال�صورة يبدو �أنها ت�أثرت مبا حدث داخلي ًا ،وهو �أمر �سيت�ضح �أكرث يف امل�ستقبل القري���ب .لذلك يجب عدم ا�ستبعاد ح�صول تغيرّ يف املزاج العام �إزاء �إي���ران ،كم���ا �أن ه���ذا املزاج ق���د يتغيرّ ب���دوره �أي�ض ًا يف ح���ال حدوث مواجهة بني �إيران و�إ�سرائيل على خلفية طموحات طهران النووية. تبعات �أزمة الداخل على �سيا�سات اخلارج �إن العنا�ص���ر الت���ي �سبق ذكره���ا ميكن اعتباره���ا تبعات �سلبي���ة لنتائج االنتخاب���ات الرئا�سية الإيرانية العا�ش���رة ،على �أنه من املهم الرتكيز هن���ا على ت�أثري كل ذل���ك يف م�سارات ال�سيا�س���ة اخلارجية الإيرانية. ويف ه���ذا ال�سياق ،من املهم الإ�شارة �إىل �أن تبعات الأحداث الداخلية ق���د تدفع �إيران �إىل �إجراء تعديل تكتيك���ي يف مواقفها املتعلقة ب�أزمة برناجمه���ا النووي ،وهو الأمر ال���ذي طرحته �إيران يف اجتماع جنيف مع جمموع���ة ،5+1حيث قبلت �إي���ران بت�صدير ق�سم م���ن اليورانيوم منخف����ض التخ�صيب (م���ن 3.5اىل � )19إىل رو�سيا وفرن�سا وحتويله اىل �صفائح ت�ستخدم يف املفاعالت الإيرانية لأغرا�ض بحثية �أو لتوليد الطاق���ة .و�إن كان ه���ذا االق�ت�راح -كم���ا يبدو -لن يغ�ي�ر الكثري يف م�سار �أزمة الربنامج النووي ال �سيما يف ظل ا�ستمرار م�شكلة الت�صور ال�سلبي املتبادل بني الدول الغربية و�إيران.
حقيقة اجلغرافيا ال�سيا�سية �س ُتبقي �إيران العب ًا ال ميكن �إغفاله يف معادالت املنطقة بغ�ض النظر عن طبيعة النظام ال�سيا�سي الذي ي�سيطر على مقاليد الأمور 64
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
االنق�سام بني �أهم ال�سيا�سيني الإيرانيني انت�شرت عدواه �إىل املرجعيات والقيادات الدينية التي يرتكز معظمها يف مدينة قم ،والتي اختارت �أن تكون بعيدة عن ميدان ال�سيا�سة اليومية ويف �سي����اق مت�ص����ل ،ميكن الق����ول �أن هناك ثالث����ة �سيناريوهات حمتملة فيما يخ�ص م�س����ار ال�سيا�سة الإيرانية اخلارجية والداخلية خالل الفرتة املقبلة: ال�سيناري����و الأول يتمث����ل يف العم����ل عل����ى تهدئة جمي����ع اجلبهات الداخلي����ة منه����ا واخلارجي����ة تكتيكي ًا ،وه����ذا يعني داخلي���� ًا اطالق ع����دد م����ن ال�سجناء على ذمة �أح����داث ما بع����د االنتخابات ،وكذلك اال�ستم����رار يف احل����وارات الداخلية بني “كبار الق����وم” كما �س ّماهم ها�شمي راف�سنج����اين .وثمة ت�أكيد ب�أن هناك ت�صور قد مت حت�ضريه وت�سليم����ه �إىل مكت����ب املر�شد الأعلى للث����ورة اال�سالمية �أية اهلل علي خامنئي .ويف هذا الإطار ميكن فهم اخلطوة الإيرانية حول �إمكانية قبول �إيران تخ�صيب بع�ض كميات اليورانيوم يف رو�سيا �أو فرن�سا. ال�سيناري����و الث����اين يرك����ز عل����ى �إحتمالي����ة �أن تركز �إي����ران على احتواء تطورات امل�شهد ال�سيا�سي الداخلي وكذلك التبعات املختلفة لق����رارات املقاطع����ة االقت�صادي����ة .وهذا ق����د يعني ح�ص����ول تراجع ن�سب����ي يف الدور الإقليمي لإيران ،ال�سيم����ا يف ملفات �ساخنة كامللف الفل�سطين����ي واللبن����اين والعراقي .بي����د �أنه من املهم هن����ا الإ�شارة �إىل �أن ه����ذا الرتاجع �سيكون بطيئ ًا ،كم����ا �سريتبط بقدرة الالعبني
الإقليميني والدوليني الآخرين على تعزيز �أدوارهم يف تلك امللفات. �أم����ا ال�سيناري����و الثال����ث فريك����ز على احتمالي����ة موا�صل����ة �إيران لنف�����س النهج ال����ذي كانت عليه قبل االنتخاب����ات بالن�سبة ل�سيا�ستها اخلارجي����ة ،ب����ل ورمب����ا حتاول زي����ادة وترية ه����ذا ال����دور كجزء من مواجهة �أزمة امل�شروعية التي يتم احلديث عنها ب�شكل وا�ضح خارج �إي����ران وداخله����ا .وهذا الأم����ر �سيزي����د بالت�أكيد من توت����ر عالقات �إي����ران اخلارجي����ة م����ع دول الإقليم وم����ع الغرب ،و�أه����م م�ؤ�شر على ه����ذا الت�صعيد �سيكون ما �ستئول �إليه �أزم����ة امللف النووي الإيراين، خ�صو�ص ًا يف ظل الت�أكيد الإيراين على �أن التخ�صيب م�س�ألة �سيادية ال ميكن التخلي عنها. ومهم����ا يكن من �أمر ،ف�����إن حقيقة اجلغرافي����ا ال�سيا�سية �ستُبقي �إي����ران العب ًا ال ميكن �إغفاله يف مع����ادالت املنطقة بغ�ض النظر عن طبيعة النظام ال�سيا�سي الذي ي�سيطر على مقاليد الأمور .لكن هذا ال����دور �أمامه حتدي ي�صع����ب جتاهله ،وهو ال����دور الرتكي املتنامي، والذي ي����راه الالعبون الإقليميون وكذلك الدوليون �أكرث توازن ًا فيما يتعلق بالتعامل مع ملفات ال�شرق الأو�سط التي تزداد �سخونتها يوما بعد يوم. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
65 2009
املراقب اال�سرتاتيجي
ما وراء
التقارب ال�سعودي -ال�سوري
وما بعده
على مدى �س��نوات الت�س��عينيات من القرن املا�ضي �شكّل املحور امل�صري – ال�سعودي – ال�سوري حمور ال�سيا�سة العربية، فق��د كان ي�ص��وغ املواق��ف ال�سيا�س��ية للمنطق��ة العربية م��ن جممل الق�ض��ايا الرئي�س��ية كاملوقف من عملية ال�س�لام و�إ�س��رائيل ،واملوق��ف م��ن الع��راق وبالتايل من نظام الرئي�س ال�س��ابق �ص��دام ح�س�ين ،واملوقف من الوالي��ات املتحدة كطرف دويل رئي�سي مهتم بل وفاعل وم�ؤثر يف املنطقة.
ر�ضـــوان زيــــادة
وعلى الرغم من االختالفات اجلزئية والثانوية التي كانت تخت�ص به����ا كل دول����ة من هذه ال����دول الثالث (م�ص����ر ،ال�سعودي����ة� ،سورية)، ف�����إن املوقف العام جتاه ه����ذه الق�ضايا كان متفق ًا علي����ه �ضمني ًا بينها، وكان التن�سيق بني هذه ال����دول على �أعلى امل�ستويات ويت�صف بالدورية الدائم����ة ،فمث ًال التقى الرئي�س ال�سوري الأ�سبق حافظ الأ�سد بالرئي�س كل من دم�شق امل�ص����ري ح�سن����ي مبارك يف ع����ام 1999ت�سع م����رات يف ٍ ش����ر يعك�س م����دى الت�ش����اور والتن�سيق ب��ي�ن البلدين، والقاه����رة ،يف م�ؤ� ٍ وكذلك م�ست����وى الزيارات بني ال�سعودية و�سوري����ة مل يكن ب�أقل حرارة من مثيله مع م�صر. العق��د ال��ذي انف��رط التغي��ي�رات التي دخل����ت على هذا املح����ور� ،أو بح�س����ب ما ي�سمي����ه البع�ض انفراط عقد ه����ذا املحور يعود �إىل �أ�سب����اب داخلية يف كل بلد وخا�صة �سورية ،وعوامل �إقليمية ودولية مل ي�صم����د املح����ور �أمامها .كان����ت �أوىل هذه التغيريات وف����اة الرئي�س ال�س����وري حافظ الأ�سد وا�ستالم جنله ب�شار الأ�سد ال�سلطة خلف ًا له .يف البداية ،حاول البلدان (م�ص����ر وال�سعودية) احت�ضان القادم اجلديد ودجم����ه �أو �إعادة ت�أهيله �ضمن املح����ور نف�سه .مل يكن الرئي�س ال�سوري اجلديد ميانع يف ذلك� ،سيما �أن املحور كان مفيد ًا ل�سورية للغاية جلهة التن�سي����ق ال�سيا�سي والأمني امل�ستمر والدع����م االقت�صادي الذي كانت حت�صل عليه من دول اخلليج. لك����ن امل�شكلة كانت يف عدم تفاعل الكيمياء ال�شخ�صية بني الرئي�س اجلديد وب��ي�ن كال الزعيمني ،الرئي�س امل�ص����ري وويل العهد ال�سعودي �آن����ذاك الأمري عبداهلل الذي �أ�صبح فيما بع����د ملك ًا .فالرئي�س ال�سوري الق����ادم �إىل ال�سيا�سة بامل�صادفة بحكم وف����اة �أخيه الكبري با�سل الذي 66
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
كان مهي�����أً ليخلف وال����ده ،كان �أكرث اهتمام ًا يف بن����اء �شعبيته ،وب�سبب ع����دم اخل��ب�رة الكافية �س ّبب����ت خطابات����ه يف م�ؤمترات القم����ة العربية الت����ي عقدت يف عامي 2001و 2002بع�ض احلما�سة يف ال�شارع العربي، لكنها قوبلت بفت����ور من قبل القادة العرب الذين وجدوا فيها نوع ًا من «تعليمه����م الدرو�س الت����ي حفظوها» مم����ن ال يتقن ال�سيا�س����ة �أو يتعلم فنونها بعد. وم����ع اغتيال رئي�����س الوزراء اللبن����اين رفيق احلري����ري يف �شباط/ فرباي����ر 2005واته����ام �سورية باغتيال����ه ،دخلت العالق����ات ال�سورية - ال�سعودي����ة مرحل����ة جدي����دة خا�صة �أن احلري����ري كان ميث����ل ال�سيا�سة ال�سعودي����ة يف امل�ش����رق العربي ،ويحتفظ بعالق����ات تارييخة ووثيقة مع ال�سعودي����ة ،فاغتيال����ه م ّث����ل ا�ستهداف���� ًا لل�سيا�سة ال�سعودي����ة يف لبنان، ولذلك دخل����ت العالقات ال�سعودية -ال�سوري����ة يف مرحلة اتهام و�شك عمي����ق تخللها الكثري م����ن الهجمات الإعالمية ب��ي�ن الطرفني ،ثم �أتى خط����اب الأ�س����د ال����ذي �أعقب ح����رب متوز/يوليو 2006ب��ي�ن حزب اهلل و�إ�سرائيل ليق�صم الق�شة يف العالقات بني الطرفني. فقد كانت ال�سعودية وم�صر كلتاهما اتهمتا حزب اهلل بتوريط لبنان بحرب لي�س له خي����ار فيها ،وكلفت لبنان كثري ًا .ومع كحكوم����ة وك�شعب ٍ �صم����ود حزب اهلل يف وجه الآلة الع�سكري����ة الإ�سرائيلية ،ف�إن ذلك دفع الأ�س����د لو�صف القادة العرب الذين انتقدوا حزب اهلل ب�أنهم «�أن�صاف رجال». و�إذا عرفنا �أن العالقات العربية -العربية غالب ًا �أو دائم ًا ما حتكمها �أو حتركه����ا ال�سلوكي����ات ال�شخ�صي����ة للق����ادة بحكم غي����اب امل�ؤ�س�سات ر�ض ــوان زيـ ــادة باحث يف امل�ؤ�س�سة الوطنية للدميقراطية ( – )NEDوا�شنطن.
الد�ستوري����ة وال�سيا�سي����ة يف معظم الدول العربية ،ف�����إن اتهامات بهذا احلج����م �ستنعك�س بكل ت�أكي����د على العالقات ال�سيا�سي����ة بني البلدين. ولذل����ك دخل����ت العالق����ات ال�سعودي����ة – ال�سورية مرحل����ة عا�صفة من االتهامات ال�شخ�صية و�صلت على م�ستوى وزراء اخلارجية بني البلدين، ومل تفل����ح عمليات الو�ساطة يف تهدئة الطرف��ي�ن .ومع تدخل الأطراف الدولية ،وال �سيما الواليات املتحدة التي طورت يف عهد الرئي�س ال�سابق ج����ورج بو�ش �سيا�سة املح����اور يف املنطقة العربية �أو هكذا كانت حت�سب كمحور �إيراين � -سوري وي�ضم احلركات الراديكالية يف امل�شرق العربي كحما�����س وح����زب اهلل واجلهاد الإ�سالمي وغريه����م ،وحمور االعتدال العربي الذي ي�ضم ال�سعودية وم�صر والأردن وغريها ،وترافق ذلك مع تعم����ق توتر العالقات ال�سورية -الأمريكي����ة وو�صولها �إىل حد التهديد بتغيري النظام ال�سوري بعد �سقوط «�شقيقه» يف بغداد. وه����ذا ما �أج����ج اخلالف ال�سعودي -ال�س����وري ،ودفع به �إىل مرحلة التوت����ر العلن����ي وت�ض����ارب امل�صال����ح ولي�����س �أقله����ا تخفي�����ض التمثي����ل الدبلوما�سي ،كما ظهر ذلك علن ًا يف عدم ح�ضور القادة العرب ال�سيما الزعيم��ي�ن ال�سع����ودي وامل�صري ،القمة العربية الت����ي ُع ِقدت يف دم�شق عام .2008 تقارب ُمع ّلق؟ يف الواقع �أي ًا من هذه اخلالفات ح ّل ،بقدر ما جرى تركها للزمن وتعليقها بقدر ما تدفع التغيريات الدولية والإقليمية ملواق����ف جديدة .وفع ًال مع قدوم �إدارة �أمريكية جديدة بقيادة الرئي�س باراك �أوباما ،والذي تعهد خالل حملته االنتخابية بت�شجيع احلوار مع �إي����ران و�سورية ،وهو ما بد�أ به منذ اليوم الأول من ا�ستالم �إدارته مما ب�شكل كبري على تخفيف التوتر الأمريكي -الإيراين ،وا�ستبدال �ساعد ٍ
�سيا�سة دعم احللفاء وت�شكيل املحاور ب�سيا�سة تهدف ب�شكل رئي�س �إىل دع����م اال�ستق����رار يف املنطقة ،وعل����ى ر�أ�س ذلك حتقي����ق اال�ستقرار يف العراق .ولذلك فرت التوتر ال�سعودي -الإيراين ،وب�شكل مبا�شر التوتر ال�سوري -ال�سعودي. ثم �أتت مبادرة امللك عبد اهلل يف قمة الكويت يف جمع القادة العرب به����دف حل اخلالفات كمب����ادرة باجتاه حت�سني الأج����واء ال�سعودية – ال�سوري����ة ،وفع ً ��ل�ا جرى تب����ادل الزيارات ب��ي�ن م�س�ؤولني عل����ى م�ستوى ق����ادة �أجهزة املخابرات يف كال البلدي����ن ،ثم جرى تبادل الر�سائل بني الطرف��ي�ن مما مهد لزيارات متبادلة على م�ست����وى قادة البلدين ،فقد زار الرئي�����س ال�سوري الريا�ض مبنا�سبة افتت����اج جامعة امللك عبد اهلل للعل����وم والتكنولوجي����ا ،ثم قام املل����ك ال�سعودي بزي����ارة دم�شق يف �أول زيارة له منذ ا�ستالمه العر�ش يف ت�شرين الأول �/أكتوبر .2009 وبذلك ميكن القول �أن ملف اخلالف ال�سعودي – ال�سوري قد ُ�س ِّوي تقريب���� ًا ،ولكن����ه مل يعد �إىل طبيعت����ه على م�ستوى التن�سي����ق الدائم بني الطرف��ي�ن كما كانت احلال خالل عقد الت�سعينيات من القرن املا�ضي. فهناك الكثري من امللفات التي مل حتل و�إمنا جرى ت�أجيلها فقط ،ولي�س �أوله����ا ا�ستكم����ال التحقيقات يف مل����ف اغتيال رئي�س ال����وزراء اللبناين ال�ساب����ق رفي����ق احلري����ري ،وملف التحال����ف اال�سرتاتيج����ي ال�سوري - الإي����راين ،وغري ذلك من امللفات .وم����ا مل تتح�سن العالقات امل�صرية حال من – ال�سورية ،التي مل يطر�أ عليها �أي حت�سن وا�ستقرت على ٍ الربود ،ف�إن ملف العالقات ال�سعودية -ال�سورية ُمع ّر�ض لالنتكا�س يف �أي حلظة ،ال �سيما �أن ال م�ؤ�س�سات �سيا�سية ترعاه وحتميه بقدر ما هي طي ملف اخلالف. نيات ح�سنة و�أمنيات يف ّ ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
67 2009
املراقب اال�سرتاتيجي
لي�س �س��ر ًا �أن ت�ص��اعد االهتمام الإقليمي املكثف ب�س��ورية ،وخ�صو�ص�� ًا خالل الأ�ش��هر القليلة املا�ض��ية ،له عالقة بامل�س��اعي املتعددة وغ�ير الناجزة جلهة ف�صل �سورية عن �إيران وتفكيك احللف ال�سوري -الإيراين.
فعلى �سبيل املثال� ،أتت الزيارة املهمة للعاهل ال�سعودي �إىل دم�شق (منت�ص���ف ت�شري���ن الأول� /أكتوب���ر املا�ض���ي) ولقاءه م���ع الرئي�س ال�سوري ب�ش���ار الأ�سد يف �سياق الرغبة احلثيث���ة لإعادة �سورية �إىل الف�ض���اء العربي ،كما �أن الت�سهي�ل�ات املتناهية التي و ّفرها االتفاق احل���دودي الأخري بني �أنقرة ودم�شق ،من �ش�أنه���ا جعل تركيا بوابة �سوري���ة �إىل �أوروب���ا والعامل ،ما يعن���ي خرق حم���اوالت العزل التي ميار�سها الغرب �ضد �سورية جراء حتالفها مع �إيران. ورغ���م هذا ،ال يب���دو ،حت���ى الآن� ،أن ثمة نتيجة جلمل���ة امل�ساعي الغربي���ة والإقليمي���ة بخ�صو�ص تفكي���ك احللف ال�س���وري الإيراين القائ���م� ،إذ ال ي���زال احلليف���ان ي�ش���ددان عل���ى ثب���ات العالق���ات الإ�سرتاتيجية القائمة بينهما ويفعالن ما بو�سعهما لتكري�س ال�صورة االعتيادي���ة التي يت�صف بها التحالف ال�سوري – الإيراين باعتباره �أحد املعامل الأ�سا�سية ل�سيا�س���ات ال�شرق الأو�سط ،ولت�أكيد �أن هذا التحال���ف م���ا زال ناجح ًا ومثمر ًا منذ ت�أ�سي�س���ه قبل �أكرث من ت�سعة وع�شري���ن عام ًا ،و�أن امل�سار الراهن للعالقات ال�سورية الإيرانية ما يزال را�سخ ًا وقوي ًا مل يتغري ،وغري قابل يف الوقت الراهن لأن ي�شهد حتو ًال جوهري ًا. 68
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
معاذ الأ�شهبي
لعبة �س��ورية يف التحركات الغربية يف �سبيل ف�صل �سورية عن �إيران وتفكي���ك حتالفهما ،ثمة ت�س���ا�ؤالت مفتوحة عن �إمكانية جناح الغرب يف هذا الف�صل من خالل معادلة غري ناجزة ،تلبي ما حتتاجه �سورية من فر�ص اقت�صادية بديلة و�شرعية �سيا�سية �أكرب، وحتق���ق احلاجات الأمريكية املعلنة جلهة مواجهة �إيران والتطرف الإ�سالم���ي والقي���ام ،بالت���ايل ،بتح���رك ا�ستباق���ي �ض���د الأرا�ضي الإيرانية! لك���ن امل�س�ألة لي�ست بهذه الب�ساطة ،وال ميكنها �أن تتم وفق معادلة تبجح���ة تنزع عن ال�سيا�س���ة ال�سورية كل �أهمي���ة ومغزى� .صحيح ُم ِّ �أن التحال���ف ال�س���وري الإيراين هو يف املح�صل���ة ت�شكيل جلملة من العالق���ات الثنائي���ة القائمة ب�ي�ن الدولت�ي�ن ،لكنها حم�صل���ة ت ُِخل بالتف�صي�ل�ات املهم���ة ،كم���ا �أن �إرها�ص���ات ه���ذه العالق���ات والتي ن�صها؛ لأنها جعلتها عن�صر ًا �أ�سا�سي ًا يف �سيا�سات املنطقة �أكرب من ّ مرتبطة بتاريخ وفعل ي�شكالن ال�صورة الأ�شد لإ�شكاالت املنطقة. ويف ه���ذا ال�سياق ،فقد فت���ح انت�صار الث���ورة الإ�سالمية يف �إيران ع���ام 1979الب���اب وا�سع��� ًا لوج���ود م�صال���ح م�شرتكة ب�ي�ن طهران ودم�شق ،وي�ؤرخ كثريون ت�أ�سي�س التحالف ال�سوري -الإيراين بالعام معاذ الأ�شهبي باحث وكاتب من اليمن.
1980وه���و تاريخ بداية احلرب العراقي���ة الإيرانية .غري �أن م�شهد ه���ذا التحالف جتلى بو�ضوح يف وقوف �سورية �إىل جانب �إيران �ضد الع���راق خ�ل�ال �سني احلرب ،1988 – 1980و�أي�ض��� ًا يف حتول �إيران �إىل ط���رف غري مبا�شر يف ال�صراع مع �إ�سرائيل من خالل حتالفها م���ع �سوري���ة ،ويف م ّد طه���ران ذراعها �إىل لبن���ان ومتكنها من خلق «ح���زب اهلل» ،كذلك الأمر بالن�سبة �إىل دعم «حما�س» يف فل�سطني. والواق���ع �أن �إعالن الثورة الإ�سالمية يف �إيران عن رغبتها بت�صدير �شجع ال�سيا�س���ة ال�سورية على اال�صطفاف نف�سه���ا �إىل دول اجلوار ّ �إىل جان���ب الإيرانيني يف احلرب بني �إي���ران والعراق بحجة تهدئة العداء بني الدول العربية و�إيران. والآن �أي�ض��� ًا ،كم���ا كان م���ن قب���ل ،ال توج���د �إمكاني���ة يف التقدير اال�سرتاتيج���ي ال�سوري لرتك الإيراني�ي�ن جانب ًا �أو فك حتالفهم مع طه���ران .ويفه���م ال�سوري���ون �أن اال�صطفاف �إىل جان���ب العرب لن ي�ساع���د عل���ى التخفيف من املخاطر الأمني���ة امل�سلطة على دم�شق، وال على تعزيز م�صالح �سورية الإقليمية .ورغم تباين وجهات نظر ال يبدو ،حتى الآن� ،أن ثمة نتيجة جلملة امل�ساعي الغربية والإقليمية بخ�صو�ص تفكيك احللف ال�سوري الإيراين القائم، �إذ ال يزال احلليفان ي�شددان على ثبات العالقات الإ�سرتاتيجية القائمة بينهما
(
م�صيـر التحـالــف
ال�سوري -الإيراين
)
املمانعة
والتفـكيك كل م���ن �سوري���ة و�إيران حول الكث�ي�ر من امل�سائ���ل� ،إال �إنهما كانتا عل���ى اتفاق على امل�س�ألة الأهم وه���ي �أن الوجود الع�سكري الغربي والأمريك���ي ،خ�صو�ص ًا يف اخلليج ويف الع���راق ،يهدد م�صاحلهما كاف لهما لتمتني دعائ���م التحالف الإ�سرتاتيجي���ة ،وه���ذا �سب���ب ٍ القائم بينهما. ويف الوق���ت نف�س���ه ،يحر�ص ال�سوري���ون على ا�ستخ���دام دورهم املحوري مبهارة لال�ستف���ادة ب�أق�صى درجة ممكنة من الإيرانيني والعرب .وقد �ساهمت �إ�سرتاتيجية �سورية يف التعامل مع حميطها، �س���واء العربي �أو غري العرب���ي ،يف تعزيز موقفه���ا الإقليمي و�سط عزل���ة �أوروبية و�أمريكية .ويف ظل الن�ش���اط املحموم الطاغي على املنطق���ة ،ا�ستطاعت �سوري���ة تعظيم قوتها من خ�ل�ال انخراطها يف لعبة مزدوجة ب�ي�ن الطرفني؛ فهي من جهة متنح �إيران فر�صة ممار�س���ة نفوذ ميتد م���ن �سورية �إىل الأرا�ض���ي الفل�سطينية حتت �سلطة «حما�س» التي تعترب حليف ل�سورية و�إيران .ومن جهة �أخرى تعت�ب�ر �سورية نف�سها ،وهي املرتعة بالطوائ���ف الدينية والعرقيات املختلف���ة ،العب ًا �أ�سا�سي ًا �ضمن اجله���ود ال�سنية الرامية �إىل احلد من مت���دد النفوذ ال�شيعي يف املنطقة ،وق���د �ساعدها هذا التوجه على اجتذاب اال�ستثم���ارات العربية من اخلليج وحت�سني �صورتها لدى جريانها العرب. �س��ورية كلعب��ة رغ���م ت�شدي���د ال�سوريني عل���ى عالقاتهم الوثيقة جد ًا ب�إيران� ،إال �أنهم يدركون �أن هذه العالقات لي�ست بال ح���دود ،ويفهمون �أي�ض ًا �أنه ال يوج���د يف ال�سيا�سة �أ�صدقاء دائمون �أو �أعداء دائمون ،و�إمنا م�صالح دائمة. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
69 2009
املراقب اال�سرتاتيجي وم���ا ي�ؤكد �أن العالقات بني �سورية و�إي���ران هي عالقات م�صلحة، و�أن الظ���روف الت���ي م��� ّر به���ا كال البلدين ه���ي الت���ي �أدت ايل هذا التحال���ف� ،أن �إي���رانً ، مث�ل�ا ،مل تق���م مب�شاركة �سوري���ة يف املعرفة النووية الت���ي متتلكها �أو يف تكنولوجيا ال�صواري���خ املتطورة .كما �أن العالقات بينهما مل ت�سر على منط واحد؛ ففي البداية كانت �سورية هي التي تقدم الدعم ال�سيا�سي لإيران ولها اليد الطوىل يف العالقة، �أم���ا الآن ف�إيران هي التي لها اليد الط���وىل يف دعم �سورية ،ال�سيما يف �ضوء الق���وة الإيرانية املت�صاعدة والعزل الدويل والإقليمي الذي تعر�ض���ت له �سوري���ة .وب�سبب �ضعف هذه الأخ�ي�رة وكثافة ال�ضغوط عليها� ،أخذت العالقات مع �إيران ت�أخذ منحى خمتلف ًا يف غري �صالح �سوري���ة ،وبات���ت دم�ش���ق تريد من حتالفه���ا مع �إيران حماي���ة �أمنها املهدد من العراق حيث ترابط القوات الأمريكية� ،أو من لبنان حيث �أُجبرِ ت على �سحب جي�شها من هناك. ويف ه���ذا الإط���ار ،ي���رى كث�ي�رون �أن �سورية التي حو�ص���رت عربي ًا ودولي ًا وجدت خمرج ًا له���ا �أ�سماه ال�سوريون «عالقات �إ�سرتاتيجية» مع �إيران ،و�أن ما يفعل���ه ال�سوريون جمرد ا�ستقواء ب�إيران �أكرث منه حتالف ًا معها .وال�شاهد �أن العالقات االقت�صادية بني الدولتني لي�ست مغري���ة كثري ًا ل�سورية؛ فاال�ستثم���ارات الإيرانية يف �سورية ال تتجاوز املليار دوالر ،وامليزان التجاري ال�سوري الإيراين عاجز ب�شكل فا�ضح ل�صالح �إي���ران التي تزيد قيمة �صادراتها �إيل �سورية ع�شرين �ضعف ًا من م�ستورداتها منها ،كما �أن العالقات الع�سكرية بينهما متوا�ضعة. ولأن �إيران من الدول القالئل التي تنت�صر ل�سورية وتدعمها وتت�شاور معه���ا ،مل يكن على ال�سوري�ي�ن �سوى احلفاظ عل���ى عالقاتهم معها والت�أكيد على �أنها عالقات �إ�سرتاتيجية. لك���ن هذا ال يعني �أن م�سار العالقات ال�سورية – الإيرانية ال ميكن �أن يتغ�ّي�ررّ .وعلى خلفية التحوالت التي ت�شهدها املنطقة حالي ًا� ،صار ممكن��� ًا احلدي���ث بحذر ع���ن ح�صول انق�س���ام �سوري – �إي���راين �أو فق���دان حتالف الدولتني قيمته و�أهميته م���ن ناحيتني :الأوىل ظهور ب���وادر خالف بينهم���ا يف ملفات ع���دة �أبرزها الع���راق والعالقة مع �أمريكا و�إ�سرائيل ،والثانية �سعي �سورية لتقوية مكانتها والبحث عن �أفق �سيا�سي و�إقليمي �أو�سع. واحلقيق���ة �أن املرتك���ز الفعل���ي لأي دور رئي�س���ي يف عملية تفكيك التحال���ف ال�سوري – الإيراين يقوم عل���ى متغريين �أ�سا�سيني :الأول وه���و املتعل���ق مبل���ف التفاو�ض ب�ي�ن �سوري���ة و�إ�سرائي���ل ،وخ�صو�ص ًا بعدم���ا با�ش���رت دم�ش���ق وتل �أبي���ب مفاو�ض���ات غري مبا�ش���رة ذات �صيغة جغرافية برعاية تركية كان���ت ورقة التفاو�ض الأ�سا�سية فيها مرتفع���ات اجلوالن ولي�س �شيئ ًا �آخر ،ويف ه���ذا ي�صر ال�سوريون على عملية �سالم حم���ددة وممرحلة وحتت �إ�شراف دويل على نحو مينع حتوله���ا �إىل جمرد تفاو����ض هالمي بال مالم���ح يحرجهم يف حالة ق���ررت وا�شنطن وتل �أبيب توجيه �ضربة ع�سكرية لإيران� .أما املتغري 70
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
فـي ب�ؤرة االهتمام ال تك��ف التوازن��ات الإ�س�تراتيجية يف ال�ش��رق الأو�س��ط ع��ن التغري ،وتفكيك التحالف ال�س��وري – الإيراين �س��يغري بالت�أكيد من وجه املنطقة وب�ش��كل م�ض��اعف ،غ�ير �أن فك ه��ذا التحالف لي�س �س��ه ً ال يف الوق��ت الراه��ن ،وكي يحدث ف�إنه يتطلب �ش��يئني ال ثال��ث لهما� :إما �أن تبا�ش��ر الوالي��ات املتحدة حتو ً ال جوهري ًا ل�سيا�س��تها يف ال�ش��رق الأو�سط� ،أو �أن تتغري �سورية من الداخل
الث���اين فهي املفا�ضلة الراجحة التي يقيمه���ا ال�سوريون يف ت�سا�ؤلهم امل�شروع عن االمتيازات التي �سيح�صلون عليها من الواليات املتحدة واالحتاد الأوروبي مقاب���ل تخليهم عن طهران .ومن املفيد الإ�شارة هن���ا �إىل �أن���ه يف توقيع دم�ش���ق واالحتاد الأوروب���ي منت�صف ت�شرين الأول� /أكتوب���ر الفائت عل���ى اتفاق ال�شراكة ال�سوري���ة – الأوروبية، ينته���ز ال�سوريون باب��� ًا م�شرع ًا �أتاح���ه االتفاق الذي يعي���د املنا�شط االقت�صادي���ة الأوربي���ة �إىل م���ا كان���ت عليه قبل جتميده���ا منذ نحو خم�س �سنوات ،وبه يبد�أ الغرب خطوات جديدة يف ا�ستقطاب �سورية واحلد من �سطوة الهيمنة الإيرانية عليها. وختام��� ًا ،ال تكف التوازنات الإ�سرتاتيجي���ة يف ال�شرق الأو�سط عن التغ�ي�ر ،وتفكيك التحالف ال�سوري – الإي���راين �سيغري بالت�أكيد من وجه املنطقة وب�شكل م�ضاعف ،غري �أن فك هذا التحالف لي�س �سه ًال يف الوق���ت الراهن ،وكي يحدث ف�إنه يتطل���ب ،يف تقديرنا� ،شيئني ال ثالث لهما� :إما �أن تبا�شر الواليات املتحدة حتو ًال جوهري ًا ل�سيا�ستها يف ال�شرق الأو�سط� ،أو �أن تتغري �سورية من الداخل.
قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�صاد وال�ش�ؤون اجلارية
هل ينجح الرهان الأمريكي على ال�صوفية؟
عمار علي ح�سن
املخا�ض ال�صعب للعملة اخلليجية املوحدة
�أحمد �أحمد مطهر
ملاذا مل تكن القومية العربية ليربالية؟
�أحمد عبدالكرمي �سيف ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية
العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
71 2009
فـي ب�ؤرة االهتمام
العملة اخلليجية املوحدة وخما�ضها ال�صعب يف ظل الأزمة املالية العاملية ،والتي ع�صفت باالقت�صاديات العاملية الكربى وطالت �آثارها جميع دول العامل �سواء ب�شكل مبا�شر �أو غري مبا�شر� ،سعت الكثري من هذه الدول �إىل �إيجاد حلول �سريعة وناجعة لعلها ت�ساعد يف ت�ضميد جراح ما �أحدثته الأزمة ،وخا�صة يف هذه املرحلة التي ينظر �إليها على نطاق وا�سع باعتبارها �أهم مراحل الأزمة املالية و�أكرثها خطورة. �أحمد �أحمد مطهر ويف ه���ذا الإط���ار ،اكت�سبت فكرة االندم���اج والتكام���ل اقت�صادي ًا طابع ًا ملح ًا بو�صفها �إح���دى احللول املطروحة بقوة لإنقاذ االقت�صاد العامل���ي ،ل���ذا اجتهت الكث�ي�ر من ال�ش���ركات العمالقة و�أ�س���واق املال العاملي���ة يف الف�ت�رة الأخ�ي�رة �إىل الأخذ بهذا النهج لت�ل�ايف انهيارها ج��� ّراء الكارثة املالية .ومل تكن دول جمل����س التعاون اخلليجي مبن�أى ع���ن فكرة االندم���اج والتكام���ل االقت�صاديني بطبيعة احل���ال ،وحتى يتبلور ذلك ب�صورة وا�ضحة ،فقد ا�ست�شعر القادة اخلليجيون �ضرورة امل�ض���ي يف م�شروعه���م الق���دمي اخلا����ص ب�إ�ص���دار العمل���ة اخلليجية املوحدة ،وحددوا لهذه اخلطوة �إطار ًا زمني ًا يبد�أ العام املقبل .2010 واملع���روف �أن فك���رة �إ�صدار عمل���ة خليجية موح���دة لي�ست وليدة اللحظة �أو نتاج للأزمة املالية الأخرية ،ولكن �أهمية الإ�سراع با�ستكمال �إج���راءات �إ�صدار هذه العملة ظهرت على ال�سطح بقوة نتيجة للك�ساد ال���ذي �أ�صاب العامل و�أدى �إىل حدوث تدهور يف �أ�سعار النفط ب�صورة مفزع���ة ،مما �أثر ب�شكل كبري يف معظ���م االقت�صادات اخلليجية التي تعتمد ب�شكل �أ�سا�سي على العائدات النفطية. متت���د جذور فك���رة �إ�ص���دار عملة خليجي���ة موحدة ل���دول جمل�س التع���اون اخلليج���ي �إىل الف�ت�رة نف�سها الت���ي �شهدت ن�ش����أة املجل�س؛ فقد �أ�شارت الوثيقتان الرئي�سيت���ان للمجل�س ،وهما النظام الأ�سا�سي واالتفاقي���ة االقت�صادية املوحدة لع���ام � ،1981إىل اخلطوط العري�ضة واملعامل الأ�سا�سية والعامة لربنامج تعاون وتكامل اقت�صاديني تنخرط في���ه دول اخللي���ج العربية املن�ضوي���ة يف املجل�س ،مب���ا يف ذلك العمل عل���ى توحيد العملة لتك���ون متممة للتكامل االقت�ص���ادي املن�شود .وقد واف���ق املجل�س الأعل���ى يف كانون الأول/دي�سم�ب�ر 2001على الربنامج 72
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
الزمن���ي لإقام���ة احتاد نقدي خليج���ي ،والذي يق�ض���ي بجعل الدوالر الأمريك���ي ُمثبت��� ًا م�ش�ت�رك ًا لعمالت دول جمل����س التعاون قب���ل نهاية .2002كم���ا يق�ضي الربنام���ج ب�أن تتفق الدول الأع�ض���اء على معايري تق���ارب الأداء االقت�صادي ذات العالق���ة باال�ستقرار املايل والنقدي، وه���ي املعايري الالزمة لنجاح االحتاد النقدي قبل نهاية ،2005وذلك متهي���د ًا لإط�ل�اق العملة يف موعد ال يتج���اوز الأول من كانون الثاين/ يناير .2010 �إن حتقيق الوحدة النقدية بني دول اخلليج العربية و�إ�صدار العملة اخلليجي���ة املوحدة لي����س بالأمر اله�ّي،نّ ،و�إن كان يف ذات الوقت غري م�ستحيل .ف�إذا �أخذنا التجربة الأوروبية بعني االعتبار ،ف�إننا جند �أن دول املجموع���ة الأوروبية قد �أم�ض���ت نحو ن�صف قرن منذ بزوغ فكرة االحتاد الأوروبي عام � ،1946إىل �أن متخ�ضت معاهدة “ما�سرتخت” وظه���رت �إىل الوجود ،وهي املعاهدة الت���ي و�ضعت الإطار العام لقيام الوح���دة النقدية الأوروبية وح���ددت مراحل الو�صول �إىل �صدور عملة موح���دة وذل���ك مببارك���ة 15دول���ة �أوروبية ،وم���ن ّثم دخوله���ا – �أي املعاه���دة -ح ّيز التنفي���ذ يف ت�شرين الثاين/نوفم�ب�ر � 1993إىل حني البدء بطرح عملة اليورو يف الأ�سواق يف كانون الثاين/يناير .2002 لقد قطعت دول االحتاد الأوروبي �أ�شواط ًا ومراحل عدة متكنت من خالله���ا الإيفاء ب�إلتزامات الوحدة النقدية وحتقيق املعايري امل�شرتكة له���ذه الوح���دة� ،إىل �أن و�صل الي���ورو �إىل يد مواطن���ي االحتاد بعد �أن كان جمرد فكرة وحلم يراود خاطرهم؛ فهل من املمكن – يف املقابل �أن ت�صب���ح الفكرة واحللم الذي ظل ي���راود املواطن اخلليجي منذت�أ�سي�س جمل�س التعاون ل���دول اخلليج العربية ،بتتويج عملية التكامل �أحمد �أحمد مطهر كاتب من اليمن.
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
73 2009
فـي ب�ؤرة االهتمام االقت�ص���ادي ب�ي�ن دول املجل����س ،و�إ�ص���دار العملة اخلليجي���ة املوحدة يف موعده���ا ،حلم��� ًا ممك���ن التحقيق كم���ا ح�صل يف جترب���ة االحتاد الأوروبي .واحلقيقة �أن الإجابة على هذا ال�س�ؤال لي�س �أمر ًا �سه ًال� ،إال �أن الظروف االقت�صادية املت�شابهة بني دول جمل�س التعاون اخلليجي، بالإ�ضاف���ة �إىل امت�ل�اك دول املجل�س ،بعك�س ما ه���و عليه الو�ضع لدى دول االحت���اد الأوروبي ،مقومات مهمة مث���ل التاريخ امل�شرتك والدين واللغة والعادات قد ت�ساعد يف اخت�صار الوقت وحتقيق عملية التكامل االقت�ص���ادي ،الت���ي �ستت���وج ب�إ�ص���دار العملة اخلليجي���ة املوحدة على اعتب���ار �أن �إ�صدار العملة املوح���دة يعد �أعلى مراح���ل عملية التكامل االقت�ص���ادي بني الدول ،وذلك جت�سي���د ًا لرغبة دول املجل�س يف زيادة التعاون والتكامل بينها ،وال�سعي الدءوب ملوا�صلة العمل نحو ا�ستكمال �إقام���ة هذا التكامل االقت�صادي �أ�سوة بالتكتالت االقت�صادية العاملية كاالحتاد الأوروبي مث ًال. ويف هذا ال�سياق ،ت�شري درا�سة �أعدها �صندوق النقد الدويل �إىل �أن �أي �سلبيات حمتملة للعمل���ة املوحدة يف دول جمل�س التعاون اخلليجي �ستك���ون �أقل �ش�أن ًا مما هي عليه يف التجمعات الأقليمية الأخرى ،مثل منطقة اليورو وغريها ،وذلك لأن دول املجل�س مل تلج�أ يف املا�ضي �إىل تعدي���ل ترتيبات �أ�سعار �صرف عمالته���ا �إال يف القليل النادر ،ما يعني �ض�آل���ة احتمال ا�ستخدامها لهذا املخ���رج يف ظل الظروف الت�ضخمية املختلف���ة �أو لأي �سبب �آخر� .إ�ضاف���ة �إىل �أن الت�شابه بني االقت�صادات اخلليجية بنيوي ًا ،من حيث اعتمادها ب�صورة كبرية على ال�صادارات النفطي���ة� ،سيجعل من �أي �صدم���ة م�ستقبلية حمتملة ،تطاول كل دول املجل�س ولي�س دولة بعينها. عل���ى �أنه ،وبالرغم من ذلك ،ف�إن االلتزامات والرتتيبات الالزمة لإ�ص���دار عملة موحدة كثرية وتت�سم ببع�ض املعوقات التي يتوجب على كل دول���ة من ال���دول الأع�ضاء الوفاء بها ،ومن �أب���رز هذه الإلتزامات ر�سم حد �أق�صى للت�ضخم على �أن ال يتجاوز %2فوق متو�سط معدالت الت�ضخم يف كل دولة من دول جمل�س التعاون اخلليجي ،ووجود هام�ش م�ش�ت�رك ملع���دالت الفائدة بحيث ال تتج���اوز �أ�سع���ار الفائدة ق�صرية الأجل %2فوق متو�سط �أدنى ثالثة معدالت يف كل دولة ،ون�سبة عامة للدين احلكومي من الناجت املحلي على �أن ال تتجاوز ن�سبة الدين العام %60م���ن الن���اجت املحلي الإجم���ايل للحكومة العام���ة و %70للحكومة املركزي���ة ،كم���ا يج���ب �أن يغط���ي احتياطي النق���د الأجنب���ي واردات الب�ضائ���ع لأربع���ة �أ�شهر على الأقل ،وال يج���ب �أن يتجاوز العجز املايل عج���ز املوازنة ل�سنة %3من الناجت املحلي الإجمايل .كما يجب �إقرار م�صرف مركزي ونظ���ام م�صريف ومايل موحدين قبل �إ�صدار العملة املوحدة ،وهذا -يف ت�صوري -قد يتطلب مزيد ًا من الوقت خا�صة �أنه مل يبق �سوى �أ�شهر قليلة حلني املوعد املقرر لإ�صدار العملة اخلليجية املوحدة ،واملحدد بالأول من �شهر كانون الثاين/يناير .2010 فهن���اك تباين وا�ضح بني دول جمل�س التع���اون �إزاء مدى الإلتزام به���ذه املعايري ،خ�صو�ص ًا فيما يتعلق بن�سبة الت�ضخم و�أ�سعار الفائدة. وق���د �أك���د الأم�ي�ن الع���ام امل�ساع���د لل�ش����ؤون االقت�صادي���ة يف جمل�س التعاون اخلليج���ي ،حممد املزروعي�“ ،أن معي���ار الت�ضخم �س ُيح�سب 74
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
انطالق��� ًا من متو�سط امل�ستويات الت���ي �سيكون عليها هذا الت�ضخم يف وق���ت �إطالق الوحدة النقدية� ،س���واء كانت هذه امل�ستويات مرتفعة �أو منخف�ضة مع هام�ش �إرتفاع وانخفا�ض” ،مو�ضح ًا �أن “الدول البعيدة عن ه���ذا املعيار �ستك���ون مطالبة بب���ذل اجلهود و�إج���راءات �إ�ضافية خلف����ض الت�ضخم” .وقد ذكر رئي�س م�ؤ�س�سة النقد ال�سعودية ،حممد اجلا�سر ،يف وقت �سابق من هذا العام � 2009أن جمل�س النقد اخلليجي ُراجع الدول �سينطلق يف موعده مطلع العام املقبل ،مبدي ًا متنياته �أن ت ِ التي رف�ضت االن�ضمام �إىل العملة اخلليجية املوحدة موقفها. وكانت �سلطنة عمان قد �أعلنت �أنها لن تن�ضم �إىل العملة اخلليجية املوحدة“ ،لأن اقت�صادها غري م�ستعد بعد” ملثل هذه اخلطوة كما قال امل�سئولون العمانيون .ويف وقت �سابق من هذا العام� ،أعلنت الإمارات العربي���ة املتحدة ان�سحابها من اتفاق الوحدة النقدية ،احتجاج ًا على قرار جعل العا�صمة ال�سعودية الريا�ض مقر ًا للبنك املركزي اخلليجي املقرتح� ،إذ كانت الإمارات ترغب يف �أن تكون هي من ي�ست�ضيف مقر البنك. ّ ويف �ض���وء ه���ذه املواقف ،توق���ع م�ص���در خليجي �أال تك���ون هناك عمل���ة خليجية موح���دة قبل �سنوات ،و�إن بد�أ جمل����س النقد اخلليجي عمل���ه يف كانون الثاين/يناير املقبل .وكانت الكويت وال�سعودية وقطر والبحري���ن اتفق���ت يف حزيران/يوني���و املا�ضي على ت�شكي���ل املجل�س النقدي للإعداد لإ�ص���دار العملة اخلليجية املوحدة .ويجمع كثري من املراقبني يف املنطقة على �أنه حتى لو ت�شكل املجل�س النقدي يف املوعد املقرر ف����إن التفا�صيل التقني���ة وو�ضع االج���راءات واللوائح �سيتطلب وقت��� ًا طوي ًال .كما �أنه من غري الوا�ضح حتى الآن �إن كان جمل�س النقد �سيعم���ل بال���دول الأرب���ع �أم �ستُم ّثل فيه �أي�ض��� ًا الدولت���ان املن�سحبتان م���ن العملة املوح���دة� ،أو كيف �سيكون عمله ،وطريق���ة الت�صويت على قراراته. وهذا الو�ضع ق���د يدعونا للت�شا�ؤم بخ�صو�ص �إمكانية �إ�صدار عملة خليجي���ة موحدة يف موعده���ا املقرر (الأول من كان���ون الثاين/يناير رجحت م�صادر خليجي���ة �أن يكون عام 2015هو املوعد ،)2010وق���د ّ اجلدي���د لإطالق العمل���ة اخلليجية املوحدة .ويف ه���ذا ال�سياق� ،أ�شار الدكت���ور حمد التويجري ،رئي�س ق�سم االقت�صاد بجامعة امللك �سعود، �إىل “�أن �إتفاقية االحتاد اجلمركي اخلليجي �أخذت �أكرث من � 25سنة حت���ى مت �إقرارها ،وهي يف الواق���ع ب�سيطة باملقارنة مع م�شروع العملة اخلليجي���ة املوحدة ،التي كان ق���رار �إطالقها يف العام 2010متفائ ًال، غري �أن الأمر الواقع يوكد �صعوبة تطبيقها يف الوقت نف�سه”. وجتدر الإ�ش���ارة هنا �إىل �أنه من �أب���رز ال�صعوبات واملعوقات التي تواجهه���ا دول املجل�س تتمثل يف حج���م النفوذ على ال�سيا�سة النقدية، التي �ستكون دول املنطقة م�ستعدة للتنازل عنه ل�صالح “بنك مركزي م�شرتك” ،وهذه احلالة تُعرف عند دار�سي العلوم ال�سيا�سية مبرحلة “اخرتاق خط ال�سيادة” ،وتعد من �أهم املراحل امل�ؤدية �إىل وحدة �أعم و�أ�شمل ،وهي خطوة الزم���ة �إذا ما �أراد القادة اخلليجيون وحدة اقت�صادي���ة حقيقية بني الدول الأع�ضاء .فعل���ى �سبيل املثال� ،أ�ضحت العمل���ة الأوروبية املوح���دة مناف�س ًا قوي��� ًا للدوالر الأمريك���ي ،ومل ت�ؤ ِّد
�إىل انتقا����ص �أي م���ن �سيادة ال���دول القومية الأوروبي���ة ،لذا البد من التنازل عن حجم النفوذ على ال�سيا�سة النقدية ل�صالح بنك مركزي م�شرتك ،وهذه اخلطوة مهمة وال مت ّثل ،يف النتيجة ،انتقا�ص ًا �أو تناز ًال ع���ن �سي���ادة �أي م���ن دول الأع�ضاء بل عل���ى العك�س من ذل���ك ،ف�إنها �ست�ص���ب يف �صالح توحيد ال�سيا�س���ات النقدية اخلليجية حتى تتمكن دول املجل�س من �إ�صدار عملة موحدة. واحل���ال �أن �إ�ص���دار العملة اخلليجي���ة املوحدة �سيع ّم���ق الروابط االقت�صادي���ة م���ع االحت���اد الأوروب���ي وغ�ي�ره م���ن التكت�ل�ات والقوى االقت�صادي���ة ،و�سيعزز موق���ع دول جمل�س التع���اون التفاو�ضي ب�شكل كب�ي�ر ،خ�صو�ص ًا مع االحت���اد الأوروبي الذي طاملا ت���ذرع بعدم وجود عملة خليجية موحدة متكنه م���ن تخفي�ض اجلمارك على ال�صادرات اخلليجي���ة ل���دول االحتاد الأوروب���ي� ،إذ متثل �ص���ادارات دول اخلليج ل���دول االحتاد الأوروب���ي ما ن�سبت���ه %20من �إجمايل �ص���ادرات دول اخللي���ج .لذا ف�إن �إ�ص���دار عملة خليجية موح���دة �سي�ساهم يف تعزيز التوج���ه الراه���ن نح���و تو�سي���ع القاع���دة االقت�صادي���ة ل���دول جمل�س ّ التعاون اخلليجي ،واحلد من االعتماد الكلي على العائدات النفطية، �إىل جان���ب خف����ض تكالي���ف املعامالت املالي���ة والتجاري���ة لل�شركات تو�س���ع يف حركة وامل�ؤ�س�س���ات بدرج���ة كبرية مم���ا ي����ؤدي �إىل حدوث ّ املبادالت التجارية املالية. وم���ن املهم الإ�شارة هنا �إىل �أن دول جمل�س التعاون اخلليجي تنتج حالي��� ًا �أكرث من خم�س �إجمايل االحتياطي العاملي من النفط ،ومتتلك نحو خم�س���ي االحتياطي العاملي من النفط ،ف����إذا قررت دول جمل�س التع���اون ت�سعري النف���ط بالعملة اجلديدة ف�إن امل�ص���ارف املركزية يف ال���دول الأخ���رى �ستقوم باالحتف���اظ باحتياطياته���ا بالعملة اجلديدة لتغطية تكاليف م�شرتياتها م���ن النفط ،وبالتايل �سي�ؤدي الطلب على العمل���ة اجلديدة من ال���دول خارج نطاق املجل����س �إىل توفري عائدات م���ن �صك العملة ،وهذه اخلطوة �ست����ؤدي �إىل تقوية العملة و�ستجعلها عمل���ة �آمنة للدول الأخرى و�سيت���م ا�ستخدامها كمثبت لأ�سعار �صرف عمالته���ا .وم���ن املفي���د هن���ا التنوي���ه �إىل �أن ت�سعري النف���ط بالعملة اخلليجي���ة املوح���دة واعتمادها كغط���اء عو�ض ًا عن ال���دوالر� ،سيعزز موق���ف دول اخلليج التفاو�ضي ويجع���ل �سيا�ستها النقدية م�ستقلة عن الظ���روف التي مير بها االقت�ص���اد الأمريكي .ففي الوقت احلايل ،ما زال���ت �أ�سع���ار النفط مرهونة مبدى خف�ض �أو رف���ع �سعر الفائدة لدى االحتياطي الفدرايل الأمريكي ،لذا ف�إن حتقيق مزيد من اال�ستقالل يف جم���ال �سع���ر ال�ص���رف ل���دول املجل�س �سيتي���ح لها خي���ارات �أكرب التخاذ قراراتها امل�ستقبلية ب�ش�أن �سيا�ستها االقت�صادية دون اخل�ضوع للظروف االقت�صادية الأمريكية كما هو حا�صل الآن. وثم���ة مي���زة �أخرى ق���د ت�ض���اف للعمل���ة اخلليجي���ة املوحدة حني �إطالقه���ا ،تتمثل يف �إمكانية تقدميها كعملة �إ�سالمية ذات وزن ،وهذا الأمر قد يجعل امل�ص���ارف املركزية يف الدول الإ�سالمية مثل ماليزيا وباك�ستان و�أندوني�سيا تتوجه �إىل االحتفاظ مبا تعتربه عملة �إ�سالمية مقبول���ة �ضم���ن احتياطياته���ا ،مما يزي���د يف النهاية من ق���وة العملة اخلليجية املوحدة.
ت�سعري النفط بالعملة اخلليجية املوحدة واعتمادها كغطاء عو�ض ًا عن الدوالر� ،سيعزز موقف دول اخلليج التفاو�ضي ويجعل �سيا�ستها النقدية م�ستقلة عن الظروف التي مير بها االقت�صاد الأمريكي �إن �إط�ل�اق العملة اخلليجية املوحدة وحتقي���ق احللم الذي �أ�صبح يعان���ق ال�سماء اخلليجية والعربية� ،سي�سهم يف �إنعا�ش منطقة اخلليج اقت�صادي��� ًا ،و�ستنعك����س الآثار �إيجاب��� ًا على اليمن الت���ي تعترب نف�سها ج���زء ًا ال يتجز�أ م���ن دول املنطقة ،حي���ث متثل العم���ق الإ�سرتاتيجي والب�شري لدول جمل�س التعاون اخلليجي .غري �أن ال�س�ؤال الذي يفر�ض نف�سه بق���وة هنا ،هو :هل �سي�ساعد �إط�ل�اق العملة اخلليجية املوحدة لو فر�ضنا جناحها يف �إنعا����ش املنطقة اقت�صادي ًا وتو�سيع التجاريةالبيني���ة بني دول املنطق���ة – على تقارب امل�سافات -اقت�صادي ًا -بني دول جمل����س التع���اون اخلليجي واليمن� ،أم �أنه �سي����ؤدي �إىل تباعدها �أكرث ف�أكرث؟ م���ن املع���روف �أن التق���ارب يف الظ���روف االقت�صادي���ة ه���و الذي يدعم عملي���ة االندماج و ُي�س ّهل عملية الو�ص���ول �إىل تكامل اقت�صادي بغ�ض النظ���ر عن مدى ت�شابه �أو اختالف �أنظم���ة احلكم فيما بينها. غ�ي�ر �أن و�ضع اليم���ن االقت�صادي يف الوقت الراه���ن �صعب جد ًا ،وال ي�ؤهله���ا لعملية االن�ضمام ملجل�س التعاون اخلليجي قبل �إ�صدار العملة اخلليجية املوحدة ،فما بالك بعد �إ�صدارها وجناحها .فتطور تكاملي مهم كهذا قد يقود �إىل زي���ادة الفجوة االقت�صادية ب�شكل خميف بني اليم���ن ودول جمل����س التعاون اخلليج���ي ،خا�ص���ة �أن �إنتعا�ش املنطقة اقت�صادي ًا يف ظل وج���ود عملة خليجية موحدة �سيعود -يف معظمه - ل�صالح دول املجل�س �أكرث منه ل�صالح دول اجلوار الأخرى. �صحي���ح �أن اليمن تب���دو -نظري ًا عل���ى الأقل -الأق���رب �إىل دول املجل����س ،لك���ن اليم���ن بحاج���ة �إىل برنام���ج ت�أهي���ل ُيعن���ى بت�أهيلها اقت�صادي��� ًا لتحقيق تق���ارب فعلي مع دول جمل�س التع���اون اخلليجي. واحلقيق���ة �أن جدية قادة املجل�س بخ�صو����ص ت�أهيل اليمن اقت�صادي ًا �ست�سه���م يف �س ّد الفج���وة االقت�صادية احلالية ب�ي�ن االقت�صاد اليمني واالقت�ص���ادات اخلليجية ،كما �ست�ساعد عل���ى تقوية العملة اخلليجية ً عاج�ل�ا �أو �آج ًال ،وذلك ملا متتلكه اليمن من املوح���دة املزمع �إطالقها مقومات ال متتلكها دول منطقة اخلليج. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
75 2009
الرهان الأمريكي على ال�صوفية
�صناعة «امل�سلم امل�ست�أن�س»
فـي ب�ؤرة االهتمام
هناك من توقعوا تراجع الطرق ال�صوفية �أو اندثارها يف امل�ستقبل ،متكئني يف ذلك �إىل �أ�سانيد ثالثة� ،أولها موجة التحديث التي تت�سرب رويد ًا رويد ًا �إىل عقل املجتمع الإ�سالمي ،والتي �ست�ضع ظاهرة تقليدية مثل الطريقة يف موقف حرج ،وثانيها ظهور وترعرع �أ�شكال �أخرى للتدين تتمثل يف جماعات �شتى تت�سطر فوق اخلريطة الإ�سالمية راحت تزاحم ال�صوفية ،تنتقدها �أحيان ًا وجتلدها �أحيان ًا وت�ضربها يف مقتل اعتقادها اخلا�ص بكرامات الأولياء والت�ضرع للأ�ضرحة، وثالثها غياب الهدف ال�سيا�سي الوا�ضح لل�صوفية بينما متتلكه القوى الإ�سالمية الأخرى ،ما جعل املت�صوفة جماعة ال يهمها تغيري املجتمع �أو االنت�صار الجتاه �سيا�سي معني و�إن كان �أفرادها يعرفون كالآخرين هموم الوطن ويت�أثرون بها. عمار علي ح�سن وه���ذا االبتعاد ع���ن ال�سيا�سة قد ي����ؤدي مع الأي���ام �إىل ان�صراف مت�س حياة النا�س ع���ن الطرق ال�صوفية بقدر ان�صرافه���ا عن ق�ضية ّ كل �إن�س���ان وهي ال�سيا�سة ،الت���ي تبد�أ باخلدمات الب�سيطة يف املجتمع املحلي ،وتت�صاع���د لت�صل �إىل م�ستوى احلكوم���ة املركزية ومنها �إىل النظام العاملي ،ما يجعل من ال�صعب على �أي فرد �أن يتجاهلها ،فهي مقتحمة ال تعرف حدود ًا وال �سدود ًا. لك���ن يبدو �أن احلقيقة ت�سري عك�س ه���ذه التوقعات ،فطوال القرن الع�شرين �سارت ال�صوفية يف اجتاه خمالف للر�سم البياين الذي ب�شر ب���ه بع�ض الباحث�ي�ن وا�ستطاعت �أن ت�ضم بني مريديه���ا بع�ض الفئات املحدث���ة ،و�أن ت�ساهم يف عملية التحديث االجتماعي .ومل ت�ؤد �أ�شكال التدي���ن الأخرى �إىل تراجع نفوذ املت�صوفة بل حدث العك�س ،فالنظم احلاكمة كان يف م�صلحته���ا دائم ًا �أن تكون ال�صوفية قوية ظاهرة يف مواجه���ة القوى الإ�سالمية املناوئة لها ول���ذا عملت طوال الوقت على �إله���اب وقودها لي�ستم���ر م�شتع ًال ،ث���م دخل الأمريكي���ون على اخلط فزادوا هذا التوجه عمق ًا ،و�أعطوه بعد ًا دولي ًا وا�سرتاتيجي ًا كبري ًا. فقب���ل �سنة تقريب ًا �أ�صدرت م�ؤ�س�سة راند الأمريكية تقرير ًا بعنوان «بناء �شبكات م�سلمة معتدلة» اعتمدت فيه ال�صوفية طريق ًا �إ�سالمي ًا يت���واءم مع امل�صالح الأمريكية ،لأنه ميك���ن �أن يكون حائط �صد �أمام اجلماع���ات والتنظيمات املتطرفة ،وج�سر ًا يفتح الإ�سالم ال�سني على الت�شي���ع ذي املرجعي���ة الواحد الت���ي� ،إن احتوته���ا وا�شنطن� ،ضمنت �سالم ًة لأمنها وحفظ��� ًا لأهدافها اال�سرتاتيجية يف بالدنا ،ف� ً ضال عن �إمكاني���ة �أن يقرب الت�صوف ،فكري ًا وتنظيمي��� ًا وحركي ًا ،بني الإ�سالم وقيم العلمانية ،قيا�س ًا �إىل التجربة الرتكية ،حيث ا�ستوعب املت�صوفة قي���م العلمانية ،وطوروا ر�ؤيتهم الدينية لتواكب الع�صر ،وتتما�شى مع النهج الدميوقراطي ،على م�ستوى القيم والإجراءات. وقب���ل خم�س �سن���وات تقريب ًا ا�ست�ضاف معه���د نيك�سون للدرا�سات
76
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
عمار علي ح�سن كاتب وباحث يف علم االجتماع ال�سيا�سي ـ م�صر.
