ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
1
ا�سرتاتيجية الأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�صرة ت�صدر كل �شهرين عن «مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية» ال�سنة الأوىل ،العدد الثالث ،مار�س/يونيو 2010
رئي�س التحرير
�أحمد عبدالكرمي �سيف
director@shebacss.com
مدير التحرير
حممد �سيف حيدر
m_saif@shebacss.com
نائب مدير التحرير
�سقاف عمر ال�سقاف
saqqaf@shebacss.com
املراجعة اللغوية
حممد حم�سن علوان
mohammed-al@shebacss.com
اال�شرتاكات:
ال�سنة الواحدة (�ستة �أعداد) �شاملة �أجرة الربيد: داخل اجلمهورية اليمنية 6000 :ريال للأفراد 12000 ،ريال للم�ؤ�س�سات. الدول العربية 50 :دوالر ًا للأفراد 90 ،دوالر ًا للم�ؤ�س�سات. بقية دول العامل 70 :دوالر ًا للأفراد 120 ،دوالر للم�ؤ�س�سات. ير�سل طلب اال�شرتاك �إىل عنوان املجلة مع حوالة م�صرفية �أو �شيك ُم�صدّق بقيمة اال�شرتاك لأمر مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. ولال�ستف�سار ميكن التوا�صل عرب الربيد الإلكرتوين: subscription@shebacss.com
ثمن الن�سخة:
اليمن 300ريال ،ال�سعودية 20ريا ًال ،الإمارات العربية املتحدة 20درهم ًا، الكويت 2دينار ،مملكة البحرين 1.5دينار ،قطر 20ريا ً ال� ،سلطنة عمان 1.5 ريال ،العراق 2500دينار ،لبنان 4000لرية� ،سورية 200لرية ،الأردن 2.5دينار، فل�سطني 5دوالر ،م�صر 10جنيهات ،ال�سودان 4جنيهات ،ليبيا 2دينار ،اجلزائر 300دينار ،تون�س 5دينار ،املغرب 20درهم ًا ،موريتانيا � 300أوقية. Austria, France, Germany, and Italy: € 6, United
الت�صميم والإخراج الفني
Kingdom £ 3, USA $ 5
حممد عبدالرحمن الذبحاين m_aldbhani@shebacss.com
�سكرتارية املجلة
�أ�سماء حممد �إبراهيم
ُعب بال�ضرورة ُعب املقاالت املن�شورة عن �آراء كتّابها ،وال ت رِّ ت رِّ عن ر�أي «مدارات ا�سرتاتيجية» �أو مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية. جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
asma@shebacss.com
جملة مدارات ا�سرتاتيجية مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �ص .ب 16822 .هاتف +967 1 677466 :فاك�س+967 1 677466 : �صنعاء – اجلمهورية اليمنية الربيد الإلكرتوينmadarat@shebacss.com :
ÊhεdE’G ™bƒŸG GƒëØ°üJ á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôŸ m 2
o
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
c 2010
.
s
s
c
a
b
e
h
s
madaratistrategyya@yahoo.com املوقع على الإنرتنتwww.shebacss.com/madarat :
.
w
w
w
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
3
فـي هذا العـدد كانون الثاين/يناير � -شباط/فرباير
06
نظرة على shebacss.com
08
�إفتتاحية لن�ساعد �أنف�سنا �أو ًال رئي�س التحرير
2010
86
اليمن والعامل
حتليالت:ي�ستك�ش���ف حمم���د �سيف حيدر ونيكول �سرتاكه احلراك اجلنوبي يف اليمن ،عرب ا�ستعرا�ض مكوناته وبحث عوامل قوته و�ضعفه ومقاربة املبادرات احلكومية والإقليمية حللحلة الو�ضع يف اجلنوب؛ ويو�ضح �أ�شرف حممد ك�شك عواقب عدم ا�ستقرار اليمن على الأمن الإقليم���ي اخلليج���ي� ،أما ج� .إِ .بيرت�س���ون فيقارب تاريخ التوقعات غري املحققة يف عالقات اليم���ن بالواليات املتحدة ،يف حني يبحث عاي�ش علي عوا�س يف م�صري املعتقلني اليمنيني يف �سجن غوانتانامو .ال�صفحات 35 - 10 وجه��ات نظ��ر :يحاول عبدالباقي �شم�سان يف مقاله «عند تخوم البطركية» تو�ضيح الأ�سباب التي ما زالت تعوق عملية ا�ستنبات وتوطني القيم واملبادئ الدميقراطية يف الن�سق القيمي للمجتمع اليمني ،ويبحث �أحمد �أحمد مطهر يف البدائل املتاحة �أمام اليمن لتجاوز حتديات ما بع���د ن�ض���وب النفط ،يف حني يقدم مقال «اليمن واملنطقة والع���امل :ت�صورات امل�صالح الإقليمية والدولية» خال�صة لقاء العمل الذي نظم���ه مرك���ز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية باال�ش�ت�راك مع برنامج منتدى اليمن باملعهد امللكي لل�ش�ؤون الدولي���ة (�شاتام هاو�س) ،يف 6ني�سان/ �أبريل .2010ال�صفحات 55 - 36 تفاع�لات اليمن والعامل يف 60يوم��اً� :شهرا كان���ون الثاين/يناير و�شباط/فرباير .2010ال�صفحات 61 - 56 ال حتى ع�ين على اليمن:يو�ضح مانويل �أمليدا ملاذا ال ي�ستطيع اليمن االنتظار طوي ً يح�ص���ل على ع�ضوية جمل�س التعاون اخلليج���ي؛ ويبني �أحمد عبدامللك كيف حتولت العمالة اليمنية �إىل رهان يف اخلليج؛ وجتادل �سارة توبل ب�أن م�ساعدة اليمن للواليات املتح���دة يف مواجه���ة تنظيم القاعدة ،ميك���ن �أن ت�ؤدي �إىل نتائج عك�سي���ة؛ �أما مايكل هورت���ون فيحذر من �إدمان اليمن اخلطِ ر على الق���ات؛ وعرب ر�سالة من �صنعاء ير�سم جيم����س م .دور�سي �صورة للعالق���ة بني احلوكمة والأمن يف اليم���ن؛ و�أخري ًا ينبّه وليم الم�ِب�رِ ز ب�أن �أزمة اجلوع يف اليمن قد تُ�شكِّل تهديداً لأمن �أمريكا القومي .بالإ�ضافة �إىل �أحدث املن�شورات حول اليمن يف «بني غالفني» ..ال�صفحات 72 - 62
املراقب اال�سرتاتيجي
4
74
نتائج م�ضطربة ونفق �ضيق: العراق و�آفاق ما بعد االنتخابات الت�شريعية ناظم اجلا�سور
78
ظل املر�شد الأعلى: ال�صراع على م�سقبل �إيران من بوابة «والية الفقيه» بوزيدي يحيى
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
90
فو�ضى يف مقدي�شو: ديناميات ال�صراع ال�صومايل ،وتداعياته ،وفر�ص حلحلته عطيه عي�سوي الوجه اجلديد ل�سيا�سة ليبيا اخلارجية: حمددات التحول ودوائر احلركة �أمرية حممد عبداحلليم
املحــور 96
بــذور الإرهــاب: �أنظمة التعليم والراديكالية الإ�سالمية يف اليمن رات�شل ول�ش
جيوبوليتيك 110
116
122
ممرات ال�شيطان: خطوط التقاء التهريب والنفط والإرهاب يف اليمن واجلزائر وو�سط �آ�سيا �أحمد عبدالكرمي �سيف هاج�س املالذ الآمن :احلركات اجلهادية و�أهمية املكان �سكوت �ستيوارت جيبوتي ال�صغرية :ملاذا يحوم حولها الكبار؟ �سقاف عمر ال�سقاف
يف ب�ؤرة االهتمام 128
�أدمغة �صهيون املقاتلة: حتقيق �أوّيل حول م�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة يف �إ�سرائيل حممد �سيف حيدر
احلرب الهجينة: تطور �أ�ساليب حرب الع�صابات واحلرب الثورية يف الع�صر الرقمي ريا�ض قهوجي اخلروج من م�أزق «تنمية ال�ضياع» علي خليفة الكواري
134
138
مدار الأفكار بو�ضوح� :أن تكون م�سلماً «متييزياً»! حوار مع �سعدالدين العثماين �سجال� :إيران :ظاملة �أم مظلومة؟ علي ح�سني باكري وعبدالغني املاوري بالإ�ضافة �إىل �آراء توازن مفقود: اخلليج العربي والبعد الثقايف كقوة م�ؤثرة يف حتديد امل�صالح �سالم الرب�ضي جدلية الإ�سالم والدميقراطية: هل جتاوزها الإ�سالميون؟ نبيل البكريي
148
153
162
166
الفهر�ست مراجعــات� :أمريكا والطريق �إىل «الدميقراطية الإ�سالمية» نوح ِفلدمان /م� .س .ح عرو�ض موجزة
�أفق
«امل�ؤمتر الإ�سالمي» على �أعتاب عهد جديد �أكمل الدين �إح�سان �أوغلي ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
172
175 178
ا�سرتاتيجية
5
shebacss.com
نظرة على
�ألق نظرة على �إ�صداراتنا ي�صدر مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية �أربع �سال�سل درا�سات حمكمة باللغتني العربية واالجنليزية تعنى بال�ش�ؤون الإ�سرتاتيجية وال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية ،وتركز هذه ال�سال�سل ب�شكل �أ�سا�سي على اليمن ،وجمالها احليوي الذي ي�ضم الدول املطلة على البحر الأحمر ودول اخلليج (دول جمل�س التعاون اخلليجي ،و�إيران ،والعراق) ومنطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �أفريقيا ،والالعبني الدوليني الرئي�سيني .كما يندرج حتت هذا الت�صنيف
يف �أيامنا هذه �أ�صبح العاملان الواقعي واالفرتا�ضي متداخالن �إىل حد ال ميكن ف�صلهما عن بع�ضهما البع�ض .هذه احلقيقة جتعل ل�شبكة املعلومات الدولية (الإنرتنت) �سحر ًا وجاذبية ال تقاوم ،كونها �إحدى نوافذ �إ�شهار الذات ،الفردية �أو امل�ؤ�س�سية .ولهذا ،فقد �أولينا يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية �أهمية فائقة للتوا�صل التفاعلي مع رواد العامل االفرتا�ضي ،و�إتاحة منتجاتنا الفكرية والتحليلية للجميع داخل اليمن وخارجه ،وباللغتني العربية والإجنليزية .وعو�ض ًا عن كونه يتيح لنا وللمهتمني بالعمل البحثي يف اليمن وخارجه ،التوا�صل والتفاعل البناء ،ف�إننا نعمل دوم ًا على تطوير موقعنا الإلكرتوين بحيث يكون واجهة معربة عن ن�شاطاتنا الهادفة �إىل «رفد ال�سيا�سة باملعرفة»، وبحيث يكون دوم ًا مفعم ًا باحليوية والتجديد� ،شك ًال وم�ضمون ًا.
على �أع�ضاء هيئتنا اال�ست�شارية
تت�شكل الهيئة اال�ست�شارية ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية من جمموعة �أكادمييني وخرباء معروفني ،وهي ال تعك�س خربات من خمتلف احلقول فح�سب بل �أي�ض ًا متثل تنوع ًا من الناحيتني اجلغرافية والثقافية .وللتعرف �أكرث على الأ�سماء املرموقة (الواردة يف العمود ي�سار ال�صفحة) ،والتي ت�ض ّمها قائمة الهيئة اال�ست�شارية للمركز و�سريها الذاتية ،وحقول تخ�ص�صاتها املعرفية والأكادمييةُ ،قم بزيارة الرابط التايلwww.shebacss.com/ar/advisors.php?id=31 :
تابـع �آخر م�ستجدات الأو�ضاع يف اليمن واملنطقة �أو ً ال ب�أول عرب بوابة «املركز الإعالمي» بغر�ض تزويد مت�صفحي وم�شرتكي املوقع الإلكرتوين للمركز بكل امل�ستجدات اخلربية والإعالمية ،مت تخ�صي�ص هذه النافذة (التي تكاد تكون موقع ًا م�ستق ًال بذاته) ملتابعة �آخر الأخبار يف ال�صحافة وو�سائل الإعالم �أو ًال ب�أول ،وعر�ضها على املوقع على مدار ال�ساعة باللغتني العربية والإجنليزية كما وردت من م�صادرها .وغايتنا هي متكني مرتادي املوقع من معاي�شة احلدث ومتابعة تطوراته خالل خمتلف مراحله ،ومن ر�ؤى ومنطلقات متعددة .ويجري اختيار الأخبار والتقارير بعناية وحرفية من م�صادر متعددة �ضمن �آلية للمتابعة اليومية لكل من :وكاالت الأنباء العربية والعاملية� ،أهم ال�صحف العربية والأجنبية ،مواقع �إخبارية متخ�ص�صة ،وغريها من امل�صادر. للإطالع على حمتويات املركز الإعالمي املتجددةُ ،قم بزيارة الرابط التايلwww.shebacss.com/ar/news.php :
�شاركنا �آراءك حول �أهم التطورات اجلارية يف اليمن واملنطقة
يت�ضمن موقعنا على �صفحته الرئي�سية نافذة جانبية با�سم «ا�ستفتاء» ،وحتوي ا�ستطالع ر�أي حي وتفاعلي حول �أهم الق�ضايا وامل�ستجدات على ال�ساحة اليمنية والإقليمية .والهدف هو �إتاحة الفر�صة ملت�صفحي موقعنا وزواره للإدالء ب�آرائهم ووجهات نظرهم حول ق�ضايا خمتلفة بكل �شفافية .ولعل من املفيد التذكري ب�أن هذه اال�ستطالعات تتغري ب�شكل دوري وفق تطورات الأو�ضاع ،بحيث تغطي تباع ًا �أبرز الق�ضايا املطروحة واملثرية للجدل.
اطّ لع على �أن�شطتنا وفعالياتنا احلالية وامل�ستقبلية يوفر املوقع الإلكرتوين ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية لزواره وللمهتمني بن�شاطاته وفعالياته ،نافذة متخ�ص�صة مبتابعة و�إبراز الفعاليات والأن�شطة التي ينظمها املركز �أو ينوي تنظيمها م�ستقب ًال وفق خطته البحثية .وت�شمل هذه الأن�شطة والفعاليات :امل�ؤمترات الإقليمية والدولية، بالإ�ضافة �إىل الندوات وور�ش العمل وحلقات النقا�ش واالجتماعات املختلفة والتي ينظم بع�ضها بالتعاون مع �أبرز مراكز الأبحاث العربية والعاملية ،ناهيك عن املحا�ضرات العامة التي يلقيها خرباء مينيني وعرب و�أجانب يف �شتى املجاالت والتخ�ص�صات. 6
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
يتيح موقع املركز لزواره ومت�صفحيه جملة «مدارات ا�سرتاتيجية» مع �إمكانية حتميلها جمان ًا� ،سواء ب�شكل مفرد (�أي كل مقال على حدة)� ،أو تنزيل �أعداد املجلة كاملة.
�سال�سل الدرا�سات
shebacss.com
تعرَّف
مدارات ا�سرتاتيجية
الهيئة اال�ست�شارية �أنو�ش �إحت�شامي (�إيران/بريطانيا) �إبراهيم �سيف (الأردن) �إن�صاف عبده قا�سم مر�شد (اليمن) باقر النجار (البحرين) جرد نونيمان (اململكة املتحدة) ِ جالل فقرية (اليمن) ح�سني علي حممد (ال�صومال) خلدون النقيب (الكويت) ر�ضوان ال�سيد (لبنان) (عمان) �سامل بن تبوك ُ �شوكت �أ�شتي (لبنان) عبد الغفار فرح (ال�صومال) عبداخلالق عبداهلل (الإمارات) عمرو حمزاوي (م�صر) فائزة بن حديد (اجلزائر) لبنى امل�سيبلي (اليمن) مارينا �أوتاوي (الواليات املتحدة) حمجوب الزويري (الأردن) حممد �أحمد الزعبي (�سورية�/أملانيا) حممد الأفندي (اليمن) حممد احلاوري (اليمن) حممد �صالح قرعه (اليمن) حممد عبد ال�سالم (م�صر) حممد الرميحي (الكويت) ملحم �شا�ؤول (لبنان)
�سل�سلتني �أخريني، هما� :سل�سلة �أوراق بحثية ،وهي �سل�سلة �أوراق غري دورية وغري حمكمة ،تتناول بالتحليل والتقومي ق�ضايا ال�ساعة ذات الطابع الهام ،مبا من �ش�أنه تقدمي ر�ؤية �أو�سع ل�صناع القرار واملهتمني من الأكادمييني والباحثني .وكذلك �سل�سلة ر�سائل جامعية ،التي تهتم بن�شر ر�سائل املاج�ستري و�أطروحات الدكتورة اجلامعية املتميزة يف
حتليالت �سيا�سية
املجاالت التي تقع �ضمن اهتمامات املركز ،بهدف خلق تراكم علمي ومعريف لدى املخت�صني واملهتمني بهذه املجاالت ،و�إتاحة الفر�صة ل�صناع القرار والنخب العلمية والثقافية يف املجتمع لال�ستفادة من نتائجها.
تت�ضمن هذه النافذة حتليالت مكثفة يقدمها باحثو املركز حول حدث �سيا�سي حايل الفت �أو ق�ضية جديرة باالنتباه ،ومن املحتمل �أن يكون لها ت�ضمينات �إ�سرتاتيجية على املديني املتو�سط �أو البعيد.
الكــتــب
توفر هذه النافذة �إطاللة عامة على الكتب التي ين�شرها مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية� ،سواء باللغة العربية �أو الإجنليزية ،يف املجاالت املختلفة ال�سيا�سية والإ�سرتاتيجية واالقت�صادية واالجتماعية .وبع�ض هذه الكتب متاح بالكامل للتنزيل املجاين.
خمتارات من جديد موقعنا
�أخبار وحتليالت ووجهات نظر
■ اقر�أ تغطية مكثفة للم�ؤمتر البحثي الذي ّ نظمه مركز �سب�أ للدرا�سات
اال�سرتاتيجية على مدار يومي � 18-17أيار/مايو ،والذي حمل عنوان« :اليمن :2010ال�سيا�سة واملجتمع»( .التغطية الإعالمية لأن�شطة املركز وفعالياته املختلفة متوفرة يف نافذة «ت�صريحات و�أخبار») ■ ما مدى قوة احلراك اجلنوبي يف اليمن؟ وما هي �أهدافه؟ وما هي املبادرات التي طُ رِحت وميكن لها �أن حت ّل هذه امل�شكلة؟ حتليل م�شرتك
�أعده كل من :الباحث يف املركز حممد �سيف حيدر ،والباحثة نيكول �سرتاكه من مركز اخلليج للأبحاث بدبي (ورقة بحثية متاحة على «واجهة ال�صفحة
■ كيف ميكن التعامل مع م�شكلة البطالة يف العامل العربي ،وما هي �أهم التحديات التي تثريها هذه املع�ضلة بالن�سبة للحكومات واملجتمعات العربية ،وما ال�سبل الناجعة لتجاوزها؟ مقاربة اقت�صادية لق�ضية مهمة تقوم بها الباحثة يف وحدة الدرا�سات االقت�صادية �أروى �أحمد البعداين (ورقة متاحة يف نافذة «حتت املجهر»). ■ اقر�أ خال�صة لقاء العمل الذي نظمه املركز باال�شرتاك مع برنامج منتدى اليمن باملعهد امللكي لل�ش�ؤون الدولية (�شاتام هاو�س) ،يف 6ني�سان�/أبريل .2010والذي يحمل عنوان «اليمن واملنطقة والعامل :ت�صورات امل�صالح
الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية والإجنليزية ،كما جتد ن�سخة منقحة منها من�شورة يف هذا العدد من «مدارات ا�سرتاتيجية»).
الإقليمية والدولية» (ا�ستخال�ص متوفر على «واجهة ال�صفحة الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية والإجنليزية ،كما جتد ن�سخة منقحة منه �ضمن مقاالت هذا العدد من «مدارات ا�سرتاتيجية»)
■ اطلع على �أحدث �إ�صداراتنا �ضمن �سل�سلة درا�سات اجتماعية ،درا�سة محُ كّمة بعنوان «الآلية ال�شرعية ملكافحة الف�ساد» للباحث حممد غالب ال�شرعبي( .متوفرة مع �إمكانية حتميلها جمان ًا يف �صفحة :املطبوعات/
■ ما حقيقة املوقف الأمريكي من م�س�ألة ان�ضمام اليمن ملجل�س التعاون
�سال�سل الدرا�سات�/سل�سلة درا�سات اجتماعية)
ت�صويت تفاعلي
اخلليجي؟هذا ما يحاول تو�ضيحه الباحث يف وحدة الدرا�سات اال�سرتاتيجية عاي�ش علي عوا�س (حتليل متوفر يف نافذة «حتليالت �سيا�سية»).
�شاركنا بر�أيك على shebacss.comبالت�صويت على �أحدث اال�ستفتاءات التفاعلية: «هل تتوقع �أن ت�صل ال�سلطة واملعار�ضة يف اليمن �إىل اتفاق حول انتخابات ني�سان�/أبريل 2011؟» ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
7
اليمن والعامل
رئي�س التحرير
�إفتتاحيـة 8
�سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أفكار
لن�ساعد �أنف�سنا �أو ًال يواك���ب �إ�ص���دار ه���ذا الع���دد احتف���االت اليم���ن واليمني�ي�ن بالذك���رى الع�شرين لوحدتهم ،والتي – كم���ا يعرف اجلميع -مل تتحقق ب�ي�ن ليل���ة و�ضحاها بل متخّ �ضت بعد والدة ع�سرية ،ويف ظ���روف جيو�سيا�سية �إقليمية وعاملية غاية يف التعقي���د ،وكان حتققها �أ�شبه م���ا يكون مبعجزة بحق .ومن ينظر �إىل ما م�ضى من زمن ،يتواله �شع���ور ب�أن وحدة اليمن قد تعهدته���ا عناية ال�سماء باعتبارها كائن���ة يف �ضمائر اليمنيني جميعاً، �ش���اء من �ش���اء وكره من كره .غري �أن ه���ذا ال يعني بحال �أن الو�ضع بات الي���وم على ما يرام ،و�أن الوحدة لن تواجه حتديات �صعبة ومزعجة حتاول �أن تنال من قيمتها ومعانيها ال�سامية ،فنحن يف ع���امل الدولة القومية وما بعدها مطالبون ب�أن نتح���رك وفق مفاهيم وذهنيات جديدة؛ فال وحدة قومية من دون روابط جمعوية ي�شرتك فيها جميع �أبناء الوطن الواحد ،وي�أتي يف مقدمتها روابط املواطنة املت�ساوية ،والعدالة االجتماعية ،وخ�ضوع اجلميع بال ا�ستثناء ل�سلطة القانون. وبالنظ���ر �إىل التحدي���ات الت���ي تواجهها اليم���ن حالياً ،فقد ت�سن���ى يل م�ؤخر ًا ح�ض���ور عدد من االجتماع���ات الت���ي ناق�شت ه���ذه التحديات مبختل���ف ت�شعباته���ا ورهاناتها ،وترك���زت كلها حول �أو�ض���اع اليم���ن وكيفية م�ساعدة املجتمع الدويل لليمن للخروج م���ن �أزماته املت�شعبة .فقد �شاركت يف فري���ق “�أ�صدق���اء اليمن” (جمموعة العدال���ة وحكم القانون) ،وجمعنا كذل���ك لقاء مع املعهد امللك���ي لل�ش�ؤون الدولية (�شاتام هاو�س) ،وكذلك مع مركز �إنيغما للتحليل الع�سكري ،ومع م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم العاملي وغريها ،وكل ذلك كان خالل الأ�سابيع القليلة املا�ضية. ويف جمي���ع هذه اللقاءات كان هناك �إجماع على ت�شخي����ص م�شاكل اليمن امللحة على اختالفها. وم���ع الإق���رار باحلاجة �إىل تبني منهج متكام���ل ينظر �إىل ،ويتناول ،م�ش���اكل اليمن ب�شمول وعلى م���دى طوي���ل ،ومع موافقة �أطراف ميني���ة ر�سمية وغري ر�سمية على مثل ه���ذا املنهج وعدم النظر �إىل اليم���ن م���ن زاوي���ة الأمن والإرهاب فق���ط� ،إال �أن ذلك ال مينع من الف�صل م���ا بني هذا املنهج ال�شام���ل الطويل الأجل وب�ي�ن احلاجة العاجلة ملعاجلة بع�ض الق�ضاي���ا ذات الطبيعة امللحة ،والتي ت�ستدعي من املجتمع الدويل م�ساعدة اليمن فيها على وجه ال�سرعة ،باعتبارها ال حتتمل الت�أجيل، �أو املعاجلة على املدى الطويل. وي�أت���ي على ر�أ�س ه���ذه الق�ضايا م�س�ألة تفعي���ل �إدارة الأجهزة احلكومية ،وتنمي���ة و�إدارة املوارد املائي���ة ،ومعاجلة العجز يف الطاقة الكهربائي���ة ،وتعزيز �أمن املواطن ،وتخفيف م�ستويات الف�ساد ضال ع���ن �إ�صالح التعليم ب�شكل عام ،وب�سط �سلطة وهيبة الدولة .و�أخرياً ،ولي�س غ�ي�ر امل�سبوقة ،ف� ً �آخراً ،حظر تعامل القبائل والأفراد ب�شكل مبا�شر� ،أو غري مبا�شر ،مع جهات خارجية الأمر الذي ينعك�س �سلب��� ًا على الدولة و�سيادتها ،وي�ضعف ال�سلطة املركزي���ة با�ستقواء هذه الأطراف �سيا�سي ًا ومالي ًا باخلارج. ل���ذا ،يفرت�ض العمل �سريع ًا على م�سارات متعددة :ق�صرية وطويلة الأجل مل�ساعدة اليمن للتغلب على م�شاكله و�أزماته ،وقبل كل هذا على اليمن �أن يكون راغب ًا وم�ستعد ًا مل�ساعدة نف�سه �أو ًال ليمكن الآخرين من تقدمي امل�ساعدة.
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�أحمد عبدالكرمي �سيف
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
ا�سرتاتيجية
العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
2010
ا�سرتاتيجية
9
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
احلراك اجلنوبي فـي اليمن املكونات ،عوامل ال�ضعف ،ومبادرات احلل نيكول �سرتاكه و حممد �سيف حيدر
m_saif@shebacss.com n.stracke@grc.ae
«الوح���دة �أو املوت» ه���و ال�شعار الذي ُكت���ب �إىل جوار �صورة الرئي�س علي عبد اهلل �صالح يف �إحدى الالفتات الإعالني���ة الواقع���ة على �ش���ارع ال�سبع�ي�ن بالعا�صمة �صنع���اء .وبه���ذا ال�شعار ،مل ت�ت�رك الدول���ة لأحدٍ �أي جم���ال لل�شك ب�أن الدفاع عن الوحدة اليمنية ي�أتي يف مقدم���ة الأولويات .ويف نف�س الوق���ت ،ت�صدر تقارير منتظمة تتحدث عن ح�صول ا�شتباكات بني مواطنني ميني�ي�ن يف اجلنوب والق���وات التابع���ة للدولة ،يف كل 10
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
م���ن حمافظات حلج و�شبوة وال�ضال���ع و�أبني ،وهو ما يعط���ي انطباع ًا ب�أن ثمة م�شكلة �أمنية متزايدة ناجتة ع���ن احلراك اجلنوب���ي ،مع �إمكانية حت���دي ال�سلطة ضال عن �شرعية وحدة و�شرعية احلكومة يف �صنعاء ف� ً اليمن برمته���ا .لكن ما مدى ق���وة احلراك اجلنوبي يف اليم���ن؟ وما هي �أهداف���ه؟ وما هي املبادرات التي طُ رِ حت وميكن لها �أن حت ّل هذه امل�شكلة؟ نيك���ول �سرتاك���ه باحث���ة يف ق�س���م الأم���ن والإره���اب مبرك���ز اخللي���ج للأبح���اث ،دبي؛ و حممد �سي���ف حيدر باحث مبركز �سب����أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية� ،صنعاء – اليمن.
�إن االحتجاج���ات التي تقوم به���ا اجلماعات اليمنية اجلنوبي���ة املعار�ض���ة �ضد احلكوم���ة املركزية لي�ست ظاه���رة جديدة يف اليم���ن؛ �إذ ب���د�أت االحتجاجات واملظاهرات املُنظّ مة بعد انتهاء حرب 1994الأهلية، وما زالت م�ستمرة حتى اليوم .ففي عام 1997ت�شكلت جلان �شعبي���ة انتقدت ت�صرف���ات احلكومة املركزية ونظ���ام الإدارة املُ ّتب���ع يف جنوب الب�ل�اد .ويف كانون الأول/دي�سمرب 2003ب���د�أ «ملتقى �أبناء املحافظات
اجلنوبية وال�شرقية» املطالبة بامل�ساواة بني املواطنني اليمنيني يف كلٍّ من ال�شمال واجلنوب ،ومنح ال�سلطات والكف املحلية يف اجلن���وب املزيد من ال�صالحياتّ ، ع���ن تهمي�ش اجلنوبي�ي�ن يف العملي���ة ال�سيا�سية .ويف كانون الثاين/يناير 2006بد�أت جمموعة من �ضباط اجلي����ش اجلنوبيني املتقاعدي���ن التجمّع لالحتجاج، الأم���ر ال���ذي كان مبثاب���ة حج���ر الأ�سا����س «جلمعية الع�سكريني املتقاعدين» التي �أُ�سِّ �ست يف عام .2007 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
11
اليمن والعامل
حتليالت
=ويف بحثن���ا مت ّكن���ا من التعرف عل���ى املكونات واملجموع���ات الرئي�سية ولك���ن ن�شاط االحتاد �أخذ يت�سع مع مرور الوقت ،وبد�أ ي�أخذ طابع ًا �أكرث املن�ضوي���ة يف احل���راك اجلنوبي ،وميكن القول �إن هن���اك ما ال يقل عن ا�ستقاللي���ة من الناحية التنظيمية .وين�شط احتاد �شباب اجلنوب حالي ًا �سبع من هذه املجموعات تعمل يف جنوب اليمن ،وهي: يف عدد من املحافظات ،ومنها �شبوة و�أبني وحلج وال�ضالع وح�ضرموت؛ ()1 الهيئ���ة الوطنية العلي���ا ال�ستقالل اجلنوب :ويقوده���ا العميد املتقاعد وتربطه عالقات بحركة «تاج» يف لندن .نا�صر علي النوبة ،وهو الرئي�س ال�سابق جلمعية املتقاعدين الع�سكريني - .الهيئ���ة الوطنية للن�ض���ال ال�سلمي اجلنوبي :وير�أ�سه���ا الدكتور �صالح وتن�شط هذه املجموعة يف حمافظتي �شبوة ،وال�ضالع ،ولها ن�شاط �أقل يف يحي���ى �سعي���د ،وهو �أ�ست���اذ علم االجتم���اع بجامعة ع���دن .وتن�شط هذه املجموعة ب�ش���كل �أ�سا�سي يف مدينة عدن (ال�سيما بني النخب والأكادميي�ي�ن وبع�ض النا�شط�ي�ن ال�سيا�سيني) ،ولها وجود يف �أب�ي�ن ،وحل���ج ،و�شبوة .كما �أن لها رواب���ط مبجموعة «تاج» يف لندن. جمل����س قي���ادة الث���ورة ال�سلمي���ة :وهو حتت قي���ادة ال�شيخط���ارق الف�ضلي .كان املجل�س حتى وق���ت قريب ين�شط ب�شكل �أ�سا�س���ي يف حمافظة �أبني وعا�صمتها زجنبار ،وكان له وجود ما يف حمافظة �شبوة .لكن هذا الف�صيل ،الذي �أراده الف�ضلي تنظيم��� ًا جامع ًا لق���وى احلراك اجلنوبي� ،سرع���ان ما اندمج ب���دوره مطلع العام 2010يف مكونات جمل�س احلراك ال�سلمي لتحرير اجلنوب. جمل�س احل���راك ال�سلم���ي لتحرير اجلنوب:توحد ق��وى احل��راك اجلنوب��ي يف معار�ضته��ا للحكومة املركزي��ة ،واملطالب��ة مبنح بالرغ��م م��ن ّ فر�ص �أُ�س����س هذا الكيان يف �شهر كانون الثاين /يناير مت�ساوي��ة لأبن��اء اجلن��وب .لكن ،فيما ع��دا ذلك ،ف�إن اخل�لاف والتفكك بني جمموع��ات احلراك يبدو 2010كمظل���ة جامع���ة ملعظم مكون���ات وهيئات وا�ضح ًا يف �إ�سرتاتيجياتها وتكتيكاتها احلراك اجلنوبي ،التي �أعلنت اندماجها مُكوّنة ه���ذا املجل����س ،وت�ضم قي���ادة جمل����س احلراك حمافظتي �أبني وح�ضرموت. ال�سلم���ي لتحري���ر اجلن���وب -بح�س���ب بي���ان الت�أ�سي����س -معظ���م قادة املجل����س الوطن���ي الأعل���ى لتحرير اجلن���وب :وهو حتت قي���ادة ح�سن احل���راك ،والتي اتفق���ت فيما بينها عل���ى �أن يكون ح�سن باع���وم رئي�س ًا�أحم���د باعوم (الذي يتلق���ى العالج حالي ًا خارج اليم���ن ،وينوب عنه يف للمجل�س ،و�أن يكون ال�شيخ طارق الف�ضلي نائب ًا له. �أداء مهامه :حممد �صالح طمّاح) .وتن�شط هذه املجموعة يف حمافظتي ويب���دو �أن للمجل����س قن���وات ات�ص���ال مبا�شرة م���ع القي���ادات اجلنوبية ال�ضالع ،وحلج ،كما �أن لها ح�ضور يف كل من ح�ضرموت ،و�أبني .وتربط التاريخي���ة املوجودة يف اخل���ارج ،ويف مقدمتها علي �سامل البي�ض ،الذي املجل����س عالقات بجماعة التجم���ع الدميقراطي اجلنوب���ي (تاج) التي اعتربه بيان الت�أ�سي�س« ،الرئي�س ال�شرعي لدولة اجلنوب» .لكن با�ستثناء تتخذ من لندن مقر ًا لها. الت�صريح���ات والبيان���ات ،م���ا زال املجل����س خام�ل�اً ،وت�أث�ي�ر قيادته يف حرك���ة الن�ضال ال�سلم���ي اجلنوبي (جناح) :ويقوده���ا كل من �صالح ف�صائ���ل احلراك املختلفة حمدوداً .وتبق���ى فر�ص �صموده لفرتة طويلةال�شنفرة ونا�صر ا ُ خل ّبج���ي ،وهما ع�ضوان يف جمل�س النواب اليمني ويف – يف �ضوء التجارب ال�سابقة -حمل �شك. احلزب اال�شرتاكي اليمن���ي .وتعترب هذه املجموعة من �أكرث املجموعات اجلنوبي���ة تنظيماً ،و ُتع���وّل يف ن�شاطها ب�شكل كبري عل���ى قواعد احلزب العوامل امل�ساهمة يف �إ�ضعاف احلراك اجلنوبي اال�شرتاكي وكوادره اجلنوبية .ويرتكز ن�شاط حركة جناح ب�شكل �أ�سا�سي افتقار احلراك للقيادة املوحدة والتنظيم املركزي يف ال�ضالع وحلج و�أبني. احت���اد �شباب اجلنوب :وهو بقيادة ف���ادي ح�سن باعوم ،الذي حكمت بالرغ���م م���ن توحّ د ق���وى احل���راك اجلنوب���ي يف معار�ضته���ا للحكومةعلي���ه �إحدى املحاك���م اليمني���ة يف � 21آذار/مار����س 2010بال�سجن ملدة املركزي���ة ،واملطالبة مبنح فر����ص مت�ساوية لأبناء اجلن���وب .لكن ،فيما خم�س �سنوات .وقد �أُن�شئ احتاد �شباب اجلنوب يف البداية ك�أحد مكونات ع���دا ذلك ،ف�إن اخلالف والتفكك بني جمموعات احلراك يبدو وا�ضح ًا املجل����س الوطن���ي الأعل���ى لتحرير اجلنوب ال���ذي يقوده ح�س���ن باعوم ،يف �إ�سرتاتيجياته���ا وتكتيكاته���ا .فاحل���راك عبارة عن تط���ور لعدد من وال���د فادي (كان الأخري ير�أ�س الدائ���رة ال�شبابية يف املجل�س املذكور) ،املجموع���ات امل�ستقلة ،والت���ي لي�س لها حالي ًا – ورغ���م حماوالت الدمج 12
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
( )1هن���اك جمموعتني جنوبيتني معار�ضت�ي�ن تن�شطان خارج اليمن ،وكالهما يف اململك���ة املتحدة :حرك���ة «التجمع الدميقراطي اجلنوب���ي -تاج» يف مدينة لندن ،و«الهيئة الوطنية لدعم احلراك اجلنوبي» يف مدينة �شيفيلد.
املختلف���ة -جمل�س مركزي يعمل على تطوير �أجندتها امل�شرتكة وتن�سيق �أن�شطتها .كم���ا �أن معظم تلك الهيئات واملجموع���ات التي تقوم ب�أعمال انف�صالي���ة تعم���ل يف الغالب ب�ص���ورة م�ستقلة ،بل وتتناف����س مع بع�ضها البع�ض .وبهذا ،جند �أن احلراك يت�صف باالنق�سامات ال�شديدة� ،إذ �أن قيادة كل جمموعة حتاول فر�ض �أجندتها اخلا�صة بها. عالوة على ذلك ،ال يبدو �أن اجلماعات االنف�صالية تختلف يف �أجندتها ال�سيا�سي���ة فح�سب ،بل �أي�ض ًا يف معتقداته���ا و�أيديولوجياتها ال�سيا�سية. فبينما القادة يف عدن وحلج وال�ضالع هم يف الأ�سا�س عنا�صر ا�شرتاكية و�ضب���اط ع�سكريني متقاعدي���ن ،جند �أن املجموع���ات املوجودة يف �أبني و�شبوة خ�صو�ص ًا تت�أثر بعوامل قبلية ودينية. بُذلت يف املا�ضي القريب العديد من املحاوالت لتوحيد مكونات احلراك اجلنوب���ي ،لكن معظم هذه املحاوالت ب���اءت بالف�شل .وقد حاولت بع�ض اجلماعات – مثل «جمل�س قيادة الثورة ال�سلمية» بقيادة اجلهادي ال�سابق والزعي���م القبلي طارق الف�ضلي – �أن تُن�صِّ ب نف�سها ممث ًال رئي�سي ًا لكل اجلنوب .وم�ؤخر ًا حاولت جماعة الف�ضلي االندماج مع «جمل�س احلراك ال�سلم���ي لتحرير اجلنوب» ،لكن مل يت���م االعرتاف ال بالف�ضلي وال غريه من قادة املجموع���ات والهيئات الأخرى كممثلني �شرعيني مل�صالح �أبناء اجلنوب� .إ�ضافة �إىل ذلك� ،أظهر االجتماع الذي عُ قد يف كانون الثاين/ يناي���ر 2010بني الرئي�سني ال�سابقني لليم���ن اجلنوبي علي �سامل البي�ض وعل���ي نا�صر حممد يف بريوت ،مدى ال�صعوب���ات التي تقف حائ ًال �أمام �إمكانية توحيد عنا�صر املعار�ضة اجلنوبية. وبالنظ���ر يف االجتاه���ات احلالية ،يب���دو �أن ف�صائل احل���راك اجلنوبي �آخذة يف التكاثر والنمو من حيث عدد �أع�ضائها و�أن�صارها واملتعاطفني معه���ا ،ه���ذا عدا ع���ن تو�سّ ���ع �شبكاته���ا و�أن�شطته���ا يف امل���دن اجلنوبية الرئي�سية .وبينما كانت �أن�شطة معظم تلك املجموعات تقت�صر يف مطلع �سن���ة 2008على مناطق معينة �أو حمافظة واحدة ،لكن هذا تغيرّ خالل العام املن�صرم وبد�أ نطاق الأن�شط���ة االنف�صالية يتّ�سع عرب املحافظات اجلنوبي���ة ،حي���ث �أ�صبحت معظم الهيئات ن�شط���ة الآن يف ما ال يقل عن ثالث حمافظات من املحافظات اجلنوبية (ال�ضالع وحلج و�أبني). مع ذلك ،تختلف ال�سبع الف�صائل الرئي�سية كثري ًا من حيث القوة والت�أثري الفعل���ي .ويبدو �أن ك ًال من «حركة جناح» بقيادة �صالح ال�شنفرة ونا�صر اخلبجي ،و»جمل�س قيادة الثورة ال�سلمية» بزعامة الف�ضلي ،هما الأقوى من حيث عدد �أن�صارهما الذين يُعدون بالآالف يف �أبني وال�ضالع وحلج، وباملئات يف حمافظة �شبوة ،وق���د �أظهرت احلركتان قدرة متنامية على جتنيد النا�شطني وحتري���ك امل�ؤيدين والأن�صار .لكن م�س�ألة �شرعيتهما م���ا تزال غ�ي�ر حم�سوم���ة .فالكثري من �أبن���اء اجلنوب ،مث�ل�اً ،ينظرون �إىل قي���ادة الف�ضلي بعني من ال�ش���ك .وباعتبار الف�ضلي ع�ضو ًا �سابق ًا يف احل���زب احلاكم (امل�ؤمتر ال�شعبي الع���ام) وجمل�س ال�شورى ،ف�إنه يُنظّ ر ل���ه ب�شكل وا�سع على �أنه جمرد انتهازي ي�سع���ى حماو ًال تعزيز م�صلحته ال�شخ�صي���ة .وال ي�ستبعد معظم النا�س يف اجلن���وب �أن الف�ضلي �سيوقف
عر�ض ُمغ���رٍ من قبل �أن�شطت���ه املناه�ض���ة للدول���ة �إذا م���ا ح�ص���ل عل���ى ٍ احلكوم���ة ،مينحه املزيد من الت�أثري ال�سيا�س���ي ويُر�ضي �أطماعه لتملك الأرا�ضي التي هي حمل نزاع. وبالن�سب���ة لكل م���ن «املجل�س الوطن���ي الأعلى لتحرير اجلن���وب» ،الذي يتزعم���ه ح�سن باعوم ،و»احتاد �شباب اجلنوب» بقيادة ابنه فادي ح�سن باعوم ،ف�إنهما ميتلكان القدرة على �أن يكونا �أكرث قوة م�ستقبالً ،وب�صفة خا�صة «احتاد �شباب اجلنوب» الذي يعترب الف�صيل الوحيد الذي ميتلك برناجم��� ًا �سيا�سي ًا لل�شباب ،ومن املتوقع �أن يج���ذب املزيد من الأع�ضاء يف امل�ستقبل. �أم���ا «الهيئة الوطني���ة العليا ال�ستق�ل�ال اجلنوب» بقي���ادة العميد نا�صر النوب���ة ،فيبدو �أن ت�أثريها حمدود جداً .رغ���م �أن النوبة كان واحد ًا من �أوائل الذين قادوا االحتجاجات التي قام بها �ضباط اجلي�ش اجلنوبيني عام ،2007والتي كانت يف بداية الأمر تنظم من ِقبَل «جمعية املتقاعدين الع�سكري�ي�ن اجلنوبيني» .وقد اعرت�ض بع�ض ال�ضب���اط املتقاعدين على ت���ويل النوبة القي���ادة� ،إذ �شككوا يف �شرعيته كمتح���دث ر�سمي جلمعية املتقاعدي���ن الع�سكريني ،وانتق���ده البع�ض الآخ���ر ملغادرته اليمن خالل احل���رب الأهلية عام .1994ونتيج���ة لذلك ،انق�سم���ت جمعية ال�ضباط املتقاعدي���ن وم�ضى العمي���د النوب���ة يف ت�أ�سي�س «الهيئ���ة الوطنية العليا ال�ستقالل اجلنوب» .وعندما بادرت الدولة ب�إعادة بع�ض �ضباط اجلي�ش ال�سابقني �إىل �صفوف الق���وات امل�سلحة ،ورفع معا�شات التقاعد للبع�ض الآخر ،فقدت هذه الهيئة بع�ض ًا من ت�أثريها. افتقار احلراك اجلنوبي لدعم خارجي حا�سم يف بادئ الأمر ،قال���ت بع�ض ف�صائل احلراك اجلنوبي �أنها تتلقى دعم ًا مادي��� ًا من بع�ض اجلاليات التجارية اجلنوبية املقيمة يف �أماكن خمتلفة م���ن العامل .واحلقيق���ة �أن جمموعة جنوبية معار�ض���ة كانت قد متكّنت م���ن �إطالق وت�شغيل قناة تلفزيوني���ة ف�ضائية مقرها يف اململكة املتحدة، �سُ ّمي���ت «قناة عدن احلرة» ،وخالل فرتات بثّها كانت تحُ رّ�ض على فكرة االنف�ص���ال .وبثّت القناة �أي�ض ًا بيانات لرئي����س اليمن اجلنوبي ال�سابق، علي �سامل البي�ض. وعل���ى �أية حال ،ف����إن ال�ص���ورة تغ�ّي رّ ت الآن� .إذ �أن الف�صائل اجلنوبية املختلف���ة تفتقر حالي ًا �إىل �أي دعم خارجي �أ�سا�سي .ف�أ ّي ًا من احلكومات العربي���ة �أو اخلليجي���ة مل تُبدِ �أن له���ا م�صلحة �أو رغب���ة يف دعم تق�سيم اليمن ،لعدة اعتبارات: فاليمن املُق�سّ م لن يتفكك بال�ضرورة �إىل مينني فقط – �شمال وجنوب– ولكن من املرجّ ح �أن يكون هناك عد ٌد من الكيانات .و�إذا ما مت ذلك، ف�إن���ه �سيُ�شجّ ع على انت�شار املزيد م���ن العنف ،لي�س فقط بني ال�شماليني واجلنوبي�ي�ن و�إمنا بني اجلنوبيني �أنف�سهم ،الأمر الذي �سي�ؤدي �إىل عدم اال�ستق���رار ورمب���ا يت�سبب يف اندالع ح���رب �أهلية ،و�سيُفت���ح الباب على م�صراعيه للتدخل اخلارجي الذي �سي�ؤدي بدوره �إىل زعزعة اال�ستقرار ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
13
اليمن والعامل
حتليالت
يف منطقة اخلليج ب�أ�سرها. �إن بع�ض دول املنطقة ت�شك يف �أن احلراك االنف�صايل يف اليمن مدفو ٌع�أ�سا�س ًا به���دف ال�سيطرة على املوارد االقت�صادية للبالد ،خا�صة املوارد النفطي���ة منها .وجناح احل���راك �سيُ�شجِّ���ع على ظهور جماع���ات قبلية وطائفي���ة �أخرى يف منطقة اخلليج ت�ستهدف �سي���ادة �أرا�ضي بع�ض دول اخلليج ،وهو ما ال يرغب �أي نظام حكم يف اخلليج �أن يراه يتحقق. كما �أن عدم وجود دعم من قبل القوى الدولية للحراك اجلنوبي ي�ؤثر�أي�ض ًا يف مواقف دول اجلوار الإقليمي. ويف احلقيق���ة �أن دول اخللي���ج �أعطت �إ�شارات وا�ضح���ة تنم عن دعمها للحكومة املركزية يف اليمن ،ووحدة الأرا�ضي اليمنية و�سالمتها .فخالل انعقاد قمة دول جمل�س التعاون اخلليجي يف كانون الأول/دي�سمرب 2009 يف الكوي���ت� ،أكدت ال���دول ال�ست الأع�ض���اء يف جمل�س التع���اون للقيادة اليمني���ة دعمه���ا الكام���ل لوح���دة اليم���ن وا�ستقرارها .و�ش���ددت بع�ض ال���دول ،مثل ال�سعودي���ة ،على �أن احلفاظ على الوح���دة اليمنية يعد من �أهم الأولويات. وق���د قاب���ل ه���ذه االلتزام���ات العلني���ة ،فع ٌل حا�س��� ٌم يف دع���م احلكومة اليمني���ة .فف���ي ني�سان�/أبري���ل 2009قيل �أن القي���ادة اليمنية طلبت من اململك���ة العربي���ة ال�سعودية �أن متن���ع قياديني ميني�ي�ن جنوبيني �سابقني يقيمان يف اململكة من ممار�سة �أي ن�شاطات �سيا�سية م�ساندة للجماعات االنف�صالي���ة .وبع���د �شهري���ن م���ن ذلك ،طلب���ت اليمن م���رة �أخرى من ال�سلط���ات ال�سعودي���ة امل�ساعدة يف منع الدعم املايل ال���ذي قيل �أنه يتم �إر�سال���ه لبع����ض اجلماعات اجلنوبية من قبل �سعودي�ي�ن من �أ�صل ميني ومواطن�ي�ن مينيني يعي�ش���ون يف اململكة .ويُعتق���د �أن ال�سلطات ال�سعودية قد جتاوبت ب�شكل �إيجابي مع مطالب احلكومة اليمنية ،وعملت ب�سرعة عل���ى منع الن�شاطات ال�سيا�سي���ة املزعومة ،كما تعاملت بحزم مع ق�ضية التمويل غري امل�شروع لالنف�صاليني اجلنوبيني . ع�ل�اوة على ذل���ك ،ذك���رت تقاري���ر �أن العاه���ل ال�سعودي عب���داهلل بن عبدالعزي���ز �أر�سل خطاب ًا �إىل عدد من رجال الأعمال ال�سعوديني الكبار (ومعظمهم من �أ�صول مينية جنوبية) ،يطالبهم فيه باالمتناع عن دعم �أي جماعات يف جنوب اليمن. ول�سلطنة عُ مان وجهة نظ���ر مماثلة� ،إذ تُف�ضِّ ل وجود مين موحد وتدعم ذل���ك .فف���ي �أيار/مايو � 2009سحب���ت ال�سلطات العمانية ج���واز ال�سفر (اجلن�سي���ة) م���ن علي �سامل البي����ض و�ألغت حق �إقامت���ه يف عُ مان ،وهو االمتي���از الذي ظل يتمتع ب���ه منذ عام .1994وق���د كان املوقف العماين وا�ضح��� ًا جداً؛ �إذ �صرح���ت ال�سلطات هناك ب�أن البي����ض خالف �شروط اللج���وء ال�سيا�س���ي الذي مُنح له ب�شرط �أال ي���ورط نف�سه يف �أي ن�شاطات �سيا�سي���ة �أو �أي «عم���ل عدائ���ي» �ضد بل���ده .ويف �أيار/ماي���و � 2009أر�سل ال�سلط���ان قابو�س ر�سالة �إىل الرئي����س �صالح يعرب فيها عن دعم عُ مان الق���وي والتزامها بوح���دة اليمن .وكج���زءٍ من اجله���ود املبذولة لإثبات ت�ضامن الدول العربية ودعمها لوحدة اليمن ،حتى الزعيم الليبي معمر
(
14
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
)
2010
القذايف رف�ض منح البي�ض ت�أ�شرية دخول لزيارة ليبيا. واحلال �أن غياب الدعم اخلارجي جعل من ال�صعب جد ًا على جمموعات احل���راك اجلنوبي حتقيق معار�ضة منظمة وفعالة ،وح ّد تالي ًا من قوتها وت�أثريها ب�شكل وا�ضح: فاالفتقار �إىل دعم من هذا النوع ي�ؤثر يف �إمكانية قيام هذه اجلماعاتبح�شد الت�أييد ،وتنفيذ حمالت دعائية �ضخمة. كما �أنه يح ّد من قدرة املجموعات املعار�ضة على فتح مكاتب لها داخلاملنطقة وخارجها للت�أثري يف الر�أي العام وك�سب التعاطف. ويف الواق���ع �أن املنا�ص���رة التي حظيت بها ق�ضي���ة الوحدة اليمنية داخل املنطقة وخارجها ق���د �أثرت ب�شكل م�ضاد وعك�سي على م�صادر التمويل اخلا�صة باجلماعات االنف�صالية .ومما ال �شك فيه �أن غياب امل�ساهمات املالية من خارج الب�ل�اد قد ح ّد من ت�أثري هذه اجلماعات ،وحرمها من تطوي���ر جمموعات �ضغ���ط لك�س���ب الت�أيي���د �أو �إن�شاء �صح���ف �أو قنوات ف�ضائي���ة لدع���م ق�ضيتها .ورغم �إن�شاء قناة عدن احل���رة �إال �أن ت�أثريها ظل حمدود ًا للغاية ،نظ���ر ًا لرف�ض �شركات القنوات الف�ضائية الإقليمية منحها جما ًال �إقليمي ًا للبث. �إ�ضاف���ة �إىل ذلك ،ف�إن غياب الدعم امل���ايل يح ّد كثري ًا من قدرة هذهالف�صائل على �شراء �أ�سلحة �أو ت�شكيل ملي�شيات تتحدى بها قوات الأمن احلكومي���ة .وميكنن���ا القول �إن غي���اب الدعم املايل ق���د ثبّط من جهود توحيد احل���راك اجلنوبي؛ فل���و متكنت �إحدى املجموع���ات االنف�صالية ه���ذه من احل�صول على م���وارد مالية �آمنة ودائم���ة ،ف�إنها �ستتمكن من تعزي���ز وتقوية موقعها ،ورمبا �سي�سهل لها ت�أ�سي�س قيادة مركزية موحدة كانت �ستُ�شكِّل حتدي ًا خطري ًا حلكومة �صنعاء املركزية.
مبادرات حلل ال�صراع يف اجلنوب
الو�ساطة الإقليمية بُذل���ت العدي���د م���ن اخلط���وات احل���ذرة يف املنطق���ة العربية م���ن �أجل التو�س���ط يف ال�ص���راع القائ���م ب�ي�ن احلكوم���ة املركزي���ة واجلماع���ات ال�سيا�سية اجلنوبية املعار�ضة يف داخل اليمن وخارجها .ففي زيارته �إىل اليمن مطل���ع ت�شرين الأول�/أكتوبر � ،2009أع���رب الأمني العام جلامعة ال���دول العربي���ة عم���رو مو�سى عن التزام���ه بدعم وحدة اليم���ن و�أمنها وا�ستقراره���ا ،وطالب ب�إجراء حوار وطني �شامل حلل امل�شكلة يف جنوب اليم���ن .ومنذ ذلك احلني� ،أبدت كل م���ن ال�سعودية وم�صر رغبتهما يف التو�س���ط وحل م�شكلة اجلنوب .ويف ت�شري���ن الثاين�/أكتوبر 2009توجّ ه كل م���ن وزي���ر اخلارجية امل�ص���ري ومدي���ر املخابرات العام���ة امل�صرية �إىل ال�سعودي���ة ،وم���ن ثمّ �إىل �صنعاء يف زيارة ر�سمي���ة ،ليعربا عن دعم بلدهما الكامل للوح���دة اليمنية ،وعر�ضا التو�سط حلل امل�شكلة؛ والتقيا يف القاهرة �أي�ض ًا بعدد من زعماء املعار�ضة اليمنية. �أبع���د من ذل���ك ،فقد ذكرت تقارير �أن نائب الرئي����س اليمني الأ�سبق
(
)
البي�ض توا�صل مع الأمني العام عمرو مو�سى ،وطلب من اجلامعة العربية التدخ���ل لإنه���اء امل�شكلة .لكن طلب البي�ض املتك���رر للدعم العربي قُوبل بالرف����ض ال�صريح من كل الدول العربية ،لأنه يُطالب عالنية بانف�صال اجلنوب .وم���ن املحتمل �أن تعمل م�صر ،ورمب���ا دول عربية �أخرى ،على من���ع البي�ض من امل�شارك���ة يف �أي مفاو�ضات م�ستقبلية ب�ش�أن الو�ضع يف جنوب اليمن .ويف فرتة من الفرتات ،طلب البي�ض من �إيران امل�ساعدة والدع���م ،وهو الأمر الذي �سب���ب ا�ستيا ًء �شدي���د ًا يف �أو�ساط احلكومات العربية. وحت���ى �سوري���ة الت���ي ربطته���ا عالق���ات تقليدية جي���دة بق���ادة احلزب اال�شرتاك���ي يف اليمن اجلنوبي �سابق ًا -والتي منحت اللجوء لعلي نا�صر حمم���د وبع����ض رفاقه – بذل���ت بع�ض اجله���ود للو�ساطة بني الطرف�ي�ن .ففي �شباط/فرباير 2010قام الأمني العام حلزب البع���ث احلاكم يف �سورية ،عبد اهلل الأحمر ،بزيارة للعا�صمة �صنعاء على �أمل امل�ساهمة يف �إيجاد حلٍّ �سيا�سيٍ للم�شكلة يف جنوب اليمن .
)
)
(
حول املطالبة بـ «امل�ساواة» يف توزيع املنا�صب احلكومية ،واحل�صول على ح�صة عادلة من م�شاريع التنمية الوطنية .واحلقيقة �أن جزء ًا كبري ًا من هذه املطالب ،ذو طبيعة اقت�صادية ومالية ،من قبيل: توجي���ه ن�سب���ة �أعلى من دخل الإنت���اج النفطي يف املناط���ق اجلنوبية،لتنمية هذه املناطق. تخ�صي�ص وظائف يف �شركات النفط لأبناء املحافظات اجلنوبية. التوزي���ع لعادل للأرا�ضي ،و�إعادة الأرا�ضي امل�صادرة يف اجلنوب بعدحرب عام .1994 املطالب���ة ب�س���نّ قوانني متن���ع رجال الأعم���ال ال�شماليني م���ن احتكارا�ستثمار القطاع اخلا�ص يف اجلنوب.
(
�إ�سرتاتيجيات احلكومة اليمنية �أطلق���ت احلكومة اليمني���ة بع�ض املبادرات حل���ل ال�صراع يف جن���وب اليم���ن .فبع���د املوج���ة الأوىل من االحتجاج���ات عام ،2007الت���ي قاده���ا ع�سكريون �سابق���ون يف اجلي�ش اجلنوبي املُنح���ل ،والذي���ن طالب���وا با�ستيعابه���م و�إعادة دجمه���م �ضم���ن م�ؤ�س�س���ات الدول���ة الع�سكرية لي�س هناك �أدنى �شك حيال �إمكانية تطور احلراك اجلنوبي �إىل �أن ي�صبح حتدي ًا كبري ًا والأمني���ة ،وزي���ادة رواتبهم ،حاول���ت احلكومة يهدد �شرعية احلكومة اليمنية وا�ستقرار البالد ،بل وم�ستقبل وحدة الدولة و�سالمتها التعامل �سريع ًا مع هذه الق�ضية ،و�أعادت خالل يف نهاية املطاف �أ�شه���ر قليل���ة � 2106ضابط ًا �سابق��� ًا �إىل �صفوف اجلي����ش ،بل و ُرقِّي البع�ض منهم �إىل رتب ع�سكري���ة �أعلى ،بينما �أُعطي -توف�ي�ر فر����ص وظيفي���ة للمتعلم�ي�ن وامل�ؤهل�ي�ن اجلنوبي�ي�ن يف القطاع الآخرون زيادات يف املعا�شات التقاعدية. احلكومي. ف� ً ضال عن ذلك ،حاولت احلكومة اليمنية فتح حوار مع احلراك اجلنوبي -حت�س�ي�ن البنية التحتية الأ�سا�سية يف املحافظات اجلنوبية ،ال�سيما يف م���ن خالل ت�شكيل «جلنة معاجلة ق�ضاي���ا اجلنوب» كجزءٍ من التح�ضري قطاع���ات املياه والكهرباء وال�صحة والتعليم (مبا يف ذلك بناء املدار�س لبدء «احلوار الوطني ال�شامل» .وقيل �أن بع�ض ف�صائل احلراك اجلنوبي ومعاهد التدريب واجلامعات وامل�ست�شفيات). ردّت ب�شكل �إيجابي على هذه اخلطوة احلكومية. وم�ؤخ���راً ،حتديد ًا يف مطلع � ،2010أعلنت احلكومة اليمنية عن عدد من م���ن ناحي���ة �أخ���رى� ،أعلن���ت احلكومة عن ت�شكي���ل جل���ان �شعبية لدعم امل�شاريع يف البنية التحتية التي من �ش�أنها توليد فر�ص عمل جديدة .ويف �سيا�ساته���ا حت���ت م�سمى «اللج���ان الوطنية للدفاع ع���ن الوحدة» يف كل ني�سان�/أبري���ل � 2010سافر الرئي�س �صال���ح �إىل ح�ضرموت ،حيث �أعلن املحافظ���ات اجلنوبي���ة .وكان اله���دف من ذل���ك ،ح�شد �أبن���اء اجلنوب عن �إقامة 163م�شروع ًا بتكلفة تقدر بحوايل 32مليار ريال ميني .زيادة ملواجه���ة ت�أث�ي�ر املعار�ض���ة و�إ�شراك م�ؤي���دي املعار�ضة بغر����ض الرتويج عل���ى ذلك� ،أعلن الرئي�س �صال���ح يف � 22أيار/مايو 2010عفو ًا عام ًا عن ل�سيا�سة احلكومة. معتقلي احل���راك اجلنوبي يف �إطار احتفاالت البالد بالذكرى الع�شرين حاول���ت احلكومة كذلك �إظهار قلقه���ا و�إبداء اهتمامها ب�ش�أن الو�ضع يف لتحقيق الوحدة. اجلنوب م�ستخدمة طرق��� ًا �أخرى .فقد طلبت من حمافظي املحافظات عل���ى �أن معظم اليمنيني يجدون �صعوبة بالغة يف ت�صديق �أن املحاوالت اجلنوبي���ة واملجال����س املحلي���ة تزويده���ا بقائم���ة مطالبه���م التي ميكن احلكومية �ستح��� ّل امل�شكلة يف اجلنوب ،ويبدون �شكوكهم يف �أنه �سيتم مناق�شته���ا .وبالفعل ،بدا �أن معظم مطال���ب النا�س يف اجلنوب مرتكزة
(
)
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
15
اليمن والعامل
حتليالت
تنفي���ذ املطال���ب التي قدمتها املجال����س املحلية �أو امل�شاري���ع التي �أعلنت عنها احلكومة ،و�أن �شيئ��� ًا �سيتغري على �أر�ض الواقع .ويف املقابل ،غالب ًا م���ا تتخذ ق���وات الأم���ن مواق���ف وردود قا�سية �ضد احل���راك اجلنوبي. واحلقيق���ة �أن احلكومة تُته���م ب�أنها تقوم مرار ًا وتك���رار ًا بقطع خدمات الهاتف ومنتديات الإنرتنت ،لت�صعب الأمر على املعار�ضني يف التوا�صل وتنظيم مظاهرات االحتجاج ،و�أن قوات الأمن تقوم باعتقال ال�صحفيني و�أ�سات���ذة اجلامعات والقادة االنف�صاليني اجلنوبيني مثل ح�سن باعوم، وابنه فادي باعوم ،ونا�صر النوبة ،و�آخرين غريهم. كما حاولت احلكومة ا�ستقطاب بع�ض عنا�صر احلراك اجلنوبي ،بهدف �ش���قّ �صفوفه �أو على الأقل حتييد بع�ض املجموع���ات املن�ضوية فيه .وقد بُذل���ت جه���ود لل�ضغط عل���ى قادة احل���راك عرب محُ افظ���ي املحافظات ووكالء احلكوم���ة املحليني �أو من خالل بع����ض رجال الأعمال والزعماء القبليني املوالني للحكومة .فعلى �سبيل املثال ،مور�ست �ضغوط على بع�ض قي���ادات احلراك ليرت�أ�سوا �أو لي�شاركوا يف ع�ضوية اللجان اخلا�صة التي �شكلتها الدولة ملعاجلة مطالب احلراك اجلنوبي ،مثل «جلنة حل م�شكلة الع�سكريني اجلنوبيني ال�سابقني» و»جلنة حل ق�ضية ملكية الأرا�ضي».
حكوم���ة الإمارات العربية املتحدة للحكوم���ة اليمنية منحة مببلغ 2.385
ملي���ار درهم ( 650مليون دوالر) ،وذلك من �أجل متويل م�شاريع تنموية اجتماعي���ة واقت�صادي���ة م�ستدام���ة ت�ص���ل �إىل �أربعة ع�ش���ر م�شروع ًا يف خمتلف املناطق اليمنية ،وت�شمل البنية التحتية الأ�سا�سية كاملوا�صالت، والطاقة ،واملياه وال�صرف ال�صحي ،وال�صحة العامة ،والتعليم ،والثقافة والتنمية االجتماعية .و�سيقوم �صندوق �أبو ظبي بالإ�شراف املبا�شر على اثنا ع�شر م�شروع ًا من هذه امل�شاريع بالتعاون مع املحافظات وال�سلطات املحلية ،التي �ستقوم بتحويل املبالغ املالية �إىل املكاتب املحلية ولي�س عرب حكومة اليمن املركزية .كما �سيقوم املجل�س الإ�شرايف الإماراتي مبتابعة عملي���ة �سري امل�شاريع من���ذ الإعالن عن املناق�صات و�ص���و ًال �إىل مرحلة التنفيذ النهائي ،و�ستكون الأيدي العاملة من اليمنيني فقط خللق مزيد من الوظائف. واحلال �أن دول جمل�س التعاون اخلليجي واليمن بحاجة �إىل �إن�شاء نظام تدريب���ي من �أجل تعزيز و�شحذ مهارات الأيدي العاملة اليمنية ،لت�صبح قادرة على الإنتاج واحل�صول على فر�ص عمل يف ال�سوق اخلليجية .ويف الواقع� ،أن هناك مداوالت ونقا�شات جترى حالي ًا بني اليمن وبع�ض دول جمل����س التع���اون اخلليجي تتعلق مب�ش���روع يه���دف �إىل تدريب وتوظيف الأيدي العامل���ة اليمنية يف كل من ال�سعودية وقطر .وهذه خطوة مهمة، ا�سرتاتيجية طويلة املدى حلل م�شاكل اجلنوب كم���ا �أنها �ستواجه ال�شكوى التقليدي���ة التي حتتج بها دول اخلليج من �أن ال �ش���ك �أن لل�ص���راع يف جن���وب اليم���ن ج���ذور ًا �سيا�سي���ة واجتماعي���ة اليمني�ي�ن لي�س���وا م�ؤهلني مبا فيه الكفاي���ة لتلبية متطلب���ات �سوق العمل واقت�صادي���ة .ويف الواق���ع �أن هن���اك الكث�ي�ر من اليمني�ي�ن اجلنوبيني ال اخلليجي���ة .و�إذا ما مت تدريب وت�أهيل اليمنيني ه�ؤالء ،ف�إنهم �سيتمكنون يرغب���ون بال�ض���رورة يف االنف�صال ،و�إمنا يطالب���ون بتح�سني �أو�ضاعهم م���ن احل�ص���ول على فر�ص عمل لي�س يف ال�سعودي���ة وقطر فح�سب بل �إن االقت�صادي���ة واملالية ،والإ�صالح ال�سيا�سي واملزيد من ال�شفافية ،وو�ضع ب�إمكانه���م �أن يتحملوا م�سئولياتهم يف �إدارة امل�شاريع التنموية ال�سعودية ح���دٍّ للف�س���اد .ومع ذل���ك ،تفتق���ر احلكوم���ة لإ�سرتاتيجية بعي���دة املدى واخلليجي���ة داخل اليمن .ومن املمكن تبنّي مثل هذه امل�شاريع التدريبية للتعام���ل بفعالية مع ه���ذه امل�شكلة .وهناك اتفاق ع���ام على �أنه ال ميكن يف دول اخلليج الأخرى كالإمارات العربية املتحدة. للدول���ة وحده���ا ح ّل التحدي���ات التي تواج���ه اليمن ،خا�ص���ة املع�ضالت االقت�صادي���ة ،فالأم���ر يتطلب م�ساهم���ة �إقليمية لتح�س�ي�ن ظروف البلد ومع ذل���ك ،هناك حدود وا�ضحة تعيق ما ت�ستطيع �أو ترغب دول اخلليج يف حتقيق���ه ،خا�صة فيما يتعلق باملطالب املتك���ررة بالإ�صالح ال�سيا�سي و�أو�ضاعه الداخلية. واالقت�ص���ادي وال�شفافي���ة يف اليم���ن .وبينم���ا ميك���ن لل���دول اخلليجية ُيع���د اليم���ن ودول جمل����س التعاون اخلليج���ي �ش���ركاء �إ�سرتاتيجيني يف والعربي���ة �أن توف���ر منرب ًا للح���وار والرتكي���ز على التع���اون االقت�صادي اخللي���ج ،بحكم �أنهم دول متجاورة ،ول���دول اخلليج م�صالح مبا�شرة يف وتقدمي امل�ساعدة املالية� ،إال �أن املجتمع الدويل فقط ،والواليات املتحدة ا�ستتباب الأمن واال�ستقرار يف اليمن� .إن التعاون بني اليمن ودول جمل�س واالحت���اد الأوروبي ب�صفة خا�ص���ة ،هي الأطراف التعاون يجب �أن يرتكز على م�ستويني :امل�ستوى الأول التي لديه���ا القدرة على �إقن���اع احلكومة احلالية يج���ب �أن يت�ضم���ن �إقامة م�شاري���ع ا�ستثمارية داخل ال���ك���ث�ي�ر م�����ن ال��ي��م��ن��ي�ين على البدء يف الإ�صالحات ال�سيا�سية. اليمن توف���ر فر�ص عمل كثرية على امل�ستوى املحلي ،اجل��ن��وب��ي�ين ال ي��رغ��ب��ون لكن االحت���اد الأوروبي و�أمريكا يبدوان مرتددين بينم���ا ينبغي �أن ين�صب امل�ست���وى الثاين من التعاون على ت�أهيل العمالة اليمني���ة وتدريبها� ،إذ �أن ارتفاع ب��ال�����ض��رورة يف االنف�صال ،جتاه الو�ضع يف جنوب اليمن .فقد �أعرب االحتاد ن�سب���ة البطالة تع���د من �أهم امل�ش���كالت التي تواجه و�إمن����ا ي��ط��ال��ب��ون بتح�سني الأوروبي عن قلقه حيال �أحداث العنف ال�سيا�سي �أو���ض��اع��ه��م االقت�صادية يف جن���وب اليم���ن ،وطالب جميع الأط���راف بنبذ اليمن. واملالية ،والإ�صالح ال�سيا�سي العنف .ومع �أن االحتاد الأوروبي قد دعا الأطراف لذا يج���ب �أن تركز الربامج التنموي���ة واال�ستثمارية واملزيد من ال�شفافية ،وو�ضع كاف���ة �إىل الدخ���ول يف ح���وار لتحدي���د الق�ضاي���ا عل���ى امل�شاريع التي يت���م تنفيذها ب�ص���ورة مبا�شرة ومناق�شته���ا واتخ���اذ الإج���راءات العاجل���ة وح���ل عل���ى امل�ستوى املحل���ي .فعل���ى �سبيل املث���ال ،قدمت حدٍّ للف�ساد 16
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ب��ال��ن��ظ��ر يف االجت����اه����ات احل��ال��ي��ة ،يبدو �أن ف�صائل احل��راك اجلنوبي �آخ��ذة يف ال��ت��ك��اث��ر وال��ن��م��و م��ن حيث ع��دد �أع�ضائها و�أن�صارها واملتعاطفني معها ،هذا عدا عن تو�سّ ع �شبكاتها و�أن�شطتها يف املدن اجلنوبية الرئي�سية
ال�شكاوي امل�شروعة� ،إال �أنه ال ميتلك الإ�سرتاتيجية الت���ي ميكن من خالله���ا ترجمة تل���ك الدعوة على �أر�ض الواقع. ويف منت�ص���ف 2009حاول���ت الوالي���ات املتح���دة تو�ضيح موقفها حيال امل�شاكل القائمة يف اجلنوب، ف�أ�صدرت �سفارتها ب�صنع���اء بياناً ،قالت الواليات املتحدة فيه�« :إن العن���ف ال�سيا�سي ينبغي �أال يكون ه���و ال�سبيل حلل امل�شكلة» ،م�ؤكد ًة على �أنه يجب �أن تكون «امل�س���اواة وامل�شاركة يف الأن�شط���ة ال�سيا�سية واالقت�صادي���ة واالجتماعي���ة ،وذلك طبق ًا للقان���ون ،وجلميع املواطنني، ه���ي ال�ضم���ان احلقيقي للحف���اظ على وح���دة اليمن» ،و�أن���ه «ال بد من معاجلة املظامل ال�شرعية» .ودع���ا البيان حلوار وطني بني كل الأطراف املعني���ة بح ّل امل�شكلة .وق���د تفادى البيان الأمريكي توجي���ه االنتقاد لأيٍّ من الأط���راف ،وحاول �إظهار حياد الواليات املتح���دة �إزاء ال�صراع بني احلكومة واملعار�ضة ،داعي��� ًا للقيام بالإ�صالحات املطلوبة والتو�صل �إىل ت�سوية بالتفاو�ض.
خامتة لر�سم خارطة للحراك اجلنوبي يف اليمن منذ �سنة 2007وحتى اللحظة، ن�ستطيع التعرّف على ث�ل�اث «جمموعات �أ�سا�سية ذات م�صالح خا�صة» منخرطة يف معار�ضة احلكومة املركزية يف �صنعاء. تتمثل املجموعة الأوىل يف العنا�صر التي تتبع املنهج اال�شرتاكي القدمي، وت�ضم �أع�ضاء ونا�شطني حاليني و�سابقني يف احلزب اال�شرتاكي اليمني وبع�ضهم �أع�ضاء يف الربملان اليمني .وت�صبّ عنا�صر هذه الفئة تركيزها عل���ى ا�ستعادة جمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية ()1990 – 1967 املنح ّل���ة ،ويجادل���ون ب����أن خطوة الوحدة كان���ت خط�أً كب�ي�ر ًا باعتبار �أن طموحه���م بدولة قائمة على امل�س���اواة وال�شراكة يف ال�سلطة بني ال�شمال واجلنوب مل تتحقق �أبداً. �أما املجموعة الثانية ،فهي مدفوعة �أ�سا�س ًا ب�شعور �أنهم �ضحايا «�سيا�سة التميي���ز» الت���ي تتبعه���ا احلكومة �ض���د �أبن���اء اجلنوب ،والت���ي جتعلهم «مواطن�ي�ن من الدرجة الثاني���ة» .وتركز معظ���م مطالبهم على حت�سني الظ���روف االقت�صادي���ة واالجتماعي���ة يف اجلزء اجلنوبي م���ن الوطن. ويف ب���ادئ الأم���ر مل يكن ملطالبهم هذه بعد ًا �سيا�سي���اً .وينتمي �إىل هذه الفئ���ة ،ال�ضباط والع�سكريون اجلنوبي���ون ال�سابقون واملتقاعدون الذين طالب���وا علن��� ًا ع���ام 2007بزي���ادة رواتبه���م و�إعادته���م �إىل اخلدمة يف �صفوف اجلي�ش اليمني .كم���ا ت�ضم هذه املجموعة �أي�ض ًا بع�ض ال�شباب اجلنوبيني الذي���ن انخرطوا يف «احتاد �شباب اجلن���وب» ،الذي ركز يف البداي���ة على حق ال�شباب يف مناطق اجلن���وب يف احل�صول على فر�ص عمل �أف�ضل ،وتعليمهم وت�أهيلهم ليناف�سوا يف �سوق العمل .ولكن مع مر ال�سنني تبنّت هذه املجموعة �أجندة �سيا�سية ،و�أ�صبحت جزء ًا فاع ًال يف
احلراك اجلنوبي. يف حني ت�ضم املجموعة الثالثة اليمنيني اجلنوبيني املدفوع�ي�ن �أ�سا�س��� ًا مبطالب تتعلق بحق���وق �أ�سرية وقبلي���ة ،ت�شم���ل ح���ق ال�سيط���رة عل���ى الأرا�ض���ي ومتلكه���ا ،وح���ق الأ�س���رة �أو القبيل���ة يف احل�صول على نفوذ �سيا�س���ي �ضمن بنية الدولة .وخري مثال على عنا�صر ه���ذه اجلماعة ال�شيخ طارق الف�ضلي وهيئت���ه امل�سم���اة «جمل�س قيادة الث���ورة ال�سلمية». وق���د ت�أ�س�ست ه���ذه الهيئة – على الأق���ل يف بادئ الأم���ر – حلماية امل�صال���ح ال�شخ�صية لزعيمها و�أ�سرت���ه وقبيلته ،من خالل ال�ضغط عل���ى الدولة ملنحه ما يعتربه حقه ال�شرعي يف ال�سيطرة عل���ى الأر�ض ،و�سرعان ما اتخذ الأم���ر طابع ًا �سيا�سي ًا متثّل يف املطالبة بانف�صال اجلنوب. ويف ه���ذه املرحلة ،يواجه احل���راك اجلنوبي �ضعف ًا على م�ستويني :يبدو �أولهما ماث ًال يف ال�صراع الداخلي بني عنا�صر كل جمموعة على م�سائل القيادة والأه���داف ال�سيا�سية والقواعد التي ت�ضبط ت�صرفات عنا�صر املجموع���ة املعني���ة� .أم���ا امل�ست���وى الثاين فيظه���ر من خ�ل�ال ال�صراع احلا�ص���ل بني املجموعات التي ت�شكل احلراك اجلنوبي؛ فهي و�إن كانت ُمتّحدة يف عدائها للحكومة املركزية ،لكنها تختلف كثري ًا ب�ش�أن العديد م���ن الق�ضاي���ا مث���ل الأيديولوجي���ة ،والأجن���دة ال�سيا�سي���ة ،والعالقات امل�ستقبلي���ة مع احلكومة املركزية ،وكذلك املوق���ف الفعلي �إزاء الهدف من االنف�صال. كم���ا �أن هناك عوامل �ضع���ف �أخرى حتد من ت�أث�ي�ر احلراك اجلنوبي وتقل���ل م���ن نفوذه ،مث���ل حقيق���ة �أن احلراك يفتق���ر حالي��� ًا للم�ساعدة اخلارجي���ة املهمة ،والدعم امل���ايل وال�سيا�سي .وال �ش���ك يف �أن كل هذه العوام���ل ت�سهم يف احل ّد من ق���درة احلراك اجلنوب���ي ،وتُ�صعِّب الأمر علي���ه يف �أن ي�شكل حتدي ًا خط�ي�ر ًا للحكومة يف املرحلة الراهنة. عدم اال�ستقرار يف اليمن و�أثره يف الأمن الإقليمي اخلليجي لكن لي����س هناك �أدنى �شك حي���ال �إمكانية التايل بقلم� :أ�رشف حممد ك�شك تط���ور احل���راك اجلنوب���ي �إىل �أن ي�صب���ح حتدي��� ًا كبري ًا يه���دد �شرعية احلكوم���ة اليمنية وا�ستق���رار الب�ل�اد ،ب���ل وم�ستقبل وح���دة الدول���ة و�سالمته���ا يف نهاية املط���اف .و�إذا ما �أثبتت احلكومة �أنها عاج���زة �أو غري راغبة يف اتخاذ �إج���راءات جادة ب�ش�أن الإ�صالحات ال�سيا�سية واالقت�صادية للتعامل مع امل�ش���كالت التي تواجه الب�ل�اد عموم ًا واجلنوب ب�ش���كل خا�ص ،وف�شلت يف معاجل���ة ال�شكاوي االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية �أو يف �إدراك احلاج���ة �إىل �إع���ادة هيكل���ة النظام ال�سيا�س���ي يف اليمن ،ف����إن الو�ضع الأمن���ي وال�سيا�سي قد يتدهور �إىل درجة اخل���روج عن نطاق ال�سيطرة، م���ع ما �سيرتتب عليه ذل���ك من تداعيات خطرية ته���دد الأمن الإقليمي لدول اخلليج قاطب ًة يف ال�صميم. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
17
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
اخلا�صرة ِ َجعٌ يف و َ
عدم اال�ستقرار يف اليمن و�أثره يف الأمن الإقليمي اخلليجي
�أ�شرف حممد ك�شك akishk_71@hotmail.com
مم��ا ال�ش��ك في��ه �أن الغزو الأمريكي للع��راق عام 2003قد �أح��دث تغري ًا هيكلي ًا يف الأم��ن الإقليمي اخلليجي ال��ذي ي�ضم ثماين وح��دات ه��ي دول جمل�س التعاون اخلليج��ي ،بالإ�ضافة �إىل العراق و�إيران ،و�أحيانًا يثار احلديث ح��ول �إمكانية ان�ضمام اليمن وف��ق �صيغ��ة ( )1+2+6عند احلديث عن مقرتحات لأمن تل��ك املنطقة احليوية من العامل ،والتي مل ت�شهد ا�ستقرار ًا حقيقي ًا منذ االن�سحاب الربيطاين من املنطقة عام 1971وحتى الآن ،ومن مظاهر ذلك التغري:
�أوالً :ا�ستم���رار اعتم���اد دول جمل�س التع���اون اخلليجي على اخليار الغرب���ي يف حماية �أمنها القومي ،ومن ذلك �أمرين� ،أولهما� :سيادة قناعة ل���دى دول اخلليج م�ؤداها �أن القواعد الع�سكرية الغربية هي �صمام الأمان �ض���د �أي تهديدات �إقليمية حمتملة .ويف هذا ال�سياق جت���يء موافقة دولة الإم���ارات العربية املتحدة عل���ى �إقامة قاعدة فرن�سية بحري���ة قبالة م�ضيق هرمز يف بداية عام .2009وثانيهما: ب���دء دول جمل�س التع���اون اخلليجي ح���وار ًا ا�سرتاتيجي��� ًا مع حلف النات���و عام 2004وف���ق مبادرة �إ�سطنبول للتع���اون مع دول اخلليج، تلك املبادرة الت���ي يالحظ �أن ظاهرها تعاون ًا �أمني ًا وباطنها تعاون ًا دفاعي���اً� ،إذ �أن م�سئويل احللف �أكدوا غري مرة �أن احللف لن يقدم �ضمان���ات �أمني���ة لدول خ���ارج �أع�ض���اءه .بيد �أن م�ضم���ون املبادرة هو التع���اون ب�ش����أن الت�صدي للإره���اب و�أ�سلحة الدم���ار ال�شامل، بالإ�ضافة �إىل �إدارة الأزمات. ثانياً :وجود جماعات م���ا دون الدول ويتخطى نفوذها الدول ،ومن ذل���ك ح���زب اهلل يف لبن���ان وجماعة مقت���دى ال�ص���در يف العراق، وحرك���ة حما����س الفل�سطينية ،مب���ا يعني �أن وحدات ه���ذا الأمن مل تع���د هي الدول ورمبا حتتاج تلك الظواهر �إىل درا�سة ،وبخا�صة �أن البعد العقائدي هو �أداة ت�أثري تلك اجلماعات. ثالث���اً :حالة اخلل���ل الإقليمي غ�ي�ر امل�سبوق الذي ر ّتب���ه ذلك الغزو الأمريك���ي للعراق يف املنطقة� ،إذ خرج الع���راق من معادلة التوازن الإقليم���ي �إىل ف�ت�رة زمنية غ�ي�ر حمدد مداها .وذل���ك بالنظر �إىل 18
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
تعقي���دات امل�س�ألة العراقية �سوا ًء �أمني��� ًا �أو �سيا�سي ًا �أو �إثنياً ،وحتوّل الع���راق �إىل «�ساحة م�ستباح���ة» لأطراف �إقليمي���ة ودولية تتعار�ض م�صاحله���ا يف ظ���ل عدم وجود م�ش���روع وطني عراق���ي تلتف حوله القوى ال�سيا�سية العراقية ،بل �إن التو�صيف الدقيق للحالة العراقية هو «حرب الكل �ضد الكل». ويف ظل تلك االعتبارات ال�ساب���ق الإ�شارة �إليها ،ميكن فهم احلالة اليمني���ة .وبغ�ض النظر عن الأ�سب���اب التي �أدت �إىل الأزمة احلالية يف اليم���ن؛ فبع�ضها اقت�صادي والآخر بني���وي بالنظر �إىل الطبيعة القبلية للدولة اليمنية ،ف�إن احلديث �سوف يقت�صر على التداعيات الأمنية الإقليمية التي ترتبها احلالة اليمنية خليجياً. فعل���ى الرغم م���ن �أن اليمن لي����س ع�ضو ًا يف جمل����س التعاون لدول اخللي���ج العربي���ة ،ذلك املجل����س الذي �أن�ش���ئ ع���ام « 1981جامع ًا مانعاً» ،حيث ي�ضم �ست دول خليجية� ،إال �أنه من الناحية اجلغرافية يع���د اليمن جزء ًا �أ�سا�سي ًا يف الن�سيج العام ل�شبه اجلزيرة العربية، �إذ يرتبط بدولها تاريخي ًا و�إثني��� ًا وقوميًا ،وبالتايل ف�إنه من اخلط�أ االعتق���اد ب����أن ما يحدث يف اليم���ن لن يكون له ت�أث�ي�ر يف �أمن دول جمل����س التع���اون اخلليج���ي .وانطالقًا م���ن ذلك ي�سته���دف املقال معاجل���ة ثالث ق�ضايا ،الأوىل� :أهمي���ة اليمن بالن�سبة لدول جمل�س التع���اون اخلليجي ،والثانية :ت�أثري حالة ع���دم اال�ستقرار يف اليمن عل���ى الأمن الإقليمي اخلليجي� ،أما الثالثة فهي امل�سئولية اخلليجية جتاه اليمن. �أ�ش���رف حممد ك�شك باح���ث متخ�ص�ص يف ق�ضاي���ا �أمن اخلليج, مدير املركز الدبلوما�سي للدرا�سات اال�سرتاتيجية بالقاهرة.
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
19
اليمن والعامل
حتليالت
�أوالً� :أهمي��ة اليم��ن بالن�سب��ة ل��دول جمل���س التع��اون اخلليجي تتح����دد �أهمية اليمن بالن�سبة لدول جمل�س التعاون اخلليجي يف عدة نواح هي: .1ا�سرتاتيجي���اً :يتخ����ذ اليم����ن موقع���� ًا ا�سرتاتيجي���� ًا بال����غ الأهمي����ة يف جن����وب اجلزي����رة العربية ،حيث يط����ل على �شواط����ئ وا�سعة على ضال ع����ن �إ�شرافه عل����ى مداخلهم يف البحري����ن الأحم����ر والعربي ،ف� ً ب����اب املندب ال����ذي يعد البوابة اجلنوبية للبح����ر الأحمر وخليج عدن ال����ذي يعد املدخل �إىل املحيط الهن����دي ،وبذلك ف�إن اليمن ال يف�صله ��ل�ا ع����ن ق����ارة �أفريقي����ا �س����وى 18مي ً فق����ط .ويكت�سب موقع اليمن على باب املندب �أهمي����ة ق�صوى ،حيث مير من تعزيز الدور الإيراين خالله �أكرث م����ن ثالثة ماليني برميل يف مواجهة الدول م����ن النف����ط يومي����اً ،كما يع����د اليمن اخلليجية ال�صغرى، �أق����رب نقط����ة �آ�سيوي����ة لأفريقيا ،مما يتطلب عدم فتح جبهة يعن����ي �أن موق����ع اليم����ن اال�سرتاتيجي جديدة متثل عبئاً على يجعل����ه حمط �أنظار الق����وى الإقليمية �أجهزة الأمن اخلليجي، والدولي����ة ،وبالت����ايل ف�����إن ا�ستق����رار ومن ث ّم ف�إن ت�أمني اليم����ن يعد م�صلحة ا�سرتاتيجية عليا حدود دول اخلليج لدول جمل�س التعاون اخلليجي ،حيث وبخا�صة اجلنوبية يعد يعد ظه��ي�ر ًا �آمن ًا لتلك ال����دول عموم ًا �أمراً ا�سرتاتيجياً بالغ واململكة العربية ال�سعودية خا�صة .الأهمية � .2أمنياً :يف ظل ا�ستمرار وجود فجوة جيوبولتيكية بني دول جمل�س التعاون اخلليجي وجريانها الإقليميني، وبخا�صة �إيران ،حيث �أ�شارت �إح�صاءات اليون�سكو لعام � 2007إىل �أن عدد �سكان دول جمل�س التعاون اخلليجي بلغ 36مليون ن�سمة ،مقابل 71ملي����ون ن�سمة ل����دى �إيران ،وهو الأمر ال����ذي انعك�س على القدرات الع�سكرية ل����دول اخلليج كدول �صغرى ما تزال تواجه مع�ضلة «عقدة الأحج����ام القزمي����ة» .ويف ه����ذا ال�سي����اق ،ذكر تقري����ر املعهد الدويل للدرا�سات اال�سرتاتيجي����ة بلندن عام � 2007أن �إجمايل حجم القوات الع�سكري����ة العاملة لدى دول جمل�س التعاون اخلليجي جميعها حوايل � 352أل����ف مقارن����ة بـ� 545أل����ف لدى �إي����ران ،وبالت����ايل �إذا كانت دول اخللي����ج قد انتهجت خي����ار التحالف م����ع الدول الغربي����ة للدفاع عن �أمنه����ا القومي ،ومن ذلك االتفاقيات الأمنية الثنائية املوقعة مع تلك ضال عن بدء �أربع الدول يف �أعقاب حرب اخلليج الثانية عام ،1991ف� ً دول خليجية حوار ًا ا�سرتاتيجي ًا مع حلف الناتو وفق مبادرة �إ�سطنبول عام ،2004ف�����إن القدرات الب�شرية تظل م�شكل����ة حقيقية تواجه تلك الدول ،وهو م����ا قد ي�سهم يف حلها ان�ضمام اليمن ب�إمكاناته الب�شرية و�سماته البحرية وف�ضائ����ه اجلوي ال�شا�سع ملجل�س التعاون اخلليجي. وقد �أدركت اململكة العربية ال�سعودية �أهمية ان�ضمام اليمن للمجل�س، 20
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
وه����و ما ع��ّب�رّ عنه وزي����ر اخلارجية ال�سعودي����ة �سع����ود الفي�صل �أمام منتدى املنامة لأمن اخلليج يف عام ،2004حيث قال الوزير ال�سعودي �أن هناك ثالثة �أبعاد له����ذا الأمن :حملية و�إقليمية ودولية ،وامل�ستوى الإقليم����ي البد و�أن يرتكز ذلك الأم����ن على �أربعة �أطراف هي جمل�س التعاون اخلليجي واليمن والعراق و�إيران. م����ن ناحي����ة �أخرى ،ف�����إن تعزي����ز الدور الإي����راين يف مواجه����ة الدول اخلليجي����ة ال�صغ����رى ،يتطل����ب ع����دم فتح جبه����ة جديدة متث����ل عبئ ًا عل����ى �أجهزة الأمن اخلليجي ،ومن ثمّ ف�����إن ت�أمني حدود دول اخلليج وبخا�صة اجلنوبية يعد �أمر ًا ا�سرتاتيجي ًا بالغ الأهمية. .3اقت�صادياً� :إذا ما نظرنا �إىل التطورات التي �شهدها العامل م�ؤخر ًا ومتثل����ت يف اقت�صادات ال�سوق املفتوح ،ف�إن االقت�صاد �أ�ضحى قاطرة ال�سيا�سة ،ويف ظ����ل الأهمية النفطية لدول جمل�س التعاون اخلليجي، ض��ل�ا عن بدء تلك ال����دول عدة خطوات مهمة عل����ى طريق التكامل ف� ً االقت�صادي وهو ما متثل يف اخلطوات ب�ش�أن العملة اخلليجية املوحدة �أو ال�س����وق اخلليجية امل�شرتكة ،ف�إن دول اخلليج �ستظل يف حاجة �إىل زيادة التبادل التجاري مع الأط����راف الإقليمية ويف مقدمتها اليمن. وبالرغ����م من تراجع معدالت التنمية يف االقت�صاد اليمني� ،إال �أنه ما يزال يحتوي على فر�ص ا�ستثمارية واعدة لدول اخلليج. من ناحية �أخرى ،ف�إن توجه دول جمل�س التعاون اخلليجي لال�ستغناء ع����ن العمال����ة الوافدة وبخا�ص����ة الآ�سيوي����ة فيها ،نظر ًا مل����ا ترتبه من خماطر �أمنية و�سيا�سية واقت�صادية بل وثقافية ،حيث �أ�ضحت الهوية اخلليجية حمل ت�سا�ؤل؟! ،ف�إن اليمن يعد بدي ًال مهم ًا للعمالة املطلوبة للخط����ط التنموية يف دول اخللي����ج .وهنا ميكن الإ�ش����ارة �إىل منوذج الوالي����ات املتح����دة واملك�سي����ك على �سبي����ل املثال ،حي����ث تنفق الأوىل �أم����وا ًال طائلة يف الثاني����ة لإقامة م�شروعات اقت�صادي����ة ت�ستفيد منها �أمني���� ًا واقت�صادياً ،وهذا النموذج ميكن تطبيقه يف احلالة اخلليجية ضال ع����ن �أن الأيدي – اليمني����ة؛ ف����دول اخللي����ج بحاجة لأ�سواق ،ف� ً العامل����ة اليمنية ميكن ت�أهيلها من خ��ل�ال برامج تدريبية عرب �إن�شاء �صندوق م�شرتك خليجي -ميني لهذا الغر�ض. ويف ه����ذا ال�سي����اق� ،أ�شار تقري����ر �صادر عن الأمم املتح����دة عن حالة ال�س����كان يف الع����امل لع����ام � 2009إىل �أن تعداد �سكان اليم����ن بلغ 23.6 ملي����ون ن�سمة ،ويتوق����ع �أن ي�صل هذا الع����دد �إىل 53مليون و� 700ألف ن�سمة بحلول العام ،2050وت�ست�أثر �شريحة ال�شباب بحوايل ربع �سكان اليمن وهو ما يعني �أن اليمن تعد بدي ًال مهم ًا لالحتياجات اخلليجية من العمالة التي تعتمد ب�صفة �أ�سا�سية على العمالة الآ�سيوية. ويعن����ي م����ا �سب����ق �أنه ق����د ت�ضافرت ع����دة عوام����ل لتجعل م����ن اليمن امت����داد ًا طبيعي ًا لدول جمل�س التعاون اخلليجي ،مبا ميكن معه القول �إن احلف����اظ على �أمن اليمن وا�ستقراره يعد �أم����ر ًا ا�سرتاتيجي ًا لتلك ال����دول بغ�ض النظر عن مواقفها من ان�ضم����ام اليمن للمجل�س والتي تعد متباينة.
ثانيً��ا :ت�أث�ير ال�صراع��ات الداخلي��ة يف اليمن عل��ى الأمن الإقليمي اخلليجي انطالق���� ًا م����ن االعتبارات ال�سابق����ة الإ�ش����ارة �إليها ،ترت����ب الأو�ضاع الأمني����ة املتدهورة يف اليمن عدة تداعيات �أمنية على الأمن الإقليمي اخلليجي ،ميكن الإ�شارة �إليها على النحو التايل: �أ) بق����اء منطقة اخللي����ج يف حالة من عدم اال�ستق����رار .انطالق ًا من �أهمي����ة اليم����ن بالن�سبة لدول جمل�����س التعاون اخلليج����ي ،فقد اتخذ جمل�س التع����اون اخلليجي قرار ًا خ��ل�ال القمة الثاني����ة والع�شرون يف م�سق����ط ع����ام 2001ب�ش�أن ان�ضم����ام اليمن لبع�����ض م�ؤ�س�سات جمل�س التعاون اخلليج����ي كخطوة متهيدية لت�أهيل اليمن لإمكانية ان�ضمامه �إىل املنظومة اخلليجية ،وبالتايل ف�إن ا�ستمرار حالة التدهور الأمني م����ع تزاي����د الدعوات االنف�صالي����ة يف اليمن ،و�إ�ش����ارة بع�ض التقارير �إىل مترك����ز تنظي����م القاعدة يف الأرا�ضي اليمني����ة وذلك وفق ًا لتقرير ا�ستخبارات����ي �أمريك����ي ج����اء فيه «�أن م����ن يتمركز يف اليم����ن ي�ستطيع الت�أثري بكل �سهولة يف ال�سعودي����ة ومنطقة اخلليج العربي والنفاذ �إىل الع����راق و�سوريا والأردن وغريها من مناطق ال�شرق الأو�سط ،والت�أثري يف مناطق �شرق �أفريقيا والقرن الأفريقي ،وكذلك الو�صول �إىل الهند وباك�ست����ان عرب جن����وب �إيران» .ف�إن ذلك يعد خط����ر ًا داهم ًا على دول اخلليج التي حتيط بها �أكرث من دولة ت�شهد حالة تفكك وانهيار �أمني، ومن ذلك ال�صومال ال����ذي يعد مفككًا منذ ت�سعينيات القرن املا�ضي، �أي�ض���� ًا رمب����ا يواجه ال�سودان امل�ص��ي�ر ذاته ي�ض����اف �إىل ذلك العراق، ويعني ذلك تعاظم معاناة دول اخلليج من التداعيات الأمنية من تلك ال����دول ،و�أهمه����ا النازحني وت�سلل اجلماعات الإرهابي����ة .وبخا�صة �أن اليم����ن يعد هو الأكرث كثافة �سكاني����ة يف �شبه اجلزيرة العربية والأكرث فق����رًا يف الوقت ذات����ه ،وبالتايل يكون ح����زام التوترات ح����ول منطقة اخلليج قد اكتمل. ب) تهدي��د �أم��ن الطاق��ة :يف ظل ا�ستم����رار �أزمة املل����ف النووي الإي����راين وتهديد �إيران غري ذي مرة ب�إغالق م�ضيق هرمز الذي مير في����ه �أك��ث�ر من 90%من �ص����ادرات النفط اخلليجية ،فق����د بحثت دول جمل�����س التعاون اخلليجي �إقامة طرق بديلة لنقل النفط اخلليجي �إىل اخل����ارج ،ومي����ر بع�ضها داخل الأرا�ض����ي اليمنية .وبالت����ايل ف�إن حالة ع����دم اال�ستقرار يف اليمن تعن����ي حمدودية خيارات دول اخلليج ب�ش�أن ت�صدير النفط اخلليجي للخارج حال �إقدام �إيران على �إغالق م�ضيق هرم����ز �إذا ما احتدمت الأزمة النووية مع الدول الغربية ،ومن ثمّ ف�إن تده����ور الأو�ض����اع الأمنية يف اليم����ن من �ش�أنه الت�أث��ي�ر يف �أمن الطاقة لدول اخلليج من زاويتني: �أولهم����ا :اليمن بحك����م موقعه اجلغ����رايف �ضمن نطاق �شب����ة اجلزيرة العربية وبحكم امتداد �سواحله وموانئه على البحر العربي وخليج عدن ��ل�ا ا�سرتاتيجي ًا ل�صادرات ومن ثمّ املحي����ط الهندي ،فقد �أ�ضحى بدي ً دول املجل�����س حال �إقدام �إي����ران على �إغالق م�ضي����ق هرمز .ويف هذا
ال�سياق ،جتدر الإ�شارة �إىل �أنه مت االتفاق بني وزراء النقل اخلليجيني خ��ل�ال العام 2008على خطة طوارئ لنق����ل النفط من خالل ممرات ُف�صح عن م�ضمونها ورمبا يكون اليمن �إحداها. بديلة مل ي َ وثانيهم����ا :املوقع اجلغرايف لليمن الذي ي�ؤهله للتحكم يف باب املندب، كم����ا �أن البح����ر الأحم����ر ال����ذي يع����د �أهم مم����ر مالحي لنق����ل النفط اخلليج����ي �إىل الدول الأوروبية ويق�صر امل�ساف����ة التي تقطعها ناقالت النفط بن�سبة ،%60ومير به يوميًا 3.3مليون برميل من النفط مبعدل %4من الطلب العاملي على الطاقة ،و�أن هناك � 21ألف ناقلة ت�ستخدم ذل����ك املمر �سنوي ًا وفق ًا لإح�صاءات وزارة الطاقة الأمريكية ،وبالتايل يف ظل ت�صريحات �سعيد ال�شه����ري الرجل الثاين يف «تنظيم القاعدة بجزيرة العرب» من �أن التنظيم يتطلع �إىل ال�سيطرة على باب املندب اال�سرتاتيج����ي بالتع����اون م����ع «املجاهدي����ن يف ال�صوم����ال» ،معترب ًا �أن حدوث ذلك يعن����ي «ن�صر ًا عظيم ًا ونفوذ ًا ًعاملي����اً» (�صحيفة «املدينة» ال�سعودية ،)2010/2/9 ،ف�إن ذلك يعك�س مدى التهديد الذي ميكن �أن تتعر�ض له �صادرات النفط اخلليجية. ج) الت�أث��ي�ر يف الأم����ن القومي ل����دول اخلليج� .أي�ض ًا ف�����إن حتول اليمن �إىل «دول����ة فا�شل����ة» -مبقايي�س الدول الغربية -حي����ث جاء اليمن يف املرتب����ة الثامنة ع�شرة يف ت�صنيف جملة ف����ورِن بولي�يسي lForeign Po icyلل����دول الفا�شل����ة عام ،2009ي�ش����كل تهديد ًا م�ؤك����د ًا للأمن القومي ل����دول اخللي����ج .وعلى الرغ����م من �أن اليمن مل يتحول بع����د �إىل دولة فا�شلة الت����ي ترتبط ب�أمري����ن� ،أولهما :انهيار ت�ضافرت عدة عوامل لتجعل من اليمن احلكومة املركزية الت����ي حتتكر القوة امتداداً طبيعياً لدول يف املجتم����ع ،وثانيهما� :ش����دة العنف، جمل�س التعاون ف�إن ا�ستم����رار حالة التده����ور الأمني اخلليجي ،مبا ميكن احلفاظ يف اليمن يعني �إيج����اد ذريعة للتدخل معه القول �إن اخلارج����ي ومن ث����مّ ازدي����اد االنت�شار على �أمن اليمن الأجنبي يف املنطقة ،مما يعد تهديد ًا وا�ستقراره يعد �أمراً للأم����ن القوم����ي العرب����ي يف �أح����د ا�سرتاتيجياً لتلك عن النظر الدول بغ�ض �أهم مفا�صل����ه ،واخلليج����ي على وجه مواقفها من ان�ضمام اخل�صو�ص. اليمن للمجل�س والتي ومن ناحي����ة �أخرى� ،أ�شار تقرير ملعهد تعد متباينة درا�س����ات ال�شرق الأدن����ى يف الواليات املتح����دة م�ؤخ����ر ًا �إىل �أن «احل����رب الدائ����رة يف حمافظ����ة �صع����دة اليمني����ة ق����رب احل����دود ال�سعودية بني املتمردي����ن احلوثي��ي�ن والق����وات اليمنية» م����ن �ش�أنه����ا «�أن تن�سف �أمن منطقة اخلليج ب�أ�سره» ،وذلك من عدة نواحٍ �أهمها: تهديد احلدود ال�سعودية ،حيث �أ�شارت بع�ض التقارير �إىل �أن اململكةالعربية ال�سعودية توقف كل عام �أكرث من � 400ألف مت�سلل ميني داخل �أرا�ضيه����ا ،و�أخ����ذ ًا يف االعتب����ار ط����ول ال�شريط احلدودي ب�ي�ن اليمن ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
21
اليمن والعامل
حتليالت
وال�سعودية ،حيث يبلغ طوله 1500كيلو مرت ًا ف�إنه ت�صعب ال�سيطرة عليه وي�سم���ح بعمليات ت�سل���ل ،ومن خالل ذلك ال�شريط يت���م تهريب الأفراد ضال عن �إعالن تنظيم القاعدة مطلع والأ�سلح���ة واملخدرات للمملكة ،ف� ً العام 2009توحيد التنظيم يف اليمن و�شبه اجلزيرة العربية حتت مظلة واحدة بقي���ادة نا�صر الوحي�شي ،وهو ما ميثل تهديد ًا مبا�شر ًا لأمن دول جمل�س التعاون اخلليجي. تعد تلك احلرب �أول حرب تخو�ضها اململكة ،وهناك تقديرات ذهبت�إىل �أن حج���م تلك احل���رب كان �أكرب من حرب الغ���زو العراقي للكويت ضال عن الأبعاد الطائفية لتلك احلرب ،حيث �إن احلوثيني عام ،1990ف� ً ال�شيع���ة ينتمون للفرقة الزيدية وتوجد بع����ض الدالئل على دعم �إيراين له�ؤالء. �إمكانية ت�أثر ال�شيعة يف دول اخلليج بالأحداث يف اليمن ،حيث ترتاوحن�سبة ال�شيعة يف اليمن ما بني %35-30من �إجمايل ال�سكان ،ورمبا يكون ل���دى احلوثي�ي�ن م�ش���روع لن�شر الت�شي���ع يف الدول املج���اورة وبخا�صة يف جن���وب اململكة العربية ال�سعودية ،حيث تنت�شر يف ع�سري وجنران طائفة ال�شيعة الإ�سماعيلية. ثالثاً :امل�س�ؤولية اخلليجية جتاه الو�ضع احلايل يف اليمن تق���ع على عاتق دول جمل�س التعاون اخلليجي م�سئولية �إعادة اال�ستقرار والأمن لليمن من خالل الآتي: .1املدخ���ل ال�سيا�سي :وذل���ك ب�إمكانية مبادرة جمل�س التعاون اخلليجي بدع���وة �أط���راف النزاع مل�ؤمت���ر م�صاحلة ،حي���ث كان لدولة قطر جهود �سابقة يف ذلك من خالل ا�ست�ضافة احلوثيني واحلكومة اليمنية (طريف الن���زاع يف �صع���دة) وتوقي���ع اتفاق �سرع���ان ما انهار مع ان���دالع اجلولة ال�ساد�سة من القتال يف �أوائل �آب�/أغ�سط�س .2009 .2املدخ���ل التنم���وي :وذل���ك انطالقًا من اخلطوة الت���ي بد�أها اجلانب اخلليجي يف هذا ال�ش�أن ،ومتثلت يف اجتماع وزراء اخلارجية اخلليجيني ب�صنع���اء نهاية ت�شرين الأول�/أكتوبر 2006لو�ضع خطة وبرامج حمددة يت���م االتفاق عليها يف م�ؤمت���ر دويل للمانحني تتبناه دول جمل�س التعاون اخلليج���ي لتوفري املتطلب���ات التمويلي���ة الالزمة لتحقي���ق ت�أهيل تنموي �شام���ل لليمن .وقد بدا ذل���ك جلي ًا يف م�ؤمتر املانح�ي�ن بلندن ،حيث بلغ �إجم���ايل االلتزام���ات اخلليجية حوايل 3.7ملي���ار دوالر �أي حوايل %70 م���ن �إجمايل الفجوة التمويلية ،بالإ�ضافة �إىل درا�سة م�شروع �إقامة خط ضال عن �سك���ة حديد يربط بني اليمن ودول جمل�س التعاون اخلليجي ،ف� ً تعهد دول اخلليج بنحو %50م���ن �إجمايل حجم التعهدات التي قدمتها ال���دول املانحة يف م�ؤمتر لندن الأخ�ي�ر (�شباط/فرباير ،)2010وخالل امل�ؤمتر الذي ا�ست�ضافته اململكة العربية ال�سعودية يف ال�شهر ذاته �أعلنت اململك���ة منحها مليار دوالر للوف���اء بتعهداتها ل�صال���ح اليمن (�صحيفة “الأهرام” امل�صرية.)2010/2/4 ، وجمم���ل القول �إن اليمن لدي���ه تزايد �سكاين ملح���وظ ويعاين من ندرة يف امل���وارد وب�إمكان دول اخلليج امل�ساهم���ة يف �إخراجه من تلك الدائرة 22
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
املفرغة� ،إذ �إن املوازنة العامة لليمن تعتمد على %89من �إيراداتها على ضال عن النفط ال�ضرائ���ب ،والر�س���وم اجلمركية ،واملنح والقرو����ض ،ف� ً الذي بد�أت خمزوناته يف االنحدار. .3البح���ث يف �إمكاني���ة ان�ضم���ام اليم���ن �إىل م�ؤ�س�س���ات خليجية �أخرى كخط���وة عل���ى طري���ق ت�أهيل اليمن ليك���ون ع�ضوًا يف جمل����س التعاون اخلليج���ي ،حي���ث اتخذت قمة م�سقط ع���ام 2001ق���رار ًا مهم ًا يف هذا ال�ش����أن و�صدر قرار باملوافقة عل���ى ان�ضمام اليم���ن �إىل �أربع م�ؤ�س�سات رئي�سي���ة باملجل�س وه���ي مكتب الرتبي���ة وجمل�س وزراء العم���ل وال�ش�ؤون االجتماعي���ة وجمل����س وزراء ال�صح���ة �إ�ضاف���ة �إىل دورة ك�أ����س اخلليج ضال عن االتفاق بني جمل����س التعاون اخلليجي العرب���ي لكرة الق���دم ،ف� ً واليم���ن يف ع���ام 2002على و�ض���ع �آليات حمددة للتع���اون بني اجلانبني ت�ضمن���ت ت�شكي���ل جمموعة عم���ل م�شرتك���ة بينهما للخ���روج بت�صورات م�شرتكة للتعاون. وجممل ما �سبق �أن �صانع القرار اخلليجي يتعني عليه �أخذ زمام املبادرة ملن���ع انهيار اليمن ،وبالتايل البد من تغليب اعتبارات اجلغرافيا والأمن القوم���ي على ما عداها من اعتبارات �سيا�سية �ضيقة ،حيث �إن ا�ستمرار تلك الأو�ضاع يف اليمن رمبا ي�ؤول �إىل �أحد �سيناريوهني ،الأول� :سيناريو احلك���م الفيدرايل ،وبالتايل يت���م تق�سيم اليمن �إىل ثالث���ة �أقاليم وهي اجلن���وب وال�شم���ال والو�س���ط� ،إال �أن هذا يبدو �أم���ر ًا م�ستبعد ًا لأن ذلك م���ن �ش�أنه �أن ي�ؤدي �إىل تف���كك اليمن ،وقد �أكد م�ست�شار الرئي�س اليمني عبد الكرمي الإري���اين رف�ضه لهذا ال�سيناريو وقال “�إنها تبد�أ بفيدرالية وتنتهي انف�صالية ،لهذا �أنا �ضد الفيدرالية”. والث���اين :ح ّل امل�شكالت يف ظل بق���اء الدولة اليمني���ة بو�ضعها الراهن، وه���ذا يحتاج من احلكومة اليمنية �إع���ادة النظر يف ال�سيا�سات احلالية ورمبا يحتاج ذلك �إىل دعم خليجي ب�شكل فاعل. � .4إمكاني���ة بح���ث �صيغ���ة جديدة جتم���ع كل من دول جمل����س التعاون اخلليج���ي واليمن مع���اً ،بحيث يتم التغلب عل���ى م�شكلة هوية الأع�ضاء يف جمل����س التعاون اخلليجي الذي ولد جامع ًا مانع���اً ،وهناك �صيغتان، الأوىل :انته���اج �سيا�س���ة امل�شارك���ة بني جمل����س التع���اون كجه���ة واح���دة وبني اليمن �أو �أي دول���ة ترغب يف االن�ضمام يتعني على �صانع القرار للمجل����س من خ�ل�ال اتفاقي���ات جتمع اخلليجي يتعني عليه الطرفني ومتنح الطرف خارج املجل�س �أخذ زمام املبادرة ملنع و�ضع��� ًا خا�ص���اً ،والثاني���ة :ه���ي �إن�شاء انهيار اليمن ،وبالتايل منظم���ة �إقليمي���ة ذات طابع اقت�صادي البد من تغليب اعتبارات ت�ض���م دول جمل����س التع���اون اخلليجي ال�ست وبع����ض دول املنطقة مثل اليمن اجلغرافيا والأمن القومي على ما عداها على غرار منظمة التعاون االقت�صادي يف و�سط �آ�سي����ا “الأيكو” والتي ت�ضم من اعتبارات �سيا�سية 10دول ذات توجه����ات �سيا�سي����ة �ضيقة و�أو�ضاع اقت�صادية متباينة.
ي�صدر قريب ًا
جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل الأ�سلحة واحلد من انت�شارها
الدوافع ،ال�سيا�سات ،املعوقات عاي�ش على عوا�س
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
23
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
تاريخ من التوقعات غري املُحقَّ قة
24
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
الواليات املتحدة واليمن
حتليالت
اليمن والعامل
جِ � .إِ .بـيتــر�ســون JEPeterson@dakotacom.net
مل ت�ب�رز اليم���ن ،يوم���اً م���ا ،حتى يف نط���اق دول ال�ش���رق الأو�سط ،ك�أولوية م���ن �ضمن �أهم �أولوي���ات ال�سيا�سة اخلارجي���ة الأمريكي���ة ،ولك���ن م���ع ه���ذا ا�ستح���وذت اليمن مق���داراً معين���اً -ويف الغال���ب -مهماً م���ن اهتمام وا�شنط���ن عل���ى ف�ت�رات متقطع���ة ومنتظم���ة تقريباً خ�ل�ال الن�صف الثاين م���ن القرن املا�ض���ي ،و�أ�صبح ذلك االهتم���ام �أك�ث�ر و�ضوح���اً يف مطل���ع ع���ام ،2000فقد ان�ص���ب تركيز وا�شنطن امل���زدوج على ثابت�ي�ن خالل تلك الفرتة ،وهما :الت�أثري الذي ي�شكله اليمن يف ال�سعودية وا�ستقرار �أنظمة احلكم املتعاقبة يف اليمن؛ حيث �أن اليمن تعترب مالذاً لقوى �أيديولوجية تتعار�ض مع امل�صالح الأمريكية. وم���ع مرور الوقت تطورت ه���ذه القوى املعادية للو�ضع احل���ايل يف املنطقة، خط موازي لذلك تبنت الواليات املتحدة ،التي متثل داعم ًا �أ�سا�سي ًا بينما يف ٍ للو�ض���ع القائم يف املنطقة� ،سيا�س���ة ثابتة ولكن مرتددة م���ع �أنظمة �صنعاء املتعاقب���ة ،يف ح�ي�ن �أن هذه الأنظمة تُعترب يف نظ���ر وا�شنطن �أنظمة ه�شة ال يُعتمد عليها و�/أو غري �أهل للثقة. �إن هناك نوع ًا من التماثل بني بداية العالقات الأمريكية -اليمنية يف فرتة ال�ستيني���ات وبني العالقات هذه يف ف�ت�رة الألفية� ،إذ �سعت الواليات املتحدة يف كال الفرتت�ي�ن �إىل حت�س�ي�ن العالقات بني البلدين ،لي����س من �أجل تعزيز امل�صالح الأمريكي���ة مبا�شرة يف اليمن و�إمنا خ�شية الواليات املتحدة من �أن ي����ؤدي عدم اال�ستقرار يف اليمن ووجود عنا�صر معادية هناك �إىل �إ�شكاالت �أمني���ة داخل املنطقة وخارجه���ا على حدٍّ �سواء .ففي ف�ت�رة ال�ستينيات كان خطر احل���رب الأهلية يف ال�شمال يه���دد بانطالق القومي���ة العربية والفكر النا�ص���ري يف �شب���ه اجلزي���رة العربي���ة ،وظهور دول���ة م�ستقل���ة يف اجلنوب كانت متثل خط���ر ًا �أكرب نظر ًا لأيديولوجيتها املارك�سي���ة واعتمادها الكامل عل���ى �أن�صاره���ا ال�شيوعيني� .أم���ا يف فرتة الألفية فقد ظه���ر �شبح التطرف الإ�سالم���ي يف �صورة اجله���اد ،وهذا ي�ش���كل حتدي ًا مبا�ش���ر ًا لي�س للحكومة اليمنية فقط و�إمنا للواليات املتحدة �أي�ضاً. تعود العالقات بني الواليات املتحدة واليمن �إىل نبذة تاريخية ف�ت�رة الأربعينيات من القرن الع�شرين � ،إذ ب���د�أت العالقات الدبلوما�سية بني البلدين عام ،1946ويف عام 1956ت�أ�س�ست مفو�ضية �أمريكية يف مدينة تعز ،العا�صمة الفعلية �آنذاك ،ومن ثمّ انتقلت �إىل �صنعاء عام .1966كما مت فت���ح مفو�ضية مينية يف وا�شنطن قب���ل ثورة ،1962وبد�أت الوكالة الأمريكية للتنمي���ة الدولة بربنامج �إعانة متوا�ضع انطل���ق ب�إن�شاء الطريق الذي يربط املخا وتعز و�صنعاء. ث���م اُتخِ ذت اخلطوة التالية يف العالق���ات الأمريكية -اليمنية مع الثورة يف ال�شم���ال ،وذلك عندما ر�أت الواليات املتح���دة �أن ت�أثريها يف العامل العربي ب���د�أ يقل نتيجة لظهور موجة الأنظمة العربية “التقدمية” التي كانت تطيح بالأنظمة امللكية والأنظمة الد�ستورية القدمية ،فا�ضطرت الواليات املتحدة موقف دفاعي يدعم الأنظمة امللكية املتبقية يف املنطقة .ويف 26 �إىل اتخ���اذ ٍ
(
)
ج� .إِ .بيرت�س���ون م����ؤرخ وحمل���ل �سيا�س���ي �أمريك���ي متخ�ص����ص يف ال�ش�ؤون املعا�صرة ل�شبه اجلزيرة العربية واخلليج.
�أيلول�/سبتمرب � 1962أطاح انقالب ع�سكري يف �صنعاء بنظام ملكي حمافظ ج���د ًا تربطه عالق���ات بوا�شنطن� ،إال �أنها مل تكن عالق���ات قوية .لكن ذلك االنق�ل�اب ا�ستبدل النظام امللكي بنظام جمه���وري مت�شدد – على الأقل يف لهج���ة اخلط���اب – تلقى دعم ًا قوي��� ًا من جمال عبد النا�ص���ر ،رئي�س م�صر اال�شرتاكية ،بل ورمبا �أن القاهرة هي من دبّر االنقالب. وبالرغ���م من ذلك اختار الرئي�س جون كن���دي �أن يعلن عن رغبته يف العمل مع عب���د النا�صر والنظام النا�شئ يف العامل العرب���ي ،ولهذا كانت الواليات املتح���دة من بني �أول الدول التي اعرتفت باجلمهورية العربية اليمنية .لكن ذل���ك مل يكن �سوى حماولة عقيمة؛ فقد عار�ضتها بريطانيا و�شعرت اململكة العربي���ة ال�سعودي���ة بتهديد مبا�ش���ر (وا�ستقبلت الإم���ام وعائلته) .وا�ستمر االبتعاد عن نظام �صنعاء ينمو عندما ازدادت احلرب الأهلية �ضراوة ،وبد�أ امل�ست�شارون ال�سوفيت يف الظهور �إىل جانب اجلمهورية الوليدة . ظل���ت العالق���ات الأمريكي���ة -اليمني���ة غري وا�ضح���ة املعامل بع���د احلرب الأهلي���ة .فمع �أن الوالي���ات املتحدة كان���ت ت�شجع �سبي���ل املفاو�ضات لإنهاء احلرب الأهلي���ة ،وكانت �سفاراتها موجودة يف �صنع���اء على الدوام ،وتقدم بع����ض املعون���ات املتوا�ضعة� ،إال �أن امل�صالح الأمريكي���ة كانت ترتكز ب�صورة مبا�ش���رة يف ال�سعودية بينما كان اليمن يقع على هام�ش ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكي���ة؛ فلم تكن تت�ضمن م�صالح �أم�ي�ركا الرئي�سية �إال خ�شية الواليات املتح���دة م���ن �أن ينهار نظام احلك���م يف اليمن ويُزَ ج البل���د يف فو�ضى تهدد �أنظم���ة احلك���م املحافظ���ة يف �شب���ه اجلزيرة العربي���ة .ومل تك���ن امل�ساعدة املتوا�ضع���ة التي تقدمه���ا الواليات املتحدة لليمن �سوى �أم���ر ثانوي ال �أهمية ل���ه مقابل احلرب الباردة الت���ي كانت تخو�ضها الوالي���ات املتحدة واالحتاد ال�سوفيت���ي� ،إذ كانت هات���ان القوتان تتناف�سان يف تق���دمي الدعم الع�سكري لليمن ال�شمايل لأن نظام احلكم يف �صنعاء كان ميثل تر�س ًا واقي ًا �ضد اليمن اجلنوبي الأكرث ت�شدداً. �أم���ا العالقات ب�ي�ن الواليات املتحدة واليم���ن اجلنوبي فقد كان���ت يف �أ�سو�أ حاالته���ا مع �أن �أول قن�صلية �أمريكية يف �شب���ه اجلزيرة العربية ت�أ�س�ست يف العا�صمة عدن ع���ام 1940تقريباً ،وكانت مبثابة موقع تن�صت جيد لكل من اليم���ن وال�سعودية �أي�ض ًا حتى ت�أ�س�ست قن�صلية �أمريكية يف جدة عام .1942 ويب���دو �أن املعلوم���ات التي مت جتميعه���ا كان م�صدره���ا الربيطانيني الذين
( )
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
25
اليمن والعامل
حتليالت
26
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
كان وا�ضح��� ًا �أن الرئي����س �صال���ح هو من م�س���ك بزمام ال�سلطة الفعلية ،كما مت �إحالل املجل�س فيما بعد .وانتقل احل���زب اال�شرتاكي �إىل �ساح���ة املعار�ضة عندما التفت ح���زب امل�ؤمت���ر ال�شعب���ي الع���ام �إىل حليف���ه الأول حزب كان���ت هناك م�ؤ�ش���رات �أخرى ع���ن التح�س���ن الطفيف الإ�صالح املحاف���ظ� .أي �أن �شعب اليمن اجلنوبي �سابق ًا واملت���درج يف العالق���ات بني البلدين خ�ل�ال فرتة �أواخر الأق���ل كثافة بكث�ي�ر من �شعب ال�شم���ال ،ر�أوا �أن احلزب الت�سعيني���ات وما بعده���ا .وبالت�أكيد كانت اليمن يف ذيل اال�شرتاك���ي اليمني مل يعد م�ؤث���ر ًا يف العملية الت�شريعية قائم���ة �أولوي���ات وا�شنطن ،ولكن مل مين���ع هذا من حثّ كما يف ال�سيا�سة التطبيقية لليمن املوحد ،فتحول الر�أي اليم���ن وال�سعودي���ة لإقام���ة عالقة �أف�ض���ل بينهما .ومن ال�شعب���ي يف اجلنوب م���ن موقف املعار�ض���ة القوية �ضد انت�شرت �شائعات مفادها ناحية �أخرى ،كانت لدى �صنعاء ووا�شنطن وجهات نظر �أن �صنعاء �ستمنح احل���زب اال�شرتاكي اليمني �إىل م�ساندته باعتباره رمز ًا الواليات املتحدة قاعدة ،متباين���ة متام ًا ب�ش����أن الق�ضايا العربي���ة -الإ�سرائيلية، وطني��� ًا للهوية اجلنوبية .ومع مرور الأي���ام ات�ضح متام ًا كم���ا انزعج���ت الوالي���ات املتح���دة من عالق���ات اليمن خا�صة على جزيرة �أن الرئي����س �صالح مل يكن يعترب اجلنوب �شطر ًا م�ساوي ًا بعراق �صدام ،فت�ضاءلت امل�ساعدات الأمريكية و�أغلقت �سقطرى ،وهو ما دفع يف الدولة. وكالة التنمية الدولية مكتبها يف �صنعاء. بالرئي�س �صالح للقول: وبحل���ول ع���ام 1994ازداد الو�ض���ع توت���ر ًا �إىل درجة �أن وعل���ى �صعي���د العالق���ات االقت�صادي���ة ،فق���د ا�ستمرت «لي�س من �سيا�ستنا منح ال�سيا�سي�ي�ن اجلنوبي�ي�ن ان�سحب���وا �إىل ع���دن ،ويف �شهر الواليات املتحدة من�ش�آت» بني البلدي���ن ولكن على م�ستوى مت���دين ،وهو ما يعك�س �أيار/مايو قام ق���ادة احلزب اال�شرتاكي اليمني بتجميع م�ستوى العالقات ال�سيا�سية� ،إذ بلغ �إجمايل ال�صادرات �أكرب عدد ممكن من ال�شخ�صيات ال�سيا�سية يف اجلنوب، م���ن الب�ضائع الأمريكية �إىل اليم���ن عام 2002ما قيمته حتى تلك ال�شخ�صيات التي تنتمي للجناح اليميني الذين 366ملي���ون دوالر فقط ،وهو مبلغ زهيد جد ًا مقارنة مببلغ مليار دوالر قيمة كان���وا معار�ض�ي�ن جلبة التحري���ر القومية واحلزب اال�شرتاك���ي اليمني قبل ال�ص���ادرات الأمريكية �إىل الكويت على �سبيل املث���ال� .أما الواردات اليمنية اال�ستق�ل�ال ،ثم �أعلن���وا عن جمهورية اليم���ن الدميقراطية اجلديدة كدولة �إىل �أم�ي�ركا فبلغت 246مليون دوالر ،ومعظمه���ا من النفط اخلام والقهوة، م�ستقل���ة ،فاندلع القتال مبا�شرة بني وح���دات اجلي�ش ال�شمالية واجلنوبية ،وعند مقارنتها مرة �أخرى بالواردات من الكويت جندها �ضئيلة جد ًا مقابل لكن القوات اجلنوبية تراجعت تدريجي ًا �إىل عدن ومن ثمّ �إىل ح�ضرموت يف ملياري دوالر .كما �أن الواليات املتحدة ملّحت �إىل رغبتها يف التفاو�ض ب�ش�أن ال�شرق ،ومت ح�سم املعركة ل�صالح القوات ال�شمالية يف غ�ضون �أ�سابيع. التو�صل �إىل اتفاق للتجارة احلرة مع اليمن ،وذلك كجزء من �إطار جتارتها ومل تتخذ الواليات املتحدة موقف ًا حمدد ًا جتاه احلرب ،و�إمنا اكتفت بت�أييد الإقليمية الأو�سع. دع���وة جمل�س التع���اون اخلليجي لوقف �إطالق النار ،وه���و الأمر الذي لو مت وكان النف���ط هو �أكرب عامل يف العالق���ات االقت�صادية ،حيث بد�أت ال�شركة ل���كان يف �صالح اجلنوب .ورغم هذا �صرح الرئي�س �صالح فيما بعد جلريدة الأمريكي���ة “هنت” التنقي���ب يف اليمن على الياب�سة ع���ام 1981ويف البحر “تامي���ز” الكويتية بقول���ه “�إن الواليات املتحدة كانت ت�ؤي���د وحدة اليمن ،عام ،1984وقد اكت�شفت النفط عام 1984يف حمافظة م�أرب الواقعة �شرق وكنا قد ح�صلنا على ال�ضوء الأخ�ضر منها للحفاظ على الوحدة .والواليات �صنع���اء يف منطق���ة متتد ع�ب�ر احلدود مع اليم���ن اجلنوبي �سابق���اً .ثم بد�أ املتح���دة تريد �إقليم ًا (ميناً) موح���د ًا ولي�س مق�سماً ،وه���ذا ما �شعرنا به” .العمل يف مد �أنابيب النفط �إىل �ساحل البحر الأحمر و�إن�شاء م�صفاة حملية وبع���د ذلك ب�أ�شهر قليلة حت�سنت العالقات الثنائي���ة بني البلدين ،ودل على يف حمافظ���ة م�أرب .ويف ع���ام 1987بد�أ ت�صدير النف���ط مبعدل �أويل و�صل هذا التط���ور الر�سالة التي �أر�سلها الرئي�س بيل كلينتون �إىل الرئي�س �صالح 130.000 ،برميل يومي���اً� .أما اال�ستك�شافات النفطية التي قامت بها “هنت” وح���ثّ فيها على خلق عالقات جي���دة بني اليمن وال�سعودي���ة .وبح�سب �أحد داخل البح���ر فقد ف�شلت يف العثور على حقول نفطية ،كذلك �أخفقت جهود ال�صح���ف العربية ،ف�إن رف�ض اليم���ن ال�ستقبال مدرب�ي�ن عراقيني لتدريب �شرك���ة “�إِك�سن” و�شركة “تك�سيكو” يف حقول �أخ���رى ،فان�ضمت “�إك�سن” قواته���ا على مقات�ل�ات (مي���ج )29 -كان ه���و ال�سبب اجلوه���ري وراء هذا ك�شري���ك م���ع �شركة “هنت” يف �شركة النفط اليمني���ة التي تقوم بت�شغيل التغ�ي�ر .وتلقت فك���رة دعم الوالي���ات املتح���دة للتو�ص���ل �إىل اتفاقية حدود القطاع رقم (.)18 �سعودي���ة -مينية باملزيد م���ن الت�أييد من خالل ما قال���ه ال�سفري الأمريكي وبع���د الوحدة اليمنية بد�أت �شركة النفط الكندي���ة “كنيديان �أوك�سدنتل”، ل���دى �صنع���اء عام .1997ويف نف�س العام ظهر م�ؤ�ش���ر �آخر يدل على حت�سّ ن التابع���ة لل�شركة الأمريكية “�أمريكان �أوك�سدنت���ل” ،ب�إنتاج النفط يف قطاع العالق���ات ،وهو �إر�س���ال وا�شنطن لفريق م���ن اخلرباء لإزال���ة الألغام التي امل�سيل���ة مبحافظة ح�ضرموت ،وهي املنطقة التي كانت تتبع اليمن اجلنوبي خلفتها حرب .1994 �سابق���اً .و قبي���ل احل���رب الأهلية ع���ام 1994كانت “هنت” تنت���ج 170.000 وبحلول � 1998أ�صبحت اليمن تتعاون مع الواليات املتحدة من خالل ال�سماح برميل يومي ًا بينما كانت �شركة “كنيديان �أوك�سدنتل” تنتج 150.000برميل لل�سفن الأمريكية بالتعريج على ميناء عدن والتزوّد بالوقود .لكن هذا املناخ يومي���اً .لكن عملية الإنت���اج يف املنطقتني توقفت م�ؤقت��� ًا �أثناء احلرب .ومن االيجاب���ي تغيرّ بعد االعت���داء على املدمرة الأمريكية “كول” يف ميناء عدن املنج���زات الأخ���رى التي حتققت بع���د الوحدة مد خط�ي�ن �أنابيب نفط �إىل ع���ام ،2000وكذلك هجمات احلادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب التي حدثت مين���اء ال�شحر على البحر العربي و�إىل �سواحل الن�شيمة يف خليج عدن ،وهو بعد مرور �سنة من الهجوم على املدمرة “كول”. ما �سهل عملية الت�صدير من عدة اجتاهات.
