حكايات الوسادة

Page 1


‫ناتالي كورتوج‬

‫‪1‬‬

‫حكايات الوسادة‬ ‫الحكاية األولى «حكاية الطفلة سونيا والبومة»‬ ‫الحكاية الث ــانية «حكاية القط الصغير غير المسمى»‬ ‫الحكاية الثالث ــة «حكاية الفأر العجوز»‬ ‫الحكاية الرابعة «الفتى رضا ‪ ،‬وقمر ‪ ،‬والصحراء»‬ ‫ترمجة‬

‫د‪.‬سامية توفيق‬

‫مراجعة‬

‫حســني الشـــافعى‬


‫‪2‬‬

‫‪www.moscownewsar.com‬‬

‫رئيس مجلس اإلدارة ورئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬حســـين الشــــــافعي‬ ‫‪Tel. & Fax:‬‬ ‫‪+ (202) 24 77 38 70‬‬ ‫‪+ (202) 24 77 38 71‬‬ ‫‪E-mail:‬‬ ‫‪Anbaamoscow_arabic @hotmail.com‬‬ ‫المراسالت‬ ‫القاهرة – مدينة العبور‬ ‫مكتب بريد جمعية أحمد عرابي ‪44719‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪72 .‬‬

‫اإلخراج الفني‬ ‫أمير يوسف أحمد‬ ‫الطباعة‬ ‫دار الطباعة المتميزة‬ ‫مدينة العبور – القاهرة‬

‫‪Tel. & Fax:‬‬ ‫‪+ (202) 4478 96 44 & 46‬‬ ‫الطبعة األولى ‪2012‬‬

‫جمي���ع حقوق الطب���ع والنش���ر محفوظة‬ ‫للناشر ‪.‬‬ ‫ال يحق إعادة طبع أو نس���خ محتويات هذا‬ ‫الكت���اب إلكترونياً أو ضوئي���ا ً دونما ٌ‬ ‫إذن‬ ‫كتابي من الناشر ‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫مرحباً بكم أطفاىل الصغار ‪ .‬أنا وس��ادتكم التى تنامون عليها‪.‬‬ ‫وأح��ب أن أروى لكم حكايات ‪ ،‬وخصوص��اً قبل النوم ‪ .‬تريدون‬ ‫أن تسمعوا واحدة منها ؟‬

‫تعال��وا ‪ ،‬إفتح��وا أذنيك��م وأنصت��وا ىل جي��داً‪ .‬وأن��ا س��أحكى لكم‬

‫وأتكلم ‪.‬‬

‫الحكاية األولى‬ ‫"حكاية الطفلة سونيا والبومة"‬


4


‫‪5‬‬

‫كان يام��ا كان في��ه‬ ‫طفلة إمسها س��ونيا ‪ .‬كانت‬ ‫حت��ب أن تن��ام كث� ً‬ ‫يرا ‪.‬‬ ‫كانت أمها تصعب عليها وترتكها تنام وال توقظها‪.‬‬ ‫وأصبح��ت تناديه��ا بس��ونيا النومية‪ .‬كربت س��ونيا‬ ‫وتعلمت الكسل ‪ .‬وعندما كانت تطلب منها ماما‪:‬‬ ‫ حبيبتى سونيا ‪ ،‬ساعدينى فى غسيل األطباق ‪.‬‬‫ ماما ‪ ،‬ال أريد ‪ ،‬ظهرى يؤملنى ‪،‬‬‫ وكان��ت ختدع مامتها ‪ .‬وتطلب األم منها فى مرة‬‫أخرى‪:‬‬ ‫ سونيا ‪ ،‬نظفى البيت ‪.‬‬‫ترد سونيا وهى تقضم شفتيها ‪:‬‬


‫‪6‬‬ ‫ ماما ‪ ،‬ال أستطيع ‪.‬‬‫تتنه��د مام��ا بغض��ب وتأخ��ذ املكنس��ة وتنظف‬ ‫البيت بنفس��ها ‪ .‬وتقول فى س��رها ‪ « -‬اليهم ‪ - ،‬إبنتى‬ ‫مازالت صغرية وستكرب وتساعدنى » ‪.‬‬ ‫وذات يوم ‪ ،‬فى الليل وعندما كانت سونيا نائمة‪،‬‬ ‫طارت بومة إىل غرفتها ‪.‬إستيقظت وصرخت قائلة ‪:‬‬ ‫ هش‪ ،‬هش ‪ ،‬أبتعدى من هنا !‬‫لك��ن البومة مل ختف وظلت حتوم حوهلا لتوقظها‬ ‫ثم وخزتها من أذنها ‪.‬‬ ‫تضايقت البومة وقالت‬ ‫هلا ‪:‬‬ ‫ يال��ك م��ن بن��ت‬‫كسولة !‬ ‫وقرص��ت عل��ى أذنه��ا‬ ‫بشدة ‪.‬‬ ‫‪ -‬علمت أنك ال تريدين‬


‫‪7‬‬

‫مساعدة والدتك وختدعيها وتراوغيها !‬ ‫قالت سونيا وهى تتأمل ‪:‬‬ ‫‪ -‬أى ‪ ،‬أى تؤمليننى _أتركينى ‪.‬‬


‫‪8‬‬ ‫ردت‪:‬‬ ‫ ل��ن أتركك حت��ى تعدينى أنك س��وف تكونى‬‫نش��يطة وتس��اعدى والدت��ك‪ ،‬وإن مل تفعلى فس��آخذ‬ ‫والدتك منك ‪.‬‬ ‫قالت سونيا وهى منزعجة ‪:‬‬ ‫ أعدك ‪ ،‬أعدك ! ‪.‬‬‫قالت البومة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مبكرا ‪ ،‬وال تظلني لفرتات‬ ‫ وس��وف تستيقظني‬‫طويلة فى الفراش ؟‬ ‫ نعم ‪ ,‬نعم أعدك ‪.‬‬‫ترك��ت البـومة الفتاة وف��ردت جناحيها وطـارت‬ ‫م��ن الناف��ذة التى دخل��ت منها به��دوء ‪ .‬وقال��ت قبل أن‬ ‫تغادرها ‪:‬‬ ‫ ال ْ‬‫تنس ما وعدتى به !‬ ‫وفى الصباح التاىل مل تعرف األم إبنتها ‪.‬إستيقظت‬


‫‪9‬‬ ‫مبكرا ً‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬إغتسلت ونظفت أسنانها بالفرشاه‬ ‫سونيا‬ ‫ووضعت خملفات البيت فى كيس ‪ .‬ونظفت املكان‬ ‫‪ .‬وبعد ذلك نظفت أحذيتها ‪ ،‬و كانت ال تفعل هذا من‬ ‫قبل‪ .‬قالت األم وهى تشعر باإلنزعاج على إبنتها ‪:‬‬ ‫ م��اذا حدث لك ياس��ونيا ؟ أمل تكونى تش��عرين‬‫بتع��ب ؟ أن��ت خب�ير ! ووضع��ت األم يدها عل��ى جبهة‬ ‫سونيا‬ ‫ ال ياأم��ى العزي��زة ‪ ،‬أنا مل أش��عر بالتعب ‪ ،‬لكنى‬‫فق��ط أحسـس��ت أنى ك�برت الي��وم ومن هذا املس��اء‬ ‫على مساعدتك ‪.‬‬ ‫بالذات ‪ .‬وجيب ٍ‬ ‫تعجبت األم وقالت ‪:‬‬ ‫ نعم كربت ؟ هل هذا حلم ؟‬‫ نعم حلم ‪ .‬ردت سونيا وهى تبتسم ‪.‬‬‫وهى فى احلقيقة تنفذ ما وعدت به البومة ‪« :‬أن‬ ‫ً‬ ‫مبكرا وتس��اعد والدتها» ‪ ،‬وأصبحت مطيعة‬ ‫تصحو‬ ‫ومنظمة ‪ .‬وفى أوقات الفراغ عن العمل تتعلم س��ونيا‬ ‫القراءة والكتابة ‪ .‬وسعدت بها أمها ‪.‬‬


‫‪10‬‬ ‫لكن حدث ذات يوم أن مرضت س��ونيا ‪ .‬إرتفعت‬ ‫درجة حرارتها بشدة ‪.‬‬ ‫أخذت تهذى فى النوم وهى تنادى على البومة ‪.‬‬ ‫جاء إليها األطباء ‪ ،‬لكن مل تتحسن صحة سونيا ‪.‬‬ ‫وأشار أحدهم لألم أن توضع فى املستشفى ‪.‬‬ ‫إعرتضت سونيا وهى تشعر بالضعف قائلة ‪:‬‬ ‫ ال أريد أن أذهب إىل املستشفى ‪.‬‬‫قال هلا الطبيب وهو يعطيها حقة ‪:‬‬ ‫ ال بديل عن هذا‪ .‬س��أحضر إلي��ك اليوم وأذهب بك‬‫إىل املستشفى ‪ ،‬وإال سيكون ضرر عليكى ‪.‬‬ ‫َب ّ‬ ‫ك��ت األم عل��ى إبنته��ا وخـرج��ت لتوصي��ل‬ ‫الدكتور ‪ .‬ونامت سونيا ‪ .‬وبعد فرتة من الوقت شعرت‬ ‫الفت��اة أن ش��يئ ما يرب��ت حبنان على رأس��ها ‪ ،‬فتحت‬ ‫عينيها ‪ .‬حاولت أن جتلس ورأت ‪:‬‬ ‫إىل !‪.‬‬ ‫‪ -‬أأنت البومة ! ‪ -‬جئتى ٍ‬


‫‪11‬‬ ‫ردت البومة ‪:‬‬ ‫ إهدئ��ى ‪ ،‬إهدئ��ى ‪ ،‬جي��ب أن تس��تعيدى صحتك‪.‬‬‫وأخ��ذت ترتب الف��راش هلا ‪ .‬قالت س��ونيا وه��ى حزينة‬ ‫على نفسها ‪:‬‬ ‫ لقد مرضت ! ‪.‬‬‫أجابت طائر البومة ‪:‬‬ ‫ ال ختاف��ى ‪ ،‬س��رعان م��ا تش��فني ‪ ،‬أنت ش��اطرة يا‬‫سونيا ‪ ،‬نفذت وعدك ‪ ،‬و أنا فخورة بك ‪.‬‬ ‫وم��رة أخرى فردت البومة أجنحتها وداعبت بها على‬ ‫شعر سونيا املريضة ‪ .‬قالت هلا سونيا ‪:‬‬ ‫ ستأتني مرة أخرى ؟‬‫ً‬ ‫وأنت‬ ‫ طبع��ا ؟ ‪ -‬كي��ف ال وق��د أصبحنا اآلن أن��ا ِ‬‫أصدقاء ؟‬ ‫معك بعض الوقت ‪.‬‬ ‫ نامى اآلن ‪ ،‬و سوف أبقى ِ‬‫أغمضت سونيا عينيها ونامت بسرعة ‪ .‬إستعدت‬


‫‪12‬‬

‫البوم��ة للط�يران وأخ��ذت حتوم ح��ول الفت��اة النائمة‬ ‫وخرجت من النافذة ‪.‬‬ ‫وعندما إس��تيقظت سونيا وجدت جبانبها وسادة‬ ‫جديدة مطرزة خبيوط عليها وجه مبتسم ‪.‬‬ ‫مخنت سونيا أنها هدية من البومة ‪.‬‬


‫‪13‬‬ ‫جرت إليها األم منزعة وقالت هلا ‪:‬‬ ‫ أنت مرة اخرى تهلوسني ‪.‬‬‫ردت‪:‬‬ ‫ ال يا أمى ‪ ،‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬أنا ال أهلوس ‪ ،‬وإبتسمت قائلة‪:‬‬‫ أريد أن آكل! أنا جائعة ‪.‬‬‫وضعت األم يدها على جبهة سونيا وقالت بصوت‬ ‫عال وسعادة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫محدا هلل لقد هبطت درجة احلرارة !‬ ‫‬‫ نع��م ليس عندى ح��رارة مرتفع��ة ‪ ،‬لكن عندى‬‫وس��ادة – صديق��ة ‪ .‬وأش��ارت ل�لأم بالوس��ادة ‪ ،‬هدية‬ ‫البومة ‪ .‬سألتها ‪:‬‬ ‫ م��ن أحضرها ل��ك ؟ ‪ -‬فقد كان عن��دى مثلها فى‬‫طفولتى ‪ .‬قالت سونيا‪:‬‬ ‫ ً‬‫فعال يا ماما كان عندك مثلها ؟ وهى فى تعجب‪.‬‬ ‫– ومن الذى أهداها لك ؟‬


‫‪14‬‬

‫ أنت ال تصدقيننى ؟‬‫ً‬ ‫طبعا ‪ .‬قالت األم ‪:‬‬ ‫ ال ياأمى أصدقك‬‫ أنا فى طفولتى تصادقت مع بومة ‪.‬‬‫ وأن��ا أيض� ً�ا ياأم��ى تصادقت مع بوم��ة ‪ ،‬وكانت‬‫إىل وهى تطري ‪.‬‬ ‫تأتى ٍ‬


‫‪15‬‬ ‫وإبتسمت األم قائلة‪:‬‬ ‫ هذه وسادة غري عادية ‪.‬أنت حمظوظة يا سونيا‬‫ نعم ‪ ،‬ومن عندنا ؟ ‪ -‬حضر الطبيب ودخل بس��رعة‬‫إىل الغرفة ‪ .‬قالت سونيا ‪:‬‬ ‫ وأنا لست مريضة باملرة !‬‫قال الطبيب ‪:‬‬ ‫ نعم لست مريضة ؟‬‫وكان يرتدى نظارة كبرية قال ‪:‬‬ ‫ هذا مستحيل ! وبهذه السرعة ؟‬‫كشف الدكتور على س��ونيا بدقة وقال بصوت‬ ‫عال وبتعجب ‪:‬‬ ‫ ش��يئ خي��اىل ! مس��ـتحيـل ! إنها بصح��ة جيدة‬‫للغاي��ة ! ووضـ��ع ي��دة عل��ى جـبه��ة س��ـونيا وعلى‬ ‫جـبهته ‪ ،‬وجد نفسه دافئ أكثر منها‪ .‬هذا مستحيل ‪.‬‬ ‫أجابت سونيا ‪ً - :‬‬ ‫فعال مستحيل وضحكت ‪.‬‬


‫‪16‬‬ ‫ورجع الدكتور إىل املستشفى وهو مندهش ‪.‬‬ ‫�ذاءا لذي� ً‬ ‫أع��دت األم غ� ً‬ ‫�ذا لإلبن��ة س��ونيا ؟ ‪ .‬وظلت‬ ‫بصحة جيدة بعد ذلك و مل مترض ‪.‬‬ ‫وعندما كان حيل املس��اء تضع س��ونيا الوسادة‬ ‫اجلديدة حتت رأس��ها وتنام وتستغرق فى احلكايات‬ ‫اخليالية والعجيبة ‪ ،‬التى ترويها هلا الوسادة ‪.‬‬ ‫و كربت سونيا ‪ ،‬ولكنها مل تنس هذه احلكايات‬ ‫وسجلتها ‪.‬‬ ‫واآلن ‪ ،‬أنا وس��ادتكم و س��أروى لك��م ياأطفاىل‬ ‫هذه احلكايات ‪.‬‬


‫‪17‬‬ ‫ناتاليا كورتوج‬

‫الحكاية الثانية‬ ‫"حكاية القط الصغير غير المسمى"‬


18


‫‪19‬‬

‫حيكى أنه كان فيه‬ ‫قط صغري ‪.‬ليس له إسم ‪.‬‬ ‫ومل يكن له صاحب ‪.‬‬ ‫ومل يفكر أحد فى تسميته‪ .‬وعندما يسأله أحد‪:‬‬ ‫«ما إمسك ؟» ‪ ،‬جييب‪:‬‬ ‫ ليس ىل إسم ‪.‬‬‫وذات م��رة شعر‬ ‫ب���احل���زن وف��ك��ر‬ ‫‪« :‬م����اذا حي��دث‪،‬‬ ‫ل���و ن��ب��ح��ت مثل‬ ‫الكلب؟»‬ ‫ونبح القط ‪:‬‬


‫‪20‬‬

‫ هاو‪ ،‬هاو‪ ،‬هاو!‬‫وهنا حدث أن حتولت رأس القط إىل شكل رأس‬ ‫اجلرو‪.‬‬


‫‪21‬‬ ‫ً‬ ‫أصواتا غري مفهومة ‪:‬‬ ‫وصار حيدث‬ ‫ هاو ‪ -‬موا‪،‬هاو ‪ -‬موا !‬‫إبتعدت الطيور التى كانت على األشجار من‬ ‫املكان ‪ ،‬وإهتزت الفروع من الفزع ‪ .‬عند ذلك قال‬ ‫القط ‪:‬‬ ‫ إذن ‪ ،‬واضح أن اجلميع خياف منى ‪ ،‬ولن يلعب‬‫معى أحد ‪ .‬األفضل أن أزقزق مثل العصافري ‪:‬‬ ‫صو ‪ -‬صو ‪ ،‬صو‪ ،‬صو !‬ ‫ومنت للقط ذى رأس اجلرو أجنحة العصافري ‪ ،‬حاول‬ ‫الطريان ‪ ،‬لكن ذيله أعاقه وهو يتشابك مع أفرع‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫الشجريات ‪ .‬وفكر القط فى نفسه‬ ‫ حدث ما كنت ال أتوقعه ‪.‬‬‫وأحس فجأة أنه جائع ‪ .‬لكن ماذا يأكل ؟ نظر‬ ‫حوله ‪ .‬رأى قطعة عظم بالقرب منه‪ .‬رأس اجلرو التى‬ ‫هو عليها أرادت أن ختطفها ‪ ،‬لكن مل يفلح ‪.‬‬


‫‪22‬‬ ‫وفى اجلهة األخ��رى وجد شخـص ما ينثر بذور‬ ‫القمح ‪ ،‬فأندفعت أجنحة العصفور التى هو عليها‬ ‫وأمتدت حنو البذور ‪ .‬ولسوء احلظ خرج فأر من اجلحر‬ ‫وجرى أمامه ‪ .‬أراد كقط أن جيرى ورائه ‪ .‬فبكى‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫القط‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عصفورا ‪ ،‬أريد أن‬ ‫جروا ‪ ،‬وال‬ ‫ ال أريد أن أكون‬‫أظل كما أنا قط ‪ ،‬وأموء ‪ -‬نياو ‪ -‬نياو !‬ ‫وحتول إىل قط وإندفع جيرى وراء الفأر ‪ ،‬لكنه مل‬ ‫جيد له أثر ‪.‬‬ ‫هنا حملته فتاة مجيلة إمسها ناسيت وقالت له ‪:‬‬ ‫ يالك من قط ماهر ‪ – .‬وما إمسك ؟ أجاب ‪:‬‬‫ ليس ىل إسم ‪.‬‬‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫ يعنى أنك ال شيئ ‪ .‬تنهد القط حبزن‬‫ نعم ال شيئ ‪.‬‬‫عرضت عليه‪ْ - :‬‬ ‫ْ‬ ‫لتعش عندى ‪ ،‬وسوف‬ ‫تعال معى ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إمسا ‪.‬‬ ‫أعطيك‬


‫‪23‬‬

‫ واللنب ؟‬‫‪ -‬واعطيك اللنب ‪.‬‬


‫‪24‬‬ ‫ً‬ ‫وطبعا وافق القط بكل سرور ‪ .‬ومنذ ذلك احلني‬ ‫وهو يعيش عند الفتاة ناستى ‪ .‬وهو اآلن ال يشعر‬ ‫بالوحدة ‪ .‬وعندما تناديه بإسم « كوزى» !‬ ‫يستجيب بسرعة وجيرى إليها ‪:‬‬ ‫‪ -‬نياو ‪ ،‬نياو !‬


‫‪25‬‬ ‫ناتاىل كورتوج‬

‫تُولدت هذه القصة منذ أكثر من عشرين عاماً وكتبت على‬ ‫آلة كاتبة عتيقة ‪ .‬وصارتتُقرأ على إبنة املؤلفة ‪ ،‬واألصدقاء‬ ‫وأبنائهم ‪.‬وظلت «حكاية الفأر العجوز» من أفضل احلكايات‬ ‫احملببة لديهم ‪ .‬ويكرب األبناء‪ ،‬لكنهم يعتقدون أن هذا الكتاب‬ ‫سوف يظل بالنسبة ألبنائهم ‪ ،‬ليس فقط هدية قيمة ‪ ،‬لكن أيضاً‬ ‫صديقاً حيكى عن املغامرات ‪ ،‬وعن الصداقة ‪ ،‬وعن املخاطر‬ ‫التى تعرض هلا بطل هذه القصة ‪.‬‬