اال�سرتاتيجي���ة م�ؤمت���ر ًا حا�ش���د ًا� ،ش���ارك في���ه مت�صوف���ة ومفك���رون �إ�سالمي���ون ينتمون �إىل خمتل���ف دول العامل الإ�سالم���ي من غانا �إىل فرغان���ة ،لبحث ه���ذه الفكرة ،التي اختم���رت يف العقل اال�سرتاتيجي الأمريك���ي بعد حدث احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب ،2001حيث بد�أ الأمريكيون ،يف �سياق حملتهم ال�شاملة على «الإرهاب» ،يدر�سون �إمكاني���ة تعمي���م «ال�صوفي���ة» بحي���ث ت�صبح ه���ي ال�ش���كل امل�ستقبلي للإ�س�ل�ام� ،أو عل���ى الأق���ل تق���وى �شوكتها عل���ى ال�ساح���ة الإ�سالمية، لتح�سم من ر�صيد اجلماع���ات والتنظيمات ال�سيا�سية املتطرفة ذات الإ�سناد الإ�سالمي ،التي �أنتجت تنظيم القاعدة وما على �شاكلته. وال تنبع الر�ؤية اال�سرتاتيجية الأمريكية هذه من فراغ ،بل تت�أ�س�س عل���ى �أمرين :الأول هو الأدوات والطرق التي اتبعتها الواليات املتحدة يف �إ�سق���اط ال�شيوعية ،والثاين هو اجلدل الذي طال بني امل�ست�شرقني ح���ول م���ا �إذا كان الت�ص���وف الإ�سالم���ي ينط���وي على حل���ول ملع�ضلة التط���رف ،وم���ا �إن كان فيه ما يقرب بني الإ�س�ل�ام والليربالية� ،أو ما ي�سه���ل مهم���ة وا�شنطن يف جتديد مناه���ج التعليم الدين���ي يف العامل الإ�سالمي. وهناك من امل�ست�شرقني من يعترب الت�صوف «قلب الإ�سالم» ،ومن ي�ؤك���د �أن «م�ستقبل العامل الإ�سالمي �سيكون حتما للتيار ال�صويف» ،بل �إن هن���اك من بني فقهاء امل�سلم�ي�ن �أنف�سهم من ي�ؤكد �أن حل م�شاكلنا احلياتية املعا�صرة يف يد الت�صوف ،وهنا يقول الداعية اليمني علي زين العابدين بن عبد الرحمن اجلف���ري امللقب باحلبيب علي« :احلقيقة �أنن���ي �أرى �أن لب الق�ضية التي تعي�شها الأمة وم�صيبتها الكربى يرجع �إىل ح���ب الدنيا وكراهية امل���وت .والذي يعالج هات�ي�ن اخل�صلتني هو عل���م الت�صوف مبعناه الراقي ولي�س الت�ص���وف الهزيل الذي ميار�سه البع����ض الي���وم .فالت�صوف الراقي ه���و الذي يعتن���ي بتطهري القلوب و�صفائه���ا ويخل�صها من حب الدنيا وكراهية املوت ويربطها باهلل عز ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
77 2009
فـي ب�ؤرة االهتمام وج���ل .فالت�صوف به���ذا املعنى هو الق���ادر على حل جمي���ع م�شكالتنا و�أزماتنا االقت�صادية واالجتماعية وال�سلوكي���ة ،لأن ه���ذا املعن���ى من الت�ص���وف ه���و ال���ذي �أخ���رج لن���ا �صالح الدين الأيوب���ي ونور الدين زنك���ي ،والذي يق���ر�أ تاريخ االثنني يجدهما نت���اج مدر�سة الت�صوف». ب���ل يذه���ب حمم���د يتي���م �إىل م���ا ه���و �أبعد م���ن ذلك حني ي���رى �أن الت�صوف هو ال���ذي يقي ال�سيا�سة من الف�ساد ،ح�ي�ن يوفر لها ثوابت نقية ،وي�سمح باجلمع بني «معانقة احلق وخمالطة اخللق»� ،أو الرباط الروحي واملمار�سة ال�سيا�سية». ورغم غلب���ة الطابع الفلكلوري فيها عل���ى العقدي �شقت ال�صوفية درب��� ًا و�سيع ًا يف تاريخ امل�سلمني ،منذ �أن كانت جمرد �شحنات عاطفية جتي����ش بها �ص���دور الزاهدي���ن� ،إىل �أن �صارت م�ؤ�س�س���ات اجتماعية ت�ت�راوح يف بع�ض الدول بني الدي���ن والفلكلور ،ويف �أخرى بني العقيدة وال�سيا�سة .لك���ن هناك فارق ًا كبري ًا بني طرق �صوفية تواكب احلداثة وتنخ���رط يف العمل العام حتى تتمكن من دفع رموزها �إىل قمة الهرم ال�سيا�س���ي كما احل���ال يف تركيا ،وطرق �صوفي���ة متاهت يف الفولكلور وباتت ظاه���رة احتفالية بع���د �أن الت�صقت بث���وب التقليدية وتكل�ست عن �إنت���اج �أي ممار�سات �سيا�سية �إيجابية �إال ما ت�ستفيد منه ال�سلطة يف تكري����س �شرعيته���ا كما الو�ضع يف م�صر ،الت���ي �إن كان ميكن على ا�ستحياء ت�صنيف طرقه���ا ال�صوفية ب�أنها �أحد روافد املجتمع الأهلي اعتم���ادا على الن�ش���اط اخلريي لبع�ضه���ا ،ف�إن م���ن ال�صعوبة مبكان الطم���وح �إىل تثويرها �أو �إنه���اء م�س�ألة ان�سحابه���ا الوا�ضح ن�سبي ًا من احلي���اة ال�سيا�سية� ،أو على الأقل تنقيتها م���ن بع�ض مظاهر اخلرافة والدج���ل التي �سقطت فيه���ا ،وبالتايل تفتقد �إىل م���ا يجعل امل�سلمون يتقبلونها طريقا متكامال نقيا للإ�سالم. فال�صوفية امل�صرية مث ًال �إن كانت قد فرزت يف ع�صور غابرة ،وملرات قليلة� ،شيوخا ناطح���وا ال�سالطني با�ستنادهم �إىل التفاف جماهريي منقطع النظري ين�ساق حول �أعمال بارا�سيكولوجية و�أ�سطورية ومنافع مادي���ة ،ف�إنها حتولت يف الوق���ت املعا�صر �إىل جمرد خ���ادم للحكام. وهي م�س�ألة ال تخطئها عني من يتابع االحتفاالت ال�صوفية وال يهملها عق���ل من يفكر يف خطاب املت�صوفة حي���ال ال�سلطة من جهة ،واحلبل ال�س���ري الذي يربط تنظيمهم ب�شقيه الإداري والروحي بجهاز الدولة الأمن���ي والديني من جه���ة ثانية� .أما يف تركيا ،فبدء ًا من جنم الدين �أرب���كان زعيم حزب الرفاه و�أحد رموز الطريق���ة النق�شبندية و�صو ًال �إىل �أح���د مريدي���ه وه���و طيب رج���ب �أردوغ���ان زعيم ح���زب العدالة والتنمية ،تغالب الطرق ال�صوفي���ة تقليديتها وت�ستغل الف�ضاء الوا�سع الذي يتيحه الفكر ال�صويف من ت�سامح واعرتاف بالآخر يف و�ضع �أطر وو�سائط �سيا�سية جتعلها متناغمة مع احلياة الدميقراطية التي تعتمد 78
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
على التعددية ،كما ت�ستخدم ما يف ال�صوفي���ة من ح�ض على الرتاحم والتما�س���ك وال�صرب عل���ى املكاره يف تعزي���ز ثقافة الإجناز ،ومن ثم ال�سري قدم ًا على درب التنمية. لك���ن الت�ص���ورات الأمريكي���ة ه���ذه ،والتي �سبق الإ�ش���ارة �إليها، تتعام���ل م���ع الت�ص���وف يف بع���ده احلرك���ي على �أ�سا�س �أنه �إما منط واح���د �إيجابي ميك���ن تعميمه� ،أو �أنه حالة جواني���ة فريدة تعلي من تقدي���ر طوي���ة الإن�س���ان وحريته، وتزي���د م���ن ت�ساحم���ه يف التعامل مع الآخري���ن ،و�إميانه بحقوق الإن�سان ،وبذل���ك ميكن ا�ستخدامه يف حماربة التطرف ،وا�ستخدامه على �أنه الإطار الديني لثقافة �سيا�سية �إ�سالمية ذات �سمت دميقراطي. �إال �أن الت�صوف ،يف حقيقة الأمر ،مل يعد حالة من الزهد والتعبد الف���ردي ،كم���ا بد�أ ،فق���د �صار م�ؤ�س�س���ات �ضخمة لها امت���داد ،عابر للق���ارات كاف���ة ،بع�ضه���ا يجته���د يف �أن يلع���ب دور ًا تنموي��� ًا و�سيا�سي ًا واجتماعي��� ًا ،وبع�ضه���ا متاهى يف الفلكل���ور ومت اختزال���ه �إىل ظاهرة احتفالي���ة ،بع�ضه���ا مت�سام���ح يف التعام���ل مع الآخري���ن ،مبا يف ذلك �أتب���اع الطرق ال�صوفية املناف�س���ة ،وبع�ضها يدخل يف تناحر مع الآخر ويعادي���ه ،بع�ضها تعاون مع اال�ستعم���ار -ورمبا هو ما تريده الواليات املتح���دة يف الوقت الراه���ن -لكن �أغلبها ح���ارب امل�ستعمر ب�ضراوة، وجزء منها �ساهم يف التنمية ب�أبعادها ال�شاملة. ويبدو �أن النظرة الأمريكية القا�صرة تدور فقط يف حيز �ضيق ينظر �إىل املت�صوفة بو�صفهم «خونة» �أو «عمالء» �أو متقاع�سني عن املقاومة واجله���اد ،قيا�س��� ًا �إىل ما قامت به جماعات م���ن التيجانية يف خدمة ال�سلطة �أيام اال�ستعمار الأوروبي لأفريقيا .فامل�ستعمر �شجع التيجانية عل���ى االنت�شار ،لأن���ه ر�أى يف تعاليمها ما ي�ص���رف النا�س عن اجلهاد والتفكري ال�سليم وعن �صحيح العقيدة وال�شريعة ،ويلقيهم يف غياهب اخلرافات .وقد مل�س الأوروبيون رغبة رجال الطريقة يف احل�صول على امل���ال والنفوذ فراحوا يغذون هذه ال���روح ،وي�شرتون والء ه�ؤالء باملال واملنا�صب ،ف�أثمر هذا وقوف التيجانية �إىل جانب اال�ستعمار يف بع�ض املواقف احلا�سمة ،ويف مقدمتها م�ساعدة الفرن�سيني �ضد الأمري عبد القادر اجلزائري ،ما ح���دا بالقائد الفرن�سي بيجو �إىل �أن ير�سل �إىل �شي���خ الطريقة قائ ًال« :لوال عطفكم لكان ا�ستقرار الفرن�سيني يف هذه البل���د �أ�صعب بكثري مما كان ...عندم���ا ت�شعر بحاجة �إىل �شيء ما �أو خدم���ة من �أي ن���وع كانت فما علي���ك �إال �أن تكت���ب �إىل مرافقي الذي �سي�سره �أن يبلغني رغباتك». كم���ا ينظر الأمريكيون ب�إيجابي���ة �إىل القاديانية ،التي لب�ست رداء الت�صوف ،لتخدع منا�صريها ب�أن م�سلكها �سليم ،مع �أن م�ؤ�س�سها املريزا غالم �أحمد ،مل يكن �سوى عميل ي�ساعد الإنكليز لب�سط نفوذهم على
�شب���ه القارة الهندية و�أفغان�ستان ،فها ه���و يقول« :لقد ق�ضيت معظم ع���اود االحتاد ال�سوفيتي املنه���ار زحفه جنوبا ليط���وي القوقاز و�آ�سيا عمري يف ت�أييد احلكومة الإنكليزية ون�صرتها ،ويف النهي عن اجلهاد ،الو�سطى ،ف�شحذ مريدو النق�شبندية هممهم ،وا�ستجمعوا عزميتهم، ووج���وب طاعة ويل الأمر ،وكان ه���ديف �أن ي�صبح امل�سلمون خمل�صني الت���ي مل تنل منها امل�آ�سي التاريخية ،وراحوا يقاومون اجلي�ش الأحمر لهذه احلكومة� ...إن عقيدتي التي �أكررها �أن للإ�سالم جزئني ،الأول بكل ما و�سعهم من قوة ،حتت قيادة ال�شيخ جنم الدين دي جوت�سو يف طاعة اهلل ،والثاين طاعة احلكومة التي ب�سطت الأمن و�آوتنا يف ظلها داغ�ستان ،وال�شي���خ �أوزون حجي يف ال�شي�ش���ان ،وا�ستمرت مقاومتهم �أحد ع�شر عاما ،مب�ساعدة الدولة العثمانية .ويف �شبه القارة الهندية من الظاملني ،وهي احلكومة الربيطانية«. وتن�س���ى الر�ؤية الأمريكية ه���ذه �أو تتنا�سى تاريخ ًا طوي ًال من كفاح لع���ب النق�شبنديون بقي���ادة ال�شيخ �أحمد بن عب���د الأحد ال�سرهندي املت�صوف���ة �ض���د اال�ستعمار .فق���د تكفلت الط���رق ال�صوفية يف �شمال الفاروق���ي دور ًا يف ن�ش���ر الإ�سالم بني �صفوف املغ���ول .وظهرت حركة وغرب �أفريقي���ا بكبح جانب من النزع���ة اال�ستعمارية التي ا�ست�شرت ال�شيخ �أحمد بن عبد احلليم الدهلوي الذي دعا �إىل الت�صوف القائم ل���دى الأ�سب���ان والربتغالي�ي�ن بعد متكنهم م���ن �إخ���راج امل�سلمني من عل���ى االعتقاد والعم���ل مبا جاء يف الكت���اب وال�سنة ،لتق���ف للإنكليز الأندل����س ع���ام .1492فامل�ستعم���رون �أرادوا �أن يتعقب���وا الدي���ن باملر�ص���اد حني �أخ���ذوا ي�ستبدون بالأمر ،ويقل�ص���ون �سلطات احلاكم الإ�سالمي جنوب املتو�سط ويف عمق ال�صحراء الأفريقية ،ال�سيما بعد امل�سل���م ،و�أطلق الكلمة امل�أثورة�« :إن���ه ال ُيت�ص َّور وجود ملك م�سلم من �أن ر�ص���دت البابوية مبالغ �ضخمة لتحقيق هذا الهدف ،وراحت تنفخ دون نف���وذ� ،إال �إذا ت�صورنا ال�شم�س من دون �ضوء!» ،ثم فتواه الأ�شهر يف �أو�صال حكام �أوروبا ،ليتحم�سوا يف تنفيذ هذه اال�سرتاتيجية .لكن «�إن الهن���د قد �أ�صبح���ت دار حرب ال دار �إ�سالم ،وعل���ى امل�سلمني �أن مريدي اجلازولي���ة والقادرية والتيجانية وال�شاذلية وال�سنو�سية كانوا يهبوا جميعا للجهاد بعد �أن �أ�صبح �إمام امل�سلمني ال حول له وال قوة ،وال لهم باملر�صاد ،وحولوا �سواح���ل �أفريقيا يف القرن ال�ساد�س ع�شر �إىل تنفذ �أحكامه ،واحلل والعقد �صار بي���د الإنكليز ...يعينون املوظفني، ويدفعون الرواتب ،وي�شرفون على الق�ضاء وتنفيذ الأحكام» .و�إثر هذه �ساحة مواجهة �ضد امل�ستعمرين. ول���وال ن�ضال م�شاي���خ ال�صوفية مثل اخلليف���ة الطاهر يف نيجرييا ،الفتوى ق���اد العلماء اجلهاد ،وخا�ضوا غمار احلروب واملعارك لإنقاذ و�سام���وري ت���وري يف ب�ل�اد املاندوجنو ،وعب���د الق���ادر اجلزائري يف امل�سلمني من الإنكليز ،ومن ال�سيخ الذين لقوا دعم ًا من املحتلني. وكان من تالميذه ال�شي���خ �أحمد بن حممد بن عرفان الذي �أ�س�س �شمال �إفريقيا ،وعمر الفوت���ي التكروري يف الغرب ،وحممد عبد اهلل ح�سن يف ال�صومال ،ورابح ف�ضل اهلل يف و�سط القارة ال�سمراء ،لتغري دول���ة ذات �ش����أن ،خا�ضت جهادا طوي�ل�ا �ضد ال�سي���خ ،وهزمتهم يف الرتكي���ب الديني الراهن لأفريقيا متام ًا .فه�ؤالء مل يكتفوا بالت�صدي مع���ارك عدة� ،إىل �أن �سق���ط �شهيد ًا ،بعد �أن دب���ت الفتنة يف �صفوف لال�ستعم���ار ،ب���ل كون���وا دوال وممال���ك متما�سكة� ،أعط���ت مقاومتهم تابعي���ه ،لكن راية اجلهاد مل ت�سقط بع���ده ،بل حملها �أتباعه ،لت�ستمر للم�ستعم���ر عمق ًا وق���وة ودميومة .وم���ا كان لهذه ال���دول واملمالك �أن �ض���د ال�سيخ والإنكلي���ز معا .ولعب مريدو الطريق���ة املحمدية دور ًا يف تق���وم لوال جناح م�شايخ الطرق ال�صوفية يف ن�شر الإ�سالم على نطاق مقاومة اال�ستعمار الهولن���دي لإندوني�سيا وجنوب الهند ،ومتكنوا من وا�س���ع ،بني �أع���داد غفرية من الب�ش���ر ،وعلى نطاق جغ���رايف مرتام� .إب���رام حتال���ف م���ع الهندو�س يف هذه احل���رب الطويل���ة ،التي انتهت فحا�ص���ل �ضرب الب�شر املوالني له�ؤالء امل�شاي���خ ،واجلغرافيا املنطوية ب�إجبار امل�ستعمر على الرحيل .ويف تايالند ،ن�شطت الطرق ال�صوفية حتت �أقدام الأتباع� ،أنتج على الفور كيانات جتمع بني ال�سلطة الدينية يف منطقة فطاين ،التي تقع بني ماليزيا وتايالند ويعود �أ�صل �سكانها للمجموع���ة املاليوي���ة ويتكلمون اللغ���ة املاليوية ويكتبونه���ا حتى الآن وال�سلطة ال�سيا�سية. �إن ن�ش���اط الط���رق ال�صوفية يف ن�شر الإ�سالم بالق���ارة الأفريقية ،ب�أحرف عربية. يف خامتة املطاف ،ميكن القول �إن اال�سرتاتيجية الأمريكية الرامية و�إن كان ق���د ب���د�أ مت�أخرا ع�شرة ق���رون كاملة عما ق���ام به التجار يف هذا ال�ش�أن ،كان وا�ضح ًا وحا�سم ًا �إذ �أن املت�صوفة ،مل يكتفوا ب�إدخال �إىل تعزي���ز الت�ص���وف يف وج���ه اجلماع���ات والتنظيم���ات ال�سيا�سية جماع���ات متفرقة تعي�ش بالقرب من خطوط التجارة �أو بع�ض قاطني الراديكالي���ة ،حمكوم عليه���ا بالف�شل الذريع .ورمب���ا يغري الأمريكان امل���دن يف الإ�سالم ،بل توغل���وا �إىل قلب القارة ،حيث القبائل الوثنية ،وجهة نظرهم ،حال قراءة متعمقة ملا ينتجه الفكر ال�صويف من ثقافة �سيا�سي���ة من ناحي���ة ،والإطالع عل���ى تاريخ الت���ي ت�سك���ن الق���رى والنج���وع ،فحولوه���ا �إىل الط���رق ال�صوفية يف �آ�سيا و�أفريقيا من جهة الإ�سالم .ونقلوا الدعوة من �شكلها الفردي �إىل أمريكية ل ا اال�سرتاتيجية ثانية ،ورمبا مي�ضون يف ا�سرتاتيجيتهم ،لكن �صيغة جماعية م�ؤ�س�سية. الرامية �إىل تعزيز الثاب���ت يف كل الأح���وال �أن ال�صوفية �شكلت �أم���ا يف ق���ارة �آ�سي���ا ف�ب�رز دور النق�شبندية، عل���ى م���دار التاريخ �أح���د جتلي���ات الإ�سالم الت���ي وجدت نف�سه���ا ،حني ا�شت���د �ساعدها ،يف الت�صوف يف وجه اجلماعات يف �أبعاده الديني���ة وال�سيا�سية واالجتماعية، حاجة �إىل االنخراط يف حركة اجلهاد مبنطقتي والتنظيمات ال�سيا�سية و�ستظ���ل ت���زاول ه���ذا التجل���ي يف امل�ستقبل ال�شي�شان وداغ�ست���ان �ضد القي�صرية الرو�سية، عليها حمكوم الراديكالية، املنظ���ور ،م���ن دون �أن تك���ون مطي���ة يف ي���د الت���ي كان���ت حتت���ل �آ�سي���ا الو�سط���ى والقوقاز. الذريع بالف�شل الأمريكيني. فلم���ا قام���ت الث���ورة البل�شفي���ة ع���ام 1917 ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
79 2009
فـي ب�ؤرة االهتمام
ملاذا مل تكن القومية العربية ليربالية؟ م ّثلت القومية العربية يف نظر م�ؤ�س�سي النه�ضة العربية الرافعة ال�ضرورية خلروج العرب من عباءة العثمانيني ومن ربق اال�ستعمار وطريق ًا للحاق بركب املدنية واحلداثة .ولكن ال�س�ؤال :ملاذا اتخذت القومية العربية م�سار الي�سار اال�شرتاكي؟ مبعنى �آخر ،لمِ َ مل تكن ليربالية؟ ونعني بالليربالية املنظومة الفكرية الليربالية الر�أ�سمالية متكاملة .ولو كان الأمر غري كذلك ،فكيف كان �سيكون تاريخ العرب املعا�صر؟ �أحمد عبدالكرمي �سـيف ولو �أن طرح هذا الإفرتا�ض ال ي�ستقيم يف منطق �سياق التاريخ ،ولكن طرحه ي�ساءل تيار القومية العربية الآن -يف العقد الأول من القرن احلادي والع�شرين – �إذا كان �سياق الأحداث يف املا�ضي قد فر�ض عل���ى القومي���ة العربية م�سارات وم�آالت ا�شرتاكي���ة قد تكون مربرة نب �أي من تي���ارات القومية �أو مفهوم���ة على الأقل ،لك���ن ملاذا مل يت ّ العربي���ة طرح��� ًا ليربالي��� ًا حت���ى الآن؟! والتاريخ يقدم لن���ا �شواهد عديدة عل���ى �أمم تبنت القومي���ة الليربالية وحق���ق بع�ضها النجاح عل���ى مثال اليابان و�أملانيا يف بدايات الق���رن الع�شرين .فهل هناك ف���راق �أبدي بني القومية والليربالية يف تاريخنا العربي! وطرح هذا الت�س���ا�ؤل ال يعني رف�ض �أو قب���ول �أي من التيارات الفكرية القومية، وال ه���و دعوة لقومية ليربالية وال رف����ض لغريها ،بقدر ما هو �س�ؤال فكري مطروح للبحث على الفال�سفة واملفكرين وال�سيا�سيني. تتف���ق غالبي���ة الأدبيات املتعلق���ة بالفكر العرب���ي احلديث ،على اعتبار �أن مرحلة ما قبل احلرب العاملية الأوىل متثل مرحلة اليقظة/ النه�ض���ة /البعث /ع�ص���ر التنوير العرب���ي ،و�إن كانت تختلف هذه الأدبي���ات على بداية ه���ذه احلقبة التاريخية .في�ؤرخه���ا فاروق �أبو زيد ب���ـ 1828تاريخ ن�ش�أة ال�صحافة العربية ،وي�ؤرخها حليم بركات بـ 1789تاري���خ الثورة الفرن�سية ،وي�ؤرخه���ا البع�ض بظهور حركات الإ�صالح الديني يف القرنني الثامن ع�شر والتا�سع ع�شر :الوهابية، 80
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
وال�سنو�سي���ة ،واملهدي���ة ،فيم���ا ي�ؤرخه���ا البع�ض بت�أ�سي����س اجلامعة الإ�سالمي���ة على يد جمال الدين الأفغ���اين ( 1838ـ ،)1897و�آخرون يرون بدايتها متزامن ًا بدخول نابليون �إىل م�صر .1798 �إن الو�ضع ال�سيا�سي والبنى االجتماعية واالقت�صادية للمجتمعات العربية يف ظ���ل املرحلة العثمانية خالل الق���رن التا�سع ع�شر ميثل مرحلة تبلور ع�صر التنوير العربي احلديث ،هذه املرحلة التاريخية مثل���ت اخللفية املو�ضوعية لظه���ور الفكر القوم���ي العربي ،وحتليل هذه الفرتة يلقي ال�ضوء على اجتاهات القومية العربية فيما بعد. متيز التاريخ العربي ال�سيا�سي واالجتماعي واالقت�صادي خالل الف�ت�رة املذك���ورة بعدد م���ن اخل�صائ����ص؛ منها �سي���ادة العالقات االقطاعي���ة على م�ستوى البناءي���ن التحتي والفوقي ،هيمنة القطاع الزراعي يف منوذجه املتخلف على احلياة االقت�صادية واالجتماعية ومثل���ت %85من �إجم���ايل الن�شاط االقت�صادي ،فيم���ا �سيطر على %15املتبقي���ة يف القطاع���ات االقت�صادي���ة احلديثة مث���ل التجارة وال�صناعة الأقليات القومية والأوروبية (�أوربيون ،يونانيون� ،أرمن، يه���ود) .وقد تعاي�ش���ت العالق���ات الر�أ�سمالي���ة الأوروبي���ة الوافدة (خ�صو�ص ًا بعد توقيع نظ���ام الإمتيازات اجلائر ل�صالح الأوروبيني بني دول �أوروبا وال�سلط���ان العثماين حممود الثاين عام )1828مع العالقات م���ا قبل الر�أ�سمالي���ة ال�سائدة يف املناط���ق العربية حتت �أحمد عبدالك���رمي �سـيف رئي�س التحري���ر ،واملدير التنفيذي ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
ال�سلطة العثمانية. �أدت هذه االزدواجية �إىل خراب االقت�صاد الفالحي واحلريف، حي���ث ترك الفالح���ون �أرا�ضيه���م هرب ًا م���ن ال�ضرائ���ب التي زاد عدده���ا على املائة نوع ،وزاد من ع���بء ذلك نظام الإلتزام ،حيث يلتزم كل وايل للباب العايل بتوريد مبلغ مقطوع من واليته مما دفع الوالة للمبالغة يف جب���ي ال�ضرائب للح�صول على فائ�ض الإلتزام. ه���ذا دفع لتال�شي ال�صناعات �أم���ام املناف�سة غري املتكافئة يف ظل نظام الإمتيازات ل�صالح الواردات الأوروبية ،ونظام الإلتزام دفع لت���دين العم���ل يف الزراع���ة �إىل %40من قوة العم���ل بنهاية القرن الثامن ع�شر .وانح�صرت امللكية يف �أمالك الدولة (املريي) وكان ال�سلطان العثماين نف�سه يعترب املالك احلقيقي لها ،ودائم ًا ما كان يقطعها ويلزمها لأ�صحابه و�أتباع���ه؛ والأرا�ضي الوقفية (الرزق/ احلبو�س���ات) وكان���ت تخ�ض���ع عملي ًا لكب���ار رجال الدي���ن الوثيقي ال�صلة بال�سلط���ة وباالقطاع؛ وامللكية الفردية اخلا�صة ال�صغرية ، والتي كانت تتال�ش���ي تدريجي ًا ل�صالح ال�صنف�ي�ن الآخرين .بينما انخرط���ت %60من قوة العمل املتوف���رة يف �إعمال غري منتجة مثل الع�ساكر� ،أ�صحاب عقارات ،رجال دين ،جتار ،خدم. لق���د انعك�س ه���ذا الواقع االجتماعي واالقت�ص���ادي بال�سوء على احلي���اة الفكرية العربي���ة ،وزاد من فداحة الأم���ر �سيا�سة الترتيك التي �شرعت تتبعها حكومة ال�سالطني العثمانيني .يف هذا الواقع من القهر والتخلف ،و�صلت �أفكار الث���ورة الفرن�سية (احلرية ،الإخاء، امل�س���اواة) ،وانهزام النظام االقطاعي ،وانت�صار الثورة ال�صناعية بقيادة الطبقة الربجوازية الأوروبية النا�شئة ،وظهور الفكر القومي الأملاين ،وتال�شي االمرباطوريات املمتدة ل�صالح الدول القومية... الخ وذلك عرب منافذ متعددة �أبرزها م�صر ولبنان.
�إرها�ص��ات يقظة عربي��ة �أدى تداخل وتناق�ض جانب�ي�ن �إىل يقظ���ة عربي���ة :اجلان���ب الأول؛ �سيط���رة الإحت���كار الر�أ�سم���ايل الغرب���ي واال�ستب���داد االقطاع���ي الرتك���ي ،واجلان���ب الث���اين؛ انت�شار �أف���كار حركة التنوير الأوروبي���ة يف احلرية واالخاء وامل�س���اواة والليربالية والدميقراطي���ة .و�أدى ذلك �إىل يقظة متثلت يف جمموع���ة من احل���ركات والثورات املبكرة قب���ل احلرب العاملية جتلت يف احلركة اال�ستقاللية عن الدولة العثمانية يف كل من م�صر وفل�سط�ي�ن (حممد علي با�شا ،ظاهر العمر) ،ثورة كتلة من زعماء م�صر وقادتهم �ضد االحتالل الفرن�سي مل�صر ،احلركة اال�ستقاللية التي حمل لواءها الزيديون يف اليمن الجالء العثمانيني ،احلركات الدينية اال�صالحية (الوهابية ،ال�سنو�سية ،املهدية) ،ثورة ال�ضباط امل�صري�ي�ن بقيادة �أحمد عراب���ي �ضد اخلديوي توفي���ق .1882كما انتع�ش���ت النه�ضة الأدبية والعلمية التي متثل���ت يف انت�شار املدار�س املختلف���ة :ابتدائي���ة ،اعدادية ،عالي���ة ،وت�سارع �إن�ش���اء اجلمعيات الأدبي���ة والديني���ة وال�سيا�سية (العلني���ة منها وال�سري���ة) يف بع�ض الأقطار العربي���ة ،و�أبرزها رابطة الوطن العرب���ي ( ،)1904جمعية الإخ���اء العربي العثم���اين ( ،)1908املنتدي الأدب���ي ( ،)1909حزب
ليربالية Liberalism
الالمركزي���ة ( ،)1912امل�ؤمتر العرب���ي يف باري�س ( ،)1913اجلمعية القحطانية ( ،)1909اجلمعية الثورية العربية ،حزب العهد ،جمعية العلم الأخ�ضر ،جمعية العربية الفتاة (.)1911 يف ه���ذا املن���اخ ،وقب���ل احل���رب العاملي���ة الأوىل ،ب���رزت ثالث���ة تي���ارات .الأول ،التيار الديني؛ ال���ذي انطلق يف القرن التا�سع ع�شر لتقوي���ة اخلالف���ة اال�سالمي���ة يف وج���ه الغ���زو الأوروب���ي امل�سيحي. وق���د �ضم هذا التي���ار جماعتني متناف�ستني هم���ا :جماعة تقليدية؛ ارتبط���ت باخلالفة العثماني���ة وحاربت كل دع���وة لال�صالح ،وهي اجلماعة التي ارتبطت با�سم �أبو الهدى ال�صيادي (ت )1900الذي كان م�ست�ش���ارا لل�سلط���ان عبداحلميد ،والذي �ش���ارك يف �إ�ضطهاد الأفغاين والكواكبي .واجلماعة ال�سلفية اال�صالحية ،ومثلها جمال الدي���ن الأفغاين ( )1898-1839وحممد عبده ( )1905-1849وحممد ر�شي���د ر�ض���ا ( ،)1935-1865واهتم���ت باحي���اء الدي���ن اال�سالم���ي والع���ودة ب���ه �إىل نقاوت���ه الأوىل ،والتي انتق���دت امل�ؤ�س�س���ة الدينية الر�سمية ،وعار�ضت ال�سلطة يف كثري من الأحيان. التي���ار الث���اين ،اللي�ب�رايل؛ يف �سوري���ة وم�ص���ر خا�ص���ة ،حيث �ش���دد هذا التيار عل���ى الهوية القومية كبدي���ل للخالفة �أو اجلامعة اال�سالمية ،وعلى العلمانية كبديل لل�سلطة الدينية ،وعلى العقالنية كبديل لالميانية املطلقة ،وعلى التحرر االجتماعي (وخا�صة حترر امل���ر�أة) كبديل للنزوع التقليدي ،وعلى التطلع نحو امل�ستقبل كبديل للتطل���ع نحو املا�ض���ي ،وعلى الوعي القومي كبدي���ل للوعي الطائفي والقبلي واملحلي ،كما نادى هذا التيار ب�أفكار االندماج االجتماعي، و�ضرورة �إحي���اء اللغة العربية واالقبال عل���ى التعليم احلديث� .أما �أبرز ممثلي هذا التيار فه���م :بطر�س الب�ستاين وابراهيم اليازجي ويعق���وب �صروف وجرجي زي���دان وقا�سم �أم�ي�ن و�صدقي الزهاوي وحمم���د كرد علي ورفي���ق العظم و�شكي���ب �أر�س�ل�ان و�أحمد لطفي ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
81 2009
فـي ب�ؤرة االهتمام ال�سيد ويل الدين يكن ومعروف الر�صايف. التيار الثالث ،التقدمي؛ الذي التقى مع التيار الليربايل يف �أفكار القومية والعلمانية والعقالنية والتحرر االجتماعي ،ولكنه زاد عليه يف �أن���ه كان �أك�ث�ر راديكالية ،و�أنه كان على متا����س مع قيم ومبادئ اال�شرتاكية (العلمية والوطنية) .وكان من �أبرز �أعالم هذا التيار: �شبلي �شميل ،وفرح �أنطون ،و�سالمة مو�سى. �ص��دمة اال�س��تعمار بعد احلرب العالية الأوىل برزت جملة من التغريات والأحداث ترتب عليها عدد من النتائج ال�سلبية، فق���د انتقل الوطن العربي من حتت احلك���م العثماين املتهاوي �إىل ن�ي�ر اال�ستعمار الر�أ�سمايل الأوروبي الفت���ي والقوي والنهم لرثوات الع���امل الثال���ث لت�شغيل �آلت���ه ال�صناعي���ة ال�ضخم���ة ،ومتت جتزئة الوطن العربي �إىل كيانات هجينة مفتعلة ،وحتويلها �إىل م�ستعمرات تقا�سمته���ا ال���دول املنت�صرة يف احل���رب ،الأمر ال���ذي تكر�س معه ال���والء القطري حم���ل الوالء القوم���ي ،والوالء الع�صب���وي (القبلي والدين���ي والطائفي واجله���وي والع�صبوي) حمل ال���والء الوطني. و�ص���در وعد بلف���ور امل�ش�ؤوم املتعل���ق باعطاء فل�سطني وطن��� ًا قومي ًا لل�صهيونية العاملية ،الأمر الذي ترتب عليه بداية انتداب بريطانيا العظمي عل���ى فل�سطني ،والحقا طرد ال�شعب الفل�سطيني من وطنه و�إح�ل�ال الكيان ال�صهيوين حمله .وكذل���ك مت انت�صار ثورة �أكتوبر اال�شرتاكي���ة يف رو�سيا وقيام االحت���اد ال�سوفييتي 1917التي مهدت لربوزه كقوة عظمى �ستدخل العامل مع الواليات املتحدة يف احلرب الب���اردة
82
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
والإ�ستقط���اب العاملي بعد احلرب العاملية الثانية ،والتي كان العامل العربي م�سرحا لكثري من ف�صولها. وقد �إتبع اال�ستعمار الأوروبي للوطن العربي �سيا�سة املحافظة على عالقات الإنتاج الإقطاعية ،بعد تهجينها ببع�ض عالقات الإنتاج الر�أ�سمالية ،وحما�صرة ال�صناعات الوطنية التقليدية وطردها من ال�سوق ل�صالح ال�صناعات الر�أ�سمالية الوافدة (وهي �إ�ستمرار لنظام الإم��ت��ي��ازات) ،وت�شويه االقت�صاديات الزراعية الوطنية وحتويلها �إىل اقت�صادات موجهة تخدم م�صانع اال�ستعمار ،مثال ذلك فر�ض زراعة القطن يف دلتا م�صر و�أبني اليمن لتزويد م�صانع الن�سيج يف مان�ش�سرت ،وزراعة العنب يف اجلزائر لتزويد م�صانع النبيذ يف بوردو ،وبهذا جعلت االقت�صاديات العربية وحيدة اجلانب واالجت��اه مبا فيه م�صلحة ال�صناعة الغربية .وحافظ اال�ستعمار على االنق�سام العمودي يف املجتمع العربي (قبلي ،طائفي ،ديني، قومي ،جهوي) وتوظيفه يف خدمة �سيا�سة فرق ت�سد اال�ستعمارية املعروفة ،ون�شر وتعميق الفكر والإنتماء القطري يف الوطن العربي (الفرعونية ،القومية ال�سورية ،الأمازيغية) على ح�ساب القومية العربية ،وحماولة تفكيك العالقة بني العروبة واال�سالم بوا�سطة ت�شجيع كل من التطرف القومي والتطرف الديني. ومع ذلك ح�صلت تط���ورات �إيجابية مثل ن�ضج الوعي ال�سيا�سي القوم���ي مب�ضمونه االجتماع���ي للعدالة ،واالنت�ش���ار الن�سبي للفكر العلم���ي على ح�ساب الفكر الغيب���ي امليتافيزيقي واخلرايف ،وتنامي �أع���داد املثقفني والطلبة والع�سكر واملوظف�ي�ن ،وظهور العمال كقوة �أ�سا�سي���ة ذات �أف���ق طبق���ي ،وظه���ور االنق�س���ام الأفق���ي (الطبقي �أ�سا�س���ا ،و�إن كان ال ي���زال الرتاتب االجتماعي ه���و ال�سمة ال�سائدة يف املجتم���ع العرب���ي عل���ى ح�ساب الطبق���ة مبفهومه���ا االقت�صادي والقان���وين) يف املجتم���ع� ،إىل جان���ب االنق�سام العم���ودي ،وتراجع االقت�ص���اد الطبيع���ي (الزراع���ي �أ�سا�س��� ًا) جزئيا ل�صال���ح �أمناط الإنتاج احلديثة (االقت�صاد ال�صناعي ب�شكل ب�سيط ،واخلدمي وهو الغال���ب) ،ومنو القطاع احل�ضري ،وتط���ور اخلدمات ال�صحية وما ترتب عليها من الزيادة ال�سكانية ومنو املدن� .أدى ذلك �إىل تقل�ص النف���وذ ال�سيا�سي والأدبي للربجوازية الوطني���ة ولأحزابها ،مقابل تزاي���د كم وكيف ونفوذ الفئ���ات املتو�سط���ة والربجوازية ال�صغرية النا�شئة .وبغياب الربجوازي���ة الوطنية فقدت الليربالية ال�سيا�سية واالقت�صادية �أهم مدافع عنها وم�ستفيد منها. ه���ذه التط���ورات دعت املثق���ف وال�سيا�سي العرب���ي مل�سائلة واقع التخلف والبحث عن خم���ارج من هذا الواقع .الذ البع�ض باملا�ضي املجي���د للأمة كمهرب من حا�ضرها البائ����س ،نهاية القرن التا�سع ع�شر ومطلع القرن الع�شرين .بينما جل�أ البع�ض للح�ضارة الغربية، يف �صورة هروب �إىل الأمام حيث االيديولوجيات اجلاهزة وال�سيما الإيديولوجيت�ي�ن الرئي�سيتني؛ الر�أ�سمالية واال�شرتاكية ،ظن َا ب�أنهما
الطري���ق لالنتق���ال م���ن املجتم���ع االقطاعي التقلي���دي �إىل املجتم���ع ال�صناع���ي احلديث دون �إعتب���ار لظ���روف التط���ور االقت�ص���ادي واالجتماع���ي املختلف���ة .وهناك اجت���اه ثالث ا�ستح�ض���ر ايجابي���ات املا�ض���ي (ال�ت�راث) ومزجه���ا بايجابيات احلا�ض���ر (احلداثة)، للو�ص���ول �إىل جمتم���ع عربي موح���د ومتقدم قائ���م عل���ى املزاوج���ة ب�ي�ن العق���ل والنق���ل، وب�ي�ن القومي���ة واال�شرتاكي���ة ،وب�ي�ن العروبة واال�سالم ،و�أب���رز رموز ه���ذا االجتاه �ساطع احل�ص���ري وزك���ي الأر�س���وزي ومي�شيل عفلق و�أكرم احلوراين و�ص�ل�اح البيطار ،وبالتايل ح���زب البع���ث العرب���ي اال�شرتاك���ي وحرك���ة القوميني العرب بكل فروعها العربية.
حتوالت ما بعد احلقبة ب�سبب احلرب اال�ستعمارية
م��ع �أن تراج��ع القومية العربي��ة كحركة دافعة لل�سيا�س��ة يف احلياة العربية، بد�أ بهزمية � ،1967إال �أن هذا الرتاجع و�ص��ل ذروته بغزو العراق للكويت .1990 وب��ذا خل��ت ال�س��احة من��ذ �أربعينيات وخم�س��ينيات الق��رن املا�ض��ي لليرباليني الدميقراطي�ين الع��رب مدفوعني بت�ش��جيع �إدارة كلينتون ،وم��ع ذلك مل ينجح الأمر يف بروز تيار قومي ليربايل
العاملية الثانية خرجت الدول الر�أ�سمالية الغربية والواليات املتحدة على اخل�صو�ص ولها اليد الطوىل على امل�سرح العاملي. وح�صل عدد من الأقطار العربية على اال�ستقالل ال�سيا�سي ولكن بحدود جديدة م�صطنعة مثلت قنبلة موقوتة فيما بعد ،وات�سعت رقعة ونفوذ املع�سكر اال�شرتاكي ،وخا�صة بعد تبني ال�صني للنظام اال�شرتاكي، و�صدر قرار تق�سيم فل�سطني بني العرب وال�صهاينة يف التا�سع والع�شرين من نوفمرب 1947وت�صويت االحتاد ال�سوفييتي �إىل جانب هذا القرار ،وبالتايل قبول معظم الأحزاب ال�شيوعية العربية بهذا القرار ،الأمر الذي �أدى �إىل انق�سام حركة التحرر الوطني العربية حول الق�ضية الفل�سطينية. ترت���ب عل���ى ه���ذه املعطي���ات اجلدي���دة ب���روز دور اجلي�ش على امل�سرح ال�سيا�س���ي ،ب�سبب ال�صراع العربي -الإ�سرائيلي من جهة، ولك���ون �شريحة ال�ضباط تعترب فئة اجتماعي���ة متطورة ،قيا�س ًا �إىل الفئ���ات االجتماعي���ة الأخرى ،ذلك �أنها فئ���ة متعلمة ،وعلى عالقة بالتقنية احلديثة املرتبطة بتكنولوجي���ا ال�سالح ،ا�ضافة �إىل كونها فئة مرتابطة ومن�ضبطة وظيفي ًا� .إ�ضافة لذلك جاء معظم ال�ضباط واجلن���ود الع���رب من الري���ف ،امل�سح���وق �سابق���ا ،حامل�ي�ن معهم �إدراك م�سب���ق ب����أن برجوازية املدين���ة ،احلاكمة �سابق��� ًا واملتعاونة م���ع العثماني�ي�ن ومن ث���م اال�ستعم���ار والت���ي مثلت ن���واة برجوازية �صناعية وجتارية ومل متنح فر�صة النمو لتكري�س ليربالية �سيا�سية واقت�صادي���ة ،هذه الربجوازية مت حتميلها امل�سئولية يف حتالفها مع امل�ستعمر عن التخلف والب�ؤ�س العربيني.
لذا مت اجتث���اث هذه الربجوازية الوطني���ة وم�صادرة ر�أ�سمالها وم�صانعه���ا ل�صالح الفئات املهم�شة خطابا ،ول�صالح القطاع العام فعال ،والذي �سرعان ما نخره الف�ساد و�أ�صبح عبئ ًا حيث كان يرجى من���ه �أن يكون راف���د ًا لالقت�صاد الوطني على خط���ى �شعار «تعظيم الإنت���اج وعدالة التوزيع» فال ت�أتى هذا وال حت�صل ذاك .وترافق مع ذلك تزايد الوعي املعادي لال�ستعمار واالمربيالية وبروز ظاهرتان جديدت���ان هم���ا :ظاه���رة ال�شع���ب الفل�سطين���ي امل�ش���رد ،وظاهرة ال���دول النفطي���ة ،واللت�ي�ن �سيكون لهم���ا الأثر الكب�ي�ر والبارز على عملية التط���ور والتغري االجتماعي الالحقة يف املنطقة .وقد تنامى الوعي ال�شعبي بتحميل �ضياع فل�سطني وهزمية 1948على الأنظمة العربية املتولدة عن التق�سيمات اجلديدة لال�ستعمار ،مما �أدى �إىل �سقوط عدد من الأنظمة امللكية والتقليدية العربية ،ل�صالح �أنظمة جمهوري���ة جدي���دة ،وذلك على يد اجلي�ش والق���وات امل�سلحة ،ثورة 23يولي���و 1952يف م�ص���ر ،ثورة 14متوز 1958يف العراق ،وثورة 26 �سبتمرب 1962يف اليمن. كان����ت ر�أ�سمالي����ة الربجوازية الوطني����ة (على �ضعفه����ا وبدايات ن�شوئها) ،وممالئة قوى اال�ستعمار ،والتهاون يف ق�ضية فل�سطني� ،أهم م��ب�ررات – واقع ًا �أو وهم���� ًا -التيارات الفكري����ة القومية واحلركات الوطني����ة لنق�ض �شرعية الأنظمة ال�سابقة ،لذا ما كان لهذة التيارات ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
83 2009
املحـــور
فـي ب�ؤرة االهتمام
واحل����ركات �إال �أن تتبن����ى �شرعية مناق�ضة تقوم عل����ى �أقانيم ثالثة: حماربة اال�ستعمار (التحرر) ،والعدالة االجتماعية (اال�شرتاكية)، وا�ستع����ادة فل�سطني (على طري����ق الوحدة العربية) .ه����ذة الأقانيم الثالث����ة وج����دت رافعاتها الث��ل�اث يف التحرر الوطن����ي واال�شرتاكية والوحدة. وارتكب����ت ح����ركات التحرر الوطن����ي العربية (با�ستثن����اء اجلبهة القومي����ة يف جن����وب اليمن) خطيئة زج اجلي�����ش يف ال�سيا�سة كحامل مل�شاريعه����ا ب�إعتب����اره امل�ؤ�س�س����ة الوحي����دة املحتك����رة لو�سائ����ل العنف امل�شروع����ة ،الأم����ر الذي جع����ل اجلي�ش بع����د و�صوله لل�سلط����ة �إما �أن ُي�سخ����ر اخلط����اب ال�سيا�س����ي حل����ركات التح����رر الوطني����ة ل�صاحلة وبالتايل ُي�سخر احلركات نف�سها لتربير حكم اجلي�ش� ،أو �أن يبعدها ع����ن ال�سلط����ة ويط����ارد رموزها بحج����ة خيانتها مل�صال����ح اجلماهري امل�سحوقة .لذا تراجع التيار القومي الليربايل والتيار الديني ل�صالح تيار الفكر القومي ذي امليول الي�سارية وامل�سيطر عليه من اجلي�ش. وتكر�س النهج الي�ساري اال�شرتاكي للقومية العربية بعدة عوامل. الأول؛ حال����ة ال�ص����راع بني �أجنح����ة متناف�سة داخ����ل حركة القوميني العرب وذلك كانعكا�س لرتكيبها االجتماعي والطبقي والإيديولوجي تبع ًا لتباين الأقطار العربية وتفاوتها قلي ًال �أو كثري ًا ،يف �سلم التطور االجتماع����ي واالقت�ص����ادي والثق����ايف وال�سيا�سي ،و�أي�ض���� ًا يف احلجم ال�س����كاين وامل�ساح����ة اجلغرافي����ة ،والأك��ث�ر �أهمية تفاوته����ا جغرافي ًا و�سيا�سي ًا و�أيديولوجي ًا وقومي ًا قرب ًا �أو بعد ًا من الق�ضية الفل�سطينية. العام����ل الث����اين؛ تباي����ن الأقط����ار العربي����ة من حيث ال��ث�روة ،وال �سيم����ا بني الدول النفطية (اخلليجية خا�ص����ة) والدول الأخرى غري النفطي����ة ،وتعميم اخلط����اب ال�سيا�سي القائل ب�أن ه����ذه ثروة عربية ويج����ب �أن ُت ّ �سخر للمعرك����ة العربية مقابل اتهام����ات ب�أنها ت�سخر يف اجتاه معاك�س. العام���ل الثالث؛ متث���ل يف العدوان الثالثي عل���ى م�صر يف 1956 وان�سحاب �أمريكا من متويل بناء ال�سد العايل وعقد �صفقة الأ�سلحة الت�شيكي���ة مل�صر ،مما زاد من عداء �أم�ي�ركا والغرب لنا�صر الأمر ال���ذي دفعه �أكرث باجتاه املع�سك���ر اال�شرتاكي ،و�صبغ بالتايل حركة القومية العربية بلون �أكرث ي�سارية. العام���ل الرابع؛ متثل يف احل���رب العربية الب���اردة بني املع�سكر التقدم���ي واملع�سك���ر الرجعي (وفق��� ًا مل�صطلحات تل���ك احلقبة)، وت�صاعد هذا ال�صراع �إىل ال�صدام الع�سكري بني م�صر وال�سعودية يف اليمن بني .1967-1962العامل اخلام�س؛ كان هزمية النظامني امل�صري وال�سوري �أمام ا�سرائيل يف حرب يونيو ،1967التي �شكلت نقط���ة �إنعط���اف حا�سمة ،يف تاري���خ الفكر العرب���ي املعا�صر ،ذلك �أنه���ا �أ�سقط���ت القناع عن نق���اط ال�ضعف يف مكونات ه���ذا الفكر، 84
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
وال�سيما الفكر ال�سلط���وي ب�إ�سم القومية العربية ،الأمر الذي ق�سم حركة القوميني الع���رب وجعلها تبتعد عن نا�صر وتتبنى نهج ًا �أكرث ي�سارية. هذه العوامل جميعا ت�ضافرت لأن تكون احلركة القومية العربية ي�سارية ا�شرتاكية ولي�ست �شيئ ًا �آخر.
ق�ضيــــة العـــدد
ا�س��تمرار الإخف��اق م���ع �أن تراج���ع القومي���ة العربية كحرك���ة دافع���ة لل�سيا�س���ة يف احلي���اة العربية ،ب���د�أ بهزمية ،1967 �إال �أن ه���ذا الرتاجع و�صل ذروته بغزو الع���راق للكويت .1990وبذا خل���ت ال�ساحة من���ذ �أربعينيات وخم�سينيات الق���رن املا�ضي لليرباليني الدميقراطيني الع���رب مدفوعني بت�شجيع �إدارة كلينتون ووعودها بدعم التوجه���ات الدميقراطية ،ومع ذلك مل ينجح الأم���ر يف بروز تيار قومي ليربايل. �أح���د الأ�سباب له���ذا الف�ش���ل يع���ود لرتاج���ع الإدارة الأمريكية وتف�ضيله���ا اال�ستق���رار عل���ى الدميقراطي���ة يف دول املنطق���ة؛ �أو ًال لأن جت���ارب الإنفت���اح الدميقراطي �أفرزت الق���وى الإ�سالمية غري املرغ���وب يف بع�ضها �أمريكي ًا ،جتلى ذلك بو�ضوح يف اليمن والأردن وم�ص���ر والكويت والبحري���ن ،وثاني َا جاءت �أح���داث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتم�ب�ر 2001وبدء �إدارة بو�ش االبن عقيدة احلرب عل���ى الإره���اب لت�ؤكد تغري �أولويات �أم�ي�ركا يف املنطقة .ومع ذلك، يع���ود �أهم �أ�سباب ف�شل بروز تيار قومي ليربايل �إىل ه�شا�شة البنى االقت�صادي���ة امل�ستقلة ع���ن الدولة والت���ي تفرز طبيعي��� ًا برجوازية وطني���ة حاملة للمد اللي�ب�رايل ،ذلك �أن القط���اع اخلا�ص يف �أغلبه يف معظ���م الدول العربية يظ���ل جتاري ًا ولي�س �صناعي��� ًا ،ومنى هذا القط���اع اخلا����ص ،وال ي���زال ،يف ظل القط���اع الع���ام م�ستفيد ًا من العقود التف�ضيلي���ة واحل�صول على تراخي����ص اال�سترياد والإعفاء وعل���ى احل�صول عل���ى املعلومات وجتاوز القان���ون؛ كل ذلك يف ظل قط���اع الدولة ،ل���ذا مل يكن من م�صلحته حتري���ر االقت�صاد يف ظل مناف�س���ة كامل���ة ،وال يزال القط���اع اخلا�ص يحق���ق �أرباح ًا �أكرب يف ظ���ل الأو�ضاع الرمادية ما بني الت�أميم والتحرير �أكرث مما لو حترر االقت�صاد متام ًا. �إذ ًا تراج���ع املد القومي العربي وال �أمل ُيرى قريب ًا لتيار ليربايل ق���وي ،وبد�أ تراجع م���د الإ�سالم ال�سيا�سي بعد خم���ود فورة الت�أييد ل���ه الت���ي �شهده���ا العقد الأخ�ي�ر من الق���رن املا�ض���ي ،ورمبا يكون الرتاجع الكبري الذي �شه���ده التيار الإ�سالمي يف انتخابات الكويت الربملانية يف �شه���ر �أيار/مايو 2009بداية ل�سل�سلة من تراجعات تي���ار الإ�سالم ال�سيا�سي �ست�شهدها الدول العربية قريب ًا .هذا ي�ضع ت�س���ا�ؤالت �أكرث م���ن تلك التي بد�أنا بها ه���ذا املو�ضوع ،فمن �سيملأ الفراغ يف ظل تراجع التيارات ال�سيا�سية والفكرية الرئي�سية؟
�صراع الأدوار فـي املنطقة العربية حممد �سيف حيدر عمرو حمزاوي غ�سان العزي �سامح را�شد علي ح�سني باكري ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية
العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
85 2009
املحور
�صراع الأدوار «واملحاور» يف النظام العربي
ك�شف ح�ساب مت� ّأخر!
حممد �سيف حيدر ال يخفى على ُمتابعي و�ضع املنطقة العربية وحال نظامها الإقليمي �أن �ص���راع الأدوار و�سيا�س���ة املحاور التي تُلقي الي���وم بظاللها الثقيلة عل���ى امل�شه���د ال�سيا�سي العرب���ي ،ال تخرج عما هو م�أل���وف ومعتاد يف �س�ي�رورة هذا النظام ،الذي اقرتن ظهوره تاريخي ًا مع ظهور اجلامعة العربي���ة ،وزوال اال�ستعمار وحت���رر الدول العربية تباع��� ًا من قب�ضته الع�سكرية العاتية ،وتوجهها �إىل بناء ذاتها كدول حديثة ومقتدرة على مواجهة التحديات على اختالفه���ا� ،سيا�سي ًا واقت�صادي ًا واجتماعي ًا.. ال���خ .وقد ع���رف النظ���ام الإقليمي منذ حلظ���ة ن�ش�ؤه ه���ذا النوع من ال�ص���راع والتناف�س الإقليميني ،واالنق�س���ام والتكتل يف حماور عبرّ ت ع���ن نف�سها من خ�ل�ال انق�سام العرب ،خ�ل�ال خم�سينيات و�ستينيات الق���رن املا�ضي ،ب�ي�ن قوى “تقدمي���ة” و�أخرى “حما ِفظ���ة” .وكانت ال�سم���ة الأب���رز لهذا اال�ستقط���اب تكمن يف دخول هذه ال���دول �أو تلك �ضمن دائ���رة اال�ستقطاب الأيديولوجي الذي م ّيز النظام الدويل بني �أمريكا والغرب واالحتاد ال�سوفيتي واملنظومة اال�شرتاكية الدائرة يف ا�ستقطاب �أف���رز حرب ًا عاملية بارد ًة طويل���ة ا�ستمرت نحو فلك���ه ،وهو ٌ ن�صف قرن من الزمان. �إن �سيا�س���ة املح���اور ،كم���ا �ص���راع الأدوار ب�ي�ن كب���ار الالعب�ي�ن الإقليميني ،ال تختلف اليوم كثري ًا عن �سابقاتها بل هي امتداد طبيعي له���ا ،وهي جت ٍّ ���ل جوهري ومتوا�ص���ل لل�صراع العرب���ي -العربي حول �أجندة تبدو يف الظاهر عربية خال�صة ،لكنها يف واقع الأمر مل (ولن) تخدم �سوى �إ�سرتاتيجيات القوى الإقليمية والدولية وتوجهاتها ب�شكل �أ�سا�س���ي .واملده�ش يف الأمر �أن تو�صيف الت�صدّع العربي الراهن كما
86
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ه���و احلال مع الت�صدع���ات واالنق�سامات ال�سابق���ة ،وفرز العرب بني ق���وى “اعت���دال” يف مقابل ق���وى “ممانعة” �أو “متطرف���ة” ،قد �أتى م���ن خارج املنطقة باعتباره فرز ًا بني �أ�صدقاء �أمريكا – القوة الأوىل يف الع���امل -وبقية دول الغرب وبني خ�صومه���ا ،وكما يف املا�ضي فقد �ساهم���ت �إ�سرائيل يف بلورة هذا التو�صيف ،والنفخ فيه وترويجه بقوة على ال�صعيد العامل���ي .وبالفعل فقد مت ّكن الأمريكيون والإ�سرائيليون م���ن ت�شيي���د �سيا�سة حم���اور وحتالف���ات �إقليمي���ة ترتب���ط ب�أجندتهم اجليو�سرتاتيجية �أو ًال و�أخري ًا. ولعل حرب غزة مطلع العام اجلاري كانت قد عك�ست ذلك النجاح بو�ض���وح .فعلى �سبي���ل املثال� ،أ�ش���ارت وزيرة اخلارجي���ة الإ�سرائيلية ال�سابق���ة ت�سيبي ليفني ،يف ت�صريح لها �إ ّبان احلرب� ،إىل �أن ال�صراع الدائر يف منطقة ال�شرق الأو�سط “لي�س �صراع ًا بني العرب و�إ�سرائيل، ب���ل هو �صراع بني قوى االعتدال وقوى التطرف” فيها .وبالطبع ،ف�إن �إ�سرائي���ل تق���ف �إىل جانب قوى “االعتدال” العربي���ة ،كما �أن �أمريكا ودول الغرب ت�ش ّد على �أيدي هذه الدول كذلك. املحاجة الإ�سرائيلية ،املدعومة �أمريكي ًا و�أوروبي ًا، واحلال �أن هذه ّ ق���د لقيت �أ�ص���دا ًء وا�سعة النط���اق� ،ضمنية حين ًا و�ساف���رة يف �أحيان �أخ���رى ،ت�ؤي���د م�ضمونها وت�ؤكد علي���ه .وهكذا �أ�صب���ح الفرز حا� ً صال، و�أ�ضح���ت �سيا�سة املحاور الطابع الغالب على �سيا�سات املنطقة .ففي مع�سك���ر “املمانع���ة” ،وبت�أييد مطلق من �إي���ران الإ�سالمية ،تقف ك ٌّل م���ن �سورية وزوائد ال���دول ال�شاهرة لل�سالح (ح���زب اهلل واحلركات الفل�سطيني���ة املقاتل���ة) .وله���ذه الق���وى جميع��� ًا مواق���ف وا�ضحة من حممد �سيف حيدر مدير حترير جملة مدارات ا�سرتاتيجية ،وباحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.
ال�سيا�سة الأمريكية يف املنطقة ،وهي ترف�ض عملية ال�سالم يف �شكلها والطموح���ات الغاب���رة ،العاب���رة للح���دود ،للع���ب دور جيوبوليتيكي احلايل ب�ي�ن �إ�سرائي���ل والفل�سطيني�ي�ن ،وت�ؤيد �إ�سرتاتيجي���ة املقاومة حم���وري يف املنطقة (تركيا و�إي���ران) .وبالت�أكيد ،ف�إن هذا لن يكون امل�سلحة لـ “حترير الأر�ض من االحتالل”� .أما مع�سكر “االعتدال” �إال على ح�ساب ال���دول العربية ذاتها ،مهما حاولت املقاومة �أو حتى ِّ الت�شظي القائم على العربي فيقف على قمة هرمه دول كم�صر وال�سعودية والأردن وتون�س� ،إب���داء عدم اهتمامها مبا يحدث .كم���ا �أن هذا وتنطوي �سيا�ساتها على “تف ّه ٍم” للتوجهات الأمريكية يف املنطقة و�إن م�ست���وى �سيا�سات الدول انعك�س -ب�ص���ورة �أو ب�أخرى -على مواقف �شع���وب املنطقة والنخ���ب املثقفة ،والعالق���ات الطائفي���ة ال�سائدة، كانت ال تتفق معها متام ًا. وم���ا ب�ي�ن كال املع�سكرين تتذبذب �سيا�س���ات ومواقف لدول �أخرى وتع ّمقت على �إثره امل�شاعر القومية ال�شوفينية ال�ضيقة ،التي مل تكن احل ّدة ،يف �صفوف قطاعات غري قليلة من كقط���ر والإمارات وال�سودان واملغرب واجلزائر واليمن وغريها ،وهي موجودة يف املا�ضي بهذه ِ مواق���ف لي�ست وليدة قناع���ة �سيا�سية حمددة ت�ؤي���د ر�ؤية هذا املحور اجلماهري العربية. لك���ن كيف �سيخرج الع���رب من هذا النفق؟ يظل ه���ذا هو �س�ؤال حلاجات ذاتية وبرجماتية تفر�ضها �أو ذاك ،بل هي انعكا����س مبا�شر ٍ ُ �أجندة ال�سيا�سة املحلية وهاج����س ال�شرعية امل�ستدام ،وتعزيز املكانة ال�ساع���ة ،والإجابة عليه لي�ست جاهزة للأ�س���ف ،وت�شوب املحاوالت يف ظ���ل التناف����س الإقليم���ي ،بالإ�ضاف���ة �إىل متطلب���ات الدبلوما�سية الكث�ي�رة الت���ي حت���اول �صوغه���ا ت�ضارب���ات وتناق�ض���ات �صارخة يف التحليل وت�شو�ش كبري يف الر�ؤية ،لكن اخلطوة الأوىل والأكرث �أهمية العامة. ً ّ ويف ظل هذا التنافر يبدو النظام الإقليمي العربي يف حالة فو�ضى حاليا -كما تبدو يل -تكمن يف مل �شعث التنافر احلايل ب�ش�أن ق�ضية العرب املركزية وجتاوز النظرة اخلالفية حولها، �شامل���ة ،رمب���ا �أكرث من �أي وق���ت م�ضى ،ال�سيما ولع���ل التوافق على �ص���وغ مقارب���ة عربية موحدة و�أن العرب قد انق�سم���وا يف نظرتهم ملا اعتربوه ً ومن�سجم���ة �إزاء الق�ضي���ة الفل�سطيني���ة العتي���دة طوي�ل�ا “ق�ضيته���م املركزي���ة” �أي ق�ضية زمن��� ًا يبدو النظام الإقليمي قد ُي�سه���م بقوة يف التخفيف م���ن حالة االحتقان فل�سط�ي�ن ،واملوقف م���ن �إ�سرائيل الت���ي ما تزال العربي يف حالة فو�ضى الراه���ن ،ال�سيما و�أن هن���اك �إقرار عربي ،ر�سمي أرا����ض عربية وته���دد الكيانية العربية يف حتتل � ٍ �شاملة ،رمب��ا �أك�ثر من ���د �سواء ،ب�أهمية و�ض���رورة �إعادة ال�صمي���م بامتالكه���ا تر�سان���ة ع�سكري���ة هائلة و�شعب���ي على ح ٍّ �أي وقت م�ضى ،ال�سيما الأمور �إىل ن�صابها يف هذا املو�ضوع حتديداً. تت�ضمن املئات من القنابل النووية. انق�سموا قد العرب أن � و ب�سطاً، ً والثاب���ت �أن هذا التنافر ،وتلك الفو�ضى ،قد �صحيح �أن هذا احلل يبدو جزئيا ورمبا ُم ّ اعتربوه ملا نظرتهم يف لكن���ه يمُ هِّ���د بالفع���ل للخ���روج من عن���ق زجاجة تعززا خالل الأعوام الثالث���ة الأخرية ،وانعك�سا ً ً “ق�ضيتهم ال طوي ا زمن �سيا�سة املحاور التي ت�أخذ وهجها من دبلوما�سية �سيا�سي��� ًا على الو�ضع العرب���ي برمته وعلى نحو «الكي���د والكيد الآخر» ،واالرمتاء يف ح�ضن القوى ���ول توفيقية املركزية” �أي ق�ضية �سلب���ي متام��� ًا متظهر يف �ش���كل حل ٍ هم لها -وهذا ت�سويات قابلة للنكو����ص تارةً ،وتار ًة يف �ص���ورة ٍ الإقليمية والدولية املتوثبة والتي ال ّ فل�سطني ،واملوقف من ً ً لي�س �إثما �أو عيبا � -سوى احلفاظ على م�صاحلها غري �سو ّية وغري ُمر�ضية ،كما تبدت تارة �أخرى �إ�سرائيل التي ما تزال الوطنية وتلبية طموحاته���ا القومية ،بغ�ض النظر يف �صورة نك�سات اقت�صادية ونزاعات �سيا�سية أرا�����ض عربية حتتل � ٍ عن موقف العرب ،اتفقوا �أم اختلفوا. م���ا انفك���ت تتفاقم ،واه�ت�راء فك���رة الت�ضامن وت����ه����دد ال��ك��ي��ان��ي��ة ويف املرحلة التالية� ،سيكون من املهم -بالن�سبة ل�صالح فكرة ال�صراع والتناف�س على اال�ستفراد ال�صميم يف العربية ل�ص ّن���اع القرار الع���رب � -أن يعملوا على مراجعة مبقود قيادة القاطرة العربية ،بل وجتاوز الأمر ُ وتق���ومي �سيا�ساتهم الراهنة ،وعلى ر�أ�سها �سيا�سة جم���رد التناف�س على القيادة؛ لأن التناف�س يتم قيم وفق قواعد مقبولة بالتبادل من �أطراف النظام املح���اور الإقليمي���ة ،والنظر -من ث ّ ���م � -إىل ٍ ً كالت�ش���دد واالعتدال لي�س بو�صفه���ا قيما �سيا�سية العرب���ي ،وال يت�ضم���ن ني���ة الإ�ض���رار بالآخ���ر، جدي���رة باالحتفاء والتب ّن���ي ،ب���ل باعتبارها قيماً فيما تنط���وي العالق���ات العربية-العربية الآن ً و�أحكام���ا �أخالقية حد ّية وتكاد تكون �أيديولوجية، عل���ى ممار�سات غري م�ألوف���ة مل تتعارف عليها ً �أطرافه���ا كاف���ة ،بالإ�ضاف���ة �إىل الإعالن ال�صريح ع���ن نوايا �إف�ساد وعنده���ا �ستت�ضح لهم مثالبها اجل ّمة ،و�أنها ال تقدم حلوال بل تقولب احلال���ة العربية �أكرث وتزيده���ا ت�أزم ًا وا�ستع�ص���ا ًء .ناهيك عن �أنها م�ساعي الآخرين واالعتزاز بالنجاح يف حتقيق ذلك. توج���ه يق�ضي ب���ـ «رفع تك�ش���ف الدول العربية جميعها� ،سواء �أكان���ت «معتدلة» �أو»ممانعة»، والأخط���ر م���ن ذل���ك كل���ه ،تبلور م�ؤخ���ر ًا ّ اليدي���ن» ع���ن التدخل ب�ش���كل �إيجاب���ي وب ّناء يف ق�ضاي���ا عربية عدة �أم���ام خماطر وحتدي���ات متعاظمة ال ِق َبل له���ا مبواجهتها �أو التك ّيف ُم ِل ّح���ة وجوهرية ،وترك ال�ساحة لالعبني �آخرين من ذوي التطلعات معها دون دفع �أثمان باهظة ال تُطاق! ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
87 2009
املحور
زمن
�أوباما
حدود التغيري فـي ال�سيا�سة الأمريكية جتاه ال�شرق الأو�سط عمرو حمزاوي
�أجاد الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما يف توظيف الأ�شهر الأوىل لواليته ل�صناعة �صورة لدور و�سيا�سة القوة العظمى جتاه ال�شرق الأو�سط مغايرة عن تلك التي خلفتها �سنوات بو�ش بحروبها اال�ستباقية ومغامراتها الع�سكرية وا�ستهزائها ال�شديد بقواعد القانون الدويل وحقوق الإن�سان. 88
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
عمرو حمزاوي باحث �أول مبركز كارنيجي لل�شرق الأو�سط -بريوت. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
89 2009
املحور
فقد �أ�صدر �أوباما �أوامر ًا تنفيذي ًة مبعاملة معتقلي جوانتانامو التخل�ص من ال�صور النمطي���ة ال�سلبية لدى اجلانبني وت�ستعيد وفق ًا للمواثيق الدولية (معاهدات جنيف) وبتعليق حماكماتهم القراءة الأمريكية الإيجابي���ة للإ�سالم كدين ،وتذكر امل�سلمني ُراجع خالله���ا �أ�سالي���ب التقا�ضي بت�سامح املجتمع الأمريكي الذي يحت�ضن اليوم ما يقرب من 7 اال�ستثنائي���ة لأ�شه���ر �أرب���ع ت َ املتبع���ة �إزائه���م �ضمان��� ًا الح�ت�رام حك���م القان���ون ،وبالإغالق مليون مواطن م�سلم .وللتدليل يف هذا ال�سياق ،ا�ستدعى �ساكن النهائ���ي للمعتق���ل بداي���ة ع���ام ،2010وكذلك ب�إل���زام وكاالت البيت الأبي�ض خربته الذاتي���ة واخللفية الإ�سالمية لأ�سرة �أبيه اال�ستخب���ارات الأمريكي���ة ب�إغ�ل�اق ال�سج���ون ال�سري���ة ملعتقلي يف ه���ذا ال�سياق ،و�أ�شار �أك�ث�ر من مرة �إىل اللحظ���ات امل�ضيئة احل���رب على الإرهاب خارج الواليات املتحدة وباحرتام مبادئ يف تاري���خ التعاون ب�ي�ن الواليات املتحدة وامل�سلم�ي�ن ،وا�ست�شهد وج���ه �أوباما �أي�ض ًا القي���ادة الع�سكرية للجي�ش ب�آيات القر�آن الكرمي ليعطي خلطابه روحية خمتلفة بجالء عن حق���وق الإن�سانّ . الأمريك���ي يف العراق باعتماد خطط لالن�سح���اب ال�سريع وفق ًا توجهات �سلفه. لوع���ده االنتخابي القا�ضي ب�إجناز ان�سح���اب الوحدات املقاتلة تن���اول �أوباما يف ال�شق الثاين من خطاب���ه الق�ضايا املحددة خالل العام املقبل ،كما ع�ّي�نّ ال�سيناتور ال�سابق جورج ميت�شيل الت���ي ت�شكل ،كما ق���ال ،م�ص���ادر التوتر يف العالق���ة الأمريكية مبعوث ًا رئا�سي ًا لق�ضاي���ا ال�سالم يف ال�شرق الأو�سط ،و�أر�سله يف م���ع الع���رب وامل�سلمني ،مو�ضح��� ًا املبادئ واخلط���وط العري�ضة ج���والت متتالية للمنطقة لإحياء امل�س���ار التفاو�ضي الفل�سطيني ل�سيا�سات���ه يف املرحلة القادمة ،وم�صارح ًا جمهوره الوا�سع ب�أن الإ�سرائيل���ي والنظر يف �إمكانية التفاو�ض بني �إ�سرائيل وكل من هدف���ه يظل هو حماي���ة امل�صالح الأمريكية .ت�ص���درت القائمة �سورية ولبنان. هن���ا الرتكة الثقيل���ة التي ورثها �أوباما عن بو����ش يف �أفغان�ستان وتواكب م���ع هذه الفاعلية التنفيذية دبلوما�سية عامة ن�شطة والع���راق وال�ص���راع مع تنظي���م القاعدة ،وكان الفت��� ًا ا�ستبدال وجذابة ل�ل��إدارة اجلديدة قلبها خطاب���ات وت�صريحات �أوباما �أوبام���ا الدقيق لكلم���ة الإرهاب ولعبارة احل���رب على الإرهاب املتتالية حول �أهمية تطوير عالقة �إيجابية بني وا�شنطن والعامل بكلم���ات كالعنف والتط���رف والراديكالية وبعب���ارات كمواجهة العربي-الإ�سالم���ي ت�ستن���د �إىل االح�ت�رام املتب���ادل وامل�صالح التنظيم���ات العنفية وحتمية ال�شراك���ة العاملية لالنت�صار عليها امل�شرتك���ة .وال �شك �أن خطاب القاهرة يف الرابع من حزيران( /وه���و م���ا ينتق���د عليه �أوبام���ا الي���وم ب�شدة من جان���ب اليمني يوني���و املا�ض���ي كان هو الأب���رز جلهة عر�ض خط���وط ال�سيا�سة الأمريك���ي) .وتواكب مع ا�ستبدال املف���ردات �سيئة ال�سمعة بني اخلارجي���ة الأمريكية يف ال�شرق الأو�سط .واحلقيقة �أن الرئي�س الع���رب وامل�سلمني والوعد بالرجوع ع���ن االنفرادية الأمريكية، �أوبام���ا �أج���اد توظي���ف خطاب���ه لإظه���ار م�ساح���ات االختالف الت�أكي���د على عزم الوالي���ات املتحدة �إنه���اء وجودها الع�سكري يف العراق وفق ًا للج���دول الذي �سبق �إعالنه والتماي���زات النوعي���ة ب�ي�ن مقارب���ة �إدارته (الق���وات املقاتل���ة يف �صي���ف 2010وجمي���ع للعامل الإ�سالمي وممار�سات �إدارة بو�ش يف �شدد �أوباما على �أولوية الق���وات يف )2012ودون احتف���اظ بقواع���د الفرتة � .2008-2000أفرد �أوباما ال�شق الأول من خطاب���ه للت�أكي���د على رغبت���ه يف طوي الت�أ�سي�س لبداية جديدة ع�سكري���ة هن���اك ،وكذلك نزوعه���ا للخروج من �أفغان�ستان ما �أن ت�ستقر �أو�ضاعها� .أ�شار �صفح���ة احلرب عل���ى الإرهاب وم���ا رتبته بني الواليات املتحدة ً �أوبام���ا �أي�ض���ا �إىل �شمولية مواجه���ة �إدارته م���ن توتر يف العالقة ب�ي�ن الواليات املتحدة والعامل الإ�سالمي تعمل للتنظيمات العنفية التي تهدد الأمن القومي وامل�سلم�ي�ن والت�أ�سي�س لبداي���ة مغايرة تعول على التخل�ص من ال�صور الأمريك���ي وجتاوزها اعتم���اد بو�ش الأحادي على ال�سالم واالح�ت�رام املتبادل وامل�صالح النمطية ال�سلبية لدى عل���ى الأدوات الع�سكرية لتدم���ج بينها وبني امل�شرتك���ة .فف���ي مقاب���ل مغام���رات بو����ش اجلانبني البح���ث ع���ن حل���ول �سيا�سي���ة ،وال�سعي �إىل الع�سكري���ة يف �أفغان�ست���ان والع���راق ،والتي تنمي���ة املجتمعات واملناطق التي تن�شط فيها و ّلدت انطباع ًا غالب ًا بني امل�سلمني ب�أن القوة العظم���ى ت�ش���نّ حرب ًا عليهم ،وبع���د �صياغات الرئي����س ال�سابق القاعدة وغريها. �أم���ا فيما خ����ص الق�ضي���ة الفل�سطينية وال�ص���راع العربي- املتك���ررة الت���ي خلطت ب�ي�ن الإره���اب والإ�س�ل�ام كالفا�ش�ستية الإ�سالمي���ة وغريها� ،شدد �أوباما على �أولوي���ة الت�أ�سي�س لبداية الإ�سرائيلي وم�ستقبل الت�سوية ال�سلمية ،فتوافق �أوباما يف التزامه جدي���دة ب�ي�ن الواليات املتح���دة والع���امل الإ�سالم���ي تعمل على بحل الدولتني وحديثه عن حق �إ�سرائيل امل�شروع يف الوجود وحق 90
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
الإ�صغاء �إىل �أوباما :حاول الرئي�س الأمريكي توظيف خطاب القاهرة لإظهار �أنه يختلف كثري ًا عن �سلفه
ال�شع���ب الفل�سطين���ي يف ت�أ�سي�س دولته مع اخلط���وط العري�ضة ملوقف �إدارة بو�ش املعلن .ويف حني عجز بو�ش عن حتويل موقفه �إىل �سيا�س���ة فعال���ة النحيازه غ�ي�ر امل�سبوق لإ�سرائي���ل ورف�ضه ال�ضغط عليها ،ف� ً ضال عن ت�أخر اهتمامه بالق�ضية الفل�سطينية �إىل العام�ي�ن الأخريي���ن من عمر �إدارته الثاني���ة ،بدا �أوباما يف القاه���رة -وعلى الرغم من عمومية مالحظاته يف هذا املجال مبظه���ر الراغب يف ال�ضغط عل���ى حكومة اليمني الإ�سرائيليةلإلزامها بحل الدولتني وتعهدات خارطة الطريق ،ويف مقدمتها وق���ف اال�ستيطان يف ال�ضف���ة الغربية .امل�ساح���ة الهامة الثانية للتغي�ي�ر يف ال�سيا�سة الأمريكية جت���اه الق�ضية الفل�سطينية التي ت�ضمنه���ا اخلطاب هي تلك املتعلقة بحما����س التي امتنع �أوباما عن و�صفها بالإرهابية كد�أب �سلفه ،بل و�أعرتف عملي ًا ب�شرعية وجودها ودورها كحركة ي�ؤيده���ا قطاع وا�سع من الفل�سطينيني قب���ل �أن يطالبه���ا باحرتام خارطة الطري���ق .وال �شك عندي يف �أن تق���دمي االعرتاف ب�شرعية الوجود والدور على املطالب �إمنا يع�ب�ر عن انفتاح ول���و حمدود من جان���ب الإدارة اجلديدة على حما�س وا�ستعداد على الأقل جزئي للدخول معها يف حوار.