(
(
حكم���وا عدن باعتبارها م�ستعمرة ملكية وباقي املناطق الداخلية باعتبارها �أدى �إىل �إفال�س اجلنوب( .هذا بالإ�ضافة �إىل �أن ال�صراعات الدموية التي حممية بريطانية ،ولهذا ال�سبب مل يكن الوجود الدبلوما�سي الأمريكي ي�شكل ن�شب���ت ع���ام 1969و 1972و 1982و 1986ب�صف���ة خا�ص���ة� ،أدت �إىل ت�صفية يف ع���دن �أي م�شكل���ة ،وا�ستمر احلال كذلك حتى ظه���ور جماعات معار�ضة ال�شخ�صي���ات ال�سيا�سية الأ�سا�سية يف نظام اجلنوب و�أ�صبحت هناك قيادة كانت تقوم بحمالت معادية للوجود الربيطاين خالل فرتة ال�ستينيات. عملية �أكرث من �سابقتها) .فلم يكن لدى عدن �أي خيار �سوى القبول بالوحدة ويف �شه���ر ت�شري���ن الثاين/نوفمرب عام � 1967أُج�ب�رت بريطانيا على ت�سليم مع ال�شمال وحتت �شروط اليمن ال�شمايل �أ�سا�ساً. ع���دن وباقي املحمي���ات جلبهة التحرير القومية ،وا�ستم���رت دولة جمهورية ولكن ما �أن م�ضت �أ�شهر قالئل على حتقيق الوحدة حتى وجدت اجلمهورية اليمن ال�شعبية اجلديدة – التي �سميت الحق ًا جمهورية اليمن الدميقراطية اليمني���ة اجلدي���دة نف�سها �أمام �أزمة خطرية نتيجة غ���زو العراق للكويت يف ال�شعبية – يف عالقاتها الدبلوما�سية مع كل من بريطانيا والواليات املتحدة� ،آب�/أغ�سط����س � ،1990إذ كان���ت ترب���ط اليمن والعراق خ�ل�ال حكم �صدام مع �أنها �أقامت عالقات �أي�ض ًا مع ال�صني واالحتاد ال�سوفيتي و�أملانيا ال�شرقية .ح�سني عالق���ات حميمة ن�سبياً ،وان�ضمت اليمن م���ع الأردن لت�شكيل جمل�س ومل متر فرتة طويلة قبل �أن ينجرف نظام احلكم مع التيار الي�ساري �أكرث من التعاون العربي كمحاولة لالقت���داء مبجل�س دول التعاون اخلليجي الناجح. ال�ساب���ق ،ففي 1969و�أثناء احتفاالت يوم عي���د اال�ستقالل �أعلنت جمهورية ع�ل�اوة على ذل���ك ،كان الر�أي العام يف اليمن م�ؤي���د ًا بقوة لت�صرف العراق اليمن الدميقراطية ال�شعبية فج�أ ًة قطع عالقاتها بالواليات املتحدة ،وطرد �ض���د الكوي���ت .ولك���ن الأهم من هذا كل���ه� ،أن اليمن كانت م���ن بني �أع�ضاء ال�سف���ارة الأمريكية من العا�صمة عدن .ومل يكن هذا التطور غريباً ،خا�صة جمل�س الأمن التابع للأمم املتحدة يف ذلك احلني ،ودفعها كل من عالقتها و�أن ال�سعودي���ة – حليفة الواليات املتح���دة – كانت تدعم جماعات �صغرية بالعراق والر�أي العام يف الداخل �إىل االمتناع عن �سل�سلة من القرارات التي من �أبناء اجلنوب ومتدها بال�سالح ،وكانت هذه اجلماعات حتاول الإطاحة اتخذه���ا جمل����س الأمن لإدانة الع���راق وحترير الكويت ،ف���كان عاقبة ذلك ترحيل م���ا يقارب مليون عامل مين���ي من ال�سعودية ،و�إلغ���اء كافة املعونات بالنظام من املهجر. ومن امل�ب�ررات الأخرى وراء خماوف الواليات املتح���دة من اليمن اجلنوبي الت���ي تقدمها الواليات املتحدة والدول الغربية .وانق�ضت �سنوات طويلة قبل �أن ع���دن كانت تقدم الدع���م اللوج�ستي جلبه���ة املعار�ض���ة الي�سارية ،التي �أن تنال اليمن ر�ضا وا�شنطن ،كما مل تعد العالقات الدبلوما�سية مع الكويت كان���ت ت�ش���نّ ع�صيان ًا م�سلح ًا يف جنوب منطقة ظف���ار العمانية� .أي�ض ًا يجب حتى عام .1999 �أن ال نن�س���ى �أن جبهة التحرير القومية هي حركة نبتت من حركة القوميني وظلت العالقات بني �أمريكا واجلمهورية اليمنية فاترة من مطلع الت�سعينيات العرب ،وبالتايل كانت تربطها عالقات وطيدة باجلماعات الفل�سطينية مثل حت���ى منت�صفها ،مع وجود بع����ض امل�صالح الأمريكية التي من �أهما ح�صول اجلبه���ة ال�شعبية لتحرير فل�سطني واجلبه���ة الدميقراطية القومية لتحرير �شرك���ة النف���ط الأمريكي���ة “هنت” على عق���د االمتياز ال�ستخ���راج النفط، فل�سط�ي�ن ،وهي تنظيمات ناه�ضت امل�صال���ح الأمريكية مرات عديدة .ومن وكذل���ك �إر�س���اء املناق�صة على �شركة “كنيدي���ن �أوك�سيدنتل” (وهي �شركة الوا�ض���ح �أن الواليات املتح���دة كانت تود ر�ؤية تغ�ي�رات يف عدن ،ولكن يبدو كندي���ة تابعة لأح���د ال�شركات الأمريكية) ،كما �سع���ت الواليات املتحدة �إىل �أنه���ا مل تكن تعترب �أن موقف جمهورية اليم���ن الدميقراطية ال�شعبية ي�شكل حت�س�ي�ن العالقات بني الريا�ض و�صنع���اء .بالإ�ضافة �إىل ذلك ،كان الرئي�س خط���ر ًا كافي ًا لتربي���ر �أي تدخل فعلي ،بل �أن جمهوري���ة اليمن الدميقراطية عل���ي عب���داهلل �صالح الذي توىل �س���دة احلكم عام 1978ذكي��� ًا بتبنيه نوع ًا ال�شعبي���ة كانت يف الأ�سا�س بلد ًا �صغ�ي�ر ًا و�ضعيف ًا وفقري ًا ال ميكنه فعل �شيء م���ا من املب���ادئ الدميقراطية وتطبيقه���ا ،كانعقاد انتخاب���ات حرة لت�شكيل �س���وى �إحداث بع�ض الأ�ضرار الب�سيطة ،له���ذا كان بقائها على ذلك الو�ضع جمل�س النواب ،وهو الأمر الذي لفت انتباه وا�شنطن خا�ص ًة و�أنه كان هناك هو اخليار الأف�ضل والأقل خطراً. ت�شديد على املفاهيم الدميقراطية وتطبيقها كدرع واق لل�سيا�س���ة الأمريكية املعلن���ة يف ال�شرق الأو�سط انزعجت الواليات املتحدة من عالقات اليمن �آن���ذاك .وقد فتح املعهد اجلمهوري الوطني واملعهد الوحدة اليمنية و�أزمة 1991 – 1990 الدميقراطي الوطني مكاتب ًا لهما يف �صنعاء ملراقبة متث���ل �سن���ة 1990نقطة حت���ول تاريخية بالن�سب���ة للعالقات بعراق �صدام ،فت�ضاءلت �س�ي�ر عملي���ة االنتخاب���ات ،والت�شجي���ع عل���ى اتخاذ امل�ساعدات الأمريكية الأمريكي���ة -اليمني���ة� ،إذ �شه���دت حتقيق الوح���دة اليمنية املزيد من اخلُطى جتاه الدميقراطية. يف �شه���ر �أيار/ماي���و .وهذا االجن���از هو اله���دف الذي كان و�أغلقت وكالة التنمية اليمنيون ي�سعون لتحقيقه منذ فرتة �سبقت ثورة ،1962غري الدولية مكتبها يف �صنعاء الواليات املتحدة وحرب 1994الأهلية �أن الوج���ود الربيط���اين يف اجلن���وب كان ميثل عائق��� ًا �أمام ذل���ك .وبعد ا�ستقالل عدن ،تبنّ���ت حكومة اجلنوب منهجية بع���د حتقي���ق الوح���دة ع���ام 1990وج���د اجلن���وب �أكرث راديكالية بينما �أ�صبحت حكومة ال�شمال �أكرث حتفظاً، نف�س���ه ق���د تقل����ص �سريع��� ًا من دول���ة م�ستقل���ة �إىل فكان من نتائج ذل���ك التحول اندالع مناو�شات حدودية عام عدد م���ن املحافظات� ،أقل م�ساح���ة و�سكاناً� ،ضمن 1972وع���ام 1979وانتهت بتجديد االلتزام���ات لل�سعي وراء ح���دود اليمن املوحد .ويف بداي���ة الأمر كان احلزب اال�شرتاكي اليمني ميثل ال�شريك الثاين يف ال�سلطة حتقيق الوحدة .و�أهم تغري يف املحيط �سمح لعملية التن�سيق بعد امل�ؤمتر ال�شعب���ي العام ،وكانت القيادة الوطنية للوح���دة ب�ي�ن ال�شطرين هو انهي���ار االحت���اد ال�سوفيتي عام متمثل���ة يف جمل�س رئا�سي م���ن خم�سة �أع�ضاء .لكن ،1989ففقد اليمن اجلنوبي بهذا ن�صريه الأول ،الأمر الذي
العالقات الأمريكية -اليمنية بعد الهجوم عل��ى املدم��رة الأمريكية “ك��ول” و�أحداث �أيلول�/سبتمرب 2001
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
27
اليمن والعامل
حتليالت
وبف�ض���ل عمليات اال�ستك�ش���اف واالكت�شافات النفطي���ة يف عدد من احلقول اجلديدة بلغ �إنت���اج اليمن من النفط ذروته عام 2000حيث و�صل 450.000 برميل يومياً .ولكن ما �أن �أ�صبحت احلقول قابلة للدفع واجهت اليمن م�شكلة تده���ور م�ستوى الإنتاج با�ستم���رار رغم اجلهود املتوا�صل���ة من قبل الدولة، فق���د تراجع مع���دل الإنتاج �إىل 380.000برميل يومي��� ًا عام 2006و317.000 برميل يومياً� .إ�ضافة �إىل �أن عملية الإنتاج تعرقلت من حني �إىل �آخر نتيجة الهجم���ات املتكررة عل���ى �أنابيب النفط التي قامت به���ا القبائل ال�ساخطة، وكذلك الإ�ضرابات العمالية. وتعر�ضت امل�صالح الأمريكية النفطية �إىل �ضربة عام 2005عندما �صادرت اليم���ن حق االمتياز م���ن �شركتي “هنت” و”�إك�سن موباي���ل” وتنازلت عنه ل�شرك���ة حكومي���ة .فطلب���ت ال�شركتان الع���ودة �إىل التحكيم ال���دويل بحجة انته���اك حق���وق العق���د ،ويف �آب�/أغ�سط����س 2008حكمت حمكم���ة التجارة الدولي���ة ل�صالح اليم���ن .ورغم ذلك اخلالف ا�ستم���رت �شركة “هنت” يف ت�شغيل حقل جنة الذي بلغ متو�سط �إنتاجه يف ال�سنوات الأخرية �إىل 45.000 برميل يومياً ،ولعبت هذه ال�شركة �أي�ض ًا دور ًا يف تطوير عملية ت�صدير الغاز الطبيع���ي امل�سال يف اليمن من���ذ ،1997ومتتلك ح�صة كبرية يف �شركة الغاز الطبيع���ي امل�سال اليمني���ة .وكان من املتوقع �أن يب���د�أ ت�صدير �أول �شحنة يف كانون الأول/دي�سمرب .2008 وهناك تاريخ طويل ،و�إن كان متقطع ،من امل�ساعدات التنموية التي قدمتها الواليات املتحدة لليمن ،ابتدا ًء بت�شييد الطرقات خالل �آخر �سنوات احلكم الأمام���ي يف ال�شم���ال .وا�ستمرت امل�ساع���دة ب�صورة متقطع���ة على م�ستوى متدين بعد انته���اء احلرب الأهلية يف ال�شمال ( )1970 – 1962وحتى 1990 عندما جفّت منابع املعونات التنموية املقدمة من �أمريكا وغريها من الدول الغربي���ة ،حيث مل تبلغ معون���ات وكالة التنمية الدولية حتى عام � 1993إال ما يق���ارب �أربعة ملي���ون دوالر ،وهو ما ميثل خُ م�س املعون���ات املقدمة يف مطلع ف�ت�رة الثمانينات .وبحلول 1995ارتفعت امل�ساع���دات �إىل 9.4مليون دوالر، ولك���ن باملقابل ارتفعت املديونية اليمنية امل�ستح���ق دفعها للواليات املتحدة، �إذ و�صل���ت �إىل ما يقارب 102مليون دوالر يف نف�س ال�سنة .ويف � 1998أُبرمت اتفاقيات ثنائية لإعفاء اليمن من 17مليون دوالر من املديونية. وق���د �أغلق���ت وكال���ة التنمية الدولي���ة براجمه���ا يف اليمن ع���ام ،1996لكن حت�سن���ت الأو�ض���اع يف اليم���ن بحل���ول 2003وا�ست�أنف���ت الوكال���ة براجمها للإعانة وا�ستهدفت خم�س حمافظات فقرية يف �شمال و�شمال �شرق اليمن، وهي �صعدة واجل���وف وعمران وم�أرب و�شبوة ،ورك���زت على �صحة الأمومة والطفول���ة والتعلي���م الأ�سا�سي والدخل والت�أمني الغذائ���ي وت�شجيع املفاهيم الدميقراطية يف تلك املناطق .ولي�س من امل�صادفة �أن تعاين هذه املحافظات كثري ًا من عدم توفر البني���ة التحتية االجتماعية واالقت�صادية الكافية ،وقد مت ا�ستهدافها لأنه كان هناك �شعور ب�أن هذه املناطق عر�ضة لعملية التجنيد الإرهابي ،ومتثل مالذ ًا �آمن ًا للعنا�صر الإرهابية. ويف � 2004أ�صبح���ت اليمن من الدولة امل�ستحقة للإعانة املقدمة من برنامج م�ؤ�س�سة حتدي الألفية (وهو فرع من احلكومة الأمريكية يقدم �إعانة لأفقر دول الع���امل) ،فح�صلت على 14.8مليون دوالر كم�ساعدة خالل ،2005لكن ه���ذا املبل���غ انخف�ض �إىل ت�سعة ملي���ون دوالر يف العام الت���ايل ،وذلك نتيجة ل�سحب �أهلية اليمن لنيل دعم هذا الربنامج نظر ًا لقمع ال�صحفيني وتف�شّ ي 28
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
الف�س���اد .وله���ذا مل حت�صل اليم���ن على 30مليون دوالر م���ن برنامج حتدي
الألفي���ة امل�ستح���ق تقدمي���ه لليمن ع���ام 2007وخ�سرت �أي�ض��� ًا �أكرث من 100 ملي���ون دوالر من معونات البنك ال���دويل .ويف ت�شرين الثاين/نوفمرب 2007
�أعلن برنامج م�ؤ�س�سة حتدي الألفية �أن اليمن ا�ستعادت �أهليها للدعم كونها قام���ت مبا فيه الكفاية م���ن الإ�صالحات التي �شملت ب���ذل اجلهود ملكافحة الف�س���اد ،و�إ�صالحات ق�ضائية ،و�سن قوان�ي�ن امل�شرتيات ،و�إجراء انتخابات ح���رة ،و�إعادة تقييم قانون ال�صحافة القا�س���ي ،وتنفيذ �إ�سرتاتيجية وطنية للإ�صالح .فقام الربنامج مبنح اليمن 20.6مليون دوالر يف الثاين ع�شر من �أيلول�/سبتمرب ،2007وذلك ملحاربة الف�ساد وحت�سني �سيادة القانون. ع�ل�اوة على املزيد من الربامج الإ�ضافي���ة لدعم الرعاية ال�صحية والتعليم والزراع���ة ،ا�ستهدفت املعونات املقدم���ة من وكالة التنمي���ة الدولية لليمن، الإ�سرتاتيجي���ة الوطنية لالمركزية ،مع دع���م املجال�س املحلية على م�ستوى املحافظات واملديريات فيما يتعلق بالتخطيط وو�ضع امليزانية والإدارة .كما قدمت الدعم للجنة العليا لالنتخابات ،وكذلك برامج الإ�صالح بني القبائل اليمنية.
م���ن �أه���م الأ�سب���اب التي لفتت االهتمام املخ��اوف الأمني��ة الأمريك���ي �إىل اليمن منذ 2001االعتقاد ب�أن البلد ميثل � -أو ميكن �أن ميثل م�ل�اذ ًا للعنا�ص���ر الإرهابية .وق���د ظهرت خماوف �شدي���دة خالل العقودال�سابقة نتيجة ل�ضعف الدولة املركزية يف ال�شمال ،وظهور توجه �أيديولوجي يف اجلن���وب .كما �أن العديد من عنا�صر منظمة التحرير الفل�سطينية جل�أوا �إىل ال�شمال بعد االجتياح الإ�سرائيلي للأرا�ضي اللبنانية عام ،1982كما �أن اجلن���وب ا�ست�ضاف جماعات فل�سطيني���ة علمانية متطرفة على مر ال�سنني. وبعد ذلك ،عندما ان�سحب االحتاد ال�سوفيتي من �أفغان�ستان ،عاد ما يقارب 60.000م���ن العرب الأفغان �إىل اليم���ن وبدئوا الن�شاط التجاري يف املناطق النائي���ة ،و�أخ���ذوا ي�ؤثرون يف املتطرف�ي�ن املحليني وك�سب���وا ت�أييد اخلارجني ع���ن الدولة .واقتن���ع الكثري من اليمنيني ب����أن ال�سعودية كان���ت تروج للفكر الوهابي �شديد التحفظ يف اليمن ،و�أن من بني الأجانب كان يوجد متطرفني �إ�سالميني. وبالفع���ل كان���ت هناك �أدلة عل���ى بروز ظاهرة التطرف قب���ل ،2001فقد مت تفج�ي�ر قنابل ع���ام 1993يف فندق�ي�ن مبدينة عدن حيث كان���ت تقيم قوات املارين���ز الأمريكية وهي يف طريقه���ا �إىل ال�صومال ،وعلى �إثر ذلك �سحبت الوالي���ات املتحدة جنودها م���ن عدن التي كانت مبثاب���ة حمطة متويل وقود للق���وات الأمريكي���ة .كما ا�شتبه يف �أحد اليمنيني عل���ى الأقل ب�أنه متورط يف تفج�ي�رات ،1998التي نفذتها القاعدة �ضد ال�سف���ارات الأمريكية يف كينيا وتنزانيا .ويف مطلع 1999تلقت ال�سفارات الربيطانية والأمريكية تهديدات، وه���و م���ا �أدى �إىل ان�سحاب فرق �إزالة الألغام التابع���ة للواليات املتحدة ملدة ثالثة �أ�شه���ر .ويف حزيران/يونيو 2001تلقت ال�سفارة الأمريكية املزيد من التهدي���دات �أجربتها عل���ى نقل تابعياتها م���ن البلد وكذلك الف���رق التابعة ملكت���ب التحقيق���ات الفي���درايل (�إف .بي� .آي) التي كان���ت حتقق يف حادثة املدمرة “كول”. وه���ذه احلادثة تعد الأهم على الإطالق ،وقد حدثت مبيناء عدن يف ت�شرين الأول�/أكتوب���ر 2000عندم���ا اقرتب قارب محُ مّل باملتفج���رات من ال�سفينة
احلربي���ة الأمريكية ون�سفها ،محُ دِ ث ُا فجوة يف جانب ال�سفينة و�أ�سفر عن م�صرع �سبعة ع�شر بحار ًا كانوا على منت ال�سفينة “كول” ،وكذلك مقتل االنتحاريني .وبعد مرور �سنتني تعر�ضت ناقلة النفط الفرن�سية “ملربج” للهجوم قبالة ال�سواحل اليمنية. وم���ع �أن هاتني احلادثتني هما ما لفت �أغل���ب االنتباه� ،إال �أنهما مل تكونا الوحيدت�ي�ن �أو الأخريت�ي�ن ،ففي �أبريل � 2002أغلق���ت ال�سفارة الأمريكية ب�صنع���اء �أبوابه���ا مل���دة �أ�سبوع نتيج���ة لتهدي���دات �إرهابي���ة تلقتها .كما �أُحبطت حماولة �إرهابية لقتل ال�سفري الأمريكي يف �أيار/مايو .2004ويف ني�سان�/أبري���ل � 2005أغلقت ال�سفارتان الربيطانية والأمريكية �أبوابهما م���رة �أخرى ،و�أُخلي موظفيهم���ا غري الر�سمي�ي�ن ورعاياهما .ويف كانون الأول/دي�سمرب � 2006أطل���ق �أحد اليمنيني النار على ال�سفارة الأمريكية با�ستخ���دام ،AK-47لكنه جُ رح و�ألقي القب�ض عليه من قبل قوات الأمن اليمنية ،لكن مل يت�ضح ما �إذا كانت احلادثة عملية �إرهابية �أم ال. وكان �آخ���ر هجوم �ض���د امل�صالح الأمريكية يف ال�ساب���ع ع�شر من �أيلول/ �سبتمرب ،2008عندما �صدمت �سيارتان احلواجز الوقائية �أمام ال�سفارة الأمريكية ب�صنع���اء ،حيث انطلقت ال�سي���ارة الأوىل نحو مبنى ال�سفارة وقام عدد من املهاجم�ي�ن ب�إطالق النار على احلر�س م�ستخدمني قنابل �صاروخي���ة وبنادق ،بينما انطلقت ال�سيارة الثانية بعد ذلك نحو البوابة وانفج���رت يف عملية انتحارية .و�أدى ذل���ك الهجوم �إىل مقتل �ستة ع�شر �شخ�ص���اً ،وه���م املهاجمون ال�ست���ة و�ستة م���ن حر�س الأم���ن و�أربعة من الواقف�ي�ن �أمام ال�سفارة ،كان م���ن بينهم مواطنة �أمريكية .لكن الهجوم ف�شل يف اخرتاق ال�سفارة.
التعاون الع�سكري الأمني بني الواليات املتحدة بد�أت العالقات الع�سكرية تتح�سن من 1990 واليمن
– ،1991وق���د انت�شرت �شائعات مفادها �أن �صنعاء �ستمنح الواليات املتحدة قاعدة ،خا�ص���ة على جزيرة �سقطرى ،وهو ما دف���ع بالرئي�س �صالح للقول: “لي����س من �سيا�ستن���ا منح الواليات املتحدة من�ش����آت” .ويف ني�سان�/أبريل 1998عرج م�ساعد وزير اخلارجي���ة الأمريكي ل�ش�ؤون ال�شرق الأدنى مارتن �إندي���ك على العا�صمة �صنع���اء ،وبعد �شهر زار اليمن اجلرنال �أنتوين زيني، قائ���د القوات املركزية الأمريكية ،وعقد حمادث���ات مع الرئي�س �صالح .وقد كان���ت تلك الزي���ارة الأوىل من نوعها ،وكان ورائه���ا � -إىل حد ما � -صعوبة احل�ص���ول على موافقة البحرين بال�سم���اح للواليات املتحدة ب�إقامة من�ش�آت ع�سكرية �أثناء ال�ضربات اجلوية على العراق عام .1998 ولي�س م���ن امل�ستغرب �أن تطم���ع الواليات املتحدة يف ا�ستخ���دام ميناء عدن املتمي���ز؛ فه���و لن يوفر بدي ًال للقواعد يف اخللي���ج �إذا لزم الأمر فح�سب ،بل ويتمي���ز مبوقع منوذجي قريب من خطوط املالحة يف البحر الأحمر والقرن الأفريقي املتقل���ب� .أي�ض ًا من املحتمل �أن الوالي���ات املتحدة �سعت للح�صول عل���ى نف���وذ �أك�ب�ر يف اليمن لكي ت�ش���د على ي���د الدولة للعمل �ض���د الن�شاط الإ�سالم���ي ولتعزي���ز العالق���ات م���ع ال�سعودية .وق���د كان هن���اك دليل على الطموح���ات الع�سكري���ة الأمريكية ،فقد ر�ست ثاين �سفين���ة حربية �أمريكية يف مين���اء عدن منذ ،1967كما مت حتديد ج���دول زمني للمزيد من زيارات ال�سفن ،وجرى مترين م�شرتك �صغري .و�أعلن نائب م�ساعد وزير اخلارجية
واج��ه التع��اون الأمن��ي ب�ين �صنع��اء و وا�شنط��ن الكث�ير م��ن امل�صاعب نتيجة لعدم االتفاق على كيفية �إجراء التحقيقات والتعامل مع امل�شتبه بهم الأمريك���ي اجلدي���د ل�ش����ؤون ال�شرق الأدن���ى ،رونالد نيومان ،خ�ل�ال زيارته ل�صنع���اء يف �أيار/ماي���و 1998ب�أن رغب���ة الواليات املتح���دة �أكرث من جمرد رغب���ة �أمني���ة� ،إذ ق���ال“ :مل تولِ الواليات املتحدة اليم���ن اهتمام ًا منذ فرتة طويلة ،ولكننا بد�أنا ندرك دور اليمن القيادي كمُ�صلحٍ دميقراطي ،و�أهميته ال�ستقرار املنطقة”. وظل���ت العالقات الأمنية يف تقدم خالل ،1999مع زيارة زيني الثالثة خالل �أقل من �سنتني وو�سط �إ�شاعات من �أن الواليات املتحدة تنوي ا�ستخدام اليمن كنقطة �إعداد وانطالق ع�سكرية ،وفتح قاعدة للقوات البحرية يف �سقطرى، وه���و م���ا �أنكره زين���ي مبا�شرة .ولك���ن بعد هذا الإن���كار ب�أي���ام� ،صرح وزير اخلارجي���ة اليمني �أنه لي�س لدى حكومته مان���ع يف ال�سماح للواليات املتحدة من ا�ستخدام القواعد اليمنية “يوم ًا ما �إذا كان ذلك يف �صالح اليمن” .ويف ع���ام 2000عر�ضت الواليات املتحدة الو�ساطة ب�ي�ن اليمن وال�سعودية ،وهو م���ا رف�ضه ال�سعوديون باعتباره �أمر ًا غري �ضروري .ومتحورت زيارة الرئي�س �صال���ح �إىل وا�شنط���ن يف ني�سان�/أبريل 2000حول تقدي���ر الواليات املتحدة لت�سهي���ل عملية �إجراءات خروج يهود اليمن ،وتقدير الرئي�س �صالح للجهود التنموي���ة التي تبذلها الواليات املتحدة يف اليمن .وعند حدوث الهجوم على املدم���رة “ك���ول” يف ت�شرين الأول�/أكتوب���ر 2000كان زيني ق���د زار اليمن للمرة الرابعة وزارت القوات البحرية الأمريكية ميناء عدن ثالثة وع�شرين م���رة .وقد �أ�ص���ر زيني على �أن العالقة مع اليم���ن قد تطورت بفعل موقع عدن اال�سرتاتيجي ،ولي�س كمحاول����ة للتملق لك�سب ر�ضا احلكومة اليمنية. وكان م����ن نتائ����ج االعتداء على املدم����رة “كول” ،ح�ص����ول ان�سحاب – ولو م�ؤقت – لفرق �إزالة الألغام الأمريكية .
(
(
)
)
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
29
وقد �أعاد ذلك الهجوم تركي����ز انتباه الواليات املتحدة على اليمن باعتباره وم����ع هذا ،ظلت هناك خماوف حيال نوايا الرئي�س �صالح كونه -كما كان م��ل�اذ ًا للعنا�ص����ر الإرهابية ،كما �أنه �أظهر �إىل ح����دٍّ كبري عدم قدرة اليمن يبدو -م�ستم����ر يف التعامل مع �صدام ح�سني ،وقام ب�شراء �صواريخ �سكود عل����ى �ضبط مياهها الإقليمية .و�إذا تطلب الأمر منع حدوث �أعمال �إرهابية من كوريا ال�شمالي����ة� .أي�ض ًا قيل �أن عبد الرحيم النا�شري ،رئي�س عمليات مماثل����ة ،ف�����إن اليم����ن �ستحت����اج �إىل الكثري م����ن امل�ساع����دة لتعزي����ز �أمنها تنظي����م القاعدة يف اخلليج واملخط����ط الأول للهجوم على “كول” ،حترك الإقليمي .ويف كانون الثاين/يناير 2001زار اجلرنال تومي فرانك�س ،خليفة ب����كل حري����ة يف اليمن ،ولكن هذا مل مين����ع الواليات املتح����دة من موا�صلة زيني ،اليمن حيث مت ت�شكيل فريق �أمريكي -ميني م�شرتك لتعقب مرتكبي التع����اون مع �صنعاء باعتباره �أمر ًا �ضروري ًا ال�ستئ�صال العنا�صر الإرهابية الهج����وم عل����ى “ك����ول” .وكان تقدمي امل�ساع����دة من قبل الوالي����ات املتحدة يف املناط����ق النائي����ة .وبالإ�ضاف����ة �إىل القي����ام بتدريب اجلن����ود اليمنيني، الأمريكية من �أجل رفع م�ستوى �أمن مطاراتها بعد �أ�شهر من تعر�ض طائرة ت�ضم����ن الدع����م �إر�س����ال ق����وات خا�ص����ة �إىل اليم����ن ،كما ب����د�أت طائرات ال�سفري الأمريكي لالختطاف ،و�أر�سلت وزارة اخلارجية الأمريكية �إدموند “بريدات����ور” التابع����ة للمخابرات املركزية الأمريكي����ة بالتحليق يف �أجواء هول ،نائب من�سقها الرئي�سي ملكافحة الإرهاب� ،إىل اليمن ك�سفري هناك .املناطق اليمني����ة ،وا�ستخدمت �إحداها لقتل زعيم القاعدة يف اليمن علي وبع����د ع�شرة �أ�شه����ر على مرور التفج��ي�رات ،بد�أت العالق����ات الأمريكية -قائ����د �سنان احلارثي وزمالئه يف ت�شرين الثاين/نوفمرب 2002با�ستخدام اليمنية تع����ود �إىل جمراها الطبيعي .ويف زيارة �أخ����رى �إىل �صنعاء ،اقرتح �أجهزة حتكم عن بعد .ومل تعرتف اليمن بتعاونها يف الهجوم �إال بعد مرور فرانك�����س القي����ام بتمرين م�شرتك مرة �أخ����رى ،وا�ستئن����اف تعريج ال�سفن �أكرث من �سنة. الأمريكي����ة على ميناء عدن .وبعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب وق����د واجه التعاون الأمني بني البلدين الكثري م����ن امل�صاعب نتيجة لعدم تعقدت العالقات �أكرث ب��ي�ن البلدين .ومل تكن عنا�صر القاعدة على عالقة االتفاق على كيفية �إجراء التحقيقات والتعامل مع امل�شتبه بهم من ناحية، بالأن�شط����ة الإرهابي����ة يف اليم����ن من خ��ل�ال حادثة “كول” فح�س����ب ،بل �إن وم����ن ناحية �أخرى نتيجة �شك����وك ال�شعب اليمني م����ن وجود عالقات بني وا�شنط����ن كانت مقتنع����ة ب�أن احلكومة اليمنية مل تكن ج����ادة يف ا�ستئ�صال �صنع����اء ووا�شنطن ،بل وقامت مظاهرة يف �صنع����اء يف �آذار/مار�س 2003 �أن�ص����ار القاعدة وغريهم من املتطرفني الإ�سالميني .وبعد مرور �أ�سبوعني �ض����د الغزو الأمريك����ي املتوقع للعراق و ُقت����ل فيها اثنان م����ن املتظاهرين. من �أح����داث �أيلول�/سبتمرب� ،أُر�سِ ل رئي�س ال����وزراء ووزير اخلارجية �سابق ًا بع����د ذلك بف��ت�رة ق�صرية� ،أ�ص����درت وزارة اخلارجي����ة الأمريكية حتذير ًا عبد الك����رمي االرياين �إىل وا�شنطن ملناق�شة الأم����ور مع اجلانب الأمريكي .م����ن ال�سفر �إىل اليمن ،نظر ًا لتلقيها تهدي����د ًا �إرهابي ًا وطلبت من موظفي ث����م زار الرئي�س �صالح بنف�س����ه وا�شنطن يف ت�شري����ن الثاين/نوفمرب لي�ؤكد تابعياته����ا الرحي����ل م����ن اليم����ن يف �آذار/مار�����س ،وم����رة ثاني����ة يف �آب/ للوالي����ات املتحدة ح�س����ن نواياه جتاه حماربة الإره����اب ،ووافق على �إعطاء �أغ�سط�س .و�أقنع ا�ستم����رار التهديدات الإرهابية الرئي�س �صالح ب�أن يوفق جم����ال �أكرب للمحققني الأمريكيني للتحقي����ق يف حادثة “كول” .ويف مقابل عل����ى فتح مكتب تابع ملكت����ب التحقيقات الفي����درايل .ويف ت�شرين الثاين/ ذل����ك� ،أبدت الواليات املتحدة ا�ستعداده����ا لدعم القوات اخلا�صة اليمنية ،نوفم��ب�ر �أعلنت اليم����ن عن جناحها يف اعتقال زعي����م القاعدة اجلديد وتق����دمي الدعم التنم����وي للمحافظات النائي����ة حيث يُعتق����د �أن الإرهابيني حممد حمدي الأهدل. ين�شطون. وم����ن �أ�سب����اب اخل��ل�اف �أي�ض���� ًا �إ�ص����رار الوالي����ات املتحدة عل����ى ت�سليمها وب�إعالنه����ا عن رغبتها يف التعاون ،تفادت اليم����ن �إمكانية �أن تكون الهدف ال�شخ�صي����ة الإ�سالمية البارزة عبد املجيد الزنداين ،الذي و�صفته وزارة الت����ايل للواليات املتح����دة بع����د �أفغان�ست����ان .ولت�أكيد ح�سن اخلزان����ة الأمريكي����ة ب�أن����ه �إرهابي عامل����ي من نوع الني����ة �أعلنت الدول����ة اليمنية �أنها تق����وم مبالحقة عدد من خا�ص .وقد رف�ض اليمن مطالبة الواليات املتحدة الواليات أن � املحتمل من العنا�ص����ر القبلية امل�شتبه ب�أنهم عنا�ص����ر �أ�سا�سية يف �شبكة بحجة �أنه����ا ال ت�ستطيع ت�سليم �أحد مواطنيها .كما للح�صول �سعت املتحدة تنظي����م القاع����دة .ويف مطل����ع � 2002شه����دت �صنع����اء عدد ًا �أن الزن����داين م����ن ال�شخ�صي����ات امل�ؤ�س�سة حلزب م����ن الزي����ارات التي ق����ام بها م�سئول����ون �أمريكي����ون للت�أكيد على نفوذ �أكرب يف اليمن الإ�صالح املعار�ض ،ويُدير جامعة الإميان اخلا�صة عل����ى احلاجة املا�سة للتع����اون امل�شرتك يف ال�ش�����ؤون الأمينة لكي ت�شد على يد الدولة ويتمت����ع بت�أييد �شعب����ي كبري يف كل �أرج����اء اليمن، للعمل �ضد الن�شاط ومكافحة الإرهاب .ومن �ضمن تلك الزيارات :زيارة روبرت ب����ل ويف �أو�ساط الدول����ة .ويف �أيلول�/سبتمرب 2005 مول����ر ،مدير مكت����ب التحقيقات الفي����درايل ،والتي قام بها طلب����ت اليم����ن ر�سمي���� ًا من الوالي����ات املتح����دة �أن الإ�سالمي ولتعزيز تُ�سقِط التهم املوجهة �ض����د الزنداين كونها مبنية يف كان����ون الثاين/يناير ،وزيارة جورج تينِ����ت ،رئي�س وكالة العالقات مع ال�سعودية اال�ستخب����ارات املركزية ،والتي قام به����ا يف �شباط/فرباير، على كالم �صح����ف متحزّبة .وقال����ت �صنعاء لو �أن وزيارة نائ����ب الرئي�س الأمريكي ريت�ش����ارد ت�شيني يف �آذار/ هناك دليل فعل����ي فيجب ت�سليمه للحكومة اليمنية مار�س .عالوة على ذلك ،مت �إر�سال م�سئولني �أمريكيني �إىل وه����ي �صاحبة احل����ق يف اتخاذ الإج����راء املنا�سب. اليمن لتفقد الرتتيبات الأمينة يف عدن ،كمقدمة ال�ستئناف فع����ادت الواليات املتح����دة �إىل الهجوم يف �شباط/ التعري����ج على ميناء عدن .ويف ت�شري����ن الأول�/أكتوبر ر�ست فرباي����ر 2006عندما �أر�سل الرئي�����س بو�ش خطاب ًا �سفين����ة �شحن �أمريكية مبيناء عدن ،وه����ي �أول �سفينة تقوم �إىل �صال����ح يطل����ب من����ه اعتق����ال الزن����داين ،لكن بذلك بعد تفجري املدمرة “كول”. اليم����ن احتجت م����رة �أخرى وطلب����ت الدليل الذي
(
(
30
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
)
(
اليمن والعامل
حتليالت يثبت تورط الزنداين يف العمليات الإرهابية. لكن اليمن �سمحت نوع ًا ما للواليات املتحدة بالو�صول �إىل الإرهابيني امل�شتبه بهم ،وبامل�شاركة يف حماكمة امل�شتبه بهم يف الت����ورط بتفجريات “كول” �أثناء حماكمتهم يف .2004وكان����ت حماكمة الكثري من املدعى عليهم جترى نظرة الواليات املتحدة جتاه ا�ستقرار اليمن غيابي����اً ،مبن فيهم العقل املدبر عبد الرحيم النا�شري، مل تك����ن النتيج����ة النهائي����ة لتاريخ التع����اون امل�ضطرب الذي كان يف �أحد ال�سجون الأمريكية ال�سرية ويف مكان واخلالفات هذا �سوى خ����وف الواليات املتحدة امل�ستمر غري مع����روف .يف املقابل ،وافقت الواليات املتحدة على من �أن اليمن لن تكون قادرة على فر�ض �سيطرتها على ب�إعالنها عن رغبتها ت�سلي����م �سبعة من بني مائة معتقل ميني تقريب ًا يف �سبيل يف التعاون مع وا�شنطن ،املتطرف��ي�ن داخل نط����اق حدودها الوطني����ة .ويعود هذا �إح����راز تقدم جت����اه الدميقراطية ،كم����ا دعت وا�شنطن �إىل ح����د م����ا � -إىل الو�ض����ع االقت�ص����ادي املتدهور يفتفادت اليمن �إمكانية الرئي�����س �صال����ح لزيارته����ا يف ت�شري����ن الثاين/نوفمرب اليمن؛ فاليمن من �أفقر بلدان العامل ،و�أخذت مواردها �أن تكون الهدف التايل ،2005وه����ي الزي����ارة الثالث����ة له منذ �أح����داث احلادي – النفط واملاء – تن�ضب ب�سرعة وب�شكل م�ستمر .كما للواليات املتحدة ع�ش����ر م����ن �أيلول�/سبتم��ب�ر ،ومتح����ورت حمادثات����ه مع �أن النم����و ال�س����كاين ،الذي يق��ت�رب الآن م����ن 23مليون الرئي�س بو�ش ووزي����رة اخلارجية كوندا ليزا راي�س حول بعد �أفغان�ستان ن�سمة ،يزيد الطني بلة .وم����ا يدعو للمفارقة �أن م�شاكل تن�سيق اال�سرتاتيجيات املكافحة للإرهاب ،لكن قيل �أن �أواخر عام 2001 اليم����ن املعق����دة تزداد �س����وء ًا يف �ض����وء ا�ضطرارها �إىل �إدارة بو�����ش �ضغطت على �صالح نظر ًا لعدم وجود تقدم تق����دمي امل�أوى وامل�ساعدة ملواطنني قادمني من بلد يرزح جتاه الدميقراطية يف اليمن. يف �أو�ض����اع �أك��ث�ر �سوء ًا م����ن اليمن ،وه����م ال�صوماليون وبع����د �أ�شه����ر قليلة نُ�شِ ����ر �أن ال�سف����ن البحرية الأمريكية كان����ت جتوب املياه الذين يعربون البحر الأحمر باجتاه اليمن. الإقليمي����ة لليم����ن �سعي���� ًا لتطوي����ق مناف����ذ اله����روب البحرية ،ملن����ع امل�شتبه وال �شك �أن الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ،الذي توىل ال�سلطة منذ فرتة تزيد بانتمائه����م للقاعدة ممن �شارك����وا يف الهروب اجلماعي م����ن ال�سجن عام ع����ن ثلث قرن� ،أثب����ت ذكاءه وحنكته �أكرث مما كان متوق����ع ،وم�ستقبل البلد 2004من الف����رار .ويف �آذار/مار�س 2006قام عمالء املخابرات الأمريكية بع����ده مدع����اة للقلق .ونظام حكم����ه يعتمد على �سيطرت����ه ال�شخ�صية وعلى بت�سليم ثالثة من اليمنيني املحتجزين يف �أماكن �سرية منذ ،2003وذلك بعد قبيلته ال�صغرية وقبيلة �أخرى متحالفة مع احلكم .ويقال �أن الرئي�س �صالح �أن تو�صلت التحقيقات �إىل �أنه لي�س لهم عالقات ب�أي عنا�صر �إرهابية. يع����د ولده �أحمد كخليف����ة له يف احلكم مثلما فعل حاف����ظ الأ�سد يف �سوريا، وكان جم����ال البدوي من الأ�سب����اب وراء اخلالف �أي�ض����اً ،والبدوي هو �أحد ورمب����ا يفعل هذا ح�سني مبارك يف م�صر .لكن هناك �شك يف �أن يكون مثل خمطط����ي الهجوم عل����ى املدمرة “كول” والذي ف ّر م����ن ال�سجن عام 2004هذا التكتيك نافعاً ،و�إذا �صحّ ذلك ،فثمة �شكوك يف قدرة �أحمد على البقاء ثم �أُلقي القب�ض علي����ه يف �أيلول�/سبتمرب .2006واحتجت الواليات املتحدة يف ال�سلطة طوي ًال يف ظل بيئة �سيا�سية هي يف الأ�صل قا�سية ومتفككة. على �إطالق الب����دوي يف ت�شرين الأول�/أكتوبر ،2007وهددت بقطع الإعانة وم����ع �أن �سلط����ة الدولة املركزية ق����د حت�سنت كثري ًا بعد الوح����دة �إال �أنها ما الت����ي يقدمه����ا برنامج حتدي الألفي����ة لليمن ،وعندما ان�سحب����ت كونداليزا زال����ت �ضعيف����ة؛ فاملناطق النائي����ة املحاذية للربع اخل����ايل تتمتع با�ستقالل راي�����س من منتدى امل�ستقب����ل للإ�صالحات يف ال�ش����رق الأو�سط الذي ترعاه ذات����ي كبري وت�أوي الكث��ي�ر من املتطرفني م����ع ح�صانة ن�سبي����ة� .إ�ضافة �إىل الوالي����ات املتحدة �ألغت اليمن الفعالية .وخالل ه����ذه الفرتة مل تكن ق�ضية ذلك ،تخو�ض �صنعاء حرب ًا طويلة �ضد احلوثيني، البدوي وا�ضحة ،وقال م�سئول����ون مينيون �أنه مت �إطالق �سراح البدوي حتى البحث يف م�صري املعتقلني اليمنيني ب�سجن غوانتانامو ي�ساعده����م يف تعق����ب عنا�صر القاع����دة الآخرين ،وهو خي����ار على ما يبدو اجلماع����ة الزيدية ال�شيعي����ة يف �شمال اليمن ،التايل وخالل هذه الفرتة ارتكبت الكثري من املجازر بقلم :عاي�ش علي عوا�س ين�سجم مع �سيا�سة اليمن لإعادة تعليم وت�أهيل املتطرفني الإ�سالميني. الدموي����ة .ومع �أنه يب����دو �أن االقتتال قد توقف لك����ن ذلك الأ�سلوب مل ينا�سب وا�شنط����ن ،ف�أر�سلت الإدارة الأمريكية مدير يف منت�صف 2008ومرة �أخرى يف �أواخر �شباط/ مكتب املخابرات الفيدرايل روبرت مولر �إىل اليمن يف ني�سان�/أبريل 2008فرباير � ، 2010إال �أن �أ�سباب القتال الرئي�سية مل تحُ ّل بعد ،والتي من بينها ليعرب عن معار�ضتها ،ولكن الزيارة مل تثمر كثرياً� .أي�ض ًا الم �أحد عنا�صر قل����ق الزيديني من ت�أث��ي�ر ال�سلفيني ال�سُّ نة يف اليمن ب�ش����كل عام ويف الدولة مكت����ب املخاب����رات ال�سابقني م����ن �أ�صل عرب����ي �أمريكي ،مم����ن �شاركوا يف ب�شكل خا�ص. التحقيقات ب�ش�أن حادثة “كول” ،ك ًال من موقف اليمن الفاتر وما كان يراه عالوة على ذلك ،فكلما تعاونت اليمن �أكرث مع الواليات املتحدة فيما يتعلق �سيا�سة �أمريكية عدوانية ال داعي لها �ضد اليمن. مب�سائل الإره����اب والأمن ،زادت معار�ضة ال�شعب اليمن����ي� ،إذ �أن الواليات وم����ع م����رور ال�سنني بع����د الهجوم عل����ى “كول” ،ب����د�أت وا�شنط����ن بتجديد املتح����دة ال حتظ����ى ب�شعبي����ة يف ال�شرق الأو�س����ط وال ما وراء ذل����ك ،واليمن عالقاتها الع�سكرية مع اليم����ن بالتدريج ،وا�ست�أنفت �سفن القوات البحرية لي�س����ت م�ستثناة من ه����ذا النطاق .وال �شك يف �أن هن����اك مربرات و�أ�سباب الأمريكي����ة زياراتها مليناء عدن ،وقام اجلانبان بتدريبات م�شرتكة ،كما مت وجيه����ة لتح�سني العالقات ،لكن الطريق لي�ست معبدة �أو مفرو�شة بالورد، ت�سلي����م اليم����ن �سبعة زوارق حربي����ة عام � .2004أي�ض���� ًا �ساهمت الواليات كما �أن املحفزات لتعزيز العالقة ال تبدو كافية لتغيري ال�سيا�سات املتبعة. املتحدة ب�ش����كل فاعل يف ت�شكيل خفر ال�سواحل اليمنية، وقدم����ت امل�ساع����دة لوحدة مكافح����ة الإره����اب التابعة لقوات الأمن املركزي اليمنية ووزارة الداخلية.
)
(
( )
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
31
َتعَقُّ ب ف�صول
ق�صة مل تنته بعد ٍ
البحث يف م�صري املعتقلني اليمنيني ب�سجن غوانتانامو
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
م�ضى على احتجاز ع�شرات من اليمنيني يف ال�سجن الع�سكري الأمريكي يف خليج غوانتانامو بكوبا ما يناهز ثم���ان �سن���وات ،وال ب�شائر تلوح يف الأفق على نهاي���ة قريبة للجدل الدائر حول ه���ذه الق�ضية حتى اللحظة. �صحي���ح �أن ن���زالء املعتق���ل ينتم���ون �إىل دول �شتّى ،بي���د �أن ن�صيب اليم���ن من الهمّ يبدو �أك�ب�ر من غريها؛ فخ�ل�ال ال�سنوات املن�صرمة �أعيد مئات املعتقلني �إىل بلدانهم فيما مل يتجاوز عدد اليمنيني العائدين �سوى � 14شخ�ص��� ًا فق���ط ،ويف الوقت احلا�ض���ر ي�شكل حاملو اجلن�سية اليمنية �أك�ب�ر جمموعة يف املعتقل بواقع 99 �شخ�ص��� ًا من �أ�صل 241هم �إجمايل املحتجزين يف ال�سجن .و�س���وف نحاول يف �سياق هذا التحليل ،التعرف عل���ى الأ�سباب الظاهرة واخلفي���ة التي حتول دون عودة املعتقليني اليمني�ي�ن �إىل وطنهم ،ومناق�شة البدائل املطروح���ة من قبل الأطراف املعنية حلل امل�شكل���ة ،بالإ�ضافة �إىل حماولة ا�ست�شراف م�ستقبل هذا امللف يف املرحلة املقبلة. عاي�ش علي عوا�س
aish@shebacss.com
تزامن ظهور امل�شكلة مع بداية الق�صة وتعقيداتها بدء ما ي�سمى باحلرب الدولية �ضد الإرهاب ،وعلى وجه التحديد يف مطل����ع �شهر كانون الثاين/يناير ع����ام 2002عندما افتتحت الواليات املتحدة �سجن ًا ع�سكري ًا يف خلي����ج غوانتانامو بغر�ض احتجاز امل�شتبه بانتمائه����م لتنظيم القاع����دة لفرتات زمنية غري حم����دودة ،ا�ستناد ًا �إىل قان����ون مكافحة الإرهاب ال�صادر يف �أواخر عام 2001الذي خوّل الرئي�س الأمريكي ال�سابق جورج دبليو بو�ش اعتقال �أي م�شتبه به من �أي مكان يف العامل وجلبه �إىل هذا املعتقل �أو ال�سجون ال�سرية التابعة لوكال����ة املخابرات املركزية الأمريكي����ة يف اخلارج .ومن حينه ،تواىل و�ص����ول املعتقلني �إىل خليج غوانتانام����و تباع ًا حتى و�صل عددهم �إىل � 720شخ�ص����اً ،ينتم����ون �إىل 40دولة منهم 115م����ن حاملي اجلن�سية اليمني����ة( .)1وعلى مدى الفرتة املمت����دة من 2002حتى � 25أيار/مايو 2010مل يع����د �إىل اليم����ن من جمموع ه�ؤالء -كم����ا �أ�شرنا يف م�ستهل ه����ذا املقال � -سوى 14معتقل ،واثن��ي�ن �آخرين عادا جثتني هامدتني نتيج����ة وفاتهما داخ����ل ال�سجن يف ظروف غام�ض����ة ،فيما بقية العدد (� 99شخ�ص����اً) م����ا زالوا ره����ن االعتقال مع �أن ح����واىل 58من ه�ؤالء كان ق����د تقرر الإف����راج عنهم من قب����ل ال�سلط����ات الأمريكية يف عام ،)2(2007نظ����ر ًا لعدم وجود ما يثب����ت �إدانتهم ،وينطبق احلال نف�سه عل����ى الآخرين ب�إ�ستثناء �أربعة حمتجزين �أو ثالثة يحتمل حماكمتهم �أم����ام اللج����ان الع�سكري����ة الأمريكية وه����م رمزي ب����ن ال�شيبة ،وعبد الرحيم النا�شري ،ووليد بن عتا�ش. وميكن القول �إن املحادثات بني �صنعاء ووا�شنطن حول مو�ضوع �إعادة املعتقلني اليمن��ي�ن يف �سجن غوانتانامو �شابها بع�ض اجلمود ل�سنوات 32
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
عاي�ش علي عوا�س باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.
عدة ،فلم تبد�أ فعلي ًا �سوى يف مطلع عام .2008وخالل اللقاءات التي جمع����ت بني م�سئويل البلدين� ،أبدت وا�شنطن رغبتها يف الإفراج عن املعتقلني �شريطة �أن يعاد ت�أهيلهم على غرار برنامج املنا�صحة املُتّبع يف اململكة العربية ال�سعودية �أو قريب ًا من هذا النموذج على �أقل تقدير، و�أن لديه����ا اال�ستعداد لتمويل الربنام����ج وحتمل تكاليفه ،ودعواها يف ذلك �أن برنامج احلوار الذي طبقته اليمن يف الفرتة ال�سابقة مل يكن فع����ا ًال بال�شكل املطلوب لأن بع�ض خريجيه ع����اودوا ن�شاطهم القتايل �ضد الق����وات الأمريكية يف العراق( .)3كما �أن حوايل � 70شخ�ص ًا من �إجمايل الـ 360الذين �أفرجت عنهم ال�سلطات اليمنية حتى نهاية عام 2008بن����ا ًء على برنامج احلوار الفك����ري� ،أعيد اعتقالهم مرة �أخرى بتهم تتعل����ق بالإرهاب ،وال�سبب يف ذلك -من وجهة نظر �أمريكية - �أن الربنامج ق�صر ن�شاطه عل����ى املناظرات الأيديولوجية مع �أع�ضاء القاعدة بهدف ت�صحي����ح املفاهيم الفكرية لديهم ،ومل توجد �أنظمة دع����م للأ�شخا�����ص عندما يغ����ادرون ال�سجون ،ناهيك ع����ن �أن تعامل احلكوم����ة اليمنية مع الذي����ن مت �إعادتهم يف الف��ت�رة املا�ضية مل يكن بال�شكل املطلوب و�إمن����ا كانت تكتفي باحتجازهم ملدد زمنية متفاوتة ثم يطلق �سراحهم ب�ضمانات جتارية �أو قبلية دون �أن يخ�ضعوا لعملية ت�أهيل ت�ساعدهم على االندماج يف املجتمع من جديد. حينه����ا رحبت احلكومة اليمنية باملقرتح الأمريكي ،و�شرعت يف نف�س الع����ام ب�إع����داد خطة لإ�ص��ل�اح مواطنيها امل�سجون��ي�ن يف غوانتانامو، ت�ضمن����ت يف طياته����ا �إن�ش����اء مركز جدي����د لهذا الغر�ض يك����ون �أ�شبه باملخيّ����م وجمهّز مبعدات ريا�ضية وغرف تتي����ح للمحتجزين الإلتقاء بزوجاتهم و�أ�سرهم على انفراد ،بالإ�ضافة �إىل �إعادة ت�أهيلهم ديني ًا ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
33
اليمن والعامل
حتليالت
الوالي��ات املتح��دة �أ�صبح��ت تواج��ه يف الوق��ت احلا�ضر ،و�أك�ثر من �أي وق��ت م�ضى� ،ضغوط�� ًا كبرية لإغ�لاق معتقل غوانتانام��و ،وه��و ما يدفعها للبحث ع��ن بدائل معقولة حلل امل�شكلة يف �أ�سرع وقت ممك��ن بالتعاون مع الدول املعنية بهذا ال�ش�أن ومنها اليمن بطبيعة احلال وثقافي���� ًا ومهني ًا من قبل متخ�ص�صني .و�سُ ِّلم����ت ن�سخة من الربنامج للوالي����ات املتح����دة وع����دد م����ن املنظم����ات الدولي����ة املعني����ة بق�ضايا حق����وق الإن�س����ان( ،)4لك����ن الإدارة الأمريكي����ة تراجع����ت ع����ن متويل الربنام����ج ب�سبب رف�ض الكوجنر�س يف منت�ص����ف 2009املوافقة على متوي����ل اخلطة التي تقدم به����ا الرئي�س باراك �أوبام����ا لإغالق معتقل غوانتانامو واملق����در تكلفتها بـ 80مليون دوالر( ،)5قيل �أن املخ�ص�ص لليم����ن م����ن هذا املبلغ كان يف ح����دود 11مليوناً .ويع����زو �آخرون ذلك �إىل وجود �شكوك لدى بع�����ض امل�سئولني الأمريكيني ب�أن املبالغ املالية الت����ي �ستقدم لليمن ق����د ت�صرف خارج ما هو حمدد له����ا( ،)6بيد �أن الوقائ����ع �أظه����رت فيما بع����د �أن امل�س�ألة �أعقد من ذل����ك بكثري� ،إذ ما تزال غالبية النخبة ال�سيا�سية يف وا�شنطن ترى �أن �إعادة املحتجزين اليمنيني �إىل بالدهم ،وال�سيما يف �ضوء تنامي ن�شاط تنظيم القاعدة داخ����ل الأرا�ضي اليمنية يف الأع����وام الثالثة الأخرية ،و�ضعف و�سائل الرقاب����ة الأمنية لدى احلكومة اليمني����ة ،قد ي�ؤدي �إىل خلق تهديدات جدي����ة مل�صالح الواليات املتحدة و�أمنها القوم����ي ،وبرز ذلك بو�ضوح يف ت�صريح����ات �أحد امل�سئولني الأمريكي��ي�ن التي قال فيها «�إن ترحيل ه�����ؤالء املت�شددين م����ن املعتقلني �إىل اليمن يعني -وب����كل ت�أكيد � -أن علينا م�ستقب ًال �إما قتلهم �أو �أ�سرهم مرة �أخرى»(.)7 وم����ا يزي����د امل�س�ألة تعقي����د ًا بالن�سبة للوالي����ات املتح����دة �أن عدد ًا من املعتقل��ي�ن اليمني��ي�ن املتبق��ي�ن م�صنفون لديه����ا على �أنه����م «خطرون ج����داً»( ،)8وبالتايل ف�����إن �إر�سالهم �إىل اليمن ينط����وي على خماطرة كب��ي�رة .وب�ص����ورة عامة ،ف����ان امل�شكلة من منظ����ور وا�شنطن ال تتعلق باملحتجزين �أنف�سهم بقدر ما تتعلق بالبيئة التي �سيعودون �إليها .وترى وا�شنطن من هذا املنطلق �أن احلل الأمثل للم�شكلة هو ترحيل املعتقلني اليمني��ي�ن �إىل اململكة العربية ال�سعودية و�إعادة ت�أهيلهم هناك بحكم 34
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
النجاح����ات الباهرة التي حققها برنام����ج املنا�صحة ال�سعودي ،الذي تعت��ب�ره الإدارة الأمريكي����ة من �أجنح الربامج عل����ى م�ستوى املنطقة، هذا من ناحي����ة .ومن ناحية ثانية ،يرى امل�سئول����ون الأمريكيون ،ويف مقدمتهم وزير الدفاع روبرت غيت�س� ،أن الربنامج امل�شار �إليه والذي يعتمد كثري ًا على التقالي����د ال�سعودية قد يكون مالئم ًا ب�صورة �أف�ضل للمعتقل��ي�ن اليمنيني الذين له����م �صالت بال�سعودي����ة ،ولأولئك الذين ضال ع����ن �أن ترحيلهم تربطه����م عالقات �أ�سري����ة يف ال�سعودية( ،)9ف� ً �إىل اململكة ،وهي دولة ذات قدرات مالية �ضخمة ،يعفي وا�شنطن من �أي التزامات مالية مقارنة مبا هو عليه احلال يف اليمن. لكن احلكومة اليمنية حتى هذه اللحظة تعار�ض املقرتحات الأمريكية الت����ي تدع����و �إىل ترحيل مواطنيها �إىل ال�سعودي����ة� ،إذ �أن ت�صرف من ه����ذا القبيل يوحي بع����دم �أهليتها للتعامل مع امل�سال����ة ،وينتق�ص من �شرعيته����ا ويظهرها مبظه����ر العاجز عن القيام بامله����ام والواجبات املناط����ة به����ا د�ستورياً .وت����رى ،يف املقابل� ،أن احلل الأمث����ل للم�شكلة ه����و ت�سليمها املحتجزي����ن ومعهم ملفات االته����ام �أو الإدانة ال�صادرة يف ح����ق �أي �شخ�ص منهم ،وا�ستعداده����ا ملحاكمة من يثبت تورطه يف ارتكاب �أعمال �إرهابية( ،)10وتكفّلها يف نف�س الوقت باعادة ت�أهيلهم ودجمه����م يف احلياة املدينة عل����ى �أن تقوم الوالي����ات املتحدة بتمويل اجلهود املبذولة لتحقيق ذلك ،باعتباره����ا م�سئولة �أخالقي ًا وقانوني ًا ع����ن تعوي�����ض املعتقلني ع����ن الأ�ضرار الت����ي حلقت به����م خالل فرتة احتجازهم يف خليج غوانتانامو. ويف خ�ض����م اجلدل الدائر حول املو�ضوع ،يقول م�سئولون يف احلكومة اليمني����ة ان �أم��ي�ركا تري����د �إع����ادة املعتقل��ي�ن ب�شروطها ه����ي دون �أن يك����ون لليم����ن ر�أي يف ذلك ،واحل�ص����ول �أي�ض ًا عل����ى �ضمانات م�ؤكدة
ونهائي����ة بعدم ع����ودة ه�����ؤالء �إىل مهاجمة امل�صال����ح الأمريكية وهذا مطل����ب ي�ستحيل قبول����ه ،لأن من ال�صعوبة مب����كان التحكم يف �سلوك الإن�سان ومعرفة النوايا التي ي�ضمرها بباطنه .وحتاول يف �ضوء ذلك الو�ص����ول �إىل تفاهم����ات م�سبقة م����ع وا�شنطن ب�ش�����أن املعتقلني عم ًال مببد�أ احليطة واحلذر ،حتى ال يتحول ه�ؤالء يف امل�ستقبل �إىل م�صدر توتر للعالقات اليمني����ة – الأمريكية� ،أو و�سيلة �ضغط بيد وا�شنطن. ويظهر ه����ذا التوجه من امتناع اليمن عن تق����دمي �ضمانات للواليات املتحدة بعدم عودة املعتقلني �أو اي ًا منهم للن�شاط امل�سلح ،وكذلك من مطالبته����ا لوا�شط����ن بت�سليم امللفات والأدلة الت����ي تثبت �إدانتهم لكي ت��ب�رر للداخل واخلارج �سبب حماكمتهم ومتديد فرتة اعتقالهم ،وما مل ف�إنها �ستطلق �سراحهم. والوا�ض����ح �أن مث����ل هذا الطرح ي�أتي من ب����اب التحوّط ،لأن �صنعاء ال ت�ستبع����د �أن تطال����ب الواليات املتحدة بعد ع����ودة املعتقلني �إىل اليمن باحتجازه����م مرة �أخرى ،حتى و�إن مل تكن هن����اك م�سوغات قانونية مقنع����ة ،وه����ي �إن فعل����ت ذل����ك تكون ق����د قبل����ت بت�أدية ال����دور الذي رف�ضت �أمريكا ت�أديته بنف�سها ،مما �سيعر�ضها ل�ضغوط ال تنتهي ،بل ويظهرها مبظهر ال�شرطي التابع للواليات املتحدة الأمريكية. �أم����ا اململكة العربية ال�سعودية ،الت����ي دخلت يف املو�ضوع كطرف ثالث يف الآون����ة الأخرية ،فلم يت�ضح موقفها بعد رغ����م مناق�شة هذا الأمر معه����ا ر�سمي���� ًا من قب����ل الإدارة الأمريكي����ة؛ فال هي �أعلن����ت �صراحة موافقتها عل����ى املقرتح الأمريكي ،وال هي رف�ضته ،وت�صرف من هذا القبي����ل يوح����ي برغبتها يف �إبقاء الباب مفتوح���� ًا يف امل�ستقبل على كل االحتماالت ،مع �أن بع�ض املعلومات املتح�صل عليها تفيد ب�أن الريا�ض ال متانع يف ا�ستقبال املعتقلني اليمنيني و�إعادة ت�أهليهم �إذا ما وافقت �صنعاء على ذلك.
وم��اذا بع��د؟! تتطاب����ق وجه����ات النظ����ر بني �صنعاء ووا�شنطن حيال �ضرورة �إعادة تاهيل املعتقلني وتدريبهم على العمل من �أجل ت�سهيل فر�ص اندماجهم يف املجتمع من جديد ،لكن اخلالف بينهم����ا حالي ًا يتمحور حول نقطتني �أ�سا�سيتني :الأوىل ،تتعلق مب�س�ألة متوي����ل برنامج التاهيل� ،إذ ي����رى امل�سئولون اليمنيون يف هذا اجلانب �أن وا�شنط����ن ملزمة بتموي����ل الربنامج ،باعتباره����ا الطرف امل�سئول ع����ن الأ�ض����رار التي حلق����ت باملحتجزين خ��ل�ال ف��ت�رة اعتقالهم يف غوانتانامو ،فيما يبدي امل�سئولون الأمريكيون -يف املقابل -ترددهم ب�ش�أن ذلك. والنقطة اخلالفية الثانية تتعلق باملكان الذي يجب �أن تتم فيه عملية ت�أهي����ل و�إ�صالح املعتقل��ي�ن اليمنيني ،حيث ترى الوالي����ات املتحدة �أن ال�سعودي����ة متثل �أف�ضل البدائل املتاحة لتحقيق ذلك لأ�سباب تطرقنا �إليه����ا يف �سط����ور �سابقة من ه����ذا التحليل ،يف ح��ي�ن تُف�ضِّ ل احلكومة اليمني����ة توليها الأمر بنف�سها وداخ����ل �أرا�ضيها ،حتى ال يقوم بدورها غريها.
ون�ستنت����ج من كل ما �سبق� ،أن ح����ل م�شكلة املعتقلني اليمنني يف �سجن غوانتانام����و يحت����اج �إىل وق����ت ،و�أن الق�صة ما زال له����ا بقية ،لكن ما ه����و وا�ضح بج��ل�اء �أن الوالي����ات املتح����دة �أ�صبحت تواج����ه يف الوقت احلا�ضر ،و�أكرث م����ن �أي وقت م�ضى� ،ضغوط ًا كبرية لإغالق املعتقل، وه����و ما يدفعها للبحث عن بدائل معقولة حلل امل�شكلة يف �أ�سرع وقت ممك����ن بالتعاون م����ع الدول املعنية بهذا ال�ش�����أن ومنها اليمن بطبيعة احل����ال .وباملث����ل ،ف�إن احلكوم����ة اليمنية ه����ي الأخ����رى مطالبة بحل م�شكلة مواطنيه����ا املعتقلني يف خليج غوانتانامو ،لأن ذلك من �ضمن واجباتها ،وال�س�ؤال املطروح هو :كيف ميكن حتقيق ذلك؟ �إذا م����ا فكرنا يف املو�ضوع بتجرّد وحيادي����ة ،ن�ستطيع القول �أن هناك ثالث����ة حلول مطروحة حالياً :احلل الأول� ،أن توافق احلكومة اليمنية عل����ى ترحيل املعتقلني اليمنيني �إىل اململك����ة العربية ال�سعودية ح�سب املق��ت�رح الأمريك����ي ،لك����ن هذا احل����ل يب����دو �صعب���� ًا بالن�سب����ة لليمن لأ�سب����اب وعوامل ناق�شناها �سابقاً .واحلل الثاين� ،أن توافق احلكومة الأمريكية على ت�سليم كل املحتجزين اليمنيني �إىل حكومتهم وحتميل الأخرية م�س�ؤلية التعام����ل معهم ،وهذا احتمال �ضعيف على الأقل يف الوق����ت احلا�ض����ر �إال �إذا ما توف����رت ال�ضمانات الكافي����ة لدى �أمريكا بعدم �إمكانية عودتهم ملهاجم����ة رعاياها وم�صاحلها من جديد� .أما احلل الثالث والأخري ،فيتمثل يف قيام الواليات املتحدة -كحل و�سط بالإيع����از �إىل دول اخللي����ج وال�سعودية على وج����ه اخل�صو�ص مبنحاحلكوم����ة اليمنية املبالغ الالزمة لإعادة ت�أهيل مواطنيها املحتجزين يف غوانتانام����و ،وه����ذا و�إن كان ينا�س����ب اليمن �إال �أن����ه ال يلبي جميع املطال����ب الأمريكية .ويبقى �إىل جانب ذلك ح����ل و�سط �آخر ،وهو �أن يت����م �إن�شاء مركز �إقليم����ي لت�أهيل العائدين م����ن غوانتانامو من دول املنطقة كافة ،وبذلك يزول احلرج عن كل الأطراف. الهوامــ�ش والإحـــاالت ( )1خالد الآن�سي ،املدير التنفي���ذي مل�ؤ�س�سة “هود” حلقوق الإن�سان� ،صحيفة النداء 3 ،متوز/يوليو .2008 ( )2حمم���د ناجي عالو ،رئي�س م�ؤ�س�سة “ه ��ود” حلقوق الإن�سان ،املعتقلون يف غوانتانامو ،حما�ضرة يف مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.2009/8/1 ، ( )3كيف���ن برياين���و�“ ،إع���ادة ت�أهيل �أبو جن���دل” ،جملة نيوزوي���ك – الن�سخة العربية 9 ،حزيران/يونيو .2009 ( )4انظ���ر التقري���ر الذي �أعدته منظم���ة “هيومان رايت����س ووت�ش” احلقوقية الأمريكي���ة بعن���وان “تائه عن الوط���ن :املعتقل���ون اليمني���ون يف غوانتانامو”، .2009 ( )5كيفن برياينو�“ ،إعادة ت�أهيل �أبو جندل” ،مرجع �سبق ذكره. ( )6املرجع نف�سه. (� )7صحيفة ال�شارع� 7 ،شباط/فرباير .2009 ( )8املرجع نف�سه. (� )9أحم���د الطوب���ان“ ،مباحث���ات لإحل���اق معتقل�ي�ن ميني�ي�ن يف غوانتانامو بـ “املنا�صحة” يف ال�سعودية” ،العربية نت� 6 ،آيار /مايو .2009 (�“ )10أ�سم���اء املعتقلني اليمنيني يف غوانتانام���و” ،امل�ؤمتر نت 3 ،متوز/يوليو .2009 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
35
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
عند تخوم البطركية قـراءة يف القيـم الوافــدة واملتجـذرة و�شروط توطينها يف الن�سق القيمـي للمجتمع اليمني عبدالباقي �شم�سان
fanon107@yahoo.com
يف ي���وم 27م���ن �شه���ر ني�سان�/أبري���ل املن�ص���رم ،قيّ�ض يل امل�شارك���ة يف ندوة حول “الرتاك���م الدميقراطي يف الوع���ي املجتمع���ي” يف �إط���ار الربنامج ال�سنوي مل�ؤ�س�سة العفيف الثقافي���ة .2010وعند فتح باب النقا�ش �أج�ب�رين �ش���اب ال يتج���اوز الع�شرين من عمره على العودة �إىل نقطة البداية ،و�إعادة النظر يف امل�س�ألة مرة �أخ���رى ،عندم���ا و�ص���ف �أح���زاب تكتل “اللقاء امل�ش�ت�رك” (املعار�ض) -رداً على طرح���ي الداعي �إىل �ضرورة ارت���كاز خط���اب املنظوم���ة ال�سيا�سي���ة اليمني���ة عل���ى الت�سام���ح واالع�ت�راف بالآخ���ر ،مبا يوفر من���اخ مالئم ال�ستنب���ات القي���م واملبادئ الدميقراطية يف الن�سق القيمي املجتمعي ويتج�سد تدريجياً يف �سلوكيات واعية وغ�ي�ر واعي���ة – ب���ـ “اخلونة” و�أن���ه “يتوجب قتله���م و�سحله���م”؛ ودون فا�صل ت�أملي ا�ستح�ض���رت مقارناً وباحثاً عن امل�شرتك بني هذا ال�شاب وذاك الذي يق�صي الآخر بتفجري ذاته والآخر. وعليه تر�سخت قناعتي ب�ضرورة اختبار �أثر الفعل ال�سيا�سي جمتمعياً, وك����ذا قيا�س عم����ق املرتاكم الدميقراط����ي يف البنى الذهني����ة الفردية واجلماعي����ة من منظور العقالنية التوا�صلي����ة ،كما هي عند هابرما�س ولك����ن يف �سياق وحقل �آخري����ن .فالعقالنية التوا�صلي����ة عملية تقييمية ل�صريورة ما .ويتم على �ضوئها القطيعة مع كل ما هو �سلبي� ،أو تعديله وتعزي����ز الإيجاب����ي .وال يعني ه����ذا اعتمادن����ا مت�شي ًا منهجي���� ًا �صارماً، و�إمن����ا نتتبع مبرونة متكنا من جت�سري امل�ساف����ة قدر الإمكان من الواقع املدرو�����س� ,أما من حي����ث املنهاج �سنعتم����د التفكيك و�إع����ادة الرتكيب القائم على الربط الذهني بني الأجزاء. والب����د �أن �أ�ش��ي�ر يف البداي����ة �إىل بع�����ض امل�ؤ�ش����رات ذات الداللة ،التي قادتني �إىل االهتمام بالبيئة الثقافية واالجتماعية احلا�ضنة للممار�س الدميقراطي: 36
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
تعب��ي�ر طلبة كلي����ة الآداب جامعة �صنعاء ع����ن مطالبهم واحتجاجهم بالزامل القبلي! (ذات مرة خالل العام اجلاري .)2010 عندم����ا �أ�صيب رئي�س اجلمهورية بوعكة �صحية ,فتح مو�ضوع اخلليفة املحتم����ل ,ومت تداول � -شعبي ًا ونخبوي ًا � -شخ�صيات حمتملة من خارج امل�ؤ�س�سي والد�ستوري!! م����ا الداللة/والأثر املحدث -جمتمعي ًا وحزبي���� ًا -من ان�ضمام بع�ض التجار املح�سوب��ي�ن على املعار�ضة �إىل �إحدى الهيئ����ات امل�شكلة للتربع، ودع����م مر�شح احلزب احلاك����م (امل�ؤمتر ال�شعبي الع����ام) لالنتخابات الرئا�سي����ة ع����ام .2006وق����د ت����دوِل � -شعبي���� ًا ونخبوي ًا � -أن����ه ان�ضمام التقية. م����ا الداللة/والأثر املحدث -جمتمعي ًا وحزبي ًا -من انتخابات رئي�س التجم����ع اليمن����ي للإ�صالح ال�شيخ عبداهلل بن ح�س��ي�ن الأحمر للمر�شح عبدالباقي �شم�سان �أ�ستاذ علم االجتماع ال�سيا�سي ،بكلية الآداب -جامعة �صنعاء.
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
37
اليمن والعامل
وجهات نظر
املناف�س حلزب����ه ،وللتكتل احلزبي املنظم �إليه يف االنتخابات الرئا�سية عام .2006 م����ا الداللة/والأثر املح����دث -جمتمعي ًا من وج����ود قناعة يعرب عنها بو�ض����وح �أو �ضمني ًا �أو على ا�ستحياء -بوجود م����ا ي�شبه عرف د�ستوري غري مكتوب لتوزيع املنا�صب العليا يف م�ؤ�س�سات الدولة ( نائب الرئي�س, رئي�س الوزراء ,الوزراء...الخ). ما الداللة/والأثر املحدث جمتمعي ًا من: لف�ض خالف ن�شب جل����وء �أع�ضاء جمل�س النواب �إىل الع����رف القبلي ّحتت قبة الربملان� ،إثر اعتداء �أحد الأفراد على �آخر. ن�ش����ر خرب عن ت�سريب جلان الربمل����ان تقاريرها ال�سرية �إىل الوزراءقبل عر�ضها. ن�شر خرب عن عمليات احت�ساب �أ�صوات لأع�ضاء جمل�س النواب علىالقرارات وهم غائبون �أو يف �إجازات خارج البالد. ات�ساع رقعة الف�ساد ،و�ضعف �سيادة القانون. احت��ل�ال �أبناء كبار امل�سئولني ملنا�صب عليا رغم �صغر �سنهم وحداثةالتحاقهم وجتربتهم. و�أخري ًا ما هي �أ�سباب: ا�ستمرار احلرب يف �صعدة. -تنظي����م مطالب التعبريات االحتجاجي����ة يف املناطق اجلنوبية خارج
االنتقال �إىل الدميقراطية (بل����دان الدميقراطية النا�شئة �أو املتعرثة) والت�أ�سي�����س التاريخي لها يف �سياقها احل�ضاري الغربي حيث يتم �إعادة �إنتاجها لذاتها ،بغ�ض النظر عن قيم ال�شخو�ص التي تدير دفة احلكم؛ فقواع����د و�أ�س�س احلك����م متجذرة وله����ا حرا�سها (الق�ض����اء ,الإعالم, الأكادميي����ة ..الخ) وه����ذا ما ميكنها من �إعادة �إنت����اج النظام ،حتى لو كان من يقف على ر�أ�سه ال يحمل قيم ًا دميقراطية؛ فدوافع ال�سيا�سيني و�أهدافهم ال ت�ؤثر يف طبيعة النظام وقواعده)1(. وبالع����ودة �إىل بلدان االنتق����ال الدميقراطي �أي بل����دان الدميقراطيات النا�شئ����ة التي تقف بع�ضها عند �إعالن االنتقال ,و�أخرى ال ميكن نعتها بالدميقراطي����ة النقي����ة فن�ضيف �إليه����ا �صفة مرافق����ة“ :الدميقراطية االنتخابية”“ ,الدميقراطية التقديرية”“ ,الدميقراطية ال�شكلية”.. ال����خ .وقلي ًال منه����ا اتخذت الإج����راءات الالزمة لل�س��ي�ر باجتاه جتذير القي����م واملب����ادئ الدميقراطية .وملزيد م����ن التو�ضيح ،تتب����ع الباحثون ور�صدوا خم�سة �أمناط للتحول الدميقراطي)2(: التح����ول الدميقراطي عقب ثورات اجتماعي����ة .ولهذا النمط �صيغتان: تاريخي����ة (�إجنل��ت�را الق����رن ال�ساب����ع ع�ش����ر) ،ومعا�ص����رة (روماني����ا ت�شاو�شي�سكو). التح����ول الدميقراط����ي حت����ت �سلط����ة االحت��ل�ال �أو بالتع����اون مع����ه(االحتالل الربيطاين للهند ,والأمريكي لليابان و�أملانيا الغربية)
العائل��ة العربي��ة ،ومنه��ا اليمنية، تع��د م��ن امل�ؤ�س�س��ات الثقافي��ة للبطركي��ة ،حي��ث تُركّ��ز ال�سلط��ة ح��ول الأب ،ومتن��ح �أدوار ًا حمددة للم��ر�أة .وه��ذه القي��م واملمار�س��ات والت�صورات متجذرة ويعاد �إنتاجها، وه��ذا م��ا يجعل قي��م امل�س��اواة بني اجلن�سني ،و�إ�ضعاف متركز ال�سلطة حول الأب� ،أمر ًا غري حمتملٍ امل�ؤ�س�س����ات املع��ت�رف به����ا (املدني����ة واحلزبي����ة) ،وجتاوزه����ا الثوابت الوطنية. تعرث/وانعدام الثقة بني مكونات املنظومة ال�سيا�سية اليمنية (امل�ؤمترال�شعبي العام و�أحزاب “اللقاء امل�شرتك”). �إن تبيئ����ة امل�ؤ�شرات املذكورة �أعاله حتمل �أكرث من داللة ،وتفر�ض �أكرث من �س�����ؤال ،وت�شرعن الختبار وقيا�س الرتاك����م الدميقراطي يف الوعي املجتمع����ي .وم����ا نق�صده بالتبيئة اختب����ار وقيا�س الأث����ر املحدث للفعل ال�سيا�سي خالل الفرتة (� )1990-2010أي منذ �إعالن الوحدة اليمنية واالنتق����ال الدميقراط����ي ،و�أنن����ا نعل����ن بو�ض����وح هنا ف�صلن����ا التام بني 38
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
التح����ول الدميقراط����ي حتت �إدارة نخبة دميقراطي����ة م�ستنرية ت�ضعقيود ًا د�ستورية على ممار�ستها (الربازيل بدء ًا من .)1973 االنفت����اح ال�سيا�س����ي التكتيكي الذي يف�ض����ي �إىل مطالب دميقراطيةغري متوقعة .وهذا النمط يب����د�أ مبحاولة النخبة احلاكمة متديد فرتة بقائه����ا يف ال�سلط����ة من خ��ل�ال قليل م����ن االنفتاح ال�سيا�س����ي التكتيكي (الإحتاد ال�سوفييتي /جوربات�شوف). تعاق����د النخب����ة امل�ستب����دة عل����ى االن�سحاب م����ن احلي����اة ال�سيا�سية.فارتف����اع كلفة القمع ،وعدم قدرتها على الإدارة الدميقراطية يجربها عل����ى توقيع عق����د ي�ضمن لها عف����و ًا �سيا�سي ًا وبع�ض االمتي����ازات مقابل
قيم ومبادئ الدميقراطية يف املجتمع اليمني �ستظل عند تخوم الثقافة البطركية املتج��ذرة والت��ي يعاد �إنتاجه��ا من خالل عدد م��ن م�ؤ�س�سات التن�شئ��ة ،ومن خالل ال�سيا�س��ة املتّبعة يف �إدارة الدولة واملجتم��ع ،ف�ض ًال عن �ضرورة �إعادة التوازن بني ال�سلطات الثالث مبا يوفر تعدد م�صادر القرار وامل�ساءلة واملحا�سبة ان�سحابها من احلياة ال�سيا�سية (بينو�شيه/ت�شيلي.)1990 ، ون�ضي����ف �إىل ما تقدم من����ط �ساد�س ننعت����ه بالرباجماتي (النموذجاليمن����ي) ،الذي مت بقرار فوقي رابط ًا برجماتي ًا -وفقا ملعطيات البيئة الداخلية واخلارجية (التحوالت العاملية) -بني الوحدة والدميقراطية؛ �إن����ه انتق����ال مفاجئ من الأحادي����ة احلزبية �إىل التعددي����ة احلزبية يف ف�ضاء جمتمعي وح�ضاري مثقل بالرتاثات الطاردة لها)3(. وم����ن هنا ،تكت�س����ب البيئ����ة االجتماعي����ة والثقافي����ة �أهمي����ة مزدوجة: الأوىل ،مت�أتي����ة من التمييز بني بلدان الدميقراطيات الرا�سخة وبلدان الدميقراطي����ات النا�شئ����ة� ،أي تل����ك الت����ي ت�شه����د حتو ًال غ��ي�ر تدريجي يح�ص����ل مرة واحدة بن����ا ًء على من����وذج �أ�صبح ناجزاً .ولأنه����ا ال تتوفر فيه����ا املقومات الالزمة ،يكت�سي ال�سيا�س����ي والثقايف �أهمية ل�س ّد نق�ص العوام����ل البنيوي����ة؛ فالتح����ول ال يحدث تراكمي���� ًا عرب عملي����ة التن�شئة والتنظيم )4(.والثانية ،مرجعه����ا خ�صو�صية البيئة املجتمعية اليمنية. وي����زداد الأم����ر تعقي����د ًا يف بلدان التح����ول غري التدريج����ي ,عندما يتم التداول والتوظيف للمفاهيم بداللتها احلالية ،بينما ت�شكلت و�ساهمت يف �ص��ي�رورة التج����ذر الدميقراطي بدالالت مغايرة؛ عل����ى �سبيل املثال مفه����وم احلري����ة( ،)5ودالالت مفه����وم املجتم����ع امل����دين ال����ذي �أف�ضت �صريورت����ه �إىل الدميقراطي����ة ولي�����س العك�س ،كما هو احل����ال يف بلدان الدميقراطية النا�شئة)6(. وال يهمنا ،يف هذا ال�سياق ،ت�صنيف منط الدميقراطية املمار�سة بدقة يف الف�ضاء املجتمعي اليمني بقدر ما يهمنا العن�صر الثقايف واالجتماعي، ��ل�ا يف ا�ستنبات القي����م واملب����ادئ الدميقراطية يف كون����ه عن�ص����ر ًا فاع ً البن����ى الذهني����ة الفردية واجلماعي����ة .فاملنطوق واملكت����وب ال�سيا�سي، وك����ذا املنظومة القانونية ،ال يعربان بال�ض����رورة عن املمار�س يف بلدان الدميقراطية النا�شئة� .إال �أننا �سنحاول املقاربة اعتماد ًا على النموذج املث����ايل املتمث����ل بالدميقراطي����ة الليربالي����ة ،التي لها �ست����ة عنا�صر �إن �شاب �إحداها الغمو�����ض �أو االنحراف يتبع الدميقراطية �صفة �إ�ضافية تالزمها)7(: حق الت�صويت مكفول للجميع بغ�ض النظر عن النوع والعرق والدين،و�إن �ش����اب هذه اخل�صي�صة عيب �ص����ارت دميقراطية انتقائية (�شرط ال�شمول). مناف�س����ة مكفول����ة ل����كل القوى ال�سيا�سي����ة التي حت��ت�رم قواعد اللعبةالدميقراطي����ة ،و�إن �شاب ه����ذه اخل�صي�صة عيب �ص����ارت دميقراطية غري تناف�سية (�شرط التناف�س). -احرتام احلقوق املدنية (�شرط الليربالية).
وج����ود تعدد ملراكز �صنع القرار مبا يت�ضمنه من م�ساءلة وم�سئولياتمتوازنة ،و�إال حتولت �إىل دميقراطية انتخابية (�شرط امل�ساءلة). امل�ص����در الوحيد لل�شرعية هو �أ�ص����وات الناخبني ،وال يقبل الناخبونبغ��ي�ر �أ�صواتهم احل����رة م�صدر لل�شرعي����ة ،و�إال حتول����ت �إىل نخبوية �أو دميقراطية بال دميقراطيني (�شرط الثقافة الدميقراطية). قب����ول كاف����ة الق����وى ال�سيا�سي����ة لقواع����د اللعب����ة الدميقراطية بغ�ضالنظر عن نتائجها ،و�إال حتولت �إىل دميقراطية غري م�ستقرة (�شروط اال�ستدامة). و�سنح����اول املقارب����ة للنم����وذج تدريجي ًا عن����د التطرق لبع�����ض امل�سائل وامل�ؤ�ش����رات �أثناء تناولنا للبيئة االجتماعي����ة والثقافية احلا�ضنة ،التي تع����د بالن�سب����ة لن����ا ذات �أهمي����ة بالغ����ة .فالدميقراطية ثقاف����ة باملعنى ال�سو�سيو�أنرثبولوجي ملفه����وم الثقافة؛ �إنها منظومة متكاملة من القيم والرم����وز واملعاي��ي�ر واالجتاهات واملواق����ف والت�ص����ورات ور�ؤى العامل، ي�ستل����زم بنا�ؤها �ضرورة ا�ستنباته����ا ذاتي ًا �ضمن �صريورة ممنهجة(،)8 حم�صلته����ا توطني املب����ادئ والقي����م الدميقراطية يف الن�س����ق القيمي، داعم���� ًا نظري ًا وممار�سي���� ًا لت�أ�صي����ل ثقافة التع����دد واالختالف وحقوق الإن�سان. بنا ًء على ما تقدم ،نفرت�ض �أن البيئة احلا�ضنة تفتقر ل�شروط ا�ستنبات وتوط��ي�ن تلك القيم واملبادئ يف الن�س����ق القيمي للمجتمع اليمني .وقبل ال�ش����روع يف التثبّ����ت من �صح����ة هذه الفر�ضي����ة من عدمه����ا ،ال بد من �ضب����ط مفه����وم البطركية كما هو مت����داول يف هذا املق����ال� .إن املجتمع البطرك����ي مقول����ة حتليلية ,من����وذج ,ونظرية مكتمل����ة ،وي�شري يف نف�س الوق����ت �إىل البنى االجتماعي����ة الكلية (املجتمع ,الدول����ة ,االقت�صاد)، والبن����ى االجتماعية اجلزئية (العائل����ة ,ال�شخ�صية الفردية) للمجتمع البطركي تتمث����ل مبركزية الأب ،ك�سم ٍة �أ�سا�سي����ة تنتظم حولها العائلة ب�شكلها الطبيعي والوطني)9(. وميك����ن تعري����ف البطركية �-إجرائي����اً -ب�أنها القيم والرم����وز واملعايري واالجتاه����ات واملواق����ف والت�ص����ورات وال����ر�ؤى للأنا والآخ����ر والعامل، واملتج����ذرة يف الن�س����ق القيمي ،وتتمحور ح����ول الأب الطبيعي والوطني جاعل���� ًة من �إرادت����ه مطلقة ،يتم االجماع الق�س����ري حولها بقوة الطاعة والقم����ع ،وترتكز القي����م والعالقات ال�سائدة عل����ى القرابة ,والع�شرية, والفئة الدينية ,واملجال اجلغرايف. �إن القيم البطركية متت����د يف جذورها �إىل الأعماق التاريخية البعيدة, وهي م�ستوطن ٌة الن�سق القيمي املجتمعي ,و�أي عملية �إحالل لها ت�ستوجب توف����ر �إرادة ق�صدية وممنهجة (الرتبية والتعلي����م ,التن�شئة ال�سيا�سية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
39
اليمن والعامل
وجهات نظر
والثقافي����ة واالجتماعية ..الخ) ،وي�صاحب ذلك – تزامن ًا -جملة من الإج����راءات واملمار�س����ات املانحة للثقة بها من قب����ل اجلماهري؛ فتوفر كاف ،و�سنحاول �إثبات فر�ضيتنا القائلة �إن قيم املنظومة القانونية غري ٍ ومبادئ الدميقراطية وحق����وق الإن�سان �ستظل فاقدة ل�شروط التوطني يف الن�س����ق القيم����ي ,م����ا مل تتخذ جملة م����ن الإج����راءات واملمار�سات, و�ستظ����ل قيم ًا مبثوث���� ًة يف الف�ضاء املجتمعي ,دون جت����اوز تخوم الن�سق القيم����ي .وللتحقق من �صحة فر�ضيتنا� ،سنعتمد على التفكيك ،و�إعادة البناء ،والربط الذهني للعنا�صر: ■ التماث��ل املفاهيمي� :إن املفاهيم ال�سيا�سي����ة املتداولة ,وحتديد ًا تل����ك املنتمية �إىل الرباديج����م الدميقراطي يتم �إفراغه����ا من دالالتها الأ�صلي����ة وحتميلها دالالت مغايرة ,عل����ى �سبيل املثال :الدميقراطية = ال�شورى ،والربملان = �أهل احلل والعقد ,والعدل = امل�ساواة ،وهكذا.
وه����ذه القيم واملمار�سات والت�صورات متجذرة ويعاد �إنتاجها ،وهذا ما يجع����ل قيم امل�ساواة بني اجلن�سني ،وك����ذا �إ�ضعاف متركز ال�سلطة حول الأب� ،أمر ًا غري حمتملٍ . ■ البنية االجتماعية التقليدية :بالرغم من عمليات التحديث والتنمي����ة� ،إال �أن ثقل الرتاثات ما زال ممت����د ًا بقوة بفعل تعثرّ عمليات التحدي����ث .فما زال الف�ض����اء املجتمعي يقوم عل����ى التمايز بني الفئات االجتماعي����ة ،وي�ستم����د ر�أ�س مال����ه االجتماعي من البني����ة االجتماعية التقليدي����ة ,والتن�شئ����ة العائلي����ة والثقاف����ة ال�شعبي����ة(� .)12إن ا�ستمرار التماي����ز بني الفئ����ات بوعي �أو دون وعي يعيد �إنت����اج الثقافة البطركية، ويحول دون ا�ستنبات قيم ومب����ادئ الدميقراطية (املواطنة ,وامل�ساواة ..الخ).
■ �إعادة �إنتاج القوى التقليدية :من �شروط بناء الدولة احلديثة ■ براديج��م الطاع��ة :يق�صد بالرباديجم منظوم����ة من املفاهيم تقلي�����ص ال�سلط����ة التقليدية ل�صال����ح ال�سلطة املركزي����ة ،و�أ�س�س تعزيز الدميقراطي����ة وج����ود قوى ممثلة ومعربة عنه����ا ،وهذا ما ال واملب����ادئ املرتابط����ة يف الذهن واخلط����اب ب�صورة جن����ده يف ال�سيا�س����ة املتبع����ة من����ذ عام �صريح����ة �أو �ضمنية ،يدع����و فيها – بنيوي ًا -بع�ضها الدول�� ة ا لع رب ي�� ة امل عا � 1990حت����ى يومن����ا ه����ذا .فعل����ى �سبيل بع�ضاً� ،أو يعو�ض فيه����ا – وظيفي ًا -بع�ضها بع�ضاً. ص��رة الت��ي اتخ��ذ ت ا مل� س�� ار ال د مي ق املثال ،ميثل �شي����وخ القبائل يف الربملان راط��ي ,مل واملق�ص����ود به هن����ا املنظوم����ة املمتدة ب��ي�ن الوحي ت�شه�� د ا نت ق ��ا ً ال �س لي م�� ً ا االنتق����ايل ( .29% ،)1993 - 1990ويف لل�سلط��ة �إال والواق����ع االجتماعي؛ فاملنظوم����ة الفكرية يف بنية ن��ادر ا ً؛ ف ا� ست م�� ر ار ا جمل�س النواب (انتخابات ،29% ،)1993 حل��كام لعق��ود املجتمع العربي متتد جذورها �إىل الفكر الإ�سالمي يف �ض ي � إ ىل ت ر ك ز ا ل� ويف جمل�����س الن����واب (انتخابات ,)1997 الو�سيط ,حيث طاعة �أويل الأمر واجبة واخلروج سلطة وانح�صار حدودها يف ا لع � صب ة ،37.1%ويف جمل�����س الن����واب (انتخابات عنه����ا م�سك����ون باخل����وف م����ن الفتن����ة ،وتتبادل مما ي�ؤدي ..44,2% ،)2003وهك����ذا .كم����ا نالح����ظ وظيفي���� ًا عند نع����ت املعار�ض����ة باملحدث����ة للفتنة �إىل جتذي ر (با�سم الوحدة الوطنية) وهكذا)10(. �أن متثي����ل امل����ر�أة تناق�ص م����ن 8ن�ساء �إىل الأب الوطن ي واحدة (برملان .)2003 ويتع����زز براديج����م الطاع����ة بغي����اب �أي جتربة ومتثي����ل الق����وى التقليدي����ة ال يقت�ص����ر على لل�شراكة يف احلكم يف الرتيخ العربي الإ�سالمي ال�سلط����ة الت�شريعية ،بل ي�شمل كل م�ؤ�س�سات القدمي والو�سيط واحلدي����ث واملعا�صر .وحتى يف الدولة العربي����ة املعا�صرة التي اتخذت امل�س����ار الدميقراطي ,مل ت�شهد انتقا ًال الدول����ة .وتتب����ع الدول����ة �آلي����ة التمثي����ل الوفاق����ي للجماع����ات �سليم���� ًا لل�سلط����ة �إال ن����ادراً؛ فا�ستمرار احلكام لعق����ود يف�ضي �إىل تركز القبلي����ة واملناطقي����ة ،مما يعم����ل على تعزي����ز الهويات الأولي����ة القبلية ال�سلط����ة وانح�صار حدوده����ا يف الع�صبة مما ي�����ؤدي �إىل جتذير الأب املناطقية ،و�إ�ضعاف امل�ؤ�س�سات احلديث����ة .فالرموز القبلية واملناطقية ميتلكون الق����درة والنفوذ على حتقيق مطال����ب اجلماعات وحمايتهم. الوطني. ■ هرمي��ة العائل��ة العربي��ة :م����ا زال����ت العائلة العربي����ة ،ومنها وهذا ما يُ�ضعف فر�ص ظهور دميقراطيني منتظمني ،ولهم �إرادة وفعل دميقراطيني)13(. اليمني����ة ،وح����دة اجتماعي����ة �إنتاجي����ة ،ون����واة التنظي����م االجتماع����ي واالقت�ص����ادي ،وت�سوده����ا عالقات التكاف����ل والتعاون وال����ود وااللتزام وه����ذا ما يجع����ل الفعل ال�سيا�سي واالجتماع����ي يف جانب كبري منه نتاج ال�شام����ل .وهي �أبوية من حيث متركز ال�سلطة وامل�سئوليات واالنت�ساب ,البني����ة الفوقية التقليدية ،رغ����م وجود بنية حتتي����ة اقت�صادية حديثة؛ وهرمية ال يزال التمييز فيها قائم ًا على �أ�سا�س اجلن�س والعمر ،ومتنح فالوع����ي ال�سيا�س����ي يف املجتمع����ات الر�أ�سمالي����ة الغربي����ة يرتبط فع ًال العائل����ة العربية انتمائها من خالل االندم����اج والتوحد؛ فالفرد ي�صبح باالنتماء الطبقي ،يف حني �أن املجتمعات ال�شرقية ي�سود فيها االنق�سام لي�����س م�سئو ًال عن ت�صرفاته ال�شخ�صية وح�سب ،بل عن ت�صرفات بقية �إىل جماع����ات تتماي����ز عن بع�ضها باحل�سب وال�ش����رف �أو الن�سب واملال واجل����اه �أو املذه����ب والقبيل����ة .فالظاه����رة ال�سيا�سية جت����د دوافعها يف الأع�ضاء)11(. �إن العائل����ة العربي����ة ،ومنه����ا اليمني����ة ،تع����د م����ن امل�ؤ�س�س����ات الثقافية الال�شع����ور ال�سيا�سي ،الذي هو عبارة عن بني����ة قوامها عالقات مادية للبطركية ،حيث تُركّز ال�سلطة حول الأب ،ومتنح �أدوار ًا حمددة للمر�أة .جمعي����ة متار�س على الف����رد واجلماعات �ضغط ًا ال يق����اوم( ،)14وهذا 40
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ما يجع����ل امل�ؤ�س�سات التقليدية والرموز القبلية واملناطق �أكرث جتذر ًا من �إن ترك املجال كما هو عليه ال يوقف الأمر عند هذا امل�ستوى ،بل يحدث م�ؤ�س�سات املجتمع املدين. نكو�ص���� ًا نح����و مراحل �سابق����ة للدول����ة وم�ؤ�س�ساتها احلديث����ة ،وحتديد ًا ■ النظ��ام التعليم��ي� :إن النظ����ام التعليم����ي مبختل����ف م�ستوياته يعد ت�صط����ف اجلماع����ات حول هوياته����ا الأولي����ة ال�سابقة لل����دولة (قبلية م�ؤ�س�س����ة تعيد �إنتاج الثقاف����ة البطركية .فال�سلطوي����ة يف املناهج ,وطرق ومناطقية)� ،أو متجاوزة لها نحو الأمة العربية والإ�سالمية. التدري�����س ,والتقيي����م ,والبيئة التعليمية والأكادميي����ة تفتقر �إىل احلرية. يق����ول يزي����د عي�سى ال�سورط����ي(« )15م����ن مظاهر ال�سلطوي����ة يف الرتبية الهوامــ�ش والإحـــاالت العربي����ة �سيط����رة اللفظية الرتبوية التي حتول الرتبي����ة من �أفعال تنب�ض ( )1ملزي���د من التف�صيل ،انظ���ر :عزمي ب�شارة ,يف امل�س�أل���ة العربية :مقدمة باحلياة �إىل �أقوال جامدة ,ومن �سلوكيات عملية حية �إىل تنظري منف�صل لبي���ان دميقراطي عربي (ب�ي�روت :مركز درا�سات الوح���دة العربية)2007 , ع����ن الواقع ,وم����ن تركيز على اجلوه����ر �إىل االهتمام بال�ش����كل ...وحني �ص .19-50 ( )2ملزيد من التف�صيل ،انظر :معتز باهلل عبدالفتاح« ،الدميقراطية العربية يقوم التعليم على اللفظي����ة ف�إنه يتميز بالرتكيز الكبري على االرتباطات ب�ي�ن حمددات الداخ���ل و�ضغوط اخل���ارج» ,امل�ستقب���ل العرب���ي ,العدد ,326 الكالمية والنظريات واحلفظ والتلقني وال�شكلية ...فالطالب يعتمد غالب ًا بريوت ،ني�سان�/أبريل � ،2006ص .16-17 يف حت�صيله على ذاكرته ،وعلى التكرار الآيل للمعلومات املحفوظة». ( )3ملزيد من التف�صيل ،انظر :عبدالباقي �شم�سان (و�آخرون) ،دور الربملان يف الإ�ص�ل�اح الدميقراطي (تعز :مركز املعلومات والت�أهيل حلقوق الإن�سان, �إنه نظام تلقيني ال ي�ؤ�س�س العقل النقدي واخلالق ،وهذا ما يجعله م�ؤ�س�سة � )2007ص.9 ثقافي����ة للبطركي����ة بامتياز ،لي�س فقط مبخرجات����ه و�إمنا كذلك بالفجوة ( )4عزمي ب�شارة ,مرجع �سابق� ,ص .244 ( )5ملزيد م���ن التف�صيل ،انظر :مينى اخلويل« ,نظري���ة احلرية يف الفل�سفة الوا�سع����ة بني الذكور والإن����اث ،وهذا ما ي�ؤكده تقري����ر التنمية الإن�سانية ال�سيا�سية الأوروبية» ،الت�سامح ,العدد ,25عُ مان.2009 ، الثال����ث ال�صادر عن وزارة التخطي����ط والتعاون الدويل عام ،2004حتت ( )6ملزيد من التف�صيل ،انظر :عزمي ب�شارة ,املجتمع املدين ..درا�سة نقدية عنوان“ :املعرفة ,والثقافة ،والرتبية ,واملعلومات ,والتكنولوجيا”. (بريوت :مركز درا�سات الوحدة العربية.)2000 , ■ املنط��وق واملكت��وب ال�سيا�سي� :إن املنط����وق واملن�صو�ص ال�سيا�سي للمنظوم����ة ال�سيا�سي����ة ال ي�ؤث����ث ملب����ادئ وقي����م الدميقراطي����ة القائم����ة عل����ى الت�سام����ح والتعدد واالع��ت�راف بالآخر )16(.وال يتوق����ف الأمر عند ذل����ك ،بل حتكمه ثقاف����ة �سابقة للدميقراطية وتتمث����ل بالع�صبية و�آلياتها االلتح����ام والتنا�صر والت�ص����ادم والتناف����ر .و�إن كان اال�صطفاف حزبياً، فاملنط����وق واملكت����وب ال�ص����ادر ع����ن املنظومة ال�سيا�سية ال يحدث تراكم ًا اليمن وحتديات ما بعد النفط دميقراطياً ،بل ي�ضعف ثقة اجلماهري التايل بقلم� :أحمد �أحمد مطهر بالدميقراطية وم�ؤ�س�ساتها احلديثة غ��ي�ر الق����ادرة عل����ى حتقي����ق مطال����ب اجلماهري وحمايتهم ،وتزداد فجوة انعدام الثقة ات�ساعاً؛ فالبون ال�شا�سع ب��ي�ن املن�صو�ص واملنط����وق واملمار�س ،و�ضع����ف �سيادة القان����ون ،وانت�شار الف�س����اد ،وتباي����ن �أولوي����ات اجلماهري (معي�شي���� ًا نتيجة تده����ور الأو�ضاع احلياتي����ة) ،و�أح����زاب املعار�ض����ة (ال�سيا�سي����ة) ،وكذا ت����دين خمرجات �إدارة ال�ص����راع ال�سيا�س����ي واالجتماعي للحزب احلاك����م (حرب �صعدة, التعبريات االحتجاجي����ة يف املناطق اجلنوبية ,انعدام الثقة وتعثرّ احلوار ضال عن تدهور الأحوال املعي�شية ...الخ. بينه و�أحزاب املعار�ضة) ،ف� ً ختام����اً ،وبن����ا ًء على ما تقدم ميكننا القول �إن قي����م ومبادئ الدميقراطية �ستظ����ل عند تخ����وم الثقافة البطركي����ة املتجذرة والتي يع����اد �إنتاجها من خ��ل�ال عدد من م�ؤ�س�سات التن�شئ����ة ،ومن خالل ال�سيا�سة املتّبعة يف �إدارة ضال عن �ضرورة �إعادة التوازن بني ال�سلطات الثالث الدول����ة واملجتمع ،ف� ً مب����ا يوفر تع����دد م�ص����ادر الق����رار وامل�ساءل����ة واملحا�سبة ,وتفعي����ل �سيادة القانون و�ضبط الف�ساد واحتكار العنف ال�شرعي ..الخ.
( )7معتز باهلل عبدالفتاح ,مرجع �سابق� ,ص .18-19 ( )8ملزي���د من التف�صيل ،انظر :م�صطف���ى حم�سن« .الرتبية ومهام االنتقال الدميقراط���ي يف الوط���ن العربي :م�صاع���ب احلا�ضر ومطال���ب امل�ستقبل»، امل�ستقبل العربي ،العدد � ,294آب�/أغ�سط�س .2003 ( )9ملزي���د من التف�صيل ،انظ���ر :ه�شام �شُ رابي ,البني���ة البطركية :بحث يف املجتمع العربي املعا�صر (بريوت :دار الطليعة� ،)1997 ,ص .19-20 ( )10ملزيد من التف�صيل ،انظر :الطاهر لبيب« ،عالقة امل�شروع الدميقراطي باملجتم���ع املدين العربي» ،امل�ستقب���ل العربي ،العدد ،158ب�ي�روت ،ني�سان/ �أبريل .1992 ( )11حلي���م بركات ,املجتم���ع العربي املعا�صر يف الق���رن الع�شرين (بريوت: مركز درا�سات الوحدة العربية� ،)2000 ،ص ,1-3و.3-9 ( )12ملزي���د من التف�صيل ،انظ���ر :ورقة عمل عبدالباق���ي �شم�سان« ،جت�سري الفج���وة ب�ي�ن املت�أ�ص���ل الإن�س���اين واملمار�س املجتمع���ي :احلق���وق ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية للفئات املهم�شة يف املجتمع اليمني (فئة ما ي�سمى الأخ���دام منوذج���اً) ,قدمت يف اللق���اء الت�شاوري الث���اين جلمعيات املحاوي وجتمعات ال�صفيح باليمن ,عدن .2006 ( )13ملزي���د من التف�صيل ،انظر :عزمي ب�شارة ،يف امل�س�ألة العربية ,..مرجع �سابق� ,ص .244 ( )14ملزي���د م���ن املعلوم���ات ،انظ���ر :عب���داهلل جناح���ي« ،العقلي���ة الريعي���ة وتعار�ضه���ا مع مقومات الدولة الدميقراطية» ،امل�ستقبل العربي ،العدد ،288 بريوت� ،شباط/فرباير .2003 ( )15يزي���د عي�سى ال�سورطي ,ال�سلطوية يف الرتبية العربية (الكويت� :سل�سلة عامل املعرفة� ،)2009 ,ص .141-142 ( )16انظر على �سبيل املثال ال احل�صر: عبدالباق���ي �شم�س���ان وحمم���د املخاليف ,واق���ع املنظمات غ�ي�ر احلكوميةحلقوق الإن�سان (تعز :مركز املعلومات والت�أهيل حلقوق الإن�سان)2006 ,؛ مقالن���ا «العر����ض والطلب يف ال�س���وق االنتخابية اليمنية :ق���راءة �أولية يفالت�سوي���ق والربام���ج االنتخابي���ة ملر�شح���ي الرئا�س���ة� ،صالح وب���ن �شمالن», �صحيفة الو�سط ,العدد � ،117أيلول�/سبتمرب .2006 مقالنا «�صورة الإن�سان والآخر يف املهرجانات االنتخابية ملر�شحي الرئا�سة،�صالح وبن �شمالن»� ,صحيفة الو�سط ،العدد � ،118أيلول�/سبتمرب .2006 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
41
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
اليمن ما بعد النفط
ما العمل؟ �أحمد �أحمد مطهر
mutahar76@yahoo.com
زم��ن ما بعد النف��ط قاد ٌم ال حمالة لي�س يف اليمن وح�س��ب بل يف الع��امل �أجمع؛ فهل هناك ا�س��تعداد حقيقي ملواجهة حتديات مرحلة “اقت�صاد ما بعد النفط”؟ وما هي البدائل املتاحة �أمامنا للتكيّف مع حتديات هذه املرحلة؟ 42
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�أحمد �أحمد مطهر كاتب من اليمن.
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
43
اليمن والعامل
وجهات نظر
�إن امل�ؤ�شرات والأرقام هي من �ستحدثنا بذلك؛ فخالل ال�سنوات الأخرية تراجع الإنتاج النفطي لليمن بن�سبة ترتاوح بني %6و� %8سنوياً ،وباملثل تراجعت �أ�سع���اره ،الأمر الذي �ألقى بظاللٍ قامت���ة على اقت�صاد البالد نظ���ر ًا ملا متثله العائ���دات النفطية من �أهمي���ة اقت�صادية ومالية كربى؛ فن�سب���ة عائدات النفط تقدر بـ %95م���ن جممل عوائد الت�صدير و%75 م���ن �إيرادات املوازن���ة ،ومتثل ن�سبة م�ساهمته يف جمم���ل الإنتاج املحلي بحوايل .%30وميثل تناق�ص �إنتاج النفط وخطر تقلبات ال�سوق الدولية بفعل الأزمة املالية العاملية ،حتدي ًا مزدوج ًا بالن�سبة لالقت�صاد اليمني. فم�ست���وى الإنت���اج النفطي تقل�ص من � 420ألف برمي���ل يومي ًا عام 2006 �إىل � 380ألف برمي���ل عام ،2008وتراوح تراجع �إنتاجه العام الفائت ما ب�ي�ن 280و� 300ألف برميل يف اليوم الواحد ،يف الوقت الذي انهارت فيه الأ�سع���ار ب�شكل كبري بدت خماطره تلوح منذ مطلع العام احلايل ،2010 حي���ث زادت احلكومة من �أ�سعار الوقود بن�سبة %14بداية العام احلايل حماول ًة رفع ملياريّ دوالر من على كاهلها نتيجة دعم امل�شتقات النفطية كالديزل. وامل�ؤك���د �أن تراج���ع �إنتاج النفط وتقل�ص عوائده بالت���ايل� ،سي�ؤديان �إىل زي���ادة حج���م ال�ضغوط املتوقع���ة على املوازن���ة العامة ويجعله���ا عر�ض ًة لعج���ز مايل غري م�سبوق بعد �أن حققت فائ�ض��� ًا نتيجة االرتفاع الن�سبي واملت�صاع���د يف �أ�سع���ار النفط خالل ال�سنوات الثم���ان املا�ضية .وح�سب تقري���ر ر�سمي �أ�ص���دره البنك املرك���زي اليمني ،فقد �شه���دت املديونية اخلارجي���ة لليم���ن ارتفاع ًا مق���داره 135ملي���ون دوالر بنهاية عام 2009 مقارن���ة مع العام الذي �سبقه ،فيم���ا �شهد احتياطي اليمن من العمالت ال�صعب���ة انخفا�ض��� ًا مق���داره 157ملي���ون دوالر .وبناء عل���ى ذلك ،ي�أتي حتذي���ر اخلرباء م���ن �أن الرتاجع يف خمزون العم�ل�ات الأجنبية نتيجة تناق�ص �إيرادات النفط وارتفاع املديونية� ،سي�ؤدي �إىل �أ�ضرار اقت�صادية كبرية قد ت�صل �إىل حد �إفال�س امليزانية العامة. وبالرغ���م من وج���ود بارقة �أمل لإنعا����ش ميزانية الدول���ة تتمثل بدخول اليم���ن نادي الدول امل�صدرة للغ���از بدء ًا من �أواخر العام املا�ضي ،2009 �إال �إن اخل�ب�راء قلل���وا م���ن �أهمية م���ا يعلق م���ن �آمال على قط���اع الغاز 44
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
الناه����ض ،خا�ص��� ًة �أن ح�صة الدولة من���ه تقل عن ،%17فيم���ا تتقا�سم ال�ش���ركات الأجنبي���ة بقية الن�سب .وت�ش�ي�ر التوقع���ات احلكومية �إىل �أن اليم���ن �ستتمكن من حتقي���ق مكا�سب تقدر مبا ب�ي�ن 30و 50مليار دوالر �سنوي ًا على مدار دورة حياة امل�شروع التي تقدر ما بني 20و� 25سنة .ومع �أن اليم���ن بحاجة ما�سة �إىل هذا الدخ���ل� ،إال �إن �صادراته للغاز ال تكفي لتغطي���ة االنخفا�ض احلاد يف خمزونات النفط يف الوقت الذي يعي�ش ما يقرب من %40م���ن �سكانه على �أقل من دوالرين يومياً ،ومن املتوقع �أن يت�ضاعف عدد ال�سكان ال���ذي يبلغ حالي ًا 23مليون خالل ع�شر �سنوات، مما ي�ضيف عبئ ًا جدي���د ًا على كاهل امليزانية يف املدى القريب .وح�سب معهد كارنيغي لل�سالم الدويل «ف�إن زيادة امل�ساعدات �إىل اليمن ،ولي�س فقط الدعم الأمني املتزايد �سي�ساعد على منع انهيار الدولة� ،إىل جانب موازن���ة اخليارات االقت�صادي���ة ال�صعبة التي يج���ب اتخاذها يف اليمن بينما ي�ستعد اقت�صادها لالنتقال �إىل «اقت�صاد ما بعد النفط»». وامل�ؤكد هنا �أن زمن ما بعد النفط قاد ٌم ال حمالة لي�س يف اليمن وح�سب ب���ل يف العامل �أجمع ،وما ي�ؤكد ذل���ك حقيقة وا�ضحة جد ًا وهي �أن العامل ي�ستخ���دم حالي ًا حوايل 27مليار برميل من النف���ط �سنوياً ،ولكننا جند �أن االكت�شاف���ات يف احلق���ول العاملية اجلدي���دة �أقل م���ن 6مليار برميل م���ن النفط �سنوي��� ًا (�أي �أن حوايل 21مليار برميل م���ن النفط ت�ستهلك �سنوي��� ًا من املخزون العاملي املرتاكم) .وتب���دو حقيقة �أن الإنتاج العاملي م���ن النفط �سوف يتزايد لي�صل �إىل ذروته العظمى ثم يبد�أ بالتناق�ص، �صعبة الدح�ض اليوم ورمبا تكون عند البع�ض غري قابلة للنقا�ش. وبالتطبيق على حالة اليمن ،جند �أن �سقف الإنتاج املحلي من النفط قد بل���غ ذروته خالل ت�سعينيات الق���رن املا�ضي ،وبد�أت مرحلة االنحدار مع حلول الألفي���ة الثالثة ،وهذا يقودنا �إىل �إن النفط اليمني -وفق الوترية احلالية ،وب�سبب عدم وجود ا�ستك�شافات جديدة � -سين�ضب حتم ًا حتى ل���و ت�ضاربت �آراء املراقبني حول تاري���خ الن�ضوب .ففي عام 2006تنب�أت اخلب�ي�رة الدولية يف البنك الدويل� ،إمي���ان عقداوي ،ب�أن النفط اليمني �سين�ض���ب يف ع���ام ،2011يف حني توقع���ت احلكومة اليمني���ة �أنه �سينفد يف ع���ام ،2014وهن���اك �أي�ض ًا توقعات بنف���اده يف � 2018أو .2019ويذكر
اال�ستعداد ملا هو �أ�سو�أ يف �ضوء ما �سبق ،ميكن القول �إن ا�ستمرار االعتماد ب�شكل �شبه كلي عل���ى النفط كم���ورد �أ�سا�سي �سيعر����ض االقت�صاد اليمن���ي ملخاطر فعلية يف امل�ستقبل القريب جداً ،ونحن 2016 هن���ا ال يجب �أن نكتفي بدق نواقي�س اخلطر فقط ،لأننا �أمام معركة حقيقية يجب �أن يُح�شَ د لها كل الإمكانيات والتداب�ي�ر واتخ���اذ خطوات ج���ادة وملمو�س���ة من �أجل تنويع م�صادر الدخل القومي. �إن النف���ط -كما نع���رف بداه ًة -ميثل م�صدر ر�أ����س مال نا�ضب وغري متج���دد ،والن�ضوب هن���ا ،كما يُف�سّ ���ر اقت�صادياً ،ه���و �أن ينخف�ض �سعر البي���ع عن تكاليف الإنت���اج .وقد لعب النفط ،كما ي���درك اجلميع ،دور ًا رئي�سي��� ًا يف حتدي���د م�س���ار وطبيع���ة التنمي���ة يف اليم���ن منذ ب���دء �إنتاج وت�صدي���ر النف���ط بكميات جتارية يف عام .1986وم���ا يزال النفط حتى اللحظة ي����ؤدي دوره باعتب���اره �أهم املوارد االقت�صادي���ة التي تتحكم يف عملي���ة التنمي���ة امل�ستدامة ،التي تق���وم على �أ�سا�س الرب���ط بني التنمية الب�شري���ة والتنمية البيئية ،بحيث يتم حتقيق التوازن بني اجليل احلايل وجي���ل امل�ستقب���ل ،وبالتايل تلبية حاجات اجليل احل���ايل دون ا�ستنزاف حاجات الأجيال القادمة. وال �ش���ك يف �أن ال�ضع���ف يف البني���ة الأ�سا�سي���ة لالقت�ص���اد اليمني �أخذ ينعك����س بدوره على تنمي���ة القطاعات الإنتاجية غ�ي�ر النفطية ،وكذلك على حجم ا�ستثمارات ر�ؤو�س الأموال �سواء املحلية �أو الأجنبية .لذا ف�إن االقت�صاد اليمني بحاجة �إىل معاجلة قاعدته الإنتاجية ،بحيث ي�ستطيع �أن ي�ستثم���ر يف القطاع���ات الإنتاجي���ة غري النفطية ،وه���ذا لن يتم دون القيام بعمليات �إ�صالح بنيوية �شاملة حتول دون غرق االقت�صاد الوطني يف م�ستنقع الف�شل .ويف هذا الإطار ،تعالت �أ�صوات دولية عدة حتذر من �سيناريو كارثي قد يواجه اليمن قريب ًا ما مل يتم التحرك ب�صورة عاجلة لتدارك ما ميكن تدارك���ه .فعلى �سبيل املثال� ،أورد تقرير للمعهد امللكي لل�ش����ؤون الدولية حتذير ًا لأحد اخل�ب�راء النفطيني ،ي�ؤكد فيه «�أن اليمن قد تواجه انهيار ًا اقت�صادي ًا خالل �أربع �أو خم�س �سنوات». واحل���ال �أن ا�ستمرار اعتم���اد املوازنة اليمنية على الإي���رادات النفطية ب�ش���كل كبري ،يف �ض���وء اال�ستنزاف احلاد ملخزون اليم���ن النفطي ،بات
500 400 300 200 100
�ألف برميل /يومي ًا
حت���ى وقتن���ا الراهن ،ميكن القول �إن النف���ط يف قامو�س اقت�صاد دولة نامي���ة كاليمن يعني «العمود الفق���ري» القت�ص���اد �أنهكته الأزمات االقت�صادي���ة واملالية وال�سيا�سية والأمني���ة ،والتدهور يف قطاع حي���وي كهذا ينعك�س ب�ص���ورة مبا�شرة على �أداء االقت�صاد الوطني ب�شكل ع���ام ،فما بالنا �إذا بد�أت تبا�شري ن�ضوب هذا املورد احليوي تلوح يف الأفق .وبالت�أكيد ف�إن عدد ًا من الأ�سئلة املهمة ،على �ضوء ذل���ك� ،ستتواىل تباع ًا :هل فع ًال ب���د�أ العد العك�سي لن�ضوب النفط يف اليم���ن؟ وهل هناك ا�ستعداد حقيقي ملواجهة حتديات مرحلة اقت�صاد ما بعد النفط؟ وما هي البدائل املتاحة �أمامنا للتك ّيف مع حتديات هذه املرحلة؟
البنك الدويل �أنه بحلول عام 2017لن تك�سب احلكومة اليمني���ة �أيّ دخلٍ من النفط ،وهذا الواقع ي�ستدعي من احلكومة �أن تعمل م���ن الآن و�أن ت�ستعد ملواجهة مرحلة م���ا بعد النف���ط ،ال�سيم���ا �أن التحديات الت���ي تواجهها اليم���ن حالي ًا مل تعد تنال اال�ستقرار املحلي وح�سب ،بل �أي�ض ًا اال�ستق���رار الإقليمي والعامل���ي يف �آنٍ واحد ،و�إذا م���ا ترك���ت دون حلول ناجع���ة ،ف�إن تداعياته���ا ال�سالبة �ست�صيب دول املنطقة ككل.
اليمن :انحدار نفطي
0 -100 2010
2004
1992
1996
1980
1986
ال�سن ــة �إجمالــي �إنتـاج النفط
�أمر ًا مقلق ًا للغاية ،وي�ستدعي قيام احلكومة – اليوم قبل الغد -بالتفكري جدي���اً ،والعم���ل ب�شكل �سريع تبع ًا لذلك ،على ع���دم االعتماد – ب�صورة �شبه ح�صرية -على الرثوة النفطية يف متويل املوازنة ،والبدء بخطوات عاجل���ة لتنوي���ع م�ص���ادر الدخ���ل القومي من خ�ل�ال تنمي���ة القطاعات الواعدة اقت�صادي ًا كالزراعة وال�سياحة والأ�سماك. وبالرتكي���ز عل���ى هذه القطاع���ات تباعاً ،ميك���ن القول �إن من���اخ اليمن يتمت���ع بالتن���وع وه���ذا ينعك�س �إيجاب ًا عل���ى قدرة القط���اع الزراعي على تنوي���ع املحا�صي���ل واملنتجات الزراعية على مدار الع���ام� .إال �أنه بالرغم من اجلهود التي تبذلها احلكومة لتنمية هذا القطاع ،ف�إن م�ساهمته يف الن���اجت املحلي الإجمايل ما ت���زال متوا�ضعة جداً� ،إذ ي�ساهم بحدود %9 فق���ط من �إجمايل الناجت املحلي الإجمايل .وت�شري البيانات املتوفرة �إىل �أن امل�ساحة املزروعة فعلي��� ًا ما تزال �ضئيلة جد ًا قيا�س ًا مب�ساحة البالد؛ فهي ال تتجاوز 101مليون هكتار� ،أي �أقل من %2من امل�ساحة الإجمالية لليم���ن .وه���ذا الواق���ع يقودن���ا �إىل �أن القط���اع الزراع���ي يف اليمن غري م�ستغل ب�شكل كاف ي�ؤهله لأن يكون مورد ًا مهم ًا ي�ساعد يف رفد امليزانية العامة بن�سبة معت�ب�رة من الإيرادات ،وبحيث جتعله �أحد م�صادر تنويع الدخل القومي كما هو حا�صل يف بلدان عربية �أخرى .فعلى �سبيل املثال، �أدت �سيا�س���ة دع���م املزارعني ،الت���ي اتبعتها بع�ض احلكوم���ات العربية خالل ال�سنوات املا�ضية ك�سوري���ة واململكة العربية ال�سعودية� ،إىل زيادة �إنتاجهم���ا من القم���ح ،مم���ا �أدى �إىل بلوغهما مرحلة االكتف���اء الذاتي واالجت���اه نح���و الت�صدير ،يف الوق���ت الذي تت�صدر اليم���ن قائمة الدول العربية الأقل اكتفا ًء ذاتي ًا من القمح ،وبن�سبة ال تتجاوز .%15 وم���ن هذا املنطل���ق ،تبدو احلاجة الي���وم ملحة النته���اج �سيا�سة �سعرية ت�شجيعي���ة للمنتجني من �أجل خلق فر�ص احل�ص���ول على �أ�سعار جمزية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
45
اليمن والعامل
وجهات نظر
تفوق يف ارتفاعها الأ�سعار العاملية بدرجه كبرية .وبالرغم مما يثار من حتفظات من قبل بع�ض االقت�صاديني على �سيا�سة دعم القطاع الزراعي يف ه���ذه ال���دول ،نظ���ر ًا الرتفاع تكلفة الإنت���اج� ،إال �أن اله���دف الرئي�سي لإ�سرتاتيجي���ة التنمي���ة يف الأقط���ار النفطية يتج�سّ ���د يف ال�سعي ل�ضمان نهاية منظّ مة لع�صر النفط عن طريق تو�سيع القاعدة االقت�صادية ،من خالل تخفي�ض �سيطرة القطاع النفط���ي على االقت�صاد الوطني وتنويع م�صادر الدخل ،وهو �أمر يتطلب بناء قطاع اقت�صادي متطور غري معتمد على النفط .وعليه ،ف�إن دعم قطاع �إنتاجي حيوي كالقطاع الزراعي يف اليم���ن يعترب خطوة مهمة للغاية للتخفي���ف من �سيطرة القطاع النفطي على �إيرادات املوازنة العام���ة ،و�سي�ساهم ب�صورة فعالة يف �إيجاد تنمية م�ستدامة ت�ضمن للجيل احلايل والأجيال القادمة ،العي�ش يف ظل ظروف �أكرث �أمن ًا وا�ستقراراً. �أما القطاع الث���اين الذي ميكن �أن ي�ساهم ب�شكل فعّال يف تنويع م�صادر الدخ���ل القومي ،واال�ستعداد من ثمّ حلقبة ما بعد النفط يف اليمن ،فهو القط���اع ال�سمكي .فاليمن ،كما هو معروف ،متتلك �سواحل طويلة جداً، تق���در بح���وايل 2500كيلو مرت على امتداد �إطالل���ة اليمن البحرية على البح���ر الأحم���ر وخليج عدن وبحر العرب ،وه���ذا ال�سواحل غنية بزهاء 350نوع��� ًا م���ن الأ�سماك وامل�أك���والت البحرية والت���ي مل تُ�ستغل بال�شكل الأمث���ل بعد� ،إذ �أن ما ي�ستغل حالي ًا ال يتج���اوز 50نوع ًا فقط ،وهو الأمر ال���ذي ينعك�س على حج���م الإنتاج ال�سمكي ال�ضئي���ل ن�سبي ًا واملقدر بنحو
� 350ألف طن فقط ،يف حني �أن الإمكانيات الإنتاجية تفوق ن�صف مليون طن. وبالرغ���م من �أن ثم���ة �إدراك ًا حكومي ًا ب�أهمية قطاع���يّ الزراعة والرثوة ال�سمكي���ة ،و�أنهما قد ي�ش���كالن �أحد البدائ���ل االقت�صادية املهمة للرثوة النفطي���ة املت�ضائل���ة ،لكن العم���ل على ت�صدي���ر املنتج���ات الزراعية �أو ال�سمكي���ة ما زال يواج���ه حتديات و�صعوب���ات جمّة ،نتيج���ة عدم وجود �إ�سرتاتيجي���ة �شامل���ة للتعاط���ي مع هذي���ن القطاعني ب�ش���كل ي�ساهم يف �إنعا�شهما وحتويلهما �إىل مرتك���ز �أ�سا�سي القت�صادنا القومي يف مرحلة ضال عن م���ا بعد النف���ط وم�صدر دخ���ل ال ين�ض���ب للخزينة العام���ة ،ف� ً عدم وجود قاع���دة معلوماتية كافية ومحُ دّثة ملعرفة احتياجات الأ�سواق اخلارجي���ة ،ناهي���ك ع���ن �أن الت�صدي���ر الع�شوائي من قب���ل جهات عدة ال تلت���زم ب�أي معايري �س���واء من حيث املوا�صفات واجل���ودة واحتياجات ال�سوق اخلارجية ،قد �أدى �إىل تدين �أ�سعار البيع. و�إىل جانب هذي���ن القطاعني هناك �أي�ض ًا القطاع ال�سياحي ،وهو قطاع اقت�ص���ادي واعِ د ال يجب اال�ستهانة به ،وي�شكل -يف �ضوء جتارب عاملية كث�ي�رة � -أحد م�صادر تنويع الدخل القومي الأ�سا�سية ،لكن هذا القطاع احلي���وي بالن�سب���ة لليم���ن م���ا زال – من حي���ث توفر مقوم���ات نه�ضته الأ�سا�سي���ة -دون امل�ستوى حتى الآن .وق���د ذكر تقرير للبنك الدويل �أن �صناع���ة ال�سياحة يف اليم���ن تعترب من ال�صناعات الأق���ل منواً ،بالرغم
مم���ا متتلكه اليمن من م���وارد �سياحية كبرية .و�أ�ض���اف التقرير ،الذي �ص���در قبل عدة �أعوام وحتدي���د ًا يف منت�صف � ،2002أن منو ال�سياحة يف اليم���ن تواج���ه بقيود كثرية تتمثل �أبرزها يف وج���ود �إمكانية نقل �ضعيفة وعالي���ة الكلف���ة ،و�صعوبة بيئ���ة الأعم���ال يف جمال الن�ش���اط ال�سياحي، و�ضعف الرتويج ال�سياحي وغياب �أي ن�شاطات له ،وكذا �ضعف املنظومة الأمنية ،بالإ�ضافة �إىل وجود عراقيل حتول دون ا�ستمرار املحافظة على الرتاث الثقايف اليمني. وق���د �أو�ض���ح ذات التقري���ر �أن �إمكانيات اليمن ال�ضخم���ة ت�سمح بتنمية ال�سياحة الثقافية والتاريخية ،وال�سياح���ة البيئية ،و�سياحة اال�صطياف وال�شواطئ واجلزر ،بالإ�ضاف���ة �إىل ال�سياحة اجلبلية والعالجية وزيارة ال�صح���اري ،ويف ح���ال ا�ستغالل ه���ذا القطاع الواعد ف����إن عدد ال�سياح القادم�ي�ن �إىل اليم���ن �سريتفع ب�ش���كل مطرد ،وميكن بالت���ايل �أن ترتفع العائ���دات ال�سياحي���ة �إىل ح���وايل 3-2ملي���ار دوالر بح�س���ب تقدي���رات املجموع���ة الفنية لر�ؤية اليم���ن اال�سرتاتيجية �سن���ة .2025وهو �أمر �إذا حتقق ،ف�إنه �سيمثل ر�صي���د ًا مهم ًا للخزينة العامة للدولة و�أحد م�صادر الدخ���ل القوم���ي املهمة للب�ل�اد ،ت�ساعده���ا على مواجهة حقب���ة ما بعد النفط .لكن امل�شكلة الأ�سا�سية التي تواجه هذا القطاع اليوم ،ومتنع من ا�ستغالل���ه بال�شكل الأمثل ،تكمن يف ا�ستمرار اال�ضطرابات الأمنية التي متر بها اليمن ،وتنامي التهدي���دات الإرهابية ،مما �أ�صاب هذا القطاع
ال تعوّلوا كثري ًا على عائدات ت�صدير الغاز
تظهر الدرا�سات احلالية �أن الإيرادات املتوقعة من ت�صدير اليمن للغاز ال ميكن �أن تغطي النق�ص يف الإيرادات جراء انخفا�ض كميات �إنتاج النفط يف عام 1995مت التوقيع على اتفاقية تطوير الغاز بني احلكومة اليمنية وعدد من ال�شركات الأجنبية امل�ساهمة يف ا�ستغالل الغاز الطبيعي امل�سال .LNGوبح�سب هذه االتفاقية ،التي �صادق عليها جمل�س النواب يف عام ،1997ف�إن االحتياطيات املخ�ص�صة مل�شروع ت�صدير الغاز الطبيعي امل�سال LNGهو 9.2تريليون قدم مكعب وملدة 25عاماً ،كما �أنه قد خ�ص�ص 1 تريليون قدم مكعب لل�سوق املحلية .ويعترب امل�شروع �أكرب م�شروع ا�ستثماري ينفذ يف اليمن بلغت تكلفته 4.7مليار دوالر �أمريكي.
