قصص و حكايات للبنين و البنات من زمن فات

Page 1



‫الناشر‬

‫رئيس جملس اإلدارة ورئيس التحرير‬

‫د‪ .‬حســـني الشــــــافعي‬ ‫‪h.elshafie57@mail.ru‬‬

‫المراسالت‬ ‫القاهرة – مدينة العبور‬ ‫‪ 44971‬مكتب بريد مجعية أمحد عرابي‬ ‫ص‪ .‬ب ‪72 .‬‬

‫‪Tel. & Fax: + (202) 24 77 38 70 & 71‬‬ ‫‪E-mail: secertary_ert@yahoo.com‬‬ ‫ترمجة‬ ‫د‪ .‬حممد عباس حممد‬ ‫د‪ .‬نادية إمام سلطان‬ ‫رسوم‬ ‫سها سليمان على‬ ‫التصحيح واملراجعة‬ ‫حامد أمحد حممد‬ ‫اإلخراج الفنى‬ ‫مــى جمدى‬ ‫حترير‬ ‫شيماء حممد شعبان‬

‫الطباعة‬

‫دار الطباعة املتميزة‬ ‫مدينة العبور – القاهرة‬

‫‪Tel. & Fax: + (202) 4478 96 44 & 46‬‬ ‫الطبعة األوىل‬ ‫‪2015‬‬ ‫مجي��ع حق��وق الطب��ع والنش��ر‬ ‫حمفوظة للناشر ‪.‬‬ ‫ال حي��ق إع��ادة طبع أو نس��خ حمتويات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضوئي��ا‬ ‫إلكرتوني��ا أو‬ ‫ه��ذا الكت��اب‬ ‫دومنا ٌ‬ ‫إذن كتابي من الناشر ‪.‬‬

‫رقم اإليداع‬ ‫‪2014 - 16099‬‬

‫بالتعاون مع‬ ‫املؤسسة املصرية الروسية للثقافة والعلوم‬ ‫رئيس مجلس األمناء‬ ‫ا‪ .‬د‪ .‬فيتالى ناؤمكني‬

‫رئيس مجلس اإلدارة‬ ‫د‪ .‬حسني الشافعى‬


‫سلسلة األدب الروسي ‪1‬‬

‫قصص وحكايات‬ ‫للبنني والبنات‬

‫مـن زمـن فــــات‬ ‫تلستوى وآخرون‬ ‫ليف َ َ ْ‬

‫ترجمة‬ ‫د‪ .‬محمد عباس محمد‬

‫د‪ .‬نادية إمام سلطان‬



‫مقدمه‬ ‫تلستوى ‪ :‬أديب يدعو لعودة القيم اإلنسانية إىل مكانتها‬ ‫يطرق هذا الكتا ًبا با ًبا من األدب الروسى مل حيظ مبا يليق به من إهتمام ‪.‬‬ ‫الكل يعرف تلستوى عميد األدب الروسى ‪ ،‬الذى صاغ بقلمه عذابات النفس البشرية ‪ ،‬ومعاناة‬ ‫ً‬ ‫منوذجا لتفاعل األديب مع واقعه بتنازله عن حقوقه فى األرض‬ ‫بسطائها فضربت شهرته اآلفاق ‪ ،‬وقدم‬ ‫التى ميلكها لفاحليها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الكل يعرف تلستوى ‪ ،‬وقد كان عنيدا فى موقفه من الكنيسة التى « يتاجر بها رجاهلا » ‪ ،‬كما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بديال للعنف واحلرب ‪ ،‬فقد كان ً‬ ‫أخالقيا‪.‬‬ ‫ومفكرا‬ ‫ومصلحا وداعية سالم‬ ‫روائيا‬ ‫مبشرا بالسالم‬ ‫كان‬ ‫الكل يعرف تلستوى وقد ترك للبشرية أعماله اخلالدة ! «احلرب والسالم» ‪ ،‬و«آنا كارنينا» ‪،‬‬ ‫وملحمته الذاتية «الطفولة والصبا والشباب» ‪ ،‬و «احلاج مراد» ‪ ،‬ومسرحياته «قوة الظالم» و «اجلثة‬ ‫احلية» وغريهم ‪.‬‬ ‫الكل يعرف تلستوى وقد كان كتابه «مملكة الرب بداخلك» هو العمل الذى رفع راية املقاومة‬ ‫السليمة النابذة للعنف ‪ ،‬والذى إختذه مشاهري القرن العشرين ‪« :‬املهامتا غاندى» و «مارتن لوثر كينج»‬ ‫ً‬ ‫هاديا هلما فى جهادهما السلمى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لكن ما قد ال يعرفه الكثريين أن تلستوى ‪ ،‬والذى يبدو ً‬ ‫ً‬ ‫منتصرا‬ ‫زاهدا باحلياة ‪ ،‬عازفا عن ترفها ‪،‬‬ ‫لضعفائها كان ميلك قلب شاب وعقله حتى الرمق األخري من حياته ‪ ،‬وهذا ما نسعى هنا لتأكيده ‪.‬‬ ‫لقد ساهم ليف تلستوى بكتاباته وقصصه فى نشر الكثري من التعابري واألمثال واحلكم ‪ ،‬نفذ‬ ‫من خالهلا لعقول الشباب واألطفال ليغرس فيهم ً‬ ‫قيما أخالقية سامية من احلب والعمل والطيبة واجلد‬ ‫والعزة والكرامة واألمانة ‪ .‬صاغ تلستوى كل هذه القيم فى حكاياته الواقعية وأساطريه الشعبية ‪،‬‬ ‫فكشف عن اجلانب الرتبوى فى رسالته ‪.‬‬ ‫زمن فات»‬ ‫سلسلة األدب الروسى وهى تصدر أوىل إصداراتها « قصص وحكايات للبنني والبنات من ٍ‬ ‫لعميد األدب الروسى الكالسيكى ليف تلستوى ‪ ،‬تعتز مبا حتمله هذه القصص من قيم ومعان‬ ‫تربوية جليلة ‪ ،‬وقد عمل الدكتور حممد عباس والدكتورة نادية سلطان – أستاذا األدب الروسى‬ ‫املقارن بكلية األلسن العريقة ‪ -‬على ترمجته بروح راقية وبدأب وروية فى رسالة يقدماها لبناتنا‬ ‫وأبنائنا ‪ ،‬كم حنن حباجة إليها وقد عمل كثريين على زرع روح الالمباالة واألنانية فى عقول البنات‬ ‫ً‬ ‫فسادا ‪.‬‬ ‫واألبناء لنحصد خالل السنوات الكئيبة املاضية ما بذره من عاث فى األرض‬ ‫لكن اإلرادة القوية للشعب مل ختضع ‪ ،‬ومل ختنع فكانت ثورتيها ‪ ،‬وعمل جمتمعى دوؤب يسعى‬ ‫لكى يعيد للقيم مكانتها ‪ ،‬وللكرامة قدرها ‪ ،‬وللحب والسالم مسوهما ‪.‬‬ ‫تصدر سلسلة األدب الروسى بالتعاون مع املؤسسة املصرية الروسية للثقافة والعلوم ‪ ،‬وهى التى‬ ‫تعمل على جتديد التواصل مع األدب الروسى الكالسيكى وقراؤه العرب ‪.‬‬ ‫د‪ .‬حســني الشــافعى‬ ‫رئيس املؤسسة املصرية الروسية للثقافة والعلوم‬ ‫رئيس مجلس إدارة ورئيس حترير « أنباء روسيا »‬ ‫‪5‬‬



‫مقدمه‬ ‫ليف نيكاليفتش َتَل ْس ُتوى وعامل الطفل‬ ‫كان وال يزال أدب الطفل موضع اهتمام كثري من املؤلفني والباحثني خاصة فى‬ ‫اآلون��ة األخ�يرة ؛ ألن كتاب الطفل ‪ - ،‬كما هو مع��روف ‪ -‬يدخل فى جمال العملية‬ ‫الرتبوي��ة والتعليمية ‪ ،‬وميثل أحد اجلوان��ب املهمة فى مراحل تربية الطفل ‪ ،‬كما‬ ‫أنه جيسد أحد روافد املعرفة لتزويد الطفل باملعلومات ‪.‬‬ ‫ومم��ا ال ش��ك فيه أن من أهم مس��ات أدب األطفال أنه س��هل االس��تيعاب ليس فقط‬ ‫بالنس��بة للطف��ل الكبري ‪ ،‬ب��ل وللصغري ً‬ ‫ً‬ ‫كثريا من خمتلف ش��رائح‬ ‫أيضا ‪ .‬ل��ذا فإن‬ ‫اجملتم��ع تقبل عل��ى قراءته ‪ .‬وحن��ن على يقني تام ب��أن أدب األطف��ال يقدم للجيل‬ ‫اجلدي��د الصاعد فوائد مَ ّ‬ ‫ج��ة ‪ ،‬إذ إنه حيمل بني طياته العديد م��ن القيم الدينية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وكثريا من أس��رار‬ ‫واألس��س األخالقي��ة ‪ ،‬واملب��ادىء الراس��خة فى وجدان اإلنس��انية‬ ‫العل��وم‪ ،‬ومنابع املعرف��ة ‪ ،‬ونفحات عطرة من عب��ق احلضارات ‪ ،‬والثقافات اإلنس��انية‬ ‫املختلف��ة عرب التاريخ ‪ ،‬ويكش��ف عن أهمي��ة الفنون املختلفة لتنمية اإلحس��اس‬ ‫باجلمال والذوق الرفيع الذى ينمى اجلانب الوجدانى فى حتديد مالمح الش��خصية‬ ‫وطاب��ع اهلوية ‪ .‬من ه��ذا املنطلق اكتس��بت األحباث اخلاصة ب��أدب األطفال أهمية‬ ‫كربى ‪.‬‬ ‫رغ��م م��رور أكثر م��ن مائة ع��ام عل��ى وفاة األدي��ب واملفك��ر والفليس��وف ليف‬ ‫نيكاليفت��ش َت َل ْس ُ‬ ‫��توى (‪ ، )1910 – 1828‬إال أن مؤلفات��ه األدبية وآرا ًء ُه الفلس��فية‬ ‫ُتعد األوس��ع قراءة فى مجيع أحناء العامل ‪ ،‬ومازالت حتظى بدراسات عديدة متنوعة‬ ‫فى روسيا وخارجها‪ ،‬فهو أسطورة حية ‪ ،‬وكاتب متعدد املواهب ‪ ،‬ملا قدمه لإلنسانية‬ ‫من تراث أدبى ضخم ليس فقط من كنوز األدب الروسى فحسب ‪ ،‬بل والعاملى ‪.‬‬ ‫ُعرف ل‪َ .‬ت َل ْس ُتوى فى مصر ‪ ،‬والعامل العربى بأنه روائى قدير فذ قام بتأليف العديد‬ ‫من القصص والروايات واملسرحيات ‪ .‬ففى بداية حياته األدبية كتب الثالثية التى‬ ‫تعكس سريته الذاتية فى أسلوب روائى متميز ‪ ،‬حيث تتناول جز ًءا من حياته ‪ ،‬قام‬ ‫‪7‬‬


‫فيه��ا بتحليل عامل الطفل الداخل��ى بصدق ومهارة فنية ‪ ،‬وألق��ى الضوء على ضرورة‬ ‫التعام��ل مع��ه باهتمام وحرص واح�ترام عقله ‪ .‬وتتكون الثالثية م��ن ‪“ :‬الطفولة”‬ ‫(‪“ ، )1852‬الصبا” (‪“ ، )1854‬الشباب” ( ‪. )1857‬‬ ‫انض��م ليف َت َل ْس ُ‬ ‫َ‬ ‫��توى كضابط متط��وع إىل صفوف اجليش الروس��ى النظامى عام‬ ‫‪ 1851‬واش�ترك فى حرب القرم بني روس��يا وتركيا (‪ )1854‬إبان الدفاع عن مدينة‬ ‫ً‬ ‫حس��نا فى الزود عن وطنه ‪ ،‬وعلى أثر ذلك ُمنح العديد من‬ ‫“سيفاس��توبل” وأظهر بال ًء‬ ‫األومسة لبسالته وشجاعته ‪.‬‬ ‫وف��ى هذه الفرتة كتب ع��دة قصص بعنوان “ قصص سيفاس��توبل” (‪، )1856 – 1855‬‬ ‫والتى َّ‬ ‫ص��ور فيها األحداث التارخيية أثناء هذه الفرتة متضمنة بش��اعة وآالم ومعاناة‬ ‫اإلنس��ان ف��ى احلرب ‪ ،‬كم��ا صور بس��الة اجلندى الروس��ى البس��يط ‪ ،‬ال��ذى يضحى‬ ‫ً‬ ‫مؤمنا ب��أن هذا واجبه املقدس ‪ ،‬دون التباه��ى بأنه يقوم بأعمال‬ ‫حبيات��ه فدا ًء للوطن ‪،‬‬ ‫بطولية ؛ هذه القصص هى ‪“ :‬سيفاس��توبل فى ديس��مرب” ‪ “ ،‬سيفاس��توبل فى مايو” ‪،‬‬ ‫“سيفاستوبل فى أغسطس” ‪ -‬التى متثل فيما بعد النواة األوىل واحلقيقية للملحمة‬ ‫الرائع��ة لرواي��ة “احل��رب والس�لام” (‪ )1869 - 1863‬والذى َّ‬ ‫صور فيه��ا األديب العديد‬ ‫م��ن األح��داث التارخيية كحمل��ة “نابليون بونابرت” ضد روس��يا ع��ام ‪ ،1812‬وأبرز‬ ‫الش��خصيات التارخيية ‪ :‬القائد العس��كرى الروس��ى “ميخائيل كوتوزف” (‪– 1745‬‬ ‫‪ ،)1813‬واإلمرباطور الروسى ألكسندر األول (‪ ، )1825 – 1777‬واإلمرباطور الفرنسى‬ ‫نابلي��ون بوناب��رت (‪ . )1821-1769‬وعل��ى هذه اخللفية جيس��د حياة الس��لم واحلرب‬ ‫لعديد من األش��خاص ‪ ،‬بلغ عددها مخس��مائة ش��خصية تقري ًبا ‪ .‬ث��م كتب رواية‬ ‫“آنا كارينينا” (‪ )1877 - 1873‬التى تناقش قضايا أسرية واجتماعية مازالت وال تزال‬ ‫تناقش ليس فى روس��يا فحس��ب ‪ ،‬بل وف��ى العامل أمجع ‪ .‬ويتناول ف��ى روايته “البعث”‬ ‫(‪ )1899 – 1889‬موضوعات أخالقية ودينية وفلس��فية ‪ ،‬حيث أكد فيها إمكانية‬ ‫تطه�ير النفس البش��رية بعمل اخلري ونبذ الش��ر ‪ .‬أما فى قصة “بع��د احلفل الراقص”‬ ‫(‪ )1903‬التى يعكس فيها املؤلف غيض من فيض لكثري من اإلبداع املتميز والفكر‬ ‫املبدع لألديب ‪ .‬فهى حادثة واقعية جرت مع شقيق الكاتب سريجى نيكاليفيتش‬ ‫ْ‬ ‫تلس ُتوى أيام الشباب فى أربعينيات القرن التاسع عشر فى عهد القيصر نيكالى األول‬ ‫(‪ )1855 – 1796‬والذى لقب ‪ “ -‬بنيكالى ذى العصا “ ‪ ، -‬الس��تبداده للش��عب الروس��ى‪،‬‬ ‫ولقمع��ه احل��ركات التحررية ف��ى “بولندا واجمل��ر” إذ كان يلعب دور “عس��كرى‬ ‫أوروب��ا” ‪ .‬فاس��تطاع الكاتب جبرأة أن يكش��ف ‪ ،‬ب��ل “ ينزع كل وش��تى األقنعة”‬ ‫لتناقضات اجملتمع الروسى فى هذه املرحلة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫باإلضافة إىل ما س��بق ُيعد ليف َت َل ْس ُ‬ ‫ً‬ ‫مس��رحيا رفيع املستوى ‪ ،‬فكتب‬ ‫��توى مؤلفا‬ ‫العدي��د من األعمال املس��رحية مثل ‪ “ :‬اجلثة احلية ”(‪( )1900‬مت نش��رها بعد وفاته‬ ‫(‪ “ ، )1911‬س��لطان الظ�لام” (‪“ ، )1886‬ثـم��ار التنوي��ر”(‪ ، )1890‬و “الضوء يس��طع فى‬ ‫‪8‬‬


‫الظالم” (‪. )1900 - 1890‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يش��عر املرء من��ذ اللحظة األوىل عند ق��راءة مؤلفات ل‪ .‬تل ْس��توى بإنس��انيته حنو‬ ‫اآلخري��ن ‪ ،‬وبتواضع��ه واحرتام��ه لآلخ��ر ‪ .‬فمن من��ا مل يلحظ واقعيت��ه ‪ ،‬ومل يعرف‬ ‫حبه وتقديره وجديته فى العمل ‪...‬؟ ومن منا مل يسمع عن فلسفته التى تدعو إىل‬ ‫نب��ذ احلروب ‪ ،‬والدعوة إىل الس�لام العاملى ‪ ،‬وأن يس��ود احلب ب�ين اجلميع إىل جانب‬ ‫تس��احمه ‪“ ،‬وعدم مواجهة الشر بالعنف”‪...‬؟ إنه أحد عمالقة األدب الذهبى الروسى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جمل��دا ‪ ،‬تضم ب�ين طياتها إبداعات��ه األدبية ‪،‬‬ ‫ال��ذى خل��ف وراءه أكثر من تس��ـعني‬ ‫ومعتقداته الفلسفية ‪ ،‬ومقاالته الثرية ‪ ،‬حيث اهتم فيها باملشـكالت الفكرية ‪،‬‬ ‫واالجتماعية ‪ ،‬والدينية ‪ ،‬والسياسية ‪ ،‬والفنية ‪.‬‬ ‫ول��د ل ‪َ .‬ت َل ْس ُ‬ ‫��توى ع��ام ‪ 1828‬ف��ى ضيعة ميتلكه��ا والداه ف��ى “ياس��نايا باليانا”‬ ‫ً‬ ‫مبقاطعة توال‪ ،‬والتى تبعد عن موسكو ‪ 200‬كيلومرتا تقري ًبا‪ .‬توفيت والدته وهو‬ ‫فى الثانية من عمره ‪ ،‬ومات والده وهو ابن التاس��عة ‪ .‬تكفلت تاتيانا يرجولسكيا‬ ‫ إح��دى قريب��ات العائل��ة ‪ -‬برتبية وعناي��ة الطفل ليف َت َل ْس ُ‬‫��توى وأش��قائه الثالثة‬ ‫ني��كالى ( ‪ ،)1860 - 1823‬س�يرجى (‪ ، )1904 – 1826‬دميي�ترى (‪، )1856 - 1827‬‬ ‫ً‬ ‫وأخريا األخت ماريا (‪ )1912 – 1830‬التى مسيت باسم والدتها ‪ ،‬التى توفيت بعد والدة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ابنتها بش��هور قليلة ‪ .‬وبعد أن توفيت األم ‪ ،‬تقدم والد ليف تل ْستوى للزواج من “تاتيانا‬ ‫يرجولسكيا” ‪ ،‬ولكنها رفضت عرضه وفاء منها لزوجته ماريا ‪ .‬تعلم الطفل باملنزل‬ ‫عل��ى يد مدرس�ين ومربني أجانب كما ه��و متبع بني عائالت النب�لاء ‪ .‬كان يلعب‬ ‫م��ع أقرانه وس��ط الطبيعة الروس��ية الغن��اء ذات الغابات الكثيف��ة املليئة مبختلف‬ ‫الثم��ار وبس��اتني الزهور متنوع��ة األلوان لعب��ة اخرتعها األطف��ال مع ليف َت َل ْس ُ‬ ‫��توى‬ ‫وأطلقوا عليها اس��م ‪ “ :‬العصا اخلضراء” كانوا خيفوه��ا فى األرض فى مكان بعيد‪،‬‬ ‫وم��ن يعثر عليها من األطفال يس��تطيع بها إس��عاد اآلخرين ‪ .‬هك��ذا كان يفكر‬ ‫الطفل وكاتب املس��تقبل املوهوب فى أن يس��عى للعثور عليها كى يس��عد الناس ‪.‬‬ ‫وكان ً‬ ‫دائما منذ صغره يفكر فى الفقر والثراء وأس��باب عدم املس��اواة بني البش��ر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كما كانت تس��يطر عليه فكرة إسعاد البشرية مجعاء ‪ .‬التحق ل‪ .‬تل ْستوى عام‬ ‫‪ 1844‬جبامعة “كازان” بكلية اللغات الش��رقية ‪ ،‬وس��رعان ما تركها ‪ ،‬ثم درس‬ ‫بكلي��ة احلق��وق ‪ ،‬إال أن نظ��ام التعليم فيها املبن��ى على التلقني وإلغ��اء التفكري مل‬ ‫يعجبه ‪ ،‬فرتك الدراس��ات القانونية باجلامعة ومل يكمل دراسته ‪ .‬عاد إىل ضيعته‬ ‫فى ياس��نايا باليانا – مسقط رأس��ه ‪ ،‬وأخذ يعمل جبد ومثابرة وإصرار ‪ ،‬يعلم نفسه‬ ‫بنفسه ‪ ،‬حيث كانت بضيعته مكتبة ضخمة بها العديد من الكتب فى خمتلف‬ ‫العلوم والفنون و اآلداب ‪ .‬وأخذ يدرس علوم القانون ‪ ،‬والطب ‪ ،‬والتاريخ ‪ ،‬واجلغرافيا ‪،‬‬ ‫والفلس��فة ‪ ،‬واالقتصاد ‪ ،‬والرياضيات ‪ ،‬وعلوم اإلحصاء ‪ ،‬ونظريات وتطبيقات العلوم‬ ‫الزراعي��ة ‪ ،‬وحق��ق درجة جي��دة بالتعرف على جماىل املوس��يقى والرس��م ‪ ....‬ودرس‬ ‫‪9‬‬


‫اللغ��ات األجنبية وتعلمها مثل ‪ :‬الفرنس��ية ‪ ،‬واألملاني��ة ‪ ،‬واإلجنليزية ‪ ،‬والالتينية ‪،‬‬ ‫واإليطالي��ة ‪ ،‬ومل يكتف بهذا ‪ ،‬بل آثر أن يس��اعد الفالح�ين وتوجيه عقول أبنائهم‬ ‫إىل التعليم ‪ .‬وبعد جمهود كبري ‪ ،‬وعناء شديد استطاع أن يزيل سوء املعاملة والفهم‬ ‫بني البس��طاء من الش��عب وبني نبالء اجملتمع الروس��ى ‪ ،‬وتغلب على عدم ثقة وش��ك‬ ‫الفالحني التى صنعتها القرون الس��ابقة جتاه طبقة النب�لاء والفالحني ‪ ،‬إذ مبوجب‬ ‫نظ��ام القنانة فى ه��ذه الفرتة فإن األثري��اء ميلكون األرض وم��ن عليها من فالحني‪.‬‬ ‫فانش��غل ل‪َ .‬ت َل ْس ُ‬ ‫��توى مبس��ألة النش��ىء ‪ ،‬خاص��ة أوالد الفالح�ين ‪ ،‬فانك��ب عل��ى‬ ‫تعليمه��م بنفس��ه ‪ .‬فها هو يفتتح فى عام ‪ 1849‬مدرس��ة فى ضيعته ياس��نايا باليانا‬ ‫ألبناء الفالحني والبسطاء من الشعب الروسى ‪ ،‬واستمر هذا النشاط الرتبوى التعليمى‬ ‫حتى نهاية حياته ‪ .‬بدأ ليف َت َل ْس ُتوى عمله الرتبوى باملدرسة ‪ ،‬وأراد أن يستخدم فيها‬ ‫طرق تعليمية جديدة ختتلف عن تلك املناهج والربامج الدراسية النمطية السائدة‬ ‫فى مدارس ذلك العصر ‪ .‬كان يتقرب إىل الفالحني وأوالدهم ويتعرف على عاداتهم‬ ‫وتقاليده��م ‪ ،‬وأمن��اط حياتهم الريفي��ة ‪ ،‬ولغتهم ‪ ،‬وأقواهلم وأمثاهل��م ‪ -‬كل ذلك قد‬ ‫أث��رى معرفت��ه بهم وتقربهم إليه حت��ى أصبحت مصد ًرا للعديد م��ن قصص األطفال‬ ‫الت��ى كتبه��ا فيما بعد ‪ .‬باإلضاف��ة إىل ذلك دعا طبقات اجملتم��ع الراقى إىل أن تغري‬ ‫من منط وأس��لوب حياتها وأن متارس حياة بس��يطة س��هلة مثلما يفعل البسطاء من‬ ‫الش��عب الروس��ى الكادحني ‪ ،‬فكان هو قدوة للنبالء النشطاء ‪ ،‬فال يتخيل حياته‬ ‫دون عمل جس��مانى إذ كان يقوم مبمارس��ة أعماله اليومية بنفسه ‪ -‬حيمل املياه ‪،‬‬ ‫خييط حذاءه ‪ ، -‬وفى الصيف حيرث وحيصد فى احلقول ‪.‬‬ ‫وف��ى عام ‪ 1851‬أغلقت املدرس��ة لس��فره إىل القوق��از ‪ ،‬ثم أعيد فتحه��ا عام ‪1856‬‬ ‫وواصل عمله الرتبوى فيها ‪ .‬وأصدر جملة حتمل اس��م “ياس��نايا باليانا” والتى كانت‬ ‫ً‬ ‫ش��هريا ‪ ،‬و كانت تناقش عل��ى صدر صفحاته��ا القضاي��ا التعليمية مبا فى‬ ‫تص��در‬ ‫ذل��ك دور املعلم الذى البد وأن يكون عل��ى عالقة طيبة ومحيمة بكل تلميذ مع‬ ‫ً‬ ‫إتقانا ً‬ ‫تاما ‪ .‬كذلك أصدر العديد من كتب األطفال‬ ‫ضرورة إتقان عملية التدريس‬ ‫ّ‬ ‫تتك��ون من أربعة كتب للق��راءة والتى‬ ‫مث��ل ‪“ :‬ح��روف اهلجاء” ع��ام ‪ ، 1872‬والتى‬ ‫ً‬ ‫تتناسب مع أعمار األطفال ‪ .‬وقد استغرق كتابتها ‪ 17‬عاما ‪ ،‬ويبلغ عدد القصص التى‬ ‫ً‬ ‫موضوعا عن العلوم الطبيعية‪.‬‬ ‫كتبه��ا حواىل ‪ 629‬قصة من بينها ما يقرب من ‪133‬‬ ‫والكتاب األول يتضمن حروف اهلجاء مبس��طة وتناس��ب املرحل��ة األوىل فى مادتى‬ ‫ً‬ ‫وقصصا‬ ‫القراءة واحلس��اب ‪ ،‬أما الكتب الثالثة التالية فتتضمن حكايات روس��ية‬ ‫ً‬ ‫ونصوصا ف��ى العلوم والتاري��خ واجلغرافيا والفيزي��اء ومالحظاته عن احلياة‬ ‫عاملي��ة‬

‫‪10‬‬


‫ً‬ ‫فضال عن ذلك تعليم اللغة األم ‪ -‬الروس��ية ‪ -‬والتذوق األدبى وأن‬ ‫والطبيعة الروس��ية ‪.‬‬ ‫تكون الدروس عملية وتدريبية فى مجيع مناحى املعرفة ‪ .‬وعن ذلك يقول األديب‬ ‫ف��ى مذكرات��ه ‪ “ :‬إن اهل��دف من الكتاب – يقص��د هنا كتاب “ ح��روف اهلجاء” –‬ ‫أن��ه خيدم التوجيه أثناء تدريس القراءة والكتابة ‪ ،‬وقواعد اللغة الس�لافية‪ ،‬وعلم‬ ‫ً‬ ‫ع��ددا من املقاالت‬ ‫احلس��اب ‪ ،‬للتالمي��ذ الروس فى مجيع األعم��ار والطبقات ‪ ،‬وتقدم‬ ‫اجلي��دة‪ ،‬مكتوبة بلغة جيدة”(‪ . )1‬واجلدير بالذكر أنه عند صدور هذا الكتاب‬ ‫مل ين��ل استحس��ان وزارة املع��ارف ‪ ،‬ووجهت إليه انتقادات ‪ ،‬وأن أس��لوبه يتس��م بلغة‬ ‫ش��عبية بس��يطة ‪ ،‬وكان هذا هو اهل��دف الرئيس الذى كان يصب��و إليه ً‬ ‫متاما ليف‬ ‫َت َل ْس ُ‬ ‫��توى نفس��ه من كتابه ‪ .‬لكن األديب أصيب باحلزن واآلس��ى لعدم جناح عمل‬ ‫اس��تمر لعدة س��نوات طويلة ‪ ،‬فيقول ‪ “ :‬إذا أصاب روايتى الفش��ل ‪ ،‬فهذا من السهل أن‬ ‫أصدق��ه ‪ ،‬ولرضخ��ت بأنه��ا غري جي��دة ‪ .‬إال أننى على يقني راس��خ ً‬ ‫متاما ب��أن “ حروف‬ ‫اهلج��اء”‪ :‬كتابى هذا جيد على غري العادة ‪ ...‬وإنه��م مل يفهموه” (‪ ،)2‬إال أن عزميته مل‬ ‫ختر ومل ييأس وواصل العمل وأصدر نسخة جديدة بعنوان “حروف اهلجاء اجلديدة”‬ ‫(‪ )1875‬وأكد “ لن أحكى ماذا يعنى هذا العمل بالنس��بة ىل ‪َّ ،‬‬ ‫إن “ حروف اهلجاء”‬ ‫عمل اس��تمر س��نوات عديدة ‪ ،‬فمن الصعب كتابة “ حروف اهلجاء” وإذا أتانى املوت‬ ‫ً‬ ‫مطمئن��ا”(‪ ،)3‬ثم أصدر “كت��ب للقراءة” ( ‪“ ، )1874‬دائ��رة القراءة” (‪– 1887‬‬ ‫س��أكون‬ ‫‪ )1910‬ويتضمن كتاب “دائرة القراءة” اجتهادات وآراء كتاب وحكماء وفالسفة‬ ‫حض��ارات العامل القدمية املصرية والرومانية واليوناني��ة والصينية ‪ ...‬التى تتحدث‬ ‫ع��ن املواعظ الدينية واملبادئ والقيم األخالقي��ة التى تدعو إىل احلب والوئام والعدل‬ ‫ً‬ ‫مجيعا دون تفرقة بني غنى وفق�ير أو النظر إىل اجلنس واللون ‪.‬‬ ‫واملس��اواة بني الن��اس‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫هكذا شارك ليف َتلستوى بشكل واضح ‪ ،‬ومبثابرة ‪ ،‬وبإصرار فى إقامة إصالحات‬ ‫جذرية فى جمال التعليم فى حياة الفالحني والبسـطاء من الشعب الروسى و وضعها‬ ‫حيز التنفيذ ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سافر ل ‪َ .‬ت َل ْستوى إىل العديد من دول أوروبا ‪ :‬أملانيا ‪ ،‬وسويسرا ‪ ،‬واجنلرتا ‪ ،‬وفرنسا‪،‬‬ ‫وبلجي��كا (‪ ، )1861 ، 1860 ،1857‬وأثن��اء ه��ذه الزي��ارات مل يقتصر اهتمامه فقط‬ ‫عل��ى احلياة الثقافية واألدبية واملس��رحية ف��ى هذه البالد ‪ ،‬وإمن��ا وجه جل أعماله‬ ‫للتع��رف على اهليئات الرتبوية والتعلمية وأنظمة ووس��ائل التعليم احلديثة ‪ .‬وقد‬ ‫انتق��ى م��ن مناهج التعليم هناك كل م��ا هو جيد لتطبيقه وابتع��د عن كل ما هو‬ ‫س��ئ مث��ل ‪ :‬الدعاء للمل��وك بالبقاء والعافية ومتلق الرؤس��اء ‪ ،‬وأس��لوب التخويف فى‬ ‫العملي��ة التعليمي��ة فتفس��د عقول األطف��ال ‪ .‬وبعد عودت��ه من اخلارج اس��تقر فى‬ ‫‪ - 1‬ل‪.‬ن‪َ .‬تلَ ْس ُتوى ‪ ،‬المؤلفات الكاملة ‪ ،‬موسكو ‪ ، 1936 ،‬ص ‪ - 245‬ص ‪. 246‬‬ ‫‪ - 2‬ل‪.‬ن‪َ .‬تلَ ْس ُتوى ‪ ،‬المؤلفات الكاملة ‪ ،‬موسكو ‪ ، 1936 ،‬مجلد ‪ ، 8‬ص ‪. 6‬‬ ‫‪ - 3‬المرجع السابق ‪ ،‬مجلد ‪ ، 61‬ص ‪. 269‬‬

‫‪11‬‬


‫ضيعته “ياس��نايا باليانا” وواصل عمله بالتدريس فيها ‪ .‬ومل تقتصر الدراس��ة داخل‬ ‫جدران الفصل مع تالميذه من أبناء الفالحني ‪ ،‬وإمنا كان خيرج األديب ل ‪َ .‬ت َل ْس ُتوى‬ ‫ املعل��م م��ع تالميذه إىل الغاب��ات واحلقول للتنزه ‪ ،‬وملمارس��ة التماري��ن الرياضية ‪،‬‬‫والرك��ض ‪ ،‬والس��باحة ‪ ...‬إخل ‪ ،‬كما كان يش��جع التالميذ عل��ى االهتمام بقراءة‬ ‫املؤلف��ات األدبي��ة ‪ ،‬الت��ى ختلق لديه��م ً‬ ‫ً‬ ‫واس��عا ‪ ،‬وتنمى‬ ‫مزاج��ا طي ًب��ا وخيـالاً خص ًبا‬ ‫العق��ل والقل��ب ‪ ..‬كان يس��عى إىل أن ينمى ل��دى األطفال االهتم��ام بالعلم ‪ ،‬وحب‬ ‫االبت��كار وايقاظ حب االس��تطالع‪ ،‬فيقول ليف َت َل ْس ُ‬ ‫��توى “إذا مل يتعل��م التلميذ أن‬ ‫شيئا‪ ،‬فس��وف يقلد وحياكى فقط ولن يبتكر ً‬ ‫يبتكر فى املدرس��ة بنفسه ً‬ ‫شيئا‬ ‫طيلة حياته” (‪ .)4‬فهو يقدر ً‬ ‫ً‬ ‫ودائما يدعو إىل تبس��يط‬ ‫متاما قوة اإلدراك لدى الطفل ‪.‬‬ ‫مفاهيم علوم الفيزياء والكمياء واألحياء ‪ ،‬واالهتمام بعوامل النباتات واحليوانات ‪...‬‬ ‫ويرى أن النتائج والقواعد جيب أن يس��توعبها التالميذ ويتوصلوا إليها بأنفسهم عن‬ ‫طريق املالحظة واملش��اهدة والتجربة ‪ ،‬فقد أعطى أهمية قصوى للعمل التطبيقى‬ ‫والتجريبى فى املدرس��ة ‪ .‬كما يؤكد أنه البد فى البداية من تنمية القدرة على‬ ‫القراءة والكتابة ‪ ،‬وأن التعليم وس��يلة لفهم املعارف املتعددة ‪ .‬وإىل جانب ذلك البد‬ ‫من ممارسة األنشطة املختلفة ‪.‬‬ ‫وكان لي��ف َت َل ْس ُ‬ ‫��توى من أنصار مب��دأ “ حرية الرتبية”‪ .‬فيك��ره التعليم املبنى‬ ‫عل��ى التس��لط ‪ ،‬وإرغ��ام التالمي��ذ الصغ��ار من قب��ل الكب��ار واملعلم�ين بإخضاعهم‬ ‫عل��ى أس��لوب احلفظ ع��ن ظهر قل��ب دون فهم ‪ ،‬فه��ذا املبدأ يعمل عل��ى كبت العقل‬ ‫عن��د الطـفل‪ ،‬وجيمد ويلغى تفك�يره وحيد من قدراته فى اإلبت��كار ‪ ،‬واإلبداع‪،‬‬ ‫والتخيل ‪ ،‬ويقتل أسـاس��يات العقل الس��ـليم ‪ .‬ويس��تنكر بش��دة اس��تخدام الضرب‬ ‫بامل��دارس وين��دد بعقاب الطف��ل ؛ ألن هذا لن يصلح من أمره ‪ .‬وكان يس��عى بكل‬ ‫م��ا أوتى من قوة إىل أن يذهب الطفل إىل املدرس��ة بقلب مبتهج ‪ ،‬وبتس��امة عريضة‬ ‫على شفتيه‪ ،‬و الفرحة تشع فى مقلتيه وفى شوق واشتياق إىل املعرفة ‪ ،‬وأن يكون‬ ‫عل��ى وع��ى وثق��ة بأال ينتظ��ره فى املدرس��ة عق��اب مه�ين ‪ ،‬أو حتذي��رات ‪ ،‬أو إرغام‬ ‫وتس��لط‪ .‬كان ليف َت َل ْس ُ‬ ‫��توى يدعو إىل أن يذهب التالميذ إىل املدرسة وال حيملون‬ ‫كت ًبا‪ ،‬وال كراس��ات‪ ،‬وال ُيكلفون بواجبات منزلية ‪ .‬ويرى ً‬ ‫أيضا أن على التالميذ‬ ‫الذهاب إىل املدرس��ة وتنتابهم أحاس��يس عذبة رقيقة ‪ ،‬مطمئنني أن قضاء اليوم فى‬ ‫ً‬ ‫مفعما بالبهجـة والفرح واملرح ‪ ،‬كما كان باألمس ‪ ،‬بل وأمجل‬ ‫املدرسة سـيكون‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وأحل��ى ‪ .‬فاملبدع ل‪ .‬تل ْس��توى يصر على ضرورة أن يذهب الطفل إىل املدرس��ة بذهن‬ ‫ص��اف الس��تيعاب املعلومات واملعرفة ‪ .‬كما يش�ير إىل أن التدريس ف��ن رفيع وليس‬ ‫‪ - 4‬ل‪.‬ن‪َ .‬تلَ ْس ُتوى ‪ ،‬المؤلفات الكاملة ‪ ،‬موسكو ‪ ، 1936 ،‬مجلد ‪ ، 8‬ص ‪. 118‬‬

‫‪12‬‬


‫فى اس��تطاعة أى إنس��ان أن يقوم بواجبات ه��ذه املهنة املقدس��ة ‪ .‬فعلى كل مدرس‬ ‫أن يع��رف ويدرس بكل دق��ة اخلصائص الفردية التى يتميز بها كل تلميذ على‬ ‫حده ‪ ،‬ويعمل على تنميتها وتدعيمها‪ .‬كما يدعو كل معلم أن يكتش��ف طرق‬ ‫حبثي��ة إبداعية جدي��دة ‪ ،‬وأس��اليب حديثة متطورة بش��أن العملي��ة التعليمية‬ ‫والرتبوي��ة والتهذيبي��ة لتحقيق الكمال ملهنة التدري��س ‪ ،‬وأن ميتلك هو فى الوقت‬ ‫نفس��ه مه��ارة فائق��ة ملهنت��ه ‪ .‬وفى هذا الش��أن يؤك��د” أن التكام��ل والكمال قد‬ ‫يصع��ب بلوغة ‪ ،‬ولكن التطوير والتحس�ين ال نهاية هلم��ا” (‪ . )5‬وللتالميذ احلق فى‬ ‫حري��ة االختيار املعرفى ‪ .‬ويش�ير املن��ور ‪ -‬ل‪َ .‬ت َل ْس ُ‬ ‫��توى ‪“ -‬إىل أن األطفال – مثلنا حنن‬ ‫الكب��ار ‪ ،‬هلم نفس املتطلب��ات” (‪ .)6‬كما يقول فى موضع آخ��ر عن ضرورة التجربة‬ ‫ف��ى جمال التعليم‪ “ :‬املنه��ج الوحيد للتعليم يعنى التجرب��ة ‪ ،‬وأن املقياس الوحيد له‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إرتباطا ً‬ ‫وثيقا باحلياة والنش��اط‬ ‫مرتبطا‬ ‫هو احلرية”(‪ ،)7‬وأن التعليم جيب وأن يكون‬ ‫احليات��ى الذى حييط باألطفال ‪ .‬فالطفل كائن ح��ى عاقل قادر على الفهم والفكر‬ ‫واإلبداع ‪ ،‬والبد من التعامل معه حبرص واحرتام ‪ .‬وكان ل‪َ .‬ت َل ْس ُتوى يؤمن بضرورة‬ ‫إتاحة فرصة التعليم جلميع أفراد الش��عب ‪ ،‬فمن خالله ميكن القضاء على اجلهل‬ ‫والعنف واملرض واالستبداد والظلم واألنانية ‪ ،‬واإلميان باخلرافات ‪.‬‬ ‫مشل أدب الطفل عند ليف َت َل ْس ُ‬ ‫��توى مراحل عمرية خمتلفة ‪ ،‬و اتس��مت كل‬ ‫مؤلفاته بلغة س��هلة ‪ ،‬وسلس��ة ‪ ،‬ودقيق��ة ‪ ،‬وجاءت أفكـارها بس��يطة ‪ ،‬مبتكرة‪،‬‬ ‫وبصورة ش��يقة فتس��اعد الطفل الصغري على أن يتعلم التفكري ‪ ،‬وتنعش إدراكه‬ ‫وتوس��ع معارفه بالعامل ‪ .‬وعلى الرغم من أن حتقيق هذا فى حد ذاته مهمة ش��اقة إال‬ ‫أن��ه اس��تطاع باقتدار أن حيققها ‪ .‬ففى العديد من قصص��ه لألطفال تضمنت القليل‬ ‫من النص والكلمات ولكنها مشلت مغاز وعرب ومواعظ يس��توعبها الطفل بنفسه‬ ‫م��ن خالل النص ‪ ،‬ولي��س باألمر ‪ ،‬أو النهى ‪ .‬فأمامنا إحدى ه��ذه التجارب التى صيغت‬ ‫بإجياز دقيق‪“ :‬غرس رجل عجوز أش��جار التفاح” ‪ .‬فس��ألوه‪”:‬ملاذا حتتاج ألشجار التفاح‬ ‫ً‬ ‫طويال لتجنى ثـمارها؟ ‪ ،‬و لن تأكل أنت من ثـمارها” فأجاب‬ ‫هذه ألنك س��وف تنتظر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الرجل العجوز‪ “ :‬أنا لن آكل منها‪ ،‬ولكن اآلخرون س��وف يأكلون منها وس��يقولون‬ ‫ً‬ ‫ش��كرا” وهنا يريد الكات��ب أن يثري لدى الطفل ملك��ة التفكري وفى الوقت‬ ‫ىل‬ ‫نفس��ه حيفزه على عمل اخلري لآلخرين وجعله يفكر فى مضمون القصة ملعرفة‬ ‫مغزاها واهلدف الذى يرمى إليه الكاتب ‪ .‬فاختار األديب الكلمات بدقة ‪ ،‬واختفى‬ ‫الراوى ً‬ ‫متاما ‪ ،‬كما توارت العظة األخالقية املباشرة ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ل‪.‬ن‪َ .‬تلَ ْس ُتوى ‪ ،‬المؤلفات الكاملة ‪ ،‬موسكو ‪ ، 1936 ،‬مجلد ‪ ، 8‬ص ‪ - 245‬ص ‪. 246‬‬ ‫‪ - 6‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 38‬‬ ‫‪ - 7‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬

‫‪13‬‬


‫وتضمن��ت العديد من قصص ل‪َ .‬ت َل ْس ُ‬ ‫��توى الكثري من التعابري واألمثال الس��ائرة‪،‬‬ ‫واأللغ��از الش��عبية ‪ ،‬والت��ى اس��تطاع األدي��ب م��ن خالهلا تعري��ف األطف��ال الرتبية‬ ‫األخالقية والس��لوك القويم ‪ ،‬كالنزاهة واإلخالص ‪ ،‬وطيبة القلب ‪ ،‬وحمبة العمل‬ ‫والك��د واالجته��اد ‪ ،‬والع��زة والكرامة واألمان��ة والعدالة التى جيب أن تس��ود بني‬ ‫أف��راد اجملتم��ع ‪ .‬وص��اغ األدي��ب قصصه هذه ف��ى أجناس أدبي��ة خمتلفة م��ن بينها‪:‬‬ ‫القصة والقصة القصرية ‪ ،‬وحكايات واقعية وأخرى أس��اطري ش��عبية ‪ ،‬والوصف ‪،‬‬ ‫واجملادلة‪ ...‬كما تضمنت القصص الكثري من التحليالت النفسية ومعاناة الطفل‬ ‫وذل��ك عن طريق الغوص فى عامل الطفل الداخلى ‪ ،‬كما اهتم ً‬ ‫أيضا بتصوير مظهره‬ ‫اخلارجى ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫هكـذا ُيع��د ليف نيكاليفتش تل ْس��توى أحد رواد حركة التنوير بالنس��بة‬ ‫ألدب األطفال ليس فقط فى األدب الروس��ى بل وفى األدب العاملى ‪ .‬لقد أثرت مؤلفاته‬ ‫األدبي��ة ‪ ،‬وأراؤه الفكرية الراس��خة فى الرتاث اإلنس��انى ‪ ،‬تلك التى تعكس إميانه‬ ‫باإلنس��ان البسيط ‪ ،‬وانتصار اخلري على الش��ر ‪ ،‬وضرورة أن تسود املساواة ‪ ،‬والتسامح‪،‬‬ ‫واحلرية ‪ ،‬والسالم والعدل فى ربوع املعمورة ‪ ،‬وأن متضى احلياة بال خوف من الغـد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أرواحا كثرية من بنى البش��ر األبرياء ‪ ، -‬وضرورة نبذ‬ ‫وب�لا حروب ‪ -‬تلك الت��ى تزهق‬ ‫ً‬ ‫الغلظة ومجود القلب واحرتام اإلنسان ألخيه اإلنسان ‪ ،‬وأيضا طالب “بعدم مواجهة‬ ‫الش��ر بالعن��ف”‪ ،‬كما أكد ف��ى كتاباته حب��ه للعمل ‪ ،‬ودعا إىل اإلحس��ان على‬ ‫الفق��راء ‪ ،‬والت��وق إىل املعرف��ة فى ش��تى اجمل��االت املختلف��ة ‪ .‬كما داف��ع عن حقوق‬ ‫األطف��ال عامة‪ ،‬وأبن��اء الفالحني خاصة فى التعليم والتنوي��ر ‪ ،‬إذ إنها متثل الصحوة‬ ‫التنوري��ة األوىل لتق��دم الش��عوب ودفع قاط��رة التنمي��ة لألوطان ‪ ،‬وتعت�بر اخلطوة‬ ‫األساس��ية النتصار العقل والعلم على البالء ‪ ،‬والظالم ‪ ،‬واالنغالق ‪ .‬وأكد أن ذكاء‬ ‫َ‬ ‫ل‪.‬ن‪.‬ت َل ْس ُتوى نظرية تربوية‬ ‫اإلنسان ينبع من ثقافته ومتسكه بأرضه ‪ .‬وبهذا وضع‬ ‫حديث��ة ‪ ،‬س��واء نالت التأييد أو االع�تراض ‪ ،‬فهو يعد من اجملددي��ن فى جمال تربية‬ ‫وتعلي��م النش��ىء‪ ،‬وأن األس��اس األول لنظريت��ه يرج��ع إىل ضرورة احرتام ش��خصية‬ ‫الطفل كمخلوق‪ ،‬واحملافظة على كرامته ‪ ،‬وعدم النيل منها ‪ ،‬والتعامل مع الطفل‬ ‫حبرص وعدم تقييد حريته ‪ ،‬فالطفل كائن ِّ‬ ‫حى عاقل ‪ ،‬مفكر ‪ ،‬ومبدع ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ون��ود اإلش��ارة هنا ف��ى عجالة ع��ن مدى تقدي��ر لي��ف نيكاليفيتش َتل ْس ُ‬ ‫��توى‬ ‫للحضارة “اإلس�لامية العربية” ‪ ،‬إذ تعرف على الكتب الس��ماوية الثالثة ‪ :‬التوراة‪،‬‬ ‫واإلجني��ل والق��رآن واس��تقى منها املبادئ الس��امية التى س��ار على نهجها ف��ى احلياة ‪،‬‬ ‫واهت��م بقراءة “ألف ليل��ة وليلة” والتى كان ق��د تعرف عليها وتأثر به��ا قبل الرابعة‬

‫‪14‬‬


‫عش��رة م��ن عمره‪ ،‬و انعكس��ت فى كثري من مضام�ين كتاباته لألطف��ال (‪ .)8‬وفى‬ ‫الوقت نفس��ه نؤكد أن ليف َت َل ْس ُ‬ ‫��توى قد اكتس��ب حب وتقدير املثقفني املصريني‬ ‫إلنس��انيته وتس��احمه‪ ،‬فقد قام الش��يخ “حممد عبده” ‪ )1905-1849( ،‬مبراسلة ليف‬ ‫َت َل ْس ُ‬ ‫��توى ملا رأى فى ش��خصيته الرغبة الش��ديدة فى احلرية واالس��تقالل ‪ ،‬وتأييده‬ ‫املطلق حلركة حترر الش��عوب ‪ ،‬واحرتام الفرد ‪ ،‬وعدم ممارس��ة العنف ضد اإلنسان‪.‬‬ ‫كذل��ك نال ليف َت َل ْس ُ‬ ‫��توى تقدير العديد م��ن األدباء املصريني “كعب��اس العقاد”‪،‬‬ ‫(‪ )1964-1889‬و“حيى حـقى” ‪ )1992-1905( ،‬وغريهما ملبادئه السـامية ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ولقد رثاه أمري الشعراء أمحد شوقى (‪ )1932-1868‬فى قصيدة بعنوان “تل ْستوى”‪:‬‬ ‫(تولس��توى) جت��رى آي��ة العلم دمعها‬ ‫وش��عب ضعي��ف الركن زال نص�يره‬ ‫وين��دب فالحـــ��ون أن��ت مــنارهـ��م‬ ‫يعان��ون ف��ى األكواخ ً‬ ‫ظلما وظلمة‬ ‫تطوف كعيس��ى باحلنان وبالرضى‬ ‫ويأس��ى علي��ك الدي��ن إذ لك لب��ه‬

‫علي��ك ويبكى بائس وفقري‬ ‫وما كل يوم للضعيف نصري‬ ‫وأن��ت س��ــراج غيبـ��وه منيــر‬ ‫والميلكون البث وهو يس�ير‬ ‫عليهم وتغش��ى دورهم وتزور‬ ‫وللخادمني الناقمني قش��ور (‪)9‬‬

‫العربى “أبى العالء‬ ‫يكتف الش��اعر برثائه ‪ ،‬بل قارنه بالش��اعر والفيلسوف‬ ‫ومل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫املع��رى” مل��ا هلما من توافق وتش��ابه ف��ى رؤيتهما جت��اه الدين ‪ ،‬حي��ث أتهم كالهما‬ ‫بالكف��ر من قبل رجال الدين ‪ ،‬ليس ألنهما ناكران ورافضان لألديان ‪ ،‬ولكن لعدم‬ ‫اقتناعهما بتطبيق تعاليم الش��رائع السماوية من جانب رجال الدين ‪ ،‬الذين استغلوا‬ ‫الدين ملصلحتهم الشخصية ‪ ،‬وخلدمة احلكام ‪.‬‬ ‫إذا أن��ت ج��اورت (املعرى) فى الث��رى‬ ‫وأقبل مجع اخلالدين عليكما‬

‫وجاور (رضوى) ف��ى الرتاب (ثبري)‬ ‫وغاىل مبقدار النظري نظري‪)10( .‬‬

‫ولقد س��ارع ً‬ ‫ش��اعر النيل “حافظ ابراهيم” (‪ )1932-1872‬برثاء َت َل ْس ُ‬ ‫ُ‬ ‫��توى فى‬ ‫أيضا‬ ‫قصيدة يقول فى مطلعها ‪:‬‬ ‫‪ - 8‬انظر بالتفصيل كتاب ‪ ( :‬بين روسيا والشرق العربي ) ‪ ،‬قراءات في األدب والثقافة ‪ ،‬للدكتور محمد عباس والدكتورة نادية سلطان ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2011 ،‬ص ‪ - 167‬ص ‪.202‬‬ ‫‪ - 9‬انظر القصيدة كاملة في الشوقيات ‪ ،‬أحمد شوقي بك ‪ ،‬ج‪ ، 3‬المراثى ‪ ، 1950 ،‬ص ‪ - 80‬ص ‪. 82‬‬ ‫‪ - 10‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 82 - 80‬‬

‫‪15‬‬


‫رثاك أمري الش��عر فى الش��رق وانربى‬ ‫ولس��ت أب��اىل ح�ين أرثي��ك بع��ده‬

‫ملدحك م��ن كتاب مصر كبري‬ ‫إذا قيل عنى قد رث��اه صغري (‪)11‬‬

‫كذل��ك يؤكد الش��اعر العراقى مجي��ل صدق��ى الزه��اوى (‪ )1936 – 1863‬فى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ودعما للفقراء ‪،‬‬ ‫س��ندا‬ ‫قصيدة بعنوان “ذكرى تالس��توى” كيف كان طول عمره‬ ‫فهو مبثابة ش��عاع فى ليل مظلم وبارقة أمل فى حي��اة أبناء الفالحني ‪ ،‬باصراره على‬ ‫تعليمهم ‪.‬‬ ‫لقد عشت ً‬ ‫ملن عاش بني الناس وهو فقري‬ ‫عمرا أنت فيه ظهري‬ ‫به لعقول الناشئني تنري‬ ‫بكفك مصباح من العلم ساطع‬ ‫‪12‬‬ ‫ً‬ ‫وقد كنت ً‬ ‫مصلحا تدور مع االنصاف حيث يدور‬ ‫حرا فى حياتك‬ ‫وإىل جانب رثاء كل من أمري الش��عراء أمحد ش��وقى (‪ )1932-1868‬وشاعر النيل‬ ‫��توى ‪ ،‬رث��اه ً‬ ‫حاف��ظ إبراهيم لألديب الروس��ى ليف َت َل ْس ُ‬ ‫أيضا الكث�يرون من رجاالت‬ ‫الثقاف��ة واألدب والفكر العربى من بينهم مصطفى لطفى املنفلوطى (‪،)1924-1876‬‬ ‫وأمح��د لطف��ى الس��يد (‪ )1963-1872‬وغريه��م ‪ ...‬والذي��ن وصف��وه باإلنس��ان احملب‬ ‫للخ�ير‪ ،‬والداعى إىل الفضيل��ة ‪ ،‬والفيلس��وف واملدافع عن الضعف��اء والفقراء خاصة‬ ‫طبق��ة الفالحني فى روس��يا القيصري��ة ‪ ،‬فيبكونه ألن��ه منارتهم ‪ .‬كم��ا وأطلقوا‬ ‫عليه بالزاهد على الرغم مما ميتلكه من أراض شاس��عة وأموال طائلة ‪ .‬وعرف عنه‬ ‫بالعامل واملفكر بدعوت��ه إىل املعروف والنهى عن املنكر فأبكاه املؤمنون ألنه أخذ‬ ‫من الدين جوهره وليس مظهره ‪ .‬ووصفوه باملناضل ضد احلروب بكل أشكاهلا ‪.‬‬ ‫وباألم��س القري��ب احتف��ل العامل بالذك��رى املئوية لرحي��ل ل‪ .‬ن‪َ .‬ت َل ْس ُ‬ ‫��توى عام‬ ‫(‪2010‬م) ف��ى مجيع أركان املعمورة ‪ ،‬واليوم نق��دم للقارئ الكريم ترمجة لبعض‬ ‫القص��ص التى كتبها ه��ذا الكاتب املوهوب لألطفال ‪ .‬فنغ��وص فى عبق قصص من‬ ‫زمن فات لنس��تلهم القيم التى حنتاجها فى احلاضر ونعرب بها إىل املس��تقبل ‪ .‬فيتعرف‬ ‫القارئ عن قرب برؤية الكاتب ليف نيكاليفتش َت َل ْس ُ‬ ‫��توى (‪ )1910 - 1828‬فى فن‬ ‫أدب الطفل ‪.‬‬ ‫د‪ .‬نادية إمام سلطان‬

‫‪ - 11‬ديوان حافظ إبراهيم ‪ /‬شرح أحمد أمين وآخرون ‪ ،‬الجزء الثانى ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬القاهرة ‪ ، 1939 ،‬ص ‪.167 - 164‬‬ ‫‪ - 12‬ديوان جميل صدقى الزهاوى ‪ ،‬منشورات دار العودة ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1972 ،‬ص ‪. 169 - 168‬‬

‫‪16‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫الجزء األول‬ ‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫من زمن فات‬ ‫لألديب الروسى ‪ :‬ليف تلستوى‬

‫‪17‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫السعادة أم املال‬ ‫كان يقط��ن ف��ى الطابق العل��وى بأحد املنازل رجـ��ل ثـرى ‪ ،‬وكـ��ان يعـيش ترزى‬ ‫ً‬ ‫سعيدا بعمله ‪ ،‬أال وهو – حياكة‬ ‫فقيـر فى الطابق األرضى من هـذا البيـت‪ .‬كان الرتزى‬ ‫املالبس ‪ .‬وكان ال يتوقف عن الغناء والطرب أثناء ممارسته لعمله – خياطة الثياب‪،‬‬ ‫وه��ذا م��ا كان يزعج الرجل الغنى ‪ ،‬ويقلقه ‪ ،‬بل ومينعه من النوم ‪ .‬مما دعى الثرى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبريا من املال ليكف عن الغـناء ‪ .‬وبهذا أصبح الرتزى الفقري‬ ‫كيس��ا‬ ‫إعطاء الرتزى‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫رجال ً‬ ‫ً‬ ‫ثريا ميتلك ماال كثريا ‪ ،‬فى الوقت‬ ‫الذى امتنع فيه عن العمل وأخذ ينشغل‬ ‫حبراس��ة ه��ذا امل��ال ‪ ،‬وك َّ‬ ‫َ��ف ً‬ ‫متام��ا عن‬ ‫الغـن��اء حت��ى أصـابه املل��ل واالكتئاب‪.‬‬ ‫فم��ا كان من��ه أن أخ��ذ كي��س النقود‬ ‫ً‬ ‫قائال له ‪:‬‬ ‫ومحله ‪ ،‬وأعاده إىل الثرى‬ ‫ خ��ذ نق��ودك ‪ ،‬وامس��ح ىل أن أمارس‬‫مهنت��ى وهوايت��ى فإن��ى أجد ف��ى العمل‬ ‫والغن��اء س��عادتى ونش��وتى ‪ ،‬وال أريد أن‬ ‫أص��اب باالكتئاب مرة أخ��رى ‪ .‬فاحلياة‬ ‫الس��عيدة ليس��ت مرتبطة مبا ميتلكه‬ ‫اإلنس��ان م��ن م��ال ‪ ،‬بل مب��ا يق��وم به من‬ ‫عم��ل ك��ى يش��عر بالس��عادة والبهجة‬ ‫وراحة البال ‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الحرب أم السلم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إجنليزيا أثناء‬ ‫ضابط��ا‬ ‫أوق��ع اهلنود فى األس��ر‬ ‫إح��دى املعارك التى وقعت بني اإلجنليز واهلنود‪،‬‬ ‫وأوثقوه ف��ى إح��دى األش��ـجار ‪ ،‬وأرادوا التخلص‬ ‫منه ‪ .‬وفى هذه اللحظة اقرتب رجل هندى طاعن‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫فى السن‬ ‫ ال تقتلوه ‪ ،...‬سلمونى إياه ‪.‬‬‫فأعطوه له ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فك الش��يخ اهلندى قيده ‪ ،‬واصطحبه معه إىل‬ ‫كوخ صغري يعيش فيه ‪َّ ،‬‬ ‫وقد َم له الطعام ‪ّ ،‬‬ ‫وجه َز‬ ‫َ‬ ‫مكانا للمبيت ‪.‬‬ ‫له‬ ‫وف��ى صب��اح الي��وم الت��اىل ‪ ،‬طل��ب الش��يخ‬ ‫اهلندى م��ن الضاب��ط اإلجنلي��زي أن يقتفى أثره‬ ‫ويس�ير خلفه ‪ .‬س��ـار ٌاالثنان ً‬ ‫معا لفرتة طويلة ‪ ،‬وعندما اقرتبا من معس��كر للقوات‬ ‫اإلجنليزية ‪ ،‬قال الشيخ اهلندى لألسري اإلجنليزي ‪:‬‬ ‫ لقد قتل جنودك ابنى ‪ ،‬أما أنا فقد أنقذت حياتك ‪ ،‬اذهب إىل أهلك وقادة جيش��ك ‪،‬‬‫وواصلوا قتالكم لنا ‪.‬‬ ‫عندئذ اندهش الضابط اإلجنليزى وقال ‪:‬‬ ‫ ملاذا تسخر منى ؟ إنى أعلم أن جيشنا قد قتل ابنك ‪ ،‬فهيا اقتلنى بيديك دون رمحة‬‫وعلى الفور ‪.‬‬ ‫حينئذ قال الشيخ اهلندى ‪:‬‬ ‫ عندم��ا حاول أتباع��ى قتلك ‪ ،‬تذكرت ابين ‪ ،‬وإنتابنى الش��عور باحلزن واآلس��ى من‬‫أجلك ‪ ،‬فلم أجرؤ أن أشاهد قتلك ‪ .‬فلتذهب إىل أهلك وجيشك واقتلونا إذا أردمت ‪.‬‬ ‫وهكذا أطلق الش��يخ اهلندى س��راح األس�ير اإلجنليزى ‪ .‬حكى الضابط اإلجنليزى‬ ‫لرؤس��ائه وزمالئه عما حدث له وعن إنس��انية الشيخ اهلندى ‪ .‬وأخذ يقنع قادته بأن‬ ‫الشعب اهلندى مييل إىل السلم وميقت احلرب ‪ ،‬والبد وأن نرتكهم وشأنهم ‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫الثوب امللكى الجديد‬ ‫ً‬ ‫مولعا باقتناء الثياب اجلميلة‬ ‫كان أحد امللوك‬ ‫ذات األلوان الزاهية ‪ .‬فلم يكن يشغل باله سوى‬ ‫ً‬ ‫ودائما ما كان يفك��ر فى ارتداء‬ ‫ه��ذا األم��ر ‪.‬‬ ‫املالب��س األنيقة ‪ .‬وذات مرة أت��ى إليه خياطان‬ ‫ماهران فى فن حرفة احلياكة وقاال له ‪:‬‬ ‫لباس��ا ً‬ ‫ س��نحيك ل��ك ً‬‫أنيق��ا مل يرتديه أى‬ ‫ش��خـص من قبل فى أي مكـ��ان أو أي زمـان ‪.‬‬ ‫ش��ريطة أال يس��مح بأن يرى ه��ذا الثوب الذى‬ ‫سنحيكه لك أى إنسان يتسم بالغباء ‪ ،‬أو الذى ال‬ ‫يتقن الوظيفة التى يؤديها ‪ .‬س�يراه فقط الشخص‬ ‫الذكى ‪ ،‬أما الش��خص الغبى ‪ ،‬حتى وإن وقف بالقرب‬ ‫من الثوب الذى سوف نصنعنه جلاللتكم ‪ ،‬فلن يراه ‪.‬‬ ‫فرحا ً‬ ‫فرح امللك ً‬ ‫مجا مبا قاله اخلياطان ‪ ،‬وأمر بأن حييكا له هذا الزى ‪.‬‬ ‫أوصلت حاش��ية امللك اخلياطني إىل حجرة خاصة هلذا الغرض بالقصر ‪ ،‬وأعطت‬ ‫هلم��ا العديد من األقمش��ة املصنوع��ة من القطيف��ة ‪ ،‬احلرير املذه��ب ‪ ،‬والقطن ‪.....‬‬ ‫وكل ما حيتاجانه من لوازم احلياكة مثل اخليوط احلريرية ‪ ،‬والذهبية والفضية‬ ‫حلياكة هذا الثوب ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫أسبوع ثم أمر امللك وزيره ليعرف ‪ :‬هل مت حياكة الثوب اجلديد أم ال؟‬ ‫وانقضى‬ ‫ذه��ب الوزي��ر عل��ى الفور يس��أل عما مت ف��ى حياكة الث��وب اجلدي��د ‪ ،‬فـأجاباه‬ ‫اخلياطان ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ نع��م لق��د مت حياكة الثوب ومت أيضا االنتهاء م��ن تطريزه ‪ ،‬وأوهماه بأن هذا هو‬‫الثوب اجلديد ‪.‬‬ ‫غ�ير أن الوزي��ر قد أدرك على الفور كالم اخلياطني عندما قاال له‪ :‬بأن الش��خص‬ ‫الغبى ‪ ،‬أو من ال يصلح لوظيفته التى يؤديها ‪ ،‬هو من ال يستطع أن يرى الثوب ‪.‬‬ ‫وهنا تظاهر الوزير بأنه يرى الثوب اجلديد وامتدح صنعه وأثنى عليهما ‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫عندئ��ذ أم��ر امللك بأن ي��رى الثوب اجلديد فأخذوه وأوهموه ب��أن هذا هو الثوب‬ ‫اجلدي��د ‪ .‬فتظاه��ر امللك ً‬ ‫أيضا بأنه يرى الثوب اجلدي��د ‪ ،‬وعلى الفور قام خبلع الثوب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اجلديد ‪.‬‬ ‫الثوب‬ ‫ألبسوه‬ ‫القديم ‪ ،‬وأوهموه بأنهم‬ ‫غادر امللك القصر وأخذ يطوف باملدينة بعد اعتقاده بأنه ارتدى الثوب اجلديد‪،‬‬ ‫عاريا ال يرتدى ً‬ ‫وش��اهد الناس امللك ً‬ ‫شيئا ‪ ،‬ولكنهم خافوا أن يفصحوا عن احلقيقة‬ ‫بأنهم ال يرون الثوب اجلديد ‪ً ،‬‬ ‫أن عرفوا َّ‬ ‫خوفا من بطش امللك ‪ ،‬خاصةَ بعد ْ‬ ‫أن الشخص‬ ‫الغبى فقط هو الذى ال يرى الثوب اجلديد ‪ .‬فأخذ كل واحد منهم يفكر فى نفسه‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫اجلديد ‪.‬‬ ‫الثوب‬ ‫معتقدا بأن اآلخرين يرون‬ ‫فقط ‪ ،‬بأنه ال يرى الثوب ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫مجيعا الثوب اجلديد ‪.‬‬ ‫وامتدح الناس‬ ‫هكذا جاب امللك كل املدينة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ولكن فجأة صاح رجل أمحق عندما رأى امللك هكذا قائال ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫خالعا ثيابه ‪.....‬‬ ‫ انظروا ‪ ....‬إن امللك يطوف باملدينة‬‫وفى احلال أصاب امللك اخلجل ‪ ،‬وأدرك بأنه ال يرتدى ما يس��مى بالثوب اجلديد‪،‬‬ ‫مجيعا رأوا امللك ً‬ ‫ً‬ ‫عاريا بدون ثياب ‪...‬واتضحت احلقيقة بعد طول نفاق ‪.‬‬ ‫وأن الناس‬