ثم تط���رق �أوباما �إىل امل�س�ألة النووي���ة ويف موقع القلب منها الربنامج النووي الإيراين ليعمم ويخ�ص�ص ،فعمم بجعل هدف عامل خال من الأ�سلحة النووية عنوان ًا عري�ض ًا وعاملي ًا لل�سيا�سة وخ�ص����ص بالق���ول ب�أن لإي���ران ولغريه���ا من دول الأمريكي���ةّ ، ال�شرق الأو�س���ط احلق يف امتالك التكنولوجيا النووية ال�سلمية يف �إط���ار املواثيق الدولية (معاهدة احلد من االنت�شار النووي) وعليه���ا االمتناع ع���ن تطوير برام���ج للت�سلح الن���ووي .جمدد ًا، اختلف���ت مقاربة �أوباما هن���ا عن �سلفه الذي عم���د للتعامل مع الربنام���ج الن���ووي الإي���راين كم�ص���در تهدي���د ينبغ���ي حتييده بال�ضغط على اجلمهوري���ة الإ�سالمية من خالل عقوبات دولية وغربي���ة وتلويح ب�إمكانية ا�ستخ���دام الأداة الع�سكرية .مثل هذه املفردات ت���وارت تدريجي ًا م���ع الإدارة اجلدي���دة وح ّلت حم ّلها مف���ردات مغاي���رة �صاغها �أوباما يف خط���اب القاهرة جوهرها االنفت���اح الدبلوما�سي عل���ى �إيران بعر�ض حل���وار مبا�شر حول النووي وغريه من الق�ضايا العالقة بني الدولتني ،وكذلك حتويل االنت�شار الن���ووي يف ال�شرق الأو�سط �إىل م�شكلة ال تقت�صر على برنام���ج �إيراين يتطور اليوم بل متتد �إىل دول �أخرى ،يف �إ�شارة ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
91 2009
املحور
«راعي ال�سالم»� :أظهر �أوباما خالل الأ�شهر الأوىل من واليته اهتمام ًا وا�ضح ًا لتحقيق ت�سوية لق�ضية ال�شرق الأو�سط
جريئة �إىل ال�سالح النووي الإ�سرائيلي. م ّثلت ملف���ات الدميقراطية واحلرية الديني���ة وحقوق املر�أة والتنمية االقت�صادية بقية الق�ضايا امل�سببة للتوتر بني الواليات املتحدة والعامل الإ�سالم���ي وفق ًا لأوباما ،وجاءت مواقفه حولها م�ستهدف��� ًة �إزال���ة لب�س من جه���ة ،وجتاوز اخت���زال العالقة بني الطرف�ي�ن �إىل ال�ش�ؤون ال�سيا�سية فقط م����ن جهة �أخرى .والواقع خ�ص �أنه م�س����ار متعرج هذا الذي ت�سري علي����ه �إدارة �أوباما فيما ّ ملف����ات الدميقراطي����ة وحقوق الإن�س����ان يف الع����امل العربي .فقد �شه����دت الأ�شه����ر الأوىل م����ن عم����ر الإدارة تقلي�ص����ا حقيقي����ا يف املخ�ص�صات املالية لربامج دعم الدميقراطية ،كان �أكرث حاالته و�ضوح����ا طلب البي����ت الأبي�ض من الكوجنر�����س يف موازنة 2009- 2010اعتماد 20مليون دوالر لربامج دعم الدميقراطية واملجتمع امل����دين يف م�ص����ر ،عو�ض���� ًا ع����ن 50ملي����ون دوالر طلبته����ا �إدارة بو�ش قب����ل رحيلها يف موازن����ة .2009-2008تراجع كذلك توظيف مف����ردات الدميقراطي����ة واحلري����ة وحقوق الإن�س����ان يف اخلطاب العلن����ي لرم����وز الإدارة ح����ول الع����امل العرب����ي وق�ضاي����ا ال�سيا�سة الدولية ب�صورة عامة ،وت����رك من�صب امل�سئول عن الدميقراطية وحقوق الإن�سان يف جمل�س الأمن القومي ومن�صب م�ساعد وزيرة اخلارجية ل�ش�����ؤون الدميقراطية وحقوق الإن�سان والعمل – وهما املعنيان بالتخطيط الإ�سرتاتيجي وبالت�سيري العملي لربامج دعم 92
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
الدميقراطية � -شاغرين دون تعيني �إىل اليوم. بي����د �أن �أوباما ،وعلى خالف التو ّقعات الغالبة داخل الواليات املتح����دة وخارجه����ا ،ع����اد وتطرق يف خطاب����ه للع����امل الإ�سالمي م����ن القاه����رة �إىل دع����م الدميقراطية ب�صياغ����ات مركبة دللت، م����ن جهة ،عل����ى كونها ما زالت ت�ش����كل �إحدى �أولوي����ات وا�شنطن الرئي�سي����ة ،ومن جهة �أخ����رى ،على تبلور ق����راءة نقدية يف �أروقة الإدارة احلالي����ة ملمار�سات �سابقتها يف ه����ذا املجال .عرب �إ�شارة �سالبة �صريحة �إىل احلرب على العراق� ،سعى �أوباما �إىل التطهر م����ن خطيئة اخللط بني الدميقراطية وتغيري نظم احلكم املناوئة للوالي����ات املتحدة با�ستخ����دام القوة امل�سلحة الت����ي ارتكبها �سلفه وول����دت بني العرب وامل�سلمني العديد من ال�شكوك حول الأهداف الأمريكي����ة احلقيقية من وراء رفع �شع����ار دعم الدميقراطية .ثم �أتبع ذلك ،وعرب �إ�ش����ارة �سالبة ثانية و�إن مبطنة لرف�ض الواليات املتحدة االعرتاف بنتائ����ج االنتخابات الت�شريعية الفل�سطينية يف 2006التي جاءت بحركة حما�س �إىل مقاعد ال�سلطة وما رتبه من نقا�ش وا�سع حول ازدواجية معايري �إدارة بو�ش ونزوعها �إىل قبول املمار�س����ة الدميقراطية فقط حال ر�ضائها عن نتائجها ،بت�شديد عل����ى حتمي����ة اح��ت�رام حق ال�شع����وب يف اختي����ار حكامه����ا بحرية دون تدخ����ل خارج����ي وعل����ى �أن وا�شنطن �ستقب����ل كل احلكومات املنتخبة دميقراطي���� ًا حتى و�إن اختلفت معه����ا� ،شريطة التزامها
�سلمي����ة احلياة ال�سيا�سية بالتخلي ع����ن القمع وتطبيقها مفردات وافقت على طلب القاهرة االلتزام بق�صر تقدمي الدعم حلركات الدميقراطي����ة الرئي�سية املتمثلة يف حكم القانون وتداول ال�سلطة املجتم����ع امل����دين ومنظمات حق����وق الإن�سان على تل����ك احلركات و�ضم����ان حريات املواطن��ي�ن وامل�ساواة بينهم عل����ى تنوع هوياتهم واملنظمات التي حتظى بقبول ال�سلطات امل�صرية. �أم���ام �إدارة �أوباما �أي�ض ًا حتديان �إ�ضافيان حتم ًا �سيعوقان الدينية واملذهبية والعرقية. عل����ى هات��ي�ن الإ�شارت��ي�ن ال�سالبتني ،ع���� ّول �أوبام����ا يف خطاب جهوده���ا لتطوي���ر مقاربة واقعي���ة من ق�ضاي���ا الدميقراطية القاه����رة لإع����ادة الدميقراطي����ة �إىل �ساح����ة فعله����ا الواقعي����ة يف وحقوق الإن�سان يف الع���امل العربي� ،أولهما يتمثل يف ا�ستعادة ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة الأمريكي����ة كم����ا ر�سمته����ا �إدارات احلزب الوالي���ات املتح���دة للبع����ض املحدود م���ن امل�صداقي���ة الذي الدميقراطي منذ نهاي����ة ال�سبعينيات (كارتر وكلينتون) ونظرت راكمت���ه يف هذا املج���ال منذ نهاية ال�سبعيني���ات وفقدته على م����ن خاللها وا�شنطن �إىل مفردات حكم القانون وتداول ال�سلطة وق���ع انته���اكات وجت���اوزات احل���رب عل���ى الإره���اب ،وبفعل واحلري����ة وامل�س����اواة بني املواطن��ي�ن كحقوق �إن�س����ان عاملية تدافع التعام���ل مزدوج املعايري مع نتائج االنتخابات الفل�سطينية يف عنها وتدع����م التطور نحوها بالو�سائ����ل ال�سلمية حني ال يتعار�ض ،2006وكالهم���ا خ ّل���ف مرارة خا�صة بني الع���رب وامل�سلمني. �أم���ا التحدي الإ�ض���ايف الثاين فيتعل���ق ،وبالرغم م���ن ت�أكيد ذلك مع حماية م�صاحلها الإ�سرتاتيجية الكربى. مل يكن تطرق �أوباما �إىل دعم الدميقراطية يف خطاب القاهرة �أوبام���ا يف خطاب القاهرة على رغب���ة �إدارته قبول احلكومات مبج����رد التنازل االعتذاري ملنتقديه داخ����ل الواليات املتحدة ويف املنتخب���ة دميقراطي��� ًا �شريطة التزامها �سلمية احلي���اة ال�سيا�سية العامل العربي الذين الم����وا عليه عدم التوجه �إىل عا�صمة �أخرى حتى و�إن اختلفت م���ع وا�شنطن ،بال�صعوبات اجل ّمة التي تعرت�ض ذات �سج����ل �أف�ض����ل يف جم����ال الدميقراطية ترجم���ة ه���ذه اللغة املبدئي���ة �إىل �سيا�سات يف وحقوق الإن�سان ،بل تعبري عن مقاربة واقعية ف�ضاء �إقليمي به م���ن امل�صالح الإ�سرتاتيجية الأمريكية وما يرد عليها من تهديدات ال�شيء جديدة تعمل �إدارته على تطويرها يف ف�ضاء حاول �أوباما يف الكث�ي�ر .و�إن حالت نتائج االنتخابات اللبنانية �إقليم����ي متل�����ؤه جيو�-إ�سرتاتيجي���� ًا و�سيا�سي ًا خطاب القاهرة �إعادة الأخرية التي جرت يف حزيران /يونيو املا�ضي التحديات والقيود املو�ضوعية قبل املحفزات. الدميقراطية �إىل مب���ا �أف�ض���ت �إليه م���ن انت�صار وا�ض���ح للقوى فاحلكوم����ات العربي����ة ال�صديق����ة لوا�شنطن �ساحة فعلها الواقعية القريبة من الوالي���ات املتحدة دون فر�ض �أول تنف�ست ال�صع����داء بعد رحي����ل بو�ش وترغب يف ال�سيا�سة اخلارجية اختبار جدي على �إدارة �أوباما يف هذا ال�سياق يف تكثي����ف تعاونه����ا معها جله����ة التعاطي مع الأمريكية كما ر�سمتها كانت �ستواجهه �إن جنح حزب اهلل وحلفائه يف امللف����ات الإقليمية التي �أهمله����ا بو�ش طوي ًال �إدارات احلزب احل�صول على �أغلبية برملانية� ،إال �أن تطورات كالق�ضية الفل�سطيني����ة� ،أو �أخفق يف �إدارتها الدميقراطي منذ امل�شه���د الإيراين بع���د االنتخاب���ات الرئا�سية كتداعيات احلرب على العراق وما �صاحبها نهاية ال�سبعينيات متتحن اليوم بدق���ة ويف مو�ضع �إقليمي قريب من تهدي����د لرتتيب����ات �أمنية ب����دت م�ستقرة من الع���رب وم�ؤث���ر يف �ش�ؤونه���م قدرتها على قبل ،2003ومتدد يف النفوذ الإقليمي لإيران �أ�ضح����ى ي�شكل خط����ر ًا على امل�صال����ح الأمريكي����ة والعربية .هذه التمو�ض���ع بحيادي���ة �إزاء امل�ص�ي�ر ال�سيا�س���ي لفريق�ي�ن� ،أحدهما احلكوم����ات �سئم����ت خ��ل�ال الأع����وام املا�ضية خط����اب بو�ش حول ينا�صبها �صريح العداء بينما يبدو الآخر راغب ًا يف االنفتاح عليها. الدميقراطي����ة و�صنفت املمار�سات املرتبط����ة به كتدخل مرفو�ض لن متك���ن التحدي���ات والقي���ود املو�ضوعي���ة النابعة م���ن الف�ضاء يف �ش�ؤونه����ا الداخلي����ة ،وه����ي الي����وم �أبعد ما تكون ع����ن الرتحيب الإقليم���ي �أوبام���ا م���ن جتاوز م�س���ار �إدارت���ه املتعرج ب�ش����أن دعم بامل�ساعي الأمريكية لتجديد �سيا�سة دعم الدميقراطية حتى و�إن الدميقراطية وحقوق الإن�سان ،بل الأرجح �أن تفر�ض عليه ،خا�صة اختلفت الوجهة وامل�ضامني مع الإدارة احلالية عن �سابقتها. مع ازدحام الأجن���دة العربية باالنتخاب���ات الرئا�سية والت�شريعية ً الأمر الالف����ت هنا هو �أن بع�ض احلكوم����ات العربية ،مدفوعا الهامة يف العامني القادمني ،املزيد من تعرج الأفعال واملمار�سات بقناع����ة لها م����ا يربرها تق�ض����ي باحتي����اج الوالي����ات املتحدة لها وتراجع تدريجي الحق للغة املبدئية خلطاب القاهرة. حلماي����ة م�صاحله����ا الإ�سرتاتيجية يف عاملن����ا� ،شرعت بنجاح يف ه���ذه ،دون مبالغ���ات ت�شا�ؤمي���ة �أو توقع���ات مرتفع���ة ال�سقف، الت�أ�سي�����س مل�شروطي����ة عك�سية ته����دف ل�ضبط احلوار م����ع �أوباما م�ساحات االختالف والتمايزات النوعية بني �إدارة �أوباما والإدارة ح����ول الدميقراطية وفق���� ًا لإيقاعاتها هي ولي�����س بال�ضرورة لتلك ال�سابقة ،ت�شكل جمتمعة تر�شيد ًا �إيجابي ًا لل�سيا�سة الأمريكية جتاه ال�صادرة عن وا�شنطن .على �سبيل املثال� ،أ�شارت �صحيفة Wallالعرب وامل�سلمني ،وبحث ًا عن ت���وازن غاب خالل الأعوام املا�ضية Street Journalيف تقري����ر �أخري له����ا �إىل �أن اخلارجية الأمريكية وتطرح علينا فر�ص ًا ينبغي توظيفها بوعي. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
93 2009
املحور
الدور الأوروبي
ّ املعطل فـي ال�شرق الأو�سط غ�سان العزي
ال ت�ستطي���ع �أوروبا جتاه���ل منطقة ال�ش���رق الأو�سط، وذل���ك لي����س فق���ط لأ�سب���اب تاريخي���ة وجغرافي���ة و�سيا�سية واقت�صادية ولكن �أي�ض ًا لأنها م�سئولة معنوي ًا ع���ن �صراعات هذه املنطق���ة (الكولونيالية الأوروبية, اتفاقي���ة �سايك����س -بيك���و ,وع���د بلف���ور ,االنتداب���ان الفرن�سي والإنكليزي ..الخ). وق����د ت�شكلت املجموع����ة االقت�صادية الأوروبي����ة يف العام 1957من �ست دول كانت منحازة للدولة العربية النا�شئة قبل �أن ت�صوغ فرن�سا, بزعامة اجلرنال �شارل ديغول� ,سيا�سة عربية متميزة جنحت يف دفع الأوروبي��ي�ن نحو �سيا�س����ات �أكرث اقرتاب ًا من احلق����وق العربية� .ساعد يف ه����ذا التغ��ي�ر القرار العرب����ي ,غداة ح����رب ت�شري����ن الأول�/أكتوبر ,1973بحظر ت�صدير النفط �إىل ال����دول املنحازة لإ�سرائيل .وبعدها بعام��ي�ن انطل����ق احلوار العرب����ي -الأوروب����ي لكن م����ن دون �أن يحقق نتائ����ج تُذ َكر خارج البيان����ات الأوروبية امل�ؤيدة للحق����وق الفل�سطينية, والت����ي ,على �أهميتها ,مل تتحول �إىل �أفعال ووقائع� .أهم هذه البيانات �إع��ل�ان البندقي����ة يف حزيران/يوني����و 1980ال����ذي طال����ب ب�إ�ش����راك منظمة التحرير الفل�سطينية يف مفاو�ضات الت�سوية ،واعتبار امل�شكلة 94
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
غ�سان العزي �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف اجلامعة اللبنانية ،بريوت.
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
95 2009
املحور الفل�سطينية لي�ست جمرد م�شكلة الجئني �إن�سانية بل م�شكلة �سيا�سية ت�ؤثر يف اال�ستقرار الدويل ,ويطالب بان�سحاب �إ�سرائيل من الأرا�ضي العربي����ة التي احتلتها يف العام 1967ويعترب امل�ستوطنات غري �شرعية وعقبة يف وجه ال�سالم .هذا الإعالن “التاريخي” الذي ذهب �أبعد م����ن معاه����دة كام����ب ديفيد الت����ي �أيده����ا الأوروبيون� ،ساه����م وقتها يف تعك��ي�ر �صفو عالقته����م بالأمريكيني والإ�سرائيلي��ي�ن الذين راحوا يرف�ضون كل مقرتحات ال�سالم الأوروبية من قبيل عقد م�ؤمتر دويل لل�سالم على �سبيل املثال. بعد ذلك ،ومببادرة من فرن�سا يف ظل الرئي�س فران�سوا ميرتان، انفتح����ت �أوروبا على منظمة التحري����ر الفل�سطينية ،وراحت ت�ستقبل ممثليه����ا يف وق����ت كان الرئي�����س الأمريك����ي رونال����د ريغ����ان ي�صفها ب�أنه����ا ع�صابة قتلة �أطفال .يف ال�سبعيني����ات والثمانينيات من القرن الع�شري����ن ح�صل����ت متغ��ي�رات عدي����دة يف الع����امل وال�ش����رق الأو�سط (ال�س��ل�ام امل�صري -الإ�سرائيلي ,الثورة الإيرانية ,احلرب العراقية الإيرانية ,االجتي����اح ال�سوفييتي لأفغان�ستان ,االجتياح الإ�سرائيليللبنان ...ال����خ) اتخذت املجموعة االقت�صادي����ة الأوروبية ,يف ُج ّلها, مواق����ف متماي����زة �إىل حد كبري ع����ن حليفها الأمريك����ي لكن دون �أن يكون لها ت�أثري فاعل يف تطور الأحداث. م����ع انهي����ار املع�سك����ر ال�شرق����ي وانتهاء احل����رب الب����اردة� ،سارع الأوربي����ون �إىل التك ّيف مع النظام ال����دويل اجلديد فتم التوقيع على معاه����دة االحت����اد الأوروبي يف ما�سرتيخ����ت يف �شباط/فرباير 1992 التي حتمل طموحات احتادية يف كافة املجاالت ال�سيا�سية والدفاعية واالقت�صادي����ة وغريه����ا� .أيد الأوروبي����ون اتفاقات �أو�سل����و يف �أيلول/ �سبتم��ب�ر 1993ثم اتف����اق وادي عربة بعدها بعام واح����د ،رغم �أنهم غ ّيب����وا متام ًا عن م�ؤمتر مدري����د يف ت�شرين الأول�/أكتوبر 1991بدفع من �إ�سرائيل التي اتهمتهم باالنحياز للعرب. ويف العام 1996كان لفرن�سا دور كبري يف ا�ستيالد تفاهم ني�سان/ �أبري����ل عقب الع����دوان الإ�سرائيل����ي الوا�سع على لبن����ان .ويف خريف الع����ام 1995كان التوقيع على �إعالن بر�شلون����ة وال�شراكة الأورو- ف�سره����ا البع�����ض ب�أنها رد عل����ى م�ش����روع “ال�شرق متو�سطي����ة الت����ي ّ الأو�سط اجلديد” الأمريكي .هذا
مع �أن االحتاد الأوروبي ميتلك الكثري من مقومات القوة لكنه يبدو عاجز ًا عن الفعل والتغيري يف ال�ساحة الدولية ،ومن �ضمنها ال�شرق الأو�سط. وال�سبب �أنه ي�شكو من عنا�صر طاردة للفعالية 96
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
الإعالن ط����رح قاعدة للتعاون ال�شامل بني ال����دول الـ 27املوقعة (15
دولة �أوروبية و 8دول عربية ،بالإ�ضافة �إىل تركيا و�إ�سرائيل ومالطا)، وعك�����س ر�ؤية االحتاد الأوروبي ملا ينبغ����ي �أن تكون عليه عالقته بدول حو�ض املتو�سط ،وذلك من خالل م�أ�س�ستها وحتديدها وحتويلها من تع����اون �إىل �شراكة وت�ضمينها ال�سيا�س����ة والأمن والثقافة واالجتماع، �إىل جانب الأمور التقنية والفنية بدل �أن تبقى كما كانت عليه جمرد عالقة اقت�صادية فنية. وعل����ى الرغ����م م����ن �أن االحت����اد الأوروب����ي عق����د اتفاقي����ة تعاون جتاري����ة مع �إ�سرائيل تتي����ح له ممار�سة بع�ض و�سائ����ل ال�ضغط (مثل وقف ال�صادرات م����ن امل�ستوطنات الإ�سرائيلي����ة)� ،إال �أنه افتقد �إىل الإرادة ال�سيا�سي����ة ملمار�س����ة مثل ه����ذا ال�ضغط بذريع����ة �أن الفل�سفة العام����ة التي يتبناها تقول ب�أن ممار�س����ة ال�ضغوط ب�شكل عام ,وعلى �إ�سرائيل ب�شكل خا�ص ,ت�ؤدي �إىل نتائج عك�سية ،وبالتايل فهو يف�ضل اللجوء �إىل “اجلزرة” لأنها �أكرث �إفادة من “الع�صا” .يف املقابل، ف�إن امل�ساع����دات املالية والقانونية وال�سيا�سي����ة التي يقدمها االحتاد الأوروبي ,املم����ول الأول لل�سلطة الفل�سطيني����ة ,جنحت يف الت�أثري يف ه����ذه الأخ��ي�رة ودفعه����ا �إىل التوقيع عل����ى اتفاقيات عدي����دة وت�أجيل �إعالن الدولة الفل�سطينية من طرف واحد. ويف املح�صل����ة ،رغ����م انعق����اد م�ؤمترات عدي����دة يف �إط����ار م�سار بر�شلون����ة و�سيا�سة اجلوار الأوروبي����ة املكملة له ،ورغم �صدور بيانات مهم����ة عدي����دة خالل����ه �إال �أن بر�شلون����ة مل تُ�سفِ����ر عن نتائ����ج ح�س ّية �شجع����ة ،وبالت����ايل بقيت امل�ش����كالت املتو�سطية قائم����ة �أكرث من �أي ُم ِّ وق����ت م�ضى مع م����ا يرتتب عنها من �أزمات وم�شاع����ر �إحباط .ولهذا ال�سبب �أراد الرئي�س �ساركوزي �إن�شاء “االحتاد من اجل املتو�سط”، والذي ما يزال من املبكر احلكم عليه وهو ما يزال يف طور البناء. بعد تفج��ي�رات � 11أيلول�/سبتمرب 2001ان�ض����م االحتاد الأوروبي �إىل الوالي����ات املتحدة يف حربها على الإرهاب .لكن بعد احلرب على �أفغان�ست����ان بدا امل�شهد خمتلف ًا حينما ق����ررت وا�شنطن �شنّ احلرب عل����ى العراق ,كذل����ك عندما حاول رئي�س ال����وزراء الإ�سرائيلي �أرييل �شارون اال�ستفادة من الأجواء الدولية يف حماولة لت�صفية ما ي�سميه “الإرهاب الفل�سطيني” .لقد عار�ضه االحتاد الأوروبي الذي طالب ب�إج����راء حتقيق دويل ح����ول جمزرة جنني ،وعق����د م�ؤمتر دويل حلل امل�شكل����ة الفل�سطيني����ة ،و�إر�سال مراقبني دولي��ي�ن �إىل فل�سطني وغري ذلك من املقرتحات التي مل جتد �سبي ًال �إىل التنفيذ ب�سبب املعار�ضة الإ�سرائيلي����ة املدعومة م����ن الأمريكيني .رغم ذلك �أي����دت �أوروبا كل امل�شاري����ع الت����ي تقدمت به����ا الإدارة الأمريكية و�أ�س����دت الن�صح �إىل ال�سلطة الفل�سطينية بالتعامل معها ب�إيجابية وواقعية .هذا ما ح�صل خلط����ط ميت�شِ ل وزيني وتينيت وخلارط����ة الطريق التي �شكل االحتاد الأوروب����ي �أحد �أقطابها الأربع (م����ع الواليات املتحدة ورو�سيا والأمم املتح����دة) ،والتي �أتت �إثر تغري ا�سرتاتيجي كبري يف املنطقة ناجت عن االحتالل الأمريكي للعراق ،وبعد املبادرة التي �أعلنها العرب يف قمة ب��ي�روت يف العام ،2002ور�ؤية جورج بو�ش املتعلقة بدولتني فل�سطينية و�إ�سرائيلية تعي�شان جنب ًا �إىل جنب ب�سالم.
حملك �سِ ر :الدور الأوروبي يف املنطقة يعطله تعنت �إ�سرائيلي مدعوم من انحياز �أمريكي وعجز عربي
مل��اذا يبقى الدور الأوروبي معط ً ال؟ يف احلقيقة رغم امتالك االحتاد الأوروبي للكثري من مقومات القوة يبدو عاجز ًا عن الفعل والتغيري يف ال�ساحة الدولية ،ومن �ضمنها ال�شرق الأو�سط. وال�سب����ب �أنه ي�شكو من عنا�صر ط����اردة للفعالية ,فهو ما يزال يفتقر �إىل �سيا�سة خارجية و�أمنية م�شرتكة و�إىل �شريك يعتمد عليه: فحليف����ه الأمريك����ي منح����از متام���� ًا �إىل الط����رف الإ�سرائيل����يوميار�����س هيمنة دبلوما�سية وا�ضحة على م�سار الت�سوية يف ال�صراع العربي -الإ�سرائيلي ،وعلى م�سار املفاو�ضات املتعلقة بامللف النووي الإيراين ،وال يلج�أ �إىل الأوروبيني �إال لتقدمي خدمات ظرفية والتوقيع على �شي����كات امل�ساعدة للفل�سطينيني وال�ضغ����ط عليهم .وقد مار�س “املحافظ����ون اجلدد” يف عهد الرئي�س ال�سابق بو�ش انحياز ًا غري م�سب����وق لإ�سرائيل ،ودعموها يف كل اعتداءاته����ا على الفل�سطينيني (جم����ازر جن��ي�ن يف الع����ام ،2002والهج����وم عل����ى ال�ضف����ة الغربية، وح�ص����ار عرفات و�صو ًال �إىل قتله ,واحلرب على غزة يف نهاية العام الفائ����ت والتي ا�ستخدمت فيه����ا القنابل الفو�سفوري����ة �ضد الأطفال واملدنيني ،والتي اعتربها تقرير غولد�ستون ترقى �إىل جرمية حرب وجرمية �ضد الإن�سانية... ,الخ) ،وعلى لبنان يف �صيف العام 2006 وال����ذي اعتربته كوندوليزا راي�س خما�ض���� ًا �سوف ينبثق عنه “�شرق �أو�سط جديد” ،راف�ضة �أي وقف لإطالق النار قبل حتقيق الأهداف الإ�سرائيلية من احلرب رغم وقوع عدد كبري من ال�ضحايا املدنيني. الأوروبيون عموم ًا ان�ضموا �إىل املوقف الأمريكي رغم نداءات فرن�سا
املتكررة بالوقف الفوري لإطالق النار ،والتي بقيت دون جدوى. والع����امل العربي يتخب����ط يف مع�ضالت جتعل منه عبئ ًا على مني�شارك����ه ولي�س ذخ����ر ًا �أو عون ًا .وقد برهن الع����رب عن عجز فا�ضح حي����ال كل ال�سيا�سات العدواني����ة الإ�سرائيلية ،وعن عجز عن فر�ض م�شروعهم لل�سالم رغم �أنه يقدم تطبيع ًا كام ًال ناجز ًا لإ�سرائيل يف مقابل ان�سحابها من الأرا�ضي التي احتلتها يف العام 1967واخل�ضوع للقانون ال����دويل ولل�شرعية الدولية املتمثلة بقرارات الأمم املتحدة. وب�سب����ب الفراغ يف ر�أ�س النظام الإقليمي العربي ،ف�إن دو ًال كثرية يف ال�ش����رق الأو�سط وم����ن خارجه ت�سعى مللء هذه الف����راغ ،الأمر الذي يزيد من االنق�سام وال�ضعف العربيني. يف املقاب����ل ،ميتل����ك الإ�سرائيلي����ون و�أن�صاره����م يف الغرب��ي�نالأوروبي والأمريكي من النفوذ ما يعيق �أي عمل دويل جدي لفر�ض ح����ل دائم ومقب����ول من �أطراف الن����زاع .وقد متتع����ت �إ�سرائيل على الدوام بر�ؤ�س����اء �أمريكيني منحازين لها ت ّوجهم الرئي�س بو�ش االبن بانحي����از �أثار ارتي����اب عدد من �أع�ضاء اللوب����ي ال�صهيوين نف�سه يف وا�شنط����ن وعدد من اجل��ن�راالت الأمريكيني الذي����ن ,رغم ت�أييدهم لإ�سرائيل ,ت�ساءلوا يف ت�صريحات معلنة عن امل�صلحة الأمريكية يف احتالل بلد مثل العراق �إكرام ًا لعني �إ�سرائيل! .واليوم يقوم الرئي�س باراك �أوباما بجهود فائقة م����ن �أجل تنفيذ وعوده املتعلقة بالت�سوية العربي����ة – الإ�سرائيلي����ة ،لكن����ه ي�صط����دم بتعن����ت رئي�����س ال����وزراء الإ�سرائيلي بنيامني نتنياهو .وما عجز �إدارة �أوباما عن ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
97 2009
املحور
�صدر حديث ًا �ضمن �سل�سلة �أوراق بحثية
تو�سع االحتاد الأوروبي على الرغم من ّ لي�ضم �سبع وع�شرين دولة اليوم ّ وقعت يف ما بينها معاهدات عديدة ترافق هذا التو�سع، مل يح�سم الأوروبيون بعد �أمرهم حيال هوية احتادهم؛ هل هو جمرد ف�ضاء ثقايف اقت�صادي جتاري �أم �أنه قوة دولية عظمى ب�صدد التبلور
�إقناع احلكوم����ة الإ�سرائيلية مبجرد الإعالن عن قبولها بتجميد اال�ستيط����ان �إال دلي ً ��ل�ا ُي�ض����اف �إىل دالئ����ل كثرية عن النف����وذ الذي ميار�سه الإ�سرائيليون على ال�سيا�سات الأمريكية يف ال�شرق الأو�سط. وال ي�ستطيع الأوروبيون حي����ال ذلك �شيئ ًا ال�سيما �أنهم �أي�ض ًا واقعون حتت ت�أثري مثل هذا النفوذ .ذلك �أنه هناك ابتزاز �إ�سرائيلي م�ستمر للأوروبيني ب�سبب ما�ضي العذابات التي تعر�ض لها اليهود يف �أوروبا ال�سيما يف احلقبة النازية ،والتي ا�شرتك يف جرائمها �أو تواط�أ معها كث��ي�رون يف دول هذه الق����ارة .وتنتهج دول �أوروبي����ة كثرية �سيا�سات م�ؤي����دة لإ�سرائيل على الدوام بفعل هذا االبتزاز الذي يرافقه �شعور ع����ام بالذن����ب وت�أني����ب ال�ضمري .وم����ا ت����زال �أملانيا �إىل الي����وم تدفع تعوي�ض����ات لإ�سرائي����ل �شكلت يف بع�ض الأوقات م����ا ن�سبته �أربعني يف املائة من حجم التدفقات املالية لإ�سرائيل ،وت�سببت بت�أزمي العالقة م����ع العرب .ه����ذا دون ن�سيان �صفقات ال�س��ل�اح ال�سرية والعلنية (ال نن�س����ى �أن فرن�س����ا ه����ي التي بنت مفاع����ل دميونا ،وال�س��ل�اح النووي الإ�سرائيل����ي �أ�صول����ه فرن�سي����ة) ،و�آخرها تقدمي غوا�ص����ات من نوع دلف��ي�ن من �ش�أنها �أن ت�ؤمن ردع ًا نووي ًا نهائي ًا لإ�سرائيل ،على الرغم م����ن �أن ال����دول العربية ال متل����ك ال�سالح الن����ووي وال جمرد التفكري يف �صناعت����ه .وت�شرتك �أوروب����ا يف كل ال�ضغوط على �إيران ملنعها من الو�صول �إىل العتبة النووية. م����ن ناحية �أخرى ،تنف����ق �أوروبا جمتمعة 280ملي����ار دوالر (بعد 98
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
التو�سيع الأخري) �أي ح����وايل ن�صف ما تنفقه الواليات املتحدة على الدفاع (حوايل 450مليار دوالر) ،رغم �أن الناجت القومي الإجمايل مت�س����او بني االثنتني .وق����د ا�ستفادت كثري ًا من الق����درات الع�سكرية وال�سيا�سي����ة واالقت�صادية الأمريكية من����ذ نهاية احلرب العاملية �إىل الي����وم .يكفي القول �أن �أزمات حل����ت بقلب �أوروبا نف�سها مل تتخل�ص منه����ا ه����ذه الأخرية �إال بف�ض����ل التدخل الأمريك����ي (اتفاقية دايتون � ,1995إنه����اء الن����زاع االيرلندي يف العام � ,1997أزم����ة كو�سوفو منذ العام ...1999الخ) ،دون �أن نن�سى �أن حلف الأطل�سي تقوده الواليات املتحدة عملي ًا ،وي�شكل عتادها وجنودها وقيادتها عموده الفقري. تو�سع االحتاد الأوروبي لي�ض����م �سبع وع�شرين وعل����ى الرغم م����ن ّ دول����ة اليوم و ّقعت يف ما بينها معاهدات عديدة ترافق هذا التو�سع، مل يح�س����م الأوروبي����ون بع����د �أمرهم حي����ال هوية احتاده����م؛ هل هو جم����رد ف�ضاء ثق����ايف اقت�ص����ادي جت����اري �أم �أنه ق����وة دولية عظمى ب�ص����دد التبل����ور .ومن الطبيعي ،واحل����ال هذه� ،أن يخفق����وا يف بناء دفاع م�شرتك و�سيا�سة خارجية م�شرتكة تتوج االجنازات الهائلة يف املجاالت املالية واالقت�صادية والق�ضائية واالجتماعية وغريها. ه����ذا الإخفاق ال ي�ساه����م �أبد ًا يف جتاوز العقب����ات التي تنت�صب يف وج����ه ال����دور الأوروبي ،وال����ذي ُي ّ عطل����ه تعنّت �إ�سرائيل����ي مدعوم م����ن انحياز �أمريكي �سافر له ومن عجز عرب����ي عن املبادرة والفعل الدوليني.
�آليـات تفعيـل ا�ستفـادة اليمن من القرو�ض اخلارجية حممد �صالح قرعة �أروى �أحمد البعداين
تعبئة املوارد يف ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية جالل �إبراهيم فقرية
البقاء للأ�صغر: الدور اجلديد للدول ال�صغرية يف النظام العاملي حممد �سيف حيدر
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
99 2009
املحور
دروب �إ�سرائيل ال�شائكة يف ال�شرق الأو�سط
تطبيع «الكيان» ت�ستحق دولة الكيان الإ�سرائيلي بعد �ستة عقود من قيامها� ،إمعان ًا �أكرث ودرا�سة �أعمق يف ما يحفل به وجودها و�سيا�ساته���ا وا�سرتاتيجيتها كم���ا فل�سفتها اخلا�صة والفريدة احلا�ضنة لهذا كل���ه .ولعل احلافز الأهم لهذا اال�ستحق���اق يف اعتقادن���ا ،قدرة هذا «الكيان» امللفتة عل���ى جتاوز الكم الهائل م���ن التناق�ضات الذي �أنتجه وعاي�شه (وما يزال) ،بل واللعب على �أوتار هذه التناق�ضات جميع ًا يف �سبيل خدمة الدولة ال�صهيونية ،كيان ًا وم�شروع ًا ،وتكري�س وجودها – كحقيقة ماثلة -يف املنطقة والعامل.
حممد �سيف حيدر
والواقع �أن ثمة حقيقة �أ�سا�سية ترتبط بهذه القدرة ،وت ِّ ُ�شكل دافعها وحمركها النف�سي وال�سيا�س����ي الأبرز ،تكمن يف البحث الدءوب عن امل�شروعية التي تع����اين يف جوهرها من �إ�شكالٍ تاريخي مزمن ميتد حميط �إىل حلظة �إن�شاء دولة �إ�سرائيل على الأر�ض الفل�سطينية ويف ٍ جيو�سيا�س����ي يرف�ض وجودها ناهيك عن االعرتاف بها ،الأمر الذي خلق لإ�سرائيل – ولف��ت�رة طويلة ن�سبي ًا -م�صاعب وم�شاكل خطرية يف عالقتها مع املجتمع الدويل على ُ�ص ُعدٍ �شتى. �إن��ه «ح��ق الوج��ود» ي��ا !...على نح���� ٍو دراماتيكي ملح����وظ ،وب�ش����كل خا�����ص بع����د التوقي����ع عل����ى اتفاقي����ات �أو�سلو مع منظم����ة التحري����ر الفل�سطينية يف مطلع ت�سعيني����ات القرن املا�ضي، وقبلها من خالل اتفاقي����ة كامب ديفيد مع م�صر ال�سادات يف نهاية ال�سبعيني����ات ،مت ّكن����ت �إ�سرائي����ل م����ن جت����اوز العزلة الدولي����ة التي عاي�شته����ا خالل الن�صف الثاين من القرن الع�شرين ،وتعززت ثقتها بنف�سها وبقدرتها على تق����دمي ذاتها كدولة “دميقراطية ع�صرية” غايته����ا الق�صوى وه ّمه����ا الرئي�س يتمثل – ب����كل ب�ساطة -يف �إقرار ثم ،وعلى نح ٍو طبيعي وبنّاء، “حقها” يف الوجود ،واالنخراط من ّ يف املنظومة العاملية. ً وت�أكيد ًا له����ذا التغيرّ وقيمته ،وا�ست�شع����ارا ملحوريته يف ال�سيا�سة الإ�سرائيلية على املدى املنظور� ،شدد �إ�سحاق رابني يف خطابه �أمام الكني�ست الإ�سرائيلي يف م�سته����ل رئا�سته حلكومة حزب العمل عام ،1992على �أنه “البد �أن نتغلب على ال�شعور بالعزلة الذي كنا �أ�سرى له ملدة ن�صف قرن ،والبد �أن نوقف التفكري ب�أن العامل ب�أ�سره
حم�صلةٍ عملية تعك�س مدى جن����اح الدولة العربية يف �ضدن����ا” .ويف ّ ُ ً جتاوز حواجز العزلة التي �أطبقت عليها ،واالندماج تاليا يف الأ�سرة الدولية ،ارتفع اخلط البياين للعالقات الدبلوما�سية الإ�سرائيلية مع دول الع����امل ،ليبلغ عدد الدول التي تقيم عالقات مع �إ�سرائيل حالي ًا 162دول����ة منها 63دولة لها ممثلي����ات دبلوما�سية يف �إ�سرائيل ،علم ًا �أن عددها عام 1949مل يتجاوز 23دولة فقط. بيد �أن النجاح الإ�سرائيلي هذا ،على �أهميته وفوائده اال�سرتاتيجية يوم من اجل ّم����ة ،مل يك����ن مطلق ًا وحا�سم���� ًا ،وهو لن يكون كذل����ك يف ٍ الأيام .وال�شاهد �أن جدوى �إ�سرائيل والأ�سئلة الكربى ب�ش�أن وجودها ذات����ه والإ�شكالي����ات والق�ضايا التي ترتبت علي����ه ما تزال مطروحة، يف الداخ����ل واخلارج على حدٍ �سواء .نتلم�س ذلك ،على �سبيل املثال، يف النقا�ش����ات العا�صف����ة التي م����ا فتئت ُتث����ار بني الفين����ة والأخرى ح����ول موا�ضيع من قبيل “ما بع����د ال�صهيونية” وظاهرة “امل�ؤرخني الإ�سرائيلي��ي�ن اجل����دد” ،كما ن����راه �أي�ض ًا يف اجل����دل الدائم املتعلق بالطاب����ع “اخلا�����ص” للدولة العربي����ة واملع�ض��ل�ات املت�ضاربة التي ُيثريها تعريف �إ�سرائيل لنف�سه����ا كدولة يهودية و”دولة دميقراطية قائمة على امل�ساواة” يف الوقت ذاته ...الخ هذه امل�سائل. واحل����ال �أن هذا اجلدل املنطوي عل����ى مفارقة وا�ضحة� ،أ ّثر ،بال وبدرجات خمتلفة ،يف ال�صورة التي ظلت �إ�سرائيل ت�س ّوقها عن �شك ٍ نف�سه����ا عاملي ًا ،ونال����ت ب�سببها تعاطف ًا دولي ًا �أث��ي�ر ًا ،ال�سيما و�أن �أفق حل الق�ضية الفل�سطينية يبق����ى م�شو�ش ًا ومعتم ًا وحتوطه التعقيدات من كل جانب .ورغم حتقيق �إ�سرائيل اخرتاقات مهمة على �صعيد ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
101 2009
املحور عالقاته����ا الدولية ،وعلى نح ٍو �أ�صبحت معه ت����ل �أبيب �أكرث قبو ًال عل����ى امل�ست����وى العامل����ي� ،إال �أنه����ا ،يف النتيجة ،مل تتخل�����ص بعد من هاج�س امل�شروعية الذي ما انفك ُيلقي بظالله الثقيلة على �سيا�ستها اخلارجية منذ الوهلة الأوىل ،ومل يزل ي�ؤرقها حتى اليوم.
ٌ حتالفات وتناق�ضات ،والهدف واحد واملعروف، يف ه����ذا الإطار� ،أن القائمني عل����ى امل�شروع ال�صهيوين �أولو اهتمام ًا فائق���� ًا ،من����ذ بدايات����ه الأوىل ،باتخاذ توجهات �سيا�سي����ة ذات طابع ا�سرتاتيج����ي ،تقوم على �إن�ش����اء عالقات وطيدة م����ع الدول الكربى خ�صو�ص���� ًا وم����ع �سواه����ا ب�ص����ورة عامة ،وج����رى الرب����ط بني هدف ال�صهيوني����ة بت�أ�سي�����س دول����ة اليه����ود يف فل�سط��ي�ن واحل�ص����ول على االع��ت�راف العامل����ي به����ا .وخ��ل�ال مرحل����ة “الدول����ة القادم����ة على الطري����ق” �أوىل الن�شاط ال�صهيوين� ،أهمية ك��ب�رى لتحويل الهجرة أفواج جماعي����ة تهاجر �إىل فل�سطني اليهودي����ة من حاالت ت�سلل �إىل � ٍ مبوافقة ودعم دوليني (ومتهي����د ًا لذلك جرى ا�ست�صدار وعد بلفور من بريطانيا العظمى يف العام .)1917 وبع����د �إن�شاء الدولة عام ،1948رك����زت الدبلوما�سية الإ�سرائيلية عل����ى ت�أمني العنا�ص����ر الدولية الالزمة ل�ضمان الوج����ود الإ�سرائيلي ثم �سعت �إ�سرائيل �إىل كدول����ةٍ ذات �سيادة على �أر�ض فل�سطني ،ومن ّ �شم����ول عالقاته����ا الدبلوما�سية واالقت�صادية �أك��ب�ر عدد ممكن من �أع�ضاء الأ�سرة الدولية ،ب�شكلٍ يدفع معه جريانها العرب للقبول بها ككيان قومي يف املنطقة .عل����ى �أن م�ؤ�س�سي الدولة ال�صهيونية ،وكل من تاله����م يف مراكز �صنع القرار الإ�سرائيل����ي ،مل يكتفوا ب�سيا�سة احل�صول على االعرتاف الدويل ب�إ�سرائيل� ،إذ ُعززت هذه اخلطوة، يف خمتلف املراح����ل ،مببد�أ رئي�س يقوم على “االعتماد على حليف ق����وي �أو جمموعة من احللفاء الأقوياء” ،والدمج تالي ًا بني �إمكانات �إ�سرائي����ل الذاتية والدع����م اخلارجي لها ،لتكري�����س منط معني من القوة هو “منط القوة التحالفي” .وقد ت�ضمن الهدف املركزي لهذا الربنامج �شقني �أ�سا�سيني� ،أولهما بناء امل�شروع ال�صهيوين وتزويده ب�ضمان����ات البقاء .وين�صرف ال�شق الث����اين �إىل الت�صدي للتحديات اخلارجية لإ�سرائيل ،ويف �صدارتها الرف�ض العربي لهذا امل�شروع. وحر�ص���� ًا منه����ا على �إعط����اء هذا املب����د�أ �أبع����اد ًا جيو�سرتاتيجية عملت الدولة العربية على اال�ستفادة با�ستمرار من ادعائها ب�أنها تُ�ش ِكّل «الدميقراطية الوحيدة يف ال�شرق الأو�سط» لت�سويغ بقائها كدولة ذات �سيادة ،بل وتر�سيخ قدمها كقوة مهيمنة يف املنطقة 102
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
تُر�ض����ي حلفاءها الكب����ار ،قدم����ت �إ�سرائيل نف�سه����ا باعتبارها �أداة مثالي����ة ور�أ�س حربة متقدمة للنف����وذ الأجنبي الذي ي�سعى لل�سيطرة على املنطقة العربية .ولكنها �شددت ،يف نف�س الوقت ،على �أنه لي�س مبقدورها وحدها القيام ب�أعباء وجودها ودورها الوظيفي هذا ،دون �شراك����ة ا�سرتاتيجية م����ع الغرب ت�ضع م�س�أل����ة “تقا�سم الأدوار” يف ومقت�ضى هذه ال�شراكة وعمادها الرئي�س ت�أمني التحالف االعتب����ارُ . مع قوة /قوى عظمى لال�ستفادة من مكانتها وثقلها يف العامل ،وعلى نح���� ٍو يتيح لها �إمكانية احلركة والعم����ل امل�ستمرين دون �أن تت�ضارب م�صال����ح �إ�سرائيل مع م�صاحلها ،بل على العك�س� ،أُنيطت بها مهمة خ����ط الدف����اع الأول عن احل�ص����ن الإ�سرائيل����ي الذي ي�ش����كل موقع ًا متقدم ًا لتلك القوى. وكتج����لٍ عملي لهذه ال�سيا�س����ة� ،أتاح البيان الثالث����ي ال�صادر يف لندن (� 25أيل����ول� /سبتمرب )1950لإ�سرائي����ل االن�ضواء متام ًا حتت مظلة احلماية الغربي����ة� ،إذ اتفق ممثلو فرن�سا وبريطانيا والواليات املتحدة الأمريكية على فكرة �إيجاد توازن قوى بني �إ�سرائيل والدول العربي����ة جمتمعة ،وب�شكلٍ يحول دون حتقيق تفوق عربي على الدولة ال�صهيوني����ة .ان�سجام ًا مع روح هذه الفكرة� ،أ�صبحت فرن�سا �شريك ًا يف املحافظ����ة عل����ى �أم����ن �إ�سرائيل وم�ص����در ًا ل�سالحه����ا (التقليدي ����دم التحالف مع بريطانيا خدمة كربى �أو ًال والن����ووي فيما بعد) .وق ّ لإ�سرائيل عرب توا�صل الدعم االقت�صادي وال�سيا�سي والع�سكري لها، و�س����ار التحالف مع �أملانيا الغربي����ة يف اجتاهات ثالثة ،هي :االتفاق على التعوي�ضات املالية والأملانية على “ا�ضطهاد اليهود” �إبان عهد الرايخ الثالث ،وتوطيد العالق����ات ال�سيا�سية واالقت�صادية ،وتزويد اجلي�ش الإ�سرائيلي بالأ�سلحة املتطورةّ . ود�شن التحالف مع الواليات املتح����دة مرحل����ة نوعية ،بتعزي����زه اعتبار ًا من �أواخ����ر اخلم�سينيات وحتويله �إىل «عالقة ع�ضوية خا�صة»( )6تزداد وثوقية كل يوم وعلى نح ٍو ُي�صعب تف�سريه. ����ق �إ�سرائيل با ًال ويف �سي����اق بحثه����ا املحموم ع����ن ال�شرعية ،مل ُتل ِ �إىل �أحدى �أه����م �سمات ومفارقات �سيا�سته����ا اخلارجية واملتج�سدة يف ك��ث�رة التح����ول من مب����د�أ �إىل نقي�ض����ه؛ فالدولة العربي����ة �أُن�شئت وه����ي تُعل����ن عن كونها دولة “غ��ي�ر منحازة” ،وم����ا �أن انق�ضت عدة �سن����وات حتى �أ�ضحت �أداة النفوذ اال�ستعم����اري الغربي يف املنطقة. و�إ�سرائي����ل التي بد�أت معتم����دة على وارداته����ا الت�سليحية والنفطية من االحت����اد ال�سوفييتي والعديد من دول �أوروبا ال�شرقية حتولت يف نهاي����ة ال�ستينيات �إىل منا�صبة مو�سك����و �أ�شد العداء .و�إ�سرائيل التي كان����ت من �أوائل الدول الت����ي اعرتفت بجمهورية ال�صني ال�شعبية يف بداية اخلم�سينيات �سرعان ما دخلت يف حالة �صدام مك�شوف معها خالل ال�ستينيات ،ثم ا�ستقام الأمر ل�صاحلها يف �أواخر ال�سبعينيات لتتحول �إىل �أكرب مز ِّود لل�صني بال�سالح والتكنولوجيا املتقدمة على الإطالق مع نهاي����ة الثمانينيات .و�إ�سرائيل التي كانت ترف�ض ب�شدة يف بداية ن�ش�أتها اعتبارها دولة �شرق �أو�سطية� ،أخذت تطرح نف�سها فيما بعد ،وبقوة ،دولة �أ�سا�سية يف منطقة ال�شرق الأو�سط؛ ال تنتمي �إليه����ا فح�سب بل وتدافع يف كل املنا�سبات عن هذا االنتماءُ ،مب�شر ًة
بـ”�ش����رق �أو�سط جدي����د” ت�ش����كل الن����واة الأ�سا�سية فيه والفل����ك الذي تدور حوله باقي دول املنطقة املغلوبة على �أمرها.
الأم��ن� ..أو ً ال و�أخ�ير ًا ولأن هاج�����س ٌ مرتبط ،قطع ًا ،بهدف مت�ص����ل ووثيق يتج�سد ال�شرعي����ة يف ت�أم��ي�ن “الكي����ان” و�ض����رورة و�أولوي����ة الت�أكي����د عل����ى “�ضمان الوجود” يف حد ذاته كمطلب حيوي �أويل ومبا ي�ساع����د على التخل�����ص من عق����دة الكلو�سرتوفوبيا (�أي اخلوف م����ن الأماكن املغلق����ة) والتي ارتبط����ت تاريخي ًا بواق����ع اجليتو ثم امل�شروع اال�ستيط����اين ال�صهيوين ،ف�إن ال�سيا�س����ة الإ�سرائيلية رك����زت ،ب�ص����ورة م�ستمرة ،على �إعط����اء مفهوم الأم����ن الإ�سرائيلي �أولوي����ة ُمطلقة يف كل توجه����ات �إ�سرائي����ل ،مبا يف ذلك توجهه����ا نحو ال�سالم. تو�سع هذا املفهوم ومطاطيته وخ�ضوعه وعلى الرغم من ُّ حلركة التط����ور امل�ستم����ر ا�ستجابة للظ����روف ال�سيا�سية واملتغريات الدولية ف�إنه ،يف جوهره احلقيقي ،يقوم على الرغبة يف حتقي����ق ال�سيادة الكلية على املنطقة العربية، وفر�ض �إرادة �إ�سرائيل املطلقة على دولها. واملث��ي�ر لالهتم����ام هن����ا� ،أن الدول����ة العربي����ة عملت عل����ى اال�ستف����ادة با�ستم����رار من ادعائه����ا ب�أنه����ا ت ِّ ُ�شكل “الدميقراطي����ة الوحيدة يف ال�ش����رق الأو�سط” لت�سويغ بقائه����ا كدول����ة ذات �سي����ادة ،ب����ل وتر�سي����خ قدمها كقوة مهيمنة يف املنطقة .ونظر ًا �إىل �أن جريانها العرب (حالي ًا �إيران) كانوا يهددونها عن قرب ويتطلعون �إىل تدمريها، ف�إنه����ا ظ ّل����ت ت�ستن����د يف تربي����ر وجوده����ا �إىل املمار�سة الدميقراطي����ة ونظامها التعددي احل���� ّر والذي يفرت�ض �أن ُيث��ي�ر ل����دى مواطنيها بل ويف اخل����ارج �أي�ض ًا ،خا�ص����ة يف الغرب، اهتمام���� ًا �أكرث ببقائها .وكان على الغرب الذي يرى نف�سه ممُ َّث ًال يف �إ�سرائي����ل ،قرينه املحل����ي� ،أن ي�ضطلع بواجبات����ه “الأخالقية” التي “تفر�ض” عليه القيام بحماية الدولة الإ�سرائيلية من التجاوزات العنيفة جلريانها “ال�سلطويني”. ويف ال�سي����اق ذاته ،عم����دت تل �أبيب �إىل انته����اج �سيا�سات �أخرى عدي����دة يف �إدارة عالقاتها مع الدول املعادية لها يف املنطقة ،هدفت يف جممله����ا خدمة �أم����ن الدولة ال�صهيونية و�ضم����ان وجودها .فمن ناحي����ة ،جعلت �إ�سرائيل من مبد�أ “�شد الأطراف” �أو “ا�سرتاتيجية االلتفاف” حجر الزاوية يف �سيا�ستها الرامية �إىل اخلروج من �أ�سر الط����وق املفرو�ض عليها من قب����ل العرب ،وال�سعي لإنهائه عن طريق بن����اء طوق معادٍ له�ؤالء ي�شمل ب�ش����كل �أ�سا�سي دول اجلوار اجلغرايف مثل تركيا العلمانية (قبل �أن تتغري خيارتها حالي ًا يف ظل حكم حزب العدالة والتنمية) و�إيران يف عهد ال�شاه و�أثيوبيا ،حتى يتحقق عامل الأمن عرب متتني روابط التعاون مع هذه الدول .وبالتوازي مع هذا، ويف �إطار اال�سرتاتيجية ذاته����ا ،حاولت تل �أبيب ،با�ستمرار ،النفاذ
�إىل الأقلي����ات غري العربي����ة (كالأكراد) وغ��ي�ر امل�سلمة (كم�سيحيي جنوب ال�س����ودان) ودعمها ب�شكلٍ ي�����ؤدي �إىل ا�ستخدامها وتوظيفها كورق����ة ح�سا�سة ،وق����ت احلاجة ،م����ن �أجل �شغل وت�شتي����ت القدرات الذاتية العربية بعيد ًا عن ميدان ال�صراع الرئي�س مع �إ�سرائيل. وم����ن ناحية ثاني����ة ،عمل����ت �إ�سرائيل عل����ى توفري �أ�سب����اب القوة الع�سكرية لكيانه����ا “املهدد” ،وتعزيز قدرته على الردع يف مواجهة �أعدائ����ه الكثريين واحلف����اظ على الت����وازن اال�سرتاتيجي يف ال�شرق الأو�س����ط خمت ًال ل�صاحلها دوم ًا ،وق����د �شكل ال�سالح النووي �ضمانة �أ�سا�سي����ة لتحقيق تلك القدرة وذلك اله����دف .هكذا يلخ�ص �شلومو �أهارون�س����ون� ،أ�ست����اذ العلوم ال�سيا�سية باجلامع����ة العربية ،امل�س�ألة: “منذ عهد دافيد بن جوريون ،الأب امل�ؤ�س�س لدميونا (املفاعل النووي الإ�سرائيل����ي) ،كان موقف �إ�سرائي����ل ( )...وا�ضح ًا مبا فيه الكفاية. فدميونا هي ال�ضمان الأ�سا�سي لوجودنا ،دون التلويح بذلك عالنية. ففي عالقات القوى القائمة حالي ًا بيننا والعامل العربي – �أي خم�سة مالي��ي�ن يهودي �أم����ام 320ملي����ون عربي ،غري �إي����ران -لي�س هناك داف����ع �سيا�سي �أو ا�سرتاتيجي لدى العرب يجعلهم يتقبلون �إ�سرائيل. والأكرث من هذا �أنه ال توجد حالة مماثلة يف العامل، ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
103 2009
املحور على نطاق وا�سع. جع����ل الوظيف����ة الدبلوما�سية والتع����اون الدبلوما�سي ينطلقان من املفهوم الكفاحي.
يتعه����د فيها جريان �إح����دى الدول بعدم تدمريه����ا .ومن هنا ،ال توج����د عالق����ات عادية بني الدول ،مب����ا يف ذلك العالق����ات الذرية. وحتى لو ح����اول اجلريان تدم��ي�ر �إ�سرائيل� ،س����وا ًء بال�سالح العادي �أو ال����ذري ،ف�سوف يدفعون ثمن���� ًا خميف ًا لن يغامروا به .هذا املنطق فر�����ض قيود ًا كثرية على م�ص����ر و�سوريا �أثناء ح����رب عيد الغفران. وعندم����ا ح����ان وقت �إع����ادة بع�ض املناط����ق ،لعب هذا املنط����ق دور ًا حا�سم���� ًا يف اتفاق ال�سالم مع م�صر ،كما لعب دور ًا حا�سم ًا �أي�ض ًا يف كب����ح جماح �صدام ح�س��ي�ن �أثناء حرب اخلليج الثاني����ة .وحالي ًا كبح جماح �سوريا و�إيران”. ومن ناحية ثالثة ،انتهجت �إ�سرائيل �سيا�سة �إقليمية حمورها يدور حول االحتالل التو�سعي ،الذي يتيح لها ا�ستيعاب الوجود العربي يف فل�سط��ي�ن عام 1948وم����ن ثم ا�ستئ�صال كل م����ا كان ينتمي �إىل تلك الأر�ض ب�شري ًا وح�ضاري ًا ،واحل�صول على االعرتاف الإقليمي العربي بها م����ن خالل اتفاق����ات الهدنة ع����ام 1949والقب����ول العربي بقرار جمل�����س الأمن رقم 242عام .1967كما �سمح لها تو�سعها االحتاليل الإقليم����ي يف عام 1967با�ستكمال احتاللها لكل الأر�ض الفل�سطينية أرا�ض من ثالث دول عربية ب�صياغة ت�صورها ملبد�أ ال�سالم ،ومن ول ٍ ثم التحول نحو االنتماء �إىل “ال�شرق الأو�سط اجلديد” الذي ت�شكل ّ عماده الرئي�س. وم����ن ناحية رابعة ،وعلى الرغم م����ن حر�ص الدولة العربية على البح����ث عن ن�ص��ي�ر خارجي لها� ،إال �أنها كانت تعتق����د دائم ًا وت�شدد على �ضرورة اعتماد اليهود عل����ى �أنف�سهم وعدم االكتفاء باالعتماد عل����ى احللي����ف اخلارجي فيم����ا يتعل����ق بحماي����ة “الأم����ن القومي” لإ�سرائيل ،و�أن احللفاء احلقيقيني الذين ميكن االعتماد عليهم هم 104
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
“املجموعات �أو اجلاليات اليهودية” املنت�شرة يف العديد من دول العامل. وفى ه����ذا ال�سياق ،ج����اءت نظري����ة “املع�سكري����ن” للإ�سرائيلي مايكل بري�شر ،والتي ت�ستند �إىل فكرة تق�سيم العامل �إىل مع�سكرين: مع�سكر يهودي و�آخر غ��ي�ر يهودي ،واعتبار الأخري مع�سكر ًا معادي ًا. �إن وجه����ة النظ����ر الإ�سرائيلية ت�ستن����د �إىل قاع����دة �أ�سا�سية وهي �أن م�صادقة �أو عداء العامل اخلارجي �أو الدول الأخرى مرهون ب�أفعال و�سلوكي����ات هذه ال����دول جتاه اجلماع����ات اليهودية .م����ن هنا ،جاء تق�سي����م احلركة ال�صهيوني����ة للقادة الربيطاني��ي�ن �إىل جمموعتني: جمموع����ة موالية لل�صهاينة ،وجمموعة �أخرى موالية للعرب� .أي�ض ًا، كان من ال�صعب عل����ى الإ�سرائيليني تف ّهم �سلوك الرئي�س الأمريكي ال�ساب����ق ،ريت�ش����ارد نيك�س����ون ،ال����ذي كان ُيقدم م�ساع����دات �ضخمة لإ�سرائيل بالرغم من عدائه ال�شديد لليهود. عل����ى �أن هذه ال�سيا�سات الإ�سرائيلي����ة مل تكن لتلقَ جناح ًا كام ًال دول انته����اج �سيا�سة االنت�ش����ار ال ّن�شِ ط يف �إطار التعامل الدويل؛ تلك ال�سيا�س����ة الت����ي قام����ت على خم�سة مب����ادئ �أ�سا�سية غ��ي�ر منف�صلة ال ُعرى: تتحرك �إ�سرائي����ل يف الإطار الدويل وتعلن �أنها قادرة على تقدمي خدماتها لكل النظم ال�سيا�سية الراغبة يف ذلك. توثي����ق ُعرى التحالف مع جميع القوى الكربى �إن �أمكن ذلك ،ولو بدرجات متفاوتة. التحك����م يف التوازن الإقليمي و�صو ًال �إىل الت�أثري بدرجة �أو ب�أخرى يف التوازن الدويل. اعتماد مب����د�أ «توزيع الأدوار» ،وقد طبقت����ه ال�سيا�سة الإ�سرائيلية
ت�سويق الذات� :إ�سرائيل «كنموذج» ُيحتذى! مل تكتف �إ�سرائيل ،وقد �شعرت �أنها “�ضمنت” وجودها و�أمنها ب�صورة ِ «حا�سم����ة» ،برت�سيخ نف�سها قوة �إقليمي����ة رئي�سة يف املنطقة ،بل �إنها، كنموذج ناجح ميكن – ملن يرغب - فوق ذلك� ،أخذت تطرح نف�سها ٍ االحتذاء به وتكراره ،وذلك يف �صورة الدولة ال�صغرية التي ا�ستطاعت �أن تتحول �إىل قوة متقدمة �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا وعلمي ًا ،وكذلك كبلدٍ دميقراط����ي علماين غري ديني يف حميط جغرايف متخلف اقت�صادي ًا ومتعثرّ �سيا�سي���� ًا وم�شحون مب�شاعر دينية مت�أجج����ة� ،سمته البارزة: دكتاتورية النظم وه�شا�شة ال�شعوب ،وهدر الإمكانات والطاقات. واملالح����ظ ،يف ه����ذا الإط����ار� ،أن �إ�سرائي����ل �أخ����ذت تُخ�ص�����ص للم�ضمون االقت�صادي لعالقاتها مع دول العامل مكان ًة مركزية .ومن ����م �شرعت يف حتويل نف�سه����ا �إىل مركز حت ُّكم القت�ص����اد العوملة يف ث ّ ال�شرق الأو�سط ،وذلك يف �ضوء اعتقاد �أخذ يف الر�سوخ لديها مفاده �أن الو�ض����ع العاملي اجلديد يركز على املناف�سة االقت�صادية الإقليمية مع ت�ضا�ؤل املو�ضوعات ال�سيا�سية ،و�أن �أهمية العامل االقت�صادي يف العالقات الدولية ت�ستدعي فتح �أ�سواق جديدة �أمام �إ�سرائيل؛ ال�سيما يف جمال �صناعاتها املتط����ورة التي ي�شكل مردودها نحو 33%من �إجمايل الناجت املحلي الإ�سرائيلي. ويب����دو �أن خمط����ط الإ�سرائيليني اال�سرتاتيجي الخ��ت�راق ال�سوق العاملي����ة (خ�صو�ص ًا يف �أمريكا الالتينية وو�سط وجنوب �شرق القارة الآ�سيوية) و�إجناز �أداء اقت�صادي رفيع امل�ستوى فيها ُيكر�س �صورتها كنموذج ُيحتذى يف املنطقة ويف �سواها ،ي�ستند ،من الناحية النظرية، ٍ �إىل �أطروح����ة �أ�سا�سي����ة ،متت هند�سته����ا يف املركز ال����دويل للتعاون التاب����ع لوزارة اخلارجية الإ�سرائيلية (ما�شاف) ،تتمحور حول فكرة �أن �إ�سرائيل دولة �صغ��ي�رة قيا�س ًا على اال�صطالحات الفيزيقية ،بيد �أنه����ا دولة “�ضخم����ة” ب�إمكانها �أن تغدو “قوة عظم����ى” مبا متتلكه من “قدرات عقلية وتقنية وثقافية” .ومبوجب ا�صطالحات القيا�س االقت�ص����ادي ،ف�إن �إ�سرائيل دولة عادي����ة ،ولكن يجب �أال تكون كذلك لأنها تمُ ِّثل “ب�شر ًا غري عاديني” ،ويجب �أال تنظر �إ�سرائيل �إىل نف�سها كدولة قوامها من خم�سة �إىل �ستة ماليني �أو حتى �سبعة ماليني ن�سمة م�ستقب ً ��ل�ا ،ب����ل الأحرى �أن تنظ����ر �إىل نف�سها كجزء م����ن �أمة يهودية وا�سعة االنت�شار .ولذا ،يجب جتذير نظرية “تفرد االقت�صاد النوعي الإ�سرائيلي عاملي ًا ولي�س االقت�صاد الك ّمي”� ،أي ينبغي �أن يكون املنتج الرئي�س يف �إ�سرائي����ل لي�س “الب�ضاعة الت�صديري����ة” بل “الب�ضاعة الفكرية”. وثمة معطيات ي�ستند �إليها �أ�صحاب هذه النظرية� ،إذ �أن �إ�سرائيل أر�ض �شا�سعة ومي����اه وعمالة ال متتل����ك �أدوات الإنت����اج ال�ضخم م����ن � ٍ وم����وارد طبيعية وم�صادر طاقة ...الخ .وبذا ،ف�إن ما متلكه �إ�سرائيل فع ً ��ل�ا هو “القدرة الفكري����ة” .وبناء على هذا املنط����ق االقت�صادي،
�أخذت �إ�سرائيل تطرح كنموذج ناجح ميكن نف�سها ٍ ملن يرغب -االحتذاءبه وتكراره ،وذلك يف �صورة الدولة ال�صغرية التي ا�ستطاعت �أن تتحول �إىل قوة متقدمة �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا وعلمي ًا يجب على اال�سرتاتيجي����ة الإ�سرائيلية ،كي ت�ضمن النجاح عاملي ًا� ،أال ت�ضع العراقيل �أمام تنمية وت�صدير العلم واخلربة والتقنيات. ونتيج���� ًة لتعزز مكانة الدول����ة العربية يف املنظوم����ة االقت�صادية العاملي����ةُ ،فتحت �أم����ام رجال الأعم����ال الإ�سرائيلي��ي�ن �أ�سواق ًا كبرية يف مقدمته����ا ال�س����وق ال�صينية والهندية والرو�سي����ة ،التي يقدر عدد امل�ستهلك��ي�ن فيه����ا بنح����و 2.3ملي����ار ن�سم����ة (هم عدد �س����كان هذه الدول الثالث الذين ي�شكلون ما ن�سبته 38.3%من جمموع �سكان العامل) .و�أ�صبحت �إ�سرائيل ،كما يقول رئي�س احتاد �أرباب ال�صناعة يف �إ�سرائي����ل دان بروف����ر“ ،تثري االهتمام وت�ستح����وذ على الإعجاب من الناحيتني ال�سيا�سي����ة واالقت�صادية ،و�أدرك عامل رجال الأعمال الدوليني �أنها متتلك طاقات ميكن ا�ستثمارها”. لك����ن ،وعلى الرغم من هذا كل����ه ،يبقى هاج�س امل�شروعية قائماً وحا�ضر ًا بقوة يف كل �سيا�سات �إ�سرائيل ودوائر حركتها العاملية ،ويظل احتاللها للأرا�ض����ي العربية واغت�صابها حلقوق ال�شعب الفل�سطيني امل�شروع����ة ،كعب �أخيل عالقتها مع املجتمع الدويل وعامل توتر دائم يف عالقاته����ا الإقليمي����ة ،بالأم�س والي����وم ويف امل�ستقب����ل .و�إذا كانت املفارقة الكربى التي ر�صدناها هنا تكمن يف قدرة �إ�سرائيل ،الباعثة عل����ى الت�أمل ،عل����ى التعاي�ش مع هاج�����س امل�شروعي����ة ،و�إدارة دورها الإقليم����ي كم����ا معظ����م عالقاتها الدولي����ة ب�أ�سالي����ب و�سيا�سات عدة لحة لتجاوز هذا ت�ستم����د �إيقاعها وحيويتها من احلاجة الدائم����ة واملُ ّ ً الهاج�س الذي �أثق����ل كاهل الإ�سرائيليني جميع ًا ،حكاما وحمكومني، بي����د �أن املفارق����ة الأك��ث�ر �أهمي����ة تظل كامن����ة بني ظهرانين����ا (نحن العرب)؛ فقد �أ�س�أنا �إدارة مواردن����ا و�إمكانياتنا وعالقاتنا الإقليمية والدولي����ة و�أ�ضعنا حقوقن����ا ومطالبنا العادلة ب�س����وء قراءتنا للتاريخ ور�ؤيتن����ا القا�صرة لواقعنا املعا�صر ال����ذي مافتئت �أحداثه ومتغرياته الك��ب�رى ،يف كل م����رة ،تبع����ث وتعيد �إنت����اج ال�س�ؤال املح��ي�ر والع�صي عل����ى الإدراك؛ لي�س ع����ن م�شروعية دولة االحت��ل�ال الإ�سرائيلي ،بل وم�ض ّيعي ع����ن م�شروعية وجودنا نحن مع�شر ال�ضعف����اء واملتخبطني ُ دارويني النزعة ال �أك��ث�ر الق�ضايا عدالة على مر الع�ص����ور ،يف عا ٍمل ّ مكان فيه لل�ضعفاء واملتخاذلني بل يت�سع فقط للأقوياء واملقتدرين، �أفراد ًا و�شعوب ًا ودو ًال! ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
105 2009
املحور
ال�سعودية و�إيران �سيا�سات اال�ستقطاب الإقليمي وعواقبه �إقلي���م الأقطاب والأحالف ،ذلك ه���و الو�ضع يف ال�شرق الأو�سط حالي��� ًا ..و�ضع يت�سم بقطبية م�شابه���ة لتل���ك التي �سادت النظام العامل���ي يف �ستينيات و�سبعينيات الق���رن املا�ضي ،فالو�ضع الراه���ن يف ال�ش���رق الأو�س���ط يحف���ل بدرجة عالية م���ن اال�ستقطاب ب�ي�ن تياري���ن �أو توجهني �أ�سا�سي�ي�ن .كما �أنه ي�ضم �أحالف ًا وحماور بع�ضها ي�ستن���د �إىل القطبية احلا�صلة ،بينما ينطلق بع�ضه���ا الآخر م���ن اعتبارات وح�سابات مغايرة لالنق�سام العام ،فداخل كل تيار �أو مع�سكر يف املنطق���ة هناك حتالف���ات �صغرية وجزئية ،وبع�ضها منفتح على ق���وى و�أطراف داخل املع�سكر الآخر ،لكن تظل الرابطة الأ�سا�سية هي احلاكمة للتوجهات واملواقف. �سامــح را�شــد يف م�شهد �إقليمي «ا�ستقطابي» كهذا ال ي�صعب التعرف على موقع ك ًال م����ن اململكة العربية ال�سعودية و�إيران؛ فالأخرية تقف على ر�أ�س حتال����ف �إقليمي ي�ضمها م����ع �سوريا وبع�ض اجلماع����ات والتنظيمات (ح����زب اهلل ،حما�����س ،اجله����اد الإ�سالم����ي) وهو التحال����ف الذي يتبن����ى -عل����ى الأقل علن ًا -منهج احللول اجلذري����ة ،وعدم التهاون �أو املواءمة يف �أي من الق�ضايا املتعلقة باحلقوق وامل�صالح الأ�سا�سية لأطرافه .وهو ذلك التحال����ف الذي يعترب �أع�ضا�ؤه �أنهم حاملو لواء “املمانع����ة” �ضد التنازل واال�ست�سالم واخل�ضوع لإ�سرائيل والدول الك��ب�رى يف الع����امل ،بينم����ا يعترب خ�صوم����ه �أنه حتال����ف ي�ضم قوى “التطرف” يف املنطقة. على ال�ضفة الأخ����رى من نهر التفاعالت الإقليمية ،تقف اململكة ال�سعودية �ضمن غالبي����ة دول املنطقة املت�آزرة مع ًا للبحث عن حلول وت�سوي����ات لق�ضاي����ا املنطق����ة دون �صدامات م�سلح����ة �أو ا�ضطرابات ته����ز ا�ستقراره����ا .فيما يطلق علي����ه من داخله حم����ور االعتدال� ،أو املهادن����ة ح�سبم����ا يراه �أ�صح����اب التي����ار الأول .وحتت����ل الريا�ض يف ه����ذا املح����ور موقع ًا متمي����ز ًا ،يجعله����ا مبثابة قطب رئي�����س م�شارك يف قي����ادة ه����ذا التيار ،و�أي�ض���� ًا يف حتمل ن�صيب معت��ب�ر من �أعبائه. 106
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
وال بد من االلتفات �إىل الدالالت التي يحملها موقع كل من الدولتني الكبريت��ي�ن يف املنطق����ة داخ����ل كل مع�سك����ر؛ مل����ا ي�ستتبع����ه ذلك من انعكا�س����ات ومردود على ال����دور الإقليمي لكل منهم����ا مبا يعنيه من ارت����داد عك�سي يف �شكل �أعباء ومنافع ت�صب يف ر�صيد كل منهما يف �سياق التفاع��ل�ات الإقليمية اجلارية ككل .فزعام����ة �إيران لتحالف ال�ص����د والتمنّع جتعلها دائم ًا يف �ص����دارة الأطراف امل�ستهدفة ق����وى ّ بغر�����ض ك�سر ه����ذا التحالف وتقوي�����ض �أركانه ،خا�ص����ة �أنه حتالف حم����دود العدد والعدة .ف�أطرافه هم ح�صري ًا الذين �سبقت الإ�شارة �إليه����م (�إي����ران� ،سوري����ا ،ن�ص����ف لبن����ان بقيادة ح����زب اهلل ،حركة حما�����س ،ف�صائ����ل فل�سطينية �صغرية ن�سبي ًا) .وم����ن املفارقات التي ينبغ����ي االلتف����ات �إليه����ا �أن ه����ذا املوقع القي����ادي ق ّي�ض لإي����ران ُجل املكا�س����ب التي حققه����ا هذا التحال����ف يف الأعوام الأخ��ي�رة ،بحكم �أنه����ا الراعي الرئي�س ل����ه �سيا�سي ًا ومالي ًا ولوج�ستي���� ًا ،والقائد الذي مي�س����ك الأوراق ويح����رك اخلي����وط ،بينما كانت الأعب����اء واخل�سائر الت����ي تكبدها هذا التيار م����ن ن�صيب بقية �أطرافه ،ما ميكن قراءته يف التحوالت الدراماتيكي����ة التي طر�أت على �سلوك ومواقف كل من حما�س و�سوريا وحزب اهلل بالرتتيب ،كل ح�سب قربه من �إيران. �سامح را�شد كاتب وباحث مب�ؤ�س�سة الأهرام ،م�صر.
يف املقاب����ل ،ال تقف ال�سعودية يف موق����ع القائد �أو املح ّر�ض للتيار املقاب����ل ،و�إمن����ا ت�شاركه����ا م�ص����ر والأردن وال�سلط����ة الفل�سطيني����ة، مدعومني جميع ًا مبوقف خارجي تقوده الواليات املتحدة ،لذلك ف�إن الريا�ض لي�ست الطرف الأكرث حتم ًال ملهام و�أعباء هذا التيار ،وهي �أي�ض ًا لي�ست الأكرث ا�ستفادة من تنامي �سطوة هذا التيار يف املنطقة �أو جناحه يف فر�ض ت�صوراته وتوجهاته على امل�شهد الإقليمي. املذهبي��ة بني التحري�ض والتحيي��د مفارقة �أخرى تزي����د امل�شهد الإقليمي �إثارة وعمق���� ًا يف �آن واحد؛ وهي تلك املت�صلة بالبع����د املذهبي يف ذل����ك اال�ستقطاب الإقليمي ،م����ن خالل موقعي �إيران وال�سعودية ودورهما فيه .فبينما تتحرك �إيران �إقليمي ًا لغايات و�أهداف ودواعي �سيا�سية براجماتية ،وتُلب�سها ثوب ًا طائفي ًا مذهبي ًا م�ستغل����ة �أذرع ًا �شيعية مزروعة يف ال����دول العربية ،مل تلج�أ الريا�ض �إىل الو�سيلة ذاتها؛ �إذ تتعامل مع الأذرع الإيرانية املذهبية مبنطق رد الفعل وب�أدوات �سيا�سية واقت�صادية ،على الرغم من اخلطر البادي جلي ًا من التوظيف الإيراين للبعد املذهبي على اال�ستقرار ال�سيا�سي والتجان�س الداخلي (الديني واملذهبي على الأقل) يف العراق ولبنان واليمن والبحرين واملغرب ،ويف بع�ض املناطق ال�شيعية يف ال�سعودية ذاته����ا .يف ح��ي�ن مل حت����اول الريا�ض ا�ستغ��ل�ال م�س�أل����ة الأقليات يف �إي����ران ،عل����ى الرغم من وج����ود �أقلية �سنية له����ا م�شاكلها ومطالبها خ�صو�ص ًا �أهل منطقة عرب�ستان (الأهواز).
كما �أن التناطح الإيراين ال�سعودي غري املبا�شر الذي يجري من ح��ي�ن �إىل �آخ����ر يف لبنان ،يرج����ع بالأ�سا�س �إىل طبيع����ة وخ�صو�صية احلالة اللبنانية القائمة على توازن دقيق يحكم خمتلف الف�صائل من جهة ،وارتباط كل منها طوع ًا �أو كره ًا ب�أطراف خارجية ،بالإ�ضافة �إىل وج����ود عالقة وثيقة وممتدة بني العائلة احلاكمة يف اململكة و�آل احلريري رم����ز �أو ر�أ�س حربة ُ�سنّة لبنان .كما ي�أتي الو�ضع امل�ستجد يف �شمال اليمن لي�ؤكد تلك الفوارق يف مدى وكيفية توظيف �أو حتييد العامل املذهبي لدى كل من ال�سعودية و�إيران؛ فال�سيا�سة ال�سعودية جت����اه اليم����ن ات�سمت دائم���� ًا باحلر�ص عل����ى اال�ستق����رار والتما�سك الداخل����ي ،برغم متركز �أغلبي����ة �شيعة اليم����ن الزيديني يف املناطق ال�شمالية املال�صقة للحدود ال�سعودية .وكان التعامل ال�سعودي دائم ًا مبا�شر ًا وح�صري ًا مع ال�سلطات الر�سمية اليمنية ويف اجتاه واحد هو احلفاظ على ا�ستقرار ووحدة اليمن .يف املقابل ،ك�شفت م�ستجدات التم����رد امل�سلح م����ن جانب جماع����ة احلوثيني يف حمافظ����ة �صعدة، �أن ثمة �أطراف���� ًا �إيرانية تدعم تلك اجلماع����ة ب�أ�شكال متنوعة ،كان �أحدثه����ا يف الأ�سبوع الأخري من �شهر ت�شرين الأول�/أكتوبر 2009 عندما �ضبط����ت ال�سلطات اليمنية �سفينة يقوده����ا �إيرانيون حمملة ب�أ�سلح����ة كانت يف طريقها �إىل احلوثيني .و�س����واء �أكان ذلك الدعم ر�سمي���� ًا �أم غري ذل����ك ،ف�إنه ُيح�سب يف مي����زان التفاعالت الإقليمية عل����ى الدول����ة الإيرانية وال ميكن ف�صل م����ردوده ودالالته عن النمط العام لتعاطي �إيران مع بيئتها الإقليمية. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
107 2009
املحور
ال�صد والتمنّع جتعلها دائم ًا زعامة �إيران لتحالف قوى ّ يف �صدارة الأطراف امل�ستهدفة بغر�ض ك�سر هذا التحالف وتقوي�ض �أركانه ،خا�صة �أنه حتالف حمدود العدد والعدة وبرب����ط م�س�ألة حوثيي اليمن مع دور �إي����ران املت�ضخم يف العراق ووجود حزب اهلل وكي ًال لها يف لبنان ومواقفها من �أو�ضاع وحتركات ال�شيعة يف دول �أخ����رى مثل البحرين واملغرب ،ف�إن التحليل النهائي يف�ضي �إىل وجود “مظلة �إيرانية” لأي طيف �شيعي يف املنطقة ككل. وتت�سع هذه املظلة �أو ت�ضيق ح�سب تطورات وم�ستجدات كل حالة. يف املقابل ،ال تتخذ ال�سعودية من العامل املذهبي ُمتكئ ًا �أو مدخالً ل����دور �إقليم����ي ،كم����ا ال تعتربه بذات����ه هدف ًا �أو غاي����ة توظف حتركها الإقليمي خلدمته .بيد �أن هذا ال يعني ا�ستبعاد العامل املذهبي ب�شكل كامل ومطلق من ح�سابات الريا�ض وهي ب�صدد النظر والتعامل مع بيئته����ا الإقليمية؛ فال �شك يف �أن ال�سيا�س����ة ال�سعودية تعترب اململكة مبثابة رم����ز للإ�سالم ال�سني يف الع����امل ،وت�ست�شعر م�سئولية خا�صة يف ه����ذا االجت����اه ،بيد �أن ه����ذا الوعي بامل�سئولي����ة مق�صور يف حدود الرمزي����ة ،وخ�صو�ص ًا املظاهر ال�شعائري����ة املرتبطة بوقوع الأرا�ضي املقد�سة حتت الرعاية ال�سعودية. والأم����ر بال����غ الداللة يف ه����ذا ال�سي����اق� ،أن تل����ك امل�س�ؤولية �سواء عل����ى م�ستوى الإدراك �أو يف جتلياته����ا ال�سلوكية ،ال تخرج عن نطاق الع����امل العربي ب�ش����كل �أ�سا�سي ،وبع�ض ال����دول الإ�سالمية بطبيعتها خا�صة تل����ك التي ا�ستقلت بعد انهيار االحت����اد ال�سوفيتي .فال ميتد االهتمام �أو االنخ����راط ال�سعودي يف �ش�ؤون “ال�سنة” خارج اململكة، �إىل ال����دول الأجنبية ذات الأقليات امل�سلمة� ،أو حتى الإ�سالمية ذات الأقلي����ة ال�سنية� .أما يف الدول العربي����ة �أو الإ�سالمية الأخرى املُ�شار �إليه����ا ،ف�إن �أي ًا م����ن �أ�شكال الدعم �أو امل�ساندة تت����م بالتوجه املبا�شر �إىل ال�سلط����ات الر�سمية وبالتن�سيق معه����ا .ويف كافة الأحوال ،تن�أى الريا�ض ب�سيا�ستها وحتركاته����ا يف هذا ال�سياق عن �أي بعد �سيا�سي �أو داللة غري دينية.
