الناشر
رئيس جملس اإلدارة ورئيس التحرير
د .حســـني الشــــــافعي h.elshafie57@mail.ru
المراسالت القاهرة – مدينة العبور 44971مكتب بريد مجعية أمحد عرابي ص .ب 72 .
Tel. & Fax: + (202) 24 77 38 70 & 71 E-mail: secertary_ert@yahoo.com ترمجة د .حممد عباس حممد د .نادية إمام سلطان رسوم سها سليمان على التصحيح واملراجعة حامد أمحد حممد اإلخراج الفنى مــى جمدى حترير شيماء حممد شعبان
الطباعة
دار الطباعة املتميزة مدينة العبور – القاهرة
Tel. & Fax: + (202) 4478 96 44 & 46 الطبعة األوىل 2015 مجي��ع حق��وق الطب��ع والنش��ر حمفوظة للناشر . ال حي��ق إع��ادة طبع أو نس��خ حمتويات ً ً ضوئي��ا إلكرتوني��ا أو ه��ذا الكت��اب دومنا ٌ إذن كتابي من الناشر .
رقم اإليداع 2014 - 16099
بالتعاون مع املؤسسة املصرية الروسية للثقافة والعلوم رئيس مجلس األمناء ا .د .فيتالى ناؤمكني
رئيس مجلس اإلدارة د .حسني الشافعى
سلسلة األدب الروسي 1
قصص وحكايات للبنني والبنات
مـن زمـن فــــات تلستوى وآخرون ليف َ َ ْ
ترجمة د .محمد عباس محمد
د .نادية إمام سلطان
مقدمه تلستوى :أديب يدعو لعودة القيم اإلنسانية إىل مكانتها يطرق هذا الكتا ًبا با ًبا من األدب الروسى مل حيظ مبا يليق به من إهتمام . الكل يعرف تلستوى عميد األدب الروسى ،الذى صاغ بقلمه عذابات النفس البشرية ،ومعاناة ً منوذجا لتفاعل األديب مع واقعه بتنازله عن حقوقه فى األرض بسطائها فضربت شهرته اآلفاق ،وقدم التى ميلكها لفاحليها . ً الكل يعرف تلستوى ،وقد كان عنيدا فى موقفه من الكنيسة التى « يتاجر بها رجاهلا » ،كما ً ً ً ً ً بديال للعنف واحلرب ،فقد كان ً أخالقيا. ومفكرا ومصلحا وداعية سالم روائيا مبشرا بالسالم كان الكل يعرف تلستوى وقد ترك للبشرية أعماله اخلالدة ! «احلرب والسالم» ،و«آنا كارنينا» ، وملحمته الذاتية «الطفولة والصبا والشباب» ،و «احلاج مراد» ،ومسرحياته «قوة الظالم» و «اجلثة احلية» وغريهم . الكل يعرف تلستوى وقد كان كتابه «مملكة الرب بداخلك» هو العمل الذى رفع راية املقاومة السليمة النابذة للعنف ،والذى إختذه مشاهري القرن العشرين « :املهامتا غاندى» و «مارتن لوثر كينج» ً هاديا هلما فى جهادهما السلمى . ً لكن ما قد ال يعرفه الكثريين أن تلستوى ،والذى يبدو ً ً منتصرا زاهدا باحلياة ،عازفا عن ترفها ، لضعفائها كان ميلك قلب شاب وعقله حتى الرمق األخري من حياته ،وهذا ما نسعى هنا لتأكيده . لقد ساهم ليف تلستوى بكتاباته وقصصه فى نشر الكثري من التعابري واألمثال واحلكم ،نفذ من خالهلا لعقول الشباب واألطفال ليغرس فيهم ً قيما أخالقية سامية من احلب والعمل والطيبة واجلد والعزة والكرامة واألمانة .صاغ تلستوى كل هذه القيم فى حكاياته الواقعية وأساطريه الشعبية ، فكشف عن اجلانب الرتبوى فى رسالته . زمن فات» سلسلة األدب الروسى وهى تصدر أوىل إصداراتها « قصص وحكايات للبنني والبنات من ٍ لعميد األدب الروسى الكالسيكى ليف تلستوى ،تعتز مبا حتمله هذه القصص من قيم ومعان تربوية جليلة ،وقد عمل الدكتور حممد عباس والدكتورة نادية سلطان – أستاذا األدب الروسى املقارن بكلية األلسن العريقة -على ترمجته بروح راقية وبدأب وروية فى رسالة يقدماها لبناتنا وأبنائنا ،كم حنن حباجة إليها وقد عمل كثريين على زرع روح الالمباالة واألنانية فى عقول البنات ً فسادا . واألبناء لنحصد خالل السنوات الكئيبة املاضية ما بذره من عاث فى األرض لكن اإلرادة القوية للشعب مل ختضع ،ومل ختنع فكانت ثورتيها ،وعمل جمتمعى دوؤب يسعى لكى يعيد للقيم مكانتها ،وللكرامة قدرها ،وللحب والسالم مسوهما . تصدر سلسلة األدب الروسى بالتعاون مع املؤسسة املصرية الروسية للثقافة والعلوم ،وهى التى تعمل على جتديد التواصل مع األدب الروسى الكالسيكى وقراؤه العرب . د .حســني الشــافعى رئيس املؤسسة املصرية الروسية للثقافة والعلوم رئيس مجلس إدارة ورئيس حترير « أنباء روسيا » 5
مقدمه ليف نيكاليفتش َتَل ْس ُتوى وعامل الطفل كان وال يزال أدب الطفل موضع اهتمام كثري من املؤلفني والباحثني خاصة فى اآلون��ة األخ�يرة ؛ ألن كتاب الطفل - ،كما هو مع��روف -يدخل فى جمال العملية الرتبوي��ة والتعليمية ،وميثل أحد اجلوان��ب املهمة فى مراحل تربية الطفل ،كما أنه جيسد أحد روافد املعرفة لتزويد الطفل باملعلومات . ومم��ا ال ش��ك فيه أن من أهم مس��ات أدب األطفال أنه س��هل االس��تيعاب ليس فقط بالنس��بة للطف��ل الكبري ،ب��ل وللصغري ً ً كثريا من خمتلف ش��رائح أيضا .ل��ذا فإن اجملتم��ع تقبل عل��ى قراءته .وحن��ن على يقني تام ب��أن أدب األطف��ال يقدم للجيل اجلدي��د الصاعد فوائد مَ ّ ج��ة ،إذ إنه حيمل بني طياته العديد م��ن القيم الدينية، ً وكثريا من أس��رار واألس��س األخالقي��ة ،واملب��ادىء الراس��خة فى وجدان اإلنس��انية العل��وم ،ومنابع املعرف��ة ،ونفحات عطرة من عب��ق احلضارات ،والثقافات اإلنس��انية املختلف��ة عرب التاريخ ،ويكش��ف عن أهمي��ة الفنون املختلفة لتنمية اإلحس��اس باجلمال والذوق الرفيع الذى ينمى اجلانب الوجدانى فى حتديد مالمح الش��خصية وطاب��ع اهلوية .من ه��ذا املنطلق اكتس��بت األحباث اخلاصة ب��أدب األطفال أهمية كربى . رغ��م م��رور أكثر م��ن مائة ع��ام عل��ى وفاة األدي��ب واملفك��ر والفليس��وف ليف نيكاليفت��ش َت َل ْس ُ ��توى ( ، )1910 – 1828إال أن مؤلفات��ه األدبية وآرا ًء ُه الفلس��فية ُتعد األوس��ع قراءة فى مجيع أحناء العامل ،ومازالت حتظى بدراسات عديدة متنوعة فى روسيا وخارجها ،فهو أسطورة حية ،وكاتب متعدد املواهب ،ملا قدمه لإلنسانية من تراث أدبى ضخم ليس فقط من كنوز األدب الروسى فحسب ،بل والعاملى . ُعرف لَ .ت َل ْس ُتوى فى مصر ،والعامل العربى بأنه روائى قدير فذ قام بتأليف العديد من القصص والروايات واملسرحيات .ففى بداية حياته األدبية كتب الثالثية التى تعكس سريته الذاتية فى أسلوب روائى متميز ،حيث تتناول جز ًءا من حياته ،قام 7
فيه��ا بتحليل عامل الطفل الداخل��ى بصدق ومهارة فنية ،وألق��ى الضوء على ضرورة التعام��ل مع��ه باهتمام وحرص واح�ترام عقله .وتتكون الثالثية م��ن “ :الطفولة” (“ ، )1852الصبا” (“ ، )1854الشباب” ( . )1857 انض��م ليف َت َل ْس ُ َ ��توى كضابط متط��وع إىل صفوف اجليش الروس��ى النظامى عام 1851واش�ترك فى حرب القرم بني روس��يا وتركيا ( )1854إبان الدفاع عن مدينة ً حس��نا فى الزود عن وطنه ،وعلى أثر ذلك ُمنح العديد من “سيفاس��توبل” وأظهر بال ًء األومسة لبسالته وشجاعته . وف��ى هذه الفرتة كتب ع��دة قصص بعنوان “ قصص سيفاس��توبل” (، )1856 – 1855 والتى َّ ص��ور فيها األحداث التارخيية أثناء هذه الفرتة متضمنة بش��اعة وآالم ومعاناة اإلنس��ان ف��ى احلرب ،كم��ا صور بس��الة اجلندى الروس��ى البس��يط ،ال��ذى يضحى ً مؤمنا ب��أن هذا واجبه املقدس ،دون التباه��ى بأنه يقوم بأعمال حبيات��ه فدا ًء للوطن ، بطولية ؛ هذه القصص هى “ :سيفاس��توبل فى ديس��مرب” “ ،سيفاس��توبل فى مايو” ، “سيفاستوبل فى أغسطس” -التى متثل فيما بعد النواة األوىل واحلقيقية للملحمة الرائع��ة لرواي��ة “احل��رب والس�لام” ( )1869 - 1863والذى َّ صور فيه��ا األديب العديد م��ن األح��داث التارخيية كحمل��ة “نابليون بونابرت” ضد روس��يا ع��ام ،1812وأبرز الش��خصيات التارخيية :القائد العس��كرى الروس��ى “ميخائيل كوتوزف” (– 1745 ،)1813واإلمرباطور الروسى ألكسندر األول ( ، )1825 – 1777واإلمرباطور الفرنسى نابلي��ون بوناب��رت ( . )1821-1769وعل��ى هذه اخللفية جيس��د حياة الس��لم واحلرب لعديد من األش��خاص ،بلغ عددها مخس��مائة ش��خصية تقري ًبا .ث��م كتب رواية “آنا كارينينا” ( )1877 - 1873التى تناقش قضايا أسرية واجتماعية مازالت وال تزال تناقش ليس فى روس��يا فحس��ب ،بل وف��ى العامل أمجع .ويتناول ف��ى روايته “البعث” ( )1899 – 1889موضوعات أخالقية ودينية وفلس��فية ،حيث أكد فيها إمكانية تطه�ير النفس البش��رية بعمل اخلري ونبذ الش��ر .أما فى قصة “بع��د احلفل الراقص” ( )1903التى يعكس فيها املؤلف غيض من فيض لكثري من اإلبداع املتميز والفكر املبدع لألديب .فهى حادثة واقعية جرت مع شقيق الكاتب سريجى نيكاليفيتش ْ تلس ُتوى أيام الشباب فى أربعينيات القرن التاسع عشر فى عهد القيصر نيكالى األول ( )1855 – 1796والذى لقب “ -بنيكالى ذى العصا “ ، -الس��تبداده للش��عب الروس��ى، ولقمع��ه احل��ركات التحررية ف��ى “بولندا واجمل��ر” إذ كان يلعب دور “عس��كرى أوروب��ا” .فاس��تطاع الكاتب جبرأة أن يكش��ف ،ب��ل “ ينزع كل وش��تى األقنعة” لتناقضات اجملتمع الروسى فى هذه املرحلة . ً باإلضافة إىل ما س��بق ُيعد ليف َت َل ْس ُ ً مس��رحيا رفيع املستوى ،فكتب ��توى مؤلفا العدي��د من األعمال املس��رحية مثل “ :اجلثة احلية ”(( )1900مت نش��رها بعد وفاته ( “ ، )1911س��لطان الظ�لام” (“ ، )1886ثـم��ار التنوي��ر”( ، )1890و “الضوء يس��طع فى 8
الظالم” (. )1900 - 1890 َ َ ُ يش��عر املرء من��ذ اللحظة األوىل عند ق��راءة مؤلفات ل .تل ْس��توى بإنس��انيته حنو اآلخري��ن ،وبتواضع��ه واحرتام��ه لآلخ��ر .فمن من��ا مل يلحظ واقعيت��ه ،ومل يعرف حبه وتقديره وجديته فى العمل ...؟ ومن منا مل يسمع عن فلسفته التى تدعو إىل نب��ذ احلروب ،والدعوة إىل الس�لام العاملى ،وأن يس��ود احلب ب�ين اجلميع إىل جانب تس��احمه “ ،وعدم مواجهة الشر بالعنف”...؟ إنه أحد عمالقة األدب الذهبى الروسى، ً جمل��دا ،تضم ب�ين طياتها إبداعات��ه األدبية ، ال��ذى خل��ف وراءه أكثر من تس��ـعني ومعتقداته الفلسفية ،ومقاالته الثرية ،حيث اهتم فيها باملشـكالت الفكرية ، واالجتماعية ،والدينية ،والسياسية ،والفنية . ول��د ل َ .ت َل ْس ُ ��توى ع��ام 1828ف��ى ضيعة ميتلكه��ا والداه ف��ى “ياس��نايا باليانا” ً مبقاطعة توال ،والتى تبعد عن موسكو 200كيلومرتا تقري ًبا .توفيت والدته وهو فى الثانية من عمره ،ومات والده وهو ابن التاس��عة .تكفلت تاتيانا يرجولسكيا إح��دى قريب��ات العائل��ة -برتبية وعناي��ة الطفل ليف َت َل ْس ُ��توى وأش��قائه الثالثة ني��كالى ( ،)1860 - 1823س�يرجى ( ، )1904 – 1826دميي�ترى (، )1856 - 1827 ً وأخريا األخت ماريا ( )1912 – 1830التى مسيت باسم والدتها ،التى توفيت بعد والدة َ َ ُ ابنتها بش��هور قليلة .وبعد أن توفيت األم ،تقدم والد ليف تل ْستوى للزواج من “تاتيانا يرجولسكيا” ،ولكنها رفضت عرضه وفاء منها لزوجته ماريا .تعلم الطفل باملنزل عل��ى يد مدرس�ين ومربني أجانب كما ه��و متبع بني عائالت النب�لاء .كان يلعب م��ع أقرانه وس��ط الطبيعة الروس��ية الغن��اء ذات الغابات الكثيف��ة املليئة مبختلف الثم��ار وبس��اتني الزهور متنوع��ة األلوان لعب��ة اخرتعها األطف��ال مع ليف َت َل ْس ُ ��توى وأطلقوا عليها اس��م “ :العصا اخلضراء” كانوا خيفوه��ا فى األرض فى مكان بعيد، وم��ن يعثر عليها من األطفال يس��تطيع بها إس��عاد اآلخرين .هك��ذا كان يفكر الطفل وكاتب املس��تقبل املوهوب فى أن يس��عى للعثور عليها كى يس��عد الناس . وكان ً دائما منذ صغره يفكر فى الفقر والثراء وأس��باب عدم املس��اواة بني البش��ر، َ َ ُ كما كانت تس��يطر عليه فكرة إسعاد البشرية مجعاء .التحق ل .تل ْستوى عام 1844جبامعة “كازان” بكلية اللغات الش��رقية ،وس��رعان ما تركها ،ثم درس بكلي��ة احلق��وق ،إال أن نظ��ام التعليم فيها املبن��ى على التلقني وإلغ��اء التفكري مل يعجبه ،فرتك الدراس��ات القانونية باجلامعة ومل يكمل دراسته .عاد إىل ضيعته فى ياس��نايا باليانا – مسقط رأس��ه ،وأخذ يعمل جبد ومثابرة وإصرار ،يعلم نفسه بنفسه ،حيث كانت بضيعته مكتبة ضخمة بها العديد من الكتب فى خمتلف العلوم والفنون و اآلداب .وأخذ يدرس علوم القانون ،والطب ،والتاريخ ،واجلغرافيا ، والفلس��فة ،واالقتصاد ،والرياضيات ،وعلوم اإلحصاء ،ونظريات وتطبيقات العلوم الزراعي��ة ،وحق��ق درجة جي��دة بالتعرف على جماىل املوس��يقى والرس��م ....ودرس 9
اللغ��ات األجنبية وتعلمها مثل :الفرنس��ية ،واألملاني��ة ،واإلجنليزية ،والالتينية ، واإليطالي��ة ،ومل يكتف بهذا ،بل آثر أن يس��اعد الفالح�ين وتوجيه عقول أبنائهم إىل التعليم .وبعد جمهود كبري ،وعناء شديد استطاع أن يزيل سوء املعاملة والفهم بني البس��طاء من الش��عب وبني نبالء اجملتمع الروس��ى ،وتغلب على عدم ثقة وش��ك الفالحني التى صنعتها القرون الس��ابقة جتاه طبقة النب�لاء والفالحني ،إذ مبوجب نظ��ام القنانة فى ه��ذه الفرتة فإن األثري��اء ميلكون األرض وم��ن عليها من فالحني. فانش��غل لَ .ت َل ْس ُ ��توى مبس��ألة النش��ىء ،خاص��ة أوالد الفالح�ين ،فانك��ب عل��ى تعليمه��م بنفس��ه .فها هو يفتتح فى عام 1849مدرس��ة فى ضيعته ياس��نايا باليانا ألبناء الفالحني والبسطاء من الشعب الروسى ،واستمر هذا النشاط الرتبوى التعليمى حتى نهاية حياته .بدأ ليف َت َل ْس ُتوى عمله الرتبوى باملدرسة ،وأراد أن يستخدم فيها طرق تعليمية جديدة ختتلف عن تلك املناهج والربامج الدراسية النمطية السائدة فى مدارس ذلك العصر .كان يتقرب إىل الفالحني وأوالدهم ويتعرف على عاداتهم وتقاليده��م ،وأمن��اط حياتهم الريفي��ة ،ولغتهم ،وأقواهلم وأمثاهل��م -كل ذلك قد أث��رى معرفت��ه بهم وتقربهم إليه حت��ى أصبحت مصد ًرا للعديد م��ن قصص األطفال الت��ى كتبه��ا فيما بعد .باإلضاف��ة إىل ذلك دعا طبقات اجملتم��ع الراقى إىل أن تغري من منط وأس��لوب حياتها وأن متارس حياة بس��يطة س��هلة مثلما يفعل البسطاء من الش��عب الروس��ى الكادحني ،فكان هو قدوة للنبالء النشطاء ،فال يتخيل حياته دون عمل جس��مانى إذ كان يقوم مبمارس��ة أعماله اليومية بنفسه -حيمل املياه ، خييط حذاءه ، -وفى الصيف حيرث وحيصد فى احلقول . وف��ى عام 1851أغلقت املدرس��ة لس��فره إىل القوق��از ،ثم أعيد فتحه��ا عام 1856 وواصل عمله الرتبوى فيها .وأصدر جملة حتمل اس��م “ياس��نايا باليانا” والتى كانت ً ش��هريا ،و كانت تناقش عل��ى صدر صفحاته��ا القضاي��ا التعليمية مبا فى تص��در ذل��ك دور املعلم الذى البد وأن يكون عل��ى عالقة طيبة ومحيمة بكل تلميذ مع ً إتقانا ً تاما .كذلك أصدر العديد من كتب األطفال ضرورة إتقان عملية التدريس ّ تتك��ون من أربعة كتب للق��راءة والتى مث��ل “ :ح��روف اهلجاء” ع��ام ، 1872والتى ً تتناسب مع أعمار األطفال .وقد استغرق كتابتها 17عاما ،ويبلغ عدد القصص التى ً موضوعا عن العلوم الطبيعية. كتبه��ا حواىل 629قصة من بينها ما يقرب من 133 والكتاب األول يتضمن حروف اهلجاء مبس��طة وتناس��ب املرحل��ة األوىل فى مادتى ً وقصصا القراءة واحلس��اب ،أما الكتب الثالثة التالية فتتضمن حكايات روس��ية ً ونصوصا ف��ى العلوم والتاري��خ واجلغرافيا والفيزي��اء ومالحظاته عن احلياة عاملي��ة
10
ً فضال عن ذلك تعليم اللغة األم -الروس��ية -والتذوق األدبى وأن والطبيعة الروس��ية . تكون الدروس عملية وتدريبية فى مجيع مناحى املعرفة .وعن ذلك يقول األديب ف��ى مذكرات��ه “ :إن اهل��دف من الكتاب – يقص��د هنا كتاب “ ح��روف اهلجاء” – أن��ه خيدم التوجيه أثناء تدريس القراءة والكتابة ،وقواعد اللغة الس�لافية ،وعلم ً ع��ددا من املقاالت احلس��اب ،للتالمي��ذ الروس فى مجيع األعم��ار والطبقات ،وتقدم اجلي��دة ،مكتوبة بلغة جيدة”( . )1واجلدير بالذكر أنه عند صدور هذا الكتاب مل ين��ل استحس��ان وزارة املع��ارف ،ووجهت إليه انتقادات ،وأن أس��لوبه يتس��م بلغة ش��عبية بس��يطة ،وكان هذا هو اهل��دف الرئيس الذى كان يصب��و إليه ً متاما ليف َت َل ْس ُ ��توى نفس��ه من كتابه .لكن األديب أصيب باحلزن واآلس��ى لعدم جناح عمل اس��تمر لعدة س��نوات طويلة ،فيقول “ :إذا أصاب روايتى الفش��ل ،فهذا من السهل أن أصدق��ه ،ولرضخ��ت بأنه��ا غري جي��دة .إال أننى على يقني راس��خ ً متاما ب��أن “ حروف اهلج��اء” :كتابى هذا جيد على غري العادة ...وإنه��م مل يفهموه” ( ،)2إال أن عزميته مل ختر ومل ييأس وواصل العمل وأصدر نسخة جديدة بعنوان “حروف اهلجاء اجلديدة” ( )1875وأكد “ لن أحكى ماذا يعنى هذا العمل بالنس��بة ىل َّ ، إن “ حروف اهلجاء” عمل اس��تمر س��نوات عديدة ،فمن الصعب كتابة “ حروف اهلجاء” وإذا أتانى املوت ً مطمئن��ا”( ،)3ثم أصدر “كت��ب للقراءة” ( “ ، )1874دائ��رة القراءة” (– 1887 س��أكون )1910ويتضمن كتاب “دائرة القراءة” اجتهادات وآراء كتاب وحكماء وفالسفة حض��ارات العامل القدمية املصرية والرومانية واليوناني��ة والصينية ...التى تتحدث ع��ن املواعظ الدينية واملبادئ والقيم األخالقي��ة التى تدعو إىل احلب والوئام والعدل ً مجيعا دون تفرقة بني غنى وفق�ير أو النظر إىل اجلنس واللون . واملس��اواة بني الن��اس َ ُ ْ هكذا شارك ليف َتلستوى بشكل واضح ،ومبثابرة ،وبإصرار فى إقامة إصالحات جذرية فى جمال التعليم فى حياة الفالحني والبسـطاء من الشعب الروسى و وضعها حيز التنفيذ . ُ سافر ل َ .ت َل ْستوى إىل العديد من دول أوروبا :أملانيا ،وسويسرا ،واجنلرتا ،وفرنسا، وبلجي��كا ( ، )1861 ، 1860 ،1857وأثن��اء ه��ذه الزي��ارات مل يقتصر اهتمامه فقط عل��ى احلياة الثقافية واألدبية واملس��رحية ف��ى هذه البالد ،وإمن��ا وجه جل أعماله للتع��رف على اهليئات الرتبوية والتعلمية وأنظمة ووس��ائل التعليم احلديثة .وقد انتق��ى م��ن مناهج التعليم هناك كل م��ا هو جيد لتطبيقه وابتع��د عن كل ما هو س��ئ مث��ل :الدعاء للمل��وك بالبقاء والعافية ومتلق الرؤس��اء ،وأس��لوب التخويف فى العملي��ة التعليمي��ة فتفس��د عقول األطف��ال .وبعد عودت��ه من اخلارج اس��تقر فى - 1ل.نَ .تلَ ْس ُتوى ،المؤلفات الكاملة ،موسكو ، 1936 ،ص - 245ص . 246 - 2ل.نَ .تلَ ْس ُتوى ،المؤلفات الكاملة ،موسكو ، 1936 ،مجلد ، 8ص . 6 - 3المرجع السابق ،مجلد ، 61ص . 269
11
ضيعته “ياس��نايا باليانا” وواصل عمله بالتدريس فيها .ومل تقتصر الدراس��ة داخل جدران الفصل مع تالميذه من أبناء الفالحني ،وإمنا كان خيرج األديب ل َ .ت َل ْس ُتوى املعل��م م��ع تالميذه إىل الغاب��ات واحلقول للتنزه ،وملمارس��ة التماري��ن الرياضية ،والرك��ض ،والس��باحة ...إخل ،كما كان يش��جع التالميذ عل��ى االهتمام بقراءة املؤلف��ات األدبي��ة ،الت��ى ختلق لديه��م ً ً واس��عا ،وتنمى مزاج��ا طي ًب��ا وخيـالاً خص ًبا العق��ل والقل��ب ..كان يس��عى إىل أن ينمى ل��دى األطفال االهتم��ام بالعلم ،وحب االبت��كار وايقاظ حب االس��تطالع ،فيقول ليف َت َل ْس ُ ��توى “إذا مل يتعل��م التلميذ أن شيئا ،فس��وف يقلد وحياكى فقط ولن يبتكر ً يبتكر فى املدرس��ة بنفسه ً شيئا طيلة حياته” ( .)4فهو يقدر ً ً ودائما يدعو إىل تبس��يط متاما قوة اإلدراك لدى الطفل . مفاهيم علوم الفيزياء والكمياء واألحياء ،واالهتمام بعوامل النباتات واحليوانات ... ويرى أن النتائج والقواعد جيب أن يس��توعبها التالميذ ويتوصلوا إليها بأنفسهم عن طريق املالحظة واملش��اهدة والتجربة ،فقد أعطى أهمية قصوى للعمل التطبيقى والتجريبى فى املدرس��ة .كما يؤكد أنه البد فى البداية من تنمية القدرة على القراءة والكتابة ،وأن التعليم وس��يلة لفهم املعارف املتعددة .وإىل جانب ذلك البد من ممارسة األنشطة املختلفة . وكان لي��ف َت َل ْس ُ ��توى من أنصار مب��دأ “ حرية الرتبية” .فيك��ره التعليم املبنى عل��ى التس��لط ،وإرغ��ام التالمي��ذ الصغ��ار من قب��ل الكب��ار واملعلم�ين بإخضاعهم عل��ى أس��لوب احلفظ ع��ن ظهر قل��ب دون فهم ،فه��ذا املبدأ يعمل عل��ى كبت العقل عن��د الطـفل ،وجيمد ويلغى تفك�يره وحيد من قدراته فى اإلبت��كار ،واإلبداع، والتخيل ،ويقتل أسـاس��يات العقل الس��ـليم .ويس��تنكر بش��دة اس��تخدام الضرب بامل��دارس وين��دد بعقاب الطف��ل ؛ ألن هذا لن يصلح من أمره .وكان يس��عى بكل م��ا أوتى من قوة إىل أن يذهب الطفل إىل املدرس��ة بقلب مبتهج ،وبتس��امة عريضة على شفتيه ،و الفرحة تشع فى مقلتيه وفى شوق واشتياق إىل املعرفة ،وأن يكون عل��ى وع��ى وثق��ة بأال ينتظ��ره فى املدرس��ة عق��اب مه�ين ،أو حتذي��رات ،أو إرغام وتس��لط .كان ليف َت َل ْس ُ ��توى يدعو إىل أن يذهب التالميذ إىل املدرسة وال حيملون كت ًبا ،وال كراس��ات ،وال ُيكلفون بواجبات منزلية .ويرى ً أيضا أن على التالميذ الذهاب إىل املدرس��ة وتنتابهم أحاس��يس عذبة رقيقة ،مطمئنني أن قضاء اليوم فى ً مفعما بالبهجـة والفرح واملرح ،كما كان باألمس ،بل وأمجل املدرسة سـيكون َ َ ُ وأحل��ى .فاملبدع ل .تل ْس��توى يصر على ضرورة أن يذهب الطفل إىل املدرس��ة بذهن ص��اف الس��تيعاب املعلومات واملعرفة .كما يش�ير إىل أن التدريس ف��ن رفيع وليس - 4ل.نَ .تلَ ْس ُتوى ،المؤلفات الكاملة ،موسكو ، 1936 ،مجلد ، 8ص . 118
12
فى اس��تطاعة أى إنس��ان أن يقوم بواجبات ه��ذه املهنة املقدس��ة .فعلى كل مدرس أن يع��رف ويدرس بكل دق��ة اخلصائص الفردية التى يتميز بها كل تلميذ على حده ،ويعمل على تنميتها وتدعيمها .كما يدعو كل معلم أن يكتش��ف طرق حبثي��ة إبداعية جدي��دة ،وأس��اليب حديثة متطورة بش��أن العملي��ة التعليمية والرتبوي��ة والتهذيبي��ة لتحقيق الكمال ملهنة التدري��س ،وأن ميتلك هو فى الوقت نفس��ه مه��ارة فائق��ة ملهنت��ه .وفى هذا الش��أن يؤك��د” أن التكام��ل والكمال قد يصع��ب بلوغة ،ولكن التطوير والتحس�ين ال نهاية هلم��ا” ( . )5وللتالميذ احلق فى حري��ة االختيار املعرفى .ويش�ير املن��ور -لَ .ت َل ْس ُ ��توى “ -إىل أن األطفال – مثلنا حنن الكب��ار ،هلم نفس املتطلب��ات” ( .)6كما يقول فى موضع آخ��ر عن ضرورة التجربة ف��ى جمال التعليم “ :املنه��ج الوحيد للتعليم يعنى التجرب��ة ،وأن املقياس الوحيد له ً ً إرتباطا ً وثيقا باحلياة والنش��اط مرتبطا هو احلرية”( ،)7وأن التعليم جيب وأن يكون احليات��ى الذى حييط باألطفال .فالطفل كائن ح��ى عاقل قادر على الفهم والفكر واإلبداع ،والبد من التعامل معه حبرص واحرتام .وكان لَ .ت َل ْس ُتوى يؤمن بضرورة إتاحة فرصة التعليم جلميع أفراد الش��عب ،فمن خالله ميكن القضاء على اجلهل والعنف واملرض واالستبداد والظلم واألنانية ،واإلميان باخلرافات . مشل أدب الطفل عند ليف َت َل ْس ُ ��توى مراحل عمرية خمتلفة ،و اتس��مت كل مؤلفاته بلغة س��هلة ،وسلس��ة ،ودقيق��ة ،وجاءت أفكـارها بس��يطة ،مبتكرة، وبصورة ش��يقة فتس��اعد الطفل الصغري على أن يتعلم التفكري ،وتنعش إدراكه وتوس��ع معارفه بالعامل .وعلى الرغم من أن حتقيق هذا فى حد ذاته مهمة ش��اقة إال أن��ه اس��تطاع باقتدار أن حيققها .ففى العديد من قصص��ه لألطفال تضمنت القليل من النص والكلمات ولكنها مشلت مغاز وعرب ومواعظ يس��توعبها الطفل بنفسه م��ن خالل النص ،ولي��س باألمر ،أو النهى .فأمامنا إحدى ه��ذه التجارب التى صيغت بإجياز دقيق“ :غرس رجل عجوز أش��جار التفاح” .فس��ألوه”:ملاذا حتتاج ألشجار التفاح ً طويال لتجنى ثـمارها؟ ،و لن تأكل أنت من ثـمارها” فأجاب هذه ألنك س��وف تنتظر َ ْ الرجل العجوز “ :أنا لن آكل منها ،ولكن اآلخرون س��وف يأكلون منها وس��يقولون ً ش��كرا” وهنا يريد الكات��ب أن يثري لدى الطفل ملك��ة التفكري وفى الوقت ىل نفس��ه حيفزه على عمل اخلري لآلخرين وجعله يفكر فى مضمون القصة ملعرفة مغزاها واهلدف الذى يرمى إليه الكاتب .فاختار األديب الكلمات بدقة ،واختفى الراوى ً متاما ،كما توارت العظة األخالقية املباشرة . - 5ل.نَ .تلَ ْس ُتوى ،المؤلفات الكاملة ،موسكو ، 1936 ،مجلد ، 8ص - 245ص . 246 - 6المرجع نفسه ،ص . 38 - 7المرجع نفسه ،ص . 25
13
وتضمن��ت العديد من قصص لَ .ت َل ْس ُ ��توى الكثري من التعابري واألمثال الس��ائرة، واأللغ��از الش��عبية ،والت��ى اس��تطاع األدي��ب م��ن خالهلا تعري��ف األطف��ال الرتبية األخالقية والس��لوك القويم ،كالنزاهة واإلخالص ،وطيبة القلب ،وحمبة العمل والك��د واالجته��اد ،والع��زة والكرامة واألمان��ة والعدالة التى جيب أن تس��ود بني أف��راد اجملتم��ع .وص��اغ األدي��ب قصصه هذه ف��ى أجناس أدبي��ة خمتلفة م��ن بينها: القصة والقصة القصرية ،وحكايات واقعية وأخرى أس��اطري ش��عبية ،والوصف ، واجملادلة ...كما تضمنت القصص الكثري من التحليالت النفسية ومعاناة الطفل وذل��ك عن طريق الغوص فى عامل الطفل الداخلى ،كما اهتم ً أيضا بتصوير مظهره اخلارجى . َ َ ُ هكـذا ُيع��د ليف نيكاليفتش تل ْس��توى أحد رواد حركة التنوير بالنس��بة ألدب األطفال ليس فقط فى األدب الروس��ى بل وفى األدب العاملى .لقد أثرت مؤلفاته األدبي��ة ،وأراؤه الفكرية الراس��خة فى الرتاث اإلنس��انى ،تلك التى تعكس إميانه باإلنس��ان البسيط ،وانتصار اخلري على الش��ر ،وضرورة أن تسود املساواة ،والتسامح، واحلرية ،والسالم والعدل فى ربوع املعمورة ،وأن متضى احلياة بال خوف من الغـد، ً أرواحا كثرية من بنى البش��ر األبرياء ، -وضرورة نبذ وب�لا حروب -تلك الت��ى تزهق ً الغلظة ومجود القلب واحرتام اإلنسان ألخيه اإلنسان ،وأيضا طالب “بعدم مواجهة الش��ر بالعن��ف” ،كما أكد ف��ى كتاباته حب��ه للعمل ،ودعا إىل اإلحس��ان على الفق��راء ،والت��وق إىل املعرف��ة فى ش��تى اجمل��االت املختلف��ة .كما داف��ع عن حقوق األطف��ال عامة ،وأبن��اء الفالحني خاصة فى التعليم والتنوي��ر ،إذ إنها متثل الصحوة التنوري��ة األوىل لتق��دم الش��عوب ودفع قاط��رة التنمي��ة لألوطان ،وتعت�بر اخلطوة األساس��ية النتصار العقل والعلم على البالء ،والظالم ،واالنغالق .وأكد أن ذكاء َ ل.ن.ت َل ْس ُتوى نظرية تربوية اإلنسان ينبع من ثقافته ومتسكه بأرضه .وبهذا وضع حديث��ة ،س��واء نالت التأييد أو االع�تراض ،فهو يعد من اجملددي��ن فى جمال تربية وتعلي��م النش��ىء ،وأن األس��اس األول لنظريت��ه يرج��ع إىل ضرورة احرتام ش��خصية الطفل كمخلوق ،واحملافظة على كرامته ،وعدم النيل منها ،والتعامل مع الطفل حبرص وعدم تقييد حريته ،فالطفل كائن ِّ حى عاقل ،مفكر ،ومبدع . َ ون��ود اإلش��ارة هنا ف��ى عجالة ع��ن مدى تقدي��ر لي��ف نيكاليفيتش َتل ْس ُ ��توى للحضارة “اإلس�لامية العربية” ،إذ تعرف على الكتب الس��ماوية الثالثة :التوراة، واإلجني��ل والق��رآن واس��تقى منها املبادئ الس��امية التى س��ار على نهجها ف��ى احلياة ، واهت��م بقراءة “ألف ليل��ة وليلة” والتى كان ق��د تعرف عليها وتأثر به��ا قبل الرابعة
14
عش��رة م��ن عمره ،و انعكس��ت فى كثري من مضام�ين كتاباته لألطف��ال ( .)8وفى الوقت نفس��ه نؤكد أن ليف َت َل ْس ُ ��توى قد اكتس��ب حب وتقدير املثقفني املصريني إلنس��انيته وتس��احمه ،فقد قام الش��يخ “حممد عبده” )1905-1849( ،مبراسلة ليف َت َل ْس ُ ��توى ملا رأى فى ش��خصيته الرغبة الش��ديدة فى احلرية واالس��تقالل ،وتأييده املطلق حلركة حترر الش��عوب ،واحرتام الفرد ،وعدم ممارس��ة العنف ضد اإلنسان. كذل��ك نال ليف َت َل ْس ُ ��توى تقدير العديد م��ن األدباء املصريني “كعب��اس العقاد”، ( )1964-1889و“حيى حـقى” )1992-1905( ،وغريهما ملبادئه السـامية . َ َ ُ ولقد رثاه أمري الشعراء أمحد شوقى ( )1932-1868فى قصيدة بعنوان “تل ْستوى”: (تولس��توى) جت��رى آي��ة العلم دمعها وش��عب ضعي��ف الركن زال نص�يره وين��دب فالحـــ��ون أن��ت مــنارهـ��م يعان��ون ف��ى األكواخ ً ظلما وظلمة تطوف كعيس��ى باحلنان وبالرضى ويأس��ى علي��ك الدي��ن إذ لك لب��ه
علي��ك ويبكى بائس وفقري وما كل يوم للضعيف نصري وأن��ت س��ــراج غيبـ��وه منيــر والميلكون البث وهو يس�ير عليهم وتغش��ى دورهم وتزور وللخادمني الناقمني قش��ور ()9
العربى “أبى العالء يكتف الش��اعر برثائه ،بل قارنه بالش��اعر والفيلسوف ومل ِ ُ املع��رى” مل��ا هلما من توافق وتش��ابه ف��ى رؤيتهما جت��اه الدين ،حي��ث أتهم كالهما بالكف��ر من قبل رجال الدين ،ليس ألنهما ناكران ورافضان لألديان ،ولكن لعدم اقتناعهما بتطبيق تعاليم الش��رائع السماوية من جانب رجال الدين ،الذين استغلوا الدين ملصلحتهم الشخصية ،وخلدمة احلكام . إذا أن��ت ج��اورت (املعرى) فى الث��رى وأقبل مجع اخلالدين عليكما
وجاور (رضوى) ف��ى الرتاب (ثبري) وغاىل مبقدار النظري نظري)10( .
ولقد س��ارع ً ش��اعر النيل “حافظ ابراهيم” ( )1932-1872برثاء َت َل ْس ُ ُ ��توى فى أيضا قصيدة يقول فى مطلعها : - 8انظر بالتفصيل كتاب ( :بين روسيا والشرق العربي ) ،قراءات في األدب والثقافة ،للدكتور محمد عباس والدكتورة نادية سلطان ،القاهرة ، 2011 ،ص - 167ص .202 - 9انظر القصيدة كاملة في الشوقيات ،أحمد شوقي بك ،ج ، 3المراثى ، 1950 ،ص - 80ص . 82 - 10المرجع السابق ،ص . 82 - 80
15
رثاك أمري الش��عر فى الش��رق وانربى ولس��ت أب��اىل ح�ين أرثي��ك بع��ده
ملدحك م��ن كتاب مصر كبري إذا قيل عنى قد رث��اه صغري ()11
كذل��ك يؤكد الش��اعر العراقى مجي��ل صدق��ى الزه��اوى ( )1936 – 1863فى ً ً ودعما للفقراء ، س��ندا قصيدة بعنوان “ذكرى تالس��توى” كيف كان طول عمره فهو مبثابة ش��عاع فى ليل مظلم وبارقة أمل فى حي��اة أبناء الفالحني ،باصراره على تعليمهم . لقد عشت ً ملن عاش بني الناس وهو فقري عمرا أنت فيه ظهري به لعقول الناشئني تنري بكفك مصباح من العلم ساطع 12 ً وقد كنت ً مصلحا تدور مع االنصاف حيث يدور حرا فى حياتك وإىل جانب رثاء كل من أمري الش��عراء أمحد ش��وقى ( )1932-1868وشاعر النيل ��توى ،رث��اه ً حاف��ظ إبراهيم لألديب الروس��ى ليف َت َل ْس ُ أيضا الكث�يرون من رجاالت الثقاف��ة واألدب والفكر العربى من بينهم مصطفى لطفى املنفلوطى (،)1924-1876 وأمح��د لطف��ى الس��يد ( )1963-1872وغريه��م ...والذي��ن وصف��وه باإلنس��ان احملب للخ�ير ،والداعى إىل الفضيل��ة ،والفيلس��وف واملدافع عن الضعف��اء والفقراء خاصة طبق��ة الفالحني فى روس��يا القيصري��ة ،فيبكونه ألن��ه منارتهم .كم��ا وأطلقوا عليه بالزاهد على الرغم مما ميتلكه من أراض شاس��عة وأموال طائلة .وعرف عنه بالعامل واملفكر بدعوت��ه إىل املعروف والنهى عن املنكر فأبكاه املؤمنون ألنه أخذ من الدين جوهره وليس مظهره .ووصفوه باملناضل ضد احلروب بكل أشكاهلا . وباألم��س القري��ب احتف��ل العامل بالذك��رى املئوية لرحي��ل ل .نَ .ت َل ْس ُ ��توى عام (2010م) ف��ى مجيع أركان املعمورة ،واليوم نق��دم للقارئ الكريم ترمجة لبعض القص��ص التى كتبها ه��ذا الكاتب املوهوب لألطفال .فنغ��وص فى عبق قصص من زمن فات لنس��تلهم القيم التى حنتاجها فى احلاضر ونعرب بها إىل املس��تقبل .فيتعرف القارئ عن قرب برؤية الكاتب ليف نيكاليفتش َت َل ْس ُ ��توى ( )1910 - 1828فى فن أدب الطفل . د .نادية إمام سلطان
- 11ديوان حافظ إبراهيم /شرح أحمد أمين وآخرون ،الجزء الثانى ،ط ، 2القاهرة ، 1939 ،ص .167 - 164 - 12ديوان جميل صدقى الزهاوى ،منشورات دار العودة ،بيروت ، 1972 ،ص . 169 - 168
16
من زمن فات -الجزء األول
الجزء األول قصص وحكايات للبنين والبنات
من زمن فات لألديب الروسى :ليف تلستوى
17
قصص وحكايات للبنين والبنات
من زمن فات -الجزء األول
السعادة أم املال كان يقط��ن ف��ى الطابق العل��وى بأحد املنازل رجـ��ل ثـرى ،وكـ��ان يعـيش ترزى ً سعيدا بعمله ،أال وهو – حياكة فقيـر فى الطابق األرضى من هـذا البيـت .كان الرتزى املالبس .وكان ال يتوقف عن الغناء والطرب أثناء ممارسته لعمله – خياطة الثياب، وه��ذا م��ا كان يزعج الرجل الغنى ،ويقلقه ،بل ومينعه من النوم .مما دعى الثرى ً ً كبريا من املال ليكف عن الغـناء .وبهذا أصبح الرتزى الفقري كيس��ا إعطاء الرتزى َ ً رجال ً ً ثريا ميتلك ماال كثريا ،فى الوقت الذى امتنع فيه عن العمل وأخذ ينشغل حبراس��ة ه��ذا امل��ال ،وك َّ َ��ف ً متام��ا عن الغـن��اء حت��ى أصـابه املل��ل واالكتئاب. فم��ا كان من��ه أن أخ��ذ كي��س النقود ً قائال له : ومحله ،وأعاده إىل الثرى خ��ذ نق��ودك ،وامس��ح ىل أن أمارسمهنت��ى وهوايت��ى فإن��ى أجد ف��ى العمل والغن��اء س��عادتى ونش��وتى ،وال أريد أن أص��اب باالكتئاب مرة أخ��رى .فاحلياة الس��عيدة ليس��ت مرتبطة مبا ميتلكه اإلنس��ان م��ن م��ال ،بل مب��ا يق��وم به من عم��ل ك��ى يش��عر بالس��عادة والبهجة وراحة البال .
