الناشر رئيس جملس اإلدارة ورئيس التحرير
د .حســـني الشــــــافعي h.elshafie57@mail.ru املراسالت القاهرة – مدينة العبور
44971مكتب بريد مجعية أمحد عرابي
ص .ب 72 . Tel. & Fax: + (202) 24 77 38 70 & 71 E-mail: secertary_ert@yahoo.com شارك يف اإلعداد شيماء حممد الشافعى التصحيح واملراجعة حامد أمحد حممد
اإلخراج الفين مــي مـجـدي حترير
نور اهلدى احلسن عبد الكريم
الطباعة دار الطباعة املتميزة مدينة العبور – القاهرة
Tel. & Fax: + (202) 4478 96 44 & 46
الطبعة األوىل 2008
توزيع منشاة املعارف باإلسكندرية
الطبعة الثانية 2014
دار نشر أنباء روسيا مجي��ع حق��وق الطبع والنش��ر حمفوظة للناش��ر. ال حيق إعادة طبع أو نسخ حمتويات هذا الكتاب ً ً ضوئيا دومنا إذن كتابي من الناشر . إلكرتونيا أو
رقم اإليداع
بالتعاون مع اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم При содействии eгипетско – российской ассоциации по культуре и науке رئيس جملس األمناء
رئيس جملس اإلدارة
ا.د فيتالي ناؤمكني
د.حسني الشافعى
تقــــد يم ذكريات مرتجم سوفيتى على اجلبهة املصرية ،كتاب صدر يف طبعته األوىل منذ عدة سنوات و تعيد دار نشر انباء روسيا بالتعاون مع اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم نشره إحتفا ًء بالذكرى 40لنصر اكتوبر ، 1973وهو النصر الذي إختلطت فيه جهود و دماء اجلنود املصريني و السوفيت على السواء . الذكريات سجلها استاذ التاريخ العربي جبامعة موسكو ً مرتمجا باجلبهة املصرية خالل جينادي جورياتشكني الذى عمل الفرتة من 1969و حتى ، 1971و هى الفرتة اليت شهدت إعادة بناء القوات املسلحة و حرب االستنزاف اجمليدة . ً مخسا سجل جورياتشكني – و الذى مل يتعد عمره آنذاك ً و عشرين ً مرتمجا – ضمن ما يزيد عن عاما – أحداث فرتة عمله
اخلمسمائة مرتجم سوفييت عملوا معه آنذاك – فيصف لنا كيف عاش السوفيت يف ظروف صعبة – مثلهم مثل أقرانهم املصريني – ً قصصا إنسانية عديدة تكشف – ضمن ما تكشف – و يسرد عن روح و إرادة مشرتكة لصنع النصر الذى كان . الناشر رئيس اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم رئيس جملس إدارة و رئيس حترير أنباء روسيا
يناير 2014 5
مقدمة مل يكن تناول هذا املوضوع من قبيل الصدفة ،رغم مرور 40 ً تقريبا على تلك األحداث التى أذكرها فى كتابى .فرغم سنة تقادم الزمن ،إال أن ( حرب االستنزاف ) فى نهاية الستينات ومطلع السبعينات من القرن املاضى والتى شاركت فيها بنفسى ،تعود إىل ذاكرتى من جديد وجديد . ولعل السبب فى ذلك يعزى إىل ُسنة احلياة نفسها ،فعندما جيد اإلنسان نفسه ً دالفا العقد السابع من عمره ،فهو يبدأ فى مراجعة هذا الشوط من العمر وما حققه خالله من نتائج .واملفارقة هنا هى أنه أول ما يتبادر إىل الذهن بالدرجة األوىل هى تلك املراحل الصعبة من احلياة . وقد كانت إقامتى فى مصر كمرتجم عسكرى خالل السنوات ما بني عامى ( ) 1971 , 1969مرحلة خاصة من مشوار حياتى ،ميكن متييزها فى اضطرارى لالصطدام ألول مرة باملوت والدم والرعب ،واستطعت أن أدرك ذاتى وأفهم الناس احمليطني ً متقبال كل ما يدور حوىل فقط بلونيه بى بشكل أفضل ، األبيض واألسود دون أى تزيني أو إضفاء أى ألوان أخرى عليه . وللحق ،مل تكن هناك أى ألوان أخرى ! 7
حني أسرتجع هذه السنوات وهذه األيام ،أرى نفسى باحلركة البطيئة ،وكأنى فى حلم .وبالطبع ،مل تعد أحداث تلك السنوات تأتينى ...فى منامى وأحالمى ،مثلما كان حيدث ذلك من قبل وآنذاك .لكن مبراجعة الذات أجدنى أمام استنتاج بأن هذه األحداث حفرت بعمق ،ليس فى ذاكرتى فقط ،بل وفىطبعى ً أيضا .ومل يعد باملقدور التخلص منها بعد أن ومنط تصرفاتى أصبحت ً جزءا من الذات . ولقد أشرت فى ( ذكرياتى ) إىل رغبتى فى عدم تغيري أى شئ مما مررت به فى هذه املرحلة من حياتى ،حتى ولو أتيحت ىل مثل هذه اإلمكانية . كانت فرتة اخلدمة كمرتجم عسكرى فى مصر أثناء ً ً ضروريا لتكوين شخصيتى كرجل عنصرا (حرب االستنزاف ) ً وأيضا كخبري ومؤرخ مستعرب ،مثلماهو وضعى اآلن وإنسان ً على مدى 45عاما .ويقينى حتى اآلن هو أن عملى كمرتجم فى ظروف احلرب والقتال كان مبثابة ( جامعتى ) الثانية ،أما من كان حوىل من جنراالت وضباط وجنود مصريني ،فهم أصبحوا أساتذتى الذين نهلت من معارفهم ما مأل الفراغ فى تعليمى املهنى، وأصبحت مصر -بهم -بالنسبة ىل وطنى الثانى حتى اآلن . وحيلو ىل أن أكرر هذا القول لتالميذى املستعربني والبنتى ً ً مديرا للمركز الثقافى الروسى أيضا .فعندما عملت املستعربة فى اإلسكندرية ،كنت أشعر طوال الوقت بأن األرض صلبة ً مستعيدافى ذات الوقت ذلك اإلحساس بعدم صالبة حتت قدماى ، 8
ً ومدركا رمال اهلايكستب حتت حذائى العسكرى السميك ، لتلك العالقة اخلفية بني األزمنة آنذاك واآلن و اخنراطى فى الواقع املصرى واحلضارةاملصرية من أوسع األبواب . ً (سابقا) املالزم أول كبري املرتمجني بالفرقة الثالثة مشاه ميكانيكية ً وحاليا أستاذ التاريخ العربى احلديث واملعاصر فى جامعة موسكو الدكتور جينادى جورياتشكني 12سبتمرب عام ، 2007موسكو
9
ذكرياتى
مقدمه كان من احملتم ّ على كتابة هذه املقدمة التى تضم ذكرياتى عن تلك الفرتة من حياتى حتى ولو كانت تلك املقدمه موجزة . ً أوال :ملرور فرتة ليست بالقصرية على تلك األحداث التى سردتها فى هذا الكتيب ،وكان من الطبيعى نسيان الكثري من تفاصيل هذه األحداث . ً ثانيا:إن تلك األحداث التى الزلت حتى اآلن أتذكرها قد مضى عليها زمن طويل ،إىل حد ما مت تشويهها للعديد من األسباب املختلفة .من هنا ظهرت ضرورة إحياء هذه األحداث فى ذاكرتى وإزالة ما شابها من تشوهات ،ثم حتديثها مع االحتفاظ بصورتها املاضية الواقعية . ً شيئا ً تعترب الذكريات والتأمالت فى أحداث املاضى ً حمضا. ذاتيا جيب وضع ذلك فى اعتبارنا .ولكن على الرغم من أن هذه ً ً شخصيا ،فهى ضرورية والزمة للفهم طابعا املذكرات حتمل األفضل للتاريخ .وذلك ألن التاريخ ما هو إال تفاعل سلوكيات األفراد على خمتلف املستويات سواء احلكومية أم اجلماعية أم الفردية ..إىل غري ذلك من املستويات .لذلك فإن ذكريات حتى 13
الفرد الواحد هلا دور فعال ال يستهان به فى استكمال املادة اجملمعة واملنشورة فى موضوع معني . فى كتابى هذا يدور احلديث عن التعاون السوفيتى – املصرى ً أيضا لدى القارئ العسكرى املتعدد اجلوانب ،كما يثري األفكار لتتبع دراسة هذا املوضوع والتعمق فى التفكري فيه . ً جزءا ال يتجزأ من كتاب مذكرات يعترب هذا الكتيب السوفييت املشاركني فى األعمال احلربية فى مصر وفى الستينات والسبعينات من القرن املاضى .وقد ظهرت مذكرات هؤالء العسكريني السوفييت ألول مرة على شكل كتاب فى عام ،1997بعد عام واحد من زيارة وفد احملاربني القدماء السوفييت للقاهرة تلبية لدعوة رجل األعمال املصرى املعروف السيد /إبراهيم كامـل ،الـذى ربط مصاحله االقتصادية والتجارية واالجتماعية بروسيا ،فهو نائب رئيس مجعية أصدقاء روسيا فى مجهورية مصر العربية .وبعد مرور حواىل عام صدرت الطبعة الثانية من هذا الكتاب بعنوان ( رفع الكود ) سرى ً جدا . وفى عام 2001خرجت إىل النور الطبعة الثالثة من هذا الكتاب ً مقالة قام بكتابتها عدد كبري من التى حوت تسع وعشرون السوفييت الذين عاشوا تلك الفرتة على خمتلف املستويات ً بدءا من السيد /فالدميري فيناجرادوف نائب وزير اخلارجية السوفيتى والسفري السوفيتى بالقاهرة وعدد من كبار اجلنراالت السوفييت إىل أصغر رتبة فى القوات املسلحة السوفيتية التى كانت متواجدة فى مصر للمشاركة فى صد العدوان اإلسرائيلى . 14
كانت الطبعة الثالثة من هذا الكتاب حتمل عنوان (...حينئذ فى مصر) ،وقد اشرتكت بإحدى مقاالتى التى نشرت فى هذه الطبعات الثالث . لقد أسست هذا الكتيب على تلك املقالة مع عمل بعض اإلضافات اجلوهرية هلا ،وفى الوقت ذاته أزلت التفاصيل الغري الزمة منها . يدور احلديث هنا على وجه العموم عن تواجدى فى مصر للعمل كمرتجم عسكرى سوفيتى فى الفرتة من 26أغسطس من عام 1969حتى 26أغسطس من عام . 1971 أ.د .جينادى جورياتشكني اإلسكندرية .صيف عام 2003
15
ذكريات مرتجم سوفيتى على اجلبهة املصرية
فى شهر يونيو من عام 1969وبعد انتهائى مباشرة من أداء امتحانات التخرج فى معهد اللغات الشرقية ( الذى أصبح يعرف فى الوقت احلاىل باسم معهد بلدان آسيا وإفريقيا ) التابع جلامعة موسكو املسماة باسم « لومونوسوف » ،حيث كنت أدرس هناك منذ عام 1963اللغة العربية وغريها من املواد املرتبطة بتاريخ وثقافة وحضارة الدول العربية ،مت استدعائى ألداء اخلدمة العسكرية فى صفوف اجليش السوفيتى .أصبح من الواضح اجللىأننى سأقضى مدة اخلدمة العسكرية كمرتجم عسكرى للغة العربية والتاريخ ،فقد كان ختصصى املبني فى الشهادة اجلامعية التى حصلت عليها هو ( :اللغة العربية وتاريخ البلدان العربية ) .مل يكن عندى أدنى شك فى أنه سيتم إرساىل إىل إحدى الدول العربية للعمل هناك كمرتجم عسكرى ، ذلك ألن الوضع فى الدول العربية مبنطقة الشرق األوسط كان قد بلغ أقصى درجات االضطراب ،وكانت ( حرب االستنزاف ) تدور رحاها فى مجيع أحناء مجهورية مصر العربية . لقد مت استدعائى ألداء اخلدمة العسكرية باجليش فى أوائل يوليو .ومنحت رتبة عسكرية بدرجة مالزم .كما حصلت 19
على أجازة قضيتها مع والدى فى منطقة إيركوتسك بالقرب من حبرية بايكال الواقعة فى شرق سيبرييا .لقد كنت أحتفظ خبرب استدعائى للسفر إىل إحدى الدول العربية عن طريق وزارة دفاع االحتاد السوفيتى فى طى الكتمان .حيث أخذوا ً ً ّ كتابيا بعدم إفشاء هذا السر العسكرى. التزاما على تعهدا ًو لكن والدي كانا يعرفان بالطبع عن تلك املهمة التى كانت ً كثريا فقد كنت أنا تنتظرنى وكانا يعانيان من جراء ذلك ابنهما الوحيد الذى مل ينجبا غريه .وقد أصاب احلزن العميق والدتى على وجه اخلصوص التى كانت تعمل مدرسة بإحدى ً ً ومتمالكا متماسكا املدارس اإلبتدائية .أما والدى فكان ألعصابه إىل حد كبري بالنسبة ملا كانت تعانيه والدتى ،نظراً ً حتمال ،كما أنه قد اشرتك فى القتال فى ألنه رجل فهو أكثر احلرب الوطنية العظمى ،حيث أصيب بالصمم . ً ً ً ملحوظا .وفى أوائل شهر سريعا غري مرورا مرت أيام اإلجازة أغسطس كنت فى موسكو حتت أمر وتصرف هيئة األركان العامة .وكان قد مت حتديد البلد الذى سيتم إرساىل إليه .وحيث إننى قد أنهيت دراستى مبعهد اللغات الشرقية فى اجملموعة التى تدرس اللغتني العربية والفرنسية بهدف العمل فيما بعد فى بالد املغرب .لذا فقد كان من املتوقع أن أسافر إىل اجلزائر كمرتجم عسكرى ،حيث كان يعمل اخلرباء واملستشارون العسكريون السوفييت هناك منذ سنوات عديدة .باإلضافة إىل ذلك فقد كنت على علم بأن كبري املستشارين العسكريني السوفييت فى اجلزائر كان قد طلب منذ فرتة طويلة إرسال أحد 20
املرتمجني العسكريني إىل اجلزائر الذى جييد اللغتني العربية والفرنسية إجادة تامة .وملا كان عدد هؤالء املتخصصني فى بلدنا فى ذلك الوقت قليل ً جدا يعد على أصابع اليد الواحدة . عندئذ رفضت هذا العرض .وقد حاولوا إقناعى على ما أتذكر ملدة ثالثة أو أربعة أيام ،لكن دون جدوى .وال أستطيع أن أجد ً سببا وراء رفضى السفر للعمل فى اجلزائر على ساحل البحر األبيض املتوسط الذى كانت تتمتع باهلدوء والسكينة .بينما أصررت على السفر إىل مصر حيث كانت غاية فى االضطراب. فهناك تراشق بنريان املدفعية عرب قناة السويس ،بينما تقوم الطائرات احلربية بطلعات جوية متكررة ،وكذلك كانت قوات السالح البحرى تؤدى بنشاط دورها الفعال فى هذه احلرب . لقد توصلت إىل معرفة سبب اختاذى هذا القرار ،وهو أننى ً طالبا باملعهد وكنت أؤدى فرتة تدريبى على عندما كنت ممارسة اللغة العربية مبصر .تعرفت حينئذ على اللهجة املصرية عن قرب ،وعقدت العزم على أننى بعد انتهائى من أداء اخلدمة العسكرية باجليش سأقوم بكتابة رسالة دكتوراه عن هذا البلد . ً وأخريا استطعت إقناع القائمني على عملية التسفري بهيئة األركان العامة بأنه من الضرورى إرساىل للعمل فى مصر . ً قليال كى يتفهم القارئ بصورة أكثر وأود أن أستطرد هنا ً وضوحا أسباب وبواعث مسلكى هذا .أال وهو ملاذا اخرتت مصر بالذات كى أسافر إليها للعمل بها ؟ . 21
والذى حدث أنه قبل ذلك وبعد انتهائى من السنة الدراسية الرابعة باملعهد أرسلت إىل مصر فى بعثة عملية تدريبية لرفع مستوى الكفاءة ملدة عشرة أشهر ،حيث كان البد ىل من رفع مستوى كفائتى فى معرفة اللغة العربية ،والتعرف على البلد وكذلك مجع كافة البيانات واملعلومات الالزمة لكتابة العمل العلمى للحصول على درجة الليسانس باملعهد . وملا كان البد ىل من قضاء مدة هذه الدراسة فى مصر لذا فقد كان موضوع العمل العلمى الذى كان جيب ّ على أن أكتبه للحصول على درجة الليسانس باملعهد يتعلق بتاريخ هذا البلد وفحواه « :الوضع االقتصادى لبقية العمال جبمهورية مصر العربية » . وفى اعتقادى أنه ال حاجة ىل لشرح السبب فى اختيارى هذا املوضوع بالذات عن طبقة العمال .فلقد كانت مشاكل الصراع الطبقى وطبقة العمال وغريها من املوضوعات املتعلقة بالطبقة العاملة فى اجملتمع تعترب فى ذلك الوقت موضوعات حديثة جديدة مواكبة للعصر وأحداثه ومشاكله .عالوة على ذلك ،فإن املشرفة على رسالتى العلمية الدكتورة /أتسامبا كانت قد كتبت رسالة علمية فيما مضى عن وضع العمال املصريني قبل ثورة يوليو عام . 1952لذا فقد كان يتعني ّ على أن أستكمل بدورى هذا العمل الذى بدأته مشرفتى العلمية . بالنسبة للوضع فى مصر ذلك الوقت ،فإن طبقة العمال كانت تشغل مكانة مرموقة فى اجملتمع املصرى الذى كان آنذاك 22
ينتهج املنهج االشرتاكى ،وكانت تلعب ً دورا ً هاما فى سياسته الداخلية .ويكفى أن نذكر أن نسبة 50%من أعضاء جملس الشعب واالحتاد االشرتاكى العربى كانوا من ممثلى العمال والفالحني ،وكذلك فى منظمة الشباب االشرتاكى وسائر املنظمات االجتماعية األخرى .وخالل فرتة مهمتى العلمية الطالبية عن طريق وزارة التعليم العاىل باالحتاد السوفيتى، قمت جبمع مادة علمية جيدة وغزيرة الستخدامها فى كتابة العمل العلمى الالزم للحصول على درجة الليسانس باملعهد .وقد وضعت هذه املواد العلمية حني عودتى إىل موسكو فى عشرين صندوق . كانت فرتة تواجدى مبصر ابتداء من شهر نوفمرب 1967وحتى أغسطس 1968هى املرة األوىل فى حياتى التى أتواجد فيها خارج وطنى ً . حقا إن البلد األجنبى األول الذى يسافر إليه املرء كاحلب األول فى حياته ،ومل أكتف فقط بكتابة العمل العلمى لنيل درجة الليسانس عن مصر ،بل وفيما بعد كتبت أطروحة لنيل درجة الدكتوراه عن « :تكون طبقة البلوريتاريا باملعامل واملصانع جبمهورية مصر العربية ،والوضع املادى هلا (فى السنوات من عام 1952وحتى عام ، ) 1970وقد دافعت عن أطروحتى بنجاح فى عام ، 1975وفى عام 1996أنهيت كتابة رسالة الدكتوراه للدولة ودافعت عنها بنجاح ،وكان موضوعها عن « :تكوين الطبقة العمالية فى مصر فى ظروف التحديث االستعمارى ( فى الفرتة من عام 1841وحتى . » ) 1914 23
