مصر فى عيون روسية

Page 1



‫الناشر‬

‫رئيس جملس اإلدارة ورئيس التحرير‬

‫د‪ .‬حســـني الشــــــافعي‬ ‫‪h.elshafie57@mail.ru‬‬

‫‪ЕГИПЕТ ГЛАЗАМИ РОССИЯН‬‬ ‫‪XV- XVIII ВЕКОВ‬‬ ‫‪В. В. Беляков‬‬ ‫‪2015 г.‬‬

‫املراسالت‬ ‫القاهرة – مدينة العبور‬ ‫‪ 44971‬مكتب بريد مجعية أمحد عرابي‬ ‫ص‪ .‬ب ‪72 .‬‬

‫‪Tel. & Fax: + (202) 24 77 38 70 & 71‬‬ ‫‪E-mail: secertary_ert@yahoo.com‬‬

‫التصحيح واملراجعة‬ ‫حامد أمحد حممد‬

‫نور اهلدى شفيق احلسن‬ ‫إدارة الرتمجة‬ ‫منى فرج حامد‬

‫بالتعاون مع‬

‫اإلخراج الفين‬ ‫مــى مـجـدى‬ ‫الطباعة‬ ‫دار الطباعة املتميزة‬ ‫مدينة العبور – القاهرة‬ ‫‪Tel. & Fax: + (202) 4478 96 44 & 46‬‬

‫الطبعة األوىل ‪2015‬‬ ‫دار نشر أنباء روسيا‬ ‫مجيع حقوق الطبع والنشر حمفوظة للناشر‪.‬‬ ‫ال حيق إعادة طبع أو نسخ حمتويات هذا الكتاب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضوئيا‬ ‫إلكرتونيا أو‬ ‫دومنا إذن كتابي من الناشر ‪.‬‬

‫رقم اإليداع‬ ‫‪2014 / 15424‬‬

‫اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم‬ ‫‪При содействии‬‬ ‫‪eгипетско –российской‬‬ ‫‪ассоциации по культуре и науке‬‬

‫رئيس جملس األمناء رئيس جملس اإلدارة‬ ‫ا‪.‬د فيتاىل ناؤمكني د‪.‬حسني الشافعى‬




‫مقدمة الناشر‬ ‫«مصر فى عيون روسية» هو أول قراءة بالعربية ملا ّخطه الرحالة الروس الذين قصدوا مصر‬ ‫فى طريقهم لزيارة األماكن املقدسة فى فلسطني وسيناء فى الفرتة ما بني القرن اخلامس‬ ‫عشر إىل القرن الثامن عشر ‪.‬‬ ‫عمل الباحث الروسى فالدميري بلياكوف على مذكرات هؤالء الرحالة ‪ -‬أو باألدق‬ ‫مذكرات احلجاج األرثوذكس الروس ‪ -‬على مدى سنوات ‪ ،‬فقام جبمعها وحتقيقها‬ ‫وتدقيقها لتخرج فى هذا الكتاب فى إطار مشروعنا للتعاون واإلصدار املشرتك مع معهد‬ ‫االستشراق الروسى العريق – والذى تأسس عام ‪ ، - 1812‬وهو املعهد الذى يعمل ضمن‬ ‫كوكبة باحثيه فالدميري بلياكوف ‪ ،‬ويديره املستشرق املعروف فيتاىل ناؤمكني ‪.‬‬ ‫اجلانب األكرب من أصول هذه املذكرات التى صاغها احلجاج الروس األرثوذكس كان‬ ‫ً‬ ‫مثناثرا ‪ ،‬فقام املعهد الفرنسى لعلوم اآلثار الشرقية فى القاهرة بتكليف أوليج فولكوف‬ ‫(‪ )1987 - 1913‬جبمعها فى جملد واحد ‪ ،‬وأصدرها فى كتاب بالفرنسية «الرحالة الروس‬ ‫فى مصر» ‪ ،‬أضف إىل ذلك املذكرات احملفوظة بأرشيف «السياسة اخلارجية لألمرباطورية‬ ‫الروسية» وهو ما يؤكد أن ً‬ ‫بعضا من هؤالء احلجاج كانوا فى رحلة حجهم لألماكن‬ ‫املقدسة – مبعوثني من قبل اإلمرباطورية فى مهام عمل ‪.‬‬ ‫مل ختل هذه املذكرات ‪ -‬أو قل بعضها ‪ -‬من شطحات الرحالة فى وصف بعض ما يرونه من‬ ‫معجزات يبدو أنها كانت منتشرة آنذاك ‪ ،‬ومل‬ ‫برتهات أو‬ ‫مبالغات تارة ‪ ،‬أو ربط ما يرونه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يرتكها املؤلف دومنا تعليق رغم أنها مل تكن لتمر على فطنة القارئ ‪.‬‬ ‫لكن يبقى أن هذه املذكرات التى بني أيديكم للحجاج الروس األرثوذكس حوت‬ ‫ً‬ ‫وصفا للبالد والعباد هو بالقطع هام ‪ ،‬نتلمس منه كيف عاش األهل فى القرون الغابرة‪،‬‬ ‫فما بني وصف األسواق واحلارات والزحام بني الناس لضيق الشوارع وفيضان النيل مع ندرة‬ ‫األمطار إىل وصف القاهرة واألسكندرية ورشيد ودمياط وسانت كاترين‬ ‫كيف عاش املصريون آنذاك ‪ ..‬وما هى عاداتهم ‪ ..‬كيف رآهم احلاج القادم من البالد‬ ‫البعيدة ‪ ،‬وكيف فهم طقوسهم ‪ ،‬وسلوكياتهم ‪ ،‬وطرائق حياتهم ‪ ..‬هذا هو ما نقدمه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيال للكنائس املصرية العريقة ‪ ،‬وسري قديسيها ‪ ،‬وحياة‬ ‫وصفا‬ ‫لكم‪ ،‬أضف إىل ذلك‬ ‫رهبانها فى تلك األوقات ‪ ..‬وهو وصف يندر أن حياكيهم فيه غريهم من حجاج ملا حواه من‬ ‫شروح وتفاصيل لعلنا نقرأها للمرة األوىل بهذه الصورة اجلميلة الودودة ‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫يتعرض كتابنا «مصر فى عيون روسية» ملذكرات احلجاج الروس األرثوذكس خالل‬ ‫الفرتة ما بني القرنني اخلامس عشر إىل الثامن عشر ‪ ،‬بد ًءا من رحلة القس فارسونوفى إىل‬ ‫املدينة املقدسة «أورشليم» عام ‪ ، 1462‬حتى رحلة كري برونيكوف عام ‪ ، 1820‬والتى‬ ‫أصدرها فى «رحلة لألماكن املقدسة بأوروبا وآسيا وأفريقيا التى قام بها فى أعوام ‪– 1820‬‬ ‫‪ 1821‬ساكن قرية بافلوفا كري برونيكوف موسكو إصدار ‪. 1841‬‬ ‫مرو ًرا مبذكرات احلاج فاسيلى فى ‪ ، 1466‬والتى صدرت ضمن اجملموعة األرثوذكسية‬ ‫الفلسطينية اإلصدار ‪ 6‬ملكتبة سانت بطرسبورج عام ‪ 1884‬حتت عنوان «رحلة التاجر‬ ‫فاسيلى فى آسيا الصغرى ومصر وفلسطني» ‪ ،‬ورحلة مصيور مونيخني عام ‪ 1493‬واملنشورة‬ ‫فى «رحلة مصيور مونيخني إىل الشرق» ونشرتها األكادميية اإلمرباطورية للعلوم فى‬ ‫‪ ، 1899‬وتضمن الكتاب أيضًا مذكرات الراهب جرجيورى عام ‪ ، 1547‬ومذكرات مبعوث‬ ‫ً‬ ‫حامال الصدقة اإلمرباطورية لبطريرك األسكندرية لنيل الربكة‬ ‫القيصر إيفان جروزنى‬ ‫من أجل صحة ولديه إيفان ‪ ،‬وفيودر ‪ ،‬وهو فاسيلى بوزيناكوف عام ‪ ، 1558‬كذا حيتوى‬ ‫الكتاب على وصف رحلة تريفون كوربينـكوف عام ‪ 1582‬وقد كان ضمن بعثة‬ ‫إيفان الرهيب املرسلة إىل أرض الشرق املقدسة عام ‪ 1582‬حمملة بالصدقة لتأبني روح وىل‬ ‫إيفان املقتول بيد والده ‪ .‬هنا نشري إىل أنه يبدو وكأن مذكرات كوربينكوف هذا مل‬ ‫ً‬ ‫عي باحث‬ ‫تكن إال‬ ‫إقتباسا وتكرا ًرا ملذكرات فاسيلى بوزنياكوف ‪ ،‬وهو أم ٌر ال ِ‬ ‫ختطئه نِ‬ ‫أو قارئ ‪.‬‬ ‫إىل ذلك تأتى مذكرات فاسيلى جاجارا عام ‪ 1643‬املنشورة حتت اسم «احلياة والرحلة إىل‬ ‫أورشيليم ومصر من ‪ ، 1637 : 1634‬وهى مذكرات حكت عن إنتقال العائلة املقدسة إىل‬ ‫مصر حممولني على السحاب إىل املطرية ‪.‬‬ ‫حيوى الكتاب إضافة إىل ما سبق ما ّخطه أرسينى سوخانوف عام ‪ ، 1651‬وهو مبعوث‬ ‫القيصر الروسى ملشاهدة ومالحظة الطقوس الكنسية فى الشرق ‪ .‬كذا ما جاء بكتاب‬ ‫«حكايات الشعب الروسى التى مجعها الرحالة ساخاروف عام ‪ »1849‬والذى تضمن رحلة‬ ‫لضابط روسى غري معروف ما بني عامى ‪:1662‬‬ ‫الشماس إيونا عام ‪ 1651‬ملصر ‪ ،‬ومذكرات‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ، 1664‬ومذكرات القديس املوسكوفى إيوان لوكيانوف عام ‪ 1701‬والتى نشرت فيما‬ ‫بعد فى إصدار «رحلة إىل األرض املقدسة» ‪ ،‬ورحلة مكارى وسيليفورست عام ‪، 1705‬‬ ‫ورحلة أندرى إجيناتيف عام ‪ 1707‬والتى نشرت ضمن «قراءة فى تاريخ اجملتمع اإلمرباطورى‬ ‫واآلثار الروسية فى جامعة موسكو عام ‪ ، »1873‬ورحلة األب إيبوليت فيشينسكى إىل‬ ‫أورشيليم وسيناء وجبل أثوس عام ‪ ، 1709 – 1707‬ومذكرات الرحالة بارسكى ‪:1727‬‬ ‫‪ 1730‬والتى نشرت فى إصدار «رحالت فاسيلى بارسكى إىل األماكن املقدسة فى‬ ‫الشرق – عام ‪ 1723‬إىل عام ‪ . 1747‬وكذا رحلة األب إجيناتى دينشني فى ‪ ، 1770‬ورحلة‬ ‫األرمشندريت قنسطنطني عام ‪ 1429‬والتى تركها مكتوبة بالروسية ‪ ،‬واليونانية وهو ما‬ ‫يرجح كونه فى ظن بلياكوف – يونانى األصل وهى الرحلة التى بدأها باألسكندرية‬ ‫فيسهب فى وصفها لينتقل منها ليحكى عن اآلثار حول هذه املدينة البديعة ‪ .‬يتضمن‬ ‫‪6‬‬


‫الكتاب ً‬ ‫أيضا عودة ملذكرات كري برونيكوف عام ‪ 1820‬ليحكى هذه املرة فيها عن‬ ‫رحلته من سيناء للقاهرة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متمثال فيما يكتبه املؤلف‬ ‫اجلزء األهم فى هذا الكتاب – كما سنقرأ – يأتى‬ ‫بلياكوف ً‬ ‫قارئا ما بني سطور املذكرات التى سجلها احلجاج الروس ‪ ،‬فيعمل املؤلف فى‬ ‫الفصل اخلتامى من الكتاب إلستعراض مقارن لرؤى احلجاج عن طبيعة املدن التى زاروها‪،‬‬ ‫ومناخها ‪ ،‬والنيل ‪ ،‬ومملكة احليوانات ‪ ،‬والناس واالقتصاد والقاهرة واألسكندرية‬ ‫وغريهما من املدن واآلثار املسيحية واملصرية القدمية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ترمجة هذه املذكرات إستغرقت ً‬ ‫ومعلومات‬ ‫طويال ‪ ،‬فما بني مصطلحات كنسية‬ ‫وقتا‬ ‫ٍ‬ ‫من زمن ماض ‪ ،‬وأمساء لكنائس ولقديسني عديدين أخذت فى ترمجتها ً‬ ‫ً‬ ‫إضافيا بذل‬ ‫جهدا‬ ‫ٍ‬ ‫فيه املرتجم – الدكتور حممد رياض غلوش – أقصى درجات التدقيق والتمحيص ساعده‬ ‫فيها آباء وقساوسة كثريين جلأ إليهم إلستشارتهم ‪ ،‬فلم يبخلوا بعطاياهم ‪ ،‬فلهم ‪ ،‬وله‬ ‫الشكر اجلزيل ‪.‬‬ ‫الكتاب يأتى فى إطار مشروع مشرتك للتعاون مع معهد اإلستشراق التابع ألكادميية‬ ‫العلوم الروسية لنشر الرتاث و الكتابات املعاصرة عن بلدينا ‪ :‬مصر و روسيا‬ ‫ما تبقى بني أيديكم فى هذا اإلصدار «مصر فى عيون روسية» هو رؤية للحجاج‬ ‫األرثوذكس عن بلد النيل «مصر» ترصد ما كانت عليه البالد والعباد منذ قرون مضت ‪،‬‬ ‫فلعلها رؤية تضيف ‪ ،‬فتغنى ‪ ..‬وأثق أنها كذلك ‪.‬‬

‫د‪ .‬حســـني الشافعى‬ ‫رئيس جملس إدارة‬ ‫ورئيس حترير جملة «أنباء روسيا»‬ ‫رئيس اجلمعية املصرية الروسية للعلوم و الثقافة‬ ‫يناير ‪2015‬‬

‫‪7‬‬



‫مقدمة املرتجم‬ ‫الشك أن كتاب مصر فى عيون روسية من الكتب اهلامة ‪ ،‬إذ أنه يلقى الضوء على‬ ‫ً‬ ‫كثريا ‪ ،‬وهى فرتة حكم الباشوات األتراك التى كانت‬ ‫فرتة مل يتطرق إليها املؤرخون‬ ‫ً‬ ‫أسلوبا تتبعه الدولة العثمانية فى كل الواليات‬ ‫تتصف بالعزلة واجلمود ‪ .‬وكان هذا‬ ‫التى حكمتها‪ .‬وقد تعرض الكتاب هلذا املوضوع ‪ ،‬حني كان الواىل العثمانى ال ميكث‬ ‫ً‬ ‫طويال فى واليته كى ال يستقل بها ‪ ،‬مما جعل كل همه أن يسلب البلد ماهلا وخرياتها ‪.‬‬ ‫يتضمن الكتاب معلومات كثرية عن مصر ‪ ،‬ومدنها ‪ ،‬ونيلها ‪ ،‬وسكانها ‪ ،‬وآثارها‬ ‫ً‬ ‫مكانا‬ ‫القدمية الفرعونية ‪ ،‬ومعاملها الدينية اإلسالمية واملسيحية ‪ .‬وشغلت املعامل املسيحية‬ ‫ً‬ ‫حجاجا مسيحيني أرثوذكس ‪ ،‬وكان لبعضهم رتباً‬ ‫ً‬ ‫متميزا فى كتاباتهم كونهم كانوا‬ ‫كنسية ‪ .‬وقد قاموا بزيارة ووصف األماكن املقدسة فى مصر القدمية واملطرية ‪ ،‬وكذلك‬ ‫املعامل األرثوذكسية الدينية ‪ ،‬خاصة دير القديس جيورجى ( مار جرجس ) والقديس‬ ‫سابا‪ ،‬ومقرات دير سيناء فى بعض املدن ‪ ،‬والذى يطلق عليه ميتوخ أو ميتوخا ‪ ،‬وكنيسة‬ ‫القديس سابا فى اإلسكندرية ‪ .‬ووصفوا األيقونات الشهرية التى حتدث عنها معجزات‬ ‫وبشارات ‪ .‬وتناولوا بعض املواضيع املسيحية الشهرية ذات الطابع اإلعجازى ‪ ،‬والتى يؤمن‬ ‫بها املسيحيون فى مصر ‪ .‬ولعل من أبرزها قصة حتريك جبل املقطم بفضل دعوات وصلوات‬ ‫القديس مسعان اخلراز ‪ ،‬وسنلقى عليها الضوء إذ أنها وردت أكثر من مرة فى مذكراتهم ‪.‬‬ ‫غري معروف على وجه التحديد الكثري من التفاصيل عن القديس مسعان اخلراز ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫موجودا فى بابليون ( مصر القدمية ) فى زمان البطريرك‬ ‫يؤكد أنه كان‬ ‫ولكن التاريخ‬ ‫األنبا إبرآم السريانى (‪979- 975‬م) ‪ ،‬وفى عهد اخلليفة املعز لدين اهلل الفاطمى ‪ ،‬أول حكام‬ ‫الدولة الفاطمية فى مصر ‪ ،‬وكانت حرفته دباغة اجللود ‪ ،‬ومعها صناعة األحذية وخالفه ‪.‬‬ ‫هناك قصة مشهورة عنه ‪ ،‬أنه فى أحد األيام جاءت إليه امرأة لتصلح ِحذائها ‪ ،‬وكانت‬ ‫هذه املرأة مجيلة الصورة ‪ ،‬فبينما كانت ختلع ِحذائها ‪ ،‬انكشفت ساقاها ‪ ،‬فنظرت عيناه‬ ‫ً‬ ‫تنفيذا لوصية الرب ‪ “ :‬إن‬ ‫إليهما بشهوة ‪ .‬ففى احلال ضرب املِخراز فى إحدى عينيه فأفرغها ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اليمنى تعثرك ‪ ،‬فاقلعها ‪ ،‬وألقها عنك ‪ ..‬ألنه ٌ‬ ‫كانت عينك ُ‬ ‫خري لك أن يهلك أحد أعضائك ‪،‬‬ ‫وال ُيلقى جسدك كله فى جهنم” ‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫ّ‬ ‫حرفي ًا ببساطة ‪ ،‬ولكن الكنيسة ال تسمح بهذا وال ُت َع ِّلم به ‪ ،‬إمنا هو‬ ‫لقد َن َّفذ الوصية‬ ‫تصرف حبرية وبساطة ‪ ،‬فساحمته الكنيسة ‪.‬‬ ‫كان القديس مسعان اخلراز زاه ً‬ ‫متقش ً‬ ‫ِّ‬ ‫فا ‪ ،‬ظهر هذا من ثنايا حديثه مع األب البطريرك‬ ‫دا‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫املؤكد أنه كان رجل صالة عجيب‪ ..‬وكان‬ ‫األنبا إبرآم حينما سأله عن حياته ‪ ..‬وإنه من‬ ‫يقوم خبدمة الشيوخ واملرضى ويوصل هلم املاء كل يوم ‪ ..‬وكان يوزع اخلبز والطعام‬ ‫عا للغاية ‪ ،‬وذا إميان قوى ً‬ ‫يوميا على احملتاجني فى املنطقة ‪ .‬وكان القديس ُمتواض ً‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫كان املُ ِعز لدين اهلل الفاطمى‬ ‫رجال محُِ ب ًّا جملالس األدب ‪ ،‬واملباحثات الدينية ‪ ..‬وكان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫متعصبا ‪ ،‬اعتنق اإلسالم لينال منصبه ‪ ،‬امسه “ يعقوب بن كلس” ‪.‬‬ ‫يهودي ًا‬ ‫رجال‬ ‫هناك‬ ‫ً‬ ‫وكان مبغضا للمسيحيني ‪ ،‬خاصة “ قزمان بن مينا الشهري بأبى اليمن” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حاجج اليهود أمامه ‪..‬‬ ‫فى يوم من األيام أرسل اخلليفة لألب البطريرك ليحدد موعدا ُلي ِ‬ ‫فاصطحب معه األنبا ساويرس بن املقفع أسقف األمشونيني ( بالصعيد ) ‪ ..‬فبدأ األسقف‬ ‫باتهام اليهود باجلهل ! ‪ ،‬وأفحم اليهودى باستشهاده باآلية القائلة ‪ “ :‬الثور يعرف قانيه ‪،‬‬ ‫واحلمار معلف صاحبه ‪ .‬أما إسرائيل فال يعرف ! شعبى ال يفهم” (إش‪ . )3:1‬كان من أثر‬ ‫ذلك أن تضايق الوزير بن كلس للغاية ‪ ،‬وأخذ هو ورفيقه موسى فى التفتيش فى اإلجنيل‬ ‫عن أى آية ترد له اعتباره ‪ ..‬فوجد “ لو كان لكم إميان مثل حبة خردل ‪ ،‬لكنتم تقولون‬ ‫هلذا اجلبل انتقل من هنا إىل هناك فينتقل ‪ ،‬وال يكون شىء غري ممكن لديكم”‬ ‫(مت ‪. )20:17‬‬ ‫فأسرع وأراها للخليفة ‪ ،‬وطلب منه أن جيعل النصارى يثبتون صحة هذا الكالم ‪..‬‬ ‫فأعجب اخلليفة بالفكرة ‪ ،‬وخاصة أنه َّ‬ ‫فكر فى إزاحة اجلبل اجلاثم شرق املدينة اجلديدة‬ ‫( القاهرة ) ‪ .‬أما إذا عجز النصارى عن تنفيذ هذا الكالم ‪ ،‬فهذا دليل على ُبطالن دينهم ‪،‬‬ ‫ومن ثم حتتم إزالة هذا الدين ‪.‬‬ ‫أرسل اخلليفة للبابا وخيرَّ ُه ما بني تنفيذ الوصية ‪ ،‬أو اعتناق الدين اإلسالمى ‪ ،‬أو ترك‬ ‫البالد ‪ ،‬أو املوت ! فطلب البابا من اخلليفة ثالثة أيام ‪ ،‬ونادى بصوم واعتكاف إىل مجيع‬ ‫الشعب ‪ ..‬وفى فجر اليوم الثالث ظهرت السيدة العذراء للبابا ‪ ،‬وأرشدته بأن خيرج ‪ ،‬وسيلتقى‬ ‫عند خروجه برجل حيمل جرة ‪ ،‬وهو الذى ستحدث املعجزة على يدية ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وحتدث معه ‪ ،‬عن حياته وروحياته ‪ ،‬وسبب‬ ‫خرج البابا بالفعل ‪ ،‬وقابل القديس مسعان ‪،‬‬ ‫فقده لعينه‪ ..‬إخل ‪ .‬فقال القديس للبابا أن يصلى مع الشعب كريياليسون ‪ 400‬مرة ويصلى‬ ‫صالة القداس ‪ ،‬وهم حيملون األناجيل والصلبان والشموع ‪ ..‬وهو سيقف معهم خلف البابا‬ ‫كواحد من الشعب ‪ .‬وبعد ذلك جيب على البابا السجود مع الكهنة ويرسم اجلبل بعالمة‬ ‫الصليب املقدسة ‪ ،‬وسريى جمد اهلل ‪.‬‬ ‫وبالفعل مت كل هذا ‪ ..‬وبعد أن رفع البابا يده ورسم عالمة الصليب املقدسة على اجلبل‪،‬‬ ‫‪10‬‬


‫إذ بزلزلة عظيمة حتدث ‪ ،‬ومع كل قيام من سجدة يرتفع اجلبل ‪ ،‬ومع كل سجدة يندك‬ ‫اجلبل وتظهر الشمس من حتته وهو يتحرك ‪.‬‬ ‫وانزاحت ُ‬ ‫الغمة ‪ ،‬ولكن القديس مسعان اخلراز هرب من اجملد الباطل إىل ساعة موته ‪،‬‬ ‫وظهور جسده فى مصر بعد ذلك ‪ ،‬و تقع كنيسته على جبل املقطم ‪.‬‬ ‫ومن القصص األخرى التى وردت فى هذا الكتاب قصة بطرس عديم الرمحة الذى حتول‬ ‫بفضل رغيف ضرب به أحد الفقراء إىل بطرس العابد ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شديدا فى شحه و خبله حتى لقبوه بالذى ال‬ ‫قاسيا فى معاملته ‪،‬‬ ‫عشارا‬ ‫بدأ بطرس حياته‬ ‫رمحة فيه قصده فقري ذات يوم يسأل صدقة ‪ ،‬فلم جيبه إىل طلبه – لكن السائل استمر‬ ‫ً‬ ‫فى إحلاحه ‪ ،‬واتفق أن وصل غالمه حيمل ً‬ ‫قاصدا‬ ‫خبزا ‪ ،‬فأخذ خبزة وألقاها فى وجه الفقري‬ ‫ضربه و ليس بقصد الرمحة – لكن ذلك الفقري احننى حنو اخلبزة و أخذها وانصرف ‪ .‬وأراد‬ ‫الرب أن يغري قلب ذلك الرجل ‪ ،‬و حيطم متثال الذهب الذى نصبه فى قلبه ‪ ،‬فرأى بطرس فى‬ ‫تلك الليلة حلما و كأنه فى يوم الدينونة ‪ ،‬واقفا للمحاكمة أمام املالئكة ‪ .‬و مل توجد‬ ‫له حسنات سوى تلك اخلبزة التى قد ضرب بها الرجل الفقري ‪ .‬واستيقظ من نومه مذعورا‬ ‫مرجتفا – وأخذ يفكر فى ذلك احللم ‪ ،‬و معه أخذ يلوم نفسه على عدم رمحتها ‪ .‬و كان‬ ‫ذلك سببا فى ان حتول شحه و خبله إىل رمحة بالغة – حتى أنه بعد توزيع ثورته على‬ ‫الفقراء مل جيد شيئا يتصدق به إال ثوبه الذى يرتديه ‪ ،‬فخلعه و تصدق بثمنه ‪ ،‬و قيل أنه ملا‬ ‫ً‬ ‫عبدا و تصدق بالثمن على الفقراء ‪ .‬و ملا اشتهر‬ ‫مل يبق له شئ ترك بلده ومضى ‪ ،‬فباع نفسه‬ ‫أمره وذاعت فضيلته قصد برية شيهيت ‪ ،‬وأمضى بقية حياته فى عبادة و نسك أهلته فى‬ ‫النهاية إىل أن يعرف ساعة انتقاله من العامل ‪.‬‬

‫و من املعامل اإلسالمية التى جذبت انتباه الرحاله الروس و أثارت دهشتهم بئر يوسف الذى‬ ‫نسبوه خطأ إىل نبى اهلل يوسف ‪ ،‬حتى أن أكثر من عاش منهم فى مصر ( بارسكى ) قال‬ ‫أنه مل يتسن له أن يرى مثل هذا الشئ فى أى مكان زاره ‪ . ،‬و منهم من اعتربه جب يوسف ‪،‬‬ ‫و منهم من اعتربه الزنزانة التى سجن فيها يوسف ‪ .‬لكن احلقيقة أن النبى يوسف مل يعش‬ ‫ً‬ ‫مطلقا ‪ ،‬إذ قبل القرن الثانى عشر امليالدى مل يكن هناك فى هذا املوقع شئ‬ ‫فى هذا املكان‬ ‫على اإلطالق ‪ .‬و البئر ينسب إىل الناصر يوسف صالح الدين بانى القلعة فى القرن الثانى‬ ‫عشر امليالدى ‪ ،‬و البئر بالفعل معجزة هندسية مائية معقدة ‪.‬‬ ‫تقع البئر بالناحية اجلنوبية من جامع الناصر حممد بن قالوون ‪ .‬و قد اشتهرت هذه البئر‬ ‫باسم يوسف حيث نسبته األساطري الشعبية إىل النبى يوسف عليه السالم ‪ .‬كما تسمى‬ ‫أيضا بئر احللزون ‪.‬‬ ‫وقد ُنسبَت خطأ إىل نبى اهلل يوسف بن يعقوب عليهما السالم ‪ ،‬بينما الصحيح أنه‬ ‫تنسب إىل الناصر يوسف صالح الدين ‪ .‬وقد ذكر املؤرخ املقريزى وصفا هلذه البئر ‪ ،‬حيث‬ ‫قال ‪ “ :‬هذه البئر من العجائب استنبطها قراقوش ‪ ...‬وهذه البئر من عجائب األبنية تدور البقر‬ ‫‪11‬‬


‫من أعالها فتنقل املاء من نقالة فى وسطها ‪ ،‬و تدور أبقار فى وسطها تنقل املاء من أسفلها ‪،‬‬ ‫وهلا طريق إىل املاء ينزل البقر إىل معينها فى جمار ‪ ،‬ومجيع ذلك حجر منحوت ليس فيه بناء‬ ‫‪ .‬وقيل أن أرضها مسامتة أرض بركة الفيل وماؤها عذب ‪ .‬مسعت من حيكى من املشايخ‬ ‫أنها ملا ُن ِق َرت جاءت حلوة عذبة فى أول األمر ‪ ،‬و ملا أراد قراقوش زيادة مائها وسع نقر اجلبل‬ ‫فخرجت منها عني ماحلة غريت حالوتها ‪.‬‬ ‫“ وفى أعلى البئر ساقية عادية جيرها ثوران ‪ ،‬وفى منتصف البئر حوض أول ميتلئ مباء‬ ‫هذه الساقية ‪ .‬وفى هذا املكان توجد ساقية أخرى يديرها حصان أو ثور لرفع املاء من قاع البئر‬ ‫إىل هذا احلوض ‪ .‬ويوجد منحدر ينزل منه اإلنسان إىل احلوض األول من البئر ‪ ،‬وقد حنت فى‬ ‫الصخر فى مدار حلزونى ذى خطوط مستقيمة” ‪.‬‬ ‫مرتا منها حواىل ‪ً 85‬‬ ‫“ وعمق البئر يبلغ تسعني ً‬ ‫مرتا حمفورة فى الصخر ‪ ،‬وتتكون من‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ .‬وتبلغ مساحة مقطع البئر العلوية مخسة‬ ‫طابقني أو بئرين متساويني فى العمق‬ ‫أمتار ‪ ،‬بينما تبلغ مساحة مقطعه السفلية ‪ 2 , 3‬مرت مربع ‪ .‬وكان البقر ينزل إىل البئر‬ ‫لتدوير ساقية تقع أعلى البئرين ‪ ،‬وكان الغرض من هذه البئر عند حفرها هو توفري املياه‬ ‫الالزمة للشرب” ‪.‬‬

‫ولعل الوصف التاىل كان أقرب إىل ما وصفه احلجاج الروس ‪ “ .‬وثـمة بقرتان كانتا‬ ‫توجدا أعلى البئر ‪ .‬كانتا تقومان بإدارة الساقية ‪ ،‬التى تقوم برفع سلسلة من القواديس‬ ‫اململوءة باملياه من حوض أول يوجد فى منتصف االرتفاع اإلمجاىل للبئر ‪ ،‬حيث كانت توجد‬ ‫ساقية أخرى يديرها حصان لرفع املياه من قاع البئر إىل احلوض األول” ‪.‬‬ ‫وهناك معلومات أكثر دقة عن هذا البئر العجيب ‪ ،‬إذ أن هذان القسمان بالبئر ال يقعان‬ ‫على مستوى عمودى واحد ‪ .‬فأوهلما تبلغ مساحته مخسة أمتار مربعة أو ‪ 54‬قدم مربعة ‪،‬‬ ‫والثانى تبلغ مساحته ‪ 2.3‬مرت مربع أو ‪ 25‬قدم مربعة ‪ .‬وتقدر املسافة بني كل قادوس وآخر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قادوسا ‪،‬‬ ‫سنتيمرتا أو ‪ 31.5‬بوصة ‪ .‬ويبلغ عدد القواديس فى البئر األوىل ‪138‬‬ ‫بثمانني‬ ‫ً‬ ‫ويبلغ قطر الساقية ‪ 1.98‬مرتا أو ‪ 6.5‬قدم ‪ .‬والوقت الالزم لرفع املياه بوساطة هذه القواديس‬ ‫من احلوض األول إىل مستوى القلعة هو ‪ 24‬دقيقة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقينا ‪ ،‬ألنه كان يعيش مع أخوته‬ ‫ومن املعلوم أن بئر النبى يوسف ال يوجد فى مصر‬ ‫فى البادية ‪ .‬وهناك بئر فى منطقة اخلليل على طريق القوافل فى فلسطني ‪ ،‬وهناك بئر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ ،‬ويسمى بئر يوسف باجلب الذى ألقى فيه‬ ‫أيضا ينسبونه إىل يوسف‬ ‫آخر فى نابلس‬ ‫يوسف وهو صغري بسبب غرية أخوته منه ‪.‬‬ ‫وعن أن احلجاج رأوا فى القلعة قصور يوسف وخمازن غالل يوسف ‪ ،‬فهذا الكالم بعيد‬ ‫ً‬ ‫جدا عن احلقيقة ‪ .‬وكل ما وصفوه على أنه قصر يوسف ينطبق ‪ -‬على ما يبدو ‪ -‬على‬ ‫مسجد الناصر حممد بن قالوون بقبته وأعمدته ‪ .‬وقد حدث هذا اخللط بسبب الفكرة‬ ‫املسبقة التى كانت عندهم بأنه حيث يوجد بئر يوسف توجد قصوره وخمازنه ‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫تطرق الكتاب ملواضيع عديدة ختص الزراعة ‪ ،‬والتجارة ‪ ،‬والنيل ‪ ،‬واحليوانات وأشياء مل‬ ‫تكن معروفة للشعب الروسى ‪ .‬ومل ُ‬ ‫خيل وصفهم هلا من املبالغات واخلرافات ‪ .‬وميكن أن‬ ‫نرجع ذلك إىل أن هذا كان من مسات ذلك العصر ‪ .‬والكتاب يتضمن بعض النقد القاسى‬ ‫للعرب ( املصريني ) واألقباط ‪ .‬واقتضت األمانة العلمية أن نقوم برتمجة الكتاب كما هو‪.‬‬ ‫ومل َ‬ ‫نر أن احلذف لبعض اجلمل أو االنتقادات سيجمل الصورة إذ أنك البد أن تعرف كيف‬ ‫ً‬ ‫متجنيا بعض األحيان فى وصفه ‪.‬‬ ‫كان يراك اآلخر ‪ ،‬وإن كان‬ ‫الكتاب فى جممله يستحق القراءة وجدير بالدراسة ‪ ،‬ألنه يضىء فرتة مظلمة فى‬ ‫التاريخ املصرى ‪ ،‬ويبني الشغف الروسى القديم مبصر وأرضها ومعاملها الدينية اخلالدة ‪.‬‬ ‫و أريد أن أتوجه خبالص الشكر و التقدير لألستاذ الدكتور حسني الشافعى على‬ ‫ً‬ ‫جمددا على النصائح‬ ‫إتاحتة الفرصة ىل لرتمجة هذا الكتاب الشيق ‪ ،‬كما أشكره‬ ‫والتوجيهات الغالية التى ساعدتنى فى أجناز هذه املهمة الشاقة ‪.‬‬ ‫***‬

‫د‪ .‬حممد رياض‬

‫‪13‬‬



‫املقدمه‬ ‫كتب ف ‪ .‬م ‪ .‬لومونوسوف فى عام ‪ 1743‬م ‪ « :‬لقد بنيت لنفسى رمز اخللود أعلى من‬ ‫ً‬ ‫كثريا فى قصائده األخرى‬ ‫األهرامات ‪ ،‬وأمنت من النحاس » ‪ .‬وذكر لومونوسوف القاهرة‬ ‫ً‬ ‫‪1‬‬ ‫« ملوك منف » أى فراعنة عصر الدولة القدمية ‪ ،‬الذين كانوا يتخذون منفا عاصمة هلم‪،‬‬ ‫ومن الواضح أن املثقفني الروس كانت لديهم بالفعل فكرة جيدة عن مصر فى منتصف‬ ‫القرن الـثامن عشر ‪ ،‬والسؤال الذى يطرح نفسه كيف تكونت هذه الفكرة ؟‬ ‫توىل عامل املصريات س ‪ .‬ن ‪ .‬بيرتوفسكى اإلجابة على هذا السؤال منذ ثالثني ً‬ ‫عاما‬ ‫فى مقالته التى نشرت فى ملحق كتاب التشيكى « فويتيخ زاماروفسكى » « أصحاب‬ ‫اجلاللة األهرامات » ‪ ،‬فقد قام بتحليل املصادر التى استمد منها مواطنونا معلوماتهم عن‬ ‫مصر القدمية‪ . 2‬وتوصل املؤلف إىل نتيجة أن هذه املصادر ميكن تقسيمها إىل جمموعتني‪:‬‬ ‫اجملموعة األوىل ‪ -‬األساسية ‪ -‬مذكرات الرحالة الروس الذين زاروا بلد النيل ‪ .‬واجملموعة‬ ‫الثانية تتضمن ترمجات أعمال الكتاب األجانب عن مصر ‪ ،‬والتى نشرت فى روسيا ‪.‬‬ ‫وقد كان اهتمام س ‪ .‬ن ‪ .‬بيرتوفسكى كعامل مصريات ُم ْن َص ً‬ ‫با فى املقام األول على‬ ‫املعلومات التى ختص مصر القدمية ‪ ،‬على الرغم من أن مقالته حتتوى على آراء مواطنينا عن‬ ‫القاهرة ‪ ،‬والنيل ‪ ،‬وطبيعة البالد ‪ .‬على كل حال ‪ ،‬فاملؤلف مل يستشهد بكل «الرحالت»‪-‬‬ ‫هذه الكلمة كانت تطلق على هذا النوع األدبى ‪ -‬عندما شرع فى تفحص تلك الفرتة‬ ‫الزمنية ‪ .‬وفى املقالة شىء من التحفظ ‪ ،‬مما يرجح أنها كتبت فى العهد السوفيتى ‪ .‬ومل‬ ‫ُيذكر فى املقالة بشكل عام أن مجيع الروس الذين زاروا مصر قبل بداية القرن الـتاسع‬ ‫ً‬ ‫حجاجا أرثوذكس متجهني إىل األماكن‬ ‫عشر ‪ ،‬وكتبوا مذكرات عنها ‪ ،‬كانوا‬ ‫ً‬ ‫املقدسة فى فلسطني وسيناء ‪ ،‬أو سفراء للشئون الكنسية ‪ .‬ولكن ليس مفهوما ملاذا‬ ‫قاموا بهذه الرحالت الطويلة الشاقة ‪ .‬وهذا النقص إىل حد ما عوضته مقالة عامل اللغة « ف‪.‬‬ ‫جومينسكى » التى نشرت على موقع « األرثوذكس الروس »‪ 3‬بتاريخ ‪ /18‬فرباير‪. 2006/‬‬ ‫واقتصرت هذه املقالة على احلديث عن احلجاج الروس فقط ‪.‬‬ ‫‪ - 1‬مؤلفات م ‪ .‬ف ‪ .‬لومونوسوف ‪ 1961 ،‬موسكو ‪ -‬لينينجراد ‪ ، 1961‬ص ‪. 65 ، 53 ، 247‬‬ ‫‪ - 2‬س ‪ .‬ن ‪ .‬بيرتوفسكى ‪ .‬مصادر املعلومات عن مصر القدمية فى روسيا فى القرن الـ ‪18 - 11‬‬ ‫‪ //‬فويتيخ زاماروفسكى ‪ ،‬أصحاب اجلاللة األهرامات ‪ .‬موسكو عام ‪ ، 1981‬الطبعة الثانية ‪،‬‬ ‫موسكو عام ‪ 1986‬م ‪ ،‬ص ‪. 406 - 387‬‬ ‫‪ - 3‬فيكتور جومينسكى ‪ .‬مصر وسيناء فى عيون احلجاج الروس ‪http://www.pravoslavie.‬‬ ‫‪.ru/orthodoxchurches/41563.htm‬‬ ‫‪15‬‬


‫ً‬ ‫مؤخرا ‪،‬‬ ‫عالوة على ذلك فقد كان كتاب أ ‪ .‬س ‪ .‬كرييللينا‪ 4‬الرئيسى ‪ ،‬والذى نشر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خمصصا للحجاج الروس ‪ ،‬إال أن مصر مل تشغل فيه سوى مواضع حمدودة‪ ،‬وهلذا‬ ‫أيضا‬ ‫كان‬ ‫فإن انطباعات مواطنينا عن مصر متناثرة على صفحات الكتاب الضخم ‪.‬‬ ‫وقد أورد مؤلفو األعمال املشار إليها الرحالت بصورة انتقائية ‪ ،‬لذلك فاللوحة الكاملة‬ ‫«الستيعاب » مصر من قبل مواطنينا مل تكتمل ‪ .‬وبالفعل فاالستشهاد القائم على النزاهة‬ ‫ال يغنى ً‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬قام املهاجر الروسى‬ ‫أبدا عن االطالع على األصل ‪ .‬ومنذ حواىل نصف قرن‬ ‫الذى كان يقيم فى القاهرة أوليج فاسيليفيتش فولكوف ( ‪ ) 1987 - 1913‬بنا ًء على‬ ‫تكليف من املعهد الفرنسى لعلوم اآلثار الشرقية فى القاهرة جبمع النصوص األصلية‬ ‫لكتابات هؤالء الرحالة الروس فى جملد واحد ‪.‬‬ ‫وكان من نتيجة هذا العمل ظهور كتاب فولكوف « الرحالة الروس فى مصر »‪ 5‬باللغة‬ ‫الفرنسية ‪ ،‬غري أن هذا العمل املتقن الذى يتناول الفرتة الزمنية حتى منتصف القرن‬ ‫العشرين مل ُ‬ ‫خيل من النقص ‪ .‬ومتثل النقص الرئيسى فى عدم قدرة أوليج فاسيليفيتش‬ ‫فولكوف االستعانة باملكتبات الروسية ‪ ،‬وعليه فقد استطاع فولكوف فقط مجع جزء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرجعا‬ ‫فعليا ال يعد‬ ‫من النصوص اخلاصة مبواطنينا الذين زاروا مصر ‪ .‬لذلك فإن كتابه‬ ‫ً‬ ‫شامال للباحث الروسى‪. 6‬‬ ‫كل ذلك أدى إىل حتمية إعداد إصدار متخصص ‪ .‬يتضمن اجلزء األول هلذا اإلصدار‬ ‫النصوص األصلية للمذكرات املعروفة عن زيارة الروس ملصر حتى بداية القرن الـتاسع‬ ‫عشر بدون استثناء ‪ ،‬ويضم اجلزء الثانى ترمجة هذه النصوص إىل اللغة املعاصرة ‪ ،‬أما اجلزء‬ ‫الثالث فيشمل البحث القائم على دراسة و تدقيق النصوص للمعلومات التى حتويها تلك‬ ‫املذكرات ‪ .‬وكان احلد الفريد من نوعه فى تعرف مواطنينا على بلد النيل بداية القرن‬ ‫التاسع عشر ‪.‬‬ ‫فى أعقاب احلملة الفرنسية على مصر ( ‪ ) 1801 - 1798‬تزايد االهتمام مبصر فى أوروبا‬ ‫وروسيا بشكل ملحوظ ‪ .‬وكان اعتالء حممد على العرش عام ‪ 1805‬م ‪ -‬الذى بدأ حتويل‬ ‫وجه مصر شطر أوروبا – قد يسر لألوروبيني ‪ ،‬مبا فيهم الروس ‪ ،‬زيارة بلد النيل ‪ .‬وكان قيام‬ ‫جان فرنسوا شامبليون بفك رموز الكتابة اهلريوغليفية املصرية القدمية فى عام ‪1822‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأخريا فإن بداية القرن التاسع عشر كانت‬ ‫إيذانا مبيالد علم جديد هو علم املصريات ‪.‬‬ ‫م‬ ‫فرتة ازدهار األدب الروسى ومن بني روافد هذا األدب ‪ ..‬أدب الرحالت الذى حنن بصدده ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حتميا ‪ ،‬وأصبحت «‬ ‫كل هذه العوامل جعلت التعبري فى األدب الروسى عن مصر‬ ‫‪ - 4‬س ‪ .‬أ ‪ .‬كرييللينا ‪ -‬الرحالة املفتونني ‪ .‬العامل العربى ‪ -‬العثمانى بأعني احلجاج الروس فى القرن‬ ‫الـ ‪. 2010 ، 18 - 16‬‬ ‫‪.Volkoff , Oleg V.Voyageurs ruses en Egypte. Cairo,1972 - 5‬‬ ‫ً‬ ‫دليال على أن كرييللينا مل تستعن به فى عملها ‪ ،‬إذ أن فهارسه ترجع إىل أربعمائة‬ ‫‪ - 6‬ذلك كان‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪.‬‬ ‫عام‬ ‫‪16‬‬


‫ً‬ ‫كثريا ‪ ،‬وأضيفت إليها مؤلفات الرحالة غري الكنسيني ‪ ،‬والتى كانت‬ ‫الرحالت» تظهر‬ ‫ً‬ ‫كثريا ما تتصف باإلتقان واالرتكاز على مبادئ العلوم ‪ .‬ومن أمثلة هذه الكتب‪،‬‬ ‫الكتب اخلاصة باآلتية أمساؤهم « أوسيب سينكوفسكى »‪ ، 7‬و « أندرى مورافيف»‪،8‬‬ ‫و « افرام نوروف »‪ ، 9‬و « جيور كوفاليفسكى »‪ ، 10‬و «ألكسندر أومانتس»‪. 11‬‬ ‫ً‬ ‫نسبيا للغاية ‪ ،‬إذ أن األرمشندريت « قنسطنطني » ‪ -‬الذى زار‬ ‫بعد ذلك أصبح هذا التعميم‬ ‫ً‬ ‫اإلسكندرية عام ‪ - 1795‬مل يصف ما رآه فحسب ‪ ،‬بل كان يستدل عقليا عن املكان الذى‬ ‫مت جلب املواد اخلام منه لبناء املدينة القدمية ‪ ،‬وزمن شق قناة املياه العذبة إىل اإلسكندرية‪،‬‬ ‫وملاذا بقيت « مسالت كليوباترا » ‪ ،‬أما كريبرونيكوف الذى زار مصر فى الربع األول من‬ ‫ً‬ ‫حتديدا ‪،‬‬ ‫القرن التاسع عشر فلم خيرج فى كتابه عن إطار « الرحلة » التقليدية ‪ .‬لذلك‬ ‫يتضمن هذا اإلصدار مقتطف منها ‪.‬‬ ‫منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر تزايدت أعداد الكتب عن مصر مثل كتلة‬ ‫ً‬ ‫ووفقا إلحصاءاتنا فإنه بعد احلرب ( الروسية – الرتكية ‪ ، ) 1878 - 1877‬وحتى نهاية‬ ‫الثلج ‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫القرن ‪ ،‬كان قد مت نشر عشرة كتب حوت مقاالت عن مصر ‪ ،‬باإلضافة إىل املطبوعات‬ ‫ً‬ ‫أيضا كتب عن احلج‪ 13‬وعن العلوم ‪ .‬وقد‬ ‫الصحفية ‪ .‬وعالوة على كتب املقاالت ‪ ،‬ظهرت‬ ‫مت إعادة إصدار العديد من هذه الكتب والكتب األكثر ً‬ ‫قدما‪ 14‬فى السنوات األخرية ‪.‬‬ ‫على مر القرون مل يكن الدافع األساسى الباعث للروس على زيارة مصر رغبتهم فى‬ ‫مشاهدة اآلثار أو األغراض التجارية ‪ ،‬وإمنا سعيهم إىل الصالة فى األماكن املقدسة فى‬ ‫‪ - 7‬مذكرات سينكوفسكى عن رحلة إىل الشرق ‪ ،‬ومن ضمنها عن رحلة إىل مصر ‪ ،‬ونشرت عام‬ ‫‪ 1822‬م فى جمالت “ األرشيف الشماىل “ و “ ابن الوطن “ ‪ .‬وعام ‪ 1858‬كانت ً‬ ‫جزءا من اجمللد األول‬ ‫جملموعة أعمال ‪ .‬ف ‪ .‬كافريين البارون برامبيوس ‪ .‬تاريخ أوسيب سينكوفسكى ‪ ،‬صحفى ‪،‬‬ ‫حمرر “ مكتبات لالطالع “ ‪ ، 1966 ،‬ص‪. 210، 5-16‬‬ ‫‪ - 8‬أ‪ .‬ن ‪ .‬مورافيف ‪ ..‬رحلة إىل األماكن املقدسة ‪ .‬مكتبة سانت بطرسبورج ‪ 1834 ،‬م ‪.‬‬ ‫‪ - 9‬رحلة فى مصر والنوبة عام ( ‪ ) 1835 -1834‬نوروف افرام ‪ .‬أجزاء ‪ ، 2 - 1‬مكتبة سانت‬ ‫بطرسبورج‪ 1840،‬م ‪.‬‬ ‫‪ - 10‬ى ‪ .‬ب ‪ .‬كوفاليفسكى ‪ . .‬رحلة فى أعماق أفريقيا ‪ .‬أجزاء ‪ ، 2 - 1‬مكتبة سانت بطرسبورج‪،‬‬ ‫‪. 1849‬‬ ‫‪ - 11‬أ ‪ .‬أومانتس ‪ .‬رحلة إىل سيناء واألرض املقدسة مع مقتطفات عن مصر ‪ .‬مكتبة سانت‬ ‫بطرسبورج ‪. 1850 ،‬‬ ‫‪ - 12‬ف ‪ .‬ف ‪ .‬بلياكوف ‪ “ .‬إىل ضفاف النيل املقدس “ الروس فى مصر ‪ ، 2003 ،‬ص ‪. 78‬‬ ‫‪ - 13‬استعراض أدب الرحالت فى القرن الـ ‪ 19‬أفجوستني ( نيكيتني ) ‪ ،‬األرمشندريت ‪ .‬احلجاج‬ ‫الروس جبوار املقدسات املسيحية ملصر ‪ .‬مكتبة سانت بطرسبورج ‪. 2003 ،‬‬ ‫‪ - 14‬انظر على سبيل املثال ف ‪ .‬ج ‪ .‬جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪ ،‬التجول فى األماكن املقدسة‬ ‫للشرق ‪ .‬فى أربعة أجزاء ‪ ، 2007 .‬أ ‪ .‬س ‪ .‬نوروف رحلة فى األرض املقدسة عام ‪ ، 2008 ، 1835‬د ‪.‬‬ ‫د‪ .‬مسيشلياف‪ .‬سيناء وفلسطني ‪ .‬من مذكرات الرحالت عام ‪ ، 2008 ، 1865‬أ ‪ .‬أ ‪ .‬اوختومسكى‬ ‫ رحلة إىل الشرق صاحب السمو اإلمرباطورى وريث العرش عام ( ‪ 1891 - 1890‬م ) ‪ .‬اجمللد ‪، 2 - 1‬‬‫‪ ، 2007‬وآخرين ‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫سيناء مثل العليقة املشتعلة وجبل موسى ‪ ،‬وزيارة احلراس الذين كانوا هناك ( ومازالوا)‬ ‫رهبان دير سانت كاترين األرثوذكسى الذى شيد فى منتصف القرن السادس ‪ .‬وعلى‬ ‫األرجح فإن مواطنينا قد علموا عن وجود هذه املزارات املقدسة من القساوسة البيزنطيني بعد‬ ‫تعميد روسيا فى عام ‪ 988‬م ‪.‬‬ ‫فى عام ‪ 1001‬م ‪ً ،‬‬ ‫وفقا ملدونات « نيكونوفسكى » ‪ ،‬قام األمري « فالدميري » بإرسال أول‬ ‫سفراء إىل مصر ‪ .‬فى صيف ‪ ... 9056‬أرسل فالدميري ضيوفه كسفراء إىل روما ‪ ،‬وآخرين إىل‬ ‫أورشليم ومصر وبابل‪ 15‬لكى يروا البالد ‪ ،‬ويتعرفوا على عادات شعوبها‪. 16‬‬ ‫ً‬ ‫واضحا هل وصل السفراء بالفعل إىل املكان احملدد هلم ؟ ؛ وإذا ما كانوا قد‬ ‫مل يكن‬ ‫وصلوا إىل تلك األماكن هل كان ذلك يعنى أنهم شاهدوها بالفعل ‪ ،‬وعادوا بسالم إىل‬ ‫وطنهم ؟ ؛ ولكن كما يبدو من جغرافية السفارات ‪ ،‬فإن هؤالء السفراء مت إرساهلم لشئون‬ ‫الكنيسة ‪ .‬ومل تستطع األسباب التجارية أو األسباب السياسية أن تربر فى ذلك الوقت إرسال‬ ‫السفارات إىل هذه املناطق البعيدة عن روسيا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حاليا عن احلج فى سيناء إىل عام ‪1370‬م‬ ‫ترجع أوائل الذكريات املكتوبة واملعروفة‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬والتى كانت نتاج قرحية أرمشندريت دير أرفراميفسكى أجريفينى‬ ‫السمولينسكى ‪ .‬وكانت مذكرات هذا احلاج خمتصرة للغاية ‪ ،‬ومل يكن بها وصف‬ ‫لألماكن املقدسة فى سيناء ‪ .‬فقد كانت تقتصر فقط على تقدير املسافات من فلسطني «‬ ‫املسافة من غزة إىل مصر تستغرق ‪ً 12‬‬ ‫يوما ‪ ،‬ومن مصر ( القاهرة ) إىل اإلسكندرية ‪ 6‬أيام‪،‬‬ ‫يوما ‪ ،‬واملسافة من غزة إىل جبل سيناء ‪ً 15‬‬ ‫أما املسافة إىل جبل سيناء ‪ً 15‬‬ ‫يوما ‪ ،‬وحتى اآلن‬ ‫يتوافد املسيحيون األرثوذكس إىل هناك ‪ ،‬ومل يذهب املسيحيون األرثوذكس ألبعد من‬ ‫ذلك املكان‪. » 17‬‬ ‫غري واضح من النص املختصر ‪ ،‬هل زار أجريفينى سيناء بالفعل ‪ ،‬وغري مستبعد أنه إستقى‬ ‫هذه املعلومات فى فلسطني ‪ ،‬إال أن األرمشندريت السمولينسكى يتحدث عن زيارة احلجاج‬ ‫األرثوذكس لسيناء كشىء اعتيادى ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وهذا يشري إىل أن احلجاج الروس قد توافدوا إىل‬ ‫سيناء قبل ظهور مذكرات « أجريفينى » مبدة طويلة ‪ ،‬ولتعضيد هذا االفرتاض ميكن أن‬ ‫نورد احلجة التالية ‪ :‬من املعروف أن احلجاج األوائل من روسيا زاروا فلسطني بالفعل فى القرن‬ ‫الـحادى عشر ‪ .‬وأشار ن ‪ .‬م ‪ .‬كارامزين‪ « :18‬حنن نعرف من األدلة املعاصرة ‪ ،‬والتى ال تقل عن‬ ‫ً‬ ‫كثريا بزيارتها (‬ ‫كونها أدلة حقيقية ‪ ،‬بأن الروس فى القرن الـحادى عشر عاهدوا السماء‬ ‫فلسطني ‪ ،‬مالحظة ف ‪ .‬بلياكوف ) واألماكن املقدسة » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫‪ - 15‬حتت مسمى بابليون كما هو واضح ‪ ،‬يقصد به القاهرة املسيحية القدمية ‪ ،‬واملعروفة‬ ‫ببابليون املصرى ‪.‬‬ ‫‪ - 16‬اجملموعة الكاملة للمخطوطات الروسية ‪ .‬اجمللدات ‪ . 10 - 9‬املخطوطة البطريركية أو‬ ‫خمطوطة نيكونوفسكى ‪ ،‬موسكو ‪ ، 1965‬ص ‪. 68‬‬ ‫‪ - 17‬رحلة األرمشندريت أجريفينى ‪ //‬اجملموعة الفلسطينية األرثوذكسية ‪ ،‬اإلصدار الـ ‪، 48‬‬ ‫مكتبة سانت بطرسبورج ‪ ، 1896 ،‬ص ‪. 2‬‬ ‫‪ - 18‬ن ‪ .‬م ‪ .‬كارامزين ‪ ..‬تاريخ الدولة الروسية ‪ ، 2002 .‬ص ‪. 131‬‬ ‫‪18‬‬


‫وبدوره استشهد « ب ‪ .‬م ‪ .‬دانتسيج » بـ « حياة القديس فيودوسيى » ‪ ،‬والتى نشرت عام‬ ‫‪ 1856‬م ‪ ،‬وكتب أنه « فى عام ‪ 1022‬م التقى فيودوسيى بيتشريسكى فى كورسك‬ ‫بالرحالة القادمني من األماكن املقدسة ‪ ،‬وعزم على زيارة فلسطني‪ . » 19‬وفى نفس العام‬ ‫أوفى بعهده « فقد اغتسل فى نهر األردن ‪ ،‬وسجد لقرب الرب‪ . » 20‬ومن الصعب تصور أنه بعد‬ ‫قطع هذه الطريق الطويلة واخلطرة إىل األرض املقدسة مل يصل أحد من احلجاج الروس فى‬ ‫القرن الـحادى عشر إىل هناك ‪ ،‬ثم أنها ليست ببعيدة عن سيناء ‪.‬‬ ‫لكن احلجة األساسية التى تثبت أن مواطنينا قد زاروا سيناء قبل عام ‪ 1370‬م بوقت‬ ‫كبري هى العثور على اثنتني من املخطوطات القدمية التى مت جلبها من روسيا إىل مكتبة‬ ‫دير سانت كاترين ‪ .‬املخطوطة األوىل هى خمطوطة « سفر املزامري » ‪ ،‬التى أرخ هلا الباحثون‬ ‫ً‬ ‫والحقا أرجعت املخطوطة إىل نهاية القرن احلادى‬ ‫األوائل بداية القرن الـحادى عشر‪. 21‬‬ ‫عشر‪ ،‬وبداية القرن الـثانى عشر‪. 22‬‬ ‫أما املخطوطة الثانية فقد عثر عليها الباحث الروسى « يا ‪ .‬ن ‪ .‬شابوف » عام ‪ 1995‬م ‪.‬‬ ‫بعد أن اطلع شابوف فى مكتبة دير سيناء على خمطوطة نهاية القرن الثانى عشر « سني‬ ‫سالف ‪ ، » 39‬والتى اعتربت خمطوطة صربية ‪ ،‬توصل إىل أن هذه املخطوطة هى خمطوطة‬ ‫ سفر أعمال الرسل مع تقويم لألعياد املسيحية ‪ -‬وهى خمطوطة روسية قدمية ‪ ،‬إذ يوجد‬‫ً‬ ‫وحتديدا من أجل‬ ‫فى هوامش الصفحات تذييل باألمساء ‪ .‬وأشار يا ‪ .‬ن ‪ .‬شابوف أنه بال شك ‪،‬‬ ‫هذه األمساء ‪ ،‬ومن أجل الصالة عليهم صالة الغائب فى دير سيناء املقدس ‪ ،‬فقد مت إحضار‬ ‫هذا الكتاب من روسيا إىل سيناء ‪ ،‬وهو األمر الذى كان جيب أن يقوم به أحد أبناء روسيا ‪،‬‬ ‫خاصة بعد وفاة صاحب هذه الوديعة فى القرن الثالث عشر‪. 23‬‬ ‫كان توجب على احلجاج الروس الوافدين لزيارة سيناء من فلسطني ‪ ،‬زيارة القاهرة من‬ ‫أجل احلصول على تصريح مكتوب لزيارة دير سيناء من املقر التابع للدير فى القاهرة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ساريا حتى نهاية القرن التاسع عشر ‪ -‬مل يكن ميكن‬ ‫وبدون ذلك التصريح ‪ -‬الذى ظل‬ ‫بأى حال من األحوال الوصول إىل الدير ‪ .‬لذلك كانت مجيع الرحالت تتضمن أخبار عن مصر‬ ‫نفسها ‪ .‬ومل تكن هذه األخبار فى أحيان كثرية ُت َعرب عن مشاهدات عينية ‪ ،‬وإمنا إعادة‬ ‫سرد للمعلومات التى حصلوا عليها من القساوسة األرثوذكس اليونانيني ‪ ،‬وفى كثري من‬ ‫األحيان كانت معلومات غري صحيحة‪ ،‬إذ أنها كانت تروى للزوار فيما يطلق عليه « من أجل‬ ‫مزحة لطيفة » ‪ .‬وكان الرحالة أنفسهم يزخرفون ما رأوه لكى يدهشوا مواطنيهم بقوة ‪.‬‬ ‫‪ - 19‬ب ‪ .‬م ‪ .‬دانتسيج ‪ .‬الشرق األقصى فى العلوم الروسية واآلداب ( فرتة ما قبل أكتوبر ) ‪، 1973‬‬ ‫ص‪.7‬‬ ‫‪ - 20‬م ‪ .‬ب ‪ .‬سولوفيوف ‪ .‬األرض املقدسة وروسيا ‪ .‬مكتبة سانت بطرسبورج ‪ ، 1844 ،‬ص ‪. 12‬‬ ‫‪.Altbauer M., Lunt H.G An Early Slavonic Psalter from Rus. Harvard.1978 - 21‬‬ ‫‪Tarnanidis I.C. The Slavonic Manuscripts Discovered in 1975 at St.‬‬ ‫‪- 22‬‬ ‫‪.Catherine´s Monastery on Mount Sinai. Thessaloniki,1988, p. 109‬‬ ‫‪ - 23‬يا ‪ .‬ن ‪ .‬شابوف ‪ ..‬ثالثة أيام فى دير سانت كاترين ‪ //‬جيناديوس ‪ .‬جمموعة مقاالت مبناسبة‬ ‫مرور ‪ً 70‬‬ ‫عاما ‪ ،‬األكادميى ج ‪ .‬ج ‪ .‬ليتافرين ‪ ..‬موسكو ‪ ، 1999‬ص ‪. 287‬‬ ‫‪19‬‬


‫وجه احلجاج الروس عند مشاهدتهم القاهرة واملدن املصرية األخرى جل اهتمامهم إىل اآلثار‬ ‫واملزارات املسيحية املقدسة ‪ ،‬وضمنوا فى وصفهم بغزارة موضوعات من الكتاب املقدس‪.‬‬ ‫وكان هذا الوصف يبدو أقرب إىل احلقيقة ‪ ،‬حيث أن هذه األماكن املذكورة مازالت‬ ‫قائمة حتى وقتنا هذا ‪ .‬ولذلك فإن رحالت املواطنني الروس ال تبني لنا فقط الكيفية التى‬ ‫ً‬ ‫مصدرا ً‬ ‫قيما لتاريخ املسيحية فى هذا‬ ‫تراكمت بها املعلومات فى روسيا عن مصر ‪ ،‬بل تعد‬ ‫البلد ‪.‬‬ ‫حيظى وصف دير سانت كاترين واملزارات املقدسة فى سيناء باهتمام كبري لنفس‬ ‫السبب ‪ ،‬وهو بقاء تلك األماكن التى شاهدها احلجاج الروس قائمة حتى اآلن ‪ .‬غري أن ذلك‬ ‫الوصف غري مدرج فى هذا اإلصدار ‪ .‬سيتم ختصيص حبث مستقل هلذا الوصف بصورة الئقة‪.‬‬ ‫مل يقتصر إهتمام مواطنونا بالطبع على التعرف على اآلثار املسيحية واملزارات املقدسة ‪،‬‬ ‫بل كانت هناك أشياء كثرية بالنسبة للمواطن فى مصر تثري دهشته ‪ ،‬مثل ‪ :‬الطبيعة‬ ‫ً‬ ‫فضال عن اآلثار ‪ .‬كل هذه‬ ‫واملناخ واململكة احليوانية وأساليب الزراعة ومنط احلياة ‪،‬‬ ‫املوضوعات وغريها مت تناوهلا بطريقة أو بأخرى فى مذكرات احلجاج ‪.‬‬ ‫مجيع النصوص التى يتضمنها اإلصدار احلاىل أخذت بالفعل من املنشورات العلمية‬ ‫فى نهاية القرن الـتاسع عشر ‪ ،‬وبداية القرن الـعشرين ‪ .‬وهذا ال يعنى أن هذه النصوص‬ ‫أصبحت معروفة فى تلك الفرتة فقط ‪ ،‬بل إنه قبل ظهور هذه املنشورات بسنوات عديدة‬ ‫انتشرت نصوص الرحالت فى العديد من السجالت ‪ ،‬والتى ُ‬ ‫احتفظ بها فى مكتبات الدير‬ ‫واجملموعات اخلاصة ‪ ،‬وكانت متاحة لالطالع لعدد كبري من مواطنينا ‪ .‬من النصوص‬ ‫املشهورة التى مل تدرج فى هذا اإلصدار مذكرات األرمشندريت « ليونتى » منتصف القرن‬ ‫الثامن عشر ‪ ،‬حيث أنها مل تنشر حتى اآلن ‪ ،‬باستثناء مقتطفات قصرية‪ . 24‬وتوجد املخطوطة‬ ‫األصلية لتلك املذكرات فى أرشيف السياسية اخلارجية لإلمرباطورية الروسية ‪. 25‬‬ ‫مل أرى ضرورة سرد معلومات تفصيلية عن املؤلفني وكيف وصلوا إىل مصر ‪ ،‬إذ أن‬ ‫قضيتى تكمن فى تتبع الكيفية التى تراكمت بها املعلومات فى روسيا عن مصر‬ ‫بفضل احلجاج والرحالة الروس ‪ .‬ويستطيع الراغبون فى احلصول على مثل تلك املعلومات‬ ‫بدون أى مشقة بالتوجه إىل املصادر األوىل ‪.‬‬ ‫فى اخلتام أعرب عن شكرى الصادق لطالبة الدراسات العليا « يكاترينا فيكتوروفنا‬ ‫فيودوروفا » بكلية اللغات واآلداب فى جامعة موسكو احلكومية املسماة ف ‪ .‬م ‪.‬‬ ‫لومونوسوف على إعداد النصوص األصلية للنشر ‪ ،‬وترمجتها إىل اللغة املعاصرة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حديثا عرب األماكن املقدسة ‪.‬‬ ‫‪ - 24‬أ ‪ .‬ب ‪ .‬بابوف ‪ .‬جرجيوروفيتش الصغري ‪ .‬احلاج املكتشف‬ ‫كرونشتادت ‪ ، 1911 ،‬األرمشندريت ليونتى ‪ .‬تاريخ حياة جرجيوروفيتش الصغري ( مقتطفات ) ‪//‬‬ ‫رحالت إىل الشرق فى عصر كاترينا الثانية ‪ ، 1955 ،‬ص ‪. 305 - 300‬‬ ‫‪ - 25‬أرشيف السياسية اخلارجية لإلمرباطورية الروسية ‪ .‬فرع “ مكتبة القسم اآلسيوى “ ‪، 505‬‬ ‫د‪. 13 - 4‬‬ ‫‪20‬‬


‫أما شكرى اجلزيل فنقدمه للصديق العزيز الدكتور حسني الشافعى رئيس جملس‬ ‫إدارة ورئيس حترير دار نشر “ أنباء روسيا “ ‪ ،‬وهو كذلك رئيس اجلمعية املصرية ‪-‬‬ ‫الروسية للثقافة والعلوم ‪ ،‬وهو املضطلع بدور كبري وأساسى – بل ورائد ً‬ ‫حقا – فى نشر‬ ‫وتدعيم التواصل الثقافى والتارخيى بني بلدينا ‪ .‬الدكتور حسني الشافعى ‪ -‬إضافة إىل‬ ‫تبنيه ملشروعات مجع الرتاث واملخطوطات العربية بدول االحتاد السوفيتى السابق ‪ -‬يقوم‬ ‫كذلك بتبنى مشروعات ثقافية ‪ -‬كاملؤمتر الدوىل للعالقات الثقافية املصرية ‪ -‬الروسية‪،‬‬ ‫والذى عقدت دورته األوىل بالقاهرة سبتمرب ‪ ، 2013‬كذا مشروع االحتفاليات الكربى‬ ‫بالذكرى الـ ‪ 50‬لتحويل جمرى نهر النيل كأكرب مشروع للتعاون املصرى ‪ -‬السوفيتى‬ ‫فى القرن العشرين ‪ ،‬أضف إىل ذلك دوره فى مشروع إطالق القمر املصرى اجييبت سات فى‬ ‫أبريل ‪ 2014‬كنتاج للتعاون املصرى ‪ -‬الروسى فى القرن ‪. 21‬‬ ‫يتبنى الدكتور حسني الشافعى إىل جانب كل ذلك مسئوليات هامة فى إصدار‬ ‫ترمجات عربية ألعمال كبار املستشرقني الروس ‪ ،‬وترمجات لألدب العربى للروسية ‪ ،‬وله‬ ‫على كل ذلك ‪ -‬جزيل شكرنا وتقديرنا ‪ .‬ولعلنا بهذا اإلصدار هلذا الكتاب قد نكون قد‬ ‫خطونا خطوة إضافية فى برنامج اإلصدار املشرتك الذى يتبناه الدكتور حسني الشافعى‬ ‫مع معهد االستشراق التابع ألكادميية العلوم الروسية وعميده املستشرق املعروف فيتاىل‬ ‫ناؤمكني‪.‬‬

‫ف ‪ .‬ف ‪ .‬بلياكوف‬ ‫***‬

‫‪21‬‬



‫الفصل األول‬



‫الفصل األول ‪:‬‬ ‫ •الراهب فارسونوفى ( عام ‪ 1462‬م )‪: 26‬‬ ‫توجهت من هنا ( من قربص ) إىل دمياط‪ 27‬فى األراضى السورية‪ ، 28‬ثم توجهت من دمياط‬ ‫إىل مصر ( القاهرة ) عرب النيل ‪ ،‬ووصلت القاهرة فى يوم ذكرى الرسول القديس « أندرى‬ ‫بريفوزفانى »‪ 29‬فى فرتة صيام « فيليبوف‪ ، »30‬ولقد مكثت فى القاهرة ستة أسابيع‪ .‬ومدينة‬ ‫مصر ( القاهرة ) مدينة كبرية وقائمة فى أرض مستوية على سفح جبل‪ ، 31‬وجيرى جبوارها‬ ‫نهر من اجلنة ‪ ،‬هو نهر النيل ذو اجملرى الذهبى ‪ .‬واالسم اآلخر هلذا النهر هو جيون ‪ .‬ويبلغ عرض‬ ‫مدينة القاهرة ميلني ‪ ،‬أما طوهلا فيبلغ اثنى عشر ً‬ ‫ميال ‪ ،‬ورأيت فى مصر وحش ضارى‪. 32‬‬ ‫يوجد على مسافة ميلني ونصف من القاهرة نبع للماء املقدس يسمى « البلسم » ‪ .‬وقد‬ ‫جاء إىل هنا ربنا يسوع املسيح من مدينة أورشليم مع أمه العذراء الطاهرة مريم ويوسف‬ ‫ً‬ ‫خمتبئا‬ ‫حارسهما ‪ .‬كما يوجد فى اجلهة الشمالية مكان مقدس ‪ ،‬حيث أقام فيه الرب‬ ‫ً‬ ‫أيضا مزرعة للعنب مع كرمات مقدسة يتدفق منهن ّ‬ ‫املر‬ ‫من امللك هريودس ‪ .‬وتوجد هناك‬ ‫فى عيد « كوكولنيتسا‪ ، » 33‬وعيد ميالد « يوحنا املعمدان » ‪ ,‬ويقطعون رأس كل‬ ‫كرمة‪ ،‬وحينون مجيع الكرمات لألرض ويضعون أسفلها آنية ‪ .‬ويتدفق ّ‬ ‫املر املقدس ملرة‬ ‫ً‬ ‫وحتديدا فى هذا العيد ‪ ،‬ثم جيمع ويقدم للملك املصرى‪. 34‬‬ ‫واحدة فى العام ‪،‬‬ ‫‪ - 26‬مقتطفات من وصف الرحلة الثانية للشرق عام ( ‪ 1462 - 1461‬م ) ‪ .‬أثناء الرحلة األوىل عام‬ ‫‪ ، 1456‬زار فارسونوفى فقط فلسطني ‪ .‬يعتقد الباحثون أنه من مسولينسك أو بولوتسك ( فيكتور‬ ‫جومينسكى ) ‪ .‬نشر النص ألول مرة ‪ :‬رحلة القس فارسونوفى إىل املدينة املقدسة أورشليم عام‬ ‫‪ ، 1456‬وعام ( ‪ // ) 1462 - 1461‬اجملموعة األرثوذكسية الفلسطينية ‪ ،‬جملد ‪ ، 15‬اإلصدار ‪. 45‬‬ ‫مكتبة سانت بطرسبورج ‪ ، 1896 ،‬ص ‪ ، 17 - 15‬وقامت ى ‪ .‬ف ‪ .‬فيودوروفا بالرتمجة ‪.‬‬ ‫‪ - 27‬داميطا ( بالعربية ‪ -‬دمياط ) مدينة تقع على مصب الفرع الشرقى للنيل فى البحر األبيض‬ ‫املتوسط ‪.‬‬ ‫‪ - 28‬غري صحيح ‪ .‬تقع دمياط فى مصر ‪.‬‬ ‫‪ - 29‬يوم ‪ 30‬نوفمرب بالتقويم القديم ‪.‬‬ ‫‪ - 30‬هو نفسه صيام عيد امليالد اجمليد الذى يبدأ يوم ‪ 28‬نوفمرب ‪.‬‬ ‫‪ - 31‬يقصد به هضبة املقطم ‪ ،‬وحتد وادى النيل من الشرق ‪.‬‬ ‫‪ - 32‬فيما يبدو التمساح ‪.‬‬ ‫‪ - 33‬كوكولنيتسا ‪ -‬عيد إيفان كوبال ‪ ،‬حيتفل به فى يوم عيد ميالد يوحنا املعمدان ‪ ،‬يوم‬ ‫‪ 14‬يونيو بالتقويم القديم ‪.‬‬ ‫‪ - 34‬فى فرتة زيارة فارسونوفى ملصر كان حيكمها سلطان املماليك ظاهر سيف الدين خوشكاد‬ ‫( ‪. ) 1467 - 1461‬‬ ‫‪25‬‬


‫أيضا حجر من اإلردواز‪ 35‬جلس عليه ربنا يسوع املسيح ‪ .‬هذا احلجر أصبح ً‬ ‫ً‬ ‫مزارا‬ ‫يوجد هناك‬ ‫ً‬ ‫مقدسا ‪ .‬وقد مت صنع تابوت خشبى حول هذا احلجر له باب من الناحية الشرقية تنبعث منه‬ ‫رائحة طيبة ‪ .‬أمام التابوت املقدس يوجد جرن املعمودية املشيد من الرخام ‪ ،‬حيث يغتسلون‬ ‫ً‬ ‫‪36‬‬ ‫أيضا شجرة التني‬ ‫فى املاء املقدس ‪ ،‬ويصل املاء فيه حتى صدر اإلنسان ‪ .‬كما توجد هناك‬ ‫( اجلميز ) التى اختبئ فيها ربنا يسوع املسيح من جنود امللك هريودس ‪.‬‬ ‫وصلت إىل نبع « البلسم » وهناك قبلت احلجر املقدس الذى اسرتاح عليه الرب ‪ ،‬وشربت‬ ‫ً‬ ‫املاء املقدس ‪ ،‬واغتسلت فى جرن املعمودية املبنى فى احلجر ‪ ،‬وقد كان هذا املاء ً‬ ‫وعذبا‪.‬‬ ‫دافئا‬ ‫وجتولت فى مزرعة الكرم حيث تنمو هناك الكرمات املقدسة ‪ .‬وأعطانى الساراتسينى‬ ‫(املسلمون )‪ 37‬حراس هذه املزرعة كرمة واحدة ‪ ،‬وقبلت شجرة اجلميز التى اختبئ فيها الرب‬ ‫ً‬ ‫غصنا منها‪. 38‬‬ ‫وقطعت‬ ‫ً‬ ‫أيضا مكان مقدس آخر فى القاهرة نفسها بالقرب من « ميصيور »‪ ، 39‬حيث‬ ‫يوجد هناك‬

‫عاش ربنا يسوع املسيح ووالدته الطاهرة ‪ ،‬وحارسهما يوسف ‪ .‬وفى هذا املكان املقدس‬ ‫ً‬ ‫أيضا كنيسة أخرى ‪ ،‬وفيها‬ ‫توجد كنيسة كبرية للطاهرة « أم اإلله‪ ، »40‬ويوجد جبوارها‬ ‫أربع خدمات دينية ‪ :‬مار جرجس العظيم ‪ ،‬القديس دمييرتى ‪،‬القديس نيقوالس صانع‬ ‫املعجزات‪ ،‬والقديس يوحنا املعمدان‪ ، 41‬والذين يطلق عليهم « ميسرتى »‪ . 42‬وهذا الدير‬ ‫ً‬ ‫أيضا بالقرب من مكان املسيح ‪ ،‬كنيسة القديس‬ ‫خمصص للراهبات ‪ .‬ويوجد هناك‬ ‫الشهيد «مرقوريوس‪. » 43‬‬ ‫‪ - 35‬إردواز ‪ -‬أسود ‪ ،‬جاء االسم من لون الطني األسود ‪.‬‬ ‫‪ - 36‬فى احلقيقة ‪ -‬ليست شجرة تني وإمنا قريبة هلا ‪ ،‬وهى شجرة اجلميز ‪Meinardus, Otto( .‬‬ ‫‪) F. A The Holy Family in Egypt. Cairo, 1986, P.39‬‬ ‫‪ - 37‬ساراتسينى اسم أطلقه األوروبيون على املسلمني منذ احلمالت الصليبية ‪.‬‬ ‫‪ - 38‬يدور احلديث عن املكان املقدس اخلاص باملسيحيني على حدود مدينة القاهرة املعاصرة ‪،‬‬ ‫فى املطرية ‪ ،‬واملعروف اآلن بـ “ شجرة العذراء مريم “ ‪.‬‬ ‫فى هذا المكان ‪ ،‬طبقاً ألعراف األقباط المصريين ‪ ،‬فإن العائلة المقدسة قد مكثت هنا أثناء فترة هروبها‬ ‫إلى مصر من الملك هيرودس ‪.‬‬ ‫‪ “ - 39‬ميصيور “ ‪ -‬االسم العربى احملرف ملصر ‪ .‬فى هذه احلالة يقصد بها القاهرة املسيحية القدمية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حاليا هى الكنيسة القبطية املعروفة « الكنيسة املعلقة « ‪ .‬تقع الكنيسة فوق حصن‬ ‫‪- 40‬‬ ‫بابليون ‪ ،‬والذى أنشأه اإلمرباطور الرومانى تراجان فى بداية القرن الثانى امليالدى ‪ .‬أنشئت الكنيسة‬ ‫ً‬ ‫‪،‬طبقا للمراجع‬ ‫املعلقة على األرجح فى منتصف القرن السابع ‪ *.‬من املعروف أن الكنيسة املعلقة‬ ‫املسيحية ‪ ،‬بنيت فى أواخر القرن الثالث امليالدى ‪ ،‬وأوائل القرن الرابع امليالدى ( تصحيح املرتجم‬ ‫د ‪ -‬حممد رياض ) ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واضحا أى من الكنائس كان يقصد فارسونوفى ‪ .‬يوجد فى القاهرة القدمية‬ ‫‪ - 41‬ليس‬ ‫كنيستان ‪ :‬الكنيسة القبطية ‪ ،‬والكنيسة اليونانية األرثوذكسية ‪ ،‬وكالهما باسم‬ ‫القديس مار جرجس ‪.‬‬ ‫‪ - 42‬كما هو واضح ‪ ،‬يقصد الدير األرثوذكسى اليونانى باسم مار جرجس ‪ ،‬املوجود فى القاهرة‬ ‫القدمية حتى منتصف القرن العشرين ‪.‬‬ ‫‪ - 43‬كنيسة قبطية شيدت فى بداية القرن السادس ‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫ولقد ذهبت مرتني إىل املكان املقدس بالقاهرة ‪ ،‬حيث توجد هناك كنائس كثرية‬ ‫تسمى ميسرتى ‪ ،‬وقمت بزيارة كنيسة أم اإلله املقدسة ‪ ،‬حيث يوجد مكان مقدس للسيد‬ ‫املسيح ينبعث منه العطر يقع خلف مذبح الكنيسة الكبرية ألم اإلله ‪ ،‬وهناك صليت‬ ‫وقبلت املكان املقدس ‪.‬‬ ‫وتوجد خلف نهر النيل مقابل ميصيور ( مصر ) القدمية خمازن غالل يوسف اجلميل‪، 44‬‬ ‫وتوجد كذلك أشجار النخيل والعديد من األشجار األخرى حول النبع املقدس ‪ .‬ورأيت األشجار‬ ‫التى ينمو عليها العسل الربى والعديد من األشجار األخرى ‪ ،‬غري أنى ال أعرف أمسائها ‪.‬‬ ‫وتوجد هناك كنيسة باسم القديس نيقوالس صانع املعجزات وسط القاهرة بالقرب من‬ ‫السوق الكبري ‪ ،‬حيث يوجد دير وكنيسة أخرى‪ . 45‬وتعد هذه الكنيسة هى املأوى جلميع‬ ‫الرحالة املسيحيني األرثوذكس ‪.‬‬ ‫وجيرى نهر النيل الذهبى العظيم من اجلنوب إىل الشمال ‪ ،‬ويصب فى البحر األبيض‬ ‫املتوسط جنوب مدينة دمياط ‪.‬‬ ‫احتفلت بالعيدين العظيمني فى مصر ‪ -‬عيد ميالد السيد املسيح ‪ ،‬وعيد الغطاس ‪-‬‬ ‫وتوجهت بعد االحتفال بعيد ميالد السيد املسيح إىل جبل سيناء ‪.‬‬