19
قصص وحكايات للبنين والبنات
الحرب أم السلم ً ً إجنليزيا أثناء ضابط��ا أوق��ع اهلنود فى األس��ر إح��دى املعارك التى وقعت بني اإلجنليز واهلنود، وأوثقوه ف��ى إح��دى األش��ـجار ،وأرادوا التخلص منه .وفى هذه اللحظة اقرتب رجل هندى طاعن ً قائال : فى السن ال تقتلوه ،...سلمونى إياه .فأعطوه له . َّ فك الش��يخ اهلندى قيده ،واصطحبه معه إىل كوخ صغري يعيش فيه َّ ، وقد َم له الطعام ّ ، وجه َز َ مكانا للمبيت . له وف��ى صب��اح الي��وم الت��اىل ،طل��ب الش��يخ اهلندى م��ن الضاب��ط اإلجنلي��زي أن يقتفى أثره ويس�ير خلفه .س��ـار ٌاالثنان ً معا لفرتة طويلة ،وعندما اقرتبا من معس��كر للقوات اإلجنليزية ،قال الشيخ اهلندى لألسري اإلجنليزي : لقد قتل جنودك ابنى ،أما أنا فقد أنقذت حياتك ،اذهب إىل أهلك وقادة جيش��ك ،وواصلوا قتالكم لنا . عندئذ اندهش الضابط اإلجنليزى وقال : ملاذا تسخر منى ؟ إنى أعلم أن جيشنا قد قتل ابنك ،فهيا اقتلنى بيديك دون رمحةوعلى الفور . حينئذ قال الشيخ اهلندى : عندم��ا حاول أتباع��ى قتلك ،تذكرت ابين ،وإنتابنى الش��عور باحلزن واآلس��ى منأجلك ،فلم أجرؤ أن أشاهد قتلك .فلتذهب إىل أهلك وجيشك واقتلونا إذا أردمت . وهكذا أطلق الش��يخ اهلندى س��راح األس�ير اإلجنليزى .حكى الضابط اإلجنليزى لرؤس��ائه وزمالئه عما حدث له وعن إنس��انية الشيخ اهلندى .وأخذ يقنع قادته بأن الشعب اهلندى مييل إىل السلم وميقت احلرب ،والبد وأن نرتكهم وشأنهم . 20
من زمن فات -الجزء األول
الثوب امللكى الجديد ً مولعا باقتناء الثياب اجلميلة كان أحد امللوك ذات األلوان الزاهية .فلم يكن يشغل باله سوى ً ودائما ما كان يفك��ر فى ارتداء ه��ذا األم��ر . املالب��س األنيقة .وذات مرة أت��ى إليه خياطان ماهران فى فن حرفة احلياكة وقاال له : لباس��ا ً س��نحيك ل��ك ًأنيق��ا مل يرتديه أى ش��خـص من قبل فى أي مكـ��ان أو أي زمـان . ش��ريطة أال يس��مح بأن يرى ه��ذا الثوب الذى سنحيكه لك أى إنسان يتسم بالغباء ،أو الذى ال يتقن الوظيفة التى يؤديها .س�يراه فقط الشخص الذكى ،أما الش��خص الغبى ،حتى وإن وقف بالقرب من الثوب الذى سوف نصنعنه جلاللتكم ،فلن يراه . فرحا ً فرح امللك ً مجا مبا قاله اخلياطان ،وأمر بأن حييكا له هذا الزى . أوصلت حاش��ية امللك اخلياطني إىل حجرة خاصة هلذا الغرض بالقصر ،وأعطت هلم��ا العديد من األقمش��ة املصنوع��ة من القطيف��ة ،احلرير املذه��ب ،والقطن ..... وكل ما حيتاجانه من لوازم احلياكة مثل اخليوط احلريرية ،والذهبية والفضية حلياكة هذا الثوب . ٌ أسبوع ثم أمر امللك وزيره ليعرف :هل مت حياكة الثوب اجلديد أم ال؟ وانقضى ذه��ب الوزي��ر عل��ى الفور يس��أل عما مت ف��ى حياكة الث��وب اجلدي��د ،فـأجاباه اخلياطان : ً نع��م لق��د مت حياكة الثوب ومت أيضا االنتهاء م��ن تطريزه ،وأوهماه بأن هذا هوالثوب اجلديد . غ�ير أن الوزي��ر قد أدرك على الفور كالم اخلياطني عندما قاال له :بأن الش��خص الغبى ،أو من ال يصلح لوظيفته التى يؤديها ،هو من ال يستطع أن يرى الثوب . وهنا تظاهر الوزير بأنه يرى الثوب اجلديد وامتدح صنعه وأثنى عليهما . 21
قصص وحكايات للبنين والبنات
عندئ��ذ أم��ر امللك بأن ي��رى الثوب اجلديد فأخذوه وأوهموه ب��أن هذا هو الثوب اجلدي��د .فتظاه��ر امللك ً أيضا بأنه يرى الثوب اجلدي��د ،وعلى الفور قام خبلع الثوب َ ُ َ اجلديد . الثوب ألبسوه القديم ،وأوهموه بأنهم غادر امللك القصر وأخذ يطوف باملدينة بعد اعتقاده بأنه ارتدى الثوب اجلديد، عاريا ال يرتدى ً وش��اهد الناس امللك ً شيئا ،ولكنهم خافوا أن يفصحوا عن احلقيقة بأنهم ال يرون الثوب اجلديد ً ، أن عرفوا َّ خوفا من بطش امللك ،خاصةَ بعد ْ أن الشخص الغبى فقط هو الذى ال يرى الثوب اجلديد .فأخذ كل واحد منهم يفكر فى نفسه َ ً َ اجلديد . الثوب معتقدا بأن اآلخرين يرون فقط ،بأنه ال يرى الثوب ، َ ً مجيعا الثوب اجلديد . وامتدح الناس هكذا جاب امللك كل املدينة ، ً ولكن فجأة صاح رجل أمحق عندما رأى امللك هكذا قائال : ً خالعا ثيابه ..... انظروا ....إن امللك يطوف باملدينةوفى احلال أصاب امللك اخلجل ،وأدرك بأنه ال يرتدى ما يس��مى بالثوب اجلديد، مجيعا رأوا امللك ً ً عاريا بدون ثياب ...واتضحت احلقيقة بعد طول نفاق . وأن الناس
22
من زمن فات -الجزء األول
حورية البحر واللؤلؤة ذات م��رة أحب��ر رج��ل طيب بزورق��ه ،وهو حمب للناس ،فاعل للخري ،ال يؤذى ً أحدا ،ودون قصد س��قطت منه لؤلؤة ثـمينة ف��ى البحر .أحضر الرج��ل ً دل��وا ،ث��م ع��اد إىل الش��اطئ ،وأخذ يغ�ترف امل��اء م��ن البح��ر ويس��كبه عل��ى اليابس��ة .واس��تمر يغرتف املاء ويسكبه على الش��اطئ ملدة ثالثة أي��ام دون ّ كلل أو ملل . ف��ى الي��وم الراب��ع خرج��ت م��ن البح��ر حورية البحر وأخذت تسأل الرجل : ملاذا تغرتف املاء بالدلو من البحر و تسكبهعلى الشاطئ ؟ فأجاب الرجل : إنى أغ�ترف املاء ،ألننى فقدت لؤلؤة ثـمينة هناوأحاول أن أجدها. رجعت حورية البحر وسألته : وهل ستتوقف عن هذا قري ًبا ؟فأجاب الرجل : سأجفف البحر ،ولن أتوقف عن البحث حتى أعثر على اللؤلؤة .ً بعيدا عن الشاطئ ،ثم عادت مرة أخرى وأحضرت معها عندئذ ذهبت حورية البحر ذات اللؤلؤة ،التى كانت قد سقطت من الرجل ،وأعطتها له . فعلى اإلنس��ان أال يفقد األمل فيما يبحث ،وأن يبذل كل ما يستطيع من جهد فى حتقيق هدفه دون كلل أو ملل . 23
قصص وحكايات للبنين والبنات
الشقيقان خرجا ش��قيقان للتنزه ً معا .وحني حان وقت الظهرية جلس��ا حتت شجرة بالقرب من الغابة ليناال ً قسطا من الراحة حتى غلبهما النوم .وعندما استيقظا ،رأيا بالقرب ً ً مكتوب��ا عليه ش��يء ما .أخذا يفس��ران تل��ك اخلط��وط والكلمات حج��را منهم��ا املكتوبه على احلجر ،وبعد جهد كبري استطاعا أن يعرفا ويفسرا ما هو مكتوب: “ من جيد هذا احلجر عليه أن يذهب فو ًرا إىل الغابة عند شروق الشمس ،وفى الغابة س��يجد ً نهرا يتدفق فيه املاء :وليس��بح فى هذا النهر حتى جيتازه ويصل إىل الضفة األخرى من الش��اطئ .وهناك سيش��اهد دب��ة ضخمة مع صغاره��ا :وعليه أن ينتزع ً مس��رعا إىل اجلبل ويتس��لقه دون النظر إىل أح��د الدبب��ة الصغار من أمه ،ثم جيرى ً َ منزال إذا وصل إليه ودخله سوف جيد سعادة غامرة”. اخللف وسريى أعلى اجلبل ً مكتوبا على احلجر ،وهنا قال األخ األصغر “ :فلنذهب قرأ الشقيقان ما كان ً س��ويا ً معا إىل النه��ر .فمن املمكن أن نعرب النهر ،ونس��تطيع أن حنمل الدب الصغري إىل املنزل وسنجد السعادة ً معا ”. حينئذ قال األخ األكرب “ :لن أذهب إىل اجلبل من أجل اإلمساك بالدببة ،كما أنصح��ك أال تق��وم بهذا العم��ل .فاألم��ر األول :ال يعرف أحد – م��ا إذا كان الكالم املكت��وب على احلجر حقيقى أم ال .فمن املمكن بأن يكون كل ما كتب على ه��ذا احلج��ر من قبيل املزاح ،باإلضافة إىل أنه من املمكن أننا مل نس��تطع تفس�ير ما كت��ب على احلج��ر ً متاما .األمر الثان��ى :إذا كان ما كتب عل��ى احلجر حقيقى ، ً وحتما سنضل وس��نذهب إىل الغابة ،ثم عندما حيل الليل فلن نس��تطع أن نعرب النهر الطريق .ولنفرتض بأننا وجدنا النهر فكيف لنا أن نس��بح ونعرب النهر؟ فمن احملتمل ً واسعا ومياهه تتدفق بطريقة سريعة ،وهنا من املمكن أن جترفنا أن يكون النهر ً بعيدا ....واألمر الثالث :لنفرتض بأننا س��بحنا وعربنا النهر – فهل من الس��هل أن املي��اه ننت��زع م��ن الدبة الضخمة أح��د صغارها ؟ فإنها من املؤكـد س��ـوف تفرتس��ـنا على َ وبدال من أن نعثر على الس��عادة ،فس��نهلك دون أى س��بب .أما األم��ر الرابع :إذا الفور، جنحنا واس��تطعنا أن ننت��زع الدب الصغري من أمه ،فلن نس��تطيع الصعود إىل اجلبل ً قليال .أهم ما فى األمر ،فإن احلجر مل حيدد لنا أى سعادة هذه ،التى دون أن نس�تريح س��وف حنصل عليها فى هذه الدار ؟ فرمبا تكون تلك الس��عادة التى تنتظرنا فى هذا البيت ،لسنا حنن حباجة إليها على اإلطالق ! ” . 24
من زمن فات -الجزء األول
حينئ��ذ ق��ال األخ األصغر “ :عل��ى ما أعتقد أن األمر ليس هك��ذا .فمن العبث أن يك��ون كل ما كتب عل��ى احلجـر ليس حبـقيق��ى .إن كل ما كـتب واضح وجل��ى .فاألم��ر األول :لن يضرنا ش��ي ٌء إذا حاولنا .واألمر الثان��ى :إذا مل نذهب حنن ، فس��يقرأ شخص آخر ما كتب على احلجر وسيجد الس��عادة ،وأما حنن فلن حنصل شيء .واألمر الثالث :إذا مل نعمل ونكدح ونتعب وجنتهد بأنفسنا فلن جند فى على ٍ الدني��ا ما يفرحن��ا .واألمر الرابع :فأنا ال أحب أن يعتقد اآلخرون بأننى جبان وأخاف شيء ” . من أى ٍ عندئذ قال األخ األكرب :ولكن املثل يقول “ :احصل على الس��عادة الكربى ً وأيضا هناك مثل آخر يقول “ :عصفور فى اليد خري من عشرة على بأقل اخلس��ائر”، الشجرة ” . ف��رد األخ األصغر :وهناك مث��ل يقول :الذى يزرع ال خياف من العصفور” فإننى أرى م��ن خ��اف الصعاب واألخط��ار ال حيب اإلقدام على أى ش��يء ،فم��ن الضرورى أن أخاطر وأغامر وجيب ّ على أن أذهب”. انطلق األخ األصغرحيث أشار احلجر ،أما األخ األكرب فعاد إىل بلدته ومكث فيها ومل يذهب إىل أى مكان . وما أن وصل األخ األصغر إىل الغابة ،وجد النهر ،وس��بح فيه ،واجتازه وعرب إىل الضفة األخرى من الشاطئ ،ثم رأى الدبة الضخمة والتى كانت تغ��ط فى نوم عميق ،فانتزع فى احلال الدب الصغري من أمه ً مس��رعا حن��و اجلبل دون أن ينظ��ر إىل اخللف .وما وانطلق ً كاد أن يصل إىل أعلى اجلبل – حتى وجد أمامه مجوعا م��ن الن��اس خترج ف��ى اس��تقباله ،وق��د أحضروا ل��ه عربة جترها اخليول ونقلوه حتى أوصلوه إىل املدينة واختاروه ً ملكا للبالد . حك��م األخ األصغر البالد مخس��ة أعوام ،وفى العام الس��ادس أعلن ملك قوى آخر غريب احلرب على الب�لاد ،فم��ا لبث أن اقتحمها وس��يطر عليه��ا و طرد األخ األصغ��ر .عندئ��ذ خ��رج األخ األصغ��ر من الب�لاد وأخذ يط��وف وجيول مش��ارق األرض ومغاربه��ا ،إىل أن وصل إىل قرية أخيه ،الذى مازال يعيش فى قريته ومل يطرأ عليه أى تغيري . 25
قصص وحكايات للبنين والبنات
طفل لقيط كان لدى سيدة فقرية ابنة صغرية تدعى “ماش��ا” .فى صباح ذات يوم خرجت إلحضار ً املاء من البئر ،ولكنها رأت ً ملفوفا فى شيئا قطعة بالي��ة عند الب��اب .فوضعت الدلـو جان ًب��ا ،وف��ردت قطع��ة القم��اش ،والت��ى ص��در منها ص��راخ ”:واء! واء! واء” قبل أن متسها . ً طفال صغرياً احننت “ماش��ا” ورأت ذا جل��د أمحر .أخذ يصرخ بصوت عال “:واء ! ،واء! ” . محلته “ماش��ا” بيديها وذهبت ب��ه إىل املن��زل ،وأخ��ذت تس��قيه قلي�ًل�اً من الل�بن بامللعق��ة .عندما رأته��ا أمه��ا قالت هلا “ :م��ا هـذا الذى أحـضـرتيه؟” .ردت ماشا “ :أحضرت ً ً صغريا ،وجدته عند باب منزلنا”. طفال قال��ت األم ”:ي��ا بنيت��ى “ماش��ا” كما تعرفى إنن��ا فقراء ً جدا ،فمن أي��ن لنا أن نطعم ً طفال آخر ،س��أذهب إىل عمدة املدينة وس��أحكى له ،كى يأخ��ذه ويتوىل الص��رف عليه واالهتمام به” .وهنا بكت “ماش��ا” ً كثريا ،اتركي��ه معنا ،انظري إىل وقال��ت “ :يا أماه ،ه��ذا الطفل لن يأكل يديه الصغريتني وأصابعه احلمراء اجملعدة “ .نظرت األم إليه ،وأشفقت عليه . أصغ��ت األم إىل ابنتها ،وأبقت على الطفل الرضيع .أخذت “ماش��ا” تطعمه وتغـري له مالبسـه ،وتغـنى له األغـانى اجلـميلة عندما كـان خيـلد إىل النوم . 26
من زمن فات -الجزء األول
األمري وصديقاه التاجر والفالح كان ل��دى أح��د املل��وك ابنان .أح��ب امللك ابن��ه األكرب فأنعم علي��ه باململكة وأعطاه كل أمواله .أشفقت األم على ابنها الصغري ،وتشاجرت مع زوجها امللك ،الذى ً يوميا . غضب منها أش��د الغضب ،ولذلك كانت تدور بينهما كثري من املش��اجرات ً وأخريا اختذ األمري الصغري قراره وقال فى نفسه “ :من األفضل ىل أن أرحل من هنا إىل مكان آخر ّ . فود َع والده ووالدته ،غيرََّ ثيابه الغالية وارتدى مالبس بسيطة ،وذهب يطوف من بلدة إىل أخرى . تقاب��ل األم�ير ف��ى الطري��ق مع أح��د التجار. حك��ى التاج��ر لألم�ير ، بأن��ه فيم��ا مض��ى كان تاجرا ً ً ثريا ،ولكن غرقت كل بضاعته ف��ى البحر، وهل��ذا ق َّ َ��ر َر أن يذه��ب إىل منطق��ة جدي��دة غريبة يبحث فيها عن سعادته . س��ارا االثن��ان ً مع��ا ف��ى الطري��ق .وف��ى اليوم الثالث تقـابل معهم رفـيق ً س��ويا ، جـديد .حتدثوا وحكى الرفي��ق اجلديد ً ً هلم��ا حكايت��ه وعن أنه ف�لاح ،وكان ميل��ك دارا وأرض��ا زراعية ،ولكن نش��بت احل��رب فهلك��ت األرض وأحرق��ت الدار ،ومل يبق له ش��يء يقتات من��ه ،وها هو اآلن ميضى فى الطريق يبحث عن عمل جديد فى بلد غريب . ً انطلق الثالثة ً معا .وعندما اقرتبوا من مدينة كبرية جلس��وا لينالوا قس��طا من 27
قصص وحكايات للبنين والبنات
الراح��ة .عندئذ قال الفالح ”:لقد وصلنا إىل املدينة يا إخوانى ،ويتحتم علينا اآلن أال نتنزه ،بل لقد حان وقت العمل ،فليعمل كل واحد منا قدر استطاعته” . ً قليال من املال فقال التاجر “ :أنا اس��تطيع ممارس��ة التجارة ،فإذا كان عندى ولو الستطعت أن أتكسب ً ً وفريا من التجارة” . ماال أم��ا األمري فقال ”:إنى ال أس��تطيع عمل أى ش��يء ،فأنا ال أم��ارس التجارة ،ولكن أن أعمله فقط أن أصبح ً كل ما أستطيع ْ ملكا وأحكم بالعدل فى اململكة ،فإذا كانت عندى مملكة الستطعت أن أحكم شعبى” . ً أم��ا الف�لاح فق��ال “ :أم��ا بالنس��بة ىل فأن��ا ال أملك م��اال ،وليس حت��ت إمرتى مملكة ،فلدى فقط قدمان أمش��ى عليهما ،ويدان قويتان أستطيع أن أحركهما وأعمل بهما ،وبهذا أس��تطيع ْ أن أعيش وأعم��ل وأنفق عليكما وأطعمكما .أما إذا كان أحدكما س��ينتظر املال ،واآلخر يود احلصول على مملكة ويصبح ً ملكا، ً جوعا . فليس أمامى إال أن أعمل حتى ال متوتا عندئ��ذ ق��ال األمري للف�لاح “ :التاجر يلزم��ه املال ،وأنا يلزمن��ى مملكة ،وأنتحتت��اج إىل القوة كى تعمل .فامل��ال واململكة والقوة ال ميكن احلصول عليهم إال من عند اهلل .فإذا أراد اهلل ذلك فسيعطنى اململكة ،وسيعطيك القوة ،أما اذا مل يرد اهلل فلن تكون لديك القوة ،ولن تكون لدى مملكة” . ً طويال حتى نهاية حديث األمري ،ولكنه توجه فى احلال إىل مل ينتظ��ر الفالح املدينة .وهناك استأجره أحد أصحاب األراضى الزراعية ،وأخذ جيمع احلطب طوال الي��وم .وعندم��ا حل املس��اء دفعوا له ً نقودا كث�يرة نظري عمله .أخ��ذ الفالح النقود وذهب إىل صديقيه وقال هلما: “ ف��ى الوق��ت الذى كنتما تفكران فى احلصول عل��ى املال واململكة ،ذهبت أنا إىل املدينة وعملت وحصلت على النقود”. ف��ى اليوم التاىل طلب التاجر من صديق��ه الفالح بعض املال فأعطاه له ،ثم توجه إىل املدينة . ذهب التاجر إىل الس��وق وعل��م أن أهل املدينة فى حاجة ماس��ة إىل زيت الطعام، وكان األه��اىل ينتظ��رون كل ي��وم اس��ترياد كمي��ات كبرية من الزي��ت .فاجته التاج��ر إىل امليناء وأخذ يراقب البواخر .وأثناء تواجده بامليناء وصلت إحدى البواخر احململة بالزيت إىل امليناء ،وكان التاجر أول من صعد إىل سطح الباخرة قبل غريه من التجار ،وأخذ يبحث عن صاحبها ،وعلى الفور اشرتى كل كميات الزيت املوجودة 28
من زمن فات -الجزء األول
بالباخ��رة كله��ا ودفع له العربون .اجته التاجر إىل املدينة على الفور بس��رعة وباع كل كميات الزيت ،وبعد عناء شديد ،ونتيجة جملهوده الوفري وتفكريه السديد اس��تطاع أن يكسب عش��رة أضعاف النقود التى أخذها من صديقه الفالح ،وأسرع فى العودة إىل صديقيه وجلب معه الكثري من املال . عندئذ قال األمري : “ اآلن جاء دورى ألذهب إىل املدينة .لقد تيسر لكما احلال وحصلتما على عمل ونقود ،أدعو اهلل أن ييسر ً ىل األمر مثلكما وأسعد باحلصول على عمل .ليس هناك ش��يء صعب عل��ى اهلل ،فقد أعطى اهلل صديقى الفالح ً عم�لا ونتيجة لذلك حصل ً عل��ى أجره .أما صديقى التاجر فقد حقق بذكائه ً ش��ريفا من جتارته ،فمن رحبا املمكن أن حيصل األمري على مملكة له”. ً مجوعا من الشعب تسري بالشوارع ذهب اآلمري إىل املدينة ،وما أن وصل إليها ،رأى وتبكى .أخذ األمري يسأل :ملاذا يبكون ؟ فأجابوه : ً “أال تعرف أن ملك البالد قد قضى حنبه مس��اء اليوم ،وال نستطيع أن جند ملكاآخر غريه” . “وما سبب موته ؟ ” . “ يبدو أن أحد أعدائه األشرار قد َّدس له السم فى الطعام” ابتسم األمري وقال : “ من املستحيل أن حيدث هذا”.وهن��ا اق�ترب م��ن األمري أحد األش��خاص وح��دق النظ��ر إليه ،والح��ظ أن األمري ً وأيضا ال يرت��دى مالبس مثلما يرت��دى بقية أفراد ال يتح��دث عل��ى طريقته��م ، الشعب ،فصاح قائال : “ هذا الش��خص أرسله إلينا أعداؤنا األش��رار ليتجسس علينا وليتعرف على أسرارمدينتنا ،ومن املمكن أن يكون هو الذى َد َّس السم مللك البالد .انظروا إنه ال يتحدث عل��ى طريقتنا ،ويضحك فى الوقت الذى نبكى فيه عل��ى ملك البالد الذى فقدناه. هيا امسكوه ،واقبضوا عليه ،وألقوا به فى السجن” . ً طعاما قبضوا على األمري وقادوه إىل السجن ،وطوال يومني كاملني مل يعطه أحد ً ش��رابا ،ومل يذق طعم النوم .فى الي��وم الثالث أخذوا األمري وقادوه إىل احملكمة . وال جتمع العديد من مجوع الشعب ليسمعوا ويروا كيف سيحاكم األمري . أثناء احملاكمة سأل القاضى األمري عن هويته َ :م ْن هو ؟ وملاذا جاء إىل مدينتهم؟ 29
قصص وحكايات للبنين والبنات
فقال األمري: “ أن��ا أم�ير ابن مل��ك .أعطى أبى مملكت��ه وكل أمواله ألخ��ى األكرب ،وعلىالرغم من أن والدتي دافعت عن حقي ،إال أن هذا قد أدى اىل حدوث ِشجار بني والداى، فأردت أن ال حيدث هذا اخلالف والش��جار بس��ببى ،فودعت كل من والدى ووالدتى ، وانطلقت أطوف فى البالد. ف��ى طريقى تقابلت م��ع اثنني من أصدقائ��ى :أحدهما تاجر واآلخر فالح .س��رنا سويا لنأخذ ً معا إىل أن اقرتبنا من مدينتكم هذه .عندما جلسنا ً ً قسطا من الراحة عن��د أط��راف املدينة ،ق��ال صديقى الفالح :جي��ب علينا أن نعم��ل اآلن ،كل قدر اس��تطاعته .قال صديقى التاجر إنه يس��تطيع أن ميارس التجارة ،ولكن مل يكن لدي��ه نقود ،وأنا قلت :إنى أس��تطيع فق��ط أن أحكم مملك��ة ،ولكن ليس لدى مملكة . ً جوع��ا إذا جلس��نا وانتظرنا املال عندئ��ذ ق��ال صديقى الفالح :إننا س��وف من��وت واململكة .أما هو فكان لديه القوة ويس��تطيع أن يعمل ويطعم نفس��ه ويطعمنا ً حنن ً عمال وحصل على املال وأحضره أيضا .وهكذا خرج وذهب إىل املدينة ووجد إلينا .ثم ذهب التاجر ببعض هذه النقود إىل املدينة واس��تطاع أن يتاجر وربح عشرة أضعاف مما كان لديه . ً وج��اء دورى وذهب��ت إىل املدين��ة ،وعبثا أخذون��ى وقبضوا عل��ى ووضعونى فى ً ً ش��رابا ،واآلن طعاما وال الس��جن ،ومكث��ت فى الس��جن يومني دون أن يقدم��وا ىل ً ً ش��يئا ،ألنى أعرف أن كل ش��يء بيد وعموم��ا فأنا ال أخاف تري��دون أن تعدمون��ى . ً اهلل ،فإذا أراد اهلل هذا فإنكم سوف تعدمونى سدى ،وإذا أراد اهلل أن أكون ملكا فستختارونى ً ملكا عليكم” . عندم��ا حكى األمري حكايت��ه ،صمت القاضى ،ومل يعرف م��اذا يقول .فجأة ً قائال بصوت عال : صاح شخص من بني مجوع الشعب ً ملكا علينا .فلتختاروه ” لقد أرسل اهلل لنا هذا األمري ،وحنن لن جند أفضل منكً ملكا لنا للبالد! ” . واختار اجلميع األمري ً ملكا عليهم . ً ملكـ��ا أرس��ـل إىل أطـ��راف املدينـ��ة حراس��ـه ليحـضروا عندم��ا أصب��ح األمري صـديقي��ه .وعندم��ا ق��ال احل��راس هلم��ا ب��أن املل��ك أرس��لهم إلحضارهم��ا ،فتعجبا وســـاورهما اخلوف ،واعتقدا أنهما رمبا قد ارتكـبا ً إثـما أثناء تواجـدهما باملدينـة. 30
من زمن فات -الجزء األول
ومل يس��ــتطعا اهلروب ،ولكن احلراس على الفور قبض��وا عليهما وأحضروهما إىل امللك .سجد كل من التاجر والفالح عند قدمى امللك ،ولكن امللك أمرهما بالوقوف ف��و ًرا ،وعندما قام��ا ونظرا إليه تعرفا عليه فى احلال ،حينئ��ذ عرفا صديقهما .وهنا حكى امللك هلما كل ما حدث له ،وقال هلما : شيء بإرادة اهلل ،فليس “ أرأيتم ،أمل أكن على حق عندما قلت لكما بأن كلٍ م��ن الصـعب عل��ى اهلل أن يعـطى مملكة لألم�ير العادل ،وأن يعط��ى املال للتاجر األمني ،والعمل للفالح النشيط” . ف��ى النهاية أنعم امللك عليهم��ا باهلدايا ،وطلب منهما أن يظال و يعيش��ا معه فى مملكته .
31
قصص وحكايات للبنين والبنات
التاجران كان ي��ا مكان فيه تاجر حدي��د غلب��ان رح��ل إىل بالد بعيدة للبحث ع��ن عمل آخر، وقب��ل أن يس��افر أعط��ى كل ما كان ميتلكه من بضاعة م��ن حدي��د لصديق��ه التاجر الغن��ى ليحتف��ظ به��ا ويبقيها لديه حتى عودته . وعندم��ا ع��اد م��ن رحلت��ه ذهب إىل التاج��ر الغنى وطلب من��ه أن يعيد له ما تركه من حديد عنده . كان التاج��ر الغنى قد باع كل كمي��ة احلدي��د ،التى تركه��ا لديه التاج��ر الفقري ، وتذرع حبجة و قال له : لقد أملت مصيبة بكميةاحلديد اخلاصة بك . ماذا حدث ؟ً حسنا لقد وضعت كمية احلديد اخلاص��ة بك فى عنرب احلب��وب .وهناك يوجد كما تعلم عدد كبري من الفئران والتى قرضته عن آخرها .وشاهدت بعينى االثنتني هذه كيف قرضته .وإن مل تكن تصدق ذلك ،فهيا تعاىل معى ولرتى بنفسك . 32
من زمن فات -الجزء األول
مل جيادله التاجر الفقري .وقال له : م��اذا أرى ؟ إن�ني أصدقك .أنا أعرف بأن الفئران ًدائم��ا ما حتب قرض احلديد .إىل اللقاء .مع السالمة . ومض��ى التاج��ر الفقري فى طريق��ه إىل بيته .وأثناء ذل��ك رأى التاجر الفقري ً صبيا َ فاقرتب التاجر الفقري يلعب فى الشارع ،وعرف بأن هذا الصبى هو ابن التاجر الغنى . منه وداعبه والطفه ثم أخذه معه إىل بيته . وف��ى اليوم التاىل قاب��ل التاجر الغنى التاجر الفقري وحك��ى له عن املصيبة التى أملت به ،وأن ابنه قد فقد ومل يعلم عنه ً شيئا وسأله : شيء ؟ هل رأيت ابين ،أو مسعت عنه أىٍ فقال له التاجر الفقري : ً صقرا قد طار نع��م ،لق��د رأيته .إذ إنين فور أن خرجت م��ن عندك باألمس :رأيتمباشرة فوق ابنك ،وخطفه فى احلال ثم حلق به فى اهلواء . قضب التاجر الغنى وقال : ال تستهزئ بى كيف حدث هذا ،كيف يستطيع صقر أن خيطف ًصبيا؟ . أن��ا ال أجرؤ أن أس��تهزئ بك .وما الغريب فى أن خيط��ف صقر ًصبيا وحيلق به فى شيء من املمكن اهلواء ،مثلما استطاعت الفئران أن تقرض مائة سيخ حديد .كل ٍ أن حيدث . عندئذ فهم التاجر الغنى وقال : حقيق��ة إن الفئ��ران مل تقرض احلديد اخلاص بك ،وأن��ا الذى قمت ببيعه ،إننىً مضاعفا . اآلن على استعداد بأن أعطيك الثمن -إذا كان األمر هكذا فإن الصقر مل خيطف ابنك وسوف أعيده لك .
33
قصص وحكايات للبنين والبنات
سبب الشر فى الدنيا كان يعي��ش فى الغابة ناس��ك -متعبد زاه��د -طي��ب القل��ب ،و تأنس له وال ختش��اه مجي��ع احلـيوان��ات املفرتس��ة الت��ى تعي��ش هن��اك ،وتربطه��م صداقة قوي��ة فيما بينهم إىل درجة أنهم كانوا ً دائما يتبادلون أطراف احلدي��ث ويتحدثون ً مع��ا ويفهم كل منهم اآلخر . وذات ي��وم اس��تلقى الناس��ك عل��ى ظه��ره حتت ش��جرة فى الغابة ،وجتمع حوله كل م��ن :غراب ،ومحام��ة ،وأيل ،وثعبان كى خيلدوا إىل النوم فى املكان نفسه ،وأخذت احليوان��ات األربع��ة تتج��ادل فيم��ا بينهم��ا وتتدبر سبب وجود الشر فى الدنيا . وهن��ا ق��ال الغ��راب َّ “ : إن اجل��وع هو س��بب وجود الش��ر فى الدنيا .فعندما تأكل حتى الشبع حتس بأنك جتلس على غصن الشجرة تص��دح ً طرب��ا ،وتش��عر بالراحة ،وينش��رح صدرك غبطة وس��رو ًرا ب��كل ماهوحولك ، ولك��ن بعد ي��وم أو يومني جمرد أن تش��عر باجلوع ،فيصبح على الفور كل ش��يء على ً كريها ،وتضيق بك الدنيا ،وحينئذ النقيض ً يس��يطر عليك صراع بداخلك ،وكأن شيئا ً بعي��دا ،وتطري من م��ا جيذبك إىل مكان ما م��كان إىل آخ��ر ،وينتابك ش��عو ٌر باخلوف وبع��دم الطمأنين��ة ،وم��ا أن ت��رى م��ن بعيد 34
من زمن فات -الجزء األول
قطعة من اللحم فتارة ستش��عر بالغثيان ،وتارة أخرى س��تندفع بش��كل عشوائى ، وبال متيز ...فمرة ترى الناس سريمجوك باحلجارة ،وسيضربوك بالعصا حتى املوت ومرة أخرى ستنهشك الذئاب والكالب ،وفى النهاية سيقضى عليك .فكم يذهب الكث�ير من إخوانن��ا أدراج الريح ويهلكون بس��بب اجلوع .وهلذا فاجلوع هو س��بب الشر فى الدنيا”. ثم قالت احلمامة “ :أما أنا فأرى أن اجلوع ليس س��بب الشر فى الدنيا ،وإمنا تعيش وحيدا دون أن تعول ً ً أحدا ،فهذا أمر س��هل وال حيتاج إىل أدنى عناء ولن يس��اورك أى هموم مضـنية .فجـندى واحـد فى امليـدان ال يسـاوى ً شـيئا ،ويـد واحـدة ال تصــفق .أما بالنسة ً أزواجا ً ً فدائما معا متحابني .فإذا كنت حتب وليفتك ، لنا حنن معشر احلمام فنعيش ً ما يس��اورك الشعور بعدم الطمأنينة وعدم الس��كينة من أجلها ،فدائما ما تفكر فيها ً مليا :يا ترى هل هى تشعر بالشبع أم ال ؟ هل تشعر بالدفء أم ال ؟ وجمرد أن تطري ً وليفت��ك إىل م��كان ما بعيدا عنك ،هنا تثبط عزميت��ك ويعرتيك فى التو واللحظة الشعور باهلالك التام ،وتساورك األفكار السيئة ،وتدور فى رأسك األسئلة :يا ترى هل س��تكون فريس��ة للصقر ؟ أم س��يقتنصها الصيادون ؟ عندئذ تسرع فى الطريان ً حبثا عنها وينتابك الشعور بأنك وقعت فى بلية كما وأن حمنة تنزل بك :فاملصيبة تكمن فى أن هل اختطفها صقر ؟ أم وقعت فى فخ ؟ فتنطلق على الفـور فى الطريان إىل أبعد مدى للبحـث عنها وتشعر وأنك تقع فى مأزق . ٌ بش��ع .فلن تأكل ولن تش��رب ،وس��تقوم بعمل فإذا هلكت وليفتك فهذا ش��يء واح��د فقط وهو البح��ث عنها وأنت جتهش فى البكاء .وبس��بب هذا كم من هالك سيصيبنا ! وبذلك فإن الشر فى الدنيا ليس بسبب اجلوع ،وإمنا يرجع إىل احلب”. بعد ذلك قال الثعبان “ :ال ،ليس هذا بصحيح ،فالشر فى الدنيا ليس نتيجة اجلوع ً مجيعا فى سالم ووئام دون غضب أو أو احلب ،ولكنه يرجع إىل الغضب .فإذا عشنا ً مجيعا بالرضا .ولكن عندما يثار بك الشر والغضب فتشعر أنك ال س��خط فسنشعر متتلك نفسك من الغضب وهذا أمر بشع . َ هنا ستفكر فقط كيف تصب كل غضبك ونقمتك على من أثار حفيظتك. ً ً تعبريا عن االس��تهجان واالزدراء ،ويزحف ويقع فى فحيحا فتجد الثعبان هنا يطلق نفس��ه ش��عو ٌر باخلوف والذعر والبغض الش��ديد مما يدفعه بالبحث عن فريس��تة وعند اس��تحواذه عليها يلدغها ،حينها لن جتد َم ْن يشفق عليك لدرجة أنه ينتابك الشعور بالغضب وتهلك نفسك بيدك .فالشر فى الدنيا سببه الغضب” . أما األيل فقال ” :إن الش��ر الذى يس��ود العامل ال يكمن فى الغضب ،أو فى احلب ، 35
قصص وحكايات للبنين والبنات
أو فى اجلوع ،إمنا الشر يكمن فى اخلوف .فإن مل يكن هناك ما خييفنا فإن كل ش��يء س��يكون على ما يرام .فنحن معشر األيائل لدينا س��يقان سريعة للركض ٍ بعيدا ً ً خوفا بق��وة هائلة .نس��تطيع أن نصد هجوم أى حيوان صغري ذى ق��رون ونهرب من احليوان املفرتس . ً حق��ا فمن املس��تحيل أن ال ختاف .فبمجرد أن تس��مع خشخش��ة أغصان الش��جر فى الغابة ،وحفيف أوراقها س��رعان ما ينتاب كل جس��مك قشعريرة وترتعش من اخل��وف ،وخيف��ق القلب وكأن��ه يريد أن يقفز ويط�ير بكل ما أوتى م��ن قوة وما تبقى له من أنفاس . فت��ارة س��تجد هناك األرن��ب يركض بس��رعة وينتقل من م��كان إىل مكان ، وتارة أخرى س��يضطرب الطري ويرفرف جبناحيه ع َّدة مرات ويرتعد ً ً وأحيانا خوفا ، ِ ً ً ً سينكس��رالغصن الياب��س ،ووقتها س��تعتقد أن حيوانا مفرتس��ا يش��ن هجوما على حيوان آخر . ً ً فس��تجد حيوانا يركض ً هربا خوفا من الكلب ،وس��يهاجم حيوان مفرتس آخر ً ً ً مندفعا وال مس��رعا إنس��انا .وفى أغلب األحيان سيس��اورك الش��عور باخلوف وجترى تعلم إىل أين ؟ ولكنك س�تركض بكل ما لديك من قوة وس��تنهار وتس��قط عند أول منح��در حاد يقابلك وتكاد متوت من اخلوف .وحينها س��تنام وأنت فاتح إحدى عينيك وتغمض العني األخرى وستس��مع ما يدور حولك وأنت خائف ،ألنه ال يس��ود األمن واألمان .فالشر يرجع إىل الشعور باخلوف ” . عندئذ قال الناسك : ال ليس الش��ر من اجلوع ،وال بس��بب احل��ب ،وال مصدره الغض��ب ،وال يرجع إىلاخل��وف ،ولك��ن الس��بب فى كل ما يس��اورنا م��ن عذاب ه��و من النفس البش��رية . فاإلنسان هو الذى ُي ِّ سب ُب اجلوع ،واحلب ،والغضب ،واخلوف .
36
من زمن فات -الجزء األول
الرفيقان س��ـــار رفيقـان فى الغــابة، وفجأة قفز أمامهما دب .اندفع أحدهم��ا جي��رى بس��رعة وتس��لق ش��جرة حتى اختفى ً ً بعي��دا ع��ن ال��دب ،أما متام��ا ً وحيدا فى الرفي��ق اآلخر وقف عرض الطري��ق ومل يكن فى وسعه عمل شيء سوى أنه وقع عل��ى األرض وتظاه��ر بأن��ه قد مات . َ اقرتب الدب من الرجل وأخذ يتش��ممه ،ف��ى ه��ذه اللحظ��ة س��كن الرج��ل وتوق��ف ع��ن التنفس ً متاما . لك��ن ال��دب أخ��ذ يش��م وج��ه الرجل ،حتى اعتق��د أنه ميت ،فابتعد عنه وانصرف . َ عندما غاد َر ُ امل��كان ،نزل الرفيق األول من الدب أعلى الشجرة وهو يسأل الرفيق الثانى : ً ً حسنا ،أخربنى مباذا همس الدب فى أذنك ؟ .فرد عليه قائال : ً لقد قال ىل الدب ،إن الناس الس��ييئن يفرون بعيدا عن أصدقائهم أثناء املخاطر ،َّ وإن الصديق املخلص ُيعرف وقت الشدائد .
37
قصص وحكايات للبنين والبنات
الغراب والثعلب اقتنص غراب قطعة م��ن اللح��م ث��م جل��س واس��تقر عل��ى أعل��ى الش��جرة ليأكله��ا .إال أن ثعل ًب��ا أراد أن حيصل عل��ى قطعة م��ن اللحم َ فاقرتب من ليقتات بها ، الشجرة يقول للغراب : آه ،أيه��ا الغ��راب،كلم��ا أنظ��ر إلي��ك ، وإىل مج��ال قوام��ك ، وبه��اء طلعتك فأرى أنك البد وأن تصـبح ً ملكا فقط! وبأمانة لن يشفع ل��ك ف��ى أن تك��ون ً ملكا إال إذا أمسعتنى صوتك اجلميل . انده��ش الغ��راب من كلم��ات امل��دح ه��ذه وأراد أن يربه��ن عل��ى ه��ذا وفت��ح فم��ه وب��دأ يصي��ح بكل ما لديه من قوة فس��قطت قطعة اللحم من فم��ه ،وعلى الفور التقطها ً ساخرا : الثعلب والتهمها وقال للغراب ملكا إذا امتلكت عقلاً آه ،أيها الغراب ،رمبا تصبح ًً راجحا . 38
من زمن فات -الجزء األول
األسد والفأر كان هناك أسد ينام فى الغابة .ثم أحس بأن فأ ًرا جيرى حول جسده ،فاستيقظ ً قائال على الفور وأمس��ك بالفأر .أخذ الفأر يتوس��ل إىل األس��د بأن يرتكه وش��أنه ، ً معروفا “ .وهنا بدأ لألس��د “ :إذا أطلقت س��راحى ،فسيأتى وقت سوف أس��دى فيه لك ً ً ً س��اخرا منه ،غري متوقع بأن الفأر قد يس��دى ل��ه معروفا يوما ما، األس��د فى الضحك فأطلق سراحه . بع��د فرتة من الوقت أمس��ك الصيادون باألس��د وقيدوه باحلبال حول الش��جرة . مسع الفأر زئري األس��د ،فأسرع إىل هناك وأخذ يقرض احلبل وهو يقول لألسد “ :هل ً معروفا ،واآلن كما ترى ، تتذكر ،عندما اعتقدت بأننى ال أس��تطيع أن أس��دى لك ً ً معروفا مللك الغابة القوى .حقا يضع من املمكن وأن يسدى الفأر الضعيف الضئيل سره فى أضعف خلقه ” .
39
قصص وحكايات للبنين والبنات
البعوضة واألسد ح��دث أن كانت هن��اك بعوضة تطري حول أسد ،وفجأة قالت له : ه��ل تعـتق��د أن لدي��ك ق��وة تفوققوت��ى ؟ وإذا كان األمركذل��ك فس��أبرهن ل��ك عك��س م��ا تظ��ن ! فأنا أع��رف أى ق��وة متتلك ! فأنت تس��تطيع أن ختدش مبخالبك ،وتفرتس بأس��نانك ومت��زق بأنياب��ك ،وأن تتص��رف كم��ا تفع��ل النس��اء م��ع أزواجه��ن عندم��ا تتش��ــاجرن معهم .فلتعلم بأننى أقوى من��ك ،ف��إن أردت أن تقاتلن��ى ،فهيا إىل املنازلة ! حترك��ت البعوض��ة وأخ��ذت ت��زن وتل��دغ خدى األس��د اخلاليني من الش��عر وك��ذا أنفه ،مما أدى إىل أن األس��د أخذ يض��رب وجهه بكفي��ه وميزق جس��ده ً قطوعا تدف��ق منها مبخالب��ه مما أح��دث الدم على كل وجهه حتى خارت قواه . س��عدت البعوضة مبا فعلته وواصلت طريانها .وفج��أة تعثرت البعوضة خبيوط عنكبوتية ،وأخ��ذ العنكبوت ميتص دمها .عندئذ قالت البعوضة فى نفسها : اس��تطعت أن أنتص��ر عل��ى األس��د -احلي��وان املفرتس وها أنا ألق��ى حتفى من عنكبوت دنئ . 40
من زمن فات -الجزء األول
الذئب والسيدة العجوز كان الذئ��ب اجلوع��ان يبحث عن فريس��ة ل��ه .و أثناء جتوله فى أط��راف القرية مسع ً صبيا يبكى فى الدار و تقول له جدته العجوز : إذا مل تكف عن البكاء سوف أعطيك للذئب .هن��ا توقف الذئب عن الس�ير وانتظر الذئب حتى يقدموا ل��ه الصبى .وعندما َحلَّ الليل مسع الذئب اجلدة العجوز مرة أخرى تردد وتقول : تبك يا صغريى ،فلن أعطيك للذئب ،ومبجرد أن حيضر الذئب إىل هنا فس��وف ال ِنقضى عليه ونقتله ً معا. عندئذ أخذ الذئب يفكر ويقول فى نفسه : ً ً ً ً ش��يئا ،وتفعل ش��يئا آخر ،وعلى الفور َّ سريعا بعيدا فر يبدو أن الناس هنا تقولخارج القرية .
41
قصص وحكايات للبنين والبنات
الوزير عبداهلل كان ل��دى أح��د قياصرة الفرس وزير خملص أمني يدع��ى “عبداهلل” .وذات مرة ً مجوعا من أفراد الش��عب قب��ل ذهاب��ه ملقابلة القيصر ط��اف أرجاء اململك��ة فوجد يقوم��ون مبظاه��رات مترد ضد القيصر وحكمه ،وم��ا أن رأوا الوزير جتمعوا حوله وأوقفوا جواده وأخذوا فى تهديدهم له متوعدينه بالقتل إذا مل حيقق هلم مطالبهم، وجتاسر أحد األشخاص بأن جذبه من حليته وأخذ يشده منها . وبعد أن أخلت مجوع الش��عب س��بيل الوزير ،ذهب الوزير مباشرة إىل القيصر متوسلاً إياه بضرورة مساعدة رعيته ،وأال يعاقب الذى أساء إليه . وفى صباح اليوم التاىل حضر إىل الوزير أحد أصحاب احملالت .هنا سأله الوزير عن سبب حضوره ومبا يستطيع مساعدته .فقال له صاحب الدكان : “ جئت إليكم ألخربكم عن ذلك الرجل الذى أس��اء إليكم باألمس .فأنا أعرفه – إنه يس��كـن جبـوارى ،ويدعـى “ناجـيم” ،عليك بأن ترس��ل إليه وتس��تدعيه وتعاقبه ! ” وبع��د أن مس��ح الوزي��ر لصاح��ب الدكان باالنصراف ،أرس��ل إلحضار الس��يد الذى يدعى “ناجيم” .عندئذ مخ��ن “ناجي��م” أن البعض ق��د أبلغوا ً فع�لا إىل الوزير ،وهو ما عنه ،وذهب ب�ين احلياة واملوت ،حتى س��قط على الفور عند قدمى الوزير متوسلاً إياه . غري أن الوزير َم َّد إليه يداه وأنهضه ً قائال له : “ إننى مل اس��ـتدعك كـى أعـاقبك ،وإمنا أرس��لت فى طلب��ك ألقول لك بأن جارك شخص واش وغري أمني .لقد أبلغ عنك ،فاحرتس منه .اذهب وليحفظك اهلل . 42
من زمن فات -الجزء األول
األسقف واللص من��ذ فرتة طويل��ة والش��رطة تبحث ع��ن ل��ص بعين��ه .وذات م��رة تنك��ر الل��ص فى لب��اس آخر وج��اء ليعيـش فى املدين��ة .إال أن الش��رطة تعرف��ت عليه وأخ��ذت تطارده وتتبع��ه .بيد أن اللص اس��تطاع أن يه��رب م��ن الش��رطة حتى وص��ل إىل األس��قفية ،حي��ث كان��ت أبوابه��ا مفتوحـ��ة ،وعلى الفـ��ور دخل إىل الفناء ،وهنا استوقفه الراهب وسأله : ماذا تريد؟مل يعرف اللص مباذا جييب ،ولكنه قال بطريقة عشوائية : إنى فى حاجة إىل رؤية األسقف .استقبل األسقف اللص وسأله : فى أى األمور جئت ّإىل كى تسألنى ؟ فأجاب اللص : أنا لص ،والشرطة تطاردنى ،أخفنى وإن مل تفعل سوف أقتلك” .قال األسقف : إنى رجل عجوز ،وال أهاب املوت ،ولكنى أشفق عليك .اصعد إىل الغرفة العلياً ً قلي�لا من الطعام قليال ،وس��وف أحضر لك لألس��قفية ،يب��دو أنك متعب فلتس�ترح تقتات منه . مل يتجاس��ر رج��ال الش��رطة أن يقتحموا دار األس��قف ،حيث مك��ث اللص لدى األسقف لقضاء ليلته . ً عندما أخلد اللص ألخذ قليال من الراحة ،حضر األسقف إليه وقال له : 43
قصص وحكايات للبنين والبنات
إننى أش��فق عليك ،وأنت تعانى من اجلو البارد ،والش��رطة تطاردك كما تطاردً كثريا من األعمال الش��ريرة وأنت الذئ��ب ،ولك��ن أكثر ما يأملنى فى أن��ك اقرتفت بيدك تدمر نفسك .فلتكف عن كل تلك األعمال السيئة . قال اللص: ال ،مل أس��تطع اإلق�لاع أو الك��ف عن األعمال الش��ريرة هذه .فقد عش��ت طوالحياتى ً لصا ،وهكذا سأموت . ترك األسقف اللص ،وقام بفتح مجيع األبواب وذهب لينام . ً أخ��ذ الل��ص طوال الليل��ة يتجول ً ، وإيابا بالغرف��ة العليا لألس��قفية .وقد ذهاب��ا أصابت��ه الدهش��ة عندما الحظ أن األس��قف مل يوصد األبواب باملفت��اح ،بل تركها مجيعها مفتوحة على مصراعيها . وأخريا رأى مشعداناً ً أخذ اللص يتلفت حوله ،ويفكر فيما س��يقوم بس��رقته ، ً كبريا من الفضة ،وأمعن فى التفكري ،وأخذ يقول فى نفسه :
س��وف أستوىل على هذا الشيء – فهو يساوى الكثري من املال -وسأخرج من هنادون أن يشعر بى أحد ،أما فيما خيص األسقف فلن أقتله” – .وهذا ما مت ً فعال . ً بعيدا عن دار األس��قف ،إذ كان��وا يتابعون ويراقبون مل يتحرك رجال الش��رطة الل��ص ط��وال الوقت .ومبجرد أن خ��رج اللص من األس��قفية حاص��روه وألقوا القبض عليه ،وعند تفتيشه وجدوا حتت طرف ثيابه الشمعدان . أخذ اللص فى إنكار ما سرقه ،ولكن رجال الشرطة قالوا له : إن كنت تستطيع أن تنكر أعمالك التى قمت بها فى السابق ،فإنك لن تستطيعأن تنكر س��ـرقتك للش��ـمعدان .اآلن فلنذهـب ً معا إىل األسقف ليقر عليك جرمية السرقة . عندئ��ذ ق��ادوا رج��ال الش��رطة اللص إىل األس��قف ،وعرضوا عليه الش��معدان وسألوه : هل الشمعدان هذا خيص نيافتكم ؟ ” . فأجاب يقول : نعم خيصنى .قال رجال الشرطة : لقد مت سرقة هذا الشمعدان من نيافتكم ،وها هو اللص .44
من زمن فات -الجزء األول
صمت اللص ،وأصبحت عيناه شاردتني كعيون الذئب . مل ينطق األسقف بكلمة واحدة ،وسارع على الفور إىل الغرفة العليا لألسقفية وأخذ من هناك قاعدة الشمعدان ،وأعطاها إىل اللص قائلاً له : ً واحدا من الش��ـمعدان .وه��ا أنا أقدم ل��ك اجلـزأين مل��اذا أخ��ذت فقط جـ��ز ًءاهـدية لك . أجهش اللص فى البكاء وقال لرجال الشرطة : أنا لص وقاطع طريق ،اقبضوا على! وخذونى حيث شئتم .ثم َو َّجه كالمه لألسقف بعد ذلك قائلاً : ساحمنى من أجل السيد املسيح ( عليه السالم ) ُ ،وادع اهلل أن يغفر ىل .
45
قصص وحكايات للبنين والبنات
َّ الكذاب كان صب��ى يرعى الغنم ف��ى املرعى الرحب وهي��أ له أنه رأى ذئ ًب��ا ،فأخذ يصرخ وينادى ” :ساعدونى ،أنقذونى هنا ذئب ! هنا ذئب ! ” . أس��رع إلي��ه الفالحون م��ن كل صوب وح��دب ثم أدرك��وا كذب الصب��ى وأنه َ اعت��اد الصبى تكرار ه��ذا الفعل عدة مرات ،ولك��ن ذات مرة حدث وأن خيدعه��م . هامجه الذئب بالفعل . فأخ��ذ الصبى يصرخ “ :اهرعوا إىل هنا بس��رعة ،إىل هنا ،انقذون��ى من الذئب ! ”. اعتق��د الفالحون أن الصبى خيدعهم مرة أخرى كما حدث فى املرات الس��ابقة فلم يس��تجيبوا ل��ه ،وملا رأى الذئب أنه ليس هناك من خييف��ه ،انطلق إىل املكان الرحب حيث قطيع األغنام وأخذ يفتك به .
46
من زمن فات -الجزء األول
الحظ ج��اء مج��ع من الن��اس إىل إح��دى ُ اجلـ��زر التى توج��د به��ا العديد م��ن األحجار الكرمية . أخذ اجلميع يبحثون عن تلك األحجار الكرمية ألخذ املزيد منها ،فلم يأكلوا ً إال ً قلي�لا ،ومل ينام��وا ً قليال ،وواصل اجلميع العمل للعث��ور على املزيد من أيض��ا إال ه��ذه األحج��ار الكرمية ، ً ً واحدا فقط ، ش��خصا إال أن ً مل يفعل ش��يئا ،وجلس فى مكان��ه وأكل ،وش��رب ، ونام . عندم��ا جتم��ع الن��اس للع��ودة إىل ديارهم أيقظوا ه��ذا الش��خص وقال��وا ل��ه : “م��اذا س��تحمل إىل دارك عند عودت��ك ؟ ” فما كان من الرج��ل أن التقط حفنة من الرتاب م��ن حتت قدميه ووضعها فى حقيبته . عندما عاد هذا اجلمع م��ن الن��اس إىل دياره��م ، أمس��ك هذا الرجل حقيبته وأخ��رج منها حفن��ة الرتاب م��ن أرض اجلزي��رة ،فوجد نفيسا أغلى ً ً ً ثـمنا من حجرا بقي��ة األحج��ار الكرمية التى مت مجعوها كلهم . 47
قصص وحكايات للبنين والبنات
القاضي العادل قاض أراد األم�ير “ب��وكاس” أن يتع��رف على حقيقة م��ا يردده الناس ع��ن وجود ٍ ع��ادل فى إح��دى مدن مملكته ،لديه الق��درة على معرفة احلقيق��ة على الفور ، وال يس��تطيع أى غش��اش أن يهرب من قصاصه ،فتنكر األمري فى زى تاجر وامتطى حصانه واجته حنو املدينه ،حيث يعيش القاضى . عندما وصل “بوكاس” عند مش��ارف املدينة اقرتب منه ش��حاذ أعرج وطلب منه فتصدق عليه وأراد أن يواصل رحلته ً ً إال أن الشحاذ تشبت برداء األمري . صدقة ، فساله األمري “بوكاس” : ماذا تريد ؟ أمل أعطيك الصدقة ؟أجاب األعرج : ً نعم لقد تصدقت َّعلى ،لكننى أطلب منك أن تقدم ىل معروفا بأن أركب معك احلصان وتقوم بتوصيلى حتى امليدان فإنى أخشى أن تداهمنى اجلمال واجلياد . مس��ح “بوكاس” للش��حاذ األع��رج أن يركب خلف��ه ،وما أن وص�لا إىل امليدان ، رفض الشحاذ أن ينزل عن ظهر اجلواد . وقال له “بوكاس”: مل أنت جالس؟ فلتنزل ...لقد وصلنا .ً َّقائال : رد الشحاذ عليه انزل ؟ انزل ملاذا ؟ إن هذا حصانى ...وإذا مل تعطنى إياه باحلس��نى فلنذهب إىلالقاضى ً . جتمع حشد من الناس حوهلما ومسعوا عما يتشاجران ،فصاحوا : ً هيا اذهبا إىل القاضى ،فهو الذى سيحكم بينكما . ذهب “بوكاس” مع الش��حاذ األعرج إىل القاضى ،وكان فى احملكمة حشد من الن��اس .نادى القاض��ى على الذين جـ��اءوا للفصـل فى قضاياهم كل حس��ب دوره . وقب��ل أن حيني دور “ب��وكاس” أمام القاضى ُ ،نودى على رجل م��ن رجال العلم وأحد الفالح�ين إذ ًادع��ى كل منهما أن املرأة التى تقف معهما أم��ام القاضى هى زوجته ، 48
من زمن فات -الجزء األول
ق��ال الف�لاح َّ إن هذه امل��رأة – زوجتى ،فى الوقت الذى يقول في��ه العامل إنها زوجته هو ً قليال ثم قال : اآلخر ...فاستمع القاضى وصمت ً اتركا املرأة عندى فى احملكمة ،أما بالنسبة لكما ،فاحضرا غدا .وعندم��ا غ��ادر العامل والف�لاح قاعة احملكمة حض��ر جزار وبائع زي��ت .كانت مالب��س اجل��زار ملوثة بال��دم ،أما بائع الزيت فمالبس��ه مبتلة بالزي��ت .وكان بائع الزيت ً قابضا بيديه على يد اجلزار التى بها بعض النقود . قال اجلزار : ً لق��د اش�تريت من هذا الش��خص بعض��ا من الزي��ت ،وحينها أخرج��ت من جيبىحافظ��ة النق��ود ألدفع له ثـمن الزيت ،إال أنه أمس��ك بي��دى وأراد أن خيطف كل ما معى من نقود فأتينا إليك أمسك حافظة نقودى فى يدى ،لكنى أؤكد لك أن هذه النقود نقودى ،أما هو فيقبض على يدى ،فهو لص . وهنا قال بائع الزيت : َّ هذا غري صحيح .لقد حضر إىل “ اجلزار لشراء بعض الزيت ،وعندما كنت أمألله قس��ط الزي��ت ،طلب منى أن أفك له بع��ض النقود .فأحضرت ل��ه النقود ووضعتها على املنضدة فأخذها وأراد أن يهرب بها فأمسكت بيده وأحضرته إىل هنا . صمت القاضى ثم قال : ً اتركا النقود هنا واحضرا غدا . جاء دور “بوكاس” والشحاذ األعرج أمام القاضى ،فحكى “بوكاس” عما حدث وأنصت إليه القاضى ،الذى طلب من الشحاذ األعرج أن يدىل بأقواله . فقال الشحاذ : ً ممتطيا ج��وادى ،بينما ه��ذا ليس بصحيح .كن��ت فى طريق��ى إىل املدينةكان ه��و جالس على األرض فطلب من��ى أن أقوم بتوصيله إىل املدينة فركب معى عل��ى ظهر اجلواد وأوصلته حي��ث كان يريد ،لكنه رفض أن ينزل عن ظهر اجلواد وقال إن هذا جواده ،وهذا كذب . فكر القاضى وقال هلما : اتركا اجلواد هنا واحضرا ًغدا . فى اليوم التاىل حضر حشد من الناس لالستماع إىل أحكام القاضى . وملا جاء دور التاجر والشحاذ قال : 49
قصص وحكايات للبنين والبنات
القاض��ى للتاج��ر ( ال��ذى ه��و األمري ً متخفيا ) . إن��ه جوادك .خذه .أما الش��حاذاألعرج فيضرب بالعصا مخسني مرة . والحظ القاضى وهو فى طريقه إىل منزل��ه بعد احملاكم��ة أن “بوكاس” كان يتتبع��ه ،فن��ادى القاضى عليه وسأله : م��اذا ب��ك ؟ أمل ترض بق��رارى الذىاختذته ؟ قال بوكاس : ال ،إنن��ى راض ...ولكنن��ى أود أنأع��رف كيف اس��تطعت أن جت��زم بأن املرأة ه��ى زوجة العامل وليس��ت زوجة الف�لاح ،وأن النق��ود خت��ص اجل��زار وليس��ت نقود بائع الزي��ت ،وأن اجلواد جوادى وليس جواد الشحاذ األعرج ؟ قال القاضى : بالنس��بة للم��رأة فق��د دعوته��ا فىالصب��اح وطلبت منها أن تس��كب احلرب فى احملربة فقام��ت بتنظيف احملربة ثم صبت احلرب فيها بسرعة وحبنكة ،فاتضح ىل أنها تعودت على أن تفعل هذا الشيء ،وأن ه��ذا العمل لي��س بغريب عليها ،فإن كانت هى زوجة الفالح ما اس��تطاعت أن تقوم بهذه املهمة ،وبنا ًء على ذلك يكون العامل على حق .أما بالنسبة للنقود فقد عرفت حقيقتها على النحو اآلتي : باألم��س وضع��ت النقود فى ك��وب من املاء وأمعن��ت النظر فى امل��اء للتأكد من ظه��ور زيت على س��طح املاء .ف��إذا كانت ه��ذه النقود ختص بائع الزي��ت فالبد وأن تكون بها آثار من يد البائع .لكنه مل يظهر على سطح املاء أى أثر للزيت ،ولذلك فاجل��زار عل��ى حق ف��ى دعواه .أم��ا موض��وع اجلواد ف��كان أكثر صعوب��ة .فقد ً َّ جوادا .فأنا تعرف الش��حاذ األعرج كما تعرفت أنت على اجلواد من بني العش��رين مل أصطحبكما إىل إس��طبل اخلي��ل لتتعرفا على اجلواد ،وإمن��ا على من منكما 50
من زمن فات -الجزء األول
س��يتعرف اجلوادعلي��ه .فعندما اقرتبت أنت م��ن اجلواد حتى تلفت برأس��ه ومدها حنوك وحينما ملس��ه األع��رج بيده ،تضايق اجلواد ورفع رجل��ه عن األرض ،وبذلك عرفت صاحب اجلواد احلقيقى . عندئذ قال “بوكاس” للقاضى : إن��ى لس��ت بتاجر ،وإمنا أنا األم�ير بوكاس وقد جئت إىل هن��ا ألعرف حقيقة ما قاض عادل .فلتطلب ما تش��اء وس��ألبيه لك على يق��ال عنك وتأكدت بنفس��ى بأنك ٍ الفور . وهنا قال القاضى : إن��ى لس��ت ف��ى حاج��ة إىل عطاي��ا .فأنا س��عيد ب��أن األم�ير حتقق م��ن عدالتىوامتدحـنى ،وهذا شرف عظيم ىل .
51
قصص وحكايات للبنين والبنات
القيصر والصقر ً ممتطي��ا حصانه ،وق��د أطلق صق��ره احملبب له خ��رج القيص��ر فى رحل��ة صيد خل��ف أرنب برى .س��رعان م��ا حلق الصقر باألرنب وأمس��ك به .انت��زع القيصر األرنب ً وأخريا عثر على مصدر من خمالب الصقر .أخذ القيصر يبحث عن ماء ليس��د ظمأه م��ن املاء عند ربوة عالية ،حيث يتس��اقط منها املاء قط��رة تلو القطرة .عندئذ أحضر ً كأسا من سرج احلصان ووضعه حتت مصدر املاء الذى كان يتساقط قطرة القيصر تلو األخرى .وعندما امتأل الكـأس إىل حـافته ،أخذ القيصر يرفع الكأس إىل فمه كى يش��رب ،إال أن الصقر قد انتفض فج��أة م��ن عل��ى ي��د القيص��ر وض��رب جبناحيه يد القيصر ،فانس��كب املاء ً بعيدا . من الكأس وم��رة أخرى وض��ع القيصر الكأس ً طويال حتى عن��د مصدر امل��اء وانتظ��ر جتمع امل��اء وامت�لأ عن آخ��ره .وعندما رف��ع القيصر الكأس إىل فمه ليش��رب من��ه أخ��ذ الصق��ر يرف��رف جبناحي��ه حتى سكب املاء مرة أخرى . وللمرة الثالثة عندما جتمع املاء فى ال��كأس الذى ما كاد ُيلمس ش��فتيه حتى سكب الصقر املاء . ً شديدا هذا ما أغضب القيصر غض ًبا ورم��ى الصقر ب��كل ما لدي��ه من قوة حبجر فقتله على الفور . فى تلك اللحظة اقرتب خدم القيصر منه ،وركض أحدهم إىل أعلى الربوة 52
من زمن فات -الجزء األول
حي��ث يوج��د منبع امل��اء كى جيد م��ا ًء ً وفريا وبس��رعة ميأل ال��كأس ويأتى به إىل خاليا ً ً متاما وقال : القيصر ،لكن اخلادم مل حيضر الكأس وبه ماء ،بل عاد به موالى ،هذا املاء من املستحيل أن تشرب منه ،ألن هناك أفعى سامة قد أطلقتمسها فيه ،وقد أحسن الصقر التصرف بسكبه املاء .فإذا كنت قد شربت منه كنت قد لقيت حتفك ً حتما . وهنا قال القيصر : -يا إهلى لقد أسأت إىل الصقر :إذ أنقذ حياتى ،أما أنا فقد قتلته .