‫‪22‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫حورية البحر واللؤلؤة‬ ‫ذات م��رة أحب��ر رج��ل طيب بزورق��ه ‪ ،‬وهو حمب‬ ‫للناس ‪ ،‬فاعل للخري ‪ ،‬ال يؤذى ً‬ ‫أحدا ‪ ،‬ودون قصد‬ ‫س��قطت منه لؤلؤة ثـمينة ف��ى البحر ‪ .‬أحضر‬ ‫الرج��ل ً‬ ‫دل��وا ‪ ،‬ث��م ع��اد إىل الش��اطئ ‪ ،‬وأخذ‬ ‫يغ�ترف امل��اء م��ن البح��ر ويس��كبه عل��ى‬ ‫اليابس��ة ‪ .‬واس��تمر يغرتف املاء ويسكبه‬ ‫على الش��اطئ ملدة ثالثة أي��ام دون ّ‬ ‫كلل‬ ‫أو ملل ‪.‬‬ ‫ف��ى الي��وم الراب��ع خرج��ت م��ن البح��ر‬ ‫حورية البحر وأخذت تسأل الرجل ‪:‬‬ ‫ ملاذا تغرتف املاء بالدلو من البحر و تسكبه‬‫على الشاطئ ؟‬ ‫فأجاب الرجل ‪:‬‬ ‫ إنى أغ�ترف املاء ‪ ،‬ألننى فقدت لؤلؤة ثـمينة هنا‬‫وأحاول أن أجدها‪.‬‬ ‫رجعت حورية البحر وسألته ‪:‬‬ ‫ وهل ستتوقف عن هذا قري ًبا ؟‬‫فأجاب الرجل ‪:‬‬ ‫ سأجفف البحر ‪ ،‬ولن أتوقف عن البحث حتى أعثر على اللؤلؤة ‪.‬‬‫ً‬ ‫بعيدا عن الشاطئ ‪ ،‬ثم عادت مرة أخرى وأحضرت معها‬ ‫عندئذ ذهبت حورية البحر‬ ‫ذات اللؤلؤة ‪ ،‬التى كانت قد سقطت من الرجل ‪ ،‬وأعطتها له ‪.‬‬ ‫فعلى اإلنس��ان أال يفقد األمل فيما يبحث ‪ ،‬وأن يبذل كل ما يستطيع من جهد فى‬ ‫حتقيق هدفه دون كلل أو ملل ‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الشقيقان‬ ‫خرجا ش��قيقان للتنزه ً‬ ‫معا ‪ .‬وحني حان وقت الظهرية جلس��ا حتت شجرة بالقرب‬ ‫من الغابة ليناال ً‬ ‫قسطا من الراحة حتى غلبهما النوم ‪ .‬وعندما استيقظا‪ ،‬رأيا بالقرب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مكتوب��ا عليه ش��يء ما ‪ .‬أخذا يفس��ران تل��ك اخلط��وط والكلمات‬ ‫حج��را‬ ‫منهم��ا‬ ‫املكتوبه على احلجر ‪ ،‬وبعد جهد كبري استطاعا أن يعرفا ويفسرا ما هو مكتوب‪:‬‬ ‫“ من جيد هذا احلجر عليه أن يذهب فو ًرا إىل الغابة عند شروق الشمس ‪ ،‬وفى الغابة‬ ‫س��يجد ً‬ ‫نهرا يتدفق فيه املاء ‪ :‬وليس��بح فى هذا النهر حتى جيتازه ويصل إىل الضفة‬ ‫األخرى من الش��اطئ ‪ .‬وهناك سيش��اهد دب��ة ضخمة مع صغاره��ا ‪ :‬وعليه أن ينتزع‬ ‫ً‬ ‫مس��رعا إىل اجلبل ويتس��لقه دون النظر إىل‬ ‫أح��د الدبب��ة الصغار من أمه ‪ ،‬ثم جيرى‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫منزال إذا وصل إليه ودخله سوف جيد سعادة غامرة”‪.‬‬ ‫اخللف وسريى أعلى اجلبل‬ ‫ً‬ ‫مكتوبا على احلجر ‪ ،‬وهنا قال األخ األصغر ‪ “ :‬فلنذهب‬ ‫قرأ الشقيقان ما كان‬ ‫ً‬ ‫س��ويا ً‬ ‫معا إىل النه��ر ‪ .‬فمن املمكن أن نعرب النهر ‪ ،‬ونس��تطيع أن حنمل الدب الصغري‬ ‫إىل املنزل وسنجد السعادة ً‬ ‫معا ”‪.‬‬ ‫حينئذ قال األخ األكرب‪ “ :‬لن أذهب إىل اجلبل من أجل اإلمساك بالدببة ‪ ،‬كما‬ ‫أنصح��ك أال تق��وم بهذا العم��ل ‪ .‬فاألم��ر األول ‪ :‬ال يعرف أحد – م��ا إذا كان الكالم‬ ‫املكت��وب على احلجر حقيقى أم ال ‪ .‬فمن املمكن بأن يكون كل ما كتب على‬ ‫ه��ذا احلج��ر من قبيل املزاح ‪ ،‬باإلضافة إىل أنه من املمكن أننا مل نس��تطع تفس�ير ما‬ ‫كت��ب على احلج��ر ً‬ ‫متاما ‪ .‬األمر الثان��ى‪ :‬إذا كان ما كتب عل��ى احلجر حقيقى ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وحتما سنضل‬ ‫وس��نذهب إىل الغابة ‪ ،‬ثم عندما حيل الليل فلن نس��تطع أن نعرب النهر‬ ‫الطريق ‪ .‬ولنفرتض بأننا وجدنا النهر فكيف لنا أن نس��بح ونعرب النهر؟ فمن احملتمل‬ ‫ً‬ ‫واسعا ومياهه تتدفق بطريقة سريعة ‪ ،‬وهنا من املمكن أن جترفنا‬ ‫أن يكون النهر‬ ‫ً‬ ‫بعيدا ‪ ....‬واألمر الثالث ‪ :‬لنفرتض بأننا س��بحنا وعربنا النهر – فهل من الس��هل أن‬ ‫املي��اه‬ ‫ننت��زع م��ن الدبة الضخمة أح��د صغارها ؟ فإنها من املؤكـد س��ـوف تفرتس��ـنا على‬ ‫َ‬ ‫وبدال من أن نعثر على الس��عادة ‪ ،‬فس��نهلك دون أى س��بب ‪ .‬أما األم��ر الرابع ‪ :‬إذا‬ ‫الفور‪،‬‬ ‫جنحنا واس��تطعنا أن ننت��زع الدب الصغري من أمه ‪ ،‬فلن نس��تطيع الصعود إىل اجلبل‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪ .‬أهم ما فى األمر ‪ ،‬فإن احلجر مل حيدد لنا أى سعادة هذه ‪ ،‬التى‬ ‫دون أن نس�تريح‬ ‫س��وف حنصل عليها فى هذه الدار ؟ فرمبا تكون تلك الس��عادة التى تنتظرنا فى هذا‬ ‫البيت ‪ ،‬لسنا حنن حباجة إليها على اإلطالق ! ” ‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫حينئ��ذ ق��ال األخ األصغر ‪ “ :‬عل��ى ما أعتقد أن األمر ليس هك��ذا ‪ .‬فمن العبث‬ ‫أن يك��ون كل ما كتب عل��ى احلجـر ليس حبـقيق��ى ‪ .‬إن كل ما كـتب واضح‬ ‫وجل��ى ‪ .‬فاألم��ر األول ‪ :‬لن يضرنا ش��ي ٌء إذا حاولنا ‪ .‬واألمر الثان��ى ‪ :‬إذا مل نذهب حنن ‪،‬‬ ‫فس��يقرأ شخص آخر ما كتب على احلجر وسيجد الس��عادة ‪ ،‬وأما حنن فلن حنصل‬ ‫شيء ‪ .‬واألمر الثالث ‪ :‬إذا مل نعمل ونكدح ونتعب وجنتهد بأنفسنا فلن جند فى‬ ‫على‬ ‫ٍ‬ ‫الدني��ا ما يفرحن��ا ‪ .‬واألمر الرابع ‪ :‬فأنا ال أحب أن يعتقد اآلخرون بأننى جبان وأخاف‬ ‫شيء ” ‪.‬‬ ‫من أى‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ قال األخ األكرب ‪ :‬ولكن املثل يقول ‪ “ :‬احصل على الس��عادة الكربى‬ ‫ً‬ ‫وأيضا هناك مثل آخر يقول ‪ “ :‬عصفور فى اليد خري من عشرة على‬ ‫بأقل اخلس��ائر”‪،‬‬ ‫الشجرة ” ‪.‬‬ ‫ف��رد األخ األصغر ‪ :‬وهناك مث��ل يقول ‪ :‬الذى يزرع ال خياف من العصفور” فإننى‬ ‫أرى م��ن خ��اف الصعاب واألخط��ار ال حيب اإلقدام على أى ش��يء ‪ ،‬فم��ن الضرورى أن‬ ‫أخاطر وأغامر وجيب ّ‬ ‫على أن أذهب”‪.‬‬ ‫انطلق األخ األصغرحيث أشار احلجر ‪ ،‬أما األخ األكرب فعاد إىل بلدته ومكث‬ ‫فيها ومل يذهب إىل أى مكان ‪.‬‬ ‫وما أن وصل األخ األصغر إىل الغابة ‪ ،‬وجد النهر ‪ ،‬وس��بح فيه ‪ ،‬واجتازه وعرب إىل‬ ‫الضفة األخرى من الشاطئ ‪ ،‬ثم رأى الدبة الضخمة والتى كانت‬ ‫تغ��ط فى نوم عميق ‪ ،‬فانتزع فى احلال الدب الصغري من أمه‬ ‫ً‬ ‫مس��رعا حن��و اجلبل دون أن ينظ��ر إىل اخللف ‪ .‬وما‬ ‫وانطلق‬ ‫ً‬ ‫كاد أن يصل إىل أعلى اجلبل – حتى وجد أمامه مجوعا‬ ‫م��ن الن��اس خترج ف��ى اس��تقباله ‪ ،‬وق��د أحضروا ل��ه عربة‬ ‫جترها اخليول ونقلوه حتى أوصلوه إىل املدينة واختاروه‬ ‫ً‬ ‫ملكا للبالد ‪.‬‬ ‫حك��م األخ األصغر البالد مخس��ة أعوام ‪ ،‬وفى‬ ‫العام الس��ادس أعلن ملك قوى آخر غريب احلرب على‬ ‫الب�لاد‪ ،‬فم��ا لبث أن اقتحمها وس��يطر عليه��ا و طرد األخ‬ ‫األصغ��ر ‪ .‬عندئ��ذ خ��رج األخ األصغ��ر من الب�لاد وأخذ‬ ‫يط��وف وجيول مش��ارق األرض ومغاربه��ا ‪ ،‬إىل أن وصل‬ ‫إىل قرية أخيه ‪ ،‬الذى مازال يعيش فى قريته ومل يطرأ‬ ‫عليه أى تغيري ‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫طفل لقيط‬ ‫كان لدى سيدة فقرية ابنة صغرية تدعى‬ ‫“ماش��ا” ‪ .‬فى صباح ذات يوم خرجت إلحضار‬ ‫ً‬ ‫املاء من البئر ‪ ،‬ولكنها رأت ً‬ ‫ملفوفا فى‬ ‫شيئا‬ ‫قطعة بالي��ة عند الب��اب ‪ .‬فوضعت الدلـو‬ ‫جان ًب��ا ‪ ،‬وف��ردت قطع��ة القم��اش ‪ ،‬والت��ى‬ ‫ص��در منها ص��راخ ‪”:‬واء! واء! واء” قبل أن‬ ‫متسها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طفال صغرياً‬ ‫احننت “ماش��ا” ورأت‬ ‫ذا جل��د أمحر ‪ .‬أخذ يصرخ بصوت‬ ‫عال ‪ “:‬واء ! ‪ ،‬واء! ” ‪.‬‬ ‫محلته “ماش��ا” بيديها وذهبت‬ ‫ب��ه إىل املن��زل ‪ ،‬وأخ��ذت تس��قيه‬ ‫قلي�ًل�اً من الل�بن بامللعق��ة ‪ .‬عندما‬ ‫رأته��ا أمه��ا قالت هلا ‪“ :‬م��ا هـذا الذى‬ ‫أحـضـرتيه؟”‪ .‬ردت ماشا‪ “ :‬أحضرت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صغريا ‪ ،‬وجدته عند باب منزلنا”‪.‬‬ ‫طفال‬ ‫قال��ت األم ‪ ”:‬ي��ا بنيت��ى “ماش��ا” كما‬ ‫تعرفى إنن��ا فقراء ً‬ ‫جدا ‪ ،‬فمن أي��ن لنا أن نطعم‬ ‫ً‬ ‫طفال آخر ‪ ،‬س��أذهب إىل عمدة املدينة وس��أحكى له ‪ ،‬كى‬ ‫يأخ��ذه ويتوىل الص��رف عليه واالهتمام به” ‪ .‬وهنا بكت “ماش��ا”‬ ‫ً‬ ‫كثريا ‪ ،‬اتركي��ه معنا‪ ،‬انظري إىل‬ ‫وقال��ت ‪ “ :‬يا أماه ‪ ،‬ه��ذا الطفل لن يأكل‬ ‫يديه الصغريتني وأصابعه احلمراء اجملعدة “‪ .‬نظرت األم إليه ‪ ،‬وأشفقت عليه ‪.‬‬ ‫أصغ��ت األم إىل ابنتها‪ ،‬وأبقت على الطفل الرضيع ‪ .‬أخذت “ماش��ا” تطعمه وتغـري‬ ‫له مالبسـه ‪ ،‬وتغـنى له األغـانى اجلـميلة عندما كـان خيـلد إىل النوم ‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫األمري وصديقاه التاجر والفالح‬ ‫كان ل��دى أح��د املل��وك ابنان ‪ .‬أح��ب امللك ابن��ه األكرب فأنعم علي��ه باململكة‬ ‫وأعطاه كل أمواله ‪ .‬أشفقت األم على ابنها الصغري ‪ ،‬وتشاجرت مع زوجها امللك ‪ ،‬الذى‬ ‫ً‬ ‫يوميا ‪.‬‬ ‫غضب منها أش��د الغضب ‪ ،‬ولذلك كانت تدور بينهما كثري من املش��اجرات‬ ‫ً‬ ‫وأخريا اختذ األمري الصغري قراره وقال فى نفسه ‪ “ :‬من األفضل ىل أن أرحل من هنا إىل‬ ‫مكان آخر ‪ّ .‬‬ ‫فود َع والده ووالدته ‪ ،‬غيرََّ ثيابه الغالية وارتدى مالبس بسيطة‪ ،‬وذهب‬ ‫يطوف من بلدة إىل أخرى ‪.‬‬ ‫تقاب��ل األم�ير ف��ى‬ ‫الطري��ق مع أح��د التجار‪.‬‬ ‫حك��ى التاج��ر لألم�ير ‪،‬‬ ‫بأن��ه فيم��ا مض��ى كان‬ ‫تاجرا ً‬ ‫ً‬ ‫ثريا ‪ ،‬ولكن غرقت‬ ‫كل بضاعته ف��ى البحر‪،‬‬ ‫وهل��ذا ق َّ‬ ‫َ��ر َر أن يذه��ب إىل‬ ‫منطق��ة جدي��دة غريبة‬ ‫يبحث فيها عن سعادته ‪.‬‬ ‫س��ارا االثن��ان ً‬ ‫مع��ا‬ ‫ف��ى الطري��ق ‪ .‬وف��ى اليوم‬ ‫الثالث تقـابل معهم رفـيق‬ ‫ً‬ ‫س��ويا ‪،‬‬ ‫جـديد ‪ .‬حتدثوا‬ ‫وحكى الرفي��ق اجلديد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هلم��ا حكايت��ه وعن أنه ف�لاح ‪ ،‬وكان ميل��ك دارا وأرض��ا زراعية ‪ ،‬ولكن نش��بت‬ ‫احل��رب فهلك��ت األرض وأحرق��ت الدار ‪ ،‬ومل يبق له ش��يء يقتات من��ه ‪ ،‬وها هو اآلن‬ ‫ميضى فى الطريق يبحث عن عمل جديد فى بلد غريب ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫انطلق الثالثة ً‬ ‫معا ‪ .‬وعندما اقرتبوا من مدينة كبرية جلس��وا لينالوا قس��طا من‬ ‫‪27‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الراح��ة ‪ .‬عندئذ قال الفالح ‪ ”:‬لقد وصلنا إىل املدينة يا إخوانى ‪ ،‬ويتحتم علينا اآلن‬ ‫أال نتنزه ‪ ،‬بل لقد حان وقت العمل ‪ ،‬فليعمل كل واحد منا قدر استطاعته” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قليال من املال‬ ‫فقال التاجر ‪“ :‬أنا اس��تطيع ممارس��ة التجارة ‪ ،‬فإذا كان عندى ولو‬ ‫الستطعت أن أتكسب ً‬ ‫ً‬ ‫وفريا من التجارة” ‪.‬‬ ‫ماال‬ ‫أم��ا األمري فقال‪ ”:‬إنى ال أس��تطيع عمل أى ش��يء ‪ ،‬فأنا ال أم��ارس التجارة ‪ ،‬ولكن‬ ‫أن أعمله فقط أن أصبح ً‬ ‫كل ما أستطيع ْ‬ ‫ملكا وأحكم بالعدل فى اململكة ‪ ،‬فإذا‬ ‫كانت عندى مملكة الستطعت أن أحكم شعبى” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أم��ا الف�لاح فق��ال‪ “ :‬أم��ا بالنس��بة ىل فأن��ا ال أملك م��اال ‪ ،‬وليس حت��ت إمرتى‬ ‫مملكة ‪ ،‬فلدى فقط قدمان أمش��ى عليهما ‪ ،‬ويدان قويتان أستطيع أن أحركهما‬ ‫وأعمل بهما‪ ،‬وبهذا أس��تطيع ْ‬ ‫أن أعيش وأعم��ل وأنفق عليكما وأطعمكما‪ .‬أما إذا‬ ‫كان أحدكما س��ينتظر املال ‪ ،‬واآلخر يود احلصول على مملكة ويصبح ً‬ ‫ملكا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جوعا ‪.‬‬ ‫فليس أمامى إال أن أعمل حتى ال متوتا‬ ‫ عندئ��ذ ق��ال األمري للف�لاح ‪ “ :‬التاجر يلزم��ه املال ‪ ،‬وأنا يلزمن��ى مملكة ‪ ،‬وأنت‬‫حتت��اج إىل القوة كى تعمل ‪ .‬فامل��ال واململكة والقوة ال ميكن احلصول عليهم إال‬ ‫من عند اهلل ‪ .‬فإذا أراد اهلل ذلك فسيعطنى اململكة ‪ ،‬وسيعطيك القوة ‪ ،‬أما اذا مل يرد‬ ‫اهلل فلن تكون لديك القوة ‪ ،‬ولن تكون لدى مملكة” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طويال حتى نهاية حديث األمري ‪ ،‬ولكنه توجه فى احلال إىل‬ ‫مل ينتظ��ر الفالح‬ ‫املدينة ‪ .‬وهناك استأجره أحد أصحاب األراضى الزراعية ‪ ،‬وأخذ جيمع احلطب طوال‬ ‫الي��وم ‪ .‬وعندم��ا حل املس��اء دفعوا له ً‬ ‫نقودا كث�يرة نظري عمله ‪ .‬أخ��ذ الفالح النقود‬ ‫وذهب إىل صديقيه وقال هلما‪:‬‬ ‫“ ف��ى الوق��ت الذى كنتما تفكران فى احلصول عل��ى املال واململكة ‪ ،‬ذهبت أنا‬ ‫إىل املدينة وعملت وحصلت على النقود”‪.‬‬ ‫ف��ى اليوم التاىل طلب التاجر من صديق��ه الفالح بعض املال فأعطاه له ‪ ،‬ثم توجه‬ ‫إىل املدينة ‪.‬‬ ‫ذهب التاجر إىل الس��وق وعل��م أن أهل املدينة فى حاجة ماس��ة إىل زيت الطعام‪،‬‬ ‫وكان األه��اىل ينتظ��رون كل ي��وم اس��ترياد كمي��ات كبرية من الزي��ت ‪ .‬فاجته‬ ‫التاج��ر إىل امليناء وأخذ يراقب البواخر ‪ .‬وأثناء تواجده بامليناء وصلت إحدى البواخر‬ ‫احململة بالزيت إىل امليناء ‪ ،‬وكان التاجر أول من صعد إىل سطح الباخرة قبل غريه من‬ ‫التجار ‪ ،‬وأخذ يبحث عن صاحبها‪ ،‬وعلى الفور اشرتى كل كميات الزيت املوجودة‬ ‫‪28‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫بالباخ��رة كله��ا ودفع له العربون ‪ .‬اجته التاجر إىل املدينة على الفور بس��رعة وباع‬ ‫كل كميات الزيت ‪ ،‬وبعد عناء شديد‪ ،‬ونتيجة جملهوده الوفري وتفكريه السديد‬ ‫اس��تطاع أن يكسب عش��رة أضعاف النقود التى أخذها من صديقه الفالح ‪ ،‬وأسرع‬ ‫فى العودة إىل صديقيه وجلب معه الكثري من املال ‪.‬‬ ‫عندئذ قال األمري ‪:‬‬ ‫“ اآلن جاء دورى ألذهب إىل املدينة ‪ .‬لقد تيسر لكما احلال وحصلتما على عمل‬ ‫ونقود‪ ،‬أدعو اهلل أن ييسر ً‬ ‫ىل األمر مثلكما وأسعد باحلصول على عمل ‪ .‬ليس هناك‬ ‫ش��يء صعب عل��ى اهلل ‪ ،‬فقد أعطى اهلل صديقى الفالح ً‬ ‫عم�لا ونتيجة لذلك حصل‬ ‫ً‬ ‫عل��ى أجره ‪ .‬أما صديقى التاجر فقد حقق بذكائه ً‬ ‫ش��ريفا من جتارته ‪ ،‬فمن‬ ‫رحبا‬ ‫املمكن أن حيصل األمري على مملكة له”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجوعا من الشعب تسري بالشوارع‬ ‫ذهب اآلمري إىل املدينة ‪ ،‬وما أن وصل إليها‪ ،‬رأى‬ ‫وتبكى ‪ .‬أخذ األمري يسأل ‪ :‬ملاذا يبكون ؟ فأجابوه ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ “أال تعرف أن ملك البالد قد قضى حنبه مس��اء اليوم ‪ ،‬وال نستطيع أن جند ملكا‬‫آخر غريه” ‪.‬‬ ‫ “وما سبب موته ؟ ” ‪.‬‬‫ “ يبدو أن أحد أعدائه األشرار قد َّ‬‫دس له السم فى الطعام”‬ ‫ابتسم األمري وقال ‪:‬‬ ‫ “ من املستحيل أن حيدث هذا”‪.‬‬‫وهن��ا اق�ترب م��ن األمري أحد األش��خاص وح��دق النظ��ر إليه‪ ،‬والح��ظ أن األمري‬ ‫ً‬ ‫وأيضا ال يرت��دى مالبس مثلما يرت��دى بقية أفراد‬ ‫ال يتح��دث عل��ى طريقته��م ‪،‬‬ ‫الشعب ‪ ،‬فصاح قائال ‪:‬‬ ‫ “ هذا الش��خص أرسله إلينا أعداؤنا األش��رار ليتجسس علينا وليتعرف على أسرار‬‫مدينتنا‪ ،‬ومن املمكن أن يكون هو الذى َد َّس السم مللك البالد ‪ .‬انظروا إنه ال يتحدث‬ ‫عل��ى طريقتنا ‪ ،‬ويضحك فى الوقت الذى نبكى فيه عل��ى ملك البالد الذى فقدناه‪.‬‬ ‫هيا امسكوه ‪ ،‬واقبضوا عليه ‪ ،‬وألقوا به فى السجن” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طعاما‬ ‫قبضوا على األمري وقادوه إىل السجن ‪ ،‬وطوال يومني كاملني مل يعطه أحد‬ ‫ً‬ ‫ش��رابا ‪ ،‬ومل يذق طعم النوم ‪ .‬فى الي��وم الثالث أخذوا األمري وقادوه إىل احملكمة ‪.‬‬ ‫وال‬ ‫جتمع العديد من مجوع الشعب ليسمعوا ويروا كيف سيحاكم األمري ‪.‬‬ ‫أثناء احملاكمة سأل القاضى األمري عن هويته ‪َ :‬م ْن هو ؟ وملاذا جاء إىل مدينتهم؟‬ ‫‪29‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫فقال األمري‪:‬‬ ‫ “ أن��ا أم�ير ابن مل��ك ‪ .‬أعطى أبى مملكت��ه وكل أمواله ألخ��ى األكرب ‪ ،‬وعلى‬‫الرغم من أن والدتي دافعت عن حقي ‪ ،‬إال أن هذا قد أدى اىل حدوث ِشجار بني والداى‪،‬‬ ‫فأردت أن ال حيدث هذا اخلالف والش��جار بس��ببى ‪ ،‬فودعت كل من والدى ووالدتى ‪،‬‬ ‫وانطلقت أطوف فى البالد‪.‬‬ ‫ف��ى طريقى تقابلت م��ع اثنني من أصدقائ��ى‪ :‬أحدهما تاجر واآلخر فالح ‪ .‬س��رنا‬ ‫سويا لنأخذ ً‬ ‫معا إىل أن اقرتبنا من مدينتكم هذه ‪ .‬عندما جلسنا ً‬ ‫ً‬ ‫قسطا من الراحة‬ ‫عن��د أط��راف املدينة ‪ ،‬ق��ال صديقى الفالح ‪ :‬جي��ب علينا أن نعم��ل اآلن ‪ ،‬كل قدر‬ ‫اس��تطاعته ‪ .‬قال صديقى التاجر إنه يس��تطيع أن ميارس التجارة ‪ ،‬ولكن مل يكن‬ ‫لدي��ه نقود‪ ،‬وأنا قلت ‪ :‬إنى أس��تطيع فق��ط أن أحكم مملك��ة ‪ ،‬ولكن ليس لدى‬ ‫مملكة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جوع��ا إذا جلس��نا وانتظرنا املال‬ ‫عندئ��ذ ق��ال صديقى الفالح ‪ :‬إننا س��وف من��وت‬ ‫واململكة ‪ .‬أما هو فكان لديه القوة ويس��تطيع أن يعمل ويطعم نفس��ه ويطعمنا‬ ‫ً‬ ‫حنن ً‬ ‫عمال وحصل على املال وأحضره‬ ‫أيضا ‪ .‬وهكذا خرج وذهب إىل املدينة ووجد‬ ‫إلينا‪ .‬ثم ذهب التاجر ببعض هذه النقود إىل املدينة واس��تطاع أن يتاجر وربح عشرة‬ ‫أضعاف مما كان لديه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وج��اء دورى وذهب��ت إىل املدين��ة ‪ ،‬وعبثا أخذون��ى وقبضوا عل��ى ووضعونى فى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ش��رابا ‪ ،‬واآلن‬ ‫طعاما وال‬ ‫الس��جن ‪ ،‬ومكث��ت فى الس��جن يومني دون أن يقدم��وا ىل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ش��يئا‪ ،‬ألنى أعرف أن كل ش��يء بيد‬ ‫وعموم��ا فأنا ال أخاف‬ ‫تري��دون أن تعدمون��ى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اهلل ‪ ،‬فإذا أراد اهلل هذا فإنكم سوف تعدمونى سدى ‪ ،‬وإذا أراد اهلل أن أكون ملكا‬ ‫فستختارونى ً‬ ‫ملكا عليكم” ‪.‬‬ ‫عندم��ا حكى األمري حكايت��ه ‪ ،‬صمت القاضى ‪ ،‬ومل يعرف م��اذا يقول ‪ .‬فجأة‬ ‫ً‬ ‫قائال بصوت عال ‪:‬‬ ‫صاح شخص من بني مجوع الشعب‬ ‫ً‬ ‫ملكا علينا‪ .‬فلتختاروه‬ ‫” لقد أرسل اهلل لنا هذا األمري ‪ ،‬وحنن لن جند أفضل منك‬‫ً‬ ‫ملكا لنا للبالد! ” ‪.‬‬ ‫واختار اجلميع األمري ً‬ ‫ملكا عليهم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ملكـ��ا أرس��ـل إىل أطـ��راف املدينـ��ة حراس��ـه ليحـضروا‬ ‫عندم��ا أصب��ح األمري‬ ‫صـديقي��ه ‪ .‬وعندم��ا ق��ال احل��راس هلم��ا ب��أن املل��ك أرس��لهم إلحضارهم��ا ‪ ،‬فتعجبا‬ ‫وســـاورهما اخلوف ‪ ،‬واعتقدا أنهما رمبا قد ارتكـبا ً‬ ‫إثـما أثناء تواجـدهما باملدينـة‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫ومل يس��ــتطعا اهلروب ‪ ،‬ولكن احلراس على الفور قبض��وا عليهما وأحضروهما إىل‬ ‫امللك ‪ .‬سجد كل من التاجر والفالح عند قدمى امللك ‪ ،‬ولكن امللك أمرهما بالوقوف‬ ‫ف��و ًرا ‪ ،‬وعندما قام��ا ونظرا إليه تعرفا عليه فى احلال ‪ ،‬حينئ��ذ عرفا صديقهما‪ .‬وهنا‬ ‫حكى امللك هلما كل ما حدث له ‪ ،‬وقال هلما ‪:‬‬ ‫شيء بإرادة اهلل ‪ ،‬فليس‬ ‫ “ أرأيتم ‪ ،‬أمل أكن على حق عندما قلت لكما بأن كل‬‫ٍ‬ ‫م��ن الصـعب عل��ى اهلل أن يعـطى مملكة لألم�ير العادل ‪ ،‬وأن يعط��ى املال للتاجر‬ ‫األمني ‪ ،‬والعمل للفالح النشيط” ‪.‬‬ ‫ف��ى النهاية أنعم امللك عليهم��ا باهلدايا ‪ ،‬وطلب منهما أن يظال و يعيش��ا معه فى‬ ‫مملكته ‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫التاجران‬ ‫كان ي��ا مكان فيه تاجر‬ ‫حدي��د غلب��ان رح��ل إىل بالد‬ ‫بعيدة للبحث ع��ن عمل آخر‪،‬‬ ‫وقب��ل أن يس��افر أعط��ى كل‬ ‫ما كان ميتلكه من بضاعة‬ ‫م��ن حدي��د لصديق��ه التاجر‬ ‫الغن��ى ليحتف��ظ به��ا ويبقيها‬ ‫لديه حتى عودته ‪.‬‬ ‫وعندم��ا ع��اد م��ن رحلت��ه‬ ‫ذهب إىل التاج��ر الغنى وطلب‬ ‫من��ه أن يعيد له ما تركه من‬ ‫حديد عنده ‪.‬‬ ‫كان التاج��ر الغنى قد باع‬ ‫كل كمي��ة احلدي��د ‪ ،‬التى‬ ‫تركه��ا لديه التاج��ر الفقري ‪،‬‬ ‫وتذرع حبجة و قال له ‪:‬‬ ‫ لقد أملت مصيبة بكمية‬‫احلديد اخلاصة بك ‪.‬‬ ‫ ماذا حدث ؟‬‫ً‬ ‫حسنا لقد وضعت كمية‬ ‫‬‫احلديد اخلاص��ة بك فى عنرب‬ ‫احلب��وب ‪ .‬وهناك يوجد كما‬ ‫تعلم عدد كبري من الفئران والتى قرضته عن آخرها ‪ .‬وشاهدت بعينى االثنتني هذه‬ ‫كيف قرضته ‪ .‬وإن مل تكن تصدق ذلك ‪ ،‬فهيا تعاىل معى ولرتى بنفسك ‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫مل جيادله التاجر الفقري ‪ .‬وقال له ‪:‬‬ ‫ م��اذا أرى ؟ إن�ني أصدقك ‪ .‬أنا أعرف بأن الفئران ً‬‫دائم��ا ما حتب قرض احلديد ‪ .‬إىل‬ ‫اللقاء ‪ .‬مع السالمة ‪.‬‬ ‫ومض��ى التاج��ر الفقري فى طريق��ه إىل بيته ‪ .‬وأثناء ذل��ك رأى التاجر الفقري ً‬ ‫صبيا‬ ‫َ‬ ‫فاقرتب التاجر الفقري‬ ‫يلعب فى الشارع ‪ ،‬وعرف بأن هذا الصبى هو ابن التاجر الغنى ‪.‬‬ ‫منه وداعبه والطفه ثم أخذه معه إىل بيته ‪.‬‬ ‫وف��ى اليوم التاىل قاب��ل التاجر الغنى التاجر الفقري وحك��ى له عن املصيبة التى‬ ‫أملت به ‪ ،‬وأن ابنه قد فقد ومل يعلم عنه ً‬ ‫شيئا وسأله ‪:‬‬ ‫شيء ؟‬ ‫ هل رأيت ابين ‪ ،‬أو مسعت عنه أى‬‫ٍ‬ ‫فقال له التاجر الفقري ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫صقرا قد طار‬ ‫ نع��م ‪ ،‬لق��د رأيته ‪ .‬إذ إنين فور أن خرجت م��ن عندك باألمس ‪ :‬رأيت‬‫مباشرة فوق ابنك ‪ ،‬وخطفه فى احلال ثم حلق به فى اهلواء ‪.‬‬ ‫ قضب التاجر الغنى وقال ‪:‬‬‫ ال تستهزئ بى كيف حدث هذا ‪ ،‬كيف يستطيع صقر أن خيطف ً‬‫صبيا؟ ‪.‬‬ ‫ أن��ا ال أجرؤ أن أس��تهزئ بك ‪ .‬وما الغريب فى أن خيط��ف صقر ً‬‫صبيا وحيلق به فى‬ ‫شيء من املمكن‬ ‫اهلواء ‪ ،‬مثلما استطاعت الفئران أن تقرض مائة سيخ حديد ‪ .‬كل‬ ‫ٍ‬ ‫أن حيدث ‪.‬‬ ‫ عندئذ فهم التاجر الغنى وقال ‪:‬‬‫ حقيق��ة إن الفئ��ران مل تقرض احلديد اخلاص بك ‪ ،‬وأن��ا الذى قمت ببيعه ‪ ،‬إننى‬‫ً‬ ‫مضاعفا ‪.‬‬ ‫اآلن على استعداد بأن أعطيك الثمن‬ ‫‪ -‬إذا كان األمر هكذا فإن الصقر مل خيطف ابنك وسوف أعيده لك ‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫سبب الشر فى الدنيا‬ ‫كان يعي��ش فى الغابة ناس��ك ‪ -‬متعبد‬ ‫زاه��د ‪ -‬طي��ب القل��ب ‪ ،‬و تأنس له وال ختش��اه‬ ‫مجي��ع احلـيوان��ات املفرتس��ة الت��ى تعي��ش‬ ‫هن��اك ‪ ،‬وتربطه��م صداقة قوي��ة فيما بينهم‬ ‫إىل درجة أنهم كانوا ً‬ ‫دائما يتبادلون أطراف‬ ‫احلدي��ث ويتحدثون ً‬ ‫مع��ا ويفهم كل منهم‬ ‫اآلخر ‪.‬‬ ‫وذات ي��وم اس��تلقى الناس��ك عل��ى ظه��ره‬ ‫حتت ش��جرة فى الغابة ‪ ،‬وجتمع حوله كل‬ ‫م��ن‪ :‬غراب ‪ ،‬ومحام��ة ‪ ،‬وأيل ‪ ،‬وثعبان كى‬ ‫خيلدوا إىل النوم فى املكان نفسه ‪ ،‬وأخذت‬ ‫احليوان��ات األربع��ة تتج��ادل فيم��ا بينهم��ا‬ ‫وتتدبر سبب وجود الشر فى الدنيا ‪.‬‬ ‫وهن��ا ق��ال الغ��راب ‪َّ “ :‬‬ ‫إن اجل��وع هو س��بب‬ ‫وجود الش��ر فى الدنيا ‪ .‬فعندما تأكل حتى‬ ‫الشبع حتس بأنك جتلس على غصن الشجرة‬ ‫تص��دح ً‬ ‫طرب��ا ‪ ،‬وتش��عر بالراحة ‪ ،‬وينش��رح‬ ‫صدرك غبطة وس��رو ًرا ب��كل ماهوحولك ‪،‬‬ ‫ولك��ن بعد ي��وم أو يومني جمرد أن تش��عر‬ ‫باجلوع ‪ ،‬فيصبح على الفور كل ش��يء على‬ ‫ً‬ ‫كريها‪ ،‬وتضيق بك الدنيا‪ ،‬وحينئذ‬ ‫النقيض‬ ‫ً‬ ‫يس��يطر عليك صراع بداخلك ‪ ،‬وكأن شيئا‬ ‫ً‬ ‫بعي��دا ‪ ،‬وتطري من‬ ‫م��ا جيذبك إىل مكان ما‬ ‫م��كان إىل آخ��ر ‪ ،‬وينتابك ش��عو ٌر باخلوف‬ ‫وبع��دم الطمأنين��ة ‪ ،‬وم��ا أن ت��رى م��ن بعيد‬ ‫‪34‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫قطعة من اللحم فتارة ستش��عر بالغثيان ‪ ،‬وتارة أخرى س��تندفع بش��كل عشوائى ‪،‬‬ ‫وبال متيز ‪ ...‬فمرة ترى الناس سريمجوك باحلجارة ‪ ،‬وسيضربوك بالعصا حتى املوت‬ ‫ومرة أخرى ستنهشك الذئاب والكالب ‪ ،‬وفى النهاية سيقضى عليك ‪ .‬فكم يذهب‬ ‫الكث�ير من إخوانن��ا أدراج الريح ويهلكون بس��بب اجلوع ‪ .‬وهلذا فاجلوع هو س��بب‬ ‫الشر فى الدنيا”‪.‬‬ ‫ثم قالت احلمامة‪ “ :‬أما أنا فأرى أن اجلوع ليس س��بب الشر فى الدنيا ‪ ،‬وإمنا تعيش‬ ‫وحيدا دون أن تعول ً‬ ‫ً‬ ‫أحدا ‪ ،‬فهذا أمر س��هل وال حيتاج إىل أدنى عناء ولن يس��اورك أى هموم‬ ‫مضـنية ‪ .‬فجـندى واحـد فى امليـدان ال يسـاوى ً‬ ‫شـيئا ‪ ،‬ويـد واحـدة ال تصــفق ‪ .‬أما بالنسة‬ ‫ً‬ ‫أزواجا ً‬ ‫ً‬ ‫فدائما‬ ‫معا متحابني ‪ .‬فإذا كنت حتب وليفتك ‪،‬‬ ‫لنا حنن معشر احلمام فنعيش‬ ‫ً‬ ‫ما يس��اورك الشعور بعدم الطمأنينة وعدم الس��كينة من أجلها‪ ،‬فدائما ما تفكر‬ ‫فيها ً‬ ‫مليا‪ :‬يا ترى هل هى تشعر بالشبع أم ال ؟ هل تشعر بالدفء أم ال ؟ وجمرد أن تطري‬ ‫ً‬ ‫وليفت��ك إىل م��كان ما بعيدا عنك ‪ ،‬هنا تثبط عزميت��ك ويعرتيك فى التو واللحظة‬ ‫الشعور باهلالك التام ‪ ،‬وتساورك األفكار السيئة ‪ ،‬وتدور فى رأسك األسئلة ‪ :‬يا ترى‬ ‫هل س��تكون فريس��ة للصقر ؟ أم س��يقتنصها الصيادون ؟ عندئذ تسرع فى الطريان‬ ‫ً‬ ‫حبثا عنها وينتابك الشعور بأنك وقعت فى بلية كما وأن حمنة تنزل بك ‪ :‬فاملصيبة‬ ‫تكمن فى أن هل اختطفها صقر ؟ أم وقعت فى فخ ؟ فتنطلق على الفـور فى الطريان‬ ‫إىل أبعد مدى للبحـث عنها وتشعر وأنك تقع فى مأزق ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫بش��ع ‪ .‬فلن تأكل ولن تش��رب ‪ ،‬وس��تقوم بعمل‬ ‫فإذا هلكت وليفتك فهذا ش��يء‬ ‫واح��د فقط وهو البح��ث عنها وأنت جتهش فى البكاء ‪ .‬وبس��بب هذا كم من هالك‬ ‫سيصيبنا ! وبذلك فإن الشر فى الدنيا ليس بسبب اجلوع ‪ ،‬وإمنا يرجع إىل احلب”‪.‬‬ ‫بعد ذلك قال الثعبان ‪ “ :‬ال‪ ،‬ليس هذا بصحيح ‪ ،‬فالشر فى الدنيا ليس نتيجة اجلوع‬ ‫ً‬ ‫مجيعا فى سالم ووئام دون غضب أو‬ ‫أو احلب ‪ ،‬ولكنه يرجع إىل الغضب ‪ .‬فإذا عشنا‬ ‫ً‬ ‫مجيعا بالرضا ‪ .‬ولكن عندما يثار بك الشر والغضب فتشعر أنك ال‬ ‫س��خط فسنشعر‬ ‫متتلك نفسك من الغضب وهذا أمر بشع ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫هنا ستفكر فقط كيف تصب كل غضبك ونقمتك على من أثار حفيظتك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تعبريا عن االس��تهجان واالزدراء ‪ ،‬ويزحف ويقع فى‬ ‫فحيحا‬ ‫فتجد الثعبان هنا يطلق‬ ‫نفس��ه ش��عو ٌر باخلوف والذعر والبغض الش��ديد مما يدفعه بالبحث عن فريس��تة‬ ‫وعند اس��تحواذه عليها يلدغها‪ ،‬حينها لن جتد َم ْن يشفق عليك لدرجة أنه ينتابك‬ ‫الشعور بالغضب وتهلك نفسك بيدك ‪ .‬فالشر فى الدنيا سببه الغضب” ‪.‬‬ ‫أما األيل فقال ‪ ” :‬إن الش��ر الذى يس��ود العامل ال يكمن فى الغضب ‪ ،‬أو فى احلب ‪،‬‬ ‫‪35‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫أو فى اجلوع ‪ ،‬إمنا الشر يكمن فى اخلوف ‪ .‬فإن مل يكن هناك ما خييفنا فإن كل‬ ‫ش��يء س��يكون على ما يرام ‪ .‬فنحن معشر األيائل لدينا س��يقان سريعة للركض‬ ‫ٍ‬ ‫بعيدا ً‬ ‫ً‬ ‫خوفا‬ ‫بق��وة هائلة ‪ .‬نس��تطيع أن نصد هجوم أى حيوان صغري ذى ق��رون ونهرب‬ ‫من احليوان املفرتس ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حق��ا فمن املس��تحيل أن ال ختاف ‪ .‬فبمجرد أن تس��مع خشخش��ة أغصان الش��جر‬ ‫فى الغابة ‪ ،‬وحفيف أوراقها س��رعان ما ينتاب كل جس��مك قشعريرة وترتعش من‬ ‫اخل��وف ‪ ،‬وخيف��ق القلب وكأن��ه يريد أن يقفز ويط�ير بكل ما أوتى م��ن قوة وما‬ ‫تبقى له من أنفاس ‪.‬‬ ‫فت��ارة س��تجد هناك األرن��ب يركض بس��رعة وينتقل من م��كان إىل مكان ‪،‬‬ ‫وتارة أخرى س��يضطرب الطري ويرفرف جبناحيه ع َّدة مرات ويرتعد ً‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا‬ ‫خوفا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سينكس��رالغصن الياب��س ‪ ،‬ووقتها س��تعتقد أن حيوانا مفرتس��ا يش��ن هجوما على‬ ‫حيوان آخر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فس��تجد حيوانا يركض ً‬ ‫هربا خوفا من الكلب ‪ ،‬وس��يهاجم حيوان مفرتس آخر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مندفعا وال‬ ‫مس��رعا‬ ‫إنس��انا ‪ .‬وفى أغلب األحيان سيس��اورك الش��عور باخلوف وجترى‬ ‫تعلم إىل أين ؟ ولكنك س�تركض بكل ما لديك من قوة وس��تنهار وتس��قط عند‬ ‫أول منح��در حاد يقابلك وتكاد متوت من اخلوف ‪ .‬وحينها س��تنام وأنت فاتح إحدى‬ ‫عينيك وتغمض العني األخرى وستس��مع ما يدور حولك وأنت خائف ‪ ،‬ألنه ال يس��ود‬ ‫األمن واألمان ‪ .‬فالشر يرجع إىل الشعور باخلوف ” ‪.‬‬ ‫عندئذ قال الناسك ‪:‬‬ ‫ ال ليس الش��ر من اجلوع ‪ ،‬وال بس��بب احل��ب ‪ ،‬وال مصدره الغض��ب ‪ ،‬وال يرجع إىل‬‫اخل��وف ‪ ،‬ولك��ن الس��بب فى كل ما يس��اورنا م��ن عذاب ه��و من النفس البش��رية ‪.‬‬ ‫فاإلنسان هو الذى ُي ِّ‬ ‫سب ُب اجلوع ‪ ،‬واحلب ‪ ،‬والغضب ‪ ،‬واخلوف ‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫الرفيقان‬ ‫س��ـــار رفيقـان فى الغــابة‪،‬‬ ‫وفجأة قفز أمامهما دب ‪ .‬اندفع‬ ‫أحدهم��ا جي��رى بس��رعة‬ ‫وتس��لق ش��جرة حتى اختفى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعي��دا ع��ن ال��دب ‪ ،‬أما‬ ‫متام��ا‬ ‫ً‬ ‫وحيدا فى‬ ‫الرفي��ق اآلخر وقف‬ ‫عرض الطري��ق ومل يكن فى‬ ‫وسعه عمل شيء سوى أنه وقع‬ ‫عل��ى األرض وتظاه��ر بأن��ه قد‬ ‫مات ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اقرتب الدب من الرجل وأخذ‬ ‫يتش��ممه ‪ ،‬ف��ى ه��ذه اللحظ��ة‬ ‫س��كن الرج��ل وتوق��ف ع��ن‬ ‫التنفس ً‬ ‫متاما ‪.‬‬ ‫لك��ن ال��دب أخ��ذ يش��م وج��ه‬ ‫الرجل ‪ ،‬حتى اعتق��د أنه ميت ‪ ،‬فابتعد‬ ‫عنه وانصرف ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عندما غاد َر ُ‬ ‫امل��كان ‪ ،‬نزل الرفيق األول من‬ ‫الدب‬ ‫أعلى الشجرة وهو يسأل الرفيق الثانى ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حسنا ‪ ،‬أخربنى مباذا همس الدب فى أذنك ؟ ‪ .‬فرد عليه قائال ‪:‬‬ ‫‬‫ً‬ ‫ لقد قال ىل الدب ‪ ،‬إن الناس الس��ييئن يفرون بعيدا عن أصدقائهم أثناء املخاطر ‪،‬‬‫َّ‬ ‫وإن الصديق املخلص ُيعرف وقت الشدائد ‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الغراب والثعلب‬ ‫اقتنص غراب قطعة‬ ‫م��ن اللح��م ث��م جل��س‬ ‫واس��تقر عل��ى أعل��ى‬ ‫الش��جرة ليأكله��ا ‪ .‬إال‬ ‫أن ثعل ًب��ا أراد أن حيصل‬ ‫عل��ى قطعة م��ن اللحم‬ ‫َ‬ ‫فاقرتب من‬ ‫ليقتات بها ‪،‬‬ ‫الشجرة يقول للغراب ‪:‬‬ ‫ آه ‪ ،‬أيه��ا الغ��راب‪،‬‬‫كلم��ا أنظ��ر إلي��ك ‪،‬‬ ‫وإىل مج��ال قوام��ك ‪،‬‬ ‫وبه��اء طلعتك فأرى أنك‬ ‫البد وأن تصـبح ً‬ ‫ملكا‬ ‫فقط! وبأمانة لن يشفع‬ ‫ل��ك ف��ى أن تك��ون‬ ‫ً‬ ‫ملكا إال إذا أمسعتنى‬ ‫صوتك اجلميل ‪.‬‬ ‫انده��ش الغ��راب من‬ ‫كلم��ات امل��دح ه��ذه‬ ‫وأراد أن يربه��ن عل��ى‬ ‫ه��ذا وفت��ح فم��ه وب��دأ‬ ‫يصي��ح بكل ما لديه من قوة فس��قطت قطعة اللحم من فم��ه ‪ ،‬وعلى الفور التقطها‬ ‫ً‬ ‫ساخرا ‪:‬‬ ‫الثعلب والتهمها وقال للغراب‬ ‫ملكا إذا امتلكت عقلاً‬ ‫ آه ‪ ،‬أيها الغراب ‪ ،‬رمبا تصبح ً‬‫ً‬ ‫راجحا ‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫األسد والفأر‬ ‫كان هناك أسد ينام فى الغابة ‪ .‬ثم أحس بأن فأ ًرا جيرى حول جسده ‪ ،‬فاستيقظ‬ ‫ً‬ ‫قائال‬ ‫على الفور وأمس��ك بالفأر ‪ .‬أخذ الفأر يتوس��ل إىل األس��د بأن يرتكه وش��أنه ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫معروفا “‪ .‬وهنا بدأ‬ ‫لألس��د‪ “ :‬إذا أطلقت س��راحى ‪ ،‬فسيأتى وقت سوف أس��دى فيه لك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫س��اخرا منه ‪ ،‬غري متوقع بأن الفأر قد يس��دى ل��ه معروفا يوما ما‪،‬‬ ‫األس��د فى الضحك‬ ‫فأطلق سراحه ‪.‬‬ ‫بع��د فرتة من الوقت أمس��ك الصيادون باألس��د وقيدوه باحلبال حول الش��جرة ‪.‬‬ ‫مسع الفأر زئري األس��د ‪ ،‬فأسرع إىل هناك وأخذ يقرض احلبل وهو يقول لألسد‪ “ :‬هل‬ ‫ً‬ ‫معروفا ‪ ،‬واآلن كما ترى ‪،‬‬ ‫تتذكر ‪ ،‬عندما اعتقدت بأننى ال أس��تطيع أن أس��دى لك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معروفا مللك الغابة القوى ‪ .‬حقا يضع‬ ‫من املمكن وأن يسدى الفأر الضعيف الضئيل‬ ‫سره فى أضعف خلقه ” ‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫البعوضة واألسد‬ ‫ح��دث أن كانت هن��اك بعوضة تطري‬ ‫حول أسد ‪ ،‬وفجأة قالت له ‪:‬‬ ‫ ه��ل تعـتق��د أن لدي��ك ق��وة تفوق‬‫قوت��ى ؟ وإذا كان األمركذل��ك‬ ‫فس��أبرهن ل��ك عك��س م��ا تظ��ن ! فأنا‬ ‫أع��رف أى ق��وة متتلك ! فأنت تس��تطيع‬ ‫أن ختدش مبخالبك ‪ ،‬وتفرتس بأس��نانك‬ ‫ومت��زق بأنياب��ك ‪ ،‬وأن تتص��رف كم��ا‬ ‫تفع��ل النس��اء م��ع أزواجه��ن عندم��ا‬ ‫تتش��ــاجرن معهم ‪ .‬فلتعلم بأننى أقوى‬ ‫من��ك ‪ ،‬ف��إن أردت أن تقاتلن��ى ‪ ،‬فهيا إىل‬ ‫املنازلة !‬ ‫حترك��ت البعوض��ة وأخ��ذت ت��زن‬ ‫وتل��دغ خدى األس��د اخلاليني من الش��عر‬ ‫وك��ذا أنفه ‪ ،‬مما أدى إىل أن األس��د أخذ‬ ‫يض��رب وجهه بكفي��ه وميزق جس��ده‬ ‫ً‬ ‫قطوعا تدف��ق منها‬ ‫مبخالب��ه مما أح��دث‬ ‫الدم على كل وجهه حتى خارت قواه ‪.‬‬ ‫س��عدت البعوضة مبا فعلته وواصلت‬ ‫طريانها‪ .‬وفج��أة تعثرت البعوضة خبيوط‬ ‫عنكبوتية ‪ ،‬وأخ��ذ العنكبوت ميتص‬ ‫دمها ‪ .‬عندئذ قالت البعوضة فى نفسها ‪:‬‬ ‫ اس��تطعت أن أنتص��ر عل��ى األس��د ‪-‬‬‫احلي��وان املفرتس وها أنا ألق��ى حتفى من‬ ‫عنكبوت دنئ ‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫الذئب والسيدة العجوز‬ ‫كان الذئ��ب اجلوع��ان يبحث عن فريس��ة ل��ه ‪ .‬و أثناء جتوله فى أط��راف القرية‬ ‫مسع ً‬ ‫صبيا يبكى فى الدار و تقول له جدته العجوز ‪:‬‬ ‫ إذا مل تكف عن البكاء سوف أعطيك للذئب ‪.‬‬‫هن��ا توقف الذئب عن الس�ير وانتظر الذئب حتى يقدموا ل��ه الصبى ‪ .‬وعندما َحلَّ‬ ‫الليل مسع الذئب اجلدة العجوز مرة أخرى تردد وتقول ‪:‬‬ ‫تبك يا صغريى ‪ ،‬فلن أعطيك للذئب ‪ ،‬ومبجرد أن حيضر الذئب إىل هنا فس��وف‬ ‫ ال ِ‬‫نقضى عليه ونقتله ً‬ ‫معا‪.‬‬ ‫عندئذ أخذ الذئب يفكر ويقول فى نفسه ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ش��يئا ‪ ،‬وتفعل ش��يئا آخر ‪ ،‬وعلى الفور َّ‬ ‫سريعا بعيدا‬ ‫فر‬ ‫ يبدو أن الناس هنا تقول‬‫خارج القرية ‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الوزير عبداهلل‬ ‫كان ل��دى أح��د قياصرة الفرس وزير خملص أمني يدع��ى “عبداهلل” ‪ .‬وذات مرة‬ ‫ً‬ ‫مجوعا من أفراد الش��عب‬ ‫قب��ل ذهاب��ه ملقابلة القيصر ط��اف أرجاء اململك��ة فوجد‬ ‫يقوم��ون مبظاه��رات مترد ضد القيصر وحكمه ‪ ،‬وم��ا أن رأوا الوزير جتمعوا حوله‬ ‫وأوقفوا جواده وأخذوا فى تهديدهم له متوعدينه بالقتل إذا مل حيقق هلم مطالبهم‪،‬‬ ‫وجتاسر أحد األشخاص بأن جذبه من حليته وأخذ يشده منها ‪.‬‬ ‫وبعد أن أخلت مجوع الش��عب س��بيل الوزير ‪ ،‬ذهب الوزير مباشرة إىل القيصر‬ ‫متوسلاً إياه بضرورة مساعدة رعيته ‪ ،‬وأال يعاقب الذى أساء إليه ‪.‬‬ ‫وفى صباح اليوم التاىل حضر إىل الوزير أحد أصحاب احملالت ‪ .‬هنا سأله الوزير‬ ‫عن سبب حضوره ومبا يستطيع مساعدته ‪ .‬فقال له صاحب الدكان ‪:‬‬ ‫“ جئت إليكم ألخربكم عن ذلك الرجل الذى أس��اء إليكم باألمس ‪ .‬فأنا أعرفه‬ ‫– إنه يس��كـن جبـوارى ‪ ،‬ويدعـى “ناجـيم” ‪ ،‬عليك بأن ترس��ل إليه وتس��تدعيه‬ ‫وتعاقبه ! ”‬ ‫وبع��د أن مس��ح الوزي��ر لصاح��ب‬ ‫الدكان باالنصراف ‪ ،‬أرس��ل إلحضار‬ ‫الس��يد الذى يدعى “ناجيم” ‪ .‬عندئذ‬ ‫مخ��ن “ناجي��م” أن البعض ق��د أبلغوا‬ ‫ً‬ ‫فع�لا إىل الوزير ‪ ،‬وهو ما‬ ‫عنه ‪ ،‬وذهب‬ ‫ب�ين احلياة واملوت ‪ ،‬حتى س��قط على‬ ‫الفور عند قدمى الوزير متوسلاً إياه ‪.‬‬ ‫غري أن الوزير َم َّد إليه يداه وأنهضه‬ ‫ً‬ ‫قائال له ‪:‬‬ ‫“ إننى مل اس��ـتدعك كـى أعـاقبك ‪ ،‬وإمنا أرس��لت فى طلب��ك ألقول لك بأن جارك‬ ‫شخص واش وغري أمني ‪ .‬لقد أبلغ عنك ‪ ،‬فاحرتس منه ‪ .‬اذهب وليحفظك اهلل ‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫األسقف واللص‬ ‫من��ذ فرتة طويل��ة والش��رطة تبحث‬ ‫ع��ن ل��ص بعين��ه ‪ .‬وذات م��رة تنك��ر‬ ‫الل��ص فى لب��اس آخر وج��اء ليعيـش فى‬ ‫املدين��ة ‪ .‬إال أن الش��رطة تعرف��ت عليه‬ ‫وأخ��ذت تطارده وتتبع��ه ‪ .‬بيد أن اللص‬ ‫اس��تطاع أن يه��رب م��ن الش��رطة حتى‬ ‫وص��ل إىل األس��قفية ‪ ،‬حي��ث كان��ت‬ ‫أبوابه��ا مفتوحـ��ة ‪ ،‬وعلى الفـ��ور دخل‬ ‫إىل الفناء‪ ،‬وهنا استوقفه الراهب وسأله ‪:‬‬ ‫ ماذا تريد؟‬‫مل يعرف اللص مباذا جييب ‪ ،‬ولكنه قال بطريقة عشوائية ‪:‬‬ ‫ إنى فى حاجة إىل رؤية األسقف ‪.‬‬‫استقبل األسقف اللص وسأله ‪:‬‬ ‫ فى أى األمور جئت ّ‬‫إىل كى تسألنى ؟‬ ‫فأجاب اللص ‪:‬‬ ‫ أنا لص ‪ ،‬والشرطة تطاردنى ‪ ،‬أخفنى وإن مل تفعل سوف أقتلك” ‪.‬‬‫قال األسقف ‪:‬‬ ‫ إنى رجل عجوز ‪ ،‬وال أهاب املوت ‪ ،‬ولكنى أشفق عليك ‪ .‬اصعد إىل الغرفة العليا‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫قلي�لا من الطعام‬ ‫قليال ‪ ،‬وس��وف أحضر لك‬ ‫لألس��قفية ‪ ،‬يب��دو أنك متعب فلتس�ترح‬ ‫تقتات منه ‪.‬‬ ‫مل يتجاس��ر رج��ال الش��رطة أن يقتحموا دار األس��قف ‪ ،‬حيث مك��ث اللص لدى‬ ‫األسقف لقضاء ليلته ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عندما أخلد اللص ألخذ قليال من الراحة ‪ ،‬حضر األسقف إليه وقال له ‪:‬‬ ‫‪43‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ إننى أش��فق عليك ‪ ،‬وأنت تعانى من اجلو البارد ‪ ،‬والش��رطة تطاردك كما تطارد‬‫ً‬ ‫كثريا من األعمال الش��ريرة وأنت‬ ‫الذئ��ب ‪ ،‬ولك��ن أكثر ما يأملنى فى أن��ك اقرتفت‬ ‫بيدك تدمر نفسك ‪ .‬فلتكف عن كل تلك األعمال السيئة ‪.‬‬ ‫قال اللص‪:‬‬ ‫ ال‪ ،‬مل أس��تطع اإلق�لاع أو الك��ف عن األعمال الش��ريرة هذه ‪ .‬فقد عش��ت طوال‬‫حياتى ً‬ ‫لصا ‪ ،‬وهكذا سأموت ‪.‬‬ ‫ترك األسقف اللص ‪ ،‬وقام بفتح مجيع األبواب وذهب لينام ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أخ��ذ الل��ص طوال الليل��ة يتجول ‪ً ،‬‬ ‫وإيابا بالغرف��ة العليا لألس��قفية ‪ .‬وقد‬ ‫ذهاب��ا‬ ‫أصابت��ه الدهش��ة عندما الحظ أن األس��قف مل يوصد األبواب باملفت��اح ‪ ،‬بل تركها‬ ‫مجيعها مفتوحة على مصراعيها ‪.‬‬ ‫وأخريا رأى مشعداناً‬ ‫ً‬ ‫أخذ اللص يتلفت حوله ‪ ،‬ويفكر فيما س��يقوم بس��رقته ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كبريا من الفضة ‪ ،‬وأمعن فى التفكري ‪ ،‬وأخذ يقول فى نفسه ‪:‬‬

