ذكريات مترجم سوفيتى على الجبهة المصرية

Page 1



‫الناشر‬ ‫رئيس جملس اإلدارة ورئيس التحرير‬

‫د‪ .‬حســـني الشــــــافعي‬ ‫‪h.elshafie57@mail.ru‬‬ ‫املراسالت‬ ‫القاهرة – مدينة العبور‬

‫‪ 44971‬مكتب بريد مجعية أمحد عرابي‬

‫ص‪ .‬ب ‪72 .‬‬ ‫‪Tel. & Fax: + (202) 24 77 38 70 & 71‬‬ ‫‪E-mail: secertary_ert@yahoo.com‬‬ ‫شارك يف اإلعداد‬ ‫شيماء حممد الشافعى‬ ‫التصحيح واملراجعة‬ ‫حامد أمحد حممد‬

‫اإلخراج الفين‬ ‫مــي مـجـدي‬ ‫حترير‬

‫نور اهلدى احلسن عبد الكريم‬

‫الطباعة‬ ‫دار الطباعة املتميزة‬ ‫مدينة العبور – القاهرة‬

‫‪Tel. & Fax: + (202) 4478 96 44 & 46‬‬

‫الطبعة األوىل ‪2008‬‬

‫توزيع منشاة املعارف باإلسكندرية‬

‫الطبعة الثانية ‪2014‬‬

‫دار نشر أنباء روسيا‬ ‫مجي��ع حق��وق الطبع والنش��ر حمفوظة للناش��ر‪.‬‬ ‫ال حيق إعادة طبع أو نسخ حمتويات هذا الكتاب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضوئيا دومنا إذن كتابي من الناشر ‪.‬‬ ‫إلكرتونيا أو‬

‫رقم اإليداع‬

‫بالتعاون مع‬ ‫اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم‬ ‫‪При содействии‬‬ ‫‪eгипетско – российской‬‬ ‫‪ассоциации по культуре и науке‬‬ ‫رئيس جملس األمناء‬

‫رئيس جملس اإلدارة‬

‫ا‪.‬د فيتالي ناؤمكني‬

‫د‪.‬حسني الشافعى‬




‫تقــــد يم‬ ‫ذكريات مرتجم سوفيتى على اجلبهة املصرية ‪ ،‬كتاب صدر‬ ‫يف طبعته األوىل منذ عدة سنوات و تعيد دار نشر انباء روسيا‬ ‫بالتعاون مع اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم نشره‬ ‫إحتفا ًء بالذكرى ‪ 40‬لنصر اكتوبر ‪ ، 1973‬وهو النصر الذي‬ ‫إختلطت فيه جهود و دماء اجلنود املصريني و السوفيت على السواء ‪.‬‬ ‫الذكريات سجلها استاذ التاريخ العربي جبامعة موسكو‬ ‫ً‬ ‫مرتمجا باجلبهة املصرية خالل‬ ‫جينادي جورياتشكني الذى عمل‬ ‫الفرتة من ‪ 1969‬و حتى ‪ ، 1971‬و هى الفرتة اليت شهدت إعادة بناء‬ ‫القوات املسلحة و حرب االستنزاف اجمليدة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مخسا‬ ‫سجل جورياتشكني – و الذى مل يتعد عمره آنذاك‬ ‫ً‬ ‫و عشرين ً‬ ‫مرتمجا – ضمن ما يزيد عن‬ ‫عاما – أحداث فرتة عمله‬

‫اخلمسمائة مرتجم سوفييت عملوا معه آنذاك – فيصف لنا كيف‬ ‫عاش السوفيت يف ظروف صعبة – مثلهم مثل أقرانهم املصريني –‬ ‫ً‬ ‫قصصا إنسانية عديدة تكشف – ضمن ما تكشف –‬ ‫و يسرد‬ ‫عن روح و إرادة مشرتكة لصنع النصر الذى كان ‪.‬‬ ‫الناشر‬ ‫رئيس اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم‬ ‫رئيس جملس إدارة و رئيس حترير أنباء روسيا‬

‫يناير ‪2014‬‬ ‫‪5‬‬



‫مقدمة‬ ‫مل يكن تناول هذا املوضوع من قبيل الصدفة ‪ ،‬رغم مرور ‪40‬‬ ‫ً‬ ‫تقريبا على تلك األحداث التى أذكرها فى كتابى ‪ .‬فرغم‬ ‫سنة‬ ‫تقادم الزمن ‪ ،‬إال أن ( حرب االستنزاف ) فى نهاية الستينات ومطلع‬ ‫السبعينات من القرن املاضى والتى شاركت فيها بنفسى ‪ ،‬تعود‬ ‫إىل ذاكرتى من جديد وجديد ‪.‬‬ ‫ولعل السبب فى ذلك يعزى إىل ُسنة احلياة نفسها ‪ ،‬فعندما جيد‬ ‫اإلنسان نفسه ً‬ ‫دالفا العقد السابع من عمره ‪ ،‬فهو يبدأ فى مراجعة‬ ‫هذا الشوط من العمر وما حققه خالله من نتائج ‪ .‬واملفارقة هنا‬ ‫هى أنه أول ما يتبادر إىل الذهن بالدرجة األوىل هى تلك املراحل‬ ‫الصعبة من احلياة ‪.‬‬ ‫وقد كانت إقامتى فى مصر كمرتجم عسكرى خالل‬ ‫السنوات ما بني عامى (‪ ) 1971 , 1969‬مرحلة خاصة من مشوار‬ ‫حياتى‪ ،‬ميكن متييزها فى اضطرارى لالصطدام ألول مرة باملوت‬ ‫والدم والرعب ‪ ،‬واستطعت أن أدرك ذاتى وأفهم الناس احمليطني‬ ‫ً‬ ‫متقبال كل ما يدور حوىل فقط بلونيه‬ ‫بى بشكل أفضل ‪،‬‬ ‫األبيض واألسود دون أى تزيني أو إضفاء أى ألوان أخرى عليه ‪.‬‬ ‫وللحق ‪ ،‬مل تكن هناك أى ألوان أخرى !‬ ‫‪7‬‬


‫حني أسرتجع هذه السنوات وهذه األيام ‪ ،‬أرى نفسى باحلركة‬ ‫البطيئة ‪ ،‬وكأنى فى حلم ‪ .‬وبالطبع ‪ ،‬مل تعد أحداث تلك السنوات‬ ‫تأتينى ‪ ...‬فى منامى وأحالمى ‪ ،‬مثلما كان حيدث ذلك من قبل‬ ‫وآنذاك ‪ .‬لكن مبراجعة الذات أجدنى أمام استنتاج بأن هذه‬ ‫األحداث حفرت بعمق ‪ ،‬ليس فى ذاكرتى فقط ‪ ،‬بل وفىطبعى‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ .‬ومل يعد باملقدور التخلص منها بعد أن‬ ‫ومنط تصرفاتى‬ ‫أصبحت ً‬ ‫جزءا من الذات ‪.‬‬ ‫ولقد أشرت فى ( ذكرياتى ) إىل رغبتى فى عدم تغيري أى شئ‬ ‫مما مررت به فى هذه املرحلة من حياتى ‪ ،‬حتى ولو أتيحت ىل مثل‬ ‫هذه اإلمكانية ‪.‬‬ ‫كانت فرتة اخلدمة كمرتجم عسكرى فى مصر أثناء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضروريا لتكوين شخصيتى كرجل‬ ‫عنصرا‬ ‫(حرب االستنزاف )‬ ‫ً‬ ‫وأيضا كخبري ومؤرخ مستعرب ‪ ،‬مثلماهو وضعى اآلن‬ ‫وإنسان‬ ‫ً‬ ‫على مدى ‪ 45‬عاما ‪ .‬ويقينى حتى اآلن هو أن عملى كمرتجم‬ ‫فى ظروف احلرب والقتال كان مبثابة ( جامعتى ) الثانية ‪ ،‬أما من‬ ‫كان حوىل من جنراالت وضباط وجنود مصريني ‪ ،‬فهم أصبحوا‬ ‫أساتذتى الذين نهلت من معارفهم ما مأل الفراغ فى تعليمى املهنى‪،‬‬ ‫وأصبحت مصر ‪ -‬بهم ‪ -‬بالنسبة ىل وطنى الثانى حتى اآلن ‪.‬‬ ‫وحيلو ىل أن أكرر هذا القول لتالميذى املستعربني والبنتى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مديرا للمركز الثقافى الروسى‬ ‫أيضا ‪ .‬فعندما عملت‬ ‫املستعربة‬ ‫فى اإلسكندرية ‪ ،‬كنت أشعر طوال الوقت بأن األرض صلبة‬ ‫ً‬ ‫مستعيدافى ذات الوقت ذلك اإلحساس بعدم صالبة‬ ‫حتت قدماى ‪،‬‬ ‫‪8‬‬


‫ً‬ ‫ومدركا‬ ‫رمال اهلايكستب حتت حذائى العسكرى السميك ‪،‬‬ ‫لتلك العالقة اخلفية بني األزمنة آنذاك واآلن و اخنراطى فى‬ ‫الواقع املصرى واحلضارةاملصرية من أوسع األبواب ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(سابقا)‬ ‫املالزم أول‬ ‫كبري املرتمجني بالفرقة الثالثة مشاه ميكانيكية‬ ‫ً‬ ‫وحاليا أستاذ التاريخ العربى احلديث واملعاصر‬ ‫فى جامعة موسكو‬ ‫الدكتور جينادى جورياتشكني‬ ‫‪ 12‬سبتمرب عام ‪ ، 2007‬موسكو‬

‫‪9‬‬



‫ذكرياتى‬



‫مقدمه‬ ‫كان من احملتم ّ‬ ‫على كتابة هذه املقدمة التى تضم ذكرياتى‬ ‫عن تلك الفرتة من حياتى حتى ولو كانت تلك املقدمه موجزة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬ملرور فرتة ليست بالقصرية على تلك األحداث التى سردتها‬ ‫فى هذا الكتيب ‪ ،‬وكان من الطبيعى نسيان الكثري من‬ ‫تفاصيل هذه األحداث ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪:‬إن تلك األحداث التى الزلت حتى اآلن أتذكرها قد مضى‬ ‫عليها زمن طويل ‪،‬إىل حد ما مت تشويهها للعديد من األسباب‬ ‫املختلفة ‪ .‬من هنا ظهرت ضرورة إحياء هذه األحداث فى ذاكرتى‬ ‫وإزالة ما شابها من تشوهات ‪ ،‬ثم حتديثها مع االحتفاظ بصورتها‬ ‫املاضية الواقعية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شيئا ً‬ ‫تعترب الذكريات والتأمالت فى أحداث املاضى ً‬ ‫حمضا‪.‬‬ ‫ذاتيا‬ ‫جيب وضع ذلك فى اعتبارنا ‪ .‬ولكن على الرغم من أن هذه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شخصيا ‪ ،‬فهى ضرورية والزمة للفهم‬ ‫طابعا‬ ‫املذكرات حتمل‬ ‫األفضل للتاريخ ‪ .‬وذلك ألن التاريخ ما هو إال تفاعل سلوكيات‬ ‫األفراد على خمتلف املستويات سواء احلكومية أم اجلماعية أم‬ ‫الفردية ‪ ..‬إىل غري ذلك من املستويات ‪ .‬لذلك فإن ذكريات حتى‬ ‫‪13‬‬


‫الفرد الواحد هلا دور فعال ال يستهان به فى استكمال املادة‬ ‫اجملمعة واملنشورة فى موضوع معني ‪.‬‬ ‫فى كتابى هذا يدور احلديث عن التعاون السوفيتى – املصرى‬ ‫ً‬ ‫أيضا لدى القارئ‬ ‫العسكرى املتعدد اجلوانب ‪ ،‬كما يثري‬ ‫األفكار لتتبع دراسة هذا املوضوع والتعمق فى التفكري فيه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جزءا ال يتجزأ من كتاب مذكرات‬ ‫يعترب هذا الكتيب‬ ‫السوفييت املشاركني فى األعمال احلربية فى مصر وفى‬ ‫الستينات والسبعينات من القرن املاضى ‪ .‬وقد ظهرت مذكرات‬ ‫هؤالء العسكريني السوفييت ألول مرة على شكل كتاب‬ ‫فى عام ‪ ،1997‬بعد عام واحد من زيارة وفد احملاربني القدماء‬ ‫السوفييت للقاهرة تلبية لدعوة رجل األعمال املصرى املعروف‬ ‫السيد‪ /‬إبراهيم كامـل ‪ ،‬الـذى ربط مصاحله االقتصادية‬ ‫والتجارية واالجتماعية بروسيا‪ ،‬فهو نائب رئيس مجعية أصدقاء‬ ‫روسيا فى مجهورية مصر العربية ‪ .‬وبعد مرور حواىل عام صدرت‬ ‫الطبعة الثانية من هذا الكتاب بعنوان ( رفع الكود ) سرى ً‬ ‫جدا ‪.‬‬ ‫وفى عام ‪ 2001‬خرجت إىل النور الطبعة الثالثة من هذا الكتاب‬ ‫ً‬ ‫مقالة قام بكتابتها عدد كبري من‬ ‫التى حوت تسع وعشرون‬ ‫السوفييت الذين عاشوا تلك الفرتة على خمتلف املستويات ً‬ ‫بدءا‬ ‫من السيد‪ /‬فالدميري فيناجرادوف نائب وزير اخلارجية السوفيتى‬ ‫والسفري السوفيتى بالقاهرة وعدد من كبار اجلنراالت السوفييت‬ ‫إىل أصغر رتبة فى القوات املسلحة السوفيتية التى كانت‬ ‫متواجدة فى مصر للمشاركة فى صد العدوان اإلسرائيلى ‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫كانت الطبعة الثالثة من هذا الكتاب حتمل عنوان (‪...‬حينئذ‬ ‫فى مصر) ‪ ،‬وقد اشرتكت بإحدى مقاالتى التى نشرت فى هذه‬ ‫الطبعات الثالث ‪.‬‬ ‫لقد أسست هذا الكتيب على تلك املقالة مع عمل بعض‬ ‫اإلضافات اجلوهرية هلا‪ ،‬وفى الوقت ذاته أزلت التفاصيل الغري‬ ‫الزمة منها ‪.‬‬ ‫يدور احلديث هنا على وجه العموم عن تواجدى فى مصر للعمل‬ ‫كمرتجم عسكرى سوفيتى فى الفرتة من ‪ 26‬أغسطس من‬ ‫عام ‪ 1969‬حتى ‪ 26‬أغسطس من عام ‪. 1971‬‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جينادى جورياتشكني‬ ‫اإلسكندرية ‪ .‬صيف عام ‪2003‬‬

‫‪15‬‬



‫ذكريات مرتجم سوفيتى‬ ‫على اجلبهة املصرية‬



‫فى شهر يونيو من عام ‪ 1969‬وبعد انتهائى مباشرة من أداء‬ ‫امتحانات التخرج فى معهد اللغات الشرقية ( الذى أصبح يعرف‬ ‫فى الوقت احلاىل باسم معهد بلدان آسيا وإفريقيا ) التابع جلامعة‬ ‫موسكو املسماة باسم « لومونوسوف » ‪ ،‬حيث كنت أدرس‬ ‫هناك منذ عام ‪ 1963‬اللغة العربية وغريها من املواد املرتبطة‬ ‫بتاريخ وثقافة وحضارة الدول العربية ‪ ،‬مت استدعائى ألداء‬ ‫اخلدمة العسكرية فى صفوف اجليش السوفيتى ‪ .‬أصبح من‬ ‫الواضح اجللىأننى سأقضى مدة اخلدمة العسكرية كمرتجم‬ ‫عسكرى للغة العربية والتاريخ ‪ ،‬فقد كان ختصصى املبني فى‬ ‫الشهادة اجلامعية التى حصلت عليها هو ‪ ( :‬اللغة العربية وتاريخ‬ ‫البلدان العربية ) ‪ .‬مل يكن عندى أدنى شك فى أنه سيتم إرساىل‬ ‫إىل إحدى الدول العربية للعمل هناك كمرتجم عسكرى ‪،‬‬ ‫ذلك ألن الوضع فى الدول العربية مبنطقة الشرق األوسط كان‬ ‫قد بلغ أقصى درجات االضطراب ‪ ،‬وكانت ( حرب االستنزاف )‬ ‫تدور رحاها فى مجيع أحناء مجهورية مصر العربية ‪.‬‬ ‫لقد مت استدعائى ألداء اخلدمة العسكرية باجليش فى أوائل‬ ‫يوليو‪ .‬ومنحت رتبة عسكرية بدرجة مالزم ‪ .‬كما حصلت‬ ‫‪19‬‬


‫على أجازة قضيتها مع والدى فى منطقة إيركوتسك بالقرب من‬ ‫حبرية بايكال الواقعة فى شرق سيبرييا ‪ .‬لقد كنت أحتفظ‬ ‫خبرب استدعائى للسفر إىل إحدى الدول العربية عن طريق‬ ‫وزارة دفاع االحتاد السوفيتى فى طى الكتمان ‪ .‬حيث أخذوا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫كتابيا بعدم إفشاء هذا السر العسكرى‪.‬‬ ‫التزاما‬ ‫على تعهدا ًو‬ ‫لكن والدي كانا يعرفان بالطبع عن تلك املهمة التى كانت‬ ‫ً‬ ‫كثريا فقد كنت أنا‬ ‫تنتظرنى وكانا يعانيان من جراء ذلك‬ ‫ابنهما الوحيد الذى مل ينجبا غريه ‪ .‬وقد أصاب احلزن العميق‬ ‫والدتى على وجه اخلصوص التى كانت تعمل مدرسة بإحدى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومتمالكا‬ ‫متماسكا‬ ‫املدارس اإلبتدائية ‪ .‬أما والدى فكان‬ ‫ألعصابه إىل حد كبري بالنسبة ملا كانت تعانيه والدتى ‪ ،‬نظراً‬ ‫ً‬ ‫حتمال ‪ ،‬كما أنه قد اشرتك فى القتال فى‬ ‫ألنه رجل فهو أكثر‬ ‫احلرب الوطنية العظمى ‪ ،‬حيث أصيب بالصمم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ملحوظا ‪ .‬وفى أوائل شهر‬ ‫سريعا غري‬ ‫مرورا‬ ‫مرت أيام اإلجازة‬ ‫أغسطس كنت فى موسكو حتت أمر وتصرف هيئة األركان‬ ‫العامة ‪ .‬وكان قد مت حتديد البلد الذى سيتم إرساىل إليه ‪ .‬وحيث‬ ‫إننى قد أنهيت دراستى مبعهد اللغات الشرقية فى اجملموعة‬ ‫التى تدرس اللغتني العربية والفرنسية بهدف العمل فيما بعد‬ ‫فى بالد املغرب ‪ .‬لذا فقد كان من املتوقع أن أسافر إىل اجلزائر‬ ‫كمرتجم عسكرى ‪ ،‬حيث كان يعمل اخلرباء واملستشارون‬ ‫العسكريون السوفييت هناك منذ سنوات عديدة ‪ .‬باإلضافة إىل‬ ‫ذلك فقد كنت على علم بأن كبري املستشارين العسكريني‬ ‫السوفييت فى اجلزائر كان قد طلب منذ فرتة طويلة إرسال أحد‬ ‫‪20‬‬


‫املرتمجني العسكريني إىل اجلزائر الذى جييد اللغتني العربية‬ ‫والفرنسية إجادة تامة ‪ .‬وملا كان عدد هؤالء املتخصصني فى‬ ‫بلدنا فى ذلك الوقت قليل ً‬ ‫جدا يعد على أصابع اليد الواحدة ‪.‬‬ ‫عندئذ رفضت هذا العرض ‪ .‬وقد حاولوا إقناعى على ما أتذكر‬ ‫ملدة ثالثة أو أربعة أيام ‪ ،‬لكن دون جدوى ‪ .‬وال أستطيع أن أجد‬ ‫ً‬ ‫سببا وراء رفضى السفر للعمل فى اجلزائر على ساحل البحر‬ ‫األبيض املتوسط الذى كانت تتمتع باهلدوء والسكينة ‪ .‬بينما‬ ‫أصررت على السفر إىل مصر حيث كانت غاية فى االضطراب‪.‬‬ ‫فهناك تراشق بنريان املدفعية عرب قناة السويس ‪ ،‬بينما تقوم‬ ‫الطائرات احلربية بطلعات جوية متكررة ‪ ،‬وكذلك كانت‬ ‫قوات السالح البحرى تؤدى بنشاط دورها الفعال فى هذه احلرب ‪.‬‬ ‫لقد توصلت إىل معرفة سبب اختاذى هذا القرار ‪ ،‬وهو أننى‬ ‫ً‬ ‫طالبا باملعهد وكنت أؤدى فرتة تدريبى على‬ ‫عندما كنت‬ ‫ممارسة اللغة العربية مبصر ‪ .‬تعرفت حينئذ على اللهجة املصرية‬ ‫عن قرب ‪ ،‬وعقدت العزم على أننى بعد انتهائى من أداء اخلدمة‬ ‫العسكرية باجليش سأقوم بكتابة رسالة دكتوراه عن هذا‬ ‫البلد ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخريا استطعت إقناع القائمني على عملية التسفري بهيئة‬ ‫األركان العامة بأنه من الضرورى إرساىل للعمل فى مصر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قليال كى يتفهم القارئ بصورة أكثر‬ ‫وأود أن أستطرد هنا‬ ‫ً‬ ‫وضوحا أسباب وبواعث مسلكى هذا ‪ .‬أال وهو ملاذا اخرتت مصر‬ ‫بالذات كى أسافر إليها للعمل بها ؟ ‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫والذى حدث أنه قبل ذلك وبعد انتهائى من السنة الدراسية‬ ‫الرابعة باملعهد أرسلت إىل مصر فى بعثة عملية تدريبية لرفع‬ ‫مستوى الكفاءة ملدة عشرة أشهر ‪ ،‬حيث كان البد ىل من رفع‬ ‫مستوى كفائتى فى معرفة اللغة العربية ‪،‬والتعرف على البلد‬ ‫وكذلك مجع كافة البيانات واملعلومات الالزمة لكتابة‬ ‫العمل العلمى للحصول على درجة الليسانس باملعهد ‪.‬‬ ‫وملا كان البد ىل من قضاء مدة هذه الدراسة فى مصر لذا فقد‬ ‫كان موضوع العمل العلمى الذى كان جيب ّ‬ ‫على أن أكتبه‬ ‫للحصول على درجة الليسانس باملعهد يتعلق بتاريخ هذا البلد‬ ‫وفحواه ‪ « :‬الوضع االقتصادى لبقية العمال جبمهورية مصر‬ ‫العربية » ‪.‬‬ ‫وفى اعتقادى أنه ال حاجة ىل لشرح السبب فى اختيارى هذا‬ ‫املوضوع بالذات عن طبقة العمال ‪ .‬فلقد كانت مشاكل‬ ‫الصراع الطبقى وطبقة العمال وغريها من املوضوعات املتعلقة‬ ‫بالطبقة العاملة فى اجملتمع تعترب فى ذلك الوقت موضوعات‬ ‫حديثة جديدة مواكبة للعصر وأحداثه ومشاكله ‪ .‬عالوة‬ ‫على ذلك ‪ ،‬فإن املشرفة على رسالتى العلمية الدكتورة ‪ /‬أتسامبا‬ ‫كانت قد كتبت رسالة علمية فيما مضى عن وضع العمال‬ ‫املصريني قبل ثورة يوليو عام ‪ . 1952‬لذا فقد كان يتعني ّ‬ ‫على‬ ‫أن أستكمل بدورى هذا العمل الذى بدأته مشرفتى العلمية ‪.‬‬ ‫بالنسبة للوضع فى مصر ذلك الوقت ‪ ،‬فإن طبقة العمال كانت‬ ‫تشغل مكانة مرموقة فى اجملتمع املصرى الذى كان آنذاك‬ ‫‪22‬‬


‫ينتهج املنهج االشرتاكى ‪،‬وكانت تلعب ً‬ ‫دورا ً‬ ‫هاما فى سياسته‬ ‫الداخلية ‪ .‬ويكفى أن نذكر أن نسبة ‪ 50%‬من أعضاء جملس‬ ‫الشعب واالحتاد االشرتاكى العربى كانوا من ممثلى العمال‬ ‫والفالحني ‪ ،‬وكذلك فى منظمة الشباب االشرتاكى وسائر‬ ‫املنظمات االجتماعية األخرى ‪ .‬وخالل فرتة مهمتى العلمية‬ ‫الطالبية عن طريق وزارة التعليم العاىل باالحتاد السوفيتى‪،‬‬ ‫قمت جبمع مادة علمية جيدة وغزيرة الستخدامها فى كتابة‬ ‫العمل العلمى الالزم للحصول على درجة الليسانس باملعهد‪ .‬وقد‬ ‫وضعت هذه املواد العلمية حني عودتى إىل موسكو فى عشرين‬ ‫صندوق ‪.‬‬ ‫كانت فرتة تواجدى مبصر ابتداء من شهر نوفمرب ‪ 1967‬وحتى‬ ‫أغسطس ‪ 1968‬هى املرة األوىل فى حياتى التى أتواجد فيها خارج‬ ‫وطنى ‪ً .‬‬ ‫حقا إن البلد األجنبى األول الذى يسافر إليه املرء كاحلب‬ ‫األول فى حياته ‪ ،‬ومل أكتف فقط بكتابة العمل العلمى لنيل‬ ‫درجة الليسانس عن مصر ‪ ،‬بل وفيما بعد كتبت أطروحة لنيل‬ ‫درجة الدكتوراه عن ‪ « :‬تكون طبقة البلوريتاريا باملعامل‬ ‫واملصانع جبمهورية مصر العربية ‪ ،‬والوضع املادى هلا (فى السنوات‬ ‫من عام ‪ 1952‬وحتى عام ‪ ، ) 1970‬وقد دافعت عن أطروحتى بنجاح‬ ‫فى عام ‪ ، 1975‬وفى عام ‪ 1996‬أنهيت كتابة رسالة الدكتوراه‬ ‫للدولة ودافعت عنها بنجاح ‪ ،‬وكان موضوعها عن ‪ « :‬تكوين‬ ‫الطبقة العمالية فى مصر فى ظروف التحديث االستعمارى ( فى‬ ‫الفرتة من عام ‪ 1841‬وحتى ‪. » ) 1914‬‬ ‫‪23‬‬