‫الحكاية الثالثة‬ ‫«حكاية الفأر العجوز»‬


26


‫‪27‬‬

‫حيك��ى أن��ه عندم��ا‬ ‫تس��طع الش��مس وتظه��ر من‬ ‫ب�ين األغص��ان ف��ى الغاب��ة ‪،‬‬ ‫وتضييء كل ماحوهلا فمن املمكن أن تلحظ أشيا ًء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مجيلة ‪ .‬وهذا بالقطـع إذا ما أنـت إستيقظـت‬ ‫كثرية‬ ‫�را ‪ً ،‬‬ ‫مبـك� َ‬ ‫جدا ‪ .‬إنتعش��ت الغابة ‪ ،‬وصع��دت أصوات‬


‫‪28‬‬ ‫موس��يقى ناعمة رقيقة ‪ ،‬وعلى إيقاع هذه املوسيقى‬ ‫تلون بي��ت العنكبوت بألوان قوس ق��زح املختلفة فى‬ ‫السماء ‪ .‬وياله من غريب عامل اخليال العجيب !‬ ‫ها هو ذا حقل صغري فى الغابة مغطى ببس��اط من‬ ‫الزهور يسـحر األلبـاب ‪ ،‬وعندما تتجول بداخـله تشـعر‬ ‫باخلف��ة ‪ ،‬وتش��عر من إنتعاش��ة الصباح ‪ ،‬وموس��يقى‬ ‫الغابة ‪ ،‬ونسيم الصيف أن لديك الرغبة فى أن تتحول‬ ‫اىل فراش��ة أو إىل حنلة تطري من زهرة إىل أخرى ‪،‬وهى‬ ‫تتألأل بقطرات الندى البيضاء الناصعة !‬ ‫وإذا توقفت للحظة وجلس��ت على العش��ب بهدوء ‪،‬‬ ‫فيمكنك أن تسمع‬ ‫حدي��ث س��اكنى‬ ‫ه��ذه الغاب��ة ‪ ،‬وه��م‬ ‫ي��روون الكث�ير من‬ ‫األش��ياء الطريف��ة‬ ‫والغري عادي��ة هلؤالء‬ ‫الذين يعتق��دون فى‬ ‫الغرائ��ب والتى أحبها‬ ‫وأتص��ادق معه��ا ومع‬


‫‪29‬‬ ‫ساكنى الغابة ‪....‬‬ ‫وذات مرة كان هناك فأر عجوز يعيش فى الغابة‬ ‫وحكى ىل قصة عجيبـة سـأرويها لكم ‪.‬‬ ‫وهاهى‪.....‬‬ ‫كانت تعيش ف��ى حقول الغابة املشمس��ة بعض‬ ‫ً‬ ‫جريانا يعيش��ون فى‬ ‫العائ�لات من الفئ��ران ‪.‬كان��وا‬ ‫صداقة ومل يتشاجروا فى يوم من األيام ‪ ،‬وكان كل‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا أن أعداء‬ ‫منهم حيذر اآلخر فى ظروف اخلطر‬ ‫الفئران كث�يرة – لكن أخطره��ا – الثعلب والبومة‬ ‫الكبرية ‪.‬‬ ‫وكان إذا م��ا وق��ع حدث س��عيد ف��ى أى عائلة من‬ ‫عائالت الفئران ‪ ،‬فإن مجيع سكان احلقل يفرحون‬ ‫معهم ‪.‬‬ ‫وحدث أنه س��وف يولد لعائلة الفأر سريوش��كني‬ ‫�اءا صغ� ً‬ ‫والف��أر بالوفك�ين أبن� ً‬ ‫�ارا ‪ .‬كان مجي��ع من‬ ‫فى احلقل املش��مس ومن فى ه��ذه البلدة الصغرية فى‬ ‫ً‬ ‫وأخريا ظهرت‬ ‫الغاب��ة فى إنتظار هذا احلادث الس��عيد ‪.‬‬


‫‪30‬‬ ‫لعائلة سريوشكني إبنة ‪ .‬هللوا فرحني ‪:‬‬ ‫ إمسعوا ‪،‬إمسعوا أيها اجلريان ‪ ،‬حنن سعداء ‪ ،‬وقد‬‫رزقنا بإبنة مجيلة ياهلا من رائعة !‬ ‫ أخ�بروا جريانن��ا م��ن عائل��ة بالوفك�ين ‪ .‬فردوا‬‫عليهم قائلني ‪:‬‬ ‫‪ -‬وحن��ن أيض� ً�ا رزقنا بإبن��ة واآلن فق��ط ‪ .‬وأطلقنا‬


‫‪31‬‬ ‫عليها إسم نيكى بالوفكني ‪.‬‬ ‫ وحن��ن نس��مى إبنتن��ا بيك��ى ‪.‬ق��ال ه��ذا األب‬‫سريوشكني بفخر ‪.‬‬ ‫ظ��ل اآلب��اء يهتم��ون بإبنتيهم��ا دون مل��ل ‪.‬‬ ‫يأخذونهما فى نزهات ف��ى الغابة ويعلمونهما أخالق‬ ‫وطبائع الفئ��ران ‪ .‬وأحب الوالدان اخل��روج معهما أثناء‬ ‫إنشغال األمهات باألعمال املنزلية ‪.‬‬ ‫ك�برت البنت��ان نيك��ى وبيك��ى بس��رعة‬ ‫ً‬ ‫بعيدا‬ ‫وأخذت��ا تتنزهان فى الغابة مبفرديهما وس��ارتا‬ ‫فى الغابة دون مالحظة الكبار ‪.‬‬ ‫ك�برت نيك��ى بنت� ً�ا لطيفة عطوف��ة ‪ ،‬حتاول‬ ‫مساعدة الوالدين وتسمع بإنتباه توجيهات وإرشادات‬ ‫الوالدين واملدرسني ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫دائما متي��ل للبكاء‬ ‫أم��ا بيكى فك�برت وهى‬ ‫ً‬ ‫وحتب أن تهندم نفس��ها وتتجمل طوي�لا أمام بركة‬ ‫َ‬ ‫وغالبا ما كانت‬ ‫املياه ‪ ,‬التى تنعكس صورتها عليها ‪.‬‬ ‫تستيقظ بعد اجلميع ‪ ،‬وعندما تستيقظ فإنها تظل‬


32


‫‪33‬‬ ‫لفرتة طويلة تصفف جلد ش��عـرها الصـوف ‪ .‬وعندما‬ ‫ال يعجبه��ا ه��ذا فتعيده مرات وم��رات ‪ .‬يقول األب وهو‬ ‫غاضب من اإلبنة ‪:‬‬ ‫ األفضل أن تذهبى وحتضرى البذور من املخزن ً‬‫بدال‬ ‫من أن حتبى نفسك هكذا‪ .‬وترد األم ‪:‬‬ ‫ ه��ذا ال يه��م ‪ .‬إنه��ا ذكية وس��تكرب وتتعلم أن‬‫تفعل كل ش��يئ ‪.‬واألفضل أن تسمع كيف تغنى‬ ‫إبنتنا ‪ ،‬وكيف هلا‬ ‫صوت مجيل ‪.‬‬ ‫ إنه��ا ال تغنى‬‫بل تصأصأ ‪.‬إستمر‬ ‫األب سريوشكني‬ ‫يهمه��م ويتذم��ر‪,‬‬ ‫ولذل��ك أطل��ق‬ ‫عليها بيكى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حقيقة ‪،‬أحبت‬ ‫بيك��ى الغن��اء ‪،‬‬ ‫لكنها مل تستمر‬


‫‪34‬‬ ‫ً‬ ‫شيئا ‪ .‬وكانت‬ ‫فيه ‪ .‬وكربت وهى وال تريد أن تتعلم‬ ‫تس��ـاعد والديهـا فى ش��ئون البيت وه��ى غري راضية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شيئا إال بالعصا»‪.‬‬ ‫فيزجمر األب «إنها ال تفعل‬ ‫وذات م��رة إق�ترب أرن��ب يدع��ى الزنبور م��ن طرف‬ ‫الغابـة البعيـد‪ .‬وأطلقوا عليـه هذا اإلس��م ألنه كان‬ ‫ً‬ ‫مرحا ً‬ ‫ً‬ ‫كثريا ويلف ويدورمثل الزنبور ‪.‬‬ ‫جدا وينط‬ ‫خب��ط األرنب بأظافر أرجله على جذع ش��جرة فى‬ ‫الغابة وصرخ ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫قريبا ‪،‬‬ ‫ هيا ‪ ،‬أس��رعوا وإس��تعدوا ‪ ،‬سيأتى الش��تاء‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقاسيا ‪ .‬وسأله أهل القرية فى احلقل ‪:‬‬ ‫باردا ‪،‬‬ ‫ من أين عرفت هذا ؟‬‫حدثتن��ى الفئران القوارض عن ه��ذا وهم عرفوا من‬ ‫الس��ناجيب النش��طاء ‪ ،‬وهم ح��ذروا الطي��ور اجلارحة ‪،‬‬ ‫والطيور تعرف كل شيئ ‪ .‬أجابهم األرنب الزنيور وهو‬ ‫يروى احلكاية و يتنطط ‪.‬‬ ‫سالت بيكى نيكى ‪:‬‬


35


‫‪36‬‬ ‫ ما هذا الشتاء ؟‬‫ردت بيكى ‪:‬‬ ‫ قال ىل أبى أن كل ش��يئ فيه يكون مكس� ً‬‫�وا‬ ‫باللون األبي��ض وتتجمد األط��راف ويصعب احلصول‬ ‫على الغذاء ويصعب اإلختفاء من األعداء ‪.‬‬ ‫ ي��ا ويلى ‪ ،‬أنا أخش��ى ال�برد ‪ ،‬وأخاف م��ن اجلوع ‪،‬‬‫وسيفقد شعر جلدى بريقه ‪.‬‬ ‫قالت نيكى لصديقتها ‪:‬‬ ‫ ال داعى للتفكري فى هذا اآلن ‪.‬‬‫تعجبت بيكى قائلة ‪:‬‬ ‫ وعن م��اذا نفكر؟ أنظرى ‪ ،‬كي��ف لألرنب فراء‬‫أبيض صوفه غزير ‪.‬‬ ‫ل��و كان ىل مثل هذا الفراء ‪ ،‬قالت هذا وهى حاملة ‪،‬‬ ‫ورفعت أعينها وحركتها اىل اسفل ‪.‬‬ ‫بع��د مس��اع ه��ذه األنب��اء الت��ى ج��اء به��ا األرنب ‪،‬‬


‫‪37‬‬ ‫حتركت الفئران بأكثر نشاط ‪ .‬وضعوا احلبوب فى‬ ‫اجلحور ‪،‬وكوموا العشب اجلاف حتى يكون الشتاء‬ ‫أكثر دفئآ بالنسبة هلم‪.‬‬ ‫أم��ا بيك��ى فأصبح��ت فج��أة تفك��ر جبدي��ة ‪.‬‬ ‫وص��ارت هى أيضآ تس��اعد الوالدين ‪ ،‬وباألخص أحبت‬ ‫أن تتواجد فى املكان الذى خيزن فيه الفئران احلبوب‬ ‫ودقيق القمح ‪ .‬قالت األم فى سعادة ‪:‬‬ ‫ أنظر ‪ ،‬ياسريوشكني ‪ ،‬إبنتنا نضجت وأصبحت‬‫ال ت��دور ح��ول بركة امل��اء لرتى ش��كلها ينعكس‬ ‫عليه��ا ‪ ،‬وال تصف��ف ش��عرها ‪ ،‬وال تل��ف اخلصلة هنا‬ ‫وهناك ‪.‬‬ ‫ذات م��رة خرجت بيك��ى من املخ��زن وعلى وجهها‬ ‫إبتسامة كبرية ‪ .‬مرت أمام والديها وهما ينظران اليها‬ ‫بنظرة مندهش��ة وخرجت من البي��ت ‪ .‬قابلتها نيكى‬ ‫وقالت هلا ‪:‬‬ ‫ ماهذا الذى حدث لك يابيكى ؟‬‫‪ -‬تعرفني ياعزيزتى نيكى أنا نثرت على جسمى‬


‫‪38‬‬ ‫دقيق القمح ‪.‬‬ ‫ ملاذا ؟‬‫ً‬ ‫متاما فراء‬ ‫ ال تتعجب��ى ‪ ،‬لق��د أصبح جلدى يش��بة‬‫األرنب – األبيض اللون ‪.‬‬


‫‪39‬‬ ‫قف��زت الف��أرة بيك��ى على جذع ش��جرة صغري‬ ‫وظلت ترقص على أحلان أغنية ‪.‬‬ ‫ يال��ك م��ن محق��اء يابيكى – تنط�ين وتنثرين‬‫الدقي��ق وأنت ترقص�ين وعندما حترك��ى زيلك هنا‬ ‫وهناك يرتفع الرتاب اكثر واكثر َ‬ ‫على ‪.‬‬ ‫ أخ من��ك ! أنت حتس��ديننى ! وعلى أية حال‪ .‬فأنا‬‫أحس��ن منك ‪ ،‬ولدى فراء صوف باه��ظ الثمن ‪ ،‬وأغنى‬ ‫أفض��ل منك ‪ .‬صرخت الف��أرة املهانة وج��رت فى الغابة‬ ‫قائلة ‪.‬‬ ‫ بيك��ى ‪ ،‬اىل أي��ن أنت ذاهبة ‪ ،‬س��رعان ما حيل‬‫الظ�لام ‪ ,‬وهناك فى داخل الغاب��ة يعيش أعداؤنا من‬ ‫ً‬ ‫طبعا أيض� ً�ا ال تعرفني كيف‬ ‫الثعال��ب والبوم ‪ ,‬وأنت‬ ‫هم يتصرفون ‪.‬‬ ‫لك��ن بيك��ى مل تس��مع نصيح��ة صديقته��ا‬ ‫نيك��ى وأخذت جت��رى أبعد وأبع��د ‪ .‬وجرت نيكى‬ ‫ورائها‪.‬‬ ‫قالت فى نفسها ‪:‬‬


‫‪40‬‬ ‫ « مل��اذا أس��أت اليه��ا » الب��د ان أحلق به��ا‪ ،‬وإال أنها‬‫ستتوغل فى الغابة وحتدث مأساه ‪.‬‬ ‫وأصب��ح الظالم يس��ود امل��كان أكث��ر وأكثر ‪.‬‬ ‫توقفت نيكى تسمع ماحوهلا ‪.‬املكان مليئ باهلدوء‬ ‫َ‬ ‫عادى ‪.....‬‬ ‫الغري‬ ‫ج��رت بيكى حت��ى وصلت اىل أح��راش الغابـة‪،‬‬ ‫والت��ى مل ت��أت اليها من قب��ل ‪ ،‬توقفت كى تس�تريح‬ ‫نظرت حوهلا وقالت وهى تشعر باحلسرة ‪:‬‬


‫‪41‬‬ ‫ ماه��ذا اجلم��ال ؟ وهمس��ت بتعج��ب وه��ى ت��رى‬‫كيف خي��رج م��ن الس��ماء ذات اللون األس��ود ‪ ،‬ضوء‬ ‫أمحر أورجوانى للشمس بعد غروبها وكأنه يالعب‬ ‫النجوم التى تظهر وختتفى هنا وهناك ‪.‬‬ ‫أحبت بيكى حلظات غروب الشمس ومل تلحظ ان‬ ‫الظ�لام قد حل فى كل م��كان ‪ .‬وممكن أن تلمح‬ ‫النج��وم من بني األغصان ‪ .‬إرتعش��ت الف��أرة بيكى ‪،‬‬ ‫عندما رأت فجأة ش� ً‬ ‫�يئا م��ا له أعني ناري��ة اللون يربق‬ ‫ويقرتب دون إحداث أى ص��وت ودون ضوضاء ‪ .‬وقعت‬ ‫بيكى على العشب قائلة ‪:‬‬ ‫ ويل��ى ‪ ،‬ماهذا ؟ ووضعت يديها على أعينها وهى‬‫تتعجب – ياله من شيئ فظيع وخميف !‬ ‫هنا ش��عرت بيكى بش��يئ م��ا يلمس��ها ‪.‬صاحت‬ ‫–ي��اى –ياى –ياى وأرادت أن جترى ‪ ،‬لكنها مسعت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مألوفا لديها ‪ ،‬إنها نيكى وقالت هلا – ال ختافى‪.‬‬ ‫صوتا‬ ‫هي��ا نبحث لنا عن حفرة خنتبئ فيه��ا ً‬ ‫خوفا من البومة‬ ‫أال تأكلنا ‪:‬‬ ‫‪ -‬أتلك هى البومة ؟‬


‫‪42‬‬

‫ نع��م هى ‪ ,‬أال تتذك��رى صورتها التى أراك إياها‬‫والدك ؟‬ ‫ ال ‪ ،‬ردت نيكى عليها ‪:‬‬‫ إنها من أخطر اجلوارح !‬‫ مازلن��ا نقف نتكل��م ‪ ،‬هلم��ى ‪ ،‬جنرى خنتبئ‬‫حتت جذع الشجرة ‪.‬‬ ‫أخذت بيكى تبكى بصوت متقطع وهى تلحق‬ ‫بنيكى – أنا خائفة ‪.‬أريد أن أذهب اىل البيت ‪.‬‬


‫‪43‬‬ ‫ يال��ك من ضعيف��ة ‪ ،‬ال تبكى ‪ ،‬هيا س��وف جند‬‫طريق العودة ‪.‬‬ ‫أخ��ذت البوم��ة تل��ف وحتوم ح��ول الش��جرة ‪ ،‬التى‬ ‫ختتب��ئ حتتها غنيمتها ‪ ،‬والواضح أنها قررت أال تضيع‬ ‫ً‬ ‫�دوء تاركة‬ ‫وقته��ا ف��ى البح��ث ‪ ،‬فطارت بعي��دا ‪ ،‬وبه� ٍ‬ ‫خلفها ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفزعا ‪.‬‬ ‫رماديا‬ ‫ظال‬ ‫تأكدت الفأرتان وهما خمتبئتان أس��فل الشجرة‬ ‫أنه ال ش��يئ س��وف خييفهم��ا بعد ذل��ك ‪ ،‬وتوجهتا فى‬ ‫الطري��ق اىل البيت ‪ .‬ش��عرتا بالربد عندما بدأ يس��قط‬ ‫املطر ‪.‬أخذت بيكى تبكى قائلة ‪:‬‬ ‫ أش��عر بال�برد إبت��ل جس��مى بأكمل��ه ‪ .‬قال��ت‬‫نيكى‪:‬‬ ‫ تعاىل ننتظر فى مكان ما حتى يتوقف املطر ‪ ,‬ثم‬‫نسري فى الطريق ‪ .‬آباؤنا منزعجون علينا ويعتقدون‬ ‫أننا فقدنا ‪ ,‬باقى لنا القليل حتى الوصول اىل البيت ‪.‬‬ ‫قالت بيكى ‪:‬‬ ‫‪ -‬س��وف أص��اب بال�برد ‪ ،‬وأم��رض وأم��وت ‪ ،‬واآلن‬


‫‪44‬‬ ‫الأس��تطيع أن أمش��ى خط��وة بع��د ذل��ك ‪ .‬وتوقف��ت ‪.‬‬ ‫إستسلمت نيكى قائلة ‪:‬‬ ‫ حس��ن ‪ ،‬تعاىل خنتب��ئ حتت جذع هذه الش��جرة‬‫العتيقة ‪ ،‬وتكومتا وإستسلمتا للنوم العميق وهما‬ ‫فى حالة من التعب الشديد ‪.‬‬

‫‪-----------------------‬‬‫‪ ........‬وف��ى البي��ت ظ��ل الوال��دان بالوفك�ين‬ ‫وسريوش��كني مل يهدأ هلم��ا ً‬ ‫باال ‪.‬وقال��ت األمهات فى‬ ‫صوت فيه حزن ورثاء ‪:‬‬