وقد وزعت ح�ص�ص ال�شركات امل�شاركة يف امل�شروع كالتايل� :شركة توتال الفرن�سية (� ،)%39.62شركة هنت الأمريكية (،)%17.22ال�شركةاليمنيةللغاز(،)%16.73 �شركة �أمن كي الكورية (� ،)%9.55شركة كو جاز الكورية (� ،)%6.000شركة هيونداي الكورية ( ،)%5.88الهيئة العامة للت�أمينات واملعا�شات (.)%5.000 لقد بد�أت عمليات �ضخ الغاز من من�ش�آت املنبع مب�أرب �إىل معمل ت�سييل وت�صدير الغاز يف بلحاف يف 29حزيران/يونيو ،2009ومت ت�صدير �أول �شحنة من الغاز الطبيعي امل�سال يف 19ت�شرين الثاين/
حممـد قرعـه نوفمرب .2009كما مت ت�شغيل خط الإنتاج الأول رقم ( )1يف الن�صف الثاين من العام 2009بطاقة �إنتاجية تقدر ثالثة مليون وثالثمائة �ألف طن �سنوياً ،ويف مرحلة الحقة �سيتم ت�شغيل اخلط الثاين لت�سييل الغاز، و�ست�صل القدرة الإنتاجية مل�شروع ت�سييل الغاز الطبيعي وقتها حوايل �ستة مليون و�سبعمائة �ألف طن بنهاية الت�شغيل. �أم��ا �أث��ر ت�صدير الغاز الطبيعي LNGيف االحتياج احلقيقي للبالد م��ن ه��ذه املادة املهمة وال�ضرورية� ،سواء فيما يتعلق بتوليد ال��ط��اق��ة الكهربائية �أو يف جم��ال ت�صنيع اال�سمنت �أو ال�صناعات البرتوكيماوية ،وقبل
حمم����د قرع����ه ع�ضو جمل�س ال�شورى اليمني .والن�����ص مقتطف من ورقة عمل بعنوان «ت�صدير الغاز الطبيعي اليمني ..هل يعو�ض عائدات النفط النا�ضبة؟»ُ ،قدمت يف م�ؤمتر «اليمن :2010ال�سيا�سة واملجتمع» ،الذي ّ نظمه مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية ب�صنعاء يومي � 18 – 17أيار/مايو .2010 46
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
خزانات الغاز الطبيعي امل�سال يف بلحاف
ذلك لتغطية احلاجة يف جمال الوقود املنزيل ووق��ود ال�سيارات ،فهناك ع��دة وجهات نظر خمتلفة ،منها م��ا يذهب �إىل وج��ود كميات كافية لهذه االحتياجات ولن ي�ؤثر الت�صدير بالكمية 6,7مليون طن مرتي �سنوياً� ،سلباً. وب��امل��ق��اب��ل ،ه��ن��اك ت��خ��وف��ات ووج��ه��ات نظر ي�سندها �أ�صحابها �إىل �أرقام وبيانات بح�سب ما هو مكت�شف حالياً ،تقول ب�أن الت�صدير بهذه
الواعد يف مقتل بالفعل. وال ميكننا �أن نغفل هنا ونحن نتعر�ض للبدائ���ل املختلف���ة الت���ي ت�ساه���م يف تنويع م�ص���ادر الدخل القومي لليمن خالل امل���دى املنظ���ور ،التعر�ض �إىل قط���اع بالغ الأهمية كثري ًا م���ا يتم �إغفاله �أو جتاهل���ه ،وه���و قطاع ال�ضرائ���ب واجلمارك .فال�ضريب���ة ،كما يعرف ال�سا�س���ة واالقت�صاديون بداهةً ،تعترب واحدة م���ن �أهم �أدوات ال�سيا�سة املالي���ة والتي يمُ كن للدولة من خاللها حتقيق جملة من الأهداف املالية واالقت�صادية واالجتماعية .ويف معظم دول عاملنا املعا�صر تعد ال�ضرائب وعائ���دات اجلم���ارك �أحد امل�ص���ادر الرئي�سية للموازن���ة العامة للدولة، باعتباره���ا م�ص���در ًا �إيرادي��� ًا مهم ًا وم�ست���دام .ولكن امل�شه���د يف اليمن م���ن هذه الناحي���ة يبدو خمتلفاً؛ فالتهرب ال�ضريب���ي بات �إحدى �سمات ضال ع���ن �أن الإعفاءات االقت�ص���اد اليمن���ي الأك�ث�ر ر�سوخ ًا للأ�س���ف ،ف� ً ال�ضريبية واجلمركية �أ�صبحت ممار�سة �شائعة ،وتُعطى �أحيان ًا مبوجب قوانني نافذة ،و�أحيان ًا �أخرى ب�صورة خمالفة للقانون ،وك ًال بح�سب ثقل �صاحب الإعفاء ال�ضريبي �أو اجلمركي يف البلد .وت�شري بع�ض التقديرات �إىل �أن حج���م الطاقة ال�ضريبية التي ميك���ن �أن تحُ ّ�صل مبوجب الأوعية ال�ضريبية القائمة ،يفوق الرتيليون ريال� ،أي �أنها ت�شكل ما ن�سبته حوايل ُح�صلة فعلي ًا %40من الإيرادات العامة املتوقعة ،يف حني �أن ال�ضرائب امل ّ
الكمية �سيكون ل��ه �آث��ار �سلبية� ،سواء فيما يخ�ص توفري الكميات الالزمة م��ن ال��غ��از امل��ن��زيل LPG �أو م���ا مي��ك��ن ان يوجه لتوليد الطاقة الكهربائية م�ستقب ًال �أو لل�صناعات امل��خ��ت��ل��ف��ة �أو يف نق�ص كميات النفط املنتج من القطاع (.)18 وال �شك �أن هناك عائد ملمو�س لت�صدير الغاز الطبيعي امل�سال ،LNG وي�أتي هذا العائد يف الوقت الذي بد�أ �إنتاج النفط يف جميع القطاعات املكت�شفة حتى الآن بالرتاجع .وتظهر البيانات امل�ستقاة من امل�صادر احلكومية حول الإيرادات املتوقعة �سنوي ًا خالل الفرتة � 2009إىل العام 2033 �أن �إجمايل الإيرادات التي �ستح�صل عليها احلكومة اليمنية هي مبقدار 285805مليون
دوالر �أمريكي� ،أي ما يعادل �أقل من 5مليار دوالر �أمريكي �سنوياً .واملالحظ �أن الإيرادات احلكومية لن تبلغ خانة املليار دوالر �أمريكي �إال ابتداء من العام ،2020وتنمو الإيردات احلكومية من عام �إىل �آخر لت�صل يف عام - 2033نهاية عقد البيع -مبقدار 2.245.4 مليون دوالر. والوا�ضح �أن �إيرادات بهذا القدر خالل مدة عقد ت�صدير الغاز مع االنخفا�ض امل�ستمر لكميات �إنتاج النفط ،بح�سب ما ت�شري �إليه الدرا�سات احلالية ،تبني �أن الإيرادات املتوقعة من ت�صدير الغاز ال ميكن �أن تغطي النق�ص يف الإيرادات من جراء انخفا�ض كميات �إنتاج النفط ،الأمر الذي �سيجعل موازنة احلكومة اليمنية يف حرج بالغ ما مل تقم احلكومة اليمنية باتخاذ �سيا�سات �سليمة وجادة خلف�ض النفقات من جهة ،ولتنمية الإيرادات من جهة �أخرى. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
47
اليمن والعامل
وجهات نظر
ح�س���ب تقديرات م�صلحة ال�ضرائب للع���ام الفائت - 2009بلغت 340الت���ي حتولت من واحدة من �أك�ث�ر االقت�صاديات اعتماد ًا على النفط يفملي���ار ريال فقط ،وعليه ف�إن اخلزينة العام���ة تتكبد خ�سائر تقدر بنحو ع���ام � 1980إىل �أح���د �أقل االقت�صاديات تعوي ًال علي���ه ،رغم �أن �أرا�ضيها 3.5مليار دوالر �سنوي ًا جراء التهرّب ال�ضريبي فقط. م���ا تزال حتوي خمزون��� ًا واحتياطي ًا نفطي ًا ال ي�ستهان ب���ه .وعلى الرغم واحلقيق���ة �أن الق�ضاء نهائي ًا على م�شكل���ة التهرب �أو الت�سرّب ال�ضريبي م���ن ت�أثريات الأزمة املالية التي ع�صف���ت ب�إمارة دبي م�ؤخراً ،ف�إن قدرة وكذل���ك التهريب اجلمركي ،كم���ا يعتقد اخلرباء� ،أم��� ٌر �شبه م�ستحيل ،الأخرية على ال�صمود وامت�صا����ص ال�صدمة بددت الكثري من ال�شكوك ولك���ن وجود الت�شريع���ات والقوانني الكافية واملتابع���ة امل�ستمرة من قبل حول م�ستقبلها ،بل �إنها حازت على �إعجاب اخلرباء االقت�صاديني ،ومن �أجهزة الدول���ة وم�ؤ�س�ساتها ،اخلا�ضعة بدورها للإ�شراف الق�ضائي ،قد ث���مّ ف�إنها ما ت���زال جت�سد �آمال دول اخلليج يف م�ستقبل م�شرق حتى و�إن ت�ساهم ب�ش���كل كبري يف مواجهة التهرب ال�ضريب���ي ،الأمر الذي �سيتيح جفّت �آبار النفط ال�ضخمة يف تلك الأرجاء. �إمكاني���ة رفد امليزانية العام���ة مببالغ طائلة من �ش�أنه���ا �أن ت�ساعد على وه���ذا يقودن���ا �إىل الت�أكيد عل���ى �أن �أم���ام اليمن فر�صة كب�ي�رة لتجاوز مواجهة �أزمات اليم���ن االقت�صادية ،ومتثل بالتايل �أحد البدائل املتاحة التداعي���ات ال�سالب���ة – ورمبا الكارثي���ة -لن�ضوب خمزونه���ا النفطي، لتنوي���ع م�صادر الدخل القومي والتكيّف م���ع مرحلة ما بعد النفط .ويف وتنويع م�صادر دخلها القومي� ،إن �أح�سنت �إدارة عملية انتقال اقت�صادها �ض���وء ذلك ،ينبغي على احلكومة اليمنية العمل على حتديد االختالالت �إىل «اقت�ص���اد ما بعد النفط» .فاليم���ن ،يف احلقيقة ،متتلك مقومات ال يف هذا اجلانب ومعاجلتها ب�شكل عاجل ب�شتى ال�سبل القانونية ،ومن ثمّ متلكها �أيٌّ م���ن دول اخلليج املجاورة ،والفر�ص���ة �أمامنا مواتية لتحقيق الت�شجيع على االلتزام الطوعي بت�سديد ال�ضريبة ،ورفع كفاءة التح�صيل تنمي���ة م�ستدامة برغم كل �ش���يء؛ فاليمن غنية بامل���واد اال�ستخراجية، ال�ضريب���ي واجلمركي ،ول���ن يتم هذا الأمر من دون تفعي���ل قانون مبد�أ ولديه���ا قطاع���ات اقت�صادية واعدة ،ميك���ن االعتماد عليه���ا �إن �أح�سن �صانع���و ال�سيا�سات االقت�صادية واملالية يف البلد �إدارتها وتنميتها ب�شكل الثواب والعقاب وب�صورة ال ت�ستثني �أحد ًا يف هذا اخل�صو�ص. جي���د وبكفاية عالي���ة .ويف ظل التوجه���ات احلالية ،من امله���م �أن تركز ومهما احلكوم���ة عل���ى ت�شجيع �إقام���ة م�شروع���ات ا�ستثماري���ة ا�سرتاتيجية يف جتديد االقت�صاد ملواجهة التحديات يكن من �أمر ،ميكن القول �أنه يجب التعامل من الآن ف�صاعد ًا مع حقبة خمتل���ف �أرجاء البالد ،والدف���ع تالي ًا وب�شكل مت���وازٍ �إىل تكوين وحدات م���ا بع���د النفط الت���ي قد تواج���ه اليمن قريب���اً ،حتى و�إن �أخ���ذت عجلة �إنتاجية بهدف الت�صدير ،ال�سيما تلك التي ميكنها حتقيق قيمة م�ضافة عملي���ات اال�ستك�ش���اف يف ال���دوران من جديد ،كحقيق���ة ال منا�ص منها مثل ال�صناعات اال�ستخراجي���ة من قبيل الرخام وال�صخور واجلرانيت وجدي���رة بالوق���وف �أمام تبعاته���ا و�إكراهاتها ،كم���ا فر�صها ،من خالل واجلب�س ،وكذلك �صناعة الغ���زل والن�سيج والأعالف واجللود وت�صدير ضال عن ت�شجيع �إن�شاء م�صانع التعبئة الأ�سماك ،ف� ً تعبئة كل الإمكان���ات املتاحة .ولن يتم ذلك من والتغليف واخلدمات امل�ساندة للت�صدير مثل ائتمان دون و�ض���ع �سيا�س���ات عمالنية حتف���ز اقت�صاد �أم��ام اليم��ن فر�ص��ة كب�يرة ومتوي���ل ال�صادرات ،والتو�سّ ���ع يف خدمات ال�شحن البالد على جتديد نف�سه ،وجتاوز حالة التدهور لتج��اوز التداعي��ات ال�سالب��ة والنقل لل�صادرات. ال�سريع التي مير به���ا .وامل�ؤكد �أن البدائل تظل – ورمب��ا الكارثي��ة -لن�ضوب �أ�ض���ف �إىل ذل���ك ،يظ���ل االهتم���ام اجل���اد واملدرو����س متوف���رة �إن توف���رت الإرادة ال�سيا�سية والقرار وتنوي��ع النفط��ي، خمزونه��ا بالقط���اع امل�صريف و�إن�شاء �سوق للأوراق املالية �أمر ًا ذا الر�شيد ،كما �أن جت���ارب الآخرين تفتح �أمامنا إن � القوم��ي، دخله��ا م�ص��ادر �أهمية بالغة ،ف�إن�ش���اء مثل هذه ال�سوق �سوف ي�ؤدي �إىل ك���وة عري�ضة م���ن الأمل ب����أن امل�ستقبل ما يزال �أمامن���ا ،و�أن لدينا فر�ص���ة حقيقية لتجاوز �آثار �أح�سن��ت �إدارة عملي��ة انتقال تنمية الوع���ي االدخاري لدى �أف���راد املجتمع ،وبالتايل وتداعيات ن�ض���وب خمزوننا النفطي كما فعلت اقت�صاده��ا �إىل «اقت�ص��اد م��ا تو�سي���ع القاع���دة الإنتاجي���ة واالقت�صادي���ة للبالد .وال يفوتنا الت�شديد �أي�ض ًا على �ضرورة تاليف الآثار ال�سلبية بل���دان عديدة ،بع�ضها قري���ب جد ًا منا .فها بعد النفط» للإنف���اق الع�سكري وفق الوترية احلالية على االقت�صاد هي البحرين ،مث�ل�اً ،ا�ستطاعت التكيف مع الوطن���ي ،خ�صو�ص ًا �أنه يبلغ يف الوق���ت الراهن حوايل (وجت���اوز) ع�صر ما بع���د ن�ضوب النفط يف حقولها التي �شهدت �أوىل االكت�شافات البرتولية يف املنطقة ،وا�ستطاعت ثالث���ة �أ�ضعاف ما ينفق على خدمات التعلي���م وال�صحة .و�أخرياً ،ميكن �أن تتح���ول �إىل واح���د من �أهم املراك���ز املالية واالقت�صادي���ة يف الإقليم القول �إن �أي حماوالت تهدف لزيادة معدالت الإنتاج والنمو االقت�صادي ورمب���ا يف الع���امل ،وهي تفتخر حالي��� ًا بامتالك واحد م���ن �أكرب م�صانع يج���ب �أن تكون مدرو�س���ة بعناية ومبنهجية علمية دقيق���ة ،غري �أن ذلك الأملونيوم يف العامل ،كما تبدي تطلع ًا لأن ت�صبح واحدة من �أهم وجهات �سيبق���ى مرهون ًا -بدرجة �أ�سا�سي���ة -بزيادة مقدار االهتمام احلكومي بالبح���ث العلمي ،بحيث تكون خمرجاته على الدوام يف خدمة قطاعات ال�سياحة يف املنطقة. وعل���ى مقربة منه���ا ومنا �أي�ضاً ،جن���د دولة الإم���ارات العربية املتحدة ،الإنتاج الواعدة يف البلد. 48
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�صدر حديث ًا �ضمن �سل�سلة �أوراق بحثية
�آليـات تفعيـل ا�ستفـادة اليمن من القرو�ض اخلارجية حممد �صالح قرعة �أروى �أحمد البعداين
تعبئة املوارد يف ال�سيا�سة اخلارجية اليمنية جالل �إبراهيم فقرية
البقاء للأ�صغر: الدور اجلديد للدول ال�صغرية يف النظام العاملي حممد �سيف حيدر
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
49
حتليالت
اليمن والعامل
وجهات نظر
فـي 60يوما
عني على اليمن
اليمن واملنطقة والعامل
ت�صورات امل�صالح الإقليمية والدولية تلخ�ص املقالة التالية ،حماور النقا�ش الذي دار خالل ور�شة العمل املنعقدة ب�صنعاء – اليمن ،يف ني�سان/ �أبري��ل ،2010والت��ي نظمه��ا كل من مرك��ز �سب�أ للدرا�س��ات الإ�سرتاتيجي��ة واملعهد امللكي لل�ش���ؤون الدولية (�شات��ام هاو���س) .لق��د كان الهدف من انعق��اد الور�شة ،فت��ح �آفاق وا�سع��ة للنقا�ش املفتوح ح��ول مو�ضوع «اليمن واملنطقة والعامل :ت�صورات امل�صالح الإقليمية والدولية يف اليمن» ،وكذلك ربط فعاليات النقا�ش الداخلية التي تتم يف اليمن بتلك التي تُقام يف الغرب. قُ�سِّ م����ت فعاليات االجتم����اع �إىل ث��ل�اث جل�سات متحورت ح����ول العناوين التالي����ة« :اليم����ن والغرب� :شراك����ة حقيقية؟»؛ و«اليم����ن وجمل�س التعاون اخلليج����ي� :سيا�س����ة اجل����وار الآم����ن؟»؛ و«اليم����ن وال�صوم����ال :الفج����وة الوا�سعة؟» .وفيما يلي تفا�صيل �أهم النقاط التي �أثريت خالل اللقاء: • يعت��ب�ر الع����ام 2010عام���� ًا حا�سم ًا بالن�سب����ة لليمن فيم����ا يتعلق بتنفيذ الإ�صالحات ،خا�ص ًة و�أنه مخُ ططٌ لالنتخابات املقبلة �أن تُعقد يف ني�سان/ �أبري����ل .2011ولتحقي����ق ذلك يجب البدء يف ت�سجي����ل �أ�سماء الناخبني يف �أيلول�/سبتم��ب�ر .2010لكن لي�س هناك �إجماع بني الأطراف املعنية داخل اليمن ويف �أو�س����اط املجتمع الدويل ،على الأهمي����ة الن�سبية للإ�صالحات االقت�صادية مقابل الإ�صالحات ال�سيا�سية .ورمبا ي�ساعد احلوار الوطني
املزمع �أن يبد�أ منت�صف 2010على حل بع�ض هذه امل�سائل. • متتل����ك املقارب����ة ال�شاملة الت����ي تتبناها جمموع����ة "�أ�صدقاء اليمن" القدرة على تقيي����م م�ستوى اال�ستقرار والتنمية يف البلد� ،إذ �أنه من املهم خلق نوع من التوازن بني امل�سائل الأمنية والتنموية عند معاجلتها .ويجب عل����ى "�أ�صدقاء اليمن" ال��ت�روّي و�أخذ مزيد من الوق����ت يف التفكري حول جوه����ر ولي�����س مظه����ر الأ�شياء .ويج����ب �أي�ض���� ًا تكييف توقع����ات اليمن مع توقعات الغرب ملوازنة بع�ضها ببع�ض. • تزداد احلاجة ب�شكل م�ستمر للنظر �إىل اليمن كجز ٍء من منطقة �أو�سع نطاق����اً ،ت�ضم ك ًال م����ن بلدان جمل�����س التعاون اخلليج����ي ومنطقة القرن الأفريق����ي .وينبغي على اليم����ن التطلع �إىل عالقات مع دول اخلليج مبنية
املق���ال يف الأ�ص���ل -كما �أ�ش�ي�ر يف مقدمته -هو خال�صة لقاء عمل م�ش�ت�رك نظّ مه ،ب�صنعاء ،ك ٌّل م���ن برنامج منتدى اليمن باملعه���د امللكي لل�ش�ؤون الدولي���ة (�شاتام هاو�س) ،ومركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية يف 6ني�سان�/أبريل � .2010إن وجهات النظ���ر املقدم���ة يف هذه الوثيقة ال تعك����س بال�ضرورة وجهة نظر منظميّ اللقاء ،وهما املعهد امللك���ي لل�ش�ؤون الدولية (�شاتام ُعب عن �آراء م�ؤلفيها فقط (الذين لن يتم ذكر �أ�سمائهم وفق ًا لقواعد هاو�س) ومركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية ،و�إمنا ت رِّ «�شاتام هاو�س» التي مت اعتمادها يف هذا اللقاء). 50
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
على تبادل املنافع ،ولي�س بال�ضرورة من خالل االندماج الكامل .وبالطبع يظ����ل الو�صول �إىل �أ�سواق العم����ل اخلليجية مهماً ،لك����ن ال يجب �أن يكون دي����دن اليمن الوحيد ،فعلى اليمن �إبراز القيم����ة امل�ضافة الن�ضمامها �إىل املجل�س ك�شريك �إ�سرتاتيجي ،وكذلك �إبراز الفوائد التي تعود بها �سيا�سة اجلوار املهيكلة. • يفتق����ر املجتم����ع ال����دويل �إىل الفه����م العمي����ق ل�سيا�س����ات ال�صوم����ال الداخلي����ة ،وهذا الن����وع من الفهم بحد ذاته مه���� ٌم لإدراك القوى الفاعلة والديناميكي����ات الإقليمية .وميكن اعتب����ار خليج عدن من العوامل امل�ؤثرة يف ع����دم ا�ستقرار املنطق����ة .كما يجب خلق املزيد م����ن التن�سيق والتعاون ملعاجل����ة م�شاكل جتارة ال�سالح و�أعمال القر�صنة والتهريب والهجرة غري ال�شرعية. لق����د عُ قِ����د االجتم����اع وفق���� ًا "لقاع����دة �شات����ام هاو�����س" ،والت����ي تق����ول: "عن����د انعقاد اجتم����اع �أو فعالية من فعاليات ذل����ك االجتماع ،ف�إنه يحقّ للم�شارك��ي�ن ،مبوج����ب قاع����دة �شاتام هاو�����س ،ا�ستخ����دام املعلومات التي وردت خالل االجتماع ،ولك����ن دون الإ�شارة �إىل هوية �أو انتماء املتحدث/ ُعب عن وجهات املتحدث��ي�ن �أو �أي م�ش����ارك �آخر" .والآراء املذكورة هن����ا ت رِّ نظر امل�شاركني يف اللقاء .وميثل امللخ�ص التايل عام ًال تذكاري ًا ملن �شارك
يف فعالي����ات االجتم����اع ،وملخ�ص ًا عام ًا ملحاور النقا�����ش ملن مل ي�شارك يف هذه الفعالية.
�أوالً :اليمن والغرب� :شراكة حقيقية؟ مقاربة �شاملة من �أهم النتائج التي خرج بها اجتماع لندن يف كانون الثاين/يناير 2010 (وه����و اجتماع رفي����ع امل�ستوى دعا �إليه رئي�س ال����وزراء الربيطاين جوردن ب����راون ،ملناق�شة العدي����د من امل�ش����اكل االقت�صادية وال�سيا�سي����ة والأمنية يف اليم����ن) ،ه����و الإجم����اع الدويل ح����ول احلاج����ة �إىل «مقارب����ة �شاملة» ق����ادرة على معاجلة التحديات التي تواجه اليم����ن .وهذه املقاربة �ستُمهِّد الطريق لعملية التعامل مع املخاوف ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والأمني����ة� ،إذا ما �سع����ت وراء حتقي����ق اال�ستقرار والتنمي����ة امل�ستدامة يف اليمن .وق����د �أعربت حكومة اليم����ن عن رغبتها وا�ستعداده����ا لتبنّي هذه املنهجية ب�ش����كل كامل ،بل واتخذت خطوات �إيجابي����ة مثل قبول تو�صيات �صندوق النقد الدويل. ويظ����ل التحدي الأكرب والأه����م كامن ًا يف خلق نوع من التوازن بني املطالب ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
51
اليمن والعامل
وجهات نظر
الأمني����ة والتنمي����ة امل�ستدامة .كم����ا �أن �سرعة التحرك تع����د عام ًال مهماً، فهن����ا ي�سود �شعور ب�����أن الوقت ينفد ب�سرعة� .أي�ض���� ًا يُنظر �إىل العام 2010 على �أنه عام حا�سم لتحقيق الإ�صالحات ،وي�ؤكد الكثري من اليمنيني على احلاج����ة �إىل القيام بتغي��ي�ر �إيجابي بحل����ول �أيلول�/سبتمرب 2010عندما يب����د�أ ت�سجي����ل �أ�سماء الناخبني ا�ستعداد ًا لالنتخاب����ات التي من املقرر �أن جترى يف عام .2011 الغرب :ت�صورات وخماوف �إن الدافع وراء دعم الدول الغربية للمقاربة ال�شاملة ،هو ما تعلمه الغرب من درو�س يف العراق و�أفغان�ستان .ومبا �أن الغرب ي�أخذ هذه الدرو�س على حمم����ل اجلد ،ف�إنه يدرك �أهمية اخل�صو�صي����ة الوطنية والإقليمية لعملية الإ�صالح ،ويفهم �أن جوهر �أي منهجية �أو مقاربة غربية البد �أن تكون من منطلق تقدمي الدعم ولي�س التدخل .وهناك �إدراك �أي�ض ًا ب�أن و�ضع اليمن فري���� ٌد من نوعه ،بالنظر �إىل خ�صو�صيت����ه ،وقد يتبع املقاربة هذه �أحداث حتاول الت�أثري يف الطريقة التي تتجلى بها (تلك الأحداث). وت�ؤكد الدول الغربية ،واملانحة منها خ�صو�صاً ،على دور احلكومة اليمنية يف ت����ويل قيادة عمليات الإ�صالح .وقد حقق����ت اليمن منذ انعقاد اجتماع لن����دن يف كان����ون الثاين/يناير بع�ض التقدم امللح����وظ نحو الإ�صالح ،من خ��ل�ال تخفي�ض دع����م الوقود ،ووقف �إطالق الن����ار يف �صعدة ،ومن خالل جتدي����د التزاماتها يف اجتماع «�أ�صدق����اء اليمن» الذي انعقد بالريا�ض يف �شباط/فرباير 2010بالتن�سي����ق مع اجلهات املانحة .لكن بالرغم من �أن ال����دول الغربية تقدر ما قامت به اليم����ن� ،إال �أنها تبدي قلقها ب�ش�أن قدرة اليمن على موا�صلة التقدم واحلفاظ على الزخم يف عملية الإ�صالحات. اليمن :ت�صورات وخماوف ينظ����ر اليمني����ون �إىل الأم����ن والتنمية على �أنهم����ا ق�ضيت����ان متالزمتان، معتربين م�شاكل التنمية ال�سبب الأ�سا�سي وراء امل�شاكل الأمنية ،والداعم لبيئ����ة الإرهاب والتط����رف .ومن هذا املنظور ،ف�إن النه����ج الأمثل �سيكون الرتكيز على حل م�شاكل التنمية مثل البطالة والفقر ون�ضوب املوارد ،و�أي منه����ج �أخر يركز على الق�ضايا الأمنية – كم����ا هو احلال بالن�سبة لبع�ض ال�سيا�س����ات الغربية جتاه اليمن – ق����د يكون م�ضراً ،لأنه ي�صرف االنتباه عن الأ�سباب اجلذرية واال�سرتاتيجيات طويلة املدى لتحقيق اال�ستقرار. وتعرتف احلكوم����ة اليمنية ب�أن االلتزام بجدول الإ�صالحات وتنفيذه �أمر بال����غ الأهمية لتحقي����ق النجاح ،لكنها تعرتف �أي�ض���� ًا �أنها تعاين من �أوجه ق�ص����ور م�ؤ�س�سي����ة تعي����ق قدرتها على اال�ستف����ادة من الدع����م املقدم لها، وتنفي����ذ عملي����ة الإ�صالحات املطلوبة منه����ا .وي�شدد البع�����ض على �أهمية اتخاذ القرارات املدرو�سة ،م�شريين �إىل �أن الكثري من القرارات املُتّخذة والتو�صي����ات املُتبع����ة غالب���� ًا م����ا يُق�صد من ورائه����ا «وق����ف النزيف» دون اال�ستيعاب العميق لآثارها على املدى البعيد .فعلى �سبيل املثال ،ينبغي �أن تدر�����س بعناية الآثار طويلة الأجل املرتتبة على كل من رفع الدعم ،وقرار احلكومة الأخري برفع �أ�سعار الفائدة. 52
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�آلية جمموعة «�أ�صدقاء اليمن» يُنظ����ر �إىل �آلية جمموعة �أ�صدقاء اليم����ن باعتبارها �أداة مهمة ،ميكن �أن ت�ساع����د البلد على حتقي����ق اال�ستق����رار والتنمية .وتتوقع اليم����ن �أن تلعب جمموع����ة �أ�صدقاء اليم����ن دوراً ،من خالل دعم جه����ود احلكومة لتنفيذ تو�صي����ات �صن����دوق النقد ال����دويل ،وت�شكي����ل حكومة مركزي����ة ،والتعجيل باحل����وار الوطن����ي ،و�ضم����ان انعق����اد انتخاب����ات 2011يف بيئ����ة تت�ص����ف بالنزاهة وال�شفافية .مع ذلك ،هناك �سوء فهم �شائع يف �أو�ساط اليمنيني ب�أن����ه �ستكون هناك تعهدات بتقدمي م�ساعدات من قبل جمموعة �أ�صدقاء اليمن؛ وهذا لي�س �صحيحاً. ويف اجتماع����ات «�أ�صدق����اء اليم����ن» هن����اك ت�شدي����د مبالغ فيه عل����ى �آلية الإ�صالح����ات ولي�س على اجلوه����ر؛ فيجب الرتكيز عل����ى معاجلة امل�سائل ال�سيا�سية ال�صعبة ،خا�ص ًة و�أن اليمن -بعد املحاولة التي قام بها فاروق عب����د املطلب ليلة عي����د امليالد لتفج��ي�ر الرحلة رق����م 253التابعة ل�شركة «نورث وي�س����ت» � -أ�صبحت تلقى قدر ًا كبري ًا من االهتمام الدويل ب�صورة مل يُ�سب����ق لها مثي����ل .لكن من املهم �أي�ض ًا ترجمة ذل����ك االهتمام وحتويله �إىل فر�صة حقيقية. الإ�صالحات االقت�صادية مقابل الإ�صالحات ال�سيا�سية على الرغم من الدعم الكامل الذي تظهره الدولة و�أغلبية ال�شعب اليمني جتاه الإ�صالحات املطلوبة ،وكذلك االعرتاف باحلاجة ال�ضرورية للقيام بتل����ك الإ�صالحات� ،إال �أنه لي�س هناك �إجماع وطني حول كيفية تنفيذها، خا�ص���� ًة فيم����ا يتعلق مب����ا �إذا كانت الأولوي����ة هي للإ�صالح����ات ال�سيا�سية �أو الإ�صالح����ات االقت�صادي����ة� .إن احل����زب احلاكم والأح����زاب املعار�ضة خمتلف��ي�ن يف ه����ذا ال�ش�����أن �إذ ت�ؤك����د احلكومة عل����ى �أهمي����ة الإ�صالحات االقت�صادي����ة و�أولويتها ،بينما ت�شدد املعار�ض����ة على �أهمية و�أولوية �إجراء �إ�صالحات �سيا�سية. وبح�س����ب ما تراه املعار�ضة ،ف�����إن املخاطر الأمنية – كتل����ك التي ي�سببها تنظي����م القاع����دة والتط����رف – هي نتيج����ة له�شا�شة الدول����ة و�إخفاقها، يُنظر �إىل العام 2010ل����ذا ي�أت����ي الت�أكي����د عل����ى احلاج����ة لإ�صالح����ات انتخابي����ة ود�ستوري����ة على �أنه عام حا�سم لتحقيق الإ�صالحات ،و�إ�صالحات �سيا�سية ب�صورة عامة، واملتعلق����ة منها باحلري����ات الفردية وي�ؤكد الكثري من اليمنيني على احلاجة على وجه اخل�صو�ص .وترى املعار�ضة �أي�ض ًا �أن مثل هذه الإ�صالحات متثل �إىل القيام بتغيري �إيجابي بحلول �أيلول /حجر الزاوية يف عملية التنمية .كما ت�ؤيد فكرة الإ�صالحات االقت�صادية، �سبتمرب 2010عندما مع �أن الكثري م����ن عنا�صر املعار�ضة يبد�أ ت�سجيل �أ�سماء ي�شع����رون بالإحب����اط جت����اه انع����دام الناخبني ا�ستعداداً اال�ستقرار االقت�ص����ادي منذ ،1995 النتخابات 2011 ويطالب����ون «بر�ؤي����ة متوازن����ة» ت�شمل
الإ�صالحات االقت�صادية والإدارية معاً. �أما احلكومة ،من جهتها ،فتحر�����ص على التمييز بني الإ�صالحات املهمة وب��ي�ن الإ�صالح����ات الأهم ،معتقد ًة ب�����أن ك ًال من الإ�صالح����ات ال�سيا�سية واالقت�صادية مهمة جداً ،لك����ن الإ�صالحات االقت�صادية �أهم .وت�ستخدم قيا�س���� ًا �أو مثا ًال لهذا مب����ن يتقاتلون على منت �سفينة تغ����رق؛ فيكون �إنقاذ ال�سفينة من الغرق �أهم من وقف القتال .وال�شعب يهتم �أكرث بتوفّر فر�ص العمل وتقدمي اخلدمات العامة وتطبيق �سيادة القانون ،وما عدا هذا يعد �أولوي����ة ثانوية حتى حتقق احلكوم����ة هذه الأ�شي����اء �أوالً .وتعتقد احلكومة �أي�ض���� ًا �أن خمالفة املعار�ض����ة ،وعدم الثقة يف قراراته����ا الإ�صالحية ،هي نتيجة لغي����اب اال�ستيعاب والإدراك ال�شامل للو�ض����ع وما يتطلبه ذلك من �إجراءات. احلاجة لإجماع وطني م����ن دون تواف����ق وطني عل����ى �أجندة الإ�ص��ل�اح ال ت�ستطيع �آلي����ة «�أ�صدقاء اليم����ن» �أن متثل و�سيلة دعم فعالة .والطريق����ة الوحيدة التي ت�ساعد على التو�ص����ل �إىل ذل����ك الإجماع �أو التوافق هي من خ��ل�ال �إجراء حوار وطني ي�شم����ل كل الأط����راف ال�سيا�سي����ة واملنظمات غري احلكومي����ة وغريها من اجلهات الفاعلة .مع ذلك ،ف�إن �إجراء حوار وطني فعّال �أم ٌر لي�س �سهالً، �إذ يج����ب �أن يكون وا�ضح ًا وحمدد ًا فيما يتعلق ب�أجندته ،وامل�شاركني فيه، ومدته الزمني����ة .ومثل هذا احلوار الوطني �سي�ساع����د اليمن على حتقيق �إ�صالح����ات مهم����ة ،وت�أ�سي�س نظام ر�شي����د للحكم؛ وجمموع����ة «�أ�صدقاء اليمن» هي خري من ي�ستطيع توجيه هذه العملية.
ثاني��اً :اليم��ن ودول جمل���س التع��اون اخلليج��ي: �سيا�سة اجلوار الآمن؟ ا�ستيعاب م�صالح دول جمل�س التعاون اخلليجي غالب���� ًا ما تثور ت�س����ا�ؤالت عن الكيفية التي تنظر به����ا دول جمل�س التعاون �إىل اليم����ن ،وعما �إذا تغريت تلك النظرة خالل ال�سنوات املا�ضية القليلة يف �ض����وء العوامل الأمنية املتغرية .وبينما كان العراق و�إيران هما م�صدر املخاوف الأمنية الرئي�سي����ة للخليج يف املا�ضي� ،أ�صبحت اليمن اليوم هي من ي�شكل تهديد ًا لأمن وا�ستقرار املنطقة. وي�أ�س����ف الكثري من اليمنيني من املنظور الذي تتبناه دول جمل�س التعاون اخلليج����ي لبلده����م ،والذي يرك����ز على اجلان����ب الأمني ،وي�أمل����ون بتبني مقارب����ة �شاملة تنظ����ر �إىل الأو�ضاع الأمنية يف اليم����ن يف �ضوء امل�شكالت االجتماعي����ة احلالية الأخ����رى .فالرتكيز على عملية التنمي����ة وامل�ساعدة املالي����ة واملنهجي����ات التي تعال����ج التعليم وبن����اء القدرات ،هو م����ا �سيعود بالفائ����دة� .أي�ض���� ًا يوج����د حالي���� ًا تباي����ن كبري ب��ي�ن م�ستوى الدخ����ل وتوفر اخلدم����ات يف اليمن ودول جمل�����س التعاون ،وهو ما يج����ب �أن ُي�ؤخذ بعني االعتبار. كما يح����اول اليمنيون فهم م�صالح دول جمل�س التعاون اخلليجي احلالية
يف املنطق����ة .فف����ي املا�ض����ي ،رمبا مل يك����ن م����ن م�صلح����ة دول اخللي����ج �أن يف اجتماعات «�أ�صدقاء تك����ون اليم����ن دول����ة قوي����ة ،وكان يتم اليمن» هناك ت�شديد تق����دمي امل�ساع����دة املالي����ة والدع����م مبالغ فيه على �آلية االقت�ص����ادي من �أج����ل تثبيط عزمية الإ�صالحات ولي�س على اليمن حتى ال تطلب الدعم من بلدان اجلوهر؛ فيجب الرتكيز �أخرى وتقيم معها حتالفات .وم�س�ألة على معاجلة امل�سائل ال�سيا�سية ال�صعبة ،خا�ص ًة عم����ا �إذا ب����د�أت ه����ذه امل�صالح تتغري و�أن اليمن -بعد املحاولة وكيف ي�ؤثر ذلك يف ر�ؤية دول جمل�س التي قام بها فاروق عبد التع����اون اخلليج����ي لليمن ،م����ا زالت املطلب ليلة عيد امليالد -بحاجة �إىل فه����م �أكرث .وهناك �أي�ض ًا �أ�صبحت تلقى قدراً كبرياً ت�سا�ؤالت ع����ن موقع اليم����ن املنا�سب من االهتمام الدويل بني التجمع����ات الإقليمي����ة الفرعية؛ وه����ل ينبغ����ي النظر �إليه����ا كجزء من منطق����ة الق����رن الأفريق����ي مثلما هي جزء من منظومة جمل�س التعاون اخلليجي؟ العمالة اليمنية �إن م����ن �أخط����ر امل�شاكل التي تواجهه����ا اليمن هي ن�سب����ة البطالة العالية. ويعت��ب�ر ت�صدي����ر الأيدي العاملة اليمنية �إىل بل����دان اخلليج املجاورة ح ًال �أ�سا�سي ًا ق�صري امل����دى ،لكن موقف دول اخلليج حيال هذه امل�س�ألة ما زال غام�ضاً ،وهناك ت�سا�ؤالت حول مدى رغبتها يف قبول هذه اال�سرتاتيجية. ومن احلجج التي غالب ًا ما ت�ست�شهد بها دول اخلليج �أن العمالة اليمنية ال متتلك مهارة عالية ،ولي�ست م�ؤهلة مبا فيه الكفاية لتلبي متطلبات ال�سوق اخلليجي����ة .لكن اليمنيني يرون �أن هذا جم����رد ذريعة ،م�ستدلني بحقيقة �أن معظم الأي����دي العاملة الأجنبية يف اخلليج لي�س لديها مهارات عالية. كما �أن اليمن خ�ضع����ت ملبادرة متولها م�ؤ�س�سة «�صلتك» لتدريب 100.000 عام����ل ميني خ��ل�ال �سنة واحدة ،ومع ذلك ما زال����ت دول اخلليج مرتددة جتاه الرتحيب بالعمالة اليمنية. ولع����ل بع�����ض دول اخللي����ج – كال�سعودية – ق����د �أظهرت �أن لديه����ا �إرادة �سيا�سي����ة �إزاء ق�ضي����ة العمالة ،لك����ن ذلك مل يُرتجم بع����د �إىل خطة عمل واقعي����ة ووا�ضح����ة ،م����ع �أن بع�����ض اليمنيني يعتق����دون �أنه يق����ع على عاتق حكومته����م تطوير تلك اخلط����ط .ويف الواقع ،البد من �إع����داد �إطار عمل �سيا�س����ي من قبل كال اجلانب��ي�ن حتى يتم تطوير حلول عملية .ومن ناحية �أخرى ،يرى البع�ض �أنه ال يجب املبالغة يف خيار ت�صدير العاملة اليمنية؛ فه����و لي�س �سوى واح����د ًا من جمموع����ة اال�سرتاتيجيات الأخ����رى لتح�سني االقت�ص����اد اليمن����ي� ،إىل جانب خطط الدعم امل����ايل واال�ستثمار والتبادل التجاري. احلاجة �إىل ت�سويق الذات ب�صورة �أف�ضل ي�أ�س����ف الكث��ي�ر م����ن اليمني��ي�ن من النظ����رة اخلليجي����ة الت����ي تركز فقط عل����ى اجلان����ب الأمني يف اليم����ن ،لكن اليمني��ي�ن �أنف�سهم ق����د �أ�سهموا يف ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
53
اليمن والعامل
وجهات نظر
خل����ق هذه النظ����رة من خالل الت�أكي����د على �أن بلدهم م�ص����در خطر على ا�ستقرار املنطقة� .أي�ض ًا تلج�أ اليمن يف الغالب �إىل املنا�شدات «العاطفية»؛ كاحلديث عن الروابط امل�شرتكة مثل اللغة والدين ،بد ًال من االعتماد على املنطق الواقعي لكي تثبت �أهمية ان�ضمامها �إىل جمل�س التعاون. ب����د ًال م����ن ذلك ،يجب عل����ى اليمني��ي�ن العمل عل����ى �إبراز القيم����ة امل�ضافة الن�ضمامه����م �إىل املجل�����س ،والت�أكي����د عل����ى املحف����زات االيجابي����ة الت����ي تت�ضمن: • املوقع اال�سرتاتيجي الذي يجعل اليمن �أف�ضل خيار لت�صدير النفط؛ • املوارد املعدنية يف اليمن التي توفر فر�ص ًا اال�ستثمار؛ • �أهمي����ة اليم����ن عن����د معاجل����ة م�شكل����ة تهري����ب املخ����درات وتدفّ����ق الالجئني؛ • حقيق����ة �أن اليم����ن ه����ي ال�شري����ك التج����اري الأ�سا�س����ي ل����دول اخلليج (باعتباره����ا ت�ش����كل ال�سوق الأ�سا�سية ملا ن�سبت����ه %35من ال�صادرات غري النفطية)؛ • �إمكانية اتخاذ اليمن وجه ًة �سياحية. ومن الر�سائل الوا�ضحة التي توجهها دول جمل�س التعاون اخلليجي� ،أنها لن "تنقذ" اليمن من م�شاكلها؛ فعلى اليمنيني �أنف�سهم -لتحقيق االن�ضمام ملجل�س التعاون اخلليجي -حتمل م�سئولية حل م�شاكلهم الداخلية. �سيا�سة اجلوار يعرتف اليمنيون بالدعم املادي الكبري الذي تقدمه دول اخلليج ويقدِّ رونه، ��ل�ا ا�سرتاتيجياً .وهناك عالقات وثيقة بني لك����ن الكثريين ال يرون ذلك ح ً اليم����ن وبع�����ض دول اخلليج على امل�ستوي��ي�ن احلكوم����ي وال�شخ�صي ،فعلى اجلانب��ي�ن تعزيز تلك العالقات وتو�سيع نطاقها وتطوير �سيا�سة جوار �أكرث تنظيم ًا وهيكلي ًة (خُ ذ على �سبيل املثال �سيا�سة اجلوار بني االحتاد الأوروبي ودول حو�ض البحر الأبي�ض املتو�سط وعالقاتها الثنائية القوية). �سيا�سة اجلوار الفعّالة يجب �أن تكون وا�ضحة وعملية ،ومن �أهم خطواتها التع����رف على املناف����ع املتبادل����ة ،وتر�سيخ مفه����وم العالق����ات املبنية على 54
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
امل�صال����ح املتبادل����ة ،وه����ي العالقة التي ي����رى البع�ض �أنها يج����ب �أن تكون اله����دف الأ�سا�س����ي بني اليم����ن ودول اخلليج ب����د ًال من االندم����اج الكامل. وعل����ى اليمن �أن ت�ساهم بفعالية جتاه بن����اء الثقة يف تلك العالقة ،و�إدراك االختالفات بني هذه الدول والتكيّف وفق ًا لذلك.
ثالثاً:اليمن وال�صومال:الفجوة الوا�سعة؟ مقاربة �إقليمية هناك اتفاق متنامي جتاه احلاجة �إىل منهجية/مقاربة �إقليمية لل�صومال، واالع��ت�راف باالرتباطات والت�أثريات امل�شرتكة بني ال�صومال واليمن .وقد ب����د�أ مفهوم هذه العالقة يظهر خالل الأ�شه����ر الأخرية� ،إذ �أ�صدرت جلنة العالقات اخلارجي����ة يف جمل�س ال�شيوخ الأمريكي تقري����ر ًا بعنوان «اليمن وال�صوم����ال :قنبل����ة موقوتة تدق» ( 20كان����ون الثاين/يناير ،)2010يركز على الأدلة التي تثبت حماوالت تنظيم القاعدة لتجنيد مقيمني ومواطنني �أمريكيني يف اليمن وال�صومال. �إن فهم ال�صومال يعد �أمر ًا �ضروري ًا ي�أ�سف الكثري من لفه����م العالقة ب��ي�ن اليمن وحميطها اليمنيني من النظرة احليوي الأو�سع ،واليمن نف�سها تدرك اخلليجية التي تركز �أن ما يحدث يف ال�صومال ي�ؤثر فيها فقط على اجلانب �أي�ضاً ،وت����رى �أن اال�ستق����رار ووجود الأمني يف اليمن ،لكن دول����ة مركزي����ة قوي����ة يف ال�صوم����ال اليمنيني �أنف�سهم قد يخ����دم امل�صالح اليمني����ة والإقليمية �أ�سهموا يف خلق هذه على حد �سواء.
النظرة من خالل الت�أكيد على �أن بلدهم م�صدر خطر على ا�ستقرار املنطقة
نحو فهم �أف�ضل لل�صومال ثم����ة حاج����ة �إىل وج����ود فه����م �أعمق و�أك��ث�ر دق����ة للو�ض����ع احل����ايل املعقّد يف ال�صوم����ال ،وال����ذي يت�أث����ر بثالثة
عنا�صر �أ�سا�سية ،هي: • البني����ة القبلي����ة والع�شائري����ة :يلعب ه����ذا العامل دور ًا حموري����اً .وت�شكل البني����ة القبلية والع�شائرية بنية املجتمع ال�صوم����ايل القدمية ،والتي تبنى عليه����ا فك����رة م�شاركة ال�سلطة حالي ًا يف ال�صومال .وم����ن املهم �إعادة بناء الدولة ال�صومالية من �أ�سا�ساتها املحلية و�صو ًال �إىل امل�ستوى املركزي. • الدي����ن والأيديولوجي����ة الإ�سالمي����ة :فقد مت ت�أ�سي�س ح����ركات �إ�سالمية – ت�شم����ل احلركات ال�سلفية واجلهادية وال�صوفية والأخوان امل�سلمني – �أ�ضحت مع مرور الوقت حركات م�سلحة. • القر�صنة :غالب ًا ما يُنظَ ر �إىل هذه امل�س�ألة على �أنها م�س�ألة غري �سيا�سية، لكنها م�شكلة �أمنية تواجه ال�صومال واملنطقة واملجتمع الدويل. هن����اك �إح�سا�����س ب�أن املجتم����ع الدويل ال ي�ستوع����ب – �أو رمب����ا ال يريد �أن ي�ستوع����ب – امل�شكل����ة ال�صومالية ،وهن����اك �أي�ض ًا غياب ملح����وظ للم�س�ألة ال�صومالي����ة يف احل����وار الدويل ب�ش�����أن اليمن واملنطق����ة .ويف �ضوء الو�ضع ال�صوم����ايل الذي يزداد تعقيداً ،ف�����إن املطلوب هو التقييم اجلاد للم�شاكل القائمة يف ال�صومال. ولك����ن بالرغم من و�ضع ال�صومال ال�صع����ب� ،إال �أن هناك بع�ض اجلوانب امل�شرق����ة الت����ي ت�سرتعي االنتب����اه ،ومنها ق����درة احلكوم����ة االنتقالية على �إقام����ة الأم����ن يف البالد ،وجن����اح وا�ستقرار كل من "بون����ت الند" و"�أر�ض ال�صومال" ،وازدهار القطاع اخلا�ص الذي يدير حالي ًا املن�ش�آت احلكومية وم�ؤ�س�سات القطاع العام كاالت�صاالت والتعليم والتجارة واملطارات .وطاملا اعتن����ت الدولة بالأم����ن والعالقات اخلارجية والق�ض����اء وحل ال�صراعات، ف�����إن القط����اع اخلا�ص قادر على توف��ي�ر باقي اخلدمات ،لك����ن ال�س�ؤال هو عما �إذا كان من م�صلحة القطاع اخلا�ص الآن الإبقاء على قدرة حمدودة للدولة. العالقات اليمنية -ال�صومالية واملجتمع الدويل يج����ب بناء العالقات اليمني����ة -ال�صومالية على �أ�سا�����س روابط �إيجابية، واجلهود امل�شرتكة ملعاجلة الإ�ش����كاالت القائمة .ومع �أن العالقة قد تحُ مِّل اليمن عبئ ًا كبري ًا نتيجة لتدفق الالجئني واملخاطر الأمنية املحتملة� ،إال �أن ه����ذه امل�شاكل م�ؤقتة وينبغي وجود وحدات خا�صة تعمل مع بع�ضها ملعاجلة هذه الق�ضايا. ويجب على اليمن امل�شارك����ة بفعالية �أكرب يف حل امل�شاكل ال�صومالية ،من خالل ا�ستخدام عالقاتها التاريخية مع القبائل ال�صومالية للم�ساعدة يف �إنه����اء ال�صراعات ب��ي�ن القبائل والأحزاب ال�صومالي����ة .واحلال �أن هناك عالق����ات را�سخة ب��ي�ن البلدين ،وتقول بع�ض القبائ����ل ال�صومالية �أنها من �أ�صول مينية. ع��ل�اوة على ذلك ،ينبغي على املجتمع ال����دويل امل�شاركة مع اليمن يف هذه امل�س�أل����ة ،ودعمه����ا ملعاجلة امل�ش����اكل القائمة يف ال�صوم����ال .فعلى املجتمع ال����دويل – مب����ا يف ذل����ك اليمن – معاجل����ة الأ�سب����اب الرئي�سي����ة للأزمة ال�صومالي����ة ،والعمل على �إقامة دولة �شرعية ،وتوفري الدعم املايل الالزم للجهات الفاعلة يف الدولة والتي تقود احلرب �ضد القر�صنة.
الأمن والهجرة ت����رى اليم����ن ال�صوم����ال عل����ى �أنه����ا فهم ال�صومال يعد �أمراً م�ص����در لع����دم اال�ستق����رار وتهدي����د �ضرورياً لفهم العالقة �أمن����ي ،يف ظل ال�ضغط ال����ذي ي�سببه بني اليمن وحميطها الالجئ����ون ال�صوماليون عل����ى البنية احليوي الأو�سع ،واليمن التحتي����ة وتق����دمي اخلدم����ات العامة، نف�سها تدرك �أن ما يحدث وكذلك العالقات املزعومة بني حركة يف ال�صومال ي�ؤثر فيها ال�شباب ال�صومالية وتنظيم القاعدة. �أي�ضاً ،وترى �أن اال�ستقرار وم����ع وجود اقت�ص����اد متده����ور ،ت�ؤكد ووجود دولة مركزية قوية �ضغ����وط �أع����داد الالجئ��ي�ن املتزايدة يف ال�صومال يخدم امل�صالح مدى �صعوبة التحدي����ات االجتماعية اليمنية والإقليمية على واالقت�صادية التي تواجه اليمن .لكن الت�أثري املحدد الذي ي�سببه الالجئون حد �سواء عل����ى البني����ة ال�سيا�سي����ة اليمني����ة، واحتمال ن�شوب �صراع ميني – �صومايل ،ما زاال غري وا�ضحني املعامل. ويب����دو �أن املخاط����ر الأمني����ة من قب����ل ال�صوماليني فيما يتعل����ق بالأن�شطة الإرهابي����ة ه����ي �أم ٌر مبال����غ فيه كث��ي�راً .فبالرغم م����ن �أن حرك����ة ال�شباب وتنظي����م القاعدة �أعلنا عزمهما على التع����اون ،ف�إن طبيعة العالقة بينهما لي�س����ت معروفة ،ولي�س لدى حركة ال�شباب الكثري لتقدمه� ،إذ �أن ما حتتاج ل����ه القاعدة يف اليمن هو العم����ق الأيديولوجي والعق����ول املدبرة لعملياتها والتمويل ،وهي الأ�شياء التي قد خ�سرتها القاعدة نتيجة للعمليات الأخرية الت����ي قامت بها احلكومة اليمنية يف �إطار حربها �ضد «تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب». خليج عدن :عامل لعدم اال�ستقرار؟ ميك����ن النظ����ر �إىل خليج عدن عل����ى �أنه عام ٌل من عوامل ع����دم اال�ستقرار يف املنطق����ة ،نظر ًا لتجارة ال�س��ل�اح والتهريب والهجرة الغري �شرعية .ومع �أن الهج����رة غري ال�شرعية منطٌ قدمي لكنه����ا ت�ضاعفت ثالث مرات خالل ال�سن����وات القليلة املا�ضية ،فم����ا زال عدد الأثيوبي��ي�ن القادمني �إىل اليمن ي����زداد ب�شكل كبري جداً .وهذا النمط من الهجرة يُحمِّل البنية التحتية يف اليمن الكثري من الأعباء. �إن اليمن تقوم باتخاذ خطوات للحد من جتارة ال�سالح ،لكن ال�س�ؤال هو: ما هي امل�ساعدة الإ�ضافية التي ي�ستطيع املجتمع الدويل تقدميها؟ فال بد م����ن وجود التن�سيق امل�ش��ت�رك والتعاون بني اليم����ن ودول اخلليج واملجتمع ال����دويل ملعاجل����ة امل�شاكل القائم����ة� ،إذ �أن اجلهود اليمني����ة ما زالت � -إىل ح����د كبري -منف����ردة .كما �أن عمليت����ي القر�صنة والإره����اب هما من �أهم الق�ضاي����ا التي تُق ِل����ق املجتمع ال����دويل وال�شعب ال�صوم����ايل ،والعالقة بني عملي����ات التهري����ب والقر�صن����ة والإرهاب ه����ي نتيجة للأزم����ة ال�صومالية احلالي����ة .وعلى املجتمع الدويل تخفيف �شدة هذه الظاهرة �أو احلد منها، وهناك الكثري من املبالغ املالية تُنفق على عمليات حماربة القر�صنة؛ و�إذا ما مت تخ�صي�ص جزء �صغري من هذه املبالغ لل�شعب ال�صومايل ف�سيك�سب م�ساعدتهم حلل امل�شكلة من جذورها. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
55
اليمن والعامل حتليالت
فـي 60يومـا
وجهات نظر
عني على اليمن
للجه���ود التي تبذلها احلكومة اليمنية يف مكافحة الإرهاب ،باعتبار �أن ما يحدث يف اليمن ي�شكل خطر ًا على الأمن الإقليمي والدويل.
تفاعالت اليمن والعامل فـي
60
يوم ًا
�شهرا كانون الثاين/يناير � -شباط/فرباير 2010 كانون الثاين/يناير 2010
� 1أعل���ن الرئي����س الأمريكي باراك �أوباما يف حديث���ه الأ�سبوعي الذي بث ع�ب�ر االنرتنت والراديو ،عن عزم بالده موا�صلة تقوية وتعزيز تعاونها مع اليمن خ�ل�ال الفرتة املقبلة ،خا�صة يف املج���ال الأمني ومكافحة الإرهاب والقر�صنة. 2الرئي����س علي عبداهلل �صالح ي�ستقبل قائ���د القوات املركزية الأمريكية اجل�ن�رال ديفيد بيرتيو�س والوفد املرافق له ،الذي نقل ر�سالة من الرئي�س الأمريك���ي ب���اراك �أوبام���ا تتعل���ق بالعالق���ات الثنائية وجم���االت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدين ،ومنها التعاون يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب والقر�صنة. 2التق���ى وزي���ر الداخلية مطهر امل�ص���ري ،ال�سف�ي�ر الباك�ستاين ب�صنعاء �سي���د خواجا القاما .ج���رى يف اللقاء بحث العالق���ات الثنائية ،وجماالت التع���اون الأمني بني البلدين ،وخا�صة يف جمال الت�أهيل والتدريب ،وتبادل اخل�ب�رات الأمني���ة .كما بحث اجلانب���ان �إمكانية زي���ادة التن�سيق الأمني، وتب���ادل املعلومات الأمنية بني اليمن وباك�ستان حول الق�ضايا الأمنية ذات االهتمام امل�شرتك ،ويف مقدمتها مكافحة الإرهاب. 3الرئي�س علي عبداهلل �صالح يتلقى ات�صا ًال هاتفي ًا من الرئي�س ال�صومايل �شري���ف �شيخ �أحمد ،اطلع خالله على تطورات الأو�ضاع يف ال�صومال ،كما ج���رى بحث العالقات الثنائي���ة .وقد عبرّ الرئي�س ال�صوم���ايل عن �إدانته وا�ستنكاره ال�شديد ملا �أدلت به بع�ض قيادات حركة “ال�شباب املجاهدين” م���ن تهديدات غ�ي�ر م�س�ؤولة لإر�سال عنا�ص���ر �إرهابي���ة �صومالية مل�ساندة عنا�صر تنظيم القاعدة يف اليمن. 56
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
4ك�شف���ت الأمان���ة العام���ة ملجل����س التع���اون ل���دول اخللي���ج العربية عن تخ�صي����ص 3.2مليار دوالر �أمريكي� ،أي ما يعادل 90باملائة من التعهدات املخ�ص�ص���ة لتمويل م�شاريع املالي���ة لدول املجل����س وال�صنادي���ق الإقليمية ّ خطة التنمية الثالثة يف اليمن .2010 - 2006 4قدمت املفو�ضية الأوربية 17مليون يورو لدعم الأمن الغذائي يف اليمن لي�صل �إجمايل ما قدمته من دعم لهذا القطاع خالل العام املا�ضي 2009 �إىل 48.3مليون يورو. 4ال�شيخ حمد بن خليفة �آل ثاين �أمري دولة قطر يت�سلم ر�سالة خطية من الرئي�س عل���ي عبداهلل �صالح تتعلق بالعالق���ات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك و�آف���اق تعزيزها� ،إ�ضافة �إىل تط���ورات الأو�ضاع وامل�ستجدات يف املنطق���ة .وقام بت�سليم الر�سالة وزير اخلارجي���ة الدكتور �أبو بكر القربي، خالل ا�ستقبال �أمري قطر له يف الدوحة. 4ا�ستقب���ل الرئي����س علي عب���داهلل �صال���ح ،الأمري خالد ب���ن �سلطان بن عبدالعزي���ز م�ساعد وزير الدفاع والطريان واملفت�ش العام ،والأمري حممد بن نايف بن عبدالعزيز م�ساعد وزير الداخلية باململكة العربية ال�سعودية. وج���رى خ�ل�ال املقابلة بح���ث جوان���ب العالق���ات والتع���اون امل�شرتك بني البلدين ،ومنها التعاون يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب. � 4أعربت وزيرة اخلارجية الأمريكية هيالري كلنتون عن تقدير الواليات املتح���دة الأمريكي���ة لليمن جلهوده���ا الأخرية الت���ي �شنتها �ض���د عنا�صر القاع���دة وتفكي���ك خالياها .وجددت كلينتون يف امل�ؤمت���ر ال�صحفي الذي عقدته م���ع رئي�س الوزراء القطري التزام الواليات املتحدة بتقدمي الدعم
4بح���ث وزي���ر الدفاع حمم���د نا�صر �أحمد ،م���ع �سفري جمهوري���ة فرن�سا ب�صنع���اء جوزيف �سيلفا� ،أوج���ه التعاون بني البلدي���ن وخا�صة التعاون يف املج���ال الع�سك���ري والأمن���ي ومكافح���ة الإره���اب والقر�صنة .كم���ا ناق�ش اجلانب���ان �إمكانية فتح دورات تدريبية يف جمال مكافحة الإرهاب للقوات اخلا�ص���ة وخفر ال�سواح���ل والقوات البحري���ة اليمني���ة ،وا�ستكمال برامج التدريب يف جمال االت�صاالت وتبادل املعلومات. 5ج���رى ات�صال هاتفي بني الرئي�س علي عب���داهلل �صالح ورئي�س الوزراء الربيط���اين جوردن براون ،ج���رى خالله بحث التح�ض�ي�رات والآلية التي �سينعق���د بها م�ؤمت���ر لندن لدعم اليم���ن ،وتن�سيق جه���ود البلدين يف هذا املجال ومبا يكفل جناح امل�ؤمتر واخلروج منه بالنتائج املن�شودة. � 6أق���ر البنك الدويل ،ممث ًال بهيئ���ة التنمية الدولية ،رف���ع �سقف الدعم ال�سن���وي لليمن �إىل 200ملي���ون دوالر مقارنة ب�سقف الدعم ال�سابق البالغ 120مليون دوالر وبزيادة ت�صل �إىل 80مليون دوالر ،بح�سب ما �أعلن مدير مكتب البنك الدويل ب�صنعاء بن�سون �أتنج. � 8أعلنت اجلمهوريّ���ة الإيطاليّة عزمها التقدم مبقرتح لإن�شاء «جمموعة م���ن الدول ال�صديقة لليمن» من �أجل تعزي���ز التعاون فيما بني هذه الدول واجلمهوري���ة اليمنية ،وم�ساندة جهود اليمن للتغل���ب على التحديات التي يواجهه���ا ورفع قدرات���ه يف املجال الأمني ،وذكر املتح���دث الر�سمي با�سم اخلارجية الإيطالية ماوريت�سو م�ساري �أن وزير اخلارجية الإيطايل فرانكو فراتيني �سيطرح هذا االقرتاح ر�سمي ًا على نظرائه يف االحتاد الأوروبي يف م�ؤمتر لندن الذي �سيعقد يف نهاية �شهر كانون الثاين/يناير .2010 � 8أكدت الواليات املتحدة الأمريكية احرتامها الكامل ل�سيادة اجلمهورية اليمنية ،وقال املتحدث با�سم وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون يف م�ؤمتر �صحفي �إن «اليمن بلد ذات �سيادة ,ونحن نحرتم هذه ال�سيادة» ،و�أ�ضاف: «�إن تعاونن���ا مع اليمن يف مكافحة الإره���اب يقت�صر على تبادل املعلومات اال�ستخباراتي���ة والتدريب ,مل�ساعدة اليمن على حمارب���ة �إرهابيّ القاعدة الذي���ن يعتقد �أنهم دعموا حماولة تفجري طائ���رة مدنية �أمريكية يوم عيد امليالد». 9الرئي����س علي عب���داهلل �صالح ي�ستقب���ل عثمان �صالح وزي���ر اخلارجية الإري�ت�ري والوفد الرافق له ،ال���ذي نقل له ر�سالة م���ن الرئي�س �أ�سيا�سي �أفورقي رئي�س دولة �إريرتيا ،تتعلق بالعالقات الثنائية و�سبل تعزيزها. 9نف���ى قائ���د �أركان اجلي����ش الأمريك���ي اجل�ن�رال ماي���كل م���والن �صحة م���ا تناول���ه بع�ض و�سائل الإع�ل�ام من �أنباء تزعم فيه���ا وجود خطط لدى الواليات املتحدة للتدخل ع�سكري ًا وب�شكل مبا�شر يف اليمن ملواجهة تنظيم القاع���دة ،ونقل���ت قناة �س���ي �إن �إن الأمريكي���ة عن اجلرنال م���والن قوله:
«الوالي���ات املتح���دة لي�س لديها �أي خطط للتدخل الع�سكري يف اليمن ب�شكل مبا�شر �ضد تنظيم القاعدة» .و�أ�ضاف «هذا اخليار غري مطروح». � 10أعلن���ت الوالي���ات املتح���دة الأمريكي���ة عزمه���ا م�ضاعف���ة حج���م امل�ساعدات التنموية والأمني���ة املقدمة لليمن، ونقل���ت قن���اة �س���ي �إن �إن الإخبارية عن قائ���د القيادة املركزي���ة الأمريكية اجلرنال ديفيد برتيو�س ،قول���ه�«:إن الواليات املتحدة تن���وي م�ضاعف���ة حجم م�ساعداته���ا لليمن ،من 70ملي���ون دوالر �إىل �أكرث م���ن 150ملي���ون دوالر» .ولف���ت برتيو�س �إىل �أن �أم�ي�ركا �ستوفر املزيد من امل�ساع���دات االقت�صادي���ة لليم���ن ،مل�ساع���دة احلكومة يف ترجم���ة �أهداف خط���ط التنمي���ة وكذا زي���ادة امل�ساع���دات الأمنية لتعزيز ق���درات القوات اليمنية يف الت�صدي للعنا�صر الإرهابية لتنظيم القاعدة. 11الرئي�س علي عبداهلل �صالح ي�ستقبل جودوفي�شر فيليه وزير اخلارجية بجمهوري���ة �أملانيا االحتادية ،وجرى خالل املقابلة بحث العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدين ومنها التعاون يف املجال التنموي ومكافحة الإرهاب والقر�صنة البحرية. 12التق���ى وزير الداخلي���ة مطهر امل�ص���ري الأمني الع���ام ملجل�س وزراء الداخلية العرب الدكت���ور حممد بن علي كومان الذي يزور اليمن ،وجرى خ�ل�ال اللقاء بحث عدد من الق�ضايا الأمني���ة وجملة التدابري واملعاجلات الت���ي �أتخذه���ا جمل����س وزراء الداخلية العرب يف اجتماع���ه ال�سابق حيال ع���دد من الق�ضايا الأمنية املتمثلة بق�ضاي���ا املخدرات واجلرمية املنظمة، وك���ذا ال�شوط الذي قطع يف هذا املجال ,بالإ�ضاف���ة �إىل مناق�شة عدد من املقرتح���ات والأعمال الإداري���ة والتنفيذية املتعلقة بعم���ل املجل�س وهيئاته املختلفة. 13اعتمد جمل�س �إدارة هيئة التقيي�س لدول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربي���ة ان�ضم���ام اليمن ر�سمي��� ًا �إىل الهيئة اعتبار ًا م���ن 1كانون الثاين/ يناير .2010 19تركزت املباحثات بني وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي ونظريه الكن���دي لوران�س كانون التي عق���دت بالعا�صمة الكندية �أوت���اوا على �آفاق تنمية وتعزيز عالقات التعاون الثنائي بني البلدين. 19ا�ستقب���ل م�ست�شار الأم���ن القومي الأمريكي اجل�ن�رال جيم�س جونز وزي���ر اخلارجي���ة الدكت���ور �أبوبك���ر القرب���ي والوف���د املرافق ل���ه يف البيت الأبي�ض بالعا�صمة الأمريكية وا�شنطن ،وبحث اجلانبان العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدي���ن ،ومنها التعاون يف املجال الأمني ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
57
اليمن والعامل
فـي 60يومـا
ومكافحة الإره���اب والقر�صنة .على ذات ال�صعيد ،التقى وزير اخلارجية واملوفد املرافق له ال�سيد ليون بانيتا مدير الوكالة املركزية لال�ستخبارات الأمريكي���ة يف مبن���ى الوكال���ة بوا�شنطن .كم���ا التقى الدكت���ور القربي يف مبن���ى وزارة العدل الأمريكية بوا�شنط���ن ،ال�سيد �إيرك هولدر وزير العدل الأمريك���ي ،حي���ث جرى خ�ل�ال اللق���اء بحث جوان���ب العالق���ات الثنائية وجماالت التعاون الق�ضائي بني اليمن والواليات املتحدة ،وناق�ش الطرفان م�س�ألة �إطالق �سراح املعتقلني اليمنيني يف قاعدة غوانتانامو وباجرام. 22بح���ث وزير اخلارجية الدكتور �أبوبك���ر القربي ،مع وزيرة اخلارجية الأمريكي���ة هي�ل�اري كلينت���ون يف وا�شنط���ن ،يف جل�سة مباحث���ات ر�سمية العالق���ات الثنائية بني اجلمهوري���ة اليمنية والوالي���ات املتحدة الأمريكية و�سبل تعزيزها. 23ت�س ّل���م اليم���ن مبق���ر الأمم املتح���دة يف نيوي���ورك الرئا�س���ة الدورية ملجموع���ة الـ 77وال�صني بح�ضور �أمني عام املنظمة الدولية ال�سيد بان كي مون ورئي�س الربنامج الإمنائي للأمم املتحدة ال�سيدة هيلني كالرك وعدد من قيادات برامج الأمم املتحدة و�سفراء الدول االع�ضاء. 23الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل وزير اخلارجية امل�صري �أحمد �أب���و الغيط ورئي�س املخابرات العامة امل�صري���ة عمر �سليمان ،اللذين نقال ل���ه ر�سالة م���ن الرئي�س حممد ح�سن���ي مبارك ،تتعل���ق بالعالقات الأخوية وجم���االت التع���اون امل�شرتك ب�ي�ن البلدي���ن ،بالإ�ضاف���ة �إىل التح�ضريات اخلا�صة باجتماع لندن. 23التقى وزير الداخلية مطهر امل�صري �ساميون كاردينال مدير �شركة «�أي �إ����س �أي �إ����س ج���روب» الإيطالي���ة ،والت���ي متار�س ن�شاطه���ا يف جمال الأمن البحري وتعم���ل يف املياه الدولية ملرافقة ال�سفن التجارية .جرى يف اللقاء بحث التعاون يف جم���ال الأمن البحري بني م�صلحة خفر ال�سواحل وال�شرك���ة� ،إ�ضاف���ة �إىل تبادل املعلوم���ات حول القرا�صن���ة يف بحر العرب واملحيط الهندي. 24قال���ت املمثلة العليا لل�ش�ؤون اخلارجية و�سيا�سات الأمن ،نائبة رئي�س االحتاد الأوروبي ،البارونة كاثرين �أ�شنت� ،أن االحتاد يدر�س اقرتاح ًا برفع م�ساعدات���ه التنموية لليمن مبقدار الثلث للفرتة .2013 - 2011و�أو�ضحت �أن ه���ذا الدعم �سي�ض���اف �إىل مبلغ 11مليون ي���ورو مت تخ�صي�صها �ضمن برنام���ج الدعم املقدم من املفو�ضية الأوربية �إىل قطاعي ال�شرطة وعدالة الأحداث خالل ال�سنتني املا�ضيتني. 25وقعت وزارة التخطيط والتعاون الدويل وال�صندوق ال�سعودي للتنمية يف الريا����ض ،حم�ضر اتفاق امل�س���ودات النهائية مل�شاري���ع اتفاقيات متويل ع���دد من امل�شاريع التنموي���ة واخلدمية يف اليمن بتكلف���ة 90مليون دوالر, والت���ي من املقرر التوقي���ع النهائي عليها خالل اجتماع���ات الدورة املقبلة 58
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ملجل�س التن�سيق اليمني ال�سعودي. 26عق���د مببن���ى منظمة التج���ارة العاملي���ة مبدينة جني���ف ال�سوي�سرية االجتم���اع ال�سابع لفري���ق العمل اخلا�ص بان�ضمام اليم���ن ملنظمة التجارة العاملي���ة ،واطلع فريق التفاو�ض اليمني برئا�س���ة وزير ال�صناعة والتجارة رئي����س اللجن���ة الوطنية للإع���داد والتفاو�ض مع منظمة التج���ارة العاملية الدكت���ور يحي���ى املتوكل رئي�س جمموع���ة العمل ووفود ال���دول الأع�ضاء يف املنظم���ة على الإج���راءات املتخذة للت�سريع بعملي���ة االن�ضمام ،والرد على الت�س���ا�ؤالت املطروحة من الأع�ضاء ،و�سري املفاو�ض���ات الثنائية مع الدول الراغبة يف التفاو�ض. 27عقد يف العا�صمة الربيطانية لندن ،اجتماع خا�ص ب�شركاء و�أ�صدقاء اليم���ن ،به���دف ح�شد الدع���م الدويل لليم���ن مل�ساندة جه���وده على �صعيد التنمية والإ�صالحات وتعزيز قدراته يف مكافحة الإرهاب ,مب�شاركة وزراء ميثلون �أكرث من ع�شري���ن دولة عربية و�أجنبية ويف املقدمة وزراء خارجية الوالي���ات املتحدة الأمريكي���ة ور�سيا االحتادية وعدد م���ن الدول الأوروبية ودول جمل����س التع���اون اخلليجي وم�ص���ر والأردن وتركي���ا ،بح�ضور رئي�س جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جمور. 28الرئي����س علي عبداهلل �صالح ي�ستقبل ع�ض���و اللجنة املركزية حلركة فتح املفو�ض العام للعالقات اخلارجية عبا�س زكي. 31التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي ب�صنعاء ال�سفري دانييل بنجام�ي�ن من�سق �ش����ؤون مكافحة الأره���اب بوزارة اخلارجي���ة الأمريكية. تن���اول اللق���اء العالقات بني البلدي���ن و�آفاق التع���اون امل�ستقبلي والرتتيب للإجتماعات الالحقة الجتماع لندن ،مبا ي�ضمن جناحها يف حتقيق نتائج اجتماع لندن لدعم اليمن.
�شباط/فرباير 2010 2اتفق���ت اليمن وكل من برنامج الأمم املتحدة للبيئة «اليونيب» ومنظمة الأمم املتحدة للتنمية ال�صناعية «اليونيدو» ،على ال�شروع يف �إعداد اخلطة الوطنية لإزالة مركبات الهيدروكلورية فلورية امل�ستنفدة للأوزون ،وحتديد خط الأ�سا����س لعامي 2009و 2010الذي �سيتعني على �ضوئه جتميد حجم ما ت�ستهلكه البالد من هذا املواد بحلول عام .2013جاء ذلك على هام�ش اجتماع���ات املائدة امل�ستديرة لتطوير خطط �إزالة مركبات الهيدروكلورية فلوري���ة ،يف بلدان �إقليم غ���رب �آ�سيا ،الذي عقد م�ؤخ���ر ًا يف مقر اليونيدو بالعا�صمة النم�ساوية فيينا. 2الرئي����س علي عبداهلل �صال���ح ي�ستقبل وزير الدول���ة لل�ش�ؤون اخلارجية الربيط���اين �إيفان لوي����س ،وجرى خ�ل�ال املقابلة بحث جوان���ب العالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها ،بالإ�ضافة
�إىل بحث نتائج اجتماعات لندن لدعم اليمن والرتتيبات اخلا�صة بانعقاد م�ؤمت���ر املانح�ي�ن لليمن يف الـ 22م���ن �شباط/فرباي���ر 2010يف الريا�ض، وكذا �آلية عمل جمموعة �أ�صدقاء اليمن.
وجوان���ب الت�أهي���ل والتدري���ب التقني والفن���ي خلفر ال�سواحل اليمنية.
5وق���ع بالعا�صم���ة اجليبوتية على مذك���رة تفاهم لإن�ش���اء �شركة مالحة بحري���ة بني اليمن وجيبوتي .وقع املذكرة وكي���ل وزارة النقل رئي�س اللجنة الفني���ة اليمني���ة على ال�صبح���ي ،وعن اجلانب اجليبوت���ي ممثل احلكومة اجليبوتي���ة لل�ش����ؤون املدنية رئي�س اللجنة الفني���ة اجليبوتية حممد يو�سف �شار ماركي.
10وقعت وزارة النفط واملعادن مع �شركة توتال لال�ستك�شاف والإنتاج الفرن�سية على مذكرة تفاهم ،لال�ستك�شاف يف القطاع اال�ستك�شايف رق��م 85مبنطقة �شمال العقلة حمافظة �شبوة ،تنفق مبوجبه ال�شركة 32مليون دوالر.
5عبرّ ت اجلمهورية اليمني���ة عن قلق دول جمموعة الـ 77وال�صني البالغ من الآث���ار املدمرة للأزم���ة املالي���ة واالقت�صادية العاملي���ة و�أزمتي الغذاء والطاقة وانع���دام الأمن الغذائي وتدهور املناخ و�ش���ح املوارد على حتقيق الأه���داف امل�شرتكة للدول النامية يف مي���دان التنمية االجتماعية وحتقيق االدم���اج االجتماعي الأمث���ل ملكافحة الفقر والبطالة .ج���اء ذلك يف كلمة اليم���ن الت���ي تر�أ�س جمموعة ال���ـ 77وال�ص�ي�ن التي �ألقاها من���دوب اليمن الدائ���م ل���دى الأمم املتح���دة ال�سفري حمم���د ال�صايدي رئي����س املجموعة يف افتت���اح �أعمال الدورة ال���ـ 48للجنة التنمية االجتماعي���ة التابعة للأمم املتح���دة املنعقدة خ�ل�ال الفرتة م���ن � 12 - 3شباط/فرباير مبقر املنظمة الدولية بنيويورك. 8ناق����ش وزير الرثوة ال�سمكية حممد �شمالن ،م���ع فريق �إعداد امل�شاريع امل�ستقبلية للقطاع ال�سمكي التابع لالحتاد الأروبي برئا�سة جاري موغان، امل�شاريع التي �سيموله���ا االحتاد الأوروبي يف قطاع اال�سماك خالل الفرتة املقبل���ة ،وحدد االجتماع امل�شاريع امل�ستقبلي���ة يف قطاع الأ�سماك يف جمال دع���م مركز املعلوم���ات ال�سمكي���ة وتنمية املجتمع���ات املحلي���ة لل�صيادين ودرا�س���ة املخ���زون ال�سمك���ي �إ�ضاف���ة �إىل دع���م وت�أهيل القط���اع اخلا�ص العاملني يف املجال ال�سمكي. 8التق���ى وزير ال�صناعة والتج���ارة -رئي�س جمل����س �إدارة الهيئة اليمنية للموا�صفات واملقايي�س -الدكتور يحيى املتوكل ب�صنعاء وفد هيئة التقيي�س لدول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية الذي يزور اليمن برئا�سة �أمني ع���ام الهيئة الدكتور �أنور العبداهلل .جرى خالل اللقاء بحث �آليات تن�سيق ال�سيا�س���ات و�أطر التعاون امل�ستقبلي يف �ض���وء ان�ضمام اليمن ممثلة بهيئة املوا�صف���ات ر�سمي ًا لع�ضوي���ة هيئة التقيي����س اخلليجي���ة ،والأولويات التي �سيتم الرتكيز عليها يف هذا اجلانب. 8غادرت مين���اء عدن �سفينة الدعم امل�ش�ت�رك الع�سكرية ال�صينية �شان دوج���و يف خت���ام زيارتها الودي���ة للميناء ا�ستغرق���ت يوم�ي�ن ،وت�أتي زيارة ال�سفين���ة ال�صينية يف �إطار عالق���ات التعاون الثنائي���ة يف جمال مكافحة الإره���اب و�أعم���ال القر�صن���ة البحري���ة وت�أمني املم���رات املائي���ة الدولية
12رحبت رو�سي���ا االحتادية بالقرار الذي �أ�صدره الرئي�س علي عبداهلل �صال���ح والقا�ضي بوقف العمليات الع�سكرية يف املنطقة ال�شمالية الغربية. جاء ذلك يف بيان �أ�صدرته وزارة اخلارجية الرو�سية. 13رحبت الواليات املتحدة الأمريكية بقرار وقف العمليات الع�سكرية يف املنطق���ة ال�شمالية الغربية يف اليمن .ج���اء ذلك على ل�سان متحدث با�سم وزارة اخلارجي���ة الأمريكي���ة ،وعرب املتحدث الأمريكي ع���ن �أمل الواليات املتح���دة يف جناح اجلهود املبذولة لإحالل ال�س�ل�ام والأمن و�إعادة اعمار املناط���ق املت�ضررة ومبا م���ن �ش�أنه و�ضع حلول نهائي���ة جلوالت املواجهات املتج���ددة ،و�أبدى امل�س����ؤول الأمريكي حر�ص بالده عل���ى الإ�سهام يف دعم اجلهود الإن�سانية لإيواء ورعاية النازحني. 13د�شّ ���ن نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش����ؤون االقت�صادية وزي���ر التخطيط والتع���اون الدويل عبدالكرمي الأرحبي ب�صنع���اء ،برنامج دعم قطاع املياه يف اليم���ن البال���غ تكلفته 340ملي���ون دوالر واملمول م���ن احلكومة اليمنية والبنك الدويل و�أملانيا وهولندا ،والذي ي�ستمر خم�س �سنوات. 14ناق�ش وزير الرثوة ال�سمكية حممد �شمالن ،مع بعثة ت�صميم امل�شاريع بال�صندوق الدويل للتنمية الزراعية (�إيفاد) برئا�سة ليون ويليام امل�شاريع ال�سمكي���ة التي �سينفذها ال�صندوق يف اليمن خ�ل�ال الفرتة املقبلة بتكلفة تتجاوز 15مليون دوالر. 14ناق����ش وزي���ر الزراعة وال���ري الدكت���ور من�صور احلو�شب���ي مع بعثة جمموع���ة املانحني الداعمني لربنامج دعم قط���اع املياه يف اليمن برئا�سة بي ريند ،الق�ضاي���ا املتعلقة بالبدء الفعلي لأن�شط���ة الربنامج فيما يخ�ص (الربنام���ج الوطني للري) ،وبح���ث اللقاء م�ساهم���ة احلكومة اليمنية يف �إط���ار برنامج دعم قطاع املياه والتي تقدر ب���ـ 40باملائة من �إجمايل تكلفة الربنامج البالغ���ة 340مليون دوالر ،والذي ي�أتي كمنحة ت�ساهم يف متويله هولندا و�أملانيا والبنك الدويل. 15عق���د يف �صنع���اء اجتم���اع بني احلكوم���ة اليمنية وجمتم���ع املانحني ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
59
اليمن والعامل
فـي 60يومـا
برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون ال���دويل عبدالكرمي الأرحبي ،كر�س ملتابعة تنفيذ ما اتفق عليه يف اجتماع لن���دن الأخري املكر����س لدعم اليمن يف مواجهة التحدي���ات التى تواجهها. وناق����ش االجتماع ال���ذي ح�ضره كافة �سف���راء وممثلي ال���دول واملنظمات الإقليمية والدولي���ة املانحة لليمن التح�ض�ي�رات اجلارية اخلا�صة مب�ؤمتر املانحني لليمن املقرر انعقادة يف العا�صمة ال�سعودية الريا�ض نهاية ال�شهر واملنبثق عن النتائج التى خل�ص �إليها االجتماع املو�سع للدول املانحة الذي انعق���د م�ؤخ���ر ًا يف العا�صمة الربيطاني���ة لندن مب�شاركة م���ا يزيد عن 22 دولة.
ال���دول العربية والأفريقي���ة وا�ستعر�ض خالل اللق���اء ،نتائج اجتماع لندن على امل�ستوي�ي�ن ال�سيا�سي والتنموي ،الهادف �إىل دع���م اليمن وم�ساعدته ملواجهة التهديد ال���ذي ميثله احلرب على الإرهاب ،وقد �أعرب عن ت�أكيد اليمن لتعهداتها يف حربها على الإرهاب والتطرف اللذين ميثالن تهديد ًا مبا�ش���ر ًا لأم���ن اليم���ن واملنطق���ة ،و�أ�ش���ار �إىل �أن االجتم���اع املزمع عقده بالريا�ض خالل الفرتة � 28- 27شباط/فرباير �سيتم خالله بحث الأ�سباب التي �أدت �إىل �إعاقة ا�ستفادة اليمن من االلتزامات التي مت اقرارها خالل م�ؤمت���ر املانحني عام 2006والإع���دادات اجلارية لعقد اجتم���اع �أ�صدقاء اليمن.
� 16أعل���ن وزي���ر اخلارجية ال�سعودي الأمري �سع���ود الفي�صل عن ترحيب بالده بقرار احلكومة اليمنية وقف �إطالق النار يف �شمال اليمن.
20التق���ى وزي���ر اخلارجي���ة الدكت���ور �أبوبك���ر القربي ب�صنع���اء �سفراء االحت���اد الأوروب���ي ،وا�ستعر����ض خ�ل�ال اللقاء نتائ���ج اجتماع لن���دن على امل�ستوي�ي�ن ال�سيا�س���ي والتنموي ومن �أجل دعم اليم���ن وم�ساعدته ملواجهة التهديد الذي ميثله الإرهاب.
17ت�سلم الأمني العام ملجل�س التعاون لدول اخلليج العربية عبدالرحمن ب���ن حمد العطية ر�سالة خطية من وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي تتعل���ق ب�سبل دعم وتعزيز التع���اون بني دول املجل����س واجلمهورية اليمنية يف �شت���ى املج���االت� ،إ�ضاف���ة اىل الرتتيبات اجلارية ب�ش����أن عقد االجتماع امل�ش�ت�رك اخلام�س ل���وزراء خارجية اليم���ن و دول جمل����س التعاون املقرر عقده يف 16من �آذار/مار�س 2010املقبل مبدينة عدن.
� 20أعل���ن االحت���اد الأوروب���ي ترحيبه ب�إيق���اف العملي���ات الع�سكرية يف �صعدة ,ودعمه للجهود الرامية لإقامة حوار وطني حقيقي و�شامل.
17وقّ���ع اليم���ن وهيئة التنمي���ة الدولية بالأح���رف الأوىل يف مقر البنك ال���دويل بالقاه���رة عل���ى اتفاقية املنح���ة املخ�ص�ص���ة لتموي���ل ال�صندوق االجتماعي للتنمية مببلغ 60مليون دوالر.
21عقدت ب�صنعاء جل�سة مباحثات ر�سمية بني اليمن والواليات املتحدة الأمريكية برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون ال���دويل عبدالكرمي الأرحبي وال�سفري الأمريكي ب�صنعاء �ستيفن �سيت����ش ،تطرقت املباحثات �إىل ا�ستعرا�ض �سري تنفيذ اتفاقية امل�ساعدات الأمريكية املقدمة لليمن للأعوام ،2012 – 2010خا�صة ما يتعلق بربامج الدع���م امل�ستقبلية املت�صل���ة مب�شاريع التنمية املجتمعي���ة واحلكم الر�شيد املقرر البدء يف تنفيذها خالل الن�صف الثاين من العام اجلاري.
18التق���ى وزي���ر الداخلية الل���واء الرك���ن مطهر ر�ش���اد امل�صري �سفري جمهوري���ة فرن�سا ب�صنع���اء جوزيف �سلفا ،جرى خ�ل�ال اللقاء بحث �أوجه التع���اون والتن�سيق الأمني بني اجلمهورية اليمنية وجمهورية فرن�سا و�سبل تعزيزها �سيما فيما يتعلق مبجال التعاون والدعم الذي �ستقدمه احلكومة الفرن�سية واالحتاد الأوروبي مل�ش���روع �أكادميية ال�شرطة اخلا�صة بتحديث �إدارات الأكادميي���ة .كما بحث اللقاء امل�ساع���دات والدعم الفني للحكومة الفرن�سي���ة واالحت���اد الأوروب���ي ل�شرط���ة خف���ر ال�سواحل واملتعل���ق بعملية مكافح���ة القر�صنة البحرية والهجرة غري ال�شرعي���ة ،وكذا �إن�شاء ر�صيف ل�شرطة خفر ال�سواحل يف منطقة باب املندب.
22التقى نائب رئي�س الوزراء ل�ش�ؤون الدفاع والأمن وزير االدارة املحلية الدكتور ر�ش���اد العليمي ،ووزير اخلارجية الدكت���ور �أبوبكر القربي �سفراء دول االحت���اد الأوروب���ي ورو�سيا االحتادي���ة والواليات املتح���دة الأمريكية وكوب���ا و�سفراء الدول الآ�سيوية املعتمدين لدى اليمن واملمثل املقيم للأمم املتح���دة لدى اليمن ورئي�س بعثة االحت���اد الأوروبي .ويف اللقاء اطلع نائب رئي����س ال���وزراء ل�ش����ؤون الدفاع والأم���ن ال�سفراء على �آخ���ر التطورات يف �صعده بعد �إعالن احلوثي االلتزام بال�شروط ال�ستة التي و�ضعتها احلكومة لوقف �إطالق النار ،وما تقوم به اللجان الأربع التي مت ت�شكيلها من ممثلي القوى ال�سيا�سية املختلفة مبجل�سي النواب وال�شورى للإ�شراف على تنفيذ ال�شروط ال�ستة.
17الرئي����س عل���ي عبداهلل �صالح ي�ستقبل رئي����س جمل�س النواب مبملكة البحرين خليفة بن �أحمد الظهراين والوفد املرافق له الذي يزور اليمن.
19عقدت جلنة جمل�س االحتاد الأوروبي اخلا�صة باليمن جل�سة خا�صة له���ا مبقر املجل�س بربوك�سل ملناق�شة تط���ورات الأ�ضاع يف اليمن ،وذلك يف �إطار الرئا�سة الإ�سبانية احلالية للمجل�س. 20التقى وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبو بكر القرب���ي ب�صنعاء مع �سفراء 60
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
23عقدت يف العا�صمة ال�سعودية الريا�ض قمة مينية � -سعودية برئا�سة الرئي�س علي عب���داهلل �صالح والعاهل ال�سعودي عب���داهلل بن عبدالعزيز، ج���رى خاللها بحث العالقات الأخوية بني البلدي���ن ,و�آفاق تنمية وتو�سيع ضال عن تعزي���ز التعاون يف املج���ال الأمني جم���االت التع���اون الثنائ���ي ،ف� ً ومكافحة الإرهاب.
24بح���ث وزي���ر الداخلي���ة مطهر امل�صري م���ع وفد جلنة �ش����ؤون الأمن الداخل���ي بالكوجنر�س الأمريكي الذي يزور اليمن برئا�سة ال�سيدة ونيدي �أندر�س���ون ،عالق���ات التعاون الأمني ب�ي�ن البلدين و�سبل تعزي���زه .وتناول اللقاء �آفاق تطوير التعاون يف مكافحة الإرهاب واجلرمية املنظمة وتبادل املعلومات يف �إطار التعاون الأمني بني البلدين.
الإ�سالمي���ة للرتبي���ة والثقاف���ة والعل���وم (الإي�س�سك���و) الدكتور عبدالعزي���ز التويج���ري ووزراء الثقافة يف عدد من الدول العربية والإ�سالمية.
24عقدت يف العا�صمة البحرينية املنامة قمة مينية -بحرينية برئا�سة الرئي����س علي عبداهلل �صالح واملل���ك حمد بن عي�سى بن �سلمان �آل خليفة. وجرى خالل القمة بحث العالقات االخوية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها على خمتلف اال�صعدة ،كما جرى بحث التطورات على ال�ساحات العربية والإقليمية والدولية التي تهم البلدين.
27الرئي�س علي عب���داهلل �صالح ي�ستقبل الوكي���ل امل�ساعد لوزارة اخلارجي���ة الرتكية ر�ؤوف �أنكني �سوي�سال مبعوث الرئي�س الرتكي عبداهلل غول ،الذي نقل للرئي����س �صالح ر�سالة خطية من الرئي�س غ���ول ،تتعلق بالعالقات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها وتطويرها.
24وقعت اجلمهورية اليمنية مبقر جامعة الدول العربية بالقاهرة ،على االن�ضمام �إىل اتفاقية النقل متعدد الو�سائط للب�ضائع بني الدول العربية. وقّع االتفاقي���ة وزير النقل خالد الوزير على هام����ش االجتماع اال�ستثنائي ملجل�س وزراء النقل العرب املنعقد بالقاهرة.
� 27أعلن���ت اململك���ة العربية ال�سعودية ا�ستكم���ال تخ�صي�ص مبلغ التعهد املقدم لليمن يف م�ؤمتر لندن للمانحني املنعقد يف العام 2006والبالغ مليار دوالر ،وق���ال نائب الرئي����س والع�ضو املنتدب لل�صن���دوق ال�سعودي للتنمية املهند����س يو�سف بن �إبراهيم الب�سام ،يف كلمته خالل جل�سة العمل الأويل لفري���ق العم���ل امل�شرتك ب�ي�ن احلكومة اليمني���ة واملانح�ي�ن� ،إن ال�صندوق ال�سع���ودي للتنمي���ة قام خالل الف�ت�رة املا�ضية بتوقيع ت�س���ع اتفاقيات منح لتمويل عدد من امل�شاريع بتكلفة 642مليون دوالر.
25اختتم���ت اللجن���ة التح�ضريي���ة امل�شرتك���ة ملجل�س التن�سي���ق اليمني- ال�سع���ودي اجتماعاته���ا يف العا�صمة ال�سعودية الريا����ض برئا�سة املهند�س ه�شام �شرف نائب وزارة التخطيط والتعاون الدويل رئي�س اجلانب اليمني والقائ���م ب�أعمال اللجنة اخلا�صة مبجل�س الوزراء ال�سعودي رئي�س اجلانب ال�سعودي حممد بن ابراهيم احلديثي .و�أجنزت اللجنة عدد ًا من اتفاقيات ومذك���رات التع���اون الت���ي �سيتم رفعها لالجتم���اع املقبل ملجل����س التن�سيق اليمن���ي -ال�سعودي برئا�سة دولة رئي�س الوزراء الدكتور علي حممد جمور والأم�ي�ر �سلطان بن عبد العزيز �آل �سع���ود ،ويل العهد نائب رئي�س جمل�س الوزراء وزير الدف���اع والطريان واملفت�ش العام باململكة العربية ال�سعودية، وذلك للتوقيع عليها يف �شكلها النهائي. 25الرئي����س عل���ي عب���داهلل �صال���ح ي�ستقبل �أنات���ويل �سافون���وف املمثل اخلا����ص لرئي����س رو�سي���ا االحتادية يف جم���ال التعاون ال���دويل ومكافحة الإره���اب واجلرمية املنظم���ة ،والذي نقل له ر�سالة م���ن الرئي�س دميرتي ميدفيديف رئي����س رو�سيا االحتادية ،تتعلق بالعالق���ات الثنائية وجماالت التع���اون امل�ش�ت�رك و�سب���ل تعزيزه���ا وتطويره���ا وعلى خمتل���ف الأ�صعدة ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية والثقافية والأمنية والع�سكرية ومكافحة الإرهاب والقر�صنة. 26ت�سل���م وزي���ر الثقافة الدكت���ور حمم���د املفلحي يف مدين���ة القريوان التون�سية م�شعل العوا�صم الإ�سالمية متهيد ًا لإعالن مدينة ترمي مبحافظة ح�ضرم���وت عا�صم���ة للثقافة الإ�سالمي���ة لعام .2010ج���اء ذلك يف ختام احتفاالت الق�ي�روان عا�صمة للثقاف���ة الإ�سالمية للع���ام 2009التي جرت بح�ض���ور الرئي����س التون�سي زين العابدين بن عل���ي واملدير العام للمنظمة
27ا�ستقبل العاهل ال�سعودي عبداهلل بن عبدالعزيز يف ق�صره بالريا�ض، رئي�س جمل����س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور ،وجرى يف اللقاء بحث العالق���ات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�آفاق تعزيزها يف جميع املجاالت. 27عق���دت بالعا�صم���ة ال�سعودي���ة الريا����ض ،اجتماعات ال���دورة الـ 19
ملجل����س التن�سي���ق اليمن���ي – ال�سع���ودي ،برئا�س���ة رئي�س جمل����س الوزراء الدكتور علي حممد جمور ،والأمري �سلطان بن عبدالعزيز ويل العهد نائب رئي�س جمل�س الوزراء وزير الدفاع والطريان املفت�ش العام باململكة العربية ال�سعودي���ة .ويف ختام االجتماع���ات مت التوقيع على ت�سع وثائق للتعاون بني البلدي���ن منها �أربع اتفاقيات متويل مل�شاريع خدمية و�إمنائية يف اليمن من قب���ل اململكة ،مببلغ �إجمايل وقدره مائة و�أربعة ع�شر مليون وثمامنائة �ألف دوالر. 28بح���ث وزي���ر الداخلي���ة مطه���ر امل�ص���ري م���ع الأمري ناي���ف بن عبد العزي���ز النائب الث���اين لرئي����س جمل�س ال���وزراء وزير الداخلي���ة باململكة العربية ال�سعودي���ة يف الريا�ض جماالت التعاون الأمني بني البلدين و�سبل تعزيزها. 28اختتم���ت مبق���ر الأمانة العامة ملجل�س التعاون ل���دول اخلليج العربية بالريا����ض اجتماعات فريق العمل امل�شرتك ب�ي�ن اليمن واملانحني لتحديد االحتياجات التنموية لليمن. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
61
اليمن والعامل حتليالت
فـي 60يومـا
وجهات نظر
عني على اليمن
حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*
ً طويال اليمن لن ي�ستطيع االنتظار مانويل �أمليدا جملة «املجلة» اللندنية � 26آذار/مار�س 2010
بد�أت املفاو�ضات الرامية �إىل ان�ضمام اليمن ل���دول جمل����س التع���اون اخلليجي من���ذ عدة �سن���وات .لكن بعد عام ،2008تولّد �شعور ب�أن �إيقاع هذه العملية �أ�صبح �أكرث بطئاً .وامل�شكلة هي �أن اليمن لي�س لديه القدرة على االنتظار ملدة �ستة �أعوام على �أقل تقدير كي ين�ضم �إىل املجل�س .والأف�ضل �أن ين�ضم اليمن �إىل جمل�س التعاون اخلليجي على مراحل وب�شروط ،على طريقة ما فعله االحتاد الأوروبي مع املر�شحني لع�ضوية االحتاد والذين حتيط بهم م�شكالت حتول دون ان�ضمامهم. على م���دار الع���ام املا�ض���ي ،ا�ستح���وذ اليمن على �أنظار منطق���ة اخلليج ودول الغرب على ال�سواء .ويف ظل اجل���دل الدائر حول �أ�سباب تده���ور ه���ذه الدولة التي تقع جن���وب اخلليج العرب���ي له���ذه الدرج���ة ،ثمة �أم���ران يبدو �أن هن���اك �شبه �إجم���اع عليهما .الأم���ر الأول هو �أن ج���ذور امل�شكل���ة اليمنية تكم���ن يف الو�ضع االقت�ص���ادي املرتدي للبالد .وم���ن املعلوم �أن اليم���ن يواج���ه ث�ل�اث عمليات مت���رد وت�شمل احلوثيني يف ال�شمال ،وحركة االنف�صاليني يف اجلنوب ،والقبائ���ل ال�شرقية التي ت�ؤوي حالي ًا 62
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
عنا�ص���ر القاعدة الذي���ن ع���ادوا �إىل اليمن. وجميع ه���ذه العمليات ترتب���ط بف�شل حكومة �صنع���اء يف حتقي���ق الرفاهي���ة االقت�صادي���ة واالجتماعية� .أم���ا الأمر الثاين ،ف�إنه �أ�ضحى م���ن امل�سلّم به على نط���اق وا�سع حتى من ِقبَل احلكومة اليمني���ة نف�سها؛ فكرة �أن البالد لن تخرج من هذا امل�ستنقع دون دعم خارجي. ودول اخللي���ج بوج���ه ع���ام ،واململك���ة العربية ال�سعودي���ة عل���ى وج���ه اخل�صو����ص� ،أدرك���ت جميع��� ًا منذ وق���ت طوي���ل؛ �ض���رورة مواجهة االنهي���ار االقت�ص���ادي يف اليمن ،كم���ا ات�ضح ذل���ك جلي ًا يف مالي�ي�ن ال���دوالرات الأمريكية التي مت تقدميها كدعم حلكومة علي عبد اهلل �صال���ح .وبالفعل متت املوافق���ة على ان�ضمام اليم���ن للعديد من م�ؤ�س�س���ات وهيئات جمل�س التعاون اخلليجي .بيد �أنه منا �شعور منذ عام ،2008ب�أن العملية تواج���ه نوع ًا من الت�أجيل، والذي يق���ف وراءه يف الأ�سا�س تدهور الو�ضع الأمن���ي يف الب�ل�اد .وتوقي���ت ه���ذا االن�ضمام ميثل الق�ضية املحورية الآن ب�ش�أن دخول اليمن حظرية جمل�س التعاون اخلليجي .فهذا البلد ق���د ال يكون ق���ادر ًا عل���ى االنتظ���ار حتى عام
� 2016أو - 2017وه���و التاريخ الذي مت طرحه – كي ين�ضم لدول جمل�س التعاون. وبالرغ���م من �ض���رورة ان�ضم���ام اليمن كع�ضو يف دول جمل����س التع���اون اخلليج���ي على املدى الق�صري ،ف�إن �أع�ضاء جمل�س التعاون اخلليجي يخ�شون ،ب�شكل طبيع���ي ،من التعداد ال�سكاين الهائ���ل لليم���ن ،والذي ي�ص���ل �إىل حوايل 23 ملي���ون ن�سمة� ،أغلبهم من ال�شب���اب والفقراء. كم���ا قد تكون هن���اك بع�ض التحفظ���ات ب�ش�أن النظ���ام ال�سيا�سي املختلف يف اليمن .ووفق ًا ملا ذكره الدكتور جوزيف �إيه كي�شي�شيان ،اخلبري يف ال�ش�ؤون اخلليجية ،ف�إن «ال�س�ؤال الذي يواجه دول جمل�س التع���اون اخلليجي ،هو ما �إذا كان ان�ضمام اليمن �سيعمل على خدمة بقية الدول الأع�ض���اء� ،أم �سيج���ر املنطق���ة ب�أكمله���ا �إىل �أ�سف���ل» .وقد يت�ساءل البع�ض ،وهم حمِ قّون يف ذلك ،عن الدور الذي قد يلعبه اليمن ،الفقري وال���ذي يعاين م���ن ال�صراع���ات الداخلية ،يف خدمة دول اخلليج الأكرث ثرا ًء وا�ستقراراً؟ �إال �أن ال�س����ؤال احلقيقي ال���ذي ينبغي طرحة هو؛ كيف ي�ش���كل االنهيار املحتمل للنظام يف اليمن تهديد ًا لدول جمل�س التعاون اخلليجي؟ ولن�أخ���ذ عل���ى �سبي���ل املث���ال من���وذج االحتاد الأوروبي ،حيث كان االحتاد قا�صر ًا يف البداية على الدول امل�ستق���رة �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا مثل جمهوري���ة الت�شي���ك و�سلوفاكي���ا ومالط���ة� .أما الي���وم ،ف�إن ال���دول التي متزقه���ا ال�صراعات مثل كرواتي���ا والبو�سنة والهر�سك قد �أ�صبحت مر�شح���ة ب�ش���كل ر�سم���ي لالن�ضم���ام .فوفق��� ًا * التحليالت الواردة تعرب عن �آراء كتابها فقط.
لإ�سرتاتيجي���ة االحت���اد الأوروب���ي ،التي تعتمد ب�ش���كل �أ�سا�س���ي عل���ى �سيا�س���ة االن�ضم���ام امل�ش���روط ،ينبغ���ي على املر�شح�ي�ن لالن�ضمام �أن ي�ستوف���وا �أو ًال �شروط «معاي�ي�ر كوبنهاجن» قبل �أن يُ�سمح له���م باالن�ضمام .وتت�ضمن هذه ال�ش���روط وج���ود نظ���ام دميقراط���ي م�ستقر، واحرتام حلق���وق الإن�س���ان و�سي���ادة القانون، ووجود اقت�صاد �سوق فاعل ،يف الدول املر�شحة لالن�ضم���ام .والأه���م م���ن ذل���ك� ،أن ا�ستقرار ورخ���اء معظ���م دول الق���ارة الأوروبي���ة ،ولي�س فقط �أع�ضاء االحتاد الأوروبي ،يعتمد �إىل حد كبري على الدور ال���ذي لعبه االحتاد الأوروبي، من خالل �سماحه بان�ضمام �أع�ضاء جدد �إليه، ومن خالل ا�ستقرار م���ا ي�سمى بجوار االحتاد الأوروبي ،ال�سيما يف منطقة البلقان.
وبو�ض����ع �أوج����ه ال�شب����ه جانباً ،يت�ض����ح �أن هناك اختالف����ات �ضخمة بني احتم����ال ان�ضمام اليمن ملجل�����س التع����اون اخلليج����ي وبني حال����ة االحتاد الأوروب����ي ،ويتمث����ل �أح����د تل����ك االختالف����ات يف حقيق����ة؛ �أن اليم����ن ال ميك����ن �أن يتحم����ل عملية طويلة وبطيئ����ة ت�ستمر عقود ًا �أو �أكرث لالن�ضمام ملجل�س التعاون اخلليجي مثل تلك التي �شهدتها م�س�أل����ة ان�ضمام تركيا لالحت����اد الأوروبي ،فمن املرجح �أن تنفد احتياطيات اليمن النفطية قبل ��ل�ا و�سط ًا بني م����رور تلك الف��ت�رة ،لكن هناك ح ً عدم االن�ضم����ام ملجل�س التعاون وب��ي�ن الع�ضوية الكامل����ة في����ه ،فبالع����ودة �إىل حال����ة االحت����اد الأوروبي ،يت�ضح �أن الأع�ضاء اجلدد ال ين�ضمون �إىل منطق����ة ال�شينجن �أو منطق����ة اليورو ب�شكل مبا�شر �إذا كان����وا غري م�ستعدين لذلك ،وبنف�س
العمالة اليمنية ..رهان يف اخلليج �أحمد عبد امللك �صحيفة «االحتاد» الإماراتية 22ني�سان�/أبريل 2010
يف الوق����ت الذي الت�����أم فيه م�ؤمت����ر «العمالة اليمني����ة ومتطلبات �سوق العم����ل اخلليجي»، ال����ذي نظم����ه مرك����ز �سب�����أ للدرا�س����ات اال�سرتاتيجي����ة يف العا�صم����ة اليمنية �صنعاء م�ؤخ����راً؛ كان الرئي�����س اليمن����ي يحا�ض����ر يف كلية ال�شرطة عن الأو�ضاع العامة يف اليمن. ومم����ا قال����ه�« :أيه����ا الوحدوي����ون يف الق����رى واملحافظ����ات ..اح����ذروا دع����اة االنف�ص����ال، لقد رفعوا ال�شعارات ع����دة �أ�شهر عندما كنا م�شغول��ي�ن يف �صعدة ،ه�����ؤالء «الفئران» خونة الوح����دة! �أين هم الآن؟ ه����م يف النم�سا عند
�أ�سياده����م الذي����ن ترعرع����وا يف �أح�ضانه����م وربوهم على العمالة واال�ستخبارات». و�أ�ض����اف« :الوح����دة لي�س����ت بالق����وة ،ولك����ن بالوعي ،الذين يرفعون �شعار اجلنوب العربي عار عليك����م ترفعونه ،جت����ردون اليمنيني يف �أبني ويف حلج ويف �شبوة وغريها ،جتردونهم من مينيتهم وتقولون لهم جنوب عربي ،عار عليك����م يا عم��ل�اء� ،أ�ستطي����ع �أن �أقول عليهم عمالء وخون����ة» .وهذا ي�شري �إىل مدى �أهمية م����ا يجري عل����ى ال�ساح����ة اليمني����ة الداخلية
الطريق����ة ميك����ن عر�����ض االندم����اج امل�ش����روط واملرحلي يف جمل�س التعاون على اليمن. وبالت����ايل ،م����اذا تك����ون الأولوي����ة بالن�سبة لدول جمل�س التعاون اخلليجي فيما يتعلق باليمن؟ هل يكون حتقيق اال�ستقرار يف الو�ضع الأمني �أوالً� ،أم يتم توجيه اجلهود لإعادة الهيكلة االقت�صادية؟ �إن الإجابة يجب �أن ت�شمل كال الأمرين ،فالو�ضع الأمن����ي يف اليم����ن ل����ن ي�شه����د �أي تق����دم كب��ي�ر حتى يت����م التعامل مع امل�ص����ادر احلقيقية لعدم اال�ستقرار ،خا�صة الفق����ر والبطالة ،ويف الوقت ذات����ه هناك حاجة �إىل مناخ �أكرث ا�ستقرار ًا ملنع انهي����ار اليم����ن ،وهو املن����اخ الذي كان����ت الهدنة الت����ي مت االتف����اق عليها يف وق����ت �سابق من هذا العام ب��ي�ن احلوثيني واحلكوم����ة اليمنية ،بداية مهمة لعملية حتقيقه.
بخالف ما يج����ري يف �صعدة �أو على احلدود مع ال�سعودية. ويف ذات الوق����ت كان����ت نخبة م����ن املفكرين اليمني��ي�ن ونظرائهم اخلليجي��ي�ن يبحثون يف �أوراق عم����ل ر�صينة تناول����ت مو�ضوع العمالة اليمني����ة و�آف����اق ا�ستيعابه����ا يف دول جمل�����س التع����اون اخلليج����ي .كان احل����وار �صادق���� ًا و�شفاف����اً ،عل����ى الرغم م����ن �أن امل�ؤمت����ر �أتاح الفر�صة للإخوة اليمني��ي�ن للتعبري عن حالة العمالة اليمنية يف بع�ض دول جمل�س التعاون م����ن حي����ث املعامل����ة وال�سكن .فق����د طرحت ع����دة �أوراق عم����ل مهم����ة تناول����ت املو�ض����وع مثل :العالق����ات الثقافية بني اليمن واخلليج يف الع�ص����ر احلديث .وواق����ع العمالة اليمنية ودوره����ا يف اال�ستقرار الأمن����ي لدول جمل�س التع����اون .والت�أث��ي�ر الدميوغ����رايف للعمال����ة الآ�سيوي����ة عل����ى الرتكيبة ال�سكاني����ة للخليج. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
63
اليمن والعامل
عني على اليمن
وجماالت العم����ل املتاحة يف ال�سوق اخلليجي واملعاجل����ات املتخذة من دول جمل�س التعاون للحد من العمالة الآ�سيوية والبدائل املقرتحة. ثم الآثار الإيجابية املتبادلة الن�ضمام اليمن �إىل عدد من مكاتب جمل�س التعاون .و�أخري ًا اجله����د الر�سم����ي لت�أهي����ل العمال����ة اليمنية. وواق����ع واجتاهات الق����وى العامل����ة يف اليمن وفر�ص ا�ستيعابها يف دول جمل�س التعاون. هن����ا �سجلن����ا بع�����ض االجتاهات الت����ي نراها جدي����رة باملناق�ش����ة .وكان ر�أينا فيم����ا يتعلق مبعامل����ة العمال����ة اليمني����ة يف دول اخللي����ج؛ �أن تل����ك �صورة منطية تاريخي����ة قد لوحظت يف ب�ضع دول اخللي����ج وال يجوز تعميمها على جميع ال����دول! فالعمالة اليمنية لها تقديرها واحرتامه����ا يف املنطقة ،كما �أنها �ساهمت يف عمليات التنمي����ة منذ ال�سبعيني����ات ،ولي�ست لديها م�ش����اكل .ناهيك ع����ن �سهولة تعاي�شها وانتمائه����ا للأر�ض .كما �أ�شرن����ا �إىل �أن دول املجل�����س قام����ت بتحدي����ث قوانينها بع����د �أن وقع����ت على املواثيق الدولية اخلا�صة بحماية العمالة وتوفري �أف�ضل الظروف لها .و�أن�ش�أت بع�ض هذه ال����دول مكات����ب و�إدارات ل�صيانة حقوق العمال. وكان ر�أين����ا �أن مو�ض����وع ا�ستق����دام العمال����ة اليمنية لدول جمل�س التع����اون (هنالك �أكرث م����ن 4مالي��ي�ن عام����ل جاهزي����ن للعم����ل يف اخلليج) ق����رار �سيا�س����ي يف الدرجة الأوىل، كما �أنه قرار �سيادي ال تتدخل فيه العاطفة. وهنال����ك اتفاقي����ات وقعه����ا اليمن م����ع بع�ض دول اخللي����ج حت����دد �أط����ر وكيفي����ة ا�ستيعاب تلك العمال����ة .كما �أننا نرى �أن دخول الإخوة اليمني��ي�ن �س����وق العم����ل �سي�ساه����م حتم ًا يف تعديل خلل الرتكيبة ال�سكانية ،ولكن مع هذا ف�����إن دول املجل�����س له����ا ح�ساباته����ا من حيث تنامي التط����رف -يف ظل وج����ود «القاعدة» يف اليمن -وكذلك الإحباط الذي يعاين منه 64
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
كث��ي�ر من �أبن����اء اليمن العاطل��ي�ن عن العمل نتيجة واقع احلال ،والذي �أ�شارت �إليه �أوراق العمل التي �أعدها مفكرون مينيون مثل� :سوء الإدارة ،والف�س����اد ،واحلظ����وة ،وح����ال �أبناء اجلن����وب ،والو�ض����ع االقت�ص����ادي املتده����ور، والأمي����ة ،ووق����ف امل�ساع����دات اخلارجي����ة، واخلط����ف ،وتهري����ب الأ�سلح����ة واملخدرات، و�أخري ًا احلرب مع احلوثيني .وكل ذلك ي�ؤثر عل����ى ا�ستق����رار اليم����ن وي�ؤجل قبول����ه ع�ضو ًا كام ًال يف دول جمل�س التعاون. وكان ال����ر�أي �أن يت����م ت�أهيل اليم����ن �أوالً! و�أن هذا ل����ن ي�أتي عرب امل�ساع����دات املالية فقط، ب����ل ي�أت����ي ع��ب�ر امل�صاحل����ة الوطني����ة ،وح����ل امل�شكالت العالقة بني �أبن����اء ال�شعب الواحد حال����ة اجلن����وب واحلوثي��ي�ن .والت�أهي����ل لنيت����م �إال بتغيري نه����ج الإدارة ون�سف الروتني! بل وقيام «ث����ورة» �شعبية على (القات) الذي يه����در ما ب��ي�ن � 8-5ساع����ات يومي���� ًا من وقت املواطن اليمن����ي .ولقد �أ�شار الرئي�س اليمني �إىل ه����ذه الق�ضي����ة يف حما�ضرت����ه املذك����ورة بالق����ول�« :أمتن����ى �أن ه�ؤالء ال�شب����اب عندما يخرج����ون ي����وم اخلمي�����س واجلمع����ة �أال �أرى واح����د ًا منهم يخ����زّن! �أمتن����ى �أن هذا اجليل اجلديد ال����ذي تربى وترع����رع يف ظل الثورة واجلمهوري����ة والوح����دة يح����ارب (الق����ات) ويحافظ على �صحته». وكان ال����ر�أي �أي�ض���� ًا �أال تك����ون امل�ساع����دات اخلليجي����ة والدولية لليمن م����ن (�أجل عيون �ص����د خطر «القاعدة» وح����ده) ،بل �أي�ض ًا من �أجل عيون اليمنيني الأعزاء ،لأن امل�ساعدات الظرفية غري امل�ؤ�س�سة تزول بزوال الظرف! ولق����د نقلنا للإخوة اليمني��ي�ن جتربة جمل�س التعاون مع الياب����ان عندما طلب اخلليجيون عام 1997من اليابان �إقامة م�صانع �ضخمة ملنتجاته����ا يف دول املجل�����س ،وج����اء ال����رد الياباين حازم ًا ومبا�شراً« :ا�ضمنوا الأمن يف
منطقتك����م �أوال ،ثم ت�أتيك����م امل�شاريع»! وتلك �إ�شارة وا�ضحة لأهمي����ة اال�ستقرار ال�سيا�سي والأمني ،و�إ�شارة للحرب العراقية -الإيرانية وغ����زو العراق للكويت وح����ال واقع احلال مع �إيران! كما �أو�ضح الإخوة اليمنيون �أن العمالة اليمنية �ست�ساه����م يف (عودة) الثقاف����ة العربية لأهل اخللي����ج بعد �أن �أ�ضعفته����ا الثقافة الآ�سيوية! وكان ردنا �أن الآ�سيويني يف الغالب ال يكونون م�ؤدجل��ي�ن بعك�س العمالة العربي����ة ،والعمالة الآ�سيوي����ة مطواعة وتقبل ب�أية ظروف بعك�س العربي����ة! �أم����ا م����ن ناحي����ة ت�أث����ر جمتمعات اخلليج بالثقاف����ة الآ�سيوية؛ ف�إن ذلك يحدث يف نطاق حمدد -اخل����دم وال�سائقني -ولكن الطف����ل عندما يكرب ويدخ����ل املدر�سة ين�سى م����ا تلقاه من اخلادم����ة الآ�سيوية يف ال�صغر. ولذا ف��ل�ا خوف عل����ى الهوي����ة اخلليجية من العمالة الآ�سيوية العامة التي غالب ًا ما ت�سكن يف مناطق معزولة وال تتداخل مع املواطنني. ولك����ن يجب �أال ي�ؤخ����ذ هذا املوق����ف على �أنه موق����ف �سلبي جتاه العمالة اليمنية؛ بل -كما �أ�شرن����ا -فالعمالة اليمني����ة �سهلة و�سريعة يف التجاوب واالندماج! وكان ر�أين����ا �أن تن�ش�����أ معاهد ت�أهي����ل للعمالة املدرب����ة ،الت����ي ميكنه����ا مناف�س����ة العمال����ة الآ�سيوي����ة � -أو متتل����ك مقوم����ات العم����ل الأ�سا�سية ،ولعل اللغة الإجنليزية من �شروط العمالة املتعلمة! وتلك املعاهد �ستخرج عما ًال مهرة يناف�س����ون العمالة الآ�سيوي����ة ويُر�ضون �صاحب العمل. �إن امل�ؤمت����ر املذك����ور �أ�ض����اء الطري����ق نح����و ا�ستيع����اب العمال����ة اليمني����ة يف دول جمل�����س التع����اون ،وتبق����ى الأهمية يف �إي�ص����ال نتائج البح����وث �أو تو�صي����ات امل�ؤمت����ر �إىل �أ�صحاب الق����رار يف كل م����ن اليم����ن ودول جمل�����س التعاون.
ملاذا ميكن �أن ت�ؤدي م�ساعدة اليمن للواليات املتحدة يف مواجهة تنظيم القاعدة� ،إىل نتائج عك�سية؟ �ســارة توبــل �صحيفة «كري�ستيان �ساين�س مونيتور» الأمريكية 30ني�سان�/أبريل 2010
�إن حماول���ة اغتيال ال�سف�ي�ر الربيطاين يف اليمن الأ�سب���وع (الأخري من �شهر ني�سان/ �أبريل)� ،إىل جانب �شريط الفيديو املفرت�ض للطالب النيجريي ،الذي كان يعتزم تفجري طائرة ليلة عيد ميالد امل�سيح ،وهو يتدرب م���ع فرع «القاعدة» يف اليم���ن ،لفتا االنتباه م���ن جدي���د �إىل احلاج���ة �إىل ا�سرتاتيجية قوية ملحاربة الإرهاب يف هذا البلد. ومعل���وم �أن الواليات املتح���دة رفعت ب�شكل وا�ضح من م�ساعدتها الع�سكرية لليمن بعد �أن تبنى تنظيم «القاعدة» يف جزيرة العرب امل�سئولية عن حماولة تفجري طائرة متجهة �إىل مدينة ديرتويت يوم عيد ميالد امل�سيح. كما قام���ت احلكومة اليمنية خالل الأ�شهر الأخرية با�سته���داف الع�شرات من �أع�ضاء «القاعدة «يف جزيرة الع���رب عرب التعاون والتن�سيق مع الواليات املتحدة يف كثري من الأحيان ،لك���ن بع�ض اخلرباء يحذرون من �أن���ه ما مل يقم اليم���ن بتنويع مقاربته ،وهو �أم���ر �أثبت جناحه يف ال�سعودية ،ف�إن زيادة العملي���ات الع�سكري���ة �إ�ضاف���ة �إىل التعاون العلني م���ع �أمريكا ،ميك���ن �أن ي�أتيا بنتائج عك�سي���ة يف نهاي���ة املط���اف ،حي���ث يق���ول «جريج���وري جون�سون» ،اخلبري يف ال�ش�ؤون اليمنية بجامعة برين�ست���ون يف نيوجر�سي:
«�إىل غاي���ة عي���د املي�ل�اد امل�سيح���ي ،كانت «القاع���دة يف جزي���رة الع���رب» �أك�ث�ر ق���وة يف اليم���ن من �أي وقت �آخ���ر ،ولكنها تلقت خ�ل�ال الأ�شهر القليل���ة املا�ضية �سل�سلة من ال�ضرب���ات ...لك���ن �أي ًا من تل���ك ال�ضربات كانت من الن���وع املزعزع الذي يق�ضي على التنظيم لفرتة طويلة». وترتك���ز اجلهود اليمني���ة ملحاربة الإرهاب عل���ى العملي���ات الع�سكري���ة الت���ي تق���وم به���ا «وح���دة حمارب���ة الإره���اب» اليمنية، مب�ساعدة �أمريكية وبريطانية ت�شمل التمويل والتدري���ب واملعلومات اال�ستخباراتية .ففي فرباير املا�ضي� ،أذن وزير الدفاع الأمريكي بـ 150مليون دوالر م���ن امل�ساعدات الأمنية لليم���ن ع���ن ال�سن���ة املالي���ة ،2010ما ميثل ارتفاع��� ًا مقارنة مع 67ملي���ون دوالر العام املا�ض���ي .وح�س���ب م�سئول�ي�ن ا�ستجوبته���م وكالة «روي�ت�رز» ،ف�إن 38ملي���ون دوالر من التمويل خم�ص�ص���ة لطائرة نقل ع�سكرية، يف ح�ي�ن �ستخ�ص����ص 34ملي���ون دوالر لـ«امل�ساع���دة التكتيكي���ة» لق���وات العمليات اخلا�صة اليمنية. وق���د �أُن�شئ���ت «وح���دة مكافح���ة الإرهاب» اليمني���ة يف ،2003وتتك���ون من 200جندي يعي�ش���ون يف ثكنة مبقر «القي���ادة املركزية»
يف �صنعاء ويتلقون ح�ص�ص ًا تدريبية خم�سة �أيام يف الأ�سبوع مبي���دان بدائي للتدريبات الع�سكري���ة ،يق���ع على بع���د ثماني���ة �أميال من العا�صمة .غ�ي�ر �أن العمل عن قرب مع الواليات املتح���دة ميثل عملية توازن �صعبة بالن�سبة للحكومة اليمنية ،وميكن �أن تقوي موقف «القاعدة يف جزيرة العرب». ويف هذا الإطار ،يقول «جون�سون» من جامعة برين�ست���ون�« :إن القاع���دة ترغب يف تقدمي اليمن على �أنه مث���ل العراق و�أفغان�ستان... عل���ى �أن���ه حمتل م���ن قب���ل ق���وات �أجنبية، لأنه���ا بقيامه���ا بذل���ك ،تفت���ح الب���اب على م�صراعي���ه �أمام جتنيد املقاتلني» .وي�صف «جون�س���ون» ت�صريح���ات مل�سئول�ي�ن مينيني ت�شدد على �أنه ال وجود جلنود �أمريكيني يف اليمن ،باعتباره���ا «نوع ًا من الت�صريحات املدرو�س���ة ليقولوا لليمنيني �إن ه�ؤالء لي�سوا جن���ود ًا ،و�إمن���ا جم���رد م�ست�شاري���ن -و�أن الواليات املتحدة ال حتتل اليمن» . وق���د مت ت�سليط ال�ضوء عل���ى م�شكلة اليمن عندم���ا �أ�ضاف���ت الـ»�س���ي� .آي� .إي���ه» �إىل قائم���ة املطلوبني لديها املواط���نَ الأمريكي �أن���ور العولق���ي ،وهو رج���ل دي���ن م�سلم له عالقة مبنفذ عملية �إطالق النار يف قاعدة «فورت ه���ود» الع�سكري���ة ،وحماولة تفجري الطائ���رة املتوجه���ة �إىل ديرتوي���ت ،و ُيعتقد الي���وم �أنه خمتبئ يف اليم���ن .ويف البداية، ق���ال وزي���ر اخلارجي���ة �أبو بك���ر القربي �إن اليم���ن ينتظر �أدلة �أمريكي���ة على عالقات «العولق���ي» بالإره���اب قب���ل مالحقته ،قبل �أن يع���دل ت�صريحه الحق��� ًا �إذ قال يف حوار �صحف���ي» مبكتب���ه�« :إن ال�سلط���ات اليمنية تنظ���ر �إليه (العولقي) على �أنه على عالقة م���ع القاع���دة؛ وبالت���ايل؛ ف�إن���ه مطل���وب للحكومة اليمنية من �أجل اعتقاله ومتابعته ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
65
اليمن والعامل
عني على اليمن
ق�ضائي��� ًا» .كما اعت�ب�ر �أن م�سئولية القب�ض على العولقي �صالحية داخلية م�ضيف ًا�« :إن التدخل اخلارجي �سيخل���ق بالطبع م�شاكل �سيا�سية للحكومة». بي����د �أن دول����ة واح����دة جنح����ت يف التوفيق بني التع����اون العلن����ي مع الوالي����ات املتحدة وحمارب����ة «القاعدة» ،ه����ي ال�سعودية ،التي طبقت حملة داخلية ناجح����ة �ضد التنظيم يف � .2003صحي����ح �أن الق����وات ال�سعودي����ة لديه����ا متوي����ل �أف�ض����ل وتتلق����ى تدريب����ات خارجي����ة منذ ال�سبعيني����ات ،ولكن اخلرباء يقول����ون �إن ق����درة ال�سعودية عل����ى الق�ضاء عل����ى «القاع����دة» مرده����ا �إىل تبن����ي حزمة
من املب����ادرات املتنوعة ،وهو �أمر مل يقم به اليمن. ويف هذا ال�سياق ،يقول «توما�س هيجهامر»، الباحث مب�ؤ�س�س����ة بحوث الدفاع الرنويجية يف �أو�سل����و�« :إن الأم����ر يكم����ن يف حقيق����ة �أنهم قاموا ب�أ�شي����اء كثرية؛ وهذا التنوع هو بال�ضب����ط م����ا يف�س����ر جزئي ًا النج����اح الذي حقق����وه ،ذل����ك �أنه����م مل يعولوا عل����ى القوة فق����ط» .فق����د ا�ستعم����ل ال�سعوديون حمالت الربوباجندا ،وقيدوا موارد املقاتلني املالية، وح����دوا م����ن قدرته����م على احل�ص����ول على الأ�سلحة ،وعر�ضوا عليهم العفو لت�شجيعهم على التخلي عن القاعدة.
�إدمان اليمن َ اخل ِطر على القات مايكل هورتون تريوريزم مونيتور (مر�صد الإرهاب) ،املجلد ،8العدد 15 م�ؤ�س�سة«جيم�س تاون» البحثية الأمريكية 17ني�سان�/أبريل 2010
يواجه اليمن الكث�ي�ر من امل�شاكل االجتماعية واالقت�صادي���ة والبيئي���ة املعق���دة واملتداخلة، وقد زاد م���ن تعقيد هذه التحدي���ات العديدة �إدمان ال�شعب اليمني على م�ضغ �أوراق �شجرة الق���ات .فهناك ن�سب كبرية من فئات املجتمع واالقت�ص���اد يف اليمن تنتظ���م حول ا�ستهالك هذا املُن ِّبه و�إنتاجه. يتك���ون القات م���ن الأوراق والغ�صون الرقيقة ل�شج���رة “كاثا �إديول����س” ،والتي حتتوي على مادتي الكاثين���ون والأمفيتام�ي�ن املن�شطتني. ويج���ب الب���دء يف ا�ستهالك الق���ات بعد مدة ق�صرية من قطفه ،لأن م���ادة الكاثينون تبد�أ يف التحلل بعد م�ضي �أربع���ة وع�شرين �ساعة. و ُي�س ِّبب القات حالة من الن�شوة الن�سبية �أثناء م�ضغ���ه ،وغالب ًا م���ا يعقب ذل���ك �أرق .ويعترب القات خمدر ًا من الدرجة الأوىل ،وهو ممنوع قانوني��� ًا يف الواليات املتحدة .وت���زرع �أ�شجار 66
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
الق���ات وت�ستهل���ك يف كل م���ن كيني���ا و�أثيوبيا واليمن .ومع �أن ال�صومال وجيبوتي هي �أي�ض ًا من البلدان امل�ست���وردة وامل�ستهلكة للقات� ،إال �أن اليمن تع���د امل�ستهلك ال�ص���ايف الأكرب له، حي���ث �أن �أك�ث�ر م���ن %70من الأ�س���ر اليمنية ���اط واحد للقات حتت���وي ،كما يقال ،على متع ٍ على الأقل. وهناك الكثري من الأمناط والطقو�س املتكررة يومي��� ًا فيما يتعلق بظاهرة م�ضغ القات؛ فقبل الغ���داء – وال���ذي كلما مت تناول���ه مبكر ًا كان �أف�ض���ل -يتج���ه اليمنيون �إىل �أ�س���واق القات املنت�شرة يف البالد ل�ش���راء حزم القات ،التي يرتاوح �سعره���ا من ثالث���ة �إىل �ستني دوالر ًا. وبع���د الغ���داء ،يتجم���ع اليمني���ون (خا�ص���ة الرج���ال منه���م� ،أما الن�س���اء الالئي مي�ضغن الق���ات فن�سبته���ن �أق���ل بكثري م���ن الرجال) يف منازله���م ،ويبدءون يف جل�س���ة القات التي
غري �أن املثري لال�ستغراب يف جناح املقاربة ال�سعودي����ة يكم����ن يف حقيق����ة �أن املقاتل��ي�ن ال�سعودي��ي�ن انتقلوا �إىل اليم����ن .ففي يناير � ،2009أي بع����د �س����ت �سن����وات عل����ى تكثيف ال�سعوديني حلملتهم �ضد الإرهاب ،حتالف الفرعان ال�سع����ودي واليمني للقاعدة حتت ا�سم جديد هو «القاعدة يف جزيرة العرب»، واتخذوا من اليمن موقع ًا لهم .ومن جانبه، يق����ول هيجهام����ر« :يف اليم����ن ...مازال����ت القاع����دة تنف����ذ عملياتها بوت��ي�رة ع�شرات الهجم����ات يف ال�سنة ،وهي م����ا زالت ن�شطة بخ�صو�ص �إنت����اج الربوباجندا؛ ولذلك ف�إن (لدى اليمن) طريق ًا طوي ًال ليقطعه».