حمددات ودوافع ات�سمت العالقات العربية -الإيرانية يف العق����ود الثالثة املا�ضية م����ن تاريخ املنطقة بفتور و�صل يف معظم تل����ك الفرتة �إىل التوت����ر بل و�أحيان���� ًا املواجهة غري املبا�ش����رة ،بدء ًا م����ن اندالع الثورة الإ�سالمية ع����ام 1979ثم ن�شوب احلرب العراقية الإيراني����ة بعده����ا بعام واح����د ،وامل�ساع����ي الإيراني����ة املعلنة يف تلك الف��ت�رة ث����م املمار�س����ات الإيرانية امل�ستف����زة لدول جمل�����س التعاون اخلليجي خ�صو�ص ًا �أثن����اء مو�سم احلج .ثم ت�صعيد املوقف مع دولة الإمارات العربية املتحدة عام 1992ب�ضم جزيرة �أبو مو�سى وفر�ض 108
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
�أمر واقع جديد فيها. بي����د �أن النقل����ة النوعية التي �شهدها ال����دور والتحرك الإيراين يف املنطق����ة ككل بع����د احتالل العراق ع����ام ،2003والذي جتلى بو�ضوح ودون مواربة يف النفوذ املبا�شر وا�سع النطاق يف كافة �أرجاء العراق وخمتل����ف م�سال����ك �إدارة �ش�ؤون����ه الداخلي����ة طوال ال�سن����وات ال�ست الت����ي مرت عل����ى احتالله .ث����م تال ذل����ك مبا�شرة وب�سرع����ة تكثيف ورف����ع م�ستوى الدعم املبا�شر متع����دد الأ�شكال حلزب اهلل يف جنوب لبنان ،ثم حلركتي حما�س واجلهاد يف فل�سطني ،ثم لبع�ض الأن�شطة ذات النف�����س ال�شيعي يف غري دولة عربي����ة (مثل املغرب التي قطعت عالقاته����ا مع طهران م�ؤخر ًا له����ذا ال�سبب) ،و�أخ��ي�ر ًا بالدعم غري املعلن (ورمبا غري الر�سمي) جلماعة احلوثيني يف �شمال اليمن. وق����د انعك�ست تلك التط����ورات املرتاكمة منذ ثالث����ة عقود ،على العالق����ة بني الريا�ض وطهران� ،س����واء يف م�سارها الثنائي املبا�شر، �أو يف �سياقها الإقليمي عرب ملفات وق�ضايا املنطقة ،فو�سمتها بندية وتناظ����ر �أقرب �إىل التناطح منه �إىل التناف�س ،وطغت فيها عالمات الت�ص����ارع على �إ�شارات التعاون .ثم كان م����ن �ش�أن امل�ستجدات التي �أ�ضيفت �إليها م�ؤخر ًا -بعد احتالل العراق � -أن كر�ست حالة تنافر وا�ستنفار �سيا�سي /مذهبي بني الريا�ض وطهران. م����ن امله����م ،يف ه����ذا الإط����ار ،االنتب����اه �إىل �أن تل����ك احلالة التي �سمح����ت بها التطورات ،مل تكن لتوجد لوال تلك الروح “الهجومية” باملعنى ال�سيا�سي يف التح����ركات الإيرانية .ففي الأمثلة امل�شار �إليها وغريه����ا من م�ستج����دات املد الإي����راين يف املنطقة ،كان����ت املبادرة واملب����اد�أة �إيراني����ة ،بينم����ا كانت الريا�����ض تقف دائم���� ًا يف موقع رد الفع����ل �أو الطرف امل�ضطر �إىل التعام����ل مع �أو�ضاع وظروف فر�ضت علي����ه التح����رك والت�ص����رف ب�شكل حم����دد� .إذ مل يح����دث �أن قامت الريا�����ض (وال �أي م����ن دول جمل�����س التعاون اخلليج����ي �أو حتى بقية ال����دول العربي����ة) بتحرك من����اوئ للم�صالح الإيراني����ة ال�سيا�سية �أو االقت�صادي����ة �أو غريها� ،أو �شرعت يف م�سع����ى ينتق�ص من �سيادتها �أو �سل����وك مي�س �أو�ضاعها الداخلية �سواء ب�ش����كل عام �أو يف اجلانب املذهبي ب�صفة خا�صة .بل ميكن القول �إن ردة الفعل ال�سعودية على تنام����ي الدور الإيراين الإقليم����ي كثري ًا ما ت�أخ����رت وا�ستغرقت وقت ًا �أكرث من املطل����وب لتقدير املوقف وح�س����اب التداعيات واحلذر قبل التح����رك ،واملثال الأبرز على ذلك الفج����وة ال�شا�سعة يف العراق بني
قطبان لدودان: امللك عبداهلل و�أحمدي جناد
ال����دور الإيراين يف جانب ،وكل الأدوار العربية مبا فيها ال�سعودي يف اجلان����ب املقابل .وينطبق الأمر ذاته بدرج����ات متفاوتة على امللفني اللبناين والفل�سطيني ،مع بع�ض االختالف. ويدف����ع هذا �إىل الت�أمل قلي ًال يف حمددات وحدود الدور الإقليمي ل����كل من اململكة العربية ال�سعودية و�إي����ران .و�أول ما ينبغي ذكره يف ه����ذا ال�صدد ،العام����ل اخلارجي وت�أثريه يف توجه����ات و�أدوار ومنط التناف�سي����ة �أو التعاوني����ة التي متيز التفاعالت ب��ي�ن القوى الإقليمية الرئي�س����ة يف املنطقة وم����ن بينها ال�سعودية و�إي����ران .وعند احلديث ع����ن العامل اخلارج����ي ،ف�إن املق�ص����ود حتديد ًا وب�صف����ة رئي�سة هو ال����دور الأمريكي .وال �ش����ك يف �أن وا�شنطن متثل طرف���� ًا ثالث ًا يف كل التفاع��ل�ات اجلاري����ة يف املنطق����ة ،خا�صة بني قطب��ي�ن كبريين مثل ال�سعودي����ة و�إي����ران .وعلى الرغم م����ن عدم دخ����ول وا�شنطن ب�شكل مبا�ش����ر على خط العالق����ات ال�سعودية -الإيراني����ة� ،إال �أن احل�ضور الأمريكي الطاغي يف كل ملفات املنطقة يجعلها رقم ًا جوهري ًا يف كل املعادالت الإقليمية �سواء الثنائية �أو متعددة الأطراف. وبعي����د ًا ع����ن تفا�صيل العالق����ات الثنائي����ة بني كل م����ن الريا�ض وطه����ران مع وا�شنطن ،ميكن الق����ول �إن ت�أثري العامل الأمريكي كان دائم���� ًا يف اجتاه غري �إيجابي جلهة العالقات ال�سعودية – الإيرانية، �س����واء الثنائي����ة �أو يف �سياق ميزان القوى الإقليمي����ة .وذلك كنتيجة مبا�ش����رة العتبارات متع����ددة �أبرزها ر�ؤى وتوجه����ات وا�شنطن نحو املنطق����ة ككل ،وتاري����خ عالقاته����ا م����ع الدولت��ي�ن ،وم����دى تواف����ق �أو اختالف مواقفهما و�سيا�ساتهما جتاه ق�ضايا املنطقة مع احل�سابات الأمريكية. ومن املهم ،يف هذا اخل�صو�ص ،لفت االنتباه �إىل �أنه حتى عندما كانت العالق����ات الأمريكية مع الدولت��ي�ن �إيجابية يف وقت واحد ،مل
يكن ذلك ينعك�س �إيجاب ًا على العالقات بينهما ،وبعبارة �أدق مل تكن وا�شنطن تعمل على توظيف عالقتها الطيبة معهما من �أجل حت�سني عالقاتهم����ا الثنائي����ة� ،إال �إذا كان ذل����ك مطلوب���� ًا �أمريكي���� ًا �أو يخدم م�صال����ح و�أهداف �أمريكية خال�صة .واملثال الوا�ضح على ذلك فرتة �سبعيني����ات القرن املا�ضي عندما كانت �إي����ران يف عهد ال�شاه حليف ًا �أمريكي���� ًا رئي�س ًا وتلعب دور ال�شرطي الإقليمي يف املنطقة ،مع تنامي عالق����ات �أمريكية � -سعودية جيدة وقوية� .إذ كان التوتر هو ال�سائد يف تلك الفرتة بني الريا�ض وطهران .من هنا ف�إن هذا العامل ينبغي �أن يخ�ضع لنظرة حمايدة وا�ست�شراف دقيق عند البحث يف م�ستقبل املنطقة ب�شكل ع����ام ،والو�ضع التناف�سي بني ال�سعودية و�إيران ب�شكل خا�ص. وبالإ�ضافة �إىل ما هو معروف من وجود عوامل داخلية وخارجية تُلقي بظاللها على حركة ومدى ت�أثري كل دولة يف حميطها الإقليمي، هن����اك �أي�ض ًا اعتبارات “�إرادية” ت�أخذها الدولة يف ح�سبانها ،فيما ميك����ن جماز ًا و�صفه بقيود ذاتية تفر�ضها بع�ض الدول على �سلوكها اخلارج����ي �إعم����ا ًال و�إعال ًء ملب����ادئ �أو قيم �أو قواع����د تنطلق منها يف �سيا�ساتها وقراراتها. ويف احلالت��ي�ن ال�سعودي����ة والإيرانية ،تتجلى مفارق����ة �أخرى بني حدود وم�ضم����ون الدور ومدى واجتاه حركة كل منهما .فمعروف �أن الريا�����ض ومعظم الدول العربية تطب����ق ب�صرامة مبد�أ عدم التدخل يف ال�ش�����ؤون الداخلية لل����دول الأخرى� ،سواء �أكان����ت �صديقة �أو غري ذلك .وهو ما ال ينطبق على ال�سلوك الإيراين اخلارجي ب�شكل ن�سبي �أحيان ًا ،وعلى نطاق وا�سع �أحيان ًا �أخرى .وال بد من الإقرار ب�أن ذلك التحفظ ال�سعودي ع����ن اقتحام امللفات الداخلية لبع�ض الدول حتى يف احلاالت ذات االنعكا�س الإقليمي ،ي�ؤدي بال�ضرورة �إىل احلد من ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
109 2009
املحور خ�ضوع منظومة ال�سيا�سة اخلارجية ال�سعودية العتبارات ومرتك��زات قيمي��ة ومبدئي��ة ،يحرمها من مناف��ع وطنية ومكا�س��ب �إقليمي��ة تتح�ص��ل عليه��ا دول �أخ��رى م��ن بينها �إيران عرب �سيا�سات براجماتية خال�صة وحتركات تنطلق من منظور واحد فقط هو منظور امل�صلحة الوطنية املكا�سب الإقليمية للريا�ض �س����واء ب�شكل مبا�شر عرب ت�ضييق فر�ص الت�أثري يف املحيط الإقليمي� ،أو ب�صورة غري مبا�شرة عرب ت�أثر الوزن الن�سب����ي لها يف مي����زان القوى الإقليمية مقارنة م����ع دول �أخرى مثل �إيران. بعب����ارة موجزة ،خ�ضوع منظومة ال�سيا�س����ة اخلارجية ال�سعودية العتب����ارات ومرتكزات قيمي����ة ومبدئية ،يحرمها م����ن منافع وطنية ومكا�س����ب �إقليمي����ة تتح�صل عليها دول �أخرى م����ن بينها �إيران عرب �سيا�س����ات براجماتية خال�ص����ة وحتركات تنطلق م����ن منظور واحد فقط هو منظور امل�صلح����ة الوطنية يف �صورته املجردة ال�ضيقة ،مع مالحظ����ة �أن مفهوم “امل�صلحة الوطنية” يف �إيران ال ينف�صل بحال ع����ن الر�ؤية الأممي����ة للدولة الإ�سالمية كما يج����ب �أن تكون ،كما �أن م�صلح����ة املواط����ن الإيراين ه����ي �أي�ض ًا م�صلحت����ه كم�سلم �شيعي يف املقام الأول.
املوق����ف وحتول����ه �إىل مواجهة م�سلحة .ويف الع����راق تُبا�شر وا�شنطن عملية خف�ض تدريج����ي لقواتها هناك ،بينما ينتق����ل العراقيون �إىل مرحل����ة تويل �ش�ؤونهم ب�أنف�سهم مبا�شرة وب�شكل �شبه منفرد (بغ�ض النظ����ر ع����ن مدى �أهليته����م لال�ضط��ل�اع بتلك املهم����ة) .ويف �سوريا ولبن����ان تتج����ه الأمور �إىل االنف����راج� ،سواء يف العالق����ة بينهما �أو يف الداخل اللبناين على وقع االنفراج الأمريكي -ال�سوري ،وال�سعودي ال�سوري.املث��ي�ر للقلق يف هذه التطورات الإيجابي����ة� ،أنها جميع ًا ت�صب يف اجت����اه تق����ارب �أمريكي � -إيراين ،م����ا يعني �أن التح����ركات والأدوار الإيراني����ة الإقليمي����ة الت����ي كانت مثار قل����ق وتوج�����س �إقليمي وعاملي (�أمريك����ي) �ستخرج من نطاق الرف�ض الأمريكي .وحتى و�إن تزامن ذل����ك مع انح�سار �أو تعديل يف تلك املواقف والتوجهات الإيرانية� ،إال �أنها لن تتبدل متام ًا �أو تتناق�ض فج�أة �إر�ضاء لوا�شنطن.
هواج���س م�س��تقبلية ال ميكن ف�ص����ل ال�صورة العامة للم�شهد الإقليمي امل�ستقبلي عن املالمح اجلزئية لتفا�صيله ومكوناته ال�صغ��ي�رة .والقا�س����م امل�شرتك بني تل����ك التفا�صي����ل واملكونات ،هو االنخ����راط الأمريكي يف �إدارة امللفات الإقليمية بالتعاون املبا�شر مع �أطرافه����ا الرئي�سية .ورغم �أن العامل الأمريكي موجود وقائم دائم ًا ومن����ذ عق����ود� ،إال �أنه يف العقد الأخري حتديد ًا �أ�صب����ح العب ًا �أ�سا�سي ًا �صريح ًا يف ال�ساحة الإقليمية ،ما يعني �أن �أي تطلع �إىل امل�ستقبل ينبغي �أن ينطلق من ا�ست�شراف م�ستقبل ومدى ا�ستمرارية الدور الأمريكي على حموريته ومبا�شرته يف تفاعالت املنطقة وكذلك احتمالية تغيرّ توجهاته �أو �سيا�ساته ،وبالتايل انعكا�س ذلك على طبيعة التفاعالت وم�سار العالقات التناف�سية �أو التعاونية بني دول املنطقة . احلا�ص����ل حالي ًا ،حال����ة انف����راج يف ال�سيا�سة اخلارجي����ة الأمريكية ب�شكل عام ت�شمل خمتلف الأطراف التي دخلت �إدارة بو�ش يف عداء م�ستحكم معها ،مبا فيها رو�سي����ا وال�صني و�إيران و�سوريا .وتتزامن تل����ك االنفراجة الأمريكية يف عالقاته����ا اخلارجية ،مع ن�ضج وتبلور املعطي����ات الداخلي����ة يف ملف����ات وق�ضايا املنطقة ،مب����ا يجعلها �أكرث قابلي����ة للت�سوي����ة �أو التهدئة .وينطبق ذلك بو�ض����وح يف امللف النووي الإي����راين الذي ي�شهد مفاو�ضات وب����وادر توافق �إيراين غربي للمرة الأوىل ،يف �إ�ش����ارة وا�ضح����ة �إىل ع����دم �أو على الأق����ل ت�أجيل انفجار
و�إذا كان املتوق����ع تخفيف ح����دة اال�ستقط����اب الإقليمي احلا�صل حالي ًا عل����ى خلفية االنفت����اح الأمريكي على �إي����ران ،وبالتايل تهدئة ملف����ات وق�ضايا املنطقة ،ف�إن ثم����ة خطر ًا كامن ًا يف ذلك وهو انتقال �إي����ران م����ن موقع الدول����ة القط����ب املن����اوئ للم�صال����ح وال�سيا�سات الأمريكية �إىل قطب �إقليمي ين�سق ويت�سق يف توجهاته مع وا�شنطن، دون مراع����اة �أو التف����ات �إىل م�صالح وتوجه����ات الأطراف الإقليمية الأخرى� .إذ �سي�ؤدي ذلك �إىل ا�ستمرار اال�ستقطاب الإقليمي لكن مع تغيرّ موقع وا�شنطن كطرف خارجي م�ؤثر فيه ،وبالتايل تغري �أوزان وثقل كل من التيارين الرئي�سيني يف املنطقة. ومل����ا كانت ال�سعودي����ة �أقرب دائم���� ًا �إىل �سيا�س����ة رد الفعل وعدم املب����اد�أة يف التعاط����ي مع التح����والت الإقليمي����ة ويف �إدارة العالقات التناف�سية مع �إيران ،ف�إن املتوقع بناء على ذلك وبا�ستقراء �إ�شارات امل�ستج����دات اجلاري����ة يف املنطق����ة� ،أن تكون نهاية الت�����أزم الإقليمي احل����ايل بانتقال �إيران �إىل م�ستوى الهيمن����ة الن�سبية �أو رمبا العودة �إىل دور الوكيل الإقليمي عن القوى الكربى� .إنها م�س�ألة تدعو لكثري من الت�أم����ل والتفكري العميق� ،أن تنفك حال����ة اال�ستقطاب الإقليمي بفع����ل انفراج فوقي ق����ادم من اخلارج ،و�أن يكون ج����زاء التحركات الإقليمي����ة الإيراني����ة و�سيا�ساته����ا “اجل�شع����ة” �سيا�سي���� ًا ومذهبي ًا، انت�صار ًا ال انك�سار ًا.
110
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
�صدر حديث ًا �ضمن �سل�سلة درا�سات جامعية
�سيا�سة اليمن اخلارجية جتاه دول القرن الإفريقي حممد علي عمر احل�ضرمي رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
111 2009
املحور
تركيا اجلديدة ال�صعود الإقليمي و�صراع الأجندات علي ح�سني باكري
يع����د العام 2002عالمة فارقة يف تاريخ تركي����ا احلديث� ،إذ �شهد ذلك العام فوز حزب العدالة والتنمي����ة ( )AKPيف االنتخابات العامة يف البالد لي�ش ّكل هذا احلدث بدوره مق ّدمة ل�سل�سة من التفاع��ل�ات الداخل ّية نتج عنه����ا انقالب يف عدد من ال�سيا�سات التقليدي����ة للجمهورية الرتك ّية ومنه����ا ال�سيا�سة اخلارج ّية للبالد ،مما م ّهد لدور �أك��ب�ر لأنقرة على امل�ستوى الدويل والإقليمي ال�سيما يف املنطقة العربية. وي�ش���� ّكل عامل «حتقي����ق اال�ستقرار الإقليمي» القا�سم امل�شرتك بني جمي����ع التوجهات ال�سيا�سية واالجتماعي����ة واالقت�صادية لالرتقاء الرتكي يف املنطقة ،فهو العن�صر الأكرث �أهمية يف �سيا�سة تركيا اخلارجية احلالية التي ي�سعى حزب العدالة والتنمية من خاللها �إىل جعل تركيا منوذج ًا ُيحتذى به يف املنطقة اعتماد ًا على �سحر وجاذبية هذا النموذج� ،إ�ضافة �إىل القوة الناعمة Soft Powerالتي ميتلكها ،والتي تعمل على تعزيزها نظريات ومفاهيم جديدة يف ال�سيا�سة الرتك ّية اخلارجية مثل «العمق اال�سرتاتيجي» ( ،)Strategic Depthو«دبلوما�سية ت�صفري النزاعات» ب�شكل يجعل من تركيا املحور املركزي ( )Central Axisالذي تدور حوله باقي الدول يف املنطقة.
112
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
علي ح�سني باكري باحث �أردين يف العالقات الدولية.
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
113 2009
املحور
لعبت طبيعة ال�سيا�سة اخلارجية الرتكية واعتماد الديبلوما�سية وامل�صالح امل�شرتكة دور ًا كبري ًا يف تعزيز �صورتها االيجابية لدى دول املنطقة و�شعوبها ،وقاعدة لالنطالق ب�صعودها ال�سلمي املنطلق��ات الداخلية ل�سيا�س��ة تركي��ا اخلارجية يحتل عن�صرا الإ�صالح والتنمية مكانة �أ�سا�سية اجلدي��دة
يف م�ش����روع حزب العدالة والتنمية من����ذ و�صوله �إىل احلكم .وي�ش ّكل التق����دم املح����رز يف الإ�ص��ل�اح والتنمي����ة معيار ًا لقيا�����س مدى جناح �سيا�س����ة احل����زب وبرناجمه ،ال�سيم����ا يف ظل ف�ش����ل و�سقوط معظم القوى والأحزاب ال�سيا�سي����ة الرتك ّية ،التي �سبق لها و�أن و�صلت �إىل احلكم ،يف حتقيق �أي جناح يذكر على هذا ال�صعيد. ومن املعروف �أنّ �أي م�شروع تنمية اقت�صادية يحتاج �إىل ا�ستقرار �سيا�سي واجتماعي داخلي �إ�ضافة �إىل بيئة �إقليمية م�ستقرة ون�شطة. وم����ع حتقيق ال�شط����ر الأول من ه����ذه املعادلة� ،سع����ت �سيا�سة تركيا احلديث����ة عرب برنام����ج حزب العدال����ة والتنمي����ة �إىل حتقيق اجلزء الث����اين منها باالعتماد عل����ى نظرية وزير اخلارجي����ة الرتكي داوود �أوغل����و ،والتي ميكن �أن نطلق عليها ا�سم نظرية «ت�صفري النزاعات» �أي حل امل�شاكل الإقليمية وتخفي�ضها �إىل م�ستوى ال�صفر� ،إىل جانب نظرية «العمق اال�سرتاتيج����ي» التي تتعامل مع تركيا كدولة حمورية قوي����ة ،وهي نظريات كانت و�ضع����ت مو�ضع التنفيذ منذ العام ،2002 و ّ مت ا�ستكماله����ا بفاعلي����ة مع تبوء �أوغلو من�ص����ب وزير اخلارجية يف العام .2009 به����ذا املعنى ،ت�سعى �سيا�سة �أنق����رة �إىل �أن تتح ّول تركيا من دولة يق��ت�رن ا�سمه����ا بالأزمات �إىل دول����ة ذات ر�ؤية وه����دف وا�ضحني يف جمي����ع الق�ضاي����ا يف املنطقة .فرتكي����ا الآن ،وكما يق����ول داوود �أوغلو نف�س����ه ،دولة تنظ����م وترتب �أو�ض����اع املنطقة املحيطة به����ا وت�ؤثر يف �سري تطوراتها ال�سيا�سية .بهذا املعنى ،ن�ستطيع �أن تقول �أنّ عنا�صر االقت�ص����اد والأمن والديبلوما�سية حتم����ل �أهم ّية كربى ،وهي مبثابة
114 14
اا��سرتاتسرتايتيججيةية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
الرافع����ة لدور تركيا الإقليمي ،والذي يحتاج �إىل عامل ا�ستقرار بني ال����دول املجاورة واملحيطة تعم����ل �أنقرة على حتقيق����ه حالي ًا لتو�سيع دائرة نفوذها �إىل املحيط الإقليمي ثم �إىل امل�ستوى الدويل.
م��ا وراء �ص��عود تركي��ا الإقليم��ي ال �ش����ك �أن النظري����ات الرتك ّية ما كانت لتلقى ترجم����ة عملية لوال وجود عوامل مه ّيئ����ة وم�ساع����دة على حتقيق ه����ذه الر�ؤية امل�ستج����دة يف ال�سيا�سة اخلارج ّية الرتك ّية وهذا الدور احلديث يف املنطقة ،فاجلهد الذاتي ال يكف����ي لوحده .ومن العوام����ل التي �أتاحت لأنقرة لعب و�ضع ر�ؤيتها مو�ضع التنفيذ: �أو ًال :تزام����ن الطرح الرتك����ي اجلديد مع معطي����ات جيو�سيا�سية �إقليمية مهمة خلقتها حروب الواليات املتّحدة منذ العام ،2001والتي ترافق����ت مع تغيري الواق����ع الإقليمي للمنطقة يف ظ����ل خطة «ال�شرق الأو�س����ط اجلدي����د» ويف ظالل احل����رب على «الإره����اب» ،م�صحوبة ب�إع����ادة توزيع لقوى وملراكز الق ّوة وال�سلطة والقرار يف املنطقة التي ت�ش ّكل ال�ساحة العربية جزء ًا كبري ًا منها. ثاني���� ًا :وجود ف����راغ �إقليمي وخل����ل يف ميزان الق����وى �إثر احتالل الوالي����ات املتّحدة لأفغان�ستان والإطاحة بنظام طالبان العام ،2001 �صدام يف العام ،2003الأمر ثم احتالل العراق و�إ�سقاط نظام ّ ومن ّ ّ ال����ذي �شكل القاع����دة الأ ّولية للمدى احليوي ال����ذي ميكن لرتكيا �أن تبا�ش����ر دوره����ا اجلديد في����ه ،يف ظل عمق عرقي ترك����ي �إىل ال�شرق (البل����دان الناطقة بالرتكية) �أو «الع����امل الرتكي» كما يو�صف (The ،)Turkish Worldوعم����ق دين����ي �إىل اجلن����وب (امل�سلم����ون ال�سنّة). مبعنى �آخر ،وجدت تركيا �أن حدود الإمرباطورية العثمانية ال�سابقة �أ�صبحت �شاغرة لإمكانية القيام بدور يواكب ال�سيا�سة امل�ستجدة.
دخل �أنقرة رغم ًا عنها طبيعة الدور املميز لرتكيا يف املنطقة العربية قد ُي ِ يف مناف�سة ال تطلبها وال تريدها ،خا�صة مع �إ�سرائيل و�إيران حيث من املمكن �أن يتحول التناف�س اىل �صدام ثالث���� ًا :تل ّك�����ؤ االحت����اد الأوروب����ي يف قب����ول ع�ضوي����ة تركي����ا رغم الإ�صالح����ات الكبرية الت����ي نفذها حزب العدال����ة والتنمية ،وهو ما جدي ًا عن ف�ض����اء م�صال ح ( nSphere of I ا�ضط����ر �أنقرة �إىل البحث ّ ً � )terestآخ����ر تلع����ب في����ه دور ًا ريادي����ا ،يربهن عن م����دى �أهمية دور تركي����ا كج�س����ر يربط احل�ض����ارات والأدي����ان والقومي����ات وامل�صالح االقت�صادية ب��ي�ن ال�شرق والغرب ،ويكون بدي ً ��ل�ا حمتم ًال حال ف�شل االن�ضم����ام �إىل االحت����اد الأوروبي .ولذلك كان م����ن البديهي لأنقرة التوجه نحو ال�ش����رق الأو�سط واملنطقة العربية حتديد ًا حيث الفراغ الذي فر�ضته املعطيات �أعاله. رابع���� ًا :وجود ر�ؤية تركية وا�ضح����ة وهدف حمدد وبرنامج واقعي قاب����ل للتطبي����ق ،ال�سيم����ا يف ظ����ل نظري����ات ومفاهي����م تتنا�سب مع متطلبات ال�صعود مثل «العمق اال�سرتاتيجي» و»ديبلوما�سية ت�صفري النزاعات» اجلاري العمل عليها من قبل القيادة الرتك ّية. خام�س���� ًا :وجود بيئ����ة خ�صبة لتق ّبل الأف����كار وال�سيا�سات الرتك ّية اجلدي����دة ،ال�سيم����ا يف املنطقة العربي����ة التي ت�شكل ف�ض����ا ًء �صاحل ًا لدائ����رة نفوذ تركي����ا (� ،)Sphere Of Influenceإ�ضاف����ة �إىل املعطيات اجلغرافية والتاريخية التي ت�ش ّكل عام ًال دافع ًا وم�ساعد ًا على و�ضع ال�سيا�س����ة الرتكية مو�ضع التنفيذ ،وهو ما ح�صل من العام 2002 وحتى اليوم ومن املنتظر �أن ي�ستمر �أي�ض ًا.
املنطقة العربية كمجال حيوي لل�ص��عود الرتكي
ه ّي�����أت العوامل املذك����ورة �أعاله للدور الرتك����ي اجلديد يف املنطقة، و�ش ّكل����ت العديد م����ن العنا�ص����ر التاريخي����ة كالإرث امل�شرتك عامال م�سه��ل�ا ومرحبا بهذا الدور ،كما لعبت طبيع����ة ال�سيا�سة اخلارجية ّ
الرتكي����ة واعتم����اد الديبلوما�سي����ة وامل�صال����ح امل�شرتك����ة دور ًا كبري ًا يف تعزي����ز �صورتها االيجابي����ة لدى دول املنطق����ة و�شعوبها ،وقاعدة لالنط��ل�اق ب�صعودها ال�سلم����ي ،ونالت ر�ضا حكوم����ات املنطقة لأنّ جهودها جاءت م����ن بوابة ال�شرع ّية العربية �إذا جاز التعبري� ،أو من بوابة الأنظمة العربية ب�شكل �أدق. ولت�أكيد توجهه ال�سلمي ،قام اجلانب الرتكي بالعديد من اجلوالت امل ّكوك ّي����ة الطالع دول املنطقة على م�شروعه عند فوزه باالنتخابات، ثم عمل على تعزيز عامل ال�شراكة مع هذه الدول عرب توقيع العديد م����ن االتفاقي����ات الإ�سرتاتيجي����ة االقت�صادي����ة وحت����ى ال�سيا�سية مع �سوريا والعراق ودول اخلليج العربي لتكون ذات طابع ربحي متبادل ( .)Win-Win Situationومت توقيع العديد من االتفاقيات مع اجلانب جدة ال�سعودية يف الثالث اخلليجي بداية عرب مذ ّكرة تفاهم مبدينة ّ ً من �أيلول�/سبتمرب � 2008ش ّكل����ت حدث ًا تاريخيا لأنها مت ّهد لعالقات �إ�سرتاتيجي����ة خليجي����ة -تركي����ة عل����ى كاف����ة الأ�صع����دة ال�سيا�سي����ة واالقت�صادية والثقافية وحتى الأمني����ة والع�سكرية ،كذلك مت �إن�شاء جمل�����س التعاون اال�سرتاتيجي الرتك����ي -العراقي ،وجمل�س التعاون اال�سرتاتيج����ي الرتكي -ال�سوري الذي عقد �أوىل جل�ساته م�ؤخرا يف 13ت�شرين الأول�/أكتوبر . 2009 وبانفتاحه����ا على جمي����ع الالعبني العرب وغ��ي�ر العرب ،ترف�ض ال�سيا�س����ة الرتكي����ة �أن تكون جزءا م����ن حماور �إقليمي����ة ،ولكننا �إذا م����ا راقبنا م�شروعه����ا الإقليمي� ،سرنى �أنه ي�ص����ب ب�شكل مبا�شر يف �صال����ح الدول العربية لأنه الأقرب اليها والأكرث تعبري ًا عن تطلعاتها والأك��ث�ر ان�سجام ًا مع رغباته����ا والأكرث �ضمان����ة مل�صاحلها ،واالهم لأنه يتعار�ض مع امل�شروع الإ�سرائيلي �أو الإيراين من وجهة نظرنا.
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
115 15 2009
املحور ويع����رف اجلان����ب الرتك����ي �أهميته يف هذا الإط����ار ،ولذلك يحاول ت�أكيد موقعه ب�ش����كل �أ�سا�س����ي ورئي�س����ي كالعب ميتلك خط����وط االت�ص����ال والتوا�صل م����ع جميع الفاعل��ي�ن امل�ؤثري����ن يف املنطق����ة (العرب و�إي����ران و�إ�سرائي����ل والوالي����ات امل ّتح����دة و�أوروب����ا ورو�سيا) ،ويطم����ح �إىل تر�سيخ مكانته املمي����زة يف املنطقة ا�ستنادا �إىل ثقله الذاتي من جهة ،و�إىل حاجة الآخرين �إىل التوا�صل و�إيج����اد احللول واملخرجات يف ظل الأزم����ات ال�سيا�سية والع�سكرية واالقت�صادية التي تع�صف باملنطقة ككل من جهة �أخرى.
موقع الدور الرتكي يف ال�صراع على املنطقة
م����ن املهم جد ًا فهم طبيع����ة موقع ودور تركيا اجلديد يف املنطقة العربي����ة م����ن بواب����ة املعطي����ات �أع��ل�اه ولي�س م����ن خ��ل�ال ت�ص ّورات م�سبقة .فاملنطقة التي دخلت تركيا عليها (املنطقة العربية) ت�شهد تناف�س���� ًا حا ّد ًا �إقليمي ًا (�إ�سرائي����ل و�إيران) ودولي ًا (الواليات املتحدة الأمريكية والدول الكربى) .وال تريد تركيا يف هذا الإطار �أن حتجز دور �أو مكان �أي طرف من الأطراف املناف�سة من جهة ،كما ال تريد �أي�ض���� ًا �أن تدخل املنطق����ة العربية من البوابة غ��ي�ر ال�شرعية ،و�إمنا ت�سع����ى للع����ب دور متميز غري حمجوز من قب����ل الالعبني الإقليميني �أو الدوليني. وت�أت����ي ال�سيا�س����ة اخلارجية الرتكية يف هذا املج����ال لتعك�س هذه الر�ؤي����ا التي ت�سعى �أنق����رة �إىل حتقيقها .وميكن تلخي�ص معامل هذا ال����دور يف �أن جتع����ل تركيا من نف�سها حم����ور ًا متّ� ً صال مع جميع هذه ت�صب عنده كل امل�ساعي املحاور من جه����ة ،و�شبكة �أو ج�سر ًا (ّ )Hub الت����ي ت�ؤدي �إىل حتقيق هدفها الرئي�سي وهو بيئة م�ستقرة و�آمنة مبا يخدم م�صاحلها. ومن البديهي القول �أنّ طبيعة هذا الدور املميز لرتكيا يف املنطقة العربية قد ُيدخِ ل �أنقرة رغم ًا عنها يف مناف�سة ال تطلبها وال تريدها، خا�صة مع �إ�سرائيل و�إيران حيث من املمكن �أن يتحول التناف�س اىل �ص����دام .لكنّ جم ّرد دخولها الدائ����رة العربية يعني بحد ذاته دخول بواب����ة ال�صراع يف املنطقة العربية ،وميك����ن �أن نعزو ذلك �إىل �سبب ب�سيط يتم ّثل يف تناق�����ض الأجندات والأدوات امل�ستخدمة يف حتقيق هذه الأجندات �أي�ض ًا بني كل من �أنقرة وطهران وتل �أبيب .ف�سيا�سة �إ�سرائي����ل وطهران تعم����د �إىل �إ�شعال احلرائ����ق الإقليمية كي ت�ش ّكل حزام ًا حامي ًا للنظامني من جهة ،وال�ستعرا�ض قوة النفوذ والهيمنة اخلا�ص����ة بهم����ا من جهة �أخ����رى ،وغالب ًا ما تكون ه����ذه احلرائق يف املنطقة العربية وعلى ح�سابها ،كما يلي: �أو ًال :بالن�سب����ة لإ�سرائيل ،من املع����روف �أ ّنها لطاملا اعتمدت على عامل��ي�ن �أ�سا�سني يف تعاملها مع العرب .العامل الأول يتم ّثل ب�سيا�سة التجزئ����ة ورف�����ض اعتبار الع����رب كتل����ة متما�سكة مرتا�ص����ة �أو ذات م�صال����ح م�شرتكة ،وبالتايل اال�ستفراد بكل دولة على حده والتعامل م����ع الدولة نف�سه����ا مبنط����ق تق�سيمي �أي�ض���� ًا طائف����ي �أو قومي ،وقد 116
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
حاولت حتقي����ق العديد م����ن النماذج يف الوطن العربي� .أ ّما العامل الثاين ،فتم ّثل ب�سيا�سة التحالف م����ع الأقليات املحيطة بدائرة املحي����ط العربي ()Arabs Sphere ك����دول مثل تركيا و�إي����ران و�أثيوبيا..الخ، و�أي�ض ًا التحالف �أو التوا�صل مع الأقليات القوم ّي����ة �أو املذهبية �أو داخل الدول العربية (كالأكراد �أو الدروز �أو ال�شيعة). ثاني���� ًا� :أ ّم����ا بالن�سب����ة لإي����ران ،فقد اعتم����دت يف دخوله����ا العمق العربي عل����ى عاملني �أ�سا�س ّيني �أي�ض����ا .الأول يتم ّثل بالبعد الطائفي م����ن جهة ،ف�ش ّكلت بع�����ض التج ّمعات ال�شيعي����ة يف العديد من الدول العربي����ة ر�أ�����س حرب����ة مل�شروعها الإقليم����ي (عن ق�ص����د �أو عن دون ق�صد) ،كما ا�ستعانت �إيران كذلك بالق�ضية الفل�سطينية «كح�صان ط����روادة» لت�ش���� ّكل بالت����ايل عن�صرها الث����اين يف ت�س ّهي����ل االخرتاق لل�ساحة العربية. وق����د �أحدثت حت ّركات الطرف��ي�ن الإ�سرائيلي والإيراين زالز ًال يف املنطق����ة العربي����ة �أ ّدت – وت�ؤدي � -إىل انق�سام����ات على ال�صعيدين ال�سيا�س����ي واالجتماع����ي ،و�إىل �إ�ضع����اف ال����دول العربي����ة والأنظمة املركز ّي����ة واىل تقوي�����ض �شرعي����ة احلكوم����ات ،وجتزئ����ة املجتمعات �إىل طوائ����ف واثنيات وقوميات .و�أحدث����ت �أي�ض ًا �شروخ ًا عميقة على �أك��ث�ر من �صعيد (�سني� -شيعي ،عربي -غ��ي�ر عربي ،مع املقاومة- مع الدولة ،مع النظام� -ض����د النظام) ،وا�ستفاد الطرفان من هذه العملي����ة يف �إ�ضعاف الو�ضع العربي والتالعب به وبالتايل اال�ستفادة منه يف تو�سيع رقعة النفوذ وال�سيطرة �أو ا�ستعرا�ض �أوراق القوة. لك����نّ الو�ضع بالن�سبة لرتكيا خمتلف ج����د ًا ،فهي تُبدي ح�سا�سية �شديدة جت����اه هذه التفاعالت لأنه����ا ت�ؤ ّثر فيها �سلب���� ًا ،ولذلك تبقى �أنق����رة الأك��ث�ر ت�أثر ًا بع����د العرب به����ذه احلرائق املرتبط����ة ب�أجندة الطرف��ي�ن ال�سابق��ي�ن .ومنب����ع احل�سا�سي����ة تكمن يف اخل����وف من �أن تنعك�����س احلروب القومي����ة والطائفية على الداخ����ل الرتكي ،في�ؤدي بالت����ايل �إىل تق�سيمه����ا كذلك .كما تخ�شى تركيا م����ن �أن ي�ؤدي عدم اال�ستقرار الإقليم����ي �إىل ف�شل م�شروعه����ا الإ�صالحي واالقت�صادي ال����ذي يرتب����ط ب�شكل وثيق ب����كل من الع����راق و�سوري����ا ودول اخلليج العربي ،ولهذا ت�شكل املنطقة العربية املكان الأكرث مواءمة ملمار�سة نظري����ة «ت�صفري النزاع����ات» الرتكي����ة وحتقيق الأم����ن واال�ستقرار للجميع. ولي�س من امل�ستغرب �أن تثري التحركات الرتك ّية �ضمن هذا الإطار ع����دد ًا من الإ�شكاليات مع �إي����ران �أو �إ�سرائي����ل �أو الواليات املتّحدة، الت����ي دخلت معها يف نزاع �إ ّبان بو�ش االبن �إثر منع تركيا ،الع�ضو يف حل����ف �شمال الأطل�سي ،وا�شنطن من ا�ستخدام �أرا�ضيها يف احتالل العراق ،كما برزت �إ�شكالية مماثلة مع �إ�سرائيل ب�شكل وا�ضح وجلي يف الع����دوان الإ�سرائيل����ي على غ����زّة نهاية الع����ام 2008ومطلع العام ،2009وال �ش����ك �أنّ �أنقرة �ستدخل يف �إ�شكال م����ع طهران �أي�ض ًا حال بقاء التناق�ض م�ستقب ًال.
مدار الأفكار املائدة امل�ستديرة
�سجال
ب�صراحة
الأزمة فـي جنوب اليمن � ..إىل �أين؟ علي دهم�س ،وعلي العمراين ،و�أحمد ال�صويف ،وزايد جابر
تقييم قوة تنظيم القاعدة فـي اليمن عبدالإله �شائع * عاي�ش عوا�س
جدلية الديني وال�سيا�سي فـي امل�شهد اليمني الراهن �أحمــد الدغ�شــي
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية
العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
117 2009
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
ب�صراحة
�سجال
املائدة
مدارات �إ�سرتاتيجية :ما هي جذور وخلفيات الأزمة يف اجلنوب اليمني؟
امل�ستديرة
املائدة
امل�ستديرة
الأزمة فـي جنوب اليمن
�إىل �أين؟
منذ ثالثة �أعوام تقريب ًا وحمافظات اليمن اجلنوبية ت�شهد حركة احتجاج مت�صاعدة ،و�صلت يف الآونة الأخ�يرة حد اال�ش��تباك امل�س��لح ب�ين املحتجني وق��وى الأمن راح �ض��حيتها عدد من القتل��ى واجلرحى من الطرف�ين؛ وفيم��ا يرجع البع�ض االحتقان ال�سيا�س��ي يف اجلنوب �إىل حالة التذ ّمر التي و�ص��ل �إليها �أبناء مناطق اجلنوب جراء ما ي�س��مونه “الإق�صاء والتهمي�ش” اللذين يتعر�ضون له من قبل ال�سلطة املركزية يف �ص��نعاء وبع���ض النافذين املح�س��وبني عليها ،تقول احلكومة اليمنية �أن �أزم��ة اجلنوب مفتعلة من قبل قوى و�أطراف انف�ص��الية خ�س��رت مواقعها ال�سيا�سية وم�ص��احلها بعد حرب �صيف ،1994وهي ت�سعى اليوم �إىل متزيق الوطن والعودة به �إىل املا�ضي الت�شطريي. ولأهمية املو�ض��وع ولكي نلم ب�أطراف امل�س���ألة ،توجهت “مدارات �إ�س�تراتيجية” ب�أربعة �أ�س��ئلة مركزية �إىل نخب��ة م��ن ال�سيا�س��يني والباحث�ين املهتم�ين بالأزم��ة يف اجلن��وب وجذوره��ا وتداعياته��ا املختلفة، وه��م :عل��ي دهم�س ع�ض��و اللجنة املركزية يف احلزب اال�ش�تراكي اليمني ،وعلي العمراين ع�ض��و اللجنة الدائم��ة يف امل�ؤمتر ال�ش��عبي العام ،و�أحمد ال�ص��ويف �أمني عام املعهد اليمني لتنمي��ة الدميقراطية ،وزايد جابر الباحث واملحلل ال�سيا�سي .وبح�صيلة �إجاباتهم الرثية ،خرجنا مبائدة “مدارات اال�سرتاتيجية” امل�ستديرة لهذا العدد.
118
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
�أحمد ال�صويف� :أرى �أن خلفيات الأزمة وجذورها تكمن يف �أن حتقيق الوحدة اليمنية مل تكن ق�ضية مدرو�سة بل فر�ضت الوحدة نف�سه���ا على القوى ال�سيا�سية التي مل تكن قد ت�أهلت لإجناز هذه املهمة� .أما �أبعادها فتمتد لت�شمل تناق�ضات نظامني اقت�صاديني جع���ل من حتقيق الوحدة �سماء قط���اع عري�ض من املجتمع خارج املظل���ة احلمائية �صحي ًا واقت�صادي ًا وتعليمي ًا ون�شاط ًا وظيفي ًا� ،أي �أن اجلن���وب ع�شية حتقيق الوحدة كان بال اقت�صاد جنوبي متام ًا مثل م���ن قاد عملي���ة التوحيد ،ومل يك���ن لديهم برنام���ج لتجاوز مرحل���ة الإعالن ع���ن الوح���دة �إىل تكري�سها يف الواق���ع ،ثم �أتت ح���رب �صي���ف 1994لتزيد الطني بلة وتخرج م���ن م�سرح التاريخ ال�سيا�س���ي وجوه ًا وم�ؤ�س�سات �أمنية وع�سكرية� ،إال �أن هذه الوجوه التي �أعلنت زوال دولة هي اليوم من تريد ا�ستعادتها. عل��ي دهم���س :ميك���ن الق���ول �أن ج���ذور الأزم���ة ب���د�أت يف ال�سن���وات الأوىل لتحقيق الوحدة اليمنية ،حني ر�أى ال�شريك من اجلن���وب �أن الوحدة �ستك���ون عامل رخاء و�سع���ادة وتنمية لليمن وطريق��� ًا لبناء دول���ة مينية ق���ادرة ترتكز على النظ���ام والقانون والع���دل واملواطنة املت�ساوية ،ف� ً ضال ع���ن �أنها �ست�ضع حد ًا ملعاناة اليمنيني من الت�شطري واحل���روب .غري �أن �صنعاء -يف احلقيقة ك�ضم و�إحلاق وزي���ادة رقعة نفوذ احلاكم تعامل���ت م���ع الوحدة ّوزي���ادة ثروته وهيمنته ،باخت�ص���ار �شديد ر�أت يف الوحدة «عودة للفرع �إىل الأ�صل». لكن بع���د حرب 1994الكارثية جتلت رغب���ة املنت�صر و�أف�صح عن نواياه ،فا�ستباح اجلنوب وجعل من �أموال اجلنوب وممتلكاته ���ف املنت�صر وثروات���ه غنيمة ل���ه وحلا�شيت���ه واملتنفذين .ومل يكت ِ بت�سريح موظفي اجلن���وب يف امل�ؤ�س�سات املدني���ة والع�سكرية ،بل مار�س كل �أ�ساليب النهب وال�سلب مل�ؤ�س�سات اجلنوب االقت�صادية واالجتماعية ،ونهب الأرا�ضي العامة و�صادر م�ؤ�س�سات اقت�صادية كان���ت قائمة ل�صاحل���ه واملح�سوبني عليه .كما عم���ل على طم�س املعامل احل�ضارية والتاريخية والثقافية واالجتماعية املعروفة يف املحافظ���ات اجلنوب ،وعلى الأخ�ص مدينة عدن ،وحتى ال�شوارع عم���د �إىل تغي�ي�ر �أ�سمائها من �شه���داء ثورة � 14أكتوب���ر ،وانتهك حرم���ات الأ�ضرحة واملقابر اخلا�صة ب�شه���داء الثورة يف اجلنوب ورموزها حتى مت نهب و�إتالف كل الوثائق وال�سجالت والأر�شيف وما يت�صل بتاريخ الثورة ومراحلها ورموزها. ه���ذه الت�صرفات وال�سلوكيات الت���ي مار�سها احلاكم املنت�صر ت���دل على �أنه ميار����س رغبة الث����أر واالنتقام وت�صفي���ة ح�سابات قدمية مع اجلنوب و�شعبه وثورته ورموزها ،و�إال ماذا ن�سمي هذه الأعم���ال من النهب وال�سطو والطم�س لكل ما هو موروث يف دولة اجلنوب .وقد و ّلدت هذه الأعم���ال وال�سلوكيات الهوجاء احتقان ًا
�سيا�سي��� ًا واجتماعي ًا ونف�سي ًا يف اجلن���وب انعك�س يف ذلك ال�شرخ العميق يف اجل�سم اليمني� ،إذ و ّلد الكراهية بني املواطن اجلنوبي و�أخي���ه ال�شمايل ،وهذا فع ًال �سل���وك د�أب عليه املنت�صر يف �إيقاع الف�ت�ن وال�ضغائ���ن بني �أبناء الوطن الواحد ك���ي ي�ستمر يف حكمه �إىل ما ال نهاية. اجلن���وب ي�شهد اليوم �أزمة حقيق���ة هي الق�ضية اجلنوبية بكل عناوينها ،وهي �أزمة وطنية ت�ضع الوطن على كف عفريت وتُ�سيرّ ه نح���و م�ص�ي�ر جمهول ،يف ح�ي�ن يبقى احلاك���م مت�شبث��� ًا بن�صره، وراف�ض ًا كل املبادرات الوطنية ملعاجلة الأزمة امل�ستحكمة و�آخرها وثيق���ة «الإنق���اذ الوطني» التي تقدمت بها جلن���ة احلوار الوطني و�أحزاب امل�شرتك. عل��ي العمراين :بعد حرب 1994عانت اليمن من تداعيات احل���رب ولأ�سب���اب متع���ددة ،منه���ا ما يرج���ع �إىل ن���درة املوارد املالي���ة �أو م���ا يرجع �إىل �س���وء الإدارة والف�س���اد ،ومنها ما يرجع �إىل ق�ص���ر النظ���ر ال�سيا�سي ،فلم تتمكن الدول���ة �أن تتبنى حلو ًال ناجحة لتداعيات احل���رب و�آثارها ،ومن ذلك ق�ضية الع�سكريني الذين تقاعدوا اختياري ًا ب�سبب احلرب �أو �إجباري ًا لأ�سباب لي�ست وا�ضحة يل حت���ى الآن� ،إذ �أن ق�ضية املتقاعدين هي البداية التي تفاقمت بعدها الأحداث والتداعيات �إىل حد املطالبة باالنف�صال من قبل البع�ض ،مع �أن الأخ الرئي�س علي عبداهلل �صالح قد بذل جه���د ًا مقدر ًا ملعاجل���ة ق�ضية املتقاعدين ،و�صرف���ت مبالغ هائلة لكن يبدو �أن الوقت كان مت�أخر ًا. �أ�ضف �إىل ذلك� ،أن ال�سلطة ظنت �أنه مبجرد �إ�شراك جنوبيني يف احلكم ،وح�صول بع�ضهم على امتيازات مالية وثروات ب�سبب كاف للإح�سا�س ب����أن اجلن���وب ممث ًال ،وال الف�س���اد ،ف����إن ه���ذا ٍ داع���ي لاللتفات �إىل الآخرين و�إىل ال�شركاء ال�سابقني يف حتقيق الوح���دة وخ�صوم ح���رب 1994لإجراء م�صاحل���ة نهائية حتفظ كرامة اجلميع ومت ّكنهم من العودة �إىل الوطن. وبغ����ض النظ���ر ع���ن نتيج���ة احل���رب ،كان يج���ب �أن حت�صل م�صاحل���ة �شاملة حتف���ظ للجميع الكرامة واملكان���ة الالئقة على �أ�سا����س ت�سامح غ�ي�ر ممنون ،وعفو غري منقو����ص ،وكانت هناك �ض���روة لإجراء م�صاحلة بعد ح���رب 1994مبا�شرة ،وهذا هو ما يطرحه الرئي�س علي نا�صر حممد ،وهو حمق يف ذلك. زايد جابر :هناك ما ي�شبه الإجماع على �أن جذور وخلفيات الأزمة يف اجلن���وب تعود �إىل �آثار حرب �صيف 1994وتداعياتها، والت���ي ترك���ت -ك�أي حرب �أهلية -يف �أي بل���د جروح ًا اجتماعية و�سيا�سية عميقة مل تعاجلها الدولة �أو ًال ب�أول ،و�إمنا تركتها ترتاكم وغ ّذتها �سيا�سات خاطئة وممار�سات غري م�سئولة .وعندما بد�أت حرك���ة املتقاعدين الع�سكريني يف اجلنوب ع���ام ،2007وطرحت مطال���ب حقوقية مت جتاهله���ا و�إدانتها يف ح�ي�ن مل تتفاعل معها �أحزاب اللقاء امل�شرتك بال�شكل املطلوب بل �إنها ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
119 2009
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
امل�ستديرة
املائدة
املائدة
اجلنوب ي�شهد اليوم ق�صرت، عل��ي العمراين� :إذا كانت الدولة قد ّ �أزمة حقيقة هي الق�ضية كم���ا �سب���ق و�أن ذك���رت ،يف معاجل���ة �آث���ار ح���رب اجلنوبية بكل عناوينها، �صي���ف 1994وتداعياته���ا ،مما �ساه���م يف مفاقمة وهي �أزمة وطنية ت�ضع الو�ض���ع يف املحافظ���ات اجلنوبية ،لك���ن املعار�ضة، الوطن على كف عفريت بدوره���ا� ،ساع���دت كث�ي�ر ًا عل���ى ت�أجي���ج الو�ضع يف و ُت�سيرّ ه نحو م�صري اجلن���وب وا�ستغل���ت التذم���ر املوجود هن���اك ،وكان جمهول دهم�س منت�سبو املعار�ضة موجودين بقوة يف داخل احلراك خ�صو�ص ًا يف البداية ،وكان �إعالم املعار�ضة م�ؤازر ًا ح�سب قوله .لقد تراجع البعد املطلبي واحلقوقي الذي كان الغالب للح���راك بق���وة .وكان موق���ف املعار�ض���ة -وال ي���زال -ينبع من على �أطروحات معاجلة �آثار ح���رب 1994قبل و�أثناء االنتخابات نكايتها بال�سلطة. وبالرتكيز عل���ى موقف التجم���ع اليمني للإ�ص�ل�اح ،باعتباره الرئا�سية الأخرية ،ل�صالح البعد ال�سيا�سي الذي تطور هو الآخر م���ن املطالبة بت�صحيح م�سار الوح���دة واحلوار بني طرفيها وفق ًا حلي���ف امل�ؤمتر يف ح�سم حرب ،1994ف�إن���ه مل يعرف عنه �أنه قد لق���رارات جمل�س الأم���ن �أثناء احلرب وتعه���دات احلكومة بعد 7ط���رح حلو ًال ج���ادة ت�ستهدف معاجلة �آثار تل���ك احلرب يف وقت متوز/يوليو � 1994إىل املطالبة ب���ـ «فك االرتباط» وا�ستعادة دولة مبك���ر .ولعل كثري ًا من املواقف التي �ص���ار الإ�صالح يتبناها منذ ف�ت�رة �إزاء اجلنوب� ،أتت ب�إحلاح من احل���زب اال�شرتاكي الع�ضو اجلنوب. يف جتمع امل�شرتك. مدارات ا�سرتاتيجية :كيف تق ّيمون موقف ال�سلطة زاي��د جاب��ر :تتحمل ال�سلط���ة واملعار�ض���ة – و�إن بدرجات واملعار�ضة من الأزمة يف اجلنوب؟ متفاوتة – امل�سئولية الرئي�سية يف ظهور الأزمة اجلنوبية وتطورها علي دهم���س :موقف املعار�ضة (اللق���اء امل�شرتك) وا�ضح ،اخلط�ي�ر ،وحتى �أو�ضح هذا الأم���ر كما يجب �س�أ�ضطر للإ�سهاب �إذ ي�ست�شع���ر م�سئوليات���ه الوطنية جتاه الوطن فق���دم املبادرة تلو بع����ض ال�شيء يف تناول هذه النقطة .لق���د ظلت ال�سلطة تتجاهل املبادرة لكن احلاكم يدير ظهره لها .احلزب اال�شرتاكي اليمني �أ�سباب الأزمة املتمثلة بتداعيات حرب �صيف 1994وال تعرتف بها ط���رح العديد من املعاجل���ات منذ �أن ّ حطت احل���رب �أوزارها يف يف ح�ي�ن �أن �أحزاب املعار�ضة (اللقاء امل�شرتك) ،و�إن ظلت ت�ؤكد �إطار معاجلة �آث���ار احلرب و�إ�صالح م�سار الوحدة ،وهي الأخرى عل���ى �ضرورة معاجلة �آث���ار احلرب� ،إال �أنه���ا مل توليها االهتمام 120
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
امل�ستديرة
ذهب���ت لالتفاق مع حزب امل�ؤمتر احلاك���م ب�ش�أن الإ�صالحات االنتخابي���ة دون �أن تتبن���ى املطالب احلقوقي���ة للحراك اجلنوبي ال���ذي كان يف بدايته ،با�ستثناء ا�ش�ت�راط �إطالق �سراح املعتقلني عل���ى ذمة مظاهرات احلراك يف تلك الفرتة .وقد ذهب الدكتور حمم���د حي���درة م�سدو����س ،وهو �أحد �أب���رز قيادات تي���ار �إ�صالح م�سار الوحدة ومنظري الق�ضي���ة اجلنوبية منذ العام � ،1995إىل �أن توقي���ع امل�شرتك على وثيقة اتف���اق مبادئ حول االنتخابات مع ال�سلطة وجتاه���ل الق�ضية اجلنوبية �أو اعتباره���ا ق�ضية حقوقية فح�س���ب ،كان �أح���د �أ�سب���اب انفجار احلراك اجلنوب���ي ب�صورته احلالي���ة ،حيث ف�صل���ت الوثيقة متام��� ًا بني امل�ش�ت�رك واجلنوب
مل تلقَ �أي جتاوب من احلاكم. والي���وم الأزمة م�ستفحلة والبالد ت�سري نحو الهاوية؛ فالق�ضية اجلنوبية ت�شكل عمق هذه الأزمة ،وق�ضية �صعدة هي الأخرى قد تت�س���ع رقعتها و�أطرافه���ا ،وهناك م�شاكل وح���روب �أهلية داخلية يف العدي���د من املناطق اليمنية م���ا خفي منها وما علن؛ كل ذلك يعط���ي م�ؤ�ش���ر ًا خطري ًا ب����أن الب�ل�اد ت�سري نحو م�ص�ي�ر جمهول وخمي���ف .و�إذا مل تذع���ن كل القوى الوطني���ة ،ويف مقدمتها قوى احلاكم ،للجوء �إىل حوار �شامل ال ي�ستثني �أحد ًا ،حوار مبني على ال�صدق واالع�ت�راف بوجود هذه الأزمة ،ف����إن الوطن ُمقب ٌل على كارث���ة حقيق���ة من ال�صعب التنب����ؤ بنتائجها ،ول���ن يكون �أحد يف من�أى منها.
بالق�ضي���ة اجلنوبي���ة وطابعه���ا ال�سيا�س���ي الذي يتبن���اه امل�شرتك م�ؤخر ًا يختلف عما كان يتبناه تيار �إ�صالح م�سار الوحدة� ،إذ كان الأخ�ي�ر يرى �أن ذلك يتطلب حوار ًا عل���ى �أ�سا�س �شطري (�شما ًال ���م عن �ضمانات د�ستوري���ة ل�شراكة �أبناء وجنوب��� ًا) والبحث من ث ّ اجلن���وب يف ال�سلط���ة والرثوة ،وهو م���ا يتطلب �إع���ادة النظر يف اتفاقي���ة الوحدة نف�سه���ا ولي�س يف م�سار الوح���دة بعد احلرب يف ،1994وه���و ما مل تتفق مكونات امل�شرتك عليه حتى اليوم .فرغم احلدي���ث عن الفدرالية داخل امل�شرتك ويف جلنة احلوار الوطني �إال �أنه���ا ال ت���زال حمل خ�ل�اف ،الأمر ال���ذي جعل مع���دي وثيقة الإنقاذ الوطني يرتكوا احل�سم ب�ش�أنها للحوار الوطني املقبل.
الكايف مقارنة بق�ضية الإ�صالح ال�سيا�سي الذي حتول �إىل �إ�صالح العملية االنتخابية باعتباره مدخل الإ�صالح ال�سيا�سي . وبع���د بروز احلراك اجلنوبي وتط���وره ال�سريع – كما وكيف ًا- تغيرّ ت مواق���ف ال�سلط���ة واملعار�ضة ،ولكن ك���ردود �أفعال لتطور احل���راك وجماراته .لقد انتقل تيار �إ�ص�ل�اح م�سار الوحدة الذي ظل���ت �أح���زاب امل�ش�ت�رك ترف�ض مطالب���ه باالع�ت�راف بالق�ضية اجلنوبية وطابعه���ا ال�سيا�سي املتمثل ب�إلغ���اء ال�شراكة بني طريف الوح���دة (ال�شم���ال واجلنوب) �إىل مربع احل���راك املطالب بفك االرتب���اط ،الأم���ر الذي دفع امل�ش���رك للتقدم خط���وة �إىل الأمام �أي �إىل املرب���ع ال���ذي كان ي�شغل���ه تي���ار �إ�ص�ل�اح م�س���ار الوحدة، حيث اع�ت�رف امل�شرتك بالق�ضية اجلنوبية ،مطالب ًا ال�سلط���ة – كم���ا كان تي���ار �إ�صالح م�س���ار الوحدة املعار�ضة حتاول �أن ت�ستقوي يطالبه���ا – باالعرتاف بالق�ضية اجلنوبية وطابعها بق�ضية اجلنوب لتتغلب على ال�سيا�س���ي �إىل جان���ب البع���د احلقوق���ي واملطلبي ،ال�سلطة وال�سلطة تريد �أن توظف الأزمة يف اجلنوب لتحد من و�إع���ادة ال�شراك���ة للجنوب الت���ي �أطاحت بها حرب م�شروعية مطالب املعار�ضة، �صيف .1994 لكنهما يتفقان على �أن الق�ضية اجلنوبية ما زالت يف دائرة لق���د �أ�صبح موق���ف امل�شرتك ال�ساب���ق الذي كان احلل الوطني ال�صوفـي يح�ص���ر الق�ضي���ة باجلانب احلقوق���ي الذي يتطلب معاجلات ولكن دون احلاجة �إىل االعرتاف مب�سمى الق�ضي���ة اجلنوبي���ة �أو طابعه���ا ال�سيا�س���ي ،لأنه���ا ق�ضي���ة وطنية وباملث���ل ،ف����إن الإ�ص�ل�اح ال�سيا�س���ي والتعدي�ل�ات الد�ستورية وطابعه���ا ال�سيا�سي املتمثل بالإ�صالح ال�سيا�سي والوطني ال�شامل لتو�سي���ع امل�شارك���ة ال�سيا�سي���ة وال�شعبي���ة ،والت���ي كان يتبناه���ا مهم���ة الق���وى والأحزاب ال�سيا�سي���ة يف ال�ساحة �شاغ���ر ًا ،بعد �أن امل�شرتك �سابق ًا -وتب ّناها امل�ؤمتر م�ؤخر ًا كجزء من ت�صوره حلل انتقل امل�شرتك �إىل مربع تيار �إ�صالح م�سار الوحدة وتبنى ر�ؤيته .الأزم���ة -تختلف يف م�ضمونها عن الإ�صالحات التي كان يطالب هنا وجدت ال�سلطة نف�سها م�ضطرة للتقدم خطوة �إىل الأمام �إىل به���ا امل�شرتك� ،أو لعل ذلك �أح���د �أ�سباب تعرث احلوار بني امل�ؤمتر مرب���ع امل�شرتك (�سابق ًا) فتب ّنت مطالبه التي كانت ترف�ضها �إىل وامل�شرتك وفق ًا التفاقية �شباط/فرباير ،2009والتي مبوجبها مت ماقب���ل احلراك .لقد اعرتفت ال�سلطة بوجود �أخطاء فاقمت من ت�أجيل االنتخاب���ات الربملانية ملدة عامني � -إىل جانب اخلالفات تداعيات حرب �صي���ف ،1994ووعدت بحلها بل و�شرعت يف هذه ح���ول الأزمات الأخرى طبع ًا -هو ما دفع امل�ؤمتر للتلويح بامل�ضي احللول (�إع���ادة املبعدين واملتقاعدين �إىل �إعمالهم) ،والبدء يف به���ذه الإ�صالحات منفرد ًا بح�سب ر�ؤيت���ه ،وهذا بالت�أكيد �سيزيد ح���ل بع�ض م�شكالت الأرا�ضي..الخ ،كما طرحت ق�ضية الإ�صالح من تعقي���د الأزمة الوطنية ،ولن ميثل ح ًال للأزمة اجلنوبية التي ال�سيا�سي و�أهميته و�ضرورته. مل يعد امل�ؤمتر وامل�شرتك هم املعنيان الرئي�سيان بها� ،إذ ال ميكن لكن مواق���ف ال�سلطة واملعار�ضة هذه مل ت�ش���كل ح ًال للأزمة ،جتاهل احل���راك وقيادات املعار�ضة اجلنوبي���ة يف اخلارج يف �أي بق���در ما �أ�صبحت مثار �أزم���ة جديدة لي�س فقط ب�سبب جتاوز كل حل حقيقي للأزمة. ط���رف ملطالبه ال�سابقة الت���ي �أ�صبحت مطال���ب الطرف الآخر، و�إمنا الختالف م�ضامني هذه املطالب يف املواقف اجلديدة لهذه �أحم��د ال�ص��ويف :وا�ض���ح �أن املعار�ضة حت���اول �أن ت�ستقوي الأط���راف عن م�ضامينها عند �أ�صحابه���ا الأ�صليني .فاالعرتاف بق�ضية اجلنوب لتتغلب على ال�سلطة وال�سلطة تريد �أن توظف
(
)
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
121 2009
املائدة
املائدة
الأزم���ة يف اجلن���وب لتحد م���ن م�شروعية مطال���ب املعار�ضة، لكنهم���ا يتفق���ان � -أي ال�سلط���ة واملعار�ض���ة -عل���ى �أن الق�ضي���ة اجلنوبي���ة ما زال���ت يف دائرة احلل الوطني ولك���ن جر�أة التفكري ونق����ص اخلربة يجعالن املناورات �أهم م���ا مييز موقفي ال�سلطة واملعار�ضة من الق�ضية اجلنوبية.
غري وطنية. ومع مرور الوقت ،ات�ض���ح �أن الطرفني (احلراك واحلوثيني) يتعاطفان مع بع�ضهما ،ويتبادالن الر�سائل واملواقف ،والناظم يف ذل���ك هو معاداة النظام والعمل عل���ى �إ�ضعافه وتقوي�ضه .وي�شعر كل طرف �أن دور الطرف الآخر حمف ٌز له وم�ساعد وم�شجع .ويبدو �أن هن���اك حتالف ًا غ�ي�ر مكتوب بني الفريقني ،لكن���ه لي�س حتالف ًا ا�سرتاتيجي��� ًا �سيدوم لو ق���در لأي من الفريق�ي�ن النجاح وحتقيق م�آرب���ه مثل االنف�صال ال �سم���ح اهلل .ومن غري �شك ،ف�إن ال�سلطة ت�شعر �أن تعاظم قوة وخطر �أي من الفريقني هو قوة للآخر.
امل�شروع الوطني منذ الثورة وان�شغالهم ببع�ضهم البع�ض ،و�أمكن للحوثي���ة �أن تبن���ي م�شروع��� ًا «�صغ�ي�ر ًا» �أخذ يك�ب�ر ويت�سع مبرور الزم���ن ،طاملا وال���كل -بدورهم -من�شغل�ي�ن يف م�شاريع �صغرية
زاي��د جابر� :إن ح���رب �صعدة و�أزمة اجلن���وب وغريها من الأزمات التي ي�شهدها الوطن ،هي مظاهر خمتلفة لأزمة امل�شروع الوطني الدميقراطي الذي تعر�ض ل�ضربة موجعة يف حرب �صيف
مدارات ا�س�تراتيجية :ما عالقة الأزمة يف اجلنوب والأحداث يف �صعدة؟
�أحم��د ال�ص��ويف :يف ت�ص���وري �أن العالق���ة ب�ي�ن الأزمة يف علي دهم�س :من الطبيعي �أن يكون هناك رابط بني ما يحدث يف اجلن���وب وم���ا يح���دث يف �صعدة .فف���ي اجلنوب ا�ستمرار الأزمة يف اجلنوب يفتح حراك ون�ضال �سلمي و�شعب يخرج ب�شكل يومي �إىل �أبواب التدخل اخلارجي ويجعل امليادين ي�شكو العامل ق�ضيتة وعدالتها ،وما يتعر�ض �إمكانية التدويل �أمراً ممكناً ومتوقعاً� ،إذ لي�س من م�صلحة له من نهب حلقوقه ال�سيا�سية واملدنية وتاريخ دولته اخلارج �أن ت�صبح املحافظات وثورت���ه وح ّقه ك�شريك يف الوح���دة ال�سلمية غدر به اجلنوبية التي تطل على البحر ال�شريك املنت�صر و�صادر كل حقوقه ،وترك ال�شعب العربي واملحيط الهندي وباب مي���وت ويت�ضرع جوع ًا ومع ذل���ك ي�ستكرث عليه حتى املندب ،منطقة غري �آمنة جابر �أن يقوم باملظاه���رات واالجتماعات ال�سلمية ،حيث يواجهه���ا بالقم���ع والتنكيل وي�ستخ���دم كل الأ�سلحة اجلنوب وال�ص���دام امل�سلح يف �صعدة تكم���ن يف �أن كليهما ينتمي مل�ش���روع �صغ�ي�ر ذي طبيع���ة تفتيتية لليم���ن ،كما �أنهم���ا يجرتّان �ض���د النا����س امل�سامل�ي�ن ال ُع���زّل من ال�س�ل�اح ،ويعتق���ل ويختطف م�شاري���ع �صغ�ي�رة �أفل���ت و�أكل الدهر عليه���ا و�شرب ،كم���ا �أنهما النا�شطني ويحاكم الآخرين يف حماكمات �صورية. ويف �صعدة هناك حرب �ضرو�س �ضد جزء من الوطن و�أبناءه، يرتبط���ان بقوى �إقليمي���ة ترى من م�صلحته���ا ا�ستنزاف م�صالح ه���ذه البلد ،ولكن الطري���ف يف الت�شابه بينهم���ا �أن احلوثي يريد ال يعرف النا�س �أ�سباب ودوافع هذه احلرب الطاحنة التي ت�شهد الإمام���ة من خارج بيت حميد الدين والبي����ض يريد مين ًا جنوبي ًا حربه���ا ال�ساد�سة .هذه احلرب حت�صد الب�شر دون متييز ،فكلهم ُزج الق���وات امل�سلحة اليمنية �ضد �أبناء دميقراطي��� ًا عار م���ن النزع���ة اال�شرتاكي���ة وم�شبع ب���كل دواعي �أبن���اء الوطن والوحدة ،وت ّ اليمن� .إنها حرب ظاملة بكل املقايي�س. التفجري ال�سالطيني لكيان اجلنوب. �إن م���ا يح���دث يف اجلن���وب ويف �صع���دة ي�ش���كل عم���ق الأزمة علي العمراين :يف ر�أيي �أن هناك عالقة مبا�شرة بني الأزمة يف اجلن���وب والأح���داث يف �صعدة ،ويب���دو �أن التخلخل ال�سيا�سي اليمني���ة التي ي�شهدها الوطن ،وهما بالتايل ا�ستحقاقان وطنيان الذي �أحدثته �أزمة وحرب الت�سعينيات ،وعوامل ال�ضعف والتفرق الب���د من معاجلتهما �سريع ًا دون اللج���وء �إىل املكابرة وال�شطط، التي جنمت عنه���ا ،قد �أوجدت مناخ ًا مالئم��� ًا لن�شاط احلوثية ،فلي����س هناك من هو منت�ص���ر ومن هو مهزوم .ه���ذه هي طبيعة وحاول���ت الأخ�ي�رة �أن ت�ستفيد من خالف الأط���راف التي حملت الرابط بينهما.