وبعد انتهاء إجازتى حضرت إىل القاهرة فى 26أغسطس عام . 1969ومن خالل باب الطائرة املفتوح أحسست حبرارة جو شهر أغسطس الشديدة . ً وقتا مل تستغرق إجراءات اجلمارك مبطار القاهرة الدوىل ً طويال ،فلقد كان طريق العسكريني السوفييت إىل مصر فى ً ً ومنظما وبال أية تعقيدات تذكر . ممهدا تلك األيام استقبلنا أحد موظفى هيئة أركان املستشارين العسكريني وهو اجلنرال « كاتيشكني » الذى حجز لنا أماكن فى أحد الفنادق املتواضعة وهو فندق « سعود » 2حبى مصر اجلديدة بالقاهرة بالقرب من مستشفى هليـوبوليس ،وهذا املبنى ً ً مؤقتا مسكنا فى الوقت احلاىل ال أثر له ،حيث كان ُيعد للمرتمجني السوفييت القادمني للعمل فى مصر .ثم بعد ذلك كانوا يقومون بتوزيعنا لإلقامة فى أماكن سكنية أخرى وبصفة أساسية كانوا يقيمون فى جممع الفنادق « نصر سيتى » مبدينة نصر وكان يعيش معنا فى نفس الفندق خرباء عسكريون سوفييت حضروا إىل مصر للعمل لفرتات قصرية ، الزلت أذكر حتى اآلن أربعة من بينهم كانوا يدربون اجلنود والضباط املصريني على كيفية استخدام القذائف املضادة للدبابات التى تعرف باسم «مالوتيكا » . كان الفندق الذى نزلنا به فور وصولنا إىل مصر عبارة عن مبنى صغري يتكون من ثالثة أو أربعة طوابق ،ويقع بالقرب من محام سباحة .وفى الليلة األوىل جمليئنا إىل الفندق مسعت 24
ً ً قصريا دار بني اثنني من املصريني .حيث سأل حوارا بالصدفة أحدهم اآلخر « :عائالت » ،فأجابه اآلخر « :ال ..عزاب» ،هذا يعنى أننا نعيش فى فندق « سعود »2للرجال العزاب ،أما فندق ً خمصصا إلقامة العائالت ،كما كان « سعود »1فقد كان ً أيضا مكتب الرائد الربديسى . يوجد به كان الرائد الربديسى ممشوق القوام حسن املظهر ،وكان ً معروفا باحلزم والدقة والنظام والدرجة العالية من الفكر والثقافة ،وقد رقى فيما بعد إىل رتبة مقدم ،كان يرأس قسم « اخلدمة الروسية » الذى كان يتبع وزارة احلربية املصرية ويدخل فى حدود اختصاصه تنظيم إقامة وتسكني العسكريني القادمني إىل مصر من االحتاد السوفيتى ،وتوفري كافة اخلدمات الالزمة هلم وتوفري التأمني هلم وغري ذلك . أقمنابعض الوقت فى فندق « سعود »-2فى انتظار تعيينى وحتديد مهام وظيفتى ،باإلضافة إىل ذلك فلم يكن هناك ً ً خاليا فى فنادق مدينة نصر ،وبعد مرور حواىل مكانا أسبوعني أو ثالثة أسابيع أخربنى « جيورجى ريئوتسكى»، رئيس مكتب الرتمجة بهيئة أركان كبري املستشارين العسكريني السوفييت بأننى سأعمل كمرتجم أول بفرقة املشاه امليكانيكية الثالثة التابعة للمنطقة العسكرية ً كيلومرتا فى طريق املركزية املرابطة على بعد حواىل عشرين القاهرة اإلمساعيلية .وبعد فرتة قصرية حضر « فيكتور جافريلوفيتس ستوبني » ،كبري مستشارى الفرقة إىل مكتب 25
الرتمجة ،حيث كنت قد قمت بعمل عدة تراجم حتريرية مع زمالئى من املرتمجني أمثال فالريى فجنيفتس من منطقة جبال األورال « ،يورى ليباكني » من مدينة كييف « ،نيكوالى لوكاشونك » من مدينة كييف « ،نيكوالى لوكاشونك» من مدينة مينسك ،وقد مت إخالء سرير ىل كان خيص أحد املستشارين العسكريني السوفييت الذى استشهد قبل ذلك بفرتة وجيزة نتيجة لقصف طائرات « الفانتوم » اإلسرائيلية . كانت الشقة التى عشت فيها تتسع إلقامة أسرة متوسطة العدد ،وهى مكونة من حجرتى نوم وحجرة طعام وصالة ، فنقلنا إىل هناك حيث عشنا كل اثنني فى حجرة ،فقد كنا ثـمانية أفراد . كان املستشار العسكرى السوفيتى الذى استشهد أثناء القصف اإلسرائيلى هو ثالث ضابط سوفيتى يستشهد خالل غارات العمق اإلسرائيلية .لقد أدى هؤالء الشهداء الثالثة واجبهم العسكرى على أكمل وجه كمستشارين عسكريني لقائدى كتائب املدفعية املصرية املضادة للطائرات التى كانت حتمى كتائب الصواريخ املضادة للطائرات . فى ذلك احلني كانت ( حرب االستنزاف ) التى أعلنها الرئيس مجال عبد الناصر ضد إسرائيل قد دخلت مرحلة جديدة حامسة. فبعد تناول إطالق نريان املدفعية عرب قناة السويس عمدت القوات اجلوية اإلسرائيلية إىل تدمري وسائل الدفاع اجلوى املصرى بصورة خمططة ،بدأت مبنطقة قناة السويس ،ثم امتدت بعد 26
ذلك إىل داخل البالد .ومما كان حيز فى نفسى أن جارى فى احلجرة التى كنت أقيم فيها وهو رائد مستشار قائد كتيبة ً كثريا ما كان يشري إىل نفسه املدفعية اجلوية مبنطقة الدلتا ً مرددا أنه سيكون الضحية التالية ... بالنسبة ىل فقد كانت هذه املرة األوىل التى أتعرض فيها ملثل هذه املشاعراملروعه ،وهى سقوط الناس صرعى وقتلى خالل املعارك احلربية . كانت معرفتى باحلرب وما جتره على البشرية من ويالت هى معرفة قاصرة حمدودة ال تتعدى ما كنت قد قرأته عنها فى الكتب ،وما شاهدته فى األفالم السينمائية ،وما كان يقصه على والدى من واقع مشاهداته على جبهة القتال ،عندما كان يقوم بواجبه حنو وطنه خالل احلرب العاملية الثانية . احلق يقال ،فإن الوضع كان غاية فى السوء .فحتى اهلواء املنبعث من املروحة الكهربائية القوية مل يستطع أن خيفف من شدة حرارة ورطوبة اهلواء ،أو أن يبعد عن خاطرى تلك األفكار السوداء املقيتة من أننى أنام على نفس السرير الذى كان ينام عليه املستشار العسكرى السوفيتى الذى لقى حتفه أثناء القصف اإلسرائيلى منذ فرتة وجيزة .هذا باإلضافة إىل أننى قد اشرتكت فى إعداد قائمة مبتعلقاته وحاجاته الشخصية ،ومت إرساهلا إىل موسكو . ً كثريا ما كانت تراودنى أحالم مفزعة تقلقنى فى هذه األيام ً مصابا فى قدمى وتقضى على مضجعى ،فكنت أرى نفسى 27
ً هاربا من أحد معسكرات االعتقال أهرب أو بصورة أدق أزحف والتعذيب اإلسرائيلية حتت األسالك الشائكة التى حتيط باملعسكر بينما أسحب معى إحدى الفتيات . كانت قوات الفرقة الثالثة اآللية ترابط فى منطقة اهلايكستـب ،حيث كانت تتواجد هناك ثكنات جيش االحتالل اإلجنليزى قبل قيام الثورة املصرية فى عام . 1952لذا ً مجيعا -املستشارين العسكريني ففى صباح كل يوم كنا واملرتمجني السوفييت -ننتقل بواسطة ميكروباص أزرق اللون إىل منطقة اهلايكستب ،ثم نعود فى املساء إىل مدينة نصر . كان يقوم معى بأعمال الرتمجة مرتمجان آخران جييدان اللغة اإلجنليزيـة ،حضرا من االحتاد السوفييتى ،ويعاونهم بعض ً ً دراسيا لتعليم اللغة فصال املصريني الذين أمتوا فى القاهرة الروسية مدته ستة أشهر . ً وفقا للتصريح الذى أدىل به اجلنرال شوكني – نائب املستشارين العسكريني السوفييت بالقسم السياسى – فى أحد االجتماعات التى ضمت مجيع املرتمجني العسكريني السوفييت ،فقد وصل عدد املرتمجني السوفييت الذين كانوا يعملون آنذاك فى كل أحناء مصر إىل حواىل 500مرتجم . كان عدد املرتمجني العسكريني السوفييت الذين جييدون اللغة اإلجنليزية يفوق عدد الذين جييدون اللغة العربية .من بني املرتمجني السوفييت الذين يتحدثون اللغة العربية ،كان هناك طلبة أنهوا الفصل االدراسي الثانى باملعهد العسكرى 28
للغات األجنبية ،وحضروا إىل مصر لقضاء فرتة تدريبية بها . لقد حضر زمالئى من املرتمجني السوفييت من أماكن عديدة خمتلفـة :من أوزبكستان ،أذربيجان ،أوكرانيا ،أرمينيا ، موسكو ،ليننجراد ،من ضفاف نهر الفوجلا ومشال القوقاز وغريها . وقع العبء األكرب فى أعمال الرتمجة على عاتق املرتمجني السوفييت املتخصصني فى اللغة العربية ،وعلى وجه اخلصوص هؤالء الذين كانوا على علم ودراية من قبل باللهجة املصرية . مل متح من ذاكرتى حتى يومنا هذا أعمال الرتمجة الشفهية الفورية التى كنت أقوم بها أثناء التدريبات العسكرية العملية جلنود وضباط اجليش املصرى ،وكذلك خالل االجتماعات املختلفة التى كانت تعقد بصفة دورية منتظمة . هكذا فقد كنا نقوم بالرتمجة الفورية ،حيث كان معظم ً متاما املستشارين واخلرباء العسكريني السوفييت يتفهمون وضع املرتجم العسكرى باعتباره مهندسا حديث التخرج حيتاج إىل تهيئة وإعداد فى جمال اإلعداد التخصصى حتى لو كان ً لفرتة قصرية .لكن مل يكن هناك ً كافيا لذلك .لقد وقتا تطلب الوضع املشتعل بدء العمل على وجه السرعة بالرغم من صعوبة اللهجة العامية املصرية . على الرغم من وجود بعض املعوقات والصعوبات عند الرتمجة فقد كانت العالقات بني املستشارين ومن يعملون معهم من ً صباحا ،ومسا ًء املصريني جيدة .لقد كانت أعمال الرتمجة تتم 29
داخل اخليمة وفى الصحراء ،وفى العراء أو داخل السيارة اجليب أثناء التدريبات العسكرية فى الرتاب والرمال املريعة .لقد كان الواجب حيتم علينا العمل فى خمتلف الظروف واألحوال، فعملنا ضمن كتيبة دبابات ومع أفراد لواء املدفعية وكتيبة املركبات وغريها . ً أيضا بالرتمجة فى مكتب قائد حيضرنى اآلن أنى قد قمت الفرقة فى نفس الوقت ،بينما كان يتم قصف لواء دبابات جماور لنا ومستقل عنا بالقنابل .وعندما مسعت أصوات سقوط قنابل مدوية ،كنت أول فرد يندفع من خالل الباب ،وقفزت فى احلال فى خندق على شكل برميل يقع على مسافة حواىل عشرة أمتار من املبنى الذى كنا فيه .تبعنى إىل هذا اخلندق أحد اجلنود الذى قفز ورائى فى اخلندق ،فهوى على ظهرى بشدة حبذائه الضخم املطعم باحلديد .وبعد مرور عدة دقائق عاد اهلدوء إىل املكان مرة ثانية ،فرجعت إىل مكانى .شعرت باخلجل واحلرج الشديدين أمام قائد الفرقة ورئيس األركان والسيد /ستوبني الذين ظلوا جالسني بهدوء على مقاعدهم ،ومل يصبهم الذعر أو اهللع .أما أنا فكنت الوحيد الذى هرعت من املكان وكأن الريح قد عصفت بى على حني ُغرة أعتقد أنه كان من األفضل ىل أن أجلس معهم ً بدال من األمل الذى عانيت منه فى ظهرى نتيجة سقوط اجلندى على فى اخلندق حبذائه املطعم باحلديد . ً سببا فى إنقاذ كانت احليطة واحلذر فى بعض األحيان املرتمجني الشبان من اخلطر احملدق بهم ،يكفى أن أذكر هنا 30
حدثني من هذا القبيل : أحدهما حدث فى منطقة الدلتا فى كتيبة مدفعية مضادة ً تاركا للطائرات ،فما أن بدأ قصف القنابل حتى أسرع املرتجم مركز القيادة .أما املستشار العسكرى السوفيتى وقائد الكتيبة فقد ظال فى مكانهما ومل يغادراه ،كى يستعرضا هدؤهما وعدم اكرتاثهما مبا حيدث حوهلما ،وما هى إال بضعة حلظات حتى سقطت عليهما إحدى القنابل التى أودت حبياتهما ً معا .بينما ظل املرتجم على قيد احلياة . أما احلدث الثانى املماثل له فقد وقع للعقيد كبري مستشارى إحدى الفرق التابعة ألحد اجليشني امليدانيني اللذين كانا يرابطان على طول جبهة قناة السويس .فبينما كان كبري ً عائدا إىل فرقته على جبهة قناة السويس بعد أجازة املستشارين ملدة يومني -كانت متنح عادة فى يومى اجلمعة والسبت - توقفت السيارة التى كانت تقلهما فجأة فى الطريق .من اجلائز أن يكون السائق قد أحس بوجود خطر ما ،أو يكون قد مسع أصوات انفجارات أمامهم ،على وجه العموم ليس هذا هو املهم . املهم أن ذلك قد حدث فى منتصف الطريق إىل القنال .فاملدفعية اإلسرائيلية مل تتمكن من الوصول إليهم فى هذا املكان من الضفة الشرقية لقناة السويس . مهما يكن األمر فما أن توقفت السيارة حتى أسرع املرتجم ً خارجا منها ،وانبطح على األرض وغطى رأسه بيديه من شدة 31
ً متمهال اخلوف واهللع ،أما كبري املستشارين فقد وثب من السيارة على غري عجلة وأخذ يهز رأسه فى لوم وعتاب ً آخذا على املرتجم جبنه وشدة خوفه .وهنا مسع فى التو واللحظة صوت انفجار صاروخ .مل ُيصب املرتجم بأى سوء ،بينما أطاحت إحدى الشظايا بنصف رأس العقيد . كانت أصعب أنواع الرتمجة تلك التى تتم أثناء تدريبات األركان والقيادة على مستوى الفرقة واجليش .كان يشرتك ً غالبا املرتمجون السوفييت من ذوى اخلربة الذين جييدون فيها ً ً اللهجة املصرية إجادة تامة فهما وتعبريا ،فذلك النوع من الرتمجة اختالفا ً ً تاما عن الرتمجة أثناء إجراء املباحثات كان خيتلف واملداوالت بني املستشارين العسكريني السوفييت والضباط املصريني العاملني معهم ،ففى هذه احلالة ميكنكم الرتمجة ً أيضا كان يدور أى حوار أو مناقشة بهدوء وروية .فهكذا بينهما . كان شرح وحتليل هذه التدريبات يتم عادة فى مكان واسع فسيح ،حيث كان حيضرها بضعة عشرات على أقل تقدير. يبدأ قائد فرقة اجليش أو أحد القواد العسكريني من ذوى الرتب العليا هذا االجتماع الذى كان فى البداية يسري بصورة منتظمة ثم تبدأ بعد ذلك املناقشات واملداخالت ،ويقاطع ً وأحيانا يتدخل السوفييت الضباط بعضهم البعض أثناء املناقشة فى هذا النقاش .وهذا كله يشكل بالنسبة للمرتجم صعوبة بالغة ،فعلى الرغم من كل هذه الصعوبات فى الرتمجة ،فإن 32
املستشارين كانوا يريدون فهم ومتابعة كل ما يدور فى هذا ً فكثريا ما كنت االجتماع دقيقة بدقيقة وحلظة بلحظة ،لذا أحس بستوبني ،يلكزنى بكوعه فى جنبى يستحثنى على ترمجة ما يدور من أحاديث ومناقشات جانبية .وعندما كنت ً قليال ،ولو لبضع حلظات كنت أحس بذلك بصورة أصمت ً ً ً أكثر وضوحا مستفسرا منى وسائال إياي « :عن أى شئ يدور احلديث؟» فكنت أتابع ترمجة حديث ونقاش اجلنراالت والضباط املصريني .هذا بالرغم من أن هذا احلديث قد يطول إىل ً وأحيانا إىل الثالث الساعة أو الساعة والنصف أو الساعتني ،بل ساعات . ً أوقاتا كانت شروح هذه التدريبات العسكرية تستغرق ً أحيانا إىل األربع أو اخلمس ساعات على التواىل، طويلة ،متتد تتخللها بالطبع فرتات راحة قصرية لتناول بعض املشروبات كالشاى والقهوة والكوكاكوال . كان الوضع فى بعض األحيان يصل إىل درجة عالية من ً وأحيانا يصل إىل حد يبدو وكأنه معركة اجلدية ،بل كالمية .أنا ال أحتدث هنا عن تلك التعقيدات اإلضافية التى أوجدتها وسببتها ( حرب االستنزاف )التى اندلعت فى شهر مارس من عام . 1969 كان جيب على أن أبذل قصارى جهدى فى ترمجة كل ما ً ً مستحثا إياي منتظرا أن يلكزنى أحد بكوعه يدور غري على مواصلة الرتمجة دون أى توقف .لقد كانت ترمجة فورية 33
حقيقية ،ليست كتلك الرتمجات الفورية التى استوجب األمر املشاركة فيها فى موسكو . كان املرتمجون يقومون بالرتمجة الفورية فى االجتماعات التى كان يعقدها احلزب الشيوعى السوفيتى ،والنقابات وغريها من االجتماعات والندوات األخرى والدولية اهلامة . ً وكثريا ما كان هؤالء املرتمجون يقرأون نص الرتمجة املعد فيما قبل ذلك ،إذ بينما كان اخلطيب يلقى خطابه من فوق ً مسبقا مع املنصة .كان من املهم أن تتزامن قراءة الرتمجة املعدة كلمات املندوب املتحدث ،فال تسبقه وال تتأخر عنه ،وتنتهى ً متاما مع نهاية حديثه . بالطبع فقد كان املرتمجون -حينذاك -يقومون بالرتمجة الفورية بصورة صحيحة فى قصر املؤمترات وقاعة العمدة ،وفى دور االحتادات وغريها .وإنى أعرف الكثريين من هؤالء املرتمجني ً ً ُ واحرتاما . تقديرا وأكن هلم لكن حتليل وشرح التدريبات العسكرية ،والذى كان ميتد ً ُ وأحيانا إىل أكثر من ذلك ُ ، خمتلف أمر إىل ثالث أو أربع ساعات ً متاما ،إذ كان النقاش يشتد ويتحول إىل حوار ساخن ونتيجة لذلك ترتاكم األعباء على املرتجم .لذا فقد كان جيب ّ على تركيز كل اهتمامى على فهم اجلو العام للنقاشات الدائرة لكى تبدو الرتمجة التى كانت تتم فى هذه احلالة مفهومة بوضوح . إىل جانب ذلك ،فقد كان مثل هذا النوع من الرتمجة يزداد 34