‫‪45‬‬ ‫ أين إختفت البنات ؟‬‫ ه��ل أكلتهم البوم��ة أو الثعلب وس��وف حنرم من‬‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫األبناء ؟ همهم األب سريوشكني فى حزن‬ ‫ أنا شاهدت إبنتنا بيكى وهى ختـرج من املخـزن‪،‬‬‫وجس��مها مغطى كل��ه بالدقيق ثم إختف��ت ‪ .‬وجرت‬ ‫ورائه��ا نيكى ‪ .‬وال أعرف م��اذا يدورفى عقل إبنتنا ‪.‬‬ ‫قالت األم الفأرة بقلق وأزعاج ‪:‬‬ ‫ ماعلي��ك إال أن تزجمر وتزجم��ر ‪ ،‬األفضل أن تأخذ‬‫بالوفك�ين ‪ ،‬ومعكم��ا الفن��ارة الفط��ر وتبحثا عن‬ ‫إبنتينا ‪ .‬وهذا ما فعله اآلباء ‪........‬‬ ‫‪-----------------------‬‬‫ف��ى ه��ذا الوق��ت مل ين��م الثعل��ب وأراد أن يأكل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لذيذا ولذلك مل يتحمل البقاء فى البيت ‪.‬خرج‬ ‫شيئا ما‬ ‫احلي��وان املفرتس من مكمنه ومتطأ ثم توجه للس�ير‬ ‫فى الغابة فى املس��اء‪ .‬فكر الثعلب املكار فى نفسه‬ ‫قائآل ‪:‬‬ ‫‪« -‬ليتن��ى أتلذذ بطعم الفئ��ران» ‪ ،‬أصبح اجلو بعد‬


‫‪46‬‬

‫املط��ر ً‬ ‫نقيا وأكثر إنعاش� ً�ا‪ .‬وأصبح من الس��هل عليه‬ ‫التعرف على الروائح ‪ .‬وفجأة تشمم رائحة فأر ‪ .‬كانت‬ ‫بعي��دة ضعيفة ث��م إزدادت أقوى وأق��وى‪ .‬وفى النهاية‬ ‫إقرتب الثعلب من الشجرة التى ينام حتتها صديقتينا‬ ‫بيكى ونيكى فى س��بات عميق‪ .‬كانتا متعبتان‬ ‫لدرجة أنهما نس��يتا اخلطر الذى يالحقهما‪ .‬وحلس��ن‬ ‫احلظ مل يستطع الثعلب أن يعثر عليهما وهما داخل‬ ‫اجلح��ر ‪ .‬ظ��ل يق�ترب وحي��اول أن يتش��مم ‪ .‬وأرادت‬ ‫ً‬ ‫الشقراءأيضا أن تأكلهما فأخذت حتفر األرض‬ ‫البومة‬ ‫مبنقارها كى حتصل على وجبة شهية من الفئران ‪.‬‬


‫‪47‬‬ ‫هنا إستيقظت نيكى ومسعت ما حيدث حوهلما‪.‬‬ ‫وب��دا هل��ا أن��ه اليوجد ش��يئ قري��ب منهم��ا ‪ .‬فأيقظت‬ ‫بيكى وأشارت هلا عن خمرج من خمبأهما ‪.‬‬ ‫ ماهذا يا بيكى ؟‬‫ الأع��رف ‪ ،‬م��ن املمك��ن أن تك��ون البوم��ة م��ن‬‫جديد؟‬ ‫ ال ‪ ،‬أظن غري ذلك ‪ ،‬الش��به خمتلف ‪ ،‬هذا الش��يئ‬‫ً‬ ‫حجما وله وبر ‪.‬‬ ‫أكرب‬ ‫ق��ررت الفأرت��ان بيك��ى ونيكى ع��دم اخلروج‬ ‫من اجلحر ‪ .‬وفجأة وبينما تنصت نيكى ‪ ،‬ش��عرت أن‬ ‫ش��يئ ما ينهار ‪ ،‬إقرتب��ت ‪ ،‬ورأت هوة كبرية فى نفس‬ ‫املكان الذى جتل��س عليه بيكى ‪ .‬صرخت نيكى‬ ‫وهى تنادى بيكى ‪ - ،‬أين أنت ؟‬ ‫لكن ال يرد عليها أحد ‪.‬‬ ‫ ما العمل ؟‬‫‪ -‬أخ��ذت نيك��ى جترى هنا وهن��اك ‪ ،‬وكادت أن‬


‫‪48‬‬

‫خت��رج من خمبأها ‪ ،‬ونس��يت اهل��وة ‪ .‬وفجأة مسعت من‬ ‫ً‬ ‫أصواتا غريبة ‪ .‬إقرتبت الفأرة بالقرب ونطت‬ ‫عمق اهلوة‬ ‫من هذا املكان ‪ .‬إقرتب منها ش��يئ ما غري معروف ذى‬ ‫وب��ر ‪ .‬من الف��زع تراجعت وإلتصقت بالش��جرة ‪ .‬وفجأة‬


‫‪49‬‬ ‫ٍأغم��ى عينيي نيك��ى ضوء ش��ديد ‪ ،‬وظهر خملوق‬ ‫عجي��ب ‪ ،‬فظيع فى منظره تش��ع م��ن عينيه الضخمة‬ ‫املخيف��ة ضوء ش��ديد ‪ ،‬وعندم��ا أغمض ه��ذا املخلوق‬ ‫عيني��ه حل الظالم س� ً‬ ‫�ريعا ‪ .‬وظهر ل��ه نابان ضخمان‬ ‫ذوى لون أبيض ‪ ،‬ويربزان للخارج ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫دائما ما حيرك أنيابه‬ ‫كان هذا املخلوق ذى الوبر‬ ‫وخيب��ط األرض دون توقف‪ .‬وبهدوء إق�ترب من الفأرة‬ ‫‪ ،‬الت��ى ترتعد من اخلوف وأمس��ك بها مبخاله وس��حبها‬ ‫خلف��ه ‪ .‬مل تلح��ق نيكى أن تفيق م��ن كيف وقعت‬


‫‪50‬‬ ‫فى ق��اع اهلاوية ‪ ،‬حي��ث الظالم أكثر ‪ .‬وق��اد املخلوق‬ ‫الفظيع الفأرة اخلائف��ة دون كالم اىل جتويف حتت‬ ‫األرض ‪ ،‬وهو يضيئ الطريق بأعينه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طويال ‪ .‬وفى النهاية توقف املخلوق وفتح ً‬ ‫بابا‬ ‫سارا‬ ‫ال‘ي��رى ‪ ،‬ودف��ع نيكى املرتعدة من اخل��وف فى حفرة‬ ‫ُ‬ ‫ضيقـ��ة ‪ .‬وأقف��ل الباب خلف��ه دون إحـ��داث صـوت ‪،‬‬ ‫وأصبح��ت الف��أرة مبفرده��ا‪ .‬كانت احلف��رة مظلمة‬ ‫وأصبح��ت ال ت��رى ش� ً‬ ‫�يئا‪ .‬صم��ت رهيب ورع��ب وهى‬ ‫جائعة وتريد أن تأكل ‪.....‬‬ ‫‪-----------------------‬‬‫‪ .....‬أم��ا الوالدان فإس��تمرا ف��ى البحث عن بيكى‬ ‫ونيكى ‪ .‬وها هما يس��معان ضوضا ّء فإقرتبا من ذات‬ ‫الشجرة التى كانت ختتبئ حتتها بنتيهما ‪.‬‬ ‫ش��اهد الوال��دان بالوفك�ين وسريوش��كني ‪،‬‬ ‫كي��ف يرتاج��ع الثعل��ب بف��زع ‪ ،‬ويلتص��ق باألرض‬ ‫مرتع� ً‬ ‫�دا ‪ .‬إقرتبا منه أكثر ‪ .‬قفز الثعلب قفزة وتلفف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هاربا‪،‬‬ ‫ثم رأى الفأرين العجوزين ‪ ،‬ش��د على أذنيه وفر‬ ‫كاألرنب ‪.‬‬


‫‪51‬‬

‫ً‬ ‫شيئا – أى‬ ‫همس بالوفكني فى تعجب – ال أفهم‬ ‫زم� ٌ‬ ‫�ان هذا الذى يفكر فيه الثعلب أن يهرب من الفأر ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شيئا ‪.‬‬ ‫ال أفهم‬ ‫ً‬ ‫قائ�لا لبالوفكني ‪ -‬أنظر ‪-‬‬ ‫صرخ سريوش��كني‬ ‫هل هذا أثر أرجل إبنتى ! ؟‬


‫‪52‬‬

‫عندما سقط املطر ‪ ،‬إغتسل الدقيق الذى دهنت به‬ ‫بيكى جسمها ‪ .‬سار الوالدان يتتبعان الدقيق املنثور‬ ‫عل��ى األرض حت��ى وصال اىل الش��جرة الت��ى كانت‬ ‫ختتب��ئ حتتها البنت��ان ‪ .‬ومل جي��دا ً‬ ‫أحدا أخ��ذ الوالدان‬ ‫يبحث��ان ع��ن بنتيهما حتت الش��جرة وحوهل��ا وصرخا‬ ‫يناديانهما وال أحد يس��تجيب ‪ .‬تأسف سريوشكني‬


‫‪53‬‬ ‫وحتس��ر ‪ -‬مس��اكني بيك��ى ونيك��ى ‪ ،‬أكلهما‬ ‫الثعلب ‪ .‬ظل بالوفكني يهدأ من جاره ويقول له ‪:‬‬ ‫ ك��ف ع��ن الب��كاء ‪ -‬أال تلح��ظ كي��ف كان‬‫ً‬ ‫خائفا‪.‬‬ ‫الثعلب نفسه‬ ‫إس��تمر سريوش��كني فى البكاء بص��وت عال –‬ ‫أو تك��ون البوم��ة إنقض��ت عليهم��ا وأكلتهما ‪.‬رد‬ ‫بالوفكني وهو يتنفس بصعوبة ‪:‬‬ ‫ ممكن ‪ ،‬ممكن ‪.‬‬‫وحت��رك الوالدان الل��ذان كادا ميوتان من احلزن‬ ‫اىل البي��ت ‪ ،‬كى حيدثا الزوجتان ع��ن فقدان البنات‬ ‫األليم ‪.‬‬ ‫‪-----------------------‬‬‫‪ ...‬مل تعرف نيكى كم مضى من الوقت ‪ ،‬حاولت‬ ‫أن ت��رى فى الظالم ‪ ،‬لكن مل تس��تطع أن ترى ش��يئآ‪.‬‬ ‫وفجأة إنفتح الباب ‪ ،‬أغمضت الفأرة عينيها من ش��دة‬ ‫الض��وء املنبعث ‪ .‬إقرتب بالقرب منها حيوان وحش��ى مل‬ ‫تر مثله من قبل ‪ ،‬وحتى مل تر له صور‪.‬كان أقصر ً‬ ‫طوال‬


‫‪54‬‬ ‫م��ن املخلوق الس��ابق‪ ,‬الذى خطفها‪ ،‬ول��ه نفس األعني‬ ‫الرباقة ويتحرك دون توقف وخيبط األرض برجليه ‪.‬‬ ‫أم��ر هذا الوح��ش الفأرة نيك��ى أن تتبع��ه ‪ .‬ومرة‬ ‫أخرى سارت الفأرة فى ممر مظلم ثم الح من بعيد ضوء‬ ‫إىل فناء كبري‪,‬حي��ث قادوها إليه ‪,‬رأت نيكى نفس‬ ‫املخلوق الغريب ‪,‬الذى خطفها وهو يدبدب فى مكانه‬ ‫وحي��رك أنياب��ه ‪ .‬وظلت الف��أرة تنظر إلي��ه بتعجب ‪,‬‬ ‫وباألخص عندما إكتشفت مايوجد فى الفناء وعلى‬ ‫اجلدران ‪ ,‬التى ينمو عليها وتتش��ابك جذور ش��جريات‬ ‫وهى تتحرك بصفة مستمرة ومتد سنونها حنو الفأرة‬ ‫ً‬ ‫حتما من الرعب ‪،‬‬ ‫األس�يرة املس��كينة التى س��تموت‬ ‫ً‬ ‫هنا صأصأ هذا احليوان الغريب حبدة قائال ‪:‬‬ ‫ أنا أعرف أن إمسك نيكى وتعيشني فى احلقل‬‫املش��مس وأنت ذكية وحمبة للعمل وأنا حمتاج ملثل‬ ‫ه��ؤالء العمال ‪ .‬س��وف تقومني على خدمتى ‪ .‬فس��ألت‬ ‫نيكى وهى ترتعش من اخلوف ‪:‬‬ ‫ ومن أنت ؟‬‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫‪ -‬رد هذا املخلوق بفخر‬


‫‪55‬‬ ‫ أن��ا املل��ك ‪ ،‬مل��ك أك�بر مملك��ة موج��ودة فى‬‫أعماق األعماق ‪.‬فاسور وهى مملكة معتمة بشدة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مجاال ‪.‬وأنا إمسى فاسورى !‬ ‫ولكنها أكثر‬ ‫ أن��ا مل أمس��ع عن ه��ذه اململكة ف��ى أى وقت من‬‫األوقات ‪.‬‬ ‫ ال أحد يعرف مملكتنا ‪ ,‬والجيب أن يعرف أحد‪،‬‬‫هذا سر خاص بنا ‪ .‬وأنت سوف تظلني هنا إىل األبد ‪ ,‬وال‬ ‫خترجني منها ً‬ ‫أبدا ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ووالدى ؟‬ ‫‬‫ إنسيهما ! –‬‫هن��ا إنفط��رت نيكى فى بكاء ش��ديد ‪ .‬بكت‬ ‫بش��دة ‪,‬لدرجة أن دموعه��ا كونت بركة صغرية من‬ ‫املاء إنسابت على امللك فاسورى ‪.‬‬ ‫صاح بصوت فيه صأصأه ‪:‬‬ ‫ كفى اآلن عن هذا ‪ ،‬وإال ستغرقى مملكتى !‬‫وأطل��ق صف��ارة إىل اخل��ادم ال��ذى كان يق��ود‬


56


57


‫‪58‬‬ ‫نيكى‪ .‬وأخذ يردم أرض احلفرة املليئة بالدموع ‪.‬‬ ‫وم��ن العج��ب أن توقف��ت نيك��ى عن الب��كاء ‪،‬‬ ‫وميضى الوقت وهى ترتعد ً‬ ‫رعبا ‪ ،‬ثم تشجعت قائلة‪:‬‬ ‫ أين صديقتى بيكى ؟‬‫ ملاذا تتذكرينها ‪ ،‬إنها ليست هنا ‪.‬‬‫ وأين هى ؟‬‫ قادوه��ا اىل مملك��ة أخ��رى ‪ .‬ردت نيك��ى‬‫بتعجب‪:‬‬ ‫ فى مملكة أخرى ؟‬‫ نع��م ‪ ،‬ف��ى مملك��ة إي��روس ‪ .‬وه��ى مملك��ة‬‫ضخمة مثل هذه ‪.‬‬ ‫إبتسم امللك قائآل وهو يتململ ‪:‬‬‫ إنها كانت بإس��تمرار حتل��م باجلمال ‪ .‬وهى اآلن‬‫سعيدة ‪ ,‬ألنها أصبحت أمجل اجلميالت فى اململكة‪,‬‬ ‫ً‬ ‫قليال – مثلى أنا !‬ ‫أضاف وهو يفكر‬


‫‪59‬‬ ‫ هل علمت هذا منها ‪ ،‬وعن إمسى ‪ ,‬وأين نعيش؟‬‫ رمبا ‪ ،‬ممكن ‪ .‬ضحك امللك قائآل‪:‬‬‫ أن��ا مل أس��تعلم عنه��ا ‪ ،‬بل هى الت��ى حدثتنى عن‬‫كل ش��يئ بنفس��ـها ‪ .‬وه��ى تعمـ��ل ف��ى مملكـة‬ ‫أخـرى ‪ ،‬ومع ملك آخر ‪.‬‬ ‫تعجبت نيكى قائلة ‪:‬‬ ‫ هل لديكم مملكتني ؟ تظاهر فاسورى كأنه‬‫مل يسمع سؤاهلا ‪ ,‬وإس��تمر فى الكالم – وأنت سوف‬ ‫تعملني عندى وسوف ختدميننى ‪.‬‬ ‫صرخت نيكى ‪:‬‬ ‫ ال ‪ ،‬ال ب��د أن خترجن��ا م��ن هن��ا ‪ ،‬أتس��مع ‪ .‬رد امللك‬‫آمـرآ ‪:‬‬ ‫ كفاك��ى ‪ ،‬لقد تعب��ت ‪ ،‬وستش��اهدينها فيما‬‫بعد ‪.‬‬ ‫أع��ادوا نيكى اىل جحرها املعتم ‪.‬ش��عرت باحلزن‬ ‫وهى وحيدة ‪ ،‬فكرت فى نفس��ها «كم أحن اآلن اىل‬


‫‪60‬‬ ‫البي��ت ‪ .‬طبعآ ماما خبزت فطائر م��ن القمح ‪ .‬آه ‪ ،‬كم‬ ‫أرغ��ب أن آكل ‪«.‬وم��رة أخ��رى إنفط��رت ف��ى بكاء‬ ‫شديد» ‪.‬‬ ‫ظل��ت تبكى وتبكى ‪ .‬تتعج��ب ‪ ,‬كيف خترج‬ ‫كل هذه الدموع من تلك الفأرة الصغرية ‪.‬‬ ‫وفجأة فت��ح الباب ودخل احلارس ‪ .‬مل يلحظ اهلوة‬ ‫التى تكونت من دموعها ‪ ،‬وداس عليها ‪ .‬وهنا توقفت‬ ‫نيكى عن الب��كاء ‪ :‬مل يعد احلارس حيرك أنيابه ‪،‬‬ ‫–‬ ‫تسمر فى املكان ‪ .‬ثم بعد‬ ‫وال خيبط األرض برجليه ‪.‬‬ ‫ذلك بدأ ينخفض الضوء من عينيه ‪ ،‬وس��اد الظالم من‬ ‫أثر ذلك وكأنه حتجر فى مكانه ‪.‬‬ ‫قالت نيكى فى نفسها وهى ختمن ‪:‬‬ ‫ ألذل��ك أمر امللك فاس��ورى بردم اهل��وة التى كانت‬‫ق��د إمتألت من دموعى ‪ ،‬فهو خياف م��ن املاء ! أرادت أن‬ ‫خت��رج وجت��رى من هذه احلف��رة ‪ ،‬لك��ن كان خلفها‬ ‫ظالم ورعب ‪ ،‬لذلك مل تعرف الفأرة نيكى أين تذهب‪.‬‬ ‫ش��عرت أس�يرتنا خبيبة األم��ل وظلت مكانه��ا وجاء‬ ‫ص��وت صأصأة م��ن احلفرة التى جتل��س فيها نيكى‬


‫‪61‬‬ ‫فيه رجاء وطلب ‪:‬‬ ‫ نيكى ‪ ،‬ساعدينى ‪ ،‬سأموت ‪.‬‬‫تعجبت ‪:‬‬ ‫ من هذا ؟‬‫أجاب ‪:‬‬ ‫ ه��ذا أن��ا‪ ،‬احل��ارس ‪ .‬ضم��دى عينى !حت��ى يأتى‬‫الضوء وأنا س��وف أجففها بصوف يدى وأس��تطيع بعد‬ ‫ذلك احلركة ‪.‬‬ ‫ردت عليه نيكى ‪:‬‬ ‫ وتدفعنى من جديد فى هذا الظالم املخيف ‪.‬‬‫ ال ‪ ،‬لن أفعل ‪ ،‬سوف أساعدك‪.‬‬‫ش��عرت نيك��ى بالعط��ف على احل��ارس ‪ ،‬واألهم‬ ‫م��ن هذا ‪ ،‬أنه��ا طيبة وال تري��د اهلالك ألحد ‪ ،‬فش��دت‬ ‫نيكى قطعة من ذيلها ‪ ،‬وأخذت تنظف أعني احلارس‬ ‫الوحشى التى أش��عت بالضوء ‪ .‬ظل حيول أنيابه حتى‬


‫‪62‬‬ ‫جف جس��مه ووبر ‪ .‬وبالتدريج أصبح يتحرك وخيبط‬ ‫األرض ف��ى املكان ‪ .‬ثم بعد ذل��ك خرج من اجلحر دون‬ ‫النطق بأى كلمة وأقفل الباب ‪.‬‬ ‫ك��م إنهارت الفأرة املس��كينة من هذه اخليانة ‪.‬‬ ‫واألن ال خ�لاص م��ن هذا املكان املف��زع ‪ .‬وأثناء آالمها‬ ‫ش��عرت بأن الباب ‘يفتح من جديد ‪.‬ورجع احلارس وهو‬ ‫حمتفظ بشكله كحارس ذى الوبر ‪.‬‬ ‫قال هلا ‪:‬‬ ‫ هي��ا إرتدى مالبس��ك ‪ ،‬وبس��رعة ‪ ،‬س��أخرجك من‬‫اململكة ‪.‬‬ ‫أخ��ذت نيكى تض��ع املالب��س على جس��مها فى‬ ‫عجل ‪ .‬وعندما إس��تعدت للهرب ‪ ،‬توقفت وتوجهت إىل‬ ‫احلارس قائلة ‪:‬‬ ‫ وأين بيكى ؟‬‫ بيك��ى تعيش ف��ى مملك��ة أخرى ‪.‬عن��د األخ‬‫فوسورى ‪ .‬وال أستطيع أن أنقذها ‪.‬أنقذى نفسك أنت ‪.‬‬