غالب ًا ما متتد لأكرث من �ست �ساعات. تغيرّ العادات يع���ود تقليد م�ض���غ القات يف اليم���ن �إىل 500 �سنة عل���ى الأقل .وهناك بع�ض ال�شك عما �إذا كان �أ�ص���ل �أ�شجار القات يع���ود �إىل �أثيوبيا �أم اليم���ن .من الناحية التاريخية ،كانت جل�سات الق���ات تت���م يف يوم واح���د يف الأ�سب���وع ،وكان م�ض���غ الق���ات مقت�ص���ر ًا عل���ى الأ�س���ر الغنية وطبق���ات ال�سادة والق�ض���اة والنخبة املتعلمة. لك���ن هذا النمط من اال�ستهالك بد�أ يتغري مع تو�سع االقت�صاد اليمني يف ال�سبعينيات .ومنذ تلك الفرتة حتى حرب اخلليج الأوىل ،ا�ستفاد االقت�ص���اد اليمني من ماليني الدوالرات التي كانت جتنيها اليمن من احلواالت النقدية التي تر�سله���ا الأي���دي العاملة اليمني���ة يف اخلارج، خا�صة من ال�سعودية؛ ف�أدى االقت�صاد املتنامي �إىل انت�ش���ار م�ضغ القات ب�ي�ن طبقات املجتمع الدني���ا واملتو�سطة ،وازدادت كث�ي�ر ًا -وب�شكل مث�ي�ر -رقعة الأرا�ضي التي تزرع فيها �أ�شجار القات .لك���ن عندما قرر نظام احلكم احلايل بقيادة الرئي�س علي عبد اهلل �صالح عدم ت�أييد قوات التحالف التي قادتها الواليات املتحدة يف حرب اخلليج الأوىل ،قام���ت ال�سعودية ب�إلغاء ت�أ�شريات العمال اليمنيني؛ الأمر الذي ت�سبب
بعودة ثمامنائة �ألف عامل ميني .وبالرغم من خ�سارة �إيرادات احلواالت النقدية ،والتدهور االقت�صادي الذي �أعقب ذلك منذ الت�سعينيات حتى يومنا هذا ،ف�إن ا�ستهالك القات وزراعته ظال يف تزايد م�ستمر. �آثار القات االقت�صادية م���ن ال�صع���ب احل�ص���ول عل���ى �إح�صائي���ات اقت�صادي���ة دقيق���ة تتعل���ق بالق���ات ،غ�ي�ر �أنه ُيع َتق���د �أن �إنت���اج القات وبيع���ه ي�شكالن %25 من االقت�صاد اليمن���ي� ،إذ �أن %20من حجم العمال���ة الوطنية مرتبط ب�إنتاج القات وبيعه. ويق���در �أح���د التقاري���ر ال�صادر م�ؤخ���ر ًا عن وزارة الزراع���ة اليمني���ة �أن اليمنيني ينفقون عل���ى الق���ات 1.2ملي���ار دوالر �سنوي��� ًا .ومن���ذ مدة طويلة ،ح���ل القات ،باعتب���اره حم�صول �ُب� ،الذي اليم���ن النق���دي الرئي�سي ،حمل ال نُ تدهور �إنتاجه بثبات من���ذ ال�ستينيات («مين ت���ودي» 21 ،ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر .)2009 �إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك� ،أ�صبح���ت �أ�شج���ار القات تطغى على الأرا�ضي التي كانت تزرع -ب�شكل تقليدي � -أن���واع احلبوب املقاوم���ة للجفاف. وتقدر وزارة الزراعة اليمنية �أن زراعة القات تتو�س���ع مبع���دل �أربع���ة �آالف �إىل �ست���ة �آالف هكتار �سنوي ًا .وب�إمكان املزارعني اليمنيني �أن ينتجوا القات مبع���دل يبلغ خم�س مرات ،وهو معدل يفوق ما يتم �إنتاجه من حبوب .وتُنظم جت���ارة الق���ات م���ن قب���ل جمعي���ات ،ت�شرتي الق���ات م���ن املزارعني وتق���وم بتوزيع���ه على �شبك���ة من التجار وال�سما�س���رة املنت�شرين يف كل �أرجاء البالد .ونتيجة لذلك� ،أ�صبح الربح االقت�ص���ادي احلقيق���ي يقت�صر عل���ى قلة من النا�س؛ ممن ميتلكون امل���وارد املالية لت�سويق القات. وتفر����ض املحافظات يف اليم���ن �ضرائب على القات (� 26سبتمرب نت� 14 ،أيار/مايو) ،حيث يتم جم���ع ال�ضرائب من التجار الذين ميرون
عرب نقاط التفتي�ش ،وهم يف طريقهم بكميات الق���ات �إىل ال�س���وق .وم���ن امل�ستحي���ل تقريب ًا احل�صول على �أرقام �إح�صائية عن ال�ضرائب املفرو�ضة ،واملبالغ الت���ي يتم حت�صيلها ،غري �أن بع����ض امل�ص���ادر احلكومي���ة تق���در املبل���غ ح�صل من ال�ضرائب يف �أنحاء البالد ب�أكرث املُ ّ م���ن ع�شري���ن ملي���ون دوالر؛ وتق���ول امل�صادر نف�سه���ا �أن ن�سب���ة مئوية قليلة فق���ط من هذه ال�ضرائ���ب تتج���ه �إىل ميزانية الدول���ة ،بينما ح�صل م���ن ال�ضرائب يذهب معظ���م املبلغ املُ ّ �أدراج رياح الف�ساد املتف�شي. �إ�ضاف���ة �إىل جت���ارة الق���ات امل�شروعة ،هناك �سوق مربحة غري م�شروعة ت�صدر �أجود �أنواع الق���ات �إىل امل�شرتي���ن يف العربي���ة ال�سعودية. ومع �أنه من غري امل�سموح بيع و�شراء القات يف ال�سعودية� ،إال �أن هناك طلب كبري على القات ال�شامي الغايل والف ّعال ،الذي ينمو مبحافظة حجة اليمنية التي تقع على مقربة من احلدود ال�سعودي���ة (وكال���ة الأنب���اء اليمني���ة (�سب�أ)، � 20آذار/مار����س) .وال ُتع���رف كمي���ة الأموال ح�صلة من جتارة القات عرب احلدود ،لكن املُ ّ بع�ض امل�ص���ادر يف �صنعاء تق���در �أن عائدات القات املُه ّرب تتج���اوز ثالثني مليون دوالر يف ال�سنة. ال�ضغوط البيئية بالنظ���ر �إىل كون القات من الأ�شجار املقاومة للجف���اف �إىل حد ما ،ف����إن حم�صولها يزداد �إىل ثالث���ة �أو �أربع���ة �أ�ضع���اف �إذا ما ّمت ر ّيها. ونتيج���ة لهذا ،فقد ازداد عدد الآبار املحفورة ب�شكل كب�ي�ر يف املناط���ق املرتفع���ة .ومن بني ح ��وايل 55.000بئر عاملة ،ال متتلك الدولة �أو تق���وم بتنظيم �سوى ن�سب���ة قليلة جد ًا من هذا الع���دد .وق���د �أدى ذلك ،ف� ً ضال ع���ن ال�ضغط الناج���م عن مع���دل النمو ال�س���كاين املرتفع، �إىل معان���اة اليمن من نق�ص �شديد يف املوارد املائية («مين �أوبزيرفر»� 16 ،شباط/فرباير؛
«مي���ن بو�س���ت» 28 ،حزيران/يوني���و .)2009 وطبق��� ًا لربنام���ج الأمم املتح���دة الإمنائ���ي، �سيتج���اوز ع���دد ال�س���كان يف اليم���ن �أربع�ي�ن ملي���ون بحلول عام .2025وم���ع �أن اليمن تعد من �أقل بلدان العامل وفرة يف املياه العذبة� ،إال �أن تقديرات وزارة الزراعة اليمنية ت�شري �إىل �أن %30م���ن املياه املتوفرة يف اليمن ُي�ستخدم ل���ري �أ�شجار القات .وق��� ّدر م�صدر من داخل الهيئ���ة العامة للتنمية الريفي���ة �أن ن�سبة املياه امل�ستخدمة لري �أ�شجار القات �أعلى بكثري من التقديرات الر�سمية. وتزداد ح��� ّدة نق�ص املياه ب�ص���ورة خا�صة يف �صنعاء ،حيث ت�شري تقدي���رات برنامج الأمم املتح���دة الإمنائ���ي �إىل �أن مع���دل ا�ستخ���راج حو����ض املي���اه اجلوفي���ة ،الذي ي���زود �صنعاء باملياه ،يزيد بن�سبة 2.5مرة على معدل تغذية احلو����ض باملياه .كما تتوق���ع بع�ض الدرا�سات ّ �سيجف الت���ي �أجريت م�ؤخر ًا �أن هذا احلو�ض بحل���ول ع���ام .2017ونتيج���ة لنم���و املراك���ز احل�ضرية يف �صنعاء وتعز وب�صورة �أقل مدينة �إب ،ي���زداد ال�ضغط عل���ى الأحزمة الزراعية املهمة الت���ي حتيط بهذه املدن الثالث .وتقوم �ش���ركات نق���ل املي���اه اخلا�صة بالإغ���ارة على الآبار غري املنظمة الواقعة خارج املدن ،حتى تتمكن م���ن توفري املياه لزبائنه���ا من �ساكني امل���دن .ويف �صنعاء ،ميتلك كل من���زل تقريب ًا بئر ًا خا�ص ًا به �أو خزان مياه .وقد �أدى ال�ضغط الواق���ع على املناطق الريفي���ة املحيطة باملدن �إىل ن�شوب عدد من املواجهات العنيفة. امل�شاكل االجتماعية ت�شري التقاري���ر �إىل �أن متو�سط �إنفاق الأ�سرة اليمنية على القات يرتاوح بني � %10إىل %30 من دخله���ا .وه���ذا بالطبع ي�ش���كل م�شكلة يف �أي بل���د ،لكن ت���زداد حدة امل�شكل���ة يف اليمن ب�ص���ورة خا�ص���ة نظ���ر ًا لأن الدخ���ل القوم���ي الإجمايل (للفرد) ال يتج���اوز 900دوالر ًا .ويف ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
67
اليمن والعامل
عني على اليمن
املجتمع���ات التقليدية كاملجتم���ع اليمني غالب ًا ما يت���وىل الرجال �إدارة دخ���ل الأ�سرة ،ويويل الكثري منه���م �أهمية �أكرب ل�ش���راء القات بد ًال م���ن تلبية احتياجات الأ�سرة ،وهو ما ي�ؤدي يف النهاية �إىل خالفات �أ�سرية كثرية. وت�ؤث���ر �سلب ًا ن�سبة الوق���ت التي ت�ضيع يف �شراء الق���ات وم�ضغه يف مع���دل الإنتاجية يف البلد. فف���ي ال�ستينيات من الق���رن املن�صرم ،قدرت احلكوم���ة املارك�سية التي كان���ت حتكم اليمن اجلنوب���ي �آن���ذاك ب�أن �أك�ث�ر من �أربع���ة مليار �ساعة عمل ت�ضيع نتيجة لظاهرة م�ضغ القات. وم���ن الوا�ض���ح �أن هذا الرق���م يف ذلك الوقت كان عبارة عن دعاي���ة �أكرث منه حقيقة ،لكنه قد ال يكون الآن �أمر ًا مبالغ ًا فيه. �أم���ا مدى ت�أثري الق���ات يف �صحة متعاطيه فهو مو�ضوع جدل .ويتفق الكثري من اخلرباء حول حقيقة �أن القات ال ُي�سبب الإدمان من الناحية الف�سيولوجي���ة ،لك���ن له ب���كل ت�أكي���د �أعرا�ض ًا جانبي���ة ،منه���ا :الأرق ،وجن���ون االرتي���اب، وارتفاع �ضغط الدم ،وله عالقة طفيفة ببع�ض �سرطان���ات الف���م .وهن���اك قل���ق متنام���ي يف �أو�ساط الأطباء اليمنيني جتاه انت�شار ظاهرة م�ضغ الق���ات بني الأطف���ال� ،إذ �أنه �أ�صبح من غ�ي�ر الن���ادر �أن ت���رى �أوالد ًا يف �س���ن احلادية ع�شرة والثانية ع�شرة مي�ضغون القات .ويعتقد بع�ض الأطباء �أن الآثار اجلانبية للقات تظهر ب�شكل �أو�ضح عند �صغار ال�سن.
تنظيم ظاهرة م�ضغ القات و�إنتاجه؟ مل تب���ذل احلكوم���ة اليمنية �أي جه���دٍ حقيقي لل�سيطرة على ظاهرة ا�ستهالك القات� ،سوى بع����ض اجلهود ملنعه �أو احل���د منه يف �صفوف القوات امل�سلح���ة والأمن .وعلي �أية حال ،ف�إن ه���ذا اجلهد اقت�صر �إىل ح���د كبري على قوات نخبة معين���ة .وقد قامت ع���دد من املنظمات الأهلية ب�إط�ل�اق حمالت �ضد الق���ات ،لكنها مل تل���ق �س���وى جناح���ات حم���دودة� .إن عدم رغب���ة احلكوم���ة يف مواجه���ة ق�ضي���ة الق���ات ينبع م���ن حقيقة �أن القات ميث���ل جزء ًا مهم ًا م���ن االقت�صاد اليمني؛ ف�إذا م���ا �أ�صبح م�ضغ الق���ات ً عم�ل�ا غ�ي�ر قانوني��� ًا� ،أو حت���ى �إذا ما مت تنظيم���ه ب�ص���ورة كب�ي�رة ،ف����إن االقت�صاد اليمن���ي ّ - اله����ش يف الأ�ص���ل � -سينهار ،ولن تدوم ال�صدم���ة ق�صرية امل���دى ،ورمبا يندلع مت���رد �شامل يف �أرج���اء الب�ل�اد .فالكثري من القرى يف املرتفعات -التي هي موطن لبع�ض �أق���وى القبائل اليمني���ة -تعتمد �إىل حد كبري على املكا�سب العائدة م���ن بيع القات ،وتعمل ه���ذه الق���رى واملجتمع���ات املحلي���ة كدويالت ومتتلك تر�سانات ع�سكرية كتلك التي متتلكها الدويالت. وكما يبدو ف�إن احلكومة لي�س لديها خطط على املدى الق�صري �أو الطويل ملواجهة اال�ستهالك والإنت���اج املتزايدي���ن للق���ات� .أم���ا الربنامج ال���ذي ُنفّذ م�ؤخر ًا للحد من تو�سع رقعة زراعة
ر�سالة من �صنعاء :العالقة بني احلوكمة والأمن يف اليمن جيم�س م .دور�سي جملة «فو ِرن �أفريز» الأمريكية � 16شباط/فرباير 2010
الفناء الداخلي ملقر املرور يف العا�صمة اليمنية �صنع����اء �أ�شبه ب�سوق يف اله����واء الطلق ،حيث ت����رى يف ذلك الفناء املمتد �سائقني ي�ساومون 68
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
رجا ًال يرتدون مالب�س ر�سمية ،و�أيدي تتبادل النقود مقابل وثائق ت�سجيل لوحات ال�سيارات وتراخي�ص القي����ادة� .أما املبني����ان اللذان يف
�أ�شجار القات يف حمافظة ذمار ،فلم ي�ؤ ِّد �إىل �أي تخفي�ض���ات قابلة للقيا����س يف �إنتاج القات («مي���ن �أوبزيرفر»� 16 ،شباط/فرباير؛ «مين تامي���ز»� 5 ،آذار/مار�س) .كم���ا �أن قلة هطول الأمطار ع���ام ،2009وارتف���اع تكاليف املياه، ق���د زادا من ارتفاع �أ�سعار القات ،الأمر الذي �شج���ع املزارع�ي�ن عل���ى موا�صل���ة �إنتاجه ،ويف ّ حاالت كثرية عل���ى تو�سيع رقعة الأرا�ضي التي تزرع القات. اخلامتة تواجه حكومة اليمن كم ًا وفري ًا من التحديات اخلطرية على املديني الق�صري والطويل ،ومن غري املرج���ح �أنها �ستك���ون يف حلظة ما قادرة على معاجل���ة �إدمان البالد للقات .كما يواجه نظام الرئي�س �صالح حالي ًا حركات انف�صالية، ً ف�ض�ل�ا ع���ن التهدي���د الدائ���م ال���ذي ي�شكل���ه املتطرفون الإ�سالمي���ون .ونظر ًا لل�شعبية التي يحظى بها القات يف كل �أرجاء البالد ،ف�إن �أي حماوالت لفر�ض �ضرائب عليه �أو ملنعه �ست�ؤدي �إىل املزيد م���ن امل�شكالت للنظ���ام .ولكن من املحتمل �أن احلاجة �إىل الأمن الغذائي واملائي �ست�ؤدي �إىل اتخاذ بع����ض الإجراءات البطيئة واملتقطع���ة عل���ى امل�ست���وى املحل���ي ال�ستبدال القات باملحا�صيل الغذائية ،غري �أنه من امل�ؤكد �أن الداف���ع وراء مثل تلك الإج���راءات �ستكون ال�ضرورة ولي�س ال�سلطات احلكومية.
تل����ك امل�ساح����ة فهما خم�ص�ص����ان لعمل �أكرث تعقيد ًا ،ك�إ�ص����دار ال�شهادات التي ال ت�صرف �إال مبوافقة مدير عام املقر. ويف �أحد الأيام بعد الظهرية وقف رجل �أعمال ميني على �شرفة البيت املطلة على فناء مقر املرور ،وقال يل“ :هذه هي امل�شكلة .يجب �أن �أر�شي رجال ال�شرط����ة �أكرث من خم�س مرات لتحرير بالغ عن �سرقة �سيارتي .كل �شخ�ص �ش�أنه �ش�أن نف�سه ”.ثم انطلق م�سرع ًا باجتاه �أح����د كب����ار ال�ضب����اط ويف حقيبت����ه ق����ارورة وي�سكي ُمه ّربة. وتنت�ش����ر يف العا�صمة الكثري من هذه املواقف
امل�شابه����ة الت����ي تظهر غي����اب �سلط����ة الدولة و ُبنى ال�سلطة البديلة .ففي �صباح �أحد الأيام زرت وزارة الداخلي����ة وحتدث����ت مع �أحد كبار ال�ضباط الع�سكريني ،وكان م�شغو ًال على خط الهاتف حم����او ًال منع تفاقم ن����زاع على �أر�ض مبدينة عدن �أودى بحياة �شخ�صني من �أبناء عمومت����ه ،و�أو�ض����ح يل �أن ق�ضي����ة النزاع على الأر�����ض ت�أخذ جمراها يف املحكمة �أما ق�ضية القتل����ى فه����ي م�س�أل����ة م��ت�روك حله����ا لطريف الن����زاع .وق����د كان يح����اول �إقن����اع ال�شرط����ة مب�ص����ادرة الأ�سلحة التي متتلكه����ا الأ�سرتان املتعاديت����ان ،والتو�صل �إىل اتفاق يتم مبوجبه تعوي�����ض �أ�سرته عن القتيل��ي�ن .وخاطبني بني املكامل����ات الهاتفية الت����ي كان يجريها ،قائ ًال: “هذا جنون”. ويف خ�ض����م مثل ه����ذا الو�ضع ال����ذي تتناف�س في����ه ال�سلط����ات ال�سيا�سية والقبلي����ة ويحاول امل�سئول����ون ا�ستخ����دام نف����وذ �سلطاته����م ال�شخ�صي����ة لدع����م دخله����م الزهي����د ،تظهر اجلماع����ات “املتم�صلحة” لتملأ الفراغات، وحت����اول ا�ستغ��ل�ال الو�ضع ال����ذي ال ي�ستطيع يف ظل����ه الرئي�س علي عب����د اهلل �صالح فر�ض النظ����ام والقانون على بع�����ض املناطق �إال من خ��ل�ال �إناب����ة ق����ادة القبائل املوال��ي�ن للدولة. وتق����وم تل����ك اجلماع����ات ب�ش����راء والء بع�ض فئ����ات ال�شع����ب ،وتتحك����م يف ال�صراع����ات ص����ب يف م�صاحله����ا الداخلي����ة املحلي����ة لت� ّ الآني����ة .فعلى �سبيل املثال ،يرددون حقيقة �أن القبائ����ل التي ت�سكن املناط����ق الغنية باملوارد ال حت�ص����ل عل����ى ن�صيبها م����ن الفوائ����د التي تعود على البالد م����ن خمزون الغاز والنفط. ويحاول فرع “القاعدة” الإقليمي -القاعدة يف �شبه جزيرة الع����رب -ك�سب ت�أييد النا�س من خ��ل�ال امل�ساعدة على حف����ر الآبار ،ودفع تكالي����ف العناي����ة ال�صحي����ة للمحتاج��ي�ن من فئ����ات ال�شع����ب .وامل�ستفي����د من تل����ك الهبات ال�سخي����ة الت����ي تقدمها التنظيم����ات هي عدد
من اجلماع����ات القبلية والدينية وال�سيا�سية، ومنه����ا :تنظي����م القاع����دة يف �شب����ه جزي����رة العرب؛ واجلماع����ات ال�سلفي����ة املتزمتة غري امل�سي�س����ة ،وه����ي اجلماع����ات الت����ي حت����اول االقتداء بخلفاء الر�سول الأوائل؛ واجلماعات الوهابية ،وه����م �أن�صار املذه����ب الوهابي يف ال�سعودية؛ والقبائل املحلية. وال�ص����راع -ال����ذي تُر�س����خ املظ����امل املحلي����ة ج����ذوره -ال منا�����ص منه ،وق����د �أ�شعل غياب الدول����ة املتما�سك����ة يف اليمن حرب���� ًا �ضرو�س ًا يف �شم����ال اليمن بني احلوثي��ي�ن وقوات الأمن الت����ي تدعمه����ا ال�سعودي����ة ،و�أدى �إىل ت�شكيل ح����راك انف�صايل يف جنوب اليم����ن ،و�أعطى للقبائ����ل مربرات للتحالف م����ع “القاعدة يف �شب����ه جزي����رة الع����رب” .كما ت�سب����ب انعدام امل�سئولي����ة وتف�شي الف�س����اد يف تبديد عائدات البالد من املوارد النفطية واملائية املت�ضائلة. ونتيج����ة لكل ذلك ،وبح�سب معلومات م�شروع �إدارة مياه حو�����ض �صنعاء الذي مي ّوله البنك ال����دويل ،تتجه �صنعاء خ��ل�ال الع�شر �سنوات املقبل����ة �إىل �أن ت�صبح �أول عا�صمة يف التاريخ احلدي����ث تن�ض����ب مواردها املائي����ة عن بكرة �أبيها. وبع����د املحاول����ة الفا�شل����ة لتفج��ي�ر الطائ����رة املتجه����ة �إىل “ديرتوي����ت” ليلة عي����د امليالد، �أ�صب����ح اليم����ن حمور اجله����ود الغربي����ة التي تب����ذل ل�ض����رب العنا�ص����ر اجلهادي����ة العاملية كعنا�صر “القاعدة يف �شبه جزيرة العرب”. وباعتباره����ا من �أفقر بلدان الع����امل العربي، ف�����إن اليم����ن خري مث����ال عل����ى م����دى �صعوبة احت����واء املقاتل��ي�ن وقدراته����م عل����ى ا�ستغالل املظامل املجتمعية املنت�شرة ،مبا فيها احلقوق الثقافي����ة والتطلع����ات االقت�صادي����ة الكئيب����ة وتف�ش����ي الف�س����اد وال�ش����كاوى حي����ال توزي����ع ال�سلطة بطريقة غري مت�ساوي����ة .و�أي�ض ًا تبني حالة اليم����ن امل�شكالت الناجت����ة عن اعتماد الغرب على حلفاء لهم �سيا�سات داخلية تثري
الت�سا�ؤل ،وهو الأمر الذي يجعل من ال�صعب، يف الواقع ،الت�أكد من �أن الإعانات التي تمُ نح للحكوم����ة تذه����ب �إىل م����ا �س ُيح�سِّ����ن �أو�ضاع حي����اة النا�س .ويف الوقت نف�سه ،تتعقد عملية معاجلة املظ����امل التي تتغ����ذى عليها عنا�صر املقاتلني ،نظر ًا للم�شاعر املناه�ضة لأمريكا، وعدم الثقة يف تدخالت ال�سيا�سة الغربية. ويب��ي�ن الظه����ور اجلدي����د لف����رع القاع����دة يف اليم����ن ،بع����د مرور �سب����ع �سنني من����ذ �أن ظن الكثري �أن ه����ذه اجلماعة قد تفرقت على �إثر مقتل زعيمها �أبو علي احلارثي يف الغارة التي نفذته����ا طائرة من دون طي����ار تابعة للواليات املتح����دة ،القدرات املح����دودة للمنهجية التي ي�ستح����وذ عليه����ا الهاج�����س الأمن����ي لإحل����اق الهزمية بالعنا�صر املقاتلة ،حيث �أن القاعدة يف اليمن قد مت ّكنت م����ن �إعادة بناء �صفوف عنا�صرها كجماعة غري مركزية مطلعة على املظ����امل املحلية .ولذلك ال يبدو �أن قطع ر�أ�س الأفعى �سيحل امل�شكلة. �أم����ا يف الوالي����ات املتح����دة و�أوروبا فق����د بد�أ يظه����ر �إجم����اع على �أن����ه �سيكون لزام���� ًا على ال�سعودي����ة ودول اخللي����ج الغني����ة بالنف����ط �أن تلع����ب دور ًا �سيا�سي���� ًا ومادي���� ًا يف �إقن����اع حكوم����ة �صالح على املب����ادرة بتنفي����ذ عملية الإ�صالح����ات ،وه����و الأمر ال����ذي يتطلب من ال�سعودية ودول اخلليج تغيري �سيا�ساتها جتاه اليمن ،والتوقف ع����ن التدخل يف ال�صراعات الداخلية يف اليمن ،وال�سعي بد ًال من هذا �إىل حلها .فف����ي ال�شهور الأخ��ي�رة ان�ضمت قوات �سعودي����ة �إىل حكوم����ة �صال����ح ملحاربة التمرد القبل����ي يف �شمال اليمن ،الذي �أثارته املظامل االجتماعية واالقت�صادي����ة والثقافية .كما �أن هدن����ة وقف �إطالق النار مع ال�سعودية ،والتي �أعلن عنه����ا املتمردون وو�صفتها اململكة ب�أنها انت�ص����ار ع�سك����ري لقواته����ا ،ق����د تبخرت مع جتدد القتال .وف�شلت قبل ذلك هدنة توقيف �إط��ل�اق النار الت����ي تو�سطت فيه����ا قطر عام ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
69
اليمن والعامل
عني على اليمن
،2008عندما رف�ض �صالح تنفيذها بنا ًء على الن�صح ال���ذي �أ�سدته له ال�سعودية .ولن تُكتب حي���اة طويلة للهدن���ة املربمة م�ؤخ���ر ًا لإيقاف �إط�ل�اق النار بني الق���وات اليمنية واملتمردين �إذا مل تت���م معاجل���ة ال�ش���كاوى الثقافي���ة واالقت�صادي���ة ،وه���و م���ا يتطلب التع���اون من اجلانب ال�سعودي. وينبغ���ي عل���ى دول جمل�س التع���اون اخلليجي الغني���ة بالنف���ط النظر يف ال�سم���اح ل�شقيقتها الفق�ي�رة باالن�ضم���ام �إىل املجل�س .واحل�صول على ع�ضوي���ة املجل�س حلم ي���راود اليمن منذ زمن طوي���ل ،غري �أن �ش���روط حتقيقه �ستكون يف غاية ال�صعوبة ،وهو امل�ضمار الذي يرف�ض جمل����س التعاون اخلليج���ي �أن يخو����ض غمار �سباقه .ويف الواقع ،تفاقم الو�ضع االقت�صادي يف اليم���ن نتيجة طرد العمال���ة اليمنية خالل العقدي���ن املا�ضي�ي�ن م���ن ال�سعودي���ة ودول اخللي���ج ،الت���ي تعتم���د كث�ي�ر ًا عل���ى العمال���ة الأجنبية .وميكن لدول جمل�س التعاون حتفيز اليم���ن للقيام بالإ�صالح���ات االقت�صادية من خ�ل�ال �إب���رام اتفاقي���ات عم���ل تنظ���م هجرة الأي���دي العامل���ة وتوقف عملي���ات الت�سلل غري القانوني���ة عرب احلدود ال�سعودي���ة ،التي يقوم بها اليمنيون �شدي���دي احلاجة للح�صول على فر�صة اقت�صادية. �إن ح�ش���د اجله���ود ال�سعودي���ة ودول اخللي���ج للم�شاركة يف عملي���ة ا�ستقرار اليمن �سيتطلب �أي�ض��� ًا منها توقيف الدعم املادي الذي تقدمه للجماع���ات القبلي���ة داخ���ل اليم���ن ل�ضم���ان والئه���ا ،الأم���ر الذي ي�ضعف الدول���ة املركزية يف �صنع���اء .كم���ا �سيحتم ذلك توق���ف رعاية ال�سعودية لعمليات ك�س���ب الأن�صار التي تقوم به���ا الطوائف ال�سلفي���ة والوهابية -الطوائف التي ال تتف���ق �أغلبيتها مع التطلعات اجلهادية لعنا�ص���ر “القاعدة يف �شب���ه جزيرة العرب” ولكنه���ا ت�سه���م يف خل���ق بيئ���ة ع���دم الت�سامح والتزمت العقائدي الديني .فالتعدّي الوهابي عل���ى ال�شيعة يف �شمال اليم���ن هو من الدوافع وراء التمرد يف ال�شمال. وي�ص���ل ت�أث�ي�ر املف�سرين للتعالي���م الإ�سالمية 70
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
املت�شددي���ن �إىل امل�ساج���د ع�ب�ر الب�ل�اد الت���ي يخطب فيه���ا �أئمة �سلفيون ووهابيون .و�أحيان ًا تقوم الدولة ببع�ض الإجراءات لت�ؤكد �سلطتها ومتن���ع املت�شددي���ن الديني�ي�ن م���ن الت�صرف ح�س���ب هواه���م و�أخ���ذ حقوقه���م ب�أنف�سه���م. فق���د قامت ال�سنة املا�ضي���ة ،على �سبيل املثال، باتخ���اذ �إج���راءات �صارم���ة ب�ش����أن حم�ل�ات للتدلي���ك ال�صين���ي يف �صنع���اء بع���د �أن ح���ذر �أح���د �أع�ضاء جمل�س النواب من �أن املت�شددين الإ�سالميني �سي�ستهدفونها �إذا ما ف�شلت الدولة يف �إغالقها .ومثل هذه اخلطوات ت�ؤكد على �أن املت�شددي���ن الإ�سالميني �سينا�صرون الدولة يف جهودها للتغلب على االنف�صاليني يف اجلنوب. ويبدو �أن خيار الدولة لإ�شراك املقاتلني ناجح، حت���ى �أن ال�شيخ عبد املجي���د الزنداين -الذي �أدرجت وزارة اخلزانة الأمريكية ا�سمه �ضمن قائم���ة الإرهابي�ي�ن العامل�ي�ن � -أعل���ن دعم���ه للرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح يف احلرب على عنا�صر “القاعدة يف �شبه جزيرة العرب”. غري �أن جل�سات القات واحلوارات مع اليمنيني املتحررين ،والق�ص�ص الت���ي غالب ًا ما ي�صعب التحق���ق م���ن �صحته���ا ،مليئ���ة بالروايات عن �سلفي�ي�ن ووهابي�ي�ن يفر�ض���ون معتقداته���م املت�ش���ددة عل���ى املجتمع���ات املحلي���ة ويقيمون الع���دل ب�أنف�سه���م .وتقول الرواي���ات �أن �إحدى اجلماع���ات ال�سلفي���ة هدمت بناي���ة من ثالثة طاب���ق يف �صنع���اء وهي مل���ك الم���ر�أة يف �سن الثالث���ة وال�سبع�ي�ن ،بع���د اتهامها ب����إدارة بيت دع���ارة .وعندم���ا مت تق���دمي مرتكبي اجلرمية ال�سلفي�ي�ن للمحاكمة مل يتط���وع �سوى حمامي واحد للدفاع عن املر�أة ،لكنه ان�سحب بعد �أول جل�سة ،مدعي ًا �أن احلكم بالرباءة قد تقرر قبل �أن ت�س�ي�ر �إج���راءات رفع الدع���وى .ويف حادثة �أخ���رى ،قال �صحفي ميني �أن���ه ت�أكد من ق�صة قت���ل �أب وابن���ه التهامهم���ا بتوجي���ه �صحنهما الالق���ط للب���ث الف�ضائ���ي باجت���اه �أوروبا لكي ي�ستقبل���وا قن���وات �إباحية .وبغ����ض النظر عن مدى �صح���ة تلك الروايات ،ف����إن ق�ص�ص ًا من ه���ذا النوع تعك�س �ص���ورة ملجتم ٍ���ع ُم َ �ستقطب تكون في���ه اجلماعات التي ت�شج���ع مبد�أ عدم الت�سام���ح هي �صاحبة الي���د العليا ،ودون رادع
لها. وقبل حماولة التفجري ليل���ة عيد امليالد كانت الوالي���ات املتح���دة وحلفائه���ا ق���د خ�ص�صت ح���وايل خم�س���ة ملي���ار دوالر ك�إعان���ة لليمن، لك���ن عدم مق���درة اليمن عل���ى ا�ستيعاب هذا املبلغ وتفاقم درج���ة الف�ساد حرما البالد من اال�ستف���ادة م���ن معظم املبلغ املر�ص���ود .وهذا يعن���ي �أن الدعم الكب�ي�ر لليمن هو يف الأ�سا�س دع���م يتعل���ق بال�ش����ؤون الع�سكري���ة والأمني���ة والقانونية ،بينم���ا ال تتلقى الق�ضايا الرئي�سية عالج��� ًا ناجع��� ًا .وغالب��� ًا م���ا يقي���م موظف���ي الإعان���ات الغربي���ة يف فندق “�إريبي���ا فيلك�س (العربي���ة ال�سعي���دة)” ب�صنعاء مل���دة �أ�سابيع لكي يقنعوا امل�سئولني مبنحهم وثائق الت�سجيل والرتاخي����ص الر�سمي���ة الت���ي يحتاجونه���ا. وتتعرق���ل عملي���ة الإج���راءات يف الغال���ب لأن املنظم���ات غ�ي�ر احلكومي���ة ال تق���دم الر�شوة لأحد ،لكن �إ�صرارها عادة ينت�صر و ُي�سمح لها بتنفيذ م�شاريعها على م�ستوى املجتمع املحلي. وت�ستفيد ه���ذه امل�شاريع ،الت���ي غالب ًا ما تعالج املظامل التي تغ���ذي “القاعدة يف �شبه جزيرة العرب” ،من الدعم املادي الإ�ضايف. ولق���د تقرح���ت امل�ش���كالت التي تواج���ه اليمن لعدد من ال�سنني ،وحماولة معاجلتها لتجفيف موارد اجلماعات املتطرفة من �أمثال “القاعدة يف �شب���ه جزي���رة الع���رب” هي مهم���ة معقدة وطويلة الأمد وم�ضنية جد ًا .واحتواء املقاتلني و�إ�شعال فتي���ل اخلالف بينهم وب�ي�ن حلفائهم املحلي�ي�ن هي �أه���م اخلط���وات الأوىل ،لكن يف ظل انعدام وجود جهود ملمو�سة حلل م�شكالت اليمن -كغياب اخلدم���ات الأ�سا�سية ،والآفاق االقت�صادي���ة القامت���ة ،و�س���وء �إدارة م���وارد الب�ل�ادّ ، وتف�شي الف�س���اد ،واملحاباة الوظيفية، وغي���اب ال�شفافية -ل���ن تتمكن تلك اخلطوات من حتقي���ق جناح���ات ا�سرتاتيجي���ة .وقد ه ّز ال�صحف���ي اليمن���ي زي���د عل���ي العلي���ان ر�أ�سه بي�أ����س ،قائ�ل�ا“ :هن���اك الكثري م���ن امل�شاكل، وه���ي تت�ضاعف با�ستمرار .ومن يدري عما �إذا �ستتمكن اليمن من ال�صمود؟ واملبد�أ اليوم هو “كل م���ا فيها يل؟” والنا�����س بحاجة للأمل. وال بد من االنطالق من �أي نقطة”.
�أزمة اجلوع يف اليمن متثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي وليم المبرِ ز �صحيفة «�أمريكان كورنيكل» الأمريكية � 3أيار/مايو 2010
�ص��� ّرح كل م���ن الرئي����س ب���اراك �أوبام���ا، ووزي���رة خارجي���ة الوالي���ات املتح���دة هي�ل�اري كلينت���ون ،ب����أن وج���ود مين قوي وم�ستق���ر ه���و م���ن �أه���م �أولوي���ات الأمن القومي (الأمريكي) .و�أكد جمل�س ال�شيوخ الأمريك���ي ،م�ست�شه���د ًا بوج���ود عنا�ص���ر تنظي���م القاع���دة ،على ال�ش���يء نف�سه من خ�ل�ال �إ�صدار قرار .ولك���ن يبقى ال�س�ؤال: �أين الغذاء؟ لق���د �أعلن برنام���ج الغذاء العامل���ي التابع ل�ل��أمم املتح���دة �أن���ه �سيتم تق�سي���م امل�ؤن الغذائي���ة �إىل ن�صف�ي�ن عل���ى 250.000 مواطن ميني نزحوا جراء ال�صراع القائم بني قوات احلكومة واملتمردين� .أما برامج الإعان���ات الغذائي���ة الأخرى فق���د توقفت من���ذ الع���ام املا�ضي .مل���اذا؟ لقل���ة الدعم املايل املقدم لربنامج الغذاء العاملي ،وكل هذا يح���دث يف بلد يعاين به واحد من كل ثالثة �أ�شخا�ص من اجلوع املزمن. ويق���وم برنام���ج الغ���ذاء العامل���ي ب���كل ما ي�ستطيع مبخزون���ه الغذائي املحدود ،لكن �إذا مل يت���م احل�صول عل���ى م�صدر جديد للدعم املايل ف�س���وف تنهار برامج الغذاء متام��� ًا يف نهاي���ة مو�س���م ه���ذا ال�صي���ف. وكما ه���و ل�سان احل���ال الآن� ،سيكون على اليمني�ي�ن االعتم���اد عل���ى امل����ؤن الغذائية القليلة ،الأمر ال���ذي ترتتب عليه خماطر
�س���وء التغذية للكثري م���ن املواطنني ،مبن فيه���م الأطف���ال .وال ي�ستطي���ع �أح���د بناء �أ�سا����س لل�سالم واال�ستق���رار يف بلد يعاين ه���ذه املعاناة .وكما قال الرئي�س الأمريكي ه���اري ترومان ع���ام ،1946ف�إنه «ال ميكن بن���اء نظام عامل���ي �سليم عل���ى �أ�سا�س من املعاناة الب�شرية». يف �أيام ترومان كان الغذاء عن�صر ًا هام ًا يف ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية ،عندما كان����ت حت����اول �إحي����اء االقت�ص����اد العاملي ومقاوم����ة انت�ش����ار ال�شيوعي����ة .وحمارب����ة اجل����وع الي����وم ال تق����ل �أهمي����ة ع����ن ذلك، خا�ص ًة و�أن الوالي����ات املتحدة حتاول خلق اال�ستق����رار يف اليمن وغريها من املناطق الأخ����رى م����ن �أج����ل حمارب����ة الإره����اب والتطرف. وميكن الئتالف من الأمم بقيادة الواليات املتح����دة التعام����ل م����ع الأزم����ة الغذائي����ة الو�شيك����ة يف اليم����ن ،وعليهم فع����ل �شيء �سريع؛ فاجلوع و�س����وء التغذية يف �أو�ساط الكثريين لن تثمر عن �شيء �سوى الإ�ضرار بعملي����ة ال�س��ل�ام .يق����ول من�س����ق مكافحة الإره����اب الأمريك����ي داني����ال بينجام��ي�ن: «عندم����ا ت�صب����ح حكوم����ة اليم����ن �أك��ث�ر �شفافي����ة وجتاوب ًا مع مطال����ب مواطنيها، ف�إن بذور التط����رف والعنف �ستجد �أر�ض ًا �أقل خ�صوبة.» ..
و�أول و�أه���م مطال���ب ال�شع���ب اليمن���ي الأ�سا�سي���ة ه���و توف�ي�ر الغ���ذاء وال�شراب وامل����أوى ،فه���م يريدون الف���رار من براثن الفق���ر قب���ل �إمكاني���ة ظه���ور مي���ن ينع���م بال�س�ل�ام واال�ستقرار وع���دم العنف .ومن �أهم املجاالت التي يتم جتاهلها حالي ًا هي العناية الغذائية بالأطفال .فكيف يعقل �أن تع���اين برامج التغذية املدر�سي���ة للمواليد من قل���ة الدعم امل���ايل يف �أي بلد ،ناهيك عن بلد يعت�ب�ر �أولوية م���ن �أولويات الأمن القومي؟ يف ع���ام 1946ق���ال الرئي����س تروم���ان يف خط���اب ل���ه ع�ب�ر الإذاع���ة ع���ن املجاعة العاملية« :ال ميكننا جتاهل �صراخ الأطفال اجلائع�ي�ن» .ولكن للأ�سف ه���ذا ما جنده اليوم يحدث ،ووجود طفل يكافح من �أجل احل�صول على ما يكفيه من الغذاء هو دليل على وجود �سيا�سة خارجية فا�شلة .وميكن ملبل���غ يقارب 78ملي���ون دوالر من الواليات املتحدة وحلفائها �أن يجدد برنامج الغذاء العاملي يف اليمن خالل هذا العام. وبالإ�ضاف���ة �إىل االحتياج���ات ال�ضرورية، م���ن املمكن �إط�ل�اق ا�سرتاتيجي���ة غذائية �شاملة جتتث ج���ذور الأ�سب���اب الأ�سا�سية وراء اجل���وع والفق���ر ،اللذي���ن يع�صف���ان بالبل���د .وه���ذا �سيت�ضم���ن �إع���ادة وتعزيز برنام���ج «الغذاء مقاب���ل التعليم» اخلا�ص بالطفولة الذي مت تعليق���ه منذ حزيران/ يوني���و املا�ض���ي .وتعترب مب���ادرات التغذية كالتغذي���ة املدر�سي���ة من الو�سائ���ل القوية ملحارب���ة اجل���وع والفق���ر .ولكن م���ن دون الدع���م امل���ايل م���ن املجتم���ع ال���دويل لن تنه�ض هذه املبادرات من الأر�ض ،و�سيظل ال�سالم واال�ستقرار يف اليمن �أمر ًا مراوغ ًا، بل ومدمر ًا للجميع وبالأخ�ص لنا نحن. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
71
اليمن والعامل
عني على اليمن
بني غالفيـن
من�شورات حديثة حول اليمن
ي�سل����ط الق�سم اجلديد من «ع��ي�ن على اليمن» ال�ضوء عل����ى �أحدث املن�شورات عن اليم����ن� ،سواء �أكانت يف �شكل كتب �أو تقاري����ر �أو �أوراق بحثية وغريها من املن�شورات .والقائمة التالية ق����د ال تكون �شاملة بال�رضورة ،بل هي عينة خمتارة وانتقائية� ،إذ ترك����ز على حديث الإ�صدارات باللغتني العربية والإجنليزية ب�شكل �أ�سا�سي.
املحــور
املراقب الإ�سرتاتيجي وم�سارات الغد اليومـة العــدد �سيا�ساتق�ضي ـ
«»Regime and Periphery in Northern Yemen: The Huthi Phenomenon
«النظام والهام�ش يف �شمال اليمن :ظاهرة احلوثي»
ت�أليف :بارك �ساملوين ،وبراي�س لويدولت ،ومادلني ويلز (م�ؤ�س�سة راند)2010 ، ت���رى ه���ذه الدرا�سة املطولة (�أك�ث�ر من � 400صفحة) لل�صراع امل�سلح الذي دار حتى وقت قريب يف حمافظة �صع���دة ومنطقة حرف �سفيان ،الواقعتني �شمايل اليمن ،بني ال�سلطات اليمنية واملتمردين احلوثيني ،وهي درا�سة قام ب�إعدادها فريق من الباحثني يف م�ؤ�س�سة راند البحثية الأمريكية املقربة من وزارة الدفاع (البنتاغون)� ،أن هذا ال�صراع ي�شكل �أحد ركائز عدم اال�ستقرار يف اليمن .ويعتقد معدو الدرا�سة �أن اتفاق وقف �إطالق النار الأخري بني احلكومة واحلوثيني ال ي�ش�ي�ر �إىل ح�ص���ول نهاية لل�صراع اعتماد ًا عل���ى ما �أثبتته جتارب اجلوالت ال�سابقة من املواجهات بني الطرف�ي�ن .وتتعمق الدرا�سة يف بحث جميع اجلوانب املتعلقة باحلرب يف �شمال اليمن وحتديد ًا ما يتعلق بظاهرة احلوثي ،وت�ستقرئ تطور الظاهرة ،وتبينّ تعقيداتها باحثة يف خلفياتها الإيديولوجية وال�سيا�سية، وكيف حتولت �إىل حركة م�سلحة مثلت تهديد ًا خطري ًا ل�شرعية الدولة اليمنية .وتربز الدرا�سة التكتيكات الع�سكرية والدعائية التي جل�أ �إليها الطرفان خالل ج���والت القت���ال الت���ي تعاقبت بينهما ،وتتمي���ز – �أي الدرا�سة -بعر�ضها امل�سهب لتفا�صيل جوالت ال�صراع وتداعيات���ه من جميع النواحي ،م�ستخدمة اجلداول واخلرائط وال�صور التو�ضيحية ،الأمر الذي يجعلها الدرا�سة الأ�شمل والأعمق والأكرث �إحاطة بتف�صيالت هذا ال�صراع وتعقيداته حتى الآن. Yemen: Dancing on the Heads of Snakes
«اليمن :الرق�ص على ر�ؤو�س الثعابني»
ت�أليف :فيكتوريا كالرك (ييل يونيفر�ستي بر�س.)2010 ، يت�ضمن هذا الكتاب الذي �ألفته فيكتوريا كالرك املرا�سلة ال�صحفية الربيطانية ،ومديرة مكتب «الأوبزيرفر» بالعا�صمة الرو�سية مو�سكو ،حماول ًة لر�سم �صورة بانورامي���ة ع���ن الأو�ضاع يف اليمن ،والذي مير حالي ًا بفرتة ع�صيبة من تاريخه املعا�صر احت�ش���دت فيها جمموعة من التحديات ملقية بظاللها على م�ستقبله. وت�ص���ل امل�ؤلف���ة ،بعد عر�ض �شامل لتلك التحديات التي تواجه اليمن معتمدة يف ذلك على ع�ش���رات املقابالت مع �سيا�سيني ،و�أكادمييني ،ووجهاء وم�شايخ ،بل وحت���ى م���ع بع�ض امل�شتب���ه يف عالقاتهم بالإرهاب وتنظيم «القاعدة» ،ت�صل �إىل خال�صة تتمنى من �سا�سة الغ���رب �أن ي�صغوا �إليها عند تعاملهم مع هذا البلد، وهي �أنهم لن يكونوا على �صواب �إطالق ًا �إذا ما حاولوا فر�ض �أجندتهم على بلد معقد وعنيد كاليمن الذي مل ينجح الغزاة عرب التاريخ يف فر�ض �إرادتهم عليه. دون �أن يعن���ي ذل���ك �أن يتجاهلوه وما يحدث فيه من تطورات مقلقة ،ب���ل �أن يعملوا على منعه من التحول �إىل دولة فا�شلة �أخرى مثل �أفغان�ستان وال�صومال� ،إذ �ستكون لذلك عواقب �أوخم مبا ال يقا�س ،جلهة املوقع اال�سرتاتيجي املهم لليمن يف جنوب اجلزيرة ،ولقربه من منابع النفط ،وحتكمه يف باب املندب يف الطرف اجلنوبي للبحر الأحمر. «”The Battle for Yemen: Al-Qaeda and the Struggle for Stability
املعركة من �أجل اليمن« :القاعدة» والكفاح من �أجل اال�ستقرار
ت�أليف :جمموعة من الباحثني (جيم�س تاون فاوندي�شن)2010 ، يعر����ض ه���ذا الكت���اب الذي �ألف���ه جمموعة من الباحثني واخل�ب�راء الغربيني والع���رب للتحديات الت���ي واجهتها اليم���ن وال تزال ،ال�سيما يف جم���ال الإرهاب والتنظيم���ات الإ�سالمي���ة املتطرف���ة .ويق���دم الكتاب الذي يجمع ب�ي�ن دفتيه عدد ًا كبري ًا م���ن التحليالت التي �سب���ق �أن ن�شرتها م�ؤ�س�سة جيم����س تاون البحثية الأمريكية �ضمن �سل�سلتي «مر�صد الإرهاب» و«مراقبة الإرهاب» خالل ال�سنوات ال�ست املا�ضية� ،أي منذ عام .2004وميثل هذا الكتاب �أداة بحثية حيوية وغاية ومف�صلني لل�صراع التي تخو�ضه اليمن من �أج���ل حتقيق اال�ستقرار ،وكذلك للحركات يف الأهمي���ة لأولئ���ك الذين ي�سعون للإحاطة بتحليل وتو�صي���ف معمّقني ّ ضال عن ال�شخ�صيات الراديكالية التي ت�سعى لتقوي�ض احلكومة اليمنية و�شراكتها مع الواليات املتحدة يف املختلف���ة الت���ي ت�شكل البيئة الأمنية يف هذا البلد ،ف� ً �إطار احلرب على الإرهاب. «»What Comes Next in Yemen? Al-Qaeda, the Tribes, and State-Building
YEMEN: ON THE BRINK
العراق و�آفاق ما بعد االنتخابات الت�شريعية ناظـم اجلا�سـور ظل املر�شد الأعلى بوزيدي يحيى
A Carnegie Paper Series
«ماذا �سيحدث بعد يف اليمن؟ تنظيم القاعدة والقبائل وبناء الدولة»
ت�أليف� :سارة فيليب�س (�سل�سلة �أوراق كارنيغي ،م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم العاملي� ،آذار/مار�س )2010 تنطل���ق ه���ذه الورقة التي �أعدتها باحثة �أ�سرتالية مهتمة بال�ش�ؤون اليمنية ،من فر�ضية مفادها �أن وا�ضعي ال�سيا�سات يف الواليات املتحدة ويف الغرب يتدافعون حالي��� ًا لل���ر ّد بحزم على عدم اال�ستقرار يف اليمن ،وذلك بعد ربط الهجوم الفا�ش���ل يف عيد امليالد املا�ضي على طائرة ركاب �أمريكية بتنظيم القاعدة يف �شبه جزي���رة الع���رب ،وال���ذي يتخذ من اليمن مقر ًا �إقليمي ًا لن�شاطاته الإرهابي���ة .وتو�ضح �سارة فيليب�س يف العدد الأول من �سل�سل���ة �أوراق �شرعت م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�س�ل�ام العامل���ي يف �إعدادها م�ؤخ���راً ،وحتمل عنوان ًا عري�ض ًا «اليمن :على �شف���ا الهاوية»� ،أنه على الرغم من �أن بع�ض املناط���ق يف اليمن يفتقر �إىل ال�سيطرة الر�سمي���ة للدول���ة� ،إال �أنّ ذلك ال يعني �أنّ هذه املناطق غري خا�ضعة للحك���م ،فثمة �آليات حملية حتافظ على قدر من النظام .وتعتقد �أن تنظيم القاعدة ي�سعى �إىل تق���دمي نف�س���ه كبديل للنظام ،لكنه كلما ازداد ق ّو ًة و�سعى �إىل فر�ض �سيطرته على مزيد من الأرا�ضي ،خاطر بالدخول يف مناف�سة مع القبائل املحلية .كما جتادل امل�ؤلفة ب�أنّ هناك حدودًا ملا ميكن �أن ينجزه التدخل الأجنبي يف اليمن والهادف �إىل حماربة تنظيم القاعدة يف هذا البلد ،م�ضيف ًة �أنّ النظام ال�سيا�سي اليمني يف حاجة �إىل �أن ي�صبح �أق ّل مركزية و�أكرث �شمو ًال لكي يتم التغلب على حت ًّد متنامٍ كالذي ي�شكله تنظيم القاعدة. ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو 2010 72 What Comes ?Next in Yemen Al-Qaeda, the Tribes, and State-Building Sarah Phillips
Middle East Program
Number 107 March 2010
فو�ضى فـي مقدي�شو عطية عي�سوي الوجه اجلديد ل�سيا�سة ليبيا اخلارجية �أمرية حممد عبداحلليم ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
ا�سرتاتيجية
العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
2010
ا�سرتاتيجية
73
املراقب اال�سرتاتيجي
نتائج م�ضطربة ونفق �ضيق
العراق و�آفاق ما بعد االنتخابات الت�شريعية ناظـم اجلا�سـور
al_jassour_8@yahoo.com
يف الوقت الذي ان�شغلت فيه الكتل ال�سيا�سية العراقية بجدالها ال�سيا�سي العقيم حول نتائج االنتخابات امل�ضطرب���ة ،و�أيّ الكت���ل لها الأحقي���ة بت�شكيل احلكومة املقبلة ،وتف�سري امل���ادة 76من الد�ستور النافذ، �أ�ص���درت الهيئ���ة الق�ضائي���ة التمييزي���ة ق���راراً ب�إعادة ف���رز الأ�صوات يدوي���اً يف دائرة بغ���داد االنتخابية الت���ي خ�ص����ص لها 70مقعداً ،حيث �أن نتائجها �أث���ارت الكثري من الطعون وال�شكاوي التي تقدمت بها الكيانات الفائزة واخلا�سرة على ح ٍّد �سواء. وعلي���ه ،ف�إن عملية العد اليدوي �سوف ل���ن تربك العملية ال�سيا�سية برمتها ،و�إمنا �ست�ؤدي �إىل نتائج غري متوقعة على ال�ساحة ال�سيا�سية وخ�صو�ص��� ًا فيم���ا �إذا جاءت نتائج العد يف غ�ي�ر �صالح بع�ض الكتل الفائ���زة� ،إ�ضافة �إىل �أنها �ست�ؤدي �إىل ف���راغ د�ستوري كبري ي�ؤثر يف الو�ضع الأمني الذي يعاين من تدهور وا�ضح ،على الرغم من �إعالن اجلهات الأمنية الق�ضاء على زعماء تنظيم القاعدة يف العراق بعد مقتل �أبو �أيوب امل�صري و�أبو عمر البغدادي ،كما �أن فرتة الت�صديق عل���ى نتائ���ج االنتخابات �ست�أخذ وقت��� ًا طويالً ،مم���ا �سينعك�س �سلب ًا عل���ى ال�ش���ارع العراق���ي الذي يغل���ي على مرج���ل م���ن االحتقانات والتخندق���ات املتنوعة� .إذ �أن قرار الهيئ���ة التمييزية ب�إعادة الفرز �أعاد امل�شهد ال�سيا�س���ي املعقد من جديد و�أدخل البالد يف منعطف حا�س���م ،وال�سيما �إذا جاءت نتيجة الف���رز بغري ما هو حا�صل الآن، 74
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ناظـم اجلا�سـور عميد كلية العلوم ال�سيا�سية ،جامعة امل�ستن�صرية -بغداد ،العراق.
و�ستدخل العملية ال�سيا�سية يف دوامة التجاذب والتناحر. ويف الواق���ع� ،أن النظ���ام االنتخاب���ي ال���ذي مت تبني���ه للإج���راء االنتخاب���ات الت�شريعية العراقية يف ال�سابع من �آذار/مار�س ،2010 وم���ا رافقه من تعديالت جوهرية بعد نق�ض���ه من قبل نواب رئا�سة اجلمهورية ،وكذلك �إقرار نظام توزيع املقاعد النيابية يف كل دائرة انتخابي���ة على �أ�سا�س القا�سم االنتخابي ،ق���د �شكال �ضرب ًا للعملية الدميقراطية وم�صادرة حلرية الناخب العراقي يف اختيار من يراه منا�سب ًا لع�ضوية جمل�س النواب ،وتهمي�ش ًا كبري ًا للكيانات والأحزاب ال�سيا�سي���ة الت���ي مل تبل���غ عتب���ة القا�س���م االنتخابي ال���ذي فر�ضته املفو�ضية العليا امل�ستقلة لالنتخابات لتوزيع املقاعد الربملانية؛ هذا القا�س���م الذي يكون حا�صل تق�سي���م الأوراق االنتخابية ال�صحيحة يف الدائ���رة االنتخابي���ة الواح���دة على ع���دد مقاعد ه���ذه الدائرة ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
75
املراقب اال�سرتاتيجي (املحافظة) ،الأمر الذي �أدى �إىل �أن ت�ستحوذ �أربع كتل �أو �أقل على كل مقاعد الدائرة التي تناف�س على مقاعدها �أكرث من ثالثني كيان وحزب �سيا�سي. و�إذا كان���ت االنتخاب���ات الت�شريعي���ة التي جرت يف كان���ون الثاين/ يناير من عام 2005قد جعلت من العراق منطقة انتخابية واحدة، وا�ستن���دت �إىل نظام التمثيل الن�سب���ي يف توزيع املقاعد ،مما �سمح بتمثيل وا�سع لكل �أطياف املجتمع العراق ،ف�إن انتخابات دي�سمرب/ كان���ون الأول من ال�سنة نف�سها قد التج����أت �إىل تق�سيم العراق �إىل دوائ���ر انتخابي���ة متع���ددة ،وتفر����ض القا�سم االنتخاب���ي لكي ت�سد الطريق على منع الأحزاب والكتل الليربالية والعلمانية من الدخول �إىل قب���ة الربملان �أو تتحالف مع الأح���زاب الدينية الطائفية .وهذا ما ح�ص���ل �أي�ض ًا يف انتخاب���ات جمال�س املحافظ���ات التي ا�صحبت من ح�صة خم����س كتل فقط ،ومت ا�ستبعاد البقية التي ح�صلت على �أ�ص���وات كان م���ن املمكن �أن تمُ ث���ل يف املجال�س فيما ل���و مت اعتماد نظام التمثيل الن�سبي. يف الواقع� ،إذا كان االلتفاف على العلمية الدميقراطية وحرفها عن
�إن النظام االنتخابي ،ونظام توزيع املقاعد يف العراق �أُعِ ��دا بال�شكل الذي تتقارب كل الق��وى الكب�يرة الفائ��زة يف ع��دد املقاعد الربملاني��ة ،لك��ي يبق��ى الو�ض��ع ال�سيا�س��ي مرتبك ًا ومه��زوزاً ،ويبقى املحت��ل هو املالذ الأخري (املُنقِذ) ،حلل العقد امل�ستع�صية م�ساره���ا ال�صحيح هو �سمة عامة تتمي���ز بها الأنظمة ال�سيا�سية يف العامل (الثال���ث) ،رغم الن�صو�ص الد�ستوري���ة التي تخالف الواقع ال�سيا�س���ي ،ف����إن ما مت �إق���راره يف النظام االنتخاب���ي ونظام توزيع املقاع���د يف االنتخاب���ات الت�شريعي���ة يف الع���راق ،ي�ش���كالن تدمري ًا للعملي���ة الدميقراطي���ة وم�ستقب���ل العملي���ة ال�سيا�سي���ة برمتها� ،إذ �أنهم���ا ي�ستبعدان من امل�شارك���ة ال�سيا�سية ح���وايل 65%من الذين يح���ق لهم الت�صويت واختيار من ميثلهم يف ال�سلطة الت�شريعية ،يف الوق���ت الذي ال حت�صد فيه القوائم الفائزة على �أكرث من 35%من الأ�صوات. �إ�ضاف���ة �إىل ما �شاب هذه االنتخابات من حاالت التزوير والتالعب بالأوراق االنتخابية من ال�شطب والإ�ضافة بغية عدها قوائم باطلة، �أو الت�صوي���ت عن الأ�سم���اء الغائبة� ،أو املتوفي���ة ،لأن االعتماد على الأرق���ام التي قدمتها البطاقة التمويني���ة ك�أ�سا�س لعدد ال�سكان يف 76
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
كل حمافظ���ة ال تب���دو �صحيح���ة جداً ،ال ب���ل �أن بع����ض املحافظات �شه���دت من���و ًا �سكاني ًا جتاوز الن�ص���ف مليون ن�سمة ع���ن انتخابات جمال����س املحافظ���ات ،وكان الهدف منه احل�ص���ول على عدد �أكرب م���ن املقاعد للمحافظة املعني���ة على ح�ساب املحافظ���ات الأخرى. كما ح�ص���ل يف نينوى ،وال�سليمانية وغريها .وق���د انعك�س كل ذلك عل���ى ظهور النتائ���ج امل�ضطربة ،التي �أوجدت وغذّت ج���و ًا �سيا�سي ًا م�شحون��� ًا بالتطرف وع���دم االتزان خ�صو�ص ًا م���ن ناحية اخلطاب ال�سيا�س���ي والإعالم���ي ،مم���ا �أثر ب�ش���كل �سلبي يف نف�سي���ة املواطن العراقي وزاد من قلق���ه وعدم ثقته مبا هو �آت ،وحتى من الت�شكيلة احلكومي���ة القادم���ة التي ال تخ���رج من ان تكون ن�سخ���ة معدلة عن الت�شكيالت ال�سابقة. فه���ذه احلكومة التي تواج���ه خما�ض ًا ع�سري ًا دخل���ت يف منعطفات حرج���ة ج���د ًا بعد �أن �شه���د الو�ض���ع الأمني تدهور ًا خط�ي�راً ،حيث �أن التي���ارات ال�سيا�سي���ة مل تع���د تتف���ق حتى على احل���د الأدنى من ال�شراك���ة �أو التواف���ق لإنقاذ الع���راق من خطر التم���زق واالنهيار، واكتفت بالبح���ث عن املنا�صب والكرا�سي التي ت���در عليها الأموال �أك�ث�ر م���ن غريها .ال ب���ل �إن الأمر و�ص���ل �إىل �أن الق���رار ال�سيا�سي العراق���ي �أ�ضح���ى مرهون��� ًا مبوافق���ة دول اجل���وار ،حي���ث حتولت الريا����ض وطهران و�أنقرة �إىل منابر وغ���رف مظلمة لت�سوية ال�ش�أن العراق���ي وح�سب �أجنداتها اخلارجي���ة ،يف الوقت الذي هُ مّ�شت كل القوى اخلرية والدميقراطية الت���ي ت�سعى �إىل بناء العراق و�إ�شاعة ال�سلم والتقدم االجتماعي. ويف الواق���ع �أن ق���وى االحتالل �أدخل���ت البالد من���ذ غزوها ،وحتى الآن ،يف نفق �ضيق ال تف�ضي نهايته �إىل �أي ا�ستقرار �سيا�سي و�أمني، و�أم�سكت بكل خيوط اللعبة ال�سيا�سية حتركها بال�صورة التي تراها منا�سب���ة مل�صاحله���ا اال�سرتاتيجية لي����س يف العراق وح���ده ،و�إمنا يف املنطق���ة كلها .ف�ش���كل النظام ال�سيا�سي ال���ذي مت ت�شكيله ال هو بالرئا�سي وال هو نظام برملاين وال هو حتى نظام اجلمعية الوطنية، �إن���ه خليط من كل هذه الأن���واع ،الأمر الذي عقّد العملية ال�سيا�سية برمته���ا ،ابتدا ًء من ت�شكي���ل الربملان ،واختي���ار رئي�س اجلمهورية، �إىل اختي���ار رئي����س الربملان وانته���ا ًء باختيار رئي�س ال���وزراء الذي ميثل احللقة الأخرية يف الت�شكيلة� ،إال �أن م�س�ألة ح�سم اختياره �أو ًال �أ�ضح���ت العقدة الكبرية التي يجب ح�سمه���ا قبل الدخول يف ح�سم امل�سائ���ل الأخرى ،مم���ا �أدى �إىل �أن تب���د�أ امل�ساوم���ات والتنازالت، ورمب���ا ال�صفق���ات (املالي���ة) حل�س���م ه���ذه النقطة .ولذل���ك ،ف�إن النظام االنتخابي ،ونظام توزيع املقاعد �أُعِ دا بال�شكل الذي تتقارب كل الق���وى الكبرية الفائ���زة يف عدد املقاع���د الربملانية ،لكي يبقى الو�ض���ع ال�سيا�سي مرتبك ًا ومهزوزاً ،ويبقى املحتل هو املالذ الأخري (املُنقِذ) ،حلل العقد امل�ستع�صية ،لأن هو الذي �أ�شعل النريان ،وهو القادر على �إطفاءها ،ولكن بطريقته اخلا�صة.
ي�صدر قريب ًا �ضمن �سل�سلة درا�سات �إ�سرتاتيجية
الأ�سلحة ال�صغرية فـي اليمن
درا�سة ميدانية اجتماعية عبدال�سالم الدار احلكيمي
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
77
املراقب اال�سرتاتيجي
ِظلّ املر�شد الأعلى
ال�صراع على م�ستقبل �إيران من بوابة «والية الفقيه» بوزيدي يحيى
bou_yahia@hotmail.com
خ�ل�ال �أزم���ة االنتخابات الرئا�سي���ة الإيرانية الأخرية ،بدا وا�ضح��� ًا �أن املحافظني يرك���زون يف مواجهتهم للإ�صالحيني عل���ى اتهام ه�ؤالء الأخريي���ن مبحاول���ة التخطي���ط لقل���ب النظام واالنق�ل�اب على مر�ش���د الثورة الإ�سالمي���ة علي خامنئ���ي ،متحججني بع���دم �إميانهم – �أي الإ�صالحي�ي�ن -بوالية الفقيه ،ما دف���ع الزعيمان الإ�صالحيان مري ح�سني مو�سوي ومهدي كروبي لنفي هذه االتهامات بت�أكيدهم على �أنهم يعرت�ض���ون فق���ط على نتائج االنتخابات ويريدون الإ�صالح داخل �أُطُ ر النظ���ام ،من خالل الن�شاطات التي ي�سمح بها الد�ستور .وبدوره �شدد ها�شمي رف�سنجاين ،رئي�س جممع ت�شخي�ص م�صلحة النظام ،على �أن ح ّل الأزمة بيد الويل الفقيه املر�شد علي خامنئي. وه���ذا ي���دل على �أن ال�صراع ،يف احلقيقة ،يج���ري على ر�أ�س النظام ،وذل���ك لأن من�صب رئي�س اجلمهورية لي�س مهم��� ًا نظر ًا لل�صالحيات املح���دودة التي مينحه���ا الد�ستور الإيراين للرئي�س مقارن ًة مبا يوجد يف الد�ساتري العاملية الأخ���رى؛ ومهما كانت الن�سبة التي يح�صل عليها الرئي����س الفائ���ز ف�إنه يبقى دائم ًا �أ�سري املر�شد الأعلى الذي ميلك ح���ق تعيني رئي�س اجلمهورية و�إقالته .وما ي�ؤكد هذه احلقيقة �أكرث ،ت�أييد املر�ش���د عل���ي خامنئي لنتائج االنتخابات الأخرية التي �أجريت منت�صف العام املا�ض���ي ،2009ومباركته بفوز �أحمدي جناد قبل �إقراره من ضال ع���ن �سكوته -الذي هو عالمة الر�ضا -عن ط���رف جمل����س �صيان���ة الد�ستور ،وا�صطفافه �إىل جانب جناد يف وقت مبكر من الأزمة .ف� ً ممار�س���ات احلر�س الث���وري والبا�سيج �ضد املتظاهرين ،بل �إن ت�صريحاته التي انتقد فيه���ا الإ�صالحيني �أكرث من مرة كانت مبثابة ال�ضوء الأخ�ض���ر لإطالق العنان للحر�س الثوري لقمع االحتجاجات عل���ى نتائج االنتخابات بكل الو�سائل ،ولو �أن الأزمة كانت فقط من �أجل رئا�سة اجلمهورية ما كلّف خامنئي نف�سه كل هذه امل�شاكل ،خا�ص ًة و�أن �صورته ت�أثرت كثري ًا داخلي ًا وخارجياً ،وفقد هالة القدا�سة التي يُفرتَ�ض �أن حتيط به كويل فقيه ونائب عن الإمام. 78
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
مار�س/يونيو 2010 اجلزائر. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،بوزيدي من�سرتاتيجية 79 يحيى باحث ا
املراقب اال�سرتاتيجي وم���ن الدالئل �أي�ض ًا عل���ى �أن ال�صراع كان يف حقيقت���ه يدور حول من�صب املر�شد ه���و طريقة تعامل النظام مع جنازة املرج���ع الديني املعار�ض �آية اهلل ح�سني علي منتظ���ري ،واالحتياطات الأمنية التي اتخذها النظام يف �أربعينيته ،وانتقاد علي خامنئي له ب�شكل غري مبا�شر حني دعا له باملغفرة، نظ���ر ًا ملوقف �آية اهلل منتظري م���ن والية الفقيه عموم��� ًا وانتقاداته لقمع املتظاهري���ن ووقوفه �إىل جان���ب الإ�صالحيني يف �أزم���ة االنتخابات ،وهو بهذا كان ميثل رمزية فكرية ومرجعية دينية ي�ستند �إليها الإ�صالحيني يف مواجهتهم للمحافظني. وق���د �أثار خرب مر�ض خامنئي ال���ذي تناقلته العديد م���ن و�سائل الإعالم ت�سا�ؤالت عمن يخلفه ،وت�ضارب���ت بذلك التكهنات ،وهذا الت�ضارب له ما ي�سوغ���ه نظ���ر ًا للآثار املرتتبة على التطورات يف النظ���ام الإيراين داخلي ًا وخارجي���اً ،يف ظل ت����أزّم العالقات الإيرانية -الغربي���ة وانعكا�ساتها على الق�ضايا الإقليمية يف ال�شرق الأو�سط. ونظ���ر ًا للآلية التي يتم م���ن خاللها انتخاب املر�ش���د الأعلى (عن طريق جمل����س اخلرباء) ،وال�صراع بني خمتلف �أجنح���ة النظام ،وتعدد مراكز �صنع الق���رار فيه ،وارتباط ذلك مبوقف املرجعي���ات يف قم التي يعرت�ض البع����ض منه���ا � -أو الكث�ي�ر بتعب�ي�ر �أدق -عل���ى نظرية والي���ة الفقيه من الأ�سا�س ،ف�إن احلديث عن م�ستقبل والية الفقيه وبالتايل م�ستقبل النظام الإيراين بعد خامنئي ،هو من الأهمية وال�صعوبة يف نف�س الوقت مبكان. قام نظام اجلمهورية فهم نظرية «والية الفقيه» الإ�سالمي���ة الإيرانية �أ�سا�س ًا على نظري���ة والية الفقيه التي طوّرها الإمام �آي���ة اهلل اخلميني ،و�أ�صبحت م�صدر �شرعية النظ���ام .ومن يومها ،تردد الزم���ة «امل���وت لعدو والي���ة الفقي���ه» عند الهت���اف ب�شعار «امل���وت لأمريكا وامل���وت لإ�سرائيل» .من هنا ،ف�إنه يتوجب ت�سليط ال�ضوء على نظرية والية الفقي���ه ،الأم���ر الذي من �ش�أن���ه �أن ي�ساعدنا على فه���م االجتاه الذي من املمك���ن �أن يتّجه �إليه النظ���ام ال�سيا�سي الإيراين م�ستقب�ل�اً .فعلى �سبيل املث���ال ،تختل���ف الآراء الفقهية حول النظرية ب�ي�ن معرت�ض عليها مثل �آية اهلل �شريعتم���داري واخلوئي ومرع�شي جنفي وغريه���م من �أبرز املراجع ال�شيعية العربية والإيرانية� ،أو معرت�ض على الأ�سا�س الذي بنيت عليه من الأ�ص���ل وهو جود الإمام الثاين ع�شر مثل املفك���ر ال�شيعي حممد الكاتب، وم�ؤيد لها �إىل درجة رف�ض انتخاب املر�شد (من طرف جمل�س اخلرباء) و�إمنا يتم اكت�شافه مثل �آية اهلل جنتي� ،أو م�ؤمن بها ولكن على �أ�سا�س �أنها من�صب �شريف ومن ثمّ احلد من �صالحيات املر�شد� ،أو من يرى ب�ضرورة وجود جمل����س يتكون من بع����ض املرجعيات (القي���ادة اجلماعية) .وهذا االختالف املبدئي حول النظرية له عدة دالالت ،من بينها:
،،
اخلط��اب ال�سيا�س��ي وطروح��ات التي��ار املحافظ هي رد فع��ل على الطروحات التي ج��اء به��ا التي��ار الإ�صالح��ي ،م��ا �أدى �إىل ا�ستنزاف امل�صادر النظرية لإيديولوجيا املحافظني، ور�سّ ��خ القواعد النظري��ة لطروح��ات الإ�صالحيني بو�صفه��ا مب��ادئ وقي��م معياري��ة للفك��ر واملمار�س��ة ال�سيا�سية على امل�ستوى الوطني 80
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
التن���وع والتع���دد يف الآراء يعك�س مرونة يف النظري���ة ،وبالتايل �إمكانيةا�ستمرارها ما دامت معظم الآراء لها مرجعية يف الفقه ال�شيعي. ه���ذا االخت�ل�اف الكب�ي�ر يعك����س ه�شا�ش���ة الأ�س����س الديني���ة للنظرية،وبالتايل ف�إنه م�ؤ�شر على �سرعة نهايتها بنف�س الطريقة التي ت�أ�س�ست بها اجلمهورية الإ�سالمية. �إ�ضاف���ة �إىل هذا ،هناك العديد م���ن املالحظات على نظرية ونظام والية الفقيه ،جنملها فيما يلي: تق���وم النظري���ة على �أ�سا�س نيابة الويل الفقيه ع���ن الإمام الثاين ع�شر(الإم���ام الغائب واملهدي املنتظر) ،وبالتايل قيام���ه بكل ما هو من مهام الإمام الغائب ،وحتى �صالة اجلمعة التي عُ طِّ لت لقرون ب�سبب الغيبة عاد اخلميني لي�ست�أنفه���ا ،وهذا يدل على �صعوبة �أو ا�ستحالة �إجراء تعديالت د�ستوري���ة لتو�سيع �صالحي���ات رئي�س اجلمهوري���ة ،لأن �أي خطوة من هذا القبي���ل � -إ�ضاف���ة �إىل كونها قد تك���ون بداية لتن���ازالت متتابعة تعزز من ق���درة الإ�صالحيني على املن���اورة ال�سيا�سية ،ومتكنهم م���ن التغلغل �أكرث يف م�ؤ�س�س���ات �صنع الق���رار� -ستعترب انتقا�ص ًا من مق���ام املر�شد الأعلى، ومن ثمّ فقدان نظرية والية الفقيه للرابط الإلهي بني الويل الفقيه واهلل، الأمر الذي من �ش�أنه �أن يفتح املجال ل�سجال فقهي �آخر بني املراجع يكون فيها امل�ؤيد للنظرية يف موقف ال�ضعيف املدافع. تبق���ى والي���ة الفقي���ه بو�صفه���ا نيابة عن الإم���ام الغائ���ب يف حاجة �إىلاملرجعية الدينية على ر�أ�س النظام .ورغم املخرج الذي �أنقذ به اخلميني النظ���ام ،ف�إن املر�ش���د �سيحاول دائم��� ًا افتكاك املرجعي���ة لتعزيز �سلطته و�شرعنته���ا كما ح�صل م���ع خامنئي ،ما ينذر ب�ص���راع �شديد �سينعك�س - مهما كانت نتائجه � -سلب ًا على النظرية. كان يتوق���ع يف االنتخاب���ات الرئا�سي���ة التي �أجريت ع���ام � 2001أن يربزتي���ار ثالث جديد ي�ض���م عقالء املحافظني والإ�صالحي�ي�ن ،وت�شكيل ت�آلف �سيا�س���ي ي�شرتك يف �ضرورة الإ�صالح واال�ستقرار ،ويعمل من �أجل حلحلة الو�ض���ع القائم(� ،)1إال �أن نتائج تلك االنتخابات �أ�سفرت عن جناح حممد خامتي بعهدة ثانية ،ووا�ص���ل كل تيار التمرت�س خلف �أفكاره ،مع موا�صلة املحافظ�ي�ن الت�ضيي���ق عل���ى خامت���ي والإ�صالحي�ي�ن عموم��� ًا يف خمتل���ف املجاالت ،وعادوا يف الأخري لي�سيطروا على الربملان ثم الرئا�سة ليحكموا قب�ضته���م على النظام ،م���ا جعل ال�شباب يفقد الأم���ل يف التغيري ،وذهب البع�ض �إىل احلديث عن «موت الإ�صالحات»(� ،)2أو ذهاب م�شروع خامتي �إىل «ذمة تاريخ �إي���ران»( .)3ومع ذلك ،مل يكن الرتاجع الإ�صالحي �سوى ا�سرتاح���ة مقاتل �أو وقفة اللتقاط الأنفا�س ليعود ب�شكل قوي يف انتخابات 2009باملر�شح ذي التاريخ الكبري مري ح�سني مو�سوي ،الذي يقود احلركة اخل�ضراء بعد رف�ضه لنتائ���ج االنتخابات ،وما زال م�ستمر ًا يف املعار�ضة، وال يبدو يف الأفق القريب واملتو�سط �أنه �سيتنازل عن مطالبه. اخلط���اب ال�سيا�س���ي وطروح���ات التي���ار املحاف���ظ ه���ي رد فع���ل عل���ىالطروح���ات الت���ي جاء به���ا التي���ار الإ�صالح���ي ،م���ا �أدى �إىل ا�ستنزاف امل�ص���ادر النظري���ة لإيديولوجي���ا املحافظ�ي�ن ،ور�سّ خ القواع���د النظرية لطروح���ات الإ�صالحيني بو�صفها مبادئ وقي���م معيارية للفكر واملمار�سة ال�سيا�سية على امل�ستوى الوطني(.)4 تتميز فتاوى املراجع الدينية يف �إيران ،خا�ص ًة منها التي ارتبطت ب�أحداثتاريخية كبرية ،بنوع من العمومي���ة وال�سطحية وتوظيف م�صطلحات لها �أث���ر عاطفي ووجداين على ال�شيعة ،مثل فت���وى ال�شريازي عن التبغ الذي
ها�شمي رف�سنجاين
ح ّرم���ه لئال يكون حرب ًا على �إم���ام الزمان ،وفتوى كا�شاين يف �أزمة ت�أميم الب�ت�رول الذي �أفتى ب�أن «كل من يعار�ض ت�أمي���م النفط الإيراين هو عدو للإ�سالم» ،وفت���وى اخلميني حول اال�ستفتاء ع���ن اجلمهورية الإ�سالمية: «كل �صوت بـ (ال) هو �صوت �ضد الإ�سالم» .و�أمام هذا النوع من الفتاوى، ميك���ن �أن تدخل البالد يف ح���رب �أهلية �أو دوامة من العن���ف �إذا ما �أفتى �أحد املراج���ع بفتوى من هذا القبيل ،وقد �سبق �آيات اهلل الداعمني للتيار املحاف���ظ �أن �أ�ص���دروا فتاوى تُكفّ���ر زعماء الإ�صالحي�ي�ن وتطالب ب�إنزال عقوب���ة الإع���دام يف حقه���م ،واحلكم عل���ى املتظاهرين بالإع���دام بتهمة احلرابة ،الأمر الذي اعرت�ض عليه الكثري من املراجع الدينية. اعرت����ض الكثريي���ن م���ن الأو�س���اط ال�سيا�سي���ة م���ع بداية الث���ورة علىاجلمهوري���ة الإ�سالمي���ة ،ودار �ص���راع ب�ي�ن النخب ال�سيا�سي���ة حول هوية اجلمهوري���ة وطابعه���ا الإ�سالم���ي ،انطالق��� ًا م���ن خلفي���ات �أيديولوجي���ة ي�ساري���ة �أو ليربالية .ويف الأزمة احلالية ،يدور ال�ص���راع �أي�ض ًا على هوية اجلمهوري���ة الإ�سالمية وروحها؛ ورغ���م �أن الإ�صالحيني ي�ؤكدون �إميانهم بوالي���ة الفقيه ،ف�إنه���م بذلك يناورون على هام�ش �سلط���ة الأمة يف مقابل �سلطة نائب الإم���ام الذي نظّ ر له اخلميني وت�ضمنته العديد من ن�صو�ص الد�ستور الإيراين ،وبالتايل ف����إن اجلدل الد�ستوري وال�سيا�سي حول فهم الأطروحة ال�سيا�سية اخلمينية(� )5سي�ضاف �إىل اجلدل الفقهي ،ما يُعقِّد املو�ضوع �أكرث. �شه���دت مرحلة حكم ال�شاه ر�ضا بهلوي انزوا ًء للم�ؤ�س�سة الدينية ب�سببت�شدي���د النظام قب�ضته على ال�سلطة ،وه���و �سلوك جل�أ �إليه فقهاء ال�شيعة يف مراح���ل تاريخية �سابق���ة ،ولكن النظام ال�سيا�س���ي الإيراين يف الوقت احلا�ض���ر ينطل���ق م���ن (ويرتكز عل���ى) امل�ؤ�س�س���ة الدينية نف�سه���ا ،وهذا يعن���ي �أن املواجه���ة حتمية ،و�أنه ال جم���ال لالنزواء والرتاج���ع خا�ص ًة مع حماوالت املر�شد احل�صول على املرجعية ومناف�ستها يف عقر دارها .وقد عم���د الكثري م���ن رجال الدي���ن �إىل و�صف عملية �إع���ادة انتخاب �أحمدي جناد بالعملي���ة غري ال�شرعية والطاغوتية( .)6وم���ن جهة �أخرى ،ظهرت �إىل العلن ،وب�شكل م�ستم���ر ،انتقادات لنظام والية الفقيه �أدىل بها بع�ض املراج���ع املح�سوبني على التيار الإ�صالحي ،كما فعل مث ًال �آية اهلل �صانعي يف انتقادات���ه لبع�ض �آيات اهلل املحافظني يف قم الذين يدعون �إيل حتويل «اجلمهورية الإ�سالمية» يف �إيران� ،إىل «حكومة �إ�سالمية» ،خ�صو�ص ًا بعد انتخاب �أحمدي جناد رئي�س ًا لإيران(.)7
�آية اهلل منتظري
نظ���ام والي���ة الفقي���ه فر�ض نف�س���ه بالقوة وال�سط���وة ال�سيا�سي���ة ولي�سبامل�شروعي���ة والنظرية واحلجة الفقهية ،وذلك لأن معظم املراجع ،والتي تف���وق اخلميني منزل���ة علمية ،عار�ضت���ه ،بل حتى �أن���ه مل يكن هناك يف امل�سودة الأوىل من الد�ستور التي وقّعها اخلميني �أي ذكر لوالية الفقيه(.)8 وعليه ،ف����إن م�ستقبل نظام والية الفقيه �سيبق���ى مرتبط ًا بنف�س املعادلة، غ�ي�ر �أن �إمكانية التغيري من داخل احل���وزة العلمية تتطلب وجود مرجعية تتمت���ع مبوا�صف���ات كاريزمي���ة قادرة عل���ى ح�شد اجلماه�ي�ر �أو �شخ�صية �سيا�سية مدعومة من املرجعيات الدينية. على عك�س معظم الأنظمة الثورية التي ت�ؤ�س�س حزب ًا يرتبع على ال�سلطةويُق�ص���ي املعار�ضني ال�سيا�سي�ي�ن� ،أقدم النظام الإي���راين على ح ّل حزب اجلمهوري���ة الإ�سالمية ب�ش���كل تلقائي ،وهذا يدل عل���ى قابلية التغيري يف النظام باجتاهات غري متوقعة. ا�ستط���اع احلر�س الث���وري الإيراين التغلغل ب�شكل كب�ي�ر يف بُنى النظاموال�سيط���رة عل���ى العديد م���ن م�ؤ�س�ساته� ،إىل درج���ة �أن قادت���ه �أ�صبحوا يواجه���ون قيادات ال�ص���ف الأول من الث���ورة اعتماد ًا عل���ى دعم خامنئي املطل���ق لهم ،م���ا يُنبئ ب���دور �أك�ب�ر للحر�س الث���وري م�ستقب�ل�اً مع وجود �صالحيات د�ستورية تخوله احلق بالتدخل يف ال�ش�ؤون ال�سيا�سية الداخلية (حماي���ة نظام والية الفقيه ،و�إحباط امل�ؤام���رات �ضده) .ويبدو �أن رف�ض ه���ذا الأخري لعقد ت�سوية �سيا�سية م���ع الإ�صالحيني ،وجلوئه �إىل القوة يف حماولة لإنهاء الأزمة ،يرجح �إمكانية ح�صول مواجهات عنيفة م�ستقبال. وق���د يقوم احلر�س باغتيال بع�ض الرموز الإ�صالحية لردع التيار ،وهناك م�ؤ�ش���رات على ذلك �أبرزه���ا املحاوالت املتكررة الغتي���ال مهدي كروبي، والتهدي���د باغتي���ال خامت���ي ومو�س���وي واالعت���داء عل���ى ه���ذا الأخري يف التجمعات اجلماهريية ،و�أحكام الإعدام التي وجهت للقيادات الطالبية بتهم���ة احلراب���ة ،ويف كل ه���ذه املح���اوالت مل يت���م �إيق���اف املعتدين على القيادات الإ�صالحية ،ما يعني �أنها كانت مدبرة وخمطط لها م�سبق ًا من طرف احلر�س الثوري ،وم�سندة بفتوى �شرعية كما �سبق �أن �أ�شرنا. تخفيف �شروط الت�صدي ملن�صب املر�شد الأعلى من �ضرورة توفّره علىاملرجعي���ة والتقليد التي كانت تتنا�سب مع الإمام اخلميني يف د�ستور �سنة ،1979وتوفّر نائبه املعزول �آية اهلل ح�سني علي منتظري على اجلزء الكبري منها� ،إىل التنازل عن �شرط املرجعية واالقت�صار على الكفاءة ال�سيا�سية وما يليه���ا من �شروط( .)9ومن جهة �أخرى ،حتدث���ت بع�ض الأو�ساط عن ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
81
املراقب اال�سرتاتيجي �إمكاني���ة ت�شكي���ل جمل�س �شورى من عدة �آيات اهلل ولي����س �آية اهلل واحداً، �أي جمل����س م���ن � 3أو � 5أ�شخا����ص ،ليتوىل هو الوالي���ة .ويف حالة مر�ض �أو ا�ستقال���ة خامنئي مث�ل�اً ( )10قد يفت���ح املجال لعدد �أكرب م���ن املتناف�سني الطاحمني لل�سلطة ،الأمر الذي �سي�ؤدي �إىل اندالع �صراع �شديد على عدة جبهات: �أ .الأوىل ،داخل التيار املحافظ نف�سه ،ب�سبب التقارب العلمي وال�سيا�سي بينهم ،وعدم وج���ود �شخ�صية قوية ت�ستطيع ح�س���م الأمور ب�شكل قطعي، وكرثة ع���دد رجال الدي���ن املحافظ�ي�ن يف امل�ؤ�س�سات ،خا�ص��� ًة �أن جمل�س اخلرباء الذي يكلف بتعيني املر�شد ي�ضمّ ثمانني عامل دين .ومن امل�ؤ�شرات على انق�سام التيار املحاف���ظ ،انتقاد الكثري من رموزه ل�سيا�سات �أحمدي جناد. ب .اجلبه���ة الثاني���ة ،بني املحافظ�ي�ن والإ�صالحي�ي�ن الذي���ن �سي�ستغلون فر�صة ال�صراع بني املحافظني بالهجوم على املر�شحني للمن�صب �أو حتى املر�ش���ح الواحد �إذا ما ح�صل �إجماع وتواف���ق داخل التيار املحافظ ،ومن امل�ستبعد �أن يكون مرجع��� ًا ديني ًا كبرياً ،وهذا ما يدعم وجهة نظر الي�سار الإ�صالح���ي العلماين الذي يطالب ب�إلغاء والية الفقيه .و�إىل جانب ذلك، ثم���ة من ينادي ب�إيجاد بع����ض القوانني يف الد�ستور تقيّ���د �سلطات الويل الفقي���ه بامل�ؤ�س�سات املنتخب���ة( ،)11وقد ملّح لهذا ها�شم���ي رف�سنجاين يف لقاء م���ع �أئمة اجلمعة و�أع�ضاء جمل�س خ�ب�راء القيادة وجممع ت�شخي�ص م�صلحة النظ���ام ونواب حاليني و�سابقني يف جمل����س ال�شورى ،بالإ�ضافة �إىل بع����ض النا�شط�ي�ن ال�سيا�سي�ي�ن يف �إيران وحمافظني وم���دراء ،وذلك مبنا�سبة ال�سنة الفار�سية اجلديدة ،بقوله�« :إن الإمام اخلميني كان يعترب جمل�س ال�ش���ورى الإ�سالمي �أ�سا�س ًا ل�سيادة ال�شع���ب يف النظام الإيراين»، م�ضيف ًا «�إن املجل�س �سلطة «قوية»� ،إذ ا�ستطاع �أن ي�سنّ العديد من القوانني «املهمة» يف البالد على �أ�سا�س �آراء الإمام والقيادة والد�ستور»(.)12 �إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك ،ف����إن وج���ود رف�سنج���اين عل���ى ر�أ����س املجل����س يجعل الإ�صالحي�ي�ن يف مرك���ز ق���وة ،وق���د �سب���ق �أن دعمه بع����ض املحافظني يف انتخاب���ات رئي�س جمل����س اخلرباء على ح�ساب املر�ش���ح املحافظ �آية اهلل م�صباح يزدي ،و�أبرزهم تلميذه حجة الإ�سالم حم�سن غرفيان( .)13ويف دول���ة ي�شار �إىل �أكرب انتماء �سيا�سي فيها با�سم «حزب الرياح» على �سبيل الدعابة ،ف�إن �أن�صار خامنئي احلاليني ميكنهم �أن يتخلوا عنه ب�سرعة �إذا �شعروا بهبوب رياح �سيا�سية �أقوى يف مكان �آخر(.)14 ج� .أم���ا اجلبه���ة الثالثة ،فهي ب�ي�ن املحافظني واملرجعي���ات الدينية التي ق���د ترفع غطاء ال�شرعية ع���ن املر�شد املر�شح �أو املعينّ ،وهناك من يتوقّع ب����أن يكون املر�شد القادِم م���ن طهران ولي�س من ق���م( ،)15خا�صة �إذا ما تراف���ق ذلك مع احتجاجات ومعار�ض���ة �شعبية ومظاهرات يحركها التيار الإ�صالحي ،علم ًا �أن طريق املر�شد علي خامنئي مل يكن �سهالً ،ومع خلفه �سيك���ون �أكرث �صعوبة بالت�أكيد ،وحتى رج���ال الدين املوجودين يف طهران رغ���م ن�ش�أتهم يف قم � -إال �أنهم �أ�صبح���وا مرتبطني بال�سيا�سة �أكرث منالدين. تعام���ل النظ���ام مع الإ�صالحي�ي�ن ككلٍّ مرك���ب وعدم ا�ستثن���اء �أي تيارمنه���م يف �أزم���ة االنتخاب���ات الرئا�سي���ة� ،ساعد على توحده���م وتكاتفهم خا�ص��� ًة م���ع ها�شم���ي رف�سنجاين ال���ذي كان ي�صنّف على �أن���ه ينتمي �إىل التيار الرباغماتي ،وقد �شكلوا بذلك جبهة قوية ،ال�سيما بعد ان�ضم �إليهم العديد من رجال الدين يف قم من امل�ؤيدين للجمهورية الإ�سالمية والذين له���م حتفظات على بع�ض ممار�سات ال�سلطة فق���ط ،ومع هذا مل ي�ستثنوا 82
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�أي�ض ًا من بط�ش النظام مثل �آية اهلل حممد تقي خلجي(.)16 ي�ؤث���ر الري���ع النفط���ي ب�ش���كل �سلب���ي يف �سيا�س���ات النظ���ام الإي���راين،حي���ث ترب���ط نظرية الدول���ة الريعية عالق���ة مبا�شرة بني الري���ع النفطي والديكتاتوري���ة؛ ذل���ك �أن الدول���ة عندم���ا ال ترغ���م املواطن�ي�ن عل���ى دفع ال�ضرائب ،ف�إنها يف احلقيقة ال تكون م�ضطرة لإجراء ت�سويات مع خمتلف الفئات االجتماعية مما يُ�شجع على قيام نظام ديكتاتوري ،وحتول و�سائل الدول���ة القمعية ب�شكل خا����ص دون �أي انفتاح دميقراط���ي .كما �أن �إعادة توزي���ع الريع النفطي �شجّ ع قي���ام نظام ا�ستلزامي (زبائن���ي) ،بحيث �أن الدع���م ال�سيا�سي الذي تقدمه فئة اجتماعية يتوقف جزئي ًا على املكا�سب املالية التي جتنيها منه(.)17 يُن�سَ ب الويل الفقيه وحدود الف�ساد ال�سيا�سي �إىل الإم���ام اخلمين���ي قول���ه «�إذا م���ررت مبعمّ���مٍ فا�سد فال تق���ل «معمم فا�س���د» ،و�إمنا قُ���ل «فا�س ٌد تعمّ���م»» ،ويف هذا �إقرار م���ن اخلميني بوجود علم���اء دي���ن فا�سدين ،وهذا �أم���ر بديهي .كما �أنه يف ع���امل ال�سيا�سة من امل�سلم���ات الت���ي ت�شرعن يف بع����ض الأدبي���ات ال�سيا�سية حت���ت م�سميات خمتلف���ة كامل�صلحة العلي���ا� ،أو امل�صلحة ال�شخ�صية �أو النف���وذ ال�سيا�سي وغريه���ا من امل�صطلحات .وعندم���ا ي�سيطر رجال الدين على ال�سلطة يف �إي���ران ،ويف ظ���ل تعدد م�ؤ�س�سات �صنع القرار الت���ي ي�شرف عليها �أو يكون �أع�ض���اء فيها رجال الدين ،ف�إن حاالت الف�ساد تكون كثرية و�آثارها كبرية ج���د ًا وتنعك�س مبا�شر ًة على املجتمع؛ فهناك فرق كبري بني �سيا�سي فا�سد وعامل دين فا�سد. ومن بني اخل�صائ����ص التي متيز النظام ال�سيا�س���ي الإيراين ،يف �صورته احلالية ،عن غريه من الأنظمة � -إ�ضافة �إىل من�صب املر�شد واالزدواجية امل�ؤ�س�ساتي���ة وغريه���ا من اخل�صائ����ص – �أن نظام���ه الق�ضائي توجد به حماكم خم�ص�صة لرجال الدين بو�صفها فرع من فروع الق�ضاء اخلا�ص. وق���د �أن�شئت ه���ذه املحكمة ملواجه���ة جت���اوزات بع�ض رج���ال الدين التي ه���دّدت م�صداقية النظام الإيراين نف�سه ،مثل جت���اوزات �آية اهلل �صادق خلخايل الذي اتهم بالر�ش���وة وانتهاك العدالة ،حتى �أن التدقيق يف ملف � 96شخ�ص��� ًا من بني � 98شخ�ص ًا حكم عليهم خلخايل بالإعدام ،قد �أ�سفر ع���ن براءته���م ،كما �أثبت �أن تهم���ة االثنني الأخريي���ن ال ت�ستوجب احلكم عليهما بعقوبة الإعدام. وق���د �شُ كِّلت �أوىل ه���ذه املحاكم يف بداي���ة الثورة برئا�سة �آي���ة اهلل �آذري، �إال �أن جتاوزاته���ا جت���اه املخالفني يف ال���ر�أي من داخ���ل امل�ؤ�س�سة الدينية وم���ن خارجه���ا حدت ب�آية اهلل منتظري على ح ّله���ا يف عام ،1984قبل �أن يتمك���ن ري�شهري من �إبطال هذا احل��� ّل وال�سعي لدى الرئي�س – �آنذاك - علي خامنئي ال�ست�صدار مر�س���وم جديد من اخلميني يق�ضي با�ستئنافها العم���ل وتر�ؤ�سه (�أي ري�شهري) لها .وهكذا ارتبطت املحكمة منذ البداية بخالفات بني عنا�صر النخبة احلاكمة ،وتطورت على النحو نف�سه(.)18 وتتمث���ل اخت�صا�ص���ات ه���ذه املحكمة بالنظ���ر يف املو�ضوع���ات والق�ضايا التالية: �أ .الت�آمر �ضد القيادة �أو توجيه الإهانات �إليها من قبل رجال الدين. ب .كل الت�صرفات والأعمال غري ال�شرعية التي يرتكبها رجال الدين. ج .كافة املنازعات املحلية املخالفة للأمن العام التي يكون �أحد اخل�صوم فيها من رجال الدين.
يف حال��ة مر���ض �أو ا�ستقال��ة خامنئي ق��د يفتح املجال لع��دد �أكرب من املتناف�س�ين الطاحمني لل�سلط��ة ،الأمر الذي �سي���ؤدي �إىل اندالع �ص��راع �شديد على عدة جبه��ات:الأوىل ،داخل التيار املحافظ نف�س��ه؛ والثانية بني املحافظني والإ�صالحي�ين؛ �أم��ا اجلبهة الثالث��ة ،فهي بني املحافظني واملرجعي��ات الدينية التي قد ترفع غط��اء ال�شرعية عن املر�شد املر�شح �أو املعينّ ،وهناك من يتوقّ ع ب�أن يكون املر�شد القادِم من طهران ولي�س من قم د .جميع الق�ضايا التي تدعو القيادة �إىل النظر فيها. وقد جعل القانون �أحكام هذه املحكمة نهائية �إال يف ثالثة ا�ستثناءات ،كما �أن املحكمة العليا للبالد ال متلك �أي نوع من الإ�شراف على حمكمة رجال الدي���ن .وتر�شّ ح الأخرية للمتهمني حمامني يختارون من بينهم من يدافع عنه���م ،ما جعل اخت�صا�صات املحكم���ة ف�ضفا�ضة والتي تثبت لها بتخويل القي���ادة احل���ق يف �أن تحُ يل عليه���ا ما ت�شاء من ق�ضاي���ا ،وهذا هو املدخل ال���ذي �سمح مبحاكم���ة ال�صحفيني �أمام حمكمة رج���ال الدين .وقد ف�سّ ر البع����ض املادة ( )25التي تخوِّل مكات���ب الإدعاء اخلا�صة باملحكمة -لي�س فق���ط احلق يف تعيني ق�ضاة التحقيق ،لكن كذلك تنفيذ �أحكام املحكمة - ب����أن للمحكمة قوات �أمنها اخلا�صة و�سجونه���ا امل�ستقلة .ووفق املادة ()45 الت���ي ت�شري �إىل امليزانية اخلا�صة للمحكمة يالحظ ب�أنها تمُ ّول من خزانة الدول���ة .مع العلم ب�أن مداوالت املحكمة تتم يف �سرية تامة ،وقد باءت كل م�ساعي دجمها يف الق�ضاء العام بالف�شل. يرتب���ط رجال الدين من جانب �آخر بالب���ازار ،الذي يعترب امل�صدر املايل ال���ذي ا�ستطاع���ت بف�ضله احلوزة العلمي���ة اال�ستمراري���ة واملحافظة على ا�ستقالليته���ا ع���ن ال�سلطة ال�سيا�سية ع�ب�ر التاريخ .وق���د ارتبطت ثورتيّ 1905و 1979ب�شكل كبري بعوامل اقت�صادية من �أهمها القرارات احلكومية التي كانت ت�ؤثر �سلب ًا يف م�صالح البازار ،وبالتايل احلوزة العلمية ( زكاة اخلم�س) ،ل���ذا فقد وقف رجال الدين �إىل جانب الب���ازار �ضد القرارات احلكومي���ة التي �أ�ض���رّت مب�صاحله���م .وقد �أق���رّت بع����ض الأ�صوات من داخ���ل احلوزة به���ذه العالقة� ،إذ يقول �آية اهلل مطه���ري «�إذا �أردنا حوزة نقية فلنقط���ع العالقة بني رجال الدين والب���ازار»( .)19والوا�ضح �أن هذا التداخ���ل يف امل�صالح بني الطرفني ي�ؤكد �أي�ض��� ًا على ا�ست�شراء الف�ساد يف احلوزة العلمية.
كما �أن من بني خ�صائ�ص النخبة ال�سيا�سية يف النظام الإيراين ،خا�صية العائلية والقرابة� ،إذ ت�سيطر الكثري من ال�شخ�صيات من العائلة الواحدة على م�ؤ�س�سات و�أحزاب ،وقد كانت هذه اخلا�صية �أحد الأ�سباب الرئي�سية يف ا�ست�ش���راء الف�س���اد ال�سيا�س���ي داخل �أبني���ة النظام الإي���راين �أجهزته وم�ؤ�س�سات���ه .واملعروف يف ه���ذا الإطار� ،أن االتهام���ات مل ت�ستثنِ م�ؤ�س�س اجلمهورية الإ�سالمية (الإمام اخلميني) ب�سبب املمار�سات القمعية التي كان يقوم بها م�ؤيدوه �ضد خ�صومه ال�سيا�سيني الذين وقفوا �إىل جانبه يف مواجهته مع ال�شاه حتى الإطاحة به ،ليطلق بعدها العنان للحر�س الثوري الذي ق���ام ب�إعدام الكثري منهم يف املحاكم الثوري���ة �أو عن طريق جرائم االغتيال ال�سيا�سي وهي – بر�أي البع�ض – من �أ�شنع �صور الف�ساد .وهناك العديد م���ن املراجع و تقارير حقوق الإن�سان التي حتدثت عن االنتهاكات الت���ي ميار�سها النظام يف �إيران من���ذ �أيامه الأوىل ،وقد طالت االتهامات حتى املر�شد احلايل للثورة الإ�سالمية على خامنئي ،والذي حتدثت بع�ض التقاري���ر عند �إعالن نب�أ تدهور �صحت���ه عن احتمال �أن يكون ابنه هو من �سيخلفه يف من�صب املر�شد. وي�ؤكد املتابعون لل�ش�أن الإيراين �أنه �ضمن احللقة ال�ضيقة التي حتكم �إيران حالي��� ًا يوجد ابنيّ املر�شد (جمتبي خامنئي و�أحمد خامنئي) ( .)20زيادة عل���ى ذلك ،فقد كان ال�سبب يف عدم مثول هادي خامنئي� ،شقيق املر�شد، �أم���ام حمكم���ة رجال الدين ،وذلك على عك�س عب���د اهلل نوري الذي �س�ؤل عن �سبب مثوله �أمام حمكمة رجال الدين التي يطعن يف د�ستوريتها ،فيما رف�ض خامنئي املثول �أمامها لل�سبب ذاته ،ف�أجاب بقوله «ذلك كان هادي خامنئ���ي ،وا�سم���ي عبد اهلل ن���وري»( .)22وقد اتهم املعار����ض الإ�صالحي مهدي كروبي يف ر�سالته الأوىل للمر�شد ابنه جمتبى خامنئي ،بالتورط يف �شبكة دعم �أحمدي جناد يف رئا�سيات 2005وطالبه بفتح حتقيق يف الأمر، ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
83
املراقب اال�سرتاتيجي
كم���ا طالبه يف ر�سالة مفتوحة �أخ���رى بالتدخل لوقف بع�ض قوات احلر�س الثوري وامل�سئولني م���ن التدخل غري القانوين يف االنتخابات(� .)22إ�ضافة �إىل ذل���ك ،حتدثت بع�ض التقارير عن وج���ود �شبهة م�ؤامرة يف مالب�سات وف���اة �أحمد خميني �أي�ضاً ،والتي قي���ل �إنها جاءت نتيجة �أزمة قلبية ،حتى �أن �أحد التقارير ال�صحفية ذكر �أن هناك �أدلة على �أن �أحمد خميني مات م�سموماً ،لكن طبيب �أحمد خميني قُتل يف بيته قبل �أن ي�ستطيع املحققون اال�ستم���اع لأقواله .و�أ�ش���ارت ال�صحف الإيرانية �إىل �أن���ه مل يكن مرتاح ًا لقيادة املر�شد الأعلى علي خامنئي(.)23 هذه النم���اذج من الف�ساد ال�سيا�سي رمبا تكون فقط قمة اجلبل اجلليدي وم���ا خف���ي كان �أعظم ،وقد يكون م���ا تتداوله الأو�س���اط ال�سيا�سية داخل �أروق���ة احلكم �أكرب بكثري ،وكل طرف ب���ات يتحني الفر�صة لت�شويه �صورة مناف�سه .وبالت�أكيد ال تخرج اتهامات �أحمدي جناد ورموز التيار املحافظ لرف�سنج���اين و�أبنائ���ه بالف�س���اد ال�سيا�سي عن ه���ذا ال�سي���اق ،ما ا�ضطر خامنئ���ي للتدخل لنفي تلك التهم عن���ه دون �أن يعني ذلك �أن رف�سنجاين بريء منها ،ولكن الراجح �أن هذا الأخري قد يكون لديه – بدوره -ملفات ف�ساد �ضد خامنئي نف�سه؛ فهو رفيقه من قبل جناح الثورة ،وكانا ع�ضوين مع��� ًا يف املجل�س الثوري بعد جناحه���ا ،وباقي تاريخهما ال�سيا�سي معروف ودرجة قرب الرجلني من بع�ضهما البع�ض ت�ؤكد ذلك. عل���ى �أنه رغم حماولة خامنئ���ي هذه� ،إال �أن الهجوم عل���ى رف�سنجاين ما زال م�ستم���ر ًا يف �سياق جتاذبات �أزمة االنتخاب���ات الأخرية ،حيث �أ�صدر عب���د الر�ض���ا داوري ،املدي���ر العام لوكال���ة الأنب���اء الإيراني���ة الر�سمية، ���ات بفر�ض قيود عل���ى ن�شر �أخبار رئي�س جمم���ع ت�شخي�ص م�صلحة تعليم ٍ النظ���ام ها�شمي رف�سنجاين ،واحل ّد من ن�شر �ص���وره �إىل �أن متنع نهائياً. وكان داوري �أ�ص���در �أوا�سط كانون الأول/دي�سم�ب�ر املا�ضي تعليماته هذه �إىل حم���رري الوكالة ،م�ضيف��� ًا �إليها �أال يمُ نح رف�سنج���اين لقب «�آية اهلل» و�أن يُذكر بد ًال م���ن ذلك ب�صفة «حجة الإ�سالم» فقط ،و�أال تُذكر وظيفته
الهوامــ�ش والإحـــاالت ( )1ح�سن امل�صطفى« ،االنتخابات الرئا�سية الإيرانية: قراءة يف الواقع وامل�ستقب���ل» ،امل�ستقبل العربي ،العدد ،269متوز/يوليو � ،2001ص .19 ( )2ط�ل�ال عرتي�سي ،اجلمهوري���ة ال�صعبة� :إيران يف حتوالتها الداخلية و�سيا�ساتها الإقليمية (بريوت :دار ال�ساقي� ،)2006 ،ص .193 ( )3م�صطف���ى اللباد ،حدائق الأح���زان� :إيران ووالية الفقيه (القاهرة :دار ال�شروق� ،)2008 ،ص .296 84
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
( )4توفي���ق ال�سيف« ،من���وذج الدول���ة الإ�سالمية عند التي���ار املحاف���ظ يف �إيران» ،جملة الكلم���ة ،العدد ،51 .2006 ( )5لتف�صي���ل �أكرث حول هذا املو�ض���وع� ،أنظر :خمتار الأ�س���دي� ،أزم���ة العق���ل ال�شيع���ي (ب�ي�روت :االنت�ش���ار العربي� ،)2009 ،ص.321 ( )6جم���ال عبد الك���رمي �أيوب« ،املحافظ���ون واختيار املر�شد الأعلى القادم» ،القد�س العربي.2010/3/4 ،
( )7ح���وار �آية اهلل �صانعي مع �صحيفة ال�شرق الأو�سط اللندنية.2007/3/17 ، ( )8حوار �إبراهيم ي���زدي مع �صحيفة ال�شرق الأو�سط اللندنية.2007/3/21 ، ( )9نيف�ي�ن م�سع���د� ،صنع القرار يف �إي���ران والعالقات العربية – الإيرانية (ب�ي�روت :مركز درا�سات الوحدة العربية� ،)2005 ،ص .80 ( )10حوار �إبراهيم يزدي مع �صحيفة ال�شرق الأو�سط
خال�ص��ة مل يبال���غ م�صطف���ى اللب���اد ،اخلب�ي�ر امل�ص���ري يف ال�ش�ؤون الإيراني���ة ،بقوله �إن الثابت الأك�ب�ر بالن�سبة للنظام ال�سيا�س���ي احل���ايل يف �إيران ه���و �ضرورة ا�ستق���رار دولة «والي���ة الفقيه» �إىل قي���ام ال�ساعة ويوم احل�س���اب� ،أو بتعبري �أدق �إىل غاي���ة ظهور الإمام الثاين ع�شر ليقيم دولة العدل وفق الت�صور ال�شيعي االثني ع�شري .لهذا، ف����إن املحافظني يف �إي���ران �سيميلون دائم ًا �إىل الق���وة والرتهيب مبختلف الو�سائل عند �شعورهم باخلطر الداهم على النظام ،خا�ص ًة مع ا�ستمرار ال�ضغوط الغربية عليه. وعلي���ه ،ف����إن م�ستقبل والية الفقي���ه ال يبدو مرتبط ًا ب�أف���كار الإ�صالحيني التغيريي���ة بقدر ما هو مرتبط بقدرة املحافظني على حتقيق �إجنازات يف
،،
،،
تعامل النظام م��ع الإ�صالحيني ككلٍّ مركب وع��دم ا�ستثن��اء �أي تي��ار منه��م يف �أزم��ة االنتخابات الرئا�سية� ،ساعد على توحدهم وتكاتفه��م خا�صةً مع ها�شم��ي رف�سنجاين الذي كان ي�صنّ��ف على �أنه ينتمي �إىل التيار الرباغماتي ،وقد �شكل��وا بذلك جبهة قوية ،ال�سيما بع��د ان�ضم �إليهم العديد من رجال الدين يف قم
كرئي�س جمل�س اخلرباء املعن���يّ بتعيني الويل الفقيه وعزله ،وهو من�صب ح�ص���ل علي���ه عرب االنتخ���اب ،واالكتف���اء بذك���ر من�صب���ه كرئي�س جممع ت�شخي�ص م�صلحة النظ���ام ،وهو من�صب عيَّنه فيه املر�شد علي خامنئي، م���ا ي�ش�ي�ر �إىل وج���ود نواي���ا لإق�صائ���ه تدريج ّي ًا م���ن املعادل���ة ال�سيا�سية الإيراني���ة بنا ًء على تعليمات مبا�ش���رة من الرئي�س حممود �أحمدي جناد، ويف �ض���وء تقري���ر �أعده وزي���ر اال�ستخب���ارات حيدر م�صلح���ي اقرتح فيه التخل����ص من رف�سنج���اين �سيا�سياً ،بعد جتاوزه حمن���ة �إبعاده عن �إمامة �ص�ل�اة اجلمعة وعودته جم���دد ًا �إىل لعب دور الو�سي���ط املعتدل يف الأزمة الداخلية املتفاقمة. م���ن جانب �آخر ،دع���ا رئي�س كتلة «الثورة الإ�سالمي���ة» روح اهلل ح�سينيان �إىل �أن ت�ستعني �إيران بال�شرطة الدولية (االنرتبول) العتقال مهدي جنل ها�شم���ي رف�سنج���اين وجلبه من لندن .وجاءت دع���وة ح�سينيان ،وهو من املتهم�ي�ن بال�ضل���وع يف قت���ل مثقف�ي�ن و�صحافيني يف عه���د الرئي�س حممد خامت���ي ع���ام ،1999بعد ثالث���ة �أيام من �إع�ل�ان رئي�س حماك���م طهران عل���ي ر�ضا �آوائ���ي �أن املحكمة فتح���ت بالفعل ملف ًا لفائ���زة ومهدي جنليّ رف�سنجاين ،و�أكد �أنه �سيتم قريب ًا جد ًا مالحقتهما ق�ضائي ًا بتهمة الف�ساد والتحري�ض عل���ى اال�ضطرابات التي اندلعت بع���د االنتخابات الرئا�سية. ويذك���ر بع�ض املراقبني �أن رف�سنج���اين و�أ�سرته يتعر�ضون لـ»حملة ت�شويه» وا�سع���ة ومنظمة ،ب���د�أت قبل االنتخاب���ات الرئا�سية ع���ام ،2005و�شارك فيه���ا ق���ادة يف احلر�س الث���وري والبا�سيج و�أع�ضاء مت�ش���ددون يف جمل�س اخل�ب�راء� ،إذ اعت�ب�روه مف�ص���ل ارتكاز يعتم���د عليه زعم���اء الإ�صالح يف �إثارة «اال�ضطرابات» ،واتهموه بالتواط�ؤ مع «ر�ؤو�س الفتنة لالنقالب على النظام»(.)24 وال �ش���ك يف �أن هذه الطريقة يف التعامل م���ع اخل�صوم ال�سيا�سيني لي�ست جدي���دة ،و�أن رف�سنجاين لي�س �أول �ضحاياه���ا؛ فقد �سبق �أن �أُعفي ح�سني عل���ى منتظري م���ن قبل الإمام اخلميني بعد قي���ام الثالثي (رف�سنجاين، خامنئي ،و�أحمد اخلميني) بالت�أثري فيه .وقد رف�ض هذا الأخري منا�شدات منتظري ل���ه ب�إطالق �سراح �صهره الذي اته���م بالعمالة للواليات املتحدة و�أع���دم ،يف ح�ي�ن �أرجع منتظ���ري الأ�سب���اب احلقيقية لذل���ك �إىل ك�شف مهدي ها�شمي ع���ن زيارة مكفارلني م�ست�شار الرئي����س الأمريكي الأ�سبق رونال���د ريج���ان لطهران ع���ام ،1986والت���ي �أ�سفرت عن �صفق���ة «�إيران غي���ت» التي ح�صلت �إيران مبوجبه���ا على �أ�سلحة �أمريكي���ة �أثناء احلرب م���ع العراق .كما �أن الطريقة التي �أُبعِد بها منتظري عن ال�سلطة مور�ست قبله م���ع حممد �شريعتمداري جنل �آية اهلل �شريعتم���داري ،ومع �أوالد �آية اهلل طالق���اين ،وهو م���ا �ساهم يف حتييد هات�ي�ن ال�شخ�صيتني من احلياة ال�سيا�سية(.)25
واحلقيق���ة �أن ق�ضاي���ا الف�ساد ال�سيا�س���ي باتت ت�ؤثر يف النظ���ام الإيراين ب�ش���كل �سلب���ي ،وقد تكون له���ا انعكا�سات خطرية خ�صو�ص��� ًا �إذا ما علمنا �أن الف�س���اد هو ال�سبب الرئي�س���ي يف زوال الأنظمة عرب التاريخ .ويف حالة النظام الإيراين� ،ستكون االنعكا�س���ات ماثلة يف ناحيتني� :أوالهما ،ت�أليب الر�أي العام �ضد النظام وتو�سيع املعار�ضة ال�شعبية له ،خا�ص ًة مع توا�صل التدهور االقت�صادي و�إمكانية فر�ض عقوبات جديدة على طهران تلوح بها �أمريكا والإحت���اد الأوروبي وال متانعها رو�سيا ،وما ينجر عليها من �ضعف يف الق���درة ال�شرائي���ة لدى املواطن الإي���راين� .إ�ضاف���ة �إىل ذلك ،طريقة تعاط���ي النظام م���ع �أزمة االنتخاب���ات الرئا�سية الأخرية ،م���ا ير�سخ تلك املواقف �ض���ده ،وحتى القاعدة الفقرية (�أربع���ون مليون مواطن �إيراين) التي يغلب عليها التدين ،والتي يتكئ عليها النظام وي�ستمد منها �شعبيته، قد تنقلب عليه �إذا ما وقفت ج ّل املراجع �ضد النظام. والناحي���ة الثانية تتبدى يف كرثة ق�ضايا الف�ساد وامللفات التي ميتلكها كل طرف �سيا�سي �ضد خ�صمه� ،إذ ب�إمكانها �أن ت�ؤجج التناف�س غري ال�شريف واحل���رب الإعالمية بني املت�صارعني م���ن خالل ك�شف تلك امللفات للر�أي الع���ام ،ب���ل �إن ال�صراع ق���د ي�صل �إىل درج���ة االغتي���االت ال�سيا�سية وهو �أم���ر معهود يف ال�سيا�سة عموم��� ًا ويف الأنظمة العامل ثالثية خ�صو�صاً ،ويف النظام ال�سيا�سي الإيراين ب�شكل �أكرث خ�صو�صية ،نظر ًا لتاريخه احلافل بها حت���ى �أن �أحمد عبد الق���ادر ال�شاذيل �ألف كتاب��� ًا عنوانه «االغتياالت ال�سيا�سي���ة يف �إي���ران» ،يتح���دث يف الف�ص���ل الرابع منه ع���ن االغتياالت ال�سيا�سية التي ح�صلت بعد الثورة الإ�سالمية ،ومالحقة جهاز املخابرات الإي���راين للمعار�ضني ال�سيا�سيني يف اخل���ارج .ومع �أن امل�ؤلف يتوقف عند منت�صف الت�سعينيات ،ف����إن م�سل�سل االغتياالت ا�ستمر يف الداخل ليطال ال�صحفي�ي�ن والكتّاب واملفكري���ن و�أ�ساتذة اجلامعات م���ن الإ�صالحيني، وغريهم.
م�ستقب��ل والي��ة الفقي��ه ال يب��دو مرتبط ًا ب�أف��كار الإ�صالحي�ين التغيريي��ة بق��در م��ا ه��و مرتبط بقدرة املحافظ�ين على حتقيق �إجن��ازات يف م�ست��وى تطلع��ات املجتم��ع الإي��راين، وهذا �أمر �صعب للغاية نظر ًا للم�ستوى املعي�شي الذي يطمح �إليه ال�شباب الإي��راين على وجه اخل�صو�ص، وحماولتهم جماراة النمط املعي�شي الغربي م�ست���وى تطلعات املجتمع الإيراين ،وهذا �أمر �صعب للغاية نظر ًا للم�ستوى املعي�ش���ي ال���ذي يطم���ح �إلي���ه ال�شب���اب الإيراين عل���ى وج���ه اخل�صو�ص، وحماولتهم جم���اراة النمط املعي�شي الغربي؛ ف�إي���ران لي�ست ا�ستثناء من العامل ،والعوملة مل تعد تعرف حدوداً ،وال يبدو يف الأفق القريب واملتو�سط �أن املحافظ�ي�ن قادرين عل���ى تلبية ذلك الطموح يف ظ���ل �أو�ضاع طبيعية، �أم���ا �إذا �أ�ضيف لها م�شاكل االقت�ص���اد الإيراين ،واحتمال فر�ض عقوبات جدي���دة مهم���ا كانت ذكية عل���ى اجلمهورية الإ�سالمية ،ف�إنه���ا �ست�ؤثر يف خمتل���ف فئ���ات ال�شع���ب الإيراين ب�ش���كل كب�ي�ر ،لأن ا�سته���داف احلر�س الث���وري -الذي ي�سيطر عل���ى ن�سبة كبرية من االقت�صاد الإيراين -معناه ا�ستهداف ال�شعب ب�أكمله. كما �أن موقف الأقليات يف �إيران من النظام هو نف�س املوقف الذي اتخذته من نظام ال�شاه ،وذلك لأن واقعها االجتماعي ديناميات ال�صراع وحقوقه���ا ال�سيا�سي���ة مل تتح�س���ن ب���ل التايل ال�صومايل وفر�ص حلحلته ازدادت �س���وءاً .و�إذا كان اال�ضطه���اد يف بقلم :عطية عي�سوي املا�ض���ي ق���د مت ع���زوه �إىل الديكتاتوري���ة والتع�صب القوم���ي والعلماني���ة املت�شددة ،ف�إن املمار�س���ات احلالي���ة متار�س با�س���م الدين ،م���ا يجعل املعار�ض���ة لنظام امل�ل�ايل �أ�شد من نظام ال�ش���اه .عالوة على ذلك ،ميكن القول �إن ال�صراع القائم عل���ى املرجعية �سينعك�س �سلب ًا على التجمع���ات ال�شيعية يف الوطن العرب���ي ،خا�ص���ة يف ظ���ل املمار�س���ات ال�سيا�سي���ة التي يقوم به���ا النظام الإي���راين ،وارتفاع �أ�صوات من داخل احل���وزة العربية تنتقد نظرية والية الفقيه والنظام على حد �س���واء ،م�ستخدم ًة الأحداث ال�سيا�سية يف �إيران لدعم وجهة نظرها. ومع �أن جممل املالحظات ال�سابقة تبينّ مرونة النظام ال�سيا�سي يف �إيران و�إمكاني���ة التغي�ي�ر الن�سب���ي� ،إال �أن الراج���ح هو مراوح���ة الأزمة احلالية مكانه���ا يف ظل والية املر�شد احلايل عل���ي خامنئي ،الذي �سيظل -بحكم �سلطات���ه املطلقة وكونه «ويل الفقي���ه» -هو من �سيحدد اجتاهات التغيري يف �إيران ،كما م�ستقبل البالد ال�سيا�سي.
اللندنية.2007/3/21 ، املجلة.2010/1/29 ، ( )16مه���دي خلجي�« ،آي���ة اهلل ذو تفكري ثوري :كيف ( )11قناة العربية.2010/4/6 ، ( )12حج���ة الإ�س�ل�ام حم�س���ن غرفيان يف ح���وار مع ذه���ب والدي م���ن �سجن ال�شاه �إىل �سج���ن خامنئي»، معه���د وا�شنطن ل�سيا�سات ال�ش���رق الأدنى 19 ،كانون �صحيفة ال�شرق الأو�سط اللندنية.2007/3/18 ، الثاين/يناير .2010 ( )13املرجع نف�سه. ( )17تي�ي�ري كوفي���ل� ،إي���ران الثورة اخلفي���ة ،ترجمة ( )14املرجع نف�سه. ( )15ك���رمي �سادجابور« ،م�ستقب���ل خامنئى الغام�ض :خلي���ل �أحمد خليل (ب�ي�روت :دار الفاراب���ي،)2008 ، طري���ق من الوحدة �أم���ام املر�شد الأعل���ى يف �إيران»� ،ص.323
( )18نيفني م�سعد ،مرجع �سبق ذكره� ،ص .125 ( )19املرجع نف�سه� ،ص .147 ( )20ح���وار حم�س���ن اله كدي���ور مع �صحيف���ة ال�شرق الأو�سط اللندنية.2007/3/19 ، ( )21نيفني م�سعد ،مرجع �سبق ذكره� ،ص.184 ( )22ال�شرق الأو�سط.2007/3/20 ، ( )23كاميلي���ا انتخاب���ي -ف���ارد« ،خامنئ���ي �س���وف ي�سقط!» ،العربية نت.2009/12/27 ، ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
85
املراقب اال�سرتاتيجي
فو�ضى يف مقدي�شو
ديناميات ال�صراع ال�صومايل ،وتداعياته ،وفر�ص حلحلته عطيه عي�سوي
aessawy54@gmail.com
على العك�س من معظم ال�شعوب الأفريقية ،ينتمي �أبناء ال�شعب ال�صومايل �إىل عرق واحد هو العرق ال�صومايل، ودين واحد هو الإ�سالم ،ومذهب واحد هو ال�شافعي ،ومع ذلك عجزوا عن االتفاق لإنهاء احلرب الأهلية التي راح �ضحيته���ا ن�ص���ف مليون �إن�س���ان منذ الإطاحة بنظام حك���م �سياد برى قبل نحو 19عام���اً� ،أو حتى تنفيذ م���ا اتفق���وا عليه .فكلما اتفقوا عل���ى �شيء بعد مفاو�ضات طويلة و�شاقة ال يلتزم���ون بتنفيذه� ،أو على افرتا�ض ح�س���ن الني���ة مل ي�ستطيعوا التنفيذ .فقد �أبرم���وا نحو 16اتفاق م�صاحلة ،و�شكل���وا 14حكومة انتقالية خالل تل���ك الفرتة لكنه���ا انهارت �أو بقيت عاجزة عن اجناز الهدف منها ،وهو وق���ف االقتتال وم�ساعدة امل�شردين والالجئ�ي�ن للعودة �إىل ديارهم و�إعادة بناء مرافق الدولة املنهارة بالتعاون مع اجلهات املانحة وقيادة البالد نحو انتخابات حرة ونزيهة الختيار رئي�س وبرملان لدولة دميقراطية احتادية ،تتقا�سم فيها احلكومة املركزية ال�سلط���ة مع حكومات الأقاليم مع احلفاظ على تقاليد املجتمعات القبلية يف �إدارة �ش�ؤونها املحلية� .أبرز هذه االتفاقيات� :أدي�س �أبابا ،1993والقاهرة ،1997وعرتا (جيبوتي) ،2000ونريوبي .2004 ويبدو �أن ال�صوماليني ال يتعلمون الدر�س وي�ضع الكثريون منهم م�صاحلهم ال�شخ�صية والقبلية فوق م�صلحة الوطن .وهكذا يكرر التاريخ نف�سه؛ فمثلما رف�ض اجلرنال فارح عيديد رئي�س امل�ؤمتر ال�صومايل املوحد 86
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�صحفيالعدد أفريقية. مار�س/يونيو يف الثالث،متخ�ص�ص م�صري عطيه عي�سوي ا�سرتاتيجية 2010ال�ش�ؤون ال ا�سرتاتيجية
87
املراقب اال�سرتاتيجي (الربمل���ان امل�ؤقت) تن�صيب غرميه التقلي���دي على مهدي رئي�س ًا انتقالي ًا للدول���ة ملدة عامني بعد الإطاح���ة ب�سياد برى وهروبه من مقدي�شو يوم 27 كان���ون الثاين/يناي���ر ،1990برغم �أن مهدي وعيدي���د ينتميان �إىل قبيلة واح���دة ه���ي (هوي���ه) ،و�إن كان الأول ينتمي لفرع «�أبج���ال» والثاين لفرع «هربجي���در» ،ف����أدى ذل���ك �إىل ا�ستئناف احل���رب الأهلي���ة .رف�ض ح�سن طاهر عوي����س زعيم احلزب الإ�سالمي املعار�ض ت���ويل �شيخ �شريف �شيخ �أحمد رئا�سة البالد ،مع �أنهما كانا يقودان مع ًا تنظيم املحاكم الإ�سالمية قب���ل �أن يفرتقا يف �إريرتيا وينف�صل كل منهما بجناح من املحاكم ،اندمج �أحدهما فى احلكومة االنتقالية والثاين يف احلزب الإ�سالمي .وا�ستمرت احلرب حتى بعد ان�سحاب القوات الإثيوبية فى كانون الثاين/يناير 2009 واكتف���ت �إثيوبيا بالتوغل الع�سك���ري يف الأرا�ضي ال�صومالية من حني �إىل �آخر قرب احلدود امل�شرتكة لإبعاد املتمردين املت�شددين ومنعهم من �شن هجم���ات على �أرا�ضيها �أو الت�سلل �إليها للقتال مع متمردي �إقليم �أوغادين ذي الأغلبية ال�صومالية الذي اقتطعه امل�ستعمرون الإجنليز من ال�صومال و�ضموه �إىل �إثيوبيا العام 1945مكاف�أة لها على دعمهم يف �صراعهم على النفوذ م���ع امل�ستعمرين الفرن�سيني وااليطاليني يف �ش���رق �أفريقيا وخليج عدن. الو�ضع احلايل يف ال�صومال حمركات ال�صراع ومغذياته ال يب�ش���ر بخري قريب .فما زالت �أطراف الأزم���ة مت�شبثة مبطالبها لوقف القت���ال والدخ���ول فى مفاو�ض���ات ،ومعظمه���ا مطالب تعجيزي���ة ي�صعب صال للتو�صل �إىل حل .فقادة تلبيته���ا ،هذا �إذا كانت هناك ني���ة خال�صة �أ� ً حرك���ة ال�شباب املجاهدي���ن املت�شددة يتهم���ون الرئي����س ال�صومايل ب�أنه عميل للغرب وباع الق�ضي���ة وير�أ�س حكومة ت�ضم عمالء لإثيوبيا مطلوبني للمحاكم���ة عم���ا ارتكبوه يف ح���ق ال�شعب م���ن جرائم على ح���د و�صفهم. كما يطالبون بتطبي���ق �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية وفق��� ًا لفهمهم املت�شدد له���ا و�إقامة �إم���ارة �إ�سالمية ،وطرد ق���وات حفظ ال�س�ل�ام الأفريقية قبل �أن يوافق���وا عل���ى وق���ف القتال .وم���ع �أن الرج���ل �إ�سالمي حت���ى النخاع، وواف���ق بالفعل عل���ى تطبيق �أحكام ال�شريعة وتنقي���ة القوانني مما يخالف �أحكامه���ا� ،إال �أنه���م وا�صل���وا حماربته وعدم االعرتاف به ،ب���ل �إن ال�شيخ طاه���ر عوي�س زعيم احلزب الإ�سالمي و�صفه ب�أنه خالف تعاليم الإ�سالم من �أجل م�صاحله اخلا�صة. امل�شكل���ة هنا هي �أن���ه �إذا وافق �شيخ �شريف على �سحب القوات الأفريقية ف�س���وف ت�سقط حكومت���ه ،لأن الق���وات احلكومية ما زال���ت �ضعيفة وغري قادرة عل���ى حماية نظامه ،كما �أنه ال ي�أم���ن �أال ينق�ضوا عهدهم وينقلبوا عليه بعد ان�سحابها .و�إذا �أقام �إمارة �إ�سالمية وفق ًا ملفهومهم لها لن تقبل بها دول اجلوار ،خا�صة �إثيوبيا ،وال الدول الكربى ،ويف مقدمتها الواليات املتح���دة ،خوف��� ًا من انتهاجه���ا �سيا�سة مت�شددة تزع���زع الأو�ضاع يف
الو�ضع احلايل يف ال�صومال ال يب�شر بخري قريب .فما زالت �أط��راف الأزمة مت�شبثة مبطالبها لوقف القتال والدخول فى مفاو�ضات ،ومعظمها مطالب تعجيزية ي�صعب تلبيتها، هذا �إذا كانت هناك نية خال�صة �أ�ص ًال للتو�صل �إىل حل 88
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ال���دول املج���اورة �أو ت����ؤوي عنا�صر تنظي���م القاعدة الفارين م���ن العراق و�أفغان�ستان ،والذين �سبق �أن فجّ روا �سفارتي الواليات املتحدة يف تنزانيا وكيني���ا يف وق���ت واحد العام .1998كما �سب���ق �أن تعهد الرجل عقب توليه ال�سلطة بالتعاون مع دول اجلوار والعي�ش معها يف �سالم طاملا ال تتدخل يف �ش�ؤون بالده ،وهو ما �أحدث ارتياح ًا لديها وجعلها تعرتف به وت�ساعده يف مواجهة خ�صومه باعتباره �أخف ال�ضررين. من عوام���ل (دينامي���ات) تغذية ال�ص���راع �أي�ضاً ،تنظي���م القاعدة الذي ح���ث املتمردي���ن عل���ى موا�صل���ة «اجله���اد» �ضد �شي���خ �شريف بزع���م �أنه «انحرف ع���ن مبادئ الإ�س�ل�ام» ،وعلى عدم الوق���وع يف م�صيدة املبادرة املدعوم���ة من «الغرب الكافر» للجلو�س �إىل مائدة التفاو�ض مع احلكومة. فه���ذا املوقف يجع���ل التو�صل �إىل اتفاق ب�ي�ن «املجاهدين» و«احلزب» من ناحي���ة واحلكومة من ناحي���ة �أخرى �شبه م�ستحيل ،خا�ص���ة �أن «ال�شباب» و«احل���زب» يعلم���ان �أنهم���ا منبوذان م���ن الأنظم���ة العربي���ة والإ�سالمية الت���ي تكره التط���رف ،ومن دول اجلوار التي تخ�ش���ى �أن ت�ؤدى م�شاركتهما يف احلك���م �إىل ت�ش���دد يف �سيا�سة مقدي�شو ي�ساه���م يف زعزعة اال�ستقرار �أكرث يف منطقة الق���رن الأفريقي �إذا ح�صل عنا�صر تنظيم القاعدة على موط���ئ قدم م�ؤث���ر مب�ساعدة مت�شددي���ن يف ال�سلط���ة ال�صومالية .وطاملا ا�ستمر دع���م «القاعدة» ملتم���ردي ال�صومال باخلربة القتالي���ة والأفراد، حيث ق���درت املخابرات الأمريكية عدد �أفراده الذي���ن ت�سللوا بالفعل �إىل داخ���ل ال�صومال مبا يرتاوح ب�ي�ن 300 - 250عن�صر ،ف�إن ذلك ي�شجعهم على التمادي يف متردهم والت�شدد يف مطالبهم ،خا�صة �أن قادتهم �ضيقو الأفق وثقافتهم الدينية �ضحلة وي�سهل قيادتهم وتوجيههم من «القاعدة» بع���د �أن �أعلنوا والءه���م بالفعل لأ�سام���ة بن الدن زعي���م التنظيم ،ودعوا �أتباعه �إىل القدوم �إىل ال�صومال. ي�ض���اف �إىل العوامل املغذي���ة للأزمة ،ال�صراع عل���ى النفوذ والرثوة بني «ال�شب���اب» و»احلزب» ،والذي ظهر جليا يف املعارك بينهما لل�سيطرة على مين���اء ومدينة كي�سمايو اال�سرتاتيجي���ة على بعد 500كم �إىل اجلنوب من مقدي�شو .فحتى لو حدثت معجزة وت�صاحلا مع احلكومة �سيظل اخلالف بينهما �شوكة فى خا�صرة ال�صومال .فميناء كي�سمايو يدر دخ ًال كبري ًا ملن ي�سيطر عليه من عائد اجلمارك وال�ضرائب ويتيح فر�صة لدخول �شحنات ال�سالح واملقاتل�ي�ن الأجانب للقتال �إىل جانبه .وق���د دفع ال�صراع امل�سلح بينهم���ا بع�ض املراقبني للق���ول �إن املطامع ال�شخ�صي���ة والقبلية هي التي حتول دون اتفاقهما مع حكومة �شيخ �شريف و�أن الكثريين من قادة احلزب وال�شباب حتولوا �إىل �أمراء حرب جدد ال يختلفون كثري ًا عن �أمراء احلرب ال�سابق�ي�ن قبل �أن يق�ضى عليهم تنظيم املحاك���م الإ�سالمية العام .2006 كم���ا و�صف مراقبون بع�ض قادة هذي���ن الف�صيلني ب�أنهم انهاروا �أخالقي ًا وات�سم���وا بالأنانية ،وتورط بع�ضهم يف �أعمال ت�شبه اجلرمية املنظمة مثل ا�ستباحة �أموال النا�س واعتبارها غنائم لهم ،والقيام بت�صفية خ�صومهم م���ن ال�شخ�صيات البارزة واملثقفني لأ�سباب قد تك���ون �شخ�صية �أو قبلية. كم���ا �أدى اعتداء «ال�شباب» على حرمات وقب���ور م�شايخ الطرق ال�صوفية �إىل ا�شتب���اكات م�سلح���ة عنيفة م���ع «�أهل ال�سن���ة واجلماع���ة» ال�صوفية، وان�ضمام الأخرية �إىل احلكومة يف مواجهة اجلماعتني املت�شددتني �ضمن �صفقة القت�سام ال�سلطة.