‫ س��وف أستوىل على هذا الشيء – فهو يساوى الكثري من املال ‪ -‬وسأخرج من هنا‬‫دون أن يشعر بى أحد ‪ ،‬أما فيما خيص األسقف فلن أقتله”‪ – .‬وهذا ما مت ً‬ ‫فعال ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن دار األس��قف ‪ ،‬إذ كان��وا يتابعون ويراقبون‬ ‫مل يتحرك رجال الش��رطة‬ ‫الل��ص ط��وال الوقت ‪ .‬ومبجرد أن خ��رج اللص من األس��قفية حاص��روه وألقوا القبض‬ ‫عليه ‪ ،‬وعند تفتيشه وجدوا حتت طرف ثيابه الشمعدان ‪.‬‬ ‫أخذ اللص فى إنكار ما سرقه ‪ ،‬ولكن رجال الشرطة قالوا له ‪:‬‬ ‫ إن كنت تستطيع أن تنكر أعمالك التى قمت بها فى السابق ‪ ،‬فإنك لن تستطيع‬‫أن تنكر س��ـرقتك للش��ـمعدان ‪ .‬اآلن فلنذهـب ً‬ ‫معا إىل األسقف ليقر عليك جرمية‬ ‫السرقة ‪.‬‬ ‫عندئ��ذ ق��ادوا رج��ال الش��رطة اللص إىل األس��قف ‪ ،‬وعرضوا عليه الش��معدان‬ ‫وسألوه ‪:‬‬ ‫ هل الشمعدان هذا خيص نيافتكم ؟ ” ‪.‬‬‫ فأجاب يقول ‪:‬‬‫ نعم خيصنى ‪.‬‬‫قال رجال الشرطة ‪:‬‬ ‫ لقد مت سرقة هذا الشمعدان من نيافتكم ‪ ،‬وها هو اللص ‪.‬‬‫‪44‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫صمت اللص ‪ ،‬وأصبحت عيناه شاردتني كعيون الذئب ‪.‬‬ ‫مل ينطق األسقف بكلمة واحدة ‪ ،‬وسارع على الفور إىل الغرفة العليا لألسقفية‬ ‫وأخذ من هناك قاعدة الشمعدان ‪ ،‬وأعطاها إىل اللص قائلاً له ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫واحدا من الش��ـمعدان ‪ .‬وه��ا أنا أقدم ل��ك اجلـزأين‬ ‫ مل��اذا أخ��ذت فقط جـ��ز ًءا‬‫هـدية لك ‪.‬‬ ‫أجهش اللص فى البكاء وقال لرجال الشرطة ‪:‬‬ ‫ أنا لص وقاطع طريق ‪ ،‬اقبضوا على! وخذونى حيث شئتم ‪.‬‬‫ثم َو َّجه كالمه لألسقف بعد ذلك قائلاً ‪:‬‬ ‫ ساحمنى من أجل السيد املسيح ( عليه السالم ) ‪ُ ،‬‬‫وادع اهلل أن يغفر ىل ‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫َّ‬ ‫الكذاب‬ ‫كان صب��ى يرعى الغنم ف��ى املرعى الرحب وهي��أ له أنه رأى ذئ ًب��ا ‪ ،‬فأخذ يصرخ‬ ‫وينادى ‪ ” :‬ساعدونى ‪ ،‬أنقذونى هنا ذئب ! هنا ذئب ! ” ‪.‬‬ ‫أس��رع إلي��ه الفالحون م��ن كل صوب وح��دب ثم أدرك��وا كذب الصب��ى وأنه‬ ‫َ‬ ‫اعت��اد الصبى تكرار ه��ذا الفعل عدة مرات ‪ ،‬ولك��ن ذات مرة حدث وأن‬ ‫خيدعه��م ‪.‬‬ ‫هامجه الذئب بالفعل ‪.‬‬ ‫فأخ��ذ الصبى يصرخ ‪“ :‬اهرعوا إىل هنا بس��رعة ‪ ،‬إىل هنا‪ ،‬انقذون��ى من الذئب ! ”‪.‬‬ ‫اعتق��د الفالحون أن الصبى خيدعهم مرة أخرى كما حدث فى املرات الس��ابقة فلم‬ ‫يس��تجيبوا ل��ه ‪ ،‬وملا رأى الذئب أنه ليس هناك من خييف��ه ‪ ،‬انطلق إىل املكان الرحب‬ ‫حيث قطيع األغنام وأخذ يفتك به ‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫الحظ‬ ‫ج��اء مج��ع من الن��اس إىل إح��دى ُ‬ ‫اجلـ��زر التى توج��د به��ا العديد م��ن األحجار‬ ‫الكرمية ‪.‬‬ ‫أخذ اجلميع يبحثون عن تلك األحجار الكرمية ألخذ املزيد منها‪ ،‬فلم يأكلوا‬ ‫ً‬ ‫إال ً‬ ‫قلي�لا ‪ ،‬ومل ينام��وا ً‬ ‫قليال ‪ ،‬وواصل اجلميع العمل للعث��ور على املزيد من‬ ‫أيض��ا إال‬ ‫ه��ذه األحج��ار الكرمية ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا فقط ‪،‬‬ ‫ش��خصا‬ ‫إال أن‬ ‫ً‬ ‫مل يفعل ش��يئا ‪ ،‬وجلس فى‬ ‫مكان��ه وأكل ‪ ،‬وش��رب ‪،‬‬ ‫ونام ‪.‬‬ ‫عندم��ا جتم��ع الن��اس‬ ‫للع��ودة إىل ديارهم أيقظوا‬ ‫ه��ذا الش��خص وقال��وا ل��ه ‪:‬‬ ‫“م��اذا س��تحمل إىل دارك‬ ‫عند عودت��ك ؟ ” فما كان‬ ‫من الرج��ل أن التقط حفنة‬ ‫من الرتاب م��ن حتت قدميه‬ ‫ووضعها فى حقيبته ‪.‬‬ ‫عندما عاد هذا اجلمع‬ ‫م��ن الن��اس إىل دياره��م ‪،‬‬ ‫أمس��ك هذا الرجل حقيبته‬ ‫وأخ��رج منها حفن��ة الرتاب‬ ‫م��ن أرض اجلزي��رة ‪ ،‬فوجد‬ ‫نفيسا أغلى ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثـمنا من‬ ‫حجرا‬ ‫بقي��ة األحج��ار الكرمية‬ ‫التى مت مجعوها كلهم ‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫القاضي العادل‬ ‫قاض‬ ‫أراد األم�ير “ب��وكاس” أن يتع��رف على حقيقة م��ا يردده الناس ع��ن وجود ٍ‬ ‫ع��ادل فى إح��دى مدن مملكته ‪ ،‬لديه الق��درة على معرفة احلقيق��ة على الفور ‪،‬‬ ‫وال يس��تطيع أى غش��اش أن يهرب من قصاصه ‪ ،‬فتنكر األمري فى زى تاجر وامتطى‬ ‫حصانه واجته حنو املدينه ‪ ،‬حيث يعيش القاضى ‪.‬‬ ‫عندما وصل “بوكاس” عند مش��ارف املدينة اقرتب منه ش��حاذ أعرج وطلب منه‬ ‫فتصدق عليه وأراد أن يواصل رحلته ً‬ ‫ً‬ ‫إال أن الشحاذ تشبت برداء األمري ‪.‬‬ ‫صدقة ‪،‬‬ ‫فساله األمري “بوكاس” ‪:‬‬ ‫ ماذا تريد ؟ أمل أعطيك الصدقة ؟‬‫أجاب األعرج ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ نعم لقد تصدقت َّ‬‫على ‪ ،‬لكننى أطلب منك أن تقدم ىل معروفا بأن أركب معك‬ ‫احلصان وتقوم بتوصيلى حتى امليدان فإنى أخشى أن تداهمنى اجلمال واجلياد ‪.‬‬ ‫مس��ح “بوكاس” للش��حاذ األع��رج أن يركب خلف��ه ‪ ،‬وما أن وص�لا إىل امليدان ‪،‬‬ ‫رفض الشحاذ أن ينزل عن ظهر اجلواد ‪.‬‬ ‫وقال له “بوكاس”‪:‬‬ ‫ مل أنت جالس؟ فلتنزل ‪ ...‬لقد وصلنا ‪.‬‬‫ً‬ ‫ َّ‬‫قائال ‪:‬‬ ‫رد الشحاذ عليه‬ ‫ انزل ؟ انزل ملاذا ؟ إن هذا حصانى ‪ ...‬وإذا مل تعطنى إياه باحلس��نى فلنذهب إىل‬‫القاضى ‪ً .‬‬ ‫جتمع حشد من الناس حوهلما ومسعوا عما يتشاجران ‪ ،‬فصاحوا ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫هيا اذهبا إىل القاضى ‪ ،‬فهو الذى سيحكم بينكما ‪.‬‬ ‫ ‬‫ذهب “بوكاس” مع الش��حاذ األعرج إىل القاضى ‪ ،‬وكان فى احملكمة حشد من‬ ‫الن��اس ‪ .‬نادى القاض��ى على الذين جـ��اءوا للفصـل فى قضاياهم كل حس��ب دوره ‪.‬‬ ‫وقب��ل أن حيني دور “ب��وكاس” أمام القاضى ‪ُ ،‬نودى على رجل م��ن رجال العلم وأحد‬ ‫الفالح�ين إذ ًادع��ى كل منهما أن املرأة التى تقف معهما أم��ام القاضى هى زوجته ‪،‬‬ ‫‪48‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫ق��ال الف�لاح َّ‬ ‫إن هذه امل��رأة – زوجتى ‪ ،‬فى الوقت الذى يقول في��ه العامل إنها زوجته هو‬ ‫ً‬ ‫قليال ثم قال ‪:‬‬ ‫اآلخر ‪ ...‬فاستمع القاضى وصمت‬ ‫ً‬ ‫ اتركا املرأة عندى فى احملكمة ‪ ،‬أما بالنسبة لكما ‪ ،‬فاحضرا غدا ‪.‬‬‫وعندم��ا غ��ادر العامل والف�لاح قاعة احملكمة حض��ر جزار وبائع زي��ت ‪ .‬كانت‬ ‫مالب��س اجل��زار ملوثة بال��دم ‪ ،‬أما بائع الزيت فمالبس��ه مبتلة بالزي��ت ‪ .‬وكان بائع‬ ‫الزيت ً‬ ‫قابضا بيديه على يد اجلزار التى بها بعض النقود ‪.‬‬ ‫قال اجلزار ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ لق��د اش�تريت من هذا الش��خص بعض��ا من الزي��ت ‪ ،‬وحينها أخرج��ت من جيبى‬‫حافظ��ة النق��ود ألدفع له ثـمن الزيت ‪ ،‬إال أنه أمس��ك بي��دى وأراد أن خيطف كل ما‬ ‫معى من نقود فأتينا إليك أمسك حافظة نقودى فى يدى ‪ ،‬لكنى أؤكد لك أن هذه‬ ‫النقود نقودى ‪ ،‬أما هو فيقبض على يدى ‪ ،‬فهو لص ‪.‬‬ ‫وهنا قال بائع الزيت ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ هذا غري صحيح ‪ .‬لقد حضر إىل “ اجلزار لشراء بعض الزيت ‪ ،‬وعندما كنت أمأل‬‫له قس��ط الزي��ت ‪ ،‬طلب منى أن أفك له بع��ض النقود ‪ .‬فأحضرت ل��ه النقود ووضعتها‬ ‫على املنضدة فأخذها وأراد أن يهرب بها فأمسكت بيده وأحضرته إىل هنا ‪.‬‬ ‫صمت القاضى ثم قال ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫اتركا النقود هنا واحضرا غدا ‪.‬‬ ‫جاء دور “بوكاس” والشحاذ األعرج أمام القاضى ‪ ،‬فحكى “بوكاس” عما حدث‬ ‫وأنصت إليه القاضى ‪ ،‬الذى طلب من الشحاذ األعرج أن يدىل بأقواله ‪.‬‬ ‫فقال الشحاذ ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ممتطيا ج��وادى ‪ ،‬بينما‬ ‫ ه��ذا ليس بصحيح ‪ .‬كن��ت فى طريق��ى إىل املدينة‬‫كان ه��و جالس على األرض فطلب من��ى أن أقوم بتوصيله إىل املدينة فركب معى‬ ‫عل��ى ظهر اجلواد وأوصلته حي��ث كان يريد‪ ،‬لكنه رفض أن ينزل عن ظهر اجلواد‬ ‫وقال إن هذا جواده ‪ ،‬وهذا كذب ‪.‬‬ ‫فكر القاضى وقال هلما ‪:‬‬ ‫ اتركا اجلواد هنا واحضرا ً‬‫غدا ‪.‬‬ ‫فى اليوم التاىل حضر حشد من الناس لالستماع إىل أحكام القاضى ‪.‬‬ ‫وملا جاء دور التاجر والشحاذ قال ‪:‬‬ ‫‪49‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫القاض��ى للتاج��ر ( ال��ذى ه��و األمري‬ ‫ً‬ ‫متخفيا ) ‪.‬‬ ‫ إن��ه جوادك ‪ .‬خذه ‪ .‬أما الش��حاذ‬‫األعرج فيضرب بالعصا مخسني مرة ‪.‬‬ ‫والحظ القاضى وهو فى طريقه إىل‬ ‫منزل��ه بعد احملاكم��ة أن “بوكاس”‬ ‫كان يتتبع��ه ‪ ،‬فن��ادى القاضى عليه‬ ‫وسأله ‪:‬‬ ‫ م��اذا ب��ك ؟ أمل ترض بق��رارى الذى‬‫اختذته ؟‬ ‫قال بوكاس ‪:‬‬ ‫ ال ‪ ،‬إنن��ى راض ‪ ...‬ولكنن��ى أود أن‬‫أع��رف كيف اس��تطعت أن جت��زم بأن‬ ‫املرأة ه��ى زوجة العامل وليس��ت زوجة‬ ‫الف�لاح ‪ ،‬وأن النق��ود خت��ص اجل��زار‬ ‫وليس��ت نقود بائع الزي��ت ‪ ،‬وأن اجلواد‬ ‫جوادى وليس جواد الشحاذ األعرج ؟‬ ‫قال القاضى ‪:‬‬ ‫ بالنس��بة للم��رأة فق��د دعوته��ا فى‬‫الصب��اح وطلبت منها أن تس��كب احلرب فى احملربة فقام��ت بتنظيف احملربة ثم صبت‬ ‫احلرب فيها بسرعة وحبنكة ‪ ،‬فاتضح ىل أنها تعودت على أن تفعل هذا الشيء ‪ ،‬وأن‬ ‫ه��ذا العمل لي��س بغريب عليها ‪ ،‬فإن كانت هى زوجة الفالح ما اس��تطاعت أن تقوم‬ ‫بهذه املهمة ‪ ،‬وبنا ًء على ذلك يكون العامل على حق ‪ .‬أما بالنسبة للنقود فقد عرفت‬ ‫حقيقتها على النحو اآلتي ‪:‬‬ ‫باألم��س وضع��ت النقود فى ك��وب من املاء وأمعن��ت النظر فى امل��اء للتأكد من‬ ‫ظه��ور زيت على س��طح املاء ‪ .‬ف��إذا كانت ه��ذه النقود ختص بائع الزي��ت فالبد وأن‬ ‫تكون بها آثار من يد البائع ‪ .‬لكنه مل يظهر على سطح املاء أى أثر للزيت ‪ ،‬ولذلك‬ ‫فاجل��زار عل��ى حق ف��ى دعواه ‪ .‬أم��ا موض��وع اجلواد ف��كان أكثر صعوب��ة ‪ .‬فقد‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫جوادا ‪ .‬فأنا‬ ‫تعرف الش��حاذ األعرج كما تعرفت أنت على اجلواد من بني العش��رين‬ ‫مل أصطحبكما إىل إس��طبل اخلي��ل لتتعرفا على اجلواد‪ ،‬وإمن��ا على من منكما‬ ‫‪50‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫س��يتعرف اجلوادعلي��ه ‪ .‬فعندما اقرتبت أنت م��ن اجلواد حتى تلفت برأس��ه ومدها‬ ‫حنوك وحينما ملس��ه األع��رج بيده ‪ ،‬تضايق اجلواد ورفع رجل��ه عن األرض ‪ ،‬وبذلك‬ ‫عرفت صاحب اجلواد احلقيقى ‪.‬‬ ‫عندئذ قال “بوكاس” للقاضى ‪:‬‬ ‫إن��ى لس��ت بتاجر ‪ ،‬وإمنا أنا األم�ير بوكاس وقد جئت إىل هن��ا ألعرف حقيقة ما‬ ‫قاض عادل ‪ .‬فلتطلب ما تش��اء وس��ألبيه لك على‬ ‫يق��ال عنك وتأكدت بنفس��ى بأنك ٍ‬ ‫الفور ‪.‬‬ ‫وهنا قال القاضى ‪:‬‬ ‫ إن��ى لس��ت ف��ى حاج��ة إىل عطاي��ا ‪ .‬فأنا س��عيد ب��أن األم�ير حتقق م��ن عدالتى‬‫وامتدحـنى ‪ ،‬وهذا شرف عظيم ىل ‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫القيصر والصقر‬ ‫ً‬ ‫ممتطي��ا حصانه ‪ ،‬وق��د أطلق صق��ره احملبب له‬ ‫خ��رج القيص��ر فى رحل��ة صيد‬ ‫خل��ف أرنب برى ‪ .‬س��رعان م��ا حلق الصقر باألرنب وأمس��ك به ‪ .‬انت��زع القيصر األرنب‬ ‫ً‬ ‫وأخريا عثر على مصدر‬ ‫من خمالب الصقر ‪ .‬أخذ القيصر يبحث عن ماء ليس��د ظمأه‬ ‫م��ن املاء عند ربوة عالية ‪ ،‬حيث يتس��اقط منها املاء قط��رة تلو القطرة ‪ .‬عندئذ أحضر‬ ‫ً‬ ‫كأسا من سرج احلصان ووضعه حتت مصدر املاء الذى كان يتساقط قطرة‬ ‫القيصر‬ ‫تلو األخرى ‪ .‬وعندما امتأل الكـأس إىل حـافته ‪ ،‬أخذ القيصر يرفع الكأس إىل فمه‬ ‫كى يش��رب ‪ ،‬إال أن الصقر قد انتفض‬ ‫فج��أة م��ن عل��ى ي��د القيص��ر وض��رب‬ ‫جبناحيه يد القيصر ‪ ،‬فانس��كب املاء‬ ‫ً‬ ‫بعيدا ‪.‬‬ ‫من الكأس‬ ‫وم��رة أخرى وض��ع القيصر الكأس‬ ‫ً‬ ‫طويال حتى‬ ‫عن��د مصدر امل��اء وانتظ��ر‬ ‫جتمع امل��اء وامت�لأ عن آخ��ره ‪ .‬وعندما‬ ‫رف��ع القيصر الكأس إىل فمه ليش��رب‬ ‫من��ه أخ��ذ الصق��ر يرف��رف جبناحي��ه‬ ‫حتى سكب املاء مرة أخرى ‪.‬‬ ‫وللمرة الثالثة عندما جتمع املاء فى‬ ‫ال��كأس الذى ما كاد ُيلمس ش��فتيه‬ ‫حتى سكب الصقر املاء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شديدا‬ ‫هذا ما أغضب القيصر غض ًبا‬ ‫ورم��ى الصقر ب��كل ما لدي��ه من قوة‬ ‫حبجر فقتله على الفور ‪.‬‬ ‫فى تلك اللحظة اقرتب خدم القيصر‬ ‫منه ‪ ،‬وركض أحدهم إىل أعلى الربوة‬ ‫‪52‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫حي��ث يوج��د منبع امل��اء كى جيد م��ا ًء ً‬ ‫وفريا وبس��رعة ميأل ال��كأس ويأتى به إىل‬ ‫خاليا ً‬ ‫ً‬ ‫متاما وقال ‪:‬‬ ‫القيصر ‪ ،‬لكن اخلادم مل حيضر الكأس وبه ماء ‪ ،‬بل عاد به‬ ‫ موالى ‪ ،‬هذا املاء من املستحيل أن تشرب منه ‪ ،‬ألن هناك أفعى سامة قد أطلقت‬‫مسها فيه ‪ ،‬وقد أحسن الصقر التصرف بسكبه املاء ‪ .‬فإذا كنت قد شربت منه كنت‬ ‫قد لقيت حتفك ً‬ ‫حتما ‪.‬‬ ‫وهنا قال القيصر ‪:‬‬ ‫‪ -‬يا إهلى لقد أسأت إىل الصقر ‪ :‬إذ أنقذ حياتى ‪ ،‬أما أنا فقد قتلته ‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫القيصر والقميص‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫عندما مرض أحد القياصرة أعلن للجميع‬ ‫ سوف أمنح نصف مملكتى ملن يداوينى ‪.‬‬‫ً‬ ‫مجيعا وأخ��ذوا يبحثون فيما بينهم كيف ميكن عالج‬ ‫عندئ��ذ اجتمع األطباء‬ ‫القيصر ؟ ومل يتوصلوا إىل رأى سديد ‪ ،‬إال أن أحد األطباء قال إنه يستطيع أن يداوى‬ ‫القيصر وقال ‪:‬‬ ‫ـ إذا عثرنا على ش��خص سعيد فى‬ ‫حيات��ه وخلعن��ا قميص��ه م��ن عليه‬ ‫وألبسناه للقيصر فسوف يشفى على‬ ‫الفور ‪.‬‬ ‫أرس��ل القيصر أتباعه للبحث عن‬ ‫ه��ذا الش��خص الس��عيد ف��ى مجي��ع‬ ‫أحن��اء اململك��ة ‪ ،‬وجـاب��وا كل‬ ‫م��كان فيه��ا ‪ ،‬ولكنه��م مل يعث��روا‬ ‫على إنسان واحد سعيد ‪ .‬فلم يكن‬ ‫هن��اك من ه��و راض عن كل ش��يء ‪.‬‬ ‫فإذا عثروا على ش��خص غنى وجدوه‬ ‫ً‬ ‫مريض��ا ‪ ،‬وإن كان هناك من بصحة‬ ‫جي��دة فإن��ه فق�ير ‪ ،‬وإن كان هناك‬ ‫ً‬ ‫ومعاف��ى ف��إن زوجت��ه ام��رأة‬ ‫غن��ى‬ ‫معيبة أو أن س��لوك أوالده غري طيب‬ ‫‪ .‬كان اجلميع يشكو من شيء ما ‪.‬‬ ‫ف��ى وق��ت متأخر م��ن الليل كان‬ ‫اب��ن القيصر يس�ير بالق��رب من أحد‬ ‫الفالح�ين البس��طاء وإذا ب��ه يس��مع‬ ‫‪54‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫ً‬ ‫شخصا يقول‪:‬‬ ‫ احلم��د هلل لق��د عملت مبا فيه الكفاية ‪ ،‬وأكلت حتى ش��بعت ‪ ،‬واآلن س��وف‬‫أذهب لفراشى ألنام ‪ ،‬ماذا أريد من الدنيا أكثر من هذا ؟‬ ‫وهنا فرح ُ‬ ‫ابن القيصر وأمر أن يحُ ضروا قميص هذا الش��خص الس��عيد وأن مينحوه‬ ‫كل ما يطلب من أموال ‪ ،‬ويأتوا بالقميص إىل والده القيصر ‪ .‬وعلى الفور ذهب أتباع‬ ‫القيصر إىل هذا الفالح الس��عيد وحاولوا احلصول على قميصه لكن هذا الش��خص‬ ‫فقريا ً‬ ‫السعيد كان ً‬ ‫جدا لدرجة أنه مل يكن لديه قميص ‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫القيصر بطرس األول والفالح البسيط‬ ‫ذات مرة التقى بطرس األول فى الغابة بفالح عجوز كان يقطع احلطب ‪.‬‬ ‫قال القيصر ‪:‬‬ ‫ كان اهلل فى عونك أيها الفالح !‬‫ رد الفالح ‪:‬‬‫ ً‬‫حقا إنى فى حاجة ماسة إىل عون اهلل ‪.‬‬ ‫سأله القيصر ‪:‬‬ ‫ هل لديك أسرة كبرية ؟‬‫فرد عليه الفالح ‪:‬‬ ‫ عندى ولدان وبنتان ‪.‬‬‫ أعان��ك اهلل عل��ى تربيته��م لكن ليس عدد أس��رتك بالكث�ير ‪ .‬أين تصرف‬‫نقودك إذن ؟‬ ‫ً‬ ‫رد الفالح قائال ‪:‬‬ ‫ إنى أصرفها فى ثالثة أغراض ‪ .‬اجلزء األول أدفعه ً‬‫ردا للدين ‪ ،‬اجلزء الثانى أقدمه‬ ‫ً‬ ‫دينا ‪ ،‬واجلزء الثالث ألقى به فى املاء ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فك َر القيصر فى رد الفالح ‪ ،‬ومل يدرك ما يعنيه الفالح العجوز برد الدين وتقديم‬ ‫الدين وإلقاء اجلزء الثالث فى املاء ‪.‬‬ ‫وسرعان ما قال الفالح العجوز للقيصر ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ أرد الدي��ن يعنى أطعم أبى وأمى ‪ .‬وأقدم الدين يعنى أطعم أوالدى ‪ ،‬أما ما ألقيه‬‫فى املاء يعنى أنى ُأربى يَّ‬ ‫ابنت ثم تتزوجان بعد ذلك وتذهبان عنى ‪.‬‬ ‫قال القيصر ‪:‬‬ ‫ يال��ك من عج��وز ذك��ى ‪ ..‬اآلن أطلب منك أن تس��اعدنى وتدلنى عل��ى الطريق‬‫للخروج من الغابة إىل الطريق العام ألني مل أستطع مبفردى أن أجده ‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫قال الفالح ‪:‬‬ ‫ س��تجد الطري��ق بنفس��ك ‪.‬‬‫اس��لك هذا الطريق عل��ى طول ‪،‬‬ ‫ثم انعط��ف ً‬ ‫ميينا ثم يس��ا ًرا مرة‬ ‫أخرى إىل اليمني ‪.‬‬ ‫قال القيصر ‪:‬‬ ‫ ه��ذا الوص��ف ال أفهمه ‪ ،‬إنى‬‫أطلب منك أن ترافقنى اآلن ‪.‬‬ ‫قال الفالح ‪:‬‬ ‫ ليـ��س ل��دى وقـ��ت ألذهـ��ب‬‫ً‬ ‫جي��دا ي��ا‬ ‫مع��ك ‪ .‬فأن��ت تعل��م‬ ‫ً‬ ‫س��يدى أن ً‬ ‫يوما واحدا فى حياة‬ ‫الفالح له ثـمن كبري ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حس��نا‪ .‬إذا كان الي��وم ف��ى‬ ‫‬‫حياتك غاىل الثمن فسأدفع لك ‪.‬‬ ‫ إذا كنت ستدفع ‪َ ،‬‬‫فهيا بنا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫س��ويا العربة وانطلقا‬ ‫ركبا‬ ‫ً‬ ‫معا فى طريقهما ‪.‬‬ ‫أخذ القيصر يسأل الفالح ‪:‬‬ ‫ أمل تس��افر إىل م��كان آخر‬‫ً‬ ‫بعيدا غري قريتك؟‬ ‫يا صديقى‬ ‫ً‬ ‫رد عليه الفالح قائال ‪:‬‬ ‫ سافرت إىل أماكن قليلة ‪.‬‬‫قال القيصر ‪:‬‬ ‫ هل رأيت القيصر من قبل ؟‬‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫رد عليه الفالح‬ ‫ مل أر القيصر قط ‪ ،‬ولكن يا حبذا لو رأيته ‪.‬‬‫ً‬ ‫حسنا مبجرد أن خترج إىل الطريق سوف ترى القيصر ‪.‬‬ ‫‬‫‪57‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ً‬ ‫َّ‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫رد عليه الفالح‬ ‫ وكيف أعرفه وأنا مل أره من قبل ؟‬‫قال القيصر ‪:‬‬ ‫ س��يكون اجلميع ب��دون قبعات ‪ ،‬أما القيصر فس��يكون الوحي��د الذي يرتدي‬‫القبعة ‪.‬‬ ‫وه��ا هم��ا قد وص�لا إىل الطري��ق ‪ ،‬عندم��ا رأى الناس القيص��ر خلعوا عل��ى الفور‬ ‫قبعاتهم من على رءوس��هم ‪ .‬فأخذ الفالح حي��دق بعينيه لكى يري القيصر ولكنه‬ ‫مل َ‬ ‫ير القيصر ‪.‬‬ ‫ثم سأل الفالح القيصر ‪:‬‬ ‫ أين القيصر إذن ؟‬‫قال له بيوتر اليكسيفتش ( بطرس األول ) ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أح��دا ال يضع على رأس��ه قبعة غرينا أنا وأن��ت ‪ ،‬إذن البد وأن يكون‬ ‫ أال ت��رى أن‬‫أحدنا هو القيصر ‪.‬‬ ‫هن��ا أيق��ن الف�لاح أن الذى مع��ه هو القيصر فس��لم علي��ه حبرارة وش��كره على‬ ‫ً‬ ‫كيسا من النقود وأعطاه‬ ‫تواضعه وتفقده أحوال الرعية ‪ ،‬و أخرج القيصر من جيبه‬ ‫للفالح العجـوز لطيبته ‪ ،‬واهتمامه الشديد بعمله ‪ ،‬وحبه ألسرته ثم مضى القيصر‬ ‫فى طريقه ‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫نواة الربقوق‬ ‫ً‬ ‫بعضا من ثـمرات الربقوق لتقدميها ألبنائها بعد وجبة الغذاء ‪ .‬ووضعت‬ ‫اشرتت األم‬ ‫الربقوق فى طبق ‪ .‬مل يكن ابنها “فانيا” قد ذاق الربقوق من قبل فأخذ يتش��ممه وقد‬ ‫ً‬ ‫أعجب��ه للغاية واش��تاق لتذوق��ه ‪ ،‬ولذا أخذ ي��روح ً‬ ‫وإيابا أمام طب��ق الربقوق ‪.‬‬ ‫ذهاب��ا‬ ‫وعندم��ا الح��ظ “فانيا” أنه ال يوجد ف��ى غرفة الطعام ٌ‬ ‫أحد غريه ‪ ،‬مل يتمالك نفس��ه‬ ‫والتقط ثـمرة برقوق من الطبق والتهمها بس��رعة ‪ .‬وقبيل تناول الغداء قامت األم ِب َع ِّد‬ ‫ثـمرات الربقوق فوجدتها قد نقصت واحدة ‪ ،‬فحكت لألب عما حدث ‪.‬‬ ‫وعندما جلس اجلميع إىل مائدة الطعام قال األب ‪:‬‬ ‫ أمل يأخذ أحد منكم ثـمرة برقوق من الطبق وأكلها ؟‬‫فقال اجلميع‪:‬‬ ‫ ال ‪.‬‬‫ً‬ ‫َّ‬ ‫امحر وجه “فانيا” خجال وقال ‪:‬‬ ‫وهنا‬ ‫ ال ‪ ،‬أنا مل آكل ثـمرة الربقوق هذه ‪.‬‬‫عندئذ قال األب ‪:‬‬ ‫ إذا كان أح��د منك��م قد أكل ثـمرة الربقوق هذه فهذا ش��ي ٌء غري طيب ‪ ،‬وهذه‬‫ليس��ت مش��كلة فى حد ذاتها ‪ ،‬أما املش��كلة اخلطرية هنا تكمن ف��ى أن بداخل‬ ‫الربقوق نوى ‪ ،‬فإذا مل يكن على معرفة جيدة بذلك وابتلع النواة ‪ ،‬فإنه سيموت بعد‬ ‫أن يأكلها بيوم واحد ‪ ،‬وهذا ما أخشاه ‪.‬‬ ‫وهنا شحب وجه “فانيا” وقال ‪:‬‬ ‫ ال ‪ ..‬لقد قذفت بالنواة من النافذة ‪.‬‬‫وضحك اجلميع ‪ ،‬أما “فانيا” فقد أخذ يبكى ‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الجد العجوز والحفيد‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫كهال ال يستطيع السري على قدميه ‪ ،‬فقد‬ ‫تقد َم اجلد العجوز فى الس��ن ‪ ،‬وأصبح‬ ‫ضعف بصره ومسعه وسقطت كل أسنانه ‪ .‬وكان الطعام يتساقط من فمه حينما‬ ‫ي��أكل ‪ ،‬وهلذا الس��بب مل يس��مح ابنه وزوجة ابن��ه له باجللوس معهم��ا على مائدة‬ ‫ً‬ ‫بعيدا خلف الفرن ‪.‬‬ ‫الطعام وبد ًءا يقدمان له الغذاء‬ ‫وذات م��رة أحض��را له الطع��ام فى طبق ‪ ،‬وحينم��ا حاول أن حي��رك الطبق ناحيته‬ ‫سقط منه وانكسر ‪ ،‬فأخذت زوجة االبن تنهر اجلد العجوز بقسوة ألنه كان يتلف‬ ‫هلما كل شيء فى املنزل حيث تقع األطباق من يده وتنكسر ‪ ،‬حتى إنها قررت بأنها‬ ‫س��وف تقدم له الطعام فى قصعة الغس��يل اخلشبية ‪ ،‬حتى ال يكسرها ‪ .‬مل يكن‬ ‫من العجوز سوى أن ّ‬ ‫َّ‬ ‫يتفوه بكلمة ‪.‬‬ ‫تنهد ومل‬ ‫وذات م��رة جل��س الزوجان فى املن��زل يراقبان‬ ‫ابنهما “ميش��ا” ‪ ،‬الذى كان جيل��س على األرض‬ ‫ويلعب ببعض األلواح اخلشبية ‪ ،‬وكأنه يصنع‬ ‫ً‬ ‫شيئا ما ‪ ....‬فسأله األب ‪:‬‬ ‫ ميشا‪ ،‬ماذا حتاول أن تصنع ؟‬‫فأجاب ميشا‪:‬‬ ‫ إن��ى أصـن��ع قصـعة غس��ـيل من اخلش��ب ‪.‬‬‫فعندم��ا تكربان أن��ت وأمى س��وف أضع لكما‬ ‫فيها الطعام ‪.‬‬ ‫نظر الوال��د وزوجته كل منهم��ا إىل اآلخر ‪،‬‬ ‫ثم بكيا وش��عرا باخلجل ألنهما أس��اءا إىل اجلد‬ ‫العجوز ‪.‬‬ ‫من��ذ تل��ك اللحظ��ة أجل��س الوال��د وزوجته‬ ‫اجلد معهم��ا على مائدة الطعام وب��د ًءا االهتمام‬ ‫واالعتناء به ‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫األسد والكلب‬ ‫كان��ت تقام فى مدينة لندن عروض للحيونات املفرتس��ة ‪ .‬وفى مقابل مش��اهدة‬ ‫ً‬ ‫تلك العروض كان املتفرجون يدفعون ً‬ ‫ً‬ ‫وقططا‬ ‫كالبا‬ ‫بعضا من النقود ‪ ،‬أو يقدمون‬ ‫كطعام هلذه احليونات ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وذات مرة أراد ش��خص أن يشاهد عرضا هلذه احليونات املفرتسة ‪ ،‬فأمسك بكلب‬ ‫رآه فى الش��ارع ومحله حيث يقام العرض ‪ .‬مسح هلذا الرجل أن يش��اهد اس��تعراض‬ ‫احليونات ‪ ،‬أما الكلب قد ألقوا به فى قفص األسد كطعام لألسد ‪.‬‬ ‫ضم الكلب ذيله إىل جس��ده وقبع فى ركن من أركان القفص ثم اقرتب األس��د‬ ‫من الكلب وأخذ يتشممه ‪.‬‬ ‫رق��د الكلب على ظهره ورفع أرجله وأخذ يهز ذيله ‪ ،‬وهنا مس��ح األس��د الكلب‬ ‫بكف��ه األمام��ى ث��م تركه وش��أنه ‪ .‬قف��ز الكلب م��ن رقدت��ه ووقف عل��ى رجليه‬ ‫اخللفيت�ين أمام األس��د ‪ .‬نظر األس��د إىل الكل��ب ‪ .‬ثم بدأ يدير رأس��ه من ناحية إىل‬ ‫أخرى ومل ميس��ه بس��وء ‪ .‬وحني ألقى احلارس بقطعة من اللحم لألس��د ‪ ،‬قطع األسد‬ ‫جز ًءا منها وتركها للكلب ‪.‬‬ ‫وف��ى املس��اء ‪ ،‬عندما رقد األس��د للنوم ج��اء الكلب ‪ ،‬ورقد بالق��رب منه وقد وضع‬ ‫رأسه على قدم األسد ‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك احلني عاش الكلب مع األس��د فى قفص واحد ‪ ،‬ومل ميسه األسد بأذى ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بل كانا يأكالن وينامان ً‬ ‫وكثريا ما كان األسد يداعب الكلب ‪.‬‬ ‫معا ‪،‬‬ ‫وف��ى يوم ما جاء ش��خص إىل م��كان العرض ‪ ،‬واتضح أنه صاح��ب الكلب ‪ ،‬وقد‬ ‫تع��رف عل��ى كلب��ه وأفصح عن أن ه��ذا كلبه اخل��اص ‪ ،‬وطلب م��ن صاحب عرض‬ ‫احليون��ات أن يرده إلي��ه ‪ ،‬ومل ميانع صاحب العرض فى ذل��ك ‪ ،‬ولكن مبجرد أن نادوا‬ ‫على الكلب إلخراجه من القفص ‪ ،‬اشتعل األسد ً‬ ‫غيظا وبدأ يزأر ويثور ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هك��ذا عاش األس��د والكلب ً‬ ‫كامال فى قف��ص واحد ‪ ،‬وبع��د ذلك مرض‬ ‫عام��ا‬ ‫الكلب ثم مات ‪ ،‬أما األسد فقد امتنع عن الطعام وأخذ يشم الكلب ويلعقه بلسانه‬ ‫ويتحسسه بكفه ‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫عندما أدرك األس��د أن الكلب قد مات ‪ ،‬حزن بش��دة وراح يضرب جنبيه بذيله ‪،‬‬ ‫واندفع حنو سور القفص يعض األرض وترابيس القفص بأنيابه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حائرا فى القفص ويزجمر طول اليوم ثم رقد بالقرب من‬ ‫اخذ األسد يتخبط ويلف‬ ‫جثة الكلب وهدأ‪ ،‬وحاول احلارس أن ينقل جثة الكلب ‪ ،‬لكن األس��د مل يسمح‬ ‫له باالقرتاب منها ‪.‬‬ ‫اعتقد صاحب العرض أن األس��د س��وف ينس��ى حزنه إذا أحضروا له كل ًبا آخر ‪،‬‬ ‫فج��اءوا له بكلب أخر ّ‬ ‫حى وأدخلوه القف��ص ‪ ،‬ولكنه رفض وجوده معه واحتضن‬ ‫ً‬ ‫بأرجله جثة الكلب ‪ .‬وظل هكذا راقدا مدة مخس��ة أيام ‪ .‬وفى اليوم السادس مات‬ ‫األسد ‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫القطة الصغرية‬ ‫كان هناك ُغالم يدعى “فاس��يا” وله أخت امسها “كاتيا” ولديهما قطة صغرية‬ ‫عندم��ا َح َّل الربيع خرج��ت القطة ومل تعد إىل املنزل ‪ .‬حب��ث الطفالن عنها فى كل‬ ‫ْ‬ ‫ولكن مل يعثر عليها ٌ‬ ‫أحد ‪.‬‬ ‫مكان ‪،‬‬ ‫وذات مرة بينما كانا يلعبان‬ ‫بالق��رب من ُ‬ ‫اجل��رن ‪ ،‬مسعا فوق‬ ‫رأس��يهما م��واء قط��ة خاف��ت ‪.‬‬ ‫فصعد “فاس��يا” على الس��لم إىل‬ ‫س��طح ُ‬ ‫اجلرن ‪ ،‬أما “كاتيا” فقد‬ ‫وقفت مكانها وهى تسأل‪:‬‬ ‫ هل وجدتها ؟ هل وجدتها ؟‬‫لكن “فاسيا” مل جيب عليها‬ ‫بشيء ‪ ...‬وفى نهاية األمر قال هلا‬ ‫ً‬ ‫صائحا‪:‬‬ ‫ لق��د وجدتها ! لق��د عثرت‬‫عل��ى قطتن��ا ‪ ....‬ومعه��ا أبناؤها‬ ‫الصغ��ار ‪ ،‬يالـه��ا م��ن قـط��ة‬ ‫رائعـة اجلــم��ال ‪ ...‬تعـاىل هـنا‬ ‫وبسـرعة ‪...‬‬ ‫أس��رعت “كاتي��ا” إىل املنزل‬ ‫ً‬ ‫بعض��ا م��ن الل�بن‬ ‫وأحض��رت‬ ‫وجاءت إىل القطة ‪.‬‬ ‫كان ع��دد القطط الصغرية‬ ‫مخس ‪ ..‬وحينما كربت بعض‬ ‫ً‬ ‫قليال عن‬ ‫الش��يء وب��دأت حتب��و‬ ‫‪63‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫امل��كان الذى قد ولدت فيه ‪ .‬اختار “فاس��يا وكاتيا” ً‬ ‫قطا م��ن القطط اخلمس رمادى‬ ‫الل��ون وذى أرجل بيضاء وأخذاه معهما إىل املن��زل ‪ .‬وافقت األم على بقاء هذا القط مع‬ ‫أبنائها وقامت بتوزيع األخري��ات ‪ .‬كان الطفالن يطعمان القط ويلعبان معه وينام‬ ‫معهما ً‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫وذات م��رة خ��رج الطفـالن “ فاس��ـيا وكـاتي��ا ” للعـب فى احلـق��ل ‪ ،‬وأخـذا القط‬ ‫معهم��ا ‪ .‬وف��ى الطري��ق دفع اهل��واء بالقش ال��ذى كان يلع��ب به والطفالن س��عيدان‬ ‫بقطهم��ا اللطي��ف ‪ .‬وأثناء الس�ير جذب الطفالن ق��رب الطريق بعض األزهار فأس��رعا‬ ‫جلمعها ونسيا ً‬ ‫متاما أمر قطهما ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫شخصا ما يتوجه حنوهما وهو يصرخ‬ ‫وفجأة مسعا‬ ‫ انظر إىل اخللف ! انظر إىل اخللف !‬‫ً‬ ‫صيادا يعدو ويسبقه كـلبان يريدان أن ميسـكا بالقط‪.‬‬ ‫رأى “فاسيا” و “كاتيا”‬ ‫وقوس ظهـره وهو ينظر إىل الكـلبني ‪ ،‬بدالً‬ ‫ولكن القـط السـاذج قد وقف مكانه ّ‬ ‫م��ن اهل��رب منهما‪ .‬وف��ى الوقت نفس��ه خافت “كاتي��ا” من الكلب�ين وأخذت تصرخ‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عنهما‪ .‬لكن أخاها “فاس��يا” جرى بس��رعة حنو الق��ط وحجبه عن‬ ‫ثم ج��رت‬ ‫الكلبني ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أس��رع “الصياد” الذى كان ميتطى حصانه وأبعد كلبيه بعيدا‪ ،‬أما “فاسيا” فقد‬ ‫محل القط وعاد به إىل املنزل ‪َ ،‬‬ ‫وق َّر َر أال يأخذه معه إىل احلقل مرة أخرى ‪.‬‬

‫‪64‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫البقرة‬ ‫كانت األرملة “ماريا” تعيش مع أمها هى وأطفاهلا الستة ‪ .‬وكانت حياتهم بائسة‬ ‫ولكنهم اش�تروا بكل ما لديهم من نقود بق��رة لونها بنى ‪ ،‬لكى تدر اللنب لألطفال‬ ‫كان األطفال الكبار يأخذون البقرة بورينوشكا إىل احلقل ليطعموها ويعطوها‬ ‫ً‬ ‫أيض��ا فض�لات طعام املنزل ‪ .‬ذات م��رة خرجت األم لقضاء حاجات املن��زل ‪ ،‬وإذا باالبن‬ ‫ً‬ ‫كوبا من الزجاج‬ ‫األكرب “ميش��ا” يصعد إىل الرف ليأخذ قطعة من اخلبز فأس��قط‬ ‫وكس��ره ‪ .‬خاف “ميش��ا” م��ن أن توخبه أمه ‪ ،‬فأخ��ذ جيمع قطع الزجاج املكس��ورة‬ ‫الكبرية ومحلها إىل احلظرية وأخفاها حيث ترقد بورينوشكا أما القطع الصغرية‬ ‫الباقية من الكوب فألقى بها فى برميل فضالت الطعام ‪ .‬اكتشفت األم أمر الكـوب‬ ‫املكس��ـور وأخذت تس��ـأل عمن فعل هذا ولكن “ميش��ا” َ‬ ‫التزم الصمت ‪ ،‬وبقى األمر‬ ‫على ما هو عليه ‪.‬‬ ‫فى اليوم التاىل بعد أن تناولوا الغداء ذهبت األم إلعطاء البقرة بورينوشكا الطعام‬ ‫م��ن برمي��ل الفض�لات فالحظت أن البق��رة حزينة ال ت��أكل الطعام ‪ .‬ق��رر اجلميع‬ ‫معاجلة البقرة فاس��تدعوا العجوز التى تطبب حيوانات القرية فقالت هلم ‪ “ :‬البقرة‬ ‫ل��ن تعيش ‪ .‬جيب ذحبها وأكل حلمها” ‪ ،‬وقاموا باس��تدعاء اجلزار الذى قام بذحبها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجيعا ف��وق الفرن وأخذوا‬ ‫عندما مسع األطفال أنني البقرة بورينوش��كا جلس��وا‬ ‫يبكون ‪ .‬بعدما ذحبوا البقرة بورينوش��كا وس��لخوا جلده��ا ‪ ،‬وقطعوا حلمها إىل‬ ‫أجزاء وجدوا قطعة زجاج فى حلقها ‪.‬‬ ‫ع��رف اجلمي��ع أن البق��رة ق��د نفق��ت البتالعه��ا قطـعة م��ن الزجـاج م��ن برميـل‬ ‫الفضـالت ‪ .‬عندما علم “ميش��ا” مبا أصاب البقرة ‪ ،‬حزن ً‬ ‫ً‬ ‫شديدا ‪ ،‬وأخذ يبكى‬ ‫خزنا‬ ‫ً‬ ‫مري��را واعرتف ألمه حبادث��ة الكـوب ‪ .‬مل ت��رد األم عليه بش��يء ‪ ،‬بل أخذت‬ ‫ب��كا ًء‬ ‫تبكى هى األخرى ‪ .‬ثم قالت ‪ “ :‬كنا سب ًبا فى موت بقرتنا بورنيوشكا ‪ ...‬وليس لدينا‬ ‫نقود أخرى ‪ ...‬كيف س��يعيش األطفال الصغار دون أن يش��ربوا اللنب ؟ ‪ .‬أخذ “ميشا”‬ ‫يبكى بشدة أكثر ‪ ،‬بل مل ينزل من فوق الفرن حني كان اآلخرون يتناولون مرقة‬ ‫رأس البقرة الدمسة ‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫كان “ميش��ا” كل ي��وم يرى ف��ى منامه العم “فاس��يلى” وهو حيم��ل رأس البقرة‬ ‫بورينوش��كا من قرنيها ‪ ،‬وعيناها مفتوحت��ان ورقبتها محراء اللون ‪ ،‬منذ ذلك احلني‬ ‫مل يع��د هناك لنب األطفال ‪ ،‬ومل يكونوا يش��ربونه إال فى األعياد عندما كانت األم‬ ‫ً‬ ‫إبريقا من اللنب ‪.‬‬ ‫“ماريا” تطلب من جريانها‬ ‫ف��ى هذا الوقت احتاجت س��يدة غنية ف��ى القرية مربية ألطفاهل��ا الصغار فقالت‬ ‫اجل��دة العجوز البنته��ا ماريا‪“ :‬دعينى أذه��ب للعمل كمربية ألطفال هذه األس��رة‬ ‫الغنية وإنى على يقني بأن اهلل سيعينك على تربية األطفال ‪ .‬أما بالنسبة ىل إن شاء‬ ‫اهلل س��أعمل ً‬ ‫عام��ا وأحص��ل‬ ‫عل��ى أج��ر يكف��ى لش��راء‬ ‫بقرة أخرى” ‪.‬‬ ‫ومت هل��م م��ا أرادوا ‪ .‬ذهب��ت‬ ‫اجل��دة العج��وز للعم��ل عند‬ ‫الس��يدة الغنية ‪ ،‬أم��ا “ماريا”‬ ‫فق��د زادت معاناته��ا م��ع‬ ‫األطفال ‪.‬‬ ‫ع��اش األطف��ال الصـغ��ار‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كامال دون أن يش��ربوا‬ ‫عاما‬ ‫الل�بن مل يكون��وا يأكلون‬ ‫إال فت��ات اخلب��ز والبالوظ��ة ‪.‬‬ ‫وأصبح��ت وجوههم ش��احبة‬ ‫وأجس��امهم هزيل��ة ‪ .‬مض��ى‬ ‫الع��ام وعادت اجل��دة العجوز‬ ‫إىل املن��زل ومعه��ا عش��رون‬ ‫ً‬ ‫روبال وقالت ‪ “ :‬واآلن يا ابنتى‬ ‫نس��تطيع أن نش�ترى بق��رة” ‪.‬‬ ‫فرح��ت ماريا وف��رح األطفال‬ ‫كذلك ‪ .‬واستعدت كل من‬ ‫ماريا واجلدة العجوز للذهاب‬ ‫إىل الس��وق لش��راء البق��رة ‪.‬‬ ‫وطلبتا من جارتهما أن تبقى‬ ‫‪66‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫مع األطفال ومن العم زاخار أن يذهب معهما الختيار البقرة من السوق ‪ .‬صلى اجلميع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومحدا هلل ثم ذهبوا إىل املدينة ‪ .‬تن��اول األطفال طعام الغداء وخرجوا إىل‬ ‫ش��كرا ‪،‬‬ ‫الش��ارع يتطلعون إىل رؤية البقرة وأخذوا يتس��اءلون عن لون البقرة ‪ .‬هل سيكون‬ ‫ً‬ ‫بنيا أم أسود اللون ‪ .‬أخذوا يتحدثون فيما بينهم عن كيفية إطعامها‪ .‬ظلوا ينتظرون‬ ‫ط��ول الي��وم ثم ذهب األطف��ال الس��تقبال البقرة ‪ ،‬وابتعدوا مس��افة بعي��دة عن املنزل‬ ‫ولكنه��م حني حل الظالم ع��ادوا إىل املنزل ‪ ،‬وفجأة رأوا عربة نقل حتمل اجلدة وفى‬ ‫مؤخرة العربة تس�ير بقرة بلونني مربوطة من قرنيها أسرع األطفال حنوهما وأخذوا‬ ‫ينظرون باهتمام إىل البقرة ‪.‬‬ ‫مجع األطفال كس�يرات اخلب��ز وبعض احلش��ائش ليطعموا البق��رة ‪ .‬دخلت األم‬ ‫املن��زل ثم خرجت إىل الفناء بعد أن اس��تبدلت مالبس��ها وأحض��رت معها فوطة ووعاء‬ ‫حلل��ب الل�بن ‪ .‬جلس��ت األم حتت البقرة وغس��لت ضرعه��ا وقالت‪“ :‬يارب ب��ارك لنا” ثم‬ ‫بدات حتلب البقرة ‪ .‬التف األطفال حوهلا ينتظرون كيف ينس��اب اللنب من الضرع ‪،‬‬ ‫وم��ن ب�ين أصابع األم إىل الوعاء ‪ .‬حلبت األم نصف وعاء من اللنب ومحلته إىل القبو ثم‬ ‫ً‬ ‫إبريقا منه لعشاء األطفال ‪.‬‬ ‫أفرغت‬

‫‪67‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫حبة القمح التى فى حجم بيضة الدجاجة‬ ‫ذات يوم عثر بعض األطفال الصغار فى الوادى على شيء فى حجم بيضة الدجاجة‬ ‫بها جتويف من منتصفها وتشبه حبة القمح ً‬ ‫متاما ‪.‬‬ ‫وعندما رأى عابر س��بيل هذه احلبة مع األطفال الصغار اش�تراها خبمسة “ روبل ”‬ ‫وأخذها معه إىل املدينة وباعها للقيصر لندرتها ‪.‬‬ ‫دعا القيصر احلكـماء وأمرهم أن يعرفوا حقيقة هذا الش��يء ‪ .‬هل هى بيضة أم‬ ‫ً‬ ‫جوابا‪،‬‬ ‫حب��ة ؟ أخذ احلكماء يفكرون فى هذا األمر ‪ ،‬ومل يس��تطع أحد أن يعطى‬ ‫ولك��ن عندما كانت ه��ذه القطعة موضوعة عل��ى حافة النافذة ج��اءت دجاجة‬ ‫وأخ��ذت تنقره��ا وأحدثت ثق ًب��ا بها فأدرك اجلمي��ع على الفور أنها حب��ة قمح ‪ .‬ذهب‬ ‫احلكماء إىل القصري وقالوا له ‪:‬‬ ‫ إنها حبة قمح ‪.‬‬‫انده��ش القيصر !! وأمر احلكماء أن يعرفوا أين ومتى كانت تزرع هذه احلبة ؟‬ ‫أخذ احلكماء يفكرون بعمق ثم حبثوا فى الكتب واملراجع ولكنهم مل يستدلوا‬ ‫على شيء ‪ .‬فذهبوا إىل القيصر وقالوا له ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫جوابا عن هذه احلبة ألنه ال يوجد شيء مكتوب عنها فى‬ ‫ ال نستطيع أن نعطى‬‫كتبنا ‪ ،‬ولكن جيب أن نس��أل الفالحني عما إذا كان أحد من كبار الس��ن يعرف‬ ‫متى وأين كانت ُتزرع مثل هذه احلبة ؟‬ ‫ً‬ ‫طويالعن فالح‬ ‫أرس��ل القيص��ر أعوانه وأم��ر أن يأت��وا إليه بفالح عج��وز ‪ .‬حبث��وا‬ ‫ً‬ ‫كهال قد س��ـقطت كل‬ ‫عجوز وأحضروه إىل القيصـر ‪ .‬جاء الفـالح العـجوز وكان‬ ‫َ‬ ‫اس��تند على ُعكازين وميشى بصعوبة ‪ .‬عرض القيصـر حبة القمح‬ ‫أس��ـنانه ‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫عل��ى الف�لاح ‪ .‬ولكن كان بصر الف�لاح ضعيفا وبصعوبة أمع��ن النظر فىجزء من‬ ‫احلبة وأخذ يتحسس اجلزء الباقى بيديه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫سأل القيصر ذلك الفالح العجوز‬ ‫ُ‬ ‫أال تع��رف ياج��دى أين كانت تزرع مثل هذه احلبة ؟ ‪ ...‬أمل تزرع فى أرضك مثل‬ ‫هذه احلبة ؟ أو مل تشرت على عهدك مثل هذه احلبة ؟‬ ‫‪68‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫كان العج��وز أط��رش‬ ‫بصعوب��ة بالغ��ة حي��ث مس��ع‬ ‫وفه��م م��اذا يري��د القيص��ر‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫وأجاب‬ ‫ ال مل أزرع أو أحص��د مث��ل‬‫ه��ذه احلبة فى أرضى أو غريى‬ ‫نش�تر‬ ‫من الفالحني ‪ .‬ومل نبع أو ِ‬ ‫مثل هذه احلبة ‪.‬‬ ‫عندم��ا كن��ا نش�ترى‬ ‫احلب��وب كانت صغ�يرة ً‬ ‫جدا‬ ‫‪ .‬ولكن جيب أن تس��أل والدى‬ ‫عن أنه من احملتمل أن يكون‬ ‫قد مسع أين كانت ُتزرع هذه‬ ‫احلبة ‪.‬‬ ‫وأمر القيص��ر بإحضار والد‬ ‫العجوز الذى عث��روا عليه بعد‬ ‫البح��ث عنه ف��ى كل مكان‬ ‫ثم جاءوا به إىل القيصر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عجوزا ويستند‬ ‫كان الرجل‬ ‫عل��ى ع��كاز واحـ��د ‪ .‬ع��رض‬ ‫القيص��ر عل��ى وال��د الف�لاح‬ ‫العج��وز احلب��ة ‪ .‬كان الرجل‬ ‫العجوز ما ي��زال يبصر بعينيه‬