‫‪63‬‬ ‫والدى‬ ‫ ال ! سوف ال أخرج وحدى من هنا ‪ .‬وماذا يقول‬‫ٍ‬ ‫بيكى ؟‬ ‫ لكن ‪ ،‬كما تعرفني ‪ ،‬ال أس��تطيع أن أس��اعدك‬‫بأى شيئ أكثر من ذلك ‪ .‬هذا خطر ً‬ ‫جدا بالنسة ىل ‪.‬‬ ‫ حدثنى ‪ ،‬كيف أصل اىل مملكة إيروس ؟‬‫ ال أحد يعرف ذلك إال امللك فاسورى ‪.‬‬‫ وماذا أفعل ؟‬‫ املخرج الوحيد هو املوافقة على العمل عند امللك‪.‬‬‫ وملاذا !‬‫قالت هذا نيكى وهى فى حالة من الضيق ‪.‬‬ ‫إنك بالعمل عنده س��وف تعرفني كافة األس��رار‬ ‫ ِ‬‫عنه ‪....‬‬ ‫ومل يس��تكمل احلارس كالمه إىل نيكى ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أصواتا لثالثة نداءات قريبة من الصأصأه ‪،‬‬ ‫حتى مسع‬ ‫ً‬ ‫فأسرع اىل هناك قائال ‪:‬‬


‫‪64‬‬ ‫ً‬ ‫وأنت ق��ررى ‪ ...‬قد تأخرت‬ ‫ عل��ي أن أرحل س��ريعا ‪ِ ،‬‬‫وسيأتون إىل هنا ‪.‬فسألته نيكى‪:‬‬ ‫ وماإمسك ؟ ‪ -‬إمسى فو ‪ .‬أنت أنقذتى حياتى ‪ ,‬وأنا‬‫سوف أساعدك بكل ما أستطيع وبرضاء‪.‬‬ ‫ أشكرك يا فو ‪.‬‬‫ً‬ ‫ َ‬‫سريعا ‪.‬‬ ‫على أن أرحل‬ ‫وجرى فو ‪ ،‬وإبتعد ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫وبعد فرتة جاء امللك فاسورى إىل نيكى‬ ‫ ّ‬‫هي��ا ‪ ،‬إذن ‪ ،‬ي��ا نيك��ى ‪ ،‬وافقت عل��ى خدمتى ؟‬ ‫صمتت نيكى دون الرد ‪.‬‬ ‫لك خمرج إال‬ ‫ إفهم��ى ‪ ،‬أيها الف��أرة احلمقاء ‪ ،‬ليس ِ‬‫هذا ‪ ،‬وملاذا العناد ؟‬ ‫قالت الفأرة‪:‬‬ ‫ حس� ً‬‫�ن ‪ ،‬فاس��ورى ‪ ،‬موافقه على العمل عندك ‪،‬‬ ‫لكن بشرط واحد فقط ‪.‬‬


‫‪65‬‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫تعجب امللك وهو ينصب أذنيه‬ ‫ أى شرط هذا ؟‬‫ ً‬‫أوال ‪ ,‬البد أن تطعمنى ‪.‬‬ ‫ أوه ! دون شك ‪.‬‬‫ صاح امللك بسعادة ‪.‬‬‫إليك هنا أحسن األطعمة امللكية !‬ ‫ سيقدمون ِ‬‫أحضر ح��ارس املل��ك فاس��ورى إىل نيك��ى جذوع‬ ‫أعشاب متشابكة وملتوية ‪ ،‬وقدمها فى وعاء إليها‪.‬‬ ‫ أهذا ‪ ...‬طعام ؟ كادت الفأرة األسرية نيكى أن‬‫يغمى عليها من التعجب ‪.‬‬ ‫ بالطبع ‪.‬‬‫ لكن��ى ال آأكل إال حب��وب الش��وفان والقمح أو‬‫الشعري فقط ‪.‬‬ ‫ أنت مازلت عنيدة ً‬‫جدا ‪ ,‬مثل صديقتك بيكى‪.‬‬


‫‪66‬‬

‫ بيكى ؟ أن��ت تقول بيكى ؟ أين هى ؟ قاطعها‬‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫فاسورى‬ ‫لك من قبل ‪ ،‬أين هى ‪َ .‬وكفى عن األسئلة‬ ‫ أمل أقل ِ‬‫‪ ،‬أنا ال أحب هذا ! وأضاف ‪:‬‬ ‫�ن ‪ ،‬حس� ً‬ ‫ حس� ً‬‫�ك احلب��وب الت��ى‬ ‫�ن ‪ ,‬س��يحضرون ل� ِ‬


‫‪67‬‬

‫حتبينها ‪ ،‬لكن بشـرط واحد ‪ ،‬أن تنسـى صديقتـك‪،‬‬ ‫وال تذكـرى إمسـها ‪ .‬ومن وقت آلخر س��وف أعلمك أن‬ ‫تأكلى اجلذور الش��هية لدينا ‪ .‬وه��ى الغذاء امللكى‬ ‫الشهيئ احلقيقى هنا أيتها احلمقاء ‪.‬‬ ‫أعطى امللك فاس��ورى إش��ارة إىل أحد حراسه ‪ .‬وهذا‬


‫‪68‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعضا من‬ ‫حام�لا لنيكى‬ ‫خ��رج لفرتة ‪ ،‬وبعدها رجع‬ ‫حبوب القمح ‪.‬‬ ‫إليك ‪.‬‬ ‫ تن��اوىل طعام��ك ‪ ،‬ثم إس��تعدى ‪ ،‬س��يأتون ِ‬‫وستخرجني للعمل ‪ .‬فى البداية سوف متسحى أعينى‬ ‫بطرف ذيلك وباألخص عندما أصحو من النوم ‪ .‬ثم بعد‬ ‫ذلك تقومني على خدمتى وأنا أتناول غذائى ‪ .‬وإبتعد‬ ‫فاسورى عن املكان فى صحبة احلراس ‪.‬‬ ‫قال��ت نيك��ى للمل��ك بصـ��وت فيـ��ه صـأص��أه‬ ‫وتهكم ‪ ،‬وهى حتملق فى بطنها وحترك أظافرها ‪:‬‬ ‫« فى البداية سوف متسحى أعينى الفظيعة بطرف‬ ‫فراء ذيلك » ‪.‬‬ ‫أخذت الفأرة نيكى تأكل حبوب القمح بكل‬ ‫ش��راهه ألنها كانت جائعة للغاية ثم غس��لت وجهها‬ ‫ونظفت وبر جس��مها‪ ،‬وش��واربها ‪ ،‬وأعينه��ا ‪ ،‬وجففت‬ ‫أظافرها ‪ .‬ومل تنتهى بعد إذ حضر حارس امللك وأوصلها‬ ‫إىل الفناء الذى رأت فيه فاس��ورى ألول مرة ‪ .‬وهناك بدأ‬ ‫عمل الفأرة‪ .‬مسحت أعني هذا املخلوق العجيب القبيح‬ ‫بطرف ذيلها ‪.‬‬


69


‫‪70‬‬ ‫عندم��ا إنته��ت نيكى ‪ .‬أخ��ذ الضوء ف��ى الفناء‬ ‫يزداد من تأثري أعني امللك ‪ .‬ومبجرد أن قدمت له غذائه‬ ‫احملبوب –وهو جذور النباتات امللتوية املتحركة ‪.‬‬ ‫ بدأ فاس��ورى حيرك أنيابه بشكل أسرع ‪ .‬همس‬‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫امللك بصوته الفظيع‬ ‫ً‬ ‫جيدا‪.‬‬ ‫بدأت العمل‬ ‫وأنت ‪ ،‬يانيكى ‪ ،‬فقد ِ‬ ‫ ِ‬‫�ك أن تنام��ي اآلن ‪ ،‬حت��ى ال تفك��رى ف��ى‬ ‫ وعلي� ِ‬‫صديقتك ‪.‬‬ ‫ ثم نثر فاس��ورى مس��حوق بودرة على أعني الفأرة‬‫نيكى ‪ ،‬ومنه نامت فى احلال ‪.‬‬ ‫‪............................................................‬‬ ‫‪ ...‬م��رت حي��اة نيكى فى مملك��ة حتت األرض‬ ‫بغراب��ة ش��ديدة ‪ .‬فكان��ت تس��تيقظ ‪ ،‬وت��أكل ‪،‬‬ ‫ث��م يقودونه��ا اىل املل��ك ألج��ل أن متس��ح ل��ه عينيه‬ ‫بط��رف ذيلها ذى الوبر ‪ .‬وتطعم��ه باجلذور الكـريهه‬ ‫املتحرك��ة ‪ ،‬وفاس��ورى الب��د أن ينث��ر عل��ى عينيه��ا‬ ‫املس��حوق املن��وم حتى تن��ام ‪ .‬واملس��كينة نيكى مل‬


‫‪71‬‬ ‫ً‬ ‫شيئا عن صديقتها بيكى ‪.‬‬ ‫تستطع أن تعرف‬ ‫وم��ع الوق��ت تعلمت الفأرة نيك��ى أن تفرق بني‬ ‫احلراس الذين يتش��ابهون مجيعهم م��ع بعض ‪ .‬فعلى‬ ‫س��بيل املثال كان ل��دى واحد منهم أعني تش��ع ضو ًء‬ ‫أكثر من غريه ‪ ،‬وذات لون أخضر –وهذا كان أصغر‬ ‫ً‬ ‫احل��راس س� ً‬ ‫قلي�لا ‪ .‬وثال��ث لديه أعني‬ ‫�نا‪ .‬وآخ��ر أعرج‬ ‫حزينة كذلك فو ‪ .‬وعددهم سبعة حراس‪.‬‬ ‫وعلم��ت نيكى من فو ‪ ،‬أن امللك ينثر املس��حوق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫أيضا احلراس‬ ‫املنوم ليس فقط عليها ‪ ،‬بل ينثره‬ ‫ً‬ ‫ألن��ه خياف واليثق فى أحد ‪ .‬وطبع��ا‪ ،‬البد أن يكون‬ ‫هناك س��ر خمي��ف ‪ ،‬ومن أجل معرفت��ه والتخمني عنه‬ ‫فعل��ى الف��أرة أال تن��ام بأي��ة طريق��ة ‪ ،‬لكن كيف‬ ‫تفعل هذا ؟ البد أن تفكر فى شيئ ما‪.‬‬ ‫وف��ى املرة التالية عندما ألقى فاس��ورى املس��حوق‬ ‫على أعني الفأرة نيكى ‪ ،‬أس��قطت الكأس املوجود‬ ‫في��ه اجل��ذور و إحننت حتته بش��دة ث��م أقفل��ت أنفها‬ ‫بأظافرها ‪ .‬إغتاظ امللك وأخذ بس��رعة يبحث عن بقايا‬ ‫من املسحوق ‪ ،‬لكن وجد نيكى نائمة ‪ ،‬فهدأ ‪ .‬وألقى‬


‫‪72‬‬ ‫باقى املس��حوق على أعني احلراس الذين ناموا فى ذات‬ ‫اللحظة ‪.‬‬ ‫لك��ن فى الواقع فقد جنح��ت نيكى فى خداع‬ ‫فاس��ورى عندما رقدت عل��ى األرض وتظاهرت بالنوم‪.‬‬ ‫وفج��أة ش��عرت أن ش� ً‬ ‫�يئا ما يتح��رك ‪ ،‬ففتح��ت إحدى‬ ‫عينيها ثم األخرى ‪ ،‬وما شاهدته كان بالفعل أعجوبة!‬ ‫ب��دأت ج��ذور النبات��ات تئز بأص��وات عالي��ة وتتحرك‬ ‫بش��دة فى الفن��اء ‪ .‬وبعد ذلك أخ��ذت تزحف فى جهات‬ ‫خمتلفة ‪ ،‬مثل خي��وط العنكبوت احلية ‪ .‬مل تتحمل‬ ‫نيكى هذا املنظ��ر ‪ .‬أرادت أن تهرب ‪ ،‬لكن فى نفس‬ ‫الوقت حاولت جاهدة أن تظل بال حركة وهى تتظاهر‬ ‫أنها نائمة ‪ .‬شقت اجلذور احلائط األرضى ‪ ،‬وظهر ضوء‬ ‫النهار ‪ .‬يال��ه من مجيل ‪ .‬كم أرادت نيكى أن تندفع‬ ‫ً‬ ‫بعيدا من هنا ! لكن‬ ‫حنو هذه الفناء املشمس وتهرب‬ ‫عليها ً‬ ‫أوال أن تنقذ صديقتها ‪.‬‬ ‫وب��دأت حت��دث لفاس��ورى أيض� ً�ا أش� ً‬ ‫�ياءا غريبة ‪.‬‬ ‫توق��ف فجأة ع��ن حتريك خمالب��ه والنط ف��ى املكان‬ ‫ومتاي��ل امللك وس��ار اىل الفناء املفتوح ‪.‬أخذ وبر ش��عر‬ ‫الرأس واجلسم يتطاير فى أحناء خمتلفة ‪ ،‬وأصبح هذا‬


‫‪73‬‬

‫املخلوق العجيب ميش��ى على بقعة من الوبر وجسمه‬ ‫عاري� ً�ا متام� ً�ا ‪ ،‬إال أعينه الت��ى مازالت ضخم��ة وناباه‬ ‫خترج��ا من وجه��ه القبيح ‪ .‬ودخل إىل الفن��اء املضيئ ‪،‬‬ ‫ونطق بصوت معني‬ ‫‪ -‬جاللة امللك إيروسوف !‬


‫‪74‬‬ ‫وبس��رعة أخ��ذت احلوائ��ط تلتئ��م م��ع بعضه��ا ‪.‬‬ ‫تعجب��ت نيكى قائلة فى نفس��ها «ماه��ذا ! خيرج ‪،‬‬ ‫امللك فاسورى وإروس��وف –وهما شخص واحد ‪ ،‬لكن‬ ‫عكس بعضهما !»‪.‬‬ ‫عندم��ا زحف��ت اجل��ذور الت��ى تش��به خي��وط‬ ‫ً‬ ‫مظلما‪.‬‬ ‫العنكبوت احلية وتشابكت أصبح املكان‬ ‫ً‬ ‫كان مجيع احل��راس نائم��ون ً‬ ‫عميقا ُ‬ ‫ويس��مع‬ ‫نوما‬ ‫ش��خريهم فى الظالم ‪ .‬تذكرت نيكى أن احلارس فو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫موجودا‬ ‫أيضا ‪ ،‬فأخذت تبحث عنه ‪ .‬البد أن يكون‬ ‫هنا‬ ‫ف��ى املكان ‪ .‬وبدى أنها وجدته ‪ ،‬لكنها إبتعدت عنه‬ ‫من اخل��وف ‪ .‬هؤالء احلراس يتحرك��ون على خمالبهم‬ ‫أثن��اء نومه��م ‪.‬وم��ع كل ه��ذا الضيق ظل��ت نيكى‬ ‫توقظ فو ‪ ،‬لكنه ال يستيفظ ‪ .‬أخذت نيكى تفكر‬ ‫– وماالعمل إذن ؟ وكيف أوقظه ؟ ‪.‬‬ ‫م��دت طرف ذيلها عل��ى أعينه ‪ ،‬فتنب��ه فو وهو فى‬ ‫سعادة‪ ،‬ومبجرد أن فتح عينيه ساد النور فى الفناء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫نظر فو إىل نيكى بتعجب‬ ‫‪ -‬نيكى ‪ ،‬أين امللك ؟‬


‫‪75‬‬ ‫ مل��اذا التنام�ين ؟ أليس من الواج��ب أن نكون أول‬‫املستيقظني حتى أوصلك إىل ُجحرك ؟‬ ‫ إنن��ى خدع��ت امللك ومل أمن ‪ .‬وهو ذه��ب إىل الفناء‬‫املوجود خلف هذا احلائط ‪ .‬هناك بالطبع نور !‬ ‫وقد حتول امللك إىل جرزة ضخمة ‪.‬‬ ‫ جرزة ؟ كيف ؟‬‫ ليس��ت ج��رزة ‪ ،‬لكن مايش��به ذل��ك ‪ ،‬حتول إىل‬‫ً‬ ‫متاما ‪.‬‬ ‫حيوان أصلع‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫تعجب فو‬ ‫ إىل حيوان أصلع ؟‬‫ً‬ ‫ألصلعا ‪ ،‬بل دون وب��ر ‪...‬أو دون صوف ‪...‬أنا‬ ‫ لي��س‬‫ً‬ ‫ال أعرف بالضب��ط ‪ ،‬لكنه أصبح خمالفا ملا تعودنا أن‬ ‫نراه عليه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫فكر فو‬ ‫‪ -‬لق��د إختل��ف األم��ر عل��ى نيك��ى ‪ .‬ث��م أضافت‬


‫‪76‬‬ ‫قائلة‪:‬‬ ‫ وأيض� ً�ا مسع��ت ‪ ،‬أنه��م ينادون��ه بإس��م – املل��ك‬‫إيروسوف ‪.‬‬ ‫ إيروسوف ؟ إبروسوف ؟‪...‬فكر فو ‪ - ,‬نعم ‪ ,‬لكن‬‫أمل يكن هذا أخ لفاسورى ! ؟‬ ‫ حي��دث ‪ ،‬أن يكون ً‬‫أخا لنفس��ه ؟ ففى مملكة‬ ‫إيروس‬ ‫– ه��و إيروس��وف ‪ ،‬وف��ى مملك��ة فاس��ور – فهو‬ ‫فاسورى ؟‬ ‫إنها أل عجوبة ! معنى ذلك أنه يعيش فى مملكة‬ ‫حي��اة ‪ ،‬وف��ى مملكة أخ��رى – حياة أخ��رى؟ كيف‬ ‫ينجح فى هذا ؟ ألس��تم أنتم حراس��ه ‪ ،‬ومل تتوقعوا هذا‬ ‫فى أى وقت من األوقات؟‬ ‫ تعجبت نيكى لدرجة شديدة وأضافت ‪.‬‬‫ وأيض� ً�ا مل تتيقن��وا من وج��ود مملكتني ‪ ،‬كل‬‫منهما ضد األخرى ‪.‬‬


‫‪77‬‬ ‫ مملكة مضيئة وأخرى مظلمة ؟‪.‬‬‫ ال مل خنم��ن ‪ .‬لق��د مض��ى علين��ا ‪ُ 300‬‬‫عاما وحنن‬ ‫نعي��ش ف��ى مملكة فاس��ورى املظلم��ة ‪ ،‬ومل خنالف‬ ‫تعليماته فى أى وقت من األوقات ‪.‬‬ ‫إندهشت نيكى قائلة ‪:‬‬ ‫ ثالث��ة مائ��ة ع��ام؟ وم��ن كان إذن ميس��ح أعني‬‫ملككم ؟‬ ‫ كان يس��رق من سكان الغابة املشمسة مثلك‬‫وجيربهم على اخلدمة ‪.‬‬ ‫ ياله من شيئ فظيع ! وما العمل بعد ذلك ؟‬‫ وبالتدريج يتعود األسرى على أكل هذه اجلذور‬‫ويتحول��ون اىل ح��راس ‪ .‬ه��ذا الطع��ام يطي��ل العم��ر‬ ‫لفرتات كثرية ‪ .‬ويغري من املظهر اخلارجى لساكنى‬ ‫مملك��ة فاس��ور الكائن��ة حت��ت األرض ‪ ,‬وذل��ك‬ ‫للتكيف مع تلك الظروف الضرورية للحياة فيها ‪.‬‬ ‫أيضا كنت ً‬ ‫ُ‬ ‫فأرا فى يوم من األيام؟‬ ‫‪ -‬معنى ذلك أنك‬


‫‪78‬‬ ‫قال فو بصوت حزين ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫متاما ماذا كنت ‪ ،‬كان هذا منذ زمن‬ ‫ قد نس��يت‬‫بعيد ‪.‬‬ ‫ أمل حتاول اهلرب ؟‬‫ً‬ ‫�تحيال ‪ .‬مل يرغب‬ ‫ حاول��ت ‪ ،‬لك��ن كان هذا مس�‬‫احلراس ‪ ،‬الذين حتولوا اىل سكان اململكة املعتمة‪،‬‬ ‫ف��ى أن ينجح أح��د اىل اهل��رب ‪ .‬فقد أصبح��وا حاقدين‬ ‫ويتحفظون على األسرى بدقة‪.‬‬ ‫ وملاذا تساعدنى ؟‬‫ ً‬‫أوال‪ ،‬رأي��ت فيكى القلب الطيب ‪ ،‬الذى عطفتى‬ ‫ب��ه على ع��دوك ‪.‬أن��ت أنقذت��ى حيات��ى ‪ ،‬وأنا س��وف‬ ‫أنقذك‪ .‬إستمرت نيكى وفو يتحدثان لفرتة طويلة‪.‬‬ ‫ث��م أحضر هلا حبوب القمح ‪ ،‬وأكل هو اجلذور املعتاد‬ ‫عليها ‪.‬‬ ‫ أعذرن��ى ي��ا ف��و ‪ ،‬كي��ف ت��أكل ه��ذه اجلذور‬‫البشعة الكريهة؟‬