53
قصص وحكايات للبنين والبنات
القيصر والقميص ً قائال : عندما مرض أحد القياصرة أعلن للجميع سوف أمنح نصف مملكتى ملن يداوينى .ً مجيعا وأخ��ذوا يبحثون فيما بينهم كيف ميكن عالج عندئ��ذ اجتمع األطباء القيصر ؟ ومل يتوصلوا إىل رأى سديد ،إال أن أحد األطباء قال إنه يستطيع أن يداوى القيصر وقال : ـ إذا عثرنا على ش��خص سعيد فى حيات��ه وخلعن��ا قميص��ه م��ن عليه وألبسناه للقيصر فسوف يشفى على الفور . أرس��ل القيصر أتباعه للبحث عن ه��ذا الش��خص الس��عيد ف��ى مجي��ع أحن��اء اململك��ة ،وجـاب��وا كل م��كان فيه��ا ،ولكنه��م مل يعث��روا على إنسان واحد سعيد .فلم يكن هن��اك من ه��و راض عن كل ش��يء . فإذا عثروا على ش��خص غنى وجدوه ً مريض��ا ،وإن كان هناك من بصحة جي��دة فإن��ه فق�ير ،وإن كان هناك ً ومعاف��ى ف��إن زوجت��ه ام��رأة غن��ى معيبة أو أن س��لوك أوالده غري طيب .كان اجلميع يشكو من شيء ما . ف��ى وق��ت متأخر م��ن الليل كان اب��ن القيصر يس�ير بالق��رب من أحد الفالح�ين البس��طاء وإذا ب��ه يس��مع 54
من زمن فات -الجزء األول
ً شخصا يقول: احلم��د هلل لق��د عملت مبا فيه الكفاية ،وأكلت حتى ش��بعت ،واآلن س��وفأذهب لفراشى ألنام ،ماذا أريد من الدنيا أكثر من هذا ؟ وهنا فرح ُ ابن القيصر وأمر أن يحُ ضروا قميص هذا الش��خص الس��عيد وأن مينحوه كل ما يطلب من أموال ،ويأتوا بالقميص إىل والده القيصر .وعلى الفور ذهب أتباع القيصر إىل هذا الفالح الس��عيد وحاولوا احلصول على قميصه لكن هذا الش��خص فقريا ً السعيد كان ً جدا لدرجة أنه مل يكن لديه قميص .
55
قصص وحكايات للبنين والبنات
القيصر بطرس األول والفالح البسيط ذات مرة التقى بطرس األول فى الغابة بفالح عجوز كان يقطع احلطب . قال القيصر : كان اهلل فى عونك أيها الفالح ! رد الفالح : ًحقا إنى فى حاجة ماسة إىل عون اهلل . سأله القيصر : هل لديك أسرة كبرية ؟فرد عليه الفالح : عندى ولدان وبنتان . أعان��ك اهلل عل��ى تربيته��م لكن ليس عدد أس��رتك بالكث�ير .أين تصرفنقودك إذن ؟ ً رد الفالح قائال : إنى أصرفها فى ثالثة أغراض .اجلزء األول أدفعه ًردا للدين ،اجلزء الثانى أقدمه ً دينا ،واجلزء الثالث ألقى به فى املاء . َّ فك َر القيصر فى رد الفالح ،ومل يدرك ما يعنيه الفالح العجوز برد الدين وتقديم الدين وإلقاء اجلزء الثالث فى املاء . وسرعان ما قال الفالح العجوز للقيصر : ُ أرد الدي��ن يعنى أطعم أبى وأمى .وأقدم الدين يعنى أطعم أوالدى ،أما ما ألقيهفى املاء يعنى أنى ُأربى يَّ ابنت ثم تتزوجان بعد ذلك وتذهبان عنى . قال القيصر : يال��ك من عج��وز ذك��ى ..اآلن أطلب منك أن تس��اعدنى وتدلنى عل��ى الطريقللخروج من الغابة إىل الطريق العام ألني مل أستطع مبفردى أن أجده . 56
من زمن فات -الجزء األول
قال الفالح : س��تجد الطري��ق بنفس��ك .اس��لك هذا الطريق عل��ى طول ، ثم انعط��ف ً ميينا ثم يس��ا ًرا مرة أخرى إىل اليمني . قال القيصر : ه��ذا الوص��ف ال أفهمه ،إنىأطلب منك أن ترافقنى اآلن . قال الفالح : ليـ��س ل��دى وقـ��ت ألذهـ��بً جي��دا ي��ا مع��ك .فأن��ت تعل��م ً س��يدى أن ً يوما واحدا فى حياة الفالح له ثـمن كبري . ً حس��نا .إذا كان الي��وم ف��ى حياتك غاىل الثمن فسأدفع لك . إذا كنت ستدفع َ ،فهيا بنا . ً س��ويا العربة وانطلقا ركبا ً معا فى طريقهما . أخذ القيصر يسأل الفالح : أمل تس��افر إىل م��كان آخرً بعيدا غري قريتك؟ يا صديقى ً رد عليه الفالح قائال : سافرت إىل أماكن قليلة .قال القيصر : هل رأيت القيصر من قبل ؟ً قائال : رد عليه الفالح مل أر القيصر قط ،ولكن يا حبذا لو رأيته .ً حسنا مبجرد أن خترج إىل الطريق سوف ترى القيصر . 57
قصص وحكايات للبنين والبنات
ً َّ قائال : رد عليه الفالح وكيف أعرفه وأنا مل أره من قبل ؟قال القيصر : س��يكون اجلميع ب��دون قبعات ،أما القيصر فس��يكون الوحي��د الذي يرتديالقبعة . وه��ا هم��ا قد وص�لا إىل الطري��ق ،عندم��ا رأى الناس القيص��ر خلعوا عل��ى الفور قبعاتهم من على رءوس��هم .فأخذ الفالح حي��دق بعينيه لكى يري القيصر ولكنه مل َ ير القيصر . ثم سأل الفالح القيصر : أين القيصر إذن ؟قال له بيوتر اليكسيفتش ( بطرس األول ) : ً أح��دا ال يضع على رأس��ه قبعة غرينا أنا وأن��ت ،إذن البد وأن يكون أال ت��رى أنأحدنا هو القيصر . هن��ا أيق��ن الف�لاح أن الذى مع��ه هو القيصر فس��لم علي��ه حبرارة وش��كره على ً كيسا من النقود وأعطاه تواضعه وتفقده أحوال الرعية ،و أخرج القيصر من جيبه للفالح العجـوز لطيبته ،واهتمامه الشديد بعمله ،وحبه ألسرته ثم مضى القيصر فى طريقه .
58
من زمن فات -الجزء األول
نواة الربقوق ً بعضا من ثـمرات الربقوق لتقدميها ألبنائها بعد وجبة الغذاء .ووضعت اشرتت األم الربقوق فى طبق .مل يكن ابنها “فانيا” قد ذاق الربقوق من قبل فأخذ يتش��ممه وقد ً أعجب��ه للغاية واش��تاق لتذوق��ه ،ولذا أخذ ي��روح ً وإيابا أمام طب��ق الربقوق . ذهاب��ا وعندم��ا الح��ظ “فانيا” أنه ال يوجد ف��ى غرفة الطعام ٌ أحد غريه ،مل يتمالك نفس��ه والتقط ثـمرة برقوق من الطبق والتهمها بس��رعة .وقبيل تناول الغداء قامت األم ِب َع ِّد ثـمرات الربقوق فوجدتها قد نقصت واحدة ،فحكت لألب عما حدث . وعندما جلس اجلميع إىل مائدة الطعام قال األب : أمل يأخذ أحد منكم ثـمرة برقوق من الطبق وأكلها ؟فقال اجلميع: ال .ً َّ امحر وجه “فانيا” خجال وقال : وهنا ال ،أنا مل آكل ثـمرة الربقوق هذه .عندئذ قال األب : إذا كان أح��د منك��م قد أكل ثـمرة الربقوق هذه فهذا ش��ي ٌء غري طيب ،وهذهليس��ت مش��كلة فى حد ذاتها ،أما املش��كلة اخلطرية هنا تكمن ف��ى أن بداخل الربقوق نوى ،فإذا مل يكن على معرفة جيدة بذلك وابتلع النواة ،فإنه سيموت بعد أن يأكلها بيوم واحد ،وهذا ما أخشاه . وهنا شحب وجه “فانيا” وقال : ال ..لقد قذفت بالنواة من النافذة .وضحك اجلميع ،أما “فانيا” فقد أخذ يبكى .
59
قصص وحكايات للبنين والبنات
الجد العجوز والحفيد ً ّ كهال ال يستطيع السري على قدميه ،فقد تقد َم اجلد العجوز فى الس��ن ،وأصبح ضعف بصره ومسعه وسقطت كل أسنانه .وكان الطعام يتساقط من فمه حينما ي��أكل ،وهلذا الس��بب مل يس��مح ابنه وزوجة ابن��ه له باجللوس معهم��ا على مائدة ً بعيدا خلف الفرن . الطعام وبد ًءا يقدمان له الغذاء وذات م��رة أحض��را له الطع��ام فى طبق ،وحينم��ا حاول أن حي��رك الطبق ناحيته سقط منه وانكسر ،فأخذت زوجة االبن تنهر اجلد العجوز بقسوة ألنه كان يتلف هلما كل شيء فى املنزل حيث تقع األطباق من يده وتنكسر ،حتى إنها قررت بأنها س��وف تقدم له الطعام فى قصعة الغس��يل اخلشبية ،حتى ال يكسرها .مل يكن من العجوز سوى أن ّ َّ يتفوه بكلمة . تنهد ومل وذات م��رة جل��س الزوجان فى املن��زل يراقبان ابنهما “ميش��ا” ،الذى كان جيل��س على األرض ويلعب ببعض األلواح اخلشبية ،وكأنه يصنع ً شيئا ما ....فسأله األب : ميشا ،ماذا حتاول أن تصنع ؟فأجاب ميشا: إن��ى أصـن��ع قصـعة غس��ـيل من اخلش��ب .فعندم��ا تكربان أن��ت وأمى س��وف أضع لكما فيها الطعام . نظر الوال��د وزوجته كل منهم��ا إىل اآلخر ، ثم بكيا وش��عرا باخلجل ألنهما أس��اءا إىل اجلد العجوز . من��ذ تل��ك اللحظ��ة أجل��س الوال��د وزوجته اجلد معهم��ا على مائدة الطعام وب��د ًءا االهتمام واالعتناء به . 60
من زمن فات -الجزء األول
األسد والكلب كان��ت تقام فى مدينة لندن عروض للحيونات املفرتس��ة .وفى مقابل مش��اهدة ً تلك العروض كان املتفرجون يدفعون ً ً وقططا كالبا بعضا من النقود ،أو يقدمون كطعام هلذه احليونات . ً وذات مرة أراد ش��خص أن يشاهد عرضا هلذه احليونات املفرتسة ،فأمسك بكلب رآه فى الش��ارع ومحله حيث يقام العرض .مسح هلذا الرجل أن يش��اهد اس��تعراض احليونات ،أما الكلب قد ألقوا به فى قفص األسد كطعام لألسد . ضم الكلب ذيله إىل جس��ده وقبع فى ركن من أركان القفص ثم اقرتب األس��د من الكلب وأخذ يتشممه . رق��د الكلب على ظهره ورفع أرجله وأخذ يهز ذيله ،وهنا مس��ح األس��د الكلب بكف��ه األمام��ى ث��م تركه وش��أنه .قف��ز الكلب م��ن رقدت��ه ووقف عل��ى رجليه اخللفيت�ين أمام األس��د .نظر األس��د إىل الكل��ب .ثم بدأ يدير رأس��ه من ناحية إىل أخرى ومل ميس��ه بس��وء .وحني ألقى احلارس بقطعة من اللحم لألس��د ،قطع األسد جز ًءا منها وتركها للكلب . وف��ى املس��اء ،عندما رقد األس��د للنوم ج��اء الكلب ،ورقد بالق��رب منه وقد وضع رأسه على قدم األسد . ومنذ ذلك احلني عاش الكلب مع األس��د فى قفص واحد ،ومل ميسه األسد بأذى ، ً بل كانا يأكالن وينامان ً وكثريا ما كان األسد يداعب الكلب . معا ، وف��ى يوم ما جاء ش��خص إىل م��كان العرض ،واتضح أنه صاح��ب الكلب ،وقد تع��رف عل��ى كلب��ه وأفصح عن أن ه��ذا كلبه اخل��اص ،وطلب م��ن صاحب عرض احليون��ات أن يرده إلي��ه ،ومل ميانع صاحب العرض فى ذل��ك ،ولكن مبجرد أن نادوا على الكلب إلخراجه من القفص ،اشتعل األسد ً غيظا وبدأ يزأر ويثور . ً هك��ذا عاش األس��د والكلب ً كامال فى قف��ص واحد ،وبع��د ذلك مرض عام��ا الكلب ثم مات ،أما األسد فقد امتنع عن الطعام وأخذ يشم الكلب ويلعقه بلسانه ويتحسسه بكفه . 61
قصص وحكايات للبنين والبنات
عندما أدرك األس��د أن الكلب قد مات ،حزن بش��دة وراح يضرب جنبيه بذيله ، واندفع حنو سور القفص يعض األرض وترابيس القفص بأنيابه . ً حائرا فى القفص ويزجمر طول اليوم ثم رقد بالقرب من اخذ األسد يتخبط ويلف جثة الكلب وهدأ ،وحاول احلارس أن ينقل جثة الكلب ،لكن األس��د مل يسمح له باالقرتاب منها . اعتقد صاحب العرض أن األس��د س��وف ينس��ى حزنه إذا أحضروا له كل ًبا آخر ، فج��اءوا له بكلب أخر ّ حى وأدخلوه القف��ص ،ولكنه رفض وجوده معه واحتضن ً بأرجله جثة الكلب .وظل هكذا راقدا مدة مخس��ة أيام .وفى اليوم السادس مات األسد .
62
من زمن فات -الجزء األول
القطة الصغرية كان هناك ُغالم يدعى “فاس��يا” وله أخت امسها “كاتيا” ولديهما قطة صغرية عندم��ا َح َّل الربيع خرج��ت القطة ومل تعد إىل املنزل .حب��ث الطفالن عنها فى كل ْ ولكن مل يعثر عليها ٌ أحد . مكان ، وذات مرة بينما كانا يلعبان بالق��رب من ُ اجل��رن ،مسعا فوق رأس��يهما م��واء قط��ة خاف��ت . فصعد “فاس��يا” على الس��لم إىل س��طح ُ اجلرن ،أما “كاتيا” فقد وقفت مكانها وهى تسأل: هل وجدتها ؟ هل وجدتها ؟لكن “فاسيا” مل جيب عليها بشيء ...وفى نهاية األمر قال هلا ً صائحا: لق��د وجدتها ! لق��د عثرتعل��ى قطتن��ا ....ومعه��ا أبناؤها الصغ��ار ،يالـه��ا م��ن قـط��ة رائعـة اجلــم��ال ...تعـاىل هـنا وبسـرعة ... أس��رعت “كاتي��ا” إىل املنزل ً بعض��ا م��ن الل�بن وأحض��رت وجاءت إىل القطة . كان ع��دد القطط الصغرية مخس ..وحينما كربت بعض ً قليال عن الش��يء وب��دأت حتب��و 63
قصص وحكايات للبنين والبنات
امل��كان الذى قد ولدت فيه .اختار “فاس��يا وكاتيا” ً قطا م��ن القطط اخلمس رمادى الل��ون وذى أرجل بيضاء وأخذاه معهما إىل املن��زل .وافقت األم على بقاء هذا القط مع أبنائها وقامت بتوزيع األخري��ات .كان الطفالن يطعمان القط ويلعبان معه وينام معهما ً أيضا . وذات م��رة خ��رج الطفـالن “ فاس��ـيا وكـاتي��ا ” للعـب فى احلـق��ل ،وأخـذا القط معهم��ا .وف��ى الطري��ق دفع اهل��واء بالقش ال��ذى كان يلع��ب به والطفالن س��عيدان بقطهم��ا اللطي��ف .وأثناء الس�ير جذب الطفالن ق��رب الطريق بعض األزهار فأس��رعا جلمعها ونسيا ً متاما أمر قطهما . ً ً قائال : شخصا ما يتوجه حنوهما وهو يصرخ وفجأة مسعا انظر إىل اخللف ! انظر إىل اخللف !ً صيادا يعدو ويسبقه كـلبان يريدان أن ميسـكا بالقط. رأى “فاسيا” و “كاتيا” وقوس ظهـره وهو ينظر إىل الكـلبني ،بدالً ولكن القـط السـاذج قد وقف مكانه ّ م��ن اهل��رب منهما .وف��ى الوقت نفس��ه خافت “كاتي��ا” من الكلب�ين وأخذت تصرخ ً بعيدا عنهما .لكن أخاها “فاس��يا” جرى بس��رعة حنو الق��ط وحجبه عن ثم ج��رت الكلبني . ً أس��رع “الصياد” الذى كان ميتطى حصانه وأبعد كلبيه بعيدا ،أما “فاسيا” فقد محل القط وعاد به إىل املنزل َ ، وق َّر َر أال يأخذه معه إىل احلقل مرة أخرى .
64
من زمن فات -الجزء األول
البقرة كانت األرملة “ماريا” تعيش مع أمها هى وأطفاهلا الستة .وكانت حياتهم بائسة ولكنهم اش�تروا بكل ما لديهم من نقود بق��رة لونها بنى ،لكى تدر اللنب لألطفال كان األطفال الكبار يأخذون البقرة بورينوشكا إىل احلقل ليطعموها ويعطوها ً أيض��ا فض�لات طعام املنزل .ذات م��رة خرجت األم لقضاء حاجات املن��زل ،وإذا باالبن ً كوبا من الزجاج األكرب “ميش��ا” يصعد إىل الرف ليأخذ قطعة من اخلبز فأس��قط وكس��ره .خاف “ميش��ا” م��ن أن توخبه أمه ،فأخ��ذ جيمع قطع الزجاج املكس��ورة الكبرية ومحلها إىل احلظرية وأخفاها حيث ترقد بورينوشكا أما القطع الصغرية الباقية من الكوب فألقى بها فى برميل فضالت الطعام .اكتشفت األم أمر الكـوب املكس��ـور وأخذت تس��ـأل عمن فعل هذا ولكن “ميش��ا” َ التزم الصمت ،وبقى األمر على ما هو عليه . فى اليوم التاىل بعد أن تناولوا الغداء ذهبت األم إلعطاء البقرة بورينوشكا الطعام م��ن برمي��ل الفض�لات فالحظت أن البق��رة حزينة ال ت��أكل الطعام .ق��رر اجلميع معاجلة البقرة فاس��تدعوا العجوز التى تطبب حيوانات القرية فقالت هلم “ :البقرة ل��ن تعيش .جيب ذحبها وأكل حلمها” ،وقاموا باس��تدعاء اجلزار الذى قام بذحبها . ً مجيعا ف��وق الفرن وأخذوا عندما مسع األطفال أنني البقرة بورينوش��كا جلس��وا يبكون .بعدما ذحبوا البقرة بورينوش��كا وس��لخوا جلده��ا ،وقطعوا حلمها إىل أجزاء وجدوا قطعة زجاج فى حلقها . ع��رف اجلمي��ع أن البق��رة ق��د نفق��ت البتالعه��ا قطـعة م��ن الزجـاج م��ن برميـل الفضـالت .عندما علم “ميش��ا” مبا أصاب البقرة ،حزن ً ً شديدا ،وأخذ يبكى خزنا ً مري��را واعرتف ألمه حبادث��ة الكـوب .مل ت��رد األم عليه بش��يء ،بل أخذت ب��كا ًء تبكى هى األخرى .ثم قالت “ :كنا سب ًبا فى موت بقرتنا بورنيوشكا ...وليس لدينا نقود أخرى ...كيف س��يعيش األطفال الصغار دون أن يش��ربوا اللنب ؟ .أخذ “ميشا” يبكى بشدة أكثر ،بل مل ينزل من فوق الفرن حني كان اآلخرون يتناولون مرقة رأس البقرة الدمسة . 65
قصص وحكايات للبنين والبنات
كان “ميش��ا” كل ي��وم يرى ف��ى منامه العم “فاس��يلى” وهو حيم��ل رأس البقرة بورينوش��كا من قرنيها ،وعيناها مفتوحت��ان ورقبتها محراء اللون ،منذ ذلك احلني مل يع��د هناك لنب األطفال ،ومل يكونوا يش��ربونه إال فى األعياد عندما كانت األم ً إبريقا من اللنب . “ماريا” تطلب من جريانها ف��ى هذا الوقت احتاجت س��يدة غنية ف��ى القرية مربية ألطفاهل��ا الصغار فقالت اجل��دة العجوز البنته��ا ماريا“ :دعينى أذه��ب للعمل كمربية ألطفال هذه األس��رة الغنية وإنى على يقني بأن اهلل سيعينك على تربية األطفال .أما بالنسبة ىل إن شاء اهلل س��أعمل ً عام��ا وأحص��ل عل��ى أج��ر يكف��ى لش��راء بقرة أخرى” . ومت هل��م م��ا أرادوا .ذهب��ت اجل��دة العج��وز للعم��ل عند الس��يدة الغنية ،أم��ا “ماريا” فق��د زادت معاناته��ا م��ع األطفال . ع��اش األطف��ال الصـغ��ار ً ً كامال دون أن يش��ربوا عاما الل�بن مل يكون��وا يأكلون إال فت��ات اخلب��ز والبالوظ��ة . وأصبح��ت وجوههم ش��احبة وأجس��امهم هزيل��ة .مض��ى الع��ام وعادت اجل��دة العجوز إىل املن��زل ومعه��ا عش��رون ً روبال وقالت “ :واآلن يا ابنتى نس��تطيع أن نش�ترى بق��رة” . فرح��ت ماريا وف��رح األطفال كذلك .واستعدت كل من ماريا واجلدة العجوز للذهاب إىل الس��وق لش��راء البق��رة . وطلبتا من جارتهما أن تبقى 66
من زمن فات -الجزء األول
مع األطفال ومن العم زاخار أن يذهب معهما الختيار البقرة من السوق .صلى اجلميع ً ً ومحدا هلل ثم ذهبوا إىل املدينة .تن��اول األطفال طعام الغداء وخرجوا إىل ش��كرا ، الش��ارع يتطلعون إىل رؤية البقرة وأخذوا يتس��اءلون عن لون البقرة .هل سيكون ً بنيا أم أسود اللون .أخذوا يتحدثون فيما بينهم عن كيفية إطعامها .ظلوا ينتظرون ط��ول الي��وم ثم ذهب األطف��ال الس��تقبال البقرة ،وابتعدوا مس��افة بعي��دة عن املنزل ولكنه��م حني حل الظالم ع��ادوا إىل املنزل ،وفجأة رأوا عربة نقل حتمل اجلدة وفى مؤخرة العربة تس�ير بقرة بلونني مربوطة من قرنيها أسرع األطفال حنوهما وأخذوا ينظرون باهتمام إىل البقرة . مجع األطفال كس�يرات اخلب��ز وبعض احلش��ائش ليطعموا البق��رة .دخلت األم املن��زل ثم خرجت إىل الفناء بعد أن اس��تبدلت مالبس��ها وأحض��رت معها فوطة ووعاء حلل��ب الل�بن .جلس��ت األم حتت البقرة وغس��لت ضرعه��ا وقالت“ :يارب ب��ارك لنا” ثم بدات حتلب البقرة .التف األطفال حوهلا ينتظرون كيف ينس��اب اللنب من الضرع ، وم��ن ب�ين أصابع األم إىل الوعاء .حلبت األم نصف وعاء من اللنب ومحلته إىل القبو ثم ً إبريقا منه لعشاء األطفال . أفرغت
67
قصص وحكايات للبنين والبنات
حبة القمح التى فى حجم بيضة الدجاجة ذات يوم عثر بعض األطفال الصغار فى الوادى على شيء فى حجم بيضة الدجاجة بها جتويف من منتصفها وتشبه حبة القمح ً متاما . وعندما رأى عابر س��بيل هذه احلبة مع األطفال الصغار اش�تراها خبمسة “ روبل ” وأخذها معه إىل املدينة وباعها للقيصر لندرتها . دعا القيصر احلكـماء وأمرهم أن يعرفوا حقيقة هذا الش��يء .هل هى بيضة أم ً جوابا، حب��ة ؟ أخذ احلكماء يفكرون فى هذا األمر ،ومل يس��تطع أحد أن يعطى ولك��ن عندما كانت ه��ذه القطعة موضوعة عل��ى حافة النافذة ج��اءت دجاجة وأخ��ذت تنقره��ا وأحدثت ثق ًب��ا بها فأدرك اجلمي��ع على الفور أنها حب��ة قمح .ذهب احلكماء إىل القصري وقالوا له : إنها حبة قمح .انده��ش القيصر !! وأمر احلكماء أن يعرفوا أين ومتى كانت تزرع هذه احلبة ؟ أخذ احلكماء يفكرون بعمق ثم حبثوا فى الكتب واملراجع ولكنهم مل يستدلوا على شيء .فذهبوا إىل القيصر وقالوا له : ً جوابا عن هذه احلبة ألنه ال يوجد شيء مكتوب عنها فى ال نستطيع أن نعطىكتبنا ،ولكن جيب أن نس��أل الفالحني عما إذا كان أحد من كبار الس��ن يعرف متى وأين كانت ُتزرع مثل هذه احلبة ؟ ً طويالعن فالح أرس��ل القيص��ر أعوانه وأم��ر أن يأت��وا إليه بفالح عج��وز .حبث��وا ً كهال قد س��ـقطت كل عجوز وأحضروه إىل القيصـر .جاء الفـالح العـجوز وكان َ اس��تند على ُعكازين وميشى بصعوبة .عرض القيصـر حبة القمح أس��ـنانه ،وقد ً عل��ى الف�لاح .ولكن كان بصر الف�لاح ضعيفا وبصعوبة أمع��ن النظر فىجزء من احلبة وأخذ يتحسس اجلزء الباقى بيديه . ً قائال : سأل القيصر ذلك الفالح العجوز ُ أال تع��رف ياج��دى أين كانت تزرع مثل هذه احلبة ؟ ...أمل تزرع فى أرضك مثل هذه احلبة ؟ أو مل تشرت على عهدك مثل هذه احلبة ؟ 68
من زمن فات -الجزء األول
كان العج��وز أط��رش بصعوب��ة بالغ��ة حي��ث مس��ع وفه��م م��اذا يري��د القيص��ر ً قائال: وأجاب ال مل أزرع أو أحص��د مث��له��ذه احلبة فى أرضى أو غريى نش�تر من الفالحني .ومل نبع أو ِ مثل هذه احلبة . عندم��ا كن��ا نش�ترى احلب��وب كانت صغ�يرة ً جدا .ولكن جيب أن تس��أل والدى عن أنه من احملتمل أن يكون قد مسع أين كانت ُتزرع هذه احلبة . وأمر القيص��ر بإحضار والد العجوز الذى عث��روا عليه بعد البح��ث عنه ف��ى كل مكان ثم جاءوا به إىل القيصر . ً عجوزا ويستند كان الرجل عل��ى ع��كاز واحـ��د .ع��رض القيص��ر عل��ى وال��د الف�لاح العج��وز احلب��ة .كان الرجل العجوز ما ي��زال يبصر بعينيه
فأمعن النظر ً جيدا ثم سأله القيصر : أال تعرف أيها العجوز أين كانت ُتزرع هذه احلبة ؟ أمل تزرع فى أرضك ح ًبا مثلهذه؟ أمل تشرت على عهدك مثل هذه احلبة ؟ َ ثقيل السمع إال أنه كان يسمع أفضل من ابنه وبالرغم من أن العجوز كان ً قائال : وأجاب -ال مل أزرع ومل أحصد فى أرضى مثل هذه احلبة ومل أشرت هذا النوع من احلب ألنه
69
قصص وحكايات للبنين والبنات
على عهدى مل تكن وقتها تس��ك النقود فى املصانع .كان اجلميع يعيشون على ما يزرعون وإذا ما احتاج شخص ما املساعدة أسرع اجلميع ملساعدته وفى اقتسام كل ما عندهم معه .ال أعرف أين كانت تزرع مثل هذه احلبة .ولكننى مسعت من أبى أن عل��ى عهده كان حمصول الغالل أكثر وف��رة مما حنصده اآلن ومن الضرورى أن تساله . أرس��ل القيص��ر إىل أتباعه إلحض��ار اجلد األكرب للف�لاح العجوز .عث��روا عليه وج��اءوا ب��ه إىل القيصر .دخ��ل العجوز عن��د القيصر بدون ع��كاز وخطا خبطوات ً ضعيفا وكان يس��مع ً جيدا ويتحدث بطريقة واضحة .عرض رش��يقة ومل يكن القيصر على اجلد الذى أمعن النظر فى احلبة وقال : من��ذ زمن بعي��د مل أر هذه احلبة العتيقة التى كان يصن��ع منها اخلبز .ثم قطعً قائال: احلبة بأسنانه ومضغها ثم استطرد إنها ذات احلبة ذاتها .ُ ْ��ك ياجدى ،أين ومتى كانت تزرع مث��ل هذه احلبة ؟ أمل تزرعها فى أرضك ، إح ِ وعلى عهدك أمل يشرت الناس هذا النوع من احلب ؟ قال الرجل العجوز : ُ مث��ل هذه احلب��وب كانت تزرع فى كل مكان على عهدى .وكنت أنا والناسنعيش على هذا َ احلب . سأل القيصر: أرو ىل ياج��دى ،من أين كنت تش�ترى مثل هذه احلبوب ؟ أمل تكن تزرعها ِفى أرضك ؟ ضحك العجوز ضحكة ساخرة وقال : عل��ى عه��دى مل خيطر ببال أحد منا أن يرتكب مثل هذا اإلثم فى أن يش�ترى أويبي��ع حبوب اخلب��ز ،أما فيما يتعل��ق بالنقود فلم يكن أحد يعرفه��ا بعد ،وكان ً موجودا بوفرة . اخلبز لدى اجلميع سأله القيصر : إذن قل ىل يا جدى أين كنت تزرع هذه احلبوب وأين كانت أرضك ؟ أجاب اجلد: أرض��ى كان��ت أرض اهلل ،حيثم��ا كنت أحرث فه��ى أرض��ى ....األرض كانتواسعة غري حمدودة .مل نكن نطلق عليها هذه األرض ملكى أو خاصة بى ولكن 70
من زمن فات -الجزء األول
كنا نقول فقط هذا عملنا . قال القيصر :لدى سؤاالن آخران أود أن أستفسر عنهما : األول :ملاذا كانت األرض خترج هذه احلبة من قبل أما اآلن فال خترجها ؟ً مستندا على عكازين ،وابنك كان والسؤال الثانى :ملا حضر حفيدك و كانعلى عكاز واحد ؟ أما أنت فقد جئت ختطو خبطوات رشيقة وتبصر بصورة حسنة احك ىل ياجدى ما س��بب هذين وأس��نانك تب��دو قوية ،وكالم��ك واضح ومفه��وم ِ . األمرين ...ما الذى حدث ؟ قال العجوز : حدث هذا ألن الن��اس اآلن أقلعت عن العيش بعملهم وحدهم وأصبحوا يطمعونفى لقمة عيش اآلخرين .فى العهد القديم كان الناس يعيش��ون حس��ب ما أمر اهلل به ،حيث امتلكوا ما خيصهم ومل يطمعوا فيما خيص اآلخرين .
71
قصص وحكايات للبنين والبنات
الفالح وعروس البحر سقط ً سهوا فأس أحد الفالحني فى النهر ،فجلس على الشاطئ وراح يبكى . عندم��ا مسع��ت عروس البحر بكاء الف�لاح صعب عليها حال��ه ،فأحضرت له من النهر ً فأسا من الذهب اخلالص ،وقالت له : أهذا فأسك ؟ .فقال هلا: ال ..هذا ليس فأسى .عندئذ أحضرت له ً فأسا من الفضة اخلالصة ،وسألته : أليس هذا فأسك ؟ً قائال : فأجابها ً ال ..هذا أيضا ليس فأسى . وف��ى امل��رة الثالثة أحضرت له فأس��هاحلقيقى . ً وهنا صاح الفالح قائال: هذا هو فأسى .وفى احلال أه��دت عروس البحر الفالح الفئ��وس الثـالث��ة مكـاف��اة ل��ه عل��ى صـدقه . ع��اد الف�لاح إىل منزله ،وع��رض على أصدقائ��ه الفئوس الثالث��ة َ ، وق َّ ص عليهم ما ح��دث له .ففك��ر أحده��م أن يفعل مثلما فعل صديقه . ً ذهب إىل النهر ،وأس��قط فأسه متعمدا فى امل��اء ،وجلس على الش��اطئ يبكى . 72
من زمن فات -الجزء األول
ظهرت عروس البحر ،وأحضرت ً فأسا من الذهب اخلاص ،وسألته : أهذا فأسك ؟فص��اح الف�لاح ً فرح��ا نعم ..نع��م ..إنه فأس��ى وهنا مل تعط��ه عروس البح��ر الفأس ً ً عقابا املصنوع من الذهب ،وكذلك مل تعطه فأسه ،الذى أسقطه متعمدا فى النهر ، له على كذبه .
73
قصص وحكايات للبنين والبنات
اختفاء حقيبة نقود التاجرالثرى َفق َ َ��د أح��د التج��ار حقيبة بها مبل��غ كبري من امل��ال ( ما يقرب من ألف��ى روبل ) * فاضط��ر أن يعل��ن عن ضياعه��ا ً ، َّ واعدا بأن مينح َم ْن جيدها نص��ف املبلغ ،الذى كان بها . وعندما عثر أحد العمال الفقراء على حقيبة التاجر ،توجه مباش��رة إىل التاجر َّ اطمئن التاجر بوجود احلقيبة ،لكنه فى الوقت نفسه أراد لتسليمه إياها .عندئذ أن يرتاج��ع ع��ن دفع ما وعد به ،وه��و نصف املبلغ ملن جيدها ،فاختل��ق فكرة ،بأنه كان يوجد حجر من املاس مع تلك النقود ،فقال للعامل الفقري : نق��ودا ،إذ كان يوجد فى احلقيب��ة ً ً أيضا حجر من امل��اس ،فإذا ل��ن أعط��ى ل��كأعطيتنى حجر املاس ،فسوف أعطيك النقود ،وإن مل تعطنى حجر املاس ،فلن أعطيك النقود . َّ وق��ص عليه ما ح��دث .أحضر القاضى ذه��ب العامل الفق�ير إىل قاضى املدينة ، التاجر وقال له : َّ إن��ك تق��ول -إن فى احلقيبة كان يوجد ألف روب��ل ،وحجر من املاس .مل يكنف��ى ه��ذه احلقيبة ،الت��ى عثر عليها هذا العام��ل الفقري حجر املاس .إذن هذه ليس��ت حقيبت��ك .فلتبق احلقيبة مبا فيها من مال مع العامل البس��يط حتى جند صاحبها ، أما أنت فأعلن عما فقد منك ،فرمبا يعثر أحد ما على حقيبتك . عندئذ مل جيادل التاجر فى هذا الش��ان ،وأعط��ى العامل الفقري ألف روبل ( نصف َّ وتسل َم حقيبته . املبلغ ) كما وعد من قبل ،
* الروبل العملة الرمسية يف روسيا 74
من زمن فات -الجزء األول
اهلل مُيهل وال يهمل
( اهلل وحده يعلم الحقيقة ،وال يكشف عنها إال فى حينها ) كان يعي��ش فى مدينة “فالدميري” تاجر ش��اب ،يدعى “أكس��يوناف” ،وميلك ً خاص��ا وحـانوتني َّ .ات َ من��زال ً س��ـم أكس��يوناف بش��ـعره األش��قـر اجملـعد ،وحس��ن طلعته ،وميله إىل الفرح واملرح ،والطرب .كان فى شبابه حيب شرب اخلمر بكثرة إىل درج��ة الثمال��ة ،ولكن من��ذ أن تزوج توقف عن ش��رب اخلمر ،ون��اد ًرا ما كان حيتس��يها بعد الزواج .فى إحدى لياىل الصيف ،كان على أكس��يوناف الس��فر إىل سوق مدينة “نيجنى” ،لكن عندما شرع فى وداع أسرته قالت له زوجته : ّلدى إحساس بأنه جيب أال تسافر فى هذه األيام ،ألننى رأيت فى احللم سو ًءا سوف يلحق بك . فضحك أكسيوناف وقال هلا : هل ختافني من أن أنهمك فى التسلية وامللذات فى السوق ؟ .فقالت الزوجة : إننى ال أعرف مما أخاف ،لكننى رأيت س��و ًءا حيدث لك فى احللم – رأيتك بعدأن تركت املدينة وقد خلعت قبعتك ،وعندما نظرت إىل رأسك ،وجدت شعرك قد َّ ابيض عن آخره . فابتسم أكسيوناف وقال : ال عليك ،فاعلمى َّأن فى سفرى فائدة لنا ،وفور أن أنتهى من جتارتى ،سوف أعود لكم بهدايا نفيسة . َّ ود َع أكسيوناف عائلته ،ومضى فى رحلته . وفى طريقه إىل السوق ،التقى أكسيوناف بصديق له يعمل ً أيضا فى التجارة، سويا ووجدا ً فسارا ً فندقا وخلد إىل النوم فى حجرتني متجاورتني ،غري أن أكسيوناف ً ال ُ كثريا ،فاس��تيقظ فى منتصف الليل ،وفضل أن يس��تكمل س��فره حي��ب الن��وم 75
قصص وحكايات للبنين والبنات
أثن��اء الليل ،حيث اجلو اللطيف ،املنع��ش ،فأيقظ احلوذى ،وأمره بتجهيز احلصان ، والعربة للرحيل ،ودفع لصاحب الفندق إقامته ،ورحل . فرس��خا َّ ، ً توق َف مرة أخرى ف��ى فندق متواضع، وبع��د أن س��ار ما يقرب من أربعني ً قس��طا من الراح��ة ،وليتناول طع��ام الغـداء .جلس أكس��يوناف فى ش��رفة ليأخ��ذ الفن��دق ،وتن��اول وجبة الغذاء ،وأمر بإحضار الس��امافار ،وأمس��ك بالقيث��ارة ،وبدأ يدندن ،ويغنى على أنغامها . فجأة اقرتب من الفندق عربة بثالثة خيول بها أجراس ،ونزل منها موظف مسئول، يرافقه شرطيان ،ثم اقرتب من أكسيوناف ،وأخذ يسأله: َم ْن أنت؟ ومن أين؟ .أخذ أكسيوناف جييب بصراحة على أسئلته . أمن املمكن أن حنتسى الشاى ًسويا ؟ . وأخذ املوظف ينهال عليه باألسئلة : أين قضيت ليلة أمس؟ هل كنت مبفردك ،أم كان معك أحد التجار ؟ هل رأيتً مبكرا ؟ . التاجر فى الصباح ؟ ملاذا رحلت من الفندق اندهش أكس��يوناف لتلك األس��ئلة التى وجهت إليه ،وق��د أجاب عليها مجيعها بصراحة ،ومبا حدث ً متاما .ثم قال للموظف املسئول : كيف تستجوبونى بهذه الطريقة ؟ إننى لست ًلصا ،أو قاطع طريق .اتركونى وشأنى ملباشرة أعماىل ،وال داعى لتوجيه هذه األسئلة ىل . عندئذ نادى املسئول الشرطى ،وقال ألكسيوناف: ً مفتش��ا للمباحث ،ىل احلق أن ِّ أوجه إليك األس��ئلة .أال تعلم مبوج��ب وظيفتىً أن التاجر الذى قضى ليلة أمس معك فى الفندق ،قد مات طعنا بالس��كني ...؟ أرنى أمتعتك ،وقم أنت أيها الشرطى بتفتيشه . دخ��ل كل م��ن املفت��ش والش��رطى ،حيث يقيم أكس��يوناف ،ال��ذى مت تفتيش ً سكينا ،وصاح حقيبته ،واجلوال اخلاص به وفجاة أخرج مفتش املباحث من اجلوال ً قائال: سكني من هذه؟ .ً س��كينا ملطخة بالدماء ،قد أخرجوها نظر أكس��يوناف ناحية املفتش ،وراى من اجلوال ،وهنا شعر باخلوف ينتابه . ً ً سؤاال إىل أكسيوناف قائال: وجه املفتش 76
من زمن فات -الجزء األول
ما سبب وجود هذه الدماء على السكني ؟ .أراد أكسيوناف اإلجابة على هذا السؤال ،لكنه مل يستطع أن ينطق بكلمة... عندئذ قال املفتش له : لق��د وجدنا التاجر على الس��رير جثة هامدة إثر طعنة س��كني ،ومل يقم بهذاأحد س��ـواك .فاحلجرة كانت مغلقة باملزالج م��ن الداخـل ،ومل يكن أحـد هناك غريك .وهاهى السكني امللوثة بالدماء قد وجدناها فى اجلوال اخلاص بك ،باإلضافة إىل أنه يبدو على وجـهك بأنك أنت الفـاعل .تكـلم ،واعرتف .كيف قتلته ؟ وأين املبلغ الذى سرقته منه ؟ أقسم أكسيوناف بأنه مل يفعل ذلك ،وقال إنه مل ير التاجر بعد أن احتسى معه ً شخصيا ،وتبلغ ثـمانية آالف روبل فقط ،وأن الشاى ،وأن النقود التى معه ختصه هو السكني ال ختصه .كان أكسيوناف يقول هذا بكلمات متقطعة ،وهو شاحب الوجه ،وجسمه كله يرجتف من اخلوف ،كما لو كان مذن ًبا . ن��ادى احملقق عل��ى اجلندى ،وأمره ْ بأن يقيد أكس��يوناف ،ويق��وده إىل العربة. بات أكس��يوناف يبكى ،ثم أخذ يرسم صلي ًبا باإلشارة على صدره ،ووجهه ،أثناء تقيي��د قدمي��ه ،ث��م ألقوا به ف��ى العربة ،وجردوه م��ن النقود ،واألش��ياء التى معه ، وأودعوه فى أقرب سجن باملدينة ،وأرسلوا إىل مدينة فالدميري للتحرى عن شخصية أكس��يوناف ،حيث أمجع جتار املدينة على أن أكسيوناف كان حيتسى اخلمر ، ويعربد فى ش��بابه ،لكنه إنسان طيب .بدأوا عندئذ فى حماكمته ،وأدانوه بقتل تاجر مدينة “ريازان” ،وسرقة عشرين ألف روبل . حزن��ت الزوجة ملا حدث لزوجه��ا ،ومل تدر ماذا تفعل .مازال أوالدها صغا ًرا ،بينهم ً مجيعا معها ،وس��افرت إىل تلك املدينة ،حيث كان طفل رضيع ،وقد اصطحبتهم ً حمج��وزا .فى بداية األم��ر مل يوافقـوا عل��ى الطـلب الذى تقدم��ت به لرؤية زوجه��ا ً ً زوجها ،وأخريا مت هلا ذلك ،بعد أن توس��لت إىل الرؤس��اء .عندما رأته مرتديا مالبس ً ومقيدا بالسالس��ل وس��ط اجملرمني ،وقطاع الطرق ،أخذت تضرب برأس��ها الس��جن ، األرض ،إىل أن فق��دت الوعى لفرتة طويلة ،ثم أجلس��ت بعد ذلك أبناءها من حوهلا، وجلس��ت هى جبانب زوجه��ا ،وبدأت تقص عليه أحوال املنزل ،وتس��أله عن أحواله ، وما حدث له فحكى هلا كل ما حدث ،ثم قالت له : وما الذى جيب عمله اآلن؟ .فقال هلا: 77
قصص وحكايات للبنين والبنات
البد من تقديم التماس إىل القيصر ،فمن املس��تحيل أن يقضوا على إنس��ان غريمذنب ! . هن��ا قالت الزوج��ة بأنها قد تقدمت بالتم��اس إىل القيصر ،ولك��ن هذا االلتماس مل يصل��ه بع��د .مل يعلق أكس��ـيوناف على ذلك ،ب��ل أطـرق رأس��ه ،وعندئذ قالت الزوجة : ًً اذا لي��س عبث��ا ،أتذكـ��ر ،عندم��ا رأيتك فى املنام أش��يب الرأس .ه��ا قد صدقت الرؤية .فقد اش��تعل رأس��ك ش��ي ًبا ،نتيجة للحزن .يا ليتك مل تسافر فى ذلك الوقت. بدأت فى تدليله ،إذ أخذت متسح شعره بيدها ،قائلة له : ً فانيا * ،يا أعز حبيب إىل قلبى ،قل لزوجتك احلقيقة :أمل تقم فعال بهذا العمل؟ .فقال هلا أكسيوناف : َّ أتظن�ين ب��ى كم��ا يدعـ��ون؟ .وهنا أخـف��ى وجه��ه بكـلتا يدي��ه ،وأجـهشبالبـ��كاء .جاء الش��رطى ،وأم��ر الزوجة أن خت��رج بأوالدها ،وكانت ه��ذه هى املرة األخرية التى يودع فيها أكسيوناف أسرته .وبعد أن رحلت زوجته أخذ أكسيوناف يتذك��ر ما دار بينهـما من حـدي��ث ،وعندما تذكـر بأن زوجـت��ه أيضـًا اعتقدت بأنه هو الفـاعل ،وذلك عندما سألته عما إذا كان قد قتل التاجر أم ال ..؟ عندئذ قال فى نفس��ه “ :يبدو أن ً أحدا ال يعرف احلقيقة ،س��وى اهلل ،وجيب أال أستعني بغريه ، وال أنتظر من غريه الرمحة” . ومنذ تلك اللحظة َّ توق َف أكسيوناف عن تقديم االلتماسات ،وفقد األمل وتفرغ لعبادة اهلل . صدر احلكم على أكس��يوناف باجللد ،واألشغال الشاقة املؤبدة .وقد مت تنفيذ ً جروحا جبس��ـده ،وبع��د أن التأمت ذل��ك :فق��د جـلدوه بالس��ــوط ،حت��ى أحدثت جراحه ،قادوه برفقة من حكم عليهم باألشغال الشاقة املؤبدة إىل سيبرييا . قضى أكس��يوناف ستة وعش��رين ً عاما فى األشغال الش��اقة ،حيث أصبح رأسه أبيض كلون الثلج ،وباتت حليته طويلة مدببة شيباء ،اختفى مرحه ،الذى كان ً وكثريا ما كان يصلى هلل . يتمتع به ،ومل يعد يضحك ، تعلم أكس��يوناف فى الس��جن حرفة صناع��ة األحذية ،واش�ترى مبا رحبه من * فانيا :التدليل من اسم إيفان .