ومم���ا يرجح �أن تغيري ًا يف الو�ض���ع القائم لن يحدث يف امل�ستقبل القريب م���ا جاء يف تقرير ملجموعة املراقبة الدولية اخلا�صة بال�صومال يف �آذار/ مار� ��س � 2010أن الق���وات احلكومي���ة ما زال���ت غري منظمة وغ�ي�ر فاعلة وفا�س���دة وتعانى م���ن ثقاف���ة امليلي�شيات بالرغ���م من امل�ساع���دة الدولية له���ا ،و�أكد �أن امل����أزق الع�سكري ال يرجع �إىل ق���وة املعار�ضة امل�سلحة بقدر ما يعك����س �ضعف احلكوم���ة لأن قواته���ا امل�سلحة وال�شرط���ة مازالت غري متجان�سة حيث تتكون م���ن ميلي�شيات منف�صلة موالية مل�سئولني حكوميني �أو ع�سكري�ي�ن ي�ستفي���دون من اقت�صاد احل���رب ويرف�ضون االندماج حتت قي���ادة واحدة .و�أ�ضاف التقري���ر �أن القوة الأفريقية هي التي ت�ضمن بقاء احلكوم���ة و�أن عدد �أف���راد امليلي�شيات املتحالفة م���ع احلكومة يرتاوح بني � 10 - 5آالف يف مقدي�ش���و و�أن احلكوم���ة مل تنج���ح يف ن�شر وحدة ع�سكرية واح���دة بحجم ف���وج �أو لواء وما زال خط املواجهة على بعد 500مرت فقط م���ن ق�صر الرئا�سة .و�أخرياً� ،أكد التقرير �أن الدعم الإريرتى للمتمردين مل يتوقف ،و�إن كان قد ق ّل منذ نهاية .2009 داخلي��اً: تداعي��ات حملي��ة و�إقليمي��ة ودولي��ة ا�ستمرار الأزمة ي�ؤدى �إىل مزيد من القتل والت�شريد واالغت�صاب والنهب امل�سل���ح للمدنيني الأبرياء الذي���ن لقي � 20ألف ًا منه���م م�صرعهم ،وت�شرد � 500أل���ف من���ذ بداية .2007كما خاطر � 43ألف��� ًا ب�أرواحهم عابرين خليج عدن على منت 860قارب ًا �إىل اليمن هرب ًا من جحيم احلرب ،ولقي مئات منه���م م�صرعهم غرقاً .ح���ال القتال دون �إعادة بناء م���ا خرّبته احلرب وتنام���ي الفكر ال�سلف���ي املت�شدد عل���ى ح�ساب الفكر ال�ص���ويف املت�سامح، وتهي�أت الأجواء لدخول مزيد من عنا�صر «القاعدة» ليزيدوا ال�صوماليني رهق��� ًا بتحرمي الكثري مما �أح���ل اهلل وتطبيق �أحكام القتل واجللد يف غري موا�ضعه���ا .ومن املمكن �أن تعود ظاهرة �أمراء احلرب الذين تاجروا بكل �ش���يء من املخ���درات �إىل ال�سالح م���رور ًا بغذاء الب�سط���اء ،وهيمنوا على مق���درات البالد وموانيه���ا ومطاراتها ،و�أقاموا مناط���ق نفوذ خا�صة بهم قبل �أن تهدم املحاكم الإ�سالمية معاقلهم بحلول منت�صف .2006 �إقليمياً :تبقى الأزمة ال�صومال ب�ؤرة توتر ورمبا م�أوى حمتمل «للقاعدة» مما يثري قلق دول اجلوار ،خا�صة �إثيوبيا ،فتظل تتدخل ع�سكريا وبو�سائل �أخ���رى يف �ش�ؤون ال�صومال خوف ًا من �سيطرة املت�شددين الإ�سالميني على احلك���م والعودة للمطالبة ب�إقليم �أوغادي���ن �أو دعم حركات التمرد فيه �أو حرك���ة حترير �أوروم���و الإثيوبية املتمردة .ال�شيء نف�س���ه ميكن �أن يحدث م���ع كينيا لأنها تخ�ش���ى �أن يطالب املت�شددون با�ستع���ادة الإقليم ال�شمايل الغرب���ي الكيني (�أنف���دي) الذي اقتطع���ه امل�ستعم���رون الربيطانيون من ال�صوم���ال و�ضم���وه لكينيا بعد احل���رب العاملية الثاني���ة� ،أو �إيواء عنا�صر «القاع���دة» ليتخذوا من الأر�ض ال�صومالي���ة نقطة انطالق ل�شن هجمات عل���ى م�صالح غربية داخ���ل �أرا�ضيها مثل ن�س���ف ال�سفارتني الأمريكيتني يف نريوب���ى ودار ال�سالم العام .1998وكلما ا�ستمرت الأزمة كلما وا�صلت اريرتيا ت�صفية ح�ساباتها مع �إثيوبيا على �أر�ض ال�صومال ب�سبب اخلالف بينهما على احلدود والذي �أدى �إىل حرب دموية بينهما بني العامني 1998 و .2000وم���ن غري امل�ستبع���د �أن تتعر�ض جيبوتي التي ت�ساند �شيخ �شريف وت�ست�ضيف قاعدة ع�سكرية فرن�سي���ة و�أخرى �أمريكية ،لهجمات انتقامية
ال ب��د من موا�صلة دعم حكومة �شيخ �شريف بال�سالح ،وتدريب املزي��د م��ن الق��وات لإع��ادة بن��اء اجلي���ش تدريجي��اً ،ودعمها بخرباء �أجانب وتقارير خمابرات واال�ستطالعات اجلوية ملنع �سقوطها ولتمكينها من تو�سيع نطاق �سيطرتها
ت�ؤدى �إىل هجمات م�ضادة و�إطالة �أمد بقاء القاعدتني. عاملياً :ا�ستمرار عمليات القر�صنة يف خليج عدن واملحيط الهندي ب�شكل يهدد %10من حجم التجارة العاملية و %25على الأقل من ا�ستهالك العامل م���ن النفط تع�ب�ر هذه املنطقة على م�ت�ن � 22ألف �سفين���ة جتارية �سنوياً. فطامل���ا مل يتم حل الأزمة الأم و�إنهاء الفو�ض���ى على الرب ال�صومايل فلن تت���م ال�سيطرة على القرا�صن���ة الذين ينطلقون م���ن ال�شاطئ ال�صومايل ويع���ودون �إليه بال�سفن املخطوفة واحدة تلو الأخرى ،خا�صة منطقة «�أيل» يف بونتالن���د انتظار ًا لدف���ع الفدية ،وهي عملية مربح���ة بلغ عائدها نحو 100ملي���ون دوالر وفق ًا لبع�ض التقديرات ،وي�شتغل بها نحو � 1000شخ�ص حالي���اً .وكان �أب���رز عمليات اخلطف ناقل���ة النفط ال�سعودي���ة «�سرييو�س �ست���ار» وعلى متنها 2مليون برميل �أم���ام �سواحل كينيا ،و�سفينة �أوكرانية حتم���ل 33دبابة ومع���دات ع�سكرية ومل يت���م الإفراج عنهم���ا �إال بعد دفع الفدي���ة .ي�ض���اف �إىل ذلك ،احتمال حت���ول ال�صومال �إىل م����أوى لتنظيم القاع���دة مهدد ًا امل�صالح الغربية يف �شرق الوجه اجلديد للدبلوما�سية الليبية �أفريقيا ورمب���ا امل�صالح العربي���ة �أي�ضاً ،التايل بقلم� :أمرية عبداحلليم �إذا ا�ستط���اع �إح���كام قب�ضته على جانبي م�ضيق باب املندب يف البحر الأحمر. مما تقدم يت�ضح �أن احلل اخلروج من دوامة الفو�ضى لي�س �سهالً .فاملتمردون يرف�ضون متام ًا وقف القتال والتفاو�ض �إال ب�شروط ي�صعب تنفيذها ،والبد من موا�صلة التحرك على �أكرث من �صعيد يف وقت واح���د ع�سى �أن حتدث انفراج���ة ولو ب�سيطة ميكن البناء عليها .ال بد من موا�صل���ة دعم حكومة �شيخ �شريف بال�س�ل�اح ،وتدريب املزيد من القوات لإع���ادة بناء اجلي�ش تدريجياً ،ودعمها بخرباء �أجانب وتقارير خمابرات واال�ستطالعات اجلوية ملنع �سقوطها ولتمكينها من تو�سيع نطاق �سيطرتها، ال���ذي ينح�صر حالي ًا يف قطاع �صغري م���ن العا�صمة مقدي�شو .وفى الوقت نف�سه ،حماول���ة اخرتاق �صفوف املتمردي���ن ،وا�ستغالل اخلالفات بينهم لإ�ضعافه���م ،وجتنيد عمالء من بينه���م ،و�إحكام احل�صار على مناطقهم ملن���ع دخول �سالح له���م �أو ت�سلل عنا�صر من «القاع���دة» �إليهم ،ومالحقة عنا�صرهم بكل الو�سائل حتى ينكم�ش نفوذهم تدريجياً. كم���ا يجب ال�سعي لدى زعماء الع�شائر ،ول���و ب�إغرائهم باملال لي�ستخدموا نفوذهم لدى قادة التمرد ع�سى �أن يلقى بع�ضهم ال�سالح وي�ضعف موقف الآخرين .و�أخرياً ،التدخل لدى �إثيوبيا لتنفيذ حكم هيئة التحكيم الدولية ب�إع���ادة بلدة «بادم���ي» احلدودية املتنازع عليه���ا �إىل �إريرتيا حتى تتوقف الأخ�ي�رة عن دعم املتمردي���ن نكاية فيها ويف �أم�ي�ركا ،وقيام �شخ�صيات ذات م�صداقية لدى قادة احل���زب الإ�سالمي وحركة ال�شباب مثل ال�شيخ يو�س���ف القر�ض���اوى ودول �إ�سالمية مثل تركيا مبحاول���ة جمعهم وممثلي احلكومة على مائدة التفاو�ض ع�سى �أن يخرج ال�صومال من عرثته. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
89
املراقب اال�سرتاتيجي
الوجه اجلديد ل�سيا�سة ليبيا اخلارجية حمددات التحوّل ودوائر احلركة �أمرية حممد عبداحلليم amiraabdelhalim99@gmail.com
تع���د �سيا�س���ة ليبيا اخلارجية من �أكرث ال�سيا�س���ات املثرية للجدل؛ فكثري من الباحث�ي�ن ي�صعب عليهم فهم توجهات هذه ال�سيا�سة نظر ًا لت�أرجحها بني قناعات �أيديولوجية وفكرية تبنتها القيادة الليبية منذ ال�سنوات الأوىل للث���ورة ،وب�ي�ن حت���والت خارجية (�إقليمية ودولي���ة) تدفع يف اجتاهات ال تتفق ف���ى كثري من الأحيان م���ع هذه القناع���ات الأيديولوجية والفكري���ة ،بل وجترب القي���ادة الليبية على الر�ض���وخ والإذعان للمطالب اخلارجية ،مما يُظهِ ر ال�سيا�سة اخلارجية الليبية يف حالة م�ضطربة تبدو معها غري وا�ضحة املعامل ،ويجعل ثمة �صعوبة يف حتديد الثوابت واملتغريات والتوقعات امل�ستقبلية لهذه ال�سيا�سة. م����ن هن����ا كان م����ن ال�ضروري لفه����م توجه����ات ال�سيا�س����ة اخلارجية الليبي����ة ،وخا�صة منذ انتهاء احلرب الباردة على امل�ستويني الإقليمي وال����دويل ،التعرف على �أهم املحددات التى مار�س����ت دور ًا م�ؤثر ًا يف حتديد توجه����ات ال�سيا�سة اخلارجية الليبية خ��ل�ال هذه املرحلة بل و�ساهم����ت فى ر�س����م مالحمها ،ودوائر احلرك����ة التى مت من خاللها تنفيذ هذه ال�سيا�سة ،وميكن تو�ضيح ذلك كما يلي: �أوالً :حمددات ال�سيا�سة اخلارجية الليبية �شه����دت ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة الليبية من����ذ انتهاء احل����رب الباردة جمموع����ة من التحوالت التي ميكن و�صفه����ا بـ “الراديكالية” ،مثلت قطيعة ملا ات�سمت به هذه ال�سيا�سة خالل العقود ال�سابقة ،ومنذ قيام الثورة عام ،1969ودفعت هذه التغريات �إىل حماولة حتديد العوامل واملحددات امل�ؤثرة يف هذه ال�سيا�سة ،والتي من �أهمها ما يلي: 90
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�أ .التطورات الدولية مع جميء معمر القذايف �إىل ال�سلطة تبنّت القيادة الليبية املنطلقات الفكرية للنموذج امل�صري النا�صري فى التعامل مع الق�ضايا العربية والدولية؛ فعربياً� ،أكدت على فكرة “الوحدة العربية” ،ولتطبيق هذه الفك����رة تعددت حم����اوالت حتقيق الوحدة بني ليبي����ا وبع�ض الأقطار العربي����ة ،وبعد توقيع م�صر ملعاهدة كام����ب ديفيد ان�ضمت ليبيا �إىل املحور املناوئ مل�صر �إال �أنها ا�ستمرت فى تبني �أفكار الوحدة العربية ودعم حركات التحرير .وبعد �أحداث لوكريبي وف�شل ليبيا فى تكوين جبهة عربية م�ساندة لها فى هذه الق�ضية ،حتولت ليبيا �إىل الهجوم على العرب والدع����وة �إىل االن�سحاب من اجلامعة العربية ،وطرحت بدي ًال جديد ًا لتوجهاتها اخلارجية متثل فى االجتاه �صوب �أفريقيا. وعل����ى امل�ست����وى الدويل ،اتخ����ذت ليبيا مواقف �ضد الغ����رب وخا�صة �أمرية حممد عبداحلليم باحثة يف العلوم ال�سيا�سية ،م�صر.
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
91
املراقب اال�سرتاتيجي
الواليات املتحدة ،وت�صاعدت املواقف بني اجلانبني حتى و�صلت �إىل �ضرب الطائرات الأمريكية لليبيا .وجاءت �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب 2001وما �سبقها من �أفول للأيديولوجية اال�شرتاكية ضال عم����ا طرحته �أزمة يف الع����امل بعد انهيار االحت����اد ال�سوفيتي ،ف� ً لوكريب����ي م����ن تداعيات �سلبي����ة على الواق����ع الليبي؛ لتمث����ل منا�سبة دافع����ة �إىل التفكري فى �إع����ادة �صياغة ال�سيا�س����ة اخلارجية الليبية. فق����د ر�أت القي����ادة الليبي����ة �أن العامل حت����ول �إىل حموري����ن بارزين: حمور تتزعمه الواليات املتحدة وحلفائها فى احلرب على الإرهاب، �أم����ا املحور الآخر فهو املح����ور املناوئ لل�سيا�س����ة الأمريكية والغربية ب�صف����ة عامة ،وهذا املح����ور �سيتعر�ض لالنتق����ام الغربي والأمريكي و�سيدف����ع ثمن معار�ضته لل�سيا�سات الأمريكي����ة �آج ًال �أم عاج ًال وفق ًا ل�شع����ارات ودعوى هذه املرحلة ،ومنها االتهام بامتالك �أ�سلحة دمار �شام����ل �أو دعم املنظمات الإرهابية وغريها من االتهامات التى تفنن الغ����رب والواليات املتحدة فى �إطالقها عل����ى املنظمات والدول حمل االنتقام. وبالفعل بد�أت القيادة الليبية تعيد ر�سم �سيا�ستها اخلارجية ب�صورة ال تعر�ضه����ا لالنتق����ام الغربي الأمريك����ي ،والتحول من تبن����ي �أفكار �أيديولوجية معادية للغرب �إىل ا�ستخدام �سيا�سات برجماتية وخا�صة بعد الغزو الأمريكي للعراق و�سقوط نظام �صدام ح�سني حتت دعوى وحج����ج مماثلة لالتهامات املوجهة للنظ����ام الليبي ،و�أهمها امتالك �أ�سلح����ة دمار �شامل ،كما �أن ال�صف����ات التى كان يطلقها الغرب على الرئي�����س العراقى �صدام ح�سني هي نف�سها التي �أطلقها على الزعيم الليبي معمر القذايف. وعل����ى الرغم م����ن م�سل�سل الأزمات الذى ات�صف����ت به العالقات بني ليبيا والدول الغربية ،والذي ت�ضمن العديد من احلوادث التى قامت به����ا ليبي����ا لتهديد امل�صال����ح الغربي����ة� ،إال �أن حماوالت ليبي����ا للعودة �إىل املحي����ط الدويل وحت�س��ي�ن العالقات مع الق����وى الغربية وخا�صة الوالي����ات املتحدة قد ت�صادف����ت مع �سعي غربي مماث����ل للتعامل مع ليبي����ا ب�صورة خمتلفة عن باقى الدول املارق����ة ،وك�أن الغرب �أراد �أن يثبت للع����امل �أن الديكتاتوريني لن يتم التعامل معهم ب�أ�سلوب واحد؛ فالدول الغربية وحتديد ًا الواليات املتحدة مل تر من احلكمة �أن تفتح جبهة للحرب فى �شمال �أفريقيا يف ظل حالة الفو�ضى التي ي�شهدها الع����راق بعد الغ����زو الأمريكي ،كما خ�شيت ه����ذه القوى من تداعيات �أى حت����رك غربي جديد ومماثل ملا مت فى العراق على م�صاحلها فى املنطقة العربية. وبالفع����ل ب����ادرت ليبي����ا باتخ����اذ جمموعة م����ن اخلط����وات لتح�سني العالق����ات م����ع الغ����رب ،ف�أعلن����ت م�سئوليته����ا عن ح����ادث لوكريبي، 92
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
من القرن املا�ضي على ا�ستخدام مفردات مت�شددة ومواجهة للغ����رب� ،إذ ح����دد هذا اخلط����اب تهدي����دات الأم����ن الوطني اخلارجي����ة يف عدد من امل�صادر� :أوله����ا ال�صهيونية والوجود اال�سرائيلي فى العامل العرب����ي ،وثانيهما االمربيالية املتمثلة ف����ى منوذجها فى ال����دول الغربية وخا�صة الوالي����ات املتحدة وبريطاني����ا وفرن�سا� ،إال �أن امل�صادر اخلارجية لتهديد الأمن الوطن����ي يف اخلط����اب ال�سيا�سي الليبي قد تغ��ي�رت مع �أواخر الت�سعينيات حيث ترك����زت هذه امل�صادر فى الإرهاب والتيار الإ�سالم����ي املتطرف ،والذي عرف يف خطب العقيد القذافى ثانياً :دوائر احلركة الليبية اخلارجية بظاهرة الزندقة. اعتم����د حتديد دوائر حرك����ة ال�سيا�سة اخلارجي����ة الليبية بعد انتهاء ج .القدرات الوطنية احل����رب الباردة على املزج ب��ي�ن الأهداف امل�صلحي����ة والربجماتية، تعت��ب�ر الق����درات الوطنية م����ن �أهم املح����ددات الت����ى تر�سم الت����ي مل جت����د الدول����ة الليبية مف����ر ًا من تبنيه����ا ومزجها م����ع بع�ض ال�سيا�س����ة اخلارجية الي دولة وجماالت عم����ل هذه ال�سيا�سة املبادئ والأفكار الأيديولوجية والقيم الإن�سانية .وقد ا�شتملت دوائر وتتمي����ز الدول����ة الليبية مبجموعة م����ن املقومات احلركة عل����ى العديد م����ن مناطق الع����امل ،حيث احتلت امل�ؤث����رة يف حرك����ة الدول����ة اخلارجي����ة ،ومن هذه دوائر حمددة �أولوي����ة يف نطاق ال�سيا�سة اخلارجية املقومات ما يلي: بد�أت القيادة الليبية تعيد الليبية ،و�أهمها: ر�سم �سيا�ستها اخلارجية ب�صورة .1ال�ثروة النفطية :لقد �ساهم ظهور �أ .الدائ��رة الأفريقي��ة :حي����ث ن�شط����ت ال تعر�ضها لالنتقام الغربي النف����ط ف����ى الأرا�ض����ي الليبية م����ع نهاية الدبلوما�سي����ة الليبي����ة يف �أفريقيا بعد انتهاء والأمريكي ،والتحول من تبني اخلم�سيني����ات م����ن الق����رن املا�ض����ي يف �أفكار �أيديولوجية معادية احلرب الب����اردة وخا�ص����ة بعد ال����دور الذي ضال عن �أحداث تغريات داخلية كثرية ،ف� ً للغرب �إىل ا�ستخدام �سيا�سات لعبت����ه دول الق����ارة يف تخفي����ف ال�ضغ����وط برجماتية وخا�صة بعد الغزو االعتم����اد عليه فى تنفي����ذ ودعم توجهات الدولي����ة عل����ى ليبي����ا نتيجة لأزم����ة لوكريبي، الأمريكي للعراق و�سقوط ال�سيا�سة اخلارجي����ة الليبية .فقد اعتمدت حي����ث اتخذت ال����دول الأفريقية ق����رار ًا يف قمة نظام �صدام ح�سني القي����ادة الليبية على عائداته يف دعم حركات واجادوج����و 1998يق�ضي بك�س����ر احلظر املفرو�ض التحرر يف العامل ،وم����ع تطبيع ليبيا لعالقاتها مع من جمل�س الأمن عل����ى ليبيا ،ودفعت الواليات املتحدة الغرب �سمح لل�شركات الغربية والأمريكية باحل�صول على وبريطاني����ا لقبول ال�ش����روط الليبي����ة .ودعم التح����رك الأفريقي عقود للتنقيب عن النفط داخل ليبيا الذي ي�صل �إنتاجها اليومي منه مل�ؤازرة ليبيا توجهات القذايف نحو القارة ،خا�صة يف ظل امل�ستجدات �إىل مليوين برميل وذلك من احتياطي قدره 41.5بليون برميل .وتعد الدولي����ة والإقليمية التي دفعت يف اجتاه توحيد القارة .فعقب جتميد ليبي����ا ثاين �أكرب منتج للنفط يف �أفريقيا بعد نيجرييا ،بالإ�ضافة �إىل االحت����اد املغاربي بادر الق����ذايف يف �أوائل ع����ام 1998بتوجيه الدعوة الغ����از الطبيعي الذي يبلغ احتياطي����ه 52.7تريليون قدم مكعب .كما لإن�ش����اء جتمع �إقليمي جدي����د يكون خطوة �أوىل عل����ى طريق االحتاد دف����ع التزايد الذى ت�شهده عائدات النف����ط الليبي فى ت�شجيع الدولة الأفريق����ي ال�شامل وهو «جتمع دول ال�ساح����ل وال�صحراء» ،وتبع هذه عل����ى تنفيذ �سيا�سته����ا يف القارة الأفريقية بتق����دمي امل�ساعدات التى املحاوالت تدعيم الوحدة الأفريقية من خالل تطوير منظمة الوحدة خلقت لليبيا زعامة �أفريقية كبرية. الأفريقي����ة وحتويله����ا �إىل االحتاد الأفريقي ،حي����ث ولدت الفكرة يف .2املوقع اجلغرايف :كما يعد موقع ليبيا اجلغرافى من املحددات قم����ة �سرت يف 1999/ 9/9ومت الإعالن عن ت�أ�سي�س االحتاد الأفريقي املهم����ة ل�سيا�سته����ا اخلارجية ،حي����ث يتيح هذا املوق����ع املتميز فر�ص يف قم����ة دربان ع����ام ،2002حيث �أكد الق����ذايف �أن الوحدة الأفريقية لتفعيل الدبلوما�سية الليبية يف مناطق كثرية من العامل ،منها القارة ه����ي اخليار الوحيد �أمام القارة ملواجه����ة خمتلف التحديات ،و�أعلن الأفريقية واملنطقة العربية وال����دول املتو�سطية بالإ�ضافة �إىل الدول رف�ض����ه للم�ساع����دات امل�شروط����ة التي متث����ل منفذ ًا الخ��ت�راق القوى الأوروبي����ة� ،إال �أن هذا املوقع وما يطرحه من فر�ص للتعاون بني ليبيا الغربي����ة و�إ�سرائيل للق����ارة .كما ان�ضمت ليبي����ا �إىل مبادرة ال�شراكة وق����وى �إقليمية ودولية خمتلفة ميثل ف����ى الوقت ذاته نقطة �ضعف يف ظل اخلفة ال�سكانية وانخفا�ض القدرات الع�سكرية للدولة ،حيث تبلغ م�ساح����ة ليبيا 1.670مليون كم مربع فى حني ي�صل عدد ال�سكان �إىل ح����واىل 6مليون ن�سمة ،مما يجعل الدول����ة مهددة بهجرات وغزوات خارجي����ة وخا�صة القادمة م����ن �أفريقيا جنوب ال�صح����راء .من هنا ت�أت����ى �أهمية ال�سيا�سة اخلارجي����ة فى حماية الأم����ن القومي الليبي، �سواء ملنع تعر�ض احلدود الليبية لهجرات خارجية� ،أو حلماية الرثوة النفطية التى متثل مطمع ًا للعديد من القوى اخلارجية.
و�أعلنت ر�سمي ًا امل�شاركة دولي ًا يف مكافحة الإرهاب يف �آب�/أغ�سط�س ،2003وتخليه����ا عن براجمه����ا لإنتاج �أ�سلحة الدم����ار ال�شامل ،حيث حاول����ت ليبيا من خالل هذه اخلط����وات جتنب الوقوع يف م�أزق �شبيه بالع����راق .وتط����ورت العالقات اخلارجي����ة بني ليبيا وال����دول الغربية ب�ش����كل جذرى من ذل����ك الوقت ،وخا�صة يف ظ����ل اهتمام هذه الدول بتدعي����م العالق����ات معها لتحقي����ق عدد م����ن امل�صال����ح احليوية فى مقدمتها امل�صالح االقت�صادية وامل�صالح الأمنية ،و�سارعت الواليات املتح����دة يف ظ����ل هذا املناخ �إىل ح����ذف ا�سم ليبيا م����ن قائمة الدول غ��ي�ر املتعاون����ة فى مكافح����ة الإرهاب ،و�ص����و ًال �إىل ع����ودة العالقات الدبلوما�سية معها وبناء �سفارة �أمريكية يف طرابل�س عام .2006 ب .اخلطاب ال�سيا�سي تعت��ب�ر اخلط����ب ال�سيا�سي����ة للزعيم الليب����ي معمر الق����ذايف من �أهم حم����ددات الأيديولوجية الر�سمية للدولة ،وم����ن ثمّ من �أهم م�صادر حتدي����د توجهات ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة الليبية ،حي����ث تت�ضمن هذه اخلط����ب مالم����ح مفهوم الأم����ن الوطني وم����ا يواجهه م����ن حتديات عل����ى امل�ست����وى الداخلي واخلارج����ي ،ومن ثم����ة �أدوات مواجهة هذه التحدي����ات .وق����د �ألقت التح����والت الدولية التى �شهده����ا العامل منذ انته����اء احلرب الب����اردة بظاللها على اخلط����اب ال�سيا�سي للقذايف، فل����م يعد اخلطاب ال�سيا�سى ذو امل�سحة الأيديولوجية املعادية للغرب منا�سب���� ًا لتحقيق الأمن الوطن����ي الليبي يف ظل انح�سار الأيديولوجية وت�صاع����د ال�ضغ����وط الدولية عل����ى ليبيا ،لذلك �شه����د هذا اخلطاب تغيرّ ات على م�ستوى املفرادات والتوجهات. فقد اعتمد اخلطاب ال�سيا�سي الليبي خالل ال�سبعينيات والثمانينيات
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
93
املراقب اال�سرتاتيجي اجلدي����دة لتنمية �أفريقي����ا «النيباد» ،ف� ً ضال عن العجز ضال ع����ن ان�ضمامها لع�ضوية دولة «�إ�سراطني» التي ت�ضم اليهود والفل�سطينيني ،ف� ً ع����دد من اللجان وامل�ؤ�س�س����ات الأفريقية .كما ط����رح العقيد القذايف العرب����ي عن ك�سر العزل����ة الدولية التي فر�ضته����ا �أزمة لوكريبي على فك����رة ت�أ�سي�س امل�ش����روع الأفريقي اال�سرتاتيج����ي اجلديد لالهتمام ليبي����ا ،مما دفعه����ا �إىل حماولة احلفاظ على «�شع����رة معاوية» بينها بال�شب����اب والطفل وامل����ر�أة الأفريقية ال����ذي ي�ضم 23دول����ة �أفريقية وب��ي�ن العامل العربي ،فرك����زت �سيا�ستها اخلارجية يف اجتاه �أفريقيا ومقره يف ليبيا. و�أ�صب����ح تدخله����ا يف ال�ش�����ؤون العربية يتم وفق ًا لآلي����ات تن�أى بها عن وبذلك لعبت ليبيا دور ًا مهم ًا يف القارة الأفريقية من خالل حمورين :االنتقاد �أو �إثارة امل�شكالت. حم����ور امل�ساعدات ،وحمور ت�سوي����ة ال�صراعات الذي �شمل عدد ًا من و�أخ��ي�راً ،ميكن الق����ول �أن املح����ددات احلاكمة لل�سيا�س����ة اخلارجية دول القارة ،كالكونغو الدميقراطية وال�سودان .وحاز العقيد القذايف الليبية منذ انتهاء احل����رب الباردة وفى مقدمتها التطورات الدولية عل����ى ثق����ة الأفارقة حت����ى �أطلقوا عليه لق����ب «ملك مل����وك �أفريقيا» ،وم����ا ر�سمت����ه من دوائ����ر للحركة اخلارجي����ة الليبية ق����د �ساهمت يف ويبدو �أن هذه الثقة �ستنم����و فى ظل ا�ستمرار االهتمام الليبي بعمقه تد�شني جمموعة من املبادئ التي متثل تغري ًا «راديكالياً» يف ال�سيا�سة الأفريق����ي ،برغم الأزمات التي تظهر من حني لآخر مع بع�ض الدول الليبي����ة .فمن ناحية ،حر�صت القي����ادة الليبية على عدم العودة مرة الأفريقي����ة نتيجة لرف�ض هذه ال����دول للمبادرات الليبية �أخرى �إىل حالة العزلة الدولية والعداء للغرب لأن ال�شعب لت�سوي����ة ال�صراعات؛ فخالل ال�ص����راع الطائفى الليب����ي كان اخلا�سر الأكرب يف هذه ال�سيا�سة .ومن مل يعد اخلطاب ال�سيا�سى الذى �شهدته نيجريي����ا م�ؤخر ًا اقرتح القذايف ناحية �أخرى ،ت�أكدت القي����ادة الليبية �أن جزء ًا للقذايف ذو امل�سحة يف ت�صريحات����ه تق�سي����م نيجريي����ا لت�سوي����ة مهم���� ًا من حماية الأمن الوطني الليبي يعتمد الأيديولوجية املعادية للغرب منا�سب ًا لتحقيق الأمن هذا ال�صراع مم����ا �أثار �أزم����ة دبلوما�سية عل����ى اخلارج ،مما ي�ؤكد على �ضرورة �إقامة انح�سار ظل يف الليبي الوطني ب��ي�ن البلدين� ،إال �أن ه����ذه التطورات متثل عالقات دبلوما�سية وتعاونية جيدة مع دول وت�صاعد أيديولوجية ل ا م�شكل����ة عاب����رة وال تعرب ع����ن تغري موقف العامل ،وخا�صة الدول القريبة �سواء الدول ال�ضغوط الدولية على ليبيا، ال����دول الأفريقي����ة �أو اهتزاز ثقته����ا بليبيا الأفريقية �أو الدول الأوروبية ،وخا�صة يف ظل لذلك �شهد هذا اخلطاب �أو تراج����ع الت�أيي����د والدعم الليب����ي للق�ضايا اخلفة ال�سكانية وال�ضعف الع�سكري للدولة. تغيرّ ات على م�ستوى املفرادات والتوجهات الأفريقية. �إال �أن القيادة الليبية مل ت�ستطع التخل�ص الكامل ب .الدائ��رة الأوروبي��ة :بع����د انته����اء �أزم����ة من منطلقاتها الأيديولوجية والفكرية ال�سابقة ،والتي لوكريب����ي �شهدت العالقات الليبية -الأوروبية تقدم ًا كبرياً، تكر�س النظرة �إىل الدول الغربي����ة باعتبارها دو ًال ا�ستعمارية ضال عن ف����كل ط����رف ر�أى �أن هناك �ضرورة للتعاون م����ع الآخر ،فليبيا حتتاج ولديه����ا نظ����رة ا�ستعالئي����ة لل����دول العربي����ة والأفريقي����ة ،ف� ً �إىل ت�صدي����ر منتجاته����ا الزراعية وال�سمكية وح�ص����ول رعاياها على �أفكار الزعامة العربية والأفريقي����ة للعقيد القذايف والتي تدفعه �إىل ت�أ�شريات لل�سف����ر لأوروبا ،و�أوروبا تتطلع �إىل مزيد من النفط ،حيث طرح مبادرات غري منطقية .وتظه����ر امل�سحة الأيديولوجية والثورية تع����د ليبيا م����ن �أهم م����وردي النفط والغ����از لأوروبا وتتمي����ز بالقرب للقيادة الليبي����ة يف �أوقات الأزمات ،فخالل الأزمة الأخرية بني ليبيا اجلغ����رايف ،ومتثل �سوق���� ًا مهمة لل�ص����ادرات الأوروبية ،كم����ا يتعاون و�سوي�سرا – مث ًال � -أعلن القذايف «اجلهاد �ضد �سوي�سرا». اجلانب��ي�ن �أي�ض ًا ملواجهة الق�ضايا امل�شرتكة مثل ظاهرة الهجرة غري �إال �أن����ه ,وعلى الرغم م����ن �أن ت�صريحات الق����ذايف تتخذ يف البداية ال�شرعية التي تن�شط عرب الأرا�ضي الليبية ،وانت�شار جتارة املخدرات طابع���� ًا ت�صعيدياً ،لكن����ه �سرعان ما يتم ت�سوي����ة الأزمة بتدخل بع�ض ومكافح����ة الإره����اب والتع����اون االقت�صادي من خ��ل�ال جمموعة من امل�سئولني الليبيني حتى تقبل القيادة الليبية ما تطرحه الدول الغربية الأطر مثل جمموعة ،5 +5وال�شراكة الأوروبية املتو�سطية. م����ن ت�سوية مثلما ح����دث يف �أزمة املمر�ض����ات البلغاريات عام .2007 ج��ـ .املنطق��ة العربية :متث����ل املنطق����ة العربية دائ����رة رئي�سية كما �أن قدرة القيادة الليبية على امل�ضي قدم ًا يف تطبيع العالقات مع و�ضروري����ة لل�سيا�س����ة اخلارجي����ة الليبي����ة بحك����م االنتم����اء وال����دور الغ����رب ،واحلفاظ على ما و�صلت �إليه من مكت�سبات خالل ال�سنوات التاريخ����ي الذي لعبت����ه اجلماهريية الليبية لدع����م الق�ضايا العربية الأخ��ي�رة �سيتوقف يف املقام الأول عل����ى املرونة التي �ستتعامل بها مع وف����ى مقدمتها الق�ضية الفل�سطينية� ،إال �أن ال�سنوات الأخرية �شهدت املطال����ب الغربي����ة التي ت�شمل بع�����ض الإ�صالح����ات الداخلية ،ومنها كثري ًا من االنتقاد وعدم التجاوب العربي للأطروحات الليبية لت�سوية حماية حقوق الإن�سان وامل�شاركة ال�سيا�سية. امل�شكالت العربية ،والتي ات�سمت بع�ضها بالغرابة مثل اقرتاح �إن�شاء 94
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
املحـــور ق�ضيــــة العـــدد
التطرف يف اليمن �أنظمة التعليم و�صناعة ّ رات�شــل ولــ�ش
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
2010
ا�سرتاتيجية
95
املحــــور
بذور الإرهاب �أنظمة التعليم والراديكالية الإ�سالمية فـي اليمن رات�شــل ولــ�ش
rswals@wm.edu
«(تعترب اليمن) من �أف�ضل البلدان العربية والإ�سالمية يف مت�سكها بتقاليدها وعقيدته���ا ...وتتمي���ز بت�ضاري�سه���ا اجلبلي���ة ،و�شعبها �شعب قبل���ي م�سلح، وي�سمح لل�شخ�ص �أن يتنف�س هوا ًء نقي ًا ال ي�شوبه الذل» �أ�سامة بن الدن
منذ زمن طويل� ،أدرك �أ�سامة بن الدن الفر�صة التي ميكن �أن توفرها البيئة اجلغرافية وال�سيا�سية يف اليمن؛ فطامل���ا لعب���ت اليم���ن دور ًا مهم ًا كم�ص���در و�أر�ضية �إع���داد لنمط الإره���اب الديني الذي يت�ص���ف به بن الدن من���ذ ت�أ�سي�س تنظي���م القاعدة .وكون اليمن من �أكرب م�صادر مقاتلي اجله���اد يف �أفغان�ستان والآن يف العراق، وباعتباره���ا مالذ ًا �آمن ًا للمتطرفني ،وكانت �أر�ضية �إعداد لأول هج���وم قامت به القاعدة وحالي ًا موطن ًا ملوجة �شر�سة من الإرهاب املحلي ،فلي�س من املمكن جتاهل الدور الذي تلعبه اليمن يف تغذية الإرهاب الديني .ويثور لدين���ا هنا �س�ؤال :مل���اذا تعترب اليمن م�ساهم كبري جد ًا يف تغذية الإره���اب الديني املحلي واخلارجي على حد �س���واء؟ ومبا �أن الهجم���ات الإرهابية على امل�صالح الغربية يف اليمن م�ستم���رة دون انقطاع ،ف�إن �إيجاد �إجابة لهذا ال�س�ؤال يعد �أمر ًا يف غاية الأهمية. 96
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
رات�ش ـ���ل ولــ�ش باحث���ة �أمريكية يف م�شروع الأمن وال�سالم ال���دويل ،ق�سم نظم احلكم – كلية ولي���م ومريي بفرجينيا .واملق���ال يف الأ�صل ترجمة للجزء اخلا�ص باليم���ن يف درا�سة مقارنة بعنوان”Education Systems and Islamic Radicalism in the Arabian Peninsula: Background ”Briefقدمت العام املا�ضي 2009يف كلية وليام وماري بفرجينيا ،الواليات املتحدة.
من���ذ زم���ن طوي���ل� ،أدرك �أ�سام���ة ب���ن الدن الفر�صة الت���ي ميكن �أن توفرها البيئة اجلغرافية وال�سيا�سية يف اليمن؛ فطاملا لعبت اليمن دور ًا مهم��� ًا كم�صدر و�أر�ضية �إعداد لنمط الإره���اب الديني الذي يت�صف به ب���ن الدن منذ ت�أ�سي�س تنظي���م القاعدة .وكون اليمن م���ن �أكرب م�صادر مقاتل���ي اجلهاد يف �أفغان�ست���ان والآن يف العراق ،وباعتبارها مالذ ًا �آمن ًا للمتطرف�ي�ن ،وكانت �أر�ضية �إعداد لأول هجوم قامت به القاعدة وحالي ًا موطن ًا ملوجة �شر�سة من الإرهاب املحلي ،فلي�س من املمكن جتاهل الدور ال���ذي تلعبه اليمن يف تغذي���ة الإرهاب الديني .ويثور لدين���ا هنا �س�ؤال: ملاذا تعت�ب�ر اليمن م�ساهم كبري جد ًا يف تغذي���ة الإرهاب الديني املحلي واخلارجي على ح���د �سواء؟ ومبا �أن الهجم���ات الإرهابية على امل�صالح الغربية يف اليمن م�ستم���رة دون انقطاع ،ف�إن �إيجاد �إجابة لهذا ال�س�ؤال يعد �أمر ًا يف غاية الأهمية. �إن الأ�سب���اب الكال�سيكي���ة للإره���اب لي�س���ت كافي���ة لتف�س�ي�ر ظهور الإره���اب الديني يف اليمن؛ فال ميكننا �أن نن�سب ذلك �إىل عامل الفقر، وال �إىل عام���ل القمع احلكومي ،وال �إىل عامل االحتالل اخلارجي �أي�ضاً. فمن���ذ الت�سعيني���ات ويعك�س الو�ض���ع االقت�صادي يف اليم���ن على الدوام
�ص���ورة كئيبة ،ولهذا ال ميك���ن �أن نعتربه العامل املف�س���ر لتنوع الإرهاب املحل���ي يف اليم���ن� .أم���ا عامل القم���ع احلكومي يف اليم���ن ،مبا يف ذلك ال�سج���ن الع�شوائي والتعذيب والإعدام واالختطاف ،فهو �أقل بكثري مما كان علي���ه خالل فرتة الت�شط�ي�ر يف ال�سبعينيات والثمانينيات ،ولكن مع ه���ذا تع�ص���ف بالبالد حالي��� ًا موجة �إرهابي���ة عنيف���ة مل ي�شهدها اليمن م���ن قب���ل� .أما عامل االحتالل فه���و م�ستبعد ،ولي�س هن���اك ما يدل على وج���ود احتالل خارجي؛ فال الواليات املتحدة وال غريها من قوى الغرب قام���ت ب�إن�ش���اء قاعدة ع�سكري���ة دائمة جلنودها يف اليم���ن منذ حتقيق الوح���دة عام ،1990والوجود الع�سكري الغربي يف اليمن ال يتجاوز �سوى ا�ستخدام املوانئ اليمنية كمحطات لتزوي���د ال�سفن الع�سكرية بالوقود، وه���ذا تقليد دويل معروف ال ين���م عن �أي احتالل خارج���ي .ويف الواقع �أن املتغري املهم ،الذي جتاهلته كث�ي�ر ًا البحوث العلمية املتعلقة باليمن، هو دور التعلي���م الديني يف تغذية التطرف ،وهو التعليم الذي يُدرّ�س يف م�ؤ�س�سات التعليم اخلا�صة. وق���د �أ�ش���ارت العديد من املق���االت التي تناولت ظاه���رة التطرف يف اليمن �إىل الدور املهم الذي تلعبه امل�ؤ�س�سات الدينية اخلا�صة يف تطرف ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
97
املحــــور
ال�شب���اب اليمني� ،إذ الحظت �إحدى هذه املقاالت �أن هناك «�إجماع على �أن �أف�ضل طريقة لإنقاذ �شباب اليمن من الوقوع يف قب�ضة املتطرفني هي تغيري مناهج التعلي���م ،خا�ص ًة يف املدار�س الإ�سالمي���ة ،وت�شجيعها على تدري����س العلوم واللغات واجلغرافي���ا لكي تزيد من الوعي وفهم العامل». ولكن ،يف احلقيقة ،ال توجد حتى الآن درا�سة مبنية على التجربة لتحليل العالقة بني التعليم الديني اخلا�ص وظاهرة التطرف. وله���ذا ف�إنن���ي يف درا�سة حالة اليم���ن هنا �سوف �أتن���اول العالقة بني التعليم وظاهرة التطرف يف اليم���ن ،و�س�أقدم �أدلة لتدعيم حجتي التي تق���ول ب�أن نظام التعليم الع���ام املحدود وغري الكايف هو ما يدفع بالكثري من ال�شباب اليمن���ي �إىل االلتحاق مب�ؤ�س�سات التعليم الدينية املتطرفة، وبالتايل يك���ون الطالب �أكرث عر�ض ًة للت���ورط يف �أعمال التطرف داخل الوط���ن وخارج���ه .ولهذا الغر����ض� ،س�أ�ص���ف يف الق�س���م الأول من هذه الدرا�سة كيف تطور التعليم يف اليمن مع مرور الزمن ،وذلك ملا لل�سياق التاريخ���ي للتعليم يف اليمن م���ن �أهمية ،كونه يبني لنا كيف قُدِّ م التعليم الدين���ي املتطرف وتطور يف �أوقات معينة تزامن���ت مع امل�شاركة اليمنية يف �أعمال التطرف الديني املحلي والأجنبي .و�س�أتناول يف الق�سم التايل الو�ضع احلايل للتعليم العام يف اليمن ،مبين ًة مواطن �ضعفه وقلة توفره يف بع�ض مناطق البالد ،لآن عدم توفر التعليم العام يُف�سِ ح املجال �أمام م�ؤ�س�س���ات التعلي���م الدين���ي لتنمو �سريع���اً� .أما الأق�سام الت���ي تلي ذلك ف�سوف �أخ�ص�صها لو�صف االنت�ش���ار الإقليمي للتعليم الديني ،والتعرّف على �أهم امل�ؤ�س�سات الدينية املت�شددة ،وفهم �آثار التعليم يف اليمن. �أما الأق�س���ام املتبقية فقد خ�ص�صتها لتو�ضيح منط امل�شاركة اليمنية يف �أعم���ال التطرف الداخلي واخلارجي .و�سنج���د �أن هناك �أدلة توحي ب����أن �أغلبية املقاتلني الأجان���ب واملتطرفني املحليني ي�أت���ون من املناطق الت���ي بها تعليم ديني مت�شدد ،و�أن جامعة الإميان ومدار�س دار احلديث عل���ى وجه اخل�صو�ص قد خرج���ت عدد ًا من اليمني�ي�ن ممن تورطوا يف �أعمال الإرهاب داخل الوطن و�شاركوا يف القتال يف العراق.
التعلي��م يف اليم��ن تعت�ب�ر اليم���ن �أفق���ر بل���د يف ال�ش���رق الأو�سط ،وطبق��� ًا لتقديرات الأمم املتحدة حتت���ل اليمن املرتبة 153من �أ�صل 177دولة على م�ؤ�شر التنمية الب�شرية لعام � .2005إ�ضافة �إىل ه���ذا� ،أك�ث�ر م���ن %75من �سكان اليم���ن عمرهم م���ا دون � 25سنة. وه���ذا التقديرات تبني م���دى حجم ال�صعوبات الت���ي تواجهها اليمن يف عملي���ة تقدمي نظام تعليم عام كايف لتلبية معدالت الإقبال على التعليم. ففي �سن���ة ،2005بلغت ن�سبة الأمية %73من الذكور و %35من الن�ساء، بينم���ا و�صل املع���دل العام للأمية مل���ن �سنهم � 15سنة و�أك�ب�ر �إىل .%54
وعل���ى �سبيل املقارنة ،جند �أن متو�سط معدل الأمية بني البالغني يف �أقل البلدان دخ ًال ي�صل �إىل حوايل .%62 واحلال �أن نظام التعلي���م يف اليمن �ضعيف ،ونخر يف عظمه الف�ساد، ويقل���ل من جودت���ه كرثة �أع�ض���اء هيئ���ة التدري�س غري امل�ؤهل�ي�ن ووجود ف�ص���ول درا�سية مكتظّ ة بالطالب مع نق�ص �شدي���د يف طاقم التدري�س. يف مقاب���ل ذل���ك ،هناك التعليم البديل – التعليم الديني– الذي بد�أ يف اليم���ن من���ذ فرتة طويلة ،بل و�سب���ق نظام التعليم الع���ام احلديث الذي مل يب���د�أ �إال يف ال�ستيني���ات ،ووا�ص���ل (�أي التعليم الدين���ي) تطوره جنب ًا �إىل جن���ب مع التعليم العام من���ذ ال�سبعينيات .وينت�ش���ر التعليم الديني ب�ص���ورة خا�ص���ة يف املناط���ق الريفي���ة ذات الت�ضاري����س ال�صعبة ،حيث تفتق���ر الدولة املركزي���ة ل�سلطته���ا الفعلية� .أما الط�ل�اب ب�شكل عام يف كال نظامي التعليم ،ف�إننا جندهم يفتقرون �إىل املهارات التي يحتاجها �س���وق العمل ،ويكون الط�ل�اب الذين يتلقون تعليم ًا ديني��� ًا مت�شدد ًا �أكرث عر�ضة لاللتحاق بجماعات الإرهاب الديني.
التاريخ احلديث للتعليم يف اليمن عندما ننظر �إىل تاريخ تطور التعليم يف اليمن يتبني لنا �أن نظام التعليم الديني البدي���ل منا �إىل جانب نظام التعليم العام ،بل وازدهر كثري ًا يف املناطق الت���ي كان يغيب فيها التعليم الع���ام �أو يكون �ضعيف���اً .وي�ؤكد لنا التطور التاريخ���ي للمعاهد الديني���ة هذه �أ�صل الأيديولوجي���ات التي تتبناها يف مناهجه���ا الدرا�سي���ة؛ فعلى �سبي���ل املثال متي���ل املدار�س الت���ي �أ�س�سها ومولها املجاهدون العائدون �إىل تبنّي �أيديولوجيتهم ال�سلفية اجلهادية، التي ت�ش���دد على �أهمية اجلهاد وتت�سامح م���ع العنف �ضد غري امل�سلمني وامل�سلم�ي�ن الذي���ن تربطهم عالقات بغري امل�سلم�ي�ن �أو ممن ينتمون �إىل طوائف م�سلمة �أخرى. تقليدياً ،كان التعليم يف اليمن مقت�صر ًا على املعاهد الدينية املرتبطة بامل�ساج���د �أو املدار����س الت���ي ت�أ�س�ست عن طريق املب���ادرة املحلية .وظل احل���ال على ذل���ك حتى عام 1962عندما تولت احلك���م يف �شمال اليمن حكوم���ة ع�سكري���ة بنظ���رة علماني���ة ،وبد�أت يف ب���ذل اجله���ود لت�أ�سي�س نظ���ام تعلي���م علماين .ولكن رغم ه���ذا مل يغري التم���دن والعلمنة خالل تل���ك الفرتة “الدور القوي جد ًا الذي لعبه الدين” يف ال�شمال ،وال حتى املفاهيم املحافظة ،فقد ظل���ت املعاهد الدينية تعمل بن�شاط �إىل جانب نظام التعليم العام العلماين. ويف ال�سبعينيات والثمانيني���ات تو�سّ ع التعليم العلماين ب�شكل ملحوظ و�أ�صب���ح �سهل املنال� ،إذ ارتفعت ن�سبة ط�ل�اب املدار�س كثري ًا بني 1970 و ،1980م���ن %12عام � 1971إىل %50عام .1981لكن ،حتى خالل هذه
الف�ت�رة �أي�ضاً ،تعرق���ل �سري تط���ور التعليم العام وبعد حتقيق الوحدة اليمنية عام 1990مت دمج نظام���ي التعلي���م يف ال�شطري���ن ،وحاول���ت الدولة ب�سب���ب اكتظ���اظ الف�صول الدرا�سي���ة بالطالب، عندما ننظر �إىل تاريخ توحي���د املناه���ج والن�صو����ص التعليمي���ة و�إ�صالح وقل���ة املدر�سني امل�ؤهلني ،وترك كثري من الطالب تطور التعليم يف اليمن البني���ة املدر�سي���ة ،وق���د كان �إج���راء مث���ل ه���ذه للدرا�سة. يتبني لنا �أن نظام التعليم التغيريات �صعب ًا نظ���ر ًا لعزلة اليمن الدولية �أثناء وخ�ل�ال ف�ت�رة ال�سبعيني���ات ا�ستغ���ل رئي����س الديني البديل منا �إىل حرب اخللي���ج ع���ام ،1991 – 1990بالإ�ضافة �إىل ال�شطر ال�شم���ايل �إبراهيم احلمدي فر�صة وجود جانب نظام التعليم العام، الفق���ر ال�شديد يف الب�ل�اد .ويف �أواخر 1994انهار العُلماء ال�سُّ نة الذين در�سوا على �أيدي “الإخوان بل وازدهر كثري ًا يف االقت�ص���اد اليمني متاماً ،نتيج���ة لتكاليف الوحدة امل�سلمني” يف القاهرة ،وذلك ال�ستخدامهم كقوة املناطق التي كان يغيب وخ�سارة احل���واالت املالية على �إثر طرد ال�سعودية مناه�ضة للت�أث�ي�رات اال�شرتاكية ،وعينّ احلمدي فيها التعليم العام للمغرتب�ي�ن اليمني�ي�ن يف مطلع الت�سعيني���ات ،وبد�أ عب���د املجيد الزن���داين ،الذي له “مي���ول وهابية �أو يكون �ضعيف ًا نظ���ام التعلي���م يف هذه الفرتة يع���اين من ازدحام �شديدة” ،للإ�شراف على ت�أ�سي�س املعاهد الدينية �شديد يف القط���اع الطالبي لأن ح���وايل 350.000 يف ال�شط���ر ال�شم���ايل .وكان الزن���داين ي�ساف���ر طالب��� ًا التحقوا بالتعليم يف اليمن عقب عودة �أكرث با�ستم���رار ما بني اليم���ن وال�سعودية خالل فرتة ال�سبعيني���ات ،وق���ام بتطعيم نظ���ام التعليم يف اليم���ن بتعاليم �إ�سالمية م���ن مليون مغرتب م���ن ال�سعودية ودول اخلليج الأخ���رى على �إثر حرب متح ّفظ���ة ومتطرفة ج���د ًا �أكرث مما كانت عليه من قبل .وكانت هذه هي اخلليج يف .1991 – 1990 ويف ظ���ل الظ���روف االقت�صادي���ة املتده���ورة ،مل ي�ستط���ع الكث�ي�ر من الف�ت�رة التي �أ�صبحت فيها املعاهد الدينية ال�سُّ نية املمولة من ال�سعودية (امل�سم���اة �أي�ض��� ًا باملعاه���د العلمي���ة) متث���ل البدي���ل الفعل���ي للمدار�س الأه���ايل حتم���ل �شراء الكت���ب املدر�سي���ة املكلفة التي كان���ت مطلوبة يف احلكومية الفق�ي�رة ،وعُ رف عنها ن�شر مبد�أ ع���دم الت�سامح مع العقائد املدار����س العمومية ،فا�ستمر من���و املعاهد ال�سلفية الت���ي تعك�س التعليم الإ�سالمية الأخرى ،حتى �أن الزيود ال�شيعة اتهموها مبحاولة ا�ستئ�صال املت�ش���دد يف نظ���ام التعليم ال�سعودي حتى و�صل ع���دد تلك املدار�س عام � 1996إىل 400مدر�س���ة عل���ى م�ست���وى التعلي���م الثانوي فق���ط .و�أعلنت املذهب الزيدي. ويف ع���ام 1983مت تعيني الزنداين وزير ًا للرتبية والتعليم( ،)1وبرغم املدار����س ال�سلفية �أن عدد قطاعها الطالبي بل���غ 330.000طالباً ،وكان ع���دم بقائه طوي ًال يف هذا املن�ص���ب �إال �أن مدار�سه الدينية تكاثرت مع منه���م 12.600طالب��� ًا يتدربون كمدر�سني “لتعلي���م اجليل القادم” ،يف الدع���م الكبري ال���ذي ح�صلت عليه من امليزاني���ة املخ�ص�صة للتعليم يف حني مل يكن ع���دد الطالب يف املدار�س احلكومية �سوى ربع عدد طالب اليمن �إىل جان���ب الدعم املايل من ال�سعودية .وبحل���ول العام الدرا�سي املدار����س ال�سلفية� .أي�ض ًا بذل الإ�سالمي���ون جهود ًا حثيثة للح�صول على 1987 – 1986و�صل عدد املعاهد الدينية تقريب ًا 1126مدر�سة ،ويف عام الأرا�ض���ي واملال م���ن �أجل بناء مدار����س لهم يف املناط���ق الفقرية التي 1988كان ع���دد الط�ل�اب امل�سجلني يف هذه املدار�س ق���د و�صل 118000كانت الزراعة فيها على نطاق حمدود مثل بع�ض املناطق يف حمافظات طالب���اً ،وكان 4600طالب��� ًا من هذا العدد يتدرب���ون كمدر�سني ليوا�صلوا �صنعاء و�إب وذمار. ن�ش���ر التعليم الديني .وزادت ال�ضغ���وط الإ�سالمية على نظام املدار�س، و�أدت �إىل ع���زل اجلن�س�ي�ن ع���ن بع�ضهما يف املدار����س ،و�أجربت جامعة البني��ة احلالي��ة لنظ��ام التعليم الع��ام يف اليمن �صنعاء على فر�ض قانون للحجاب الإ�سالمي بد ًال من �إلغائه ،كما قامت ومدى توفره اجلامع���ة بطرد �أحد الأ�ساتذة عندما �أنك���ر ع�صمة الر�سول حممد من يعاين نظام التعليم يف املدار�س احلكومية من قلة توفره، ارتكاب اخلط�أ. وم���ن م�ستويات ح�ض���ور طالبي متدني���ة مقابل ارتفاع وبالن�سبة لليمن اجلنوبي ،ف�إنه كان بني الفرتة من 1839وحتى 1967مع���دالت ترك الدرا�سة ،وهناك تباينات �شا�سعة بني يرزح حت���ت حكم اال�ستعمار الربيط���اين ،وكان التعليم الر�سمي �آنذاك م�ستوي���ات التعلي���م يف احل�ضر والتعلي���م يف الريف، مقت�ص���ر عل���ى مدينة عدن ث���م بد�أ يتط���ور بعد االن�سح���اب الربيطاين وكذل���ك بني ج���ودة التعليم املقدم لأبن���اء الأغنياء ع���ام ،1967وتبنى نف�س هيكل���ة نظام التعليم يف �شم���ال اليمن غري �أنه والتعلي���م املقدم لأبن���اء الفق���راء .وحتى يف حال ات�س���ع ب�ص���ورة �أ�سرع خ�ل�ال ال�سبعينيات م���ن �أجل ن�ش���ر الأيديولوجية توف���ر التعليم للجميع فهو لي����س على درجة عالية اال�شرتاكي���ة .وعل���ى العك����س مما كان علي���ه الو�ضع يف ال�شم���ال ،مُنعت من اجل���ودة .وكم���ا �سنو�ضح بالتف�صي���ل الحقاً، اجلماعات الإ�سالمية يف اجلنوب من ممار�سة �أن�شطتها قبل الوحدة. كان التعلي���م الدين���ي بدي�ل�اً متوف���ر ًا �إىل جانب ( )1تخل���ط الكاتبة هن���ا بني ال�شيخ عبداملجيد الزنداين و�شقيقه عبدالواح���د الزنداين الذي عينّ – ال ال�شيخ عبداملجي���د -وزي���ر ًا للرتبية والتعليم ع���ام ،1983يف احلكومة التي تر�أ�سها عبدالعزي���ز عبدالغني ومل يبق يف من�صبه – �أي عبدالواحد الزنداين � -سوى عام واحد فقط( .املحرر)
98
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
99
املحــــور
نظ���ام التعليم العام ،ويلتحق ب���ه كل من مل يجد فر�صة يف التعليم العام �أو مل ترُق لهم جودته. وم���ع �أن القانون اليمني ين�ص على التعليم العاملي الإجباري واملجاين للأطف���ال م���ن � 15 – 6سن���ة� ،إال �أن الدول���ة ال تق���وم بتنفي���ذ �سيا�سته���ا التعليمي���ة� ،إذ جن���د عدد ًا كبري ًا م���ن الأطفال ال يذهب���ون �إىل املدار�س مطلق���اً .ويف ع���ام ،2001مل يكن ملتحق ًا بالتعلي���م الأ�سا�سي �سوى %75 م���ن ال�سكان ممن ي�سمح لهم �سنّهم بالدرا�سة ،و %37بالتعليم الثانوي. كما �أن الكثريين يرتكون �صفوف الدرا�سة قبل �إمتام تعليمهم الأ�سا�سي، وال ي�ص���ل بنج���اح �إىل ال�صف ال�ساد�س �سوى 48طالب��� ًا من 100طالب. وم���ا يثبّط هم���م الطالب �أكرث ه���و حقيقة �أن الكثري م���ن اخلريجني ال ي�ستطيعون احل�صول على وظائف. وي�ؤثر بن�سب متفاوتة كل من قلة توفر التعليم ،وتدين معدل االلتحاق باملدار�س ،وعدم موا�صلة الدرا�سة ،ون�سبة الأمية املتزايدة ،يف املواطنني الفقراء والقاطنني يف الري���ف .كما �أن هناك حتديات اقت�صادية ملحة وف�ساد م�ست�شر يف مفا�صل الدول���ة ،وترتاجع �سلطة احلكومة با�ستمرار �إىل امل���دن احل�ضري���ة الكبرية ،لهذا يرتكز التعلي���م العام �إىل حد كبري يف تل���ك املناطق ،ويتوفر التعليم الأ�سا�سي يف احل�ضر بن�سبة عالية جد ًا ( )%91مما هو عليه احلال يف الريف (.)%78 ويف الوق���ت الذي يرتفع فيه م�ستوى التعليم تقل وفرة املدار�س ،حيث جن���د �أن املدار����س الثانوية املتوفرة ال ت�ستوعب �س���وى %48من �إجمايل القط���اع الطالبي بني �سن 6و 14عاماً ،مع توف���ر التعليم الثانوي لن�سبة ت�صل %84من طالب املناطق احل�ضرية و %36فقط من طالب املناطق الريفي���ة حيث يعي�ش �أغلبية ال�شعب اليمني .وعدم الذهاب �إىل املدار�س ظاه���رة ملحوظة متام ًا يف املناط���ق الريفية ،حيث ي�ش���كل �أبناء الريف %88م���ن �إجمايل الطالب غري الدار�سني مقابل %22من �أبناء املناطق احل�ضري���ة .فبد�أ النا�س بالهجرة من الريف �إىل املدن بحث ًا عن ظروف اقت�صادية �أف�ضل ،مما ي�ؤثر �أي�ض ًا يف معدل االلتحاق بالتعليم؛ فقد ترك التعليم الكثري من ال�شباب عام ،2007وانتقلوا �إىل املدن للح�صول على وظائف ليعيلوا �أ�سرهم عندما مل ي�ستطع الآباء فعل ذلك. وهن���اك فارق �آخ���ر يف االلتحاق بالتعليم ب�ي�ن �أبناء الأغني���اء و�أبناء الفق���راء يف اليمن ،وه���و فارق قليل ن�سبياً؛ %44م���ن �أبناء الفقراء بني �سن � 14 – 6سنة مقابل %33من �أبناء الأغنياء من نف�س الفئة العمرية. ووفق��� ًا لال�ستط�ل�اع ال���ذي �أجري ع���ن الفق���ر ع���ام ،1999و�صل معدل امللتحق�ي�ن بالتعليم من �أبناء الأ�سر الفق�ي�رة �إىل %62.9مقابل %70.2 م���ن �أبناء الأ�سر الغني���ة ،مع العلم �أن هذه الإح�صاءات مل ت�أخذ يف عني االعتب���ار معدل االن�سحاب الع���ايل من التعليم بني �أبن���اء الفقراء ،وهو
100
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
الأمر الذي كان �سيو�سع الفجوة بني معدالت االلتحاق من �أبناء الأغنياء والفق���راء .ويف الغالب يج�ب�ر الأهايل الفقراء �أبنائهم عل���ى الت�سول �أو االلتح���اق ب�س���وق العم���ل ،ومينعون �أبنائه���م من احل�ض���ور �إىل املدر�سة نتيجة التكاليف (حوايل 10دوالرات لكل طالب يف ال�سنة). وحت���ى عندم���ا يت�أتى الط�ل�اب للدرا�س���ة يف املدار�س العام���ة فهم ال يجدون �سوى م�ستويات تعليم متدنية ،حيث يت�صف نظام التعليم ال�سيئ يف البل���د ببنية حتتي���ة �ضعيفة ،ومن�ش�آت مدر�سية وم���واد تعليمية تفتقر للجودة ،ونق�ص يف القاعات الدرا�سية واملدر�سني ،و�أع�ضاء هيئة تدري�س غ�ي�ر م�ؤهلني .وتقول �إحدى الدرا�سات التي �أجرتها احلكومة عام 2007 �أن التعلي���م يف اليمن يت�صف �أي�ض ًا «بظاهرة الغ�ش واملحاباة والر�شوة». كم���ا �أن التعليم يعاين �أي�ض ًا من نق�ص حاد يف املدر�سني امل�ؤهلني ت�أهي ًال علمي ًا يف مواد الريا�ضيات والعلوم واللغات؛ فن�صف املدر�سني مل يكملوا املرحلة الثانوية ،حيث يقول ا�ستطالع �شامل عن التعليم يف اليمن �أجرته احلكومة خ�ل�ال � 2000 – 1999أن ن�سبة املدر�سني الذين �أكملوا التعليم الأ�سا�سي مل تتجاوز %60بينما %40فقط �أكملوا التعليم الثانوي. وم���ا يزي���د الط�ي�ن بل���ة �أن التعلي���م يف اليم���ن م���ا زال يعتم���د عل���ى طريق���ة اال�ستظه���ار والتلقني ،وكما يق���ول �أحد التقاري���ر ملمثل منظمة “اليوني�سي���ف” يف اليم���ن ف����إن «هن���اك الكث�ي�ر من املدر�س�ي�ن مثبطي الهم���م وغري مدربني يف اليم���ن يدفعون بالطالب �إىل ت���رك املدار�س». ووجدت درا�سة �أخرى �أجرتها احلكومة اليمنية عام � 2007أن التعليم يف اليم���ن يعتمد �إىل حد كبري “على احلفظ والأ�ساليب العتيقة” .وميكننا مالحظة ت�أثري نظ���ام التعليم املتدين يف اليمن بجالء من خالل الدليل املروي عن �أحد الأ�ساتذة يف علم االقت�صاد بجامعة �صنعاء و�أ�ستاذ زائر بجامعة جورج تاون ،م���ن �أن الأ�ساتذة يف اليمن يجدون خريجيهم غري قادرين حتى على كتابة �أ�سمائهم.
التعلي��م الدين��ي يف اليم��ن حالي�� ًا من���ذ زمن طويل والتعلي���م الديني موجود يف اليمن ،وهو ي�سبق ت�أ�سي�س نظام التعلي���م احلديث مبراحل وما زال يف �سباق مواز مع التعليم العام .حتى ع���ام ،2000كانت امل�ؤ�س�سات الدينية تعمل خ���ارج نطاق �سيطرة الدولة متام���اً ،له���ذا تواج���ه احلكومة �صعوب���ات متوا�صل���ة يف مراقب���ة و�إدارة املعاه���د الدينية التي ترتكز ب�صورة خا�صة يف املناطق الريفية والقبلية التي تبتع���د عن قب�ضة احلكومة ،ولعبت دور ًا مبا�شر ًا يف جتنيد عنا�صر الإرهاب ال�سني املتطرف. واجلدي���ر بالذكر هنا �أن املعاهد الديني���ة امل�ستقلة يف اليمن تربطها عالق���ات بعدد م���ن الطوائف ولك���ن لي����س جميعها مت���ورط يف ت�شجيع
االنف�صالية التي قام بها اال�شرتاكيون يف اجلنوب التطرف والعنف الديني ،فهناك مدار�س تعليمية عن طري���ق ح�ش���د املقاتلني الع���رب العائدين من يف امل�ساج���د وكان���ت لف�ت�رة طويلة ه���ي امل�صدر حتى عام ،2000كانت �أفغان�ستان ،ومنحته هذه امل�ساعدة حماية الرئي�س الوحيد للتعليم يف اليمن قبل تطور نظام التعليم امل�ؤ�س�سات الدينية تعمل �صالح �ضد منتقديه من داخل اليمن وخارجها. احلديث ،وما زال الكثري منها يعمل ولكن هدفها خارج نطاق �سيطرة الدولة الأ�سا�سي ه���و تقدمي التعلي���م الأ�سا�سي وتدري�س متام ًا ،لهذا تواجه احلكومة وق���د اُتهم الزنداين �أنه �أ�ص���در فتاوى قام على التعالي���م الديني���ة ال�صحيح���ة دون �أي دواف���ع �صعوبات متوا�صلة يف �أ�سا�سه���ا عنا�ص���ر بتفج�ي�ر املدم���رة الأمريكي���ة �سيا�سية خفية .وهدف هذه الدرا�سة يف الأ�سا�س مراقبة و�إدارة املعاهد (كول) ع���ام 2000وقتل ثالثة مب�شرين م�سيحيني لي����س الرتكي���ز على مثل ه���ذه املعاه���د الدينية ،الدينية التي ترتكز ب�صورة ع���ام .2002ويف �أيلول� /سبتمرب � 2002أعلن �أن كل و�إمن���ا على تلك املعاهد الدينية التي تهدف فقط خا�صة يف املناطق الريفية ب�ل�اد امل�سلم�ي�ن �أ�صبحت «حتت �سيط���رة الكفار». والقبلية التي تبتعد عن �إىل �إثارة الكراهية وعدم الت�سامح مع الآخرين، ويف ع���ام ،2003دع���ى الزن���داين م���ع ع���دد م���ن قب�ضة احلكومة ويتم ا�ستغاللها لغايات �سيا�سية متطرفة .وتتلقى ال�شخ�صيات اال�سالمي���ة يف اليمن �إىل اجلهاد يف �أغلبية هذه املدار����س املتطرفة دعمها املادي �إما الع���راق .ويف عام 2004و�صفت���ه الواليات املتحدة م���ن ال�سعودية �أو م���ن املجاهدي���ن العائدين من والأمم املتح���دة ب�أن���ه “�إره���اب عاملي م���ن طراز القت���ال يف اخلارج ،وهي موجهة لن�ش���ر الأيديولوجية ال�سلفية اجلهادية خا����ص” .وميكننا الق���ول �إن املعتق���دات الدينية للزن���داين موجودة يف من خ�ل�ال تبني مناهج تعليمي���ة مماثلة لتلك التي تدر����س يف املدار�س املنهج الدرا�سي جلامعة الإميان. ال�سعودية. يف ع���ام ،1990و�إث���ر عودته من �أفغان�ست���ان� ،أ�س�س الزن���داين �أي�ض ًا تق���ع الكث�ي�ر م���ن املناط���ق النائي���ة يف اليمن خ���ارج نط���اق �سيطرة احل���زب ال�سيا�سي الإ�سالمي املحافظ املع���روف با�سم “التجمع اليمني احلكومة املركزية ،وهذا ما تعك�س���ه معدالت االلتحاق املتدنية بالتعليم للإ�ص�ل�اح” ،وهو احلزب الذي �أن�ش�أ مدار�س خا�صة به يف الت�سعينيات، الع���ام ،وجن���د �أن املعاهد الديني���ة هي �أكرث �أهمية و�أك�ث�ر عدد ًا يف هذه وكان ل���ه نظامه اخلا�ص يف �إدارة معاهدة الدينية عام .2002وقد �سمح املناط���ق (خا�ص���ة يف �شم���ال اليمن) ،حي���ث ي�ؤدي االنع���زال اجلغرايف الرئي����س اليمني له���ذه املدار�س بالظهور ،بل قدم له���ا الدعم املادي يف �إىل �سيط���رة حم���دودة من قب���ل الدولة وعدم ثق���ة املجتمع يف احلكومة ف�ت�رة من الفرتات .وكان الزن���داين هو من ي�سيطر عل���ى �آالف املعاهد املركزي���ة العلمانية .كما جند �أن هن���اك معاهد دينية غري مرخ�ص لها الديني���ة الت���ي �أن�ش�أها ح���زب الإ�صالح من���ذ ،1990وتعك����س مناهجها وتتبنى �أيديولوجيات �سلفية ولها ميول متطرفة ،كاملعاهد التي يف م�أرب الفك���ر اجلهادي ال�سلفي للزنداين .وي�صف لنا اليمنيون الذين التحقوا وح�ضرم���وت وذمار .وتوجد مثل هذه املعاه���د الدينية يف كل امل�ستويات مبدار�س حزب “الإ�صالح” كيف مت تلقينهم �أن امل�سلمني الذين يتبعون التعليمية ،الأ�سا�سية والثانوية واجلامعية. تعالي���م الزنداين هم امل�سلم���ون “احلقيقيون” .وعندم���ا �شعر الرئي�س وكم���ا �أ�شرنا �سابق���اً ،فقد بذل الإ�سالميون ال�سلفي���ون جهود ًا خا�صة �صال���ح باخلطر ال�سيا�سي الذي ت�شكله مدار�س الإ�صالح عام � 2002أعد لت�أ�سي����س ه���ذه املدار����س يف املناط���ق الريفي���ة الفق�ي�رة خ�ل�ال ف�ت�رة خطط ًا لدمج تلك املدار�س ،التي بلغ عددها 1.300مدر�سة وعدد طالبها الت�سعيني���ات ،وتدري���ب كادره���م اخلا�ص م���ن املدر�سني م���ن �أجل ن�شر 400.000طالباً ،مع نظام التعليم احلكومي ابتدا ًء من عام .2003 �أيديولوجيته���م وتعليمها للأجي���ال املقبلة .ومن �أ�شهر ه���ذه امل�ؤ�س�سات ويف ع���ام � 1993أ�س����س الزنداين �أب���رز جامعة ديني���ة يف اليمن ،وهي الدينية جامعة الإميان يف �صنعاء وجمموعة مدار�س دار احلديث ،وهما جامع���ة الإمي���ان بالعا�صم���ة �صنع���اء .واخت���ار ال�شي���خ موق���ع بناء م�ؤ�س�س���ات �أ�س�سه���ا �أ�شخا�ص مت�شددون :عبد املجي���د الزنداين وال�شيخ اجلامع���ة يف �ضاحية فقرية على خ���ط �سريع �شمال �صنعاء، مقبل بن هادي الوادعي على التوايل. وه���ي وجهة للمهاجرين من الريف �إىل املدينة بحث ًا عن ترب���ط ال�شيخ عبد املجي���د الزنداين ،الذي �سبق وقلن���ا �أن له “ميو ًال فر�ص اقت�صادية �أف�ضل ،كما �أنها املوقع الذي ازدهر وهابية عميق���ة” ،عالقات قوية بال�سعودية من���ذ ال�سبعينيات .وقد قام في���ه الإ�سالم ال�سيا�سي .وم���ع �أن اجلامعة بُنيت على الزن���داين يف الثمانيني���ات بتجني���د �آالف اليمني�ي�ن وال�سعوديني للقتال �أر����ض وهبته���ا احلكوم���ة اليمني���ة� ،إال �أنه���ا كانت �ض���د االحت���اد ال�سوفيتي يف �أفغان�ست���ان وكان ميث���ل الأب الروحي لهم ،تتلقى الدعم امل���ادي يف بادئ الأمر من ال�سعودية وكان �أي�ض��� ًا يف نف����س الفرتة �أح���د “املعلمني الروحي�ي�ن” التابعني البن وع���دد م���ن اجلماع���ات الإ�سالمي���ة يف �أنح���اء الدن ولكن���ه بعد ذل���ك �أبعد نف�سه علن ًا عن بن الدن .ويف احلرب الأهلية العامل الإ�سالم���ي .وبالتايل ،ف�إن اجلامعة تتبنى يف اليم���ن ع���ام � 1994ساعد الزن���داين الرئي�س �صال���ح يف قمع املحاولة الأيديولوجية ال�سلفية يف مناهجها الدرا�سية.
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
101
املحــــور
وق���د وجه���ت جهات حملي���ة و�أمريكي���ة اتهامات �ضد اجلامع���ة ب�أنها متتلك جناح ًا ع�سكرياً ،وهي اتهامات �أنكرها الزنداين مرار ًا وتكراراً. وم�ؤخ���راً ،اتهم���ت عدد م���ن ال�صح���ف اجلامعة ب�أنه���ا تدي���ر مع�سكر ًا للتدريب الع�سكري لكي تعد طالب ًا لل�سفر �إىل غزة والقتال هناك ،ولكن الزن���داين �أنك���ر هذا االتهام���ات �أي�ضاً ،مع �أن جون ووك���ر لند -الع�ضو الأمريك���ي يف حركة طالبان -كان طالب��� ًا يف جامعة الإميان قبل �سفره �إىل �أفغان�ستان للقتال هناك. ويف الوق���ت الذي كان���ت احلكومة اليمني���ة تبذل اجله���ود لإغالق �أو توحي���د م�ؤ�س�سات التعليم الديني اخلا�صة ،كان الرئي�س �صالح يت�صدى با�ستم���رار لالنتقادات املوجه���ة للجامعة ،ومل تغل���ق اجلامعة �إال لفرتة م�ؤقت���ة على �إثر هجمات احلادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب ،2001وهذه احلماي���ة �شبه امل�ستم���رة التي حتظى به���ا جامعة الإميان م���ن الرئي�س �صال���ح هي مقابل امل�ساعدة التي قدمها الزنداين من خالل دعم �صالح مبقاتلني م�سلحني �أجانب لقمع حماولة اجلنوب االنف�صالية عام .1994 ويف متوز/يولي���و 2008بل���غ عدد الط�ل�اب امل�سجل�ي�ن يف جامعة الإميان حوايل 6.000طالب. �أما فيما يتعلق مبعاهد دار احلديث فهي عبارة عن �شبكة من املعاهد تقي���م حلقات درا�سية مت�شددة ومنت�ش���رة يف اليمن ،وقد مت ت�أ�سي�س �أول معه���د يف منطق���ة دم���اج مبحافظة �صع���دة على يد رج���ل دين متطرف يُدع���ى ال�شي���خ مقبل ب���ن هادي الوادع���ي ،ويعترب هذا املعه���د من �أكرب معاه ��د “احلركة الإ�سالمي���ة ال�سلفية” يف اليمن .وق���د در�س الوادعي عل���وم الدين يف ال�سعودية ،حيث التحق باجلامعة الإ�سالمية يف املدينة. ومن���ذ ت�أ�سي�س �أول معهد ت�أ�س�ست الكث�ي�ر من مراكز دار احلديث داخل وخارج اليمن .وبح�سب �أحد املواقع ال�سلفية ،تنت�شر معاهد دار احلديث يف �سبع مناطق مينية ويف م�صر وال�صومال و�إندوني�سيا. وتتلقى معاهد دار احلديث دعمها من متربعني �سلفيني يف ال�سعودية، وه���م �أي�ض��� ًا من ي�شرف على �س�ي�ر التعليم فيها .ويف ع���ام 2002اتهمت اليمن ه���ذه املعاهد بت�شجي���ع الفكر املتطرف ،وقام���ت برتحيل �سبعني طالب��� ًا �أجنبي ًا من طالب املعاهد بحجة �أن وثائق �إقامتهم غري قانونية. ويف ع���ام 2002ذكرت و�سائل الإعالم املحلية �أن هناك �أكرث من ثمانني معه���د ديني ل���ه عالقة مبراك���ز دار احلديث يف اليم���ن ،ويرتادها عدد كبري من الطالب اليمنيني والع���رب والأجانب .وذكرت و�سائل الإعالم املحلي���ة �أي�ض ًا �أن ل���دى الواليات املتحدة معلوم���ات ت�ؤكد �أن عنا�صر من مقاتل���ي تنظي���م القاعدة ه���م من طالب ه���ذه املراك���ز يف اليمن .ويف ع���ام 2003ذك���رت م�صادر حملية �أن ع���دد املعاهد ال�سلفي���ة و�صل �إىل 100معه���د يرتادها �آالف الطالب م���ن داخل اليمن وخارجها .ويف عام
102
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
2004و�ص���ف حملل���و قوات امله���ام امل�شرتكة ملكافحة الإره���اب التابعني ملعتقل غوانتانامو ،معهد دار احلديث مبنطقة دمّاج ب�أنه «مركز تدريب �إرهابي معروف». ومع �أن املعاهد املذكورة �آنف ًا جت�سّ د �أهم الأمثلة على التعليم املتطرف يف اليم���ن� ،إال �أن هن���اك الكثري من املعاهد الديني���ة غري املرخ�ص لها. وذك���ر ال�صحف���ي اليمني حممد القا�ضي يف مقال���ة افتتاحية يف جريدة “مي���ن تامي���ز” �أن مناهج معظم املعاهد واجلامعات الدينية يف اليمن ت�شجع على “التع�صب الديني” ،و”جتيز قتل غري امل�سلمني وتعتربهم كف���ار” .ويف درا�س���ة �أجرتها وزارة الأوقاف والإر�ش���اد عام 2004تتوفر معلومات عن توزي���ع املعاهد الدينية ،وت�شري �إىل �أن هناك حوايل 1000 معه���د ،و�أن معظمه���ا يعم���ل خارج نط���اق ال�سيط���رة املركزي���ة للدولة. وم���ع �أن بع�ض ه���ذه املعاهد تلقت دعمها املايل من قب���ل رجال الأعمال والأح���زاب ال�سيا�سية وجمعي���ات خريية بريئة� ،إال �أن كث�ي�ر ًا منها تلقى الدع���م املايل من جمعيات خريي���ة تربطها عالقة بالإرهاب ،فقد كانت جمعي���ة احلرم�ي�ن اخلريي���ة يف ال�سعودية �إح���دى ه���ذه اجلمعيات وقد �أغلقته���ا ال�سلطات ال�سعودية بعد �إدانته���ا بجمع الأموال لدعم الأن�شطة الإرهابية.
الرد احلكومي على التعليم الديني قبل �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب 2001مل تكن احلكومة اليمنية تتدخ���ل يف الأنظم���ة التعليمي���ة يف املعاهد الدينية ،ب���ل �إنها كانت تقدم الكث�ي�ر من الدعم املايل لهذه املعاهد ،ولكن بعد �إغالق جامعة الإميان لف�ت�رة م�ؤقت���ة يف �أعق���اب هجم���ات �أيلول�/سبتم�ب�ر وط���رد 500طالب �أجنبي لأ�سباب تتعلق مبحاربة الإرهاب ،تبنّت احلكومة اليمنية �سيا�سة للإ�شراف الإداري واملايل على املعاهد الدينية ،وقامت عام 2002بدمج ميزانيات هذه املعاهد �ضمن خم�ص�صات وزارة الرتبية والتعليم. ويف ع���ام � 2004ضاعف���ت احلكومة اليمنية جهوده���ا لإغالق املعاهد الديني���ة ،ف�أعلن���ت يف حزيران/يوني���و 2004قراره���ا ب�إغ�ل�اق املعاهد الديني���ة «نظ���ر ًا لوجود عالقة ب�ي�ن التطرف والتع�ص���ب وبع�ض املناهج الدرا�سي���ة التي ت�شجع �أيديولوجيات منحرف���ة وغريبة» .وتعهدت وزارة الرتبي���ة والتعلي���م بالعمل عل���ى �إ�ص�ل�اح املناهج الديني���ة خللق مناهج حتت���وي على تعاليم �إ�سالمية معتدلة ،بينما �أعلنت احلكومة توقفها عن تق���دمي الدعم للمعاهد الطائفية ،ومن �ضمن هذا الدعم ما كان تقدمه للمعاهد ال�سلفية املتطرفة. وعلى الرغم من كل هذه اجلهود� ،أعلنت احلكومة اليمنية عام 2005 �أن���ه ما زال هناك 330.000طالب م�سجل يف معاهد دينية غري مرخ�ص
لها .وبحلول عام � 2008أغلقت احلكومة ما يقارب بطالة وطنية بلغت .%40 – 35 تطرف اليمنيني 4.500معهد ديني غري مرخ�ص ،ورحّ لت الطالب يف عام � 2004ضاعفت احلكومة غ�ي�ر اليمنيني ممن كان���وا يدر�سوا بتهمة �أن تلك اليمنية جهودها لإغالق خ�ل�ال العق���ود القليل���ة املا�ضي���ة كان���ت اليمن املعاه���د تن�ش���ر الفكر املتط���رف والقت���ايل .ويف املعاهد الدينية ،ف�أعلنت يف متث���ل م�ص���در ًا لعنا�صر الإره���اب و�أر����ض �إعداد �آب�/أغ�سط����س من نف�س الع���ام ذكرت ال�صحف حزيران/يونيو 2004قرارها ملقاتليه���م .وقد �ساف���ر �آالف املتطوع�ي�ن اليمنيني اليمنية �أن احلكومة �أغلقت حوايل 1.000مع�سكر ب�إغالق املعاهد الدينية «نظر ًا يف الثمانينيات للم�شارك���ة يف اجلهاد �ضد القوات �صيف���ي دين���ي يف .2008ولكن م���رة �أخرى �صدر لوجود عالقة بني التطرف ال�سوفيتية يف �أفغان�ستان ،ثم عادوا يف الت�سعينيات تقرير ر�سمي من وزارة الأوقاف يف كانون الأول/ والتع�صب وبع�ض املناهج وب�صحبتهم “جماهدي���ن عرب” �آخرين ،جالبني دي�سم�ب�ر � 2008أو�ض���ح �أنه م���ا زال هناك حوايل الدرا�سية التي معه���م الأيديولوجية ال�سلفي���ة املتطرفة .ويف عام ت�شجع �أيديولوجيات 4.000معه���د يعم���ل يف اليم���ن ،و�أن %20منها ال � 1992أ�صب���ح اليمن �أر�ضية �إع���داد وانطالق لأول منحرفة وغريبة» تعرف �أي رقابة حكومية. هجم���ات لتنظيم القاعدة الت���ي ا�ستهدفت جنود ًا ويف كان���ون الثاين/يناي���ر 2009ظل���ت هن���اك �أمريكيني كان���وا يف طريقهم �إىل ال�صومال خالل معاهد دينية غري قانونية تعمل دون رادع ،ف�أعلنت “عملية ا�ستعادة الأمل”. احلكوم���ة اليمني���ة ا�ستئناف عملية �إغ�ل�اق هذه املعاهد الت���ي و�صفتها ويف الت�سعيني���ات ومطلع ع���ام 2000قامت جماع���ات �إرهابية حملية امل�ص���ادر احلكومي���ة ب�أنه���ا «�أماكن تفري���خ للإرهابي�ي�ن واملتع�صبني» .تنتم���ي �إىل القاعدة بتنفي���ذ عدد من الهجمات ،وق���د متكنت احلكومة �إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك� ،أعلن���ت احلكومة ع���ن ا�سرتاتيجي���ة �شاملة ملعاجلة اليمنية من تفكيك تلك اجلماعات بحلول ،2003لكن اليمنيني ا�ستمروا “ثقافة التطرف والعنف” ،وذلك من خالل تثقيف ال�شباب ون�شر «قيم يف ال�سف���ر �إىل اخلارج خالل تلك الف�ت�رة ،وكانوا ميثلون م�صدر ًا كبري ًا الت�سامح واالعتدال يف العقي���دة الإ�سالمية ،التي ترف�ض عدم الت�سامح للمقاتل�ي�ن الأجانب يف العراق بعد الغ���زو الأمريكي عام .2003ويف عام والتطرف». 2006ت�شكل���ت جماعة �إرهابية جديدة حتت م�سمى “تنظيم القاعدة يف اليمن” ،ومنذ ذلك احلني وهي تقوم بتنفيذ هجمات عنيفة �ضد �أهداف �آث��ار التعلي��م يف اليم��ن �إن نظام التعليم العام غربية ،من �ضمنها الهجمات التي ا�ستهدفت ال�سفارة الأمريكية و�سياح يف اليم���ن ،وكذل���ك نظام التعلي���م الديني ،ال يقوم���ان ب�إعداد الطالب �أ�سبان واملجمع ال�سكني الغربي. وجتهيزه���م بالق���درات وامله���ارات ال�ضرورية لت�أم�ي�ن وظائف لهم حال امل�شارك��ة اليمني��ة يف اجله��اد ب�أفغان�ست��ان (الثمانيني��ات تخرجه���م ،لهذا حتى لو مل يتلق الط�ل�اب تعليم ًا ديني ًا متطرف ًا – الذي والت�سعينيات) يجعلهم �أكرث عر�ضة للم�شاركة يف الإرهاب الديني– ف�إن امل�شكلة تبقى، دع���م اليمنيون بقوة اجلهود اجلهادية يف اخل���ارج منذ الثمانينيات، كما قال عبد اهلل الفقيه� ،أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية بجامعة �صنعاء ،يف �أن «�آالف��� ًا من ال�شباب اليمني العاطلني ع���ن العمل واليائ�سني ،هدف �سهل وذل���ك عندم���ا �ساف���ر �آالف منه���م �إىل �أفغان�ست���ان لقت���ال ال�سوفي���ت، حي���ث �ش���ارك ثالث���ة �آالف مين���ي يف اجلهاد هن���اك ،و�أ�صبح���ت اليمن للجماعات املتطرفة املحلية منها والعابرة للحدود». �أك�ب�ر م�ص���در للمجاهدين بعد ال�سعودي���ة .وقد جاء ه����ؤالء املقاتلون وال يك���ون ال�شب���اب ذوي امل�ستوي���ات التعليمي���ة املتدني���ة قادرين على �أو ًال م���ن �شم���ال اليم���ن ،لأن اليمن اجلنوب���ي اال�شرتاكي كان �ش���ي �سوى العمل يف وظائف ب�أجر زهي���د ،وينتهي بهم املطاف بالهجرة ينا�ص���ر ال�سوفيت ويب���ذل اجلهود ملن���ع املتطوعني اليمنيني للبح���ث عن فر����ص عمل �أف�ضل� .أم���ا ال�شباب الذين له���م خلفية علمية م���ن ال�سف���ر �إىل �أفغان�ستان لغر�ض اجله���اد .و�شارك �أعلى فعليهم �أن يتناف�سوا ب�شدة للح�صول على وظائف يف القطاع العام. عبد املجيد الزن���داين يف جتنيد الكثري من اليمنيني وقد كان���ت احلكومة اليمني���ة يف الت�سعينات متثل �أك�ب�ر قطاع ي�ستوعب للجهاد هناك خالل الثمانيني���ات والت�سعينيات� ،إذ خريجي اجلامعات ،لكنها �أ�صبحت يف منت�صف الت�سعينيات عاجزة عن ح�ش���د خالل الفرتة � 5.000 ,1990 – 1984إىل 7.000 توظيف املزيد من اخلريجني ،ومل تعد ت�ستوعب �سوى %10من خريجي جماهد عربي ،من بينهم عدد كبري من اليمنيني، كليات الزراعة والعلوم الإن�سانية وال�شريعة والقانون ،و %50من خريجي و�أر�سلهم �إىل مع�سك���رات القاعدة يف �أفغان�ستان التخ�ص�صات التجارية .و�أ�شار �أحد �أ�ساتذة االقت�صاد يف جامعة �صنعاء، بغر�ض التدريب الديني والع�سكري .وتقول بع�ض والأ�ستاذ الزائر بجامعة جورج تاون ،يف مقالة له ن�شرها عام � 2003إىل امل�صادر �أن اليمنيني �شكلوا ثلثي جمنّدي �أ�سامة �أن مع���دل البطالة يف �أو�ساط خريج���ي اجلامعات و�صل ،%50مع معدل بن الدن يف مع�سكرات تدريبه ب�أفغان�ستان.
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
103
املحــــور
وقد �أدرك �أ�سامة ب���ن الدن �أنه �سيجد �أر�ض ًا خ�صبة لتفريخ عنا�صره يف اليم���ن؛ ف�سعى �إىل حت�سني عالقاته بعدد من القبائل اليمنية و�ساعد الزن���داين يف ت�أ�سي�س حزب الإ�صالح ،كما �ساع���د اليمنيني على ال�سفر �إىل �أفغان�ست���ان ملحارب���ة القوات ال�سوفيتي���ة .وتقول بع����ض التقديرات �أن ع���دد اليمنيني الذين حاربوا يف �أفغان�ست���ان �أو تدربوا يف مع�سكرات القاعدة يرتاوح بني �آالف وع�شرات الآالف. وميكن � -إىل حد ما � -إرجاع تف�سري ارتفاع عدد املتطوعني اليمنيني، خا�ص��� ًة من �شمال اليم���ن� ،إىل ت�أ�سي�س املعاه���د ال�سلفية اجلهادية التي دعمته���ا ال�سعودي���ة حت���ت �إ�ش���راف الزن���داين يف �شم���ال اليمن خالل ال�سبعيني���ات .وكما ذكرنا �آنفاً ،فقد �أطلق رئي�س اليمن ال�شمايل العنان للزن���داين يف ت�أ�سي����س تلك املعاه���د الدينية املتطرفة لك���ي يواجه ت�أثري النف���وذ اال�شرتاك���ي يف اجلن���وب ،ومت تعي�ي�ن الزنداين كوزي���ر للرتبية والتعلي���م ( )2عام 1983وا�ستمر يف جتني���د �آالف اليمنيني للجهاد �ضد ال�سوفي���ت يف الثمانيني���ات ،وكان معظ���م املجندي���ن م���ن تل���ك املعاهد الدينية. الإرهاب املحلي يف اليمن (الت�سعينيات – )2003 مل تعمل اليمن خالل هذه الفرتة الزمنية كمالذ �آمن للمقاتلني العرب العائدي���ن من �أفغان�ستان فح�سب ،بل �إنها كان���ت �أر�ض �إعداد وانطالق �أوىل هجم���ات القاع���دة ،والتي تلته���ا العديد من الهجم���ات الإرهابية، ا�ستهدف���ت م�صالح غربي���ة ومل تردعها �إال �إج���راءات مكثفة ومناه�ضة للإرهاب عام .2002 خالل فرتة الت�سعينيات ،كان اليمن عامل جذب للمقاتلني يف احلرب �ض���د ال�سوفيت ،وقد وفّر احلزب الإ�سالمي املعار�ض – حزب الإ�صالح – احلماي���ة للمقاتل�ي�ن اليمني�ي�ن .وخالل تلك الف�ت�رة رحبت احلكومة اليمنية بع�ش���رات الآالف من املقاتلني العرب العائدي���ن من �أفغان�ستان بعد احل���رب �ضد ال�سوفيت .وق���د اكت�سب ه�ؤالء املقاتل�ي�ن خربة قتالية يف املعارك ،ومت تلقينه���م الأيديولوجية ال�سلفية التي جلبوها معهم �إىل اليمن .كما �ساع���د �آالف منهم الرئي�س �صالح يف حملته الع�سكرية التي تغل���ب فيها على اليمن اجلنوبي اال�شرتاك���ي الذي حاول االنف�صال عام .1994وبع���د ذل���ك عا�ش بع�ضهم حي���اة �سالم يف اليم���ن ،بينما ا�ستمر البع�ض الآخر يف ت�شكيل اجلماعات التابعة للقاعدة. وعندم���ا تل���ك�أت احلكوم���ة يف تلبية مطال���ب بع�ض املقاتل�ي�ن الأفغان (�أي بال�سم���اح له���م بااللتحاق باجلي����ش اليمني ،ومنحه���م حرية �أكرث يف اجلن���وب �ض���د اال�شرتاكيني) اندل���ع القتال ب�ي�ن الطرفني يف متوز/ يولي ��و ،1994وتغل���ب اجلان���ب احلكومي عل���ى املقاتلني وطُ ���رِ د بع�ضهم م���ن اليم���ن و ُقبِ�ض على البع�ض الآخر .لكن هن���اك من فر من املقاتلني
وقام���وا بت�شكيل جي�ش عدن �أب�ي�ن الإ�سالمي ،حيث قامت هذه اجلماعة ب�إن�شاء مع�سكر تدريب لعنا�صرها يف حمافظة �أبني لكي تتمكن من طرد الوج���ود الأمريكي والربيطاين من اليمن و�شبه اجلزيرة العربية� .أي�ض ًا ا�ستغ���ل بن الدن اليمن كم����أوى لبع�ض عنا�صره و�أعمال���ه التجارية التي ا�ستخدمها كم�صدر للدعم امل���ايل واللوج�ستي ،وكذلك لتزوير جوازات ال�سفر� .إ�ضافة �إىل هذا ،كانت توجد هناك عدد من مع�سكرات التدريب الك�ب�رى التابعة للقاعدة حتى متكنت احلكوم���ة اليمنية من تفكيكها يف نهاي���ة الت�سعيني���ات .ويقدر املحللون ب����أن اليمنيني ي�شكل���ون ثالث �أكرب متثيل وطني يف تنظيم القاعدة ،بعد امل�صريني واجلزائريني. ويف كان���ون الأول/دي�سم�ب�ر 1992ق���ام مقاتل���ون ينت�سب���ون للقاعدة بتنفي���ذ �أول هجوم �ضد �أهداف �أمريكية ،عندما فجروا فندق يف مدينة ع���دن كان ي�ستخدم���ه اجلنود الأمريكيني كنقطة انتق���ال �إىل ال�صومال �أثن���اء «عملي���ة ا�ستعادة الأم���ل» التي متثل جزء ًا من اجله���ود الأمريكية حلل الأزم���ة الإن�سانية يف ال�صومال .وكان الهج���وم ،رغم ف�شله ،نذير ًا بت�شكي���ل جي�ش عدن �أب�ي�ن الإ�سالمي التابع لتنظي���م القاعدة يف �أواخر الت�سعيني���ات .ويف 28كانون الأول/دي�سم�ب�ر 1998قام جي�ش عدن �أبني وف���روع �أخرى للقاع���دة باختطاف �ستة ع�شر �سائ���ح غربي يف حمافظة �أب�ي�ن .ويف كان���ون الثاين/يناي���ر ،2000وبت�أيي���د من تنظي���م القاعدة، ح���اول عنا�صر جي�ش عدن �أبني مهاجمة ال�سفينة الأمريكية «يو �إ�س �إ�س �سوليفان» ،لكن حماولتهم باءت بالف�شل. وكان �أول هجوم ناجح نفذه جي�ش عدن �أبني �ضد الواليات املتحدة يف 12ت�شري���ن الأول�/أكتوبر 2000عندما ق���ام انتحاريون يف زورق حممل مبتفج���رات من نوع C4وت���زن 270كجم ،مبهاجم���ة املدمرة الأمريكية (ك���ول) التي كانت تر�سو يف ميناء عدن .و�أ�صدر الحق ًا جي�ش عدن �أبني بيان��� ًا �أعلن فيه م�سئوليته عن هذا الهجوم ،الذي قتل �سبعة ع�شر بحار ًا �أمريكي��� ًا وج���رح ت�سعة وثالث�ي�ن �آخرين .وق���د كان %80من اجلهاديني الذي���ن ا�شرتكوا يف تنفيذ الهجوم �سعوديني م���ن �أ�صل ميني ،من بينهم العقل املدبر للهجوم عبد الرحيم النا�شري. وتال ذل���ك الهجوم عدد م���ن املح���اوالت الفا�شلة ،فف���ي متوز/يوليو 2001مت القب����ض على ثمانية مقاتل�ي�ن مينيني ،ممن �شاركوا يف اجلهاد �ض���د ال�سوفي���ت ،وهم يخطط���ون للهجوم عل���ى ال�سف���ارة الأمريكية يف �صنع���اء .ويف 6ت�شري���ن الأول�/أكتوب���ر 2002مت���ت ث���اين عملية جلي�ش ع���دن �أبني ،وه���و الهجوم �ضد ناقل���ة النفط الفرن�سية “ملب���ورج” قبالة ال�سواح���ل اليمني���ة ،وقتل فيه م���دين واحد وجرح �سبع���ة ع�شر �آخرين. ونتيجة لذلك ،تعاونت احلكومة اليمنية مع الواليات املتحدة يف اجلهود املبذول���ة ملكافح���ة الإره���اب ،غري �أن جي����ش عدن �أبني وا�ص���ل هجماته
على امل�صالح الغربية حيث حاول �إ�سقاط طائرة احل���ادي ع�ش���ر م���ن �أيلول�/سبتم�ب�ر .2001ومنذ ذل���ك احلني واليمن تتعاون م���ن الواليات املتحدة مروحي���ة يف ت�شري���ن الثاين/نوفمرب ،2002وقتل ميكن � -إىل حد ما - يف اجله���ود املبذولة ملكافحة الإرهاب ،ويف املقابل ثالث���ة مب�شرين �أمريكيني ب�أح���د امل�ست�شفيات يف �إرجاع تف�سري ارتفاع عدد كانون الأول/دي�سمرب من نف�س العام. قدم���ت احلكوم���ة الأمريكية امل�ساع���دة الع�سكرية املتطوعني اليمنيني للجهاد والدبلوما�سي���ة واملالية لليمن .غري �أن هذا التعاون وخ�ل�ال ال�سن���وات التي تلت ،قام���ت جماعات ً خا�صة من ب�أفغان�ستان، ظ���ل طيّ الكتم���ان حتى ال يثري الغ�ض���ب الداخلي. تنتم���ي لتنظي���م القاع���دة بع���دة هجم���ات �ض���د �شمال اليمن� ،إىل ت�أ�سي�س ويف ع���ام ،2002وبد ًال من و�ض���ع قواتها يف اليمن، امل�صالح الغربية يف اليمن ،لكن عمليات مكافحة املعاهد ال�سلفية اجلهادية قامت الواليات املتحدة بنقل 800جندي من قوات الإره���اب ا�ستم���رت وا�ستطاع���ت بفعالية احتواء التي دعمتها ال�سعودية حتت العمليات اخلا�ص���ة �إىل جيبوتي ،حيث من املمكن العنا�صر املقاتلة الت���ي تنتمي للقاعدة ،واعتقلت �إ�شراف الزنداين يف �شمال ن�شره���م ب�سرعة �ضد عنا�ص���ر تنظيم القاعدة يف ال�شرط���ة عدد ًا كبري ًا م���ن اجلهاديني ثم �أطلقت اليمن خالل ال�سبعينيات اليمن. �س���راح البع�ض منهم يف مبادرة عفو عام �شريطة وعندم���ا تبنّ���ت اليم���ن موقف��� ًا م�ؤي���د ًا للع���راق �أن ال يقوموا ب�أي هجمات على الأرا�ضي اليمنية. وعار�ضت �أي تدخل غربي يف حرب اخلريج 1990 وبالإ�ضافة �إىل وجود �آالف املحاربني الأفغان، ميك���ن عزو ظه���ور ظاهرة الإره���اب الداخل���ي يف اليم���ن �إىل عدد من – 1991قطع���ت ال�سعودي���ة والكوي���ت عالقاتها الدبلوما�سي���ة مع اليمن العوام���ل املهم���ة ،وهي :تهدي���د الأه���داف الع�سكرية الغربي���ة؛ والو�ضع والدعم املايل كذلك ،وط���ردت ال�سعودية ما يقارب مليون عامل ميني، صال وما زال يعاين االقت�ص���ادي الداخل���ي املتفاق���م؛ وانت�ش���ار املدار�س واملعاه���د الدينية وه���و ما زاد من ال�ضغط على االقت�صاد امل�ضطرب �أ� ً املتطرفة يف اليمن .ومع �أن املنطقة �شهدت عرب التاريخ وجود ًا ع�سكري ًا م���ن تكاليف الوحدة ،فلم ت�ستطع احلكومة تق���دمي الدعم املايل الكايف قوي��� ًا للوالي���ات املتح���دة� ،إال �أن الدولة احلديثة يف اليم���ن مل ت�ست�ضيف للتعليم العام .ويف مقابل ذلك ،ازدهرت املدار�س ال�سلفية املدعومة من �أي قاع���دة ع�سكري���ة �أمريكي���ة دائم���ة عل���ى �أرا�ضيه���ا .واملالح���ظ �أن ال�سعودية خالل تلك الفرتة ،وخا�صة يف املناطق الريفية الفقرية .فعلى �سبي���ل املثال ،ت�أ�س�س���ت جامعة الإميان على يد الزن���داين يف �سنة 1993 القوات الأمريكي���ة وغريها من القوات الغربية ت�ستخدم املواين اليمنية كمحط���ات للتزود بالوقود ،الأمر الذي يُعد ممار�سة دولية مثالية ال تنم بتمويل �سعودي. وكان م���ن �أهم ما ت�ضمنت���ه �إ�سرتاتيجية مكافح���ة الإرهاب الناجحة عن احتالل �أجنبي .ولكن رغم غياب احل�ضور الع�سكري للقوى الغربية يف اليم���ن �إال �أن معظم الهجمات ال�ساحقة الت���ي ُنفِّذت كانت ت�ستهدف الت���ي تبنّته���ا اليمن �إغ�ل�اق مئ���ات املعاهد الديني���ة ،وتطبي���ق برنامج �إع���ادة التعلي���م �أيديولوجي من خالل احلوار م���ع العلماء امل�سلمني .ويف �أهداف غربية. وكنتيج���ة حلرب اخللي���ج 1991 – 1990توت���رت العالقات بني اليمن مطل���ع 2002ط���رد الرئي����س �صالح �أكرث م���ن 100معلم وطال���ب �أجنبي وال���دول الغربية حت���ى منت�صف الت�سعينيات ،عندما ق���رر الغرب �إعادة يف امل�ؤ�س�س���ات الديني���ة اخلا�صة ممن ال يحمل���ون ت�أ�شرية قانونية ،ومن العالق���ات مع اليمن و�شجّ ع �صندوق النقد ال���دويل والبنك الدويل على �ضم���ن ه���ذه امل�ؤ�س�س���ات معاه���د دار احلدي���ث وجامع���ة الإمي���ان .وقد تقدمي الدعم املايل لليمن .ولكن ذلك مل يُجدِ نفع ًا يف �إيقاف الهجمات ا�ستهدف���ت الدول���ة هذه املدار�س عل���ى وجه اخل�صو����ص ،لأن عدد ًا من الإرهابي���ة الداخلية �ضد امل�صالح الغربية يف اليم���ن .ففي ،1992وقبل طالبه���ا تورط���وا ب�شكل مبا�شر يف �أعمال �إرهابي���ة داخلية .فقد كان كل الإع�ل�ان عن �إعادة العالق���ات ح�صل �أول هج���وم للقاعدة �ضد اجلنود م���ن علي جاراهلل وعابد عبد الرزاق كام���ل – العن�صران املن�سوبان الأمريكيني ،الذين توقفوا يف عدن وهم يف طريقهم �إىل ال�صومال .كما للقاعدة ،وامل�سئ���والن عن اغتيال �أحد ال�سيا�سيني املعار�ضني قامت عنا�صر جي�ش عدن �أبني بتنفيذ �أول هجوم ناجح لها �ضد البحرية وثالث ممر�ضات م�سيحيات يف �أواخر – 2002من منتجات الأمريكي���ة .فف���ي ع���ام 1999ب���د�أت الوالي���ات املتحدة ت�ستخ���دم عدن جامعة الإميان. املقاتلون اليمنيون يف العراق ( – 2003حتى كمحطة للت���زوّد بالوقود ،ومنذ 1999وحتى تفجري املدمرة “كول” عام 2000توقف���ت ما يق���ارب � 24سفينة حربية تابع���ة للبحرية الأمريكية يف الآن) ع���دن لغر�ض تعبئة الوقود ،وبعد تفجري “كول” علّقت الواليات املتحدة من���ذ ع���ام 2003وا�ص���ل اليمني���ون ال�سفر �إىل عمليات التزوّد بالوقود يف اليمن. اخلارج كمقاتل�ي�ن �أجانب .وقد ذك���رت التقارير ويف ع���ام 2001ج���ددت الوالي���ات املتح���دة التزامها بتق���دمي الدعم ع���ام � 2008أن املجاهدي���ن اليمني�ي�ن يوجدون يف امل���ادي لليم���ن ،وتع���ززت العالق���ات ب�ي�ن الدولت�ي�ن �أكرث بع���د �أحداث ال�سعودي���ة و�أفغان�ست���ان وال�صوم���ال ولبنان ،مع
( )2راجع مالحظة املحرر ب�ش�أن ذلك ،والتي �أوردها �صفحة 99من هذا العدد. 104
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
105
املحــــور
وج���ود �أكرب ع���دد منه���م يف العراق ،حي���ث ي�شاركون يف حرك���ة التمرد �ض���د القوات الأمريكي���ة يف العراق منذ االحتالل الأمريك���ي لهذا البلد ع���ام .2003كم���ا ي�شكلون �أك�ب�ر ثالث م�صدر م���ن املقاتل�ي�ن الأجانب، وقام���وا بتنفيذ عدد من الهجمات االنتحاري���ة .ويف عام 2006اكت�شفت درا�س���ة �أجراها مرك���ز الدرا�سات اال�سرتاتيجي���ة والدولية �أن %17من املقاتلني الأجانب يف العراق يحملون اجلن�سية اليمنية ،وذكرت �صحيفة “الثوري” �أنه مت تنفيذ ع�شرين هجوم انتحاري على يد مينيني. وتختلف من �سنة �إىل �أخرى التقديرات عن عدد املقاتلني اليمنيني يف العراق .ففي عام 2005بلغ عدد املقاتلني اليمنيني الذين �سافروا للقتال يف الع���راق 2.000مقات���ل ،بح�سب و�سائل الإعالم املحلي���ة .بينما يقول تقدير م�شروع تقييم الأمن القومي لعام � 2005أن عدد املقاتلني الأجانب يف الع���راق و�صل ثالثة �آالف مقاتل %17 ،منهم مينيني (�أي 500مقاتل مين���ي) .وبحلول 2007ذكرت و�سائل الإع�ل�ام اليمنية �أن هناك حوايل 1.289مقاتل ميني يف العراق ،منهم 550مقات ًال من �صنعاء .وبعد ذلك يف نف�س العام ذكرت و�سائل �إعالم مينية �أخرى �أن عدد اليمنيني الذين �ساف���روا للقتال يف العراق خالل الفرتة 2006 – 2003بلغ 1000مقاتل. ويف � 2008أ�ص���در كلنت وات�س تقرير ًا بنا ًء على معلومات تتعلق باملقاتلني الأجانب م���ن �سج�ل�ات “�سينجار” ،ومعتق���ل غوانتانام���و ،وخمتطفي الطائ���رات يف احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب ،وقال التقرير �أن اليمن تعترب �أكرب ثالث م�صدر للمقاتلني الأجانب كونها تقدم �أربعة �إىل ثمانية �أ�ضع���اف املقاتلني الذين تقدمهم الدول الع�ش���رون الأخرى املذكورة يف هذه الدرا�سة. تو�ض���ح املعلوم���ات املتوف���رة ع���ن املقاتل�ي�ن اليمني�ي�ن جمموع���ة من االجتاهات ،منها� :أن املقاتلني هم من فئة ال�شباب القادمني من �صنعاء، وم���ن طالب م�ؤ�س�سات التعليم الدين���ي ،ومعظمهم من جامعة الإميان. وذك���رت و�سائل الإعالم املحلية �أن معظ���م املجندين للجهاد يف العراق ه���م دون �س���ن الع�شري���ن عاماً .ويف ع���ام 2007ذك���رت و�سائل الإعالم اليمني���ة �أي�ض��� ًا �أن ما يقارب %50من املقاتل�ي�ن اليمنيني يف العراق هم م���ن �صنعاء ،خا�ص���ة منطقة مُ�سَ يك املعروفة بتخري���ج متطرفني دينياً. وت�ؤك���د درا�سة �أجري���ت عام � 2008أن �صنعاء تنت���ج �أكرث بقليل من %50 من املقاتل�ي�ن اليمنيني ،مع �أنها ال ت�شكل �س���وى %5من ال�شعب اليمني. و�أ�ضاف���ت الدرا�س���ة �أن مدينة ع���دن تنتج %15من املقاتل�ي�ن اليمنيني، وه���ي ال ت�شكل �سوى %2من ال�شعب اليمن���ي .وت�شري هذه املعلومات �إىل �أن التجني���د للقتال ه���ي ظاهرة ح�ضرية (�أي يف امل���دن) ،و�أن املقاتلني الأجان���ب هم من ال�شباب املتمدنني م�ؤخراً .كما �أنها تتطابق مع حقيقة �أن جامعة الإميان وفرع من معاهد دار احلديث موجودة يف �صنعاء.
106
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ووج���دت درا�س���ة �أخرى �أجري���ت ع���ام � 2008أنه باملقارن���ة مع الدول الأخ���رى املنتجة للمقاتلني الأجان���ب ،يت�ضح �أن �أك�ث�ر اليمنيني �شاركوا يف اجله���اد بدافع الدي���ن .وقد و�صف عدد من القاتل�ي�ن �أنف�سهم ب�أنهم طالب متدينني ،بينما قال �آخرون �أنه مت جتنيدهم عن طريق امل�ساجد. وتو�صل���ت الدرا�سة �إىل �أن �أغلب �أولئ���ك املجندين يف العراق �أما طالب �أو عاطلني عن العمل� ،أو �أنهم عمال عاديون .كما ذكرت بع�ض التقارير ع���ام � 2007أن ع���دد ًا م���ن خريج���ي جامعة الإمي���ان – وبع�ضه���م كانوا م�سجّ ل�ي�ن �سابقني فيه���ا � -ساف���روا �إىل العراق كمقاتل�ي�ن �أجانب ،وهو �أي�ض ًا ما �أكدته �أجهزة الأمن الداخلية. موجة الإرهاب احلالية يف اليمن ( - 2006حتى الآن) قالت نادية ال�سقاف ،رئي�سة حترير �صحيفة “مين تاميز”� ،إنه «كان هناك اتفاق (مع اجلهاديني) ،ولكن ذلك االتفاق مل يعد مجُ دياً؛ فالآن لي�س هناك �سوى املت�شددين ممن يريدون �أن ت�ستخدمهم القاعدة ،وهم العائ���دون م���ن العراق �أو �أفغان�ست���ان وال ميتلكون �أي مه���ارات �أو خلفية علمية ،ومل يتم دجمهم يف املجتمع .كما �أنه مت غ�سل �أدمغتهم ،فاجلهاد هو كل ما يعرفون». وما يُالحظ هو �أن الإرهاب الداخلي يف اليمن يزداد �ضراوة منذ عام 2006عندم���ا ت�أ�س�س “تنظي���م القاعدة يف اليمن” عل���ى �أيدي الفارين من �أح���د ال�سجون اليمنية بعد اتهامهم بارت���كاب �أعمال �إرهابية مطلع ع���ام .2000وبالرغم من �أن الواليات املتحدة تق���دم م�ساعدة ع�سكرية لليم���ن من���ذ ،2001ف�إن���ه مل تقم �أي ق���وى �أجنبية� ،أمريكي���ة �أو غريها، ب�إن�ش���اء قاع���دة دائمة له���ا يف اليمن .م���ع ذلك ،ف�إن معظ���م الهجمات الت���ي نفذته���ا “القاعدة يف اليمن” كانت �ض���د �أهداف غربية ،مبا فيها �سياح و�سفارات .وال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه هنا هو :ما هو ال�سبب وراء نهو�ض الإرهاب الداخلي يف اليمن؟ هذا ال�س�ؤال هو ما �س�أحاول الإجابة عليه بعد ا�ستعرا�ض و�صفي لنمط موجة الإرهاب احلالية يف اليمن. يف �شباط/فرباي���ر 2006متكن ثالثة وع�شرون �سجني من الفرار من �سجن الأمن ال�سيا�سي يف اليمن ،وقام اثنان من الفارين ب�إن�شاء جماعة �إرهابي���ة – “القاع���دة يف اليم���ن” – م�ستلهم�ي�ن �أيديولوجياته���ا من تنظي���م القاعدة .وقد قامت بتنفيذ �أول هجماتها بعد �سنة من تكوينها. ويُ�ش���ار عاد ًة �إىل جماعة القاعدة يف اليم���ن “باجليل الأ�صغر” ملقاتلي القاع���دة يف اليمن ،وهم ممن حاربوا يف العراق والآن يرف�ضون احلوار م���ع احلكومة اليمنية كما فعل املقاتلني من اجليل ال�سابق .ومن �أهداف ه���ذه اجلماع���ة ،والتي حت���دد �أيديولوجيته���ا بو�صفها جهادي���ة �سلفية: �إطالق �سراح عنا�ص���ر القاعدة ،ورفع القيود احلكومية على ال�سفر �إىل العراق ،وع���دم تعاون الدولة مع �أعداء الإ�س�ل�ام (�أي الواليات املتحدة
وحلفائها) ،والعودة �إىل ال�شريعة الإ�سالمية. الهجم���ات الإرهابية الأخرى التي قامت بتنفيذها القاع���دة يف اليم���ن ،الهجم���ات الت���ي ا�ستهدفت وتتبنى هذه اجلماعة عدة ت�سميات �أخرى �إىل تو�ضح املعلومات املتوفرة جممع���ات �سكني���ة ي�سكنها �أجانب .فف���ي ني�سان/ جان���ب “القاعدة يف اليمن” ،من �ضمنها “�ألوية عن املقاتلني اليمنيني �أبري���ل 2008تعر����ض جمم���ع �سكن���ي لأمريكي�ي�ن جن���د اليم���ن” وحرك���ة “اجله���اد الإ�سالم���ي” يف العراق جمموعة من وغريه���م من الأجانب يف �صنعاء ،لهجوم بقذائف و”القاعدة يف �شبه جزيرة العرب” .وبعد دجمها االجتاهات ،منها� :أن املدف���ع الهاون ،ولك���ن مل يُ�صب �أحد ب����أذى �سوى مع فرع القاع���دة يف ال�سعودية يف كانون الثاين/ يناي���ر 2009تبنّت ا�سم “تنظي���م قاعدة اجلهاد املقاتلني هم من فئة ال�شباب تك�سر بع�ض النوافذ. القادمني من �صنعاء ،ومن و�أحدث عملية تقوم به���ا القاعدة يف اليمن (يف يف جزي���رة الع���رب” .ويف املقابلة الت���ي �أجرتها التعليم ؤ�س�سات � م طالب اجلزي���رة م���ع قائ���د التنظي���م الوحي�ش���ي يف 27 الع���ام املا�ضي )2009كانت يف اخلام�س من �آذار/ من ومعظمهم الديني، مار�س � 2009ضد جمموعة �سياح من كوريا اجلنوبية كان���ون الثاين/يناير ،ب���رر الوحي�شي �ضرب “كل إميان ل ا جامعة كانوا ي���زوروا موقع �سياحي يف ح�ضرموت ،عندما امل�صالح ال�صليبية” يف �شبه اجلزيرة ،و�أ�شار �إىل قام انتحاري مبهاجمتهم .وبعد ذلك بثالثة �أيام، �أن “احل���روب ال�صليبية” �ضد فل�سطني والعراق ُنفِّذت عملية �إرهابية �أخرى فا�شلة ا�ستهدفت وفد ًا و�أفغان�ستان وال�صومال تنطلق من قواعد يف �شبه مل�سئول�ي�ن كوريني وذوي �ضحاي���ا العملية ال�سابقة .وادع���ت القاعدة يف اجلزيرة العربية. وق���د ا�ستهدف���ت العمليات التي قامت بها القاع���دة يف اليمن من�ش�آت اليمن �أن العملية ا�ستهدفت الكوريني اجلنوبيني نظر ًا للدور الذي تلعبه نفطية و�سياح �أجانب و�سفارات �أجنبية على وجه التحديد .ففي � 15أيلول /كوريا اجلنوبية يف احلرب على الإرهاب ،التي تقودها الواليات املتحدة �سبتمرب 2006كان���ت �أول حماولة هجوم للقاعدة يف اليمن ،وا�ستهدفت يف العراق و�أفغان�ستان (وكان اجلنود الكوريني اجلنوبيني ي�شكلون ثالث مين���ا ًء لت�صدير للنفط يف ح�ضرموت وم�صف���اة نفطية ومن�ش�آت غاز يف �أك�ب�ر عدد من اجلن���ود الأجانب يف العراق حتى كان���ون الأول/دي�سمرب م�أرب ،ولكن قوات الأمن متكنت من تفجري �أربع �سيارات مفخخة ،و ُقتِل .)2008 �إن ق���ادة القاع���دة يف اليمن هم من ال�سجن���اء الذين فروا من �سجن مهاجمان قبل و�صولهما للهدف .كما قامت القاعدة يف اليمن بعدد من العملي���ات الأخرى �ضد من�ش����آت نفطية يف اليمن منذ ذلك احلني ،ومن الأم���ن ال�سيا�س���ي يف �شباط/فرباي���ر � ،2006أما بقية معظ���م العنا�صر �أه���م تل���ك الهجمات الهجومني اللذي���ن ا�ستهدفا خط���وط النفط لأحد فه���م من ال�شب���اب الذين ان�ضم���وا للقاعدة الحقاً ،ول���دى الكثري منهم ال�ش���ركات الفرن�سية وحقل نفط ل�شركة �صينية يف ني�سان�/أبريل 2008؛ خ�ب�رة قتالية كبرية اكت�سبوها يف املعارك الت���ي خا�ضوها يف �أفغان�ستان وبع���د هذا ب�أي���ام قالئلُ ،زرِعت قنبلتان بالقرب م���ن مقر �شركة النفط وال�صوم���ال والع���راق .و�أي�ض��� ًا ي�ش���كل اليمني���ون الأغلبية م���ن عنا�صر الكندية “نك�سن” يف �صنعاء. القاع���دة مع وجود عدد من املقاتل�ي�ن الأجانب ،من بينهم عدد متنامي وا�ستهدفت القاعدة يف اليمن قبل هذين الهجومني ال�سفارة الأمريكية م���ن املتطرفني ال�سعوديني .واجلدير بالذك���ر �أن الكثري من ه�ؤالء ولدوا ب�صنع���اء يف �آذار/مار�س 2008عن طري���ق �ضربها باملدفع الهاون ،لكن يف ال�سعودي���ة وه���م من �أبناء املغرتب�ي�ن اليمنيني ،ورمب���ا تلقوا تعليمهم القذيف���ة وقعت على “مدر�سة �سبعة يوليو للبن���ات” التي كانت بالقرب هناك وجلبوه �إىل اليمن عند عودتهم. م���ن ال�سفارة وجرحت ثالثة ع�شرة فتاة وخم�س���ة جنود .ويف �أيار/مايو ويف �أعقاب الهج���وم االنتحاري على ال�سي���اح الكوريني اجلنوبيني يف � 2008ضرب���ت القاعدة يف اليمن ال�سفارة الإيطالية بقذيفتي هاون .ويف �آذار/مار����س 2009ن�ش���رت احلكوم���ة اليمنية قائم���ة ب�أ�سماء اثنا ال�ساب���ع ع�شر من �أيلول�/سبتمرب 2008تعر�ضت ال�سفارة الأمريكية مرة ع�ش���ر ميني��� ًا مم���ن قيل �أنه���م «جُ نّ���دوا وتدربوا عل���ى �أيدي �أخرى لهجمات �إرهابية عن طريق ا�ستخدام �سيارتني مفخختني. عنا�ص���ر القاعدة لكي يقوموا بتنفي���ذ عمليات انتحارية �أما الهجمات الإرهابية على ال�سياح الأجانب فقد بد�أت يف متوز/يوليو يف الوط���ن» .وي�ت�راوح عمر ه����ؤالء ب�ي�ن الثامنة ع�شر ،2007عندما ا�ستخدمت القاعدة يف اليمن �سيارة مفخخة للهجوم على والت�سع���ة والع�شري���ن �سنة ،وذك���رت و�سائل الإعالم �سي���اح �أ�سبان قاموا بزيارة معبد بلقي����س مبحافظة م�أرب ،وراح �ضحية املحلية يف �آذار/مار�س � 2009أن القاعدة يف اليمن الهج���وم ثمانية �سياح �أ�سبان ومينيني اثنني .ويف الثامن ع�شر من كانون جنّ���دت ال�شب���اب الذين حت���ت �س���ن الثامنة ع�شر الثاين/يناي���ر 2008حدثت عملية �إرهابية �أخرى �ضد ال�سياح الأجانب ،على وج���ه اخل�صو����ص ،وذل���ك ال�ستخدامهم يف عندما �أطلق �أربع���ة م�سلحني النار على �سائحتني بلجيكيتني و�سائقيهما عملياته���ا الإرهابية الأخرية .وق���ال املتخ�ص�ص اليمني�ي�ن يف ح�ضرموت ،وقتلوا الأربعة مع ًا وجرحوا �أثنني �آخرين .ومن بالتمرد يف اليمن غريغوري جون�سون ،يف مقابلة
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
107
جيوبوليتيك
املحــــور
نظرات فـي ق�ضايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�صرة له� ،أن القاع���دة يف اليمن فع ًال تتلقى دعم ًا �شعبي ًا من الداخل ،وخا�صة م���ن ال�شباب ال�ساخط وفئات املجتمع الأخ���رى ،وذكر �أن جملة “�صدى املالح���م” الت���ي ت�صدرها ه���ذه اجلماعة حتظى ب�شعبي���ة كبرية ،حيث يت���م تنزي���ل ن�سخ منها ع���ن طريق االنرتن���ت ومن ثم تُطب���ع وتُوزع على ال�سُّ كان. وكما �أ�شرنا �آنف ًا يتلقى ال�شباب اليمني تعليمهم من عدد من امل�صادر التي من �ضمنها نظام التعليم العام املتدين واملدار�س واملعاهد الدينية، غري �أن معظمهم ال يتعلم امله���ارات والقدرات التي يتطلبها �سوق العمل وله���ذا ال ي�ستطيع���ون احل�صول عل���ى وظائف ،وهو م���ا يرتكهم عر�ضة لعنا�صر الإرهاب الديني .ومع �أن احلكومة اليمنية تبذل اجلهود لإغالق املعاهد الدينية غري املرخ�ص لها منذ � ،2001إال �أن هناك درا�سة قامت به���ا احلكومة يف كانون الأول/دي�سم�ب�ر 2008ووجدت �أنه ما زال هناك م���ا يقارب 4.000معهد ديني يف اليم���ن %20 ،منها ال يخ�ضع للإ�شراف والرقاب���ة من قبل الدولة .وبعد هجمات �آذار/مار�س � 2009ضد ال�سياح الكوري�ي�ن اجلنوبيني ،قال وزير الداخلية اليمن���ي �أن عدد ًا من املدار�س واملعاه���د الدينية التي “ت�شجع الإرهاب والعنف وقتل ال�سياح” ما زالت تعمل يف اليمن ،و�أرجع اللوم عليها � -إىل حد ما -يف انت�شار الإرهاب. ونظ���ر ًا لأهمي���ة وقيم���ة امله���ارات والق���درات القتالية الت���ي اكت�سبها املقاتل���ون يف �أفغان�ست���ان والع���راق وال�صومال ،قام تنظي���م القاعدة يف اليم���ن ب�إر�سال عدد من عنا�ص���ره للتدريب هناك .وقد وجهت اتهامات �ضد تنظيم القاع���دة يف اليمن ب�أنها قام �أكرث من مرة بتوجيه املقاتلني للقت���ال يف العراق ،ب���ل و�صرح التنظي���م نف�سه يف كان���ون الثاين/يناير 2009ب�أن���ه �أر�سل �أكرث من 300مقاتل ميني ينتمون �إىل تنظيم القاعدة للجهاد يف العراق و�أفغان�ستان وال�صومال عام .2008كما �أن االنتحاري الذي نفذ الهجوم على ال�سياح الكوريني كان يبلغ من العمر ثمانية ع�شر �سنة ،وقد مت تدريبه يف ال�صومال. ومب���ا �أن عنا�ص���ر ف���رع القاعدة يف ال�سعودي���ة ما زال���وا يت�سللون �إىل اليمن من���ذ منت�صف ،2008ف�إنه���م �سيجلبون معه���م �أفكارهم الدينية املتطرفة .وقد �أعلنت قوات الأمن يف �آذار/مار�س 2009عن 116م�شتبه ومطلوب �أمنياً ،من �ضمنهم � 50سعودي ،لقيامهم ب�أعمال �إرهابية داخل احل���دود اليمنية .واجلدير بالذكر �أن���ه �سبق و�أن �ضم �أ�سماء الكثري من ه����ؤالء املواطن�ي�ن ال�سعوديني �إىل قائمة �سعودي���ة للمطلوبني بتهم تتعلق بالإرهاب.
108
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
اخلامتة على الرغم من كرثة املقاالت التي �أ�شارت �إىل �أهمية دور التعليم الديني يف ظهور ظاهرة التطرف ودعم الإرهاب، ف�إن���ه مل تك���ن هن���اك درا�سة مبنية عل���ى التجربة لفح����ص العالقة بني التطرف وهيكلية التعليم ومدى توفره يف اليمن .وما تراه هذه الدرا�سة �أن �ضع���ف وحمدودي���ة التعليم العام مقاب���ل انت�شار م�ؤ�س�س���ات التعليم الديني املتط���رف �أدى �إىل خمرجات ال متلك الق���درات واملهارات التي يتطلبها �سوق العمل ،وبالتايل عدم القدرة على احل�صول على وظائف. كم���ا �أن احلكوم���ة املركزي���ة ،وبالت���ايل التعلي���م الع���ام ،ال ي�صالن �إىل املناط���ق النائي���ة الفقرية �أو ذات الت�ضاري�س الوع���رة؛ فال يتلقى �شباب هذه املناطق التعلي���م �إال من خالل نظام التعليم الديني اخلا�ص ،الذي �أي�ض��� ًا ال يخف���ق يف تهيئة طالبه ل�سوق العم���ل .ويف حال املعاهد الدينية املتطرف���ة ،ف�إن هذا التعليم يغذي الطالب ب�أيديولوجية متطرفة ،الأمر الذي يجعلهم لقمة �سائغة لعنا�صر الإرهاب الديني. وم���ا جنده يف هذه الدرا�سة من �أدل���ة تدعم هذه النظرية .ففي فرتة ال�سبعيني���ات ت�أ�س�ست مدار�س ومعاهد ديني���ة متطرفة يف �شمال اليمن بدع���م من ال�سعودي���ة ،وكان���ت النتيجة �أن���ه يف ف�ت�رة الثمانينيات كان تقريب ًا معظم املتطوعني اليمني�ي�ن للجهاد �ضد ال�سوفيت يف �أفغان�ستان ه���م م���ن �أبناء ال�شم���ال .وقد كان عب���د املجيد الزن���داين ،امل�سئول عن ت�أ�سي����س ه���ذه املدار�س ،عامل جتني���د ومر�شد ديني له����ؤالء املتطوعني اليمني�ي�ن يف �أفغان�ستان .وبعد انته���اء احلرب �ضد ال�سوفيت عاد الكثري م���ن املقاتلني العرب �إىل اليمن وه���م يحملون معتقدات جهادية �سلفية. ويف نف����س الوقت ،كان���ت امل�ؤ�س�سات الدينية تتكاث���ر ،خا�صة يف املناطق الريفي���ة الفقرية ،بينما كان التعليم الع���ام يعاين الكثري نظر ًا للظروف االقت�صادية ال�صعبة التي كان مير بها البلد. و�أنتجت �إحدى هذه امل�ؤ�س�سات الدينية ،التي ت�أ�س�ست يف الت�سعينات، �إرهابي�ي�ن حملي�ي�ن يف مطل���ع ع���ام 2000ومقاتل�ي�ن �أجانب يف الع���راق م�ؤخراً .ومع �أن احلكوم���ة اليمنية متكنت من احلد ب�ص���ورة م�ؤقتة من ظاهرة الإرهاب عام ،2003عندما قام���ت ب�إغالق عدد من ه���ذه املدار�س من بني جهود �أخ���رى� ،إال �أن نظام التعلي���م الديني اخلا�ص ا�ستمر يف التط���ور حتى عام .2009وتعزو احلكومة اليمنية معظ���م موجة الإره���اب الداخلي حالي��� ًا �إىل بقاء هذه امل�ؤ�س�سات الدينية املتطرفة ،وا�ستمرارها يف تعليم الأجيال.