122
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
امل�ستديرة
امل�ستديرة
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
،1994ث���م ما لبث املنت�صرون يف احلرب �أن تركوا جراحه تنزف، الأمر الذي �أدى �إىل تعرث هذا امل�شروع وت�س ّرب الي�أ�س �إىل �صفوف اجلماه�ي�ر رغ���م الوجود ال�شكل���ي ملقت�ضيات هذا امل�ش���روع (بناء الأح���زاب ال�سيا�سية وا�ستمرار �إجراء االنتخابات الدميقراطية)، حي���ث �أ�صبحت ه���ذه املظاه���ر �أداة لتكري�س الواق���ع و�سلبياته مع تفاقم امل�ش���كالت االقت�صادية واالجتماعية..الخ ،الأمر الذي �أدى �إىل انبعاث امل�شاريع ال�صغرية املذهبية واملناطقية والقبلية ،بدعم ومتوي���ل من ال�سلط���ة وجتاهل من املعار�ضة حت���ى كربت وتطورت ه���ذه امل�شاري���ع وباتت ته���دده وجود ال�سلط���ة واملعار�ض���ة مع ًا ،بل وامل�شروع الوطني ب�أكمله. وما من �شك �أن الأزمة اجلنوبية وحرب �صعدة هما من �أبرز جتليات الأزمة الوطنية ،وقد �أثارت حتركات احلكم املحلي وا�سع ال�صالحيات ومواقف وت�صريحات قادة احلوثيني واحلراك �أثناء �أو كامل ال�صالحيات وحتى احل���رب الأخرية ت�سا�ؤالت عدي���دة حول العالقة بني الفدرالية ،لن حتل امل�شاكل بل قد تزيدها يف املدى املنظور، الق�ضيت�ي�ن ،و�أ�سرار حت���رك �إحداهما عندما تخفت لكن امل�شاركة والعدل والنزاهة الأخرى ،و�إب���داء قادة الطرف�ي�ن التعاطف املتبادل، و�إط�ل�اق احلوثي �أ�سرى اجلي����ش اجلنوبيني «�إكرام ًا واالن�ضباط هي التي يعول عليها وحدها حلل م�شاكل اليمن كم���ا قال -لقادة احل���راك ،وخا�صة لل�شيخ طارقالعمراين الف�ضلي» ،والذين �شكروا له هذه اخلطوة. �إن ال���ذي يت�أمل يف ه���ذه املواقف �سيجد �أنه���ا طبيعية ومتوقعة ال�شخ�صية �أكرث من �أي �شي �آخر. ولو من باب «عدو ع���دوي �صديقي» ،فما بالك وم�صالح كل طرف �أما �آف���اق احلل فهي متوفرة ولكنها مل تع���د ب�سيطة �أو �سهلة، تقت�ض���ي دعم الآخر ولو �إعالمي ًا� .إذ يرى احلوثيون �أن م�صلحتهم واحلل���ول واملعاجل���ات التي كان���ت ممكنة يف الأم����س �أو اليوم قد يف ا�شتعال اجلبهة اجلنوبية ،بل يتمنون �أن تتطور �إىل �صراع م�سلح ال تك���ون ممكن���ة ومقبولة يف الغ���د .ووا�ض���ح �أن امل�شكلة �أ�ضحت لتخفي���ف ال�ضغط الع�سكري عليهم ،وي�صبح احلوار ولي�س احل�سم مركب���ة� ،إذ �صارت �سيا�سية �أكرث من كونها ق�ضية مطالب .وعلى الع�سك���ري هو احلل ال���ذي �ست�ضطر له ال�سلط���ة .كما �أن احلراك الرغم من اجلهود الت���ي ُب ِذلت يف حل ق�ضية املتقاعدين و�إجراء اجلنوب���ي ال يرغب يف ح�س���م ال�صراع يف �صعدة لأن من �ش�أن ذلك انتخابات املحافظني ،وهي خطوة مهمة مهما اكتنفها من ق�صور، �أن يعزز من قوة ال�سلطة يف مواجهته ورف�ض احلوار معه م�ستقب ًال� ،إال �أن كل ذلك مل مينع الأزمة من اال�ستمرار والتفاقم. وم���ن هنا ميكن فه���م العالقة بني احلراك واحلوثي�ي�ن باعتبارها وم���ن امل�ؤك���د �أن احلكم املحلي وا�س���ع ال�صالحي���ات �أو كامل عالقة م�صالح وح�سابات �سيا�سية ،ف� ً ضال عن مواجهتهما خل�صم ال�صالحيات وحتى الفدرالية ،لن حتل امل�شاكل بل قد تزيدها يف واحد هو ال�سلطة احلالية. املدى املنظ���ور ،لكن امل�شاركة والع���دل والنزاهة واالن�ضباط هي الت���ي يعول عليها وحدها حلل م�شاكل اليمن .ومن املهم بحث كل مدارات ا�س�تراتيجية :ه��ل هناك �إمكاني��ة لتدويل البدائ���ل ،ولكن تغي�ي�ر ثقافة و�أ�ساليب احلكم ه���ي ما يهم �أكرث، و�أق�صد بتغي�ي�ر ثقافة احلكم و�أ�ساليبه التحول من التغا�ضي عن الأزمة يف اجلنوب ،وكيف تنظرون �إىل �آفاق احلل؟ مناح �شتّ���ى �إىل تر�سيخ العدل ،ومن تف�شي الظل���م وممار�سته يف ٍ عل��ي العمراينُ :تب���دي معظم الق���وى الإقليمي���ة والدولية الف�ساد والتعاطي معه �إىل اعتماد مبد�أ نزاهة احلاكمني ليكونوا ت�أييده���ا للوحدة اليمنية ،وهذا يعني الوق���وف �إىل جانب الدولة اليمني���ة يف مواجهتها للحوثي�ي�ن واالنف�صالي�ي�ن ،ولذلك ال يلوح يف الأف���ق �إمكاني���ة للتدوي���ل يف امل���دى القريب عل���ى الأقل ،لكن الأزمة �إذا طال���ت وا�ستطالت ف�إن التدويل وارد؛ ولعلنا نتذكر �أن املواق���ف منذ عام 1994قد تغريت بحيث �أ�صبح كل الذين دعموا االنف�ص���ال ي�ؤيدون الوح���دة اليوم ،وبع�ض الذي���ن كانوا م�ؤيدين للوح���دة بقوة تغريت مواقفهم اليوم ،وينظر �إليها �أنها على الأقل مواق���ف غري ودية و�سلبية يف �أح�سن الأحوال (لن�أخذ مث ًال حالتي قطر وال�سعودية) .والواقع �أنه ال ي�ستبعد تبدل املواقف من جديد، خا�ص���ة يف عاملنا العربي الذي ت�ؤثر في���ه تقلبات املزاج والأحقاد
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
123 2009
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
قدوة ح�سنة للآخرين ،ومن الفو�ضى واالرجتال �إىل االن�ضباط �أو ما �أ�سم���اه «يل كوان يو» ،رئي�س �سنغافورة ال�سابقMilitary“ ، .”Disciplineوال بد من تر�سيخ امل�ؤ�س�سية وحكم القانون و�شموله مقابل الفردانية واال�ستثن���اءات عن حكم القانون ،ومبعنى �آخر ال بد من �إعم���ال مبد�أ قوة القانون ولي�س قانون القوة كما يقال. ويظل دائم ًا و�أبد ًا :العدل هو احلل! �أحم��د ال�ص��ويف� :أعتق���د �أن اجلنوب كق�ضي���ة ما زالت يف دائ���رة الإمكان لإيجاد خمارج وطنية �أو ت�سوية �سيا�سية داخلية، فاالحتي���اج لتدويل الأزمة يف اجلنوب حت���ى الآن معدومة ب�سبب �أن ال���دول العربية ب�صورة �أ�سا�سية ق���د جعلت من احلفاظ على الوح���دة خط ًا �أحم���ر و�أر�ضية و�ساطة ،وبالت���ايل ف�إن غياب هذا احلاف���ز يجعل م���ن طموحات بع����ض القوى خللق من���اخ �إقليمي كاحل���ادث يف ال�سودان يبدو �شطح���ة �سيا�سية تفتق���ر للواقعية، فجنوب ال�سودان احتاج �إىل خم�س�ي�ن عام ًا حتى ُع ِر َف كق�ضية. �أم���ا �آفاق احلل فتكمن يف �إيجاد م�شروع للوحدة اليمنية؛ فالذي يح���دث الآن �أن هن���اك وح���دة ينق�صه���ا م�شروع وح���دوي لهذا يب���دو على الوح���دة االعتالل ،وعافيتها ب�إعطائه���ا هذا امل�شروع التاريخي. عل��ي دهم���س� :أ�صبح اليمن الي���وم منطق���ة تتجمع حولها امل�صال���ح الإقليمي���ة والدولي���ة مل���ا لها م���ن �أهمي���ة �إ�سرتاتيجية ملوقعه���ا املطل عل���ى البحر الأحم���ر وخليج ع���دن اال�سرتاتيجي كمم���ر دويل ،فالو�ضع غ�ي�ر امل�ستقر الذي ي�شه���ده الوطن وتلك الأزمات وامل�شاكل الأكرث خطورة كاحلرب يف �صعدة والو�ضع يف اجلنوب ي�شكالن خطورة على املنطقة ،لذلك ف�إن القوى الدولية والإقليمية التي لديها م�صالح يف اليمن �أو تلك التي ال زالت لديها م�شاريع ا�سرتاتيجية قادمة ،ل���ن ت�سمح على الإطالق با�ستمرار هذا الو�ضع وهذا القلق ،لذا ف�إنها البد �أن تتدخل بذريعة حماية م�صاحلها وحماي���ة املنطقة وت�أمينها ،وهناك م�ؤ�شرات وا�ضحة لهذا التدخل. لك���ن يبقى ال�س����ؤال واملخاوف من طبيعة ه���ذا التدخل .ف�إذا ح�ص���ل تدخ���ل غ�ي�ر مبا�شر م���ن خ�ل�ال الن�صيح���ة لليمنيني يف احلك���م واملعار�ض���ة نحو �إ�صالح���ات وطنية و�سيا�سي���ة ت�سهم يف معاجل���ة الأزمة ،ف�إن هذا هو املطلوب م���ن الأ�شقاء والأ�صدقاء، لكن اخلط���ورة �أن يكون التدخل من نوع �آخر ،لأن كل هذه القوى الإقليمي���ة والدولي���ة ل���كل منه���ا ح�ساباتها و�أطماعه���ا اخلا�صة. واخل���وف �أن ُيف�ضي هذا التدخل �إىل انق�سامات داخلية و�شرذمة الوط���ن ،و�إذا ما ح�صل ذلك ف�إن ذل���ك يتحمله من ميتلك زمام املب���ادرة وت�أخ���ذه الع���زة بالإث���م ،و�إن �أو�ص���ل الب�ل�اد �إىل ذل���ك 124
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ف�ستالحقه لعنة �شعبنا يف ح ّله وترحاله. زاي��د جاب��ر :ما من �ش����ك �أن ا�ستمرار وتط����ور الأزمة يف اجلن����وب يفتح �أبواب التدخل اخلارج����ي ويجعل �إمكانية تدويل الأزمة اجلنوبي����ة� ،أمر ًا ممكن ًا ومتوقع���� ًا� ،إذ لي�س من م�صلحة اخل����ارج �أن ت�صبح املحافظ����ات اجلنوبية التي تطل على البحر العربي واملحيط الهندي وباب املندب ،منطقة غري �آمنة ت�ضاف �إىل مناط����ق التوت����ر يف اجلانب املقاب����ل من الق����ارة الأفريقية (ال�صوم����ال) ،ولع����ل حتركات م�ص����ر والأمني الع����ام للجامعة العربي����ة م�ؤخ����ر ًا واحلدي����ث ع����ن حوار وطن����ى �شام����ل برعاية اجلامعة العربية ي�صب يف هذا االجتاه. �أما عن �آفاق احلل ،ف�إن �أي �أزمة يتطلب ح ّلها �أو ًال االعرتاف بوجودها ،ثم ت�شخي�ص الأزمة ومعرفة �أبعادها ومظاهرها ،ثم ت�أت����ي مرحلة و�ضع احللول واملعاجلات .و�أعتقد �أنه من املكابرة عدم االع��ت�راف بالأزمة الت����ي ت�شهدها املحافظ����ات اجلنوبية وال�شرقي����ة منذ �أكرث م����ن عامني ،والتي تتط����ور وتتو�سع – كم ًا وكيف���� ًا – كل يوم� .إن �إنكار وج����ود الأزمة والتقليل من �شانها ال ينفيها من الواقع وال ي�ساهم يف حلها ،و�إذا انتقلنا من االعرتاف بالأزم����ة �إىل حماول����ة ت�شخي�صها ،ف�سنج����د �أن هناك ما ي�شبه الإجماع على �أن هذه الأزمة ذات طابعني :الأول حقوقي مطلبي يتعلق ب�آثار ح���رب �صيف ( ،94نهب الأرا�ض���ي� ،إبعاد املوظفني، م�شكل���ة املتقاعدين ..،ال���خ) ،والثاين �سيا�سي يتعل���ق بال�شراكة الوطني���ة بني طريف الوحدة (ال�شمال واجلنوب) كما كان يطرح تيار �إ�صالح م�سار الوحدة وبع�ض مكونات احلراك اليوم� ،أو بني الأح���زاب ال�سيا�سية كما هو مطلب الأح���زاب املعار�ضة من قبل وحتى اليوم. و�أعتق���د �أن ال�سلطة هي املعني���ة بالق�ضية الأوىل دون غريها، فم���ن واجبه���ا �أن تقوم بح���ل الق�ضايا املطلبي���ة واحلقوقية دون ت�سويف �أو مماطلة �أو انتقا�ص ،و�إن كان ذلك يتطلب منها حوار ًا م���ع �أ�صحاب ه���ذه املطالب ،والذي���ن �أ�صبح معظمه���م ين�ضوي يف �إط���ار مكونات احل���راك اجلنوبي ،وهذا احل���وار هو ال�سبيل الوحي���د ملناق�ش���ة اجلانب ال�سيا�سي يف الق�ضي���ة اجلنوبية ،ولأن ه���ذا اجلانب ال يخ����ص ال�سلطة وحدها وال احل���راك وحده ف�إن احلوار الوطني ال�شامل خ�صو�ص ًا بني ال�سلطة وامل�شرتك وقيادات احلراك اجلنوب���ي يف الداخل واخلارج ،هو املدخل ملعاجلة هذه الق�ضي���ة .و�أعتق���د �أن �إعاقة �أو ت�أخري مثل ه���ذا احلوار� ،سيع ِّقد الأزمة �أكرث ،و�سيجعل احللول املمكنة اليوم التي ميكن �أن يخرج به���ا احلوار غ�ي�ر ممكنة يف امل�ستقب���ل ،وهذا لي����س يف م�صلحة وحدة اليمن و�أمنه وا�ستقراره.
�صدر حديث ًا �ضمن �سل�سلة درا�سات اجتماعية
ظاهرة التطرف بني ال�شباب يف املجتمع اليمني: الأ�سباب واملعاجلات �سهري علي عاطف رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
125 2009
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
ب�صراحــة
�سج ــال
تقييم قوة القــــــــــــاعدة فـي اليمن 1
�إنه يزداد قوة! م��ن يق��ر�أ مل��ف تنظيم «القاع��دة يف جزي��رة العرب» ،وال��ذي يتخذ من اليم��ن مقر ًا للقي��ادة الإقليمية وبد�أ بت�ص��دير عملياته يف �إطار املنطقة اجلغرافية ،يكت�ش��ف �أن معظم عملياته غري كاملة على رغم قلتها (ال تزيد عن �س��ت عمليات يف ث�لاث �س��نوات ،ثالث��ة اغتياالت وثالث عمليات هجومية) .فمن �أ�ص��ل �س��ت عمليات نفذتها القاعدة نقر�أ �أن خم�س�� ًا منها حملية ،وواحدة �إقليمية عابرة للحدود ،ون�سبة النجاح الكامل %50من �إجمايل العمليات ،ثالث فقط و�صلت �إىل �أهدافه��ا و�أجن��زت مهامها (عمليتي االغتي��ال التي طالت قيادات �أمنية حملية (حمود ق�ص��يلة ،وحممد ربي�ش) ,وقتل �سياح كوريني يف ح�ضرموت) ،بينما العمليات الأخرى جنحت يف خطوات ما قبل الهدف (الر�صد ،واالعداد ،واالخرتاق، والتنفيذ)؛ لكنها مل حتقق النتيجة النهائية.
عبد الإله حيدر �شائع
فف���ي عملي���ة ال�سف���ارة الأمريكية جنح���ت يف تقم�ص ال���دور الأمني واخرتق���ت احلواجز الأمنية و�أدارت معرك���ة عند باب ال�سفارة واملدخل الأمامي ،لكنها مل تتمكن من احتجاز رهائن �أو البلوغ �إىل الدبلوما�سيني الأمريكي�ي�ن ،ويف عملي���ة املحقق�ي�ن الكوري�ي�ن جنح���ت يف االخ�ت�راق واحل�صول على معلومات ميدانية دقيقة لتحرك الوفد الأمني ومواعيده ونوع عرباته� ،إال �أنها مل تقتل �أحد ًا �سوى منفذ العملية. و�إىل جان���ب العمليات غ�ي�ر املكتملة هناك عملي���ات مت �إحباطها يف خط���وات ما قبل التنفي���ذ؛ �أبرزها عملية مطار �صنع���اء منت�صف كانون الثاين/يناي���ر املا�ض���ي ،2009وعملي���ة ج���ازان التي �أعلن���ت ال�سلطات الأمني���ة ال�سعودية �أنها قتل���ت اثنني من قائمة املطلوب�ي�ن ال�سعوديني الـ 85منت�ص���ف ت�شري���ن الأول�/أكتوب���ر املا�ضي (يو�سف ال�شه���ري ،ورائد احلربي) يف اال�شتباكات ،بعد جناحهم يف الت�سلل �إىل داخل اململكة. لكن القلق الغربي املتنامي جتاه القاعدة القوة وال�ض��عف وم���ا ي�شكله من تهدي���د م�صاحلها على م�ستوى املنطق���ة والعامل ،عك�س نف�سه على واقع القاع���دة �إقليمي ًا وحملي ًا حيث بدت يف الإعالم ب�صورة لي����س بال�ض���رورة �أن تك���ون كم���ا هي عل���ى الواق���ع .بينما معي���ار القوة وال�ضعف يت�أرجح اطراد ًا وفق عوامل �أخرى ال عالقة لها بالت�صريحات الإعالمي���ة ،التي قد تدخل �ضمن توف�ي�ر تربيرات لتدخالت خارجية �أو �ضمن مكايدات وجدل �سيا�سي داخلي. فالقاعدة تكت�سب قوتها من عدة عوامل ذاتية �أ�سا�سية فيها ،وعوامل م�ساع���دة من املحيط ال���ذي تت�شكل فيه؛ فالعوام���ل الأ�سا�سية تتمثل يف 126
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ق���وة خطابه���ا وب�ساط���ة مفرداتها التي حتم���ل «هموم الأم���ة» وتذ ّكرها بجراحاته���ا نتيجة القمع الدويل مل�سلمني يف مناطق خمتلفة من العامل؛ كفل�سطني والعراق و�أفغان�ستان وترك�ستان ال�شرقية وغريها من البلدان الواقعة حتت ظروف القهر واال�ضطهاد. وعل���ى امل�ست���وى املحلي ،تنج���ح القاع���دة يف لفت االنتب���اه بقوة �إىل ال�شع���ور بالإذالل نتيج���ة القمع املحلي واملمار�س���ات الداخلية للأنظمة، وتغيي���ب حقيق���ة الناجت القومي لل�ث�روات وطرق ت�صريفه���ا ،مما يجعل خطاب املعار�ضة يتوافق يف هذه النقطة مع خطاب القاعدة مركزة على «الف�ساد ال�سيا�سي واالقت�صادي». ومم���ا يزي���د القاعدة ق���وة �أنها «حرك���ة جهادية عاملي���ة» مما مينح ت�شكيلته���ا �ألوان الطيف بتعدد اجلن�سيات ،ويدفع بحركتها �إىل نطاقات وا�سع���ة للتن�سي���ق والتدريب ،و�إك�سابها تعاطف ًا عام��� ًا يف مناطق خمتلفة م���ن العامل يك���ون بناء على حركته���ا العاملية وجناحات ق���د حتققها يف مناطق �أخرى ك�أفغان�ستان وال�صومال. وم���ن العوام���ل امل�ساع���دة اخلارجي���ة ،االخت�ل�االت املوج���ودة دخل الرتكيبة البنيوية للنظام والتناق�ضات بني �أطرافه -ال�سلطة واملعار�ضة ،وع���دم جناح اخلطاب الع���ام للنظام ،بطرفيه ال�سلط���ة واملعار�ضة،يف توحي���د مفردات���ه وتبني �أجن���دة موحدة حمددة ،مم���ا ي�ؤكد �إخفاقه املوحدة يف خطابها يف �إي�ص���ال ر�سالة وا�ضحة للنا�س ،بعك����س القاعدة ّ واملحددة �أهدافها بدقة. وي�ساع���د القاع���دة �ضبابي���ة ال���ر�ؤى واختالفه���ا ح���ول حقيقته���ا وا�ستخدامها كورقة مكايدات بني الأطراف ال�سيا�سية املتخالفة؛ فهناك عبد الإله حيدر �شائع �صحفي ميني متخ�ص�ص يف �ش�ؤون الإرهاب.
م���ن يعتربها «�صنيع���ة النظام و�أداة م���ن �أداوته» ،بينم���ا تتهم ال�سلطة �أطراف ًا يف املعار�ضة بانتهاج «الإرهاب». وت�سع���ى �أطراف �إقليمي���ة -وحلقتها �أطراف حملي���ة ر�سمية م�ؤخر ًا �إىل رب���ط القاعدة باحلركة ال�شيعي���ة امل�سلحة (احلوثية) دون تقدمي�أدل���ة مادي���ة �أو االعتبار للتباي���ن الإيديولوجي وال�ص���راع التاريخي بني ال�سلفي���ة ب���كل �أطرافه���ا خ�صو�ص��� ًا الوهابي���ة واجلهادية منه���ا ،ودون االعتب���ار للمواجه���ات امل�سلح���ة والرت ّب�ص امليداين ب�ي�ن ال�شيعة وحركة اجله���اد العاملي���ة يف مناطق �أخرى من الع���امل �آخرها م���ا �شهده العامل من جن���اح جمموعة �سنية �إيرانية على �صل���ة بالقاعدة (جند اهلل) من اغتيال عدد كبري من قيادات احلر�س الثوري الإيراين بينهم نائب قائد الق���وات الربي���ة الإيرانية علي نور �شو�شتن���ي ،و� ِآمر ل���واء �أمري امل�ؤمنني وقائ���د احلر�س الثوري لإقليم بلو�ش�ست���ان رجب حممد علي زاده ،وعدد م���ن قيادات الع�شائر املوالية للنظام الإي���راين يف ت�شرين الأول�/أكتوبر املا�ض���ي؛ مما يجعل حماوالت الربط ب�ي�ن املت�ضادين املتحاربني تندرج حتت �إطار «الدعاية الإعالمية امل�ضادة». وتقوم ذات الأطراف الإقليمية املحلية الر�سمية تارة �أخرى مبحاولة ربط القاع���دة باحلركة االنف�صالية يف اجلن���وب (احلراك اجلنوبي)، والقاع���دة ت�ستفي���د من تناق�ض���ات الر�ؤى جت���اه حقيقته���ا الديناميكية وحركته���ا امليداني���ة ،يف تنفي���ذ �ضرب���ات واخرتاق���ات موجع���ة تفاجئ خ�صومها بني احلني والآخر.
؟
«م�صدر قوة القاعدة الأ�سا�سي هو قوة خطابها وب�ساطة مفرداتها التي حتمل «هموم الأمة» وتذ ّكرها بجراحاتها نتيجة القمع الدويل مل�سلمني يف مناطق خمتلفة من العامل» عبد الإله �شائع
قلق دويل ي�سبب عدم التفريق بني القاعدة كتنظيم والقاعدة كمنظوم���ة فكرية �إ�شكا ًال وا�سع ًا لفه���م الظاهرة ،فالتفريق بني الأمرين م���ن �أهم املداخ���ل لإدارك القاع���دة وحقيقتها ،وبن���اء على ذلك ميكن قيا�س القوة وال�ضعف ،واحلقيقة والوهم فيها. فاملنظوم���ة الفكرية للقاع���دة قائمة عل���ى رف�ض املنظوم���ة الدولية وت�شريعاتها وقوانينها ،وحماولة فر�ض نظريات �أخرى تقوم على �أ�سا�س الت�شريع���ات الإلهي���ة و�إلغ���اء احلق الب�ش���ري يف الت�شري���ع ،ولذلك ي�أتي «تقرير جولد�ستون» عن جرمية �إ�سرائيل يف غزة حماولة لتح�سني �صورة املنظوم���ة الدولي���ة ،و�إعادة االعتبار له���ا لقبولها مرجعي���ة للتفاو�ضات القادم���ة ،وتقدميها لل�شريحة اال�سالمي���ة الوا�سعة ب�صورة متعاطفة مع �أبرز ق�ضاياهم ،وحلحة االعتقاد ال�سائد عن مكانه يف ال�صورة الذهنية؛ �أنها جمرد غطاء للجرائم �ضد كل ماهو �إ�سالمي. وترك���ز احلركة اجلهادية العاملية اليوم بزعامة القاعدة يف �أدبياتها وم�س���ار عملياتها على ال�س�ي�ر نحو «ال�سيادة العاملي���ة وا�ستعادة الهيمنة املفقودة للم�سلمني» امل�سماة �أيديولوجي ًا «خالفة الأر�ض» ،وهذا ما تتفق عليه �أر�ضية وا�سعة م���ن امل�سلمني ولي�س بال�ضرورة انتمائها ع�ضوي ًا �إىل القاعدة. وتقوم املنظومة الفكرية ال�سلوكية عند القاعدة على �أ�سا�س النه�ضة العلمية الدينية ،والتقانة الإعالمية الع�سكرية والأمنية جنب ًا �إىل جنب، فه���و ال يرف�ض تطوي���ر �أ�ساليبه و�أدواته و�آليات���ه .بينما التنظيم يتحرك يف �إطار هذه املنظومة والأر�ضي���ة الب�شرية واجلغرافية التي حتمل هذه القناع���ات بني جمه���ور امل�سلمني الوا�سع يف الع���امل ،وهذا مما ي�ؤخذ يف نف�سر ملاذا بعد ثمان �سنوات من حرب االرهاب ،مازالت االعتب���ار حني ّ نف�س القوى تعلن حرب الإرهاب يف نف�س اجلبهات ،بل وتو�سعت وتطورت جغرافي ًا ،وتقني ًا. وكان التكني���ك امل�ستخدم يف حماولة اغتيال م�ساعد وزير الداخلية ال�سع���ودي ،الأم�ي�ر حممد ب���ن نائف ،دالل���ة �أكيدة على تف���وق التنظيم عل���ى جبهة حرب الإرهاب بقيادة �أمريكا وحل���ف الناتو يف هذه التقنية املبتك���رة اجلدي���دة ،وق���د عك�سه���ا الإرباك احلا�صل اليوم على م�ست���وى الأمن العامل���ي خ�صو�ص��� ًا �أم���ن املط���ارات والطائ���رات. واملث�ي�ر لالنتب���اه ،يف هذا ال�سياق� ،أن القاعدة ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
127 2009
مدار الأفكار
�سجال
تقييم قوة القــــــــــــاعدة فـي اليمن
املتح���دة يف حرب الإرهاب جت���اه �إمكانية حت ّول اليمن �إىل مرك���ز تدريب وانطالق؛ جعلها ت�ؤكد �أن احل���رب الدائرة يف �شمال اليمن -حمافظة �صع���دة ( 240كل���م �شمال العا�صم���ة �صنعاء) - امل�ستفي���د الرئي�سي منها تنظي���م القاعدة ،مما دفع بال���دول الغربي���ة والأمريكي���ة �إىل التنادي والتوجه حلل امل�شكلة ب�ضرورة �إيق���اف احلرب، ّ بح���وار �سيا�س���ي تدخ���ل في���ه جمي���ع الأطراف ال�سيا�سي���ة ،والرتكي���ز عل���ى �إدارة احل���رب مع القاعدة يف مناطق خمتلفة من اليمن. ورغم ال�ضغوط الدولية املتزايدة والزيارات املتكررة مل�سئولني �أمريكي�ي�ن وغربيني يف حرب الإرهاب لإيقاف احلرب يف اليمن �ضد احلركة ال�شيعي���ة امل�سلحة ،ف����إن اليمن ال ي���رى خطورة كربى م���ن القاعدة ،ويعزو ذل���ك �إىل معلوماته ح���ول خاليا القاع���دة و�أنه���ا مط���اردة ،وتفقد املعرفة عن ُقرب :كاتب املقال مع زعيم تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب نا�صر الوحي�شي املالذ الآمن على الدوام ،وال تتمركز يف منطقة جغرافي���ة ،بينم���ا حرك���ة احلوثي�ي�ن ال�شيعي���ة تتح���دى الع���امل ب�أن يك�ش���ف «�سر العب���وة املتفج���رة (امل�ستخدمة يف حماولة االغتيال) وطريقة تفجريها» ،واعرتاف العديد من اخلرباء ،يف امل�سلحة يف �شمال اليمن هي الأخطر من حيث قوتها امل�سلحة ،وانت�شارها املقابل ،ب�أنها مبتكرة ومرعبة وت�شكل تهديد ًا للعامل يف ال�سنوات املقبلة ،اجلغ���رايف ،و�سيطرته���ا على مناط���ق وا�سعة حتكمه���ا يف �أق�صى �شمال اليمن على احلدود مع ال�سعودية ،وامتالكها غطا ًء حملي ًا من املعار�ضة، لأنها جتاوزت جميع �أجهزة الك�شف الآلية املتوفرة. وتعطين���ا العملي���ة الأخ�ي�رة دالل���ة وم�ؤ�ش���ر ًا عل���ى م�ست���وى وحقيقة ودعم ًا �إقليمي ًا من �إيران ،واحت�ضان ًا دولي ًا يف �أملانيا االحتادية ،وتعاطفاً القاع���دة ،و�أي���ن بلغ���ت؟ فقد م ّثلت حماول���ة االغتيال الت���ي مت تنفيذها �أممي ًا من املنظمات الإن�سانية. وحتر����ص ال���دول الغربي���ة -عرب حل���ف النات���و واالحت���اد الأوروبي يف الأ�سب���وع الأخري من �شهر �آب�/أغ�سط����س املا�ضي يف ق�صر الأمري يف مدينة جدة ال�سعودية؛ نقل���ة �إ�سرتاتيجية من الناحية الأمنية والتكنيك و�أم�ي�ركا -عل���ى �إظه���ار القلق من القاع���دة ،والرتكيز عل���ى �أنها متثل الع�سك���ري عل���ى م�ستوى الع���امل من حي���ث االخرتاق الأمن���ي حل�صون تهدي���د ًا خط�ي�ر ًا على امل�صالح الغربي���ة يف املنطقة خ�صو�ص��� ًا البحرية منها ،لتحقيق �أهداف لها �صلة ب�أجندة الهيمنة العاملية و�أطماع �شركات اخل�صم ،والتكنيك اجلديد. ورغ���م ت�أكي���د م�سئولني دولي�ي�ن يف حرب الإرهاب عل���ى �أن القاعدة �إقليمي���ة ودولي���ة وتناف�سها على ث���روات اليمن من الطاق���ة و�إمداداتها تعاين يف الآونة الأخرية من نق�ص حاد يف التمويل ،و�أن احلملة املتوا�صلة وطريقها ال�ساحلي املمتد عرب ثالثة ممرات مائية دولية؛ البحر الأحمر، عليه���ا «�أ�ضعفتها» ب�ش���كل وا�ضح ،لكن ذات امل�سئول�ي�ن ال ُيخفون قلقهم وخلي���ج عدن ،والبحر العربي ،وه���ي ذات املناطق التي يعزز الناتو فيها م���ن �إمكانية حت ّول اليمن منطلق��� ًا لهجمات على م�صاحلهم يف املنطقة من وجوده قبالة ال�سواحل اليمنية. ولذل���ك تعلن هذه القوى الدولية عل���ى الدوام �أن اليمن دولة �ضعيفة والع���امل ،وحت��� ّول اليمن �إىل قاع���د تدريب وجتني���د وتخطيط لهجمات تو�ش���ك �أن تتح���ول �إىل «فا�شلة» �أو �أفغان�ستان �أخ���رى ،والدولة ال�ضعيفة حملية و�إقليمية وعاملية. يت���م جتهيزها وتدريبه���ا ملالحقة القاعدة ،بينما يتي���ح ت�صنيف الدولة �أجندة عاملية القلق الآتي من حلف الناتو بقيادة الواليات الفا�شلة لهذه الدول التدخل املبا�شر كحالتي ال�صومال و�أفغان�ستان. 128
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
2
«القاعدة» �أ�ضعف بكثري مما نظن! يف مطلع العام اجلاري � ,2009أعلن ف�ص��يال تنظيم القاعدة اليمني وال�س��عودي اندماجهما يف كيان واحد حتت م�س��مى “تنظي��م قاع��دة اجلهاد يف جزيرة العرب” بزعامة نا�ص��ر الوحي�ش��ي ومق��ره الإقليمي الرئي�س��ي اليمن ،ومنذ ذلك احلني تزايدت م�شاعر القلق من تنامي قوة القاعدة وح�ضورها يف هذا البلد ,خ�صو�ص ًا لدى الأطراف اخلارجية ,فما حقيقة الأمر ،وهل مير التنظيم اليوم ب�أف�ض��ل مراحله ،وهل تعترب قوته يف تنامي وازدياد ,بحيث ي�ص��عب مواجهته وك�سر �شوكته� ،أم �أ�صابه ال�ضعف والوهن ،و�صار �أقل فعالية وقدرة مما كان عليه من قبل؟!
عاي�ش علي عوا�س بداية ال بد من االعرتاف ب�صعوبة الو�صول �إىل �إجابة مقنعه ونهائية و�شح���ة املعلومات ملث���ل ه���ذه الت�س���ا�ؤالت ,لي�س بحك���م طبيعة املو�ض���وع ّ املتوافرة بهذا اخل�صو�ص وح�سب ،و�إمنا �أي�ض ًا لغياب املقاربات املنهجية التي ميك���ن القيا�س عليها ,غري �أن بالإمكان الق���ول �أن هناك م�ؤ�شرات عدي���دة توح���ي برتاجع قوة تنظي���م القاعدة وح�ض���وره يف اليمن .فعلى امل�ست���وى املي���داين والعمليات���ي ,انخف�ض عدد الهجمات م���ن 9عمليات يف الع���ام � 2008إىل عمليت�ي�ن فقط يف العام اجل���اري .2009كما يتبدى �ضع���ف التنظيم من تراجع ن�شاطه على م�ستوى النطاق اجلغرايف ,ففي ح�ي�ن كان ن�شاط التنظيم ميت���د لي�شمل الرب والبح���ر اليمنيني ومناطق الو�س���ط والأطراف ,نالح���ظ اليوم �أن ن�شاط التنظي���م يعاين من حالة انكما�ش تدريجي ,فمنذ حادثة تفجري ناقلة النفط الفرن�سية (ليمربج) يف �ساح���ل حمافظة ح�ضرموت عام 2002مل تقع �أي هجمات مماثلة يف املوان���ئ واملياه الإقليمية اليمنية على مدى ال�سنوات ال�سبع املا�ضية على الإط�ل�اق ,وباملثل فقد تراجع التنظيم م���ن التجمعات ال�سكانية الكربى يف الو�س���ط وانزاح �إىل الأطراف (م�أرب ،اجل���وف ،ح�ضرموت) ب�شكل الفت ,وبات معظم ن�شاطه وعملياته تدور يف املحافظات النائية. كذل���ك نلح���ظ ت�ص ّدع��� ًا ظاه���ر ًا يف بناء القاع���دة التنظيم���ي ,فلم تك���د مت�ضي �س���وى ب�ضعة �أ�سابيع عل���ى �إعالن تنظي���م “قاعدة اجلهاد يف جزي���رة الع���رب” ,حتى ق���ام القائ���د الع�سك���ري يف التنظيم حممد الع���ويف بت�سليم نف�س���ه لل�سلطات ال�سعودية .وبغ����ض النظر عما �إذا كان ق���د �س ّلم نف�سه �أو �أن���ه مت اعتقاله ,ف�إن النتيج���ة يف كال احلالتني ت�شكل عاي�ش علي عوا�س باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
�ضرب���ة موجعة للتنظيم ورمبا خلق���ت حالة من االرتباك داخل �صفوفه, تو�س���ع م�ساحة ال�شك بني جيل القاع���دة اجلديد واجليل مب���ا ي�ؤدي �إىل ّ القدمي ,وبالأخ�ص املفرج عنهم مبوجب برامج �إعادة الت�أهيل. ناهي���ك عن احت���واء وت�صفية معظم قيادات اجلي���ل الأول ,فمن بني ال���ـ 23الذي���ن متكنوا من اله���روب من �سجن الأم���ن ال�سيا�سي ب�صنعاء يف ع���ام 2006قتل منهم � 6أثن���اء املواجهات مع قوات الأمن ,و� 10سلموا �أنف�سهم طواعية للحكومة ,و�أعلنوا تخليهم عن ممار�سة �أعمال العنف, واملتبق���ي منهم يف �صفوف التنظيم حتى حلظ���ة كتابة هذا املقال ثالثة فق���ط ,وهم نا�صر الوحي�شي وقا�سم الرميي وحممد العمدة .ومعلوم �أن فق���دان قيادات بهذا الوزن الثقيل �سوا ًء ع���ن طريق القتل �أو عن طريق االحت���واء ,ي�سلب التنظي���م -وال �شك -جزء ًا هام ًا م���ن م�صادر قوته, ورمب���ا ي�ؤدى يف امل�ستقبل �إىل ترهّ ل التنظي���م ,وانقطاع �صالته بالقيادة املركزي���ة ,وخا�صة يف حال غياب القيادات املتبقية .فه�ؤالء الثالثة رمبا ي�شكلون اليوم �أهم ال�ضمانات ال�ستمرار متا�سك التنظيم بحكم الرمزية واملكانة التي يحظون بها لدى عنا�صره ,بفعل �صالتهم القدمية ب�أ�سامة ب���ن الدن ,ويف ح���ال غيابهم ال ي�ستبعد حدوث نوع م���ن الفراغ القيادي, بحيث ي�صعب على �أفراد التنظيم االلتفاف حول قيادة موحدة. وبالت���وازي مع ذلك ,تراجع حجم الت�أييد والدعم الذي كانت حتظى ب���ه القاعدة ل���دى الر�أي الع���ام املحلى ,وفق���دت الكثري م���ن جاذبيتها وقدرتها على الإقناع وح�شد الأن�صار واملتعاطفني ,وبالأخ�ص يف الفرتة الأخرية ,بعد �أن ح ّولت جزء ًا من ن�شاطها �إن مل يكن معظمه ,ل�ضرب ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
129 2009
مدار الأفكار
�سجال
تقييم قوة القــــــــــــاعدة فـي اليمن
�أه���داف وم�صال���ح حملية بخ�ل�اف م���ا كان عليه الأم���ر يف املرحلة املا�ضية ،وهو ما �سحب الب�ساط من القاعدة ,وزاد من �أعداد منتقديها �إىل درجة �أن الر�أي العام اليوم مل يعد ينظر �إىل القاعدة كقوة مناه�ضة للهيمن���ة الأمريكي���ة والغربية ومدافعة عن امل�سلم�ي�ن وق�ضاياهم ,و�إمنا �ص���ار ينظر �إليها من قب���ل الغالبية كم�صدر من م�ص���ادر تهديد الأمن واال�ستق���رار الداخل���ي وال�سيما بع���د الت�صريحات الت���ي �أطلقها حممد الع���ويف للتلفزيون ال�سع���ودي ,والتي ذك���ر فيها وجود عالق���ة ارتباطية ب�ي�ن القاع���دة واحلوثيني ,ثم زاد الطني بلة يف ف�ت�رة تالية �إعالن زعيم التنظي���م نا�صر الوحي�شي منت�صف هذا الع���ام 2009دعمه ووقوفه �إىل جانب القوى املطالب���ة بفك االرتباط بني جنوب اليمن و�شماله ,وهو ما مل يكن يتوقعه خ�صوم القاعدة ناهيك عن م�ؤيديها. هن���اك �أي�ض ًا تراج���ع على م�ست���وى الفكرة ,حيث الق���ت �إيديولوجيا القاع���دة نقد ًا جذري��� ًا يف ال�سنوات الأخ�ي�رة ,مما �أفقده���ا الكثري من اجلاذبية .فقد تزايدت موجة الرف�ض لأطروحاتها ,لي�س من امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمي���ة وح�سب ,بل ومن معظم التي���ارات الإ�سالمية وعلماء الدين امل�ؤثرين داخل ال�ساحة اليمنية وخارجها ،ونلم�س ذلك من تراكم الكتاب���ات النقدي���ة لفكر القاع���دة ,وتعايل الأ�صوات املن���ددة بن�شاطها بع���د �أن كان الكث�ي�ر من العلماء والتي���ارات الديني���ة يف ال�سابق يكتفون بال�صمت.
؟
«تراجع قوة تنظيم القاعدة يف ال�سعودية ,والتي ظلت ل�سنوات مركزاً رئي�سياً للعمليات والتجنيد والتعبئة والتمويل� ,سي�ؤثر �سلباً يف قوة التنظيم يف اليمن» عاي�ش عوا�س 130
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
�أيديولوجيا يف انح�س��ار وكان لربنامج احلوار الذي اتبعته احلكومة اليمنية مع عنا�صر تنظيم القاعدة دور م�ؤثر يف تفكيك ونق����ض الأ�س�س ال�شرعية التي متثل �إلهام��� ًا لعنا�صر التنظيم وقياداته, وخا�ص���ة ما يت�صل منها باجلهاد يف بل���دان امل�سلمني وطاعة وىل الأمر. �صحيح �أن نتائج الربنامج مل تكن م�ضمونة بن�سبة مائة يف املائة ,لكنها يف املجمل كانت �أكرث من �إيجابية ,فمن بني حوايل ثالثمائة �شخ�ص مت �إط�ل�اق �سراحهم مبوجب هذا الربنامج ،مل يع���د منهم ملمار�سة ن�شاط القاع���دة �سوى �سبعة يف املائة ,وهو �أمر معقول بالنظر �إىل النتائج التي �أ�سفرت عنها برامج مماثلة يف بلدان �أخرى .و�أح�سب جازم ًا �أن ظاهرة املراجعات اجلهادية التي بد�أتها اجلماعة الإ�سالمية يف م�صر ,ثم تالي ًا يف ال�سعودي���ة عرب م�شروع املنا�صحة الذي يج���رى تنفيذه منذ �سنوات, �سيكون لها �صدى وا�سع ًا داخل اليمن. ي�ضاف �إىل ذلك �أن البيئية الفكرية واملجتمعية يف اليمن غري مواتية النت�ش���ار فك���ر القاع���دة و�أطروحاته���ا .فاملجتمع اليمن���ي معروف عرب التاريخ بالت�سامح واالنفتاح على الغري بدليل انت�شار الرعايا اليمنيني يف خمتلف �أ�صقاع الأر�ض ,وخفوت حدة التناق�ضات املذهبية والدينية بني مكوناته ,وقبول املجتمع اليمني بالتعاي�ش مع طوائف لها ديانات مغايرة ملعتقدات���ه منذ مئات ال�سنني ,ويف املقدمة منه���ا الطائفة اليهودية التي توج���د يف اليمن من قبل ظه���ور الإ�سالم وحتى يومنا هذا ،وبالتايل ف�إن جمتمع��� ًا منفتح ًا �إىل هذه الدرجة ال ميكن �أن ينزع �إىل معاداة الأجانب لأن���ه� ،إن فعل ذلك� ،سيكون �أول املت�ضرري���ن بحكم �أن الكثري من �أبنائه يقيمون يف دول �أجنبية. وخال�ص���ة م���ا ميك���ن قوله يف ه���ذا اجلانب ,ه���و �أن الفك���ر املنغلق واملت�ش���دد يعترب بالن�سب���ة لليمن �أمر ًا طارئ ًا ,ولي����س له جذور عميقة يف املجتمع اليمني ,بحيث ي�صع���ب اجتثاثه والق�ضاء عليه ,بل على العك�س م���ن ذلك ,ميك���ن ا�ستغالل امل���وروث التاريخ���ي يف ن�شر قي���م الت�سامح والو�سطية ,ونبذ ثقافة العنف والكراهية. دومين��و ال�ض��عف و�إذا كان البع����ض ينظ���ر �إىل اندماج تنظيمي القاع���دة ال�سعودي واليمني يف كيان واح���د كداللة على تزايد قوة التنظيم وح�ضوره يف اليمن� ,إال �أن ذلك يحمل -بر�أيي ال�شخ�صي - داللة مغايرة ,فا�ستناد ًا �إىل جتربة الفرتة املا�ضية ,جند �أن قوة ح�ضور القاع���دة يف الأرا�ضي اليمنية ,وزيادة قوتها �أو نق�صانها ارتبطت دائم ًا بعوامل وظ���روف خارجية بدرجة رئي�سية .وعليه ف�إن تراجع قوة تنظيم
القاع���دة يف ال�سعودي���ة ,والت���ي ظلت ل�سن���وات كما ي���رى بع�ض املحللني مرك���ز ًا رئي�سي��� ًا للعملي���ات والتجنيد والتعبئ���ة والتمويل� ,سي�ؤث���ر �سلب ًا يف ق���وة التنظيم يف اليمن ,ب���ل وم�ضاعفة حجم العوائ���ق �أمام حركته ون�شاط���ه ,وال�سيما بالنظ���ر �إىل نتائج التحقيق���ات يف الفرتة املا�ضية, والت���ي �أو�ضحت �أن متويل عملي���ات القاعدة ي�أتي من م�صادر خارجية، و�أن معظ���م منفذي الهجم���ات العنيفة التي �شهدته���ا اليمن وبالأخ�ص يف �أواخ���ر عقد الت�سعينات من القرن املا�ض���ي ,وبداية العقد الأول من الق���رن اجلاري كانوا غري مينيني� ,أو ميني�ي�ن مت جتنيدهم يف اخلارج, وعلي���ه ف�إن جناح احلكومة ال�سعودية يف ت�ضيي���ق اخلناق على التنظيم داخل �أرا�ضيها �سي�ؤدي �إىل �إ�ضعاف القاعدة يف اليمن. وباملثل ،ف�إن تراجع قوة القاعدة يف العراق �إىل �أدناها بعد ت�صاعد موجة عداء الع�شائر العراقية لعنا�صر التنظيم يف الفرتة الأخرية ،من �ش�أن���ه �أن يح ّد م���ن فاعلية القاعدة ون�شاطها يف اليم���ن ,خ�صو�ص ًا �إذا علمن���ا �أن منفذي الهجمات العنيفة التي �شهدتها اليمن منذ عام 2006 كان معظمهم من العائدين من العراق. و�إذا كان البع����ض ينظر �إىل حماول���ة اغتيال م�ساعد وزير الداخلية حمم���د بن ناي���ف باعتباره���ا م�ؤ�شر ًا يوح���ي بتنامي ق���وة القاعدة� ,إال �أن���ه ال ميك���ن الت�سليم بر�أي كهذا على وجه الإط�ل�اق ,فبقدر ما تعك�س احلادث���ة ق���درة التنظيم عل���ى تطوير �أ�ساليب���ه وجتدي���د تكتيكاته مبا يتنا�سب وظروف املرحلة ,وهو �أمر متوقع بالن�سبة للتنظيمات العنيفة ،والتي دائم ًا م���ا تفكر خ���ارج امل�أل���وف وغ�ي�ر املتوقع؛ بق���در م���ا �ستك���ون دافع��� ًا قوي��� ًا وحافز ًا �إ�ضافي��� ًا لت�شديد الإجراءات الأمنية �ضد القاع���دة يف ال�سعودي���ة واليم���ن على حد �سواء� .صحي���ح �أن جهود البلدين يف هذا املجال ما�ضية من���ذ �سنوات لكن الهجوم يعد الأول من نوعه الذي ي�ستهدف ع�ضو ًا يف الأ�سرة احلاكمة ال�سعودية ,ومن ّثم ال ي�ستبعد �أن يك���ون رد الفعل خالل الفرتة القادم���ة خارج ًا عن امل�أل���وف �أي�ض ًا ومبا يقلب املعادلة ر�أ�س ًا على عقب. �إ�ضاف ًة �إىل ذلك ,ف�إن البيئة املحيطة
عل���ى امل�ست���وى الإقليم���ي وال���دويل ال ميك���ن �أن ت�سمح �أو تقب���ل بتنامي ح�ض���ور القاعدة وقوته���ا يف اليمن؛ ملا ي�شكله ذلك م���ن تهديد مل�صالح الدول الك�ب�رى والقوى الفاعلة يف املنطقة و�أمنه���ا ,ولعلها املرة الأوىل يتوح���د فيه���ا املجتمع ال���دويل �ضد ع���دو م�شرتك ,وه���و يف هذه الت���ي ّ احلال���ة تنظي���م القاعدة يف �سابق���ة ال مثيل لها عرب التاري���خ الإن�ساين الطوي���ل ،وي�ستحي���ل بالتايل جن���اح التنظي���م يف اليم���ن �أو غريها من البل���دان الأخ���رى ,وهو يواج���ه هذا الع���دد الهائل من الأع���داء ,ما مل حت���دث حتوالت جذرية ي�صعب على العق���ل الب�شري تخ ّيلها يف اللحظة ً ف�ض�ل�ا ع���ن ذلك ,فق���د تغريت الظ���روف املحلي���ة ,ومل يعد الراهن���ة. ً ب�إمكان القاعدة ممار�سة ن�شاطه���ا بي�سر و�سهولة ,وخ�صو�صا يف �ضوء التغريات الت���ي �شهدتها امل�ؤ�س�سة الأمنية يف الف�ت�رة الأخرية ,واملتمثلة يف �إن�ش���اء �أجه���زة جديدة متخ�ص�ص���ة يف مكافحة الإره���اب ,وتو�سيع االنت�ش���ار الأمني ,وت�شديد الرقابة الأمني���ة يف املنافذ الربية والبحرية وغريه���ا من الإجراءات الأخرى ,وال �ش���ك �أن خطوات من هذا القبيل ت�ش���كل قيود ًا �إ�ضافية عل���ى ن�شاط تنظيم القاع���دة وحتركاته .لكن ما �سب���ق ال يعني �أن التنظيم بات عل���ى �شفا جرف هار� ،أو �أن نهايته باتت و�شيكة ,و�إمن���ا ما نق�صده حتديد ًا �أن قدرته �ص���ارت �أقل فاعلية بكثري مما كانت عليه من قبل. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
131 2009
مدار الأفكار
املائدة امل�ستديرة
ب�صراحة
�سجال
ب�صراحة مع الدكتور �أحمد الدغ�شي
جدلية الديني وال�سيا�سي يف امل�شهد اليمني
مدارات ا�س�تراتيجية :يف كتابك الأخري حول «الظاهرة احلوثي��ة :درا�س��ة منهجي��ة �ش��املة» ،ذك��رت �أن احلوثي�ين ه��م امت��داد للمذه��ب الزي��دي ب�ش��قه اجل��ارودي ،و�أنه��م ال ميتّون ب�ص��لة �إىل الت�شيع االثني ع�ش��ري اجلعفري .من �أين ا�ستنتجت مثل هذه اخلال�صة؟ الدغ�ش��ي :و�صل���ت �إىل ه���ذه النتيجة م���ن خالل وثيق���ة علمية - �سج���ل للأ�ستاذ ح�سني بدر �إن �ص���ح التعبري -وهي عب���ارة عن در�س ُم ّ الدين احلوث���ي عنوانه «الإمامية والزيدية» ،يتن���اول فيه �أوجه االتفاق واالخت�ل�اف بني الزيدي���ة والإمامية .ويبد�أ بتقري���ر حقيقة موجودة �أو مثبت���ة لدى جملة املذاهب الإ�سالمية ال�سني���ة وال�شيعية وهي �أن هناك �إمام ًا منتظر ًا ،ولكنه يختلف مع االثني ع�شرية يف هذه النقطة بتقريره �أن الإمام املهدي املنتظر لي�س هو الإمام الثاين ع�شر الذي تدع ّيه االثنا ع�شري���ة ،ويو�سعها ت�سخيف ًا و�سخري ًة ويت�ساءل« :ملاذا ال يخرج �أو يظهر ه���ذا الإمام حتى لعلمائنا؟» ،فهو ي�ستهجن هذه الفكرة جد ًا ،ويعتربها خرافي���ة بامتي���از .ثم ينتق���ل بعد ذل���ك �إىل الآراء الفقهي���ة مثل املتعة وا ُ خلم����س ،و�أي�ض��� ًا ُي�ش ِّنع كثري ًا عليها ويحذر م���ن �أن يتقبلها اليمنيون، «ول���ن يتقبلوها ل�شهامتهم ودينه���م ومذهبهم» كما يق���ول ،وبالتايل ال ميك���ن قبول املتعة وال ا ُ خلم�س ،ويحذر متام ًا من �إحالل املذهب االثني ع�ش���ري يف اليم���ن ،و�إن كان يقول �إنه يدرك ب�أن الو�ضع املادي ال�صعب يف اليمن هو من يقف وراء �إحالل املذهب االثني ع�شري يف هذا البلد،
132
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
(
(
ابت ��داءاً م ��ن كتابه الأخري «الظاهرة احلوثي ��ة :درا�سة منهجية �شاملة» ،مروراً بق�ضاي ��ا �ساخنة على ال�ساحة اليمنية، كاحل ��رب يف �صع ��دة و�أبعادها املحلية والإقليمية ،ومدى تداخل الديني وال�سيا�سي يف هذه احلرب ،و�صو ًال �إىل موقع ودور اجلماعات الدينية وطبيعة حتالفاتها �ضمن اخلارطة ال�سيا�سية اليمنية ،وحقيقة التحالف بني تنظيم القاعدة واملتمردي ��ن احلوثي�ي�ن ،بالإ�ضاف ��ة �إىل العالقة بني الأحزاب ال�سيا�سية ومدى االتف ��اق واالختالف فيما بينها حول �أحداث �صعدة؛ كل ذلك وق�ضايا �أخرى مهمة وخمتلفة ناق�شها الكاتب والباحث يف �ش�ؤون احلركات الإ�سالمية نبيل البك�ي�ري يف ح ��وار �صريح وجريء م ��ع الدكتور �أحمد الدغ�ش ��ي ،الباحث املتخ�ص�ص يف فل�سف ��ة الرتبية الإ�سالمية، و�أحد املفكرين املهتمني واملتابعني لن�ش�أة وتطور وم�سار احلركات الإ�سالمية يف املنطقة ،خطاباً وم�ساراً حركياً.