‫وبعد انتهاء إجازتى حضرت إىل القاهرة فى ‪ 26‬أغسطس عام‬ ‫‪ . 1969‬ومن خالل باب الطائرة املفتوح أحسست حبرارة جو شهر‬ ‫أغسطس الشديدة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقتا‬ ‫مل تستغرق إجراءات اجلمارك مبطار القاهرة الدوىل‬ ‫ً‬ ‫طويال‪ ،‬فلقد كان طريق العسكريني السوفييت إىل مصر فى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومنظما وبال أية تعقيدات تذكر ‪.‬‬ ‫ممهدا‬ ‫تلك األيام‬ ‫استقبلنا أحد موظفى هيئة أركان املستشارين العسكريني‬ ‫وهو اجلنرال « كاتيشكني » الذى حجز لنا أماكن فى أحد‬ ‫الفنادق املتواضعة وهو فندق « سعود‪ » 2‬حبى مصر اجلديدة‬ ‫بالقاهرة بالقرب من مستشفى هليـوبوليس ‪ ،‬وهذا املبنى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مؤقتا‬ ‫مسكنا‬ ‫فى الوقت احلاىل ال أثر له ‪ ،‬حيث كان ُيعد‬ ‫للمرتمجني السوفييت القادمني للعمل فى مصر ‪ .‬ثم بعد ذلك‬ ‫كانوا يقومون بتوزيعنا لإلقامة فى أماكن سكنية أخرى‬ ‫وبصفة أساسية كانوا يقيمون فى جممع الفنادق « نصر‬ ‫سيتى » مبدينة نصر وكان يعيش معنا فى نفس الفندق خرباء‬ ‫عسكريون سوفييت حضروا إىل مصر للعمل لفرتات قصرية ‪،‬‬ ‫الزلت أذكر حتى اآلن أربعة من بينهم كانوا يدربون اجلنود‬ ‫والضباط املصريني على كيفية استخدام القذائف املضادة‬ ‫للدبابات التى تعرف باسم «مالوتيكا » ‪.‬‬ ‫كان الفندق الذى نزلنا به فور وصولنا إىل مصر عبارة عن‬ ‫مبنى صغري يتكون من ثالثة أو أربعة طوابق ‪ ،‬ويقع بالقرب‬ ‫من محام سباحة ‪ .‬وفى الليلة األوىل جمليئنا إىل الفندق مسعت‬ ‫‪24‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫قصريا دار بني اثنني من املصريني ‪ .‬حيث سأل‬ ‫حوارا‬ ‫بالصدفة‬ ‫أحدهم اآلخر ‪ « :‬عائالت » ‪ ،‬فأجابه اآلخر ‪ « :‬ال ‪ ..‬عزاب» ‪ ،‬هذا‬ ‫يعنى أننا نعيش فى فندق « سعود‪ »2‬للرجال العزاب ‪ ،‬أما فندق‬ ‫ً‬ ‫خمصصا إلقامة العائالت ‪ ،‬كما كان‬ ‫« سعود‪ »1‬فقد كان‬ ‫ً‬ ‫أيضا مكتب الرائد الربديسى ‪.‬‬ ‫يوجد به‬ ‫كان الرائد الربديسى ممشوق القوام حسن املظهر ‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫معروفا باحلزم والدقة والنظام والدرجة العالية من الفكر‬ ‫والثقافة ‪ ،‬وقد رقى فيما بعد إىل رتبة مقدم ‪ ،‬كان يرأس‬ ‫قسم « اخلدمة الروسية » الذى كان يتبع وزارة احلربية‬ ‫املصرية ويدخل فى حدود اختصاصه تنظيم إقامة وتسكني‬ ‫العسكريني القادمني إىل مصر من االحتاد السوفيتى ‪ ،‬وتوفري‬ ‫كافة اخلدمات الالزمة هلم وتوفري التأمني هلم وغري ذلك ‪.‬‬ ‫أقمنابعض الوقت فى فندق « سعود ‪ »-2‬فى انتظار تعيينى‬ ‫وحتديد مهام وظيفتى ‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك فلم يكن هناك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خاليا فى فنادق مدينة نصر ‪ ،‬وبعد مرور حواىل‬ ‫مكانا‬ ‫أسبوعني أو ثالثة أسابيع أخربنى « جيورجى ريئوتسكى»‪،‬‬ ‫رئيس مكتب الرتمجة بهيئة أركان كبري املستشارين‬ ‫العسكريني السوفييت بأننى سأعمل كمرتجم أول بفرقة‬ ‫املشاه امليكانيكية الثالثة التابعة للمنطقة العسكرية‬ ‫ً‬ ‫كيلومرتا فى طريق‬ ‫املركزية املرابطة على بعد حواىل عشرين‬ ‫القاهرة اإلمساعيلية ‪ .‬وبعد فرتة قصرية حضر « فيكتور‬ ‫جافريلوفيتس ستوبني » ‪ ،‬كبري مستشارى الفرقة إىل مكتب‬ ‫‪25‬‬


‫الرتمجة ‪ ،‬حيث كنت قد قمت بعمل عدة تراجم حتريرية مع‬ ‫زمالئى من املرتمجني أمثال فالريى فجنيفتس من منطقة جبال‬ ‫األورال ‪ « ،‬يورى ليباكني » من مدينة كييف ‪ « ،‬نيكوالى‬ ‫لوكاشونك » من مدينة كييف ‪ « ،‬نيكوالى لوكاشونك»‬ ‫من مدينة مينسك ‪ ،‬وقد مت إخالء سرير ىل كان خيص أحد‬ ‫املستشارين العسكريني السوفييت الذى استشهد قبل ذلك‬ ‫بفرتة وجيزة نتيجة لقصف طائرات « الفانتوم » اإلسرائيلية ‪.‬‬ ‫كانت الشقة التى عشت فيها تتسع إلقامة أسرة متوسطة‬ ‫العدد ‪ ،‬وهى مكونة من حجرتى نوم وحجرة طعام وصالة ‪،‬‬ ‫فنقلنا إىل هناك حيث عشنا كل اثنني فى حجرة ‪ ،‬فقد كنا‬ ‫ثـمانية أفراد ‪.‬‬ ‫كان املستشار العسكرى السوفيتى الذى استشهد أثناء‬ ‫القصف اإلسرائيلى هو ثالث ضابط سوفيتى يستشهد خالل‬ ‫غارات العمق اإلسرائيلية ‪ .‬لقد أدى هؤالء الشهداء الثالثة واجبهم‬ ‫العسكرى على أكمل وجه كمستشارين عسكريني‬ ‫لقائدى كتائب املدفعية املصرية املضادة للطائرات التى كانت‬ ‫حتمى كتائب الصواريخ املضادة للطائرات ‪.‬‬ ‫فى ذلك احلني كانت ( حرب االستنزاف ) التى أعلنها الرئيس‬ ‫مجال عبد الناصر ضد إسرائيل قد دخلت مرحلة جديدة حامسة‪.‬‬ ‫فبعد تناول إطالق نريان املدفعية عرب قناة السويس عمدت‬ ‫القوات اجلوية اإلسرائيلية إىل تدمري وسائل الدفاع اجلوى املصرى‬ ‫بصورة خمططة ‪ ،‬بدأت مبنطقة قناة السويس ‪ ،‬ثم امتدت بعد‬ ‫‪26‬‬


‫ذلك إىل داخل البالد ‪ .‬ومما كان حيز فى نفسى أن جارى فى‬ ‫احلجرة التى كنت أقيم فيها وهو رائد مستشار قائد كتيبة‬ ‫ً‬ ‫كثريا ما كان يشري إىل نفسه‬ ‫املدفعية اجلوية مبنطقة الدلتا‬ ‫ً‬ ‫مرددا أنه سيكون الضحية التالية ‪...‬‬ ‫بالنسبة ىل فقد كانت هذه املرة األوىل التى أتعرض فيها ملثل‬ ‫هذه املشاعراملروعه ‪ ،‬وهى سقوط الناس صرعى وقتلى خالل‬ ‫املعارك احلربية ‪.‬‬ ‫كانت معرفتى باحلرب وما جتره على البشرية من ويالت‬ ‫هى معرفة قاصرة حمدودة ال تتعدى ما كنت قد قرأته عنها فى‬ ‫الكتب ‪ ،‬وما شاهدته فى األفالم السينمائية ‪،‬وما كان يقصه‬ ‫على والدى من واقع مشاهداته على جبهة القتال ‪ ،‬عندما كان‬ ‫يقوم بواجبه حنو وطنه خالل احلرب العاملية الثانية ‪.‬‬ ‫احلق يقال ‪ ،‬فإن الوضع كان غاية فى السوء ‪ .‬فحتى اهلواء‬ ‫املنبعث من املروحة الكهربائية القوية مل يستطع أن خيفف من‬ ‫شدة حرارة ورطوبة اهلواء ‪ ،‬أو أن يبعد عن خاطرى تلك األفكار‬ ‫السوداء املقيتة من أننى أنام على نفس السرير الذى كان ينام‬ ‫عليه املستشار العسكرى السوفيتى الذى لقى حتفه أثناء‬ ‫القصف اإلسرائيلى منذ فرتة وجيزة ‪ .‬هذا باإلضافة إىل أننى قد‬ ‫اشرتكت فى إعداد قائمة مبتعلقاته وحاجاته الشخصية ‪ ،‬ومت‬ ‫إرساهلا إىل موسكو ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كثريا ما كانت تراودنى أحالم مفزعة تقلقنى‬ ‫فى هذه األيام‬ ‫ً‬ ‫مصابا فى قدمى‬ ‫وتقضى على مضجعى ‪ ،‬فكنت أرى نفسى‬ ‫‪27‬‬


‫ً‬ ‫هاربا من أحد معسكرات االعتقال‬ ‫أهرب أو بصورة أدق أزحف‬ ‫والتعذيب اإلسرائيلية حتت األسالك الشائكة التى حتيط‬ ‫باملعسكر بينما أسحب معى إحدى الفتيات ‪.‬‬ ‫كانت قوات الفرقة الثالثة اآللية ترابط فى منطقة‬ ‫اهلايكستـب ‪ ،‬حيث كانت تتواجد هناك ثكنات جيش‬ ‫االحتالل اإلجنليزى قبل قيام الثورة املصرية فى عام ‪ . 1952‬لذا‬ ‫ً‬ ‫مجيعا ‪ -‬املستشارين العسكريني‬ ‫ففى صباح كل يوم كنا‬ ‫واملرتمجني السوفييت ‪ -‬ننتقل بواسطة ميكروباص أزرق اللون‬ ‫إىل منطقة اهلايكستب ‪ ،‬ثم نعود فى املساء إىل مدينة نصر ‪.‬‬ ‫كان يقوم معى بأعمال الرتمجة مرتمجان آخران جييدان اللغة‬ ‫اإلجنليزيـة ‪ ،‬حضرا من االحتاد السوفييتى ‪ ،‬ويعاونهم بعض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دراسيا لتعليم اللغة‬ ‫فصال‬ ‫املصريني الذين أمتوا فى القاهرة‬ ‫الروسية مدته ستة أشهر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفقا للتصريح الذى أدىل به اجلنرال شوكني – نائب‬ ‫املستشارين العسكريني السوفييت بالقسم السياسى – فى‬ ‫أحد االجتماعات التى ضمت مجيع املرتمجني العسكريني‬ ‫السوفييت ‪ ،‬فقد وصل عدد املرتمجني السوفييت الذين كانوا‬ ‫يعملون آنذاك فى كل أحناء مصر إىل حواىل ‪ 500‬مرتجم ‪.‬‬ ‫كان عدد املرتمجني العسكريني السوفييت الذين جييدون‬ ‫اللغة اإلجنليزية يفوق عدد الذين جييدون اللغة العربية ‪ .‬من‬ ‫بني املرتمجني السوفييت الذين يتحدثون اللغة العربية ‪ ،‬كان‬ ‫هناك طلبة أنهوا الفصل االدراسي الثانى باملعهد العسكرى‬ ‫‪28‬‬


‫للغات األجنبية ‪ ،‬وحضروا إىل مصر لقضاء فرتة تدريبية بها ‪.‬‬ ‫لقد حضر زمالئى من املرتمجني السوفييت من أماكن عديدة‬ ‫خمتلفـة ‪ :‬من أوزبكستان ‪ ،‬أذربيجان ‪ ،‬أوكرانيا ‪ ،‬أرمينيا ‪،‬‬ ‫موسكو ‪ ،‬ليننجراد ‪ ،‬من ضفاف نهر الفوجلا ومشال القوقاز‬ ‫وغريها ‪.‬‬ ‫وقع العبء األكرب فى أعمال الرتمجة على عاتق املرتمجني‬ ‫السوفييت املتخصصني فى اللغة العربية ‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص‬ ‫هؤالء الذين كانوا على علم ودراية من قبل باللهجة املصرية ‪.‬‬ ‫مل متح من ذاكرتى حتى يومنا هذا أعمال الرتمجة الشفهية‬ ‫الفورية التى كنت أقوم بها أثناء التدريبات العسكرية العملية‬ ‫جلنود وضباط اجليش املصرى ‪ ،‬وكذلك خالل االجتماعات‬ ‫املختلفة التى كانت تعقد بصفة دورية منتظمة ‪.‬‬ ‫هكذا فقد كنا نقوم بالرتمجة الفورية ‪ ،‬حيث كان معظم‬ ‫ً‬ ‫متاما‬ ‫املستشارين واخلرباء العسكريني السوفييت يتفهمون‬ ‫وضع املرتجم العسكرى باعتباره مهندسا حديث التخرج حيتاج‬ ‫إىل تهيئة وإعداد فى جمال اإلعداد التخصصى حتى لو كان‬ ‫ً‬ ‫لفرتة قصرية ‪ .‬لكن مل يكن هناك ً‬ ‫كافيا لذلك‪ .‬لقد‬ ‫وقتا‬ ‫تطلب الوضع املشتعل بدء العمل على وجه السرعة بالرغم من‬ ‫صعوبة اللهجة العامية املصرية ‪.‬‬ ‫على الرغم من وجود بعض املعوقات والصعوبات عند الرتمجة‬ ‫فقد كانت العالقات بني املستشارين ومن يعملون معهم من‬ ‫ً‬ ‫صباحا‪ ،‬ومسا ًء‬ ‫املصريني جيدة ‪ .‬لقد كانت أعمال الرتمجة تتم‬ ‫‪29‬‬


‫داخل اخليمة وفى الصحراء ‪ ،‬وفى العراء أو داخل السيارة اجليب‬ ‫أثناء التدريبات العسكرية فى الرتاب والرمال املريعة ‪ .‬لقد‬ ‫كان الواجب حيتم علينا العمل فى خمتلف الظروف واألحوال‪،‬‬ ‫فعملنا ضمن كتيبة دبابات ومع أفراد لواء املدفعية وكتيبة‬ ‫املركبات وغريها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا بالرتمجة فى مكتب قائد‬ ‫حيضرنى اآلن أنى قد قمت‬ ‫الفرقة فى نفس الوقت ‪ ،‬بينما كان يتم قصف لواء دبابات جماور‬ ‫لنا ومستقل عنا بالقنابل ‪ .‬وعندما مسعت أصوات سقوط قنابل‬ ‫مدوية ‪ ،‬كنت أول فرد يندفع من خالل الباب ‪ ،‬وقفزت فى احلال‬ ‫فى خندق على شكل برميل يقع على مسافة حواىل عشرة‬ ‫أمتار من املبنى الذى كنا فيه ‪ .‬تبعنى إىل هذا اخلندق أحد اجلنود‬ ‫الذى قفز ورائى فى اخلندق ‪ ،‬فهوى على ظهرى بشدة حبذائه‬ ‫الضخم املطعم باحلديد ‪ .‬وبعد مرور عدة دقائق عاد اهلدوء إىل‬ ‫املكان مرة ثانية ‪ ،‬فرجعت إىل مكانى ‪ .‬شعرت باخلجل واحلرج‬ ‫الشديدين أمام قائد الفرقة ورئيس األركان والسيد ‪ /‬ستوبني‬ ‫الذين ظلوا جالسني بهدوء على مقاعدهم ‪ ،‬ومل يصبهم الذعر‬ ‫أو اهللع ‪ .‬أما أنا فكنت الوحيد الذى هرعت من املكان وكأن‬ ‫الريح قد عصفت بى على حني ُغرة أعتقد أنه كان من األفضل‬ ‫ىل أن أجلس معهم ً‬ ‫بدال من األمل الذى عانيت منه فى ظهرى نتيجة‬ ‫سقوط اجلندى على فى اخلندق حبذائه املطعم باحلديد ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سببا فى إنقاذ‬ ‫كانت احليطة واحلذر فى بعض األحيان‬ ‫املرتمجني الشبان من اخلطر احملدق بهم ‪ ،‬يكفى أن أذكر هنا‬ ‫‪30‬‬


‫حدثني من هذا القبيل ‪:‬‬ ‫أحدهما حدث فى منطقة الدلتا فى كتيبة مدفعية مضادة‬ ‫ً‬ ‫تاركا‬ ‫للطائرات ‪ ،‬فما أن بدأ قصف القنابل حتى أسرع املرتجم‬ ‫مركز القيادة ‪ .‬أما املستشار العسكرى السوفيتى وقائد‬ ‫الكتيبة فقد ظال فى مكانهما ومل يغادراه ‪ ،‬كى يستعرضا‬ ‫هدؤهما وعدم اكرتاثهما مبا حيدث حوهلما ‪ ،‬وما هى إال بضعة‬ ‫حلظات حتى سقطت عليهما إحدى القنابل التى أودت حبياتهما‬ ‫ً‬ ‫معا ‪ .‬بينما ظل املرتجم على قيد احلياة ‪.‬‬ ‫أما احلدث الثانى املماثل له فقد وقع للعقيد كبري مستشارى‬ ‫إحدى الفرق التابعة ألحد اجليشني امليدانيني اللذين كانا‬ ‫يرابطان على طول جبهة قناة السويس ‪ .‬فبينما كان كبري‬ ‫ً‬ ‫عائدا إىل فرقته على جبهة قناة السويس بعد أجازة‬ ‫املستشارين‬ ‫ملدة يومني ‪ -‬كانت متنح عادة فى يومى اجلمعة والسبت ‪-‬‬ ‫توقفت السيارة التى كانت تقلهما فجأة فى الطريق‪ .‬من اجلائز‬ ‫أن يكون السائق قد أحس بوجود خطر ما ‪ ،‬أو يكون قد مسع‬ ‫أصوات انفجارات أمامهم ‪ ،‬على وجه العموم ليس هذا هو املهم ‪.‬‬ ‫املهم أن ذلك قد حدث فى منتصف الطريق إىل القنال ‪ .‬فاملدفعية‬ ‫اإلسرائيلية مل تتمكن من الوصول إليهم فى هذا املكان من‬ ‫الضفة الشرقية لقناة السويس ‪.‬‬ ‫مهما يكن األمر فما أن توقفت السيارة حتى أسرع املرتجم‬ ‫ً‬ ‫خارجا منها ‪ ،‬وانبطح على األرض وغطى رأسه بيديه من شدة‬ ‫‪31‬‬


‫ً‬ ‫متمهال‬ ‫اخلوف واهللع ‪ ،‬أما كبري املستشارين فقد وثب من السيارة‬ ‫على غري عجلة وأخذ يهز رأسه فى لوم وعتاب ً‬ ‫آخذا على املرتجم‬ ‫جبنه وشدة خوفه ‪ .‬وهنا مسع فى التو واللحظة صوت انفجار‬ ‫صاروخ ‪ .‬مل ُيصب املرتجم بأى سوء ‪ ،‬بينما أطاحت إحدى الشظايا‬ ‫بنصف رأس العقيد ‪.‬‬ ‫كانت أصعب أنواع الرتمجة تلك التى تتم أثناء تدريبات‬ ‫األركان والقيادة على مستوى الفرقة واجليش ‪ .‬كان يشرتك‬ ‫ً‬ ‫غالبا املرتمجون السوفييت من ذوى اخلربة الذين جييدون‬ ‫فيها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اللهجة املصرية إجادة تامة فهما وتعبريا ‪ ،‬فذلك النوع من الرتمجة‬ ‫اختالفا ً‬ ‫ً‬ ‫تاما عن الرتمجة أثناء إجراء املباحثات‬ ‫كان خيتلف‬ ‫واملداوالت بني املستشارين العسكريني السوفييت والضباط‬ ‫املصريني العاملني معهم ‪ ،‬ففى هذه احلالة ميكنكم الرتمجة‬ ‫ً‬ ‫أيضا كان يدور أى حوار أو مناقشة‬ ‫بهدوء وروية ‪ .‬فهكذا‬ ‫بينهما ‪.‬‬ ‫كان شرح وحتليل هذه التدريبات يتم عادة فى مكان واسع‬ ‫فسيح ‪ ،‬حيث كان حيضرها بضعة عشرات على أقل تقدير‪.‬‬ ‫يبدأ قائد فرقة اجليش أو أحد القواد العسكريني من ذوى‬ ‫الرتب العليا هذا االجتماع الذى كان فى البداية يسري بصورة‬ ‫منتظمة ثم تبدأ بعد ذلك املناقشات واملداخالت ‪ ،‬ويقاطع‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا يتدخل السوفييت‬ ‫الضباط بعضهم البعض أثناء املناقشة‬ ‫فى هذا النقاش ‪ .‬وهذا كله يشكل بالنسبة للمرتجم صعوبة‬ ‫بالغة ‪ ،‬فعلى الرغم من كل هذه الصعوبات فى الرتمجة ‪ ،‬فإن‬ ‫‪32‬‬


‫املستشارين كانوا يريدون فهم ومتابعة كل ما يدور فى هذا‬ ‫ً‬ ‫فكثريا ما كنت‬ ‫االجتماع دقيقة بدقيقة وحلظة بلحظة ‪ ،‬لذا‬ ‫أحس بستوبني ‪ ،‬يلكزنى بكوعه فى جنبى يستحثنى على‬ ‫ترمجة ما يدور من أحاديث ومناقشات جانبية ‪ .‬وعندما كنت‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪ ،‬ولو لبضع حلظات كنت أحس بذلك بصورة‬ ‫أصمت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أكثر وضوحا مستفسرا منى وسائال إياي ‪ « :‬عن أى شئ‬ ‫يدور احلديث؟» فكنت أتابع ترمجة حديث ونقاش اجلنراالت‬ ‫والضباط املصريني ‪ .‬هذا بالرغم من أن هذا احلديث قد يطول إىل‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا إىل الثالث‬ ‫الساعة أو الساعة والنصف أو الساعتني ‪ ،‬بل‬ ‫ساعات ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوقاتا‬ ‫كانت شروح هذه التدريبات العسكرية تستغرق‬ ‫ً‬ ‫أحيانا إىل األربع أو اخلمس ساعات على التواىل‪،‬‬ ‫طويلة ‪ ،‬متتد‬ ‫تتخللها بالطبع فرتات راحة قصرية لتناول بعض املشروبات‬ ‫كالشاى والقهوة والكوكاكوال ‪.‬‬ ‫كان الوضع فى بعض األحيان يصل إىل درجة عالية من‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا يصل إىل حد يبدو وكأنه معركة‬ ‫اجلدية‪ ،‬بل‬ ‫كالمية ‪ .‬أنا ال أحتدث هنا عن تلك التعقيدات اإلضافية التى‬ ‫أوجدتها وسببتها ( حرب االستنزاف )التى اندلعت فى شهر مارس‬ ‫من عام ‪. 1969‬‬ ‫كان جيب على أن أبذل قصارى جهدى فى ترمجة كل ما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مستحثا إياي‬ ‫منتظرا أن يلكزنى أحد بكوعه‬ ‫يدور غري‬ ‫على مواصلة الرتمجة دون أى توقف ‪ .‬لقد كانت ترمجة فورية‬ ‫‪33‬‬