‫فأمعن النظر ً‬ ‫جيدا ثم سأله القيصر ‪:‬‬ ‫ أال تعرف أيها العجوز أين كانت ُتزرع هذه احلبة ؟ أمل تزرع فى أرضك ح ًبا مثل‬‫هذه؟ أمل تشرت على عهدك مثل هذه احلبة ؟‬ ‫َ‬ ‫ثقيل السمع إال أنه كان يسمع أفضل من ابنه‬ ‫وبالرغم من أن العجوز كان‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫وأجاب‬ ‫‪ -‬ال مل أزرع ومل أحصد فى أرضى مثل هذه احلبة ومل أشرت هذا النوع من احلب ألنه‬

‫‪69‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫على عهدى مل تكن وقتها تس��ك النقود فى املصانع ‪ .‬كان اجلميع يعيشون على ما‬ ‫يزرعون وإذا ما احتاج شخص ما املساعدة أسرع اجلميع ملساعدته وفى اقتسام كل‬ ‫ما عندهم معه ‪ .‬ال أعرف أين كانت تزرع مثل هذه احلبة ‪ .‬ولكننى مسعت من أبى‬ ‫أن عل��ى عهده كان حمصول الغالل أكثر وف��رة مما حنصده اآلن ومن الضرورى أن‬ ‫تساله ‪.‬‬ ‫أرس��ل القيص��ر إىل أتباعه إلحض��ار اجلد األكرب للف�لاح العجوز ‪ .‬عث��روا عليه‬ ‫وج��اءوا ب��ه إىل القيصر ‪ .‬دخ��ل العجوز عن��د القيصر بدون ع��كاز وخطا خبطوات‬ ‫ً‬ ‫ضعيفا وكان يس��مع ً‬ ‫جيدا ويتحدث بطريقة واضحة ‪ .‬عرض‬ ‫رش��يقة ومل يكن‬ ‫القيصر على اجلد الذى أمعن النظر فى احلبة وقال ‪:‬‬ ‫ من��ذ زمن بعي��د مل أر هذه احلبة العتيقة التى كان يصن��ع منها اخلبز ‪ .‬ثم قطع‬‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫احلبة بأسنانه ومضغها ثم استطرد‬ ‫ إنها ذات احلبة ذاتها ‪.‬‬‫ُ‬ ‫ ْ‬‫��ك ياجدى ‪ ،‬أين ومتى كانت تزرع مث��ل هذه احلبة ؟ أمل تزرعها فى أرضك ‪،‬‬ ‫إح ِ‬ ‫وعلى عهدك أمل يشرت الناس هذا النوع من احلب ؟‬ ‫قال الرجل العجوز ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ مث��ل هذه احلب��وب كانت تزرع فى كل مكان على عهدى ‪ .‬وكنت أنا والناس‬‫نعيش على هذا َ‬ ‫احلب ‪.‬‬ ‫سأل القيصر‪:‬‬ ‫أرو ىل ياج��دى ‪ ،‬من أين كنت تش�ترى مثل هذه احلبوب ؟ أمل تكن تزرعها‬ ‫ ِ‬‫فى أرضك ؟‬ ‫ضحك العجوز ضحكة ساخرة وقال ‪:‬‬ ‫ عل��ى عه��دى مل خيطر ببال أحد منا أن يرتكب مثل هذا اإلثم فى أن يش�ترى أو‬‫يبي��ع حبوب اخلب��ز ‪ ،‬أما فيما يتعل��ق بالنقود فلم يكن أحد يعرفه��ا بعد ‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫موجودا بوفرة ‪.‬‬ ‫اخلبز لدى اجلميع‬ ‫سأله القيصر ‪:‬‬ ‫ إذن قل ىل يا جدى أين كنت تزرع هذه احلبوب وأين كانت أرضك ؟‬‫ أجاب اجلد‪:‬‬‫ أرض��ى كان��ت أرض اهلل ‪ ،‬حيثم��ا كنت أحرث فه��ى أرض��ى ‪ ....‬األرض كانت‬‫واسعة غري حمدودة ‪ .‬مل نكن نطلق عليها هذه األرض ملكى أو خاصة بى ولكن‬ ‫‪70‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫كنا نقول فقط هذا عملنا ‪.‬‬ ‫ قال القيصر ‪:‬‬‫لدى سؤاالن آخران أود أن أستفسر عنهما ‪:‬‬ ‫ األول‪ :‬ملاذا كانت األرض خترج هذه احلبة من قبل أما اآلن فال خترجها ؟‬‫ً‬ ‫مستندا على عكازين ‪ ،‬وابنك كان‬ ‫ والسؤال الثانى ‪ :‬ملا حضر حفيدك و كان‬‫على عكاز واحد ؟ أما أنت فقد جئت ختطو خبطوات رشيقة وتبصر بصورة حسنة‬ ‫احك ىل ياجدى ما س��بب هذين‬ ‫وأس��نانك تب��دو قوية ‪ ،‬وكالم��ك واضح ومفه��وم ‪ِ .‬‬ ‫األمرين ‪ ...‬ما الذى حدث ؟‬ ‫قال العجوز ‪:‬‬ ‫ حدث هذا ألن الن��اس اآلن أقلعت عن العيش بعملهم وحدهم وأصبحوا يطمعون‬‫فى لقمة عيش اآلخرين ‪ .‬فى العهد القديم كان الناس يعيش��ون حس��ب ما أمر اهلل‬ ‫به ‪ ،‬حيث امتلكوا ما خيصهم ومل يطمعوا فيما خيص اآلخرين ‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الفالح وعروس البحر‬ ‫سقط ً‬ ‫سهوا فأس أحد الفالحني فى النهر ‪ ،‬فجلس على الشاطئ وراح يبكى ‪.‬‬ ‫عندم��ا مسع��ت عروس البحر بكاء الف�لاح صعب عليها حال��ه ‪ ،‬فأحضرت له من‬ ‫النهر ً‬ ‫فأسا من الذهب اخلالص ‪ ،‬وقالت له ‪:‬‬ ‫ أهذا فأسك ؟ ‪.‬‬‫فقال هلا‪:‬‬ ‫ ال ‪ ..‬هذا ليس فأسى ‪.‬‬‫عندئذ أحضرت له ً‬ ‫فأسا من الفضة اخلالصة ‪ ،‬وسألته ‪:‬‬ ‫ أليس هذا فأسك ؟‬‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫فأجابها‬ ‫ً‬ ‫ ال ‪ ..‬هذا أيضا ليس فأسى ‪.‬‬‫ وف��ى امل��رة الثالثة أحضرت له فأس��ه‬‫احلقيقى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهنا صاح الفالح قائال‪:‬‬ ‫ هذا هو فأسى ‪.‬‬‫وفى احلال أه��دت عروس البحر الفالح‬ ‫الفئ��وس الثـالث��ة مكـاف��اة ل��ه عل��ى‬ ‫صـدقه ‪.‬‬ ‫ع��اد الف�لاح إىل منزله ‪ ،‬وع��رض على‬ ‫أصدقائ��ه الفئوس الثالث��ة ‪َ ،‬‬ ‫وق َّ‬ ‫ص عليهم‬ ‫ما ح��دث له ‪ .‬ففك��ر أحده��م أن يفعل‬ ‫مثلما فعل صديقه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ذهب إىل النهر ‪ ،‬وأس��قط فأسه متعمدا‬ ‫فى امل��اء ‪ ،‬وجلس على الش��اطئ يبكى ‪.‬‬ ‫‪72‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫ظهرت عروس البحر ‪ ،‬وأحضرت ً‬ ‫فأسا من الذهب اخلاص ‪ ،‬وسألته ‪:‬‬ ‫ أهذا فأسك ؟‬‫فص��اح الف�لاح ً‬ ‫فرح��ا نعم ‪ ..‬نع��م ‪ ..‬إنه فأس��ى وهنا مل تعط��ه عروس البح��ر الفأس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عقابا‬ ‫املصنوع من الذهب ‪ ،‬وكذلك مل تعطه فأسه ‪ ،‬الذى أسقطه متعمدا فى النهر ‪،‬‬ ‫له على كذبه ‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫اختفاء حقيبة نقود التاجرالثرى‬ ‫َفق َ‬ ‫َ��د أح��د التج��ار حقيبة بها مبل��غ كبري من امل��ال ( ما يقرب من ألف��ى روبل ) *‬ ‫فاضط��ر أن يعل��ن عن ضياعه��ا ‪ً ،‬‬ ‫َّ‬ ‫واعدا بأن مينح َم ْن جيدها نص��ف املبلغ ‪ ،‬الذى كان‬ ‫بها ‪.‬‬ ‫وعندما عثر أحد العمال الفقراء على حقيبة التاجر ‪ ،‬توجه مباش��رة إىل التاجر‬ ‫َّ‬ ‫اطمئن التاجر بوجود احلقيبة ‪ ،‬لكنه فى الوقت نفسه أراد‬ ‫لتسليمه إياها ‪ .‬عندئذ‬ ‫أن يرتاج��ع ع��ن دفع ما وعد به ‪ ،‬وه��و نصف املبلغ ملن جيدها ‪ ،‬فاختل��ق فكرة ‪ ،‬بأنه‬ ‫كان يوجد حجر من املاس مع تلك النقود‪ ،‬فقال للعامل الفقري ‪:‬‬ ‫نق��ودا ‪ ،‬إذ كان يوجد فى احلقيب��ة ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا حجر من امل��اس ‪ ،‬فإذا‬ ‫ ل��ن أعط��ى ل��ك‬‫أعطيتنى حجر املاس ‪ ،‬فسوف أعطيك النقود‪ ،‬وإن مل تعطنى حجر املاس ‪ ،‬فلن أعطيك‬ ‫النقود ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وق��ص عليه ما ح��دث ‪ .‬أحضر القاضى‬ ‫ذه��ب العامل الفق�ير إىل قاضى املدينة ‪،‬‬ ‫التاجر وقال له ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ إن��ك تق��ول ‪ -‬إن فى احلقيبة كان يوجد ألف روب��ل ‪ ،‬وحجر من املاس ‪ .‬مل يكن‬‫ف��ى ه��ذه احلقيبة ‪ ،‬الت��ى عثر عليها هذا العام��ل الفقري حجر املاس ‪ .‬إذن هذه ليس��ت‬ ‫حقيبت��ك ‪ .‬فلتبق احلقيبة مبا فيها من مال مع العامل البس��يط حتى جند صاحبها ‪،‬‬ ‫أما أنت فأعلن عما فقد منك ‪ ،‬فرمبا يعثر أحد ما على حقيبتك ‪.‬‬ ‫عندئذ مل جيادل التاجر فى هذا الش��ان ‪ ،‬وأعط��ى العامل الفقري ألف روبل ( نصف‬ ‫َّ‬ ‫وتسل َم حقيبته ‪.‬‬ ‫املبلغ ) كما وعد من قبل ‪،‬‬

‫* الروبل العملة الرمسية يف روسيا‬ ‫‪74‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫اهلل مُيهل وال يهمل‬

‫( اهلل وحده يعلم الحقيقة ‪ ،‬وال يكشف عنها إال فى حينها )‬ ‫كان يعي��ش فى مدينة “فالدميري” تاجر ش��اب ‪ ،‬يدعى “أكس��يوناف” ‪ ،‬وميلك‬ ‫ً‬ ‫خاص��ا وحـانوتني ‪َّ .‬ات َ‬ ‫من��زال ً‬ ‫س��ـم أكس��يوناف بش��ـعره األش��قـر اجملـعد‪ ،‬وحس��ن‬ ‫طلعته‪ ،‬وميله إىل الفرح واملرح ‪ ،‬والطرب ‪ .‬كان فى شبابه حيب شرب اخلمر بكثرة‬ ‫إىل درج��ة الثمال��ة ‪ ،‬ولكن من��ذ أن تزوج توقف عن ش��رب اخلمر ‪ ،‬ون��اد ًرا ما كان‬ ‫حيتس��يها بعد الزواج ‪ .‬فى إحدى لياىل الصيف ‪ ،‬كان على أكس��يوناف الس��فر إىل‬ ‫سوق مدينة “نيجنى” ‪ ،‬لكن عندما شرع فى وداع أسرته قالت له زوجته ‪:‬‬ ‫ ّ‬‫لدى إحساس بأنه جيب أال تسافر فى هذه األيام ‪ ،‬ألننى رأيت فى احللم سو ًءا سوف‬ ‫يلحق بك ‪.‬‬ ‫فضحك أكسيوناف وقال هلا ‪:‬‬ ‫ هل ختافني من أن أنهمك فى التسلية وامللذات فى السوق ؟ ‪.‬‬‫فقالت الزوجة ‪:‬‬ ‫ إننى ال أعرف مما أخاف ‪ ،‬لكننى رأيت س��و ًءا حيدث لك فى احللم – رأيتك بعد‬‫أن تركت املدينة وقد خلعت قبعتك ‪ ،‬وعندما نظرت إىل رأسك ‪ ،‬وجدت شعرك قد‬ ‫َّ‬ ‫ابيض عن آخره ‪.‬‬ ‫فابتسم أكسيوناف وقال ‪:‬‬ ‫ ال عليك ‪ ،‬فاعلمى َّ‬‫أن فى سفرى فائدة لنا ‪ ،‬وفور أن أنتهى من جتارتى ‪ ،‬سوف أعود‬ ‫لكم بهدايا نفيسة ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ود َع أكسيوناف عائلته ‪ ،‬ومضى فى رحلته ‪.‬‬ ‫وفى طريقه إىل السوق ‪ ،‬التقى أكسيوناف بصديق له يعمل ً‬ ‫أيضا فى التجارة‪،‬‬ ‫سويا ووجدا ً‬ ‫فسارا ً‬ ‫فندقا وخلد إىل النوم فى حجرتني متجاورتني ‪ ،‬غري أن أكسيوناف‬ ‫ً‬ ‫ال ُ‬ ‫كثريا ‪ ،‬فاس��تيقظ فى منتصف الليل ‪ ،‬وفضل أن يس��تكمل س��فره‬ ‫حي��ب الن��وم‬ ‫‪75‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫أثن��اء الليل ‪ ،‬حيث اجلو اللطيف ‪ ،‬املنع��ش ‪ ،‬فأيقظ احلوذى ‪ ،‬وأمره بتجهيز احلصان ‪،‬‬ ‫والعربة للرحيل ‪ ،‬ودفع لصاحب الفندق إقامته ‪ ،‬ورحل ‪.‬‬ ‫فرس��خا ‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫توق َف مرة أخرى ف��ى فندق متواضع‪،‬‬ ‫وبع��د أن س��ار ما يقرب من أربعني‬ ‫ً‬ ‫قس��طا من الراح��ة‪ ،‬وليتناول طع��ام الغـداء ‪ .‬جلس أكس��يوناف فى ش��رفة‬ ‫ليأخ��ذ‬ ‫الفن��دق ‪ ،‬وتن��اول وجبة الغذاء ‪ ،‬وأمر بإحضار الس��امافار ‪ ،‬وأمس��ك بالقيث��ارة ‪ ،‬وبدأ‬ ‫يدندن ‪ ،‬ويغنى على أنغامها ‪.‬‬ ‫فجأة اقرتب من الفندق عربة بثالثة خيول بها أجراس ‪ ،‬ونزل منها موظف مسئول‪،‬‬ ‫يرافقه شرطيان ‪ ،‬ثم اقرتب من أكسيوناف ‪ ،‬وأخذ يسأله‪:‬‬ ‫ َم ْن أنت؟ ومن أين؟ ‪.‬‬‫أخذ أكسيوناف جييب بصراحة على أسئلته ‪.‬‬ ‫ أمن املمكن أن حنتسى الشاى ً‬‫سويا ؟ ‪.‬‬ ‫وأخذ املوظف ينهال عليه باألسئلة ‪:‬‬ ‫ أين قضيت ليلة أمس؟ هل كنت مبفردك ‪ ،‬أم كان معك أحد التجار ؟ هل رأيت‬‫ً‬ ‫مبكرا ؟ ‪.‬‬ ‫التاجر فى الصباح ؟ ملاذا رحلت من الفندق‬ ‫اندهش أكس��يوناف لتلك األس��ئلة التى وجهت إليه ‪ ،‬وق��د أجاب عليها مجيعها‬ ‫بصراحة ‪ ،‬ومبا حدث ً‬ ‫متاما ‪ .‬ثم قال للموظف املسئول ‪:‬‬ ‫ كيف تستجوبونى بهذه الطريقة ؟ إننى لست ً‬‫لصا ‪ ،‬أو قاطع طريق ‪ .‬اتركونى‬ ‫وشأنى ملباشرة أعماىل ‪ ،‬وال داعى لتوجيه هذه األسئلة ىل ‪.‬‬ ‫عندئذ نادى املسئول الشرطى ‪ ،‬وقال ألكسيوناف‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مفتش��ا للمباحث ‪ ،‬ىل احلق أن ِّ‬ ‫أوجه إليك األس��ئلة ‪ .‬أال تعلم‬ ‫ مبوج��ب وظيفتى‬‫ً‬ ‫أن التاجر الذى قضى ليلة أمس معك فى الفندق ‪ ،‬قد مات طعنا بالس��كني ‪ ...‬؟ أرنى‬ ‫أمتعتك ‪ ،‬وقم أنت أيها الشرطى بتفتيشه ‪.‬‬ ‫دخ��ل كل م��ن املفت��ش والش��رطى ‪ ،‬حيث يقيم أكس��يوناف ‪ ،‬ال��ذى مت تفتيش‬ ‫ً‬ ‫سكينا ‪ ،‬وصاح‬ ‫حقيبته ‪ ،‬واجلوال اخلاص به وفجاة أخرج مفتش املباحث من اجلوال‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫ سكني من هذه؟ ‪.‬‬‫ً‬ ‫س��كينا ملطخة بالدماء ‪ ،‬قد أخرجوها‬ ‫نظر أكس��يوناف ناحية املفتش ‪ ،‬وراى‬ ‫من اجلوال ‪ ،‬وهنا شعر باخلوف ينتابه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سؤاال إىل أكسيوناف قائال‪:‬‬ ‫وجه املفتش‬ ‫‪76‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫ ما سبب وجود هذه الدماء على السكني ؟ ‪.‬‬‫أراد أكسيوناف اإلجابة على هذا السؤال ‪ ،‬لكنه مل يستطع أن ينطق بكلمة‪...‬‬ ‫عندئذ قال املفتش له ‪:‬‬ ‫ لق��د وجدنا التاجر على الس��رير جثة هامدة إثر طعنة س��كني ‪ ،‬ومل يقم بهذا‬‫أحد س��ـواك ‪ .‬فاحلجرة كانت مغلقة باملزالج م��ن الداخـل ‪ ،‬ومل يكن أحـد هناك‬ ‫غريك ‪ .‬وهاهى السكني امللوثة بالدماء قد وجدناها فى اجلوال اخلاص بك ‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل أنه يبدو على وجـهك بأنك أنت الفـاعل ‪ .‬تكـلم ‪ ،‬واعرتف ‪ .‬كيف قتلته ؟ وأين‬ ‫املبلغ الذى سرقته منه ؟‬ ‫أقسم أكسيوناف بأنه مل يفعل ذلك ‪ ،‬وقال إنه مل ير التاجر بعد أن احتسى معه‬ ‫ً‬ ‫شخصيا ‪ ،‬وتبلغ ثـمانية آالف روبل فقط ‪ ،‬وأن‬ ‫الشاى ‪ ،‬وأن النقود التى معه ختصه هو‬ ‫السكني ال ختصه ‪ .‬كان أكسيوناف يقول هذا بكلمات متقطعة ‪ ،‬وهو شاحب‬ ‫الوجه ‪ ،‬وجسمه كله يرجتف من اخلوف ‪ ،‬كما لو كان مذن ًبا ‪.‬‬ ‫ن��ادى احملقق عل��ى اجلندى ‪ ،‬وأمره ْ‬ ‫بأن يقيد أكس��يوناف ‪ ،‬ويق��وده إىل العربة‪.‬‬ ‫بات أكس��يوناف يبكى ‪ ،‬ثم أخذ يرسم صلي ًبا باإلشارة على صدره ‪ ،‬ووجهه ‪ ،‬أثناء‬ ‫تقيي��د قدمي��ه ‪ ،‬ث��م ألقوا به ف��ى العربة ‪ ،‬وجردوه م��ن النقود ‪ ،‬واألش��ياء التى معه ‪،‬‬ ‫وأودعوه فى أقرب سجن باملدينة ‪ ،‬وأرسلوا إىل مدينة فالدميري للتحرى عن شخصية‬ ‫أكس��يوناف ‪ ،‬حيث أمجع جتار املدينة على أن أكسيوناف كان حيتسى اخلمر ‪،‬‬ ‫ويعربد فى ش��بابه ‪ ،‬لكنه إنسان طيب ‪ .‬بدأوا عندئذ فى حماكمته ‪ ،‬وأدانوه بقتل‬ ‫تاجر مدينة “ريازان” ‪ ،‬وسرقة عشرين ألف روبل ‪.‬‬ ‫حزن��ت الزوجة ملا حدث لزوجه��ا‪ ،‬ومل تدر ماذا تفعل ‪ .‬مازال أوالدها صغا ًرا ‪ ،‬بينهم‬ ‫ً‬ ‫مجيعا معها ‪ ،‬وس��افرت إىل تلك املدينة ‪ ،‬حيث كان‬ ‫طفل رضيع ‪ ،‬وقد اصطحبتهم‬ ‫ً‬ ‫حمج��وزا ‪ .‬فى بداية األم��ر مل يوافقـوا عل��ى الطـلب الذى تقدم��ت به لرؤية‬ ‫زوجه��ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫زوجها ‪ ،‬وأخريا مت هلا ذلك ‪ ،‬بعد أن توس��لت إىل الرؤس��اء ‪ .‬عندما رأته مرتديا مالبس‬ ‫ً‬ ‫ومقيدا بالسالس��ل وس��ط اجملرمني ‪ ،‬وقطاع الطرق ‪ ،‬أخذت تضرب برأس��ها‬ ‫الس��جن ‪،‬‬ ‫األرض ‪ ،‬إىل أن فق��دت الوعى لفرتة طويلة ‪ ،‬ثم أجلس��ت بعد ذلك أبناءها من حوهلا‪،‬‬ ‫وجلس��ت هى جبانب زوجه��ا‪ ،‬وبدأت تقص عليه أحوال املنزل ‪ ،‬وتس��أله عن أحواله ‪،‬‬ ‫وما حدث له فحكى هلا كل ما حدث ‪ ،‬ثم قالت له ‪:‬‬ ‫ وما الذى جيب عمله اآلن؟ ‪.‬‬‫فقال هلا‪:‬‬ ‫‪77‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫البد من تقديم التماس إىل القيصر ‪ ،‬فمن املس��تحيل أن يقضوا على إنس��ان غري‬‫مذنب ! ‪.‬‬ ‫هن��ا قالت الزوج��ة بأنها قد تقدمت بالتم��اس إىل القيصر ‪ ،‬ولك��ن هذا االلتماس‬ ‫مل يصل��ه بع��د ‪ .‬مل يعلق أكس��ـيوناف على ذلك ‪ ،‬ب��ل أطـرق رأس��ه ‪ ،‬وعندئذ قالت‬ ‫الزوجة ‪:‬‬ ‫ ً‬‫ً‬ ‫اذا لي��س عبث��ا ‪ ،‬أتذكـ��ر ‪ ،‬عندم��ا رأيتك فى املنام أش��يب الرأس ‪ .‬ه��ا قد صدقت‬ ‫الرؤية ‪ .‬فقد اش��تعل رأس��ك ش��ي ًبا ‪ ،‬نتيجة للحزن ‪ .‬يا ليتك مل تسافر فى ذلك الوقت‪.‬‬ ‫بدأت فى تدليله ‪ ،‬إذ أخذت متسح شعره بيدها ‪ ،‬قائلة له ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ فانيا * ‪ ،‬يا أعز حبيب إىل قلبى ‪ ،‬قل لزوجتك احلقيقة ‪ :‬أمل تقم فعال بهذا العمل؟ ‪.‬‬‫فقال هلا أكسيوناف ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ أتظن�ين ب��ى كم��ا يدعـ��ون؟ ‪ .‬وهنا أخـف��ى وجه��ه بكـلتا يدي��ه ‪ ،‬وأجـهش‬‫بالبـ��كاء ‪ .‬جاء الش��رطى ‪ ،‬وأم��ر الزوجة أن خت��رج بأوالدها‪ ،‬وكانت ه��ذه هى املرة‬ ‫األخرية التى يودع فيها أكسيوناف أسرته ‪ .‬وبعد أن رحلت زوجته أخذ أكسيوناف‬ ‫يتذك��ر ما دار بينهـما من حـدي��ث ‪ ،‬وعندما تذكـر بأن زوجـت��ه أيضـًا اعتقدت‬ ‫بأنه هو الفـاعل ‪ ،‬وذلك عندما سألته عما إذا كان قد قتل التاجر أم ال ‪..‬؟ عندئذ قال‬ ‫فى نفس��ه ‪ “ :‬يبدو أن ً‬ ‫أحدا ال يعرف احلقيقة ‪ ،‬س��وى اهلل ‪ ،‬وجيب أال أستعني بغريه ‪،‬‬ ‫وال أنتظر من غريه الرمحة” ‪.‬‬ ‫ومنذ تلك اللحظة َّ‬ ‫توق َف أكسيوناف عن تقديم االلتماسات ‪ ،‬وفقد األمل وتفرغ‬ ‫لعبادة اهلل ‪.‬‬ ‫صدر احلكم على أكس��يوناف باجللد‪ ،‬واألشغال الشاقة املؤبدة ‪ .‬وقد مت تنفيذ‬ ‫ً‬ ‫جروحا جبس��ـده ‪ ،‬وبع��د أن التأمت‬ ‫ذل��ك ‪ :‬فق��د جـلدوه بالس��ــوط ‪ ،‬حت��ى أحدثت‬ ‫جراحه ‪ ،‬قادوه برفقة من حكم عليهم باألشغال الشاقة املؤبدة إىل سيبرييا ‪.‬‬ ‫قضى أكس��يوناف ستة وعش��رين ً‬ ‫عاما فى األشغال الش��اقة ‪ ،‬حيث أصبح رأسه‬ ‫أبيض كلون الثلج ‪ ،‬وباتت حليته طويلة مدببة شيباء ‪ ،‬اختفى مرحه ‪ ،‬الذى كان‬ ‫ً‬ ‫وكثريا ما كان يصلى هلل ‪.‬‬ ‫يتمتع به ‪ ،‬ومل يعد يضحك ‪،‬‬ ‫تعلم أكس��يوناف فى الس��جن حرفة صناع��ة األحذية ‪ ،‬واش�ترى مبا رحبه من‬ ‫* فانيا ‪ :‬التدليل من اسم إيفان ‪.‬‬

‫* سيبرييا‪ :‬منطقة فى روسيا كانت تعد مبثابة املنفى إبان القيصرية الروسية ‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫إنتاج��ه كت ًبا ديني��ة ‪ ،‬كان يقرأها فى أوق��ات إضاءة الس��جن ‪ .‬وكان يذهب إىل‬ ‫كنيس��ة الس��جن ‪ ،‬حي��ث كان يتع��رف عل��ى حي��اة القديس�ين ومناس��ك الدين‬ ‫املس��يحى ‪ ،‬كما ش��ارك ف��ى جوقة املرتل�ين ف��ى الكنيس��ة ‪ ،‬إذ كان لديه صوت‬ ‫مجيل ‪ .‬كان مس��ئولو الس��جن حيبون��ه لوداعته‪ ،‬وطيبة قلبه ‪ .‬وفى الس��جن كان‬ ‫زمالؤه ً‬ ‫أيضا حيرتمونه ‪ ،‬وينادونه “ بالشيخ “ ‪ “ ،‬وبرجل الدين” ‪ .‬ويلجئون إليه عندما‬ ‫تكون لديهم مطالب خاصة ويطلبون منه التوجه إىل رئاس��ة الس��جن لثقتهم به ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فدائما ما كانوا يذهبون إىل‬ ‫وحينما كانت حتدث مش��احنات بني نزالء الس��جن ‪،‬‬ ‫أكسيوناف للفصل بينهم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مل يراسل أكسيوناف أحدا من ذويه طوال هذه الفرتة ‪ ،‬ومل يعرف بعد إن كانت‬ ‫زوجته وأوالده أحيا ًء أم ال ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ج��ددا ‪ .‬فى املس��اء جلس الس��جناء‬ ‫وف��ى يوم م��ن األيام أحضروا إىل الس��جن س��جناء‬ ‫القدام��ى ح��ول نظرائهم اجل��دد‪ ،‬وأخ��ذوا يوجه��ون إليهم األس��ئلة ‪ :‬فعلى س��بيل املثال‬ ‫كـانوا يس��ألونهم ‪ :‬من أى مدينة ؟ أو من قرية ؟ ‪ ،‬وما األس��باب التى أدت إىل ذلك ؟ ‪ .‬أما‬ ‫بالنس��بة ألكس��يوناف ‪ ،‬فقد جلس عل��ى األرض ‪ ،‬بالقرب من الس��جناء اجلدد‪ ،‬وقد‬ ‫أمال رأس��ه إىل صدره ‪ ،‬وكان يس��تمع إىل ما يقولون ‪ .‬كان من بني السجناء اجلدد‬ ‫رجل متقدم فى السجن ‪ ،‬ويبلغ من العمر ستني ً‬ ‫عاما تقري ًبا ‪ .‬طويل القامة ‪ ،‬يتمتع‬ ‫بصحة جيدة‪ ،‬وقد شذب حليته الشيباء ‪ ،‬وأخذ حيكى سبب القبض عليه ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ هك��ذا ي��ا إخوان��ى ‪ ...‬مل يك��ن هناك ما يدع��و إىل وجودى هن��ا ُم ً‬‫طلقا ‪ .‬فقد‬ ‫كان ل��دى صديقى احلوذى – حصان مربوط فى الزالج��ة ‪ ،‬فقمت بفصل احلصان‬ ‫عن الزالجة ‪ ،‬وإذا بهم يلقون القبض َ‬ ‫على ‪ ،‬ويتهموننى بس��رقة احلصان ‪ ،‬ولكننى‬ ‫قلت هلم ‪ ،‬إننى كنت قد س��رقت حلاجة ماس��ة إىل هذا احلصان ‪ ،‬لكى أقضى أمراً‬ ‫خيصنى على وجه الس��ـرعة فى مكان أقصده ‪ ،‬وبعد أن حققت غايتى ‪ ،‬تركـت‬ ‫ً‬ ‫صديقا ىل ‪ ،‬وما قمت‬ ‫احلصـان وشأنه ‪ ،‬وكما قلت لكم من قبل ‪ ،‬إن احلوذى كان‬ ‫به ال خيالف النظام ‪ ،‬ولكنهم قالوا ىل إنك س��رقت احلصان ولكنهم ال يعرفون متى‪،‬‬ ‫وأين سرقت فيما مضى ‪ .‬فقد حدثت أمور منذ بعيد‪ ،‬كان املفروض مبوجبها أن آتى‬ ‫إىل هن��ا‪ ،‬ولكن مل ميكنه��م إثبات ذلك ‪ .‬واآلن أتوا بى إىل هنا دون أى س��ند قانونى‪.‬‬ ‫ولك��ن الس��جناء قالوا ‪ :‬إنك تكـ��ذب ‪ ،‬وال تق��ول احلقيقة ‪ ،‬فإذا كنت قد س��رقت‬ ‫فى املاضى ‪ ،‬كما تدعى ‪ ،‬حلكموا عليك بالس��جن ‪ ،‬وش��رفت فى سيبرييا منذ ذلك‬ ‫احلني‪.‬‬ ‫هنا سأله أحد املساجني القدامى ‪:‬‬ ‫‪79‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ ومن أى بلدة أنت ؟ ‪.‬‬‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫فأجابه‬ ‫ إنن��ى م��ن مدين��ة فالدمي�ير ‪ ،‬من جت��ار ه��ذه البل��دة ‪ ،‬وأدعى مق��ار ‪ ،‬واس��م أبى‬‫سيميونافتش ‪.‬‬ ‫عندئذ رفع أكسيوناف رأسه‪ ،‬وسأله ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ش��يئا ع��ن عائل��ة أكس��يوناف التاجر ف��ى مدينة‬ ‫ أمل تس��مع ي��ا س��يمونافتش‬‫فالدميري؟ وهل أسرته مازالت على قيد احلياة ؟ ‪.‬‬ ‫ كيف ال أمسع عنها ؟ إنهم من التجار األثرياء ‪ ،‬ولكن واحس��رتاه ‪ ،‬فاألب س��جني‬‫فى س��يبرييا‪ ،‬ويبدو أنه كان مذن ًبا مثلنا‪ ....‬وأنت يا ش��يخنا ما الذى اقرتفته ‪ ،‬ليأتوا‬ ‫بك إىل هنا ؟ ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهن��ا تنهد أكس��يوناف ‪ ،‬الذى مل يكن حي��ب أبدا أن يتحدث ع��ن مصيبته ‪،‬‬ ‫وقال ‪:‬‬ ‫ إننى هنا للعام السادس والعشرين ملا اقرتفته من ذنب ‪.‬‬‫قال سيميونافتش ‪:‬‬ ‫ وما الذى اقرتفته من إثم ؟ ‪.‬‬‫قال أكسيوناف ‪:‬‬ ‫ ال يس��تحق احلدي��ث ع��ن هذا‪ ،‬وليس ً‬‫ل��دى الرغبة ف��ى أن أحك��ى ‪ ، ...‬ولكن‬ ‫رفاقه املس��جونني املقربني منه رووا للسجني اجلديد عن سبب وجود أكسيوناف فى‬ ‫ً‬ ‫ش��خصا ما قام بطع��ن أحد التجار بالس��كني ‪ ،‬ثم َّ‬ ‫دس ذلك‬ ‫س��يبرييا‪ ،‬وقال��وا له ‪ ،‬بأن‬ ‫الس��كني ف��ى جوال أكس��يوناف ‪ ،‬وهلذا حكموا عليه باألش��غال الش��اقة دون أن‬ ‫يقرتف ذن ًبا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عندما مسع مقار س��يميونافيش هذا تفرس وجه أكس��يوناف ‪ ،‬وضرب ركبتيه‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫بكلتا يديه وصاح‬ ‫ ياهلا من مفاجأة ! يا للعجب ! لقد أصبحت ً‬‫هرما ‪ ،‬ياشيخنا ! ‪.‬‬ ‫هنا بدأ السجناء يسألونه عن سبب دهشته ‪ ،‬وأين رأى أكسيوناف ‪ ،‬ولكن ً‬ ‫مقار‬ ‫سيميونافتش مل جيب على أسئلتهم ‪ ،‬بل قال ‪:‬‬ ‫ ً‬‫حقا‪ ،‬إنها ملفاجأة !‬ ‫من تلك الكلمات ‪ ،‬التى نطق بها ً‬ ‫مقار سيميونافتش جال فى خاطر أكسيوناف‬ ‫‪80‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫فى احلال ‪ ،‬عما إذا كان هذا الشخص يعرف َم ْن هو قاتل التاجر ؟ وقال له ‪:‬‬ ‫ هل مسعت عن هذه القضية قبل ذلك ‪ ،‬وهل رأيتنى من قبل؟ ‪.‬‬‫رد عليه ً‬ ‫َّ‬ ‫مقار سيميونافتش قائال ً‪:‬‬ ‫ كي��ف مل أمس��ع عنها ! لقد مسعت عنها الدنيا كلها ‪ .‬كان هذا منذ فرتة ‪ ،‬لقد‬‫مسعت عنها ‪ ،‬ثم نسيت ‪ .‬ثم سأله أكسيوناف ‪ - :‬أمل تسمع َ‬ ‫عم ْن قتل التاجر ؟ ‪.‬‬ ‫هنا ضحك ً‬ ‫مقار سيميونافتش وقال ‪:‬‬ ‫ يبدو أن الذى قتله ‪ ،‬هو الش��خص نفسه ‪ ،‬الذى وجدوا السكني فى حوزته ‪ .‬فإذا‬‫كان أح��د األش��خاص قد َد َّس لك الس��كني ‪ ،‬ومل يقبضوا عليه ‪ ،‬فه��و ليس باللص ‪.‬‬ ‫لك��ن كيف َد َّس لك هذا الش��خص الس��كني فى اجلوال اخلاص ب��ك ؟ أمل تدركه‬ ‫آنذاك ‪ ،‬عندما كان ً‬ ‫واقفا عند طرف السرير ناحية الرأس؟ ‪.‬‬ ‫وما أن س��ـمع أكس��ـيوناف تلك الكـلم��ات ‪ ،‬أخذ يفكر‪ ،‬فى أن هذا الش��خص‬ ‫ه��و ‪ ،‬الذى قتل التاجر ‪ ،‬فقام على الف��ور ‪ ،‬وانصرف ‪ ،‬ومل تغمض له عني الليل كله‪،‬‬ ‫وس��يطرت علي��ه حالة م��ن الكآبة ‪ ،‬وامللل ‪ .‬أخذ يتخيل أش��يا ًء كث�يرة ‪ ،‬منها‪ :‬أنه‬ ‫ختي��ل زوجته ‪ ،‬حينما ودعته آخر مرة عند س��فره للس��وق ‪ ،‬كم��ا لو كانت تقف‬ ‫أمامه اآلن فى احلقيقة ‪ ،‬يرى وجهها‪ ،‬وعينيها‪ ،‬ويسمع رنني صوتها‪ ،‬وكيف كانت‬ ‫تضح��ك ‪ ،‬وتبادل��ه احلديث ‪ .‬ثم ختي��ل أوالده فى ذلك الوقت ‪ ،‬عندم��ا كانوا صغا ًرا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫معطفا من الفرو ‪ ،‬واآلخر فى أحضان أمه ‪ .‬وتذكر نفس��ه فى ذلك‬ ‫أحدهما يرتدى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الوق��ت ‪ ،‬عندما كان جيلس حتت س��قيفة الفندق ‪ ،‬حي��ث ق ِبض عليه ‪ ،‬وهو يدندن‬ ‫على قيثارته ‪ .‬وتذكر كيف كانت حياته تغلب عليها السعادة ‪ ،‬والسرور فى تلك‬ ‫الفرتة ‪ .‬وتذكـر ً‬ ‫أيضا ذلك املكـان ‪ ،‬الذى كانوا جيـلدونه ‪ ،‬ويعذبونه فيه‪ ،‬وهؤالء‬ ‫اجلالدين ‪ ،‬واحملكوم عليهم باألش��غال الشاقة ‪ ،‬والس��نوات التى قضاها فى السجن‪،‬‬ ‫والتى بلغت ستة وعشرين ً‬ ‫عاما ‪ ،‬وتذكر شيخوخته ‪ .‬سيطرت عليه هذه الكآبة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لدرجة أنه متنى لنفس��ه أن يقدم على االنتحار ‪ .‬وأرجع سبب هذه الكآبة إىل مقار‬ ‫سيميونافتش ‪ “ .‬هذا الشرير” !‬ ‫انتاب أكس��يوناف حالة من الغضب الش��ديد حنو ً‬ ‫لقد َ‬ ‫مقار س��يميونافتش ‪ ،‬مما‬ ‫ول��دت لديه الرغبة فى أن ينتق��م منه ‪ ،‬وبالرغم من أنه كان ّ‬ ‫يصلى طوال الليل ‪ ،‬إال‬ ‫أنه مل يهدأ له بال ‪ .‬فى الصباح مل يقرتب من ً‬ ‫مقار سيميونافتش ‪ ،‬ومل ينظر إليه ‪.‬‬ ‫مضى أسبوعان على هذا احلال ‪ ،‬مل يغمض له جفن أثناء الليل ‪ ،‬وانتابته حالة من‬ ‫الكآبة ‪ ،‬لدرجة أنه مل يعرف ‪ :‬ماذا يفعل؟ ‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ذات مرة ‪ ،‬وأثناء سريه ً‬ ‫ليال فى السجن ‪ ،‬شعر باألرض تهوى من حتت قدميه ‪ ،‬فتوقف‬ ‫ليتفح��ص األم��ر ‪ ...‬وإذا به جي��د ً‬ ‫مقار س��يميونافتش يث��ب من حفرة ب��األرض فجأة‬ ‫أمام��ه ‪ ،‬وقد ارتس��ـمت على وجهه عالم��ات الذعر ‪ ،‬وأخذ يتطلع إىل أكس��يوناف‪،‬‬ ‫ولك��ن أكس��يوناف حاول أن يتخطى احلف��رة دون أن يعريه أى انتب��اه ‪ .‬إال أن ً‬ ‫مقار‬ ‫س��يميونافتش أمسك بيده ‪ ،‬وأفصح له ‪ ،‬بأنه يقوم حبفر ممر حتت اجلدران ‪ ،‬وينقل‬ ‫األترب��ة ف��ى احلذاء طويل الس��اق ‪ ،‬ويق��ذف به فى الش��ارع ‪ ،‬فى الوقت ال��ذى كانوا‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫يقتادونه إىل مكان العمل ‪ .‬ثم أردف‬ ‫ عليك ّ‬‫أال تتفوه بأى كلمة ‪ ،‬أيها العجوز ‪ ،‬وسوف أساعدك على اخلروج من هنا ‪.‬‬ ‫ولكن إذا أخربتهم بهذا ‪ ،‬فسوف جيلدوننى ‪ ،‬وعندئذ لن تفلت من يدى ‪ ،‬وسأقتلك ‪.‬‬ ‫وانتابت أكسيوناف رعشة سيطرت على كل جسمه لغضبه الشديد‪ ،‬عندما رأى‬ ‫ذلك الشرير ‪ ،‬ثم ّ‬ ‫خلص يده من قبضته ‪ ،‬وقال له ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ش��يئا من قتلى ‪،‬‬ ‫ بالنس��بة ىل فق��د أصبحت ال أباىل بكل ما حيدث ‪ .‬ولن جتنى‬‫ألن��ك ق��د قتلتنى منذ أمد بعيد ‪ .‬أم��ا فيما خيص بأن أبوح ‪ ،‬بس��رك لآلخرين ‪ ،‬أم ال ‪،‬‬ ‫فهذا األمر ال يعلمه ّ‬ ‫إال اهلل وحده ‪.‬‬ ‫وف��ى اليوم التاىل ‪ ،‬عندما كانوا يقتادون الس��جناء إىل م��كان العمل ‪ ،‬الحظ اجلنود‬ ‫أن ً‬ ‫مق��ار س��ـيميونافتش يتخل��ص من الرتاب ‪ ،‬فأخذوا يفتش��ون وجييبون الس��جن ‪ ،‬حتى‬ ‫وج��دوا حف��رة فى األرض ‪ .‬وعلى أثر ذلك جـاء قائد الس��ـجن ‪ ،‬وبدأ يس��ــتجوب اجلميع ‪:‬‬ ‫“عم��ن حفر ه��ذه احلفرة” ؟ ‪ .‬لكن اجلـميع أنكــر مبا فيه��م هؤالء ‪ ،‬الذين كـانوا‬ ‫يعلمـون ‪ ،‬بأن ً‬ ‫شيئا ‪ ،‬خشية ْ‬ ‫مقار سيميونافتش هو الذى قام حبفرها ‪ ....‬مل يقولوا ً‬ ‫أن‬ ‫ُ‬ ‫اجلنود حتى املوت ‪ .‬عندئذ َّ‬ ‫توجه قائد الس��جن إىل أكس��يوناف ‪ ،‬ألنه كان‬ ‫جيلده‬ ‫ً‬ ‫يعلم جيدا‪ ،‬أن أكسيوناف – رجل عادل ‪ ،‬وموضع ثقة ‪ ،‬فقال له ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ أيها الشيخ العجوز ‪ ،‬إنك رجل صادق أستحلفك باهلل ‪ ،‬أن تقول احلق ‪َ :‬من ذا الذى‬‫فعل هذا ؟‬ ‫ً‬ ‫وقف مقار س��يميونافتش بال أى تأثر ‪ ،‬ونظر إىل قائد الس��جن ‪ ،‬دون أن يلتفت إىل‬ ‫أكس��يوناف ‪ ،‬الذى كانت يداه وشفتاه ترتعش ‪ ،‬ومل ينطق بكلمة واحدة لفرتة‬ ‫طويلة ‪ .‬إذ كان يفكر ‪ ،‬ويقول فى نفسه ‪:‬‬ ‫ ملاذا أكون أنا الس��بب فى الصفح عنه ‪ ،‬بعدم كش��ف س��ره ‪ ،‬فى حني أنه كان‬‫ه��و الس��بب فى القض��اء ّ‬ ‫على ؟ ‪ .‬فليدفع ثـمن ما س��ببه ىل من تعذي��ب ‪ .‬ولكن إذا ما‬ ‫ً‬ ‫أخربتهم باحلقيقة – فسوف جيلدونه ‪ .‬عبثا‪ ،‬أن يستحوذ أمره على تفكريى ‪ ،‬هل‬ ‫‪82‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء األول‬