ً ً وفقا لظروف ومالبسات أخرى متعددة ،منها على تعقيدا ً كثريا من املتحدثني -فى ُجل األحيان -كانوا سبيل املثال :إن جيلسون على مسافات بعيدة منى ،وقد ولوا ظهورهم ىل ،بينما كان هناك آخرون يعانون من عيوب فى نطق بعض احلروف ، أو يتحدثون بصوت منخفض غري مسموع ،بينما كان البعض يتعمد أن يتحدث بصوت غري واضح وبضرورة غري مفهومة وكأنهم ال يريدون أن يسمعهم ً أحدا غريهم ويفهم ما يقولون . فعلى سبيل املثال ،كانت أصوات احلروف العربية تنشأ ومتوت فى حنجرة قائد الفرقة امليكانيكية الثالثة السيد /حجازى وال ً شيئا ،فكانت الكلمات تسمع فى احللق وكأن يسمع منها هناك « خليطاًما غري متجانس من األصوات » ،أو غرغرة كتلك التى تصدر من األجهزة األلكرتونية .وفى هذه احلالة فإن لكزة كوع السيد /ستوبني ىل فى جنبى مل تكن لتساعدنى -بأى حال من األحوال–فى القيام بأعمال الرتمجة . لكن على وجه العموم ،فإن السيد /ستوبني كان ينتمى لفئة األشخاص الالمعى الذكاء :إذ كان يدرك – حبصافته كنة املوضوع ويلم مبضمون ما يدور حوله ويتعمق فى جوهراملسألة مما سبق من أحاديث ومن جمريات األمور حوله ،فقد كان يدرك أن املرتجم عاجز عن القيام بشئ ما حيال مثل ذلك الوضع املعقد. ًُ ً متوفرا لدى آخرين .ففى مثل دائما لكن هذا التفهم مل يكن هذه األحيان كان املرتجم يصبح هو « كبش الفداء» سواء 35
ً مذنبا أم غري مذنب ،حيث أنهم عادة ما حيملونه نتائج أكان اليت دارت بني املستشارين والضباط املصريني عدم جناح املباحثات ً ِ العاملني معهم ،نظرا لعدم فهم بعضهم البعض الفهم الصحيح . لكن عدد هذه اخلالفات ووقائع سوء الفهم بسبب أخطاء ً قليال ً جدا . املرتمجني كان ً استمرت اهلجمات و الغارات فى العمق ،وأصبح الزما إنقاذ املوقف . جاءتنا أنباء عن إعادة متركز الفرقة امليكانيكية الثالثة اليت كانت تعترب فى رأى املتخصصني العسكريني أفضل فرقة فى اجليش املصرى على اإلطالق .وكان قائد الفرقة السيد/ ً واحدا حجازي -على حد تعبري الرئيس مجال عبد الناصر -يعترب من أفضل قواد اجليش املصرى العسكريني .وكان قد مت قبل ذلك نقل أحد ألوية الفرقة إىل اجلنوب ،إذ كان اهلدف من إعادة التمركز هو توفري احلماية و األمن للقوات . لذا فقد اختذت القيادة العسكرية والسياسية املصرية العليا ً قرارا بإعادة متركز اللواء العاشر من فرقتنا و نقله إىل شاطئ البحر األمحر مبنطقة سفاجا و الغردقة و مجصة. كان هلذا اللواء مهمة قتالية أخرى هى احلماية والدفاع عن تلك املساحة الكبرية البعيدة من الساحل البحر املصري املمتدة مبحاذاة خليج السويس و البحر األمحر ،حيث كانت القوات اإلسرائيلية تقوم بهجمات ختريبية استفزازية من وقت آلخر . وقد استطاع اإلسرائيليون القيام بالعملية العسكرية املعروفة 36
باسم «اإلغارة» بنجاح مستخدمني الدبابات السوفيتية الصنع اليت استولوا عليها أثناء حرب األيام الستة يف عام ، 1967كما ارتدوا ً أيضا الزي العسكرى املصرى ومتكنوا من أخذ حمافظ البحر األمحر يف األسر عندما كان يقوم بعملية تفقدية باملنطقة الواقعة على إمتداد شاطئ البحر . ً أيضا وبهذه املناسبة فإنى أذكر هنا أن اإلسرائيلني قد استخدموا هذا األسلوب املخادع فى تنفيذ بعض عملياتهم العسكرية بنجاح أثناء حرب أكتوبر عام . 1973فبعد عملية عبور قناة السويس الناجحة التى قام بها املصريون و استيالئهم على خط بارليف احلصني بالضفة الشرقية للقناة ،قام اإلسرائيليني بعد فرتة قصرية بعملية عسكرية مضادة ً ردا على ذلك مت فيها إنزال قوات إسرائيلية بالضفة الغربية لقناة السويس مبنطقة البحريات املرة ،حيت استولوا على رأس كوبري بهذه املنطقة . و قد استخدموا فى هجومهم هذا مرة أخرى الدبابات السوفيتية الصنع متنكرين يف الزي العسكري املصرى . اقرتب اإلسرائيليون من التشكيالت الفرعية للدفاع اجلوى املصرى التى كانت حتمى مساء مصر من الطائرات اإلسرائيلية عن طريق تكوينها مظلة جوية ،حيث حاصروها وأطلقوا عليها ً وابال من الرصاص .وفى احلقيقة كان هلذه التشكيالت املصرية املضادة للطائرات الفضل األول و اليد الطوىل فى إجناح عملية اهلجوم املصرى فى الساعات و األيام األوىل من حرب أكتوبر . 1973 37
بعد مرور فرتة وجيزة على نقل اللواء العاشر ،تقرر إعادة نشر ومتركز سائر وحدات و تشكيالت الفرقة الثالثة امليكانيكة بصورة عملية لنفس هذه األهداف إىل اجلنوب من منطقة اهلايكستب . قبل حتريك ونقل الفرقة الثالثة للمشاة امليكانيكية ، قامت القيادة ومستشاروا الفرقة برحلة استطالعية بسيارات اجليب حتى مدينة أسوان . لقد كانت حبق رحلة رائعة ومفيدة ً جدا للتعرف على البلد. ً كثريا ما يتوقف أثناء الطريق كان طابور سيارات اجليب لتسجيل بعض املالحظات الالزمة على اخلريطة أو القيام مبباحثات ومشاورات فى املراكز الريفية وتبادل اآلراء بني احملافظني والرؤساء العسكريني احملليني .بعض هذه املدن التى ً ً مجيال ً ً كبريا ال ميحى . وأثرا انطباعا زرناها تركت لدينا بدأنا رحلتنا من حمافظة اجليزة ثم املنيا ثم بين سويف وسوهاج ً أخريا وصلنا أسيوط بلد سائقنا أمحد .كان أمحد فتى و ً لطيفا أمسر اللون ذا شعر جمعد .و قد منحه ستوبني أجازة أثناء توقفنا لفرته طويلة مبدينة أسيوط كى يزور والديه هناك . وميكننى أن أتصور وأختيل مدى الفخر والفرحة التى كان حيس بهما أمحد فى أعماقه ،فقد استقل عربتنا اجليب ورحل فى سعادة غامرةإىل منزل أهله حيث ينتظره األهل واألقارب الكثريى العدد. ً كانت مدينة أسيوط – ((عروس صعيد مصر )) – ً مجيال بلدا 38
مضيافا .وقد انتظرنا أهل أسيوط ً ً بدءا من حمافظ املدينة الذى كان فى استقبالنا حلظة وصولنا إىل املدينة حيث أخذ يروى لنا العديد من املعلومات والبيانات الشيقة عن عاصمة الصعيد، وانبهرنا باملواطنني البسطاء الذين كان معظمهم يرون ألول مرة فى حياتهم (خرباء سوفييت) يرتدون الزى العسكرى املصرى .كان الشباب والفتيات الصغار من أهاىل مدينة أسيوط يالزموننا ويتبعوننا على الدوام و يقفون بالقرب منا ،وباألخص على شاطئ النيل الذى يطلق عليه أهاىل املدينة (الكورنيش ) ويسمون النيل (البحر) . كان من الواضح أن األوالد فى مدينة أسيوط مل يتم تدليلهم بعد -ورمبا من جانب السياح واألجانب – فلم يكونوا ملحني وال متطفلني كأترابهم من أوالد مدينتى القاهرة واإلسكندرية الذين كانوا يتبعوننا فى جحافل بالعشرات ملئات األمتار ، متشبثني وممسكني بأيدينا ومالبسنا يطلبون منا حقهم املشروع فى البقشيش .أما أوالد مدينة أسيوط فكانت تصرفاتهم تنم عن عزة نفس وكربياء ،ويبدو من نظرات أعينهم أن الدافع ملالحقتهم لنا هو قبل كل شئ حب االستطالع ،واالهتمام الكبري ،والطبيعة الطفولية ،عالوة على النشاط واحليوية الغري عادية والتى تفوق احلد. ً أخريا كانت احملطة التالية فى رحلتنا وهى مدينة قنا (جنا باللهجة الصعيدية أو إنا بلهجة باقى سكان مصر ). وهنا كان اخلرباء األجانب أو بلهجة أهاىل قنا (اخلربا األدانب) 39
وضباط الفرقة الثالثة مشاة أو (مش ميكا) كما كان اجلنود ً ً نظرا ألنه قليال والضباط يطلقون عليها ،يتوقفون ملدة أطول ً معلوما فى القاهرة بأن الفرقة قد مت إعادة متركزها هنا كان فى هذا املوقع بالذات .والسبب فى ذلك يرجع إىل أن النيل هنا ً اقرتابا من أى مكان آخر فى البحر فى هذا املكان كان أكثر األمحر ،ويقع على بعد 160كيلومرت فقط من هذا املوقع . وكانت القيادة السياسية والعسكرية تعتقد بأن إسرائيل ميكنها بسهولة هنا فى هذا املوقع القيام بشطر وادى النيل وفصل مشال البالد عن جنوبها .وكانت قوات الكوماندوز اإلسرائيلية قد قامت قبل ذلك بوقت قصري بتفجري حمطة التحويل الكهربائى الفرعية فى جنع محادى بالقرب من مدينة قنا .وقد تواجدنا هناك وصعدنا إىل أعلى قمة جبلية فى املنطقة بالقرب من هذه احملطة الفرعية حيث هبطت مروحيات العدو . ميتد من البحر األمحر حتى مدينة قنا طريق معبد رائع . باإلضافة إىل ذلك فهناك وديان عميقة متعددة تقطع املرتفعات الصخرية املنخفضة ً بدءا من الشاطئ وعلى امتداده حتى وادى النيل .وقد قمنا بتتبع إحدى هذه املرتفعات سائرين بسيارتني مبحاذاته إىل مسافة 20كيلومرت .فرتائى لنا الوادى كطريق ً ً متاما من خال مستو تقريبا ،رائع خالب ،مدكوك فى مكان ٍ الناس . كان من الواضح أن هذه الوديان تعطى اإلسرائيليني إمكانية ممتازة ال مثيل هلا لالختباء خلفها والزحف فى سرية تامة إىل 40
ً أيضا من الصعب كشف قفزاتهم من وادى النيل .كما كان ً ً نظرا ألنها كانت عميقة جدا . خالل الوديان وهكذا انتهت الرحلة التى كانت بالنسبة ىل مؤثرة للغاية، حيث أنها أثرت و جدانى بانطباعات جديدة ال متحى عن تلك األماكن النائية من صعيد مصر التى مل أزرها قط فى حياتى من قبل ،هذا على الرغم من صعوبة الطريق ووعورته واجللوس الدائم لفرتات طويلة فى عربة اجليب املتأرجحة و غري ذلك من الصعوبات التى واجهتنا خالل هذه املهمة . مل تكن هذه املهمة هى املهمة االستكشافية األوىل بالنسبة ىل ،فقد قمنا قبل ذلك برحلة استطالعية مماثلة إىل مدينة رشيد الواقعة عند مصب فرع النيل األيسر .وكانت جمموعتنا ً تقريبا من نفس هوالء األفراد الذين ذهبوا إىل حينئذ تتكون أسوان فقد كانت تتألف من الضباط املصريني و املستشارين العسكريني حتت قيادة السيد /حجازى قائد الفرقة و كبري املستشارين فيكتور ستوبني . وقبل ذلك بنحو عام أو عامني مضت قمت برحلة إىل مصب فرع النيل األمين ( فرع دمياط) ضمن جمموعة من الطالب ، وهى الرحلة التى قام بتنظيمها النادى الدوىل للوافدين األجانب الواقع حبى الدقى بالقاهرة .لقد سحرتنا حينئذ مدينة دمياط ً الساحلية وهى ميناء حبرى ُ مركزا ألقليم ريفى حيمل وتعد نفس االسم . 41
لقد فتنتنا مدينة دمياط بصخورها وأمواجها املتالطمة عند الشاطئ .إنها صخور دمياط بعينها تلك التى ذكرها فى أشعاره ً أيضا نفس الكاتب الروسى الرائع نيكوالى جوميليوف ،وهى هذه الصخور التى كان يشاهدها احلجاج الرحالة الروس الذين ً كثريا ما يذكرون مدينة دمياط فى مذكراتهم التى كانوا يدونونها عن رحالتهم هذه إىل بيت املقدس . أريد أن أختم حديثى عن تلك املهمة االستطالعية فى جنوب ً متطرقا إىل ذلك الصدام الذى حدث بينى وبني ستوبني مصر ً والذى أعتقد أنه كان كثريا ما حيدث مع العديد من املرتمجني. فقد قررنا فى إحدى احملطات التى توقعنا عندها تناول شيء من الطعام اخلفيف .طلب منى كبري املستشارين إحضار حقيبة املؤن واألطعمة من السيارة اجليب ولكنى رفضت طلبه هذا . وقد الحظ الكثري من املوجودين هذا ،وأعقب ذلك حلظة صمت ثقيل .عندئذ قام السائق أمحد الذى فهم املوقف بدون أى كالم بإحضار حقيبة املاء والطعام لستوبني .خيم الصمت علينا لبعض الوقت ،بل لقد وصل األمر إىل حد أننا مل نعد نتجاذب أطراف احلديث فيما بيننا ،ولكن عندما قربت الرحلة على اإلنتهاء ذاب اخلالف فيما بيننا و عادت املياه إىل جماريها مرة أخرى . لقد كنت كغريى من زمالئى املرتمجني أفقد أعصابى ً عندما يطلب منى ً معتربا أن ذلك حيط من قدرى و أن طلبا كهذا مثل هذه األعمال يقوم بها جنود املراسلة وليس املرتمجون الذين 42
ال يدخل هذا العمل ضمن مهامهم .ال ميكن حتديد السبب فى ذلك التصرف ..هل هى كرامتنا ،أم الشهادة اجلامعية التى حصلنا عليها ،أم أنه اندفاع الشباب ،أم هو على وجه العموم – فى هذه احلالة– طبعى وخلقى الذى ال يسمح بقبول فرض أى قرار على ؟ ...أو رمبا كان لكل هذه العوامل التى ذكرتها بعالية جمتمعة أثرها فيما حدث .على أية حال ..فإنى قد اعتربت هذا الطلب الذى يتسم بصفة األمر هو إهانة بالنسبة ىل . هناك أمثلة أخرى من نوع آخر تستحق االحتذاء بها .فال يزال ً حمفورا فى ذاكرتى ما رواه ىل أحد أصدقائى الذى حتى األن ً ً كان يعمل مرتمجا عسكريا فى األسطول البحرى احلربى املصرى من أن قائد السفينة احلربية السوفيتية الذى كان عليه أن يقوم بالرتمجة للمصريني على متنها قال له قبل النزول على سلم السفينة ملالقاة املصريني (( :اعذرنى يا صديقى فأنا فى الزى الرمسى العسكرى فامحل عنى من فضلك حقيبتى )) . لقد كنا نستوعب مثل هذا النوع من املعاملة ونتفهم دواعيه ومل يكن هناك بالطبع أى رفض من جانب املرتمجني فى مثل هذه األحوال لطلبات القادة والرؤساء و املستشارين . إن ماضينا الدراسى اجلامعى ،بل وجمرد الكرامة اإلنسانية ً أيضا مل يكونا ليسمحا لنا بالتصرف بطريقة غري هذه ،أما التطاول والطريقة املهينة فى املعاملة من جانب الرؤساء والقادة واملستشارين العسكريني ،مثل هذه الفلتات من جانب هوالء القادة و املستشارين كانت قليلة ولكنها كانت حتدث . 43
ومرات أخرى كانوا يتطلعون إىل املرتجم وكأنه إنسان من ً ً ً كثريا ما كنا عبثا أننا متاما .ليس نوع آخر خمتلف عنهم حنب التكرار والسرد واإلستشهاد بأحد األوامر الكتابية التى عادة ما كانوا يصدرها القادة كدليل قاطع على عالقاتهم الغري سوية بنا ،فعلى سبيل املثال كان يصدرون مثل ذلك األمر الكتابى :نرجوكم أن ترسلوا لنا 5دبابات ومدفعني و 1000 قذيفة وعشرين صندوق طلقات و 500قنبلة 100 ،مدفع رشاش و مرتجم واحد . ً ً كثريا ، تقليديا يتغري كان مضمون هذه العبارة املتكررة لكن املعنى واجلوهر كان يظل كما هو بدون تغيري . ً ً ً وثيقا بقرارى الثالثى الذى ارتباطا مرتبطا رمبا كان ذلك اختذته بعدما أديت مدة خدمتى العسكرية اإللزامية ملدة سنتني املفروض العمل خالهلما بالتمام والكمال ،وكان قرارى هو :عدم البقاء فى اجليش ،عدم العمل كمرتجم ،وعدم ً وحيدا . السفر فى مهمة طويلة املدة مل يكـن فيكـتور ستوبـني يسمح لنـفسه اإلهانـة أو التحقري من شأن أحد املرتمجني باستثناء حادثة واحدة أو ربـما حـادثتني ،بل وقد حدث هذا كما يقولون بضجر وعلى مضض منه .وبهذه املناسبة فهو إنسان يستحق احلديث عنه ً ً نظرا ألنه -من وجهة نظرى تفصيال ، بإسهاب وبصورة أكثر – كان جيسد وميثل كل ماهو جيد وحسن وكان أفضل بكثري من غريه من املستشارين العسكريني السوفييت 44
الذين كانوا يعملون فى مصر فى تلك األوقات الصعبة . لقد حضر للعمل فى مصر من مدينة كورسك حيث كان كمساعدلقائد الفرقة . خيدم هناك فى اجليش ٍ فى عام 1969كان قد بلغ الثانية واخلمسني من عمره .قالت ً إنسانا عنه زوجته نيال سريجييفنا – “ لقد كان طوال حياته غاية فى التواضع فلم حيدث أن تكلم عن نفسه ً أبدا” .قرب ً قائدا إلحدى الكتائب نهاية احلرب الوطنية العظمى أصبح االستطالعية فى اجليش السوفيتى .بعد انتهاء احلرب ترقى حتى وصل إىل رتبة عقيد .ولكن حدثت ذات مرة أثناء التدريبات ً متواجدا بها حينئذ مندوب من وزارة الدفاع الدورية التى كان واقعة مؤسفة مفاجئة :ففى أثناء رماية طاقم هاون بالذخرية احلية أدخل أحد أفراد الطاقم قذيفة تلو األخرى فى ماسورة اهلاون مما أدى إىل انفجار القذيفتني باملاسورة ونتج عن ذلك استشهاد مجيع أفراد الطاقم .وتسببت هذه الواقعة املريعة فى إنزال رتبته إىل رتبة نقيب ،واضطر ستوبني كى يرتقى مرة أخرى إىل رتبة عقيد أن يعاود اخلدمة فى اجليش السوفيتى للمرة الثانية ً بدءا من هذه الرتبة اجلديدة . عند جميئه إىل مصر أوكلت إليه مهام كبري مستشارى الفرقة الثالثة امليكانيكية مشاة .وبعد مرور بعض الوقت ظهرت أنا فى هذه الفرقة فى وظيفة كبري املرتمجني . ً نسبيا من بدء خدمتى بهذه الفرقة انتهت وبعد مرور وقت قصري سفرياتى اهلادئة إىل حد ما من مدينة نصر إىل اهلايكستب 45
والعودة ،حيث كنت أقوم خالهلا بإبالغ املستشارين العسكريني ً علما بآخر األنباء وأحدثها التى كانت تنشر السوفييت وإحاطتهم بالصحف املصرية اهلامة مثل «األهرام » و«األخبار» و «اجلمهورية » .