و�أن الذين يذهبون �إىل احلوزات يف ُقم وغريها ف�إنهم يذهبون «للرت ّزق وطلبة اهلل» على حد تعبريه. هذه الوثيقة غيرّ ت يف نظرتي �إىل الرجل؛ ف�أنا كنت �أعتقد ،وخا�صة بع���د �أن ق���ر�أت ن�ص ًا لعلي الك���وراين يف موقعه يورد رواي���ات ت�شري �إىل �أن التمهي���د للإمام املنتظ���ر �سي�أتي من اليمن م���ن منطقة بني خوالن و�صع���دة والرجل ال���ذي �سيقود الأمر ا�سمه ح�س���ن �أو ح�سني ،فقلت �أن ه���ذا حت�ضري �إيراين لل�سيطرة على املنطق���ة بخلفية دينية ،لكن ما �إن ا�ستمع���ت ّ واطلعت بالأحرى عل���ى هذا ال�شريط حت���ى �أدركت �أنه لي�س هناك عالقة وال تنا�سب بني احلوثي واالثني ع�شرية . وباملنا�سب���ة فق���د كان ح�س�ي�ن احلوث���ي جارودي ًا ،لك���ن ال يعني هذا بال�ض���رورة �أنه ملتزم باجلارودية التزام ًا كلي��� ًا ،فهو انتقائي �أكرث منه ملتزم ًا مبذهب ،وهو انتقائي �أكرث منه تقليدي ،لذلك ال جتده يتفق مع �أحد .فه���و ال يتفق مع االثني ع�شرية وال م���ع الزيدية بفرقها املختلفة، كم���ا ال يتف���ق مع كث�ي�ر ممن ُيح�سب���ون علي���ه ،فتج���ده ذا روح متمردة خارجة عن امل�ألوف .وهذا قد يكون جانب ًا �إيجابي ًا يف تكوين �شخ�صيته لك���ن رف�ضه هذا �أف�ضى �إىل العنف ،حت���ى يف تكوين ال�شخ�صية ذاتها، �إذ جتده اق�صائي ًا للمخالف القريب قبل البعيد ،فلديه نوع من الغلو يف اخلالف لي�س مع الآخر القريب الن�سبي مثل االثني ع�شرية ،ناهيك عن ال�سنة بل يف �إطار الزيدية اخلال�صة كذلك ،كاجلارودية والهادوية. ُّ
(
)
هناك من يقول �أن «الظاهرة احلوثية» يف ن�سختها الأخرية الت��ي يقوده��ا عبداملل��ك احلوثي تق�ترب كثري ًا يف �ش��عاراتها و�سيا�س��تها و�إيديولوجيته��ا م��ن جتربة ح��زب اهلل اللبناين، مم��ا يعطي انطباع ًا ما ب���أن هناك طرف ًا �آخ��ر يف الأمر ممث ًال ب�إي��ران التي �أنتجت وتبنّت حزب اهلل يف لبنان� .إىل �أي مدى ميكن �أن ي�صدق مثل هذا القول؟ �إن الت�أكي���د على احلقيقة ال�سابقة ،وه���ي �أنه لي�س هناك عالقة بني املذه���ب االثني ع�شري وفكر ح�سني احلوثي حتديد ًا ،ال يعنى بال�ضرورة �أن���ه لي����س هناك عملي���ة ت�أثر ببع����ض ال�شخ�صي���ات يف مقدمتها الإمام اخلمين���ي �أو ال�سي���د ح�سن ن�ص���ر اهلل ،فهو ُي ِقر وي�ؤك���د هذا بني احلني والآخ���ر حتى يف �شريطه ع���ن «الإمامية والزيدية» .لكن���ه ي�ؤكد �أن هذا الإعجاب هو �إعجاب بالروح الثورية املتمردة التي يحملها ه�ؤالء القادة، ويقول �إن اخلميني لو ظل ملتزم ًا باملذهب االثني ع�شري ملا كان اخلميني ال���ذي عرفناه ,وكذلك ال�سيد ح�س���ن ن�صر اهلل� .إن هذين الأخريين قد جت���اوزا مذهبهما على حد تعبريه� ,أي �أنه بب�ساطة يتخذهم كنماذج يف التغي�ي�ر ولي����س كمنظومة علمية �أو فقهية �أو فكري���ة ميكن الإقتداء بها، هذا �أمر. الأمر الث���اين ،ال �شك �أن ر�أي ح�سني احلوثي هذا ال يعني بال�ضرورة �أن لي����س هناك من �أتباع���ه �أو من ان�ضوى حتت عباءته من يحمل الفكر االثن���ا ع�شري ,وم���ا كان له �أن ُي ِّ حذر يف ال�شريط ال���ذي �أ�شرت �إليه من حماول���ة �إحالل املذهب االثن���ي ع�شري لو كانت ه���ذه املحاوالت لي�ست ذات ت�أث�ي�ر .وك���وين �أ�ؤكد �أن ح�س�ي�ن احلوثي لي�س اثن���ا ع�شري ًا ال ينفى �أن���ه لي�س هناك حتت عباءته من لي����س اثنا ع�شري ًا �أو من املتحولني �إىل االثني ع�شرية ،وكونه ُيح ّذر ي�ؤكد ذلك .ثم �أنه عندما قامت املواجهات، بدا يل �أن هناك تدخ ًال خارجي ًا �إيراني ًا من خالل قرائن كثرية� ،أهمها الدع���م الإعالمي ،و�إن كان هذا يف الواقع لي�س دلي ًال يرقى �إىل م�ستوى الدليل املادي لكن يظل قرينة. �أم���ا القرين���ة الأكرب والتي قد ترق���ى �إىل م�ستوى الدلي���ل وت�ؤكد �أن هن���اك ارتباط ًا م���ا ،فهي عملية الت�أث���ر بال�شعار الإي���راين اللبناين عن طري���ق ح���زب اهلل («اهلل �أكرب ،املوت لأمريكا ،امل���وت لإ�سرائيل ،اللعنة عل���ى اليهود») .ف� ً ضال عن ذلك ،االحتف���ال مبا يعرف بيوم الغدير على ً ه���ذا النحو الذي مل يكن معروفا يف اليمن به���ذه الطقو�س� .إن هذا كله ي�ؤك���د �أن هناك ت�أث���ر ًا ،لكن هذا الت�أثر ما ي���زال -يف ظني -يف �إطاره ال�سيا�س���ي �أك�ث�ر منه الفكري ،وي�ؤك���د هذا فكر الرج���ل امل�ؤ�س�س ح�سني احلوثي ،لكن هذا ال ينفى �أن هناك �أتباع ًا يحملون هذا الفكر ويزعمون �أنهم حوثيون. لكن هل �صحيح ما يقال عن وجود جهات يف النظام �أ�سهمت، ب�ش��كل �أو ب�آخر ،يف �إنتاج مثل هذا اجلو املذهبي امل�ؤدلج الذي قادن��ا �إىل هذه الدوامة التي ح ّولت اليمن �إىل م�س��رح للقوى والأطراف الإقليمية والدولية لت�صفي ح�ساباتها على تراب البلد؟ للإجاب���ة عل���ى هذا ال�س����ؤال ينبغي �أن نبحث يف ن�ش����أة الظاهرة من �أ�سا�سه���ا ،والت���ي �ساهم���ت فيه���ا �أط���راف حم�سوبة عل���ى خ�صوم هذه الظاهرة اليوم� .إننا �إذا عدنا �إىل ن�ش�أتها احلديثة �سنجد �أنها ن�ش�أت
�أحمد حممد ح�سني الدغ�شي باحث متخ�ص�ص يف فل�سفة الرتبية الإ�سالمية. م���ن موالي���د � 12أيلول�/سبتم�ب�ر ،1966قري���ة (بي���ت الدغ�ش���ي) ،احليم���ة اخلارجية -حمافظة �صنعاء. حا�صل عل���ى بكالوريو�س تربية ،ق�سم الدرا�س���ات الإ�سالمية ،كلية الرتبية - جامعة �صنعاء.1990 ، حجة – جامعة �صنعاء منذ عام .1991 ُعينّ معيد ًا يف كلية الرتبيةّ ، حا�ص���ل على املاج�ست�ي�ر يف �أ�صول الرتبي���ة الإ�سالمية م���ن جامعة الريموك الأردني���ة� ،سن���ة ( 1995عن���وان الر�سال���ة :الأ�سا����س الفط���ري يف الرتبي���ة الإ�سالمية). حا�صل على دكتوراه الفل�سفة يف الرتبية من جامعة اخلرطوم – ال�سودان �سنة ( 1998عنوان الأطروحة :نظرية املعرفة يف القر�آن وت�ضميناتها الرتبوية). ُع�ّي�نّ عمي���د ًا لكلي���ة الآداب والرتبية يف جامع���ة الأندل�س الأهلي���ة ابتدا ًء من ت�شرين الأول�/أكتوبر .2005 انتق���ل �إىل كلي���ة الرتبي���ة بجامع���ة �صنعاء� ،أ�ست ً ���اذا م�ش���ارك ًا يف ق�سم �أ�صول الرتبية يف �شهر كانون الأول/دي�سمرب .2005 ع�ضو احتاد الرتبويني العرب. م�ست�شار تربوي و�شرعي ملوقع الإ�سالم اليوم ،مكتب �صنعاء. �أ�شرف على كثري من ر�سائل املاج�ستري ,كما �أنه قد ناق�ش عدد ًا من الر�سائل يف جامعات خمتلفة. من م�ؤلفاته املن�شورة: نظري���ة املعرف���ة يف الق���ر�آن وت�ضميناته���ا الرتبوي���ة ,املعه���د العامل���ي للفكرالإ�سالمي :الواليات املتحدة الأمريكية ,هريندن – فريجينيا.2002 , مواق���ف الإ�سالمي�ي�ن م���ن �أزمة اخللي���ج :درا�س���ة نقدية �إ�صالحي���ة ،مكتبةالإر�شاد ب�صنعاء.1992 ، مقدم���ات �أرب���ع �أولي���ة يف فق���ه امل���ر�أة املعا�صرة ،املنت���دى اجلامع���ي للن�شرب�صنعاء.2002 ، �أه���ل ال�سن���ة واجلماع���ة� :إ�ش���كال يف الفه���م �أم يف املفهوم؟ ،مرك���ز عباديللدرا�سات والن�شر ب�صنعاء.2003 ، التقري���ب ب�ي�ن ال�سنة وال�شيعة واخل�ل�اف ال�سلفي – ال�سلف���ي يف اليمن :فقهالع�ب�رة وحتمية املراجعة (ر�سالتان يف كت���اب) ،مركز عبادي للن�شر ب�صنعاء، .2004 �ص���ورة الآخر يف فل�سفة الرتبية الإ�سالمية� ،ص���در عن جملة املعرفة التابعةلوزارة الرتبية والتعليم يف اململكة العربية ال�سعودية -الريا�ض.2004 ، الأ�سا����س الفطري يف الرتبية الإ�سالمي���ة ،دار الوفاء بالإ�سكندرية -م�صر،.2006 ق���راءة ح�ضاري���ة يف �إ�شكاالت فكري���ة معا�صرة :من مي ِّث���ل الإ�سالم؟ ،مركزالناقد الثقايف بدم�شق.2008 ، الظاهرة احلوثية :درا�سة منهجية �شاملة ،مكتبة خالد بن الوليد ودار الكتباليمنية ب�صنعاء.2010 ، ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
133 2009
ر�سمي��� ًا بع���د قي���ام الوحدة اليمني���ة يف عام ،1990كم���ا �أعلن ذلك لبنان �إىل غزة و�أخريا -ولي�س �آخر ًا -اليمن ،فما هي مالمح الأم�ي�ن العام الأ�سبق ملا عرف بال�شباب امل�ؤم���ن ،الأ�ستاذ حممد �سامل امل�شروع ال�سعودي يف خ�ضم هذه الأحداث؟ ع���زان ،لكنها مل تن�ش�أ وحدها بعوام���ل ذاتية بل بدعم من ال�سلطة كما �أعتق���د �أن هناك م�شروع��� ًا �سعودي ًا .نعم ،قد يختل���ف عن امل�شروع �ص���رح بذلك الرئي�س على عبد اهلل �صال���ح ،و�أكد ذلك الأ�ستاذ حممد الإي���راين رمبا يف �أهداف���ه ويف طبيعته ويف امتدادات���ه ،لكنه يحمل يف ع���زان ال���ذي ذكر �أنه كان يتلق���ى دعم ًا �شهري ًا مق���داره 400.000ريال داخله كاي م�شروع التطلع �إىل مد النفوذ �إىل �أكرث من مكان .لقد امتد ميني ،والرئي�س اعرتف به���ذا وقال �أنه قام به لدعم االعتدال ،و�أنه ال امل�ش���روع ال�سعودي �إىل الغرب يف املراكز الإ�سالمية هناك ،و�أعتقد �أن يريد �أحد ًا �أن ميد يده للخارج �إذا مل يجد من مل يعينه من الداخل .وال امل�شكلة الكربى �أن الأقليات امل�سلمة يف الواليات املتحدة ويف الغرب لها �شك يف �أن هذا قد �أ�سهم يف تعزيز وجود الظاهرة احلوثية و�إ�شهارها، ارتباطات بالأنظمة ويف مقدمتها النظام ال�سعودي ،والذين يعي�شون يف ً لأنه���ا وجدت دعما من ال�سلط���ة والدولة ،وهذا ما �أكده بع�ض الباحثني الغرب ي�شكون كثري ًا من ّ تدخل ال�سلطات ال�سعودية يف العمل الإ�سالمي واملراقب�ي�ن ب�أن امل�س�ألة م�شك���وك فيها من حيث �أن���ه كان يرجى بذلك هناك. دعم االعتدال و�إمنا كان لغر�ض �سحب الب�ساط من حتت �أقدام جهات �إذا كان امل�شروع الإيراين يف ظاهره م�شروع ثوري تو�سعي، �أخ���رى كالإ�صالح ،وه���ذه م�شكلة يف النهاية �أف�ض���ت �إىل هذه الكارثة. ً والواق���ع �أن �سيا�سة الدعم هذه ل�ضرب هذا �أو للتقليل من �ش�أنه �أف�ضت وترتك��ز �سيا�س��اته �أحيان��ا عل��ى مقارب��ات ول��و ب�س��يطة يف املذاهب ،لكن امل�شروع ال�سعودي على �أي �أ�سا�س يرتكز؟ �إىل هذه الكارثة ،ولذا ينبغي �أن نكف عن مثل هذه ال�سيا�سة مطلق ًا. يبدو �أن الذاكرة عندنا �ضعيف���ة جد ًا ،فال�سعودية متوغلة يف اليمن م��اذا عن بع���ض الت�ص��ريحات والتلميحات التي ت�ص��درها ب�ين فرتة و�أخ��رى جهات يف احلكومة وتذه��ب �إىل �أن هناك �إىل اللحظة عرب م�شايخ ورموز. تدخ�ل ًا خارجي ًا يف الأمر ويق�ص��دون بذلك حتدي��د ًا �إيران، قد يكون هذا �سيا�سي ًا �صحيح ،ولكن فكري ًا كيف؟ هل ت��رى فع�ل ًا �أن هناك تدخ�ل ًا �إيراني ًا حتى �إيران لي�ست نافذة فكري ًا ،ف�إيران لي�س يف الأمر من قبيل الدعم والت�أييد املادي �إيران تت�صرف بربجماتية له���ا عالقة باملذهب و�إال م���ا عالقتها بحركة واملعنوي لهذا التمرد؟ وا�ضحة ،و�إذا وجد من يناف�سها حما�س مث ًال ،وما عالقتها باجلهاد الإ�سالمي �أو ًال ،ينبغي �أن ندرك �أن �إيران ذات م�شروع �أو ينازعها ف�إنها ت�سعى �إىل والت���ي حتت�ضنه���ا �إيران وتدعمه���ا لأكرث من ال يخف���ى عل���ى �أحد ،و�أب���رز مناذجه���ا -وهو حتييده كما هو احلال يف اليمن؛ عقدين من الزمن ،ومل ت�ؤثر �إيران فيها �شيئا من���وذج �سيء بامتياز -هو متددها احلايل يف فوجود ال�سعودية على اخلط يذكر ،وعالقتها جيدة باجلهاد وحما�س مع ًا. العراق ،ولكنها ت�سعى �إىل �أن جتد لها امتدادات دفعها �إىل تفويت الفر�صة على �إن ه���ذا يعني �أن الورق���ة املذهبية قد ت�ستغل وح�ض���ور يف �أكرث من م���كان بعيد ًا عن املذهب الوجود ال�سعودي �أحيان ًا لتغطي���ة امل�شروع ال�سيا�س���ي ال �أكرث وال ال�سن���ي وال�شيع���ي .واحلقيق���ة �أن لل�سيا�سي�ي�ن �أقل� .إنها طائفية �أو مذهبية �سيا�سية ال ترتبط ح�ساباته���م .فعندما تدعم �إيران حركة حما�س باملذهبية الفقهية �أو الدينية ب�أي �صلة اللهم �إال ً �إىل اللحظة ،ف�إن هذا ال عالقة له باملذهب ،وعندما وقفت �إيران يوما التوظيف ال�سيا�سي .فال�سعودية مث ًال قد ت�ستغل املذهب الوهابي لت�صل م���ع البو�سنة تلك الوقفة امل�شرفة ،ف�إن هذا �أي�ض ًا ال عالقة له باملذهب؛ �إىل �أهدافه���ا �إن �صح التعبري ،لكن ال عالق���ة لها باملذهب الوهابي وال فالبو�سنيون – كما املنتمني حلركة حما�س �ُ -س ّنيون. عالق���ة لها باملذهب ال�سني ابتدا ًء من حيث االلتزام والعقيدة ،ويعرف �إن �إي���ران تت�صرف بربجماتية وا�ضحة ومبا يخدم م�شروعها ،و�إذا النا����س جميع ًا �أن عالقة �أم�ي�ركا بال�سعودية من �أق���وى العالقات ،و�إن وج���د من يناف�سه���ا �أو ينازعها ف�إنها ت�سع���ى �إىل حتييده كما هو احلال تتخللها بع�ض الأحيان هزات. يف اليم���ن؛ فوج���ود ال�سعودية عل���ى اخلط ،دفعه���ا �إىل تفويت الفر�صة يف ظ��ل الأزمة اخلانقة التي تعي�ش��ها الب�لاد حالي ًا ،يرى على الوجود ال�سع���ودي ،فالنزاع بينهما وا�ضح� .إننا ال نقول �أنها حرب بع���ض املراقب�ين �أن ح��زب التجم��ع اليمن��ي للإ�ص�لاح مي��ر بالوكال���ة ،ولكن وجود ه���ذا العامل -عامل النزاع من قبل ال�سعودية -ب�أ�ص��عب �أيام��ه� ،سيا�س��ي ًا ،لدرج��ة �أن البع�ض يق��ول �أنه فقد جعل �إيران ت�سعى للتمدد �أكرث ،و�إبداء احلر�ص على �أن يكون لها وجود بو�ص��لة توجهاته و�سيا�س��اته .ف�إىل �أي مدى ،بح�سب ر�أيكم، �أكرب .فال عالقة للأمر هنا باملذهب؛ فاملذهب قد يختلف كما يف حالة ي�صدق مثل هذا التكهن؟ احلوث���ي الذي �شدد على ه���ذا التباين ،ف� ً ضال عن �أن ال�شواهد الأخرى يف اعتق���ادي �أن ه���ذا الر�أي �صحيح ،وهو يذكرن���ا �أو يجب علينا �أن ت�ؤك���د �أن ال عالقة للمذهب ،لكن امل�شروع ال�سيا�سي الإيراين بوجه عام نتذكر �أن هن���اك اختالف ًا حقيقي ًا بني الفكر الذي ينتمي �إليه الإ�صالح يريد �أن يكون له ح�ضور وامتداد يف �أي مكان ي�صل �إليه. ال�سن���ي والفكر الذي ينتمي �إليه احلوثيون وهو الفكر ال�شيعي مبدر�سته هل ن�ستطيع القول -يف املقابل � -أن هناك م�شروع ًا �سعودي ًا املعروفة .والطرفان مل يكونا عل���ى وفاق طيلة العقود املا�ضية� ،صحيح يف هذا الإطار ،ال�س��يما و�أن امل�شروع الإيراين بد�أ يربز بقوة �أن ه���ذا التباين مل ي�ص���ل �إىل م�ستوى املواجهة لكن لي�س هناك اتفاق. يف �أكرث من مكان وق�ضية يف املنطقة العربية ،من العراق �إىل واجلدي���د يف الأم���ر �أن هن���اك �صيغة «اللق���اء امل�ش�ت�رك» التي جمعت 134
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
(
(
الطرفني مع ًا بوجه من الوجوه من خالل حزب احلق. و�ض���ع هذه امل�ؤ�س�سات لتلمي���ع �أو جتميل �أو �شرعن���ة ممار�ساتها .وهذا ه��ل ه��ذا يعني كما ي�ش��اع م��ن �أن احلوثي�ين مبثابة جناح يقودن���ا �إىل نتيجة مفادها �أن اخلطاب الدين���ي الر�سمي �أ�سهم بق�سط وافر يف الت�أزمي الذي ن�شاهده اليوم. ع�سكري حلزبي احلق واحتاد القوى ال�شعبية؟ يف ح��وار �س��ابق قل��ت �إن التدي��ن احلرك��ي �أخ��ذ يرتاجع وا�ضح �أن هناك اهتمام ًا وتعاطف ًا ،فحزب احلق هو حزبهم الأ�صلي (ح���زب ح�سني وح���زب �أبيه و�آل احلوث���ي) ،ووج���ود الطرفني يف هذا كثري ًا حل�س��اب التدين التقليدي املتمثل باجلماعات ال�سلفية الإط���ار على نح���و �أو �آخر هو اجلديد يف الأمر .ولذلك ف�إن الإ�صالح � -أو ال�ص��وفية ،مم��ا يعني �أن هناك تراجع�� ًا يف العمل احلركي �إن �صح التعبري – خمنوق ،رمبا لأنه يريد �أن يقول الكثري لكنه خمنوق املنظ��م كم��ا ه��و ح��ال ح��زب الإ�ص�لاح� .إىل �أي م��دى ممكن ب�صيغ���ة «امل�ش�ت�رك» فيلج����أ �إىل م�ساي���رة الأطراف القائم���ة ،وال�شك الوثوق مبثل هذا اال�ستنتاج؟ �أن بع�ضه���ا �أق���رب �إىل احلوثيني من البع�ض ،ف�أن���ت مث ًال جتد احلزب �أعتق���د �أن ه���ذا الأم���ر �صحي���ح على امل�ست���وى الع���ام� ،إذ �أن هناك اال�شرتاك���ي �أكرث تفهم ًا ملطال���ب احلوثيني بخالف املكونات الأخرى يف انح�سار ًا يف االلتزام التنظيمي واحلركي ل�صالح االنتقال �أو االجنذاب اللقاء امل�شرتك. ل�صالح اخلطاب ال�صويف وال�سلفي .و�أنا �أت�صور �أنه لو �أردنا �أن ُن�س ِقط وم���ن هنا جند �أن الإ�ص�ل�اح يف و�ضع حمرج ج���د ًا ،فهو مل ي�ستطع ه���ذا عل���ى اليمن ،ف�إنن���ي لن �أ�ستطي���ع �أن �أح���دد بال�ضب���ط �إذا كانت ال���ذود عن نف�سه حيال ما �أ�صابه من ظلم �أحيان ًا يف بع�ض املناطق مثل ال�صوفي���ة يف توجهها وامتدادها �أكرب م���ن ال�سلفية �أو �أن ال�سلفية �أكرب اجل���وف ،كما �أنه �أي�ض ًا �شايع الظاهرة احلوثية ،وتبنى موقف املكونات م���ن احلركية ،لكن ال �ش���ك يف �أنها تتو�سع من ي���وم �إىل �آخر ،وهو �أمر ي�أت���ي بال�ضرورة على ح�س���اب احلركيني �س���واء كانوا �إخوان��� ًا �أو كانوا الأخرى مثل اال�شرتاكي؛ فهو فع ًال بني املطرقة وال�سندان. �سلفيني �أو حتت �أي �إطار �آخر. �إن كالم��ك هذا يعد مبثابة تنب�ؤ بانف�ص��ام ع��رى «اللقاء وم���ع �أنني �أمي���ل �إىل �أن هناك جماعة �سلفية امل�ش�ترك» يف القري��ب العاج��ل ،يف ظل منظمة وهي يف احلقيقة توافق على بع�ض الأمور ا�شتداد الأزمة وعتامة امل�شهد ال�سيا�سي لكنه���ا لي�س���ت ّ منظم���ة عل���ى غ���رار املنظمات الإ�صالح يف و�ضع حمرج جداً، بوجه عام؟ احلركي���ة الإخوانية ،وبرغم ذل���ك ف�إنني �أظن فهو مل ي�ستطع الذود عن نف�سه كل �ش���يء يف ع���امل ال�سيا�س���ة وارد ،و�إن �أن ثمة تراجع ًا حركي ًا تنظيم ًا ل�صالح اخلطاب حيال ما �أ�صابه من ظلم �أحياناً، كن���ت �شخ�صي��� ًا �أرى �أن ه���ذا م�ستبع���د يف التقلي���دي ال�ص���ويف وال�سلف���ي و�إن كان هذا ال كما �أنه �أي�ضاً �شايع الظاهرة امل���دى القري���ب ،لكن ال �ش���ك يف �أن املوقف يعني �أن ه����ؤالء �ص���اروا �أغلبية وه����ؤالء �أقلية. احلوثية ،وتبنى موقف الآخرين م���ن ق�ضي���ة احلوثي�ي�ن �إذا مل يك���ن عام ًال و�إذا قارن���ت الو�ض���ع احلايل ب�سن���وات ما قبل مثل اال�شرتاكي؛ فهو فع ً ال بني من عوامل التف���كك ،ف�إنه قد ُي�ضيف م�شكلة الوحدة� ،ستالحظ �أن الأمر يختلف. املطرقة وال�سندان �أخ���رى �إىل الروا�س���ب املوجودة ،وم���ن ّثم قد يف �ضوء هذا كله ،هل تعتقد �أن النظام ميثل م�شكلة على املدى املتو�سط. ال�سيا�سي اليمني -بعد فك حتالفه الإ�سرتاتيجي مع جماعة ح�س��ن ًا� ،أي��ن اخلطاب الديني الر�س��مي من كل ما يح�ص��ل ،الإخوان � -شعر مبثل هذه النتيجة فبد�أ بالبحث عن حليف وهل تعتقد �أن هذا اخلطاب قد �س��اهم يف بلورة خيوط هذه �آخ��ر وم��ن نف���س الن�س��ق الأيدلوج��ي الديني كال�س��لفيني �أو الأزم��ة التي تع�ص��ف بالبالد م��ن خالل الع��ودة نحو البحث ال�ص��وفيني مث ًال؟ وهل هناك من هذه اجلماعات من ت�ستطيع ع��ن الهوية الديني��ة واملذهبية التي كانت قد �أو�ش��كت على �أن تقوم بنف�س الدور ال�سيا�س��ي الذي قام به الإخوان ،وهل االنتهاء بعد 47عام ًا من قيام الثورة ،لنعود بذلك �إىل نقطة هناك �أمل يف �أن يعود النظام �إىل التحالف مع الأخوان مرة البداية الأوىل؟ �أخرى؟ اخلطاب الديني الر�سم���ي يعاين بالفعل من م�شكلة حقيقية ،فبد ًال ندرك جيد ًا �أن التهديدات الداخلية واخلارجية للنظام تقريب ًا كلها م���ن �أن ّ يوجه ال�سا�سة ،وب���د ًال من �أن يكون مرجعي���ة للنظام الر�سمي ،انتهت ،فالنظام يف تلك الفرتة كانت عالقته بال�سعودية متوترة و�أحيان ًا غ���دا تابع ًا متغري ًا يتحرك بتوجيه ال�سا�س���ة ولي�س العك�س .ولذلك ف�إنه كث�ي�رة كانت ت�صل �إىل درجة املواجه���ة� ،أما الآن فالنزاع احلدودي مع �ساه���م يف ت�أكي���د الواقع االجتماع���ي والديني ال�سائ���د ،ومل يكن عامل ه����ؤالء اجلريان انتهى الي���وم ،مع ال�سعودية ومع عم���ان و�إريرتيا �أي�ض ًا �إ�ص�ل�اح �أو عامل توجي���ه �أو �إر�شاد� .إنه -كما نقول نحن -موظف عند انتهى. ه���ذه ال�سلطة� ،أو -كما يقول البع�ض – �أ�صبح هناك وعاظ لل�سالطني عل���ى امل�ستوى الداخلي ،بعد حرب � 1994سيطر النظام على مقاليد �أو علم���اء لل�سالط�ي�ن ،وهذا هو م�آل اخلطاب الدين���ي الر�سمي .ائتني مبوق���ف جيد واح���د للم�ؤ�س�سة الدينية يف اليم���ن �أو يف غري اليمن فيما الأم���ور مبحاوره���ا املختلفة ،ومل يعد هناك خوف م���ن غائلة �أو فاجعة يتعلق بالتوجيه والإ�صالح والوقوف ال�صلب �أمام �سقطة �أو خط�أ النظام عل���ى امل�ستوى الداخلي واخلارج���ي .يف هذه اللحظة بد�أ التفكري اجلاد ال�سيا�س���ي .ولأن الأم���ر كذلك ،ف�إن الأنظمة ال�سيا�سي���ة تلج�أ عاد ًة �إىل من قبل النظام ب�أن االتكاء على الإ�سالميني مل يعد وارد ًا بال�ضرورة؛
)
(
(
(
مدار الأفكار
ب�صراحة
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
135 2009
ف����إذا طالب الإ�سالميون ب�أي مطال���ب �أو �أن يكون لهم دور �أو مواقع م�ؤمترهم الذي عقدوه يف �أيار/مايو املا�ضي؟ ف�إن هذا الكالم انتهى �أوانه ،ولي�س �أدل على ذلك من �أنه يف عام 2001 بالن�سب���ة لل�سلفي�ي�ن ف�إنه���م يبدون م���ن ال�ضعف والت�ش���رذم حد ًا ال وبالذات عندما جاءت �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب وكانت ميكن���ه – �أي النظام -م���ن االعتماد عليهم .فالوا�ض���ح الآن �أنهم لن هن���اك مطالب نذكره���ا جيد ًا من ع���ام 1990عندما اتف���ق كل فرقاء ميثل���وا بدي ًال لأحد ،رغم �أن موقفهم الإجم���ايل تقريب ًا يختلف بح�سب ال�سيا�س���ة حينه���ا على �أن تدم���ج م�ؤ�س�س���ات املعاهد العلمي���ة يف �إطار الق���رب والبعد م���ن اجلانب الر�سمي ،لكنه���م متفقون على �أن خطر التعلي���م العام ،و�صدر القرار ع���ام 1992ومل يطبق لأن النظام كان ما احلوثي���ة ،ومن ي�سمونهم بالراف�ضة� ،أكرب من �أي خطر �آخر .ومع ذلك زال يحتاج �إىل حلفائه يف الإ�صالح. فهم لن ي�سدوا الفراغ. ولك���ن بعد �أن �أطم�أن النظام �أنه مل يع���د يحتاج �إليهم على امل�ستوى ما تف�س�يرك لت�صريحات عبد امللك احلوثي الأخرية التي الداخلي واخلارجي ،وجاءت �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب ،تق��ول ب�أن��ه يقب��ل باحلوار م��ع الدول��ة على قاع��دة وثيقة مت تطبي���ق القرار والقان���ون يف ذلك احلني ،وحينما ج���اءت انتخابات الإنق��اذ الوطن��ي ،الت��ي متث��ل ر�ؤية �أح��زب اللقاء امل�ش�ترك 2006 �ص��� ّرح الرئي����س علي عب���داهلل �صالح مبقولته ال�شه�ي�رة «�أنهم -ال�سيا�سية للأزمة يف اليمن؟ �أي الإ�ص�ل�اح -جمرد كرت احرتق» .مبعن���ى �أن كل املعطيات �أكدت له هذه م�س�ألة فل�سفية باملنا�سبة. يف الف�ت�رة ال�سابق���ة ب�أنه مل يعد حمتاج لأحد ،غ�ي�ر �أن الأزمة احلالية ذكرت���ه باحلاج���ة �إليهم ،ولعلنا نذكر يف ع���ام � 2004أنه كان هناك نوع كيف ذلك؟ م���ن املغازلة للإ�ص�ل�اح ،عندما ق���ال �أن موقفهم كان م�شرف��� ًا ،مع �أن ُخ���ذ مث ًال رم���وز وثيقة الإنق���اذ الوطني .عل���ى �سبيل املث���ال حميد موق���ف الإ�ص�ل�اح يف ذلك احل�ي�ن مل يختلف عن موقفه���م ال�سابق من الأحم���ر ،جتد �أن موقفه �ص���ارخ ووا�ضح جد ًا من احلوثيني ،والأطراف حيث �إعالمهم ومواقفهم الر�سمية يف �إطار امل�شرتك. الأخ���رى �أي�ض ًا متثل تبع ًا حلمي���د الأحمر .هك���ذا امل�س�ألة يف احلقيقة، لك���ن كان ثمة حماولة جلع���ل الإ�صالح يعود فيجب �أن ال نخدع �أنف�سنا ،وهذا ما قاله حميد لأن الرئي�س كان بحاجة �إليه ،بحكم �أن الإ�صالح الأحم���ر عرب قن���اة اجلزيرة .وك���ون احلوثيني ً ال بد الر�سمي الديني اخلطاب كان حمكوم��� ًا بنظ���ام �أو ن�س���ق امل�ش�ت�رك الذي يقولون �أنه���م موافقون عل���ى الوثيقة ،ف�إن من �أن يكون مرجعية للنظام مل يتغ�ي�ر �أب���د ًا وظل التوتر قائم��� ًا ،والآن �أظن هذا ي�ؤكد �أن و�ضعهم امليداين والع�سكري ِج ّد ً ً الر�سمي ،غدا تابعا متغريا �أن النظ���ام يبحث له عن حلي���ف �إ�سرتاتيجي، �صع���ب ،و�أنهم يبحثون ع���ن خمرج ب�أي ثمن؛ ولذلك بتوجيهاته. يتحرك وحتديد ًا يبحث عن الإ�صالح. فالوثيقة -مهما تكن -ف�إن الذي �صاغها هو ف�إنه �ساهم يف ت�أكيد الواقع خ�صم له���م� ،أي �أن حميد الأحمر هو الرجل بالن�سبة للإ�صالح ،يبدو �أنه قد اتخذ قراره االجتماعي والديني ال�سائد، الأول يف املو�ض���وع� .صحي���ح �أن���ه لي�س هو من يف �إطار امل�شرتك ،وامل�ستقبل ال ميكن لأحد �أن إ�صالح � عامل يكن ومل �صاغه���ا بالكامل ،لكن ال �ش���ك �أن ر�ؤيته متثل يدع���ي علمه �أو يجزم ب���ه .ففي املدى املنظور ال ُج ّل ما تدور حوله الوثيقة. ميكن �أن يتحالف مع ال�سلطة ،وال ميكن �أن يعود مل���ا كان عليه من قبل� .أنا �أ�ؤك���د على �أن هذا يف املدى املنظور ،ومن ّثم فل���و كانت امل�س�ألة فع ًال مبدئية �أو �سيا�سية �أو مطالب معقولة لكانت توجد فال�سلط���ة تبح���ث لها عن حلي���ف ديني قوي وت�سع���ى الآن �إىل �أن مطالبه���م موجهة لبع�ض الأطراف التي ميكن �أن تكون ذات حياد ذات بع����ض الأفراد املح�سوبني عل���ى الإ�صالح �أو على ال�سلفي���ة لت�سعى بهم مرجعية كاجلامعة العربية منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي �أو الأمم املتحدة, �إىل اجلبه���ة حتت �شعار التوعية والتثقي���ف والتعليم ،ومن ّثم امل�شاركة لكنه���م تلقفوا وثيقة الإنقاذ ه���ذه وك�أنها جاءت معجزة من ال�سماء .ال يف القتال. تن�س���ى �أي�ض��� ًا �أنهم بعد �أن كان���وا يتحدثون عن �أن النق���اط ال�ست التي هل تعتقد �أن النظام جل�أ �إىل اجلماعات ال�صوفية ليع ّو�ض م ّثل هذا و�ضعته���ا احلكومة تمُ ِّثل انتحار ًا ،وعلى ح���د تعبري يحيى احلوثي ،ف�إنه التحالف املنفرط؟ وم���ا موقف هذه اجلماعات ال�صوفية ،التي تعد يف يقب���ل ب�أن تتحول اليمن �إىل بحرية م���ن الدماء دون �أن يقبل بال�شروط ال�ستة. هذه اللحظة حليف ًا رئي�سي ًا للنظام ،مما يجري يف �صعدة؟ م��اذا عما بات يع��رف بتنظيم القاع��دة يف اليمن� ،أين هو لقد حر�ص النظام ال�سيا�سي يف اليمن على �أن تكون هذه اجلماعات ال�صوفي���ة بدي ًال للإخ���وان لكنه���م مل ي�ستطيعوا �أن يثبت���وا �أنهم بديل الآن؟ وه��ل �ص��حيح �أنه �أ�ص��بح العب ًا رئي�س��ي ًا على ال�س��احة منا�س���ب .وعل���ى �أية ح���ال ،ف�إن ه����ؤالء لي����س لهم موق���ف ر�سمي مما اليمنية؟ ي���دور اليوم يف �صع���دة على عك�س موقفهم الدائ���م من عمليات تنظيم الأم���ر حمري جد ًا� ،أين القاعدة الآن؟ يف الظروف الراهنة يفرت�ض القاعدة. �أنه���ا م���ن �أ�سن���ح الفر�ص له���ا لتنق�ض عل���ى النظام خ�صمه���ا اللدود. وم��اذا عن بوادر التحالف الأخري مع اجلماعات ال�س��لفية �صحي���ح �أن اخل�صومة التي بني التنظيم وال�شيعة كما يقال كبرية ،لكن التي تعد اجلماعة الدينية الوحيدة التي وقفت �إىل جانب �إذا عدنا �إىل الأبعاد الإقليمية واخلارجية� ،سنجد �أن هناك كالم يكاد النظام �سيا�س��ي ًا �ض��د ما يتهدده من قبل احلوثيني من خالل يكون متواتر ًا ب�أن ثمة عالقة بني القاعدة يف العراق والدعم الإيراين،
(
136
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
(
(
)
(
)
وي�ست�شه���د بع�ض املحللني كعبداهلل النفي�سي و�آخرون ب�أن احتجاز -بل يناظره���ا يف اجلن���وب حينها م���ن مدار�س الب���دو الرح���ل واملعاهد ذات بق���اء � -سيف الع���دل امل�صري و�سعد الدين ب���ن الدن يف �إيران ،يدل ال�صبغ���ة اال�شرتاكية املارك�سية ،لتجاوزنا الكثري من امل�شاكل التي جندها عل���ى �أن ه����ؤالء لي�س���وا معتقلني يف احلقيق���ة ،و�أنهم موج���ودون هناك �أمامنا اليوم. باعتب���ار �أن ذلك املكان �أح�سن من �أي م���كان �آخر ،وهذا يجعلهم ورقة وباخت�ص���ار �شدي���د� ،أعتق���د �أنه ال ب���د� ،أو ًال� ،أن نع�ت�رف �أن ه�ؤالء هم من الأوراق. مينيون و�أنهم جزء من املكون املذهبي لهذا ال�شعب كغريهم من الأقليات و�إذا كانت اخل�صومة بني الطرفني موجودة وحقيقية ،ملاذا ال ت�ستغل الأخرى كالبهرة ونحوهم ،وه�ؤالء كلهم مكون من مكونات الن�سيج الوطني ّ عنا�صر التنظي���م الفر�صة وتنق�ض على خ�صومها ال�شيعة �أو الرواف�ض بجان���ب �أكرثي���ة املذه���ب ال�شافع���ي .مبعنى �أن مب���د�أ امل�ص���ادرة والإلغاء كم���ا ي�صمونهم� .إن ع���امل ال�سيا�سة عامل عميق ،و�أن���ا باملنا�سبة �أزعم مذم���وم ومرفو�ض ،ه���ذا �أمر .الأمر الثاين من ال�ض���روري �أن يتم ت�شكيل منذ وقت �أن القاعدة يف اليمن لي�ست بالوجود الذي ي�صورونه �أحيان ًا؛ جلن���ة حقيق���ة ولي�ست �شكلي���ة من خ�ب�راء وتربويني وذوي �صل���ة بالرتبية �أي �أن وجودها يظل �أقرب �إىل الظاهرة الهالمية ،و�أقرب �إىل االنتقام الإ�سالمي���ة ب�شكل �أو ب�آخر من خمتلف املكونات املذهبية املوجودة ،بحيث م���ن اخل�صوم ال�سيا�سيني �أو من ال�سلط���ات الأخرى� ،أكرث منها تنظيم تنظر يف املناهج احلالية �سواء يف التعليم احلكومي الر�سمي على م�ستوى معق���د ويتكون من خاليا و�شبكات وله جانب عملياتي ُم ّ نظم .قد يوجد التعليم الأ�سا�سي والثانوي �أو العايل من جهة �أخرى ،وكذلك ما هو موجود تنظيم للقاعدة ،لكنها لي�ست بهذا التهويل والت�ضخيم الذي يقال ،و�إال الآن يف التعلي���م الأهل���ي واخلا�ص على م�ست���وى التعليم الع���ام �أو الثانوي ف����إين �أت�صور �أن هذا الظ���رف يعد �أ�سنح الفر�ص له���م .ففي الأو�ضاع �أو الع���ادي �أي�ض��� ًا ،وكذل���ك ال بد �أن ي���درج �إىل جانب هذا م���ا يعرف الآن الأخ���رى جتد خطابهم ي�صور �أن هذه ال�سلط���ة هي عدوهم احلقيقي ،باملراك���ز العلمية .وباملنا�سبة املراكز هذه� ،سواء كانت حتت رداء ال�سلفية و�أن الق�ض���اء عليه���ا مقدم على �أي �شيء �آخ���ر ،وعليه �أظن �أن هذه هي �أم الزيدية �أو ال�صوفية �أو غريها ،ال بد �أن تخ�ضع جميعها لقانون التعليم فر�صتهم الذهبية .وهذا التناق�ض والغمو�ض وا�ضحان منذ عام ،2004الأهلي واخلا�ص. �إذ كلما دخلت ال�سلطة يف �صراع مع احلوثيني ه��ل م��ن املمكن �أن تك��ون فك��رة العلمنة ي�سكت���ون� ،صعب �أن نقول �أن هذا توزيع �أدوار، التعليمي��ة -عل��ى الأق��ل -خمرج�� ًا وح ًال يظل اليمن يف القاعدة وجود لك���ن يب���دو يل �أن الإعالم �أحيان��� ًا ي�صنع لهم للتع��دد املذهب��ي والطائفي الذي ُي�ض�� ِعف �أقرب �إىل الظاهرة الهالمية، هالة �أكرب من حجمهم احلقيقي. احل�س الوطني لدى الفرد ويح�ص��ر والءه اخل�صوم من االنتقام إىل � أقرب � و م��ا املخ��رج �إذن بر�أي��ك حللحل��ة يف �إطار مذهبي طائفي �ضيق؟ ال�سلطات، من أو � ال�سيا�سيني الأزم��ة القائم��ة يف ظ��ل كل ه��ذا ال� ،إن ه���ذه �ستكون جرمية ترتكب بحق الأمة �أكرث منه تنظيماً معقداً ويتكون التعقي��د والتداخ��ل والت�ش��ابك ب�ين كله���ا .فال�شع���ب اليمن���ي �شع���ب م�سل���م ،و�شعب من خاليا و�شبكات وله جانب الديني وال�سيا�س��ي ،واملدن�س باملقد�س متدي���ن ،وباتخ���اذ نه���ج العلمن���ة التعليمي���ة ف�إننا عملياتي ُم ّ م نظ �إن �صح التعبري؟ �سن�صادر حق اجلميع ،وهذا ال يجوز. �أن���ا قدم���ت ت�ص���ورات يف درا�ست���ي ع���ن لك��ن العلمن��ة التعليمي��ة ا�س��تطاعت املو�ض���وع� .أو ًال ال ب���د من �أن يكون احلوار قاع���دة �أ�سا�سية بغ�ض النظر �أن ّ حت��ل م�ش��كلة االختالف االثن��ي والدين��ي يف ماليزيا ،رغم عن الأط���راف؛ فال يقال هذا كبري وهذا �صغ�ي�ر ،وال يقال هذا متمرد �أن��ه �أكرث تعقي��د ًا مقارنة بب�س��اطة االخت�لاف املذهبي هنا يف وه���ذا �شرعي .يف النهاية ه����ؤالء النا�س عندهم مطالب ،قد تكون غري اليمن؟ مقبولة من حيث الأ�سا�س� ،أو يف بع�ضها تعجيز لكن �أنا �أعتقد �أنه يجب عندنا االختالف �ش���يء حمدود وهينّ ،وال بد �أن نذكر ب�أنه من �أح�سن �أن تو�ض���ع البندقي���ة جانب��� ًا ،و�أن ن�سل���م بوجود دول���ة ذات �سيادة ،و�أن و�أعظ���م ما �أوجدته الث���ورة اليمنية �أنها ق�ضت عل���ى امل�شكلة املذهبية مبا نحتك���م �إىل د�ستوره���ا وقوانينها جميع ًا ،وعلى الدول���ة �أن ترتك اللعبة يكاد يكون ح�سنة ينبغي �أن ي�ستند �إليها الآخرون .فمن �أهم ما ا�ستطاعت التي كان يلعبها بع�ض رموزها يف تفريخ اجلماعات و�ضرب هذا بذاك� ،أن حتققه هذه الثورة هو �أنها ق ّربت الفجوة بني التعليم املذهبي مبختلف فكما يقال “قد ينقلب ال�سحر على ال�ساحر” .وينبغي �أن نحتكم جميع ًا مكوناته ،بحيث �أنه �أنا و�أنت مل نعرف هذا التنازع ،فقد در�سنا على �أ�سا�س �أنن���ا م�سلمني وكفى ،فلم يظهر مثل هذا التن���ازع �إال بعد عام 1990حني �إىل الد�ستور و�إىل القوانني النافذة. فف���ي تقدي���ري �أن �أك�ب�ر و�أخط���ر م���ا تطرح���ه اجلماع���ة احلوثية ج���اءت التعددية ،وقبل ذلك كان هناك �صيغ���ة جيدة �سواء يف املعاهد العلمية �أو يف التعليم العام .فقد در�سوا فقط الر�أي الراجح الذي قالت ً يتمث���ل يف البع���د الفكري ذي ال�صل���ة التعليمية والرتبوي���ة؛ مثال ق�صة ب���ه جلنة املناهج يف الرتبي���ة الإ�سالمية ومل تكن ه���ذه امل�شكلة قائمة، اجلامعة الزيدي���ة واملدار�س واملعاهد الزيدية ...الخ ،هذه املطالب قد وعلي���ه ف�إن طرح العلمانية بدي ًال يعد طرح ًا كارثي��� ًا ،وبد ًال من �أننا قد تب���دو غريبة ،لكنها لي�س���ت �أي�ض ًا تعجيزية .ف�أنا �أعتق���د �أننا لو نحتكم نظلم فئة من النا�س ،كثرُ ت �أم ق ّلت ،ف�إننا مبثل هذه اخلطوة �سنظلم �إىل قان���ون 45ل�سن���ة 1992ال���ذي يتحدث عن نظ���ام التعليم يف اليمن املجتم���ع كله لأنه جمتمع متدين .وباملنا�سبة م�شكلة التعليم يف اليمن ال وال�سيا�سي���ة التعليمية ،ويتحدث ب�إ�سهاب عن التعليم الأهلي واخلا�ص ،متث���ل م�شكلة حقيقة يف ظل النوايا ال�صادقة ،و�أنا زعيم بتقدمي ت�صور خا�ص���ة و�أنه قد �صي���غ يف فرتة حرجة هي فرتة املعاه���د العلمية وما كان نظري ميكن �أن ُينا َق�ش.
(
(
)
(
مدار الأفكار
ب�صراحة
(
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
)
137 2009
الفهر�ست مراجعات للكتب وعرو�ض موجزة
�صدر حديث ًا �ضمن �سل�سلة درا�سات اقت�صادية
�أثر تقلبات الأ�سعار العاملية للقمح يف االقت�صاد اليمني درا�سة قيا�سية �أروى �أحمد البعداين
املتفردة �أمارتيا �صن/حممد عبداهلل حممد العنف ووهم الهوية ّ ديريك هيرت/حممد �سيف حيدر معنى �أن تكون مواطن ًا بالإ�ضافة �إىل عرو�ض موجزة
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 138
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية
العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
139 2009
الفهر�ست
مراجعات
عرو�ض م�ؤجزة
العنف املتفردة ووهم الهوية ّ �أمارتيــا �صــن
م���ن الكتب املهمة التي �ص���درت م�ؤخر ًا (حتدي���د ًا يف العام 2006يف �أ�صل���ه الإجنليزي ،والعام 2008يف ترجمته العربية)، كت���اب الفيل�سوف واالقت�صادي الهن���دي �أمارتيا �صن ،املو�سوم «الهوي���ة والعن���ف :وه���م امل�ص�ي�ر احلتم���ي» .وهو عم��� ٌل ي�ؤكد في���ه م�ؤلفه عل���ى مقولة �أن الهوي���ة الإن�سانية «متع���ددة الأبعاد ومع ّق���دة» ،وبالتايل يرف�ض اختزاله���ا �إىل البعد العقائدي كما فعل املفك���ر الأمريكي �صاموي���ل هنتنجت���ون يف كتابه املعروف ع���ن «�صدام احل�ضارات» .وبهذا املعنى يرد �صن على �أطروحة هنتنجتون ،وي���رى �أنها تقدم مقارب���ة «ذات بعد واحد» ملفهوم الهوي���ة� ،أي تق�سي���م الع���امل �إىل «طوائف» ،وبالت���ايل �إىل قوى «متنازع���ة» بالطبيع���ة ،ذل���ك �أنها تعرب عن «كت���ل ذات هويات حمددة ومتنا�سقة فيما بينها». ويج���ادل �ص���ن ب����أن املقاربة الديني���ة للعالقات ب�ي�ن الب�شر يرتت���ب عليها ت�صني���ف �أحادي ،ي�ض���ع كل كتل���ة ب�شرية تنتمي لدي���ن مع�ي�ن ،وربطه���ا بح�ضارة معين���ة ،يف �صن���دوق مغلق يف مواجه���ة ال�صنادي���ق الديني���ة /احل�ضاري���ة الأخ���رى ،وهو ما �سم���اه «التق�سي���م ال�صندوقي اجلامد» للأف���راد /اجلماعات، وه���ذا النوع من التق�سيم ي�ستبع���د �أي تنوعات داخل ال�صندوق احل�ض���اري الواحد .وخط���ورة طرح هنتنجتون �أن���ه ينتج فه ًما �شديد الت�ضليل لل�شعوب عرب العامل وللعالقات متعددة الأ�شكال والتن���وع بينهم ،كما �أنه ي�ؤدي �إيل ت�ضخي���م فارق واحد بعينه، بني كل كتلة و�أخري مت ت�صنيفها وفق الدين فقط. وكم���ا هي عادته يف �سائر كتبه وم�ؤلفاته ،يكتب �أمارتيا �صن باختزال و�أكادميية لي�س فيها �إطناب وح�شو ,وينجح يف ت�سهيل امل���ادة املعقدة التي ي�شرحها للقارئ عن طريق جعل اال�ستدالل حول مع���اين التعابري املتخ�ص�صة ممكن ًا م���ن خالل امل�ضمون العام للكتاب ,ويعمد �أحيان ًا �إىل تو�ضيح هذه التعابري على نحو 140
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
خمت�ص���ر وحمدد .ومما ال �ش���ك فيه �أن الكت���اب يحمل �صبغة ً وجم�ل�ا مت�شابكة �أكادميي���ة ظاهرة ت�شم���ل تعابري متخ�ص�صة حتم���ل فهم��� ًا مركب ًا .لك���ن املحاجج���ات التي يقدمه���ا ويدافع عنه���ا تقود �إىل نتيجة نهائية ,بعي���دة عن ال�شعاراتية �أو اجلمل الطنانة. ب���د�أت فك���رة الكت���اب -كم���ا يذك���ر امل�ؤل���ف يف مقدمته - مبحا�ض���رات �ألقاها يف جامع���ة بو�سطن يف عامي 2001و2002 عن «م�ستقبل الهوية»� ،إ�ضافة �إىل حما�ضرات �ألقاها يف جامعة كامربدج عن دور العقل والتفكري يف اختيار الهوية حتت عنوان «العق���ل قبل الهوي���ة» .وينطل���ق �أمارتيا �ص���ن يف حتليالته من ح���ادث حمدد كان قد عا�ش���ه هو نف�سه عندم���ا كان يف حوايل العا�شرة من عم���ره يف بلدة دا ّكا حيث كان يعي�ش مع �أهله عام .1944ف���ذات يوم وجد رج ًال م�ض ّرج ًا بدم���ه عند باب حديقة املن���زل .كان مطعون ًا بعدة �ضربات من �آل���ة حادة ،وكانت تلك ه���ي امل���رة الأوىل التي ي�شاه���د فيها الطفل مث���ل ذلك العنف. لكن امل�شهد مل يبارحه طيلة حياته .ومنذ ذلك اليوم طرح على نف�سه �س�ؤال كبري :ملاذا حاولوا قتل ذلك الرجل؟ وكان���ت الإجاب���ة الوحيدة التي تو�صل �إليه���ا هي �أنه قد فقد حياته ل�سبب واحد هو �أنه كان م�سلم ًا ،و�أن �سوء حظه قد دفعه �إىل �أن يك���ون يف «املكان ال�سي���ئ» ويف «اللحظة ال�سيئة» ،بحيث ت�ضاف���رت ال�ش���روط الرتكاب اجلرمي���ة وخا�صة توف���ر خلفية احلقد وع���دم الت�سامح حي���ال «الآخر» لكون �أن���ه «الآخر» دون ���م �أمارتيا �صن �أن ذلك الرجل -ال�ضحية �أن يختار ذلك .و َفهِ َ كان ق���د تل ّقى من زوجت���ه يف �صباح ذلك اليوم الن�صيحة بعدم اخل���روج من املن���زل ،لكن عدم اخل���روج كان يعني عدم توفري الطعام لأ�سرته ،وبالت���ايل (مل يكن ح ّر ًا) يف اتخاذ قرار عدم اخلروج .وه���ذا يعني �أن ال�شروط االقت�صادية ميكنها �أن تكبح
يلغ���ي واقع �أنه هن���دي الأ�صل ومتعلق جد ًا بهويت���ه «البنغالية». و�ضم���ن هذا النهج من التحليل يدين امل�ؤلف ،ب�أ�شكال خمتلفة، كل تل���ك التيارات التي حت���اول «�سجن» الإن�س���ان داخل �أ�سوار «هوي���ة مغلقة» و«منغلقة على ذاتها» ،مما يفتح �آفاق النزاعات واحلروب عل���ى م�صراعيها ومتنع الإن�س���ان نف�سه من «حتقيق �إن�سانيته ذات الأبعاد العديدة». ويف �إطار حتليله لق�ضية الهوية ُيبدع �صن يف طرحه املنطقي واع - واع �أو غري ٍ واملقن���ع القائل ب�أن الأفراد يتمتع���ون -ب�شكل ٍ بحري���ة االختيار يف جمال حتدي���د هوياتهم االجتماعية .ويرى �أن �أح���د الأدوار املهم���ة للهوي���ة االجتماعية ه���و «التو�صيف» - تخ�صي����ص اجلماعات املختلفة بهوي���ات خا�صة بها -وهو �أمر ي�سم���ح – بالطب���ع -باالختي���ار وبحاجة الف���رد �إىل ا�ستخدام العقل ,حيث ميكن لل�شخ�ص �أن ميتلك هويات م�شرتكة مع �أكرث م���ن واحدة من تل���ك اجلماعات املو�صفة ,ويك���ون عليه �أحيان ًا �أن يخت���ار من بني جمموعة من الهوي���ات البديلة �أو املتناحرة. وبالتايل ،ف�إن �صن -القادم من الهند والربيطاين اجلن�سية-
ممار�سة احلرية. ً هكذا خ���رج امل�ؤلف انطالقا من تلك احلادثة بقناعة كبرية تقول بوجود «ارتباط كبري بني االقت�صاد واحلرية» .و�شرح مثل ه���ذه العالق���ة الوثيقة يجده���ا القارئ يف جمي���ع �أعمال حامل جائ���زة نوبل لالقت�صاد مبا فيها هذا الكتاب «الهوية والعنف». لذل���ك يخرج امل�ؤلف من احلادثة نف�سها ب���ـ «در�س �آخر» هو �أن العن���ف الإن�ساين ،ومهما بلغت درج���ة �شرا�سته ،ال ي�ستطيع �أن ينه���ي كل بعد �إن�ساين ل���دى الب�شر .هكذا ي���روي كيف �أن �أباه، غري امل�سلم ،مل يرتدد حلظة واحدة يف نقل ذلك الرجل اجلريح ب�سيارته �إىل امل�ست�شفى �أم ًال ب�إنقاذ حياته ،لكن الفر�صة كانت ق���د فاتت .وما ي�ؤك���ده امل�ؤلف هو �أن فهم تل���ك احلادثة يتطلب الذه���اب �إىل م���ا هو �أبعد م���ن اعتبارها «ق�ضي���ة هندية ونزاع عقائ���دي ،ديني» فق���ط .و�إمنا البح���ث عن خلفياته���ا العميقة يف «املفاهي���م املح���دودة واجلام���دة للهوية» .ويعت�ب�ر �أن جميع التعريف���ات القائمة عل���ى �أ�سا�س االنتم���اء �إىل جمموعة معينة �أو طائف���ة معينة �إمنا تقوم بعملية «اختزال» ،و«ق�صر» الإن�سان على بعد واحد ،بينما �أنه جت�سيد لـ«هويات متعددة» ،و�أن هذه «التعددية» هي م�صدر ثراء كبري له. بيانات الكتاب ي�ؤك���د امل�ؤل���ف عل���ى تعقيد مفه���وم الهوي���ة وتنوعه، الهوي���ة والعنف :وهم وي�ض���رب حالت���ه ال�شخ�صي���ة كمث���ال عل���ى الهوية ذات امل�صري احلتمي الأبع���اد املتنوعة .فهو م���ن مواليد الهن���د ويعي�ش حالي ًا �أمارتيا �صن يف الوالي���ات املتحدة ،حيث يق���وم بالتدري�س يف جامعة ترجمة� :سحر توفيق �سل�سلة ع���امل املعرفة هارف���ارد ،وبريطاني���ا والهن���د .وي�ؤك���د �أن���ه معج���ب بـ الكويتية؛ 352 «املطبخ االنكليزي» و�أطباقه ال�شهية ،وي�ستمع كثري ًا �إىل حزيران /يونيو 2008 مو�سيقى اجلاز وال���راب ولكن �أي�ض ًا املو�سيقى الهندية. � 215صفحة. ويخ���رج بنتيجة مفادها �أنه ال يح�س �أبد ًا �أن ذلك التنوع
غالف الطبعة العربية
غالف الطبعة الإجنليزية
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
141 2009
الفهر�ست
مراجعات
حا�ضر يف �أرقى جامعات العامل املن�شغل بهموم عاملثالثي���ة ,واملُ ِ الأول ,واملتع���دد الهوي���ات ,يبح���ث ع���ن �صيغ���ة تت�صال���ح فيها الهويات التي تبدو متناق�ضة. غري �أن �إِ�شكال الهوي���ة ,واختيارها ,كما الإ�شكاالت الأخرى ذات ال���وزن الثقي���ل ال تقع يف دائ���رة القرار الف���ردي فح�سب, وال�س�ؤال الذي يطرح���ه ويتناوله �صن �إزاء هذه النقطة هو� :أال ي�ش���كل املجتمع ككل م�ؤث���ر ًا كبري ًا على تفكري الف���رد ,و�أال يح ّد ه���ذا من قدرة الف���رد على االختي���ار؟ ولتن���اول الإجابة يرجع �إىل «الوظيف���ة الإدراكي���ة» للهوية االجتماعي���ة ،وهي الطريقة التي ميكن لأفراد اجلماعة بوا�سطتها �إدراك العامل ,والتو�صل اىل �أحكام عقالني���ة ,والت�أثري على بع�ضهم البع�ض .ويف نهاية املطاف ميكن لعقل الفرد �أن يت�أثر بالأفكار االجتماعية اخلا�صة باجلماع���ة ,لك���ن ه���ذا ال يقي���د امل���رء بالتفكري «فق���ط �ضمن ع���رف ح�ضاري حم���دد ,ذي هوية حم���ددة» .فالأفراد قادرون عل���ى ممار�سة طرق �أخ���رى من التفكري خارج ح���دود املواقف احل�ضارية الأ�سا�سية املتجذرة يف اجلماعة التي ينتمون �إليها، ب���ل حتى �ضمن املنظومة احل�ضارية الواحدة يوجد عادة طيف وا�سع من املواقف واملعتقدات ,ي�سمح باالختيار ويتداخل �أحيان ًا مع مواقف ومعتقدات الآخرين. وم����ن هن����ا ,تظ����ل االختي����ارات قائمة رغ����م وج����ود امل�ؤثرات احل�ضارية ,وهو �أمر ي�ؤكد عليه �صن تارك ًا ك ّوة من الأمل والباب املفتوح لنظرية الهويات املت�صاحلة واالختيارية .بناء على ذلك, يرف�ض �صن ال����ر�أي القائل بـ «اكت�ش����اف» الهويات االجتماعية, وه����و الر�أي الذي ي�ؤكد �أن الأفراد ال يختارون هوياتهم اخلا�صة �إمن����ا يكت�شفونها فقط كجانب من جوانب حتقيق الذات .ويعزز امل�ؤل����ف وجهة نظره باحلقيقة الت����ي تفيد ب�أن االختيار ميكن �أن يقع -وهو يقع بالفعل -حتى بعد ح�صول «االكت�شاف» .ومي�ضي قدم ًا ل ُيجا ِدل ب�أن �إنكار االختيار عندما يكون االختيار موجود ًا, ورف�����ض ممار�س����ة التفك��ي�ر ميك����ن �أن يق����ود �إىل الت�سلي����م غري امل�شروط بالظلم والإجحاف و�سلوك القطيع .فلو كان اخل�ضوع للأع����راف ه����و القان����ون ال�ساري عل����ى ال�سلوك مل����ا ظهرت �إىل يومنا ه����ذا حقوق املر�أة -على �سبيل املثال ال احل�صر -كتعبري ناهي����ك عنها كحقيقة ماثلة .و ُيح ِّ ����ذر �صن من العواقب املظلمة ل�سل����وك القطيع كما �شاهدها بنف�سه عندما كان �صبي ًا يف الهند يف �أربعيني����ات القرن املا�ضي ,عندما اندلع العنف الطائفي بني امل�سلمني والهندو�س يف �أعقاب نزاعات �سيا�سية. واحلال �أن قدرة املرء على التفكري خارج منظومته احل�ضارية
مواطناً معنى �أن تكون ِ التاريخ الطويل ّ وال�شاق للمواطن ّية ،فكر ًة وممار�سة
يرف�ض �صن الر�أي القائل بـ «اكت�شاف» الهويات االجتماعية ,وهو الر�أي الذي ي�ؤكد �أن الأفراد ال يختارون هوياتهم اخلا�ص��ة �إمنا يكت�شفونها فقط كجانب من جوانب حتقيق الذات .ويعزز امل�ؤل��ف وجهة نظره باحلقيق��ة التي تفيد ب�أن االختي��ار ميك��ن �أن يق��ع -وه��و يق��ع بالفعل - حتى بعد ح�صول «االكت�شاف». وحريته يف القيام بذل����ك� ,إىل جانب قدرته على اال�ستفادة من التنوع املتاح داخل ذلك النظ����امُ ,ت�شكل مو�ضوع ًا مركزي ًا يعود ل����ه �صن يف نهاي����ة الكتاب .ولذا يطرح �س�ؤال����ه عن الكيفية التي ينبغ����ي بها الأخذ بنظر االعتبار الهويات امل�شرتكة عرب احلدود الوطني����ة للدول؛ هويات مثل الطبقة� ,أو اجلنو�سة� ,أو املعتقدات ال�سيا�سي����ة واالجتماعي����ة .وميك����ن اعتبار هذا ال�س�����ؤال النقطة احليوي����ة يف اجل����دل املعا�صر ح����ول حقوق الإن�س����ان :هل هناك �شيء ا�سمه القيم الكونية? ويبدو هنا �أن �صن يعتقد �أن اجلواب ه����و نعم .ف�إذا كان بو�سع املرء �أن يتقب����ل وجود جمال لالختيار وحرية يف التفكري عند تقري����ر املرء لهويته ,ف�إن جميع احلدود عنده����ا -جغرافي����ة كان����ت �أم ح�ضارية -تكف ع����ن لعب ذلك ف�سده. الدور امل�صريي الذي غالب ًا ما ُيعمي اجلن�س الب�شري و ُي ِ حممد عبداهلل حممد كاتب من اليمن.
142
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
عل���ى الرغ���م م���ن �أن فك���رة املواطني���ة /املواطنة بات���ت ملمح ًا �أ�سا�سي��� ًا م���ن مالم���ح ع�صرن���ا؛ بالنظ���ر �إىل �أن مفه���وم املواطنية ال���ذي ت�ستمد منه هيئة املواطن�ي�ن يف �أي جمتمع قوتها ووجودها هو الركي���زة الأوىل واملبد�أ الأ�سا�سي لأي نظام يعترب نف�سه دميقراطي ًا، ومن دون���ه ال تتحق���ق الدميقراطية مبفهومها احلقيق���ي .لكن هذا وال�سج���ال حولها؛ فاملواطنية� ،ش�أنها �ش�أن مل مينع ا�ستمرار اجلدل ّ مو�ضوع���ات ومفاهي���م عدة مثل احلري���ة وامل�س���اواة والدميقراطية واحلري���ات الفردي���ة والعدالة ،مل تزل ت�شكل م���ادة بحث هامة لدى دوائ���ر �أكادميية متنوعة وبخا�ص���ة حني جتري معاجلتها يف �إطار جمتم���ع متعدد باملعن���ى امل�ضطرد للكلم���ة� ،أي املواطنية يف جمتمع���ات حتت�ض���ن ثقاف���ات وحت��� ّدرات �إثني���ة وذاكرة تاريخي���ة ومنظومة قيم وعادات وم�سالك ُ التناظر ب�ي�ن علماء االجتماع متنوع���ة .ويتنامى وال�سيا�سة حول �إمكانية حتقق املواطنية الكاملة يف جمتمع���ات متع���ددة ،ناظري���ن �إىل �سياق���ات تاريخي���ة حم���ددة كان فيه���ا امل�سع���ى احلثي���ث م���ن قب���ل دول عديدة جله���ة و�ضع ح���د �أو تقلي�ص للفوا�ص���ل واالختالف ب�ي�ن جمتمعات ُي���راد اي�صالها �إىل درجة متقدمة من الوحدة الداخلية واالن�سجام تعزيز ًا لقواعد اال�ستقرار وحتديد ًا ال�سيا�سي منها. واحل���ال �أن املواطنية ُمت ّثل �شك ًال تتحدد عربه الهوية االجتماعية وال�سيا�سي���ة للأف���راد ،وهي ق�ضية معق���دة للغاي���ة ومت�شابكة ،ميتد تاريخه���ا �إىل ما يقارب ثمانية وع�شرين قرن��� ًا .وعلى الرغم من �أن املواطني���ة ،بو�صفها فكرة ومبد�أً دميقراطي ًا �أ�صي ًال ،غدت -ال�سيما يف ال�سن���وات الع�شرين الأخرية -عنوان ًا مثري ًا لالهتمام البالغ على م�ست���وى العامل يف ثالث���ة ميادين :املي���دان ال�سيا�س���ي -االجتماعي والأكادميي والتعليمي ،وهو االهتمام الذي نتج عنه كتاباتٌ وم�ؤلفات �ضخم���ة .لكن ،ومع ه���ذا ،مل ي�صدر كتاب واح���د ي�ستعر�ض التاريخ الكام���ل للمب���ادئ واملمار�س���ات اخلا�صة باملواطنية خ�ل�ال م�سارها التاريخ���ي الكامل .ومن هنا ت�أت���ي �أهمية كتاب ديريك هيرت املعنون
للمواطن ّي���ة”؛ �إذ يت�ضمن م�سح��� ًا �شام ًال وممتع ًا موج��� ٌز ِ ب� �ـ “تاري ٌخ َ وا�ستعرا�ض��� ًا ممتاز ًا ومك ّثف��� ًا للمواطنية ،ورغم �إيج���ازه ف�إنه يتّ�سم بالعم���ق واملتان���ة اللذين نفتقدهما يف كتابات �أخ���رى ،يقدمه باحث متخ�ص�ص له باع طويل يف هذا املو�ضوع ،تعك�سه من�شوراته العديدة الت���ي ت�شمل :ما هي املواطني���ة؟ ( ،)1999املواطنية العاملية :التفكري الع���ايل ومناه�ض���وه ( ،)2002تاري���خ الإع���داد الرتب���وي للمواطني���ة ( ،)2003املواطني���ة :املُ ُث���ل املدني���ة يف التاري���خ العامل���ي ،ال�سيا�س���ة والرتبية (.)2004 مبني على (وي�ستمد وكتاب “تاريخ موجز للمواطنية” ٌّ �شرعيت���ه و�أهميت���ه م���ن) الت�سليم ب����أن الأو�ضاع الراهن���ة والنقا�شات ب�ش�أن املواطنية ال ميكن فهمه���ا دون معرفة اخللفي���ات التاريخية. ومن ه���ذا املنطلق ،ي�سع���ى م�ؤلفه ديريك هيرت �إىل ت�أمني املادة التاريخية الأ�سا�س، من خالل ال�سرد التحليلي بدء ًا من زمن ا�سبارطة وروما م���رور ًا بالقرون الو�سطي وع�صر الث���ورات يف �أوروب���ا و�أمريكا وحتى الوق���ت احلا�ض���ر� ،أي ما ب�ي�ن 700قبل امليالد حت���ى 2000بعد امليالد� ،شام ًال �شواهد اقتب�ست من الن�صو�ص الأ�صلية ذات الأهمية يف هذا املجال. ومن���ذ البداي���ة ُي�ش ّدد امل�ؤلف عل���ى �أن املواطني���ة ال حتدد عالقة ���رد �آخر مثلما هو احلال بالن�سب���ة �إىل الأنظمة الإقطاعية الفرد بف ٍ وامللكي���ة واال�ستبدادية وال مبجموع ٍة مثلم���ا يف القومية ولكن بفكرة الدولة ب�شكل �أ�سا�سي التي يكون فيها الأ�شخا�ص م�ستقلني ومت�ساوين يف �أو�ضاعه���م ال�شرعي���ة ،وهو م���ا يو ِّلد فيهم االح�سا����س بامل�سئولية و ُيك ّر����س �إنتماءهم اىل الوطن؛ لهذا حت�ض���ر الدولة كالعب رئي�سي يف الكت���اب ،وحت�ضر نظرته���ا �إىل رعاياها باعتباره���م مواطنني �أو �أق���ل من ذلك� ،س���واء يف �أثين���ا �أو ا�سبارطة حت���ى املجتمع احلديث ومتييزه �ضد فئات بعينها مثل املر�أة �أو ال�سود �أو العبيد. ويف هذا الإطار ،يمُ ّيز هيرت بني خم�سة �أ�شكال رئي�سة من الهوية ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
143 2009
الفهر�ست
مراجعات
ال�سل���وك املدين ال�صالح وال�شكل اجلمه���وري للدولة هما �أ�سا�سيان، له���ذا ال�سب���ب ج���اء تعبري “اجلمه���وري امل���دين”� .إن وجود جمتمع من املواطنني الأحرار م�ستحي���ل حتت اال�ستبداد والطغيان ،كما �أن “اجلمهورية” كانت م�ستحيلة من دون الدعم الف ّعال من املواطنني وم�شاركته���م� .أما النظرة الليربالي���ة البديلة فتذهب يف حجتها �إىل �أن الدول���ة موجودة ملنفعة مواطنيها وهي ملتزم���ة فع ًال ب�أن ت�ضمن لهم حقوق ًا يتمتعون بها. ويف �أواخ���ر الق���رن الع�شري���ن ع���اد اجل���دل ح���ول املواطنية من جدي���د ولكن ب�صي ٍ���غ وم�ضامني �أخ���رى �أكرث تعقي���د ًا ،وكان الهدف من �إع���ادة �إحي���اء املواطنية يف النظري���ة والتطبي���ق ،تعزيز الوعي لقيم���ة الدميوقراطية وتب ّنيه���ا كنمط للحكم من قب���ل عدد متزايد م���ن البلدان يف �أورب���ا و�إفريقيا و�أمريكا الالتيني���ة .وكان من نتائج ذل���ك وعي الأف���راد “لهوياته���م املتع���ددة” ب�شكل متزاي���د ،بحيث دخل���ت �أهمي���ة الدول���ة واملواطني���ة فيها ،يف ط���ور االنح�س���ار :ف�إذا كان���ت العائالت واعية بعم���ق ملعتقداتها الديني���ة وتقاليدها الإثنية املن�سلخة ع���ن التيار الثقايف لبلد �إقامته���ا ،و�إذا عمل النا�س يف ج ٍّو من ال�شب���كات العاملية للأعمال واالت�ص���االت املحرتفة ،و�إذا �أرادت الن�س���اء �أن ُي�ش ِّكلن حياته���ن والتزاماتهن بطرق �أنثوي���ة معينة؛ �إذا ا�ستم���رت التطورات م���ن هذا الن���وع يف النمو ،ف����إن املواطنية التي ت ّدع���ي وظيفة احلفاظ عل���ى التما�س���ك ينبغي �إم���ا �أن تتقل�ص �إىل �شكل �أ�ضعف من الوالء املتناف�س مع غريه� ،أو تتو�سع لت�شملها جميع ًا وبذل���ك تفقد متا�سكها� .إ�ضافة �إىل ذلك ،ف����إن قوى العوملة والدمج الق���اري يف �أورب���ا ،واملناطقية ،تُق ِّو�ض �سلطة الدول���ة لكن املواطنية تطورت تدريجي ًا يف اجلوهر ،ن�سبة �إىل املواطنية البلدية يف القرون الو�سط���ى ،كعالقة الفرد بالدولة ،و�إذا �ضعفت الدولة فمن البديهي �أن ت�ضعف املواطنية نتيجة لذلك. وبح�سب امل�ؤلف ،تُقدم هذه االعتبارات قائمة �شاقة من امل�شكالت الت���ي حتت���اج �إىل ٍّ حل ،وبالإم���كان ح ّله���ا م�ستقب ًال -كم���ا يو�ضِّ ح -
يتعاط���ى معه���ا الب�ش���ر يف وظيفته���م كحيوان���ات اجتماعي���ة - �سيا�سي���ة ،جت�س���دت يف الأنظم���ة االقطاعية وامللكي���ة واال�ستبدادية والقومي���ة و�أن�س���اق املواطني���ة .يرتب���ط كل �شكل منه���ا ب�أ�صل معني وحتيط كله���ا بالفرد وجتعل له مكانة و�شعور ًا يحددان �ش�أن العالقة و�أهلية الت�صرف والطريقة املنا�سبة يف هذا ال�سياق. ثم يطوف بنا امل�ؤلف تدريج ّي��� ًا بني خمتلف الع�صور التي عرفها الإن�س���ان .فيتط ّرق يف الف�ص���ل الأول �إىل بالد الإغري���ق (اليونان) وحتدي���د ًا �إىل بع����ض امل���دن الت���ي بنيت �سن���ة 700قب���ل امليالد مثل مدين���ة ا�سبارط���ة وهي عبارة ع���ن �أربع قرى �إغريقي���ة �صغرية تقع �إىل اجلن���وب م���ن �شب���ه جزي���رة بيلوبوني���ز ،ويتح���دث ،م���ن وجهة نظر فل�سفي���ة ،عن �أوجه املواطنية عند �أفالط���ون و�أر�سطو .يناق�ش امل�ؤل���ف �أ�صول املواطني���ة يف روما ويرى �أنها خمتلف���ة يف الكثري من خ�صائ�صه���ا عن اليونانية ،فقد �أ�صبحت حالة املواطنية ،من خالل التطور التدريجي� ،أكرث مرونة ب�أ�شواط من احلالة اليونانية� ،إذ �أقام الرومان مواطنية على درجات متنوعة و�أتاحوا الفر�صة �أمام العبيد للتن ُّع���م بكرامة املواطن .من هنا ،ميكن الق���ول �أن �أ�صول املواطنية الروماني���ة هي �أكرث �ضبابية من اليوناني���ة ،فال يوجد ُم�ش ِّرع عظيم مث���ل �صولون وال حت���ى �شخ�صية ن�صف �أ�سطورية مث���ل ليكورغو�س، كم���ا �أن املواطنية كان���ت موجودة ب�شكل �أو �آخ���ر يف ال�سنوات الأوىل للجمهورية. كان���ت املواطني���ة يف الع���امل اليوناين -الروماين ،ط���وال خم�سة ق���رون ،ميزة جوهري���ة ل�شكل احلك���م وحتى لنمط احلي���اة� .أما يف �أوروب���ا فكانت للمواطن ّي���ة ،خالل القرون الو�سط���ى� ،أهمية جانبية ن�سبي��� ًا با�ستثناء املدن -ال���دول الإيطالية .غري �أن ه���ذا الو�ضع بد�أ يتغ�ي�ر مع قدوم الق���رن ال�سابع ع�شر؛ �إذ برزت �آن���ذاك -خ�صو�ص ًا يف �إنكل�ت�را ويف م�ستعمراته���ا الأمريكية -وجهة نظ���ر جديدة جتاه املبد�أ الذي ننطلق منه اليوم يف تعريف املواطنية .كانت لغة احلقوق هي ما يج���ري التحدث بها حينذاك .على �سبي���ل املثال ،بينما كتب ماكيافيلل���ي عن الواجبات حتدث الكولونيل رينبورو عن احلقوق. منذ ذلك الوقت ،خا�صة يف القرنني التا�سع ع�شر والع�شرين، بيانات الكتاب برز منط���ان من التفك�ي�ر ح���ول املواطنية ،يتناف�س���ان فيما بينهم���ا م���ن �أجل �إح���راز الت�أثري وم���ن �أج���ل ال�سيطرة هما للمواطن ّية وج ٌز ِ تاري ٌخ ُم َ ديريك هيرت اجلمه���وري واللي�ب�رايل .يذهب التفكري اجلمه���وري املدين ترجم���ة� :آ�ص���ف نا�صر يف ر�أي���ه حول املواطني���ة �إىل القول ب�أن �أف�ض���ل �شكل للدولة ومكرم خليل يق���وم عل���ى دعامت�ي�ن ،هم���ا مواطني���ة �أ�شخا����ص يتمتع���ون دار ال�ساقي(ب�ي�روت) باال�ش�ت�راك م���ع مركز بالف�ضيل���ة ال�سيا�سية ومن���ط عادل للحكم .ينبغ���ي �أن تكون البابطني للرتجمة الدول���ة “جمهوري���ة” مبعنى �أنه���ا دولة حمكوم���ة بالد�ستور 2007 ولي�س���ت حمكومة كيفي ًا وال ا�ستبدادي��� ًا� .إن كال العن�صرين، � 224صفحة. 144
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
غالف الطبعة العربية
غالف الطبعة الإجنليزية
من خ�ل�ال ثالث طرق لها �سواب���ق تاريخية مث�ي�رة لالهتمام� :أو ًال، توف�ي�ر م�ؤ�س�سات ف ّعال���ة لتُم ّكن املواطنني وت�شجعه���م على امل�شاركة يف مظاهره���م املواطني���ة املتع���ددة .ثاني��� ًا� ،أن يك���ون هن���اك قبول ب����أن املواطنة ،مهم���ا كانت مرونة تعريفها ،لي�س���ت كل ما يُهِ م هوية ال�شخ����ص االجتماعية .ثالث ًا� ،إر�شاد الأف���راد �إىل هوياتهم املتعددة وكيفية التعامل معها ب�شكل توافقي. لقد تبينّ للم�ؤلف ،من خالل متابعته خلطط بع�ض البلدان ،التي حاول���ت ا�ستنباط �أ�شكال منا�سبة م���ن الرتبية املواطنية� ،أن العملية ي�س���رة؛ ففي ظ���ل عدم االتف���اق �أو االلتزام ب�ي�ن الرتبويني لي�س���ت ُم ّ املخت�ص�ي�ن �أو يف غي���اب الإرادة ال�سيا�سي���ة ل���دى احلكوم���ات ،ف�إن اجله���ود الكبرية املطلوبة للتغل���ب على ال�صعوب���ات ت�ضافرت ولكن ب�ش���كل جزئي وبط���يء .ولكن ال�س����ؤال الذي يطرح نف�س���ه هو :كيف ميك���ن لوعي طبيع���ة املواطنية يف املا�ض���ي ،م���ع كل ت�شويهاتها عرب الع�صور� ،أن ي�ضيء على حالتها الآن؟ و�إذا كان بيرت رايز نبريغ ،يف كتابه “املواطنية يف العرف الغربي من �أفالطون �إىل رو�سو” ،قد �ص ّور تاريخ املواطنية على �أنه يك�شف اخلط���وط امل�ضيئة ل�سل�سلة من “اللحظ���ات الكاملة” ،غري �أن هيرت ي���رى �أنه حتى بداية القرن احل���ادي والع�شرين ،مل ي�صل العامل �إىل حلظ���ة الكمال ب���ل ،عو�ض ًا عن ذلك ،و�صل �إىل زم���ن امل�أزق ،بحيث يواجه الآن �أربع مع�ضالت: املع�ضل���ة الأوىل ،هي كيفية �إقامة توازن بني الواجبات واحلقوق. لقد بدا للعديد من املراقبني يف القرن الع�شرين �أن التقدم يف �شكل املواطني���ة الليربالية ،بت�شديدها على احلق���وق ،قد ذهب �أبعد مما يج���ب .فق���د ُح ِجب الرتكي���ز الأ�صلي عل���ى الواجب���ات وامل�س�ؤوليات وااللتزام���ات .لك���ن �إلغاء م���ا تراكم من حقوق لي����س وارد ًا بالطبع. �أما املع�ضلة فكانت ،يف كيفية حياكة اخليوط لنمط �شمويل لنظرية املواطنية وممار�ستها .من الوا�ضح �أنه ،يف �سبيل حتقيق ذلك ،يجب تقوي���ة املُ ُثل العلي���ا اجلمهورية للمجتمع والف�ضيل���ة بطريقة ال ت�ؤدي �إىل تقوي�ض حقوق الفرد .وق���د ُا�ستخدمت تعابري مثل “التبادلية” و“التفاع���ل امل�شرتك” لو�ضع ت�ص��� ّور حلقوق الآخرين فيما يتمتعون بحقوقه���م اخلا�ص���ة ،كما يق��� ّرون� ،أي�ض ًا ،ب�أن احلق���وق ال ميكن �أن توج���د �إال يف ال�سي���اق املجتمع���ي� .إال �أن التطبي���ق العمل���ي ملثل هذا الت�ص ّور ،كما يقرر هيرت ،لي�س باملهمة ال�سهلة. املع�ضل���ة الثانية� :إن ال�صراع املوروث عل���ى الأولوية � -أو التوازن املن�شود -ب�ي�ن الواجبات واحلق���وق مرتبط ،ب�شكل وثي���ق ،بالكيفية الت���ي ميكن م���ن خاللها حتقي���ق التجان�س ما ب�ي�ن املواطنية املدنية وال�سيا�سي���ة من ناحي���ة واملواطني���ة االجتماعية من ناحي���ة �أخرى. لتاريخ �أط���ول و�أكرث تنوع��� ًا بني ه���ذه املكونات يطرح ولك���ن الوع���ي ٍ �أ�سئلة اخرى ،من قبيل :هل متنح احلقوق االجتماعية كم�ستحقات،
االهتمام مبو�ض��وع املواطني��ة ومكانتها ه��و الآن �أعظم مما كان عليه منذ مئتي �س��نة �أو �أك�ثر؛ لكنه��ا يف الوق��ت عين��ه تب��دو وك�أنه��ا �أخ��ذت تتفت��ت يف القرن احل��ادي والع�ش��رين ،م��ن حي��ث كونه��ا مفهوم ًا متما�سك ًا �أو كتنازالت� ،أو كنتيجة ل�سيا�سة حكيمة؟ وما هو الرابط ال�سببي بني املواطنية املدنية /ال�سيا�سية واالجتماعية. وتتعل���ق املع�ضل���ة الثالثة باالخت�ل�اط الأكرث فائدة ب�ي�ن امل�شاركة يف ال�ش����ؤون العام���ة واالمتن���اع عنها .فف���ي نهاية الق���رن الع�شرين، ُ�س ِّجلت عدة �شكاوى حول ال�شع���ور بخيبة الأمل حول ال�ش�ؤون العامة والالمب���االة جتاهه���ا .ومما جرى مناق�شت���ه �أن املواطني���ة الفاعلة �ضرورية لدولة �سليمة ومحُ كمة التنظيم .لذلك ف�إن املواقف ال�سلبية خطرة .ويف الطرف الآخر الوا�سع���ة االنت�شار غري �صح ّية ،حتى �أنها ِ للطي���ف املقاب���ل لالمب���االة الباردة هن���اك احلما�سة احل���ارة .فقد ا�شتك���ى �سانت جو�س���ت – وهو �أحد رجاالت الث���ورة الفرن�سية � -أن “الث���ورة ُمتج ّمدة” ،و�أن مواطني فرن�س���ا يجب دفعهم من خالل ح���رارة حكم الإرهاب كي ي�ستعيدوا حم ّي ًا ال�سري ب�سرعة يف خطوات نح��� ّرك مواطنني التغي�ي�ر .وهكذا ،ي�ب�رز ال�س�ؤال م���رة ثانية ،كيف ُ م�ست�سلم�ي�ن دون �إثارة انفعاله���م الذي ال ميكن �ضبطه؟ وهذا ،بحد ع�ضلة للم ُن ِّظر حتى ولو ب���دا �أن ممار�سة التع�صب املدين يف ذات���ه ُم ِ الع���امل احلديث ،يف حقب���ة النازية واحلر�س الأحم���ر ال�صيني ،قد باتت بعيدة عن الع�صور املا�ضية. ٌ تناق�ض ُي�صيب قلب املواطنية. �أما املع�ضلة الرابعة والأخرية فهي فاالهتم���ام مبو�ض���وع املواطنية ومكانته���ا هو الآن �أعظ���م مما كان علي���ه من���ذ مئتي �سن���ة �أو �أكرث؛ لكنه���ا يف الوقت عينه تب���دو وك�أنها �أخ���ذت تتفتت يف القرن احلادي والع�شرين ،من حيث كونها مفهوم ًا متما�سك ًا ..ولهذه املع�ضل���ة الأخرية بالتحديد تعقيداتٌ و�إ�شكاليات �ست�ستثريها �سجاالت �صاخبة ال تهد�أ ،وبالت�أكيد ف�إن لها ق�صة �أخرى وكتاب �آخ���ر ُندرِك معه نح���ن احليارى من زمن الح���ق ٍ �س�ت�روى يف ٍ جدي���د ،وكالع���ادةّ � ،أي �شيءٍ �صعب ومعقد هو ذل���ك الكائن امل�سكني “مواطن ًا”! بجل -ليل نهار- ِ الذي ُيطلق عليه �إعالمنا املُ ّ حممد �سيف حيدر ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
145 2009
الفهر�ست
عرو�ض موجزة
عرو�ض موجزة الظاهرة احلوثية ..درا�سة منهجية �شاملة �أحمد حممد الدغ�شي مكتبة خالد بن الوليد ودار الكتب اليمنية (�صنعاء)2010 ، � 135صفحة ج���اء كت���اب «الظاه���رة احلوثي���ة ..درا�سة منهجي���ة �شاملة» للأكادمي���ي اليمني �أحمد الدغ�ش���ي يف وقت تلقى فيه ه���ذه الظاهرة ً هائ�ل�ا م���ن االهتم���ام الإعالم���ي، حي���ز ًا وم�ساح���ة وا�سع���ة م���ن اجل���دل ال�سيا�س���ي والثقايف والفكري على ال�صعيدين الداخلي واخلارجي ،خ�صو�ص ًا مع اندالع املعارك يف جولته���ا ال�ساد�س���ة بني احلوثي�ي�ن واجلي�ش اليمني .وتنبع �أهمية الكتاب من كونه غطى معظم جوانب و�أبع���اد الظاهرة احلوثية من حيث طبيعة الن�ش�أة والتكوين ،وعوامل الظهور ،وجدل العالقة باخلارج، وك���ذا حاول امل�ؤل���ف ا�ست�ش���راف م�ستقبل الظاهرة احلوثي���ة وتداعياتها املختلفة. ويف تعريف���ه للظاهرة احلوثية ،يقول الدغ�ش���ي «�إن احلركة احلوثية� ،أو ذلك التنظي���م الفكري ال�سيا�سي امل�سلح ال���ذي �أعلن عن نف�سه يف العام ،1990با�س���م تنظيم �أو جماع���ة �أو منتدى «ال�شب���اب امل�ؤمن» ،ك�إطار ترب���وي وثقايف و�سيا�س���ي (�ضمن ًا) ،بحيث اقت�ص���ر اهتمامه على ت�أهيل ال�شب���اب بدرا�سة بع�ض علوم ال�شريعة مع الأن�شطة امل�صاحبة ،وفق ر�ؤية مذهبي���ة زيدية غالب���ة ،قبل �أن يتح���ول �إىل تنظيم ع�سك���ري م�سلح بعد ذل���ك» .ومن بني �أه���م النتائج التي تو�صل �إليه���ا امل�ؤلف يف نهاية الكتاب �أن هناك عاملني رئي�سيني :داخلي وخارجي ،يعزى �إليهما ظهور احلوثية به���ذا ال�شكل يف اليمن .وميكن �إيجاز عوامل الظهور الداخلية يف :جذور الت�شي���ع ال�سيا�سي التي حت�صر حق احلكم يف �سالل���ة بعينها ،كما تعزى �إىل التكوين العلمي والفك���ري والأيديولوجي للم�ؤ�س�س ح�سني بدر الدين احلوث���ي ،و�إىل اخلالفات الداخلية بني م�ؤ�س����س تنظيم ال�شباب امل�ؤمن، ويف مقدمته���م ح�سني بدر الدي���ن احلوثي من طرف وحممد �سامل عزان من الط���رف الآخر� .أما العام���ل اخلارجي ،فيع���زوه الدغ�شي �إىل فكرة ت�صدي���ر الثورة التي تبنتها الثورة الإ�سالمي���ة يف �إيران عقب انت�صارها عام .1979
146
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
دارفور ..من �أزمة دولة �إىل �صراع القوى العظمى عبده خمتار مو�سى ال��دار العربية للعل��وم (ب�يروت) ومركز اجلزيرة للدرا�س��ات (الدوحة)2009 ، � 390صفحة يف كتابه الذي �صدر م�ؤخر ًا “دارفور ..من �أزم���ة دولة �إىل �ص���راع الق���وى العظمى”، حاول م�ؤلف الكت���اب الدكتور عبده خمتار مو�س���ى الغو����ص يف خفاي���ا وتفا�صيل �أزمة دارف���ور ،وحقيقة ال�ص���راع الدائر هناك. فامل�شكل���ة يف �إقلي���م دارفور ال�س���وداين قد ي�ص���دق القول عليه -كما ي���رى امل�ؤلف – �أنها كانت حتمية ،و�أن انفجارها كان ينتظر اللحظة التاريخي���ة املنا�سبة .فقد توافرت كل املعطيات وكل الظروف املو�ضوعية التي جتعل منها �أمر ًا حتمي ًا لي�س بح�ساب ال�صراع التقليدي الداخلي فح�سب بل وفق معطيات التفاعالت الإقليمية والتغريات الدولية �أي�ض ًا .وقد كان وا�ضح��� ًا يف ثنايا الكتاب �سعي امل�ؤل���ف لو�ضع امل�شكل ال�سوداين الأ�سا�سي يف �أبعاده الكاملة ،والرتكيز على فهم طبيعة املجتمع ال�سوداين وتركيبته، وهي���كل الق���وى وعالقاته���ا بالرتكيبة االجتماعي���ة .كما تط���رق الكاتب ل���دور النخبة ال�سيا�سية ،وكيف �أ�سهمت يف تعقي���د امل�شكالت املوروثة يف من���ط الدولة ال�سوداني���ة العاملثالثية ،فزادتها تعقي���د ًا .ومع مرور الوقت تول���دت �أزمات لولبية ك�شف���ت ه�شا�شة بنية الدول���ة يف ال�سودان ،وبد�أت تهدد متا�سكها ووجودها .ولعل ما زاد من �أهمية الكتاب هو عدم اكتفاء امل�ؤل���ف بعر�ض �أزم���ة دارفور يف �إطاره���ا املحلي ،بل بح���ث يف خلفياتها والتط���ورات اجلاري���ة يف الإقلي���م ،وعالقة تط���ور امل�شكل���ة بالديناميات القومية والإقليمية والدولية.