‫إذا أخربتهم باحلقيقة ‪ ،‬سيخفف هذا عما فى صدرى من آالم ؟‬ ‫وعاد قائد السجن يقول ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫حسنا ‪ ،‬يا شيخنا العجوز ‪ ،‬قل لنا احلقيقة ‪َ :‬من الذى قام بهذا احلفر ؟‬ ‫‬‫ً‬ ‫فتطل��ع أكس��ــــيوناف إىل مقار‬ ‫سيميونافتش وقال ‪:‬‬ ‫أحدا ‪ ،‬وال أعرف ً‬ ‫مل أر ً‬ ‫شيئا ‪.‬‬ ‫وهك��ذا مل يتوصل��وا إىل َم ْن قام‬ ‫باحلفر ‪.‬‬ ‫ف��ى الليلة التالي��ة ‪ ،‬عندما كان‬ ‫أكسيوناف مضجعا فى فراشه ‪ ،‬وما‬ ‫ً‬ ‫ش��خصا‬ ‫كاد أن يغف��و ‪ ،‬حتى مسع‬ ‫م��ا وق��د اق�ترب من��ه ‪ ،‬وجل��س عند‬ ‫قدمي��ه ‪ .‬وحني دقق النظر فى ظلمة‬ ‫اللي��ل ‪ ،‬وأيق��ن أن ه��ذا الش��ـخص‬ ‫ه��و ً‬ ‫مق��ار س��ـيميونافتش ‪ .‬فق��ال له‬ ‫أكـسيوناف ‪:‬‬ ‫ م��ا الذى تريده من��ى بعد؟ وماذا‬‫تفعل هنا؟ ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫صمت مقار سيميونافتش ‪ .‬لكن‬ ‫أكسيوناف نهض وقال له ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ ماذا تريد؟ أغرب عن وجهى ‪ ،‬وإال استدعيت لك الشرطى ‪.‬‬‫ً‬ ‫احننى ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫مقار سيميونافتش حنو أكسيوناف ‪ ،‬وهمس‬ ‫ إيفان دمييرتفيتش* ‪ ،‬ساحمنى!‪.‬‬‫ فقال له أكسيوناف ‪:‬‬‫ َ‬‫عما أساحمك؟ ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ووضع ُت لك الس��كني ‪ .‬وهممت على قتلك ‪ ،‬ولكن‬ ‫ ها أنا ذا الذى قتلت التاجر ‪،‬‬‫* إيفان دمييرتفيتش‪ :‬هو االسم األول والثانى لبطل القصة أكسيوناف ‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ْ‬ ‫وضع ُت لك السكني فى اجلوال ‪ ،‬وهربت من‬ ‫مسعت صخ ًبا فى فناء الفندق ‪ ،‬وعندئذ‬ ‫ً‬ ‫خالل النافذة ‪ .‬لزم أكسيوناف الصمت ‪ ،‬ومل يعرف ماذا يقول ‪ .‬نزل مقار سيميونافتش‬ ‫من على فراش أكسيوناف ‪ ،‬واحننى أمامه ‪ ،‬ثم جلس على األرض وقال له ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫اصـفـ��ح عن��ى ‪ ،‬ب��اهلل عليك س��ـاحمنى ‪ ،‬س��ـأعـلنها أمام‬ ‫ إيف��ان دمييرتفيت��ش ‪،‬‬‫اجلـمي��ع ‪ ،‬بأنن��ى قد قتل��ت التاجر ‪ ،‬وعندئذ س��ـيعفون عنك ‪ ،‬ويطـلقون س��راحك‪،‬‬ ‫وتعود إىل بيتك ‪ .‬فقال أكسيوناف ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫كثريا من احمل��ن ! إىل أين‬ ‫ م��ن الس��هل عليك أن تق��ول هذا‪ ،‬أما أنا فق��د حتملت‬‫ىل أن أذه��ب اآلن؟ ‪ ...‬لق��د ماتت زوجتى ‪ ،‬وأما أوالدى فقد نس��ونى ‪ ،...‬فليس لدى اآلن‬ ‫مكان أذهب إليه ‪ ،‬أو أحد أجلأ إليه ‪...‬‬ ‫مل يستطيع مقارس��يميونافتش أن ينهض من األرض ‪ ،‬وأخذ يضرب األرض برأسه‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫اصفح عنى ! كان من الس��هل ّ‬ ‫على أن جيلدونى بالس��وط من‬ ‫إيفان دمييرتفيتش‬ ‫أن أنظر اآلن إليك ‪...‬‬ ‫إنك مازلت تشفق ّ‬ ‫على ‪ ،‬ومل تعرتف هلم بأننى الفاعل ‪ ...‬باهلل عليك ‪ ،‬فلتساحمنى‬ ‫من أجل املس��يح عليه الس�لام ! فلتصفح عنى ‪ ،‬فأنا ش��رير ملعون !‪ ...‬ثم أخذ جيهش‬ ‫بالبكاء وعندما مسع أكسيوناف بكاء ً‬ ‫مقار سيميونافتش ‪ ،‬راح هو اآلخر وقال ‪:‬‬ ‫ فليساحمك اهلل ‪ ،‬ال عليك ‪ ،‬فمن املمكن أن أكون أسوأ منك مائة مرة ‪.‬‬‫وفجاة ش��عر أكس��يوناف براحة فى داخله ‪ ،‬ومل يراوده االش��تياق إىل أهل منزله ‪،‬‬ ‫ومل تكن لديه الرغبة فى اخلروج من السجن ‪ ،‬ومل يفكر ّ‬ ‫إال فى يوم لقائه مع اهلل ‪.‬‬ ‫مل يصغ ً‬ ‫مقار س��يميونافتش ‪ ،‬وس��ارع باالعرتاف بإثـمه ‪ .‬وعندما صدر قرار العفو‬ ‫ِ‬ ‫عن أكسيوناف ‪ ،‬كان قد وافته املنية ‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫الجزء الثانى‬ ‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫من زمن فات‬ ‫‪ .I‬قنسطنطين أوشينسكى‬ ‫‪ .II‬قصص شعبية روسية‬ ‫‪ .III‬صامويال فينجرييت‬ ‫‪ .IV‬نيكاالى نوسف‬

‫‪85‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫‪I‬‬ ‫قنسطنطني دمييرتفيتش أوشينسكى‬ ‫( ‪) 1871 – 1824‬‬ ‫ُيعد “قنسطنطني أوشينسكى” من بني الرواد املتخصصني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبريا بأدب األطف��ال ‪ ،‬على الرغم من‬ ‫اهتماما‬ ‫الذين اهتم��وا‬ ‫دراس��ته للقانون ‪ .‬ولد “قنس��طنطني أوشينسكى” فى الثالث‬ ‫م��ن يناير عام ‪ 1824‬فى مدينة “أوديس��ا” ‪ .‬وقد أنهى دراس��ته‬ ‫ُ‬ ‫اجلامعي��ة عام ‪ 1844‬من “جامعة موس��كو” ‪ ،‬ثم عمل بعد خترجه م ً‬ ‫درس��ا يف إحدى‬ ‫مدارس الليس��يه اخلاصة بدراس��ة القانون ‪ ،‬ومليوله السياسية والوطنية ُفصل من عمله‬ ‫ً‬ ‫مدرسا يف معهـد فتيات النبـالء ‪ ،‬ثم حمر ًرا فى جمـلة وزارة‬ ‫عام ‪ ، 1849‬وعمـل فيما بعـد‬ ‫الرتبيـة ‪ُ .‬عني “قنس��طنطني أوشينس��كى” فيما بعد ً‬ ‫رئيس��ا لتحرير جملة “املعاصر” ‪-‬‬ ‫واسعة االنتشار ‪ ، -‬كتب على صفحتها العديد من املقاالت اخلاصة بالرتبية والتعليم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اهتماما ً‬ ‫خاصا بعلمى الرتبية وعلم النفس ‪.‬‬ ‫يوىل‬ ‫إذ كان‬ ‫قضى “قنس��طنطني أوشينسكى” مخس س��نوات خارج روس��يا زار خالهلا سويسرا‬ ‫وبعض الدول األوروبية األخرى ‪ ،‬حيث درس نظم الرتبية والتعليم ‪ ،‬إذ كانت هذه الدول‬ ‫على قدر كبري من التقدم فى هذا اجملال ‪.‬‬ ‫لقد رأى “قنس��طنطني أوشينس��كى” بأن التغيري إىل األفض��ل ال يكون عن طريق‬ ‫الث��ورة ‪ ،‬إمنا يك��ون عن طريق الس��لم والرتبية ‪ ،‬وبث األخالق احلمي��دة لدى األطفال‬ ‫ً‬ ‫والنشء ‪ .‬وفى الوقت نفسه كان يؤمن ً‬ ‫راسخا بأن الدين – إىل جانب العلم – ميثل‬ ‫إميانا‬ ‫أحد األسس الراسخة للرتبية ‪.‬‬ ‫كان “قنس��طنطني أوشينس��كى” من األوائل الذين أثبتوا أن علم الرتبية يهيئ األطفال‬ ‫والنشء حلب العمل ‪ ،‬ألن العمل ميثل قيمة عظيمة وضرورية لإلنسان من الناحية البدنية‪،‬‬ ‫والعقالني��ة ‪ ،‬واألخالقي��ة ‪ ،‬ويس��اعد عل��ى الش��عور بعـ��زة النفس ‪ ،‬وكرام��ة وحرية‬ ‫اإلنس��ان‪ ،‬وحتقيق س��عادته ‪ .‬ومن املالحظ أن “قنس��طنطني أوشينس��كى” كان يدعو‬ ‫فى أعماله إىل نبذ األنانية والوصولية والتكاس��ل والنفعية والنفاق ‪ .‬والتى نالت ش��هرة‬ ‫واس��عة بني الن��اس ‪ ،‬وذلك ملا فيه��ا من قيم أخالقية ف��ى الوقت الذى كان��ت فيه مبثابة‬ ‫وس��يلة تثقيفية ‪ ،‬ومازالت مؤلفاته تص��در بأعداد كبرية ويقرؤه��ا الصغار والكبار‬ ‫حتى اآلن ‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الحصان األعمى‬ ‫حدث هذا منذ زمن بعيد فى وقت مل يكن أجدادنا أو آباء أجدادنا قد ولدوا بعد ‪.‬‬ ‫كانت توجد على شاطئ البحر مدينة مجيلة تشتهر بالتجارة تسمى “فينيتا” ‪.‬‬ ‫كان يعي��ش يف ه��ذه املدينة تاجر ثرى يدعى “الش��بعان” ميتل��ك الكثري من‬ ‫املراكب احململة بالبضائع الثمينة التى جتوب البحار البعيدة بغرض التجارة ‪.‬‬ ‫كان التاج��ر غاي��ة فى الثراء ويعيش حياة البذخ والرفاهي��ة ‪ ،‬واملرجح أنه سمُ ِّ ى‬ ‫“الش��بعان” ألن كل ش��ىء متوفر يف منزله آنذاك ‪ .‬كان هو وأفراد أس��رته يأكلون‬ ‫أوان ذهبية وفضية ويلبسون أغلى الثياب من الديباج ( احلرير ) والفرو‬ ‫ويشربون فى ٍ‬ ‫الن��ادر ‪ .‬كان التاجـ��ر ميتل��ك العـديد من اخلي��ول اجليدة فى حظريت��ه اخلاصة ‪،‬‬ ‫لك��ن مل يكن م��ن بينها حصان أكثر س��رعة وأمجل هيئة م��ن حصانه اخلاص‬ ‫الذى أطلق عليه اس��ـم “س��ـ ّباق الريح” لس��ـرعته فى اجلرى والذى ال يوجد مثله فى‬ ‫املدينة كلها ‪ ،‬ولذلك فقد أصبح احلصان احملبب إليه وال يسمح ألحد بركوبه فى‬ ‫ً‬ ‫حصانا غريه ‪.‬‬ ‫الوقت الذى مل يرض التاجر أن ميتطى‬ ‫وذات ي��وم أثن��اء ع��ودة التاجر من إحدى رحالت��ه التجارية إىل مدين��ة “فينيتا”‬ ‫كان م��ن الضرورى أن مير حبصانة خالل غابة واس��عة مظلمة كان ذلك فى وقت‬ ‫اللي��ل حي��ث كان الظالم املخي��ف خييم على الغاب��ة ‪ ،‬وفى الوقت ال��ذى كانت فيه‬ ‫الرياح تهز بشدة أغصان شجر الصنوبر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ممتطيا حصانه خبطوات بطيئة‬ ‫وحيدا وس��ط هذه الغابة الواس��عة‬ ‫س��ار التاجر‬ ‫ً‬ ‫حفاظ��ا على حصانه احملبب إليه ‪ ،‬والذى أعي��اه التعب من طول الرحلة ‪ .‬وفجأة وثب‬ ‫من بني األشجار ستة من قطاع الطرق ‪ ،‬عراض املناكب ‪ ،‬يضعون على وجوههم أقنعة‬ ‫رمست عليها وجوه حيوانات متوحش��ة ‪ ،‬وعلى رءوسهم أغطية كثيفة الشعر وفى‬ ‫أيديهم الرماح ّ‬ ‫واملدى ‪ .‬ثالثة كانوا ميتطون جيادهم ‪ ،‬أما الثالثة اآلخرون فكانوا‬ ‫مرتجلني دون جياد ‪ .‬وقد أمس��ك اثنان منهم بلجام حصان التاجر ليمنعوه من الس�ير‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حصانا آخر غري حصانه “س�� ّباق الريح” ما اس��تطاع أن‬ ‫ول��و كان التاج��ر قد رك��ب‬ ‫يص��ل إىل بيت��ه أو يرى مدينت��ه مرة أخرى ‪ .‬فعندما ش��عر حصانه بي��د غريبة قد‬ ‫َ‬ ‫اندفع بش��دة إىل األمام وبضربة من صدره القوى أوقع على األرض اثنني‬ ‫ملس��ت جلامه‬ ‫‪88‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫من هؤالء األش��رار ‪ ،‬ثم َ‬ ‫دهس بأقدامه الش��رير الثالث ال��ذى كان يلوح برحمه ليوقف‬ ‫“س�� ّباق الريح” عن الس�ير ثم مضى كالعاصفة إىل األمام ‪ .‬فانطلق وراءه قطاع الطرق‬ ‫الثالث��ة اآلخ��رون جبيادهم القوية والس��ريعة ً‬ ‫أيضا ‪ ،‬لكنها مل تس��تطع اللحاق به‬ ‫على اإلطالق ‪.‬‬ ‫وعل��ى الرغم م��ن طول الرحلة ومش��قتها ‪ ،‬فإن إحس��اس احلصان مبط��اردة قطاع‬ ‫ً‬ ‫تاركا وراءه هؤالء‬ ‫الطرق لصاحبه جعله يطري كالس��هم املنطلق من قوس مش��دود‬ ‫ً‬ ‫ممتطيا‬ ‫األش��رار احلانقني مبسافة بعيدة ‪ .‬وبعد نصف س��اعة دخل التاجر مدينته‬ ‫حصانه ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫التاجر عند نزوله عن ظهر جواده أن جنبى “س�� ّباق الريح” قد انتفخت من‬ ‫الح��ظ‬ ‫آث��ار التع��ب ‪ .‬وفى هذه اللحظة ربت التاجر على رقبة جواده “س��باق الريح” وقد أخذ‬ ‫ً‬ ‫عهدا على نفس��ه بأنه مهما حدث من أمور فلن يبيع حصانه الوفى هذا أو يطرده فى‬ ‫ي��وم من األيام حتى ولو أصابته الش��يخوخة ‪ .‬وقد أمر الس��ايس ب��أن يقدم حلصانه‬ ‫ً‬ ‫يوميا ثالثة مكاييل من أحسن‬ ‫أنواع الش��وفان (الشعري) ‪ .‬ثم أسرع‬ ‫“الش��بعان” إىل أوالده وزوجت��ه‬ ‫عل��ى الف��ور لالطمئن��ان عليه��م ‪،‬‬ ‫ومل يشرف بنفسه حلظة عودتة‬ ‫عل��ى إطعام حصان��ه ‪ ،‬بل تركه‬ ‫للسايس الكسول الذى مل حيسن‬ ‫العناي��ة باحلص��ان كم��ا جيب ‪،‬‬ ‫فقد أخطأ الس��ايس حينما سقى‬ ‫احلص��ان م��ا ًء مباش��رة بع��د هذه‬ ‫الرحلة الش��اقة ‪ ،‬إذ كان ينبغى‬ ‫علي��ه أن ينتظ��ر الوق��ت الكافى‬ ‫لراح��ة احلص��ان ثم يس��قيه بعد‬ ‫ذل��ك ‪ ،‬ونتيجة لذل��ك بدأ يضعف‬ ‫احلص��ان وقد بدا عليه الس��قم ثم‬ ‫فقد بصره آخر األمر ‪.‬‬ ‫ومضى نص��ف عام والتاجر باق‬ ‫على عه��ده يف تقديم املكاييل‬ ‫الثالث��ة م��ن الش��وفان حلصان��ه‬ ‫‪89‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫املوجود فى احلظرية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جوادا آخر وبدا له بعد ش��هور أنه من غري املعقول‬ ‫اش�ترى التاجر بعد ذلك لنفس��ه‬ ‫ً‬ ‫حصان��ا أعمى ال فائ��دة منه بثالثة مكايي��ل من الش��وفان ‪ ،‬فأمر بإعطائه‬ ‫أن يطع��م‬ ‫مكيال�ين فق��ط ‪ .‬ومر نصف عام آخر ‪ .‬وقد عادت احلياة إىل “س��باق الريح” وبالتاىل‬ ‫أصبح فى حاجة إىل االستمرار فى إطعامه لفرتة طويلة ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأخريا ق َّر َر التاجر‬ ‫يوميا ‪.‬‬ ‫واحدا فقط‬ ‫مكياال‬ ‫لكن التاجر أمر بأال يقدم له سوى‬ ‫ً‬ ‫طرد هذا احلصان األعمى كى ال يش��غل مكانا ف��ى احلظرية دون فائدة ‪ .‬وبالفعل‬ ‫ً‬ ‫مرتبط��ا باملكان ال يريد‬ ‫ق��د قام عمال التاجر بطرده وضرب��ه بالعصى ‪ ،‬ألنه كان‬ ‫ترك احلظرية ويصر على البقاء فيها ‪ .‬مل يدرك “س ّباق الريح” األعمى املسكني سبب‬ ‫م��ا يفعلون��ه به ‪ ،‬ومل يع��رف ومل ير إىل أين يذه��ب ‪ ،‬ولذلك بقى ً‬ ‫واقف��ا خلف بوابة‬ ‫املنزل ُمنكس الرأس يهز أذنيه ويبدو عليه احلزن واألسى ! ‪.‬‬ ‫حل الليل وبدأ الثلج يتساقط وأصبح من الصعوبة مبكان أن يرقد هذا احلصان‬ ‫املسكني على أرض مليئة باألحجار الصغرية الصلبة ‪،‬وفى جو ثلجى قارس الربودة‪.‬‬ ‫وبق��ى احلصان ً‬ ‫ً‬ ‫وأخريا ش��عر باجلوع‬ ‫واقف��ا مل يتحرك من مكانه س��اعات طويلة ‪،‬‬ ‫فاضطر إىل البحث عن طعام له ‪ ،‬فسار املسكني األعمى وهو ُمتعب دون توقف ً‬ ‫رافعا‬ ‫رأس��ه إىل أعلى ويتش��مم ف��ى اهلواء رمبا يعثر ف��ى مكان ما عل��ى بقايا حزمة من‬ ‫الدريس تكون مدالة من أحد السقوف القدمية ‪.‬‬ ‫من الضرورى أن تعلم – عزيزى القارئ – أن ما كان حيدث فى هذه املدينة ً‬ ‫متاما‬ ‫مثلم��ا كان حيدث يف قديم الزمان من حيث نظ��ام احلكم ‪ .‬فلم يكن هناك أمري‬ ‫حيكم ‪ ،‬بل كان س��كان املدينة حيكمون أنفس��هم بأنفسهم ‪ .‬كانوا جيتمعون‬ ‫يف املي��دان الرئيس��ى للمدين��ة وذلك الخت��اذ قرارته��م املهمة ‪ .‬كان ه��ذا االجتماع‬ ‫جيمع الشعب كله حلل مشاكلهم اخلاصة وكذلك التقاضى والقصاص ويسمى‬ ‫هذا االجتماع بالندوة الشعبية ‪ .‬وتعقد الندوة يف ميدان وسط املدينة حيث يوجد‬ ‫ج��رس كبري معل��ق على أربعة أعم��دة ‪ ،‬وحينما يس��مع رنينه فى أرج��اء املدينة‬ ‫جيتمع الناس على الفور ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وم��ن الطبيع��ى أن أح��دا مل جيرؤ عل��ى دق هذا اجلرس إال ألس��باب قوي��ة وإال نال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عنيفا من أهل املدينة ‪ .‬وعندما كان احلصان األعمى جيول يف امليدان وهو‬ ‫توبيخ��ا‬ ‫يئن من شدة اجلوع عثر صدفة على األعمدة التى يثبت عليها اجلرس ‪ ،‬ورمبا اعتقد‬ ‫أن احلبل الذى يتحكم فى لس��ان اجلرس ما هو إال بعض القش ليس��د به رمقه ‪ ،‬وما‬ ‫ْ‬ ‫أن ب��دأ جير احلبل بأس��نانه حتى مسع��ت دقات اجلرس تقرع بش��دة وعلى الرغم من‬ ‫‪90‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ً‬ ‫مبكرا ‪ ،‬فقد أس��رع أهل املدين��ة إىل امليدان من كل صوب وحدب‬ ‫أن الوق��ت كان‬ ‫ملعرفة السبب ‪.‬‬ ‫كان أه��اىل املدين��ة كلهم يعلم��ون ً‬ ‫جيدا أن “س�� ّباق الريح” ق��د أنقذ صاحبه‬ ‫من اهلالك احملتوم ‪ ،‬ويعلمون ً‬ ‫أيضا بالعهد الذى أخذه التاجر على نفس��ه بالنس��بة‬ ‫حلصان��ه ‪ ،‬لكنه��م تعجب��وا عندما وجدوا “س�� ّباق الريح” يقف وس��ط امليدان هزيالً‬ ‫ً‬ ‫جـائع��ا يرتعـش من الربد القـارص ‪ ،‬وقد غطى اجلليد جس��مه ‪ ،‬وس��رعان ما اتضح‬ ‫األم��ر ‪ ،‬عندئذ عرف األهاىل أن التاجر الثرى قد طرد جواده الضرير الذى أنقذه ً‬ ‫يوما‬ ‫ما ‪ ،‬واقتنعوا بأن للجواد احلق فى أن يدعوهم إىل الندوة الشعبية ‪.‬‬ ‫دع��ا األهالي التاجر الثرى ناكر املع��روف وقدموه للمحاكمة ‪ ،‬وعلى الرغم مما‬ ‫ذكره هلم من تربيرات فقد ألزموه بعودة “س ّباق الريح” إىل حظريته وإطعامه كما‬ ‫كان م��ن قبل حت��ى آخـر عمره باإلضـافة إىل تعـيني ش��ـخص م��ن بينهـم ملتابعـة‬ ‫ً‬ ‫منقوش��ا على حجر موجود وس��ط املدينة‬ ‫تنفيذ احلكم ‪ .‬ومازال نص هذا احلكم‬ ‫كتذكار هلذا احلدث ! ‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫حكمة الصرب‬ ‫كان يعي��ش ديـ��ك صـغري وأخـت��ه الكـ�برى الفـرخة مع بعضهما يف عش��ة‬ ‫صغرية ‪ .‬ويف ي��وم من األيام جرى الديك الصغري إىل احلديقة وبدأ يلتقط مبنقاره‬ ‫حبات العنب األخضر – الذى مل ينضج بعد – فقالت له أخته الفرخة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ ال ت��أكل من ه��ذا العنب ‪ ..‬انتظر واصرب حتى ينض��ج العنب ويكون صاحلا‬‫لألكل ‪.‬‬ ‫لك��ن الدي��ك الصغ�ير مل يس��تمع إىل نصيحة أخت��ه الك�برى ‪ ،‬وأخذ يأكل‬ ‫وي��أكل حت��ى امت�لأت معدته ً‬ ‫متام��ا ‪ ..‬ثم رجع مع أخت��ه الفرخة إىل املن��زل ‪ .‬وفى‬ ‫الطريق بدأ يشكو من وجع يف معدته وهو يقول ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ آه ‪ ....‬آه ‪ ..‬ماذا حدث فى معدتى ؟ إنها تؤملنى يا أختى أملا شديدا ‪.‬‬‫ً‬ ‫كوبا من النعناع وأجلس��ته فى الس��رير ‪ ،‬وأعطته بعض‬ ‫أع��دت الفرخة ألخيها‬ ‫متاما ‪ ..‬خرج الديك بعد ذلك إىل احلقل ‪ ،‬وجرى هنا وهناك ً‬ ‫األدوية حتى شفى ً‬ ‫فرحا‬ ‫مس��رو ًرا ‪ً ،‬‬ ‫فاردا جناحيه ليدفئ جس��مه بأشعة الشمس ‪ ،‬وبقى هكذا حتى تصبب‬ ‫ً‬ ‫عرقا ‪ ،‬فأحس بالعطش الشديد فأسرع إىل جمرى املاء حيث يأتى إليه املاء البارد الذى‬ ‫يس��قط بعد ذوبان الثل��وج املوجودة فوق‬ ‫أعالي اجلبال ‪.‬‬ ‫فصاحت أخته عليه وقالت ‪:‬‬ ‫ ال تش��رب م��ن هذ امل��اء الب��ارد واصرب‬‫حتى تعود إىل املنزل وإال ستمرض بالتهاب‬ ‫يف اللوز ‪ ،‬وترتفع درجة حرارتك ‪ .‬مل يأخذ‬ ‫الديك الصغري بنصيحة أخته الكربى وبدأ‬ ‫يشرب من اجملرى ‪ .‬وملا شعر برعشة فى جسمه َق َّررَ‬ ‫الذهاب إىل املنزل وهو يسري بصعوبة شديدة ‪.‬‬ ‫أسرعت أخته يف احلال إىل الطبيب ّ‬ ‫وقصت عليه ما‬ ‫حدث فأعطى الطبيب هلا الدواء ‪ ،‬لكن الدواء‬ ‫م��را ً‬ ‫كان ً‬ ‫جدا ‪ ،‬ونصحه��ا بأنه من الضرورى‬ ‫‪92‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫على أخيها الديك أن يرقد يف السرير ملدة أسبوعني على األقل ‪.‬‬ ‫ُش��فى الديك ‪ ..‬ثم خرج للتنزه ‪ ..‬كان الش��تاء قد جاء وأخذ الثلج يس��قط بغزارة‬ ‫مما جعل درجة احلرارة تقل عن الصفر حتى غطت الثلوج جمرى املاء الكبري ‪ .‬أراد‬ ‫الدي��ك الصغري التزجل بالزحافات على اجلليد الذى غطى اجملرى ً‬ ‫متاما ‪ ،‬لكن أخته‬ ‫حذرته وقالت له ‪:‬‬ ‫ ال داع للتزجل اآلن وانتظر ‪ ،‬فإن الطبقة الثلجية التى غطت اجملرى ما زالت هش��ة‬‫وضعيفة ‪ ،‬وإذا حاولت التزجل عليها اآلن ‪ ،‬فسوف تسقط يف ماء اجملرى ولن تستطيع‬ ‫اخلروج ‪..‬‬ ‫مل يس��تمع الديك الصغري إىل نصيحة أخت��ه الكربى وأخذ الزحافات وذهب بها‬ ‫إىل اجمل��رى ‪ ..‬وب��دأ ف��ى التزجل ‪ ..‬إال أن طبق��ة اجلليد التى كان��ت تغطى اجملرى قد‬ ‫تش��ققت وفجأة س��قط الديك حتتها ومل يظهر بعد ذلك سوى رأس الديك وهو يصرخ‬ ‫ويقول ‪:‬‬ ‫ احلقونى ‪ ..‬احلقونى ‪ ...‬النجدة ‪ ...‬النجدة ‪ ..‬هذه آخر مرة وسوف أمسع نصائح من‬‫هم أكرب منى ! ‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الرياح والشمس‬ ‫يف يوم ما حدث جدل بني الش��مس والرياح الش��مالية الش��ديدة حول َم ْن منهما‬ ‫األكثر قوة ‪ .‬طال اجلدل بينهما ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخريا اتفقا على إجراء جتربة قوة كل منهما فى انتزاع معطف أحد املسافرين‬ ‫على جواده يف طريق فسيح ‪.‬‬ ‫قالت الرياح للشمس ‪:‬‬ ‫ انظري ما س��أفعل به ‪ ..‬س��أهجم علي��ه وبعد حلظة وجيزة س��وف انتزع من على‬‫جسمه معطفه الذى يرتديه ‪.‬‬ ‫وبدأت الرياح تهب بكل ما لديها من قوة ‪ .‬وكلما زادت فى قوتها التحف الفارس‬ ‫مبعطفه أكثر فأكثر وهو متذمر من سوء حالة اجلو امللبد بالغيوم ‪ ،‬لكنه كان‬ ‫يواصل طريقه ومل يتوقف ‪..‬‬ ‫غضب��ت الري��ح وأصبحت أكثر قوة وقس��وة وض��راوة مما أدى إىل س��قوط أمطار‬ ‫والثلج على املس��افر املس��كني الذى كان يوجه اللعنات إىل تلك الرياح القاس��ية ‪،‬‬ ‫فاضطر إىل ربط معطفه باحلزام بش��دة ‪ .‬وهنا حتققت الرياح من عدم مقدرتها على‬ ‫انتزاع معطف املسافر ‪.‬‬ ‫س��خرت الشمس من منافستها – الرياح – وتبس��مت ‪ ،‬أخذت تظهر من بني السحب‬ ‫وترس��ل أش��عتها فأدفأت الدنيا ‪ ،‬وجفف��ت األرض مبا فى ذلك الفارس املس��كني الذى‬ ‫كان يعانى من الربد الشديد ‪.‬‬ ‫انتعش جس��م الف��ارس وعندما ش��عر بالدفء أثنى على الش��مس ‪ ..‬وحينما ش��عر‬ ‫بإرتفاع درجة حرارة الشمس خلع معطفه بإرادته وربطه فى سياج جواده ‪.‬‬ ‫وهنا قالت الشمس اهلادئة للرياح الغاضبة ‪:‬‬ ‫أرأيت ما فعلت أنا ؟ من املمكن أن تفعلى ما تريدين بالرفق والرقة وليس كما‬‫فعلتى أنت بالعنف والقسوة ‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫املاعزان‬ ‫ذات م��رة تقابل ماعزان عنيدان عند جذع ش��جرة ضيق ُو ِض َع بني جس��رى ترعة‬ ‫للعبور عليه ‪ ..‬وكان من املس��تحيل عليهما عبور الرتعة فى وقت واحد ‪ ،‬فكان من‬ ‫الضرورى ألحدهما أن ينتظر ويعطى لآلخر الطريق للمرور إىل اجلس��ر اآلخر ‪ ،‬ألن‬ ‫اجلذع ال يتسع إال ملرور واحد منهما فقط ‪.‬‬ ‫فقال أحدهما لآلخر ‪:‬‬ ‫ أتسمح ىل بالطريق كى أعرب ؟‬‫فأجاب الثانى ‪:‬‬ ‫ ومل��ا أنا !!؟ ‪ .‬ابتعد أنت وارج��ع إىل اخللف فأنا جئت هنا من‬‫قبلك ‪ ،‬ومن املفروض أن تنتظر حتى أعرب ‪.‬‬ ‫ أنا أكرب منك بس��نوات كثرية وتريد أن أفس��ح‬‫الطري��ق ملن هو أصغ��ر منى ؟ ال ‪ ،‬لن يك��ون هذا بأي‬ ‫حال من األحوال ‪.‬‬ ‫مل يفك��ر االثن��ان ف��ى‬ ‫ً‬ ‫كثريا ‪ ،‬بل بدأ‬ ‫األمر‬ ‫كل منهم��ا ينطح‬ ‫اآلخ��ر جببهت��ه‬ ‫حت��ى‬ ‫القوي��ة‬ ‫تشابكت قرونهما‪.‬‬ ‫الش��جار‬ ‫وازداد‬ ‫بينهما وهما واقفان‬ ‫عل��ى أرجلهما اخللفي��ة الرفيعة‬ ‫فوق جذع الش��جرة ‪ ..‬كان جذع الش��جرة‬ ‫ً‬ ‫مبت�لا باملاء ‪ ،‬فانزلقت أرجلهما وس��قطا فى‬ ‫الرتعة نتيجية عنادهما ! ‪. .‬‬ ‫‪95‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الثعلب واملاعز‬ ‫ج��رى ثعلب وهو يتج��ه إىل أعلى ً‬ ‫فاحتا فمه على غراب صغ�ير يطري بالقرب من‬ ‫األرض ‪ ..‬ويف أثن��اء ذلك ‪ ،‬ودون أن يدرى وقع يف بئر من املاء ‪ ..‬كان فى البئر ماء قليل‬ ‫ً‬ ‫حزينا‬ ‫ال يس��مح للثعلب بالغرق فيه أو أن يقفز إىل اخل��ارج ‪ ..‬فبقى الثعلب فى البئر‬ ‫ً‬ ‫بائسا ‪.‬‬ ‫ويف أثناء ذلك ‪ ،‬كان يسري ماعز بالقرب من البئر يهز حليته الفضفاضة وتتمايل‬ ‫ً‬ ‫حائرا فى القاع فسأله املاعز ‪:‬‬ ‫رأسه ‪ ..‬ثم ألقى نظرة داخل البئر فرأى الثعلب‬ ‫ ماذا تفعل هنا أيها الثعلب ؟؟‬‫فأجاب��ه الثعلب ‪ :‬جئت إىل هنا يا عزيزى للراحة بعض الوقت ‪ ،‬فاجلو حار عندك‬ ‫ول��ذا فضلت النزول داخل البئر ألن اجلو هنا رطب ‪ .‬كان املاعز فى ذلك الوقت يش��عر‬ ‫بالظمأ الشديد وفى حاجة ماسة إىل املاء ‪.‬‬ ‫فسأل الثعلب ‪ :‬هل املياه عندك حسنة ؟؟‬ ‫أج��اب الثعل��ب ‪ :‬إنه��ا ممت��ازة ونظيفة‬ ‫وب��اردة ‪ ..‬وإذا أردت ميكن��ك أن تقفز إىل‬ ‫ً‬ ‫وفعال‬ ‫هنا فاملكان يتسع لنا حنن االثنني ‪.‬‬ ‫قفز املاعز إىل داخل البئر فقال له الثعلب ‪:‬‬ ‫يالك من ماعز ‪ ..‬ال حتس��ن القفز ‪ ..‬انظر‬ ‫كيف أغرقتنى املياه ! ‪.‬‬ ‫وهنا وثب على ظه��ر املاعز ثم قفز قفزة‬ ‫ً‬ ‫وحيدا‬ ‫كبرية إىل خارج البئر وبقى املاعز‬ ‫يف البئر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جوع��ا يف البئ��ر‬ ‫كاد املاع��ز أن مي��وت‬ ‫‪ ..‬وبع��د البح��ث الطوي��ل عن��ه ‪ ،‬وج��دوه‬ ‫هن��اك فأخرج��وه بعد أن ش��دوه من قرنيه‬ ‫الطويلني ‪ .‬وبذلك استطاع الثعلب مبكره‬ ‫ودهائه أن خيرج من البئر ! ‪.‬‬ ‫‪96‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫األطفال فى الغابة الصغرية‬ ‫يف صباح يوم مشمس توجه أخ وأخته إىل املدرسة و كان من الضرورى للوصول‬ ‫إىل املدرس��ة أن خيرتقا احلقول ‪ ،‬واحلدائق املظللة بفروع األشجار الوارفة ً‬ ‫بدال من أن‬ ‫يس�يرا يف الطريق الرئيسى امللئ باألتربة وأشعة الش��مس احلارقة ‪ .‬أما عن احلقول‬ ‫واحلدائق فالطقس فيها معتدل يبعث فى النفس املرح والسرور ‪.‬‬ ‫ويف الطريق قال األخ ألخته ‪:‬‬ ‫ امسع��ى يا أختى ‪ ،‬أمامنا الوقت الكافى حتى نصل إىل املدرس��ة ‪ ،‬لكننى أرى‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫وممال ‪ ،‬أما فى احلدائق ‪ ،‬فاجلو يبعث على‬ ‫خانقا‬ ‫أن اجلو فى املدرس��ة اآلن سيكون‬ ‫املرح ‪ ..‬أال تس��معى هناك تغريد الطي��ور ! انظرى إىل هذا الطائر اجلميل وهو يتنقل‬ ‫من شجرة إىل أخرى هل متانعى فى قضاء الوقت هنا يا أختى ! ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أعجب��ت األخ��ت باق�تراح أخيه��ا ووافقت ‪ ،‬ث��م ألقيا مب��ا كان معهم��ا من كتب‬ ‫وكراريس بني احلش��ائش وانطلقا بني األش��جار اخلضراء ‪ ،‬وأشجار اجلميز كثيفة‬ ‫األوراق حيث إختفيا ً‬ ‫متاما عن األنظار ‪ .‬حقيقة كان يسود حديقة املواحل جو من‬ ‫امل��رح والصخب ‪ ،‬فالطي��ور ترفرف بأجنحتها بال انقطاع تغرد وتش��دو ويتنقل البلبل‬ ‫بني فروع األشجار ‪ ،‬وتسعى احلشرات الصغرية بني احلشائش ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جعرانا ذا لون ذهبى فقاال له ‪:‬‬ ‫لقد رأى األخ واألخت يف البداية‬ ‫ َّ‬‫هيا العب معنا يا جعران ‪ ..‬فأجاب اجلعران ‪:‬‬ ‫ كن��ت أمتن��ى ذل��ك ‪ ،‬لكن ليس لدى وق��ت للعب ‪ ..‬فمن الض��روري أن أحبث عن‬‫غذائي وأحصل عليه ‪.‬‬ ‫ثم تركاه فرأيا حنلة صفراء اللون فقال هلا ‪:‬‬ ‫ َّ‬‫هيا العيب معنا يا حنلة ‪..‬‬ ‫أجابت النحلة قائلة ‪:‬‬ ‫ ليس عندي وقت للعب معكما ‪ ،‬فالبد لي من العمل جلمع العسل ‪.‬‬‫ثم سأال بعد ذلك النملة ‪ :‬أال تلعيب معنا ؟‬ ‫لكن مل يكن لدى النملة الوقت لالستماع إليهما ‪ ،‬إذ كانت حتمل قشة أكرب‬ ‫‪97‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫منها بثالثة أضعاف تسري بعجل كي تكمل بناء مسكنها ‪.‬‬ ‫ثم توجها بعد ذلك إىل البلبل واقرتحا عليه اللعب معهما ‪ .‬لكن البلبل لوح بذيله‬ ‫املنق��وش وأجابهما بأنه يقوم بتخزين كمية م��ن الطعام الذى حيتاج إليه فى فصل‬ ‫الشتاء ‪.‬‬ ‫ثم طلبا من اليمامة أن تشاركهما اللعب فأجابتهما قائلة ‪:‬‬ ‫ إننى أبين ً‬‫عشا ألوالدى الصغار ‪.‬‬ ‫ومل يهتم األرنب الذي ميتلكه حارس احلديقة بدعوة األخ واألخت للعب معهما‬ ‫إذ جرى إىل جدول املاء ليغسل فمه بعد األكل ‪.‬‬ ‫مل يكن لدى الزهرة البيضاء وقت للعب مع األطفال إذ كانت تغتنم فرصة الطقس‬ ‫اجلميل ‪ ،‬وتسرع فى جتهيز ثـمرتها للنضج كى تصبح ثـمرة لذيذة الطعم ‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫وش��عر الطفالن بالوحدة وامللل ؛ ألن اجلميع مش��غولون بعملهم وال يريد ٌ‬ ‫أحد أن‬ ‫يضيع وقته فى اللعب معهما ‪.‬‬ ‫بع��د ذل��ك جريا حنو جدول املاء الذى كان مير وس��ط ه��ذه احلديقة الصغرية ‪،‬‬ ‫وقاال له ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ ً‬‫حقا ‪ ،‬يبدو أن عندك فراغا من الوقت فلتلعب معنا ‪ ..‬فأجابهما غاض ًبا ‪.‬‬ ‫ م��اذا تق��والن ؟؟!! عندي فراغ من الوقت ؟! يالكما من طفلني كس��ولني ! انظر‬‫َّ‬ ‫إىل‪ ..‬إنن��ى أعم��ل ً‬ ‫ونه��ارا ال أس�تريح ً‬ ‫ً‬ ‫أبدا ولو لدقيقة واحدة ‪ .‬أمل أس��ق اإلنس��ان‬ ‫ليال‬ ‫واحليوان ؟ من غريى ينظف املالبس ويدير عجالت الطواحني وحيمل املراكب على‬ ‫س��طح امل��اء وخيمد احلرائ��ق ؟ آه ‪ ..‬إن رأس��ى ً‬ ‫دائما فى دوامة من كث��رة ما عندى من‬ ‫أعمال ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأخريا فكرا يف أنه من األفض��ل هلما الذهاب إىل‬ ‫أصب��ح الطفالن أكثر مل�لا ‪..‬‬ ‫املدرس��ة ‪ ،‬ث��م يع��ودان إىل احلديقة للتنزه ‪ .‬يف ذل��ك الوقت الحظ الطف��ل عصفوراً‬ ‫ً‬ ‫مجي�لا على فرع ش��جرة جيلس يف هدوء يغن��ى لصغريه أغنية مرح��ة ‪ ،‬ويبدو أن‬ ‫لديه وقت فراغ وال عمل له ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫نادى عليه الطفل‬ ‫ي��ا هلا من أغني��ة مرحة ‪ ،‬يبدو أنه ليس لديك عمل تقوم به ‪ ،‬إذ إنك تقضي وقت‬ ‫الفراغ يف الغناء ‪.‬‬ ‫فأجاب العصفور غاض ًبا ‪:‬‬ ‫ ماذا تقول ؟! ليس لدي ما أقوم به ؟! أمل أقم طوال الوقت منذ الصباح الباكر جبمع‬‫م��ا أطعم ب��ه أوالدي ؟ َّ‬ ‫على فرد جناحى من كثرة اجملهود ال��ذي بذلته ‪ .‬وكما ترى‬ ‫أغنى وأداعب أوالدي الصغار بهذه األغنية ‪ .‬أما أنتما أيها الكساىل ماذا فعلتما اليوم؟‬ ‫مل تذهبا إىل املدرس��ة ومل تذاكرا دروس��كما وتتجوالن هنا وهناك بدون هدف يف‬ ‫ه��ذه احلديق��ة الصغ�يرة ‪ ،‬بل وتعط�لان اآلخرين ع��ن العمل ‪ .‬م��ن األفضل لكما‬ ‫ً‬ ‫جيدا ‪ .‬فإن ال��ذي يتمتع بالراحة‬ ‫أن تذهب��ا حيث أرس��لكما والدكما ‪ ،‬وتذاك��را‬ ‫ويستمتع باللعب ذلك الذي يعمل ويكد وينجز ما جيب عليه أن يفعله ‪.‬‬ ‫وهنا ش��عر الطفالن باخلجل الشديد فذهبا على الفور إىل املدرسة على الرغم من‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫متأخرا إال أنهما اجتهدا لكي يعوضا ما فاتهما من الدروس ! ‪.‬‬ ‫أن وصوهلما كان‬

‫‪99‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الصقر والقطة‬ ‫يف أح��د حقول الري��ف اهلادئة جلس��ت قطة تلعب م��ع أوالده��ا الصغار فرحني‬ ‫ً‬ ‫مجيعا بأشعة مشس الربيع الدافئة ‪ .‬والسعادة ترفرف على هذه األسرة الصغرية ‪.‬‬ ‫وفج��أة ‪ ،‬وإذا بصق��ر برى كبري احلجم ال تدرى القط��ة األم من أين ظهر وقد هبط‬ ‫من أعلى كالصاعقة وخطف أحد أوالدها الصغار ‪.‬‬ ‫مل يك��د الصق��ر يرتفع بفريس��ته حتى هجمت علي��ه القطة األم وتش��بثت به‬ ‫فاضطر إىل أن يلقى بالقطيطة على األرض ‪ ،‬ويدخل فى معركة مع القطة األم ‪.‬‬ ‫تف��وق الصقر يف البداي��ة مبا لديه من أجنحة قوية ومنق��ار وأرجل ذوات أظافر‬ ‫ً‬ ‫جرحا فى جسم القطة األم التى مل تستسلم‬ ‫حادة طويلة ‪ ،‬وبذلك استطاع أن حيدث‬ ‫أو تفقد ش��جاعتها ‪ ،‬بل تش��بثت مبخالبها جبس��م الصق��ر وقطعت بأس��نانها جناحه‬ ‫األمين ‪.‬‬ ‫وانتصرت القطة هذه املرة ‪ ،‬لكن الصقر مازال يشعر بالقوة ‪ .‬تعبت القطة نتيجة‬ ‫املعركة إال أنها اس��تجمعت ما بقى عندها م��ن طاقة ‪ ،‬ثم قامت بقفزة جريئة على‬ ‫الصقر فأوقعته على األرض ‪ .‬وفى اللحظة نفس��ها أحدثت ً‬ ‫قطعا يف رأس��ه بأس��نانها ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وأخريا أخذت تلعق بلس��انها جروح‬ ‫وقد نس��يت ما أصابها من جروح وختلصت منه ‪..‬‬ ‫ابنتها الصغرية وتشعر بالفرح إلنقاذها !! ‪.‬‬