فى خريف عام 1969أخذ الطريان اإلسرائيلى يقوم بغارات فى العمق ،فلم تكن تعرتضه بطبيعة احلال أية وسيلة جادة من وسائل الدفاع اجلوى من اجلانب املصرى ،حيث أن وسائل الدفاع ً متاما فى بداية احلرب . اجلوى املصرى كانت قد دمرت أخذت طائرات «الفانتوم» و«املرياج» و «السكاى هوك» اإلسرائيلية تقصف بضراوة وتدمر بشدة وعنف املنشآت املصرية االقتصادية احليوية اهلامة كاملصانع واحملطات الفرعية وطرق وخطوط املواصالت واملدارس ( على سبيل املثال واقعة قصف مدرسة حبر البقر مبنطقة أبو زعبل ) . لقد حاول اإلسرائيليون بذلك إضعاف الروح املعنوية للشعب املصرى ،ومن أجل هذا كانوا يتخريون للقيام بعمليات الضرب اجلوى األوقات والفرتات الزمنية احلساسة التى يتجمع فيها أكرب عدد من املواطنني املدنيني مثل مواعيد تغيري ورديات العمال واملوظفني باملصانع وأيام استالم العمال واملوظفني ألجورهم ومرتباتهم . لقد توصلت عن طريق قراءة األخبار العادية التى كانت تنشر آنذاك فى الصحف املصرية إىل أن عدد القتلى املدنيني نتيجة إحدى هذه اهلجمات اجلوية مل يقل عن مائة أو مائة ومخسني ً فردا. 46
وكان من الطبيعى ومن البديهى أن يستهدف القصف اجلوى القوات العسكرية املصرية كذلك . لقد كان اهلدف الرئيسي من حضور املستشارين العسكريني من االحتاد السوفيتى إىل مصر هو إعداد وتدريب قوات اجليش املصرى التدريب العسكرى الكافى والالزم خلوض غمار املعركة ضد العدو اإلسرائيلى ،إال أن تلك التدريبات العسكرية قد أحبطت وباءت بالفشل إىل درجة كبرية ذلك على الرغم من تواجدنا من بداية شهر فرباير من عام 1970بصفة دائمة مستمرة بالفرقة ،حيث كنا ننام فى املخابئ واملخيمات ونتناول طعامنا فى مطعم الضباط « امليس ». ً جيدا .وقد استكملت ال زلت حتى اآلن أذكر هذه اللحظات فى ذلك الوقت العام اخلامس و العشرين من عمرى ،أى ربع قرن ً حمفورا فى ذاكرتى حتى يومنا هذا. ،لذا فإن هذا التاريخ ال يزال وقبيل حلول عيد ميالدى اخلامس والعشرين طلبت ً إذنا من املستشار العسكرى الذى حل حمل ستوبني أثناء فرتة إجازته التى كان يقضيها آنذاك فى االحتاد السوفيتى بالسماح ىل بالذهاب إىل اهلايكستب فقد كنت أريد شراء بعض األطعمة واخلضر ً متواضعا والفواكه وبعض املستلزمات األخرى كى أعد غذا ًء لالحتفال مع أصدقائى بعيد ميالدى اخلامس والعشرين . فى الصباح فى حواىل الساعة السادسة استقيظت فجأة على صوت قرع شديد على الباب لدرجة أن الباب كاد أن ينخلع من 47
مكانه ومسعت صوت أحد اخلرباء العسكريني السوفيت وهو يصيح بأعلى صوته « إشارة إنذار البد من التجمع عند املدخل فى خالل 15دقيقة ،مع مراعاة إحضار كافة األشياء الالزمة ». عند حماوالتى االستفسار إىل أين سنتوجه ؟ ،وملاذا ؟ وما هى األشياء التى سوف نأخذها معنا ؟ مل أمتكن من معرفة أى شئ سوى أننا سنذهب إىل منطقة متركز فرقتنا . أخذت ألقى على عجل فى حقيبة سفرى كل ما كانت تصل إليه يداى من أشياء ،وفى األسفل كان املستشارون العسكريون يتساءلون فى حرية وذهول وارتباك «ما الذى حدث ،هل سنستوىل على تل أبيب ،أم ماذا ؟ » . وصلنا إىل موقع الفرقة الثالثة ميكانيكية مشاة واقرتبنا من ملجأ رئيس هيئة األركان ،حيث كان العقيد جناتى وقد أيقظه جندى املراسلة من نومه وهو يفرك عينيه وينظر إلينا من أسفل امللجأ بينما أحطنا حنن بامللجأ وقد أمسكنا حقائبنا فى أيدينا. ً مندهشا وقد عقدت الدهشة لسانه وأخذ كان ينظر إلينا العجب منه كل مأخذ .وإتضح لنا أنه مل يكن لديه أى علم أو ً موقفا غاية دراية حبدوث أية إشارة إنذار باخلطر .الشك أنه كان ً فى السخف .لكن األمر كله اتضح فيما بعد .فنظرا لتصاعد التوتر واستفحال املوقف وخطورته نتيجة للضربات الصاروخية والضرب املتالحق بالقنابل ،فقد مت اختاذ قرار حاسم بضرورة 48
تواجد املستشارين العسكريني السوفيت وكذلك املرتمجني وإقامتهم بصفة دائمة فى مواقع فرقهم ،عالوة على ذلك فقد ً أيضا تواجدهم معظم الوقت فى املالجئ .وهذا بات من الضرورى ً الذى حدث كان بسبب أنه مل يتم مسبقا إحاطة العقيد جناتى ً علما بهذا األمر . ً مجيعا نعيش فى مواقع الفرقة .مل تتسع وهكذا أصبحنا األماكن فى امللجأ كى أقيم مع املستشارين السوفييت ،لذا فقد أقمت فى خيمة كبرية من املشمع مع السائقني املصريني الذين كانوا يقومون بنقل املستشارين .وكانوا أخربونى قبل ذلك أن هذه اخليمة حترتق خالل مخس ثوانى فقط فى حالة ما إذا ً سريرا بالقرب ألقيت قنابل النابامل عليها ،لذا فقد كنت أشغل من مدخل اخليمة حتى أمتكن فى حالة إلقاء قنابل النابامل عليها من اإلسراع باخلروج منها وعدم االحرتاق بداخلها . بعد فرتة قصرية عاد ستوبني من أجازته ومت إجياد مكان ىل فى امللجأ .هذا على الرغم من أن امللجأ مل يكن ليحمينا فى حالة الضرب املباشر سواء بالقنابل أم بالصواريخ . فى ظروف املعركة يتصرف الناس عادة بأسلوب خمتلف ً وطبعا املرتمجون ال يشكلون استثناء عن عما هو معتاد . هذه القاعدة .فعلى سبيل املثال أثناء قصف الفرق املتواجدة باملنطقة العسكرية املركزية بالقنابل مرض بعض الزمالء فجأة أو مبعنى أصح متارضوا وتظاهروا باملرض ،أما البعض اآلخر فتظاهروا بأن وجودهم ضرورى ً جدا فى أماكن أخرى 49
ً بعيدة اختاروها بأنفسهم كى تكون أكثر ً وأمانا . أمنا حيضرنى هنا على سبيل املثال أن أحد املرتمجني الشبان الذى ً عميدا كان يعمل فى الفرقة الثامنة عشر مشاة -وكان والده فى هيئة أركان احلرب السوفيتية -مت نقله على وجه السرعة إىل منطقة جبل املقطم ،حيث كانت توجد فى أعماقه حينئذ ً مفهوما هيئة األركان لقوات الصواريخ املضادة للطائرات .كان لنا أن باقى املرتمجني مل يكن آبائهم من ذوى املناصب اهلامة مثل ً ً بعيدا أيضا استحالة نقل اجلميع هذا الشاب ،كان من البديهى عن ميدان املعركة لتأمني سالمتهم .وهلذا السبب فقد استمر باقى املرتمجني فى مزاولة عملهم فى نفس أماكنهم . لقد جلبت حرب االستنزاف التى كان اهلدف من شنها إنهاك ً أضرارا على اجلانب املصرى أيضا ً .حيث إسرائيل وإضعافها أحلقت مبصر خسائر فادحة ،وبلغت اخلسائر واألضرار املادية واملعنوية التى سببتها غارات طائرات الفانتوم اإلسرائيلية ً ً على مصر ً هائال فاق كل تصور .وسقطت أعداد كبريا حدا كبرية من الضحايا سواء من جانب املواطنني العاديني أم من جانب العسكريني .وال زلت أتذكر حتى اآلن ذلك التالعب اللفظى احلزين الذى كان املصريون احملبون إلطالق النكت والفكاهات ونقد الذات عادة ما يستعملونه فكانوا يقولون : « حاضر يا فانتون » ً بدال من «حاضر يا فندم » . سقط أثناء حرب االستنزاف عدد من القتلى واجلرحى من اجلانب السوفيتى كذلك .لقد كان الوضع أكثر صعوبة 50
ً وتعقيدا على وجه اخلصوص بالنسبة لزمالئنا من الفرقة السادسة امليكانيكة باملنطقة العسكرية املركزية التى كانت تربط دهشور بالقرب من أهرامات اجليزة الشهرية .فقد كان نتيجة للقصف اجلوى الذى قامت به طائرتان إسرائيليتان على مركز قيادة هذه الفرقة أن استشهد ثالثة من اخلرباء العسكريني السوفييت ورئيس املرتمجني بالفرقة املستعرب حممود يوسوبوف جارى بنفس الطابق باملبنى الرابع مبدينة نصر. لقد كنت أعرفه حق املعرفة فقد كان ً شابا مكتنز البدن ، ً صبوحا ،له شارب حالك السواد مجيل الطلعة ،بشوش الوجه ، وهو من مدينة باكو .وكان االبن األكرب لعائلة كبرية العدد مكونة من ثـمانية أفراد يعد هو عائلها الوحيد . روى ىل مرتجم اللغة اإلجنليزية بهذه الفرقة فيما بعد ما حدث فى ذلك اليوم املشئوم .وكان هذا املرتجم قد أصيب جبرح نافذ فى الرئة نتيجة هلذا القصف . الذى حدث – حسب ما رواه ىل املرتجم -أنه فى الصباح وأثناء اجتماعهم مبركز قيادة الفرقة مسعوا فجأة صوت إطالق نار من مدافع رشاشة .كان يقوم بإطالق النار اثنان من املصريني املتواجدين على سطح أحد املبانى املكون من طابقني .اندفع اجلميع إىل اخلارج ،وفى التو أخذت صواريخ طائرات الفانتوم اإلسرائيلية تتساقط من حوهلم حمدثة انفجارات شديدة .وكنا قد أصبحنا فى هذه األيام بالذات – كما ذكرت ذلك ً آنفا -نعيش فى موقع كتيبتنا ونعمل وننظم اجتماعاتنا فى املالجئ . 51
وال يزال يرن فى أذنى ذلك اللحن اجلنائزى احلزين لشوبان الذى كان يصاحب مراسم وداع اخلرباء العسكريني السوفييت الذين استشهدوا أثناء قصف طائرات الفانتوم اإلسرائيلية .متت تلك املراسم فى النادى العسكرى اخلاص بنادى هليوبوليس .كان النادى يقع جبوار أحد القصور املهجورة الذى كان خيص فيما مضى بارون منساوى .وهذا القصر مبنى على الطراز القوطى يكتنفه السكون والظلمة احلالكة من كل جوانبه ،لذا فهم يطلقون عليه اسم « القصر امليت » .وال يزال بكاء وحنيب زوجات اخلرباء العسكريني السوفييت الشهداء الذى ُيدمى ً أيضا فى أذنى .لقد كان اجلو احمليط بنا غاية القلوب يرن فى الصعوبة ،ومتت الرتمجة للجنراالت والضباط املصريني املتواجدين فى حفل التأبني مبشقة بالغة .ومن هنا أرسلنا اخلرباء العسكريني السوفييت الشهداء فى توابيت من الزنك إىل مثواهم األخري فى موسكو . وحتى اآلن عند مرورى من أمام مبنى النادى العسكرى السوفيتى السابق رقم 12بشارع العروبة فى طريقى إىل مطار القاهرة الدوىل الزلت أتذكر تلك الصور احلزينة القامتة التى عشتها فى هذا املبنى فى زمن احلرب . مل تنج فرقتنا وال الفرقة الثامنة عشر مشاة اجملاورة لنا من قصف طائرات الفانتوم اإلسرائيلية املتواصل ،لكن عدد اخلسائر فى ً ضئيال ً جدا يكاد ال يذكر. األرواح -بالرغم من ذلك كان - فبالنسبة لنا فقد مت توجيه ضربتهم إىل أركان حرب اللواء الرابع 52
عشر الذى كان يقع فى مركز اهلايكستب حيث كانت هذه املنطقة تزدحم باملساكن .رمبا كان هذا هو السبب فى اختالط األمر على اإلسرائيليني ،فظنوا أن األركان حرب هو مركز قيادة الفرقة الذى كان يقع على بعد نصف كيلو مرت ً تقريبا من مكان القصف بالقنابل .لقد ساعدنا احلظ فى ذلك ً كثريا ألنه فى تلك اللحظة كان جيرى اجتماع مركز قيادة الفرقة ضم قيادة ومستشارى الفرقة الثالثة امليكانيكية ، وكما قال قائد الفرقة العميد /حجازى « :فإن اهلل قد محانا ». ً واضحا أن الروح املعنوية غدت منخفضة بعض الشئ ،إذ كان ً ً بدا املستقبل قامتا مظلما . استمر احلال هكذا إىل حني وصول الفرقة السوفيتية الثامنة ً أخريا عشر دفاع جوى للمهمات اخلاصة ،التى بوجودها استطعنا أن نتنفس الصعداء .ومما هو جدير بالذكر أن القوات السوفيتية النظامية قد حضرت إىل مصر فى أوائل عام 1970بنا ًءعلى طلب خاص من الرئيس مجال عبد الناصر . كم أشكر الظروف واألقدار التى جعلتنى أعمل فى مصر حتت إمرة فيكتور ستوبني لقد كان يتمتع بإرادة قوية ، ً ً عادال يهتم بشئون مرؤوسيه وباألخص ممن إنسانا كما كان ً حازما ،حكيماً ً ً هم فى مرحلة الشباب ،كان شجاعا جسورا ، يتمتع بقدر كبري من اخلربة احلياتية واللباقة وأدب السلوك الفطرى .لقد كان ميتلك تلك الصفات واخلصائص التى كانت ضرورية والزمة فى ذلك الوقت . 53
طلب ستوبني من املصريني منذ بداية عمله معهم أال يطلقوا ً معتادا ،وطلب منهم أن عليه لقب « مسرت» كما كان ذلك يتوجهوا إليه باسم « الرفيق فيكتور» . كان من بني فضائله أنه كان ال حيب أن يقوم أحد الرؤساء الكبار مبعاقبة مرؤوسيه الذين يعملون حتت إمرته ،وكان ً دائما ما يقول « :مادام هذا اخلطأ قد حدث فى دائرة اختصاصى ً أيضا قد أخطأت فى شئ ما ،وجيب على أن فمعنى ذلك أننى أقوم بنفسى مبعاقبة املخطئ » .كان هذا هو مبدؤه الذى ال حييد عنه . ً ً عسكريا شديد احلماس ، مستشارا كان فيكتور ستوبني بالغ النشاط ،كثري احلركة ال يهدأ و ال يعطى فرتة راحة ألحد سواء لقائد الفرقة أو لضباط الفرقة أو للمستشارين أوحتى ىل أنا ً ً دائما أن يتعمق فى جوهر املسائل ويدرك شخصيا .كان حياول ً باذال أقصى ما فى ويستقصى كنة األشياء ويلم مبضمونها وسعه كى يقوم بعمله على أكمل وجه ،وفق ما ميليه عليه ً أيضا من املصريني واملستشارين ضمريه ،وكان يطلب ذلك ً دائما ما يتفقد أحوال الفرقة ويذهب إىل العسكريني ،كان القادة واجلنود ويطمئن على أمورهم والكتائب حيث كان ً معتمدا فى ذلك على خربته يساعد ويسدى النصح واإلرشاد احلياتية الواسعة ،كان يعرف مجيع قادة الكتائب وكذلك قادة بعض السرايا السوفيتى . ليس من قبيل الصدفة أن قال عنه قائد الفرقة املصرى حجازى: 54