ممرات ال�شيطان
�أحمد عبدالكرمي �سيف
هاج�س املالذ الآمن �سكوت �ستيوارت
جيبوتي ال�صغرية: ملاذا يحوم حولها الكبار؟ �سقاف عمر ال�سقاف
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
2010
ا�سرتاتيجية
109
جيوبوليتيك
ممرات ال�شيطان خطوط التقاء التهريب والنفط والإرهاب يف اليمن واجلزائر وو�سط �آ�سيا �أحمد عبدالكرمي �سيف director@shebacss.com
يف احلياة املعا�صرة ويف التاريخ ،ثمة �أحداث وظواهر ت�سرتعي االنتباه دون غريها� ،إما لأهميتها ومدى ت�أثريها يف امل�صال���ح الدولي���ة ،و�إم���ا لفرادتها� ،أو لكليهما .ولكن عندما ي�ستمر فع���ل احلدث لفرتة ما ،قد تطول ،ويتكرر من���ط احل���دث والفع���ل يف �أكرث من بقعة جغرافية عاب���رة للحدود ورمبا تتعا�صر هذه الأمن���اط ،ن�صبح هنا �أمام ظاهرة. يتن���اول ه���ذا املق���ال و�صف���اً ً وحتلي�ل�ا لظاهرة غريبة قد يق���ود البحث املعم���ق �إىل اكت�شاف �أبعاد �أخ���رى لها .هذه الظاه���رة جتم���ع ب�ي�ن �أربعة �أم���ور :الإره���اب ،والتهريب ،ومتدي���دات النفط والغ���از ،وطرق القواف���ل يف الع�صور القدمي���ة .بع����ض هذه العنا�صر مرتابطة وميك���ن تف�سريها وبع�ضها حتتاج �إىل بحث �أعمق .ما يجمع بينها �أنها ت�ستخدم ،يف بع�ض الأحيان بتطابق كامل ،نف�س الطرق واملمرات يف التمديد واالنت�شار واال�ستخدام .ما يجعلها تق�صيه���ا يف اليمن واجلزائر وو�س���ط �آ�سيا ،ورمبا ظاه���رة� ،أن ه���ذا التطاب���ق الن�سب���ي موجود يف ث�ل�اث حاالت مت ّ جند حاالت مماثلة �إن خ�ضع الأمر لبحث �أ�شمل .و�إذا كان ا�سم ال�شيطان يوحي بكل ما هو �شر ،ولي�س �أكرث �شراً م���ن الإره���اب والتهريب اللذين ين�شران اخلراب والدمار يف املجتمعات ،لذا ف����إن طرق انت�شارهما واملمرات التي ي�ستخدمانها ت�ستحق بجدارة م�سمى “ممرات ال�شيطان”. يف درا�س���ة القابلي��ة للتهدي��د ن�شرته���ا م�ؤ�س�سة «راند» البحثية الأمريكي���ة ،ذكرت عاملني ي�سهمان يف جع���ل مناطق �أكرث م���ن غريها عر�ضة لتهدي���د جماعات الإرهاب لتمدي���دات النفط والغ���از .العامل الأول؛ هو عدم ق���درة الدولة على ممار�س���ة م�سئولياتها و�صالحياتها على �إقلي���م خا�ضع لها بالأ�سا�س، وهذا العامل م�شتق من ق���درة الدولة على اخرتاق املجتمع وتنظيمه، وم���دى احتكار الدولة ال�شرعي ال�ستخ���دام القوة ،ومدى قدرة الدولة على ال�سيطرة على حدودها� .أما العامل الثاين فيتمثل يف مدى توافر الظ���روف املالئم���ة لوجود التم���رد �أو الإره���اب .وهذا العام���ل �أي�ضا ي�ستند �إىل م���دى توافر البنية التحتية ،وم���دى توافر م�صادر للدخل
110
110
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو 2010
2010
ل�سكان املنطقة املعنية ،ومالئمة العامل الدميغرايف لعمليات اخلروج على القانون. وتو�صل���ت الدرا�سة �إىل �أن العامل الدميغرايف يُعد العامل الرئي�سي يف حتدي���د �إمكانية وجود اجلماعات الإرهابي���ة ،بالإ�ضافة �إىل وجود قي���م اجتماعية داعمة للتمرد على �سلط���ة الدولة .لكن ،وعلى الرغم من قرب املن�ش����آت النفطية اجلغرايف يف دول كثرية من �أماكن وجود اجلماعات الإرهابية ،ف����إن البنية الأ�سا�سية للنفط نادر ًا ما تعر�ضت للهج���وم ،نتيجة لع���دة �أ�سب���اب منها ان�شغ���ال اجلماع���ات الإرهابية با�سته���داف احلكوم���ات املحلية ،ف�ض�ل�اً عن �أن ا�سته���داف مثل تلك املن�ش����آت يتطلب م�ستوى من املهارات والتخطيط والدعم اللوجي�ستي �أحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير ،واملدير التنفيذي ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.
الذي تفتقده العديد من اجلماعات اجلهادية العاملية. وق���د ت�صاع���دت املخ���اوف الغربي���ة يف الآونة الأخ�ي�رة من قيام التنظيمات اجلهادية العاملي���ة با�ستهداف �إمدادات الطاقة ،خا�صة م���ع التهديدات املتك���ررة التي �أطلقه���ا تنظيم القاع���دة بقطع هذه الإمدادات ،وحماولته و�ضع هذه التهديدات مو�ضع التنفيذ يف بع�ض احل���االت مث���ل ا�ستهداف ناقل���ة النفط الفرن�سي���ة “ليمبورج” عام ،2002ومن�ش�أة �أبقيق ال�سعودية للنفط يف ،2006والهجمات املتكررة التي تعر�ضت له���ا خطوط النفط العراقية .وتعترب البنية الأ�سا�سية للنف���ط والغ���از م�صدر ج���ذب كبري للقاع���دة ،لي�س ب�سب���ب قيمتها احلقيقي���ة ،بقدر ما يرجع �إىل التكلفة العالي���ة التي تتكبدها الدول للدفاع عن هذه املن�ش�آت ،وبالتايل يرغب التنظيم يف ا�ستنزاف هذه الدول عرب الهجوم على من�ش�آتها وجعل تكلفة حمايتها م�ضاعفة. �إال �أن �أثر الهجمات الإرهابية على من�ش�آت النفط ال يزال حمدوداً، ويكمن ال�سبب الرئي�سي وراء الأثر املحدود للهجمات الإرهابية على �أ�سع���ار النفط العاملية ،يف ق���درة بع�ض الدول على زي���ادة �إنتاجها، الأم���ر الذي عوّ�ض النق����ص الناجت عن الهجم���ات الإرهابية ،حيث متتلك “منظمة �أوبك” ،وب�شكل خا�ص ال�سعودية ،القدرة على زيادة �إنتاجه���ا لتعوي����ض النق�ص يف الإم���دادات العاملي���ة ،وبالتايل غياب ت�أث�ي�ر لأي تناق�ص يف الإمدادات على الأ�سعار عاملي ًا( ،)1ولكن يبدو �أن خ�شي���ة جماعات الإرهاب من ت�ألي���ب دول الغرب �ضدها يجعلها تتوخ���ى احلذر قبل التفكري يف مهاجم���ة �أنابيب النفط والغاز ويبدو هذا وا�ضح ًا يف حالة اجلزائر بعد )2(.1992
اليمن يقول امل�ؤرخ الإغريقي �أجاثرخيد�س ال���ذي عا�ش يف الق���رن الثاين قبل امليالد «�إنه ال يب���دو �أن ثمة �شعب ًا �أغن���ى م���ن ال�سبئيني و�أهل جره���اء .كانوا وكالء ع���ن كل �شيء يقع حت���ت ا�س���م النق���ل بني �آ�سي���ا و�أوروب���ا ،وه���م الذين جعل���وا �سورية البطلمية غنية ،و�أتاحوا للتجار الفينيقيني جتارة رابحة ،و�آالف ًا من �أ�شياء �أخرى» .ويتحدث امل�ؤلف املجهول لكتاب «الطواف حول البحر الإريرتي» الذي كتب يف القرن الأول امليالدي �أن العرب كانوا حينها ي�سيط���رون على �ساحل «عزانا» ،وه���و �ساحل �شرق �أفريقيا مما يلي ال�صومال .وذكرت الكتب املقد�سة جتارة �سب�أ ،ففي القر�آن الكرمي: «وجعلن���ا بينهم وبني القرى التي باركنا فيها قُ���رىً ظاهرةً ،وقدّرنا فيه���ا ال�سّ ري� ،س�ي�روا فيها ليايل و�أيام��� ًا �آمنني» (�سب����أ .)18 :ويذكر الرحال���ة ال�صيني «فاهيان» الذي زار �سيالن ع���ام 414للميالد �أن التجار ال�سبئي�ي�ن والعرب من عمان وح�ضرم���وت ي�سكنون يف بيوت فارهة يف م�ستوطناتهم هناك ،وذكر �أنهم يتاجرون بالعود)3(. لق���د كانت التج���ارة الربية متتد عرب الطريق ال���ذي يبد�أ من قنا
ب�شبوة ،على امتداد وادي ميفعة ومنه �إىل �شبوة ،ومن �شبوة يوا�صل الطري���ق عرب م�أرب �إىل جنران .وقد �سيط���رت مملكة قتبان لفرتة عل���ى ه���ذا الطريق ،وهي مملك���ة عربية قدمية قام���ت يف حمافظة �شبوة يف حوايل الن�صف الثاين من الألفية الأوىل قبل امليالد وكانت عا�صمته���ا متنع .يعد نق�ش الن�صر من �أق���دم امل�صادر التي حتدثنا ع���ن مملكة قتبان ،وفيه كان���ت قتبان �شريك ًا ململك���ة �سب�أ يف حربها �ض���د �أو�سان ،والتي كان من نتائجه���ا �سقوط �أو�سان و�سيطرة قتبان تدريجي��� ًا على معظم �أرا�ضيها .وقد ظهرت قتب���ان يف �أول الأمر يف وادي بيحان ،وامت���دت �أرا�ضيها من وادي بيحان �شرق ًا و�إىل البحر الأحم���ر غرباً ،ومن �أنح���اء مدينة ذمار �شم���االً� ،إىل البحر العربي جنوباً. كذل���ك يروي نق�ش من عهد امللك �شهر هالل ،ابن يدع �إب ذبيان (�سن���ة 370ق .م ،).ا�شته���ار القتبانيون يف جم���ال العمارة وخا�ص ًة بناء املدن واملن�ش�آت العامة ال�سيما الطرق ،حيث يذكر �أحد النقو�ش م���ن الق���رن الثاين قبل املي�ل�اد �أن املكرب يدع �أب ذبي���ان �شقّ نقيل (مبلق���ة) ،وهو طريق جبل���ي �صاعد يربط مناط���ق قتبان باملناطق ال�سبئي���ة وكان له دور كبري يف ت�سهيل �سري القوافل التجارية املحملة بالب�ضائ���ع ،وهو طريق القوافل القدمي ويف نف�س الوقت تنت�شر اليوم خاليا الإرهاب على امتداد هذا الطريق .كذلك يدل ما مت اكت�شافه م���ن مب���اين ومعاب���د العا�صم���ة متنع ،عل���ى مهارة فائق���ة يف جمال البن���اء .كم���ا �أب���دع القتبانيون يف املج���ال احلريف وخا�ص���ة �صناعة التماثيل مبختلف �أنواعه���ا ،و�سك العمالت الف�ضية والذهبية والتي كانت حتمل ا�سم الق�صر امللكي (حريب) يف متنع. والي���وم تنت�شر خاليا الإرهاب يف اليم���ن على حمور �أبني � -شبوة م����أرب -اجل���وف ،مع وج���ود خاليا متناثرة ب�ش���كل غري م�ؤثر يفمناط���ق �أخرى .ويالحظ �أن مناطق تركز القاعدة تتماهى مع طرق القواف���ل القدمية التي �سيطرت عليه���ا املمالك القدمية؛ ففي �أبني، حي���ث �سادت مملكة �أو�سان ،تنت�شر فيها اليوم اجلماعات اجلهادية مث���ل جي����ش عدن � -أب�ي�ن .ويف �شبوة ،حي���ث �سادت مملكت���ا �أو�سان وقتبان ،تنت�شر خاليا القاعدة يف املحفد واملعجلة وحبّان .ويف م�أرب واجلوف ،حيث �سادت مملكة �سب�أ ،تنت�شر خاليا الإرهاب يف العرق واحل�صون و�صرواح. �أم���ا التهريب ونتيج���ة لقلة موارد اليمن و�ضع���ف خفر ال�سواحل، فقد تكونت نقاط عديدة ملمار�سته على ال�سواحل اليمنية ،لعل �أهمها املخ���ا وذب���اب على البحر الأحم���ر ،وعلى بحر الع���رب قنا يف �شبوة و�شق���ره يف �أبني واملنطقة ما بني قنا �إىل �ساحل �أمبح يف ح�ضرموت، مع وجود نق���اط عديدة �أخرى منت�شرة على طول ال�سواحل اليمنية. يتخ���ذ طريق���ا التهريب م���ن قنا و�شق���رة االجتاه �شم���ا ًال ليتحدا يف مار�س/يونيو مار�س/يونيو الثالث،الثالث، ا�سرتاتيجيةالعددالعدد
2010 2010
ا�سرتاتيج اية�سرتاتيجية
111 111
جيوبوليتيك ميفعة ب�شبوة ،ثم يوا�صل التهريب طريقه �شما ًال مار ًا ب�شبوة القدمية حي���ث يتوحد مع طريق التهريب الرئي�سي القادم من ح�ضرموت مار ًا ب�شرقي م�أرب واجلوف �إىل ال�سعودية .بينما تتخذ طرق التهريب من عل���ى �سواحل ح�ضرموت اجتاهات عديدة ،منه���ا ما مير بثمود و�آخر مير بزمخ يف العرب ثم يوا�صالن �شما ًال باجتاه ال�سعودية و�شرق ًا باجتاه اخللي���ج ،بينما يتوحد طريق التهري���ب الرئي�سي يف ح�ضرموت مبثيله الرئي�سي الق���ادم من �شبوة يف �شبوة القدمي���ة ،الذي يوا�صل اجتاهه �شما ًال كما ورد ذكره �آنفاً .وهذا الطريق هو �أي�ض ًا نف�س طريق القوافل القدمي ونف�س مواقع انت�شار خاليا الإرهاب. �أم���ا عن متديدات النف���ط والغاز ،فنجدها وب�ش���كل ن�سبي تتقارب يف ك ًال م���ن �شب���وة وح�ضرموت وتتماهى مع ط���رق التهريب والتجارة القدمي���ة .فنجد خط الغ���از الرئي�سي ميتد من �صاف���ر مب�أرب جنوب ًا م���ار ًا بجن���ة والعقلة و�أعي���اد وميفعة ور�ضوم ثم بلح���اف يف قنا ،وهو نف����س طريق القوافل القدمي���ة ويتماهى مع ط���رق التهريب يف �شبوة قرب��� ًا وابتعاداً .وباملث���ل ،تنت�شر متديدات النف���ط يف ح�ضرموت بدء ًا من امل�سيلة بغيل بن ميني بح�ضرموت الداخل جنوب ًا �إىل ميناء ال�ضبة ب�ي�ن ال�شحر والريان على بحر العرب بط���ول 95كيلومرت ومير اخلط مبنطقة اجلف���ف ثم العي�ص ثم جول الربقاء ثم احلجلة ثم الرم�ضة ثم وادي الربح ثم معياذ ثم مير بزغفة و�أخري ًا ميناء ال�ضبة.
اجلزائ��ر �سجل���ت كت���ب ال�ت�راث العرب���ي معلوم���ات غزيرة ع���ن ه���ذه املنطقة ،وق���د ت�ضمنت تل���ك املعلومات الأن�شط���ة االقت�صادي���ة والثقافي���ة والعالق���ات االجتماعي���ة ل�س���كان املنطق���ة ،والأنظمة ال�سيا�سية التي �سادت فيها .ويعترب ابن حوقل من �أ�شهر امل�ؤرخني الذين تناولوا م�سالك ال�صحراء ،فرتك لنا معلومات قيم���ة يف كتابه «�ص���ورة الأر�ض» ال���ذي جمع مادت���ه يف �إفريقيا �أثناء جتواله وا�شتغاله بالتج���ارة .فقد طاف يف بالد املغرب حتي درعة ما بني عامي 340 336-هـ 951 – 947/م ،ودخل ال�صحراء الكربى حتى �أودغ�ست؛ فكان بذلك �أول جغرايف عربي ي�صل �إىل تلك املناطق. يورد ابن حوقل �أن الن�ش���اط التجاري ربط املنطقة كلها ربط ًا تام ًا ما ب�ي�ن �سجلما�سة و�أودغ�س���ت غرب ًا حتى زويلة �شرق���اً ،وبني ارتباط �سلع املنطقة بتج���ارة حو�ض البحر املتو�سط� .أما الأدري�سي فقد �أورد يف كتاب���ه «�صفة املغرب و�أر�ض ال�س���ودان وم�صر والأندل�س» معلومات قيمة وتفا�صيل دقيقة عن ممالك �إفريقيا جنوب ال�صحراء واملراكز، وامل�ساف���ات بينه���ا يف الأقاليم ب�ص���ورة وا�ضحة ت�ساع���د على حتديد مواقعه���ا .وتناول الطرق ال�صحراوية ع�ب�ر جميع مناطق ال�صحراء، و�أفا�ض يف احلديث عن الن�شاط التجاري ،وو�صف القوافل و�أعدادها وال�سل���ع التي تنقلها يف ذهابها و�إيابه���ا بتف�صيل دقيق مل ي�سبقه �إليه �أحد ممن و�صلتنا �أعمالهم. 112
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�أم���ا التهري���ب فيحت���ل الوق���ود وامل���واد الغذائي���ة ذات اال�ستهالك الوا�سع �صدارة املواد الت���ي ا�شتد تهريبها عرب ال�صحراء الكربى من اجلزائ���ر �إىل النيج���ر بالدرج���ة الأوىل ومايل بالدرج���ة الثانية� .أما التهري���ب الآتي من النيج���ر ومايل �إىل اجلزائ���ر فيقت�صر على مواد التجمي���ل وال�سجائر الأجنبية التي تراجعت خالل ال�سنوات الأخرية. وتع���د احل���دود اجلغرافية يف نظ���ر املهربني ،بتمرنا�س���ت وعني فزام وعني �صالح ،وهمي ًة بحك���م اعتبارات تاريخية كالقرابة الناجمة عن امل�صاه���رة وتداخ���ل م�صالح ال�س���كان عرب احل���دود ،وبحكم �ضعف الإح�سا����س باالنتم���اء للدولة الناجم ع���ن حرمان املنطق���ة و�ضعفها اجتماعي ًا واقت�صادياً. تعت�ب�ر مترنا�ست واحدة م���ن �أكرب الوالي���ات ال�صحراوية م�ساحة، وتبع���د كل منطق���ة عن الأخ���رى مئ���ات الكيلومرتات .وه���ذه واحدة م���ن العوامل التي ظ���ل املهربون ي�ستفي���دون منها ،ي�ستغل���ون املنافذ والف�ض���اءات والع���روق ال�شا�سع���ة الت���ي مل ت�ستف���د بعد م���ن التغطية الأمني���ة .حتوّل ال�شريط احلدودي ال�صحراوي ،من منطقة فم زكيد �إىل الطاو�س وحا�سي بي�ضة ،حتوّل �إىل منفذ تهريب بعيد عن املراقبة، وتنامى ن�شاط التهريب يف ال�صحراء وال�ساحل ،وحتولت املنطقة �إىل �ساح���ة حرب بني الق���وات احلكومية ومقاتلي املهرب�ي�ن والإرهابيني. كما متت���د م�سالك التهريب انطالق ًا م���ن ال�سواحل ال�شمالية وبحرية مارتي�ش���كا� ،إىل �ضواح���ي الق�ص���ر الكب�ي�ر والعرائ����ش� ،إىل املناطق احلدودية املرتامية الأطراف ب�إقليم الر�شيدية. �إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك� ،أ�صب���ح ال�شري���ط املمت���د ب�ي�ن حا�س���ي بي�ض���ة والطاو�س مرور ًا مبحاميد الغزالن وفم زكيد بطاطا منفذ ًا بري ًا �آخر ًا للمهربني ،وهي امل�سالك التي تقطعه���ا قوافل املخدرات قبل الو�صول �إىل املنافذ احلدودية ومنه���ا �إىل خمتلف الدول املغاربية ،لي�س فقط اجلزائر بل �أي�ض ًا ليبيا وتون�س ودول ال�ساحل ،مبا فيها مايل والنيجري وموريتاني���ا .وتل���ك مناطق توجد كلها على حاف���ة ال�شريط احلدودي و�أغلبي���ة �ساكنيها من البدو الرحل وحي���اة الكثري منهم تغريت بتغري الن�ش���اط االقت�ص���ادي يف املنطقة؛ فل���م يعد يهم الكث�ي�ر منهم رعي الإبل وال املا�شية وال الفالحة� ،إذ وفرت خربة �أولئك مب�سالك املنطقة ال�صحراوي���ة ومتعرجاتها م�صدر دخل له���م ال يقدر بثمن؛ فقدرتهم على حتديد املواقع و�أي�ض ًا الإفالت من مراقبة حر�س احلدود بل �أي�ض ًا تتبع امل�سارات عن طريق النجوم ،جتعلهم �أف�ضل خرباء ي�ستعان بهم لعبور املمرات الوعرة دون التيه بني كثبان الرمال. كم���ا �أن عالق���ات امل�صاهرة العاب���رة للحدود جعل���ت احلدود بال معنى بني الدول .فال يجد �سكان اجلانبني فرق ًا بني مهرب و�إرهابي؛ فالأ�شياء بتمرنا�ست معقدة ،من جانب �أن هناك من يقيم يف النيجر ول���ه نف�س وثائق الإقامة يف مترنا�ست ،حي���ث �أن هناك 90باملائة من �سكان بع�ض املناطق مزدوجي اجلن�سية .واحلدود بالن�سبة للمهربني
ه���ي حدود وهمية� ،أي �أن هناك روابط عائلية تاريخي���ة وم�صلحية جعل���ت كثري من املهربني ب���ل ومن املواطن�ي�ن ال يعرتف���ون باحلدود)4(. والبع�ض يقر�أ التهريب على �أنه نتيجة منطقية لو�ض���ع احلرم���ان ال�سائد يف املنطق���ة الناجم عن غي���اب الدولة عل���ى نحو جع���ل الإح�سا�س باالنتم���اء للدولة �ضعي���ف ،و�أ�صب���ح التهريب منط حياة طبيعي لل�سكان. وبنف����س مت���دد �شب���كات التهري���ب ،تنت�ش���ر �شب���كات الإره���اب .يق���ول عب���داهلل حفيظي،وهوباحثمتخ�ص�ص يف ال�ش����ؤون ال�صحراوي���ة� ،إن تنظي���م البولي�ساريو ن�شط يف تهريب املخ���درات وال�سجائر واملوا�ش���ي �إىل دول اجل���وار. وللتنظيم عالق���ات بالقاعدة واحلركات الإرهابية والتمرد يف ال�صح���راء الك�ب�رى)5(. والإره���اب ه���و ال���ذي يوف���ر احلماية ملافيا التهريب العابر للحدود طامل���ا �أن هناك تزاوج للم�صالح بينهما ،و�أهم اجلماعات امل�سلحة ذات العالقة هنا «قاعدة اجله���اد يف ب�ل�اد املغ���رب الإ�سالم���ي» ،و»اجلماعة ال�سلفي���ة للدعوة والقتال» ،و»اجلماعة الإ�سالمية امل�سلحة». وجند �أي�ض ًا متديدات النف���ط والغاز يف اجلزائر ،ويف دول املغرب عموم���اً ،تتماهى ن�سبي ًا م���ع �شبكات التهريب وخارط���ة انت�شار خاليا الإرهاب .فهناك �أنبوب ينقل النفط من عجيلة وجتونتورين و�أوهانت على مين���اء بجاية ،و�آخر ينقل النفط م���ن عجيلة وجتونتورين وميتد �شرق��� ًا �إىل مين���اء ال�صخرية التون�س���ي� ،أما �أنابيب الغ���از فتمتد من حا�س���ي م�سع���ود وحا�سي الرم���ال و�أرزي���و اىل ميناء وه���ران و�أنبوب ث���اين �إىل تون�س وثالث �إىل املغرب ،وجميعه���ا تعرب مئات الأميال من ال�صحارى املقفرة)6(. لق���د كان���ت ل�صناع���ة احلرير و�س��ط �آ�سي��ا مكانة مهم���ة يف حياة ال�شعوب منذ الع�ص���ور القدمية .وكان احلرير والبه���ارات القادم���ة من ال�ش���رق الأق�صى عام ًال فع���ا ًال يف العالقات الدولية بني ال�شرق والغرب ،ويف تعريف الغرب بالثقافة ال�شرقية .وقد �ساهم���ت قوافل احلرير والبهارات يف �إن�شاء طرق جتارية من ال�صني
ممرات مهددة :خريطتان تو�ضحان خطوط متديدات النفط يف اجلزائر (ميني) وو�سط �آ�سيا و�شبه اجلزيرة العربية (ي�سار)
حتى �أوروبا .وكانت القواف���ل يف الع�صور الو�سطى تنطلق من ال�صني م���ن مدينة زيان حالي ًا باجتاه مدين���ة قا�شغار يف �أوزبك�ستان ،وهناك تنق�س���م �إىل طريق�ي�ن الأول عرب وديان �أفغان�ست���ان �إىل بحر الهازار، والآخ���ر عرب جبال قاراق���وروم �إىل �إيران ومن هن���اك �إىل الأنا�ضول وبعد ذلك �إما عن طريق البحر� ،أو بر ًا عن طريق تركيا �إىل �أوروبا . وقد ا�ستفادت هذه احلرك���ة التجارية التي تطورت من ال�شرق �إىل الغرب من �شبكة الط���رق التي كانت ت�ستخدم منذ الع�صور القدمية. و�سمي���ت ط���رق القوافل ه���ذه ،والتي تبل���غ �آالف الكيلوم�ت�رات والتي كانت ت�ساعد يف نقل احلرير والبور�سلني والورق والبهارات والأحجار الكرمية ب�شكل كثيف بني القارات ،والتي �ساعدت يف تبادل الثقافات، بـ «طريق احلرير» .فبالإ�ضافة �إىل �أن طريق احلرير قد �شكل طريق ًا جتاري ًا ربط بني �آ�سيا و�أوروبا منذ �أكرث من �ألفي عام ،ف�إنه قد �ساعد �أي�ض ًا على متازج الثقافات والأديان والأجنا�س. �إن �أك�ث�ر �أرا�ضي ه���ذه املنطقة عبارة عن �سه���وب قاحلة ،و�شديدة ال�ب�رد يف ال�شت���اء ،ويف�س���ر ه���ذا الأمر انع���زال �شعوبه���ا الطويل عن الت�أث�ي�رات اخلارجي���ة .وكانت الرثوات التي ترتاك���م يف هذه املنطقة بفعل نقل التجارة تتجمع عادة يف واحات يلتجئ �إليها النا�س ،وكثري ًا ما �أثارت غرية الآخرين وح�سدهم .وكانت بع�ض �أ�شهر تلك الواحات ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
113
جيوبوليتيك
على الرغم من قرب املن�ش�آت النفطية اجلغرايف يف دول كثرية من �أماكن وجود اجلماعات الإرهابية ،ف�إن البنية الأ�سا�سية للنفط نادر ًا ما تعر�ضت للهجوم ،نتيجة لعدة �أ�سباب منها ان�شغال اجلماعات الإرهابية با�ستهداف احلكومات املحلية ،ف�ض ًال ع��ن �أن ا�سته��داف مثل تلك املن�ش�آت يتطل��ب م�ستوى من امله��ارات والتخطيط والدعم اللوجي�ستي ال��ذي تفتقده العديد من اجلماعات اجلهادية العاملية
مث���ل �سمرقند ومرو وبخارى حمطات عل���ى طرق القوافل املمتدة من ال�ص�ي�ن �إىل الغ���رب ،والتي ت�سم���ى طريق احلرير .ونتيج���ة ل�صعوبة جغرافي���ة املنطقة ،جند �أن التهريب قد تنام���ى يف ال�سنوات الأخرية ب�شكل ملحوظ و�شكل منط حياة عادي لل�سكان. رغ���م ذلك ،ت�ش�ي�ر التقديرات �إىل امتالك مناط���ق طريق احلرير ح���ول «بحر قزوي���ن» الحتياطي م�ؤكد من النفط ي�ت�راوح بني 18و34 ملي���ار برميل ،واحتياطي حمتمل يبل���غ نحو 200مليار برميل .وتعادل ه���ذه التقدي���رات نح���و ثل���ث احتياطي نف���ط ال�ش���رق الأو�س���ط� .أما احتياطي الغاز امل�ؤكد في���دور حول 170تريليون قدم مكعب ،وتقرتب �أرق���ام االحتياطي املحتمل من 250تريليوناً ،حيث و�ضعت الدرا�سات الدقيقة للرثوات املكت�شفة املنطقة يف املرتبة الثانية بعد اخلليج. ومبوقع���ه الأورو�-آ�سي���وي الفا�ص���ل ب�ي�ن القوقاز يف الغ���رب و�آ�سيا الو�سط���ى يف ال�ش���رق ،يتو�س���ط طري���ق احلري���ر رقع���ة جغرافي���ة تتقا�سمه���ا خم�س دول ،هي رو�سيا و�أذربيجان يف الغرب وكازاخ�ستان وتركمان�ستان من ال�شمال وال�شرق ،و�إيران من اجلنوب .ولأن حركات الإ�سالم ال�سيا�سي ن�شطت بو�ضوح -بعد انهيار ال�شيوعية -بني �سكان هذه املناطق ،يروق للباحثني ت�سمية املنطقة «بطريق الرثوة والدين». ( )7فف���ي ع���ام ،1995كانت املنطق���ة تنتِج فق���ط 870.000برميل يف 114
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
الي���وم ( 44مليون طن بال�سن���ة) .ويف ع���ام ،2010زاد الإنتاج لي�صل �إىل 4.5ملي���ون برمي���ل باليوم� ،أي بن�سبة زيادة �أك�ث�ر من 500باملائة خ�ل�ال � 15سن���ة فقط .بهذا متثِّ���ل املنطقة حوايل 5باملائ���ة من �إنتاج النف���ط العاملي ،وحوايل 20باملائة من النفط املنتَج �ضمن الدول غري املن�ضمّة لأوبك. لكن هناك م�شكلة �أ�سا�سية تبقى بحاجة حلل :كيف بالإمكان �إي�صال م�ص���ادر الطاقة ال�ضخمة يف املنطقة �إىل الأ�سواق حيث احلاجة لها؟ احل���ل املطروح هو بن���اء طريق «جديد» للحري���ر� .إن الأخطار كبرية، ولك���ن مردوده���ا املادي كب�ي�ر )8(.هناك خي���ار الذه���اب �شرق ًا عرب ال�صني ،ولكن هذا يعني بناء �أنبوب بطول �أكرث من 3000كيلومرت �إىل و�س���ط ال�صني ،وهو �أمر غري عمل���ي وم�ستبعد .هناك خيار �آخر ،وهو بن���اء خط �أنابي���ب جنوب ًا من �آ�سيا الو�سط���ى �إىل املحيط الهندي� .إن �أحد الطرق جنوب ًا �سيمر عرب �إيران .ولكن هذا اخليار غري وارد �أمام ال�شركات الأمريكية ب�سبب الت�شريعات املتعلقة باملقاطعة من الواليات املتحدة ودول الغرب .اخلط الآخر املمكن هو عرب �أفغان�ستان ،والذي ي�ش���كل حتديات خا�صة� .إن �أفغان�ستان تع���اين من حروب مريرة منذ ثالث���ة عقود ،واملنطقة الت���ي �سوف مير عربها خ���ط الأنابيب تنت�شر فيها حركات اجلهاد الإ�سالموية وطالبان والقاعدة .على الرغم من
ذلك ،ف�إن طريق ًا عرب �أفغان�ستان يبدو اخليار الأف�ضل مع العدد الأقل أرا�ض من العوائق التقنية� .إنها �أق�صر طريق �إىل البحر ولديها ن�سبي ًا � ٍ منا�سبة ملد اخلط .واخلط عرب �أفغان�ستان �سوف ي�سمح ب�إي�صال نفط �آ�سي���ا الو�سطى قريب ًا من �أ�س���واق �آ�سيا ،وبالتايل �سيك���ون الأقل كلفة على �صعيد نقل النفط. ويذكر عم���ار علي ح�سن �أن خطوط نقل النف���ط والغاز تتقاطع مع م�سارات توزي���ع اجلماعات الإ�سالموي���ة الراديكالية يف مناطق �آ�سيا الو�سطى والقوقاز و�أفغان�ست���ان وباك�ستان وال�صني )9(.فخط �أنابيب �أترياو�-سام���ارا بط���ول 432ميل ميتد من �أت�ي�راو يف كازاخ�ستان �إىل �سام���ارا يف رو�سيا ،وخ���ط كون�سرتي���وم بحر قزوين بط���ول 990ميل يب���د�أ من حقل تينجيز بكازاخ�ستان �إىل ميناء نوفور�سي�سك الرو�سي، وخ���ط �آخر بط���ول 1040ميل يبد�أ من كازاخ�ست���ان ومير عرب كل من تركمان�ست���ان و�أفغان�ست���ان لي�ص���ل �إىل ج���وادر يف باك�ست���ان ،وخ���ط كازاخ�ست���ان � -إي���ران بط���ول 930مي���ل يب���د�أ يف كازاخ�ست���ان مرور ًا برتكمان�ستان �إىل جزيرة خ���رج الإيرانية ،وخط غاز �سينتجاز بطول 1270مي���ل يب���د�أ من دولت �أباد يف تركمان�ست���ان ليمر عرب حريات يف �أفغان�ستان �إىل مولتان بباك�ستان)10(. وتنت�ش���ر جماعات �إ�سالمية عديدة حول خط���وط �أنابيب نقل الغار والنف���ط ال�سابقة� ،س���واء املوجودة �أو املخطط لها .فع���دا عن انت�شار حرك���ة طالب���ان والقاع���دة يف �أفغان�ست���ان و�شمال وغ���رب باك�ستان، ينت�ش���ر ح���زب النه�ض���ة الإ�سالم���ي يف �أوزبكي�ست���ان وطاجيك�ستان، وتنت�شر خالي���ا حركة التوبة يف �أوزبكي�ست���ان وقريغيز�ستان ،وكذلك ترتك���ز حرك���ة العدال���ة يف �أوزبكي�ست���ان وقريغيز�ست���ان ،كم���ا توجد ح���ركات عديدة �أخ���رى مثل حركة الإ�س�ل�ام والدميقراطية واحلزب اليمقراط���ي الإ�سالم���ي واحلرك���ة ال�شعبي���ة الأوزبكية وح���زب �آال�ش الكازاخي وجميعها متتد عل���ى �شكل قو�س يف �آ�سيا الو�سطى والقوقاز وتنته���ج العنف .كما �أكد وزي���ر الداخلية الباك�ست���اين الأ�سبق ن�صري اهلل باب���ر ،الأب الروحي خللق حركة طالب���ان� ،أن �إ�سالم �أباد دفعت بحرك���ة طالبان و�أو�صلتها للحكم بهدف ت�أم�ي�ن مرور خطوط �أنابيب نفط وغاز عرب �أفغان�ستان �إىل جنوب �شرق �آ�سيا)11(. وب�ش���كل ع���ام ،هن���اك راب���ط ب�ي�ن ح���ركات الإره���اب والتهريب. فالإنرتب���ول يربط ب�ي�ن القاعدة ومهربني ب�أم�ي�ركا اجلنوبية� ،إذ �أكد م�سئ���ول يف جمال مكافح���ة التهريب والقر�صنة وج���ود �صالت تربط تنظي���م القاع���دة ومهربني يف املنطق���ة احلدودية لكل م���ن الربازيل وباراغ���واي والأرجنت�ي�ن .و�أو�ض���ح نف�س امل�سئ���ول �أي�ض��� ًا �أن ثمة �أدلة موجودة منذ عام ،2003كم���ا حدد وجود �صالت �أخرى بني التهريب وخ�ص بالذك���ر جمموعات ع�سكرية والإره���اب يف �إيرلن���دا ال�شمالية ّ فيها تخ�ص�صت يف جتارة الفودكا املهربة)12(.
وقبل ختام هذا املقال ،ال بد من التنويه ببع����ض املالحظ���ات املهم���ة� .أواله���ا� ،أن التايل بقلم� :سكوت �ستيوارت ه���ذه الأف���كار متث���ل ن���واة لتفك�ي�ر وت�أمل يف ظواه���ر الديناميكي���ة االجتماعي���ة ،والتي ت�ستح���ق بحث ًا �أعمق رمبا يو�صل لنتائ���ج �أخرى ورمبا يظهر بطالنها. ثاني���اً ،يف املناطق الثالث املدرو�سة هنا مل يك���ن غريب ًا �أن يكون �أكرث �أع�ضاء القاع���دة واملهربني من �أبناء هذه املناطق نف�سها .وهذا يقود ال�ستنت���اج �آخر هو �أن عالقات القرابة وامل�صاهرة ت�ساعد على �إيجاد احلماية والتغطية و�سهولة املرور للمهربني و�سهولة االختباء واحلماية للإرهابي�ي�ن� .أخرياً� ،إن �ضعف وجود الدولة يف املناطق الطرفية خلق �إح�سا�س ًا بعدم االنتماء لدى �سكان هذه املناطق ،وبالتايل �أوجد منط ًا مقب���و ًال حملي ًا للحياة والإنتاج يعتمد العن���ف والتهريب ك�سُ بُل للبقاء، والب���د من التعامل معها من هذا املنظور و�إيج���اد بدائل �إنتاج للحياة بديلة قبل الق�ضاء عليها. احلركات اجلهادية و�أهمية املكان
الهوامــ�ش والإحـــاالت ( )1انظر: Michael Mihalka and David Anderson, ”Is the Sky Falling? Energy Security and Transnational Terrorism”, Strategic Insights, Volume VII, Issue 3 (July 2008). <http://www.nps.edu/Academics/centers/ >ccc/publications/OnlineJournal/2008/Jul/mihalkaJul08.html
( )2عم���ار علي ح�س���ن ،ممرات غري �آمن���ة (دبي :مركز اخللي���ج للأبحاث، � ،)2003ص .8 ( )3انظرhttp://en.wikipedia.org/wiki/Qataban : ( )4انظر: http://elkhabar.com/dossiersp/?ida=202505&idc=46&cid=0&ei=Fj HVRI_XC
( )5عب���داهلل حفيظ���ي“ ،االنف�صالي�ي�ن ال�صحراوي�ي�ن :العالق���ات اخلفي���ة واحلقيقة ال�ضائعة” ،على الرابط: http://www.maghribouna.com/alakbar-almaghribia/3905.html
( )6عمار علي ح�سن ،ممرات غري �آمنة ،م�صدر �سبق ذكره� ،ص .58 (� )7شري���ف �شعب���ان م�ب�روك�“ ،إي���ران ..واحل�ص���ار الأمريك���ي يف �آ�سي���ا الو�سطى” ،خمتارات �إيرانية ،العدد � ،62أيلول�/سبتمرب .2005 ( )8ع�ص���ام خ���وري“ ،ع�سكرة النف���ط وم�ش���روع ال�شرق الو�س���ط الكبري”، احل���وار املتمدن ،العدد .2007 ،1949على الراب���طhttp://www.ahewar. : org/debat/show.art.asp?aid=99991
( )9عمار علي ح�سن ،م�صدر �سبق ذكره� ،ص .38 ( )10امل�ص���در ال�سابق� ،ص �ص 39-41نق ًال عن:
http//www.eia.doe.gov/
emeu/cabs/caspgraph.html
( )11يحي���ى غ���امن“ ،ال�صراع حول غاز و�سط �آ�سي���ا” ،يف� :إبراهيم نافع ،ما الذي يج���ري يف �آ�سيا (القاه���رة :مركز الأهرام للرتجم���ة والن�شر ،الطبعة الأوىل���� ،)1998 ،ص 210؛ وانظ���ر كذلك :عمار علي ح�س���ن ،م�صدر �سابق، �ص .10 ( )12انظر: http://www.aljazeera.net/News/archive/archive?ArchiveId=95509 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
115
جيوبوليتيك
م���ن املقومات الأ�سا�سي���ة التي يعتمد عليه���ا النموذج التحليلي ال���ذي و�ضعته م�ؤ�س�س���ة «�سرتاتفور» (البحثي���ة الأمريكي���ة) هو �أهمية املكان .فاجلغرافية الطبيعي���ة والثقافية لأي بلد حتتّم على الدولة يف ذلك البلد مواجهة نوع معني من الأمور الإ�سرتاتيجية امللحة مهما كان ال�شكل الذي تتخذه تلك الدولة. فعل���ى �سبيل املثال ،كان على رو�سيا االمربيالية واالحت���اد ال�سوفيتي ورو�سيا ما بعد ال�سوفيت مواجهة نف�س ال�ضرورات الإ�سرتاتيجية .وعلى غرار ذلك يكون للمكان �أثر كبري يف ت�شكيل اجلماعات املقاتلة وعملها ،و�إن مل يكن نف�س الأثر الذي يكون يف الدولة ،وذلك لأن هذه اجلماعات ،وخا�صة العابرة منها للحدود ،تتنقل من مكان �إىل �آخر. وم���ع �أن جغرافي���ة البلد املعني متث���ل �أهمية بالغ���ة من منظور اجلماعات املقاتلة� ،إال �أن هناك �أي�ض ًا عوامل �أخرى تلعب دور ًا يف خلق املكان املنا�سب لبق���اء هذه اجلماعات؛ فبينما توفر املناطق الوا�سعة من الت�ضاري�س الوعرة كاجلبال �أو الأدغال �أو امل�ستنقعات مالذ ًا �آمن ًا للجماعات املقاتلة وبالتايل تنفيذ عملياتها على نطاق وا�س���ع �إال �أنه البد �أن تكون الدولة املركزية �ضعيفة يف البلد الذي
«مالذ �آمن»:وفرت املنطقة الوعرة والنائية يف �شرق و�شمال �شرق �أفغان�ستان املحاذية للأرا�ضي الباك�ستانية اجلرداء مكان ًا مثالي ًا لأن�شطة القاعدة ،لبعدها كثري ًا عن املحيط وعن قدرة الواليات املتحدة الأمريكية لإظهار قوتها
م�صر قام���ت الدولة مبالحقتهم .ف�أ�صبح املقاتلون الذين ينجون م���ن االعتق���ال �أو القتل يلوذون بالفرار �إىل خ���ارج البالد وينتهي بهم املط���اف �إىل �أماكن كال�سودان والع���راق وباك�ستان (و�أحيان ًا مدينة جري�سي الأمريكية) .ولك���ن خالل العقود الثالثة املا�ضية �أ�صب���ح الكثري من ه�ؤالء املقاتل�ي�ن امل�صريني املتنقلني ،مثل �أمين الظواه���ري ،يلعب���ون دور ًا يف ت�شكي���ل وتطوي���ر تنظي���م القاعدة،
هاج�س املالذ الآمن ِ احلركات اجلهادية و�أهمية املكان
تتخ���ذ منه هذه اجلماعات وكر ًا لعنا�صره���ا� ،أو �أن تكون متعاونة تغ����ض الطرف عما تق���وم به اجلماع���ات املقاتلة. �أو عل���ى الأقل ّ �إ�ضافة �إىل ذلك ،ميثل وجود �شعب متعاطف عام ًال هام ًا يف جعل منطقتهم م�ل�اذ ًا �آمن ًا لعنا�صر تلك اجلماع���ات .ويف حال غياب هذا اخلليط م���ن العوامل املواتية متيل اجلماع���ات املقاتلة �أكرث �إىل العم���ل كعنا�ص���ر �إرهابي���ة يف خاليا ح�ضري���ة �صغرية .فعلى �سبيل املثال ،بالرغم من �أن م�صر كانت �أحد املهود الأيديولوجية للجه���اد �إال �أن اجلهاديني مل يتمكنوا من توطيد �أقدامهم يف هذا البلد (مثلما فعلوا يف اجلزائر واليمن وباك�ستان) ،وذلك لأن كل م���ن الدولة وجغرافية الب�ل�اد ال ميثالن عوام���ل مواتية للعنا�صر اجلهادية حتى يف املناطق التي يوجد بها �أنا�س متعاطفون مع تلك العنا�صر ،فعندم���ا بد�أت تن�شط عنا�صر التنظيمات اجلهادية يف
116
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�سكوت �ستيوارت
التنظيم اجلهادي العابر للحدود. وبالرغم م���ن �أن تنظيم القاعدة واحلرك���ة اجلهادية الوا�سعة التي يدعمها التنظيم هما منظمتان عابرتان للحدود� ،إال �أنهما ما زالت���ا تت�أثران بالعوامل الفريدة التي يتميز بها املكان ،ومن املهم درا�سة كيفية ت�أثري مثل هذه العوامل على م�ستقبل احلركة. املكان والتطور التاريخي للجهاد بد�أت براعم عملية التنق���ل احلدي���ث لظاه���رة اجلهاد الت���ي انتهت بت�شكي���ل تنظيم القاع���دة تنم���و يف املنطق���ة اجلبلي���ة الوعرة على ط���ول احلدود امل�شرتك���ة ب�ي�ن �أفغان�ست���ان وباك�ست���ان ،وهي �إقلي���م نائي مل يكن مل���يء بالالجئني – واملقاتل�ي�ن من �أنحاء الع���امل – فح�سب ،بل
�سكوت �ستيوارت باح���ث وحملل �أمريكي يف م�ؤ�س�سة «�سرتاتفور» .وم�ؤ�س�سة �سرتاتفور Stratforهي م�ؤ�س�سة بحثي���ة �أمريكي���ة متخ�ص�صة يف حتلي���ل ال�ش�ؤون الدولي���ة ،برز دورها خ�ل�ال ال�سنوات الأخ�ي�رة كم�صدر للمعلومات والتحليالت اال�ستخباراتية واال�سرتاتيجية .وقد ن�شر هذا املقال بالإجنليزية ،بتاريخ � 25آذار/ مار�س ،2010يف موقع امل�ؤ�س�سة اخلا�ص على �شبكة الإنرتنت ،حتت عنوانJihadism and the“: .”Importance of Place
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
117
جيوبوليتيك وتغمره كميات كبرية م���ن ال�سالح ويعجّ باجلوا�سي�س وتع�صف به امل�ؤامرات والفكر الإ�سالمي املت�شدد ،وقد �أثبتت هذه املنطقة �أنها موطن مثايل لت�شكيل احلركة اجلهادية احلديثة عقب االن�سحاب ال�سوفيت���ي من �أفغان�ستان عام ،1989لكنه���ا �سرعان ما ع�صفت بها �أعم���ال العنف التي ن�شبت بني امل�سلمني .وبعد �سقوط النظام ال�شيوع���ي يف العا�صم���ة الأفغانية كابول ع���ام � 1992أدت احلرب الأهلي���ة �شبه امل�ستمرة ب�ي�ن زعماء احلرب امل�سلم�ي�ن املتناف�سني �إىل تدم�ي�ر الب�ل�اد حتى تول���ت حركة طالبان زم���ام احلكم عام ،1996ولك���ن حت���ى بعد ذلك ظل���ت الدولة الت���ي تقودها طالبان تخو����ض حرب ًا مع جماعات حتالف ال�شم���ال .ويف ظل هذه الفو�ضى ب���د�أ تنظي���م القاعدة ع���ام 1992بنق���ل عنا�ص���ره �إىل ال�سودان، البل���د الذي انته���ج نهج��� ًا �إ�سالمي ًا مت�ش���دد ًا بعد انق�ل�اب 1989 بقي���ادة اجلرنال عمر الب�شري ،والذي ت�أث���ر كثري ًا بح�سن الرتابي وحزب���ه الوطني الإ�سالمي .وخالل هذه الفرتة ا�ستمرت القاعدة يف �إن�ش���اء مع�سك���رات تدريبي���ة يف �أفغان�ست���ان مث���ل مع�سك���رات اخلالدان والفاروق ودارونت���ا ،وحافظت على بقاء �شبكة معاقلها الباك�ستاني���ة يف بع����ض الأماكن مثل مدينت���ي كارات�شي وبي�شاور، اللت�ي�ن ا�ستخدمتهما لتوجيه عنا�صرها املجاهدة من اخلارج �إىل مع�سكراتها التدريبية يف �أفغان�ستان. ومن عدة نواحي كان ال�سودان هو املكان الأف�ضل للقاعدة كونه وفّ���ر مالذ ًا بعيد ًا وي�سمح مع ذل���ك بتوا�صل �أكرب بكثري مع العامل اخلارج���ي من املع�سك���رات النائية يف �أفغان�ست���ان .ولكن يف نف�س الوق���ت كان هذا املالذ ذو حدين ،فقد وقع التنظيم حتت مراقبة �أ�ش���د خالل فرتة �إقامته يف ال�سودان مما كان الو�ضع عليه خالل �إقامته يف �أفغان�ست���ان� ،إذ كانت فرتة �سنواته يف ال�سودان (1992
مناطق احل���دود الباك�ستانية الوعرة م���ا زالت ت�شكل نقطة ارت���كاز بالن�سب���ة للمجاهدين ،لكن ال�ضغ���ط املتزايد الذي تفر�ض���ه ال�ضربات اجلوية الأمريكي���ة والعمليات الع�سكرية الباك�ستانية يف بع�ض املناطق مثل باجور و�سوات ووزير�ستان اجلنوبي���ة �أج�ب�ر املجاهدي���ن الأجانب على ت���رك باك�ستان والبحث عن �أماكن �أكرث �أمان ًا – )1998ه���ي الف�ت�رة الت���ي �أ�صبح فيه���ا الكثري م���ن دول العامل املناه�ض���ة للإره���اب على علم بوج���ود القاعدة ،كم���ا �أن معظم النا����س خارج جمتمع حماربة الإرهاب مل يكونوا يعرفوا �شيئ ًا عن هذا التنظي���م حتى حدوث تفجريات ال�سفارة الأمريكية يف �شرق �أفريقي���ا يف �آب�/أغ�سط�س ع���ام ،1998ومن ثمّ �أ�صبحت القاعدة 118
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
فع ًال حديث كل بيت بعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب. وكان له���ذه ال�شهرة ثمن غايل ،فبعد حماولة االغتيال التي نفذت يف حزيران/يوني���و � 1995ضد الرئي�س امل�صري ح�سني مبارك يف العا�صمة الأثيوبية (نُ�سِ ب الهجوم �إىل مقاتلني م�صريني وعنا�صر من القاعدة) بد�أ املجتمع الدويل – مبا يف ذلك م�صر والواليات املتح���دة – مبمار�سة �ضغوط �شديدة على حكوم���ة ال�سودان لكي تق���وم بفر�ض �سيطرتها على �أ�سامة ب���ن الدن وتنظيم القاعدة �أو طردهما من البالد. ويف �أيار/ماي���و 1996ق���ام ب���ن الدن وجماعت���ه ،الذين رف�ضوا اخل�ض���وع لل�سيط���رة ،ب�ش��� ّد الرح���ال والع���ودة م���رة �أخ���رى �إىل �أفغان�ست���ان ،وقد كان التوقيت مالئم للقاعدة التي ا�ستطاعت �أن جت���د لنف�سها مالذ ًا �آمن ًا هناك حيث كان���ت طالبان ت�ستعد ل�شن هجومها الأخري على كابول ،محُ ققة اال�ستقرار يف معظم مناطق الب�ل�اد .وبالرغم �أن طالب���ان مل تكن منا�صرة الب���ن الدن ب�شكل كبري ف�إنها على الأقل مل متانع وجوده يف �أفغان�ستان و�أن�شطته التي يقوم بها ،وكانت ت�شع���ر �أنها ملزمة بحمايته ك�ضيف حتت قانون «با�شتون���وايل» – القانون القدمي لل�شعب البا�شتوين .ومن جانبها قام���ت القاعدة بكل دهاء بتزوي���ج عنا�صرها من القبائل املحلية امل�ؤثرة ،وذل���ك ك�إجراء �إ�ض���ايف ل�ضمان �آمان �أك�ب�ر لعنا�صرها. وبعد عودت���ه �إىل �أفغان�ستان بفرتة وجيزة� ،شعر بن الدن بالأمان الكايف لإ�صدار �إعالن �آب�/أغ�سط�س 1996باحلرب �ضد الواليات املتحدة. وق���د كان���ت املنطقة الوع���رة والنائي���ة يف �شرق و�شم���ال �شرق �أفغان�ستان املحاذية للأرا�ض���ي الباك�ستانية اجلرداء توفر املكان املث���ايل لأن�شطة القاع���دة ،لبعدها كثري ًا ع���ن املحيط وعن قدرة الواليات املتحدة الأمريكية لإظهار قوتها .ومع �أن هجوم �صواريخ كروز الأمريكي���ة يف �آب�/أغ�سط�س 1998عقب تفجريات ال�سفارة الأمريكي���ة يف �ش���رق �أفريقيا ،قد نغّ�ص قلي�ل�اً �إقامة القاعدة يف �أفغان�ست���ان �إال �أن���ه مل يكن فعا ًال �إىل حد كب�ي�ر ،و�أثبت حمدودية ق���درة الواليات املتحدة على الو�ص���ول للتنظيم الذي ظل يعمل يف �أفغان�ستان دون منغّ�صات حتى غزو القوات الأمريكية لأفغان�ستان يف ت�شري���ن الأول�/أكتوب���ر .2001وخ�ل�ال وجود تنظي���م القاعدة يف �أفغان�ست���ان عم���ل على تقدمي التدريب���ات الع�سكرية الأ�سا�سية لع�ش���رات الآالف م���ن الرج���ال الذي���ن م���روا ع�ب�ر مع�سكرات���ه التدريبية ،والتي ا�ستطاع���ت �أن تقدم �أي�ض ًا تدريبات متقدمة يف مهنة الإرهاب لعدد قليل من الطالب املختارين. عل���ى �أن الغ���زو الأمريك���ي لأفغان�ستان غيرّ نظ���رة املجاهدين متام��� ًا جتاه �أفغان�ستان ،حيث مل تعد القوات الع�سكرية الأمريكية حم�ص���ورة يف املحي���ط الهندي ب���ل امتدت �إىل قل���ب �أفغان�ستان،
وبه���ذا حتولت البالد م���رة �أخرى من مالذ وم���كان للتدريب �إىل �ساحة قتال ومت تدمري مع�سكرات التدريب �أو �إعادتها �إىل اجلانب الباك�ست���اين من احلدود ،وف��� ّر بع�ض املجاهدي���ن �إىل مواطنهم الأ�صلي���ة ،بينم���ا توجه �آخرون – ك�أبي م�صع���ب الزرقاوي – �إىل املناط���ق القاحل���ة �شم���ال العراق الت���ي كانت ج���زء ًا من احلظر الأمريك���ي على الطريان ،وبالتايل كانت بعيدة عن متناول �صدام ح�س�ي�ن ال���ذي ،لكون���ه رئي�س��� ًا علماني���اً ،مل يُبدِ �س���وى القليل من التعاطف الأيديولوجي مع ق�ضية املجاهدين. �أما ط���وق الإقليم البا�شت���وين الوعر والنائ���ي يف باك�ستان فقد كان ميث���ل يف البداي���ة ملج�أً يرحب بعنا�ص���ر املجاهدين ،غري �أن ال�ضربات اجلوية الأمريكية حولته �إىل مكان خطر فت�شتت عنا�صر القاع���دة و�أ�صبحوا مطاردين ،وخ�س���ر التنظيم قيادات مهمة يف �أفغان�ستان من �أمثال حممد عاطف ،وت�ضاعفت تلك اخل�سائر يف باك�ستان حيث �أُعتقل �أو قُتل بع�ض ال�شخ�صيات املهمة كخالد �شيخ حممد ،وحتت ال�ضغط ال�شدي���د ا�ضطرت القيادة العليا للتنظيم �إىل االختباء حتت الأر�ض للبقاء على قيد احلياة. ويف �أعقاب الغزو الأمريكي للعراق يف �آذار/مار�س � 2003أ�صبح العراق مكان ًا منا�سب��� ًا للحركة اجلهادية .وعلى عك�س �أفغان�ستان الت���ي كان يُنظر �إليها على �أنها بلد نائي وتقع على �أطراف العامل الإ�سالم���ي ،تقع العراق يف القلب حيث كان���ت بغداد موقع عر�ش الإمرباطوري���ة الإ�سالمية مل���ا يقارب خم�سة ق���رون .ويعترب غزو 2003م�ؤي���د ًا للرواية التي يطلقها اجلهادي���ون ،والتي مفادها �أن الغرب قد �أعلن احلرب �ضد الإ�سالم ،الأمر الذي قدّم دعم ًا قوي ًا للجهود التي تُبذل جلمع املال والرجال لن�صرة ن�ضال املجاهدين، و�سرع���ان م���ا تدفقت جم���وع املجاهدين الأجانب م���ن كل �أنحاء الع���امل �إىل العراق ،لي�س من ال�سعودية واجلزائر فح�سب بل حتى من �أمريكا ال�شمالي���ة ودول �أوروبا .و�شهدنا �أي�ض ًا مطالبة تنظيم القاعدة الأم اجله���ادي العراقي/الأردين �أبي م�صعب الزرقاوي بتقدمي الدعم املايل. وم���ن العوام���ل التي جعل���ت الع���راق مكان��� ًا منا�سب��� ًا للعنا�صر اجلهادي���ة ،كرم �شي���وخ ال�سنّة يف املثل���ث ال�سني بالع���راق الذين قدم���وا امل����أوى للمقاتلني الأجان���ب وا�ستخدموه���م ك�أداة للقتال، ولك���ن م���ا �إن جفّ���ت منابع �سخ���اء زعم���اء القبائل حت���ى �شهدنا حركة �صحوة الأنب���ار ،2006 – 2005و�أ�صبح العراق �أكرث عدائية للمجاهدين الأجانب ،وزادت هذه العداوة �ضراوة نتيجة لوح�شية الزرق���اوي وته���وره باالعتداء عل���ى امل�سلمني الآخري���ن .فتغريت طبيع���ة الت�ضاري����س الب�شرية يف رب���وع املثلث ال�سن���ي حتى �أ�صبح م���كان خمتلف���اً ،ثم قتل الزرق���اوي يف يوني���و 2006وتعطلت �سبل ت�سلل املجاهدين �إىل العراق.
بعد عودته �إىل �أفغان�ستان يف منت�صف الت�سعينيات، �شعر �أ�سامة بن الدن بالأمان الكايف لإ�صدار �إعالن �آب�/أغ�سط�س 1996باحلرب �ضد الواليات املتحدة ويف الوقت الذي �أ�ضطر بع�ض عنا�صر املجاهدين ممن حاربوا يف العراق� ،أو ممن كانوا يتطلعون لل�سفر �إىل هناك� ،إىل الذهاب �إىل باك�ست���ان ب���د�أ غريهم م���ن املجاهدين بالرتكي���ز على فكرة ال�سف���ر �إىل �أماكن �أخرى كاجلزائر واليم���ن .وبعد حركة �صحوة الأنب���ار بفرتة وجي���زة �شهدنا ت�شكيل تنظي���م القاعدة يف املغرب الإ�سالمي ( )AQIMوجتديد ن�ش���اط املجاهدين يف اليمن الذين �أ�ضعفته���م كثري ًا ال�ضربة ال�صاروخية الأمريكية يف نوفمرب 2002 و�سل�سل���ة االعتقاالت خ�ل�ال الف�ت�رة .2003 – 2002وكغريها من الأماكن الأخرى� ،أ�صبحت ال�صومال وجهة يق�صدها املجاهدون الأجانب لتلقي التدريب والقتال ،خا�صة ممن لهم جذور �صومالية �أو �أفريقية. وكل ه���ذا يقودن���ا �إىل احلا�ض���ر ال���ذي جن���د في���ه �أن مناطق احلدود الباك�ستانية الوعرة ما زالت ت�شكل نقطة ارتكاز بالن�سبة للمجاهدين ،لكن ال�ضغط املتزايد الذي تفر�ضه ال�ضربات اجلوية الأمريكية والعمليات الع�سكرية الباك�ستانية يف بع�ض املناطق مثل باجور و�س���وات ووزير�ستان اجلنوبية �أج�ب�ر املجاهدين الأجانب عل���ى ت���رك باك�ست���ان والبحث عن �أماك���ن �أكرث �أمان���اً .وجند �أن القي���ادة املركزية لتنظيم القاع���دة يف انهيار م�ستمر بينما بع�ض ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
119
جيوبوليتيك اجلماع���ات الأخرى مثل طالبان وتنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة الع���رب قد تولت قيادة اجلهاد يف �ساحة املعركة .وطاملا ا�ستمرت �أيديولوجي���ة الفك���ر اجله���ادي �سي�ستم���ر املجاه���دون املتنقل���ون والعاب���رون للحدود يف عمله���م ،و�سيتوق���ف متركزهم اجلغرايف املقبل على عدد من العوامل. عندم���ا ننظ���ر يف العوام��ل اجلغرافي��ة العقارات الثابتة الأ�سا�سية التي متتلكها العنا�صر اجلهادية جند �أن من �أهم العوامل الأوىل (كما هو احلال يف �أي �صفقة عقارية) ه���و موق���ع ذل���ك العقار ،غ�ي�ر �أن العنا�ص���ر اجلهادي���ة ،بخالف معظم م�شرتي���ي املنازل ،ال يحبون امل�سك���ن القريب من الأماكن العامة كموقف املرتو وموا�صالت نقل املوظفني الرئي�سية ،لكنهم يف�ضل���ون املكان املنع���زل واخلايل ن�سبي ًا م���ن ال�سلطة احلكومية، وه���ذا هو �سبب جع���ل �أفغان�ستان والإقليم احل���دودي الباك�ستاين وجزر �أرخبيل �سولو وال�سهل الأفريقي وال�صومال مناطق منا�سبة ترتادها العنا�صر اجلهادية. �أما العام���ل الثاين فهو املحيط الب�ش���ري ،فعنا�صر املجاهدين كغريه���ا من اجلماعات املقاتلة واملتمردة حتتاج �إىل �شعب حملي متعاط���ف معها �إذا م���ا �أرادت العم���ل ب�أعداد �أك�ب�ر من اخلاليا ال�صغ�ي�رة ،وه���ذا ينطبق ب�ش���كل خا����ص عل���ى �إدارة املع�سكرات التدريبي���ة التي ي�صع���ب �إخفائها .وم���ن دون الدعم املحلي تكون العنا�صر اجلهادية معر�ضة خلطر ت�سليمهم لل�سلطات �أو الو�شاية بهم عند بع�ض ال���دول كالواليات املتحدة ،التي تبدي ا�ستعدادها لتق���دمي مبالغ طائلة مقابل العثور على الق���ادة الرئي�سيني� .أي�ض ًا وجود �شعب م�سلم حماف���ظ يت�سم بالتقاليد القتالية ميثل عالمة
م���ع جتفيف امل�ستنقع���ات املتوفرة لعنا�ص���ر املجاهدين يف بع�ض الأماكن كاليمن وباك�ست���ان� ،سيظل ال�س�ؤال :ما هي الوجه���ة التالية الت���ي �سيق�صده���ا املجاهدي���ن؟ وما هي نقط���ة االرت���كاز التالية يف �ساع���ة املعركة؟ يب���دو جلي ًا �أن �أحد الأماكن املمكنة ه���و ال�صومال ،ولكن بالرغم من �أن احلكومة هناك عاجزة �إال �أن البيئة هناك ال ت�ساعد على �أن ت�صبح ال�صومال باك�ستان �أو مين ًا �آخر �إيجابية كما هو ملحوظ يف باك�ستان واليمن .وبالفعل حاول (ولكن عبثاً) �أبو م�صعب ال�سوري ،املخطط اجلهادي املعروف وال�شهري �أي�ض��� ًا ب�أنه «املخطط واملنف���ذ للجهاد العاملي»� ،إقن���اع �أ�سامة بن الدن ع���ام 1989باالنتقال �إىل اليم���ن ،وذلك نظر ًا لتوفر املحيط 120
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
الب�شري املواتي هناك. وتت�ض���ح جلي��� ًا �أهمية العام���ل الب�شري يف حالة الع���راق امل�شار �إليها �آنف���اً ،حيث عمل التغيري يف موق���ف م�شايخ القبائل ب�سرعة عل���ى حت���ول املناطق الت���ي كانت ذات م���رة ترح���ب باملجاهدين الأجان���ب �إىل مناطق معادية له���م وخطرية على حياتهم ،ومتكن املجاهدون العراقي���ون الذين كانوا قادرين على التعاي�ش ب�صورة �أف�ض���ل مع املواطن�ي�ن املحليني عل���ى البقاء �أط���ول يف تلك البيئة املعادي���ة من رفاقهم الأجان���ب .ويعترب مفهوم الدعم املحلي هذا م���ن العوامل التي �ستحد من ق���درة املجاهدين العرب على العمل يف �أماك���ن بعي���دة وم�ضطربة كمناطق جن���وب ال�صحراء الكربى ب�أفريقي���ا �أو حتى يف الغابات اال�ستوائي���ة ب�أمريكا ال�شمالية ،فهم لي�س���وا من ال�سكان الأ�صليني مثل عنا�صر القوات امل�سلحة الثورية يف كولومبي���ا �أو �سينديرو لومينو�سو ،كم���ا �ستقف االختالفات يف الدين واحل�ضارة عائق ًا يف طري���ق م�ساعيهم للزواج من القبائل القوية مثلما فعلوا يف باك�ستان واليمن. �إن الت�ضاري�س اجلغرافي���ة والب�شرية عوامل م�ساعدة للعنا�صر اجلهادي���ة ولكنها لي�ست العوامل الوحيدة ،حيث من املمكن وبكل �سهول���ة تدريب مقاتل�ي�ن يف حقل مفتوح ك�أدغ���ال كثيفة الأ�شجار �إذا مل تتدخ���ل قوة خارجي���ة ملنع ذلك ،وهذا هو ما يجعل من دور الدول���ة عام�ل�اً هام ًا �إىل جانب عامل امل���كان� .أي �أن من العوامل املهم���ة �أي�ض��� ًا لبق���اء العنا�صر اجلهادي���ة وتطورها ،وج���ود دولة مركزي���ة �ضعيفة تفتقر لل�سيط���رة ال�سيا�سية واجلغرافية على �أي منطق���ة من مناطقه���ا �أو وجود نظام حكم متع���اون �أو على الأقل ال يتدخ���ل يف �ش����ؤون املجاهدي���ن .وعندما ن�أخ���ذ الدولة يف عني االعتب���ار ،ف����إن علين���ا �أن نركز على مق���درة الدول���ة املعنية على امل�ست���وى املحل���ي ورغبتها يف حماربة احل���ركات اجلهادية ،حيث جن���د �أن عدد ًا من البل���دان �سمحت لوجود احلركة اجلهادية ومل تعار�ض���ه حكومات تلك البلدان طامل���ا �أن اجلهود اجلهادية تركز �أعمالها خارج البلد. لكن اال�ستمرار يف تبني هذه النظرة مل يعد �أمر ًا حكيم ًا و�أ�صبح حمل �ش���ك بعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول�/سبتمرب ،كما �أن اجلماعات اجلهادية يف ع���دد من البلدان بد�أت بتنفيذ عملياتها يف البل���دان حمل �إقامته���ا مثلما حدث يف �إندوني�سي���ا وال�سعودية واملغ���رب العرب���ي وحت���ى يف �سين���اء امل�صرية ،عندم���ا ا�ستجابت اجلماعات املقاتلة لدعوة القاعدة من �أجل اجلهاد العاملي .وكان لهذا ثمن باهظ بالن�سبة لهذه اجلماعات ،فقد �أجربت الهجمات التي نفذتها اجلماعات الإرهابية – �إىل جانب ال�ضغط الأمريكي – بع����ض ال���دول على تغي�ي�ر نظرتها جتاه عنا�ص���ر اجلماعات اجلهادية ،وبد�أت تل���ك الدول بالرتكيز على تدمريها .ويف بع�ض
البلدان كانت احلكومات تفتقر للقدرة على جمع املعلومات ال�ضرورية والقدرة التكتيكية ،وا�ستغرقت الكثري من الوقت واجلهد لبناء وتطوير مثل هذه القدرات ملكافحة للإرهاب. �أما يف �أماكن �أخرى مثل ال�صومال فلم تكن هناك حكومات قوية مبا فيه الكفاية لالعتماد عليها. ومنذ �أحداث احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول�/سبتمرب �أخذت الواليات املتح���دة تهتم كثري ًا «بتجفي���ف امل�ستنقعات» التي تتخذ منه���ا هذه اجلماعات مالذ ًا ووك���ر ًا لتدريب عنا�صر جدي���دة ،حيث امتدت هذه اجله���ود حول العامل من جنوب الفلب�ي�ن �إىل �آ�سي���ا الو�سط���ى وم���ن بنغالد����ش �إىل م���ايل وموريتانيا .كما بد�أت تثمر يف بع�ض الأماكن كاليمن ،حيث �أ�صبح���ت بع�ض القوات اخلا�ص���ة مبحاربة الإرهاب متتلك االكتفاء الذاتي وحتق���ق تقدم ًا يف حماربة تنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة العرب .و�إذا ا�ستمر اليمن يف �إبداء الرغبة خ�ل�ال وجود تنظيم القاعدة يف �أفغان�ستان عمل على تقدمي يف مالحق���ة عنا�صر القاع���دة يف �شبه جزيرة العرب ،و�إذا التدريبات الع�سكرية الأ�سا�سية لع�شرات الآالف من الرجال ا�ستم���ر املجتم���ع ال���دويل يف متكينه م���ن فعل ذل���ك ،ف�إنه الذين مروا عرب مع�سكراته التدريبية �سيكون قادر ًا على �أن يحذو حذو املغرب العربي وال�سعودية وع�ل�اوة على ذلك ،متتلك ال�صوم���ال ،كما هو احلال بالن�سبة و�إندوني�سي���ا ،وه���ي بل���دان مل يتم فيه���ا ا�ستئ�ص���ال �ش�أفة م�شكل���ة اجلهاد متام��� ًا ولكن مت مالحق���ة اجلماع���ات و�إ�ضعاف لليمن� ،سواحل �شا�سع���ة تطل على البحر ،وهو ما ي�سمح للواليات قدراته���ا التكتيكية .وهذا يعن���ي �أنه لن يُنظر �إىل اليمن على �أنها املتح���دة �إىل ح���دٍّ م���ا بالو�ص���ول املبا�ش���ر �إىل البل���د؛ فال�سواحل ت�ش���كل م�ل�اذ ًا �آمن ًا �أو قاع���دة تدريب لعنا�ص���ر املجاهدين .ومن ال�صومالي���ة الطويل���ة املطل���ة عل���ى املحيط الهن���دي وخليج عدن �أوجه هذا امل�سعى امله���م �أي�ض ًا �إعادة ت�شكيل املحيط الب�شري من تُ�سه���ل مهم���ة ت�سلل الطريان ،بل وحتى الف���رق اخلا�صة من و�إىل خالل الإجراءات الأيديولوجية ،التي منها رف�ض الفكر اجلهادي الأرا�ضي ال�صومالية .ويف ظل وج���ود قاعدة �أمريكية يف جيبوتي ك�أيديولوجية ،وتغيري املناهج الدرا�سية ،و�إعادة ت�أهيل املقاتلني .ف�إن���ه من ال�سهل �أي�ض ًا �إبقاء مدارات طائرات دون طيار يف �سماء وم���ع جتفيف امل�ستنقعات املتوفرة لعنا�صر املجاهدين يف بع�ض ال�صومال. �إن غربل���ة وتقلي����ص الأماك���ن الت���ي الأماكن كاليمن وباك�ستان� ،سيظل ال�س�ؤال :ما هي الوجهة التالية ملاذا يحوم الكبار للتجمع املجاهدين عنا�ص���ر إليها � ���� أ تلج حول جيبوتي ال�صغرية؟ الت���ي �سيق�صدها املجاهدين؟ وما هي نقط���ة االرتكاز التالية يف التايل بقلم� :سقاف عمر ال�سقاف �ساع���ة املعركة؟ يبدو جلي ًا �أن �أحد الأماكن املمكنة هو ال�صومال ،والتدريب ب�أعداد كب�ي�رة هو عبارة عن ولك���ن بالرغ���م م���ن �أن احلكومة هن���اك عاج���زة وال ت�سيطر �إىل توا�ص���ل للعملي���ة الطويل���ة الت���ي نتّبعها على القل���ة القليلة من مقدي�شو �إال �أن البيئة هناك ال ت�ساعد على من���ذ �سنني عديدة .وهذا ميثل الفرتة االنتقالية لتهديد العنا�صر �أن ت�صب���ح ال�صوم���ال باك�ست���ان �أو مين ًا �آخر� .إ�ضاف���ة �إىل ذلك ،اجلهادي���ة من تهدي���د يعتمد عل���ى تنظيم القاع���دة �أو حتى على �ستعم���ل االنق�سامات القبلية وطبيع���ة املجتمع ال�صومايل املتفتتة فروعها الإقليمية �إىل تهديد يعتمد على حركة �أو�سع نطاق ًا تتكون �ضد حركة ال�شباب ونزعتها اجلهادية ،فكثري من زعماء القبائل م���ن خاليا �أ�سا�سي���ة �أ�صغر وعنا�صر متي���ل �إىل العزلة .وبال�سعي وزعماء احلروب ينظ���رون �إىل املجاهدين كخطر يهدد �سلطتهم قدم ًا �سيكون على طبيعة القت���ال �ضد احلركة اجلهادي الت�أقلم، وله���ذا �سيحاربونه���م� ،أو �سيقومون بت�سري���ب املعلومات للواليات لأن التغ�ي�رات يف نوعية التهديد �ستحتم تغيري الرتكيز من جمرد املتح���دة لتمكينها من �ض���رب عنا�صر املجاهدي���ن الذين تراهم حماول���ة جتفي���ف امل�ستنقع���ات الك�ب�رى لتفري���خ اجلهاديني �إىل م�ص���در تهديد .كم���ا �أن العرب و�شعوب جن���وب �آ�سيا مييلون �إىل تنظي���ف الربك ال�صغ�ي�رة لتفريخ اجلهادي�ي�ن املوجودة يف بع�ض الظه���ور يف ال�صوم���ال التي تغل���ب عليها �سمة العن�ص���ر الب�شري الأماك���ن كلندن وبروكلني وكارات�شي وحت���ى الف�ضاء الإلكرتوين. وكم���ا �أ�شرنا يف نقا�ش �ساب���ق �ستربز لهذه املعرك���ة جمموعة من الأ�سود. التحديات اخلا�صة بها. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
121
جيوبوليتيك
جيبوتي ال�صغرية.. عق���ب �أحداث احل���ادي ع�شر من �أيلول� /سبتم�ب�ر 2001اختارت الواليات املتح���دة الأمريكية دولة جيبوتي ال�صغ�ي�رة الت���ي ال تتعدى م�ساحتها الـ 23200كيلومرت مربع ،وعدد �سكانها ال يتجاوز الـ� 800ألف ن�سمة ،كمق ٍّر مُتق���دِّ م لقيادة التحال���ف الدويل املناه�ض للإرهاب ،تك���ون مهمته الأ�سا�سية منع ت�سل���ل �أع�ضاء حمتملني يف تنظي���م القاعدة �إىل منطقة القرن الإفريقي ،و�إيجاد مالذ �آمن لهم هناك .ومنذ ذلك احلني يتمركز حوايل 1800جندي �أمريكي يف قاعدة “لومنيه” بالقرب من العا�صمة جيبوتي ،ومن املعروف �أن هذه القاعدة كانت تابعة للجي�ش الفرن�سي وقد �أعارها للقوات الأمريكية يف العام 2001وذلك يف �إطار الرتتيبات اخلا�صة لإن�شاء التحالف الدويل ملكافحة الإرهاب. �سقاف عمر ال�سقاف saqqaf@shebacss.com
�إن اختي���ار جيبوتي دون �سواها من قبل القيادة الأمريكية للقيام به���ذه الوظيفة و�إن�شاء القاعدة الع�سكري���ة فيها ،مل ي�أتِ من فراغ، و�إمنا يرجع �إىل جمل���ة من العوامل �أهمها موقعها اجلغرايف؛ حيث تق���ع جيبوتي يف جنوب غ���رب خليج عدن ،وعل���ى ال�ساحل ال�شرقي للق���ارة الأفريقية .يحدها من ال�شمال الغربي �إريرتيا ،ومن الغرب واجلنوب �إثيوبيا بحدود طولها 500كيلومرت ،ومن اجلنوب ال�شرقي ال�صوم���ال بحدود طوله���ا 100كيلومرت ،ومن ال�ش���رق باب املندب وخليج عدن بحدود طولها 350كيلومرت. وجيبوت���ي �إىل جانب ثالث دول �أفريقية هي ال�صومال ،و�إثيوبيا، و�إريرتي���ا ،ي�شكل���ون منطقة الق���رن الأفريقي مبفهومه���ا التقليدي والت���ي تكت�س���ب �أهمي���ة حيوية م���ن الناحية اجليو�سرتاتيجي���ة ،وذل���ك لأن دوله���ا تط���ل على املحي���ط الهندي من ناحية ،وتتحكم يف املدخل اجلنوبي للبح���ر الأحمر عند م�ضيق باب املن���دب من ناحية �أخ���رى .كما �أن دول هذه املنطقة تتحكم نظري ًا يف طريق التجارة العامل���ي ،وخا�صة جت���ارة النفط القادمة من منطقة اخلليج واملتوجه���ة �إىل الغرب ،وهي
�أي�ض ًا ممر ا�سرتاتيج���ي لأي حتركات ع�سكرية قادمة من الواليات املتح���دة �أو �أورب���ا �ص���وب املنطقة .ومتت���از جيبوتي �أي�ض��� ًا ب�أهمية ا�ستثنائي���ة ك���ون �سواحله���ا وموانئها متثل نق���اط ارت���كاز �أ�سا�سية لعملي���ات النقل البحري واجلوي للق���وات الدولية يف حتركاتها �إىل منطق���ة التوتر الإقليمي يف ال�شرق الأو�سط والبحر الأحمر ،و�شرق �أفريقي���ا واملحيط الهندي و�صو ًال �إىل �آ�سي���ا .وهناك �إمكانية �إقامة قواعد بحرية �أمام �سواحلها ويف اجلزر التابعة لها ،و�أهمها جزيرة ر�أ�س الدمرية التي دخلت ب�سببها جيبوتي يف نزاع م�سلح مع �إريرتيا �أكرث من مرة. �أ�ض���ف �إىل ذل���ك� ،أن ط���ول �ساحله���ا اجلنوبي ووج���ود مينائي
ملاذا يحوم حولها الكبار؟!
122
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
123
جيوبوليتيك
ت��درك جيبوتي متام�� ًا �أن �إمكانياتها كدولة �صغرية ،وحمدودية قدرتها على تغيري واقع جيو�سيا�سي تكر�س عرب عقود من الزمن� ،أرغمها على التكيف مع الوجود الع�سكري الأجنبي على �أرا�ضيها ،بل واال�ستفادة منه جيبوت���ي و�أبوك ،يعطيان ميزة ر�س���و ال�سفن على اختالف حمولتها و�أنواعه���ا .كما �أن ا�شرتاك جيبوت���ي يف حدودها الدولية مع �إثيوبيا وال�صوم���ال و�إريرتيا ،وهي دول تعاين من م�شاكل و�أزمات داخلية، وا�ضطراب���ات �سيا�سية خارجي���ة ،قد عزز من مكانته���ا الإقليمية، خ�صو�ص��� ًا و�أنها تنعم ن�سبي��� ًا با�ستقرار �سيا�س���ي و�أمني يكاد يكون منعدم ًا يف تلك املنطقة. وانطالق��� ًا من موقعه���ا و�أهميتها اال�سرتاتيجي���ة ،اهتمت القوى اال�ستعمارية التقليدية الكربى وقتها (بريطانيا وفرن�سا) بجيبوتي من���ذ وق���ت مبكر ،بل وتناف�س���ت للح�صول على موط���ئ قدم لها يف هذه الرقعة اجلغرافية الهامة .ويف �ضوء هذا التناف�س املحموم بني ه���ذه القوى اال�ستعمارية لل�سيطرة على �أه���م املواقع اال�سرتاتيجية واملم���رات الدولية ،احتلت بريطانيا ع���دن يف العام 1839؛ وهذا ما ا�ستف���ز فرن�سا ودفعه���ا �إىل االهتمام بال�ساح���ل الإفريقي امل�شرف عل���ى خلي���ج عدن ،ولكن ه���ذا االهتمام مل ي�أخذ بع���د ًا عملي ًا �إال يف ع���ام ،1862وذل���ك عندما ق���ررت فرن�س���ا �أن تكون �أب���وك الواقعة عل���ى مدخل خليج تاجورة ال�شمايل هي املرك���ز الرئي�سي لن�شاطها التج���اري والع�سكري؛ فاتفقت مع �أحد م�شائخ الدين ويدعى �أحمد �أبو بكر على �أن يتنازل لها عن ميناء �أبوك وال�سهل املمتد من ر�أ�س عل���ي يف اجلن���وب �إىل الدم�ي�رة يف ال�شم���ال ،ووقع���ت معاهدة بني الطرف�ي�ن يف �آذار /مار����س 1862ومبوجبها تعه���دت فرن�سا مقابل ه���ذا التنازل ب�أن تدفع لل�شيخ مبلغ��� ًا من املال ،و�سمي الإقليم الذي �سيطرت عليه فرن�سا “ال�ساحل ال�صومايل الفرن�سي”. وكان م���ن نتيجة هذه املعاهدة �أن �أخذت بريطانيا ترنو بنظرها �ص���وب ال�صوم���ال ،ولك���ن الأمر ال���ذي حف���ز فرن�س���ا �إىل احتالل املنطقة امل�سم���اة اليوم “جيبوتي” هو احت�ل�ال بريطانيا مل�صر يف الع���ام 1882وتطلعه���ا �إىل تو�سي���ع نفوذه���ا يف ال�س���ودان وال�ساحل الإفريق���ي .ويف العام � 1887أقامت فرن�سا قاع���دة يف جيبوتي التي �أ�صبح���ت العا�صمة �سنة ،1892وجيبوت���ي املدينة �أكرث نفع ًا لفرن�سا من �أبوك لأنها تطل على خليج عدن وت�شرف على املحيط الهندي. كم���ا �أنها نقطة ابت���داء ال�سكة احلديدية التي ت�صله���ا ب�أدي�س �أبابا عا�صمة �إثيوبيا. ويف الع���ام 1888و�ضعت بريطانيا وفرن�سا حد ًا خلالفاتهما حول 124
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
مناطق النف���وذ ،وذلك ب�أن تركت بريطاني���ا لفرن�سا ر�أ�س جيبوتي مقابل �إعالن بريطانيا حمايتها على بالد ال�صومال .واعترب اخلط صال املمتد من جنوب جيبوتي �إىل حدود ال�صومال و�إثيوبيا حد ًا فا� ً بني ما متلكه فرن�سا وما ت�سيطر عليه بريطانيا. ومن���ذ ذلك التاريخ ظل���ت جيبوتي حتت احلك���م الفرن�سي رغم ال�سعي امل�ستمر من قبل ال�سكان للتخل�ص من اال�ستعمار الفرن�سي، وكان الع���ام 1960نقط���ة حتول باجتاه التحرر وذل���ك عندما �أُعلن ا�ستق�ل�ال املنطقت�ي�ن اللت�ي�ن كانت���ا تابعت�ي�ن لربيطاني���ا و�إيطالي���ا واحتادهم���ا حتت م�سم���ى “اجلمهورية ال�صومالي���ة” ،ما �أدى �إىل ت�أجي���ج ال���روح الوطنية عن���د اجليبوتي�ي�ن وتزاي���د مطالبهم لنيل اال�ستقالل .ولكن فرن�سا رف�ضت منح جيبوتي التي �أ�صبحت ت�سمى “�أفريقي���ا ال�شرقية الفرن�سي���ة” اال�ستقالل ،فكان �أن نظّ م الكفاح ال�شعب���ي �ضد احلكم الفرن�سي يف جيبوت���ي نف�سه و�صعّد من �أعمال املقاومة حتى انتهى الأمر ب�إعالن ا�ستقالل جيبوتي يف 27حزيران/ يوني ��و 1977ولكن مع احتف���اظ الفرن�سيني بقواعده���م الع�سكرية، وبذلك �أ�صبحت جيبوتي الع�ضو رقم 148يف الأمم املتحدة والع�ضو 49يف منظمة الوحدة الأفريقية والـ 21يف جامعة الدول العربية. والي���وم م���ع تزاي���د االهتم���ام ال���دويل بجيبوتي بحك���م موقعها اجلغ���رايف و�أهميتها بالن�سبة للجه���ود الدولية يف مكافحة الإرهاب والقر�صن���ة البحرية ،مل تعد فرن�سا وحده���ا املوجودة يف جيبوتي؛ ف�إىل جانب القاعدة الع�سكرية الأمريكية الوحيدة يف �إفريقيا هناك وجود ع�سكري بريطاين و�أ�سباين� ،إ�ضافة �إىل �أ�سطول �أملاين �صغري مك���ون من ع���دة فرقاطات بحري���ة و�أربعة مراك���ب متوين وحوايل �ألف���ي بحار ،وجت���وب هذه القط���ع البحرية خليج ع���دن وال�سواحل ال�صومالية واليمنية ،ويرجع البع�ض هذا الوجود املكثف للأ�ساطيل والب���وارج احلربية يف خليج عدن واملحي���ط الهندي �إىل �أنه نوع من التناف����س اال�ستعماري اجلديد خ�صو�ص ًا ب�ي�ن فرن�سا و�أمريكا على الق���ارة الأفريقية ،وذلك انطالق ًا من منطقة القرن الأفريقي .ويف هذا الإطار ،ميكن فهم ت�صريح���ات اجلرنال بيفار القائد ال�سابق للق���وات الفرن�سية بجيبوتي حني قال “ال �أحد يعرت�ض على وجودنا هنا ،ال يف املا�ضي وال يف احلا�ضر وال يف امل�ستقبل .والآخرون جمرد عابرو �سبيل ب�سبب �أحداث ال�ساعة”.
والواق���ع �أن هناك تخوف فرن�سي من تراج���ع نفوذها و�سطوتها يف الق���ارة الأفريقية ل�صالح الواليات املتحدة الأمريكية� ،إذ مل يعد وا�ضح��� ًا مدى �أهمية انت�شار قواتها هن���اك والدور الذي ت�ؤديه .ويف ت�صريح �آخر لوزيرة الدف���اع الفرن�سي جلريدة “ال�شرق الأو�سط” بتاريخ 28ت�شري���ن الأول� /أكتوبر 2008جاء فيه �أن هدف الواليات املتح���دة هو �إقام���ة قاعدة خلفي���ة ملحاربة الإره���اب ،و�أ�ضافت �أن “الوج���ود الع�سكري الأمريك���ي لي�س دائم ًا بل هو مرتبط مبحاربة الإره���اب بينما الوجود الفرن�سي دائم” .كم���ا جاء �إعالن الرئي�س الأمريك���ي ال�سابق جورج بو�ش يف ال�سابع من �شباط /فرباير 2007 ع���ن قراره ب�إن�شاء قيادة ع�سكرية موحدة جديدة للقارة يف �أفريقيا (�أفريك���وم) ليزي���د م���ن ح���دة املخ���اوف الفرن�سية جت���اه الدوافع احلقيقي���ة لإن�ش���اء ه���ذه القاع���دة ،خ�صو�ص��� ًا و�أن تقارير خمتلفة حتدث���ت ع���ن جيبوت���ي كموق���ع حمتم���ل ال�ست�ضافة ه���ذه القاعدة الع�سكرية. �إن الأمريكي�ي�ن والفرن�سيني عل���ى ال�سواء يدرك���ون �أهمية املوقع اجلغ���رايف الذي حتتله جيبوت���ي ،خ�صو�ص��� ًا و�أن الدولتني تعر�ضتا لهجومي�ي�ن �إرهابيني ح�س���ب و�صفهم يف املنطق���ة البحرية القريبة م���ن جيبوتي ،الأول ا�ستهدف املدمرة الأمريكية “يو �إ�س �إ�س كول” يف خليج عدن العام 2000والثاين ا�ستهدف ناقلة النفط الفرن�سية “ليمب���ورج” يف الع���ام .2002وانطالق ًا من جيبوتي �أي�ضاً ،متكنت الوالي���ات املتحدة الأمريكي���ة بوا�سطة طائرة م���ن دون طيار تابعة لوكال���ة اال�ستخب���ارات املركزية من اغتيال �أبو عل���ي احلارثي �أحد زعم���اء تنظيم القاعدة ،وذلك يف حمافظة م����أرب اليمنية .كما ال نن�سى �أن �سواحل �شرق �أفريقيا ومن �ضمنها ال�ساحل اجليبوتي هي املناط���ق الأقرب لإ�سرائي���ل ،حيث املداخل اجلنوبي���ة امل�ؤدية �إليها ترتك���ز يف ه���ذه املنطقة؛ لذا ف����إن وجود قواع���د ع�سكرية فيها من �ش�أن���ه طم�أن���ة �إ�سرائيل .ويف نف����س الوقت� ،ضم���ان الوجود الدائم بالقرب من منابع النفط التقليدية واملحتملة يف اليمن واخلليج. �إذ ًا م���ن الوا�ض���ح �أن جيبوتي حتولت �إىل نقطة ارت���كاز �أ�سا�سية ت�ستخدمه���ا الق���وى الك�ب�رى يف حربها على م���ا ي�سم���ى بالإرهاب ال���دويل ،و�أي�ض ًا من �أجل حماية م�صاحلها و�ضمان تدفق �إمدادات النف���ط �إليه���ا .واحل���ال �أن جيبوت���ي بحك���م موقعه���ا يف منطق���ة م�ضطرب���ة ،ووجود هواج�س تاريخية لديها ب�أنها م�ستهدفة من قبل جريانه���ا الكب���ار (�إثيوبيا وال�صوم���ال) ،بالإ�ضاف���ة �إىل حمدودية موارده���ا الذاتية؛ كل ذل���ك جعلها ال تعار�ض -م���ن حيث املبد�أ - الوج���ود الع�سك���ري الأجنبي عل���ى �أرا�ضيها كنوع م���ن احلماية لها يف مواجه���ة �أعداءه���ا املفرت�ض�ي�ن ،ويف الوقت نف�س���ه ت�أمني مبالغ مالية كبرية تدعم االقت�ص���اد اجليبوتي جرّاء ت�أجري تلك القواعد واملق���رات الع�سكرية للق���وى الكربى .كما �أن جيبوت���ي تدرك متام ًا
معلومات �أ�سا�سية
جيبوتي :دولة عربية تقع يف منطقة القرن الأفريقي ،على حماذاة ال�شاطئ الغربي مل�ضيق باب املندب. احلدود :حتده���ا �إريرتيا من ال�شمال و�إثيوبيا من الغرب واجلنوب، وال�صومال من اجلن���وب ال�شرقي فيما تطل �شرق ًا على البحر الأحمر وخلي���ج ع���دن ،وعلى اجلانب املقاب���ل لها عرب البح���ر الأحمر يف �شبه اجلزي���رة العربية ،اليمن الت���ي تبعد �سواحلها نح���و 20كيلومرت ًا عن جيبوتي. امل�ساحة 23,200 :كم. عدد ال�سكان 800,000 :ن�سمة. تاري��خ اال�ستق�لال :ا�ستقل���ت ع���ن فرن�س���ا يف 27حزيران/يونيو .1977 تاريخ االن�ضمام �إىل جامعة الدول العربية.1977 : العا�صمة :جيبوتي. اللغة الر�سمية :العربية والفرن�سية. لغات حملية معرتف بها :العفرية وال�صومالية. نظام احلكم :جمهوري ن�صف رئا�سي. رئي�س الدولة� :إ�سماعيل عمر جيلة. الناجت املحلي بح�سب تقديرات 982 :2008مليون دوالر. يعي����ش نحو خم�س �سكان البل���د تقريب ًا حتت اخلط العاملي للفقر بنحو 1.25دوالر يومي ًا.
�أن �إمكانياته���ا كدولة �صغرية ،وحمدودي���ة قدرتها على تغيري واقع �سيا�س���ي تكر�س ع�ب�ر عقود من الزم���ن� ،أرغمها عل���ى التكيف مع الوجود الع�سك���ري الأجنبي على �أرا�ضيها ،بل واال�ستفادة منه ،لذا حت���اول جيبوتي الي���وم �إيجاد نوع م���ن التوازن الن�سب���ي يف جن�سية القوات الأجنبية املوجودة يف �أرا�ضيها ،وحتر�ص على خلق عالقات جي���دة مع جريانها ع��� ّل ذلك ي�ضمن لها على امل���دى الطويل الأمن واال�ستقرار يف منطقة مل تنعم بهما منذ �أمدٍ طويل. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
125
فـي ب�ؤرة االهتمام قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�صاد وال�ش�ؤون اجلارية
�صدر حديث ًا
�أدمغة �صهيون املقاتلة حممد �سيف حيدر احلرب الهجينة ريا�ض قهوجي طريق اخلليج للخروج من م�أزق «تنمية ال�ضياع» علي خليفة الكواري الآلية ال�شرعية فـي مكافحة الف�ساد
حممد غالب ال�شرعبي
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 126
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2010
ا�سرتاتيجية
127
فـي ب�ؤرة االهتمام
يف غِ م���ار انهماكهم ب���ـ «البحث» عن �صيغ ٍة ما تُنهي ق�ضية ال�صراع العرب���ي -الإ�سرائيلي ،ين�سى العرب غالب���اً� -إ�سرائي���ل؛ فه���ي جمرد “كيان” بغي�ض ال ي�ستح���ق حتى جمرد التفات ٍة �إليه ،م���ا بالنا بدرا�سةه ��ذا “الكيان حتمي ال���زوال” وتفحُّ �صه عن قُرب؛ فالأمر ال ي�ستحِ ق حتى جم���رد جُ هد التفكري فيه(!) لك���ن �إ�سرائيل ،يف املقابل ،ال تفعل؛ فهي تتذكر خ�صومه���ا دائماً .وهي تعرف متام ًا �أن م�س�ألة بقائها يف ه���ذا املحي���ط العدائي لن يتحقق �إال بت�أم�ي�ن كل عنا�صر القوة املمكنة ،بدء ًا من الق���وة الع�سكرية ولي�س انته���ا ًء باملعرف���ة العلمية وال�سيا�سي���ة .ثمة مقولة �شه�ي�رة لفرن�سي�س بيكون مفاده���ا �أن “املعرفة قوة”، والإ�سرائيلي���ون ي�ؤمنون به���ا حتى الثّمالة .وعلى كل حال ،ف�إن جتربة الدولة العِربية تُثبت م�ضامني ذلك الإميان با�ستمرار ،وال نحتاج �إىل كثري من الأدلة ال�ستي�ضاح الأمر.
�أدمغة �صهيون املقاتلة ٌ حتقيق �أ ّويل حول مراكز التّفكري وامل�شورة يف �إ�سرائيل حممد �سيف حيدر
m_saif@shebacss.com
128
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ويف ح�ي�ن ت�ص���رف معظم احلكومات يف املنطق���ة العربية جهودها يف مط���اردة املُفكّري���ن و�إِذالل الباحث�ي�ن م���ن �أبناءه���ا ب�شتى الطرق والأ�سالي���ب (�إهم���ا ًال والمباالة �أو اعتق���ا ًال وت�شري���د ًا وترويعاً) ،ومن ثمّ دفعه���م دفع ًا �إىل الفرار بـ “�أدمغته���م” وكرامتهم �إىل عامل �أكرث رحاب���ة ،حيث تكون ال�ص���دور مفتوح���ة للعطاء والب���ذل العلمي بغري ح���دودٍ �أو قيود؛ ف����إن الدول���ة ال�صهيونية ما فتئت حتتف���ي مبفكريها و�أدمغته���ا املقاتل���ة يف �س�ي�رور ٍة ال ته���د�أ وال تعرف الكل���ل �أو امللل منذ حلظتها الوجودية الأوىل. وب�ي�ن كال ال�سبيل�ي�ن واملنهجني (العَربي والعِ�ب�ري �إن جاز القول) هو ٌة �أخذت تت�سع كل يوم وفرا ٌغ ي�أبى �إال توغ ًال ومكوثاً ،والنتيجة كارثة بر�سم بالدٍ متتد من اخلليج حتى املحيط ،وهي كارثة ما انفكت تكبرُ م���ع مرور الزمن ككرة ثلجٍ متدحرج���ة مل تزل تندفع ب�سرعة ماحِ قة. وللخيب���ة يف بالد العرب مذا ٌق خمتلف؛ فه���ي ال تنال العلم التجريبي مت�س �سمعة الكُتل الب�شرية ال�ضخمة القاطنة يف هذا املحيط وحده �أو ّ اجليو�سيا�س���ي البال���غ االت�ساع واملو�سومة بـ “التخل���ف” على الدوام، و�إمن���ا اتّ�سع التّداعي ليطال �سيا�سات ال���دول وتوجهات ُ�صنّاع القرار واملتحكمني ب�أمن بلدانهم وم�ستقبلها على املدى املنظور. ويف حني يتخبّط ال�سّ ا�سة العرب يف توجهاتهم الآنية واال�سرتاتيجية، كنتيج���ة حتمية الفتقادهم م�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة ،التي من �أهم وظائفه���ا و�ضع تو�صيف���ات وحتليالت دقيقة للواق���ع ور�سم “خرائط ط���رق” كا�شِ ف���ة تُ�ساعد على اتخاذ ق���رارات ر�شي���دة ومدرو�سة �إزاء الأزم���ات ال�سيا�سي���ة املختلف���ة وايج���اد حل���ول منا�سب���ة للم�ش���كالت املجتمعي���ة القائمة وجتاوز (�أو احلد عل���ى الأقل من) �آثارها ال�سلبية املحتملة؛ جند ،يف اجلهة الأخ���رى حيث ي�ستوطن الأعداء ،درو�س ًا ال تنتهي حول �أهمية العلم والعلماء ،البحث العلمي والباحثني. وال ي�سعن���ا هن���ا �أن ُنلِ���مّ ب���كل �شيء يتعل���ق بهذا املو�ض���وع املرتامي الأط���راف ،بل �سنق�ص���ر جهودنا على ا�ستط�ل�اع دور مراكز البحوث والدرا�سات وم�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة يف �إ�سرائيل ،وعلى نح ٍو �أويل وموج���ز قد نتمكن -يف وقت الح���ق -من تطويره وتو�سيعه يف درا�سة مُ�سهب���ة متى متكّنا من ذلك .وبداي���ة ينبغي الإ�شارة �إىل �أن املق�صود بـ “م�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة” هنا ال ين�صرف �إىل مراكز الأبحاث الأكادميي���ة ذات التوج���ه التخ�ص�صي الدقي���ق ،و�إن كانت اجلامعات واملعاه���د الإ�سرائيلي���ة ت�ضم ع���دد ًا ال ي�ستهان به منه���ا .وهي تختلف عن مراك���ز البحث والتطوي���ر ( )Research & Developmentالعامِ لة يف خدم���ة قطاع التكنولوجيا وال�صناعات الع�سكرية .ولئن كان هذان النوع���ان الأخريان ُيع���دّان باملئات (ما ال يقل ع���ن 700مركز) ،ف�إن ع���دد م�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة يف �إ�سرائي���ل ال يزيد عن الدزينتني �إال بقليل (نحو 30م�ؤ�س�سة ومركزاً). حممد �سيف حيدر مدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية» ،وباحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية.
وميك���ن الق���ول �أن ه���ذه امل�ؤ�س�سات تجُ �سِّ���د ،بكل و�ض���وح وفعالية، ظاه���رة الـ � ،advisingأي تقدمي امل�ش���ورة املهنية لل�سيا�سيني و�صانعي الق���رارات .وهذه ظاهرة قدمية ال تمُ يّز ع�صرنا فقط ،لكنها تطورت ب�ش���كل الفت منذ الفرتة التي دارت فيها احلرب العاملية الثانية (و�إن ظه���رت قبلها -وحتديد ًا يف الواليات املتحدة -بعقدين من الزمن)، ���رف �آمنة” يتناق�ش فيه���ا ك ٌل من املُخططني �إذ ب���د�أت على هيئة “غُ ٍ الع�سكري�ي�ن وعلماء اال�سرتاتيجي���ا والدفاع ،وبعد ه���ذه الفرتة � -أي �أثناء احلرب الباردة يف خم�سينيات و�ستينيات القرن املا�ضي -بد�أت مراك���ز التفكري وامل�شورة تتكاثر يف الوالي���ات املتحدة و�أوربا والعامل. ويُ�شري املعدل الت�صاعدي لت�أ�سي�س مراكز التفكري حول العامل �إىل �أن العق���د ما بني 1990و 2000كان الف�ت�رة الذهبية التي ظهر فيها �أكرب ع���دد من املراكز� ،إذ و�صل عدد املراك���ز اجلديدة فيها �أكرث من 120 مركزاً. ومع مطلع القرن احلادي والع�شرين� ،أخذت هذه املراكز وامل�ؤ�س�سات يف التط���ور ب�شكل مت�سارع ونوعي يف بل���دان خمتلفة من العامل ومنها �إ�سرائيل كما تذهب الباحثة بريال �آيزنكنغ – كانه ،وهي م�ؤلفة كتاب �ص���در حديث��� ًا يتناول هذا املو�ض���وع .وتُ�ضيف «�أنه يعم���ل يف �إ�سرائيل الي���وم �أكرث من ع�شري���ن “م�ؤ�س�س���ة بحث وتفكري” ،وه���ي “العبة” ُع�ت�رف بها يف امل�شهد ال�سيا�سي ،و�أنه يف حني مل يكن ممكن ًا �إطالق ًا م ٌ ر�ؤي���ة وجوده���ا على �أنه “ظاه���رة” ،فقد �أُقيم من���ذ �أوائل ت�سعينيات الق���رن الع�شرين ،ف�صاع���داً ،نحو خم�س ع�ش���رة م�ؤ�س�سة ومركز ًا يف مقاب���ل �سبع م�ؤ�س�س���ات فقط يف ال�سنوات الع�شري���ن ال�سابقة لذلك». وق���د دفع هذا احل���راك املت�صاعد �إ�سرائي���ل �إىل احتالل املرتبة رقم 23عل���ى امل�ستوى العاملي م���ن حيث عدد املراكز البحثي���ة وم�ؤ�س�سات التفك�ي�ر ،وهي مرتبة متقدم���ة جد ًا بالن�سبة لدول���ة �صغرية ،م�ساح ًة وحجم ًا و�سكاناً. وقبل ديناميكية ال�شخ�صية الإ�سرائيلية احلدي���ث عن مراك���ز وم�ؤ�س�س���ات التفكري هذه ،ال بد م���ن التعريف، �أوالً ،باملركب الأ�سا�س الفاعل داخل هذه املراكز /امل�ؤ�س�سات باعتبار �أن �شخ�صي���ة الف���رد ومتيّزه الثق���ايف واحل�ضاري ينعك�س���ان -ب�شكل �أو ب�آخ���ر -على املكان ال���ذي يعمل فيه ذلك الف���رد وي�سعى لتطويره. ال�شخ�صي���ة الفردية الإ�سرائيلية تت�سم بالفع���ل – كما الحظ البع�ض بالديناميكية واحلركية ،وهي كذلك �شخ�صية بنيوية مُركّبة تعتمديف تثبيت مواقفها مُركّبني �أ�سا�سيني وهما :املعرفة والقوة .ومنذ وقت مُبكِّ���ر ،تر�سّ خت ل���دى الإ�سرائيليني ،حُ كّام ًا وحمكوم�ي�ن ،ومبا يُ�شبِه العقي���دة �أو الإيديولوجي���ا ،فك���رة �ضرورة اجلمع بني الق���وة واملعرفة م���ن �أجل حماية م�شروعهم الوجودي الذي تمُ ثِل «الدولة ال�صهيونية» ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
129
فـي ب�ؤرة االهتمام �إط���اره الأ�سا�سي ،واحلا�ضنة الرئي�سي���ة للتقدم والرخاء الذي ين�شده ه�ؤالء ،ولي�س جمرد �ضمان البقاء وح�سب. إدراك �إ�سرائيلي مُبكِّر لأهمية دور العلم وتتكئ هذه القناعة عل���ى � ٍ واملعرف���ة وحيويته الفائقة يف �صياغة حياة املجتمعات الإن�سانية ،وهو �إدراكٌ ن���راه جليّ��� ًا يف �أق���وال عدد من الق���ادة الإ�سرائيلي�ي�ن �أبرزهم حايي���م وايزم���ان� ،أول رئي�س لإ�سرائيل� ،إذ يق���ول «العلم هو �سالحنا وم�صدر قوتنا ودرعن���ا» ،كذلك مقولة �شمعون برييز التي ت�شدد على �أن «املعلوم���ة �أقوى من املدفع» .ي�ض���اف �إىل ذلك ،ما جاء على ل�سان �إ�سح���ق نافون ،الرئي����س الإ�سرائيلي الأ�سبق ،م���ن �أن «تبادل الثقافة واملعرفة ال يقل �أهمية عن �أي ترتيبات ع�سكرية». واحلال �أن هذا التفكري ،الذي عُ زِّ ز بالقدرات والإمكانيات الالزمة لال�ستم���رار وامل�ض���ي قُدم ًا نحو ت�أم�ي�ن الوجود يف بيئ���ة جيو�سيا�سية مُعقّدة ترف�ض وجود �إ�سرائيل ناهيك عن االعرتاف بها ،قاد القيّمني على الدولة العِربيّة � -سا�س ًة وع�سكر ،مفكرين وباحثني� -إىل احلر�ص دوم��� ًا على التعاطي مع م�ستجدات الواقع املحيط ومتغرياته العا�صفة الت���ي ال تهد�أ ومبا ي�ضمن احلف���اظ على «كيانية» الدولة وقدرتها على احلرك���ة مبرونة والتعامل م���ع العرب املناه�ضني له���ا واملحيطني بها م���ن كل اجتاه .ويف قل���ب هذا احلر�ص ،وذلك االهتم���ام ،كان ملراكز وم�ؤ�س�س���ات الأبح���اث وامل�ش���ورة مكان���ة خا�صة ،وموق���ع مميز ،ودور خطري. وال �ش���ك �أن املكان���ة الرفيع���ة والتقدي���ر الع���ايل اللّذي���ن حظي���ت بهم���ا (وال ت���زال) مراك���ز وم�ؤ�س�س���ات التفكري وامل�ش���ورة يف املجتمع الإ�سرائيل���ي ،يتالءم���ان مع الدور امله���م الذي تقوم به ه���ذه املراكز يف �ص���وغ ال�سيا�س���ات العامة و�صناعة الق���رار يف �إ�سرائيل .بالإ�ضافة �إىل م�ساهمته���ا الفاعل���ة يف تطوي���ر الأداء الإ�سرائيلي الع���ام� ،سوا ًء عل���ى م�ستوى الدولة �أو املجتمع ،وذلك – كما �سبق و�أن �أ�شار الباحث الفل�سطيني كم���ال علي ح�سن -من خالل عملها «يف م�ستويات عدة، منها: .1تطوي���ر احلي���اة املعرفي���ة يف �إ�سرائيل .فمراكز ال ِفك���ر عاد ًة ما ت�ستقطب �أهل اخلربة وامل�ؤهلني علمي ًا و�أكادميياً ،لذلك ف�إن مل�ؤ�س�سات البح���ث دور �أ�سا�سي يف تطوير احلي���اة املعرفية والفكرية والعملية يف الو�س���ط الإ�سرائيلي العام ،ع���ن طريق �أن�شطته���ا الثقافية ومنابرها الإعالمية املختلفة. � .2إقام���ة ج�س���ور العالق���ة والتوا�صل ب�ي�ن �أطراف متع���ددة تمُ ثّل، مبجملها� ،أقط���اب �إدارة ال�سيا�سة العامة وتنفيذه���ا والتفاعل معها، فه���ي تتو�س���ط العالقة ب�ي�ن احلكوم���ة وامل�ؤ�س�س���ات الأكادميية .ومن جه���ة �أخرى ،تمُ كِّن احلكومة من تاليف �أخطائه���ا �أو حت�سني و�سائلها و�سيا�ساته���ا ،م���ن خالل ما تت���م مالحظته ع�ب�ر الر�ؤي���ة الأكادميية وم���ا تتمخ�ض عنه عملية التطوير الفكري���ة واملناق�شات النقدية لتلك 130
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
الأفكار. � .3إ�شاع���ة روح البح���ث العلمي والتعامل م���ع الق�ضايا مبو�ضوعية، وتعمي���م ثقافة البح���ث والتح���ري واال�ستدالل التي تق���ف بال�ضد من ثقافة الت�سطيح واخلرافة والأحكام الع�شوائية ،ورعاية املبدعني على وجه اخل�صو�ص وتوفري الفر�صة املنا�سبة للراغبني يف البحث والكتابة والت�أليف و�إبداء الر�أي ،و�إقامة ج�سور التوا�صل بينهم واجلمهور». ومما عزّز من �أهمية هذه املراكز وامل�ؤ�س�سات وقُدرتها على التطوّر – كمّ��� ًا ونوع���اً ،-تحَ���وّل املجتم���ع الإ�سرائيلي من جمتم���ع مُتق�شِّ ف، كم���ا كان عليه احل���ال يف خم�سيني���ات القرن املن�ص���رم� ،إىل جمتمع وف���رة ورفاه بدء ًا م���ن الت�سعينيات وم���ا �أ�سفر عنه ذل���ك من تال�شي مفه���وم امل�ستوطن الرائ���د (احلالوت�س) ل�صالح مفه���وم اال�ستيطان (الديلوك�س) ح�سب تعب�ي�ر املُفكِّر الراحل عبد الوهاب امل�سريي .ويف �ض���وء هذا التح���ول ،نفهم ملاذا حتت���ل �إ�سرائيل الي���وم املرتبة الأوىل عاملي��� ًا يف ن�سب���ة الإنفاق عل���ى البحوث والتطوير بالن�سب���ة �إىل الناجت جل ّل املحل���ي ،الأمر الذي �ساهم كث�ي�ر ًا يف ا�ستقرار الأو�ض���اع املالية ُ املراكز وامل�ؤ�س�سات البحثية العاملة يف هذا البلد. عل���ى �أن املث�ي�ر لالهتم���ام �أكرث ،ال���دور الفاعل واملح���وري للجي�ش الإ�سرائيلي يف ه���ذا الإطار والذي يعك�س بو�ضوح الأهمية التي توليها الدولة العِربية لفكرة امل���زج بني املعرفة والقوة� ،إذ لعب اجلي�ش (وال يزال) دور ًا حا�ضن ًا النخراط �إ�سرائيل يف الثورة املعرفية .فعلى �سبيل املثال ،هن���اك العديد من مُنت�سبي امل�ؤ�س�س���ات املتخ�ص�صة يف جمال الأم���ن واالت�صاالت �أم�ضوا �سن���وات يف مراكز �أبحاث وحدات النخبة (ت�ساحال). واحلال �أن كل هذه الأمور مجُ تمعةً ،وغريها� ،أخذت – ومنذ مطلع العق���د املا�ضي حتدي���داً -يف دع���م دور �إ�سرائيل الإقليم���ي ومكانتها العاملي���ة وتقويتهما على نح��� ٍو ملحوظ ،ال�سيم���ا �أن خُ �صمائَها العرب ُيبْ���دونَ – حتى اللحظة -المب���االة مُريعة مبو�ضوع املعرفة ال�سيا�سية
يف حني يتخبّط ال�سّ ا�سة العرب يف توجهاتهم الآنية واال�سرتاتيجي��ة ،كنتيج��ة حتمي��ة الفتقاده��م م�ؤ�س�سات التفك�ير وامل�شورة ،جند ،يف اجلهة الأخرى حيث ي�ستوطن الأعداء ،درو�س ًا ال تنتهي حول �أهمية العلم والعلماء، البحث العلمي والباحثني
واال�سرتاتيجي���ة والعلمي���ة على حدٍ �س���واء ،بالرغم من �أنه���ا -والك ّل يعلم ذلك ويُقرّه� -أ�ضحت �أحدى املدخالت واملكونات الرئي�سية للقوة واملكانة يف ع�صرنا ،ناهيك عن «ترفّع» عددٍ كبري منهم جلهة معرفة (واال�ستم���رار يف الإحاطة بـ) التوجهّات احلاكم���ة ل�صنّاع القرار يف �إ�سرائيل ،التي ينظرون �إليها بو�صفها «العدو الأول» للأمة العربية! بي���د �أن ه���ذا - «الع��رب» حت��ت املجه��ر كم���ا �أ�شرنا يف بداية حديثن���ا -مل يدفع الإ�سرائيليني ،يف املقابل� ،إىل «الر ّد باملثل» ،فهو تكتي���ك غري م�أمون العواقب على الإطالق وال يليق بدولة حتر�ص على جتاوز هاج�س امل�شروعية املُزمِ ن الذي تعاين منه، وحت�صني �أمنها القومي املُهدد – رغم كل �شيء ،حتى اتفاقيات ال�سالم ومعاهدات���ه .ولهذا كان املحيط العرب���ي ،دو ًال وجمتمعات ،والتي هي يف حالة �صراع مُعلن مع امل�شروع ال�صهيوين يف املنطقة ،حمل اهتمام ودرا�س���ة من قِبل العلم���اء واملفكرين اليه���ود والإ�سرائيليني منذ �أمدٍ بعيد ميتد �إىل ما قبل قيام �إ�سرائيل نف�سها على الأر�ض الفل�سطينية. فعلى �سبي���ل املثال ،مت �إن�شاء «معهد الدرا�سات ال�شرقية» يف اجلامعة العربي���ة بالقد����س منذ �سن���ة .1926وبع���د ت�أ�سي�س الدول���ة العربية، ارتفع���ت وترية االهتمام الإ�سرائيلي بدرا�س���ة املنطقة العربية ،وتالي ًا تعاقبت املراك���ز وامل�ؤ�س�سات البحثية ،الت���ي كرّ�ست جهودها لدرا�سة التط���ورات الت���ي جت���ري يف العامل العرب���ي ،يف الظه���ور ،مثل «معهد ف���ان لري» ال���ذي ت�أ�س�س يف القد�س يف �سن���ة ،1959و«م�ؤ�س�سة ر�ؤوفني �شيل���واح» التي ت�أ�س�ست يف ذات ال�سن���ة برعاية اجلمعية اال�ست�شراقية يف �إ�سرائيل ،والتي دُجمت �سنة 1965يف جامعة تل �أبيب. لك���ن دور مراك���ز الأبحاث ال�سيا�سي���ة واال�سرتاتيجي���ة وم�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة الإ�سرائيلية برز �أكرث ،وتعمّقت ت�أثرياته يف توجّ هات الدولة العِربية ،بعد حرب حزيران /يونيو 1967التي �شنتها �إ�سرائيل على الدول العربي���ة املجاورة� ،إذ واجهت الأوىل م�ضاعفات الأرا�ضي املحتل���ة اجلديدة و»اخلط���ر الدميوغ���رايف» املاثل يف كثاف���ة ال�سّ كان الع���رب واملقاومة املُ�سلّحة وقرارات الأمم املتحدة ،بالتوازي مع تعقّد م�شكلة �أمن الدولة وم�ستقبلها .وفيما بعد� ،أ�صبحت الدرا�سات والآراء التي تُقدمها مراك���ز الأبحاث ال�سيا�سي���ة واال�سرتاتيجية وم�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة هي من ي�صوغ – �إىل حدٍ كبري -ويبلور نظرة الر�أي العام الإ�سرائيلي نحو العرب. وم���ن يتتبع خارطة مراك���ز الأبحاث يف �إ�سرائيل الي���وم� ،سيُده�ش كث�ي�ر ًا �أمام كرثة ع���دد مراكز البحث والدرا�س���ات الإ�سرائيلية التي تتخ�ص����ص يف درا�س���ة خمتل���ف الق�ضاي���ا يف الع���امل العرب���ي ،وهذه املراكز ال ترتك �شارِد ًة وال وارِدة يف املنطقة �إ ّال وتُ�شبِعها بحث ًا ودرا�سة ومتحي�ص ًا حت���ى تخل�ص ،يف النهاية� ،إىل تقدمي ا�ستنتاجات ب�ش�أنها، يعقُبه���ا ع���اد ًة ط���رح ت�ص���ورات وتو�صي���ات محُ���ددة قد تُفي���د �صنّاع
املكانة الرفيعة والتقدير العايل اللّذين حظيت بهما (وال ت��زال) مراك��ز وم�ؤ�س�سات التفك�ير وامل�شورة يف املجتم��ع الإ�سرائيلي ،يتالءمان م��ع الدور املهم الذي تقوم به هذه املراكز يف �صوغ ال�سيا�سات العامة و�صناعة القرار يف �إ�سرائيل
ال�سيا�س���ة وخمططو اال�سرتاتيجي���ات يف وزارة الدفاع و�أجهزة الأمن واال�ستخبارات. وبالتدري���ج� ،أخذت هذه املراكز واملعاه���د وامل�ؤ�س�سات يف االعتماد عل���ى نخب���ة م���ن املفكري���ن اليه���ود املتخ�ص�صني يف جم���االت كثرية ومتعددة ،كما م�ضت يف زي���ادة و�سائلها و�أدواتها البحثية وتطويرها، وتو�سّ عت مكتباتها وت�ضخّ مت قاعدة معلوماتها ،كما ت�ضاعفت �أعداد مطبوعاته���ا ودرا�ساته���ا وت�ش ّعب���ت موا�ضيعه���ا وحم���اور اهتماماتها املعرفية وال�سيا�سي���ة واالقت�صادية واال�سرتاتيجية .ويف الوقت نف�سه، تع���ززت ارتباطاتها مع احلكومة وم�ؤ�س�ساتها باعتبار �أنها �أ�صبحت - بال�ض���رورة -مراكز للدفاع عن املجتمع والدول���ة الإ�سرائيلية وتعزيز �أدائهم���ا يف املج���االت كاف���ة ،وراحت تُقي���م الن�شاط���ات بالتعاون مع امل�ؤ�س�سات امل�شابهة لها يف الغرب والواليات املتحدة الأمريكية خا�صة. كم���ا با�ش���رت يف و�ض���ع م�شاري���ع وحلق���ات نقا�شية و�إع���داد حتريات ودرا�سات م�ستقبلية ،عميقة ووا�سعة تتناول ،بالتحليل واال�ست�شراف، تركيب���ة الدول العربية ودينامياتها ال�سيا�سية واملجتمعية والدفاعية/ الع�سكرية وبالأخ�ص الدول والقوى املحيطة ب�إ�سرائيل. و�إىل جان���ب العديد م���ن مراكز البحث املتخ�ص�ص���ة يف درا�سات الع���امل العرب���ي ،ف����إن كل جامع���ة يف �إ�سرائيل ت�ضم �أك�ث�ر من مركز �أبح���اث متخ�ص����ص يف درا�س���ة املنطقة العربية ،ناهي���ك عن مراكز البح���ث التابع���ة للأجه���زة اال�ستخباري���ة الإ�سرائيلية؛ فمث�ل�اً جهاز الأم���ن الداخلي (ال�شني بيت) له مركز �أبحاث متخ�ص�ص يف درا�سة التط���ورات التي ت�شهدها الأرا�ضي الفل�سطينية من خمتلف النواحي، و(ال�ش�ي�ن بيت) ال ي�ستغل العمالء فق���ط يف احل�صول على املعلومات اال�ستخبارية املتعلقة بن�شطاء الف�صائل الفل�سطينية الذين ي�ساهمون يف �أن�شطة املقاومة ،بل يحاول ا�ستثمار ه�ؤالء العمالء و»اعت�صارهم» حت���ى النهاية� ،إن جاز القول ،للح�ص���ول على �أكرب قدر من املعلومات واملعطي���ات ح���ول م�سائل وق�ضاي���ا خمتلفة وتوفريه���ا ملركز الأبحاث ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
131
فـي ب�ؤرة االهتمام التابع لـ (ال�شني بيت) الذي يطرح �أ�سئلة حمددة ،ويطلب من العمالء احل�صول على �إجابات عنها. كم���ا �أن جهاز اال�ستخبارات اخلارجية (مو�ساد) ميلك ،هو الآخر، أبحاث �ضخم يتوىل درا�سة التطورات يف العامل العربي ،وهذا مرك���ز � ٍ املرك���ز ُيق���دم تو�صي���ات لدوائر �صنع الق���رار ال�سيا�سي ح���ول طبيعة العالق���ة مع العرب وم�ستقبلها ب�صورة م�ستمرة .يف نف�س الوقت ،ف�إن جهاز اال�ستخب���ارات الع�سكرية املعروف بـ (�أمان) ي�ضم بني �أق�سامه مركز �أبحاث كبري متخ�ص�ص بدرا�سة املنطقة وق�ضاياها املختلفة. ومل عبور احلدود لرتوي�ض العقول تقِف حركة ه���ذه املراكز وامل�ؤ�س�سات البحثي���ة الإ�سرائيلية عند حدود العم���ل يف داخ���ل (و�ضمن) �أرا�ض���ي الدول���ة العِربي���ة� ،إذ �أن بع�ضها، مُ�ستغِ�ل�اً �أجواء ال�سالم والتطبي���ع و�أحاديثهما الت���ي راجت بعد توقيع م�صر ال�سادات اتفاقية كامب ديفيد مع �إ�سرائيل وخالل العقد الأخري م���ن القرن املن�صرم ال���ذي �شهد انطالق «عملي���ة ال�سالم» بني العرب والإ�سرائيلي�ي�ن قبل جموده���ا يف ال�سنوات الأخرية ،عَ �َبلرَ احلدود �إىل عدد من الدول العربية ،كالأردن وم�صر. ويف ظل دع���وة «التطبيع الثقافى» ،وحتت يافطت���ه العري�ضة ،قامت ه���ذه املراك���ز ،و�أبرزها «املرك���ز الأكادميي الإ�سرائيل���ي» يف القاهرة، ب���دور خطري يف اخ�ت�راق العقل والوج���دان العربي�ي�ن لرتوي�ضهما على القبول بالدولة ال�صهيونية والتعاون معها على ح�ساب احلقوق والثوابت العربي���ة ،وطرح «ثقافة ال�سالم» كبدي���ل لثقافة املقاومة التى كانت قد اعتمدته���ا منظمات املقاوم���ة الفل�سطينية ودول عربي���ة �أعطت �أهمية مركزية وحمورية للق�ضية الفل�سطينية يف �أجندتها الوطنية. و�ضمن ا�سرتاتيجيّة �إ�سرائيلية �شاملة يف جمال �إر�ساء دعائم التطبيع والتج�سّ ����س و�إف�ساد النخب العلمية والثقافية العربية و�إعادة توجيهها، عم���ل «املركز الأكادمي���ي الإ�سرائيلي» ب���د�أب �شديد عل���ى �إقامة �أو�سع االت�ص���االت والعالقات مع مراكز البحث العلم���ي يف م�صر (الر�سميّة منه���ا والأهلية) ،مع الرتكيز على م�س�ألة جم���ع املعلومات الدقيقة عن عنا�ص���ر بُنية املجتمع امل�صري ،وحتويل تلك املعطيات والدرا�سات �إىل جه���از اال�ستخب���ارات الإ�سرائيلية (املو�س���اد) و�إىل دوائر �صنع القرار مئات م���ن النُّخب ال�سيا�سية يف �إ�سرائي���ل .ويرتافق ذلك مع ا�ستدراج ٍ والثقافية ،ب�شراء ذممهم ب�آالف الدوالرات ثمن ًا لبحث يتكوّن من عدة �صفحات ،ولي�س �شرط ًا يف بع�ض الأحيان ما حتويه هذه ال�صفحات من معلوم���ات .ففي �أحوالٍ عديدة ،يبقى الهدف الرئي�س هو الربط الوثيق للباحث به���ذه الدوائر و�إغرا�ؤه باملال واالمتي���ازات حتى ينتقل انتما�ؤه من التم�سك بلغة الوطن �إىل الدفاع عن لغة الدوالر. وال ب���د م���ن القول ،يف ال�سياق ه���ذا� ،أن التطبيع الثق���ايف يمُ ثّل ،كما وتب�ص���ر« ،الدعامة الرئي�سة للتغلغ���ل الإ�سرائيلي الح���ظ البع�ض بدقة ّ 132
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
يف املنطق���ة ،لأنه �أعم���ق و�أكرث ا�ستقرار ًا من �أيّ ترتيب���ات �أمنية ،مثل: املناط���ق منزوعة ال�سالح ،وو�ضع قوات دولية ،و�أجهزة �إنذار �إلكرتونية وغريه���ا من الرتتيب���ات .فالتطبيع الثقايف يظ��� ّل العامل احلا�سم على امل���دى البعي���د ،لأنّ ال�ص���راع يرت�سّ خ يف وع���ي ال�شع���وب وثقافاتها ويف ذاكرته���ا اجلمعيّة ووجدانها القوم���ي ،فت�صعب عمليّة ه��� ّز القناعات وتدم�ي�ر مق ّوم���ات الذاك���رة الوطني���ة ،واخ�ت�راق الثواب���ت التاريخية، والدينيّة واحل�ضاريّة دون �إقامة ج�سور للتوا�صل والتطبيع الثقايف. ومن هنا ،فقد قامت اال�سرتاتيجية الإ�سرائيلية وجتليّاتُها املعا�صرة عل���ى حماولة ن���زع الع���داء من الوج���دان والعق���ل والذاك���رة العربيّة، ا�ستكما ًال لن���زع الأ�سلحة املقاوِمة ،وهي املهمّة التي ت�ضمنُها االتفاقات ال�سيا�سيّة والأمنية ،و�ضرورة ا�سرتاتيجيّة انعقد حولها الإجماع الفكري يف �إ�سرائي���ل ويلت���فُّ خلفها املخطّ ط���ون واملنفذون؛ فقام���ت بت�أ�صيلها والتنظري لها مراكز بحوث عمليّة وجامعات ومعاهد وهيئات �أكادمييّة �إ�سرائيلي���ة كـ»املرك���ز اليهودي العرب���ي» و»معهد العالق���ات الإن�سانية» و»معهد الدرا�سات العربية» و ُكلّها تتبع جامعة حيفا ،و»ق�سم الدرا�سات الإ�سالميّة وال�ش���رق �أو�سطيّة» يف اجلامعة العربية ،و»مركز الدرا�سات اال�سرتاتيجي���ة» يف جامعة تل �أبيب (الذي �أطلق عليه ا�سم «جايف» فيما بعد) ،و»املركز الدويل لل�سالم يف ال�شرق الأو�سط» و»املركز الأكادميي الإ�سرائيل���ي» بالقاه���رة وغريه���ا م���ن املراك���ز وامل�ؤ�سّ �س���ات البحثي���ة املعروفة». عل���ى عومل��ة �إ�سرائي��ل� ،ص��ورة وخطاب�� ًا �أن ال���دور ال���ذي متار�سه هذه املراك���ز وامل�ؤ�س�سات يف خ���ارج �إ�سرائيل واملنطق���ة ،يظل الأخطر ال�سيما و�أنه ي���زداد زخم ًا وكثاف ًة بالتوازي مع ات�ساع نطاق العوملة والتق���ارب املت�سارع بني الأمم وال�شعوب والثقافات املختلف���ة .فقد ا�ستطاع كث�ي�رٌ من مراكز البح���وث وم�ؤ�س�سات التفكري الإ�سرائيلي���ة تطوي���ر وج���وده وارتباطاته يف �أماك���ن خمتلفة من العامل ري م��ن مراك��ز البح��وث الإ�سرائيلية تطوير ا�ستط��اع كث ٌ وج��وده وارتباطاته يف �أماكن خمتلفة من العامل ال�سيما يف الغ��رب ،وبلغ��ت �إمكاني��ات ه��ذه املراك��ز وارتباطاتها وت�أثرياته��ا هن��اك ح��د ًا و�ش���أو ًا بعيدي��ن بحي��ث غ��دا الرَّ�سميني يف �أمريكا و�أوربا وغريهم من ال�سيا�سيني يُرددون املنطق الإ�سرائيلي ذاته
م�ؤ�س�سات يف خدمة «الكيان» يعد مركز جايف للدرا�سات اال�سرتاتيجية (الذي من املراك���ز البحثي���ة الأخرى ،ميك���ن ت�سميتها �أ�صبح ا�سمه الآن معهد درا�سات الأمن القومي) على النحو التايل: التابع جلامعة تل �أبيب ،ومعهد هاري �س .ترومان مرك���ز مو�شيه داي���ان لدرا�سات ال�ش���رق الأو�سط للأبحاث وخدمة ال�سالم التابع للجامعة العربية و�أفريقيا. مرك���ز تاوب لدرا�س���ات ال�سيا�س���ة االجتماعية يف يف القد�س ،من �أهم املراكز البحثية وم�ؤ�س�سات �إ�سرائيل. التفكري وامل�شورة املرتبطة بالقطاع اجلامعي يف معهد القد�س للدرا�سات ال�سيا�سية. �إ�سرائيل. مركز بيجن -ال�سادات للدرا�سات الإ�سرتاتيجية .مركز برييز لل�سالم. وبالإ�ضاف���ة �إىل هذين املركزي���ن /امل�ؤ�س�ستني ،معهد فان لري يف القد�س. مركزيت�سحاق رابني لدرا�سات �إ�سرائيل. هن���اك مراكز وم�ؤ�س�س���ات تفكري �أخ���رى رائدة معهد ليونارد ديفي�س للعالقات الدولية. معه���د موري����س فول���ك للأبح���اث االقت�صادية يف تنتم���ي �إىل القطاع اجلامعي ،وكذلك القطاعني م�ؤ�س�س���ة الدرا�س���ات اال�سرتاتيجي���ة وال�سيا�سي���ة �إ�سرائيل. املتقدمة. م�ؤ�س�سة ريئوت (الر�ؤيا). اخلا����ص واحلكوم���ي و�شب���ه احلكوم���ي يف مركز �أريئيل لأبحاث ال�سيا�سة. مرك���ز �شي�ل�اح لدرا�س���ات ال�ش���رق الأو�س���ط �إ�سرائيل .ومن �أبرز هذه املراكز :املركز املتعدد امل�ؤ�س�سة الإ�سرائيلية للدميقراطية. و�أفريقيا. االخت�صا����ص هريت�سلي���ا ،ومعه���د فلور�سهامير املركز اليهودي -العربي. معه���د ليف���ي �أ�شك���ول للبح���وث االقت�صادي���ة لدرا�س���ات ال�سيا�س���ة ،ومرك���ز درا�س���ات الأمن مركز �إ�سرائيل/فل�سطني للأبحاث واملعلومات. واالجتماعية وال�سيا�سية. القوم���ي يف جامع���ة حيف���ا .و�إىل جان���ب مراكز مركز تامي �شتاينمت�س لأبحاث ال�سالم. املركز الأكادميي الإ�سرائيلي يف القاهرة. معه���د حايي���م هريت�س���وغ للإع�ل�ام واملجتم���ع املركز الدويل لل�سالم يف ال�شرق الأو�سط. الأبح���اث وم�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة هذه وهي وال�سيا�سة. معهد الدرا�سات الآ�سيوية والأفريقية. الأك�ث�ر ن�شاط ًا وتقدم��� ًا يف �إ�سرائيل ،هناك عدد
ال�سيما يف الغرب ،وبلغت �إمكانيات هذه املراكز وارتباطاتها وت�أثرياتها هن���اك حد ًا و�ش����أو ًا بعيدي���ن بحيث غ���دا الرَّ�سميني يف �أم�ي�ركا و�أوربا وغريهم م���ن ال�سيا�سيني -ودون احلاج���ة �إىل �أمثلة لأنها ال تحُ �صى- ���ات كث�ي�رة ���ات ومنا�سب ٍ يُ���رددون املنط���ق الإ�سرائيل���ي ذات���ه ،ويف �أوق ٍ تُ�ستع���ار وتُ�ستن�سخ م�صطلحاته وتعبريات���ه ،يف مقوالتهم حول الق�ضية الفل�سطيني���ة وق�ضايا الع���امل العربي وم�شكالت���ه القائمة الأخرى .ويف الوق���ت نف�سه ،جند �أن الإعالم الأمريك���ي خ�صو�صاً ،والغربي عموماً، يعتمد ب�شكل وا�سع على «خربة» هذه املراكز اال�سرائيلية ودرا�ساتها. ومكم���ن اخلطورة يف ذل���ك� ،أن ه���ذه الدرا�سات ،وتل���ك «اخلربة»، ع���اد ًة ما تُ�ستغل من �أجل الرتويج لنم���ط معني من التفكري واخلطاب، هو بالتحديد اخلطاب الر�سمي لل�سّ ا�سة الإ�سرائيليني وفهمهم لق�ضايا املنطق���ة ويف مقدمتها ق�ضية ال�صراع العربي -الإ�سرائيلي ،بالإ�ضافة �إىل تكري����س ون�شر نظريات و�أف���كار تتعلق بالعن���ف والإرهاب ومعاداة ال�سامي���ة وال�ش���رق الأو�س���ط اجلديد والتف���وق اليه���ودي ودميقراطية �إ�سرائي���ل والتهدي���دات الت���ي تط���ال �أمنه���ا القوم���ي م���ن ِقب���ل الدول الديكتاتوري���ة يف املنطق���ة ،ناهيك عن قولبة �ص���ورة العرب وتنميطها بحي���ث يُل�صق بها كل ما هو �شائن و�سلبي .ومن ثمّ ،العمل على توظيف ذلك كله من �أج���ل تغيري املعادالت ال�سيا�سي���ة واملواقف اال�سرتاتيجية مبا يخدم الطرف الإ�سرائيلي ،وم�صاحله ح�صراً. وعطف��� ًا على ما �سبق ،يُالحظ �أن جمي���ع مراكز البحوث وم�ؤ�س�سات
التفكري الإ�سرائيلية ،حتت���وي على ق�سم خا�ص بالعالقات واالت�صاالت اخلارجي���ة .ويعك�س هذا ،م���ن ناحية ،حر�صها ال�شدي���د على احلفاظ على روابطها وعالقاتها اخلارجية ،وتنمية التعاون والتبادل املعلوماتي والثق���ايف م���ع املراكز امل�شابهة يف ال���دول املتقدمة وخا�ص���ة يف �أمريكا ضال ع���ن ا�ستج�ل�اب الدعم املادي له���ا من قبل ال�شمالي���ة و�أورب���ا ،ف� ً احلكوم���ات الأمريكي���ة والأوربية .ومن ناحية �أخ���رى� ،ضمان التوا�صل مع اجلاليات اليهودية املنت�شرة يف العامل والتي تُ�شكّل حلقة الو�صل بني هذه اخلزّانات الإ�سرائيلية واليهود يف ال�شتات. ومن املهم الإ�شارة �إىل �أن مراكز البحوث احلرب الهجينة يف الع�صر الرقمي وم�ؤ�س�س���ات التفكري وامل�ش���ورة يف �إ�سرائيل التايل بقلم :ريا�ض قهوجي تت���وزع على ث�ل�اث قطاع���ات �أ�سا�سية ،هي القطاع اجلامع���ي والقطاع اخلا�ص �أو امل�ستقل والقط���اع احلكوم���ي و�شب���ه احلكومي .عل���ى �أن الدور ال���ذي قامت به اجلامع���ات الإ�سرائيلية ،وال تزال تقوم ب���ه (جامعة تل �أبيب خا�صة)، يف �إن�ش���اء هذه امل�ؤ�س�س���ات واحت�ضانها ورعايتها ،و�ضم���ان ا�ستمرارية عمله���ا ،يبقى الأب���رز والأك�ث�ر �أهمية .و ُتع���د مراكز الأبح���اث التابعة للقط���اع اجلامعي من �أن�شط و�أقدم مراكز الفكر يف �إ�سرائيل �إذ تالزَم ت�أ�سي�سه���ا مع �إن�شاء اجلامع���ات الإ�سرائيلية وكذلك �إنفتاحها وتعاونها م���ع اجلامعات يف العامل وخا�صة اجلامع���ات يف دول الغرب ،وحتديد ًا اجلامعات الأمريكية والربيطانية والفرن�سية والأملانية. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
133
فـي ب�ؤرة االهتمام
احلـرب الهجينة
تطــور �أ�سالــيب حــرب الع�صـابـ ــات واحلرب الثورية يف الع�صر الرقمي ريا�ض قهوجي
riadka@emirates.net.ae
من���ذ مطل���ع التاريخ وظه���ور اجليو����ش واحل���روب �شكلت احلرب غري النظامي���ة �أو ما يعرف �أي�ض ًا بحرب الع�صابات تهدي���د ًا حقيقي ًا للجيو����ش النظامية التي مل جت���د يوم ًا ح ًال �سه ًال له���ا .ولطاملا نظر الكتاب الع�سكريني واال�سرتاتيجيني الغربي�ي�ن بازدراء حل���رب الع�صاب���ات ومن �شارك���وا فيها. ولق���د �أطلق���ت العديد م���ن الأ�سم���اء وال�صف���ات على رجال ح���رب الع�صابات منها ما كان �إيجاب���ي وغالبها كان �سلبياً. ومرد ذلك يعود لكون الدول العظمى والغازية هي من يحبذ اجليو����ش النظامية ويحتقر الفرق غري التقليدية التي كانت ت�شكله���ا ع���ادة �شعوب ال���دول املحتل���ة .كان���ت اال�ستثناءات 134
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
الوحي���دة عرب التاريخ احلديث خالل احلرب العاملية الثانية (املقاتل�ي�ن الأح���رار يف فرن�سا ورو�سي���ا ودول �أخرى احتلتها جيو�ش ق���وات املحور) واملجاهدين الأفغ���ان قبل االن�سحاب ال�سوفيات���ي واملقاتلني ال�شي�ش���ان� .إال �أن الأمور ازدات �سوء ًا بعد هجمات � 11أيلول�/سبتمرب 2001حيث مل يعد هناك يف الع���امل �أي �ش���يء (�صراع) يعرف على �أنه���ا حرب حترير �أو ثورة �شرعية .كل قوة غ�ي�ر نظامية وت�ستخدم و�سائل العنف لتحقي���ق �أهدافه���ا ال�سيا�سي���ة �أو غريها (بغ����ض النظر عن �أحقيتها) باتت تعرف على �أنها �إرهابية. لك���ن طبيعة ال�صراعات اليوم �أخ���ذت �أ�شكا ًال �أكرث تعقيد ًا ريا����ض قهوج���ي الرئي����س التنفي���ذي مل�ؤ�س�س���ة ال�ش���رق الأدن���ى واخللي���ج للتحليل الع�سكري� -أنيغما ،دبي.