‫‪ - 44‬يوسف اجلميل ‪ -‬ابن يعقوب الذى ذكر فى الكتاب املقدس ‪ .‬قام أخوته ببيعه كعبد فى‬ ‫مصر ‪ .‬وهناك بفضل حكمته وصل إىل منصب الوزير األعظم وأنقذ البالد من اجملاعة ‪ ،‬ويبجله‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ .‬وله سورة فى القرآن بامسه ‪ ،‬رقم ‪ “ ، 12‬يوسف “ ‪ .‬كما هو واضح كان يقصد‬ ‫املسلمون‬ ‫مبخازن احلبوب أهرامات اجليزة ‪.‬‬ ‫‪ - 45‬الكنيسة اليونانية األرثوذكسية باسم نيقوالس ‪ ،‬توجد فى حى احلمزاوى جبوار سوق‬ ‫خان اخلليلى ‪ ،‬وفى عام ‪ 1839‬م مت بناءها من جديد باألموال التى مت استالمها من روسيا ( رحلة‬ ‫األرمشندريت بورفريى اوسبنسكى فى مصر ‪ ،‬وفى دير القديس أنطون العظيم ‪ ،‬ودير القس بافل‬ ‫فيفيسكى عام ‪ ، 1850‬مكتبة سانت بطرسبورج ‪ ، 1856 ،‬ص ‪. ) 98‬‬ ‫‪27‬‬


‫ •التاجر فاسيلى ( ‪ 1466‬م )‪: 46‬‬ ‫من هذا املكان ( رام اهلل فى فلسطني ) ميتد الطريق إىل مصر عرب الصحراء ‪ ،‬ويستغرق‬ ‫الطريق من كازى ( غزة ) إىل قاطى مسافة أربعة أيام ‪ .‬يوجد هنا الكثري من النخيل‬ ‫واملياه املتدفقة من نهر النيل ‪ ،‬ويستغرق الطريق من هذا البلد حتى اخلانكة مسافة‬ ‫يومني‪ ،‬ويوجد هنا العديد من األسواق على بعد مخسة بوبريشى‪( 47‬فراسخ ) ‪ .‬ومن القاهرة‬ ‫صوب اخلانكة على الضفة اليمنى ( للنيل ) توجد قرية املطرية ‪ ،‬وجبوار هذه القرية‬ ‫توجد شجرة مجيز غري مثمرة ‪ .‬وحبلول املساء اختبأت فى هذه اجلميزة أم اإلله مع الطفل‬ ‫األبدى ويوسف عندما فروا من أورشليم إىل مصر ‪ .‬وشجرة اجلميز هذه مازالت تنمو حتى‬ ‫هذا اليوم ‪ .‬وعندما أرادت أم اإلله أن تشرب ماء فإنها أخذت الصبى ووضعته على الرمال ‪،‬‬ ‫وذهبت إىل قرية حيث قابلت هناك امرأة وقالت هلا ‪ « :‬أعطنى شربة ماء » ‪ ،‬فأجابتها املرأة ‪:‬‬ ‫« ال يوجد عندى ماء ‪ ،‬وأنا مثلك أريد أن أشرب وحنن نشرب املاء من نهر النيل » ‪ ،‬فرجعت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متدفقا ‪ .‬وبعد أن روت ظمأها‪،‬‬ ‫ينبوعا‬ ‫أم اإلله من حيث أتت ‪ ،‬ووجدت حتت قدمى الصبى‬ ‫عثرت على حجر فوق الرمال ‪ ،‬وغسلت عليه الصبى ومالبسه ‪ ،‬ثم أعادته إىل مكانه ‪.‬‬ ‫وفى هذا املكان منت أشجار صغرية ‪ ،‬ومنها يستخلصون الزيت ‪ ،‬ومن يتناول هذا الزيت‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مسيحيا أو من أصحاب الديانات األخرى ‪ ،‬واحلجر والشجرة مازاال فى‬ ‫يشفى سواء كان‬ ‫نفس املكان حتى اآلن ‪ .‬وتستغرق املسافة من ذلك املكان إىل القاهرة مسرية نصف يوم ‪.‬‬ ‫ووصلنا إىل مصر قبيل عيد ميالد السيد املسيح بأسبوع فى شهر ديسمرب ‪ ،‬فى يوم‬ ‫ذكرى الشهيد املقدس « سيباستيان »‪ . 48‬واستغرق قدومنا من بورصا‪ 49‬إىل مصر مائة يوم ‪.‬‬ ‫القاهرة مدينة كبرية ً‬ ‫جدا ‪ ،‬ويوجد فيها ‪ 14‬ألف شارع ‪ ،‬ولكل شارع بوابتان ‪ ،‬ومزغالن‬

‫لضرب السهام ‪ ،‬وحارسان يشعالن الزيت فى الشمعدان ‪ .‬ويوجد فى بعض الشوارع حواىل‬ ‫مخسة عشر ألف منزل ‪ ،‬وفى شوارع أخرى حتى ثـمانية عشر ألف فناء‪ ، 50‬ويوجد فى كل‬ ‫شارع سوق كبري ‪ ،‬والناس من الشوارع املتجاورة ال يعرفون بعضهم البعض فيما عدا‬ ‫الوجهاء‪.‬وسافرنا من مصر يوم ‪ 17‬يناير‪ 51‬فى يوم ذكرى أبونا القس أنطون‪. 52‬‬

‫‪ - 46‬مقتطفات من “ رحلة التاجر فاسيلى فى آسيا الصغرى ‪ ،‬مصر وفلسطني “ ‪ .‬نشر ألول مرة‬ ‫ً‬ ‫وطبقا‬ ‫فى ‪ :‬اجملموعة األرثوذكسية الفلسطينية ‪ ،‬إصدار ‪ ، 6‬مكتبة سانت بطرسبورج ‪. 1884 ،‬‬ ‫لكلمات املؤلف “ متنيت رؤية األماكن املقدسة واملدينة “ ‪ ،‬وهذا يعنى أنه كان حاج ‪ .‬قامت‬ ‫بأعمال الرتمجة ف ‪ .‬ف ‪ .‬فيودوروفا فى إصدار عام ‪ ، 1884‬ص‪. 8 - 7‬‬ ‫‪ - 47‬بوبريشى ‪ -‬وحدة قياس روسية قدمية ‪ ،‬تساوى ‪ 750‬ساجني ‪ ،‬مبا يساوى ‪ 1620‬مرت ‪.‬‬ ‫‪ - 48‬يوم ‪ 18‬ديسمرب بالتقويم القديم ‪.‬‬ ‫‪ - 49‬بورصا ‪ -‬مدينة فى تركيا ‪ ،‬فى مشال غرب األناضول ‪.‬‬ ‫‪ - 50‬هذه مبالغة واضحة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والحقا بعد ستكون مجيع التواريخ طبقا للتقويم القديم ‪.‬‬ ‫‪ - 51‬هنا‬ ‫‪ - 52‬أنطون العظيم ( ‪ - ) 356 - 251‬مؤسس اإلقامة فى الصحراء وأب الرهبنة ‪ .‬فى عام ‪ 312‬م جبوار‬ ‫مغارة فى الصحراء الشرقية ( فى مصر ) حيث عاش أنطون ‪ ،‬أقيم الدير احلاىل وحتى يومنا هذا ‪ ،‬وهو‬ ‫أول دير فى التاريخ املسيحى ‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫ ‬

‫•م ‪ .‬ج مصيور مونيخني ( ‪ 1493‬م )‪: 53‬‬

‫عن املدينة العظيمة مصر ‪:‬‬ ‫يوجد فى القاهرة العظيمة أربعة عشر ألف مسجد ‪ .‬حيتوى كل مسجد على مائة عمود‬ ‫حجرى ( مأذنة ) ‪ ،‬ويصعد على العمود مائة شخص ومخسون غريهم يؤذنون‪. 54‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا أربعة عشر ألف خان ‪ .‬ويسع اخلان حتى ‪ 300‬تاجر ‪ .‬وفى القاهرة‬ ‫يوجد فى القاهرة‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ 14‬ألف شارع ‪ ،‬وفى كل شارع أربعة عشر فناء ‪.‬‬ ‫يوجد‬ ‫قصر السلطان املسمى بامللكى حجمه حبجم كرملني موسكو‪ . 55‬غري أنه ال أحد يعرف‬ ‫السلطان ‪ .‬وتدفع رواتب العمال ( بسطاء الناس ) ‪ ،‬مثل سواس اخليل والطهاة واخلبازين‬ ‫ً‬ ‫يوميا فى القصر امللكى ‪ ،‬ويبلغ عددهم أربعة عشر ألف فرد‪. 56‬‬ ‫واجلزارين والوقادين ‪،‬‬ ‫تقع مصر وراء أورشليم ‪ ،‬ويستغرق الذهاب إليها مسافة ‪ً 15‬‬ ‫يوما ‪ .‬وما وراء مصر ال يعيش‬ ‫أحد ‪.‬‬ ‫ومن مصر إىل املدينة ‪ ،‬حيث قرب حممد يكون السفر على ظهور اإلبل فى الصحراء الرملية‬ ‫مخسني ً‬ ‫يوما ‪ ،‬وال يوجد شىء حولك سوى السماء واألرض ‪ ،‬وال توجد أية غابات ‪ .‬وسرد هذه‬ ‫الرواية أمني خزانة القيصر العظيم ميخائيل جرجيوريف‪ ، 57‬الذى زار مصر كسفري ملدة‬ ‫أربعني ً‬ ‫يوما ‪.‬‬

‫‪ - 53‬نشر فى إصدار ‪ :‬أ ‪ .‬أ ‪ .‬شامخاتوف ‪ .‬رحلة مصيور مونيخني إىل الشرق ‪ ،‬وإصدار كرونوجراف‬ ‫عام ‪ 1512‬م ‪ //‬قسم أخبار اللغة الروسية واآلداب باألكادميية اإلمرباطورية للعلوم ‪ .‬جملد ‪1899 ( 4‬‬ ‫م ) الكتاب األول ‪ ،‬ص ‪ . 22 - 21‬قام بالرتمجة من اللغة الروسية القدمية ى ‪ .‬ف ‪ .‬فيودوروفا ‪ .‬ى ‪..‬‬ ‫‪ - 54‬كما هو واضح ‪ ،‬يقصد املؤذنون الذين يدعون املسلمني للصالة ‪.‬‬ ‫‪ - 55‬قلعة القاهرة التى أنشئت فى نهاية القرن السابع ( التاريخ الصحيح ‪ ،‬القرن الثاني عشر ‪-‬‬ ‫املرتجم ) ‪.‬‬ ‫‪ - 56‬كل هذه (اآلالف ) كما هو واضح مبالغ فيها ‪.‬‬ ‫‪ - 57‬جرجيوريف ( فى نص آخر جريييف ) ‪ -‬هنا هو اللقب من اسم األب اخلاص مبيخائيل‬ ‫جيورجيفيتش مونيخني ً‬ ‫وفقا لالسم املستعار مصيور ‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫ •الراهب جرجيورى ( عام ‪ 1547‬م )‪: 58‬‬ ‫يوم ‪ 27‬فرباير عام ‪ 1574 ( 7055‬م ) ‪ ،‬حكى عجوز جبل سيناء القس ( الراهب جرجيورى)‬ ‫لألسقف مكارى مطران عموم روسيا أنه يوجد فى مصر ( القاهرة ) ‪ 14‬ألف شارع ‪ ،‬فى‬ ‫كل شارع يوجد ‪ 14‬ألف فناء حجرى ‪ .‬وفى وسط الضاحية توجد قلعة‪ 59‬حبجم مدينة‬ ‫موسكو ‪ ،‬حيث عاش هناك يوسف اجلميل‪ . 60‬وتوجد فى هذه القلعة كنيسة واحدة‬ ‫هى كنيسة « نيقوالس صانع املعجزات »‪ . 61‬ويقوم باخلدمة الدينية فى هذه الكنيسة‬ ‫بطريرك اإلسكندرية « يواكيم » ‪.‬‬

‫‪ - 58‬نشر فى إصدار ‪ :‬أ ‪ .‬أ ‪ .‬شامخاتوف ‪ .‬رحلة مصيور مونيخني إىل الشرق ‪ ،‬وإصدار كرونوجراف‬ ‫عام ‪ 1512‬م ‪ //‬قسم أخبار اللغة الروسية واآلداب باألكادميية اإلمرباطورية للعلوم ‪ .‬جملد ‪4‬‬ ‫(‪1899‬م ) الكتاب األول ‪ ،‬ص ‪ . 22 - 21‬قام بالرتمجة من اللغة الروسية القدمية ف ‪ .‬ى ‪ .‬فيودوروفا ‪..‬‬ ‫‪ - 59‬قلعة القاهرة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ - 60‬العديد من الرحالة الروس ( على ما يبدو ‪ ،‬نقال عن القساوسة اليونانيني ) ربطوا بني قلعة‬ ‫القاهرة مع املكان الذى عاش فيه يوسف اجلميل ‪ .‬ويوجد هناك مبنى للهندسة املائية ‪ ،‬واملعروف‬ ‫حتى هذا اليوم بـ “ بئر يوسف “ ‪.‬‬ ‫‪ - 61‬ال توجد الكنيسة فى القلعة ‪ ،‬وإمنا غري بعيد عنها فى حى احلمزاوى ‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫ •فاسيلى بوزنياكوف ( عام ‪ 1558‬م )‪: 62‬‬ ‫فى الصباح أمرنا بطريرك اإلسكندرية « يواكيم » بالذهاب معه إىل القاهرة القدمية‪.63‬‬ ‫تبلغ املسافة إىل القاهرة القدمية ثالثة فراسخ ‪ ،‬وقد وصلنا من جديد مع البطريرك إىل‬ ‫القاهرة القدمية ‪ .‬وفى القاهرة القدمية توجد كنيسة كبرية للقديس الشهيد جيورجى‬ ‫( مار جرجس )‪ 64‬ودير للراهبات‪ . 65‬فى هذه الكنيسة فى اجلانب األيسر توجد على احلائط‬ ‫أيقونة للقديس الشهيد مار جرجس خلف مشربية حناسية ‪ .‬جبوار هذه األيقونة حتدث‬ ‫املعجزات والشفاءات ‪ ،‬فهى ال تشفى املسيحيني فقط ‪ ،‬ولكن األتراك والعرب والالتينيني‪،66‬‬ ‫و اجلميع بدون انتقاء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا توجد كنيسة أخرى هى كنيسة أم اإلله الطاهرة‪ . 67‬وتوجد فى القاهرة‬ ‫وهناك‬ ‫ً‬ ‫القدمية أيضا كنائس للشهداء سريجيوس وواخس ‪ ،‬وكنيسة رقاد أم اإلله املقدسة ‪،‬‬ ‫وكنيسة القديسة الشهيدة املسيحية باربارا ‪ .‬ويسيطر على هذه الكنائس فى الوقت‬ ‫احلاىل األقباط املهرطقون‪ . 68‬ويوجد لدى األقباط فى الكنائس أيقونات ومذبح ‪ ،‬إال أنه ال‬ ‫‪ - 62‬أرسل فاسيلى بوزنياكوف إىل الشرق بتكليف من القيصر إيفان جروزنى حيمل صدقة‬ ‫لبطريرك اإلسكندرية ورئيس أساقفة جبل سيناء من أجل صحة ولدى القيصر إيفان وفيودر ‪.‬‬ ‫نشرت فى إصدار ‪ :‬رسالة القيصر إيفان فاسيليفتش لبطريرك اإلسكندرية يواكيم مع التاجر‬ ‫فاسيلى بوزنياكوف ‪ ،‬والرحلة اخلاصة بالتاجر بوزنياكوفى فى أورشليم ‪ ،‬وعن األماكن املقدسة‬ ‫األخرى ‪ 1884 .‬م ‪ ،‬ص ‪ . 9 - 8‬قام بالرتمجة ف ‪ .‬ى ‪ .‬فيودروف ‪.‬‬ ‫‪ - 63‬مصر القدمية ( القاهرة القدمية ) تقع فى احلصن الرومانى بابليون ‪ ،‬وأنشأها اإلمرباطور‬ ‫تراجان فى القرن الثانى ‪ ،‬وترتكز فيها الكنائس املسيحية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ - 64‬الكنيسة األرثوذكسية باسم القديس مار جرجس فى القاهرة القدمية ‪ ،‬ووفقا للمصادر‬ ‫اليونانية ‪ ،‬ذكرت هذه الكنيسة ألول مرة فى عام ‪ 530‬م ‪ ،‬إال أنه من غري الواضح إن كانت تلك‬ ‫الكنيسة موجودة فى هذه الفرتة ‪ .‬بداية منذ القرن الرابع عشر كانت توجد الكنيسة داخل‬ ‫إحدى األبراج املستديرة فى حصن بابليون ‪ ،‬فى عام ‪ 1904‬م التهمها احلريق ‪ ،‬ولكن بعد مخس‬ ‫سنوات أعيد إنشاءها (‪см : Beliakov, Vladimir. BYZANTINE Cairo // Places in‬‬ ‫‪) .Egypt, Cairo, May- June 1994.p.37‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جماورا لكنيسة القديس‬ ‫موجودا حتى منتصف عام ‪ 1950‬م ‪ ،‬وكان‬ ‫‪ - 65‬دير الراهبات كان‬ ‫مار جرجس ‪ .‬ويعد جزء من اجملمع الذى يضم املدرسة الدينية ‪ ،‬واملستشفى ‪ ،‬ومأوى العجزة واملقابر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وحاليا يقع فى مبنى الدير مقر أسقف بابليون األرثوذكسى ‪.‬‬ ‫‪ - 66‬كما هو واضح يقصد املسيحيون األرثوذكس ‪.‬‬ ‫‪ - 67‬من احملتمل أنه يقصد الكنيسة املعلقة ‪.‬‬ ‫‪ - 68‬األقباط ‪ -‬املسيحيون املصريون أصحاب املعتقدات املونوفيزية ( الوحدانية ) ‪،‬املنشقون عن‬ ‫الكنيسة البيزنطينية بعد جممع خلقيدونية عام ‪ 451‬م ‪ ،‬كما توجد مجيع الكنائس‬ ‫املذكورة حتى يومنا هذا ‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫ً‬ ‫‪70‬‬ ‫طبقا للعهد القديم ‪ .‬واآلن القاهرة القدمية خاوية‬ ‫يوجد عندهم تعميد‪ ، 69‬فهم خيتتنون‬ ‫ويعيش فيها عدد قليل من العجائز املصريني واألتراك ‪ ،‬وال يسكنها املسيحيون ‪ .‬وكان‬ ‫يوجد فيها حصن حجرى‪ ، 71‬ولكنه هدم ومل َ‬ ‫يبق منه سوى البوابات ‪ ،‬ودخلت من هذه البوابات‬ ‫القديسة أم اإلله مع املسيح ويوسف من أورشليم‪. 72‬‬ ‫أقمنا فى القاهرة القدمية مع البطريرك أربعة أيام ‪ ،‬ثم توجهنا منها إىل دير القديس‬ ‫أرسينى ‪ .‬وتبلغ املسافة من القاهرة إىل دير القديس أرسينى‪ 73‬الذى علم القراءة والكتابة‬ ‫ألبناء امللك ( هونوريوس وأركاديوس)‪ 74‬سبعة فراسخ ‪ .‬يقع الدير على جبل حجرى مرتفع‪،75‬‬ ‫وبه كهوف حجرية ‪ ،‬حيث يعيش الزهاد الكبار ‪ .‬وكان الدير مجيل للغاية ‪ ،‬وفيه‬ ‫ً‬ ‫فارغا‬ ‫قاليات عالية حبالة جيدة داخل احلوائط احلجرية ‪ .‬وفى الوقت احلاىل أصبح هذا الدير‬ ‫من جراء غزوات العرب‪. 76‬‬

‫ً‬ ‫صحيحا إذ يقومون بتعميد األطفال قبل أن يبلغوا ستة أعوام فى الكنيسة عن طريق‬ ‫‪ - 69‬ليس‬ ‫غمسهم ثالث مرات فى جرن املعمودية امللىء باملياه املقدسة ‪.‬‬ ‫‪. См: Kamil , Jill. Coptic Egypt. History and Guide. Cairo, 1993, p.46‬‬ ‫‪ - 70‬يتم ختان أوالد األقباط قبل التعميد مباشرة ‪.‬‬ ‫‪ - 71‬األدق حصن ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طبقا للتقاليد القبطية ‪ :‬أقامت العائلة املقدسة فى القاهرة القدمية ( فى املغارة ) أثناء هروبها‬ ‫‪- 72‬‬ ‫إىل مصر ‪ ،‬وقد أنشئ أعالها فيما بعد كنيسة القديس سريجيوس وواخس ‪.‬‬ ‫‪ - 73‬أرسينى العظيم ( ‪ ) 449 - 354‬قديس مسيحى ‪ .‬فى عام ‪ 394‬م انتقل من القسطنطينية إىل‬ ‫ً‬ ‫سريعا عن األنظار ‪.‬‬ ‫مصر ‪ ،‬وترهب وتوارى‬ ‫‪ - 74‬هونوريوس وأركاديوس ‪ -‬أبناء اإلمرباطور ثيودوسيوس ‪ ،‬الذى استدعى أرسينى الذى اشتهر‬ ‫بثقافته من روما لرتبية أبناءه ‪.‬‬ ‫‪ - 75‬كما هو واضح ‪ ،‬يدور احلديث عن جبل املقطم ‪ ،‬الذى حيد وادى النيل من القاهرة إىل الشرق ‪.‬‬ ‫‪ - 76‬مل َ‬ ‫يبق الدير حتى يومنا هذا ‪ ،‬وغري معروف موقعه بدقة ‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫ •تريفون كوربينكوف ( عام ‪ 1582‬م )‪: 77‬‬ ‫فى الصباح أمرنا البطريرك بالسفر معه إىل القاهرة القدمية ‪ ،‬وبلغت املسافة إىل هناك‬ ‫ثالثة فراسخ ‪ .‬ووصلنا من جديد مع البطريرك إىل القاهرة القدمية ‪ .‬توجد فى القاهرة‬ ‫القدمية كنيسة كبرية للقديس الشهيد املسيحى العظيم مار جرجس ‪ ،‬ودير للسيدات‪.‬‬ ‫فى هذه الكنيسة فى اجلانب األيسر توجد على احلائط أيقونة للقديس الشهيد مار‬ ‫جرجس خلف مشربية حناسية ‪ ،‬وجبوار هذه األيقونة حتدث العديد من البشارات ‪ ،‬فهى ال‬ ‫تشفى املسيحيني فحسب ‪ ،‬بل األتراك أنفسهم والالتينيني ‪.‬‬ ‫الكنيسة األخرى هى كنيسة أم اإلله الطاهرة ‪ .‬ويوجد فى القاهرة القدمية كنائس‬ ‫مسيحية مثل كنيسة الشهيدين القديسني سريجيوس وواخس ‪ ،‬ورقاد القديسة أم‬ ‫اإلله املقدسة ‪ ،‬والقديسة الشهيدة باربارا ‪ .‬وفى الوقت احلاىل يسيطر األقباط على هذه‬ ‫الكنائس‪ .‬ويوجد لدى األقباط فى الكنائس أيقونات ومذبح ‪ ،‬غري أنه ال يوجد عندهم‬ ‫ً‬ ‫تكريس وال تعميد ‪ .‬وخيتنت األقباط ً‬ ‫حاليا ‪،‬‬ ‫وفقا للعهد القديم ‪ .‬القاهرة القدمية فارغة‬ ‫ويعيش فيها فقط القليل من الغجر املصريني العجائز ‪ ،‬وال يعيش فيها األتراك واملسيحيون‪.‬‬ ‫وكان هذا احلصن بأتالله من احلجر ‪ ،‬وفى الوقت احلاىل تهدم هذا احلصن ‪ ،‬ومل َ‬ ‫يبق منه‬ ‫سوى البوابات ‪ ،‬ومن هذه البوابات دخلت القديسة أم اإلله مع املسيح ويوسف من أورشليم ‪.‬‬ ‫مكثنا مع البطريرك فى مصر القدمية أو القاهرة أربعة أيام ‪ ،‬ثم توجهنا من هنا إىل دير‬ ‫القديس أرسينى ‪ ،‬الذى َعلم أبناء القيصر “ أونوريى وأركادى “ القراءة والكتابة ‪ .‬وتبلغ‬ ‫املسافة من القاهرة إىل دير القديس أرسينى سبعة فراسخ ‪ ،‬ويوجد هذا الدير على جبل‬ ‫حجرى مرتفع ‪ ،‬حيث يقيم الزهاد الكبار ‪ .‬وكان الدير غاية فى اجلمال ذو قاليات رخامية‬ ‫ً‬ ‫خاويا من جراء غزوات العرب ‪.‬‬ ‫عالية ‪ .‬وفى الوقت احلاىل صار الدير‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫موظفا ضمن بعثة إيفان الرهيب املرسلة‬ ‫موسكوفيا أو رمبا كان‬ ‫تاجرا‬ ‫‪ - 77‬كوروبينكوف كان‬ ‫إىل أرض الشرق املقدسة فى عام ‪ 1582‬حمملة بالصدقة لتأبني روح وىل العهد إيفان املقتول بيد والده‬ ‫ً‬ ‫حرفيا نص رحلة فاسيلى بوزنياكوف كما تشري كل الدالئل إىل‬ ‫ وتكرر رحلة كوربينكوف‬‫أن رحلة كوربينكوف ما هى إال إعادة صياغة للرحلة السابقة ‪ -‬وقد قام كوربينكوف أو املؤلف‬ ‫الذى كتبت هذه املذكرات حتت امسه عن األماكن املقدسة باستغالل مذكرات بوزنياكوف صراحة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حاذفا بعض‬ ‫حرفيا فى أغلب النص ‪ ،‬وفى أماكن أخرى أعاد ترتيب الكلمات‬ ‫وضمنها كتابة كاملة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طبقا ألحداث ذلك الزمن ‪ .‬وكان نادرا ما يضيف كلمة من عنده ( إى ‪ -‬ى ‪ -‬زيبلني فى مقدمة‬ ‫السطور‬ ‫رسالة القيصر إيفان فاسيليفيتش ص ‪ . ) 3‬غري أن رحلة كوربينكوف ‪ ،‬وليس بوزنياكوف ‪ ،‬انتشرت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واسعا إذ أنها مذكورة فى ‪ 400‬فهرس ( انظر ‪ :‬الرحالت إىل األرض املقدسة ‪ -‬موسكو ‪ 1995 -‬ص‬ ‫انتشارا‬ ‫‪ . ) 250‬وأرجح أن إيفان الرهيب أراد أن يظهر تقواه والتوبة عن الذنب الذى اقرتفه فأمر كوربينكوف‬ ‫بإعداد مذكرات عن رحلته ‪ -‬وقام كوربينكوف باستغالل رحلة بوزنياكوف كاملة ‪ ،‬وبدون أى‬ ‫زيادة ‪ .‬ورمبا أنه مل يتواجد فى مجيع األماكن التى وصفها ‪ -‬ولقد القت رحلة تريفون كوربينكوف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واسعا بأمر من القيصر ‪ -‬وقد صدر النص فى إصدار ( رحلة تريفون كوربينكوف إىل أورشليم‬ ‫انتشارا‬ ‫ومصر وجبل سيناء فى عام ‪ 1583‬الطبعة اخلامسة ‪ 1846‬ص ‪ . 62 - 60‬وقامت بالرتمجة ى ‪ -‬ف ‪ -‬فيودوروفا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫ •فاسيلى جاجارا ( عام ‪ 1643‬م )‪: 78‬‬ ‫ليال ‪ ،‬ثم توجهت فى اليوم الرابع إىل مصر ‪ .‬كان‬ ‫أقمت فى أورشليم ًثالثة ًأيام وثالث ٍ‬ ‫وشاقا للغاية يشبه البحر الرملى ‪ .‬ومن املستحيل اجتياز هذا الطريق‬ ‫الطريق إىل مصر متعبا‬ ‫ً‬ ‫على ظهور اخليل أو سريا على األقدام ‪ ،‬بل ميكن اجتيازه على ظهور اجلمال ‪ .‬وخيلو‬ ‫ً‬ ‫متاما من املاء باستثناء املياه الراكدة فى الرتع ‪ ،‬وهى غري صاحلة للشرب كونها‬ ‫الطريق‬ ‫ُ‬ ‫ماحلة وذات مذاق مر ‪ ،‬لذلك فهم حيملون املياه العذبة معهم فى قرب جلدية على ظهور‬ ‫اجلمال ‪.‬‬ ‫توجد مدينة جبوار البحر يستغرق الذهاب إليها من أورشليم ثالثة أيام تسمى أرحيا‪، 79‬‬ ‫وباللغة الرتكية كازيا ‪ .‬وفى هذا الطريق من حيث تهب الرياح ‪ ،‬تأتى املوجات ( الرملية )‬ ‫مثل أمواج البحر ‪.‬‬ ‫على مسافة سبعة فراسخ من القاهرة توجد قرية تسمى املطرية ‪ ،‬وباليونانية ماريا ‪.‬‬ ‫وعندما هربت أم اإلله مع يسوع على احلمار بصحبة يوسف من بيت حلم إىل مصر ‪ ،‬محلت‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن امللك هريودس ‪ ،‬ثم هبطت على الرمال‪ 80‬جبوار هذه القرية ‪ .‬وعندما‬ ‫على السحاب‬ ‫أرادت أم اإلله أن تروى ظمأها ذهبت إىل هذه القرية وطلبت املاء ‪ .‬غري أنهم مل يعطوها‬ ‫وأنت تطلبني أن‬ ‫املاء ‪ ،‬وقالوا ‪ « :‬لقد وصلنا أمر من امللك هريودس بقتل األطفال الصغار ‪ِ ،‬‬ ‫تشربى»‪ .‬ورجعت أم اإلله املقدسة إىل يسوع ويوسف غاضبة ‪ ،‬ذلك أن الناس قد أهانوها فى‬ ‫ً‬ ‫واقفا على الرمال ‪ ،‬ورأت أمه حتت أقدامه ينبوع متدفق‬ ‫هذه القرية‪ .‬وكان يسوع الصغري‬ ‫من املياه العذبة ‪ ،‬فروت ظمأها وخلعت مالبسه وقامت بغسلها ‪ ،‬ثم سكبت املاء ‪ ،‬وفى‬ ‫ذلك املكان نبتت شجرة ‪ .‬من هذه الشجرة تقاطر الزيت فى عهد امللوك اليونانيني وامللك‬ ‫الرتكى عام ‪ 1430‬م ‪ .‬ويطلق على هذا الزيت مسرينا ( ّ‬ ‫املر ) الليفان ( البخور ) ‪ .‬وقد أبرأت‬ ‫هذه الشجرة والزيت مجيع املسيحيني املشلولني واجملذومني واألكفاء ‪ .‬وذات مرة جاءت‬ ‫امرأة من الكفرة األتراك ودهنت عينيها ‪ ،‬فذبلت الشجرة فى نفس تلك اللحظة ‪ ،‬وظلت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبريا ‪ ،‬ونقلوها‬ ‫ثـمنا‬ ‫أعواما عديدة ‪ .‬واشرتى األملان هذه الشجرة ودفعوا مقابلها‬ ‫جافة‬ ‫إىل أرضهم ‪.‬‬ ‫على مسافة أربعة فراسخ من القاهرة يوجد حجر ذو أربعة أضالع وقمة حادة ‪ ،‬يبلغ‬ ‫ارتفاعه ‪ 12‬ساجني‪ ، 81‬وعرضه ‪ 4‬ساجني ‪ ،‬ويطلق عليه األتراك « رمح الفرعون » ‪.‬‬ ‫‪ - 78‬نشر النص فى إصدار ‪ :‬احلياة والرحلة إىل أورشليم ومصر الرحال فاسيلى ياكوفليف جاجارا‬ ‫( ‪ // ) 1637 - 1634‬اجملموعة الفلسطينية األرثوذكسية ‪ ،‬جملد ‪ ، 6‬اإلصدار الثالث ‪ ،‬مكتبة‬ ‫سانت بطرسبورج ‪ ،‬ص ‪ . 31 - 13‬قام بأعمال الرتمجة ف ‪ .‬ى ‪ .‬فيودوروفا ‪...‬‬ ‫‪ - 79‬ليست هى مدينة أرحيا التى تقع فى وادى نهر األردن شرق أورشليم ‪ ،‬وإمنا مدينة العريش تقع‬ ‫فى مشال سيناء على شاطئ البحر األبيض املتوسط ‪.‬‬ ‫‪ - 80‬رواية جاجارا عن هروب العائلة املقدسة إىل مصر ختتلف عن التقاليد القبطية التى تقول أن‬ ‫العائلة املقدسة انتقلت إىل مصر ً‬ ‫سريا على األقدام ‪ ،‬وليس بشكل إعجازى حممولني على السحاب‬ ‫إىل املطرية ‪.‬‬ ‫‪ - 81‬الساجني يساوى ‪ 2.16‬مرت ‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫وقد كتب عليه امسه‪ . 82‬وعندما تقرتب من القاهرة تظهر أمامك كما لو أنها غابة‬ ‫مظلمة فتلك منارات أجراس املسلمني ( املآذن ) فوق مساجدهم ‪ .‬ال ينبت فى القاهرة أى نوع‬ ‫من أنواع الثمار باستثناء قصب السكر والنخيل ‪ ،‬وال يوجد أى نوع من البساتني بسبب‬ ‫احلرارة اهلائلة‪ . 83‬وباإلضافة لذلك توجد فى القاهرة قصور ضخمة وخميفة كاجلبال‬ ‫العالية وراء نهر النيل الذى يطلق عليه باليونانية جيون ‪ ،‬وتبلغ املسافة إىل نهر النيل‬ ‫ستة فراسخ ‪ ،‬تلك قصور مربعة الشكل قائمة على اجلبل هلا قمم كقمم األبراج ‪ ،‬وقام‬ ‫اإلسرائيليون ببنائها عندما كانوا مستعبدين من قبل امللك الفرعون‪ 84‬فى مصر ‪ ،‬وقد بنيت‬ ‫ً‬ ‫خصيصا للفرعون ‪ .‬يوجد ذاك النهر على مسافة ثالثة فراسخ من القاهرة ‪ .‬وجيلب العرب‬ ‫املاء منه للمدينة ويبيعونه فى القاهرة ‪ .‬وهم حيملونه على اجلمال والبغال فى قرب جلدية‬ ‫ويبيعونه بالرحال واألباريق ‪ ،‬وذاك النهر « جيون » مياثل نهر الفوجلا ‪.‬‬ ‫عال ‪،‬حيث يقيم الباشا الرتكى‪ ، 85‬أما احلصن‬ ‫يوجد فى القاهرة حصن قائم على جبل ًِ‬ ‫أيضا مبنى من احلجر وكبري للغاية ‪ .‬وال يوجد‬ ‫اآلخر فيشغل الضاحية بأكملها ‪ ،‬وهو‬ ‫فى أى مكان آخر مثل هذا احلصن الكبري باستثناء القاهرة ‪ .‬توجد على مسافة ثـمانية‬ ‫‪87‬‬ ‫بوبريشى ( فراسخ )‪ 86‬وراء نهر جيون ( أى فى الضفة األخرى للنهر باجليزة ) ( املرتجم ) حبرية‬ ‫تصري دامية بداية من يوم اجلمعة العظيمة‪ 88‬حتى يوم صعود املسيح إىل السماء ‪ .‬وجبوار‬ ‫ً‬ ‫أيضا بداية من يوم اجلمعة العظيمة ‪ ،‬حتى يوم صعود املسيح إىل السماء‪، 89‬‬ ‫هذه البحرية‬ ‫خترج من األرض عظام بشرية ورؤوس وأيدى وأرجل وضلوع يتحركون كأنهم أحياء ‪،‬‬ ‫وخترج الرؤوس بشعورها إىل سطح األرض‪ . 90‬وكان يوجد فى القاهرة باشا تركى امسه‬ ‫ً‬ ‫حتديدا عن مسلة الفرعون سنوسرت األول (‪ 1928 - 1971‬قبل امليالد) التى‬ ‫‪ - 82‬يدور احلديث‬ ‫توجد فى املدينة القدمية للكهنة ( هليوبوليس ) ‪ .‬ودخلت أطالل املدينة ضمن حدود القاهرة‬ ‫املعاصرة ‪ ،‬وتقع بالقرب من املطرية ‪ .‬توصل جاجارا بدقة إىل ارتفاع املسلة الذى يبلغ ‪ 22‬مرت ( ‪12‬‬ ‫ساجني تساوى ‪ 26‬مرت ) ‪.‬‬ ‫‪ - 83‬على األرجح يقصد جاجارا فصل الصيف ‪ ،‬حيث ال تنبت اخلضروات فى الواقع بسبب احلرارة ‪.‬‬ ‫‪ - 84‬الرواية تتحدث عما دار ويدور اآلن عن أن الذين شيدوا األهرامات العظيمة باجليزة فى فرتة‬ ‫ً‬ ‫إطالقا ‪ ،‬فقد مت تشييد أهرامات اجليزة قبل هجرة‬ ‫األسر املصرى ‪ ،‬غري أن هذه الرواية ال تطابق الواقع‬ ‫اليهود إىل مصر مبئات السنني ‪ ،‬هذا وقد برهنت حفريات العشر سنوات األخرية أن األهرامات شيدها‬ ‫أناس أحرار وليس العبيد ‪.‬‬ ‫‪ - 85‬يقصد قلعة القاهرة حيث كانت حتى نهاية القرن التاسع عشر مقر احلاكم املصرى ‪.‬‬ ‫‪ - 86‬بوبريشى ‪ -‬وحدة قياس روسية قدمية ‪ ،‬تساوى ‪ 750‬ساجني ‪ ،‬أى ‪ 1620‬مرت ‪.‬‬ ‫‪ - 87‬غري واضح عن أى حبرية يدور احلديث ‪ .‬فال توجد حبريات فى ضواحى اجليزة ‪ ،‬وملاذا تتحول‬ ‫املياه فيها إىل اللون األمحر فهذا مل يفسره جاجارا ‪ .‬من املمكن أن تكون جمرد أسطورة ‪.‬‬ ‫‪ - 88‬اجلمعة العظيمة ‪ :‬يوم صلب يسوع املسيح ‪.‬‬ ‫‪ - 89‬يوم الصعود ‪ :‬هو يوم صعود يسوع املسيح إىل السماء بعد أربعني ً‬ ‫يوما من عيد الفصح ‪.‬‬ ‫‪ - 90‬يدور احلديث على األرجح عن مدينة املوتى القدمية باجليزة ‪ .‬ومن املالحظ أن أرسينى‬ ‫ً‬ ‫أيضا يقص هذه الرواية ( انظر ) ‪ ،‬ولذلك فإن كليهما يشري أن هذا حيدث « منذ يوم‬ ‫سوخانوف‬ ‫ً‬ ‫تقريبا مع موسم رياح‬ ‫اجلمعة العظيمة حتى يوم الصعود إىل السماء » ‪،‬وهذه الفرتة الزمنية تتوافق‬ ‫اخلماسني ‪ ،‬وهى رياح جنوبية غربية قوية ‪ .‬ومن احملتمل أنها أظهرت العديد من املقابر التى كانت‬ ‫خمتبئة حتت الرمال ‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫« سفري » يبغض الديانة املسيحية ‪ .‬أمر هذا الباشا بوضع كل العظام فى حفرة كبرية‬ ‫وردمها ‪ .‬وفى الصباح التاىل كما فى السابق خرجت تلك العظام إىل سطح األرض ‪ ،‬ذلك ألنه‬ ‫ينبغى عليها أن تتحرك حتى اليوم املوعود ‪ ،‬وهو يوم صعود املسيح إىل السماء ‪ .‬تقع القاهرة‬ ‫القدمية على مسافة أربعة فراسخ من مدينة القاهرة ‪ .‬ويوجد فى القاهرة القدمية معبد أم‬ ‫اإلله املقدسة‪ 91‬الذى يقوم فيه األقباط خبدمة ديننا ‪ .‬فى ذاك املعبد ‪ ،‬وملدة سبع سنوات ‪،‬‬ ‫عاشت أم اإلله مع ربنا يسوع املسيح ويوسف‪ 92‬خمتبئني من امللك هريودس ‪ ،‬عندما كان‬ ‫هذا امللك يبحث عن ربنا املسيح ‪ -‬الطفل ‪ -‬لكى يقتله ‪.‬‬ ‫توجد تلك احلجرة فى املعبد أسفل املذبح ‪ ،‬ويهبطون إليها عرب عشرة سالمل ‪ ،‬وال ينزلون‬ ‫ً‬ ‫خصيصا‬ ‫إىل هناك بدون مشوع إذ أن الغرفة مظلمة ‪ .‬وأنا ‪ -‬العبد كثري اخلطايا ‪ -‬ذهبت‬ ‫إىل مصر القدمية ألشاهد وأصلى حيث عاشت أم اإلله خمتبئة مع يسوع ويوسف من امللك‬ ‫ثـمان قطع من النقود ‪،‬‬ ‫هريودس ‪ .‬وقد قدمت عن نفسى وعن ذلك الشخص الذى كان معى‬ ‫ِ‬ ‫واشرتيت مشعة ‪ ،‬ونزلت إىل تلك احلجرة حيث عاشت أم اإلله مع يسوع ‪ .‬كل شىء مجيل‬ ‫فى هذه احلجرة فيما عدا أنها مظلمة ‪ .‬وعلى مدار تلك السنوات السبع كانت النار توقد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونهارا بال توقف ‪ ،‬أى أن زيت الزيتون اخلام كان حيرتق طوال الوقت ‪ ،‬والذى بسببه‬ ‫ليال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مكانا مسورا ‪ ،‬وكان السور عبارة عن‬ ‫تسخمت احلوائط والسقف ‪ .‬وقد خصص ألم اإلله‬ ‫مشربية خشبية هناك ‪ ،‬حيث أقامت أم اإلله ‪ .‬ولألساقفة الوافدين للصالة ‪ ،‬أقيم فى احلائط‬ ‫مكان ميكن لشخص اجللوس فيه ‪ .‬وكانت الغرفة مفروشة باحلصري املصنوع من ألياف‬ ‫القصب ‪ ،‬ومن فوقه وضعت السجاجيد ‪.‬‬ ‫فيما خيص اللوح اخلشبى الذى تعلم عليه ربنا يسوع املسيح القراءة والكتابة ‪،‬‬ ‫فقد دفع األملان الكثري من األموال لعدة سنوات ‪ ،‬غري أن األقباط رفضوا أن يبيعونه هلم ‪،‬‬ ‫فقام األملان بسرقة هذا اللوح وأخذوه معهم ‪ .‬أما القس القبطى الذى أرشد هؤالء األملان إىل‬ ‫الكنيسة ‪ ،‬فقد أراد األقباط رمجه باحلجارة حتى املوت ‪ ،‬ولكنه مكث فى العذاب األليم‪.‬‬ ‫وقد سرق هذا اللوح منذ مخسة عشر ً‬ ‫عاما ‪ .‬وقد ُمدت املياه من نهر « جيون » إىل اجلبل عن‬ ‫طريق حائط حجرى إىل قلعة الباشا ‪ .‬ومت عمل ميزاب على احلائط ‪ ،‬والذى من خالله تتدفق‬ ‫املياه من هذا النهر‪ . 93‬وفى نهاية هذا احلائط مت بناء برج ترتفع إليه املياه بواسطة ساقية ‪،‬‬ ‫يديرها مخسة عشر ً‬ ‫ثورا ‪.‬‬ ‫فى القاهرة يوجد قصر يوسف اجلميل ‪ .‬كما يوجد فى هذا القصر ثـمان وثالثون‬ ‫ً‬ ‫عمودا رائعة الصنع بينها عقود ‪ ،‬أما األرضية فذات لون رصاصى ‪ .‬وسقف القصر منقوش‪،‬‬ ‫والنقش به زخارف رائعة مطلية بالذهب وبألوان خمتلفة ‪ ،‬وقد تهدمت قبته ‪ ،‬ومل يكمل‬ ‫الباشوات بناء هذا القصر ومل يقيموا فيه ألن هذا قصر الرجل املقدس يوسف اجلميل ‪ ،‬وليس‬ ‫ً‬ ‫أيضا اسم الكنيسة املعلقة ‪،‬إذ أنها شيدت على أحد أبراج حصن‬ ‫‪ - 91‬يطلقون على هذا املعبد‬ ‫بابليون ‪.‬‬ ‫‪ - 92‬غري دقيق ‪ .‬مكثت العائلة املقدسة فى املغارة الواقعة أعلى املذبح اجملاور للكنيسة‬ ‫ً‬ ‫ووفقا للتقاليد القبطية فإن العائلة املقدسة مكثت فى‬ ‫القبطية للقديس سريجيوس وواخس ‪،‬‬ ‫مصر ملدة ثالثة أعوام ‪.‬‬ ‫‪ - 93‬جمرى مائى من النيل إىل القلعة على امتداد ‪ 3400‬مرت شيد فى مطلع القرن ‪ ، 16 - 15‬وكان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قائما حتى اآلن على صورة جيدة ‪.‬‬ ‫مستخدما حتى عام ‪ 1872‬م ‪ ،‬واليزال‬ ‫‪36‬‬


‫من املناسب اإلقامة فيه ‪ .‬وعرب هذا القصر يأتى الوجهاء لتحية الباشا ‪ .‬أما أهل البندقية فقد‬ ‫أعطوا الباشا الرتكى الكثري من الذهب والفضة مقابل ذلك السقف ‪ ،‬إال أن الباشا مل جيرؤ‬ ‫على بيعهم إياه ‪ ،‬وهم يطلقون على يوسف اجلميل « النبى »‪ . 94‬أما السجن الذى سجن فيه‬ ‫فباق حتى هذا اليوم‪. 95‬‬ ‫يوسف اجلميل ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا يوسف اجلميل ‪ .‬وبالقرب منه‬ ‫أيضا قصر حتت األرض بناه‬ ‫يوجد فى القاهرة‬ ‫يسريون حتت األرض إىل قصر الباشا عرب ممر حجرى ‪ .‬يبلغ طول هذا املمر مخسة عشر‬ ‫ساجني ‪ ،‬أما عرضه وارتفاعه فيبلغ اثنني ساجني ‪ .‬وهلذا القصر أبواب مصنوعة من شجر‬ ‫البلوط ومغطاة بقضبان حديدية ‪ ،‬وعندما استحوذ األتراك على مصر ‪ ،‬حاول الكثري من‬ ‫الباشوات ( األتراك ) حتطيم تلك األبواب بواسطة املدافع ‪ ،‬إذ يقولون أنه يوجد فى هذا القصر‬ ‫خزانة ما لألموال ‪ ،‬إال أنهم مل يقدروا على هدم هذه األبواب ‪ .‬ومل يصبهم من جراء ذلك إال‬ ‫الضرر ‪ ،‬فكلما يقوم املدفعى بالضرب ‪ ،‬ينفجر املدفع ‪ ،‬وبعد ذلك ينسحبون ‪ ،‬وحتى هذا‬ ‫اليوم ال أحد يعرف ماذا يوجد فى هذا القصر‪. 96‬‬ ‫توجد فى القاهرة القدمية اثنتا عشرة شونة ( خمازن للغالل ) ‪ ،‬وبعضها مياثل القصر فى‬ ‫احلجم ‪ ،‬وأخرى حبجم الكرملني ‪ ،‬وتلك الشون ليس هلا أسقف ‪ ،‬وفيها يكدسون القمح‬ ‫ً‬ ‫صيفا أو شتا ًء ‪ ،‬فهذه أبنية الفرعون امللك ‪ ،‬والتى ال‬ ‫والشعري‪ . 97‬وال تسقط عليها األمطار‬ ‫ينفد القمح والشعري فيها ً‬ ‫أبدا ‪ ،‬ويرجع ذلك لكون املكان خصب ‪ .‬يستغرق الوصول إىل‬ ‫ً‬ ‫مبحرا مع التيار مدة شهر ونصف مبحاذاة املراكز املصرية من القرى والعزب ‪.‬‬ ‫أعاىل النيل‬ ‫ويوجد البحر األمحر بالقرب من مصر ( القاهرة ) ‪ ،‬ويتم الوصول إليه خالل يومني على ظهور‬ ‫اجلمال‪ . 98‬يوجد فى القرى املصرية بيوت طينية بداخلها أفران ‪ .‬وفى كل بيت يوجد اثنى‬ ‫عشر ً‬ ‫فرنا‪ ،‬على كل فرن صناديق يضعون فى كل منها حواىل ‪ 6000‬بيضة ‪ ،‬ويرشون‬ ‫فى هذه األفران روث اخليل املغربل اجملروش ‪ ،‬ثم يوقدون الفرن وتظل النار فيه مشتعلة‬ ‫دائما ‪ ،‬وال ينقطع عنه الدخان ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعندئذ‬ ‫أبدا ‪.‬‬ ‫دافئا‬ ‫باستمرار ‪ ،‬فمن الضرورى أن يكون‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن األمهات ‪ ،‬إذ أنه فى اليوم الثانى عشر تقوم األفراخ بأنفسها‬ ‫تولد األفراخ فى املفرخة‬ ‫ً‬ ‫بالنقر واخلروج من القشرة ‪ ،‬وعندما تكرب األفراخ قليال يتم توزيعها على الساحات‬ ‫والقرى‪ .‬ويبيعون الفرخ الواحد بأربعة دراهم ‪ .‬وعندما يكربون إىل ما يقارب الدجاجة‬ ‫يبيعون الواحدة منهم بثالثة قروش ودرهمني‪. 99‬‬ ‫‪ - 94‬من احملتمل أنه يدور احلديث عن أحد القصور فى القلعة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪ - 95‬توجد فى القلعة سجون‬ ‫‪ - 96‬غري واضح عن أى مبنى يدور احلديث ‪ .‬فحكاية أن األبواب املصنوعة من خشب البلوط‬ ‫املغطاة باحلديد ال خترتقها املدافع تعد أسطورة ‪.‬‬ ‫‪ - 97‬من احملتمل أن جاجارا كان يقصد أبراج حصن بابليون ‪.‬‬ ‫‪ - 98‬أغفلت القصة القصرية عن دير سانت كاترين فى سيناء ‪ ،‬وكذلك احلكاية الشهرية عند‬ ‫املسحيني املصريني عن أن قوة اإلميان فى املسيح قد حركت جبل بالقرب من القاهرة ‪.‬‬

‫هى شبيهة به ‪ ،‬ولكن الوصف األكثر دقة حلضانة الطيور املنزلية أوردها العامل العربى الشهري‬ ‫‪ 99‬‬ ‫عبد اللطيف البغدادى ‪،‬الذى زار مصر فى مطلع القرن الثالث عشر ( البغدادى ‪ ،‬عبد الطيف)‪ .‬أسرار العصور‬ ‫الوسطى ملصر ‪ ،2004 ،‬ص ‪ . 103 - 93‬وقد أشار ناؤمكني ‪ .‬ف ‪ .‬ف فى مقدمة هذا الكتاب أن “ مجيع الرحالة‬ ‫ً‬ ‫فعليا فى القرون الوسطى والعصر احلديث ‪ ،‬قد نوهوا فى قصصهم عن هذه احلرفة “ ‪ ،‬حيث أن‬ ‫الذين زاروا مصر‬ ‫هذه احلرفة انتشرت فى أوروبا فى القرن الـ ‪ 18‬فقط ( ص ‪. ) 13،14‬‬ ‫‪37‬‬


‫ً‬ ‫‪100‬‬ ‫غال الثمن ‪،‬‬ ‫عالوة على ذلك يصنعون فى مصر « فريياك » ‪ ،‬فهم يشرتون عبدا ِ‬ ‫ً‬ ‫جيدا ‪ ،‬ثم يقومون بقتله ووضعه فى صندوق‬ ‫ويطعمونه بلح فى احلديقة ويسمنونه‬ ‫حجرى ويغمرون جسده كله فى العسل األسود لكى يتشبع اجلسم بالكامل ‪ ،‬وال‬ ‫يقومون بفحصه ملدة عشر سنوات ‪ ،‬وعندما تنقضى عشر سنوات يقومون بفحصه ‪ ،‬ثم‬ ‫يغمرونه مرة أخرى فى العسل األسود ‪ ،‬ويفعلون ذلك ملدة أربعني ً‬ ‫عاما طاملا أنه خالل هذه‬ ‫السنوات مل تذب العظام فى العسل األسود‪. 101‬‬ ‫ويقوم العرب فى مصر بشراء العائلة الكاملة للنمور الرقطاء‪ 102‬مببلغ ‪ 400‬يفيمك‬ ‫ً‬ ‫ودائما ما ترغب أنثاه أن ترتع معه‪،‬‬ ‫(عملة أجنبية فضية ) ‪ ،‬ويقومون بإطالق سراح النمر ‪،‬‬ ‫غري أن مجيع أعضائه السرية منزوعة منه فال يستطيع إال اللعب فقط ‪ ،‬ولكن عندما‬ ‫حيني الوقت يظهر لدى األنثى فى حلمتى ثديها لنب يشبه القشدة الرائبة يقوم العرب‬ ‫ً‬ ‫جيدا ويصنعون منه املسك ‪.‬‬ ‫حبلبه ‪ ،‬ثم يسخنوننه‬ ‫باإلضافة لذلك يزرع القصب فى مصر ‪ ،‬ويصنعون منه السكر‪ . 103‬يزرعون القصب‬ ‫باجلذور بالقرب من البحر ‪ ،‬ويبلغ ارتفاعه شرب واحد ‪ ،‬وينثرون فضالت احلمام حتت‬ ‫القصب‪ ،‬أما اجلذور فريوونها بالعسل األسود ‪ .‬وإذا منى القصب وأخرج الثمر ‪ ،‬فإنهم يروونه‬ ‫حتى الشبع ( باملاء احمللى بالعسل ) ‪ .‬وعندما ينضج القصب يأكلونه مثل شهد العسل ‪.‬‬ ‫فى مصر توجد حديقة مجيلة ً‬ ‫جدا جترى فيها املياه ‪ ،‬والقصور هناك مزينة بصورة رائعة‬ ‫من أجل الباشوات ( األتراك ) ‪ .‬وعندما حيضر ( الباشوات األتراك ) ملقر الوالية يظهر املواطنون‬ ‫للباشا عظيم االحرتام ‪ ،‬فيقومون ببسط السجاد الذهبى من البوابة حتى القصر ‪ ،‬والذى يبلغ‬ ‫عدده أكثر من ثالثـمائة سجادة ‪ ،‬ويسري الباشا على ذلك السجاد ‪ ،‬ثم يقوم اخلدم جبمع‬ ‫ليال ‪ .‬وفى هذه األيام الثالثة‬ ‫السجاد حلفظه ‪ .‬ويقيم الباشا هناك ملدة ثالثة أيام وثالث ِ‬ ‫يظل الباشا يشرتى من اليونانيني للخدم وللعبيد معاطف من فرو السمور والسنور الربى‬ ‫حتى يتخمون ‪ ،‬وكان الشراء يتم باألجل بدون أن يدفع ً‬ ‫ماال‪. 104‬‬ ‫فى مصر يوجد وحش مائى فى نهر النيل يسمى التمساح ‪ ،‬رأسه كرأس الضفدعة‬ ‫‪ - 100‬بشكل أدق ( ترياق ) ‪ ،‬وسيلة عالجية معقدة ‪ .‬استخدم فى عالج األمراض على نطاق‬ ‫واسع ‪ ،‬وانتشر قبل منتصف القرن الـ ‪ ، 18‬وملعرفة التفاصيل انظر س ‪ .‬أ ‪ .‬كرييللينا ‪ ،‬واملقالة املشار‬ ‫إليها ص ‪. 214 - 212‬‬ ‫‪ - 101‬التخيل واضح ‪ ،‬وقد كان حلم الثعابني السامة هو املكون األساسى للرتياق ‪.‬‬ ‫‪ - 102‬تعتقد أ ‪ .‬س ‪ .‬كرييللينا أن احلديث يدور عن “ قطة املسك “ ‪ .‬يستخلصون من الغدد األربية‬ ‫لقطط الزباد رائحة املسك القوية ‪ ،‬والتى تستخدم كمادة عطرية ( أ ‪ .‬س ‪ .‬كرييللينا ‪ .‬املقال‬ ‫املشار إليه ‪ ،‬ص ‪ . ) 180‬‬ ‫‪ - 103‬قصب السكر ‪.‬‬ ‫‪ - 104‬وكما ترجح أ ‪ .‬س ‪ .‬كرييللينا ‪ ،‬فإن جاجارا يصف زيارة الواىل العثمانى اجلديد فى‬ ‫القاهرة ‪ -‬الواىل ‪ .‬انظر أ ‪ .‬س ‪ .‬كرييللينا فى كتابها املشار إليه ص ‪. 384‬‬ ‫‪38‬‬


‫ً‬ ‫قليال من البياد‪،105‬‬ ‫وعيونه مثل عيون اإلنسان ‪ ،‬ولديه ‪ 4‬أقدام طول كل واحدة منها أكرب‬ ‫أما جسد وأعضاء التمساح مثلها مثل جسد وأعضاء اإلنسان ‪ ،‬وعموده الفقرى فى الظهر‬ ‫كما عند اإلنسان ‪ ،‬والذيل يشبه ذيل القرموط ‪ .‬والتمساح يلهو مع أنثاه على الشاطئ‪،‬‬ ‫وعندما يرى إنسان يطارده ‪ ،‬وحني يدركه يلتهمه ‪ .‬ويقوم العرب بصيد التماسيح‬ ‫بطريقة ماكرة ‪ ،‬ثم حيضرونها إىل الباشا فى القلعة ‪.‬‬ ‫وقد عشت فى مصر ‪ -‬أنا الرحال اآلثم ‪ -‬ملدة عامني وثالثة أسابيع ‪.‬‬ ‫يزرعون فى مصر احلبوب املختلفة ‪ ،‬التى يبذرونها قبل أسبوعني من صيام فيليبوف [‬ ‫عيد امليالد ] ‪ .‬واحلبوب وثـمار أخرى تنضج حبلول عيد ميالد املسيح وعيد الغطاس ‪ .‬وآخر‬ ‫حمصول ينضج فى عيد املسلينيتسا ( يعترب عيد الـ « مسلينيتسا » أو أسبوع املرافع أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سالفيا يعود تاريخ االحتفال به إىل الطقوس والعادات الوثنية السالفية‪،‬‬ ‫عيدا‬ ‫أسبوع السمن‬ ‫وجترى خالل هذا األسبوع احتفاالت شعبية يرجع عهدها إىل القرون املاضية ‪ ،‬حني كانت‬ ‫الشعوب السالفية حتتفل بانتهاء فصل الشتاء بإقامة مهرجان الشمس ‪ .‬ويستعد املؤمنون‬ ‫األرثوذكس للصوم الكبري الذى يستمر ‪ً 48‬‬ ‫يوما ‪ ،‬وخيتتم باالحتفال بعيد الفصح اجمليد)‬ ‫( املرتجم ) ‪ .‬وينمو القمح ‪ ،‬والشعري ‪ ،‬وجريش الدخن بصورة جيدة ‪ ،‬ألنه عندما يفيض نهر‬ ‫جيون ( النيل ) فى املروج واحلقول تبقى املياه ملدة طويلة وتروى األرض ‪ .‬واألرض هناك ذات‬ ‫تربة سوداء ‪.‬‬ ‫توجهت من مصر إىل أورشليم بعد أن بدأت الصيام بعد أسبوع فيودوروف ‪ ، 106‬ورأيت‬ ‫أنه قد مت جنى احلبوب فى أماكن بالقرب من القاهرة ‪ ،‬وفى أماكن أخرى ال تزال‬ ‫احلبوب تبدأ فى النضج ‪ .‬أما فى املدينة املقدسة أورشليم حيث وصلت قبل أسبوعني‬ ‫من يوم القيامة العظيمة‪ ،‬فإن احلبوب هناك مل تكن قد نضجت بعد ‪ ،‬لقد نضج‬ ‫اخليار فقط وثـمار أخرى يصعب نطقها ألنه ال يوجد لدينا مثلها ‪ .‬وينضج الزبيب فى‬ ‫ً‬ ‫متأخرا ألن مدينة أورشليم تقع على اجلبل ‪ -‬وهو‬ ‫منتصف فصل الصيف ‪ .‬وينضج‬ ‫مكان بارد ‪ -‬عكس الطقس فى مصر ‪.‬‬

‫‪ - 105‬البياد وحدة قياس روسية شعبية قدمية لألطوال ‪ ،‬تساوى املسافة بني أصبع اإلبهام والسبابة‬ ‫املفرودين ‪.‬‬ ‫‪ - 106‬أسبوع فيودوروف ‪ -‬األسبوع األول من أيام الصوم العظيم ‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫ •أرسينى سوخانوف ( عام ‪ 1651‬م )‪: 107‬‬ ‫فى اليوم الثانى عشر أحبرنا فى طقس معتدل ( من كريت ) ‪ .‬وفى اليوم الثالث عشر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قليال إىل‬ ‫شاطئا ‪ ،‬وظننا أن هذا هو شاطئ اإلسكندرية ‪ ،‬فانعطفنا‬ ‫عند بزوغ الفجر رأينا‬ ‫اليسار ‪ ،‬ووصلنا وقت الغداء عند خور مدينة أبو قرييا ( أبو قري ) ‪ .‬وهنا رأينا مسكة بأجنحة‬ ‫جلدية‪ . 108‬وهى تطري مثل الفئران الطائرة ‪ ،‬وعليها ريش كزعانف السمك ‪ ،‬وقشرها لونه‬ ‫أبيض مثل قشر السمك ‪.‬‬ ‫تقع مدينة أبو قري على مسافة عشرين فرسخ من مدينة اإلسكندرية بالطريق الربى ‪.‬‬ ‫وفى منتصف ذلك اليوم أحبر العجوز أرسينى مع العجائز فى مدينة أبو قري بعد أن استأجر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مركبا ) ‪ .‬وهم ال يسمحون ألى أحد من املسيحيني بدخول هذه املدينة ‪ ،‬وهنا‬ ‫صندال (‬ ‫دفعنا الرسوم حملصل األتاوات ‪ ،‬ثم استأجرنا عربتى كارو ‪ ،‬وذهبنا إىل اإلسكندرية ‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫سريا على األقدام ‪ .‬وشاهدنا األتراك الذين‬ ‫وصلنا هناك عند حلول املساء ‪ .‬ودخلنا املدينة‬ ‫يقفون عند البوابات للحراسة ‪ ،‬ومل يقولوا أى شىء ألرسينى ‪ .‬وعندما وصلت ‪ ،‬وجدت دير‬ ‫املبجل القديس « سابا » ‪ ،‬حيث يقيم البطريرك‪ . 109‬وهنا استقبل العجائز أرسينى بلطف‬ ‫وأطعموه وأجلسوه معهم ‪ .‬وهنا قضينا ليلتنا ‪ .‬ومع شروق الشمس فى اليوم الرابع عشر‬ ‫جتولنا فى املدينة جبوار البحر ‪ ،‬وبعد الغداء سرنا إىل خارج املدينة فى اجتاه اجلنوب ‪.‬‬ ‫فى صباح اليوم اخلامس عشر قمنا باستئجار قارب شراعى ذى ثالثة جماديف ‪ ،‬ثم أحبرنا‬ ‫من اإلسكندرية إىل حيث يوجد مركبنا ‪ ،‬ووصلنا فى منتصف اليوم ‪.‬‬

‫‪ - 107‬أرسل القيصر أليكسى ميخائيلوفيتش أرسينى سوخانوف إىل فلسطني ومصر «ملشاهدة‬ ‫ومالحظة الطقوس الكنائسية فى الشرق » ‪ .‬نشر النص فى إصدار « العابد أرسينى سوخانوف »‬ ‫‪ //‬اجملموعة الفلسطينية األرثوذكسية ‪ ،‬جملد ‪ ، 7‬اإلصدار الثالث ‪ ،‬مكتبة سانت بطرسبورج ‪،‬‬ ‫‪ ، 1889‬ص ‪ . 41 - 31‬قامت ف ‪ .‬ى ‪ .‬فيودوروفا بأعمال الرتمجة ‪.‬‬ ‫‪ - 108‬من احملتمل أنه كان مسك الرعاد ‪ .‬تعد الزعانف الصدرية الكبرية للرعاد هى العضو‬ ‫األساسى للحركة ‪ ،‬وتشبه األجنحة ‪.‬‬ ‫‪ - 109‬الدير األرثوذكسى اليونانى باسم القديس سابا ‪ .‬أنشئ فى العصور الوسطى املبكرة حول‬ ‫الكنيسة التى حتمل نفس االسم ‪ ،‬وهو أقدم معبد مسيحى فى اإلسكندرية ‪ .‬مت بناء الكنيسة‬ ‫عام ‪ 318‬م ‪ ،‬وهدمت فى القرن السابع من جراء زلزال ‪ ،‬ومت بناءها من جديد وظلت حمتفظة بشكلها‬ ‫منذ ذلك الوقت وحتى اآلن ‪ .‬وقد كان دير القديس سابا ملدة طويلة مقر بطريرك اإلسكندرية‬ ‫األرثوذكسى ‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫فصل ‪.11‬‬ ‫تعد مدينة اإلسكندرية مدينة ذات مبان عجيبة ‪ .‬وال توجد أى مدينة تشبهها فى زينتها‪.‬‬ ‫اآلن أصبحت هذه املدينة خاوية على عروشها ‪ ،‬وكان يعيش فيها عدد قليل من الناس‬ ‫عند دخولنا إليها ‪ .‬واملدينة فارغة من الداخل ‪ ،‬فقد انهارت مجيع املنازل ‪ .‬وهنا يوجد بيت‬ ‫والد الشهيدة العظيمة كاترينا‪ . 110‬البيوت الكبرية مثل اجلبال ‪ ،‬واملبنية من الطوب‬ ‫األمحر انهارت مجيعها ‪ ،‬غري أنه مازالت بعض القباب قائمة ‪ .‬وكانت هنا كنيسة الرسول‬ ‫املقدس واإلجنيلى « مار مرقس »‪ 111‬حيث قاموا بتعذيبه ‪ .‬و يعيش هنا اآلن أحد األتراك ‪ .‬ومن‬ ‫ثم يأتى املسيحيون إىل هنا فقط لتقبيل احلجر حيث مت تعذيبه ‪ .‬وكانت الكاتدرائية‬ ‫كبرية جدا ‪ ،‬أما اآلن يعيش هنا أحد األتراك ‪ ،‬إذ قد مت بناء بيت مثل القلعة وما عاد أحد‬ ‫يدخل إىل الكنيسة ‪.‬‬ ‫يوجد فى اإلسكندرية ذاتها عدد ال حيصى من األعمدة الرخامية احلجرية العالية‬ ‫ً‬ ‫فضال عن األعمدة‬ ‫واملتوسطة والصغرية ‪ ،‬والتى صنع كل واحد منها من حجر واحد ‪،‬‬ ‫املستديرة ‪ .‬وتندفع مياه البحر األبيض املتوسط حتى سور املدينة نفسه ‪ ،‬حيث توجد بوابات‬ ‫واد ضيق ( مخسة ساجني‬ ‫كبرية تؤدى إىل البحر ‪ .‬وجبوار هذه البوابات ‪ -‬داخل املدينة ‪ -‬يوجد ِ‬ ‫ً‬ ‫تقريبا)‪ ،‬ويوجد فيه عمود مدهش ذو أربعة أضالع منحوت من حجر واحد ‪ ،‬ويبلغ ارتفاعه ‪12‬‬ ‫ً‬ ‫ساجني تقريبا ‪ .‬وقد نقشت عليه من أعلى إىل أسفل رموز كتابة غري معروفة مثل السيوف‬ ‫واألقواس واألمساك ورؤوس بشرية وأيدى وأقدام وفؤوس ‪ ،‬وبعض الرموز ‪ -‬بل مجيعها ‪ -‬غري‬ ‫معروف ‪ .‬ويقولون أن حكمة ما مكتوبة عليه ‪ .‬ويوجد عمود آخر بالقرب من العمود األول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متاما فى الشكل واحلجم ‪ ،‬لكنه وقع ويرقد إىل جانبه‪ . 112‬ويقال أن‬ ‫وهذا العمود مماثل له‬ ‫هذين العمودين قد مت نصبهما فوق قرب احملارب الشجاع امللك اإلسكندر املقدونى كما لو‬ ‫ً‬ ‫تقريبا‬ ‫أن أحدهما عند الرأس ‪ ،‬واآلخر عند األقدام‪ . 113‬ويوجد على مسافة ثالثـمائة ساجني‬ ‫‪ - 110‬كاترينا ( ‪ ) 305 - 287‬ولدت واستشهدت فى مدينة اإلسكندرية ‪ ،‬ولذلك دخلت فى‬ ‫التاريخ الكنسى باسم كاترينا اإلسكندرانية ‪.‬‬ ‫‪ - 111‬نشر مار مرقس الرسول الدعوة فى اإلسكندرية ‪ ،‬ويعد مؤسس كنيسة اإلسكندرية‬ ‫وبطريركها األول ‪ .‬استشهد يوم ‪ 25‬أبريل عام ‪ 68‬م ‪.‬‬ ‫‪ - 112‬يصف سوخانوف “ مسالت كليوباترا “ ‪ -‬مسلتان كل واحدة منهما بارتفاع ‪ 21‬مرت‪،‬‬ ‫ومت تشييدهما بنا ًء على أمر الفرعون حتتمس الثالث ( ‪ 1438 - 1457‬قبل امليالد ) ‪ ،‬وفى البداية‬ ‫مت وضعهما بالقرب من معبد الشمس فى هليوبليس ‪ ،‬ومع بداية العصر امليالدى مت نقلهما إىل‬ ‫اإلسكندرية ‪ ،‬ولكن فى نهاية القرن التاسع عشر مت إهدائهما إلجنلرتا والواليات املتحدة‬ ‫األمريكية ‪ .‬ومت وضع إحداهما فى لندن عام ‪ 1878‬م ‪ ،‬واألخرى فى نيويورك عام ‪ 1890‬م ‪ ،‬وليس‬ ‫هلذه املسالت عالقة بكليوباترا ‪.‬‬ ‫‪ - 113‬مقربة اإلسكندر املقدونى ( ‪ 323 - 356‬ق‪.‬م ) مطمورة فى اإلسكندرية ‪ ،‬ومل يتم العثور‬ ‫عليها حتى اآلن ‪ .‬وللمزيد من التفصيل عن ذلك املوضوع انظر ‪:‬‬ ‫‪Saunders, Nicholas J. Alexander´s Tomb. The Two Thousand Year Obsession‬‬ ‫‪.to find the lost conqueror. Cairo, 2006‬‬ ‫‪41‬‬


‫أو أكثر من مدينة اإلسكندرية ‪ -‬على اليابسة ‪ -‬إحدى الساحات الكربى ‪ .‬البناء هناك‬ ‫كبري حيث توجد قصور مدهشة بعضها كامل ‪ ،‬والبعض اآلخر مهدم ‪ .‬ويوجد باجلوار‬ ‫ً‬ ‫إدهاشا من بني كل األعمدة‪ ،‬إذ أن ارتفاعه مخسة عشرة ساجني كأن‬ ‫العمود األكثر‬ ‫املخرطة قد خرطته من حجر واحد ذو لون أرجوانى‪ .‬ويقف كاخلازوق ال مييل مينة وال‬ ‫يسرى‪ . 114‬وميكن العيش فى املدينة نفسها حتت األرض ‪ ،‬إذ أنها مبنية بشكل مدهش‬ ‫‪115‬‬ ‫حتت القصور‪.‬‬ ‫ال يوجد نهر فى مدينة اإلسكندرية ‪ ،‬غري أنه فى وقت الفيضان تتدفق املياه فى روافد‬ ‫من النيل إىل اإلسكندرية ‪ ،‬ومن هذه الروافد تصل املياه للمدينة عن طريق أنبوب ميلئ‬ ‫مجيع اآلبار املبنية فى األرض ‪ ،‬ويعيش سكان املدينة على هذه املياه مدة عام كامل ‪.‬‬ ‫ودير بطريرك اإلسكندرية له سور شاهق االرتفاع ‪ ،‬إال أن مساحة األرض ليست كبرية ‪،‬‬ ‫فبالداخل توجد كنيسة واحدة فقط ‪ ،‬ويوجد جبوار الكنيسة جمموعة من الغرف ‪ ،‬وال توجد‬ ‫أى مساحة خالية ‪ .‬هنا يعيش عجائز بطريركية اإلسكندرية ‪ .‬وفى نصف الكنيسة‬ ‫األول يقوم بعض الناس خبدمة البطريركية ‪ ،‬أما فى النصف اآلخر فيوجد مذحبني ‪ ،‬وهما‬ ‫املذبح البندقى والفرنسى حيث جيىء الرهبان الالتينيون للخدمة‪ ،‬إذ يعيشون خلف الدير ‪.‬‬ ‫ويوجد هنا عمود حجرى خمروطى مصنوع من الرخام األبيض ‪ ،‬ويوجد جبواره تابوت خشبى‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪ ،‬وله يسجدون ويقولون أن على هذا احلجر مت ربط القديسة‬ ‫له نافذة صغرية تفتح‬ ‫الشهيدة العظيمة كاترينا أثناء تعذيبها ‪.‬‬ ‫وعلى مسافة فرسخ واحد مشال اإلسكندرية توجد على قمة حجرية ‪ -‬فى البحر ‪ -‬قلعة‬ ‫غري كبرية مليئة بالقصور ‪ .‬وفيها يعيش واىل اإلسكندرية ‪ .‬والبحر باجلوار ‪ -‬كأنك على‬ ‫جزيرة ‪ -‬ومن البحر ميتد إىل الشاطئ جسر حجرى ‪ ،‬وفى مقابل اجلسر على الشاطئ توجد‬ ‫املدينة‪ . 116‬وعلى امتداد الطريق من هذه القلعة حتى مدينة اإلسكندرية القدمية توجد‬ ‫ً‬ ‫ونادرا ما تكون متقابلة ألن املكان هنا‬ ‫مجيع الساحات والقصور ‪ .‬واألسواق هنا خمتلفة ‪،‬‬ ‫مسطح وفسيح ‪ .‬ومرسى السفن هنا أكرب وأفضل ‪ ،‬وتأتى إىل هنا اجلاليونات الكبرية‬ ‫(السفن احلربية والتجارية الكربى ) ‪ ،‬والسفن القادمة إىل مصر من خمتلف األقطار ‪ .‬وتقف‬ ‫مجيعها هنا ‪ ،‬وال تبحر إىل األعلى فى جمرى النهر حيث أن املياه ضحلة هناك ‪.‬‬

‫‪ - 114‬عمود بومبى مصنوع من اجلرانيت األمحر ‪ ،‬ويبلغ ارتفاعه ‪ 27‬مرت ‪ ،‬متت إقامته فى مطلع‬ ‫القرن الرابع بأمر من حاكم اإلسكندرية بوستوموس ليعرب عن امتنانه لإلمرباطور دقلديانوس ‪،‬‬ ‫الذى أمر بتوزيع اخلبز على اجلائعني من سكان املدينة ‪.‬‬ ‫‪ - 115‬عمود بومبى أقيم جبوار معبد السرابيوم ‪ ،‬الذى هدمه املسيحيون فى القرن الرابع ‪ ،‬ومل‬ ‫َ‬ ‫يبق منه سوى السراديب حيث دفنت الثريان املقدسة التى يطلق على كل واحد منها أبيس ‪ .‬أخطأ‬ ‫سوخانوف عندما أكد أن « فى املدينة نفسها كان من املمكن أن تعيش فى أى مكان حتت‬ ‫األرض » ‪.‬‬ ‫‪ - 116‬قلعة السلطان قايتباى ‪ ،‬شيدت عام ‪ 1480‬م على الطرف الشرقى لشبه جزيرة فاروس ‪ ،‬فى‬ ‫مكان منارة فاروس الشهرية ‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫فصل ‪.12‬‬ ‫فى يوم التاسع عشر من أغسطس أحبر أرسينى على منت مركب إىل مصر (القاهرة ) ‪،‬‬ ‫بعد أن مجع كل أمتعته فى صندوق ‪ ،‬وكذلك كتبه ومجيع األشياء الصغرية التافهة ‪.‬‬ ‫ووضع فى الصندوق مائة قطعة معدنية للطوارئ ليفتدى نفسه فى حالة حدوث أى كارثة‪.‬‬ ‫أما الراتب املرسل لبطريرك أورشليم من قبل القيصر ‪ ،‬وهو ثـمانون قطعة من فراء السمور‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى الصندوق ‪ ،‬ألنه كان من الصعب نقلها فيما بعد ‪ ،‬إذ أنهم‬ ‫فقد وضعها أرسينى‬ ‫يقومون بالتفتيش فى كل مكان ويأخذون ضريبة كبرية ‪ ،‬ولذلك فإن األمر كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيعا ‪ .‬ولقد أعطيت هذا الصندوق جليورجى كريييس‪،‬‬ ‫رهيبا أنهم يستطيعون أخذها‬ ‫ً‬ ‫وأمرته بإعطائه لألرمشندريت أمفيلوجى فى القسطنطينية ‪ .‬وقد أعطاه أيضا تقرير‬ ‫لقيصر عموم روسيا أليكسى ميخائيلوفيتش وللسيد العظيم القديس يوسف بطريرك‬ ‫موسكو وعموم روسيا ‪ ،‬وأمره بإعطاء هذه التقارير لألرمشندريت أمفيلوجى ‪ .‬وأرسل معه‬ ‫ً‬ ‫أيضا رسالة لألرمشندريت لكى يرسل هذه التقارير إىل موسكو مع التجار ‪ ،‬أما الصندوق‬ ‫فقد احتفظ به ألرسينى عندما يعود إىل هنا من أورشليم ‪ .‬وبعد أن أعطوا هذا‪ ،‬أحبروا إىل‬ ‫رشيد على منت املراكب ‪ .‬ووصلنا إىل هناك فى وقت متأخر من املساء ‪ .‬وفاض نهر النيل‬ ‫ودخلت املياه إىل الشواطئ ‪ ،‬وفى بعض األماكن األخرى جتاوزت الشواطئ ‪.‬‬ ‫يوجد فى مدينة رشيد طائر النعام الذى يبلغ طوله حتى صدر اإلنسان ‪ ،‬ويصل حتى‬ ‫كتف الشخص متوسط الطول ‪ ،‬وعندما يرفع رأسه يكون طوله مثل األرجاماك ‪، 117‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيال ‪ ،‬وأرجله عارية وليست مجيلة‬ ‫كبريا وليس‬ ‫ورأسه غري كبرية ‪ ،‬وأنفه إوزى ليس‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪ ،‬فيها أصبع كبري ‪ ،‬وآخر غري كبري من اخلارج ‪ .‬ولألصبع الكبري ظفر كبري ‪ ،‬أما‬ ‫للصغري فغري معلوم ‪ .‬وال يوجد ريش ابتداء من الرأس حتى احلوصلة بل زغب أبيض وأصفر‪.‬‬ ‫ويوجد ريش أسود قصري ليس له مثيل على الصدر حتى السرة ‪ ،‬وعلى الظهر حتى الذيل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا على األجنحة ‪ .‬ويغطيه الريش الناعم من القدم حتى الذيل ‪ ،‬أما من األعلى جبوار‬ ‫ً‬ ‫ونادرا ما يوجد ريش فى هذا املكان ‪ ،‬ولون جلده أمحر مع أبيض ‪.‬‬ ‫فخال من الريش ‪،‬‬ ‫الذيل ٍ‬ ‫ً‬ ‫وتتغذى النعامة على الشجر واألحجار واحلديد ‪ ،‬وأيضا احلبوب ‪ ،‬وتسري مع األشخاص فى‬ ‫الشوارع ‪ ،‬وهى ال تتعارك وال تطري ‪ ،‬والريش على األجنحة ليس بطويل ‪ ،‬وإمنا هو غاية فى‬ ‫القصر ‪.‬‬