« إن الرفيق فيكتور يتعامل مع الفرقة وكأنها إحدى الفرق السوفيتية التى كان يرأسها فى االحتاد السوفيتى » .وهكذا ميكن اإلشارة إىل أن عمل كل املستشارين العسكريني ً تقريبا قد سار على نفس هذا املنوال . السوفييت وسأذكر هنا على سبيل املثال ال احلصر واقعة حدثت تدل داللة قاطعة على عالقة فيكتور ستوبني القوية و ارتباطه العميق بالعمل .ففى إحدى املرات أثناء التدريبات العسكرية كان هناك تدريب على إطالق النار على أهداف معينة ،الحظ ستوبني أن هناك جندى مشاة واحد فقط من بني جمموعة املتدربني على ضرب النار هو الذى يطلق النريان .عندئذ صاح بى ً قائال « :جينا، ٍ ً مقرتبا من خط النار . هيا بنا إىل األمام » .وأخذ يزحف وعندما صرنا على مقربة من هذا اجلندى الذى أخذ يطلق النار بدون توقف عليه فاستدار حنونا بوجهه الغاضب الذى غطاه الرتاب األبيض و اتضح لنا أنه النقيب قائد السرية امليكانيكية، وأنه قد قام جبمع الذخائر املعطاة الستعمال أعضاء السرية فى التدريب على الرماية و استخدامها هو وحده حتى يبني أن جنود سريته على درجة عالية من الكفاءة .أعتقد أنه من املستبعد أن يقوم أحد الضباط املصريني أو أى مستشار عسكرى سوفيتى آخر بذلك ،أو حتى أن ختطر بباله فكرة الزحف و االقرتاب من خط إطالق النار .لكن ستوبني هو ستوبني وال أحد غريه ميكنه أن يفعل ذلك . على وجه العموم فقد كان ستوبني يقيم عالقات جيدة ً جدا مع 55
كل ضباط الفرقة بينما كان يشعر حيال بعضهم بالود ،مثل تلكالعالقةالتىكانتتربطهبالضابطمرشدقائدإحدىكتائب اللواء مشاة ميكانيكية الرابعة عشر .فقد كان يسبق كل حديث له مع الضباط بسؤاله بلغته العربية الركيكة : «إزيك ؟ وإزى صحتك ؟ » لكنها بالنسبة ملرشد وغريه من املصريني كانت مفهومة .دأب ستوبني على بذل كل ما فى وسعه كى يزيد بصورة مستمرة من حصيلته اللغوية من الكلمات العربية . كان ستوبني موضع حب وإعجاب وتقدير الضابط مرشد ً نظرا لبساطته والكثريين غريه من الضباط املصريني اآلخرين ، الشديدة وبعده عن الرتفع والعجرفة وخلقه احلسن الطيب ، ً ً ً ودودا حيب التعرف اجتماعيا إنسانا عالوة على ذلك فقد كان على الناس ومصادقتهم .وحيضرنى هنا تلك الواقعة التى حدثت أثناء احتفالنا مع املصريني بعيد األضحى الذى يأتى عادة بعد عيد الفطر بشهرين وعشرة أيام ،فقد اجتمعنا عند مرشد فى الكتيبة حيث كان هناك قائد الفرقة حجازى ،ورئيس أركان حرب الكتيبة جناتى ،ورئيس العمليات الكسار وغريهم من قادة الفرقة ولواءاتها . ُ أخذ اجلميع يلتهمون ما أعد من طعام للعيد من حلم وأرز بفرح وابتهاج وسط األحاديث احلارة والنكات التى ال تنقطع. وبسبب الرتمجة التى كنت أقوم بها أثناء تناول الطعام مل أمتكن من تناول سوى كمية قليلة ً جدا من اللحم واألرز ، ً جالسا إىل لذلك فقد اضطررت للبقاء لفرتة قصرية من الوقت 56
املائدة بعد انصراف قادة الفرقة واملستشارين ،حتوطنى النظرات النهمة اجلائعة والغري مرحبة على وجه اإلطالق لضباط كتيبة مرشد الذين كانوا ينتظرون دورهم فى اجللوس إىل مائدة الطعام بعد فراغنا من الطعام ..لكننا – وبالتحديد أنا – مل أكن قد بدأت حتى اآلن ..فلينتظروا حتى أفرغ من طعامى . ً ً ً ً خبريا اجتماعيا ، عسكريا ، مستشارا مل يكن ستوبني فقط ً ً بأمور احلياة ،حكيما ودبلوماسيا فى تعامالته مع اآلخرين ، بل أن األهم من كل ذلك بالنسبة ىل ،على سبيل املثال ،هو أنه ً إنسانا كثري العناية واالهتمام باآلخرين وقوى املالحظة كان وميكن تلخيص كل ذلك فى كلمة واحدة ،هو أنه كان ومرب .كان ذلك على جانب كبري من خري ُمعلم وأفضل مرشد ِ ً خصوصا فى تلك الظروف املعقدة ،البالغة الصعوبة ، األهمية ، والتى مل ختل فى أحيان كثرية من اخلطورة . مسعنى ستوبني ذات مرة وأنا أنادى على أحد زمالئى فأخذ ً ً وأحيانا كان يتوجه ّ يطق ّ قائال إىل باحلديث على « الشيخ » ، ً ىل « :يا ابنى » .فكثريا ما كان يقول ىل ولآلخرين « :امسع يا ابنى » .كان يردد الوصايا العشر من اإلجنيل بطريقته اخلاصة فيقول لنا « :لقد علمنى والدى منذ الصغر أال أسرق أموال احلكومة وأن أحرتم أبى وأمى وأال أخون أصدقائى ،أما الباقون ً مجيعا إىل اجلحيم . » ...لقد كان جييد إستعمال فليذهبوا الكثري من األلفاظ والتعبريات السوقية الدارجة ،ومع ذلك فقد كان يتمتع بعامل داخلى واسع ،رحب ،وذوق وسلوك مثاليني واهتمام متميز باحمليطني به. 57
ً كثريا ما يسألنى إذا ما كنت أتسلم خطابات من فقد كان أسرتى ،وماذا يكتب ىل والدى ،وما هى األماكن التى أرتادها فى القاهرة ،ومع من أتقابل ....؟ إىل غري ذلك من األسئلة التى مل تكن ختفى وراءها جمرد اهتمام زائد ،بل اشرتاك حقيقى فى إدراك مستقبل إنسان وضعته الظروف واألقدار حتت رعايته وإشرافه . كانت مثل هذه العالقة الوطيدة ،احلميمة ،الزمة وضرورية ىل ولزمالئى وأقرانى الذين مت استدعاؤهم للخدمة فى اجليش السوفيتى بعد انتهائهم مباشرة من دراستهم اجلامعية ،فابتعدوا فجأة عن األهل والوطن ،ولكنهم ذهبوا إىل وطنهم احلبيب الثانى .وكنت قبل ذلك – كما ذكرت ً آنفا – قد قضيت فى مصر ً عاما بأكمله فى دورة تدريبية ،حيث استمتعت بكل ما فى هذا البلد من مباهج وإغراءات .وقد مت اختيارى حينئذ كى ً رئيسا جملموعة من الطلبة املتدربني الوافدين إىل مصر أكون التى كانت تضمنى وتضم ستة طالب غريى من معهد اللغات الشرقية مبوسكو ،وثـمانية طالب من جامعة طشقند . عندما كنت أذهب إىل السيد/مييليانوف املستشار الثقافى بالسفارة السوفيتية فى القاهرة إلفادته عن أحوال الطلبة السوفيت الوافدين ومشاكلهم كان ينظر ّ إىل من أعلى نظارته ولسان حاله يقول « :ملاذا حضرت ؟ ....أال ترى أننى مشغول ً جدا ، ولدى أعمال كثرية جيب ّ على أن أجنزها؟ .هيا اذهب لتتنزه». ً وبالفعل فقد كنا نتفسح ونتجول كثريا .ألن احلياة فى 58
املدينة اجلامعية جبامعة القاهرة كانت صعبة ،ذلك ألن أبواب مبنى املدينة اجلامعية كانت تغلق فى وقت مبكر ً جدا -فى الساعة الثامنة مساء -ومن يتأخر عن هذا املوعد كانت تقدم عنه تقارير كتابية . ما عدا ذلك ،فقد كانت كل األمور حمتملة ،حيث أننى قد عشت قبل ذلك فى مساكن الطلبة التابعة جلامعة موسكو احلكومية ملدة أربع سنوات كاملة ،هلذا السبب فقد قمنا باستئجار شقة حبى العجوزة خلف السريك القومى ومسرح البالون مباشرة ،وتطل على النيل .كنا ندعو لزيارتنا من نشاء ك ّت ً وفى أى وقت نشاء ،فكان من بني زوارنا ُ ابا وصحفيني ومؤرخني و غريهم كثريين .كما أقمنا عالقات طيبة ً جدا مع كثري من املصريني الذين ال زالت تربطنى بهم صداقة وطيدة حتى اآلن . ً مضيفا وقد حكيت لستوبني الكثري من هذه الذكريات أننى الزلت حتى اآلن وأنا أعمل كمرتجم بالفرقة الثالثة مشاة ميكانيكية أواصل اللقاءات مع الكثري من أصدقائى ومعارفى املصريني القدامى ،ألن نسيان األصدقاء أو خيانتهم ً وفقا لوصية أبى خطيئة ال تغتفر . بالطبع مل أكن ألقص على ستوبني كل شئ .وبصورة عملية فقد كنت أزور معارفى املصريني القدامى كل أسبوع . كنت أستقل األتوبيس مساء كل يوم مخيس بعد االنتهاء من ً –متوجها إىل الزمالك . عملى فى مدينة نصر 59
فى ذلك الوقت كان يعيش مبدينة نصر اخلرباء السوفييت فى جمال الطاقة من العاملني بالسد العاىل ،كما كانت توجد صالة بلياردو رائعة ،كما كانوا يلعبون الفوىل بول خلف أسوارها . بعد وصول قواتنا النظامية مت تسكني األطباء العسكريني السوفييت فى هذه املنطقة حتى يكونوا بالقرب من املستشفى العسكرى امليدانى السوفيتى الواقع مبنشية البكرى . ً أخريا إىل فهم معنى أن يقع اإلنسان فى أيدى لقد توصلت طيبة أمينة مثل أيدى ستوبني ،وذلك عندما ذهبت معه ومع رئيس أركان حرب الفرقة جناتى فى مهمة تفتيشية على اللواء العاشر فى منطقة البحر األمحر ،حيث توجهنا إىل هناك فى عربة جيب مع السائق أمحد . كان اإلسرائيليون هناك يقومون بأعمال ختريبية منذ فرتة طويلة ،حيث كانوا يقومون بعمليات إغارة وزرع ألغام بالطرق، ً ً متواجدا فى إحدى رادارا حديث الصنع كان وفى آخر األمر سرقوا كتائب اللواء العاشر مشاة ميكانيكية مبنطقة مجصه .وقد متت معاقبة كل من املستشار العسكرى تاراس بانتشينكو واملرتجم إجيور كوليكوف و توقيع جزاء رادع عليهما ،وكنت أعتربهما من أصدقائى املقربني ّ إىل .كان إجيور كوليكوف ً طالبا باملعهد العسكرى للغات األجنبية . حينئذ ال يزال سافرنا بالنهار ،هلذا فقد كان الطريق إىل البحر األمحر بالنسبة ً ً وممهدا .حني وصلنا إىل الغردقة أقمنا هناك فى الفندق سهال لنا 60
ً موجودا بالغردقة فى الدائرى ،وهو الفندق الوحيد الذى كان ذلك الوقت . كان يفصلنا عن اإلسرائيليني حينئذ شريط مائى فقط ، حيث أنهم فى ذلك الوقت كانوا قد استولوا على جزيرة شدوان التى تقع فى مواجهة الغردقة .حكى ىل ستوبني فيما بعد عن حالتى أثناء هذه املأمورية فقال ىل أننى ما إن كنت أذهب ً قائال (( :آه يا إىل الفراش فى نهاية اليوم حتى أتنفس الصعداء أمى )) .ثم أروح فى التو واللحظة فى سبات عميق .من الواضح ً مفعما بشتى املشاعر واألحاسيس واالنطباعات . أننى كنت ما إن أنهينا التفتيش على اللواء العاشر حتى تأهبنا للعودة ألدراجنا فى املساء .انتظرنا وصول العربة املدرعة التى وعدونا فى اللواء بإعطائها لنا ملرافقتنا ،لكنها مل تصل . يتكون الطريق إىل مدينة قنا من ثالثة أجزاء :اجلزء األول ساحلى حبرى ،وهو طريق مستوى ميتد حواىل 20كيلو مرت ، ثم بعد ذلك طريق آخر ميتد عرب صخور رأسية صغرية داكنة ً وأخريا مير الطريق خالل أرض منبسطة حتى مدينة قنا . اللون ، كان أخطر جزء من الطريق هو اجلزء اجلبلى .فهناك بالتحديد قام اإلسرائيليون قبل سفرنا بتلغيم هذا اجلزء بالذات من الطريق بألغام وثابة .وهى عادة ما تنفجر مندفعة إىل ارتفاع غري كبري لتحقيق أفضل النتائج فى إصابة قوات العدو احلية . قبل أن نتوجه فى طريقنا ،قرر العقيد /جناتى أن جيرب مدى 61
صالحية املدفع الرشاش الذى كان حيمله معه السائق أمحد ، وهو صناعة مصرية ماركة ((بورسعيد)) ،فوجد أن ترباس املدفع قد عاله الصدأ حبيث ال ميكن سحبه أو حتريكه ،وباختصار فقد كان املدفع الرشاش فى حالة سيئة و غري صاحل لالستعمال. ً ً خصوصا أن ذلك حدث أثناء غضبا استشاط العقيد /جناتى تواجد السوفييت وفى حضورهم فاستخدم سلطته وعاقب أمحد باحلبس ملدة 15يوم .ولكن هل كان فى إمكانية هذا املدفع الرشاش من ماركة ((بورسعيد )) -حتى لو كان يعمل -أن ً سابقا األحداث -أنه عندما عدنا ينقذ أرواحنا؟ .أود أن أذكر هنا - أدراجنا إىل اهلايكستب ،كان أمحد يقضى مدة سجنه املقررة . بدأنا التحرك عائدين أدراجنا مستخدمني إضاءة ضعيفة ،فكنا ً دامسا وقد بلغ بنا نرى الطريق أمامنا بالكاد ،فالظالم كان التوتر أقصاه .كنا ننظر إىل الطريق املمتد أمامنا وقد بدا وكأنه ال نهاية له ،وقد اعرتانا اخلوف وأخذت منا الرهبة كل مأخذ . قطعنا على هذا النحو عشرات الكيلو مرتات ،وفجأة تراءت لنا على البعد بعض األنوار اخلافتة ،فإذا بنا -وقد علت وجوهنا الفرحة – حنث السري فى اجتاه هذه األنوار لنجد على اليمني معامل املطار الذى جيرى بناؤه فى قنا ،فتبدل توترنا وخوفنا ورهبتنا وتنفسنا الصعداء . قمنا على وجه السرعة بنقل الفرقة فى قنا ،فجزء منها مت نقله عن طريق السكة احلديدية واجلزء اآلخر – بالعربات املدرعة واللوريات . 62
تركنا هناك امليكروباص األزرق اللون الذى كنا نستعمله فى التنقل من مدينة نصر إىل اهلايكستب ثم العودة .بدأت فى قنا ترتفع درجة احلرارة .مت بالتدريج تسكني الفرقة ونشرها فى خمابئ بالصحراء . فى كل يوم كانت حتدث بني أفراد الفرقة من 20إىل 30لدغة ً وعمليا فتحت من العقارب التى كانت تعج بهم تلك املنطقة . ً تقريبا حيث كان جيلس اجلندى كان يوجد هناك كل حجر عقرب .وقد قمنا بتأمني أنفسنا من لدغ هذه العقارب فى امللجأ الذى مت ختصيصه إلقامتنا بأن ربطنا علب مملوءة بالكريوسني حول أرجل األسرة التى كنا ننام عليها .كان اجلو فى امللجأ ً ً خانقا ،وعالوة على ذلك ،كانت هناك األخبرة املتصاعدة حارا من الكريوسني املنتشرة فى املكان كله . ً ً دائما كثريا وكان الرفيق فيكتور كعادته كان العمل متخما بالعمل ،فقد كنا كل يوم نتفقدكل املواقع تقريباً ً التى تنتشر فيها الفرقة .ثم بدأت التدريبات .كان هذا يعنى أننا البد وأن نتابع بعربة اجليب حتركات الدبابات واملدرعات واجلنود . ً خانقا للغاية وقد كان اجلو فى الصحراء الواقعة بالقرب من قنا صبغته باللون األبيض األتربة املتصاعدة من األحجار البيضاء والزلط الذى كان يتكسر ويتهشم أثناء سري الدبابات والعربات عليه .كان الرتاب والرمل ميآلن حلقى بصورة دائمة بينما ارتفعت درجة حرارة اجلو إىل درجة يصعب احتماهلا حيث كنا على مسافة حواىل ألف كيلو مرت جنوب القاهرة . 63
لذا فقد كان علينا أن حنمل معنا جريكن ملئ باملاء بصفة دائمة لعل جرعات املياه منه متد فى أعمارنا ومتنحنا احلياة . كما ذكرنا من قبل فقد كنا جنلس مع املصريني على مائدة طعام واحدة مشرتكة . ً تقريبا ،بل كانوا مل نكن نتناول أى من أنواع الشوربة يقدمون لنا على الغداء حلم مع البطاطس أو األرز أو محام حمشى ،ففى مصر عدد احلمام كبري وأبراج تربية احلمام تعد ً ً رئيسيا من منظر الريف .لكن الطامة الكربى أننى مل جزءا أكن أستطيع أكل احلمام حيث أننى مل أتعود على ذلك فى بلدى .فكنت أتناول عدة لقيمات فقط كى أسد بها رمقى. أضف إىل ذلك أننى فقدت شهيتى للطعام فى مثل هذا الرتاب واجلو احلار وكنت أدخن وأشرب الشاى بصفة دائمة ،لذلك فقد فقدت الكثري من وزنى لدرجة أننى أصبحت أبدو كاملومياء أو كما يقولون فى مصر « كخيال املآته » . ً وأخريا حانت حلظة استمر احلال على هذا املنوال عدة أشهر . اخلالص من هذا الكابوس املخيف على يد صديقى إجيور الذى كنت أدرس معه فى دفعة واحدة . ففى صباح أحد األيام فوجئت بفيكتور ستوبني وهو يوقظنى ً قائال ىل « :انهض ً حاال فهناك بأعلى املكان ينتظرك من نومى صديقك » .نهضت بسرعة وأخذت أصعد الدرج إىل أعلى امللجأ حيث كان يقف إجيور .ومل أدر حينئذ السبب فى ارتدائه بالطو 64