مم���ا كانت علي���ه نتيجة الث���ورات التكنولوجي���ة واملعلوماتية الت���ي �أوج���دت و�سائل وجم���االت جديدة للمواجه���ة مل تكن متوف���رة �سابق���اً .فلق���د وفر االنرتن���ت و�سيلة �شب���ه جمانية لن�ش���ر املعلوم���ات والتوا�صل وجتيي�ش ال���ر�أي العام واحلرب املعلوماتية ،يف حني وفّر الهاتف اخلليوي و�سيلة ات�صال قوية حملي��� ًا ودولياً .كم���ا �أدى التطور يف علوم الكيمياء �إىل ظهور �أن���واع متعددة من املتفج���رات التي ي�سه���ل �إعدادها حملياً، كما وفرت ال�سوق ال�سوداء املتنامية بفعل حت�سن املوا�صالت واالت�ص���االت �أ�سلحة متقدمة وفعالة �ضد اجليو�ش احلديثة. وعليه ،ف�إن التط���ور التكنولوجي على الأ�صعدة كافة قد �أدى
�إىل ظه���ور جي���ل جديد م���ن الق���وى الثورية تعتم���د �أ�ساليب وتكتيكات وو�سائل جديدة مل تكن معروفة قبل نهاية احلرب الب���اردة .ومب���ا �أن الواليات املتحدة الأمريكي���ة كانت الدولة الت���ي خرج���ت منت�صرة م���ن احلرب الب���اردة وبات���ت القوة العظم���ة الوحي���دة ،ومب���ا �أن �أمريكا ه���ي الدول���ة التي تقود حتالف���ات دولية يف ح���روب منذ ع���ام ،1990بع�ضها ما زال م�ستم���ر ًا يف �أفغان�ستان والعراق ،ف����إن الباحثني الع�سكريني الأمريكي�ي�ن كان���وا �أول م���ن و�ضع درا�سات ع���ن تطور حرب الع�صاب���ات �أو احلرب الثورية التي باتت تعرف لديهم اليوم با�سم “احلرب الهجينة”. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
135
فـي ب�ؤرة االهتمام
ب����د�أ تعب��ي�ر “احل����رب تعري��ف احل��رب الهجين��ة الهجينة” يظه����ر يف كتابات ودرا�سات امل�سئول��ي�ن الأمريكيني منذ انتهاء ح����رب ال�شي�شان خ��ل�ال العقد الأخري م����ن القرن الفائ����ت .ولقد ظهرت ع����دة تعريفات للحرب الهجينة� .أول من عرف بها كان املقدم يف اجلي�ش الأمريك����ي بيل نيمي����ث �إذ و�صفها “بنموذج ع�صري حل����رب الع�صابات، حي����ث ي�ستخ����دم فيها الث����وار التكنولوجي����ا احلديثة و�سب����ل حديثة حل�شد الدع����م املعنوي وال�شعبي” .ويق�صد هن����ا بالتكنولوجيا احلديثة الأ�سلحة املتط����ورة ،والتي ا�ستخدم����ت �ضمن تكتيكات ح����رب الع�صابات ب�شكل مل تعد اجليو�����ش النظامية لدى الدول الكربى قادرة عل����ى التمييز فيما �إذا كان����ت تخو�ض ح����رب تقليدية �أو غ��ي�ر تقليدية .فلقد ا�ستخ����دم املقاتلون ال�شي�شان �صواريخ حديثة م�ضادة للدروع والطائرات� ،إمنا يف اطار حرب الع�صاب����ات ويف مع����ارك جل�أ فيه����ا ال�شي�شاني����ون �إىل عملي����ات انتحارية ون�صب كمائن مع هجمات مرتدة. و�ض����ع باح����ث �أمريكي �آخ����ر ،وهو نايث����ان فراير ،الذي عم����ل يف مكتب وزي����ر الدفاع ،تعريف ًا �آخر للحرب الهجينة .وقال �إن احلرب الهجينة هي عندما ت�ستخدم جمموعة م�سلح����ة اثنان �أو �أكرث من الأ�ساليب الهجومية الأربع التالية :حرب تقليدية ،حرب غري نظامية� ،إرهاب كارثي ،ا�ستغالل التكنولوجيا لتهديد اال�ستقرار وتعطيل عمل الدول. �أم����ا العقي����د املتقاع����د يف اجلي�ش الأمريك����ي جاك ماك����ون فهو ي�صف احل����رب الهجين����ة بتلك الت����ي ت�ش����ن بوقت واحد عل����ى ثالث جبه����ات �أو حماور :داخل التجمع ال�سكاين يف منطقة ال�صراع ،وداخل منطقة النزاع االقليمي����ة ،وعلى م�ستوى املجتم����ع الدويل� .أي �أن ماكون ي�شدد على البعد العقائدي والفكري ك�أدوات �أ�سا�سية يف تعريف احلرب الهجينة. �آخر من ق����دم تعريف للحرب الهجينة كان ال�ضابط يف م�شاة البحرية الأمريكية فرانك هوفمان ،الذي و�صفها على ال�شكل التايل“ :حني يقدم 136
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
خ�ص����م عل����ى ا�ستخدام -وب�ش����كل متزامن ومتقن -مزيج م����ن الأ�سلحة التقليدي����ة والتكتي����كات غ��ي�ر النظامية واالره����اب (مهاجم����ة مدنيني �أو هجمات انتحارية) والت�صرف االجرامي يف جمال �أر�ض املعركة مبجمله (داخل����ي وخارج����ي) من �أجل حتقي����ق �أهداف����ه”� .أثار تعري����ف هوفمان ت�سا�ؤالت حول خ�صائ�ص احلرب الهجينة؛ فهل يجب الرتكيز على ا�سلوب القتال �أوالهيكلية التي ميتلكها اخل�صم ،وهل التزامن با�ستخدام القدرات ملزم �أم يجوز الت�سل�سل بتطبيقها ،وهل املزج بالأ�ساليب يعني بال�ضرورة وج����ود قوى وجمموعات متعددت تعمل مع ًا �أو ب�شكل متجان�س ،وهل العمل االجرام����ي �أحد �أ�ش����كال املواجهة �أم فقط لت�أمني م����وارد مالية للخ�صم. وال يوج����د �أجوبة حمددة حتى الآن ب�سب����ب تعدد احلاالت وخ�صو�صية كل منها ،بالرغم من �أوجه ال�شبه يف اخل�صائ�ص وال�صفات.
�أمثلة وحاالت يعترب حزب اهلل من �أجنح الأمثلة عل����ى القوى الت����ي طبّقت احل����رب الهجينة بنج����اح ،ب����ل �أن �أ�سلوب عمل احلزب وخ�صائ�صه باتت القدوة الت����ي ت�صبوا �إىل تطبيقها قوى �أخرى. ومتث����ل النج����اح الأكرب حل����زب اهلل يف ح����رب �صيف ،2006ح��ي�ن اعتمد مقاتل����وه تكتيكات حرب الع�صابات م�ستخدم��ي�ن �صواريخ م�ضادة للدروع وال�سفن بنجاح مبهر ،كم����ا متكنت �صواريخه من تهديد اجلبهة اخللفية للع����دو ،وجنحت �أدوات����ه االعالمية من حتقيق ن�صر معن����وي على العدو. حت����ى �أن حزب اهلل متكن من اخ��ت�راق �أجهزة ات�صال الع����دو والتج�س�س عل����ى حركته ومنعه من اخ��ت�راق �صفوفه ،مما �أوقع اجلي�����ش اال�سرائيلي بح����ال من ال�ضياع الكبري �أدى �إىل هزميته ميدانياً .و�شاهدنا الحق ًا كيف حاولت حما�����س �أن تعتمد �أ�سلوب حزب اهلل و�إمنا ب�شكل مُ�صغّر يف حرب غزة. يعترب تنظي����م القاعدة �أو التنظيمات املرتبطه به ب�شكل مبا�شر �أو غري مبا�شر من الق����وى التي تعتمد ما يعرف باحلرب الهجينة ،و�إمنا ب�أ�شكال
�أو م�ستوي����ات خمتلفة طبق ًا ملكان وجودها ونوعي����ة م�سرح العمليات .ففي بع�ضه����ا البع�ض .وبذلك تك����ون القوى امل�سلحة ال�سوي�سري����ة مهي�أة للقتال داخ����ل الدول التي متلك حكوم����ات و�أنظمة قوية ومتما�سك����ة يقت�صر دور ب�أ�سل����وب تقليدي وبنهج حرب الع�صاب����ات يف �آن واحد ،ومنذ اليوم الأول القاعدة على عمليات انتحاري����ة وهجمات حمدودة �ضد من�ش�آت حكومية للح����رب .وقبل ذلك ،وحتديد ًا يف االحت����اد ال�سوفيتي ،لعب الأن�صار دور ًا وع�سكرية ،كما هو احلال يف القاعدة يف بالد املغرب� .أما يف الدول التي ال كب��ي�ر ًا �إىل جان����ب اجلي�ش ال�سوفيات����ي النظامي يف دحر الق����وات النازية توجد فيها �سيطرة قوية للحكومة ،مثل العراق فهي �شنت حرب ع�صابات املحتل����ة وطردها .وال تعت��ب�ر ال�سيا�س����ة الدفاعية للجمهوري����ة الإ�سالمية م�صحوبة بهجمات انتحارية واعتم����دت اجلرمية املنظمة (خطف ونهب الإيرانية تطبيق ًا دقيق ًا للحرب املركبة ،حيث �أن احلر�س الثوري الإيراين بن����وك) لتموي����ل عملياته����ا ،الت����ي �شملت ب����ات م�سلح���� ًا اليوم ب�ش����كل �أق����رب �إىل اجلي�ش �أحيان���� ًا ق�صف���� ًا باملدفعي����ة وال�صواري����خ �أث��رت التط��ورات التكنولوجي��ة ب�ش��كل كب�ير النظام����ي من����ه �إىل ميلي�شي����ات تعتم����د ح����رب لأهداف �أمريكية وعراقية .كما اعتمدت يف �ش��كل احل��روب والنزاع��ات وجعلته��ا �أك�ثر الع�صابات .كما �أن ميلي�شيا البا�سيج ت�ستخدم و�سائل الكرتونية متقدمة للرتويج لفكرها تعقي��داً ،خا�صة بالن�سبة ال��دول الكربى التي مله����ام حماية النظام م����ن التهديدات الداخلية وح�شد �صفوف م�ؤيديها. ت�سع��ى �إىل حماية م�صاحلها وت�أمني �سيطرتها �أك��ث�ر منه����ا للخارجي����ة .وعلي����ه ،ف�����إن �سيا�سة ح�سم ألة � م�س تعد فلم الدولي��ة. ال�ساحة على الدف����اع الإيرانية فريدة من نوعها �إىل حد ما، وتعم����ل القاع����دة الي����وم ب�أ�سل����وب “الفران�شاي����ز”� ،أي �أف����رع متول نف�سها املع��ارك واحل��روب و�إخ�ضاع ال��دول وال�شعوب ولكنها ال تزال تعترب �أقرب للحرب املركبة. بال�سهولة التي كانت عليها ولكنها ت�س ِوّق للفك����ر والعقيدة والأهداف �أظه����رت احل����روب الأخ��ي�رة يف املنطقة �أن اال�سرتاتيجي����ة نف�سه����ا .وعلي����ه ،ف�����إن ال����دول الكربى بات����ت متتل����ك تفوق���� ًا ع�سكري ًا القاع����دة متثل �أ�سلوب ًا ال مركزي ًا يف احل����رب الهجينة على م�ستوى دويل ،كب��ي�ر ًا يف احلرب التقليدية �إىل حد باتت معه �أي حماولة من دولة عادية ل����ن تكون حماربته����ا �سهلة يف ح����ال اعتمدت و�سائ����ل ع�سكرية فقط دون ملواجهته����ا ب�شكل تقليدي فا�شلة و�أقرب لالنتح����ار .وخري مثال على ذلك �سواها من و�سائ����ل فكرية واجتماعية و�سيا�سية واقت�صادية .هذا يف حني عملية اجتياح الكويت ،والتي متت ب�ساعات ب�سبب التفوق الع�سكري الكبري ت�سعى القوى التي ت�ستخدم احلرب الهجينة ال�ستنزاف و�إرهاق خ�صومها للجي�ش العراقي وغياب �أي ميلي�شيات منظمة يف الكويت يف حينه .ويتكرر لإرغامه����م عل����ى االن�سحاب م����ن � ٍ أرا�����ض حمتل����ة �أو التخلي ع����ن �سيا�سة املث����ل ثانية يف الهجوم الرو�سي على جورجيا حيث كادت القوات الرو�سية خارجية معينة ،وهي ا�سرتاتيجية تكون �أكرث فعالية �ضد الدول التي لديها �أن حتتل �أرا�ض جورجيا كافة يف �أيام قليلة لوال التدخل الدويل وال�ضغوط �أنظم����ة دميقراطية و�شدي����دة الت�أثر بالر�أي الع����ام .ويف هذه احلال تكون الدبلوما�سية� .إن اعتماد جورجيا على قواتها النظامية فقط لوقف جي�ش �أم��ي�ركا و�أوروبا �أكرث ت�أثر ًا باحلرب الهجينة من الدول التي متلك �أنظمة ج����رار بحجم اجلي�ش الرو�سي دون �أي ميلي�شي����ات حتارب ب�أ�سلوب حرب ديكتاتورية �أو �شمولية. الع�صابات جعلها تخ�سر احلرب ب�شكل �سريع وخمز.
احل��رب املركب��ة �إن م����زج �أ�سالي����ب القت����ال م����ن ح����رب تقليدية وحرب غري نظامية لي�����س بالأمر اجلديد� ،إذ �أن دو ًال عدة ا�ستخدم����ت هذه العقيدة الع�سكرية �ضمن �سيا�ستها الدفاعية .ولتفريقها ع����ن احل����رب الهجينة ،وعدم مقارن����ة نف�سها مع ح����ركات حترر وحروب ثورية �أخرى ،عمد الكتاب الغربيون وخا�صة يف �أمريكا مثل توما�س هوبر، �إىل اط��ل�اق ا�سم خا�ص عليها وهو “احل����رب املركبة” .وتقدم �أمثلة على ه����ذا النوع من احل����روب :كالثورة الأمريكية �ض����د بريطانيا ،حني �شكلت ف����رق نظامي����ة �أمريكية مدعومة م����ن ميلي�شيات حملي����ة ملهاجمة اجلي�ش الربيط����اين وطرده من الواليات املتح����دة الأمريكية التي كانت قد �أعلنت ا�ستقالله����ا عن اململك����ة املتحدة .ولقد ا�ستخدم����ت امليلي�شيات الأمريكية حينه����ا تكتي����كات �شبيهة �إىل ح����د بعيد بتكتي����كات ا�ستخدمته����ا حركات ثوري����ة وحتررية �أخرى تعترب اليوم �إرهابية .ويقول امل�ؤرخون يف الغرب �إن احل����رب املركبة تعتمد من قبل دول يف حني �أن احلرب الهجينة ت�ستخدم م����ن قبل العبني من خارج ال����دول� ،أي منظمات ال تخ�ض����ع لنظام الدولة ح�سب التعريف الدويل للأمم. يعت��ب�ر املثل ال�سوي�سري اليوم من �أجن����ح �سيا�سات الدفاع ،حيث هناك جي�����ش نظامي وجي�ش �شعبي يتم ا�ستنفارهم����ا وتعب�أتهما ب�سرعة ملواجهة �أي تهدي����د خارجي ،كل هذا �ضمن �أنظمة حمددة للمواجهة والتن�سيق مع
لقد �أثرت التطورات التكنولوجية ب�شكل كبري اخلامتة يف �ش���كل احلروب والنزاعات وجعلتها �أكرث تعقي���داً ،خا�صة بالن�سبة الدول الك�ب�رى التي ت�سع���ى �إىل حماية م�صاحلها وت�أم�ي�ن �سيطرتها على ال�ساحة الدولي���ة .فلم تعد م�س�ألة ح�سم املعارك واحلروب و�إخ�ضاع الدول وال�شعوب بال�سهول���ة التي كانت عليها .فم���اذا يعترب هزمية طريق دول اخلليج للخروج من م�أزق «تنمية ال�ضياع» للقوى التي تعتمد احلرب الهجينة؟ هذا �س�ؤال التايل ت�صع���ب الإجاب���ة علي���ه ،ك���ون الط���رف الذي بقلم :علي خليفة الكواري ينتهجه���ا ي�ستخ���دم �أ�سالي���ب ويحم���ل �صفات ي�صعب ح�سمها ودحرها يف معركة واحدة �أو حتى ع���دة معارك� .سيبق���ى البعد الفكري والعقائدي م���ن �أ�صعب الأهداف التي عل���ى الغرب حماولة هزميتها دون تغي�ي�ر �سيا�ساته اخلارجية نحو املنطقة. كم���ا �أن منع اخل�صم من تطوير تر�سانته م���ن الأ�سلحة احلديثة وا�ستخدام اجلرمية املنظمة لتمويل ذاته �سيبقى حتدي ًا �صعباً ،اذ يتطلب حتقيقه تعاون ًا ا�سرتاتيجي��� ًا ودولي ًا لأق�صى املجاالت .ويجب على الدول ال�صغرى �أن تعتمد عقيدة احل���رب املركبة �ضمن �سيا�ساتها الدفاعية م���ن �أجل تعزيز قدرتها عل���ى مواجهة �أي هج���وم �أو حماولة غزو من قبل دولة كربى لأرا�ضيها ،كما �أن على الدول ال�صغرى ا�ستغالل مواردها الب�شرية والطبيعية واالقت�صادية كافة للدفاع عن نف�سها. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
137
فـي ب�ؤرة االهتمام
اخلروج من م�أزق «تنمية ال�ضياع» النفط والتنمية ومتطلبات الإ�صالح فـي �أقطـار جملـ�س التعـاون اخلليجي علي خليفة الكواري
dr_alkuwari@hotmail.com
مم���ا ي�ؤ�سف له حق��� ًا �إن النفط يف الدول العربية ما زال خارج نطاق ال�سيط���رة الوطنية ,ومل يتم �إخ�ضاعه العتبارات التنمية احلميدة ومتطلبات اال�صالح ,و�إمنا كانت ردة الفعل ملا يح�صل يف �أ�سواقه وتقلبات �أ�سعاره ولي�س الفعل الواعي, ه���ي احلقيق���ة املرة املتكررة .ه���ذا بالرغم من ال�ضجيج الإعالمي ل���وزراء النفط وكرثة تردي���د احلكومات ل�شعارات التنمي���ة والإ�صالح عامة ,وتنويع م�صادر الدخل وبناء قاعدة اقت�صادية بديلة لالعتماد على �صادرات النفط خا�صة. فم���ا زال النف���ط يف املنطقة بالرغم م���ن �أهميته وت�أثريه املركزي ,يفتق���د �إىل �سيا�سات نفطي���ة وطنية تخ�ضع النفط العتبارات التنمية .فهو املارد الذي يعيث ف�ساد ًا بالب�شر واحلجر وين�شر الإف�ساد والف�ساد ،ويقو�ض املجتمعات ،ومي�سخ الهوية الوطنية ،ويكر�س منوذج «تنمية ال�ضياع» �أحياناً ,وذلك دون عيب يف النفط و�إمنا العيب فينا. 138
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
علي خليفة الكواري باحث قطري.
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
139
فـي ب�ؤرة االهتمام ولع����ل �أحد امل�ؤ�شرات على غياب ال�سيا�س����ات النفطية الوطنية ,يتمثل يف التقلب����ات احلادة والطفرات النفطية املتك����ررة -والتي �سرنكز عليها يف ه����ذه املقالة -وم����ا ت�ؤدي �إليه م����ن تو�سع يف الإنفاق الع����ام غري الر�شيد، وتفاقم �أوجه اخللل املزمنة و�أخطرها اخللل ال�سكاين ,وما يلي كل طفرة وانح�ساره����ا من جمود �أو تراجع يف حجم �إنت����اج النفط و�أ�سعاره و�أزمات م�صطنع����ة ,ما كان لها �أن حتدث ل����و �أن دول املنطقة كان لديها �سيا�سات نفطية تخ�ضع �إنتاج النفط وعائداته العتبارات التنمية .فال�شغل ال�شاغل للحكوم����ات -م����ع الأ�سف -تركز دائم���� ًا يف كيفية تدوي����ر عوائد النفط ب�ص����رف النظر عن ج����دوى الإنفاق الع����ام يف زمن الطف����رات .هذا من ناحية ,وم����ن ناحية �أخرى كيفية موازنة الإنفاق العام مع عائدات النفط دون �إ�صالحه ,يف وقت تراجع �أ�سعار النفط �أو تراجع �إنتاجه .الأمر الذي �أدى �إىل تزاي����د ن�صيب النفقات ال�سرية يف امليزانيات العامة على ح�ساب النفقات العلنية ,وكان ال�ضحايا يف كل تراجع وانح�سار للطفرات النفطية هم �أ�صحاب الدخل املحدود وخدمات التعليم وال�صحة واال�سكان. وبذل����ك ان�صرف����ت احلكومات ع����ن الأمر املهم وامل�ص��ي�ري وهو حتقيق تنمي����ة ذات وج����ه �إن�ساين ت�ستثم����ر عائدات النفط بد ًال م����ن ا�ستهالكها, تنمي����ة ترتك����ز عل����ى �سيا�س����ة نفطي����ة تخ�ض����ع �إنت����اج النف����ط وت�صدي����ره الحتياج����ات التنمية االقت�صادية – االجتماعي����ة ال�شاملة .ولذلك ت�أرجح منط «التنمية النفطية» بني �ضياع فر�ص التنمية ومنط «تنمية ال�ضياع» يف ال����دول ال�صغرية ،التي بد�أت تفقد لغتها العربية وت�ضيع هويتها العربية- الإ�سالمي����ة ،ويتفاقم فيه����ا اخللل ال�سكاين ،و�ص����و ًال �إىل ت�شجيع التوطني مبوجب ربط الإقامة الدائمة مبجرد �شراء حق االنتفاع بعقار. ويف ه����ذه املقال����ة �س����وف �أتوق����ف �أو ًال عند الطف����رات النفطي����ة .وثانياً: �أع����ود �إىل تناول مفهوم التنمية .وثالثاً� :أتط����رق �إىل �أوجه اخللل املزمنة يف املنطق����ة ومتطلبات الإ�صالح اجلذري .و�س����وف �أعتمد يف هذه املقالة عل����ى بحوثي ودرا�سات����ي ال�سابقة ,يف �إ�شارة من����ي �إىل �أن م�سار التغريات االقت�صادي����ة واالجتماعي����ة امل�صاحبة للنفط ,مل تك����ن تداعياته اخلطرة بعي����دة عن اهتم����ام الدار�س��ي�ن يف املنطقة ,و�إمنا كان����ت عيونهم ب�صرية و�أياديهم ق�صرية.
�أوالً :ع��ن الطف��رات النفطي��ة �شه����دت �أ�سعار النفط طف����رات متكررة ب�سبب كبت �أ�سعار النفط ومنعها من بلوغ م�ستوي����ات التكاليف احلدية لإنت����اج بدائل النفط .وه����ذه الطفرات التي �شاهدناه����ا يف عام 1973و 1979ومن����ذ عام 2002حتى 2008هي قفزات تلقائي����ة مفاجئ����ة ,تبد�أ يف الأ�سع����ار الفورية وتت�أك����د يف الأ�سعار الر�سمية للنف����ط� ,ضد الكبت الذي مار�ست����ه الأخوات ال�سبع ط����وال ال�سبعينيات, ومار�ست����ه بعد ذلك الدول الأع�ضاء يف وكال����ة الطاقة الدولية مبا�شرة يف ثمانينيات وت�سعينيات القرن الع�شرين حتى بد�أت الطفرة الثالثة. وجدي���� ٌر بالت�أكي����د �أن الأ�سب����اب اجلوهري����ة للطف����رات النفطي����ة ميكن تلخي�صه����ا يف عاملني رئي�سيني �أولهما :ا�ستنف����اذ الطاقة الإنتاجية للدول امل�ص����درة للنفط ،وعجزها عن تلبية منو الطلب علي����ه .وثانيهما :ارتفاع التكاليف احلدية لتطوير و�إنتاج بدائل النفط والطاقة. 140
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�ستنف��اذ الطاقة الإنتاجي��ة� :أول الأ�سب����اب اجلوهرية واملبا�شرة للطفرات النفطية تعود بالدرجة الأوىل �إىل عجز عر�ض النفط عن تلبية احتياج����ات الطلب علي����ة ملدة معت��ب�رة ,ب�سبب تال�شي الطاق����ة الإنتاجية الفائ�ضة يف الدول امل�صدرة للنفط .وهذا ال ينفي �أن تكون هناك �أ�سباب معجل����ة �أو عوامل م�شجعة لطفرات الأ�سعار ,مثل ق����رار املقاطعة العربية يف عام 1973والث����ورة الإيرانية يف 1979وتداعياتهما .ورمبا ت�ؤدي بع�ض ه����ذه العوام����ل املعجل����ة �إىل ال�صعود بال�سع����ر �إىل م�ستوي����ات ال تعرب عن الأ�سباب اجلوهرية ,فيتم تعديل ال�سعر �إىل م�ستوى املتطلبات اجلوهرية الرتفاع����ه .ومثال ذلك الت�صحيح هو تراج����ع �سعر برميل النفط من 147 دوالر �أمريك����ي يف متوز/يولي����و � 2008إىل م�ست����وى 70دوالر �أمريك����ي بعد �شهرين يف �شهر �أيلول�/سبتمرب .2008فقد كان االرتفاع �إىل م�ستوى 147 دوالر �أمريك����ي للربمي����ل ي�ساوي �ضعف التكاليف احلدي����ة لبدائل النفط. وكان يعرب ع����ن النزع الأخري للم�ضاربات ال�شره����ة التي �سبقت انك�شاف الأزم����ة املالي����ة العاملية على نط����اق وا�سع� .أما ما تلي ذل����ك من انخفا�ض حت����ت م�ستوى 70دوالر �أمريكي ف�إن����ه يعود �إىل تراجع الطلب العاملي على النف����ط م�ؤقتاً .وقد عاد �سعر النفط يف �أواخر � 2009إىل حوايل 70دوالر ًا للربميل. وغن����ي ع����ن القول ب�أن ارتفاع �أ�سع����ار النفط منذ بداي����ة الطفرة الثالثة, مل يك����ن مقت�ص����ر ًا على ارتفاع �أ�سع����ار النفط ,و�إمنا �شم����ل كذلك �أ�سعار م�ص����ادر الطاق����ة الأخرى كلها �أي�ضاً ,تعبري ًا عن عج����ز الطاقة الإنتاجية القائمة لإنتاج م�صادر الطاق����ة املختلفة عن �سد حاجات الطلب املتزايد عل����ى الطاقة .فقد ارتفع ا�ستهالك العامل من م�صادر الطاقة الأولية من 9.3بلي����ون ط����ن ع����ام � 2000إىل 10.65بليون طن ع����ام 2004واىل 11.1 بلي����ون طن عام .2007ونتيجة لذل����ك ارتفع �سعر الفحم على �سبيل املثال وه����و ث����اين م�صدر ( )% 28.6للطاقة بعد النف����ط -من 36دوالر ًا للطنيف ع����ام � 2000إىل 43دوالر ًا للط����ن يف 2004واىل 87دوالر ًا للطن يف عام .2007 ولع����ل اجل����دول رقم ( )1يو�ض����ح لنا العالقة بني منو الطل����ب العاملي على النف����ط والطفرات النفطية ,وذل����ك عندما تكون �أ�سع����اره متدنية .الأمر ال����ذي ي�ؤدي عند ا�ستمرار ذلك لفرتة طويلة� ,إىل عجز الطاقة الإنتاجية يف ال����دول الأع�ضاء يف الأوب����ك عن مواجهة الطلب عل����ى النفط .عندها يطفر ال�سع����ر املكبوت �إىل م�ستويات التكالي����ف احلدية لإنتاج النفط من مكام����ن وم�ص����ادر بديلة .ويت�ضح م����ن اجلدول �أن �أ�سع����ار النفط يف عام 1961الت����ي هبط����ت على �إث����ر تخفي�ض �ش����ركات النف����ط للأ�سعار مرتني �أولهم����ا يف �شباط/فرباي����ر 1959وثانيها يف �آب�/أغ�سط�����س ,1960والتي هبط����ت بال�سع����ر �إىل 1.90دوالر �أمريكي للربميل ,ا�ستم����رت على حالها تقريب ًا حتى عام .1970 عندها طفرت الأ�سعار الفورية للنفط يف مطلع ال�سبعينيات قبل �أن توافق �ش����ركات النفط على تعديالت طفيف����ة يف الأ�سعار و�صلت �إىل 2.06دوالر للربمي����ل ع����ام ,1971و 2.80عام ,1972و 3.10دوالر ع����ام ,1973قبل �أن تق����وم الأوبك منفردة بتحديد �سعر نفطها لأول مرة يف عام 1974وترفعه �إىل 10.40دوالر للربمي����ل .وقد مت ذلك على �إث����ر ارتفاع الأ�سعار الفورية
جدول ( )1يو�ضح العالقة بني منو الطلب على النفط وبني الطفرات النفطية (الإنتاج :مليون برميل يومياً /ال�سعر :دوالر للربميل) ال�سنة
�إنتاج العامل
�إنتاج الأوبك
ال�سعر
مالحظات فرتة هيمنة �شركات النفط ا�ستمرار هيمنة �شركات النفط الطفرة الأوىل
الكمية
الن�سبة %
1961 1970
23 50
6 18
26 36
1.90 2.00
1974 1975 1978 1980
58 55 63 62
27 24 28 24
46.50 43.60 44.40 38.70
10.41 11.60 13.30 35.69
1985 1986 1998
57 60 73
15 18 29
26.30 30.00 39.70
27.53 13.10 12.10
2002 2005 2007
74 81 81
30 34 35
40.30 41.90 43.20
23.74 49.35 68.19
الطفرة النفطية الثانية ال�ضغط على �صادرات الأوبك انك�سار الطفرة الثانية 13عام من االنك�سار بداية الطفرة الثالثة الطفرة النفطية الثالثة الطفرة النفطية الثالثة
امل�صدرBritish Petroleum, Statistical Review )Annual Reports(. :
التي عجلت بها حرب ت�شرين الأول�/أكتوبر 1973واملقاطعة النفطية التي تلتها .وبقيت الأ�سعار عند م�ستوى 13دوالر �أمريكي للربميل ,حتى حلقت الطف����رة الثانية بالطفرة الأوىل عل����ى �إثر قيام الث����ورة الإيرانية وارتفاع الأ�سعار الفورية ,فبلغ �سعر الربميل 29.2دوالر �أمريكي عام 1979وو�صل �أعلى م�ستوى له عام 1980وهو 36دوالر �أمريكي للربميل. ويف تقديري �أن الطفرة الثانية هي ا�ستمرار للطفرة الأوىل التي مل ت�أخذ مداه����ا .ورمبا ذهبت الطف����رة الثانية بال�سعر �إىل �أك��ث�ر مما يجب ,ومبا ال ي�سم����ح امل�ستهلكون به وال تقدر الدول الأع�ض����اء يف الأوبك على الدفاع عن����ه كما �سبقت الإ�شارة ,عندها انخف�ضت �صادرات دول الأوبك يف عام � 1985إىل الن�صف تقريباً 15 ,مليون برميل بعد �أن كانت 28مليون برميل يف ع����ام ,1978فانهارت �أ�سعار النفط نتيجة لذالك يف عام � 1986إىل 13 دوالر للربميل وظلت دون الع�شرين دوالر �أمريكي حتى .1999 بعد ذل����ك تراجعت �أ�سع����ار النفط حوايل 15عام ,وعندم����ا بد�أ ال�ضغط على �إنتاج الأوبك يتزايد مرة �أخرى وطاقتها الإنتاجية الفائ�ضة تتال�شى, ارتف����ع ال�سع����ر عام � 2000إىل 27.60وا�ستم����ر دون 30دوالر �أمريكي حتى عام 2004حيث �أخذت الطفرة النفطية الثالثة تت�صاعد عندما بلغ �إنتاج �أوب����ك �أكرث من 34مليون برميل يومياً ,فو�صل �سعر برميل النفط �إىل 36 دوالر �أمريك����ي وا�ستمر حتى بلغ متو�سط �أ�سع����ار �سلة نفط الأوبك 69.10 دوالر �أمريكي للربميل يف عام.2007 التكاليف احلدي��ة لإنتاج النفط من مكامن وم�صادر جديدة: ال�سب����ب اجلوهري والأعمق للطف����رات النفطية يتمثل يف ارتفاع التكاليف احلدية لإنتاج النفط من مكامن وم�صادر بديلة للنفط التقليدي .وارتفاع �سع����ر النفط هن����ا ي�صبح �شرط���� ًا اقت�صادي���� ًا لقيام امل�ستثمري����ن بتطوير املكام����ن وامل�ص����ادر والتقنيات اجلديدة الالزمة ل�س����د احتياجات الطلب
العاملي املتزايد على النفط من م�صادر جديدة غري تقليدية. وجدي���� ٌر بالت�أكيد �أن م�ستوى �أ�سعار النف����ط عندما ت�صل م�صادر الإنتاج التقليدية املنتجة للنفط �إىل طاقتها الق�صوى يف املديني املتو�سط والبعيد ب�سب����ب الطبيع����ة النا�ضبة للنفط ,توقف����ت يف املا�ضي و�س����وف تتوقف يف امل�ستقب����ل على التكالي����ف احلدية للمكام����ن وامل�صادر اجلدي����دة للطاقة ب�شكل عام والنفط ب�شكل خا�ص .وكما �سبقت الإ�شارة ف�إن �أ�سعار م�صادر الطاق����ة ب�شكل عام يف مطلع الطفرة الثالث����ة �أخذت تتزايد عاك�سة بذلك ارتف����اع التكالي����ف احلدية لإنت����اج الطاقة من مكامن وم�ص����ادر جديدة. كم����ا �أن تزاي����د املحاذير البيئية قد �أدى �إىل ارتف����اع تكاليف �إنتاج الفحم والطاق����ة الذرية وامل�صادر اجلديدة البديل����ة للم�صادر التقليدية كلما مت التو�سع يف �إنتاجه ،هذا من ناحية. م����ن ناحية �أخرى ف�����إن للنفط -الزيت والغ����از -ا�ستخدامات خا�صة ال تناف�سه فيها حتى الآن م�صادر الطاقة الأخرى .و�أهم هذه اال�ستخدامات جم����االن �أولهما :وقود �سائ����ر و�سائ����ل املوا�صالت وثانيهم����ا :ال�صناعات البرتوكيماوية .واملناف�س للنفط من املكامن التقليدية يف هذين املجالني, ه����و النفط نف�سه والذي ميك����ن احل�صول عليه وعل����ى م�شتقاته من �أربعة م�ص����ادر رئي�سية غ��ي�ر تقليدي����ة� ،أولها� :إنتاج����ه من املحيط����ات والبحار العميقة .وثانيها :ا�ستخال�صه من زيت القار الرملي ،وثالثها :ا�ستخراجه من الزيت احلجري ورابعها :ت�صنيعه من الوقود احليوي. وق����د بلغ����ت تكالي����ف �إنتاج النفط م����ن هذه املكام����ن وامل�ص����ادر البديلة لإنت����اج النفط عند مطلع الطفرة النفطية الثالثة ,بني 40-36لزيت القار الرمل����ي يف والية الربتا يف كندا ,و 47.70دوالر لت�صنيع الزيت من الوقود احلي����وي يف الربازيل� .أما تكاليف الإنت����اج املقدرة للم�شاريع املخطط لها لإنت����اج النف����ط من املحيط����ات واملياه العميق����ة ,ف�إنها تقدر ب��ي�ن 35 - 30 ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
141
فـي ب�ؤرة االهتمام دوالر يف خلي����ج املك�سي����ك ,و 45-40دوالر يف بحر ال�شم����ال ,و 65-60دوالر يف �أعم����اق البح����ار يف �سواح����ل الربازي����ل ،و 75 – 65يف �أعم����اق البحار يف غرب �أفريقيا. وبالن�سب����ة للم�ص����ادر الأخ����رى البديلة الت����ي يجرى تطويره����ا يف الوقت الراه����ن ،فهي ح����وايل 65دوالر للربميل من زيت الق����ار الرملي يف كندا, و�أك��ث�ر م����ن 70دوالر لإنت����اج النفط من �سواح����ل الواليات املتح����دة وما ال يق����ل ع����ن 70دوالر لإنتاج الزيت م����ن الوقود احليوي و�أك��ث�ر من 70دوالر للربميل من الزيت ال�صخري� .أما �إنتاج الوقود احليوي من �سيقان ال�شجر واحل�شائ�����ش -اجلي����ل الثاين -ف�����إن تكاليف �إنتاجها تق����در بني 159-105 دوالر للربميل(.)1
ثانيا« :التنمية النفطية» ومفهوم التنمية احلميدة
«التنمية النفطية» �إن �صحت الت�سمية هي منط التنمية ال�سائد يف �أقطار جمل�����س التع����اون وهي منوذج ي�صع����ب ت�سميته تنمية ,و�إمن����ا هي حم�صلة تلقائي����ة متقلب����ة للتغريات الت����ي �صاحبت ع�ص����ر النف����ط يف دول املنطقة و�أبعدته����ا عن �أمناط التنمية احلميدة .فم����ا حم�صلة التغريات امل�صاحبة للنفط يف �أقطار جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية؟ الإجاب����ة املُرّة التي ت�ؤكدها �أدبيات التنمية ،ت�شري �إىل �أن تلك التغريات - الفجائي����ة والع�شوائية -مل تكن عملية تنمية باملعنى املتعارف عليه ملفهوم التنمي����ة احلمي����دة .وبعد الإطالع عل����ى عدد من التعريف����ات ،تو�صلنا �إىل تعريف خمت�صر يعترب «التنمية ال�شاملة عملية جمتمعية واعية وم�ستدامة, وقف��ة عن��د االنعكا�س��ات املالي��ة للطف��رة الثالث��ة موجهة وفق �إرادة وطنية من �أجل �إيجاد حتوالت هيكلية و�إحداث تغيريات انعك�ست الطفرة النفطية الثالثة على قيمة �صادرات النفط والغاز امل�سال �سيا�سية واجتماعية واقت�صادية وثقافية ,ت�سمح بتحقيق ت�صاعد م�ضطرد ,LNGو�أدت �إىل زيادة قيمة �صادرات الدول ال�ست يف جمل�س التعاون �إىل لقدرات املجتمع املعني وحت�سني م�ستمر لنوعية احلياة فيه». ح����وايل ثالثة �إ�ضع����اف ون�صف يف الفرتة من ع����ام .2002-2007كما �أدت �إىل زي����ادة عائ����دات النفط التي مت توريده����ا �إىل امليزانيات العامة للدول ال�س����ت م����ن 91,1بليون دوالر ع����ام 2002اىل 355بلي����ون دوالر عام 2007ماهية التغريات امل�صاحبة للنفط يتبني (ح����وايل �أربعة �أ�ضعاف) .وبذلك حققت ال����دول ال�ست فوائ�ض كبريه من لن����ا �إذاً ,من حتديد معنى م�صطلح التنمي����ة بكل م�سمياتها الإيجابية �أنها امليزانيات العامة ت�صاعدت من 10.6بليون دوالر( )%11,20عام � 2002إىل مفهوم مركب .فالتنمية عملية ،Processكما �أنها �آلية ,Mechanismهذا �إىل جان����ب كونها �أداة وو�سيلة لتحقيق �أهداف مرحلية �ضمن �إطار غايات 158.4بليون دوالر ( )%51.20عام .2007 �إن�سانية وح�ضارية ذات �أبعاد جمتمعية� .أما م�ؤ�شراتها املتداخلة واملتكاملة ونت����ج عن تلك الفوائ�����ض زيادة يف حجم الأ�ص����ول اخلارجية املالية لدول فه����ي �أربعة� :أولها :منو اقت�صادي مبعنى تزايد م�ضطرد يف �إنتاجية الفرد املنطق����ة ال�ست ,والت����ي مت تقديرها بح����وايل 1.8تريلي����ون دوالر يف نهاية و�إنت����اج املجتمع .وثانيه����ا :حتوالت هيكلية تطال �أوج����ه التخلف ال�سيا�سية عام .2007وقد تعر�ضت ه����ذه الأ�صول اخلارجية �إىل والإداري����ة واالقت�صادي����ة واالجتماعي����ة والثقافية خ�سائ����ر ب�سبب الأزمة العاملية ,ق����درت يف نهاية 2008 كاف����ة ,بهدف تنمي����ة القدرات و�إط��ل�اق الطاقات بحوايل ربع قيمتها .كم����ا �صاحب هذا التدفق الكبري ان�صرف��ت احلكوم��ات ع��ن الأم��ر اخليرّ ة على امل�ستويني الفردي واجلماعي .وثالثها: وال�سري����ع لعائدات النفط ت�سرب لإي����رادات الدول من املهم وامل�صريي وهو حتقيق تنمية حت�سن م�ضطرد وم�ست����دام لنوعية احلياة املعنوية �ص����ادرات النفط .فقد كان هن����اك فرق كبري بني قيمة ذات وجه �إن�ساين ت�ستثمر عائدات واملادية لأفراد املجتمع وجماعاته .ورابعها :تكري�س �ص����ادرات النف����ط وب��ي�ن م����ا مت توري����ده �إىل امليزانيات النفط بد ًال من ا�ستهالكها ,تنمية ن�س����ق اجتماعي يحافظ على ا�ستم����رار املجتمع وال العام����ة يف نف�س الأعوام .وق����د لوحظ هذا الت�سرب يف ترتك��ز عل��ى �سيا�س��ة نفطي��ة يدم����ر هويته ,يهدف �إىل تو�سي����ع اخليارات املتاحة جمي����ع دول جمل�س التعاون با�ستثن����اء الكويت التي كان تخ�ض��ع �إنت��اج النف��ط وت�صديره للمواطن��ي�ن ب�أجياله����م املتعاقب����ة وذل����ك تعب��ي�ر ًا م����ا ورد للميزاني����ة من قيم����ة �ص����ادرات النفط يف عام الحتياجات التنمية االقت�صادية ع����ن تبن����ي �إ�سرتاتيجي����ة جمتمعية وطني����ة للتنمية 2007يزيد بن�سبة %8.5وهذا راجع �إىل ن�شر ح�سابات – االجتماعية ال�شاملة امل�ستدامة. ختامي����ة للميزاني����ة العام����ة يف الكوي����ت يدققها ديوان و�إذا �أجرين����ا مقارن����ة مو�ضوعي����ة ب��ي�ن مفه����وم املحا�سبة التاب����ع ملجل�س الأمة� .أما هذا الفرق يف بقية التنمية ال����ذي �سبقت الإ�شارة �إليه ،وبني التغريات الدول فق����د بلغت ن�سبته النق�ص فيه يف ع����ام %17.3 :2007يف الإمارات، و %27.4يف العربية ال�سعودية ،و %50.4يف قطر ,وهذا ي�شري �إىل �أن هناك االقت�صادي����ة واالجتماعية -الفجائية والع�شوائي����ة املتقلبة ,التي �شهدتها مبال����غ كبرية معت��ب�رة من عائدات النف����ط والغاز امل�س����ال LNGمل تدخل املنطق����ة يف ع�ص����ر النفط ،يتبني لن����ا مدى ابتعاد تل����ك التغريات عن نهج امليزاني����ات العامة .بل تت�سرب منه����ا ل�سبب �أو لآخ����ر .والت�سرب املق�صود التنمي����ة ،ويت�أك����د لن����ا �أنها ال ترق����ي �إىل م�س ـت����وى عملية تنمي����ة ,ب�أي من هن����ا هو ت�س����رب عائدات النفط والغ����از امل�سال ب�شكل خا�����ص قبل دخولها الت�سميات امل�ستحب����ة ,حيث مل تهتدِ تلك التغريات بن�سق اجتماعي ي�صون امليزاني����ات العامة� ,أما الت�س����رب من امليزانيات فذلك �أمر الحق وهو لي�س الهوي����ة ويحافظ على امل�صال����ح العليا للمجتم����ع باعتب����اره م�ؤ�س�سة دائمة �أقل �أهمية منه. ( )1وتل���ح على فك���رة ويراودين حل���م بالن�سبة مل�ستقبل اجليل الث���اين من الوقود 142
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
احلي���وي ,ويتمث���ل ذلك يف �أن تك���ون �صحارينا يف اجلزي���رة العربية هي املنطقة امل�ؤهلة لإنتاج الوقود احليوي من �سيقان ال�شجر واحل�شائ�ش .وهذا علمي ًا ممكن �إذا طورنا بحوث تهجني النباتات وجعلها تقبل املياه املاحلة الوفرية لدينا.
تتعاق����ب عليه����ا الأجي����ال ،و�إمنا كان����ت تغ��ي�رات منفلتة م����ن عقالها ،مل ت�ضبطه����ا �إ�سرتاتيجية وطني����ة حتقق تنمية ذات وج����ه �إن�ساين ,وحتافظ عل����ى حقوق املواطنني وت�ص����ون هويتهم عرب الأجي����ال .الأمر الذي حَ وّل تل����ك التغريات – تدريجي���� ًا -يف دول املنطقة �إىل منط يرتاوح بني �ضياع فر�ص التنمية وبني منط من «تنمية ال�ضياع» يف الدول ال�صغرية.
�ضي��اع فر���ص التنمي��ة �أ�ضاع����ت التغ��ي�رات الع�شوائية املتقلبة على املنطقة فر�ص تنمية حمتملة ،نتيجة لعدم �إ�صالح �أوجه اخللل املزمنة بل تفاقمها ,وعجز ال�سيا�سات احلكومية عن �إحداث تغي��ي�رات هيكلية ت�سمح ببناء قاع����دة �إنتاجية -م�ؤ�س�سية وب�شرية ومادية بديل����ة للنف����ط .وهذا العج����ز ال ينفي وجود حت�س����ن -مرهون ا�ستمرارمعظمه با�ستمرار تدفق ريع النفط على امليزانيات العامة لدول املنطقة - يف جوان����ب من احلياة املادية مثل ارتفاع م�ستوى املعي�شة وارتفاع امل�ستوى ال�صح����ي وانت�ش����ار التعليم واالت�ص����ال بالعامل .ولكن تبق����ى احلقيقة ب�أن تل����ك التح�سينات متثل حالة �سمحت بها الوف����رة النفطية ،ولي�ست عملية تعرب عن اجتاه م�ستمر يف التح�سن ،يعك�س حتوالت يف البنية االقت�صادية واالجتماعي����ة .ولذلك الحظنا ب�أن م�ستويات املعي�ش����ة ترتاجع ب�شكل عام وم�ستويات معي�شة ذوي الدخل املحدود ترتاجع ب�شكل خا�ص كلما ت�أرجحت الطف����رات النفطية بني امل����د واجلزر .وكذلك ميك����ن �أن ترتاجع خدمات ال�صح����ة والتعليم والإ�سكان وغريها حتت �ضغط انخفا�ض معدالت زيادة الإنفاق العام كلما انح�سرت طفرت من طفرات �أ�سعار النفط. �أم����ا اجلوان����ب املعنوية م����ن احلياة فلم ت�شه����د حت�سن ًا يذك����ر ،با�ستثناء الكوي����ت التي عا�شت فرتات متقطعة من احلي����اة الد�ستورية ومتتع بع�ض مواطنيه����ا بقدر م����ن االنتخاب ،كما توف����ر فيها قدر م����ن حرية التنظيم والتعبري وحكم القانون .ولذلك ف�إن امل�شاركة ال�سيا�سية الفعالة و�ضمانات
احلري����ات العام����ة و�ضمانات حقوق املواط����ن والإن�سان مل تتق����دم ،بل �إن بع�ض���� ًا من �ضماناتها التقليدية قد تراج����ع نتيجة لرتاجع الدور ال�سيا�سي للقبيل����ة العربي����ة ،دون ا�ستبداله مب�ؤ�س�سات جمتمع م����دين حديث ،الأمر ال����ذي �أخ ّل مبتطلب����ات احلد الأدنى م����ن التوازن بني ال�سلط����ة واملجتمع، وجع����ل الأف����راد يقفون عاجزين �أم����ام �آلة ال�سلطة الت����ي ت�ضخمت بف�ضل امتالكه����ا لري����ع النفط وحتكمه����ا يف �سيا�سات �إعادة توزيع����ه �إ�ضافة �إىل ت�أث��ي�ر اخللل ال�سكاين واحلماية الأجنبي����ة ,والتي �أدت جمتمعة �إىل ن�شوء «�سلط����ة �أكرث من مطلق����ة وجمتمع �أكرث من عاجز» على حد تعبري الزميل حممد غبا�ش. واىل جانب عدم حتقي����ق تقدم يذكر يف اجلوانب ال�سيا�سية من احلياة، ف�����إن امل�شاركة ب����كل �أبعادها الأخرى ق����د تدنت ن�سبياً .كم����ا �أن التما�سك االجتماع����ي قد تردّى .وكذلك غابت عن التغ��ي�رات التي �صاحبت ع�صر النف����ط يف املنطق����ة اعتبارات امل�ستقبل والعدالة ب��ي�ن اجليل الواحد وبني ضال عن تزايد االنك�شاف عل����ى اخلارج ب�شكل عام الأجي����ال املتعاقب����ة ،ف� ً واالنك�شاف الأمني ب�شكل خا�ص ،مما �أثر يف الإرادة الوطنية التي بدا �أن دول املنطقة قد ا�سرتدتها عندما انتهاء عهد احلماية الربيطانية.
من��ط «تنمي��ة ال�ضي��اع» وال�س�����ؤال املنطق����ي الذي يطرح نف�سه ب�إحلاح عل����ى �أهل املنطقة واملعنيني مب�ستقبل �شعوبه����ا -يف الوق����ت احلا�ضر -يف �ض����وء املح�صلة ال�سلبي����ة التي �أ�سفر عنه����ا امل�سار اخلاطئ يف املا�ض����ي ,هو �إىل �أين �سوف ي�ؤدي ا�ستمرار ذلك امل�س����ار اخلط����ر مبجتمعات املنطق����ة و�شعوبه����ا يف امل�ستقب����ل؟ لقد فوتت التوجه����ات اال�ستهالكية عل����ى املنطقة فر�صة بناء قاع����دة �إنتاجية بديلة للنف����ط ،و�ض ّيع����ت بالتايل فر�صة بدء عملية تنمي����ة م�ستدامة على كل من دوله����ا .فهل تدفع اليوم التوجه����ات -التي ما زالت حتكم م�سار احلا�ضر ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
143
فـي ب�ؤرة االهتمام مبجتمعات املنطقة �إىل ال�ضياع -ال قدر اهلل -بعد �أن �ضيعت توجهات ق����د ال يتطابق مع معنى كلمة Reformالتي قد يكون الق�صد من �إطالقهاالتفكي����ك و�إعادة الت�شكيل التي طرحها الغرب واتبعتها احلكومات ,لأنها املا�ضي فر�ص ًا ثمينة لبدء عملية تنمية م�ستدامة. �إن املعطيات التي �أفرزتها التغريات امل�صاحبة لع�صر النفط ،وا�ستمرار ال تغ��ي�ر من و�ضع ال�سلطة القائمة و�إمنا حت�سن �صورتها يف نظر ما ي�سمى �أوجه اخلل����ل املزمنة ،وتفاق����م اخللل ال�سكاين واخلل����ل الأمني على وجه بـ “املجتمع الدويل”. لذل����ك البد لكل دعوة ج����ادة للإ�صالح �أن حتدد �أوجه اخللل التي ت�سعى اخل�صو�����ص ،تدف����ع ب����دول املنطق����ة ب�شكل ع����ام واحتاد الإم����ارات وقطر والبحرين ب�شكل خا�ص �إىل منط «تنمية ال�ضياع» �إن جاز ت�سمية التغريات �إىل �إ�صالحها ،وتعني الأهداف املرجو الو�صول �إليها من عملية الإ�صالح، الراهن����ة «تنمية» .ولعل تفاقم اخللل ال�س����كاين وما �سي�ؤدي �إليه من ن�شوء وتلت����زم بال�سيا�سات التي حتق����ق ذلك .و�أوجه اخلل����ل املزمنة يف املنطقة مراك����ز دولية منقطعة ال�صلة باملجتمعات الأ�صلي����ة فيها ,بلغتها وهويتها ميك����ن �إجمالها يف �أربعة �أوجه رئي�سة .منها اثن����ان متفق عليهما من قبل وم�صاحلها (منط �سنغافورة) ,يظل احتما ًال وارد ًا بالن�سبة للدول الأ�صغر احلكومات وال�شعوب وال تخلو �إ�سرتاتيجية للتنمية �أو خطة �إال و�أكدت على يف املنطقة .هذا �إذا ا�ستمر -ال قدر اهلل -اخللل ال�سكاين يف تداعياته� ،ضرورة مواجهتهما� .أولهما :اخللل ال�سكاين ،وثانيهما :اخللل الإنتاجي- ومل يتمك����ن املواطنون �أن يعيدوا لأنف�سهم �أهمية اجتماعية ويكت�سبوا حق االقت�ص����ادي .واثن����ان �آخ����ران م�سك����وت عنهما عل����ى امل�ست����وى الر�سمي، امل�شاركة ال�سيا�سية ،اللتني ت�سمحان لهم ب�أن يقوموا بدور التيار الرئي�سي وي�شكالن عبئ ًا وعائق ًا �أمام الإ�صالح على امل�ستوى الأهلي� ،أولهما :اخللل يف املجتم����ع .وم����ن هنا ف�إن احتم����االت ال�ضياع ال يج����وز التقليل منها� ،إذ يف العالق����ة بني ال�سلطة واملجتمع وغي����اب الدميقراطية يف معظم �أقطار �أن هناك خطر ًا ماث ًال يه����دد بانزالق التغريات االقت�صادية واالجتماعية جمل�����س التعاون .وثانيهما :اخللل الأمني ،واالعتماد على الغرب يف توفري الراهن����ة �إىل م�����آزق ي�صع����ب اخل����روج منه .ه����ذا �إذا مل تك����ن بع�ض دول الدفاع عن دول املنطقة. املنطقة قد انزلقت �إليها بالفعل. وم����ن هن����ا ف�إن �أي �أجن����دة للإ�صالح املن�ش����ود يف املنطقة يج����ب �أن تبد�أ وم����ن �أخط����ر هذه املزالق هو م����ا ت�شهده الإمارات وقط����ر والبحرين من ب�إ�صالح �أوجه اخللل املزمنة الرئي�سة الأربعة املذكورة �أعاله� ,إ�ضافة �إىل تفاقم اخللل ال�سكاين ،والتوجه لتطوير بنية �أ�سا�سية اجتماعية وثقافية ,حتديد �أهداف عملي����ة الإ�صالح و�سيا�ساته ومراحله .وجدير بالت�أكيد �أن عماده����ا اللغ����ة االجنليزي����ة يف التعلي����م ويف الإدارة والرتفيهية ,من �أجل دواعي الإ�ص��ل�اح واملطالبة به مل تتوقف يف املنطقة على امل�ستوى الأهلي، خدمة متطلبات �سيا�سات التو�سع العقاري لغري حاجة املواطنني والوافدين وكذلك الإ�شارة �إىل احلاجة �إليه على امل�ستوى الر�سمي: للعم����ل ,و�إمنا بق�صد التوط��ي�ن عن طريق ت�شجيع م�ش��ت�ري العقارات من فعل��ى امل�ستوى الر�سمي ومنذ قيام جمل�س التعاون اعرتف امل�سئولون خمتل����ف الق����ارات وع��ب�ر احل�ض����ارات بتوف����ر بيئ����ة يف املجل�س بوج����ود م�سار خطر ،وكتب الأ�ستاذ عبد اجتماعي����ة وثقافية مف�ضلة لديهم ,ومبنحهم �إقامات اهلل ب�شارة عام ،1987يف العدد ال�ساد�س من جملة دائم����ة مع جمي����ع �أف����راد �آ�سره����م ،ب�ص����رف النظر �أ�ضاع��ت التغ�يرات الع�شوائي��ة التعاون ،م�ؤكد ًا وج����ود مطالب �إ�صالح ،تغلق دونها عن حاج����ة العمل �إليهم يف الدول����ة املانحة للإقامات املتقلب��ة على املنطق��ة فر�ص تنمية الأب����واب .وقال« :هناك طرق����ات على �أبواب هادئة، الدائمة �أو �إمكانيات اندماجهم يف املجتمع الوطني .حمتملة ،نتيجة لع��دم �إ�صالح �أوجه تقليدية ( )...ت�أت����ى بنداء عن التغيري يف القوانني، وقد �أدت هذه ال�سيا�سات الغريبة عن املنطق الوطني اخلل��ل املزمنة ب��ل تفاقمه��ا ,وعجز واملواقف ،وااللتزام����ات ،ويف امل�ؤ�س�سات ،و�أهمها يف والإن�ساين -طم�����س ثقافة جمتمعات قائمة واقتالعها ال�سيا�س��ات احلكومي��ة ع��ن �إح��داث الفل�سف����ات واملنطلقات» .و�أ�ضاف �أن «التحدي الذي ل�صلح م�ستوطن��ي�ن جدد� -إىل ت����دين ن�سبة املواطنني تغي�يرات هيكلي��ة ت�سم��ح ببن��اء يواج����ه دول اخللي����ج ،ه����و قدرتها م����ن عدمها على يف �إجم����ايل ال�سكان يف عام � 2007إىل حوايل الن�صف قاعدة �إنتاجية -م�ؤ�س�سية وب�شرية التجاوب مع هذه الطرقات». يف �ست����ة �أعوام فقط .حي����ث �أ�صبحت ن�سبة املواطنني ومادية -بديلة للنفط وبعد مرور �أكرث من عقد من الزمن �أي�ضاً ،جند %10يف الإم����ارات و %16يف قط����ر ,واىل الن�صف يف �أن «�إ�سرتاتيجية التنمية ال�شاملة بعيدة املدى لدول البحرين بعد �أن كانت قبل عام واحد ت�ساوي الثلثني. جمل�س التعاون ( ،»)2025-2000والتي اعتمدها هذا مقارنة بن�سبة %20يف الإمارات ,ون�سبة %31يف قطر عام � .2001أما القادة يف اجتماع املجل�س الأعلى يف دورته التا�سعة ع�شرة يف كانون الأول/ م�ساهمة املواطنني يف �إجمايل قوة العمل فقد تدنت �إىل %5يف الإمارات دي�سمرب 1998يف �أبو ظبي ،ت�ؤكد �أن «من �أبرز التحديات التي تعي�شها و %7يف قطر و %15يف البحرين. م�سرية التنمية الوطنية بدرجة �أو ب�أخرى ،ومل تتخل�ص منها رغم مرور �أكرث من �أربعة عقود تنموية بهذه الدول( ،هي) ا�ستمرار هيمنة املوارد �إ�ص��ل�اح الأحادية على م�صادر توليد الدخل ،وهو ما يعمل على ت�ضييق خيارات ثالث��اً :متطلب��ات الإ�ص�لاح �أوجه اخللل املزمنة يف املنطقة هو املدخل لبدء عملية تنمية حميدة طال التنمية وفر�ص الك�سب .»...وت�ضيف الإ�سرتاتيجية م�ؤكدة ارتباط كافة انتظاره����ا .كما �أن ب����دء عملية التنمية يف املنطق����ة يتطلب �سيا�سة نفطية التحديات بـ «اختالالت بيّنة يف الرتكيبة ال�سكانية ،مبا تت�ضمنه من تخ�ض����ع النفط العتبارات التنمية .فالإ�صالح كما نفهمه يف اللغة العربية ت���أث�يرات �سلبية على التجان�س االجتماعي وبواعث املواطنة والوالء، وهي اختالالت قد جنمت عن االعتماد الكثيف على العمالة الأجنبية، 144
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
واختالالت �سوق العمل ،والثبات الن�سبي لنظم التعليم والتدريب ونظم كان لظ����روف اللحظة الراهن����ة والعوامل اخلارجي����ة �إ�ضافة �إىل احلركة الوطني����ة يف كل م����ن الكويت والبحري����ن ،ف�ض ٌل يف خروج تل����ك الد�ساتري التوظف والأجور». وعل��ى امل�ست��وى الأهل��ي ,ميثل «م�ش����روع الإطار الع����ام لإ�سرتاتيجية كن�صو�ص ،ولكنها عطلت يف البحرين و مت جتاهل جوهرها عند التطبيق التنمي����ة والتكام����ل» يف �أقطار جمل�����س التعاون� ,أحد ت�ص����ورات الإ�صالح يف الكويت. املطلوب����ة لت�صحي����ح م�سار التنمية يف املنطقة .مت �إع����داد هذا الت�صور يف وال يفوتن����ي �أن �أختم هذه املقالة باجلهود الت����ي بذلها منتدى التنمية يف ع����ام 1983من قبل فريق عمل بتكليف من الأمانة العامة ملجل�س التعاون .املنطقة .ففي اللق����اء اخلام�س والع�شرين ملنت����دى التنمية ،متت مراجعة التو�صي����ات الت����ي �أكدت عليها لقاءات املنتدى عل����ى مدى 25عاماً ،ومتت وقد بد�أ هذا امل�شروع باملنطلق والطموح الذي متثله املادة درا�سة �أوجه اخللل املزمنة .كما مت التو�صل �إىل الرابع����ة من النظام الأ�سا�سي للمجل�س ،التي اعتربت �أن املجل�����س ج����اء «ا�ستكما ًال مل����ا بد�أت����ه (دول املنطقة) من �إ�ص�لاح �أوجه اخلل��ل املزمنة م�شروع �أهلي للإ�صالح اجلذري من الداخل يف جه����ود يف خمتل����ف املجاالت احليوي����ة التي ته����م �شعوبها يف املنطق��ة هو املدخ��ل لبدء �أقطار جمل�س التع����اون .وقد حتددت �أجندته يف ما يلي: وحتق����ق طموحاتهم نحو م�ستقبل �أف�ضل و�صو ًال �إىل وحدة عملي��ة تنمي��ة حمي��دة طال �أوالً :ت�صحي����ح العالقة بني ال�سلطة واملجتمع. دولها». عملية بدء أن � كما انتظارها. وذل����ك من خالل الف�صل ب��ي�ن الدولة باعتبارها وبع����د ذك����ر الغاي����ات بعيدة امل����دى للتنمي����ة والتكامل يف يتطل��ب املنطق��ة يف التنمي��ة م�ؤ�س�س����ة يت�س����اوى فيه����ا كل املواطن��ي�ن وب��ي�ن املنطقة� ،أكد الإطار العام هذا على التحديات التي تواجه املنطق����ة والإمكانيات املتاحة له����ا .وتوقف امل�شروع ب�شكل �سيا�سة نفطية تخ�ضع النفط �شخ�صي����ة احلاك����م ،وبالتايل الف�ص����ل بني املال خا�����ص عند الأه����داف الإ�سرتاتيجي����ة العاجلة ،وحددها العتبارات التنمية الع����ام فيه����ا وب��ي�ن امل����ال اخلا�����ص ،وت�أكيد حق املواطنني جميع ًا يف تكافئ الفر�ص يف املنا�صب يف الت����ايل� :أوالً ،تخفي�ض االعتم����اد على النفط تدريجي ًا العامة ،و�إقامة نظام احلكم على �أ�سا�س �شرعية و�إخ�ضاع �إنتاجه العتب����ارات التنمية .ثانياً ،تخفي�ض قوة العم����ل الوافدة وتعديل تركيبها وحت�سني نوعيتها .ثالثاً� ،إخ�ضاع النفقات د�ستور دميقراطي. العام����ة ملعايري اجل����دوى االقت�صادي����ة .رابع����اً� ،إ�ص��ل�اح الإدارة الراهنة ثاني��اً :ت�أ�سي����س �شبكة �أم���ان اجتماعي .وذل���ك من �أجل ت�أم�ي�ن املواطنني وتنميته����ا (مبتدئني بالإدارة ال�سيا�سية) .خام�ساً ،بناء قاعدة اقت�صادية ب�ش���كل �إيجابي �ضد تداعي���ات تقوي�ض دور �أهل املنطق���ة؛ �شبكة �أمان وطني بديلة� .ساد�ساً ،بناء قاعدة علمية -تقنية ذاتية متطورة� .سابعاً� ،إ�صالح �ض���د ظاهرة �أ�شكال البطالة املت�صاع���دة وانخفا�ض القدرة على املناف�سة مع التعلي����م وربط����ه مبتطلبات التنمي����ة .ثامناً ،توفري البيئ����ة املالئمة لتنمية الوافدي���ن ,نتيجة لعدم تهيئة املواطنني للمناف�س���ة يف �سوق العمل ويف جمال الأعم���ال ,ب�سب���ب نظ���م احلواف���ز املغلوطة يف �سيا�س���ات التعلي���م والتوظيف ثقافة اجتماعية م�ستمرة. ويف اخلت����ام حدد م�شروع الإطار العام هذا ,متطلبات تنفيذه يف ما يلي :احلكومي .وكذلك �ضمان حق التعليم والعالج وت�أمني م�ستوى معي�شي كرمي. �أوالً ،جت�سي����د الكيان ال�سيا�سي املوحد وتر�سيخ �أ�س�سه .ثانياً� ،إيجاد �إدارة ثالثاً� :إ�صالح اخللل ال�سكاين .وذلك كي ي�صبح املواطنون تدريجي ًا �أغلبية �إقليمي����ة لإدارة التنمي����ة .ثالثاً ،تهيئة الإدارة املحلي����ة وتوثيق ترابطها مع مطلقة يف ال�سكان ,ون�سبة ال تقل عن %50من قوة العمل يف كل ن�شاط وكل �إدارة التنمي����ة الإقليمية .وقد كان الت�أكي����د على متطلبات التنفيذ هذه – قط����اع من قطاعات الإنت����اج يف كل دولة .حتى ي�س��ت�رد املواطنون دورهم مع الأ�سف -ال�سبب الرئي�سي لرف�ض وزراء التخطيط للم�شروع ،وجتاهله الإنتاجي وال�سيا�سي باعتبارهم التيار الرئي�سي يف املجتمع. باعتب����ار التنمي����ة والتكام����ل لديهم جم����رد م�شروعات م�شرتك����ة ولي�ست رابع��اً� :إ�صالح اخلل����ل الإنتاجي .وذل����ك باال�ستفادة من م����وارد الزيت �إ�صالح ًا �سيا�سي ًا واجتماعي ًا �إىل جانب الإ�صالح االقت�صادي. والغاز الطبيعي يف �إطار كيان قابل للتنمية ،وتوظيف ريعهما يف عملية بناء قاع����دة اقت�صادية متنوعة من حيث الن�شاط����ات والقطاعات ،تكون بديلة وبالرغم للنف����ط ميكنه����ا تدريجي ًا توفري فر�ص عم����ل مُنتِجة وم�ص����ادر دخل بديلة نحو �إ�صالح جذري من الداخل م����ن ال�صد الر�سم����ي العنيف املتوا�صل لكل مطال����ب الإ�صالح يف املنطقة لعائ����دات النفط ،وتنمية قدرة على توازن ميزان املدفوعات ،وتلبية حاجة ف�إن الإ�صالح اجلذري من الداخل ما زال مطلب ًا ملحاً ,كما كان الإ�صالح اال�سترياد من عائدات �صادراتها. دائم���� ًا مطلب���� ًا لأهل املنطقة يف الع�صر احلديث ،من����ذ �أن انفردت النظم خام�س��اً� :إ�ص��ل�اح اخلل����ل الأمني يف �إط����ار جمل�س التع����اون .وذلك من الراهن����ة باحلك����م يف �إطار معاه����دات احلماية .فاملطالب����ة بالإ�صالح مل خالل االندماج الإقليمي والتكامل العربي من �أجل تقليل احلاجة الوطنية تنقط����ع عل����ى مدى قرن م����ن الزمان ،ولكنه����ا مع الأ�س����ف �أٌجه�ضت �أو مت والإقليمية والعربية لأي مظلة �أمن خارجي. احتوا�ؤه����ا �أمني����اً ،ومل تتبلور يف الغالب وت�صبح حرك����ة �شعبية م�ستدامة� ،ساد�ساً :مطل����ب الدميقراطية وحقوق الإن�س����ان وتنمية املجتمع املدين، حت����ى تكلل بالو�صول �إىل توافق مع احلكومات ,تتوفر له مقومات التطبيق باعتب����ار الدميقراطي����ة هدف���� ًا من الأه����داف الوطني����ة ،واىل جانب ذلك على �أر�ض الواقع .وي�ستثنى من ذلك ،املرحلتان الق�صريتان اللتان �شهدتا و�سيلة لتحقيق بقية الأهداف. و�ض����ع د�ست����ور الكويت لع����ام 1962ود�ست����ور البحرين لع����ام ،1972والتي ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
145
مدار الأفكار ب�صراحة
�سجال
�صدر حديث ًا �ضمن �سل�سلة ر�سائل جامعية
�آراء
�إي ر ا ن :ظا
عل
يح �سني اب
مل ٌ ة � أ م مظل
كري * عبد ا
لغ
ومة؟
ني ا مل ا و ر ي
لم ًا «متييزي ًا»! �أن تكون ُم�س ِ د الدين العثماين
وار مع الدكتور �سع
ح
تواز اخلليج العرب ن مفقود: ي والبع
�سيا�سة اليمن اخلارجية جتاه دول القرن الإفريقي: م�ساهمة يف درا�سة القرار ال�سيا�سي
حممد علي عمر احل�ضرمي
دا ل ث ق ا م�ؤثر يف ة ك يف قوة حت دي �سالم الرب�د امل�صالح ضي
جدلية ا ل إ � س ال م هل جتاوزه والدمي ق ر ا ط ي ة : ا الإ� سالميون؟ نبيل
البكريي
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 146
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثاين ،يناير/فرباير
2010
2010
ا�سرتاتيجية
147
مدار الأفكار بو�ضــوح
�آراء
�سجال
بو�ضوح مع �سعد الدين العثماين
�أن تكون مُ�سلِم ًا «متييزياً»!
“
جدلية الديني وال�سيا�سي ،وتالي ًا جدلية الدولة الدينية والدولة املدنية ،من الق�ضايا الفكرية املعا�صرة الأكرث �إثارة لل�صخب يف �أو�ساط نخب امل�شهد ال�سيا�سي والفكري العربي مبختلف �أطيافه وتوجهاته من �إ�سالمييه �إىل علمانييه، م��رور ًا ببقي��ة �ش��ركاء امل�شهد من ليرباليني وقومي�ين وي�ساريني .وقد و�صل هذا اجل��دل م�ؤخر ًا �إىل دائ��رة الظاهرة الإ�سالمية، ُمث�ير ًا خالف�� ًا واختالف ًا بني تياري��ن �إ�سالميني� ،أحدهما تقليدي م�شدود بحنينه اجلامح نح��و املا�ضي ،والآخر �أكرث حداثة .ومن ممثل��ي ه��ذا التيار الأخري يربز ا�سم املفكر الإ�سالمي وال�سيا�سي املغربي الدكتور �سعد الدين العثماين ،الذي ينظر �إليه باعتباره �أح��د رواده الكب��ار من خالل عدد من الكتب الت��ي �ألفها يف هذا اجلانب ،وب�صفة خا�صة كتابي��ه ال�شهريين “ت�صرفات النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف الإمامة” و”الدين وال�سيا�سة ..متييز ال ف�صل” ،اللذين اعتربا الأ�سا�س الذي تقوم عليه ر�ؤية تيار احلداثة الإ�سالم��ي لق�ضاي��ا الدين والدولة والع�صر ،ف�ض ًال ع��ن كتابه “يف الفقه الدعوي :م�ساهمة يف الت�أ�صي��ل” وكتابه “فقه امل�شاركة ال�سيا�سية عند �شيخ الإ�سالم بن تيمية”. ولع��ل �أك�ثر ما يلفت النظر ت�أكيد العثماين ال�ضمن��ي على �أن هناك “علمانية يف الإ�س�لام” (و�إن كان يف�ضل ا�ستخدام تعبري حا�ضر منذ بداياته.. “الدميقراطية” الأكرث برجماتية والأقل �إثارة للجدل) ،و�أن التمييز بني الديني وال�سيا�سي يف الإ�سالم ٌ كي��ف ذل��ك؟ هذا م��ا نحاول ا�ستي�ضاحه� ،إىل جانب عدد م��ن ق�ضايا الفكر الإ�سالمي املعا�صر و�شواغل��ه ،عرب احلوار الذي �أجراه نبيل البكريي مع الدكتور �سعد الدين العثماين ،الذي �شغل حتى عهد قريب من�صب الأمني العام حلزب العدالة والتنمية املغربي ،وي�شغل حالي ًا من�صب رئي�س املجل�س الوطني وم�سئول العالقات اخلارجية يف احلزب نف�سه.
“
148
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�أ�����ش����رت يف درا����س���ت���ك «ال���دي���ن وال�سيا�سة ..متييز ال ف�صل» �إىل �أن اخلالف بني الدين وال�سيا�سة خالف فرعي ولي�س خالف ًا جوهري ًا� .إىل �أي مدى ميكن �أن ي�شكل هذا القول مدخ ًال ملزيد من التقارب بني الإ�سالميني والعلمانيني يف عاملنا العربي؟ �أظن �أن الفكر الإ�سالمي يف بداية النه�ضة العربية الإ�سالمية ،وخ�صو�ص ًا نهاية القرن التا�سع ع�شر وبداية القرن الع�شرين ،ت�شكل ك����رد فع����ل عل����ى هجم����ة الثقاف����ة الغربية، وبالت����ايل كان م����ن الطبيع����ي �أن جن����د فيه بع�����ض النت����وءات واملبالغ����ات الت����ي مل تكن مبني����ة على عمق نظ����ري وا�ستقراء للموقف ال�شرع����ي ،ولكنه����ا تكونت يف �إط����ار دفاعي يق����وم على مب����د�أ احلفاظ عل����ى الوجود يف مقابل هجمات الفك����ر الغربي .ولهذا بقيت عدد م����ن الق�ضايا حمتفظ����ة بغمو�ضها �إىل عهد قريب ،ومن �أبرز هذه الق�ضايا و�أهمها عالق����ة الدين بالدولة ،والدني����ا ،وال�سيا�سة يف الإ�سالم. ما ه��ي الإ�شكاليات الت��ي ا�ستدعت ه��ذه املراجع��ة م��ن قبي��ل ه��ذا املزج والتماهي يف لغتكم ،ثم �أمل ُين ِتج هذا التماهي �إ�شكاليات �أخرى على �صعيد املزج بني الفتوى والر�أي الب�شري؟ الفك����ر يتطور ،وثمة حم����اوالت ظهرت يف �سي����اق احل�ضارة الإ�سالمية يف بداية القرن املا�ض����ي لإع����ادة �شمولية الدي����ن �إىل العقل الإ�سالم����ي املت�أث����ر بالفكر الغرب����ي ،والذي ب����د�أت تن�ش�أ فيه مدار�س حت����اول �أن جتاري الغربيني يف الف�صل ب��ي�ن الدين والدولة، والف�ص����ل ب��ي�ن الدين وال�سيا�س����ة يف �أق�صى درجات����ه وجتلياته .وكنتيج����ة لذلك ُبو ِلغ يف التنظري مل�س�ألة التماهي بني الدين والدولة، وب��ي�ن الدي����ن وال�سيا�سة ،الأم����ر الذي طرح �إ�ش����كاالت �أخ����رى �أدت يف نهاية املطاف �إىل خروج فكرة «التميي����ز» ،التي قال بها ُكتاب ومفكرون كُثرُ .
(
)
ه��ل تعت�بر �أن حال��ة الكهنوتية يف
املمار�س��ة ال�سيا�سي��ة ه��ي �إحدى هذه الإ�شكاليات؟ لي�ست الكهنوتية كلها ولكنها حالة قريبة منها� ،إذ وجدت �إ�شكاالت مل ت�ستطع �أن جتد ح ًال يف هذا التماه����ي ،ثم وقع �أي�ض ًا انفتاح عل����ى النم����وذج الغرب����ي الأجنلو�ساك�س����وين م����ن الناحي����ة النظري����ة ،لأن ال����ذي �سيطر يف الدرا�س����ات النظرية ح����ول عالقة الدين بالدول����ة ،والدين بال�سيا�سة ،يف البداية هي املدر�س����ة الفرن�سية (العلماني����ة الفرن�سية) هم�ش����ة له ب�شكل املت�شددة �ض����د الدين �أو املُ ِّ كب��ي�ر ،لكن بعد ذلك تب��ّي�نّ حقيقة �أنه حتى يف الفكر الغرب����ي هُ ناك مدار�س واجتاهات متنوع����ة ومتباين����ة ،و�أن االجت����اه العلم����اين الأك��ث�ر ت�شدد ًا ه����و االجتاه امل�سيط����ر نظري ًا لكن عملي ًا هُ ناك توجهات �أخرى �أقرب �إىل الفك����رة الإ�سالمية م����ع �شيء م����ن التعديل وبع�ض االختالفات ،وم����ن هُ نا جاءت فكرة التمييز. م�ؤدى كالمك �أن فكرة التمييز �أتت ل ُتم ِكّن��ا م��ن اال�ستف��ادة م��ن عطاءات التجرب��ة الإن�ساني��ة يف جم��ال ال�سيا�س��ة ،نظ��ر ًا لأن الإ�سالمي�ين رمب��ا جت ّم��دت عندهم فك��رة التاريخ الإ�سالم��ي ،و�أ�صبح��وا يعتق��دون �أن �صورة الدولة الإ�سالمية هي ال�صورة التاريخية املا ِثلة يف اخلالفة.. ه����ذا م����ن نتائ����ج التماه����ي ب��ي�ن الديني وال�سيا�س����ي يف الفك����ر الإ�سالم����ي املعا�صر، فقد جعل ال�سيا�س����ي ينطبق عليه ما ينطبق عل����ى كثري من جوان����ب الدين م����ن الثبات، وهذا ج ّمد الفكر ودفع �أنا�س �إىل �أن ينحتوا يف مقابل الأفكار الغربية �أفكار ًا م�ستقاة من الألف����اظ والن�صو�ص الدينية مثل «ال�شورى» مقابل «الدميقراطية» على �أ�سا�س الت�ضاد، ومثل «اخلالفة» مقابل «الدولة املدنية» �أي�ض ًا عل����ى �أ�سا�س الت�ضاد ..وهك����ذا .لكن عندما نتمعن يف امل�س�ألة ،جند �أن هذا الت�ضاد -يف احلقيقة -م�صطن����ع ومل يكن حقيقي ًا� .إننا بحاج����ة �إىل تفكيك الق�ضاي����ا ،لأن معاجلة
“
االجت��اه العلم��اين الأك�ثر ت�ش��دد ًا هو االجت��اه امل�سيطر نظري�� ًا يف الغ��رب لك��ن عملي ًا هُ ناك توجه��ات �أخرى �أقرب �إىل الفك��رة الإ�سالمي��ة م��ع �ش��يء م��ن التعدي��ل وبع���ض االختالفات ،ومن هُ نا جاءت فك��رة التميي��ز ب�ين الدين��ي وال�سيا�سي
الق�ضايا ب�صورة نظرية ،وب�صيغة التعميم، يغطي م����ا فيها م����ن �صواب �أو م����ا فيها من �إيجابي����ات ،وم����ا فيها م����ن خ��ي�ر ،ويجعلها كله����ا يف �سلة واحدة وهذا ال يليق كمنهج يف التحليل والنظر وتقيي����م �أي جتربة ب�شرية؛ فكل جترب����ة ب�شرية ،وكل فكر ب�شريُ ،ي�ؤخذ من����ه و ُيردُ ،ي�ستف����اد م����ن �إيجابياته وتطرح �سلبيات����هُ ،ي�سل����ط علي����ه النقد ولك����ن �أي�ض ًا ي�ؤُخ����ذ مبا فيه من �إيجاب����ي للإن�سان ،وهذا ال ميك����ن �أن يك����ون �إال عن طري����ق التفكيك، �أم����ا النظر �إىل الأمور من خالل العموميات و�إ�ص����دار �أح����كام مطلقة عليه����ا ف�إنه ينايف املنهج العلمي وينايف حتى املنهج الإ�سالمي يف النظر �إىل الأمور. يف ه��ذه النقط��ة �أ�ش��رت يف كتابك ح��ول «ت�صرف��ات النب��ي (���ص) يف الإمام��ة» �إىل �أن ه��ذا امل�سل��ك يف التمييز بني ت�صرفات النبي (�ص) يف النبوة والإمامة ي���ؤدي �إىل الت�أ�صيل لفكرة الف�صل ب�ين ال�سلطات و�إي�ضاح اجلانب امل��دين ،و�أن الدول��ة تت�أ�س�س على قاعدة مدنية .كيف ذلك؟ هاتان فكرت����ان متمايزت����ان وخمتلفتان. الفكرة الأوىل جاءت من التنظري الذي قام ب����ه الإمام �شه����اب الدين الق����رايف يف بع�ض ُكتب����ه ،وخا�صة يف كتاب����ه املعروف «الإحكام يف متيي����ز الفتاوى عن الأح����كام وت�صرفات القا�ض����ي والإمام» .فعملية التمييز التي قام بها القرايف هي �إب����داع حقيقي ،لأنها ت�شكل ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
149
مدار الأفكار
بو�ض ــوح
ب����ذور جنيني����ة للتميي����ز النظ����ري يف الفكر ال�سيا�س����ي بني هذه ال�سلطات؛ فعندما مييز ب��ي�ن القا�ضي كقا�ض����ي وبني رئي�����س الدولة الذي يق����وم بالوظيف����ة ال�سيا�سي����ة ،ويعطي لهذا �سمات الفع����ل الق�ضائي ولذاك �سمات العم����ل ال�سيا�سي ،ف�إن ه����ذا �إبداع يف الفكر الب�شري وه����ذا �شيء مهم ،عل����ى �أ�سا�س �أن الت�شريع هو جوهر وظيفة الفقيه يف املجتمع امل�سل����م قدمي ًا ،باعتب����ار �أن الفقيه حينذاك كان ي�ش����كل ال�سلط����ة العلمية وحت����ى �سلطة ال�شورى ،وذلك نتيجة وحدة املعرفة �آنذاك وب�ساطته����ا .وه����ذه يف احلقيقة ه����ي بذور، ولي�ست ف� ً صال حقيقي ًا ب��ي�ن ال�سلطات� .إنها بذور لنظرية الف�صل بني ال�سلطات. �إذا �ص��ح التو�ضيح ال��ذي ذكرته يف كتاب��ك يف م�س�ألة تعريف ابن خلدون لل�سلط��ة ال�سيا�سي��ة وواجباتها ب�أنها نائب��ة ع��ن النب��ي �صل��ى اهلل علي��ه و�سل��م يف اجلان��ب ال�سيا�سي ،هل ي�صح هذا االعتب��ار يف ال�سلطة الت�شريعية باعتبار �أن الفقيه هو نائب عن النبي (�ص)؟ العلم����اء ورث����ة الأنبياء من ناحي����ة العلم، لكن يج����ب �أن ال ن�أخ����ذ تق�سيم����ات القرايف ك ُم�س ّلم����ة مطلق����ة خ����ارج الزم����ان وامل����كان وال�سياق ،فكما قل����ت« :هي بذور ،وهي فكر ي�صلح لع�صره»� .أما ق�ضية ابن خلدون فقد حتدثت عنها يف �سياق مغاير .ال�سياق الآخر يتعل����ق بال�سلط����ة ال�سيا�سي����ة م����ا دامت هي تخ ُل����ف النبي ،لكن تخلف����ه يف ماذا؟ تخلفه يف اجلانب ال�سيا�س����ي ،وبالتايل ف�إذا كانت ت�صرف����ات النب����ي (�ص) ال�سيا�سي����ة نف�سها ت�صرف����ات مدني����ة ،وت�صرف����ات �إجتهادية، وت�صرف����ات ب�شري����ة ،فم����ن ب����اب �أوىل �أن ال تخ����رج الت�صرفات ال�سيا�سية ملن جاء بعده، عن هذا ال�سياق الب�شري االجتهادي. ذك��رت �أي�ض�� ًا �أو بالأح��رى جعل��ت والية الأم��ر يف ال�سلط��ة ال�سيا�سية، غ�ير �أن ه��ذا كث�ير ًا م��ا �أدى ببع���ض 150
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
“
�إذا ك��ان��ت ت�صرفات النبي ���ص��ل��ى اهلل ع��ل��ي��ه و���س��ل��م ال�سيا�سية نف�سها ت�صرفات مدنية ،وت�صرفات �إجتهادية، وت�صرفات ب�شرية ،فمن باب �أوىل �أن ال تخرج الت�صرفات ال�سيا�سية مل��ن ج��اء بعده، ع��ن ه��ذا ال�سياق الب�شري االجتهادي
ال ُكتاب والباحثني �إىل اخللط يف هذه النقطة بني العلماء واحلكّام؟ ال .التميي����ز ال����ذي �أت����ى به الق����رايف كان يف «الت�صرف����ات بالإمام����ة» واملق�ص����ود الت�صرف����ات بال�سلط����ة ال�سيا�سي����ة ،والإمام هن����ا معرف ل����دى الق����رايف وحم����دد ،فهذا م�صطل����ح ،وبالتايل يجب �أن ُيفهم التق�سيم �سمه �إمام ًا �أو يف �إط����ار امل�صطلح كما ُحدد؛ ِّ �سمه رئي�س دول����ة ،الألفاظ يجب �أال حتجب ِّ املع����اين بل املع����اين هي الت����ي له����ا الأولوية يف فه����م الألفاظ ،والدولة املدني����ة تعني �أن االجتهاد فيها ب�شري ،و�أن القرار ال�سيا�سي فيه����ا ب�ش����ري باملث����ل ،وبالتايل فه����ي مدنية لي�ست دينية. ه��ل يعن��ي ه��ذا �أن��ه عندم��ا تكون الدول��ة غ�ير ديني��ة باملعن��ى الغربي ف�إنه��ا �ستك��ون مدن ّية باملعن��ى الغربي �أي�ض ًا؟ �شكل يف املعنى الغربي يكمن يف كال� .إن املُ ِ الدين ،لأن الديني يف احلقل الداليل الغربي ي�ستح�ضر املعنى الكن�سي ،بعك�س املدين .وقد قلت �أن هناك فرق ًا بني العلمانية الفرن�سية و Secularismيف الأجنلو�ساك�سوني����ة، والعلماني����ة الفرن�سي����ة �أق����رب �إىل �أن تكون عقي����دة ونح����ن ال ن�ستح�ضرها هن����ا ،وهذه لي�ست مدني����ة حقيقية لأن املدنية تقع خارج �إطار �أي عقيدة� .إنه����ا ت�سيري وتدبري �ش�ؤون
الدولة و�ش�����ؤون ال�سيا�سة بنا ًء على النجاعة وامل�صلح����ة ،وبنا ًء �أي�ض ًا عل����ى امل�آالت ،وهي كله����ا مف����ردات ت�ستخ����دم يف الفكر واحلقل الإ�سالميني. ه��ل ن�ستطي��ع الق��ول �إذ ًا �أن��ه لي�س هن��اك �أي معن��ى حقيق��ي للعلماني��ة الغربية؟ ال .لأن����ه عندما ن�ستدعي النموذج الغربي ف�إن غر�ضنا هو اال�ستف����ادة واملقارنة ولي�س التب ّني املطلق ،فلي�س هناك �أي جتربة يف �أي ثقاف����ة �أو �أي ح�ضارة �أو �أي جمتمع تُبنى عن طريق ن�س����خ جتربة �أخرى .و�أن����ا �أقول �أكرث م����ن هذا� :إن����ه حتى يف العالق����ة بني الديني وال�سيا�سي يف املجتمع����ات امل�سلمة لي�س من ال�ضروري �أن تكون على منط واحد؛ فيمكن ل����كل جمتم����ع �أن يبن����ي جتربته م����ن �سياقه التاريخ����ي اخلا�ص ،وقد تك����ون خمتلفة عن جترب����ة العالقة ب��ي�ن الدين����ي وال�سيا�سي يف �أي جمتمع �آخر ولو كانا جمتمعني م�سلمني، لأن هناك م����ا ي�سمح به واق����ع املجتمع فيما يرتا�ض����ي عليه النا�س ،كم����ا �أن هناك �أبعاد كث��ي�رة قد يختل����ف فيها جمتم����ع م�سلم عن جمتمع م�سلم �آخر. بناء على هذا �أن هل ميكنن��ا القول ً جتربة اخلالفة الإ�سالمية الرا�شدة مل تك��ن جتربة ديني��ة و�إمنا جتربة �سيا�سي��ة بامتي��از ،وبالت��ايل ف�إنها ال تجُ ِّ�سد ال�ص��ورة املثالية التي ال ميكن اخلروج عنها يف ت�شكيل قالب الدولة التي يريدها الفكر الإ�سالمي؟ نعم ،هذا �صحيح .ف�����إذا كانت ت�صرفات الر�س����ول (�����ص) ال�سيا�سي����ة نف�سه����ا ه����ي ت�صرف����ات ب�شرية اجتهادية ،فمن باب �أوىل �أن تكون ت�صرفات خلفائه الرا�شدين ب�شرية واجتهادية �أي�ض ًا. �إذ ًا فكتابي��ك «ت�صرف��ات الر�س��ول بالإمام��ة» و»الدي��ن وال�سيا�س��ة.. متيي��ز ال ف�ص��ل» ،ينم��ان ع��ن م�شروع
�سعد الدين العثماين يف �سطور يع���د الدكت���ور �سع���د الدي���ن العثم���اين ،املولود يف �سن���ة ،1956واح���د ًا م���ن �أب���رز ال�سيا�سي�ي�ن الإ�سالمي�ي�ن يف املغ���رب .فقد خا����ض غمار العمل ال�سيا�س���ي من���ذ �أن كان نائب��� ًا برملاني��� ًا يف الوالية الت�شريعي���ة ،2002 - 1997ويف الوالي���ة الت�شريعية الثاني ��ة 2007 – 2002 .كم���ا كان مدي���ر ًا حل���زب «احلرك���ة ال�شعبية الد�ستوري���ة الدميقراطية» من كان���ون الثاين/يناي���ر � 1998إىل ت�شري���ن الثاين/ نوفم�ب�ر ،1999وع�ضو ًا م�ؤ�س�س��� ًا حلزب «التجديد الوطني» ( )1992الذي تع ّر�ض للمنع من ال�سلطات املغربي���ة� .إ�ضافة �إىل �أنه كان نائب��� ًا للأمني العام حل���زب «العدال���ة والتنمي���ة» من���ذ � ،1999إىل �أن �أ�صبح �أمينه العام يف ن�سيان�/أبريل .2004 وكح���ال جتربت���ه ال�سيا�سي���ة كان تاريخ���ه الأكادميي حاف ًال؛ فه���و يحمل الدكتوراه يف الطب الع���ام �سن���ة ،1986م���ن كلي���ة الط���ب وال�صيدلة بال���دار البي�ض���اء ،كما قرنها ب�إج���ازة يف ال�شريعة الإ�سالمي���ة �سن���ة 1983م���ن كلية ال�شريع���ة ب�أيت مل���ول .كم���ا ن���ال دبلوم��� ًا يف الدرا�س���ات العليا يف الدرا�س���ات الإ�سالمي���ة م���ن كلي���ة الآداب والعلوم الإن�ساني���ة بالرب���اط (ت�شري���ن الثاين/نوفم�ب�ر ،)1999حت���ت عن���وان «ت�صرف���ات الر�سول �صلى
متكام��ل يف �إط��ار فك��رة حموري��ة ما. وال�س���ؤال هن��ا :ه��ل ممك��ن �أن تف�ضي ه��ذه املقارب��ة الفكري��ة �إىل تق��ارب بن الإ�سالميني والعلمانيني ب�شكل من الأ�شكال؟ نع����م ،هذا م�شروع م�ستمر .وممكن �أي�ض ًا �أن ُيف�ض����ي �إىل تق����ارب ب��ي�ن الإ�سالمي��ي�ن وف�صي����ل �أو ف�صائ����ل من العلماني��ي�ن ولي�س كله����م؛ لأن العلمانية �أن����واع و�أ�شكال ،هناك علماني����ة �أق����رب م����ا تك����ون �إىل الت�ص����ور الإ�سالم����ي ،وهن����اك علماني����ة ُم ِغرق����ة يف الت�شدد مثلما يوجد يف الفكر الإ�سالمي من ه����م مت�ش����ددون ،ومن هم �أقل ت�ش����دد ًا ومن هم و�سطيون. ه��ل يعن��ي ه��ذا �أن��ك تتف��ق م��ع
اهلل عليه بالإمامة وتطبيقاتها الأ�صولية» .وح�صل على دبلوم �آخر يف الط���ب النف�سي �سنة 1994من املركز اجلامعي للط���ب النف�سي ،بالدار البي�ضاء. كما حاز �شهادة الدرا�سات العليا يف الفقه و�أ�صوله �سنة 1987من دار احلديث احل�سنية يف الرباط. من �أبرز م�ؤلفاته: يف الفقه الدعوي :م�ساهمة يف الت�أ�صيل� ،صدرت طبعته الأوىل �سنة .1989 يف فقه احلوار� ،صدرت طبعته الأوىل �سنة 1993 عن من�شورات الفرقان ،الرباط. فق���ه امل�شارك���ة ال�سيا�سي���ة عن���د �شي���خ الإ�سالم اب���ن تيمية� ،صدرت طبعت���ه الأوىل �سنة 1997عن من�شورات الفرقان ،الرباط. ق�ضي���ة امل���ر�أة ونف�سي���ة اال�ستب���داد� ،ص���درت طبعت���ه الأوىل �سنة 1998عن من�شورات الفرقان، الرباط.
مقولة الدكت��ور عبدالوهاب امل�سريي وتق�سيم��ه للعلماني��ة �إىل «علماني��ة جزئية» و«علمانية �شاملة»؟ ٌ ملحظ مه ٌم عن����د امل�سريي بقوله �إن هذا هناك «علمانية جزئية» و«علمانية �شاملة»، على �أ�سا�س �أن العلمانية اجلزئية هي علمانية
“
ال����ع��ل�اق����ة ب��ي��ن ال���دي���ن���ي وال�����س��ي��ا���س��ي يف املجتمعات امل�سلمة لي�س من ال�ضروري �أن تكون على من��ط واح��د؛ فيمكن لكل جمتمع �أن يبني جتربته من �سياقه التاريخي اخلا�ص
ط�ل�اق اخللع وا�شرتاط موافق���ة الزوج� ،صدرت طبعت���ه الأوىل �سنة 2002عن من�شورات الفرقان، الرباط. ت�صرف���ات الر�س���ول �صل���ى اهلل علي���ه و�سلم يف الإمام���ة :الدالالت املنهجي���ة والت�شريعية� ،صدرت طبعت���ه الأوىل �سنة 2003عن من�ش���ورات الزمن، الرباط. �أ�ص���ول الفقه يف خدمة الدع���وة� ،صدرت طبعته الأوىل �سنة 2006 عن من�شورات عكاظ ،الرباط. الدي���ن وال�سيا�س���ة ..متيي���ز ال ف�ص���ل� ،صدرت طبعت���ه الأوىل �سن���ة 2009ع���ن املرك���ز الثق���ايف العربي ،بريوت والدار البي�ضاء.
على م�ستوى امل�ؤ�س�سات فقط� ،أي �أنها متييز بني الديني وال�سيا�س����ي على م�ستوى الدولة وامل�ؤ�س�س����ات حت����ى ال تك����ون هن����اك هيمن����ة للديني عل����ى القرار ال�سيا�س����ي .بينما متثل «العلماني����ة ال�شامل����ة» عقي����دة يف املجتم����ع وعقي����دة يف امل�ؤ�س�سات ،وهن����اك متييز بني امل�ستويني .لكن هذا لي�س معناه �أن العلمانية اجلزئية ه����ذه التي طبق����ت يف بع�ض الدول الغربي����ة هي نف�سها التي ن ّدع����ي �أنها تعك�س عالقة الديني بال�سيا�سي يف الإ�سالم ،فلكل جتربة �سياقها وخ�صو�صياتها �أي�ض ًا. نفه��م من كالم��ك �أنه م��ن املمكن �أن ن�ست�ض��يء مالمح جترب��ة علمانية ما لال�ستف��ادة منها يف واق��ع جمتمعاتنا الإ�سالمية؟ ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
151
مدار الأفكار
بو�ض ــوح
نع����م ،ه����ذا �صحي����ح .فلطامل����ا ا�ستف����اد امل�سلم����ون ع��ب�ر الق����رون م����ن جت����ارب دول كافرة؛ فعم����ر بن اخلطاب على �سبيل املثال �أخذ نظ����ام الدواوين من الفر�س ،وكثري من الأنظمة يف احل�ضارة الإ�سالمية �أخذت من ح�ضارات �أخرى غري م�سلمة. هن��ا حتديد ًا حتدث الدكتور حممد عاب��د اجلابري -رحم��ه اهلل� -أنه ال يوجد علماني��ة يف املجتمع الإ�سالمي لأن��ه لي���س هُ ن��اك كني�س��ة ،وبالتايل ف�إن��ه لي���س بالإم��كان اال�ستف��ادة من �أي جترب��ة علمانية .كي��ف ترى هذا الأمر؟ �صحيح .غ��ي�ر �أن اجلابري ي�ستح�ضر هنا التجرب����ة الفرن�سية ،فالنخب يف املغرب هي نخ����ب فرانكفونية ،وقد نهلت م����ن الفل�سفة ����م فب�إمكانهم القول �إنه ال الفرن�سية ،ومن ث ّ ميكن �أن تكون هن����اك علمانية يف الإ�سالم. لكننا ندعو ،يف املقاب����ل ،لي�س �إىل العلمانية ولك����ن �إىل الدميقراطية ،ويف ه����ذا نوع من الربجماتي����ة يف الت�ص����رف .ونح����ن نق����ول « ِل َن ِح ّل هذا الإ�شكال»� ،إذ �أن طرح العلمانية عالني����ة ي�����ؤدي �إىل ردود فع����ل �سلبية وقد ي�ؤدي �إىل الرف�ض التام ،وبالتايل ِلنتَخ ّل عن ولن�سمها «دميقراطية». ت�سمية «علمانية» ِّ
(
)
ميث��ل ه��ذا الط��رح م��ن قبلك��م، كمنتم�ين للتي��ار الإ�سالم��ي ،جتديد ًا وحتديث�� ًا فكري�� ًا قد ي�ساه��م يف احلد من املواجهة وال�صدام مع نخب امل�شهد ال�سيا�س��ي والفك��ري العربي الأخرى، كالي�ساري�ين والقومي�ين وغريه��م. لك��ن ه��ل يوج��د حتدي��ث ومراجع��ة م��ن الأط��راف الأخ��رى ،وخا�ص��ة العلماني�ين ،ت�ص��ب يف ه��ذا االجت��اه الت�صاحلي ؟ �إن حديثن����ا ع����ن ت�صرف����ات الر�س����ول يف الإمام����ة ،وع����ن �سماته����ا ،وع����ن الدول����ة املدني����ة يف الإ�س��ل�ام ،وع����ن التميي����ز ب��ي�ن الدين����ي وال�سيا�س����ي ،لي�����س هدف����ه التق ّرب
(
152
)
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
“
الدميقراطي��ة �أو�س��ع يف الوط��ن م��ن �أي طوائ��ف �أو �أف��كار ،و«التميي��ز ب�ين الدين��ي وال�سيا�س��ي» ه��ي فكرة لإعادة بناء وقراءة ه��ذه العالق��ة يف الفك��ر الإ�سالم��ي بغ���ض النظ��ر عن امل�شروع ال�سيا�سي
م���ن العلمانيني ,فنحن بالفع���ل �إذا متعنا يف التاريخ الإ�سالمي �سنجد �أن هذا التمييز قد وج���د با�ستمرار .وكما �سبق يل �أن �أو�ضحت، فقد ظهر يف الفك���ر الإ�سالمي املعا�صر منذ بداية القرن املا�ضي ويف �سياق رد الفعل على التجربة العلمانية الغربي���ة ،نوع من املبالغة يف رف����ض التمييز ب�ي�ن الدين���ي وال�سيا�سي، وبالت���ايل فم���ا قمت ب���ه يعد ت�صحيح��� ًا ،وال يخ���رج عن ما قام به جيل من املفكرين ومن العلم���اء ،جي ٌل كام ٌل من العلم���اء نظروا �إىل ه���ذا الأم���ر تدريجي��� ًا ،وهذا طبيع���ي يف �أي فكر� .أم���ا بالن�سب���ة للجانب العلم���اين ،ف�إن هن���اك كثري م���ن النا�س ممن كان���وا يتبنون العلمانية قد ه ّذب���وا ر�ؤاهم وعدلوا يف بع�ض �أفكارهم واقرتبوا �أكرث من الفكر الإ�سالمي، وهذا طبيعي. �إىل �أي م��دى ميك��ن �أن ينعك���س هذا عل��ى ال�سيا�سة ،نق�صد م�شروع الدولة، لأن �أغلب حماور ال�صراع كانت يف هذا اجلانب؟ يف ر�أي���ي �أن���ه لي����س م���ن ال�ض���روري �أن ينعك����س ه���ذا عل���ى م�ش���روع الدول���ة ،لأن الدميقراطي���ة ه���ي تناف����س ب�ي�ن خمتل���ف القوى� ،سواء �أكانت علماني���ة �أو �إ�سالمية �أو غريها .فالدميقراطي���ة �أو�سع يف الوطن من �أي طوائ���ف �أو �أف���كار ،و«التمييز بني الديني وال�سيا�سي» هي فكرة لإعادة بناء وقراءة هذه العالقة يف الفكر الإ�سالمي بغ�ض النظر عن
�سجـال امل�ش���روع ال�سيا�سي .ومع ذل���ك ،ميكن القول �أن التميي���ز ال���ذي نن�ش���ده �سيجع���ل م�شروع الدولة �أكرث واقعية و�أكرث قبو ًال ،كما �سيم ّكنه من ا�ستيعاب معظ���م التطورات املوجودة يف الفكر الب�شري ويف الواقع الإن�ساين. لك��ن �إذا كان��ت العقي��دة ال�سيا�سي��ة تع��د قاع��دة �ضم��ن مدر�س��ة الدول��ة الغربية ،ف�إن اجلميع ُي�ؤ�س�س على هذه القاع��دة املوح��دة ت�صوراته��م لفكرة الدول��ة ولوظيفته��ا ،وبالت��ايل فرغم اختالف النا�س يف امل�شاريع ال�سيا�سية والربام��ج االنتخابي��ة لك��ن القاعدة تظل واح��دة ،بينم��ا ال يوجد هذا يف جمتمعاتنا.. هذا �صحيح ،لأننا يف حالة انفعال بالآخر، ولأنن���ا ل�سن���ا يف مرحل���ة البن���اء امل�ؤ�س�س���ي احلقيق���ي يف العم���ق .نحن منفعل���ون ،وهذا طبيعي لأن هناك ح�ضارة مهيمنة وح�ضارتنا يف طور البناء والت�أثر. كي��ف ُتق ّي��م جترب��ة العدال��ة والتنمي��ة الرتك��ي على �ض��وء نظرية الف�ص��ل والتميي��ز ه��ذه ب�ين الدين��ي وال�سيا�سي؟ �إن فك���رة «التمييز» لي�س���ت نظرية مطلقة ونحن ال ُن ِّ نظر للجميع .واحلقيقة �أن للتجربة الرتكي���ة �سي���اق خمتلف متام ًا عل���ى م�ستوى الدول���ة ،وعل���ى م�ست���وى ال�سيا�س���ة ،وعل���ى م�ستوى املجتم���ع ،وبالتايل ف�إن م�آل التجربة وتطوراتها يظالن خمتلفني .فرتكيا -كدولة حديثة -لي�ست كدولنا التي ت�ضرب التقليدية يف �أطنابه���ا ،ونحن ما زلنا تالميذ يف جمال الدميقراطي���ة ح�سب تقديري .وعلى م�ستوى املجتمع الرتكي ،هن���اك حتديث .واملق�صود بالتحدي���ث هن���ا ال ُبعد عن التخل���ف� ،أما يف جمتمعاتن���ا ف�ل�ا زال هن���اك تخل���ف وا�سع: مالي�ي�ن من الأمي�ي�ن ،وتخلف عل���ى م�ستوى البناء االجتماعي وعل���ى م�ستوى الت�صورات وعل���ى م�ستوى الدين نف�سه ,ومن ّثم ال مكان للمقارنة بني التجربتني.
�إيران
ظاملةٌ �أم مظلومة؟
�ستبطن ًا اجلدل املحتدم ب����أي عني نرى �إيران اليوم؟ يرتدد هذا ال�س����ؤال ُم ِ الدائر منذ فرتة حول جارة العرب و�شقيقتهم الأكرث طموح ًا وتوثب ًا ال�ستعادة مكانته���ا كقوة �إقليمية عظم���ى .وغالب ًا ما يتم النظر عربي��� ًا �إىل �إيران من منطلق حتيزات فكرية و�سيا�سية تنق�سم معظم الر�ؤى على �إثرها بني لونني ورا�ض) ،وقلي ًال ما وطرحني� :أ�سود (ناق���م وم�ستاء) و�آخر �أبي�ض ( ُمعجب ٍ جند من يف�ضل اللون الرمادي ،حيث التوفيق املعريف وحماولة الفهم. وعلى �أية حال ،يت�ضمن «�سجال» هذا العدد من جملة «مدارات ا�سرتاتيجية» الطرح�ي�ن ذي اللون�ي�ن احلدي�ي�ن النقي�ض�ي�ن ،واله���دف ب�ش���كل �أ�سا�سي �أن نق���ف على حجج الطرفني (ولكل منهم���ا -يف احلقيقة -منطقه وبراهينه ووجاهت���ه) ،ع ّلنا نتم ّكن من ا�ستثارة فهم �أق���ل ا�ستقطاب ًا -رمبا -ومن ّثم حماولة ّ لفهم ُمر ّك ٍب و�أقل تب�سيط��� ًا للم�س�ألة الإيرانية كما طريق ٍ �ش���ق ٍ ثالث ٍ ه���ي ال كما تبدو الآن :ظامل ٌة يف عني ه���ذا الفريق �أو مظلوم ٌة يف عني الفريق ذاك!
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
153
بو�ض ــوح
مدار الأفكار �سجال
بالتف����وق والتميز ،يتولّد لديها نزع����ة للتو�سع وال�سيطرة والهيمنة مدفوعة مبنطق الفوقية واال�ستعالء.
�آراء
مظاهر ال�سيطرة والهيمنة الإيرانية
فوقية ،واحتالل ،ونفوذ ال يطاق
ما الفرق بني �إيران و�إ�سرائيل؟ علي ح�سني باكري
alibakeer@hotmail.com
اكت�سب���ت ال�سيا�سات اجليوبوليتكية الإقليمية لإيران منذ ن�شوء الإمرباطورية الفار�سية واىل اليوم نزع���ة الهيمن���ة وال�سيط���رة حتى �أ�صبحت جزءاً من الهوية القوميّة للب�ل�اد .ومل ي�أت ذلك عن عبث �أو ب�ش���كل ط���ارئ بطبيعة احل���ال .فعرب التاري���خ كان الإيرانيون (الفر�س) يعتقدون دوم���اً �أنّهم متفوقون على غريهم من ال�شعوب والثقافات ،وقد قادهم هذا التفكري �إىل �شيء من العن�صرية والفوقية جتاه الآخر ،ودفعهم �إىل اال�ستكبار والغطر�سة ،فلم يعف �أحداً من ال�شعوب والقوميات مبا فيها تلك املكونة لإي���ران وه���و م���ا ن�ستطي���ع �أن نالحظه م���ن خالل التوزي���ع اجلغرايف للقومي���ات غ�ي�ر الفار�سية والتي ترتكز يف �أطراف �إيران نتيجة لال�ضطهاد الذي عانته قدمياً من ال�سلطة املركزية. منطلقات نزعة الهيمنة وال�سيطرة الإيرانية
يرى الإيرانيون �أ ّنه����م �أ�صحاب ح�ضارة تعود �إىل �آالف ال�سنني ملا قبل الإ�سالم ،و�أنّهم كانوا �أوّل من �أ�س�س الإمرباطوريات وحكم املنطقة ،و�أن ه����ذا التاريخ يعطيهم احلق يف �أن ميار�سوا تفوّقهم ال����ذي يعتق����دون به لي�س عل����ى م�ستوى املحي����ط الإقليمي ال�ضيق، و�إمنا الأو�سع �إقليمي ًا ودولياً. هذه الفكرة مل يتخل عنها حكّام �إيران على اختالف �أنظمتهم مرورا بال�شاه وو�ص����و ًال �إىل املر�شد الأعلى .وهم يرتكزن دوم ًا يف �سعيه����م لتحقي����ق هدفهم �إىل عام����ل التميّز ع����ن “الآخر” الذي يجعله����م يعتقدون دوم ًا �أنّهم متفوق��ي�ن “عليه” و�أحق “منه” يف القي����ادة والتزعّ م .ولذلك ،جند �أن التمي����ز الإيراين ينطلق دوم ًا م����ن العامل الثق����ايف� ،إذ لطاملا عرّفت �إي����ران نف�سها يف حميطها ارتكاز ًا �إىل عامل اللغة الفار�سية والثقافة الفار�سية .فالإيرانيون ينظ����رون �إىل �أنف�سه����م على �أنه����م متفوقني عرقي���� ًا وثقافي ًا على وخا�صة على العرب� .أ�ضيف �إىل هذا العن�صر ال�شعوب املج����اورة ّ فيم����ا بعد ،البع����د املذهبي ال�شيعي والذي �أ�صب����ح عام ًال �آخر من عوام����ل التمايز الذي ت�سعى �إليه �إي����ران دائم ًا لتكون خمتلفة عن حميطه����ا ،معتق����دة �أنّها متثّل اخل����ط القومي يف الإ�س��ل�ام ،علما �أنّ املذه����ب ال�شيع����ي مل تعرف����ه �إيران ر�سمي ًا �إ ّال من����ذ زمن ال�شاه 154
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�إ�سماعيل ال�صفوي. لذل����ك ،فاملتمع����ن يف الأدب الإيراين يرى في����ه عن�صرية جتاه العرب� ،إذ ال تزال �أو�صاف وم�صطلحات مثل “همج” و”حفاة” وبدائي��ي�ن” و”�أكلة جراد” و”غزاة” م�ستخدمة على نطاق وا�سع يف الأدب الإي����راين لو�صف العرب ،ولع����ل �أبرز دليل على ذلك ما يعترب “�أقد�س” عمل �أدبي لدى الإيرانيني على الإطالق �إذا �صح التعبري وهو “ال�شهنامة”. وحت����ى على ال�صعي����د الطائفي ،فقد و�ض����ع الإيرانيون روايات اخرتعوه����ا لتنا�س����ب �أهواءه����م القوميّة مطلقني العن����ان للنزعة ال�شعوبي����ة ،و�أبرزها على الإطالق ما ي�ش��ي�ر �إليه الكاتب الإيراين املع����روف عل����ي �شريعتي م����ن تفا�صيل حول الق�ص����ة املفربكة عن «زواج الإم����ام احل�سني من ابنة امللك الفار�سي يزدجر والتي كان اخلليف����ة عم����ر ينوي قتلها -عل����ى حد زعمهم -لك����ن الإمام علي منعه من ذلك» ،يف �إ�شارة خبيثة �إىل م�ساندة �سيدنا علي للفر�س يف وج����ه قيادة عمر للعرب .وهو مث����ال على الكيفية التي كان وما زال الإيراني����ون ي�ستخدم����ون به����ا الدي����ن لتحقيق م�����آرب قوميّة، وي�ستغلون �أهل البيت للطعن يف العرب. وتدفع هذه املرتكزات الثقافية والدينية �إيران �إىل ال�سعي دوم ًا للمحافظ����ة عل����ى هذا التميز ع����ن املحيط ،ونتيجة له����ذا ال�شعور علي ح�سني باكري باحث يف العالقات الدولية.