* سيبرييا :منطقة فى روسيا كانت تعد مبثابة املنفى إبان القيصرية الروسية . 78
من زمن فات -الجزء األول
إنتاج��ه كت ًبا ديني��ة ،كان يقرأها فى أوق��ات إضاءة الس��جن .وكان يذهب إىل كنيس��ة الس��جن ،حي��ث كان يتع��رف عل��ى حي��اة القديس�ين ومناس��ك الدين املس��يحى ،كما ش��ارك ف��ى جوقة املرتل�ين ف��ى الكنيس��ة ،إذ كان لديه صوت مجيل .كان مس��ئولو الس��جن حيبون��ه لوداعته ،وطيبة قلبه .وفى الس��جن كان زمالؤه ً أيضا حيرتمونه ،وينادونه “ بالشيخ “ “ ،وبرجل الدين” .ويلجئون إليه عندما تكون لديهم مطالب خاصة ويطلبون منه التوجه إىل رئاس��ة الس��جن لثقتهم به ، ً فدائما ما كانوا يذهبون إىل وحينما كانت حتدث مش��احنات بني نزالء الس��جن ، أكسيوناف للفصل بينهم . ً مل يراسل أكسيوناف أحدا من ذويه طوال هذه الفرتة ،ومل يعرف بعد إن كانت زوجته وأوالده أحيا ًء أم ال . ً ج��ددا .فى املس��اء جلس الس��جناء وف��ى يوم م��ن األيام أحضروا إىل الس��جن س��جناء القدام��ى ح��ول نظرائهم اجل��دد ،وأخ��ذوا يوجه��ون إليهم األس��ئلة :فعلى س��بيل املثال كـانوا يس��ألونهم :من أى مدينة ؟ أو من قرية ؟ ،وما األس��باب التى أدت إىل ذلك ؟ .أما بالنس��بة ألكس��يوناف ،فقد جلس عل��ى األرض ،بالقرب من الس��جناء اجلدد ،وقد أمال رأس��ه إىل صدره ،وكان يس��تمع إىل ما يقولون .كان من بني السجناء اجلدد رجل متقدم فى السجن ،ويبلغ من العمر ستني ً عاما تقري ًبا .طويل القامة ،يتمتع بصحة جيدة ،وقد شذب حليته الشيباء ،وأخذ حيكى سبب القبض عليه ،فقال: هك��ذا ي��ا إخوان��ى ...مل يك��ن هناك ما يدع��و إىل وجودى هن��ا ُم ًطلقا .فقد كان ل��دى صديقى احلوذى – حصان مربوط فى الزالج��ة ،فقمت بفصل احلصان عن الزالجة ،وإذا بهم يلقون القبض َ على ،ويتهموننى بس��رقة احلصان ،ولكننى قلت هلم ،إننى كنت قد س��رقت حلاجة ماس��ة إىل هذا احلصان ،لكى أقضى أمراً خيصنى على وجه الس��ـرعة فى مكان أقصده ،وبعد أن حققت غايتى ،تركـت ً صديقا ىل ،وما قمت احلصـان وشأنه ،وكما قلت لكم من قبل ،إن احلوذى كان به ال خيالف النظام ،ولكنهم قالوا ىل إنك س��رقت احلصان ولكنهم ال يعرفون متى، وأين سرقت فيما مضى .فقد حدثت أمور منذ بعيد ،كان املفروض مبوجبها أن آتى إىل هن��ا ،ولكن مل ميكنه��م إثبات ذلك .واآلن أتوا بى إىل هنا دون أى س��ند قانونى. ولك��ن الس��جناء قالوا :إنك تكـ��ذب ،وال تق��ول احلقيقة ،فإذا كنت قد س��رقت فى املاضى ،كما تدعى ،حلكموا عليك بالس��جن ،وش��رفت فى سيبرييا منذ ذلك احلني. هنا سأله أحد املساجني القدامى : 79
قصص وحكايات للبنين والبنات
ومن أى بلدة أنت ؟ .ً قائال: فأجابه إنن��ى م��ن مدين��ة فالدمي�ير ،من جت��ار ه��ذه البل��دة ،وأدعى مق��ار ،واس��م أبىسيميونافتش . عندئذ رفع أكسيوناف رأسه ،وسأله : ً ش��يئا ع��ن عائل��ة أكس��يوناف التاجر ف��ى مدينة أمل تس��مع ي��ا س��يمونافتشفالدميري؟ وهل أسرته مازالت على قيد احلياة ؟ . كيف ال أمسع عنها ؟ إنهم من التجار األثرياء ،ولكن واحس��رتاه ،فاألب س��جنيفى س��يبرييا ،ويبدو أنه كان مذن ًبا مثلنا ....وأنت يا ش��يخنا ما الذى اقرتفته ،ليأتوا بك إىل هنا ؟ . ً وهن��ا تنهد أكس��يوناف ،الذى مل يكن حي��ب أبدا أن يتحدث ع��ن مصيبته ، وقال : إننى هنا للعام السادس والعشرين ملا اقرتفته من ذنب .قال سيميونافتش : وما الذى اقرتفته من إثم ؟ .قال أكسيوناف : ال يس��تحق احلدي��ث ع��ن هذا ،وليس ًل��دى الرغبة ف��ى أن أحك��ى ، ...ولكن رفاقه املس��جونني املقربني منه رووا للسجني اجلديد عن سبب وجود أكسيوناف فى ً ش��خصا ما قام بطع��ن أحد التجار بالس��كني ،ثم َّ دس ذلك س��يبرييا ،وقال��وا له ،بأن الس��كني ف��ى جوال أكس��يوناف ،وهلذا حكموا عليه باألش��غال الش��اقة دون أن يقرتف ذن ًبا . ً عندما مسع مقار س��يميونافيش هذا تفرس وجه أكس��يوناف ،وضرب ركبتيه ً قائال: بكلتا يديه وصاح ياهلا من مفاجأة ! يا للعجب ! لقد أصبحت ًهرما ،ياشيخنا ! . هنا بدأ السجناء يسألونه عن سبب دهشته ،وأين رأى أكسيوناف ،ولكن ً مقار سيميونافتش مل جيب على أسئلتهم ،بل قال : ًحقا ،إنها ملفاجأة ! من تلك الكلمات ،التى نطق بها ً مقار سيميونافتش جال فى خاطر أكسيوناف 80
من زمن فات -الجزء األول
فى احلال ،عما إذا كان هذا الشخص يعرف َم ْن هو قاتل التاجر ؟ وقال له : هل مسعت عن هذه القضية قبل ذلك ،وهل رأيتنى من قبل؟ .رد عليه ً َّ مقار سيميونافتش قائال ً: كي��ف مل أمس��ع عنها ! لقد مسعت عنها الدنيا كلها .كان هذا منذ فرتة ،لقدمسعت عنها ،ثم نسيت .ثم سأله أكسيوناف - :أمل تسمع َ عم ْن قتل التاجر ؟ . هنا ضحك ً مقار سيميونافتش وقال : يبدو أن الذى قتله ،هو الش��خص نفسه ،الذى وجدوا السكني فى حوزته .فإذاكان أح��د األش��خاص قد َد َّس لك الس��كني ،ومل يقبضوا عليه ،فه��و ليس باللص . لك��ن كيف َد َّس لك هذا الش��خص الس��كني فى اجلوال اخلاص ب��ك ؟ أمل تدركه آنذاك ،عندما كان ً واقفا عند طرف السرير ناحية الرأس؟ . وما أن س��ـمع أكس��ـيوناف تلك الكـلم��ات ،أخذ يفكر ،فى أن هذا الش��خص ه��و ،الذى قتل التاجر ،فقام على الف��ور ،وانصرف ،ومل تغمض له عني الليل كله، وس��يطرت علي��ه حالة م��ن الكآبة ،وامللل .أخذ يتخيل أش��يا ًء كث�يرة ،منها :أنه ختي��ل زوجته ،حينما ودعته آخر مرة عند س��فره للس��وق ،كم��ا لو كانت تقف أمامه اآلن فى احلقيقة ،يرى وجهها ،وعينيها ،ويسمع رنني صوتها ،وكيف كانت تضح��ك ،وتبادل��ه احلديث .ثم ختي��ل أوالده فى ذلك الوقت ،عندم��ا كانوا صغا ًرا: ً معطفا من الفرو ،واآلخر فى أحضان أمه .وتذكر نفس��ه فى ذلك أحدهما يرتدى ُ َ الوق��ت ،عندما كان جيلس حتت س��قيفة الفندق ،حي��ث ق ِبض عليه ،وهو يدندن على قيثارته .وتذكر كيف كانت حياته تغلب عليها السعادة ،والسرور فى تلك الفرتة .وتذكـر ً أيضا ذلك املكـان ،الذى كانوا جيـلدونه ،ويعذبونه فيه ،وهؤالء اجلالدين ،واحملكوم عليهم باألش��غال الشاقة ،والس��نوات التى قضاها فى السجن، والتى بلغت ستة وعشرين ً عاما ،وتذكر شيخوخته .سيطرت عليه هذه الكآبة ، ً لدرجة أنه متنى لنفس��ه أن يقدم على االنتحار .وأرجع سبب هذه الكآبة إىل مقار سيميونافتش “ .هذا الشرير” ! انتاب أكس��يوناف حالة من الغضب الش��ديد حنو ً لقد َ مقار س��يميونافتش ،مما ول��دت لديه الرغبة فى أن ينتق��م منه ،وبالرغم من أنه كان ّ يصلى طوال الليل ،إال أنه مل يهدأ له بال .فى الصباح مل يقرتب من ً مقار سيميونافتش ،ومل ينظر إليه . مضى أسبوعان على هذا احلال ،مل يغمض له جفن أثناء الليل ،وانتابته حالة من الكآبة ،لدرجة أنه مل يعرف :ماذا يفعل؟ . 81
قصص وحكايات للبنين والبنات
ذات مرة ،وأثناء سريه ً ليال فى السجن ،شعر باألرض تهوى من حتت قدميه ،فتوقف ليتفح��ص األم��ر ...وإذا به جي��د ً مقار س��يميونافتش يث��ب من حفرة ب��األرض فجأة أمام��ه ،وقد ارتس��ـمت على وجهه عالم��ات الذعر ،وأخذ يتطلع إىل أكس��يوناف، ولك��ن أكس��يوناف حاول أن يتخطى احلف��رة دون أن يعريه أى انتب��اه .إال أن ً مقار س��يميونافتش أمسك بيده ،وأفصح له ،بأنه يقوم حبفر ممر حتت اجلدران ،وينقل األترب��ة ف��ى احلذاء طويل الس��اق ،ويق��ذف به فى الش��ارع ،فى الوقت ال��ذى كانوا ً قائال : يقتادونه إىل مكان العمل .ثم أردف عليك ّأال تتفوه بأى كلمة ،أيها العجوز ،وسوف أساعدك على اخلروج من هنا . ولكن إذا أخربتهم بهذا ،فسوف جيلدوننى ،وعندئذ لن تفلت من يدى ،وسأقتلك . وانتابت أكسيوناف رعشة سيطرت على كل جسمه لغضبه الشديد ،عندما رأى ذلك الشرير ،ثم ّ خلص يده من قبضته ،وقال له : ُ ً ش��يئا من قتلى ، بالنس��بة ىل فق��د أصبحت ال أباىل بكل ما حيدث .ولن جتنىألن��ك ق��د قتلتنى منذ أمد بعيد .أم��ا فيما خيص بأن أبوح ،بس��رك لآلخرين ،أم ال ، فهذا األمر ال يعلمه ّ إال اهلل وحده . وف��ى اليوم التاىل ،عندما كانوا يقتادون الس��جناء إىل م��كان العمل ،الحظ اجلنود أن ً مق��ار س��ـيميونافتش يتخل��ص من الرتاب ،فأخذوا يفتش��ون وجييبون الس��جن ،حتى وج��دوا حف��رة فى األرض .وعلى أثر ذلك جـاء قائد الس��ـجن ،وبدأ يس��ــتجوب اجلميع : “عم��ن حفر ه��ذه احلفرة” ؟ .لكن اجلـميع أنكــر مبا فيه��م هؤالء ،الذين كـانوا يعلمـون ،بأن ً شيئا ،خشية ْ مقار سيميونافتش هو الذى قام حبفرها ....مل يقولوا ً أن ُ اجلنود حتى املوت .عندئذ َّ توجه قائد الس��جن إىل أكس��يوناف ،ألنه كان جيلده ً يعلم جيدا ،أن أكسيوناف – رجل عادل ،وموضع ثقة ،فقال له : ْ أيها الشيخ العجوز ،إنك رجل صادق أستحلفك باهلل ،أن تقول احلق َ :من ذا الذىفعل هذا ؟ ً وقف مقار س��يميونافتش بال أى تأثر ،ونظر إىل قائد الس��جن ،دون أن يلتفت إىل أكس��يوناف ،الذى كانت يداه وشفتاه ترتعش ،ومل ينطق بكلمة واحدة لفرتة طويلة .إذ كان يفكر ،ويقول فى نفسه : ملاذا أكون أنا الس��بب فى الصفح عنه ،بعدم كش��ف س��ره ،فى حني أنه كانه��و الس��بب فى القض��اء ّ على ؟ .فليدفع ثـمن ما س��ببه ىل من تعذي��ب .ولكن إذا ما ً أخربتهم باحلقيقة – فسوف جيلدونه .عبثا ،أن يستحوذ أمره على تفكريى ،هل 82
من زمن فات -الجزء األول
إذا أخربتهم باحلقيقة ،سيخفف هذا عما فى صدرى من آالم ؟ وعاد قائد السجن يقول : ْ ْ ً حسنا ،يا شيخنا العجوز ،قل لنا احلقيقة َ :من الذى قام بهذا احلفر ؟ ً فتطل��ع أكس��ــــيوناف إىل مقار سيميونافتش وقال : أحدا ،وال أعرف ً مل أر ً شيئا . وهك��ذا مل يتوصل��وا إىل َم ْن قام باحلفر . ف��ى الليلة التالي��ة ،عندما كان أكسيوناف مضجعا فى فراشه ،وما ً ش��خصا كاد أن يغف��و ،حتى مسع م��ا وق��د اق�ترب من��ه ،وجل��س عند قدمي��ه .وحني دقق النظر فى ظلمة اللي��ل ،وأيق��ن أن ه��ذا الش��ـخص ه��و ً مق��ار س��ـيميونافتش .فق��ال له أكـسيوناف : م��ا الذى تريده من��ى بعد؟ وماذاتفعل هنا؟ . ً صمت مقار سيميونافتش .لكن أكسيوناف نهض وقال له : ُ ماذا تريد؟ أغرب عن وجهى ،وإال استدعيت لك الشرطى .ً احننى ً قائال: مقار سيميونافتش حنو أكسيوناف ،وهمس إيفان دمييرتفيتش* ،ساحمنى!. فقال له أكسيوناف : َعما أساحمك؟ . ْ ووضع ُت لك الس��كني .وهممت على قتلك ،ولكن ها أنا ذا الذى قتلت التاجر ،* إيفان دمييرتفيتش :هو االسم األول والثانى لبطل القصة أكسيوناف . 83
قصص وحكايات للبنين والبنات
ْ وضع ُت لك السكني فى اجلوال ،وهربت من مسعت صخ ًبا فى فناء الفندق ،وعندئذ ً خالل النافذة .لزم أكسيوناف الصمت ،ومل يعرف ماذا يقول .نزل مقار سيميونافتش من على فراش أكسيوناف ،واحننى أمامه ،ثم جلس على األرض وقال له : ْ اصـفـ��ح عن��ى ،ب��اهلل عليك س��ـاحمنى ،س��ـأعـلنها أمام إيف��ان دمييرتفيت��ش ،اجلـمي��ع ،بأنن��ى قد قتل��ت التاجر ،وعندئذ س��ـيعفون عنك ،ويطـلقون س��راحك، وتعود إىل بيتك .فقال أكسيوناف : ً كثريا من احمل��ن ! إىل أين م��ن الس��هل عليك أن تق��ول هذا ،أما أنا فق��د حتملتىل أن أذه��ب اآلن؟ ...لق��د ماتت زوجتى ،وأما أوالدى فقد نس��ونى ،...فليس لدى اآلن مكان أذهب إليه ،أو أحد أجلأ إليه ... مل يستطيع مقارس��يميونافتش أن ينهض من األرض ،وأخذ يضرب األرض برأسه ً قائال: ْ اصفح عنى ! كان من الس��هل ّ على أن جيلدونى بالس��وط من إيفان دمييرتفيتش أن أنظر اآلن إليك ... إنك مازلت تشفق ّ على ،ومل تعرتف هلم بأننى الفاعل ...باهلل عليك ،فلتساحمنى من أجل املس��يح عليه الس�لام ! فلتصفح عنى ،فأنا ش��رير ملعون ! ...ثم أخذ جيهش بالبكاء وعندما مسع أكسيوناف بكاء ً مقار سيميونافتش ،راح هو اآلخر وقال : فليساحمك اهلل ،ال عليك ،فمن املمكن أن أكون أسوأ منك مائة مرة .وفجاة ش��عر أكس��يوناف براحة فى داخله ،ومل يراوده االش��تياق إىل أهل منزله ، ومل تكن لديه الرغبة فى اخلروج من السجن ،ومل يفكر ّ إال فى يوم لقائه مع اهلل . مل يصغ ً مقار س��يميونافتش ،وس��ارع باالعرتاف بإثـمه .وعندما صدر قرار العفو ِ عن أكسيوناف ،كان قد وافته املنية .
84
من زمن فات -الجزء الثانى
الجزء الثانى قصص وحكايات للبنين والبنات
من زمن فات .Iقنسطنطين أوشينسكى .IIقصص شعبية روسية .IIIصامويال فينجرييت .IVنيكاالى نوسف
85
قصص وحكايات للبنين والبنات
من زمن فات -الجزء الثانى
I قنسطنطني دمييرتفيتش أوشينسكى ( ) 1871 – 1824 ُيعد “قنسطنطني أوشينسكى” من بني الرواد املتخصصني ً ً كبريا بأدب األطف��ال ،على الرغم من اهتماما الذين اهتم��وا دراس��ته للقانون .ولد “قنس��طنطني أوشينسكى” فى الثالث م��ن يناير عام 1824فى مدينة “أوديس��ا” .وقد أنهى دراس��ته ُ اجلامعي��ة عام 1844من “جامعة موس��كو” ،ثم عمل بعد خترجه م ً درس��ا يف إحدى مدارس الليس��يه اخلاصة بدراس��ة القانون ،ومليوله السياسية والوطنية ُفصل من عمله ً مدرسا يف معهـد فتيات النبـالء ،ثم حمر ًرا فى جمـلة وزارة عام ، 1849وعمـل فيما بعـد الرتبيـة ُ .عني “قنس��طنطني أوشينس��كى” فيما بعد ً رئيس��ا لتحرير جملة “املعاصر” - واسعة االنتشار ، -كتب على صفحتها العديد من املقاالت اخلاصة بالرتبية والتعليم، ّ ً اهتماما ً خاصا بعلمى الرتبية وعلم النفس . يوىل إذ كان قضى “قنس��طنطني أوشينسكى” مخس س��نوات خارج روس��يا زار خالهلا سويسرا وبعض الدول األوروبية األخرى ،حيث درس نظم الرتبية والتعليم ،إذ كانت هذه الدول على قدر كبري من التقدم فى هذا اجملال . لقد رأى “قنس��طنطني أوشينس��كى” بأن التغيري إىل األفض��ل ال يكون عن طريق الث��ورة ،إمنا يك��ون عن طريق الس��لم والرتبية ،وبث األخالق احلمي��دة لدى األطفال ً والنشء .وفى الوقت نفسه كان يؤمن ً راسخا بأن الدين – إىل جانب العلم – ميثل إميانا أحد األسس الراسخة للرتبية . كان “قنس��طنطني أوشينس��كى” من األوائل الذين أثبتوا أن علم الرتبية يهيئ األطفال والنشء حلب العمل ،ألن العمل ميثل قيمة عظيمة وضرورية لإلنسان من الناحية البدنية، والعقالني��ة ،واألخالقي��ة ،ويس��اعد عل��ى الش��عور بعـ��زة النفس ،وكرام��ة وحرية اإلنس��ان ،وحتقيق س��عادته .ومن املالحظ أن “قنس��طنطني أوشينس��كى” كان يدعو فى أعماله إىل نبذ األنانية والوصولية والتكاس��ل والنفعية والنفاق .والتى نالت ش��هرة واس��عة بني الن��اس ،وذلك ملا فيه��ا من قيم أخالقية ف��ى الوقت الذى كان��ت فيه مبثابة وس��يلة تثقيفية ،ومازالت مؤلفاته تص��در بأعداد كبرية ويقرؤه��ا الصغار والكبار حتى اآلن . 87
قصص وحكايات للبنين والبنات
الحصان األعمى حدث هذا منذ زمن بعيد فى وقت مل يكن أجدادنا أو آباء أجدادنا قد ولدوا بعد . كانت توجد على شاطئ البحر مدينة مجيلة تشتهر بالتجارة تسمى “فينيتا” . كان يعي��ش يف ه��ذه املدينة تاجر ثرى يدعى “الش��بعان” ميتل��ك الكثري من املراكب احململة بالبضائع الثمينة التى جتوب البحار البعيدة بغرض التجارة . كان التاج��ر غاي��ة فى الثراء ويعيش حياة البذخ والرفاهي��ة ،واملرجح أنه سمُ ِّ ى “الش��بعان” ألن كل ش��ىء متوفر يف منزله آنذاك .كان هو وأفراد أس��رته يأكلون أوان ذهبية وفضية ويلبسون أغلى الثياب من الديباج ( احلرير ) والفرو ويشربون فى ٍ الن��ادر .كان التاجـ��ر ميتل��ك العـديد من اخلي��ول اجليدة فى حظريت��ه اخلاصة ، لك��ن مل يكن م��ن بينها حصان أكثر س��رعة وأمجل هيئة م��ن حصانه اخلاص الذى أطلق عليه اس��ـم “س��ـ ّباق الريح” لس��ـرعته فى اجلرى والذى ال يوجد مثله فى املدينة كلها ،ولذلك فقد أصبح احلصان احملبب إليه وال يسمح ألحد بركوبه فى ً حصانا غريه . الوقت الذى مل يرض التاجر أن ميتطى وذات ي��وم أثن��اء ع��ودة التاجر من إحدى رحالت��ه التجارية إىل مدين��ة “فينيتا” كان م��ن الضرورى أن مير حبصانة خالل غابة واس��عة مظلمة كان ذلك فى وقت اللي��ل حي��ث كان الظالم املخي��ف خييم على الغاب��ة ،وفى الوقت ال��ذى كانت فيه الرياح تهز بشدة أغصان شجر الصنوبر . ً ً ممتطيا حصانه خبطوات بطيئة وحيدا وس��ط هذه الغابة الواس��عة س��ار التاجر ً حفاظ��ا على حصانه احملبب إليه ،والذى أعي��اه التعب من طول الرحلة .وفجأة وثب من بني األشجار ستة من قطاع الطرق ،عراض املناكب ،يضعون على وجوههم أقنعة رمست عليها وجوه حيوانات متوحش��ة ،وعلى رءوسهم أغطية كثيفة الشعر وفى أيديهم الرماح ّ واملدى .ثالثة كانوا ميتطون جيادهم ،أما الثالثة اآلخرون فكانوا مرتجلني دون جياد .وقد أمس��ك اثنان منهم بلجام حصان التاجر ليمنعوه من الس�ير. ً حصانا آخر غري حصانه “س�� ّباق الريح” ما اس��تطاع أن ول��و كان التاج��ر قد رك��ب يص��ل إىل بيت��ه أو يرى مدينت��ه مرة أخرى .فعندما ش��عر حصانه بي��د غريبة قد َ اندفع بش��دة إىل األمام وبضربة من صدره القوى أوقع على األرض اثنني ملس��ت جلامه 88
من زمن فات -الجزء الثانى
من هؤالء األش��رار ،ثم َ دهس بأقدامه الش��رير الثالث ال��ذى كان يلوح برحمه ليوقف “س�� ّباق الريح” عن الس�ير ثم مضى كالعاصفة إىل األمام .فانطلق وراءه قطاع الطرق الثالث��ة اآلخ��رون جبيادهم القوية والس��ريعة ً أيضا ،لكنها مل تس��تطع اللحاق به على اإلطالق . وعل��ى الرغم م��ن طول الرحلة ومش��قتها ،فإن إحس��اس احلصان مبط��اردة قطاع ً تاركا وراءه هؤالء الطرق لصاحبه جعله يطري كالس��هم املنطلق من قوس مش��دود ً ممتطيا األش��رار احلانقني مبسافة بعيدة .وبعد نصف س��اعة دخل التاجر مدينته حصانه . ُ التاجر عند نزوله عن ظهر جواده أن جنبى “س�� ّباق الريح” قد انتفخت من الح��ظ آث��ار التع��ب .وفى هذه اللحظة ربت التاجر على رقبة جواده “س��باق الريح” وقد أخذ ً عهدا على نفس��ه بأنه مهما حدث من أمور فلن يبيع حصانه الوفى هذا أو يطرده فى ي��وم من األيام حتى ولو أصابته الش��يخوخة .وقد أمر الس��ايس ب��أن يقدم حلصانه ً يوميا ثالثة مكاييل من أحسن أنواع الش��وفان (الشعري) .ثم أسرع “الش��بعان” إىل أوالده وزوجت��ه عل��ى الف��ور لالطمئن��ان عليه��م ، ومل يشرف بنفسه حلظة عودتة عل��ى إطعام حصان��ه ،بل تركه للسايس الكسول الذى مل حيسن العناي��ة باحلص��ان كم��ا جيب ، فقد أخطأ الس��ايس حينما سقى احلص��ان م��ا ًء مباش��رة بع��د هذه الرحلة الش��اقة ،إذ كان ينبغى علي��ه أن ينتظ��ر الوق��ت الكافى لراح��ة احلص��ان ثم يس��قيه بعد ذل��ك ،ونتيجة لذل��ك بدأ يضعف احلص��ان وقد بدا عليه الس��قم ثم فقد بصره آخر األمر . ومضى نص��ف عام والتاجر باق على عه��ده يف تقديم املكاييل الثالث��ة م��ن الش��وفان حلصان��ه 89
قصص وحكايات للبنين والبنات
املوجود فى احلظرية . ً جوادا آخر وبدا له بعد ش��هور أنه من غري املعقول اش�ترى التاجر بعد ذلك لنفس��ه ً حصان��ا أعمى ال فائ��دة منه بثالثة مكايي��ل من الش��وفان ،فأمر بإعطائه أن يطع��م مكيال�ين فق��ط .ومر نصف عام آخر .وقد عادت احلياة إىل “س��باق الريح” وبالتاىل أصبح فى حاجة إىل االستمرار فى إطعامه لفرتة طويلة . َ ً ً ً ً وأخريا ق َّر َر التاجر يوميا . واحدا فقط مكياال لكن التاجر أمر بأال يقدم له سوى ً طرد هذا احلصان األعمى كى ال يش��غل مكانا ف��ى احلظرية دون فائدة .وبالفعل ً مرتبط��ا باملكان ال يريد ق��د قام عمال التاجر بطرده وضرب��ه بالعصى ،ألنه كان ترك احلظرية ويصر على البقاء فيها .مل يدرك “س ّباق الريح” األعمى املسكني سبب م��ا يفعلون��ه به ،ومل يع��رف ومل ير إىل أين يذه��ب ،ولذلك بقى ً واقف��ا خلف بوابة املنزل ُمنكس الرأس يهز أذنيه ويبدو عليه احلزن واألسى ! . حل الليل وبدأ الثلج يتساقط وأصبح من الصعوبة مبكان أن يرقد هذا احلصان املسكني على أرض مليئة باألحجار الصغرية الصلبة ،وفى جو ثلجى قارس الربودة. وبق��ى احلصان ً ً وأخريا ش��عر باجلوع واقف��ا مل يتحرك من مكانه س��اعات طويلة ، فاضطر إىل البحث عن طعام له ،فسار املسكني األعمى وهو ُمتعب دون توقف ً رافعا رأس��ه إىل أعلى ويتش��مم ف��ى اهلواء رمبا يعثر ف��ى مكان ما عل��ى بقايا حزمة من الدريس تكون مدالة من أحد السقوف القدمية . من الضرورى أن تعلم – عزيزى القارئ – أن ما كان حيدث فى هذه املدينة ً متاما مثلم��ا كان حيدث يف قديم الزمان من حيث نظ��ام احلكم .فلم يكن هناك أمري حيكم ،بل كان س��كان املدينة حيكمون أنفس��هم بأنفسهم .كانوا جيتمعون يف املي��دان الرئيس��ى للمدين��ة وذلك الخت��اذ قرارته��م املهمة .كان ه��ذا االجتماع جيمع الشعب كله حلل مشاكلهم اخلاصة وكذلك التقاضى والقصاص ويسمى هذا االجتماع بالندوة الشعبية .وتعقد الندوة يف ميدان وسط املدينة حيث يوجد ج��رس كبري معل��ق على أربعة أعم��دة ،وحينما يس��مع رنينه فى أرج��اء املدينة جيتمع الناس على الفور . ً وم��ن الطبيع��ى أن أح��دا مل جيرؤ عل��ى دق هذا اجلرس إال ألس��باب قوي��ة وإال نال ً ً عنيفا من أهل املدينة .وعندما كان احلصان األعمى جيول يف امليدان وهو توبيخ��ا يئن من شدة اجلوع عثر صدفة على األعمدة التى يثبت عليها اجلرس ،ورمبا اعتقد أن احلبل الذى يتحكم فى لس��ان اجلرس ما هو إال بعض القش ليس��د به رمقه ،وما ْ أن ب��دأ جير احلبل بأس��نانه حتى مسع��ت دقات اجلرس تقرع بش��دة وعلى الرغم من 90
من زمن فات -الجزء الثانى
ً مبكرا ،فقد أس��رع أهل املدين��ة إىل امليدان من كل صوب وحدب أن الوق��ت كان ملعرفة السبب . كان أه��اىل املدين��ة كلهم يعلم��ون ً جيدا أن “س�� ّباق الريح” ق��د أنقذ صاحبه من اهلالك احملتوم ،ويعلمون ً أيضا بالعهد الذى أخذه التاجر على نفس��ه بالنس��بة حلصان��ه ،لكنه��م تعجب��وا عندما وجدوا “س�� ّباق الريح” يقف وس��ط امليدان هزيالً ً جـائع��ا يرتعـش من الربد القـارص ،وقد غطى اجلليد جس��مه ،وس��رعان ما اتضح األم��ر ،عندئذ عرف األهاىل أن التاجر الثرى قد طرد جواده الضرير الذى أنقذه ً يوما ما ،واقتنعوا بأن للجواد احلق فى أن يدعوهم إىل الندوة الشعبية . دع��ا األهالي التاجر الثرى ناكر املع��روف وقدموه للمحاكمة ،وعلى الرغم مما ذكره هلم من تربيرات فقد ألزموه بعودة “س ّباق الريح” إىل حظريته وإطعامه كما كان م��ن قبل حت��ى آخـر عمره باإلضـافة إىل تعـيني ش��ـخص م��ن بينهـم ملتابعـة ً منقوش��ا على حجر موجود وس��ط املدينة تنفيذ احلكم .ومازال نص هذا احلكم كتذكار هلذا احلدث ! .
91
قصص وحكايات للبنين والبنات
حكمة الصرب كان يعي��ش ديـ��ك صـغري وأخـت��ه الكـ�برى الفـرخة مع بعضهما يف عش��ة صغرية .ويف ي��وم من األيام جرى الديك الصغري إىل احلديقة وبدأ يلتقط مبنقاره حبات العنب األخضر – الذى مل ينضج بعد – فقالت له أخته الفرخة : ً ال ت��أكل من ه��ذا العنب ..انتظر واصرب حتى ينض��ج العنب ويكون صاحلالألكل . لك��ن الدي��ك الصغ�ير مل يس��تمع إىل نصيحة أخت��ه الك�برى ،وأخذ يأكل وي��أكل حت��ى امت�لأت معدته ً متام��ا ..ثم رجع مع أخت��ه الفرخة إىل املن��زل .وفى الطريق بدأ يشكو من وجع يف معدته وهو يقول : ً ً آه ....آه ..ماذا حدث فى معدتى ؟ إنها تؤملنى يا أختى أملا شديدا .ً كوبا من النعناع وأجلس��ته فى الس��رير ،وأعطته بعض أع��دت الفرخة ألخيها متاما ..خرج الديك بعد ذلك إىل احلقل ،وجرى هنا وهناك ً األدوية حتى شفى ً فرحا مس��رو ًرا ً ، فاردا جناحيه ليدفئ جس��مه بأشعة الشمس ،وبقى هكذا حتى تصبب ً عرقا ،فأحس بالعطش الشديد فأسرع إىل جمرى املاء حيث يأتى إليه املاء البارد الذى يس��قط بعد ذوبان الثل��وج املوجودة فوق أعالي اجلبال . فصاحت أخته عليه وقالت : ال تش��رب م��ن هذ امل��اء الب��ارد واصربحتى تعود إىل املنزل وإال ستمرض بالتهاب يف اللوز ،وترتفع درجة حرارتك .مل يأخذ الديك الصغري بنصيحة أخته الكربى وبدأ يشرب من اجملرى .وملا شعر برعشة فى جسمه َق َّررَ الذهاب إىل املنزل وهو يسري بصعوبة شديدة . أسرعت أخته يف احلال إىل الطبيب ّ وقصت عليه ما حدث فأعطى الطبيب هلا الدواء ،لكن الدواء م��را ً كان ً جدا ،ونصحه��ا بأنه من الضرورى 92
من زمن فات -الجزء الثانى
على أخيها الديك أن يرقد يف السرير ملدة أسبوعني على األقل . ُش��فى الديك ..ثم خرج للتنزه ..كان الش��تاء قد جاء وأخذ الثلج يس��قط بغزارة مما جعل درجة احلرارة تقل عن الصفر حتى غطت الثلوج جمرى املاء الكبري .أراد الدي��ك الصغري التزجل بالزحافات على اجلليد الذى غطى اجملرى ً متاما ،لكن أخته حذرته وقالت له : ال داع للتزجل اآلن وانتظر ،فإن الطبقة الثلجية التى غطت اجملرى ما زالت هش��ةوضعيفة ،وإذا حاولت التزجل عليها اآلن ،فسوف تسقط يف ماء اجملرى ولن تستطيع اخلروج .. مل يس��تمع الديك الصغري إىل نصيحة أخت��ه الكربى وأخذ الزحافات وذهب بها إىل اجمل��رى ..وب��دأ ف��ى التزجل ..إال أن طبق��ة اجلليد التى كان��ت تغطى اجملرى قد تش��ققت وفجأة س��قط الديك حتتها ومل يظهر بعد ذلك سوى رأس الديك وهو يصرخ ويقول : احلقونى ..احلقونى ...النجدة ...النجدة ..هذه آخر مرة وسوف أمسع نصائح منهم أكرب منى ! .
93
قصص وحكايات للبنين والبنات
الرياح والشمس يف يوم ما حدث جدل بني الش��مس والرياح الش��مالية الش��ديدة حول َم ْن منهما األكثر قوة .طال اجلدل بينهما . ً وأخريا اتفقا على إجراء جتربة قوة كل منهما فى انتزاع معطف أحد املسافرين على جواده يف طريق فسيح . قالت الرياح للشمس : انظري ما س��أفعل به ..س��أهجم علي��ه وبعد حلظة وجيزة س��وف انتزع من علىجسمه معطفه الذى يرتديه . وبدأت الرياح تهب بكل ما لديها من قوة .وكلما زادت فى قوتها التحف الفارس مبعطفه أكثر فأكثر وهو متذمر من سوء حالة اجلو امللبد بالغيوم ،لكنه كان يواصل طريقه ومل يتوقف .. غضب��ت الري��ح وأصبحت أكثر قوة وقس��وة وض��راوة مما أدى إىل س��قوط أمطار والثلج على املس��افر املس��كني الذى كان يوجه اللعنات إىل تلك الرياح القاس��ية ، فاضطر إىل ربط معطفه باحلزام بش��دة .وهنا حتققت الرياح من عدم مقدرتها على انتزاع معطف املسافر . س��خرت الشمس من منافستها – الرياح – وتبس��مت ،أخذت تظهر من بني السحب وترس��ل أش��عتها فأدفأت الدنيا ،وجفف��ت األرض مبا فى ذلك الفارس املس��كني الذى كان يعانى من الربد الشديد . انتعش جس��م الف��ارس وعندما ش��عر بالدفء أثنى على الش��مس ..وحينما ش��عر بإرتفاع درجة حرارة الشمس خلع معطفه بإرادته وربطه فى سياج جواده . وهنا قالت الشمس اهلادئة للرياح الغاضبة : أرأيت ما فعلت أنا ؟ من املمكن أن تفعلى ما تريدين بالرفق والرقة وليس كمافعلتى أنت بالعنف والقسوة . 94
من زمن فات -الجزء الثانى
املاعزان ذات م��رة تقابل ماعزان عنيدان عند جذع ش��جرة ضيق ُو ِض َع بني جس��رى ترعة للعبور عليه ..وكان من املس��تحيل عليهما عبور الرتعة فى وقت واحد ،فكان من الضرورى ألحدهما أن ينتظر ويعطى لآلخر الطريق للمرور إىل اجلس��ر اآلخر ،ألن اجلذع ال يتسع إال ملرور واحد منهما فقط . فقال أحدهما لآلخر : أتسمح ىل بالطريق كى أعرب ؟فأجاب الثانى : ومل��ا أنا !!؟ .ابتعد أنت وارج��ع إىل اخللف فأنا جئت هنا منقبلك ،ومن املفروض أن تنتظر حتى أعرب . أنا أكرب منك بس��نوات كثرية وتريد أن أفس��حالطري��ق ملن هو أصغ��ر منى ؟ ال ،لن يك��ون هذا بأي حال من األحوال . مل يفك��ر االثن��ان ف��ى ً كثريا ،بل بدأ األمر كل منهم��ا ينطح اآلخ��ر جببهت��ه حت��ى القوي��ة تشابكت قرونهما. الش��جار وازداد بينهما وهما واقفان عل��ى أرجلهما اخللفي��ة الرفيعة فوق جذع الش��جرة ..كان جذع الش��جرة ً مبت�لا باملاء ،فانزلقت أرجلهما وس��قطا فى الرتعة نتيجية عنادهما ! . . 95
قصص وحكايات للبنين والبنات
الثعلب واملاعز ج��رى ثعلب وهو يتج��ه إىل أعلى ً فاحتا فمه على غراب صغ�ير يطري بالقرب من األرض ..ويف أثن��اء ذلك ،ودون أن يدرى وقع يف بئر من املاء ..كان فى البئر ماء قليل ً حزينا ال يس��مح للثعلب بالغرق فيه أو أن يقفز إىل اخل��ارج ..فبقى الثعلب فى البئر ً بائسا . ويف أثناء ذلك ،كان يسري ماعز بالقرب من البئر يهز حليته الفضفاضة وتتمايل ً حائرا فى القاع فسأله املاعز : رأسه ..ثم ألقى نظرة داخل البئر فرأى الثعلب ماذا تفعل هنا أيها الثعلب ؟؟فأجاب��ه الثعلب :جئت إىل هنا يا عزيزى للراحة بعض الوقت ،فاجلو حار عندك ول��ذا فضلت النزول داخل البئر ألن اجلو هنا رطب .كان املاعز فى ذلك الوقت يش��عر بالظمأ الشديد وفى حاجة ماسة إىل املاء . فسأل الثعلب :هل املياه عندك حسنة ؟؟ أج��اب الثعل��ب :إنه��ا ممت��ازة ونظيفة وب��اردة ..وإذا أردت ميكن��ك أن تقفز إىل ً وفعال هنا فاملكان يتسع لنا حنن االثنني . قفز املاعز إىل داخل البئر فقال له الثعلب : يالك من ماعز ..ال حتس��ن القفز ..انظر كيف أغرقتنى املياه ! . وهنا وثب على ظه��ر املاعز ثم قفز قفزة ً وحيدا كبرية إىل خارج البئر وبقى املاعز يف البئر . ً جوع��ا يف البئ��ر كاد املاع��ز أن مي��وت ..وبع��د البح��ث الطوي��ل عن��ه ،وج��دوه هن��اك فأخرج��وه بعد أن ش��دوه من قرنيه الطويلني .وبذلك استطاع الثعلب مبكره ودهائه أن خيرج من البئر ! . 96
من زمن فات -الجزء الثانى
األطفال فى الغابة الصغرية يف صباح يوم مشمس توجه أخ وأخته إىل املدرسة و كان من الضرورى للوصول إىل املدرس��ة أن خيرتقا احلقول ،واحلدائق املظللة بفروع األشجار الوارفة ً بدال من أن يس�يرا يف الطريق الرئيسى امللئ باألتربة وأشعة الش��مس احلارقة .أما عن احلقول واحلدائق فالطقس فيها معتدل يبعث فى النفس املرح والسرور . ويف الطريق قال األخ ألخته : امسع��ى يا أختى ،أمامنا الوقت الكافى حتى نصل إىل املدرس��ة ،لكننى أرىً ً وممال ،أما فى احلدائق ،فاجلو يبعث على خانقا أن اجلو فى املدرس��ة اآلن سيكون املرح ..أال تس��معى هناك تغريد الطي��ور ! انظرى إىل هذا الطائر اجلميل وهو يتنقل من شجرة إىل أخرى هل متانعى فى قضاء الوقت هنا يا أختى ! . ُ أعجب��ت األخ��ت باق�تراح أخيه��ا ووافقت ،ث��م ألقيا مب��ا كان معهم��ا من كتب وكراريس بني احلش��ائش وانطلقا بني األش��جار اخلضراء ،وأشجار اجلميز كثيفة األوراق حيث إختفيا ً متاما عن األنظار .حقيقة كان يسود حديقة املواحل جو من امل��رح والصخب ،فالطي��ور ترفرف بأجنحتها بال انقطاع تغرد وتش��دو ويتنقل البلبل بني فروع األشجار ،وتسعى احلشرات الصغرية بني احلشائش . ً جعرانا ذا لون ذهبى فقاال له : لقد رأى األخ واألخت يف البداية َّهيا العب معنا يا جعران ..فأجاب اجلعران : كن��ت أمتن��ى ذل��ك ،لكن ليس لدى وق��ت للعب ..فمن الض��روري أن أحبث عنغذائي وأحصل عليه . ثم تركاه فرأيا حنلة صفراء اللون فقال هلا : َّهيا العيب معنا يا حنلة .. أجابت النحلة قائلة : ليس عندي وقت للعب معكما ،فالبد لي من العمل جلمع العسل .ثم سأال بعد ذلك النملة :أال تلعيب معنا ؟ لكن مل يكن لدى النملة الوقت لالستماع إليهما ،إذ كانت حتمل قشة أكرب 97
قصص وحكايات للبنين والبنات
منها بثالثة أضعاف تسري بعجل كي تكمل بناء مسكنها . ثم توجها بعد ذلك إىل البلبل واقرتحا عليه اللعب معهما .لكن البلبل لوح بذيله املنق��وش وأجابهما بأنه يقوم بتخزين كمية م��ن الطعام الذى حيتاج إليه فى فصل الشتاء . ثم طلبا من اليمامة أن تشاركهما اللعب فأجابتهما قائلة : إننى أبين ًعشا ألوالدى الصغار . ومل يهتم األرنب الذي ميتلكه حارس احلديقة بدعوة األخ واألخت للعب معهما إذ جرى إىل جدول املاء ليغسل فمه بعد األكل . مل يكن لدى الزهرة البيضاء وقت للعب مع األطفال إذ كانت تغتنم فرصة الطقس اجلميل ،وتسرع فى جتهيز ثـمرتها للنضج كى تصبح ثـمرة لذيذة الطعم .
98
من زمن فات -الجزء الثانى
وش��عر الطفالن بالوحدة وامللل ؛ ألن اجلميع مش��غولون بعملهم وال يريد ٌ أحد أن يضيع وقته فى اللعب معهما . بع��د ذل��ك جريا حنو جدول املاء الذى كان مير وس��ط ه��ذه احلديقة الصغرية ، وقاال له : ً ًحقا ،يبدو أن عندك فراغا من الوقت فلتلعب معنا ..فأجابهما غاض ًبا . م��اذا تق��والن ؟؟!! عندي فراغ من الوقت ؟! يالكما من طفلني كس��ولني ! انظرَّ إىل ..إنن��ى أعم��ل ً ونه��ارا ال أس�تريح ً ً أبدا ولو لدقيقة واحدة .أمل أس��ق اإلنس��ان ليال واحليوان ؟ من غريى ينظف املالبس ويدير عجالت الطواحني وحيمل املراكب على س��طح امل��اء وخيمد احلرائ��ق ؟ آه ..إن رأس��ى ً دائما فى دوامة من كث��رة ما عندى من أعمال . ً ً وأخريا فكرا يف أنه من األفض��ل هلما الذهاب إىل أصب��ح الطفالن أكثر مل�لا .. املدرس��ة ،ث��م يع��ودان إىل احلديقة للتنزه .يف ذل��ك الوقت الحظ الطف��ل عصفوراً ً مجي�لا على فرع ش��جرة جيلس يف هدوء يغن��ى لصغريه أغنية مرح��ة ،ويبدو أن لديه وقت فراغ وال عمل له . ً قائال : نادى عليه الطفل ي��ا هلا من أغني��ة مرحة ،يبدو أنه ليس لديك عمل تقوم به ،إذ إنك تقضي وقت الفراغ يف الغناء . فأجاب العصفور غاض ًبا : ماذا تقول ؟! ليس لدي ما أقوم به ؟! أمل أقم طوال الوقت منذ الصباح الباكر جبمعم��ا أطعم ب��ه أوالدي ؟ َّ على فرد جناحى من كثرة اجملهود ال��ذي بذلته .وكما ترى أغنى وأداعب أوالدي الصغار بهذه األغنية .أما أنتما أيها الكساىل ماذا فعلتما اليوم؟ مل تذهبا إىل املدرس��ة ومل تذاكرا دروس��كما وتتجوالن هنا وهناك بدون هدف يف ه��ذه احلديق��ة الصغ�يرة ،بل وتعط�لان اآلخرين ع��ن العمل .م��ن األفضل لكما ً جيدا .فإن ال��ذي يتمتع بالراحة أن تذهب��ا حيث أرس��لكما والدكما ،وتذاك��را ويستمتع باللعب ذلك الذي يعمل ويكد وينجز ما جيب عليه أن يفعله . وهنا ش��عر الطفالن باخلجل الشديد فذهبا على الفور إىل املدرسة على الرغم من َّ ً متأخرا إال أنهما اجتهدا لكي يعوضا ما فاتهما من الدروس ! . أن وصوهلما كان
99
قصص وحكايات للبنين والبنات
الصقر والقطة يف أح��د حقول الري��ف اهلادئة جلس��ت قطة تلعب م��ع أوالده��ا الصغار فرحني ً مجيعا بأشعة مشس الربيع الدافئة .والسعادة ترفرف على هذه األسرة الصغرية . وفج��أة ،وإذا بصق��ر برى كبري احلجم ال تدرى القط��ة األم من أين ظهر وقد هبط من أعلى كالصاعقة وخطف أحد أوالدها الصغار . مل يك��د الصق��ر يرتفع بفريس��ته حتى هجمت علي��ه القطة األم وتش��بثت به فاضطر إىل أن يلقى بالقطيطة على األرض ،ويدخل فى معركة مع القطة األم . تف��وق الصقر يف البداي��ة مبا لديه من أجنحة قوية ومنق��ار وأرجل ذوات أظافر ً جرحا فى جسم القطة األم التى مل تستسلم حادة طويلة ،وبذلك استطاع أن حيدث أو تفقد ش��جاعتها ،بل تش��بثت مبخالبها جبس��م الصق��ر وقطعت بأس��نانها جناحه األمين . وانتصرت القطة هذه املرة ،لكن الصقر مازال يشعر بالقوة .تعبت القطة نتيجة املعركة إال أنها اس��تجمعت ما بقى عندها م��ن طاقة ،ثم قامت بقفزة جريئة على الصقر فأوقعته على األرض .وفى اللحظة نفس��ها أحدثت ً قطعا يف رأس��ه بأس��نانها ، ُ ً وأخريا أخذت تلعق بلس��انها جروح وقد نس��يت ما أصابها من جروح وختلصت منه .. ابنتها الصغرية وتشعر بالفرح إلنقاذها !! .
100
من زمن فات -الجزء الثانى
البيضة الغريبة مكانا ً ً ً هادئ��ا يف حظرية الدواجن مبكرا الس��يدة العجوز واختارت اس��تيقظت حيث وضعت سلة بها بعض القش اللني ،ثم بسطت عليه ثالث عشرة بيضة وأرقدت عليها الدجاجة . مل تنتبه العجوز إىل أن واحدة من البيضات الثالث عش��رة كانت متيل إىل اللون ً ضعيفا . األخضر بعض الشيء عن األخريات ألن ضوء الصباح الباكر كان كان��ت الدجاجة ترقد جبدية على البيض لتدفئته ،وإذا جاعت كانت تذهب بس��رعة تلتقط طعامها من احلبوب وتشرب ما حتتاجه إليه من ماء ثم تعود بسرعة لرتقد على البيض .كان ريش املس��كينة يسقط وتبدو عليها احلرية ،قلقة على البيض ومل تسمح ألحد باإلقرتاب منه حتى الديك الذي كان يعيش معها .وكانت تطمئن على البيض من حلظة إىل أخرى أثناء تناوهلا الطعام . رق��دت الدجاج��ة على البي��ض حواىل ثالث��ة أس��ابيع ،وخرج��ت الكتاكيت كتك��وت تلو اآلخ��ر ..تنقر فى األرض وتقفز هنا وهن��اك ،تفرد أجنحتها وحتاول اجلرى ،وجترف الرتاب بأرجلها ً حبثا عن الديدان الصغرية اللتقاطها .أما الكتكوت ال��ذي كان داخ��ل البيضة اخلضراء مل يظه��ر إال بعد ظه��ور الكتاكيت األخرى ، ً مدورا – له ريش صغري ولونه أصفر ..رجاله وكان غري ًبا يف شكله عن اآلخرين – قصريتان ،وأنفه عريض .أخذت الدجاجة تفكر فى أمر هذا الكتكوت . وهى تقول يف نفسها : لق��د ظهر لدى كتكوت غريب ،ينقر يف األرض وخيطو بطريقة ختتلف عنطريقتنا ،أنفه عريض ،وأرجله قصرية ،أعوج الساقني . وتعجب��ت الدجاجة هلذا الكتك��وت ،لكنه على أى األح��وال فهو ابنها حتبه وتعتين به كأخوته ..فإذا حملت من بعيد احلدأة فردت جناحيها عن آخرهما وختبئ أوالدهما حتتهما وتغطيهم بهما ال تفرق بني هذا الكتكوت واآلخرين . ب��دأت الدجاج��ة تعلم أوالدها كي��ف يلتقطون الدي��دان ويبحثون عنها يف األرض . 101
قصص وحكايات للبنين والبنات
وذات م��رة أخ��ذت الدجاج��ة الكتاكيت إىل ش��اطئ الربك��ة :حيث تكثر الدي��دان واألرض هن��اك أكثر ليونة وليس��ت صلبة .وعندم��ا رأى الكتكوت ذو األرجل القصرية ماء الربك��ة اندفع فيها على الفور فأخذت الدجاجة تصيح وتلوح بأجنحته��ا وهي تندفع حنو املاء ..أما الكتاكيت األخرى فقد أصابها القلق جيرون هنا وهناك ويصيحون دون توقف .ثم وثب ديك كان بالقرب منهم فوق صخرة عالية َ وم َّد رقبته وللمرة األوىل يف حياته يصيح بصوت أجش :
ك��و – ك��و – رى – كو ..النجدة أيه��ا الناس الطيبون ،النج��دة ..هناك أخ لنايغرق . لكن الكتكوت مل يغرق ،بل كان مسرو ًرا يسبح يف سهولة ويسر كقطعة ورق تطفو فوق س��طح املاء جيدف بأرجله الغش��ائية العريضة .وهنا خرجت العجوز بسرعة من كوخها على صوت الدجاجة ،ورأت ما حيدث فقالت يف نفسها : يال��ه من خطأ قد ارتكبت��ه ! يبدو أننى وضعت حت��ت الدجاجة بيضة البطةبسرعة دون أن أنتبه .. أم��ا الدجاجة املس��كينة فاندفعت حنو الربكة ،إلنق��اذ البطة الصغرية وبعد جهد جهيد استطاعوا أن يبعدوها عن املاء !! .
102
من زمن فات -الجزء الثانى
II قصص شعبية روسية مقدمه يض��م الفلكل��ور الش��عبى :احلكاي��ات ،واألغان��ى ،واألس��اطري ،والزج��ل اليت تتوارثها الشعوب من جيل إىل جيل . وتع��د احلكاي��ات من أهم أش��كال الفلكلور الش��عبى ملا تتضمن��ه من عادات وتقاليد وثقافة وأصالة وطبيعة هذا الشعب أو ذاك . بني أيدينا جمموعة قصصية لألطفال والنشء من الفلكلور الش��عبى الروس��ى مرتمج��ة من اللغة الروس��ية ،كى نتع��رف عليها ،فمضامينها ليس��ت ببعيدة عن مضامني القصص الشعبى عند العرب واملسلمني ،وإن دلت على شيء فإمنا تدل على اإلقدام ،والشجاعة ،والصدق ،واألمانة ،والوفاء ،والقناعة ،كما أنها تكشف عن حلم كل الش��عوب بأن يس��ود الس�لام ،وأن ينعم اإلنسان بالس��عادة تلك القيم التى ً مجيعا أن نبثها فى نفوس أبنائنا . حناول
103
قصص وحكايات للبنين والبنات
الصديقان كان يعي��ش ف��ى إحدى الق��رى ش��ابان صديق��ان جتمعهما صداق��ة محيمة ، ً وكثريا ما كانا يلتقيان .وذات مرة دار بينهما هذا احلوار : الصدي��ق األول :آه ل��و كان عندى مائة من إناث اخليل ألصبحت أس��عد إنس��ان فىالدنيا !!! الصديق الثانى :فيما تقدم اخليول من سعادة؟ فبالنسبة ىل لو كان لدى مائة منً مجيعا . األصدقاء األوفياء ألصبحت أسعد الناس ً (جمادال) ،ال ،هذا غري صحيح فإن امتالك اخليول هو أفضل بكثري الصديق األول :شيء آخر فى الوجود . من أى ٍ ش��يء على الصدي��ق الثانى :إن��ى ال أوافقك هذا الرأى ،فاألصدقاء األوفياء هم أفضلٍ اإلطالق . وانتهى احلوار وتفرقا ...... وعندما تقابال مرة أخرى اس��تأنفا احلديث عمن هو أفضل وأجدر لإلنسان وأخذا ً وأخريا اتفقا على اآلتى : يتجادالن ويتبادالن الرأى فلينطلق كل منا فى طريقه ومن هو فى حاجة إىل اخليول فليجمعها ،ومن هو فى حاجة إىل أصدقاء أوفياء فليبحث عنهم . مرت فرتة من الزمن وعاد الشبان والتقى من جديد فى قريتهما ،وراح يسأل كل منهما اآلخر : الصديق األول :قل ىل ،هل جنحت فيما كنت تبحث عنه؟. الصدي��ق الثان��ى :نعم ،لقد اس��تطعت أن أس��تحوذ على صداقة تس��عة وتس��عنيً صديقا ،وأنا سعيد بهم .أما أنت فماذا فعلت فى رحلتك ؟ . الصدي��ق األول :مل تك��ن الرحلة س��يئة ،فقد اس��تطعت أن أحصل على تس��عةً ً أصيال. جوادا وتسعني 104
من زمن فات -الجزء الثانى
عندئ��ذ ق��ال الصدي��ق الثان��ى لصديقه : لكى تس��تكمل ع��دد اخليلال��ذى كن��ت تصب��و إلي��ه – وهى مائ��ة – فس��أهدى ل��ك حصان��ى الوحي��د الذى أمتلك��ه ،فهو من أمجل اخليول وأسرعها !!! الصدي��ق األول :إذا فعل��ت ه��ذاً صديقا ً وفيا لك . سأكون ً الصدي��ق الثان��ى :حس��نا لق��دأصب��ح عن��دى اآلن مائ��ة صديق بالتمام والكمال ،وهذا ما كنت أمتناه .كم أنا سعيد اآلن !!! الصدي��ق األول :أصب��ح اآلن لدىمائة من اخليول بالتمام والكمال ،وأعتقد أنه ال يوجد شخص آخر أكثر منى سعادة . ثم ذهب الصديق األول إىل والدته وقال هلا : ً انظ��ري يا أم��اه ...مل يكن عبثاعندما ذهبت لفرتة طويلة لكى أحبث فيها عن إناث اخليول ...انظري يا أماه كم أمتلك من اخليول األصيلة !!! يا هلا من سعادة ...وفى القريب العاجل سأكون أكثر سعادة وثراء ...فسوف تنجب تلك اإلن��اث خالل عام العديد من األمهر ،وخالل أعوام قليلة س��يكون لدى أكرب عدد من اخليول فى منطقتنا . استمعت األم إىل ولدها وشاطرته سعادته . ذه��ب الصديق الثانى إىل والدت��ه وأخذ يقص عليها ما قام به أثناء رحلته ،وأخربها باألماك��ن الت��ى زاره��ا وما رآه ف��ى الطريق ،وكيف وم��ع َم ْن أقام صداق��ة وثيقة ، ًَ قائال: واستطرد حديثه إننى اآلن فى قمة السعادة ،فلدى مائة صديق بالتمام والكمال .105
قصص وحكايات للبنين والبنات
استمعت األم إىل حكايات ابنها وفكرت َ مليا ثم قالت له : امسع يا بنى .هذا شي ٌء مجيل ،ولكن أنصحك بأال حتكم عليهم بأنهم أصدقاؤكقب��ل أن ختتربه��م ،وتقتنع بأنه��م أوفياء ً حق��ا .وهذا لي��س بالكلم��ات وحدها ،بل باألفعال ،وعندئذ من املمكن أن تقول بأنك سعيد . فقال هلا : وكيف أستطيع ،يا أماه التحقق من ذلك ؟ .عندئذ قالت األم : امت��ط حصان��ك و اذهب ب��ه إىل كل القرى الت��ى تعرفت فيها عل��ى أ صدقائك وقل ِ هل��م لق��د حدثت لك كارث��ة ما ،وأنك فقدت عل��ى أثرها كل ما متتل��ك ،ونتيجة لتصرفاتهم ستتأكد مدى عالقاتهم بك ،وموقفهم منك بعد ما حدث لك . وعل��ى الفور جه��ز ُ االبن حصانه ،وانطلق جيوب القرى وخي�بر أصدقاءه عن كارثة قد حلت به . ف��ى تل��ك الليلة الت��ى ترك فيها قريت��ه حدثت كارث��ة حقيقية ،إذ ق��ام اللصوص بس��رقة كل إناث اخليل ،التى كان ميتلكها صديقه ،الذى استيقظ فى الصباح َ فقريا كما ومل جي��د م��ا كان لديه من خيول ،وبذلك قد فقد كل ش��يء ،وأصبح كان من قبل ،وسيطر عليه احلزن واألسى ....وأخذ يبحث هنا وهناك ويسأل كل ً ً قطيعا من اخليول م��ع إعطائهم لصوص��ا يس��وقون م��ن يقابله��م عم��ا إذا كانوا رأوا عالم��ات عن مالحمها وأش��كاهلا ،ولكنه مل يكن يس��مع من اجلمي��ع إال إجابة واحدة وهى : مل نر ،ومل نعرف .هك��ذا ع��اد إىل بيته خاىل الوف��اض ،ومل يعثر على ش��يء .و جلس فى ركن من ً قائال: منزله وقد أمسك رأسه بكلتا يديه انطفأت سعادتى ،التى أضاءت حياتى لربهة من الزمن .أما الصديق الثانى عاد إىل قريته وقال لوالدته : لق��د حتقق��ت ي��ا أماه م��ن أن أصدقائى -أصدق��اء أوفياء .ليتك كن��ت معى ورأيتبعين��ك مدى تكدره��م ،وما أصابهم من احل��زن .وفى احلال أخ��ذ كل واحد منهم يع��رض ٌ على إم��ا نقود ،أو مالبس ،أو خيول .وقد رفضت عل��ى الفور ،وقلت هلم إنين لست فى حاجة إىل هذه األشياء ،إال أنهم أصروا ومل ينصتوا إىل .تعال يا أماه ،انظري بنفسك ! 106
من زمن فات -الجزء الثانى
وهن��ا نظ��رت األم ورأت م��ا مل تكن تتوقعه ً . أناس��ا قادمني م��ن كل حدب وصوب . فمنهم من يس��وق ماشية ،وآخرون حيملون ً خبزا ،وبعضهم يأتون بالطيور ،وكثري منهم حيملون املالبس ،ومجوع حيملون األوانى ...... جاء هؤالء األصدقاء ،واقرتبوا من املنزل وقالوا : أيها الصديق العزيز ،ال ترفض ما جئنا به لك وال تغضبنا برفضك إياها .ش��كر كل من األم واالبن األصدق��اء القادمني ،وطل ًبا منهم أن يع��ودوا أدراجهم مبا كانوا حيملون من هدايا ،وقالت هلم األم : كنا نود اختباركم فقط ليس إال .غ�ير أن األصدقاء أبوا أن ينصت��وا إليها ،وتركوا كل ما كان��وا حيملون من هدايا البنها ومتنوا له السعادة األبدية ،وتفرق كل إىل بلدته . وهنا قالت األم البنها: ً ً كن��ت على حق ي��ا بين ،إنهم حقا أصدقاء أوفياء .اآلن تس��تطيع أن تقول فعال إنكأسعد إنسان . هن��ا أبلغ��ت األم ابنها مب��ا حدث لصديقه عن س��رقة اخليول كلها ،ف��ى تلك الليلة نفسها التى سافر فيها االبن للقرى اجملاورة إىل أصدقائه . َ عندئذ أعطى االبن لصديقه كل ما جاء به أصدقاؤه من هدايا قائال له : ال حت��زن ،ي��ا صديقى ،وكن عل��ى يقني ،بأنه طاملا لدى اإلنس��ان صديق ِّوفى لن يشعر ً أبدا أنه وقع فى نكبة أو كارثة . وهنا قال الصديق األول : صدقت يا صديقى ،اآلن أحسس��ت وأدركت بأن أغلى ش��يء فى الوجود ال يتمثلفى امتالك املال ،بل فى وجود الصديق الوفى ،وقد كنت خري مثال على ذلك .