طويل ً جدا مثل البالطى التى يرتديها عادة العسكريون .وبعد أن تعانقنا قال ىل إجيور « :فلنجلس اآلن ونتحدث فهناك أشياء كثرية أريد التحدث معك عنها وياحبذا لو كانت لديك برية » . لكن لألسف البرية كان ميكن أن جتدها فقط فى قنا .وبالرغم من عدم وجود البرية إال أنه قد دار بيننا حديث طويل ممتد ذو شجون . وحرى أن أذكر هنا أنه من بني جمموعتني من دارسى اللغة العربية تتألفان من ثـمانية عشر ً فردا قد وقع االختيار علينا أنا وإجيور فقط الستدعائنا للخدمة العسكرية فى اجليش السوفيتى .أما الباقون فمنهم من حصل على وظائف بوزارة اخلارجية السوفيتية ومنهم من التحق بالدرسات العليا باجلامعة، أى أن كل خريج منهم التحق بعمل ما ،ومل يتم استدعاء أحد للجيش سوانا حنن االثنني .وقد رشحتنى اإلدارة الرئيسية للكوادر بوزارة دفاع االحتاد السوفيتى للسفر للخارج . واحلقيقة أن العاملني باإلدارة حاولوا إقناعى ملدة أربعة أيام على التواىل بالسفر ً أوال إىل اجلزائر .لقد درست فى جمموعة دراستى اللغتني العربية والفرنسية .وفى نفس الوقت كما ترى فقد فاجئنا كبري املستشارين السوفييت فى اجلزائر بأن طلب للعمل ً مرتمجا للغتني العربية والفرنسية . معه هناك على مدى أربعة أيام متتالية وأنا أبذل قصارى جهدى كى ال أسافر إىل اجلزائر وطلبت ً بدال من ذلك إرساىل إىل مصر .لذا فقد أصبحوا ينظرون إىل طلبى هذا بعني الشك والريبة :ملاذا يرفض بشدة السفر إىل بلد كاجلزائر يقع على شاطئ البحر املتوسط، 65
حيث األوضاع هناك آمنة ومستقرة ،بينما يلح فى السفر إىل مصر حيث تدور املعارك العسكرية على أشدها ؟ . فى ذلك الوقت كان اهلرب إىل خارج االحتاد السوفيتى ً أمرا ً شائعا ،وأذكر أنه خالل فرتة تدريبنا جبامعة القاهرة هرب اثنان من الدارسني معنا بنفس الصف الدراسى ،أحدهما توجه إىل باكستان واآلخر توجه إىل فرنسا ( وقد بعث الطالب األخري برسالة من باريس إىل مدير معهد اللغات الشرقية مبوسكو السيد /كوفاليوف يطلب فيها إرسال شهادة تفيد إنهائه أربع سنوات دراسية باملعهد ) .وعندما وصلنا نبأ هروب زميلينا وحنن فى القاهرة أصابنا ذعر شديد وتوقعنا أن يتم ترحيلنا من القاهرة ً حتما ومن كل بد. إىل موسكو وعندما حصل إجيور على رتبة مالزم مت تعيينه مبعهد إعداد املرتمجني العسكريني للعمل به كمدرس للغة العربية ، ولكن مع بداية عام 1970مت إحلاقه للعمل كمرتجم ضمن جمموعة املشرتكني فى العملية احلربية مبصر ،وقد كان ً خمططا أن يعمل كودها « عملية القوقاز » ،كما كان ً مرتمجا مبركز اإلشارة وباملستشفى العسكرى . سافر إجيور عن طريق البحر ،حيث أن معظم املشرتكني فى العملية احلربية « القوقاز » حضروا إىل مصر عن طريق البحر، وتعرف على ظهر السفينة بصفة مباشرة بالعاملني مبركز اإلشارة واملستشفى العسكرى السوفيتى . كانت هذه هى املرة الثانية التى حيضر فيها إجيور إىل 66
ً طالبا للعمل مصر .فقبل ذلك حضر إىل مصر وهو ال يزال بعد ً كمرتجم عسكرى .لذا فقد كان يعرف مصر جيدا ويعرف عاصمتها بصورة أفضل .وبعد حضور جمموعة ضباط مركز اإلشارة بصحبة إجيور بعدة أيام قادهم فى جولة ليتعرفوا على أهم معامل مدينة القاهرة السياحية حيث زاروا أهرامات اجليزة وغريها من األماكن التارخيية واألثرية . ً أوقاتا مرحة بصورة زادت عن احلد املفروض مما قضى الشبان أدى إىل خمالفتهم لقواعد االنضباط اخلاصة بتواجدهم مبصر، ً ً مرتبطا مبهمة عسكرية خصوصا وأن تواجدهم بها كان سرية .باختصار فقد مت ترحيل املسئولني عن هذه اجملموعة من ذوى الرتب الكبرية إىل االحتاد السوفيتى فى ظرف 24 ً أيضا معاقبتهم ،حيث ساعة ،أما باقى ضباط اإلشارة فقد متت مت نفى إجيور « املرشد السياحى » للمجموعة إىل مدينة قنا ، حيث كانوا عادة ينفون إىل هناك أيام حكم امللوك املصريني املغضوب عليهم وغري املرغوب فى تواجدهم فى العاصمة . ً كان يتعني ّ وفقا للتعليمات أن أحل مكان إجيور على مبوقع عمله مبركز اإلشارة واملستشفى العسكرىالسوفيتى مبنشية البكرى .تغريت طبيعة العمل فى موقعى اجلديد هذا إىل حد كبري .فاآلن أصبح معظم احمليطني بى من الضباط واجلنود السوفييت وأصبحت أعيش كما كنت أعيش من قبل فى مدينة نصر .4 كنت أتناول طعامى فى مطعم ضباط مركز اإلشارة حيث 67
تقدم تلك األطعمة املألوفة بالنسبة لنا مثل شوربة البورش ،وخبز القمح األمسر ،والدجاج ،وعصيدة احلنطة السوداء ،والزبد وغري ذلك من حصص الطعام األخرى اإلضافية .وقد تسبب هذا النوع من التغذية فى أننى أصبحت فى موقف صعب ال أحسد عليه .إذ أننى أصبت بانسداد جزئى فى األمعاء بسبب كثرة الطعام وبسبب بعض اآلثار اجلانبية لعملية جراحية أجريت ىل فى موسكو فى عام ، 1965مما أدى إىل انسداد األمعاء كلية. مت نقلى إىل مستشفى سوفيتى ميدانى عسكرى كان يقع هناك فى منشية البكرى حيث أجريت ىل عملية جراحية عاجلة. وقد قام بإجراء العملية اجلراحية ىل الطبيب اجلراح بهاء الدينوف الذى تقابلت معه مرة ثانية بعد مرور ً 25 عاما إىل مصر ضمن وفد يضم احملاربني القدماء السوفييت فى عام . 1996وكان قد قال ىل حينئذ بعد إجراء العملية أنه إذا كان قد حدث ذلك األمر فى قنا ،فإن النتيجة كانت ستكون غري محيدة باملرة . إذن لقد أنقذنى صديقى إجيور من أسوأ ما كان من املمكن أن حيدث ىل وذلك بنقله إىل قنا كى حيل مكانى هناك . الزلت أذكر عملى مبركز اإلشارة بكل مشاعر احلب ً ً فريدا فى نوعه .وكان يتحتم ّ على عمال واالعتزاز .فقد كان ً ً كثريا جدا مع املصريني بالتليفون . أن أحتدث كان الرمز الكودى ملركز اإلشارة السوفيتى هو الكلمة الروسية « اموليت » التى تعنى بالعربية « متيمة » أو « تعويذة»، وهى تنطق مشابهة لكلمة «عمليات » باللغة العربية ، 68
وكلمة عمليات هى اختصار لتسمية إدارة العمليات بهيئة أركان احلرب العامة للقوات املسلحة املصرية .وهكذا أصبح املصريون يطلقون على السوفييت العاملني مبكتب املستشار العسكرى الرئيسى « -اموليت » .كان هذا اخللط بالنسبة ىل ً ً ً وظريفا ،وكذلك بالنسبة للمصريني . مسليا شيئا وكم أود أن أعرب بأصدق الكلمات الطيبة عن زمالئى الذين كانوا يتناوبون معى العمل مبركز اإلشارة وهم :كوزمني، والجوتـيـن ،وكـوريوسينكـو ،وفـورونيـن الذيـن كـانـوا ينتظرون بفارغ الصرب حضورى إىل العمل .كانوا يقومون بتبليغى عن األعطال التى حتدث خبط االتصال ،عندئذ كنت ً تليفونيا بعمال اإلشارة املصريني كى أبلغهم بالعطل أتصل الذى حدث .بعدها يبدأ عمل مرهق وشاق معهم بهدف حتديد مكان قطع خط االتصال لعمل مركز اإلشارة .وكان اجلميع يكنون ىل كل ود وتقدير واحرتام ويطلقون على جينادى ً مجيعا فاسيلييفيتش ،ورمبا كان هذا االحرتام مرجعه إىل أنهم كانوا يعلمون أننى خريج جامعة موسكو– وما أدراك ما جامعة موسكو ؟ . كانت الساحة التى يقع بها مركز اإلشارة تكاد تربق من شدة النظافة ،وكان الضباط واجلنراالت املصريون يطلقون على املكان « املكان الشيك » .هنا كانت الظروف واألحوال عادية وطبيعية سواء كانت أحوال اخلدمة والعمل أم األحوال املعيشية . وبدأت فرتة راحة نسبية السيما بعد إيقاف غارات العمق التى 69
كانت تقوم بها طائرات الفانتوم اإلسرائيلية :فأصبحنا نقضى أوقات فراغنا فى لعب البلياردو والعزف على اجليتار وغري ذلك من وسائل التسلية والرتويح عن النفس من إطالق للنكات وعمل مقالب مضحكة مع بعضنا البعض ،وارتفعت الروح املعنوية بني اجلنود والضباط . الزلت أذكر بصورة جيدة جداً تلك الزيارة التى قام بها أليكسى نيكوال يوفيتش كوسيجني ملركز اإلشارة فى عام .1970 فقد وقفنا حنن الضباط بالقرب من املطعم ،ثم ظهرت احلاشية املرافقة لكوسيجني ،وعلى رأسها كبار الرؤساء والقادة واملسئولني .كان يصاحبهم املالزم ميشا كوفا لينكو نائب رئيس مركز اإلشارة للشئون اإلدارية .دخل اجلميع إىل املطعم. فجأة وعلى حني غرة انفتح باب املطعم بشدة على مصرعيه ً صائحا « :يا شباب من واندفع ميشا كوفالينكو من خالله منهم كوسيجني ؟ ....انفجر اجلميع ضاحكني ووصفوا له على وجه السرعة كيف يبدو كوسيجني . ً غريبا إذ أن صور أعضاء املكتب السياسى بدا سؤال ميشا هذا ومن بينهم صورة كوسيجني نفسه كانت معلقة فى كل ً ً أيضا لدينا . تقريبا ،وكانت هذه الصورة معلقة مكان بعد فرتة وجيزة خرج كوسيجني مع مرافقيه من املطعم .وخرج ً ً ً مبهوتا على شفا اجلنون من هول وثقل مشدوها ، أيضا ميشا ً ناصحا املسئولية امللقاة على عاتقه .عندئذ قال له أحد الضباط 70
إياه على سبيل الدعابة « :ميشا .كان جيب عليك إهداء أليكسى نيكواليوفيتش كوسيجني بضعة أرغفة كى ً عائدا إىل موسكو» . يأخذها معه أثناء سفره فإنه سيطري اليوم ما إن مسع ميشاكوفالينكو ذلك حتى أنطلق إىل داخل ً مهروال، املطعم وبعد بضعة ثوانى فقط ال أكثرخرج من املطعم ً ً حابسا أنفاسه من شدة اخلوف من التأخري ، مندفعا كالسهم ، كان حيمل معه عدة أرغفة من اخلبز األبيض ملفوفة فى قطعة من الورق ،وجرى خلف ركن املبنى حيث كان الوفد قد اختفى ً متاما عن األنظار . ال أدرى ما الذى حدث هناك بالضبط . ولكن بعد مرور حواىل 15أو 20ثانية ظهر ميشا من وراء ً ً حامال مكتئبا ،منقبض النفس ، ركن املبنى منكس الرأس ، فى يده أرغفة اخلبز األبيض املخصصة من أجل أليكسى ً عائدا إىل موسكو نيكواليوفيتش .وهكذا ،طار كوسيجني دون أن يأخذ معه فى رحلته أرغفة اخلبز التى أعدها له ميشا . باإلضافة إىل عملى مبركز اإلشارة كنت أقوم بأعمال الرتمجة فى املستشفى العسكرى السوفيتى الذى كان يقع على بعد مائة مرت فقط من منزل الرئيس مجال عبد الناصر . كان املستشفى العسكرى ومركز اإلشارة قد مت إنشاؤهما منذ عهد قريب ،لذا فقد كان العمل على أشده ،وفى نفس الوقت وبصورة متوازية كان يتم بناء وتشييد مشاريع جديدة 71
تقوم بإجنازها هيئات إنشائية عسكرية مصرية ،كما كان يتم نشر وتوزيع املعدات والتجهيزات بكل من مركز اإلشارة واملستشفى العسكرية وتشغيلهما . بدأ تدفق القوات السوفيتية النظامية التى كانت تلتحم على الفور فى املعارك التى كانت ختوضها القوات السوفيتية املتواجدة . فى أثناء إحدى املعارك الغري متكافئة التى دارت رحاها بني أربعة من الطيارين السوفييت واثنتى عشرة طائرة « مرياج » من طائرات العدو و استشهدمن رجالنا ثالثة طيارين أما الطيار الرابع فقد قذف نفسه باملقعد الطائر ،ومتكن من اهلبوط على األرض بسالم وكسرت ساقه فى هذه احلادثة . لن متحى من ذاكرتى ما حييت تلك الصورة عندما ذهبت مبرافقة مدير املستشفى العسكرى لتوصيل جثث اجلنود السوفييت إىل املشرحة بالقاهرة .كان هؤالء اجلنود السوفيت قد احرتقوا فى مركز قيادة كتيبة الصورايخ نتيجة السقوط املباشر ألحد الصورايخ اإلسرائيلية . كانوا ثـمانية شبان ترتاوح أعمارهم ما بني التاسعة عشر والعشرين ،وكان من بينهم شابان توأمان .كانوا وهم ً مجيعا كالتوأم .كان املالزم سومني قائد متفحمون يبدون الطاقم هو الوحيد من بينهم الذى مل حيرتق ،وإمنا أصيب بشظايا الصاروخ اإلسرائيلى املنفجر . 72
كان من الواضح أنه حلظة سقوط الصاروخ كان سومني ً رافعا يده كى يعطى أوامره بإطالق صاروخ مضاد ، يقف لكنه استشهد وهو فى هذا الوضع وجتمدت يده امليتة املرفوعة، ومل نتمكن من فردها بأى حال من األحوال .ووجدنا صعوبة بالغة فى إدخاله فى مكان حفظ املوتى الضيق باملشرحة ،مما اضطررنا معه فى نهاية األمر إىل إدخال جثته فى مكان حفظ املوتى مع غلقه وبقاء يده امليتة املتجمدة مرفوعة خارجة منه . ً طبقا حلساباتى وتقديراتى ،يرتاوح عدد اجلنود والضباط السوفييت الذين استشهدوا أثناء العمليات العسكرية فى ً فردا من مصر خالل عامى 1970- 1969ما بني 30إىل 40 ً تقريبا كان يعمل اجلنود والضباط السوفييت .نصفهم جبهاز املستشارين العسكريني ،أما النصف اآلخر فكان من ً وفقا أفراد القوات النظامية السوفيتية التى حضرت إىل مصر لعملية عسكرية خاصة وضعت خطتها إليقاف غارات العمق ً ً كوديا « القوقاز » . امسا اإلسرائيلية كانت حتمل ً ً مقتصرا متنوعا إىل حد كبري ومل يكن كان عمل املرتجم فقط على أعمال الرتمجة وحدها .فلقد كانت هناك أعمال تدخل فى نطاق الرتمجة وأعمال أخرى ال تدخل فى نطاقها ،لكننى ً كبريا ،عالوة أعتقد أنها كلها متقاربة ومل يكن الفرق بينها على ذلك فاملرتجم مكلف بأداء أية أعمال أخرى توكل إليه .