النجم ال�صاعد ،ال�صني :ديبلوما�سية �أمنية جديدة بايت�س غيل ترجمة :دالل �أبو حيدر دار الكتاب العربي (بريوت)2009 ، � 373صفحة م���ع تربعم �أهمية ال�ص�ي�ن يف امل�سرح الدويل ،اقت�صادي��� ًا و�سيا�سياً،
ثم����ة توق �شدي����د عرب الع����امل �إىل فهم �أف�ضل لهذه الق����وة الآ�سيوية ال�صاعدة ،و�إمكاناتها، وت�أثري �صعودها يف ال�ش�ؤون الدولية والإقليمية والوطني����ة ،ويف امل�صالح امل�شرتك����ة مع القوة الدولي����ة الك��ب�رى ،ويف حياتن����ا اخلا�ص����ة. ويف ه����ذا الإط����ار ،ج����اء ه����ذا الكت����اب الذي و�ضع خ�صي�ص���� ًا لأ�صحاب امله����ن ،واملحللني ال�سيا�سيني ،والطالب ،و�آخرين من املراقبني املطلعني الذين ي�سعون �إىل التع ّمق يف حوافز ومنج����زات ومدل����والت ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة والأمنية لل�ص��ي�ن التي تزداد ديناميكي����ة وفعالي����ة .ويحاول م�ؤلف الكت����اب تقدمي نظرة �أك��ث�ر تف�صي ًال، وذات بعد �سيا�سي �أكرب ،ع����ن ت�أثري ومعنى ال�سيا�سات الأمنية لل�صني على ال�صعد الإقليمية والدولية. يقدم الكت����اب �أو ًال �إطار ًا موجز ًا لفهم �أه����داف «الديبلوما�سية الأمنية اجلدي����دة» لبيجينغ .وانطالق ًا من ذلك ،ي�صف وي�ش����رح �سعي ال�صني �إىل حتقي����ق ه����ذه الأهداف عرب �سيا�س����ات عملية ت�شم����ل جمموعة حمددة من الق�ضايا ذات ال�صلة بالأمن :الآليات الأمنية و�إجراءات بناء الثقة الإقليمية والدولي����ة؛ «�ش����راكات» ثنائي����ة؛ عالق����ات ع�سكري����ة؛ ر�ؤى �إزاء التحالفات؛ �إج����راءات من����ع انت�شار الأ�سلح����ة النووية؛ واحلد من الت�سل����ح على ال�صعد املتع����ددة الأطراف والثنائي����ة واملحلية؛ تب����دل الآراء يف ال�سيادة والتدخل؛ املقاربات لق�ضايا خمتلفة كمحاربة الإرهاب وحفظ ال�سالم يف العامل. ويق���� ّر الكتاب على م����دى �صفحاته ب�أن الديبلوما�سي����ة الأمنية اجلديدة لل�ص��ي�ن تو ّل����د حتديات كب��ي�رة بقدر م����ا تولد فر�ص���� ًا لالعب��ي�ن �آخرين يف النظام العاملي .وهو لذلك يخ�ص�ص ف�صوله الأخرية ملاهية هذه التحديات والفر�ص ،وملا ميكن �أن يكون عليه ر ّد املجتمع الدويل ،ويف املقدمة الواليات املتحدة. ما بعد النفط :منظور ًا �إليه من ذروة هابرت كينيث �س .ديفي�س ترجمة� :صباح �صدّ يق الدملوجي املنظمة العربية للرتجمة (بريوت)2009 ، � 336صفحة يح���ذر م�ؤل���ف كت���اب «ما بع���د النفط» ،كيني���ث ديفي����س ،العامل من مواجه���ة مع�ضلة مل ي�سبق له���ا مثيل ،فقد توقف النم���و يف �إنتاج النفط يف الع���امل و�سيبد�أ االنخفا�ض يف الإنت���اج قريب ًا ،و�سوف لن يلبي الإنتاج
اجليولوجي ملورد حيوي املتطلبات وذلك للم���رة الأوىل من���ذ الث���ورة ال�صناعي���ة. وي�ض���ع امل�ؤلف �أ�سئلة ت����ؤرق �ص ّناع القرار االقت�ص���ادي وال�صناع���ي وال�سيا�س���ي يف خمتل���ف �أقطار العامل ،وت�ؤثر يف حياة كل ف���رد �سواء �أكان يف ناطحات ال�سحاب يف مانهاتن �أم يف واحات ال�صحراء الكربى �أم يف �أدغال الكونغو. كم���ا يرك���ز ديفي����س ،وه���و خب�ي�ر جيولوج���ي نفطي ،عل���ى امل�صادر الأخ���رى للطاقة التي ميك���ن �أن توفرّ البدي���ل ،وذلك عل���ى الرغم من ر�أيه يف �أن البحث ع���ن اجلدوى الفنية واالقت�صادي���ة ال�ستغ�ل�ال ه���ذه امل�صادر كان يج���ب �أن يب���د�أ قبل ع�شر �سن���وات �ضاعت من دون �إجناز �ش���يء يذكر .ويخل�ص امل�ؤلف �إىل القول ب�أن ا�ستمرارية عامل الأعمال على املنوال الذي كان عليه لي�س م�ضمون ًا، والتخ ّب���ط امل�شو�ش لي�س بالدواء ال�شايف .و�سواء �أحببنا ذلك �أم مل نحبه ف�ستك���ون هن���اك �إعادة تنظيم ك�ب�رى يف اقت�صاديات الع���امل ،و�سيكون التنظي���م اجلديد �أكرث منهجية فيما لو �أنتجن���ا ت�صميم ًا ملجتمع تكبحه ن���درة امل���وارد .و�سنكون عند ذل���ك بحاجة �إىل م�سلك ال تعت���وره امل�آ�سي ليو�صلن���ا م���ن مو�ضعنا احلايل �إىل املو�ضع ال���ذي مت ت�صميمه .ومرحب ًا بعامل ما بعد هابرت� ،أو عامل ما بعد النفط. احلرب والتغيري يف ال�سيا�سة العاملية روبرت غيلنب ترجمة :عمر �سعيد الأيوبي دار الكتاب العربي (بريوت)2009 ، � 307صفحات يق���دم كت���اب «احل���رب والتغي�ي�ر يف ال�سيا�س���ة العاملي���ة» للق���ارئ ،الع���ادي واملتخ�ص�ص ،نظرية جديدة مهمة عن تغيرّ ال�سيا�س���ة الدولية ،و�إط���ار ًا فكري ًا ميكن �أن يح ّول طريقة تفكرينا يف العالقات الدولية. �إذ ي���رى م�ؤل���ف الكت���اب ،الدكت���ور روبرت غيل�ب�ن �أ�ستاذ العالق���ات الدولية يف جامعة برن�ستون الأمريكية� ،أن الطبيعة الأ�سا�سية للعالقات الدولية مل تتغري على م ّر �آالف ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
147 2009
الفهر�ست
عرو�ض موجزة
ال�سن�ي�ن .وهو ي�ستخدم التاريخ وعلم االجتماع والنظرية االقت�صادية تحُ���دث التغيري يف النظام العامل���ي .ويركز يف بحثه لتحدي���د القوى التي ِ عل���ى النمو التفا�ضلي للقوة يف النظام الدويل ،وعلى نتيجة عدم التكاف�ؤ هذا. �إن حدوث تغيرّ يف ميزان القوى – االقت�صادية والع�سكرية – ُي�ض ِعف �أ�س�س النظام القائم لأن من يكت�سب القوة يرى تراجع ًا يف تكاليف تغيري النظ���ام وتزاي���د ًا يف منافع ذلك .ونتيجة ذلك ،كم���ا ي�ؤكد غيلنب ،ت�سعى اجلهات الفاعلة �إىل �إحداث تغيري يف النظام من خالل التّو�سع الإقليمي �أو ال�سيا�سي �أو االقت�صادي حتى تفوق التكاليف احلدية ال�ستمرار التغيري املنافع احلدي���ة الناجتة عنه .وعندما تكت�سب ال���دول القدرة على تغيري النظام وفق ًا مل�صاحلها ،ف�إنها ت�سعى �إىل حتقيق ذلك �إما بزيادة الكفاءة االقت�صادية وتعظيم املكا�سب املتبادلة ،و�إما ب�إعادة توزيع الرثوة والقوة وفق ًا مل�صلحتها. االقت�صاد العاملي :ن�ش�أته ،وتطوره ،وم�ستقبله غريغوري كالرك ترجمة� :أمني الأيوبي م�ؤ�س�س��ة حمم��د بن را�ش��د �آل مكت��وم (دبي) وال��دار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)2009 ، � 533صفحة مل���اذا جن���د �أن بع����ض املناط���ق يف الع���امل وا�سعة ال�ث�راء وبع�ضها الآخر �شديدة الفقر؟ مل���اذا حدث���ت الث���ورة ال�صناعي���ة – والنم���و االقت�صادي غ�ي�ر امل�سبوق الذي واكبها – يف �إجنل�ت�را يف الق���رن الثامن ع�ش���ر ،ولي�س يف م���كان �آخ���ر� ،أو يف زم���ان �آخر؟ مل���اذا مل ي�ؤ ِّد الت�صني���ع �إىل �إث���راء العامل ب�أجمع���ه ،وملاذا جعل مناطق وا�سعة م���ن العامل �أفقر من ذي قب���ل؟ يعالج غريغ���وري كالرك ،وه���و رئي�س ق�سم العلوم االقت�صادية يف جامعة كاليفورنيا الأمريكي���ة ،يف كتاب���ه «االقت�صاد العاملي» ه���ذه الأ�سئلة العميقة ويقرتح تف�سر مبوجبها الثقاف���ة – ولي�س اال�ستغالل� ،أو طريق���ة جديدة ومثرية ِّ اجلغرافيا �أو املوارد – ثراء الأمم وفقرها. يف رد عل���ى النظري���ة ال�سائ���دة الت���ي تقول ب����أن الث���ورة ال�صناعية انطلق���ت نتيج���ة لتط���ور مفاج���ئ يف امل�ؤ�س�س���ات ال�سيا�سي���ة والقانونية واالقت�صادي���ة امل�ستقرة يف �أوروبا يف الق���رن ال�سابع ع�شر .يبني كالرك �أن ه���ذه امل�ؤ�س�سات وجدت قبل زمن طويل من ظهور ال�صناعة .ويجادل باملقاب���ل ب�أن ه���ذه امل�ؤ�س�سات �أدت بالتدريج �إىل تغ�ي�رات ثقافية عميقة ع�ب�ر ت�شجيع النا�س على التخلي ع���ن غرائز املجتمعات التي تعي�ش على ال�صيد وعلى جمع احلبوب (العن���ف ،وقلة ال�صرب ،واقت�صاد اجلهد)، وعلى تبني عادات اقت�صادية (العمل الدءوب ،والعقالنية والتعليم). امل�شكل���ة ،كم���ا يقول كالرك ،ه���ي �أنها وحدها املجتمع���ات التي كان لديه���ا تواريخ طويل���ة باال�ستقرار والأمن ا�ستطاع���ت تطوير خ�صائ�ص ثقافي���ة وف���رق عم���ل فاعل���ة م ّكن���ت من حتقي���ق من���و اقت�ص���ادي� .أما املجتمع���ات التي مل تنعم بفرتات طويل���ة من اال�ستقرار ،فلم حت ّل عليها 148
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
نعم���ة ال�صناع���ة .كما يحل���ل كالرك الفك���رة التي دافع عنه���ا جريارد داميون���د يف كتابه «�أ�سلح���ة ،وجراثيم ،وفوالذ» ،والتي تق���ول ب�أن منح ًا طبيعي���ة مثل اجلغرافيا هي امل�سئولة ع���ن االختالفات يف ثروات الأمم. �إن ه���ذا الكتاب حتدي ذكي ور�صني للفكرة التي تقول ب�أنه ميكن تطوير املجتمعات الفقرية عرب التدخل اخلارجي ،ورمبا يغيرّ كتاب «االقت�صاد العاملي» طريقة فهم التاريخ االقت�صادي العاملي. االقت�صاد العاملي :املرحلة التالية؟ حتديات وفر�ص يف عامل بال حدود كيني�شي �أوهمي ترجمة :مركز التعريب والربجمة الدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)2006 ، � 336صفحة يق���ول كيني�ش���ي �أوهم���ي «�أن هن���اك قوتان �ساهمت���ا يف ت�شكي���ل كتاب���ي ه���ذا� ،أولهما ال�شه���ادة عل���ى تغ�ي�ر الظ���روف� .إذ تغ�ي�ر الع���امل بق���وة خ�ل�ال العقدي���ن املا�ضيني، كما �أن القواع���د االقت�صادي���ة وال�سيا�سية واالجتماعي���ة امل�شرتك���ة وال�شخ�صية التي تط ّب���ق الي���وم حتم���ل يف طياته���ا عالق���ة �شحيح���ة ُطبق���ت عل���ى قواع���د العقدي���ن ن�ص ًا املا�ضي�ي�ن .فالأوقات املختلفة تتطلب ّ جدي���د ًا� .أما القوة الثانية التي ح���ددت امل�سرح العاملي التايل فهي �أنني، على مدى الع�شرين �سنة املا�ضية� ،شهدت على بروز بع�ض رواد االقت�صاد العامل���ي املبا�ش���ر .وكان هرني ويندوت املدير التنفي���ذي ال�سابق ل�سميث كالي���ن بي�شام� ،أحد �أوائل قادة الأعمال املتعاطفني مع مفهوم االقت�صاد العامل���ي احلقيقي .فقد اعترب التحالفات املتقاطعة احلدود منقذ ًا كامن ًا لل�ش���ركات ال�صيدلية الأمريكي���ة ،واعرتف ب�أن التحالف���ات املبنية على اال�سرتاتيجية العاملية قد ت�صبح مهمة ،ال بل حيوية». ويك�ش���ف �أوهمي النقاب عن عامل ما بعد العومل���ة ،ويحدد بالتف�صيل متطلبات النجاح على �صعي���د ال�شركة والدولة والفرد ،كما يو�ضح �سبب انهي���ار نظري���ات االقت�ص���اد ال�سابقة ،ويلق���ي ال�ضوء على ع���امل جديد تق���وده «الدولة الإقليمية» والربامج االقت�صادي���ة اجلديدة ،ولي�س الدول التقليدية �أو علوم االقت�صاد التقليدية .بالإ�ضافة �إىل ذلك ،يقدم �أوهمي يف ه���ذا الكتاب ر�ؤى ثاقبة ح���ول ت�أثريات التعقيدات الت���ي ال �سابق لها، وحول مراكز العمل امل�ستقبلية اجلديدة ومراكز النمو اجلغرافية ،وحول ن�شوء جمتمعات الإنرتنت العاملية ودور القادة يف عامل بال حدود فعلي ًا. ال�صني يف �أفريقيا� :شريك �أم مناف�س؟ كري�س �ألدن ترجمة :عثمان جبايل املثلوثي هيئ��ة �أبوظب��ي للثقافة وال�تراث «كلمة» (�أبوظب��ي) والدار العربية للعلوم (بريوت)2009 ، � 197صفحة
قدمي ًا قال القائد الفرن�سي امل�شهور نابليون بوناب���رت« :دع���و ال�صني نائم���ة لأنها �ستهز الع���امل �إذا م���ا �أ�ستيقظ���ت» ،وبالفع���ل يبدو �أن حد����س بوناب���رت كان �صائب��� ًا؛ فال�صني الي���وم بات���ت ق���وة �إقليمي���ة ك�ب�رى ي�صع���ب جتاهله���ا يف النظ���ام العامل���ي اجلديد ،وقد ا�ستطاعت الآن من خالل عالقات ال�شراكة التجارية واالقت�صادية ،التغلغل ا�سرتاتيجي ًا يف خمتل���ف ق���ارات الع���امل ،وم���ن �أهم تلك الق���ارات التي غ���دت �شريك ًا رئي�سي��� ًا لل�صني ق���ارة �أفريقيا .يبحث كري�س �أل���دن يف هذا الكتاب يف العالقات النا�شئة ب�ي�ن ال�صني و�أفريقيا لتحديد ما �إذا كانت هذه العالقة �ستكون عالقات �شريك يف التنمية� ،أم مناف�س اقت�صادي �أم نوع جديد من الهيمنة. لق���د �أثارت �سرعة وت�ي�رة التغري يف العالقات ال�صيني���ة -الأفريقية جد ًال كبري ًا يف دوائ���ر �صنع القرار وبني �صفوف الأكادمييني يف �أفريقيا و�أوروب���ا والوالي���ات املتح���دة م�ؤخ���ر ًا ،ولك���ي نفه���م م�ضم���ون امل�شاركة ال�صيني���ة يف القارة ،كما يقول �ألدن ،علينا �إدراك الأ�سباب االقت�صادية والدبلوما�سية والأمنية التي تكمن وراء �سيا�سة بكني يف �أفريقيا .وكذلك ردود النخ���ب الأفريقي���ة عل���ى مغ���ازالت ال�صني .عندئذ فق���ط �سيكون بالإمكان تقييم التحديات والفر�ص القائمة �أمام �أفريقيا والغرب ب�شكل دقيق. العوملة والهويات القومية� ..أزمة �أم فر�صة مواتية حترير :بول كندي ،وكاثرين جي .دانك�س ترجمة :فا�ضل جتكر الهيئة العامة ال�سورية للكتاب (دم�شق)2009 ، � 400صفحة تق���وم ف�ص���ول هذا الكت���اب الثالث���ة ع�شر با�ستك�ش���اف بع����ض امل�ش���كالت النظري���ة والعملي���ة املفتاحي���ة الت���ي تثريه���ا زحم���ة التفاعالت املعقدة اجلارية بني ما قد ميكن عدهم���ا الظاهرتني الأ�ش���د �إحلاح ًا اللتني تواجه���ان املواطن�ي�ن ،ال�سا�س���ة و�أ�سات���ذة العل���وم االجتماعي���ة ،هذه الأي���ام ،واللتني تب���دوان �شاغلتني جميع العقول يف الأوقات الراهنة .تتعلق الظاه���رة الأوىل بالأهمية املتزايدة التي ُن�ضفيها على م�سائل الهويات ال�شخ�صية والقومية وغريهم���ا يف مواجهة التمزق االجتماعي والثقايف وال�سيا�سي جنب ًا �إىل جنب مع الرغبة يف امتالك قدر �أكرب من ال�صفات الفردية واحلريات ال�شخ�صية .وترتكز الثانية على العوملة وما �إذا كانت تهدي���د ًا �أم فر�صة مواتي���ة بالن�سبة �إىل الأف���راد واجلماعات والأمم يف طول العامل وعر�ضه. وباال�ستن���اد �إىل �سل�سلة من الأبح���اث امليدانية الإقليمية التي �شملت اثن���ي ع�شر بل���د ًا و�أحاط���ت ب�أربع ق���ارات ،تتوىل ف�ص���ول الكتاب مهمة معاين���ة �سل�سلة طويلة م���ن الق�ضايا الناجمة عن احلاج���ة الداعية �إىل
�إعادة ك�شف ،و�إعادة ت�أكيد �أو �إعادة بناء نوع من الوعي بهوية قومية يف مواجهة زحمة قوى العومل���ة .ففي حني يرى البع�ض تطاير هويات كانت عام َل ْي را�سخ���ة وحلول �أخرى جديدة متعددة حم ّلها ع�ب�ر عملية العوملة ِ متزيق خطري���ن على ال�صعيدي���ن ال�سيا�سي واالجتماع���ي ،ثمة �آخرون يت�ص���دون للعومل���ة بو�صفه���ا حتدي��� ًا زاخر ًا بع���دد غري قليل م���ن بواعث الريبة ،ولكن���ه غني �أي�ض ًا بعدد مماثل من فر�ص التكيف ون�شوء هويات جديدة �أو هجينة. من يتحدث با�سم الإ�سالم: كيف يفكر – حق ًا – مليار م�سلم؟ جون �إ�سبوزيتو وداليا جماهد ترجمة :عزت �شعالن دار ال�شروق (القاهرة)2009 ، � 239صفحة ه����ل نح����ن عل����ى م�ش����ارف ح����رب �شاملة بني الغ����رب ومليار وثل����ث املليار م�سل����م؟ عندما تبحث و�سائ����ل الإعالم عن �إجاب����ة على هذا ال�س�����ؤال ،ف�إنه����ا يف الع����ادة تتجاه����ل الآراء احلقيقية للم�سلمني يف العامل� .إن كتاب «من يتح����دث با�س����م الإ�س��ل�ام؟» يدور ح����ول هذه الأغلبي����ة ال�صامت����ة بالإكراه .وه����ذا الكتاب نت����اج درا�س����ة ال�ستفت����اء عاملي هائ����ل �أجرته م�ؤ�س�سة «جال����وب» – �أه����م م�ؤ�س�سات قيا�س ال����ر�أي الع����ام يف الع����امل – عل����ى م�ستوي����ات متع����ددة .وقد �أجرت «جالوب» يف ه����ذا امل�شروع املثري ع�شرات الألوف من املقاب��ل�ات م����ع املواطنني يف �أكرث م����ن خم�س وثالثني دول����ة �أغلب �سكانها م����ن امل�سلم��ي�ن� ،أو حتتوي على ن�سبة كبرية من امل�سلم��ي�ن� .س�ألت «جالوب» الأ�سئل����ة التي تخط����ر على بال املاليني :هل ُي��ل�ام الإ�سالم على الإرهاب؟ مل����اذا يكون هن����اك قدر كبري م����ن الروح املع����ادي لل�سيا�س����ة الأمريكية يف الع����امل الإ�سالم����ي؟ من هم املتطرفون؟� ..أين املعتدل����ون؟ ما الذي تريده حق ًا الن�ساء امل�سلمات؟ ي�ستح�ضر الكتاب بيان����ات فعلية من ا�ستفتاء «جالوب» العاملي -ال من اخلالفات الكالمية -وهي تقدم الأدلة النابعة من �أ�صوات مليار م�سلم ال �أولئك الأفراد من «اخل��ب�راء» �أو «املتطرفني» ،وتدل على جدل حول واحد من �أهم و�أ�سخن املو�ضوعات يف ع�صرنا. �إن قائمة «االكت�شافات» التي قدمها الكتاب ،والنتائج التي تو�صل �إليها م�ؤلفاه ،طويلة ،منها مث ًال �أن امل�سلمني يدركون �أن الغرب لي�س كتلة واحدة، ولكن����ه دول �شتى ،تختل����ف يف مواقفها و�سيا�ساته����ا .وانطباعات امل�سلمني ع����ن ه����ذه الدول تختل����ف باختالف مواق����ف قادتها �إزاء ق�ضاي����ا الإ�سالم وامل�سلمني ،منه����ا �أي�ض ًا �أن امل�سلمني لي�سوا من�شغل��ي�ن باجلهاد امل�سلح �ضد الغ����رب ،ولكن �أعداد ًا كبرية منهم م�شغولة باحل�صول على وظيفة �أف�ضل، منها �أي�ض ًا �أن امل�سلمني معجبون بالدميقراطية يف الغرب وينتقدون التحلل الأخالق����ي وانهيار القي����م االجتماعية فيه ،و�أن ن�ساءه����م ين�شدن امل�ساواة م����ع الرجال� ...إىل غري ذلك من االنطباعات الت����ي تك�شف عن «�إن�سانية» امل�سلمني ،والتي ال يختلفون فيها عن بع�ض الغربيني �أنف�سهم. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
149 2009
جيوبوليتيك نظرات فـي ق�ضايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�صرة
�صدر حديث ًا �ضمن �سل�سلة درا�سات اقت�صادية
طريق الربازيل �إىل القطبية
ان�ضمام اليمن �إىل جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية:
�سقاف عمر ال�سقاف
من�صور علي الب�شريي
فـي جذور الفو�ضى ال�صومالية
ر�ؤية اقت�صادية
عبدالغفار فرح
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 150
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية
العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
151 2009
جيوبوليتيك
الربازيل
قطب اجلنوب الناه�ض �سقاف عمر ال�سقاف
مل يكن م�ستغرباً على الإطالق فوز الربازيل يف �شهر ت�شرين الأول�/أكتوبر املا�ضي با�ست�ضاف ��ة دورة الألع ��اب الأوملبية يف العام 2016؛ فربازيل القرن احلادي والع�شرين تختل ��ف عن برازيل القرن الع�شرين التي كان ��ت مثقلة بالديون واقت�صادها متهالك ون�سب البطالة والت�ضخم يف �أعلى م�ستوياتهما .الربازيل اليوم مل تعد حم�سوبة على الفقراء ،فهي مت ّر بطفرة حقيقية يف املجاالت ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية افتقدتها طوال تاريخها احلديث� .إن زوال فرتة احلكم الع�سكري الديكتاتوري الذي دام لأك�ث�ر م ��ن ثالث�ي�ن عاماً ومن ث� � ّم الولوج يف الع�صر الدميقراط ��ي منذ منت�صف ت�سعيني ��ات الق ��رن املن�صرم ،ح ّفز الربازيل ملمار�سة دور �أكرب على امل�ستويني الإقليمي وال ��دويل؛ والربازي ��ل لديها الآن من الإمكانيات ما ي�ؤهلها الحتالل مكانة مرموقة يف النظام العاملي اجلديد.
152
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
العدد الأول، ا�سرتاتيجية نوفمرب/دي�سمربمن اليمن. ال�سقاف باحث وكاتب �سقاف عمر
153 2009
جيوبوليتيك قب���ل �أ�شهر وحتدي���د ًا يف كان���ون الأول/دي�سمرب م���ن العام 2008
�سخ���ر الرئي�س الربازيلي لوي����س �إغنا�سيو ل���وال دا �سيلفا يف قمة دول �أم�ي�ركا الالتينية والكاريبي ،م���ن الرئي�س الأمريك���ي ال�سابق جورج بو����ش بعد حادث قذف���ه باحلذاء من قبل الإعالم���ي العراقي منتظر الزي���دي؛ والواق���ع �أن تلك ال�سخري���ة مل تكن جم���رد �سخرية عابرة. لأنها يف اعتقادي حمل���ت �أبعاد ًا وم�ضامني رمبا تتخطى روح الدعابة الت���ي يتحل���ى بها الرجل لتنم ع���ن ثقة �سيا�سية عالي���ة ،لي�س بالنف�س فق���ط و�إمنا مبوقع ومكانة وقدرة البلد الذي ينتمي �إليه ويرت�أ�سه هذا الزعيم الالتيني. �إنه���ا الربازي���ل ،عمالق الق���ارة الالتيني���ة و�أكرب دوله���ا مب�ساحة تقدر ب���ـ 8.547.430كيلومرت ًا مربع ًا� ،أي حوايل ن�صف م�ساحة �أمريكا اجلنوبية ،وبهذه الرقعة اجلغرافية ال�ضخمة ت�صبح الربازيل خام�س �أك�ب�ر دولة يف العامل بعد رو�سي���ا وال�صني والوالي���ات املتحدة وكندا. ويبلغ عدد �سكانها �أكرث من 180مليون ن�سمة ،ما يجعلها �أي�ض ًا خام�س �أك�ب�ر دولة يف العامل من حيث ال�سكان بع���د ال�صني والهند والواليات املتحدة و�إندوني�سيا. ق��درات الربازي��ل االقت�ص��ادية يف �إح���دى تقاريره���ا� ،أ�شارت جملة نيوزويك الأمريكية �إىل �أن علماء االقت�صاد �أبدوا تذمرهم “عندما ت�سلم الرئي�س النقابي ال�سابق الكثيف ال�شعر لوال دا�سيلفا احلكم يف الربازيل عام ،2002ولكنه �سرعان ما �أذهلهم. فالربازيل التي كانت على �شف�ي�ر االنهيار لديها الآن احتياطي نقدي يبل���غ 207ملي���ارات دوالر ،وتتمت���ع ب�أدن���ى مع���دل ت�ضخ���م يف العامل النام���ي .وبف�ضل حنكة ل���وال املالية �أ�صبح االقت�ص���اد الربازيلي �أكرب االقت�صادات النامية �سالمة يف العامل”. والواق���ع �أن الربازيل تعد اليوم من بني �أكرب ع�شرة اقت�صادات يف الع���امل بعد �أن رفعت ناجته���ا املحلي �إىل 1665ملي���ار دوالر يف العام ،2008وهي ت�شهد منذ �سنوات منو ًا م�ضطرد ًا .وتعترب الربازيل البلد الأكرث ت�صنيع��� ًا يف �أمريكا الالتينية ،حيث ي�شغ���ل القطاع ال�صناعي 24يف املائة من ال�سكان الن�شيطني ،وي�ساهم بـ 37يف املائة من الناجت الوطني الإجمايل ،كما ت�ساهم املنتجات ال�صناعية بثلثي ال�صادرات اخلارجي���ة ،وتع���د مناف�س��� ًا قوي��� ًا لل�صناع���ات الأخ���رى يف الأ�س���واق اخلارجي���ة .والربازيل هي ال�شري���ك الأكرب يف املريكو�س���ور (ال�سوق امل�شرتكة لأمريكا اجلنوبية) الت���ي ت�ضم �إىل جانب الربازيل ك ًال من الأرجنتني والأورغ���واي والرباغواي ،وت�شيل���ي وبوليفيا .واملريكو�سور التي حتدث الرئي�س الربازيل���ي عن �ضرورة حتولها من جمرد احتاد جمركي �إىل منطقة تالقي بني دول القارة على كل الأ�صعدة التجارية وال�صناعية والزراعي���ة والعلمية والثقافية ،تعد املجال احليوي الأول بالن�سب���ة للتحركات ال�سيا�سية واالقت�صادية للربازيل ،وذلك يف �إطار �سعيه���ا املتوا�صل لتفعي���ل امل�سارات الإقليمية وتر�سي���خ �إرادة التكامل بني دول املنطقة دون ا�ستثناء. �إن تن���وع قاعدة الربازي���ل االقت�صادية على نطاق وا�سع م ّكنها من تو�سيع وا�ستثمار القطاع الزراعي الذي ميثل 35يف املائة من الوظائف و 40يف املائة من ال�صادرات� ،أ�ضف �إىل ذلك �أن العدد الكبري لل�سكان يف الربازي���ل دون الت�سع���ة وع�شرين عام ًا ،ووفرة امل���وارد الأولية مثل 154
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
احلدي���د ،والنيكل ،والفو�سفات ،واليورانيوم ،والبرتول ،وموارد توليد الكهرب���اء؛ كل ذلك �أعطى الربازيل ق���وة ديناميكية وحيوية لي�س لها مثي���ل يف القارة ،و�أهّ له���ا لتل ّقي �أكرب قدر من ر�أ����س املال الأجنبي يف العامل بعد ال�صني مبا�شر ًة. والي���وم ت�ضع االكت�شافات البرتولية اجلديدة الربازيل يف م�صاف الق���وى البرتولي���ة العاملي���ة يف العقد املقب���ل ،فقبل عام�ي�ن تقريب ًا مت اكت�ش���اف م�ستودعات نفطي���ة �ضخمة قبالة �ساح���ل الربازيل ،وطبق ًا لأك�ث�ر التقديرات توا�ضع ًا ف�إن هذه االحتياطات تبلغ 30مليار برميل. وم���ن املعلوم �أن الربازيل كانت من �أوائل الدول امل�ستهلكة للنفط التي عق���دت العزم عل���ى البحث عن م�ص���ادر بديلة للطاق���ة والتنقيب يف مياهها الإقليمية ،وذلك خوف ًا من الت�أثريات ال�سلبية على اقت�صادها يف حال انقطاع الواردات النفطية جراء احلروب والنزاعات الدولية امل�ستمرة خ�صو�ص ًا يف منطقة ال�شرق الأو�سط. �إن االكت�شاف���ات النفطية يف املياه الإقليمية للربازيل تعد الأ�ضخم م���ن نوعها ،وهي ت�ضع الربازي���ل يف املرتبة الثامنة بني الدول املنتجة للنف���ط قبل نيجريي���ا وفنزويال ،والربازيل على ما يب���دو عازمة على �إدارة ه���ذه ال�ث�روة النفطية بطريقة خمتلفة ته���دف من خاللها �إىل ت�صحي���ح اخللل االقت�صادي ب�ي�ن دول املنطقة ،ومب���ا يدعم التكامل الإقليم���ي ويع���زز دور الربازي���ل القي���ادي وذلك من خ�ل�ال ا�ستثمار العائ���دات النفطية يف �صندوق نقدي مدعوم بن�سبة 70يف املائة من امل���وارد املالية الربازيلية ،وتُ�ستثم���ر �أموال هذا ال�صندوق يف م�شاريع البن���ى التحتية يف دول اجلوار مثل الأورغواي والربغواي وغريها من الدول الفقرية يف القارة.
بن��اء القدرات الع�س��كرية مقارنة بدول �أمريكا اجلنوبية يبدو �أن الربازي���ل لديها �إمكانات وقدرات ع�سكرية �أف�ضل. �صحي���ح �أن���ه ال تتوفر هنا �أرق���ام ومعلومات دقيقة ع���ن حجم الت�سلح والق���درات الع�سكري���ة للربازيل ،ولك���ن امل�ؤ�ش���رات املختلفة تدل على �أن الربازي���ل بد�أت يف ال�سنوات الأخرية ت���ويل م�س�ألة الت�سلح وتعزيز قدراته���ا الع�سكرية �أهمية خا�صة ،ومبا يتنا�سب مع مكانتها الإقليمية ومقوماته���ا االقت�صادي���ة .والواق���ع �أن الربازيل تتمي���ز عن باقي دول �أمريكا اجلنوبية ب�صناعة �أ�سلحة متطورة من بينها �صواريخ وطائرات ع�سكري���ة والكث�ي�ر م���ن الأ�سلح���ة املختلفة؛ ويكف���ي �أن ن�ش�ي�ر �إىل �أن الربازي���ل قد ت�صبح يف غ�ضون �سن���وات �ساد�س دولة يف العامل متتلك غوا�صة نووية ،ففي ر�سالة وجهها �إىل القادة الع�سكريني �أواخر العام املا�ضي ق���ال الرئي�س الربازيلي �أن بالده �ست�صب���ح بعد �سنوات قليلة جزء ًا من جمموعة �صغرية م���ن البلدان متتلك غوا�صة نووية ،و�أ�شار دا �سيلف���ا يف الر�سال���ة �إىل �أن االتفاقات الرامية �إىل بناء �أول غوا�صة نووية برازيلية ت�س�ي�ر بالدفع النووي �أحرزت تقدم ًا ملمو�س ًا ،و�أكد �أن اكت�شاف حقول نفطية �شا�سعة يف املياه العميقة على ال�شاطئ ال�شرقي للب�ل�اد يف الف�ت�رة الأخرية هو �أحد الأ�سباب الت���ي تربر اال�ستثمار يف بناء غوا�صة نووية برازيلية. وق���د �أج���رت الربازي���ل يف الآون���ة الأخ�ي�رة مفاو�ض���ات �شراك���ة �إ�سرتاتيجي���ة م���ع فرن�س���ا ال�ستخ���دام غوا�ص���ة �سكورب�ي�ن الفرن�سية
التقليدية كنم���وذج لتطوير الغوا�صة الربازيلي���ة .واجلدير ذكره هنا �أن اجلهود الربازيلي���ة لرفع م�ستوى جاهزيتها الع�سكرية تتزامن مع �إع�ل�ان بع�ض دول الق���ارة ،وحتديد ًا فنزويال ،ع���ن �شراء كميات كبرية م���ن الأ�سلحة ،وهذا ما يدفع �إىل الت�صور ب�أن هناك �سباق ت�سل���ح يف املنطقة ،ولكن وزير الدفاع الربازيلي نفى ذلك و�أكد �أن التجهيزات الع�سكرية يف الربازيل لي�س لها عالقة برغبة الرئي�س ت�شافي���ز يف رف���ع م�ست���وى جي�شه و�ش���راء كميات كبرية م���ن الأ�سلحة املختلفة. وبالرغم من �أن الربازيل لديها عالقات تعاون ع�سكري مع الواليات املتح���دة ،ولكنه���ا حفاظ ًا عل���ى ا�ستقالله���ا ال�سيا�س���ي واالقت�صادي ت�سع���ى �إىل تنويع م�صادر ال�سالح .ومتا�شي ًا مع هذا التوجه� ،صدر يف ت�شرين الث���اين /نوفمرب 2008بيان م�شرتك عن الرئي�سني الربازيلي والرو�س���ي يف ري���و دي جان�ي�رو ،جاء في���ه �أن رئي�س���ي البلدين ينويان �إقام���ة �شراك���ة �إ�سرتاتيجية يف تطوير التكنولوجي���ا اجلديدة املتعلقة باملج���ال الدفاعي ،كما �أعربا عن ارتياحهم���ا بتوقيع اتفاقية التعاون يف املجال التقني الع�سكري الذي من �ش�أنه تفعيل القدرات الع�سكرية والدفاعية لدى البلدين. مل يتوق���ف الأمر عند ه���ذا احلد بل �إن الربازي���ل يف �إطار �سعيها �إىل دور قي���ادي يف املنطق���ة وتقلي���ل االعتم���اد الع�سك���ري وال�سيا�سي على �أمريكا وبقي���ة القوى الدولية ،قامت م�ؤخر ًا مع بقية دول �أمريكا اجلنوبية ب�إن�ش���اء املجل�س الع�سكري للدفاع امل�ش�ت�رك لبلدان �أمريكا الالتينية ،ويهدف املجل�س �إىل �إيجاد منظومة دفاعية م�شرتكة ل�ص ّد �أي ع���دوان خارج���ي قد تتعر�ض ل���ه دول املنطقة ،و�أي�ض��� ًا من املتوقع �أن ُي�ساه���م املجل�س يف ّ ف����ض النزاعات بني ال���دول الأع�ضاء وتن�سيق التعاون الع�سكري فيما بينهم.
�سيا�س��ة خارجي��ة م�س��تقلة رمب���ا كان رئي����س جلن���ة العالق���ات الدولي���ة يف جمل�س الن���واب الأمريكي ه�ن�ري هايد محُ ق ًا م���ن منظور ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية عندما كتب للرئي�س ال�ساب���ق بو�ش فور انتخ���اب دا �سيلفا رئي�س ًا للربازي���ل يف نهاية العام ،2002محُ���ذر ًا �إي���اه من �أن الرئي�س الربازيل���ي املنتخب ي�شكل خطر ًا لأنه مقرب من كا�سرتو ،و�أنه ارتدى حلة االعتدال لأهداف انتخابية، كما �أن لوال -بح�سب هايد -ميكن �أن ي�شكل مع فيدل كا�سرتو ورئي�س فنزويال هوغو ت�شافيز “حمور �ش���ر جديد يف الأمريكيتني” .والواقع �أن خم���اوف هايد ،ومن وراءه يف العا�صمة الأمريكية وا�شنطن ،كانت نابعة م���ن اخللفية الي�سارية للرئي�س الربازيلي اجلديد� ،إذ �أنها املرة الأوىل يف تاري���خ الربازي���ل الت���ي يفوز فيها مر�ش���ح ي�ساري من حزب ال�شغيل���ة (العمال) يف االنتخاب���ات الربازيلية ،وذلك يف مرحلة بدت وك�أنها م�ؤ�شر على والدة قوى ي�سارية جديدة يف �أمريكا الالتينية. وق���د تعهد العام���ل ال�سابق يف م�صانع ال�صل���ب ،والزعيم النقابي البارز دا �سيلفا فور انتخابه ،بنقل الربازيل �إىل م�ستوى �أعلى ومنحها مكان���ة مرموقة عل���ى ال�ساح���ة الدولية ،و�أك���د �أن �أولوي���ات ال�سيا�سة اخلارجية الربازيلية �ستك���ون يف �أمريكا اجلنوبية حيث ينبغي تعزيز الثق���ة والتكام���ل الإقليمي ب�ي�ن دول القارة .يف نف����س الوقت ،حتر�ص
قوي���ة ومتوازن���ة الربازيل على �إقامة عالقات ع���ن ال�سيا�سات مع الواليات املتحدة واالبتعاد ال مينعه���ا م���ن نهج ال�صدامي���ة معه���ا ،ولك���ن ذل���ك �سيا�سة خارجية م�ستقلة على النطاقني الإقليمي والدويل .فالربازيل عار�ضت ب�شدة قبل �سنوات م�شروع ًا لل�سالم يف كوملبيا مت دعمه مادي ًا من االحتاد الأوربي واليابان ودول �أخرى ،ب�سبب �أنه يت�ضمن وجود �أو زيادة للق���وات الع�سكري الأجنبية يف كوملبي���ا ،وذلك ملوقف الربازيل املعار�ض دوم ًا لوجود �أي قوات �أجنبية يف القارة. مواق���ف دا �سيلف���ا الأخ�ي�رة ،وت�صريحاته حول �ض���رورة �أن تكون لأمريكا الالتينية ا�ستقاللية تامة عن �أمريكا ،تُرجمت العام املا�ضي يف قم���ة زعم���اء �أم�ي�ركا الالتينية والكاريب���ي التي ح�ضره���ا زعماء 33دول���ة يف املنطق���ة يف خط���وة ت�ؤ�شِّ ر بحد ذاته���ا �إىل عزم الربازيل ممار�سة دور قيادي رائد يف القارة .وقد دعت القمة يف ختام �أعمالها �إىل �إن�ش���اء كي���ان �إقليمي ال ي�ضم الواليات املتح���دة ويعار�ض التدخل اخلارج���ي يف �ش�ؤونه���ا ،كما رحب زعماء املنطق���ة بان�ضمام كوبا �إىل م���ا يعرف مبجموعة “ري ��و” لدول �أمريكا الالتيني���ة والكاريبي ،وهو م���ا ي����ؤدي �إىل ا�ستقاللية �أك�ب�ر عن الوالي���ات املتح���دة .وتعترب كوبا واح���دة من كبار امل�ستفيدين من القمة التي تعطي انطباع ًا قوي ًا بفك عزلته���ا ورفع احل�صار عنها ولو �إقليمي ًا ،كما �أن القمة متثل -يف حد ذاتها -حدث ًا مهم ًا وجديد ًا لعدم ح�ضور الواليات املتحدة �أو �أ�سبانيا نظ���ر ًا العتياد الدول واحلكومات يف املنطقة على االجتماع مع ح�ضور �أمريكي �أو �آخر �أوربي. وم���ن املع���روف �أن الربازيل كانت م���ن �أوائل الدول الت���ي �أعادت روابطه���ا مع كوبا يف العام 1986وذلك لي����س نتيجة ملتغريات داخلية يف كوبا �أو ب�سبب حتوالت �إقليمية ودولية ،و�إمنا متا�شي ًا مع م�صاحلها و�سيا�ستها اخلارجية امل�ستقلة .ومن هذا املنطلق ،ت�سعى الربازيل �إىل ني���ل الع�ضوية الدائمة يف جمل�س الأمن الدويل؛ ويف هذا ال�ش�أن يقول وزير اخلارجية الربازيلي �سيل�صو �أمورمي�“ :إن �سعينا للح�صول على مقعد دائم يف جمل�س الأمن لي�س هو�س ًا من الربازيل بهذه امل�س�ألة، ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
155 2009
جيوبوليتيك
156
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
157 2009
جيوبوليتيك عندما ت�سلم الرئي�س النقابي ال�سابق الكثيف ال�شعر لوال دا�سيلفا احلكم يف الربازيل عام 2002 �أبدا علماء االقت�صاد تذمرهم، ولكنه �سرعان ما �أذهلهم .فبف�ضل حنكة لوال املالية �أ�صبح االقت�صاد الربازيلي �أكرب االقت�صادات النامية �سالمة يف العامل
ينظم مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية
م�ؤمتــر ًا حــول «العمالة اليمنية ومتطلبات �سوق العمل اخلليجي: الفر�ص والتحديات» �صنعـاء 25-24 ،كانون الثاين/يناير 2010
و�إمنا ه���و جزء من اهتمامنا بعملية �إ�ص�ل�اح نظام الأمم املتحدة الت���ي ال ميكنه���ا اال�ستم���رار يف العمل بنظ���ام مت و�ضع���ه يف الن�صف الث���اين م���ن القرن املا�ض���ي� .إن هذا الو�ضع مل يع���د ممكن ًا يف الوقت الراه���ن لأن���ه يقو�ض �شرعية الق���رارات التي يتخذه���ا جمل�س الأمن ال���دويل” ،وي�ضيف �أم���ورمي�“ :أعتقد �أننا و�صلن���ا �إىل حلظة حا�سمة تفر����ض �إدخال �إ�صالحات على نظ���ام الأمم املتحدة ،ومن بينها منح دول الع���امل ال�سائر يف طري���ق النمو مثل الربازيل والهند ودول �أخرى الع�ضوية الدائمة يف جمل�س الأمن”. وم���ن املعل���وم �أن الربازي���ل �صاحبة �أ�ضخ���م اقت�ص���اد يف �أمريكا الالتيني���ة متار�س �ضغط ًا من �أج���ل �أن يكون لها �ش�أن �أكرب يف ال�ش�ؤون العاملية ،خ�صو�ص ًا منذ بدء الأزمة املالية العاملية الراهنة ،وقد �ص ّرح الرئي����س الربازيلي �أكرث م���ن مرة �أن العامل بحاج���ة �إىل نظام عاملي م���ايل و�سيا�سي جدي���د ي�أخذ بعني االعتب���ار ر�أي وم�صالح دول كثرية يف هذا العامل. اليوم ،وعلى الرغم حتديات البد من جتاوزها من �أن االقت�صاد الربازيلي ي�سري بوترية مت�سارعة على خط التنمية، �إال �أن املديوني���ة العام���ة يف الربازيل ما زالت عالية .ف� ً ضال عن ذلك، تعاين الربازيل من م�شكلة عوي�صة تتمثل يف الفوارق الطبقية الهائلة داخ���ل املجتمع ،فالهوة بني الفق���راء والأغنياء هي الأو�سع والأكرب يف الع���امل .فعلى �سبيل املث���ال ،الطبقة الغنية يف الربازي���ل التي ال تزيد ع���ن 10يف املائ���ة من املجتم���ع حت�صل على 54يف املائ���ة من كل ثروة املجتم���ع ،و 10يف املائ���ة م���ن ال�شعب هم م���ن كبار مالك���ي الأرا�ضي 158
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ي�ستح���وذون على 40يف املائة م���ن �إجمايل �أرا�ضي البالد ،يف حني �أن الفق���راء ون�سبته���م 53يف املائة ميلكون 3يف املائة فقط من الأرا�ضي. كم���ا �أن مظاهر الغنى والفق���ر يف الربازيل من ال�سه���ل مالحظتها يف �ش���وارع املدن الربازيلية ،فهناك الأحياء ال�سكنية الراقية و�إىل جانبها مدن ال�صفيح ومظاهر البطالة والأحياء الفقرية جد ًا ،هناك الأثرياء الذين يق�ضون عطلة نهاية الأ�سبوع يف نيويورك ،بينما ال تك�سب �شرائح وا�سعة من النا�س �أكرث من دوالرين يف اليوم الواحد. وعل���ى الرغ���م م���ن �أن امل�شكل���ة ترج���ع يف جذوره���ا �إىل الف�ت�رة اال�ستعماري���ة الأوىل يف الب�ل�اد ومنح امل�ستعمري���ن الربتغاليني �أرا�ضي م�ساع وجهود حقيقية تبذلها وا�سع���ة ال�ست�صالحها زراعي ًا ،ف�إن هناك ٍ احلكوم���ات الربازيلية املتعاقبة لت�ضييق اله���وة بني الفقراء والأغنياء. وق���د بادر الرئي����س الربازيلي احلايل دا �سيلفا ،وه���و الذي ينحدر من �أ�س���رة فق�ي�رة ،من���ذ الي���وم الأول لتوليه ال�سلط���ة �إىل �إط�ل�اق مبادرة “اجل���وع �صف���ر”� ،أي الق�ضاء على اجلوع والعم���ل على توفري الغذاء الالزم لكل برازيلي. ويف ال�سنوات الأخرية ظهرت م�ؤ�شرات خمتلفة تدل على �أن الربامج وال�سيا�سات احلكومية للق�ضاء على الفقر ،ورفع م�ستوى معي�شة ال�شعب الربازيل���ي بد�أت ت�ؤتي �أُكلها؛ فالطبقة الفق�ي�رة بد�أت تت�ضاءل ل�صالح الطبق���ة الو�سطى والأخرية بد�أت بدوره���ا تتقل�ص ل�صالح طبقة غنية جديدة .ورغم كل ذلك ما زال �أمام الربازيل وقت طويل ملعاجلة اخللل البني���وي يف املجتم���ع والناج���م عن التف���اوت يف م�ست���وى الدخل ،و�إىل جان���ب ذلك على الربازيل بذل جهود �أك�ب�ر ملكافحة اجلرمية والف�ساد واالجت���ار باملخ���درات ،وكلها م�ش���اكل وحتديات تعي���ق التنمية يف هذا البلد الطامح للعاملية.
حمـاور امل�ؤمتــر املحور الأول :الأطر الت�شريعية املنظمة لواقع العمالة فى اليمن واخلليج. املحور الثاين :العمالة اليمنية كمحدد للعالقات اليمنية -اخلليجية. املحور الثالث� :سوق العمل اخلليجي واحتياجاته. املحور الرابع :العمالة اليمنية ومتطلبات ت�أهيلها ل�سوق العمل اخلليجي. املحور اخلام�س :الأبعاد والآثار االقت�صادية للعمالة يف اخلليج. للمزيد من املعلومات ،الرجاء التوا�صل مع من�سق امل�ؤمتر: ماجد �سراج ،باحث يف وحدة الدرا�سات ال�سيا�سية -مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية الربيد الإلكرتوينsrag@shebacss.com :
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية هاتف +967 1 682144 :فاك�س+967 1 677879 : �ص.ب� 16822 :صنعاء -اجلمهورية اليمنية
www.Shebacss.com E-mail: info@Shebacss.com
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
159 2009
جيوبوليتيك
الأمن املفقود فـي ال�صومال
ر�ؤية من الداخل 160
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
�إذا م ��ا نظرن ��ا �إىل الو�ض ��ع الأمني يف ال�صوم ��ال جند �أنه يزداد �سوءاً منذ ع ��ام 2000وحتى يومنا هذا ،وقد واجه ��ت احلكوم ��ات املتعاقب ��ة والت ��ي ُ�ش ِّكلت خ ��ارج ال�صومال ،حتدي ��داً يف جيبوتي ع ��ام 2000ويف كينيا عام 2004وم ��ن ث ��م م ��رة �أخ ��رى يف جيبوتي ع ��ام ،2009واجه ��ت خالل هذه الف�ت�رة نف�س التحدي ��ات الأمنية. و�سننوه هنا �إىل بع�ض من هذا التحديات التي جعلت من ال�صومال بلداً يفتقر �إىل النظام والقانون. عبد الغفــار فـرح �أو ًال :املعار�ضة امل�سلحة للحكومات ال�صومالية الرئي� ��س عبد القا�سم ح�سن �ص�ل�اد واحلكومة االنتقالية (- 2000 :)2004
عقد م�ؤمتر م�صاحلة لت�شكيل حكومة جديدة ت�شمل زعماء احلرب م���ن ذوي النفوذ حتى تتجنب البالد وي�ل�ات الفو�ضى العارمة .ومت عقد هذا امل�ؤمتر يف كينيا ،و�شارك فيه عدد كبري مبن فيهم ممثلي الإدارة الإقليمي���ة يف «بون���ت الن���د» ،ومل يتخل���ف ع���ن امل�ؤمتر �سوى �شم���ال ال�صومال ال���ذي كان ي�سعى لال�ستقالل ع���ن بقية الأرا�ضي ال�صومالية. الرئي� ��س عبد اهلل يو�س ��ف �أحمد واحلكوم ��ة الفدرالية االنتقالية
يف عام 2000ت�شكلت احلكومة ال�صومالية االنتقالية يف مدينة عرتا بجيبوت���ي ،ومت انتخ���اب عبد القا�س���م ح�سن �صالد رئي�س��� ًا جديد ًا لل�صوم���ال ،ولك���ن م���ا �أن تول���ت احلكوم���ة اجلدي���دة مهامها حتى واجهت معار�ضة �سيا�سي���ة وع�سكرية من قبل زعماء احلرب الذين مل يك���ن هدفهم �س���وى �إثارة القالق���ل والفو�ضى يف الب�ل�اد ،لأنهم يعرفون �أن ا�ستعادة النظام والقانون يعني نهاية ملنهجهم الع�سكري
بع���د انتهاء ذلك امل�ؤمت���ر الطويل الذي انفق علي���ه املجتمع الدويل
الذي ينتهج���وه يف ال�صومال .ومن ّثم ن�ش���ب االقتتال بني احلكومة اجلدي���دة ولوردات احل���رب ،حيث رجح���ت كفة الأخريي���ن الذين �أ�صبح���وا �أكرث قوة مما كانوا عليه قبل ،2000وانتهى عهد احلكومة الوطني���ة االنتقالي���ة دون �أن ت�شهد البالد جناح��� ًا كبري ًا يف القطاع الأمن���ي .وجتدر الإ�ش���ارة �إىل �أن حكومة �صالد االنتقالية �سعت �إىل خلق قوة �أمنية لكن جهودها يف هذا الإطار ذهبت �أدراج الرياح. ور�أى املجتم���ع ال���دويل والبلدان املج���اورة لل�صوم���ال �أن احلكومة االنتقالي���ة ق���د واجه���ت معار�ضة قوية عل���ى �أيدي زعم���اء احلرب امل�سلحني خالل ال�سنتني الأوىل من ت�شكيلها ،لهذا كان االتفاق على
مالي�ي�ن ال���دوالرات لكي ُيكل���ل بالنج���اح يف ت�شكيل حكوم���ة تخ ِلف احلكوم���ة الوطني���ة االنتقالي���ة ،مت انتخاب عب���د اهلل يو�سف �أحمد لقي���ادة احلكوم���ة الفدرالية االنتقالي���ة التي ي�سيط���ر عليها زعماء احل���رب .وم���ا �أن �شرعت احلكوم���ة اجلديدة يف عملي���ات االنتقال �إىل الب�ل�اد حتى ظهرت �أ�صوات معظم زعماء احلرب التي �أظهرت �إ�صرار ًا على نق���ل العا�صمة ال�صومالية مقدي�شو �أو ًال ومن ّثم �شراء و�ض���م ملي�شياته���م �إىل ق���وى الأمن كل الأ�سلح���ة الت���ي بحوزته���م ّ ال�صومالي���ة اجلديدة .وهن���ا ظهر اخلالف ب�ي�ن احلكومة وزعماء احلرب ه����ؤالء ،وبد�أ االنق�س���ام حيث انتقل معظ���م زعماء احلرب
(:)2008 - 2004
161أ�صل 2009يف ال واملقال أمنية والدفاعي���ة. متخ�ص����صتيجيفية ال�ش�ؤون عبدالغف���ار ف���رح باحث �صومايل نوفمرب/دي�سمرب العددااللأول، ا�سرتا حما�ضرة �ألقاها الباحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية يف � 11أيار /مايو .2009
جيوبوليتيك ال�صومالي�ي�ن وع���دد من �أع�ض���اء جمل����س الن���واب ال�صومايل �إىل مقدي�ش���و بينما ذهب من تبق���ى �إىل مدينة جوهر ،الواقعة على بعد 90كيلومرت �شم���ال العا�صمة مقدي�شو .ويف غ�ضون فرتة وجيزة بد�أ زعماء احل���رب �أنف�سهم بالتدخل يف �ش����ؤون اجلماعات الإ�سالمية يف مقدي�شو مما �أدى �إىل ا�ستئ�صالهم من جنوب ال�صومال يف عام ،2006وبه���ذا ن�ش�أ احت���اد املحاكم الإ�سالمية وات�س���ع نطاق نفوذه. ورحبت احلكومة الفدرالية بزوال زعماء احلرب ،ولكنها ظلت على خالف مع املحاكم الإ�سالمية يف ق�ضايا عدة. ودع���ت حكومة ال�سودان كل من احلكومة الفدرالية واحتاد املحاكم �إىل اخلرط���وم بغر����ض التو�سط بينهم���ا ،غ�ي�ر �أن املحاولتني باءتا بالف�ش���ل ،و�أُلقي باللوم على احتاد املحاك���م الإ�سالمية .ويف الواقع كان هناك خالف بني قادة احتاد املحاكم الإ�سالمية ،وكان ال�سبيل الوحي���د لتخفي���ف حدة ذلك اخلالف هو �شن ح���رب �ضد احلكومة الفدرالية ال�ضعيفة. ولدحر قوات احتاد املحاكم �سعت احلكومة الفدرالية ،التي مل تكن متلك الق���وة الكافية� ،إىل احل�صول على م�ساع���دة جارتها �أثيوبيا، و�ص��� ّرح بع�ض قادة املحاك���م ب�أنهم �سيجتاح���ون العا�صمة الأثيوبية �أدي����س �أبابا �إذا ّ تدخل الإثيوبيون مما دفع الأخريين �إىل عقد النية على مهاجمة الإ�سالمي�ي�ن وهزميتهم يف عقر دارهم قبل و�صولهم �إىل الأرا�ضي الأثيوبية ،وقد مت هذا بالفعل يف كانون الأول/دي�سمرب عام ،2006لكن التمرد ظل يع�صف بالبالد طوال ال�سنتني التاليتني حتى ان�سح���اب القوات الأثيوبية من كل الأرا�ض���ي ال�صومالية عام .2009ومنذ ذلك الوق���ت واخلالف قائم يف �أو�ساط �صفوف احتاد املحاكم الإ�سالمية بني املعتدلني منهم واملت�شددين. الرئي�س �شيخ �شريف واحلكومة املوحدة (:)2009 عندم���ا ر�أى الرئي�س يو�سف �أن املجتمع الدويل غري راغب يف تعزيز حكومت���ه رغم منا�شداته املتكررة ،قرر تق���دمي ا�ستقالته قبل نهاية فرتت���ه الرئا�سية .وبعد مغادرة الرئي����س يو�سف بفرتة وجيزة ،بادر املجتمع الدويل �إىل عق���د م�ؤمتر يف جيبوتي من �أجل تفادي الفراغ الذي خلفه يو�س���ف ،ولكي يوحد �صفوف احلكومة الفدرالية امل�ؤقتة وعنا�ص���ر احت���اد املحاك���م الإ�سالمي���ة املعتدل�ي�ن .وق���د مت حتقيق االندماج بني عنا�صر الطرفني ،وازداد عدد �أع�ضاء جمل�س النواب م���ن � 275إىل 550ع�ض���و ًا ،ومت انتخاب زعيم احت���اد املحاكم �شيخ
�شجعت �أعمال القر�صنة اجلنود الذين تركوا ّ القوى الأمنية يف ال�صومال ليلتحقوا مبهنة تد ّر لهم املال الوفري ،وهذا بدوره �أ�ضعف قوى الأمن التابعة للحكومة ال�صومالية 162
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
�شري���ف �شيخ �أحم���د رئي�س ًا جديد ًا لقي���ادة احلكومة الت���ي �أ�سميت «احلكومة املتحدة الوطنية». وقب���ل االنق�سام بني �صفوف عنا�صر احت���اد املحاكم كان امل�سلحون الإ�سالمي���ون املناه�ض���ون حلكومة �شريف ي�شكل���ون العمود الفقري يوحد كل عنا�ص���ر االحتاد َق ِبل الحت���اد املحاكم الإ�سالمية ،ولك���ي ّ الرئي�س �شريف بتلبية مطالبهم (مثل تب ّني منهج ال�شريعة الإ�سالمية الذي �أق ّره فيما بعد جمل�سي الوزراء والنواب) .لكن الرئي�س مل ُي ِ�شر �إىل التوقيت الزمني ملغادرة قوات االحتاد الأفريقي حلفظ ال�سالم يف ال�صومال التي طالبت املعار�ضة الإ�سالمية امل�سلحة وبع�ض كبار مواطني مقدي�شو �أن يكون 120يوم ًا. تق���وم ق���وات حفظ ال�س�ل�ام يف ال�صوم���ال بحماية املراف���ق التابعة للحكوم���ة الفدرالية يف العا�صمة ال�صومالي���ة مقدي�شو (مثل مطار عب���دول الدويل ،وميناء مقدي�شو البحري ،وق�صر الرئا�سة ومناطق �أخ���رى هامة يف العا�صم���ة) .ومن امل�ؤكد �أن ان�سح���اب قوات حفظ ال�سالم من مقدي�شو �سي�ؤدي �إىل زعزعة �أمن حكومة �شريف ،حيث �أن الق���وة احلالي���ة التابع���ة للحكومة املوح���دة ال تُكافئ قوات حفظ ال�سالم فهي تفتقر �إىل التدريب والأ�سلحة التي متتلكها قوات حفظ ال�سالم. وم���ع �أن الرئي�س �شري���ف يحاول ا�ستمالة قل���وب �أ�صدقائه القدامى الذين �أ�صبحوا من العنا�صر املعار�ضة حلكومته� ،إال �أنهم مل ير�ضوا بتنح���ي حكومته التي يعتقدون �أنه���ا �أ�سو�أ من حكومة عن���ه وطالبوا ّ �سلف���ه .ل���ذا ال متلك حكومة �شري���ف احلالي���ة �إال �أن تقنع املعار�ضة امل�سلحة عن طريق احلوار ،و�أن تكون م�ستعدة للقتال ع�سكري ًا نظر ًا ل�سيط���رة املعار�ضة على معظم �أرا�ضي جنوب ال�صومال وعلى %60 من مقدي�شو يف حني ت�سيطر احلكومة على مناطق حمدودة (داخل العا�صمة فقط) مب�ساندة قوات حفظ ال�سالم.
ثاني ًا:االفتقار �إىل قوة �أمنية �صومالية �إن ع���دم وجود قوة �أمنية �صومالية يعد من الأ�سباب الرئي�سية التي �أدت �إىل �سق���وط احلكومات املتتالية يف ال�صومال منذ 2000وحتى � .2009أي�ض��� ًا هناك ع���دد من الأ�سباب الأخرى الت���ي نورد منها ما يلي: غي��اب الإرادة ال�سيا�س��ية :ف���كل احلكوم���ات الت���ي تو ّلت �سدة احلكم يف ال�صومال منذ �سنة 2000مل ت ُِبد رغبتها الفعلية يف �إن�شاء قوة �أمنية متمكنة� ،إذ اختلف القادة حول نوعية القوى الأمنية التي حتتاجها ال�صومال مما �أدى �إىل �ضياع الفر�ص الذهبية. عملية التجنيد الأخ��رق� :أغلبية املجندين (منذ �سنة )2000 هم من املُ ِ�سنني �أو ال ُق ّ�صر ،بالإ�ضافة �إىل وجود «اجلنود الأ�شباح»، �أي الذي���ن ال يظه���رون �إال يف وقت حت�صيل الروات���ب �أو الإكراميات بينما يختفون يف الوقت الذي يكون البلد يف �أم�س احلاجة �إليهم. التدريب ال�س��يئ وغياب ال�ضباط ال�ش��باب� :إذا ا�ستعر�ضنا �أنواع التدريب التي تلقتها قوى الأمن يف ال�صومال منذ 2000لوجدنا �أنه���ا مل تكن متميزة وفعالة� ،إذ جند اجلن���ود املتدربني قد �أخفقوا يف �أداء م���ا تدرب���وا من �أجل���ه ،وبالت���ايل انك�شفت النوعي���ة ال�سيئة لتل���ك التدريبات .لق���د تلقت بع�ض عنا�صر ق���وى الأمن ال�صومالية تدريباته���ا يف عدد من البلدان املجاورة مثل كينيا و�أثيوبيا و�أوغندا وروان���دا ،ولكن بعد عودتهم �إىل ال�صومال �أدى اختالطهم بالقوات غ�ي�ر املُد ّربة �إىل نتائج عك�سية حيث تثبطت معنوياتهم مما دفعهم يف الأخري �إىل الفرار من اخلدمة. الأم���ر الثاين الذي هو يف غاي���ة الأهمية هو غياب ال�ضباط ال�شباب يف �صف���وف القوى الأمني���ة ال�صومالية ،فحتى �أولئ���ك الذين تلقوا التدريب���ات يف اخل���ارج مل يكون���وا كافني من حيث الع���دد لتلبية ما حتتاج���ه قوى الأمن يف ال�صوم���ال ،كما �أن الق���ادة الكبار �أ�صبحوا غ�ي�ر قادرين على الأم���ر والنهي ،وهذا بحد ذاته م ّث���ل م�شكلة لكل احلكومات التي تعاقبت منذ 2000وحتى .2009 الف�س��اد و�س��وء الإدارة املالي��ة :ال �ش���ك �أنن���ا ال جند يف عامل الي���وم �أي ق���وة �أمنية تعم���ل دون مقابل ،فال بد م���ن وجود الرواتب واملكاف�آت وما �شاب���ه ذلك ،غري �أن هذا مل يكن منطبق ًا على القوى الأمني���ة يف ال�صوم���ال �سابق��� ًا �إذ �أنها كان���ت ت����ؤدي واجباتها دون ا�ستالم م�ستحقاتها املالية ولأ�شهر متتابعة يف بع�ض الأحيان .وهذا الأم���ر ن���اد ٌر عندما نقارنه مبا هو عليه احل���ال يف البلدان التي متر مبرحل���ة ما بعد ال�صراع .وجتدر الإ�ش���ارة هنا �إىل �أن املبالغ املالية التي تُ�س ّل���م با�سم ال�صومال� ،سواء كانت م�ساعدات �أو �ضرائب من داخل البالد ،كانت كافية لتلبية القوى الأمنية ال�صومالية املطلوبة، لك���ن �س���وء الإدارة وتف�ش���ي الف�س���اد وحماب���اة الأق���ارب كانت هي ال�سبب احلقيقي وراء ع���دم ت�سليم م�ستحقات �أفراد القوى الأمنية
ال متلك حكومة �شريف احلالية �إال �أن تقنع املعار�ضة امل�سلحة عن طريق احلوار، و�أن تكون م�ستعدة للقتال ع�سكري ًا نظر ًا ل�سيطرة املعار�ضة على معظم �أرا�ضي جنوب ال�صومال ال�صومالية ،وبالتايل تدهور �إمكانات قوى الأمن ال�صومالية. ثالث ًا:القر�صنة البحرية يف ال�صومال �أ .ن�شوء القر�صنة يف ال�صومال: بع���د انهيار حكومة �سي���اد بري عام � 1991أ�صبح���ت املياه الإقليمية لل�صوم���ال دون حماية ،حيث تفككت قوة خفر ال�سواحل ال�صومالية ومل تع���د ق���ادرة على القيام بدوره���ا بفعالية ،ول���ذا �أ�صبحت �سفن ال�صي���د الأجنبي���ة جت���وب مي���اه ال�صوم���ال دون وجه ح���ق ،وتقوم ب�إر�س���ال ما ت�صطاده م���ع �سفن النقل الأخرى حت���ى تبقى ت�صطاد فرتة �أطول. ونظر ًا لل�ضرر الذي حلق بال�صيادين املحليني الذي خ�سروا م�صدر رزقهم نتيجة ملمار�سات �سفن ال�صيد الأجنبية التي دمرت قواربهم ّ وقطعت �شباك ال�صيد ،قام �أولئك ال�صيادون بحمل ال�سالح حلماية �أمالكهم وم�صدر رزقهم ،لكن اتهمهم العامل ب�أ�سره بالقر�صنة .وال �شك يف �أن �أعمال القر�صنة خارجة عن القانون ولي�ست �شرعية� ،إال �أنه من املهم تتبع �أ�سباب ظهور هذه الظاهرة لإيجاد العالج الناجع لهذا اخلطر الذي يهدد امن طرق التجارة البحرية الدولية. لقد التحق ال�شباب ال�صومايل العاطل عن العمل بعنا�صر القر�صنة يف حربهم التي ي�ش ّنوها على ال�سفن العابرة ،لأن ذلك القتال �أ�صبح �شجعت �أعم���ال القر�صنة اجلنود م���ورد رزق .بالإ�ضافة �إىل ه���ذاّ ، الذين تركوا القوى الأمنية يف ال�صومال ليلتحقوا مبا يد ّر لهم املال الوف�ي�ر ،وهذا ب���دوره �أ�ضعف قوى الأمن التابعة ل���كل من احلكومة الفدرالية وحكومة «بونت الند» الإقليمية. ب .الوج ��ود غ�ي�ر ال�شرع ��ي ل�سف ��ن ال�صي ��د الأجنبي ��ة يف املي ��اه الإقليمية لل�صومال: يعت�ب�ر ال�صيد غري ال�شرعي ظاه���رة �شائعة يف �أرجاء العامل ،وجتد «مافي���ا البحر» املياه غ�ي�ر املحم ّية لقم��� ًة �سائغة .واملي���اه الإقليمية لل�صوم���ال لي�ست مبن�أى عن ذلك نظر ًا لط���ول �سواحلها التي ت�صل �إىل 3300ك���م وهي تزخر بامل���وارد البحرية .لكن �سفن ال�صيد غري ال�شرعي عاث���ت فيها ف�ساد ًا ودمرت �سف���ن ال�صيادين الفقراء ،بل وت�ستخ���دم و�سائ���ل �صيد حمرمة دولي ًا مم���ا �أدى �إىل تدمري املوارد البحرية. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
163 2009
جيوبوليتيك
164
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
165 2009
جيوبوليتيك
ترجمات ر�ؤى وحتليالت من ال�ضفة الأخرى
والب���د للمجتمع ال���دويل �أن ُيف ِّعل دوره ويتخذ �إج���راءات �أكرث فعالية لي�ض���ع حد ًا لظاه���رة القر�صنة� .صحيح �أن الكث�ي�ر من الدول �أخذت ُتر�س���ل احلماية لبع����ض ال�سفن اخلا�ص���ة ،ولكن ال يوج���د حتى الآن موحد ال�ستئ�صال �ش�أفة القر�صنة يف هذا اجلزء من العامل. برنامج ّ كب النفايات ال�صناعية وال�سامة يف املياه الإقليمية لل�صومال: جّ . منذ عام 1991واملياه الإقليمي���ة لل�صومال م�ستباحة وغري حمم ّية، مم���ا �أعط���ى ع�صاب���ات املافي���ا الدولي���ة فر�ص���ة لرم���ي النفايات ال�صناعي���ة وال�سام���ة يف تلك املي���اه ،وتقوم ع�صاب���ات املافيا بهذه الأعمال الإجرامية مقابل مبالغ مالية. وبالت�أكي���د ك�شف���ت العديد م���ن املق���االت والأعمال البحثي���ة كثري ًا م���ن ال�شركات الك�ب�رى التي تتخل�ص من نفاياته���ا برميها يف املياه الإقليمي���ة لل�صوم���ال ،و�سيك�ش���ف التاري���خ عن املزيد م���ن العمالء وال�ش���ركات املتورطة يف مثل هذه الأعمال مثلم���ا ك�شفت كارثة املد البحري العظي���م (ت�سونامي) عن وجود �أكرث من ع�شرة براميل يف املياه ال�صومالية حتتوي على نفايات �سامة (مثل مواد امل�ست�شفيات ومواد كيميائي���ة ومواد اليورانيوم الإ�شعاعي���ة) ،و�سيكون لها �ضرر عل���ى البيئ���ة يف امل�ستقبل القريب فق���د �أكدت العديد م���ن التقارير موت ما يزيد عن � 300ضحية من جراء النفايات ال�سامة. د .دور املجتمع الدويل: يدرك املجتمع ال���دويل متام ًا مدى الأ�ضرار التي تعر�ضت لها املياه الإقليمي���ة لل�صوم���ال لكن���ه ي�سل���ط تركيزه عل���ى ال�سف���ن التجارية ومعاقب���ة القرا�صنة ال�صوماليني من خالل القرارات ال�صادرة عن جمل����س الأمن التي تعطي القوى البحري���ة املختلفة احلق يف حماية �سفنه���ا من القرا�صنة ،وبهذا تقبع املي���اه الإقليمية لل�صومال حتت وط�أة وجود القوى البحرية املختلفة ،والتي لكل منها م�صالح خا�صة يف تلك املياه حيث تزداد �أعمال القر�صنة يوم ًا بعد يوم. 166
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
والب���د للمجتمع ال���دويل �أن ُيف ِّعل دوره ويتخذ �إج���راءات �أكرث فعالية لي�ض���ع حد ًا لظاه���رة القر�صنة� .صحيح �أن الكث�ي�ر من الدول �أخذت ُتر�س���ل احلماية لبع����ض ال�سفن اخلا�ص���ة ،ولكن ال يوج���د حتى الآن موحد ال�ستئ�صال �ش�أفة القر�صنة يف هذا اجلزء من العامل. برنامج ّ هـ) تو�صيات ملعاجلة ظاهرة القر�صنة يف ال�صومال: �إن م�سال���ة القر�صنة من �صنع الب�شر ،وهذا يعني �أنها قابلة للحل �إذا عوجل���ت بالطريقة املنا�سبة ودون حتيز ،لذا نطرح احللول املقرتحة التالية: ينبغ���ي عل���ى الع���امل �أجم���ع تق���دمي الدع���م ال�ص���ادق لل�سلط���ات ال�صومالي���ة (الإدارات الإقليمي���ة منها واحلكوم���ة الفدرالية) حتى تتمك���ن م���ن اجتثاث ج���ذور مع�ضل���ة القر�صن���ة� ،إذ �أن القرا�صنة ال يعي�ش���ون يف البح���ر و�إمن���ا له���م قواعد عل���ى الأرا�ض���ي ال�صومالية، وبالتايل من ال�ض���روري �إن�شاء خفر �سواحل قوي على طول ال�سواحل ال�صومالية لكبح جماح تلك العنا�صر. تق���دمي الدعم ملجتمع���ات ال�صيد حت���ى ت�ست�أنف مهنته���ا بطريقة �أف�ض���ل مما كانت عليه يف ال�سابق ،وذلك عن طريق م�ساعدة برامج التنمي���ة التابع���ة للمجتم���ع الدويل .وم���ن ال يرغب يف مهن���ة ال�صيد ميكنه مزاولة مهنته التي كان يعملها من قبل. يج���ب من���ع �سف���ن ال�صيد غ�ي�ر ال�شرعية م���ن الدخ���ول �إىل مياه ال�صومال الإقليمية ،فلم يعد هناك حديث حول نهب املوارد البحرية ال�صومالي���ة بينم���ا حتظ���ى �أعم���ال القر�صن���ة البحري���ة باالهتمام الكامل. ينبغ���ي حما�سبة من يلقون النفاي���ات ال�صناعية وال�سامة يف املياه الإقليمية لل�صومال ،ف�إن مل ُيت ََّخذ الإجراء الالزم حيال ذلك �سي�شهد امل�ستقب���ل �آث���ار ًا �سلبية لن ت�ضر بالبيئة البحري���ة فح�سب بل واحلياة الب�شرية �أي�ض ًا.