‫‪ - 117‬أرجاماك ‪ -‬ظهر اخليل من الساللة العربية ‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫فصل ‪.13‬‬ ‫فى يوم التاسع والعشرين من أغسطس املوافق يوم قطع رأس يوحنا املعمدان‪ ،118‬قمنا‬ ‫باستئجار سفينة عربية تسمى « جريما » ‪ ،‬وأحبرنا فى منتصف اليوم من رشيد إىل مصر ‪،‬‬ ‫وهى ( جييبت ) باللغة اليونانية ‪ ،‬أما باللغة الالتينية فتسمى القاهرة ‪ .‬أحبرنا حتى املساء‬ ‫وقضينا ليلتنا فى السفينة ‪ .‬أحبرنا من مدينة رشيد فى منتصف اليوم ‪ ،‬وفى اليوم التاىل‬ ‫مررنا حتى الساعة الثانية بسبعة أماكن على جانبى نهر النيل ‪ .‬ومجيع املبانى هنا مبنية‬ ‫من الطوب ‪ ،‬أما املساجد فمن األحجار والطوب ‪ .‬واملآذن عالية ‪ .‬وفى يوم الثالثني من أغسطس‬ ‫أحبرنا فى مركب شراعى مساء يوم السبت ‪ ،‬وحتى مساء يوم األحد ‪ .‬وفى يوم األحد املوافق‬ ‫احلادى والثالثني من أغسطس وصلنا مصر عند الغسق ‪ .‬ومن رشيد إىل مصر على ضفتى‬ ‫النيل تتدفق املياه من النهر مبساعدة السواقى ‪ ،‬والتى تديرها الثريان ‪ ،‬وتروى قصب السكر‬ ‫والبساتني األخرى وقمح املسلمني‪ . 119‬والشواطئ على ضفتى النهر مستوية‪ ،‬وتتداخل املياه‬ ‫مع الشواطئ ‪ .‬وعرض النيل كعرض نهر أوكا عند مدينة سريبوخوف أو عند ضاحية مدينة‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬وفى بعض األماكن يتجاوزه ‪ .‬ويوجد العديد من اجلزر على كال اجلانبني‬ ‫كولومنا‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وتشاهد القرى كثريا ‪ ،‬والبيوت مبنية من الطوب اللنب ‪ ،‬غري أنه توجد بيوت مصنوعة من‬ ‫الطوب احملروق واألحجار ‪ ،‬ويوجد فى كل مكان مساجد رشيقة‪ .‬وعلى ضفتى نهر النيل‬ ‫يوجد كثري من القطعان ‪ ،‬مثل اجلاموس والبقر واألغنام ‪ ،‬ومجيع النعاج بنية اللون ‪ ،‬ويصل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫أيضا اجلمال واحلمري ‪ ،‬وهى كثرية‬ ‫ذيلها حتى األرض ‪ ،‬واألذان طويلة ‪ .‬كما توجد‬ ‫تصل إىل مدينة رشيد سفن ليست كبرية احلجم ‪ ،‬وال تصعد أعلى من رشيد إىل القاهرة‪،‬‬ ‫وتبحر إىل هناك فقط اجلريما العربية التى تشبه مركب سرتوجا ‪ ،‬ويوجد منها احلجم الصغري‬ ‫ً‬ ‫فرسخا عند مدخل مدينة القاهرة‬ ‫أما الكبري فهو قليل ‪ .‬وعلى مسافة عشرين أو ثالثني‬ ‫‪120‬‬ ‫يرى على اجلانب األمين للنهر عمودان فرعونيان صنعا على هيئة اجلبال ‪ .‬وتقع القاهرة‬ ‫على الضفة اليسرى للنهر ‪ ،‬إذا أحبرت مع التيار إىل األعلى فى مقابل هذه األعمدة أو اجلبال‬ ‫الفرعونية ‪ .‬وبعد أن وصلنا ‪ ،‬قضينا ليلتنا على الشاطئ قرب القاهرة ‪ .‬يوجد عند اجملرى‬ ‫السفلى للنهر الكثري من اجلزر ‪ ،‬ومن جراء الفيضان يتفرع النهر إىل الكثري من األفرع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بعيدا فى اجملرى‬ ‫وفى فصل الشتاء ُيقال أن مراكب سرتوجا ال تبحر إىل القاهرة ‪ ،‬بل تقف‬ ‫‪122‬‬ ‫السفلى‪ .‬يرتفع منسوب املياه من ميالد القديس يوحنا املعمدان‪ 121‬إىل يوم متجيد الصليب ‪.‬‬ ‫وتبقى املياه وتروى ( الشواطئ ) فى كال جانبى النهر عندما يبدأون فى زراعة الكرنب ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪،‬‬ ‫وفى يوم الرابع من سبتمرب رأينا الليمون والبلح قد نضجا للتو‪ ،‬وكان األرز ينضج‬ ‫ً‬ ‫أيضا اللنب الطازج ‪.‬‬ ‫وبعض السنابل وقعت ‪ ،‬واألخرى كانت فى طور النضج ‪ ،‬كما رأينا‬ ‫ومت مجع الشمام اجليد ‪ ،‬وهو كثري ً‬ ‫جدا ‪ .‬وسينضج قصب السكر حبلول شهر ديسمرب ‪.‬‬ ‫‪ - 118‬يوم قطع رأس يوحنا املعمدان ‪ ،‬حيتفل به يوم ‪ 29‬أغسطس ‪.‬‬ ‫‪ - 119‬يقصد األرز ‪.‬‬ ‫‪ - 120‬رأى سوخانوف اهلرمني خوفو وخفرع ‪ ،‬أما اهلرم الثالث من أهرامات اجليزة ( منقرع ) فهو أقل‬ ‫ً‬ ‫حجما منهما ‪ ،‬ومن احملتمل أنه قد حجب بسبب اهلرمني اآلخرين ‪.‬‬ ‫‪ - 121‬حيتفل مبيالد القديس يوحنا املعمدان يوم ‪ 24‬يونيو ‪.‬‬ ‫‪ - 122‬يوم متجيد الصليب ‪ -‬حيتفل به يوم ‪ 14‬سبتمرب ‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫فصل ‪.14‬‬ ‫فى اليوم األول من سبتمرب ‪ 1651 ( 7160‬م ) نزلنا من اجلريما على الشاطئ ‪ ،‬ثم استأجرنا‬ ‫ً‬ ‫بغاال وتوجهنا إىل الدير ‪ .‬وهنا قام األتراك بتفتيش أمتعتنا وأخذوا الضريبة‪ ،‬وعندما وصلنا‬ ‫إىل الدير سلمت لكبري أساقفة سيناء خطاب األرمشندريت أمفيلوخى من القسطنطينية ‪.‬‬ ‫وفى هذا الشأن قال كبري األساقفة ‪ « :‬إننا وبدون هذا اخلطاب سعداء بكم من أجل جاللة‬ ‫ً‬ ‫فراشا وسجادة ووسائد وحلاف ‪ ،‬ثم‬ ‫القيصر » ‪ ،‬وأمر بإعطاء أرسينى قالية خاصة ‪ ،‬وأرسل‬ ‫أرسل كبري األساقفة يوسف مع أرسينى أحد العجائز إىل يوحنا بطريرك اإلسكندرية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقال البطريرك وكبري األساقفة والعجائز ‪ « :‬الشكر َ‬ ‫قادما من‬ ‫لك يا رب ‪ .‬إننا نراك هنا‬ ‫هذا البلد البعيد ‪ ،‬فمن قبل مل يتواجد هنا أحد من موسكو باستثناء سفري القيصر إيفان‬ ‫فاسيليفيتش »‪. 123‬‬ ‫فى اليوم الرابع من سبتمرب قمنا باستئجار أربعة من احلمري ‪ ،‬وذهبنا لرؤية املكان املقدس‬ ‫حيث وصلت إليه أم اإلله عندما سارت من أورشليم مع املسيح وغسلت هناك مالبسه ‪ .‬ويوجد‬ ‫ً‬ ‫متاما ‪ .‬وترفع املياه بواسطة ساقية حتركها الثريان ‪ .‬وعلى مسافة‬ ‫وصاف‬ ‫هنا بئر ماؤه عذب‬ ‫ِ‬ ‫ساجني واحد من هذا البئر توجد سقيفة حجرية ‪ -‬يقال ‪ -‬أنها كانت كنيسة ‪ ،‬واآلن حتولت‬ ‫إىل مسجد ‪ .‬وحائط املبنى اخللفى مبنى من احلجر ‪ .‬وجيرى املاء من البئر عرب هذا املكان‬ ‫ويصل إىل احلديقة ‪ .‬وهنا فى اجلهة الشرقية مت صنع تابوت على احلائط يوجد فيه حجر‬ ‫صغري ذو أربعة أضالع ‪ ،‬ويبلغ عرضه شربين ‪ ،‬أما طوله فهو غري معروف ألنه موضوع بني‬ ‫الطوب ‪ .‬وهذا احلجر من الرخام األبيض ‪ .‬وعندما يأتى املسيحيون فإنهم يقبلونه ويكتبون‬ ‫على اجلدران أمساءهم مؤرخة بالعام الذى تواجدوا فيه ‪ .‬وهنا غنينا بارقليط أم اإلله ‪،‬‬ ‫وأشعلنا مشعتني جبوار هذا التابوت ‪ ،‬ولدى احلجر أشعلنا البخور ثم غادرنا ‪ .‬ويسمى هذا‬ ‫املكان “ املطرية “ ‪ .‬ويقولون أنه على هذا احلجر املرمرى األبيض جلس السيد املسيح عندما‬ ‫كانت أم اإلله تغسل مالبسه ‪ .‬وفى هذا اليوم أرسل بطريرك اإلسكندرية ضيافة إبريق‬ ‫من النبيذ الساخن‪ 124‬وبطارخ وثالث أمساك مملحة ‪.‬‬ ‫القاهرة مكان كبري ومزدحم بالسكان مثل القسطنطينية ‪ ،‬غري أنه من الصعب أن‬ ‫ندرك أيهما أكرب ‪ ،‬فكلتاهما كبريتان ومزدمحتان بالسكان وغنيتان ‪ .‬وفى القاهرة‬ ‫املبانى مبنية من احلجر ‪ .‬وتقع املدينة ذاتها بالقرب من النهر على مسافة فرسخ واحد من النيل‬ ‫ً‬ ‫وخصيصا من أجل الفيضان عندما‬ ‫أما الضواحى والقرى فتقع على ضفة نهر النيل ذاتها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يتجاوز النهر ضفافه مت بناء أخدود حجرى كبري كما لو أن نهرا كبريا يتدفق‪ .‬على ضفة‬ ‫ذاك النهر ‪ -‬على اجلدار احلجرى ‪ -‬وضعت عالمات ينظرون إليها ملعرفة مدى ارتفاع واخنفاض‬ ‫منسوب املياه ‪ ،‬وحيددون هل ستكون احلبوب رخيصة أم غالية فى ذلك العام‪.125‬‬ ‫‪ - 123‬من الواضح أنه يقصد فاسيلى بوزنياكوف الذى زار مصر عام ‪ 1558‬م ‪.‬‬ ‫‪ - 124‬النبيذ الساخن قوى شبيه بالفودكا ‪.‬‬ ‫‪ - 125‬يصف سوخانوف مقياس النيل الذى حيدد منسوب الفيضان ‪ ،‬وبالتاىل الضرائب على‬ ‫‪45‬‬


‫تقع مصر ( القاهرة ) على مكان منبسط عكس القسطنطينية القائمة على التالل‪.‬‬ ‫ومجيع املبانى والبيوت واألسواق مبنية باحلجر فى صورة بديعة ‪ .‬والقلعة ليست كبرية‪،‬‬ ‫وفيها يعيش الباشا ‪ ،‬وتقع على جزيرة ‪ ،‬أى على حافة اجلبل ‪ 126 .‬وقد مت تزويدها باملياه من‬ ‫ً‬ ‫أيضا قصر يوسف‬ ‫النيل ‪ ،‬وتقوم الثريان بتحريك الساقية ‪ .‬وهنا جبوار قصر الباشا يوجد‬ ‫اجلميل بن يعقوب ‪ .‬والقصور خاوية منها ما هو قائم ‪ ،‬ومنها ما هو مهدم ‪ .‬وأحد هذه القصور‬ ‫معجزة معمارية ‪ .‬واآلن يوجد بداخله ‪ 32‬عمود من احلجر واملرمر ‪ ،‬ويرتاوح ارتفاعهم من‬ ‫‪ 9‬إىل ‪ 10‬ساجني ‪ ،‬وكذلك أعمدة مستديرة كما لو أنها حنتت من حجر واحد وليس من‬ ‫أجزاء مركبة ‪ ،‬وعليها شيدت قبة القصر ‪.‬‬ ‫ومن األعلى حول القصر توجد كتابة ‪ -‬سطر خشبى ‪ -‬وهو كلمات قطعت من اخلشب ‪،‬‬ ‫ولصقت على احلائط ‪ .‬ومقاس تلك الكلمات ‪ 3‬ساجني ‪ ،‬وكانت مطلية بالذهب ‪ ،‬وبعضها‬ ‫باق فى بعض األماكن ‪ ،‬وفى أماكن أخرى أصابها التلف‪ . 127‬ومن هذا املكان على مسافة‬ ‫ٍ‬ ‫بعيدة فى األسفل يرى قصر من احلجر ‪ -‬يقولون ‪ -‬أنه خمزن احلبوب اخلاص بيوسف اجلميل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫واحلبوب توجد بالفعل هناك حتى وقتنا هذا ‪ -‬ويقولون ‪ -‬أنه يوجد حارس‬ ‫وفى القاهرة توجد كنيسة مسيحية‪ 128‬يأتى إليها بطريرك اإلسكندرية إلقامة‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن هذه الكنيسة ‪ .‬ولدى البطريرك مقر مجيل مبنى‬ ‫القداس‪ .‬ويعيش البطريرك‬ ‫من احلجر‪ ،‬وكنيسة بديعة البناء ‪ .‬واجلسر واألشياء األخرى مزينة باملرمر امللون ‪ ،‬ولكن‬ ‫يقال أن القداس الصباحى وفرتة الظهرية ال يقامان فى هذه الكنيسة ‪ .‬كما توجد‬ ‫كنيسة أخرى ‪ 129‬فى القاهرة القدمية ‪.‬‬ ‫يقال أنه يوجد فى القاهرة ‪ 600‬مواطن مسيحى حملى من العرب واليونانيني‪. 130‬‬ ‫وبالقادمني يكون عددهم ألف شخص ‪ ( .‬وكما قال يوسف كبري أساقفة سيناء أن فى‬ ‫مصر يوجد ‪ 14‬مسجد كبري وصغري ) ‪ .‬ويوجد فى القاهرة مقر لدير سيناء ‪ ،‬وهناك يعيش‬ ‫كبري األساقفة وكبار السن الشرفاء ‪ ،‬ولديهم ثالثة مقرات للضيوف ‪ ،‬ولدى البطريرك‬ ‫ثالثة مقرات كذلك ‪ .‬ويقيم فى هذه الغرف نزالء من خمتلف األديان من التجار واحلرفيني ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شهريا مقابل السكن ‪ .‬ويأخذون عن احلانوت قطعة من فئة اخلمسني كوبيكا‪،‬‬ ‫يدفعون‬ ‫وعن حوانيت أخرى اثنني أو ثالث يفيميك ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونادرا ما تسقط األمطار ‪ ،‬أما الثلج واجلليد فهم ال يعرفونه‪.‬‬ ‫فى القاهرة اجلو حار للغاية ‪،‬‬ ‫وهنا يفقس البيض فى املفرخة بدون دجاجات بسبب احلرارة إذ يقولون أنه ‪ -‬فجأة ‪ -‬خيرج‬ ‫احملصول ‪.‬‬ ‫‪ - 126‬قلعة القاهرة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واضحا عن أى مبنى يدور احلديث ‪.‬‬ ‫‪ - 127‬ليس‬ ‫‪ - 128‬يذكر الرحالة أن هذه الكنيسة هى كنيسة القديس نيقوالس فى حى احلمزاوى ‪.‬‬ ‫‪ - 129‬الكنيسة املذكورة هى كنيسة القديس مار جرجس فى القاهرة القدمية ‪.‬‬ ‫‪ - 130‬كما هو واضح يدور احلديث عن املسيحيني األرثوذكس فقط ‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫من البيض حواىل ‪ 500‬أو ‪ 600‬أو ألف فرخ ‪ .‬ولذلك فإن الدجاج والبيض هناك رخيص الثمن‪،‬‬ ‫وكذلك السكر وعسل قصب السكر والنشادر رخيصة الثمن ألنهم يقومون بصنعها‬ ‫ً‬ ‫حمليا ‪ .‬وأغلى شىء فى القاهرة احلطب واألخشاب املختلفة ‪ .‬كما أن ثـمار البلح كثرية‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪ .‬وال يوجد فى دير سيناء شراب العنب ‪ ،‬فهم يشربون على املائدة مجيع أنواع النبيذ‬ ‫ً‬ ‫الساخن مثل نبيذ احلبوب عندنا ‪ ،‬والذى يصنعونه من ثـمار البلح ‪ ،‬ومثل هذا أيضا يوجد‬ ‫لدى البطريرك ‪.‬‬ ‫ضارى يسمى التمساح ‪ ،‬وهو يشبه السحلية غري أنه كبري‬ ‫يوجد فى نهر النيل حيوان‬ ‫ِ‬ ‫وقوى ‪ ،‬ولديه أربعة أرجل ‪ ،‬وجذعه مثل جذع السحلية ‪ ،‬ويوجد على جلده حراشف تشبه‬ ‫حراشف األمساك ‪ ،‬إال أن لونها مزيج من األصفر واألخضر ‪ ،‬وهى عنده أكثر صالبة ‪ ،‬والفم‬ ‫ً‬ ‫متساحا‬ ‫كبري ‪ ،‬والرأس طويل واألسنان كبرية ‪ .‬ولقد رأيت فى فناء صيدىل من البندقية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجمففا ‪ ،‬أما التمساح احلى فقد رأيته ‪ ،‬إذ يبيعون الصغري وفمه مربوط لكى ال‬ ‫ميتا‬ ‫يلتهم ً‬ ‫أحدا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا الكثري من الببغاوات الصغرية والقرود وعدد ال حصر له من‬ ‫ويوجد فى القاهرة‬ ‫ً‬ ‫‪131‬‬ ‫البضائع اهلندية ‪ :‬الصبار سعره رخيص ‪ ،‬واالندراجيز رخيص أيضا ‪ .‬وقد اشرتيت هذا‬ ‫«االندراجيز » من الصيدلية احلكومية مبائة وثالثني زولوتنيك ‪ ،‬وقد دفعت مائة وثالثني‬ ‫روبل ‪.‬‬ ‫فى القاهرة على الضفة األخرى لنهر النيل حيث األعمدة الفرعونية القدمية توجد قبور‬ ‫ً‬ ‫أيضا أرض‬ ‫مدهشة مثل اجلبال ‪ ،‬فهى واسعة فى األسفل ومدببة فى األعلى ‪ .‬وهنا توجد‬ ‫منبسطة كبرية ‪ ،‬حيث خيرج األموات إىل سطح األرض فى كل عام ‪ .‬وهم يقومون فى‬ ‫ً‬ ‫ودائما ما يتكرر ذلك فى هذا اليوم على مدار السنوات ‪ ،‬أما‬ ‫الليل قبل اجلمعة العظيمة ‪،‬‬ ‫بعد يوم الصعود ختتفى هذه األبدان مرة أخرى حتى يوم اجلمعة العظيمة ‪ .‬وسأل أرسينى‬ ‫عن ذلك كثري من اليونانيني ‪ ،‬وفى القاهرة سأل كبري أساقفة سيناء والشيوخ ‪ ،‬ومجيعهم‬ ‫قالوا أن هذه حقيقة غري أن الناس فى السابق كانوا خيرجون مكتملى األعضاء ‪ ،‬أما اآلن‬ ‫فالعظام والناس حمطمى األيدى واألرجل والرؤوس واألعضاء األخرى ‪ ،‬وال جتد شىء كامل‬ ‫ً‬ ‫إطالقا ‪.‬‬

‫‪ - 131‬الصحيح ‪ :‬أمربجريس ‪ -‬العنرب ذو اللون القامت أو الرمادى ‪ ،‬وهو مادة صلبة مشعية قابلة‬ ‫ً‬ ‫طافيا على سطح املاء أو بالقرب من الشاطئ ‪.‬‬ ‫لالحرتاق ينتجها اجلهاز اهلضمى للحوت ‪ .‬وقد يوجد‬ ‫ً‬ ‫وقدميا استخدم فى الطب وصناعة العطور ‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫ •الشماس إيونا ( عام ‪ 1651‬م )‪: 132‬‬ ‫بلطف الرب جنونا ووصلنا إىل البالد املصرية مع رياح مواتية بعد أربعة أيام من جزيرة‬ ‫رودوس إىل مدينة بوكري ( أبو قري ) ‪ .‬وهنا ينتقلون من املركب الكبري إىل مركب‬ ‫مصرى صغري ‪ ،‬ثم يبحرون إىل مصب نهر النيل العظيم حيث توجد مدينة رشيد على مسافة‬ ‫‪ 15‬فرسخ من البحر ‪ .‬وهنا يوجد الكثري من النخل وجريش الدخن ( األرز ) وقصب السكر‬ ‫والثمار احللوة‪ . 133‬ولقد مكثت فى هذه املدينة ‪ً 12‬‬ ‫يوما ‪ .‬وتبلغ املسافة من هنا حتى مدينة‬ ‫ً‬ ‫فرسخا ‪.‬‬ ‫اإلسكندرية العظيمة ‪30‬‬ ‫فى هذه املدينة ‪ -‬رشيد ‪ -‬كان عجائز بطريركية أورشليم يقومون جبمع الصدقات‬ ‫على السفن لقرب الرب بكنيسة القيامة ‪ ،‬ويشرتون املؤن مثل السكر والشمع واألمساك‪،‬‬ ‫ويرسلونها إىل أورشليم ‪ .‬واستقبلنا هؤالء العجائز بابتهاج ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا طائر « سرتافوكاميل » ‪ ،‬ويسمى هذا الطائر بالروسية‬ ‫وفى هذه املدينة رأينا‬ ‫الطائر ‪ -‬اجلمل ‪ ،‬و « سرتافو » تعنى طائر باليونانية ‪ ،‬و « كاميل » مجل ‪ .‬هذا الطائر يشبه‬ ‫اجلمل ‪ ،‬وهو كبري احلجم ‪ ،‬وله حافر به أصبعني ‪.‬‬ ‫ومن هذه املدينة حتى دمياط يتحتم السفر على ظهور اجلمال عرب البلد املصرى ‪ ،‬أى العربى‪.‬‬ ‫وتقع مدينة دمياط على الفرع الثالث للنيل ‪ .‬ويصل الفرع األول إىل اإلسكندرية‪، 134‬‬ ‫والثانى إىل مدينة رشيد ‪ ،‬والثالث إىل مدينة دمياط ‪ .‬ويصب نهر النيل العظيم بأفرعه‬ ‫الثالثة فى البحر األبيض املتوسط ‪ .‬ويوجد فيه كثري من األمساك ‪ .‬ومن هذه األماكن‬ ‫وصلنا إىل مدينة يافا على منت املركب عرب البحر املتوسط ‪.‬‬

‫‪ - 132‬نشرت فى إصدار ‪ :‬حكايات الشعب الروسى التى مجعها ى ‪ .‬ساخاروفى ‪ ،‬اجمللد ‪، 2‬‬ ‫الكتاب الثامن ‪ ،‬رحالت املواطنني الروس ‪ ،‬مكتبة سانت بطرسبورج ‪ 1849 ،‬م ‪ ،‬ص ‪، 163 - 162‬‬ ‫قامت بالرتمجة ف ‪ .‬ى ‪ .‬فيودوروفا ‪.‬‬ ‫‪ - 133‬من احملتمل أنها املواحل ‪.‬‬ ‫‪ - 134‬عدم دقة ‪ ،‬فاليوجد بالقرب من اإلسكندرية فرع للنيل ‪ .‬فى القدم كان يوجد هذا الفرع ‪،‬‬ ‫وكان يصب فى البحر األبيض املتوسط عند خليج أبو قري ‪ ،‬إال أنه فى أوائل القرون الوسطى رفعت‬ ‫التحركات التكتونية اليابسة إىل أعلى ‪ .‬قد جف هذا الفرع ‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫ •املؤلف اجملهول ( ما بني عام ‪ 1662‬و‪ 1674‬م )‪: 135‬‬ ‫ً‬ ‫السابقة‬ ‫مصر ( القاهرة ) مدينة كبرية ‪ ،‬وتقع جبوار أرض خالية ‪ ،‬أى القاهرة القدمية‬ ‫التى تهدمت‪ . 136‬وفى جنوب املدينة عند اجملرى السفلى لذلك النهر املصرى ( النيل ) على‬ ‫الضفة الشرقية فى مكان منبسط تقع ضاحية مدينة القاهرة العظيمة داخل أسوارها‪.‬‬ ‫غري أن جدرانها ليست متينة ‪ ،‬والقاهرة حصينة فقط من جهة املدينة الدفاعية الثانية‬ ‫الصغرية ( القلعة ) من اجلهة الشرقية ‪ .‬وفى الزاوية اجلنوبية ‪ ،‬أمام تلك الضاحية على‬ ‫ً‬ ‫أيضا القلعة الصغرية الثانية ‪ .‬وهى منفصلة عن تلك الضاحية‬ ‫اجلبل الشرقى ‪ ،‬توجد‬ ‫للمدينة العظيمة ‪ .‬تعترب القلعة اخلاصة بهذه املدينة الصغرية صلبة وحصينة بأسوارها‬ ‫وناسها ومدافعها ‪ .‬وفيها كثري من املدافع الكبرية والصغرية ‪ . 137‬ويعيش فيها الباشا‬ ‫املصرى مع خدمه وحشمه ‪ ،‬ويدافع عن مصر ( القاهرة ) بأكملها ‪ .‬وفى حالة اهلجوم أثناء‬ ‫احلرب يستطيع أن يدفع العدو عن اجلدار الشرقى لضاحية املدينة الكبرية من ناحية‬ ‫ً‬ ‫أيضا أن يدافع عن السور اجلنوبى لضاحية‬ ‫اجلبل من تلك املدينة الصغرية ‪ ،‬ويستطيع‬ ‫املدينة من املدينة الصغرية حتى نهر النيل ‪ .‬غري أن االستيالء على مدينة القاهرة حيدث‬ ‫فقط إذا استوىل العدو فى البداية على تلك املدينة الصغرية على اجلبل ‪ ،‬ثم قام بتمشيط‬ ‫حينئذ فقط ميكن من هذا اجلبل الشرقى بواسطة املدافع أن حيطم مصر‬ ‫هذا اجلبل ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويسوى املنازل باألرض ‪ .‬وفى تلك الضاحية للمدينة الكبرية يوجد كثري من املدافع‬ ‫ً‬ ‫مجيعا عرب ‪ .‬واحملاربون منهم‬ ‫الكبرية والصغرية ‪ ،‬وهى مدينة كثرية السكان ‪ ،‬وهم‬ ‫سيئون للغاية ‪ ،‬فهم أثناء احلرب ال يقدرون على احتمال احلصار واحملافظة على القلعة ‪.‬‬ ‫مسعت من الناس أن عدد البيوت واملنازل هنا ( فى القاهرة ) يبلغ مخسة وعشرين ً‬ ‫ألفا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجيعا الكبرية‬ ‫وباإلضافة لتلك البيوت ففى املقاطعة املصرية كلها ( مصر ) بقراها‬ ‫أيضا مخسة وعشرون ً‬ ‫ً‬ ‫ألفا ‪ .‬وفى الداخل ‪ ،‬فى ضاحية‬ ‫والصغرية فى جمملها نفس العدد‬ ‫املدينة ذاتها من اجلهة الغربية على امتداد ذلك النهر املصرى ‪ ،‬فبمجرد دخولك املدينة من‬ ‫خالل بوابات الدخول الكبرية ( بوالق ) ‪ -‬التى تطل على الشرق ‪ -‬يبدو ألول وهلة أن أكثر‬ ‫من نصف ضاحية املدينة تشغلها احلقول والبساتني ‪ .‬أما النصف اآلخر الذى يقع جبوار‬ ‫السور الشرقى فيتكون من املبانى السكنية ‪.‬‬ ‫ومن اجلهة الشمالية لسور املدينة حتى السور اجلنوبى تقع املبانى السكنية على‬ ‫شكل شريط عريض وطويل ‪ .‬ومجيع املبانى السكنية على هذا النسق ‪ .‬وتتشابك‬ ‫البيوت واألفنية مع بعضها البعض بشكل متالصق ‪ ،‬وتكون كالكتلة الكبرية ‪.‬‬ ‫‪ - 135‬نشرت فى إصدار ‪ :‬وصف اإلمرباطورية الرتكية ‪ ، ) 1674 - 1662 ( .‬مكتبة سانت‬ ‫بطرسبورج ‪ 1890 ،‬م ‪ ،‬ص ‪ ، 12 - 5‬عثر على هذا العمل ذو املؤلف اجملهول لضابط روسى وقع فى‬ ‫األسر لدى األتراك ‪ ،‬مؤلفه من املفرتض مولود فى يلتسبيارسكى ‪ ،‬ابن فيودور فيوتكيستوفيتش‬ ‫دوروخني ‪ ،‬قامت فيودوروفا بالرتمجة ‪.‬‬ ‫‪ - 136‬الفسطاط أول عاصمة عربية ملصر ‪.‬‬ ‫‪ - 137‬يصف املؤلف قلعة القاهرة ‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫ويوجد فى مجيع األحياء السكنية شوارع ضيقة ‪ .‬عالوة على ذلك يربط الشوارع بعضها‬ ‫ببعض عدد كبري من احلارات شديدة الظلمة ‪ ،‬واملمتدة بني املنازل ‪ .‬واألحياء السكنية‬ ‫هنا مأهولة بالسكان ‪.‬‬ ‫مجيع سكان القاهرة ‪ ،‬وكل املقاطعة املصرية ( مصر ) ‪ ،‬عرب ‪ .‬أما ما خيص الشأن‬ ‫احلربى ‪ ،‬فإنهم ال حيسنون استخدام األسلحة النارية ألنهم وجلون وجبناء ‪ .‬إنهم فقط‬ ‫ً‬ ‫ونادرا ما يكون عند املصريني والعرب خوذ ودروع ‪،‬‬ ‫يقاتلون بالرمح على ظهر احلصان ‪.‬‬ ‫إال أنه لديهم الكثري من دروع اليد ‪ .‬لذلك فإن اعتماد القاهرة كله على قلعتها ‪ .‬وأظهرت‬ ‫احلرب أن املصريني سيئون فى املعارك ‪ ،‬وهم كذلك بالفعل ‪.‬‬ ‫فى غرب القاهرة ‪ ،‬عند املرسى على شاطئ ذلك النهر املصرى ‪ ،‬توجد قرية فى مكان ذى‬ ‫طبيعة خاصة ‪ .‬ويطلق على هذا املكان « بوالق » ‪ .‬ويستغرق السفر من بوالق إىل اجملرى‬ ‫السفلى لنهر النيل نصف يوم ‪ ،‬حيث يتفرع النهر إىل فرعني ‪ ،‬فالفرع األول ( أو األمين ) ميتد‬ ‫إىل دمياط ‪ ،‬والفرع الثانى ( أو األيسر ) يصل إىل رشيد ‪ .‬ويستغرق السفر من مكان تفرع‬ ‫النهر حتى رشيد يوم ونصف اليوم ‪ ،‬ونفس تلك املدة من مكان تفرع النهر إىل دمياط ‪ .‬تقع‬ ‫مدينة رشيد على الضفة الغربية ( اليسرى ) لنهر النيل ‪ .‬وتعد رشيد قرية كبرية ‪ ،‬وال‬ ‫يوجد فيها قلعة ‪ .‬تستغرق املسافة من البحر إىل رشيد ثالث ساعات سفر ‪ .‬ومجيع سكان‬ ‫ً‬ ‫رشيد عرب ‪ .‬وتبلغ املسافة من مدينة رشيد إىل اإلسكندرية عن طريق البحر ً‬ ‫واحدا‪.‬‬ ‫يوما‬ ‫وفى هذا الطريق ‪ ،‬على مسافة ثالث ساعات سفر من اإلسكندرية ‪ ،‬تقع على شاطئ‬ ‫البحر مدينة صغرية تسمى أبو قري ‪ .‬وتعد هذه املدينة قلعة جيدة فيها كثري من املدافع ‪.‬‬ ‫ومجيع السكان هنا عرب ‪ ،‬واحملاربون منهم سيئون ‪ ،‬وهذه صفة مالزمة للعرب ‪ ،‬كما أن‬ ‫السكان هنا قليلون ‪.‬‬ ‫وتلك اإلسكندرية السابقة تهدمت كلها وأصبحت خاوية ‪ .‬وفى مكان جديد أنشئت‬ ‫مدينة ومسيت اإلسكندرية ‪ ،‬ليس بها أية قلعة ‪ ،‬وتقع بالقرب من البحر فى مكان‬ ‫منبسط جبوار تلك املدينة اخلالية القدمية من الناحية الغربية ‪ .‬وتشبه القرية من ناحية‬ ‫الشكل ‪ ،‬واملساكن قليلة ً‬ ‫جدا ‪ .‬وعلى شاطئ البحر ‪ ،‬عند انعطاف اخلليج بالقرب من‬ ‫ميناء السفن على القمة احلجرية ‪ ،‬أقيم برج حجرى كبري‪ 138‬فى مكان منبسط نصب‬ ‫فيه من القمة إىل القاعدة الكثري من املدافع الكبرية والصغرية مصوبة باجتاه الضواحى‪.‬‬ ‫وهذا الربج كبري مثل القلعة ‪ ،‬وحيمى اإلسكندرية من جهة البحر ‪ .‬ومجيع سكان‬ ‫اإلسكندرية عرب ‪ ،‬واحملاربون منهم سيئون ‪ ،‬وهذه صفة مالزمة للعرب ‪ ،‬فهم ال يقدرون‬ ‫على إدارة معركة باألسلحة النارية ‪.‬‬ ‫من املمكن قطع مسافة ‪ 1800‬فرسخ فى غضون ثـمانية أيام إىل طرابلس‪ 139‬عند اإلحبار‬ ‫من اإلسكندرية ‪ -‬من الشرق إىل الغرب ‪ -‬مع رياح مواتية ‪.‬‬ ‫‪ - 138‬يصف املؤلف قلعة قايتباى ‪.‬‬ ‫‪ - 139‬فيما بعد يذكر املؤلف عدة مناطق سكنية على شواطئ البحر األبيض املتوسط حتى‬ ‫احلدود الغربية لإلمرباطورية العثمانية ‪ ،‬ومن هنا عاد املؤلف إىل القاهرة ‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫يستغرق اإلحبار من القاهرة إىل اجملرى السفلى للنهر املصرى عند مدينة دمياط ثالثة‬ ‫أيام‪ .‬وتقع مدينة دمياط على الضفة الشرقية لنهر النيل ‪ ،‬وتعد قرية كبرية ‪ ،‬وال يوجد‬ ‫بها قلعة ‪ .‬ومجيع سكان مدينة دمياط عرب ‪ ،‬وتعداد سكانها قليل ‪.‬‬ ‫ومن دمياط مع رياح مواتية فى غضون يوم واحد ميكن الوصول عن طريق البحر فى‬ ‫املياه الضحلة إىل « التينا » ( التينى ) ‪ .‬والتينا قرية صغرية ‪ .‬ومجيع السكان فيها عرب ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أناسا هناك ‪.‬‬ ‫ونادرا ما تقابل‬ ‫والسكان هناك قليلون ‪،‬‬ ‫ومن « التينا » إىل أكاتيا مسرية يوم واحد سفر فى الصحراء ‪ .‬وتقع أكاتيا فى الصحراء‪،‬‬ ‫وهى قرية صغرية ‪ .‬وتستغرق املسافة من القاهرة العظيمة حتى هذه القرية ‪ 6‬أيام فى‬ ‫الصحراء ‪ .‬ومجيع سكان قرية أكاتيا عرب ‪ ،‬وهم قليلون ‪.‬‬ ‫تستغرق املسافة من أكاتيا إىل القلعة الصغرية « العريش » يوم ونصف اليوم ‪ .‬وتقع‬ ‫العريش فى الصحراء ‪ ،‬وبالنسبة لقلعتها فهى سيئة ‪ ،‬وال يرى فيها أى مدافع ‪ ،‬والناس فيها‬ ‫قليلون ‪.‬‬ ‫وتستغرق املسافة من العريش إىل القلعة الصغرية « خان يونس »‪ 140‬يوم ونصف اليوم‬ ‫عرب الصحراء ‪.‬‬

‫‪ - 140‬خان يونس توجد بالفعل فى فلسطني ‪ ،‬وليست فى مصر ‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫ •إيوان لوكيانوف ( عام ‪ 1701‬م )‪: 141‬‬ ‫فى احلادى عشر من أغسطس وصلنا إىل نهر النيل الذى يتدفق من اجلنة ‪ .‬وهنا املياه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تقريبا‪ . 142‬وقبل‬ ‫فرسخا‬ ‫عكرة ‪ ،‬فالبحر خمتلط بالطني حول املصب على مسافة ثالثني‬ ‫الوصول إىل مصب نهر النيل ‪ ،‬على مسافة مخسة فراسخ ‪ ،‬رست سفينتنا ألنه بسبب النهر‬ ‫ً‬ ‫وحممال بالرمال ‪ ،‬وال تستطيع السفينة احململة بالشحنات‬ ‫يكون البحر هنا غري عميق‬ ‫اإلحبار إىل املصب ‪ .‬لذلك وصلت السفن الصغرية من مصر الصغرى « رشيد » ‪ ،‬وأخذت محولتنا‬ ‫كلها ‪ ،‬أما السفينة الفارغة فاقتادوها إىل اخللف ‪ .‬واصطحبنا العرب فى سفينتهم‪ ،‬ووصلنا‬ ‫إىل رشيد ‪.‬‬ ‫مدينة رشيد مجيلة للغاية ‪ ،‬وبها مرسى كبري ‪ .‬وتبلغ املسافة من مصب النيل إىل مرسى‬ ‫رشيد حواىل عشرة فراسخ ‪ ،‬واملبانى فيها أفضل من مبانى القسطنطينية‪ . 143‬وعندما هبطنا‬ ‫إىل الشاطئ ورأينا الشعب العربى أصابنا الذعر ‪ .‬فمن غري املألوف رؤية أشخاص كهؤالء ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متاما ‪ ،‬وعلى ما يبدو يريدون أن يلتهموك ‪ .‬وآخرون يسريون عرايا كما‬ ‫فهم كالوحوش‬ ‫ولدتهم أمهاتهم ‪ ،‬وكلهم دميمون فمنهم األحدب ‪ ،‬واألحول ‪ ،‬وذو األنف املعوج ‪ ،‬والفم املعوج‬ ‫واألعمى ‪ .‬ولغتهم خشنة كنبح الكالب ‪ .‬فلننظر ما سيكون بعد ذلك ‪ ،‬فنحن ال نعرف‬ ‫ً‬ ‫شيئا يرثى له ‪ .‬وبدا‬ ‫اللغة ‪ ،‬وأين نقف ‪ -‬الرب وحده يعلم ‪ -‬فال ميكننا سؤال أحد ‪ .‬كان‬ ‫كما لو أننا ذهبنا إىل العامل اآلخر ‪ ،‬واعتقدنا أننا وصلنا إىل النهاية ‪ .‬أما هؤالء العرب فقد‬ ‫ً‬ ‫بعيدا ‪ ،‬أى أن العمال عندهم كذلك يفعلون ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫قفزوا إىل السفينة وجروا أمتعتنا‬ ‫العرف ‪ .‬وبواسطة احلبال جاءت أمتعتنا وبدأوا فى جرها ‪ ،‬ولكننا مل نعطها هلم ألننا ال نعرف‬ ‫إىل أين نذهب مع هذه األمتعة ‪ .‬وبعد ذلك عندما تذكرت أنه يوجد لدى خطاب لرئيس‬ ‫الدير فى رشيد ‪ ،‬بدأت فى الصياح على العرب ً‬ ‫قائال ‪ “ :‬ميتوخا ! “ ‪ ،‬فقالوا ‪ “ :‬نعرفه “ ‪ ،‬وأخذوا‬ ‫أمتعتنا ومحلوها ‪ .‬لكن هنا بدأ عمال اجلمارك‪ 144‬التفتيش فأظهرت هلم مرسوم السلطان‪،‬‬ ‫ومل يكملوا التفتيش ‪ .‬قادنا العرب إىل ميتوخا ‪ ،‬أى إىل مقر الدير ‪ .‬غري أنهم ذهبوا بنا إىل‬ ‫ً‬ ‫شيئا عن ذلك ‪ .‬وأعطينا اخلطاب لرئيس الدير ‪ ،‬فقال‬ ‫ميتوخا اإلسكندرية ‪ ،‬وحنن ال نعرف‬ ‫لنا أن « هذا اخلطاب ليس موجه ىل ‪ ،‬ولكن إىل رئيس دير أورشليم » ‪ .‬و ذهب للبحث معنا‬ ‫أحد اليونانيني ‪.‬‬

‫نشر النص فى إصدار ‪ :‬رحلة إىل األرض املقدسة للقديس املوسكوفى إيوان‬ ‫‪- 141‬‬ ‫لوكيانوف‪ ، 2008 ، ) 1701-1703(،‬ص ‪ . 67 - 64‬قامت بالرتمجة ف ‪ .‬ى ‪ .‬فيودوروفا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مبحرا إىل مصر فى غمرة الفيضان السنوى للنيل عندما حتمل مياه النهر‬ ‫‪ - 142‬وصل لوكيانوف‬ ‫معها كميات كبرية من الطمى ‪.‬‬ ‫‪ - 143‬قام العثمانيون الغزاة ملصر عام ‪ 1517‬م بتحويل رشيد إىل أكرب ميناء فى مصر على البحر‬ ‫األبيض املتوسط ‪ ،‬وحتى يومنا هذا توجد مبانى حجرية ضخمة مزخرفة برباعة ترجع هلذه احلقبة ‪.‬‬ ‫‪ - 144‬يومروتشنيكى ‪ -‬عمال اجلمارك ( تاموجنيا بالعربية مجرك ) ‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫وصلنا إىل ميتوخا ‪ ،‬ومل يكن رئيس الدير هناك ‪ .‬بالفعل مأساة فنحن كنا ننتظره ‪،‬‬ ‫وهم قد حكوا له عنا هناك فى السوق ‪ ،‬فاستأجر بعض الرجال من العرب حلمل أمتعتنا‬ ‫ً‬ ‫سعيدا‬ ‫وجلبها إىل ميتوخا ‪ ،‬أما حنن فكنا نشاهد فقط ‪ .‬واحننينا لرئيس الدير الذى كان‬ ‫ً‬ ‫حسنا كل ما جاء فى اخلطاب ‪ ،‬سوف أبذل‬ ‫بوجودنا ‪ .‬وأعطيته اخلطاب ‪ .‬فقرأه ‪ ،‬ثم قال ‪« :‬‬ ‫ً‬ ‫قصارى جهدى لتحقيقه لكم » ‪ .‬ولقد مسعت أنه يفهم اللغة الروسية قليال ‪ ،‬وابتهجت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪.‬‬ ‫محدا للرب أنه على األقل يعرف اللغة الروسية ولو‬ ‫لذلك للغاية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كأسا من النبيذ‬ ‫وبعد ذلك قال لنا ‪« :‬ال حتزنوا » ‪ ،‬وبدأ فى إطعامنا اخلبز ‪ ،‬وقدم لكل منا‬ ‫الكنسى ‪ .‬وأصبحنا نشعر بالراحة ‪ ،‬وبدأ الظالم حيل ‪ .‬وقد كان رئيس الدير هذا شخص‬ ‫ً‬ ‫طيب ولطيف للغاية ‪ ،‬ويعد ً‬ ‫كبريا أن ننسى فضله ‪ .‬وكان ال خيطو خطوة للتنزه أو‬ ‫ذنبا‬ ‫الذهاب إىل السوق بدونى ‪ ،‬فقد كان يأخذنى من يدى ويذهب ‪ .‬وكان يقول ىل ‪ « :‬حسنا‪ً،‬‬ ‫ال حتزن سأعتنى بك ‪ ،‬وسأجد َ‬ ‫لك سفينة تقلك إىل القدس » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كبريا حتى أننا كنا خنشى أن خنرج من املقر ‪ .‬إنهم أشخاص‬ ‫كان الرعب من العرب‬ ‫مرعبون إذ يسريون عرايا ‪ ،‬والفتيات فى عمر الثانية عشر أو اخلامسة عشر يسرن عرايا‬ ‫ً‬ ‫دائما فى‬ ‫كذلك ‪ .‬ولكن عندما أمعنا النظر ‪ ،‬وجدنا أنهم طبيعيني ‪ .‬هكذا يكون األمر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مألوفا ‪.‬‬ ‫غريبا ‪ ،‬وبعد ذلك تعتاد عليه ويصبح كل شىء‬ ‫بدايته ‪ ،‬يبدو أى أمر فى بدايته‬ ‫فنحن عندما وصلنا إىل بالييفشني [ قائد القوازق األوكرانية باليى ] ‪ ،‬فإن هؤالء القوقازيني‬ ‫متاما « إنهم ً‬ ‫ً‬ ‫حقا‬ ‫بدوا لنا كالشياطني ‪ ،‬وعندما وصلنا إىل األتراك فإننا قد فقدنا عقلنا‬ ‫شياطني ! » ‪ .‬وعندما عرفنا األتراك عن قرب أصبحوا بالنسبة لنا كالروس ‪ ،‬ولكن عندما‬ ‫جئنا إىل مصر ورأينا العرب ‪ ،‬فإننا تكلمنا فيما بيننا « إنهم شياطني حقيقيون ! » ‪،‬‬ ‫وعندما عرفناهم عن قرب فاألمر سيان ‪ ،‬كنا خنشاهم كما خنشى الشياطني ! ‪ ،‬وهؤالء‬ ‫الناس ال خيتلفون عن الشياطني فى طباعهم ‪ ،‬وسلوكهم ‪ ،‬وتصرفاتهم ‪ ،‬واندفاعهم ‪.‬‬ ‫وتسرى عنهم الشائعات فى كل أرجاء الدنيا أنهم أناس طيبون ‪ ،‬ولكنهم شياطني جيدون ‪.‬‬ ‫مساو‬ ‫أقمنا فى رشيد وتأقلمنا على العيش بني العرب وتنزهنا فى نهر النيل ‪ .‬ونهر النيل‬ ‫ٍ‬ ‫للفوجلا فى العرض ‪ ،‬واملياه فيه سريعة وعكرة ‪ .‬ال ميكن شرب املاء من النهر ‪ ،‬لذلك فهم‬ ‫يضعونه فى األوانى ويضعون فيه نوى اللوز ‪ .‬ويصفى املاء ويصبح أفضل ‪ .‬ويكون النهر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صافيا ‪.‬‬ ‫عكرا مدة ثالثة شهور ‪ ،‬ثم يصبح بعد ذلك‬ ‫وفى الوقت الذى يكون الشتاء عندنا يكون الصيف قد حل فى أثيوبيا العظيمة ‪ ،‬إذ‬ ‫تنتقل الشمس من عندنا إليهم ‪ ،‬ويكون الصيف عندهم فى هذه األشهر ‪ .‬وحيل الشتاء‬ ‫عندهم فى شهر مايو ‪ .‬وعندما تغادر الشمس من عندهم إلينا ( فى البالد الشمالية)‬ ‫يكون لديهم فى شهر مايو ويونيو ويوليو شتاء وصقيع وثلوج كثيفة ‪ .‬وحبلول‬ ‫شهر أغسطس تهطل األمطار عندهم ‪ ،‬وينتهى فصل الشتاء ‪ ،‬ويتجاوز النهر ضفافه‪.145‬‬ ‫وفى تلك الفرتة تكون املياه عكرة ملدة ثالثة أشهر ومن ثم ال يتم صيد السمك ‪،‬‬ ‫‪ - 145‬كما هو واضح يعتقد املؤلف أن فيضان النهر حيدث بسبب الذوبان الربيعى للثلوج على‬ ‫املرتفعات فى أثيوبيا ‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫ومبجرد أن تصبح املياه نظيفة فى نوفمرب يبدأون فى الصيد على الفور ‪ .‬ويوجد فى نهر‬ ‫النيل أمساك كثرية ‪ ،‬وخاصة مسك صرصور البحر ‪ ،‬أما األمساك األخرى فهى قليلة ‪.‬‬ ‫فى رشيد ‪ ،‬على امتداد نهر النيل ‪ ،‬يوجد الكثري من احلدائق والنخيل ‪ ،‬والبلح هنا رخيص‬ ‫الثمن ‪ ،‬فرطل واحد من التمر يساوى كوبيك ‪ ،‬أى قرش ‪ .‬وفى مصر ال تسقط األمطار ً‬ ‫أبدا ‪،‬‬ ‫والنيل يروى األراضى املصرية كلها ‪ .‬ومن النيل مت شق قنوات فى كل مكان ‪ ،‬ومن ثم‬ ‫جترى املياه خالهلا إىل احلقول ‪ .‬وشاطئ النيل ضيق ‪ .‬وفى مصر تنضج الثمار املختلفة مرتني‬ ‫ً‬ ‫أيضا مرتني فى العام ‪ ،‬أما الليمون فيتم حصاده‬ ‫فى العام ‪ .‬وفى احلقول يتم مجع احلبوب‬ ‫كل شهر ‪ .‬ومن مصب نهر النيل إىل مصر الكربى ( القاهرة ) يبحرون فى النهر مسافة‬ ‫‪ 500‬فرسخ ‪ ،‬ويصل املركب مع الرياح املواتية عرب النهر بعد ثالثة أيام ‪ .‬وعلى امتداد نهر‬ ‫النيل حتى القاهرة يوجد هذا البعوض الذى ال أستطيع بالكلمات أن أعرب عنه ‪ ،‬فبدون‬ ‫ً‬ ‫صيفا أو شتا ًء ال تستطيع أن تنام ليلة واحدة ‪ .‬وعندما وصلنا قام هذا البعوض‬ ‫ستارة سواء‬ ‫بلدغنا ‪ ،‬وأصبحت وجوهنا كوجوه املخمورين مليئة بالبثور ‪ ،‬وال يعرف بعضنا البعض ‪ ،‬أما‬ ‫املصريني فلم تظهر عليهم أى عالمات ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مركبا لتقلنا إىل دمياط املرسى‬ ‫أقمنا فى رشيد سبعة أيام ‪ ،‬واستأجر لنا رئيس الدير‬ ‫اآلخر ‪ ،‬حيث جيب اإلحبار على املركب العربى إىل األعلى عرب النيل ‪ .‬وقام رئيس الدير‬ ‫بتقدمينا للعربى وطلب منه تذليل كل الصعاب التى قد تواجهنا ‪ .‬قام ريس املركب‬ ‫بإزالة العلف من أجلنا ‪ ،‬حيث وضعنا أمتعتنا وجلسنا ‪ ،‬وأحاطونا باألطعمة املختلفة ‪.‬‬

‫‪146‬‬

‫فى اليوم السابع عشر من أغسطس ركبنا السفينة ‪ ،‬وذهبنا إىل األعلى عرب النيل إىل‬ ‫مدينة دمياط املرسى املصرى اآلخر ‪ .‬وفى هذا اليوم هبت رياح مواتية حتى منتصف الليل ‪،‬‬ ‫وبعد منتصف الليل توقفت ‪ .‬ودفع كل واحد منا تالري مقابل النقل ‪ .‬ووقفنا هناك حتى‬ ‫منتصف النهار ‪ ،‬ورأينا على امتداد النهر عدد كبري من املدن العربية ‪ ،‬وتبعد كل مدينة‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬وهى نفس املسافة بني القرى ‪ .‬وكل املبانى مبنية من‬ ‫عن األخرى حواىل فرسخني‬ ‫ً‬ ‫احلجر ‪ ،‬والقرى مجيلة جدا ‪ .‬واألرض بالقرب من النيل سوداء وممهدة كما لو أنها صنعت‬ ‫ً‬ ‫خصيصا بهذا الشكل ‪ ،‬مبا يعنى أنه حتى البيض ميكن دحرجته ‪ .‬والناس كثريون‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ .‬ومصر كلها تروى مباء النهر ‪ .‬وعندما تنظر من املركب جتد حولك السماء واملاء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عاليا فإنهم يرفعون املاء بواسطة الثريان ‪ .‬والسواقى صنعت مثل‬ ‫وحيث يكون الشاطئ‬ ‫ً‬ ‫‪147‬‬ ‫الطواحني وفيها ربطت األوانى التى سرعان ما متتلئ باملاء ‪ .‬والناس كثريون جدا ‪.‬‬ ‫وفى مكان ما يستخدم الناس قفف جمدولة ‪ .‬ويوجد أشياء كثرية فى األرض املصرية‪.‬‬ ‫وميكن القول أن هذه األرض بالنسبة لألتراك منجم ذهب ! ‪ ،‬وكثري من السلع املصرية‬ ‫تذهب إىل القسطنطينية عن طريق السفن ‪.‬‬ ‫‪ - 146‬ريس ‪ -‬رئيس ( بالعربية ) ‪ ،‬هنا ‪ :‬قائد ‪.‬‬ ‫‪ - 147‬عجالت رفع املياه ‪ -‬الساقية ‪ ،‬تقوم اجلواميس بتحريكها ‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫وكلما اجتهت صوب اجلنوب ( األعلى ) يصري النيل أوسع ‪ .‬وفى األماكن القريبة من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جنوبا ) فى‬ ‫تقريبا ‪ .‬ولقد ذهبنا عرب النيل إىل األعلى (‬ ‫القاهرة يبلغ عرضه مخسة فراسخ‬ ‫ً‬ ‫ثالثة أيام ‪ ،‬وعلى مسافة عشرين فرسخا من القاهرة انعطفنا إىل الفرع اآلخر ( إىل األسفل‬ ‫فى اجتاه دمياط ) ‪ .‬وهنا من القاهرة يتفرع النيل إىل فرعني ‪ :‬فرع ميتد إىل رشيد ‪ ،‬والثانى‬ ‫يصل إىل دمياط ‪.‬‬ ‫واألرض املصرية عجيبة ! ‪ ،‬عندما تنظر إىل الشاطئ جتد فى كل مكان البطيخ‬ ‫والشمام مرتاصني مثل اجلبال ‪ .‬ويعطونك مقابل كوبيك ( قرش ) واحد بطيخة كبرية أو‬ ‫مشامة ‪ .‬وعندما اقرتبنا من رشيد ‪ ،‬رأينا مدينة اإلسكندرية من مصب نهر النيل ‪ .‬مل نذهب‬ ‫إليها ‪ ،‬ووقفنا على مسافة عشرة فراسخ منها ‪ .‬وعندما انعطفنا إىل األسفل أحبرنا ملدة ثالثة‬ ‫أيام ‪ ،‬وفى اليوم الرابع وصلنا مدينة دمياط ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قليال من املرسى فى رشيد ‪ ،‬واملبانى على نفس‬ ‫واملرسى فى دمياط مكان مجيل وأكرب‬ ‫ً‬ ‫املنوال ‪ .‬ومراسى السفن لدى األتراك كبرية للغاية ‪ ،‬والسفن املصرية كبرية أيضا ‪ .‬وعندما‬ ‫ً‬ ‫سيئا للغاية ‪ ،‬فهوالء الناس مثل الشياطني فى‬ ‫أحبرنا على السفينة مع العرب ‪ ،‬كان األمر‬ ‫شكلهم وأفعاهلم ‪ .‬أما حنن الثالثة فكنا كاألسرى ‪ ،‬فنحن ال نعرف لغتهم ‪ ،‬وإىل أين‬ ‫يسريون بنا فاهلل وحده يعلم ‪ .‬وإذا قاموا ببيعنا فمن سيبحث عنا ؟ ؛ ال أحد ‪ .‬فليحفظ الرب‬ ‫رئيس الدير ! ‪ ،‬فهو شخص لطيف قد اعتنى بنا وأمر حبمايتنا ‪ ،‬لذلك قام السيد العربى‬ ‫حبمايتنا ‪ ،‬وعندما وصلنا دمياط استدعى أحد اليونانيني وعهد إليه أن يوصلنى إليه‬ ‫(اذهب به إىل ميتوخا ) ‪ .‬واستأجر اليونانى بعض العرب حلمل أمتعتنا ‪ ،‬وذهبنا حنن إىل‬ ‫ً‬ ‫طعاما ‪ ،‬وكان ال يعرف‬ ‫ميتوخا ‪ ،‬أى مقر الدير ‪ .‬واستقبلنا رئيس الدير بلطف ‪ ،‬وأعد لنا‬ ‫ً‬ ‫لغتنا ‪ ،‬ولكن حلسن حظنا كان عنده أحد كبار السن من صربيا يعمل طباخا ويعرف‬ ‫ً‬ ‫محدا للرب فقد ذهب احلزن ‪ .‬وسلمنا اخلطاب لرئيس‬ ‫اللغة الروسية ‪ ،‬وهذا ما أثلج صدورنا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الدير ‪ .‬وقد قرأ اخلطاب ‪ ،‬وقال ىل ( حسنا ‪ ،‬إن السفينة على استعداد لإلحبار إىل أورشليم ‪،‬‬ ‫واستعدوا أنتم للسفر فى الصباح التاىل ) ‪ .‬احننينا له وكنا فى غاية البهجة ‪ ،‬فاجملد للرب‬ ‫فبمشيئته سارت السفينة بدون تأخري ‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫ •مكارى وسيليفيورست ( عام ‪ 1705‬م )‪: 148‬‬ ‫أحبرنا من مدينة رودس عرب البحر األبيض املتوسط بسرعة كبرية مدة ثالثة أيام ‪،‬‬ ‫ووصلنا إىل اإلسكندرية فى اليوم السابع عشر من يونيو ‪ .‬وبعد وصولنا إىل اإلسكندرية‬ ‫توجهنا إىل مقر البطريرك املقدس ‪ ،‬وهناك قد استقبلونا حبفاوة ‪ .‬وتوجد فى مقر البطريرك‬ ‫املقدس كنيسة كبرية للقديس سابا ‪ ،‬وفى اجلهة اليمنى يوجد مبنى جانبى منفصل‬ ‫عن الكنيسة للقديس الشهيد العظيم جيورجى ( مار جرجس ) املنتصر ‪ ،‬وفى اجلهة‬ ‫ً‬ ‫أيضا مبنى منفصل عن الكنيسة للقديسة الشهيدة كاترينا ‪ .‬وفى هذا‬ ‫اليسرى يوجد‬ ‫املبنى اجلانبى املنفصل عن الكنيسة يقوم الفرجنة باخلدمة الدينية ‪ .‬وقد أقمنا فى‬ ‫مقر البطريرك املقدس ثـمانية أيام ‪ .‬وباستثناء كنيسة البطريرك ال توجد فى مدينة‬ ‫اإلسكندرية كنائس أخرى ‪.‬‬ ‫كانت اإلسكندرية مدينة كبرية ومجيلة أسسها امللك اإلسكندر املقدونى ‪ .‬ومل َ‬ ‫يبق‬ ‫ً‬ ‫حاليا إال القليل ‪ ،‬توجد فقط بعض األجزاء قائمة ‪ ،‬واملدينة كلها خاوية‬ ‫من تلك املدينة‬ ‫ومهدمة القصور ‪ .‬وللمدينة سورين شاهقى االرتفاع مبنيني من احلجر ‪ ،‬وبينهما يوجد ممر‬ ‫ميكن لعربتني متقابلتني أن تسريا خالله ‪ .‬وعلى شاطئ البحر ‪ ،‬حيث ميناء السفن ‪ ،‬مل‬ ‫َ‬ ‫يبق غري عدد قليل من الناس ‪ .‬وغري بعيد عن امليناء توجد قلعة ‪ .‬وفى القلعة واملدينة يعيش‬ ‫العرب وحدهم ‪ .‬وفى وسط مدينة اإلسكندرية يوجد مقر البطريرك املقدس ‪ ،‬وجبواره ال‬ ‫يعيش أحد ‪ ،‬كلها خاوية ‪ ،‬والعرب أنفسهم ال يدعون البطريرك املقدس يعيش فى هدوء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحتديدا فى املبنى اجلانبى املنفصل عن الكنيسة‬ ‫أيضا فى الكنيسة الكربى ‪،‬‬ ‫وهنا‬ ‫املكرس للقديسة الشهيدة العظيمة كاترينا ‪ ،‬يوجد عمود صغري من الرخام األبيض‬ ‫قطعت عليه رأس الشهيدة العظيمة كاترينا ‪ ،‬وحتى يومنا هذا ترى دماء القديسة‬ ‫الشهيدة العظيمة كاترينا على العمود ‪ ،‬وهنا يقوم املؤمنون باالحنناء وتقبيل احلجر‪.‬‬ ‫وقد منحنا اهلل رؤية دماء القديسة الشهيدة العظيمة كاترينا وتلقينا البشارة ‪ .‬وغري‬ ‫بعيد من مقر قداسة البطريرك من اجلهة اليمنى توجد قصور القديسة كاترينا ‪ ،‬إال أن‬ ‫جدرانها متداعية ‪.‬‬ ‫وهناك حيث كانت البوابة املؤدية إىل القصر يوجد سبعة أعمدة رخامية مستديرة‪،‬‬ ‫وكلها حبالة جيدة ‪ .‬وفى اجلهة اليسرى توجد كنيسة القديس اإلجنيلى مارك (مرقس)‪،‬‬ ‫غري أنها تهدمت بالكامل ‪ .‬وال ميكن التعبري بالكلمات عن التنظيم احلكيم‬ ‫لكل شىء فى اإلسكندرية اجمليدة ‪ً .‬‬ ‫أوال ‪ -‬مت تزويد املدينة باملياه رغم أنه ال يوجد فى‬ ‫اإلسكندرية أى نهر ‪ ،‬حيث يوجد فقط البحر ذو املاء املاحل غري الصاحل للشرب ‪ ،‬وتبلغ‬ ‫‪ - 148‬نشرت فى إصدار ‪ :‬احلجاج الكتاب فى عهد بيرتوفسكى وبعد عهد بيرتوفسكى ‪،‬‬ ‫أو املسافرون إىل املدينة املقدسة أورشليم ‪ //‬قراءة فى تاريخ اجملتمع اإلمرباطورى واآلثار الروسية فى‬ ‫جامعة موسكو ‪ ،‬كتاب ‪ ، 3‬قسم ف‪.‬م ‪ ، 1873 ،‬ص ‪ . 30 - 28، 9 -6‬قام بالرتمجة ى ‪ .‬ف ‪ .‬فيودوروفا ‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫املسافة من نهر النيل الذى جيرى عرب األرض املصرية إىل اإلسكندرية مسرية أربعة أيام ‪.‬‬ ‫وقد مت مد املياه حتت األرض من هذا النهر مباشرة إىل اإلسكندرية ‪.‬‬ ‫اإلسكندرية مدينة كبرية ‪ ،‬وفى أسفلها على عمق كبري للغاية مت بناء أعمدة‬ ‫رخامية تتدفق املياه خالهلا من النيل حتت املدينة بأكملها ‪ .‬وترتكز مدينة اإلسكندرية‬ ‫كلها على أعمدة حجرية بها فتحات مثل اآلبار ‪ ،‬وتوجد فى مجيع أحناء املدينة ومنازهلا ‪.‬‬ ‫ويقول القاطنون هناك أن هذه اآلبار يبلغ عددها أربعة عشر ألف بئر ‪ ،‬وعندما تأتى املياه من‬ ‫النيل متتلئ مجيع اآلبار ‪ .‬وتأتى هذه املياه من األرض املصرية فى وقت « سباسوفكا »‪. 149‬‬ ‫ً‬ ‫وأحبرنا من جديد من اإلسكندرية عرب البحر األبيض املتوسط ً‬ ‫كامال ‪ ،‬واقرتبنا‬ ‫يوما‬ ‫من القلعة التى تسمى بوجور « أبو قري » ‪ .‬ومكثنا بالقرب منها مدة يومني ‪ ،‬ورأينا هناك‬ ‫العرب الذين كانوا يسريون مسرورين لوصول املياه‪ . 150‬وقد كانوا يسريون عرب الساحات‬ ‫بالدفوف يغنون ويقفزون ‪ ،‬ويسريون فى مواكب كما لدينا فى أيام عيد امليالد عندما‬ ‫يتهلل املتنكرون ‪ .‬ومن هناك وصلنا إىل النيل املتدفق عرب األرض املصرية ‪ ،‬وكان تيار‬ ‫ً‬ ‫سريعا ً‬ ‫ً‬ ‫عكرا ‪.‬‬ ‫جدا ‪ ،‬واملاء‬ ‫النهر‬ ‫توجهنا من هناك إىل مدينة رشيد ‪ ،‬حيث أقمنا ثالثة أيام ‪ .‬وفى هذه املدينة رأينا اثنني‬ ‫من الطيور الكبرية ً‬ ‫جدا ‪ ،‬والتى تسمى طيور النعام ‪ .‬وهلذين الطائرين أجنحة جلدية ‪ ،‬إال‬ ‫أنهما ال يستطيعان الطريان ‪ ،‬وريشهما أشعث مثل ريش الدجاجة ‪ ،‬ولديهما أقدام كبرية‪،‬‬ ‫واحلافر مثل حافر « التوفارين »‪ ( 151‬دابة النقل واألمحال ) ‪ ،‬والرقبة طويلة ‪ ،‬والرأس صغري‬ ‫مثل رأس اإلوز أو البط ‪ ،‬وإذا ما شاكسه أحد ‪ ،‬فإنه يضربه حبافره ‪.‬‬ ‫غادرنا هذه املدينة مبحرين فى النيل ‪ .‬وهذا النهر يروى األرض املصرية كلها ‪ .‬وهناك‬ ‫ال يوجد شتاء أو أمطار ‪ ،‬وعندما يرتفع منسوب املياه فى وقت صيام “ سباسوف “‪ ، 152‬يروى‬ ‫النيل كل احلقول املصرية ً‬ ‫بدال من األمطار ‪ .‬باإلضافة لذلك يقوم السكان احملليون مبلء‬ ‫القنوات وإطالق املياه إىل األراضى ‪ ،‬وحيتجزون املياه فى احلقول ‪ .‬وبفضل ذلك تعطى‬ ‫األرض حمصولني ‪ .‬وال يوجد فى األرض املصرية أى نوع من الثمار فيما عدا البلح ‪ .‬وتشبه‬ ‫مخائل النخيل فى األرض املصرية غاباتنا الكبرية ‪ .‬وحرارة الشمس مفرطة ‪ .‬واألرض‬ ‫املصرية كئيبة ‪ .‬والناس هنا سيئون للغاية ‪.‬‬ ‫أحبرنا عرب النيل مسافة مائتى ميل ‪ ،‬ومررنا بالقرب من جبال الفراعنة املبنية من احلجر‪،‬‬ ‫والتى ظهر للمصريني عليها معجزات شنيعة إذ يقولون أنه من هذه اجلبال يطلقون املطر‬ ‫والرعد ‪ .‬ومن تلك اجلبال وصلنا إىل مصر العظيمة ( القاهرة ) ‪ ،‬حيث أقمنا ثالثة أيام لدى‬ ‫قداسة البطريرك فى املقر السكندرى ‪ .‬وتوجد هنا فى املقر كنيسة القديس نيقوالس‪.‬‬ ‫‪- 149‬‬ ‫‪- 150‬‬ ‫‪- 151‬‬ ‫‪- 152‬‬

‫سباسوفكا هو صيام عيد رقاد أو انتقال العذراء ‪ ،‬ويبدأ من ‪ 1‬أغسطس بالتقويم القديم‪.‬‬ ‫بداية الفيضان السنوى ‪.‬‬ ‫التوفارين هو دابة النقل ‪.‬‬ ‫صيام سباسوف هو نفسه صيام رقاد أو انتقال مريم العذراء ‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫وقد حكوا عن هذه الكنيسة املقدسة بأسلوب رائع إذ أنه كان هناك شخص مشهور‬ ‫من القسطنطينية فى اإلمارة املصرية ‪ ،‬وأمر بانتزاع كنيسة القديس نيقوالس وبناء‬ ‫محام فيها ‪ .‬وحزن البطريرك لذلك ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وصار يصلى مع املسيحيني فى الكنيسة‪ .‬وفى‬ ‫نفس الليلة ذهب القديس نيقوالس إىل األمري ‪ ،‬وضغط بيده على حلقه ‪ ،‬وقال له ‪ “ :‬ملاذا‬ ‫ً‬ ‫محاما ؟ وإذا مل تأمر بإعادة بيتى للمسيحيني ‪ ،‬سوف آتى إليك‬ ‫أمرت أن تصنع من بيتى‬ ‫فى الليلة القادمة وأهلكك “ ‪ .‬فأمر امللك على الفور بإعادة هذه الكنيسة ‪ ،‬وأعيدت‬ ‫بسالم إىل البطريرك واملسيحيني ‪ .‬وحتى هذا اليوم يقيم البطريرك اخلدمة الدينية فى هذه‬ ‫الكنيسة‪.‬‬ ‫وفى اليوم التاىل اصطحبونا إىل القاهرة القدمية ‪ .‬وفى القاهرة القدمية توجد كنيسة‬ ‫كبرية للقديس جيورجى ( مار جرجس ) املنتصر املسيحى ‪ ،‬حيث يوجد فى اجلهة اليمنى‬ ‫أيقونة حناسية للقديس مار جرجس ‪ .‬ومن هذه األيقونة حتدث العديد من البشارات‬ ‫ً‬ ‫أيضا لألتراك والعرب والشعوب األخرى‬ ‫والشفاءات ليس للمسيحيني فحسب ‪ ،‬ولكن‬ ‫واملهرطقني ‪ ،‬والكل يأتى إليها بدون حظر ‪ .‬كما يوجد العديد من الكنائس اخلاضعة‬ ‫للمهرطقني مثل كنيسة رقاد أم اإلله املقدسة ‪ ،‬والشهداء سريجيوس وواخس ‪ ،‬وكنيسة‬ ‫القديسة الشهيدة العظيمة باربارا ‪.‬‬ ‫يعيش فى القاهرة القدمية عدد قليل من عجائز الغجر املصريني ‪ ،‬والغالبية من األتراك‬ ‫واملسيحيني ‪ .‬وسور املدينة تهدم فى بعض األماكن ‪ ،‬ولكن بقيت فقط عدة أبواب‬ ‫كاملة‪ ،‬والتى دخلت من خالهلا أم اإلله املقدسة مع املسيح ويوسف من أورشليم ‪ .‬ومن هنا‬ ‫ً‬ ‫جمددا إىل مقر البطريرك‪.‬‬ ‫عدنا‬ ‫أحبرنا من القاهرة مع التيار فى نهر النيل ‪ ،‬حيث يتفرع النيل إىل فرعني ‪ ،‬ووصلنا مدينة‬ ‫دمياط ‪ ،‬أى إىل ( أسبانيا ) ‪ .‬أقمنا هناك فى مقر دير أورشليم ثالثة أيام ‪ .‬وفى مدينة دمياط‬ ‫توجد كنيسة يقوم فيها باخلدمة الدينية مطران بطريرك اإلسكندرية املقدس ‪ .‬وفى يوم‬ ‫متجيد الصليب‪ 153‬قمنا باستئجار مركب ‪ ،‬ودفعنا عن كل فرد منا واحد ليف ‪ ،‬وأحبرنا إىل‬ ‫البحر األبيض املتوسط ‪ .‬ومضى يومان وليلتان فى ملح البصر ‪ ،‬ووصلنا إىل مدينة كاتريس‬ ‫ً‬ ‫حاليا يافا‪. 154‬‬ ‫التى كانوا يطلقون عليها فى الزمن القديم أيوبيا ‪ ،‬ويطلق عليها األتراك‬ ‫فى نهاية اليوم السابع عشر وصلنا إىل ميناء اإلسكندرية فى اخلور البحرى ‪ ،‬وقابلنا‬ ‫املرشد البحرى العربى فى قارب صغري ‪ ،‬ويطلقون عليه بالعربية ريس البوغاز ‪ ،‬وهذا يعنى‬ ‫الريس فى اخلور البحرى ‪ .‬وفى اليوم الثامن عشر نزل اجلميع من القارب ‪ ،‬ومبا أننا كنا‬ ‫ً‬ ‫حجاجا فقد أقمنا فى خان العباد ‪ ،‬وبلغتنا يطلق عليه بيت الضيافة ‪ .‬وفى نفس اليوم ذهبنا‬ ‫إىل الدير وقت صالة املساء ‪ .‬يقع هذا الدير فى مدينة اإلسكندرية القدمية ‪ ،‬ويقيم فيه‬ ‫رئيس دير بطريرك اإلسكندرية ‪ .‬ويوجد فى هذا الدير كنيسة القديس سابا‪ ،‬حيث يوجد‬ ‫فى اجلهة اليمنى للمذبح مبنى جانبى منفصل للقديس العظيم جيورجى ( مارجرجس ) ‪،‬‬ ‫‪ - 153‬متجيد الصليب الطاهر والباعث للحياة يتم االحتفال به فى ‪ 14‬سبتمرب بالتقويم القديم ‪.‬‬ ‫‪ - 154‬مت إغفال وصف زيارة كل من مكارى وسيليفيورست لألرض املقدسة ‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫وفى اجلهة اليسرى يوجد مبنى جانبى منفصل مشابه ‪ ،‬إال أنه يقوم فيه باخلدمة الدينية‬ ‫الفرجنة فقط ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قليال من‬ ‫هذه املدينة القدمية اإلسكندرية تسمى بالعربية سكندرى ‪ ،‬وهى أصغر‬ ‫القسطنطينية ‪ ،‬إال أنها تهدمت بالكامل حتى األساس ‪ .‬وكانت املنازل فيها ضخمة ‪ ،‬أما‬ ‫اآلن فقد تناثرت بعض هذه املبانى كالغبار ‪ ،‬كأنها جبال قائمة ‪ .‬وفى مكان ما الزالت‬ ‫توجد أسوار قالع وأبراج ‪ ،‬ويبدو أن اإلسكندرية كانت أمجل بكثري من القسطنطينية‪.‬‬ ‫ويقولون أن فى هذه املدينة مازال يوجد شىء رائع حتى اآلن ‪ ،‬ولقد رأيناه على الرغم من أنه‬ ‫قد مت صنعه بطريقة غري ملحوظة ‪ ،‬فقد مت بناء مدينة سكنية ثانية للملك حتت أرض‬ ‫مدينة اإلسكندرية بأكملها ‪ ،‬ومسيت بالعامل الثانى ‪ ،‬وتقع هذه املبانى حتت األرض‬ ‫على عمق أربعة ساجني ‪ ،‬أما عمق املبانى حتت األرض فيبلغ ثـمانية ساجني أو أكثر‪.‬‬ ‫حاليا ماء وفري ً‬ ‫ً‬ ‫جدا فى بعض املساكن ‪ ،‬وال يوجد فى البعض اآلخر ‪ .‬ويستخدم‬ ‫ويوجد‬ ‫مجيع سكان مدينة اإلسكندرية هذا املاء ‪ ،‬وفى األماكن األخرى حيث ال يوجد ماء يسري‬ ‫الكثريون بالشموع ‪ ،‬ويقولون أن املبانى هناك مل تهدم مثل البيوت واملمرات التجارية ‪،‬‬ ‫ويوجد كثري من النقوش على اجلدران ‪.‬‬ ‫ال يوجد فى ربوع مدينة اإلسكندرية أى بيت مسيحى ‪ ،‬فهنا يعيش البوسورمان‬ ‫(املسلمون ) من العرب واألتراك وكثري من اليهود ‪ .‬مجيع البيوت مبنية من احلجر ومن‬ ‫الطوب‪ ،‬وال توجد أقبية حجرية ‪ ،‬وفى املمرات ال توجد بوابات أو مزاليج ‪ ،‬وال يوجد قضبان‬ ‫ً‬ ‫وبدال من األقبية احلجرية يضعون عوارض رباعية اجلوانب ‪،‬‬ ‫حديدية على نوافذ البيوت ‪.‬‬ ‫وعليها يضعون ألواح خشبية ‪ .‬وبعد ذلك ‪ ،‬خيلطون الرتاب مع اجلري مع الرماد ‪ ،‬ويدهنون من‬ ‫األعلى ‪ ،‬وهذا هو السقف عندهم ‪ .‬واألرض فى مجيع أحناء اإلسكندرية رملية ‪ .‬والنوافذ‬ ‫أحجامها كبرية ‪ ،‬وذات مشربيات خشبية ‪ ،‬وتغلق من الداخل ‪.‬‬ ‫فى العشرين من أكتوبر خرجنا من مدينة اإلسكندرية فى الساعة الثانية ً‬ ‫ظهرا‪ ،‬وأحبرنا‬ ‫طوال اليوم مسافة ثالثني ً‬ ‫ميال حنو الشرق إىل مدينة أبو قري ‪ ،‬إذ أنه مل تكن هناك ريح‬ ‫مواتية ‪ ،‬وقضينا ليلتنا بالقرب من املدينة جبوار امليناء عند اخلور البحرى ‪ ،‬ويعد هذا اخلور‬ ‫أفضل من اخلور السكندرى ‪ .‬وأولئك الذين ذهبوا إىل املدينة لشراء احلاجيات والطعام‪ ،‬مل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فضال عن الطعام والشراب ‪ ،‬فاملدينة فقرية للغاية‪ ،‬وتعداد‬ ‫شيئا على اإلطالق ‪.‬‬ ‫جيدوا‬ ‫سكانها قليل ‪.‬‬ ‫فى يوم احلادى والعشرين من أكتوبر سافرنا من مدينة أبو قري قبل بزوغ الفجر بساعتني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ميال ‪ .‬وقبل أن نصل إىل مدينة رخيت بثالثة أميال ‪ ،‬وتسمى‬ ‫وقطعنا مسافة ثالثني‬ ‫بالرتكية والعربية رشيت ( رشيد ) ‪ ،‬وبسبب الطقس السيئ ‪ ،‬وصلنا فى الساعة الرابعة‬ ‫إىل مصب نهر النيل الذى يطلق عليه فيسون ‪ ،‬وجلسنا هناك بالقرب من الشاطئ طوال‬ ‫اليوم ‪ ،‬وتوجهنا إىل القرية قبل املساء بساعتني ‪ .‬وتزدهر على ضفاف نهر النيل حتى القاهرة‬ ‫حدائق النخيل الكبرية ‪ ،‬ويقولون أنه يوجد بساتني يبلغ عرضها ‪ 5‬فراسخ ‪ ،‬وفى أماكن‬ ‫‪59‬‬


‫أخرى يصل عرضها إىل ‪ 10‬فراسخ ‪ ،‬وتؤول ملكيتها للسكان احملليني من العرب واألتراك‪،‬‬ ‫كما أن األماكن على ضفتى نهر النيل حتى مدينة رشيد رطبة للغاية ‪ ،‬ومنخفضة ‪،‬‬ ‫وينمو فيها القصب بوفرة ‪ ،‬واألرض سوداء وغنية بالطمى ‪ ،‬وهناك يزرعون احلبوب بوفرة ‪،‬‬ ‫وحنن نطلق عليها قمح املسلمني ( األرز ) ‪ ،‬وتنمو هنا بوفرة ‪ .‬وإذا دعت احلاجة للمياه ‪ ،‬فإنه‬ ‫على ضفة النهر يوجد الكثري من اآلبار احملفورة عليها سواقى كبرية حتركها الثريان ‪،‬‬ ‫وتغذى قنوات الرى باملياه ‪ .‬ويقوم آخرون حبفر القنوات لتوصيل املياه مباشرة من النهر ‪.‬‬ ‫ولقد اقرتبنا من القرية فى الساعة الثالثة مسا ًء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حممال بامللح واألرز ‪ ،‬وتزمع اإلحبار‬ ‫مركبا فى امليناء‬ ‫وفى اليوم الثانى والعشرين وجدنا‬ ‫إىل دمشق‪ . 155‬وحضر إلينا فى القارب قبطان هذا املركب ‪ ،‬وسألنا عمن يريد الذهاب‬ ‫بصحبته إىل يافا ‪ ،‬واتفقنا مع احلجاج اآلخرين أن ندفع عن الفرد الواحد ( عملة من فئة‬ ‫العشر روبالت ) ‪ ،‬وبقينا فى رشيد منذ يوم ‪ 22‬أكتوبر حتى يوم ‪ 31‬أكتوبر ‪.‬‬ ‫وفى األول من نوفمرب سافرنا من جديد عرب الطريق السابق إىل مصب نهر النيل ‪ ،‬وتوقفنا‬ ‫ملدة مخسة أيام بسبب الطقس السيئ واحلمل الزائد ‪ ،‬ألنه ال تدخل أى مركب إىل مدينة‬ ‫رشيد ‪ ،‬وال تغادرها بدون محولة ‪.‬‬ ‫وفى يوم اخلامس من نوفمرب أحبرنا حنو الشرق إىل يافا ‪.‬‬

‫ً‬ ‫بعيدا عن البحر ‪.‬‬ ‫‪ - 155‬من الواضح أنه يقصد سوريا ‪ ،‬وليست عاصمتها التى تقع‬ ‫‪60‬‬