107
قصص وحكايات للبنين والبنات
املاء -أصل الحياة ً قائال له : أمر امللك أحد وزرائه أحضر ىل أصل احلياة كلها .ع��اد الوزي��ر إىل منزل��ه ،وأخ��ذ يفكر ً كثريا فى هذا األمر . سألته ابنته قائلة : ً أبتاه ،ملاذا تبدو حزينا هكذا ؟ً قائال : أجابها الوزير فى حرية أمرن��ى املل��ك ان أحض��ر له صب��اح الغدأصل احلي��اة كلها .فم��ن أين وكيف أس��تطيع أن أحصل عليه��ا وأحضرها له ً وغدا ؟ عندئذ قالت االبنة له : ال حتزن يا أبى ،س��وف أعطى لك صباحغ��د أص��ل احلياة كله��ا ،ف�لا تنزعج . اخلد اآلن إىل النوم فى سكينة واطمئن ً متاما . ذه��ب الوزير لينام ،ولكنه مل يس��تطع أن يغفو .ظل ميعن ف��ى التفكري :من أين تستطيع ابنته أن حتصل على كل البذور ،التى منها أصل احلياة كلها . ً فنجانا مملو ًءا بامل��اء .أخذ الوزير الفنجان من ح��ل الصب��اح .أحضرت االبنة ألبيها ابنته ومحله اىل امللك وقدمه له . هنا قال امللك للوزير : يال��ك من إنس��ان ذكى ً .حقا طاملا يوجد ماء ،فإن الب��ذور ميكنها أن تنمو ويعم ً أيضا بذور ،ولن ينمو زرع ،ولن اخلري ،أما إذا مل يكن هناك ماء -فلن تكون هناك يرتوى إنسان أو حيوان ،ولن يعم اخلري يف هذه الدنيا . 108
من زمن فات -الجزء الثانى
السجادة الزرقاء
( قصة شعبية من أوزبكستان )
فى سالف األزمان كان لدى أحد ملوك تركستان ابن وحيد ،قد كرب وترعرع ً وأصبح ً ً ش��ابا ً وكثريا م��ا كان والده يفكر بعمق عن��د رؤيته البنه وس��يما ، فتيا ويقول فى نفسه : َّ اآلن وقد تقدم بى السن ،وبدأت الشيخوخة تصيبنى ،والبد ىل أن أتنازل له عنمحدا هلل أن َّ ً ً ىل ً ً وريثا عاجال كى حيكم اململك��ة من بعدى . آجال أو الع��رش إن ً ً راض مرتاح البال . وقد أصبح شابا يافعا ،عندئذ لو مت ،تركته وأنا ٍ ً وفى يوم من األيام دعا امللك ابنه الوحيد وأجلسه جبانبه قائال له :اص��غ ي��ا بن��ى ..أمل حي��ن الوقت بعد يا بن��ى للبحث ل��ك عن ع��روس ،وأن تتزوج ِ وتكون لك أس��رة وأن تتحمل مس��ئولية احلكم من بعدى خاصة بعد أن أصابنى الك�بر ؟ ث��م اصطحبه إىل قاعة القصر الفس��يحة ،حيث تعلق عل��ى جدرانها صور عدي��دة لبن��ات امللوك والقياص��رة الفاتن��ات وكل واحدة منهن تبدو أكثر ُح ً س��نا ً ومجاال من األخرى ثم قال البنه : اخرت يا بنى واحدة من هذه الفتيات لتكون زوجة لك ،فمن تعجبك منهن سوفأزوجك إياها ..فهذه ابنة امللك ..وهذه ابنة القيصر ..وها هى ابنة األمري .. طاف األمري القاعة وأخذ ميعن النظر فى مجيع الصور ثم قال لوالده : اعذرن��ى يـا أبتى ،مل تعجبنى ٌأى منهن ومل خيفق قلبى إلحداهن ،فى احلقيقة كله��ن مجي�لات ،وفاتنات وال خالف ف��ى ذلك ،لكن قلبى ال ميي��ل إىل أى منهن ، فلتأذن ىل يا أبتى أن أطوف كل أرجاء اململكة فرمبا أجد َم ْن يهواها قلبى .. وافق امللك على اقرتاح ابنه ومسح له أن يبدأ رحلته للبحث عن شريكة حياتهمن بنات مملكته . َّ وجت��ول االب��ن هنا وهن��اك فى أماكن عدي��دة باململكة ينتقل م��ن قرية إىل أخرى وإىل مزارع الكروم بني التالل ،حيث يرى فتيات كثريات ،مجيالت ،فاتنات 109
قصص وحكايات للبنين والبنات
ويتمتعن بالذكاء وطيبة القلب وبشاش��ة الوجه ،وعلى الرغم من ذلك مل ميل قلب األمري إىل أحداهن . وذات م��رة أثناء جولت��ه بني التالل وجد األمري نفس��ه فى إحدى الق��رى الفقرية ، حي��ث رأى فالح��ة ممش��وقة القد كغصن البان ،وذات ش��عر أس��ود جمعد يش��به خي��وط احلرير ،فش��عر عل��ى الفور بأن هذه الفت��اة هى التى يبحث عنها وأنها س��وف تسكن قلبه مدى احلياة .دخل منزهلا وجلس بالقرب منها وقال هلا : يا أنستى اجلميلة ...هل تقبليننى ًلك ؟ زوجا ِ عندئذ سألته قائلة : َم ْن أنت؟فقال هلا : إننى ابن امللك ووىل العهد .ثم عادت وسألته : وما عملك ؟ ألديك حرفة ما تتقنها ؟ً وهنا اندهش ابن امللك من أسئلتها قائال هلا : أنا لست فى حاجة إىل أن أتقن حرفة ،أو أن يكون ىل عمل ،سبق وأن قلت لكإننى ابن امللك ووىل العهد . فابتسمت الفتاة وقالت : فلتك��ن اب��ن املل��ك ،لكن هذه ليس��ت حرفة ..الي��وم أنت ابن املل��ك ووىل العهدولك��ن ً غدا رمب��ا تفقد منصبك ه��ذا فكيف أن تعول األس��رة اذه��ب وتعلم حرفة تس��تطيع أن تقتات منها وقت احلاج��ة ..وعندما تنتهى من هذه املهمة ،عد إلينا هنا ف��ى القري��ة ،ولن أتردد فى أن أكون زوجة لك ،وإذا مل تنفذ هذا ،فال داعى للمجئ إىل هنا مرة أخرى . ً خرج ابن امللك من بيتها منكس الرأس ،حزينا يفكر فيما قالته له الفتاة . عاد االبن إىل القصر ..وحكى لوالده عما حدث وأى حرفة يستطيع أن يتعلمها. فابتسم امللك وقال البنه : ال حت��زن ي��ا بنى فمن املمك��ن تدبري هذا األمر ث��م أصدر امللك ًأم��را بدعوة أمهر أصح��اب احلرف املختلفة من مجيع أحن��اء اململكة ..وبنا ًء على أمر امللك حضر إىل القيصر أمهر احلدادين ،واخلبازين ،وصانعى الرباميل ،والنساجني ،والنجارين . 110
من زمن فات -الجزء الثانى
وج��اء احلرفي��ون إىل القاعة الفس��يحة املطلية بورق الذهب ينتظ��رون امللك وهم يهمسون فيما بينهم عن سبب جمئيهم إىل القصر ،وها هو امللك خيرج إليهم وبصحبته األمري فاحننى اجلميع هلما وقال امللك هلم : ً أه�لا بكم أيها احلرفيون فى قصرى ...لقد مجعتكم اليوم بغرض تعليم ابنى ً وىل العهد حرفة يدوية يتقنها جيدا .فمن منكم لديه املقدرة على أن يقوم بهذه املهمة ؟ َّ وتعجب احلرفيون من هذا األمر وهزوا رءوس��هم وأخذوا يتهامس��ون فيما بينهم عن ً أن هذه املهمة صعبة جدا إذ كيف يتعلم ابن امللك حرفة الناس البسطاء . ثم سأهلم امللك : أمل يوافق أحد منكم ؟وهن��ا ن��ادى امللك على احل��داد الذى كان ق��د صنع كل بوابات وأقف��ال ومفاتيح القصر واقرتب منه أكثر فأكثر وقال له : إننى على يقني ًمتاما ،بأنك ماهر فى مهنتك هل توافق على أن تعلم األمري حرفتك ً ماهرا مثلك ؟ حتى يصبح لاً فارتبك احلداد َّ ورد على امللك قائ : ومل ال ي��ا صاحب اجلاللة ؟ لكننى ال أس��تطيع أن أجزم مبدى اس��تعداده لتعلمحرفتى هذه . لاً ثم سأله امللك قائ : وكم من الوقت يتطلب تعليمه وإتقانه هذه احلرفة ؟َّ فكر احلداد قليلاً وقال : لن يكون أقل من ثالث سنوات .وهنا رد ابن امللك على الفور : هذه املدة ال تتناسب وظروفى فلن تنتظرنى العروس التى اخرتتها كل هذه املدة .ونادى امللك على صانع الرباميل وسأله : كم تستغرق من الوقت فى تعليم ابنى حرفتك ؟وهنا احننى صانع الرباميل أمام امللك وقال : عامني يا صاحب اجلاللة .111
قصص وحكايات للبنين والبنات
وهنا يدخل ابن امللك قائلاً : هذه مدة طويلة ًجدا . وهك��ذا أخذ امللك يس��أل الواح��د تلو األخر ،وكانت اإلجاب��ة ال تقل عن العام ً ً مش��هورا بفن��ه الفريد فى عمل الس��جاجيد وأخ�يرا س��أل امللك النس��اج والذى كان ً اجلميل��ة الزاهي��ة األل��وان لدرج��ة ان��ه أصب��ح معروف��ا ف��ى اململكة حي��ث يأتى الكثريون من بالد أخرى ليتمتعوا مبشاهدة فنه الفريد . وأنت أيها النساج العجوز – سأل امللك – أال تستطيع تقديم يد املساعدة ؟ً فكر النساج ً قائال : مليا وفرك جبهته ثم رد على امللك ُ ّ ً حسنا يا صاحب اجلاللة ،سوف أ َعلم وىل العهد حرفتى وسأجعله يتقنها ً متاما خالل ثالثة أيام فقط . فرح األمري وقال : إننى موافق على هذا ،فثالثة أيام ليست بفرتة طويلة . خ��رج األمري مع النس��اج العجوز ،وبعد أن مكث عن��ده ثالثة أيام عاد إىل قصرً ومجاال عما يصنعه ذلك النس��اج العجوز ثم أبيه وقد نس��ج س��جاجيد ال تقل روعة صن��ع س��جادة رائع��ة ومجيلة وأخذه��ا ليعرضها على عروس��ه – الفت��اة الفالحة ، فذهب إليها وقال هلا : انظ��رى ي��ا فتاتى ،هذه الس��جادة ق��د صنعتها بنفس��ى ...أتوافق�ين اآلن على أنً زوجا لك ؟ أكون فأجابته الفتاة : أستطيع اآلن أن أتزوجك .ث��م أخذها األم�ير إىل القصر وأعجب به��ا كل من امللك وامللك��ة اللذين باركا زواجهما ،وأقاما هلما حفل زواج بهيج وعاش األمري وعروسه فى سالم ووفاق . ً ومضت الس��نون على زواجهم��ا ورحل والده إىل العامل اآلخ��ر وأصبح االبن ملكا على البالد وذات يوم قال لزوجته : لق��د خط��رت عل��ى باىل فك��رة للتع��رف على أحوال ش��عبى كى أع��رف ماذايقول��ون عن��ى ،وهل هناك َم ْن يدبر ىل مكيدة ؟ وس��وف أقوم به��ذا خفية حتى ال يتعرف َّ على أحد . ً تنكر امللك فى زى ش��حاذ ،وبدأ جولته ف��ى البالد حيمل خرجا به بعض الطعام 112
من زمن فات -الجزء الثانى
ً تكئا على عكاز ،وأمر زوجته بأن تتوىل ش��ئون البالد حتى عودته ،طاف امللك ُم لفرتة طويلة فى القرى واملدن وكان بإمكانه أن يعود إىل قصره بسرعة . ولكن حينما حل املساء ،وأثناء جولته ضل امللك الطريق ،ووجد نفسه فى مكان ً مكانا هلم موح��ش واملع��روف باس��م “ مغ��ارة الثعابني ” الت��ى يتخذها قط��اع الطري��ق لنشاطهم وإذا به يقع فى أيدى هؤالء األشرار الذين قادوه إىل القبو املوجود باملغارة . ثم صاح امللك فى وجوههم قائلاً : -ال يستطيع أحد أن ميسنى بأذى ،أال تعرفوني ؟ فأنا امللك .
113
قصص وحكايات للبنين والبنات
فضحك منه قاطعو الطريق وقال أحدهم : يالك من أفاق :لقد أصبح ملكنا يرتدى مالبس رثة مهلهلة ويطوف بني التالل .وقال آخر : لاً إذا كنت فع أنت امللك فأعطنا فدية لنطلق سراحك .وقال ثالث : ماذا ميكن أن نأخذه من هذا الشحاذ ؟ولكن امللك قال هلم : ليس معى مال اآلن ،وليس من مصلحتكم التخلص منى ،إذ ميكننى أن أصنعلكم س��جادة فاخ��رة ال يوجد مثلها فى الب�لاد ثم تبيعونها ،وس��وف حتصلون على نقود كثرية . َّ ً وأخريا وبعد نقاش طويل وافق قطاع الطريق على اقرتاح امللك ثم سأله أحدهم : كم من الوقت يستغرق صنع هذه السجادة ؟فأجاب امللك : لاً ً لن يستغرق صنع هذه السجادة وقتا طوي إذ ميكننى االنتهاء من نسجها خاللثالثة أيام . وكانت اإلجابة على اقرتاح امللك : ً حسنا فمن املمكن االنتظار ثالثة أيام وعليك أن تبدأ فى احلال . َّ ث��م أنزل قطاع الطريق امللك فى قبو حتت األرض ،وأعطوه خيوط الصوف واحلرير والذهب ،وكل ما يلزمه من أدوات لنسج السجادة . وب��دأ امللك على الفور فى نس��ج الس��جادة حتى انته��ى من عملها ً متام��ا قبل إنتهاء الليل��ة الثالث��ة ،وكانت الس��جادة زرقاء الل��ون مطعمة باخليوط الذهبي��ة وأهم ما كانت تتميز به تلك الس��جادة الزخارف األس��طورية املوج��ودة فى األطراف األربعة هلا ،ومن بني األلوان الزاهية ينتشر ريش الطيور الذى ال مثيل له . وحينما شاهد قاطعو الطريق السجادة اندهشوا وقالوا : ي��ا له من عم��ل رائع ! يا هلا من س��جادة مجيل��ة املنظر ! فلنحمله��ا إىل املدينةونبيعها مببلغ كبري . مح��ل َّ قطاع الطريق الس��جادة معه��م إىل املدين��ة ،وأخذوا جيوبون بها األس��واق 114
من زمن فات -الجزء الثانى
ويعرضونه��ا على جتار كثريين ،لكن مل يش�ترها أحد لغلو ثـمنها ،وذلك للدقة املتناهية فى صناعتها وندرة وجود مثلها . وع��اد َّ قطاع الطرق أدراجه��م للمنطقة اجلبلية حيث يعيش��ون ونزلوا على الفور إىل القبو الذى كانوا قد حبسوا فيه امللك وقالوا له فى غضب شديد : مل يكن فى اس��تطاعة أحد شراء الس��جادة التى صنعتها فلم يكن لدى التجارً ش��يئا لنا ً غدا سوف نقضى عليك ونتخلص نقود تكفى لش��رائها فهى اآلن ال تساوى منك . فقال هلم امللك : ً ً قليال قبل أن تفعلوا بى ذلك .اذهبوا غدا مباشرة للقصر امللكى واطلبوا انتظرواً شخصيا ،وسوف تشرتى منكم السجادة بالثمن الذى تقدرونه أنتم مقابلة امللكة فهى تهوى اقتناء السجاجيد النادرة . ��ر َّ َّ ً فك َ وأخ�يرا وافقوا عليه . قطاع الطري��ق فى اقرتاح امللك ،وناقش��وه فيما بينهم وف��ى صباح اليوم الت��اىل ذهب اثنان منهم إىل القصر امللكى ،وطلبا مقابلة امللكة . فى بادئ األمر مل يسمح احلراس هلما بالدخول وقالوا هلما : إن امللكة مشغولة وليس لديها وقت ملقابلة أحد .لكن قاطعا الطريق بسطا السجادة أمام رجال احلرس وقاال : انظروا ،لقد جئنا إىل هنا لكى نبيع للملكة هذه السجادة الفريدة النادرة .وم��ا أن رأى رج��ال احلرس وأهل البالط الس��جادة حتى بهرهم مج��ال ألوانها ودقة صنعها وقالوا لقاطعى الطريق : ياه ،يا هلا من س��جادة رائعة ! ومن أجل هذا العمل الرائع س��وف نس��مح لكمامبقابلتها ،كانت امللك��ة فى ذلك الوقت جتلس حزينة تذرف الدموع على زوجها الغائب الذى خرج ومل يعد منذ فرتة طويلة . ً احرتاما ومس��ح لقاطع��ى الطريق مبقابل��ة امللكة ،وم��ا أن دخال احننيا أمامه��ا وإجاللاً هلا وقاال هلا : انظ��رى أيته��ا امللكة إىل هذه الس��جادة الن��ادرة التى ال يقدر على ش��رائها أحدسواك ... فألق��ت امللكة نظرة على الس��جادة ،لكن اس�ترعى انتباهها ش��يء ما عند أحد أطراف الس��جادة فهذه ليست زخارف أس��طورية ،لكنها عبارة عن حروف هلا معنى 115
قصص وحكايات للبنين والبنات
تقول : َّ “ أنا اآلن أس�ير فى قبو قطاع الطرق فى “ مغارة الثعابني ” أرس��لى فو ًرا قوة لنجدتى وإال فسيقضون َّ على الليلة ” . مل ُ يبد على وجه امللكة التى تتمتع بالذكاء أنها قرأت رسالة زوجها ،ومل حتاول مس��اومتهما بالنسبة للمبلغ املطلوب ،بل دفعت ما طلباه منها ومبجرد خروجهما من احلج��رة اس��تدعت امللك��ة قادة احل��رس وأمرتهم بالتوج��ه ف��و ًرا إىل منطقة التالل إلنقاذ حياة امللك . َّ وفى املساء جلس مجيع أفراد قطاع الطريق فى القبو يتقامسون فيما بينهم النقود الت��ى حصلوا عليها م��ن امللكة .وفجأة مسعت ضوضاء وجلب��ة حوافر اخليول عند مدخ��ل املغ��ارة ،وقد اقتحمتها فرقة احلرس املس��لحة وأحاط��ت بهم من كل جانب واندف��ع قادة الفرق��ة صوب القبو ،حي��ث رأوا امللك خيرج من هناك ،ش��احب الوجه ، أشعث ،رث الثياب . َّ ُ ُقب��ض عل��ى مجيع أف��راد قطاع الطري��ق ،وك ِّبل��ت أياديهم ورحل��وا إىل املدينة لتقدميهم إىل احملاكمة .واستقبلت امللكة زوجها عند سلم القصر قائلة : ظننت أننى مل أراك مرة أخرى على قيد احلياة .ً وأخريا اغتس��ل امللك وتناول غذاءه حتى شبع ،وارتاح ثم ارتدى مالبسه الرمسية ، وخرج فى املساء مع زوجته امللكة إىل حديقة القصر وجلسا حتت أشجار الورود ثم قالت له امللكة : َ ُ أرأي��ت ! ل��و مل تكن تتقن حرفة النس��يج هذه ،ما ْاس��تطعت أن تنجو من أيدى َّ قطاع الطرق حتى إذا قلت هلم بأنك امللك ّ؟! .
116
من زمن فات -الجزء الثانى
طائر الوقواق ق��ررت الطيور فيما بينها أن تقوم بتنظيف البحرية الصغرية التى يس��كنونها ؛ إذ أصبحت البحرية ضحلة ،وقد َق َّلت فيها املياه وتراكم عليها الطني والوسخ ،وأصبحت مليئة بالقاذورات . ً طائرا من بينهم اجتمع��ت الطيور بأنواعها املختلفة ما عدا طائر الوقواق ،فأرس��لوا َّ يدع��و الوقواق لالش�تراك معهم ف��ى تنظيف البحرية .لكن الوق��واق رفض ورد عليه قائلاً : لس��ت على اس��تعداد لكى ألوث أرجلى النظيفة فى هذه البحرية املليئة بالقاذورات.أن��ا أعي��ش عل��ى الصخ��ور ،وعندى كث�ير من برك امل��اء النظيفة ولس��ت ف��ى حاجة إىل حبريتكم ...ابعدوا عنى ... فقال الطائر للوقواق : هذا شأنك ..وافعل ما تريد ،لكن إياك أن تفكر فى االقرتاب من حبريتنا ...قام��ت الطيور بتنظيف مياه البحرية من الطحالب والقاذورات ،وألقت باحلصى فى قاع البحرية حتى أصبحت نظيفة ً متاما . ً ً شديدا وجفت على أثرها ارتفاعا فى ذلك الوقت بدأت درجة احلرارة ترتفع بشدة برك املياه التى كانت تتجمع على الصخور ،فأخذ الوقواق يعانى من ذلك وأصبحت ً أياما صعبة بالنسبة له . مل يك��ن حول الوقواق ماء ً متاما .عطش��ت أوالده الصغ��ار وأخذت تصيح بصوت حزين تطلب بإحلاح بعض املاء فى الوقت الذى كان الوقواق نفس��ه فى حاجة ماسة إىل الشرب . لاً ً كأس��ا وتس��لل به لي إىل البحرية ومأله من مياهه��ا وإذا بالطيور فحمل الوقواق األخرى تهامجه من كل ناحية ،وأخذت تضربه وهى تقول له : “ ال تلوث رجليك النظيفة فى حبريتنا املليئة بالقاذورات “وراح الوقواق يتوسل إليهم ويقول : 117
قصص وحكايات للبنين والبنات
دعونى من أجل أطفاىل الصغار فإنهم فى أش��د احلاجة إىل بعض املاء ،فلتتس��خرج�لاى ومتتلئ بالط�ين ،لكننى أعدكم بأننى س��أكون أول طائر حيضر ويقوم بتنظيف البحرية فى املرة القادمة . أش��فقت الطي��ور على الوق��واق ومسحت له بأخذ امل��اء .ومنذ ذل��ك احلني ،وكان الوقواق أول َم ْن يشارك فى تنظيف البحرية مع زمالئه .
118
من زمن فات -الجزء الثانى
العدالة ُ يعي��ش أمري م��ن األمراء م��ع ابنته الوحي��دة اجلميلة كان ي��ا م��ا كان ،كان ً الس��مراء ،والتى كان يطلق عليها اس��م “صفاء” .كان والدها حيبها ح ًبا شديدا وال ً طعاما قط إال من صنع يديها . يتناول وفى يوم من األيام أعلن األمري للجميع : س��أزوج ابنت��ى “صـفاء” مل َْ��ن يتحـمل قضاء ليل��ة كاملة فى م��اء النهر فى فصل الش��تاء ،وخيرج منها دون تعب وعناء .أقبل الكثري من الش��باب ،ونزلوا فى ماء النهر فمنه��م م ْ َ��ن مرض باحلمى ومنهم َم ْن مل يتحمل برودة املاء فيما عدا ش��اب قوى البنية مفتول العضالت قد صمم على الزواج من ابنة األمري . عندئذ سأله األمري : ق��ل ىل كيف حتملت ب��رودة املاء ،وبقيت فيها ليل��ة كاملة ثم خرجت كماً سليما معافى ؟ كنت فأجابه الشاب : لق��د صمم��ت على أن أت��زوج ابنتك تلك التى كانت توقد ش��علة م��ن النار فوقاجلبل البعيد فكنت أنظر إليها أثناء وجودى فى املاء . ً مندهشا : قال األمري هل معنى ذلك أن النار التى كانت تنبعث من الشعلة قد أفادتك ؟َّ فرد الشاب على األمري : لقد كنت أقف فى املاء فى الوقت الذى كنت أنظر فيه إىل ش��علة النار فكيفتدفئنى النار كما تقول يا سيدى األمري وهى بعيدة ً جدا عنى ؟ وهنا أعرض األمري عن االستماع إىل الشاب وأمر بطرده خارج القصر . بع��د ذلك راح األمري ليتناول طعام الغداء فطلب من ابنته “صفاء” أن تعد له املائدة بسرعة لكنها قالت له : 119
قصص وحكايات للبنين والبنات
عليك يا أبتى أن تنتظر بعض الوقت ؛ ألننى مل أنته من جتهيز الطعام .وبع��د مرور فرتة م��ن الوقت طلب األمري من ابنته “صفاء” مرة أخرى س��رعة إعداد املائ��دة ،فأجابته بأن الطع��ام ملا ينضج بعد .وعندما طلب منه��ا للمرة الثالثة إعداد املائدة أجابته : إن املق�لاة الت��ى بها اللح��م الذى حتبه ف��ى الطابق الثانى ،وإنى أش��عل ن��ار الفرنبالطابق األول .وحينما ينضج اللحم سوف أجهز لك اخلبز الطازج ،فتعجب األمري من هذا األمر قائلاً : كيف ينضج اللحم وهو بالطابق الثانى ونار الفرن بالطابق األول ؟فأجابته ابنته “صفاء” : وكيف أدفأت شعلة النار املوقدة فوق اجلبل ذلك الشاب الذى قضى ليلة كاملةفى ماء النهر ...نعم يا أبتى لقد ظلمت هذا الشاب ومل تعدل فى قضيته ،فكر األمري فى ذلك ثم قال البنته : لاً لقد أثبيت ،يا ابنتى العزيزة ،بالدليل القاطع أننى مل أكن عاد معه .وهن��ا َ ق��ر َّر األمري على الفور موافقته على زواج ابنته “صفاء” من هذا الش��اب البطل الشجاع ...وأقام هلما حفل عرس استغرق سبعة أيام بالتمام والكمال .
120
من زمن فات -الجزء الثانى
الصداقة كانت تربط بني ثعلب وديك وس��لحفاة صداقة قوية ..وفى يوم من األيام خرج ً حمراثا فى أرض زراعية ليس بها األصدقاء الثالثة إىل الوادى للبحث عن طعام ،فرأوا إنسان قط ..أخذ الثالثة يفكرون كيف يساعدهم هذا احملراث فى احلصول على طعام وفري ملدة طويلة . ً مكرا ،ففكر فى حيلة هى أن جيعل الديك والسلحفاة كان الثعلب أكثرهم َّ يك��دان فى العمل :حيرثان األرض ويبذران احلبوب ثم يس��توىل هو بعد ذلك على ما مجعاه من حمصول .اقرتب الثعلب من الديك والسلحفاة وقال هلما : عندى خطة للعمل ،يا أحبائى ،إذا أردمت قلتها لكما ..أسرع كل من الديك والسلحفاة القول : تفضل ..تفضل ،فأنت أكربنا ًسنا وأكثرنا ذكا ًء وخربة ،وما ستقوله سننفذه ً متاما . وهنا فتل الثعلب شواربه وقال : للديك رقبة طويلة وصدر مرتفع ،ولذلك نس��تطيع أن نلبس��ه ًسرجا فى رقبته ليج��ر احمل��راث .أما أختنا الس��لحفاة فهى حمبة للعمل تتحرك بب��طء ،ووقار ولذلك تستطيع أن تسري وراء احملراث وتنثر البذور ... وأنا س��وف أحتمل العمل الشاق الذى ال يستطيع أحد منكما حتمله ،وال يقدر عليه وهو أن أقوم بإس��ناد هذا التل ك��ي ال يقع عليكما ؛ ألنه من املمكن نتيجة حرك��ة احملراث أن حي��دث زلزال ويفنى اجلميع ..وبذلك س��وف أحتمل هذا العمل الشاق من أجلكما يا أصدقائى األعزاء . ه��ذه الكلمات َّأث��رت فى عواط��ف الديك والس��لحفاة وش��كراه على مجيل صنعه . ارت��دى الديك الس��رج وأوصله باحمل��راث الذى أخذ جيره طوال الوق��ت ،ومن ورائه تس�ير الس��لحفاة وهى تنثر البذور ف��ى األرض .وفى الوقت نفس��ه َّ توجه الثعلب حنو 121
قصص وحكايات للبنين والبنات
قاعدة التل ،وجلس على األرض وتظاهر بأنه على اس��تعداد دائم بأن يس��ند التل إذا بدأ فى السقوط . لاً ً وفريا ،وجاء وقت احلصاد . عمل الديك والس��لحفاة جبد ونشاط وأنتجا حمصو فجمعا احلبوب وقاما بدرس��ها وذرايته��ا وجتفيفها ،أما الثعلب فما يزال يتظاهر بأنه يسند التل . بعد ذلك وضع الديك والسلحفاة احلبوب املبثورة فى كومة منفصلة عن كومة احلب��وب املخلوطة بالقش��ر ،ومجعا القش فى كومة ثالث��ة ،وعندما انتهى العمل جاء الثعلب وقال هلما : ً مجيعا ولذا جيب أن َّ نقس َم اإلنتاج بالتساوى كي ال يغضب أحد منا. لقد تعبنانظ��ر الديك والس��لحفاة إىل الثعل��ب نظ��رة أم��ل ورجاء بالقس��مة ألنه من الصعب عليهما هذه املهمة. تظاه��ر الثعل��ب بأن��ه متعم��ق ف��ى التفكري حلل هذه املشكلة ،ثم رفع رأسه بع��د ذلك وهو ميس��ح على شواربه ويقول : أصدقائى األعزاء ! لقدفكرت فيما جيب عمله . وفرح الديك والسلحفاةً خمرجا هلذا ألنهم��ا وج��دا املوق��ف الصع��ب وطلبا من الثعل��ب أن يذك��ر هلم��ا احلل بسرعة . عندئذ قال الثعلب املاكر : ً إن��ى أقرتح عليكم��ا أن جنرى س��باقا فيما بينناوستكون احلبوب املبثورة من نصيب املتسابق األول ،واحلبوب 122
من زمن فات -الجزء الثانى
املخلوطة بالقشر للمتسابق الثانى ،أما القش فسيكون للمتسابق الثالث . ووافق الديك والس��لحفاة على اقرتاح الثعلب ..وضم��ن الثعلب التفوق عليهما فى الوقت الذى َق َّر َر الديك أن يسبق صديقيه ..أما السلحفاة ففكرت فى حيلة متكر بها على الثعلب املخادع ألنها بذلك لن حتصل إال على القش فقررت أن تتش��بث بذيل الثعلب املنفوش . أطل��ق الثعلب إش��ارة الب��دء ،وانطلق كالري��ح ،وفى غمضة ع�ين أدرك كومة احلبوب املبثورة وتسلقها ثم صاح : أنا الذى كسبت كومة الـ ....ومل يكد الثعلب يعلن عن انتصاره حتى مسع صوت الس��لحفاة أسفل الكومة وهى تقول : أيها املخادع ....هل فقدت بصرك ؟ إننى هنا منذ فرتة فقد جئت أنت بعدى .ومل تكد الس��لحفاة تنتهى من كلماتها حتى وصل الديك إىل كومة احلبوب املخلوطة بالقشر وصاح “ كو ..كو “ ..وكأنه يعلن بأن هذه الكومة قد أصبحت له . ماذا بقى للثعلب املخادع ؟ لقد خجل من نفسه ومشى حنو كومة القش خبطوات بطيئة دون أن يلفظ حبرف واحد ؛ فاخلداع ال يصح أن يكون بني األصدقاء .
123
قصص وحكايات للبنين والبنات
حكاية الذئب املكار كان يعي��ش فى إحدى غاب��ات إفريقيا ذئب ضخم ،يثري الرع��ب بني احليونات ، ويقتفى أثرهم ويفرتس الضعيف منهم .وعندما عرفت احليوانات خبطورته الدائمة ً ً فش��يئا ،وبذلك أصبح الذئب فى عزلة تامة ش��يئا على حياتهم ،أخذت تتباعد عنه عنهم . وعندم��ا أدرك الذئب سياس��ته العدوانية هذه أخذ يفك��ر فى األمر ،و يقول فى نفسه . ً حقا لقد اعتديت على حيوانات كثرية ،وكنت س��ب ًبا فى العديد من املآس��ى ، ً وحيدا ال يصادقنى أحد . وهلذا أصبحت َّ وقر َر أن يرتاجع عن سياسته العدوانية هذه وبدأ فى سياسة الوفاق مع احليونات ... وذه��ب ليعلن ذلك للجميع ...فى الطريق تقابل مع احلمار ،الذى أخذ يرتعد عندما رأى الذئب . ق��ال الذئ��ب ً : أهال أيها احلمار ،ال ختف ...لقد قررت أال أعتدى على أحد من اآلن ً فصاعدا . جدا ،أيها الذئب ،إنه خلرب س��عيد ً احلمار :هذا مجيل ً حقا ،وسيس��عد أصحابنا ً ضعيفا : اآلخرون بهذا اخلرب وجرى الذئب إىل الناحية األخرى وقابل ثو ًرا الذئ��ب :ال تهرب منى أيها الثور ،أمل تس��مع بأننى ق��ررت أن أغري من طبيعتى ولن أحد أو أمس ً أحدا بسوء ! أسيء إىل ٍ الثور :إننى سعيد أيها الذئب ،مبا أمسع ومتنياتى لك حبياة هادئة . ً ً رضيعا كاد أن ميوت من اخلوف منذ حصانا وبعد ذلك بفرتة وجيزة قابل الذئب أن مل��ح الذئب ،غري أن الذئب ه��دأ من روع احلصان الرضيع وقال له :ال ختف منى أيها احلصان ،أال تعرف بأننى لن أمس ً أحدا بسوء منذ اآلن . احلصان :أخى الذئب ،هذا أسعد خرب مسعته فى حياتى . وج��رى الذئب هن��ا وهناك ،ولكن��ه بدأ حيس باجل��وع ويقول فى نفس��ه ً نادما : 124
من زمن فات -الجزء الثانى
ً ً س��اذجا عندما تركت احلصان واحلم��ار والثور يذهبون دون أن أتلذذ “حقا ،كنت بلحمهم الطرى” . ً ومل ينتظر الذئب طويال ،وعاد بس��رعة إىل احلصان ليفرتسه فاستقبله احلصان ً قائال : ً أهال يا صديقى الذئب ،إننى سعيد ً جدا برؤيتك ،تفضل ،تفضل . قال له الذئب غاض ًبا “ أيها احلصان اس��تعد لنهايتك ،فإننى َق َّررت أن أتذوق حلمك الطرى اللذيذ ” . احلص��ان :أمل تق��ل منذ قلي��ل بأنك أصبحت الذئ��ب الوديع الذى ل��ن ميس ً أحدا بسوء ؟ الذئب :دعك من هذه السخافات واملهاترات التى ال جتدى وال تفيد ،لقد قر ّرت اآلن أن أفرتسك . ْ احلصان :افعل ما تريد لكنى أود أن أترك لك وصيتى فأنت صديقى ،ولو عملت بها فسوف حتصل على عدد كبري من القطعان . الذئب :وأين هذه الوصية ؟ احلصان :موجودة فى حافرى األمين . الذئب :هيا إعطنى إياها وبسرعة ( ً فرحا مسرو ًرا ) وعندم��ا اق�ترب من حافر احلصان األمين مل جيد س��وى ضرب��ة قوية من احلصان أبعدته عدة أمتار ،ثم جرى وفر ً هاربا . ً شديدا ،لكن اجلوع كان أشد فأخذ يركض وكان تأثري الضربة على الذئب فى الطريق املؤدى ملأوى الثور. قائال له “ س��وف أفرتس��ك حاالً ً وعندم��ا رأى الث��ور ً واقفا حاول أن يقفز على ظهره أيها الثور” . ً ونظ��ر الثور إليه باس��تغراب ش��ديد قائ�لا “ :أمل تقلع ع��ن هذه العادة الس��يئة يا صديقى الذئب” . الذئب :ليس لدى وقت للحديث معك ...استعد لنهايتك ! ً حس��نا افعل م��ا تريد ،ولكن ه��ل يرضيك أن تفقد ث��روة كبرية ؟ إننى الث��ور : أخف��ى وصيت��ى وقد كتب��ت فيها مكان قطيع كب�ير من الثريان التى تس��طيع أن تفرتسها بسهولة لصغر سنها ،وعدم قدرتها على املقاومة . 125
قصص وحكايات للبنين والبنات
الذئب :كفى ،كفى ستقول بأن الوصية فى حافرك ...لن أصدقك . الثور :ليست الوصية فى حافرى ،بل داخل قرنى الشمال . ً قليال وأيقن ب��أن الثور لن يفعل مثلما فع��ل احلصان وقال “ أين وفك��ر الذئب هى ..أين هى ..؟ “ ً بعيدا وه��ذا ما كان يريده الثور منه ..وفجأة ض��رب الثور الذئب بقرنه وألقى به عنه . الذئب آه ..آه ...لقد خدعتنى أيها الثور اللعني . لاً وبعد أن أفاق الذئب من ضربة الثور فكر فى البحث عن احلمار وفع وجده وعثر عليه بني األشجار ..وبكل ما أوتى الذئب من قوى عوى الذئب فى وجه احلمار وقال له “ :أيها احلمار ،استسلم ،وال داعى للمقاومة ،فإننى قررت أن ألتهمك” . ً قليال ...فى اس��تطاعتك أن تأكلنى فى أى حلظة احلم��ار :أيها الصديق ،انتظر تريد ،لكننى كنت قد أعددت لك هدية ثـمينة وهى موجودة فى منزىل أتسمح ىل ايها الذئب الطيب كى أحضرها لك ؟ لن أستغرق من الوقت سوى مخس دقائق . ً قليال ،ووافقه على ذلك بعد أن قال فى نفس��ه “م��اذا يضرينى فى وفك��ر الذئ��ب أن أترك��ه إلحض��ار هذه اهلدي��ة الثمينة ،فليس لديه حوافر ش��ديدة كحوافر احلصان ،أو قرون كقرون الثور ،فهو ال حول له وال قوة ،ولن يفلت من يدى” . وانتظر الذئب مدة طويلة ،وإذا بعدد كبري من احليوانات حتمل العصى الغليظة حتيط��ه من كل جان��ب وضربوه ً ً مربحا ،لدرجة أنه مل يس��تطع الوقوف على ضربا رجليه ...كانت نهاية كل شرير ال حيرتم حقوق الغري فى احلياة .
126
من زمن فات -الجزء الثانى
راعى الغنم الحكيم من��ذ زمن بعي��د كان يعيش ملك عظي��م ...وفى يوم من األيام ن��ادى على وزيره ً قائال : وأمره ائتنى ًً صباحا بأسوأ شيء فى الوجود . غدا ذهب الوزير إىل منزله وأخذ يفكر ويقول فى نفسه : ً “ يا ترى ما هو أسوأ شيء فى الوجود ؟ ماذا سيفعل بى امللك غدا إن مل أحقق طلبه؟ رمبا يأمر بقطع رقبتى” . انت��اب الوزير اخلوف ومضى على غري ه��دى وانتهى به املطاف ناحية الصحراء ؛ إذ ً ً قطيعا من املاعز واألغنام وفى عنق كل عنزة عقود من عجوزا يسوق رأى راعى غنم األحجار الكرمية . عندئ��ذ انبهر الوزير ،واقرتب من العجوز وس��أله لعله حيصل على مثلها ،ويصبح من األثرياء : ما هذه األشياء التى فى عنق الشاة ؟فأجابه العجوز : إنها أحجار كرمية .ثم سأله الوزير : وأين عثرت عليها ؟فأجابه راعى الغنم العجوز : إذا أردت مثلها فتعال معى يف املس��اء ،وسأريك أين توجد هذه األحجار ..ولكنلن تراها إال عند طلوع الشمس فى الغد . َّ أخ��ذ العجوز يس�ير بقطيعه ،ومن خلفه يتبع��ه الوزير إىل أن حَ��ل بهم التعب ، فاف�ترش الوزي��ر والعجوز األرض وراحا يغطان فى نوم عمي��ق بالقرب من القطيع ،ثم استيقظا فى الصباح . 127
قصص وحكايات للبنين والبنات
وهنا قال العجوز للوزير: ً لن أستطيع اليوم ألننا قد تأخرنا فى النوم وعليك أن تنتظر الليلة أيضا ..وهنا ثار الوزير على العجوز وقال له : لي��س ل��دى فرصة للبقاء هنا أكث��ر من ذلك ،فأعطنى األحج��ار الكرمية هذهالتى فى أعناق القطيع ً وغدا أئت هلم بأحجار جديدة . ً قائال: فابتسم العجوز له إننى على استعداد أن أعطيك هذه العقود كلها .ً ففرح الوزير بذلك ً شديدا وأخذ يشكر الرجل العجوز . فرحا لكن العجوز عاد وقال له : ولكن بشرط واحد .وهنا سأله الوزير : ما هذا الشرط ؟قال العجوز : سوف أحلب ًبعضا من لنب املاعز فى الوعاء الذى تشرب منه الكالب التى حترس غنمى .فإذا ش��ربت اللنب عن آخره كما تش��ربه ال��كالب ،أعطيتك كل األحجار الكرمية التى فى أعناق قطيعى . ف��ى الوقت ال��ذى كان الراعى العجوز حيلب فيه اللنب فى الوعاء الذى تش��رب منه كالب حراس��ة القطيع كان يسأل الوزير عن صناعته ،ومن أين أتى .فحكى له قصته بأن امللك طلب منه أن يأتى له بأسوء شيء فى الوجود . ِّ يغري راعى الغنم من رأيه وقال للوزير : ومل إننى أس��تطيع أن أرش��دك إىل مكان ه��ذه األحجار وأعطي��ك الكثري منها ،بلً وأنواعا أخرى متعددة األلوان واألشكال إذا لعقت اللنب الذى فى الوعاء عن آخره . وجثا الوزير على ركبتيه وتأهب للعق اللنب . ً بعيدا عن وعاء اللنب وقال له : لكن راعى الغنم العجوز دفع الوزير شيء فى ابتعد ،ابتعد ،أنت مل تفهم ماذا أريد أن أقوله لك ،أود أن أقول بأن أسوءٍ الوجود هو الطمع ،فالطمع يلحق العار باإلنسان . وهنا أيقن الوزير أنه وجد ما كان يبحث عنه ،وعاد بسرعة إىل امللك وقال له : 128
من زمن فات -الجزء الثانى
موالى ! لقد جئت ووجدت ما أمرتنى به وهو أن “الطمع أسوء شيء فى الوجود” .ً حسنا . فاقتنع امللك برأى وزيره وأثنى عليه ثنا ًء
129
قصص وحكايات للبنين والبنات
الرجل الكريم وصاحبه البخيل ح��دث أن عاش ً معا صديقان :أحدهما كريم واآلخر خبيل .وفى يوم من األيام ق��ررا أن يرحت�لا م��ع بعضهما للبحث عن الس��عادة ..م�لأ كل منهما خرج��ه بالزاد وال��زواد ،ومحل��ه عل��ى كتف��ه وانطلقا ف��ى الطريق مس��رورين فرح�ين ،يتبادالن القصص واحلكايات كى ال يشعرا بامللل وطول السفر . توقف��ا فى الطري��ق بعض الوقت ليتن��اوال غذائهم��ا ،فأخرج الرج��ل الكريم من خرج��ة طعام��ه ،أما البخيل فقال :إنه س��يحتفظ مبا معه من طع��ام كاحتياطى هلم��ا يتناواله وقت احلاجة .ومن الطبيعى أن الرجل الكريم قد دعا زميله البخيل َ للغداء معه فأكال ً سويا ...وهكذا سارا على هذا النحو حتى ّن ّفذ كل ما مع الرجل الكري��م من طعام .وعندما ش��عر البخيل بع��دم وجود طعام م��ع صاحبه الكريم خذل��ه وترك��ه دون أن يقول له كلمة واحدة ،غ�ير أن الرجل الكريم مضى فى ً جائعا مكتئ ًبا . طريقه َّ ً وأخريا وعندم��ا ًحل الظ�لام أخذ الرجل الكريم يبحث عن م��كان يبيت فيه . ً ً مستطيال حلفظ احلبوب فرقد صندوقا رأى مبنى طاحونة مهجورة ،ووجد لنفس��ه فيه ،واستغرق فى نوم عميق .استيقظ فجأة على صوت ضوضاء غريبة ،ثم رأى ناراً توق��د وجيلس حوهلا ثعلب وذئب ودب ،فأصابه اخلوف ورقد فى مكانه ال يتحرك ومسع الذئب والدب يطالبان الثعلب أن حيكى هلما عن أى شيء .فقال الثعلب : سأحكى لكما عن شيء غري مفيد بالنسبة لنا ،لكنه نافع ومفيد لإلنسان –هناك وعلى مقربة من قناة الطاحونة يوجد حجران كبريان حتتهما جحر يعيش فيه فأر خيرج كل يوم من جحره عند طلوع الشمس بقطع من ذهب ثم يعود بها فى املساء . وبعد أن انتهى الثعلب من حكايته قال للذئب : جاء دورك لكى حتكى لنا حكاية .130
من زمن فات -الجزء الثانى
وبدأ الذئب حيكى ويقول : ف��ى أعلى هذا اجلبل يوجد قطيع من اخلرفان ،ومن بينهم خروف وهو أقبحهمش��كلاً يعطى مقدا ًرا م��ن الصوف ال يعطيه القطيع كله ...أه لو عرف اإلنس��ان بذلك ! ثم قال الدب : ً ً مدفونا حتت ش��جرة البن��دق املزروعة عند كنزا أم��ا أن��ا فأعرف بأن هن��اكبوابة املدينة . وبع��د أن غ��ادرت احليوانات الثالث��ة مبنى الطاحون��ة عند الفجر ،أس��رع الرجل الكريم فى البحث عن الكنوز التى حكى عنها الثعلب والدب والذئب وعثر عليها
131
قصص وحكايات للبنين والبنات
ً وأخريا وأخذها ،ثم ذهب إىل راعى الغنم ،واشرتى منه أقبح خروف عنده شكلاً ... رجع إىل منزله وبدأ يعيش حياة سعيدة مرفهة . ً مرتديا ع��اد الرج��ل البخيل م��ن رحلته ،وكان يب��دو عليه التعب الش��ديد ، ً ثياب��ا رثة ..قابله أه��ل منزله وحكوا له عن النجاح ال��ذى حققه صديقه الرجل الكريم . وفى اليوم التاىل ذهب البخيل إىل صاحبه الكريم ،وأخذ يشكو له من مصريه ً قائال : التعس ً لق��د طف��ت بالدا كثرية وكان نصيبى الفش��ل واألس��ى ..لك��ن قل ىل ،ياعزيزى ،كيف حققت هذا النجاح ؟ وحكى له الرجل عما حدث له بالتفصيل وأعط��اه نصف م��ا أحضره من الكنوز بالتس��اوى .لكن ظ��ن البخيل أن صاحبه الكري��م ق��د خدعه فى القس��مة ،فقرر أن يذه��ب مبفرده إىل مبن��ى الطاحونة ويتصن��ت إىل حديث احليوانات ،فرمبا تتحدث عن كنوز أخرى كالتى اخذها صاحب��ه الكريم ! وذهب إىل هناك ،حيث الطاحون��ة واختبأ فى صندوق حفظ احلب��وب املس��تطيل .وفى منتصف الليل ج��اءت احليوانات وأوقدت النار وجلس��ت حوهلا للتدفئة وكان يبدو عليها القلق وعدم الرضا . ثم سأل الدب والذئب صديقهما الثعلب : ً حزينا ؟ أيها الثعلب ،ملاذا تبدو اليومفأجاب الثعلب : ً حزينا عندما يعلم أحد ما عن السر الذى أعرفه ،ويأخذ كل كيف ال أكونالذهب املوجود داخل اجلحر . واشتكيا الدب والذئب له وقاال : نع��م ه��ذا صحيح ...لقد اس��توىل أحد ما عل��ى الكنوز التى ال يعل��م عنها أحدغرينا . ً وأخذ الثالثة يفتش��ون بدقة مبنى الطاحون��ة وعثروا أخريا على الرجل البخيل ً خمتبأ فى الصندوق فهجموا عليه وأخرجوه وكادوا أن يفتكوا به !
132
من زمن فات -الجزء الثانى
حكاية جميلة ..الفتاة اليتيمة كان يعي��ش أح��د الفالحني البس��طاء مع زوجت��ه وابنته الصغ�يرة الوحيدة – مجيل��ة .وس��رعان ما توفيت األم .وبع��د فرتة احلداد تزوج األب م��ن أخرى وأجنبت ل��ه ابن��ة ...وكربت األختان ،غري أن عالقة زوجته الثانية جبميلة كانت س��يئة ودائما ً ً وأبدا فى ش��جار معها.. للغاية ،إذ كانت تعاملها معاملة فى غاية القس��وة ك�برت مجيلة وأصبحت فت��اة تتمتع مبالمح وجهه��ا الرقيقة ،وقوامه��ا امللفوف . لك��ن زوج��ة أبيها مل تهتم بها فكانت ترتكها مبالبس��ها الرث��ة املمزقة فى الوقت الذى كانت تشرتى البنتها الثياب اجلديدة ،وتسمح هلا بزيارة صديقاتها وأقاربها وحض��ور األفراح التى تقام بالقرية .أما مجيلة فكانت تالزم البيت وتقوم بأعمال املنزل ،وبكل ما تطلبه منها زوجة أبيها من أعمال شاقة . وف��ى إحدى اللياىل جلس��ت مجيلة ف��ى حوش املنزل تبك��ى ،ألن معظم َم ْن فى ً س��نويا بالقري��ة ،أما هى فقد القري��ة قد ذهب ملش��اهدة احتفاالت املولد الذى يقام بقيت مبفردها حترس املنزل ...وعندما مسعت البقرة التى كانوا يربونها فى احلظرية بكاء مجيلة أسرعت إليها قائلة : ملاذا تبكني يا مجيلة ؟ وماذا حتتاجني ؟فقالت هلا مجيلة : لق��د ذه��ب أوالد وبنات القرية ملش��اهدة أفراح املولد ،أما أن��ا فأجلس وحيدةوق��د أمرتنى زوجة أب��ى بالقيام بأعمال املنزل وحرمتنى م��ن اخلروج ،باإلضافة إىل أننى ليس عندى مالبس مناسبة حلضور حفل زواج ابنة خالي يوم اخلميس القادم . وهنا َّ هزت البقرة رأس��ها وطلب��ت من مجيلة أن تأتى هلا ي��وم اخلميس ،ووعدتها مبالبس جديدة بشرط أال تبلغ ً أحدا بذلك ... وف��ى يوم اخلمي��س ذهبت مجيل��ة للبقرة الت��ى صاحبتها إىل م��كان بعيد عن عيون أهل املنزل ... 133
قصص وحكايات للبنين والبنات
وقالت البقرة هلا : انزعى يا مجيلة قرنى اليمني واختارى ما يناسبك من املالبس الفاخرة .وفعلت مجيلة ذلك ...ثم عادت البقرة تقول جلميلة : انزعى قرنى الشمال واختارى احلذاء وأدوات الزينة من عقد وحلق وخوامت وكل ما يناسبك ،ثم ضعى مالبسك القدمية فى قرونى واتركيها فيها حتى تعودى . وارت��دت مجيلة املالبس ،ومش��طت ش��عرها الطويل ...وقب��ل أن تذهب إىل حفل العرس قالت البقرة جلميلة : ً عليك بالذهاب للحفل بعد أن يذهب اجلميع ،وعليك أيضا بالعودة قبل أن تعود
134
من زمن فات -الجزء الثانى
زوجة أبيك وأختك ...فوافقت مجيلة على ذلك ... وذهب��ت مجيل��ة إىل حف��ل زواج ابن��ة خاهل��ا ...ومل يتعرف أح��د عليها جلماهلا الفائق ،إذ كانت أمجل َم ْن فى احلفل ملا كانت ترتديه من مالبس فاخرة . ث��م جاءت مجيلة إىل املنزل وأع��ادت املالبس واحلذاء وأدوات الزينة كما كانت فى قرنى البقرة ،وكأن ً شيئا مل يكن ،لكنها كادت أن تطري من الفرحة وكانت ً كثريا على مساعدتها هلا . السعادة تبدو على وجهها ...وشكرت البقرة ً حديثا بني أبيها وزوجته عن ضرورة ذبح البقرة وبيع وف��ى يوم ما مسعت مجيلة ً حلمها ...ولكن مجيلة أرادت أن تس��دى للبقرة صنيعا وتس��اعدها كما ساعدتها ً كثريا فى طريقة إلنقاذ البقرة من الذبح . البقرة من قبل ...ففكرت وقبل املوع��د احملدد لذحبها أخذت مجيلة البقرة وهرب��ت بها من قريتها إىل القرية اجملاورة جتوب النجوع .وعندما َح َّل الليل وقفت عند منزل تشع األضواء من نوافذه ...وطرقت مجيلة الباب ففتح هلا رجل عجوز وطلبت منه قضاء الليل حت��ى الصباح َّ .. ورحب صاحب الدار وأدخل بقرتها احلظرية ،وس��رعان ما قامت زوجة العجوز بتجهيز وإحضار العشاء هلا ..وأثناء احلديث عرف العجوز وزوجته منها بأنها يتيمة وال تستطيع العيش مع زوجة أبيها فعرضا عليها أن تقيم معهما ً أوالدا ووعداها بأن تكون مبثاب��ة ابنة هلما ..ففرحت مجيلة لع��دم إجنابهما ووافقت ..ومن حس��ن حظه��ا أن ذلك العجوز ميتلك ثروة كب�يرة وفى رغد من العيش فاش�ترى هلا أغلى الثياب َّ وعلمها القراءة والكتابة ،وأصبحت مثل بنات العاصمة املتحضرات وبدأ ُ اخل َّطاب من كل اجلهات يرغبون الزواج منها جلماهلا وثرائها . وم��ن وقت آلخر كانت مجيلة تزور بقرتها ك��ى تطمئن عليها ،وذات مرة قالت مجيلة للبقرة : شيء مهم بالنسبة ىل ،يا بقرتى العزيزة . أريد أن أستشريك فىٍ البقرة - :ماذا حدث ؟ ُ َّ مجيلة - :كل يوم يأتى الكثري من اخلطاب يطلبون الزواج منى ،فماذا أفعل؟ البقرة - :افعلى مبا يأمر – والدك اجلديد – هذا الرجل الطيب . مجيلة - :لقد قال ىل إنه ال شأن له فى هذا األمر ،وأن هذا خيصنى وحدى . البقرة - :فلتختارى من بني هؤالء ُ اخل َّطاب َم ْن يناسبك . 135
قصص وحكايات للبنين والبنات
ً كثريا ووقع اختيارى على الشخص املناسب ىل . مجيلة - :لقد فكرت البقرة َ - :م ْن هو إذن ؟ مجيل��ة - :فى احلقيقة ليس من هؤالء األثرياء أو أصحاب اجلاه والس��لطان ،إمنا هو شخص يتيم مثلى . البقرة - :لقد أحسنت االختيار يا مجيلة ،باركك اهلل ،هكذا جيب أن يكون ً ً متواضعا . قنوعا املرء ً شكرا لك يا بقرتى العزيزة . مجيلة - : البقرة - :ال تنسينى بعد الزواج . مجيلة - :كيف أنساك وأنت الصديق العزيز .