ال أتذكر على وجه الدقة إن كانت هذه الواقعة التى سأذكرها 73
هنا مرتبطة حبضور القائد العام للقوات اجلوية السوفيتية املارشال كوتاخوف إىل القاهرة أم حبضور القائد األعلى لقوات الدفاع اجلوى السوفيتى املارشال باتيتسكى . كانت مباحثات املارشال مع اجلانب املصرى معقدة للغاية . بعد األنتهاء من املباحثات قام املصريون بتنظيم حفل استقبال بنادى الصيد باهلرم .جلس املارشال مقطب اجلبني ،عابس الوجه، ً مكتئبا لدرجة أن الرقص الشرقى الذى كانت تؤديه واحدة من أحسن الراقصات املصريات مل حيسن من مزاجه . فجأة وعلى حني غرة اقرتبت منى الراقصة عندما مسعتنى أحتدث مع اجلنراالت املصريني باللغة العربية وأوقفتنى ،ثم راحت تفك رباط عنقى ببطء فى حركات راقصة ،لكنها مل تتمكن من فعل ذلك على وجه السرعة .أدى هذا إىل بعث السرور فى نفوس الضيوف العسكريني الذين كانوا جيلسون حول موائد موضوعة على شكل حرف «ب» فى اللغة الروسية ً خصوصا بعد تناوهلم الويسكى . لكن بالرغم من كل ذلك فقد ظل املارشال كسابق عهده ً مكتئبا . مكفهر الوجه ، استمر عزف املوسيقى الشرقية فى حني طلبت منى الراقصة أن ً متجمدا فى أشاركها الرقص وهى تهز وسطها .أما أنا فقد وقفت مكانى من شدة اخلجل ومن املوقف احملرج الذى وجدت نفسى فيه فجأة وبال مقدمات ،رفضت مشاركة الراقصة فى حركاتها. 74
ً خمرجا من هذا املوقف الذى ال حيسد عليه أحد . مل أجد أمامى ً متمشيا مع املوسيقى ، حاولت أن أقلد الراقصة فى حركتها بينما أخذت هى تشجعنى باحنناءات من رأسها وأخذت فى زيادة ً جاهدا أن أؤدى حركات الرقص الشرقى سرعة الرقص .حاولت مبصاحبة تصفيق احلاضرين .استمرت حركات الرقص هذه لعدة دقائق خيل إىل أنها ً دهرا بأكمله . انفجراجلنراالتاملصريونوالسوفييت من الضحك ،بينما انفرجت ً أخريا أسارير املارشال السوفيتى ،وبدا وكأننى قد قمت مبهمتى فى الرتويح على اجلنرال مبعاونة الراقصة على أكمل وجه . فى أحيان كثرية كنا نقوم بالرتمجة التحريرية .كما قلت ً مسبقا فقد كان يوجد مكتب للرتمجة فى اإلدارة التابعة لكبري املستشارين السوفييت التى كان يرأسها بعد وصوىل مباشرة إىل مصر املقدم السوفيتى جيورجى ريئوتسكى من مدينة أوديسا . بعد مرور فرتة زمنية أصبح العقيد /كفاسوك من موسكو ً كبريا للمرتمجني .ال أعرف السبب فى أن معظم املرتمجني السوفييت الذين كانوا يعملون فى مكتب الرتمجة كانوا ً شفهيا ولكن من مرتمجى اللغة اإلجنليزية .كانوا يرتمجون نادرا ً ً جدا كان عملهم الرئيسى ينحصر فى الرتمجة التحريرية لبعض مقاالت صحيفة « أجييبسيان جازيت » ذات األهمية اإلعالمية اخلاصة . 75
كانت هذه املقاالت جتمع وتستخدم فى عمل نشرات إخبارية توزع بني القيادات السوفيتية مبصر .وعلى أساس هذه املقاالت كان املرتمجون يعلمون نشرات إخبارية يقرأونها كل صباح أمام موظفى هيئة أركان كبري املستشارين السوفييت . ً كثريا ما أشرتك معهم فى هذا العمل . وكنت كان يوجد هناك مرتمجون آخرون فى هيئة أركان احلرب من بينهم :أوليج كوملوجوروف الذى كان يرتجم من اللغة اإلجنليزية إىل اللغة الروسية وبالعكس لنائب كبري املستشارين السوفييت جنرال شيشيموروف ،واملستعرب شامل ً مرتمجا لنائب كبري املستشارين هيسريياشاف الذى كان للشئون السياسية اجلنرال شوكني ،واملستعرب يورى ً مرتمجا لنائب كبرياملستشارين للشئون شيفتسوف الذى كان العامة جنرال نرييتني ،واملستعرب نيوكالى لوكاشونوك ً مرتمجا لرئيس هيئة أركان احلرب جنرال جارييف . الذى كان كان حجم العمل هلؤالء املرتمجني لدى رؤسائهم اجلنراالت ً كبريا ،وكان ميتد ليشمل من حيل عليهم من زوار سوفييت ً فكثريا ما كان من أصحاب الرتب العليا الرفيعة ،هلذا السبب كفاسيوك يرسل ملركز اإلشارة فى طلبى إذا ما كانت هناك حاجة ملحة للرتمجة باللغة العربية . وهنا حتضرنى حادثتان مرتبطتان بوصول الرئيس املصرى أنور السادات للحكم . 76
فى اليوم األول أو رمبا الثانى من شهر مايو عام 1971قام أنور ً رئيسا للجمهورية بصفة رمسية بإلقاء السادات قبل انتخابه خطاب عيد العمال مبجمع احلديد والصلب حبلوان ،كان ً معتادا من جانب الرئيس مجال عبد الناصر .الحظ املراقبون ذلك تغيب السيد /على صربى من بني كبار رجال الدولة احلاضرين فى االحتفال .وكما هو معروف كان على صربى حيتل مكانة هامة بني الناصريني اليساريني وكان حلقة الوصل بني موسكو والقاهرة . عرفت بعد ذلك أن السفري السوفيتى فى القاهرة فالدميري فينوجرادوف قد أرسل مرتمجه اخلاص إىل منزل على صربى، ً موضوعا حتت حيث اكتشف املرتجم أن على صربى كان احلراسة فى منزله . فى الثالث عشر من شهر مايو عام 1971بدأ أنور السادات ما مسى بـ « حركة التصحيح » ،حيث أزاح مبهارة تامة من طريقه مجيع كبار رجال الدولة والساسة البارزين املناوئني له .فى ذلك الوقت استدعانى حممود جارييف رئيس أركان ً معروفا بنشاطه حرب كبري املستشارين السوفييت الذى كان ومحاسه ومبادرته ،وكلفنى مبهمة أال وهى :تغيري مالبسى العسكرية وارتداء مالبس مدنية ً بدال منها ،ثم التوجه بعد ذلك إىل األحياء الشعبية بالقاهرة ملراقبة وتتبع – على حد قوله – مظاهرات االحتجاج الشعبية ضد أنور السادات ،ومعرفة الشعارات التى يرفعها املتظاهرون ،والتنصت على ما يقوله أفراد الشعب املصرى. 77
توجهت من فورى إىل حى العتبة ،ذلك احلى الشعبى الذى ً كثريا ما كنا وحنن طلبة جنوبه ونتمشى به ،أخذت أسري هناك وأراقب ما حيدث حوىل وأنصت ملا يقوله عامة الناس . ً حائرا مشوش الفكر وقد امحر وجهى من شدة اخلجل. كنت كان خييل إىل أن اجلميع يعرفون طبيعة املهمة التى حضرت من أجلها . ً مستتبا واألمور جترى فى جمراها الطبيعى كان الوضع كاملعتاد ،وقد شهدت حركة البيع والشراء جترى بصورة طبيعية . رحت أنظر إىل أنواع البضائع واألقمشة املختلفة .مل تكن هناك أية مظاهرات إحتجاج وال أية شعارات . عندما عدت أدراجى إىل منشية البكرى أبلغت اجلنرال جارييف بأننى مل أحلظ أية أحداث غري عادية فى حياة الناس فى القاهرة .ابتسم اجلنرال وأخلى سبيلى فذهبت إىل مركز اإلشارة . ً أيضا باجلنرال جارييف أما احلادثة الثانية فقد كانت مرتبطة والرئيس أنور السادات . فبعد قيام الرئيس املصرى أنور السادات بعملية إقصاء وإزاحة كبار رجال الدولة والسياسيني املعارضني فيما عرف بعملية التخلص من مراكز القوى ،أخذ السادات فى تنظيم العديد من اللقاءات مع العمال واملثقفني وطلبة وأساتذة اجلامعة ، وكذلك مع أفراد القوات املسلحة .كانت خطبه التى يلقيها 78
والتى تستمر من ساعتني إىل ثالث ساعات تتسم باهلدوء فى بداياتها ،ثم سرعان ما يعلوها االنفعال واالحتدام . انتشر فى مصر فى تلك احلقبة القبض على الناصريني اليساريني والزج بهم فى السجون واملعتقالت ،لذا فقد قرر اجلنرال جارييف – كما يبدو – أنه البد من ترمجة خطب أنور السادات . ً وقد وقع اختياره ألداء هذه املهمة ّ شخصيا .من أجل ذلك على أنا كان يتم إحضار جهاز راديو إىل مكتب الرتمجة ،وفى أثناء إذاعة خطاب أنور السادات كنت أقوم بالرتمجة الفورية لكل كلمة يقوهلا .وكنت أبذل قصارى جهدى فى نقل خطبه باللغة الروسية . كان زمالئى املرتمجون يقومون على الفور بتصحيح وحترير ما كنت أقوم برتمجته .بعد ذلك يقوم جندى املراسلة بتوصيل الرتمجة املصححة ورقة بعد أخرى إىل الطابق الثانى حيث يوجد قسم الكتابة على اآللة الكاتبة .كان كل ذلك يتم ً متاما باللغة بسرعة رهيبة حبيث تكون الرتمجة معدة وجاهزة الروسية بعد حواىل 30دقيقة فقط من إذاعة اخلطبة عن طريق الراديو .يتم بعد ذلك نقل الرتمجة بواسطة سيارة كانت تقف ً دائما على أهبة االستعداد فى فناء اإلدارة .كانت السيارة تسري بسرعة الربق وتنهب األرض ً نهبا عن طريق شارع صالح سامل ً دائما من املارة ،متوجهة إىل السفارة حيث كان هذا الشارع خيلو السوفيتية باجليزة . 79
أعتقد أنه على الرغم من أن السفارة السوفيتية ،كان لديها ً ً كافيا من املرتمجني واالستعداد التام للرتمجة فى أية عددا ً ً مساويا للجنرال منافسا حلظة ،إال أنها ال ميكن أن تكون جارييف مبا يتمتع به من نشاط ومحاس وإصرار زائدين عن احلد. كان نتيجة لكل ذلك أن جنح اجلنرال حممود أمحدوفيتش جارييف فى أن يصل إىل أعلى وأرقى املناصب ،إذ توىل مناصب قيادية متقدمة فى هيئة أركان حرب القوات املسلحة ً كبريا للمستشارين العسكريني السوفيتية ،كما أصبح السوفييت أثناء احلرب فى أفغانستان ،ويشغل فى الوقت احلاىل ً عددا من الوظائف العسكرية العليا فى روسيا االحتادية مبا فى ذلك منصب رئيس األكادميية العسكرية الروسية . استمرت عملية الرتمجة الفورية التحريرية خلطب الرئيس أنور السادات مدة طويلة ً جدا حتى أخذ منى الضيق كل مأخذ. فقد كانوا يستدعوننى فى أى وقت وأى يوم .حتى أنهم قد استدعونى ذات مرة فى يوم مجعة ،يوم أجازتى الرمسية . فى ذلك اليوم كنت فى زيارة املستشار فيكتور ستوبني . ً ً فخما بالنسبة غدائا كانت زوجته نيلالسريجييفنا قد أعدت ىل ً مكونا من حلمة روستو فى الفرن .أخربنى إلنسان عازب مثلى جندى املراسلة بأننى جيب أن أذهب على وجه السرعة إىل منشية البكرى للرتمجة ،حيث أنه كان من املتوقع أن يقوم أنور السادات بإلقاء إحدى خطبه .رفضت بشدة الذهاب مع اجلندى. عندما مسع ستوبني هذا احلديث بينى وبني اجلندى هز رأسه 80
ً قائال ىل « :كان من الواجب عليك أن تتصرف بطريقة أخرى كأن تقول للجندى أن يبلغ اإلدارة بأنه مل يتم العثور عليك مبا أن اليوم كان يوم أجازتك » . ً متاما فى اليوم التاىل من صحة كالم ستوبني ...هذا تأكدت
الرجل احلكيم – فما كدت أصل إىل مركز اإلشارة حتى أخربونى بتوقيع العقاب على بالسجن ملدة ً 15 يوما .مت نزع احلزام ً حتسبا بأى الذى كنت أرتديه – كما تقضى بذلك اللوائح - عمل متهور قد يودى حبياتى .لكنهم مل يقوموا بوضعى فى ً شيئا ما . السجن مباشرة ،فقد كان من الواضح أنهم ينتظرون علمت فيما بعد أن السبب فى تباطئهم فى وضعى بالسجن كان تلك احملاوالت املستميتة التى كان يبذهلا نائب رئيس مركز اإلشارة للشئون املعنوية أوليج شوجل لرفع عقوبة السجن عنى . ً مبنيا على اآلتى :أن املالزم كان دفاع أوليج شوجل عنى أول جينادى جارياتشكني يقوم بعمله على الوجه األكمل، وال توجد ضده أية مالحظات على أدائه ملهام عمله األساسية فى مركز اإلشارة ،حيث يتمتع حبب واحرتام وتقدير مجيع زمالئه معه باملركز .وقد أرهقه كبري املرتمجني كفاسيوك باستدعاءاته املتكررة الالنهائية إىل مكتب الرتمجة كى يقوم بأعمال ترمجة ال تدخل فى نطاق عمله املنوط به .لقد حان الوقت للدفاع عنه وليس إلنزال العقاب به . كان هلذا اإلصرار من جانب أوليج شوجل على رفع عقوبة السجن عنى أثر كبري على املقدم /راسكازوف – الرئيس 81
اجلديد ملركز اإلشارة –الذى كان من أبرز صفاته ضعف الشخصية والرتدد. بالنسبة للمرتجم األجنبى -أو ألى زائر أجنبى فى أى بلد فأهم مشكلة تواجهه هى ال شك مشكلة ملء وقضاء وقتالفراغ .هذه املشكلة تكون أكثر حدة بالنسبة لألجانب الذين ال يعرفون لغة البلد الذى يقيمون فيه والكساىل منهم وكذلك غري القادرين على قضاء أوقات فراغهم بالصور املثلى. ً نظرا لكن هذه املشكلة مل تواجهنى قط على وجه اإلطالق ، ألننى كنت قبل مغادرتى من االحتاد السوفيتى فى طريقى إىل مصر قد اتفقت مع قسم تاريخ بلدان الشرقني األدنى واألوسط، ومع مشرفة حبث التخرج العلمى جبامعة موسكو األستاذة الدكتورة فريدة أتسمبا أننى بعد انتهاء خدمتى باجليش السوفيتى مبصر سألتحق بالدراسات العليا بالقسم ،وبأننى سأقوم – بقدر اإلمكان – بأداء امتحانات الدرسات العليا خالل فرتة أجازتى السنوية . كان من الضرورى أن أقوم جبمع املواد العلمية الالزمة لكتابة رسالتى العلمية أثناء تواجدى مبصر .كان ىل ارتباطات وعالقات شخصية كثرية منذ فرتة دراستى بكلية اآلداب جبامعة القاهرة ،وكنت أعرف مصادر احلصول على املراجع واملصادر العلمية الالزمة لذلك . كان من الطبيعى خطورة استئناف هذه العالقات الشخصية مرة أخرى فى ظروف عملى كمرتجم عسكرى .إذ من املمكن 82
أن تفهم هذه العالقات الشخصية على أنها خرق للقوانني العسكرية وكمحاولة لتسريب األسرار العسكرية .وقد كانوا فى موسكو حيذروننا من مثل هذه العالقات الشخصية ً ً طبقا للموقف . مرارا .لذلك كنت أتصرف كنت أحتفظ فى مكتبى فى مركز اإلشارة مبالبس مدنية أرتديها عندما أريد الذهاب إىل مكان ما .كنت أستأجر التاكسي وأتوجه به إىل وسط القاهرة ،وهناك أستأجر تاكسيا آخر أعود به مرة أخرى إىل مصر اجلديدة ً ً مارا بإدارة كبري املستشارين العسكريني السوفييت ،وأطلب من سائق التاكسى أن يتوقف عند سينما روكسى أو عند ثالث مبنى خلف السينما ،وهو مبنى معهد الدراسات االشرتاكية التابع لالحتاد االشرتاكى العربى .كان بهذا املعهد مكتبة كبرية ً نسبيا ،وهناك فى قاعة املطالعة املكيفة كنت أجلس للقراءة لبعض الوقت ،كنت أعيد الكتب التى أكون قد استعرتها من قبل كى أستعري دفعة جديدة أخرى ملدة أسبوع أو أسبوعني . ً ً نظرا سريا على األقدام ثم بعد ذلك أعود إىل مكان عملى لقرب املسافة بني مقر عملى ومعهد الدراسات االشرتاكية ماراً مبنزل الرئيس مجال عبد الناصر الذى كان يوجد عند مدخله مدافع صغرية من العصر العثمانى ،بينما يقف عند املدخل احلرس اجلمهورى الذى يتكون من جنود يتم اختيارهم بعناية ، فارعى الطول من ذوى الطلعة احلسنة والبشرة السمراء واألسنان البيضاء . 83
كان أكثر ما يهمنى هو مجع البيانات اإلحصائية وإحصاءات معهد التخطيط القومى التى وجهنى للحصول عليها أساتذة جامعة ً حبوثا موسكو .كانت تقارير معهد التخطيط القومى حتوى ودراسات علمية ذات قيمة كبرية عن الرتكيبة الدميوجرافية واالجتماعية لسكان مصر وعن أحواهلم اإلقتصادية ،كما ً أيضا على دراسات ميدانية .هذه املواد العلمية كانت تشتمل القيمة كنت أمجعها أيضا ً أثناء فرتة تدريبى عندما كنت ً طالبا جبامعة القاهرة .وحينما كانوا يسألوننى عن مكان عملى كنت أجيب عادة أننى موظف بالسفارة السوفيتية بالقاهرة . ً أيضا إىل السفارة السوفيتية .هناك كنت ال كنت أتردد أخفى حقيقة عملى كمرتجم عسكرى .كان يعمل هناك أحد اخلرجيني من معهد اللغات الشرقية الذى كنت أدرس به فى ً كثريا ما أتقابل معه هو وزوجته فى الفيال موسكو .كنت املخصصة السرتاحة املدنيني السوفييت التى كانت تقع فى شارع ويل كوكس بالزمالك . كنت أذهب إىل هناك مرات كثرية ألحتسى البرية ستال وآكل الكباب ،وألتقى مع املوطنني السوفييت كى نتجاذب أطراف احلديث فى جو من الود والسالم . ً غريبا بعض الشئ .فبينما كان من املمكن بدا ىل هذا الوضع التمتع باحلياة وممارسة الرياضة مثل لعب كرة الطائرة ، والعيش فى سالم وهدوء فى حى الزمالك ،ومعرفة ما جيرى من 84
أحداث فقط عن طريق اجلرائد واجملالت ومن أحاديث اآلخرين، كان هناك من يتعرض خلطر احلرب واالستشهاد أثناء شن غارات العمق .لقد كنت أدرس أنا وصديقى هذا فى معهد واحد وسنة دراسية واحدة وفى جمموعة واحدة ،وبالرغم من ذلك فإن ً كثريا عن اآلخر . مصري كل منا اختلف كما ذكرت ً آنفا فقد أدى قيامى جبمع املواد العلمية الالزمة لكتابة رسالة الدكتوراه اخلاصة بى إىل تنويع منط حياتى فى مصر .وال أنكر هنا أن املصريني كان لديهم الفضل األكرب فى مجع هذه املواد العلمية ،فعالقتهم باملستعربني كانت تتسم باحلب والدفء ،السيما أفراد احلراسة . ال زلت أذكر ذلك العريف املصرى ذا الشعر األمحر الذى كان ً ً مرحا جييد فن إلقاء شخصا يعيش فى حى الروضة .كان النكت والفكاهات .فعند وفاة الرئيس مجال عبد الناصر حضر إىل مصر رئيس الوزراء السوفيتى أليكسى كوسيجني لالشرتاك فى مراسم تشييع جنازته . ً عائدا إىل موسكو وما كاد كوسيجني يرتك القاهرة بعد انتهاء مراسم تشييع اجلنازة حتى قص على ذلك العريف النكتة الالذعة التالية :حيضر أليكسى كوسيجني إىل مصر لالشرتاك فى جنازة الرئيس مجال عبد الناصر ،ويسأل كوسيجني أنور السادات نائب الرئيس املرحوم « :هل قال لك ً شيئا ما قبل رحيله ؟ » فأجابه أنور السادات مجال عبد الناصر بالنفى .يتوجه كوسيجني بنفس السؤال إىل أحد كبار رجال 85
الدولة اآلخرين ،ثم إىل الثالث فيتلقى نفس اإلجابة بالنفى ، عندئذ صاح كوسيجني ً قائال « :إذن من سيعيد إىل نقودى ؟ » ... كان العريف رجب يسجل ىل أول كل شهر أسعار السلع االستهالكية الضرورية مبا فى ذلك أسعار املواد الغذائية . استمر ذلك على مدى عام 1970بأكمله . كان يقوم بنفس هذا العمل مصريان آخران ،هما صاحب أقرب حمل بقالة وعامل النظافة فى الفندق الذى كنا نقيم فيه، اللذان كانا يسكنان فى أحياء أخرى فى القاهرة . سجلت أنا بنفسى هذه األسعار مبدينة نصر .كان الكشف الذى كنت أسجله يضم ما يقرب من مخسني ً نوعا من البضائع . كانت هذه البيانات ضرورية والزمة بالنسبة ىل حتى ميكننى عمل مقارنة بني األسعار الرمسية التى كان يصدر بها بيان من إدارة خاصة باالحتاد االشرتاكى العربى ،والتى كانت تطبق فى القطاع العام احلكومى وبني األسعار األخرى التى كانت تباع بها نفس هذه البضائع فى حمالت القطاع اخلاص . ً ً بيانا بهذه األسعار سنويا كانت احلكومة املصرية ترسل إىل منظمة العمل الدولية فى جنيف ،التى كانت تقوم بدورها بإصدار كتاب سنوى يضم بني بياناته املختلفة األسعار املشار إليها ً آنفا . مبقارنة األسعار املدونة بكتاب املنظمة الدولية وأسعار نفس 86
هذه البضائع فى أسواق القاهرة الحظت وجود فروق كبرية فى األسعار تصل إىل ما بني 15إىل ، 20%لذلك توصلت إىل النتيجة التالية :وهى أن أهاىل القاهرة يدفعون فى شراء البضائع ً أسعارا أقل بـ 1/5من تكلفتها . االستهالكية فيما بعد استخدمت نتائج هذا البحث امليدانى الذى قمت به فى كتابة رسالة الدكتوراه بهدف حساب األجور الفعلية واحلد األدنى للمعيشة للعمال املصريني . فى أوقات فراغى كنت أستعد ألداء االمتحانات اخلاصة بااللتحاق بالدراسات العليا جبامعة موسكو فى التاريخ والفلسفة واللغة العربية الفصحى ،ولكى ال أنسى قواعد اللغة العربية الفصحى كنت أداوم على قراءة خمتلف املقاالت بالصحف واجملاالت املصرية مع قيامى بتشكيل نهاية الكلمات حسب موقعها من اإلعراب . أديت امتحانات االلتحاق بالدراسات العليا بنجاح فى صيف عام .1970وهكذا مر عامان .