‫حقيقية ‪ ،‬ليست كتلك الرتمجات الفورية التى استوجب األمر‬ ‫املشاركة فيها فى موسكو ‪.‬‬ ‫كان املرتمجون يقومون بالرتمجة الفورية فى االجتماعات‬ ‫التى كان يعقدها احلزب الشيوعى السوفيتى ‪ ،‬والنقابات‬ ‫وغريها من االجتماعات والندوات األخرى والدولية اهلامة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وكثريا ما كان هؤالء املرتمجون يقرأون نص الرتمجة املعد‬ ‫فيما قبل ذلك ‪ ،‬إذ بينما كان اخلطيب يلقى خطابه من فوق‬ ‫ً‬ ‫مسبقا مع‬ ‫املنصة ‪ .‬كان من املهم أن تتزامن قراءة الرتمجة املعدة‬ ‫كلمات املندوب املتحدث ‪ ،‬فال تسبقه وال تتأخر عنه ‪ ،‬وتنتهى‬ ‫ً‬ ‫متاما مع نهاية حديثه ‪.‬‬ ‫بالطبع فقد كان املرتمجون ‪ -‬حينذاك ‪ -‬يقومون بالرتمجة‬ ‫الفورية بصورة صحيحة فى قصر املؤمترات وقاعة العمدة ‪ ،‬وفى‬ ‫دور االحتادات وغريها ‪ .‬وإنى أعرف الكثريين من هؤالء املرتمجني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫واحرتاما ‪.‬‬ ‫تقديرا‬ ‫وأكن هلم‬ ‫لكن حتليل وشرح التدريبات العسكرية ‪ ،‬والذى كان ميتد‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وأحيانا إىل أكثر من ذلك ‪ُ ،‬‬ ‫خمتلف‬ ‫أمر‬ ‫إىل ثالث أو أربع ساعات‬ ‫ً‬ ‫متاما ‪ ،‬إذ كان النقاش يشتد ويتحول إىل حوار ساخن ونتيجة‬ ‫لذلك ترتاكم األعباء على املرتجم ‪ .‬لذا فقد كان جيب ّ‬ ‫على‬ ‫تركيز كل اهتمامى على فهم اجلو العام للنقاشات الدائرة‬ ‫لكى تبدو الرتمجة التى كانت تتم فى هذه احلالة مفهومة‬ ‫بوضوح ‪.‬‬ ‫إىل جانب ذلك ‪ ،‬فقد كان مثل هذا النوع من الرتمجة يزداد‬ ‫‪34‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفقا لظروف ومالبسات أخرى متعددة ‪ ،‬منها على‬ ‫تعقيدا‬ ‫ً‬ ‫كثريا من املتحدثني ‪ -‬فى ُجل األحيان ‪ -‬كانوا‬ ‫سبيل املثال ‪ :‬إن‬ ‫جيلسون على مسافات بعيدة منى ‪ ،‬وقد ولوا ظهورهم ىل ‪ ،‬بينما‬ ‫كان هناك آخرون يعانون من عيوب فى نطق بعض احلروف ‪،‬‬ ‫أو يتحدثون بصوت منخفض غري مسموع ‪ ،‬بينما كان البعض‬ ‫يتعمد أن يتحدث بصوت غري واضح وبضرورة غري مفهومة‬ ‫وكأنهم ال يريدون أن يسمعهم ً‬ ‫أحدا غريهم ويفهم ما يقولون ‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال ‪ ،‬كانت أصوات احلروف العربية تنشأ ومتوت‬ ‫فى حنجرة قائد الفرقة امليكانيكية الثالثة السيد‪ /‬حجازى وال‬ ‫ً‬ ‫شيئا‪ ،‬فكانت الكلمات تسمع فى احللق وكأن‬ ‫يسمع منها‬ ‫هناك « خليطاًما غري متجانس من األصوات » ‪ ،‬أو غرغرة كتلك‬ ‫التى تصدر من األجهزة األلكرتونية ‪ .‬وفى هذه احلالة فإن لكزة‬ ‫كوع السيد‪ /‬ستوبني ىل فى جنبى مل تكن لتساعدنى ‪ -‬بأى‬ ‫حال من األحوال–فى القيام بأعمال الرتمجة ‪.‬‬ ‫لكن على وجه العموم ‪ ،‬فإن السيد‪ /‬ستوبني كان ينتمى‬ ‫لفئة األشخاص الالمعى الذكاء ‪ :‬إذ كان يدرك – حبصافته‬ ‫ كنة املوضوع ويلم مبضمون ما يدور حوله ويتعمق فى جوهر‬‫املسألة مما سبق من أحاديث ومن جمريات األمور حوله ‪ ،‬فقد كان‬ ‫يدرك أن املرتجم عاجز عن القيام بشئ ما حيال مثل ذلك الوضع‬ ‫املعقد‪.‬‬ ‫ًُ‬ ‫ً‬ ‫متوفرا لدى آخرين ‪ .‬ففى مثل‬ ‫دائما‬ ‫لكن هذا التفهم مل يكن‬ ‫هذه األحيان كان املرتجم يصبح هو « كبش الفداء» سواء‬ ‫‪35‬‬


‫ً‬ ‫مذنبا أم غري مذنب ‪ ،‬حيث أنهم عادة ما حيملونه نتائج‬ ‫أكان‬ ‫اليت دارت بني املستشارين والضباط املصريني‬ ‫عدم جناح املباحثات ً ِ‬ ‫العاملني معهم ‪ ،‬نظرا لعدم فهم بعضهم البعض الفهم الصحيح ‪.‬‬ ‫لكن عدد هذه اخلالفات ووقائع سوء الفهم بسبب أخطاء‬ ‫ً‬ ‫قليال ً‬ ‫جدا ‪.‬‬ ‫املرتمجني كان‬ ‫ً‬ ‫استمرت اهلجمات و الغارات فى العمق ‪ ،‬وأصبح الزما إنقاذ‬ ‫املوقف ‪.‬‬ ‫جاءتنا أنباء عن إعادة متركز الفرقة امليكانيكية الثالثة‬ ‫اليت كانت تعترب فى رأى املتخصصني العسكريني أفضل فرقة‬ ‫فى اجليش املصرى على اإلطالق ‪ .‬وكان قائد الفرقة السيد‪/‬‬ ‫ً‬ ‫واحدا‬ ‫حجازي ‪ -‬على حد تعبري الرئيس مجال عبد الناصر‪ -‬يعترب‬ ‫من أفضل قواد اجليش املصرى العسكريني ‪ .‬وكان قد مت قبل‬ ‫ذلك نقل أحد ألوية الفرقة إىل اجلنوب ‪ ،‬إذ كان اهلدف من إعادة‬ ‫التمركز هو توفري احلماية و األمن للقوات ‪.‬‬ ‫لذا فقد اختذت القيادة العسكرية والسياسية املصرية العليا‬ ‫ً‬ ‫قرارا بإعادة متركز اللواء العاشر من فرقتنا و نقله إىل شاطئ‬ ‫البحر األمحر مبنطقة سفاجا و الغردقة و مجصة‪.‬‬ ‫كان هلذا اللواء مهمة قتالية أخرى هى احلماية والدفاع عن‬ ‫تلك املساحة الكبرية البعيدة من الساحل البحر املصري املمتدة‬ ‫مبحاذاة خليج السويس و البحر األمحر ‪ ،‬حيث كانت القوات‬ ‫اإلسرائيلية تقوم بهجمات ختريبية استفزازية من وقت آلخر ‪.‬‬ ‫وقد استطاع اإلسرائيليون القيام بالعملية العسكرية املعروفة‬ ‫‪36‬‬


‫باسم «اإلغارة» بنجاح مستخدمني الدبابات السوفيتية الصنع اليت‬ ‫استولوا عليها أثناء حرب األيام الستة يف عام ‪ ، 1967‬كما ارتدوا‬ ‫ً‬ ‫أيضا الزي العسكرى املصرى ومتكنوا من أخذ حمافظ البحر‬ ‫األمحر يف األسر عندما كان يقوم بعملية تفقدية باملنطقة‬ ‫الواقعة على إمتداد شاطئ البحر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫وبهذه املناسبة فإنى أذكر هنا أن اإلسرائيلني قد استخدموا‬ ‫هذا األسلوب املخادع فى تنفيذ بعض عملياتهم العسكرية‬ ‫بنجاح أثناء حرب أكتوبر عام ‪ . 1973‬فبعد عملية عبور قناة‬ ‫السويس الناجحة التى قام بها املصريون و استيالئهم على خط‬ ‫بارليف احلصني بالضفة الشرقية للقناة ‪ ،‬قام اإلسرائيليني بعد‬ ‫فرتة قصرية بعملية عسكرية مضادة ً‬ ‫ردا على ذلك مت فيها‬ ‫إنزال قوات إسرائيلية بالضفة الغربية لقناة السويس مبنطقة‬ ‫البحريات املرة ‪ ،‬حيت استولوا على رأس كوبري بهذه املنطقة ‪.‬‬ ‫و قد استخدموا فى هجومهم هذا مرة أخرى الدبابات السوفيتية‬ ‫الصنع متنكرين يف الزي العسكري املصرى ‪.‬‬ ‫اقرتب اإلسرائيليون من التشكيالت الفرعية للدفاع اجلوى‬ ‫املصرى التى كانت حتمى مساء مصر من الطائرات اإلسرائيلية‬ ‫عن طريق تكوينها مظلة جوية ‪ ،‬حيث حاصروها وأطلقوا‬ ‫عليها ً‬ ‫وابال من الرصاص ‪.‬وفى احلقيقة كان هلذه التشكيالت‬ ‫املصرية املضادة للطائرات الفضل األول و اليد الطوىل فى إجناح‬ ‫عملية اهلجوم املصرى فى الساعات و األيام األوىل من حرب‬ ‫أكتوبر ‪. 1973‬‬ ‫‪37‬‬


‫بعد مرور فرتة وجيزة على نقل اللواء العاشر ‪ ،‬تقرر إعادة‬ ‫نشر ومتركز سائر وحدات و تشكيالت الفرقة الثالثة‬ ‫امليكانيكة بصورة عملية لنفس هذه األهداف إىل اجلنوب من‬ ‫منطقة اهلايكستب ‪.‬‬ ‫قبل حتريك ونقل الفرقة الثالثة للمشاة امليكانيكية ‪،‬‬ ‫قامت القيادة ومستشاروا الفرقة برحلة استطالعية بسيارات‬ ‫اجليب حتى مدينة أسوان ‪.‬‬ ‫لقد كانت حبق رحلة رائعة ومفيدة ً‬ ‫جدا للتعرف على البلد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كثريا ما يتوقف أثناء الطريق‬ ‫كان طابور سيارات اجليب‬ ‫لتسجيل بعض املالحظات الالزمة على اخلريطة أو القيام‬ ‫مبباحثات ومشاورات فى املراكز الريفية وتبادل اآلراء بني‬ ‫احملافظني والرؤساء العسكريني احملليني ‪ .‬بعض هذه املدن التى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيال ً‬ ‫ً‬ ‫كبريا ال ميحى ‪.‬‬ ‫وأثرا‬ ‫انطباعا‬ ‫زرناها تركت لدينا‬ ‫بدأنا رحلتنا من حمافظة اجليزة ثم املنيا ثم بين سويف وسوهاج‬ ‫ً‬ ‫أخريا وصلنا أسيوط بلد سائقنا أمحد ‪ .‬كان أمحد فتى‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫لطيفا أمسر اللون ذا شعر جمعد ‪ .‬و قد منحه ستوبني أجازة أثناء‬ ‫توقفنا لفرته طويلة مبدينة أسيوط كى يزور والديه هناك ‪.‬‬ ‫وميكننى أن أتصور وأختيل مدى الفخر والفرحة التى كان‬ ‫حيس بهما أمحد فى أعماقه ‪ ،‬فقد استقل عربتنا اجليب ورحل‬ ‫فى سعادة غامرةإىل منزل أهله حيث ينتظره األهل واألقارب‬ ‫الكثريى العدد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كانت مدينة أسيوط – ((عروس صعيد مصر )) – ً‬ ‫مجيال‬ ‫بلدا‬ ‫‪38‬‬


‫مضيافا ‪.‬وقد انتظرنا أهل أسيوط ً‬ ‫ً‬ ‫بدءا من حمافظ املدينة الذى‬ ‫كان فى استقبالنا حلظة وصولنا إىل املدينة حيث أخذ يروى‬ ‫لنا العديد من املعلومات والبيانات الشيقة عن عاصمة الصعيد‪،‬‬ ‫وانبهرنا باملواطنني البسطاء الذين كان معظمهم يرون ألول‬ ‫مرة فى حياتهم (خرباء سوفييت) يرتدون الزى العسكرى‬ ‫املصرى ‪ .‬كان الشباب والفتيات الصغار من أهاىل مدينة أسيوط‬ ‫يالزموننا ويتبعوننا على الدوام و يقفون بالقرب منا ‪ ،‬وباألخص‬ ‫على شاطئ النيل الذى يطلق عليه أهاىل املدينة (الكورنيش )‬ ‫ويسمون النيل (البحر) ‪.‬‬ ‫كان من الواضح أن األوالد فى مدينة أسيوط مل يتم تدليلهم‬ ‫بعد‪ -‬ورمبا من جانب السياح واألجانب – فلم يكونوا ملحني وال‬ ‫متطفلني كأترابهم من أوالد مدينتى القاهرة واإلسكندرية‬ ‫الذين كانوا يتبعوننا فى جحافل بالعشرات ملئات األمتار ‪،‬‬ ‫متشبثني وممسكني بأيدينا ومالبسنا يطلبون منا حقهم‬ ‫املشروع فى البقشيش ‪ .‬أما أوالد مدينة أسيوط فكانت تصرفاتهم‬ ‫تنم عن عزة نفس وكربياء ‪ ،‬ويبدو من نظرات أعينهم أن الدافع‬ ‫ملالحقتهم لنا هو قبل كل شئ حب االستطالع‪ ،‬واالهتمام‬ ‫الكبري ‪ ،‬والطبيعة الطفولية ‪ ،‬عالوة على النشاط واحليوية‬ ‫الغري عادية والتى تفوق احلد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أخريا كانت احملطة التالية فى رحلتنا وهى مدينة قنا (جنا‬ ‫باللهجة الصعيدية أو إنا بلهجة باقى سكان مصر )‪.‬‬ ‫وهنا كان اخلرباء األجانب أو بلهجة أهاىل قنا (اخلربا األدانب)‬ ‫‪39‬‬


‫وضباط الفرقة الثالثة مشاة أو (مش ميكا) كما كان اجلنود‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نظرا ألنه‬ ‫قليال‬ ‫والضباط يطلقون عليها ‪ ،‬يتوقفون ملدة أطول‬ ‫ً‬ ‫معلوما فى القاهرة بأن الفرقة قد مت إعادة متركزها هنا‬ ‫كان‬ ‫فى هذا املوقع بالذات ‪ .‬والسبب فى ذلك يرجع إىل أن النيل هنا‬ ‫ً‬ ‫اقرتابا من أى مكان آخر فى البحر‬ ‫فى هذا املكان كان أكثر‬ ‫األمحر ‪ ،‬ويقع على بعد ‪ 160‬كيلومرت فقط من هذا املوقع ‪.‬‬ ‫وكانت القيادة السياسية والعسكرية تعتقد بأن إسرائيل‬ ‫ميكنها بسهولة هنا فى هذا املوقع القيام بشطر وادى النيل‬ ‫وفصل مشال البالد عن جنوبها ‪ .‬وكانت قوات الكوماندوز‬ ‫اإلسرائيلية قد قامت قبل ذلك بوقت قصري بتفجري حمطة التحويل‬ ‫الكهربائى الفرعية فى جنع محادى بالقرب من مدينة قنا ‪ .‬وقد‬ ‫تواجدنا هناك وصعدنا إىل أعلى قمة جبلية فى املنطقة بالقرب‬ ‫من هذه احملطة الفرعية حيث هبطت مروحيات العدو ‪.‬‬ ‫ميتد من البحر األمحر حتى مدينة قنا طريق معبد رائع ‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل ذلك فهناك وديان عميقة متعددة تقطع املرتفعات‬ ‫الصخرية املنخفضة ً‬ ‫بدءا من الشاطئ وعلى امتداده حتى وادى‬ ‫النيل ‪ .‬وقد قمنا بتتبع إحدى هذه املرتفعات سائرين بسيارتني‬ ‫مبحاذاته إىل مسافة ‪ 20‬كيلومرت ‪ .‬فرتائى لنا الوادى كطريق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متاما من‬ ‫خال‬ ‫مستو تقريبا ‪ ،‬رائع خالب ‪ ،‬مدكوك فى مكان ٍ‬ ‫الناس ‪.‬‬ ‫كان من الواضح أن هذه الوديان تعطى اإلسرائيليني إمكانية‬ ‫ممتازة ال مثيل هلا لالختباء خلفها والزحف فى سرية تامة إىل‬ ‫‪40‬‬


‫ً‬ ‫أيضا من الصعب كشف قفزاتهم من‬ ‫وادى النيل ‪ .‬كما كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نظرا ألنها كانت عميقة جدا ‪.‬‬ ‫خالل الوديان‬ ‫وهكذا انتهت الرحلة التى كانت بالنسبة ىل مؤثرة للغاية‪،‬‬ ‫حيث أنها أثرت و جدانى بانطباعات جديدة ال متحى عن تلك‬ ‫األماكن النائية من صعيد مصر التى مل أزرها قط فى حياتى‬ ‫من قبل ‪ ،‬هذا على الرغم من صعوبة الطريق ووعورته واجللوس‬ ‫الدائم لفرتات طويلة فى عربة اجليب املتأرجحة و غري ذلك من‬ ‫الصعوبات التى واجهتنا خالل هذه املهمة ‪.‬‬ ‫مل تكن هذه املهمة هى املهمة االستكشافية األوىل بالنسبة‬ ‫ىل‪ ،‬فقد قمنا قبل ذلك برحلة استطالعية مماثلة إىل مدينة‬ ‫رشيد الواقعة عند مصب فرع النيل األيسر ‪ .‬وكانت جمموعتنا‬ ‫ً‬ ‫تقريبا من نفس هوالء األفراد الذين ذهبوا إىل‬ ‫حينئذ تتكون‬ ‫أسوان فقد كانت تتألف من الضباط املصريني و املستشارين‬ ‫العسكريني حتت قيادة السيد‪ /‬حجازى قائد الفرقة و كبري‬ ‫املستشارين فيكتور ستوبني ‪.‬‬ ‫وقبل ذلك بنحو عام أو عامني مضت قمت برحلة إىل مصب‬ ‫فرع النيل األمين ( فرع دمياط) ضمن جمموعة من الطالب ‪،‬‬ ‫وهى الرحلة التى قام بتنظيمها النادى الدوىل للوافدين األجانب‬ ‫الواقع حبى الدقى بالقاهرة ‪ .‬لقد سحرتنا حينئذ مدينة دمياط‬ ‫ً‬ ‫الساحلية وهى ميناء حبرى ُ‬ ‫مركزا ألقليم ريفى حيمل‬ ‫وتعد‬ ‫نفس االسم ‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫لقد فتنتنا مدينة دمياط بصخورها وأمواجها املتالطمة عند‬ ‫الشاطئ ‪ .‬إنها صخور دمياط بعينها تلك التى ذكرها فى أشعاره‬ ‫ً‬ ‫أيضا نفس‬ ‫الكاتب الروسى الرائع نيكوالى جوميليوف ‪ ،‬وهى‬ ‫هذه الصخور التى كان يشاهدها احلجاج الرحالة الروس الذين‬ ‫ً‬ ‫كثريا ما يذكرون مدينة دمياط فى مذكراتهم التى‬ ‫كانوا‬ ‫يدونونها عن رحالتهم هذه إىل بيت املقدس ‪.‬‬ ‫أريد أن أختم حديثى عن تلك املهمة االستطالعية فى جنوب‬ ‫ً‬ ‫متطرقا إىل ذلك الصدام الذى حدث بينى وبني ستوبني‬ ‫مصر‬ ‫ً‬ ‫والذى أعتقد أنه كان كثريا ما حيدث مع العديد من املرتمجني‪.‬‬ ‫فقد قررنا فى إحدى احملطات التى توقعنا عندها تناول شيء من‬ ‫الطعام اخلفيف ‪ .‬طلب منى كبري املستشارين إحضار حقيبة‬ ‫املؤن واألطعمة من السيارة اجليب ولكنى رفضت طلبه هذا ‪.‬‬ ‫وقد الحظ الكثري من املوجودين هذا ‪ ،‬وأعقب ذلك حلظة‬ ‫صمت ثقيل ‪ .‬عندئذ قام السائق أمحد الذى فهم املوقف بدون‬ ‫أى كالم بإحضار حقيبة املاء والطعام لستوبني ‪ .‬خيم الصمت‬ ‫علينا لبعض الوقت ‪ ،‬بل لقد وصل األمر إىل حد أننا مل نعد‬ ‫نتجاذب أطراف احلديث فيما بيننا ‪ ،‬ولكن عندما قربت الرحلة‬ ‫على اإلنتهاء ذاب اخلالف فيما بيننا و عادت املياه إىل جماريها مرة‬ ‫أخرى ‪.‬‬ ‫لقد كنت كغريى من زمالئى املرتمجني أفقد أعصابى‬ ‫ً‬ ‫عندما يطلب منى ً‬ ‫معتربا أن ذلك حيط من قدرى و أن‬ ‫طلبا كهذا‬ ‫مثل هذه األعمال يقوم بها جنود املراسلة وليس املرتمجون الذين‬ ‫‪42‬‬


‫ال يدخل هذا العمل ضمن مهامهم ‪ .‬ال ميكن حتديد السبب فى‬ ‫ذلك التصرف ‪..‬هل هى كرامتنا ‪ ،‬أم الشهادة اجلامعية التى‬ ‫حصلنا عليها ‪ ،‬أم أنه اندفاع الشباب ‪ ،‬أم هو على وجه العموم‬ ‫– فى هذه احلالة– طبعى وخلقى الذى ال يسمح بقبول فرض‬ ‫أى قرار على ؟‪ ...‬أو رمبا كان لكل هذه العوامل التى ذكرتها‬ ‫بعالية جمتمعة أثرها فيما حدث ‪ .‬على أية حال ‪ ..‬فإنى قد‬ ‫اعتربت هذا الطلب الذى يتسم بصفة األمر هو إهانة بالنسبة ىل ‪.‬‬ ‫هناك أمثلة أخرى من نوع آخر تستحق االحتذاء بها ‪ .‬فال يزال‬ ‫ً‬ ‫حمفورا فى ذاكرتى ما رواه ىل أحد أصدقائى الذى‬ ‫حتى األن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان يعمل مرتمجا عسكريا فى األسطول البحرى احلربى‬ ‫املصرى من أن قائد السفينة احلربية السوفيتية الذى كان عليه‬ ‫أن يقوم بالرتمجة للمصريني على متنها قال له قبل النزول على‬ ‫سلم السفينة ملالقاة املصريني ‪ (( :‬اعذرنى يا صديقى فأنا فى‬ ‫الزى الرمسى العسكرى فامحل عنى من فضلك حقيبتى )) ‪.‬‬ ‫لقد كنا نستوعب مثل هذا النوع من املعاملة ونتفهم دواعيه‬ ‫ومل يكن هناك بالطبع أى رفض من جانب املرتمجني فى مثل‬ ‫هذه األحوال لطلبات القادة والرؤساء و املستشارين ‪.‬‬ ‫إن ماضينا الدراسى اجلامعى ‪ ،‬بل وجمرد الكرامة اإلنسانية‬ ‫ً‬ ‫أيضا مل يكونا ليسمحا لنا بالتصرف بطريقة غري هذه ‪ ،‬أما‬ ‫التطاول والطريقة املهينة فى املعاملة من جانب الرؤساء والقادة‬ ‫واملستشارين العسكريني ‪ ،‬مثل هذه الفلتات من جانب هوالء‬ ‫القادة و املستشارين كانت قليلة ولكنها كانت حتدث ‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫ومرات أخرى كانوا يتطلعون إىل املرتجم وكأنه إنسان من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كثريا ما كنا‬ ‫عبثا أننا‬ ‫متاما ‪ .‬ليس‬ ‫نوع آخر خمتلف عنهم‬ ‫حنب التكرار والسرد واإلستشهاد بأحد األوامر الكتابية التى‬ ‫عادة ما كانوا يصدرها القادة كدليل قاطع على عالقاتهم‬ ‫الغري سوية بنا ‪ ،‬فعلى سبيل املثال كان يصدرون مثل ذلك األمر‬ ‫الكتابى ‪ :‬نرجوكم أن ترسلوا لنا ‪ 5‬دبابات ومدفعني و ‪1000‬‬ ‫قذيفة وعشرين صندوق طلقات و ‪ 500‬قنبلة ‪ 100 ،‬مدفع رشاش‬ ‫و مرتجم واحد ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كثريا ‪،‬‬ ‫تقليديا يتغري‬ ‫كان مضمون هذه العبارة املتكررة‬ ‫لكن املعنى واجلوهر كان يظل كما هو بدون تغيري ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وثيقا بقرارى الثالثى الذى‬ ‫ارتباطا‬ ‫مرتبطا‬ ‫رمبا كان ذلك‬ ‫اختذته بعدما أديت مدة خدمتى العسكرية اإللزامية ملدة‬ ‫سنتني املفروض العمل خالهلما بالتمام والكمال ‪ ،‬وكان‬ ‫قرارى هو ‪:‬عدم البقاء فى اجليش ‪ ،‬عدم العمل كمرتجم ‪ ،‬وعدم‬ ‫ً‬ ‫وحيدا ‪.‬‬ ‫السفر فى مهمة طويلة املدة‬ ‫مل يكـن فيكـتور ستوبـني يسمح لنـفسه اإلهانـة أو‬ ‫التحقري من شأن أحد املرتمجني باستثناء حادثة واحدة أو ربـما‬ ‫حـادثتني ‪ ،‬بل وقد حدث هذا كما يقولون بضجر وعلى‬ ‫مضض منه ‪.‬وبهذه املناسبة فهو إنسان يستحق احلديث عنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نظرا ألنه ‪ -‬من وجهة نظرى‬ ‫تفصيال ‪،‬‬ ‫بإسهاب وبصورة أكثر‬ ‫– كان جيسد وميثل كل ماهو جيد وحسن وكان أفضل‬ ‫بكثري من غريه من املستشارين العسكريني السوفييت‬ ‫‪44‬‬