‫ •آندرى إجيناتيف ( ‪ 1707‬م )‪: 156‬‬ ‫وصلنا إىل بيلوجيا ( دمياط ) فى نهار شهر مايو ‪ ،‬وأقمنا فى مقر دير سيناء ‪ .‬وفى مساء‬ ‫اخلامس عشر من مايو أحبرنا على منت كايكا ( سفينة صغرية ) عرب نهر النيل إىل مصر‬ ‫( القاهرة ) بعطف من األسقفية ‪ .‬ووصلنا إىل القاهرة فى الثامن عشر من مايو ‪ ،‬وفى يوم‬ ‫التاسع عشر من مايو ذهبنا للصالة فى الدير النسائى ( دير الراهبات ) للقديس الشهيد‬ ‫العظيم جيورجى ( مار جرجس ) ‪ ،‬والدير يشبه الربج الكبري ويتبع بطريرك اإلسكندرية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حاليا مهجورة ‪ .‬وتقام فيها اخلدمة الدينية يوم‬ ‫أيضا كنيسة أخرى غري أنها‬ ‫وتوجد هناك‬ ‫األحد ‪ ،‬وفى يوم السبت يأتى آباء دير سيناء من مقرهم للقيام باخلدمة الدينية ‪ .‬وتبلغ‬ ‫املسافة من مقرهم إىل مصر القدمية مسرية ساعة واحدة ً‬ ‫سريا على األقدام ‪.‬‬ ‫فى كنيسة أم اإلله بقيت حتى اآلن أيقونتها املقدسة على احلائط الغربى فى مكان‬ ‫مرتفع ‪ .‬ويقولون أنه من هذه األيقونة حدثت تلك املعجزة ‪ :‬إذ كان هناك أمري ما مصاب‬ ‫بالتقرحات فى مجيع أجزاء جسده لسنوات طويلة ‪ ،‬وجاءه هاتف فى املنام ‪ ،‬يقول له ‪« :‬انهض‬ ‫وتوجه إىل ذلك البلد واحبث ‪ ،‬ففى األرض توجد أيقونة سرية ألم اإلله املقدسة ‪ .‬وأمام هذه‬ ‫األيقونة يوجد قنديل به زيت املريون مشتعل قرابة سبعني ً‬ ‫عاما ‪.‬‬ ‫ادهن جسدك املتأمل بزيت املريون » ‪ ،‬وقد أيقظه هذا الصوت من نومه ‪ ،‬ووجد ما رآه فى‬ ‫املنام‪ ،‬وأخذ املريون من القنديل املشتعل أمام األيقونة ‪ ،‬ودهن جسده وشفى كأنه مل ميرض‬ ‫من قبل ‪ .‬وفى تلك الكنيسة صلى أمام هذه األيقونة القديس‪.…157‬الذى كتب عنه‬ ‫فى الديباجة‪ 158‬عندما تناقش مع اليهود عن العقيدة ‪ ،‬وقالوا ‪ « :‬اطلب من ربك كما هو‬ ‫مكتوب فى إجنيلك ‪ ،‬وقل هلذا اجلبل أن يتحرك من مكانه » ‪ ،‬وعندما شرع فى الصالة‬ ‫ً‬ ‫جمددا هلذا القديس لكى يتوقف ‪،‬‬ ‫حترك هذا اجلبل مباشرة إىل مصر‪ ،‬وتوسل اليهود‬ ‫ً‬ ‫جمددا ‪.‬‬ ‫وبفضل صلوات هذا القديس توقف‬ ‫ً‬ ‫أيضا مغارة أم اإلله املقدسة حيث هربت إليها من أورشليم مع الطفل يسوع‬ ‫توجد هناك‬ ‫وخطيبها يوسف وأقامت فيها عدة سنوات‪ . 159‬وفى عهد دولة امللوك األتقياء‪ 160‬مت بناء‬ ‫‪ - 156‬نشرت فى إصدار ‪ :‬احلجاج الكتاب فى عهد بطرس وبعد عهد بطرس ‪ ،‬أو املسافرون إىل‬ ‫املدينة املقدسة أورشليم ‪ //‬قراءة فى تاريخ اجملتمع اإلمرباطورى واآلثار الروسية فى جامعة موسكو‬ ‫‪ ،‬كتاب ‪ ، 3‬قسم ف ‪ .‬م ‪ ، 1873 ،‬ص ‪ ، 46 - 43‬قام بالرتمجة ى ‪ .‬ف ‪ .‬فيودوروفا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طبقا للتاريخ القبطى يقصد القديس مسعان اخلراز ‪ ،‬انظر ف ‪ .‬ف ‪ .‬بلياكوف مصر طوالً‬ ‫‪- 157‬‬ ‫ً‬ ‫وعرضا ‪ .‬كتاب تارخيى ‪ ،‬موسكو عام ‪ 2001‬م ‪ ،‬ص ‪. 131 - 130‬‬ ‫‪ - 158‬الديباجة ‪ -‬كتاب املناقب الروسية القدمية ‪ ،‬والذى يرجع إىل سري القديسني البيزنطيني ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طبقا أليام الذاكرة الكنسية ‪.‬‬ ‫والذى يكون فيه سري القديسني‬ ‫ً‬ ‫طبقا للتاريخ القبطى أقامت العائلة املقدسة فى هذا الكهف أو املغارة فى طريقها من مصر‬ ‫‪- 159‬‬ ‫إىل فلسطني ‪.‬‬ ‫‪ - 160‬اإلمرباطورية البيزنطية ‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫كنيسة رائعة فوق هذه املغارة ‪ ،‬وأنشئت فى املغارة نفسها كنيسة ‪ ،‬ورغم أنها صغرية إال‬ ‫ً‬ ‫وحاليا تنتمى الكنيسة واملغارة لألقباط الذين يغمرونها بقرابينهم ‪،‬‬ ‫أنها مجيلة للغاية ‪.‬‬ ‫ويوجد فى هذا الكهف فى كل جانب أربعة أعمدة مرمرية ‪ ،‬وورائهم من الناحية اليسرى‪،‬‬ ‫جبانب عمودين ‪ ،‬توجد عوارض صغرية من شجرة ما ً‬ ‫بدال من الدعامات ‪ ،‬ويقطع منها‬ ‫املسيحيون شرائح ولكن بصعوبة كبرية ‪ .‬لون تلك الشجرة مثل لون النب ‪ ،‬أما عندنا‬ ‫فلونها شبيه بلون القرنفل ‪ .‬ومهما قطعوا منها ‪ ،‬فإنها ال تنقص ‪ .‬ويقولون كما لو أن هذه‬ ‫الشجرة من فلك نوح ‪ .‬وعندما وصلنا إىل أماكن العبادة هذه ‪ ،‬أرانا مرافقنا خمازن غالل‬ ‫يوسف اجلميل ‪ ،‬والتى شيدت فى عهد دولة الفراعنة ‪ ،‬فقد قاموا بتخزين القمح فيها فى‬ ‫وقت اجملاعة ‪ .‬وشيدت هذه املخازن على طراز خمازن الغالل عندنا ‪ ،‬إال أنها بدون أسقف ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا يبيعون ‪،‬‬ ‫وهناك حتى اآلن حيتفظون بكميات كبرية من القمح السلطانى ‪ ،‬ومنه‬ ‫وهناك حيث توجد املرافئ الكبرية يتم شراء كميات كبرية من قمح تلك املخازن ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫برجا حيث تقوم الثريان برفع املياه القادمة من النيل ‪ ،‬إذ‬ ‫بعد عودتنا من هناك اعتلينا‬ ‫ترفع الثريان املاء من البئر األول ‪ -‬األسفل ‪ -‬الذى يوجد على عمق أربعني ساجني ( الساجني‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫‪ 1326,2‬مرت ) ‪ ،‬وينساب املاء عرب ميزاب إىل البئر اآلخر ‪ -‬العلوى ‪ -‬ومنه يرفعون املاء‬ ‫ثـمانية ساجني إىل امليزاب العلوى ‪ ،‬وهذا امليزاب مبنى من احلجر ‪ ،‬ويرتكز على أعمدة‬ ‫حجرية ‪ ،‬وميتد إىل القصر العاىل القديم‪ . 161‬وفى هذا القصر كانت توجد الزنزانة التى‬ ‫سجن فيها يوسف اجلميل من قبل بينتيفرى‪ . 162‬وتقع هذه الزنزانة على عمق ‪ 500‬درجة‬ ‫ً‬ ‫حاليا يوجد آبار وسوران وحوضان للغسيل ‪ .‬وتدير الثريان السواقى ‪ ،‬ففى اجلزء‬ ‫سلم ‪ .‬وفيها‬ ‫السفلى يوجد ثوران لكل ثالث سواقى ‪ ،‬وهما يديران السواقى بالتناوب وبال انقطاع ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يازيب غري مرئية ‪ .‬وإىل اآلن يوجد فى هذا القصر ‪،‬‬ ‫وتزود القاهرة كلها باملاء عن طريق َم‬ ‫على مكان مرتفع ‪ ،‬منزل يوسف اجلميل ويطلقون عليه بالعربية ‪ ....‬وفى لغتنا يعنى‬ ‫فى العلية ‪ .‬واملبنى رائع ومجيل ‪.‬‬ ‫توجهنا من هذا البيت إىل قصر الباشا ‪ .‬وهناك رأينا نعامتني أى سرتافوكاميل ( النعام)‪،‬‬ ‫ولديهما ريش أسود على الظهر ‪ ،‬وقليل ً‬ ‫جدا أسفل املؤخرة ‪ ،‬واألجنحة بيضاء ‪ ،‬والرقبة‬ ‫واألرجل عاريني كما عند اجلمل ‪ ،‬والطول كطول مهر عمره عام واحد ‪ .‬وعندما عدنا‬ ‫من هناك ‪ ،‬رأينا جلود هذين الطائرين مع الريش معروضني للبيع فى ممر جتارى ‪ .‬وفى نفس‬ ‫اليوم املوافق السابع والعشرين من مايو سافرنا على اجلمال من مصر إىل جبل سيناء ‪.‬‬

‫ً‬ ‫تقريبا‪.‬‬ ‫‪ - 161‬يصف املؤلف “ بئر يوسف “ فى القلعة فهو بناء هندسى مائى معقد بعمق ‪ 90‬مرت‬ ‫‪ - 162‬بينتيفرى ‪ -‬االسم اإلجنيلى السالفى ألحد رجال احلاشية امللكية للفرعون ( رئيس احلرس)‬ ‫والذى باع له التجار من بنى إمساعيل يوسف فى مصر ‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫ •إيبوليت فيشينسكى‪: 163‬‬ ‫وصل أفاناسيى الذى أصبح رئيس أساقفة جبل سيناء من أورشليم ‪ ،‬وشكوت إليه أننى‬ ‫مل أحلق يوم األحد ( عيد الفصح ) فى أورشليم ‪ .‬قال ىل ‪ « :‬اذهب معى إىل مصر ‪ ،‬وسوف‬ ‫أرسلك إىل جبل سيناء ‪ ،‬وستقيم هناك ملدة عام ‪ ،‬وستتعود على املكان ‪ ،‬وسرتى كل‬ ‫شىء ‪ ،‬وستذهب فى األحد اآلخر ( عيد الفصح ) القادم إىل أورشليم » ‪ .‬وقررت الذهاب معه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫راهبا فى أورشليم ‪ .‬وكان معه أخوه‬ ‫وانضم إىل القس هارون املندوب الوطنى الذى كان‬ ‫ً‬ ‫ستيفان ‪ ،‬وكان معى راهب دمشقى ‪ .‬وبعد أن جتهزنا سويا ‪ ،‬سافرنا من يافا مع العرب فى‬ ‫يوم ‪ 19‬أبريل ‪.‬‬ ‫سافرنا على منت تلك السفن التى تشبه السفن النهرية ‪ ،‬وأحبرنا حواىل ثالثـمائة ميل‬ ‫إىل ( بيلوسيا ) أو دمياط ‪ .‬أحبرنا أربعة أيام وأربع لياىل ‪ ،‬ووصلنا إىل ذلك املكان حيث‬ ‫يصب نهر النيل فى جنة عدن أو ( فيسون ) ‪ .‬وأعلى هذا املكان ‪ ،‬حيث يصب نهر النيل‬ ‫ً‬ ‫وبدال من القالع توجد العديد من املدافع‬ ‫فى البحر ‪ ،‬مت بناء مزاغل على كال اجلانبني ‪.‬‬ ‫بعضها فى مقابل بعض ‪ ،‬وال توجد أى معابر ‪ ،‬إال أنه يوجد معرب واحد من جهة البحر ‪.‬‬ ‫يصب النهر الكبري فى البحر ‪ ،‬ومن البحر تأتى أمواج مضادة ‪ ،‬وإذا اضطررت إىل اجتياز‬ ‫هذه احلافة الناتئة ‪ ،‬فإنه خيرج من هذه القصور املسافرون على منت قوارب ‪ ،‬فى كل منها‬ ‫عدة أشخاص ‪ ،‬ويرافقوك إىل النهر على الرغم من أنهم من العرب ‪ .‬وعندما تكون األمواج‬ ‫قوية تتهشم السفن ‪.‬‬ ‫ال تبحر السفن الكبرية فى نهر النيل ‪ ،‬ألن املياه تكون ضحلة فى بعض األماكن ‪،‬‬ ‫وإمنا تبحر فيه السفن الصغرية فقط ‪ ،‬وكذلك ال تبحر فيه السفن الكبرية واجلاليونات ‪.‬‬ ‫وقد انتظرنا حتى تقل املياه ويضمحل املكان ‪ ،‬واصطحبنا العرب عرب هذه احلافة الناتئة‬ ‫الرهيبة ‪ .‬وقادونا إىل رصيف امليناء األول ( بومريى ) ‪ ،‬وعلى الفور أخذ العرب يهزوننا ‪ ،‬وقاموا‬ ‫ً‬ ‫شيئا‪ .‬وأحبرنا عرب النيل‬ ‫بتفتيش كل شىء ألنهم يأخذون هناك مكوس ‪ ،‬ومل يأخذوا منا‬ ‫ً‬ ‫سويا مع األسقف فى مقر رئيس أساقفة سيناء‬ ‫ساعتني حتى بيلوسى أو دمياط ‪ ،‬ومكثنا‬ ‫فى بيلوسى ( دمياط ) ‪.‬‬ ‫تشبه مدينة دمياط القرية ‪ ،‬وتقع على ضفتى نهر النيل ‪ ،‬وبينهما جيرى النهر ‪ .‬والبيوت‬ ‫كبرية ( ثالثة طوابق فى االرتفاع ) ‪ .‬واحلوائط مبنية بالطوب ‪ ،‬وليست من احلجر ‪ .‬وال‬ ‫يوجد أى سور أو أسقف على البيوت ‪ ،‬ألن املطر ال يسقط هناك ً‬ ‫أبدا ‪ ،‬والندى هناك قليل‪.‬‬ ‫وما يزرع فى احلقل سواء كان اجلودار أو البساتني يروى مجيعه مبياه القناة ‪ .‬فقد مت‬ ‫شق قنوات من النيل تتدفق فيها املياه ‪ ،‬ووضعت أعالها سواقى تسحب الثريان بواسطتها‬ ‫‪ - 163‬نشر فى إصدار ‪ :‬إيبوليت فيشينسكى ‪ .‬رحلة األب إيبوليت فيشينسكى فى أورشليم‬ ‫وسيناء وجبل آثوس ( ‪ ، ) 1709 - 1707‬مكتبة سانت بطرسبورج ‪ ، 1914 ،‬ص‪ . 40 - 32‬قام بالرتمجة‬ ‫ى ‪ .‬ف ‪ .‬فيودوروفا ‪.‬‬ ‫‪63‬‬


‫املياه ‪ ،‬وتصبها فى القنوات‪ ، 164‬ومنها تتفرق املياه إىل أماكن الزراعة ‪ ،‬وتروى كل شىء ‪.‬‬ ‫وعندما ينخفض املاء تقوم الثريان بسحبه ‪ ،‬وما إن يبدأ املاء فى الزيادة ‪ ،‬فإن القنوات متتلئ‬ ‫ً‬ ‫تلقائيا فى كل مكان ‪ .‬وعندما تنحسر املياه فإنهم يزرعون فى هذه األرض ما يشاءون ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفريا ‪ ،‬إذ جيمعون الثمار مرتني فى العام ‪ ،‬وهناك الكثري من أشجار‬ ‫حمصوال‬ ‫واألرض تطرح‬ ‫النخيل ‪ ،‬وكأنهم يعيشون فى غابات البلح ‪ .‬وعلى امتداد نهر النيل يعيش األتراك والعرب‬ ‫واملسيحيون ‪ .‬واألرض هنا مثمرة ‪ .‬وتوجد فى مدينة دمياط كنيسة القديس الشهيد‬ ‫جيورجى ( مار جرجس ) التابعة لبطريرك اإلسكندرية القديس جرياسيم ‪.‬‬ ‫واملاء فى نهر النيل عذب وصحى ‪ .‬‬ ‫يصب نهر النيل فى البحر عن طريق فرعيه ‪ :‬إحداهما فى بيلوسى ( دمياط ) ‪ ،‬واآلخر فى‬ ‫راخيت ( رشيد ) ‪ ،‬وهناك يعيش بطريرك اإلسكندرية املقدس الذى يعيش فى مذحبه‬ ‫اثنان من الرهبان ‪ .‬وهناك ال يوجد شىء ‪ ،‬وال يوجد أى خان مسيحى هناك ‪ ،‬ويعيش هناك‬ ‫ً‬ ‫أيضا معلموهم‬ ‫األتراك والعرب ‪ ،‬أما اليهود فتعدادهم السكانى أكرب ‪ ،‬ويعيش هنالك‬ ‫وحاخاماتهم ‪ .‬وتقع مدينة دمياط على األرض العربية ‪ ،‬أما رشيد واإلسكندرية فتقعان‬ ‫على اجلزر البحرية‪ ، 165‬إال أن موانيهم كبرية ‪.‬‬ ‫فى يوم الثالث من مايو أحبرنا عرب النيل إىل سيكورو أو القاهرة التى تقع على مسافة‬ ‫مخسمائة ميل من بيلوسى ( دمياط ) ‪ ،‬وعادة ما ترى القرى واملزارع على ضفتى النيل ‪ ،‬فهى‬ ‫تقع على اجلزر ‪ ،‬ومن غري املمكن أال تتقابل مع العرب ‪.‬‬ ‫بعد ذلك أحبرنا جبوار مدينة كاروستيليس ‪ .‬وهناك ال توجد كنائس أو مسيحيني ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا تشبه القرية ‪ .‬وبعد‬ ‫وهناك يعيش األتراك وحدهم ‪ ،‬ومساجدهم قائمة ‪ .‬وهذه املدينة‬ ‫ذلك أحبرنا مبحاذاة مدينة صور ‪ ،‬وأقمنا هناك حيث يتفرع نهر النيل إىل فرعني ‪.‬‬ ‫وصلنا القاهرة يوم اخلامس من مايو وبقينا هناك ‪ ،‬حيث كان يوجد منزل بطرس عديم‬ ‫الرمحة الذى ضرب أحد الفقراء بالرغيف ‪ ،‬وبه مت خالصه‪ ( . 166‬ضرب بطرس الغنى الكاره‬ ‫للفقراء ً‬ ‫ً‬ ‫فقريا بالرغيف عندما كان عماله خيبزون ‪ ،‬فأخذه الرجل ومضى ‪ ،‬ورأى فى‬ ‫رجال‬ ‫ً‬ ‫املنام أنه يحُ اسب ومل يفعل خريا فى حياته سوى هذا ‪ ،‬وحتول من يومها إىل بطرس العابد‬ ‫ املرتجم ) ‪ .‬ويوجد جبوار منزل بطرس مأوى للمسيحيني ‪ ،‬فهم ميكثون هناك عندما‬‫يأتون من اإلسكندرية ورشيد أو بيلوسى ( دمياط ) ‪ .‬ويوجد أمام هذا املرسى ثالثة أبراج‬ ‫ً‬ ‫أيضا للفرعون ‪ ،‬وبسبب السخرية من اليهود ‪ ،‬فقد وعد النبى موسى‬ ‫عالية بناها اليهود‬ ‫بإنزال غضب الرب على الفرعون إذا مل يطلق هذا سراحهم من السخرة املصرية ‪ ،‬إال أن‬ ‫الفرعون كان قد نسى غضب الرب ‪ ،‬ولذلك أخذ يطارد موسى‪ ،‬وغرق فى البحر األمحر ‪.‬‬ ‫‪ - 164‬يدور احلديث عن الساقية ‪ ،‬وهى عجلة رفع املياه التى حتركها الثريان ‪.‬‬ ‫‪ - 165‬غري صحيح ‪ :‬تقع كلتا املدينتني على اليابسة ‪ ،‬وتقع مدينة رشيد على مسافة ‪ 9‬كم‬ ‫من شاطئ البحر ‪.‬‬ ‫‪ - 166‬القديس بطرس ‪ ،‬ومن قبل كان جابى الضرائب ‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫اصطحبنا رئيس أساقفة جبل سيناء القديس أفاناسيى من بيت بطرس إىل مقره فى دار‬ ‫ً‬ ‫ودائما ما يتواجد هناك املسيحيون ‪ ،‬وقد أعطونا كل ما يلزمنا ‪ ،‬فاملقر كبري ‪،‬‬ ‫الضيافة ‪.‬‬ ‫وهناك يعيش ثالثة رهبان ويقومون خبدمة مجيع النزالء ‪ ،‬وهم يدفعون هلم مقابل ذلك ‪.‬‬ ‫فى يوم التاسع من مايو نزلنا فى مقر الدير السيناوى ‪ ،‬وتوجهنا إىل األسقف ‪ .‬وكان لديه‬ ‫أكثر من مخسني من األخوة فى القاهرة ‪ ،‬إال أنه ال يوجد لديهم كنيسة أو دير ‪ ،‬بل توجد‬ ‫ً‬ ‫عوضا عن الكنيسة الصغرية ‪ .‬وعندما يريدون إقامة اخلدمة‬ ‫لديهم فقط قالية منفصلة‬ ‫الدينية للرب ‪ ،‬فإنهم يتوجهون إىل كنيسة ميالد أم اإلله املقدسة العذراء التابعة لبطريرك‬ ‫اإلسكندرية ‪ .‬فغري مسموح هلم ببناء كنائس ‪ ،‬فالكنيسة التى كانت هلم واملقر‬ ‫الصغري ضمهما األتراك ملسجدهم ‪ .‬وال يوجد لديهم فى املدينة أى مزارع أو حقول ‪ ،‬فكل‬ ‫‪167‬‬ ‫شىء يشرتونه فى مكانه ‪ .‬ويعطونهم املال من الصدقة ‪ ،‬فهم يطلبون من املالطيني‬ ‫والفالش والفرنسيني ‪ ،‬واجلميع يقدمون هلم الصدقات ‪ .‬وقال األسقف أن إخوته الذين‬ ‫يطلبون الصدقات بلغوا أكثر من مائتى شخص ‪ .‬واستقبلنا فى قاليته وتناولنا الطعام‬ ‫معه ‪ .‬وهو شخص طيب للغاية من مواليد مدينة سالون‪ ، 168‬ويستطيع أن يتحدث الروسية ‪.‬‬ ‫وأعطيته كتاب « السالم عليك يا مريم »‪ ، 169‬وشكرنى ً‬ ‫جدا على هذا الكتاب وتناوله‬ ‫ِ‬ ‫حبب ‪ ،‬وهو يقرأ القليل بلغتنا ‪.‬‬ ‫يوجد فى القاهرة كنيستان‪ 170‬فقط ‪ ،‬هما كنيسة ميالد أم اإلله املقدسة ‪ ،‬وكنيسة‬ ‫القديس الشهيد جيورجى ( مار جرجس ) ‪ .‬ويتوىل بطريرك اإلسكندرية أمر الكنائس‬ ‫واملسيحيني ‪ .‬وتوجد أيقونة عجيبة للقديس جيورجى ( مار جرجس ) فى كنيسته ‪ ،‬وهى‬ ‫ليست كنيسة علمانية ‪ ،‬وإمنا دير نسائى ( دير للراهبات ) يسمى « مأوى الغرباء » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا كنيسة كبرية مبنية من احلجر لرقاد أم اإلله املقدسة ‪ ،‬وهى فارغة‪.‬‬ ‫يوجد هناك‬ ‫وتوجد هناك حتى اآلن أيقونة خشبية معلقة على احلائط ‪ .‬وقد مت دفن هذه األيقونة فى‬ ‫خوفا من الكفار ‪ ،‬وبقيت هناك ملدة سبعني ً‬ ‫ً‬ ‫عاما ‪ .‬وذات مرة مرض راهب باحلمى‪،‬‬ ‫األرض‬ ‫وظهرت له العذراء املقدسة ‪ ،‬قائلة ‪ « :‬اذهب إىل الكنيسة اخلالية ‪ ،‬واحفر هناك ستجد‬ ‫أيقونتى هناك قائمة ‪ ،‬وأمام هذه األيقونة قنديل مشتعل ‪ ،‬وستصبح معافى » ‪ .‬وبدأوا‬ ‫ً‬ ‫مشتعال ‪.‬‬ ‫فى احلفر ‪ .‬ووجدوا فى األرض وفى القرب األيقونة قائمة ‪ ،‬وأمامها قنديل الزيت‬ ‫وأخذوها بكل تكريم ‪ ،‬وشفى املريض ً‬ ‫فورا ‪ .‬وقد أقاموا هذه األيقونة على احلائط ‪ ،‬وحتى‬ ‫ً‬ ‫مشتعال منذ أن وجدوه ‪ .‬ويدفن فى هذه الكنيسة املوتى من القوميات‬ ‫اآلن ظل القنديل‬ ‫املختلفة ‪ ،‬مثل الرهبان املسيحيني واألرمن والسكيثيني واألقباط والفرجنة واألريسيني ‪،‬‬ ‫وتوجد لكل عقيدة مقابر منفصلة ‪.‬‬ ‫‪ - 167‬كما هو واضح املولدوفيني ‪.‬‬ ‫‪ - 168‬سالون ‪ -‬مدينة سالونيك املعاصرة ‪ “ -‬العاصمة الشمالية “ لليونان ‪.‬‬ ‫عليك يا مريم “ ‪ -‬صلوات متجد أم اإلله تشري إىل اختيارها من بني نساء العاملني ‪،‬‬ ‫‪ “ - 169‬السالم‬ ‫ِ‬ ‫واصطفاء ابنها كاملخلص اإلهلى لألرواح البشرية ‪.‬‬ ‫‪ - 170‬يقصد الكنائس األرثوذكسية والكنائس القبطية فى القاهرة القدمية ‪ ،‬والتى يبلغ‬ ‫تعدادها اخلمسة ‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫القاهرة مدينة كبرية ‪ ،‬وهى أكرب من القسطنطينية ‪ ،‬وتلك التى كانت فى عصر‬ ‫الفراعنة كانت تسمى مبصر القدمية ‪ ،‬وتقع على النيل ‪ .‬وفى تلك القاهرة القدمية مازالت‬ ‫خمازن الغالل التى بنيت فى عهد يوسف اجلميل قائمة ‪ ،‬وحتى اآلن يكدسون احلبوب ‪ .‬أما‬ ‫خمازن احلبوب التى ينقل العرب إليها احلبوب ‪ ،‬فقد بنيت على النمط التاىل ‪ ،‬إذ هى عبارة‬ ‫عن ساحة واسعة مبلطة بالطوب وحماطة بسور ‪ ،‬ومن األعلى حماطة باألسالك الشائكة ‪،‬‬ ‫وهلا بوابتان ‪ :‬إحداهما للدخول واألخرى للخروج ‪ .‬وفى الداخل يوجد أمثال الشوارع واخلانات ‪،‬‬ ‫ومجيع املبانى واحلوائط مبنية بالطوب ‪ ،‬وفى خمازن احلبوب ال توجد حواجز أو غرف ‪ ،‬إال أنها‬ ‫مبنية بالطوب حتى الركب لكى ال تسقط احلبوب أسفل األقدام ‪ .‬ويقوم العرب بنقلها‬ ‫على ظهور اجلمال ‪ .‬وال يتم تغطية خمازن احلبوب بأى شىء ‪ ،‬ألن األمطار ال تتساقط هناك‬ ‫ً‬ ‫أبدا ‪ ،‬وحيفظون فيها غالل امللك الرتكى ‪ ،‬ويرسلون إىل القوات من هذه احلبوب ‪ ،‬وهم ال‬ ‫حيتفظون بها أكثر من عام لكى ال يفسدها الدود األمحر ‪.‬‬ ‫يوجد فى مصر بصفة دائمة أربعون ً‬ ‫ألفا من اإلنكشاريني‪ 171‬جاهزين على الفور خلوض‬ ‫أيضا اثنا عشر ً‬ ‫ً‬ ‫ألفا من الدارويش األتراك على‬ ‫املعركة ‪ُ ،‬يطعمون من هذه احلبوب ‪ .‬ويوجد‬ ‫اجلزر البحرية ‪ ،‬والذين يعيشون مع زوجاتهم على البحر األمحر ‪ .‬كذلك يوجد مخسون‬ ‫ً‬ ‫مجيعا من احلبوب التى توجد‬ ‫ألف حارس لتابوت مامجيتوف ( النبى حممد ) ‪ ،‬يتم إطعامهم‬ ‫فى خمازن يوسف اجلميل ‪ .‬ويتم نقل هذه احلبوب إىل امليناء ‪ ،‬وكذلك تنقل إىل مدينة‬ ‫السويس على منت السفن ويبيعونها فى هذه اجلزيرة‪ ، 172‬حيث توجد أعداد كبرية من‬ ‫القوات ‪ .‬ومن يريد رؤية هذه املخازن فإنه يدفع عشر ( بار ) قطع من النقود ‪ ،‬ويسمح العربى‬ ‫له مبشاهدتها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا كنيسة أم اإلله املقدسة التابعة لألقباط أو النساطرة‪ ، 173‬ويوجد‬ ‫توجد هناك‬

‫فى هذه الكنيسة كهف‪ 174‬ميتد أسفل املذبح على عمق عشرة سالمل ‪ ،‬وأنشئ على‬ ‫ً‬ ‫أيضا بنفس املقدار ‪ ،‬وفى كل‬ ‫مثال الكنيسة ‪ .‬ويبلغ ارتفاعه ثالثة ساجني ‪ ،‬وعرضه‬ ‫جانب يوجد أربعة أعمدة مرمرية ‪ ،‬ومن حيث يدخلون وخيرجون يوجد عمودان ‪ ،‬وضعت‬ ‫فوقهما شجرة لونها لون القرنفل ‪ .‬وميكن أن يأتى إىل هذه الشجرة حتى ألف شخص ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جزءا ‪ .‬وتأتى فى الصباح وال جتد ذلك املكان ‪ ،‬حيث قطعوا‬ ‫ويقطع كل واحد منهم‬ ‫باألمس من تلك الشجرة ‪ ،‬وهى تصبح سفينة الرب الكاملة ‪ .‬والكهف كله مبطن‬ ‫باملرمر ‪ .‬ويوجد فى املنتصف مقعد حيث كانت العذراء املقدسة مع املسيح ويوسف‬ ‫جيلسون بأمر املالك ‪ ،‬إذ قال ليوسف ‪ « :‬خذ الصبى وأمه واهرب إىل مصر‪ » 175‬إخل ‪.‬‬

‫‪ - 171‬اإلنكشاريني ‪ -‬قوات املشاة النظامية لإلمرباطورية العثمانية فى عام ( ‪ 1826 - 1365‬م ) ‪.‬‬ ‫‪ - 172‬ليس واضح ماذا يقصد املؤلف باجلزر فى البحر األمحر ‪.‬‬ ‫‪ - 173‬يضع املؤلف دليل للمساواة غري الشرعية بني األقباط والنساطرة ‪ ،‬حيث أنهم أنكروا‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا الفرتة الربانية للمسيح فى نفس الوقت الذى اعترب فيه األقباط أن الربانية فى املسيح قد‬ ‫أخفت إنسانيته ‪.‬‬ ‫‪ - 174‬غري دقيق ‪ :‬تقع املغارة أسفل مذبح كنيسة القديسني سريجيوس وواخس ‪ ،‬وليست أسفل‬ ‫كنيسة السيدة العذراء ‪.‬‬ ‫الصبى َو ُأ َّم ُه َو ْاه ُر ْب إِلىَ ِم ْص َر ‪َ ،‬و ُ‬ ‫‪ “ - 175‬ظهر مالك الرب فى املنام ليوسف ‪ ،‬وقال له ‪ُ « :‬ق ْم َو ُ‬ ‫َّ‬ ‫ك ْن‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫الصبى ِل ُي ْه ِل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ ُ َ َ َ َ َّ ُ ُ‬ ‫ك ُه » ‪ .‬إجنيل متى ‪. 2:13‬‬ ‫ُهناك َحتى َأقول لك ‪ .‬ألن ِهريود َس ُمز ِم ٌع َأن َيطل َب َّ ِ‬ ‫‪66‬‬


‫قبل قدوم املسيح ومريم ويوسف كانت تعيش فى ذلك الكهف أفعى كبرية ‪ ،‬التى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فحيحا ‪ ،‬ودوى صوتها ‪ ،‬ووصل إىل مجيع من‬ ‫سريعا بقدوم املسيح ‪ ،‬وبدأت تصدر‬ ‫شعرت‬ ‫ً‬ ‫فى القرية ‪ ،‬ثم هربت من هذا الكهف ‪ .‬وكانت الشجرة التى ال تنقص أبدا واقفة فوق‬ ‫الكهف‪ ،‬وعندما وصل املسيح إىل هذا الكهف احننت له ‪ .‬ويسيطر األقباط حمطمى‬ ‫األيقونات‪ 176‬على الكنيسة واملغارة ‪.‬‬ ‫فى مصر ( القاهرة القدمية ) مت توصيل املياه من نهر النيل إىل البئر الذى يبلغ عمقه‬ ‫ً‬ ‫جمددا إىل اجلبل‬ ‫مخسني ساجني ‪ ،‬وتقوم الثريان برفع املياه من هذا البئر ‪ ،‬ثم تقوم برفعه‬ ‫مخسني ساجني أخرى بواسطة الساقية ‪ .‬وهناك على اجلبل توجد بركة تعيش فيها‬ ‫األمساك ‪ ،‬وتتدفق املياه فى اجلبل عرب األسوار ‪ ،‬وكأنه نهر يؤدى مباشرة إىل القصر ‪ ،‬حيث‬ ‫كان يقيم الفرعون ويوسف اجلميل ‪ .‬وتتدفق املياه ملسافة أكثر من ميل من هذا السور‬ ‫حتى القصر حيث توجد الربكة ‪ .‬وقد أنشأ اليهود هذا السور من أجل الفرعون ‪ ،‬أما املياه‬ ‫فى هذا اجلبل الذى سجن فيه يوسف اجلميل ملدة سبع سنوات ‪ ،‬فكان يستخدمها مجيع‬ ‫ً‬ ‫طريقا للمياه من النيل ‪ ،‬لكانوا بدون هذه املياه‬ ‫املقيمني فى هذا القصر ‪ ،‬ولوال أنهم شقوا‬ ‫ً‬ ‫مجيعا من اهلالكني‪. 177‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا ( أعلى النيل ) أربع قنوات كبرية حفرت على نطاق واسع ‪ .‬وعندما‬ ‫يوجد هناك‬

‫تبدأ املياه فى الزيادة منذ الرابع عشر من يونيو حتى اخلامس عشر من أغسطس ‪ ،‬يتم فتح‬ ‫هذه القنوات ‪ ،‬ومن ثم متلئ مياهها مجيع القنوات األخرى ‪ ،‬وتتزود كل القنوات باملياه فى‬ ‫كل األماكن القدمية واجلديدة ‪ .‬ويصل إىل هناك الباشا تغمره السعادة ألن الرب أرسل‬ ‫املاء من عدن ‪ ،‬أى من اجلنة ‪ .‬وبهذا الشكل تصل املياه إىل أى مكان يريدونه ‪ ،‬وتبقى‬ ‫طوال السنة ‪ ،‬ولو مل َ‬ ‫تبق املياه فإنهم ينقلون املاء من نهر النيل على ظهور اجلمال والبغال‬ ‫ويبيعونها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا أصفر ‪،‬‬ ‫انظر رقاد أم اإلله املقدسة ‪ .‬يتدفق النهر من جنة عدن كالذهب اخلالص‬ ‫ومائه عذب ‪ ،‬والسمك فيه لذيذ ً‬ ‫جدا ‪ .‬ولقد سألنا العرب املتقدمني فى السن هل يعرف أحد‬ ‫من أين ينبع هذا النهر ؟ قالوا ‪ « :‬يتحتم الذهاب إىل اجلبل [ إىل األعلى مع تيار النهر ] عرب‬ ‫ً‬ ‫هذا املاء ملدة ‪ً 20‬‬ ‫عاليا فوق الصخرة توجد مدينة ‪ ،‬والتى تأخذ املكوس ‪. » 178‬‬ ‫يوما ‪ ،‬وهناك‬ ‫ووراء هذه املدينة تسري مسافة يوم ‪ ،‬وهناك توجد جبال عالية ‪ ،‬وصخور حجرية ‪ ،‬وكثري من‬ ‫ً‬ ‫أيضا تقابل زواحف‬ ‫الوحوش الضارية ‪ .‬وفى الصخور توجد ثعابني وزواحف خميفة ‪ .‬وهناك‬ ‫ذوات األربع أرجل ‪ ،‬وهلا ثالث أو مخس رؤوس أو أكثر ‪ ،‬وإذا متكنت من إنسان ووجدته‬ ‫فإنها تأكله ‪ ،‬واملضى ً‬ ‫قدما غري ممكن ‪ ،‬ومن حتلى بالشجاعة فإنه ال يعود ‪.‬‬ ‫‪ - 176‬غري صحيح ‪ .‬ال يعد األقباط حمطمى األيقونات ‪ ،‬إال أن منط رسم األيقونات القبطية‬ ‫خيتلف بشكل كبري عن منط رسم األيقونات األرثوذكسية ‪.‬‬ ‫‪ - 177‬يدور احلديث عن اجملرى املائى الذى يوصل املياه من النيل إىل القلعة ‪.‬‬ ‫‪ - 178‬فيما يبدو هى مدينة أسوان ‪ ،‬واجلزء القديم للمدينة يقع هناك على قمة صخرية جبزيرة‬ ‫اليفانتني بالقرب من احلدود الطبيعية ملصر ‪ ،‬أى الشالل األول للنيل ‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫فى مصر ( القاهرة ) توجهنا إىل القصر ‪ ،‬والقلعة هناك كبرية وتقع فى مكان مرتفع‪،‬‬ ‫ويوجد فيها الكثري من املدافع ومجيع أنواع الذخائر ‪ ،‬ويوجد بوابتان فقط واحلراسة هنا‬ ‫شديدة للغاية ‪ .‬وفى القصر توجهنا إىل زنزانة يوسف اجلميل ‪ ،‬والتى يهبطون إليها عرب‬ ‫‪ 200‬سلمة ‪ .‬وهناك يوجد ستة أزواج من الثريان تقوم برفع املاء إىل اجلبل ‪ ،‬ومن هناك إىل‬ ‫ً‬ ‫حمبوسا فى زنزانته يلزم اهلبوط ‪ 200‬سلمة أخرى ‪ .‬ويصل املاء إىل البئر‬ ‫حيث كان يوسف‬ ‫ً‬ ‫حمبوسا يتوجب اهلبوط ‪400‬‬ ‫بواسطة قنوات متصلة بالنيل ‪ .‬وإىل القاع حيث كان يوسف‬ ‫سلمة ‪ .‬وفى هذا القصر الذى مت مد املياه إليه عرب اجلبل يقيم باشا مصر ‪ .‬ويبلغ ارتفاع هذا‬ ‫القصر مائة ومخسني ساجني ‪ .‬وبعد أن خرجنا من هناك ذهبنا إىل بيتى الفرعون ويوسف‬ ‫ً‬ ‫قصورا مجيلة من الرخام واليشب ‪ ،‬فهى كلها مبطنة باملوزاييك‬ ‫الذين كانا فى وقت ما‬ ‫ورسومات زهور ذهبية بألوان خمتلفة ‪ ،‬إال أن هذا املبنى قد تهدم بالفعل ‪ .‬أما قصور يوسف‬ ‫وعلياته فهى قائمة حتى هذا اليوم ‪ ،‬وهناك فى القصور اجلديدة يعيش الباشا‪ . 179‬ورأينا‬ ‫هناك طيور كبرية هى طيور النعام ‪ .‬ويبلغ طول النعامة طول ثور فى الثانية من عمره‪،‬‬ ‫وأرجلها كبرية ‪ ،‬فهى أكرب مرتني من أرجل طائر الغرنوق ومسينة وسوداء ‪ ،‬وأقدامها‬ ‫كأقدام العجل ‪ ،‬وفى قدمها ثالثة أظافر ‪ ،‬والنعامة نفسها سوداء ‪ ،‬وبطنها بيضاء‪ ،‬ورقبتها‬ ‫أطول مرتني من رقبة البجعة ‪ ،‬وأنفها أسود ‪ ،‬وعيونها صفراء ‪ ،‬وحواجبها محراء ‪ .‬وتأكل‬ ‫النعامة كل شىء يقدم هلا حتى احلديد ‪ .‬وقد رأينا طائرين من طيور النعام ‪ .‬وإذا وقفت‬ ‫النعامة على قدميها ‪ ،‬فإنها تكون أطول من اإلنسان ‪ ،‬ونظرتها سريعة ‪ .‬وعادة ما تضع‬ ‫بيضتني ‪ ،‬وترقد عليهما فى املاء ‪.‬‬ ‫تسك فى هذا القصر العمالت مثل االسربى ‪ ،‬والبارى ‪ ،‬والتولتى ‪ ،‬واملاكسيسى ‪،‬‬ ‫والدوكات ( الدوكات عملة ذهبية أوروبية ‪ -‬املرتجم ) ‪ ،‬والتالريى ونقود أخرى متداولة فى‬ ‫مصر ‪ .‬ومن هذا القصر ترى القاهرة بأكملها ‪.‬‬ ‫فى مصر الناس سيئون‪ ، 180‬فالعرب سود البشرة ويسريون عراة ‪ ،‬وزوجاتهم بدون خجل‬ ‫ً‬ ‫أيضا عاريات‪ . 181‬وهن ال يسرن بل يقفزن فقط وعيونهن مداعبة وعابثة ‪ .‬ويركض‬ ‫يسرن‬ ‫املاعز كقطعان فى الشوارع ‪ ،‬وإذا أراد أحد شراء اللنب ‪ ،‬فإنهم حيلبون املاعز فى الشوارع‬ ‫ً‬ ‫يوميا قرابة‬ ‫على قدر حاجته بشرط دفع املال ‪ .‬يوجد هناك الكثري من املرضى ‪ ،‬ويتوفى‬ ‫عشرة آالف شخص ‪ ،‬فهم عادة يصيبهم مرض الطاعون ‪ .‬كان عدد السكان فى القاهرة‬ ‫القدمية واجلديدة أربعة عشر ألف شخص ‪ ،‬أما اآلن فيبلغ عدد السكان مخسة آالف فقط‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مجيعا‬ ‫كما أنه كان يوجد هناك الكثري من الكنائس ‪ ،‬إال أن األتراك قاموا بتحويلها‬ ‫إىل مساجد ‪ .‬وفى إحدى الكنائس التى مت االستيالء عليها أراد أحد األتراك أن يفتح املذبح‬ ‫‪ - 179‬يصف املؤلف قلعة القاهرة و “ بئر يوسف “ الواقع بها ‪ .‬وهذه املبانى ليس هلا عالقة بالفراعنة‬ ‫أو بيوسف ‪ ،‬إذ أنها شيدت فقط فى القرن الثانى عشر ‪.‬‬ ‫‪ - 180‬من احملتمل أنه يقصد أن شكلهم قبيح ‪ ،‬وليس سيئون ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حرفيا إذ أن غالبية الشعب املصرى مسلمة ‪ ،‬ولدى‬ ‫‪ - 181‬من املستبعد أن نتقبل هذا التعبري‬ ‫املسلمني قواعد صارمة فيما خيص مالبس النساء ‪ ،‬وقد تواجد املؤلف فى القاهرة فى أيام شهر مايو‬ ‫احلارة ‪ ،‬فرمبا كان من وجهة نظره أن املالبس التى كانت ترتديها املصريات خفيفة للغاية ‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫ولكنه مل يستطع ‪ ،‬ومنذ تلك اللحظة التى أغلق فيها املذبح بقدرة الرب ال يستطيع أحد‬ ‫ً‬ ‫وحاليا ال يسمح للمسيحيني بدخول هذا املسجد ‪.‬‬ ‫أن يفتحه حتى اآلن ‪،‬‬ ‫على مسافة غري بعيدة عن هذا املكان يقع اجلبل الذى حركه املسيحيون بفضل‬ ‫ً‬ ‫صلواتهم‪ ، 182‬وقد ُ‬ ‫أيضا كيف‬ ‫كتب عن ذلك فى الديباجة ‪ ،‬فاقرأ عنه هناك ‪ .‬ورأينا هناك‬ ‫تفقس األفراخ فى املفرخة بدون حاجه او مساعدة من االمهات ‪ .‬ويقومون بفعل ذلك على‬ ‫النحو التاىل‪ :‬يتم حفر حفرة ‪ ،‬وهى من األعلى واسعة ومن األسفل ضيقة ‪ ،‬وفيها يضعون‬ ‫البيض ‪ .‬وحتت تلك احلفرة يقيمون ً‬ ‫فرنا يكسونه بالروث من الداخل ‪ ،‬ومن األعلى ينثرون‬ ‫عليه الروث ‪ ،‬وتوقد النار فى الداخل ‪ ،‬وتؤازرها حرارة الشمس من اخلارج ‪ ،‬وهكذا تفقس‬ ‫األفراخ ‪ .‬وفى اليوم الثالث ‪ ،‬يفتحون الفرن وخيتارون البيض الذى ستفقس منه األفراخ ‪،‬‬ ‫ومن جديد يكسونه بالروث ويدفئونه ويبقونه حتى اليوم التاسع ‪ .‬وتأخذ ربة املنزل ذلك‬ ‫البيض الذى يبدأ فى التصدع كما لو أنه على النار ‪ ،‬وتكسر القشرة عنه مساعدة بذلك‬ ‫األفراخ على اخلروج من البيض ‪ ،‬ويطعمونها جريش الدخن أو جيرشون هلا اجلودار لتكون‬ ‫حبات صغرية ً‬ ‫جدا‪ .‬ويفقس من مائة ‪ -‬إىل مخسمائة ‪ -‬إىل ألف فرخ ‪ ،‬ومن املمكن أن يكون‬ ‫أكثر ‪ .‬وهذه الدجاجات ليست كبرية ‪ ،‬وبيضها أكرب بقليل من بيض احلمام ‪ .‬ومثل هذه‬ ‫األفران التى تنتج فيها األفراخ كثرية ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا حرفتهم ‪.‬‬ ‫جدا عند العرب ‪ ،‬وجتارة األفراخ هى‬ ‫وفى مصر يتنقلون على ظهور اجلمال والبغال واخليول واحلمري ‪ ،‬وال توجد عندهم عربات‬ ‫ً‬ ‫رطال من العلف أو أقل ‪ ،‬وللبغال ‪430‬‬ ‫نقل جترها اخليول ‪ .‬ويتطلب إلطعام اجلمال ‪860‬‬ ‫ً‬ ‫رطال من العلف‪.‬‬ ‫فى مصر يسري األتراك مرتدين مالبس جيدة ‪ ،‬وزوجاتهم كذلك ‪ ،‬أما العرب فغري ذلك ‪،‬‬ ‫فلو كان أحدهم ً‬ ‫غنيا ‪ ،‬فإنه يتغطى بعباءة مزركشة ‪ ،‬أما الباقون فكلهم يسريون عراة‪.‬‬ ‫وهم أشرار للغاية ‪ ،‬فلو أنك قابلت أحدهم مبفردك فإنه ينهب ما معك ‪ ،‬وإذا بدأت باملقاومة‬ ‫فإنه يضربك ‪ ،‬وليس عليه أى قصاص ‪ ،‬فهؤالء الناس مالعني ‪.‬‬ ‫أقمنا فى مصر ( القاهرة ) ثـمانية عشر ً‬ ‫يوما ‪ ،‬وخرجنا فى السادس والعشرين من مايو ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا يوسف اجلميل ‪ ،‬وقد تهدم بالفعل ‪ .‬وهناك يوجد البئر‬ ‫أيضا القصر الذى بناه‬ ‫وزرنا‬ ‫الذى يغتسل فيه األتراك ‪ .‬وبعد أن قضينا هناك ليلتنا توجهنا إىل قرية ماريا ( املطرية ) ‪،‬‬ ‫والتى تقع على مسافة أربع ساعات ً‬ ‫سريا على األقدام من القاهرة ‪ .‬وتوجد هناك كنيسة‬ ‫السيدة العذراء الفارغة ‪ ،‬والتى يوجد فيها ينبوع للماء ‪ .‬وفى املذبح يوجد املكان الذى‬ ‫جلست فيه السيدة العذراء مع املسيح ويوسف عندما هربوا إىل مصر من امللك هريودس قاتل‬ ‫األطفال ‪ ،‬وليس بقاتل املسيح ‪ .‬وأدينا الصالة هناك وتوجهنا إىل البحرية حيث انتظرنا‬ ‫ً‬ ‫ممكنا من جراء السلب والنهب أن تسافر وحدك ‪ .‬وعندما وصلت‬ ‫القافلة ‪ ،‬ألنه كان غري‬ ‫القافلة امللكية احململة بالقمح غادرنا إىل ميناء السويس ‪ ،‬وكان عددنا ستة آالف‬ ‫شخص ‪ .‬اجتزنا الطريق الذى أخرج من خالله موسى اليهود من مصر ‪ ،‬وحتى هذا اليوم بقى‬ ‫هذا الطريق ‪ .‬وواصلنا سرينا فى طريق ال يوجد فيه أى عشب أو ماء أو شجر‪ .‬وهكذا سرنا‬ ‫‪ - 182‬جبل املقطم حيد وادى النيل من الشرق ‪ ،‬والقلعة مبنية فى نتوءاتها ‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫يومني وليلتني ‪ ،‬فقد كان غري ممكن السري ً‬ ‫نهارا بسبب حرارة الشمس املفرطة ‪ ،‬إال أنه‬ ‫فى وقت الغروب كنا خنرج ونسري طوال الليل حتى موعد الغداء ‪ .‬واجتزنا اجلبال العالية‬ ‫التى يقع وراءها طريق موسى ‪ ،‬والذى أخرج من خالله الشعب اليهودى من مصر إىل البحر‬ ‫األمحر ‪.‬‬ ‫تقع مدينة سوفيز “ السويس” فى مفرتق طرق على البحر ‪ .‬وتوجد هناك كنيسة‬ ‫القديس الشهيد جيورجى ( مار جرجس ) ‪ .‬وميتد خليج من البحر األمحر حول مدينة سوفيز‬ ‫“السويس” ‪ ،‬ويرتفع مستوى املاء هناك من منتصف الليل حتى منتصف النهار ‪ ،‬وينخفض‬ ‫من منتصف النهار حتى منتصف الليل ‪ .‬وحني ينحسر املاء ‪ ،‬يرتسب امللح فيقومون جبمعه‪.‬‬ ‫وقد مت إقامة احلواجز هناك فى البحر ‪ .‬وعند مدخل املدينة يوجد برج واحد فقط ‪ .‬وعلى‬ ‫مسافة غري بعيدة من الربج يوجد سوق ‪ ،‬وكل شىء متوفر هناك ‪ .‬وفى هذه املدينة ال‬ ‫حيرثون ‪ ،‬وال يزرعون ‪ ،‬وليس هناك حقول فى أى مكان ‪ ،‬وال يوجد ماء عذب ‪ .‬إذ حتفر فى‬ ‫العمق مبقدار الركبة فيظهر املاء ‪ ،‬ولكن املاء ماحل وال ميكن شربه ‪ .‬وجيلب املاء العذب‬ ‫غال ‪ ،‬فمقدار لرتين من املاء يساوى ‪ 2‬بار ‪،‬‬ ‫من مكان آخر ألن مياه البحر ماحلة ‪ ،‬ويباع بثمن ٍ‬ ‫مبا يوازى ثالثة تشيخا من عملتنا‪ .. 183‬وهناك على البحر يتواجد ميناء حبرى ‪ ،‬حيث ترسو‬ ‫ٌ‬ ‫سفن من مجيع أحناء املعمورة ‪.‬‬ ‫حيكون أن شجرة النب بلحائها وورقها تشبه شجرة الكرز ‪ ،‬والثمار تكرب فى أجولة ‪،‬‬ ‫وحتت الشجر يبقون األرض نظيفة ‪ .‬وعندما يزدهر احملصول ‪ ،‬فإن الفروع تنثنى مباشرة‬ ‫حتى األرض ‪ ،‬وجيعلون هلا دعامة ‪ ،‬وعندما تنضج الثمار يهزون الشجرة ‪ ،‬وجيففون الثمار‬ ‫اجملموعة فى الشمس ‪ .‬وبعد ذلك يقشرون حبوب النب من املنتصف ‪ ،‬ويبيعون احلبوب‬ ‫النظيفة ‪ ،‬ويسحقون القشرة ويشربونها‪ ، 184‬ويقومون بتبخري احلبوب النظيفة ‪ ،‬لكى ال‬ ‫ً‬ ‫ثـمارا فى البالد األخرى ‪ .‬ويقولون أنه من أجل ذلك قاموا ببناء مدينة على امليناء ‪ ،‬ألن‬ ‫تخُ رج‬ ‫األتراك ال حيصلون فى أى مكان آخر على أرباح أكرب من تلك التى حيصلون عليها فى‬ ‫مدينة السويس‪. 185‬‬ ‫غادرنا مدينة السويس متوجهني إىل سيناء فى الثالثني من مايو ‪.‬‬

‫***‬ ‫‪ - 183‬تشيخا ‪ -‬هى إحدى العمالت الروسية القدمية ‪.‬‬ ‫‪ - 184‬قشرة القهوة مثل احلبوب حتتوى على الكثري من الكافيني ‪ ،‬وفى بالد العرب يصنعون‬ ‫منه املشروب املنعش ‪ -‬قشر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ - 185‬نقل النب ‪ ،‬الذى كان يزرع فى هذه الفرتة فقط تقريبا فى اليمن ‪ ،‬كان يدر على التجار‬ ‫ً‬ ‫أرباحا كبرية ‪ .‬كانوا ينقلون أجولة القهوة من امليناء اليمنى موكو عن طريق البحر إىل‬ ‫املصريني‬ ‫السويس ‪ ،‬وبعد ذلك ينقلونه بالقوافل إىل رشيد التى تقع على مصب الفرع الغربى للنيل فى البحر‬ ‫املتوسط ‪ ،‬حيث تأتى السفن من أجل النب من مجيع البالد األوروبية ‪ ،‬مبا فيهم روسيا ‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫الفصل الثانى‬



‫الفصل الثانى ‪:‬‬ ‫ •فاسيلى جرجيورفيتش – بارسكى ( أعوام ‪: 186) 1730 - 1727‬‬ ‫عام ‪: 1727‬‬ ‫بعد أن احننيت فى ذلك الدير للصليب املقدس ‪ ،‬بقيت فى جنبات الدير األخرى ثالثة‬ ‫أيام‪ ،‬ثم عدت من جديد إىل رفيقى ‪ ،‬وذهبنا من فورنا إىل ليميس‪ ، 187‬حيث قضينا ثالثة أيام‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فرنسيا يزمع اإلحبار إىل اإلسكندرية فقمنا باستئجاره‬ ‫مركبا‬ ‫نستعد للسفر ‪ .‬ووجدنا‬ ‫وركبنا ‪ ،‬ثم أحبرنا من قربص البحرية الشهرية فى الثامن عشر من يوليو ألننا أردنا الذهاب‬ ‫ً‬ ‫مالئما فقد‬ ‫إىل اإلسكندرية التى تبعد عنا مسافة مخسمائة ميل ‪ .‬ومل يكن الوقت‬ ‫أحبرنا ستة أيام ‪ .‬وغري بعيد عن اإلسكندرية هبت عاصفة فى اجتاهنا ‪ ،‬حتى أننا عجزنا‬ ‫متاما عن اإلحبار ً‬ ‫ً‬ ‫قدما ‪ .‬لذلك جلأ الربان إىل أحد املراسى جنوب اإلسكندرية ‪ ،‬والذى يطلق‬ ‫عليه مرسى أبو قري ‪ .‬وهو مكان قبيح وفقري فى كل شىء ألنه يتواجد فى الرمال حيث ال‬ ‫ينبت أى شىء غري البلح بكميات هائلة ‪ ،‬وجيدل العرب من سعف النخيل ِسالل مجيلة‬ ‫مبهارة فائقة ‪ ،‬ويبيعونها فى بالد أخرى ‪ .‬وال يعيش هناك املسيحيون ‪ ،‬هناك فقط يعيش‬ ‫األجاريانى‪ “ 188‬املسلمون ” ‪.‬‬ ‫بعد أن علمت من « اجلوالني » أن البطريرك ال يتواجد فى اإلسكندرية ‪ ،‬وإمنا يعيش‬ ‫فقط فى القاهرة ‪ ،‬أردت الذهاب إىل هناك فقط من أجل البطريرك ‪ ،‬وليس ألى سبب آخر ‪.‬‬ ‫لذلك نقلت أشيائى إىل مركب أثيوبى ( عربى ) صغري ‪ ،‬وبعد أن مكثنا فى اإلسكندرية‬ ‫ملدة يومني ‪ ،‬أحبرنا فى اليوم الثالث إىل بلد يسمى رخيت “ رشيد” ‪ ،‬حيث أحبرنا إليه ً‬ ‫أوال عرب‬ ‫البحر ‪ ،‬ثم عرب نهر النيل مسافة اثنى عشر ً‬ ‫ميال ‪ .‬ورشيد ليست قلعة حماطة بسور ‪ ،‬ولكنها‬ ‫مكان صغري فيه كثري من الناس ‪ ،‬واملبانى هناك كاملبانى التى توجد فى املدينة ‪ .‬تقع‬ ‫رشيد على نهر النيل فى مكان منبسط ورائع ‪ ،‬وتبعد عن شاطئ البحر اثنى عشر ً‬ ‫ميال‪.‬‬ ‫ويوجد بها كثري من أشجار البساتني مثل التني واخلوخ والليمون ‪ ،‬وأشجار النخيل هناك‬ ‫‪ - 186‬نشر النص ألول مرة فى إصدار ‪ :‬اجلوال فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪ -‬بالكى ‪-‬‬ ‫ألبوفا‪ ،‬املولود فى مدينة كييف األوكرانية ‪ ،‬الراهب فى أنطاكية ‪ ،‬رحلة إىل األماكن املقدسة‬ ‫فى أوروبا وآسيا وأفريقيا التى بدأت فى عام ‪ ، 1723‬وانتهت فى عام ‪ ، 1747‬سان بطرسبورج ‪.1778 ،‬‬ ‫نشر فى إصدار ‪ :‬رحالت فاسيلى ‪ -‬جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى إىل األماكن املقدسة فى الشرق من‬ ‫عام ‪ 1723‬إىل عام ‪ ، 1747‬اجلزء األول ‪ ،‬سان بطرسبورج ‪ ،‬عام ‪ ، 1885‬صفحة ‪ ، 424 - 407‬اجلزء‬ ‫الثانى ‪ ،‬سان بطرسبورج ‪ ،‬عام ‪ ، 1886‬صفحة ‪ - 166 - 157‬ترمجة ى ‪ -‬ف ‪ -‬فيودوروفا ‪.‬‬ ‫‪ - 187‬ليميس ‪ -‬ليماسول احلالية ( قربص ) ‪.‬‬ ‫‪ - 188‬األجاريانى ‪ -‬نسبة إىل هاجر ‪ ،‬والتى تسمى باللغة الروسية أجار ( املرتجم ) ‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫ً‬ ‫صيفا وشتا ًء ‪ ،‬ألن هذه‬ ‫هى األغلب األعم ‪ ،‬وهى كثرية ال حتصى فهى كالغابة خضراء‬ ‫األشجار ال تلقى أوراقها ً‬ ‫أبدا ‪.‬‬ ‫ومنها يصنع األثيوبيون “العرب” سالل وحبال وأقفاص وأشياء أخرى لألغراض التجارية ‪.‬‬ ‫توجد أشجار النخيل بغزارة على امتداد االثنى عشر ً‬ ‫ميال على ضفاف النهر واجلزر النيلية‪.‬‬ ‫وهو مجال ال متل منه العني ً‬ ‫أبدا ‪ .‬ويوجد هناك ميناء كبري وغنى تأتى إليه مجيع السلع‬ ‫التجارية من القاهرة عرب النيل ‪ ،‬ومنه يتم شحنها إىل بالد أخرى ‪.‬‬ ‫يأتى إىل هنا جتار من كل األقطار ؛ من عموم األناضول ‪ ،‬ومن البحرين األمحر واملتوسط‪،‬‬ ‫ومن البندقية ‪ ،‬ومن عموم إيطاليا عن طريق اليابسة وعرب املاء ‪ .‬وهنا يشرتون النب واألرز‬ ‫والكتان والبلح وأقمشة متنوعة وأشياء أخرى غالية الثمن واردة من اهلند ‪ .‬وال تأتى إىل هنا‬ ‫السفن الكبرية ‪ ،‬بل تأتى فقط السفن الصغرية لضحالة املياه ‪ ،‬وهلذا السبب حتمل السفن‬ ‫الصغرية البضائع التجارية من هناك إىل اإلسكندرية ‪ ،‬والتى تقع على امليناء البحرى ‪ ،‬ومن‬ ‫اإلسكندرية حتملها سفن كبرية إىل البالد األخرى ‪.‬‬ ‫البيوت فى رشيد عالية ومجيلة ً‬ ‫جدا ‪ ،‬ألن فيها ‪ -‬كما فى القصور ‪ -‬كثري من النوافذ‬ ‫الصغرية والكبرية ‪ ،‬والتى من خالهلا ترى البيوت من الداخل كأنها ِشباك ‪ ،‬وتهب فيها‬ ‫الريح من مجيع اجلهات ‪ .‬واملبانى هناك غري مبنية من احلجر ‪ ،‬ولكنها تبنى من الطوب‬ ‫احملروق فى الفرن لصعوبة العثور على األحجار هناك ‪ ،‬إذ ال يوجد هناك أية جبال ‪ ،‬واألرض‬ ‫مستوية ولينة فى كل مكان كما فى البالد الروسية ‪ .‬ويعيش هناك أناس ذوى قوميات‬ ‫وديانات خمتلفة ‪ ،‬مثل ‪ :‬اليونانيني ‪ ،‬والروم ‪ ،‬واألرمن ‪ ،‬واألقباط ‪ ،‬واليهود ‪ ،‬واألتراك ‪ ،‬والعرب‪.‬‬ ‫وتوجد هناك كنيستان مسيحيتان فقط ‪ ،‬إحداهما يونانية تتبع بطريرك اإلسكندرية‬ ‫والدير الرومى [ الكاثوليكى ] بكنيسته ‪ ،‬وما تبقى مساجد تركية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غاليا فيما عدا اخلمر التى ال َّتصنع‬ ‫ثـمن املخبوزات وكل أنواع الطعام فى رشيد ليس‬ ‫هناك ‪ ،‬وإمنا جتلب من الدول األخرى من أجل املسيحيني واليهود ‪ .‬وال يشرب األتراك‬ ‫ً‬ ‫طبقا لتعاليم دينهم ‪ ،‬لكن يشربها البعض خفية ممن ال‬ ‫واألثيوبيون [ العرب ] اخلمر‬ ‫يلتزمون بتعاليم دينهم ‪ .‬وال يوجد هناك آبار أو عيون للشرب ‪ ،‬والناس كلهم جيلبون املاء‬ ‫من النيل ويشربونه ‪ ،‬وإذا حفروا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صاحلا فقط لغسل‬ ‫ماحلا ‪ ،‬والذى يكون‬ ‫آبارا جيدون املاء‬ ‫األوانى ‪.‬‬ ‫وبعد أن قضيت هناك ثالثة أيام افرتقت عن صاحبى الراهب من جبل آثوس الذى ذكرته‬ ‫ً‬ ‫آنفا ‪ .‬وفى آخر يوم من يوليو أحبرت عرب نهر النيل إىل املدينة الكربى مصر [ القاهرة ] ‪ ،‬حيث‬ ‫وصلتها فى اليوم الرابع ‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫عن وصوىل إىل القاهرة‬ ‫العظيمة واملشهورة فى كل مكان ‪:‬‬ ‫وصلت القاهرة العظيمة ومل أعرف ( ألننى أجنبى وجاهل ) أين أصلى وأجد مأوى لبعض‬ ‫الوقت ‪ ،‬وقد صليت للرب الكريم كى يرعانى أنا العاصى ‪ .‬وذهبت إىل ميتوخا‪ 189‬رهبان‬ ‫جبل سيناء ‪ ،‬أى إىل مقر إقامتهم ‪.‬‬ ‫جيىء الرهبان من الدير إىل هنا إلجناز بعض األعمال الكنسية فى القاهرة ‪ ،‬أو إىل‬ ‫اجلانب اآلخر الذى يوجد فيه الطريق عرب القاهرة ‪ .‬ويسرتحيون هناك بضعة أيام ‪ ،‬ويعيش‬ ‫ً‬ ‫طبقا للواجبات الرهبانية من أجل القمح والزيت واجلنب واملنتجات‬ ‫البعض بصفة دائمة‬ ‫األخرى التى يشرتونها الحتياجات الدير ‪ ،‬ويبعثونها إىل هناك ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رئيسا ألساقفة جبل سيناء ‪.‬‬ ‫حني وصلت إىل امليتوخا كان إيوانيكى فى ذلك الوقت‬ ‫وذهبت إليه على الفور ‪ ،‬وحييته كما يليق ‪ ،‬وأخربته عن نيتى وسبب قدومى إىل القاهرة‪.‬‬ ‫فأجابنى بأنه إذا أنفق أحد اآلالف فإنه لن ميكنه الذهاب إىل جبل سيناء اآلن بسبب عدم‬ ‫ً‬ ‫فضال عن رهبان الدير أنفسهم ؛ ومن املستحيل إرسال أحد إىل‬ ‫إمكانية إطعام اجلوالني ‪،‬‬ ‫‪190‬‬ ‫هناك ‪ ،‬فهم حتى ال يستطيعون إطعام األثيوبيني [ العرب ] ‪ .‬وكل الرهبان هربوا إىل‬ ‫ً‬ ‫خاويا ‪.‬‬ ‫القاهرة ‪ ،‬بقى فقط عدد قليل لألعمال الكنسية ‪ ،‬حتى ال يصبح املقر املقدس‬ ‫ً‬ ‫حقيقيا ‪ ،‬ألنه فى ذلك الوقت سرت شائعة بني الناس أن العرب قطعوا الطريق‬ ‫وذلك كان‬ ‫إىل الدير ‪ ،‬وال يستطيع أحد أن مير إىل هناك ‪.‬‬ ‫وقد أعطونى لبعض الوقت قالية للمعيشة خارج املقر مع التجار اليونانيني ‪ ،‬حيث قضيت‬ ‫عدة أيام بنا ًء على رغبة رئيس األساقفة ‪ .‬وكنت أذهب كل يوم إىل الرهبان من أجل‬ ‫الطعام وآكل عندهم ‪ .‬ثم طلبت من رئيس األساقفة للمرة الثانية والثالثة أال أحرم من هذه‬ ‫العبادة املقدسة ‪ .‬وأجابنى من جديد بأن هذا غري ممكن ماداموا مل يتصاحلوا مع األثيوبيني‬ ‫“ العرب ” ‪ ،‬فعندما يتصاحلون سيفتح الدير من جديد ‪ .‬ولكن متى سيحدث هذا ‪ ،‬فإننا‬ ‫ال ميكننا أن نعرف فرمبا بعد عدة شهور أو بعد عدة سنوات ‪ .‬نفس الشىء قاله الرهبان‬ ‫اآلخرون ‪.‬‬ ‫‪ - 189‬ميتوخ ( ميتوخا ) أمالك أو مقر تابع للدير ‪.‬‬ ‫‪ - 190‬احلديث يدور عن البدو من قبيلة جباليا الذين خيدمون الدير وحيصلون مقابل ذلك على‬ ‫الطعام ‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫عندئذ ملئت بالكمد ‪ ،‬ومل أعرف ماذا أفعل ألن فكرة العودة للوطن بدون هذه العبادة‬ ‫ٍ‬ ‫بعد أن زرت ‪ ،‬بربكة الرب ‪ ،‬أماكن مقدسة كثرية قد أصابتنى باحلزن الشديد ‪ .‬ولكن‬ ‫االنتظار بدون معرفة كم من الوقت سيمر ‪ ،‬وكيف سأطعم هناك ‪ ،‬وكم من املصاريف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرحيا ‪ .‬فأوكلت حزنى إىل الرب لكى يساعدنى‬ ‫شيئا غري‬ ‫سأنفق فى الطريق كان‬ ‫كيفما شاء ‪ .‬وإن كان الرب قد شاء تنفيذ رغبتى فإنه سيتوىل أمرى ‪.‬‬ ‫فى هذا الوقت كان البطريرك املقدس كوزما الذى كان يزمع الذهاب من هنا إىل رشيد‬ ‫يوجد فى القاهرة ‪ ،‬فأردت أن أحصل منه على الربكة ‪ ،‬وفى أحد األيام ذهبت إىل املقر‬ ‫ً‬ ‫منتظرا الوقت املناسب ‪ ،‬وفزت بتقبيل يده اليمنى ‪ .‬وعندما نلت الربكة‬ ‫البطريركى‬ ‫حتدثت معه وسألنى « من أنا » ؟ و « من أى بلد أتيت ؟ » و « ملاذا أتيت إىل مصر ؟» ‪ ،‬وحكيت‬ ‫له بإجياز ‪ .‬أشفق على أننى فى مثل تلك البلد البعيدة ‪ ،‬وكذلك فى فقر ‪ ،‬وال أعرف أين‬ ‫ً‬ ‫راهبا عنده ‪.‬‬ ‫أحنى هامتى ‪ ،‬ونصحنى فى أن أكون‬ ‫وقد تركنى إذ مل أوافق على ذلك ‪ ،‬وقال إن الذهاب إىل جبل سيناء صعب ‪ ،‬ولكن إذا‬ ‫كان عندى النية أن أبقى فى القاهرة لبعض الوقت النتظار الوقت املناسب إلمتام عبادتى ‪،‬‬ ‫فيمكننى أن أبقى هنا فى املقر وأن أطعم مع رهبانه ‪ ،‬الوقت الذى أشاءه ‪.‬‬ ‫وقد أخربنى عن كل املسيحيني الذين سوف يساعدوننى ‪ ،‬وأعطانى صدقة بيده‬ ‫ً‬ ‫ساجدا عند قدميه ‪ ،‬وقبلت يده اليمنى‬ ‫اليمنى‪ .‬أخذتها من صاحب القداسة بامتنان ‪ ،‬وخررت‬ ‫املقدسة‪ ،‬وشكرته ً‬ ‫ً‬ ‫شخصيا إىل رهبانه ‪ ،‬فقد أبقى عدد غري كبري منهم‬ ‫جدا ‪ .‬وعهد بى‬ ‫فى املقر إلدارة شئون الكنيسة واملسيحيني ‪ .‬وفى يوم األحد ألقى عظة للشعب باللغة‬ ‫اليونانية لليونانيني الذين كان الكثريون منهم يعيشون هناك ‪ .‬وجبانبه وقف مرتجم‪.‬‬ ‫ما إن يسمع من البطريرك املقدس الكالم الذى ينطقه ‪ ،‬يرتجم ذلك للعرب املسيحيني ‪.‬‬ ‫وبعد العظة تلى على كل الذين تواجدوا فى الكنيسة إذن باالنصراف ‪ .‬وفى الصباح‬ ‫الثانى غادر القاهرة ‪ ،‬وكان يصحبه بتبجيل عظيم اجملمع الروحى واإلكلريوس‪ .‬وقد‬ ‫حينئذ رئيس أساقفة جبل سيناء مع البطريرك املقدس ألنه كان بينهما فيما قبل‬ ‫تصاحل‬ ‫ٍ‬ ‫بعض النزاع ‪.‬‬ ‫بعد مغادرة البطريرك املقدس بقيت فى القاهرة فى مقره مع رهبانه اآلخرين ‪ ،‬والذين‬ ‫أمدونى بالطعام والشراب الكافى كما لو كنت فى بيت أبى الذى أجنبنى ‪ .‬وعشت هناك‬ ‫ً‬ ‫منتظرا ً‬ ‫يوما بعد يوم الوقت املناسب لرحلتى ‪ ،‬ودرست اللغة اليونانية ‪ ،‬وجمدت وشكرت‬ ‫الرب وكذلك الكريم العظيم بطريرك اإلسكندرية املقدس كوزما ‪ .‬ومل أقم بأى عمل‬ ‫ً‬ ‫فضال عن ذلك جعلنى الرهبان لبعض الوقت‬ ‫أو شأن غريب إال إذا كان حلاجتى اخلاصة ‪،‬‬ ‫القائم على أمر املائدة ‪ ،‬كنت أعد املائدة وأنظفها ‪ ،‬وكنت آكل معهم ‪ ،‬وهذه اخلدمة‬ ‫كنت أنا أريد القيام بها أكثر منهم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أياما‬ ‫أحبنى كل الرهبان من أجل البطريرك الذى عهد بى إليهم حبب ‪ ،‬وقضيت هناك‬ ‫سعيدة ‪ ،‬وحظيت مبعارف وأصدقاء كثريين ‪ ،‬و سرت معهم حبرية فى القاهرة حيثما‬ ‫‪76‬‬


‫شئت‪ ،‬وشاهدت كل اجلمال والعظمة وبناء املدينة ومجيع عادات وتقاليد الشعب املصرى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الحقا فى وصف القاهرة ‪.‬‬ ‫والتى سيأتى ذكرها‬

‫عن املدينة العظيمة والشهرية مصر “القاهرة” ‪:‬‬ ‫القاهرة مدينة قدمية ً‬ ‫جدا ولكن ليس مببانيها ولكن بأعوامها ‪ ،‬ألنها كانت قائمة‬ ‫حتى قبل ميالد املسيح ‪ ،‬وقبل العهد القديم الذى أعطى ملوسى‪ . 191‬ومنها أخرج نبى الرب‬ ‫ً‬ ‫خملصا إياهم من السخرة الفرعونية ‪ ،‬وقادهم عرب‬ ‫موسى الشعب اإلسرائيلى ‪ ،‬أى اليهود ‪،‬‬ ‫البحر األمحر ‪ ،‬والذى ذكر فى التوراة القدمية بوضوح وإسهاب ‪ ،‬وفى أسفار اخلروج ‪ .‬وما‬ ‫ً‬ ‫إقناعا مما ُيسمع ‪ .‬وخارج املدينة يوجد كثري من اجلبال غري طبيعية‬ ‫ُيرى بالعني أكثر‬ ‫املنشأ؛ ففى حقب عديدة كان الشعب فى القاهرة يكنس البيوت والشوارع ‪ ،‬وخارج حدود‬ ‫ً‬ ‫جباال من القمامة ‪ .‬وجيب أن نعلم أن مصر تنقسم إىل امسني ‪ :‬مصر تطلق‬ ‫املدينة صنع‬ ‫ً‬ ‫على عموم البلد ‪ ،‬وكذلك املدينة حتمل نفس االسم ‪ .‬واملدينة مصر هلا أيضا امسني اثنني‪:‬‬ ‫مصر القدمية ومصر احلديثة‪ ، 192‬أى املدينة القدمية واملدينة اجلديدة ‪ .‬املدينة القدمية التى‬ ‫ً‬ ‫سابقا فى عصر اليهود أصبحت اآلن مهدمة بشكل كبري ‪ ،‬واألسوار والبيوت قد‬ ‫كانت‬ ‫وقعت ولكن ليست كلها خربة وخاوية ‪ ،‬واآلن يعيش فيها أناس أغلبهم مسيحيني ‪.‬‬ ‫تقع املدينة اجلديدة على مقربة من املدينة القدمية ‪ ،‬ويعيش فيها األمراء والوجهاء والتجار‬ ‫األغنياء وكثري من الناس اآلخرين ‪ ،‬وعن مصر هذه سأواصل كالمى ‪.‬‬ ‫مصر كلمة يونانية ‪ ،‬وهى توجد فى اللغة السالفية واللغة الالتينية ‪ ،‬وباللغة الالتينية‬ ‫تسمى (‪ - Cairo Gran‬القاهرة الكربى ) ‪ ،‬وبالرتكية مصر ‪ ،‬وبالعربية مايوار‪ . 193‬ومصر‬ ‫تقع فى مكان منبسط ولطيف ومجيل على نهر النيل الشهري ‪ ،‬الذى جيلب هلذا البلد‬ ‫فائدة عظيمة ‪ .‬أما القلعة ‪ ،‬أى القصر‪ ، 194‬فيقع فى أعلى مكان فى املدينة جبانب اجلبل‪،‬‬ ‫الذى مل يكن هناك من قبل ‪ .‬ففى عهد بطريرك اإلسكندرية املقدس جرياسيم كانت‬ ‫هناك إساءة للعقيدة املسيحية ‪ ،‬ولكن بفضل صلواته وصلوات مجيع املسيحيني وخاصة‬ ‫ً‬ ‫إسكافيا فى اإلسكندرية ( مسعان اخلراز املرتجم)‪ ،‬مبشيئة‬ ‫صلوات رجل تقى وبار يعمل‬ ‫‪ - 191‬عدم دقة ‪ -‬فى عهد األسرات الفرعونية مل يكن فى مكان القاهرة أى مدن ‪.‬‬ ‫‪ - 192‬مصر القدمية ( القاهرة القدمية ) ظهرت حتت أسوار حصن بابليونى الذى بناه اإلمرباطور‬ ‫تراجان فى القرن الثانى امليالدى ‪ .‬ومصر اجلديدة بالطبع ( القاهرة ) تأسست فى ‪ 969‬م بواسطة‬ ‫األسرة الشيعية الفاطمية ‪.‬‬ ‫‪ - 193‬املؤلف ينسب لألتراك التسمية العربية مصر ‪ .‬والتسمية مايوار التى أوردها كتسمية‬ ‫ً‬ ‫كثريا من الدهشة حيث أنها مل تذكر فى األدب ‪ .‬من املمكن أن احلديث كان‬ ‫عربية تستدعى‬ ‫يدور عن الرتمجة إىل الالتينية واليونانية السم مصر كميت التى تعنى السوداء « ماوروس »‬ ‫بالالتينية ‪ -‬السمراء أو السوداء ‪.‬‬ ‫‪ - 194‬القلعة ‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫الرب ‪ ،‬حترك هذا اجلبل من مكانه وجاء إىل هنا من مكان بعيد ‪ .‬وعن هذا يكتبون فى‬ ‫السري بال شك وبكل ثقة ‪ ،‬وحيكى الشعب فى مصر عن هذا بيقني ‪.‬‬ ‫من هذا اجلبل احلجرى تبنى املعابد والقصور ومجيع املبانى ‪ .‬وتبنى بعض البيوت من‬ ‫احلجر الطبيعى والبعض اآلخر من الطوب ‪ ،‬وهى مجيلة وعالية وهلا كثري من األدوار العليا‬ ‫ونوافذ للتهوية ‪ .‬ألن احلرارة فى تلك الناحية ميكن حتملها بصعوبة بالغة ‪ .‬وأمجل شىء‬ ‫هناك املعابد الرتكية [ املساجد ] وقصور الوجهاء ‪ .‬إنها من اخلارج مجيلة بدرجة كبرية‬ ‫ً‬ ‫مجاال ‪ ،‬وهى مطلية بالذهب من األعلى أو مزخرفة بالورود ‪ ،‬ومن األسفل‬ ‫ومن الداخل أكثر‬ ‫مزينة برباعة باملرمر املختلف ومغطاة مبفروشات فاخرة ‪ ،‬حتى أنه ليس هناك مكان‬ ‫ً‬ ‫جيدا ‪ .‬والشوارع‬ ‫للبصق ‪ .‬وهناك عادة املرور إىل الداخل بأقدام عارية ألن السالمل مغسولة‬ ‫جدا فكلها ضيقة ‪ ،‬وبناء البيوت متالصق ً‬ ‫الواسعة هناك قليلة ً‬ ‫جدا ‪ ،‬ولكثري من البيوت‬ ‫مدخل واحد ‪ ،‬حيث يعيش مخسة أو ستة رجال مع زوجاتهم وأوالدهم ً‬ ‫معا ‪ ،‬إذ يعيش أناس‬ ‫فى األسفل وآخرون فى األعلى ‪ ،‬وهذا بسبب العدد الكبري للناس الذين يعيشون هناك ‪،‬‬ ‫وهكذا هناك زحام شديد ‪.‬‬ ‫يقول الناس أن املعابد الرتكية [ املساجد ] فى القاهرة تصل إىل ستمائة مسجد ‪ ،‬والبيوت‬ ‫ال أحد يعلم عددها ‪ ،‬والناس كثرية ً‬ ‫جدا حتى فى شوارع املدينة الضيقة ‪ ،‬وكثري من الناس‬ ‫ً‬ ‫يوميا فى السوق حتى أن املرور أمر فى غاية الصعوبة ‪ .‬وال يقتصر ذلك على النهار‬ ‫يتواجدون‬ ‫فحسب ‪ ،‬حيث أن الناس يكثرون فى الليل كذلك ‪ ،‬ألنه ال أحد ينام هناك فى نفس الوقت‬ ‫نهارا والبعض اآلخر يعمل ً‬ ‫أبدا فالبعض يعمل ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما يأكلون ويشربون بالليل‪.‬‬ ‫ليال ‪،‬‬ ‫وفى الشوارع تكون املصابيح مضاءة طوال الليل لكى ال يتصادم الناس الذين ميشون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأيضا ملعرفة اإلنسان الشرير والقبض عليه ‪ .‬وعادة جتوب شوارع‬ ‫ليال فى الطرق الضيقة ‪،‬‬ ‫املدينة ً‬ ‫ليال دورية للبحث عن اجملرمني ‪ ،‬وإذا قبضوا على جمرم ‪ ،‬ثم صدر منه جمرد إمياءة‬ ‫بسيطة لتعمد الشر ‪ ،‬فعلى الفور ‪ -‬وفى الشارع ‪ -‬يقطعون رأسه ‪ ،‬وبدون أى حماكمة ‪،‬‬ ‫لذلك ميشى مجيع الناس فى الشوارع ً‬ ‫ليال وهم يشعرون باخلوف والتوجس ‪.‬‬ ‫يوجد فى القاهرة كثري من املعابد الرتكية [ املساجد ] الفسيحة والضخمة واجلميلة‬ ‫البناء ‪ ،‬وهلا من اخلارج قباب كان من املمكن أن تكون كنائس مسيحية لو كانت‬ ‫هناك فقط مشيئة للرب ‪ .‬وشوارع املدينة غري مكسوة باألحجار كما فى البالد األخرى ‪،‬‬ ‫ولكن هى أرض طبيعية ‪ ،‬وتكنس كل يوم ‪ ،‬وبعض الشوارع مليئة بالقمامة والقذارة‪،‬‬ ‫وذلك ألن الشعب األثيوبى [ العربى ] همجى وال يشمئز ‪ ..‬هذا سبب ‪ ،‬والسبب اآلخر أن الناس‬ ‫تعيش متالصقة ‪ .‬وليس هناك مدينة فى كل األرض الرتكية أكرب من مصر ( القاهرة)‪.‬‬ ‫وعن ذلك كتب اإليطاليون الذين شاهدوا وجابوا كثري من املدن والبالد ‪:‬‬ ‫‪»Tre paeze bono tropo grande grande gran cairo di Siria ,Milano di‬‬ ‫«‪lombardia e parizo di Franza‬‬ ‫أى أنه ‪ « :‬فى كل أحناء العامل يوجد ثالث مدن هى األكرب من حيث عدد السكان‪ ،‬ومن‬ ‫‪78‬‬