�ألوية �إيران االنتحارية على �أهبة اال�ستعداد ملاذا منح الرنويجيون جائزة نوبل لأوباما؟
علي �أَلفو ِنه جورج فريدمان
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
ا�سرتاتيجية
العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
167 2009
ترجمات
�ألوية �إيران االنتحارية
إرهاب � ٌ ناه�ض ِ
بعد م�ضي عدة �سنوات على �إعالن الرئي�س الأمريكي (ال�سابق) جورج دبليو بو�ش احلرب العاملية على الإرهاب ،ال زال النظام الإيراين يحت�ضن الإرهاب االنتحاري باعتباره مكون ًا مهم ًا من مكونات مذهبه الع�سكري .وللرتويج لأعمال التفجريات االنتحارية و�أعمال �إرهابية �أخرى ،قام ُم ِّ نظري النظام با�ستغالل الدين بهدف ا�ستقطاب االنتحاريني وجتنيدهم وت�سويغ �أعمالهم .ولأن بع�ض التيارات داخل جمهورية �إيران الإ�سالمية تدعم تطوير ما ي�سمونه بالألوية اال�ست�شهادية ،ف�إن تركيبتها ون�شاطاتها توحي ب�أن الغاية منها �أن تكون �أداة �إ�سرتاتيجية لي�س فقط ل�ضرب الغرب وردعه ،ولكن �أي�ض ًا كو�سيلة لإخماد �أي حماوالت داخلية تهدف �إىل زعزعة الإرث الثوري للجمهورية الإ�سالمية. علي �أَلفو ِنه وتَظه���ر مثل هذه الإ�سرتاتيجية جلي ًة يف عمل مركز التحليل املذهبي لأم���ن بال حدود ،وه���و عبارة عن م�ؤ�س�س���ة تفكري تابع���ة لهيئة احلر�س الث���وري الإ�سالم���ي الإي���راين .وقد قام مدي���ر املركز ،ح�س���ن عبا�سي، باحت�ض���ان م�ؤ�س�س���ة الإره���اب االنتح���اري .فف���ي � 16شب���اط /فرباي���ر � ،2006ألق���ى عبا�سي خطاب ًا رئي�سي��� ًا خالل فعاليات احللقة التي �أُقيمت
168
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
يف جامع���ة خاج���ة -نا�صر لإحي���اء ذكرى فتوى �آي���ة اهلل اخلميني بقتل الكات���ب الربيطاين �سلمان ر�شدي .وكم���ا كان اخلميني يفعل عاد ًة ،بد�أ عبا�س���ي حما�ضرته ب�إتباع �أ�سلوب النقد الأدبي؛ من خالل حتليل �إحدى املطبوع���ات الأمريكية التي ن�شرت �سن���ة .2004فهذه املطبوعة ،بح�سب عبا�س���ي« ،تُ�ص ِّور ر�سول الإ�سالم كنبي ج���اء لإراقة الدم ون�شر العنف».
عل���ي َ�ألفو ِن���ه Ali Alfonehباحث �إي���راين وزميل دكتوراه يف ق�سم العل���وم ال�سيا�سية بجامع���ة كو ِبنهاج���ن ،وزميل باح���ث يف كلية الدف���اع الدمناركية امللكي���ة .والعنوان الأ�صل���ي للمق���ال Iran’s Suicide Brigades: Terrorism Resurgentون�ش���ر يف ف�صلية ال�شرق الأو�سط ،The Middle East Quarterlyعدد �شتاء ،2007ال�صفحات .44-37
وب�صيغ���ة بالغية ،طرح عبا����س الت�سا�ؤالت الآتية« :ه���ل �سيفهم الرجل الغرب���ي معنى ال�شهادة ولديه هذه الفك���رة املتحيزة؟ (وهل ب�إمكانه) �أن ُيف�سِّ���ر الإ�سالم ب�أي �شيء عدا �أنه الإرهاب بعينه؟» �إن الغرب ينظر �إىل ري العملي���ات االنتحارية عل���ى �أنها �إرهاب ،ولكنه���ا بالن�سبة لعبا�سي تعب ٌ نبيل عن الإ�سالم. وبالت���ايل فم���ا ه���و الإره���اب �إذا مل يك���ن العملي���ات االنتحاري���ة؟ بالن�سب���ة لعبا�سي ،يت�ضمن الإره���اب �أي حديث �أو عبارة يعتربها مهينة للإ�سالم .وح�سب التغطية الإعالمية ملحا�ضرته ،فقد الحظ عبا�سي �أن “(امل�ست�ش���ارة الأملانية) مريكل و(الرئي�س الأمريك���ي ال�سابق) بو�ش قاما بتقدمي الدع���م للجريدة الدمناركية التي ن�شرت ر�سوم ًا م�سيئة للر�سول (����ص) ،مما �أدى �إىل ت�شويه �سمعتهما يف العامل الإ�سالمي ،كما �أن هذا الدع���م �أثار ت�سا�ؤ ًال ح���ول �إذا ما كانت امل�سيحية ،عل���ى عك�س الإ�سالم، ذات طبيع���ة �إرهابي���ة” .وم���ن منظور القي���ادة الإيرانيةُ ،تع���د الر�سوم الكاريكاتورية التي ن�شرتها جريدة جيالندز بو�سنت Jyllands-Posten’s الدمناركية دلي ًال ُيثبت وجود الإرهاب امل�سيحي. ووف���ق تعبري عبا�سي ،ف�إن �إي���ران ال ميكن �أن ترعى الإرهاب ،ولكنها ل���ن تتورع عن م�ؤازرة وترويج الهجمات االنتحارية .وقد �أعلن �أن حوايل � 40ألف��� ًا من الإيرانيني الباحثني عن ال�شهادة ُم�ستعدين للقيام بعمليات انتحاري���ة �ضد “ت�سع���ة وع�شرين هدف ًا م���ن الأه���داف الغربية التي مت حتديدها” ،يف حال توجيه الوالي���ات املتحدة �ضربة ع�سكرية للمن�ش�آت النووية الإيرانية. مث���ل ه���ذه التهديدات لي�س���ت جديدة .فف���ي �إحدى املقاب�ل�ات التي
�أجرته���ا وكالة �أنباء فار�س مع عبا�سي ،واملن�شورة يف موقعه الإلكرتوين، دع���ا �إىل تبني ما ي�سمى «بالإرهاب املقد�س» منذ �سنة .2004وكما كتب عبا�س���ي ،ف�إن “جبهة الكفر هي جبهة �أع���داء اهلل وامل�سلمني .و�أي عمل ي�سبب الرهبة والرعب يف �أو�ساط الكفرة يعترب عم ًال ُمقدّ�س ًا و ُم�ش ِّرف ًا”. ويف 5حزيران /يونيو ،2004حتدث عبا�سي عن �إمكانية تغلب العمليات االنتحارية على قوة ع�سكرية متفوقة ،قائ ًال« :طاملا وجد االعتقاد القائم عل���ى التوكل عل���ى اهلل ،ف�إنه لي�س هن���اك حاجة لوج���ود تكاف�ؤ ع�سكري ملواجهة العدو ...فالرجل املتوكل على اهلل ُيج ِّهز نف�سه لل�شهادة بخالف غريه من الآدميني ،الذين يكافحون من �أجل قتل الآخرين». وقد تزامن ح�ضور عبا�سي ،كما تزايدت �أهميته ،يف �أجهزة الإعالم الإيراني���ة احلكومي���ة مع منو العديد من املنظم���ات التي قامت بتحجيم �أولئ���ك الذين مييل���ون �إىل االعتدال داخل اجلمهوري���ة الإ�سالميةُ .خذ على �سبيل املث���ال ،م�ؤ�س�سة �إحياء �شهداء احلرك���ة الإ�سالمية العاملية) وهي منظمة �أُ�س�ست يف 2004ملناه�ضة حماوالت الرئي�س حممد خامتي حت�سني عالقات �إيران مع م�صر. وق���د �أخذ �صيت املنظمة ينمو على مدار ذل���ك العام .ففي اخلام�س من حزي���ران /يونيو ،2004خ�ص�صت جريدة ال�ش���رق Sharghاليومية الإ�صالحي���ة ال�صفحة الأوىل ملقابلة مع حممد علي ال�صمدي ،املتحدث الر�سمي با�سم املنظمة .وال�صم���دي وثيق ال�صلة بالثوريني املت�شددين، والذين لهم تاريخ حافل .كما �أنه ع�ضو يف هيئة حترير جملتي َ�شالم�شي Shalamcheوباه���ار Baharالتابعتني لأن�ص���ار حزب اهلل املت�شددين – جمموع���ة حار�س ،وكذلك جري���دة اجلمهورية الإ�سالمي���ة Jomhouri- ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
169 2009
ترجمات ،ye Eslamiالت���ي تعت�ب�ر �ص���وت وزارة �أول امر�أة تق���وم بعملية فدائية ل�صالح اال�ستخبارات. حرك���ة “حما����س”؛ وفرق���ة م�صطفى وق���د ذكر �صم���دي �أنه �سج���ل 2000 حممود مازح ،املواط���ن اللبناين البالغ متطوع للقي���ام بعمليات انتحارية خالل من العمر 21عام ًا ،والذي لقي حتفه يف حلق���ة النقا�ش الت���ي �أُقيم���ت قبل ذلك غرفة م���ن غرف فندق بادجنتون �أثناء بي���وم واح���د .و ُتظهِ ���ر ُن َ�س���خ ا�ستمارات اطالعه على كتاب ل�صنع القنابل ،ومن الت�سجي���ل (�أنظ���ر ال�ش���كل رق���م � )1أن املرج���ح �أن���ه كان ُيخط���ط ال�سته���داف “الباحثني عن ال�شه���ادة” ي�ستطيعون �سلم���ان ر�ش���دي� .أم���ا الفرق���ة الثالث���ة التط��� ّوع للقيام بعملي���ات انتحارية �ضد ف�أطل���ق عليها ا�سم �أحم���د ق�صري ،وهو ثالث���ة �أه���داف رئي�سي���ة ،ه���ي :القوات �شاب يبلغ م���ن العمر خم�سة ع�شر �سنة الأمريكي���ة يف امل���دن ال�شيعي���ة املقد�سة ويعترب �أحد ُمن ّفذي العمليات االنتحارية بالع���راق ،والإ�سرائيلي���ون يف القد����س، حل�ساب «ح���زب اهلل» اللبناين ،وكانت و�ضد �سلمان ر�ش���دي .كما ُتظهِ ر قوائم عمليته قد دمرت يف 11ت�شرين الثاين/ الت�سجيل اقتبا�س ًا من �إعالن اخلميني، نوفم�ب�ر عام 1982بناي���ة �سكنية تتك ّون الذي قال فيه�“ :إذا قام العدو مبهاجمة من ثماني���ة طواب���ق كان يقطنها �أفراد �أرا�ضي امل�سلمني وحدودهم ،فقد وجب من القوات الإ�سرائيلية يف مدينة �صور، عل���ى كل امل�سلم�ي�ن الدف���اع عنه���ا بكل بجنوب لبنان. الو�سائل املمكنة (مبا يف ذلك) الت�ضحية كم���ا �أف���اد �صم���دي ب�أن���ه �ستُتك���رر بالنف�س واملال”. الدع���وات للمزي���د م���ن املتطوع�ي�ن يف �شكل رقم ()1 وكذلك مالحظ���ات القائ���د الأعلى مق�ب�رة فاطم���ة الزه���راء ،وه���ي �أكرب احل���ايل ،علي خامنئي ،الت���ي تفيد ب�أن مق�ب�رة يف طه���ران ل�شه���داء احل���رب ووعد ب�إن�شاء مدار�س “البح���ث ع���ن ال�شه���ادة ميث���ل �أعظم ت�أكيد عل���ى عظمة الأم���ة ،و�أرقى العراقي���ة -الإيرانية ،وذلك يف الأ�سبوع الت���ايلَ ، ملحمة ميك���ن جت�سيدها يف هذا الباب .فالرجل وال�شاب والولد والبنت ابتدائية خا�صة للتدريب على العمليات االنتحارية. اجلاهزون للت�ضحية بحياتهم م���ن �أجل �أمتهم ودينهم ،يعتربون (رمز) وق���د �أوف���ى بكلمت���ه� ،إذ قامت قي���ادة امل�ؤ�س�سة يف الث���اين من كانون الفخر الأعظ���م ،والإقدام ،وال�شجاعة” .وبح�سب تقارير �صحفية ،فقد الأول /دي�سم�ب�ر ،2004بجمع ح�شد غف�ي�ر يف اجلزء اخلا�ص بال�شهداء ح�ض���ر حلق���ات النقا�ش الت���ي تقيمه���ا امل�ؤ�س�سة عدد من كب���ار م�سئويل يف مق�ب�رة فاطمة الزهراء ،وذلك لتكرمي �أولئ���ك الذين قاموا بعمليات النظام الإيراين. انتحارية .وبناء عل���ى �إفادة وكالة الأنباء الإيرانية (مهر) ،فقد ك�شفت الوحدات االنتحارية �صب تذكاري لتك���رمي ال�شهداء الذي���ن قتلوا يف هجمات يبدو �أن امل�سئولني الإيرانيني املنظمة ع���ن ُن ٍ �صادقون يف كالمه���م .ففي �أيلول� /سبتمرب ،2004وخالل �إلقاء خطاب “حزب اهلل” �سنة 1983التي ا�ستهدفت مقر م�شاة البحرية الأمريكية، يف بو�شهر حيث يوجد املفاعل النووي الإيراين الأبرز� ،أعلن �صمدي عن والثكن���ات الع�سكرية جلنود حفظ ال�سالم الفرن�سيني يف بريوت .وقد مت تكوين وحدة للباحثني عن ال�شهادة من بو�شهر .يف حني �أن ال�سيد ح�سني و�ض���ع هذا الن�صب بجان���ب الن�صب التذكاري اخلا����ص بقا ِتل (الرئي�س �شريعتم���داري ،مدير حترير جريدة كيه���ان Keyhanالر�سمية اليومية امل�صري) �أنور ال�سادات. ق���ال “ب����أن �أف���راد اجلي����ش الأمريكي �سيكون���ون رهائنن���ا يف العراق”، وقد اختتم �صمدي الفعالية بخطاب حما�سيُ ،معلن ًا فيه “�أن العملية وتفاخر ب����أن العملي���ات اال�ست�شهادية تمُ ثِّ���ل الق���درات التكتيكية للعامل الت���ي ُن ّفذت �ضد البحرية الأمريكية كانت �ضرب���ة قا�صمة للأمريكيني، الإ�سالمي. وب ّين���ت ب�أنه على الرغم من ُ�سمعتهم اجلوف���اء وقوتهم اخليالية ...ف�إن ً وبع���د ذلك ،وبالتحديد يف ت�شرين الث���اين /نوفمرب ،2004وردا على (لديه���م) نقاط �ضع���ف كثرية وه�شة جد ًا .و َنعتبرِ ه���ذه العملية منوذج ًا احلمل���ة الع�سكري���ة الت���ي قامت بها الق���وات الأمريكية �ض���د املتمردين جي���د ًا� .إن املقاب���ر التي دفن فيه���ا قتالهم تُعطي منظ���ر ًا جمي ًال ُيبهج يف الفلوج���ة� ،أعلن �صمدي ع���ن تكوين �أول وحدة انتحاري���ة .وقد �أُط ِلق القلب ويف���رح اخلاطر ،وتُث ِلج �صدور �أولئ���ك امل�سلمني الذين ُذلوا حتت يول املجتمع الدويل �أدنى اهتمام لهم”. عل���ى هذه الوح���دة ا�س���م �أكرب �صانع���ي القناب���ل يف حرك���ة “حما�س” �أحذية اليانكيز فيما مل ِ (الفل�سطيني���ة) ،يحيى عيا�ش ،املع���روف �أي�ض ًا با�سم “املهند�س” والذي التو�س���ع بالرغم م���ن �أن هناك ولق���د ا�ستم���ر فيلق االنتحاري�ي�ن يف ُّ اغتي���ل يف 5كانون الثاين /يناير ،1996وه���ذه الوحدة تتكون من ثالث دالئ���ل على �أن ُرعا َته���م مل يجعلوا منه���م عنا�صر ًا جاه���زة للعمل بعد. فرق ال ُيع���رف حجمها بال�ضبط :فرقة رمي �صال���ح ال ّريا�شي ،ن�سب ًة �إىل ففي ني�س���ان� /أبريل عام � ،2005أعلنت جريدة �إيران Iranاليومية �شبه 170
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
الر�سمية �أن���ه مت ت�شكيل وحدة من الإناث االنتحاريات �أُطلق عليها ا�سم “بنات الزيتون” .كما َن َ�شر املوقع الإلكرتوين الإخباري (بازتاب ح�سن ر�ضائي ،الرئي����س ال�سابق لهيئة ،)Baztabوال���ذي يرتب���ط ُمب ِ احلر�س الث���وري الإ�سالمي من �سن���ة � 1981إىل 1997والذي ي�شغل منذ ذلك احلني من�صب �سكرتري جمل�س ت�شخي�ص م�صلحة النظام الإيراين، َن َ�شر اقتبا�س ًا لأحد الأ�شخا�ص ويدعى فريوز َرجائي -قار ،ذكر فيه “�أن الن�س���اء والفتيات الإيرانيات الباحثات ع���ن ال�شهادة �أ�صبحن جاهزات للم�ض���ي على درب �أخواته���ن الطاهرات من املقات�ل�ات الفل�سطينيات، الالتي �س ّبنب �أفظع الكوابي�س والرعب يف �أو�ساط ال�صهاينة”. وف�ي�روز َرجائي -ق���ار هو محُ ِتجز رهائن �سابق م���ن ال�سفارة الأمريكية يف طه���ران ،ولدي���ه ترخي����ص لإدارة جمل���ة دوك���وه �( Do-Kouheأي َ اجلب َل�ي�ن ،ن�سب ًة �إىل �إحدى �ساح���ات القتال الأعنف يف احلرب العراقية – الإيرانية) ،التابعة ملنظمة احلارِ�س � -أن�صار حزب اهلل. وق���د قام �آية اهلل ح�سني نوري حمداين ب�إ�ضفاء �شرعية الهوتية على ه���ذا النوع من العمليات االنتحاري���ة يف ر�سالة وجهها للجمع الغفري من منا�ص���ري ه���ذه العمليات ،م�ؤكد ًا �أن ح�ضور مثل ه���ذا التجمع يدل على املوافق���ة الكلية على القيام مبثل ه���ذه العمليات ،وكذل���ك �إن�شاء �شبكة منا�صرة لها. وق���د ح�ضر هذا االجتماع ممُ ِّثل حركة «حما�س» الفل�سطينية (يف �إيران) �أبو �أ�سام���ة املطاوع؛ وحممد ح�س���ن َرحيميان املمث���ل ال�شخ�صي للقائد الأعل���ى مل�ؤ�س�سة ال�شهيد وتُعت�َبورَ �أقوى م�ؤ�س�سة من ه���ذا النوع؛ ومهدي ُك�ش���ك زاده ع�ض���و الربملان الإي���راين؛ وم�صطفى رحم���ان د�ست الأمني الع���ام جلمعية ُن�ص���رة ال�شعب الفل�سطيني؛ ومرزي���ه حديده د ّباغ املمثل الأعلى للن�ساء املُقا ِتالت. وم���ع هذا ،ف�إن �أكرث التعبريات الدال���ة على ال�صالبة والت�ضامن (يف جممل هذه اخلطاب���ات) ظلت حمدودة .وقد قام���ت وكالة مهر للأنباء بن�ش���ر �إع�ل�ان واحد فقط يتن���اول مو�ض���وع الت�ضامن ،يع���ود للمتحدث الر�سم���ي بجامعة با�سيج يف فرع طهران التابع جلامعة �أزاد الإ�سالمية. ويف اخلط���اب ،ق���ام املتح���دث مبقارنة الأعم���ال االنتحاري���ة املعا�صرة بالأعم���ال الثورية التي ق���ام بها مرزا رِ�ضا كرم���اين ،قا ِتل ن�صر الدين �ش���اه ،امللك الإي���راين يف القرن التا�س���ع ع�شر والذي تذ ّم���ه اجلمهورية الإ�سالمي���ة ،كما قارنها ب�أعمال نافاب �ساف���ايف م�ؤ�س�س منظمة فدائيي الإ�سالم ،والأخ�ي�ر م�شهور باغتياله الكاتب وامل����ؤرخ القومي الليربايل، �أحمد ك�سروي. لك���ن الأم���ر املهم ه���و قيام جمموع���ة م���ن جامع���ة �أزاد الإ�سالمية بامل�صادقة على هذه املنظمة .اجلدير بالذكر �أن جامعة زاد الإ�سالمية �أُن�شئ���ت بغر�ض تو�سي���ع الرقعة التعليمي���ة بعد قيام الث���ورة الإ�سالمية. ول���دى اجلامعة العديد من الفروع يف �أنحاء الب�ل�اد ،وتعترب اليوم �أكرب �صرح للتعليم العايل يف �إيران. ويف � 13أي���ار /ماي���و � ،2005أعل���ن امل�سئول���ون الإيراني���ون عن تكوين الوح���دة الثانية للعملي���ات االنتحاري���ة الإرهابية حت���ت م�سمى “وحدة طا ِلب ال�شهادة” ،واملكونة من ثالثمائة باحث عن ال�شهادة ،اجلاهزين
على الرغم من خطاباتها البالغية والتجمع اال�ستعرا�ضي ،ف�إن هناك القليل من ال�شواهد على �أن احلكومة الإيرانية قد �أقامت خميمات لتدريب الإرهابيني االنتحاريني للعم���ل .ويف غ�ض���ون ب�ضعة �أ�شهر ،كان هناك ح�ش���د كبري للباحثني عن ال�شه���ادة يف جامع���ة َ�شهرود .وبينما مل يح�ض���ر ممثل “حما�س” الذي ُدع���ي ر�سمي ًا له���ذا االجتماع ،فق���د �شاهد احلا�ض���رون ،وبالبث احلي، الرئي����س حممود �أحمدي جن���اد وهو ُيلقي كلمته خ�ل�ال فعاليات م�ؤمتر “عامل من دون �صهيونية”. وعل���ى الرغم من �أن و�ضع لوائي العمليات االنتحارية الثالث والرابع يظ���ل غ�ي�ر وا�ضح ،ف�إن هن���اك وح���دات انتحارية جديدة مل ت���زل تُع ِلن ع���ن ا�ستعدادها للقي���ام بهذه العمليات .ففي �أي���ار /مايو � ،2006أعلنت ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
171 2009
ترجمات الوحدة اخلام�س���ة للباحثني عن ال�شهادة ا�ستعدادها للدفاع عن �إيران، وهي وح���دة �أُط ِلق عليها ا�سم القائد نادر مه���دوي الذي ُقتل �سنة 1988 يف مهم���ة انتحارية �ضد القوات البحرية الأمريكية يف اخلليج الفار�سي. وق���د ادعت قيادة امل�ؤ�س�سة �أنها ج ّندت “خم�سة وثالثني يهودي ًا �أجنبي ًا” للقيام بهجمات انتحارية. �إن قيام «حزب اهلل» اللبن���اين باختطاف جنديني �إ�سرائيليني يف 12 مت���وز /يوليو 2006قد �أعطى الألوي���ة االنتحارية الإيرانية فر�صة �أخرى للح�ص���ول على �شه���رة �إعالمية وتغطية �صحفية �أو�س���ع .ففي 17متوز/ يوليو � ،2006أعلنت وكالة �أريا الإخبارية ،يف تقرير لها ،عن �إر�سال بعثة تتك���ون من وحدتني للباحثني عن ال�شه���ادة �إىل لبنان ،ت�ضمنت �أوالهما ثماني���ة ع�شر �شخ�ص ًا ،يف حني تكون���ت الثانية من ت�سعة �أ�شخا�ص .وبعد ع�شرة �أيام من هذا الت�صريح ،و�أثناء املظاهرات العارمة التي �شهدتها ُك ٌّل من طهران وتربي���ز� ،أعلن متطوعون عن ا�ستعدادهم خلو�ض حرب مقد�س���ة .كما كان هناك ح�شد كب�ي�ر يف ْ را�شت عا�صمة مقاطعة جيالن يف بحر قزوين ،يف 29متوز /يوليو .وبالرغم من ال�شجاعة (التي �أبداها ه����ؤالء) ،فقد قامت ال�شرطة الإيرانية ب�إيقاف قافلة من الذين ي�صفون �أنف�سه���م ب���ـ “الباحثني ع���ن ال�شهادة” يف احل���دود الرتكية .وقد ذكر �أح���د املواقع الإلكرتوني���ة الي�سارية نق ًال عن حاك���م مقاطعة �أذربيجان الغربية حيث يقع احلد الفا�صل مع تركيا ،تكذيبه (املزاعم التي �أفادت) تل ّقي���ه ات�ص���ا ًال هاتفي ًا من �أحمدي جناد يطلب من���ه منع هذه الوحدات االنتحارية من العبور.
التدري��ب والقي��ادة يف ح�ي�ن ت�سعى احلكوم���ة الإيرانية للح�ص���ول عل���ى قيم���ة دعائي���ة م���ن خ�ل�ال �إعالناته���ا ع���ن الوحدات االنتحاري���ة اجلدي���دة ،ف�ل�ا يزال هن���اك �شكوك حول م���دى م�صداقية جتنيد ه����ؤالء االنتحاريني .عندما قامت جمل���ة ال�شباب الإيراين بعمل مقابل���ة م���ع ال�سيدة رجائ���ي -قار ،الت���ي ّ نظمت وحدة «بن���ات الزيتون» (االنتحاري���ة) ،ظ ّل���ت ت���راوغ ح���ول م���دى جدي���ة املُجن���دات يف الوحدة والتزامهن باالنتحار. وعل���ى الرغ���م م���ن خطاباته���ا البالغي���ة والتجم���ع اال�ستعرا�ض���ي، ف����إن هناك القليل م���ن ال�شواهد على �أن احلكوم���ة الإيرانية قد �أقامت خميم���ات لتدريب الإرهابيني االنتحاريني .وبينم���ا قام احلر�س الثوري بت�شغي���ل �شبكة من القواعد داخل �إيران ،ف����إن التغطية ال تزال �ضعيفة، عل���ى الأقل من ِقب���ل ال�صحف وو�سائل الإع�ل�ام الإيرانية ذات امل�صادر املفتوح���ة ،ح���ول �أن�شطة التدري���ب الفعلية للذي���ن مت جتنيدهم من قبل قي���ادة امل�ؤ�س�س���ة .وثم���ة �إ�شارت���ان اثنت���ان تفي���دان بح�ص���ول تدريبات ع�سكرية قامت بها الألوية االنتحارية حول �سد كاراج ،وقد �أ�شار حممد ر�ضا جعفري ،قائد خميم تدريب «احتاد ُع ّ�شاق ال�شهادة» �إىل �أحد هذه التمارين ،بالقول “لبيك يا خامنئي”. وبا�ستثن���اء متثيل حرك���ة “حما�س” خ�ل�ال مرحل���ة التطوير املبكر لوح���دات “الباحثني عن ال�شه���ادة” الإيرانية ،هناك �إثباتات قليلة على وجود ارتباطات تنظيمي���ة مع منظمات �إرهابية خارجية� .إن تدريب �أي 172
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
وح���دة (انتحارية) ال يدل بال�ضرورة على �أن احلكومة الإيرانية م�ستعدة لن�شر تل���ك القوات (بهدف تنفيذ �أعمال �إرهابية) .ففي حزيران /يونيو � ،2004أو�ض���ح �صم���دي �أن «�أن�شطة قي���ادة امل�ؤ�س�سة �ستبق���ى ذات طابع نظ���ري طاملا �أن���ه ال يوج���د �أي تفوي�ض ر�سم���ي بذلك ،كم���ا �أن عمليات الباحث�ي�ن عن ال�شهادة لن تبد�أ �إال �إذا �صدرت الأوامر بذلك من القائد (علي خامنئي)». ومع هذا ،مل تزل اجلهات التي تُ�صدر الأوامر والتي لديها ال�سيطرة عل���ى هذه العنا�صر ُمبه َم���ة وغري معروفة .فقد �ش���دد ح�سني اهلل َك َرم، وهو �أحد الأ�شخا�ص امل�شهورين من عنا�صر �أن�صار حزب اهلل و�إن كان ال يتمتع بعالقات ر�سمية مع «الباحثني عن ال�شهادة»� ،شدد على �أن �صدور �إذن م���ن خامنئي لي�س �ضروري ًا للقيام ب�أي تدريبات طاملا كان املُتد ّربني غري ُم�س ّلحني .ويف حماولة للتمل�ص من �س�ؤال حول احلاجة �أو ال�ضرورة لإن�شاء وحدات للباحثني عن ال�شهادة توازي وت�ضاهي البا�سيج ،ر ّد َك َرم ً قائ�ل�ا�“ :إن جمموعات الباحثني عن ال�شه���ادة هي عبارة عن منظمات غري حكومية” ،ولي�ست جزء ًا من التكوينات الر�سمية الإيرانية. والبا�سي���ج ه���ي ميلي�شيات �شعبي���ة �شبه ع�سكرية م���ن خمربين غري نظاميني� ،أُ�س ِندت �إليها مهمة حماية الثورة وعلى نحو ُمطلق ،ومل ت�شعر هذه امليلي�شيات بال�سعادة حيال هذا التناف�س .وقد �أدان قائد البا�سيج، حممد حجازي� ،إع�ل�ان قيادة امل�ؤ�س�سة نيتها �إر�س���ال وحدات انتحارية �إىل لبن���ان� ،إذ �ص ّرح ً قائ�ل�ا �أن «هذه الأعمال ال متت ب����أي �صلة للجهاز الر�سم���ي (الإيراين) ،ولكنها تخ���دم �أهداف ًا دعائية ال غ�ي�ر» .وب�أ�سلوب يحم���ل نقد ًا غ�ي�ر مبا�شر لقيادة الوح���دات االنتحاري���ة� ،أ�ضاف قائ ًال: “هن���اك بع����ض املجموعات التي تبدو وك�أنه���ا م�ستقلة حتاول جذب.. ال�شب���اب ودون التن�سي���ق م���ع امل�ؤ�س�س���ات الر�سمي���ة �أو موافقة اجلهات الآمرة ،وذلك لأغرا����ض دعائية .قد تكون غاياتها نبيلة ولكن �أ�ساليبها غ�ي�ر �صحيحة” .وقد عزز ُغ�ل�ام ح�سني �إلهام الناط���ق الر�سمي با�سم اجة. احلكومة الإيرانية ،هذه املُ َح ّ كم���ا مت ت�أكي���د املكان���ة غ�ي�ر احلكومي���ة لقي���ادة امل�ؤ�س�س���ة ووحدات «الباحث�ي�ن ع���ن ال�شه���ادة» يف بع����ض املالحظ���ات والت�صريح���ات التي �أدىل بها �أحد قادة احلر�س الث���وري املجهولني ،وذلك ل�صحيفة َ ال�شرق ،Sharghحي���ث �أف���اد ً قائ�ل�ا« :مبا �أن قي���ادة امل�ؤ�س�سة لي�س���ت حكومية، ف����إن املنظمة ال تنتظر الأوامر من اجلي����ش يف حالة قيامها ب�أي �إجراء. فعملياته���ا البد �أن تُقا َرن بالعمليات اال�ست�شهادية للفل�سطينيني ،والذين لي�س لهم �أي عالقة مع حكومة �إيران». �أم���ا وزارة اخلارجي���ة ،التي كان���ت يف عهد الرئي����س حممد خامتي �إ�صالحي���ة �أكرث من احلر�س الثوري ذي الطابع املُتز ّمت واملتحجر ،فقد �ص��� ّورت عنا�صر قيادة امل�ؤ�س�سة ب�أنهم «عنا�صر غري م�سئولة» ،و�أنهم «ال توجه احلكومة» .ويف � 3آب� /أغ�سط����س ،2006و�أثناء فعاليات يعك�س���ون ّ احل�ش���د اجلماه�ي�ري يف مق�ب�رة فاطمة الزه���راء (املُخ�ص�ص���ة لقتلى احل���رب الإيراني���ة -العراقية) ،قال �أح���د �أع�ضاء الربمل���ان الإيراين، ال�سي���د مهدي ُك�ش���ك زاده ب�أن قي���ادة امل�ؤ�س�سة عبارة ع���ن منظمة غري حكومية.
وق���د ر ّد موقع بازتاب Baztabالإلكرتوين الإخباري بغ�ضب على ن�شر �إعالن���ات تخ�ص «العملي���ات اال�ست�شهادية» يف جمل���ة بارتوف ،Partov وه���ي جملة �شهرية ُمت�شددة ُي�صدرها معه���د الإمام اخلميني للأبحاث يف مدين���ة ق���م ،حيث اته���م املوقع قي���ادة امل�ؤ�س�س���ة ومدير املعه���د� ،آية اهلل حمم���د تقي م�صباح يزدي وال���ذي يعترب �أك�ب�ر املنظرين الدينيني الأ�صوليني للجمهورية الإ�سالمية ،ب�إعطاء ال ُغرباء الفر�صة لل�صق تهمة رعاية الإرهاب ب�إيران. وباملثل ،عبرّ نائب الرئي�س الإيراين حممد علي �أبطحي عن امل�شاعر ذاتها� .إذ كتب« :البد �أن تكون العمليات اال�ست�شهادية �ضد م�صالح الدول طي الكتمان ...و�إظهار مثل هذه التجمعات على امللأ هي مبثابة الأخرى ّ الدلي���ل القاطع على �أنهم لن يقوموا بعم���ل �أي �شيء» .وقد وجه �أبطحي االتهام���ات �إىل ي���زدي ب�أن���ه يعمل على �إي���ذاء م�صالح �إي���ران الوطنية، و�أكرث من ذلك ،ب�أنه يقوم مبحاولة �إن�شاء م�ؤ�س�سات موازية داخل �إيران مل�صاحل ِه ال�سيا�سية». بغر�ض قمع و�إنهاء �أي معار�ضة داخلية ِ ّ وق���د دفعت ه���ذه االتهامات �شك���ر اهلل عطار زاده ،ع�ض���و الربملان، �إىل اتخ���اذ موقف املدافع ع���ن م�صباح يزدي .وقد �أف���اد �شكر اهلل ب�أن هن���اك متطوع���ون ال تربطهم �صلة ب�آي���ة اهلل قاموا بتنظي���م «العمليات اال�ست�شهادي���ة» ،وه���ذه العمليات حت���ت �أي مقيا�س تُعد �أعم���ا ًال دفاعية �صرفة. � ٌ أداة لل�ص��راع على ال�س��لطة للطابع العدائي الذي يحمله موقع بازتاب جتاه م�صباح يزدي مغزى مهم .فقد �أيدت جمهورية �إيران الإ�سالمية ،ولفرتة طويل���ة ،اال�ستخدام الوا�سع النطاق للإرهاب واملالحق���ة الأمني���ة يف مواجهة الأخط���ار الداخلية وتطوي���ع مواطنيها. ولع���ل املثال الأبرز على ذلك هو �سل�سلة جرائم القتل التي ا�ستمرت منذ � 1997إىل � ،1999إذ قام���ت القوات ال�سري���ة الإيرانية بت�صفية املفكرين واملثقف�ي�ن الإيراني�ي�ن ب�شكل منظ���م ،وذلك بهدف ترهي���ب املعار�ضني. وه���ذه الق�ضي���ة ظلت حم���ل جدل كبري ،مم���ا �أدى �إىل ح���دوث بلبلة يف �أو�س���اط العامة يف �إي���ران .وتدعي وزارة اال�ستخب���ارات والأمن القومي ب�أن جرائم القتل ارتكبتها خاليا مارقة يف الوزارة .وعلى �أية حال ،ف�إن ال�صحف���ي واملعار�ض ال�سيا�س���ي الأكرث �شهرة يف �إي���ران� ،أكرب قاجني، ق���د وجه �أ�صابع االتهام �إىل وزير اال�ستخب���ارات ال�سابق ،علي فالحيان و(املر�شد علي)خامنئي ،وح ّملهما م�سئولية ارتكاب جرائم القتل تلك. و�أثناء احلمل���ة االنتخابية الرئا�سية �سنة ،2005ح ّذرت �صحيفة روز Roozاليومي���ة ذات التوج���ه الإ�صالح���ي ،من ت�شكيل جماع���ة « ُفرقان» جديدة ،وهي عبارة عن جمموعة �إ�سالمية �أ�صولية يرجع تاريخ ن�شاطها �إىل الأيام الأوىل للثورة الإ�سالمية .وقد �أظهر ك ٌّل من علي يون�سي وزير اال�ستخبارات و (نائب الرئي�س حممد علي) �أبطحي املخاوف نف�سها. وج���ه الناط���ق الر�سمي حلملة عل���ي �أكرب ها�شم���ي رف�سنجاين كم���ا ّ االنتخابية ،باقر نو َبخْ ت� ،سهام النقد �إىل يزدي ،وذلك من خالل القول ب����أن الأخري ي�سعى �إىل ا�ستخدام “جي�ش الباحثني عن ال�شهادة” للقيام بعمليات �ضد �أعدائه ال�سيا�سيني داخل �إيران. لأكرث من قرن من الزمان ،جل����أ امل�سئولون املت�شددون �إىل ا�ستغالل
يف ني�سان� /أبريل عام � ،2005أعلنت جريدة �إيران Iranاليومية �شبه الر�سمية �أنه مت ت�شكيل وحدة من الإناث االنتحاريات �أُطلق عليها ا�سم «بنات الزيتون» املجموع���ات الت���ي متي���ل �إىل ا�ستخ���دام العنف خالل مراح���ل ال�صراع ال�سيا�س���ي املختلف���ة .وم���ن الوا�ضح �أن له����ؤالء نفوذ �سيا�س���ي ملحوظ. وق���د زاد من قوة و�صالبة مثل هذه التوجه���ات وامليول ،قيام ثورة 1979 الإ�سالمي���ة ،وال يوج���د �أدين �شك ب����أن �أولئك الذين يرع���ون «الباحثني ع���ن ال�شهادة» قد ا�ستغل���وا امل�ؤ�س�سة ك�أداة للحفاظ عل���ى القيم الثورية ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
173 2009
ترجمات ومواجهة كل من ت�س ّول له نف�سه دح�ضها �أو تغيريها. وم���ن هنا يت�ضح ب�أن الأزم���ة فيما يخ�ص تغيري �سيا�س���ة �إيران جتاه م�ص���ر تبقى ذات طابع تعليمي .فمنذ بداية قيام اجلمهورية الإ�سالمية تقريب��� ًا ،يوجد توت���ر �شديد بني طه���ران والقاهرة .فقد �أب���دى �آية اهلل اخلمين���ي معار�ض���ة �شديدة الع�ت�راف الرئي�س امل�صري �أن���ور ال�سادات ب�إ�سرائي���ل وتوقيع معاهدة ال�سالم معه���ا ،وبعد اغتيال ال�سادات ،قامت ال�سلطات الإيرانية بت�سمية �أحد �شوارع (العا�صمة طهران) با�سم قاتله، خال���د الإ�سالمب���ويل .وطيلة ال�سن���وات التالية ،ظل ه���ذا العمل م�صدر �إزعاج وتوتر للعالقات الإيرانية -امل�صرية. لك���ن يف كانون الثاين /يناي���ر ،2004و ُقرب نهاية الف�ت�رة الرئا�سية (الثاني���ة) ملحمد خامتي ،ن�ش���رت وكالة مهر للأنب���اء تقرير ًا حول طلب احلكوم���ة الإيراني���ة م���ن جمل�س مدين���ة طه���ران تغيري ا�س���م ال�شارع. وق���د �أذعن جمل�س املدينة للطل���ب ،ومت تغيري ا�سم ال�ش���ارع �إىل «�شارع االنتفا�ضة» .و�أفاد املتحدث الر�سمي با�سم وزارة اخلارجية حامد رِ�ضا �آ�صف���ى ،ب�أن هذا القرار هو مبثاب���ة خطوة لتح�سني العالقات بني �إيران وم�صر. وق���د عار�ضت قي���ادة امل�ؤ�س�سة هذا القرار من خ�ل�ال �إر�سال ر�سالة اعرتا����ض �إىل حمم���ود �أحم���دي جناد ،حماف���ظ طهران �آن���ذاك .لكن �أحم���دي جناد دافع عن القرار بحجة �أن ه���ذا �س ُيعزز من وحدة الدول الإ�سالمي���ة« ،وذل���ك لك���ي يت�سن���ى له���ا مواجه���ة احلرك���ة ال�صهيونية العاملية». ومل تق���ف قي���ادة امل�ؤ�س�سة مكتوفة الأيدي بل قام���ت بالرد على ذلك بن�ش���ر بي���ان �صحف���ي ،وتنظيم مظاه���رة مناه�ضة لهذا الق���رار .وذكر مه���دي ت�شم���ران ،رئي�س جمل����س مدينة طه���ران والأخ ال�شقي���ق لقائد احلر����س الثوري الراحل م�صطفى ت�شم���ران� ،أن وزارة اخلارجية قامت بفر�ض القرار ،ولكنه ُي ّ ف�ضل بقاء اال�سم تكرمي ًا للإ�سالمبويل. وبالأ�سل���وب الإي���راين املعت���اد يف امل�ساوم���ة�ُ ،س ّمي ال�ش���ارع يف نهاية املطاف بـ «�شارع حممد ال���درة» ،ن�سبة لفتى (فل�سطيني) يبلغ من العمر اثن���ي ع�ش���رة �سنة ُق ِتل يف تب���ادل لإطالق النار خالل الأي���ام الأوىل من االنتفا�ضة الفل�سطيني���ة الثانية .ولكن قيادة امل�ؤ�س�سة جنحت يف �إف�شال عملية التقارب مع �أكرب دولة عربية عقدت معاهدة �سالم مع �إ�سرائيل، ويف 28كان���ون الث���اين /يناي���ر � ،2004أعلن���ت جريدة ال�ش���رق الأو�سط اليومي���ة وال�صادرة باللغ���ة العربية من العا�صم���ة الربيطانية لندن� ،أن الرئي����س امل�ص���ري حممد ح�سني مب���ارك لن يزور �إي���ران ،نظر ًا لوجود �ص���ورة خلالد الإ�سالمب���ويل يف �إح���دى الواجهات العام���ة يف العا�صمة طهران. واجلدير بالإ�ش���ارة �أن �أولئك الذين تربطهم عالقة بقيادة امل�ؤ�س�سة يبدون وك�أنه���م عازمني على ا�ستخدام قوات غري نظامية �ضد الأعداء، لي�س فقط يف اخلارج ولكن حتى �أعداء الداخل .وقامت جمموعات ذات عالق���ة وطيدة مب�صباح يزدي يف 5حزيران /يونيو 2006بالتهجم على رف�سنج���اين يف حماول ٍة لإخافته خالل وجوده يف مدينة قم .يف املا�ضي، كان امل�صلحون واملفكرون الأحرار يتعر�ضون ملثل هذه الهجمات من قبل 174
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
للوحدات االنتحارية وظيفة مزدوجة. فمن ناحية الفاعلية ،تعترب هذه الوحدات من �أكرث املجموعات املت�شددة جهوزية والء ،وعنا�صرها حلمل ال�سالح ،و�أعظمها ً م�ستعدين للموت من �أجل حماية القيم الثورية .وعليه ،ف�إن املت�شددين الإيرانيني ميكن �أن ي�ستغلوا هذه الوحدات للمناو�شة، وكذلك جلعل الإ�صالحيني والليرباليني حتت ال�سيطرة
�صدر حديث ًا �ضمن �سل�سلة درا�سات جامعية
احلر����س ،ولكن نف�س املعاملة يت���م توجيهها الآن �ض���د اجليل الأول من الثوار الإيرانيني �أمثال رف�سنجاين. وكم���ا يف املا�ض����ي ،ف�����إن العن����ف �أخذ ي�ص����ل �إىل نف�����س املجموعات يف ال�سيا�سة الإيرانية؛ ومثال ذلك مدير حترير جريدة كيهان� ،شريعتمداري، واملُق ّرب م����ن قيادة امل�ؤ�س�سة ،و ُيع����د �أحد املفكري����ن املنا�صرين ال�ستخدام العنف يف مواجهة العنا�صر الليربالية .وكذلك ح�سني اهلل َك َرم الذي ينتمي �إىل �أن�ص����ار حزب اهلل ،ولديه باملثل عالقات وثيقة بوحدات «الباحثني عن ال�شهادة» ،لكنه �أكرث ارتباط ًا مبجموعة �أن�صار حزب اهلل ،والتي تقوم بن�شر �إعالنات للم�ؤ�س�سة وكذلك املقابالت مع الناطقني الر�سميني با�سمها. ا�س��تنتاجات منذ �أحداث � 11أيلول� /سبتمرب 2001يف وا�شنطن ونيويورك� ،أف�ضى الرتكيز املتزايد على الإرهاب الدويل �إىل تعاظم اخلوف من الإرهاب .ونظر ًا لت�ش ّكل وحدات انتحارية ،ف�إن طهران با�ستطاعتها على الأقل ا�ستغالل مثل هذه املخاوف .وما يح�صل الآن� ،أن �صانعي ال�سيا�سات يف الغرب �أخذوا ُيطلقون التحذيرات من �أن �أي هجوم على �إيران قد ُي�ش ِعل رد فع����ل عني����ف ذي طابع �إرهابي تدعمه �إيران .وم����ا ُيعزز هذا االدعاء �أن اجلمهوري����ة الإ�سالمية قامت بتكوين الأولوي����ة االنتحارية ،لكن حقيقة �أنه ق����د ُف ِر�ض على القيادة الإيرانية تبنى مثل هذه الأ�ساليب غري التقليدية يف الردع ،رمبا ُي�ش��ي�ر �إىل �أن طهران ُتد ِرك ب�أن اجلي�ش الإيراين �أ�ضعف مما يدركه �أو يعرفه م�سئوليها. وعل����ى �أية حال ،قد تك����ون للوحدات االنتحارية وظيف����ة مزدوجة .فمن ناحي����ة الفاعلي����ة ،تعترب ه����ذه الوح����دات من �أك��ث�ر املجموع����ات املت�شددة جهوزي����ة حلمل ال�سالح ،و�أعظمها وال ًء ،وعنا�صره����ا م�ستعدين للموت من �أج����ل حماي����ة القيم الثوري����ة .وعليه ،ف�����إن املت�شددين الإيراني��ي�ن ميكن �أن ي�ستغلوا هذه الوح����دات للمناو�شة ،وكذلك جلعل الإ�صالحيني والليرباليني حت����ت ال�سيط����رة .بيد �أن هذا الأم����ر ،يف املقابل ،قد ُي�ش ِّكل تهدي����د ًا ُم ّلح ًا، نظ����ر ًا لرغب����ة املُتز ّمتني الإيراني��ي�ن ا�ستخدام العنف �ض����د مناف�سيهم من ال�سيا�سي��ي�ن املحليني ،كما ُيعت��ب�ر �أعظم عائق تقريب ًا �أم���ام �أولئك الذين ي�سعون �إىل « َلربلة» اجلمهورية الإ�سالمية من الداخل.
�صورة املر�أة اليمنية فـي الدراما التلفزيونية املحلية �صالح حممد ُحميد رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
175 2009
ترجمات
اجلغرافيا ال�سيا�سية
جورج فريدمان
جلائزة نوبل
ف���از الرئي����س الأمريكي باراك �أوبام���ا (مطلع ت�شرين الأول�/أكتوب���ر) املا�ضي بجائزة نوبل لل�س�ل�ام ،وهي اجلائزة ألفرد نوبل ،خم�ت�رع الديناميت ،بحيث متنح ملن يق���وم باجناز «�أف�ضل عم���ل لتحقيق الت�آخي بني الت���ي خ�ص�صه���ا � ِ الأمم ،ومن �أجل �إلغاء �أو تقلي�ص اجليو�ش الدائمة ،وكذلك من �أجل الت�شجيع على عقد م�ؤمترات ال�سالم» .وتختلف �آلي���ة من���ح جائزة ال�سالم عن باقي جوائز نوبل� ،إذ تقوم هيئات �أكادميي���ة ،مثل الأكادميية ال�سويدية امللكية للعلوم، ن�صت على �أن يقوم الربملان الرنويجي ،Stortingباختيار بتحدي���د الفائز باجلوائز الأخرى مع �أن و�صية � ِ ألفرد نوبل ّ جلنة من خم�سة �أع�ضاء ملنح اجلائزة. �أم���ا اللجن���ة الت���ي منح���ت جائ���زة ال�س�ل�ام لأوباما فتتك���ون من ثوربيورن ياغالن���د Thorbjorn Jaglandكرئي�س للجنة ،وهو رئي�س الربمل���ان والرئي�س ال�سابق حلزب العمال ووزير اخلارجية الرنويجي؛ وم���ن كا�س���ي كومل���ان ،Kaci Kullmannالع�ضو ال�ساب���ق يف الربملان الرنويج���ي ورئي����س حزب املحافظ�ي�ن؛ و�سي�سل م���اري رونبك Sissel ،Marie Ronbeckالع�ض���و الدميقراط���ي االجتماع���ي يف الربمل���ان الرنويجي؛ و�إنغر ماري يرتهورن ،Inger-Marie Ytterhornالع�ضو ال�سابق يف الربملان الرنويجي وكبري م�ست�شاري حزب التقدم؛ و�أوغوت ف���ال ،Agot Valleالع�ض���و احلايل يف الربمل���ان الرنويجي واملتحدثة الر�سمية حول ال�ش�ؤون اخلارجية حلزب الي�سار اال�شرتاكي. �أي �أن جلنة جائزة ال�سالم تتكون من جمموعة �سيا�سيني ،بع�ضهم �أع�ضاء حاليني يف الربملان والبع�ض الآخر �أع�ضاء �سابقني فيه ،ثالثة منهم ينتمون للي�سار (ياغالند ورونبك وفال) ،بينما ينتمي الع�ضوان الباقيان (كوملان ويرتهورن) �إىل اليمني .وهذا يعني �أن جلنة جائزة ال�سالم مت ِّثل بكل �أمانة طيف ال�سيا�سة الرنويجية ب�أكمله.
176
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
اجلائ��زة التي ُتثري الده�ش��ة كثري ًا طاملا �أثبت حائزو جائ���زة نوبل �أنهم مث�ي�رون للده�شة .فعلى �سبي���ل املثال ،كان ثي���ودور روزفلت �أول رئي����س �أمريكي ينال اجلائزة ع���ام 1906مقابل جناحه يف حتقيق مفاو�ضات ال�س�ل�ام بني اليابان ورو�سيا .وبال �شك كان روزفل���ت ي�سع���ى ب�إخال����ص لتحقيق ال�س�ل�ام ،ولكن دافع���ه� ،أو ًال و�أخ�ي�ر ًا ،كان خ�شية ب�ل�اده من �أن جتد الحق ًا يابان��� ًا جاحم ًا ي�صعب ال�سيطرة علي���ه ،ويهدد امل�صالح الأمريكي���ة يف املحيط الهادي .فقد �سعى لتحقيق ال�سالم حتى ال تقوم اليابان با�ستئ�صال القوة الرو�سية من املحيط الهادي وال�سيطرة على ميناء �آرثر �أو �أي جائزة من جوائز احل���رب الرو�سي���ة الياباني���ة .ولكي يحقق ذل���ك اله���دف ،كان ُيل ِّمح يف خطاباته ب�أن الواليات املتحدة قد تتدخل �ضد اليابان. وبقيام���ه بالتو�سط يف املفاو�ضات كمحاولة ملنع اليابان من ا�ستغالل انت�صاره���ا عل���ى الق���وات الرو�سية ،ت���ورط روزفل���ت يف �سيا�س���ة القوة اخلال�صة ،و�أ�صبحت الباب���ان ناقمة من التدخل الأمريكي (�أما الرو�س فق���د كان���وا م�شغول�ي�ن باال�ضط���راب الداخل���ي يف بالده���م) .عل���ى �أن جورج فريدمان George Friedmanم�ؤ�س�س ومدير م�ؤ�س�سة �سرتاتفور البحثية الأمريكية .والعنوان الأ�صلي للمقال Nobel Geopoliticsوقد ن�شر يف موقع م�ؤ�س�سة �سرتاتفور على االنرتنت.
وعم ال�سالم .ومع املحادث����ات متخ�ضت عن �إبرام معاهدة بني الطرفنيّ ، �أن الدافع وراء م�ساعي روزفلت لل�سالم هو احلفاظ على توازن القوى يف املحيط الهادي �إال �أن جلنة جائزة نوبل ،كما يبدو ،مل ُت ِعر ذلك اهتمام ًا. ألفرد نوبل مل يقدم الكثري م����ن الإر�شادات يف و�صيته عن كيفية ومب����ا �أن � ِ ا�ستحق����اق اجلائزة ،فقد كان اختيار روزفلت �أمر ًا مقبو ًال كغريه ممن مت اختيارهم لنيل جوائز نوبل لل�سالم. ويف ال�سن����وات الأخ��ي�رة ُم ِنح����ت اجلائ����زة للمعار�ض��ي�ن واملن�شق��ي�ن ال�سيا�سيني ممن توافق عليهم اللجنة ،من �أمثال داالي الما وليخ فاون�سا، �أو �أ�شخا�����ص يدعمون ق�ضايا تقبل بها اللجنة مثل �آل جور ،و�آخرون كانوا من ُ�ص ّناع ال�سالم على نهج روزفلت ،من �أمثال يل دوك ثو وهرني كي�سنجر لعملهما من �أجل حتقيق ال�سالم يف فيتنام ،ويا�سر عرفات و�إ�سحق رابني مل�ساعيهما لإحالل ال�سالم بني الإ�سرائيليني والفل�سطينيني. م����ن امله����م �أن نتذكر �أمرين عن جائ����ز نوبل لل�سالم ،وهم����ا� :أو ًال� ،إن نوب����ل مل يكن وا�ضح ًا ب�ش�أن نواي����اه بخ�صو�ص اجلائزة .ثاني ًا :قراره � -أي نوب����ل � -أن يتوىل منح اجلائزة -مع خال�ص االعتذار مقدم ًا للرنويجيني الذي����ن ن�أم����ل �أن يقبل����وه � -سيا�سي����ون من بل����د هام�شي و�صغ��ي�ر بالن�سبة للنظ����ام ال����دويل .وال نق�صد من ه����ذا توجيه النقد للرنوي����ج ،البلد الذي طامل����ا �أحببناه يف املا�ض����ي ،و�إمنا لدى الرنويجيني �أحيان���� ًا طريقة غريبة يف ر�ؤية العامل.
ل���ذا ف�إن اجلائزة الت���ي ُمنحت لأوباما مل تكن �أكرث �أو �أقل غرابة من بع�ض اجلوائز ال�سابقة التي قررت منحها جلنة ال�سيا�سيني الرنويجيني اخلم�س���ة ،الذي���ن ال يعرفهم �أحد خ���ارج الرنويج .لكن ف���وزه باجلائزة يعطين���ا فر�صة الت�أمل يف ال�س�ؤال الت���ايل :ملاذا يح�سن الأوروبيون الظن ب�أوباما �إىل هذا احلد؟
�أوبام��ا والأوروبي��ون بداي��� ًة دعونا ُنبدي احلذر عند ا�ستخدام م�صطلح “الأوروبيني” ،لأن �سكان �أوروبا ال�شرقية والرو�س ح�سن���ون الظ���ن ب�أوباما كث�ي�ر ًا .كما �أن كله���م �أوروبي���ون ولكنه���م ال ُي ِ ً الربيطانيني متحفظ���ون بهذا ال�ش�أن .لكن �إجماال ،ف�إن �شعوب �أوروبا القاطنة غرب الدول التابعة لالحتاد ال�سوفيتي �سابق ًا وجنوب القناة ح�سن���ون الظن به كث�ي�ر ًا ،ويعك�س الرنويجيون االجنليزي���ة و�شرقها ُي ِ هذا الإعجاب .ومن املهم �أن نعرف �سبب كل هذا الظن ال�سامي. لق���د واجه الأوروبيون كوارث عدة خالل الق���رن الع�شرين� ،إذ �أردت احلرب���ان العامليتان �أجيا ًال منهم ودم���رت اقت�صاد �أوروبا .وبعد احلرب مبا�ش���رة كان م�ست���وى املعي�شة يف القارة ال يختلف كثري ًا عن ما هو عليه يف بل���دان الع���امل الثالث �آنذاك ،فق���د فقدت �أوروبا كل �ش���يء تقريب ًا - مالي�ي�ن من الأرواح ،و�إمرباطورياته���ا ،وحتى �سيادتها يف ظل احتاللها من قبل الواليات املتحدة واالحتاد ال�سوفيتي وتناف�سهما عليها .فكارثة ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
177 2009
ترجمات القرن الع�شرين هي من حدد �أوروبا و�أبرزها ،وهي ما حتاول �شعوبها القدرة عل���ى ال�سيطرة على م�صريها ،و�أن الوثوق بحاميها كان �أمر ًا �صعب ًا. الهرب منه. لقد كان الأوروبيون ميقتون العديد من الر�ؤ�ساء الأمريكيني ،مثل وبع���د ذل���ك منح���ت احل���رب الب���اردة �أوروب���ا الفر�صة ك���ي تتعافى يح�ض اقت�صادي ًا ،ولكن فقط يف �سياق االحتالل وتهديد احلرب بني ال�سوفيت لين���دون جون�سون ،وريت�شارد نيك�س���ون ورونالد ريجان .كما مل َ والأمريكي�ي�ن .فقد �أح���رق ن�صف قرن م���ن االحتالل ال�سوفيت���ي �أرواح جيمي كارتر باالحرتام ،والرئي�سان اللذين حظيا باحلب ،هما :جون �شع���وب �أوروبا ال�شرقية ،يف حني عا�ش باق���ي القارة يف خ�ضم االزدهار ف .كيني���دي وبي���ل كلينتون .وق���د �أراحهم كينيدي م���ن عبء دوايت املتنامي وبوادر حرب �أخرى تو�شك �أن تندلع .ومل يكن ب�أيدي الأوروبيني د� .آيزنه���اور ووزير خارجيته ال�صارم ج���ون فو�سرت داال�س ،الذي مل من���ع حدوث احلرب �أو معرفة �أين وكي���ف �ستدور رحاها .لهذا انق�سمت يك���ن موثوق ًا به البتة� .أما كلينت���ون فقد كان حمبوب ًا ،وذلك لعدد من �أوروب���ا ق�سمني� ،أحدهما هو الق�سم الأوروبي الذي ر�ضخ الحتالل �أملانيا الأ�سب���اب الهامة التي يتطل���ب فهمها درا�سة ف�ت�رة ما بعد احلرب النازي���ة �أو ًال واالحتاد ال�سوفيتي ثاني ًا ،وهو م���ا زال يعي�ش حتت �سيطرة الباردة. �شب���ح الكارثتني مع ًا� .أما الق�سم الثاين ،وه���و اجلزء الأكرب ،فيعي�ش يف �أم�يركا و�أوروب��ا بع��د احلرب الب��اردة م ّثلت ظل احلماية وال�سيطرة الأمريكية. �سنة 1991نهاية احلرب الباردة ،و�أ�صبح الأوروبيون لأول مرة منذ وب�ي�ن عام���ي 1945و 1991عا�ش���ت �أوروبا الغربية حال���ة مواجهة مع ع���ام 1914ينعم���ون باالزدهار والأم���ن ،كما ا�ستع���ادوا �سيادتهم. ال�سوفيت ،وعا�شت �شعوبها حتت هاج�س اخلوف من االحتالل ال�سوفيتي� ،أم���ا الواليات املتح���دة فلم تكن حتتاج م���ن الأوروبيني �سوى �أ�شياء ولكنها ورغم الإغراء مل ت�ست�سلم لل�سوفيت� .أي �أن تلك ال�شعوب �أُجبرِ ت ب�سيط���ة مما �أ�سع���د الأوروبي�ي�ن ،وم ّثل هذا حلظ���ة تاريخية نادرة عل���ى االعتماد على الواليات املتحدة للدفاع عن نف�سها وعن ا�ستقرارها �س���اد فيها �شعور بوجود حتال���ف م�ؤ�س�سي بني الطرفني ،ولكن لي�س االقت�ص���ادي ،وبهذا ر�ضخ���ت للرغبة الأمريكية .وم���ا كان يقرر ن�شوب ب�ص���ورة كبرية وفعالة� .إذ كان البد م���ن ت ّويل �أمر منطقة البلقان، احل���رب من عدمه ه���و الطريقة التي ينظر به���ا الأمريكيون وال�سوفيت مع �أنها مل تكن منطقة القلق الرئي�سي. �إىل بع�ضهم ،ولي�س ما كان يدور يف عقول الأوروبيني. �إن �أوروبا ميكنه���ا �أن ترتاح �أخري ًا؛ فلم تعد هناك حرب عاملية وكان���ت العق���ول الأوروبية تُعظِّ���م حجم �أي عمل ع���دواين من جانب �أخ���رى تهدد مبح���و ازدهاره���ا ،و�أ�صبح���ت �شعوبها تنع���م بحرية �أمريكا ،مهما كان تافه ًا ،خوف ًا من ردة فعل اال�ستق�ل�ال من ال�سيطرة الأمريكية ،وبات الأوروبيون قادرين على ال�سوفي���ت .ويف احلقيق���ة كان الأمريكي���ون ت�شكي���ل م�ؤ�س�ساته���م .وكان ذل���ك ه���و �أف�ضل مقيدي���ن �أثن���اء احل���رب الب���ارة �أك�ث�ر مم���ا كان الأوق���ات بالن�سبة لهم ،واعتق���دوا �أنه �سيدوم منح ال�سيا�سيون الأوروبيون يعتقدون وقتئذٍ .ولو �ألقينا نظرة للوراء الرنويجيون جائزة نوبل �إىل الأبد. لوجدنا �أن و�ضع الواليات املتحدة يف �أوروبا نف�سها وبالن�سب���ة للوالي���ات املتح���دة فق���د غ�ّي�رّ ت أنهم ل أوباما ل لل�سالم مل يك���ن ف ّعا ًال ،لكن الرع���ب الأوروبي كان م�صدره �أحداث احلادي ع�ش���ر من �أيلول�/سبتمرب 2001 �سيرتك أنه � اعتقدوا �أن ما يحدث يف بع�ض �أنحاء العامل -كوبا وال�شرق كل �ش���ي .وق���د تعاط���ف الأوروبي���ون متام��� ًا مع ينعمون أوروبيني ل ا الأو�سط وفيتنام -قد يدفع االحتاد ال�سوفيتي �إىل الوالي���ات املتح���دة بع���د ذل���ك ،وكان تعاطفهم دون املريح بازدهارهم ال���رد داخل �أوروب���ا ،الأمر ال���ذي �سيكلفهم كل ما �صادق��� ًا ،لكنهم اعتق���دوا �أن الرئي�س الأمريكي تقدمي الطلبات غري بنوه. الأ�سب���ق جورج دبليو بو�ش بالغ يف ردة فعله على املنطقية .وهذا هو وم���ا كان يع�ش����ش يف العق���ول الأوروبي���ة �أن الهجم���ات ،مه���دد ًا ب�إط�ل�اق العن���ان للإرهاب الأمريكي�ي�ن قبل ع���ام 1945كانوا ه���م املحررون، ���روب غري �ضروري���ة ،وقبل تعريفهم لل�سالم �ضده���م وخو����ض ح ٍ حل َماة ،ولكن ا ُ وبعد ذلك �أ�صبحوا ا ُ حل َماة ال ميكن كل �ش���يء ،ف�إن���ه مل يهت���م با�ست�شارتهم .لكن ً االعتماد عليه���م يف جت ّنب اندالع حرب �أخرى من ه���ذا االدعاء الأخري مل يكن �صادقا بكل معنى ً خالل الته���ور والطي�ش .وقد هيمنت على الأوربيني فكرة �أن الأمريكيني الكلم���ة ،فقد كان بو�ش يق���وم غالبا با�ست�ش���ارة الأوروبيني ،وكانوا كان���وا غري نا�ضج�ي�ن ومتقلبي املزاج ولكنهم ميتلك���ون قوة كبرية ميكن غالب��� ًا يرف�ضون مطال���ب �إدارته .وقد �أ�صي���ب الأوروبيون بالذهول الوث���وق بها� .أما يف املنظور الأمريكي ،ف�إن الأوروبيني كانوا هم �أنف�سهم عندما م�ضى بو�ش يف �سيا�ساته رغم معار�ضتهم لها ،و�شعروا �أنهم الأوروبي���ون الذين �شاركوا يف �أعمال وح�شية ال مثيل لها بني عامي 1914يعودون �إىل و�ضع احلرب الباردة لأ�سباب تافهة. و .1945وبع���د ع���ام - 1945عندم���ا �سيط���ر الأمريكيون عل���ى �أوروبا – واملع���روف �أن رح���ى احلرب الب���اردة كانت تدور ح���ول ال�سيطرة نعمت الق���ارة بال�سالم واالزدهار �أكرث من الف�ت�رات التي �سبقتها .لكن ال�سوفيتية على �أوروبا .ولكن يف نهاية املطاف مهما كانت التهديدات القناعة الأوروبية ب����أن الأوروبيني هم ال�سيا�سي���ون املحنكون واحلكماء واملخاط���ر ،ف����إن احل���رب الب���اردة كان���ت ت�ستح���ق املخاط���رة و�أمل بينم���ا الأمريكيون عك�س ذلك مل يكن بحاجة �إىل قاعدة جتريبية ،لكنه ال�سيط���رة الأمريكية .وكان خطر اجلهادي�ي�ن بالن�سبة للأوروبيني ال ُبن���ي على حقيقة �أخرى ،وه���ي �أن �أوروبا خ�سرت كل �شي ،مبا يف ذلك ي�ستح���ق اجلهد ال���ذي كانت الواليات املتحدة م�ستع���دة �أن تبذله� ،إذ 178
ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
2009
كان���ت الواليات املتح���دة تبدو �ساذجة ومتهورة كرعاة البقر. �إن النظ���رة الأوروبي���ة القدمي���ة للوالي���ات املتح���دة ب���د�أت تظه���ر مرة �أخ���رى ،وكذل���ك املخ���اوف القدمي���ة. فخ�ل�ال فرتة احل���رب الب���اردة كانت خم���اوف �أوروب���ا تنب���ع م���ن �أن �س���وء احل�ساب���ات الأمريكي���ة ق���د يج���ر الأوروبي�ي�ن �إىل حرب �أخ���رى مدمرة، وقد �أرعبته���م طريقة بو�ش يف احلرب على املجاهدين وعمق���ت امتعا�ضهم، �إذ �أ�صبح ازدهارهم الذي حتقق ب�شق ر�ض���ة للخط���ر م���رة �أخرى الأنف����س ُع َ ب�سبب الأمريكيني ،وه���ذه املرة ل�سبب ي���رى الأوروبي���ون �أن���ه غ�ي�ر مقنع مبا يكف���ي .ومرة �أخرى ،ر�أوا �أن الأمريكيني يبالغون يف ردة الفعل ،وكان هذا هو خوف �أوروبا الأكرب يف فرتة احلرب الباردة. لق���د �أ�صبح االزدهار بالن�سبة لأوروبا غاية يف حد ذاته .فما يدعو لل�سخري���ة �أن الأوروبيني يعتربون الأمريكيني مهوو�سني بحب املال يف حني �أنه���م – �أي الأوروبيني – هم من و�ضع االعتبارات االقت�صادية ف���وق كل االعتبارات الأخرى .لكن الأوروبي�ي�ن يف احلقيقة يق�صدون �شيئ��� ًا �آخر حني يتحدثون ع���ن املال ،فهم ال يعت�ب�رون امل�س�ألة جمرد تكدي�س للنقود ،و�إمنا املال هو الأمن .وهدفهم االقت�صادي لي�س الرثوة و�إمن���ا الراحة .ف�شعوب �أوروبا اليوم ي�ضعون الراحة االقت�صادية فوق كل االعتب���ارات الأخرى .وبعد احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب بدت الواليات املتحدة راغب��� ًة يف املخاطرة بالراحة االقت�صادية الأوروبية التي مل يرغب الأوروبيون �أنف�سهم املخاطرة بها .ولهذا كانوا ميقتون جورج دبليو بو�ش لقيامه بذلك. يف املقاب���ل ،ف�إنه���م ُيحب���ون �أوبام���ا لأن���ه ت���وىل الرئا�س���ة ،واعد ًا با�ست�شارته���م .وقد فهموا ذلك الوعد ب�صورت�ي�ن� :أوالهما �أن �أوباما با�ست�ش���ارة الأوروبيني �سيمنحهم حق الفيت���و؛ وثانيهما �أن �أباما مثل كينيدي� ،أي �أنه ال يرغ���ب يف حت ّمل املخاطر الطائِ�شة .ومن ال�صعب فهم كيف يتذكرون كينيدي بهذه ال�صورة بالرغم من ف�شل غزو خليج اخلنازي���ر ،و�أزمة ال�صواريخ الكوبية ،واالنقالب �ضد دمي يف فيتنام! وبالطبع ،ف����إن الكثري من الأمريكيني يتذكرون���ه بنف�س الطريقة� .إن مقارنة الأوروبيني �أوباما بكينيدي يظل �أمر ًا خيالي ًا ،لكن ما يعتقدونه فع ًال هو �أنه كلينتون �آخر. وكلينتون كان كلينتون نظر ًا لظروف الوقت الذي عا�ش فيه ،ولي�س ب�سبب طبيعته .فقد خلق انهي���ار االحتاد ال�سوفيتي فرتة من ال�سالم مل يحت���اج فيه���ا كلينت���ون �إىل فر�ض طلبات عل���ى االزدهار املريح يف �أوروب���ا؛ بينما عا�ش جورج دبلي���و بو�ش يف عامل خمتلف ،ما دفعه �إىل املخاطرة وفر�ض املطالب. �أم���ا �أوباما فه���و ال يعي����ش يف الت�سعينيات� .إنه يواج���ه �أفغان�ستان
ي�ستحقها �أم ال ي�ستحقها؟� :أثار ح�صول الرئي�س �أوباما على جائزة نوبل لل�سالم جد ًال وا�سع النطاق
و�إيران وع���دد ًا من الأزمات الأخرى ت�ص���ل �إىل ظهور رو�سيا جديدة تبدو بو�ضوح مثل االحتاد ال�سوفيتي الأ�سبق .ومن ال�صعب ت�صور كيف ب�إمكان���ه مواجهة هذه املخاط���ر دون اتخاذ الإجراءات التي تتعار�ض مع الرغبة الأوروبية يف البقاء على كفوف الراحة ،والأ�سو�أ من ذلك، عدم جتاهل الرغبة الأوروبية يف تفادي ما يعتربونه مطالب �أمريكية غري منطقي���ة .ويف احلقيقة �أن العالقات الأمريكية -الأملانية لي�ست الآن عل���ى ما يرام ،فقد طال���ب �أوباما ب�إر�سال املزيد من اجلنود �إىل �أفغان�ست���ان وكان الرد عليه بالرف�ض ،كما ظل يدعو �إىل تو�سيع حلف الناتو ،وهو الأمر الذي ال يريده الأملان. وق���د من���ح ال�سيا�سيون الرنويجي���ون جائزة نوبل لل�س�ل�ام لأوباما لأنهم اعتقدوا �أنه �سيرتك الأوروبيني ينعمون بازدهارهم املريح دون تقدمي الطلبات غري املنطقية .وهذا هو تعريفهم لل�سالم ،وقد بدا �أن �أوبام���ا َيعِد بذلك .ويبدو �أن الرنويجيني القائمني على جلنة اجلائزة ال يدرك���ون امل�سار الذي اتخذت���ه العالقات الأمريكي���ة -الأملانية� ،أو الو�ض���ع يف �أفغان�ست���ان و�إيران .فرمب���ا يعتقدون �أن �أوبام���ا ي�ستطيع الإبح���ار يف تلك املياه دون اللج���وء �إىل احلرب .ويف تلك احلالة ،من ال�صع���ب ت�صور م���ا يحققونه من املحادثات الأخرية م���ع �إيران �أو ما يخططون له يف �أفغان�ستان. لقد من���ح الرنويجيون جائزة نوبل لل�س�ل�ام �إىل رئي�س �أحالمهم، ولي����س �إىل الرئي����س الذي يتعام���ل مع �إي���ران و�أفغان�ست���ان .ف�أوباما لي����س فاع ًال حر ًا؛ فهو عالق يف واقع وج���د نف�سه فيه ،وهذه احلقيقة �ستدفع���ه بعي���د ًا عن اخلي���ال الرنويج���ي .ويف نهاية املط���اف ،تبقى الوالي���ات املتحدة هي الواليات املتحدة ،وذل���ك هو الكابو�س الذي تعي�ش���ه �أوروبا لأن الواليات املتح���دة لي�ست مهوو�سة باحلفاظ على ازدهار �أوروبا ،ولن تقبل هي -وال �أوباما يف الأخري -فكرة جائزة نوبل لل�سالم من عدمها. ا�سرتاتيجية العدد الأول ،نوفمرب/دي�سمرب
179 2009
+967 1 677879
ÊhεdE’G ™bƒŸG GƒëØ°üJ á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôŸ w 2009 5 2009 181
w
w
Ȫ°ùjO/Ȫaƒf دي�سمرب/ نوفمرب,∫hC ،ل’أولG اOó©dG العددá«يةéي«جJتGΰسرتاS�Gا
.
s
h
e
b
a
c
s
s
.
:فاك�س
+967 1 682144
16822 :ب.�ص اجلمهورية اليمنية- �صنعاء
c
o
m
www.Shebacss.com
:هاتف
E-mail: info@Shebacss.com 2009
دي�سمرب/ نوفمرب،ا�سرتاتيجية العدد الأول
180
w w w . s h e b a c s s . c o m
á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôe Sheba Center for Strategic Studies
á`` `aô©ŸÉH á`` ` `°SÉ«°ùdG ó`` ` `aQ
Relating Policy to Knowledge 2009 2009
دي�سمرب/ نوفمرب,∫hC ،ل’أولG اOó©dG ية العددá«جéسرتا«تيJGΰ�SاG Ȫ°ùjO/Ȫaƒf
182 2