‫الذين كانوا يعملون فى مصر فى تلك األوقات الصعبة ‪.‬‬ ‫لقد حضر للعمل فى مصر من مدينة كورسك حيث كان‬ ‫كمساعدلقائد الفرقة ‪.‬‬ ‫خيدم هناك فى اجليش‬ ‫ٍ‬ ‫فى عام ‪ 1969‬كان قد بلغ الثانية واخلمسني من عمره ‪ .‬قالت‬ ‫ً‬ ‫إنسانا‬ ‫عنه زوجته نيال سريجييفنا – “ لقد كان طوال حياته‬ ‫غاية فى التواضع فلم حيدث أن تكلم عن نفسه ً‬ ‫أبدا” ‪ .‬قرب‬ ‫ً‬ ‫قائدا إلحدى الكتائب‬ ‫نهاية احلرب الوطنية العظمى أصبح‬ ‫االستطالعية فى اجليش السوفيتى ‪ .‬بعد انتهاء احلرب ترقى حتى‬ ‫وصل إىل رتبة عقيد ‪ .‬ولكن حدثت ذات مرة أثناء التدريبات‬ ‫ً‬ ‫متواجدا بها حينئذ مندوب من وزارة الدفاع‬ ‫الدورية التى كان‬ ‫واقعة مؤسفة مفاجئة ‪ :‬ففى أثناء رماية طاقم هاون بالذخرية‬ ‫احلية أدخل أحد أفراد الطاقم قذيفة تلو األخرى فى ماسورة اهلاون‬ ‫مما أدى إىل انفجار القذيفتني باملاسورة ونتج عن ذلك استشهاد‬ ‫مجيع أفراد الطاقم ‪ .‬وتسببت هذه الواقعة املريعة فى إنزال رتبته‬ ‫إىل رتبة نقيب ‪ ،‬واضطر ستوبني كى يرتقى مرة أخرى إىل رتبة‬ ‫عقيد أن يعاود اخلدمة فى اجليش السوفيتى للمرة الثانية ً‬ ‫بدءا‬ ‫من هذه الرتبة اجلديدة ‪.‬‬ ‫عند جميئه إىل مصر أوكلت إليه مهام كبري مستشارى الفرقة‬ ‫الثالثة امليكانيكية مشاة ‪ .‬وبعد مرور بعض الوقت ظهرت أنا‬ ‫فى هذه الفرقة فى وظيفة كبري املرتمجني ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نسبيا من بدء خدمتى بهذه الفرقة انتهت‬ ‫وبعد مرور وقت قصري‬ ‫سفرياتى اهلادئة إىل حد ما من مدينة نصر إىل اهلايكستب‬ ‫‪45‬‬


‫والعودة‪ ،‬حيث كنت أقوم خالهلا بإبالغ املستشارين العسكريني‬ ‫ً‬ ‫علما بآخر األنباء وأحدثها التى كانت تنشر‬ ‫السوفييت وإحاطتهم‬ ‫بالصحف املصرية اهلامة مثل «األهرام » و«األخبار» و «اجلمهورية » ‪.‬‬

‫فى خريف عام ‪ 1969‬أخذ الطريان اإلسرائيلى يقوم بغارات فى‬ ‫العمق ‪ ،‬فلم تكن تعرتضه بطبيعة احلال أية وسيلة جادة من‬ ‫وسائل الدفاع اجلوى من اجلانب املصرى ‪،‬حيث أن وسائل الدفاع‬ ‫ً‬ ‫متاما فى بداية احلرب ‪.‬‬ ‫اجلوى املصرى كانت قد دمرت‬ ‫أخذت طائرات «الفانتوم» و«املرياج» و «السكاى هوك»‬ ‫اإلسرائيلية تقصف بضراوة وتدمر بشدة وعنف املنشآت املصرية‬ ‫االقتصادية احليوية اهلامة كاملصانع واحملطات الفرعية وطرق‬ ‫وخطوط املواصالت واملدارس ( على سبيل املثال واقعة قصف‬ ‫مدرسة حبر البقر مبنطقة أبو زعبل ) ‪.‬‬ ‫لقد حاول اإلسرائيليون بذلك إضعاف الروح املعنوية للشعب‬ ‫املصرى ‪ ،‬ومن أجل هذا كانوا يتخريون للقيام بعمليات الضرب‬ ‫اجلوى األوقات والفرتات الزمنية احلساسة التى يتجمع فيها أكرب‬ ‫عدد من املواطنني املدنيني مثل مواعيد تغيري ورديات العمال‬ ‫واملوظفني باملصانع وأيام استالم العمال واملوظفني ألجورهم‬ ‫ومرتباتهم ‪.‬‬ ‫لقد توصلت عن طريق قراءة األخبار العادية التى كانت تنشر‬ ‫آنذاك فى الصحف املصرية إىل أن عدد القتلى املدنيني نتيجة‬ ‫إحدى هذه اهلجمات اجلوية مل يقل عن مائة أو مائة ومخسني ً‬ ‫فردا‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫وكان من الطبيعى ومن البديهى أن يستهدف القصف اجلوى‬ ‫القوات العسكرية املصرية كذلك ‪.‬‬ ‫لقد كان اهلدف الرئيسي من حضور املستشارين العسكريني‬ ‫من االحتاد السوفيتى إىل مصر هو إعداد وتدريب قوات اجليش‬ ‫املصرى التدريب العسكرى الكافى والالزم خلوض غمار‬ ‫املعركة ضد العدو اإلسرائيلى ‪،‬إال أن تلك التدريبات العسكرية‬ ‫قد أحبطت وباءت بالفشل إىل درجة كبرية ذلك على الرغم من‬ ‫تواجدنا من بداية شهر فرباير من عام ‪ 1970‬بصفة دائمة مستمرة‬ ‫بالفرقة ‪،‬حيث كنا ننام فى املخابئ واملخيمات ونتناول طعامنا‬ ‫فى مطعم الضباط « امليس »‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جيدا ‪.‬وقد استكملت‬ ‫ال زلت حتى اآلن أذكر هذه اللحظات‬ ‫فى ذلك الوقت العام اخلامس و العشرين من عمرى ‪ ،‬أى ربع قرن‬ ‫ً‬ ‫حمفورا فى ذاكرتى حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫‪،‬لذا فإن هذا التاريخ ال يزال‬ ‫وقبيل حلول عيد ميالدى اخلامس والعشرين طلبت ً‬ ‫إذنا من‬ ‫املستشار العسكرى الذى حل حمل ستوبني أثناء فرتة إجازته التى‬ ‫كان يقضيها آنذاك فى االحتاد السوفيتى بالسماح ىل بالذهاب‬ ‫إىل اهلايكستب فقد كنت أريد شراء بعض األطعمة واخلضر‬ ‫ً‬ ‫متواضعا‬ ‫والفواكه وبعض املستلزمات األخرى كى أعد غذا ًء‬ ‫لالحتفال مع أصدقائى بعيد ميالدى اخلامس والعشرين ‪.‬‬ ‫فى الصباح فى حواىل الساعة السادسة استقيظت فجأة على‬ ‫صوت قرع شديد على الباب لدرجة أن الباب كاد أن ينخلع من‬ ‫‪47‬‬


‫مكانه ومسعت صوت أحد اخلرباء العسكريني السوفيت وهو‬ ‫يصيح بأعلى صوته « إشارة إنذار البد من التجمع عند املدخل‬ ‫فى خالل ‪ 15‬دقيقة ‪،‬مع مراعاة إحضار كافة األشياء الالزمة »‪.‬‬ ‫عند حماوالتى االستفسار إىل أين سنتوجه ؟ ‪ ،‬وملاذا ؟ وما هى‬ ‫األشياء التى سوف نأخذها معنا ؟ مل أمتكن من معرفة أى شئ‬ ‫سوى أننا سنذهب إىل منطقة متركز فرقتنا ‪.‬‬ ‫أخذت ألقى على عجل فى حقيبة سفرى كل ما كانت‬ ‫تصل إليه يداى من أشياء ‪ ،‬وفى األسفل كان املستشارون‬ ‫العسكريون يتساءلون فى حرية وذهول وارتباك «ما الذى‬ ‫حدث‪ ،‬هل سنستوىل على تل أبيب ‪ ،‬أم ماذا ؟ » ‪.‬‬ ‫وصلنا إىل موقع الفرقة الثالثة ميكانيكية مشاة واقرتبنا‬ ‫من ملجأ رئيس هيئة األركان ‪ ،‬حيث كان العقيد جناتى وقد‬ ‫أيقظه جندى املراسلة من نومه وهو يفرك عينيه وينظر إلينا من‬ ‫أسفل امللجأ بينما أحطنا حنن بامللجأ وقد أمسكنا حقائبنا فى‬ ‫أيدينا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مندهشا وقد عقدت الدهشة لسانه وأخذ‬ ‫كان ينظر إلينا‬ ‫العجب منه كل مأخذ ‪ .‬وإتضح لنا أنه مل يكن لديه أى علم أو‬ ‫ً‬ ‫موقفا غاية‬ ‫دراية حبدوث أية إشارة إنذار باخلطر ‪ .‬الشك أنه كان‬ ‫ً‬ ‫فى السخف ‪ .‬لكن األمر كله اتضح فيما بعد ‪ .‬فنظرا لتصاعد‬ ‫التوتر واستفحال املوقف وخطورته نتيجة للضربات الصاروخية‬ ‫والضرب املتالحق بالقنابل ‪ ،‬فقد مت اختاذ قرار حاسم بضرورة‬ ‫‪48‬‬


‫تواجد املستشارين العسكريني السوفيت وكذلك املرتمجني‬ ‫وإقامتهم بصفة دائمة فى مواقع فرقهم ‪ ،‬عالوة على ذلك فقد‬ ‫ً‬ ‫أيضا تواجدهم معظم الوقت فى املالجئ ‪ .‬وهذا‬ ‫بات من الضرورى‬ ‫ً‬ ‫الذى حدث كان بسبب أنه مل يتم مسبقا إحاطة العقيد جناتى‬ ‫ً‬ ‫علما بهذا األمر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجيعا نعيش فى مواقع الفرقة ‪ .‬مل تتسع‬ ‫وهكذا أصبحنا‬ ‫األماكن فى امللجأ كى أقيم مع املستشارين السوفييت‪ ،‬لذا فقد‬ ‫أقمت فى خيمة كبرية من املشمع مع السائقني املصريني الذين‬ ‫كانوا يقومون بنقل املستشارين ‪ .‬وكانوا أخربونى قبل ذلك‬ ‫أن هذه اخليمة حترتق خالل مخس ثوانى فقط فى حالة ما إذا‬ ‫ً‬ ‫سريرا بالقرب‬ ‫ألقيت قنابل النابامل عليها ‪ ،‬لذا فقد كنت أشغل‬ ‫من مدخل اخليمة حتى أمتكن فى حالة إلقاء قنابل النابامل‬ ‫عليها من اإلسراع باخلروج منها وعدم االحرتاق بداخلها ‪.‬‬ ‫بعد فرتة قصرية عاد ستوبني من أجازته ومت إجياد مكان ىل‬ ‫فى امللجأ ‪ .‬هذا على الرغم من أن امللجأ مل يكن ليحمينا فى حالة‬ ‫الضرب املباشر سواء بالقنابل أم بالصواريخ ‪.‬‬ ‫فى ظروف املعركة يتصرف الناس عادة بأسلوب خمتلف‬ ‫ً‬ ‫وطبعا املرتمجون ال يشكلون استثناء عن‬ ‫عما هو معتاد ‪.‬‬ ‫هذه القاعدة ‪ .‬فعلى سبيل املثال أثناء قصف الفرق املتواجدة‬ ‫باملنطقة العسكرية املركزية بالقنابل مرض بعض الزمالء‬ ‫فجأة أو مبعنى أصح متارضوا وتظاهروا باملرض ‪ ،‬أما البعض‬ ‫اآلخر فتظاهروا بأن وجودهم ضرورى ً‬ ‫جدا فى أماكن أخرى‬ ‫‪49‬‬


‫ً‬ ‫بعيدة اختاروها بأنفسهم كى تكون أكثر ً‬ ‫وأمانا ‪.‬‬ ‫أمنا‬ ‫حيضرنى هنا على سبيل املثال أن أحد املرتمجني الشبان الذى‬ ‫ً‬ ‫عميدا‬ ‫كان يعمل فى الفرقة الثامنة عشر مشاة ‪ -‬وكان والده‬ ‫فى هيئة أركان احلرب السوفيتية ‪ -‬مت نقله على وجه السرعة‬ ‫إىل منطقة جبل املقطم ‪ ،‬حيث كانت توجد فى أعماقه حينئذ‬ ‫ً‬ ‫مفهوما‬ ‫هيئة األركان لقوات الصواريخ املضادة للطائرات ‪ .‬كان‬ ‫لنا أن باقى املرتمجني مل يكن آبائهم من ذوى املناصب اهلامة مثل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعيدا‬ ‫أيضا استحالة نقل اجلميع‬ ‫هذا الشاب ‪ ،‬كان من البديهى‬ ‫عن ميدان املعركة لتأمني سالمتهم ‪ .‬وهلذا السبب فقد استمر‬ ‫باقى املرتمجني فى مزاولة عملهم فى نفس أماكنهم ‪.‬‬ ‫لقد جلبت حرب االستنزاف التى كان اهلدف من شنها إنهاك‬ ‫ً‬ ‫أضرارا على اجلانب املصرى أيضا ً‪ .‬حيث‬ ‫إسرائيل وإضعافها‬ ‫أحلقت مبصر خسائر فادحة ‪ ،‬وبلغت اخلسائر واألضرار املادية‬ ‫واملعنوية التى سببتها غارات طائرات الفانتوم اإلسرائيلية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫على مصر ً‬ ‫هائال فاق كل تصور ‪ .‬وسقطت أعداد‬ ‫كبريا‬ ‫حدا‬ ‫كبرية من الضحايا سواء من جانب املواطنني العاديني أم من‬ ‫جانب العسكريني ‪ .‬وال زلت أتذكر حتى اآلن ذلك التالعب‬ ‫اللفظى احلزين الذى كان املصريون احملبون إلطالق النكت‬ ‫والفكاهات ونقد الذات عادة ما يستعملونه فكانوا يقولون ‪:‬‬ ‫« حاضر يا فانتون » ً‬ ‫بدال من «حاضر يا فندم » ‪.‬‬ ‫سقط أثناء حرب االستنزاف عدد من القتلى واجلرحى من‬ ‫اجلانب السوفيتى كذلك ‪ .‬لقد كان الوضع أكثر صعوبة‬ ‫‪50‬‬


‫ً‬ ‫وتعقيدا على وجه اخلصوص بالنسبة لزمالئنا من الفرقة‬ ‫السادسة امليكانيكة باملنطقة العسكرية املركزية التى‬ ‫كانت تربط دهشور بالقرب من أهرامات اجليزة الشهرية ‪ .‬فقد‬ ‫كان نتيجة للقصف اجلوى الذى قامت به طائرتان إسرائيليتان‬ ‫على مركز قيادة هذه الفرقة أن استشهد ثالثة من اخلرباء‬ ‫العسكريني السوفييت ورئيس املرتمجني بالفرقة املستعرب‬ ‫حممود يوسوبوف جارى بنفس الطابق باملبنى الرابع مبدينة نصر‪.‬‬ ‫لقد كنت أعرفه حق املعرفة فقد كان ً‬ ‫شابا مكتنز البدن ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫صبوحا ‪ ،‬له شارب حالك السواد‬ ‫مجيل الطلعة ‪ ،‬بشوش الوجه ‪،‬‬ ‫وهو من مدينة باكو ‪ .‬وكان االبن األكرب لعائلة كبرية‬ ‫العدد مكونة من ثـمانية أفراد يعد هو عائلها الوحيد ‪.‬‬ ‫روى ىل مرتجم اللغة اإلجنليزية بهذه الفرقة فيما بعد ما حدث‬ ‫فى ذلك اليوم املشئوم ‪ .‬وكان هذا املرتجم قد أصيب جبرح نافذ‬ ‫فى الرئة نتيجة هلذا القصف ‪.‬‬ ‫الذى حدث – حسب ما رواه ىل املرتجم ‪ -‬أنه فى الصباح وأثناء‬ ‫اجتماعهم مبركز قيادة الفرقة مسعوا فجأة صوت إطالق نار‬ ‫من مدافع رشاشة ‪ .‬كان يقوم بإطالق النار اثنان من املصريني‬ ‫املتواجدين على سطح أحد املبانى املكون من طابقني ‪ .‬اندفع‬ ‫اجلميع إىل اخلارج ‪ ،‬وفى التو أخذت صواريخ طائرات الفانتوم‬ ‫اإلسرائيلية تتساقط من حوهلم حمدثة انفجارات شديدة ‪ .‬وكنا‬ ‫قد أصبحنا فى هذه األيام بالذات – كما ذكرت ذلك ً‬ ‫آنفا‪ -‬نعيش‬ ‫فى موقع كتيبتنا ونعمل وننظم اجتماعاتنا فى املالجئ ‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫وال يزال يرن فى أذنى ذلك اللحن اجلنائزى احلزين لشوبان الذى‬ ‫كان يصاحب مراسم وداع اخلرباء العسكريني السوفييت الذين‬ ‫استشهدوا أثناء قصف طائرات الفانتوم اإلسرائيلية ‪ .‬متت تلك‬ ‫املراسم فى النادى العسكرى اخلاص بنادى هليوبوليس ‪ .‬كان‬ ‫النادى يقع جبوار أحد القصور املهجورة الذى كان خيص فيما‬ ‫مضى بارون منساوى ‪ .‬وهذا القصر مبنى على الطراز القوطى‬ ‫يكتنفه السكون والظلمة احلالكة من كل جوانبه‪ ،‬لذا‬ ‫فهم يطلقون عليه اسم « القصر امليت » ‪ .‬وال يزال بكاء وحنيب‬ ‫زوجات اخلرباء العسكريني السوفييت الشهداء الذى ُيدمى‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى أذنى ‪ .‬لقد كان اجلو احمليط بنا غاية‬ ‫القلوب يرن‬ ‫فى الصعوبة ‪ ،‬ومتت الرتمجة للجنراالت والضباط املصريني‬ ‫املتواجدين فى حفل التأبني مبشقة بالغة ‪ .‬ومن هنا أرسلنا اخلرباء‬ ‫العسكريني السوفييت الشهداء فى توابيت من الزنك إىل مثواهم‬ ‫األخري فى موسكو ‪.‬‬ ‫وحتى اآلن عند مرورى من أمام مبنى النادى العسكرى‬ ‫السوفيتى السابق رقم ‪ 12‬بشارع العروبة فى طريقى إىل مطار‬ ‫القاهرة الدوىل الزلت أتذكر تلك الصور احلزينة القامتة التى‬ ‫عشتها فى هذا املبنى فى زمن احلرب ‪.‬‬ ‫مل تنج فرقتنا وال الفرقة الثامنة عشر مشاة اجملاورة لنا من قصف‬ ‫طائرات الفانتوم اإلسرائيلية املتواصل ‪ ،‬لكن عدد اخلسائر فى‬ ‫ً‬ ‫ضئيال ً‬ ‫جدا يكاد ال يذكر‪.‬‬ ‫األرواح ‪ -‬بالرغم من ذلك كان ‪-‬‬ ‫فبالنسبة لنا فقد مت توجيه ضربتهم إىل أركان حرب اللواء الرابع‬ ‫‪52‬‬


‫عشر الذى كان يقع فى مركز اهلايكستب حيث كانت‬ ‫هذه املنطقة تزدحم باملساكن ‪ .‬رمبا كان هذا هو السبب فى‬ ‫اختالط األمر على اإلسرائيليني ‪ ،‬فظنوا أن األركان حرب هو‬ ‫مركز قيادة الفرقة الذى كان يقع على بعد نصف كيلو مرت‬ ‫ً‬ ‫تقريبا من مكان القصف بالقنابل ‪ .‬لقد ساعدنا احلظ فى ذلك‬ ‫ً‬ ‫كثريا ألنه فى تلك اللحظة كان جيرى اجتماع مركز قيادة‬ ‫الفرقة ضم قيادة ومستشارى الفرقة الثالثة امليكانيكية ‪،‬‬ ‫وكما قال قائد الفرقة العميد‪ /‬حجازى ‪ « :‬فإن اهلل قد محانا »‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واضحا أن الروح املعنوية غدت منخفضة بعض الشئ ‪،‬إذ‬ ‫كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بدا املستقبل قامتا مظلما ‪.‬‬ ‫استمر احلال هكذا إىل حني وصول الفرقة السوفيتية الثامنة‬ ‫ً‬ ‫أخريا‬ ‫عشر دفاع جوى للمهمات اخلاصة ‪ ،‬التى بوجودها استطعنا‬ ‫أن نتنفس الصعداء ‪ .‬ومما هو جدير بالذكر أن القوات السوفيتية‬ ‫النظامية قد حضرت إىل مصر فى أوائل عام ‪ 1970‬بنا ًءعلى طلب‬ ‫خاص من الرئيس مجال عبد الناصر ‪.‬‬ ‫كم أشكر الظروف واألقدار التى جعلتنى أعمل فى مصر‬ ‫حتت إمرة فيكتور ستوبني لقد كان يتمتع بإرادة قوية ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عادال يهتم بشئون مرؤوسيه وباألخص ممن‬ ‫إنسانا‬ ‫كما كان‬ ‫ً‬ ‫حازما ‪ ،‬حكيماً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هم فى مرحلة الشباب ‪ ،‬كان شجاعا جسورا ‪،‬‬ ‫يتمتع بقدر كبري من اخلربة احلياتية واللباقة وأدب السلوك‬ ‫الفطرى ‪ .‬لقد كان ميتلك تلك الصفات واخلصائص التى‬ ‫كانت ضرورية والزمة فى ذلك الوقت ‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫طلب ستوبني من املصريني منذ بداية عمله معهم أال يطلقوا‬ ‫ً‬ ‫معتادا ‪ ،‬وطلب منهم أن‬ ‫عليه لقب « مسرت» كما كان ذلك‬ ‫يتوجهوا إليه باسم « الرفيق فيكتور» ‪.‬‬ ‫كان من بني فضائله أنه كان ال حيب أن يقوم أحد الرؤساء‬ ‫الكبار مبعاقبة مرؤوسيه الذين يعملون حتت إمرته ‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫دائما ما يقول ‪ « :‬مادام هذا اخلطأ قد حدث فى دائرة اختصاصى‬ ‫ً‬ ‫أيضا قد أخطأت فى شئ ما ‪ ،‬وجيب على أن‬ ‫فمعنى ذلك أننى‬ ‫أقوم بنفسى مبعاقبة املخطئ »‪ .‬كان هذا هو مبدؤه الذى ال‬ ‫حييد عنه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عسكريا شديد احلماس ‪،‬‬ ‫مستشارا‬ ‫كان فيكتور ستوبني‬ ‫بالغ النشاط ‪ ،‬كثري احلركة ال يهدأ و ال يعطى فرتة راحة ألحد‬ ‫سواء لقائد الفرقة أو لضباط الفرقة أو للمستشارين أوحتى ىل أنا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دائما أن يتعمق فى جوهر املسائل ويدرك‬ ‫شخصيا‪ .‬كان حياول‬ ‫ً‬ ‫باذال أقصى ما فى‬ ‫ويستقصى كنة األشياء ويلم مبضمونها‬ ‫وسعه كى يقوم بعمله على أكمل وجه ‪ ،‬وفق ما ميليه عليه‬ ‫ً‬ ‫أيضا من املصريني واملستشارين‬ ‫ضمريه ‪ ،‬وكان يطلب ذلك‬ ‫ً‬ ‫دائما ما يتفقد أحوال الفرقة ويذهب إىل‬ ‫العسكريني ‪ ،‬كان‬ ‫القادة واجلنود ويطمئن على أمورهم والكتائب حيث كان‬ ‫ً‬ ‫معتمدا فى ذلك على خربته‬ ‫يساعد ويسدى النصح واإلرشاد‬ ‫احلياتية الواسعة ‪ ،‬كان يعرف مجيع قادة الكتائب وكذلك‬ ‫قادة بعض السرايا السوفيتى ‪.‬‬ ‫ليس من قبيل الصدفة أن قال عنه قائد الفرقة املصرى حجازى‪:‬‬ ‫‪54‬‬