‫حيث املساحة ‪ :‬القاهرة فى سوريا‪ ، 195‬وميدوالن [ ميالن ] فى لومباردى فى األرض اإليطالية‪،‬‬ ‫وباريس فى األراضى الفرنسية » ‪.‬‬ ‫يعيش فى القاهرة أناس من مجيع القوميات والديانات ويتكلمون بلغات خمتلفة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفضال عن ذلك فاليونانيون والعرب مسيحيون‬ ‫فمثال األتراك والعرب ذوى عقيدة واحدة ‪،‬‬ ‫أرثوذكس ‪ ،‬وعندهم ثالث كنائس ‪ .‬األوىل هى كنيسة القديس نيقوالس ‪ ،‬وتوجد فى‬ ‫املدنية اجلديدة ‪ ،‬وفيها مذحبني ‪ ،‬والثانية للقديس الشهيد جيورجى ( مار جرجس ) فى مصر‬ ‫القدمية ‪.‬‬ ‫يوجد فى الدير رهبان مساكني وعجائز ضعفاء وأيتام فقراء يعيشون على صدقات‬ ‫املسيحيني ‪ .‬وهناك توجد أيقونة أم اإلله ‪ ،‬والتى جاء بها من البندقية أحد التجار بأمر ووحى‬ ‫ظهر له فى املنام فى عام ‪ . 1727‬والكنيسة الثالثة هى كنيسة أم اإلله العذراء املقدسة ‪.‬‬ ‫وهى خاوية ال يوجد هلا أبواب أو مزاليج ‪ ،‬وال يوجد فيها أية زخارف من الداخل ‪ ،‬على الرغم من‬ ‫أنه فى كل يوم سبت تقام الليتورجيا ( القداس اإلهلى ) على املوتى ألن أجسادهم كانت‬ ‫كبريا ً‬ ‫ً‬ ‫جدا فى ارتفاعه وطوله وعرضه ‪ .‬ومن املعروف أنه‬ ‫تدفن هناك‪ ، 196‬وهذا املعبد كان‬ ‫ً‬ ‫مجيال ً‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪ ،‬واآلن أصبح مهدما ‪ ،‬وينبغى علينا أن نأخذ بعني االعتبار‬ ‫كان فى السابق‬ ‫سنوات عمره ‪ :‬كل الكتابات والتوقيعات قد تقشرت فيما عدا اسم القديس جرجيورى‬ ‫ً‬ ‫الحقا أم حدث له ترميم‪.‬‬ ‫بطريرك اإلسكندرية ‪ ،‬ولكن من غري املعروف هل كتب امسه‬ ‫وفى هذه الكنيسة توجد أيقونة ألم اإلله املقدسة قدمية ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وهى حتمل على يديها‬ ‫السيد املسيح ومرسومة من الرأس إىل القدم على اخلشب ‪ .‬وحيكون عن هذه األيقونة أنه‬ ‫فى عهد اضطهاد املسيحيني مت دفنها فى الكنيسة حتت األرض مع قنديل الزيت املضاء ‪،‬‬ ‫وفيما بعد عندما أصبحت الكنيسة خاوية ‪ ،‬ومضى كثري من السنوات ‪ ،‬وكان احلاكم‬ ‫املصرى العظيم ‪ -‬والذى كان على عقيدة أخرى ‪ -‬قد أصابه املرض ‪ ،‬وعندما مل يتمكن‬ ‫األطباء من عالجه ‪ ،‬أوحى له فى املنام بأن يأمر باحلفر ليستخرج األيقونة ويدهن من زيت‬ ‫القنديل ‪ ،‬وعندها سيشفى ‪ .‬وقام بتنفيذ هذا بدون إبطاء ‪ ،‬وعندما وجدوا األيقونة مع‬ ‫القنديل الذى مل يطفئ ‪ ،‬دهن املريض ‪ ،‬وعلى الفور ( يا هلا من نعمة كبرية يا أم اإلله )‬ ‫شفى وأصبح معافى ‪ ،‬ومنذ تلك الساعة أعاد للمسيحيني تلك الكنيسة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن ذلك ‪ ،‬يعيش فى القاهرة الروم [ الكاثوليك ] والرهبان والعلمانيون ‪ ،‬وهلم‬ ‫كنيستني ؛ واحدة فى القاهرة اجلديدة ‪ ،‬واألخرى فى القاهرة القدمية ‪ .‬والقداس اإلهلى‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى الكنيسة اخلاوية التى سبق احلديث عنها ‪ .‬وهناك‬ ‫( الليتورجيا ) يقيمونه‬ ‫يدفن الفرنسيني وأهل البندقية واألسبان والقنصل الفرنسى الذين خيضعون له ‪ .‬وفى‬ ‫القاهرة يعيش اإلجنليز وقنصلهم ‪ .‬وهناك الكثري من األرمن ‪ ،‬وهلم كنيسة وبطريرك‪.‬‬ ‫ومازال يعيش هناك بعض املسيحيني املهرطقني ويدعون األقباط ‪ ،‬أى أنهم املختونني الذين‬ ‫‪ - 195‬يقصد بها سوريا العظيمة ‪ ،‬أى الشرق األوسط فى العموم ‪.‬‬ ‫‪ - 196‬من احملتمل أن احلديث يدور حول كنيسة أم اإلله فى اجلبانة املالصقة لدير القديس‬ ‫جيورجى ( مار جرجس ) ‪.‬‬ ‫‪79‬‬


‫يرمسون عالمة الصليب وخيتتنون ‪ ،‬ويتمسكون بكثري من اهلرطقات األخرى ‪ .‬وهم‬ ‫كثريون ً‬ ‫جدا فى القاهرة ‪ ،‬وكنائسهم ليست قليلة ‪ .‬وهلم بطريرك خاص بهم ‪.‬‬ ‫وهم وبطريركهم يعدون أنفسهم أرثوذكس‪ ، 197‬ويدعون أن بطريركهم يستحق‬ ‫كرسى اإلسكندرية‪ . 198‬وهم ال يعدون البطريرك اليونانى وكل من معه أرثوذكس ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن ذلك ‪ ،‬يعيش هناك كثري من اليهود ‪ ،‬وهلم معبدهم ‪ ،‬ومساكن معزولة ‪ .‬وهناك‬ ‫ً‬ ‫أيضا كثري من األتراك اجلوالني من القسطنطينية ومن األناضول ‪ ،‬ومن املدن الكربى‬ ‫األخرى ومن اجلزر البحرية ‪ ،‬ولكن العرب كثريون ال حيصون ألنه هناك مولدهم وبلدهم ‪.‬‬ ‫واملصريون ال يشربون أى ماء فيما عدا ماء النيل ‪.‬‬ ‫تشتهر القاهرة بكثرة التجار ‪ ،‬وسلعها الغالية واملتنوعة ‪ ،‬إذ يوجد هناك مرسى للتجار‬ ‫العائدين من اهلند ‪ .‬والفائدة الكربى للقاهرة نهر النيل والبحر األمحر ‪ ،‬والذى تتصل بدايته‬ ‫باحمليط ‪ ،‬ونهايته تبعد عن القاهرة ثالثة أيام ً‬ ‫سريا على األقدام عرب اليابسة ‪ ،‬حيث يوجد‬ ‫مرفأ يسمى سوفيز “ السويس ” ‪ .‬ويعود التجار من اهلند على سفن عرب احمليط ‪ ،‬ويعربون‬ ‫البحر األمحر ‪ ،‬وجيلبون إىل سوفيز [ السويس ] البخور ‪ ،‬واملر‪ ،199‬والفلفل ‪ ،‬والقرفة ‪ ،‬والبهارات‬ ‫والعطور ‪ ،‬وكذلك أوانى من الصني واألشياء القيمة األخرى ‪ .‬وكذلك جيلبون النب الذى‬ ‫يزرع فى اليمن على البحر األمحر ‪ ،‬وهى بلد مستقلة‪ 200‬ال ختضع للحكم الرتكى ‪ .‬وبهذه‬ ‫الطريقة ‪ ،‬جتلب كل السلع عن طريق البحر األمحر ‪ ،‬ثم إىل سوفيز “السوس” ‪ ،‬ومن هناك‬ ‫إىل القاهرة عرب اليابسة ‪ .‬وبالعكس من القاهرة عرب البحر األمحر يرسل األرز والقمح‬ ‫والفول والعدس ‪ ،‬وكل السلع الغذائية ‪ ،‬والتى تكون شحيحة هناك ‪ .‬والبحر األمحر‬ ‫جيلب ملصر فائدة عظيمة القدر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا ً‬ ‫ً‬ ‫وحينئذ حيفر الناس قنوات ‪،‬‬ ‫كبريا ‪ ،‬فهو يفيض كل سنة ‪.‬‬ ‫خريا‬ ‫جيلب نهر النيل‬ ‫ٍ‬ ‫وتشرب كل األراضى املصرية من عذوبة النيل ذو املاء العذب والصحى ‪ ،‬وعلى اجلزر النيلية‬ ‫يزرع القصب ذو العصري احللو ‪ ،‬ومنه يصنعون السكر ‪ .‬وعندما ترتوى احلقول وينحسر‬ ‫ً‬ ‫حمصوال‬ ‫النهر ‪ ،‬يزرعون القمح واألرز والفول والعدس إىل آخره ‪ ،‬والذى بربكة الرب يعطى‬ ‫‪201‬‬ ‫تطعم به مصر كل اجلزيرة العربية ‪ ،‬ويزرع كثري من األرز مثل اجلودار والشعري أو‬ ‫القمح فى بالدنا ‪.‬‬ ‫‪ - 197‬الكنيسة التقليدية تسمى الكنيسة األرثوذكسية القبطية على الرغم من القول‬ ‫حبزم أنها ال تعد أرثوذكسية ‪ ،‬ولكنها شرقية قدمية تؤمن بالطبيعة الواحدة ‪ .‬ويوجد فى مصر‬ ‫عدد كبري من األقباط الكاثوليك الربوتستانت كنتيجة لنشاط البعثات التبشريية لألوروبيني ‪.‬‬ ‫‪ - 198‬رأس الكنيسة القبطية كما هو األرثوذكسى حيمل لقب بطريرك اإلسكندرية‬ ‫وعموم أفريقيا ‪.‬‬ ‫‪ّ - 199‬‬ ‫املر ‪ :‬هو القطران أو الراتينج ‪ ،‬شجرة الصمغ اجلاوى ‪ ،‬تدخل فى نطاق الدهن العطرى ألجسام‬ ‫املوتى حيث أنه حيافظ عليها من التعفن ‪.‬‬ ‫‪ - 200‬غري صحيح ‪ -‬اإلمرباطورية العثمانية غزت اليمن فى عام ‪ 1532‬م ‪.‬‬ ‫‪ - 201‬جيتا ‪ -‬جودار و شعري ‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫تذهب احملاصيل السالف ذكرها من القاهرة عرب النيل إىل البحر املتوسط ‪ ،‬ومنه إىل‬ ‫عموم البلد الرتكى وما وراءه ‪ .‬وجيوب النيل عدد كبري ً‬ ‫جدا من املراكب الصغرية‬ ‫والقوارب‪ ،‬ألن بعضها من اإلسكندرية وبعضها من رشيد ‪ ،‬وأخرى من دمياط جتىء إىل‬ ‫القاهرة ‪ ،‬وأخرى تعود أدراجها من القاهرة ‪.‬‬ ‫على الرغم من أن مصر توجد حتت حكم السلطان الرتكى ‪ ،‬فإنها ال تذعن له إىل‬ ‫حد كبري ‪ ،‬فهى تدفع اجلزية فقط ‪ ،‬والباشا الذى حيكم مصر يصدر قرار تعيينه فى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا آخر حيل حمله ‪ .‬األهم من‬ ‫طويال ‪ ،‬ألن‬ ‫القسطنطينية ‪ .‬غري أن الباشا هناك ال حيكم‬ ‫يكون األقوى ألن ً‬ ‫أحدا ال يذعن لآلخر ‪ ،‬وهم حياربون بعضهم البعض ‪.‬‬ ‫يوجد فى القاهرة ميدان فسيح ً‬ ‫جدا ‪ ،‬أو بازار ‪ ،‬أو سوق يتجمع فيه كل يوم عدد غفري‬ ‫من الناس ال حيصى ‪ .‬وهنا احلوانيت التجارية متالصقة ً‬ ‫جدا ‪ .‬واحلقيقة أن املدينة كلها‬ ‫مليئة باألسواق ‪ :‬ففى األسفل فى كل الشوارع توجد حوانيت جتارية ‪ ،‬وفى األعلى غرف‬ ‫عالية فوق بعضها البعض ‪ ،‬وفيها كثري من النوافذ ‪ ،‬وعليات بنيت من أجل التربيد ‪ .‬ويوجد‬ ‫فى أعلى كل البيوت املصرية أعمدة كأعمدة املداخن تهب فيها الريح ‪ ،‬وتنفذ إىل مجيع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضروريا ألنه‬ ‫تربيدا للسكان ‪ .‬وفى القاهرة يعد ذلك‬ ‫غرف املبنى حتى األسفل وتعطى‬ ‫بسبب الشوارع الضيقة واملبانى العالية فإن اهلواء ال ميكن أن يسرى داخل البيوت ‪ ،‬وبدون‬ ‫ذلك يكون غري ممكن للناس أن تعيش بسبب حرارة الشمس ‪.‬‬ ‫يباع املاء فى مصر على الرغم من جماورة النهر ‪ .‬فالذين يعيشون فى البيوت الواقعة على‬ ‫ً‬ ‫بعيدا فال يستطيعون الذهاب كل‬ ‫ضفاف النهر جيلبون املاء بأنفسهم ‪ ،‬أما الذين يعيشون‬ ‫يوم إىل النهر ‪ .‬ولذلك يوجد أناس متخصصون هم بائعو املاء ( السقاة ) الذين يغرتفون املاء‬ ‫من النهر بواسطة قرب جلدية ‪ ،‬ويضعونها على اجلمال ‪ ،‬وجيلبونها إىل املدينة ويبيعونها ‪.‬‬ ‫وال يوجد مصدر آخر للشرب ألن هذه البلد ماحلة ‪ .‬وعلى الرغم من وجود آبار فى كل فناء‪،‬‬ ‫فاملاء الذى فيها ماحل تغسل به اآلنية فقط ‪ .‬وفى القاهرة توجد قناة شقت من النيل يصل‬ ‫وحينئذ يباع املاء بسعر زهيد ‪ .‬وتوجد خزانات فى الكثري‬ ‫ماؤها إىل املدينة أثناء الفيضان ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫من أفنية بيوت السادة ‪ ،‬أى حفر صنعت على مثال اآلبار ‪ .‬وميلؤنها باملاء الذى يشرتونه‬ ‫ويشربون منه طوال العام ‪.‬‬ ‫يوجد فى النيل مسك كثري متنوع ‪ .‬وينبع النيل من حبرية أو حفرة تسمى زائري ‪ ،‬والتى‬ ‫حينئذ يفيض النيل‬ ‫تقع فى خابيسى ‪ .‬وعندما تبدأ هذه احلفرة فى الغليان يتضاعف املاء ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشدة على ضفافه ‪ ،‬وجيلب فوائد كثرية للقاطنني جبواره ‪ .‬وهو مير عرب عموم أثيوبيا‪.‬‬ ‫وفى الروافد السفلى للمجرى عند القاهرة يتفرع النيل إىل ثالثة أفرع ‪ :‬فاألول جيرى إىل‬ ‫ً‬ ‫أخريا فى البحر األبيض‬ ‫اإلسكندرية‪ ، 202‬والثانى إىل رشيد ‪ ،‬والثالث إىل دمياط حيث يصب‬ ‫املتوسط ‪.‬‬ ‫‪ - 202‬غري صحيح ‪ -‬من الفرع الغربى إىل اإلسكندرية شقت ترعة كانت متتلئ أيام الفيضان ‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫يوجد فى القاهرة أشجار بستانية كثرية مثل الربتقال ‪ ،‬والليمون ‪ ،‬والرمان ‪ ،‬وأكثرها‬ ‫ً‬ ‫وصيفا ‪ .‬واخلبز واملريون واجلنب والزيت‬ ‫النخيل ‪ .‬وثـمار احلقول ذات وفرة كبرية شتا ًء‬ ‫والقهوة ‪ ،‬وكل املنتجات الغذائية تباع بسعر زهيد ‪ ،‬أما اخلمر واخلمر املصنوع فى املنزل‬ ‫ً‬ ‫سعرا ألنه ال يتم صنعهما هناك ‪ ،‬ولكنهما جيلبان عرب البحر املتوسط ‪ .‬وفى‬ ‫فهما أغلى‬ ‫القاهرة فضة كثرية ‪ ،‬وميكن أن تغتنى بسهولة ‪ ،‬خاصة لو عرفت سر الصنعة ‪ ،‬وكل‬ ‫صانع هناك يتوفر له العمل ‪.‬‬ ‫مصر “القاهرة” تنقسم إىل أربعة أمساء فاالسم األول مصر ‪ ،‬حيث يعيش كل الناس‬ ‫ويوجد بها سوق ‪ .‬وهناك توجد الكنيسة اليونانية واملقر السيناوى ‪ ،‬ومقر القديس‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا يتواجد هناك‬ ‫بطريرك اإلسكندرية ‪ ،‬والذى يعيش فيه نائبه مع الرهبان ‪،‬‬ ‫البطريرك ‪ ،‬وهناك عشت كل أيام تواجدى فى مصر ‪.‬‬ ‫واالسم الثانى هو القلعة أو القصر ‪ ،‬والذى يقع على مكان مرتفع ومستقل ‪ ،‬ويسمى‬ ‫كاىل‪ ، 203‬حيث ذهبت إليه أكثر من مرة ‪ ،‬وهناك مدافع وأسلحة ‪ ،‬وهناك يعيش الباشا‬ ‫والرؤساء اآلخرون ‪ ،‬وهناك تعقد احملاكم وتقطع رقاب املدانني ‪ ،‬وهناك تسك العملة أو‬ ‫البيتازى‪ 204‬النحاسية والفضية والذهبية التى شاهدتها بنفسى ‪ .‬وهناك بقيت حتى يومنا‬ ‫هذا قصور الفرعون ويوسف اجلميل ( النبى يوسف ‪ -‬املرتجم ) ‪ ،‬والتى هى اآلن مهدمة وخاوية‪.‬‬ ‫مبان شاخمة ومرتفعة بنيت من األحجار الكبرية ‪ ،‬ومن الداخل ‪-‬‬ ‫قصور الفراعنة هى ِ‬ ‫كما تبني ‪ -‬كانت مطلية بالذهب ‪ .‬وغري بعيد عنها توجد أطالل أحد املبانى القدمية حيث‬ ‫يقع السوق اآلن ‪ .‬وهناك الكثري من األعمدة املصنوعة من حجر واحد ‪ ،‬وهى كبرية لدرجة‬ ‫أن كل من يراها يتعجب ‪ ،‬كيف وبأى قوة حركوا مثل هذه األحجار الثقيلة ‪ ،‬وبنوا بها!‪.‬‬ ‫والعمود من ُ‬ ‫السمك حبيث أن ثالثة أشخاص بالكاد ميكنهم احتضانه ‪ ،‬وطوله ستة أو‬ ‫سبعة ساجني ‪ ،‬وال أحد يعرف ما هذا املبنى ‪ ،‬ولكن يبدو ىل أنه كان فيما قبل احملكمة‬ ‫التى عقدت فيها احملاكمات أثناء حكم الفرعون ‪ .‬وفى داخل القلعة توجد قصور يوسف‬ ‫ً‬ ‫أيضا تهدمت وأصبحت خاوية‪،‬‬ ‫اجلميل الذى حكم مصر فى السابق وعاش فيها ‪ .‬وهى‬ ‫حيث بقى منها سوران فقط ‪ ،‬والنظر إليهما ممتع ومدهش ‪ ،‬ألنهما مذهبني ومزخرفني‬ ‫بالفسيفساء امللونة وزهرة األقحوان ‪ ،‬أى قوقعة اللؤلؤ ‪ ،‬وهذه ليست مبهارة بسيطة ‪ ،‬ولكن‬ ‫فيها من اخلداع والدقة حبيث صورت األرض والزهور املختلفة واألشجار والثمار والطيور‬ ‫وأشياء أخرى ‪.‬‬ ‫فى داخل كاىل “القلعة” يقع بئر يوسف ‪ .‬لقد زرته وفحصته ‪ ،‬وتصويره بدقة ووصفه‬ ‫َ‬ ‫يتسن ىل أن أرى مثل هذا الشىء‬ ‫كما هو فى احلقيقة كان من الصعوبة مبكان ‪ ،‬ألنه مل‬ ‫فى أى مكان آخر ‪ .‬وهذا البئر بنى بعقل أريب ونصيحة حكيمة ‪ ،‬ألنه عند حفره كان‬ ‫ينبغى إعمال الدهاء ‪ ،‬حيث أنه يقع بأكمله حتت األرض ‪ ،‬وال يرى منه أى شىء ‪ .‬ولكن‬ ‫للعقل األريب أصف وأرسم هكذا ‪ :‬ليس للبئر مدخل يؤدى إىل داخل املبنى ‪ ،‬ألنه قد حفر‬ ‫فى األرض الطبيعية أو فى احلجر اللني ‪ .‬والبئر ذو أربعة أضالع ‪ ،‬وهى متساوية فى العرض‬ ‫‪ - 203‬القلعة بالعربية ‪ -‬حصن أو قلعة ‪.‬‬ ‫‪ - 204‬من احملتمل قروش ‪.‬‬ ‫‪82‬‬


‫والطول ‪ ،‬ويبلغ قياس كل منها أربعة ساجني ‪ ،‬وهو عميق بدون قياس ‪ .‬وحول هذا البئر‬ ‫حفر طريق مثل الشارع أو املغارة ‪ .‬وفى السابق كان الطريق يصل إىل القاع ‪ ،‬لكن اآلن‬ ‫حتى املنتصف فقط ‪ ،‬وفى حوائط البئر حنتت نوافذ لإلضاءة ‪ ،‬ولكنها فى العمق توصل‬ ‫ً‬ ‫ضوءا أقل ‪ ،‬وجيب أن تهبط بشعلة نار كما فعلت أنا ‪ .‬والعمال هناك جيلبون لألسفل‬ ‫ثريان ويربطونها فى ساقية مصنوعة بطريقة ذكية ‪ ،‬وبواسطتها يرفعون املاء من قاع‬ ‫البئر حتى منتصفه حيث يصب فى حوض ‪ ،‬ومنه ُيرفع إىل قمة البئر بواسطة ثريان أخرى‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى ساقية ‪ .‬ويسحبون املاء خلارج البئر عن طريق قواديس معلقة باحلبال‪،‬‬ ‫مربوطة‬ ‫وغري ذلك ال ميكن احلصول على املاء من مرة واحدة بسبب العمق الكبري ‪ ،‬إذ أنه من‬ ‫مكان الثريان العليا إىل الثريان الثانية ينبغى اهلبوط ‪ 200‬سلمة كما عددتها بنفسى ‪،‬‬ ‫ومن هناك بالكاد ٌيرى املاء ‪ .‬ويقول العاملون هناك أنه للهبوط إىل القاع يبقى أكثر من‬ ‫ً‬ ‫عذبا ‪ ،‬ولكنه ليس بشديد امللوحة ‪ ،‬ولذلك فى حالة‬ ‫نصف الطريق ‪ .‬واملاء فى البئر ليس‬ ‫الضرورة ميكن شربه من غري ضرر ‪ .‬وعلى ذلك فالبئر يتكون من جزئني ‪.‬‬ ‫مصر القدمية ( القاهرة القدمية ) هو االسم الثانى ملصر ‪ .‬وعنه تكلمت ً‬ ‫آنفا ‪ ،‬ويوجد هناك‬ ‫دير يونانى للشهيد العظيم القديس جيورجى ( مار جرس ) وكنيسة أم اإلله ‪ ،‬وكذلك دير‬ ‫الرهبان الروم “الكاثوليك” وثالث كنائس قبطية ‪ .‬وتوجد فى منزل ليس بالكبري حتت‬ ‫األرض ‪ ،‬والذى فيه ‪ -‬كما حيكى املسيحيون ‪ -‬عاشت أم اإلله العذراء املقدسة مع السيد‬ ‫املسيح ‪ ،‬والتى هربت من أورشليم قبل موت هريودس ‪ .‬وهناك يوجد جرن املعمودية ‪ ،‬حيث‬ ‫قامت السيدة النقية بغسل املسيح املخلص ‪ .‬ويوجد بني القاهرة اجلديدة والقاهرة القدمية‬ ‫عال والذى من خالله جيرى املاء من النهر إىل كاىل [ القلعة ] ‪ .‬وهو يرتكز على‬ ‫قنال حجرى ِ‬ ‫أعمدة مثل الكوبرى‪. 205‬‬ ‫ً‬ ‫منفردا وغري بعيد عن املدينة من ناحية‬ ‫املكان الرابع يسمى بوالكو “بوالق” ‪ ،‬ويوجد‬ ‫الشاطئ النهرى ‪ .‬وهناك توجد منازل واسعة ومجيلة وكثري من احلدائق الرائعة ‪ .‬وهناك‬ ‫يدفعون اجلمارك على السلع الواردة ‪ ،‬والضرائب على املبيعات “نوع من الضرائب” ‪ .‬وهنالك‬ ‫الكثري من احلوانيت التجارية والشون ‪ ،‬والتى توجد حتت احملالت ‪ ،‬وفيها خيزن التجار‬ ‫سلعهم ‪ .‬وهذه األماكن التى سبق ذكرها ‪ ،‬على الرغم من أنها حتمل أمسا ًء خمتلفة ‪ ،‬فلها‬ ‫اسم موحد هو مصر “القاهرة” ‪.‬‬ ‫غري بعيد على ضفتى النهر توجد جبال من صنع البشر يسميها اليونانيون األهرامات ‪.‬‬ ‫وهى ذات أضالع أربعة ‪ ،‬ويبلغ طول كل ضلع ‪ 75‬قدم‪ ، 206‬أما ارتفاعها فيبلغ ‪ 50‬قدم‪، 207‬‬ ‫‪ - 205‬يقصد جمرى العيون ‪ -‬جمرى مائى مير على قنطرة مرتفعة ‪.‬‬ ‫‪ - 206‬القدم ‪ :‬هو مقياس قديم ً‬ ‫جدا للطول ‪ ،‬يساوى ‪ 28.8‬سم ‪.‬‬ ‫‪ - 207‬من املالحظ أن جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى يورد بدقة بالغة ارتفاع أهرامات اجليزة ‪ 500‬قدم = ‪144‬‬

‫مرت ‪ ،‬وفى ذلك العصر كان ارتفاع هرم خوفو ‪ 147‬مرت ‪ ،‬وهرم خفرع ‪ ، 136‬ولكن فى عشرة أمثال ينقص‬ ‫جوانب أساس اهلرم ( ‪ 75‬قدم = ‪ 21.6‬مرت ) ‪ ،‬جانب هرم خوفو ‪ 230‬مرت ‪ ،‬وخفرع ‪ 215‬مرت ‪ .‬ويبدو أنه مل يذهب إىل‬ ‫األهرامات ‪ ،‬ولكنه استقى هذه املعلومات فى القاهرة ‪.‬‬ ‫* كان طول هرم خوفو ‪ 280‬قدم باملقياس املصرى ‪ 146.5‬مرت ( ‪ 480.6‬قدم ) ‪ ،‬لكن مع التآكل وغياب‬ ‫القطعة اهلرمية اخلاصة به أصبح ارتفاعه احلاىل ‪ 138.8‬مرت ( ‪ 455.4‬قدم ) ‪ .‬كل جانب للقاعدة كان ‪440‬‬ ‫ذراع ‪ 230.4‬مرت ( املرتجم ) ‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫ً‬ ‫ارتفاعا تسمى جبال الفراعنة ‪ .‬ألن الفرعون ‪ -‬امللك املصرى‬ ‫وبينها يوجد ثالثة هى األكثر‬ ‫ً‬ ‫ومفكرا بطريقة دنيوية كما حيكى لكى جيعل‬ ‫فى سالف الزمان ‪ -‬أنشأها مباله‬ ‫ً‬ ‫مالذا ‪ ،‬إذا فجأة فاض النيل بقوة ‪ -‬مبشيئة الرب ‪ -‬وأغرق كل البالد املصرية ‪ .‬ولتعلموا‬ ‫منها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أخريا أنه فى أعاىل النيل ‪ ،‬بعيدا عن القاهرة ‪ ،‬وفى مكان واحد ‪ ،‬تعيش ثعابني تسمى‬ ‫التماسيح ‪ ،‬وهى على شكل السحاىل بأربعة أرجل ‪ ،‬ولكنها ضخمة مثل أمساك اهلوسو‬ ‫واحلفش ‪ ،‬وتستطيع أن تعيش فى املاء وعلى اليابسة ‪ .‬فبعض الوقت تقضيه فى املاء ‪،‬‬ ‫وبعد ذلك خترج إىل الشاطئ بني سيقان القصب ‪ ،‬وتأكله وتسرتيح هناك ‪ ،‬وإذا أدركت‬ ‫اإلنسان فإنها تأكله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أخريا أنه فى الكنيسة اليونانية فى القاهرة يقام القداس الكنسى بلغتني‪،‬‬ ‫ولتعلموا‬ ‫اليونانية والعربية ‪ .‬يقرأ الرهبان باللغة اليونانية ‪ ،‬ويقرأ الكهنة العلمانيون باللغة‬ ‫العربية ‪ .‬ويلتزمون بالنظام الكنسى فى القراءة والرتتيل ‪ ،‬وكم هو مجيل سواء فى وجود‬ ‫ً‬ ‫دائما ما يقرأ أعمال‬ ‫البطريرك أو فى عدم وجوده ! ‪ .‬وفى القداس اإلهلى ( الليتورجيا ) ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا يكون يوميا فقط عندما‬ ‫الرسل وإجنيلني باللغة اليونانية وباللغة العربية ‪،‬‬ ‫َيقدم آحاد الناس إىل الكنيسة ‪.‬‬ ‫وفى أعياد املسيح‪ ، 208‬وأم اإلله‪ 209‬والقديسني اآلخرين ‪ ،‬وكذلك يوم األحد يقام قداسني‬ ‫إهليني ( الليتورجيا ) باكر وعشيه ‪ .‬وحيضر رهبان سيناء إىل كنيسة البطريركية ‪،‬‬ ‫ويقيمون اخلدمة اإلهلية كل يوم أحد ‪ ،‬وكذلك فى األعياد ألنه ال يوجد لديهم فى مقرهم‬ ‫ً‬ ‫قدميا ‪ ،‬ولكن عندما حدث النزاع بينهم وبني‬ ‫أى كنيسة ‪ .‬كان عندهم كنيسة صغرية‬ ‫بطريرك اإلسكندرية كوزما أخذها األتراك وحولوها إىل مسجد ‪.‬‬ ‫علمت ‪ ،‬ورأيت ‪ ،‬ومسعت مثل هذا إلرضائك أيها القارئ اليقظ ‪ ،‬كتبت هذا بإجياز فى‬ ‫عام ‪ ، 1727‬وأنا فى مقر اإلقامة التابع للبطريركية السالف ذكره فى املدينة الكبرية‬ ‫الشهرية مصر [ القاهرة ] ‪.‬‬

‫‪ - 208‬أعياد املسيح – أعياد كنسية ‪ ،‬وفيها ميجد عيسى املسيح ‪.‬‬ ‫‪ - 209‬أعياد أم الرب – أعياد على شرف أم اإلله مريم ‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫عام ‪: 1730‬‬ ‫بعد أن تركنا القاهرة ‪ ،‬خرجنا إىل البحر الواسع فى منتصف النهار وأحبرنا فيه بريح‬ ‫مواتية ً‬ ‫يوما وليلة ‪ ،‬مل َ‬ ‫نر خالهلما اليابسة ‪ .‬كنا نرى فقط السماء والبحر ‪ .‬وفى اليوم الثانى‬ ‫وصلنا إىل املدينة الكبرية واملرسى الشهري كرياتى‪ 210‬قبل منتصف النهار ‪ .‬وبعد سبعة‬ ‫أيام أحبرت فى النيل من هناك إىل مصر الكربى “ القاهرة ” لتحية البطريرك املقدس‬ ‫كوزما وشكره على معروفه الذى قدمه إىل من قبل ‪ .‬وذهبت إىل جبل سيناء للحصول‬ ‫على الربكة جلمع الصدقات ‪ .‬وأحبرنا ضد تيار النيل مخسة أيام بدون ريح مواتية ال‬ ‫حول هلا وال قوة ‪ ،‬وبالكاد وصلنا فى اليوم اخلامس فى الثانى من أغسطس ‪ .‬وذهبت على‬ ‫ً‬ ‫“معتمدا على االستقبال األول و ( االستعداد الستقبال الغريب )” فى‬ ‫الفور بدون تفكري‬ ‫ً‬ ‫مقر البطريرك املقدس ‪ .‬وكما هى العادة خررت ساجدا أمام قدميه املقدسة ‪ ،‬وقبلت يديه‬ ‫املباركة ‪ ،‬ونلت الربكة ‪ ،‬وحييت صاحب القداسة مبا يليق به ‪ .‬واستقبلت باحلفاوة التى‬ ‫تقدم للغرباء ‪ ،‬وبقلب كريم ووجه بشوش أكثر من ذى قبل ( يا رب يا غنى بنعمه التى ال‬ ‫حتصى ‪ ،‬أجزل له العطاء والنعمة ) ‪ .‬وأريته الورقة األوىل التى أعطانى إياها من قبل فى عام‬ ‫‪ ، 1727‬وأعطانى ورقة أخرى جديدة تسمح ىل جبمع الصدقة فى اإلبراشية ‪ .‬ولقد مجعت‬ ‫فى القاهرة ‪ ،‬ومبساعدة صاحب القداسة “البطريرك” ‪ ،‬صدقة كبرية من املسيحيني‬ ‫األرثوذكس “يا رب” أعطهم اخلالص ] ‪ .‬ولقد أقمت فى مقر اإلبراشية ‪ .‬وطوال أيام الصوم‬ ‫ً‬ ‫سعيدا باملأكل واملشرب ‪ .‬وقضيت هناك قبيل رقاد أم اإلله مريم املقدسة‪ 211‬ثالثة‬ ‫كنت‬ ‫ً‬ ‫عشر يوما ‪ .‬وبعد أن غادرت القاهرة مل أرجع للخلف ‪ ،‬وإمنا أحبرت فى الفرع اآلخر للنيل‬ ‫ً‬ ‫عازما النية على أن أذهب إىل اإلسكندرية كى أرى اآلثار القدمية التى‬ ‫إىل مدينة رشيد‬ ‫تدور حوهلا الشائعات ‪ .‬أحبرت إليها فى أول األمر من قربص ‪ ،‬ولكن شاء الرب ‪ ،‬وهبت ٌ‬ ‫ريح‬ ‫معاكسة ‪ ،‬ومل يقدر ىل أن أذهب إىل اإلسكندرية ‪ .‬لذلك كما قلت تركت دمياط‬ ‫وأحبرت إىل رشيد ‪.‬‬ ‫جيرى النيل من املنابع فى جمرى واحد من اجلنوب حتى مشارف القاهرة ‪ ،‬وعلى مسافة‬ ‫عدة أميال جنوب القاهرة يتفرع النيل إىل فرعني ‪ ،‬ينعطف األول حنو الشرق وجيرى حتى‬ ‫دمياط ويصب فى البحر ‪ ،‬والفرع الثانى ينعطف حنو الشمال وجيرى حتى البحر على‬ ‫ً‬ ‫كثريا فى األعلى عندما وصفت القاهرة ‪.‬‬ ‫مشارف رشيد ‪ .‬وعن ذلك كتبت‬ ‫خرجت من القاهرة ووصلت رشيد بعد يومني عرب النيل وبدون شراع ‪ ،‬فقد محلنا إىل هناك‬ ‫تيار النهر السريع ‪ .‬وفى رشيد مكثت عدة أيام فى مقر البطريركية فى معبد القديس‬ ‫ً‬ ‫موجودا فى هذا الوقت ‪ ،‬ولقد أريته الورقة البطريركية‬ ‫نيقوالس ‪ .‬وكان نائب البطريرك‬ ‫جلمع الصدقة ‪ .‬أخذها وقرأها يوم األحد فى الكنيسة ‪ -‬حسب العادة ‪ -‬أمام اجلميع وبصوت‬ ‫‪ - 210‬من حكمنا على النص التاىل ‪ ،‬جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى أحبر إىل دمياط ‪.‬‬ ‫‪ - 211‬عيد أم اإلله ‪ -‬حيتفل به فى ‪ 15‬أغسطس بالتقويم القديم ‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫عال ‪ ،‬وقدم املسيحيون تربعاتهم ( يا رب أعطهم اخلالص ) ‪ .‬وفى نهاية األسبوع ‪ ،‬عندما‬ ‫ِ‬ ‫أجنزت كل األمور ‪ ،‬استأجرت ً‬ ‫قاربا وجلست فيه ‪ ،‬ووصلت إىل اإلسكندرية عن طريق‬ ‫حينئذ ألن النيل جيرى من رشيد مسافة اثنى‬ ‫البحر فى منتصف النهار ‪ ،‬كانت الريح مواتية‬ ‫ٍ‬ ‫عشر ً‬ ‫ميال ‪ ،‬وبعد ذلك يصب فى البحر ‪.‬‬ ‫تبلغ املسافة من هذا املكان إىل اإلسكندرية ستني ً‬ ‫ميال ‪ .‬ويوجد طريق عرب اليابسة‬ ‫واحدا ً‬ ‫ً‬ ‫يستغرق قطعه ً‬ ‫سريا على األقدام ‪ ،‬ولكن هذا الطريق ال يطرقه من اعتاد على‬ ‫يوما‬ ‫البحر ‪ .‬وعندما وصلت إىل اإلسكندرية ذهبت إىل دير البطريركية كى أبقى هناك‬ ‫عدة أيام ‪ ،‬ولقد أنشئ باسم القديس سابا ‪ .‬وال يوجد فى اإلسكندرية مقر كنسى ‪،‬‬ ‫وال مقر بطريركى ‪ ،‬وال كنيسة علمانية ‪ ،‬وال شىء غري هذا الدير الذى سأحكى عنه‬ ‫ً‬ ‫الحقا ‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫عن مدينة اإلسكندرية ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫كانت مدينة اإلسكندرية فيما مضى مدينة عظيمة ‪ ،‬وقوية ‪ ،‬وشهرية ً‬ ‫ومقرا‬ ‫جدا ‪،‬‬ ‫للملك حيث عاش فيها امللوك القدماء ‪ ،‬وكان أوهلم اإلسكندر املقدونى ‪ .‬لقد أنشأ هذه‬ ‫املدينة وأطلق عليها امسه إذ أن اإلسكندرية من اإلسكندر ‪ ،‬وملكها بطليموس الذى‬ ‫ترجم العهد القديم من العربية إىل اللغة اليونانية‪ ، 212‬وأشياء أخرى ‪ .‬واآلن املدينة خاوية‬ ‫ومهدمة لدرجة أنه بالكاد ميكنك ختمني أنه كان يوجد هنا فيما قبل مدينة ‪ ،‬فهى‬ ‫ً‬ ‫أسوارا‬ ‫أشبه بالقرية أو الضاحية ‪ ،‬ألن كل أسوارها سقطت وتهدمت ‪ ،‬وال يزمع أحد أن يبنى‬ ‫جديدة ‪ ،‬غري أن بقايا األسوار مازالت قائمة ‪ ،‬وفى كثري من األماكن يوجد مزاغل لضرب‬ ‫السهام ‪ ،‬وبوابتان تغلقان بالليل ‪ ،‬وهما البوابتان اجلنوبية والشرقية اللتان تقعان من جهة‬ ‫مبان‬ ‫اليابسة ‪ ،‬وأما البوابات التى من جهة البحر فقد سقطت ‪ .‬وفى داخل املدينة القدمية ِ‬ ‫قليلة ‪ ،‬ولكن يوجد خارج حدودها على شاطئ البحر الكثري من الساحات ‪ ،‬واخلانات‬ ‫والبيوت مجيلة البناء من احلجر األبيض ‪ .‬ويوجد هناك سوق كبري مع ممرات جتارية‬ ‫كثرية أو حوانيت جتارية ‪ ،‬حيث تباع سلع متنوعة ‪ .‬ويعيش هناك صفوة اجملتمع ‪.‬‬ ‫فى داخل املدينة القدمية ‪ ،‬يعيش املسيحيون واليهود واألقباط واألتراك متناثرين هنا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حديثا‬ ‫أيضا عند اإليطاليني دير بنى‬ ‫وهناك ‪ ،‬وكلهم هلم أديرة خاصة بهم ‪ ،‬وكما يوجد‬ ‫ً‬ ‫باسم القديسة الشهيدة كاترينا ‪ .‬ويوجد هناك أيضا دير القديس سابا اجمليد ‪ .‬وفى داخل‬ ‫املدينة القدمية ‪ ،‬بالقرب من الدير فى الناحية اجلنوبية ‪ ،‬توجد منازل مبنية بالطوب لكنها‬ ‫مهدمة ‪ .‬وحيكى املسيحيون أنه عاشت فيها القديسة الشهيدة كاترينا ‪.‬‬ ‫أمام هذه املنازل على مسافة قريبة عن اليمني والشمال توجد أعمدة قائمة طويلة‬ ‫وضخمة مصنوعة من حجر واحد ‪ .‬فيما يبدو أن هذا احلجر خليط من مرمر مسحوق متنوع‪،‬‬ ‫ولكن البعض يقول أن هذا التنوع فى األلوان ‪ ،‬مثل اللون األمحر واألسود واألبيض ‪ ،‬هو‬ ‫طبيعى املنشأ ‪ .‬ويبدو أن هذه األعمدة كانت فى البهو امللكى ‪ ،‬ولكنها اآلن قائمة جبوار‬ ‫الطرق تغطيها نفايات املدينة ‪ ،‬فال أحد جيرؤ على أن حيركها من مكانها أو يستخدمها‬ ‫بأى طريقة أخرى ‪ ،‬فهى ثقيلة ً‬ ‫جدا ‪ ،‬والناس فى هذا القرن ضعفاء ‪ ،‬وليسوا مثل العمالقة‬ ‫األوائل ‪.‬‬ ‫هناك غري بعيد على اجلانب الغربى يوجد مسجد تركى كامل ‪ ،‬وهو كبري فى عرضه‬ ‫وارتفاعه مثل احلصن ‪ ،‬أو القصر بنوافذ كثرية ‪ ،‬وقبة حجرية واحدة ‪ .‬وحيكى الناس‬ ‫هناك أنه كان فى السابق معبد القديس أفاناس رئيس أساقفة اإلسكندرية ‪ ،‬وقد كان‬ ‫يعيش فيه البطاركة القدماء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مفسرا)‪،‬‬ ‫‪ - 212‬أول ترمجة للعهد القديم إىل اللغة اليونانية تسمى سيبتواجنيت ( ترمجة السبعني‬ ‫قد متت فى اإلسكندرية فى القرن الثالث والثانى قبل امليالد بأمر من امللك بطليموس الثانى‬ ‫فيالدلفيوس ( ‪ 246 - 285‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬والذى كان يزمع أن حيتفظ به فى مكتبته الشهرية ‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫جبانب دير القديس سابا يوجد تل غري طبيعى املنشأ ‪ ،‬وقد نشأ هذا التل من الردم املتواىل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪،‬‬ ‫ذهبا‬ ‫لسنوات عديدة ‪ :‬فكل يوم حيفر العرب األرض وينخلون الردم ‪ ،‬وجيدون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أحجارا كرمية ‪ ،‬باإلضافة إىل أختام قدمية وأشياء‬ ‫وأحيانا جيدون فضة وعرق اللؤلؤ أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن الدير من الناحية الغربية داخل أسوار‬ ‫أيضا تل آخر من الردم‬ ‫أخرى‪ ، 213‬ويوجد‬ ‫املدينة القدمية ‪ ،‬ولكن ال يوجد فيه شىء ‪.‬‬ ‫من املعروف أن اإلسكندرية مل َ‬ ‫تنب على أرض صلبة ‪ ،‬ولكنها ترتكز على أعمدة‬ ‫وقصور ‪ .‬وحيكون بثقة أنه يوجد حتت األرض مدينة أخرى ‪ ،‬وآبار ال حتصى ‪ ،‬مثل املعابد‬ ‫ذات األعمدة واحملاريب ‪ ،‬والتى كانت كل صيف تغمر مباء النيل ‪ .‬ومنها يأخذون املاء‬ ‫للشرب ورى احلدائق ‪ ،‬واالحتياجات اإلنسانية األخرى ‪.‬‬ ‫عند قرية تسمى فيفا ( رمبا يقصد مدينة فوه ‪ -‬املرتجم ) مشال رشيد يتفرع جزء من‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عرب األراضى‪ ،‬ويقطع اإلسكندرية من اجلانب اجلنوبى ‪ ،‬ويصب‬ ‫النيل ‪ ،‬وجيرى‬ ‫فى البحر ‪ .‬وهذا اجلزء من النيل غري طبيعى املنشأ ‪ .‬وحيكى الناس أن امللك اإلسكندر‬ ‫املقدونى شق هذه القناة وبطنها باألحجار ‪ ،‬وسري املاء هناك ‪ ،‬ألن املاء اآلخر ماحل ‪.‬‬ ‫يوجد فى املدينة كثري من األعمدة احلجرية ‪ ،‬بعضها كامل وقائم ‪ ،‬والبعض اآلخر‬ ‫ملقى على األرض فى كل مكان ‪ .‬وهناك عمود واحد كبري ً‬ ‫جدا فى ارتفاعه وعرضه‬ ‫قائم فى أحد ميادين املدينة ‪ ،‬وهو غري عادى فى الشكل والصنعة ‪ ،‬حتى أن كثري من‬ ‫ً‬ ‫وقدميا كان قد نصب فوقه معبود وثنى‬ ‫األجانب يندهشون ‪ .‬وهو يسمى عمود بومبى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كان يعبده الوثنيون ‪ .‬وحيكون أن العمود كان قائما فيما قبل فى وسط املدينة ‪ ،‬ذلك‬ ‫ً‬ ‫متاما حتى أنه ال ميكن ختمني ماضيها‬ ‫أن املدينة كانت كبرية ‪ ،‬ولكنها اآلن خربة‬ ‫ُ‬ ‫اجمليد ‪ ،‬ولكن تلك البقايا ألسوار املدينة القائمة اآلن كانت قد أنشئت فيما بعد ‪ .‬هذا‬ ‫العمود قاسه بدقة وبتدبر قياسون من البالد الغربية ( ألنهم يبحثون أى شىء بدقة ) ‪ .‬وقد‬ ‫عرفت منهم أن ارتفاع العمود ‪ 122‬قدم بشرى ‪ ،‬وقطره ‪ 12‬قدم ‪ ،‬والعرض كبري بقدر إحاطة‬ ‫اليدين ‪ ،‬احكم بنفسك‪ . 214‬والعمود يتكون من أربعة أجزاء ‪ :‬اجلزء األول هو رأس العمود‬ ‫“التاج” ‪ ،‬واجلزء الثانى العمود نفسه ‪ ،‬وقاعدة العمود تتكون من جزئني ‪ .‬ويقولون أن ساق‬ ‫العمود صنع من حجر كامل ‪ ،‬وطوله ‪ 100‬قدم ‪ ،‬والرأس ‪ً 20‬‬ ‫قدما ‪ ،‬والقاعدة ‪ 2‬قدم ‪.‬‬ ‫ويقول آخرون أنه أجوف من الداخل ‪ ،‬ولكن حقيقة هذا أمر ال يعرفه أحد ألنه من غري‬ ‫املمكن تسلقه ‪.‬‬ ‫‪ - 213‬فيما يبدو ‪ :‬يدور احلديث عن تل كوم الدكة الذى يوجد فى مكان غري بعيد عن الدير‪.‬‬ ‫وفى أثناء احلفر عام ‪1960‬م ‪ُ ،‬اكتشف ً‬ ‫أوال املسرح الرومانى ‪ ،‬وبعد ذلك حى كامل أوائل العهد‬ ‫اجلديد ( القرن األول ) ‪.‬‬ ‫‪ - 214‬جرجيورفيتش – بارسكى بالغ بعض الشىء فى قياسات عمود بومبى ‪ :‬االرتفاع ‪122‬‬ ‫قدم = ‪ 35‬مرت ( فى حقيقة األمر يبلغ ارتفاعه ‪ 27‬مرت ) ‪ ،‬وقطره ‪ 12‬قدم مبا يساوى ‪ 3.50‬مرت ( وفى‬ ‫احلقيقة يبلغ ‪ 2.7‬مرت عند القاعدة ‪ ،‬و ‪ 2.0‬فى األعلى ) ‪.‬‬ ‫‪88‬‬


‫فى داخل املدينة من اجلهة الشمالية جبانب دير القديس سابا بالقرب من البحر ‪ ،‬يوجد‬ ‫عمودان كبريان ‪ ،‬كل واحد منهما مصنوع من حجر واحد ‪ ،‬ويسميان عمودا كليوباترا‪.‬‬ ‫وكانت كليوباترا ملكة عظيمة أقامت لنفسها ً‬ ‫أثرا ال ينسى ‪ ،‬اثنني من األعمدة‬ ‫الرائعة متماثلني فى الشكل واملقياس ‪ .‬وقع أحدهما بفعل الزمن ‪ ،‬ولكن اآلخر يقف‬ ‫بثبات ‪ .‬وكما هو متعارف عليه فإن هذه األعمدة كانت فيما مضى قائمة أمام القصر‬ ‫امللكى‪ .‬وطوهلا ‪ 11‬شرب كما قستها بنفسى ‪ ،‬ولكنى مل أمتكن من معرفة االرتفاع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مدورا كما هى الصفة‬ ‫إال أننى قدرت أنها ‪ 10‬ساجني‪ . 215‬وهذا حجر واحد مستقيم ‪ ،‬وليس‬ ‫السائدة لألعمدة ‪ ،‬وهو ذو أربعة أضالع ‪ ،‬ودقيق من األعلى ‪ ،‬وكل اجلوانب هلا نفس‬ ‫العرض ‪ ،‬وعليها مبقدار أصبعني داخل العمود مرسوم بعض الرسومات أو الرموز التى رآها‬ ‫الكثريون‪ ،‬ولكنهم مل يستطيعوا تفسريها ‪ ،‬ألنها ال تشبه الكتابة اليهودية أو اليونانية‬ ‫ً‬ ‫كثريا احلرف الروسى‬ ‫أو الالتينية أو أى كتابة أخرى‪ ، 216‬يوجد فقط رمز واحد يشبه‬ ‫‪ ж‬جى‪ ، 217‬ولكن الكتابة األخرى تشبه الطيور والسالسل واألصابع أو النقاط‪ .‬وجبهد‬ ‫كبري ومبعاناة أعدت كتابتها كلها من أحد جوانب العمود ‪ .‬وإلدهاش الناظر ‪ ،‬هذا‬ ‫مرسوم فى الصورة املشار إليها فى األعلى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وحيث أننى تكلمت عن الكثري من األشياء ‪ ،‬فإنه جيب أخريا أن أحكى عن دير‬ ‫القديس سابا املشار إليه ً‬ ‫آنفا ‪ .‬يعيش هناك عدد قليل من املسيحيني ‪ ،‬ويوجد فقط البحارة‬ ‫الذين جييئون ويذهبون ‪ ،‬لذلك ال يوجد هناك أى كنيسة ‪ .‬يوجد فقط دير القديس‬ ‫سابا‪ ،‬الذى ورغم وجوده داخل املدينة ‪ ،‬فإنه قائم فى مكان منعزل ‪ .‬والدير قديم ً‬ ‫جدا أقامه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبريا ‪،‬‬ ‫حتديدا ‪ .‬واملبنى ليس‬ ‫املسيحيون األولون ‪ ،‬ولكنى ال أستطيع أن أعرف من هم‬ ‫عال ومغلق عن العامل اخلارجى ‪ ،‬وال يتميز باجلمال ‪ .‬أما موقع‬ ‫وحوائطه األربعة عالية ‪ ،‬وهو ٍ‬ ‫القاليات واملطبخ وحجرة الطعام الذى فى الداخل فهو مجيل ‪ .‬وفى احلائط الشرقى فإن‬ ‫البوابات مبطنة باحلديد ‪.‬‬ ‫مستو ‪ ،‬وليس هلا قبة ‪.‬‬ ‫كنيسة الدير مجيلة ومكسوة باألحجار واملرمر ‪ ،‬وهلا سقف‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫عمودا‬ ‫والكنيسة كبرية فى طوهلا وعرضها وارتفاعها ‪ ،‬وهى قائمة يدعمها اثنا عشر‬ ‫ً‬ ‫عاليا ‪ ،‬كل واحد منهم مصنوع من حجر واحد ‪ .‬مخسة أعمدة قائمة فى اليمني ومخسة‬ ‫على اليسار ‪ ،‬واثنان خلف حائط األيقونات ‪ .‬وباإلضافة إىل هذه األعمدة االثنى عشر توجد‬ ‫ً‬ ‫أيضا أعمدة مرمرية صغرية ‪.‬‬ ‫‪ - 215‬ومن املثري لالهتمام أن ارتفاع املسالت الذى حدده الكاتب بعينه أكثر دقة من القطر الذى‬ ‫ً‬ ‫وطبقا جلرجيورفيتش ‪ 10‬ساجني أى ‪ 21.3‬مرت ) والقطر‬ ‫قاسه بنفسه ‪ .‬ارتفاع املسالت ‪ 21‬مرت ‪( ،‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 2.3‬مرت ‪ .‬وفى نفس الوقت ‪ ،‬قاس الكاتب ‪ 11‬شربا أى أقل من ‪ 2‬مرت ‪ ،‬وواحد بياد ‪ 17.78‬سم ) ‪.‬‬ ‫‪ - 216‬الكتابة املصرية القدمية مت حل شفرتها فقط بعد قرن من زيارة جرجيورفيتش‬

‫– بارسكى لزيارة اإلسكندرية ‪ ،‬وفى عام ‪ 1822‬م مت فك رموزها على يد فرانسوا جان‬ ‫شامبليون ‪.‬‬ ‫‪ - 217‬جيفيتى‪ -‬اسم قديم روسى للحرف ‪ Ж‬جى ‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫فى هذه الكنيسة ثالثة مذابح ‪ :‬املذبح األول للقديس سابا ‪ ،‬والثانى للقديس الشهيد‬ ‫خال ‪ .‬واملذبح كبري ومجيل ومغطى باخلشب ‪ ،‬وله قبة حتملها أربعة‬ ‫جيورجى ‪ ،‬والثالث ِ‬ ‫ً‬ ‫عال مبطن بألواح من املرمر ‪ .‬وحائط‬ ‫أعمدة ‪ ،‬وهى أيضا خشبية ومجيلة الصنع ‪ ،‬ومبقعد ِ‬ ‫األيقونات عليه أيقونات مجيلة ‪ ،‬وثالث بوابات ؛ امللكية واجلنوبية والشمالية ‪ .‬ويوجد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا كرسى البطريرك‬ ‫أيضا مدخل واحد صغري يؤدى إىل املذبح من اجلانب ‪ .‬ويوجد‬ ‫املقدس املنحوت مبهارة ‪ .‬واإلنبل الذى يقرأ فيه اإلجنيل مجيل الصنع ‪ .‬ومن اجلهة اليمنى‪،‬‬ ‫فى الكرسى الصغري فى عهد القديس صامويل بطريرك اإلسكندرية ‪ ،‬أقام الروم‬ ‫“الكاثوليك” القداس اإلهلى [ الليتورجيا ] ‪ .‬وكذلك قاموا بالدفن هناك ‪ ،‬ألنه مل يكن‬ ‫لديهم دير خاص بهم ‪ .‬وهناك العديد من التوابيت املشهورة ‪ ،‬والتى كان يغطى غطاءها‬ ‫كتابات التينية ‪ .‬وكذلك يوجد خلف خورس ( جوقة ) الكنيسة عمود أبيض مرمرى ذو‬ ‫أربعة أضالع ‪ ،‬منصوب فى األرض ‪ ،‬عرضه شربين ‪ .‬وحيكى الرهبان ورجال الدين أنه على‬ ‫هذا العمود قطعت رأس القديسة الشهيدة كاترينا ‪ ،‬وقد ُاكتسى بدمها املقدس‪ ،‬ولذلك‬ ‫يقبله املسيحيون الذين يأتون إىل هناك للعبادة بكل تبجيل ‪.‬‬ ‫املعبد مجيل ً‬ ‫جدا ‪ ،‬ولكنه مظلم وله نوافذ قليلة ‪ ،‬ألنه يقع فى مكان ضيق بني مبانى‬ ‫قدما ‪ ،‬وعرضه ‪ً 66‬‬ ‫القاليات ‪ .‬وطول املعبد ‪ً 77‬‬ ‫قدما ‪ ،‬واالرتفاع أقل ‪ .‬وله بعض البوابات‬ ‫الصغرية من الناحية الشمالية ‪ .‬وتوجد أمام الدير وخلفه حديقتان ‪ ،‬وفيهما تنمو أعداد‬ ‫قليلة من أشجار الزيتون والنخيل واحلبوب ‪ .‬وفى احلديقة الكبرية توجد مستشفى ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا اجلوالون‪ 218‬حتى الشفاء التام‪.‬‬ ‫والتى ميكث فيها الرهبان من املرضى ‪ ،‬ورجال الدير ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وفضال عن األشياء التى وصفتها فى األعلى ‪ ،‬ال يوجد فى مدينة اإلسكندرية القدمية‬ ‫مبان مجيلة أو قصور ‪ .‬يوجد فقط قرية صغرية داخل املدينة من الناحية الشرقية ‪ ،‬وال شىء‬ ‫ٍ‬ ‫غري هذا ‪ .‬وإذا مل تكن هناك تلك األعمدة اليونانية القدمية دقيقة الصنع ‪ ،‬مل تكن هذه‬ ‫املدينة تستحق أى مديح باستثناء البيوت اجلديدة املبنية خارج املدينة على شاطئ البحر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سفنا كثرية ومتنوعة ‪ .‬وفيها مينائني‬ ‫اإلسكندرية تستحق املديح فى أنها تستقبل‬ ‫كبريين ؛ أحدهما فى اجلهة الشرقية ( أصغر من اآلخر ) ‪ ،‬وخمصص للفرنسيني ‪ ،‬واإلجنليز‬ ‫والفالميني ‪ ،‬وأهل البندقية ‪ ،‬وامليناء الثانى كبري ويقع فى اجلهة الغربية ‪ ،‬حيث توجد‬ ‫فقط السفن الرتكية واليونانية ‪ ،‬وهو هادئ وصامت ‪ .‬وبينها ‪ -‬وعلى أرض لسان دقيق‬ ‫وممتد داخل إىل البحر ‪ -‬توجد قلعة ذات بناء مجيل ومتني ‪ ،‬وهى مبنية من حجر صلد ‪،‬‬ ‫ومسلح باملدافع للدفاع عنه ضد القراصنة واألعداء اآلخرين الذين ميكن أن يهامجوه‪.219‬‬ ‫عال ذو مصباح أو فانوس ‪ ،‬والذى يضاء كل ليلة لريشد‬ ‫ويوجد فى القلعة عمود واحد ِ‬ ‫السفن القادمة ( أو التى احنرفت عن املسار ) إىل الطريق الصحيح ‪ .‬وهذا كل شىء عن‬ ‫اإلسكندرية ‪.‬‬ ‫‪ - 218‬وعن عمود بومبى ومسالت كليوباترا ودير القديس سابا ‪ ،‬انظر املالحظات عن رحلة‬ ‫أرسينى سوخانوف ‪.‬‬ ‫‪ - 219‬قلعة قايتباى ‪.‬‬ ‫‪90‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صغريا ‪،‬‬ ‫تركيا‬ ‫مركبا‬ ‫واحدا ‪ ،‬وبعد ذلك وجدت‬ ‫أسبوعا‬ ‫مكثت فى اإلسكندرية‬ ‫ً‬ ‫عائدا إىل دمياط ‪ .‬ولكنى مل أحبر عن طريق النيل ذا املاء العذب ‪،‬‬ ‫ودفعت األجرة وأحبرت‬ ‫بل عن طريق البحر املاحل ّ‬ ‫واملر ‪.‬‬ ‫وملدة يومني عانيت األمرين ألننى مل أستطع أن أحتمل االهتزازات البحرية ‪ :‬مل أستطع أن‬ ‫آكل ‪ ،‬وتقيأت أكثر من مرة بداية من اإلسكندرية حتى دمياط ‪ .‬وعندما وصلت إىل‬ ‫دمياط وجدت األى “سفينة تركية” ‪ ،‬والتى كان من املمكن أن أحبر فيها إىل بارشام‬ ‫“بر الشام ”‪ ، 220‬أى إىل األراضى الدمشقية ‪ .‬ومحدت الرب أن كل شىء مت حسب رغبتى‬ ‫وطلبى‪ ،‬ألنه كانت لدى النية أن أعود من جديد إىل طرابلس ‪ ،‬وإىل املعلم الذى أشرت إليه‬ ‫فى األعلى‪ ،‬بطلب منه وبوعد منى ‪.‬‬ ‫مكثت فى دمياط مخسة عشر ً‬ ‫يوما ‪ ،‬وعندما حتركت األى [ سفينة تركية ] إىل األرض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا‬ ‫أحيانا مرة ‪،‬‬ ‫السورية ‪ ،‬أى إىل بر الشام ‪ ،‬حيث كانت هلا عادة أن تبحر إىل هناك‬ ‫حينئذ ركبت هذه السفينة مرة أخرى ‪ ،‬والتى كنت قد وصلت على‬ ‫مرتني فى السنة ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫متنها إىل دمياط ‪ ،‬ألننى كنت أعرف الربان وباقى البحارة الذين كانوا مجيعا مسيحيني‬ ‫أرثوذكس ‪ ،‬وأخذونى معهم بدون أجرة ‪ .‬وأحبرنا من دمياط فى الثانى والعشرين من‬ ‫سبتمرب فى يوم الثالثاء قبل منتصف النهار ‪ .‬وقد أحبرنا بأمان حتى املساء والليل والصباح ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مخس وسبعون سفينة ‪.‬‬ ‫وكان عدد السفن الصغرية والكبرية فى ذلك احلني‬

‫‪ - 220‬من احملتمل أنه يقصد بريوت ‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫ •إجيناتى دينشني ( عام ‪ 1769‬أو عام ‪: 221) 1770‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قاصدا مدينة دمييت [ دمياط ] آنذاك ‪ ،‬ووصلت‬ ‫متجها إىل مصر ‪ ،‬وقد كان‬ ‫مركبا‬ ‫وجدت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إىل ذلك املكان بأمان ‪ .‬وهناك وجدت مركبا عربيا آخرا وأحبرت فى النيل ‪ .‬وفى اليوم‬ ‫السادس وصلت إىل مصر [ القاهرة ] ‪ ،‬وما إن رآنى الناس ‪ -‬أنا الغريب ‪ -‬بدأوا يسألوننى‪ :‬من‬ ‫أين ‪ ،‬وأين كنت ؟ ؛ وقلت أننى جئت من جبل آثوس ‪ ،‬وقادونى إىل أسقف جبل سيناء الذى‬ ‫ً‬ ‫أيضا من أين أنا وإىل أين أذهب ؟ ‪ .‬أجبته بأننى أريد الذهاب إىل جبل سيناء ‪ .‬وقال‬ ‫سألنى‬ ‫قداسته بأننى ال أستطيع أن أذهب إىل هناك بأى وسيلة كانت ‪ ،‬ألن العرب الربابرة احتلوا‬ ‫كل األماكن وسيسلبوننى كل شىء بالقوة ‪ .‬مكثت فى ذلك املكان ثالثة أسابيع‪،‬‬ ‫ثم مضيت ً‬ ‫قدما ‪ .‬ووصلت إىل مدينة آراكيت “رشيد” التى تقع جبانب البحر على النيل ‪،‬‬ ‫حيث قضيت أكثر من أسبوعني ‪ ،‬ومرضت باحلمى ‪ .‬واستعددت للموت ‪ ،‬وتناولت األسرار‬ ‫املقدسة ‪ ،‬ولكنى حتسنت واحلمد هلل ‪ ،‬وسافرت ‪ ،‬ووصلت إىل اإلسكندرية ‪ ،‬ووصلت‬ ‫إىل دير القديس سابا ‪ .‬وأخربنى اليونانيون أن البطريرك يوجد هنا ‪ ،‬ورأيت قداسته‪ ،‬ونلت‬ ‫الربكة ‪ ،‬وسألنى من أى البالد أنا وأين كنت ؟ ‪ .‬وقلت له أننى روسى ‪ ،‬وكنت فى القدس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كثريا من تطوافى ‪ .‬وأخذنى إىل مصر “القاهرة” ‪ ،‬ومكثت عنده ستة أشهر‪،‬‬ ‫ولقد تعجب‬ ‫وسجدت للمكان املقدس حيث عاشت أم اإلله مريم املباركة ‪ ،‬والصبى املبارك السيد‬ ‫املسيح ‪ ،‬ويوسف الذين هربوا من هريودس ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا ديرنا األرثوذكسى‬ ‫هناك مغارة ودير يعتنى بهما املسيحيون األقباط‪ . 222‬ويوجد‬

‫للشهيد العظيم جيورجى ( مار جرجس ) فى مقر البطريركية ‪ ،‬وكنيسة صانع املعجزات‬ ‫نيقوالس ‪ ،‬وال يوجد شىء آخر‪ . 223‬مدينة مصر [ القاهرة ] كبرية لدرجة أنها أكرب مرتني من‬ ‫القسطنطينية ‪ .‬ويوجد فيها ‪ 24‬ألف شارع و‪ 7‬مليون شخص ‪ .‬ويقولون أن املساجد العربية‬ ‫ألفا ‪ .‬وقد تعجبت ً‬ ‫تبلغ أكثر من ‪ً 20‬‬ ‫جدا من كثرة سكانها ‪ .‬وال يوجد هناك شتاء‪،‬‬ ‫واحلرارة عظيمة ً‬ ‫جدا ‪ .‬ومل أستطع أن أحتمل حرارة الشمس ‪ ،‬واضطررت إىل العودة إىل‬ ‫اإلسكندرية ‪ .‬وهناك مالحظات جديرة بالذكر أن النيل يفيض ثم ينقص ‪ ،‬ويزرعون‬ ‫احلبوب ‪ ،‬ويوجد حمصول وفري ‪ ،‬وعندما يزيد النيل فقط إىل النصف ‪ ،‬فإن احملصول يقل‪،‬‬ ‫ويزرعون احلقول فى شهر فرباير عندما يكون عندنا الشتاء فى أوجه ‪ .‬بعد أن حتملت‬ ‫العوز واحلرارة الشديدة ‪ ،‬أخذت الربكة من البطريرك ‪ ،‬ووجدت سفينة مبحرة من سيمرينا‪،‬‬ ‫وركبت فيها وأحبرت ‪ .‬وبعد بعض الوقت وصلنا إىل األرخبيل وإىل جزيرة بامتوس < ‪> ...‬‬ ‫‪ - 221‬نشر فى إصدار ‪ :‬وصف رحلة األب إجيناتى دينشني ‪ -‬جمموعة الفلسطينى األرثوذكسى‪-‬‬ ‫اإلصدار ‪ - 36‬سان بطرسبورج ‪ -‬عام ‪ ، 1891‬صفحة ‪ ، 24 - 22‬قام بالرتمجة ى ‪ .‬ف ‪ .‬فيودوروفا ‪ .‬تاريخ‬ ‫ً‬ ‫مبينا فى مذكراته تسلسل للرحلة‪.‬‬ ‫زيارة مصر تقريبى حيث أن دينشني طاف من ‪ 1766‬إىل ‪1776‬‬ ‫يذكر املؤلف أنه بعد مصر عاش فى بارومسا ‪ ،‬حيث تواجد فى ذلك الوقت األسطول الروسى ‪.‬‬ ‫أول رحلة أرخبيل حدثت فى ( أعوام ‪ . ) 1774 - 1769‬وبعد ذلك عاش دينشني لبعض السنوات فى آثوس ‪.‬‬

‫‪ - 222‬دينشني زار مغارة العائلة املقدسة فى القاهرة القدمية ‪.‬‬

‫‪ - 223‬املؤلف اختلط عليه األمر حيث من احملتمل أنه كتب هذا من الذاكرة ‪ ..‬الدير األرثوذكسى للقديس‬ ‫جيورجى ( مار جرجس ) يوجد فى القاهرة القدمية ‪ ،‬ومقر البطريركية مع كنيسة القديس نيقوالس‬ ‫يتواجدان فى منطقة احلمزاوى ‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫ •األرمشندريت قنسطنطني ( عام ‪: 224) 1795‬‬

‫اإلسكندرية القدمية ‪:‬‬ ‫بنيت اإلسكندرية القدمية ‪ ،‬ومتيزت بكل بهاء الفخامة الباهرة لإلسكندر املقدونى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مسرحا لتحوالت كبرية ! ‪ .‬وكم حدث هلا من أوجه اخلراب من جراء حسنها! ‪.‬‬ ‫وكم كانت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومل يعد ممكنا فى الوقت الراهن أن نناهلا جمددا ‪ .‬ولعل الشواهد الوحيدة على وجودها هى‬ ‫املوقع وامليناء وبعض اآلثار ‪.‬‬ ‫يوجد فى اإلسكندرية مينائان أال وهما القديم “الغربى” واجلديد “الشرقى”‪ ،‬وبالتسمية‬ ‫القدمية األفريقى واآلسيوى ‪ .‬ويتبع األول األتراك ‪ ،‬ويشرتك األوروبيون فى اآلخر ‪ .‬ويدافع‬ ‫عن مدخل امليناء اجلديد قلعتان بنيتا على طراز تركى قبيح ‪ ،‬وكلتاهما ال تسرتعيان‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪ ،‬غري أنهما ذائعتى الصيت من جراء أنهما تشغالن مكان املبانى القدمية‬ ‫االهتمام إال‬ ‫الرائعة ‪.‬‬ ‫تسمى القلعة األوىل من هذه القالع املذكورة الفاريلون الكبري ( الفنار الكبري )‪.225‬‬ ‫ويوجد فى منتصفها برج ذو مصباح يبعث الضوء للسفن كل ليلة ‪ .‬وهذه القلعة بنيت‬ ‫على جزيرة فاروى “فاروس” ‪ .‬ومساحتها من االتساع حبيث أنه لو كان هناك بقايا لعجيبة‬ ‫الدنيا التى بناها بطليموس ‪ ،‬فإنه ميكن افرتاض أنها مطمورة هناك‪ . 226‬وهذه القلعة‬ ‫املقابلة له ( أو الفاريلون الصغري ) ال تقدم أية شواهد لتلك املكتبة الشهرية ‪ ،‬والتى من‬ ‫حيث ندرة كتبها وتفوقها اعتربت الكنز الثمني للعامل ‪.‬‬ ‫وتتصل كال اجلزيرتني باألرض عن طريق سد امليناء ‪ .‬وسد جزيرة فارو ( س ) ميتد‬ ‫حواىل فرسخ ‪ ،‬وجزء منه مبنى بالطوب ‪ ،‬واجلزء اآلخر من احلجر املنحوت ‪ ،‬ومن حتت أقبيته‬ ‫القوطية ينساب البحر ‪ .‬ومن غري احملتمل أن العرب أو األتراك كانوا هم أوائل املخرتعني‬ ‫ملثل هذا املبنى الالفت للنظر‪ . 227‬والبقايا غري الكبرية ألطالل هذا السد بسبب اإلصالحات‬ ‫‪ - 224‬نشر فى إصدار ‪ :‬األرمشندريت قنسطنطني ‪ -‬اإلسكندرية القدمية ‪ .‬رحلة األرمشندريت‬ ‫للدير الكييفى الكاترينى واليونانى قنسطنطني ‪ .‬موسكو ‪ ،‬عام ‪ 1803‬م ‪ ،‬صفحة ‪.44 - 2‬‬ ‫ً‬ ‫يونانيا حيث أنه مع النص الروسى بالتوازى ‪ ،‬يوجد نص يونانى على‬ ‫الكاتب على ما يبدو كان‬ ‫صفحات مبهمة ‪ .‬الدير الكييفى ‪ -‬الكاترينى أسس فى عام ‪ 1748‬على مقاطعة أوصى بها‬ ‫اليونانى ستاماتى ألسقف سيناء يفجينى جبانب الكنيسة ‪ ،‬ووقع فى ملك الدير السيناوى ‪ ،‬والذى‬ ‫عني هناك أرمشندريت ‪ -‬انظر احلاج الكييفى ‪ ،‬أو دليل األديرة والكنائس الكييفية ‪ -‬كييف‬ ‫ً‬ ‫طبقا للهجاء احلديث والتنقيط ‪.‬‬ ‫ عام ‪ 1849‬م صفحة ‪ . 109‬ورد النص ملؤلفه‬‫‪ - 225‬فاريلون ‪ -‬الفنار ‪.‬‬ ‫‪ - 226‬يقصد فنار فاروس ‪ ،‬أحد عجائب الدنيا السبع فى العامل القديم ‪ .‬قلعة قايتباى يسميها‬ ‫املؤلف “فاريلون الكبري” بنيت بالفعل فى مكان فنار فاروس ‪.‬‬ ‫‪ - 227‬بنى اجلسر بالفعل أثناء عهد البطاملة ‪ ،‬لكى ُي َوصل الوقود إىل فنار فاروس ‪.‬‬ ‫‪93‬‬