‫‪79‬‬ ‫ إذا مل ن��أكل ه��ذه اجل��ذور ‪ ,‬فس��وف نتوقف عن‬‫احلرك��ة ‪ ،‬واحلرك��ة بالنس��بة لن��ا ه��ى ‪ ،‬احلي��اة ‪.‬‬ ‫فسألته نيكى ‪:‬‬ ‫ ومن أين حتصلون عليها ؟‬‫ إنه��ا تنم��و بصف��ة دائم��ة عل��ى حوائ��ط أرضية‬‫اململكة ‪ .‬وتتس��رب فى داخلها رطوب��ة مضرة ‪ .‬واملاء‬ ‫بالنسبة لنا ش��يئ مميت ‪ .‬وأنت بنفسك تأكدت من‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫ هل عندما بكيت ؟‬‫ نعم ‪ ،‬ك��دت أموت عندما إبتل جلدى بدموعك‪.‬‬‫ال جيب على أى أحد عندنا أن يبكى‬ ‫ هذا هالك لكل ساكنى اململكة ‪.‬‬‫حيوانا ً‬ ‫ً‬ ‫آخرا ‪ .‬وهذا‬ ‫ بكيت فقط عندما أصبح��ت‬‫جدا ً‬ ‫من زمن بعيد ً‬ ‫جدا‪ .‬لكن هلمى ‪.‬‬ ‫ تذكر فو ‪.‬‬‫‪ -‬يبدو أنه حان وقت اإلستيقاظ ‪.‬‬


‫‪80‬‬ ‫قالت نيكى ‪:‬‬ ‫ وماذا نفعل ؟‬‫رد احلارس وهو فى حالة إرتباك شديدة ‪.‬‬ ‫ ال أعرف ‪.‬‬‫فأسرعت نيكى بالرد وهى تأمره ‪.‬‬ ‫ الب��ودرة ‪ ،‬البد أن توجد هنا ب��ودرة منومة وعلينا‬‫أن حنصل عليها ‪.‬‬ ‫أس��رعت نيك��ى وف��و اىل م��كان ع��رش املل��ك‬ ‫فاس��ورى ‪ .‬ووج��دا بع��ض من الب��ودرة املتبقي��ة لديه ‪.‬‬ ‫وما أن أمس��كت نيك��ى حبفنة من الب��ودرة ‪ ،‬حتى‬ ‫ب��دأت اجل��ذور تزحف من جدي��د فى جه��ات خمتلفة ‪،‬‬ ‫وهى تكش��ف عن فناء اململكة املشمس��ة األخرى ‪.‬‬ ‫فتظاه��ر أصدقاؤنا بالنوم ‪ .‬عند ذلك دخل إيروس��وف‬ ‫وأخ��ذ يتحول إىل ش��كل املل��ك الذى إعت��ادا أن يراه‬ ‫علي��ه نيك��ى وف��و ‪ .‬نظر املل��ك وهمس فى نفس��ه ‪،‬‬ ‫عندما رأى بعض من حبوب القمح على األرض ‪:‬‬


‫‪81‬‬ ‫ ما هذا ؟‬‫إنزعجت نيكى قائلة فى نفسها ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ «أخ لقد وقعنا فى الفخ» ‪ّ .‬‬‫قائال ‪:‬‬ ‫رد امللك‬ ‫ وى ‪ ،‬وى ‪ ،‬أيته��ا الفأرة البلهاء ‪ ،‬تأكلني وتنثرين‬‫احلب على األرض ‪.‬وهذا ما يفعله الفئران دائما‪.‬‬ ‫ لك��ن البد على أية ح��ال أن أعودها على أكل‬‫اجل��ذور ‪ .‬فه��ى ختت��زن حب��وب القم��ح لف�ترة طويلة‬ ‫ومازال��ت ال تتح��ول اىل حارس��ى األب��دى ‪ .‬ح��ان الوقت‬ ‫للتضييق عليها وجتويعها ‪ .‬وسأرى كيف ستأكل‬ ‫املسكينة اجلذور‪.‬‬ ‫مسعت نيكى هذا وأجابت فى نفسها‬ ‫«أجل ‪ ،‬اآلن»‬ ‫لكنها ظلت فى مكانها ومل تتحرك ‪ ,‬بالرغم من‬ ‫رغبتها فى أن تهجم عليه وتنقر فاسورى هذا فى رأسه!‬ ‫وأن تضربه بقوة شديدة ‪.‬‬ ‫‪ -‬همس فاسورى وهو فى حالة تعصب ‪:‬‬


‫‪82‬‬ ‫ ماهذا ‪ ،‬مازال حراسى نائمون ؟‬‫مل يستكمل فاس��ورى كالمه حتى بدأ احلراس‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫يتحركون واحد بعد اآلخر ‪« .‬وإس��تيقظ» فو‬ ‫إق�ترب من نيك��ى « النائمة » ‪ ،‬ومحله��ا بني خمالبه‬ ‫وأوصلها اىل اجلحر ‪.‬‬ ‫مل تستطع نيكى أن متسك نفسها حتى ال تنفجر‬ ‫فى الضحك وهى تنظر اىل فو وهو حيملها ويهز خمالبه‬ ‫دون توقف ‪ .‬وكان هذا يشعرها بالزغزغة ‪.‬‬ ‫عندما وصل��ت نيكى اىل اجلحر هم��س فو وقال‬ ‫هلا ‪:‬‬ ‫ نيكى ‪ ،‬إس��تعدى ‪ ،‬اآلن كل ش��يئ مرتبط بك‬‫وجيب أن أذهب ‪ .‬سوف يقوم على حراستك واحد آخر ‪،‬‬ ‫أجابت نيكى الشجاعة ‪:‬‬ ‫ سأحاول ‪.‬‬‫وإبتعد فو ‪.‬‬ ‫أحضروا إليها حبة قمح واحدة وكثري من اجلذور‪.‬‬


‫‪83‬‬ ‫فكر امللك كيف ميكن بأس��رع وقت حتويلها إىل‬ ‫أح��د من حراس��ه ‪.‬لكن ه��ذا مل يفزع الف��أرة نيكى‬ ‫الش��جاعة ‪.‬فه��ى مل تك��ن جائعة ومس��تعدة للهجوم‬ ‫عل��ى امللك ‪ .‬أخذت نيكى تض��ع البودرة النومة على‬ ‫طرف ذيلها ‪ .‬فعلت هذا حبذر حتى ال تقع على عينيها‬ ‫‪ .‬ومل تنم ‪.‬‬ ‫عندما طلبها امللك إليه ‪ ،‬كانت مس��تعدة ‪.‬أخذت‬ ‫الف��أرة ُتربت على أع�ين امللك بط��رف ذيلها خبطوات‬ ‫معتادة ‪ .‬بدأ امللك فاسورى يصأصأ بعنف عندما أحس‬ ‫مبا تنثره ‪.‬‬ ‫ ماذا وضعتى !‬‫ وب��دأ فى يأس ميس��ح عينيه مبخالب��ه ‪ .‬لكن مل‬‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫يساعده هذا ‪ .‬أخذ امللك يزعق‬ ‫ أن��ا س��وف ‪،‬أنا س��وف ‪ ...‬ومل يس��تطع أن يكمل‬‫كالمه حتى همد ونام ‪.‬‬ ‫ح��اول احل��راس القب��ض على نيك��ى ‪ ،‬لكنها‬ ‫جنحت فى أن تلقى بالب��ودرة على أعينهم وناموا فى‬


‫‪84‬‬ ‫اللحظة ‪ .‬نام اجلميع وهم مغمضى األعني ‪ ،‬ثم إنطفأ‬ ‫ً‬ ‫معتما‬ ‫الن��ور فى الفن��اء ‪ .‬وبعد دقائق أصبح امل��كان‬ ‫متام� ً�ا ‪ .‬وكم��ا حدث فى املرة الس��ابقة أخذت اجلذور‬ ‫ختشخش وتتس��لق حتى فتحت الطريق للفناء األخر‪.‬‬ ‫دخل��ت نيكى إلي��ه وأغمض��ت عينيها م��ن الضوء ‪.‬‬ ‫و‘مسع صوت فيه حفاوة قائلني ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مرحبا‪ ،‬إنه جاللة امللك إيروسوف ‪.‬‬ ‫‬‫ً‬ ‫حجما‬ ‫كان احلارس الذى أعلن عن قدوم امللك ‪ ،‬أقل‬ ‫منه بكثري وكذلك من نيكى ‪ ،‬وس��ار على بقايا‬ ‫من احلش��رات الدقيقة وبقايا أني��اب فى تربة األرض ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كثريا‪ ،‬أن احلارس كان ‪...‬‬ ‫لكن ماأده��ش نيكى‬ ‫أعم��ى ! وهذا مل مينع��ه من حتويل رأس��ه فى اجلهة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جيدا‪ .‬كانت‬ ‫التى ظهرت فيها نيك��ى وكأنه يرى‬ ‫لدي��ه حاس��ة مسع جيدة ! مش��ى فى الفن��اء ‪ ،‬وأحضر‬ ‫حارس� ً�ا آخ� ً‬ ‫�را‪ .‬يب��دو عليه احل��زن واألس��ى ‪ .‬إقرتب من‬ ‫نيكى وهو خيفض رأس��ه ‪ .‬وبدا أنه ينظر إىل األمور‬ ‫ً‬ ‫متاما‪ .‬أخذ هذا احلارس املس��كني يغنى‬ ‫دون إهتمام‬ ‫بصوت رفيع ‪ ،‬وهو يتنفس بصعوبة ‪:‬‬


‫‪85‬‬ ‫ يا أكرب خميف ‪ ،‬ويا أكرب خطري ‪،‬‬‫يا أشجع الشجعان ‪ ،‬ويا أمجل مجيل ‪،‬‬ ‫يا من ينتصر على اجلبناء ببطولة ‪،‬‬ ‫أنت فقط ‪ ،‬أيها امللك إيروسوف !‬ ‫بدى لنيكى أن هذا الصوت معروف لديها وقريب‬ ‫منها ‪ .‬فق��د مسعته فى مكان ما من قبل‪ .‬لكن‪ ,‬هل‬ ‫ممكن أن يكون بيكى ؟ وصرخت ‪:‬‬ ‫أأنت !‬ ‫ بيكى ‪ ،‬بيكى حبيبتى ‪ِ ،‬‬‫ً‬ ‫أخيـرا وجدتـك !؟ ‪.‬‬ ‫ه��ذا املخل��وق التعس ال��ذى تعرفت علي��ه نيكى‬ ‫وعرفت��ه من صوت��ه ‪ ،‬كان بالقطع بيك��ى ‪ .‬رفعت‬ ‫الفناء‬ ‫رأسها وهى التصدق عينيها ‪ ،‬وجرت بيكى فى ِ‬ ‫اىل نيكى ‪ .‬قائلة ‪:‬‬ ‫ نيكى ! ‪.‬‬‫وإندفعت الف��أرة التعيس��ة إىل صديقتها نيكى‬


86


87


‫‪88‬‬ ‫وتعلقت برقبتها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أنك ستجديننى ! صاح‬ ‫ كنت أعرف ‪،‬أعرف جيدا ِ‬‫اخلفري ‪ ،‬الذى كان يقف جبانب الصديقتان ‪:‬‬ ‫ إنتبه��وا ‪ ،‬احلارس ! وبهدوء ش��ديد إندفعت حنوه‬‫نيكى ووجهت طرف ذيلها على عينيه ‪.‬‬ ‫عط��س احل��ارس عطس��ة ش��ديدة ث��م ن��ام بعدها‬ ‫بس��رعة وهو ينبط��ح على األرض ‪ .‬وحلس��ن احلظ مل‬ ‫يقرتب حارس آخر ‪ ،‬من احملتمل أنهم مل يسمعوا النداء‬ ‫‪ .‬ورجعت نيكى إىل بيكى تسأهلا ‪:‬‬ ‫أنت بهذا املنظر؟‬ ‫لك ‪ ،‬وملاذا ِ‬ ‫ ماذا حدث ِ‬‫آه آه ‪ ،‬ال تذكرينن��ى بش��كلى اخلارج��ى ‪ ,‬فأنا‬‫أش��عر باخلجل من نفس��ى ‪ ،‬وقد عوقبت على كل ما‬ ‫فعل��ت ‪ .‬أمل تذك��رى أننا وقعنا هنا بس��ببى ‪ .‬فعندما‬ ‫س��قطت ف��ى هذه احلف��رة ‪ ،‬وقعت فى األس��ر عند هذا‬ ‫املخل��وق العجيب إيروس��وف ‪ .‬وأغمى عل��ي ‪ ،‬وعندما‬ ‫أفق��ت ‪ ،‬وج��دت ضو ًءا فى احلفرة ‪ ،‬فقد تس��لقت على‬ ‫اجل��دران ج��ذور نباتات تش��ع ن� ً‬ ‫�ورا ‪ .‬وس��رعان ما جاء‬


‫‪89‬‬ ‫خلف��ى جمموع��ة م��ن الفئ��ران القارضة املض��رة ذات‬ ‫األنياب البشعة ومحلونى إىل امللك األعمى ‪.‬‬ ‫قالت نيكى لصديقتها بيكى‪:‬‬ ‫ ماذا تقولني ؟ ‪ -‬هل إيروسوف – أعمى؟‬‫ نعم ‪ ،‬اجلميع هنا عميان ‪ ،‬لكنهم يسمعون ً‬‫جيدا‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وقال ىل إيروس��وف ‪ ،‬إذا م��ا إجتهـدت فى العمـل‬ ‫هنا ‪ ،‬فسأصبـح أمجل اجلميالت فى اململكة ‪.‬‬ ‫قالت هلا نيكى ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫دائما ما‬ ‫وأنت وثقتى به ؟‪ -‬تذكرى ‪ ،‬إننى كنت‬ ‫ ِ‬‫أحلم بأن أصبح أمجل اجلميالت ‪ ،‬وهنا س��أصبح أول‬ ‫أمجل مجيلة فى اململكة ‪.‬‬ ‫ أيتها التعيسة ‪.‬‬‫ وأخذت نيكى تتأس��ف على صديقتها بيكى‬‫وضمتها إىل صدرها وإنفطرت فى البكاء ‪.‬‬ ‫‪ -‬أكلتى هذه اجلذور وحتولتى إىل هؤال احلراس ؟‬


‫‪90‬‬ ‫ حتس��رت نيك��ى عل��ى صديقته��ا لدرج��ة أنها‬‫كادت تبكى ‪.‬‬ ‫ ق��ال ىل املل��ك إن ه��ذه اجل��ذور س��حرية ‪ .‬وعندما‬‫آكله��ا فس��وف أحتول إىل ف��أرة هلا ف��راء أبيض ‪ ،‬مثل‬ ‫الفأر أوس��ى‪ ،‬وس��وف يكـون ىل أهـداب طويلة مثل‬ ‫الس��نجاب ‪ ،‬وأس��نان بيض��اء رائعة ‪,‬وأخ��ذت بيكى‬ ‫تتشنج وهى حتكى ‪.‬‬ ‫ ومل أحتك��م ف��ى نفس��ى وأخ��ذت آكل ه��ذه‬‫اجل��ذور‪ ،‬وعندم��ا فهمت أنهم خدعون��ى ‪ ،‬إمتنعت عن‬ ‫األكل ‪ ،‬لك��ن بع��د أن ف��ات األوان ‪ .‬وش��عرت أننى‬ ‫ً‬ ‫جيدا ‪.‬‬ ‫سأصاب بالعمى ‪ .‬وأنا اآلن ال أرى‬ ‫ مسكينة يابيكى ‪ ،‬مسكينة ‪.‬‬‫ وعانقت نيكى صديقتها‪.‬‬‫ً‬ ‫قلي�لا ثم إس��تمرت فى حكاية‬ ‫صمت��ت بيكى‬ ‫قصتها ‪:‬‬ ‫‪ -‬أمرنى امللك أن أقابله باألغنية التى مسعتها‪.‬‬


‫‪91‬‬ ‫الدموع خنقت بيكى التعيسة ‪ ،‬وصرخت ‪:‬‬ ‫ أن��ا اآلن س��وف ال أرى بيت��ى وال وال� ّ‬‫�د ٍى ! وبكت‬ ‫الفأرة البائسة ‪.‬‬ ‫وخففت عنها نيكى قائلة ‪:‬‬ ‫ أال تثقني بى ؟‬‫ سوف خنرج من هنا بالضرورة ‪.‬‬‫ ال أع��رف ‪ ،‬يب��دو ىل أن هذا س��وف ال حي��دث ً‬‫أبدا ‪.‬‬ ‫وأنت نفسك تعتقدين هذا ؟‬ ‫ نع��م أعتق��د ‪ ،‬ولكن ‪ ،‬كي��ف وهل ميكن أن‬‫حيدث ‪ ،‬يابيكى !‬ ‫ثم صمتت بيكى وقالت لنيكى ‪:‬‬ ‫�ت ‪ ،‬م��اذا حـ��دث لك ‪ ،‬وكـي��ف وقعـتى إىل‬ ‫ وأن� ِ‬‫هنا ؟ ‪.‬‬ ‫حك��ت نيكى قصة حياتها عند امللك فاس��ورى‪،‬‬ ‫وكي��ف تعرف��ت على ف��و‪ ,‬وقصت هلا عن س��ر وجود‬


‫‪92‬‬ ‫مملكتني ‪.‬‬ ‫عندم��ا إق�ترب وق��ت الرحي��ل تكش��ف ظ�لام‬ ‫مملكة فاسور أمام الصديقتان ‪.‬‬ ‫وسارت الفأرتان إىل فناء آخر حيث إنطبقت اجلدران‬ ‫على بعضه��ا من جديد‪ .‬هنا إس��تيقظ املل��ك ‪ .‬فألقت‬ ‫نيكى عليه طرف ذيلها مرة أخرى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مرميا عل��ى األرض حتى‬ ‫ ملع��ون هذا ‪ ،‬م��اأن وقع‬‫ص��ار يتمت��م بص��وت مبحوح ‪ .‬ث��م إس��تيقظ احلراس‬ ‫ً‬ ‫أيضا وشع من عيونهم الضوء ‪.‬‬ ‫أس��رعت الفأرة نيكى بنثر املس��حوق املنوم على‬ ‫ً‬ ‫نائما وأخذت‬ ‫احلراس ‪ .‬وإقرتبت من فو الذى كان مازال‬ ‫توقظه قائلة ‪:‬‬ ‫ عزيزى فو إستيقظ ‪ ,‬حان وقت الرحيل‪ .‬إستيقظ‬‫فو وطلب إنتظاره بضع دقائق ثم خرج إليهم ‪.‬‬ ‫همست بيكى ‪:‬‬ ‫‪ -‬ماهذا الظالم والرعب ‪.‬‬


‫‪93‬‬ ‫فهدأت نيكى من روع صديقتها قائلة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وفعال‬ ‫ س��يأتى فو اآلن ويش��ع النور فى امل��كان ‪.‬‬‫عاد فو الوفى بسرعة وقال هلما ‪:‬‬ ‫ إجعل��ى بيك��ى ترت��دى زى احل��راس وأنا س��وف‬‫أمحلك ‪ ,‬يانيكى ‪ ،‬وأوصلكما ‪.‬‬ ‫وفعلت��ا بيك��ى ونيك��ى مانصحهم��ا ب��ه ف��و ‪.‬‬ ‫ث��م توج��ه األصدقاء الثالث��ة إىل ممر خ��اص بالعمال ‪.‬‬ ‫أوقفهم أح��د احلراس ثم الثانى ‪ ,‬لكن فو كان يقول‬ ‫هلم بإختصار ‪:‬‬ ‫ بأمر من امللك فاس��ورى ! وثق فيه احلراس ‪ ,‬ألنه ال‬‫يستطيع أحد فى هذه اململكة أن خيالف القوانني ‪.‬‬ ‫وهكذا إجت��ازوا بنج��اح مجيع مواق��ع التفتيش‪.‬‬ ‫ث��م وضع فو نيك��ى حب��ذر عل��ى األرض ‪ُ .‬‬ ‫وفتح أمام‬ ‫الفأرتان مدخل إىل حفرة كانت فيها اجلذور تتس��لق‬ ‫على اجلدران وتصل إىل السقف ‪.‬وقال هلما ‪:‬‬ ‫‪-‬إنتظرا ‪.‬‬