‫« إن الرفيق فيكتور يتعامل مع الفرقة وكأنها إحدى الفرق‬ ‫السوفيتية التى كان يرأسها فى االحتاد السوفيتى » ‪ .‬وهكذا‬ ‫ميكن اإلشارة إىل أن عمل كل املستشارين العسكريني‬ ‫ً‬ ‫تقريبا قد سار على نفس هذا املنوال ‪.‬‬ ‫السوفييت‬ ‫وسأذكر هنا على سبيل املثال ال احلصر واقعة حدثت تدل داللة‬ ‫قاطعة على عالقة فيكتور ستوبني القوية و ارتباطه العميق‬ ‫بالعمل ‪ .‬ففى إحدى املرات أثناء التدريبات العسكرية كان‬ ‫هناك تدريب على إطالق النار على أهداف معينة ‪ ،‬الحظ ستوبني‬ ‫أن هناك جندى مشاة واحد فقط من بني جمموعة املتدربني على‬ ‫ضرب النار هو الذى يطلق النريان ‪ .‬عندئذ صاح بى ً‬ ‫قائال ‪ « :‬جينا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫مقرتبا من خط النار ‪.‬‬ ‫هيا بنا إىل األمام » ‪ .‬وأخذ يزحف‬ ‫وعندما صرنا على مقربة من هذا اجلندى الذى أخذ يطلق النار‬ ‫بدون توقف عليه فاستدار حنونا بوجهه الغاضب الذى غطاه الرتاب‬ ‫األبيض و اتضح لنا أنه النقيب قائد السرية امليكانيكية‪،‬‬ ‫وأنه قد قام جبمع الذخائر املعطاة الستعمال أعضاء السرية فى‬ ‫التدريب على الرماية و استخدامها هو وحده حتى يبني أن جنود‬ ‫سريته على درجة عالية من الكفاءة ‪ .‬أعتقد أنه من املستبعد أن‬ ‫يقوم أحد الضباط املصريني أو أى مستشار عسكرى سوفيتى‬ ‫آخر بذلك ‪ ،‬أو حتى أن ختطر بباله فكرة الزحف و االقرتاب‬ ‫من خط إطالق النار ‪ .‬لكن ستوبني هو ستوبني وال أحد غريه‬ ‫ميكنه أن يفعل ذلك ‪.‬‬ ‫على وجه العموم فقد كان ستوبني يقيم عالقات جيدة ً‬ ‫جدا مع‬ ‫‪55‬‬


‫كل ضباط الفرقة بينما كان يشعر حيال بعضهم بالود‪ ،‬مثل‬ ‫تلكالعالقةالتىكانتتربطهبالضابطمرشدقائدإحدىكتائب‬ ‫اللواء مشاة ميكانيكية الرابعة عشر ‪ .‬فقد كان يسبق‬ ‫كل حديث له مع الضباط بسؤاله بلغته العربية الركيكة ‪:‬‬ ‫«إزيك ؟ وإزى صحتك ؟ » لكنها بالنسبة ملرشد وغريه من‬ ‫املصريني كانت مفهومة ‪ .‬دأب ستوبني على بذل كل ما فى‬ ‫وسعه كى يزيد بصورة مستمرة من حصيلته اللغوية من‬ ‫الكلمات العربية ‪.‬‬ ‫كان ستوبني موضع حب وإعجاب وتقدير الضابط مرشد‬ ‫ً‬ ‫نظرا لبساطته‬ ‫والكثريين غريه من الضباط املصريني اآلخرين ‪،‬‬ ‫الشديدة وبعده عن الرتفع والعجرفة وخلقه احلسن الطيب ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ودودا حيب التعرف‬ ‫اجتماعيا‬ ‫إنسانا‬ ‫عالوة على ذلك فقد كان‬ ‫على الناس ومصادقتهم ‪ .‬وحيضرنى هنا تلك الواقعة التى حدثت‬ ‫أثناء احتفالنا مع املصريني بعيد األضحى الذى يأتى عادة بعد‬ ‫عيد الفطر بشهرين وعشرة أيام ‪ ،‬فقد اجتمعنا عند مرشد فى‬ ‫الكتيبة حيث كان هناك قائد الفرقة حجازى ‪ ،‬ورئيس أركان‬ ‫حرب الكتيبة جناتى ‪ ،‬ورئيس العمليات الكسار وغريهم من‬ ‫قادة الفرقة ولواءاتها ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أخذ اجلميع يلتهمون ما أعد من طعام للعيد من حلم وأرز‬ ‫بفرح وابتهاج وسط األحاديث احلارة والنكات التى ال تنقطع‪.‬‬ ‫وبسبب الرتمجة التى كنت أقوم بها أثناء تناول الطعام مل‬ ‫أمتكن من تناول سوى كمية قليلة ً‬ ‫جدا من اللحم واألرز ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جالسا إىل‬ ‫لذلك فقد اضطررت للبقاء لفرتة قصرية من الوقت‬ ‫‪56‬‬


‫املائدة بعد انصراف قادة الفرقة واملستشارين ‪ ،‬حتوطنى النظرات‬ ‫النهمة اجلائعة والغري مرحبة على وجه اإلطالق لضباط كتيبة‬ ‫مرشد الذين كانوا ينتظرون دورهم فى اجللوس إىل مائدة‬ ‫الطعام بعد فراغنا من الطعام ‪ ..‬لكننا – وبالتحديد أنا – مل‬ ‫أكن قد بدأت حتى اآلن ‪ ..‬فلينتظروا حتى أفرغ من طعامى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خبريا‬ ‫اجتماعيا ‪،‬‬ ‫عسكريا ‪،‬‬ ‫مستشارا‬ ‫مل يكن ستوبني فقط‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بأمور احلياة ‪ ،‬حكيما ودبلوماسيا فى تعامالته مع اآلخرين ‪،‬‬ ‫بل أن األهم من كل ذلك بالنسبة ىل ‪،‬على سبيل املثال ‪ ،‬هو أنه‬ ‫ً‬ ‫إنسانا كثري العناية واالهتمام باآلخرين وقوى املالحظة‬ ‫كان‬ ‫وميكن تلخيص كل ذلك فى كلمة واحدة ‪ ،‬هو أنه كان‬ ‫ومرب ‪ .‬كان ذلك على جانب كبري من‬ ‫خري ُمعلم وأفضل مرشد‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫خصوصا فى تلك الظروف املعقدة ‪ ،‬البالغة الصعوبة ‪،‬‬ ‫األهمية ‪،‬‬ ‫والتى مل ختل فى أحيان كثرية من اخلطورة ‪.‬‬ ‫مسعنى ستوبني ذات مرة وأنا أنادى على أحد زمالئى فأخذ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا كان يتوجه ّ‬ ‫يطق ّ‬ ‫قائال‬ ‫إىل باحلديث‬ ‫على « الشيخ » ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ىل ‪ « :‬يا ابنى » ‪ .‬فكثريا ما كان يقول ىل ولآلخرين ‪ « :‬امسع‬ ‫يا ابنى » ‪ .‬كان يردد الوصايا العشر من اإلجنيل بطريقته‬ ‫اخلاصة فيقول لنا ‪ « :‬لقد علمنى والدى منذ الصغر أال أسرق أموال‬ ‫احلكومة وأن أحرتم أبى وأمى وأال أخون أصدقائى ‪ ،‬أما الباقون‬ ‫ً‬ ‫مجيعا إىل اجلحيم ‪ . » ...‬لقد كان جييد إستعمال‬ ‫فليذهبوا‬ ‫الكثري من األلفاظ والتعبريات السوقية الدارجة ‪ ،‬ومع ذلك فقد‬ ‫كان يتمتع بعامل داخلى واسع ‪ ،‬رحب ‪ ،‬وذوق وسلوك مثاليني‬ ‫واهتمام متميز باحمليطني به‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫ً‬ ‫كثريا ما يسألنى إذا ما كنت أتسلم خطابات من‬ ‫فقد كان‬ ‫أسرتى ‪ ،‬وماذا يكتب ىل والدى ‪ ،‬وما هى األماكن التى أرتادها‬ ‫فى القاهرة ‪ ،‬ومع من أتقابل‪ ....‬؟ إىل غري ذلك من األسئلة التى‬ ‫مل تكن ختفى وراءها جمرد اهتمام زائد ‪ ،‬بل اشرتاك حقيقى‬ ‫فى إدراك مستقبل إنسان وضعته الظروف واألقدار حتت رعايته‬ ‫وإشرافه ‪.‬‬ ‫كانت مثل هذه العالقة الوطيدة ‪ ،‬احلميمة ‪ ،‬الزمة وضرورية‬ ‫ىل ولزمالئى وأقرانى الذين مت استدعاؤهم للخدمة فى اجليش‬ ‫السوفيتى بعد انتهائهم مباشرة من دراستهم اجلامعية ‪ ،‬فابتعدوا‬ ‫فجأة عن األهل والوطن ‪ ،‬ولكنهم ذهبوا إىل وطنهم احلبيب‬ ‫الثانى ‪ .‬وكنت قبل ذلك – كما ذكرت ً‬ ‫آنفا – قد قضيت فى‬ ‫مصر ً‬ ‫عاما بأكمله فى دورة تدريبية ‪ ،‬حيث استمتعت بكل‬ ‫ما فى هذا البلد من مباهج وإغراءات ‪ .‬وقد مت اختيارى حينئذ كى‬ ‫ً‬ ‫رئيسا جملموعة من الطلبة املتدربني الوافدين إىل مصر‬ ‫أكون‬ ‫التى كانت تضمنى وتضم ستة طالب غريى من معهد اللغات‬ ‫الشرقية مبوسكو ‪ ،‬وثـمانية طالب من جامعة طشقند ‪.‬‬ ‫عندما كنت أذهب إىل السيد‪/‬مييليانوف املستشار الثقافى‬ ‫بالسفارة السوفيتية فى القاهرة إلفادته عن أحوال الطلبة‬ ‫السوفيت الوافدين ومشاكلهم كان ينظر ّ‬ ‫إىل من أعلى نظارته‬ ‫ولسان حاله يقول ‪ « :‬ملاذا حضرت ؟‪ ....‬أال ترى أننى مشغول ً‬ ‫جدا ‪،‬‬ ‫ولدى أعمال كثرية جيب ّ‬ ‫على أن أجنزها؟ ‪ .‬هيا اذهب لتتنزه»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبالفعل فقد كنا نتفسح ونتجول كثريا ‪ .‬ألن احلياة فى‬ ‫‪58‬‬


‫املدينة اجلامعية جبامعة القاهرة كانت صعبة ‪ ،‬ذلك ألن أبواب‬ ‫مبنى املدينة اجلامعية كانت تغلق فى وقت مبكر ً‬ ‫جدا ‪ -‬فى‬ ‫الساعة الثامنة مساء ‪ -‬ومن يتأخر عن هذا املوعد كانت تقدم‬ ‫عنه تقارير كتابية ‪.‬‬ ‫ما عدا ذلك ‪ ،‬فقد كانت كل األمور حمتملة ‪ ،‬حيث أننى قد‬ ‫عشت قبل ذلك فى مساكن الطلبة التابعة جلامعة موسكو‬ ‫احلكومية ملدة أربع سنوات كاملة ‪ ،‬هلذا السبب فقد قمنا‬ ‫باستئجار شقة حبى العجوزة خلف السريك القومى ومسرح‬ ‫البالون مباشرة ‪ ،‬وتطل على النيل ‪ .‬كنا ندعو لزيارتنا من نشاء‬ ‫ك ّت ً‬ ‫وفى أى وقت نشاء ‪ ،‬فكان من بني زوارنا ُ‬ ‫ابا وصحفيني‬ ‫ومؤرخني و غريهم كثريين ‪ .‬كما أقمنا عالقات طيبة ً‬ ‫جدا‬ ‫مع كثري من املصريني الذين ال زالت تربطنى بهم صداقة وطيدة‬ ‫حتى اآلن ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مضيفا‬ ‫وقد حكيت لستوبني الكثري من هذه الذكريات‬ ‫أننى الزلت حتى اآلن وأنا أعمل كمرتجم بالفرقة الثالثة‬ ‫مشاة ميكانيكية أواصل اللقاءات مع الكثري من أصدقائى‬ ‫ومعارفى املصريني القدامى ‪ ،‬ألن نسيان األصدقاء أو خيانتهم‬ ‫ً‬ ‫وفقا لوصية أبى خطيئة ال تغتفر ‪.‬‬ ‫بالطبع مل أكن ألقص على ستوبني كل شئ ‪ .‬وبصورة‬ ‫عملية فقد كنت أزور معارفى املصريني القدامى كل أسبوع ‪.‬‬ ‫كنت أستقل األتوبيس مساء كل يوم مخيس بعد االنتهاء من‬ ‫ً‬ ‫–متوجها إىل الزمالك ‪.‬‬ ‫عملى فى مدينة نصر‬ ‫‪59‬‬


‫فى ذلك الوقت كان يعيش مبدينة نصر اخلرباء السوفييت‬ ‫فى جمال الطاقة من العاملني بالسد العاىل ‪ ،‬كما كانت توجد‬ ‫صالة بلياردو رائعة ‪ ،‬كما كانوا يلعبون الفوىل بول خلف‬ ‫أسوارها ‪.‬‬ ‫بعد وصول قواتنا النظامية مت تسكني األطباء العسكريني‬ ‫السوفييت فى هذه املنطقة حتى يكونوا بالقرب من املستشفى‬ ‫العسكرى امليدانى السوفيتى الواقع مبنشية البكرى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أخريا إىل فهم معنى أن يقع اإلنسان فى أيدى‬ ‫لقد توصلت‬ ‫طيبة أمينة مثل أيدى ستوبني ‪ ،‬وذلك عندما ذهبت معه ومع‬ ‫رئيس أركان حرب الفرقة جناتى فى مهمة تفتيشية على اللواء‬ ‫العاشر فى منطقة البحر األمحر ‪ ،‬حيث توجهنا إىل هناك فى عربة‬ ‫جيب مع السائق أمحد ‪.‬‬ ‫كان اإلسرائيليون هناك يقومون بأعمال ختريبية منذ فرتة‬ ‫طويلة ‪ ،‬حيث كانوا يقومون بعمليات إغارة وزرع ألغام بالطرق‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متواجدا فى إحدى‬ ‫رادارا حديث الصنع كان‬ ‫وفى آخر األمر سرقوا‬ ‫كتائب اللواء العاشر مشاة ميكانيكية مبنطقة مجصه ‪ .‬وقد‬ ‫متت معاقبة كل من املستشار العسكرى تاراس بانتشينكو‬ ‫واملرتجم إجيور كوليكوف و توقيع جزاء رادع عليهما ‪ ،‬وكنت‬ ‫أعتربهما من أصدقائى املقربني ّ‬ ‫إىل ‪ .‬كان إجيور كوليكوف‬ ‫ً‬ ‫طالبا باملعهد العسكرى للغات األجنبية ‪.‬‬ ‫حينئذ ال يزال‬ ‫سافرنا بالنهار ‪ ،‬هلذا فقد كان الطريق إىل البحر األمحر بالنسبة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وممهدا ‪ .‬حني وصلنا إىل الغردقة أقمنا هناك فى الفندق‬ ‫سهال‬ ‫لنا‬ ‫‪60‬‬


‫ً‬ ‫موجودا بالغردقة فى‬ ‫الدائرى ‪ ،‬وهو الفندق الوحيد الذى كان‬ ‫ذلك الوقت ‪.‬‬ ‫كان يفصلنا عن اإلسرائيليني حينئذ شريط مائى فقط ‪،‬‬ ‫حيث أنهم فى ذلك الوقت كانوا قد استولوا على جزيرة شدوان‬ ‫التى تقع فى مواجهة الغردقة ‪ .‬حكى ىل ستوبني فيما بعد‬ ‫عن حالتى أثناء هذه املأمورية فقال ىل أننى ما إن كنت أذهب‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪ (( :‬آه يا‬ ‫إىل الفراش فى نهاية اليوم حتى أتنفس الصعداء‬ ‫أمى )) ‪ .‬ثم أروح فى التو واللحظة فى سبات عميق ‪ .‬من الواضح‬ ‫ً‬ ‫مفعما بشتى املشاعر واألحاسيس واالنطباعات ‪.‬‬ ‫أننى كنت‬ ‫ما إن أنهينا التفتيش على اللواء العاشر حتى تأهبنا للعودة‬ ‫ألدراجنا فى املساء ‪ .‬انتظرنا وصول العربة املدرعة التى وعدونا‬ ‫فى اللواء بإعطائها لنا ملرافقتنا ‪ ،‬لكنها مل تصل ‪.‬‬ ‫يتكون الطريق إىل مدينة قنا من ثالثة أجزاء ‪ :‬اجلزء األول‬ ‫ساحلى حبرى ‪ ،‬وهو طريق مستوى ميتد حواىل ‪ 20‬كيلو مرت ‪،‬‬ ‫ثم بعد ذلك طريق آخر ميتد عرب صخور رأسية صغرية داكنة‬ ‫ً‬ ‫وأخريا مير الطريق خالل أرض منبسطة حتى مدينة قنا ‪.‬‬ ‫اللون ‪،‬‬ ‫كان أخطر جزء من الطريق هو اجلزء اجلبلى ‪ .‬فهناك بالتحديد‬ ‫قام اإلسرائيليون قبل سفرنا بتلغيم هذا اجلزء بالذات من الطريق‬ ‫بألغام وثابة ‪ .‬وهى عادة ما تنفجر مندفعة إىل ارتفاع غري كبري‬ ‫لتحقيق أفضل النتائج فى إصابة قوات العدو احلية ‪.‬‬ ‫قبل أن نتوجه فى طريقنا ‪ ،‬قرر العقيد‪ /‬جناتى أن جيرب مدى‬ ‫‪61‬‬


‫صالحية املدفع الرشاش الذى كان حيمله معه السائق أمحد ‪،‬‬ ‫وهو صناعة مصرية ماركة ((بورسعيد)) ‪ ،‬فوجد أن ترباس املدفع‬ ‫قد عاله الصدأ حبيث ال ميكن سحبه أو حتريكه ‪ ،‬وباختصار‬ ‫فقد كان املدفع الرشاش فى حالة سيئة و غري صاحل لالستعمال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خصوصا أن ذلك حدث أثناء‬ ‫غضبا‬ ‫استشاط العقيد‪ /‬جناتى‬ ‫تواجد السوفييت وفى حضورهم فاستخدم سلطته وعاقب أمحد‬ ‫باحلبس ملدة ‪ 15‬يوم ‪ .‬ولكن هل كان فى إمكانية هذا املدفع‬ ‫الرشاش من ماركة ((بورسعيد )) ‪ -‬حتى لو كان يعمل ‪ -‬أن‬ ‫ً‬ ‫سابقا األحداث ‪-‬أنه عندما عدنا‬ ‫ينقذ أرواحنا؟ ‪ .‬أود أن أذكر هنا ‪-‬‬ ‫أدراجنا إىل اهلايكستب ‪ ،‬كان أمحد يقضى مدة سجنه املقررة ‪.‬‬ ‫بدأنا التحرك عائدين أدراجنا مستخدمني إضاءة ضعيفة ‪ ،‬فكنا‬ ‫ً‬ ‫دامسا وقد بلغ بنا‬ ‫نرى الطريق أمامنا بالكاد ‪ ،‬فالظالم كان‬ ‫التوتر أقصاه ‪ .‬كنا ننظر إىل الطريق املمتد أمامنا وقد بدا وكأنه‬ ‫ال نهاية له ‪ ،‬وقد اعرتانا اخلوف وأخذت منا الرهبة كل مأخذ ‪.‬‬ ‫قطعنا على هذا النحو عشرات الكيلو مرتات ‪ ،‬وفجأة تراءت‬ ‫لنا على البعد بعض األنوار اخلافتة ‪ ،‬فإذا بنا ‪ -‬وقد علت وجوهنا‬ ‫الفرحة – حنث السري فى اجتاه هذه األنوار لنجد على اليمني معامل‬ ‫املطار الذى جيرى بناؤه فى قنا ‪ ،‬فتبدل توترنا وخوفنا ورهبتنا‬ ‫وتنفسنا الصعداء ‪.‬‬ ‫قمنا على وجه السرعة بنقل الفرقة فى قنا ‪ ،‬فجزء منها مت نقله‬ ‫عن طريق السكة احلديدية واجلزء اآلخر – بالعربات املدرعة‬ ‫واللوريات ‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫تركنا هناك امليكروباص األزرق اللون الذى كنا نستعمله‬ ‫فى التنقل من مدينة نصر إىل اهلايكستب ثم العودة ‪ .‬بدأت فى‬ ‫قنا ترتفع درجة احلرارة ‪ .‬مت بالتدريج تسكني الفرقة ونشرها‬ ‫فى خمابئ بالصحراء ‪.‬‬ ‫فى كل يوم كانت حتدث بني أفراد الفرقة من ‪ 20‬إىل ‪ 30‬لدغة‬ ‫ً‬ ‫وعمليا فتحت‬ ‫من العقارب التى كانت تعج بهم تلك املنطقة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تقريبا حيث كان جيلس اجلندى كان يوجد هناك‬ ‫كل حجر‬ ‫عقرب ‪ .‬وقد قمنا بتأمني أنفسنا من لدغ هذه العقارب فى امللجأ‬ ‫الذى مت ختصيصه إلقامتنا بأن ربطنا علب مملوءة بالكريوسني‬ ‫حول أرجل األسرة التى كنا ننام عليها ‪ .‬كان اجلو فى امللجأ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خانقا ‪ ،‬وعالوة على ذلك ‪ ،‬كانت هناك األخبرة املتصاعدة‬ ‫حارا‬ ‫من الكريوسني املنتشرة فى املكان كله ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دائما‬ ‫كثريا وكان الرفيق فيكتور كعادته‬ ‫كان العمل‬ ‫متخما بالعمل ‪ ،‬فقد كنا كل يوم نتفقدكل املواقع تقريباً‬ ‫ً‬ ‫التى تنتشر فيها الفرقة ‪ .‬ثم بدأت التدريبات ‪ .‬كان هذا يعنى أننا‬ ‫البد وأن نتابع بعربة اجليب حتركات الدبابات واملدرعات واجلنود ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خانقا للغاية وقد‬ ‫كان اجلو فى الصحراء الواقعة بالقرب من قنا‬ ‫صبغته باللون األبيض األتربة املتصاعدة من األحجار البيضاء‬ ‫والزلط الذى كان يتكسر ويتهشم أثناء سري الدبابات والعربات‬ ‫عليه ‪ .‬كان الرتاب والرمل ميآلن حلقى بصورة دائمة بينما‬ ‫ارتفعت درجة حرارة اجلو إىل درجة يصعب احتماهلا حيث كنا‬ ‫على مسافة حواىل ألف كيلو مرت جنوب القاهرة ‪.‬‬ ‫‪63‬‬


‫لذا فقد كان علينا أن حنمل معنا جريكن ملئ باملاء بصفة‬ ‫دائمة لعل جرعات املياه منه متد فى أعمارنا ومتنحنا احلياة ‪.‬‬ ‫كما ذكرنا من قبل فقد كنا جنلس مع املصريني على‬ ‫مائدة طعام واحدة مشرتكة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬بل كانوا‬ ‫مل نكن نتناول أى من أنواع الشوربة‬ ‫يقدمون لنا على الغداء حلم مع البطاطس أو األرز أو محام‬ ‫حمشى‪ ،‬ففى مصر عدد احلمام كبري وأبراج تربية احلمام تعد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رئيسيا من منظر الريف ‪ .‬لكن الطامة الكربى أننى مل‬ ‫جزءا‬ ‫أكن أستطيع أكل احلمام حيث أننى مل أتعود على ذلك فى‬ ‫بلدى ‪ .‬فكنت أتناول عدة لقيمات فقط كى أسد بها رمقى‪.‬‬ ‫أضف إىل ذلك أننى فقدت شهيتى للطعام فى مثل هذا الرتاب‬ ‫واجلو احلار وكنت أدخن وأشرب الشاى بصفة دائمة ‪ ،‬لذلك فقد‬ ‫فقدت الكثري من وزنى لدرجة أننى أصبحت أبدو كاملومياء أو‬ ‫كما يقولون فى مصر « كخيال املآته » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخريا حانت حلظة‬ ‫استمر احلال على هذا املنوال عدة أشهر ‪.‬‬ ‫اخلالص من هذا الكابوس املخيف على يد صديقى إجيور الذى‬ ‫كنت أدرس معه فى دفعة واحدة ‪.‬‬ ‫ففى صباح أحد األيام فوجئت بفيكتور ستوبني وهو يوقظنى‬ ‫ً‬ ‫قائال ىل ‪ « :‬انهض ً‬ ‫حاال فهناك بأعلى املكان ينتظرك‬ ‫من نومى‬ ‫صديقك » ‪ .‬نهضت بسرعة وأخذت أصعد الدرج إىل أعلى امللجأ‬ ‫حيث كان يقف إجيور ‪ .‬ومل أدر حينئذ السبب فى ارتدائه بالطو‬ ‫‪64‬‬