‫ً‬ ‫متاما ‪ ،‬واختفت بالكامل كل معامل هذا األثر اجلميل ‪.‬‬ ‫فى العهود املختلفة قد غريته‬ ‫ويؤدى سد آخر إىل الفاريلون ( الفنار ) الصغري ‪ ،‬وفيما عدا هذين الربجني غري الكبريين‬ ‫الذين يستطيعان الصمود عند الضرورة ‪ ،‬ليس له أى ميزة أخرى ‪ .‬واملدخل نفسه املؤدى‬ ‫إىل امليناء خطر ‪ ،‬بسبب األحجار املوجودة داخل املاء وفوقه ‪ ،‬ولتفاديها تبعث السفن املالحني‬ ‫املستكشفني إىل امليناء ‪.‬‬ ‫وكم هو رائع ذلك االنطباع الذى حتصل عليه عندما تقرتب من امليناء بفضل ذلك التنوع‬ ‫الذى تراه ‪ ،‬وامتزاج اآلثار القدمية باحلديثة ! ‪ .‬ترى صف طويل من األبراج العالية ذات األسوار‬ ‫املتهدمة واملتالصقة ‪ ،‬وعلى مقربة منه توجد مسلة عالية حماطة بأطالل املبانى القريبة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا يوجد العديد من األبراج ‪.‬‬ ‫وهناك‬ ‫وتتميز اإلسكندرية اجلديدة مبساجدها ‪ .‬وعلى مسافة فى اجلزء الشماىل للمدينة‬ ‫يوجد عمود بومبى ‪ ،‬ذلك األثر القديم ‪ ،‬وكذلك بعض األكوام مثل التالل لألنقاض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأخريا يقلص كل متعة الشخص الفضوىل‬ ‫مؤثرا للخراب ‪.‬‬ ‫منظرا‬ ‫القدمية ‪ ،‬والتى متثل‬ ‫ذلك املبنى الكبري ذو األضالع األربعة ملستودع البارود املتصل بالسد الكبري ‪.‬‬ ‫وعند الوصول إىل امليناء فإن حمبى اآلثار يشاهدون قبل كل شىء مسلة كليوباترا ‪.‬‬ ‫والطريق إليها ميتد عرب أطالل مبانى عظيمة ‪ .‬وعندما تنظر إىل هذا األثر القديم ‪ ،‬وإىل‬ ‫املسلة األخرى القابعة جبوارها واملطمورة فى األرض بشكل كامل بفعل الزمن يصاب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كافيا على أن قصر امللكة الشهرية فى‬ ‫دليال‬ ‫القلب باحلزن ‪ .‬ومسلة كليوباترا تعد‬ ‫ً‬ ‫أيضا بقصر القيصر ‪ ،‬كان يوجد فى ذلك املكان‪ . 228‬ومع ذلك ال ُيرى‬ ‫التاريخ ‪ ،‬واملعروف‬ ‫فيما عدا تلك املسلتني أى بقايا لذلك املبنى العظيم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ .‬ويقع الفاريلون ( الفنار)‬ ‫توجد مسلة كليوباترا فى منتصف املدينة اجلديدة‬ ‫ً‬ ‫جزءا من قاعدتها غاص فى األرض فإن‬ ‫الصغري إىل اليسار من البحر ‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪.‬‬ ‫ارتفاعها يبلغ ‪ 28‬قدم‬ ‫ً‬ ‫سياجا هلذا األثر ‪ ،‬وهو مهدم اآلن ‪ ،‬وارتفاعه يقارب‬ ‫يوجد بني امليناء واملسلة سور حجرى يعد‬ ‫قاعدة املسلة ‪ .‬وتوجد فى أطالل السور من جهة البحر كمية كبرية من احلطام املعمارى‬ ‫املختلف ‪ ،‬والذى من خالله ميكننا أن حنكم بأنه ينتمى ألحد املبانى العظيمة‪. 229‬‬ ‫يتكون هذا احلطام من أنواع عديدة من املرمر واجلرانيت وحجر قديم ذو لون أخضر ‪ .‬ومن‬ ‫جهة اليابسة توجد أرض فضاء منقورة بعناية ‪ ،‬وفيما يبدو أنه مت فرز كل حبة غبار وبدون‬ ‫شك بدوافع مغرضة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتقريبا كل احلى امللكى فى ذلك الوقت ‪ -‬بسبب‬ ‫‪ - 228‬املؤلف غري حمق ‪ ،‬قصر كليوباترا ‪-‬‬ ‫تشوه لقشرة األرض غطس فى قاع امليناء الشرقى ‪ .‬هذا ما أظهرته أحباث علماء اآلثار حتت املاء فى‬ ‫عام ‪ 1990‬م ‪.‬‬ ‫‪ - 229‬من احملتمل هنا ‪ :‬بقايا معبد بنته كليوباترا على شرف مارك أنتونى ‪ .‬من املعروف أن‬ ‫اإلمرباطور أغسطس أقام املسالت فى العام (‪ 14‬ق‪.‬م ) جبانب هذا املعبد ‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫وتتكون املسلة من حجر جرانيتى واحد ذى أربعة أضالع ‪ .‬وقد حفرت كتابة‬ ‫هريوغليفية‪ 230‬على مجيع جوانب هذا احلجر ‪ .‬ومازالت احلروف كاملة على اثنني من‬ ‫جوانبها ‪ ،‬وعلى اجلانبني األخريني حميت بفعل الزمن ‪ .‬وعلى ما يبدو ‪ ،‬فمن املدهش أن‬ ‫القياصرة الرومان الذين كانوا جيمعون كل ما هو نادر لروما ( عاصمة العامل فى ذلك‬ ‫الوقت ) ‪ ،‬مل ينقلوا هذه املسلة قبل كل شىء ‪ ،‬ورمبا أن الوجهني املشوهني والتالفني بفعل‬ ‫الزمن ساعدا على أن تبقى هذه املسلة فى مكانها ‪.‬‬ ‫ويرجح بعض املؤرخني أن هاتني املسلتني املشار إليهما كانتا موجودتني فى قصور‬ ‫كليوباترا نفسها ‪ ،‬مع عدم الذكر فى أى مكان بالذات كانتا موجودتني فيه ‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫وبدون شك فإن هذين األثرين أقدم من اإلسكندرية ‪ ،‬ومأخوذين من مكان ما فى مصر‪، 231‬‬ ‫حيث أنه قبل وجودهما كان استعمال وأهمية الكتابة اهلريوغليفية قد اندثرا‪. 232‬‬ ‫ومن املسلة إىل الفنار الصغري على امتداد شاطئ البحر توجد أطالل صاالت أعمدة مهدمة‪،‬‬ ‫وقباب ‪ ،‬وقنوات مائية ‪ ،‬وهى فى حالة من االختالط والفوضى ‪ ،‬حتى أنه ال ميكن ختيل‬ ‫املالمح احلقيقية لشكل املبنى السابق ‪ .‬ميكن االفرتاض فقط بأن هذه األجزاء كانت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأنيقا ‪ .‬وفضول الرحالة كان ميكن أن ميتد إىل أبعد من ذلك ‪،‬‬ ‫كامال‬ ‫شيئا‬ ‫تشكل‬ ‫ألطالل املكتبة البطلمية الشهرية ‪ ،‬لو مل مينع ذلك جهل ووسواس حامية الفنار الصغري‪.‬‬ ‫حيث كان يسمح فقط مبشاهدة األبراج البيضاوية الكبرية والسياج القائم بينها ‪،‬‬ ‫والذى يعد ً‬ ‫جزءا من السور حول مدينة اإلسكندرية القدمية ‪ ،‬ولكن هل كان السور األول‬ ‫قائم أم أنه ُبنى فيما بعد ؟ ؛ عن ذلك سأطرح بعض التصورات ‪.‬‬ ‫هناك أبراج كاملتاريس خمتلفة األحجام واألشكال ‪ ،‬بعضها دائرى ‪ ،‬والبعض اآلخر‬ ‫ذو أربعة أضالع ‪ ،‬وبناؤهما غري صحيح على اإلطالق ‪ ،‬إذ ميكن القول بأنها مسوخ من‬ ‫الناحية املعمارية ‪.‬‬ ‫فالتكوين الداخلى لألبراج يتوافق مع الفوضى فى شكلها اخلارجى ‪ :‬بعض األبراج هلا‬ ‫سلم مزدوج وسلم حجرى يؤدى إىل األعلى ‪ ،‬وفى األبراج األخرى ال يوجد مدخل غري فتحة‬ ‫ضيقة فى قبو ‪ ،‬وللوصول إليه ينبغى التسلق على سلم نقال ‪ ،‬وترتكز قباب كل الطوابق‬ ‫بدون سيميرتية ( تناسق ) ‪ ،‬ففى مكان ما ترتكز على عمود واحد ‪ ،‬وفى مكان آخر‬ ‫على الكثري من األعمدة ‪ ،‬وفى مكان ثالث على عماد كبري رباعى األضالع ‪ .‬وتنتشر‬ ‫ً‬ ‫حطاما‬ ‫املزاغل فى كل حميطات األبراج ‪ ،‬ومن فتحات الصفوف السفلية للمزاغل ترى‬ ‫‪ - 230‬احلرف اهلريوغليفى هو عالمة كتابة جمهولة ومعناه جمازى ‪ .‬واستخدم املصريون القدماء‬ ‫هذه احلروف فى األعمال اخلاصة بالدين والعلم والفنون ( مالحظة الكاتب ) ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ - 231‬املسالت أعدت وأقيمت فى هيلوبولس بأمر من الفرعون حتتمس الثالث حواىل ‪ 1450‬قبل‬ ‫امليالد ‪ ،‬والكتابة عليها أضافها الفرعون رمسيس الثانى بعد مرور مائتى عام ‪ ،‬وحتكى عن‬ ‫انتصاراته احلربية ‪.‬‬ ‫‪ - 232‬غري صحيح ‪ -‬استخدمت الكتابة اهلريوغليفية حتى القرن الرابع امليالدى ‪ .‬وكانت آخر‬ ‫كتابة هريوغليفية على أحد معابد جزيرة فيلة بالقرب من أسوان عام ‪ 394‬ميالدية ‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫وسيقان أعمدة مرمرية فى وضع املدافع املصوبة ‪ .‬كل هذه املبانى مت بناؤها فى صورة‬ ‫رديئة بأحجار من النوع الرملى املنحوت ‪.‬‬ ‫احلوائط بني األبراج كاألبراج خمتلفة وبالية وحمطمة ‪ ،‬ويبلغ ارتفاعها فى مكان‬ ‫ما ‪ 40‬قدم‪ 233‬وفى مكان آخر ‪ 50‬قدم ‪ ،‬وسمُ كها ‪ 20‬قدم أو أقل ‪ .‬مثل هذا ُ‬ ‫السمك قادر‬ ‫على صد الضربات القوية آللة َ‬ ‫الك ْبش ‪ ،‬ذاك العمالق القديم الذى كانوا يكسرون به‬ ‫األسوار ‪ ،‬أو على األقل كان من املمكن أن تكون شاهدة على قدمها ‪ ،‬وأنها قائمة منذ‬ ‫ً‬ ‫وثانيا ‪ ،‬هذا‬ ‫بداية بناء اإلسكندرية القدمية ‪ ،‬التى اشتهرت فى التاريخ باتساع حدودها ‪.‬‬ ‫االستخدام العشوائى للمواد الـثمينة ‪ ،‬وذلك اخللط الذى ال يرى فيه أى ذوق أصيل وصائب‬ ‫دليل على أنه ليس من عصر اإلسكندر والبطاملة أو الرومان بسبب الشكل اخلشن وغري‬ ‫ً‬ ‫وخالف لذلك فهو ميكن أن يكون إىل حد بعيد على‬ ‫الالئق الذى ُاتخُ ذت منه األشياء ‪،‬‬ ‫الطريقة اإلسالمية أو الرببرية ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫األعمدة القائمة هناك بالفعل سكندرية أصيلة ‪ ،‬أو أخذت من قصر كليوباترا ‪ ،‬فلو‬ ‫كانت من منف لتضمنت كتابة هريوغليفية ‪ ،‬والتى ال ترى ال على األعمدة ‪ ،‬وال على‬ ‫األضالع األربعة املرمرية املتناثرة بعشوائية ‪ .‬ومن كل هذا يتبني أن املسلمني إزاء خراب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن املساحة األوىل بقدر ما دعت‬ ‫سياجا حول أنفسهم‬ ‫اإلسكندرية‪ 234‬القدمية أقاموا‬ ‫الضرورة لتحصينهم وأمنهم والتيسرات الكبرية لتجارتهم ‪.‬‬ ‫ال يوجد اآلن فى داخل املدينة شىء آخر غري أكوام األنقاض ‪ ،‬وثالثة أديرة ‪ ،‬وبعض‬ ‫احلدائق واملساجد ‪ ،‬وخزانات املياه املدخرة لسد احتياجات املدينة ‪.‬‬ ‫الدير األول املكرس السم القديس سابا فى حالة طيبة ‪ ،‬ويتبع بطريرك اإلسكندرية‪،‬‬ ‫ويقوم على أمره رئيس الدير حيث يعد املعبد الوحيد للقاطنني والقادمني من املسيحيني‬ ‫اليونانيني ‪ .‬ويوجد فيه مبنى جانبى صغري فى اجلهة اليسرى للقديسة الشهيدة العذراء‬ ‫كاترينا ‪ ،‬حيث يحُ تفظ جبزء من املرمر الذى قطع عليه رأس هذه القديسة ‪.‬‬ ‫يوجد دير آخر كاثوليكى على اسم القديسة كاترينا يقوم على أمره رئيس الدير مع‬ ‫إخوانه الرهبان الكبوشيني ‪ .‬ويوجد دير ثالث قبطى لإلجنيلى مارك ( مرقس ) حتت رعاية‬ ‫ً‬ ‫وطبقا ألساطريهم فإن ذاك هو املنرب الذى من فوقه‬ ‫رهبان هذه الطائفة ‪ ،‬وفيه منرب خشبى ‪،‬‬ ‫بشر بالديانة ‪.‬‬ ‫يوجد بني األديرة اليونانية والكاثوليكية مسجد ضخم نصفه خاىل مبنى على الطراز‬ ‫ً‬ ‫وطبقا للرأى العام فإنه كان فى وقت ما كنيسة اإلبراشية الرئيسية على‬ ‫القديم الرائع ‪،‬‬ ‫‪235‬‬ ‫اسم القديس يوحنا الرحيم ‪.‬‬ ‫‪ - 233‬ا قدم = ‪ 30.48‬سم ‪.‬‬ ‫‪ - 234‬وهذا تدعمه إحدى الكتابات القدمية املوجودة على حجر بعض البوابات ( مالحظة‬ ‫الكاتب ) ‪.‬‬ ‫‪ - 235‬إيوان الرحيم ( مات حواىل عام ‪ 619‬م ) ‪ ،‬وهو بطريرك اإلسكندرية األرثوذكسى الذى‬ ‫اشتهر بأعماله اخلريية ‪.‬‬ ‫‪96‬‬


‫وعلى مسافة ليست بعيدة عن دير القديس سابا توجد حتى اآلن بقايا قصر القديسة‬ ‫األمرية كاترينا ‪ .‬وبعدها يوجد تالن عاليان من احلطام سحقهما الباحثون عن الكنوز‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا يغسل املطر احلجارة‬ ‫لدرجة أنهما اآلن يكونان ارتفاعات مذهلة من الغبار ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫املنقوشة ‪ ،‬واملعروفة باسم األنتيكات‪ 236‬أو أشياء مماثلة ‪ ،‬ونادرا ما يتم العثور فيهما على‬ ‫شىء ‪.‬‬ ‫ولقد قدم املسلمون إىل اإلسكندرية كما قدم القوط والرببر إىل إيطاليا وروما ‪،‬‬ ‫وانتزعوا األحجار من اخلوامت بنصل احلديد ‪ ،‬وأخذوا ذهب اخلوامت ‪ ،‬وتركوا أحجارها ‪ .‬وهذا‬ ‫ميكن أن نراه فى كثري من األنتيكات التى يتم العثور عليها حتى اليوم ‪.‬‬ ‫يوجد فى الطريق املؤدى إىل بوابات بومبى‪ 237‬ست من األعمدة اجلرانيتية قائمة ‪ ،‬وغري‬ ‫معروف هل كانت تشغل جانبى هذا الشارع الطويل ‪ ،‬أم أنها كانت تشكل بهو أعمدة‬ ‫على النمط القديم ‪ ،‬وهى مجيعها بدون زخرفة وبدون تيجان ‪ ،‬وماذا مينعنا من حل اللغز؟؛‬ ‫هل هى أمناط لفن عمارة ما أم أنها صنعت على الطريقة املصرية ؟ ؛ السطح اخلارجى هلا‬ ‫ً‬ ‫مسكا وأرق فى األعلى ‪ ،‬وعلى الرغم من أن اجلزء الثالث قد‬ ‫أملس ‪ ،‬وفى األسفل هى أكثر‬ ‫ً‬ ‫تقريبا فى األرض ‪ ،‬مع ذلك يبدو أن مجيعها فى احلجم سواء ‪ .‬وعلى أية حال ‪ ،‬فإنها‬ ‫غاص‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تشغل مقاما عاليا بني معامل اإلسكندرية ‪ .‬وعلى مسافة نصف فرسخ من بوابات بومبى‬ ‫عال ‪ .‬ومن هناك يرتائى للعني منظرين رائعني ‪ ،‬املنظر األول‬ ‫يطل عمود بومبى من‬ ‫مكان ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املرتجم‬ ‫لإلسكندرية ‪ ،‬واآلخر للوادى املمتد بطول نهر النيل ‪ ،‬وحييط باخلليتش‪“ 238‬اخلليج”‬ ‫والرتعة التى حفرت مشال روزيتا “رشيد” إلمداد اإلسكندرية باملاء ‪ .‬ومن حيث الصنع فإن‬ ‫ً‬ ‫مصريا ‪ ،‬غري أنه صنع من املرمر املصرى ‪ .‬ويتكون هذا‬ ‫عمود بومبى فى احلقيقة ليس‬ ‫العمالق املدهش من ثالثة أجزاء فقط من حجر واحد من املرمر ‪ .‬والقاعدة مصنوعة من حجر‬ ‫رمادى ذو طبيعة صخرية ‪ ،‬واجلزء األوسط جرانيت وردى‪ ، 239‬والتاج أو القمة مصنوع من‬ ‫مرمر فريد ‪ .‬ويبلغ ارتفاع هذا العمود ‪ً 53‬‬ ‫قدما ‪ ،‬وقطره ‪ً 14‬‬ ‫قدما‪. 240‬‬ ‫يفوق هذا األثر من حيث الضخامة والتناسب واجلمال املدهش كل ما يوجد فى النمط‬ ‫الكورنثى‪ . 241‬وظن رجل عربى أنه توجد جموهرات حتت قاعدة عمود بومبى ‪ ،‬وإزاء رغبته‬ ‫فى االستيالء عليها ‪ ،‬أراد أن ينسفه بالبارود ‪ ،‬ولكن لكونه غري متخصص فى هذا اجملال‪،‬‬ ‫‪ - 236‬األنتيكات ‪ :‬األشياء القدمية ‪.‬‬ ‫‪ - 237‬هذه األبواب ليس هلا مسمى ‪ ،‬ولذلك سأمسح لنفسى أن أمسيها بوابات بومبى بسبب وجودها‬ ‫ً‬ ‫قريبا من العمود ( مالحظة املؤلف ) ‪.‬‬ ‫‪ - 238‬خليتش ‪ -‬يبدو أنها تشويه للكلمة العربية ( خليج ) ‪.‬‬ ‫‪ - 239‬فى رأى البعض هذه األعمدة القدمية صنعوها من املعدن املنصهر ‪ ،‬وليس عن طريق الصقل‬ ‫( مالحظة املؤلف ) ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سمُ‬ ‫‪ - 240‬املؤلف يقلل من ارتفاع العمود ( ‪ 16.15‬مرت بدال من ‪ 27‬مرت ) ‪ ،‬ويزيد فى كه ( ‪4.27‬‬ ‫ً‬ ‫بدال من ‪. ) 2.7‬‬ ‫‪ - 241‬النمط الكورثنى أحد ثالثة أمناط كورثنية يونانية ‪ ،‬والتى تكون مليئة بالنقوش ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى عمود بومبى ‪.‬‬ ‫عادة قطر العمود عشرة أمثال ما هو موجود فى االرتفاع ‪ ،‬والذى يوجد‬ ‫‪97‬‬


‫فإن العمود مل يقع وإمنا خلع من حتته أربعة من احلجارة ‪ ،‬وبقى اجلزء الرابع من أساس العمود‬ ‫ً‬ ‫سليما ‪ ،‬وكذلك الوسط واجلهات الثالث األخرى ‪ .‬وكشفت احملاولة الفاشلة هلذا اهلمجى‬ ‫عن األحجار التى يرتكز عليها العمود ‪ ،‬األمر الذى أدى إىل إسعاد الفضوليني فقط‪ .‬ويتميز‬ ‫من بينها احلجر األبيض الشرقى الذى نقشت عليه بالكامل عالمات هريوغليفية ‪ ،‬وحجر‬ ‫آخر صقلى ( أصغر ) مع خليط قرمزى ‪ ،‬غري أن الكتابة اهلريوغليفية قد زالت عنه ‪.‬‬ ‫وفى رأى الكثري من الرحالة والقاطنني هناك أن هذا العمود يرتكز بتوازن مدهش على‬ ‫احلجر األوسط ‪ .‬وإذا اجتزت فرسخني من املكان الذى يوجد فيه عمود بومبى عرب األرض‬ ‫املكشوفة والرحبة فسرتى على اجلانب األيسر اخلليتش “اخلليج” ‪ ،‬وقناة كليوباترا ‪،‬‬ ‫وأشجار متنوعة ‪ ،‬أغلبها من النخيل الذى يلقى بظالله عليه ‪ .‬وهناك قرى كاملة للبدو‬ ‫الرحل أو العرب األفارقة الرحل تعيش فى فقر مدقع ‪ ،‬ويسكن هؤالء العشش مثل الطيور‬ ‫احمللقة ‪ ،‬ومكوثهم فى مكان ما يعتمد على خصوبة األرض التى يقيمون عليها ‪.‬‬ ‫وعندما تضن الطبيعة فى منح خرياتها ‪ ،‬فإنهم يذهبون للبحث عن خصب جديد ‪ .‬تلك هى‬ ‫حرية احلياة ونعمة فقرهم ‪ ،‬فلو كانوا أغنياء لكانوا تابعني ‪.‬‬ ‫ونعرف من التاريخ أن سري السفن من القاهرة إىل اإلسكندرية عرب البوغاز ومصب نهر‬ ‫ً‬ ‫النيل غري آمن ‪ ،‬وبغرقها تلحق بالتجارة خسائر فادحة ‪ ،‬هذا ً‬ ‫وثانيا ‪ ،‬النقص التام للمياه‬ ‫أوال ‪.‬‬ ‫العذبة أو التى يستعملها الكافة كانت السبب فى وجود القناة املذكورة ‪ ،‬وبسبب عدم‬ ‫وجود بطانة حجرية من الناحيتني ‪ ،‬أصبحت القناة مثل احلفرة القذرة ‪ ،‬ومير املاء من خالهلا‬ ‫ً‬ ‫ضعيفا إىل خزانات املياه ‪ .‬وحرم كساد التجارة واخلراب التام لإلسكندرية سكانها من‬ ‫إمكانية االحتفاظ بهذه القناة النافعة فى حالتها األوىل عندما كانت متلئ عدد غري‬ ‫عادى من اآلبار‪ 242‬التى بقى منها ستة آبار فقط ‪ .‬والطوب الذى استخدم فى بناء هذه اآلبار‬ ‫قد مت إعداده من مادة خاصة ال تسرب املاء ‪ ،‬وكان القدماء يدهنون بهذه املادة كل خزانات‬ ‫املياه ‪ ،‬وأماكن التدفئة ‪ ،‬واحلمامات العامة القدمية التى بناها بعض األباطرة فى روما‬ ‫والقسطنطينية ‪.‬‬ ‫ويؤكد اختالف أنواع األعمدة التى ترتكز عليها القباب فوق اآلبار ‪ ،‬ووجود الذوق‬ ‫القوطى أو اإلسالمى فيها أنها ليست فى شكلها األول ‪ ،‬ولكن كما قيل ً‬ ‫آنفا عن‬ ‫اإلسكندرية ‪ .‬وعندما مت ختريبها واقتضت احلاجة إىل جتديد البعض منها ‪ ،‬فإنها مجعت‬ ‫سع إىل عمل شىء شبيه مبا كانت عليه ً‬ ‫من مواد وأجزاء خمتلفة ‪ ،‬ومل ُي َ‬ ‫قبال ‪ .‬وحيث أن‬ ‫هذه اآلبار كانت خزانات للمياه بدون تنظيف دورى واجب ‪ ،‬فيتم سحب املاء منها بواسطة‬ ‫ً‬ ‫خصيصا هلذا الغرض ‪ ،‬وحيمل على‬ ‫مضخات مائية تصب فى قرب جلدية كبرية صممت‬ ‫اجلمال أو على احلمري إىل اإلسكندرية اجلديدة لبيعه ‪.‬‬ ‫ومت تدمري الكثري من اآلبار بسبب ذاك العمل املرهق والنفقات الباهظة املؤدية لإلفالس‬ ‫وعدمية اجلدوى من أجل تنظيفها ‪ ،‬حيث أن كمية املياه تفوق حد احلاجة للسكان‬ ‫‪ - 242‬فى الواقع هذه صهاريج لتخزين املاء وليست آبار ‪.‬‬ ‫‪98‬‬


‫القليلني اآلن فى املدينة اجلديدة ‪ ،‬مما أدى إىل ركودها وفسادها وتعفنها ‪ ،‬ومن ثم أدى‬ ‫ذلك إىل انتشار العدوى ‪ .‬وكان لغلق القناة وعدم جريان تيار املاء فيها عواقب وخيمة‬ ‫بالفعل ‪.‬‬ ‫واآلن فى معرض نقاشنا عن املدينة القائمة فى داخل حدودها يتبقى أن نتكلم عن‬ ‫بوابتني ‪ ،‬وهما اللتان يوجد بينهما وبني اإلسكندرية اجلديدة ميدان فسيح يستخدم‬ ‫كمنتزه مسائى عام لألوروبيني القاطنني هناك ‪.‬‬

‫‪99‬‬


‫ •بوابات روزيتا “رشيد” األخرى‪: 243‬‬

‫اآلثار احمليطة باإلسكندرية‬ ‫حيوى امليناء القديم الذى مسى فى وقت ما باألفريقى ‪ ،‬والواقع فى جزيرة فاروى [ فاروس ] ‪،‬‬ ‫قلعة غري كبرية على الربزخ فى مواجهة الفاريلون “الفنار” املتصل باجلزيرة ‪.‬‬ ‫تعد اآلثار القريبة من سياج اإلسكندرية مغارات جنائزية ‪ ،‬وممرات حتت األرض ‪،‬‬ ‫ومساجد ‪ ،‬ومحامات إىل آخره ‪ .‬ويظهر شكل وتكوين املغارات فيما كانت تستخدم به‪،‬‬ ‫فقد كان الفضاء فى كل منها خمصص لدفن صفني من اجلثث البشرية التى حفر هلا‬ ‫فى احلجر ‪ ،‬وهلا من القدم ما ألطالل اإلسكندرية بوجه عام ‪ .‬وهى تشغل مسافة كبرية‬ ‫بامتداد شاطئ البحر ‪ .‬وفتحت يد الطمع الضارية مجيع هذه املقابر ‪ ،‬واآلن مجيعها خاوية‬ ‫مغر للطامعني ‪.‬‬ ‫وال يوجد فيها شىء ٍ‬ ‫ً‬ ‫ومالذا لالسرتخاء ‪ ،‬وتشكل الصخور الضخمة‬ ‫تعد الشواطئ الساحلية خلوة طيبة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الناتئة من الشاطئ ‪ ،‬والشقوق الكئيبة منظرا موحشا للمغارات الطبيعية ‪ .‬زيادة على‬ ‫ذلك ‪ ،‬فقد مت حنت معابد كاملة فى الصخور لسهولة ذاك املوقع الطبيعى واألحجار اللينة ‪.‬‬ ‫وكانوا يستخدمونها كأحواض استحمام وملجأ للسفن الصغرية أثناء العاصفة ‪ .‬ولكى‬ ‫تشاهد امليناء بأفضل طريقة ممكنة ينبغى النظر من مكان ظليل فى أعلى هذه املغارات‬ ‫حيث ال تنفذ الشمس هناك ً‬ ‫أبدا ‪ ،‬وحيث ترى وال ُترى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معبدا‬ ‫خليجا‬ ‫يوجد على بعد خطوات من الشاطئ فى مواجهة شبه اجلزيرة التى كونت‬ ‫حتت األرض ‪ ،‬والذى يدخلونه منحنني عرب فتحة ضيقة ‪ .‬ويؤدى هذا الطريق املنخفض‬ ‫الكئيب حتت األرض املضاء باملشاعل إىل صالة كبرية فيها السقف واحلوائط مستوية‬ ‫وملساء ‪ ،‬واألرضية مغطاة بالرمل وبكل أنواع القاذورات من الفئران الطائرة واألشياء‬ ‫ً‬ ‫معبدا اآلن ‪ .‬ويؤدى معرب آخر حتت األرض إىل معبد‬ ‫الكريهة األخرى ‪ ،‬غري أن هذا مل يعد‬ ‫دائرى بسقف مقبب له أربعة أبواب متقابلة ‪ .‬واألبواب مزينة بكورنيش ‪ ،‬وعلى واجهة‬ ‫كل واحد منها ُرسم هالل ‪ .‬واحد من تلك األبواب مفتوح ‪ ،‬واألبواب الثالثة األخرى هى‬ ‫جتاويف فى احلائط أسفل مستوى األرضية ‪ ،‬وحيتوى كل واحد منها على مكان واحد‬ ‫منحوت فى احلجر ‪ ،‬واآلن هو خاو ‪ ،‬وكان ‪ -‬فيما يبدو ‪ -‬فى سالف األزمان ً‬ ‫قربا ألحد الوجهاء أو‬ ‫ٍ‬ ‫مللك ما ‪ .‬وهذا جمرد ختمني حيث أنه ال توجد أية كتابة دالة على ذلك ‪ ،‬فكل التأكيدات‬ ‫بهذا الشأن تبقى جمرد افرتاضات ‪.‬‬ ‫‪ - 243‬البوابات الروزتية توجد فى ناحية روزيتا ( التسمية األوروبية لرشيد ) إىل الشرق من املدينة ‪.‬‬ ‫‪100‬‬


‫واملمر الذى يؤدى فيما يبدو إىل ُحجرة أخرى حتت األرض حصني ومنيع ألى جمرب شجاع‪،‬‬ ‫ألنه انهار بسبب القدم ‪ ،‬وهذا حيدث بالطبع مع املشار إليها ً‬ ‫آنفا ‪ ،‬والذى جيعل املمر املؤدى‬ ‫ِ‬ ‫إليها من وقت آلخر أضيق أو أقصر‪. 244‬‬ ‫وبالقرب من البحر على قمة منحدر صخرى ‪ ،‬يوجد حفر عميقة رباعية األضالع ذات‬ ‫تقريبا ‪ ،‬وعرضها ‪ً 20‬‬ ‫ً‬ ‫حوائط عمودية ‪ ،‬يبلغ عمقها بالنظر ‪ً 60‬‬ ‫قدما ‪ .‬ولكن أصابتها‬ ‫قدما‬ ‫القاذورات ‪ُ ،‬‬ ‫وم ِلئت حتى أنه بالكاد ترى الفتحة التى فى أسفلها ‪ ،‬والتى بدون شك تؤدى إىل‬ ‫مغارة ما حتت األرض ‪ .‬ومن غري املعروف متى وألى غرض كان قد مت إنشاؤها ‪.‬‬ ‫وكان يشغل هذا املكان فى وجود اإلسكندرية فورشتات‪ ، 245‬ومسى املدفن الكبري‬ ‫أى مدينة املوتى ‪ .‬وكانت تزينه احلدائق واملواد املالئمة للمقابر ‪.‬‬ ‫وإذ مل أنتهى من الوصف الكامل ‪ ،‬أقدم بعض اآلراء خبصوص القضايا املثارة بشكل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫مباشر ‪ :‬من أين أخذت وأحضرت مثل تلك الكمية الرائعة من املرمر واجلرانيت لبناء‬ ‫اإلسكندرية ؟ ؛ وأين تالشت بعد خرابها ؟‬ ‫ً‬ ‫بعيدا ‪ ،‬فالذى ‪ -‬إن جاز التعبري ‪ -‬حتت أيدينا كان يوجد‬ ‫داع أن نبحث‬ ‫مل يكن هناك من ِ‬ ‫‪∗246‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فى أنقاض منف ‪ ،‬ومن هذه األنقاض ‪ ،‬كما من رفات العنقاء ولدت اإلسكندرية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مفتوحا تشغل مساحتها‬ ‫مكانا‬ ‫وهذا أغلب الظن ‪ ،‬ذلك أن تلك العاصمة القدمية ملصر تعد‬ ‫ً‬ ‫راكبا ‪ .‬هناك فى كل مكان توجد اآلثار من بقايا اجلرانيت ‪،‬‬ ‫مسرية ثالث ساعات‬ ‫واحملفور عليها كتابات هريوغليفية وأشكال عديدة مبعثرة ‪ ،‬باإلضافة إىل الكتل‬ ‫احلجرية الضخمة ‪ .‬من احملتمل ‪ ،‬وبدون هذه الطريقة ‪ ،‬مل تكن اإلسكندرية لتصل إىل‬ ‫تلك احلالة من األناقة والكمال املتنوع مثل ما كانت فى أفضل فرتة فى تارخيها ‪.‬‬ ‫وسيقول البعض أمل يكن فى وسع اإلسكندر األكرب ‪ ،‬البطل الكريم ‪ ،‬أن يدمر‬ ‫املدينة الشهرية ( منف ) فقط لكى يبنى منها مدينة أخرى حتمل امسه ؟ فى احلقيقة ‪،‬‬ ‫كان هذا ال يناسب إنسان عظيم مثله ‪ .‬غري أن احلالة التى كانت عليها مدينة منف إبان‬ ‫اإلسكندر كانت تربر هذه املسلك ‪ .‬ذلك أنه عندما دخل مصر ‪ ،‬كانت املعابد والديانة‬ ‫ُ‬ ‫فى منف قد أطيح بهما ‪ ،‬وأبعد الكهنة إىل الصحراء ‪ ،‬ومعبوداتهم أخذها قمبيز كسرى‬ ‫فارس‪. 247‬‬ ‫‪ - 244‬املؤلف ‪ -‬على األرجح ‪ -‬يصف املدفن اليونانى الكبري ‪.‬‬ ‫‪ - 245‬فورشتات ( األصوب فورستادت ) ضاحية ‪.‬‬ ‫‪ « ∗ - 246‬كما من رفات العنقاء ولدت اإلسكندرية » املؤلف يريد بهذه العبارة أن يقول أن‬ ‫ً‬ ‫طبقا‬ ‫اإلسكندرية ولدت من أنقاض منف ‪ ،‬كما تولد عنقاء جديدة من رماد عنقاء ميتة وحمرتقة‬ ‫لألسطورة “املرتجم” ‪.‬‬ ‫‪ - 247‬استنتاجات املؤلف مبنية على معلومات املصادر القدمية املتناثرة ‪ ،‬وغري الصحيحة فى أغلب‬ ‫األحوال ‪ .‬ذلك أن الفرس تعاملوا باحرتام مع عقيدة املصريني ‪ ،‬ويؤيد ذلك املعابد القدمية التى بنيت‬ ‫ً‬ ‫فعليا حتى الفتح‬ ‫أثناء حكمهم ‪ ،‬ومنف بدأت فى األفول التدرجيى بعد بناء اإلسكندرية ‪ ،‬وبقيت‬ ‫العربى ‪.‬‬ ‫‪101‬‬


‫ً‬ ‫أحجارا من مبانى ومعابد منف غري مدنسني‬ ‫وهكذا ‪ ،‬فإن اإلسكندر وخلفاؤه أخذوا‬ ‫يبد الشعب املصرى أى سخط أو كره جتاههم من جراء أن أطالل معابدهم وبسببهم‬ ‫إياها‪ ،‬ومل ِ‬ ‫هم أنفسهم باالستخدام غري املناسب كانت بالفعل ال يعتد بها ‪ ،‬وقد مت استخدامها فى بناء‬ ‫ً‬ ‫حتما ستعاد فيها عبادتهم القدمية ‪.‬‬ ‫معابد أخرى كانت‬ ‫ونتساءل اآلن ‪ :‬كيف مت نقل هذه املواد الكثرية ؟‬ ‫ً‬ ‫حتما ساعد فى ذلك نهر النيل وقناة كليوباترا ‪ .‬والفهم الطبيعى ذاته يؤدى إىل االعتقاد‬ ‫بأن هذه القناة كانت قائمة عند وضع أساس اإلسكندرية ‪ ،‬فقد كانت ضرورية ألن‬ ‫موقعها ليس به ماء خاص صاحل للشرب ‪ ،‬وكانت تأخذه فقط من هذه القناة ‪.‬‬ ‫ومن غري احملتمل كذلك ‪ ،‬أنهم كانوا يسافرون للحصول على املاء من مصب النهر ذلك‬ ‫ألنه ‪ً -‬‬ ‫أوال ‪ -‬عندما يصب النيل فى البحر ينشر فى نفسه وملسافة بعيدة امللوحة املالزمة‬ ‫للبحر ‪ ،‬وهذا جيعل املاء غري صاحل لالستخدام ‪ .‬ومثل تلك السفرة ( الذهاب واإلياب ) ال‬ ‫تستغرق أقل من أسبوعني ‪ ،‬لذلك على األرجح نفرتض أن القناة حفرت ً‬ ‫أوال وقبل كل شىء‬ ‫ً‬ ‫أيضا للمالحة ‪ .‬على‬ ‫فى اإلسكندرية ‪ ،‬ومل تكن لتوصيل املياه فقط ‪ ،‬ولكنها كانت‬ ‫ً‬ ‫كل حال ‪ ،‬كان يقوم بالغرض أنبوب موصل للمياه ‪ ،‬ولكنه كان بالفعل ممتدا من‬ ‫القناة إىل املدينة ‪ ،‬وكان للقناة تيار مباشر إىل البحر جبانب اإلسكندرية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دليال على أنها هى‬ ‫تيمنا باسم كليوباترا ‪ ،‬فهذا ليس‬ ‫وأما خبصوص أن القناة مسيت‬ ‫التى حفرتها ‪ .‬فلرمبا كانت أعمال الرتميم والنزهات واالحتفاالت التى أجرتها تلك امللكة‬ ‫الشهرية فى عهدها هو الذى أعطى القناة امسها ‪ .‬هذه هى اآلراء املختلفة للعديد من الرحالة ‪.‬‬ ‫وفى رأى الشخصى فإن هذه القناة قدمية قدم اإلسكندرية ‪ ،‬إذ أن الشواهد تؤكد‬ ‫أن التجارة فى مصر كانت متتد مع تقلبات الزمن بامتداد نهر النيل مثلها مثل صوجلان‬ ‫الفراعنة ‪ .‬وفى البداية كانت على أيدى الفراعنة القدماء فى تيبايادا‪ ، 248‬ثم على يد‬ ‫ً‬ ‫وختاما على يد اإلسكندر املقدونى‬ ‫سنوسرت القوى الذى شق قنوات مفيدة فى منف‪، 249‬‬ ‫باختاذه وسائل نافعة عند الكسوف الكامل وآخر بريق لصوجلان وجتارة منف ‪ ،‬وذهابهما‬ ‫( الصوجلان والتجارة ) إىل املدينة اجلديدة ‪ -‬مدينة اإلسكندرية ‪ -‬التى بناها بنفسه على‬ ‫شاطئ البحر ‪ .‬وال توجد فى خرائب اإلسكندرية ‪ ،‬فيما عدا املسالت واألساسات املرمرية‬ ‫ً‬ ‫حتما تزين كل‬ ‫وعمود بومبى ‪ ،‬أية كتابات هريوغليفية على أى شىء ‪ ،‬والتى كانت‬ ‫عمود وكل جزء من أى مبنى فى منف ‪ .‬وذلك يرجع إىل أن اليونانيني إزاء عدم امتالكهم‬ ‫للثروات والكنوز املصرية ‪ ،‬وإزاء عثورهم مع ذلك على ذوق عمارتهم املختلط بالفوضى‬ ‫املبهمة فقد ابتعدوا عنه كلية ‪ .‬وفى عصر اإلسكندر املقدونى وخلفاؤه اقتبس اليونانيون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجاال ‪،‬‬ ‫خمتلفا وأكثر‬ ‫شكال‬ ‫من مصر األسس األولية لفن العمارة ‪ ،‬ولكنهم بإعطائه‬ ‫‪ - 248‬تيبايادا ( فيفايادا ) هى مصر العليا مع عاصمتها فى طيبيس ‪.‬‬ ‫* ( فيفا ) يقصد بها كلمة طيبة ‪ ،‬االسم القديم لألقصر عند اإلغريق والرومان [ املرتجم ] ‪.‬‬ ‫‪ - 249‬املؤلف فيما يبدو يقصد الفرعون سنوسرت “سيزوسرتيس” ( ‪ 1874 - 1880‬قبل امليالد )‬ ‫والذى بنى أثناء حكمه فى واحة الفيوم غري البعيدة عن منف منظومة كبرية للرى ‪.‬‬ ‫‪102‬‬


‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬فقد مت‬ ‫وبتشكيل أمناط أخرى لذلك الفن ‪ ،‬والتى كانت أسهل وأمجل وأكمل‬ ‫عبادة أولئك املخرتعني األوائل هلذا الفن ‪.‬‬ ‫واعتقد اإلسكندر األكرب كونه ميال لعادات وطنه ‪ ،‬وللكربياء الفطرى لإلنسان ‪،‬‬ ‫وإزاء سعيه للتفوق فى كل أعماله عن كل من سبقوه أنه من غري الالئق له أن يتخلق‬ ‫بعادات املمالك التى غزاها ‪ .‬فلقد بنى اإلسكندرية على طراز إغريقى خالص ‪ ،‬حيث أن‬ ‫طراز العمارة اليونانية كان أرفع وأرق إىل حد بعيد ‪ ،‬فى حني أن العمارة املصرية كانت‬ ‫أغلظ وأضخم ‪ ،‬أى من األخرية إىل األوىل كان من املمكن التحول ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سعى اليونانيون إىل إزالة الكتابات اهلريوغليفية من على املبانى اخلاصة جدا ‪ ،‬ناظرين‬ ‫صاف كرموز ألسرار الدين والعلم ‪ ،‬والذين كانوا يعتقدون أنهم هم أنفسهم‬ ‫إليها بقلب غري ِ‬ ‫املخرتعون األوائل هلما ‪ ،‬ولكنهم مل يفهموا معانى تلك الرموز ‪ .‬وهذا ما أزعج طموحهم ‪.‬‬ ‫وبالطبع فمن حيث السيميرتية ( التماثل ) ال ميكن مقارنة العمود اهلريوغليفى‬ ‫بالعمود الكورثنى الرائع ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حمجرا لإلسكندرية ‪ ،‬ونتساءل اآلن ‪:‬‬ ‫وهكذا ميكن القول أن منف كانت مبعنى ما‬ ‫أين اختفت األشياء ضخمة البنيان ألطالل اإلسكندرية ؟‬ ‫ال ميكننا قول شىء حمدد عن هذا ‪ ،‬ولكن ميكننا االفرتاض أنها غاصت فى األرض‬ ‫ملسافة عميقة مثل ما حدث عند تدمري روما القدمية حيث جعل هذا أرض مدينة روما أكثر‬ ‫ً‬ ‫علوا من ذى قبل ‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك ‪ ،‬على مدى قرون عديدة ‪ -‬وإىل اآلن ‪ -‬حتمل بقايا األطالل بال توقف‬ ‫على املراكب إىل أوروبا عن طريق اإلجنليز والفرنسيني وغريهم ‪.‬‬ ‫عمود بومبى العظيم ذلك العمالق شاهق االرتفاع الذى استطاعت القوة البشرية إنشائه‬ ‫وإهداء الصيت حملبى الرفعة الباهرة هو أول وآخر شىء يشاهده مجيع القادمني عرب البحر إىل‬ ‫اإلسكندرية واملغادرين للشاطئ ‪ ،‬وال يعرف ملاذا يسمى هكذا ‪.‬‬ ‫من املعروف أن يوليوس قيصر قد رثى موت بومبى ( القائد الشهري ) ‪ ،‬ولكن هذا غري كاف‬ ‫إلثبات أن هذا األثر قد خصصه له يوليوس قيصر أو جملس الشيوخ الرومانى ‪ .‬وصمت املؤرخون‬ ‫القدماء بهذا اخلصوص عجيب ‪ ،‬وكل اآلراء عن هذا لكثري من الرحالة احلاليني ‪ -‬خاصة‬ ‫السيد سافارو‪ ، 250‬الذى مساه لسبب جمهول عمود اإلسكندر سيفريا ‪ -‬هلى جمرد افرتاضات‪.‬‬ ‫إن طراز هذا العمود كورثنى ‪ ،‬ومن حيث فخامة وأناقة صنعه فإن هذا الطراز باملقارنة مع‬ ‫ً‬ ‫استثنائيا ‪ ،‬واستخدم من قبل اليونانيني بعد اإلسكندر املقدونى لتشييد‬ ‫األخريني كان‬ ‫اجلزء األكرب من املعابد واآلثار ‪ .‬هذا يشهد بأن هذا العمود صنع بالتأكيد فى عهد البطاملة‬ ‫الذين سعوا بشكل خاص إىل تزيني اإلسكندرية ( عاصمتهم ) بالعلوم واملبانى واملعامل‬ ‫‪ - 250‬سفارى ‪ ( ،‬كلود إتيني ‪ ) 1788 - 1750‬رحالة فرنسى ومستشرق ‪ .‬عاش فى مصر فى ( أعوام‬ ‫‪ ، ) 1781 - 1776‬ومؤلف كتاب « ‪ “ Lettres sur l'Egypte‬خطابات من مصر ( ‪. )1789 - 1788‬‬ ‫‪103‬‬


‫ً‬ ‫معتربا أنه مل يكن هكذا فى بداية األمر ‪ ،‬وأنه صنع من‬ ‫األثرية ‪ .‬وأقول أنه قد مت جتديده‬ ‫جديد فى الشكل احلاىل ‪ .‬وإن الكتابة الظاهرة بالكاد على القاعدة من اجلهة الغربية‬ ‫قد ميكنها أن توضح تارخيه لو كان الزمن املدمر قد رحم على األقل بعض مالحمه‪. 251‬‬ ‫وال ميكن القول بيقني أين وفى أى مكان على وجه اخلصوص كان يوجد قرب‬ ‫اإلسكندر األكرب والسرابيوم واملوسيوم ‪ ...‬إىل آخره ‪ ،‬وسعى إىل حل هذه املعضلة بدون‬ ‫جدوى كثري من الرحالة قبلى ‪ ،‬وخاصة اإلجنليز الذين يتصفون بالشجاعة وعدم التوانى‬ ‫فى بلوغ هدفهم ‪ ،‬وكونهم أكثر الناس الذين يكرسون أنفسهم الكتشاف اآلثار ‪.‬‬ ‫وفى رأيى نوردين‪ ، 252‬وبعض الرحالة اآلخرين كان املوسيوم يوجد فى مكان الفاريلون‬ ‫ً‬ ‫أيضا أنه كان يقع بني الفاريلون‬ ‫( الفنار ) الصغري ‪ ،‬ولكن من املمكن أن نفرتض‬ ‫“الفنار” وقصر كليوباترا ‪ ،‬ألن كل الشاطئ البحرى هناك كان مغطى بأطالل املبانى‬ ‫الضخمة املبعثرة ‪.‬‬ ‫وكان قرب اإلسكندر األكرب ‪ ،‬قرب املتوفى البارز ! مكان رفات املنتصر على الكون‬ ‫ً‬ ‫قائما حتى القرن اخلامس عشر‪ ، 253‬واآلن هو فى مكان غري معروف ‪ ،‬واختفت ذكراه من‬ ‫ً‬ ‫موجودا ‪ ،‬رمبا تكون بعض بقاياه مدفونة‬ ‫األساطري الشعبية ‪ .‬ومل يعد السرابيوم كذلك‬ ‫حتت الكميات اهلائلة من الرتاب الذى حتولت إليه مثل تلك األعمال العظيمة من صنع‬ ‫البشر ‪ .‬وقد لونت املسلة وعمود بومبى الناجيني هذه اللوحة الكئيبة ‪ ،‬وكانا كشاهد‬ ‫الضريح فوق األطالل العظيمة اجلديرة باإلجالل ‪.‬‬ ‫أنت يا إسكندرية ؟ ؛ تساءلت إذ أجد نفسى بني األشياء احلزينة هلذا اخلراب ‪ .‬أهذه‬ ‫أهذه ِ‬ ‫أنت أيتها املدينة اجلالسة على عرش احلكمة والعلم واالحتفاالت ‪ ،‬وكل ما هو مجيل ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫مدويا‬ ‫أنت التى كان امسها‬ ‫هذه‬ ‫هل‬ ‫؛‬ ‫؟‬ ‫احلية‬ ‫الكائنات‬ ‫سعادة‬ ‫على‬ ‫تأثري‬ ‫من‬ ‫له‬ ‫ما‬ ‫وكل‬ ‫ِ‬ ‫أعرفك فى هذا الرفات ‪ ،‬الذى يشبه العظام املتحللة‬ ‫أعرفك ! ال‬ ‫فى أرجاء املعمورة ؟ ال ‪ ،‬إننى ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لشخص ميت ‪ ،‬والذى وضعت عليه يد الزمان القوية التى ال تكل بصمتها بعمق كبري ‪.‬‬ ‫من يريد أن يرى انهيار هذا املأوى األرضى ‪ ،‬ويرى النموذج الكئيب ‪ ،‬وفاتر اهلمة واحملتضر‬ ‫فليأت إىل هذه اخلرائب‬ ‫فى أقصى صورة مؤملة للحزن ‪ ،‬ويدخل حتت ظالل نهاية العامل املادى ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫احلزينة ‪ ،‬والتى ثبتت عليها الكآبة عرشها حيث هى فى حداد عميق ‪ ،‬وفى تاجها من شجر‬ ‫‪ - 251‬الكتابة على القاعدة تقول ‪ « :‬إىل اإلمرباطور العادل واإلله احلامى لإلسكندرية‬ ‫دقلديانوس الذى ال يقهر ‪ -‬باستوموس حاكم مصر « ‪ .‬أقيم العمود حواىل عام ‪ 297‬م ‪ .‬وحسب آراء‬ ‫الباحثني املعاصرين أخذ العمود من معبد السريابيوم الذى بنى فى القرن الثالث قبل امليالد انظر‬ ‫‪.Egypt . Eyewitness travel Guide . London , 2007, p. . 242‬‬ ‫لذلك مل خيطئ املؤلف عندما أكد أن هذا العمود صنع فى عصر البطاملة ‪.‬‬ ‫‪ - 252‬مل ننجح فى احلصول على معلومات عنه ‪.‬‬ ‫‪ - 253‬غري صحيح فقرب اإلسكندر اختفى قبل هذا بوقت كبري فى نهاية القرن الرابع ‪ .‬رمبا قد‬ ‫دمر من قبل تسونامى أو زلزال عام ‪ 365‬أو من ِقبل املسيحيني بعد أن حرم اإلمرباطور فيودوس الوثنية‬ ‫فى عام ‪ . 391‬انظر ‪Saunders Nicholas I . Alexander's Tomb. Cairo, 2006, p.104 :‬‬ ‫‪104‬‬


‫فليأت إىل هذا املعبد املظلم‬ ‫السرو ‪ ،‬وفى كآبة دائمة ورهيبة تئن فوق وعاء الدمار الشامل ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كل متأمل ‪ ،‬وكل قلب يسيطر عليه املوت مع تبجيل مرتعش ينطرح على حجر بارد أمام‬ ‫ً‬ ‫وتائها فى الشعور بعدم وجود حدود له ‪ ،‬ويصب فى‬ ‫الروح اخلالقة التى ال ُيدرك كنهها ‪،‬‬ ‫جمارى الدموع إدراكه احلى بالضآلة أمامه ‪ ،‬واالعرتاف ببطالن كل ما هو أرضى ‪.‬‬

‫اإلسكندرية اجلديدة ‪:‬‬ ‫اإلسكندرية اجلديدة ليست أكثر من يتيم حقيقى فقري ورث عن أبيه امسه العظيم‬ ‫فقط ‪ .‬فحدودها التى كانت فى وقت ما فسيحة ‪ ،‬احنصرت فقط فى برزخ غري كبري بني‬ ‫ً‬ ‫وبدال من املعابد العظيمة توجد مساجد بسيطة ‪ ،‬وفى مكان املبانى احلقيقية‬ ‫املينائني ‪،‬‬ ‫واملزخرفة والشاخمة توجد مسوخ العمارة‪ . 254‬وحتولت جناحات التجارة الرائعة وغنى أهلها‬ ‫إىل أقصى درجات الفقر ‪ .‬ويوجد ميناء وحيد ُيستخدم لتفريغ البضائع ‪ .‬وعاصمة القياصرة‬ ‫حتولت إىل مسكن كئيب للسجناء ‪ ،‬ودار للبشرية املضطهدة ‪ .‬وعاصمة احلكمة‬ ‫ً‬ ‫وأخريا ‪ ،‬إنها ليست بعنقاء ولدت من رفاتها ‪ ،‬ولكن‬ ‫حتولت إىل عاصمة اجلهل واهلمجية ‪.‬‬ ‫نسل غريب ومتوحش للطني اخلالد جتسد بفعل التأثري وخيم العاقبة لقوانني الشرق‪. 255‬‬

‫‪ - 254‬الفرنسى سونينى الذى زار اإلسكندرية فى عام ‪ 1780‬م ذكر أن سكان املدينة مل‬ ‫يزيدوا عن مخسة آالف ‪ ،‬وليس هناك مبنى عام واحد ‪ ،‬وليس هناك مبنى سكنى يلفت نظر‬ ‫الرحالة ‪ ،‬انظر ‪ :‬رحلة السيد سونينى فى مصر العليا والسفلى مع وصف البلد والعادات والتقاليد‬ ‫والديانة والسكان األصليني ‪ً .‬‬ ‫نقال عن الفرنسى ‪ .‬موسكو ‪ 1809 .‬م صفحة ‪. 93‬‬ ‫ً‬ ‫‪ - 255‬استعاض املرتجم بكلمة الشرق عوضا عن كلمة استخدمها املؤلف متس نواميس‬ ‫العقيدة اإلسالمية حيث مل َ‬ ‫ير هلا من مربر ‪.‬‬ ‫‪105‬‬


‫ •كريبرونيكوف ( عام ‪: 256) 1820‬‬ ‫ً‬ ‫شطرا‬ ‫فى األول من ديسمرب وصلنا [ من سيناء ] إىل املدينة املصرية ( القاهرة ) ‪ ،‬وبعد أن اجتزنا‬ ‫منها دخلنا إىل املقر السيناوى ‪ ،‬واستقبلنا رئيس الدير مع األخوة بلطف ‪ ،‬وقادونا عرب الشارع‬ ‫إىل مقر الدير اخلالية غرفه املواجه للمقر الرئيسى ‪ .‬وكنا نذهب طوال فرتة إقامتنا إىل املائدة‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا كانوا يعدون لنا مائدة خاصة من السمك واخلضروات ‪ .‬ومل‬ ‫لتناول الغداء والعشاء ‪.‬‬ ‫يعد يوجد كنيسة فى هذا املقر منذ وقت طويل ‪ ،‬ولكن يوجد كنيسة صغرية تقام فيها‬ ‫ً‬ ‫يوميا ‪.‬‬ ‫اخلدمة الدينية‬ ‫مدينة القاهرة واسعة ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وكل املبانى فيها مبنية من احلجر ‪ .‬وهى ختضع حلكم الباشا‬ ‫جممت ( حممد ) على باشا‪ . 257‬والتجارة فيها رائجة ‪ ،‬واملمرات التجارية فيها كثرية ً‬ ‫جدا (لذلك‬ ‫عدم معرفتك بهذه املمرات ‪ ،‬جتعلك عرضة للتوهان ) ‪ .‬واملبانى اجلميلة كثرية‪ .‬وتصنع‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ .‬واملساجد كما قالوا‬ ‫املنتجات بأنواعها ‪ .‬ويبلغ عدد سكان مدينة القاهرة ‪ 300‬ألف‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬واألسواق فى مجيع أحناء املدينة كافية ‪ ،‬ومن كثرة الناس تستطيع‬ ‫لنا تسعمائة‬ ‫املرور بصعوبة ‪ ،‬ويوجد فى السوق الكبري ازدحام رهيب ‪ ،‬وهذا الزحام ناتج عن ضيق الشوارع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غاليا‪ ،‬والفول والبلح وكل أنواع‬ ‫ويباع اخلبز بسعر معقول ‪ ،‬وثـمن اللحم والسمك واألرز ليس‬ ‫اخلضروات كثرية ‪ ،‬ونتيجة لفيضان النيل تعطى األرض حمصولني فى العام ‪.‬نهر النيل ‪،‬‬ ‫كما يقولون ‪ ،‬يفيض فى أوائل يوليو ‪ ،‬ويبقى املاء حتى منتصف أغسطس‪ ،‬ويزرعون احلبوب‬ ‫عندما ينحسر املاء ‪ ،‬وحيصدون فى أواخر شهر فرباير ‪ .‬واحلقيقة حيدث عندهم التاىل ‪ :‬فى‬ ‫نفس الوقت فى مكان ما حيصدون احلبوب ‪ ،‬وفى مكان آخر تبدأ احلبوب فى النضج ‪ ،‬وفى‬ ‫ً‬ ‫مرتفعا ينحدر املاء بسرعة‪،‬‬ ‫أماكن أخرى يبدأون فى بذر البذور ‪ .‬ذلك أنه حيث يكون املكان‬ ‫ً‬ ‫منخفضا يبقى ويتأخر ‪ ،‬وهكذا إىل آخره بالتدريج ‪ ،‬على حسب بقاء املاء فى‬ ‫وحيث يكون‬ ‫احلقول مدة قصرية أو طويلة ‪ .‬واحملصول الثانى املكون من العدس والفول وما شابه ‪ ،‬ينضج‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى الوقت ذاته ‪.‬‬ ‫أواخر يونيو ‪ ،‬وحيصدونه‬ ‫املطر فى مصر نادر احلدوث ‪ ،‬حتى أنه أثناء وجودنا فى القاهرة أمطرت مرة واحدة ‪ ،‬وهذا‬ ‫حيدث ً‬ ‫نادرا حتى أن ذلك يعد معجزة ‪ .‬وفيضان النيل حيدث بنسب متفاوتة إذ ميتد إىل مخسة‬ ‫مستو ‪،‬‬ ‫فراسخ فى مكان ‪ ،‬وإىل ستة فى أماكن أخرى ‪ ،‬أزيد أو أقل ‪ .‬وكلما كان املكان‬ ‫ٍ‬ ‫يكون فيضان املاء أكثر ‪ .‬وتلك األرض التى يغمرها املاء تتميز باخلصوبة ‪ .‬وفى أماكن أخرى‬ ‫يوجد الرمل واألحجار الصغرية فى كل مكان ‪ .‬على جانبى الشوارع يقف العرب فى األسواق‬ ‫ً‬ ‫عوضا عن عربات الركوب اخلفيفة ‪ .‬وإن كنت ترغب فى الذهاب إىل‬ ‫مع خيوهلم ومحريهم‬ ‫ً‬ ‫أى مكان ‪ ،‬فإنه جيب عليك أن متتطى حصانا له سرج ‪ ،‬وجيرى صاحب احليوان فى اخللف ‪،‬‬ ‫‪ - 256‬نشر فى إصدار ‪ :‬رحلة لألماكن املقدسة التى توجد فى أوروبا وآسيا وأفريقيا التى قام بها‬ ‫فى ( أعوام ‪ ) 1821 - 1820‬ساكن قرية بافلوفا كريبرونيكوف ‪ .‬موسكو ‪ .‬عام ‪ - 1824‬صفحة‬ ‫ً‬ ‫طبقا للتهجئة احلديثة والتنقيط ‪.‬‬ ‫‪ ، 139 - 126‬والنص أورده املؤلف‬ ‫‪ - 257‬حممد ( فى التقاليد الروسية جممت أو خممت ) ّ‬ ‫على باشا ‪ -‬حاكم مصر فى ( أعوام ‪. ) 1848 - 1805‬‬ ‫‪106‬‬


‫ويصيح ‪ « :‬أفسحوا الطريق!»‪ .‬وعندهم كذلك طريقة غريبة لبيع اللنب ! وعلى ما يبدو ‪ ،‬فإنه‬ ‫ً‬ ‫طازجا بسبب املناخ احلار ‪ ،‬وهم ال يبيعونه فى اآلنية كما حيدث عندنا‪.‬‬ ‫ال ميكن االحتفاظ به‬ ‫بل جيوب البائعون الشوارع مع املاعز ‪ ،‬ويسألون فى البيوت عمن يريد اللنب وكم يريدون ‪،‬‬ ‫وهناك فقط حيلبون ‪ .‬ويواصلون فعل ذلك األمر من بيت فالثانى فالثالث ‪ ،‬وهكذا دواليك حتى‬ ‫ال يظل هناك قطرة لنب حيلبونها ‪ .‬ويطيع احليوان املسكني إزاء هذه احلالة صاحبه بصرب ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خيوال ‪ ،‬وذهبنا إىل القاهرة القدمية ‪ ،‬والتى ال تبعد‬ ‫فى أحد أيام وجودنا فى القاهرة استأجرنا‬ ‫ً‬ ‫عن القاهرة اجلديدة بأكثر من فرسخني ‪ .‬وتقريبا فإن هذا الفاصل “بني املدينتني” تشغله‬ ‫احلدائق ‪ .‬وبينهما توجد قباب حجرية عالية على مثال الكوبرى ‪ ،‬والتى يتدفق املاء خالهلا‬ ‫‪258‬‬ ‫مبان غري قليلة ‪ ،‬وتشرف بعض أحيائها على‬ ‫من النهر ‪ .‬ويوجد فى القاهرة القدمية وإىل اآلن ٍ‬ ‫النيل مباشرة ‪ ،‬ولكن كل التجارة واحلكم يتواجدان فى القاهرة اجلديدة ‪ .‬وعندما يفيض‬ ‫نهر النيل ‪ ،‬تتزود مجيع صهاريج أو آبار القاهرة اجلديدة باملاء للعام القادم ‪ ،‬ألنه فى ذلك الوقت‬ ‫كان ميكن محل املاء من مكان قريب من النيل ‪ ،‬والذى شقت منه قناة متر عرب بعض أحياء‬ ‫مدينة القاهرة اجلديدة ‪.‬‬ ‫فى القاهرة القدمية زرنا ً‬ ‫أوال الكنيسة املسيحية التى توجد فى مقر بطريرك اإلسكندرية‪،259‬‬ ‫والذى ال يقيم فى اإلسكندرية ‪ ،‬وإمنا يقيم فى القاهرة ‪ .‬ومل يكن البطريرك احلاىل فى ذلك‬ ‫الوقت فى القاهرة ‪ ،‬فلقد رحل منذ عامني إىل موطنه جزيرة بامتو‪ . 260‬والكنيسة مكرسة‬ ‫للشهيد العظيم جيورجى ( مار جرجس ) ‪ ،‬وفيها توجد خلف املشربية احلديدية على حائط‬ ‫الكنيسة كتابة ما خطها بيده الشهيد العظيم ‪ ،‬وعلى املشربية ُعلقت أيقونة صغرية هلذا‬ ‫القديس ‪ .‬وغري بعيد عن املشربية يوجد عمود قائم‪ ،‬عليه سلسلة يربطون فيها الذين يعانون‬ ‫من األمراض ‪ ،‬وبفضل صلواته حيصلون على الشفاء ‪ .‬وبعد أن صلينا ذهبنا إىل كنيسة أخرى‬ ‫ً‬ ‫كثريا عن هذه ‪ .‬وهذه الكنيسة ضخمة ‪ ،‬ولكنها بالية بالفعل ‪ ،‬وال يوجد هلا سقف‬ ‫ال تبعد‬ ‫‪ .‬وعندما يقيمون فيها القداس اإلهلى ( الليتورجيا ) ‪ ،‬حيضرون معهم كل ما يلزم ألدائه ‪.‬‬ ‫ومنها ذهبنا إىل كنيسة قبطية توجد على مسافة ليست ببعيدة ‪ .‬وفى داخلها مغارة دخلنا‬ ‫إليها وفيها قسمني ‪ ،‬يوجد فى واحد منهما بئر ليس فيه ماء ‪ .‬وأكد لنا القاطنون هناك أنه فى‬ ‫هذا املكان مكثت السيده العذراء مع الطفل يسوع ويوسف النجار عندما فروا من هريودس‬ ‫إىل مصر ‪ .‬عدنا من القاهرة القدمية إىل القاهرة اجلديدة عرب الكثري من املدافن ‪ ،‬وذهبنا إىل‬ ‫القلعة التى يحُ فظ فيها السالح والبارود‪ ، 261‬وهنا ُتصك العملة ‪ ،‬وتوجد هنا مكاتب املوظفني‬ ‫وقصر الباشا املصرى ‪ .‬ودخلنا القلعة عرب البوابات ‪ ،‬ورأينا ً‬ ‫بئرا يسمى بئر يوسف عمقه غري‬ ‫‪ - 258‬يدور احلديث عن جمرى العيون الذى كان يزود القلعة باملاء ‪.‬‬ ‫‪ - 259‬عدم دقة ‪ -‬مقر بطريرك اإلسكندرية مع كنيسة القديس نيقوالس يتواجدان فى حى‬ ‫احلمزاوى ‪ ،‬وليس فى القاهرة القدمية حيث تتواجد كنيسة القديس جيورجى ( مار جرجس ) ‪.‬‬ ‫‪ - 260‬بامتو ( نطقها الصحيح بامتوس ) جزيرة يونانية صغرية فى جنوب شرق حبر إجيه ‪ -‬وتشتهر‬ ‫بالدير الكبري إليوان التقى ‪ ،‬والذى بنى فى القرن احلادى عشر ‪ ،‬وفى ( أعوام ‪ )1774 - 1771‬فى‬ ‫أثناء رحلة األرخبيل ‪ ،‬وفى بامتوس توجد قاعدة حربية لألسطول الروسى ‪.‬‬ ‫‪ - 261‬يقصد قلعة القاهرة ‪.‬‬ ‫‪107‬‬


‫عادى ‪ ،‬وله أربعة أضالع ‪ ،‬وهو منحوت فى األرض الطبيعية احلجرية ‪ ،‬وفى كل حائط أربعة‬ ‫أرشينات “األرشني مقياس روسى قديم يساوى ‪ 71‬سم” املرتجم ‪ ،‬وجبواره خلف احلوائط شق ممر‬ ‫فسيح للثريان واملاشية األخرى ‪ ،‬وعرب هذا املمر دخلنا إىل منتصف البئر‪ .‬وينفذ الضوء فى هذا‬ ‫املكان عرب النوافذ املنحوت عدد منها فى كل حائط من حوائط البئر‪ ،‬ولكن الضوء فى تلك‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪ُ .‬‬ ‫ويستخرج‬ ‫النوافذ ينزل من أعلى ‪ ،‬وخلف البئر مير الضوء عرب تلك النوافذ ‪ ،‬وإن كان‬ ‫املاء من قاع البئر عن طريق ثريان مربوطة فى ساقية ‪ ،‬والتى ربطت عليها كثري من القواديس‬ ‫الفخارية التى تشكل ما مياثل احللقة ‪ ،‬والتى عندما تغطس تسحب املاء ‪ ،‬ثم يفرغ املاء فى‬ ‫منتصف البئر فى أحواض مصنوعة لذلك الغرض ‪ .‬ومن األحواض بالضبط بنفس الصورة كما‬ ‫حيدث فى البئر يغرتفون املاء ‪ ،‬ويسحبونه لألعلى ‪ ،‬ويقلب فى جرار عميقة كاآلبار التى‬ ‫توجد عندنا فى روسيا ‪ ،‬حيث يعلق دلوان أحدهما ينزل لألسفل واآلخر يصعد لألعلى ‪ .‬وفوق‬ ‫البئر توجد شجرة كبرية ذات قرون ‪ ،‬وأوراقها الكثرية تشبه إىل حد بعيد شجرتنا الروسية‬ ‫ً‬ ‫مجاال على املكان وحتمى من أشعة الشمس ‪ .‬وملا خرجنا من‬ ‫الغبرياء‪ ، 262‬وهذه الشجرة تضفى‬ ‫ً‬ ‫قليال حتت هذه الشجرة شاهدنا القلعة ‪ .‬وال يعيش الباشا هنا ‪ ،‬ولكنه يعيش فى‬ ‫البئر ووقفنا‬ ‫داخل املدينة فى السوق الكبري ‪ .‬وبعد أن شاهدنا كل ما هو طريف عدنا إىل املقر ‪.‬‬ ‫توجد فى القاهرة اثنتان من الكنائس املسيحية ‪ .‬وفى القاهرة اجلديدة توجد كنيسة‬ ‫القديس صانع املعجزات نيقوالس ‪ ،‬واملقر السيناوى بكنيسته الصغرية ‪ .‬وفى القاهرة القدمية‬ ‫توجد كنيسة الشهيد العظيم جيورجى ( مار جرجس ) ‪.‬‬ ‫رغبت فى الذهاب إىل الناحية األخرى من النيل ‪ ،‬ومشاهدة األهرامات القدمية التى تدخل فى‬ ‫عداد عجائب الدنيا السبع ‪ .‬ومل يوافق رفاقى على الذهاب معى إىل هناك ‪ .‬وها أنا وحدى فى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫راهبا يستطيع التحدث بالعربية والروسية ‪ ،‬وذهبت معه إىل نائب‬ ‫صباحا قد دعوت‬ ‫الرابعة‬ ‫‪263‬‬ ‫القنصل الروسى الذى ال يتحدث ولو بكلمة واحدة باليونانية أو بالروسية‪ ،‬ولكنه حتدث‬ ‫معنا عرب الراهب باللغة العربية ‪ ،‬وطلب منى جواز سفرى ‪ .‬وصرحت له برغبتى فى الذهاب‬ ‫إىل األهرامات ‪ .‬لذلك استأجر لنا حصانني ‪ ،‬ركبناهما وذهبنا ‪ .‬وكان احلوذى العربى جيرى‬ ‫خلفنا‪ ،‬وفى حال انعطافنا إىل شارع آخر ‪ ،‬فإنه جيرى إىل األمام ويشري لنا إىل االجتاه الذى جيب‬ ‫أن نسلكه ‪ .‬وبعد أن اجتزنا عرب القاهرة شوارع كثرية وأسواق ‪ ،‬ودخلنا إىل بساتني دلفنا من‬ ‫خالهلا إىل أرض مستوية ومفتوحة قام عليها ابن جممت ( حممد ) على باشا‪ 264‬بعرض لسالح‬ ‫اخليالة ‪ .‬ومنها ذهبنا بطول القناة املتفرعة من النيل ‪ ،‬والتى من خلفها كانت ُترى بيوت كثرية‬ ‫مجيلة وماتعة ‪ .‬وبعد أن قدمنا إىل القاهرة القدمية لينقلونا إىل اجلانب اآلخر ‪ ،‬اشرتينا ً‬ ‫خبزا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سريعا إىل اجلهة األخرى من النيل فى مركب شراعى ‪.‬‬ ‫ومشوعا لدخول األهرامات ‪ .‬ومحلونا‬ ‫ً‬ ‫واسعا ‪ ،‬ولكنه قوى كأنهارنا فى الربيع ‪ .‬وعلى ضفة النهر مباشرة ‪ ،‬فى‬ ‫ونهر النيل ليس‬ ‫مكان مرتفع ‪ ،‬توجد قرية سألنا فيها السكان عن الطريق‪ ،‬ثم انطلقنا إىل األمام مبتعدين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فكثريا ما كان يضل‬ ‫ومل يزر احلوذى العربى األهرامات وال ملرة واحدة‪ ،‬وألنه ال يعرف الطريق ‪،‬‬ ‫‪ - 262‬فيما يبدو شجرة السنط املنتشرة فى مصر ‪.‬‬ ‫‪ - 263‬وظائف القناصل الروسية فى تلك الفرتة كان يقوم بها فى الغالب أجانب ‪.‬‬ ‫‪ - 264‬إبراهيم باشا ( ‪ ) 1848 - 1789‬ابن حممد على ‪ ،‬قائد اجليش ‪.‬‬ ‫‪108‬‬


‫عنه ‪ .‬تبعد األهرامات عن النيل مبسافة ليست أكثر من مخسة فراسخ ‪ .‬وبعد فيضان النيل‬ ‫يرقد املاء والطني فى األماكن املنخفضة ‪ ،‬لذلك لففنا حول السد املرتفع املمتد ملسافة مخسة‬ ‫ً‬ ‫فرسخا ‪ .‬واجتزنا أربعة قرى وحقول مزروعة باحلبوب ‪ .‬وفى هذا الوقت تفتحت أزهار الفول‪،‬‬ ‫عشر‬ ‫وكان القمح أعلى من أربعة أرشينات [ األرشني ‪ 71‬سم ] ‪ .‬وصلنا إىل األهرامات القائمة فى‬ ‫مكان جاف ومرتفع فاملاء ال يغرقها ً‬ ‫ً‬ ‫تقريبا جبانب بعضهما‬ ‫أبدا ‪ .‬واالثنان الكبريان قائمان‬ ‫كثريا ً‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ . 265‬عندما اقرتبنا من‬ ‫البعض ‪ ،‬والستة اآلخرين األقل فى احلجم من األولني يبعدون‬ ‫اهلرم رأينا ً‬ ‫رأسا‪266‬حجمها مثل الكومة الكبرية من القش (احلشائش اجملففة ) ‪ ،‬ومصنوعة من‬ ‫احلجر ‪ ،‬وعيون هذه الرأس وأنفها وفمها وأذناها واضحني ‪ .‬والعرب بكل سذاجة يسمونها رأس‬ ‫الفرعون ‪ ،‬وقالوا لنا أن أحد اإلجنليز قد حفر‪ 267‬منذ وقت قريب عند هذه الرأس ‪ ،‬ولكنه مل جيد‬ ‫مؤخرا فى هذه الرأس ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ‪268‬‬ ‫ممرا أرضيا‬ ‫مهما ‪ ،‬ال ُعمالت وال أى نوع من اجملوهرات ‪ ،‬وقد فتح‬ ‫شيئا‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ .‬واآلن أصبح هذا املمر‬ ‫ميتد مباشرة حتى نهر النيل ‪ ،‬يبلغ طوله أربعة أو مخسة فراسخ‬ ‫بالتقادم فى طى النسيان ‪.‬‬ ‫جتمع كثري من العرب من القرية اجملاورة من أجل بقشيش أو هدية مالية ‪ .‬ولكن قال هلم‬ ‫احلوذى أننا جئنا من قبل القنصل الروسى ‪ ،‬ولن نعطى أية هدايا ‪ .‬وبعد أن مسعوا هذا ذهبوا‬ ‫ً‬ ‫‪269‬‬ ‫مجيعا من حيث أتوا ‪ ،‬ما عدا أربعة ظلوا معنا ‪ .‬وجبانب هذه الرأس ‪ ،‬يوجد كثري من األبنية‬ ‫احلجرية القدمية ‪ ،‬وبقايا احلجارة املكسورة ( الدبش ‪ -‬املرتجم ) التى نقبها اإلجنليزى ‪ .‬واقرتبنا‬ ‫من اهلرم ذاته ‪ ،‬والذى كان عظيم االرتفاع والعرض ‪ ،‬وهو فى األسفل كما فى األعلى مدبب‬ ‫الطرف ‪ ،‬ولكن فوقه مساحة ليست بصغرية‪ . 270‬ولو أن األحجار مل تكن مرصوصة ‪ ،‬كان من‬ ‫املمكن أن نعتربه ً‬ ‫رائعا ‪ .‬واألحجار املستخدمة كبرية ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وهى منحوتة وملساء‬ ‫طبيعيا‬ ‫جبال‬ ‫بدرجة كافية ‪ .‬واألعجب من كل هذا كيف رفعت هذه األثقال إىل هذا االرتفاع ! ‪ .‬وقادنا‬ ‫العرب إىل الناحية األخرى من اهلرم حيث كانت هناك فتحة أو مدخل قرب األرض ‪ .‬ويوجد فوق‬ ‫الفتحة فى حائط اهلرم حجران كبريان ُ‬ ‫كتب عليهما بلغات خمتلفة إمضاءات كثرية ألمساء‬ ‫ً‬ ‫وآباء السائحني الفضوليني الذين شاهدوا األهرامات ‪ .‬وعرض على العرب أن أكتب شيئا ما ‪،‬‬ ‫ولكنى أشفقت على سكينى ‪ ،‬واعتربت ذلك غري ذى أهمية ‪ ،‬حيث أنه مكان غري مقدس ‪.‬‬ ‫‪ - 265‬باإلضافة إىل اهلرمني الكبريين خلوفو وخفرع فى اجليزة ‪ ،‬يوجد ‪ 8‬أهرامات ‪ ،‬وليس ستة‪:‬‬ ‫هرم منقرع ‪ ،‬وسبعة أهرامات صغرية للملكات ‪ * .‬الصواب أن فى منطقة اجليزة ‪ 3‬أهرامات خلوفو‬ ‫وخفرع ومنقرع ‪ ،‬و ‪ 6‬آخرين للملكات واألقرباء [ املرتجم ] ‪.‬‬ ‫‪ - 266‬أبو اهلول ذلك الوحش الذى هزمه أوديب ( مالحظة املؤلف ) ‪ .‬عند رؤيته فى اجليزة لرأس‬ ‫أبى اهلول تذكر برونيكوف األسطورة اليونانية القدمية عن امللك أوديب الذى حل لغز الوحش أبو‬ ‫اهلول‪ .‬ومل تكن الرمال قد أزيلت عن التمثال بعد ‪ ،‬لذلك كان يتكلم فقط عن الرأس ‪.‬‬ ‫‪ - 267‬فيما يبدو أن احلديث يدور عن تنظيف صدر أبى اهلول ‪ ،‬والذى مت فى عام ‪ 1816‬م من قبل‬ ‫القنصل العام لربيطانيا العظمى فى مصر هنرى سولت ‪ .‬وترأس العمل الضابط اإليطاىل د ‪ .‬ف‪.‬‬ ‫كافيجلى ‪.‬‬ ‫‪ - 268‬هذا التأكيد ال يتطابق مع الواقع ‪.‬‬ ‫‪ - 269‬يوجد بني يدى أبو اهلول معبد خاص به ‪ ،‬وهو مهدم ً‬ ‫جدا ‪ .‬وكذلك يوجد املعبد السفلى‬ ‫أيضا مهدم ً‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪.‬‬ ‫للمجموعة اجلنائزية هلرم خفرع ‪ ،‬وهو‬ ‫ً‬ ‫‪ - 270‬كان هذا هرم خوفو ‪ ،‬والذى سقطت قمته فى القدم مكونة رصيفا ‪.‬‬ ‫‪109‬‬


‫بعد أن أوقدنا النار بدأنا فى اهلبوط إىل األسفل من خالل فتحة فى داخل اهلرم ‪ .‬واألحجار‬ ‫من األعلى صغرية وعميقة ‪ ،‬ومن اجلوانب وحتت األقدام كبرية وملساء وملتصقة ببعضها‬ ‫البعض بطريقة فذة ‪ ،‬حتى أن شكلها يوحى كما لو أن كل هذا صنع من حجر واحد ‪.‬‬ ‫وعالوة على ذلك ‪ ،‬فهى ملتصقة بعضها ببعض بتلك الدرجة من املتانة حتى ‪ ،‬فيما يبدو‪،‬‬ ‫أنها لن تنفصل ً‬ ‫أبدا‪ .‬ونزلنا لألسفل كما فى السرداب ‪ ،‬وبعد ذلك صعدنا ألعلى اهلرم عرب‬ ‫ممرات غري مستقيمة ‪ ،‬وأحجار سقطت من أماكنها منذ وقت بعيد ‪ .‬وعرب منعطفات كثرية‬ ‫ً‬ ‫شخصا ‪ .‬ما‬ ‫وصلنا إىل غرفة ذات حجرات مصنوعة من املرمر ‪ ،‬وهى تسع من أربعني إىل مخسني‬ ‫تقوله هناك يكون له طنني ‪ ،‬وصدى الكلمة يتكرر ‪ .‬والضوء فى الغرف ينفذ من جانب هرم‬ ‫ً‬ ‫تقريبا فى منتصف االرتفاع ‪.‬‬ ‫صغري‪ ،‬وهذه الغرفة ( والتى مل أستطع أن أتبينها بالكامل ) توجد‬ ‫دعانا العرب لتسلق قمة اهلرم ولكننا مل نذهب ‪ ،‬ألن اليوم كان قد شارف على االنتهاء ‪.‬‬ ‫ومل نشأ أن نبيت فى الطريق ‪ .‬ويوجد ممر خارجى لقمة اهلرم عرب زواياه ‪ .‬وبعد أن خرجنا من‬ ‫هناك مل نذهب إىل األهرامات األخرى ‪ ،‬وتوجهنا إىل القاهرة من غري إبطاء ‪ .‬ونصحنا العرب بأن‬ ‫نتالفى االلتفاف البعيد بالسفر عرب الطريق القديم ‪ ،‬وأخذونا من األهرامات عرب طريق مستقيم‬ ‫للقاهرة‪ .‬وقد محلونا على أيديهم عرب املاء والطني ثالث مرات ‪ ،‬وهلذا فإننا استطعنا مبجهود‬ ‫شاق أن نتحاسب وإياهم ً‬ ‫ماليا ‪ .‬وبواسطة مركب شراعى عرب النهر تؤازره ريح مواتية ‪ ،‬وصلنا‬ ‫سريعا إىل املعدية ‪ ،‬وكان مل يزل هناك ضوء ‪ .‬وأعطيناهم ً‬ ‫ً‬ ‫أجرا على جهودهم واحد ليف ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وعندما وصلنا إىل القاهرة القدمية ‪ ،‬كان قد حل الظالم ‪ ،‬ووصلنا أخريا إىل القنصل فى‬ ‫القاهرة اجلديدة فى الساعة الثانية ً‬ ‫ليال ‪.‬ومن عند القنصل إىل املقر اجتزنا فى الليل الكثري‬ ‫من املمرات التجارية ‪ ،‬وبالفعل السري ً‬ ‫ليال فى القاهرة خطر ً‬ ‫جدا ‪.‬‬ ‫فى يوم األحد استمعنا للصالة الصباحية عدة ساعات فى الكنيسة الصغرية التى توجد فى‬ ‫املقر ‪ .‬وفى يوم االثنني ‪ -‬فى اليوم السادس من الشهر ‪ -‬ذهبنا إىل القداس اإلهلى (الليتورجيا ) فى‬ ‫كنيسة القديس نيقوالس ‪ .‬وفى أثناء الليتورجيا كان هناك الكثري من العرب واليونانيني‬ ‫الوافدين ‪ .‬وقرأوا أعمال الرسل واإلجنيل باللغتني اليونانية والعربية‪ .‬وبعد أن مسعنا‬ ‫الليتورجيا‪ ،‬رجعنا إىل املقر حيث تناولنا وجبة الغداء ‪ ،‬وبدأنا االستعداد للرحيل ‪ .‬ودعانا رئيس‬ ‫ً‬ ‫مجيعا فى قاليته ‪ ،‬وأعطى كل منا حسب استطاعته صدقة لتدعيم الدير ‪ .‬وفى السابع‬ ‫الدير‬ ‫من ديسمرب فى الصباح الباكر جاء العرب مع مجاهلم إىل املقر ‪ .‬واتفقنا معهم ليحملونا من‬ ‫القاهرة إىل غزة ‪ ،‬وحصلوا على ‪ 50‬ليف من كل واحد منا نظري نقلهم لنا ‪ .‬وفى الساعة الثالثة‬ ‫عصرا خرجنا من القاهرة وسافرنا ‪ ،‬ولكن ليس من الطريق الذى أتينا منه ً‬ ‫ً‬ ‫قبال ( السويس إىل‬ ‫القاهرة ) ‪ ،‬ولكن عرب طريق آخر يقع بالقرب من النيل ‪ .‬ووصلنا إىل إحدى القرى التى تبعد عن‬ ‫ً‬ ‫فرسخا عرب أشجار النخيل واحلقول واألبراج ‪ ،‬وهناك قضينا ليلتنا ‪ .‬ومن‬ ‫القاهرة مسافة عشرين‬ ‫هذه املدينة كانت الطريق وعرة ‪ ،‬وسافرنا عرب الرمال‪ ،‬ومل َ‬ ‫نر أية آثار للطريق ‪ .‬إال أننا وجدنا‬ ‫فى مكان ما شجرية ‪ ،‬وعندها أضرمنا النار وقضينا ليلتنا ‪ .‬وجدنا املاء فى اآلبار بعد يومني أو‬ ‫ً‬ ‫ماحلا ‪ ،‬ومل َ‬ ‫نر أى قرية فى أى مكان ‪ .‬وفى اليوم السابع عشر من الشهر‬ ‫ثالثة ‪ ،‬ولكنه كان‬ ‫استطعنا بالكاد أن نصل إىل غزة < ‪> ...‬‬ ‫***‬ ‫‪110‬‬