‫‪94‬‬ ‫ جيب أن أحصل على حلقة املفتاح حتى تستطيعا‬‫اخل��روج م��ن هنا وتذهب��ا إىل البي��ت ‪ .‬ب��دا القلق على‬ ‫بيكى‪:‬‬ ‫ وش��كلى ‪ ،‬ه��ل س��أبقى على ه��ذا املنظ��ر وأنا‬‫مثل املخلوق الوحش��ى ذى الوبر؟ نظ��ر فو إىل بيكى‬ ‫التعيسة بعتاب وقال هلا ‪:‬‬ ‫لك احلرية ‪ ،‬أم الشكل اخلارجى ؟‬ ‫ األفضل ِ‬‫عليك أن ختتارى ‪ ،‬وإما ستبقني هنا ؟‬ ‫‬‫ِ‬ ‫ ال ‪ ،‬أري��د احلري��ة ‪ ،‬وأري��د أن أذه��ب إىل البي��ت ‪-.‬‬‫أعذرنى يا فو ‪.‬‬ ‫عليك ؟‬ ‫ ال‬‫ِ‬ ‫ مل أرغ��ب أن أس��يء إلي��ك ‪َ ،‬‬‫وأنت تق��ول ىل ‪ ،‬أيتها‬ ‫الوحش الصغري ‪...‬‬ ‫فرد عليها فو ‪:‬‬ ‫�ك ه��ذه تفاه��ات ‪ ،‬وأخ��ذ يهز رأس��ه ‪ ،‬ليس‬ ‫ ال علي� ِ‬‫دائم��ا م��ا تقاب��ل املظه��ر اخلارج��ى الس��يئ بالش��يئ‬


‫‪95‬‬ ‫الفظيع وبأعمال الشر ‪ ،‬األساس ‪ ،‬هو أن تتفهمى هذا ‪.‬‬ ‫وعرضت عليه نيكى بان يذهب معهما قائلة ‪:‬‬ ‫ س��تأتى معنا ‪ ،‬ولن نرتكك وسوف تعيش معنا ‪،‬‬‫و مع والدينا ‪...‬‬ ‫صمت فو برهة من الوقت ثم قال‪:‬‬ ‫ ال‪ ،‬ياعزيزتى نيكى ‪ ,‬ال أس��تطيع أن أعيش فى‬‫ً‬ ‫شكرا‪.‬‬ ‫ضوء الشمس سأموت ‪ ،‬وأضاف –ال يهم ‪،‬‬ ‫ردت نيكى ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫�كرا لك أن��ت على كل ما فعلت��ه من أجلنا ‪،‬‬ ‫ ش�‬‫ً‬ ‫سوف لن ننساك أبدا !‬ ‫ثم عانقته ‪ .‬وقال ‪:‬‬ ‫ وداع� ً�ا لكما ! نطق فو هذه الكلمة ثم إختفى‬‫من النظر ‪.‬‬ ‫لوحظ الظالم فى الفناء ‪ .‬وحبركة سريعة أقفل‬ ‫احلارس الباب ‪ ،‬بعدها أخذت اجلذور وهى تتش��ابك مع‬ ‫بعضها ‪ ،‬وكأنها نسيج عنكبوت ‪ ،‬خلف اجلدران ‪،‬‬


‫‪96‬‬ ‫وترفع الفأرتان نيكى وبيكى إىل أعلى عن قصد ‪.‬‬ ‫تعجبت بيكى قائلة ‪:‬‬ ‫ ماهذا الذى حيدث لفو ؟ أجابت نيكى فى حزن ‪:‬‬‫ ال أعرف ‪ .‬أصبحتا ال تستطيعان أن تريى ماذا حيدث‬‫لفو ‪ ...‬وهو يبكى ‪.‬‬


‫‪97‬‬ ‫صاح امللك فاسورى حبدة وهويتقدم بسرعة حنو‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫احلارس‬ ‫ ماذا تفعل ؟‬‫ ال متس��ك حبلقة املفتاح ‪،‬وال ت��دع الفأرتان تهربا‪،‬‬‫لك��ن ف��و ضغ��ط عل��ى احللق��ة ‪.‬وأنفلتت سلس��لة‬ ‫ً‬ ‫صوتا ‪.‬‬ ‫احللقة حمدثة‬ ‫ً‬ ‫عقابا‬ ‫ أيها اخلائن ! أنت تقتل نفس��ك ‪ ،‬وستعاقب‬‫ً‬ ‫شديدا ‪.‬‬ ‫لك��ن فو تعلق فى احللقة وجتمد‪ ،‬أخذت الدموع‬ ‫جترى م��ن عينيه الكام��دة ‪ .‬وبدأت تتس��اقط ببطء‬ ‫على فراء جلده ‪ ،‬وعلى األرض ‪ ،‬وعلى اجلذور ‪...‬‬ ‫وحدثت املعجزة ! إنتفضت اجلذور فجأة ‪ ،‬وأخذت‬ ‫تزده��ر الواحدة بعد األخرى بأزه��ار بيضاء اللون رائعة‬ ‫اجلمال ‪ ,‬تفوح برائحة مجيلة ‪.‬‬ ‫إنطلق��ت اخلف�يرة لته��رب ف��ى فزع ‪.‬ص��اح امللك‬ ‫بصوت فيه سقسقة ‪:‬‬


‫‪98‬‬

‫ إىل أين أنت ذاهبة ؟‬‫ سأجرى ألحلق بالفأرتني !‬‫ً‬ ‫مجيعا !‬ ‫ ال تفعلى ‪ ،‬س��وف أالحقكم وأقتلكم‬‫لكنها مل تس��مع له وجرت ‪ .‬ومنت فى مملكة حتت‬ ‫األرض هذه فى مقر العمال ‪ ،‬وفى كل حفرة ‪ ،‬وعلى‬ ‫كل جذر من اجلذور زهور بيضاء مجيلة ‪.‬‬


‫‪99‬‬ ‫جرى فاس��ورى من هنا فى فزع ورعب شديدين إىل‬ ‫مملكته الثانية ‪.‬‬ ‫‪....................................‬‬ ‫ف��ى هذا الوقت كانت اجلذور ق��د رفعت الفأرتان‬ ‫إىل أعل��ى ‪ .‬دارت رأس بيكى وس��قطت على األرض‬ ‫مغم��ى عليها ‪ .‬حاول��ت نيكى أن متس��كها ودون‬ ‫إرادة أخ��ذت ترب��ت عل��ى وجهها بط��رف ذيله��ا ‪ ،‬الذى‬ ‫ً‬ ‫مدهونا ببعض من املس��حوق املنوم ‪.‬مل تس��تطع‬ ‫كان‬ ‫بيك��ى أن تنتب��ه وراح��ت فى ن��وم عميق ‪ .‬جلس��ت‬ ‫نيك��ى جبانبه��ا وإنفطرت فى الب��كاء‪ .‬وتذكرت‬ ‫فو الذى س��وف ال تراه ً‬ ‫أبدا فى أى وقت من األوقات ‪ .‬فقد‬ ‫كان بالنس��بة هلا الصديق احلقيق��ى ‪ .‬وفى اللحظة‬ ‫الت��ى أرادت نيكى أن متس��ح دموعه��ا بطرف ذيلها‪،‬‬ ‫تذكرت أنها ستنام فى احلال ‪....‬‬ ‫‪....................................‬‬ ‫ بيكى ‪ ،‬هيا إستيقظى ‪ ،‬يابيكى ‪ ،‬ملاذا تنامني‬‫بعمق هكذا ‪ ،‬هيا إستيقظى !‬ ‫ ما‪ ،‬ما ‪ ،‬ما‬‫‪ -‬نظف��ت الفأرة بيكى نفس��ها ودارت إىل اجلنب‬


‫‪100‬‬ ‫اآلخر ‪ ,‬ونامت من جديد ‪.‬‬ ‫ هيا إىل البيت‬‫ ومل تتح��رك نيك��ى ع��ن صديقتهـ��ا ‪ .‬قف��زت‬‫بيكى ‪.‬‬ ‫ إىل البيت ‪ - ،‬إىل البيت !‬‫وفى اجلح��ر املعتم إندفع إليهم ض��وء وهاج ‪.‬خرجت‬ ‫الفأرتان من خمبئهما ‪ ،‬وماذا وجدتا ؟ إكتس��ى كل‬ ‫ش��يئ حوهلما بالل��ون األبيض ‪ .‬ظهر الثل��ج وهو يلمع‬ ‫ويتألأل ‪ .‬وبدى أن الش��مس خت�ترق كل قطعة ثلج ‪.‬‬ ‫صرخت نيكى فى سعادة ‪:‬‬ ‫ إنه الشتاء ‪ ,‬الشتاء !!! يا بيكى‬‫ أنظ��رى ‪ ،‬ما هذا اجلمال حولن��ا ! وردد صدا صوت‬‫الغابة ‪ -‬إنه الشتاء !!!‬ ‫إرمت��ت بيك��ى ونيك��ى ف��ى أحض��ان الثلج ‪،‬‬ ‫ياله من أبيض ومنفوش ‪.‬أخذت��ا تلقيان بندفات الثلج‬ ‫إىل أعل��ى ‪ ،‬وتربت��ان ب��ه عل��ى وجهيهم��ا ‪ ،‬وتقفذان‬ ‫وتتش��قلبان ‪ .‬كانت��ا ف��ى حال��ة من الذه��ول ليس هلا‬ ‫مثيل ‪ .‬وفى النهاية بعد أن سعدتا ومرحتا أسرعتا إىل‬ ‫ً‬ ‫وأيضا فطرية‬ ‫البيت ‪ ،‬وكان ف��ى إنتظارهما الوالدان‬


101


‫‪102‬‬ ‫القمح الشهية ‪.‬‬ ‫وبع��د ‪ ،‬م��ن يعرف ‪ ،‬إن كانت ه��ذه القصة ً‬ ‫فعال‬ ‫حدثت ‪ ،‬أم كانت فقط من أحالم الفئران ؟‬ ‫وق��د روت ىل ه��ذه القص��ة ف��أرة عج��وز معروفة ‪.‬‬ ‫تدعى ‪ ...‬نيكى‬


‫‪103‬‬ ‫ناتاليا كورتوج‬

‫الحكاية الرابعة‬ ‫"الفتى رضا ‪ ،‬وقمر ‪ ،‬والصحراء"‬


104


‫‪105‬‬

‫ذات ي��وم س��ار الفتى رضا‬ ‫على حافة طريق وراء محارة‬ ‫عجوز سوداء اللون ‪ .‬كانت حول عينيها هاالت صفراء‬ ‫كبرية تش��به وج��ه القمر ‪ ,‬ولذلك أطلق عليها إس��م‬ ‫قمر ‪ .‬وفجأة توقفت احلمارة ‪ .‬قال رضا وهو يربت على‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫ظهر هذا احليوان‬ ‫ ما ال��ذى أوقفكى؟‬‫باقى القليل ‪.‬‬ ‫لك��ن احلم��ارة مل‬ ‫تتح��رك م��ن مكانه��ا ‪.‬‬ ‫س��حبها رضا م��ن جلامها‬ ‫وهو حي��اول حتريكها‬ ‫ف��رأى عن��د جان��ب‬ ‫الطري��ق حقيب��ة قدمية‬ ‫مس��تهلكة ‪ .‬فك��ر‬ ‫رضا ُرمب��ا تركت لعدم‬


‫‪106‬‬

‫احلاجة إليها ‪.‬‬ ‫إق�ترب الفتى من احلقيبة ودفعها برجله ‪ .‬هنا بدت‬ ‫خفيفة وتتحرك معه ‪ .‬أخذ رضا ينظر حوله لعله جيد‬ ‫صاح��ب للحقيبة ‪ ،‬لكنه مل جيد س��وى ت�لال رملية‬ ‫كثيفة وأشعة الشمس الشديدة ‪ .‬صاح بصوت عال‬ ‫– ها – من فقد هذه احلقيبة ؟‪.‬‬ ‫ومل جي��ب عليه س��وى ص��دى رياح الصح��راء التى‬ ‫أخذت تداعب شعره ‪ .‬قال الفتى رضا فى نفسه ‪:‬‬


‫‪107‬‬ ‫ فألنظر ماذا بداخل هذه احلقيبة ‪ ،‬وفتحها ‪.‬‬‫وجد فى داخلها ثالثة أشياء ‪:‬‬ ‫إش��ارب أمحر اللون ‪ ،‬ونظارة ‪ ،‬وفرع جاف من شجرة‬ ‫الزيتون‪.‬‬ ‫قال رضا ‪:‬‬ ‫ اإلشارب نسائى وخفيف ‪ ،‬ثم أخذه ‪.‬‬‫أما احلمارة فإقرتبت من احلقيبة ‪ ،‬ورفعتها بفمها ‪،‬‬ ‫وأخذت تنهق ‪ ،‬ثم سحبت فرع الشجرة وقضمت منه ‪.‬‬ ‫قالت احلمارة ‪:‬‬ ‫ ورقة الش��جرة جاف��ة ‪ ،‬لكنها أطع��م بكثري من‬‫اخلضراء ‪.‬‬ ‫نظ��ر الفت��ى حول��ه ‪ً ،‬‬ ‫آمال ف��ى أن جيد م��ن يتحدث‬ ‫معه‪.‬‬ ‫سالته احلمارة قائلة ‪:‬‬ ‫ عن من تبحث ؟‬‫تعجب الفتى رضا !! وقال هلا ‪:‬‬ ‫‪ -‬أنت محارة ‪ ،‬هل تستطيعني أن تتكلمى ؟‬


‫‪108‬‬ ‫ردت عليه ‪:‬‬ ‫ نع��م ؟! وه��ى مس��تاءة ‪ ،‬وبغضب أخ��ذت تضرب‬‫األرض بأرجلها ‪ ،‬وهى تتقدم منه قائلة ‪:‬‬ ‫ نعم أستطيع !‬‫تراجع رض��ا للخل��ف وإصطدم باحلقيب��ة وإرمتى‬ ‫فوقه��ا ‪ .‬مس��ع ص��وت خشخش��ة ‪ .‬كانت فرع ش��جرة‬ ‫الزيتون ‪ ،‬وجبانبه النظارة ‪ .‬قال رضا ‪:‬‬ ‫ مادام��ت النض��ارة س��ليمة ومل ُتكس��ر فآخذه��ا‬‫وألبسها ‪.‬‬ ‫وضع اإلشارب حول رقبته حتى يتحرك حبريه ومد‬ ‫يده ألخذ النظارة ‪ .‬هنا ش��عر أنه يرتفع من األرض فى‬ ‫اهل��واء مث��ل الك��رة ‪ .‬ودار الفتى فى اهل��واء ‪ -.‬وحيى ‪-‬‬ ‫وحيى ‪.‬‬ ‫ إىل أين أنا ذاهب ؟‬‫ مسع صوت احلمارة قمر يقول له ‪:‬‬‫ إخلع اإلشارب !‪.‬‬‫نزع رضا اإليشارب من حول رقبته وفى ذات اللحظة‬ ‫هب��ط إىل األرض ‪ .‬نظ��ر إىل احلم��ارة قم��ر ‪ ،‬ث��م إىل‬


‫‪109‬‬ ‫ً‬ ‫وأخريا إىل احلقيبة ‪ .‬وقال ‪:‬‬ ‫النظارة‪،‬‬ ‫ هذه احلقيبة ليس��ت بالعادية وما فيها مس��حور‪:‬‬‫وأنت قضمتى فرع‬ ‫إرتديت اإلش��ارب وطرت فى اهلواء‪ِ .‬‬ ‫شجرة الزيتون وتكلمتى مثل البشر ‪.‬‬ ‫أماءت احلمارة برأس��ها وهى تنظر إىل الس��ماء ‪ ،‬ثم‬ ‫أغمضت عني وفتحت األخرى وهى تتبع رضا قائلة ‪:‬‬ ‫ أن��ا أفه��م احلدي��ث الكالم��ى منذ ف�ترة طويلة‬‫وأيض� ً�ا أس��تطيع أن أقرأ أف��كارك ‪ .‬فأن��ت ختاف من‬ ‫أشياء كثرية ‪.‬‬ ‫تعجب رضا وقال للحمارة ‪:‬‬ ‫ وى وى ‪ ,‬وما هى؟‬‫قالت ‪:‬‬ ‫ أن��ت قص�ير القامة وخت��اف أن تظل به��ذا الطول ‪.‬‬‫ً‬ ‫وأيضا تريد أن تتعلم كيفية صناعة حقائب مجيلة‪،‬‬ ‫لكن ختاف أن يضحك علي��ك الناس ومل حتدث ً‬ ‫أحدا‬ ‫ً‬ ‫وأيضا حتب الس��فر وتتمنى ل��و ختتبئ فى‬ ‫ع��ن هذا ‪.‬‬ ‫حقيبة أى س��ائح وجتول الع��امل ‪ .‬لكن عندك جدتك‬ ‫عجوز وعمياء ‪ ،‬وختاف أن ترتكها وحدها ‪.‬‬ ‫حت�ير رضا وتعجب ‪ :‬احلمارة قم��ر قالت احلقيقة ‪.‬‬


‫‪110‬‬ ‫ً‬ ‫فع�لا كان خيجل من قص��ره ‪ ،‬وكان حيلم أن‬ ‫فه��و‬ ‫يصنع أمجل احلقائب فى العامل ‪ ،‬وأن يسافر إىل بالد‬ ‫كث�يرة ‪ ،‬لكنه مل يحُ دث ً‬ ‫أحدا ع��ن هذا ‪ ،‬وباألخص‬ ‫جدته ‪ ،‬التى خيش��ى أن تعانى من بعده ‪ ,‬ألنه ال يوجد‬ ‫لديها سواه بعد موت والديه ‪ ،‬وهذه احلمارة العجوز ‪.‬‬ ‫فكر رضا فى نفسه وهو يلوح بيديه ً‬ ‫قائال بفتور‪:‬‬ ‫« أخ ‪ ،‬لو يرجع جلدتى بصرها !»‬ ‫ً‬ ‫�ياء مس��تحيلة ‪ .‬نفخت‬ ‫ دائم��ا ما حيلم الناس بأش� ٍ‬‫احلمارة قمر فى اهلواء بغضب قائلة ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫ أتعتقد أن احلمري ال حيلمون ؟ رد‬‫ حيلم��ون مباذا ؟ بأكل اجلزر اللذيذ ؟ أو بالتمر؟‬‫أن��ت تريدي��ن أن تأكلى ط��وال الوقت ومس��تعدة أن‬ ‫متضغ��ى أى ش��يئ يقع أم��ام عيني��ك ‪ ...‬هل ميكن‬ ‫َ‬ ‫أيضا‬ ‫أن حتلم��ي أن تصبح��ى فرس��ة كبرية ‪ ،‬ألن��ك‬ ‫بتحد ‪:‬‬ ‫قصرية؟ أجابت احلمارة‬ ‫ٍ‬ ‫ نع��م ‪ ،‬أحب أن آكل كل ما هو لذيذ ! ‪ ،‬لكنى‬‫ال أري��د أن أصبح فرس��ة كبرية ‪ .‬وأري��د أن أطري مثل‬ ‫َ‬ ‫عليى إس��م قمر هبا ًء‪.‬‬ ‫الطيور ‪ ،‬هل تعتقد أنهم أطلقوا‬ ‫َ‬ ‫حواليى هذا اإلش��ارب وأنا أطري ك��ى أرى القمر‬ ‫ل��ف‬ ‫احلقيقى ‪.‬‬


‫‪111‬‬ ‫ هيا ‪ ،‬وستصبحني أول حيوان يطري فى اهلواء ‪.‬‬‫ومبج��رد أن عزم رض��ا أن يلف اإلش��ارب حول رقبة‬ ‫احلم��ارة ‪ ،‬حت��ى رآى جمَ َ ل� ّ‬ ‫�ي س��باق ‪ .‬كان عليهم��ا‬ ‫رج�لان يضعان على رأس��يهما ُجب��ة وعمامة ‪ .‬صاح‬ ‫أحدهما وهو يشري بيده ‪:‬‬