تعت��ب�ر منطقة اخللي����ج العرب����ي ،منطق����ة حيوي����ة ذات �أهمية �إ�سرتاتيجي����ة كونها متثّل دارة التما�����س الأوىل مع �إيران واملدخل �إىل البع����د الإقليم����ي ال�سيم����ا باجت����اه الوط����ن العرب����ي .ولذل����ك ت�سع����ى �إيران لل�سيطرة على هذه البواب����ة �سوا ًء بطريقة ع�سكرية مبا�ش����رة �أو عرب نفوذها بطريقة غ��ي�ر مبا�شرة .ويعود ال�سبب يف ذل����ك �أو ًال �إىل نزعة الهيمنة والتو�س����ع الإيرانية وثاني ًا �إىل �ضعف ه����ذه املنطقة التي تعترب خا�صرة رخ����وة �إذا �صح التعبري .فالكتل املحيط����ة ب�إيران حت���� ّد من طموحاتها نظر ًا ملوازاته����ا يف القوّة �أو تفوقه����ا عليها يف كثري من الأحيان ،كالكتلة الرتكية غرب ًا والكتلة الباك�ستاني����ة والأفغاني����ة �شرق���� ًا والكتل����ة الرو�سية �شم����االً ،وعليه فاملم����ر الوحيد ملمار�س����ة النفوذ الإيراين والنزع����ة التو�سعيّة يقع دائم ًا باجت����اه العراق ومنطقة اخلليج العرب����ي التي تعترب املجال احليوي لإيران ،ومن مظاهرها: .1احت�ل�ال اجل���زر العربي���ة الإماراتي���ة :وه����و مظه����ر م����ن مظاه����ر ال�سيطرة املبا�ش����رة ،وفيه احتلت �إي����ران اجلزر الثالث عل����ى مراحل زمنية وتعمل على تطبي����ق �سيا�سية الأمر الواقع من ناحية ط����رد ال�س����كان وا�ستبدالهم وتعزيز اال�ستيط����ان .يتجاهل كثري من املتعاطفني مع �إيران من العرب هذه امل�س�ألة ،وهو م�ؤ�شر خط��ي�ر على خل����ل �أخالقي بنيوي ل����دى ه�����ؤالء ،فاالحتالل واحد ولي�����س هناك احتالل جيد و�آخر �سيء واحتالل مقبول و�آخر غري مقب����ول .كما �أنّ االحتالل ال يتعلق باحلج����م ،فمن يقبل باحتالل م��ت�ر من �أرا�ضيه يقبل باحتاللها كله����ا ،ويف هذا ال تختلف �إيران عن �إ�سرائيل كدولة حمتلة ومعتدية. أرا�ض عراقية� :أطماع �إيران يف العراق ال متناهية .2احت�ل�ال � ٍ وه����ي ت����رى يف نفوذها امل�ستج����د بعد احل����رب الأمريكي����ة بدافع �إ�سرائيل����ي عل����ى الع����راق ،نف����وذا م�شروع����ا وم�ستحقا م����ن بوابة التاريخ واجلغرافيا واملذهب .وق����د قامت العام املا�ضي باحتالل جزي����رة �أم الر�صا�ص وطالبت ر�سمي ًا ب�ض����م ميناء “خور العمية العراق����ي” �إىل مياهه����ا و�سيادته����ا الإقليمي����ة� ،إ�ضاف����ة �إىل �ضمّ حوايل 100دومن �سنوي ًا من الأرا�ضي العراقية يف �شط العرب �إىل ال�سيادة الإيراني����ة ،م�ستغلة االنهيار العراقي وغياب الدولة ،وهو م����ا ج�سّ دته ر�سالة باحتالل منطقة بئر فكّة قبل �أ�شهر مدّعية �أنّ الأمر جمرد نزاع حدودي. .3املطالب���ة بالبحري���ن :ويالح����ظ يف هذا الإط����ار �أنّ النظام الإ�سالمي ذهب يف التطرف القومي والنزعة التو�سعية �أبعد مما ذه����ب �إليه نظام ال�شاه .ب����ل �أنّ العديد م����ن امل�سئولني الإيرانيني رفيع����ي امل�ست����وى اعت��ب�روا �أنّ ال�ش����اه خ����ان �إي����ران بتنازل����ه ع����ن البحري����ن .وال يكف الر�سمي����ون عن التذكري دوم ًا بذلك بني فرتة
و�أخرى ،ومن ه�ؤالء ح�سني �شريعتمداري م�ست�شار املر�شد الأعلى �آي����ة اهلل علي خامنئ����ي ،ومدير حتري����ر �صحيفة “كيه����ان” �شبه الر�سمية ،الذي يعترب «�أنّ البحرين جزء من الأرا�ضي الإيرانية، و�أن املطل����ب الأ�سا�س����ي لل�شع����ب البحريني حالي ًا ه����و �إعادة هذه املحافظ����ة �إىل الوطن الأم والأ�صلي» �أي �إيران الإ�سالمية! .ومثله عل����ي �أكرب ناطق ن����وري ،ع�ضو جممع ت�شخي�����ص م�صلحة النظام والرئي�س ال�سابق ملجل�س ال�شورى ،الذي يرى «�أن مملكة البحرين تابعة تاريخي ًا لب��ل�اد فار�س ،و�أنها الوالية 14من �إيران» .وتعك�س هذه املواق����ف الر�سمية املتكررة عقلية الهيمن����ة الإيرانية وعقدة التاري����خ ال�شبيهة بالعقدة الإ�سرائيلية الت����ي تبني عليها مطالبها التو�سعية دوماً. .4ت�سمي���ة اخللي���ج بـ “الفار�سي” :ومي ّث����ل ذلك عقدة را�سخة تظهر من خاللها الغرائ����ز القومية يف مقابل احل�س الديني لدى اجلمهورية الإ�سالمية وقادته����ا ،لدرجة �أنّه قد ّمت اقرتاح ت�سمية اخلليج با�س����م “اخلليج الإ�سالم����ي” لكن �إي����ران رف�ضت اال�سم م�ص����رّة عل����ى “الفار�سي” ،حت����ى �أنّ الرئي�س جن����اد ال يكف عن تكرار �أن ت�سميته باخلليج العربي هو م�ؤامرة “�صهيونية” .ويجد رغم ذلك من العرب من ي�صفق له! لقد غ��ّي�رّ ت دول اخللي����ج العرب����ي ت�سمية التجمّ����ع الذي ي�ضم دوله����ا به����دوء ودون �ضو�ضاء �إعالمي����ة لي�صبح اال�س����م الر�سمي حالي���� ًا “جمل�س التعاون ل����دول اخلليج العربي����ة” ،يف �إ�شارة �إىل ع����دم وجود ح�سا�سية عربي����ة جتاه ا�سم اخللي����ج على الرغم من املطالب����ة ب����ه .يف املقابل ،ال تفوت �إي����ران فر�ص����ة �إ ّال وت�شدد على فار�سية اخللي����ج ،وقد �سنّت لهذا الغر�ض يوم���� ًا وطني ًا لالحتفال بـ “اخلليج الفار�س����ي” .وقدم جعفر حممدي ،وهو رئي�س حترير موق����ع “ع�صر �إيران” املت�شدد ،اقرتاح ًا ملجل�س للربملان الإيراين لإن�شاء �إقليم با�سم “اخلليج الفار�سي” يتكون من اجلزر الإيرانية يف اخللي����ج ،بالإ�ضافة �إىل اجل����زر الإماراتية الثالث املحتلة ،رد ًا على ما يقول �أنّها “�أطماع �إماراتية” باجلزر الإيرانية. .5التدخل يف الدول املجاورة :وهو ي�أتي من منطلقات النزعة �إىل ال�سيط����رة والهيمن����ة التي حتدثنا عنها ،ويتج����ه دوم ًا باجتاه الكتل����ة ال�ضعيف����ة �إقليمي���� ًا واملتمثل����ة يف النط����اق العرب����ي .ويقوم ذل����ك على اخرتاق هذه الدول من الناحي����ة ال�سيا�سية عن طريق اال�ستثم����ار يف ال�شرخ العمودي بني ال�شع����وب والأنظمة من جهة، وم����ن الناحي����ة املذهبية عن طري����ق اال�ستثم����ار يف ال�شرخ الأفقي يف الف��ت�ن ال�سنيّة-ال�شيعي����ة بني ال�شعب الواح����د من جهة �أخرى، وذلك على الرغم من االدعاء الدائم بان هذه الفنت هي من �صنع الآخ����ر .لكن احلقيقة ت�شري �إىل �أنّ هذه الفنت مل تكن موجودة يف الع�ص����ر احلديث قب����ل والدة اجلمهورية الإ�سالمي����ة .ومل تنج �أي دول����ة عربية من التدخالت الإيرانية يف ه����ذا النطاق من العراق ودول جمل�����س التع����اون واليمن ،م����رور ًا بلبن����ان وفل�سطني ،ولي�س انتها ًء مب�صر واملغرب ،و�صو ًال �إىل موريتانيا. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
155
مدار الأفكار
�سجـ ــال
طبيعة امل�شروع الإيراين يف املنطقة و�أدوات الرتقاء �إيران كقوّة عظمى يف منطقة ال�شرق الأو�سط ،اعتمدت �إي����ران طريقتني خمتلفتني ،الأوىل تتع ّل����ق مب�صاعب االخرتاق حتقيقه امل�شروع الإي����راين لي�س وهم ًا نختلقه من عندنا وال ت�ضخيم ًا العربي-ال�سنّ����ي ،والثاني����ة تتع ّل����ق مب�شكل����ة النف����وذ الأمريكي ن�ستجلب����ه ،و�إمنا هو خطر واقعي تعك�س����ه الت�صرفات الإيرانية باملنطقة. بالن�سب����ة لل�ش����ق الأول :فق����د عم����دت �إىل اخ��ت�راق القاعدة وال�ضم والتدخل والتفتيت والتفري�س .ول�سنا املتمثلة باالحتالل ّ ن ّتخ����ذ موقف ًا م�سبق ًا من �إيران ،والدلي����ل �أنّ عهد خامتي �شهد ال�شعبي����ة يف الوط����ن العرب����ي� ،سوا ًء م����ن الناحي����ة املذهبية �أو �أف�ض����ل العالقات على الإطالق بني الع����رب و�إيران ،لكنّ الذي ال�سيا�سي����ة �أو االجتماعي����ة .وم����ن الطبيع����ي �أنّ الورق����ة الأوىل تغيرّ هم الإيراني����ون .فاملحافظون اجلدد يف �إيران ال يختلفون والأ�سا�سي����ة يف هذا االخرتاق – للأ�سف -هي الورقة ال�شيعية م����ن ناحية التنظ��ي�ر الأيديولوج����ي عن املحافظ��ي�ن اجلدد يف العربي����ة (املبايعة للويل الفقيه بالدرجة الأوىل) .ولكن مبا �أنّ �أمريكا ،و�أمّ����ا ر�ؤيتهم الدينية وتلك املتعلقة بالعالقات الدولية ه����ذه الورقة ال ت�ستطي����ع الت�أثري على جممل الق����رار يف الوطن العرب����ي ،ف�إنه ال بد من اال�ستفادة من مكونات املجتمع الأخرى بني “معنا �أو �ضدنا” تكاد تكون متطابقة. الأك��ث�ر ع����دد ًا وت�أثري ًا م����ن ال�شيعة يف الدائ����رة الأو�سع ومن ثمّ وميك����ن جت�سيد امل�ش����روع الإيراين بالطم����وح الذي عبرّ عنه ال�سنّ����ة ،ويتم ذلك باللعب على �أوتار املقد�سات التي تلتغي عند الإم����ام اخلميني ،وفق م����ا نقله عنه الرئي�����س الإيراين ال�سابق حدودها ،بالن�سبة للمواطن العربي القومية �أو ال�سنّي املذهب، �أبو احل�سن بني �صدر ،الذي قال�« :أخربين �أنّه كان يريد �إقامة التق�سيم����ات والت�س����ا�ؤالت والت�شكي����كات والتناق�ضات بل وحتى ح����زام �شيعي لل�سيطرة على �ضفتي العامل الإ�سالمي .كان هذا طعنات الأم�س وخدع اليوم. احل����زام يت�ألف من �إي����ران والع����راق و�سوريا ولبن����ان ،وعندما ويرتك����ز التحرّك الإيراين يف هذا الإط����ار على ثالث �آليات ي�صب����ح �سي����د ًا لهذا احل����زام ي�ستخ����دم النفط وموق����ع اخلليج هي: الفار�سي لل�سيطرة على بقية العامل الإ�سالمي». .1اخلط���اب الأيديولوج���ي -الدمياغوج���ي :وه����و خطاب مل يتخ����ل الإيراني����ون ع��ب�ر القرون ع����ن ه����ذه املقاربة على اخت��ل�اف حكّامه����م و�أنظمتهم مب����ا فيه النظ����ام احلايل الذي �شعب����وي يتمحور حول مهاجمة �إ�سرائيل وتعظيم �شان فل�سطني دون �أن يعك�����س ذل����ك حقيق����ة الأمر ،ذل����ك �أنّ يقوده خامنئي ،والنظرة �إىل �إيران بهذا املعنى الغاي����ة م����ن ه����ذا اخلط����اب حتري����ك ال�ش����ارع ال تختلف عن النظ����رة �إىل �إ�سرائيل �أو �إىل �أي دولة �أخ����رى حتاول ب�سط �سيطرته����ا ع�سكري ًا امل�����ش��روع الإي����راين لي�س العرب����ي وا�ستقطاب����ه خلل����ق بيئة مه ّيئ����ة لتقبّل وهم ًا نختلقه وال ت�ضخيم ًا النف����وذ الإيراين يف الع����امل العربي حتت �شعار و�إيديولوجي ًا وب�شكل تخريبي. ن�ستجلبه ،و�إمنا هو خطر مقاومة �إ�سرائيل م����ن جهة ،ولزعزعة الأنظمة وه����ذه املعطي����ات يعلمها الإيراني����ون جيداً ،واقعي تعك�سه الت�صرفات القائمة عرب �ضرب العالقة بينها وبني �شعوبها �إذ يق����ول مث ً ��ل�ا الباحث الإي����راين واخلبري يف الإي����ران����ي����ة امل��ت��م��ث��ل��ة من جهة �أخرى. ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة الإيراني����ة يف طه����ران، �������ض���م ب����االح����ت��ل�ال وال ّ يق����ول �أحد الك ّت����اب الإيرانيني م����ن القومية فرزاد بيزي�شكبور ،يف مقال له بعنوان “�إيران وميزان القوى الإقليمي”�« :إن النظام العراقي وال���ت���دخ���ل وال��ت��ف��ت��ي��ت الأذرية «�أنا م�سلم �شيع����ي ،ال �أ�ستطيع �أن �أفهم كيف يحاول �أن يربر النظام دفاعه عن فل�سطني بقي����ادة �ص����دام ح�سني مل يعد موج����ود ًا اليوم ،والتفري�س من منطلق �إ�سالمي ،يف حني �أنّه ي�ساند �أرمينيا �أمّ����ا النظ����ام الثاين املع����ادي لإي����ران واملتمثل امل�سيحية التي حتتل %20من �أرا�ضي �أذربيجان بنظ����ام طالبان الأفغ����اين فق����د ّمت التخل�ص من����ه .واليوم ف�إن الق����ادة اجلدد للع����راق و�أفغان�ست����ان �أكرث قرب ًا لإي����ران من �أي (امل�سلم����ة) ..يف هذا نف����اق وتعار�ض مع الإ�س��ل�ام والطائفة.. ط����رف �آخر ،وب����د ًال من �ص����دام لدينا الآن رئي�����س عراقي غري وهو دليل على التالعب بالق�ضية الفل�سطينية». وال �ش����ك �أن م����ا عرب عنه هذا الكات����ب ال ينطبق على احلالة عرب����ي وفخور مبعرفته و�إتقانه اللغة الفار�سية ،وعدد كبري من �أع�ضاء احلكومة العراقية والربمل����ان العراقي كانوا قد ام�ضوا الأذري����ة فقط ،بل وكذلك بالن�سبة لل�شي�شان يف رو�سيا والألبان �سنوات طويلة يف �إيران و�أجنبوا �أوالد ًا لهم هنا ودخلوا مدار�س يف كو�سوف����و ،ب����ل ويف �أفغان�ست����ان والعراق؛ فاملحت����ل الأمريكي طهران وتعلموا بها .كذلك يحتل ال�شيعة اليوم يف العراق ولبنان والإ�سرائيل����ي يبعد �أمتار قليلة فقط عن احلدود ،فبماذا نف�سّ ر والبحرين مواقع مهمة داخل الأنظمة ال�سيا�سية لبلدانهم مما مباركة �إيران له يف العراق و�أفغان�ستان ومعار�ضته له يف �أماكن �أخرى؟! يعطي �إيران كنتيجة لذلك اليد العليا يف املنطقة». .2خل���ق �أذرع وح���ركات موالي���ة له���ا :وي�أت����ي ذل����ك يف �إطار ونظ����ر ًا حل�سا�سية امل�ش����روع الذي يعترب الركي����زة الأ�سا�سية 156
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
تثبيت الزعزعة التي يحدثها اخلطاب الإيراين وترجمته واقع ًا � -إيق����اف دعم املجموع����ات الفل�سطينية املعار�ض����ة ،وال�ضغط عملياً .ولذلك نالحظ �أنّه يف البلدان والأماكن التي يوجد فيها عليه����ا لإيق����اف عملياتها العنيف����ة �ض ّد املدني��ي�ن الإ�سرائيليني نفوذ �إيراين ،هناك ح����ركات و�أحزاب متثّل هذا النفوذ ب�شكل داخل حدود �إ�سرائيل العام .1967 وخا�صة عندما تك����ون �شيعية -حتوي����ل حزب اهلل اللبناين �إىل حزب �سيا�سي منخرط ب�شكل ر�سم����ي وعلني وبتبعي����ة ع�ضوي����ة ّ كحزب اهلل اللبن����اين ،الذي �أعلن �أمينه العام علن ًا ب�أنّه يفتخر كامل يف الإطار اللبناين. �أن يك����ون ف����رد ًا تابع ًا لل����ويل الفقيه يف �إيران� .أامّ����ا يف البلدان -قبول املبادرة العربية التي طرحت يف قمّة بريوت عام ،2002 التي ال يوجد فيها ال�شيعة ،فيتم التعويل على حركات �إ�سالمية �أو م����ا ي�سمى “طرح الدولتني” ،والتي تن�ص على �إقامة دولتني ذات توجّ ه قريب �أو حت����ى امتطاء موجتها حتت �شعار املقاومة والقبول بعالق����ات طبيعية و�سالم مع �إ�سرائيل مقابل ان�سحاب ال�ستخدامه����ا ك����ـ ( )Proxyفيم����ا الهدف احلقيق����ي ا�ستغاللها �إ�سرائي����ل �إىل ما بعد ح����دود ،1967ما يعن����ي االعرتاف عملي ًا للأجن����دة الإيرانية القوميّة اخلا�صة .ومل يعد ذلك بخاف على با�سرائيل. �أحد خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية ،وال يحتاج �إىل �أي جهد يف كل ذل����ك مقابل االعرتاف له����ا مبوقع قوّة عظم����ى يف املنطقة ظل ال�شواهد على الأر�ض� ،سواء يف لبنان �أو فل�سطني �أو اليمن والتعهد بتفهّم م�صاحلها. ويف ه����ذا الإطار ،يعتق����د رئي�س املجل�س الوطن����ي الإيراين- �أو غريها من الدول. .3زي���ادة الق���وّة الع�سكري���ة :وهدفه����ا فر�ض �إي����ران ككقوّة الأمريك����ي ،و�أ�ست����اذ العالقات الدولي����ة املولود يف �إي����ران تريتا �إقليمي����ة ذات ردع ا�سرتاتيجي ،ولهذا نرى �أنّ النظام الإيراين بار�س����ي (واملته����م الآن م����ن قب����ل املحافظني اجلدد ب�أن����ه ر�أ�س يعتم����د تطوي����ر قدرات����ه ال�صاروخ ّي����ة وهي ق����درات ذات طابع حرب����ة �إي����ران يف ت�شكل لوبي م����وايل لها يف �أم��ي�ركا ،ملجرد �أنه هجوم����ي� ،إ�ضاف����ة �إىل ن ّيت����ه تطوي����ر ق����درات نووي����ة ك�ضام����ن يرف�����ض م�س�ألة العقوبات) �أنّ العالقة ب��ي�ن املثلث الإ�سرائيلي- رادع لبق����اء النظ����ام ودع����م االرتق����اء الإقليمي ال����ذي تقوم به الإي����راين – الأمريك����ي تقوم على امل�صال����ح والتناف�س الإقليمي يف املنطق����ة .وه����و على الرغ����م من ذلك ي�سع����ى �إىل التمدد يف واجليو�سرتاتيج����ي ،ولي�����س عل����ى الأيديولوجي����ا واخلطاب����ات داخل الدول العربي����ة ،وخا�صة جهازه اال�ستخباراتي عرب فيلق وال�شع����ارات التعبوي����ة احلما�سي����ة ال����خ .فاملح����رّك الأ�سا�س����ي القد�����س واحلر�س الثوري ،ال����ذي يحر�ص على تعيني �ضباط له للأح����داث يكم����ن يف العام����ل “اجليو�سرتاتيج����ي” ولي�����س “الأيديولوج����ي” الذي يعترب جمرّد و�سيلة �أو يف البعث����ات الديبلوما�سي����ة الإيرانية كال�سفري الإي����راين ال�ساب����ق للع����راق ح�س����ن كاظم قمي ت��ع��م��ل �إي���������ران على رافعة. ويف حتلي����ل امل�شه����د الثالث����ي له����ذه الدول، وال�سف��ي�ر الالح����ق �أي�ض ًا ح�س����ن دانافار ،وهما ح���ل م��ع�����ض��ل��ة ال��ن��ف��وذ �ضابط����ان يف فيل����ق القد�����س .دون �أن نن�س����ى الأم��ي�رك����ي م���ن خ�لال جند �أن �إ�سرائيل تعتم����د يف نظرتها �إىل �إيران اخلاليا النائمة واملنت�شرة يف كل الدول العربية الإ���ص��رار ال��دائ��م على عل����ى “عقيدة الطرف” ال����ذي يكون بعيد ًا عن و�آخره����ا م����ا ك�شفت عن����ه ال�سلط����ات الكويتية ع��ق��د «���ص��ف��ق��ة ك�ب�رى» املح����ور ،فيما تعتم����د �إيران عل����ى التاريخ حني ومثلها البحرينية قبل �أ�سابيع قليلة. م��ع ال��والي��ات املتّحدة كانت الهيمنة “الطبيعية” لإيران متتد لتطال بالن�سب����ة لل�شق الثاين :ال����ذي يتعلق مب�شكلة تعطيها اليد الطوىل يف اجلريان القريبني منها .وبني هذا وذاك ،ي�أتي دور الالع����ب الأمريك����ي ال����ذي يتالع����ب بهذا النف����وذ الأمريك����ي يف املنطق����ة .فتعم����ل �إيران املنطقة امل�شهد ويتم التالعب ب����ه �أي�ض ًا خالل م�سريته عل����ى ح����ل ه����ذه املع�ضلة م����ن خ��ل�ال الإ�صرار اخلا�صة واملتغيرّ ة تباعاً. ّ للو�صول �إىل �أهدافه الدائم عل����ى عقد “�صفقة كربى” مع الواليات ن�ستنت����ج باخت�صار �شديد� ،أن اجلميع يتناف�س للح�صول على امل ّتح����دة تعطيها اليد الط����وىل يف املنطقة وترج����ع �إليها الدور ح�صة م����ن امل�ساحة العربي����ة املمتدة من املحي����ط �إىل اخلليج، ّ ال����ذي كانت حتظى به �أي����ام ال�شاه .وقد تناولن����ا تفا�صيل هذه ال�صفق����ة م����رار ًا وتك����رار ًا عرب حتلي����ل الوثيق����ة الر�سمية التي وذل����ك ب�أ�سماء خمتلفة من م�شروع “ال�ش����رق الأو�سط الكبري” بعثت بها �إيران �إىل �أمريكا يف بداية عهد بو�ش االبن ،وتت�ضمن �إىل “�إ�سرائي����ل الكربى” �إىل “ال�ش����رق الأو�سط الإ�سالمي” �أو “�إيران الكربى” ،والتي دعا الأمني العام حلزب اهلل الإيراين تعهد ايران بـ: ا�ستخ����دام نفوذها يف العراق ل����ـ «حتقيق الأمن و اال�ستقرار ،وع�ض����و جمل�����س �صيان����ة الد�ستور ال�سي����د حممد باق����ر خرازي�إىل ت�شكيله����ا يف كالم ل����ه منت�صف �أيار/ماي����و 2010لتمتد من �إن�شاء م�ؤ�س�سات دميقراطية ،وحكومة غري دينية». �شفافي����ة كامل����ة لتوف��ي�ر االطمئن����ان والت�أكيد ب�أ ّنه����ا ال تطوّر �أفغان�ستان �إىل فل�سطني وحتكم ال�شرق الأو�سط و�آ�سيا الو�سطى،�أ�سلحة دمار �شامل ،وااللتزام مبا تطلبه الوكالة الدولية للطاقة مب����ا ي�ؤدي �إىل تدمري �إ�سرائيل والدول املناف�سة املجاورة لإيران (الدول العربية) وظهور املهدي املنتظر. الذرية ب�شكل كامل ودون قيود. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
157
مدار الأفكار
�سجـ ــال
متى نكف عن ممار�سة اخلداع علن ًا
لنبحث عن عدو �آخر غري �إيران عبد الغني املاوري
abda_m111@yahoo.com
يف كل م����رة ال ي�ستطي����ع الع����رب حتقيق �شيء ي�ستحق الثناء ،ف�إنه����م يلجئون �إىل اخرتاع عدو. وعلى الرغم من �أن هذه العادة غري جديرة باالحرتام� ،إال �أنها �أكرث العادات العربية ازدهاراً. لق����د كان����ت �إ�سرائي����ل على مدى �أكرث من خم�س��ي�ن عاماً هي ال�شماعة الت����ي يتم على م�شجبها تعلي����ق كل الإخفاق����ات والأخط����اء ،وحت����ى الديكتاتوري����ة التي ات�سم����ت بها الأنظم����ة العربية - والت����ي ال يج����در �أبداً الدفاع عنها -اعتُربت يف وقت من الأوقات خياراً �صائباً و�ضرورة وطنية ملواجهة حماوالت �إ�سرائيل الرامية للتو�سع ون�شر الفو�ضى يف الدول العربية. لك����ن التوج����ه العرب����ي الر�سمي لإقام����ة عالقات طبيعية م����ع الدولة العربية فر�����ض يف نهاية املطاف البحث عن عدو جديد ،وكان هذا العدو -ل�سوء احلظ – هو اجلارة �إيران .وقد �أظهر امل�ؤيدون للنظرية التي تقول �أن �إيران خط ٌر داهم على الأمن القومي العربي حما�س ًة مفرطة يف تدعيم مواقفهم من خالل تبني مقوالت فاقعة ،رمبا حان الوقت لتفكيكها قبل �أن تتحول �إىل حقائق مطلقة. مفارقة العدو وال�صديق «�إي���ران و�إ�سرائيل وجهان لعملة واحدة» هذه هي �إحدى هذه املق���والت التي يت���م ت�سويقها لل���ر�أي العام العرب���ي ،وينطلق القائل���ون بوج���ود ت�شابه بني �إيران و�إ�سرائي���ل من �أن كليهما لدي���ه �أطماع حقيقية ،وينتهج �سيا�س���ة عدائية �ضد امل�صالح العربي���ة ،ويوا�صل عملي���ات اخلرق لل�سي���ادة الوطنية للدول العربي���ة من خ�ل�ال اال�ستم���رار يف احتالل �أرا�ض���ي عربية، وجتنيد عمالء وجوا�سي�س ،وكذا العمل على تفجري املجتمعات العربية من خالل دعم اجلماعات اخلارجة على القانون. ال �ش���ك �أن ه���ذا الن���وع من الأح���كام ،الذي يجع���ل �إيران و�إ�سرائيل يف مرتبة واحدة ،ينطوي على قدر كبري من التهور ويفتق���ر �إىل املنطق� ،إذ �أنه يتجاهل حقائ���ق عدة �أبرزها �أن �إي���ران دولة طبيعية بعك�س �إ�سرائيل التي هي دولة م�صطنعة بامتي���از؛ وفيما تعد �إيران �إحدى �أهم الدول الإ�سالمية ،ف�إن 158
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
�إ�سرائي���ل تق���دم نف�سها بو�صفه���ا قاعدة متقدم���ة للم�شروع الغربي اال�ستعماري. �أم���ا فيما يتعل���ق مب�س�ألة احت�ل�ال �أرا�ضي عربي���ة ،ف�إنه ال ميكن الت�سليم مببد�أ امل�س���اواة بني احتالل اجلزر الإماراتية الثالث واحت�ل�ال فل�سطني ،ذلك �أن ق�ضية اجلزر الإماراتية تت�صل بامل�س�ألة احلدودية غري املثالية منذ رحيل االحتالالت الغربي���ة عن املنطقة العربية ،وهن���اك �أمثلة م�شابهة للحالة الإيراني���ة -الإماراتي���ة فيم���ا ب�ي�ن ال���دول العربي���ة بع�ضه���ا البع�ض ،ومل يجر�ؤ �أحد على ا�ستخدام تعبري كالذي ا�ستخدم �ض���د �إيران ،فيما االحتالل الإ�سرائيلي لفل�سطني هو احتالل ا�ستيطاين يرتكز على مبد�أ �سلب الأر�ض وطرد �شعب ب�أكمله دون وجه حق. وعل���ى الرغ���م من ه���ذه الف���روق اجلوهري���ة ب�ي�ن �إيران و�إ�سرائيل� ،إال �أن هن���اك من ي�سعى القناعنا بوجود عالقات �سري���ة بينهما بق�صد الإ�ضرار بالعامل العربي ،وهو �أم ٌر يثري عبدالغني املاوري �صحفي وكاتب من اليمن.
ال���ذي تبدي���ه حما�س �أم���ام االعتداءات ال�سخري���ة .عل���ى النقي�ض من ذل���ك ،تتوافر �أدل���ة عل���ى وج���ود حتال���ف غ�ي�ر معل���ن بني التوجه العربي الر�سمي الإ�سرائيلي���ة املتوا�صل���ة يع���ود يف ج���زء �إ�سرائي���ل وبع����ض الأنظمة العربي���ة ملواجهة لإق������ام������ة ع��ل�اق����ات منه للدعم الإي���راين ،لذلك يبدو بع�ض الدعوات العربي���ة حلما�س بقطع �صلتها م���ا ي�سم���ى بالتم���دد الإي���راين ،واجلماعات ��ة ل ��دو ل ا م��ع طبيعية ب�إيران مبثابة طعنة يوجهها �شخ�ص �إىل املرتبطة ب���ه مثل حركة حما����س وحزب اهلل نهاية يف فر�ض العربية ج�سده ،وهذا جنون. اللبناين. وتك�ش���ف بع�ض الت�صريح���ات اال�سرائيلية املطاف البحث عن عدو ال يعني ه���ذا �أن حما�س ق���د ارتبطت الر�سمية جانب��� ًا من هذه العالقة التي جتهد جديد ،وكان هذا العدو نهائي��� ًا بامل�ش���روع الإي���راين ،و�إمنا يعني العوا�ص���م العربي���ة لإخفائه���ا ،فق���د �ص���رح -ل�����س��وء احل���ظ – هو �أن هناك حاجة «حم�ساوية» لإيران ،ويف ح���ال متكن���ت حما�س من �إيج���اد حليف رئي����س الوزراء الإ�سرائيل���ي بينامني نتيناهو اجلارة �إيران بديل يوفر لها الدعم املطلوب ال�ستمرار �أم���ام جتم���ع اللوب���ي الإ�سرائيل���ي الأمريكي �سيا�سته���ا ،ف�إنه���ا ل���ن حتر����ص عل���ى “�أيب���اك” قائ�ل�اً �« :أ�ستطي���ع �أن �أقول لأول م���رة يف حياتي �أن الع���رب والإ�سرائيليني يرون اليوم عدوهم عالقتها ب�إيران �أكرث مما ينبغي ،هكذا الأمر بب�ساطة .ينبغي امل�ش�ت�رك» يف �إ�شارة منه لإي���ران ،وكانت ت�سيبي ليفني وزيرة التذك�ي�ر �أن عالق���ة حما�س ب�إيران مل تكن جي���دة يف بدايات اخلارجي���ة الإ�سرائيلي���ة ال�سابقة قد دع���ت يف م�ؤمتر �أعمال الثورة الإ�سالمي���ة الإيرانية ،فقد كان���ت حما�س تعترب �إيران منت���دى الدوحة للدميقراطية والتنمي���ة والتجارة احلرة عام دول���ة �شيعية مارق���ة .وللمفارق���ة ،كانت حما����س تتهم حركة 2008لإقامة حتالف ي�ضم ا�سرائيل والعرب للت�صدي للخطر فت���ح ب�أنها جزء من م�شروع لت�شييع املنطقة ،وقد دارت االيام الإيراين؛ «فمنع �إيران م���ن احل�صول على ال�سالح النووي لت���ذوق من الك�أ����س نف�سه .ال ب�أ����س هنا م���ن اال�ستعانة بر�أي ح�سب ليفني -م�صلحة م�شرتكة لإ�سرائيل والعامل العربي� ،أحد �أبرز الكتاب واملحللني ال�سيا�سيني الأمريكيني ،و�أعني بهويول���د تفاهم��� ًا ب�أن �إ�سرائي���ل والدول الإ�سالمي���ة يف املنطقة فريد زكريا رئي�س حتري���ر الطبعة الدولية ملجلة “نيوزويك” الأمريكي���ة ،الذي كتب مقا ًال مهم ًا يف 20كانون الثاين /يناير تواجه تهديد ًا م�شرتكاً». �إىل ذل���ك ،كتب �إيليوت �أبرامز �أبرز الأ�سماء اليهودية التي 2009يناق����ش فيه املزاع���م الإ�سرائيلية والعربي���ة التي تتهم عملت يف �إدارة الرئي�س الأمريكي جورج بو�ش االبن ،مقا ًال يف حما�س ب�أنها تابع���ة لل�سيا�سة الإيرانية .يقول زكريا« :حما�س �صحيفة “وول �سرتيت جورنال” الأمريكية يو�ضح فيه حقيقة لي�س���ت بيدق ًا يف ي���د �إيران .طوال عقود ،كان���ت �إيران تف�ضل ال�صراع الدائر يف املنطقة بالقول «يوجد �صراع خطري اليوم ومتول جمموعات فل�سطيني���ة �أخرى ،هي اجلهاد الإ�سالمي. يف ال�شرق الأو�سط ،لكنه لي�س بني الإ�سرائيليني والفل�سطينيني ،يف الآونة الأخرية ،بد�أت حما�س بقبول الأموال والأ�سلحة من و�إمن���ا هو �ص���راع املتحالف�ي�ن معن���ا (�أي مع �أم�ي�ركا) ،ومن �إيران ،لكن هذا ال يعني �أنها تتلقى �أوامر منها �أي�ضاً». �ضمنهم م�ص���ر وال�سعودية وال�سلط���ة الفل�سطينية و�إ�سرائيل �إن اته���ام �إي���ران بال�سع���ي لتوري���ط الع���رب يف مواجه���ات والإمارات العربية املتح���دة �ضد �إيران وقطر و�سورية وحزب خا�س���رة م���ع �إ�سرائيل من خ�ل�ال دفع ح���ركات املقاومة �إىل اهلل واجلماعات الفل�سطينية الإق�صائية». التحر�ش بالإ�سرائيليني فيه �سذاجة بالغة؛ فم�ستوى التن�سيق لق���د �أدى ال�شحن غري امل�سبوق الذي رعت���ه بع�ض الأنظمة بني الأنظم���ة العربية وا�سرائيل كفيل بالت�أكي���د ب�إف�شال هذه العربية املرتبطة بعالقات وثيقة بالواليات املتحدة الأمريكية اخلطط يف حال وجدت. �إىل اختالق وقائع غ�ي�ر موجودة .فعلى �سبيل املثال ،اعتُربت غ���زة جيب��� ًا �إيراني���اً ،يف حني �أن ه���ذه املزاع���م مل تكن �سوى مبالغات “الهيمنة الإيرانية” ادع���اءات �إ�سرائيلية يف الأ�سا�س ،وقد �أ�ضاف خ�صوم حما�س م���ن ال�صعب ت�صديق كل ما يق���ال عن �سعي �إيران للهيمنة م���ن العرب البع���د املذهبي كنوع م���ن الت�ضلي���ل� ،إذ ال�صقت على العامل العربي ،فهناك مبالغات غري مفهومة لت�صوير �أي تهمة م�ساعدة �إيران يف ت�شييع املنطقة. حت���رك �إيراين ب�إجتاه ال���دول العربية على �أنه حماولة لب�سط ال �شك �أن حركة حما�س غري مُنزهة عن ارتكاب الأخطاء ،النف���وذ .ال يعن���ي هذا التخلي نهائي ًا عن ال�شع���ور بالقلق �إزاء لك���ن عالقته���ا ب�إي���ران ال ميك���ن �أن تع���د خط����أً؛ فال�صم���ود
(
)
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
159
مدار الأفكار
�سجـ ــال
بع����ض اخلطوات الإيراني���ة التي ال ت�ساعد عل���ى بناء الثقة� .إىل �إقاليم فيدرالية. على �سبيل املثال ،ال يج���ب الت�ساهل جتاه الت�صريحات التي لن�أخ���ذ مثا ًال �آخر ميكن من خالل���ه ت�أكيد �أو نفي التدخل �أطلقه���ا م�ست�شار مر�شد اجلمهورية عل���ي �أكرب ناطق نوري ،الإي���راين يف ال�ش����ؤون الداخلي���ة للدول العربي���ة ،هذا املثال والت���ي اعت�ب�رت �أن البحري���ن ه���ي املحافظ���ة الرابعة ع�شر ه���و اليمن .فقد اُعت�ب�رت احلرب املمتدة من���ذ �ست �سنوات لإي���ران� ،أو جتاه ما كتبه ح�س�ي�ن �شريعتمداري رئي�س حترير بني اجلي�ش اليمن���ي واملتمردين احلوثيني جزء ًا من م�ؤامرة �صحيفة “كيهان” الإيرانية القريبة من املر�شد يف منت�صف �إيراني���ة تهدف لتحقي���ق جملة من الأه���داف اال�سرتاتيجية ،2007م���ن �أن الطلب الأ�سا�س���ي لل�شعب البحريني حالي ًا هو يف مقدمته���ا حما�صرة اململكة العربي���ة ال�سعودية ،وحماولة �إع���ادة هذه املحافظة الت���ي مت ف�صلها عن �إيران �إىل الوطن زعزعة �أمنها وا�ستقرارها. الأم والأ�صلي� ،أي �إيران الإ�سالمية. يف هذه الق�ضية ،تُواجَ ه �إيران بقائمة طويلة من االتهامات، لك���ن مثل هذه املواق���ف ال ينبغي �أن ت����ؤدي �إىل قطيعة مع تبد�أ بتمويل وتدري���ب احلوثيني وال تنتهي بالعمل على �إعادة �إيران ،خ�صو�ص ًا و�أنها ال ت ِرّ ُعب عن ر�أي الدولة الإيرانية التي “احل�ضور الفار�سي” �إىل اليمن واجلزيرة العربية� ،إال �أن تنف���ي با�ستمرار وج���ود �أي �أطماع له���ا يف البحرين� .صحيح ه���ذه االتهامات يف الواقع حتتوي عل���ى مبالغات كثرية .فقد �أن املناوئني لإيران لن يقبلوا مثل هذا التو�ضيح ،لكن ينبغي �أثبت���ت احل���رب ال�ساد�سة (�آب� /أغ�سط����س � 2009-شباط/ التذكري دائم ًا بوجود فروق جوهرية بني ال�سيا�سات الر�سمية فرباي���ر )2010وجود تعاطف �إي���راين مع احلوثيني وح�سب، وال�سيا�س���ات ال�شعبوية؛ يف كل بالد هن���اك من يتحدث وفق عل���ى الأق���ل ه���ذا م���ا ميك���ن �إثبات���ه دون عناء .وق���د رف�ض منطق �شعب���وي و�أحيان ًا فو�ض���وي ،ولأن �إيران كانت يف وقت امل�س�ؤول���ون اليمنيون على اخت�ل�اف م�ستوياتهم اتهام �إيران م���ن الأوقات �إحدى �أهم الإمرباطوريات الكربى يف التاريخ ،مب�ساع���دة احلوثي�ي�ن ،واكتف���وا بلفت اجلان���ب الإيراين �إىل ف�إن هناك من يحلم ب�إعادة هذا املا�ضي، قي���ام احلوازات واجلمعي���ات اخلريية يف لك���ن حل�س���ن احل���ظ ه����ؤالء الأ�شخا����ص �إي���ران بدع���م احلوثي�ي�ن .وق���د يكون من مل��اذا ال تُ�لام الواليات الذين لديهم طموحات تو�سعية ال ميثلون املنا�سب القول �إن هذا النوع من الدعم ال املتح��دة عن��د احلديث الأكرثية. يقت�ص���ر على �إيران ،بل ي�شمل دو ًال عربية عن وجود �صفقة ما مع الع���راق ،من���وذج �ص���ارخ عل���ى “نوايا عدة ومنها البحرين والكويت. الإيراني�ين يف الوق��ت �إي���ران التو�سعي���ة” بح�س���ب الذي���ن هناك �سب���ب �أخر يجع���ل احلديث عن ال��ذي توجّ ��ه �سه��ام يجاهرون بالعداء لل�سيا�س���ات الإيرانية، خط���ر �إيران �أم���ر ًا م�شكوك ًا في���ه ،فنظام النق��د �إىل �إيران لذات فطامل���ا اُتهم الإيراني���ون بال�سعي لتفكيك (املاليل) و�صل لطريق م�سدود� ،إذ يعاين ال�سب��ب؟ �إن مث��ل ه��ذا العراق من �أج���ل اال�ستيالء على اجلنوب من م�شكلة بنيوية ،فالدول التي تتنازعها االنح��دار ينبغ��ي �أن الغن���ي بالنف���ط ،وغالب��� ًا ما يت���م الربط �شرعيتان ال �شك �أنها مر�شحة للدخول يف يتوقف على الفور! ب�ي�ن دع���وات املجل����س الأعلى بقي���ادة �آل �أتون �صراعات قاتلة. احلكيم لإقامة جنوب فيدرايل على غرار كرد�ست���ان العراق ،وبني التوجه���ات الإيرانية .يف الواقع� ،إن املغالط���ات يف هذا ال�ش�أن �أكرث من �أن حت�صى؛ فال�سيا�سيون �أ�سطورة «احلزام ال�شيعي» خالف ًا للحقيق���ة ،ي�سعى الذين ال ي�ؤي���دون �إقامة عالقات يف اي���ران يدركون جيد ًا �أن جمرد التفكري يف الإ�ستيالء على نف���ط العراق هو مبثاب���ة �إعالن حرب مع الوالي���ات املتحدة طبيعي���ة مع �إي���ران لإيهامنا ب����أن الإيرانيني ي�سع���ون لإن�شاء الأمريكية ،وهو خيار �سيعملون على جتنبه مهما كان الثمن“ .حزام �شيعي” يف املنطقة ،فيما الوقائع ت�شري �إىل �أن �إيران من جه���ة �أخرى� ،إن جن���اح املجل�س الأعل���ى يف �إقامة �إقليم هي �أك�ب�ر املت�ضررين من ا�ستخدام ال�س�ل�اح الطائفي .لقد يف اجلن���وب -وهو �أم ٌر م�ستبعد على الأقل يف الوقت املنظور قوبل���ت اجنازات ح���زب اهلل اللبناين يف مواجه���ة �إ�سرائيل ب�سب���ب تراجع الت�أيي���د ال�شعبي لهذه الفك���رة – لن يتم لأن با�ستهج���ان البع����ض انطالق ًا من هذه الر�ؤي���ة ال�ضيقة ،وقد �إي���ران ت�ؤيد ذلك ،ولكن لأن الد�ستور العراقي الذي �أ�شرفت و�ص���ل الأم���ر اىل اعتبار ح���رب 2006ب�ي�ن ا�سرائيل وحزب على ت�صميمه الواليات املتحدة هو من ي�سمح بتق�سيم العراق اهلل اللبناين م�ؤام���رة �صهيونية� -شيعية من �أجل خداع �أهل 160
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ح���ال �ضمنت لهم �أم�ي�ركا دور ًا حموري��� ًا يف اخلليج العربي، ال�سنة(!). وعلى الرغم من �سذاجة هذا املنطق ،ف�إنه يجد رواج ًا لدى وك���ذا احل�صول على بع�ض االمتي���ازات االقت�صادية .دعوين البع�ض� .أثناء احلرب العراقية -الإيرانية التي ا�ستمرت نحو ال �أ�سرت�س���ل كثري ًا يف ذكر مثل ه���ذه الرباهني ،حتى ال �أقتنع ثم���ان �سنوات مل يكن التق�سيم وت�صني���ف الأ�شخا�ص والدول فع ًال ب�أن هناك “�صفقة” �ستح�صل بني �أمريكا و�إيران تكون عل���ى �أ�س����س مذهبية يحظى به���ذا االنت�شار ،فق���د كان نظام على ح�ساب امل�صالح العربية. �صحي���ح �أن الواليات املتحدة الأمريكي���ة ت�أمل يف ا�ستعادة �ص���دام ح�سني يهاج���م �إيران بو�صفه���ا دول���ة فار�سية ت�سعى لتفري�س الع���رب .يف ذلك الوقت ،مل يكن �أحد يهتم بالتحقق �إيران كحليف م���رة �أخرى باعتبار ذل���ك م�صلحة �أمريكية، من �صحة هذه االتهامات .وقد ازدهرت يف تلك الفرتة الكتب �إال �أن ه���ذا ال ميك���ن �أن يك���ون مقابل التخلي ع���ن حلفاءها واملن�شورات التي تو�ض���ح الطريقة اال�ستعالئية التي يفكر بها الأ�سا�سي�ي�ن .فامل�صالح الأمريكية احليوية موجودة يف الدول الإيراني���ون جتاه العرب ،فيما مت جتاه���ل نظرة بع�ض العرب العربية ،وهي غري قابلة للم�ساومة ،و�أمن �إ�سرائيل ورغباتها لي�ست حم���ل خالف بالن�سب���ة للم�سئول�ي�ن الأمريكيني؛ فمن الإ�ستعالئية جتاه �إيران. ودون �أن يبدو الأمر وك�أنه ا�ست�سال ٌم لنظرية امل�ؤامرة ،ف�إن املع���روف �أن االهتمام الأمريك���ي بالربنامج النووي الإيراين االحت�ل�ال الأمريكي للعراق منذ �سبع �سن���وات هو من �أعطى مل يك���ن لي�صب���ح به���ذه الأهمية م���ن املتابعة ل���وال ال�ضغوط ه���ذا ال�ص���راع املذهبي كل ه���ذا الزخم ،وحول���ه �إىل تهديد الإ�سرائيلي���ة بح�س���ب ما يق���رره ،وبرباه�ي�ن حا�سمة ،خبريا للمجتمع���ات العربية والإ�سالمي���ة .فالت�شيع يف نهاية املطاف ال�سيا�سة الأمريكية جون مري�شمامير و�ستيفن والت. لهذه الأ�سباب وغريها ال توجد �صفقة �أمريكية � -إيرانية، لي����س مُنتج ًا �إيرانياً ،و�إمنا �أي�ض ًا -وكان يف الأ�سا�س -منتج ًا �إال �إذا ح���دث �شيء غري منطقي ومتكّن عربي���اً ،لذلك ف����إن الطريق���ة املثلى ملعاجلة الإيرانيون من �إقن���اع الأمريكيني ب�أنهم ه���ذا امللف ال�شائك ال تكمن يف اتهام ال�شيعة ملعاجلة املثلى الطريقة �أه���م من �إ�سرائيل والعرب معاً ،وحينئذٍ الع���رب بال���والء لإي���ران ،و�إمن���ا يف �إعط���اء ال ال�شائك الت�شيع ملف ينبغ���ي توجي���ه الل���وم لأم�ي�ركا ولي����س ال�شيعة وال�سنة وغريهم من الطوائف حقوق املواطنة املت�ساوية؛ فاخلطر احلقيقي هو يف تكمن يف اتهام ال�شيعة لإي���ران .ملاذا ال تُ�ل�ام الواليات املتحدة التمييز الذي تنتهجه بع�ض الأنظمة العربية ،العرب بالوالء لإي��ران ،عن���د احلدي���ث عن وجود �صفق���ة ما مع الإيرانيني يف الوقت ال���ذي توجّ ه �سهام ولي�س اخلطر الإيراين املزعوم. ال�شيعة إعطاء � يف إمنا � و النقد �إىل �إي���ران لذات ال�سبب؟ �إن مثل وال�����س��ن��ة وغ�ي�ره���م من ه���ذا االنح���دار ينبغ���ي �أن يتوق���ف على حديث ال�صفقة املزعومة ال�����ط�����وائ�����ف ح���ق���وق الفور! «ال �ش���ك �أن �إيران ت�سع���ى لعقد �صفقة مع الوالي���ات املتح���دة الأمريكي���ة عل���ى ح�ساب املواطنة املت�ساوية �أخ�ي�راً ،ال يب���دو �أن الت�شب���ث بفك���رة اخلط���ر الإيراين عم ًال عاق�ل�اً ،ف�إيران العرب» .هكذا يحاول مناه�ضو �إيران ،الذين يف نهاي���ة املط���اف دولة ت�سع���ى لتحقيق ي�صف���ون �سيا�ساته���ا بامل�سرحي���ة ال�سمج���ة، القول .ح�سناً ،دعونا نتعرف مبزيد من ال�صرب على مربرات م�صاحله���ا التي من اخلط�أ مقارنتها بامل�صالح الإ�سرائيلية. ه�ؤالء� :إيران ترفع لواء الق�ضية الفل�سطينية وتدعم جماعات وعل���ى كلٍ ،ميكن �أن يكون اجل���دل امل�ستمر حول ما �إذا كانت مثل حزب اهلل اللبناين واحلوثيني ،وتقيم عالقات مهمة مع �إي���ران متثل خطر ًا على �أم���ن الدول العربي���ة �أم ال ،منا�سبة الأطراف الفاعلة يف العراق من �أجل �إرغام الأمريكيني على جيدة لفهم �إيران كما ينبغي ،وبناء عالقات جيدة وخمتلفة. ولع���ل دعوة الأمني الع���ام للجامعة العربية عم���رو مو�سى يف التعاون معها. القمة العربية الأخرية التي عقدت �أواخر �آذار /مار�س 2010 ي�ضي���ف الناقم���ون عل���ى �إي���ران :ال�سيا�سي���ون الإيرانيون يف مدينة �سرت الليبية لفتح حوار مع الإيرانيني ,خطوة مهمة �شدي���دو ال���ذكاء ،ولذل���ك ف�إنهم �س���وف يبيع���ون �شعاراتهم يف ه���ذا االجتاه بالرغم من حتفظ بع����ض الأنظمة العربية، القدمي���ة ويوقفون �سيا�ستهم املعادي���ة لإ�سرائيل مبا يف ذلك التي ما تزال تنظر �إىل �إيران من املنظار الأمريكي .و�إىل �أن دع���م حما�س واجله���اد الإ�سالم���ي وح���زب اهلل اللبناين يف ي�أتي اليوم الذي ميكن لهذه الأنظمة �أن ترى بعينها ال بعيون ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
161
مدار الأفكار
بو�ضـ ــوح
�آراء
�سجال
توازن مفقود اخلليج العربي والبعد الثقافـي كقوة م�ؤثرة يف حتديد امل�صالح �ســالم الرب�ضـــي
jordani_alrabadi@hotmail.com
للدول الكربى م�صالح ا�سرتاتيجية يف املنطقة ،والعوامل االقت�صادية والأمنية وال�سيا�سية هي الت��ي حتدد ب�شكل �أ�سا�سي هذه امل�صالح ،ولكن يجب ع��دم �إغفال العوامل الثقافية كقوة م�ؤثرة ودافعة لتلك امل�صالح� ،سواء على �صعيد النظرة الثقافية للدول الكربى ملنطقة اخلليج (عالقة الغرب بالإ�سالم)� ،أو على �صعيد الواقع الثقايف لتلك املنطقة (الواقع الإ�سالمي) ،والذي يعترب عام ًال م�ساعد ًا للدول الكربى لتحقيق م�صاحلها. �إن عامل �أو معيار البعد الثقايف يف حتليل واقع م�صالح الدول الكربى يف اخلليج ميكن مقاربته من خالل �شقني� :أولهما العالقة بني الغرب والإ�سالم ،وثانيهما العالقة بني التيارات الإ�سالمية. ال�شق الأول :العالقة بني الغرب والإ�سالم ال ميكن اعتبار الأيديولوجية واالقت�صاد وحدهما عالمات �أ�سا�سية للتناف�س �أو ال�صراع فامل�صالح من �أهم عالماتها الأ�سا�سية و�أ�شملها و�أعمقها ت�أثري ًا هو احلقل الثقايف ،فكثري من النظريات ت�ؤكد على �أن امل�صدر الرئي�سي لل�صراع يف عامل ما بعد احلرب الباردة �سيكون م�صدر ًا ثقافي ًا ولي�س �أيديلوجي ًا �أو اقت�صادياً .فالثقافات هي الإطار امل�سيطرعلى العالقات الدولية وت�أكيد ًا على هذا الواقع ميكن العودة �إىل ت�صريح الرئي�س الفرن�سي ال�سابق جاك �شرياك يف م�ؤمتر اليون�سكو عام 2001حيث قال «القرن التا�س���ع ع�شر �شهد �صراع القوميات والقرن الع�شرين �شهد �صراع الأيديلوجيات� ،أما القرن احلادي والع�شرين ف�سي�شهد �صراع الثقاف���ات» .م���ن هذا املنطلق ،ف�إن التدخل الأمريك���ي يف العاملني الإ�سالمي والعربي واخلليج جزء من���ه لي�س م�شروع ًا �أمريكي ًا فق���ط ،ب���ل يف احلقيقة ميكن اعتب���اره ت�صور الدول الكربى – على الرغ���م من متايزها -لل�سيطرة عل���ى املنطقة لعدة �أ�سباب منطقية: الإره��اب :حماول���ة ل�صق الإره���اب بالإ�سالم واعتبار منطق���ة اخلليج هي م�صدر الإره���اب فكري ًا ومادي��� ًا وبالتايل فالعامل الثق���ايف هو الذي يح���دد هذة الر�ؤية ،وعندم���ا نتكلم عن الإرهاب والنم���اذج التف�سريية لهذة الظاهرة م���ن ثقافية� ،سيا�سية، �أمنية ،اقت�صادية ،ا�سرتاتيجية .البد من االعرتاف بان كل تلك التفا�سري ت�صب بالدرجة الأوىل يف خانة امل�صالح. 162 162
يناير/فرباير الثالث ،مار�س/يونيو ا�سرتاتيجية العدد الثاين،
2010 2010
�سالم الرب�ضي باحث يف العالقات الدولية ,الأردن.
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
163
مدار الأفكار
�آراء
الطاق��ة :وه���ي �أ�سا����س االعتم���اد املتبادل ب�ي�ن دول الع���امل بابعاده االقت�صادية والأمنية والقومية. م�شكل��ة الع��رب وامل�سلمني مع �إ�سرائي��ل :وهذه امل�شكل���ة لها الأثر الكبري على الغرب ,وهي م�ضطرة – �أي الدول الكربى -للتدخل فيها. اجليو�ش الأجنبية :ال ميكن بقاءها يف اخلليج للأبد فمن هذا املنطلق ال بد لها من بن���اء انظمة جديدة للأمن والأمان وم�شاريع ال�شرق الأو�سط – واخلليج جزء منها – منوذج عن هذا الت�صور. كم���ا �أنّ امل�صال���ح الإ�سرتاتيجيّ���ة الإ�سرائيليّ���ة يف املنطقة من���ذ ما بعد احت�ل�ال العراق قائمة على كيفيّ���ة مواجهة التزايد يف قوّة ونفوذ �إيران. وامل�صال���ح الإيرانيّة قائمة على كيفيّة حماية م�صاحلها من اال�ستهداف الأمريك���ي والإ�سرائيل���ي .ف�إيران و�إ�سرائي���ل دولت���ان �إقليميّتان تريدان احل�صة �سوف تكون ح�صتهم���ا يف االقت�ص���اد وال�سّ يا�سة العامليّة ،وه���ذه ّ ّ يف ال�ش���رق الأو�س���ط حتدي���داً ،وكالهما يحت���اج �إىل �ضمان���ات �سيا�سيّة ال�ضمانات لي�ست ببعيدة عن النفوذ واقت�صاديّ���ة و�أمنيّة ،وبالطبع ه���ذه ّ يف املنطقة العربيّة وخ�صو�ص ًا منطقة اخلليج العربي. ال�شك���وك واملخاوف وا�ضحة للعيان عندم���ا يتم التكلم عن ت�صور الدول الك�ب�رى للمنطق���ة ب�أكملها مبا فيها اخللي���ج العرب���ي ،وم�شاريع ال�شرق الأو�س���ط ب�أ�سمائ���ه املختلفة حتمل يف طياتها ت�ص���ور كامل للمنطقة من جغ���رايف� ،سيا�سي ،اقت�صادي� ،أمني قائم عل���ى حزمة من الإ�صالحات املتعددة التي يراد تعميمها والتي حتمل يف م�ضمونها ابعاد ثقافية ،جتعل م���ن هوية تلك املنطق���ة عابرة للأيدلوجي���ات والدين والهوي���ة القومية واحل�ضاري���ة ،وهذا ما يطلق عليه حروب الهويات بني الهالل الإ�سالمي من املغرب حتى اندوني�سيا -وبني امل�شاريع ال�شرق �أو�سطية.�إذا كان التن���ازع بالدّرج���ة الأوىل هو عبارة عن ت�ضارب يف م�صالح تلك ال���دّول ،ومن ه���ذا املنطق الإ�سرتاتيجي ميكن الت�س���ا�ؤل :هل من املمكن �أن تتقاط���ع امل�صال���ح الإ�سرتاتيجيّ���ة ب�ي�ن الأط���راف الثالث���ة� :أمريكا، و�إ�سرائيل ،و�إيران؟ هذا الطرح الإ�سرتاتيجي قد يكون وارداً ،فلعبة امل�صالح ال تقف عند �أيّ حاجز يف علم ال�سّ يا�سة والعالقات الدّوليّة .فالواليات املتحدة �أ�صبحت مقتنعة واقعي ًا ب�أنّ امل�أزق العراقي مي ّر عرب بوابة �إيران و�سورية ،والغطاء الفكري ملثل هذا التقارب امل�ستقبلي قد يكون قائم ًا على اقتناع الواليات املتح���دة ب�أنّ اخلط���ر الإرهابي ال�سّ ن���ي �أ�ش ّد وط�أ ًة م���ن النفوذ الإيراين ال�صحوة ال�شيعيّة هي ال�سّ ّد املنيع ال�شيعي يف املنطقة ،وبالتايل قد تكون ّ املراد من���ه الوقوف يف مواجهة التطرّف الإ�سالمي ال�سّ ني العربي ،ومن هذا املنطلق ينظر �إىل �إيران كحليف �أو على الأقل كحالة يجب �إعطاءها م�ساحة بحدّها الأدنى. ال�ص���راع واملواجهة فيما ب�ي�ن �أمريكا ه���ذه ال�سّ يا�س���ة ت�ساعد عل���ى نقل ّ والغرب والإ�سالم �إىل املواجهة فيما بني النفوذ ال�شيعي والنفوذ ال�سّ ني. وه���ذا ما ي�ستدل علي���ه من ق���راءة الإ�سرتاتيجيّة الأمريكيّ���ة يف منطقة ال�شرق الأو�سط من خالل تعاملها الدّاخلي يف كل من العراق ولبنان. 164
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ال�شق الثاين:العالقة بني التيارات الإ�سالمية تكم���ن اخلط���ورة يف ه���ذا ال�شق ب����أن ت�ستطي���ع الدول الك�ب�رى حتقيق م�صاحلها من خالله ،فالواقع الإ�سالمي واخلليج منوذج عنه ،تتجاذبه وتت�ص���ارع داخل���ه تيارات خمتلفة وواقع اخللي���ج العربي يعك�س كل تلك املتناق�ضات املتنوعة املختلفة واملت�ضاربة: �أ .فكري��اً :الإ�صالحي�ي�ن ،التقليديني ،الأ�صوليني ..ال���خ .فهناك من ينادي بالإ�صالح الكامل والتحرر ،وهناك من املفكريني الذين ينظرون للتح���والت مبنظار تقليدي .وكذلك الأ�صولي�ي�ن الذين يحاولوا اخلروج ع���ن كل ما هو م�أل���وف و�إن�س���اين �أي التطرف الأعم���ى ،وهذا احلراك ال�سيا�س���ي واالجتماعي يلقي بظالله على امكاني���ة الدول وقدرتها على احلف���اظ على كيانها من جه���ة وم�صاحلها من جهة �أخرى ،ويف املقابل ي�سم���ح لل���دول الك�ب�رى التدخل حت���ت غط���اء ن�ش���ر الدميقراطية تارة وحقوق الإن�س���ان تارة �أخرى من �أجل حتقيق غايت�ي�ن :الأوىل ،ال�ضغط على تل���ك الدول لتحقي���ق م�صاحلها حتت �شع���ار اال�ستقرار واحلفاظ على االنظم���ة .والثانية ،ا�ستغالل هذا احل���راك لبناء منوذج ح�ضاري ثقايف جديد يخدم م�صاحلها وتطالعاتها. ب .مذهبي��اً� :سني� ،شيعي ،علوي ،وهابي ،حوث���ي� ،أ�شوري ،ماروين، قبط���ي ...الخ .فاخلالف املذهبي يف الع���امل الإ�سالمي دخل يف �أ�صول القناع���ات الدينية بعد خروجه من عب���اءة امل�صالح ال�سيا�سية ،وهناك �سع���ي نحو فرز وا�صطف���اف يلعب فية املوروث الطائف���ي دور ًا حيوي ًا يف تثبيت ركائز ما هو قادم والعراق منوذج �صارخ لهذا الواقع .فمن نتائج احتالل العراق يف ع���ام � 2003أحداث تغيرّ ات ا�سرتاتيجيّة يف املنطقة، فبع���د �أن كان الواقع قائم ًا على مفهوم م�صالح الدول ،الآن هذا الواقع ال�صورة وا�ضحة املعامل فيه. �أمام نفق مل تعد ّ معطي���ات املنطقة وحتديد ًا منطقة اخللي���ج العربي ت�شري اىل �أننا �أمام نظ���ام جديد وخطري للغاي���ة ،ي�شبه واقع ال���دّول الأوروبيّة ما قبل توقيع معاه���دة و�ستفالي���ا ،1648والرّهان على الوقت قد ال ميك���ن �أن ي�ستم ّر طوي�ل�ا يف ظل البيئ���ة اال�سرتاتيجيّة اخلطرة التي تع���اين منها املنطقة يف ظ���ل القوّة امل�سيطرة على هذه البيئة وهي �أمريكا و�إ�سرائيل ،و�إيران وح���ركات املقاوم���ة .وهذه املعطي���ات ميكن ا�ستغالله���ا والتالعب على تناق�ضاتها من قبل الدول الكربى على �صعيدين: .1داخ���ل كل دول���ة عل���ى ح���دة ،كاخلالف���ات املذهبي���ة داخ���ل اليمن، البحرين ،الكويت ،ال�سعودية� ،إيران ،العراق ،م�صر..،الخ. .2ب�ي�ن الدول فيم���ا بينها :كالعالقات العربي���ة -الإيرانية �أو العربية - العربية .وهذا ما كان عبرّ عنه �أكرث من زعيم عربي حول والء ال�شيعة �أو ح���ول «اله�ل�ال ال�شيعي» �أو ازدياد النفوذ الإي���راين .وقد تكون القمة العربية التي انعقدت يف ليبيا العام اجلاري 2010تعبرّ عن هذا الواقع، وخا�صة فيم���ا يتعلق بايجاد املقاربة اال�سرتاتيجية يف كيفية التعاون مع �إي���ران .وه���ذه املعطيات ميك���ن مقاربتها من خالل ط���رح الإ�شكاليات التالي���ة :ه���ل ت�ستطي���ع الوالي���ات املتحدة والغ���رب من ا�ستغ�ل�ال هذه
تناق�ض خطري� :أ�صبح هناك من يرغب بنقل ال�صراع يف ال�شرق الأو�سط من �صراع عربي � -إ�سرائيلي ا�سرتاتيجي� ،إىل �صراع عربي � -إيراين
املخ���اوف القائمة عل���ى ابعاد مذهبي���ة يف معاجلة ملف �إي���ران النووي م���ن خ�ل�ال دعم م���ا ب���ات ي�سم���ى االنظمة املعتدلة ال�سني���ة لها؟ وهل يعقل ان ترتك���ز قاعدة وا�سرتاتيجية الأمن القوم���ي العربي على ابعاد مذهبية وطائفية؟ املنطق���ة �أمام تناق�ض خطري ج���داً ،عربي ًا �أ�صبح هن���اك ،وبلحظة ما، ال�صراع يف ال�ش���رق الأو�سط من �ص���راع عربي - م���ن يرغ���ب �أن ينق���ل ّ �إ�سرائيل���ي ا�سرتاتيجي� ،إىل �صراع عربي � -إيراين ممّ ا يطرح ت�سا�ؤالت �إ�سرتاتيجيّة بامتي���از عن �أولويّات حتديد الأخط���ار وكيفيّة مواجهتها. ومن امل�ستغرب هذا التحوّل يف النظرة العربيّة للم�صالح الإ�سرتاتيجيّة العربيّ���ة ،وم���ا هي منطلق���ات ودوافع تل���ك امل�صالح غري املتف���ق عربي ًا صال م���ن حيث غياب االجم���اع العربي .ومن امل�ؤ�س���ف جد ًا �أن عليه���ا �أ� ً تتخ���ذ العالق���ات العربيّ���ة -الإيرانيّة طابع ًا مذهبي���اً ،يف حني جند �أنّ ال�ضغوط���ات واملفاو�ضات الدّولية مع �إي���ران وحتديد ًا الواليات املتحدة ّ واالحت���اد الأوروب���ي تخرج عن ه���ذا الإطار املذهب���ي ،بينما جندها يف و�ضع خمتلف داخل منطقة اخلليج العربي وال�شرق الأو�سط. منذ احت�ل�ال العراق الت���وازن اال�سرتاتيجي يف منطق���ة اخلليج مفقود وه���ذا الت���وازن يف الأ�صل حمك���وم بعوام���ل خارجي���ة وداخلي���ة ،ولق���د �أ�صبح���ت منطق���ة اخلليج م�ص���در ًا للقل���ق والتوت���ر وتواج���ه م�ستقب ًال
حمفوف��� ًا باملخاطر ومل���يء بالتوقع���ات ،خا�صة يف ظل �أو�ض���اع العراق ال�صعبة .كما �أننا �أمام تناق�ض �صعب يف اخلليج ،حيث املعادلة ال�صعبة تلع���ب فيه���ا الدول الك�ب�رى دور الالعب الأ�سا�سي ال���ذي يحارب �إيران �سيا�سي��� ًا ويدعمها ا�سرتاتيجي��� ًا يف ذات الوقت .والتطورات يف اخلليج، تلك املنطقة احل�سا�سة �صاحبة اخللل يف موازين القوى ،بحاجة لر�صد وبحث ومراقبة ملحاولة ايجاد مقاربة تعيد التوازن الإ�سرتاتيجي املفقود يف منطق���ة حيوية من العامل العرب���ي والإ�سالمي .هذه املقاربة ال ميكن �أن يكتب لها النجاح �إال يف حال كانت عملية� إعادة التوازن الإ�سرتاتيجي قائمة �أقلّه على �أ�سا�س موازين تبادل امل�صالح ولي�س موازين القوة حتى �إ�شع���ا ٍر �آخر؛ فاحلوار الإيراين -الأمريك���ي والإيراين -الأوروبي حول املل���ف النووي �أو الو�ضع يف العراق قد يك���ون مبثابة �صورة عن م�ستقبل تلك املنطقة؟ يبق���ى الت�سا�ؤل مط���روح� :أين العرب من ه���ذا الواقع؟ وعلى �أية قاعدة ميك���ن لنا بناء الأمن القومي :القاع���دة املذهبية �أم قاعدة توازن القوة املادي -املفقود حالي ًا � -أم قاعدة تبادل امل�صالح؟ حتديد تلك القاعدة قد ميكن التما�سه من خالل �إعادة النظر مبوروثنا وواقعنا الثقايف. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
165
مدار الأفكار بو�ضـ ــوح �سجال �آراء
نبيل البكريي
جدلية الإ�سالم والدميقراطية.. نبيل البكريي
albukiri@hotmail.com
عل��ى م��دى ن�صف ق��رن �أو �أكرث م��ن الزمن ،طر�أ تط��ور فك��ري و�سيا�سي كبري عل��ى خارطة الأف��كار والر�ؤى والت�ص��ورات ل��دى التي��ار الإ�سالم��ي ،وه��و م��ا نالحظ��ه جلي�� ًا من خ�لال و�ص��ول البع���ض منهم ع��ن طريق الدميقراطي��ة واالنتخاب��ات �إىل �س��دة احلك��م وال�سلطة كما هو احل��ال يف فل�سطني وتركي��ا .لكن مثل هذه النتيج��ة مل ت��� ِأت �إال بع��د �شوط طويل من اجلدل املحتدم على مدى ثلثي الق��رن املا�ضي وحتى اليوم حول الدميقراطية والإ�سالم؛ حدود االلتقاء ونقاط االختالف. 166
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
نبيل البكريي باحث يف احلركات الإ�سالمية ,اليمن.
هل جتاوزها الإ�سالميون؟ �شهد الن�صف الثاين من القرن املا�ضي جد ًال فكريا حمتدم ًا يف �أو�ساط النخ���ب العربي���ة والإ�سالمية ،م���ن �إ�سالمي�ي�ن وعلماني�ي�ن وليرباليني وي�ساريني وغريهم ،حول �إ�شكالية العالقة بني الإ�سالم والدميقراطية، لك���ن النقا�ش الأهم تركز ب�شكل �أكرب يف �أو�ساط النخب الإ�سالمية قبل تبلور ه���ذا امل�صطلح وحتوله �إىل م�صطلح الإ�سالميني تالياً� ،إذ ت�صدّر ه���ذا النقا�ش عدد من كبار الأدباء والكتاب م���ن �أمثال املفكر امل�صري الراحل عبا����س حممود العق���اد يف كتابه «الدميقراطي���ة يف الإ�سالم»، وت�ل�اه كتاب للكاتب واملفك���ر امل�صري املثري للج���دل خالد حممد خالد
«الدميقراطية �أبداً» الذي �أ�صدر �أول طبعة منه عام 1953وما تاله بعد ذلك من كُتب تركزت جلها يف هذا املنحى. وقد تباينت وجهات النظر حول الدميقراطية والإ�سالم بني �أربعة تيارات �أو مدار�س فكرية ،بح�سب الباحث زكي �أحمد يف كتابه «الدميقراطيات يف اخلط���اب الإ�سالمي احلديث واملعا�صر» ،الذي حاول فيه �سرب �أغوار املوق���ف العام لنخب امل�شهد الفكري العربي م���ن الدميقراطية ،والذي تو�ص���ل ب���ه �إىل تباين ه���ذا امل�شهد �إىل �أربع���ة تيارات رئي�سي���ة :فالتيار الأول ،وه���و الذي حاول �أن يُظه���ر �أن يف الإ�سالم ما يقابل دميقراطية ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
167
مدار الأفكار
�آراء
الغرب ،حيث ي�أتي كتاب املفكر عبا�س حممود العقاد «الدميقراطية يف الإ�س�ل�ام» يف طليعة هذه النخبة �إذ جاء �صدور كتاب املفكر الإ�سالمي اجلزائري مالك بن نبي «حول الدميقراطية يف الإ�سالم» يف هذا االجتاه حي���ث �أكد فيه على ال�شورى ودالالته���ا ال�سيا�سية كبديل فكري وفل�سفي ملفه���وم الدميقراطية الغربية� .أما التيار الثاين فقد متثل بتلك املدر�سة الت���ي حاولت �أن تظهر نظرية ال�شورى يف الإ�سالم مقابل الدميقراطية يف الغ���رب ،و�أبرزه���ا حماول���ة ح�س���ن الرتاب���ي يف كتاب���ه «نظ���رات يف الفق���ه ال�سيا�سي» ،وكتاب عبد احلمي���د الأن�صاري «ال�شورى و�أثرها يف الدميقراطي���ة» .ويف هذي���ن الكتابني قدم �صاحباهم���ا مقاربات فكرية ح���اوال من خالله���ا �أن يثبتا �أن ال�ش���ورى الإ�سالمية ه���ي الدميقراطية الغربي���ة �أو �أن الدميقراطية الغربية هي ال�شورى الإ�سالمية بعينها ،مع بع����ض االختالفات ال�شكلية الب�سيطة .ولعل �أبرز من ميثل هذه املدر�سة هم تيار الإخوان امل�سلمون بكل تفرعاته ومدار�سه يف العامل الإ�سالمي، كالعدال���ة والتنمية يف تركي���ا ،واحلزب الإ�سالم���ي يف ماليزيا ،وحزب الرئي����س واملفكر الإ�سالم���ي البو�سن���ي الراحل علي ع���زت بيجوفي�ش، م�ؤ�س�س حزب العمل الدميقراطي. �أم���ا التي���ار �أو املدر�س���ة الثالثة ،فقد حاول���ت الت�شكي���ك بالهجوم على دميقراطي���ة الغ���رب ،و�أبرزه���ا حماول���ة خال���د حممد خال���د يف كتابه «الدميقراطي���ة� ..أب���د ًا « والذي حت���دث فيه عن كون الإ�س�ل�ام هو �أول دميقراطي���ة يف تاري���خ الب�شري���ة ،وكتاب حممد قط���ب «مذاهب فكرية معا�ص���رة» ،و�إن كان يف ه���ذا الأخ�ي�ر متيي���ز وا�ضح ب�ي�ن الدميقراطية كمنظومة فكرية متكاملة واالنتخابات ك�آلية �إجرائية ،حاول من خالله الأ�ست���اذ حمم���د قط���ب الأخ الأك�ب�ر للمفك���ر الإ�سالمي اجل���ديل �سيد قطب� ،أن ي�ضع مقارب���ة فكرية بُني عليها الكثري من الفتاوى ال�سيا�سية لأبرز رموز ال�سلفي���ة الوهابية كال�شيخ عبد العزيز بن باز وبن عثيمني، اللذي���ن �أفتيا بجواز خو�ض االنتخابات �شريطة التفريق بني االنتخابات والدميقراطي���ة من خ�ل�ال قبول الأوىل ونبذ الثانية. �أما التي���ار الرابع فه���و املتمثل بتلك هن��اك بع���ض الإ�سالمي�ين املدر�سة الت���ي رف�ضت الدميقراطية يرى �أن الإ�سالم له ت�صوره واعتربته���ا فك���رة ال مت���ت للإ�سالم اخلا�ص للحريات .و�أن هذا ب�صلة ،و�أبرزها كتاب املفكر ال�شيعي الت�ص��ور �أرق��ى م��ن الت�صور كاظم احلائ���ري «�أ�سا����س احلكومة الدميقراطي ،بحيث ي�صري الإ�سالمي���ة» ،وكتاب���ات «ح���زب م��ن قبي��ل ظل��م ال�شريع��ة التحري���ر الإ�سالم���ي» ال���ذي �أ�س�سه و�إحب��اط متيزه��ا �أن نقول القا�ض���ي الفل�سطين���ي تق���ي الدي���ن ب�أن الإ�سالم دميقراطي� ،إال النبهاين ع���ام ،1953وه���ذه الر�ؤية �أن هذا الفريق ال يذهب يف هي م���ا تتبناه م���ا ُيع���رف بال�سلفية القول �إىل تعار�ض الإ�سالم اجلهادي���ة املعروفة اليوم بالقاعدة ،مع الدميقراطية ضال عن ف�صيل ما يُعرف بال�سلفية ف� ً 168
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
اجلامي���ة ،ن�سبة لل�شيخ حممد �أمان اجلامي ،تلك الن�سخة ال�سلفية التي تُقد����س النخب احلاكمة ،وميثله���ا اليوم يف اليمن تي���ار ال�شيخ الراحل مقبل الوادعي وتالمذته ،كمحمد الإمام واحلجوري ويف ال�سعودية ربيع املدخلي وفالح احلربي وغريهما.
ر�ؤية جامدة ..ولكن وعلى الرغم من هذا التباين واجلدل املحتدم بني نخب امل�شهد الإ�سالمي وقف العلمانيون ،مفكرون ومثقف���ون ،عند جدلي���ة �أن الإ�سالم والدميقراطية �ض���دان ال يلتقيان، والعجي���ب يف الأم���ر �أن ه���ذا الر�أي من قب���ل العلمانيني يحظ���ى بت�أييد �شريح���ة كبرية م���ن الإ�سالميني املت�شددين الذين ي���رون الدميقراطية كف���رًا؛ لأنه���ا جتع���ل احلاكمي���ة لل�شعب ،يف ح�ي�ن ينبغ���ي �أن تكون هذه احلاكمية هلل. وتب���ع هذي���ن الطرف�ي�ن العلم���اين وال�سلف���ي يف ر�ؤيته���م ب����أن الإ�سالم والدميقراطي���ة �ض���دان ال يلتقي���ان ،ط���رف �آخ���ر ه���و ق�س���م كبري من م�ست�شرق���ي الغ���رب ومراكز الدرا�س���ات والأبحاث في���ه التي تنطلق يف معظم �أحكامها من توجهات غري معرفية بل �سيا�سية بحتة. ورغم ذلك فق���د ظهرت توجهات غربية معرفي���ة مو�ضوعية ومن�صفة يف تناولته���ا لق�ضية الدميقراطية والإ�س�ل�ام كالباحثني جون ا�سبوزيتو وزميله جيم�س �سكاتوري ،اللذان �أعدا بحث ًا مهم ًا ن�شر لهما حتت عنوان «الإ�س�ل�ام والدميقراطي���ة»� .إذ ذك���را يف البحث �أن بع����ض اجلماعات الإ�سالمي���ة �شجبت الأ�سلوب الغرب���ي للدميقراطية ونظام احلكم الذي �أدخله الربيطانيون يف بلدانهم ،وكان رد فعلهم ال�سلبي هو -يف حقيقة الأم���ر -تعبري ًا عن رف�ض ع���ام للنفوذ اال�ستعم���اري الأوروبي ،ودفاع ًا عن الإ�سالم �ضد زيادة االعتماد على الغرب ،ب�أكرث منه رف�ض ًا �إجمالي ًا للدميقراطية. وهذه ر�ؤية تقرتب كثري ًا من حقيقة اجلدلية القائمة يف �أو�ساط النخب الفكري���ة واملثقفة يف ال�ساحة ح���ول عالقة الإ�س�ل�ام بالدميقراطية، وح���دود االلتق���اء واالخت�ل�اف معه���ا ،و�أن مظاه���ر ع���دم القابلي���ة للدميقراطية يف الع���امل العربي والإ�سالمي ال تعود ب�شكل رئي�سي �إىل م���ا يُقال عن �أن «الإ�سالم خما�ص ٌم للدميقراطية وحمقر لها» بح�سب الكاتب الأمريكي عمو�س برملوتر ،بقدر مرد ذلك �إىل تراكمات العداء التاريخ���ي بني الغ���رب والعامل الإ�سالمي ،وهو م���ا انعك�س رف�ض ًا لكل قادم من الغرب من الأفكار واملفاهيم. �أي��ن تكم��ن امل�شكل��ة؟ �صحي���ح �أن هن���اك بع�ض الإ�سالمي�ي�ن يرى �أن الإ�سالم له ت�ص���وره اخلا�ص للحريات .و�أن هذا الت�ص���ور �أرقى من الت�صور الدميقراطي ،بحيث ي�صري من قبيل ظلم ال�شريعة و�إحباط متيزها �أن نقول ب�أن الإ�سالم دميقراطي� ،إال �أن هذا الفريق ال يذهب يف القول �إىل تعار�ض الإ�سالم مع الدميقراطية.
�أو�ض���ح مث���ال على ذل���ك ،ه���و القيادي امل�ص���ري يف التي���ار ال�سلف���ي ال�سروري جم���ال �سلط���ان ،وكي���ل م�ؤ�س�سي حزب الإ�صالح امل�ص���ري (حت���ت الت�أ�سي�س) ونا�ش���ر جمل���ة «املن���ار اجلدي���د» ،الذي كان من �أكرث الكتاب نقدا للدميقراطية وخا�ص���ة يف رده ال�شه�ي�ر عل���ى فت���وى ال�شي���خ يو�س���ف القر�ض���اوي القائل���ة بالدميقراطي���ةن وال���ذي ن�ش���ره عل���ى �صفح���ات جمل���ة «البي���ان» اللندني���ة ع���ام 1992حت���ت عن���وان «ح���وار يف الدميقراطي���ة» ،وال���ذي قال في���ه�« :إن الدميقراطي���ة والثيوقراطي���ة كالهم���ا م�صطل���ح �أوروب���ي الن�ش����أة والتكوي���ن والتاري���خ والدالل���ة ،وال يعنين���ا �أمرهم���ا
وتكمن الإ�شكالية يف نظر امل�سلمني عموماً ،والإ�سالميني خ�صو�صاً، فيم���ا الحظ���ه الأكادمي���ي الفل�سطيني عب���د ال�ستار قا�س���م من �أن رغ��م جت��اوز الإ�سالميني «�شريحة منه���م ترى �أن الإ�سالم و�سّ ع نط���اق احلقوق واحلريات ،اليوم للكثري من العقبات لكن���ه جع���ل احلري���ة م�سئول���ة ومرتبط���ة بح���دود اهلل و�شرعت���ه، وف�صي���ل �آخ���ر من الإ�سالميني ق���ال� :إنه ال قيد البت���ة يف الإ�سالم يف ط����ري����ق ال���ق���ب���ول عل���ى احلري���ات؛ لأن كل �إن�س���ان مطالب بعر����ض حججه ،وتقدمي بالدميقراطية� ،إال �أن بينات���ه ،وعل���ى كل مكلف �أن يختار ،حي���ث ال �إجبار على عقيدة يف ذلك ال يعني بال�ضرورة �أن االن��ق�����س��ام الكبري الإ�سالم». و قري���ب من هذه الر�ؤية حول عالقة الإ�سالم بالدميقراطية ،جاء م���ن ق��ب��ل الإ���س�لام��ي�ين ر�أي ال�شيخ حممد الغ���زايل يف كتابه «د�ستور الوحدة الثقافية بني ح���ول ع�لاق��ة الإ���س�لام امل�سلم�ي�ن»� ،إذ �أ�ش���ار �إىل �أن «الدميقراطية لي�س���ت دين ًا يو�ضع يف بالدميقراطية مل يُح�سَ م �صف الإ�س�ل�ام ،و�إمنا هي تنظيم للعالقة ب�ي�ن احلاكم واملحكوم ،ب�شكل تام حتى اللحظة ننظ���ر �إليه لنطالع كيف توفرت الكرامة الفردية للم�ؤيد واملعار�ض عل���ى ال�سواء ،وكيف �شي���دت �أ�سوار قانونية ملنع الف���رد �أن يطغى، ولت�شجي���ع املخال���ف �أن يقول مبلء فم���ه :ال� .إن اال�ستب���داد كان الغول ال���ذي �أكل دينن���ا ودنيانا ،فهل يحرم على نا�ش���دي اخلري للم�سلمني �أن كم�سلمني». يقتب�س���وا بع�ض الإجراءات التي فعلته���ا الأمم الأخرى ملّا بليت مبثل ما ورغم هذا فقد حتولت نظرة جمال �سلطان للدميقراطية بعد ذلك كغريه م���ن الإ�سالميني من مدر�سة الإخوان ،مرور ًا بعبد الرحمن عبد اخلالق ابتلينا به». �أم���ا مُكفّري الدميقراطية كال�شيخ حممد �سرور زين العابدين بن نايف �صاح���ب مدر�سة ال�سلفي���ة ال�سيا�سي���ة �أو العلمية كما ت�سم���ى يف �أو�ساط م�ؤ�س�س التيار ال�سروري ،وعلي باحل���اج نائب رئي�س اجلبهة الإ�سالمية ال�سلفي�ي�ن ،هذا ع���دا عن ال�شوط الكب�ي�ر الذي كان قد قطع���ه الإخوان للإنق���اذ اجلزائرية املحظ���ورة وغريهم ،فرغم تكفريه���م وت�سفيههم يف ه���ذا ال�سي���اق .ومن هن���ا ن�ستطيع الق���ول �إن جزء ًا كبري ًا م���ن التيار للدميقراطي���ة ف����إن بع�ضه���م اليوم ،كال�شي���خ �سرور ،يدع���و �أتباعه �إىل الإ�سالم���ي جتاوز كثري ًا م�شكل���ة النظرة ال�ضيق���ة للدميقراطية كالتيار القب���ول بالدميقراطي���ة ولكن باعتبارها – �ش���ر ًا ال بد منه – ومار�سها الإخ���واين مبدار�س���ه املختلفة ،لكن الإ�شكالية الت���ي ما زالت حتوم حول بع�ضه���م ب���ل خا�ض���وا جتربته���ا كال�شي���خ علي بلح���اج ال���ذي تر�شح يف قب���ول الإ�سالميني للدميقراطية تكمن يف م�س�أل���ة الدولة املدنية وحدود انتخاب���ات اجلزائر ال�شه�ي�رة عام ،1992والتي �ألغي���ت حينها الكت�ساح تطبيقاته���ا املطلقة ،كمفه���وم عام للحرية الليربالي���ة واحلرية املحددة الإ�سالمي�ي�ن لها ،حي���ث خا�ضها ال�شي���خ مع ما كان يكتب���ه من مقاالت الت���ي تقيده���ا ثوابت الدين بال�ض���رورة يف الإ�سالم ،ه���ذا عدا عما بات حينها حتت عنوان «الأدلة اجللي���ة يف كفر امللة الدميقراطية» ،و�أعتقد يُطل���ق عليها يف الكتاب���ات الغربية عن احل���ركات الإ�سالمية بـ «املناطق �أن هذا اتخذ مبثابة مربر للإيعاز الغربي ب�إيقاف م�سرية الدميقراطية الرمادية» من قبيل حق���وق املر�أة وغري امل�سلم يف تويل املنا�صب الكربى اجلزائرية حينها ،وال���ذي �أ�صبح هاج�س ًا م�سيطر ًا على املخيال الأمني يف الدولة امل�سلمة �أو ما ت�سمى فقهي ًا بالواليات العامة ،مع �أن هذه الر�ؤى الغرب���ي يف تعامل���ه مع احلركات الإ�سالمية حت���ى اليوم ،كما هو احلال تنطلق يف املخيال الغربي من ت�صور و�سياق ثقايف مغاير لي�س بال�ضرورة �أن يوجد ما مياثله يف النطاق الثقايف واالجتماعي يف املجتمع امل�سلم. بالن�سبة حلركة حما�س الفل�سطينية وغريها من احلركات الإ�سالمية. ليبق���ى مع ذلك مفهوم الدميقراطية لدى الإ�سالميني مقبو ًال يف حدوده الإجرائي���ة العامة التي ال ت�صادم معلوم ًا من الدين بال�ضرورة ،وال تعني جت��اوز ..ولك��ن ورغ���م جت���اوز الإ�سالمي�ي�ن الي���وم بال�ضرورة �أي�ض��� ًا �أن الدميقراطية ال ميكن الو�صول �إليها �إال من املدخل للكث�ي�ر م���ن العقب���ات يف طريق القب���ول بالدميقراطي���ة� ،إال �أن ذلك ال ك�شرط �أ�سا�سيٍ ،خا�صة يف �ضوء جتارب دميقراطية رائدة يف ٍ العلماين، يعن���ي بال�ضرورة �أن االنق�سام الكبري من قب���ل الإ�سالميني حول عالقة املنطقة -با�ستثناء الدميقراطية الرتكية بن�سختها الأردوغانية الأخرية الإ�س�ل�ام بالدميقراطي���ة مل يُح�سَ ���م ب�شكل ت���ام حتى اللحظ���ة ،مع �أن والدميقراطي���ة الإ�سرائيلية والإيرانية ،الت���ي تعاي�ش فيها الديني معالغالبية العظمى هم الي���وم من امل�سلمني بالدميقراطية بل والنا�شطني الدني���وي جنب ًا �إىل جن���ب دون �أن يُقال �أن غي���اب �أحدهما �شرطٌ لبقاء يف الدع���وة �إليها بعد �أن �سطّ روا كتب ًا ومقاالت يف نقدها والتحذير منها الآخر ،وه���و نف�سه املتعارف عليه يف �أغلب �صي���غ الدميقراطية الغربية والرد على القائلني بها. كالربيطانية والأمريكية. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
169
الفهر�ست مراجعات للكتب وعرو�ض موجزة
ي�صدر قريب َا
اخل�صائ�ص الدميغرافية لل�سكان فـي اجلمهورية اليمنية
�أمني حممد حمي الدين
�أحمد نعمان الربكاين
�أمريكا والطريق �إىل«الدميقراطية الإ�سالمية» نوح فِ لدمان /م� .س .ح
رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة
Relating Policy to Knowledge 170
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
بالإ�ضافة �إىل عرو�ض موجزة ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
2010
ا�سرتاتيجية
171
الفهر�ست
مراجعات
عرو�ض موجزة
طريق �أمريكا �إىل «الدميقراطية الإ�سالمية» بالن�سبة لإدارة الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما ،والتي �أبدت حر�صها -كما �أعلنت يف �أكرث من منا�سبة -على التعامل مع العامل الإ�سالمي ب�صورة خمتلفة �أ�سا�سها «االحرتام املتبادل وامل�صالح امل�شرتكة» ،قد ُي�ش ِّكل كتاب نوح ِفلدمان «ما بعد اجلهاد� :أمريكا والن�ض���ال من �أج���ل الدميقراطية الإ�سالمية» ،بطروحاته املغاي���رة و�أفكاره العملية� ،إطار ًا مهم ًا للفه���م وتوليد املبادرات ودافع ًا للحرك���ة ب�شكل �أكرث �إيجابي���ة ُيف�ضي �إىل جتاوز القوالب النمطية اجلاهزة التي حددت -لف�ت�رة طويلة ،ال�سيما عقب اعتداءات احلادي ع�شر من �أيلول� /سبتمرب � - 2001شكل وم�سار توجهات ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية �إزاء العامل الإ�سالمي. �ص���درت �أوىل طبع���ات كتاب «ما بعد اجلهاد» ربيع العام ،2003يف ظل حملة �أمريكية حممومة كان العراق هدفها املركزي ،وكان ال�س����ؤال املط���روح �أمام الكثريين وقتذاك« :هل ميكن �أن حت���ل الدميقراطية يف دولة يلعب فيها الإ�س�ل�ام دور ًا فاع ًال؟» ،غري �أن �أمريكا املهوو�سة -كما «حمافظيها اجلدد» – بالعراق مل تكن حتى ذلك احلني قد �شغلت نف�سها بالإجابة عنه .لكن نوح ِفلدمان فعل ،وجاء كتابه هذا نتيجة مبا�شرة لهذا االن�شغال الفكري العميق حول «الدميقراطية الإ�سالمية» .وبح�سب ِفلدمان ف�إن املق�صود بالدميقراطية الإ�سالمية «املزاوجة بني القيم الإ�سالمية كما ينظر �إليها امل�سلمون ،والقيم املعرتف ب�أنها دميقراطية». ون���وح فِلدمان ،ملن ال يعرفه ،هو �أ�ستاذ القانون الد�ستوري بكلية القانون بجامع���ة نيويورك .وقد ح�صل على درجة الدكتوراه يف الفكر الإ�سالمي من جامع���ة �أك�سفورد الربيطاني���ة .وعقب الغزو الأمريك���ي للعراق وقع االختيار عليه �ضمن جمموعة من القانونيني ل�صياغة الد�ستور اجلديد له���ذا البل���د .وم���ا ميي���ز فِلدمان �أنه ن����أى – وين����أى -بنف�س���ه عن تيار “املحافظني اجلدد” الذي اتخذ -وال يزال رغم انكفاءه الن�سبي م�ؤخر ًا موقف��� ًا مت�صلب ًا من الإ�سالم ،وتراه فئ���ة منهم على �أنه العدو اجلديدال���ذي حل حمل ال�شيوعية ،والبد م���ن اال�شتباك معه حتى يكون م�صريه هو م�صري ال�شيوعية (!) .وهو يعتقد ب�صورة حا�سمة �أن الطريق الوحيد �أمام �أمريكا ك���ي تتمكن من ك�سب الأ�صدقاء يف العامل الإ�سالمي يتمثل يف �إثباته���ا -وعلى نحو قاطع � -أنه���ا تريد م�ساعدتهم لتحقيق ما تنعم ب���ه من حرية ورخاء ونظام حكم يتيح لل�شع���ب امل�شاركة فيه ،و�أنها متى متكنت من ذلك ف�إن املت�شككني �سيبد�أون �ساعتها -و�ساعتها فقط -يف تغيري نظرتهم لأمريكا ،والتعامل معها ب�شكل خمتلف ،بنّاء و�إيجابي. 172
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
يت�أ�س�س كتاب “ما بعد اجلهاد” على فكرة حمورية مفادها �أننا جتاوزنا مرحلة اجلهاد ،مبعنى تعبئة الإ�سالم الراديكايل يف حرب حتى النهاية م���ع الواليات املتح���دة زعيمة الع���امل الغرب���ي� ،إذ �أن الإ�سالم املتطرف كم���ا يق���ول فِلدمان يف �أف���ول �سريع ،وق���د �أجهد نف�سه وفق���د قوة الدفع ال ب�سب���ب املوقف الأمريكي من���ه ،بل لأن جماهري امل�سلم�ي�ن على ات�ساع العامل الإ�سالمي وتنوع���ه ترف�ض هذا النهج .وال يعنى ذلك �أننا ب�صدد انته���اء الأعمال الإرهابية ،ف�سوف ت�ستمر هذه الأعمال على نحو متفرق ولكنه���ا �ستك���ون �أعما ًال يائ�سة حمبطة .حتى هج���وم � 11أيلول� /سبتمرب ي���راه فِلدمان على �أنه ح�شرجة يائ�س���ة لتيار مهزوم .لقد وهن احلما�س للجهاد الثوري .و�أينما توجهت �أب�صارنا ،ال نرى �إال هزائم لهذه القيادة يف �أفغان�ستان وال�سودان و�إيران ..لقد فقد اجلهاد الثوري بريقه. �إن لُبّ ما يذهب �إليه فِلدمان ،هو العك�س متام ًا مما ذهب �إليه فران�سي�س فوكويام���ا يف كتابه “نهاي���ة التاريخ وخامت الب�ش���ر” ،والراحل �صامويل هنتنجتون يف كتاب���ه “�صدام احل�ضارات و�إعادة بناء النظام العاملي”،
نوح ِفلدمان وحت���ى ما يذهب �إليه م�ست�شرق ذائع ال�صيت كربنارد لوي�س يف �أكرث من عم���ل له� ،إذ ي�ؤمن فِلدمان �أنه لي�س هناك تعار�ض جوهري بني الإ�سالم والدميقراطي���ة ،و�أن الوق���ت الراهن هو وقت واع���د لإحداث تزاوج بني الإ�سالم والدميقراطية .فكالهما يت�ضمنان �أفكار ًا مرنة قابلة لالنت�شار، كم���ا �أن الإ�سالم لي�س بدعة بني الأديان ال�سماوية؛ فكني�سة اجنلرتا هي الكني�سة الر�سمية ،واملحكم���ة العليا يف �أمريكا ت�ستبعد امللحدين عندما ن�صت منذ زمن غري بعيد على �أننا �شعب متدين تعرتف م�ؤ�س�ساته بوجود ّ ُعرّف نف�سها ب�أنها “دولة يهودية دميقراطية” .وجميع اهلل ،و�إ�سرائي���ل ت ِ امل�سلم�ي�ن مت�ساوون �أمام اهلل ،مثلم���ا تدعو الدميقراطية للم�ساواة ،كما �أن الإ�س�ل�ام منفتح على خمتل���ف الثقافات ،بدلي���ل �أن هناك �أمم ًا من �ش���رق الأر�ض وغربها دخلت الإ�س�ل�ام واحتفظت يف نف�س الوقت بلغتها ونظم حكمها. ويرى فِلدمان �أن العدالة والأخالق والأمل وااللتزام يف الإ�سالم مفاهي ٌم تت�س���م بالعمق ،وت�ش���كل يف الوقت ذاته قوة هائلة ميك���ن �أن ترثى العمل ال�سيا�س���ي واالجتماع���ي .وامل�ؤك���د �أن قوة الإ�سالم يف حي���اة امل�سلمني ال تتعار����ض مع اجتاه مئ���ات املاليني م���ن امل�سلمني الذي���ن ي�ؤمنون بحكم �أنف�سه���م ب�أنف�سه���م .وله���ذا ت�شه���د احلقب���ة احلالي���ة، حقب���ة ما بع���د اجلهاد ،ت�شهد تكثيفً���ا يف منو احلركات بيانات الكتاب ال�شعبية الإ�سالمية الت���ي ت�ؤمن بنوع من الدميقراطية ،ما بعد اجلهاد: وهى دميقراطية تتط���ور با�ستمرار وتن�شد �سيا�سة حكم �أمريكا والن�ضال من �أجل الدميقراطية ر�شيدة. الإ�سالمية ويف ال�سي���اق ذاته ،يج���ادل فِلدمان ب����أن مفهوم اجلهاد نوح فِلدمان الأك�ب�ر ،جه���اد النف����س ،ال���ذي ين�س���ب �إىل الر�سول هو ترجمة :عبدالرحمن يف �أدق معاني���ه جهاد من �أجل العدال���ة .كما �أن ت�صارع عبداهلل ال�شيخ الأف���كار ال ينبغ���ي �أن يف�ضي بال�ض���رورة �إىل �صراع� .إن دار املريخ للن�شر، اخلط���اب الإ�سالم���ي ،يف جوه���ره ،هو خط���اب العدالة القاهرة 2004 و�سيادة القان���ون وال�شورى وامل�سئولية .ويرى �أن املع�ضلة � 432صفحة. الأ�سا�سي���ة للدميقراطي���ة يف الع���امل الإ�سالم���ي لي�ست
العقيدة الإ�سالمية ولكنها يف نظم احلكم الديكتاتورية والأوتوقراطية، واالنف�ص���ام بني هذه النظم و�شعوبها� .إنها نظم ت�ستميت يف الدفاع عن ضال عن ذلك يعرتف �أماكنها املغت�صبة يف احلكم واالقت�صاد والأمن .ف� ً فِلدم���ان بالتن���وع ال�شديد بني الب�ل�اد الإ�سالمي���ة فيما يتعل���ق بالتقدم نح���و الدميقراطية والظ���روف االقت�صادية واالجتماعي���ة ،ولكن النظم الديكتاتورية تقف ب�شرا�سة �ضد الدميقراطية احلقيقية. وهن���اك عقب���ة �أخ���رى ك�أداء �أم���ام الدميقراطي���ة تتمث���ل يف تف�ضي���ل الواليات املتح���دة للنظم الأوتوقراطية ،و�إن كانت هذه ال�سيا�سة تخ�ضع ملراجع���ة وا�ضحة الآن .لقد قدمت هذه النظم نف�سها على �أنها احلامية لال�ستق���رار الذي يخ���دم امل�صالح الأمريكية �ضد اخلط���ر الذي ي�شكله الإ�سالمي���ون .يف الوقت نف�سه �أخلت ه���ذه النظم ال�ساحة ال�سيا�سية من �أي ق���وى �سيا�سية فاعل���ة ،حتى تبدو للأمريكيني ب�أنه���ا البديل الوحيد. ويكرر الكاتب هذه النغمة من �أول الكتاب لآخره ،وي�شدد عليها وين�صح خط موازٍ ،يدعوها �إىل الواليات املتح���دة بالتخلي عن هذه النظم .ويف ٍ تبن���ي خيار دعم و�ص���ول الإ�سالميني �إىل ال�سلطة ع�ب�ر انتخابات حرة، وي�ؤك���د �أن ه م���ن اخلط�أ االعتقاد ب����أن الإ�سالميني متعار�ض���ون حتم ًا مع
غالف الطبعة العربية
غالف الطبعة الإجنليزية
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
173
الفهر�ست
مراجعات
امل�صال���ح الأمريكية .ولذا ينبغي على الواليات املتح���دة �أن تدفع بخيار الإ�سالمي�ي�ن املعتدلني ،و�أن ت�سمح للأح���زاب ال�سيا�سية الإ�سالمية ب�أن تخو����ض انتخابات ح���رة, فتجرب���ة الدميقراطية الإ�سالمي���ة واملت�سمة باحليوي���ة والقابلية للتطبيق على �أر�ض الواقع ،ت�ستحق �أن تُعطى فر�صة بالفعل. وعطف ًا على ما �سبق ،يُحذر فِلدمان من تفويت فر�صة تر�سخ الدميقراطية الإ�سالمية يف العاملني العربي والإ�سالمي ،م�ؤكد ًا �أن بديل الدميقراطية �سيكون املزي���د من الأوتوقراطية ،وال خمرج من ه���ذا الطريق امل�سدود �س���وى ت�صور نوع ما من الدميقراطي���ة الإ�سالمية .فلي�ست هناك حاجة لأن تك���ون دميقراطي���ة امل�سلم�ي�ن ذات امل�ضمون الإ�سالم���ي هي نف�سها دميقراطي���ة الإ�سالميني الذين ال يحكمون �إال وفق ال�شريعة الإ�سالمية، ب���ل �إن الأم���ر الأك�ث�ر احتما ًال هو �أنه���ا �ست�ستمد من قي���م الإ�سالم ،ويف الوق���ت نف�س���ه ،ت�ستوعب املب���ادئ الدميقراطي���ة ،واحلماي���ة القانونية، وامل�ؤ�س�سات .بل �إنه حت���ى دميقراطية الإ�سالميني � -إن �أمكن ت�صور �أن يك���ون الإ�سالميون دميقراطيني -قد يكون فيها من املزايا �أكرث مما يف الأوتوقراطي���ة .وي�ضيف امل�ؤلف قائالً� :إن �أحد الأ�ش���كال املمكنة للدولة الإ�سالمية ميكن �أن ت�ضمن لكل مواطنيها حقوق ًا مت�ساوية ،ومنها حرية حد �سواء؛ االعتق���اد �أو احلرية الديني���ة للم�سلمني وغري امل�سلمني عل���ى ٍ ّ �إذ ال يتع���دى معنى �أن الدولة �إ�سالمية �سوى الن�ص على �أن الإ�سالم هو الدي���ن الر�سمي للدول���ة .وثمة احتمال ثان وه���و �أن تتخذ الدميقراطية الإ�سالمي���ة من ال�شريع���ة الإ�سالمية التقليدية م�ص���در ًا لقوانني الأمة، وه���ذا هو االقرتاح الأكرث �شيوعاً ،وق���د تق�صر الدولة الإ�سالمية الثالثة املحتملة يف نظامها الت�شريعي على ال�شريعة الإ�سالمية وحدها. ويح���اول فِلدمان �أن يربه���ن لبالده وللغرب عل���ى �أن �إيجاد دميقراطية يف دول���ة م�سلم���ة �أم���ر ممكن من خ�ل�ال النم���وذج الإي���راين والنموذج الرتك���ي ،فطبق��� ًا له متثل اجلمهوري���ة الإ�سالمية الإيراني���ة الآن فر�صة لظه���ور الدميقراطي���ة الإ�سالمية ،وهي فر�صة ال نظ�ي�ر لها ،فمثل هذه الدميقراطي���ة الإ�سالمي���ة �ستبد�أ يف ح���ل امل�شاكل الت���ي تواجهها �إيران الي���وم دون عنف ،و�أك�ث�ر من هذا ف�ستكون منوذج���ا حتتذيه دول �أخرى يف الع���امل الإ�سالم���ي� .أما تركيا فهي تقدم اليوم منظ���ور ًا رائع ًا -على ح���د قول���ه -لإمكاني���ة الدميقراطي���ة الإ�سالمي���ة؛ فرتكيا لديه���ا �أكرث الدميقراطي���ات فاعلي���ة يف �أي دولة ذات غالبي���ة م�سلمة يف العامل ،كما �أنه���ا متثل حمك ًا حقيقي ًا لإمكان قي���ام دميقراطية �إ�سالمية .لقد �أظهر الإ�س�ل�ام يف تركيا ما يتمي���ز به من قابلية للتجدد والتكيف ،على الرغم مما تعر�ض له من قمع وتهمي�ش على مدى ثمانني عاماً. وم���ا يقال ع���ن تركيا ميك���ن �أن يقال عن جت���ارب �إندوني�سي���ا وماليزيا وباك�ست���ان .فعلى الرغم من تعثرّ التجربة الدميقراطية يف هذه البلدان م���ا زالت هناك �إمكانيات ال ب�أ�س بها لقيام الدميقراطية .وي�ؤكد امل�ؤلف الظ���روف اخلا�ص���ة لإندوني�سي���ا وماليزي���ا� ،أو ًال لنوعي���ة الإ�سالم الذي ضال ع���ن ف�ضائل انت�ش���ر هن���اك� ،إذ مل ينت�ش���ر بالغ���زو بل بالإقن���اع .ف� ً 174
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
الفهر�ست الت�سامح ال���ذي مييز ح�ضارة هذه املناط���ق .ويف باك�ستان ي�شري امل�ؤلف �إىل موق���ف ال�صف���وة الباك�ستانية التي مل تتخل �أبد ًا ع���ن مبد�أ املواءمة ب�ي�ن الدميقراطية والإ�سالم ،ناهيك عن جترب���ة الباك�ستانيني الطويلة يف مداوالت العالقة بني الإ�سالم والدميقراطية. وال يي�أ����س فِلدم���ان من �إمكانية قيام دميقراطي���ة يف دول العامل العربي عل���ى ما بينها م���ن اختالفات وتنوعات� ،إال �أنه ي���رى -كما ر�أى �آخرون غ�ي�ره � -أن الدميقراطية تواجه �أ�صعب امتحاناتها يف املنطقة العربية. ومم���ا ميي���ز الدول العربي���ة امللكي���ة �أو الع�سكرية الفق�ي�رة �أو الغنية هو احلكم الديكتاتوري ،و�إن اختلفت حدته يف �سورية وليبيا مث ًال من ناحية وم�ص���ر من ناحية �أخ���رى .فالدميقراطية يف هذه ال���دول تواجه حمنة �شديدة تتمثل يف احلظر على تكوين الأحزاب ال�سيا�سية وعلى احلريات وغي���اب ال�ضمانات القانونية ،وهناك ال�سجون وتلفيق التهم للمعار�ضة. ومع ذلك فرياح التغي�ي�ر بد�أت تهب على املنطقة ،حيث ن�شهد حتركات طبق���ات الأر�ض التحتي���ة ال�سابقة حلدوث اله���زات الأر�ضية ،فرنى يف ال�سعودي���ة انتخابات بلدي���ة جديرة بالإ�شادة ،وهن���اك جتربة البحرين املب�شرة بالأمل. وعل���ى الرغ���م م���ن �أن الدميقراطية �ستحت���اج حللفاء حملي�ي�ن لتنجح يف الع���امل الإ�سالمي ،لك���ن �أحد الأف���كار الرئي�سية الت���ي يتحلّق حولها كت���اب فِلدمان هذا ه���و �أن م�سلمني كثريي���ن م�ستع���دون بالفعل للأخذ بالدميقراطية ،بيد �أن حكوماتهم هي التي تعرت�ض الطريق .ومع ذلك، ثمة ما ي�شري �إىل �أن الدميقراطية �ستجد حلفاء لها من املجتمع املدين، م���ن بني املعتدلني والعلمانيني ،ب���ل و�ستجد لها حلفاء �أي�ض ًا -وهذا �أمر جدي���ر باملالحظة -بني الإ�سالميني الذين ق�ضوا طوال كثري من �أعوام العق���د املا�ضي يف بن���اء م�ؤ�س�سات اجتماعية وخريية �أ�ش���ار �إليها علماء ال�سيا�س���ة بو�صفه���ا جمتمع��� ًا مدنياً .وب���ذا لن تكون اجله���ود الأمريكية لت�شجي���ع من���و الدميقراطية يف العامل الإ�سالمي ب���ذور ًا �ألقيت يف �أر�ض قاحل���ة ،طاملا �أن الإ�سالم والدميقراطية ت�ساوق���ا ونتجت عنهما توليفة ا�سمها “الدميقراطية الإ�سالمية”. وق�صارى القول �إن امل�سلمني -على حد تعبري امل�ؤلف يف �صفحات الكتاب الأخرية -مل تلدهم �أمهاتهم مربجمني �ضد الدميقراطية �أو لقبول حجج الإ�سالميني املتزمتني ،هذا ما يثبته القرن الع�شرون .ب�إمكاننا �أن نعرف �ص���دق هذه املقولة فقط عندما توجد حري���ة �سيا�سية حقيقية يف العامل الإ�سالم���ي ،وعندما ت�صبح االنتخابات حرة ونزيهة .فحتى الآن مل يتم جتريب �سيا�سات �إ�سالمية حرة يف معظم الدول الإ�سالمية .و�أخري ًا ف�إن املراق���ب لل�ساحة الإ�سالمية منذ �أحداث � 11أيل���ول� /سبتمرب امل�شئومة، وعق���ب غزو كل م���ن �أفغان�ستان والعراق ،ي�شهد �سباق��� ًا الهث ًا بعيد ًا عن الأنظ���ار على امتداد العامل الإ�سالمي يعاود النظر يف امل�سلمات ،وينظر يف كيفي���ة الت�أقلم مع النظام اجلدي���د يف املنطقة ويف العامل .و�إن كانت ال�ص���ورة العامة تبدو وك�أن الأمور جتري على ما تعودت �أن جتري عليه، �إال �أن ال�صورة مل تعد كذلك حقاً. م� .س .ح
عرو�ض موجزة �سيا�سة اليمن اخلارجية جتاه دول القرن الإفريقي: م�ساهمة يف درا�سة القرار ال�سيا�سي حممد علي عمر احل�ضرمي مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية (�صنعاء)2009 ، � 265صفحة ي�سع���ى م�ؤلف هذا الكتاب �إىل تو�ضيح الأ�س�س العامة التي يرتكز عليها القرار ال�سيا�سي اخلارجي اليمني يف �شكل���ه العام ،وجت���اه دول منطقة القرن الإفريقي ب�شكل خا�ص� ،إذ تعاين دول هذه املنطقة من توترات ونزاعات م�ستمرة وع���دم ا�ستقرار ،وما ي�شكله ذلك م���ن ت�أث�ي�ر يف دول اجل���وار ،ومنه���ا اليم���ن .ولأجل حتقي���ق هذه الغاية ،ف����إن هذه الدرا�س���ة -كما يقول �صاحبها -حتاول الإجابة عل���ى بع�ض اال�ستف�سارات والت�س���ا�ؤالت �أهمه���ا :كيف يتم �صنع ق���رار ال�سيا�سة اخلارجي���ة اليمني���ة؟ وما هو دور كل م���ن امل�ؤ�س�سات الر�سمي���ة وغري الر�سمي���ة يف عملية �صنع القرار ال�سيا�سي اخلارج���ي؟ وما مدى ت�أثري البيئ���ة اخلارجي���ة يف ق���رار ال�سيا�سة اخلارجي���ة اليمنية؟ ومل���اذا يهتم �صان���ع القرار ال�سيا�سي اليمني يف �سيا�سته مبنطقة القرن الإفريقي؟ ويخل�ص امل�ؤلف يف نهاية الدرا�سة �إىل جمموعة من اال�ستنتاجات �أهمها� :أن ال�صياغة النهائي���ة للق���رار ال�سيا�س���ي اخلارج���ي اليمني تنفرد ب���ه م�ؤ�س�سة واح���دة وهي رئا�سة اجلمهوري���ة التي متتلك مبفرده���ا ال�سلطات واالمتيازات الت���ي تخولها بطبع ال�سيا�سة اخلارجي���ة اليمنية وف���ق فل�سفتها اخلا�صة؛ كم���ا �أن دور ال�سلط���ة الت�شريعية يف عملية �صن���ع ق���رار ال�سيا�سة اخلارجي���ة اليمنية ما ي���زال �ضعيف ًا كون ال�سلط���ة الت�شريعية يف اليمن تعاين من �ضعف يف بنيتها الوظيفية ،وذلك حد من قدرتها على ممار�سة عملية �صنع ال�سيا�سة يف �شكلها العام ومنها القرار ال�سيا�سي اخلارجي؛ و�أن ت�أثري اجلماعات والق���وى الفاعل���ة داخلي ًا يف الق���رار ال�سيا�سي اخلارجي ما ي���زال دون امل�ستوى امل�أمول مقارن���ة بالو�ضع يف ال���دول املتقدمة ،فت�أثري تلك اجلماعات عل���ى القرارات ال�سيا�سية الداخلي���ة ،يكاد يكون �أكرب م���ن ق�ضايا ال�ش�ؤون اخلارجي���ة؛ و�أخري ًا يالحظ من خالل تتب���ع الق���رار ال�سيا�سي اخلارجي اليمني جتاه دول منطقة الق���رن الأفريقي� ،أن هناك حترك �إيجابي ل�صانع القرار نحو ق�ضايا دول املنطقة خا�صة امل�ساعي الرامية �إىل دعم املبادرات التي تقوم بها جيبوتي وكينيا ،ودورهما يف و�ضع حد للأزمة ال�صومالية.
اليمن وجمل�س التعاون لدول اخلليج العربية :البحث عن االندماج حممد �سيف حيدر مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية (�أبوظبي)2010 ، � 98صفحة يج���ادل الباح���ث اليمني حمم���د �سيف حيدر يف كتاب���ه هذا ،الذي ن�ش���ر م�ؤخر ًا �ضمن �سل�سل���ة «درا�س���ات ا�سرتاتيجية» التي ي�صدره���ا مركز الإم���ارات للدرا�سات والبحوث
اال�سرتاتيجي���ة ،ب�أن���ه رغ���م �أن العالق���ات اليمنية اخلليجي���ة تب���دو الي���وم يف حال��� ٍة «�أك�ث�ر م���نجي���دة» ُمقا َرن���ة ب�سنوات العقد الأخ�ي�ر من القرن الع�شري���ن� ،إال �أن وردية امل�شه���د اليمني اخلليجي تعقيدات الظاهرةُ ،تخفي يف احلقيقة بني ظاللها ٍ ج ّم���ة وعوائق ي�صع���ب جتاوزها ،ميني��� ًا وخليجي ًا، رهق طريف العالقة ب�أعباء دون دفع � ٍ أثمان باهظة ُت ِ هائل���ة ،ورمبا تتجاوز بكثري ما يح�سبان ح�سابه يف الوقت الراهن .وهذا يعني �أن التقدم احلا�صل يف العالق���ات اليمنية -اخلليجية عموم ًا ،ويف م�سرية التكام���ل الإقليم���ي الذي يتي���ح لليمن ني���ل الع�ضوية ً ثمر كثري ًا ،وينتظر م وغري ا �شكلي يظل الكاملة يف جمل����س التعاون اخلليجي خ�صو�ص ًا، ُ ٍ دفعة �إ�سرتاتيجية �أقوى حترك مفا�صله املُتثا ِقلة. ويف �ضوء ذلك ،حتاول الدرا�سة ا�ستك�شاف �إمكانات اندماج اليمن يف منظومة جمل�س التع���اون لدول اخللي���ج العربية يف ظل املعطيات والتط���ورات الأخرية التي ي�شهدها كل م���ن اليمن وحميطه الإقليمي ،وذلك من خ�ل�ال بحث وحتليل الثابت واملتغري يف دوافع طريف العالقة من عملية االندماج وعوائقها وواقعها الراهن ،و�صو ًال �إىل حماولة ر�سم معامل م�ستقبل هذه العملية وم�آالتها يف �ضوء املتغريات والأو�ضاع امل�ستجدة يف املنطقة، والت���ي �أخذت تفر�ض نف�سها على �ص ّن���اع ال�سيا�سات يف اليمن ويف دول اخلليج على ح ٍّد �س���واء ،و ُتنبئ -كما يعتق���د امل�ؤلف -ب�إمكانية دخول العالقة ب�ي�ن اليمن ودول جمل�س التع���اون منعطف ًا مهم��� ًا وحا�سم ًا قد ي�ؤ�س�س ملرحلة جديدة يف تاريخ اليمن املعا�صر كما يف م�سرية جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية التكاملية.
�أَن تكون عربي ًا يف �أيامنا عزمي ب�شارة مركز درا�سات الوحدة العربية (بريوت)2009 ، � 239صفحة يق���دَّم املفك���ر العرب���ي املع���روف عزم���ي ب�ش���ارة ب�ي�ن دفتَ���ي كتابه ه���ذا جمموع���ة م���ن الدرا�سات واملحا�ض���رات قدمها يف الف�ت�رة من منت�صف عام 2007حت���ى بداي���ة ع���ام ،2009وفيه���ا ربط م�س�أل���ة النه�ضة بالهوي���ة العربية واحلداثة ،وربط م�صري القومي���ة العربية مبدى قدرته���ا على تق ُّبل مهم���ات وحتدي���ات املجتم���ع احلدي���ث والع�ص���ر احلديث ،ومواجهة هذه التحديات .يت�ألف الكتاب رئي�سة ه���ي« :ق�ضاي���ا عربية»، م���ن ثالثة �أق�س���ام َ و»املتغ�ي�رات الأمريكي���ة يف نهاي���ة مرحل���ة بو�ش»، و»فل�سطني والق�ضية الفل�سطينية». ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
175
الفهر�ست
عرو�ض موجزة
وتتمي����ز مو�ضوعات هذا الكتاب ب�أمرين� :أولهما ،براعة الباحث يف ربط م�س�ألة النه�ضة بالهُوية العربية واحلداثة ،وربط م�صري القومية العربية مبدى قدرتها على تق ُّبل مهمات وحتدي����ات املجتمع احلدي����ث والع�صر احلديث ،ومواجهة ه����ذه التحديات مب�شروع .كما يرب����ط ب��ي�ن مهمة جتديد الفكر العربي مب�شروع بناء الأم����ة ،وحتديد مطالب وبرامج يف ه����ذا االجتاه تكون مفهومة للنا�س ،وميك����ن للنا�س ربطها مب�صاحلهم املادية واحلقوقية كمواطن��ي�ن .والأمر الث����اين :ما حتمله ف�صول الكتاب -وهي �ستة ع�شر ف� ً صال -من ُبعد فك����ري جدي����د ،و�أ�سلوب ت�شخي�صي حتليل����ي� ،إ�ضافة �إىل ما جتلى فيه����ا من نب�ض حيوي ي�ش��ي�ر �إىل �ض����رورة جتديد الفك����ر� ،إن كان ذلك يف الق�ضية العربي����ة عموم ًا� ،أو الق�ضية الفل�سطينية.
ال�شيعة يف امل�شرق الإ�سالمي :تثوير املذهب وتفكيك اخلريطة عاطف معتمد عبد احلميد �شركة نه�ضة م�صر للطباعة والن�شر والتوزيع (القاهرة)2008 ، � 227صفحة من خ�ل�ال ق���راءات كثرية وخ�ب�رة ميداني���ة وا�سعة جمعه���ا يف كتاب���ه «ال�شيع���ة يف امل�ش���رق الإ�سالم���ي: تثوي���ر املذهب وتفكي���ك اخلريطة» يح���اول الدكتور عاطف معتم���د عبد احلميد الإجاب���ة على جمموعة م���ن الأ�سئلة التي �أثريت بع���د �سقوط بغداد واحتالل الع���راق من قبل �أمريكا يف الع���ام 2003حول �صعود ال�شيعة يف العراق واملنطقة عموم ًا .حيث �أغرى هذا ال�صع���ود ال�شيع���ي امل�ؤل���ف بتتبع اخلريط���ة ال�شيعية يف الع���امل الإ�سالم���ي وبقي���ة دول الع���امل؛ فبحث يف ن�سبته���م الإجمالي���ة من ع���دد ال�س���كان ،ويف وزنهم ال�سيا�س���ي ،وكي���ف مت�ض���ي عالقته���م االقت�صادي���ة واالجتماعية باجلماعات الدينية والأثنية الأخرى. كم���ا حاول امل�ؤلف الإجاب���ة على �أ�سئلة �أخرى من قبيل من ال���ذي ر�سم مالمح ال�صورة النمطي���ة التي نحملها عن ال�شيعة؟ هل هم م�ست�شرق���ون �أم �سلفيون؟ و�إذا كان املفهوم ال�شيع���ي ي���رى يف كل �أر�ض كربالء ويف كل ي���وم عا�شوراء فما الذي يجم���ع �شيعة الهند وباك�ست���ان ب�شيعة اخللي���ج ولبنان .وكيف مت�ض���ي العالقات ال�سني���ة – ال�شيعية �ضمن ه���ذه اخلريطة املعقدة .كل هذه الأ�سئلة يجيب عليه���ا امل�ؤلف من خالل ف�صول الكتاب اخلم�سة ،حيث يعنى الف�صل الأول بتلم�س ما �سماه امل�ؤلف «بالقابلية للفتنة» وهو ف�صل يق���دم �صورة �إجمالية عن الأ�سباب التي وقفت خل���ف �صعود ال�شيعة ال�سيا�سي يف الربع الأخري من القرن الع�شرين. ويعال���ج الثاين �صورة ال�شيع���ة يف امل�شرق الإ�سالمي تلك ال�ص���ورة التي ت�شكلت يف وعي الكثريي���ن من خالل ما كتبه امل�ست�شرقون عن ال�شيعة ،ف� ً ضال عن ر�سم مالمح ال�صورة التي يقدمها التيار ال�سلفي عن ال�شيعة يف امل�شرق الإ�سالمي� .أما الف�صل الثالث فيقرتب م���ن �شيع���ة اخلليج واليمن معتني ًا بالتط���ورات التي حدثت يف العق���ود الثالثة الأخرية. ويلقي الف�صل الرابع ال�ضوء على �أكرث مناطق ال�شيعة توتر ًا يف لبنان وفل�سطني و�سوريا. بينم���ا يطوف الف�صل اخلام�س على بع����ض معامل ال�شيعة يف الهند وباك�ستان مع �إعطاء �إ�شارات حول ما ميكن ت�سميته بالإ�سالم ال�شعبي يف هذه املنطقة بالغة التنوع.
الإ�سالم واحلداثة :االن�سحاب الثاين من مواجهة الع�صر جمموعة من الكتّاب الأهلية للن�شر والتوزيع ومن�بر احلرية ،باال�شرتاك والتعاون مع م�ؤ�س�سة “ليربتي فور �أول” (ع ّمان)2010 ، � 204صفحات يق���دم ه���ذا الكتاب ق���راءة ثري���ة ومهمة لإ�شكالي���ة الإ�س�ل�ام واحلداثة من حي���ث �أنها 176
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ت���روم معاجل���ة ق�ضاي���ا مف�صلي���ة يف ه���ذا الإطار ي�أت���ي على ر�أ�سها :موقع العلماني���ة والر�أ�سمالية يف املجتمع���ات الإ�سالمية من جه���ة ،وعالقة الإ�سالم بالدميقراطية من جهة ثاني���ة .وي�ضم هذا الكتاب �ستة �أوراق تندرج �ضم���ن حموريني� :أولهما “جدل العلمن���ة والر�سمل���ة يف املجتمع���ات الإ�سالمي���ة املعا�ص���رة” ،ويب���د�أ بورق���ة مل�أم���ون كي���وان ح���ول دور العلماني���ة يف املجتمع���ات العربي���ة املعا�ص���رة. كم���ا ي�شمل �أي�ض��� ًا ورق���ة مل�صطفى �أكي���ول بعنوان: “الر�أ�سمالي���ة الإ�سالمي���ة” ،و�أخري ًا يت�ضمن هذا املح���ور ورقة �أعدها منعم �أ� .سري بعنوان�“ :صراع احل�ضارات� :سوء تفاهم بني الإ�سالم والغرب”. �أم���ا املحور الثاين فيت�ضمن ب���دوره ثالثة �أوراق حتت عن���وان “الإ�سالم والدميقراطية �أي���ن يكمن اخللل؟!” الورقة الأوىل �أعدها �سوكيدي موليادي حول العجز الدميقراطي يف الع���امل الإ�سالمي ،ويف الورق���ة الثانية اهتم لطفي ال�ش���وكاين بالإجابة على ال�س�ؤال التايل“ :هل الفقة ال�سيا�سي مازال منا�سب ًا؟” و�أخ�ي�ر ًا يت�ضمن املح���ور ورقة ملار�سودي و .كي�س�سرو حتت عن���وان“ :دور االت�صاالت واملعلوماتي���ة يف دمقرط���ة العامل الإ�سالمي” .ويخل�ص الكت���اب يف النهاية �إىل �أنه ال يوج���د ارتباط بني الإ�سالم وانت�شار تكنولوجيا االت�صاالت واملعلومات .و�أن االرتباط ب�ي�ن جمم���وع عدد امل�سلم�ي�ن وانت�شار ه���ذه التكنولوجي���ا �ضعيف� ،أم���ا االرتباط بني الدميقراطي���ة وهذه التكنولوجيا فهو قوي ومرتف���ع ،و�أن �سبب �ضعف م�ستوى انت�شار ه���ذه التكنولوجي���ا يف الدول الإ�سالمية يعود �إىل �ضعف م�ست���وى الدميقراطية فيها. فعل���ى الرغ���م مما لهذه التكنولوجيا م���ن �آثار �سلبية ،لكنها ميك���ن �أن ت�شكل تهديد ًا للحكومات اال�ستبدادي���ة ،وت�صبح قناة مفتوحة لتطوير م�شاركة ال�شعب يف ال�سيا�سة العام���ة ورف���ع وعي ال�شعب وفهم���ه حلقوقه وواجبات���ه ورفع كفاءة امل���وارد الب�شرية، وذلك لأن تزايد الذكاء والإبداع ي�ؤدي �إىل رفع امل�ستوى االقت�صادي وال�سيا�سي لكافة �أفراد ال�شعب.
�أيديولوجيا الإ�سالم ال�سيا�سي وال�شيوعية �سامح حممد �إ�سماعيل دار ال�ساقي باال�ش�تراك مع م�ؤ�س�سة الدرا�سات الفكرية املعا�صرة (بريوت)، 2010
� 238صفحة يح����اول الدكتور �سامح حمم����د �إ�سماعيل من خالل كت����اب «�أيديولوجيا الإ�س��ل�ام ال�سيا�سي وال�شيوعية» حتلي����ل م�صطل����ح الأيديولوجيا ب�إلق����اء ال�ضوء على املواق����ف ال�سيا�سي����ة الت����ي واكب����ت ظه����ور الدول����ة الإ�سالمي����ة والتنظ��ي�رات الأيديولوجي����ة التي كانت �أ�سا�س العم����ل ال�سيا�سي لل�شيوعي����ة .والأيديولوجيا كم����ا يقول امل�ؤل����ف ال ميك����ن حتقيقه����ا وتفعيلها �إال بال�سع����ي الدائم وامل�ستمر لتقرير الفعل ال�س�سيا�سي وحتدي����د طاب����ع احلي����اة االجتماعي����ة واالقت�صادية لتقييد الفرد داخل اجلماعة والتحكم يف �سلوكياته، ب����ل ونياته �أي�ض���� ًا ،بو�صفها غطاء مذهبي���� ًا عقائدي ًا ي�ش����كل ر�ؤية الفرد لنف�س����ه وللآخر ،مما يتطلب وجود ن�سق معريف م�سبق ،فكري عقائدي �أو فل�سف����ي ،ميكن الإحالة الدائمة �إليه ثم ال�سعي نحو تطبيق هذا الن�سق عملي ًا وفق ر�ؤية القائ����م بتطبيقه .والأيديولوجيا يف م�سعاها هذا غري قابلة للحوار ،وتنطق دوم ًا بدعاوى طوباوي����ة مثالية لأنها ت�ؤمن باحلق الذي لديها ،و�أن م����ا تقوم به هو ر�سالة كونية ال يجوز ال��ت�ردد حيال القيام به حتى لو ا�ضطرت �إىل حتطيم املجتمعات ،و�إىل �إفناء املاليني من �أجل ر�سالتها.
وي����رى امل�ؤلف �أن ثمة ت�شابه ًا ي�صل �أحيان���� ًا �إىل حد التطابق بني ممار�سات الإمرباطورية الإ�سالمي����ة يف خمتل����ف �أطواره����ا (�أموي����ة ،عبا�سي����ة ،مملوكي����ة )...والإمرباطوري����ة ال�سوفياتي����ة ،عل����ى الرغم من �إميان الأوىل با هلل الواحد و�إحل����اد الثانية ،وعلى مابينهما من فارق زمني كبري .ويعزو امل�ؤلف هذه املفارقة �إىل النزوع الأيديولوجي للإ�سالم الذي ظه����ر عقب وفاة النبي ونهاي����ة العهد الرا�شدي ،مبتعد ًا عن نه����ج النبي وتعاليم الر�سالة الإ�سالمية ومفاهيمها الأخالقية و�أن�ساقها القيمية. �إن �أبرز وجوه الت�شابه بني املمار�ستني بح�سب امل�ؤلف :تقدي�س احلاكم وعبادة ال�شخ�صية؛ عن����ف الدول����ة وقمع كل �أ�شكال املعار�ض����ة؛ تهمي�ش الفرد وعدم اح��ت�رام احلياة واحلرية الإن�سانية؛العن�صري����ة جتاه ال�شعوب املهم�شة وفق ًا لعن�صر احلكام؛ الإحالة على مرجعية تاريخية قابلة للت�أويل والو�ضع خدمة للحكم؛ التو�سع اخلارجي؛ �أدجلة االقت�صاد والثقافة وجماالت الإبداع كافة.
عامل ما بعد �أمريكا فريد زكريا ترجمة :ب�سام �شيحا الدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)2009 ، � 245صفحة بعد �أن �أجنزت �أمريكا حتوالتها ال�صناعية� ،سرعان ما �أ�صبح����ت �أقوى دولة يف الع����امل منذ �إمرباطورية روم����ا .ولهذا ظلت �أمريكا ،على مدار معظم �سنوات الق����رن الع�شري����ن متار�����س دور الهيمنة ب�ص����ورة �أو ب�أخ����رى على جماالت االقت�ص����اد وال�سيا�سة والعلوم والثقاف����ة بال مناف�س �أو من����ازع .وكانت تلك ظاهرة غ��ي�ر م�سبوقة يف التاريخ احلدي����ث .ويف هذا الكتاب الذي �ألفه واحد من املحللني ال�سيا�سيني الأمريكيني املرموقني ،وه����و فريد زكريا رئي�����س حترير الطبعة الدولية ملجلة نيوزويك ،يحاول امل�ؤلف �أن يجيب عن جمموع����ة من الأ�سئلة حول التح����والت القادمة التي بد�أت معاملها تظهر يف عاملنا اليوم وعلى ر�أ�سها الأزمة املالية ،والتي تتميز بح�سب زكريا ب�أنه����ا «مل تن�ش�أ يف بقعة متخ ّلفة من العامل النامي ،بل ن�ش�أت من قلب الر�أ�سمالية العاملية الوالي����ات املتحدة الأمريكي����ة -و�ش ّقت طريقها عرب �شرايني النظام املايل العاملي .ومع�أنها ال تنذر بنهاية الر�أ�سمالية �إال �أنها قد تعني �إىل ح ّد كبري نهاية نوع حمدد من الهيمنة العاملية بالن�سبة �إىل الواليات املتحدة». ويرى زكريا �أن الت�أزم االقت�صادي احلايل ي�س ّرع االنتقال �إىل عامل ما بعد �أمريكا ،ويت�سم هذا العامل بالنهو�ض االقت�صادي لدول �أخرى كال�صني والهند والربازيل وجنوب �أفريقيا وغريه����ا ،مما ي�ؤدي �إىل حت����والت �سيا�سية وع�سكرية وثقافي����ة ،و�إىل �شعور بالقوة والثقة يرتج����م بالق����درة على الت�صرف بحرية وفر�ض الوجود ،بحي����ث �أن هذه الدول الناه�ضة، حت����ى لو انخف�ضت مع����دالت منوها« ،لن تتخلى ب�سهولة وهدوء ع����ن �أدوارها اجلديدة يف النظام العاملي».
ا�ستعادة رو�سيا مكانة القطب الدويل� :أزمة الفرتة االنتقالية عاطف معتمد عبد احلميد مرك��ز اجلزيرة للدرا�س��ات (الدوحة) وال��دار العربية للعل��وم نا�شرون (بريوت)2009 ، � 143صفحة يت�س���اءل الباحث امل�ص���ري عاطف معتمد عبد احلميد يف ثنايا ه���ذا الكتاب :هل ما ت���زال رو�سي���ا دولة عظمى تتمتع بالتو�س���ع اجلغرايف والتم���دد اجليو�سيا�سي ،وهل ال ت���زال ق���ادرة على التق���دم �إىل مناطق �أكرث عمق��� ًا لت�ضم داخ���ل �أ�سوارها احلديدية مئ���ات املل���ل ،ومئات �أخرى من الأل�س���ن واللغات .ومع �أنه ي�ؤكد ب�أن���ه ال توجد م�شكلة
جيو�سيا�سي���ة يف الع���امل �إال ولرو�سي���ا كلمة فيها؛ فرو�سي���ا تقابلن���ا ح�ي�ن نراج���ع الأزم���ة النووي���ة الإيرانية �أو الكورية ،كما جندها يف �سوق ال�سالح ويف �أزمات البح���ر الكاريبي ،ويف ت�صدير النفط والغاز ،ويف ال�صراع العربي -الإ�سرائيلي ..الخ. �إال �أن امل�ؤل���ف ما ينفك يطرح ع���دد ًا من الأ�سئلة ت���دور ح���ول رو�سي���ا ومكانته���ا يف ع���امل متع���دد الأقطاب تتكاتف في���ه الدول الكربى مثل اليابان و�أملاني���ا وال�ص�ي�ن والهن���د و�أملانيا وفرن�س���ا �أمام امل���ارد الأمريكي ،م�شدد ًا على �أنه ال توجد �أي قوة ت�ستطيع �أن تناور على امل�ستوى اجليو�سيا�سي غري رو�سيا ،ولكن يف �أي طريق تناور وما هي �أدواتها و�أي م�ستقبل لها؟ ي�ضم الكتاب ب�ي�ن جنباته ف�صول ثالثة� ،أولها يحمل عنوان «زمن جتميع احلجارة»، ويعر�ض للأ�سا�س اجلغرايف ال�سيا�سي للدولة الرو�سية� .أما الثاين في�أتي حتت عنوان «الع���ودة ل�ساح���ة املعارك» ،ويبح���ث فيه امل�ؤل���ف مكانة اجلي����ش الرو�سي وحماوالت �إ�صالح���ه ومناوراته يف اجتاهات خمتلفة ،ف� ً ضال ع���ن دور النفط والغاز الرو�سي يف ع���ودة قوة رو�سيا كونهما و�سيلة للتحك���م يف �أمن الطاقة يف مناطق نفوذها ال�سابقة. فيم���ا يعالج الف�صل الثالث التناف�س الرو�سي الأمريكي فيما �أ�سماه الكاتب «مناورات احلديقة اخللفية».
عدو اجلميع :القر�صنة وقانون الأمم The Enemy of All: Piracy and the Law of Ntions دانيال هيلر روزن Daniel Heller-Roazen زون بوك�س (نيويورك) Zone Books (NY)، 2009 � 274صفحة ميك���ن اعتبار كت���اب «عدو اجلميع» تاريخ��� ًا ثقافياً للقانون ،احل���دود الإقليمية ،الدولة ،الذات والآخر كما ت���راه �شخ�صية القر�صان ال���ذي ميكن تعريفه عل���ى �أن���ه �شخ����ص يق���وم بعملياته خ���ارج احلدود واملجتمعات املعرتف بها .كما يعترب الكتاب درا�سة حول كيفية تعريف القانون للقوى التي تن�شط خارج ح���دود الدولة .يقول الكاتب �إن القر�صان هو العدو الأ�صلي للجن�س الب�شري ،وي�شري �إىل قناعته مبقولة �إن هن���اك �أع���داء ميك���ن التفاو����ض معه���م و�إقامة هدن���ة معهم �إذا �سمحت الظروف .لكن هناك عدو ال ج���دوى من توقيع �أي اتفاقي���ة معه وتكون احلرب مع���ه م�ستمرة دائم ًا .ه���ذا العدو هو القر�صان الذي اعتربه رجال القانون الأوائل «عدو اجلميع». يف هذا الكتاب ،يعيد دانيال هيلر روزن بناء املكان املتغري للقر�صان يف الفكر القانوين وال�سيا�سي بدءا من الع�صور القدمية �إىل الو�سطى فاحلديثة واملعا�صرة ،ويلقي ال�ضوء عل���ى الأ�ص���ول الفل�سفية لع���دو مميز .يقول داني���ال هيل���ر روزن �إن القر�صان املعا�صر ه���و �شخ�صية قانوني���ة و�سيا�سية لها خ�صو�صية معينة ي�سك���ن يف منطقة خارج احلدود الإقليمي���ة .وميك���ن للدول �أن ت�شن معارك غ�ي�ر عادية �ضد مثل ه���ذا العدو و�أن تطبق بحقه �إجراءات ع�سكرية مربرة حتت م�سمى احلرب والأمن. يع���رف الكات���ب القر�صن���ة على �أنه���ا حالة جتتمع فيه���ا �أربعة �ش���روط :منطقة خارج احلدود الإقليمية للدولة؛ عمالء ال ينتمون لدولة حمددة؛ انهيار التمييز بني الت�صنيف ال�سيا�س���ي واجلنائ���ي؛ وتغيري مفهوم احل���رب .وي�ؤكد الكاتب �أن من���وذج القر�صنة ال ي���زال �ساري��� ًا يف هذا الع�صر .وم���ع �أن الكثريين يعتقدون �أن مفه���وم القر�صنة ينتمي للع�صور القدمية والو�سطى� ،إال �أن عدو اجلميع �أقرب �إلينا الآن مما نعتقد. ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
177
�أُفـ ُــق
�أكمل الدين �إح�سان �أوغلي
«امل�ؤمتر الإ�سالمي» على �أعتاب عهد جديد تو�شك منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي على دخول مرحلة جديدة مهمة ذات دالالت خا�صة ومرام بعيدة� ,إذ يعترب ب���دء املنظم���ة يف عملية ت�أ�سي����س هيئة دائمة وم�ستقلة حلق���وق الإن�سان حتت مظلة املنظم���ة حدث ًا جديد ًا يف م�س�ي�رة املنظم���ة ,وي�أتي تنفيذ ًا لأحد البنود الرئي�سية املن�صو�ص عليه���ا يف املادة اخلام�سة ع�شرة من ميثاق املنظم���ة اجلديد الذي ُاعتمِ د بالإجم���اع ودخل حيز التنفيذ منذ انعقاد قمة دكار يف �آذار/مار�س .2008كما يعت�ب�ر تطبيق ًا ملا تن�ص علي���ه بنود برنامج العمل الع�شري الذي اعتمدته القمة الإ�سالمية اال�ستثنائية الثالثة املنعقدة يف مكة املكرمة يف كانون الأول/دي�سمرب .2005 ً ويع���د �إن�شاء هيئة دائم���ة وم�ستقلة حلقوق الإن�سان جت�سيدا للأهمية البالغ���ة التي توليها الدول الأع�ضاء يف املنظم���ة لتعزيز حقوق الإن�سان وتطبيق مبادئها يف �إطار القي���م الإ�سالمية وتلك املعرتف بها وامل�ستمدة من القيم العاملية امل�شرتكة للعدالة وامل�ساواة والت�سامح وكرامة الإن�سان وحريته .ومما ال �شك فيه �أن هذه الهيئة �ستك���ون ر�صيد ًا جديد ًا للمنظمة يف القيام مبهمتها الرامي���ة �إىل الإرتقاء بنوعية حياة امل�سلمني داخل الدول الأع�ضاء يف املنظمة ويف �أو�ساط املجتمعات الإ�سالمية يف اخلارج. كما ا�ستطاعت منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي تعزيز ح�ضورها داخل جمل�س حقوق الإن�سان يف جنيف .و�ساهمت ب�صورة �إيجابية وب ّناءة يف �إجناح م�ؤمتر ديربان الثاين ملكافحة العن�صرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب وغريه���ا من �أ�شكال التع�ص���ب ,مربهنة بذلك على جديتها يف اال�ضطالع بدور ف ّعال �ضمن منظومة عالقات دولي���ة تت�س���م بالإن�سجام ،وتقوم عل���ى �أ�سا�س االحرتام املتب���ادل وعدم التمييز .عالوة عل���ى ذلك ,فقد لقي الإع�ل�ان عن �إقامة هيئة دائم���ة وم�ستقلة حلقوق الإن�سان ا�ستح�سان املجتمع ال���دويل وترحيبه ,مبا يف ذلك املفو�ضية ال�سامية حلقوق الإن�سان التابعة للأمم املتحدة. ا�ستناد ًا �إىل وثيقة �أعدتها الأمانة العامة للمنظمة ب�ش�أن �إقامة هذه الهيئة ,عقد فريق من اخلرباء احلكوميني املخت�ص�ي�ن بت�أ�سي�س الهيئ���ة اجتماعني خالل �شه���ر ني�سان�/أبريل ,2009بهدف و�ضع �صيغ���ة نهائية مل�شروع النظ���ام الأ�سا�س���ي للجهاز اجلديد التاب���ع للمنظمة .بينما تع ّه���د اجتماع لكبار امل�سئولني من ممُ ِّثلي الدول الأع�ضاء بت�شكيل الهيئة يف غ�ضون عامني. ُحدث تغري ًا نوعي ًا على م�ستوى و�إنني على يقني ب�أن هذه الهيئة امل�ستقلة �ست ِ املنظم���ة على نحو تتناغم فيه حقوق الإن�س���ان العاملية واحلريات مع القيم الإ�سالمي���ة ,وذلك م���ن �أجل توفري نظ���ام حماية قوي ي�ؤم���ن التمتع الكامل بجميع حقوق الإن�سان يف الدول الأع�ضاء .كما �إنني موقن ب�أن عمل الهيئة �سيعني عل���ى تعزي���ز القيم العاملية حلق���وق الإن�سان كجزءٍ ال يتج���ز�أ من عملية م�ستمرة تبن ّته���ا املنظمة منذ اعتماد �إعالن القاهرة حلقوق الإن�سان. �إن برنام���ج العم���ل الع�شري وامليثاق اجلديد ال يقت�ص���ران على الدعوة �إىل �إن�شاء هيئ���ة حقوق �إن�سان تابعة ملنظم���ة امل�ؤمتر الإ�سالمي ,بل �إنهما فتحا الباب لآفاق �أرحب �أم���ام عملية الإ�صالح ال�سيا�سي والفكري .كما �أنهما يح ّثان الدول الأع�ضاء على التعاون يف جمال تعزيز قيم الت�سامح واحلريات الأ�سا�سية واحلكم الر�شيد, و�سي���ادة القانون ,وامل�ساءلة ,واالنفتاح ,والتفاهم مع �سائر الأدي���ان واحل�ضارات ,ونبذ التع�صب والتطرف, وغر�س قيم االعتزاز بالهوية الإ�سالمية. �أكمل الدين �إح�سان �أوغلي �أمني عام منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي. 178
ا�سرتاتيجية العدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
:∞JÉg
+967 1 682144
:¢ùcÉa
+967 1 677879
16822 :Ü.¢U á«æª«dG ájQƒ¡ª÷G - AÉ©æ°U
E-mail: info@Shebacss.com
www.Shebacss.com
ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث ،مار�س/يونيو
2010
ا�سرتاتيجية
179
w w w . s h e b a c s s . c o m
á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôe Sheba Center for Strategic Studies
á`` `aô©ŸÉH á`` ` `°SÉ«°ùdG ó`` ` `aQ
Relating Policy to Knowledge 2010
يونيو/ مار�س،ا�سرتاتيجية العدد الثالث
180