136
من زمن فات -الجزء الثانى
قصة الثعلب َّ املكار والثعبان األنانى تص��ادف وج��ود ثعلب وثعبان كانا عل��ى خالف دائم ،لكن قررا أن يعيش��ا فى ً س��ويا حول العامل . وف��اق ووئ��ام تام فيما بينهم��ا ..وفى يوم من األيام ق��ررا أن يطوفا ّ جتول االثنان فى الغابات واملراعى واجلبال والشعاب ،يتقامسان فريستهما بالتساوى وعندم��ا وصال إىل ش��اطئ أحد األنه��ار العريضة ،اقرتح الثعلب امل��كار على زميله الثعبان : الثعلب َّ :هيا بنا نسبح إىل الشاطئ اآلخر ثم نكمل جولتنا . الثعبان :ليس هذا فى استطاعتى ،فأنا مل أتعلم السباحة من قبل . الثعل��ب :ه��ذا ال يهم فى ش��يء يا صديق��ى الثعبان ،ففى إمكانى مس��اعدتكبكل ما أس��تطيع ،عليك فقط أن تلتف حول جس��مى وسأس��بح بك حتى نصل إىل ً وفعال التف الثعبان حول جسم الثعلب ،وبدأ الثعلب فى السباحة حتى تعب هناك ، ً تع ًب��ا ش��ديدا ،لكن��ه مل يظهر ذل��ك وحتمل على نفس��ه إىل أن اقرتبا من الش��اطئ اآلخ��ر بعد أن خارت قواه ...وقبل الوصول إىل الش��اطئ أخ��ذ الثعبان األنانى يضغط بعضالته القوية على جس��م الثعلب لينفرد بكل فريسة يقابلها هناك فيما بعد ، وإذا بالثعلب يصيح : الثعلب :ماذا تفعل بى يا صديقى الثعبان ؟ أال تعلم أنك بهذا تستطيع أن تقضىعلى حياتى ؟ الثعبان :نعم ،هذا ما أسعى إليه فإننى أشعر باجلوع الشديد .غ�ير أن الثعل��ب فك��ر فى التخل��ص م��ن الثعب��ان األنانى فق��ال ل��ه واملكر ميأل عينيه: الثعل��ب :ما دم��ت تريد ذلك ،دعنى أحق��ق أمنيتى األخرية قب��ل أن أفارقك إىلاألبد. الثعبان :ماذا تريد إذن؟ وأنا على استعداد أن أحققه لك . الثعل��ب :عل��ى الرغم م��ن صداقتنا لعدة س��نوات َّإال أننى مل أر وجه��ك عن قرب ، 137
قصص وحكايات للبنين والبنات
فدعنى أنظر إىل وجهك اجلميل قبل نهايتى . ً ً حس��نا ،أيها الثعل��ب ،دعنى أنا أيضا أنظر إليك ع��ن قرب نظرة الوداع الثعب��ان :(قال الثعبان ذلك وهو ميد رأسه حنو الثعلب ) . َ انقض الثعل��ب بأنيابه على رأس الثعبان والتهمها .وهنا على الش��اطئ وف��ى احلال ختلص الثعلب من الثعبان األنانى وقال فى نفسه : ًحقا جيب على املرء أال يثق فى أصدقائه امللتويني .
138
من زمن فات -الجزء الثانى
سر الشباب كان يعيش فى إحدى القرى ّ طحان معروف برقة قلبه وأمانته وحبه لآلخرين . ً ومل حيدث ً ش��يئا ال يستحقه ،بل كان ً دائما على استعداد بأن يتقاسم أبدا أن أخذ آخر ما لديه من خرب مع احملتاجني . وذات م��رة أثن��اء تنظيف��ه ماس��ورة الطاحونة التى مي��ر بها الدقي��ق وجد تفاحة ناضج��ة كب�يرة ق��د جرفتها املي��اه الت��ى ينظف بها ً قليال الطاحونة ..أراد أن يأكلها لكنه فكر وقال فى نفسه “ إننى مل أقم بزرعها أو شرائها، لذا ليس م��ن حقى أن اكله��ا ،لكن بهره مج��ال التفاح��ة فق��رر أن يع��رف م��ن أين أت��ت هذه التفاحة . ذهب الطح��ان مبحاذاة القناة التى تأتى منها املياه حت��ى وص��ل إىل النهر وبع��د وق��ت قلي��ل ً ً عج��وزا رج�لا رأى ذا حلي��ة بيض��اء كالثل��ج فاق�ترب منه وقال له : الس�لام عليكمأيها العجوز؟ وعليكم الس�لاميا بنى . 139
قصص وحكايات للبنين والبنات
أود أن أعرف منك ًشيئا .هل تقوم بزراعة مثل هذه أشجار التفاح فى حديقتك؟ ال ي��ا بنى ،لكن أخى األكرب يزرع أش��جار التفاح مث��ل هذه فى حديقته ،إنهيعيش على شاطئ النهر وال يبعد عن هنا بكثري . ً كهال ال يظهر فى حليته الكثري من الشعرات ومضى الطحان فى سريه حتى قابل ً قائال : البيضاء .فاقرتب منه الطحان السالم عليكم ! فرد الكهل عليك السالم َّورحب به . فسأله الطحان : هل أنت ش��قيق ذلك العجوز الذى يعيش على ش��اطئ النهر ؟ وهل تزرع مثل هذهاألشجار التى تنتج التفاح ؟ ً قائال : فرد عليه هذا العجوز فى احلقيقة هو ش��قيقى األصغر ،أما بالنس��بة ألش��جار التفاح فإنهس��نا وهو يعيش عل ش��اطئ النهر ً ُيزرع عند ش��قيقنا الثالث الذى يكربنا ً أيضا وال يبعد عن هنا بكثري . ش��ابا ً ومضى الطحان فى طريقه حتى رأى ً قويا ختلو رأس��ه وحليته من الشعرات البيضاء .فاقرتب منه الطحان وألقى عليه السالم ثم سأله : أه��ذه التفاحة م��ن حديقتك؟ وهل أنت األخ الثال��ث لألخوين العجوزين اللذينيعيشان على شاطئ النهر هناك؟ ً نعم ،أنا األخ الثالث هلما واألكرب سنا ،وهذا التفاح أزرعه فى حديقتى .مرح ًباضيفا علينا اليوم َ . بك ،تفضل أيها الضيف ،أدعوك أن تكون ً وق ِب َل الطحان الدعوة ً قائال : وأخذا يتسامران فى موضوعات كثرية .ثم نادى صاحب البيت على زوجته ي��ا زوجتى العزيزة ..لق��د حل علينا ضيف من القرية اجملاورة َّ ،أعدى لنا طعام الغذاء ،وال تنسى أن ختتارى ثـمرة بطيخ من احلديقة قد نضجت . وتناول صاحب البيت والضيف طعامهما وأحضرت الزوجة البطيخة .ثم قام الزوج بشق البطيخة ،لكنه قال لزوجته : هذه البطيخة مل تنضج بعد ،أحضرى لنا بطيخة أخرى .وظل ال��زوج هكذا يطلب منها بطيخة بعد األخرى مخ��س مرات حتى أعجبته البطيخة اخلامسة فأكالها ومحدا اهلل على نعمه . 140
من زمن فات -الجزء الثانى
وش��كر الطحان أهل البيت على حس��ن الضيافة ،لكنه سأل صاحب البيت قبل ً قائال : أن يرحل أيها الرجل الكريم ! امسح ىل أن أسألك عن شيء حيرينى :فعلى الرغم من أنكأكرب إخوتك ً سنا إال أنك تبدو أكثر ً شبابا وحيوية ما السر فى ذلك؟ كم��ا رأيت بنفس��ك ..لقد طلبت من زوجتى مخس م��رات ان ختتار لنا بطيخةومل يغضب أو يستاء أحد منا ..فباحللم والصرب تنال ما تريد .ولتعلم أننى وزوجتى نعيش فى حب ووئام للغاية . وحتى وقتنا هذا مل يعكر حياتنا شيء على اإلطالق لكن أخواى لألسف ً دائما ً ً مبكرا . مشدودا األعصاب ،يغضبان ألتفه األسباب ،ولذلك أصابتهما الشيخوخة الطحان سر الشباب .ومنذ ذلك الوقت بدأ َّ ومن هناعرف َّ الطحان يعيش مع زوجته فى حب ووئام ُ ... ويقال إنه بلغ من العمر مائة عام ومل تظهر شعرة بيضاء فى رأسه أو حليته الطويلة .
141
قصص وحكايات للبنين والبنات
III ثالث حكايات من بلد األهرامات لألديبة الروسية :صامويال فينجرييت يف عام 1988صدرت فى “موسكو” طبعة فاخرة بعنوان “ثالث حكايات من بلد األهرامات” .وقد ترمجتها من اللغة املصرية القدمية ،وأعادت صياغتها ،وقدمت هلا األديبة الروس��ية “صامويال فينجرييت” التى ولدت عام ، 1927وهلا مؤلفات عديدة فى أدب األطفال واملتخصصة فى املصريات ،حيث كتبت يف املقدمة تقول: “ مازال��ت آالف اآلالف م��ن القص��ص تعيش يف كوكبنا هذا ،ويس��عى اجلميع ً ً وحينا تتضمن عامل أحداثا يصعب تصديقه��ا ، إىل مساعه��ا ،رمب��ا ألنها تارة تروى ً وأحيانا تب��دو غريبة ،ولكنها يف أغلب األحيان تكون مس��لية ومثرية الس��حر ، للضح��ك ..وق��د ظهرت معظم هذه القص��ص الرائعة ،يف األزمن��ة البعيدة الغابرة ، ً ً طويال ،ورس��خت يف وجدانه على مر الس��نني ، طريقا إال أنه��ا اجتازت مع ش��عوبها فلديها جذور عميقة يف حضارة األمم ،ففى البداية تناقلت على الش��فاه من جيل إىل جيل ،ثم بعد ذلك حرصوا على تدوينها . ويتب��ادر إىل الذه��ن س��ؤال :من��ذ متى ظه��رت هذه القص��ص املش��هورة ،املدونة ؟ وكيف وصلت إلينا ؟ وجييب علينا التاريخ ،بأنها ظهرت من أربعة آالف عام بالضبط. ف��أول قصة ظهرت يف مصر القدمية بني هذا الش��عب ال��ذي كان يقدس العمل ، وحيب البناء ،ويعش��ق الزراعة ،قد س��رت أحداثها عند س��فح األهرامات الضخمة ، وترددت يف قصور الفراعنة ،وضياع النبالء ،ولوقت طويل انتش��رت بني أوساط أبناء الشعب املختلفة من صناع األوانى النحاسية ،واخلزفية ،والنساجني . وكم��ا ه��و معروف فإن أية قص��ة تنتهى بنهاية س��عيدة ،وهذا م��ا انتهت إليه إح��دى احلكايات ال�تي يدور احلديث فيها عن َّ مالح ،حتطمت س��فينته ،وغرقت أث��ر تعرضه��ا لري��اح عاتية ،إال أنه فى الوقت املناس��ب ظهر س��احر طي��ب القلب قام بإنق��اذه ،وانتهى كل ش��يء على م��ا يرام ،اذ قذف��ت موجة عاتية به��ذا املالح إىل 142
من زمن فات -الجزء الثانى
شاطئ جزيرة موحشة ،تشبه تلك البالد اليت جتري فيها أنهار من اللنب . وكان صاحب هذه اجلزيرة -ثعبان من الذهب ، -الذي أهدى ضيفة املالح هدايا ثـمينة ال ُتعد وال تحُ صى . أحبرت يف األزمنة البعيدة كثري من السفن املصرية عرب البحر األمحر . فلق��د جذبت ش��واطئ أفريقي��ا االس��توائية اهتمامات املالحني ملا فيه��ا من عطور طيب��ة ،وأن��واع م��ن األش��جار الن��ادرة ،واحليوانات الغريب��ة .وتعت�بر القصص التى حيكيه��ا املالحون احملنكون عن األخطار التى كان��ت تعرتضهم فى عرض البحر هى أساس السرد القصصى “ .
143
قصص وحكايات للبنين والبنات
الحكاية األوىل
الساحر جيدى كان ُيطل��ق عل��ى ح��كام بعض الب�لاد لق��ب “القياص��رة” أو “امللوك” باس��تثناء ُح َّ ��كام مص��ر القدمية ،فكان��وا يلقبون “بالفراعنة” ويرجع س��بب ذل��ك إىل أنهم كانوا يعيش��ون يف قصور فخمة ال جتد مثيله��ا اآلن فى أية بقعة من بقاع العامل ، إذ تضم متاثيل من األحجار ُتعد من عجائب الدنيا وهي مازالت شاخمة يف مكانها، وإذا أحصيناه��ا وجدناه��ا أكثر من جن��ود أى جيش لدى أى مل��ك آخر ،وقد يضل املرء عن طريقه وس��ط أعم��دة القصر الواحد العديدة ،كما لو كان وس��ط غابة من النخيل . حظى هؤالء الفراعنة الش��رف العظيم ملا َّ ش��يدوه من أبنية ضخمة ،فال يستطيع اإلنس��ان أن يتفق��د كل م��ا فيه��ا يف ثالثة أيام إذا س��ار على قدمي��ه ،أو طيلة يوم كام��ل إذا رك��ب عربة .وهل��ذا أطلق عل��ى أصحاب القص��ور العظ��ام “الفراعنة” . ً أيض��ا “البيت الكبري” ولكيال خيل��ط الناس بني كلميت وكلم��ة “فرعون” تعنى ً “البي��ت الكبري” و “فرع��ون امللك” فكانوا يدعون للمل��ك احرتاما له إذا ذكر امسه بقوهلم “فليبق على الدوام ،موفور الصحة ،قوى البنية ،عظيم الشأن” . كان الفق�ير من الناس يدفن بعد وفاته يف حفرة يف باطن األرض ،لكن الغنى منه��م يوضع جثمان��ه فى مدفن منح��وت فى الصخ��ر ،أما بالنس��بة لفرعون فكان يحُ نط جس��ده ثم يوضع فى “تابوت” وحيفظ فى هرم يشبه اجلبل العاىل إلعتقادهم بالبعث مرة أخرى يف “البيت الكبري” . ولضخام��ة األهرامات ومشوخها كانت عند غروب الش��مس ختتف��ي وراء قممها العالي��ة مما يتي��ح الفرصة للطي��ور أن حتلق وتطري ح��ول هذه األبني��ة العظيمة ، ً ُ مشوخا من حيث االرتفاع إذا قورن باألهرامات اجملاورة له ويعترب هرم “خوفو” أكثر ً إذ ظل البناءون على مدى (عشرين ً عاما) ينقلون األحجار ويضعونها صفوفا مرتاصة ً بعضها فوق بعض إىل أن ارتفع البناء وأصبح ً هرما ً عاليا مقرونا بعظمة فرعون .حتى 144
من زمن فات -الجزء الثانى
وصل عنان السماء الزرقاء مما أكسب الفراعنة اجملد واخللود . كان��وا يطلق��ون على خوفو أمس��اء خمتلفة مث��ل “احلاكم صاح��ب القوة العظيم��ة” ،و “األس��د القوى” و “الث��ور اجلبار” ألن كل ش��يء كان حتت إمرته: الن��اس ،الياب��س واملاء ،فبأم��ره كانت األحج��ار تنتقل من مكانه��ا ،وجبربوته يفي��ض نهر النيل ثم يعود إىل جمراه ،ولذا كان مبقدوره أن يتحكم يف كل شيء عدا شيء واحد هو قلبه . حدث ذات مرة أن بدأ اليأس يدب يف قلب “امللك خوفو” وأحس بالوحش��ة ،فأخذ يتج��ول بني حجرات قصره خبط��وات ثقيله دون أن يدري ماذا يري��د ،وعندما حل اهلدوء مسع طنني احلية الذهبية احمللى بها التاج الذى يضعه على فوق رأسه ،وهنا متلك اخلوف رجال القصر ً أيضا واختبأوا وراء األعمدة والتماثيل وهم يهمسون فيما بينه��م ويقولون :لقد ظهر النجم يف الس��ماء وهذا نذير بالعاصفة .وقال آخرون وهم يلتصقون باحلائط :انتظروا ما سيصيبنا من ضراء . ً وأخريا جلس على كرس��ي وثري وقد وضع س��ئم “خوفو” التنقل من بهو إىل آخر . راحتى يديه على مس��ندى الكرس��ى الذهبى واحملفور يف نهاية كل مس��ند رأس ً قائال :ائتوا بأوالدى إىل هنا فو ًرا . الصقر .ثم أمر رجال قصره بكل حزم ً بعيدا عن احلائط ،وبسرعة فائقة هرعوا لتنفيذ أوامر فرعون حترك رجال القصر وكأنهم يسبقون ظلهم .وعلى الفور حضر أبناء فرعون ويف مقدمتهم “خفرع” االبن األك�بر لفرع��ون ،وه��و طويل القامة ،ق��وى البنية إىل درجة أنه يس��تطيع بكل سهولة ،ودون عناء أن يثقب قطعة من الربونز مسكها ثالثة أصابع بسهم واحد . ً معروف��ا يف مصر كلها وب��دأ من ورائه االب��ن الثاني “م��ن كاورى” ،والذي كان جبم��ال طلعته ورش��اقته .وظهر خلفهما “جي��دي فحور” االبن الصغ�ير الذى كان ً ً ورقيقا ،ويشبه أخاه األكرب يف قوته اجلسمانية باإلضافة إىل ما أن وقعت بشوش��ا ورق��ة بردى يف يده إال وقد قرأها .دخل األبن��اء الثالثة البهو الكبري يف الوقت الذي كان ش��عاع الشمس ينفذ من إحدى النوافذ املوجودة أسفل السقف فأضاء وجوههم ً مجيعا .أما امللك خوفو فقد بدا كما كان من قبل ،عابس الوجه ،قاطب اجلبني ، تنظر عيناه املتأملتان من حتت حاجبيه املرتعش��تني وقد أخذت احلية الذهبية اليت تتحل��ى ب��ه تاجه يف إصدار طن�ين مزعج ،ثم ق��ال ألوالده :لقد أصابن��ى امللل – وأنا ً أعماال جميدة وال تزال أمامى أعمال أخرى س��تخلدني إىل امللك الذى تركت خلفى األبد .لقد أقاموا ىل ً هرما يتناسب مع جمدى وقوتى وعظمتى التى فاقت حدود مصر، ً ً فل��م أكن أهرب من األع��داء إطالقا ،بل كنت أقاتلهم وجها لوجه ببس��الة مبا يتس��م 145
قصص وحكايات للبنين والبنات
ب��ه احملارب املقدام ،كان قلب��ى ً ثابتا ً قويا أثناء املعارك احلربي��ة ،وفى حلظات اخلطر يكون أكثر صالبة من احلجر الصوان . أم��ا اآلن فق��د أصاب قل�بي احلزن وامللل ال��ذي ال يق��در عليهما إنس��ان ،وما أطلبه ّ عل��ى حبكايات غريبة قد حدثت من��ذ زمن بعيد .مل منك��م ي��ا أوالدي أن تهونوا يرف��ض أبناء خوفو طلب أبيهم ،وأخذ كل منه��م يتذكر حكاية ،كي يرويها ل��ه ،وكان أول املتحدث�ين -خف��رع – االبن األك�بر لفرعون الذي أق�ترب من والده ً قائ�لا :كان يعيش يف العص��ور الغابرة س��احر ماه��ر يدعى وأخ��ذ يق��ص علي��ه “أوبانري”،وكان له معجزات كثرية ،غري أن هناك معجزة واحدة قد جعلته يتمتع بش��هرة فائقة على مر العصور .وتتلخص هذه املعجزة فى أن ً ً ش��ريرا دأب الرتدد لصا على منزل هذا الس��احر ،فبمجرد أن خيرج الس��احر من بيته حتى يأتى هذا الشرير ويس��رق املالبس اجلديدة التى لدى الس��احر ثم خيتفى فى حديقة املنزل ،ويسطو على ثـمار األش��جار الناضجة اللذيذة الطعم ويس��رقها ،مل يصرب الس��احر على ذلك ً ً صائحا : طويال .وذات مرة نادى على خادمه وقال له امس��ع يا غ�لام أحضر لي العلبة املصنوعة من اخلش��ب األس��ود املطلية بالذهبً وأيضا قطعة من الشمع النقي – فأحضر اخلادم ما أمره به سيده وقال : ها هى العلبة يا س��يدى ،وها هو الشمع الذي قد مجعوه صباح اليوم من مناحلالعسل ،ثم قال له الساحر: ضع كل ش��يء هنا أمامى واتركنى وش��أنى .وبقى الس��احر مبف��رده وقد أخذً متثاال على هيئة قطعة من الش��مع وبات يعجنها وميطها ويلويها حتى شكل منها متساح ،فإذا نظرت إليه يبدو لك كأنه متساح حقيقي بفمه املفتوح وأسنانه احلادة وبذيله الطويل املمدود ،وبعيونه املستديرة الشريرة ،لكنه مل يكن أخضر اللون بل أصفر ،ومن املعروف أن هذا الس��احر يف مقدوره عمل كل ش��يء ،فقد وضع هذا التمساح الصغري الذي صنعه يف إناء به ماء ،ثم أخرج من العلبة لفافة من ورق الربدي وبدأ يردد بعض التعاويذ السحرية ويقول : َّهيا أطلقي سم العقرب “تيبيت” أخرجي سم العقرب “تشيتت” أقبضي على اللص، أقبضى على اللص الش��رير ،وأستمر الس��احر ينطق بكلمات غريبة ،وبعدها بدأ امل��اء يتعكر ويف��ور إىل أعلى وبدأت الفقاقيع تظهر وفجأة هدأ املاء وس��كن كما كان . ً متس��احا يرقد وكأنه وس��ط حبرية وهنا نظر الس��احر فى ق��اع كوب املاء فرأى 146
من زمن فات -الجزء الثانى
صغ�يرة وق��د تغري لونه من اللون األصف��ر إىل اللون األخضر لدرج��ة أن ظهرت البقع الس��وداء على ظهره كالتى توجد عن التماس��يح احلقيقية ،وبعد أن فرغ الس��احر من هذا نادى على خادمه وقال له : امس��ع يا غالم ،خذ متثال الش��مع هذا من اإلناء وراقب الل��ص الذى يأتي إلينا منآن آلخر ،وحيمنا تلمحة من بعيد ألق بهذا التمثال يف مستنقع املاء .وانصاع اخلادم ألوامر س��يده ،وما أن ظهر اللص يف البس��تان حتى ألقى اخلادم بالتمثال يف املستنقع فإذا باملاء يفور وتظهر منه الفقاقيع ،وأخذت األمواج تتالطم بشاطئ املستنقع بقوة ، وظهر على الفور متساح حقيقي يطفو على سطح أعلى موجة .هذا التمساح طوله ً ضاربا سبعة أذرع ،وما رأى التمساح اللص حتى فتح فاهه وأمسك به بأسنانه احلادة املاء بذيله . أخذ اللص يستغيث ويصيح بأعلى صوت : أيها التمساح املخيف ابتعد عنى ،ابتعد عنى !..مل يكن هناك َمن ينقذه إذ انقض عليه التمس��اح ،وس��حبه إىل قاع املس��تنقع ، ً كال من اللص والتمساح “ ،نعم ،لقد استطاع الساحر ومنذ تلك اللحظة مل ير أحد “أوبانري” أن يأتى مبعجزة مل يسبق ألحد غريه أن يقوم بها يف تلك األزمنة الغابرة” ، ً ً وتبجيال ثم وقف احرتاما وبهذه الكلمات أنهى – خفرع – حكايته واحننى لوالده ً إىل جانب أبيه من ناحية اليمني ،ثم علق امللك – خوفو -على ذلك قائال : ًً ً أح��دا مل يتفوق عليه يف علم الس��حر ، حكيم��ا يبدو أن حق��ا ،كان أوبان�ير ً ترمحا عليه . فلتأمر بإحضار القرابني من خبز وحلم وروائح عطرية ولك��ن هذا مل خيفف من حالة الضيق التى يعانى منه��ا امللك – خوفو – فمازالت جتاعي��د جبهته تبعث على عدم الرضا ،وم��ا زال طنني احلية الذهبية الذي يتحلى ً أصواتا حزينة . بها التاج يصدر والحظ األمري “من كاورى”– االبن الثاني لفرعون – حالة أبيه فتقدم حنوه وقال له : س��أحكي لك يا موالى – ولتبق على الدوام موفور الصحة ،قوى البنية ،عظيمالشأن – عن معجزة قام بها حكيم ُيدعى – جاد جامانج – والذي كان يعيش منذ زم��ن بعيد ..فقد ح��دث أن ً ً مطلي��ا بالذهب حمفور يف مؤخرت��ه زهرة اللوتس زورقا كان يبحر يف البحرية وعلى متنه عشرون فتاة على قدر كبري من اجلمال ترتدين أفخر الثياب كما لو كن مدعوات إىل حفل ُعرس بهيج . 147
قصص وحكايات للبنين والبنات
كانت فس��اتينهن م��ن قماش الكت��ان األبيض الش��فاف ،واملطرزة بأل��وان زاهية م��ن الرتتر الت��ى تبهر األنظار ،وكان م��ن أروع ما يكون تلك الق�لادات اليت كانت عل��ى صدورهن واملرصع��ة باألحجار الكرمية اليت تصدر منها ألوان تش��به الطيف ، وترتدين أساور متعرجة تشبه الثعابني ،وقد زينت تسرحياتهن الرائعة من مشابك من الذهب واملاس ،والتى تذكرنا بالفراشات اجلميالت ،متعددة األلوان واألشكال واجلعارين املتأللئة . كانت تلك احلس��نوات يشدين بأصوات عذبة مجيلة وهن يف الزورق ،ويدفعن بأيادينه��ن اجملادي��ف احمل�لاة برقائق م��ن الذهب فوق مي��اه البح�يرة اهلادئة ،حيث تتمايل أغصان أشجار السنط واجلميز : وبـــ��دأ النس��ـــــيم يداعــــ��ب أغصان أش��جار اجلميز الكثيفة وبسرور يسمع كل من غدا أو راح حفي��ف أوراق الش��جر اخلض��راء وفجأة وبدون اكرتاث هزت إحدى الفتيات ضفائر شعرها فوقع على أثرها مشبك مصن��وع من “حجر الف�يروز” الذى كانت تزين به ش��عرها ومل تس��تطع مع زميالتها اإلمساك به فسقط املشبك يف املاء .وعلى أثر ذلك صاحت الفتاه قائلة “ :آه واأسفاه”. توقف��ت الفتاه وزميالتها عن التجدي��ف وعن الغناء ،وبدأ الزورق يف اإلهتزاز وعدم التوازن .وعرضن الفتيات على زميالتهن مبشابك أخرى كثرية فقالت إحداهن هلا : خذى هذا املشبك اخلاص بى ،فهو من “حجر امللخيت األخضر” ،انظرى إليه ًجيدا وهو كالعشب األخضر حتت قطرات الندى . وقالت هلا زميلة أخرى : اقبلى منى هذا املشبك فهو من “حجر العقيق األمحر” .وقالت صديقة الثالثة هلا : تفضل��ي يا عزيزتى مش��بكي هذا ،فهو من حجر اليس�بر الن��ادر ،لكن الفتاهاحلسناء رفضت عروضهن وقالت هلن وهي تبكي : ّ ال أري��د ،ال أري��د ،لس��ت يف حاجة إىل مش��بك أى منكن ،أعيدوا إىل املش��بكاخلاص بى . ً ً وأخريا توصلن إىل كث�يرا فيما جيب عمله ، أخذت الفتيات احلس��ناوات تفكر 148
من زمن فات -الجزء الثانى
هذا القرار : ً جي��ب علين��ا أن ندع��و احلكي��م “ج��اد جامان��ج” ،وفع�لا مت حتقي��ق م��ا طلبهاحلس��ناوات وعلى الفور أرس��لن ً عبدا إلحضار احلكيم “جاد جامانج” .وعندما جاء احلكيم حكت له الفتيات عما حدث .بعد ذلك وقف “جاد جامانج” على ش��اطئ البحرية ،وألقى برأسه إىل اخللف وحدق بعينه إىل السماء ولوح بكلتا يديه ناحية املاء ،وأخذ يتمتم بكلمات لن تس��تطيع أية فتاة منهن تفسريها على اإلطالق ،بل مل جت��رؤ أية منهن اخلوض فى فه��م عمليات التعويذ ه��ذه ،ومسعن فقط احلكيم يردد هذه الكلمات : فليطلق يف القاع س��م العقرب تبيتت ويطفو على الس��طح سم العقرب “تشيتت” ..اختف��ى أيته��ا املياه وأظهر أيها القاع .وفجأة انش��طرت البحرية إىل جزئني كما لو كانت املياه قد انش��قت بس��كني حاد .س��يطر الذعر على اجلميع وكانت املعجزة يف البحرية . جتمع��ت كل مي��اه البحرية يف النصف األول ،وأصبح النص��ف الثاني من البحرية خالي��ا ً ً متاما م��ن املياه ،وهنا رأى اجلميع “املش��بك” ملقى فى الق��اع وكأنه مسكة زرقاء تتألأل . أخذت الفتاة احلسناء تصيح ومتسح دموعها من وجنتيها وهى تقول : ها هو مشبكي .فقال هلا “جاد جامانج” . “نع��م إنه املش��بك اخلاص بك فلتأخذي��ه” .بعد ذلك مد “ج��اد جامانج” – الرجلاحلكي��م – يديه من جدي��د ناحية املاء ومتتم بكلمات غ�ير مفهومة ألحد ،ومل يك��د ينتهي من تعويذته ،حتى عادت املياه كما كانت من قبل ،متأل البحرية . ثم جلست احلس��ناوات بإنتظام يف أماكنهن وأمسكن باجملاديف مسرورات وبدأن يف الغناء : وتتمايل أوراق الشجر الناعمة يف ضوء الشمس ،ويفوح منها يف األفق عبق زكى طيب ،وتهدي لنا األغصان واألشجار املتشابكة ظالل ونسيم منعش . ً احرتام��ا لوالده ثم وقف واختت��م األمري – م��ن كاورى – احلكاية وه��و ينحنى ً قائال : على يساره ه��ا ه��ى يا أبتى املعجزة اليت ق��ام بها “جاد جامانج” ،وال�تي مل يقم مبثلها أحد منقبل .وبعد أن استمع األب “خوفو” إىل احلكاية عن آخرها قال : 149
قصص وحكايات للبنين والبنات
ً ً ً ماهرا وما فعله مل يس��تطع حكيما حقا لقد كان “جاد جامانج” يف احلقيقة أحد القيام به أو التفوق عليه يف إتقانه للس��حر .فلتأمر بأن يقدموا هلم القرابني من حلم وخبز وطيب حتية لذكراه . لكن نظرات امللك “خوفو” ال يبدو عليها ش��يء من الس��رور ،وظل قاط ًبا بعد هذه احلكاية ،وأن احلية الذهبية احمللى بها التاج اليت يضعها امللك “خوفو” فوق رأسه ال ت��زال تتلوى يف حزن وكآبة .وأيقن – جيدي فحور – االبن األصغر أن دوره قد جاء فتقدم إىل األمام وقال ألبيه : يا موالى ،فلتكن على الدوام موفور الصحة ،قوى البنية ،عظيم الشأن ،استمعت جاللتك��م إىل حكاي��ات قد حدث��ت يف العص��ور الغاب��رة ، ومل نتأك��د بالدليل إن كانت قد حدثت بالفع��ل أم ال .أليس من األفض��ل أن أحكى لك عن الس��احر الذي يعيش بيننا هذه األيام ؟ عم تتحدث يا ُبنى ؟ ع��ن ذل��ك الس��احر ال��ذييدع��ى “جي��دى” ال��ذى بل��غ م��ن العم��ر مائ��ة وعش��ر س��نة يس��تطيع أن ي��أكل مبف��رده وجب��ة مكونة من مخس��مائة رغي��ف ونص��ف عجل ،ويشرب مائة قدح من عصري العنب .وفى استطاعته إع��ادة احلي��اة ألى حيوان قد قطعت رأس��ه .وعندما ميشى ً أس��دا أو ث��و ًرا دون جير خلفه أن يقيدهم��ا بسالس��ل فهذه كان��ت أمو ًرا تافهة بالنس��بة له وال تستحق احلديث عنها. 150
من زمن فات -الجزء الثانى
وأين يعيش هذا الشره النهم ؟ يبدو أنه يقطن خارج القطر املصري ،أو وراء البحراألمحر . ًأب��دا ،هذا الس��احر يعي��ش يف عاصمة مملكتك على نهر الني��ل ،وليس خارج القطر املصرى أو وراء البحر األمحر . ً أمسع يا ُبنى ،أود رؤية هذا الساحر حاال .وعلى الفور تأهب اإلبن إلحضار الساحر “جيدي” إىل قصر أبيه .أجلس العبيد األمري “جيدي فحور” على محالة من اخلشب األبان��وس األس��ود املزخرف بالل��ون الالزوردى ،وأمس��كوا بأيديه��م املطلية بالذهب وق��د محلوها على أكتافهم ثم أخذوا جيوب��ون املدينة بعد أن تركوا وراءهم قصر فرع��ون العظيم ،ومنازل األثرياء التى كانت تغطيها أوراق أش��جار الس��نط واجلميز وش��وارع املدينة املمه��دة ،وبدءوا يس�يرون يف القفار اخلاوية التى ال تس��ر األنظار ، ً وأخريا حي��ث أك��واخ من الصفيح وم��ن الطوب اللنب التى يغطيها س��عف النخي��ل .. عثروا على الساحر “جيدى” يستلقى على حصرية مهلهلة عند عتبة املدخل . نزل األمري واقرتب منه وحياه بتحية التلميذ ألستاذه وقال له : قدم��ت ل��ك أيها الس��احر اجلليل بأمر م��ن والدي فرع��ون -ليك��ن ًدوما موفور الصحة ،قوى البنية ،عظيم الشأن -إن جاللته يريد أن يراك ،ولذا أقرتح أن تأتى معى إىل القصر ،وهناك سوف جتد حياة رغدة وستلقى رعاية خاصة وستحصل على كل ما تريد من طعام وشراب على ذات مائدة امللك خوفو . َّ رحب “جيدى” بهذا العرض وقال لألمري : منحتك اآلهلة الس��عادة ،منحتك اآلهلة الس��عادة أيها األم�ير ،فيعظمك فرعونالعظيم ومينحك أعلى املراتب .إنين مستعد من اآلن َّ .. هيا بنا . س��اعد األمري الس��احر جيدى على اجللوس ف��وق احلمالة وأخذ يعتن��ى به أثناء الطري��ق ،وم��ا أن وص��ل إىل قصر فرع��ون حتى أخرب األم�ير أباه عن وصول الس��احر ً قائال: يا ابتى لقد عثرت على الساحر العجوز وصحبته معى إىل هنا كما أمرتين . دعه يدخل يا بنى .وعندما دخل “جيدي” جملس فرعون ،ألقى خوفو عليه بعض األسئلة : ملاذا مل أرك من قبل ؟ ال ميك��ن ىل أن أحض��ر إىل صاح��ب اجلالل��ة دون أن يس��تدعينى ،ه��ا أن��ا قد151
قصص وحكايات للبنين والبنات
حضرت فور استدعاء جاللتكم ىل . يقولون عنك إن فى استطاعتك تغيري صورة طائر أو حيوان . نعم ،هذا صحيح .ً ثم أمر امللك مساعديه قائال : ائت��وا بذل��ك احملكوم عليه باإلع��دام ،وبأحد كالب الصي��د التى ترافقنى يفرحالت الصيد . ً وهنا سارع “جيدى” قائال : ه��ذا مس��تحيل أيها امللك العظي��م ،لتبق موفور الصحة ،عظيم الش��أن ،ألننى ملولن أقوم بالسحر على أى إنسان مهما يكن األمر حتى لو أمرت جاللتكم بإعدامى فلتأمر جاللتكم بإحضار أي طائر أو حيوان . وهنا أمر فرعون بإحضار أوزة حية ،ثم ذحبوها ،وفصلوا رأس��ها عن جس��مها على مشهد من مجيع احلاضرين ،وبعد ذلك وضعوا رأسها يف ناحية احلائط حيث متاثيل من اجلرانيت ،أما جس��م األوزة فقد وضعوه عند احلائط املقابل ،هذا يف الوقت الذي كانت تتصاعد فيه رائحة البخور من املباخر . وقف الس��احر جيدى وسط البهو ثم ألقى برأس��ه إىل اخللف ورفع يديه إىل أعلى وأخذ يتمتم بتعاويذ مل يستطع أحد فهمها على اإلطالق ،وعلى أثرها رأى اجلميع أن احلياة قد عادت إىل جس��م األوزة ،ووقفت على رجليها ثم س��ارت ناحية التماثيل اجلرانيتي��ة والتحم جس��مها برأس��ها التى كان��ت مفصولة عن جس��مها وانتفضت ً وكأن ً أصواتا “ :جا ،جا ،جا” . شيئا مل يكن ،وأخذت تطلق وهنا ظهرت اإلبتس��امة املمزوجة بالدهشة على وجوه احلاضرين .مل حيدث ً أبدا أن أطلق��ت مث��ل هذه األصوات يف القصر ،وعندما مسعه��ا فرعون ظهرت على وجهه اإلبتس��امة ،والحظ رجال القصر إبتسامة فرعون هذه ،فأمروا اخلدم بإحضار بطة، وقد فعل الس��احر بها كما فعل باألوزة من قبل فصلوا رأس��ها عن جس��مها ،لكنه أوصلهم��ا مرة أخرى ،وأخذت البطة تدس منقارها بني ريش��ها وس��ارت على رجليها ً أصواتا مألت املكان كله “ كريا ،كريا ” ... وهى تطلق مل يكن يف وسع احلاضرين الكف عن الضحك وحينئذ اختفت الكآبة بعض الشيء عن وجه فرعون . بع��د ذلك أحضروا ثو ًرا ً هائج��ا لدرجة أنه من الصعوبة مبكان الس��يطرة عليه وق��د أوثق��اه باحلبل اثن��ان من العبي��د وذحباه ثم فصال رأس��ه عن جس��مه ،ولكن 152
من زمن فات -الجزء الثانى
“جيدى” أخ��ذ يتمتم بتعويذاته حتى عادت الرأس املفصولة إىل جس��م الثور ودبت احلياة فيه . وعندئ��ذ أطل��ق الثور خواره ( مرو ،مرو ،مرو ) ....ووقف الثور على رجليه ،وجرى ً ً ً وديعا ،مما جعل احلاضرين صغريا عجال يلعق يد الس��احر جيدى كما لو كان ً يف القاعة يقهقهون ،حتى امللك فرعون انفجر ضاحكا بصوت عال ،كذلك احلية ً أصواتا مفرحة . الذهبية التى يتحلى بها التاج أخذت تتحرك وتطلق وهن��ا أعطى امللك خوفو أوامره لرجاله وعلى وجهه اإلبتس��امة العريضة النابعة من القلب وقال : اصطحبوا “جيدى” -هذا الساحر اجلليل -إىل منزل إبنى “جيدي فحور” ليمكثفي��ه ،وقدم��وا له كل يوم عش��رة آالف رغيف من اخلبز إىل جان��ب حلم ثور كامل ومائتى قدح من عصري العنب . وعلى الفور مت تنفيذ أوامر الفرعون . حكم امللك خوفو العظيم بالده إىل أن تقدم يف السن حتى قضي حنبه ،ثم اعتلى ً ش��اخما من بعده العرش ابنه األكرب “خفرع” الذي أمر ببناء هرم له جبانب هرم أبيه ف��وق أعل��ى جبل باملنطق��ة ،لكنه ال مياثل ه��رم أبيه “خوفو” من حي��ث الضخامة ومالمسة سحب السماء الزرقاء ،وهو ُيعترب اهلرم الثانى من حيث اإلرتفاع .
153
قصص وحكايات للبنين والبنات
الحكاية الثانية
املالح والثعبان كان البحر األمحر ً هادئا ،واملروج اخلضراء فى كل مكان ،والسماء الزرقاء بلونها الالزوردى تنعكس على س��طح مياه البحر التى تبدو كامل��رآة فى صفائها .فى ذلك الوقت كان هناك مركب شراعى ميخر عباب البحر الفريوزية اللون ،حيث تتحرك جماديفه فى اهلواء فى حركة سريعة منتظمة ،ولذا بدأ املركب كالطائر الذى يرفرف بأجنحته ،وكانت الرياح الشديدة تدفع الشراع مما جتعله يرتطم بصوارى املركب .ولضخامة هذا املركب كان يدير شراعه أربعة من البحارة باإلضافة إىل أثن�ين يوجهان دفته .ويقدر عدد الذين على منت املركب “مائة وواحد وعش��رون” ً مالحا من بينهم “رسول فرعون” ،ومجيعهم يتصفون باحلنكة والشجاعة واإلقدام وركوب البحر و ال يهابون العواصف العاتية . هيا أسرعوا َّ ، َّهيا أسرعوا . هكذا صاح املسئول عن املراقبة من مؤخرة املركب ،وعلى الفور أخذت الثالثة حب��ال املصنوعة من اجلل��د والتى تتحكم فى دفة املركب خت�ترق اهلواء الصافى ، وتشق املاء فيتناثر رذاذ املياه امللحة على جسم املركب . إىل أي��ن يبح��ر هذا املركب الس��ريع ؟ وإىل أي��ن تتجه أنظار املالح�ين التى على ظهره ؟ كان��ت تتبع القطر املصرى أراض��ى صحراوية مرتامية األط��راف ،مل متتد يد أحد إليها ،وليس بها حش��ائش أو أش��جار ،ومل يسمع فيها زقزقة عصافري أو صوت حيوانات ،بل تدوى فيها فقط صليل السالسل وضربات املالطيس التى ينتشر صداها فى أرج��اء الصحراء ها هم العبيد املكبلون بالسالس��ل يقومون بتكس�ير الصخور هناك الستخراج الذهب من أجل فرعون . وكان رسول فرعون يبحر على ظهر تلك املركب إىل مناجم الفراعنة هذه كى يتفقد سري العمل هناك . 154
من زمن فات -الجزء الثانى
أحب��ر املركب فى عرض البحر و اختفى الياب��س عن األنظار ،ونظر املالحون حنو السماء فوجدوها زرقاء صافية ،وإىل مياه البحر فوجدوها ساكنة هادئة .ولذا أيقن اجلميع بأن كل شيئ على ما يرام ،ولن تهب أية عاصفة فى األيام القليلة القادمة، ِّ مدوي ًا فى ولك��ن س��رعان ما ب��دأت الرياح الش��ديدة تهب بعنف ،يس��مع صفريه��ا اآلذان ،ث��م إرتفعت األمواج عاليه ،فارتطمت املوجة األوىل القوية مبقدمة املركب فتحطمت ،ومل يبق س��وى بعض ألواح خشبية ،ثم سقطت مياه املوجه الثانية داخل جسم املركب كما يكسر عود القصب ،وبعد ذلك دفعت املوجة الثالثة املركب دفعة قوية فأطاحت بها من كل جانب ،على أثرها تهش��م جسمها وغرقت املركب كلها و مل يبق منها شيء . ً مجيعا فى هذا البحر اهلائج ،ومل يبق على قيد احلياة س��وى مالح غرق املالحون واحد هو – رس��ول فرعون الذى محلته موجة قوية وقذفت به على ش��اطئ جزيرة موحشة . ً ش��يئا فى تلك اللحظة هدأت الرياح واختفت األمواج وس��كنت العاصفة وكأن ً وحي��دا على الش��اطئ ثالثة أي��ام مل يرافقه فى مل يك��ن ،ومك��ث رس��ول فرعون وحدته هذه س��وى قلبه النابض حتت ظل ش��جرة اجلميز الت��ى كانت مبثابة منزل ً ش��يئا من قوته ،فنهض من مكانه ،وبدأ يتجول فى قلب له .وفى اليوم الرابع اس�ترد ً باحثا عن طعام يقتات به .وما كاد خيطو خطوة إىل األمام حتى ارتطمت اجلزيرة قدماه حببتني من البصل والثوم ،ثم خطا خطوة أخرى حتى سقطت أمامه حبة من التني وعنقود من العنب ،وبدأت بعض األمساك تقفز من جدول املاء الذى يشق أرض اجلزيرة وأخذت الطيور حتلق من مقربة منه .. وهنا قال رسول فرعون فى نفسه : ي��ا هلا م��ن معجزة رائع��ة ! ويا له م��ن مجال يفوق اخلي��ال ! غري أن ه��ذا مل يدم ً ً موقدا لتجهي��ز طعام له ،وفجأة حدث��ت هزة قوية فى طوي�لا إذ عندم��ا كان يعد البحر وسرعان ما ارتطمت أمواجه بالشاطئ فى الوقت الذى زلزلت فيه األرض وكأنها أصيب��ت باحلمى ،واهتزت األش��جار والنباتات بقوة ،وانش��قت األرض ،ثم ظهر ثعبان ضخ��م مغطى بقش��ور م��ن الذهب اخلال��ص وله حلي��ة طويل��ة وحواجب مسيكة متأللئة .هل أتيح ألحد ما أن يرى مثل هذا الش��يء؟ وس��رعان ما أدرك رسول فرعون أن هذا الثعبان هو سلطان اجلزيرة .. كان الثعبان قد ظهر فى ذلك الوقت من بني األحراش ،و أخد ينظر بعينيه ً ميينا ً ً خميفا ،وبدأ يتحرك صوب رس��ول فرعون صفريا ويس��ا ًرا وفى كل اجتاه ،ثم أطلق 155
قصص وحكايات للبنين والبنات
ه��ذا املخلوق الغريب – وهو يس�ير على قدمني كاإلنس��ان ،خيطو بهما فى صعوبة بالغة فوق احلشائش و يتلوى جسمه الذهبى فى صورة دوائر ضخمة . تس��مر رس��ول فرعون فى مكانه وهوى على األرض بني احلي��اة واملوت .إذ فقدت ي��داه الق��وة وقدم��اه الصالبة ، .ومل جيد فى نفس��ه الق��درة على أن يفت��ح عينيه ، ومل تبق لديه س��وى حاس��ة الس��مع إذا مسع صوت الثعبان يدوى فى أرجاء اجلزيرة كالرعد بلهجة ملؤها التهديد ،ثم قال : ْ َ -م ْن الذى أتى بك إىل هنا؟ َم ْن الذى أتى بك إىل هنا أيها اإلنسان ؟ َمن الذى أوعز
156
من زمن فات -الجزء الثانى
إليك باجمليء إىل جزيرتنا املوحشة هذه واملختفية بني أمواج البحر األمحر ؟ وانعقد لس��ان رسول فرعون من اخلوف الذى أصابه وهو بني احلياه واملوت فكيف جييب على مثل هذا الثعبان الضخم؟ هاج الثعبان وماج وفتح فاهه لإلمساك برسول فرعون ،لكنه تراجع عن عزمه فى ً ملقيا على األرض دون ان يؤذيه ،ثم أخذ يس��أله من جديد القض��اء عليه وتركه ً قائال: م َْ��ن ال��ذى أتى ب��ك إىل هنا أيها اإلنس��ان؟ َم ْن أت��ى بك إىل هنا؟ كي��ف جئت اىل جزيرتن��ا املختفي��ة بني األم��واج؟ إن مل جت��ب على س��ؤاىل ولزمت الصم��ت هكذا، فس��وف أقضى علي��ك ً نهائيا وذلك حبرقك كما حترق احلش��ائش ،ول��ن يبقى منك سوى حفنة قليلة من الرماد .وهنا أدرك رسول فرعون أن املوضوع أصبح قضية حياة أو موت ،فبدأ يستجمع قواه وأخذ يرد على الثعبان : لقد ارس��لونى فى مهم��ة اىل مناجم الفراعنة التفقد س�ير العمل فيها ،فركبتً ً مالحا ميتازون بالشجاعة كبريا ذا جماديف قوية ،يقودها مائة وعشرون مرك ًبا واإلقدام وال ختيفهم العواصف مهما كانت سرعتها ،ولكن حدث وأن هبت عاصفة عاتي��ة م��ن حي��ث ال ندرى ،وعل��ى أثرها ه��اج البحر وارتفع��ت األم��واج العالية التى كانت تش��به األهرمات فى ارتفاعها والتى أخذت ترتطم جبس��م املركب فانكسر صارى املركب وتطايرت ألواح اخلش��ب وحتط��م املركب ً متاما وغرق كل من عليه وس��ط البحر اهلائج ومل ينج ٌ أحد غريى ،إذ محلتنى موجة كبرية وقذفت بى على الش��اطئ ..هكذا جئت اىل اجلزيرة احملاط��ة باألمواج من مجيع اجلهات ..فاألمواج هى التى محلتنى إىل هنا ...ها هى قصة جميئى إىل هنا . استمع الثعبان الضخم اىل ما قاله رسول فرعون ثم هز رأسه وقال : ال ختف منى أيها االنسان ،واطرد اخلوف من قلبك ،لن اصيبك بسوء لقد حتملتً جزيرتنا ،حيث يوجد بوفرة كارثة املركب ،لكنك جنوت بأعجوبة وجئت إىل كل ما تش��تهيه األنفس تعيش بيننا ً شهرا تلو اآلخر ،ولن تشعر خالهلا باملصائب أو اهلموم ،وفى نهاية الشهر الرابع سوف تاتى إىل هنا مركب يقودها مالحون تعرفهم أنت ً جيدا ،وسرتكب معهم وتعود معهم اىل مصر وهناك ستحيا حياة رغدة وستنعم بك��رم فرع��ون -ليبق على ال��دوام موفور الصحة ،ق��وى البنية ،عظيم الش��أن -ولن تتذكر تلك األحداث العصيبة التى مرت بك اآلن و ستنس��اها ،وستبدو لك وكأنها ً شخصيا مصيبة لن أنساها مدى احلياه . جمرد حلم ،فقد حدث ىل أنا 157
قصص وحكايات للبنين والبنات
تنهد الثعبان ،وعلى أثر ذلك تساقطت أوراق األشجار ،ثم تنهد مرة أخرى فتطايرت أوراق األزهار . وصمت الثعبان حلظة ثم قال : مل اكن أعيش هنا مبفردى ،بل كنت رب أسرة تتمتع بالوئام واحلب فيما بينها،ً ً ذكرا وابنة واحدة ،كانت ثعبانا وكانت األس��رة تتكون من مخس��ة وس��بعني ابنت��ى الوحيدة ه��ذه لطيفة ومرحة ،مما جعلنى أحبها أكث��ر من أخوتها ..أما ما حدث ىل ،فإننى عندما كنت فى عرض البحر رأيت ً جنما س��قط من السماء مباشرة ف��وق أرض اجلزي��رة ،فأحرتقت األش��جار واش��تعلت النريان فى كل ش��يء وأصبحت ً محما هائلة ملتهبة ال مكان فيها للجوء إليه ومل ينج أحد من هذا السعري اجلزيرة مبا فى ذلك ابنتى ،إذا القت حتفها مع كل من كان فوق اجلزيرة . وأنس��ابت دمعتان من عينى الثعبان ،وس��قطتا عل��ى األرض وحتولتا إىل كرتني صغريتني تشبهان ،حبتى اجلميز لكنهما من الذهب اخلالص . ً قائال : ثم أضاف الثعبان اتعتق��د أن م��ا حدث لك ش��يء يذك��ر إذا ق��ورن مبصيبتى هذه الت��ى منيت بها؟أتذك��ر تل��ك اللحظة الت��ى عدت فيه��ا اىل اجلزي��رة ومل أجد أحد ،أحسس��ت بأن قلبى كاد ينفجر من احلزن واألس��ى .أما بالنس��بة لك ف��إن زوجتك وأوالدك وأهلك ينتظرونك فى وطنك ،وسوف تعود اليهم و ستعيش بينهم حتى توافيك املنية .أليس هناك أمجل من أن يعيش اإلنسان حياته فى البلد الذى ولد فيه؟ ومن أجل ذلك على ً شجاعا ،وأن يتحمل كل ما يصيبه من صعوبات ونكبات . اإلنسان أن يكون حينئذ جثا رسول فرعون على ركبته وقبل األرض وقال للثعبان: س��وف أحكى لفرع��ون – فليبق على ال��دوام موفور الصحة ق��وى البنية عظيمالشأن – عن طيبة قلبك ،وسأخربه عن قوتك اخلارقة ،وعندئذ سيأمر بإرسال العطور ً مثيال فى العامل كله ،سوف أحكى لألمراء ،والوجهاء النادرة إليك و التى مل جتد هلا عن عظمتك ،وحينذاك س��يأمرون بنحر الذبائح وذبح الطيور من أجلك ،ويرس��لون إلي��ك بكل ما تتمت��ع به مصر من ثروات على الس��فن التى تبح��ر إىل جزيرتكم . وهن��ا أطل��ق الثعبان ضحكة عالية مس��ع صداها فى أرجاء اجلزيرة كلها ،تش��به صلي��ل الكئوس املصنوعة من الربونز ،حينما تتدحرج بني األحجار ثم قال لرس��ول ً متسائال : فرعون أتقول أيها اإلنسان َّ ،إن لديكم عطو ًرا كثرية تود إهداء بعض منها إىل ؟ إن فى 158
من زمن فات -الجزء الثانى
جزيرتى ً أنواعا كثرية من خمتلف العطور تفوق العطور املوجودة فى العامل كله ، أليس هذا يثري الضحك عندما تفكر فى إهدائى عطور تتوفر عندى بكثرة ؟ لست ف��ى حاجة إىل عطور أو أفتقر إىل ذهب وال ينقصنى ش��يء من أحجار كرمية مثل الفريوز والزمرد والياقوت وغريها ..ولتعلم أن ً أحدا لن جيد ً أثرا للجزيرة فيما بعد ،إذ ً متوجها إىل بالدك إنك مبجرد أن تربح جزيرتنا هذه على املركب التى ستعود عليها سوف أقوم بإغراق اجلزيرة بأكملها حتت املاء . ولكن��ك قدم��ت ىل كل معونة وأكرمتنى وأنا غريب عنكم فبأى ش��يء أردلك مجيل صنعك ؟ ً ال أريد منك شيئا على اإلطالق سوى أن حتكى البنك وابنتك عنى ،وأن يعرفقصت��ى كل صغ�ير وكبري من بنى وطن��ك وأن تبلغ فرعون مص��ر العظيم – وليبق على الدوام موفور الصحة ،قوى البنية ،عظيم الشأن – مبا حدث وهذا كل ما أريد أن تفعله من أجلى ،هل تعلم أن هلذا الس��بب قد قذفت بك املوجة احلالية ومحلتك إىل جزيرتى هذه ؟ سوف أنفذ ما أمرتنى به .ومرت األيام يوم تلو اآلخر ،وانقضت األشهر الثالثة األوىل كلمح البصر ،وما أن قارب الشهر الرابع على االنتهاء حتى ظهر مركب فى األفق تبدو جماديفه كأجنحة الطري .وعلى الفور إندفع رس��ول فرعون – إىل ش��جرة اجلميز املوجودة على الش��اطئ وراح يتس��لقها وكأنه ق��ط حتى وصل إىل أعاله��ا ،ومل يصدق عيني��ه حينما رأى مرك ًب��ا يبحر من بعيد .كان ذلك املرك��ب هو ذات املركب الذى كان قد محله وه��و فى طريقه إىل مناجم فرع��ون فوق مياه البحر الفريوزية ،ومما زاد دهش��ته أن املركب سليم ً متاما ،ومل يصب بأضرار على اإلطالق ،وأن الصارى ثابت فى مكانه ، ً وأن الشراع يرفف ً عاليا خفاقا ليس به أثار لثقوب أو أعطاب وأن كل أنظار من على املركب تتجه صوب شاطئ اجلزيرة . يا هلا من معجزة فريدة مل يسبق هلا مثيل فى الدنيا ! يا ترى من الذى يدير دفة املركب وميسك بالشراع واجملاديف ؟ وكانت املفاجأة أنه��م هؤالء الربان واملالحون الش��جعان الذي��ن كانوا معه وأنه��م ال يزالون على قيد احلياة . ً نع��م ،لي��س عبثا حينما ذاع صيتهم واش��تهروا بالش��جاعة واإلق��دام وهم جيوبون البح��ر بني الس��ماء واألرض فال ترهبهم العواص��ف العاتية ،بل يتغلب��ون عليها مهما 159
قصص وحكايات للبنين والبنات
كلفهم من تضحيات . نس��ى – رسول فرعون – نفس��ه من غمرة السعادة وراح يرمتى فى أحضان الثعبان ً الضخم ً مبتسما : فرحا مسرو ًرا فقال له الثعبان أمل أقل لك بأن مرك ًبا سوف تأتى إىل هنا وعليها مالحون تعرفهم ًجيدا ،وليسوا بغرباء عنك ؟ هكذا حدث أيها الثعبان العظيم . اذه��ب إىل الش��اطئ ،أيه��ا اإلنس��ان واس��تقبل زم�لاءك املالح�ين ،وس��افر معهموس��تكون فى وطنك بعد شهرين و سيستقبلك أوالدك باألحضان ،وستعيش معهم فى قصر امللك فرعون ليبق على الدوام موفور الصحة قوى البنية وعظيم الشأن . ً أنواعا خمتلفة وعن��د الرحيل أمر الثعبان العظيم بأن ينقلوا على ظهر املركب ً وكالب��ا متت��از بالس��رعة الفائق��ة كى م��ن أعش��اب العط��ور الذكي��ة وق��ردة يس��تخدمها فرعون أثناء رحالت الصيد ،ه��ذا باإلضافة إىل هدايا قيمة كثرية ال تعد وال حتصى . واحننى رسول فرعون فى أدب جم للثعبان العظيم وقال له : ً شكرا يا صاحب اجلزيرة ً ً مجيعا أمام الثعبان العظيم وهم يقولون : واحننى أيضا املالحون أط��ال اهلل عم��رك ،فلتكن حياتك اخلالدة مثل الس��ماء الباقي��ة لألبد ،وحانوقت الرحيل وحترك املركب حنو الشمال ووقف رسول فرعون عند مؤخرة املركب ونظر إىل الش��اطئ البعيد ،فوجد أشعة الشمس الذهبية تغطى اجلزيرة بأكملها إذ كانت الش��ـمس تس��ـطع بق��وة تـارة ويظهر الثعب��ان العظيم مال��ك اجلزيرة تارة أخرى ،وفجأة اختفى كل شيء ومل ير سوى حبر بال شاطئ . اس��تغرقت رحلة العودة يف عرض البحر ش��هرين وكان البحر األمحر طيلة هذه الف�ترة ً هادئا دون أمواج ،وكانت الس��ماء الزرقاء صافية مل يعكر صفوها س��حابة واحدة ،ولذا كانت ترى الس��ماء منعكس��ة على س��طح مياه البح��ر وكأنها تبدو كاملرآة يف صفائها . ً وأخ�يرا الح��ت يف األف��ق أرض الوط��ن ،وحينم��ا اق�ترب املرك��ب من املرف��أ ألقى باحلبال لربطها باملرس��ى ،وتدفق الناس على رصيف امليناء تغمرهم الفرحة والس��رور وه��م حيي��ون كل َم ْن على املركب والذين كان يعتق��د أنهم يف عداد املفقودين . وتعانق -رس��ول فرعون وزوجته وأوالده ثم توجه بس��رعة إىل قصر امللك فرعون فهل 160
من زمن فات -الجزء الثانى
كان فى اس��تطاعته أن يتمهل يف تنفيذ وصية الثعب��ان العظيم ؟ لقد قال ملرافقيه وهو فى طريقه إىل قصر فرعون “ :يا هلا من جزيرة موحشة ،كم كان صاحبها - ً كرميا ،وحكى الرسول لفرعون كل ما حدث له ،ووضع الروائح الثعبان العظيم - واهلداي��ا اآلخ��رى بالقرب من كرس��ى العرش وأض��اف عليها من عن��ده كرتني من الذهب اخلالص التى كانت تش��به حبتى اجلميز وكل منها يف حجم قبضة اليد . وكان الثعبان العظيم قد مسح له بأخذها معه كهدية منه . وظهرت الدهش��ة على وجه امللك فرعون لس��ماعه مغامرات رس��وله ثم قال لرجال البالط : إن رس��وىل ه��ذا مل يفقد ش��جاعته حلظ��ة واحدة س��واء وقت العاصف��ة أو أثناءً مكانا وجوده فى اجلزيرة املوحشة ولذلك أمرت بتعيينه ضمن حاشيتى مع منحه لإلقام��ة يف قصرى هذا ،ومكافأته خبوامت ذهبية ال يقدر عددها ،وهكذا حتقق بالفعل كل ما قاله الثعبان العظيم .. لقد عانى -رس��ول فرع��ون -الكثري من املتاعب ،ومل يستس��لم ً أبدا للصعوبات ً س��عيدا ،واس��تحق عل��ى ذلك الثناء الت��ى واجهته ،وإذ وصل إىل أرض وطنه س��املًا واملكافأة ،ومل يقض بقية حياته مع زوجته وأبنائه فى مكان متواضع مع عامة الشعب ،بل قضاها يف القصر امللكي الفرعوني ،حيث تبوأ مكانة مرموقة .