‫طويل ً‬ ‫جدا مثل البالطى التى يرتديها عادة العسكريون ‪ .‬وبعد‬ ‫أن تعانقنا قال ىل إجيور ‪ « :‬فلنجلس اآلن ونتحدث فهناك أشياء‬ ‫كثرية أريد التحدث معك عنها وياحبذا لو كانت لديك برية » ‪.‬‬ ‫لكن لألسف البرية كان ميكن أن جتدها فقط فى قنا‪ .‬وبالرغم‬ ‫من عدم وجود البرية إال أنه قد دار بيننا حديث طويل ممتد ذو شجون ‪.‬‬ ‫وحرى أن أذكر هنا أنه من بني جمموعتني من دارسى اللغة‬ ‫العربية تتألفان من ثـمانية عشر ً‬ ‫فردا قد وقع االختيار علينا‬ ‫أنا وإجيور فقط الستدعائنا للخدمة العسكرية فى اجليش‬ ‫السوفيتى ‪ .‬أما الباقون فمنهم من حصل على وظائف بوزارة‬ ‫اخلارجية السوفيتية ومنهم من التحق بالدرسات العليا باجلامعة‪،‬‬ ‫أى أن كل خريج منهم التحق بعمل ما ‪ ،‬ومل يتم استدعاء أحد‬ ‫للجيش سوانا حنن االثنني ‪ .‬وقد رشحتنى اإلدارة الرئيسية‬ ‫للكوادر بوزارة دفاع االحتاد السوفيتى للسفر للخارج ‪.‬‬ ‫واحلقيقة أن العاملني باإلدارة حاولوا إقناعى ملدة أربعة أيام على‬ ‫التواىل بالسفر ً‬ ‫أوال إىل اجلزائر ‪ .‬لقد درست فى جمموعة دراستى‬ ‫اللغتني العربية والفرنسية ‪ .‬وفى نفس الوقت كما ترى فقد‬ ‫فاجئنا كبري املستشارين السوفييت فى اجلزائر بأن طلب للعمل‬ ‫ً‬ ‫مرتمجا للغتني العربية والفرنسية ‪.‬‬ ‫معه هناك‬ ‫على مدى أربعة أيام متتالية وأنا أبذل قصارى جهدى كى ال‬ ‫أسافر إىل اجلزائر وطلبت ً‬ ‫بدال من ذلك إرساىل إىل مصر ‪ .‬لذا فقد‬ ‫أصبحوا ينظرون إىل طلبى هذا بعني الشك والريبة ‪ :‬ملاذا يرفض‬ ‫بشدة السفر إىل بلد كاجلزائر يقع على شاطئ البحر املتوسط‪،‬‬ ‫‪65‬‬


‫حيث األوضاع هناك آمنة ومستقرة ‪ ،‬بينما يلح فى السفر إىل‬ ‫مصر حيث تدور املعارك العسكرية على أشدها ؟ ‪.‬‬ ‫فى ذلك الوقت كان اهلرب إىل خارج االحتاد السوفيتى ً‬ ‫أمرا‬ ‫ً‬ ‫شائعا ‪ ،‬وأذكر أنه خالل فرتة تدريبنا جبامعة القاهرة هرب‬ ‫اثنان من الدارسني معنا بنفس الصف الدراسى ‪ ،‬أحدهما توجه‬ ‫إىل باكستان واآلخر توجه إىل فرنسا ( وقد بعث الطالب األخري‬ ‫برسالة من باريس إىل مدير معهد اللغات الشرقية مبوسكو‬ ‫السيد‪ /‬كوفاليوف يطلب فيها إرسال شهادة تفيد إنهائه أربع‬ ‫سنوات دراسية باملعهد ) ‪ .‬وعندما وصلنا نبأ هروب زميلينا وحنن‬ ‫فى القاهرة أصابنا ذعر شديد وتوقعنا أن يتم ترحيلنا من القاهرة‬ ‫ً‬ ‫حتما ومن كل بد‪.‬‬ ‫إىل موسكو‬ ‫وعندما حصل إجيور على رتبة مالزم مت تعيينه مبعهد إعداد‬ ‫املرتمجني العسكريني للعمل به كمدرس للغة العربية ‪،‬‬ ‫ولكن مع بداية عام ‪ 1970‬مت إحلاقه للعمل كمرتجم ضمن‬ ‫جمموعة املشرتكني فى العملية احلربية مبصر ‪ ،‬وقد كان‬ ‫ً‬ ‫خمططا أن يعمل‬ ‫كودها « عملية القوقاز » ‪ ،‬كما كان‬ ‫ً‬ ‫مرتمجا مبركز اإلشارة وباملستشفى العسكرى ‪.‬‬ ‫سافر إجيور عن طريق البحر ‪ ،‬حيث أن معظم املشرتكني فى‬ ‫العملية احلربية « القوقاز » حضروا إىل مصر عن طريق البحر‪،‬‬ ‫وتعرف على ظهر السفينة بصفة مباشرة بالعاملني مبركز‬ ‫اإلشارة واملستشفى العسكرى السوفيتى ‪.‬‬ ‫كانت هذه هى املرة الثانية التى حيضر فيها إجيور إىل‬ ‫‪66‬‬


‫ً‬ ‫طالبا للعمل‬ ‫مصر ‪ .‬فقبل ذلك حضر إىل مصر وهو ال يزال بعد‬ ‫ً‬ ‫كمرتجم عسكرى ‪ .‬لذا فقد كان يعرف مصر جيدا ويعرف‬ ‫عاصمتها بصورة أفضل ‪ .‬وبعد حضور جمموعة ضباط مركز‬ ‫اإلشارة بصحبة إجيور بعدة أيام قادهم فى جولة ليتعرفوا على‬ ‫أهم معامل مدينة القاهرة السياحية حيث زاروا أهرامات اجليزة‬ ‫وغريها من األماكن التارخيية واألثرية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوقاتا مرحة بصورة زادت عن احلد املفروض مما‬ ‫قضى الشبان‬ ‫أدى إىل خمالفتهم لقواعد االنضباط اخلاصة بتواجدهم مبصر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرتبطا مبهمة عسكرية‬ ‫خصوصا وأن تواجدهم بها كان‬ ‫سرية ‪ .‬باختصار فقد مت ترحيل املسئولني عن هذه اجملموعة‬ ‫من ذوى الرتب الكبرية إىل االحتاد السوفيتى فى ظرف ‪24‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا معاقبتهم ‪ ،‬حيث‬ ‫ساعة ‪ ،‬أما باقى ضباط اإلشارة فقد متت‬ ‫مت نفى إجيور « املرشد السياحى » للمجموعة إىل مدينة قنا ‪،‬‬ ‫حيث كانوا عادة ينفون إىل هناك أيام حكم امللوك املصريني‬ ‫املغضوب عليهم وغري املرغوب فى تواجدهم فى العاصمة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كان يتعني ّ‬ ‫وفقا للتعليمات أن أحل مكان إجيور‬ ‫على‬ ‫مبوقع عمله مبركز اإلشارة واملستشفى العسكرىالسوفيتى‬ ‫مبنشية البكرى ‪ .‬تغريت طبيعة العمل فى موقعى اجلديد‬ ‫هذا إىل حد كبري ‪ .‬فاآلن أصبح معظم احمليطني بى من الضباط‬ ‫واجلنود السوفييت وأصبحت أعيش كما كنت أعيش من قبل‬ ‫فى مدينة نصر ‪.4‬‬ ‫كنت أتناول طعامى فى مطعم ضباط مركز اإلشارة حيث‬ ‫‪67‬‬


‫تقدم تلك األطعمة املألوفة بالنسبة لنا مثل شوربة البورش ‪ ،‬وخبز‬ ‫القمح األمسر ‪ ،‬والدجاج ‪ ،‬وعصيدة احلنطة السوداء ‪ ،‬والزبد‬ ‫وغري ذلك من حصص الطعام األخرى اإلضافية ‪ .‬وقد تسبب هذا‬ ‫النوع من التغذية فى أننى أصبحت فى موقف صعب ال أحسد‬ ‫عليه ‪ .‬إذ أننى أصبت بانسداد جزئى فى األمعاء بسبب كثرة‬ ‫الطعام وبسبب بعض اآلثار اجلانبية لعملية جراحية أجريت ىل‬ ‫فى موسكو فى عام ‪ ، 1965‬مما أدى إىل انسداد األمعاء كلية‪.‬‬ ‫مت نقلى إىل مستشفى سوفيتى ميدانى عسكرى كان يقع‬ ‫هناك فى منشية البكرى حيث أجريت ىل عملية جراحية عاجلة‪.‬‬ ‫وقد قام بإجراء العملية اجلراحية ىل الطبيب اجلراح بهاء الدينوف‬ ‫الذى تقابلت معه مرة ثانية بعد مرور ‪ً 25‬‬ ‫عاما إىل مصر ضمن‬ ‫وفد يضم احملاربني القدماء السوفييت فى عام ‪ . 1996‬وكان‬ ‫قد قال ىل حينئذ بعد إجراء العملية أنه إذا كان قد حدث ذلك‬ ‫األمر فى قنا ‪ ،‬فإن النتيجة كانت ستكون غري محيدة باملرة ‪.‬‬ ‫إذن لقد أنقذنى صديقى إجيور من أسوأ ما كان من املمكن أن‬ ‫حيدث ىل وذلك بنقله إىل قنا كى حيل مكانى هناك ‪.‬‬ ‫الزلت أذكر عملى مبركز اإلشارة بكل مشاعر احلب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فريدا فى نوعه ‪ .‬وكان يتحتم ّ‬ ‫على‬ ‫عمال‬ ‫واالعتزاز ‪ .‬فقد كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كثريا جدا مع املصريني بالتليفون ‪.‬‬ ‫أن أحتدث‬ ‫كان الرمز الكودى ملركز اإلشارة السوفيتى هو الكلمة‬ ‫الروسية « اموليت » التى تعنى بالعربية « متيمة » أو « تعويذة»‪،‬‬ ‫وهى تنطق مشابهة لكلمة «عمليات » باللغة العربية ‪،‬‬ ‫‪68‬‬


‫وكلمة عمليات هى اختصار لتسمية إدارة العمليات بهيئة‬ ‫أركان احلرب العامة للقوات املسلحة املصرية ‪ .‬وهكذا أصبح‬ ‫املصريون يطلقون على السوفييت العاملني مبكتب املستشار‬ ‫العسكرى الرئيسى ‪ « -‬اموليت » ‪ .‬كان هذا اخللط بالنسبة ىل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وظريفا ‪ ،‬وكذلك بالنسبة للمصريني ‪.‬‬ ‫مسليا‬ ‫شيئا‬ ‫وكم أود أن أعرب بأصدق الكلمات الطيبة عن زمالئى الذين‬ ‫كانوا يتناوبون معى العمل مبركز اإلشارة وهم ‪ :‬كوزمني‪،‬‬ ‫والجوتـيـن ‪ ،‬وكـوريوسينكـو‪ ،‬وفـورونيـن الذيـن كـانـوا‬ ‫ينتظرون بفارغ الصرب حضورى إىل العمل ‪ .‬كانوا يقومون‬ ‫بتبليغى عن األعطال التى حتدث خبط االتصال ‪ ،‬عندئذ كنت‬ ‫ً‬ ‫تليفونيا بعمال اإلشارة املصريني كى أبلغهم بالعطل‬ ‫أتصل‬ ‫الذى حدث ‪ .‬بعدها يبدأ عمل مرهق وشاق معهم بهدف حتديد‬ ‫مكان قطع خط االتصال لعمل مركز اإلشارة ‪ .‬وكان اجلميع‬ ‫يكنون ىل كل ود وتقدير واحرتام ويطلقون على جينادى‬ ‫ً‬ ‫مجيعا‬ ‫فاسيلييفيتش ‪ ،‬ورمبا كان هذا االحرتام مرجعه إىل أنهم‬ ‫كانوا يعلمون أننى خريج جامعة موسكو– وما أدراك ما‬ ‫جامعة موسكو ؟ ‪.‬‬ ‫كانت الساحة التى يقع بها مركز اإلشارة تكاد تربق من شدة‬ ‫النظافة ‪ ،‬وكان الضباط واجلنراالت املصريون يطلقون على‬ ‫املكان « املكان الشيك » ‪ .‬هنا كانت الظروف واألحوال عادية‬ ‫وطبيعية سواء كانت أحوال اخلدمة والعمل أم األحوال املعيشية ‪.‬‬ ‫وبدأت فرتة راحة نسبية السيما بعد إيقاف غارات العمق التى‬ ‫‪69‬‬


‫كانت تقوم بها طائرات الفانتوم اإلسرائيلية ‪ :‬فأصبحنا نقضى‬ ‫أوقات فراغنا فى لعب البلياردو والعزف على اجليتار وغري ذلك من‬ ‫وسائل التسلية والرتويح عن النفس من إطالق للنكات وعمل‬ ‫مقالب مضحكة مع بعضنا البعض ‪ ،‬وارتفعت الروح املعنوية‬ ‫بني اجلنود والضباط ‪.‬‬ ‫الزلت أذكر بصورة جيدة جداً تلك الزيارة التى قام بها أليكسى‬ ‫نيكوال يوفيتش كوسيجني ملركز اإلشارة فى عام ‪.1970‬‬ ‫فقد وقفنا حنن الضباط بالقرب من املطعم ‪ ،‬ثم ظهرت احلاشية‬ ‫املرافقة لكوسيجني ‪ ،‬وعلى رأسها كبار الرؤساء والقادة‬ ‫واملسئولني ‪ .‬كان يصاحبهم املالزم ميشا كوفا لينكو نائب‬ ‫رئيس مركز اإلشارة للشئون اإلدارية‪ .‬دخل اجلميع إىل املطعم‪.‬‬ ‫فجأة وعلى حني غرة انفتح باب املطعم بشدة على مصرعيه‬ ‫ً‬ ‫صائحا ‪ « :‬يا شباب من‬ ‫واندفع ميشا كوفالينكو من خالله‬ ‫منهم كوسيجني ؟ ‪ ....‬انفجر اجلميع ضاحكني ووصفوا له‬ ‫على وجه السرعة كيف يبدو كوسيجني ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غريبا إذ أن صور أعضاء املكتب السياسى‬ ‫بدا سؤال ميشا هذا‬ ‫ومن بينهم صورة كوسيجني نفسه كانت معلقة فى كل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا لدينا ‪.‬‬ ‫تقريبا‪ ،‬وكانت هذه الصورة معلقة‬ ‫مكان‬ ‫بعد فرتة وجيزة خرج كوسيجني مع مرافقيه من املطعم ‪ .‬وخرج‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مبهوتا على شفا اجلنون من هول وثقل‬ ‫مشدوها ‪،‬‬ ‫أيضا ميشا‬ ‫ً‬ ‫ناصحا‬ ‫املسئولية امللقاة على عاتقه ‪ .‬عندئذ قال له أحد الضباط‬ ‫‪70‬‬


‫إياه على سبيل الدعابة ‪ « :‬ميشا ‪ .‬كان جيب عليك إهداء‬ ‫أليكسى نيكواليوفيتش كوسيجني بضعة أرغفة كى‬ ‫ً‬ ‫عائدا إىل موسكو» ‪.‬‬ ‫يأخذها معه أثناء سفره فإنه سيطري اليوم‬ ‫ما إن مسع ميشاكوفالينكو ذلك حتى أنطلق إىل داخل‬ ‫ً‬ ‫مهروال‪،‬‬ ‫املطعم وبعد بضعة ثوانى فقط ال أكثرخرج من املطعم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حابسا أنفاسه من شدة اخلوف من التأخري ‪،‬‬ ‫مندفعا كالسهم ‪،‬‬ ‫كان حيمل معه عدة أرغفة من اخلبز األبيض ملفوفة فى قطعة‬ ‫من الورق ‪ ،‬وجرى خلف ركن املبنى حيث كان الوفد قد اختفى‬ ‫ً‬ ‫متاما عن األنظار ‪.‬‬ ‫ال أدرى ما الذى حدث هناك بالضبط ‪.‬‬ ‫ولكن بعد مرور حواىل ‪ 15‬أو ‪ 20‬ثانية ظهر ميشا من وراء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حامال‬ ‫مكتئبا ‪ ،‬منقبض النفس ‪،‬‬ ‫ركن املبنى منكس الرأس ‪،‬‬ ‫فى يده أرغفة اخلبز األبيض املخصصة من أجل أليكسى‬ ‫ً‬ ‫عائدا إىل موسكو‬ ‫نيكواليوفيتش ‪ .‬وهكذا ‪ ،‬طار كوسيجني‬ ‫دون أن يأخذ معه فى رحلته أرغفة اخلبز التى أعدها له ميشا ‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل عملى مبركز اإلشارة كنت أقوم بأعمال‬ ‫الرتمجة فى املستشفى العسكرى السوفيتى الذى كان يقع‬ ‫على بعد مائة مرت فقط من منزل الرئيس مجال عبد الناصر ‪.‬‬ ‫كان املستشفى العسكرى ومركز اإلشارة قد مت إنشاؤهما‬ ‫منذ عهد قريب ‪ ،‬لذا فقد كان العمل على أشده ‪ ،‬وفى نفس‬ ‫الوقت وبصورة متوازية كان يتم بناء وتشييد مشاريع جديدة‬ ‫‪71‬‬


‫تقوم بإجنازها هيئات إنشائية عسكرية مصرية ‪ ،‬كما كان‬ ‫يتم نشر وتوزيع املعدات والتجهيزات بكل من مركز اإلشارة‬ ‫واملستشفى العسكرية وتشغيلهما ‪.‬‬ ‫بدأ تدفق القوات السوفيتية النظامية التى كانت تلتحم‬ ‫على الفور فى املعارك التى كانت ختوضها القوات السوفيتية‬ ‫املتواجدة ‪.‬‬ ‫فى أثناء إحدى املعارك الغري متكافئة التى دارت رحاها بني‬ ‫أربعة من الطيارين السوفييت واثنتى عشرة طائرة « مرياج » من‬ ‫طائرات العدو و استشهدمن رجالنا ثالثة طيارين أما الطيار الرابع‬ ‫فقد قذف نفسه باملقعد الطائر ‪ ،‬ومتكن من اهلبوط على األرض‬ ‫بسالم وكسرت ساقه فى هذه احلادثة ‪.‬‬ ‫لن متحى من ذاكرتى ما حييت تلك الصورة عندما ذهبت‬ ‫مبرافقة مدير املستشفى العسكرى لتوصيل جثث اجلنود‬ ‫السوفييت إىل املشرحة بالقاهرة ‪ .‬كان هؤالء اجلنود السوفيت‬ ‫قد احرتقوا فى مركز قيادة كتيبة الصورايخ نتيجة السقوط‬ ‫املباشر ألحد الصورايخ اإلسرائيلية ‪.‬‬ ‫كانوا ثـمانية شبان ترتاوح أعمارهم ما بني التاسعة عشر‬ ‫والعشرين ‪ ،‬وكان من بينهم شابان توأمان ‪ .‬كانوا وهم‬ ‫ً‬ ‫مجيعا كالتوأم ‪ .‬كان املالزم سومني قائد‬ ‫متفحمون يبدون‬ ‫الطاقم هو الوحيد من بينهم الذى مل حيرتق ‪ ،‬وإمنا أصيب بشظايا‬ ‫الصاروخ اإلسرائيلى املنفجر ‪.‬‬ ‫‪72‬‬


‫كان من الواضح أنه حلظة سقوط الصاروخ كان سومني‬ ‫ً‬ ‫رافعا يده كى يعطى أوامره بإطالق صاروخ مضاد ‪،‬‬ ‫يقف‬ ‫لكنه استشهد وهو فى هذا الوضع وجتمدت يده امليتة املرفوعة‪،‬‬ ‫ومل نتمكن من فردها بأى حال من األحوال ‪ .‬ووجدنا صعوبة‬ ‫بالغة فى إدخاله فى مكان حفظ املوتى الضيق باملشرحة ‪ ،‬مما‬ ‫اضطررنا معه فى نهاية األمر إىل إدخال جثته فى مكان حفظ‬ ‫املوتى مع غلقه وبقاء يده امليتة املتجمدة مرفوعة خارجة منه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طبقا حلساباتى وتقديراتى ‪ ،‬يرتاوح عدد اجلنود والضباط‬ ‫السوفييت الذين استشهدوا أثناء العمليات العسكرية فى‬ ‫ً‬ ‫فردا من‬ ‫مصر خالل عامى‪ 1970- 1969‬ما بني ‪ 30‬إىل ‪40‬‬ ‫ً‬ ‫تقريبا كان يعمل‬ ‫اجلنود والضباط السوفييت ‪ .‬نصفهم‬ ‫جبهاز املستشارين العسكريني ‪ ،‬أما النصف اآلخر فكان من‬ ‫ً‬ ‫وفقا‬ ‫أفراد القوات النظامية السوفيتية التى حضرت إىل مصر‬ ‫لعملية عسكرية خاصة وضعت خطتها إليقاف غارات العمق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كوديا « القوقاز » ‪.‬‬ ‫امسا‬ ‫اإلسرائيلية كانت حتمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مقتصرا‬ ‫متنوعا إىل حد كبري ومل يكن‬ ‫كان عمل املرتجم‬ ‫فقط على أعمال الرتمجة وحدها ‪ .‬فلقد كانت هناك أعمال‬ ‫تدخل فى نطاق الرتمجة وأعمال أخرى ال تدخل فى نطاقها‪ ،‬لكننى‬ ‫ً‬ ‫كبريا ‪ ،‬عالوة‬ ‫أعتقد أنها كلها متقاربة ومل يكن الفرق بينها‬ ‫على ذلك فاملرتجم مكلف بأداء أية أعمال أخرى توكل إليه ‪.‬‬