‫الفصل الثالث‬



‫الفصل الثالث ‪:‬‬ ‫عن ما حكاه الرحالة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مطلعا‬ ‫عندما تبدأ من فارسونوفى وتنتهى عند كريبرونيكوف بطريقة متعاقبة ‪،‬‬ ‫على نصوص الرحالت ‪ ،‬فإنك ستكتشف ظاهرتني ‪ً .‬‬ ‫أوال ‪ ،‬هذه النصوص بها إطناب‬ ‫ً‬ ‫وثانيا ‪ ،‬املعلومات املتضمنة فيها عن مصر دقيقة ‪ .‬والظاهرة األوىل مرتبطة بتطور‬ ‫كبري ‪.‬‬ ‫األدب الروسى ‪ ،‬والثانية مرتبطة بالرتاكم املتواىل للمعلومات عن بلد النيل ‪ .‬وسنحاول‬ ‫باختصار أن نلخص ما استطاع مواطنونا أن يعرفوا عن مصر فى مطلع القرن التاسع عشر‬ ‫من مذكرات احلجاج الروس واملواطنني ‪.‬‬

‫ ‬

‫ •الطبيعة واملناخ ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫تقريبا كل مؤلفى الرحالت ‪ .‬بعضهم جاء عن طريق النيل من رشيد أو دمياط‪،‬‬ ‫زار القاهرة‬ ‫والبعض اآلخر عن طريق اليابسة من فلسطني ‪ .‬واألواخر كانوا مضطرين لعبور الصحراء‬ ‫فى مشال شبه جزيرة سيناء ‪ « ،‬والطريق إىل مصر “من فلسطني” مرهقة ووعرة مثل حبر‬ ‫الرمال ‪ ،‬ومن الصعب اجتيازها على ظهور اخليل أو ً‬ ‫سريا على األقدام ‪ .‬حيث يسافرون عرب‬ ‫اجلمال » كما أشار فاسيلى جاجارا ‪« .‬ال يوجد ماء فى هذه الطريق ‪،‬‬ ‫هذه الطريق على ِ‬ ‫ً‬ ‫وإمنا يوجد فى الرتع فقط ‪ .‬وهذا املاء غري صاحل للشرب ألنه ماحل جدا وشديد املرارة ‪ ،‬لذلك‬ ‫يأخذون معهم املاء العذب فى ِقرب جلدية حممولة على اجلمال » ‪.‬‬ ‫قام كريبرونيكوف ‪ ،‬على العكس ‪ ،‬باجتياز الطريق من القاهرة إىل فلسطني ‪ ،‬وعلى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأيضا عرب الصحراء « فى السابع من ديسمرب فى الصباح الباكر جاء العرب‬ ‫أيضا ‪،‬‬ ‫اجلمل‬ ‫مع مجاهلم إىل املقر ‪ .‬واتفقنا معهم ليحملونا من القاهرة إىل غزة ‪ ،‬وحصلوا على ‪ 50‬ليف‬ ‫ً‬ ‫عصرا خرجنا من القاهرة وسافرنا ‪،‬‬ ‫من كل واحد منا نظري نقلهم لنا ‪ .‬وفى الساعة الثالثة‬ ‫ولكن ليس من الطريق الذى أتينا منه ً‬ ‫قبال ( السويس إىل القاهرة ) ‪ ،‬ولكن عرب طريق‬ ‫آخر يقع بالقرب من النيل ‪ .‬ووصلنا إىل إحدى القرى التى تبعد عن القاهرة مسافة عشرين‬ ‫ً‬ ‫فرسخا عرب أشجار النخيل واحلقول واألبراج ‪ ،‬وهناك قضينا ليلتنا ‪ .‬ومن هذه املدينة كانت‬ ‫الطريق وعرة ‪ ،‬وسافرنا عرب الرمال ‪ ،‬ومل َ‬ ‫نر أية آثار للطريق ‪ .‬إال أننا وجدنا فى مكان ما‬ ‫شجرية ‪ ،‬وعندها أضرمنا النار وقضينا ليلتنا ‪ .‬وجدنا املاء فى اآلبار بعد يومني أو ثالثة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ماحلا ‪ ،‬ومل َ‬ ‫نر أى قرية فى أى مكان ‪ .‬وفى اليوم السابع عشر من الشهر‬ ‫ولكنه كان‬ ‫استطعنا بالكاد أن نصل إىل غزة » ‪.‬‬ ‫‪113‬‬


‫الطريق من السويس إىل القاهرة التى ذكرها كريبرونيكوف كانت كذلك عرب‬ ‫الصحراء ‪ .‬وكان يطرقها أولئك الذين عزموا على احلج إىل األماكن املقدسة فى سيناء‪:‬‬ ‫وكانت املسافة من السويس إىل دير سانت كاترين تستغرق قرابة أسبوع فى الطريق‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا يوفق احلجاج منذ البداية فى أن يبحروا من السويس إىل الطور ‪،‬‬ ‫على ظهر اجلمل ‪.‬‬ ‫ومن هناك إىل الدير حيث يقضون فى الطريق ثالثة أيام « كاملة » ‪.‬‬ ‫قال إيبوليت فيشينسكى ‪ « :‬عندما وصلت القافلة امللكية بالقمح انطلقنا ‪ ...‬حتى‬ ‫ميناء سوفيز “السويس” ‪ .‬وقد اجتزنا تلك الطريق التى أخرج موسى عربها الشعب اليهودى‬ ‫من مصر ‪ ،‬وهذه الطريق باقية حتى يومنا هذا ‪ ،‬وتابعنا سرينا فى هذه الطريق التى مل‬ ‫يكن فيها عشب أو ماء أو شجر ‪ .‬وهكذا سرنا يومني وليلتني ‪ .‬وفى النهار كان السري‬ ‫غري ممكن من جراء حرارة الشمس احلارقة ‪ ،‬إال أننا كنا خنرج عندما حيل املغيب ونسري‬ ‫طوال الليل حتى موعد الغداء » ‪.‬‬ ‫ومل يكن إيبوليت فيشينسكى هو الوحيد الذى أشار إىل حقيقة أن املناخ فى مصر حار‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تقريبا أشار إىل ذلك كل مواطنونا الذين زاروا هذا البلد ‪ .‬كتب فاسيلى جاجارا‪:‬‬ ‫جدا ‪ ،‬بل‬ ‫«احلرارة غري عادية » ‪ ،‬وأكد هذا أرسينى سوخانوف ‪ « :‬فى القاهرة اجلو حار للغاية ‪ ،‬واملطر‬ ‫ال يسقط ً‬ ‫أبدا ‪ ،‬والثلج واجلليد غري معروفان » ‪ .‬وقال مكارى وسيليفيورست ‪« :‬حرارة‬ ‫الشمس مفرطة » ‪ ،‬وكتب إجيناتى دينشني ‪ « :‬ال يوجد هناك شتاء ‪ ،‬والقيظ شديد ً‬ ‫جدا ‪،‬‬ ‫مل أحتمل حرارة الشمس ‪ ،‬واضطررت إىل العودة [ من القاهرة ] إىل اإلسكندرية » ‪.‬‬ ‫ولقد ذكر مواطنونا أن احلرارة هى الرفيق الوفى للصحراء ‪ ،‬ولكن باإلضافة إىل الرمل ‪،‬‬ ‫توجد خضرة ليست قليلة فى مصر بفضل النيل ‪.‬‬

‫‪114‬‬


‫ •النيل ‪:‬‬ ‫بالفعل أورد كل مواطنونا عن النيل هذه املعلومات وغريها ‪ ،‬إذ مل يستطع أى منهم أن‬ ‫يتجاهل هذا النهر حيث أنه الشريان الرئيسى للنقل فى البالد ‪ .‬ذكر فارسونوفى مؤلف‬ ‫أول رحلة ‪ « :‬جيرى نهر النيل العظيم ذو اجملرى الذهبى من اجلنوب إىل الشمال ‪ ،‬ويصب فى‬ ‫البحر املتوسط على مشارف دامييت “دمياط” » ‪ .‬وعن أن للنيل فرع آخر ‪ ،‬فإنه على ما يبدو‬ ‫مل يكن على دراية بذلك ‪.‬‬ ‫ولكى حيصل القارئ على تصور عن قياس نهر النيل ‪ ،‬فإن مؤلفى الرحالت قارنوه باألنهار‬ ‫ً‬ ‫مقدما أن جيون هو االسم اليونانى للنيل ‪:‬‬ ‫الروسية ‪ .‬كتب فاسيلى جاجارا بعد أن أوضح‬ ‫« ذلك النهر جيون يساوى فى القياس نهر الفوجلا » ‪ ،‬وكذلك قارن النيل بالفوجلا إيوان‬ ‫لوكيانوف ‪ .‬وأورد أرسينى سوخانوف مقارنة أخرى مع النيل ‪ .‬ذكر أن « الشواطئ على‬ ‫ضفتى النهر مستوية ‪ ،‬وتتداخل املياه مع الشواطئ ‪ .‬وعرض النيل كعرض نهر أوكا عند‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬وفى بعض األماكن يتجاوزه»‪.‬‬ ‫مدينة سريبوخوف أو عند ضاحية مدينة كولومنا‬ ‫واحلقيقة أن سوخانوف وصف أحد فرعى النيل فقط ‪ ،‬وهو الغربى ‪ ،‬والذى أحبر خالله من‬ ‫رشيد إىل القاهرة ‪ .‬وبنا ًء على ذلك ‪ ،‬باملقارنة مع النهر يكون النيل أقل من الفوجلا ‪ ،‬وذلك‬ ‫معروف ً‬ ‫جدا للكثريين من أبناء وطنه ‪.‬‬ ‫وإذا كان فارسونوفى كتب عن النيل كنهر بدون دلتا ‪ ،‬فإن الراهب إيونا قد أحصى‬ ‫للنيل ثالثة أفرع كاملة ‪ ،‬قال ‪ « :‬مدينة دمياط تقع على املصب الثالث لنهر النيل ‪ .‬واملصب‬ ‫األول يوجد على مشارف اإلسكندرية ‪ ،‬والثانى على مشارف رشيد ‪ ،‬والثالث على مشارف‬ ‫دمياط » ‪ .‬وعن « املصب األول » مسع إيونا فقط ‪ ،‬حيث أنه مل يزر اإلسكندرية ‪ .‬إذ اعترب‬ ‫القناة التى شقت من النيل إىل اإلسكندرية هى ذلك املصب ‪.‬‬ ‫ومبعرفة تامة لألمر حكى عن النيل املؤلف اجملهول ملخطوطة « وصف اإلمرباطورية‬ ‫ً‬ ‫ضابطا ‪ .‬ومذكراته عامة تشبه‬ ‫الرتكية » ‪ .‬وهذا مفهوم حيث أنه فى واقع األمر كان‬ ‫تقارير رجل املخابرات ‪ .‬ذكر املؤلف اجملهول ‪ « :‬وفى غرب القاهرة ‪ ،‬عند املرسى على‬ ‫شاطئ ذلك النهر املصرى ‪ ،‬توجد قرية فى مكان ذى طبيعة خاصة ‪ .‬ويطلق على هذا‬ ‫املكان «بوالق » ‪ .‬ويستغرق السفر من بوالق إىل اجملرى السفلى لنهر النيل مسافة نصف‬ ‫يوم ‪ ،‬حيث يتفرع النهر إىل فرعني ‪ ،‬فالفرع األول ( أو األمين ) ميتد إىل دمياط ‪ ،‬والفرع‬ ‫الثانى ( أو األيسر) يصل إىل رشيد ‪ .‬ويستغرق السفر من مكان تفرع النهر حتى رشيد‬ ‫مسافة يوم ونصف اليوم ‪ ،‬ونفس تلك املدة من مكان تفرع النهر إىل دمياط » ‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫وأحبر إيوان لوكيانوف فى كال فرعى النيل ‪ .‬وعند توجهه من رشيد إىل دمياط ‪ ،‬كتب‬ ‫إيوان ‪:‬‬ ‫« فى اليوم السابع عشر من أغسطس ركبنا السفينة ‪ ،‬وذهبنا إىل األعلى عرب النيل إىل‬ ‫مدينة دمياط ( املرسى املصرى اآلخر ) ‪ .‬ودفع كل واحد منا تالري مقابل هذا النقل ‪ .‬وفى هذا‬ ‫اليوم هبت رياح مواتية حتى منتصف الليل ‪ ،‬وبعد منتصف الليل توقفت ‪ .‬ووقفنا هناك‬ ‫حتى منتصف النهار ‪ ،‬ورأينا على امتداد النهر عدد كبري من املدن العربية ‪ ،‬وتبعد كل‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬وهى نفس املسافة بني القرى ‪ .‬وكل املبانى‬ ‫مدينة عن األخرى حواىل فرسخني‬ ‫ً‬ ‫مبنية من احلجر ‪ ،‬والقرى مجيلة جدا ‪ .‬واألرض بالقرب من النيل سوداء وممهدة كما لو‬ ‫ً‬ ‫خصيصا بهذا الشكل ‪ ،‬مبا يعنى أنه حتى البيض ميكن دحرجته ‪ .‬والناس‬ ‫أنها صنعت‬ ‫ً‬ ‫كثريون جدا ‪ .‬ومصر كلها تروى مباء النهر ‪ .‬وعندما تنظر من املركب جتد حولك السماء‬ ‫ً‬ ‫عاليا فإنهم يرفعون املاء بواسطة الثريان ‪ .‬والسواقى صنعت‬ ‫واملاء ‪ .‬وحيث يكون الشاطئ‬ ‫ً‬ ‫مثل الطواحني وفيها ربطت األوانى التى سرعان ما متتلئ باملاء ‪ .‬والناس كثريون جدا ‪.‬‬ ‫وفى مكان ما يستخدم الناس قفف جمدولة ‪ .‬ويوجد أشياء كثرية فى األرض املصرية ‪.‬‬ ‫وميكن القول أن هذه األرض بالنسبة لألتراك منجم ذهب ! ‪ ،‬وكثري من السلع املصرية‬ ‫تذهب إىل القسطنطينية عن طريق السفن [ إىل رشيد ] ‪ .‬وكلما اجتهت صوب اجلنوب‬ ‫(األعلى ) يصري النيل أوسع ‪ .‬وفى األماكن القريبة من القاهرة يبلغ عرضه مخسة فراسخ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جنوبا ) فى ثالثة أيام ‪ ،‬وعلى مسافة عشرين‬ ‫تقريبا ‪ .‬ولقد ذهبنا عرب النيل إىل األعلى (‬ ‫ً‬ ‫فرسخا من القاهرة انعطفنا إىل الفرع اآلخر ( إىل األسفل فى اجتاه دمياط ) ‪ .‬وهنا من القاهرة‬ ‫يتفرع النيل إىل فرعني ‪ :‬فرع ميتد إىل رشيد ‪ ،‬والثانى يصل إىل دمياط < ‪ > ...‬وعندما‬ ‫انعطفنا إىل األسفل أحبرنا ملدة ثالثة أيام ‪ ،‬وفى اليوم الرابع وصلنا إىل مدينة دمياط » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مكمال املعلومات التى أوردها كل من مكارى‬ ‫ووصف إيوان لوكيانوف‬ ‫وسيليفيورست ‪ « :‬وتزدهر على ضفاف نهر النيل حتى القاهرة حدائق النخيل الكبرية‪،‬‬ ‫ويقولون أنه يوجد بساتني يبلغ عرضها ‪ 5‬فراسخ ‪ ،‬وفى أماكن أخرى يصل عرضها إىل‬ ‫‪ 10‬فراسخ ‪ ،‬وتؤول ملكيتها للسكان احملليني من العرب واألتراك على ضفتى النهر حتى‬ ‫راخيت [ رشيد ] ‪ ،‬وهى أماكن رطبة ومنخفضة ومزروعة بالقصب بإفراط ‪ ،‬واألرض سوداء‬ ‫وطميية ‪ ،‬وهناك يزرعون كثري من الربينيس ‪ ،‬وبلغتنا جريش ُ‬ ‫الدخن [ األرز ] ‪ ،‬وهو ينمو‬ ‫بكثرة ‪ .‬وإذا احتاجوا إىل املاء ‪ ،‬فإنه يوجد على الشاطئ كثري من اآلبار احملفورة ‪ ،‬وعليها‬ ‫سواقى كبرية تديرها الثريان التى تغذى قنوات الرى باملاء ‪ .‬والبعض يشقون قنوات ألخذ‬ ‫املاء مباشرة من النهر « ‪.‬‬ ‫وأخربنا مواطنونا عن الفيضان السنوى للنيل ‪ .‬قال أرسينى سوخانوف ‪ « :‬يرتفع منسوب‬ ‫املياه من ميالد القديس يوحنا املعمدان ( فى الرابع والعشرين من يونيو بالتقويم القديم)‬ ‫حتى يوم متجيد الصليب ( فى الرابع عشر من سبتمرب بالتقويم اجلديد ) ‪ ،‬وتبقى املياه‬ ‫وتروى ( الشواطئ ) فى كال جانبى النهر » ‪ .‬وعن ذلك ميكننا احلكم بنا ًء على املقطع‬ ‫الثانى من رحلة إيوان لوكيانوف ‪ « :‬فى الوقت الذى يكون عندنا شتاء يكون الصيف قد‬ ‫‪116‬‬


‫حل فى أثيوبيا العظيمة ‪ ،‬إذ تنتقل الشمس من عندنا إليهم ‪ ،‬ويكون الصيف عندهم فى‬ ‫هذه األشهر ‪ .‬فى شهر مايو حيل عندهم الشتاء ‪ .‬وعندما تغادر الشمس من عندهم إلينا ( فى‬ ‫البالد الشمالية ) يكون لديهم فى شهر مايو ويونيو ويوليو شتاء وصقيع وثلوج كثيفة ‪.‬‬ ‫وحبلول شهر أغسطس تهطل األمطار عندهم ‪ ،‬وينتهى فصل الشتاء ‪ ،‬ويتجاوز النهر ضفافه‪.‬‬ ‫وفى تلك الفرتة تكون املياه عكرة ملدة ثالثة أشهر ومن ثم ال يتم صيد السمك ‪ ،‬ومبجرد‬ ‫أن تصبح املياه نظيفة فى نوفمرب يبدأون فى الصيد على الفور ‪ .‬ويوجد فى نهر النيل أمساك‬ ‫كثرية ‪ ،‬وخاصة مسك صرصور البحر ‪ ،‬أما األمساك األخرى فهى قليلة » ‪.‬‬ ‫وإذا كان إيوان لوكيانوف قد كتب عن تأثري فيضان النيل على صيد األمساك ‪ ،‬فإن‬ ‫فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى أشار إىل أهميته على الزراعة ‪ .‬أشار بارسكى إىل‬ ‫ً‬ ‫أن « نهر النيل جيلب ً‬ ‫عندئذ حيفر الناس قنوات‬ ‫كبريا عندما يفيض كل عام ‪.‬‬ ‫خريا‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وصحيا للغاية ‪ ،‬ويزرع‬ ‫عذبا‬ ‫وترتوى كل األراضى املصرية من عذوبة النيل الذى حيوى ما ًء‬ ‫القصب ذو العصري احللو على جزر النيل ‪ ،‬ومنه يصنعون السكر ‪ .‬وعندما تشرب األرض‬ ‫حتى الثمالة وينحسر النهر ‪ ،‬يزرعون القمح واألرز والفول والعدس إىل آخره ‪ ،‬وبربكة الرب‬ ‫ً‬ ‫حمصوال يطعم كل اجلزيرة العربية ‪ .‬وهنا يزرع األرز بكثرة كما تزرع فى‬ ‫يعطى‬ ‫بالدنا حبوب اجلاودار “ اجلاودار أو القمح ” ‪ .‬وكل السلع املذكورة فى األعلى تحُ مل من‬ ‫القاهرة إىل البحر املتوسط عرب النيل ‪ ،‬ومن هناك إىل كل البلد الرتكى وأبعد» ‪.‬‬ ‫وعن العالقة املباشرة بني فيضان النيل واألشغال الزراعية كتب كريبرونيكوف‬ ‫ً‬ ‫مشريا إىل أن « نتيجة لفيضان النيل تعطى األرض حمصولني فى العام ‪ .‬ونهر النيل ‪ ،‬كما‬ ‫يقولون ‪ ،‬يفيض فى أوائل يوليو ‪ ،‬ويبقى املاء حتى منتصف أغسطس ‪ ،‬ويزرعون احلبوب‬ ‫عندما ينحسر املاء ‪ ،‬وحيصدون فى أواخر شهر فرباير ‪ .‬واحلقيقة حيدث عندهم التاىل ‪ :‬فى‬ ‫نفس الوقت فى مكان ما حيصدون احلبوب ‪ ،‬وفى مكان آخر تبدأ احلبوب فى النضج ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مرتفعا ينحدر املاء‬ ‫وفى أماكن أخرى يبدأون فى بذر البذور ‪ .‬ذلك أنه حيث يكون املكان‬ ‫ً‬ ‫منخفضا يبقى ويتأخر ‪ ،‬وهكذا إىل آخره بالتدريج ‪ ،‬على حسب‬ ‫بسرعة ‪ ،‬وحيث يكون‬ ‫بقاء املاء فى احلقول مدة قصرية أو طويلة ‪ .‬واحملصول الثانى املكون من العدس والفول وما‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى الوقت ذاته » ‪.‬‬ ‫شابه ‪ ،‬ينضج أواخر يونيو ‪ ،‬وحيصدونه‬ ‫واهتم الرحالة الروس باملكان الذى ينبع منه النيل ‪ .‬يقول فارسونوفى عن ذلك ببساطة ‪:‬‬ ‫« ينبع من اجلنة » ‪ .‬و يذكر إيبوليت فيشينسكى أنه « يتدفق من جنة عدن كالذهب‬ ‫وأحيانا أصفر ‪ ،‬ومائه عذب ‪ ،‬والسمك فيه لذيذ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحقا ‪ « :‬ولقد‬ ‫جدا » ‪ .‬وكتب‬ ‫اخلالص‬ ‫سألنا العرب املتقدمني فى السن هل يعرف أحد من أين ينبع هذا النهر ؟ قالوا ‪ « :‬يتحتم الذهاب‬ ‫ً‬ ‫إىل اجلبل “إىل األعلى مع تيار النهر” عرب هذا املاء ملدة ‪ً 20‬‬ ‫عاليا فوق الصخرة‬ ‫يوما ‪ ،‬وهناك‬ ‫توجد مدينة ‪ ،‬والتى تأخذ املكوس » ‪ .‬ووراء هذه املدينة تسري مسافة يوم ‪ ،‬وهناك توجد‬ ‫جبال عالية ‪ ،‬وصخور حجرية ‪ ،‬وكثري من الوحوش الضارية ‪ .‬وفى الصخور ثعابني وزواحف‬ ‫ً‬ ‫أيضا تقابل زواحف ذوات األربع أرجل ‪ ،‬وهلا ثالث أو مخس رؤوس أو أكثر ‪،‬‬ ‫خميفة ‪ .‬وهناك‬ ‫ً‬ ‫وإذا متكنت من إنسان ووجدته تأكله ‪ ،‬واملضى قدما غري ممكن ‪ ،‬ومن حتلى بالشجاعة‬ ‫‪117‬‬


‫فإنه ال يعود » ‪ .‬واملصريون فى ذلك الوقت مل يكونوا يعرفون من أين ينبع النيل ‪ ،‬حيث‬ ‫كانوا يعرفون وادى النيل فقط حتى « املدينة التى على الصخرة ‪ ،‬والتى تأخذ املكوس‬ ‫(أى حتى أسوان ) » ‪.‬‬ ‫واألقرب إىل احلقيقة معلومات فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪ « :‬ينبع النيل من‬ ‫حبرية أو حفرة تسمى زائري ‪ ،‬والتى توجد فى خابيسى ‪ ،‬وعندما تبدأ هذه احلفرة فى الغليان‬ ‫حينئذ يفيض النيل بشدة على ضفافه ‪ ،‬وجيلب فوائد كثرية للقاطنني‬ ‫يتضاعف املاء ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫واضحا رغم هذا أين توجد خابيسى هذه ‪ ،‬وملاذا تبدأ احلفرة فى الغليان ‪.‬‬ ‫جبواره » ‪ .‬وليس‬

‫‪118‬‬


‫ ‬

‫•عامل احليوان ‪:‬‬

‫توجد فى مصر حيوانات ال توجد فى روسيا ‪ ،‬وكثري من الرحالة أفاضوا بإسهاب فى وصفها‪.‬‬ ‫حينئذ توجد فى النيل بوفرة انتباههم ‪ .‬وقال فارسونوفى أنه‬ ‫وجذبت التماسيح التى كانت‬ ‫ٍ‬ ‫ضار » ‪ ،‬واحلقيقة أنه مل حيدد ما هو ‪ .‬وكان أول من وصفه بإجياز هو‬ ‫« رأى فى مصر وحش ٍ‬ ‫فاسيلى جاجارا الذى قال ‪:‬‬ ‫« وفى مصر يوجد وحش مائى فى نهر النيل يسمى التمساح ‪ ،‬رأسه كرأس الضفدعة‬ ‫ً‬ ‫قليال من البياد‬ ‫وعيونه مثل عيون اإلنسان ‪ ،‬ولديه ‪ 4‬أقدام طول كل واحدة منها أكرب‬ ‫(الشرب ) ‪ ،‬أما جسد وأعضاء التمساح مثلها مثل جسد وأعضاء اإلنسان ‪ ،‬وعموده الفقرى‬ ‫فى الظهر كما عند اإلنسان ‪ ،‬والذيل يشبه ذيل القرموط ‪ .‬والتمساح يلهو مع أنثاه‬ ‫على الشاطئ ‪ ،‬وعندما يرى إنسان يطارده ‪ ،‬وحني يدركه يلتهمه ‪ .‬ويقوم العرب بصيد‬ ‫التماسيح بطريقة ماكرة ‪ ،‬وحيضرونها إىل الباشا فى القلعة » ‪ .‬ووصف أرسينى سوخانوف‬ ‫ضار يسمى التمساح ‪ ،‬وهو‬ ‫التمساح فى السمات العامة ‪ ،‬قال ‪ « :‬يوجد فى نهر النيل حيوان ِ‬ ‫يشبه السحلية غري أنه كبري وقوى ‪ ،‬ولديه أربعة أرجل ‪ ،‬وجذعه مثل جذع السحلية ‪،‬‬ ‫ويوجد على جلده حراشف تشبه حراشف األمساك‪ ،‬إال أن لونها مزيج من األصفر واألخضر ‪،‬‬ ‫وهى عنده أكثر صالبة ‪ ،‬والفم كبري ‪ ،‬والرأس طويل واألسنان كبرية ‪ .‬ولقد رأيت فى‬ ‫ً‬ ‫متساحا ً‬ ‫ً‬ ‫وجمففا ‪ ،‬أما التمساح احلى فقد رأيته ‪ ،‬إذ يبيعون‬ ‫ميتا‬ ‫فناء صيدىل من البندقية‬ ‫ً‬ ‫الصغري وفمه مربوط لكى ال يلتهم أحدا » ‪ .‬واعتقد فاسيلى جرجيورفيتش أن التماسيح‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن القاهرة‪ ،‬قال احلاج الروسى ‪ « :‬إنها مثل السحاىل ‪ ،‬وهلا‬ ‫توجد فقط فى أعاىل النيل‬ ‫أربعة أرجل ‪ ،‬ولكنها ضخمة مثل أمساك اهلوسو واحلفش ‪ ،‬وتستطيع أن تعيش فى املاء‪،‬‬ ‫وعلى اليابسة ‪ .‬وتقضى بعض الوقت فى املاء ‪ ،‬ثم تزحف إىل الشاطئ بني سيقان قصب‬ ‫ً‬ ‫إنسانا فإنها تفرتسه» ‪.‬‬ ‫السكر وتأكله ‪ ،‬وهناك تسرتيح‪ ،‬وإذا وجدت‬ ‫ً‬ ‫وصفا للنعام ‪ ،‬ولكن بدرجة أقل من وصف التمساح ‪.‬‬ ‫يوجد فى نصوص الرحالت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وكان هذا الطائر ولكثري من املصريني أنفسهم شيئا مدهشا ‪ ،‬حيث أنه كان يوجد فقط‬ ‫فى أقصى جنوب البالد ‪ .‬وكانوا يقتنونها كشىء عجيب من أجل اللهو ‪ ،‬قال أرسينى‬ ‫سوخانوف ‪ “ :‬يوجد فى مدينة رشيد طائر النعام ‪ ،‬ويبلغ طوله حتى صدر اإلنسان ‪ ،‬ويصل‬ ‫حتى كتف الشخص متوسط الطول ‪ ،‬وعندما يرفع رأسه يكون طوله مثل األرجاماك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيال ‪ ،‬وأرجله عارية وليست‬ ‫كبريا وليس‬ ‫(املهر ) ‪ ،‬ورأسه غري كبرية ‪ ،‬وأنفه إوزى ليس‬ ‫مجيلة ً‬ ‫جدا ‪ ،‬فيها أصبع كبري ‪ ،‬وآخر غري كبري من اخلارج ‪ .‬ولألصبع الكبري ظفر‬ ‫كبري ‪ ،‬وللصغري فغري معلوم ‪ .‬وال يوجد ريش ابتداء من الرأس حتى احلوصلة بل زغب‬ ‫أبيض وأصفر‪ .‬ويوجد ريش أسود قصري ليس له مثيل على الصدر حتى السرة ‪ ،‬وعلى الظهر‬ ‫ً‬ ‫وأيضا على األجنحة ‪ .‬ويغطيه الريش الناعم من القدم حتى الذيل ‪ ،‬أما من‬ ‫حتى الذيل ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فخال من الريش ‪ ،‬ونادرا ما يوجد ريش فى هذا املكان ‪ ،‬ولون جلده‬ ‫الذيل‬ ‫جبوار‬ ‫األعلى‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫أمحر مع أبيض ‪ .‬وتتغذى النعامة على الشجر واألحجار واحلديد ‪ ،‬وأيضا احلبوب ‪ ،‬وتسري‬ ‫مع األشخاص فى الشوارع غري أنها ال تتعارك وال تطري ‪ ،‬والريش على األجنحة ليس بطويل‪،‬‬ ‫‪119‬‬


‫وإمنا هو غاية فى القصر”‪ .‬من الواضح أن العجوز أرسينى تعجب ً‬ ‫جدا من هذا الطائر العجيب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طويال لكى يصفه بالتفصيل ‪ ،‬ولكنه مل يتجنب فى روايته اخلرافات‬ ‫وأمعن النظر فيه‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫عن أن النعام يأكل األحجار واحلديد ‪ .‬وعن النعام فى رشيد نوه أيضا الشماس إيونا الذى‬ ‫زار هذه املدينة فى نفس السنة التى زارها أرسينى سوخانوف ‪ .‬وقد مساه سرتافوكاميل‬ ‫( أى الطائر ‪ -‬اجلمل ) ‪ ،‬وأوضح “ سرتافو” باليونانية طائر ‪ ،‬و “ كاميل” اجلمل ‪ .‬ووصف‬ ‫إيونا النعام جبملة واحدة قصرية ‪ “ :‬طائر مثل اجلمل ‪ ،‬وكبري ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وحافره بأصبعني” ‪.‬‬ ‫واحلقيقة أن رحلة الشماس إيونا كانت فى جمملها قصرية ً‬ ‫جدا ‪.‬‬ ‫ومن احملتمل أنهم كانوا يربطون طيور النعام فى رشيد ‪ ،‬ألنه قد ذكرها فى رحلته‬ ‫كل من مكارى وسيليفيورست الذين زاراها بعد أكثر من نصف قرن من زيارة أرسينى‬ ‫سوخانوف والشماس إيونا ‪ .‬قال مكارى وسيليفيورست ‪ “ :‬فى هذه املدينة “رشيد”‬ ‫رأينا طائرين كبريين يسميان بالنعام ‪ .‬وهلذين الطائرين أجنحة جلدية ‪ ،‬غري أنهما ال‬ ‫يستطيعان الطريان ‪ ،‬وريشهما أشعث مثل ريش الدجاجة ‪ ،‬ولديهما أقدام كبرية ‪ ،‬واحلافر‬ ‫مثل حافر التوفارين ( احلمار باللغة السالفية القدمية ‪ -‬املرتجم ) وهو “دابة النقل واألمحال”‪،‬‬ ‫والرقبة طويلة ‪ ،‬والرأس صغري كرأس اإلوز أو البط ‪ ،‬وإذا ما شاكسه أحد ‪ ،‬فإنه يضربه‬ ‫حبافره “ ‪ .‬وشاهد آندرى إجيناتيف نعامتني ولكن ليس فى رشيد ‪ ،‬وإمنا فى القاهرة “‬ ‫فى قصر الباشا” أى من احملتمل فى القلعة ‪ .‬وقد وصفهما بإجياز ‪ “ :‬لديهما ريش أسود‬ ‫على الظهر‪ ،‬وقليل ً‬ ‫جدا أسفل املؤخرة ‪ ،‬واألجنحة بيضاء ‪ ،‬والرقبة واألرجل عاريني كما‬ ‫ً‬ ‫أيضا أنه “ عندما عدنا من‬ ‫عند اجلمل‪ ،‬والطول كطول مهر عمره عام واحد “ ‪ .‬وأضاف‬ ‫هناك ‪ ،‬رأينا جلود هذين الطائرين مع الريش معروضني للبيع فى ممر جتارى “ ‪ .‬فيما يبدو‪،‬‬ ‫أن هاتني النعامتني رآهما فى القلعة إيبوليت فيشينسكى الذى زار القاهرة بعد عام من‬ ‫زيارة آندرى إجيناتيف ‪ .‬وقد وصفهما بإسهاب ‪.‬‬ ‫واندهش إيوان لوكيانوف من البعوض ‪ “ :‬وعلى امتداد نهر النيل حتى القاهرة يوجد‬ ‫ً‬ ‫صيفا أو شتا ًء ال تستطيع أن تنام‬ ‫ذلك البعوض الذى ال أجد ما أقوله عنه ‪ ،‬فبدون ستارة سواء‬ ‫ليلة واحدة ‪ .‬وعندما وصلنا قام هذا البعوض بلدغنا لدرجة أن وجوهنا أصبحت كوجوه‬ ‫ً‬ ‫أيضا حبب الشباب ومل نعرف بعضنا البعض”‪. 271‬‬ ‫السكارى ‪ ،‬وكأمنا أصبنا‬ ‫جدير بالذكر أنه منذ مائتى سنة مضت اشتكى من البعوض ف ‪ .‬إى ‪ .‬شاليابني الذى‬ ‫‪ 271‬‬ ‫زار مصر كسائح فى عام ‪ . 1903‬وسأورد فقرة من كتاب رفيقه ن ‪ .‬أ ‪ .‬سوكولوف رحلة ف ‪ .‬إى ‪.‬‬ ‫شاليابني فى إفريقيا ( موسكو ‪ .‬عام ‪: ) 1914‬‬ ‫« فى أول ليلة فى الفندق ( فى القاهرة ) داهمنا البعوض « العقوبات املصرية» ‪.‬‬ ‫وكل النوافذ فى غرف الفندق تغلق بستائر معدنية ‪ ،‬والسراير حماطة بالستائر التى متاثل الشاش‬ ‫عندنا ‪ ،‬وبدا لنا حنن الشماليون أن هذا حارا وخانق ‪ .‬وكانت النوافذ مفتوحة ‪ ،‬والستائر حول السراير‬ ‫سحبت بسرعة ‪ ،‬واضجعنا لننام ‪ .‬وبعد عدة فواصل من النوم انهالت من غرفنا صيحات وشتائم على‬ ‫البعوض ‪ ،‬وقال ف ‪ .‬إى فيما بعد ‪ « :‬بعوضنا الروسى أكثر ً‬ ‫نبال وأصالة من هذا البعوض احمللى ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عال عند اهلجوم املرتقب ‪ .‬أما هذا البعوض احمللى‬ ‫فهو يهاجم مباشرة بدون أى خداع ‪ ،‬وحمذرا بطنني ٍ‬ ‫فغادر ودنىء ‪ ،‬فهو يهاجم خلسة ثم يوخزك كالدبوس ‪ ،‬وبالفعل فإن اجلسم يتورم من لدع البعوض‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ولدغه ضار ً‬ ‫جدا ‪ ،‬ويبقى أثره ً‬ ‫طويال ‪ .‬واضطررت أن أشعل النار وأطرده حتى آخر بعوضة» ‪،‬‬ ‫وقتا‬ ‫وأنغلق « وقد قررنا أن االختناق واحلرارة أفضل من وخز الدبابيس املستمرة ! » ‪.‬‬ ‫‪120‬‬


‫ ‬

‫•الناس ‪:‬‬

‫ً‬ ‫أحيانا على‬ ‫فى الرحالت مل يذكر سكان مصر ولو بكلمة واحدة ‪ .‬وجاء ذكرهم‬ ‫سبيل املثال عند كل من مكارى وسيليفيورست بإجياز شديد ‪ « :‬العرب واألتراك» ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا فاسيلى بازنياكوف وتريفون كوربينكوف الغجر الذين كانوا يعيشون‬ ‫وذكر‬ ‫فى مصر القدمية ‪ .‬وخصص املؤلف اجملهول فى خمطوطة « وصف اإلمرباطورية الرتكية»‬ ‫ً‬ ‫ضابطا كان‬ ‫للمصريني فقرة كاملة ‪ ،‬ولكن اهتمامه بالسكان احملليني كونه‬ ‫ً‬ ‫خاصا ‪ .‬كتب املؤلف اجملهول ‪ « :‬ومجيع سكان القاهرة ‪ ،‬وكل املقاطعة املصرية‬ ‫اهتماما‬ ‫( مصر ) ‪ ،‬عرب ‪ .‬أما ما خيص الشأن احلربى ‪ ،‬فإنهم ال حيسنون استخدام األسلحة النارية‬ ‫ً‬ ‫ونادرا ما‬ ‫ألنهم وجلون وجبناء ‪ .‬ولقد كانوا فقط يقاتلون بالرمح على ظهر احلصان ‪.‬‬ ‫يكون عند املصريني والعرب خوذ ودروع ‪ ،‬غري أنه لديهم الكثري من دروع اليد ‪ .‬لذلك فإن‬ ‫اعتماد القاهرة كله على قلعتها ‪ .‬وأظهرت احلرب أن املصريني سيئون فى املعارك ‪ ،‬وهم‬ ‫كذلك بالفعل » ‪.‬‬ ‫سيئا ً‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪ .‬يتذكر إيوان ‪ « :‬وعندما‬ ‫وكان أول انطباع إليوان لوكيانوف عن املصريني‬ ‫هبطنا إىل الشاطئ ورأينا الشعب العربى أصابنا الذعر ‪ .‬فمن غري املألوف رؤية أشخاص‬ ‫ً‬ ‫متاما ‪ ،‬وعلى ما يبدو يريدون أن يلتهموك ‪ .‬وآخرون يسريون‬ ‫كهؤالء ‪ ،‬فهم كالوحوش‬ ‫عرايا كما ولدتهم أمهاتهم ‪ ،‬وكلهم دميمون فمنهم األحدب ‪ ،‬واألحول ‪ ،‬وذو األنف املعوج ‪،‬‬ ‫والفم املعوج واألعمى ‪ .‬ولغتهم خشنة كنبح الكالب » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحقا ‪ « :‬ولكن عندما‬ ‫حرفيا ‪ ،‬السيما أن املؤلف قال‬ ‫من املستبعد أن نقبل وصفه‬ ‫ً‬ ‫دائما ما يكون األمر هكذا فى البداية ‪ .‬كل أمر فى‬ ‫أمعنا النظر أصبحوا مألوفني لنا ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مألوفا ‪ :‬فعندما وصلنا إىل‬ ‫بشعا ‪ ،‬وبعد ذلك تعتاد عليه ويصبح كل شىء‬ ‫بدايته يبدو‬ ‫بارلييفشني “ قائد القوازق األوكرانية باليى” ‪ ،‬فإن هؤالء القوزاق بدوا لنا كالشياطني‪،‬‬ ‫وعندما وصلنا إىل األتراك فإننا قد فقدنا عقلنا متاما ‪ « :‬إنهم ً‬ ‫حقا شياطني ! » ‪ .‬وعندما عرفنا‬ ‫األتراك عن قرب أصبحوا بالنسبة لنا كالروس » ‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬بالنسبة إليوان لوكيانوف فإن‬ ‫املصريني مل يصبحوا بالنسبة إليه كالروس‪« :‬وعندما وصلنا إىل مصر ورأينا العرب ‪ ،‬فإننا‬ ‫تكلمنا فيما بيننا « إنهم شياطني حقيقيون! » ‪ ،‬ولكن عندما عرفناهم عن قرب فاألمر‬ ‫سيان ‪ ،‬كنا خنشاهم كما خنشى الشياطني ! ‪ ،‬وهؤالء الناس ال خيتلفون عن الشياطني‬ ‫فى طباعهم ‪ ،‬وسلوكهم ‪ ،‬وتصرفاتهم ‪ ،‬واندفاعهم ‪ .‬وتسرى عنهم الشائعات فى كل أرجاء‬ ‫الدنيا أنهم أناس طيبون ‪ ،‬ولكنهم شياطني جيدون » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا إعجاب إيبوليت فيشينسكى ‪ ،‬فقد أكد أنه « فى مصر الناس‬ ‫املصريون مل ينالوا‬ ‫سيئون ‪ ،‬والعرب سود البشرة وميشون عرايا ‪ ،‬ونساؤهم عدميات احلياء ‪ ،‬وهن ال يسرن بل‬ ‫يقفزن فقط وعيونهن مداعبة وعابثة » ‪ .‬وفى مكان آخر من الرحلة أعطى فيشينسكى‬ ‫‪121‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫سيئا للمصريني ‪ « :‬وفى مصر يسري األتراك مرتدين مالبس جيدة ‪،‬‬ ‫وصفا‬ ‫من جديد‬ ‫ً‬ ‫غنيا ‪ ،‬فإنه يتغطى بعباءة‬ ‫وزوجاتهم كذلك ‪ .‬أما العرب فغري ذلك ‪ ،‬فلو كان أحدهم‬ ‫مزركشة ‪ ،‬أما الباقون فكلهم يسريون عراة ‪ .‬وهم أشرار للغاية ‪ ،‬فلو أنك قابلت أحدهم‬ ‫مبفردك فإنه ينهب ما معك ‪ ،‬وإذا بدأت باملقاومة فإنه يضربك ‪ ،‬وليس عليه أى قصاص ‪،‬‬ ‫فهؤالء الناس مالعني » ‪.‬‬ ‫كيف نفسر رد الفعل هذا جتاه املصريني من قبل كل من إيوان لوكيانوف وإيبوليت‬ ‫فيشينسكى ؟ ؛ أرجح أن ذلك يرجع بصورة رئيسية إىل أن كل من احلاجني الروسيني‬ ‫كانا رجلني ذوى رتب دينية ‪ ،‬وبالنسبة إليهم مل يكن املصريني جمرد غرباء ‪ ،‬وإمنا أصحاب‬ ‫دين معادى بدرجة كبرية ‪ .‬باإلضافة إىل ذلك فإن احلجاج خالطوا اليونانيني األرثوذكس‬ ‫ال غري ‪ ،‬الذين كان هلم مع املصريني صدامات من حني آلخر ‪ ،‬وليس مع املسلمني فقط ‪،‬‬ ‫ولكن مع املسيحيني األقباط ‪ .‬وعن األواخر تتضمن الرحالت معلومات قليلة ‪ ،‬وفى كثري‬ ‫من األحيان غري صحيحة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الحقا اآلتى ‪ « :‬يوجد عند‬ ‫مسى فاسيلى بوزنياكوف األقباط مهرطقني ‪ ،‬وقال عنهم‬ ‫ً‬ ‫األقباط فى الكنائس أيقونات ‪ ،‬ومذبح ‪ ،‬وليس عندهم تعميد ‪ ،‬وهم خيتتنون طبقا للعهد‬ ‫القديم » ‪ .‬ومل َّ‬ ‫يسم تريفون كوربينكوف األقباط باملهرطقني ‪ ،‬ولكن كرر فى وصفهم‬ ‫ً‬ ‫عبارة بوزنياكوف كلمة بكلمة تقريبا ‪ « :‬يوجد عند األقباط فى الكنائس أيقونات ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طبقا للعهد القديم » ‪ .‬ومسى‬ ‫ومذبح ‪ ،‬وليس عندهم تقديس أو تعميد ‪ ،‬واألقباط خيتتنون‬ ‫إيبوليت فيشينسكى األقباط فى البداية النسطوريني ‪ ،‬وبعد ذلك حمطمى األيقونات ‪.‬‬ ‫وال هذا وال ذاك ‪ -‬كما مت اإلشارة إليه فى حواشى ترمجة نصوص الرحالت ‪ -‬يطابق الواقع ‪.‬‬ ‫وأكثر من كتب منهم عن األقباط بإسهاب فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪ .‬قال‬ ‫بارسكى ‪ « :‬مازال يعيش هناك بعض املسيحيني املهرطقني الذين يسمون األقباط‪ ،‬أى أنهم‬ ‫املختتنون الذين يرمسون عالمة الصليب وخيتتنون ‪ ،‬ويتمسكون بكثري من اهلرطقات‬ ‫األخرى ‪ .‬وهم كثريون فى القاهرة ‪ ،‬وكنائسهم ليست قليلة ‪ .‬وهلم بطريركهم اخلاص ‪.‬‬ ‫وهم وبطريركهم يعدون أنفسهم أرثوذكس ‪ ،‬ويقومون بالدعاية أن بطريركهم جدير‬ ‫بكرسى اإلسكندرية ‪ .‬وال يعدون البطريرك اليونانى ‪ ،‬وكل من معه أرثوذكس » ‪.‬‬ ‫وبالنسبة جلرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى وبوزنياكوف فاألقباط الذين انفصلوا عن الكنيسة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صادقا‬ ‫وصفا‬ ‫اليونانية فى منتصف القرن اخلامس كانوا مهرطقني ‪ ،‬ولكنهما وصفوهم‬ ‫فى اجململ ‪.‬‬

‫‪122‬‬


‫ ‬

‫•االقتصاد ‪:‬‬

‫مل يهتم أبناء وطننا بالنشاط االقتصادى للمصريني بشكل خاص ‪ .‬ولكن أثناء طوافهم‬ ‫فى البالد ‪ ،‬مل يستطيعوا إال أن يالحظوه ‪ ،‬ومن وقت آلخر وصفوه ‪ .‬وكان هذا خيص الزراعة‬ ‫بشكل رئيسى ‪ ،‬والتى ال تشبه إىل حد كبري الزراعة الروسية ‪ .‬قال فاسيلى جاجارا ‪:‬‬ ‫«يزرعون فى مصر احلبوب املختلفة ‪ ،‬التى يبذرونها قبل أسبوعني من صيام فيليبوف “عيد‬ ‫امليالد” ‪ .‬واحلبوب وثـمار أخرى تنضج حبلول عيد ميالد املسيح وعيد الغطاس ‪ .‬وآخر‬ ‫حمصول ينضج فى عيد املسلينيتسا ( أسبوع املرافع أو السمن ) ‪ .‬وينمو القمح ‪ ،‬والشعري‪،‬‬ ‫وجريش الدخن بصورة جيدة ‪ ،‬ألنه عندما يفيض نهر جيون ( النيل ) فى املروج واحلقول‬ ‫تبقى املياه ملدة طويلة وتروى األرض ‪ ،‬وتنمو احلبوب ‪ .‬واألرض هناك ذات تربة سوداء » ‪.‬‬ ‫أشار إيبوليت فيشينسكى إىل أن املطر « ال يسقط هناك ً‬ ‫أبدا ‪ ،‬والندى قليل ‪ .‬وما يزرع‬ ‫فى احلقل سواء كان اجلودار أو البساتني يروى مجيعه مبياه الرتع‪ .‬فقد مت شق ترع من‬ ‫النيل تتدفق فيها املياه ‪ ،‬ووضعت أعالها سواقى تسحب الثريان بواسطتها املياه ‪ ،‬وتصبها فى‬ ‫القنوات ‪ ،‬ومنها تتفرق املياه إىل أماكن الزراعة ‪ ،‬وتروى كل شىء ‪ .‬وعندما تنخفض املياه‬ ‫ً‬ ‫تلقائيا فى كل‬ ‫تقوم الثريان بسحبها ‪ ،‬وما إن تبدأ املياه فى الزيادة ‪ ،‬فإن القنوات متتلئ‬ ‫مكان ‪ .‬وملا ينخفض مستوى املاء فإنهم يزرعون فى هذه األرض ما يشاءون ‪ .‬واألرض تطرح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفريا ‪ ،‬إذ جيمعون الثمار مرتني فى العام ‪ ،‬وهناك الكثري من أشجار النخيل ‪،‬‬ ‫حمصوال‬ ‫وكأنهم يعيشون فى غابات البلح » ‪.‬‬ ‫لفت فاسيلى جاجارا األنظار إىل احملصول الزراعى غري املعروف للشخص الروسى ‪ ،‬وهو‬ ‫قصب السكر ‪ .‬قال فاسيلى جاجارا ‪ « :‬فى مصر يزرع قصب السكر ‪ ،‬ومنه يصنعون‬ ‫السكر ‪ .‬ويزرعون قصب السكر جبذوره قرب البحر ‪ .‬ويبلغ ارتفاعه واحد بياد ( شرب ) ‪.‬‬ ‫وحتته ينثرون فضالت احلمام ‪ ،‬ويرشون اجلذور بالعسل األسود ‪ .‬وإذا منى قصب السكر‬ ‫وأخرج الثمر ‪ ،‬فإنهم يرشونه مبحلول سكرى “ماء حملى بالعسل” ‪ .‬وعندما ينضج قصب‬ ‫السكر ‪ ،‬فإنهم يأكلونه مثل شهد العسل » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شيئا غري مألوف ألبناء وطننا ‪ ،‬والتى بواسطتها ‪ -‬كما أشار‪-‬‬ ‫وكانت املفرخة فى مصر‬ ‫فاسيلى جاجارا « تولد األفراخ بدون حاجه أو مساعدة من األمهات » ‪ ،‬حكى فاسيلى جاجارا‬ ‫أنه « يوجد فى القرى املصرية بيوت طينية بداخلها أفران ‪ .‬وفى كل بيت يوجد اثنى عشر‬ ‫ً‬ ‫فرنا ‪ ،‬وعلى كل فرن صناديق يضعون فى كل منها حواىل ‪ 6000‬بيضة ‪ ،‬ويرشون‬ ‫فى هذه األفران روث اخليل املغربل اجملروش ‪ ،‬ثم يوقدون الفرن وتظل النار فيه مشتعلة‬ ‫دائما ‪ ،‬وال ينقطع عنه الدخان ً‬ ‫ً‬ ‫باستمرار‪ ،‬فمن الضرورى أن يكون ً‬ ‫وعندئذ تولد‬ ‫أبدا ‪.‬‬ ‫دافئا‬ ‫ٍ‬ ‫األفراخ فى املفرخة بدون أمهات ‪ ،‬إذ أنه فى اليوم الثانى عشر تقوم األفراخ بأنفسها بالنقر‬ ‫واخلروج من القشرة » ‪.‬‬ ‫‪123‬‬


‫وليس هناك ثقة فى أن جاجارا قد وصف هذه العملية بشكل متطابق ‪ ،‬خاصة وأن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مغايرا بعض الشىء عن عمل املفرخة ‪ .‬ذكر‬ ‫وصفا‬ ‫إيبوليت فيشينسكى قد أعطى‬ ‫إيبوليت أنه « يتم حفر حفرة ‪ ،‬وهى من األعلى واسعة ومن األسفل ضيقة ‪ ،‬وفيها يضعون‬ ‫البيض ‪ .‬وحتت تلك احلفرة يقيمون ً‬ ‫فرنا يضعون الروث فى داخله ‪ ،‬ومن األعلى ينثرون‬ ‫عليه الروث ‪ ،‬وتوقد النار فى الداخل ‪ ،‬وتؤازرها حرارة الشمس من اخلارج ‪ ،‬وهكذا تفقس‬ ‫األفراخ ‪ .‬وفى اليوم الثالث ‪ ،‬يفتحون الفرن وخيتارون البيض الذى ستفقس منه األفراخ ‪ ،‬ومن‬ ‫جديد يكسونه بالروث ويدفئونه ويبقونه حتى اليوم التاسع ‪ .‬وتأخذ ربة املنزل ذلك البيض‬ ‫الذى يبدأ فى التصدع كما لو أنه على النار ‪ ،‬وتكسر القشرة عنه مساعدة بذلك األفراخ‬ ‫على اخلروج من البيض » ‪ .‬وأضاف إيبوليت فيشينسكى أن « مثل هذه األفران التى تنتج‬ ‫فيها األفراخ كثرية ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا حرفتهم » ‪.‬‬ ‫جدا عند العرب ‪ ،‬وجتارة األفراخ هى‬ ‫وقد ذكر كثري من رحالتنا فى مذكراتهم أن التجارة فى مصر رائجة ‪ .‬عن ذلك كتب‬ ‫فاسيلى جرجيورفيتش ‪ « :‬يوجد فى القاهرة ميدان فسيح ً‬ ‫جدا ‪ ،‬أو بازار ‪ ،‬أو سوق يتجمع‬ ‫فيه كل يوم عدد غفري من الناس ال حيصى ‪ .‬وهنا احلوانيت التجارية متالصقة ً‬ ‫جدا ‪.‬‬ ‫واحلقيقة أن املدينة كلها مليئة باألسواق ‪ :‬ففى األسفل فى كل الشوارع توجد حوانيت‬ ‫جتارية ‪ ،‬وفى األعلى غرف عالية بعضها فوق بعض < ‪ > ...‬واخلبز واملريون واجلنب والزيتون‬ ‫والقهوة ‪ ،‬وكل املنتجات الغذائية تباع بسعر زهيد ‪ .‬أما اخلمر واخلمر املصنوع فى املنزل‬ ‫غال ‪ ،‬ألنه ال يتم إنتاجهما هناك ‪ ،‬وإمنا يؤتى بهما عن طريق البحر املتوسط » ‪.‬‬ ‫سعرهما ٍ‬ ‫وبدوره ذكر كريبرونيكوف أن « التجارة فيها “فى القاهرة” رائجة ‪ ،‬واملمرات التجارية‬ ‫رائجة ً‬ ‫جدا ( حتى أنك إذا كنت ال تعرفها ‪ ،‬تكون عرضة للتوهان ) < ‪ > ...‬واألسواق توجد‬ ‫كاف فى كل أرجاء املدينة ‪ .‬ومن كثرة الناس تستطيع املرور بالكاد ‪ .‬وفى‬ ‫بشكل‬ ‫ِ‬ ‫السوق الكبري أقصى درجات الزحام ‪ ،‬وهذا الزحام ينشأ من ضيق الشوارع ‪ .‬واخلبز يباع‬ ‫بسعر مناسب ‪ ،‬وتباع اللحوم واألمساك واألرز بسعر رخيص ‪ ،‬والفول ‪ ،‬والعدس ‪ ،‬والبلح‬ ‫واخلضروات توجد بكثرة ‪ . « ...‬وأما أرسينى سوخانوف فقد ذكر أن « أغلى شىء فى‬ ‫القاهرة هو احلطب ‪ ،‬وكل أنواع األخشاب » ‪.‬‬ ‫وذكر بعض املؤلفني أن مصر أقامت جتارة رائجة مع الدول األخرى ‪ .‬قال إيبوليت‬ ‫فيشينسكى فى وصفه للسويس ‪ « :‬وهناك على البحر األمحر يوجد ميناء حبرى حيث‬ ‫ترسو ٌ‬ ‫سفن من كل أرجاء املعمورة ‪ ،‬وإحدى السلع الواردة إىل هناك كانت القهوة » ‪ .‬وحيث‬ ‫أن القهوة ال تزرع فى روسيا ‪ ،‬فإن فيشينسكى قرر أن حيكى للقراء عنها ‪ .‬ومع ذلك ‪،‬‬ ‫فقد قال ذلك ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ ،‬أشار احلاج الروسى‪:‬‬ ‫نقال عن آخرين حيث أن القهوة ال تزرع فى مصر‬ ‫« حيكون أن شجرة النب بلحائها وورقها تشبه شجرة الكرز ‪ ،‬والثمار تنمو فى أجولة ‪،‬‬ ‫وحتت الشجر يبقون األرض نظيفة ‪ .‬وعندما يزدهر احملصول ‪ ،‬فإن الفروع تنثنى مباشرة‬ ‫حتى األرض وجيعلون هلا دعامة ‪ ،‬وعندما تنضج الثمار يهزون الشجرة ‪ ،‬وجيففون الثمار‬ ‫اجملموعة فى الشمس ‪ .‬وبعد ذلك يقشرون حبوب النب من املنتصف ‪ ،‬ويبيعون احلبوب‬ ‫النظيفة ‪ ،‬ويسحقون القشرة ويشربونها ‪ ،‬ويقومون بتبخري احلبوب النظيفة ‪ ،‬لكى ال‬ ‫ً‬ ‫ثـمارا فى البالد األخرى » ‪.‬‬ ‫تخُ رج‬ ‫‪124‬‬


‫ ‬

‫•القاهرة ‪:‬‬

‫فى الرحالت املبكرة ً‬ ‫جدا وصفت مصر بإجياز ‪ .‬ذكر فارسونوفى أن « مدينة مصر‬ ‫“القاهرة” مدينة كبرية وقائمة فى أرض مستوية على سفح جبل ‪ ،‬وجيرى جبوارها نهر من‬ ‫اجلنة ‪ ،‬هو نهر النيل ذو اجملرى الذهبى ‪ ،‬واالسم اآلخر للنهر هو جيون ‪ .‬ويبلغ عرض املدينة‬ ‫ميلني ‪ ،‬أما طوهلا فيبلغ اثنى عشر ً‬ ‫ميال » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫زمنيا‬ ‫متاما ‪ ،‬فإن النصوص الثالثة التالية‬ ‫وإذا كانت معلومة فارسونوفى صحيحة‬ ‫ً‬ ‫أرقاما خيالية تصف قياسات القاهرة ‪ ،‬يقول التاجر فاسيلى ‪ « :‬القاهرة مدينة‬ ‫تتضمن‬ ‫ً‬ ‫كبرية جدا ‪ ،‬ويوجد فيها ‪ 14‬ألف شارع ‪ ،‬ولكل شارع بوابتان ‪ ،‬ومزغالن لضرب السهام‪،‬‬ ‫وحارسان يشعالن الزيت فى الشمعدان ‪ .‬وفى بعض الشوارع يوجد ‪ 15‬ألف منزل ‪ ،‬وفى‬ ‫شوارع أخرى حتى ‪ 18‬ألف فناء » ‪ .‬ويقول م ‪ .‬ج ‪ .‬مصيور ‪ -‬مونيخني ‪ « :‬القاهرة مدينة عظيمة‬ ‫إذ يوجد فيها ‪ 14‬ألف مسجد ‪ .‬وكل مسجد حيتوى على ‪ 100‬عمود حجرى ‪ ،‬ويصعد على‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫العمود حتى مائة شخص ‪ ،‬ومخسون شخص يؤذنون ( للصالة ) ‪ .‬ويوجد فى القاهرة‬ ‫‪ 14‬ألف خان ‪ ،‬وكل خان يسع حتى ‪ 300‬تاجر ‪ .‬وفى القاهرة يوجد ‪ 14‬ألف شارع ‪ ،‬وفى‬ ‫كل شارع ‪ 14‬فناء » ‪ .‬ويقول األب جرجيورى ‪ « :‬فى مصر “القاهرة” يوجد ‪ 14‬ألف شارع ‪،‬‬ ‫وفى كل شارع ‪ 14‬ألف فناء حجرى » ‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أنه فى النصوص الثالثة ورد الرقم « ‪ 14‬ألف » الذى خيتص بعدد الشوارع‪،‬‬ ‫واألفنية ‪ ،‬واملساجد ‪ ،‬واخلانات ‪ .‬من احملتمل أن هذا الرقم كان يستخدم كمرادف لشىء‬ ‫كبري ال يقاس ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صدقا عنالقاهرة ‪.‬‬ ‫إسهابا وأكثر‬ ‫والرحالت املتأخرة عن ذلك تتضمن بالفعل معلومات أكثر‬ ‫ذكر فاسيلى جاجارا ‪ « :‬عندما تقرتب من القاهرة يظهر أمامك ما يشبه الغابة املعتمة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الحقا ‪ « :‬وذاك النهر [ النيل ]‬ ‫تلك هى أبراج األجراس للمسلمني ( منارات ) مساجدهم » ‪ .‬وقال‬ ‫يقع على مسافة ثالثة أميال من القاهرة ‪ .‬وجيلب العرب املاء للمدينة ويبيعونه فى القاهرة‪.‬‬ ‫جيلبون املاء على اجلمال والبغال فى قرب جلدية ‪ ،‬ويبيعونه بالرحال واألباريق » ‪.‬‬ ‫ويؤكد أرسينى سوخانوف أن « القاهرة مكان كبري ومزدحم بالسكان مثل‬ ‫القسطنطينية ‪ ،‬غري أنه من الصعب أن ندرك أيهما أكرب ‪ ،‬فكلتاهما كبريتان‬ ‫ومزدمحتان بالسكان وغنيتان ‪ .‬وفى القاهرة املبانى مبنية من احلجر ‪ .‬وتقع املدينة ذاتها‬ ‫بالقرب من النهر على مسافة فرسخ واحد من النيل ‪ ،‬أما الضواحى والقرى فتقع على ضفة‬ ‫ً‬ ‫وخصيصا من أجل الفيضان عندما خيرج النهر عن ضفافه مت بناء أخدود‬ ‫نهر النيل ذاتها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حجرى كبري كما لو أن نهرا كبريا يتدفق ‪ .‬وعلى ضفة ذاك النهر ‪ -‬على اجلدار احلجرى‪-‬‬ ‫وضعت عالمات ينظرون إليها ملعرفة مدى ارتفاع واخنفاض منسوب املياه ‪ ،‬وحيددون هل‬ ‫‪125‬‬


‫ستكون الغالل رخيصة أم غالية فى ذلك العام » ‪ .‬إن مقياس النيل الذى وصفه سوخانوف‬ ‫يوجد فى احلافة اجلنوبية جلزيرة الروضة حتى اآلن ‪.‬‬ ‫وحكى بالتفصيل عن عاصمة القاهرة املؤلف اجملهول ملخطوطة « وصف اإلمرباطورية‬ ‫الرتكية » ‪ « :‬تسرى شائعة مصدرها الناس أنه يبلغ عدد كل اخلانات والبيوت فى القاهرة‬ ‫‪ً 25‬‬ ‫ألفا ‪ > ... < .‬وحول كل الضاحية ملدينة القاهرة على امتداد كل األسوار توجد بوابات‬ ‫للدخول ‪ ،‬وأبواب كبرية وصغرية يقدر عددها بثمانية وعشرين ‪ .‬وفى الداخل فى أقصى‬ ‫ضاحية املدينة من اجلانب الغربى على امتداد ذلك النهر املصرى ‪ ،‬ما إن تدخل املدينة عرب‬ ‫البوابات الكبرية لبوالق ‪ -‬التى تطل على الشرق ‪ ،‬يبدو وألول وهلة أن أكثر من نصف‬ ‫ضاحية املدينة تشغلها املزارع واحلقول ‪ .‬والنصف اآلخر األقل لضاحية تلك املدينة جبانب‬ ‫السور الشرقى يتكون من البيوت السكنية ‪ ،‬ومن اجلهة الشمالية لسور املدينة حتى السور‬ ‫اجلنوبى ‪ ،‬توجد بيوت سكنية تتشابك كسلسلة على شكل شريط واسع وطويل ‪.‬‬ ‫وعلى هذا النحو تكون كل املبانى السكنية ‪ .‬واألفنية مع البيوت متشابكة بإحكام‪،‬‬ ‫حيث أنها تشكل كتلة كبرية ‪ .‬والشوارع ضيقة فى كل األحياء السكنية‪ .‬باإلضافة‬ ‫إىل ذلك فتلك الشوارع يربطها عدد كبري من احلارات شديدة الظلمة ‪ ،‬أو املمتدة بني‬ ‫البيوت ‪ .‬واألحياء السكينة مزدمحة ً‬ ‫جدا بالسكان » ‪.‬‬ ‫وأشار فاسيلى جرجيورفيتش أن « القاهرة تتكون من أربعة أحياء خمتلفة ؛ االسم األول‬ ‫هو مصر حيث يعيش كل الناس وتوجد األسواق < ‪ > ...‬واالسم الثانى هو القلعة أو القصر‬ ‫ً‬ ‫عال يسمى كاىل ( القلعة ) < ‪ > ...‬ومصر القدمية “ القاهرة‬ ‫الذى يوجد منعزال فى مكان ٍ‬ ‫ً‬ ‫منعزال غري‬ ‫القدمية” هو االسم الثالث ملصر < ‪ > ...‬واملكان الرابع يسمى [ بوالق ] الذى يقع‬ ‫بعيد عن املدينة على حافة الشاطئ النهرى » ‪.‬‬ ‫وأشرك جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى القراء بالعديد من املالحظات الطريفة عن حياة‬ ‫القاهريني ‪ .‬قال جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪ « :‬يوجد فى أعلى كل البيوت املصرية أعمدة‬ ‫كأعمدة املداخن تهب فيها الريح ‪ ،‬وتنفذ إىل مجيع غرف املبنى حتى إىل القاع ‪ ،‬وتعطى‬ ‫ً‬ ‫ضروريا ‪ ،‬ألنه وبسبب ضيق الشوارع‬ ‫القاطنني فيه برودة معتدلة ‪ .‬وفى القاهرة يكون هذا‬ ‫وعلو املبانى ‪ ،‬فإن اهلواء ال ميكنه أن يسرى داخل البيوت ‪ ،‬وكان من غري املمكن أن‬ ‫يعيش فيها الناس بسبب حرارة الشمس » ‪ .‬ومثل تلك اهلوايات الفريدة مت استخدامها على‬ ‫شواطئ اخلليج الفارسى حتى منتصف القرن العشرين ‪ ،‬غري أنه ر ُبط فى األعمدة قماش‬ ‫مثل الشاش ‪ ،‬والذى من جراء اهتزازه يتهوى البيت ‪ .‬من احملتمل أن هذه التقنية استخدمها‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ ،‬غري أن املؤلف مل يذكر شىء عن القماش ‪.‬‬ ‫املصريون‬ ‫وهذه مالحظة أخرى ‪ .‬فقد ذكر جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى أنه « يباع املاء فى مصر على‬ ‫الرغم من جماورة النهر ‪ .‬فالذين يعيشون فى البيوت الواقعة على ضفاف النهر جيلبون املاء‬ ‫ً‬ ‫بعيدا فال يستطيعون الذهاب كل يوم إىل النهر ‪ .‬ولذلك‬ ‫بأنفسهم ‪ ،‬أما الذين يعيشون‬ ‫يوجد أناس متخصصون هم بائعو املاء ( السقاة ) الذين يغرتفون املاء من النهر بواسطة قرب‬ ‫‪126‬‬


‫جلدية ‪ ،‬ويضعونها على اجلمال ‪ ،‬وجيلبونها إىل املدينة ويبيعونها ‪ .‬وال يوجد مصدر آخر‬ ‫للشرب ألن هذه البلد ماحلة ‪ .‬وعلى الرغم من وجود آبار فى كل فناء ‪ ،‬فاملاء الذى فيها ماحل‬ ‫تغسل به اآلنية فقط ‪ .‬وفى القاهرة توجد قناة شقت من النيل يصل ماؤها إىل املدينة أثناء‬ ‫وحينئذ يباع املاء بسعر زهيد ‪ .‬وتوجد خزانات فى الكثري من أفنية بيوت السادة‪،‬‬ ‫الفيضان ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أى حفر صنعت على مثال اآلبار ‪ .‬وميلؤنها باملاء الذى يشرتونه ويشربون منها طوال العام » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫دائما ما كانت تلفت انتباه الرحالة الروس القادمني إىل القاهرة ‪ ،‬والتى تقع فى‬ ‫والقلعة‬ ‫جانب ليس ببعيد عن املدينة الرئيسية فى ذيل جبل املقطم ‪ .‬قال فاسيلى جاجارا أنه « يوجد‬ ‫عال حيث يعيش الباشا الرتكى » ‪ .‬ووصف املؤلف‬ ‫فى القاهرة قلعة وحيدة على جبل ِ‬ ‫اجملهول ملخطوطة « وصف اإلمرباطورية الرتكية » القلعة بدقة عسكرية ‪ .‬قال املؤلف‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫اجملهول ‪ « :‬وفى الزاوية اجلنوبية ‪ ،‬أمام تلك الضاحية على اجلبل الشرقى ‪ ،‬توجد‬ ‫القلعة الصغرية الثانية ‪ .‬وهى منفصلة عن تلك الضاحية للمدينة العظيمة ‪ .‬تعترب القلعة‬ ‫اخلاصة بهذه املدينة الصغرية صلبة وحصينة بأسوارها وناسها ومدافعها ‪ .‬وفيها كثري من‬ ‫املدافع الكبرية والصغرية ‪ .‬ويعيش فيها الباشا املصرى مع خدمه وحشمه ‪ ،‬ويدافع عن مصر‬ ‫( القاهرة ) بأكملها ‪ .‬وفى حالة اهلجوم أثناء احلرب يستطيع أن يدفع العدو عن اجلدار‬ ‫الشرقى لضاحية املدينة الكبرية من ناحية اجلبل من تلك املدينة الصغرية ‪ ،‬ويستطيع‬ ‫ً‬ ‫أيضا أن يدافع عن السور اجلنوبى لضاحية املدينة من املدينة الصغرية حتى نهر النيل » ‪.‬‬ ‫وقد وصف مواطنونا املبانى داخل القلعة ذاكرين كقاعدة عامة أنه قد عاش هناك‬ ‫يوسف اجلميل ( النبى يوسف بن يعقوب ) ‪ .‬وجذب انتباههم بطريقة خاصة املبنى ذو‬ ‫اهلندسة املائية املعقدة ‪ ،‬والذى من خالله كانت القلعة تتزود باملاء واملسمى « بئر يوسف»‪.‬‬ ‫أشار آندرى إجيناتيف إىل أنه « عندما عدنا من هناك [ من القاهرة القدمية ] ذهبنا إىل برج‬ ‫حيث يوجد ثريان ترفع املاء الوارد من النيل ‪ :‬وعندما يرفعون املاء من البئر األول السفلى ‪،‬‬ ‫والذى يبلغ عمقه ‪ 40‬ساجني ‪ ،‬ينساب املاء عرب ميزاب إىل البئر اآلخر العلوى ‪ ،‬ومنه يرفعون‬ ‫ً‬ ‫أيضا ملسافة ‪ 8‬ساجني إىل امليزاب العلوى » ‪ ،‬وقد أكد أنه فى السابق كان يوجد فى‬ ‫املاء‬ ‫قاع البئر الزنزانة التى عاش فيها النبى يوسف ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا إيبوليت فيشينسكى ‪ .‬فقد ذكر « وفى القصر توجهنا إىل زنزانة‬ ‫وعن هذا كتب‬ ‫يوسف اجلميل ‪ ،‬والتى يهبطون إليها عرب ‪ 200‬سلمة ‪ .‬وهناك يوجد ستة أزواج من الثريان‬ ‫ً‬ ‫حمبوسا فى زنزانته يلزم اهلبوط‬ ‫تقوم برفع املاء إىل اجلبل ‪ ،‬ومن هناك إىل حيث كان يوسف‬ ‫‪ 200‬سلمة أخرى ‪ .‬ويصل املاء إىل البئر بواسطة قنوات متصلة بالنيل ‪ .‬وإىل القاع حيث‬ ‫ً‬ ‫حمبوسا يتوجب اهلبوط ‪ 400‬سلمة »‪.‬‬ ‫كان يوسف‬ ‫وبإسهاب وصف فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى « بئر يوسف » ‪ ،‬وأرفق وصفه بصورة‪.‬‬ ‫« وفى داخل كاىل “ القلعة” يتواجد بئر يوسف ‪ .‬لقد زرته وفحصته ‪ ،‬وتصويره بدقة ووصفه‬ ‫َ‬ ‫يتسن ىل أن أرى مثل هذا الشىء‬ ‫كما هو فى احلقيقة كان من الصعوبة مبكان ‪ ،‬ألنه مل‬ ‫فى أى مكان آخر ‪ .‬وهذا البئر بنى بعقل أريب ونصيحة حكيمة‪ ،‬ألنه عند حفره كان‬ ‫‪127‬‬


‫ينبغى إعمال الدهاء ‪ ،‬حيث أنه يقع بأكمله حتت األرض ‪ ،‬وال يرى منه أى شىء ‪ .‬ولكن‬ ‫للعقل األريب أصف وأرسم هكذا ‪ :‬ليس للبئر مدخل يؤدى إىل داخل املبنى ‪ ،‬ألنه قد حفر‬ ‫فى األرض الطبيعية أو فى احلجر اللني ‪ .‬والبئر ذو أربعة أضالع ‪ ،‬وهى متساوية فى العرض‬ ‫والطول ‪ ،‬ويبلغ قياس كل منها أربعة ساجني ‪ ،‬وهو عميق بدون قياس ‪ .‬وحول هذا البئر‬ ‫حفر طريق مثل الشارع أو املغارة ‪ .‬وفى السابق كان الطريق يصل إىل القاع ‪ ،‬لكن اآلن‬ ‫حتى املنتصف فقط ‪ ،‬وفى حوائط البئر حنتت نوافذ لإلضاءة ‪ ،‬ولكنها فى العمق توصل‬ ‫ً‬ ‫ضوءا أقل ‪ ،‬وجيب أن تهبط بشعلة نار كما فعلت أنا ‪ .‬والعمال هناك جيلبون لألسفل‬ ‫ثريان ويربطونها فى ساقية مصنوعة بطريقة ذكية ‪ ،‬وبواسطتها يرفعون املاء من قاع البئر‬ ‫حتى منتصفه حيث يصب فى حوض ‪ ،‬ومنه ُيرفع إىل قمة البئر بواسطة ثريان أخرى مربوطة‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى ساقية ‪ .‬ويسحبون املاء خلارج البئر عن طريق قواديس معلقة باحلبال ‪ ،‬وغري ذلك‬ ‫ال ميكن احلصول على املاء من مرة واحدة بسبب العمق الكبري ‪ ،‬إذ أنه من الثريان العليا‬ ‫إىل الثريان الثانية ينبغى اهلبوط ‪ 200‬سلمة كما عددتها بنفسى ‪ ،‬ومن هناك بالكاد‬ ‫ٌيرى املاء ‪ .‬ويقول العاملون هناك أنه للهبوط إىل القاع يبقى أكثر من نصف الطريق ‪ .‬واملاء‬ ‫ً‬ ‫عذبا ‪ ،‬ولكنه ليس بشديد امللوحة ‪ ،‬ولذلك فى حالة الضرورة ميكن شربه‬ ‫فى البئر ليس‬ ‫من غري ضرر » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا من « بئر يوسف » ‪ ،‬فقد أكد أن « عمقه غري عادى ‪ ،‬وله‬ ‫تعجب كريبرونيكوف‬ ‫أربعة أضالع ‪ ،‬وهو منحوت فى األرض الطبيعية احلجرية ‪ ،‬وفى كل حائط أربعة أرشينات‬ ‫“األرشني مقياس روسى قديم يساوى ‪ 71‬سم” املرتجم ‪ .‬وجبواره خلف احلوائط شق ممر فسيح‬ ‫للثريان واملاشية األخرى ‪ ،‬وعرب هذا املمر دخلنا إىل منتصف البئر ‪ .‬وينفذ الضوء فى هذا‬ ‫املكان عرب النوافذ املنحوت عدد منها فى كل حائط من حوائط البئر ‪ ،‬ولكن الضوء فى‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪.‬‬ ‫تلك النوافذ ينزل من أعلى ‪ ،‬وخلف البئر مير الضوء عرب تلك النوافذ ‪ ،‬وإن كان‬ ‫ُ‬ ‫ويستخرج املاء من قاع البئر عن طريق ثريان مربوطة فى ساقية ‪ ،‬والتى ربطت عليها كثري‬ ‫من القواديس الفخارية التى تشكل ما مياثل احللقة ‪ ،‬والتى عندما تغطس تسحب املاء ‪،‬‬ ‫ثم يفرغ املاء فى منتصف البئر فى أحواض مصنوعة لذلك الغرض ‪ .‬ومن األحواض بالضبط‬ ‫بنفس الصورة كما حيدث فى البئر يغرتفون املاء ‪ ،‬ويسحبونه لألعلى ‪ ،‬ويقلب فى جرار‬ ‫عميقة كاآلبار التى توجد عندنا فى روسيا ‪ ،‬حيث يعلق دلوان أحدهما ينزل لألسفل‬ ‫واآلخر يصعد لألعلى » ‪.‬‬

‫‪128‬‬


‫ ‬

‫•اإلسكندرية ‪:‬‬

‫زار بعض مواطنينا اإلسكندرية ‪ .‬وكان أول من وصفها أرسينى سوخانوف ‪ ،‬وأشار إىل‬ ‫مبان مدهشة ‪ .‬وال توجد أى مدينة تشبهها فى زينتها ‪ .‬اآلن‬ ‫أن « اإلسكندرية مدينة ذات ٍ‬ ‫أصبحت هذه املدينة خاوية على عروشها ‪ ،‬وكان يعيش فيها عدد قليل من الناس عند‬ ‫دخولنا إليها ‪ .‬واملدينة فارغة من الداخل ‪ ،‬فقد انهارت مجيع املنازل ‪ .‬وهنا يوجد بيت والد‬ ‫الشهيدة العظيمة كاترينا ‪ .‬البيوت الكبرية مثل اجلبال ‪ ،‬واملبنية من الطوب األمحر‬ ‫انهارت مجيعها ‪ ،‬ولكن مازالت بعض القباب قائمة < ‪ > ...‬وفى اإلسكندرية يوجد عدد‬ ‫ال حيصى من األعمدة احلجرية املرمرية العالية واملتوسطة والصغرية ‪ ،‬والتى صنع كل‬ ‫ً‬ ‫فضال عن األعمدة املستديرة ‪ .‬وتندفع مياه البحر األبيض املتوسط‬ ‫واحد منها من حجر واحد ‪،‬‬ ‫حتى سور املدينة نفسه ‪ ،‬حيث توجد بوابات كبرية تؤدى إىل البحر < ‪ > ...‬ال يوجد نهر‬ ‫فى مدينة اإلسكندرية ‪ ،‬غري أنه فى وقت الفيضان تتدفق املياه فى روافد من النيل إىل‬ ‫اإلسكندرية ‪ ،‬ومن هذه الروافد تصل املياه للمدينة عن طريق أنبوب ميلئ مجيع اآلبار‬ ‫املبنية فى األرض ‪ ،‬ويعيش سكان املدينة على هذه املياه مدة عام كامل < ‪ > ...‬وعلى‬ ‫مسافة فرسخ واحد فى مشال اإلسكندرية توجد على قمة حجرية ‪ -‬فى البحر ‪ -‬قلعة غري‬ ‫كبرية مليئة بالقصور ‪ .‬وفيها يعيش واىل اإلسكندرية ‪ .‬والبحر باجلوار ‪ -‬كأنك على‬ ‫جزيرة ‪ -‬ومن البحر ميتد إىل الشاطئ جسر حجرى ‪ ،‬وفى مقابل اجلسر على الشاطئ توجد‬ ‫املدينة ‪ .‬وعلى امتداد الطريق من هذه القلعة حتى مدينة اإلسكندرية القدمية توجد‬ ‫ً‬ ‫ونادرا ما تكون متقابلة ألن املكان هنا‬ ‫مجيع الساحات والقصور ‪ .‬واألسواق هنا خمتلفة ‪،‬‬ ‫منبسط وفسيح ‪ .‬ومرسى السفن هنا أكرب وأفضل ‪ ،‬وتأتى إىل هنا اجلاليونات الكبرية‬ ‫(السفن احلربية والتجارية الكربى ) ‪ ،‬والسفن القادمة إىل مصر من خمتلف األقطار ‪ .‬كلها‬ ‫تقف هنا وال تذهب لألسفل مع تيار النهر ‪ ،‬حيث أن املياه ضحلة هناك » ‪.‬‬ ‫حكى املؤلف اجملهول ملخطوطة « وصف اإلمرباطورية الرتكية » عن اإلسكندرية‬ ‫بإجياز وبطريقة عسكرية ‪ ،‬فقد ذكر ‪ « :‬تلك اإلسكندرية السابقة تهدمت كلها‬ ‫وأصبحت خاوية ‪ .‬وفى مكان جديد أنشئت مدينة ومسيت اإلسكندرية ‪ ،‬ليس بها أية‬ ‫قلعة ‪ ،‬وتقع بالقرب من البحر فى مكان منبسط جبوار تلك املدينة اخلالية القدمية من‬ ‫الناحية الغربية ‪ .‬وهى تشبه القرية من ناحية الشكل ‪ ،‬واملساكن قليلة ً‬ ‫جدا ‪ .‬وعلى‬ ‫شاطئ البحر ‪ ،‬عند انعطاف اخلليج بالقرب من ميناء السفن على القمة احلجرية ‪ ،‬أقيم‬ ‫برج حجرى كبري فى مكان منبسط نصب فيه من القمة إىل القاعدة الكثري من املدافع‬ ‫الكبرية والصغرية مصوبة باجتاه الضواحى ‪ .‬وهذا الربج كبري مثل القلعة ‪ ،‬وحيمى‬ ‫اإلسكندرية من جهة البحر » ‪.‬‬ ‫زار مكارى وسيليفيورست اإلسكندرية مرتني ‪ -‬املرة األوىل كانت فى طريقهما‬ ‫لألرض املقدسة ‪ ،‬وبعد ذلك فى أثناء عودتهما إىل الوطن ‪ .‬وقد أوضحا أن « اإلسكندرية‬ ‫‪129‬‬