161
قصص وحكايات للبنين والبنات
الحكاية الثالثة
كيف كافأ فرعون جنده الشجاع حروبا كثرية ً ً جدا ،مل يعرف خالهلا قلبه اخلوف ،ومل تلحق قاد امللك “رمسيس” ً به هزمية قط ،وليس عبثا أن تغنوا بشجاعته بهذه الكلمات : يطلق السهم من القوس عن ميينه ويضــــ��رب بالرمح عن يس��ـــاره إن��ه امللك رمـــس��يس أقـــــوى من مئ��ات املئات من اجلنود اجلس��ارى كان��ت ال��دول اجمل��اورة ملصر تدف��ع اجلزي��ة للمل��ك ،إذ كان ُح��كام املناطق التى تش��تهر مبناجم الذهب ترس��ل له العرب��ات املطلية بالذه��ب اخلالص ،باإلضافة إىل أن الب�لاد الواقع��ة فى الوادى والتى تقوم بالزراعة تقدم له األقمش��ة املنس��وجة خبيوط من الذهب ،كما يتوافد إليه أهل اجلزر حمملني بأنواع كثرية من العطور واألحج��ار الكرمي��ة املختلفة ،حتى تراكمت هذه الكن��وز ،لدرجة أن ضاق بها ً وكث�يرا ما كان يذهب رج��ال القصر إىل امللك “رمس��يس” قص��ر امللك “رمس��يس” ، يش��كون له من الكدمات والردود التى تصيبهم عن��د إصطدامهم بربوز الصناديق املكدس��ة لضيق املكان ،وكانت ً أيضا تتشابك فساتني س��يدات البالط الشفافة املطرزة بالرتتر فى أرجل الكراسى املرتاكمة أثناء سريهن فى أروقة القصر ،كما اشتكى اخلدم من ضيق أماكن حفظ اجملوهرات ،حيث إنهم ال يستطيعون إغالق أغطية الصناديق الكتظاظها باجملوهرات املختلفة لدرجة أنك تسمع صليل بعض قطع اجملوهرات وهى تس��قط على األرض ،وكان من الصعب أن تعثر على ما تبحث عنه من قالئد وأساور وسط كومة من اجملوهرات الثمينة . عرب امللك “رمس��يس” – ليبق على الدوام موفور الصحة ،قوى البنية ،عظيم الشأن 162
من زمن فات -الجزء الثانى
ع��ن عدم ارتياح��ه أكثر من م��رة ،خاصة عندم��ا اتضح له أن لي��س هناك مكان لإلتاوات التى جاءت بها ثالث س��فن عن طريق البحر األمحر ،فأرس��ل فو ًرا باستدعاء أحد املهندس�ين على وجه الس��رعة ،ج��اء املهندس فى حينه وجثا أم��ام امللك ،وقبل األرض ثم قال امللك “رمسيس” له : ً أكلفك بإقامة مبنى حصني مالصقا هلذا القصر اخلاص بى .ً متسائال وهو راكع فى مكانه : ورد املهندس فلتأمرن��ى جاللتك��م ،وفى احلال س��وف تتح��رك احلجارة من مكانها وس��وفيتغري جمرى النيل بناء على أوامركم ،ولكن ما الغرض من بناء هذا املبنى ؟ وكم عدد النوافذ واألبواب التى سيضمها املبنى ؟ أجاب امللك “ رمسيس ” : جي��ب أن تك��ون احلوائ��ط مسيكة وأن تك��ون األبواب من خش��ب متني ،والحاج��ة للنوافذ على اإلطالق .هذه هى املواصفات ،أما عن معرفة س��بب تش��يد هذا املبن��ى فليس هذا من ش��أنك .كان املهن��دس يتمتع بالذكاء ،وفى مل��ح البصر أيقن الغرض من إقامة هذا البناء ونفذ األمر ،وس��رعان ما ْش��يد املبنى على أكمل وجه ، فاحلوائط كانت مسيكة ً جدا ال تقوى على حتطيمها أية آلة ،واألبواب مصنوعة م��ن الف��والذ ،الذى ال يقدر على كس��ره أى ن��وع من الفئوس ،ولذلك فلن يس��تطيع اللصوص التسلل داخلة سواء باحليلة أو بالقوة . ش��عر امللك بس��عادة غامرة بعد تفقده املبنى اجلديد ،فى احلال أمر بنقل أكرب ق��در من اجملوهرات فيه .كان املهندس يطمع ف��ى أن يكون لديه مثل هذا الكنز ً شخصيا ،وهلذا استدعى ولديه قبل وفاته وقال هلما: الذى لن يستفيد منه مل أت��رك لكما ضيعة وال مراعى لرتبية املاش��ية ،بل تركت اخلزانة اخلاصة“بفرعون مصر” وميكنكما أن تتصرفا فيها كأنها ملككما اخلاص . ماذا تقول يا أبى ؟ هن��اك حج��ر فى احلائ��ط اخلارجى للمبن��ى الذى ّش��يدته ،غري مثبت مع س��ائر األحج��ار األخ��رى ،ولن حتتاج��ا إىل جمهود ف��ى حتريكه من مكان��ه ،وتذكرا ً جيدا أن هذا احلجر يوجد فى الصف الثالث من أس��فل وهو احلجر اخلامس من جهة ً جي��دا أن ما أقول ؟ الثالث من أس��فل واخلامس من جهة الش��مال ، الش��مال ،تذك��را وبعد أن قال املهندس تلك الكلمات مات فى احلال . ذه��ب أبناء املهندس إىل املبنى اجلديد فى الليلة نفس��ها وتس��لال إىل الداخل دون 163
قصص وحكايات للبنين والبنات
عناء إذ حبثا عن احلجر الذى أش��ار والدهما إليه ،فدخال واخذا ما اس��تطاعا محله من ذهب ،ومل ينسا أن يضعا احلجر فى مكانه كما كان . ً عندما ذهب امللك “رمس��يس” لالطمئنان على خزانت��ه ،الحظ ً نقصا ملحوظا فى ً قائال هلم : كمية الذهب وأخذ ينادى على أفراد احلراسة ماذا تفعلون أيها الكساىل ،أيها اللصوص ،أين إختفى الذهب ؟وكاد احلراس أن يقعوا على األرض من شدة اخلوف ،وهرعوا بسرعة حنو األبواب ً لفحصهاولإلطمئنان على أنها مغلقة ً وأخريا عادوا وأخربوا امللك ،قائلني : متاما ، إن األبواب موصدة ومل ُتكس��ر ،ومل حيدث بها أى تلف ،وكذلك األقفال كماهى فى مكانها ومل ينتزعها أحد ،واألختام موجودة فى أماكنها مل ميسها أحد . وكيف تسلل اللصوص إىل الداخل ؟ مل نعرف عن هذا ومل نر ًأحدا . وفى اليوم التاىل ذهب امللك “رمسيس” إىل هناك ليتفقد خزائنه ،فوجد أن الذهب ً قد نقص عما كان ،وفى اليوم الثالث الحظ ً ش��ديدا فى كمية الذهب وهنا نقصا ثار فرعون ثورة عارمة وقال وهو يغلى من الغيظ : أقيموا املصايد والفخاخ فى كل مكان ؟ نفذ اخلدم ما أمر به فرعون .َّ مل يشك أبناء املهندس فى أن يصيبهم سوء ،وانتظرا حتى حل الليل ملزاولة عملهما اخلفى لسرقة املزيد من الذهب املوجود فى خزائن امللك ،ما أن تسلل األخ األكرب إىل داخ��ل املبنى حتى وقع فى املصي��دة وأطبقت عليه فى احلال ،وعلى أثر ذلك أحدثت ً ً عاليا ،أما األخ األصغر فقد أصيبت يداه جبروح ش��ديدة نتيجة حملاوالت عدة صوتا مل تفلح فى ختليص أخيه من املصيدة ،هكذا كان الفخ الذى أقامة رجال فرعون ً ً وحمكما .وهنا قال األخ األكربألخيه األصغر : متقنا علي��ك أن خت��رج اآلن من هنا آلنك لن تفل��ح فى إنقاذى ًأب��دا ،لكن األخ األصغر صاح وهو يبكى : ما الذى تقوله؟ هل يصح أن أتركك وأنت فى هذه الكارثة ؟ على أى األحوال س��وف حيكمون ّعلى باإلعدام ،أما أنت فس��وف تهلك إذا بقيت مع��ى هن��ا ،فلماذا نهلك حن��ن االثنان ً معا ؟ اخرج أنت وبس��رعة ..أن��ا أخوك األكرب وأمرك وعليك أن تطيع أوامرى وخترج فو ًرا . 164
من زمن فات -الجزء الثانى
مل يبق لألخ األصغر إال أن ينفذ أمر أخيه األكرب . ف��ى الصباح جاء امللك “رمس��يس” إىل املبنى اجلديد كى يتفق��د خزائنه ،فرأى األقفال س��ليمة ً متاما ،ومل تفتح واألقفال كما هى موصدة مل ميس��ها أحد ،لكنه ً وجد اللص قد وقع فى الفخ ،وهنا أغتاظ امللك ونادى على احلراس قائال : أيه��ا احلراس ،قيدوا هذ اللص واقتادوه إىل الزنزانة واس��تجوبوه ثم أعدموه عندحائط املدينة . علم األخ األصغر مبوعد ومكان إعدام أخيه األكرب ،فأخذ يفكر فى وس��يلة ً وأخ�يرا اهت��دى إىل فكرة م��ا إلنق��اذ أخي��ه األكرب م��ن تنفيذ حك��م اإلع��دام ، تتلخص فى أنه كان حيتفظ بإناء خاص به نقيع أوراق خمدرة ،إذا شرب منه إنسان فقد الوعى ،وفى حقيقة األمر يبدو هذا النقيع ،وكأنه مياه عادية ،لكن قطرة واحدة منه تكفى بأن ينام اإلنسان على أثرها ،أم قطرتان منه فتجعل اإلنسان يغط فى سبات عميق ،خلط األخ األصغر هذا النقيع بعصري من العنب األمحر وأفرغه فى ث�لاث ق��رب ،ومحله على ظه��ر محاره وذهب ب��ه ناحية حائط املدين��ة ،حيث رأى هناك رجال حرس فرعون ميسكون بأخيه األكرب ،فاقرتب منهم ودون أن يالحظ أحد ،ش��د غطاء الثالث قرب اململوءة بعصري العن��ب املمزوج بنقيع املخدر ،وهنا صاح ً قائال : الشقيق األصغر املاكر أنقذون��ى ،أن عصري العنب يس��يل من القرب عل��ى األرض .فالتفت إليه احلراسوأس��رعوا إليه وه��م يقهقهون ويضع��ون أياديهم حتت العصري املس��كوب ،وأخذو ا يشربون منه بنهم وهلفة شديدتني وهم يقولون له : ال تصرخ أيها القروى الساذج والغبى ،كما ترى لن نرتك نقطة واحدة مسكوبةعل��ى األرض .لكن هذا املاكر أخذ يصرخ أكثر من ذى قبل وهو يفتح ثالث قرب أخرى دون أن يشعر به أحد ،فتدفق العصري على األرض وأمسك احلراس بطونهم من كثرة الضحك . انتهى كل ش��ئ بعد فرتة وجيزة فس��قط احلراس فاقدين الوعى ،وراحوا فى نوم عميق ،حتى ُ مسع ش��خريهم ً عاليا ،وهذا ما كان يتمناه الش��قيق األصغر املاكر ، الذى فك وثاق شقيقه األكرب ،وساعده على أن ميتطى احلمار ،وقبل أن ينطلقا فى طريقهما قص الش��قيق األصغر اجلزء األمين من شارب كل حارس كى يتذكروا كيف يتعامالن مع اآلخرين باحلسنى . وملا أشيع أن اللص قد هرب ،وانفضح أمر احلراس .اسرتسل صاحب اجلاللة فرعون 165
قصص وحكايات للبنين والبنات
ف��ى التفك�ير وأراد أن يعرف مهم��ا كلفه هذا األم��ر ْم َن هو ذلك الش��جاع املاكر ، ولك��ن كيف ميكن القبض عليه ؟ أخذ امللك “رمس��يس” يفك��ر فى هذا األمر ، اهت��دى إىل فكرة أصدر على أثرها ً أمرا بأن يعلن معاونوه على الش��عب أمر فرعون ف��ى األماكن العامة باملدينة ،وراح املنادون إىل س��احة س��وق املدينة العام وأخذوا عال : يعلنون على الناس بصوت ٍ أص��در صاح��ب اجلاللة “فرع��ون العظيم” – فليب��ق على الدوام موف��ور الصحة ،ق��وى البنية ،عظيم الش��أن – أمر بأنه س��يزوج ابنته لصاحب أك�بر حيلة فى مصر كلها .وذهب منادون آخرون خارج القطر املصرى ،وهم يعلنون :ستختار األمرية ابنة “فرعون” العظيم شريك حياتها من هو أكثر دها ًء وذكا ًء . تعالت أصوات أعوان فرعون فى كل مكان ،حيث يتواجد الكثري من الناس: هيا أيها األذكياء والدهاه ،أس��رعوا إىل قصر فرعون ،حيث تنتظر الس��عادة َمنْ ًً ً هو أكثر دهاء وذكاء . وفى الوقت الذى ذهب فيه املنادون يعلنون قرار امللك فرعون على الناس ،نادى امللك “رمسيس” على ابنته وقال هلا: ْ امسع��ى ي��ا حبيبتى ! اس��أىل كل َمن يأتى لطل��ب الزواج منك ع��ن أعظم حيلة ماك��رة قد قام به��ا ،ومن يصرح لك بأنه خدع ّ وخدر احل��راس ،آمرى بالقبض عليه ً فورا . مل جت��رؤ األم�يرة على عصيان أوامر والده��ا امللك ،وكانت تس��أل كل َم ْن يأتى لطلب الزواج منها قائلة :أحك ىل عن أكرب حيلة ماكرة قمت بها . فيقول أحدهم : لقد استوليت على نصف األرض اجملاورة ألمالكى باملكر واخلداع .ويقول آخر : اس��تطعت باملكر أن أطلى األساور املصنوعة من النحاس بالذهب ،فبدت للناظروكأنها من الذهب اخلالص . ويقول ثالث : ً ً تاجرا متجوال مبلء مائة جوال بالرمل بدال من حبوب القمح. لقد خدعتْ ً مجيع��ا ال تقارن باحليل��ة التى قام بها ذلك الش��قيق األصغر لك��ن خداع هؤالء ً املاك��ر وال��ذى أراد أن خي��دع امللك م��رة أخرى ،فحم��ل معه يدا إلح��دى املومياوات 166
من زمن فات -الجزء الثانى
وأخفاها حتت ردائه وتوجه بشجاعة إىل قصر فرعون وعند بوابة القصر سألوه : َم ْن أنت ؟ وما امسك ؟ وملاذا جئت إىل هنا ومم تشكو ؟ً قائ�لا :أنا الذى يلقبونن��ى باملاكر ،وليس ىل أية ش��كوى ،وأنا الذى قمت ف��رد بتخدي��ر حراس جالل��ة امللك فرعون – ليبق على الدوام موفور الصحة ،قوى البنية ، الشأن .
167
قصص وحكايات للبنين والبنات
تفضل بالدخول وال تقف هكذا عند البوابة .ً عامودا ذات نقوش زاهية دخل الشاب وسار إىل أن وصل إىل بهو القصر ذات أربعني األلوان ،وخرجت األمرية ملالقاته وكان رداؤها بالرتتر الذهبى . أنتاب الشقيق األصغر الذهول للمرة األوىل فى حياته عند رؤيته لألمرية ،فلم ير من قبل مثل هذا اجلمال ،إذ كانت عيونها متيل إىل اللون األزرق وحواجبها الدقيقة تشبهان جناحى الطائر ،وشفتاها تشبه برعم زهرة اللوتس ،ومن املستحيل أن تغض عني اإلنسان عن مجاهلا ،واقرتبت األمرية منه ً متاما وهى تسأله : م��اذا قمت به من حيل ك��ى تتقدم وتطلب يدى للزواج منى وأنت صغري الس��نهكذا؟ ً فرد عليها قائال: أنت على حق أيتها األمرية ،إن احليلة التى قمت بها مل تكن بالعمل العظيم .فقدً س��ويا باالس��تيالء على خزائن خدعت حراس فرعون وأنقذت أخى األكرب ،إذ قمنا والدك بسهولة ويسر ،نعم إنه عمل ليس بطوىل وال يستحق احلديث عنه . أيقن��ت األم�يرة على الفور ،أن هذا الش��اب هو املطلوب القب��ض عليه ،ولكنها مل تشعره بذلك ،بل قالت له : ً س��ويا إىل أبى حقيق��ة أن��ت أمهر َم ْن فى مصر كلها ،هال أعطيتنى يدك لنذهب فرعون . َم َّد هلا الشاب يد املومياء التى كانت حتت ردائه ،واعتقدت األمرية أن يد املومياء ً كافيا وتشبثت األمرية باليد التى امتدت إليها وإذا هذه هى يده ألن الضوء مل يكن بها تصرخ وتصيح : أيها احلراس ً ،هيا هنا بسرعة . ً وه��رع احلراس إليها وفى اعتقادهم أنهم س��يقبضون على الل��ص ،لكنهم بدال من ذلك رأوا األمري وهى تكاد متوت من اخلوف وهى متسك بكف من العظم . أين هذا املخادع الذى هرب ومل يبق له من أثر .عندم��ا مس��ع امللك “رمس��يس” مبا حدث أعجبه تفكري وش��جاعة ذلك الش��اب ، فأرس��ل رجال��ه فى مجيع أرج��اء العاصمة يعلنون على الش��عب األم��ر اجلديد بهذا عال : الشأن ،وراح رجال فرعون يبلغون الناس أوامر فرعون بصوت ِ لقد أصدر فرعون ًأمرا بالعفو عمن استولوا على خزائنه وقد عفا عن ذلك الشاب 168
من زمن فات -الجزء الثانى
ً ش��يئا ال��ذى اختط��ف أخاه من يد احل��راس ،وعليه احلضور إىل قصر فرعون وكأن مل يك��ن ،وثق الش��اب فيما أعلنه رج��ال فرعون واجته إىل قصر املل��ك ،غري أنه فى ً وأيضا كان امللك رمس��يس عند وعده بأال ه��ذه املرة مل يكن فى نيته خداع أحد ، ً ُيعاقب هذا الشاب الشجاع وعند رؤيته للشاب قال له مبتسما : حقيقة مل أجد أذكى منك فى مملكتى .ً ّف َّقائال: رد عليه الشاب كالم امللك ال ُيرد . أتريد الزواج من ابنتى األمرية ؟ لن يكون هناك أغبى منى إذا رفضت ذلك . إننى موافق على أن أزوجك ابنتى ،ولتعيشا فى حب ووئام .ليال ،ومل يبخل امللك “رمسيس” بتوزيع واس��تمر حفل الزواج س��بعة أيام وس��بع ٍ النق��ود الذهبي��ة وإقامة الوالئم لدرج��ة أن املوائد حتطمت من كث��رة ما عليها من مأكوالت ،وبات الشعب يرقص ويغنى فى مجيع املدن حتى أقصى قرى البالد .
169
قصص وحكايات للبنين والبنات
نيكاالى نيكااليفتش نوسف ( ) 1976 – 1908 ولد “نيكاالى نيكااليفتش نوس��ف” فى الثالث والعشرين من نوفمربعام 1908 فى مدينة “كييف” ،وكان والده يعمل بالتمثيل ،أما هو فقد أنهى معهد السينما ً ً س��ينمائيا فى الفرتة م��ن ، 1951 – 1932وقد خمرجا مبوس��كو عام 1932ثم عمل أصدر باكورة قصصه عام . 1947 وم��ن املالحظ أن م��ن أهم مسات كتابات��ه للطفل الرتكيز على بس��اطة وبراءة الطف��ل ،الذى يس��عى ً دائما إىل املعرف��ة .وقد حصل نيكاالى نوس��ف على جائزة الدولة التقديرية الحتاد اجلمهوريات الس��وفيتية االشرتاكية لعام 1952ملا قدمه من مؤلفات ً قيمة لألطفال والنشء . ومن بني أعمال “نيكاالى نوسف” قصة “مغامرات توليا كليوكفن” وتتلخص “ املغام��رات ” فى تقديم النصائح غري املباش��رة للنشء والناش��ئة وم��ا ال جيب عمله أو القي��ام به أو اإلقدام عليه ،وتؤك��د حقيقة مهمة من خالل أحداثها فى أال يعتقد ً أحيانا اإلنس��ان فى اخلرافات البالية ،التى تؤدى إىل نتائج س��لبية ،أو تكاد تقضى على اإلنسان .وقد أيقن “توليا” – بطل املغامرات – فى نهاية األمر بأنه قد حان الوقت أن يتحرر اإلنس��ان ً نهائيا من هذه اخلرافات البالية ،وضرورة استخدام العقل واملنطق فى كل ما يقوم به .ألن تلك اخلزعبالت واخلرافات القدمية التى ليس هلا أى أساس م��ن الصحة تقف حجر عثرة أمام اإلنس��ان فى حتقيق م��ا يريد خاصة فى عصر قد أح��رز العامل فيه جناحات عظيمة ،وإس��تطاع العلم��اء أن يطلقوا األقمار الصناعية من األرض إىل القمر والكواكب األخرى بدقة منتاهية .
170
من زمن فات -الجزء الثانى
مغامرات توليا كليوكفن “ تولي��ا كليوكف��ن ” – تلمي��ذ فى الص��ف الرابع فى مدرس��ة ( ) ....ويقطن فى ش��ــارع ( ) ...خرج من منزله لزيارة زميله “س�لافا أجنكوف” ،الذى يقطن بالقرب من��ه ،فق��د اتفقا باألمس عل��ى أن يتقاب�لا صباح الي��وم ليلعبا الش��طرنج ،إذ إنهما مولع��ان بهذه اللعب��ة لدرجة أنهما يس��تطيعان اللعب من الصباح حتى املس��اء دون تعب أو ملل. ً متأخرا ،وأخذ يس��رع فى خطواته كى يصل إىل زميله فى املوعد خرج “توليا” ً احملدد ،أى فى العاشرة صباحا ،ولكن الساعة اآلن قد جاوزت العاشرة .وألنه إنسان ً وكثريا ما حيدث أن يس��رع اإلنس��ان غري منظم لذا قد تأخر عن موعد لقاء زميله . اخلط��ى فى الش��ارع عندما يتأخر ع��ن موعده .وأثناء س�ير “توليا” وه��و فى طريقه إىل زميل��ه ،قفز فجأة من أعلى الس��ور قط رمادى اللون ويب��دو أنه كان يريد عبور ً الطريق إىل الناحية األخرى من الشارع ً ، قائال: مارا أمام “توليا” فصاح توليا بس ،امش ُ ،أ ْغرب عنى . ِ ً ً حجرا من متظاهرا بأنه سيلتقط ولكى خييف “توليا” القط ،احننى حنو األرض األرض ليضرب به القط . ً ح��دث ً فعال أن القط قد خ��اف ،ولكن بدال من أن يرتاجع القط إىل الوراء ،اندفع وواصل اجلرى أمام “توليا” ،وعرب الطريق إىل الناحية األخرى من الش��ارع ،ثم اختبأ ً قائال: وراء احد املنازل .هنا بدت على وجه “توليا” عالمات االرتباك وهمس آه ،أنت تستحق الضرب ،أيها القط ،ألنك عدوت من أمامى .وتوقف “توليا” ومل جيس��ر أن خيطو خطوة واحدة إىل األمام ..وأخذ يفكر ماذا يفع��ل؟ هل من األفضل أن يبصق ث�لاث مرات عرب كتفيه حس��ب العادات املوروثة ً ً وأخريا َّ قرر أن يرتاجع بعدما نظر طريقا آخر ؟ ويواصل طريقه ؟ أم يرتاجع ويسلك حوله وتأكد من أن ً أحدا مل يره . 171
قصص وحكايات للبنين والبنات
ق��ال “توليا” فى نفس��ه “ إن م��ا فعلته – البصق ثالث مرات ع�بر كتفى عند مرور ش��يئا – وأن مرور القط أمام أى ش��خص يعترب ً ً فأال الق��ط م��ن أمامى لن يغري من األمر ً ً حسنا فليذهب القط إىل اجلحيم ،وأما بالنسبة ىل فليس من الصعب على أن سيئا ... ً ً أغري مسار طريقى وأسلك طريقا ً آخرا بدال من أن حيدث ىل مكروه . وبع��د تفك�ير طويل ق��رر “تولي��ا” أن يع��ود إىل منزله ولكن عن طريق ش��ارع ً ش��خصا من بعيد يشبه صديقه آخر دون أية مغامرات .وفجاة وفى أثناء عودته ملح “س�لافا” ً واقفا ،ويبدو أنه يفكر فى ش��يء ما وقد أعطى ظهره “لتوليا” ،ثم مشى فى االجتاه اآلخر .وهنا قال “توليا” فى نفسه : س��أصعد اآلن إىل شقة “سالفا” وسيتضح األمر .فإذا وجدت “سالفا” باملنزل ،فهذايعنى أن مارأيته من بعيد ما هو إال ش��خص آخر يش��به “سالفا” ،وإذا مل أجده باملنزل فإن ما رأيته هو “سالفا” . صع��د “توليا” باملصعد إىل الطابق الرابع ثم دق جرس الباب .فتحت والدة “س�لافا” الباب وقالت له : لقد خرج “سالفا” منذ حلظات ...أمل تقابله فى الطريق ؟فأجابها “توليا” : ً ش��خصا ما يشبهه ،ومل خيطر على باىل بأنه “سالفا” . ال ،مل أقابله ،لكننى رأيتفلقد إتفقنا على أن ينتظرنى . فقالت والدة “سالفا” : ً ً كثريا ألنك مل لقد انتظرك “سالفا” طويال ،وأنت مل حتضر فى موعدك فغضبحتضر فى املوعد احملدد ،ولذلك اتصل به صديقه “جينيا زايتسف” ،وطلب منه ان يذهب إليه . ً مبتسما : فقال هلا “توليا” ً ياله من أمحق ...أمل يكن فى استطاعته أن ينتظر قليال ؟ً وأخريا قرر أن وعند خروجه من منزل صديقه أخذ يفكر فيما س��وف يفعله ، يذهب إىل “جينيا زايتسف” الذى كان يسكن فى حى آخر بعيد إىل حد ما كى يلتق��ى هناك بصديقه “س�لافا” ...واآلن بدت خطواته بطيئ��ة ،فلم يكن هناك ما يدعوه إىل الس��رعة فى الس�ير ..ومش��ى ينظر بفضول بالغ فيم��ا حوله ،يتطلع إىل كل ش��يء ف��ى الطريق ...ث��م توقف يراقب بع��ض الصيبة الذي��ن حياولون ركوب 172
من زمن فات -الجزء الثانى
دراجة ذات عجلتني . ْ يس��تطع أح��د رك��وب الدراجة مبف��رده دون كان ع��دد الصبي��ة أربع��ة ،ومل ً مساعدة اآلخرين له .ولذلك مل يقطعوا مسافة ولو قصرية جدا حتى يقعوا من على الدراجة .وهنا جيب القول َّ إن ركوب هذا النوع من الدرجات دون ممارسة أو تدريب
173
قصص وحكايات للبنين والبنات
ً ش��يئا غاي��ة فى الصعوبة ،ألن تصميمها ال يش��به الدرج��ات العادية .فمن يعترب املع��روف أن بدال الدراج��ة العادية ذات العجلتني فى حاج��ة إىل أن يلفه الراكب بقدميه طاملا العجلتان ال تعمالن وبذلك تسريالعجلة ،ومن املمكن إيقاف البدال رغم س�ير العجلتني ،ولكن بدال هذه الدراج��ة التى كانت مع الصبية يتطلب أن راكبها عليه أن يلفه طول الوقت وإذا أردت أن توقفه فهذا أمر مس��تحيل ،فهو يلف ً رغما عنك . رمب��ا هذا يوضح أن هذه الدراجة التى كانت مع الصبية من الطراز القديم ً جدا . فلقد أهداها للصبية أحد اجلريان من كبار الس��ن ويدعى “إيفان جرياسيموفتش” ً صغريا .وحينما اشرتى لنفسه دراجة والتى كانت قد أهداها له والده عندما كان ً ُ حديثة احتفظ بالدراجة القدمية فى املخزن معتقدا منه بأنه عندما يتزوج سوف ً أطفاال ،وعندئذ س��يقدم ألوالده هذه الدراجة القدمي��ة هدية هلم .ومضى ينج��ب ً ثالثون عاما ومل يتزوج “إيفان جرياس��يموفتش” ونس��ى أمر ه��ذه الدراجة ،ولكنه منذ عدة أيام كان يبحث عن شيء ما فى املخزن فوجد هذه الدراجة وأخذ يفكر فى أمرها: ماذا سأفعل بها ؟ فمن األفضل أن أهديها للصبية الذين يسكنون باملنزل ،فليسً فبدال من أن يصيبه��ا الصدأ أو ُتباع عن��دى أبن��اء فى الوق��ت الراهن ،ومل أتزوج بع��د . خردة فليأخذها األطفال كهدية يلعبون بها . أخرج “إيفان جرياسيموفتش” الدراجة من املخزن وقال للصبية : أيها الش��ياطني الصغار ،ه��ذه الدراجة أقدمها لكم هدية .صحيح أنها ليس��تً صغريا مجيلة الش��كل ولكنها متينة ..كنت أركبها ط��ول اليوم عندما كنت رغم اجلزء املكسور فيها . ظهرت الدهشة على وجوه الصبية ومل يصدقوا “إيفان جرياسيموفتش” واعتقدوا ً ً جادا فيما قاله .فرح الصبية ً ش��ديدا وشكروه فرحا بأنه ميزح معهم ،لكنه كان ً ً جزيال . شكرا فى بداية األمر حاول الصبية ركوب الدراجة فى س��احة جانبية غري فس��يحة حيث ال متر فيها السيارات ،لكن ذلك مل يساعدهم على ركوب الدراجة إذ كانت تعوقه��م املطب��ات .ذهب��وا بالدراجة إىل احلديقة التى تتوس��ط الش��ارع الرئيس��ى ، وعندئذ رآهم “توليا” والحظ عدم استطاعتهم ركوب الدراجة كما جيب ،فاقرتب منهم وقال هلم : 174
من زمن فات -الجزء الثانى
م��اذا تفعلون ؟ َم ْن ال��ذى علمكم ركوب الدراجة بهذه الطريقة ؟ س��تحطمونها...ولكى تتعلموا اإلتقان السليم لركوب الدراجة عليكم بركوبها من أعلى املنحدر . تعجب الصبية وسأله أحدهم : وملاذا من أعلى املنحدر بالذات ؟فأجاب “توليا”: ألن الدراج��ة س��وف جت��رى دون أن تلف البدال بقدميك ،وبذل��ك من املمكن أنتتعل��م كيف حتافظ عل��ى توازنك كخطوة أوىل ،وعندما تتقن هذه اخلطوة ،من املمكن أن تلف البدال كخطوة ثانية ،لكن إذا أردت أن تتعلم اخلطوتني فى وقت واحد فلن تستطيع إتقان هذا أو ذاك .عندئذ قال أحد الصبية : إذن علينا أن نعرب احلديقة التى تتوس��ط الش��ارع الرئيسى حيث املنحدر .جرىً أحدا منهم مل جيرؤ على ركوب الدراجة من اجلميع إىل هناك حيث املنحدر .لكن اعلى املنحدر .فقال هلم توليا : يالك��م من جبناء ! ًهيا أعطونى الدراجة وس��أريكم كيف يكون ركوب الدراجات . رك��ب “تولي��ا” الدراجة .ودف��ع األرض بقدميه ،فإندفعت الدراجة بس��رعة من أعل��ى املنح��در إىل أس��فل .كان “تولي��ا” من قبل عل��ى معرفة -بق��در ما بركوب الدراج��ات ،ول��ذا مل يكن م��ن الصعب عليه ركوب ه��ذه الدراج��ة .وعندما رأى األوالد “توليا” وهو يس��رع بالدراج��ة أخذوا يركض��ون وراءه ،ولكن فى البداية ساورهم اخلوف من أن ميكن أن يهرب بالدراجة فى الوقت الذى رأوا فيه أن الدراجة تزيد من س��رعتها والبدال يلف بس��رعة هائل��ة ،لدرجة أن توليا مل يس��تطع وضع قدميه على البدال والتحكم فيه .فاضطر أن يبعد قدميه عن البدال ،وعلى الرغم من ذلك مل يسلم من ضربات البدال لقدميه . ً أطفاال صغا ًرا يلعبون وسط احلديقة بالكرة ،وقد حاول فجأة رأى “توليا” أمامه ق��در اس��تطاعته أال يصط��دم بهم أو يصيبهم ب��أى أذى ،فكان ً لزام��ا عليه أن يعرج بس��رعة ناحية اليمني ،وحلس��ن احلظ إس��تطاع أن يتفاداهم عن طريق فتحة سور احلديقة التى تتوس��ط الشارع الرئيسى .وفى ملح البصر وجد نفسه عند بوابة أحد املنازل ،وبس��رعة ال�برق ارتطمت عجل��ة الدراجة األمامية بعام��ود حديدى صغري ً موجودا عند الس��ور املبنى من الطوب ،ونتيجة للصدمة هذه صدمت الدراجة كان “تولي��ا” كما يرفس احلصان ...طار “توليا” من كرس��ى الدراجة وأرجله إىل أعلى 175
قصص وحكايات للبنين والبنات
عرب السور كما لو كان العب أكروبات فى السريك ،ثم سقط فى صندوق القمامة املوجود فى الفناء اجملاور للسور . حدث هذا بس��رعة مذهلة لدرجة أن “توليا” بعد أن أفاق من الصدمة مل يصدق نفسه بأنه قد سقط ً فعال فى صندوق القمامة ...ولكن عند سقوطه تشبث قميصه م��ن اخللف مبس��مار طويل مثبت بغطاء الصندوق ،فقط��ع قميصه من ناحية الظهر مما س��اعد ذلك على إعاقة هبوطه مرة واحدة داخل الصندوق فسقط على كومة ً كثريا من وطأة الصدمة .وعلى هذا النحو مر م��ن القمامه الغري صلبة .مما خف��ف كل ش��ئ بسالم ،إذا اس��تثنينا الكدمة التى أصيب بها فى جبهته نتيجة ارتطامه بأحد جوانب صندوق القمامة اخلشبى . مل يف��ق “تولي��ا” بعد ملا حدث ل��ه .لكنه حتس��س جبهته بيديه فش��عر بوجود ً واضع��ا منديله على جبهته ،حيث ُجرح خدوش وتس��لخات .ثم أخذ يتلفت حوله ً حماوال أن حيل لغز سقوطه فى هذا املكان . ختل��ف الصبية الذين كان��وا جيرون وراء الدراجة بكل م��ا لديهم من قوة ،ومل يس��تطيعوا اللح��اق “بتولي��ا” ،ولكنه��م الحظوا أن “تولي��ا” قد ع��رج بالدراجة ،ثم وج��دوا الدراج��ة ملقاة عل��ى األرض ،وقد اختف��ى “توليا” .أخذ الصبي��ة بعد ذلك جيوبون الفناء ً حبثا عن “توليا” فى كل ركن من أركانه وهم ينادون: أيها الغالم ،أيها الصبى ...أين أنت ؟ أين أنت ؟لك��ن “توليا” مل ي��رد على نداءاتهم ...ولذلك اعتقد الصبية أنه قد رجع إىل بيته وال يريد ركوب الدراجة ورجعوا أدراجهم صوب احلديقة . ً أصواتا ونداءات الصبي��ة أثناء وجوده فى صن��دوق القمامة ،وألنهم مس��ع “تولي��ا” كانوا ال ينادونه بامسه ،لذا اعتقد أنهم ينادون على صديق آخر هلم . عندم��ا تأك��د “تولي��ا” أن ال��دم كان ين��زف من جبهته ق��د توقف ً متام��ا ،وضع املنديل على جبينه وبدأ خيرج من الصندوق حبذر دون أن يراه أحد . رأى “توليا” من وراء األشجار ً بيتا من الطوب رمادى اللون ،مدخله على شكل قوس عال .س��ار “توليا” عرب هذا املدخل ً ، آمال أن خيرج عن طريقه إىل الش��ارع الرئيس��ى ، ً مجاال من ذلك الفناء الذى كان قد وقع وإذا به جيد نفسه فى فناء آخر يبدو أكثر فيه ،إذ يتوس��طه حديقة كبرية مس��تديرة الش��كل بها نباتات متعددة األلوان ، وزهور يانعة غاية فى اجلمال ،وبالقرب من هذه احلديقة توجد كومة من الرمل حماطة من اجلهات األربع بسياج خشبى قصري ،مطلى باللون األزرق ،وجيلس حوهلا 176
من زمن فات -الجزء الثانى
ً أش��كاال بع��ض األطف��ال وتبدو على وجوههم ال�براءة واهلدوء ،يصنعون من الرمال خمتلف��ة م��ن الفطائ��ر ،كان األطفال يرتدون مالب��س زاهية األل��وان حتى يرتاءى للناظر من بعيد بأنهم ليس��وا بأطفال ،بل أزهار ...كانت على جانبى كومة الرمل األحواض منس��قة مزروعة حبش��ائش خضراء مس��توية بطريقة هندسية رائعة.. وعل��ى ط��ول األحواض توج��د مقاعد مرحي��ة جتلس عليه��ا أمهات األطف��ال الالئى يتبادلن احلديث ،بعضهن تقرأن الكتب فى الوقت الذى تراقنب فيه أطفاهلن ،كى ال يقذف األطفال أعني بعضهم ً بعضا بالرمال . ومن خلف هذه املقاعد توجد س��احة للكرة الطائرة فى وسطها تعلق الشبكة ، وفى أرض امللعب يقف فريقان من أوالد وبنات يكربون “توليا” بعض الشيء ...كان ً ً ً وحماطا من مجيع اجلهات بواجهات املنازل ذات الش��رفات التى وفس��يحا كبريا الفناء كان يعل��ق بها أحواض خش��بية مليئة بأزه��ار يانعة وزاهية األل��وان .توقف توليا دون قص��د يتأمل تلك الصورة الرائعة اجلميلة التى ظهرت أمامه من زهور وأحواض احلش��ائش اخلضراء ،وأطفال تلعب وكرة تطري فوق الشبكة املوجودة فى ساحة الكرة الطائرة ،وهنا قال توليا فى نفسه : آه ل��و كن��ت أقطن فى هذا املنزل ،الس��تمتعت كل يوم بالنظ��ر إىل تلك األزهاراجلميلة واألطفال الت��ى تلهو باللعب فى الرمل ،ولعبت مع الصبية والفتيات الكرة الطائرة . تنه��د “توليا” حبزن ،وفى هذه اللحظة رأى فتاة تلوح له بيدها ،وتدعوه للعب مع زمالئها الكرة الطائرة ،فاقرتب منهم وعلى وجهه شيء من الرهبة ،ولكن بعد عدة دقائ��ق جتاوب مع هؤالء األصدقاء اجلدد حتى ب��دا وكأنه يعرفهم منذ فرتة طويلة ً ج��دا ...مض��ت مخس دقائ��ق تقري ًبا حت��ى أخذ زمام املب��ارة بيديه ،ف��كان يقود الفريق ويبدى مالحظاته الس��ديدة حينما يكون م��ن الضرورى تغيري األماكن فيصي��ح“ :أوت” “ ،ش��بكة ” “ ،س�يرف ” وتعب�يرات أخ��رى رياضية ال يعرفها س��وى العارفني بأصول اللعبة . ً مجيعا قواعد اللعبة ،على الرغم من أنه نفس��ه ال يتبع هذه َع َّل َم “توليا” الصبية القواع��د ،اذ ح��دث أنه مل يس��تطع التقاط إحدى الك��رات القريبة من الش��بكة ً فبدالم��ن أن يدفعه��ا بيده قذفه��ا بقدمه اليمن��ى ،وكانت والقادم��ة م��ن اخلص��م ، الضرب��ة أقوى مما يعتقد “تولي��ا” ،فطارت الكرة بس��رعة وارتطمت بزجاج إحدى نواف��ذ الدور الثانى بإحدى املنازل فتهش��م زجاجها ،وأحدث ً صوتا ً عاليا فتناثرت قطع 177
قصص وحكايات للبنين والبنات
الزجاج إىل أسفل وسقطت الكرة حلسن احلظ على األرض . وأول ماخط��ر على بال “توليا” أن يرتك هذا امل��كان وينطلق ً هاربا ،لكنه رفض ه��ذه الفك��رة ،ألن اهلروب من مسات امل��رء اجلبان وغري األمني .فرمب��ا يعتقدون أن َم ْن كس��ر زجاج النافذة ليس ه��و ،بل أحد الصبية الذين لزم��وا أماكنهم .فى ذلك الوقت آخذ صبى آخر الكرة وضمها بكلتا يديه إىل صدره وسرعان ما ترك الفناء ً قائال: واختفى .ثم صاح صبى منهم هيا ،يا أصدقائى ُ ًلينج كل منا بقدر استطاعته . رك��ض مجيع الصبية فى ش��تى االجتاه��ات ،فيما عدا “توليا” فقد وجد نفس��ه ً واقف��ا ف��ى مكانه ،وفى اللحظة الت��ى قرر “توليا” الفرار مثل بقية األوالد ش��عر بيد متسك بشدة ياقة قميصه من اخللف ،وبصوت خيرتق أذنيه يقول: إىل أين قذفت بالكرة ،أيها الصبى الشقى؟ أمل يكن هناك مكان آخر تقذفً بعيدا عن زجاج النافذة ؟ الكره فيه فاس��تدار “توليا” قدر اس��تطاعته ونظر ش��ز ًرا ورأى وجها يعلوه الشر المرأة عجوز ذقنها رمادى اللون يعلوها حسنة كبرية ظاهرة أعلى شفتها العليا -وإذ بتلك العجوز متس��ك بإح��دى يديها وباحكام بياق��ة قميص “توليا” وفى يده��ا األخرى حقيبة مصنوعة من البالستيك سوداء اللون ،وقد امتألت باملواد الغذائية اشرتتها اليوم . ً حماوال أن يفلت من يد العجوز وهو يقول : ومتتم “توليا” وهو فى حالة ذهول مل أكن أقصد .فقالت العجوز : وأن��ا ًأيض��ا ال أقصد إذا قطعت اآلن رأس��ك ،ووضعتها مكان زج��اج النافذة الذى كسرته أنت .لن يهدأ ىل بال حتى أنال منكم .أيها الشياطني . فقامت إحدى الس��يدات الالئى جيلس��ن على أحد املقاعد املوج��ودة بالقرب منكومة الرمال وقالت للعجوز: هل كسروا زجاج نافذة مرة أخرى “ ،يا داريا سيميونوفنا” ؟ نع��م ،كما ترين ياعزيزت��ى ،هذه هى املرة الثالثة على التواىل التى كس��روافيها زجاج النافذة لسوء احلظ . ثم توجهت العجوز بسؤال إىل “توليا” ،وهى تهزه بعنف من ياقة قميصه : 178
من زمن فات -الجزء الثانى
فى أية شقة تقطن ؟فأجاب “توليا” : إننى أقطن فى الشقة رقم 16فأسرعت إحدى السيدات اجلالسات قائلة: إنه ال يقول احلقيقة فإننى أعرف كل من يقطن فى شقة رقم 16فقال “توليا”: أنا فى احلقيقة ال أقطن فى منزلكم .فقالت “يا داريا س��يميونوفنا” العجوز وعلى وجهها ابتس��امة صفراء ميلؤها الش��ر والغيظ : آه تقول إنك ال تعيش فى منزلنا .أال يكفى ما عندنا من األوالد الذين يكسرونزجاج نوافذنا ،فيأتى الغرباء ويكس��رونها ً أيضا ؟ ه�لا ذهبنا ً معا إىل مكتب احتاد مالك املنزل . جذب��ت العج��وز “تولي��ا” وقادت��ه إىل مكتب احتاد امل�لاك وهن��اك كان جيلس ً ً واضعا بني مشغوال بكتابة شيء ما ، املس��ئول مع رئيس احلس��ابات ...كان املسئول ً مش��تعال وقد أغمض إحدى عينيه إىل حد ما كى ال ينلها دخان ش��فتيه س��يجا ًرا الس��يجار الذى يتطاير فى عينيه ،وهناك ش��خص آخر ذو شارب جيلس عند النافذة يدخن هو اآلخر سيجارا ،ولذا كان يتصاعد من السيجار كما لو كان فى الغرفة عامود من الدخان . وإنتاب��ت “تولي��ا” نوبة من الس��عال عندما تواجد ف��ى هذه الغرف��ة املليئة بدخان الس��يجار اخلانق والضار ،أما “يا داريا س��يميونوفنا” فدفعت بتوليا إىل األمام بغلظة بعد أن أغلقت وراءها باب احلجرة ثم قالت : ه��ا هو ال��ذى حطم زجاج الناف��ذة .وهذه امل��رة الثالثة التى حيطم��ون فيها زجاجالنافذة .فبمجرد أن ذهبت إىل السوق لشراء ما يلزمنى من مواد غذائية وعند عودتى رأيت بنفس��ى هذا الصبى يقذف بقدمه الكرة فى النافذة .نعم رأيته بنفسى .لقد س��افرت العائلة للراحة وتركت ىل مصروفات املن��زل بالكاد .فمن أين آتي بقيمة الزجاج املكسور ؟ وانقطع املسئول عن الكتابة ومتتم بكلمات غري مفهومة وقال لتوليا: ً لزاما عليك ،ياصديقى ،أن تدفع قيمة الزجاج املكسور . 179
قصص وحكايات للبنين والبنات
ً متلعثما : فأجاب “توليا” سوف أحضر لك النقود . هكذا هو احلل ..اذهب ،ياعزيزى وأحضرها بسرعة .وهبت العجوز “ داريا سيميونوفنا” وهى تقول لرئيس مكتب احتاد املالك : ّ أتصدق أنه سيحضرها ؟ : -آه ،آحيضرها .