‫‪112‬‬ ‫ وحيك ‪ ،‬أيها الفتى ! ‪ .‬شعر رضا باخلطر وبسرعة‬‫صعد على ظهر احلمارة قمر وأمرها ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫فالنجر !‬ ‫‬‫ أجاب��ت احلمارة بصوت نهي��ق ‪ ،‬وهى تطوى رمال‬‫الصحراء بأرجلها ‪:‬‬ ‫ جنرى إىل أين ؟ ‪ -‬وملاذا ؟ ‪.‬‬‫نظ��ر رضــا وش��ــاهد الرجالن جيري��ان خلفهما ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واضحا أنهما س��يلحقان بهم��ا ‪ ،‬إذ أن اجلمال‬ ‫و كان‬ ‫تركض أسرع من هذه احلمارة العجوز ‪.‬‬ ‫تذكر الفتى رضا اإلشارب ‪ .‬فوضع طرف منه حول‬ ‫رقبت��ه ‪ ،‬واآلخر حول رقبة احلم��ارة قمر وإرتفعا وطارا‬ ‫فوق رمال الصحراء ‪ .‬صاح رضا ‪:‬‬ ‫ (أوجو ‪ -‬أوجو) ماهذا ‪ ،‬ماهذا ! ‪.‬‬‫وكررت ورائه قمر ‪:‬‬ ‫ ( إياجو ‪ -‬إياجو) ‪ - .‬أنا أطري ! يالسعادتى ‪.‬‬‫ أنا أطري ! ياخس��ارة ال يرانى أى من احلمري ‪ .‬أش��ار‬‫هلا رضا إىل أسفل وقال ‪:‬‬ ‫‪ -‬تش��اهدك اجلم��ال ‪ :‬والن��وق وأبنائه��م ‪ ،‬الذي��ن‬


‫‪113‬‬ ‫يس��رحون ف��ى الصح��راء ‪ ،‬وه��م يرفع��ون رؤوس��هم‬ ‫وينظرون إليهما وهما يصعدان ألعلى ‪ ،‬حتى إختفى‬ ‫م��ن يالحظه��م ‪ .‬تعجبت احلم��ارة وهى تنظ��ر عليهم‬ ‫قائلة ‪:‬‬ ‫ كيف أنهم صاروا صغار احلجم !‪ .‬أجاب ‪:‬‬‫ ألنن��ا إرتفعنا ألعلى ‪ ،‬أنظرى ‪ ،‬كيف الش��مس‬‫شديدة وتغمى األعني ‪.‬‬ ‫تذكر رضا النظارة ‪ ،‬التى ما زال ميس��ك بها جيداً‬ ‫بيده ‪ ،‬فوضعها على أعينه ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا مسحورة !‬ ‫ وياللعجب ! النظارة‬‫ أنا أرى أوانى كثرية وبها أشياء غالية !‬‫ وأرى أسفلنا مدينة قدمية ! فسألته احلمارة ‪:‬‬‫ وهل يوجد طعام ؟‬‫أج��اب رض��ا ‪ - :‬ال ‪ ،‬ال ‪ ،‬ال أرى ‪ ،‬لك��ن ‪ ،‬هناك ناس !‬ ‫طلبت منه احلمارة برجاء ‪:‬‬ ‫ إجعلنى أرى ‪ .‬خلع الفتى رضا النظارة عن عينيه‪،‬‬‫فإختف��ت الرؤي��ة ‪ ،‬ث��م وضعها عل��ى أع�ين احلمارة ‪.‬‬ ‫صرخت احلمارة بصوت نهيق ‪:‬‬


‫‪114‬‬ ‫ أرى امل��اء ‪ ،‬املاء ‪ ،‬وهى تنظ��ر بصعوبة إىل األرض !‬‫أرى نه��ر كبري مليئ باملاء ! ‪ .‬وأخ��ذت احلمارة حترك‬ ‫أرجله��ا بس��عادة حت��ى كاد الفتى أن يق��ع من على‬ ‫ظهرها ‪ .‬وهى تقول بتعجب ‪:‬‬ ‫ وى ‪ ،‬وى ‪ ،‬كيف تس��تطيع أعني عجوز مثلى أن‬‫ترى من هذه النظارة الرائعة !‬ ‫قال رضا بتعجب وهو حياول أن ميس��ك بنفس��ه ‪- :‬‬ ‫ترين ماء ؟‬ ‫ إنن��ى لت��وى رأيت فقـ��ط مدينــة وأش��ياء قيمة‬‫وناس ! ‪ .‬أجابت ‪:‬‬ ‫ إن مل تصدقنى ‪ ،‬خذ النظارة ‪ ،‬وأنظر بنفسك ‪.‬‬‫ً‬ ‫وفع�لا رأى ‪ :‬نهر‬ ‫إرت��دى رض��ا النظارة م��رة أخ��رى‬ ‫فى العمق ينس��اب م��ن جمرى حت��ت األرض فوق رمال‬ ‫الصحراء ‪ .‬صرخ بصوت عال ‪:‬‬ ‫ ياهلا من مياه كثرية تكفى لقرية بأكملها ‪.‬‬‫هزت احلمارة رأسها وقالت ‪:‬‬ ‫ أش��عر بالعط��ش ! أري��د أن أش��رب ! – لكن املاء‬‫بعيدة عل��ى األرض ‪ - .‬أريد أن أش��رب ‪ .‬أحلت احلمارة‬ ‫فى السؤال وهى تعاند ‪:‬‬


‫‪115‬‬ ‫ حسن ‪ ،‬فلنعد إىل البيت‬‫لكن الس��ماء قد أظلمت فى ه��ذا احلني وأحاطت‬ ‫بهم��ا عاصف��ة لفتهم��ا ف��ى أحضانه��ا ‪ .‬ووق��ع بعض‬ ‫ً‬ ‫شيئا ‪.‬‬ ‫احلصى على أعني أصدقائنا ومل يريا‬ ‫ حا‪،‬حا ! نهقت احلمارة وه��ى تفرج أرجلها وتلفها‬‫حفرة هوائية ‪ ،‬كنت أحلم أن أطري ‪ ،‬لكن ليس بهذه‬ ‫على ! تفو ! –‬ ‫الطريقة ! أشعر بالقئء ! سوف يغمى ٍ‬ ‫وحاولت أن تلفظ الرمل من فمها‪.‬‬ ‫هن��ا قذف��ت بهما العاصف��ة إىل منتص��ف احلفرة ‪،‬‬ ‫الت��ى إصطدمت بق��اع الصحراء ‪ ،‬وهى تلق��ى بالرمال‬ ‫ف��ى أحن��اء خمتلف��ة ‪ .‬وف��ى النهاية هدأ كل ش��يئ ‪.‬‬ ‫وإنطبقت عليهما الصحراء ‪.‬‬ ‫جل��س رض��ا وأخ��ذ ينظ��ر !! حول��ه أوان��ى فخارية‬ ‫قدمي��ة‪ ،‬ولوح��ات ‪ ،‬وس��جاد مصن��وع يدوي� ً�ا ‪ ،‬وأوانى‬ ‫موضوعة على أرفف بيضاء اللون ‪.‬‬ ‫قال��ت احلم��ارة وه��ى ترتك��ز عل��ى وع��اء م��اء‬ ‫كبري‪:‬‬ ‫ أريد أن أشرب ‪.‬‬‫إق�ترب رضا منه ‪ ،‬ونظر وفى نف��س اللحظة تباعد‬


‫‪116‬‬ ‫ً‬ ‫وبدال من إنع��كاس صورته ف��ى الوعاء املليئ‬ ‫عن��ه ‪:‬‬ ‫باملاء ‪ ،‬وجد مكانه وجه س��يدة عجوز مبتس��م ينظر‬


‫‪117‬‬ ‫إليه ! وكان��ت ترتدى نظارة وعليها إيش��ارب ‪ ،‬مثل‬ ‫س��ابقه مجيل ‪ .‬أحدثت صوت به حبه ‪ .‬مجع رضا قواه‬ ‫وسأهلا ‪:‬‬ ‫أنت ؟‬ ‫ من ِ‬‫أنا هذه ؟ ‪ -‬الصحراء ‪ ،‬أال تسمع ؟ رد عليها ‪:‬‬‫ يطلق عليك إسم صحراء ؟‬‫أطلق��وا إس��م صح��راء على إس��ـمى ‪ .‬أن��ا صاحبة‬‫الرمال ‪.‬‬ ‫ وم��ا إمس��ك ؟ أعرف إن��ك رضا ‪ .‬وفج��أة تغري وجه‬‫العجوز قائلة ‪:‬‬ ‫ ملاذا أخذت أشيائى ؟ أجاب ‪:‬‬‫ احلقيب��ة امللق��اه ف��ى الطري��ق ‪ - ...‬قاطعت��ه أي��ن‬‫حقيبتى ؟‬ ‫ً‬ ‫ موج��ودة ف��ى الطري��ق ‪ .‬وهن��اك أيض��ا إثنان من‬‫الرجال ميتطيان مجلني كانا يركضان خلفى ‪.‬‬ ‫ أتقول رجلني على مجلني ؟ إنهما سرقا حقيبتى‪،‬‬‫الت��ى أخف��ى فيه��ا أش��يائى الثمين��ة الرائع��ة ‪ .‬وهما‬ ‫حيتاج��ان فق��ط لفرع ش��جرة الزيتون اجلافة ‪ .‬س��أهلا‬


‫‪118‬‬ ‫رضا ‪:‬‬ ‫ ومن هم ؟‬‫ إنهم الس��حرة الس��ود ! وأرس��لت خلفهم العاصفة‬‫الرملي��ة ‪ .‬والعاصف��ة خطفت منه��م احلقيبة ‪ ،‬لكن‬ ‫عندم��ا إنته��ت ش��دتها أوقعتها عل��ى الطري��ق ‪ .‬وأنت‬ ‫وجدتها ‪...‬‬ ‫وهنا إنزعج رضا ‪ ،‬إذ أنه دهس فرع شجرة الزيتون‪.‬‬ ‫كي��ف يعرتف بهذا لتلك العجوز ؟ جف حلقه ‪ .‬ولعق‬ ‫شفتيه ‪ .‬قالت العجوز وهى تعيده لوعيه ‪:‬‬ ‫ فيم تفكر ؟‬‫سأهلا رضا ‪ - :‬وما ضرورة فرع شجرة الزيتون هلؤالء‬ ‫السحرة السود ؟‬ ‫ أه ‪ ،‬إنهم ناس أش��رار ‪ ،‬حفروا فى منطقتى الرملية‬‫وصنعوا تعاويز لألموات وأرادوا إسرتجاع القوات‪ ،‬التى‬ ‫ذهب��ت من أرضنا ‪ .‬احل��روب جلبت املوت ‪ ،‬وأنا مجعتهم‬ ‫عندى ‪ .‬الس��حره أرادوا من��ى ‪ ،‬أنا الصحراء !! أن أخضع‬ ‫هلم ‪ .‬لكن القدر ال يرس��لك ىل هب��ا ًء ‪َ .‬‬ ‫انت إهتدى إىل‬ ‫احلقيب��ة ‪ ،‬وإىل ف��رع الش��جرة وخذ منه��م لفافة الورق‬ ‫بالتعاويز ‪ ،‬وإرجع كل شيئ ىل ‪ .‬متتم الفتى وهو فى‬ ‫ً‬ ‫قائال فى نفسه ‪:‬‬ ‫حالة رعب‬


‫‪119‬‬ ‫ ه��ذه احلقيب��ة القدمي��ة املهلهل��ة ‪ ،‬والت��ى حت��ى‬‫يصع��ب محله��ا ف��ى اليد ‪ - ،‬س��تتمزق ‪ - ،‬وأنا جلس��ت‬ ‫على فرع الشجرة دون قصد ‪ ،‬وتشقق وتكسر ‪ ،‬فقد‬ ‫كان ً‬ ‫جافا‪ .‬وكيف آخذ اللفافة من الس��حرة السود ؟‬ ‫ً‬ ‫شيئا مما‬ ‫‪ .‬يبدو أن الس��يدة العجوز الصحراء مل تسمع‬ ‫متتم به رضا وقالت ‪:‬‬ ‫ تنفذ – س��أكافأك ‪ ،‬ال تنفذ – س��أعاقبك ‪ :‬سوف‬‫تك��ون فى خدمتى مدى احلياة ف��ى مدينة األموات و‬ ‫جدتك س��وف ال تراها ً‬ ‫أبدا ‪ .‬س��أعطيك ثالثة أيام ‪ .‬هيا‬ ‫حترك ! وس��تبقى احلمارة قمر معى – أس��عد بها ‪ .‬وال‬ ‫تفكر أن حتك��ى ألحد فى أى وقت من األوقات عما‬ ‫رأيت ‪ ،‬وس��أحتول إىل رمال ‪ .‬واآلن ميكنك أن تشرب‬ ‫املاء ‪ ،‬وإختفى وجه السيدة العجوز ‪.‬‬ ‫جعل رضا احلمارة قمر تش��رب وهو ش��رب بشراهه‬ ‫م��ن مي��اه صافية للغاي��ة ‪.‬وبعد أن أطفأ ظمأه وش��بع‬ ‫ً‬ ‫نظر حوله ‪ :‬وإذا به يرى احلمارة تنام ً‬ ‫عميقا ‪ .‬هنا‬ ‫نوما‬ ‫ش��عر رضا بثقل ش��ديد فى جفون عينيه ‪ ،‬فوقع على‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪....‬‬ ‫األرض ونام هو‬ ‫‪-------------------------‬‬‫‪ -‬إس��تيقظ رض��ا فى صح��راء ليس هل��ا نهاية ‪ .‬إىل‬


‫‪120‬‬ ‫أين املس�ير ؟ رمال بيضاء فى كل مكان ‪ .‬الش��مس‬ ‫قاربت للرحيل ‪ .‬وسرعان ما حيل املساء ‪ .‬فظيع ‪ :‬وأنت‬ ‫وحدك دون ماء أوطعام ‪.‬‬ ‫ينظ��ر رض��ا حول��ه ‪ :‬يأتى إلي��ه طائر ‪ .‬ف��ى البداية‬ ‫س��عد به ‪ ،‬لكن ظ��ل يطري أمام وجهه بإحلاح ش��ديد‬ ‫مما جعل��ه يطرده بيديه ‪ .‬غض��ب الطائر ولف حوله ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طائرا فى الصحراء ‪.‬‬ ‫ثم إبتعد عنه‬ ‫أيقن رضا أنه ممكن أن يهديه إىل الطريق فجرى‬ ‫وراءه ‪ ،‬فوق��ع ‪ ،‬وق��ام ‪ ،‬ثم ج��رى ً‬ ‫خوفا م��ن أن يغيب عن‬ ‫عينيه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضخما يرقد على الرمل يتلوى‬ ‫ثعبانا‬ ‫وفج��أة ‪ :‬رأى‬ ‫أمل� ً�ا ‪ .‬عرفه رض��ا ‪ :‬إنه ثعب��ان الصحراء ‪ ،‬الذى خيش��اه‬ ‫عاب��رى الس��بيل ‪ .‬يقال أن��ه عند لقائهم ل��ه خيتفون‬ ‫دون أثر حتى املس��لحون منهم جي� ً‬ ‫�دا ‪ ،‬فإن اللقاء به هلو‬ ‫ً‬ ‫كثريا‪.‬‬ ‫امل��وت احملقق ‪ ،‬وق��د حدثتنى جدتى عن ه��ذا‬ ‫لكن ظل الثعب��ان ال حول له وال قوة ‪ ،‬مما دفع الفتى‬ ‫أن يقرتب منه أكثر وسأله ‪:‬‬ ‫ ماذا بك ؟ أجاب ‪:‬‬‫ُ‬ ‫إىل شوكة صيد ‪.‬‬ ‫ قذفت ٍ‬‫‪ -‬أين هى ؟‬


‫‪121‬‬ ‫ إنها هن��ا ‪ ،‬حاول أن تنتزعه��ا ‪ - ،‬طلب منه الثعبان‬‫هذا بإستعطاف وفتح فمه الضخم ‪ .‬فكر رضا وهو فى‬ ‫حالة شك ‪:‬‬ ‫ « أيكون هذا فخ ؟ » ‪.‬‬‫م��ن املخيف على رضا أن يدخ��ل فى جوف الثعبان‪.‬‬ ‫وهو ضخم احلجم حيث يس��تطيع أن يبتلع ليس فقط‬ ‫فتى مثلى ‪ ،‬بل محار ومجل ‪ .‬قال رضا ‪:‬‬ ‫ حس��ن ‪ ،‬سأساعدك ‪ .‬ودخل رضا فى جوفه ‪ .‬كان‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫مظلما ‪ ،‬لكنه حترك بداخله ‪ .‬صرخ‬ ‫ أخ ‪ ،‬إن شيئ ما يوخزنى !‬‫ رد الثعبان ‪ - :‬إنها الشوكة !‬‫حتم��ل رض��ا األمل وأمس��ك بالش��وكة ‪ ،‬لي��س‬ ‫بالص��ورة اجلي��دة ‪ ،‬لكنه��ا وقعت فى يده ‪ .‬ثم ش��عر‬ ‫الثعبان ببعض الراحة ‪ .‬فقذف برضا والشوكة على‬ ‫الرمل ‪ .‬وشكره الثعبان وقال له ‪:‬‬ ‫ أن��ت فت��ى طيب وش��جاع ! أنقذتن��ى رغم خوفك‬‫الشديد منى ‪ .‬لذلك ‪ ،‬خذ هذا !‬ ‫وخرجت من عني الثعبان دمعة ‪ ,‬فوضع رضا كف‬ ‫يده ليلتقطها وإذا بها لؤلؤة ‪ .‬نظر إليها رضا وقال ‪:‬‬


‫‪122‬‬ ‫ ياهلا من مجيلة ‪.‬‬‫قال له الثعبان ‪:‬‬ ‫إىل ‪ ،‬فألقه��ا فى املاء ‪ ،‬ث��م نادى ً‬ ‫على ‪.‬‬ ‫ إذا إحتج��ت ٍ‬‫لكن تذكر ‪ :‬فى املاء ! ‪.‬‬ ‫ثم إختفى فى الصحراء ‪.‬‬ ‫غابت الش��مس وراء األفق ‪.‬وخيمت س��حابة سوداء‬ ‫على رم��ال الصحراء ‪.‬وأخذت النج��وم تتألأل واحدة تلو‬ ‫األخرى يف مسائها ‪ .‬ثم هبت نسمة باردة منقذة ‪.‬‬ ‫فتح رضا كف يده وأخذ ينظر إىل اللؤلؤة ‪ .‬وفجأة‬ ‫أخ��ذت تبعث بض��وء ‪ ،‬حتى صار ممكن� ً�ا رؤية ما هو‬ ‫بعيد حوله ‪ .‬رأى رضا فى هذا الضوء اجلملني والسحرة‬ ‫اإلثنني السود وهم نيام ‪ .‬إقرتب رضا من مكانهم ورأى‬ ‫نفس احلقيبة القدمية مربوطة فى سرج اجلمل ‪.‬‬ ‫تس��لل الفتى ومبج��رد أن أراد أن ينتزع احلقيبة ‪،‬‬ ‫وإذا بيد قوية متس��ك به وتس��حبه على الرمل ‪ .‬حاول‬ ‫رض��ا أن يفلت ‪ ،‬لكن كانت الدفعة أقوى من قدرته ‪.‬‬ ‫فإذا به الساحر يقول له ‪:‬‬ ‫ اخ� ً‬‫يرا وقعت فى ي��دى ‪ - ،‬حدثنى ‪ ،‬مل��اذا طرت فى‬ ‫اهل��واء ‪ ،‬وكي��ف إس��تطعت الطريان ؟‪ .‬صم��ت رضا ‪.‬‬


‫‪123‬‬ ‫فغضب الساحر وردد ‪:‬‬ ‫ أنت أخرس؟ ‪ -‬إن مل تقل سأقتلك !‬‫بالرغم مما ش��عر به رضا من خ��وف ‪ ،‬إال إنه تذكر‬ ‫ماقالته له مالكة الصحراء ‪.‬‬ ‫ثم ردد الساحر الثانى ‪:‬‬ ‫ فلننتظ��ر حت��ى ش��روق الش��مس ‪ .‬وف��ى الصباح‬‫س��يحدثنا الفت��ى ع��ن كل ش��يئ ‪ .‬وحالي� ً�ا الب��د من‬ ‫ربطه‪.‬‬ ‫وربط��ا رضا وألقيا به بالقرب من اجلمل واحلقيبة‬ ‫املربوطة ‪ ،‬وذهبا للنوم ‪.‬‬ ‫عندما مسع رضا صوت خشخشة ‪ ،‬فتح كف يده‬ ‫القابض بها عل��ى اللؤلؤة فومضت ورأى رضا احلقيبة‬ ‫وعليها نفس الطائر الذى أشار له الطريق فى الصحراء‪.‬‬ ‫أعاد النظر إليه ‪ ،‬فهو أس��ود اللون وحول عينيه هاالت‬ ‫صفراء تشبه ماعلى احلمارة قمر ‪ .‬وبدا له أنه رأى هذا‬ ‫الطائر من قبل ‪ .‬هتف بصوت عال ‪:‬‬ ‫ أأنت قمر ! قال الطائر وهو ينتفض ‪:‬‬‫ أخ� ً‬‫يرا ‪ ،‬عرفتن��ى ! كن��ت أظ��ن أنن��ى س��وف ال‬ ‫أستطيع الكالم ‪ .‬سأله رضا ‪:‬‬