‫كانت مدينة كبرية ومجيلة أسسها امللك اإلسكندر املقدونى ‪ .‬ومل َ‬ ‫يبق من تلك املدينة‬ ‫ً‬ ‫حاليا إال القليل ‪ ،‬توجد فقط بعض األجزاء قائمة ‪ ،‬واملدينة كلها خاوية ومهدمة القصور ‪.‬‬ ‫وللمدينة سورين شاهقى االرتفاع مبنيني من احلجر ‪ ،‬وبينهما يوجد ممر ميكن لعربتني‬ ‫متقابلتني أن تسريا خالله ‪ .‬وعلى شاطئ البحر ‪ ،‬حيث ميناء السفن ‪ ،‬مل َ‬ ‫يبق غري عدد قليل‬ ‫من الناس ‪ .‬وغري بعيد عن امليناء توجد قلعة ‪ .‬وفى القلعة واملدينة يعيش العرب وحدهم » ‪.‬‬ ‫رجح كل من مكارى وسيليفيورست أن « اإلسكندرية كانت أمجل بكثري من‬ ‫القسطنطينية » ‪ .‬وبعد أن ذكرا أنه يعيش فقط فى املدينة البوسورمانيون ( املسلمون)‬ ‫وهم ( العرب واألتراك ) وكثري من اليهود فقد أشركا القراء معهما فى املالحظة التالية ‪:‬‬ ‫« مجيع البيوت مبنية من احلجر ومن الطوب ‪ ،‬وال توجد أقبية حجرية ‪ ،‬وفى املمرات ال توجد‬ ‫ً‬ ‫وبدال من األقبية احلجرية‬ ‫بوابات أو مزاليج ‪ ،‬وال يوجد قضبان حديدية على نوافذ البيوت ‪.‬‬ ‫يضعون عوارض رباعية اجلوانب ‪ ،‬وعليها يضعون ألواح خشبية ‪ .‬وبعد ذلك ‪ ،‬خيلطون‬ ‫الرتاب مع اجلري مع الرماد ‪ ،‬ويدهنون من األعلى ‪ ،‬وهذا هو السقف عندهم ‪ .‬واألرض فى‬ ‫مجيع أحناء اإلسكندرية رملية ‪ .‬والنوافذ أحجامها كبرية ‪ ،‬وذات مشربيات خشبية ‪،‬‬ ‫وتغلق من الداخل » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كامال عن اإلسكندرية‪.‬‬ ‫فصال‬ ‫خصص فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى فى رحلته‬ ‫وبعد أن َّذكر بأن « اإلسكندرية كانت فيما مضى مدينة عظيمة وقوية وشهرية ‪،‬‬ ‫حيث حكم هناك امللوك القدامى » ‪ ،‬أكد هو والرحالة السابقون أن « املدينة اآلن خاوية‬ ‫ومهدمة لدرجة أنه بالكاد ميكنك ختمني أنه كان يوجد هنا فيما قبل مدينة ‪ ،‬فهى‬ ‫أشبه بالقرية أو الضاحية ‪ ،‬ألن كل أسوارها سقطت وتهدمت ‪ ،‬وال يزمع أحد أن يبنى‬ ‫ً‬ ‫أسوارا جديدة ‪ ،‬غري أن بقايا األسوار مازالت قائمة ‪ ،‬وفى كثري من األماكن يوجد مزاغل‬ ‫لضرب السهام ‪ ،‬وبوابتان تغلقان بالليل ‪ ،‬وهما البوابتان اجلنوبية والشرقية اللتان تقعا‬ ‫من جهة اليابسة ‪ ،‬وأما البوابات التى من جهة البحر فقد سقطت ‪ .‬وفى داخل املدينة القدمية‬ ‫مبان قليلة ‪ ،‬ولكن يوجد خارج حدودها على شاطئ البحر كثري من الساحات اجلديدة‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫أيضا سوق كبري فيه‬ ‫والقصور والبيوت بديعة الصنع من احلجر األبيض ‪ ،‬ويوجد هناك‬ ‫الكثري من املمرات التجارية حيث تباع سلع عديدة ‪ .‬ويعيش هناك صفوة اجملتمع » ‪.‬‬ ‫أشرك جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى القراء فى هذه املالحظة الطريفة إذ ذكر أنه « بالقرب‬ ‫من دير القديس سابا يوجد تل غري طبيعى املنشأ ‪ ،‬وقد نشأ هذا التل من الردم الكثري‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عرب سنوات عديدة فكل يوم حيفر العرب األرض وينخلونها ‪ ،‬وجيدون ً‬ ‫وأحيانا‬ ‫قليال‬ ‫ذهبا‬ ‫ً‬ ‫أحجارا كرمية ‪ ،‬باإلضافة إىل أختام قدمية وأشياء أخرى » ‪ .‬وهكذا كان‬ ‫فضة وصدف أو‬ ‫معاصرو احلجاج الروس ميلئون ميزانيتهم على حساب اإلغريق والرومان ‪ ،‬األمر الذى حتسر‬ ‫له األثريون فيما بعد ألكثر من مرة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا أرسينى سوخانوف عن أن اإلسكندرية تتزود باملاء الذى ميلئ اخلزانات‬ ‫أشار‬ ‫العديدة حتت األرض أثناء فيضان النيل ‪.‬‬ ‫‪130‬‬


‫اعترب كل من مكارى وسيليفيورست هذه اخلزانات مدينة كاملة حتت األرض ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى عن « املدينة الثانية حتت األرض » ولكنه‬ ‫وكتب‬ ‫حكى بوضوح عن الغرض منها ‪ « :‬إن اآلبار الكثرية مثل املعابد ذات األعمدة والفجوات ‪،‬‬ ‫والتى متتلئ من النيل كل صيف ‪ ،‬ويأخذون منها املاء للشرب ورى احلدائق ولالحتياجات‬ ‫اإلنسانية األخرى ‪ .‬وأعلى مدينة رشيد من القرية التى تسمى فيفا ( رمبا يقصد مدينة فوه ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عرب األراضى وجيتاز اإلسكندرية من اجلانب‬ ‫املرتجم ) يتفرع جزء من النيل ‪ ،‬وجيرى‬ ‫اجلنوبى ‪ ،‬ويصب فى البحر ‪ .‬وهذا اجلزء من النيل غري طبيعى املنشأ ‪ .‬وحيكى الناس أن‬ ‫امللك اإلسكندر املقدونى شق هذه القناة ‪ ،‬وبطنها باألحجار ‪ ،‬وأوصل املياه إىل هنا ‪ ،‬ألن املاء‬ ‫ً‬ ‫ماحلا » ‪.‬‬ ‫اآلخر كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سفنا كثرية‬ ‫أيضا أن اإلسكندرية ‪ « :‬تستقبل‬ ‫وذكر جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى‬

‫ومتنوعة ‪ .‬وفيها مينائني كبريين ؛ أحدهما فى اجلهة الشرقية ( أصغر من اآلخر ) ‪ ،‬وخمصص‬ ‫للفرنسيني ‪ ،‬واإلجنليز والفالميني ‪ ،‬وأهل البندقية ‪ ،‬وامليناء الثانى كبري ويقع فى اجلهة‬ ‫الغربية ‪ ،‬حيث توجد فقط السفن الرتكية واليونانية ‪ ،‬وهو هادئ وصامت ‪ .‬وبينها ‪ -‬وعلى‬ ‫أرض لسان دقيق وممتد داخل إىل البحر ‪ -‬توجد قلعة ذات بناء مجيل ومتني ‪ ،‬وهى مبنية من‬ ‫حجر صلد ‪ ،‬ومسلح باملدافع للدفاع عنه ضد القراصنة واألعداء اآلخرين الذين ميكن أن‬ ‫عال ذو مصباح أو فانوس ‪ ،‬والذى يضاء كل ليلة‬ ‫يهامجوه ‪ .‬ويوجد فى القلعة عمود واحد ِ‬ ‫لريشد السفن القادمة ( أو التى احنرفت عن املسار ) إىل الطريق الصحيح» ‪ .‬ومل يقل أى من‬ ‫ً‬ ‫شيئا عن وجود الفنار فى قلعة قايتباى قبل ذلك ‪.‬‬ ‫مواطنينا فى مذكراته‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقد خصص األرمشندريت قنسطنطني لإلسكندرية كتابا كامال ليس بالكبري‪.‬‬ ‫وقد فحص هذه املدينة بعمق فى حبثه عن بقايا العظمة املاضية ‪ .‬والكتاب يتضمن‬ ‫العديد من املعلومات الواقعية ‪ .‬وقال األرمشندريت قنسطنطني مثل فاسيلى جرجيورفيتش‬ ‫الذى كان هناك قبله بوقت قليل أنه يوجد مينائني فى اإلسكندرية ‪ ،‬وهما القديم‬ ‫“الغربى” ‪ ،‬واحلديث “ الشرقى” ‪ .‬واألخري يستخدمه األوروبيون ‪ .‬وكان وصف السد الذى‬ ‫ً‬ ‫طريفا ‪ « :‬ميتد حواىل الفرسخ ‪ ،‬وجزء منه‬ ‫يربط الشاطئ جبزيرة فاروس من قبل املؤلف‬ ‫مبنى بالطوب ‪ ،‬واجلزء اآلخر باحلجر املنحوت ‪ ،‬وحتت األقبية القوطية ينساب البحر » ‪.‬‬ ‫وعن تلك األقبية القوطية السالفة للجسر ال يوجد شىء بالفعل ‪ ،‬إذ أنه حتول إىل جزء من‬ ‫اليابسة ‪ .‬ووصف املؤلف حالة القناة ذات املاء العذب التى شقت من النيل ‪ ،‬وكانت تزود‬ ‫اإلسكندرية باملاء أثناء الفيضان ‪ « :‬وإذ مل يكن يوجد بطانة حجرية من اجلهتني ‪ ،‬فإنها‬ ‫أصبحت مثل األخدود غري النظيف مترر املاء من خالهلا فى ضعف إىل خزان املاء » ‪.‬‬ ‫واألرمشندريت قنسطنطني هو أول من كتب عن وجود مدينة املوتى اليونانية فى‬ ‫اإلسكندرية ‪ .‬بعد أن تعرف مؤلف كتاب « اإلسكندرية القدمية » على أطالل املدينة‪،‬‬ ‫حاول أن يتخيل كيف بنيت هذه املدينة فى زمن ما ‪ ،‬ومن أين حصلوا على اخلامات ‪ .‬وقد‬ ‫ً‬ ‫فصال غري كبري عن اإلسكندرية املعاصرة له ‪ .‬فقد كتب ‪ « :‬اإلسكندرية‬ ‫خصص‬ ‫اجلديدة ليست أكثر من يتيم حقيقى فقري ورث عن أبيه امسه العظيم فقط ‪ .‬فحدودها التى‬ ‫ً‬ ‫وبدال من املعابد‬ ‫كانت فى وقت ما فسيحة ‪ ،‬احنصرت فقط فى برزخ غري كبري بني املينائني ‪،‬‬ ‫العظيمة توجد مساجد بسيطة ‪ ،‬وفى مكان املبانى احلقيقية واملزخرفة والشاخمة توجد‬ ‫مسوخ من العمارة ‪ .‬وحتولت جناحات التجارة الرائعة وغنى أهلها إىل أقصى درجات الفقر ‪» ...‬‬ ‫‪131‬‬


‫ ‬

‫•املدن األخرى ‪:‬‬

‫وصل معظم الرحالة الروس إىل مصر عن طريق البحر ‪ ،‬ونزلوا ً‬ ‫أوال فى واحد من املينائني عند‬ ‫مصب نهر النيل ‪ ،‬وهما رشيد ودمياط ‪ .‬وعن هاتني املدينتني تركوا كتابات خمتصرة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فرسخا من البحر ‪ « :‬هنا يوجد‬ ‫ذكر الشماس إيونا أن مدينة رشيد تقع على بعد ‪15‬‬ ‫الكثري من النخيل ‪ ،‬وجريش الدخن “ األرز ”‪ ،‬وقصب السكر والثمار احللوة ‪ .‬ولقد مكثت‬ ‫ً‬ ‫فى هذه املدينة ‪ً 12‬‬ ‫فرسخا ‪ .‬وفى‬ ‫يوما ‪ .‬وتبلغ املسافة من هنا إىل اإلسكندرية العظيمة ‪30‬‬ ‫هذه املدينة ( رشيد ) جيمع عجائز بطريركية أورشليم الصدقة من السفن من أجل قرب‬ ‫الرب بكنيسة القيامة ‪ ،‬ويشرتون املؤن مثل السكر ‪ ،‬والشمع ‪ ،‬والسمك ‪ ،‬ويرسلونها إىل‬ ‫أورشليم » ‪.‬‬ ‫قال الكاتب اجملهول ملخطوطة « وصف اإلمرباطورية الرتكية » عن هذه املدينة اآلتى‪:‬‬ ‫« تقع مدينة رشيد على الضفة الغربية أو اليسرى لذلك النهر املصرى ‪ ،‬وتعد رشيد قرية‬ ‫كبرية ‪ ،‬وال توجد بها أية قلعة ‪ ،‬وتبلغ املسافة من البحر إىل رشيد ثالث ساعات سفر ‪،‬‬ ‫ومجيع سكان رشيد عرب ‪ .‬وتبلغ املسافة من رشيد إىل اإلسكندرية ساعة سفر عرب‬ ‫البحر » ‪.‬‬ ‫متاما إيوان لوكيانوف ‪ « :‬مدينة رشيد مجيلة ً‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وامليناء‬ ‫وصف رشيد بطريقة أخرى‬

‫كبري ‪ .‬وتبلغ املسافة من مصب النهر إىل رشيد حواىل ‪ 10‬فراسخ ‪ .‬واملبانى فيها أحسن من‬ ‫مبانى القسطنطينية < ‪ > ...‬وفى رشيد على امتداد النيل توجد حدائق وخنل كثري ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونقال عن املؤلف‬ ‫واحدا » ‪.‬‬ ‫والبلح ليس غاىل الثمن ‪ :‬واحد رطل من البلح يساوى كوبيكا‬ ‫ففى رشيد يوجد مقران لبطريركى اإلسكندرية وأورشليم ‪.‬‬ ‫وأكثر وصف تفصيلى لرشيد كتبه جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪ .‬قال احلاج الروسى‬ ‫أن « رشيد ليست قلعة حماطة بسور ‪ ،‬ولكنها مكان صغري حيث يوجد فيها كثري من‬ ‫الناس‪ ،‬ومبانيها كاملبانى التى فى املدينة ‪ .‬وتقع على نهر النيل على مسافة اثنى عشر‬ ‫ً‬ ‫ميال من شاطئ البحر فى مكان منبسط فى منتهى الروعة ‪ .‬ويوجد بها كثري من أشجار‬ ‫احلدائق ‪ ،‬مثل التني وأشجار اخلوخ والليمون ‪ ،‬واألغلب األعم أشجار النخيل ‪ ،‬وهى كثرية‬ ‫صيفا وشتا ًء ‪ ،‬ألن هذه األشجار ال تلقى أوراقها ً‬ ‫ً‬ ‫أبدا ‪ ،‬ومنها‬ ‫ال حتصى ‪ ،‬فهى كالغابة خضراء‬ ‫يصنع األثيوبيون “العرب” سالل وحبال وأقفاص أخرى لألغراض التجارية » ‪.‬‬ ‫وأعجبت مدينة رشيد جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪ .‬فقد ذكر أنه « البيوت فى رشيد‬ ‫عالية ومجيلة ً‬ ‫جدا ‪ ،‬ألن فيها ‪ -‬كما فى القصور ‪ -‬كثري من النوافذ الصغرية والكبرية‪،‬‬ ‫والتى من خالهلا ترى البيوت من الداخل كأنها ِشباك ‪ ،‬وتهب فيها الريح من مجيع اجلهات‪.‬‬ ‫واملبانى هناك غري مبنية من احلجر ‪ ،‬ولكنها تبنى من الطوب احملروق فى الفرن لصعوبة‬ ‫‪132‬‬


‫العثور على األحجار هناك ‪ ،‬إذ ال يوجد هناك أية جبال ‪ ،‬واألرض مستوية ولينة فى كل‬ ‫مكان كما فى البالد الروسية ‪ .‬ويعيش هناك أناس ذوى قوميات وديانات خمتلفة ‪،‬‬ ‫مثل ‪ :‬اليونانيني ‪ ،‬والروم ‪ ،‬واألرمن ‪ ،‬واألقباط ‪ ،‬واليهود ‪ ،‬واألتراك والعرب ‪ .‬وتوجد هناك‬ ‫كنيستان مسيحيتان فقط ‪ ،‬إحداهما يونانية تتبع بطريرك اإلسكندرية والدير الرومى‬ ‫“الكاثوليكى” بكنيسته ‪ ،‬وما تبقى مساجد تركية » ‪.‬‬ ‫وعن ميناء رشيد ذكر جرجيورفيتش اآلتى ‪ « :‬يوجد ميناء كبري وغنى حيث تأتى إليه‬ ‫من القاهرة عرب النيل مجيع السلع التجارية ‪ ،‬ومن هنا حيملونها إىل البالد األخرى ‪ .‬وعرب‬ ‫اليابس ‪ ،‬وعرب املاء يأتى إىل هنا جتار من كل األقطار ؛ من عموم األناضول ‪ ،‬ومن البحر‬ ‫األمحر واألبيض ‪ ،‬ومن البندقية ‪ ،‬ومن عموم إيطاليا ‪ .‬وهنا يشرتون النب واألرز والكتان‬ ‫والبلح وأقمشة متنوعة وأشياء أخرى غالية الثمن واردة من اهلند ‪ .‬والسفن الكبرية ال‬ ‫تأتى إىل هنا ‪ ،‬حيث تأتى فقط السفن الصغرية لضحالة املياه ‪ .‬وهلذا السبب حتمل السفن‬ ‫الصغرية البضائع التجارية من هناك إىل اإلسكندرية ‪ ،‬والتى تقع على امليناء البحرى ‪ ،‬ومن‬ ‫اإلسكندرية حتملها سفن كبرية إىل البالد األخرى » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مواصال موضوع التجارة ‪ « :‬فى رشيد ثـمن املخبوزات‬ ‫أفاد جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى‬ ‫ً‬ ‫غاليا فيما عدا اخلمر التى ال َّتصنع هناك ‪ ،‬وإمنا جتلب من الدول‬ ‫وكل أنواع الطعام ليس‬ ‫األخرى من أجل املسيحيني واليهود ‪ .‬وال يشرب األتراك واألثيوبيون “العرب” اخلمر طبقاً‬ ‫لتعاليم دينهم ‪ ،‬لكن يشربها البعض خفية ممن ال يلتزمون بتعاليم دينهم ‪ .‬وال يوجد‬ ‫هناك آبار أو عيون للشرب ‪ ،‬والناس كلهم جيلبون املاء من النيل ويشربونه ‪ ،‬وإذا حفروا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صاحلا فقط لغسل األوانى » ‪.‬‬ ‫ماحلا ‪ ،‬والذى يكون‬ ‫آبارا جيدون املاء‬ ‫ً‬ ‫ونادرا ما تذكر مدينة دمياط فى نصوص الرحالت ‪ .‬وأفاد الكاتب اجملهول ملخطوطة‬ ‫« وصف اإلمرباطورية الرتكية » عن دمياط بإجياز ‪ « :‬يستغرق اإلحبار من القاهرة إىل‬ ‫اجملرى السفلى للنهر املصرى عند مدينة دمياط ثالثة أيام ‪ .‬وتقع مدينة دمياط على الضفة‬ ‫الشرقية لنهر النيل ‪ ،‬وتعد قرية كبرية ‪ ،‬وال يوجد بها قلعة ‪ .‬ومجيع سكان مدينة دمياط‬ ‫عرب ‪ ،‬وتعداد سكانها قليل » ‪ .‬وكتب إيوان لوكيانوف عن دمياط بإجياز « وامليناء فى‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫دمياط مكان مجيل ‪ ،‬وهو أكرب بقليل من امليناء فى رشيد ‪ ،‬واملبانى كذلك » ‪ .‬أفاد‬ ‫ً‬ ‫أيضا كل من آندرى إجيناتيف وإيبوليت‬ ‫عن وجود « مقر لدير سيناء » فى دمياط ‪ .‬وأشار‬ ‫فيشينسكى عن مقر لدير سيناء فى هذه املدينة ‪ .‬واألخري وصف بإجياز هذه املدينة ‪:‬‬ ‫« تقع على ضفتى نهر النيل ‪ ،‬وبينهما جيرى النهر ‪ .‬والبيوت كبرية ( ثالثة طوابق فى‬ ‫االرتفاع ) ‪ .‬واحلوائط مبنية بالطوب ‪ ،‬وليست من احلجر ‪ .‬وال يوجد أى سور أو أسقف للبيوت‪،‬‬ ‫ألن املطر ال يسقط هناك ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا فيشينسكى بأنه « يوجد فى‬ ‫أبدا ‪ ،‬والندى قليل » ‪ .‬وأفاد‬ ‫دمياط كنيسة القديس الشهيد مار جرجس ‪ ،‬وتتبع قداسة البطريرك جرياسيم » ‪.‬‬ ‫وفى بعض النصوص يوجد ذكر موجز عن مدينة أبو قري على شاطئ البحر األبيض‬ ‫املتوسط ‪ .‬أفاد الكاتب اجملهول ملخطوطة « وصف اإلمرباطورية الرتكية » أنه « فى نفس‬ ‫‪133‬‬


‫هذا الطريق “ املؤدى إىل رشيد” ‪ ،‬وعلى مسافة ثالث ساعات سفر إىل اإلسكندرية توجد‬ ‫باكر “أبو قري” ‪ .‬وهى قلعة جيدة مزودة‬ ‫مدينة صغرية على شاطئ البحر ‪ .‬وهى تسمى ِ‬ ‫مبدافع كثرية ‪ .‬وكل السكان هناك عرب ‪ ...‬والسكان قليلون » ‪.‬‬ ‫ومن جراء الطقس غري املواتى اضطرت السفينة التى أحبر عليها كل من مكارى‬ ‫وسيليفيورست من اإلسكندرية إىل رشيد أن تتوقف فى أبو قري ‪ .‬وقد أفادا ‪ « :‬قضينا ليلتنا‬ ‫جبانب تلك املدينة بالقرب من امليناء فى هذا اللسان البحرى ‪ .‬وهذا اخلور أفضل من اخلور‬ ‫ً‬ ‫شيئا على‬ ‫السكندرى ‪ .‬وأولئك الذين ذهبوا إىل املدينة لشراء احلاجيات والطعام ‪ ،‬مل جيدوا‬ ‫اإلطالق ‪ ،‬ال احلاجيات وال الطعام وال املاء فاملدينة فقرية ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وقليلة السكان » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا فاسيلى جرجيورفيتش ‪ ،‬فقد ذكر أنه « مكان‬ ‫وتقلبات الطقس جلبت إىل أبو قري‬ ‫قبيح وفقري فى كل شىء ألنه يتواجد فى الرمال حيث ال ينبت أى شىء غري البلح بكميات‬ ‫هائلة ‪ ،‬وجيدل العرب من سعف خنيله بإتقان ِسالل مجيلة ‪ ،‬ويبيعونها فى بالد أخرى ‪ .‬وال‬ ‫يتواجد هناك املسيحيون ‪ ،‬إذ يعيش هناك األجاريانى فقط “ املسلمون” » ‪.‬‬ ‫وأولئك الذين توجهوا من مواطنينا من القاهرة إىل دير سيناء ‪ ،‬وصلوا ً‬ ‫أوال إىل السويس ‪.‬‬ ‫أفاد إيبوليت فيشينسكى أن « مدينة سوفيز “السويس” تقع فى مفرتق طرق على البحر‪.‬‬ ‫وميتد خليج من البحر األمحر حول مدينة سوفيز “السويس” ‪ ،‬ويرتفع مستوى املاء هناك من‬ ‫منتصف الليل حتى منتصف النهار ‪ ،‬وينخفض من منتصف النهار حتى منتصف الليل ‪.‬‬ ‫وحني ينحسر املاء ‪ ،‬يرتسب امللح فيقومون جبمعه ‪ .‬وقد مت إقامة احلواجز هناك فى البحر ‪.‬‬ ‫وعند مدخل املدينة يوجد برج واحد فقط ‪ .‬وغري بعيد عن الربج يوجد سوق ‪ ،‬وكل شىء‬ ‫متوفر هناك ‪ .‬وفى هذه املدينة ال حيرثون ‪ ،‬وال يزرعون ‪ ،‬وليس هناك حقول فى أى مكان‪،‬‬ ‫وال يوجد ماء عذب ‪ .‬إذ حتفر فى العمق مبقدار الركبة فيظهر املاء ‪ ،‬ولكن املاء ماحل وال‬ ‫غال ‪.‬‬ ‫ميكن شربه ‪ .‬وجيلب املاء العذب من مكان آخر ألن مياه البحر ماحلة ‪ ،‬ويباع بثمن ٍ‬ ‫وهناك على البحر يقع ميناء حبرى ‪ ،‬حيث ترسو ٌ‬ ‫سفن من مجيع أحناء املعمورة » ‪.‬‬ ‫ومل يصف فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى مدينة السويس نفسها ‪ ،‬ولكن حكى‬ ‫عن دورها فى جتارة ما وراء البحار ‪ « .‬ويعود التجار من اهلند فى السفن عرب احمليط ‪ ،‬ويعربون‬ ‫البحر األمحر ‪ ،‬وجيلبون إىل سوفيز “السويس” البخور ‪ّ ،‬‬ ‫واملر ‪ ،‬والفلفل ‪ ،‬والقرفة ‪ ،‬والتوابل‪،‬‬ ‫وكذلك األطباق الصينى الغالية وأشياء ثـمينة أخرى ‪ .‬وكذلك جيلبون القهوة التى‬ ‫تزرع فى اليمن على البحر األمحر ‪ .‬وبهذه الصورة ‪ ،‬جتلب كل السلع عرب البحر األمحر ‪،‬‬ ‫ثم إىل سوفيز “ السويس” ‪ ،‬ومن هناك عن طريق اليابسة إىل القاهرة ‪ .‬وباملقابل يرسلون من‬ ‫القاهرة عرب البحر األمحر األرز ‪ ،‬والقمح ‪ ،‬والفول ‪ ،‬والعدس وكل السلع الغذائية ‪ ،‬والتى‬ ‫تكون هناك قليلة » ‪.‬‬

‫‪134‬‬


‫ ‬

‫•اآلثار املسيحية ‪:‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫حجاجا أو مبعوثني للشئون‬ ‫تقريبا الذين زارا مصر كانوا‬ ‫وحيث أن مجيع مواطنينا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الكنسية ‪ ،‬فإنهم قد أولوا اهتماما خاصا لألماكن املرتبطة بإقامة العائلة املقدسة ‪،‬‬ ‫وباألديرة والكنائس األرثوذكسية ‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أن األرثوذكسية فى مصر بعد‬ ‫الفتح العربى كانت موجودة بطريقة متواضعة ً‬ ‫جدا ‪ ،‬فالغالبية العظمى من املصريني‬ ‫كانوا ينتمون إىل الكنيسة القبطية احمللية ‪ .‬وذكر أرسينى سوخانوف أنه « يوجد فى‬ ‫القاهرة ‪ 600‬مواطن مسيحى من العرب واليونانيني» ‪ .‬وكل الدالئل تشري إىل أنه كان‬ ‫يعنى األرثوذكس فقط ‪ ،‬فمن غري احملتمل أنه كان يوجد بني اليونانيني أقباط ‪.‬‬ ‫وزار كثري من مواطنينا املطرية التى تقع فى مكان غري بعيد عن القاهرة ‪ ،‬والذى حسب‬ ‫التقاليد القبطية أقامت فيه العائلة املقدسة ‪ .‬وكتب فارسونوفى أنه « على مسافة ميلني‬ ‫ونصف من القاهرة يوجد نبع للماء املقدس يسمى “ البلسم “ ‪ .‬وقد جاء إىل هنا ربنا يسوع‬ ‫املسيح من مدينة أورشليم مع أمه العذراء الطاهرة مريم ويوسف حارسهما ‪ .‬ويوجد فى اجلهة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫خمتبئا من امللك هريودس ‪ .‬وتوجد هناك‬ ‫الشمالية مكان مقدس ‪ ،‬حيث أقام فيه الرب‬ ‫مزرعة للعنب مع كرمات مقدسة يتدفق منهن ّ‬ ‫املر فى عيد “ كوكولنيتسا “ ‪ ،‬وعيد‬ ‫ميالد “ يوحنا املعمدان “ ‪ ,‬ويقطعون رأس كل كرمة ‪ ،‬وحينون مجيع الكرمات لألرض‬ ‫ويضعون أسفلها آنية ‪. »...‬‬ ‫أيضا حجر من اإلردواز جلس عليه ربنا يسوع املسيح ‪ .‬هذا احلجر أصبح ً‬ ‫ً‬ ‫مزارا‬ ‫“ يوجد هناك‬ ‫ً‬ ‫مقدسا ‪ .‬ومت صنع تابوت خشبى حول هذا احلجر له باب من الناحية الشرقية تنبعث منه رائحة‬ ‫طيبة ‪ ،‬وأمام التابوت املقدس يوجد جرن املعمودية املشيد من الرخام ‪ ،‬حيث يغتسلون فى املاء‬ ‫ً‬ ‫أيضا شجرة اجلميز التى اختبئ‬ ‫املقدس ‪ ،‬ويصل املاء فيه حتى صدر اإلنسان ‪ .‬وتوجد هناك‬ ‫فيها ربنا يسوع املسيح من جنود امللك هريودس “ ‪.‬‬ ‫وصف التاجر فاسيلى ذلك املكان بطريقة مغايرة بعض الشىء ‪ ،‬فلقد ذكر أنه “ جبوار‬ ‫تلك القرية “املطرية” توجد شجرية ‪ ،‬وهى شجرية مجيز غري مثمرة ‪ .‬وحبلول املساء فقد‬ ‫اختبأت أم اإلله مع الطفل األبدى ويوسف فى هذه اجلميزة عندما هربوا من أورشليم إىل‬ ‫مصر‪ .‬وشجرة اجلميز هذه مازالت تنمو حتى هذا اليوم ‪ .‬وعندما أرادت أم اإلله أن تشرب ماء‬ ‫فإنها أخذت الصبى ووضعته على الرمال ‪ ،‬وذهبت إىل قرية حيث قابلت هناك امرأة ‪ ،‬وقالت‬ ‫هلا ‪ “ :‬أعطنى شربة ماء “ ‪ ،‬فأجابتها املرأة ‪ “ :‬ال يوجد عندى ماء ‪ ،‬وأنا نفسى أريد أن أشرب‬ ‫وحنن نشرب املاء من نهر النيل “ ‪ .‬وعادت أم اإلله من حيث أتت ‪ ،‬ووجدت حتت قدمى الصبى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جاريا ‪ .‬وبعد أن روت ظمأها ‪ ،‬عثرت على حجر فوق الرمال ‪ ،‬وغسلت عليه الصبى‬ ‫ينبوعا‬ ‫ومالبسه ‪ ،‬ثم أعادته إىل مكانه ‪ .‬وفى هذا املكان منت أشجار صغرية ‪ ،‬ومنها يستخلصون‬ ‫ً‬ ‫الزيت ‪ ،‬ومن يتناول هذا الزيت ُ‬ ‫مسيحيا أو من أصحاب الديانات األخرى” ‪.‬‬ ‫يشفى سواء كان‬ ‫‪135‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ملخصا إياها‬ ‫أيضا ) قصة ظهور نبع املاء املقدس‬ ‫كرر فاسيلى جاجارا ( الذى زار املطرية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وبدال من ذلك توقف‬ ‫شيئا عن شجرة اجلميز واحلجر ‪،‬‬ ‫على طريقته اخلاصة ‪ .‬ومل يذكر‬ ‫عند قصة شجرة ّ‬ ‫املر ‪ ،‬ولكنه رفض تأكيد التاجر فاسيلى عن أن الشفاء من الزيت حيدث‬ ‫«لكل الناس من أصحاب الديانات األخرى» ‪ .‬وذكر جاجارا ‪ « :‬وقد أبرأت هذه الشجرة‬ ‫والزيت كل املسيحيني من املشلولني ‪ ،‬ومرضى اجلذام ‪ ،‬والعميان ‪ .‬وذات مرة جاءت امرأة‬ ‫ً‬ ‫أعواما‬ ‫من الكفرة األتراك ودهنت عينيها ‪ ،‬فذبلت الشجرة فى نفس اللحظة ‪ ،‬وظلت جافة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبريا ‪ ،‬ونقلوها إىل أرضهم » ‪.‬‬ ‫ثـمنا‬ ‫عديدة ‪ .‬واشرتى األملان هذه الشجرة ودفعوا مقابلها‬ ‫كتب فارسونوفى مثل أرسينى سوخانوف أنه يتواجد فى املطرية تابوت « فيه حجر‬ ‫صغري ذو أربعة أضالع ‪ ،‬ويبلغ عرضه شربين ‪ ،‬أما طوله فهو غري معروف ألنه موضوع‬ ‫ً‬ ‫وطبقا لفارسونوفى فإنه حجر إردوازى ‪ ،‬أى أنه‬ ‫بني الطوب‪ .‬وهذا احلجر من املرمر األبيض (‬ ‫أسود)‪ ...‬ويقولون أنه على هذا احلجر املرمرى األبيض جلس السيد املسيح « عندما غسلت‬ ‫ً‬ ‫شيئا عن شجرة اجلميز ‪.‬‬ ‫أمه مالبسه » ‪ .‬ومل يذكر سوخانوف‬ ‫ً‬ ‫طبقا للتقاليد القبطية ‪ -‬أقامت‬ ‫جذبت القاهرة القدمية املسيحية ‪ ،‬والتى على أرضها ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫العائلة املقدسة ‪ ،‬انتباه مواطنينا ‪ .‬وقد ذكر فارسونوفى أنه « يوجد هناك أيضا مكان‬ ‫مقدس آخر فى القاهرة نفسها ‪ ،‬بالقرب من ميسيور [ القاهرة ] القدمية ‪ ،‬حيث عاش ربنا‬ ‫يسوع املسيح ‪ ،‬وأمه املقدسة ‪ ،‬ويوسف حارسه » ‪.‬‬ ‫خصص فاسيلى بوزنياكوف للقاهرة القدمية اجلزء الرئيسى فى وصفه ملصر ‪ .‬قال‬ ‫فاسيلى بوزنياكوف ‪ « :‬يوجد فى القاهرة القدمية كنيسة كبرية للقديس الشهيد‬ ‫جيورجى ( مار جرجس ) ودير نسائى ‪ .‬وفى هذه الكنيسة على اجلانب األيسر من احلائط‬ ‫توجد أيقونة الشهيد مار جرجس ‪ ،‬وهى خلف مشربية حناسية ‪ .‬وجبانب تلك األيقونة‬ ‫حتدث معجزات كثرية وشفاءات ‪ ،‬فهى ال تشفى املسيحيني فقط ‪ ،‬بل األتراك والعرب‬ ‫والالتينيني‪ ،‬وهى تشفى اجلميع بدون انتقاء » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الحقا‬ ‫وقد أوضح جبالء أن هذه الكنيسة والدير أرثوذكسيني حيث أنه كتب‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى القاهرة‬ ‫«هناك توجد كنيسة أخرى هى كنيسة أم اإلله املقدسة ‪ .‬ويوجد‬ ‫القدمية كنائس مسيحية للشهيدين القديسني سرجيوس وواخس ‪ ،‬وكنيسة رقاد أم‬ ‫اإلله ‪ ،‬وكنيسة القديسة الشهيدة باربارا ‪ .‬واآلن يسيطر املهرطقون األقباط على كل‬ ‫ً‬ ‫شيئا عن مغارة العائلة املقدسة ‪ ،‬لكنه كتب التاىل ‪:‬‬ ‫الكنائس « ‪ .‬ومل يذكر املؤلف‬ ‫«وفيها “ القاهرة القدمية ” كان هناك حصن مبنى من احلجر ‪ ،‬ولكنه تهدم ومل َ‬ ‫يبق منه إال‬ ‫أبوابه ‪ .‬ومن هذه األبواب دخلت أم اإلله املقدسة مع املسيح ‪ ،‬ويوسف من أورشليم » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا كل من مكارى وسيليفيورست عن الكنيسة األرثوذكسية للقديس‬ ‫وأخرب‬ ‫جيورجى ( مار جرجس ) فى القاهرة القدمية ‪ « :‬يوجد فى اجلانب األمين للكنيسة أيقونة‬ ‫حناسية للقديس مار جرجس ‪ .‬وحتدث من هذه األيقونة بشارات كثرية وشفاءات ‪ ،‬ليس‬ ‫ً‬ ‫أيضا لألتراك والعرب والشعوب األخرى واملهرطقني [ األقباط ] ‪،‬‬ ‫فقط للمسيحيني ‪ ،‬ولكن‬ ‫‪136‬‬


‫والكل يذهبون بدون حظر ‪ .‬وتوجد كثري من الكنائس التى يسيطر عليها املهرطقني‬ ‫مثل كنيسة رقاد أم اإلله املقدسة ‪ ،‬وكنيسة الشهيدين القديسني سرجيوس وواخس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شيئا ‪،‬‬ ‫وكنيسة الشهيدة القديسة باربارا » ‪ .‬وعن مغارة العائلة املقدسة مل يذكرا‬ ‫حيث أنهما ذكرا فقط البوابات « التى دخلت منها أم اإلله املقدسة مع املسيح ‪ ،‬ويوسف من‬ ‫أورشليم » ‪.‬‬ ‫كان فاسيلى جاجارا هو أول من وصف مغارة العائلة املقدسة فى القاهرة القدمية ‪ .‬ذكر‬ ‫املؤلف ‪ « :‬توجد تلك احلجرة فى املعبد أسفل املذبح ‪ ،‬وللنزول إليها جيب اهلبوط عشرة‬ ‫سالمل‪ ،‬وال ُينزل إىل هناك بدون مشوع إذ أن الغرفة مظلمة ‪ .‬وأنا ‪ -‬العبد كثري الذنوب ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫خصيصا إىل مصر القدمية ألشاهد وأصلى حيث عاشت أم اإلله خمتبئة مع يسوع‬ ‫ذهبت‬ ‫ثـمان قطع‬ ‫معى‬ ‫الذى‬ ‫الشخص‬ ‫ذلك‬ ‫وعن‬ ‫نفسى‬ ‫عن‬ ‫قدمت‬ ‫وقد‬ ‫‪.‬‬ ‫هريودس‬ ‫امللك‬ ‫من‬ ‫ويوسف‬ ‫ِ‬ ‫من النقود ‪ ،‬واشرتيت مشعة ‪ ،‬ودخلت إىل احلجرة حيث عاشت هناك أم اإلله مع يسوع » ‪.‬‬ ‫« كل شىء مجيل فى هذه احلجرة فيما عدا أنها مظلمة ‪ .‬وعلى مدار تلك السنوات السبع‬ ‫كانت النار توقد ً‬ ‫ً‬ ‫ونهارا بال توقف ‪ ،‬أى أن زيت الزيتون اخلام كان حيرتق طوال الوقت‪،‬‬ ‫ليال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والذى بسببه تسخمت احلوائط والسقف ‪ .‬وقد خصص ألم اإلله مكانا مسورا ‪ ،‬وكان‬ ‫السور عبارة عن مشربية خشبية هناك ‪ ،‬حيث أقامت أم اإلله ‪ .‬ولألساقفة الوافدين للصالة ‪،‬‬ ‫أقيم فى احلائط مكان ميكن لشخص اجللوس فيه ‪ .‬وكانت الغرفة مفروشة باحلصري‬ ‫املصنوع من ألياف القصب ‪ ،‬ومن فوقه وضعت السجاجيد ‪ .‬أما ما خيص اللوح اخلشبى الذى‬ ‫تعلم عليه ربنا يسوع املسيح القراءة والكتابة ‪ ،‬فقد دفع األملان الكثري من األموال لعدة‬ ‫سنوات ‪ ،‬غري أن األقباط رفضوا أن يبيعونه هلم ‪ ،‬فقام األملان بسرقة هذا اللوح وأخذوه معهم » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مغايرا بعض الشىء ‪ ،‬فقد‬ ‫وصفا‬ ‫وقد وصف آندرى إجيناتيف مغارة العائلة املقدسة‬ ‫وصفها بالكهف ‪ « :‬يوجد فى كل جانب من جوانب هذا الكهف أربعة أعمدة مرمرية‪،‬‬ ‫وورائهم من الناحية اليسرى ‪ ،‬جبانب عمودين ‪ ،‬توجد عوارض صغرية من شجرة ما ً‬ ‫بدال من‬ ‫الدعامات ‪ ،‬ويقطع منها املسيحيون شرائح ولكن بصعوبة كبرية ‪ .‬لون تلك الشجرة‬ ‫مثل لون النب ‪ ،‬أما عندنا فلونها شبيه بلون القرنفل ‪ .‬ومهما قطعوا منها ‪ ،‬فإنها ال تنقص ‪.‬‬ ‫ويقولون كما لو أن هذه الشجرة من فلك نوح » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشريا إىل أن الكهف يوجد حتت‬ ‫كهفا‬ ‫كذلك مسى إيبوليت فيشينسكى املغارة‬

‫املذبح على عمق عشرة سالمل ‪ ،‬وأنه أنشئ على مثال الكنيسة ‪ .‬وأكد الكاتب أن‬ ‫ً‬ ‫أيضا بنفس املقدار ‪ ،‬وفى كل جانب يوجد أربعة‬ ‫«ارتفاعه يبلغ ثالثة ساجني ‪ ،‬وعرضه‬ ‫أعمدة مرمرية ‪ ،‬ومن حيث يدخلون وخيرجون يوجد عمودان ‪ ،‬وضعت فوقهما شجرة لونها‬ ‫لون القرنفل ‪ .‬وميكن أن يأتى إىل هذه الشجرة حتى ألف شخص ‪ ،‬ويقطع كل واحد منهم‬ ‫ً‬ ‫جزءا ‪ .‬وتأتى فى الصباح وال جتد ذلك املكان ‪ ،‬حيث قطعوا باألمس من تلك الشجرة ‪ ،‬وهى‬ ‫تصبح سفينة الرب الكاملة ‪ .‬والكهف كله مبطن باملرمر ‪ .‬ويوجد فى املنتصف مقعد‬ ‫حيث كانت العذراء املقدسة مع املسيح ويوسف جيلسون » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كثريا فى مذكراتهم كنيسة القديس نيقوالس فى مقر بطريرك‬ ‫وذكر مواطنونا‬ ‫اإلسكندرية األرثوذكسى فى القاهرة ‪ ،‬حيث أنهم فى الغالب أقاموا فى هذا املقر ‪ .‬وأفاد‬ ‫‪137‬‬


‫فارسونوفى ‪ « :‬توجد هناك أيضا كنيسة القديس نيقوالس صانع املعجزات فى وسط‬ ‫القاهرة بالقرب من السوق ‪ . .‬وتعد هذه الكنيسة هى املأوى جلميع الرحالة املسيحيني‬ ‫األرثوذكس » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مضيفا‬ ‫أيضا عن كنيسة القديس نيقوالس صانع املعجزات األب جرجيورى ‪،‬‬ ‫حكى‬

‫أن بطريرك اإلسكندرية يواكيم يقوم بإقامة اخلدمة الدينية فيها ‪ .‬وفى مقر بطريرك‬ ‫اإلسكندرية أقام كل من مكارى وسيليفيورست مشريين إىل أنه « توجد هنا فى املقر‬ ‫كنيسة القديس نيقوالس » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طويال فى مقر بطريرك اإلسكندرية‬ ‫أفاد فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى الذى عاش‬ ‫بأنه يوجد فى القاهرة ثالث كنائس أرثوذكسية ؛ وهى كنيسة القديس نيقوالس فى‬ ‫املدينة اجلديدة ‪ ،‬وكنيسة القديس مار جرجس فى املدينة القدمية ‪ ،‬وكنيسة اجلبانة‬ ‫ألم اإلله املقدسة ‪ .‬وهذه هى الكنائس اليونانية املوجودة فى القاهرة حتى اليوم ‪ ،‬إال أنه قد‬ ‫أعيد بنائها ‪.‬‬

‫وكان احلجاج املتجهني إىل دير سانت كاترين ميكثون فى مقر دير سيناء فى القاهرة‪.‬‬ ‫وذكر أرسينى سوخانوف أنه هناك « يعيش رئيس األساقفة السيناوى وكبار السن‬ ‫الصادقني ‪ ،‬وعندهم ثالثة مقرات للضيافة مبنية من احلجر ‪ ،‬ولدى بطريرك اإلسكندرية‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ .‬ويقيم فيها نزالء من مجيع األديان من التجار وأصحاب احلرف ‪ ،‬ويدفعون مقابل‬ ‫ثالثة‬ ‫ً‬ ‫شهريا ‪ ،‬ويأخذون عن احملل قطعة من فئة اخلمسني كوبيكا فى الشهر ‪ ،‬ومن‬ ‫املكان‬ ‫البعض يأخذون اثنني أو ثالث يفيمكا “نوع من املال” » ‪.‬‬ ‫أفاد إيبوليت فيشينسكى الذى أقام فى املقر السيناوى بأن « املقر كبري ‪ ،‬ويعيش‬ ‫هناك ثالثة رهبان ‪ ،‬وخيدمون مجيع النزالء ‪ ،‬ومقابل ذلك يدفعون هلم ‪ ...‬وعنده “ رئيس‬ ‫ً‬ ‫شخصا ) ‪ ،‬وال يوجد عندهم‬ ‫األساقفة السيناوى” فى القاهرة أخوة فى الدين ( أكثر من ‪50‬‬ ‫ً‬ ‫عوضا عن الكنيسة الصغرية ‪ .‬وليس‬ ‫أديرة أو كنائس ‪ ،‬يوجد فقط قالية مستقلة‬ ‫عندهم فى املدينة مزرعة أو بستان خضروات ‪ ،‬كل شىء يشرتونه فى مكانه ‪ .‬واملال‬ ‫يأتيهم من الصدقة ‪ ،‬وهم يرسلون إىل املالطيني والفالحني والفالميني والفرنسيني ‪،‬‬ ‫وكلهم يعطون الصدقة ‪ .‬وحكى رئيس األساقفة أن عدد األخوة أكثر من ‪ 200‬شخص‬ ‫يقومون جبمع الصدقة » ‪.‬‬ ‫كان دير القديس سابا هو مقر بطريرك اإلسكندرية األرثوذكسى فى اإلسكندرية‬ ‫آنذاك ‪ .‬ومل يستطع رحالتنا الذين زاروا هذه املدينة أن جيوبوه من كل النواحى ‪ .‬ووصف‬ ‫أرسينى سوخانوف الدير هكذا ‪ « :‬ولدير بطريرك اإلسكندرية سور شاهق االرتفاع ‪،‬‬ ‫ولكن “مساحته” غري كبرية ‪ :‬ويوجد بداخله كنيسة فقط ‪ ،‬وجبوارها توجد جمموعة‬ ‫خال ‪ .‬هنا يعيش عجائز بطريركية اإلسكندرية‪.‬‬ ‫من الغرف ‪ ،‬وال يوجد هناك أى مكان ٍ‬ ‫وفى الكنيسة ( فى النصف األول ) يقوم باخلدمة شعب البطريركية ‪ ،‬وفى ( النصف‬ ‫الثانى ) يوجد مذحبني ‪ ،‬وهما البندقى والفرنسى حيث يأتى الرهبان الالتينيون للخدمة‬ ‫الدينية ‪ ،‬إذ يعيشون خلف الدير ‪ .‬ويوجد هنا عمود حجرى منحوت من املرمر األبيض‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪ ،‬وهنا يبجلونه ‪ ،‬ويقولون‬ ‫ويوجد جبواره تابوت خشبى له نافذة صغرية تفتح‬ ‫‪138‬‬


‫أنه احلجر الذى ُربطت فيه الشهيدة القديسة كاترينا عندما كانوا يعذبونها » ‪.‬‬ ‫وكذلك يبجل كل من مكارى وسيليفيورست احلجر املقدس فى كنيسة القديس‬ ‫سابا ‪ .‬وقد أشارا إىل أنه « يوجد فى وسط مدينة اإلسكندرية مقر قداسة البطريرك ‪ ،‬والذى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى الكنيسة الكبرية‪،‬‬ ‫خاويا ‪ ...‬يوجد هنا‬ ‫ال يعيش جبانبه أحد ‪ ،‬كل شىء أصبح‬ ‫ً‬ ‫وحتديدا فى اجلزء املنفصل عن الكنيسة املكرس للقديسة الشهيدة كاترينا ‪ ،‬عمود‬ ‫غري كبري من املرمر األبيض ‪ ،‬والذى قطعوا عليه رأس الشهيدة كاترينا ‪ .‬وحتى هذا‬ ‫اليوم يرى الكثريون على العمود دم الشهيدة العظيمة القديسة ‪ .‬وهنا ينحنى املؤمنون‬ ‫ويقبلونه ‪ .‬وكذلك تعطف علينا الرب بأن نرى دم القديسة الشهيدة كاترينا ‪ ،‬وأن‬ ‫نتلقى البشارة » ‪.‬‬ ‫وصف فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى بالتفصيل دير القديس سابا وكنيسته ‪:‬‬ ‫« املبنى “الدير” غري كبري ‪ ،‬وحوائطه األربعة عالية ‪ ،‬وهو مغلق عن العامل اخلارجى ‪ ،‬وال‬ ‫يتميز باجلمال ‪ .‬أما موقع القاليات واملطبخ وحجرة الطعام الذى فى الداخل فهو مجيل ‪.‬‬ ‫والبوابات التى فى احلائط الشرقى مصفحة باحلديد ‪ .‬وكنيسة الدير مجيلة ومكسوة‬ ‫مستو ‪ ،‬وليس هلا قبة ‪ .‬والكنيسة كبرية فى طوهلا وعرضها‬ ‫باألحجار واملرمر ‪ ،‬وهلا سقف‬ ‫ٍ‬ ‫وارتفاعها ‪ ،‬وفيها ‪ 12‬عمود بارتفاعات شاهقة لتدعيمها ‪ ،‬صنع كل واحد منهم من‬ ‫حجر واحد ‪ .‬وتوجد مخسة أعمدة فى الشمال ‪ ،‬ومخسة فى اخللف ‪ ،‬واثنان خلف حامل‬ ‫ً‬ ‫أيضا أعمدة صغرية من املرمر‪.‬‬ ‫األيقونات‪ .‬وباإلضافة إىل هذه األعمدة االثنى عشر ‪ ،‬توجد‬ ‫وفى هذه الكنيسة ثالثة مذابح ‪ :‬املذبح األول للقديس سابا ‪ ،‬والثانى للشهيد جيورجى (مار‬ ‫خال ‪ .‬واملذبح كبري ومجيل ذو غطاء خشبى وقبة ‪ ،‬وهو يرتكز على‬ ‫جرجس ) ‪ ،‬والثالث ٍ‬ ‫عال ‪ ،‬ومبطن بألواح من املرمر ‪ .‬ويوجد‬ ‫أربعة أعمدة خشبية ‪ .‬وهو مجيل الصنع ‪ ،‬وكرسيه ٍ‬ ‫على حامل األيقونات أيقونات مجيلة ‪ .‬ويوجد كذلك ثالث بوابات ‪ ،‬امللكية واجلنوبية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا كرسى‬ ‫أيضا مدخل صغري يؤدى إىل املذبح من اجلانب ‪ .‬ويوجد‬ ‫والشمالية ‪ .‬ويوجد‬ ‫قداسة البطريرك ‪ ،‬وهو منحوت برباعة ‪ ،‬كما أنه مجيل الصنع ‪ ،‬وكذلك اإلنبل حيث‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى الكنيسة خلف اجلوقة اليسرى عمود مرمرى أبيض له‬ ‫يقرأ اإلجنيل ‪ ...‬ويوجد‬ ‫أربعة أضالع ُنصب فى األرض ‪ ،‬وعرضه شربان » ‪.‬‬ ‫يكمل جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪ « :‬حيكى الرهبان ورجال الدين أنه على هذا‬ ‫العمود قطعت رأس القديسة الشهيدة كاترينا ‪ ،‬وقد ُاكتسى بدمها املقدس ‪ ،‬ولذلك يقبله‬ ‫املسيحيون الذين يأتون إىل هناك للعبادة بكل تبجيل ‪ .‬واملعبد مجيل ً‬ ‫جدا‪ ،‬ولكنه مظلم‬ ‫وله نوافذ قليلة ‪ ،‬ألنه يقع فى مكان ضيق بني مبانى القاليات ‪ .‬وطول املعبد ‪ً 77‬‬ ‫قدما ‪،‬‬ ‫وعرضه ‪ً 66‬‬ ‫قدما ‪ ،‬واالرتفاع أقل ‪ .‬وله بعض البوابات الصغرية من الناحية الشمالية ‪ .‬وتوجد‬ ‫أمام الدير وخلفه حديقتان ‪ ،‬وينمو فيهما عدد قليل من أشجار الزيتون والنخيل واحلبوب‪.‬‬ ‫وفى احلديقة الكبرية توجد مستشفى ‪ ،‬والتى ميكث فيها الرهبان من املرضى ‪ ،‬ورجال‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا الرحالة حتى الشفاء التام » ‪.‬‬ ‫الدير ‪،‬‬

‫‪139‬‬


‫ ‬

‫•اآلثار املصرية القدمية ‪:‬‬

‫مل يهتم رحالتنا باآلثار املصرية القدمية على وجه اخلصوص ‪ ،‬ولكنهم إذا ما رأوها فى‬ ‫طريقهم ‪ ،‬فإنهم عادة ما يصفوها ‪ .‬وتلك الرؤية مل تكن كثرية ‪ .‬وحدثت فى الغالب فى‬ ‫اإلسكندرية حيث كانت اآلثار على مرمى البصر ‪ .‬على أية حال فقد شاهد فاسيلى‬ ‫جاجارا قبل اآلخرين مسلة الفرعون سنوسرت األول عند عودته من املطرية إىل القاهرة ‪،‬‬ ‫وحكى أنه “ على مسافة مخسة أميال من القاهرة يوجد حجر ذو أربعة أضالع ‪ ،‬له قمة‬ ‫مدببة ‪ ،‬وارتفاعه ‪ 12‬ساجني ‪ ،‬وفى العرض ‪ 4‬ساجني ‪ .‬واألتراك يسمونه حربة الفرعون ‪،‬‬ ‫ومكتوب عليه اسم الفرعون ” ‪.‬‬ ‫اكتشف أرسينى سوخانوف أثناء زيارته إىل اإلسكندرية أنه هناك “ يوجد عمود‬ ‫مدهش ذو أربعة أضالع منحوت من حجر واحد ‪ .‬ويبلغ ارتفاعه ‪ 12‬ساجني ‪ .‬وعليه نقشت من‬ ‫أعلى إىل أسفل رموز كتابة غري معروفة مثل السيوف واألقواس واألمساك ورؤوس بشرية‬ ‫وأيدى وأقدام وفؤوس ‪ ،‬وبعض الرموز ‪ -‬بل مجيعها ‪ -‬غري معروف ‪ .‬ويقولون أن حكمة ما‬ ‫مكتوبة عليه ” ‪ .‬وكانت هذه هى املرة األوىل فى األدب الروسى يقوم فيها مبعوث القيصر‬ ‫أليكسى ميخايلوفيتش بوصف الكتابة اهلريوغليفية املصرية القدمية املنقوشة على‬ ‫إحدى تلك املسالت املسماة “ إبر كليوباترا ” ‪.‬‬ ‫رأى فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى هذه املسلة أيضا ‪ ،‬وحكى أن “ هذا حجر واحد‬ ‫مستقيم ‪ ،‬وغري مستدير كما هى الصفة السائدة لألعمدة ‪ ،‬وهو ذو أضالع أربعة ‪،‬‬ ‫ومدبب من األعلى ‪ .‬وكل اجلوانب هلا نفس العرض ‪ ،‬وعليها بعمق أصبعني نقشت صور‬ ‫أو عالمات ما رآها الكثريون ‪ ،‬ولكنهم مل يستطيعوا تفسريها ‪ ،‬ألنها ال تشبه الكتابة‬ ‫ً‬ ‫كثريا‬ ‫اليهودية أو اليونانية أو الالتينية أو أى كتابة أخرى ‪ ،‬يوجد فقط رمز واحد يشبه‬ ‫احلرف الروسى ‪ ж‬جى ‪ ،‬ولكن الكتابة األخرى تشبه الطيور والشباك واألصابع أو النقط”‬ ‫‪ .‬مل يتكاسل جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪ ،‬ومما أثار الدهشة فقد أعاد رسم اخلط املصرى‬ ‫القديم ‪ ،‬وعند نشر مذكراته ضمنه فى كتابه ‪ .‬وهكذا شاهدوا فى روسيا للمرة األوىل‬ ‫كيف تبدو الكتابة اهلريوغليفية املصرية القدمية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا إىل عمود بومبى شاهق االرتفاع‪.‬‬ ‫فى اإلسكندرية وجه أرسينى سوخانوف اهتمامه‬ ‫ً‬ ‫قال أرسينى سوخانوف ‪ « :‬ويتواجد باجلوار العمود األكثر إدهاشا من بني كل األعمدة ‪،‬‬ ‫إذ أن ارتفاعه مخسة عشرة ساجني كأن املخرطة قد خرطته من حجر واحد ذو لون أرجوانى‪.‬‬ ‫ويقف كاخلازوق الذى ال ينحى ً‬ ‫أبدا » ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حيظ عمود بومبى باالهتمام الكافى من جانب فاسيلى جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى‬ ‫مل‬ ‫الذى أشار إىل أنه « غري عادى من حيث الشكل والصنعة » ‪ ،‬وعرف من األوروبيني أن « طول‬ ‫العمود ‪ 122‬قدم بشرى ‪ ،‬والقطر ‪ 12‬قدم ‪ ،‬والعرض كبري بقدر إحاطة اليدين ‪ ،‬احكم‬ ‫‪140‬‬


‫بنفسك ‪ ...‬والعمود يتكون من أربعة أجزاء ‪ :‬اجلزء األول هو رأس العمود “التاج” ‪ ،‬واجلزء‬ ‫الثانى العمود نفسه ‪ ،‬وقاعدة العمود تتكون من جزئني ‪ .‬ويقولون أن ساق العمود صنع‬ ‫من حجر واحد ‪ ،‬وطوله ‪ 100‬قدم ‪ ،‬والرأس ‪ 20‬قدم ‪ ،‬والقاعدة ‪ 2‬قدم ‪ .‬ويقول البعض أنه حجر‬ ‫واحد ‪ ،‬والبعض اآلخر يقول أنه أجوف من الداخل ‪ ،‬ولكن ال أحد يعرف حقيقة ذلك إذ أنه‬ ‫من غري املمكن تسلقه » ‪ .‬ويذكر كذلك إبر كليوباترا وعمود بومبى األرمشندريت‬ ‫قنسطنطني مؤلف كتاب كامل صغري عن اإلسكندرية ‪ ،‬ولكن وصفه هلذه املعامل‬ ‫األثرية أقل فى املعلومات من التى ذكرها جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى ‪.‬‬ ‫فيما خيص األهرامات ‪ ،‬فقد ذكر كثري من الرحالة وجودها ‪ ،‬غري أن مشاهداتهم‬ ‫اقتصرت على املشاهدة البعيدة من القاهرة ‪ ،‬ومل يكن لديهم فى أغلب األحوال فكرة‬ ‫واضحة عن الغرض التى أنشئت من أجله ‪ .‬فقد مسى فارسونوفى األهرامات « خمازن غالل‬ ‫يوسف اجلميل » ‪ .‬وأكد فاسيلى جاجارا أن « هذه هى قصور للفرعون بناها اليهود ‪ ،‬وهى‬ ‫كبرية ً‬ ‫جدا وخميفة » ‪ ،‬وكتب أنها « قائمة على جبل واحد ‪ ،‬وهلا أربعة أضالع ‪ ،‬وقممها‬ ‫مثل قمم األبراج » ‪.‬‬ ‫كان أرسينى سوخانوف هو أول من مسى األهرامات « باملقابر الفرعونية » ‪ ،‬وقارنها باجلبال‬ ‫إذ قال ‪ « :‬هى عريضة من األسفل ‪ ،‬ومدببة من األعلى » ‪ .‬وعلى الرغم من امتالك فاسيلى‬ ‫ً‬ ‫عقال ً‬ ‫حمبا للمعرفة مل يستطع الوصول إىل األهرامات ‪ ،‬والغرض‬ ‫جرجيورفيتش ‪ -‬بارسكى‬ ‫ً‬ ‫من إنشائها ‪ ،‬كتب كما اعرتف نقال عن آخرين ‪ :‬بناها الفراعني « كما حيكى لكى‬ ‫ً‬ ‫مالذا ‪ ،‬إذا فجأة فاض النيل بقوة وأغرق كل البالد املصرية » ‪.‬‬ ‫جيعل منها‬ ‫كان كريبرونيكوف هو األول والوحيد الذى مل يتكاسل من رحالتنا عن الذهاب‬ ‫من القاهرة إىل األهرامات ‪ .‬وحدث هذا بالفعل فى عام ‪ 1820‬م ‪ .‬وقد كتب عن أبى اهلول‬ ‫الكبري ‪ « :‬وعندما اقرتبنا من اهلرم رأينا ً‬ ‫رأسا كأنه كومة كبرية من القش مصنوعة من‬ ‫حجر واحد ‪ ،‬والعيون واألنف والفم واألذنان واضحني » ‪ .‬مل يقف برونيكوف عند حد رؤية‬ ‫األهرامات ‪ ،‬ولكنه تسلق إىل داخل هرم خوفو ‪ .‬وقد حكى برونيكوف ‪ « :‬بعد أن أوقدنا‬ ‫النار ‪ ،‬بدأنا فى اهلبوط عرب فتحة إىل األسفل فى داخل اهلرم ‪ ،‬واألحجار من األعلى حلقية ‪،‬‬ ‫ومن اجلوانب وحتت األرجل كبرية ً‬ ‫جدا وملساء وملتحمة ببعضها البعض بإتقان‪ ،‬حتى أن‬ ‫شكلها يوحى كما لو أن كل هذا صنع من حجر واحد ‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك ‪ ،‬فهى ملتحمة بعضها ببعض بتلك الدرجة من املتانة حتى ‪ ،‬فيما يبدو‪،‬‬ ‫أنها لن تنفصل ً‬ ‫أبدا ‪ .‬ونزلنا إىل األسفل كما ننزل فى السرداب ‪ ،‬ثم صعدنا ألعلى اهلرم‬ ‫عرب ممرات غري مستقيمة ‪ ،‬وأحجار سقطت من أماكنها منذ وقت بعيد ‪ .‬وعرب منعطفات‬ ‫كثرية وصلنا إىل غرفة الدفن ذات احلجرات املصنوعة من املرمر ‪ ،‬وهى تسع من أربعني إىل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طنينا ‪ ،‬وصدى الكلمة يتكرر ‪ ،‬وينفذ الضوء‬ ‫شخصا ‪ .‬وما تقوله هنا يكون له‬ ‫مخسني‬ ‫فى حجرة الدفن من جانب هرم صغري ‪ .‬وهذه الغرفة ( والتى مل أستطع أن أتبينها بالكامل )‬ ‫ً‬ ‫تقريبا » ‪.‬‬ ‫توجد فى منتصف االرتفاع‬ ‫‪141‬‬


‫وعرض عليهم سكان تلك املنطقة الذين ينجذبون للسياح ( كان مع برونيكوف‬ ‫راهب من اليونانيني احملليني ) أن يصعدوا إىل قمة اهلرم ‪ ،‬ولكنهم رفضوا « ألن اليوم‬ ‫كان قد شارف على االنتهاء » ‪ ،‬كما أنهم مل يريدوا أن يقضوا ليلتهم فى الطريق ‪ .‬ورفض‬ ‫برونيكوف كتابة امسه على اهلرم بعد أن أوضح ذلك على النحو التاىل ‪ « :‬أشفقت على‬ ‫ً‬ ‫مقدسا » ‪ .‬ومن الطريف‬ ‫سكينى ‪ ،‬واعتربت أن ذلك غري ذى أهمية ‪ ،‬ألن هذا املكان ليس‬ ‫أن مسألة الغرض من إنشاء األهرامات قد تفادى الكالم عنها بالصمت ‪.‬‬ ‫***‬

‫‪142‬‬


‫املراجع‬



‫املراجع‬ БИБЛИОГРАФИЯ

• Августин (Никитин), архимандрит. Русские паломники у христианских святынь Египта. СПб. — М., 2003. • Арабская Республика Египет. Справочник. М., 1990. • Архимандрит Леонтий. История жизни младшего Григоровича (отрывки) // Путешествия но Востоку в эпоху Екатери-. ныН. М., 1995. • ал-Багдади, ал-Латиф б. Йусуф б. Мухалшад. Тайны средневекового Египта. «Книга уведомления и рассмотрения дел виденных и событий засвидетельствованных на земле Египта» / предисл. и комм. В.В. Наумкина; пер. с арабского В.В. Наум- кина и А.Г. Недвецкого. М., 2004. • Беляков В.В. «К берегам священным Нила...» Русские в Египте. М., 2003. • Беляков В.В. Египет вдоль и поперек. Исторический путеводитель. М., 2001, 2004,2008. • Беляков В В. Египет. Серия путеводителей журнала «Вокруг света». Изд. 5-е. М., 2012. • Гуминский, Виктор. Египет и Синай глазами русских паломников. Ьир://ту\у.ргаУ051аУ1е.пУ0г11тоск) хсНигсЬе8/41563 .Ь1т • Данциг Б.М. Ближний Восток в русской науке и лигературе (дооктябрьский период). М., 1973. • Житие и хожение в Иерусалим и Египет казанца Василия Яковлева Гагары. 1634—1637 гг. // Православный палестинский сборник, т. XI, вып. 3-й. СПб., 1891. • Записки русских путешественников XVI XVII вв. М., 1988. • Зеленев Е.И. Мусульманский Египет. СПб., 2007. 145


• Каверин В. Барон Брамбеус. История Осипа Сенковского, журналиста, редакгора «Библиотеки для чтения». М., 1966. • Карамзин Н.М. История Государства Российского. М., 2002. • Кириллина С.А. Очарованные странники. Арабо-османский мир глазами российских паломников XVI—-XVIII столетий. М., 2010. • Книга хожений. Записки русских путешественников XI— XV вв. М.. 1984. • Ковалевский Е.П. Путешествие во внутреннюю Африку. Ч. 1—2. СПб., 1849. • Ломоносов М.В. Сочинения. М. — Л., 1961. • Малето Е.И. Антология хожений русских путешественников ХП—XV веков. М., 2005. • Муравьёв А.Н. Путешествие к святым местам. СПб., 1834. • На перекрёстках Вечности: мир глазами паломников. М., 2011. • Описание путешествия отца Игнатия Деншина // Православный палестинский сборник, вып. 36. СПб., 1891. • Описание Турецкой империи. СПб., 1890. • Паломник киевский, или Путеводитель по монастырям и церквям киевским. Киев, 1849. • Паломники-писатели петровского и послепетровского времени или путники во святой град Иерусалим // Чтения в Императорском обществе истории и древностей российских при Московском университете. Кн. 3, отд. V. М., 1873. • Петровский И. С. Источники сведений о Древнем Египте в России в XI—XVIII веках II Замаровский, Войтех. Их величества пирамиды. М., 1981. Изд. 2-е. М., 1986. • Пешеходца Василия Григоровича-Барского-Илаки-Албова, уроженца Киевского, монаха Антиохийского, пугсшествие к Святым местам, в Европе, Азии и Африки находящимся, предпринятое в 1723 и оконченное в 1747 году. СПб., 1778. 146


• Полное собрание русских летописей. Т. 9—10. Патриаршая или Никоновская летопись. М., 1965. • Попов А.11. Младший Григорович. Новооткрытый паломник по святым местам XVIII века. Кронштадт, 1911. • Послание царя Ивана Васильевича к александрийскому патриарху Иоакиму с купцом Васильем Позняковым и хождение купца Познякова в Иерусалим и по иным святым местам. М„ 1884. • Проскииитарий Арсения Суханова // Православный палестинский сборник, т. VII, вып. 3. СПб., 1889. • Путешествие господина Сонниния в Верхний и Нижний Египет с описанием страны, нравов, обычаев и религии, природных жителей. С французского. М., 1809. • Путешествия в Святую землю. М., 1995. • Путешествие иеромонаха Ипполита Вишенского Иерусалим, на Синай и Афон (1707—1709). СПб., 1914.

в

• Путешествие к святым местам, находящимся в Европе, Азии и Африке, совершённое в 1820 и 1821 годах села Павлова жителем Киром Бронниковым. М., 1824. • Путешествие но Египту и в монастыри святого Антония Великого и преподобного Павла Фивейского в 1850 году архимандрита Порфирия Успенского. СПб., 1856. • Путешествие по Египту и Нубии в 1834—1835 годах Авраама Норова. Ч. 1—2. СПб., 1840. • Святое семейство в Египте. Каир, [1999]. • Сказания русского народа, собранные И. Сахаровым. Т. 2. СПб., 1849. • Странствования Василья Григоровича-Барского по святым местам Востока с 1723 по 1747 год. Ч. 1. СПб., 1885; Ч. 2. СПб., 1886. • Уманец А. Поездка на Синай с приложением отрывков о Египте и Святой земле. СПб., 1850. • Хождение архимандрита Агрефенья //11равославный палестинский сборник, вып. 48-й. СПб., 1896. 147


• Хождение в Святую землю московского священника Иоанна Лукьянова. 1701—1703. М., 2008. • Хожение гостя Василия в Малую Азию, Египет и Палестину // Православный палестинский сборник, вып. 6-й. СПб., 1884. • Хожение священноинока Варсонофия ко святому граду Иерусалиму в 1456 и 1461—1462 годах // Православный палестинский сборник, т. 15, вып. 45. СПб., 1896. • Шахматов А.А. Путешествие М.Г. Мисюря-Мунехина на Восток и Хронограф редакции 1512 г. // Известия Академии • АИЬаиег М„ Ьип1 Н.С. Ал Еаг1у 81ауошс Рза11ег Ггот Киз. Нагуагс!, 1978. • ВеНакоу, У1асИтсг. ВугапПпе Сапо // Р1асез т Е§ур1. Сано, Мау—.Типе 1994. • Едур1. Еуе\укпез§ Тгауе1 ОиЫе. Ьопйоп, 2001. • КатШ, ЛИ. Сорйс Е§ур1. ШзШгу ап(1 ОииЛе. Сано, 1993. • МетаЫу.ч, Оно Р.А. ТЬе Но1у РатПу т Е§ур(. Са1го, 1986. • 5аипс1еп, Мгс/гоЬи 3. А1ехапёег'з ТотЬ. ТЬе Т\уо ТЬоизапё Уеаг ОЬзеззюп 1о Рт<! Йю Ьоз1 Сопяиегог. Сано, 2006. • 5Нам/, Зап, апА ИккоЬоп, Раи1. ВгШзЬ Мизеит Окйопагу оГ Апс1еп1 Е§ур{. Сако, 1996. • ТагпапШз 1.5. ТЬе 81ауошс Мапизспр^з ГМзсоуегеё т 1975 а131. Сайеппе'з Мопаз1егу оп Моип* 8нш. ТЪе$за1ош1и, 1988. • Уо1ко$', 01е§ V. Уоуа§еигз Киззез еп Е§ур*е. Са1ге, 1972.

***

148


‫مصر فى عيون الروس من القرن اخلامس عشر إىل القرن الثامن عشر‬ ‫جمموعة الرحالت‬ ‫مت اعتماده للنشر‬ ‫من قبل معهد االستشراق – أكادميية العلوم الروسية‬ ‫مت التوقيع ‪2013 / 7 /15‬‬ ‫أكادميية العلوم الروسية‬ ‫معهد االستشراق‬ ‫أسس عام ‪1812‬‬ ‫‪ 31-7-1‬موسكو‬ ‫شارع روجديستفينكا ‪12‬‬ ‫القسم العلمى للنشر‬ ‫رئيس القسم أ ‪ .‬ف ‪ .‬سرابني‬ ‫الربيد االلكرتونى ‪ru.irran@Izd :‬‬



‫الفهرس‬ ‫مقدمة الناشر ( د ‪ .‬حسني الشافعى ) ‪5 ..................................................................‬‬ ‫مقدمة املرتجم ( د‪ .‬حممد رياض ) ‪9 ........................................................................‬‬ ‫املقدمه ‪15 .............................................................................................................‬‬

‫الفصل األول‬ ‫ ‬

‫•الراهب فارسونوفى ( عام ‪ 1462‬م )‪............................................................................‬‬

‫ ‬

‫•التاجر فاسيلى ( ‪ 1466‬م )‪......................................................................................‬‬

‫ ‬

‫•م ‪ .‬ج مصيور مونيخني ( ‪ 1493‬م ) ‪............................................................................‬‬

‫ ‬

‫•الراهب جرجيورى ( عام ‪ 1547‬م ) ‪............................................................................‬‬

‫ ‬

‫•فاسيلى بوزنياكوف ( عام ‪ 1558‬م ) ‪......................................................................‬‬

‫ ‬

‫•تريفون كوروبيينيكوف ( عام ‪ 1582‬م )‪..............................................................‬‬

‫ ‬

‫•فاسيلى جاجارا ( عام ‪ 1643‬م )‪................................................................................‬‬

‫ ‬

‫•أرسينى سوخانوف ( عام ‪ 1651‬م ) ‪...........................................................................‬‬

‫ ‬

‫•الشماس إيونا ( عام ‪ 1651‬م )‪..................................................................................‬‬

‫ ‬

‫•املؤلف اجملهول ( ما بني عام ‪ 1662‬و‪ 1674‬م ) ‪.............................................................‬‬

‫ ‬

‫•إيوان لوكيانوف ( عام ‪ 1701‬م ) ‪............................................................................‬‬

‫ ‬

‫•مكارى وسيليفيورست ( عام ‪ 1705‬م ) ‪..................................................................‬‬

‫ ‬

‫•آندرى إجيناتيف ( ‪ 1707‬م ) ‪...................................................................................‬‬

‫ ‬

‫•إيبوليت فيشينسكى ‪.........................................................................................‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪63‬‬


‫الفصل الثانى‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•فاسيلى جرجيورفيتش – بارسكى ( أعوام ‪73 ...................................... ) 1730 - 1727‬‬ ‫•إجيناتى دينشني ( عام ‪ 1769‬أو عام ‪92 ........................................................... )1770‬‬ ‫•األرمشندريت قنسطنطني ( عام ‪93 .................................................................. )1795‬‬ ‫•بوابات روزيتا “رشيد” األخرى‪100 ....................................................................................‬‬ ‫•كريبرونيكوف ( عام ‪106 ............................................................................. )1820‬‬

‫الفصل الثالث ( عن ما حكاه الرحالة )‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•الطبيعة واملناخ ‪113 ....................................................................................................‬‬ ‫•النيل ‪115 ...................................................................................................................‬‬ ‫•عامل احليوان ‪119 ........................................................................................................‬‬ ‫•الناس ‪121 ..................................................................................................................‬‬ ‫•االقتصاد ‪123 ..............................................................................................................‬‬ ‫•القاهرة ‪125 ................................................................................................................‬‬ ‫•اإلسكندرية ‪129 ......................................................................................................‬‬ ‫•املدن األخرى ‪132 .........................................................................................................‬‬ ‫•اآلثار املسيحية ‪135 ......................................................................................................‬‬ ‫•اآلثار املصرية القدمية ‪140 ...........................................................................................‬‬ ‫•املراجع ‪145 .................................................................................................................‬‬


‫نبذة عن املؤلف‬ ‫ •فالدميري فالدميريوفيتش بلياكوف‬ ‫ •املهنة ‪ :‬دكتور العلوم التارخيية‪ ،‬مستشرق ‪ -‬عربى‬ ‫ •التخصص‪ :‬مصر‬ ‫ •عمل ملدة ‪ 15‬عام فى مصر منذ عام ‪ 1986‬حتى نهاية عام ‪2000‬‬ ‫ً‬ ‫ومؤخرا فى جريدة “ ترودا ” ‪.‬‬ ‫كمحرر فى فى جريدة “ برافدا”‬ ‫وخالل تلك الفرتة كانت املواد التى قام جبمعها أساس لنشاطه‬ ‫العلمى الرتبوى ‪.‬‬ ‫ •عمل منذ عام ‪ 2002‬فى معهد األستشراق التابع ألكادميية‬ ‫العلوم الروسية ‪ .‬يوجد لدى الزمالء فى القطاع املطبوعات‬ ‫األرشيفية بقسم تاريخ الشرق ‪ ،‬باألضافة إىل اخلطط الفردية‬ ‫يوجد عمل مجاعى مشرتك هو – جملة “ األرشيف الشرقى“‪،‬توىل‬ ‫رئاسة حتريرها منذ عام ‪ 2002‬وتصدر هذه اجمللة منذ عام‬ ‫‪1998‬م مرتني سنويا فى شهرى يونيو وديسمرب ‪.‬‬ ‫ •عمل أيضا أستاذا فى كلية املعلومات العسكرية واللغات‬ ‫األجنبية فى اجلامعة احلربية التابعة لوزارة الدفاع بروسيا‬ ‫األحتادية فى برنامج “ جغرافية مصر “‪ .‬فى عام ‪ 2007‬م حصل‬ ‫على لقب “ أفضل مدرس باجلامعة العسكرية “ كما أنه يلقى‬ ‫حماضرات دورية متخصصة فى جامعة موسكو احلكومية‬ ‫للعلوم األنسانية عن “الولع املصرى”فى الفنون التعبريية‬ ‫الروسية واألوروبية الغربية ‪ ،‬ثقافة آسيا الصغرى ‪ ،‬مصر وروسيا‬ ‫فى التماثيل ومقتنيات املتاحف‪ .‬يعد املوضوع األساسى الحباثه‬ ‫هو العالقات األنسانية املصرية الروسية قبل احلقبة السوفيتية‬ ‫فى القرائن التارخيية والثقافية ‪ ،‬كما أنه كرس اهتمامه دائما‬ ‫مبوضوعني أضافيني هم ‪ :‬املشاكل السياسية واألقتصادية –‬ ‫األجتماعية ملصر احلديثة واملقومات السياحية هلذا البلد‪.‬‬ ‫ •الربيد اإللكرتونى ‪beliakov2007@yandex.tu :‬‬



‫نبذة عن املرتجم‬

‫ •دكتور حممد رياض عبد العظيم غلوش‬ ‫أستاذ األدب الروسى واملقارن‬ ‫ •ولد فى القاهرة فى ‪ 28‬ديسمرب عام ‪1963‬‬ ‫ •حصل على ليسانس كلية األلسن جامعة عني مشس قسم‬ ‫اللغات السالفية شعبة اللغة الروسية عام‪1987‬‬ ‫ •حصل على دبلوم الرتمجة فى كلية األلسن‬ ‫جامعة عني مشس مبايعادل درجة املاجستري عام ‪1990‬‬ ‫ •حصل على درجة دكتوراه كلية األلسن‬ ‫جامعة عني مشس قسم اللغات السالفية شعبة اللغة‬ ‫الروسية فى األدب الروسى واملقارن بامتياز مع مرتبة الشرف‬ ‫األوىل عام ‪2002‬‬ ‫ • َّ‬ ‫درس مادة األدب الروسى فى كلية األلسن عني مشس‬ ‫ •يعمل مستشا ًرا للرتمجة لدى دار نشر أنباء روسيا‬ ‫ •الربيد اإللكرتونى ‪dr.mohamed_riad@yahoo.com :‬‬


‫د‪ .‬حســـني الشافعى‬ ‫رئيس جملس إدارة‬ ‫ورئيس حترير جملة «أنباء روسيا»‬ ‫رئيس اجلمعية املصرية الروسية للعلوم و الثقافة‬ ‫يناير ‪2015‬‬

‫‪www.russiannewsar.com‬‬

‫رقم اإليداع‬ ‫‪2014 / 15424‬‬






Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.