180
من زمن فات -الجزء الثانى
إنه وعدنى .إنها كلمة شرف ،سوف أحضرها لكم .فردت عليه العجوز بسخرية : سوف تذهب ولن نراك ثانية -مباذا تفيدنى كلمة الشرف هذه ؟ً قائال : وأضاف رئيس املكتب هذا صحيح ..جيب تسجيل عنوانه .ما امسك واسم والدك ؟ توليا كليوكفن وأين تقيم ؟ أقيم فى شارع ........رقم ........شقة رقم ....ثم قال له املسئول وهو يسجل فى دفرت أمامه على املكتب : امس��ع “يا توليا كليوكف��ن” ،إن مل ُحتضر النقود فس��وف نعثر عليك أينما كنت . فهمت؟ لكن العجوز “داريا سيميونوفنا” ال تثق حتى اآلن بصحة ما قاله الصبى “توليا”، إذ ّ وجهت كلماتها إىل املسئول قائلة : آه ستجده ...إنه لفق القصة ،ولن نعرف مكانه فيما بعد .وهنا قال املسئول هلا : انتظرى ...هذه مس��ألة بس��يطة س��نتأكد مما يقوله ...شارع دمييانوفكسىرقم 10أعتقد أن رقم تليفون رئيس احتاد املالك عندهم هو . 29 وأمسك الضابط املسئول بدليل التليفون ،وأخذ يقلب صفاحاته حتى حتقق من رقم التليفون ثم أمسك بسماعة التليفون رقم 29وقال بصوت عالِ: آل��و ...آل��و ...هل هذا رق��م 29؟ إذن أرجوك أن تتأكد عن��دك فى دفرت العناوينعم��ا إذا كان يعيش “توليا كليوكفن” فى الش��قة رق��م 16باملنزل رقم 10وانتظر املس��ئول دقيقة وعاد يس��تكمل احلديث هل يقيم ً ً ش��كرا ماذا فعل ؟ إنه فعال ...؟ كسر زجاج نافذة إحدى املواطنات ،ثم وجه كالمه إىل العجوز “ داريا سيميونوفنا” وهو يضع مساعة التليفون : ال تقلق��ى أيتها املواطنة اآلن لن يس��تطيع اهلروب م��ن أيدينا فقد قال احلقيقةكاملة بالنس��بة للعنوان كل ش��يء على ما ُيرام .ولكن ذلك الش��خص ذا الشارب 181
قصص وحكايات للبنين والبنات
الذى كان جبانب رئيس مكتب احتاد املالك قال بشيء من الشك واإلرتياب : ما هذا الذى كله متام ؟ ذات مرة حدثت فى قسم الشرطة مثل هذه احلادثة :أمس��ك رجل الش��رطة بصبى كان قد قفز من الرتام أثناء س�يره .ورفض أن يدفع الغرامة ...ومن الطبيعى أن يقوده الش��رطى إىل قس��م الشرطة ،حيث مت أخذ أقواله وعندما سألوه عن امسه أدىل باسم صديق له وحينما سألوه عن مكان إقامته .أدىل بعن��وان صديق��ة هذا ،وتأكد رجال الش��رطة ً فعال من صحة االس��م والعنوان عند اتصاهل��م مبكتب احت��اد املالك فأفرجوا عنه ثم اتضح بعد ذل��ك أن هذا غري صحيح فقد أرس��ل رجال الش��رطة ف��ى اليوم الت��اىل إىل والديه إش��عا ًرا ك��ى يدفعا قيمة الغرام��ة عم��ا ارتكبه ابنها من خمالفة ..ومن الطبيع��ى أن األب واألم أخذا يعاتبان ويلومان االبن – فانيا – على ما ارتكبه من خطأ ويقوالن له: مل��اذا تقفز من الرتام وهو يس�ير؟ يالك من مس��تهرت ..إذن علي��ك بدفع الغرامة منمصروف��ك اخلاص ،ولك��ن فانيا أخذ ي��ذرف الدمع وقد انتابته حال��ة من التكدر وقال لوالده: مل أقفز ًأبدا فى يوم من األيام أثناء سري الرتام . ً وأيضا تكذب؟ يالك من .... لك��ن الصب��ى أخ��ذ يقنعهما ويقس��م هلما بان��ه مل يفعل ه��ذا ...وم��رض فانيا املسكني لعدم ثقة والديه به ،وراى الوالدان بأن ليس هناك جدوى من الضغط على ابنهما وأحسا بأنه إذا كان هذا قد حدث ً فعال ملا تكدر ابنهما إىل هذا احلد .فأسرع الوالد إىل قسم الشرطة وقال للنوبتجى : إنن��ا نث��ق فى كالم االبن .فهو مل يقفز قط من ال�ترام كما تقولون وحنن نعرفسلوكه احلسن . ً فرد عليه النوبتجى قائال: إن سلوك األوالد حسن طاملا موجودون باملنزل .لكن األب قال : مهما يكن فأنا لن أقوم بدفع الغرامة . إن مل تدفع الغرامة فسوف نقدمك للمحاكمة .ّ ومر أسبوع أو أكثر بقليل وأستدعى والد فانيا إىل احملكمة ...وذهب إىل هناك وقال : 182
من زمن فات -الجزء الثانى
ما هذا الذى َت ّد ُعونه ؟ ابنى مل يقفز قط من الرتام . م��اذا تقول ؟ إذا كان كل ش��يء مدون أمامنا ها هو االس��م والعن��وان وأراد رجالالشرطة معاقبة الوالد باحلبس مخسة عشر ً يوما لسوء تربية إبنه من ناحية ولعدم دفع��ه الغرامة من ناحية أخرى لكن حلس��ن احلظ أرس��لوا إلحضار ذلك الش��رطى ً وفعال جاء الشرطى وعرضوا عليه االبن “فانيا” ... الذى أمس��ك بفانيا حلظة احلادث . ً وبعد فرتة من العرض تذكر مؤكدا وقال : ليس هذا بالصبى الذى أمسكت به .وبعده��ا مت اإلفراج عن الوالد ومل يتم العثور على الصبى ،الذى أطلق على نفس��ه “فاني��ا س��يدوروف” ،وكان من املمكن حبس والد “فانيا” ملدة مخس��ة عش��ر ً يوما وعقاب ابنه خلطأ مل يرتكبه وإىل يومنا هذا مل يقبض على الغالم الذى ادعى على نفسه بأنه “فانيا سيدوروف” . لكن السيدة العجوز “داريا سيميونوفنا” علقت على هذا بقوهلا : وهكذا كل صبى يكس��ر زجاج نافذة ،أو يرتكب خطأ يطلق على نفس��هاالسم الوهمى “فانيا سيدوروف” ويقول إنه يعيش باملكان ( كذا ) ثم تذهب لتبحث عنه لتأخذ قيمة الزجاج املكسور فال جتد له ً أثرا . وحتري رئيس مكتب احتاد املالك ثم قال: ماذا عساى أن أفعل أيتها العجوز ؟ رمبا يكون هذا هو “فانيا سيدوروف” الوهمىورمبا اليكون ( ثم توجه إىل الصبى وسأله مرة أخرى) : ما امسك؟أجابه الصبى: توليا كليوكفن .ثم قال للعجوز: كم��ا تري��ن ،إنه ف��ى احلقيق��ة “توليا كليوكف��ن” ،ولك��ن رمبا يكونً شخصا آخر وللتأكد من ذلك إذهبى به إىل قسم الشرطة ،حيث ميكنهم التحقق من ذلك . ً وأخذ “توليا” يتوسل قائال : ملاذا قسم الشرطة ...إننى مل أقل غري احلقيقة .لكن العجوز قاطعته بشيء من االستياء : 183
قصص وحكايات للبنين والبنات
احلقيقة ،احلقيقة ! هل ُينتظر من شخص مثلك أن يقول احلقيقة ؟ثم أمس��كت بذراع “توليا” وجذبته إىل الش��ارع ومش��ى جبانبها وهو ينظر حوله ويبدو على وجهه اخلوف ،كان “توليا” يظن أن الناس ينظرون إليه بفضول ويظنون أنه مقاد إىل قسم الشرطة ،ورمبا يعتقدون أنه لص . مل يذه��ب “توليا” إىل قس��م الش��رطة قط من قب��ل ،ومل يكن يري��د الذهاب إىل هن��اك ..وقد حاول “توليا” أن يفلت من يد العجوز التى كانت تقبض عليه بش��دة. وأثناء سريهما سألتها إحدى السيدات العجوز بشيء من الغرابة : ملاذا تقبضني بيدك عليه هكذا ؟ لقد كسر زجاج النافذة . وإىل أين تقودينه ؟ إىل قسم الشرطة ليس إال .ً حماوال اإلفالت من يديها القابضة عليه : ثم قال هلا “توليا” اتركينى من فضلك ،وسأس�ير معك وال داعى بإمساكى هكذا ،صدقينى لنأهرب . تعتقد أننى أثق فيما تقول ؟َ وف ّ كر “توليا” فى وس��يلة خلداع العجوز “داريا سيميونوفنا” لإلفالت من قبضتها القوية ...فهى متس��كه بيد واحدة اململوءة مبا اش�ترته اليوم من الس��وق ،أما توليا فقال فى نفسه : س��أفلت من يدها ألنها لن تس��تطيع أن تقبض ًعلى بش��دة ملدة طويلة ،فالبد أن تأتى حلظة وتتعب ...وهذه هى فرصتى الوحيدة . س��ار “توليا” معها بهدوء ،ومل حياول اإلفالت من يدها وكما لو كان قد استس��لم ملص�يره ،فاطمأن��ت العج��وز ل��ه وأضعفت م��ن قبضتها ويقظته��ا فإنته��ز “توليا” هذه الفرصة وأفلت من يدها فجأة ،وفر ً هاربا . أخذت العجوز “ياداريا سيميونوفنا” جترى وراءه وتصرخ قائلة : قف ..قف ....أمسكوا به ،أمسكوا به ..اقبضوا عليه .وتوق��ف كثري ممن يس�يرون فى الش��ارع مذهول�ين ،ال يعرفون الس��بب ،هل من الض��رورى اإلمس��اك “بتولي��ا” أم ال ؟ وملاذا ؟ وحاول أح��د املواطنني اإلمس��اك “بتوليا”، لك��ن توليا أفل��ت من بني يديه برباعة وخف��ة ،ونزل عن الرصـي��ف وجرى ناحية 184
من زمن فات -الجزء الثانى
الكوبرى ،حيث ال يعرتضه كثري من املشاه ،وفى الوقت نفسه تتاح أمامه الفرصة للمزي��د من س��رعة اجل��رى ..وج��رت “داريا س��يميونوفنا” خلفه إجت��اه الكوبرى ، وكادت تصدمها سيارة نقل ،فعادت مرة أخرى إىل الرصيف وأخذت تصيح : ً حاال ،وإال ستقع حتت عجالت إحدى السيارات . قف ،قف ،قفمل يستمع “توليا” إليها ،بل استمر فى اجلرى بأقصى مالديه من سرعة ،ثم انطلق ع�بر الطريق فى الوقت ال��ذى رأت فيه “داريا س��يميونوفنا” الرتام ً قادم��ا حنوه فوقفت مش��دودة األعص��اب ،وتوقف معها قلبها ،وتس��مرت فى مكانه��ا عندما أعتقدت أن “توليا” قد وقع حتت عجالت الرتام ،لكن سائق الرتام كان قد رأى “توليا” فجأة أمامه فأبط��أ من س��ـرعة الرتام فى الوقت الذى عرب فيه “تولي��ا” القضبان إىل اجلـانب اآلخر، حيث كانت تأتى س��يارة ناحيته ،ومسع صوت فرملة يدوى فاتضح أن الس��يارة قد المس��ت كتفه فقط ،ووقع “توليا” على األرض وألقت “داريا سيميونوفنا” بالشنطة التى فى يدها على األرض وأطبقت بكلتا يديها على وجهها . وفى احلال جتمع كثري من املارة حول توليا ،وأس��رع أحد املواطنني إىل كابينة التليف��ون وأخذ يطلب س��يارة اإلس��عاف .وفى أثناء ذل��ك نهض “تولي��ا” ،ووقف على قدميه فسأله أحد الواقفني : هل أصبت إصابة بالغة أوجرحت ؟وبدأ “توليا” يهز رأسه ويقول : ال ،وهو يهز رأسه .ونزل سائق السيارة ،واقرتب من توليا ثم قال له : من أين ظهرت فجاة فى وسط الكوبرى كالسهم ؟ هل هناك ما يؤملك ؟أجاب “توليا” : ال ،اليؤملنى شيء .ث��م أمس��ك الس��ائق “توليا” بكلت��ا يديه وأخ��ذ جيس كتف��ى الصبى ً قائال: وذراعيه أمل يؤلك هنا شيء ؟ ال ،ال ،لقد أصابنى اخلوف ليس إال .فقال السائق واالبتسامة العريضة تظهر على وجهه : 185
قصص وحكايات للبنين والبنات
أصاب��ك اخل��وف !! فلتش��كر اهلل ألننى متكن��ت من إيقاف الس��يارة فى الوقتاملناسب . واقرتب الشرطى من اجلمع الواقف حول “توليا” ،وسأل السائق بصرامة : ماذا حدث للصبى ؟ً قائال : فرد السائق ما هو إال حادث بس��يط مل يس��فر عن أض��رار ،وميكن الق��ول َّإن الصبى قد جنا ً متاما من كل شيء إال أن اخلوف قد سيطر عليه . يا للعجب !! وأثناء ذلك تسللت “داريا سيميونوفنا” من بني الواقفني ويداها ترتعشان ،وشفتاها ترتعشان ً أيضا من اخلوف .وعندما رأت “توليا” يقف معافى دون إصابات بالقرب من عال : السيارة إندفعت حنوه وهى تقول بصوت ِ أمازلت ًحيا ؟ آه ياعزيزى ! لك��ن “تولي��ا” عند رؤيت��ه هلذه العجوز ابتع��د عنها للناحية األخ��رى ،غري أن الن��اس الذين كانوا حييطون به كاحلائط املتني مل يس��محوا له باهلروب من تلك العجوز . وعادت العجوز تقول وهى تلوح بيدها : إنه من املستحيل ياعزيزى أن ًأمسك بسوء ! ثم تقول العجوز للشرطى : أيه��ا الش��رطى! إننى أعرتف ،وبكل أمانة ،بأننى الس��بب ف��ى كل ما حدث ...إن ه��ذا الش��قى كاد يقع حتت عجالت الس��يارة فيما أصابه من خ��وف مما أدى إىل ارتطامه بالس��يارة ،ذلك بس��بب لوح الزجاج الذى حطمه ه��و والذى كان قد حتطم من قبل عدة مرات . وانربى واحد من الواقفني ،وقال : لق��د رأيت كي��ف كانت هذه العجوز تط��ارد هذا الصبى وق��د متلكها الغيظوالسخط عليه . فقال الشرطى : ماذا عساى أن أفعل سوى أن أسجل هذه األقوال فى حمضر رمسى ؟186
من زمن فات -الجزء الثانى
فقالت له العجوز بعض كلمات لكى تطمئنه وتزيل خوفه : نع��م ،س��جل هذا ياعزي��زى ! أما أنت ياحبيب��ى ( موجهة كلماته��ا إىل الصبىتولي��ا) فال ختف فأنا لس��ت غاضبة منك بس��بب ل��وح الزجاج الذى كس��رته ،فليبق مكس��و ًرا هكذا على ما هو ،أما أنت فتعال والع��ب الكره مع صبيان ّ حينا ،ومهما كسرت من زجاج النوافذ فلن أقول لك ً شيئا أو أحاسبك . وتوقفت بالقرب منهم سيارة اإلسعاف ،ونزلت منها سيدة ترتدى بالطو أبيض اللون واقرتبت من الواقفني وسألت : أين املصاب ؟فأجابت إحدى الواقفات : ها هو ...ذلك الصبى الواقف هناك .وأفسح الواقفون الطريق لطبيبة اإلسعاف التى اقرتبت من “توليا” قائلة : ًهي��ا تعل��ق بكلت��ا يديك ف��ى رقبتى وس��أمحلك إىل س��يارة اإلس��عاف ،لعمل اإلسعافات األولية . لكن السائق قال هلا: إنه معافى ًمتاما ،ومل يصبه شيء على اإلطالق . لكن الطبيبة قالت بكل صرامة : ً كسرا فى جبهة الصبى . هكذا يبدو لك ،لكننى أرى أن هناكً قائال: فرد “توليا” عليها إن ه��ذا اجل��رح ليس من أثر هذا احلادث اآلن ،لكنن��ى جرحت عندما وقعت فىصندوق القمامة . أى صندوق قمامة هذا ؟ عندما كنت ألعب مع الصبية بالدراجة .ومحلت الطبيبة “توليا” بني ذراعيها وأخذته إىل سيارة اإلسعاف . وسألتها العجوز “داريا سيميونوفنا” : إىل أي��ن تأخذيه ؟ لقد مسعت بنفس��ك بأنه قد ُجرح عندما س��قط فى صندوقالقمامة .
187
قصص وحكايات للبنين والبنات
فردت عليها الطبيبة قائلة : ما يهمك فقط أن اجلرح كان نتيجة س��قوطه فى صندوق القمامه ،لكن هلمعنى هذا أال نعاجله ؟ من الضرورى له وبسرعة أن حيقن بالتيتانوس . وهنا قالت العجوز “داريا سيميونوفنا” وهى تودع “توليا” ملوحة بيدها: ه��ذا صحي��ح ،فأنت��م األطباء تعرف��ون متى وكي��ف تعاجلون املرض��ى ،أما أنتي��ا تولي��ا ،يا حبيبى ،تعال والعب الكرة فى ّ حينا بعدما تش��فى ،وانطلقت س��يارة اإلس��عاف بعد دقيقة واح��دة وبداخلها “توليا” ،وذلك بع��د أن أرقدته الطبيبة على السرير اجملهز بالسيارة ،أما هى فقد جلست جبانبه ...ثم قالت له : س��وف نذه��ب ب��ك اآلن إىل املسـتش��فى وس��ـيقوم الطبي��ب املخت��ص بفحص��كوستش��فى ،وبعد ذلك تستطيع السري وسوف جترى هنا وهناك ،لكن اآلن عليك أن ترقد بهدوء وال تتحرك . مل ير “توليا” من نافذة س��يارة اإلس��عاف س��وى األدوار العليا من املنازل ،ومل يكن بوس��عه حتديد الشوارع التى ميرون بها ،مل يزعجه هذا فى شيء بل أكثر ما كان ً خائفا من أن تؤمله . يزعجه تلك احلقنة التى البد وأن حيقنوه بها فكان وس��رعان ما توقفت س��يارة اإلسعاف عند مدخل املستش��فى ،وفتح ممرضان باب الس��يارة وأخذا فى سحب الس��رير املتحرك من الس��يارة .وحاول “توليا” الوقوف على عال : رجليه ،لكن أحد املمرضني قال له بصرامة وبصوت ِ ارقد كما كنت ،ارقد بهدوء !ثم محال “توليا” داخل املستشفى ،غري أنه كان يريد أن يرى إىل أين حيمالنه؟ ً وب��دال م��ن أن يرقد ً متاما عل��ى النقالة ،جلس عليها وأخذ يتلفت برأس��ه حوله هنا وهناك . وتعج��ب لذلك املمرض ال��ذى كان حيمل النقالة من الطرف اخللفى ،ويقول فى نفسه : يال��ه من صبى عنيد ،نق��ول له أال يتحرك ،وأن يرقد به��دوء لكنه كاللعبةالتى ال تتوقف عن احلركة . أدخ��ل املمرضان “تولي��ا” فى حجرة مضيئة كب�يرة ذات ج��دران مطلية باللون األبي��ض وس��قف مرتفع وذلك بعد أن انتهي��ا من املمر الطويل ال��ذى تفوح منه رائحة اليود وحامض الكربوليك واملستحضرات الطبية األخرى ،ثم أمسك املمرضان “توليا” برفق من إبطه وأرقده على س��رير مرتفع عليه مفرش أبيض اللون من البالستيك .ثم 188
من زمن فات -الجزء الثانى
ً مهددا إياه بإصبعه : قال له املمرض بهدوء ارقد هنا وسيأتى الطبيب اآلن للكشف عليك .وبق��ى “توليا” ً راقدا فى مكان��ه يتملكه اخلوف .ومل يعرف مل��اذا تأخر الطبيب لف�ترة م��ن الوق��ت واعتقد توليا أنهم قد نس��وه ،لك��ن بعد دقائق فت��ح الباب ودخل الطبيب وبرفقته املمرضة املساعدة. كان الطبيب كبري السن إىل حد ما وكل ما يرتديه بالطو نظيف أبيض اللون ً واضعا نظارة بيضاء ،واقرتب من “توليا” وهو يقول له: وكذلك غطاء للرأس أبيض ، قل ىل ،أيها الشاب ،كيف سقطت حتت السيارة ؟ومل يك��د تولي��ا أن جييب عليه حتى وضع الطبيب مساعت��ه الطبية على أذنيه وأخذ جيس صدر “توليا” بقطعة معدنية مستديرة . من فضلك تنفس بعمق ...تنفس مرة أخرى .ً وأخ��ذ الطبي��ب ينقل القطعة املعدنية املس��تديرة ه��ذه ميينا ويس��ا ًرا ،ثم وضع أصابعه أمام أنف “توليا” وقال له : واآلن لو مسحت ،انظر إىل طرف إصبعى .وأخ��ذ الطبي��ب حيرك إصبع��ه فى جهات خمتلف��ة .وراح “تولي��ا” يركز بكلتا عينيه على إصبع الطبيب وحيركها ً ميينا ويسا ًرا ثم إىل أعلى وإىل أسفل وهكذا... ً حماوال بذلك متابعة أصابع الطبيب ،بعد ذلك اخذ الطبيب جيس مجيع أجزاء جسم تولي��ا :يدق على ركبتى توليا مبطرقة صغرية من الكاوتش��وك ذات يد معدنية من النيكل الالمع ثم التفت إىل املساعدة وسأهلا : هل كل شيء جاهز “يا سريافيما أندرييفنا” ؟فأجابت املساعدة : كل شيء جاهز ؟ثم أمرها الطبيب : هال بدأت ...وفكر “توليا” فى ذلك وقال فى نفسه : يا إهلى ،ماذا ستفعل املساعدة بى ؟وبدأ “توليا” يتوسل إىل املساعدة ويقول : 189
قصص وحكايات للبنين والبنات
أتوسل إليك بأال حتقنينى ،لن أفعل ذلك مرة أخرى .وابتسمت املساعدة وقالت له : وم ْن قال لك ،أيها الساذج ،إننى سأحقنك ؟ ال ختف فلن أفعل بك ً َشيئا . وأثن��اء ذلك اقرتبت املس��اعدة م��ن “توليا” ممس��كة بيدها اليمن��ى احلقنة وقد أخفته��ا وراء ظهره��ا ،وس��اعدته عل��ى أن ينام عل��ى جنبه األمين بيدها اليس��رى ثم ً وأخ�يرا حقنته ّ . وتأوه “توليا” وأح��س بإبرة احلقنه تدخل فى غافلت��ه وهى تداعبه جسمه ،لكن املساعدة قالت له : داع للت��أوه ،ياعزي��زى ،لق��د انتهى كل ش��يء ،وأعتقد أنه��ا ال تؤملك ! أليس ال ِكذلك ؟ فرد عليها “توليا” والدموع فى عينيه : نعم ،ال تؤملنى !وقال الطبيب قبل خروجه من احلجرة: واآلن دعيه يرقد فى الس��رير ملدة نصف ساعة ،وبعدها من املمكن العودة إىلمنزله ،لكن ال تنسى أن تضعى اليود على اجلرح الذى فى جبهته . وضعت املس��اعدة “س�يرافيما أندرييفنا” اليود على جرح “توليا” ثم جلس��ت على مكتبها وأخذت تسجل ً شيئا ما فى الدفرت املوجود أمامها وسألته: ما أمسك؟َّ أراد “تولي��ا” أن يق��ول هلا بأنه يدعى “تولي��ا” ،ولكن مل يعرف مل��اذا قال إن امسه “سالفا” وحينما سألته عن اسم والده ،أجابها باسم والد سالفا أى “أجونكوف” ً ، بدال من اس��م والده “كليوكفن” ،وبذلك أدعى بأنه “س�لافا أجونكوف” – زميله الذى ً صباحا عندما قابل القط الذى عرب الطريق أمامه . كان قد ذهب إليه وس��جلت املساعدة ما قاله “توليا” ثم س��الته عن اسم الشارع الذى يقطن به .وبدالً من أن يقول عنوانه هو ،أمالها عنوان صديقه “س�لافا” بش��ارع ....مل يعرف “توليا” تفس�ير األكذوبة هذه ،ملاذا اآلن يكذب على املس��اعدة ؟ فى تلك اللحظة تذكر مل��اذا مل يصدق��ه أحد حينما ق��ال احلقيقة لرئيس احت��اد املالك .فطامل��ا أن ً أحدا مل يص��دق كالمه فلم��اذا إذن يقول احلقيقة ! وهلذا الس��بب خش��ى ً أيض��ا أن يقوم أح��د من املستش��فى بتبلي��غ والدته مبا ح��دث له .ولذل��ك فقد س��لك “توليا” نفس سلوك الصبى ،الذى كان ضيف رئيس احتاد املالك حيكى عنه ،والذى قد انتحل 190
من زمن فات -الجزء الثانى
ش��خصية غالم آخر .ولو مل يس��مع “توليا” ذلك احلوار ،الذى َ وقع فى مكتب رئيس احت��اد امل�لاك عن هذا الغ�لام ،ملا خطر بباله ق��ط أن يدىل بعنوان��ه ،وألنه مسع هذه احلكاي��ة من اآلخرين ،ل��ذا خطرت بباله هذه الفكرة ولكن املس��اعدة قالت إن شارع ....بعيد ً جدا . هل عندكم تليفون ؟ مل يكن لدى أسرة “توليا” تليفون ،ولكنه تذكر رقمتليفون صديقه “سالفا” فقال هلا : نعم ...لكننى ال أتذكره ومتتم ببعض األرقام .وهنا إبتسمت املساعدة وقالت له : كي��ف يكون لدي��ك تليفون وال تتذكره ...رمبا نس��يته م��ن اخلوف حينماوقعت أمام السيارة ...على العموم ،ال عليك ،سوف أحبث عنه فى دليل التليفون . وسأهلا “توليا” واخلوف يبدو عليه : وملاذا تريدين االتصال مبنزلنا ؟ً جيب تبليغ أس��رتك مبا ح��دث ،ومن الضرورى أيضا أن تأتى والدتك الس��تالمك . كنت أود أن أصاحبك إىل منزلكم ،ولكننى ال أستطيع التغيب عن العمل . لكن “توليا” قال هلا : تقول�ين ه��ذا كما لو كن��ت ال أعرف الطريق ملن��زىل ...ال داع��ى لتوصيلى فأناأعرف الطريق ً جيدا . ال ،ياعزيزى ،لن أتركك تذهب مبفردك ،فرمبا تصدمك سيارة أخرى وأنت فىالطريق .وأخذت املس��اعدة “س�يرافيما أندرييفنا” البحث عن اس��م “أجانكوف” فى دلي��ل التليفون حت��ى وجدته ...ومدت يدها حنو جهاز التليفون ،ورفعت الس��ماعة وطلبت الرقم املوجود أمامها بالدليل ...وكان “توليا” فى تلك اللحظات يراقبها بقلق ً ً موجودا فى منزل منتظرا النتيج��ة ،وكان أمله الوحيد أال يكون أحد وإضط��راب “س�لافا” غري أن أمله مل يتحقق وذهب س��دى ،وبعد نصف دقيقة كانت املس��اعدة تتحدث مع والدة “سالفا” وتقول : آل��و ! حضرت��ك حرم الس��يد أجونك��وف ؟ إننى أحت��دث معك من املستش��فى ،وعليك باحلضور فو ًرا إىل مستشفى ( ) ...من أجل ابنك “سالفا” . من أجل سالفا ؟ سالفا ؟ ماذا حدث له ؟ مل حيدث له أى مكروه ،إنه موجود اآلن هنا فى املستشفى ...ال تنزعجى ...إنه191
قصص وحكايات للبنين والبنات
خبري ....صدقينى ...إنه فى املستشفى وقد أعطيت له حقنة تيتانوس . حقنه تيتانوس ؟ ملاذا ؟ كم��ا تعلم�ين أن��ه ف��ى حالة ح��دوث ج��رح ألحد م��ا م��ن الض��رورى حقنهبالتيتانوس . أى جرح هذا ؟ من قال لك أنه قد ُجرح ؟ ليس به جرح كما تظنني ...أنه جمرد خدش فى جبهته وسيطيب عند املساء ...صدقينى فأنا ال أخدعك بل أقول لك احلقيقة . أصحيح خدش وليس جرح ؟ ولكن ما السبب الذى أدى به إىل ذلك؟ لقد صدمته س��يارة ...ال ،ال مل تصدمه ،بل خدشته سيارة .ال ،ال ...مل ختدشه....ما الذى أقوله ؟ احلقيقة بينما كان يسري فى الطريق مرت سيارة جبانبه ومل يصب بشيء أقسم لك ...ال أريد ان أسبب لك ً قلقا ...إنه بصحة جيدة ...إنه بصحة جيدة... صدقين��ى ...إنه بصحة جيدة ً جدا ...وملاذا تنزعجني طاملا مل ترينه بعد ...إنه يرقد هن��ا باملستش��فى وأمام عين��ى وملاذا أك��ذب عليك ! فلت��أت لرتينه بنفس��ك ...ماذا؟ إىل أي��ن تاتني ؟ العنوان ؟ آه العنوان ش��ارع ( ) ...مستش��فى ( ) ...ووضعت “س�يرافيما اندرييفنا” مساعة التليفون وهى تقول للصبى توليا ضاحكة : ً حاال . ها هى والدتك سوف تأتىقفز “توليا” من السرير عند مساعه كلمات املساعدة هذه ،لكنها أرقدته كما كان مرة أخرى وقالت له : ْ أرق��د كما كنت واس�ترح ،مل��اذا نهضت من مكان��ك ،فمن املف��روض أن تلتزم الراحة فى السرير بعد احلقنة ...وعلى العموم سوف حتضر والدتك اآلن وستعودان ً سويا إىل املنزل . رق��د “تولي��ا” وأخذ يفك��ر ،ماذا س��يفعل عندما تأت��ى والدة صديقه “س�لافا” وستجده ً بدال من ابنها “سالفا” ؟ وب��دأ “تولي��ا” يفكر ف��ى أن يعرتف للمس��اعدة “س�يرافيما اندرييفن��ا” بأنه فى احلقيقة ليس سالفا .بل هو صديقه توليا غري أنه مل يستطع أن يعرتف للمساعدة ألنه��ا قد خرج��ت فى ه��ذه اللحظة من احلج��رة ،ومل تع��د لفرتة طويل��ة ،وعندما ش��عر تولي��ا أن املس��اعدة مل تعد أدرك أنه م��ن األفضل اآلن أن يهرب من املستش��فى ، فقد ختيل املوقف عند قدوم املس��اعدة ووالدة س�لافا وتدخ�لان احلجرة ولن جتداه، ً اضطرابا س��تبدءان فى البحث عنه فى املستشفى وفى نهاية األمر ستزداد والدة سالفا 192
من زمن فات -الجزء الثانى
وتعود أدراجها إىل املنزل حيث س��تجد ابنها س�لافا وس��تطمئن عليه ،وبعد أن فكر توليا فى ذلك نهض من السرير ،ونزل بقدميه على األرض وما كادت قدماه تلمسان األرض ليبدأ الركض فى هذه اللحظة انفتح باب احلجرة ودخلت ً ومضطربا هنا املس��اعدة ومن ورائها والدة “س�لافا” وقد بدا وجهها ش��اح ًبا قالت املساعدة لوالدة “سالفا” : ها هو كما ترين بصحة جيدة ،ومعافى ًمتاما واالبتسامة على وجهه . ف��ى ذل��ك الوق��ت كان “تولي��ا” جيلس على الس��رير ،يبتس��م ابتس��امة بلهاء وهو ينظر إىل والدة “سالفا” .وبعد أن ألقت والدة س�لافا نظرة جالت بها احلجرة كله��ا وكأنها مل تلحظ وجود “توليا” سألت وهنا وجهت األم كالمها إىل املساعدة قائلة : أين ابنى ....؟فأجابته��ا املس��اعدة “س�يرافيما اندرييفنا” وهى تشري بيدها جتاه توليا قائلة : ها هو ! أال تعرفني ابنك ؟ أين ابنى؟ موجهة س��ؤاهلاإىل توليا بصوت خافت . توليا ! أين سالفا ؟هنا تلعثم توليا وهو يقول: ال أعرف ... أمل تكونا ًم��ع��ا عند صديقكما جينيازايتسيف ؟ أين تركتما سالفا ؟ توليا ! ال ختف عنى ً شيئا ! قال��ت املمرض��ة “س�يرافيما أندرييفنا”: م َْ��ن توليا الذى تناديه ؟ إنه يدعى سالفا . 193
قصص وحكايات للبنين والبنات
تعجبت والدة سالفا قائلة: أهذا هو سالفا؟ْ ً طبعا إنه سالفاَ ،من سيكون غريه؟اصغ ّ ْ إىل ما الذى تقولينه ؟ أريد أن أعرف أين ابنى ؟ ِوترد املساعدة : وهل “سالفا” ليس ابنك ؟ “س�لافا” ابن��ى ،ولك��ن ه��ذا لي��س ابن��ى “س�لافا” ! إن ه��ذا صديق��ه “تولي��اكليوكف��ن” .أتفهم�ين ما أق��ول ؟ كم مرة أق��ول لك هذا ! يا إهل��ى أكاد أفقد رشدى ! ثم توجه املساعدة كالمها إىل “توليا” قائلة : أمل تقل ىل أن امسك “س�لافا أجانوكوف” ؟ ...ثم توجه كالمها لوالدة س�لافاوهى تقول : َّ س��احمينى يا س��يدتى ،فأنا مل أخطئ .فهو الذى قال ىل إن امسه “س�لافا” ،علىالرغم من أنه ليس بسالفا . وعادت املساعدة موجهة كالمها إىل “توليا” : ه��ل فق��دت صوابك ؟ هذه ليس��ت بدعاب��ة ،أم أن اخلوف رمبا قد يس��يطر عليكعندما وقعت جبانب عجالت السيارة ؟ ثم قالت لوالدة “سالفا” : أن��ت ي��ا س��يدتى ال تلومين��ه ،فرمبا قال هذا ألن��ه وقع حتت تأثري اخل��وف ،وهذاً كثريا ما حيدث . ً أح��دا ،لكننى أريد أن أعرف منك أتعتقدي��ن أنن��ى ألومه على هذا ؟ أنا ال ألومأين أجد ابين “سالفا” اآلن ؟ وم��ا يدرين��ى ي��ا س��يدتى ؟ أي��ن ابن��ك اآلن ؟ أال ترى بنفس��ك أن ابن��ك ليس فىاملستشفى ؟ هل هذا يعنى أنه مل يقع حتت عجالت السيارة ؟ بالتأكيد مل حيدث له سوء ،وأعتقد إذا كان قد حدث له سوء كانوا سيأتونبه إىل هنا يف املستشفى . ثم وجهت والدة “سالفا” كالمها إىل “توليا” : 194
من زمن فات -الجزء الثانى
اص��غ ّ ْإىل ي��ا “توليا” ،قل ىل فقط متى تركت أنت و “س�لافا” منزل صديقكما ِ “جينيا” اليوم ؟ ً فأجابها توليا قائال : وهل أنا ذهبت اليوم عند “جينيا” ؟ أمل تذهب��ا إلي��ه ؟ فق��د اعتقدت بأن��ك ذهبت الي��وم يف الصباح مع “س�لافا” إىل“جينيا” ؟ ً كن��ت فعال أنوى الذه��اب إليه ،ولكن هذا مل حيدث ،بل فجأة وجدت نفس��ىهنا ! وه��ل تعتق��د أن “س�لافا” موجود عن��د “جيني��ا” اآلن ؟ أال تتذكر رق��م تليفون“جينيا” ؟ ال ،ال أتذكره .قالت املساعدة “سريافيما أندرييفنا” : ً حسنا ،من املمكن معرفة رقم التليفون من دليل التليفون هذا . وبسرعة أخذت والدة “سالفا” تبحث عن اسم “جينيا زايتسيف” من دليل التليفون واتصل��ت بالرقم ،ثم حتدثت مع ش��خص ،وقد اتضح أنه ابنها “س�لافا” فاطمأن قلبها وه��دأت ،وطلب��ت منه أثناء احلديث مع��ه العودة إىل املنزل ..ثم طلبت من املس��اعدة ً ً وكوبا من املاء . مهدئا “سريافيما أندرييفنا” أن حتضر هلا دوا ًء وعادت املساعدة تقول : اآلن جيب أن اتصل بوالدة “توليا” ،وإال سيصيبها الفزع من هول اخلرب .ولكن والدة سالفا قالت هلا : ال ،ال ،ال داعى لالتصال بها ،وإال سيصيبها الفزع من هول اخلرب . ماذا تقولني ؟ كيف أكون مصد ًرا خلوفها وفزعها ؟ إننى أعرف ما جيب ًعلى أن أفعله يف مثل هذه املواقف . َ أصطحب “توليا” إىل املنزل ،وعلى العموم ليس داع��ي إىل ذلك وم��ن األفضل أن ال ٍلديهم تليفون لالتصال بها . أخذت والدة “س�لافا” “توليا” من يديه ،وودعت املساعدة وخرجت من املستشفى وهى تصطحب “توليا” وأخذت تسأله : قص على ما األسباب التى أدت إىل دخولك هذه املستشفى .195
قصص وحكايات للبنين والبنات
ً صباحا إىل سالفا . أخذ توليا يقص عليها ما حدث له بالتفصيل ..كيف توجه ثم عاد أدراجه ألن ً ً وقطعا هذا فأل سيء ولذلك تأخر قطا قد قطع الطريق أثناء سريه ، عل��ى س�لافا ومل يلحق به باملنزل ،ث��م توجه إىل منزل “جيني��ا” ،لكنه فى الطريق إىل جيني��ا لع��ب بدراجة بعض الصبي��ة ،وكيف وقع فى صن��دوق القمامة ،وبعد ذلك لعب بالكرة الطائرة مع بعض األوالد من أقرانه ،وكسر بالكرة زجاج إحدى النوافذ ،وعلى أثر ذلك أمس��كت به سيدة عجوز -صاحبة الزجاج املكسور -والتى حاولت أن تذهب به إىل قسم الشرطة ،إال أنه استطاع الفرار منها وجرى عرب الطريق وكادت السيارات أن تصدمه .بعد ذلك محلوه إىل املستشفى ،حيث حقنوه حبقنة التيتانوس . مل تستطع والدة “سالفا” االنقطاع عن الضحك ملا حيكيه “توليا” وقالت له : يالك من إنس��ان غريب ! أود أن تقول ىل بصراحة ،ماذا كان س��يحدث لك إذا ملتهتم مبرور القط أمامك ومضيت ً هادئا فى طريقك ؟ فأجاب “توليا” : ما الذى كان سيحدث؟ أعتقد أنه لن حيدث ىل سوء ...وأن كل شيء سيكونعلى ما يرام ،وكنت قد حلقت بسالفا باملنزل ولعبنا ً معا الشطرنج وما كنت ذهبت إىلجينيا وما كسرت الزجاج وما وقعت فى يد العجوز أو ارتطمت بى السيارة. أال ت��رى أن كل م��ا ح��دث ل��ك كان نتيج��ة إميان��ك باخلراف��ات وتصديق��كالتفاهات؟ وما معنى كلمة خرافات هذه؟ أال تعرف معنى خرافات؟ -وهنا ضحكت والدة “س�لافا” -سأحاول قدر املستطاعً ً جاهال، بدائيا ، أن أش��رح لك هذا .أنت تعلم علم اليقني أن اإلنس��ان فى فرتة م��اكان ومل يك��ن حكم��ه صائ ًبا لكث�ير من األمور الت��ى حتدث حوله ،ألنه مل يس��تطع أن يفسرأس��باب ذل��ك ...مثال ذلك :حينما كان حيدث خس��وف الش��مس مل يكن اإلنس��ان يس��تطيع أن يفس��ر تلك الظاهرة التى حتدث فجاة ،بل كان ينتابه الفزع وتصور أن مصيبة ما سوف حتل به ،كما اعتقد ً أيضا أنه إذا سار فى طريق ما ،وعرب ً راكضا فهذا يعنى الفأل السىء ونذير بالفشل واإلخفاق ....لكن قط أمامه الطريق بعدها ّ ً تعلم اإلنس��ان وأخذ يفس��ر ويعلل مس��تعينا بالعقل والعلم ،عرف الكثري . فنحن اآلن نعلم ً متاما بأن ظاهرة خسوف الشمس حتدث نتيجة حجب القمر ألشعة ً ً الش��مس ،وأن هذا بالطبع اليضر أحدا ،وأيضا ماذا يضري اإلنس��ان إذا عرب قط أمامه الطريق . 196
من زمن فات -الجزء الثانى
فأجاب “توليا”: ًحقا ،ماذا ميكن أن حيدث ؟ ال ش��ي َء باملرة .فاإلنس��ان يس�ير فى طريقه كما يشاء ،وكذلك يركض القط كما يشاء فى طريقه . ثم قالت والدة “سالفا”: ً حس��نا ،إن��ك أدركت ذلك اآلن ي��ا “ توليا “ ،ولكن الش��يء احملزن عندما تعوق اإلنس��ان عن العمل خرافة م��ن اخلرافات كحادثة القط الذى ع�بر الطريق أمامك . ً ً ً عزي��زا عليك قد وقع له حادث وأس��رعت أنت لنجدته صديقا مث�لا أن لديك ختي��ل ً وف��ى الطريق إليه عرب أمامك قط ما ماذا تفعل ؟ ه��ل تتوقف وتعود أدراجك بدال من أن تنقذه وتأخذ بيديه ؟ بالطبع لن أتوقف ،بل سأواصل الطريق كى أنقذ صديقى . أحسنت يا “توليا” ،على اإلنسان أن يفعل ما ميليه الواجب عليه وليس ما ميليهً صباحا إىل “سالفا” عليه قط أو أمر تافه من هذا القبيل .ها أنت قررت أن تذهب اليوم ألن��ك كنت قد وعدته باللق��اء .وهذا يعنى أن من واجب��ك أن تذهب إليه فى املوعد احملدد ،ولكنك بس��بب قط تافه أخذت تسري بال هدف وتتسكع فى الشوارع ،وفى النهاية كادت تدهمك إحدى السيارات . عجي��ب ً حقا ع��امل األطفال ه��ذا !! .ففى الوق��ت الذى أحرز في��ه العلم جناحات عظيمة ،واستطاع العلماء أن يطلقوا الصواريخ من األرض إىل القمر والكواكب األخ��رى بدقة متناهية .كما اس��تطاع اإلنس��ان ً أيضا أن يق��وم برحالت متعددة إىل الفضاء جند أنه مازال بيننا أطفال يعتقدون فى خرافات تافهة ال أس��اس هلا من الصح��ة ،كالتش��اؤم من ذل��ك القط الذى ع�بر الطريق أثناء سريك . فى الوقت الذى كانت والدة “سالفا” تشرح “لتوليا” عن خطأ االعتقاد فى هذه اخلرافات وجدا نفس��هما ق��د وصال بالق��رب م��ن الش��ارع الذى يقط��ن فيه “توليا” .وهنا توقف “توليا” وقال لوالدة “سالفا”: أرجوك أال ترافقينى إىل منزىل ودعينى أصلإىل هناك مبفردى . وافقت والدة “سالفا” على ذلك قائلة : ً حسنا يا “توليا” ،هذا ماكنت أتوقعه . 197
قصص وحكايات للبنين والبنات
أسرع “توليا” إىل منزله خبطوات واسعة وهو يقول فى نفسه : ً محدا هلل فإن ي��ا هل��ا من محاقة ق��د ارتكبتها نتيجة اعتقادى فى اخلراف��ات .كل شيء قد انتهى على خري .لكن احلالة كانت ستزداد سو ًءا لو مل يستطع سائق السيارة التحكم فى فراملها فى الوقت املناسب . فج��أة توقف احلوار الذى كان يدور بينه وبني نفس��ه وذل��ك عندما ظهر قط بنى اللون قد خرج من أحد املنازل ،وكان قد فرد ذيله كاملاسورة وعرب الطريق بسرعة فارتع��د “توليا” من املفاجأة وتس��مر فى مكانه وأخذ “توليا” يفكر ويس��تعيد ما حدث له منذ الصباح ويقول فى نفسه : مل حيالفنى احلظ منذ الصباح ويبدو أن س��وء احلظ س��يالزمنى ط��وال اليوم ،يالألس��ف ،ماذا أنا بفاع��ل اآلن ؟ .ماذا إذا تراجعت وغ�يرت طريقى كما فعلت صباح اليوم ً قطعا سأتعرض ألشياء سيئة .إما أن أسقط فى صندوق القمامة أو يسقط فوق ً ً رأسى مثال قالب من الطوب وبذلك لن أعود إىل املنزل أبدا . أخ��ذ “توليا” ينظ��ر حوله فى مجيع االجتاهات وهو فى ح�يرة من أمره ثم قال فى نفسه : ْ ال ،لن أتراجع ،لقد حان الوقت أن القرار النهائى بهذا الش��ان َ .من أكون ؟ إنس��انأنا أم لس��ت بإنس��ان؟ نعم إننى إنس��ان ،إننى كائن حى ميتاز عن الكائنات األخرى بعقله والشعور بالفخر ....فاإلنسان استطاع أن يطلق الصواريخ فى الفضاء ّ وسخر له الطاقة النووية خلدمة اإلنس��ان واخرتع احلاس��ب اآلىل .فلذا جيب على اإلنس��ان أال يرتب��ط باخلراف��ات واخلزعبالت وخياف من قط ،بل جيب علي��ه أن يفعل مبا ميليه علي��ه الواجب .وماذا ميليه ً على الواجب ؟ على بأن أواصل الطريق للذهاب إىل املنزل ألتناول طعامى ،ألن أمى ستكون فى انتظارى بقلق شديد لتأخريى . كم��ا توقع “توليا” كانت والدته تقف فى حرية وقلق على ناصية الش��ارع وهى تراق��ب ابنها من بعيد وقد انتابها الفزع خش��ية أن يكون قد حدث له مكروه لقد رأت��ه وقد وقف بعض الوقت وس��ط الرصيف وهو فى حرية من أم��ره ،وفجأة َّ لو َح بيده ً ً ضاربا عرض احلائط ً ً كاسرا خلفه حائط نش��يطا إىل األمام رافعا رأس��ه فخو ًرا وسار اخلوف .
198
الفهرس رقم الصفحة
العنـــــوان تلستوى :أديب يدعو لعودة القيم اإلنسانية إلى مكانتها “بقلم د .حسين ليف نيكاليفتش تلستوى وعالم الطفل
الشافعى”..............
5
..................................................................................
7
الجزء األول : السعاده أم المال الحرب أم السلم ....................................................................................................... الثوب الملكي الجديد ............................................................................................... حورية البحر واللؤلؤة ............................................................................................ الشقيقان .................................................................................................................. طفل لقيط ................................................................................................................ األمير وصديقاه التاجر والفالح .............................................................................. التاجران ................................................................................................................. سبب الشر في الدنيا ................................................................................................ الرفيقان .................................................................................................................. الغراب والثعلب ...................................................................................................... األسد والفأر .......................................................................................................... البعوضة واألسد ..................................................................................................... الذئب والسيدة العجوز ............................................................................................. الوزير عبد اهلل ........................................................................................................ األسقف واللص ....................................................................................................... الكذاب .................................................................................................................... الحظ ....................................................................................................................... القاضي العادل ........................................................................................................ القيصر والصقر ..................................................................................................... القيصر والقميص ................................................................................................... القيصر بطرس األول والفالح البسيط ..................................................................... نواة البرقوق ........................................................................................................... الجد العجوز والحفيد ............................................................................................... األسد والكلب .......................................................................................................... القطة الصغيرة ....................................................................................................... البقرة ...................................................................................................................... حبة القمح التى في حجم بيضة الدجاج .................................................................... الفالح وعروس البحر .............................................................................................. اختفاء حقيبة نقود التاجر الثرى ............................................................................... اهلل يمهل وال يهمل ........................................................................................................................................................................................................
19 20 21 23 24 26 27 32 34 37 38 39 40 41 42 43 46 47 48 52 54 56 59 60 61 63 65 68 72 74 75
تابع الفهرس رقم الصفحة
العنـــــوان الجزء الثاني : * قنسطنطين ديميترفيتش أوشينسكى : الحصان األعمى حكمة الصبر .......................................................................................................... الرياح والشمس ..................................................................................................... الماعزان ............................................................................................................... الثعلب والماعز ....................................................................................................... األطفال في الغابة الصغيرة ..................................................................................... الصقر والقطة ....................................................................................................... -البيضة الغريبة .......................................................................................................
87 88 92 94 95 96 97 100 101
* قصص شعبية روسية : الصديقان الماء أصل الحياة .................................................................................................. السجادة الزرقاء .................................................................................................... طائر الوقواق ......................................................................................................... العدالة ................................................................................................................... الصداقة ................................................................................................................ حكاية الذئب المكار ................................................................................................ راعى الغنم الحكيم ................................................................................................ الرجل الكريم وصاحبه البخيل ................................................................................ حكاية جميلة ..الفتاة اليتيمة .................................................................................... قصة الثعلب المكار والثعبان األنانى ....................................................................... -سر الشباب .............................................................................................................
103 104 108 109 117 119 121 124 127 130 133 137 139
................................................................................
...................................................................................................
....................................................................................................
................................................................................................................
* ثالث حكايات من بلد األهرامات لألديبة الروسية “صامويال فينجاربت” : الحكاية األولى الساحر جيدى الحكاية الثانية المالح والثعبان ................................................................................ الحكاية الثالثة كيف كافأ فرعون جنده الشجاع ..............................................................................
..................................................................................
* توليا كليوكيفن لألديب الروسي نيكاالى نوسف : -مغامرات توليا كليوكيفن
................................................................
.........................................................................................
142 144 154 162 170 171
السرية الذاتية
د .محمد عباس محمد
من مواليد القاهرة. أستاذ متفرغ بقسم اللغات السالفية ،ووكيل كلية األلسن األسبق – جامعة عنيشمس. له العديد من من املؤلفات ،والترجمات ،واملقاالت باللغتني العربية والروسية: •«بني روسيا والشرق العربى» ،الهيئة العامة لقصور الثقافة ،القاهرة. مشاركة. •إعادة إصدار ترجمة كتاب «اإلسالم بني احلقيقة واإلدعاء» ،القاهرة .مشاركة. •من معجزات القرآن الكرمي ،القاهرة. •إميان رائد الفضاء األمريكى نيل ارمستروجن باملعجزات اإللهية ،القاهرة. •«قصص وحكايات للبنني والبنات» ،الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة. مشاركة. •ترجمة كتاب «عالقة اإلسالم باالديان األخرى» ،القاهرة .مشاركة. •فى ذكرى أمير الشعراء الروسى الكسندر بوشكن وقصيدته «محاكاة القرآن»، القاهرة. •مشكلة عالم األطفال والكبار فى القصص القصيرة عند كل من األديب الروسى أ .تشييخف واألديب املصرى يوسف إدريس ،موسكو( .باللغة الروسية). •األطفال فى القصة القصيرة عند أنطون تشييخف ويوسف إدريس ،القاهرة. •«مشكلة األخالق» فى رواية « الشاطئ » للكاتب يورى بوندريف ،وقصة «عش وتذكر» فالنبني راسبوتني ،القاهرة( .باللغة الروسية). •املؤثرات اإلسالمية فى الشعر الروسى فى القرن التاسع عشر ،القاهرة. •مسؤولية مصير اإلنسان والعالم فى رواية «يوم أطول من مائة عام» للكاتب السوفيتى جنكيز أيتماتف ،موسكو( .باللغة الروسية). •خصائص الرواية التاريخية « ابنة اململوك » للكاتب محمد أبو فريد أبو حديد ، موسكو( .باللغة الروسية).
السرية الذاتية
د .ناديه إمام أحمد سلطان
من مواليد االسكندرية. أستاذ متفرغ ،ورئيس مجلس اللغات السالفية األسبق ،كلية األلسن ،جامعة عنيشمس ،ورئيس مجلس قسم اللغة الروسية األسبق ،كلية السياحة والفنادق ،جامعة القاهرة ،فرع الفيوم . لها العديد من من املؤلفات ،والترجمات ،واملقاالت باللغتني العربية والروسية: •«بني روسيا والشرق العربى» ،الهيئة العامة لقصور الثقافة ،القاهرة. مشاركة. •إعداد كتاب بعنوان «أنطون تشييخف بعيون مصرية» ،القاهرة. •اعادة إصدار ترجمة كتاب «اإلسالم بني احلقيقة واالدعاء» ،القاهرة .مشاركة. •ودا ًعا فارس الرواية العربية قبل وبعد جائزة نوبل ،القاهرة. •«قصص وحكايات للبنني والبنات» ،الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة. مشاركة. •ترجمة كتاب «عالقة اإلسالم باألديان األخرى» ،القاهرة .مشاركة. •إعداد كتاب بعنوان «من كاتب هزلى إلى أديب يحتل القمة» ،يتضمن احملاضرات التى ألقاها البروفيسور ف .ب .كاتايف فى الفترة من 01 - 3مارس بكلية األلسن ،القاهرة( .باللغة الروسية) •فى األدب الروسى: حرب روسيا ضد نابليون وتطور األدب الروسى . بوشكن بداية البدايات. -بيلينسكى ...كفاح ثورى ونقد أدبى .
داستايفسكى وتالستوى وتشييخف...ثالوث النهضة األدبية ،الشارقة. •املؤثرات الشرقية فى مؤلفات الكتاب الروس فى القرن التاسع عشر ،موسكو. (باللغة الروسية) •تصوير الفالحني فى مؤلفات أ .ب .تشييخف ،القاهرة( .باللغة الروسية) •انعكاس املشاكل األخالقية فى رواية «آنا كارينينا» للكاتب الروسى ل .تلستوى، القاهرة( .باللغة الروسية) •مشكلة الرواية املعاصرة دراسة حتليلية لروايتى «الشاطئ» و « االختيار» للكاتب الروسى يورى بوندريف ،القاهرة( .باللغة الروسية) •أهمية النصوص األدبية فى تدريس اللغة الروسية كلغة أجنبية ،موسكو.
السرية الذاتية
د .حسـني الشـافعى
•من مواليد القاهرة أكتوبر 1957 •بكالوريوس هندسة املطرية -جامعة حلوان 1982 - •ماجستير الهندسة -معهد بوليتيكنيك ليننجراد 1988 - •دكتوراة الهندسة -معهد الطاقة مبوسكو 1991 - •دكتوراة العلوم -األكادميية األوروبية للمعلومات ببلجيكا 2003 -
يرأس حترير مجلة «أنباء روسيا» -منذ ، 2006عالوة على رئاسة حترير كل من مجلة«الفضاء الروسي» ،و «كازاخستان اليوم» . يرعى مشرو ًعا جلمع اخملطوطات العربية ببلدان االحتاد السوفيتى السابق . أصدر عشرات من الكتب األدبية ،والفنية املترجمة عن أدباء سوفيت وروس للعربية. ترجم أكثر من مائة كتاب من اللغات الروسية واألوكرانية إلى اإلجنليزية في موضوعـات«علوم وتكنولوجيا وتطبيقات الفضاء» و «املواد والتكنولوجيات اجلديدة». يعمل مستش��ارًا لوكالة الفضاء الروس��ية للشرق األوس��ط ،ولعديد من املؤسساتالصناعية الروس��ية -األوكرانية -البيلالروس��ية -وغيرها ،ويشارك في عدد من املشروعات اإلستراتيجية لهذه البلدان بالشرق األوسط .
دار نشر .....أنباء روسيا
رئيس مجلس االدارة ورئيس التحرير
د .حســـين الشـــافعى
للمراسالت : القاهرة -مدينة العبور 44971مكتب بريد جمعية أحمد عرابي ص .ب 72 . Tel. - Fax: + ( 202 ) 24 77 38 70 - 71 E-mail : h.elshafie57@mail.ru