‫ال أتذكر على وجه الدقة إن كانت هذه الواقعة التى سأذكرها‬ ‫‪73‬‬


‫هنا مرتبطة حبضور القائد العام للقوات اجلوية السوفيتية‬ ‫املارشال كوتاخوف إىل القاهرة أم حبضور القائد األعلى لقوات‬ ‫الدفاع اجلوى السوفيتى املارشال باتيتسكى ‪.‬‬ ‫كانت مباحثات املارشال مع اجلانب املصرى معقدة للغاية ‪.‬‬ ‫بعد األنتهاء من املباحثات قام املصريون بتنظيم حفل استقبال‬ ‫بنادى الصيد باهلرم ‪ .‬جلس املارشال مقطب اجلبني ‪ ،‬عابس الوجه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مكتئبا لدرجة أن الرقص الشرقى الذى كانت تؤديه واحدة من‬ ‫أحسن الراقصات املصريات مل حيسن من مزاجه ‪.‬‬ ‫فجأة وعلى حني غرة اقرتبت منى الراقصة عندما مسعتنى‬ ‫أحتدث مع اجلنراالت املصريني باللغة العربية وأوقفتنى ‪ ،‬ثم‬ ‫راحت تفك رباط عنقى ببطء فى حركات راقصة ‪ ،‬لكنها‬ ‫مل تتمكن من فعل ذلك على وجه السرعة ‪ .‬أدى هذا إىل بعث‬ ‫السرور فى نفوس الضيوف العسكريني الذين كانوا جيلسون‬ ‫حول موائد موضوعة على شكل حرف «ب» فى اللغة الروسية‬ ‫ً‬ ‫خصوصا بعد تناوهلم الويسكى ‪.‬‬ ‫لكن بالرغم من كل ذلك فقد ظل املارشال كسابق عهده‬ ‫ً‬ ‫مكتئبا ‪.‬‬ ‫مكفهر الوجه ‪،‬‬ ‫استمر عزف املوسيقى الشرقية فى حني طلبت منى الراقصة أن‬ ‫ً‬ ‫متجمدا فى‬ ‫أشاركها الرقص وهى تهز وسطها ‪ .‬أما أنا فقد وقفت‬ ‫مكانى من شدة اخلجل ومن املوقف احملرج الذى وجدت نفسى‬ ‫فيه فجأة وبال مقدمات ‪ ،‬رفضت مشاركة الراقصة فى حركاتها‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫ً‬ ‫خمرجا من هذا املوقف الذى ال حيسد عليه أحد ‪.‬‬ ‫مل أجد أمامى‬ ‫ً‬ ‫متمشيا مع املوسيقى ‪،‬‬ ‫حاولت أن أقلد الراقصة فى حركتها‬ ‫بينما أخذت هى تشجعنى باحنناءات من رأسها وأخذت فى زيادة‬ ‫ً‬ ‫جاهدا أن أؤدى حركات الرقص الشرقى‬ ‫سرعة الرقص ‪ .‬حاولت‬ ‫مبصاحبة تصفيق احلاضرين ‪ .‬استمرت حركات الرقص هذه‬ ‫لعدة دقائق خيل إىل أنها ً‬ ‫دهرا بأكمله ‪.‬‬ ‫انفجراجلنراالتاملصريونوالسوفييت من الضحك ‪،‬بينما انفرجت‬ ‫ً‬ ‫أخريا أسارير املارشال السوفيتى ‪ ،‬وبدا وكأننى قد قمت مبهمتى‬ ‫فى الرتويح على اجلنرال مبعاونة الراقصة على أكمل وجه ‪.‬‬ ‫فى أحيان كثرية كنا نقوم بالرتمجة التحريرية ‪ .‬كما قلت‬ ‫ً‬ ‫مسبقا فقد كان يوجد مكتب للرتمجة فى اإلدارة التابعة‬ ‫لكبري املستشارين السوفييت التى كان يرأسها بعد وصوىل‬ ‫مباشرة إىل مصر املقدم السوفيتى جيورجى ريئوتسكى من‬ ‫مدينة أوديسا ‪.‬‬ ‫بعد مرور فرتة زمنية أصبح العقيد‪ /‬كفاسوك من موسكو‬ ‫ً‬ ‫كبريا للمرتمجني ‪ .‬ال أعرف السبب فى أن معظم املرتمجني‬ ‫السوفييت الذين كانوا يعملون فى مكتب الرتمجة كانوا‬ ‫ً‬ ‫شفهيا ولكن‬ ‫من مرتمجى اللغة اإلجنليزية ‪ .‬كانوا يرتمجون‬ ‫نادرا ً‬ ‫ً‬ ‫جدا كان عملهم الرئيسى ينحصر فى الرتمجة التحريرية‬ ‫لبعض مقاالت صحيفة « أجييبسيان جازيت » ذات األهمية‬ ‫اإلعالمية اخلاصة ‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫كانت هذه املقاالت جتمع وتستخدم فى عمل نشرات إخبارية‬ ‫توزع بني القيادات السوفيتية مبصر ‪ .‬وعلى أساس هذه املقاالت‬ ‫كان املرتمجون يعلمون نشرات إخبارية يقرأونها كل صباح‬ ‫أمام موظفى هيئة أركان كبري املستشارين السوفييت ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كثريا ما أشرتك معهم فى هذا العمل ‪.‬‬ ‫وكنت‬ ‫كان يوجد هناك مرتمجون آخرون فى هيئة أركان احلرب‬ ‫من بينهم ‪ :‬أوليج كوملوجوروف الذى كان يرتجم من اللغة‬ ‫اإلجنليزية إىل اللغة الروسية وبالعكس لنائب كبري‬ ‫املستشارين السوفييت جنرال شيشيموروف ‪ ،‬واملستعرب شامل‬ ‫ً‬ ‫مرتمجا لنائب كبري املستشارين‬ ‫هيسريياشاف الذى كان‬ ‫للشئون السياسية اجلنرال شوكني ‪ ،‬واملستعرب يورى‬ ‫ً‬ ‫مرتمجا لنائب كبرياملستشارين للشئون‬ ‫شيفتسوف الذى كان‬ ‫العامة جنرال نرييتني ‪ ،‬واملستعرب نيوكالى لوكاشونوك‬ ‫ً‬ ‫مرتمجا لرئيس هيئة أركان احلرب جنرال جارييف ‪.‬‬ ‫الذى كان‬ ‫كان حجم العمل هلؤالء املرتمجني لدى رؤسائهم اجلنراالت‬ ‫ً‬ ‫كبريا ‪ ،‬وكان ميتد ليشمل من حيل عليهم من زوار سوفييت‬ ‫ً‬ ‫فكثريا ما كان‬ ‫من أصحاب الرتب العليا الرفيعة ‪ ،‬هلذا السبب‬ ‫كفاسيوك يرسل ملركز اإلشارة فى طلبى إذا ما كانت هناك‬ ‫حاجة ملحة للرتمجة باللغة العربية ‪.‬‬ ‫وهنا حتضرنى حادثتان مرتبطتان بوصول الرئيس املصرى أنور‬ ‫السادات للحكم ‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫فى اليوم األول أو رمبا الثانى من شهر مايو عام ‪ 1971‬قام أنور‬ ‫ً‬ ‫رئيسا للجمهورية بصفة رمسية بإلقاء‬ ‫السادات قبل انتخابه‬ ‫خطاب عيد العمال مبجمع احلديد والصلب حبلوان ‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫معتادا من جانب الرئيس مجال عبد الناصر ‪ .‬الحظ املراقبون‬ ‫ذلك‬ ‫تغيب السيد‪ /‬على صربى من بني كبار رجال الدولة احلاضرين‬ ‫فى االحتفال ‪ .‬وكما هو معروف كان على صربى حيتل‬ ‫مكانة هامة بني الناصريني اليساريني وكان حلقة الوصل‬ ‫بني موسكو والقاهرة ‪.‬‬ ‫عرفت بعد ذلك أن السفري السوفيتى فى القاهرة فالدميري‬ ‫فينوجرادوف قد أرسل مرتمجه اخلاص إىل منزل على صربى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫موضوعا حتت‬ ‫حيث اكتشف املرتجم أن على صربى كان‬ ‫احلراسة فى منزله ‪.‬‬ ‫فى الثالث عشر من شهر مايو عام ‪ 1971‬بدأ أنور السادات‬ ‫ما مسى بـ « حركة التصحيح » ‪ ،‬حيث أزاح مبهارة تامة من‬ ‫طريقه مجيع كبار رجال الدولة والساسة البارزين املناوئني‬ ‫له ‪ .‬فى ذلك الوقت استدعانى حممود جارييف رئيس أركان‬ ‫ً‬ ‫معروفا بنشاطه‬ ‫حرب كبري املستشارين السوفييت الذى كان‬ ‫ومحاسه ومبادرته ‪ ،‬وكلفنى مبهمة أال وهى ‪ :‬تغيري مالبسى‬ ‫العسكرية وارتداء مالبس مدنية ً‬ ‫بدال منها ‪ ،‬ثم التوجه بعد‬ ‫ذلك إىل األحياء الشعبية بالقاهرة ملراقبة وتتبع – على حد‬ ‫قوله – مظاهرات االحتجاج الشعبية ضد أنور السادات ‪ ،‬ومعرفة‬ ‫الشعارات التى يرفعها املتظاهرون ‪ ،‬والتنصت على ما يقوله أفراد‬ ‫الشعب املصرى‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫توجهت من فورى إىل حى العتبة ‪ ،‬ذلك احلى الشعبى الذى‬ ‫ً‬ ‫كثريا ما كنا وحنن طلبة جنوبه ونتمشى به ‪ ،‬أخذت أسري‬ ‫هناك وأراقب ما حيدث حوىل وأنصت ملا يقوله عامة الناس ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حائرا مشوش الفكر وقد امحر وجهى من شدة اخلجل‪.‬‬ ‫كنت‬ ‫كان خييل إىل أن اجلميع يعرفون طبيعة املهمة التى حضرت‬ ‫من أجلها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مستتبا واألمور جترى فى جمراها الطبيعى‬ ‫كان الوضع‬ ‫كاملعتاد ‪ ،‬وقد شهدت حركة البيع والشراء جترى بصورة‬ ‫طبيعية ‪.‬‬ ‫رحت أنظر إىل أنواع البضائع واألقمشة املختلفة ‪ .‬مل تكن‬ ‫هناك أية مظاهرات إحتجاج وال أية شعارات ‪.‬‬ ‫عندما عدت أدراجى إىل منشية البكرى أبلغت اجلنرال‬ ‫جارييف بأننى مل أحلظ أية أحداث غري عادية فى حياة الناس فى‬ ‫القاهرة ‪ .‬ابتسم اجلنرال وأخلى سبيلى فذهبت إىل مركز اإلشارة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا باجلنرال جارييف‬ ‫أما احلادثة الثانية فقد كانت مرتبطة‬ ‫والرئيس أنور السادات ‪.‬‬ ‫فبعد قيام الرئيس املصرى أنور السادات بعملية إقصاء وإزاحة‬ ‫كبار رجال الدولة والسياسيني املعارضني فيما عرف بعملية‬ ‫التخلص من مراكز القوى ‪ ،‬أخذ السادات فى تنظيم العديد‬ ‫من اللقاءات مع العمال واملثقفني وطلبة وأساتذة اجلامعة ‪،‬‬ ‫وكذلك مع أفراد القوات املسلحة ‪ .‬كانت خطبه التى يلقيها‬ ‫‪78‬‬


‫والتى تستمر من ساعتني إىل ثالث ساعات تتسم باهلدوء فى‬ ‫بداياتها ‪ ،‬ثم سرعان ما يعلوها االنفعال واالحتدام ‪.‬‬ ‫انتشر فى مصر فى تلك احلقبة القبض على الناصريني‬ ‫اليساريني والزج بهم فى السجون واملعتقالت ‪ ،‬لذا فقد قرر اجلنرال‬ ‫جارييف – كما يبدو – أنه البد من ترمجة خطب أنور السادات ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقد وقع اختياره ألداء هذه املهمة ّ‬ ‫شخصيا ‪ .‬من أجل ذلك‬ ‫على أنا‬ ‫كان يتم إحضار جهاز راديو إىل مكتب الرتمجة ‪ ،‬وفى أثناء‬ ‫إذاعة خطاب أنور السادات كنت أقوم بالرتمجة الفورية لكل‬ ‫كلمة يقوهلا ‪ .‬وكنت أبذل قصارى جهدى فى نقل خطبه‬ ‫باللغة الروسية ‪.‬‬ ‫كان زمالئى املرتمجون يقومون على الفور بتصحيح وحترير‬ ‫ما كنت أقوم برتمجته ‪ .‬بعد ذلك يقوم جندى املراسلة بتوصيل‬ ‫الرتمجة املصححة ورقة بعد أخرى إىل الطابق الثانى حيث يوجد‬ ‫قسم الكتابة على اآللة الكاتبة ‪ .‬كان كل ذلك يتم‬ ‫ً‬ ‫متاما باللغة‬ ‫بسرعة رهيبة حبيث تكون الرتمجة معدة وجاهزة‬ ‫الروسية بعد حواىل ‪ 30‬دقيقة فقط من إذاعة اخلطبة عن طريق‬ ‫الراديو ‪ .‬يتم بعد ذلك نقل الرتمجة بواسطة سيارة كانت تقف‬ ‫ً‬ ‫دائما على أهبة االستعداد فى فناء اإلدارة ‪ .‬كانت السيارة تسري‬ ‫بسرعة الربق وتنهب األرض ً‬ ‫نهبا عن طريق شارع صالح سامل‬ ‫ً‬ ‫دائما من املارة ‪ ،‬متوجهة إىل السفارة‬ ‫حيث كان هذا الشارع خيلو‬ ‫السوفيتية باجليزة ‪.‬‬ ‫‪79‬‬


‫أعتقد أنه على الرغم من أن السفارة السوفيتية ‪ ،‬كان لديها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كافيا من املرتمجني واالستعداد التام للرتمجة فى أية‬ ‫عددا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مساويا للجنرال‬ ‫منافسا‬ ‫حلظة ‪ ،‬إال أنها ال ميكن أن تكون‬ ‫جارييف مبا يتمتع به من نشاط ومحاس وإصرار زائدين عن احلد‪.‬‬ ‫كان نتيجة لكل ذلك أن جنح اجلنرال حممود أمحدوفيتش‬ ‫جارييف فى أن يصل إىل أعلى وأرقى املناصب ‪ ،‬إذ توىل‬ ‫مناصب قيادية متقدمة فى هيئة أركان حرب القوات املسلحة‬ ‫ً‬ ‫كبريا للمستشارين العسكريني‬ ‫السوفيتية‪ ،‬كما أصبح‬ ‫السوفييت أثناء احلرب فى أفغانستان ‪ ،‬ويشغل فى الوقت احلاىل‬ ‫ً‬ ‫عددا من الوظائف العسكرية العليا فى روسيا االحتادية مبا فى‬ ‫ذلك منصب رئيس األكادميية العسكرية الروسية ‪.‬‬ ‫استمرت عملية الرتمجة الفورية التحريرية خلطب الرئيس‬ ‫أنور السادات مدة طويلة ً‬ ‫جدا حتى أخذ منى الضيق كل مأخذ‪.‬‬ ‫فقد كانوا يستدعوننى فى أى وقت وأى يوم ‪ .‬حتى أنهم قد‬ ‫استدعونى ذات مرة فى يوم مجعة ‪ ،‬يوم أجازتى الرمسية ‪.‬‬ ‫فى ذلك اليوم كنت فى زيارة املستشار فيكتور ستوبني ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فخما بالنسبة‬ ‫غدائا‬ ‫كانت زوجته نيلالسريجييفنا قد أعدت ىل‬ ‫ً‬ ‫مكونا من حلمة روستو فى الفرن ‪ .‬أخربنى‬ ‫إلنسان عازب مثلى‬ ‫جندى املراسلة بأننى جيب أن أذهب على وجه السرعة إىل منشية‬ ‫البكرى للرتمجة ‪ ،‬حيث أنه كان من املتوقع أن يقوم أنور‬ ‫السادات بإلقاء إحدى خطبه ‪ .‬رفضت بشدة الذهاب مع اجلندى‪.‬‬ ‫عندما مسع ستوبني هذا احلديث بينى وبني اجلندى هز رأسه‬ ‫‪80‬‬


‫ً‬ ‫قائال ىل ‪ « :‬كان من الواجب عليك أن تتصرف بطريقة أخرى‬ ‫كأن تقول للجندى أن يبلغ اإلدارة بأنه مل يتم العثور عليك مبا‬ ‫أن اليوم كان يوم أجازتك » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متاما فى اليوم التاىل من صحة كالم ستوبني ‪ ...‬هذا‬ ‫تأكدت‬

‫الرجل احلكيم – فما كدت أصل إىل مركز اإلشارة حتى‬ ‫أخربونى بتوقيع العقاب على بالسجن ملدة ‪ً 15‬‬ ‫يوما ‪ .‬مت نزع احلزام‬ ‫ً‬ ‫حتسبا بأى‬ ‫الذى كنت أرتديه – كما تقضى بذلك اللوائح ‪-‬‬ ‫عمل متهور قد يودى حبياتى ‪ .‬لكنهم مل يقوموا بوضعى فى‬ ‫ً‬ ‫شيئا ما ‪.‬‬ ‫السجن مباشرة ‪ ،‬فقد كان من الواضح أنهم ينتظرون‬ ‫علمت فيما بعد أن السبب فى تباطئهم فى وضعى بالسجن كان‬ ‫تلك احملاوالت املستميتة التى كان يبذهلا نائب رئيس مركز‬ ‫اإلشارة للشئون املعنوية أوليج شوجل لرفع عقوبة السجن عنى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مبنيا على اآلتى ‪ :‬أن املالزم‬ ‫كان دفاع أوليج شوجل عنى‬ ‫أول جينادى جارياتشكني يقوم بعمله على الوجه األكمل‪،‬‬ ‫وال توجد ضده أية مالحظات على أدائه ملهام عمله األساسية‬ ‫فى مركز اإلشارة ‪ ،‬حيث يتمتع حبب واحرتام وتقدير مجيع‬ ‫زمالئه معه باملركز ‪ .‬وقد أرهقه كبري املرتمجني كفاسيوك‬ ‫باستدعاءاته املتكررة الالنهائية إىل مكتب الرتمجة كى‬ ‫يقوم بأعمال ترمجة ال تدخل فى نطاق عمله املنوط به ‪ .‬لقد حان‬ ‫الوقت للدفاع عنه وليس إلنزال العقاب به ‪.‬‬ ‫كان هلذا اإلصرار من جانب أوليج شوجل على رفع عقوبة‬ ‫السجن عنى أثر كبري على املقدم‪ /‬راسكازوف – الرئيس‬ ‫‪81‬‬


‫اجلديد ملركز اإلشارة –الذى كان من أبرز صفاته ضعف‬ ‫الشخصية والرتدد‪.‬‬ ‫بالنسبة للمرتجم األجنبى ‪ -‬أو ألى زائر أجنبى فى أى بلد‬ ‫ فأهم مشكلة تواجهه هى ال شك مشكلة ملء وقضاء وقت‬‫الفراغ‪ .‬هذه املشكلة تكون أكثر حدة بالنسبة لألجانب‬ ‫الذين ال يعرفون لغة البلد الذى يقيمون فيه والكساىل منهم‬ ‫وكذلك غري القادرين على قضاء أوقات فراغهم بالصور املثلى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نظرا‬ ‫لكن هذه املشكلة مل تواجهنى قط على وجه اإلطالق ‪،‬‬ ‫ألننى كنت قبل مغادرتى من االحتاد السوفيتى فى طريقى إىل‬ ‫مصر قد اتفقت مع قسم تاريخ بلدان الشرقني األدنى واألوسط‪،‬‬ ‫ومع مشرفة حبث التخرج العلمى جبامعة موسكو األستاذة‬ ‫الدكتورة فريدة أتسمبا أننى بعد انتهاء خدمتى باجليش‬ ‫السوفيتى مبصر سألتحق بالدراسات العليا بالقسم ‪ ،‬وبأننى‬ ‫سأقوم – بقدر اإلمكان – بأداء امتحانات الدرسات العليا خالل‬ ‫فرتة أجازتى السنوية ‪.‬‬ ‫كان من الضرورى أن أقوم جبمع املواد العلمية الالزمة لكتابة‬ ‫رسالتى العلمية أثناء تواجدى مبصر ‪ .‬كان ىل ارتباطات‬ ‫وعالقات شخصية كثرية منذ فرتة دراستى بكلية اآلداب‬ ‫جبامعة القاهرة ‪ ،‬وكنت أعرف مصادر احلصول على املراجع‬ ‫واملصادر العلمية الالزمة لذلك ‪.‬‬ ‫كان من الطبيعى خطورة استئناف هذه العالقات الشخصية‬ ‫مرة أخرى فى ظروف عملى كمرتجم عسكرى ‪ .‬إذ من املمكن‬ ‫‪82‬‬


‫أن تفهم هذه العالقات الشخصية على أنها خرق للقوانني‬ ‫العسكرية وكمحاولة لتسريب األسرار العسكرية ‪ .‬وقد‬ ‫كانوا فى موسكو حيذروننا من مثل هذه العالقات الشخصية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طبقا للموقف ‪.‬‬ ‫مرارا ‪ .‬لذلك كنت أتصرف‬ ‫كنت أحتفظ فى مكتبى فى مركز اإلشارة مبالبس‬ ‫مدنية أرتديها عندما أريد الذهاب إىل مكان ما ‪ .‬كنت‬ ‫أستأجر التاكسي وأتوجه به إىل وسط القاهرة ‪ ،‬وهناك أستأجر‬ ‫تاكسيا آخر أعود به مرة أخرى إىل مصر اجلديدة ً‬ ‫ً‬ ‫مارا بإدارة‬ ‫كبري املستشارين العسكريني السوفييت ‪ ،‬وأطلب من سائق‬ ‫التاكسى أن يتوقف عند سينما روكسى أو عند ثالث مبنى‬ ‫خلف السينما ‪ ،‬وهو مبنى معهد الدراسات االشرتاكية التابع‬ ‫لالحتاد االشرتاكى العربى ‪ .‬كان بهذا املعهد مكتبة كبرية‬ ‫ً‬ ‫نسبيا‪ ،‬وهناك فى قاعة املطالعة املكيفة كنت أجلس للقراءة‬ ‫لبعض الوقت ‪ ،‬كنت أعيد الكتب التى أكون قد استعرتها من‬ ‫قبل كى أستعري دفعة جديدة أخرى ملدة أسبوع أو أسبوعني ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نظرا‬ ‫سريا على األقدام‬ ‫ثم بعد ذلك أعود إىل مكان عملى‬ ‫لقرب املسافة بني مقر عملى ومعهد الدراسات االشرتاكية ماراً‬ ‫مبنزل الرئيس مجال عبد الناصر الذى كان يوجد عند مدخله‬ ‫مدافع صغرية من العصر العثمانى ‪ ،‬بينما يقف عند املدخل‬ ‫احلرس اجلمهورى الذى يتكون من جنود يتم اختيارهم بعناية ‪،‬‬ ‫فارعى الطول من ذوى الطلعة احلسنة والبشرة السمراء واألسنان‬ ‫البيضاء ‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫كان أكثر ما يهمنى هو مجع البيانات اإلحصائية وإحصاءات‬ ‫معهد التخطيط القومى التى وجهنى للحصول عليها أساتذة جامعة‬ ‫ً‬ ‫حبوثا‬ ‫موسكو ‪ .‬كانت تقارير معهد التخطيط القومى حتوى‬ ‫ودراسات علمية ذات قيمة كبرية عن الرتكيبة الدميوجرافية‬ ‫واالجتماعية لسكان مصر وعن أحواهلم اإلقتصادية ‪ ،‬كما‬ ‫ً‬ ‫أيضا على دراسات ميدانية ‪ .‬هذه املواد العلمية‬ ‫كانت تشتمل‬ ‫القيمة كنت أمجعها أيضا ً أثناء فرتة تدريبى عندما كنت‬ ‫ً‬ ‫طالبا جبامعة القاهرة ‪ .‬وحينما كانوا يسألوننى عن مكان‬ ‫عملى كنت أجيب عادة أننى موظف بالسفارة السوفيتية‬ ‫بالقاهرة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا إىل السفارة السوفيتية ‪ .‬هناك كنت ال‬ ‫كنت أتردد‬ ‫أخفى حقيقة عملى كمرتجم عسكرى ‪ .‬كان يعمل هناك‬ ‫أحد اخلرجيني من معهد اللغات الشرقية الذى كنت أدرس به فى‬ ‫ً‬ ‫كثريا ما أتقابل معه هو وزوجته فى الفيال‬ ‫موسكو ‪ .‬كنت‬ ‫املخصصة السرتاحة املدنيني السوفييت التى كانت تقع فى‬ ‫شارع ويل كوكس بالزمالك ‪.‬‬ ‫كنت أذهب إىل هناك مرات كثرية ألحتسى البرية ستال‬ ‫وآكل الكباب ‪ ،‬وألتقى مع املوطنني السوفييت كى نتجاذب‬ ‫أطراف احلديث فى جو من الود والسالم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غريبا بعض الشئ ‪ .‬فبينما كان من املمكن‬ ‫بدا ىل هذا الوضع‬ ‫التمتع باحلياة وممارسة الرياضة مثل لعب كرة الطائرة ‪،‬‬ ‫والعيش فى سالم وهدوء فى حى الزمالك ‪ ،‬ومعرفة ما جيرى من‬ ‫‪84‬‬


‫أحداث فقط عن طريق اجلرائد واجملالت ومن أحاديث اآلخرين‪،‬‬ ‫كان هناك من يتعرض خلطر احلرب واالستشهاد أثناء شن‬ ‫غارات العمق ‪ .‬لقد كنت أدرس أنا وصديقى هذا فى معهد واحد‬ ‫وسنة دراسية واحدة وفى جمموعة واحدة ‪ ،‬وبالرغم من ذلك فإن‬ ‫ً‬ ‫كثريا عن اآلخر ‪.‬‬ ‫مصري كل منا اختلف‬ ‫كما ذكرت ً‬ ‫آنفا فقد أدى قيامى جبمع املواد العلمية الالزمة‬ ‫لكتابة رسالة الدكتوراه اخلاصة بى إىل تنويع منط حياتى فى‬ ‫مصر ‪ .‬وال أنكر هنا أن املصريني كان لديهم الفضل األكرب‬ ‫فى مجع هذه املواد العلمية ‪ ،‬فعالقتهم باملستعربني كانت تتسم‬ ‫باحلب والدفء ‪ ،‬السيما أفراد احلراسة ‪.‬‬ ‫ال زلت أذكر ذلك العريف املصرى ذا الشعر األمحر الذى كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرحا جييد فن إلقاء‬ ‫شخصا‬ ‫يعيش فى حى الروضة ‪ .‬كان‬ ‫النكت والفكاهات ‪ .‬فعند وفاة الرئيس مجال عبد الناصر‬ ‫حضر إىل مصر رئيس الوزراء السوفيتى أليكسى كوسيجني‬ ‫لالشرتاك فى مراسم تشييع جنازته ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عائدا إىل موسكو‬ ‫وما كاد كوسيجني يرتك القاهرة‬ ‫بعد انتهاء مراسم تشييع اجلنازة حتى قص على ذلك العريف‬ ‫النكتة الالذعة التالية ‪ :‬حيضر أليكسى كوسيجني إىل‬ ‫مصر لالشرتاك فى جنازة الرئيس مجال عبد الناصر ‪ ،‬ويسأل‬ ‫كوسيجني أنور السادات نائب الرئيس املرحوم ‪ « :‬هل قال لك‬ ‫ً‬ ‫شيئا ما قبل رحيله ؟ » فأجابه أنور السادات‬ ‫مجال عبد الناصر‬ ‫بالنفى ‪ .‬يتوجه كوسيجني بنفس السؤال إىل أحد كبار رجال‬ ‫‪85‬‬