‫‪124‬‬ ‫ ملاذا وما حدث لك ؟ ‪ -‬هل حتولت إىل طائر ؟ ‪.‬‬‫هز رأسه باإلجياب ‪ .‬ثم رد الفتى رضا ‪:‬‬ ‫ أنا سعيد برجوعك ‪ ،‬لكن جيب أن نهرب من هنا‪.‬‬‫يدى رضا املكبلتني ‪،‬‬ ‫– فى ثوان ‪ .‬ووثب‬ ‫قمر على ٍ‬ ‫ً‬ ‫وأخذ ميزق احلبل قائال ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫يدى رضا ‪ .‬وجلس‬ ‫ حاال ! وبعد دقائق قليلة فكت ٍ‬‫على إح��دى اجلملني وربط الثانى فى الس��رج وجلس‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن الس��حرة ‪.‬‬ ‫عليه قمر ‪ .‬وإنطلقا فى الصحراء‬ ‫وأثناء السري سأهلا رضا ‪:‬‬ ‫ كيف حتولتى إىل طائر؟‬‫ ختي��ل ‪ ،‬عندما بقيت عند العجوز صحراء ‪ ،‬أخذت‬‫أحكى هل��ا عن حياتى بأكملها من اخلوف ‪ .‬غضبت‬ ‫العجوز وأمرتنى أن أصمت ‪ .‬وأنت تعرفنى ال أس��تطيع‬ ‫لدى أمنية‬ ‫الصمت لفرتة طويلة ‪.‬وسألتنى ‪ :‬هل توجد ٍ‬ ‫أريد حتقيقها ؟ فقلت ‪ ,‬إننى أحلم أن أطري ‪ ،‬فإستجابت‬ ‫وحولتنى إىل طائر ‪.‬‬ ‫ وقال��ت ‪ ،‬إننى س��وف أتكل��م مثل البش��ر ‪ ،‬إذا ما‬‫على محارتك التى تتكلم ‪.‬‬ ‫تعرفت ٍ‬ ‫إمس��ع يا رضا ‪ ،‬يا لك من إنس��ان ذكى وش��جاع‪.‬‬


‫‪125‬‬ ‫وأن��ا فخورة ب��ك ! مل جي��ب الفتى ‪ ،‬أس��تمرت قمر فى‬ ‫احلديث ‪:‬‬ ‫ تع��رف فيما أفكر ‪ - ،‬فأن��ا محارة من نوع خاص ‪:‬‬‫أتكلم مثل البش��ر وأركب عل��ى اجلمل ‪.‬وال يوجد‬ ‫أى محار يتمتع بهذه امليزة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫ضحك رضا‬ ‫ أنت األن طائر صغري وتثرثر مثل الببغاء‪ .‬ردت‬‫ وأطري أيض� ً�ا ! ثم جتهمت وظلت طوال الطريق ال‬‫تتكلم ‪ .‬مل يعجبها أنه شبهها بالببغاء ‪.‬‬ ‫وبعد ‪ ،‬أشرقت الشمس ‪ .‬أوقف الفتى اجلملني عن‬ ‫الس�ير ‪ ،‬ث��م توجها بأمر من��ه إىل املوقف اخل��اص بهما ‪.‬‬ ‫وهما يسمعان له ويداعبانه وينفذان أوامره ‪.‬‬ ‫فك رضا أربطة احلقيبة وفتحها ‪ .‬وجد أن فرع شجرة‬ ‫الزيتون اجلاف قد متزق إىل قطع صغرية ‪ .‬مجعها بدقة‬ ‫ووضعه��ا فى جيب��ه ‪ ،‬ثم أخذ يبحث ع��ن لفافة الورق ‪،‬‬ ‫التى حدثته عنها عج��وز الصحراء ‪ ،‬لكنه مل جيدها‪.‬‬ ‫مخ��ن رضا أنها ق��د أن تكون مع راكب��ى اجلملني ‪.‬‬ ‫وعلين��ا الرجوع إليهما ‪ .‬إقرتحت علي��ه قمر أنه ال داع‬ ‫للع��ودة ‪ .‬وأنا س��أطري م��ن هنا وأحبث ع��ن اللفافة ‪ .‬مل‬ ‫يكم��ل رضا كالم��ه حتى إنطل��ق الطائر فى رمال‬


‫‪126‬‬ ‫الصحراء ً‬ ‫حبثا ‪.‬‬ ‫وجد رضا بع��ض املاء ورغيف خبز فى وعاء مربوط‬ ‫ف��ى اجلمل فش��رب من��ه وأكل ‪ ،‬وأخذ ينتظ��ر قمر ‪.‬‬ ‫كادت الش��مس أن تغرب والطائ��ر مل يعد ‪ .‬متتم فى‬ ‫ً‬ ‫بعيدا‬ ‫نفس��ه – يالك من طائر ‪ -‬محارة عنيدة ‪ .‬طارت‬ ‫ومن يس��تطيع أن يعرف ماذا ح��دث هلا ‪ .‬ربط احلقيبة‬ ‫ف��ى اجلمل وصع��د عليه ومبجرد أن تهي��أ للبحث عن‬ ‫قمر ‪ ،‬إذا به يراه ‪ .‬هتف ‪:‬‬ ‫ أخ� ً‬‫يرا ‪ ،‬وصل��ت ! – أصمت ‪ ،‬يا رض��ا ‪ ,‬هيا إختبئ‬ ‫السحرة قادمون إىل هنا !‬ ‫إلتف��ت رض��ا ‪ :‬الظ�لام يس��ود امل��كان ‪ .‬واهلروب‬ ‫فى الصح��راء مفزع ‪ .‬وقعت على عين��ه احلقيبة التى‬ ‫ربطها فى اجلمل ‪ .‬فأس��رع وإن��دس فيها وأقفل الغطاء‬ ‫‪ .‬إقرتب الس��حرة من موقف اجلمل ‪ .‬س��أل أحدهما وهو‬ ‫يتفحص املكان ‪:‬‬ ‫ أين إختفى الفتى ؟ ورد اآلخر ‪:‬‬‫ ممكن أن يكون قد هرب فى الصحراء‪.‬‬‫ لكن��ه ال يس��تطيع أن يبتع��د كث� ً‬‫يرا ‪ ،‬س��وف‬ ‫نتحق��ق م��ن كل ش��يئ غ� ً‬ ‫ً‬ ‫وأيضا س��وف‬ ‫�دا مس��ا ًء ‪،‬‬ ‫نتأكد من كل ما نفكر فيه ‪.‬‬


‫‪127‬‬ ‫مس��ع رضا حديثهما ‪ ،‬وهو يتل��وى داخل احلقيبة‪.‬‬ ‫ولي��س له اخلروج من املخبأ ‪ ،‬وس��رعان م��ا دهمه النوم‬ ‫‪ ...‬ثم إس��تيقظ على ص��وت إهتزاز ‪ :‬فعندما أش��رقت‬ ‫الشمس توجه الساحران فى الطريق ‪ .‬سارا وشعر رضا‬ ‫أن جسمه قد ختدر من اإلهتزاز ‪ ،‬وأن يفضح نفسه خطر‬ ‫علي��ه ‪ .‬وه��و اليعرف كم مضى م��ن الوقت ‪ .‬املكان‬ ‫خانق ويريد أن يش��رب ‪ .‬ضغط على اللؤلؤة التى فى‬ ‫يده وبدى له أنها تلذعه ‪ .‬مل يتكلم الس��احران طوال‬ ‫ً‬ ‫وأخريا مسع رضا صوت أحدهما يقول ‪:‬‬ ‫الطريق ‪.‬‬ ‫ أنظر ‪ ،‬لقد بدأ شهر جديد ‪ ،‬وقال اآلخر ‪:‬‬‫ لقد وصلنا ! ثم تركا اجلملني فى الرمال و قال ‪:‬‬‫ إحضر لفافة الورق وإقرأ‪.‬‬‫مسع رضا صوت خشخش��ة اللفافة وهى تفتح ‪ ،‬ثم‬ ‫مسع صوت الساحر يقول ‪« :‬طاملا بدأ الشهر فعليك أن‬ ‫تقرأ التعاويز ! ألق باألس�ير حت��ت أقدام القوات امليتة ‪،‬‬ ‫وأنثر رماد فرع ش��جرة الزيتون فى الصحراء ‪ .‬عند ذلك‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‬ ‫ستخضع لنا كافة القوى النائمة فى الصحراء‬ ‫العجوز صحراء ‪ ..‬ليخضع اجلميع ملن أيقظهم » ‪.‬‬ ‫قال الساحر ‪ -:‬ال يوجد لدينا أسري !‬ ‫وأمر الثانى ‪ -:‬أحضر فرع شجرة الزيتون !‪.‬‬


‫‪128‬‬ ‫كاد رض��ا أن مي��وت وهو يس��مع ص��وت خطوات‬ ‫وخشخشة فتح قفل احلقيبة ‪ .‬صرخ الساحر وهو يرى‬ ‫الفتى خيرج من احلقيبة عند فتحها ‪:‬‬ ‫ أوه ‪ ،‬هاهو األس�ير ‪ ،‬وهذا م��ا وجب ! القوى املعتمة‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫جيدا‬ ‫ساعدتنا ! وشد الساحر رضا وأمسك به‬ ‫ م��ا الذى يت�لأأل فى ي��د الفتى ؟ فتح ي��ده وإنتزع‬‫اللؤلؤة منه ‪ .‬صرخ رضا وإندفع حنوه ‪:‬‬ ‫ أعطن��ى إياه��ا ! لكن��ه أمس��ك به ورب��ط يديه‬‫وصرخ ‪:‬‬ ‫ إقرأ التعاويز فقد بدأ الشهر!‬‫مس��ع رض��ا تعاوي��ز بش��عة يلقيه��ا الس��احران ‪.‬‬ ‫وأنتش��رت أصوات األرجل وهى تدب��دب فى الصحراء‪.‬‬ ‫إنه��ا أرواح قوات اجلن��د املفقودة العائدة م��ن املاضى ‪.‬‬ ‫يبدو من وجوههم أنهم أموات ‪ .‬دفع الساحر برضا ووقع‬ ‫عند أرجلهم ‪.‬‬ ‫صرخ الساحر األكربللثانى ‪:‬‬ ‫ أحضر فرع ش��جرة الزيتون وأش��عله ! ب��دأ الثانى‬‫يبحث عنه فى احلقيبة ‪ .‬رد وهو يشعر باليأس ‪:‬‬ ‫‪ -‬ال يوجد !‬


‫‪129‬‬ ‫توجه الس��احر حنو الفتى املسكني بوجه غاضب‬ ‫وقال له ‪:‬‬ ‫ تكل��م ‪ ،‬أين فرع الش��جرة ‪ .‬وأش��ارله إىل اللؤلؤة‬‫وقال ‪:‬‬ ‫ سألقى بها !‬‫عندما رأى الساحر الفزع على وجه الفتى ‪ ،‬رفع يده‬ ‫لإللقاء باللؤلؤة عل��ى األرض‪ .‬لكن فى تلك اللحظة‬ ‫إقرتب الطائر قمر وخطف اللؤلؤة من يد الساحر وطار‬ ‫ُ‬ ‫بعيدا ‪.‬‬ ‫بها‬ ‫صرخ الساحر ‪:‬‬ ‫ طائر فى الليل ‪ ,‬إنه لفأل سيئ ‪.‬‬‫ إقتل��ه ! أخرج اآلخر س� ً‬‫�وطا وصوبه حن��و الطائر‪،‬‬ ‫وق��ع قمر وس��قطت منه اللؤلؤة عل��ى الرمال ‪ ،‬ووقعت‬ ‫على أرجل رضا ‪.‬‬ ‫صرخ الفتى حزنا وركع على ركبتيه قائال‪:‬‬ ‫ قم��ر ! ‪ .‬وقمر كان قد أصبح جس� ً‬‫�دا بال حركة‬ ‫يرقد على الرمل ‪ .‬حاول رضا فك يديه ومتتم ‪:‬‬ ‫‪ -‬ل��و يأت��ى إىل هن��ا الثعب��ان ! – وقد ق��ال ىل إلقى‬


‫‪130‬‬ ‫اللؤلؤة فى املاء ‪ ...‬لكن أين املاء ‪ ،‬مل يس��قط املطر فى‬ ‫الصحراء منذ عدة سنوات ! – وخيم احلزن عليه ‪.‬‬ ‫لكن فجأة س��قطت نقطة ماء على الفتى وبعدها‬ ‫أخ��رى وأخ��رى حت��ى إمتلئ��ت الصح��راء مبطر ش��ديد‬ ‫ومبج��رد أن وقعت قط��رات املاء على اللؤل��ؤة ‪ ،‬فى ذات‬ ‫اللحظة ‪ ،‬تفجر نهر عميق من التالل الرملية وإنس��اب‬ ‫بتدفق ش��ديد ف��ى الصحراء ‪ .‬ثم خ��رج ثعبان ضخم من‬ ‫رغاوى املاء ‪ ,‬هو نفسه الذى أنقذ رضا ‪ .‬قال له ‪:‬‬ ‫ أتنادينى ‪ ،‬أيها الصديق ؟‬‫ً‬ ‫مربوطا زحف حنو السحرة ‪.‬‬ ‫وعندما رأى الفتى‬ ‫حمله أحد من جنود السحرة وصاح لآلخر ‪:‬‬ ‫ إقتل هذا الثعبان !‬‫لك��ن هن��ا أخ��ذ الثعب��ان يك�بر ويك�بر حتى‬ ‫أصبح من الضخامة حبيث يس��تطيع أن يبتلع اجليش‬ ‫والسحرة ً‬ ‫معا ‪ .‬وظهر الفزع على وجوه السحرة ‪ .‬أمرهم‬ ‫الثعب��ان أن يرتك��وا الفت��ى ‪ .‬أخذ أحده��م يفك قيده‬ ‫ويديه ترتعش من اخلوف ‪ ،‬ثم قال الثعبان لرضا ‪:‬‬ ‫ إبتع��د من هنا س� ً‬‫�ريعا ‪ ،‬وإجلس عل��ى أعلى قمم‬ ‫ً‬ ‫شيئا ‪.‬‬ ‫الكثبان الرملية وال ختش‬


‫‪131‬‬ ‫رفع رضا جسد الطائر قمر اهلامد وضمه إىل صدره‪.‬‬ ‫ونظ��ر وهو جيلس عل��ى أعلى تل رمل��ى إىل الثعبان‬ ‫وهويلتف فى حركات راقصة حول الس��حرة ‪ .‬تس��مر‬ ‫راكب��ى اجلم��ل ف��ى مكانهم��ا وهما ينظ��ران إىل‬ ‫أعني الثعبان اخلضراء اللون دون أن حراك وهو يلتف‬ ‫حوهلما أكثر وأكثر حتى سلخ جلده ‪.‬‬ ‫بع��د أن حت��رر الثعبان من جلده أخذ يلف الس��حرة‬ ‫حول��ه ويضغط عليهم��ا وجذبهما معه ف��ى تيار مياه‬ ‫النه��ر الش��ديد وتبع��ه اجلن��ود دون إرادة ‪ .‬ثم إختفى‬ ‫النهر بعد ذلك وكأنه مل يوجد ‪.‬‬ ‫مسع رضا صوت قمر يقول ‪:‬‬ ‫ لق��د ناال جزاءهما ‪ .‬تعجب رض��ا وأخذ يربت على‬‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫جسد الطائر قمر‬ ‫ قمر ! أنت خبري ! ‪.‬‬‫س��رعان ما أشرقت الش��مس ‪ ,‬وبعدها حل الظالم‪.‬‬ ‫ف��ى ه��ذه األثناء أخ��ذت املالب��س املبللة جت��ف إقرتب‬ ‫رضا من اجلملني وظل يتفح��ص جلد الثعبان امللقى‬ ‫عل��ى الرمل ‪ ،‬وإذا ب��ه يتلون بألوان الص��دف ‪ .‬ثم هبت‬ ‫فجأة ريح عاصف��ة رفعت جلد الثعبان ووضعته على‬ ‫احلقيب��ة القدمية املهلهلة ‪َ .‬ل َف ْت� ُ‬ ‫�ه حوهلا حتى أصبحت‬


‫‪132‬‬ ‫مثل اجلديدة ‪ .‬تعجب رضا ! ‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫ ياهل��ا م��ن معج��زة ! بعد ذلك تذكر فرع ش��جرة‬‫الزيت��ون فوضع ي��ده فى جيبه املبلل بامل��اء وأخرج منه‬ ‫ً‬ ‫رطبا ويفوح منه عطر طيب ‪.‬‬ ‫الفرع‬ ‫ً‬ ‫جانبا‬ ‫ط��ار الطائ��ر قم��ر إلي��ه وإلتقطه ث��م جل��س‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫ البد أن يكون طعمه ألذ من اجلاف ‪.‬‬‫قال رضا ‪:‬‬ ‫ احلقيب��ة أصبحت جديدة ‪ ،‬وفرع ش��جرة الزيتون‬‫دبت فيه احلياة ‪ ,‬ووجدت لفافة الورق ‪ – .‬مل ْ‬ ‫يبق علينا‬ ‫إال إعادة كل هذا إىل صحراء ‪.‬‬ ‫وضع الفتى فرع الشجرة ولفافة الورق فى احلقيبة‬ ‫وتوجه إلستدعاء اجلمل ‪ ،‬لكنه وجد جبانبه احلمارة‬ ‫قمر فسأهلا ‪:‬‬ ‫ أين اجلمال ؟‬‫أجابت وهى تقضم فى فرع شجرة الزيتون احلى ‪:‬‬ ‫ أن��ا تركتهم يس��رحون ف��ى الصحراء ‪ ،‬لس��نا فى‬‫حاجة إليهم اآلن ‪ .‬فسأهلا ‪:‬‬


‫‪133‬‬ ‫ س��وف ال تتحول�ين م��رة أخ��رى إىل طائ��ر ؟ أومأت‬‫برأسها باإلجياب ‪.‬‬ ‫ أال تتكلمني مثل البشر ؟‬‫ حا ‪ ،‬حا ‪ ،‬حا ‪...‬‬‫ مل ت��رد ‪ .‬واض��ح ‪ ،‬أن املعجزات ق��د إنتهت ‪ ،‬ولكن‬‫كيف ميكن توصيل كل هذا إىل صحراء ؟‬ ‫فج��أة ش��عر رض��ا أن الرم��ل تتحرك حت��ت قدميه ‪.‬‬ ‫ومبج��رد أن أخ��ذ جانب� ً�ا ‪ ،‬وإذا ببغ��اء تهبط وتس��حب‬ ‫احلقيبة وفيها فرع الشجرة واللفافة ‪ .‬قال رضا ‪:‬‬ ‫وعلى‬ ‫ إنن��ى هك��ذا حقق��ت ش��روط صح��راء ‪،‬‬‫ٍ‬ ‫العودة إىل البيت ‪.‬‬ ‫وج��د رضا نف��س النظارة وهى تطري ف��ى اهلواء فى‬ ‫نفس امل��كان الذى إختفت فيه احلقيبة ‪ ،‬أمس��ك بها‬ ‫ووضعه��ا ف��ى جيب��ه ‪ .‬بعد ذل��ك جلس عل��ى احلمارة‬ ‫وسار فى رمال الصحراء الساخنة للعودة إىل البيت ‪.‬‬ ‫‪---------------------------‬‬‫س��عدت اجلدة الكفيف��ة برج��وع حفيدها رضا‬ ‫إليها ‪.‬‬


‫‪134‬‬ ‫كرب رضا وفتح ورش��ة لتصنيع احلقائب من أجود‬ ‫أن��واع اجللود ‪ ،‬وال أحد يع��رف حتى اآلن من أين كان‬ ‫حيصل على هذه اجللود ‪.‬‬ ‫وكان الس��ياح يش�ترون من��ه ه��ذه احلقائب عن‬ ‫ً‬ ‫وأيضا حقق أمنيته‬ ‫طيب خاطر ‪ .‬وأصبح من األغنياء‪.‬‬ ‫الثاني��ة وه��ى الس��فر إىل الب�لاد املختلفة م��ع جدته ‪،‬‬ ‫يض��اف إىل ذل��ك أنها أصبحت ترى عندم��ا إرتدت تلك‬ ‫النظارة التى أهداها هلا رضا ‪.‬‬


‫من إصدراتنا‬ ‫‪135‬‬


136


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.