‫‪100‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫البيضة الغريبة‬ ‫مكانا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هادئ��ا يف حظرية الدواجن‬ ‫مبكرا الس��يدة العجوز واختارت‬ ‫اس��تيقظت‬ ‫حيث وضعت سلة بها بعض القش اللني ‪ ،‬ثم بسطت عليه ثالث عشرة بيضة وأرقدت‬ ‫عليها الدجاجة ‪.‬‬ ‫مل تنتبه العجوز إىل أن واحدة من البيضات الثالث عش��رة كانت متيل إىل اللون‬ ‫ً‬ ‫ضعيفا ‪.‬‬ ‫األخضر بعض الشيء عن األخريات ألن ضوء الصباح الباكر كان‬ ‫كان��ت الدجاجة ترقد جبدية على البيض لتدفئته ‪ ،‬وإذا جاعت كانت تذهب‬ ‫بس��رعة تلتقط طعامها من احلبوب وتشرب ما حتتاجه إليه من ماء ثم تعود بسرعة‬ ‫لرتقد على البيض ‪ .‬كان ريش املس��كينة يسقط وتبدو عليها احلرية ‪ ،‬قلقة على‬ ‫البيض ومل تسمح ألحد باإلقرتاب منه حتى الديك الذي كان يعيش معها ‪ .‬وكانت‬ ‫تطمئن على البيض من حلظة إىل أخرى أثناء تناوهلا الطعام ‪.‬‬ ‫رق��دت الدجاج��ة على البي��ض حواىل ثالث��ة أس��ابيع ‪ ،‬وخرج��ت الكتاكيت‬ ‫كتك��وت تلو اآلخ��ر ‪ ..‬تنقر فى األرض وتقفز هنا وهن��اك ‪ ،‬تفرد أجنحتها وحتاول‬ ‫اجلرى ‪ ،‬وجترف الرتاب بأرجلها ً‬ ‫حبثا عن الديدان الصغرية اللتقاطها ‪ .‬أما الكتكوت‬ ‫ال��ذي كان داخ��ل البيضة اخلضراء مل يظه��ر إال بعد ظه��ور الكتاكيت األخرى ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مدورا – له ريش صغري ولونه أصفر ‪ ..‬رجاله‬ ‫وكان غري ًبا يف شكله عن اآلخرين –‬ ‫قصريتان ‪ ،‬وأنفه عريض ‪ .‬أخذت الدجاجة تفكر فى أمر هذا الكتكوت ‪.‬‬ ‫ وهى تقول يف نفسها ‪:‬‬‫ لق��د ظهر لدى كتكوت غريب ‪ ،‬ينقر يف األرض وخيطو بطريقة ختتلف عن‬‫طريقتنا ‪ ،‬أنفه عريض ‪ ،‬وأرجله قصرية ‪ ،‬أعوج الساقني ‪.‬‬ ‫وتعجب��ت الدجاجة هلذا الكتك��وت ‪ ،‬لكنه على أى األح��وال فهو ابنها حتبه‬ ‫وتعتين به كأخوته ‪ ..‬فإذا حملت من بعيد احلدأة فردت جناحيها عن آخرهما وختبئ‬ ‫أوالدهما حتتهما وتغطيهم بهما ال تفرق بني هذا الكتكوت واآلخرين ‪.‬‬ ‫ب��دأت الدجاج��ة تعلم أوالدها كي��ف يلتقطون الدي��دان ويبحثون عنها يف‬ ‫األرض ‪.‬‬ ‫‪101‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫وذات م��رة أخ��ذت الدجاج��ة الكتاكيت إىل ش��اطئ الربك��ة ‪ :‬حيث تكثر‬ ‫الدي��دان واألرض هن��اك أكثر ليونة وليس��ت صلبة ‪ .‬وعندم��ا رأى الكتكوت ذو‬ ‫األرجل القصرية ماء الربك��ة اندفع فيها على الفور فأخذت الدجاجة تصيح وتلوح‬ ‫بأجنحته��ا وهي تندفع حنو املاء ‪ ..‬أما الكتاكيت األخرى فقد أصابها القلق جيرون‬ ‫هنا وهناك ويصيحون دون توقف ‪ .‬ثم وثب ديك كان بالقرب منهم فوق صخرة عالية‬ ‫َ‬ ‫وم َّد رقبته وللمرة األوىل يف حياته يصيح بصوت أجش ‪:‬‬

‫ ك��و – ك��و – رى – كو ‪ ..‬النجدة أيه��ا الناس الطيبون ‪ ،‬النج��دة ‪ ..‬هناك أخ لنا‬‫يغرق ‪.‬‬ ‫لكن الكتكوت مل يغرق ‪ ،‬بل كان مسرو ًرا يسبح يف سهولة ويسر كقطعة‬ ‫ورق تطفو فوق س��طح املاء جيدف بأرجله الغش��ائية العريضة ‪ .‬وهنا خرجت العجوز‬ ‫بسرعة من كوخها على صوت الدجاجة ‪ ،‬ورأت ما حيدث فقالت يف نفسها ‪:‬‬ ‫ يال��ه من خطأ قد ارتكبت��ه ! يبدو أننى وضعت حت��ت الدجاجة بيضة البطة‬‫بسرعة دون أن أنتبه ‪..‬‬ ‫أم��ا الدجاجة املس��كينة فاندفعت حنو الربكة ‪ ،‬إلنق��اذ البطة الصغرية وبعد‬ ‫جهد جهيد استطاعوا أن يبعدوها عن املاء !! ‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫‪II‬‬ ‫قصص شعبية روسية‬ ‫مقدمه‬ ‫يض��م الفلكل��ور الش��عبى ‪ :‬احلكاي��ات ‪ ،‬واألغان��ى ‪ ،‬واألس��اطري ‪ ،‬والزج��ل اليت‬ ‫تتوارثها الشعوب من جيل إىل جيل ‪.‬‬ ‫وتع��د احلكاي��ات من أهم أش��كال الفلكلور الش��عبى ملا تتضمن��ه من عادات‬ ‫وتقاليد وثقافة وأصالة وطبيعة هذا الشعب أو ذاك ‪.‬‬ ‫بني أيدينا جمموعة قصصية لألطفال والنشء من الفلكلور الش��عبى الروس��ى‬ ‫مرتمج��ة من اللغة الروس��ية ‪ ،‬كى نتع��رف عليها ‪ ،‬فمضامينها ليس��ت ببعيدة عن‬ ‫مضامني القصص الشعبى عند العرب واملسلمني ‪ ،‬وإن دلت على شيء فإمنا تدل على‬ ‫اإلقدام ‪ ،‬والشجاعة ‪ ،‬والصدق ‪ ،‬واألمانة ‪ ،‬والوفاء ‪ ،‬والقناعة ‪ ،‬كما أنها تكشف عن‬ ‫حلم كل الش��عوب بأن يس��ود الس�لام ‪ ،‬وأن ينعم اإلنسان بالس��عادة تلك القيم التى‬ ‫ً‬ ‫مجيعا أن نبثها فى نفوس أبنائنا ‪.‬‬ ‫حناول‬

‫‪103‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الصديقان‬ ‫كان يعي��ش ف��ى إحدى الق��رى ش��ابان صديق��ان جتمعهما صداق��ة محيمة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وكثريا ما كانا يلتقيان ‪ .‬وذات مرة دار بينهما هذا احلوار ‪:‬‬ ‫ الصدي��ق األول ‪ :‬آه ل��و كان عندى مائة من إناث اخليل ألصبحت أس��عد إنس��ان فى‬‫الدنيا !!!‬ ‫ الصديق الثانى ‪ :‬فيما تقدم اخليول من سعادة؟ فبالنسبة ىل لو كان لدى مائة من‬‫ً‬ ‫مجيعا ‪.‬‬ ‫األصدقاء األوفياء ألصبحت أسعد الناس‬ ‫ً‬ ‫(جمادال)‪ ،‬ال‪ ،‬هذا غري صحيح فإن امتالك اخليول هو أفضل بكثري‬ ‫ الصديق األول ‪:‬‬‫شيء آخر فى الوجود ‪.‬‬ ‫من أى‬ ‫ٍ‬ ‫ش��يء على‬ ‫ الصدي��ق الثانى‪ :‬إن��ى ال أوافقك هذا الرأى ‪ ،‬فاألصدقاء األوفياء هم أفضل‬‫ٍ‬ ‫اإلطالق ‪.‬‬ ‫وانتهى احلوار وتفرقا ‪......‬‬ ‫وعندما تقابال مرة أخرى اس��تأنفا احلديث عمن هو أفضل وأجدر لإلنسان وأخذا‬ ‫ً‬ ‫وأخريا اتفقا على اآلتى ‪:‬‬ ‫يتجادالن ويتبادالن الرأى‬ ‫فلينطلق كل منا فى طريقه ومن هو فى حاجة إىل اخليول فليجمعها ‪ ،‬ومن هو‬ ‫فى حاجة إىل أصدقاء أوفياء فليبحث عنهم ‪.‬‬ ‫مرت فرتة من الزمن وعاد الشبان والتقى من جديد فى قريتهما‪ ،‬وراح يسأل كل‬ ‫منهما اآلخر ‪:‬‬ ‫ الصديق األول ‪ :‬قل ىل ‪ ،‬هل جنحت فيما كنت تبحث عنه؟‪.‬‬‫ الصدي��ق الثان��ى ‪ :‬نعم ‪ ،‬لقد اس��تطعت أن أس��تحوذ على صداقة تس��عة وتس��عني‬‫ً‬ ‫صديقا ‪ ،‬وأنا سعيد بهم ‪ .‬أما أنت فماذا فعلت فى رحلتك ؟ ‪.‬‬ ‫ الصدي��ق األول ‪ :‬مل تك��ن الرحلة س��يئة ‪ ،‬فقد اس��تطعت أن أحصل على تس��عة‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫أصيال‪.‬‬ ‫جوادا‬ ‫وتسعني‬ ‫‪104‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫عندئ��ذ ق��ال الصدي��ق الثان��ى‬ ‫لصديقه ‪:‬‬ ‫ لكى تس��تكمل ع��دد اخليل‬‫ال��ذى كن��ت تصب��و إلي��ه – وهى‬ ‫مائ��ة – فس��أهدى ل��ك حصان��ى‬ ‫الوحي��د الذى أمتلك��ه ‪ ،‬فهو من‬ ‫أمجل اخليول وأسرعها !!!‬ ‫ الصدي��ق األول ‪ :‬إذا فعل��ت ه��ذا‬‫ً‬ ‫صديقا ً‬ ‫وفيا لك ‪.‬‬ ‫سأكون‬ ‫ً‬ ‫ الصدي��ق الثان��ى ‪ :‬حس��نا لق��د‬‫أصب��ح عن��دى اآلن مائ��ة صديق‬ ‫بالتمام والكمال ‪ ،‬وهذا ما كنت‬ ‫أمتناه ‪ .‬كم أنا سعيد اآلن !!!‬ ‫ الصدي��ق األول ‪ :‬أصب��ح اآلن لدى‬‫مائة من اخليول بالتمام والكمال‬ ‫‪ ،‬وأعتقد أنه ال يوجد شخص آخر‬ ‫أكثر منى سعادة ‪.‬‬ ‫ثم ذهب الصديق األول إىل والدته‬ ‫وقال هلا ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ انظ��ري يا أم��اه ‪ ...‬مل يكن عبثا‬‫عندما ذهبت لفرتة طويلة لكى‬ ‫أحبث فيها عن إناث اخليول ‪ ...‬انظري يا أماه كم أمتلك من اخليول األصيلة !!! يا هلا‬ ‫من سعادة‪ ...‬وفى القريب العاجل سأكون أكثر سعادة وثراء ‪ ...‬فسوف تنجب تلك‬ ‫اإلن��اث خالل عام العديد من األمهر ‪ ،‬وخالل أعوام قليلة س��يكون لدى أكرب عدد‬ ‫من اخليول فى منطقتنا ‪.‬‬ ‫استمعت األم إىل ولدها وشاطرته سعادته ‪.‬‬ ‫ذه��ب الصديق الثانى إىل والدت��ه وأخذ يقص عليها ما قام به أثناء رحلته ‪ ،‬وأخربها‬ ‫باألماك��ن الت��ى زاره��ا وما رآه ف��ى الطريق ‪ ،‬وكيف وم��ع َم ْن أقام صداق��ة وثيقة ‪،‬‬ ‫ًَ‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫واستطرد حديثه‬ ‫ إننى اآلن فى قمة السعادة ‪ ،‬فلدى مائة صديق بالتمام والكمال ‪.‬‬‫‪105‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫استمعت األم إىل حكايات ابنها وفكرت َ‬ ‫مليا ثم قالت له ‪:‬‬ ‫ امسع يا بنى ‪ .‬هذا شي ٌء مجيل ‪ ،‬ولكن أنصحك بأال حتكم عليهم بأنهم أصدقاؤك‬‫قب��ل أن ختتربه��م ‪ ،‬وتقتنع بأنه��م أوفياء ً‬ ‫حق��ا ‪ .‬وهذا لي��س بالكلم��ات وحدها‪ ،‬بل‬ ‫باألفعال ‪ ،‬وعندئذ من املمكن أن تقول بأنك سعيد ‪.‬‬ ‫فقال هلا ‪:‬‬ ‫ وكيف أستطيع ‪ ،‬يا أماه التحقق من ذلك ؟ ‪.‬‬‫عندئذ قالت األم ‪:‬‬ ‫امت��ط حصان��ك و اذهب ب��ه إىل كل القرى الت��ى تعرفت فيها عل��ى أ صدقائك وقل‬ ‫‬‫ِ‬ ‫هل��م لق��د حدثت لك كارث��ة ما ‪ ،‬وأنك فقدت عل��ى أثرها كل ما متتل��ك ‪ ،‬ونتيجة‬ ‫لتصرفاتهم ستتأكد مدى عالقاتهم بك ‪ ،‬وموقفهم منك بعد ما حدث لك ‪.‬‬ ‫وعل��ى الفور جه��ز ُ‬ ‫االبن حصانه ‪ ،‬وانطلق جيوب القرى وخي�بر أصدقاءه عن كارثة‬ ‫قد حلت به ‪.‬‬ ‫ف��ى تل��ك الليلة الت��ى ترك فيها قريت��ه حدثت كارث��ة حقيقية ‪ ،‬إذ ق��ام اللصوص‬ ‫بس��رقة كل إناث اخليل ‪ ،‬التى كان ميتلكها صديقه ‪ ،‬الذى استيقظ فى الصباح‬ ‫َ‬ ‫فقريا كما‬ ‫ومل جي��د م��ا كان لديه من خيول ‪ ،‬وبذلك قد فقد كل ش��يء ‪ ،‬وأصبح‬ ‫كان من قبل ‪ ،‬وسيطر عليه احلزن واألسى ‪ ....‬وأخذ يبحث هنا وهناك ويسأل كل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قطيعا من اخليول م��ع إعطائهم‬ ‫لصوص��ا يس��وقون‬ ‫م��ن يقابله��م عم��ا إذا كانوا رأوا‬ ‫عالم��ات عن مالحمها وأش��كاهلا‪ ،‬ولكنه مل يكن يس��مع من اجلمي��ع إال إجابة‬ ‫واحدة وهى ‪:‬‬ ‫ مل نر ‪ ،‬ومل نعرف ‪.‬‬‫هك��ذا ع��اد إىل بيته خاىل الوف��اض ‪ ،‬ومل يعثر على ش��يء ‪ .‬و جلس فى ركن من‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫منزله وقد أمسك رأسه بكلتا يديه‬ ‫ انطفأت سعادتى ‪ ،‬التى أضاءت حياتى لربهة من الزمن ‪.‬‬‫أما الصديق الثانى عاد إىل قريته وقال لوالدته ‪:‬‬ ‫ لق��د حتقق��ت ي��ا أماه م��ن أن أصدقائى ‪ -‬أصدق��اء أوفياء ‪ .‬ليتك كن��ت معى ورأيت‬‫بعين��ك مدى تكدره��م ‪ ،‬وما أصابهم من احل��زن ‪ .‬وفى احلال أخ��ذ كل واحد منهم‬ ‫يع��رض ٌ‬ ‫على إم��ا نقود‪ ،‬أو مالبس ‪ ،‬أو خيول ‪ .‬وقد رفضت عل��ى الفور ‪ ،‬وقلت هلم إنين‬ ‫لست فى حاجة إىل هذه األشياء ‪ ،‬إال أنهم أصروا ومل ينصتوا إىل ‪ .‬تعال يا أماه ‪ ،‬انظري‬ ‫بنفسك !‬ ‫‪106‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫وهن��ا نظ��رت األم ورأت م��ا مل تكن تتوقعه ‪ً .‬‬ ‫أناس��ا قادمني م��ن كل حدب وصوب ‪.‬‬ ‫فمنهم من يس��وق ماشية ‪ ،‬وآخرون حيملون ً‬ ‫خبزا ‪ ،‬وبعضهم يأتون بالطيور ‪ ،‬وكثري‬ ‫منهم حيملون املالبس ‪ ،‬ومجوع حيملون األوانى ‪......‬‬ ‫جاء هؤالء األصدقاء ‪ ،‬واقرتبوا من املنزل وقالوا ‪:‬‬ ‫ أيها الصديق العزيز ‪ ،‬ال ترفض ما جئنا به لك وال تغضبنا برفضك إياها ‪.‬‬‫ش��كر كل من األم واالبن األصدق��اء القادمني ‪ ،‬وطل ًبا منهم أن يع��ودوا أدراجهم مبا‬ ‫كانوا حيملون من هدايا ‪ ،‬وقالت هلم األم ‪:‬‬ ‫ كنا نود اختباركم فقط ليس إال ‪.‬‬‫غ�ير أن األصدقاء أبوا أن ينصت��وا إليها‪ ،‬وتركوا كل ما كان��وا حيملون من هدايا‬ ‫البنها ومتنوا له السعادة األبدية ‪ ،‬وتفرق كل إىل بلدته ‪.‬‬ ‫وهنا قالت األم البنها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ كن��ت على حق ي��ا بين ‪ ،‬إنهم حقا أصدقاء أوفياء ‪ .‬اآلن تس��تطيع أن تقول فعال إنك‬‫أسعد إنسان ‪.‬‬ ‫هن��ا أبلغ��ت األم ابنها مب��ا حدث لصديقه عن س��رقة اخليول كلها ‪ ،‬ف��ى تلك الليلة‬ ‫نفسها التى سافر فيها االبن للقرى اجملاورة إىل أصدقائه ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عندئذ أعطى االبن لصديقه كل ما جاء به أصدقاؤه من هدايا قائال له ‪:‬‬ ‫ ال حت��زن ‪ ،‬ي��ا صديقى ‪ ،‬وكن عل��ى يقني ‪ ،‬بأنه طاملا لدى اإلنس��ان صديق ِّ‬‫وفى لن‬ ‫يشعر ً‬ ‫أبدا أنه وقع فى نكبة أو كارثة ‪.‬‬ ‫وهنا قال الصديق األول ‪:‬‬ ‫ صدقت يا صديقى ‪ ،‬اآلن أحسس��ت وأدركت بأن أغلى ش��يء فى الوجود ال يتمثل‬‫فى امتالك املال ‪ ،‬بل فى وجود الصديق الوفى ‪ ،‬وقد كنت خري مثال على ذلك ‪.‬‬

‫‪107‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫املاء ‪ -‬أصل الحياة‬ ‫ً‬ ‫قائال له ‪:‬‬ ‫أمر امللك أحد وزرائه‬ ‫ أحضر ىل أصل احلياة كلها ‪.‬‬‫ع��اد الوزي��ر إىل منزل��ه ‪ ،‬وأخ��ذ يفكر‬ ‫ً‬ ‫كثريا فى هذا األمر ‪.‬‬ ‫سألته ابنته قائلة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ أبتاه ‪ ،‬ملاذا تبدو حزينا هكذا ؟‬‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫أجابها الوزير فى حرية‬ ‫ أمرن��ى املل��ك ان أحض��ر له صب��اح الغد‬‫أصل احلي��اة كلها ‪ .‬فم��ن أين وكيف‬ ‫أس��تطيع أن أحصل عليه��ا وأحضرها له‬ ‫ً‬ ‫وغدا ؟‬ ‫عندئذ قالت االبنة له ‪:‬‬ ‫ ال حتزن يا أبى ‪ ،‬س��وف أعطى لك صباح‬‫غ��د أص��ل احلياة كله��ا ‪ ،‬ف�لا تنزعج ‪.‬‬ ‫اخلد اآلن إىل النوم فى سكينة واطمئن ً‬ ‫متاما ‪.‬‬ ‫ذه��ب الوزير لينام ‪ ،‬ولكنه مل يس��تطع أن يغفو ‪ .‬ظل ميعن ف��ى التفكري ‪ :‬من أين‬ ‫تستطيع ابنته أن حتصل على كل البذور ‪ ،‬التى منها أصل احلياة كلها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فنجانا مملو ًءا بامل��اء ‪ .‬أخذ الوزير الفنجان من‬ ‫ح��ل الصب��اح ‪ .‬أحضرت االبنة ألبيها‬ ‫ابنته ومحله اىل امللك وقدمه له ‪.‬‬ ‫هنا قال امللك للوزير ‪:‬‬ ‫ يال��ك من إنس��ان ذكى ‪ً .‬‬‫حقا طاملا يوجد ماء ‪ ،‬فإن الب��ذور ميكنها أن تنمو ويعم‬ ‫ً‬ ‫أيضا بذور ‪ ،‬ولن ينمو زرع ‪ ،‬ولن‬ ‫اخلري ‪ ،‬أما إذا مل يكن هناك ماء ‪ -‬فلن تكون هناك‬ ‫يرتوى إنسان أو حيوان ‪ ،‬ولن يعم اخلري يف هذه الدنيا ‪.‬‬ ‫‪108‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫السجادة الزرقاء‬

‫( قصة شعبية من أوزبكستان )‬

‫فى سالف األزمان كان لدى أحد ملوك تركستان ابن وحيد ‪ ،‬قد كرب وترعرع‬ ‫ً‬ ‫وأصبح ً‬ ‫ً‬ ‫ش��ابا ً‬ ‫وكثريا م��ا كان والده يفكر بعمق عن��د رؤيته البنه‬ ‫وس��يما ‪،‬‬ ‫فتيا‬ ‫ويقول فى نفسه ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ اآلن وقد تقدم بى السن ‪ ،‬وبدأت الشيخوخة تصيبنى ‪ ،‬والبد ىل أن أتنازل له عن‬‫محدا هلل أن َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ىل ً‬ ‫ً‬ ‫وريثا‬ ‫عاجال كى حيكم اململك��ة من بعدى ‪.‬‬ ‫آجال أو‬ ‫الع��رش إن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫راض مرتاح البال ‪.‬‬ ‫وقد أصبح شابا يافعا ‪ ،‬عندئذ لو مت ‪ ،‬تركته وأنا ٍ‬ ‫ً‬ ‫ وفى يوم من األيام دعا امللك ابنه الوحيد وأجلسه جبانبه قائال له ‪:‬‬‫اص��غ ي��ا بن��ى ‪ ..‬أمل حي��ن الوقت بعد يا بن��ى للبحث ل��ك عن ع��روس ‪ ،‬وأن تتزوج‬ ‫‬‫ِ‬ ‫وتكون لك أس��رة وأن تتحمل مس��ئولية احلكم من بعدى خاصة بعد أن أصابنى‬ ‫الك�بر ؟ ث��م اصطحبه إىل قاعة القصر الفس��يحة ‪ ،‬حيث تعلق عل��ى جدرانها صور‬ ‫عدي��دة لبن��ات امللوك والقياص��رة الفاتن��ات وكل واحدة منهن تبدو أكثر ُح ً‬ ‫س��نا‬ ‫ً‬ ‫ومجاال من األخرى ثم قال البنه ‪:‬‬ ‫ اخرت يا بنى واحدة من هذه الفتيات لتكون زوجة لك ‪ ،‬فمن تعجبك منهن سوف‬‫أزوجك إياها ‪ ..‬فهذه ابنة امللك ‪ ..‬وهذه ابنة القيصر ‪ ..‬وها هى ابنة األمري ‪..‬‬ ‫طاف األمري القاعة وأخذ ميعن النظر فى مجيع الصور ثم قال لوالده ‪:‬‬ ‫ اعذرن��ى يـا أبتى ‪ ،‬مل تعجبنى ٌ‬‫أى منهن ومل خيفق قلبى إلحداهن ‪ ،‬فى احلقيقة‬ ‫كله��ن مجي�لات ‪ ،‬وفاتنات وال خالف ف��ى ذلك ‪ ،‬لكن قلبى ال ميي��ل إىل أى منهن ‪،‬‬ ‫فلتأذن ىل يا أبتى أن أطوف كل أرجاء اململكة فرمبا أجد َم ْن يهواها قلبى ‪..‬‬ ‫ وافق امللك على اقرتاح ابنه ومسح له أن يبدأ رحلته للبحث عن شريكة حياته‬‫من بنات مملكته ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وجت��ول االب��ن هنا وهن��اك فى أماكن عدي��دة باململكة ينتقل م��ن قرية إىل‬ ‫‬‫أخرى وإىل مزارع الكروم بني التالل ‪ ،‬حيث يرى فتيات كثريات ‪ ،‬مجيالت ‪ ،‬فاتنات‬ ‫‪109‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ويتمتعن بالذكاء وطيبة القلب وبشاش��ة الوجه ‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك مل ميل قلب‬ ‫األمري إىل أحداهن ‪.‬‬ ‫وذات م��رة أثناء جولت��ه بني التالل وجد األمري نفس��ه فى إحدى الق��رى الفقرية ‪،‬‬ ‫حي��ث رأى فالح��ة ممش��وقة القد كغصن البان ‪ ،‬وذات ش��عر أس��ود جمعد يش��به‬ ‫خي��وط احلرير ‪ ،‬فش��عر عل��ى الفور بأن هذه الفت��اة هى التى يبحث عنها وأنها س��وف‬ ‫تسكن قلبه مدى احلياة ‪ .‬دخل منزهلا وجلس بالقرب منها وقال هلا ‪:‬‬ ‫ يا أنستى اجلميلة ‪ ...‬هل تقبليننى ً‬‫لك ؟‬ ‫زوجا ِ‬ ‫عندئذ سألته قائلة ‪:‬‬ ‫ َم ْن أنت؟‬‫فقال هلا ‪:‬‬ ‫ إننى ابن امللك ووىل العهد ‪.‬‬‫ثم عادت وسألته ‪:‬‬ ‫ وما عملك ؟ ألديك حرفة ما تتقنها ؟‬‫ً‬ ‫وهنا اندهش ابن امللك من أسئلتها قائال هلا ‪:‬‬ ‫ أنا لست فى حاجة إىل أن أتقن حرفة ‪ ،‬أو أن يكون ىل عمل ‪ ،‬سبق وأن قلت لك‬‫إننى ابن امللك ووىل العهد ‪.‬‬ ‫فابتسمت الفتاة وقالت ‪:‬‬ ‫ فلتك��ن اب��ن املل��ك ‪ ،‬لكن هذه ليس��ت حرفة ‪ ..‬الي��وم أنت ابن املل��ك ووىل العهد‬‫ولك��ن ً‬ ‫غدا رمب��ا تفقد منصبك ه��ذا فكيف أن تعول األس��رة اذه��ب وتعلم حرفة‬ ‫تس��تطيع أن تقتات منها وقت احلاج��ة ‪ ..‬وعندما تنتهى من هذه املهمة ‪ ،‬عد إلينا هنا‬ ‫ف��ى القري��ة ‪ ،‬ولن أتردد فى أن أكون زوجة لك ‪ ،‬وإذا مل تنفذ هذا ‪ ،‬فال داعى للمجئ‬ ‫إىل هنا مرة أخرى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خرج ابن امللك من بيتها منكس الرأس ‪ ،‬حزينا يفكر فيما قالته له الفتاة ‪.‬‬ ‫عاد االبن إىل القصر ‪ ..‬وحكى لوالده عما حدث وأى حرفة يستطيع أن يتعلمها‪.‬‬ ‫فابتسم امللك وقال البنه ‪:‬‬ ‫ ال حت��زن ي��ا بنى فمن املمك��ن تدبري هذا األمر ث��م أصدر امللك ً‬‫أم��را بدعوة أمهر‬ ‫أصح��اب احلرف املختلفة من مجيع أحن��اء اململكة ‪ ..‬وبنا ًء على أمر امللك حضر إىل‬ ‫القيصر أمهر احلدادين ‪ ،‬واخلبازين ‪ ،‬وصانعى الرباميل ‪ ،‬والنساجني ‪ ،‬والنجارين ‪.‬‬ ‫‪110‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫وج��اء احلرفي��ون إىل القاعة الفس��يحة املطلية بورق الذهب ينتظ��رون امللك وهم‬ ‫يهمسون فيما بينهم عن سبب جمئيهم إىل القصر ‪ ،‬وها هو امللك خيرج إليهم وبصحبته‬ ‫األمري فاحننى اجلميع هلما وقال امللك هلم ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أه�لا بكم أيها احلرفيون فى قصرى ‪ ...‬لقد مجعتكم اليوم بغرض تعليم ابنى‬ ‫‬‫ً‬ ‫وىل العهد حرفة يدوية يتقنها جيدا ‪ .‬فمن منكم لديه املقدرة على أن يقوم بهذه‬ ‫املهمة ؟‬ ‫َّ‬ ‫وتعجب احلرفيون من هذا األمر وهزوا رءوس��هم وأخذوا يتهامس��ون فيما بينهم عن‬ ‫ً‬ ‫أن هذه املهمة صعبة جدا إذ كيف يتعلم ابن امللك حرفة الناس البسطاء ‪.‬‬ ‫ثم سأهلم امللك ‪:‬‬ ‫ أمل يوافق أحد منكم ؟‬‫وهن��ا ن��ادى امللك على احل��داد الذى كان ق��د صنع كل بوابات وأقف��ال ومفاتيح‬ ‫القصر واقرتب منه أكثر فأكثر وقال له ‪:‬‬ ‫ إننى على يقني ً‬‫متاما ‪ ،‬بأنك ماهر فى مهنتك هل توافق على أن تعلم األمري حرفتك‬ ‫ً‬ ‫ماهرا مثلك ؟‬ ‫حتى يصبح‬ ‫لاً‬ ‫فارتبك احلداد َّ‬ ‫ورد على امللك قائ ‪:‬‬ ‫ ومل ال ي��ا صاحب اجلاللة ؟ لكننى ال أس��تطيع أن أجزم مبدى اس��تعداده لتعلم‬‫حرفتى هذه ‪.‬‬ ‫لاً‬ ‫ثم سأله امللك قائ ‪:‬‬ ‫ وكم من الوقت يتطلب تعليمه وإتقانه هذه احلرفة ؟‬‫َّ‬ ‫فكر احلداد قليلاً وقال ‪:‬‬ ‫ لن يكون أقل من ثالث سنوات ‪.‬‬‫وهنا رد ابن امللك على الفور ‪:‬‬ ‫ هذه املدة ال تتناسب وظروفى فلن تنتظرنى العروس التى اخرتتها كل هذه املدة ‪.‬‬‫ونادى امللك على صانع الرباميل وسأله ‪:‬‬ ‫ كم تستغرق من الوقت فى تعليم ابنى حرفتك ؟‬‫وهنا احننى صانع الرباميل أمام امللك وقال ‪:‬‬ ‫ عامني يا صاحب اجلاللة ‪.‬‬‫‪111‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫وهنا يدخل ابن امللك قائلاً ‪:‬‬ ‫ هذه مدة طويلة ً‬‫جدا ‪.‬‬ ‫وهك��ذا أخذ امللك يس��أل الواح��د تلو األخر ‪ ،‬وكانت اإلجاب��ة ال تقل عن العام‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مش��هورا بفن��ه الفريد فى عمل الس��جاجيد‬ ‫وأخ�يرا س��أل امللك النس��اج والذى كان‬ ‫ً‬ ‫اجلميل��ة الزاهي��ة األل��وان لدرج��ة ان��ه أصب��ح معروف��ا ف��ى اململكة حي��ث يأتى‬ ‫الكثريون من بالد أخرى ليتمتعوا مبشاهدة فنه الفريد ‪.‬‬ ‫ وأنت أيها النساج العجوز – سأل امللك – أال تستطيع تقديم يد املساعدة ؟‬‫ً‬ ‫فكر النساج ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫مليا وفرك جبهته ثم رد على امللك‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حسنا يا صاحب اجلاللة ‪ ،‬سوف أ َعلم وىل العهد حرفتى وسأجعله يتقنها ً‬ ‫متاما‬ ‫‬‫خالل ثالثة أيام فقط ‪.‬‬ ‫فرح األمري وقال ‪:‬‬ ‫ إننى موافق على هذا ‪ ،‬فثالثة أيام ليست بفرتة طويلة ‪.‬‬‫ خ��رج األمري مع النس��اج العجوز ‪ ،‬وبعد أن مكث عن��ده ثالثة أيام عاد إىل قصر‬‫ً‬ ‫ومجاال عما يصنعه ذلك النس��اج العجوز ثم‬ ‫أبيه وقد نس��ج س��جاجيد ال تقل روعة‬ ‫صن��ع س��جادة رائع��ة ومجيلة وأخذه��ا ليعرضها على عروس��ه – الفت��اة الفالحة ‪،‬‬ ‫فذهب إليها وقال هلا ‪:‬‬ ‫ انظ��رى ي��ا فتاتى ‪ ،‬هذه الس��جادة ق��د صنعتها بنفس��ى ‪ ...‬أتوافق�ين اآلن على أن‬‫ً‬ ‫زوجا لك ؟‬ ‫أكون‬ ‫فأجابته الفتاة ‪:‬‬ ‫ أستطيع اآلن أن أتزوجك ‪.‬‬‫ث��م أخذها األم�ير إىل القصر وأعجب به��ا كل من امللك وامللك��ة اللذين باركا‬ ‫زواجهما ‪ ،‬وأقاما هلما حفل زواج بهيج وعاش األمري وعروسه فى سالم ووفاق ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومضت الس��نون على زواجهم��ا ورحل والده إىل العامل اآلخ��ر وأصبح االبن ملكا‬ ‫على البالد وذات يوم قال لزوجته ‪:‬‬ ‫ لق��د خط��رت عل��ى باىل فك��رة للتع��رف على أحوال ش��عبى كى أع��رف ماذا‬‫يقول��ون عن��ى ‪ ،‬وهل هناك َم ْن يدبر ىل مكيدة ؟ وس��وف أقوم به��ذا خفية حتى ال‬ ‫يتعرف َّ‬ ‫على أحد ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تنكر امللك فى زى ش��حاذ ‪ ،‬وبدأ جولته ف��ى البالد حيمل خرجا به بعض الطعام‬ ‫‪112‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ً‬ ‫تكئا على عكاز ‪ ،‬وأمر زوجته بأن تتوىل ش��ئون البالد حتى عودته ‪ ،‬طاف امللك‬ ‫ُم‬ ‫لفرتة طويلة فى القرى واملدن وكان بإمكانه أن يعود إىل قصره بسرعة ‪.‬‬ ‫ولكن حينما حل املساء ‪ ،‬وأثناء جولته ضل امللك الطريق ‪ ،‬ووجد نفسه فى مكان‬ ‫ً‬ ‫مكانا هلم‬ ‫موح��ش واملع��روف باس��م “ مغ��ارة الثعابني ” الت��ى يتخذها قط��اع الطري��ق‬ ‫لنشاطهم وإذا به يقع فى أيدى هؤالء األشرار الذين قادوه إىل القبو املوجود باملغارة ‪.‬‬ ‫ثم صاح امللك فى وجوههم قائلاً ‪:‬‬ ‫‪ -‬ال يستطيع أحد أن ميسنى بأذى ‪ ،‬أال تعرفوني ؟ فأنا امللك ‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫فضحك منه قاطعو الطريق وقال أحدهم ‪:‬‬ ‫ يالك من أفاق ‪ :‬لقد أصبح ملكنا يرتدى مالبس رثة مهلهلة ويطوف بني التالل ‪.‬‬‫وقال آخر ‪:‬‬ ‫لاً‬ ‫ إذا كنت فع أنت امللك فأعطنا فدية لنطلق سراحك ‪.‬‬‫وقال ثالث ‪:‬‬ ‫ ماذا ميكن أن نأخذه من هذا الشحاذ ؟‬‫ولكن امللك قال هلم ‪:‬‬ ‫ ليس معى مال اآلن ‪ ،‬وليس من مصلحتكم التخلص منى ‪ ،‬إذ ميكننى أن أصنع‬‫لكم س��جادة فاخ��رة ال يوجد مثلها فى الب�لاد ثم تبيعونها ‪ ،‬وس��وف حتصلون على‬ ‫نقود كثرية ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫وأخريا وبعد نقاش طويل وافق قطاع الطريق على اقرتاح امللك ثم سأله أحدهم ‪:‬‬ ‫ كم من الوقت يستغرق صنع هذه السجادة ؟‬‫فأجاب امللك ‪:‬‬ ‫لاً‬ ‫ً‬ ‫ لن يستغرق صنع هذه السجادة وقتا طوي إذ ميكننى االنتهاء من نسجها خالل‬‫ثالثة أيام ‪.‬‬ ‫وكانت اإلجابة على اقرتاح امللك ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حسنا فمن املمكن االنتظار ثالثة أيام وعليك أن تبدأ فى احلال ‪.‬‬ ‫‬‫َّ‬ ‫ث��م أنزل قطاع الطريق امللك فى قبو حتت األرض ‪ ،‬وأعطوه خيوط الصوف واحلرير‬ ‫والذهب ‪ ،‬وكل ما يلزمه من أدوات لنسج السجادة ‪.‬‬ ‫وب��دأ امللك على الفور فى نس��ج الس��جادة حتى انته��ى من عملها ً‬ ‫متام��ا قبل إنتهاء‬ ‫الليل��ة الثالث��ة ‪ ،‬وكانت الس��جادة زرقاء الل��ون مطعمة باخليوط الذهبي��ة وأهم ما‬ ‫كانت تتميز به تلك الس��جادة الزخارف األس��طورية املوج��ودة فى األطراف األربعة‬ ‫هلا ‪ ،‬ومن بني األلوان الزاهية ينتشر ريش الطيور الذى ال مثيل له ‪.‬‬ ‫وحينما شاهد قاطعو الطريق السجادة اندهشوا وقالوا ‪:‬‬ ‫ ي��ا له من عم��ل رائع ! يا هلا من س��جادة مجيل��ة املنظر ! فلنحمله��ا إىل املدينة‬‫ونبيعها مببلغ كبري ‪.‬‬ ‫مح��ل َّ‬ ‫قطاع الطريق الس��جادة معه��م إىل املدين��ة ‪ ،‬وأخذوا جيوبون بها األس��واق‬ ‫‪114‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ويعرضونه��ا على جتار كثريين ‪ ،‬لكن مل يش�ترها أحد لغلو ثـمنها ‪ ،‬وذلك للدقة‬ ‫املتناهية فى صناعتها وندرة وجود مثلها ‪.‬‬ ‫وع��اد َّ‬ ‫قطاع الطرق أدراجه��م للمنطقة اجلبلية حيث يعيش��ون ونزلوا على الفور‬ ‫إىل القبو الذى كانوا قد حبسوا فيه امللك وقالوا له فى غضب شديد ‪:‬‬ ‫ مل يكن فى اس��تطاعة أحد شراء الس��جادة التى صنعتها فلم يكن لدى التجار‬‫ً‬ ‫ش��يئا لنا ً‬ ‫غدا سوف نقضى عليك ونتخلص‬ ‫نقود تكفى لش��رائها فهى اآلن ال تساوى‬ ‫منك ‪.‬‬ ‫فقال هلم امللك ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قليال قبل أن تفعلوا بى ذلك ‪ .‬اذهبوا غدا مباشرة للقصر امللكى واطلبوا‬ ‫ انتظروا‬‫ً‬ ‫شخصيا ‪ ،‬وسوف تشرتى منكم السجادة بالثمن الذى تقدرونه أنتم‬ ‫مقابلة امللكة‬ ‫فهى تهوى اقتناء السجاجيد النادرة ‪.‬‬ ‫��ر َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫فك َ‬ ‫وأخ�يرا وافقوا عليه ‪.‬‬ ‫قطاع الطري��ق فى اقرتاح امللك ‪ ،‬وناقش��وه فيما بينهم‬ ‫وف��ى صباح اليوم الت��اىل ذهب اثنان منهم إىل القصر امللكى ‪ ،‬وطلبا مقابلة امللكة ‪.‬‬ ‫فى بادئ األمر مل يسمح احلراس هلما بالدخول وقالوا هلما ‪:‬‬ ‫ إن امللكة مشغولة وليس لديها وقت ملقابلة أحد ‪.‬‬‫لكن قاطعا الطريق بسطا السجادة أمام رجال احلرس وقاال ‪:‬‬ ‫ انظروا ‪ ،‬لقد جئنا إىل هنا لكى نبيع للملكة هذه السجادة الفريدة النادرة ‪.‬‬‫وم��ا أن رأى رج��ال احلرس وأهل البالط الس��جادة حتى بهرهم مج��ال ألوانها ودقة‬ ‫صنعها وقالوا لقاطعى الطريق ‪:‬‬ ‫ ياه ‪ ،‬يا هلا من س��جادة رائعة ! ومن أجل هذا العمل الرائع س��وف نس��مح لكما‬‫مبقابلتها ‪ ،‬كانت امللك��ة فى ذلك الوقت جتلس حزينة تذرف الدموع على زوجها‬ ‫الغائب الذى خرج ومل يعد منذ فرتة طويلة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫احرتاما‬ ‫ومس��ح لقاطع��ى الطريق مبقابل��ة امللكة ‪ ،‬وم��ا أن دخال احننيا أمامه��ا‬ ‫وإجاللاً هلا وقاال هلا ‪:‬‬ ‫ انظ��رى أيته��ا امللكة إىل هذه الس��جادة الن��ادرة التى ال يقدر على ش��رائها أحد‬‫سواك ‪...‬‬ ‫فألق��ت امللكة نظرة على الس��جادة ‪ ،‬لكن اس�ترعى انتباهها ش��يء ما عند أحد‬ ‫أطراف الس��جادة فهذه ليست زخارف أس��طورية ‪ ،‬لكنها عبارة عن حروف هلا معنى‬ ‫‪115‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫تقول ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫“ أنا اآلن أس�ير فى قبو قطاع الطرق فى “ مغارة الثعابني ” أرس��لى فو ًرا قوة لنجدتى‬ ‫وإال فسيقضون َّ‬ ‫على الليلة ” ‪.‬‬ ‫مل ُ‬ ‫يبد على وجه امللكة التى تتمتع بالذكاء أنها قرأت رسالة زوجها ‪ ،‬ومل حتاول‬ ‫مس��اومتهما بالنسبة للمبلغ املطلوب ‪ ،‬بل دفعت ما طلباه منها ومبجرد خروجهما من‬ ‫احلج��رة اس��تدعت امللك��ة قادة احل��رس وأمرتهم بالتوج��ه ف��و ًرا إىل منطقة التالل‬ ‫إلنقاذ حياة امللك ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وفى املساء جلس مجيع أفراد قطاع الطريق فى القبو يتقامسون فيما بينهم النقود‬ ‫الت��ى حصلوا عليها م��ن امللكة ‪ .‬وفجأة مسعت ضوضاء وجلب��ة حوافر اخليول عند‬ ‫مدخ��ل املغ��ارة ‪ ،‬وقد اقتحمتها فرقة احلرس املس��لحة وأحاط��ت بهم من كل جانب‬ ‫واندف��ع قادة الفرق��ة صوب القبو ‪ ،‬حي��ث رأوا امللك خيرج من هناك ‪ ،‬ش��احب الوجه ‪،‬‬ ‫أشعث ‪ ،‬رث الثياب ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُقب��ض عل��ى مجيع أف��راد قطاع الطري��ق ‪ ،‬وك ِّبل��ت أياديهم ورحل��وا إىل املدينة‬ ‫لتقدميهم إىل احملاكمة ‪ .‬واستقبلت امللكة زوجها عند سلم القصر قائلة ‪:‬‬ ‫ ظننت أننى مل أراك مرة أخرى على قيد احلياة ‪.‬‬‫ً‬ ‫وأخريا اغتس��ل امللك وتناول غذاءه حتى شبع ‪ ،‬وارتاح ثم ارتدى مالبسه الرمسية ‪،‬‬ ‫وخرج فى املساء مع زوجته امللكة إىل حديقة القصر وجلسا حتت أشجار الورود ثم‬ ‫قالت له امللكة ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ أرأي��ت ! ل��و مل تكن تتقن حرفة النس��يج هذه ‪ ،‬ما ْ‬‫اس��تطعت أن تنجو من أيدى‬ ‫َّ‬ ‫قطاع الطرق حتى إذا قلت هلم بأنك امللك ّ؟! ‪.‬‬