‫الدولة اآلخرين ‪ ،‬ثم إىل الثالث فيتلقى نفس اإلجابة بالنفى ‪،‬‬ ‫عندئذ صاح كوسيجني ً‬ ‫قائال ‪ « :‬إذن من سيعيد إىل نقودى ؟ ‪» ...‬‬ ‫كان العريف رجب يسجل ىل أول كل شهر أسعار السلع‬ ‫االستهالكية الضرورية مبا فى ذلك أسعار املواد الغذائية ‪.‬‬ ‫استمر ذلك على مدى عام ‪ 1970‬بأكمله ‪.‬‬ ‫كان يقوم بنفس هذا العمل مصريان آخران ‪ ،‬هما صاحب‬ ‫أقرب حمل بقالة وعامل النظافة فى الفندق الذى كنا نقيم فيه‪،‬‬ ‫اللذان كانا يسكنان فى أحياء أخرى فى القاهرة ‪.‬‬ ‫سجلت أنا بنفسى هذه األسعار مبدينة نصر ‪ .‬كان الكشف‬ ‫الذى كنت أسجله يضم ما يقرب من مخسني ً‬ ‫نوعا من البضائع ‪.‬‬ ‫كانت هذه البيانات ضرورية والزمة بالنسبة ىل حتى ميكننى‬ ‫عمل مقارنة بني األسعار الرمسية التى كان يصدر بها بيان من‬ ‫إدارة خاصة باالحتاد االشرتاكى العربى ‪ ،‬والتى كانت تطبق‬ ‫فى القطاع العام احلكومى وبني األسعار األخرى التى كانت‬ ‫تباع بها نفس هذه البضائع فى حمالت القطاع اخلاص ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بيانا بهذه األسعار‬ ‫سنويا‬ ‫كانت احلكومة املصرية ترسل‬ ‫إىل منظمة العمل الدولية فى جنيف ‪ ،‬التى كانت تقوم بدورها‬ ‫بإصدار كتاب سنوى يضم بني بياناته املختلفة األسعار املشار‬ ‫إليها ً‬ ‫آنفا ‪.‬‬ ‫مبقارنة األسعار املدونة بكتاب املنظمة الدولية وأسعار نفس‬ ‫‪86‬‬


‫هذه البضائع فى أسواق القاهرة الحظت وجود فروق كبرية‬ ‫فى األسعار تصل إىل ما بني ‪ 15‬إىل ‪ ، 20%‬لذلك توصلت إىل‬ ‫النتيجة التالية ‪ :‬وهى أن أهاىل القاهرة يدفعون فى شراء البضائع‬ ‫ً‬ ‫أسعارا أقل بـ ‪ 1/5‬من تكلفتها ‪.‬‬ ‫االستهالكية‬ ‫فيما بعد استخدمت نتائج هذا البحث امليدانى الذى قمت به فى‬ ‫كتابة رسالة الدكتوراه بهدف حساب األجور الفعلية واحلد‬ ‫األدنى للمعيشة للعمال املصريني ‪.‬‬ ‫فى أوقات فراغى كنت أستعد ألداء االمتحانات اخلاصة‬ ‫بااللتحاق بالدراسات العليا جبامعة موسكو فى التاريخ‬ ‫والفلسفة واللغة العربية الفصحى ‪ ،‬ولكى ال أنسى قواعد‬ ‫اللغة العربية الفصحى كنت أداوم على قراءة خمتلف املقاالت‬ ‫بالصحف واجملاالت املصرية مع قيامى بتشكيل نهاية‬ ‫الكلمات حسب موقعها من اإلعراب ‪.‬‬ ‫أديت امتحانات االلتحاق بالدراسات العليا بنجاح فى صيف عام‬ ‫‪ .1970‬وهكذا مر عامان ‪.‬‬

‫‪87‬‬



‫خامتة‬ ‫طويت صفحة أخرى من صفحات حياتى قضيتها فى العمل‬ ‫كمرتجم عسكرى سوفيتى فى اجليش املصرى ‪ .‬لقد مر على‬ ‫ذلك ما يزيد على الثالثني ً‬ ‫عاما ‪.‬‬ ‫أعترب هذه الفرتة من حياتى التى سردت أحداثها مرحلة طبيعية‬ ‫من مراحل حياتى كمواطن سوفيتى خيضع لقوانني بلده ‪ ،‬أدى‬ ‫اخلدمة العسكرية التى كلف بها ‪ ،‬وكمستعرب درست‬ ‫باجلامعة دورة فى جمال الرتمجة العسكرية استخدمتها خالل‬ ‫عملى فى فرتة زمنية تعد أكرب حمنة وأصعب اختبار مير به‬ ‫إنسان – أال وهى فرتة احلرب ‪.‬‬ ‫وكغريى من زمالئى ورفاقى الذين يزيد عددهم على األلف‬ ‫فرد هم فى الوقت احلاىل أعضاء مجعية احملاربني القدماء الذين‬ ‫حاربوا فى مصر ‪ ،‬والتى يقع مقرها مبوسكو ويرأسها بطل‬ ‫االحتاد السوفيتى العقيد كونستنتني بوبوف ( وهو أول من قام‬ ‫بإسقاط طائرة فانتوم عسكرية إسرائيلية ) ‪ ،‬أعرتف بأنى غري‬ ‫آسف على تلك املرحلة من حياتى ‪ ،‬ألنى قد نفذت األوامر الصادرة‬ ‫ً‬ ‫إىل من القيادة العسكرية السوفيتية العليا ‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫وقد ُ‬ ‫نلت « نوط الواجب العسكرى من الدرجة األوىل » مما‬ ‫أفتخر به ‪ .‬كما أننى فخور ً‬ ‫جدا ألننى ساعدت الشعب املصرى فى‬ ‫أحلك وأصعب أوقاته ‪ ...‬ساعدت ذلك البلد الذى كرست حياتى‬ ‫وجهدى كمستعرب من أجل دراسته ‪.‬‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬جينادى جورياتشكني‬ ‫الساحل الشماىل صيف ‪2003‬‬

‫‪90‬‬


‫السرية الذاتية‬ ‫ولدت مبنطقة سيبرييا الشرقية باالحتاد السوفيتى فى عام‬ ‫‪. 1945‬‬ ‫ً‬ ‫التحقت فى عام ‪ 1963‬مبعهد اللغات الشرقية ( حاليا يعرف‬ ‫باسم معهد بلدان آسيا وإفريقيا ) التابع جلامعة موسكو املسماة‬ ‫باسم العامل الروسى لومونوسوف ‪ ،‬ختصص « اللغة العربية وتاريخ‬ ‫البلدان العربية » ‪.‬‬ ‫خالل العام الدراسى ‪ 1968- 1967‬قضيت فرتة تدريبية بقسم‬ ‫التاريخ بكلية اآلداب – جامعة القاهرة ‪.‬‬ ‫فى عام ‪ - 1969‬أنهيت دراستى جبامعة موسكو ‪.‬‬ ‫فى نفس هذا العام استدعيت ألداء اخلدمة العسكرية فى‬ ‫اجليش السوفيتى ‪ ،‬حيث مت إيفادى إىل مصر للعمل كمرتجم‬ ‫عسكرى ‪.‬‬ ‫بعد انتهاء خدمتى العسكرية – ملدة سنتني – عدت إىل‬ ‫جامعة موسكو حيث أنهيت دراستى العليا وحصلت على درجة‬ ‫الدكتوراه عن موضوع ‪ « :‬تكون طبقة البلوريتاريا باملعامل‬ ‫واملصانع جبمهورية مصر العربية والوضع املادى هلا ( فى السنوات‬ ‫من عام ‪ 1952‬وحتى عام ‪. » ) 1970‬‬ ‫‪91‬‬


‫ً‬ ‫أستاذا لتاريخ البلدان العربية احلديث واملعاصر‬ ‫مت تعيينى‬ ‫بقسم تاريخ بلدان الشرقني األدنى واألوسط مبعهد بلدان آسيا‬ ‫وإفريقيا التابع جلامعة موسكو ‪.‬‬ ‫فى عام ‪ 1996‬دافعت عن أطروحتى للحصول على دكتوراه‬ ‫الدولة ( بروفسيور ) بنفس القسم ‪.‬‬ ‫فى عام ‪ 1998‬مت انتخابى ً‬ ‫نائبا لرئيس مجعية أصدقاء مصر فى‬

‫روسيا ‪ ،‬التى مسيت فى السابق « مجعية الصداقة السوفيتية –‬ ‫املصرية » ‪.‬‬ ‫حضرت إىل مصر مرات عديدة ‪ :‬رافقت طالب جامعة موسكو‬ ‫الوافدين إىل مصر للتدريب اللغوى بكلية اآلداب جامعة القاهرة‪.‬‬

‫اشرتكـت فـى العديد مـن النـدوات واملؤمترات العلمية‬ ‫والسياسية واالجتماعية ‪ ،‬آخرها املؤمتر الدوىل األول للعالقات‬ ‫الثقافية املصرية الروسية بدار الكتب املصرية سبتمرب ‪، 2013‬‬ ‫والذى نظمته دار نشر أنباء روسيا ‪.‬‬ ‫مؤلفحواىلعشرةكتبكرستمعظمهالتاريخوثقافةمصر‪.‬‬ ‫متت ترمجة مؤلفاتى األخرية إىل اللغة العربية ‪ « :‬األقليات‬ ‫األجنبية فى مصر» ‪ « ،‬روسيا ومصر فى ضوء األرشيفات الروسية»‬ ‫« ً‬ ‫حبثا عن الذهب »‪.‬‬ ‫فى الوقت احلاىل يتم إعداد بعض مؤلفاتى باللغة العربية ‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫ً‬ ‫مديرا‬ ‫سبق أن عملت فى الفرتة من يوليو ‪ 2000‬حتى ‪2004‬‬ ‫ً‬ ‫ونائبا لقنصل روسيا االحتادية‬ ‫للمركز الروسى للعلوم والثقافة‬ ‫باإلسكندرية ‪.‬‬

‫املؤلفات ‪:‬‬ ‫‪ 1 .1‬نشأة الطبقة العاملة املصرية فى الظروف االستعمارية فى‬ ‫مصر فى فرتة ما بني ‪ 1841‬إىل ‪ – 1914‬معهد اإلعالم البحثى‬ ‫للعلوم االجتماعية – موسكو – ‪ 1992‬باللغة الروسية ‪.‬‬ ‫‪2 .2‬مصر فى عيون الروس من أواسط القرن التاسع عشر إىل‬ ‫بداية القرن العشرين ( السياسة – االقتصاد – الثقافة ) –‬ ‫معهد اإلعالم البحثى للعلوم االجتماعية – موسكو ‪1992 ،‬‬ ‫باللغة الروسية ‪.‬‬ ‫‪ 3 .3‬دور األقليات األجنبية فى تكوين مصر االجتماعية‬ ‫احلديثة ‪ ،‬دار الثقافة اجلديدة – القاهرة ‪. 1996‬‬ ‫‪ 4 .4‬رحلة الربوفيسور نيكوالى بوجويافلينسكى إىل اخلليج‬ ‫العربى فى ‪ – 1902‬مطبعة جامعة موسكو ‪ ،‬موسكو ‪،‬‬ ‫‪ 199‬باللغة الروسية ‪.‬‬ ‫‪ 5 .5‬إطاللة على تاريخ اخلليج العربى واجلزيرة العربية من خالل‬ ‫الوثائق الروسية – اجلزء األول – البحرين ‪. 1999‬‬ ‫‪ 6 .6‬املهاجرون الروس فى مصر وتونس ( ‪ ) 1939 – 1920‬مطبعة‬ ‫‪93‬‬


‫جامعة موسكو ‪ ،‬موسكو – ‪ – 2000‬باللغة الروسية ‪.‬‬ ‫‪ 7 .7‬روسيا ومصر فى ضوء األرشيفات الروسية – أواسط القرن‬ ‫‪ – 19‬بداية القرن الـ ‪ – 20‬اهليئة املصرية العامة للكتاب –‬ ‫القاهرة ‪. 2002‬‬ ‫‪ً 8 .8‬‬ ‫حبثا عن الذهب من تاريخ العالقات الثقافية بني روسيا‬ ‫ومصر فى أواسط القرن التاسع عشر – منشأة املعارف –‬ ‫اإلسكندرية ‪. 2003‬‬

‫‪9 .9‬صفحات من احلوار الثقافى الروسى املصرى ‪:‬‬ ‫اجلزء األول ‪ :‬منشأة املعارف – اإلسكندرية – ‪. 2003‬‬ ‫اجلزء الثانى ‪ :‬منشأة املعارف – اإلسكندرية – ‪. 2004‬‬ ‫‪1010‬روسيا ومصر ‪ -‬صداقة ممتدة ‪+:‬‬ ‫الطبعة األوىل ‪ :‬منشأة املعارف – اإلسكندرية – ‪. 2003‬‬ ‫الطبعة الثانية ‪ :‬منشأة املعارف – اإلسكندرية – ‪. 2004‬‬ ‫‪1111‬بورسعيد – مهد احلركة العمالية املصرية – منشأة‬ ‫املعارف – اإلسكندرية – ‪. 2003‬‬ ‫‪1212‬العدوان الثالثى على مصر فى ذكريات املعاصرين‬ ‫وشهود األعيان السوفييت – موسكو – مطبعة معهد‬ ‫االستشراق – ‪–2007‬باللغة الروسية ‪.‬‬ ‫‪1313‬ذكريات مرتجم سوفيتى على اجلبهة املصرية (ترمجة‬ ‫د‪ .‬مدحية رضا ) ‪:‬‬ ‫‪94‬‬


‫الطبعة األوىل ‪ :‬منشأة املعارف – اإلسكندرية – ‪. 2008‬‬ ‫الطبعة الثانية ‪ :‬دار نشر « أنباء روسيا » بالتعاون مع اجلمعية‬ ‫املصرية الروسية للثقافة والعلوم –‪. 2014‬‬ ‫‪1414‬روسيا اإلسكندرية ‪ -‬مصري اهلجرة ملصر ( باللغة الروسية ) ‪:‬‬ ‫الطبعة األوىل ‪ :‬موسكو– ‪. 2010‬‬ ‫الطبعة الثانية ‪ :‬موسكو– ‪. 2012‬‬ ‫‪1515‬مصر فى األرشيفات الروسية ( ترمجة د‪ .‬إميان حييى )‬ ‫إصدار املركز القومى للرتمجة – مجهورية مصر العربية –‬ ‫‪. 2013‬‬ ‫‪1616‬حتت الطبع ‪ :‬رحلة نيكوالى بوجويافلينسكى إىل‬ ‫اخلليج العربى فى ‪ – 1902‬دار عبد العزيز للنشر – الرياض‬ ‫– اململكة العربية السعودية ‪.‬‬ ‫‪1717‬حتت الطبع ‪ :‬العدوان الثالثى على مصر فى ذكريات‬ ‫املعاصرين وشهود العيان السوفيت – القاهرة – اجمللس‬ ‫األعلى للثقافة ‪.‬‬

‫‪95‬‬



‫فهرست الصور‬ ‫‪1 .1‬أ ‪ -‬نوط الواجب العسكرى من الدرجة األوىل ‪ .‬ب ‪ -‬نيشان‬ ‫األخوة القتـالية ( موسـكو – القـاهرة ) ‪ .‬ج ‪ -‬ميـدالـية‬ ‫(احملارب القديم فى العمليات احلربية جلنود وضباط دول‬ ‫الكومنولث السوفيتية السابقة ) ‪.‬‬ ‫‪2 .2‬احلارس النوبتجى فى معسكر التدريب العسكرى‬ ‫اجلامعى ( بعد السنة الربعة من اجلامعة وقبل االمتحان‬ ‫ً‬ ‫قريبا من‬ ‫احلكومى للتدريب العسكرى ) على نهر الفوجلا‬ ‫تفري ‪ ،‬يوليو سنة ‪. 1967‬‬ ‫‪3 .3‬بني الفالحني ‪ ،‬رحلة مبعوثى جامعة القاهرة األجانب إىل‬ ‫الفيوم التى نظمها نادى الوافدين بالدفئ فرباير سنة ‪.1968‬‬ ‫‪4 .4‬الفيال العسكرية السوفيتية فى شارع العروبة ‪ -‬رقم‬ ‫‪ - 21‬مبصر اجلديدة ‪ ،‬حيث كان املستشارون واملرتمجني‬ ‫السوفييت يقضون أوقات فراغهم ‪ ،‬وحيث كانت جترى‬ ‫اجلنائز التأبينية للخرباء الشهداء السوفييت قبل إرسال‬ ‫التوابيت مع جثثهم إىل موسكو ‪.‬‬ ‫‪5 .5‬فندق ( ناصر ‪ -‬سيتى ‪ ) 4‬فى مدينة نصر حيث كان يقطن‬ ‫العسكريون السوفييت ‪.‬‬ ‫‪97‬‬


‫‪6 .6‬حفلة العشاء مع ضباط كتيبة اإلشارة السوفيتية فى‬ ‫مطعم كازينو ( مرييالند ) مبصر اجلديدة ‪ ،‬سنة ‪. 1970‬‬

‫‪7 .7‬الوالدة ‪.‬‬ ‫‪8 .8‬الوالد ‪ ،‬املشارك فى احلرب الوطنية العظمى ‪.‬‬ ‫‪9 .9‬بني أساتذة قسم تاريخ بلدان الشرقني األدنى واألوسط‬ ‫جبامعة موسكو ‪ ،‬مايو ‪. 1987‬‬ ‫‪1010‬مأدبة الغداء على النيل ‪ ،‬من اليسار – الثانى مدير معهد‬ ‫آسيا وإفريقيا جبامعة موسكو الربوفيسور ميخائيل مايري‪،‬‬ ‫الثالث أ‪ .‬د‪ .‬جينادى جارياتشكني ‪ ،‬الرابع الفريق أليكسى‬ ‫مسرينوف قائد الفرقة ‪ 18‬السوفيتية للدفاع اجلوى التى‬ ‫حاربت فى مصر إبان (حرب االستنزاف ) ‪ ،‬رحلة أعضاء مجعية‬ ‫احملاربني القدامى فى مصر بدعوة من الدكتور‪ /‬إبراهيم‬ ‫كامل فى سنة ‪. 1996‬‬ ‫‪1111‬املركز الروسى للعلوم والثقافة باإلسكندرية ‪.‬‬ ‫‪1212‬أ‪ .‬د‪ .‬جينادى جورياتشكني فى مكتبه باملركز‬ ‫الثقافى الروسى باإلسكندرية ‪ ،‬من اليسار متوىل حممد حبر‪،‬‬ ‫أقدم موظف فى املركز ( منذ ‪ ، )1971‬من اليمني الصحفى‬ ‫السباعى من جريدة األهاىل ( حزب التجمع ) ‪ ،‬عام ‪. 2004‬‬ ‫‪1313‬املـركـز الثـقافـى الـروسـى باإلسكـندريـة ‪ ،‬حـفـلة‬ ‫االستقبال مبناسبة الذكرى الـ ‪ 60‬من استئناف العالقات‬ ‫‪98‬‬


‫السياسية بني مصر واالحتاد السوفيتى والذكرى الـ ‪35‬‬ ‫إلنشاء املركز الثقافى الروسى باإلسكندرية ‪ .‬من اليسار‬ ‫القنصل الرتكى العام ‪ ،‬القنصل الروسى العام نور حممد‬ ‫خولوف ‪ ،‬نائب القنصل ومدير املركز الثقافى الروسى أ‪ .‬د‪.‬‬ ‫جينادى جارياتشكني ‪ ،‬رئيسة نادى السيدات الروسيات‬ ‫أوجلا السيد ‪ ،‬واملسئولة عن نشاط املركز الثقافى إفجينيا‬ ‫كرامارينكو ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ 29‬نوفمرب سنة ‪. 2003‬‬ ‫‪1414‬فى املعرض الفنى للرسامة الروسية تاتيانا بوجاييفا من‬ ‫اليسار – الفنانة بوجاييفا ‪ ،‬مدير املركز الثقافى الروسى‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬جينادى جارياتشكني ‪ ،‬السيد حمافظ اإلسكندرية‬ ‫حممد عبد السالم حمجوب ‪ ،‬السيد مدير مركز اإلبداع‬ ‫حييى عاشور ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ 5‬أكتوبر عام ‪. 2003‬‬ ‫‪1515‬ستوديو ( تشايكا ) املسرحى ‪ ،‬وهو فخر املركز الثقافى‬ ‫الروسى باإلسكندرية ‪ ،‬بعد مسرحية ( الدب ) لتشيخوف ‪،‬‬ ‫الثالث من اليسار رئيس ستوديو ( تشايكا ) األستاذ محدى‬ ‫سامل ‪. 2001 – 2 – 25‬‬ ‫‪1616‬راقصات الباليه برئاسة املدربة الريسا بينتشوكوفا ‪،‬‬ ‫اإلسكندرية ‪ ،‬عام ‪. 2003‬‬ ‫‪1717‬أ‪ .‬د‪ .‬جينادى جورياتشكني مع ابنته أوجلا والزوجة جالينا‪.‬‬ ‫‪1818‬بعد العودة إىل موسكو سنة ‪. 2006‬‬ ‫‪1919‬أ‪ .‬د‪ .‬جينادى جورياتشكني يتسلم من د‪ .‬عبد الواحد‬ ‫‪99‬‬


‫النبوى رئيس دار الوثائق القومية ميدالية الشيخ حممد عياد‬ ‫الطنطاوى ‪ -‬أول ُمعلم للعربية باإلمرباطورية الروسية ‪ -‬أثناء‬ ‫مشاركته فى أعمال املؤمتر الدوىل األول للعالقات الثقافية‬ ‫املصرية الروسية الذى عقد بدار الكتب املصرية – سبتمرب‬ ‫‪ - 2013‬برعاية دار نشر “ أنباء روسيا ” ‪.‬‬

‫‪100‬‬


‫الصـور‬



‫(أ)‬ ‫(‪)1‬‬

‫(ب)‬

‫(ج)‬

‫أ ‪ -‬نوط الواجب العسكرية من الدرجة األوىل ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬نيشان األخوة القتالية ( موسكو – القاهرة ) ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬ميدالية ( احملارب القديم فى العمليات احلربية‬ ‫جلنود وضباط دول الكومنولث السوفيتية السابقة )‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫‪ - 2‬احلارس النوبتجى فى معسكر التدريب‬ ‫العسكرى اجلامعى‬

‫‪104‬‬


‫‪ - 3‬بني الفالحني ‪ ،‬رحلة مبعوثى جامعة القاهرة األجانب إىل الفيوم‬

‫‪105‬‬


‫‪ - 4‬الفيال العسكرية السوفيتية فى شارع العروبة‬

‫‪106‬‬


‫‪ - 5‬فندق ( ناصر ‪ -‬سيتى ‪ ) 4‬فى مدينة نصر‬

‫‪107‬‬


‫‪ - 6‬حفلة العشاء مع ضباط كتيبة اإلشارة السوفيتية‬

‫‪108‬‬


‫‪ - 7‬الوالدة‬

‫‪109‬‬


‫‪ - 8‬والد د ‪ .‬جينادى جورياتشكني املشارك فى احلرب‬ ‫الوطنية العظمى‬ ‫‪110‬‬


‫‪ - 9‬د ‪ .‬جينادى جورياتشكني بني أساتذة قسم تاريخ بلدان‬ ‫الشرقني األدنى واألوسط جبامعة موسكو ‪ ،‬مايو ‪1987‬‬

‫‪111‬‬


‫‪ - 10‬مأدبة الغداء على النيل‬

‫‪112‬‬


‫‪ - 11‬املركز الروسى للعلوم والثقافة باإلسكندرية ‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫‪ - 12‬أ‪ .‬د‪ .‬جينادى جارياتشكني فى مكتبه باملركز‬ ‫الثقافى الروسى باإلسكندرية‬

‫‪114‬‬


‫‪ - 13‬املركز الثقافى الروسى باإلسكندرية ‪ ،‬حفلة‬ ‫االستقبال مبناسبة الذكرى الـ ‪ 60‬من استئناف العالقات‬ ‫السياسية بني مصر واالحتاد السوفيتى والذكرى الـ ‪35‬‬ ‫إلنشاء املركز الثقافى الروسى باإلسكندرية‬ ‫‪115‬‬


‫‪ - 14‬فى املعرض الفنى للرسامة الروسية تاتيانا بوجاييفا‬

‫‪116‬‬


‫‪ - 15‬ستوديو ( تشايكا ) املسرحى فى املركز الثقافى‬ ‫الروسى باإلسكندرية‬

‫‪117‬‬


‫‪ - 16‬راقصات الباليه برئاسة املدربة الريسا بينتشوكوفا‬

‫‪118‬‬


‫‪ - 17‬أ‪ .‬د‪ .‬جينادى جورياتشكني مع ابنته أوجلا والزوجة‬ ‫جالينا‪.‬‬

‫‪119‬‬


‫‪ - 18‬بعد العودة إىل موسكو سنة ‪2006‬‬

‫‪120‬‬


‫‪ - 19‬أ‪ .‬د‪ .‬جينادى جورياتشكني يتسلم ميدالية الشيخ حممد‬ ‫عياد الطنطاوى من د‪ .‬عبد الواحد النبوى رئيس دار الوثائق‬ ‫القومية فى املؤمتر الدوىل األول للعالقات الثقافية املصرية‬ ‫الروسية – سبتمرب ‪ - 2013‬برعاية دار نشر “ أنباء روسيا” ‪.‬‬ ‫‪121‬‬



‫الفهرس‬ ‫تـــقديـم‬ ‫مقــــدمة أ‪.‬د‪ .‬جينادى جورياتشكني ‪........................................‬‬ ‫مقدمة ‪.............................................................................................................‬‬ ‫ذكريات مرتجم سوفيتى على اجلبهة املصرية ‪..................‬‬ ‫اخلامتة ‪............................................................................................................‬‬ ‫السرية الذاتية ‪.......................................................................................‬‬ ‫فهرست الصور ‪.............................................................................................‬‬ ‫الصور ‪...............................................................................................................‬‬ ‫‪.......................................................................................................‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪101‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.