87
خامتة طويت صفحة أخرى من صفحات حياتى قضيتها فى العمل كمرتجم عسكرى سوفيتى فى اجليش املصرى .لقد مر على ذلك ما يزيد على الثالثني ً عاما . أعترب هذه الفرتة من حياتى التى سردت أحداثها مرحلة طبيعية من مراحل حياتى كمواطن سوفيتى خيضع لقوانني بلده ،أدى اخلدمة العسكرية التى كلف بها ،وكمستعرب درست باجلامعة دورة فى جمال الرتمجة العسكرية استخدمتها خالل عملى فى فرتة زمنية تعد أكرب حمنة وأصعب اختبار مير به إنسان – أال وهى فرتة احلرب . وكغريى من زمالئى ورفاقى الذين يزيد عددهم على األلف فرد هم فى الوقت احلاىل أعضاء مجعية احملاربني القدماء الذين حاربوا فى مصر ،والتى يقع مقرها مبوسكو ويرأسها بطل االحتاد السوفيتى العقيد كونستنتني بوبوف ( وهو أول من قام بإسقاط طائرة فانتوم عسكرية إسرائيلية ) ،أعرتف بأنى غري آسف على تلك املرحلة من حياتى ،ألنى قد نفذت األوامر الصادرة ً إىل من القيادة العسكرية السوفيتية العليا . 89
وقد ُ نلت « نوط الواجب العسكرى من الدرجة األوىل » مما أفتخر به .كما أننى فخور ً جدا ألننى ساعدت الشعب املصرى فى أحلك وأصعب أوقاته ...ساعدت ذلك البلد الذى كرست حياتى وجهدى كمستعرب من أجل دراسته . أ.د .جينادى جورياتشكني الساحل الشماىل صيف 2003
90
السرية الذاتية ولدت مبنطقة سيبرييا الشرقية باالحتاد السوفيتى فى عام . 1945 ً التحقت فى عام 1963مبعهد اللغات الشرقية ( حاليا يعرف باسم معهد بلدان آسيا وإفريقيا ) التابع جلامعة موسكو املسماة باسم العامل الروسى لومونوسوف ،ختصص « اللغة العربية وتاريخ البلدان العربية » . خالل العام الدراسى 1968- 1967قضيت فرتة تدريبية بقسم التاريخ بكلية اآلداب – جامعة القاهرة . فى عام - 1969أنهيت دراستى جبامعة موسكو . فى نفس هذا العام استدعيت ألداء اخلدمة العسكرية فى اجليش السوفيتى ،حيث مت إيفادى إىل مصر للعمل كمرتجم عسكرى . بعد انتهاء خدمتى العسكرية – ملدة سنتني – عدت إىل جامعة موسكو حيث أنهيت دراستى العليا وحصلت على درجة الدكتوراه عن موضوع « :تكون طبقة البلوريتاريا باملعامل واملصانع جبمهورية مصر العربية والوضع املادى هلا ( فى السنوات من عام 1952وحتى عام . » ) 1970 91
ً أستاذا لتاريخ البلدان العربية احلديث واملعاصر مت تعيينى بقسم تاريخ بلدان الشرقني األدنى واألوسط مبعهد بلدان آسيا وإفريقيا التابع جلامعة موسكو . فى عام 1996دافعت عن أطروحتى للحصول على دكتوراه الدولة ( بروفسيور ) بنفس القسم . فى عام 1998مت انتخابى ً نائبا لرئيس مجعية أصدقاء مصر فى
روسيا ،التى مسيت فى السابق « مجعية الصداقة السوفيتية – املصرية » . حضرت إىل مصر مرات عديدة :رافقت طالب جامعة موسكو الوافدين إىل مصر للتدريب اللغوى بكلية اآلداب جامعة القاهرة.
اشرتكـت فـى العديد مـن النـدوات واملؤمترات العلمية والسياسية واالجتماعية ،آخرها املؤمتر الدوىل األول للعالقات الثقافية املصرية الروسية بدار الكتب املصرية سبتمرب ، 2013 والذى نظمته دار نشر أنباء روسيا . مؤلفحواىلعشرةكتبكرستمعظمهالتاريخوثقافةمصر. متت ترمجة مؤلفاتى األخرية إىل اللغة العربية « :األقليات األجنبية فى مصر» « ،روسيا ومصر فى ضوء األرشيفات الروسية» « ً حبثا عن الذهب ». فى الوقت احلاىل يتم إعداد بعض مؤلفاتى باللغة العربية . 92
ً مديرا سبق أن عملت فى الفرتة من يوليو 2000حتى 2004 ً ونائبا لقنصل روسيا االحتادية للمركز الروسى للعلوم والثقافة باإلسكندرية .
املؤلفات : 1 .1نشأة الطبقة العاملة املصرية فى الظروف االستعمارية فى مصر فى فرتة ما بني 1841إىل – 1914معهد اإلعالم البحثى للعلوم االجتماعية – موسكو – 1992باللغة الروسية . 2 .2مصر فى عيون الروس من أواسط القرن التاسع عشر إىل بداية القرن العشرين ( السياسة – االقتصاد – الثقافة ) – معهد اإلعالم البحثى للعلوم االجتماعية – موسكو 1992 ، باللغة الروسية . 3 .3دور األقليات األجنبية فى تكوين مصر االجتماعية احلديثة ،دار الثقافة اجلديدة – القاهرة . 1996 4 .4رحلة الربوفيسور نيكوالى بوجويافلينسكى إىل اخلليج العربى فى – 1902مطبعة جامعة موسكو ،موسكو ، 199باللغة الروسية . 5 .5إطاللة على تاريخ اخلليج العربى واجلزيرة العربية من خالل الوثائق الروسية – اجلزء األول – البحرين . 1999 6 .6املهاجرون الروس فى مصر وتونس ( ) 1939 – 1920مطبعة 93
جامعة موسكو ،موسكو – – 2000باللغة الروسية . 7 .7روسيا ومصر فى ضوء األرشيفات الروسية – أواسط القرن – 19بداية القرن الـ – 20اهليئة املصرية العامة للكتاب – القاهرة . 2002 ً 8 .8 حبثا عن الذهب من تاريخ العالقات الثقافية بني روسيا ومصر فى أواسط القرن التاسع عشر – منشأة املعارف – اإلسكندرية . 2003
9 .9صفحات من احلوار الثقافى الروسى املصرى : اجلزء األول :منشأة املعارف – اإلسكندرية – . 2003 اجلزء الثانى :منشأة املعارف – اإلسكندرية – . 2004 1010روسيا ومصر -صداقة ممتدة +: الطبعة األوىل :منشأة املعارف – اإلسكندرية – . 2003 الطبعة الثانية :منشأة املعارف – اإلسكندرية – . 2004 1111بورسعيد – مهد احلركة العمالية املصرية – منشأة املعارف – اإلسكندرية – . 2003 1212العدوان الثالثى على مصر فى ذكريات املعاصرين وشهود األعيان السوفييت – موسكو – مطبعة معهد االستشراق – –2007باللغة الروسية . 1313ذكريات مرتجم سوفيتى على اجلبهة املصرية (ترمجة د .مدحية رضا ) : 94
الطبعة األوىل :منشأة املعارف – اإلسكندرية – . 2008 الطبعة الثانية :دار نشر « أنباء روسيا » بالتعاون مع اجلمعية املصرية الروسية للثقافة والعلوم –. 2014 1414روسيا اإلسكندرية -مصري اهلجرة ملصر ( باللغة الروسية ) : الطبعة األوىل :موسكو– . 2010 الطبعة الثانية :موسكو– . 2012 1515مصر فى األرشيفات الروسية ( ترمجة د .إميان حييى ) إصدار املركز القومى للرتمجة – مجهورية مصر العربية – . 2013 1616حتت الطبع :رحلة نيكوالى بوجويافلينسكى إىل اخلليج العربى فى – 1902دار عبد العزيز للنشر – الرياض – اململكة العربية السعودية . 1717حتت الطبع :العدوان الثالثى على مصر فى ذكريات املعاصرين وشهود العيان السوفيت – القاهرة – اجمللس األعلى للثقافة .
95
فهرست الصور 1 .1أ -نوط الواجب العسكرى من الدرجة األوىل .ب -نيشان األخوة القتـالية ( موسـكو – القـاهرة ) .ج -ميـدالـية (احملارب القديم فى العمليات احلربية جلنود وضباط دول الكومنولث السوفيتية السابقة ) . 2 .2احلارس النوبتجى فى معسكر التدريب العسكرى اجلامعى ( بعد السنة الربعة من اجلامعة وقبل االمتحان ً قريبا من احلكومى للتدريب العسكرى ) على نهر الفوجلا تفري ،يوليو سنة . 1967 3 .3بني الفالحني ،رحلة مبعوثى جامعة القاهرة األجانب إىل الفيوم التى نظمها نادى الوافدين بالدفئ فرباير سنة .1968 4 .4الفيال العسكرية السوفيتية فى شارع العروبة -رقم - 21مبصر اجلديدة ،حيث كان املستشارون واملرتمجني السوفييت يقضون أوقات فراغهم ،وحيث كانت جترى اجلنائز التأبينية للخرباء الشهداء السوفييت قبل إرسال التوابيت مع جثثهم إىل موسكو . 5 .5فندق ( ناصر -سيتى ) 4فى مدينة نصر حيث كان يقطن العسكريون السوفييت . 97
6 .6حفلة العشاء مع ضباط كتيبة اإلشارة السوفيتية فى مطعم كازينو ( مرييالند ) مبصر اجلديدة ،سنة . 1970
7 .7الوالدة . 8 .8الوالد ،املشارك فى احلرب الوطنية العظمى . 9 .9بني أساتذة قسم تاريخ بلدان الشرقني األدنى واألوسط جبامعة موسكو ،مايو . 1987 1010مأدبة الغداء على النيل ،من اليسار – الثانى مدير معهد آسيا وإفريقيا جبامعة موسكو الربوفيسور ميخائيل مايري، الثالث أ .د .جينادى جارياتشكني ،الرابع الفريق أليكسى مسرينوف قائد الفرقة 18السوفيتية للدفاع اجلوى التى حاربت فى مصر إبان (حرب االستنزاف ) ،رحلة أعضاء مجعية احملاربني القدامى فى مصر بدعوة من الدكتور /إبراهيم كامل فى سنة . 1996 1111املركز الروسى للعلوم والثقافة باإلسكندرية . 1212أ .د .جينادى جورياتشكني فى مكتبه باملركز الثقافى الروسى باإلسكندرية ،من اليسار متوىل حممد حبر، أقدم موظف فى املركز ( منذ ، )1971من اليمني الصحفى السباعى من جريدة األهاىل ( حزب التجمع ) ،عام . 2004 1313املـركـز الثـقافـى الـروسـى باإلسكـندريـة ،حـفـلة االستقبال مبناسبة الذكرى الـ 60من استئناف العالقات 98
السياسية بني مصر واالحتاد السوفيتى والذكرى الـ 35 إلنشاء املركز الثقافى الروسى باإلسكندرية .من اليسار القنصل الرتكى العام ،القنصل الروسى العام نور حممد خولوف ،نائب القنصل ومدير املركز الثقافى الروسى أ .د. جينادى جارياتشكني ،رئيسة نادى السيدات الروسيات أوجلا السيد ،واملسئولة عن نشاط املركز الثقافى إفجينيا كرامارينكو ،اإلسكندرية 29نوفمرب سنة . 2003 1414فى املعرض الفنى للرسامة الروسية تاتيانا بوجاييفا من اليسار – الفنانة بوجاييفا ،مدير املركز الثقافى الروسى أ .د .جينادى جارياتشكني ،السيد حمافظ اإلسكندرية حممد عبد السالم حمجوب ،السيد مدير مركز اإلبداع حييى عاشور ،اإلسكندرية 5أكتوبر عام . 2003 1515ستوديو ( تشايكا ) املسرحى ،وهو فخر املركز الثقافى الروسى باإلسكندرية ،بعد مسرحية ( الدب ) لتشيخوف ، الثالث من اليسار رئيس ستوديو ( تشايكا ) األستاذ محدى سامل . 2001 – 2 – 25 1616راقصات الباليه برئاسة املدربة الريسا بينتشوكوفا ، اإلسكندرية ،عام . 2003 1717أ .د .جينادى جورياتشكني مع ابنته أوجلا والزوجة جالينا. 1818بعد العودة إىل موسكو سنة . 2006 1919أ .د .جينادى جورياتشكني يتسلم من د .عبد الواحد 99
النبوى رئيس دار الوثائق القومية ميدالية الشيخ حممد عياد الطنطاوى -أول ُمعلم للعربية باإلمرباطورية الروسية -أثناء مشاركته فى أعمال املؤمتر الدوىل األول للعالقات الثقافية املصرية الروسية الذى عقد بدار الكتب املصرية – سبتمرب - 2013برعاية دار نشر “ أنباء روسيا ” .
100
الصـور
(أ) ()1
(ب)
(ج)
أ -نوط الواجب العسكرية من الدرجة األوىل . ب -نيشان األخوة القتالية ( موسكو – القاهرة ) . ج -ميدالية ( احملارب القديم فى العمليات احلربية جلنود وضباط دول الكومنولث السوفيتية السابقة ).
103
- 2احلارس النوبتجى فى معسكر التدريب العسكرى اجلامعى
104
- 3بني الفالحني ،رحلة مبعوثى جامعة القاهرة األجانب إىل الفيوم
105
- 4الفيال العسكرية السوفيتية فى شارع العروبة
106
- 5فندق ( ناصر -سيتى ) 4فى مدينة نصر
107
- 6حفلة العشاء مع ضباط كتيبة اإلشارة السوفيتية
108
- 7الوالدة
109
- 8والد د .جينادى جورياتشكني املشارك فى احلرب الوطنية العظمى 110
- 9د .جينادى جورياتشكني بني أساتذة قسم تاريخ بلدان الشرقني األدنى واألوسط جبامعة موسكو ،مايو 1987
111
- 10مأدبة الغداء على النيل
112
- 11املركز الروسى للعلوم والثقافة باإلسكندرية .
113
- 12أ .د .جينادى جارياتشكني فى مكتبه باملركز الثقافى الروسى باإلسكندرية
114
- 13املركز الثقافى الروسى باإلسكندرية ،حفلة االستقبال مبناسبة الذكرى الـ 60من استئناف العالقات السياسية بني مصر واالحتاد السوفيتى والذكرى الـ 35 إلنشاء املركز الثقافى الروسى باإلسكندرية 115
- 14فى املعرض الفنى للرسامة الروسية تاتيانا بوجاييفا
116
- 15ستوديو ( تشايكا ) املسرحى فى املركز الثقافى الروسى باإلسكندرية
117
- 16راقصات الباليه برئاسة املدربة الريسا بينتشوكوفا
118
- 17أ .د .جينادى جورياتشكني مع ابنته أوجلا والزوجة جالينا.
119
- 18بعد العودة إىل موسكو سنة 2006
120
- 19أ .د .جينادى جورياتشكني يتسلم ميدالية الشيخ حممد عياد الطنطاوى من د .عبد الواحد النبوى رئيس دار الوثائق القومية فى املؤمتر الدوىل األول للعالقات الثقافية املصرية الروسية – سبتمرب - 2013برعاية دار نشر “ أنباء روسيا” . 121
الفهرس تـــقديـم مقــــدمة أ.د .جينادى جورياتشكني ........................................ مقدمة ............................................................................................................. ذكريات مرتجم سوفيتى على اجلبهة املصرية .................. اخلامتة ............................................................................................................ السرية الذاتية ....................................................................................... فهرست الصور ............................................................................................. الصور ............................................................................................................... .......................................................................................................
5 7 13 17 89 91 97 101