‫‪116‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫طائر الوقواق‬ ‫ق��ررت الطيور فيما بينها أن تقوم بتنظيف البحرية الصغرية التى يس��كنونها ؛ إذ‬ ‫أصبحت البحرية ضحلة ‪ ،‬وقد َق َّلت فيها املياه وتراكم عليها الطني والوسخ ‪ ،‬وأصبحت‬ ‫مليئة بالقاذورات ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طائرا من بينهم‬ ‫اجتمع��ت الطيور بأنواعها املختلفة ما عدا طائر الوقواق ‪ ،‬فأرس��لوا‬ ‫َّ‬ ‫يدع��و الوقواق لالش�تراك معهم ف��ى تنظيف البحرية ‪ .‬لكن الوق��واق رفض ورد عليه‬ ‫قائلاً ‪:‬‬ ‫ لس��ت على اس��تعداد لكى ألوث أرجلى النظيفة فى هذه البحرية املليئة بالقاذورات‪.‬‬‫أن��ا أعي��ش عل��ى الصخ��ور ‪ ،‬وعندى كث�ير من برك امل��اء النظيفة ولس��ت ف��ى حاجة إىل‬ ‫حبريتكم ‪ ...‬ابعدوا عنى ‪...‬‬ ‫فقال الطائر للوقواق ‪:‬‬ ‫ هذا شأنك ‪ ..‬وافعل ما تريد ‪ ،‬لكن إياك أن تفكر فى االقرتاب من حبريتنا ‪...‬‬‫قام��ت الطيور بتنظيف مياه البحرية من الطحالب والقاذورات ‪ ،‬وألقت باحلصى فى‬ ‫قاع البحرية حتى أصبحت نظيفة ً‬ ‫متاما ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شديدا وجفت على أثرها‬ ‫ارتفاعا‬ ‫فى ذلك الوقت بدأت درجة احلرارة ترتفع بشدة‬ ‫برك املياه التى كانت تتجمع على الصخور ‪ ،‬فأخذ الوقواق يعانى من ذلك وأصبحت‬ ‫ً‬ ‫أياما صعبة بالنسبة له ‪.‬‬ ‫مل يك��ن حول الوقواق ماء ً‬ ‫متاما ‪ .‬عطش��ت أوالده الصغ��ار وأخذت تصيح بصوت‬ ‫حزين تطلب بإحلاح بعض املاء فى الوقت الذى كان الوقواق نفس��ه فى حاجة ماسة‬ ‫إىل الشرب ‪.‬‬ ‫لاً‬ ‫ً‬ ‫كأس��ا وتس��لل به لي إىل البحرية ومأله من مياهه��ا وإذا بالطيور‬ ‫فحمل الوقواق‬ ‫األخرى تهامجه من كل ناحية ‪ ،‬وأخذت تضربه وهى تقول له ‪:‬‬ ‫ “ ال تلوث رجليك النظيفة فى حبريتنا املليئة بالقاذورات “‬‫وراح الوقواق يتوسل إليهم ويقول ‪:‬‬ ‫‪117‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ دعونى من أجل أطفاىل الصغار فإنهم فى أش��د احلاجة إىل بعض املاء ‪ ،‬فلتتس��خ‬‫رج�لاى ومتتلئ بالط�ين ‪ ،‬لكننى أعدكم بأننى س��أكون أول طائر حيضر ويقوم‬ ‫بتنظيف البحرية فى املرة القادمة ‪.‬‬ ‫أش��فقت الطي��ور على الوق��واق ومسحت له بأخذ امل��اء ‪ .‬ومنذ ذل��ك احلني ‪ ،‬وكان‬ ‫الوقواق أول َم ْن يشارك فى تنظيف البحرية مع زمالئه ‪.‬‬

‫‪118‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫العدالة‬ ‫ُ‬ ‫يعي��ش أمري م��ن األمراء م��ع ابنته الوحي��دة اجلميلة‬ ‫كان ي��ا م��ا كان ‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫الس��مراء ‪ ،‬والتى كان يطلق عليها اس��م “صفاء” ‪ .‬كان والدها حيبها ح ًبا شديدا وال‬ ‫ً‬ ‫طعاما قط إال من صنع يديها ‪.‬‬ ‫يتناول‬ ‫وفى يوم من األيام أعلن األمري للجميع ‪:‬‬ ‫ س��أزوج ابنت��ى “صـفاء” مل ْ‬‫َ��ن يتحـمل قضاء ليل��ة كاملة فى م��اء النهر فى فصل‬ ‫الش��تاء ‪ ،‬وخيرج منها دون تعب وعناء ‪ .‬أقبل الكثري من الش��باب ‪ ،‬ونزلوا فى ماء النهر‬ ‫فمنه��م م ْ‬ ‫َ��ن مرض باحلمى ومنهم َم ْن مل يتحمل برودة املاء فيما عدا ش��اب قوى البنية‬ ‫مفتول العضالت قد صمم على الزواج من ابنة األمري ‪.‬‬ ‫عندئذ سأله األمري ‪:‬‬ ‫ ق��ل ىل كيف حتملت ب��رودة املاء ‪ ،‬وبقيت فيها ليل��ة كاملة ثم خرجت كما‬‫ً‬ ‫سليما معافى ؟‬ ‫كنت‬ ‫فأجابه الشاب ‪:‬‬ ‫ لق��د صمم��ت على أن أت��زوج ابنتك تلك التى كانت توقد ش��علة م��ن النار فوق‬‫اجلبل البعيد فكنت أنظر إليها أثناء وجودى فى املاء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مندهشا ‪:‬‬ ‫قال األمري‬ ‫ هل معنى ذلك أن النار التى كانت تنبعث من الشعلة قد أفادتك ؟‬‫َّ‬ ‫فرد الشاب على األمري ‪:‬‬ ‫ لقد كنت أقف فى املاء فى الوقت الذى كنت أنظر فيه إىل ش��علة النار فكيف‬‫تدفئنى النار كما تقول يا سيدى األمري وهى بعيدة ً‬ ‫جدا عنى ؟‬ ‫وهنا أعرض األمري عن االستماع إىل الشاب وأمر بطرده خارج القصر ‪.‬‬ ‫بع��د ذلك راح األمري ليتناول طعام الغداء فطلب من ابنته “صفاء” أن تعد له املائدة‬ ‫بسرعة لكنها قالت له ‪:‬‬ ‫‪119‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ عليك يا أبتى أن تنتظر بعض الوقت ؛ ألننى مل أنته من جتهيز الطعام ‪.‬‬‫وبع��د مرور فرتة م��ن الوقت طلب األمري من ابنته “صفاء” مرة أخرى س��رعة إعداد‬ ‫املائ��دة ‪ ،‬فأجابته بأن الطع��ام ملا ينضج بعد ‪ .‬وعندما طلب منه��ا للمرة الثالثة إعداد‬ ‫املائدة أجابته ‪:‬‬ ‫ إن املق�لاة الت��ى بها اللح��م الذى حتبه ف��ى الطابق الثانى ‪ ،‬وإنى أش��عل ن��ار الفرن‬‫بالطابق األول ‪ .‬وحينما ينضج اللحم سوف أجهز لك اخلبز الطازج ‪ ،‬فتعجب األمري من‬ ‫هذا األمر قائلاً ‪:‬‬ ‫ كيف ينضج اللحم وهو بالطابق الثانى ونار الفرن بالطابق األول ؟‬‫فأجابته ابنته “صفاء” ‪:‬‬ ‫ وكيف أدفأت شعلة النار املوقدة فوق اجلبل ذلك الشاب الذى قضى ليلة كاملة‬‫فى ماء النهر ‪ ...‬نعم يا أبتى لقد ظلمت هذا الشاب ومل تعدل فى قضيته ‪ ،‬فكر األمري‬ ‫فى ذلك ثم قال البنته ‪:‬‬ ‫لاً‬ ‫ لقد أثبيت ‪ ،‬يا ابنتى العزيزة ‪ ،‬بالدليل القاطع أننى مل أكن عاد معه ‪.‬‬‫وهن��ا َ‬ ‫ق��ر َّر األمري على الفور موافقته على زواج ابنته “صفاء” من هذا الش��اب البطل‬ ‫الشجاع ‪ ...‬وأقام هلما حفل عرس استغرق سبعة أيام بالتمام والكمال ‪.‬‬

‫‪120‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫الصداقة‬ ‫كانت تربط بني ثعلب وديك وس��لحفاة صداقة قوية ‪ ..‬وفى يوم من األيام خرج‬ ‫ً‬ ‫حمراثا فى أرض زراعية ليس بها‬ ‫األصدقاء الثالثة إىل الوادى للبحث عن طعام ‪ ،‬فرأوا‬ ‫إنسان قط ‪ ..‬أخذ الثالثة يفكرون كيف يساعدهم هذا احملراث فى احلصول على‬ ‫طعام وفري ملدة طويلة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مكرا ‪ ،‬ففكر فى حيلة هى أن جيعل الديك والسلحفاة‬ ‫كان الثعلب أكثرهم‬ ‫َّ‬ ‫يك��دان فى العمل ‪ :‬حيرثان األرض ويبذران احلبوب ثم يس��توىل هو بعد ذلك على‬ ‫ما مجعاه من حمصول ‪ .‬اقرتب الثعلب من الديك والسلحفاة وقال هلما ‪:‬‬ ‫ عندى خطة للعمل ‪ ،‬يا أحبائى ‪ ،‬إذا أردمت قلتها لكما ‪..‬‬‫أسرع كل من الديك والسلحفاة القول ‪:‬‬ ‫ تفضل ‪ ..‬تفضل ‪ ،‬فأنت أكربنا ً‬‫سنا وأكثرنا ذكا ًء وخربة ‪ ،‬وما ستقوله سننفذه‬ ‫ً‬ ‫متاما ‪.‬‬ ‫وهنا فتل الثعلب شواربه وقال ‪:‬‬ ‫ للديك رقبة طويلة وصدر مرتفع ‪ ،‬ولذلك نس��تطيع أن نلبس��ه ً‬‫سرجا فى رقبته‬ ‫ليج��ر احمل��راث ‪ .‬أما أختنا الس��لحفاة فهى حمبة للعمل تتحرك بب��طء ‪ ،‬ووقار ولذلك‬ ‫تستطيع أن تسري وراء احملراث وتنثر البذور ‪...‬‬ ‫وأنا س��وف أحتمل العمل الشاق الذى ال يستطيع أحد منكما حتمله ‪ ،‬وال يقدر‬ ‫عليه وهو أن أقوم بإس��ناد هذا التل ك��ي ال يقع عليكما ؛ ألنه من املمكن نتيجة‬ ‫حرك��ة احملراث أن حي��دث زلزال ويفنى اجلميع ‪ ..‬وبذلك س��وف أحتمل هذا العمل‬ ‫الشاق من أجلكما يا أصدقائى األعزاء ‪.‬‬ ‫ه��ذه الكلمات َّأث��رت فى عواط��ف الديك والس��لحفاة وش��كراه على مجيل‬ ‫صنعه ‪.‬‬ ‫ارت��دى الديك الس��رج وأوصله باحمل��راث الذى أخذ جيره طوال الوق��ت ‪ ،‬ومن ورائه‬ ‫تس�ير الس��لحفاة وهى تنثر البذور ف��ى األرض ‪ .‬وفى الوقت نفس��ه َّ‬ ‫توجه الثعلب حنو‬ ‫‪121‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫قاعدة التل ‪ ،‬وجلس على األرض وتظاهر بأنه على اس��تعداد دائم بأن يس��ند التل إذا‬ ‫بدأ فى السقوط ‪.‬‬ ‫لاً‬ ‫ً‬ ‫وفريا ‪ ،‬وجاء وقت احلصاد ‪.‬‬ ‫عمل الديك والس��لحفاة جبد ونشاط وأنتجا حمصو‬ ‫فجمعا احلبوب وقاما بدرس��ها وذرايته��ا وجتفيفها ‪ ،‬أما الثعلب فما يزال يتظاهر بأنه‬ ‫يسند التل ‪.‬‬ ‫بعد ذلك وضع الديك والسلحفاة احلبوب املبثورة فى كومة منفصلة عن كومة‬ ‫احلب��وب املخلوطة بالقش��ر ‪ ،‬ومجعا القش فى كومة ثالث��ة ‪ ،‬وعندما انتهى العمل‬ ‫جاء الثعلب وقال هلما ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مجيعا ولذا جيب أن َّ‬ ‫نقس َم اإلنتاج بالتساوى كي ال يغضب أحد منا‪.‬‬ ‫ لقد تعبنا‬‫نظ��ر الديك والس��لحفاة إىل‬ ‫الثعل��ب نظ��رة أم��ل ورجاء‬ ‫بالقس��مة ألنه من الصعب‬ ‫عليهما هذه املهمة‪.‬‬ ‫تظاه��ر الثعل��ب بأن��ه‬ ‫متعم��ق ف��ى التفكري حلل‬ ‫هذه املشكلة ‪ ،‬ثم رفع رأسه‬ ‫بع��د ذلك وهو ميس��ح على‬ ‫شواربه ويقول ‪:‬‬ ‫ أصدقائى األعزاء ! لقد‬‫فكرت فيما جيب عمله ‪.‬‬ ‫ وفرح الديك والسلحفاة‬‫ً‬ ‫خمرجا هلذا‬ ‫ألنهم��ا وج��دا‬ ‫املوق��ف الصع��ب وطلبا من‬ ‫الثعل��ب أن يذك��ر هلم��ا‬ ‫احلل بسرعة ‪.‬‬ ‫عندئذ قال الثعلب املاكر ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ إن��ى أقرتح عليكم��ا أن جنرى س��باقا فيما بيننا‬‫وستكون احلبوب املبثورة من نصيب املتسابق األول ‪ ،‬واحلبوب‬ ‫‪122‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫املخلوطة بالقشر للمتسابق الثانى ‪ ،‬أما القش فسيكون للمتسابق الثالث ‪.‬‬ ‫ووافق الديك والس��لحفاة على اقرتاح الثعلب ‪ ..‬وضم��ن الثعلب التفوق عليهما فى‬ ‫الوقت الذى َق َّر َر الديك أن يسبق صديقيه ‪ ..‬أما السلحفاة ففكرت فى حيلة متكر‬ ‫بها على الثعلب املخادع ألنها بذلك لن حتصل إال على القش فقررت أن تتش��بث بذيل‬ ‫الثعلب املنفوش ‪.‬‬ ‫أطل��ق الثعلب إش��ارة الب��دء ‪ ،‬وانطلق كالري��ح ‪ ،‬وفى غمضة ع�ين أدرك كومة‬ ‫احلبوب املبثورة وتسلقها ثم صاح ‪:‬‬ ‫ أنا الذى كسبت كومة الـ ‪....‬‬‫ومل يكد الثعلب يعلن عن انتصاره حتى مسع صوت الس��لحفاة أسفل الكومة‬ ‫وهى تقول ‪:‬‬ ‫ أيها املخادع ‪ ....‬هل فقدت بصرك ؟ إننى هنا منذ فرتة فقد جئت أنت بعدى ‪.‬‬‫ومل تكد الس��لحفاة تنتهى من كلماتها حتى وصل الديك إىل كومة احلبوب‬ ‫املخلوطة بالقشر وصاح “ كو ‪ ..‬كو ‪ “ ..‬وكأنه يعلن بأن هذه الكومة قد أصبحت‬ ‫له ‪.‬‬ ‫ماذا بقى للثعلب املخادع ؟ لقد خجل من نفسه ومشى حنو كومة القش خبطوات‬ ‫بطيئة دون أن يلفظ حبرف واحد ؛ فاخلداع ال يصح أن يكون بني األصدقاء ‪.‬‬

‫‪123‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫حكاية الذئب املكار‬ ‫كان يعي��ش فى إحدى غاب��ات إفريقيا ذئب ضخم ‪ ،‬يثري الرع��ب بني احليونات ‪،‬‬ ‫ويقتفى أثرهم ويفرتس الضعيف منهم ‪ .‬وعندما عرفت احليوانات خبطورته الدائمة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فش��يئا ‪ ،‬وبذلك أصبح الذئب فى عزلة تامة‬ ‫ش��يئا‬ ‫على حياتهم ‪ ،‬أخذت تتباعد عنه‬ ‫عنهم ‪.‬‬ ‫وعندم��ا أدرك الذئب سياس��ته العدوانية هذه أخذ يفك��ر فى األمر ‪ ،‬و يقول فى‬ ‫نفسه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حقا لقد اعتديت على حيوانات كثرية ‪ ،‬وكنت س��ب ًبا فى العديد من املآس��ى ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وحيدا ال يصادقنى أحد ‪.‬‬ ‫وهلذا أصبحت‬ ‫َّ‬ ‫وقر َر أن يرتاجع عن سياسته العدوانية هذه وبدأ فى سياسة الوفاق مع احليونات ‪...‬‬ ‫وذه��ب ليعلن ذلك للجميع ‪ ...‬فى الطريق تقابل مع احلمار ‪ ،‬الذى أخذ يرتعد عندما‬ ‫رأى الذئب ‪.‬‬ ‫ق��ال الذئ��ب ‪ً :‬‬ ‫أهال أيها احلمار ‪ ،‬ال ختف ‪ ...‬لقد قررت أال أعتدى على أحد من اآلن‬ ‫ً‬ ‫فصاعدا ‪.‬‬ ‫جدا ‪ ،‬أيها الذئب ‪ ،‬إنه خلرب س��عيد ً‬ ‫احلمار ‪ :‬هذا مجيل ً‬ ‫حقا ‪ ،‬وسيس��عد أصحابنا‬ ‫ً‬ ‫ضعيفا ‪:‬‬ ‫اآلخرون بهذا اخلرب وجرى الذئب إىل الناحية األخرى وقابل ثو ًرا‬ ‫الذئ��ب ‪ :‬ال تهرب منى أيها الثور ‪ ،‬أمل تس��مع بأننى ق��ررت أن أغري من طبيعتى ولن‬ ‫أحد أو أمس ً‬ ‫أحدا بسوء !‬ ‫أسيء إىل ٍ‬ ‫الثور ‪ :‬إننى سعيد أيها الذئب‪ ،‬مبا أمسع ومتنياتى لك حبياة هادئة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رضيعا كاد أن ميوت من اخلوف منذ‬ ‫حصانا‬ ‫وبعد ذلك بفرتة وجيزة قابل الذئب‬ ‫أن مل��ح الذئب ‪ ،‬غري أن الذئب ه��دأ من روع احلصان الرضيع وقال له ‪ :‬ال ختف منى أيها‬ ‫احلصان ‪ ،‬أال تعرف بأننى لن أمس ً‬ ‫أحدا بسوء منذ اآلن ‪.‬‬ ‫احلصان ‪ :‬أخى الذئب ‪ ،‬هذا أسعد خرب مسعته فى حياتى ‪.‬‬ ‫وج��رى الذئب هن��ا وهناك ‪ ،‬ولكن��ه بدأ حيس باجل��وع ويقول فى نفس��ه ً‬ ‫نادما ‪:‬‬ ‫‪124‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫س��اذجا عندما تركت احلصان واحلم��ار والثور يذهبون دون أن أتلذذ‬ ‫“حقا‪ ،‬كنت‬ ‫بلحمهم الطرى” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومل ينتظر الذئب طويال ‪ ،‬وعاد بس��رعة إىل احلصان ليفرتسه فاستقبله احلصان‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أهال يا صديقى الذئب ‪ ،‬إننى سعيد ً‬ ‫جدا برؤيتك ‪ ،‬تفضل ‪ ،‬تفضل ‪.‬‬ ‫قال له الذئب غاض ًبا “ أيها احلصان اس��تعد لنهايتك ‪ ،‬فإننى َق َّررت أن أتذوق حلمك‬ ‫الطرى اللذيذ ” ‪.‬‬ ‫احلص��ان ‪ :‬أمل تق��ل منذ قلي��ل بأنك أصبحت الذئ��ب الوديع الذى ل��ن ميس ً‬ ‫أحدا‬ ‫بسوء ؟‬ ‫الذئب ‪ :‬دعك من هذه السخافات واملهاترات التى ال جتدى وال تفيد‪ ،‬لقد قر ّرت اآلن‬ ‫أن أفرتسك ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫احلصان ‪ :‬افعل ما تريد لكنى أود أن أترك لك وصيتى فأنت صديقى ‪ ،‬ولو عملت‬ ‫بها فسوف حتصل على عدد كبري من القطعان ‪.‬‬ ‫الذئب ‪ :‬وأين هذه الوصية ؟‬ ‫احلصان ‪ :‬موجودة فى حافرى األمين ‪.‬‬ ‫الذئب ‪ :‬هيا إعطنى إياها وبسرعة ( ً‬ ‫فرحا مسرو ًرا )‬ ‫وعندم��ا اق�ترب من حافر احلصان األمين مل جيد س��وى ضرب��ة قوية من احلصان‬ ‫أبعدته عدة أمتار ‪ ،‬ثم جرى وفر ً‬ ‫هاربا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شديدا ‪ ،‬لكن اجلوع كان أشد فأخذ يركض‬ ‫وكان تأثري الضربة على الذئب‬ ‫فى الطريق املؤدى ملأوى الثور‪.‬‬ ‫قائال له “ س��وف أفرتس��ك حاالً‬ ‫ً‬ ‫وعندم��ا رأى الث��ور ً‬ ‫واقفا حاول أن يقفز على ظهره‬ ‫أيها الثور” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونظ��ر الثور إليه باس��تغراب ش��ديد قائ�لا ‪ “ :‬أمل تقلع ع��ن هذه العادة الس��يئة يا‬ ‫صديقى الذئب” ‪.‬‬ ‫الذئب ‪ :‬ليس لدى وقت للحديث معك‪ ...‬استعد لنهايتك !‬ ‫ً‬ ‫حس��نا افعل م��ا تريد‪ ،‬ولكن ه��ل يرضيك أن تفقد ث��روة كبرية ؟ إننى‬ ‫الث��ور ‪:‬‬ ‫أخف��ى وصيت��ى وقد كتب��ت فيها مكان قطيع كب�ير من الثريان التى تس��طيع أن‬ ‫تفرتسها بسهولة لصغر سنها ‪ ،‬وعدم قدرتها على املقاومة ‪.‬‬ ‫‪125‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الذئب ‪ :‬كفى ‪ ،‬كفى ستقول بأن الوصية فى حافرك ‪ ...‬لن أصدقك ‪.‬‬ ‫الثور ‪ :‬ليست الوصية فى حافرى ‪ ،‬بل داخل قرنى الشمال ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قليال وأيقن ب��أن الثور لن يفعل مثلما فع��ل احلصان وقال “ أين‬ ‫وفك��ر الذئب‬ ‫هى ‪ ..‬أين هى ‪ ..‬؟ “‬ ‫ً‬ ‫بعيدا‬ ‫وه��ذا ما كان يريده الثور منه ‪ ..‬وفجأة ض��رب الثور الذئب بقرنه وألقى به‬ ‫عنه ‪.‬‬ ‫الذئب آه ‪ ..‬آه ‪ ...‬لقد خدعتنى أيها الثور اللعني ‪.‬‬ ‫لاً‬ ‫وبعد أن أفاق الذئب من ضربة الثور فكر فى البحث عن احلمار وفع وجده وعثر‬ ‫عليه بني األشجار ‪ ..‬وبكل ما أوتى الذئب من قوى عوى الذئب فى وجه احلمار وقال‬ ‫له‪ “ :‬أيها احلمار ‪ ،‬استسلم ‪ ،‬وال داعى للمقاومة ‪ ،‬فإننى قررت أن ألتهمك” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪ ...‬فى اس��تطاعتك أن تأكلنى فى أى حلظة‬ ‫احلم��ار ‪ :‬أيها الصديق ‪ ،‬انتظر‬ ‫تريد ‪ ،‬لكننى كنت قد أعددت لك هدية ثـمينة وهى موجودة فى منزىل أتسمح‬ ‫ىل ايها الذئب الطيب كى أحضرها لك ؟ لن أستغرق من الوقت سوى مخس دقائق ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قليال ‪ ،‬ووافقه على ذلك بعد أن قال فى نفس��ه “م��اذا يضرينى فى‬ ‫وفك��ر الذئ��ب‬ ‫أن أترك��ه إلحض��ار هذه اهلدي��ة الثمينة ‪ ،‬فليس لديه حوافر ش��ديدة كحوافر‬ ‫احلصان ‪ ،‬أو قرون كقرون الثور ‪ ،‬فهو ال حول له وال قوة‪ ،‬ولن يفلت من يدى” ‪.‬‬ ‫وانتظر الذئب مدة طويلة ‪ ،‬وإذا بعدد كبري من احليوانات حتمل العصى الغليظة‬ ‫حتيط��ه من كل جان��ب وضربوه ً‬ ‫ً‬ ‫مربحا ‪ ،‬لدرجة أنه مل يس��تطع الوقوف على‬ ‫ضربا‬ ‫رجليه ‪ ...‬كانت نهاية كل شرير ال حيرتم حقوق الغري فى احلياة ‪.‬‬

‫‪126‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫راعى الغنم الحكيم‬ ‫من��ذ زمن بعي��د كان يعيش ملك عظي��م ‪ ...‬وفى يوم من األيام ن��ادى على وزيره‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫وأمره‬ ‫ ائتنى ً‬‫ً‬ ‫صباحا بأسوأ شيء فى الوجود ‪.‬‬ ‫غدا‬ ‫ذهب الوزير إىل منزله وأخذ يفكر ويقول فى نفسه ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫“ يا ترى ما هو أسوأ شيء فى الوجود ؟ ماذا سيفعل بى امللك غدا إن مل أحقق طلبه؟‬ ‫رمبا يأمر بقطع رقبتى” ‪.‬‬ ‫انت��اب الوزير اخلوف ومضى على غري ه��دى وانتهى به املطاف ناحية الصحراء ؛ إذ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قطيعا من املاعز واألغنام وفى عنق كل عنزة عقود من‬ ‫عجوزا يسوق‬ ‫رأى راعى غنم‬ ‫األحجار الكرمية ‪.‬‬ ‫عندئ��ذ انبهر الوزير ‪ ،‬واقرتب من العجوز وس��أله لعله حيصل على مثلها ‪ ،‬ويصبح‬ ‫من األثرياء ‪:‬‬ ‫ ما هذه األشياء التى فى عنق الشاة ؟‬‫فأجابه العجوز ‪:‬‬ ‫ إنها أحجار كرمية ‪.‬‬‫ثم سأله الوزير ‪:‬‬ ‫ وأين عثرت عليها ؟‬‫فأجابه راعى الغنم العجوز ‪:‬‬ ‫ إذا أردت مثلها فتعال معى يف املس��اء ‪ ،‬وسأريك أين توجد هذه األحجار ‪ ..‬ولكن‬‫لن تراها إال عند طلوع الشمس فى الغد ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أخ��ذ العجوز يس�ير بقطيعه ‪ ،‬ومن خلفه يتبع��ه الوزير إىل أن حَ��ل بهم التعب ‪،‬‬ ‫فاف�ترش الوزي��ر والعجوز األرض وراحا يغطان فى نوم عمي��ق بالقرب من القطيع ‪ ،‬ثم‬ ‫استيقظا فى الصباح ‪.‬‬ ‫‪127‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫وهنا قال العجوز للوزير‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ لن أستطيع اليوم ألننا قد تأخرنا فى النوم وعليك أن تنتظر الليلة أيضا ‪..‬‬‫وهنا ثار الوزير على العجوز وقال له ‪:‬‬ ‫ لي��س ل��دى فرصة للبقاء هنا أكث��ر من ذلك ‪ ،‬فأعطنى األحج��ار الكرمية هذه‬‫التى فى أعناق القطيع ً‬ ‫وغدا أئت هلم بأحجار جديدة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫فابتسم العجوز له‬ ‫ إننى على استعداد أن أعطيك هذه العقود كلها ‪.‬‬‫ً‬ ‫ففرح الوزير بذلك ً‬ ‫شديدا وأخذ يشكر الرجل العجوز ‪.‬‬ ‫فرحا‬ ‫لكن العجوز عاد وقال له ‪:‬‬ ‫ ولكن بشرط واحد ‪.‬‬‫وهنا سأله الوزير ‪:‬‬ ‫ ما هذا الشرط ؟‬‫قال العجوز ‪:‬‬ ‫ سوف أحلب ً‬‫بعضا من لنب املاعز فى الوعاء الذى تشرب منه الكالب التى حترس‬ ‫غنمى ‪ .‬فإذا ش��ربت اللنب عن آخره كما تش��ربه ال��كالب ‪ ،‬أعطيتك كل األحجار‬ ‫الكرمية التى فى أعناق قطيعى ‪.‬‬ ‫ف��ى الوقت ال��ذى كان الراعى العجوز حيلب فيه اللنب فى الوعاء الذى تش��رب منه‬ ‫كالب حراس��ة القطيع كان يسأل الوزير عن صناعته ‪ ،‬ومن أين أتى ‪ .‬فحكى له‬ ‫قصته بأن امللك طلب منه أن يأتى له بأسوء شيء فى الوجود ‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫يغري راعى الغنم من رأيه وقال للوزير ‪:‬‬ ‫ومل‬ ‫ إننى أس��تطيع أن أرش��دك إىل مكان ه��ذه األحجار وأعطي��ك الكثري منها ‪ ،‬بل‬‫ً‬ ‫وأنواعا أخرى متعددة األلوان واألشكال إذا لعقت اللنب الذى فى الوعاء عن آخره ‪.‬‬ ‫وجثا الوزير على ركبتيه وتأهب للعق اللنب ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن وعاء اللنب وقال له ‪:‬‬ ‫لكن راعى الغنم العجوز دفع الوزير‬ ‫شيء فى‬ ‫ ابتعد ‪ ،‬ابتعد ‪ ،‬أنت مل تفهم ماذا أريد أن أقوله لك ‪ ،‬أود أن أقول بأن أسوء‬‫ٍ‬ ‫الوجود هو الطمع ‪ ،‬فالطمع يلحق العار باإلنسان ‪.‬‬ ‫وهنا أيقن الوزير أنه وجد ما كان يبحث عنه ‪ ،‬وعاد بسرعة إىل امللك وقال له ‪:‬‬ ‫‪128‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ موالى ! لقد جئت ووجدت ما أمرتنى به وهو أن “الطمع أسوء شيء فى الوجود” ‪.‬‬‫ً‬ ‫حسنا ‪.‬‬ ‫فاقتنع امللك برأى وزيره وأثنى عليه ثنا ًء‬

‫‪129‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الرجل الكريم وصاحبه البخيل‬ ‫ح��دث أن عاش ً‬ ‫معا صديقان ‪ :‬أحدهما كريم واآلخر خبيل ‪ .‬وفى يوم من األيام‬ ‫ق��ررا أن يرحت�لا م��ع بعضهما للبحث عن الس��عادة ‪ ..‬م�لأ كل منهما خرج��ه بالزاد‬ ‫وال��زواد‪ ،‬ومحل��ه عل��ى كتف��ه وانطلقا ف��ى الطريق مس��رورين فرح�ين ‪ ،‬يتبادالن‬ ‫القصص واحلكايات كى ال يشعرا بامللل وطول السفر ‪.‬‬ ‫توقف��ا فى الطري��ق بعض الوقت ليتن��اوال غذائهم��ا ‪ ،‬فأخرج الرج��ل الكريم من‬ ‫خرج��ة طعام��ه ‪ ،‬أما البخيل فقال ‪ :‬إنه س��يحتفظ مبا معه من طع��ام كاحتياطى‬ ‫هلم��ا يتناواله وقت احلاجة ‪ .‬ومن الطبيعى أن الرجل الكريم قد دعا زميله البخيل‬ ‫َ‬ ‫للغداء معه فأكال ً‬ ‫سويا ‪ ...‬وهكذا سارا على هذا النحو حتى ّن ّفذ كل ما مع الرجل‬ ‫الكري��م من طعام ‪ .‬وعندما ش��عر البخيل بع��دم وجود طعام م��ع صاحبه الكريم‬ ‫خذل��ه وترك��ه دون أن يقول له كلمة واحدة ‪ ،‬غ�ير أن الرجل الكريم مضى فى‬ ‫ً‬ ‫جائعا مكتئ ًبا ‪.‬‬ ‫طريقه‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫وأخريا‬ ‫وعندم��ا ًحل الظ�لام أخذ الرجل الكريم يبحث عن م��كان يبيت فيه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مستطيال حلفظ احلبوب فرقد‬ ‫صندوقا‬ ‫رأى مبنى طاحونة مهجورة ‪ ،‬ووجد لنفس��ه‬ ‫فيه ‪ ،‬واستغرق فى نوم عميق ‪ .‬استيقظ فجأة على صوت ضوضاء غريبة ‪ ،‬ثم رأى ناراً‬ ‫توق��د وجيلس حوهلا ثعلب وذئب ودب ‪ ،‬فأصابه اخلوف ورقد فى مكانه ال يتحرك‬ ‫ومسع الذئب والدب يطالبان الثعلب أن حيكى هلما عن أى شيء ‪ .‬فقال الثعلب ‪:‬‬ ‫ سأحكى لكما عن شيء غري مفيد بالنسبة لنا ‪ ،‬لكنه نافع ومفيد لإلنسان –‬‫هناك وعلى مقربة من قناة الطاحونة يوجد حجران كبريان حتتهما جحر يعيش‬ ‫فيه فأر خيرج كل يوم من جحره عند طلوع الشمس بقطع من ذهب ثم يعود بها فى‬ ‫املساء ‪.‬‬ ‫وبعد أن انتهى الثعلب من حكايته قال للذئب ‪:‬‬ ‫ جاء دورك لكى حتكى لنا حكاية ‪.‬‬‫‪130‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫وبدأ الذئب حيكى ويقول ‪:‬‬ ‫ ف��ى أعلى هذا اجلبل يوجد قطيع من اخلرفان ‪ ،‬ومن بينهم خروف وهو أقبحهم‬‫ش��كلاً يعطى مقدا ًرا م��ن الصوف ال يعطيه القطيع كله ‪ ...‬أه لو عرف اإلنس��ان‬ ‫بذلك !‬ ‫ثم قال الدب ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مدفونا حتت ش��جرة البن��دق املزروعة عند‬ ‫كنزا‬ ‫ أم��ا أن��ا فأعرف بأن هن��اك‬‫بوابة املدينة ‪.‬‬ ‫وبع��د أن غ��ادرت احليوانات الثالث��ة مبنى الطاحون��ة عند الفجر ‪ ،‬أس��رع الرجل‬ ‫الكريم فى البحث عن الكنوز التى حكى عنها الثعلب والدب والذئب وعثر عليها‬

‫‪131‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ً‬ ‫وأخريا‬ ‫وأخذها ‪ ،‬ثم ذهب إىل راعى الغنم ‪ ،‬واشرتى منه أقبح خروف عنده شكلاً ‪...‬‬ ‫رجع إىل منزله وبدأ يعيش حياة سعيدة مرفهة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مرتديا‬ ‫ع��اد الرج��ل البخيل م��ن رحلته ‪ ،‬وكان يب��دو عليه التعب الش��ديد ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ثياب��ا رثة ‪ ..‬قابله أه��ل منزله وحكوا له عن النجاح ال��ذى حققه صديقه الرجل‬ ‫الكريم ‪.‬‬ ‫وفى اليوم التاىل ذهب البخيل إىل صاحبه الكريم ‪ ،‬وأخذ يشكو له من مصريه‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫التعس‬ ‫ً‬ ‫ لق��د طف��ت بالدا كثرية وكان نصيبى الفش��ل واألس��ى ‪ ..‬لك��ن قل ىل ‪ ،‬يا‬‫عزيزى ‪ ،‬كيف حققت هذا النجاح ؟ وحكى له الرجل عما حدث له بالتفصيل‬ ‫وأعط��اه نصف م��ا أحضره من الكنوز بالتس��اوى ‪ .‬لكن ظ��ن البخيل أن صاحبه‬ ‫الكري��م ق��د خدعه فى القس��مة ‪ ،‬فقرر أن يذه��ب مبفرده إىل مبن��ى الطاحونة‬ ‫ويتصن��ت إىل حديث احليوانات ‪ ،‬فرمبا تتحدث عن كنوز أخرى كالتى اخذها‬ ‫صاحب��ه الكريم ! وذهب إىل هناك ‪ ،‬حيث الطاحون��ة واختبأ فى صندوق حفظ‬ ‫احلب��وب املس��تطيل ‪ .‬وفى منتصف الليل ج��اءت احليوانات وأوقدت النار وجلس��ت‬ ‫حوهلا للتدفئة وكان يبدو عليها القلق وعدم الرضا ‪.‬‬ ‫ثم سأل الدب والذئب صديقهما الثعلب ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حزينا ؟‬ ‫ أيها الثعلب ‪ ،‬ملاذا تبدو اليوم‬‫فأجاب الثعلب ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حزينا عندما يعلم أحد ما عن السر الذى أعرفه ‪ ،‬ويأخذ كل‬ ‫ كيف ال أكون‬‫الذهب املوجود داخل اجلحر ‪.‬‬ ‫واشتكيا الدب والذئب له وقاال ‪:‬‬ ‫ نع��م ه��ذا صحيح ‪ ...‬لقد اس��توىل أحد ما عل��ى الكنوز التى ال يعل��م عنها أحد‬‫غرينا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخذ الثالثة يفتش��ون بدقة مبنى الطاحون��ة وعثروا أخريا على الرجل البخيل‬ ‫ً‬ ‫خمتبأ فى الصندوق فهجموا عليه وأخرجوه وكادوا أن يفتكوا به !‬

‫‪132‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫حكاية جميلة ‪ ..‬الفتاة اليتيمة‬ ‫كان يعي��ش أح��د الفالحني البس��طاء مع زوجت��ه وابنته الصغ�يرة الوحيدة –‬ ‫مجيل��ة ‪ .‬وس��رعان ما توفيت األم ‪ .‬وبع��د فرتة احلداد تزوج األب م��ن أخرى وأجنبت‬ ‫ل��ه ابن��ة ‪ ...‬وكربت األختان ‪ ،‬غري أن عالقة زوجته الثانية جبميلة كانت س��يئة‬ ‫ودائما ً‬ ‫ً‬ ‫وأبدا فى ش��جار معها‪..‬‬ ‫للغاية ‪ ،‬إذ كانت تعاملها معاملة فى غاية القس��وة‬ ‫ك�برت مجيلة وأصبحت فت��اة تتمتع مبالمح وجهه��ا الرقيقة ‪ ،‬وقوامه��ا امللفوف ‪.‬‬ ‫لك��ن زوج��ة أبيها مل تهتم بها فكانت ترتكها مبالبس��ها الرث��ة املمزقة فى الوقت‬ ‫الذى كانت تشرتى البنتها الثياب اجلديدة ‪ ،‬وتسمح هلا بزيارة صديقاتها وأقاربها‬ ‫وحض��ور األفراح التى تقام بالقرية ‪ .‬أما مجيلة فكانت تالزم البيت وتقوم بأعمال‬ ‫املنزل ‪ ،‬وبكل ما تطلبه منها زوجة أبيها من أعمال شاقة ‪.‬‬ ‫وف��ى إحدى اللياىل جلس��ت مجيلة ف��ى حوش املنزل تبك��ى ‪ ،‬ألن معظم َم ْن فى‬ ‫ً‬ ‫س��نويا بالقري��ة ‪ ،‬أما هى فقد‬ ‫القري��ة قد ذهب ملش��اهدة احتفاالت املولد الذى يقام‬ ‫بقيت مبفردها حترس املنزل ‪ ...‬وعندما مسعت البقرة التى كانوا يربونها فى احلظرية‬ ‫بكاء مجيلة أسرعت إليها قائلة ‪:‬‬ ‫ ملاذا تبكني يا مجيلة ؟ وماذا حتتاجني ؟‬‫فقالت هلا مجيلة ‪:‬‬ ‫ لق��د ذه��ب أوالد وبنات القرية ملش��اهدة أفراح املولد ‪ ،‬أما أن��ا فأجلس وحيدة‬‫وق��د أمرتنى زوجة أب��ى بالقيام بأعمال املنزل وحرمتنى م��ن اخلروج ‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل أننى ليس عندى مالبس مناسبة حلضور حفل زواج ابنة خالي يوم اخلميس‬ ‫القادم ‪.‬‬ ‫وهنا َّ‬ ‫هزت البقرة رأس��ها وطلب��ت من مجيلة أن تأتى هلا ي��وم اخلميس ‪ ،‬ووعدتها‬ ‫مبالبس جديدة بشرط أال تبلغ ً‬ ‫أحدا بذلك ‪...‬‬ ‫وف��ى يوم اخلمي��س ذهبت مجيل��ة للبقرة الت��ى صاحبتها إىل م��كان بعيد عن‬ ‫عيون أهل املنزل ‪...‬‬ ‫‪133‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫وقالت البقرة هلا ‪:‬‬ ‫ انزعى يا مجيلة قرنى اليمني واختارى ما يناسبك من املالبس الفاخرة ‪.‬‬‫وفعلت مجيلة ذلك ‪ ...‬ثم عادت البقرة تقول جلميلة ‪:‬‬ ‫انزعى قرنى الشمال واختارى احلذاء وأدوات الزينة من عقد وحلق وخوامت وكل‬ ‫ما يناسبك ‪ ،‬ثم ضعى مالبسك القدمية فى قرونى واتركيها فيها حتى تعودى ‪.‬‬ ‫وارت��دت مجيلة املالبس ‪ ،‬ومش��طت ش��عرها الطويل ‪ ...‬وقب��ل أن تذهب إىل حفل‬ ‫العرس قالت البقرة جلميلة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫عليك بالذهاب للحفل بعد أن يذهب اجلميع ‪ ،‬وعليك أيضا بالعودة قبل أن تعود‬

‫‪134‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫زوجة أبيك وأختك ‪ ...‬فوافقت مجيلة على ذلك ‪...‬‬ ‫وذهب��ت مجيل��ة إىل حف��ل زواج ابن��ة خاهل��ا ‪ ...‬ومل يتعرف أح��د عليها جلماهلا‬ ‫الفائق‪ ،‬إذ كانت أمجل َم ْن فى احلفل ملا كانت ترتديه من مالبس فاخرة ‪.‬‬ ‫ث��م جاءت مجيلة إىل املنزل وأع��ادت املالبس واحلذاء وأدوات الزينة كما كانت‬ ‫فى قرنى البقرة ‪ ،‬وكأن ً‬ ‫شيئا مل يكن ‪ ،‬لكنها كادت أن تطري من الفرحة وكانت‬ ‫ً‬ ‫كثريا على مساعدتها هلا ‪.‬‬ ‫السعادة تبدو على وجهها ‪ ...‬وشكرت البقرة‬ ‫ً‬ ‫حديثا بني أبيها وزوجته عن ضرورة ذبح البقرة وبيع‬ ‫وف��ى يوم ما مسعت مجيلة‬ ‫ً‬ ‫حلمها ‪ ...‬ولكن مجيلة أرادت أن تس��دى للبقرة صنيعا وتس��اعدها كما ساعدتها‬ ‫ً‬ ‫كثريا فى طريقة إلنقاذ البقرة من الذبح ‪.‬‬ ‫البقرة من قبل ‪ ...‬ففكرت‬ ‫وقبل املوع��د احملدد لذحبها أخذت مجيلة البقرة وهرب��ت بها من قريتها إىل‬ ‫القرية اجملاورة جتوب النجوع ‪ .‬وعندما َح َّل الليل وقفت عند منزل تشع األضواء‬ ‫من نوافذه ‪ ...‬وطرقت مجيلة الباب ففتح هلا رجل عجوز وطلبت منه قضاء الليل‬ ‫حت��ى الصباح ‪َّ ..‬‬ ‫ورحب صاحب الدار وأدخل بقرتها احلظرية ‪ ،‬وس��رعان ما قامت‬ ‫زوجة العجوز بتجهيز وإحضار العشاء هلا ‪ ..‬وأثناء احلديث عرف العجوز وزوجته‬ ‫منها بأنها يتيمة وال تستطيع العيش مع زوجة أبيها فعرضا عليها أن تقيم معهما‬ ‫ً‬ ‫أوالدا ووعداها بأن تكون مبثاب��ة ابنة هلما ‪ ..‬ففرحت مجيلة‬ ‫لع��دم إجنابهما‬ ‫ووافقت ‪ ..‬ومن حس��ن حظه��ا أن ذلك العجوز ميتلك ثروة كب�يرة وفى رغد من‬ ‫العيش فاش�ترى هلا أغلى الثياب َّ‬ ‫وعلمها القراءة والكتابة ‪ ،‬وأصبحت مثل بنات‬ ‫العاصمة املتحضرات وبدأ ُ‬ ‫اخل َّطاب من كل اجلهات يرغبون الزواج منها جلماهلا‬ ‫وثرائها ‪.‬‬ ‫وم��ن وقت آلخر كانت مجيلة تزور بقرتها ك��ى تطمئن عليها ‪ ،‬وذات مرة قالت‬ ‫مجيلة للبقرة ‪:‬‬ ‫شيء مهم بالنسبة ىل ‪ ،‬يا بقرتى العزيزة ‪.‬‬ ‫ أريد أن أستشريك فى‬‫ٍ‬ ‫البقرة ‪ - :‬ماذا حدث ؟‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫مجيلة ‪ - :‬كل يوم يأتى الكثري من اخلطاب يطلبون الزواج منى ‪ ،‬فماذا أفعل؟‬ ‫البقرة ‪ - :‬افعلى مبا يأمر – والدك اجلديد – هذا الرجل الطيب ‪.‬‬ ‫مجيلة ‪ - :‬لقد قال ىل إنه ال شأن له فى هذا األمر ‪ ،‬وأن هذا خيصنى وحدى ‪.‬‬ ‫البقرة ‪ - :‬فلتختارى من بني هؤالء ُ‬ ‫اخل َّطاب َم ْن يناسبك ‪.‬‬ ‫‪135‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ً‬ ‫كثريا ووقع اختيارى على الشخص املناسب ىل ‪.‬‬ ‫مجيلة ‪ - :‬لقد فكرت‬ ‫البقرة ‪َ - :‬م ْن هو إذن ؟‬ ‫مجيل��ة ‪ - :‬فى احلقيقة ليس من هؤالء األثرياء أو أصحاب اجلاه والس��لطان ‪ ،‬إمنا‬ ‫هو شخص يتيم مثلى ‪.‬‬ ‫البقرة ‪ - :‬لقد أحسنت االختيار يا مجيلة ‪ ،‬باركك اهلل ‪ ،‬هكذا جيب أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متواضعا ‪.‬‬ ‫قنوعا‬ ‫املرء‬ ‫ً‬ ‫شكرا لك يا بقرتى العزيزة ‪.‬‬ ‫مجيلة ‪- :‬‬ ‫البقرة ‪ - :‬ال تنسينى بعد الزواج ‪.‬‬ ‫مجيلة ‪ - :‬كيف أنساك وأنت الصديق العزيز ‪.‬‬

‫‪136‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫قصة الثعلب َّ‬ ‫املكار والثعبان األنانى‬ ‫تص��ادف وج��ود ثعلب وثعبان كانا عل��ى خالف دائم ‪ ،‬لكن قررا أن يعيش��ا فى‬ ‫ً‬ ‫س��ويا حول العامل ‪.‬‬ ‫وف��اق ووئ��ام تام فيما بينهم��ا ‪ ..‬وفى يوم من األيام ق��ررا أن يطوفا‬ ‫ّ‬ ‫جتول االثنان فى الغابات واملراعى واجلبال والشعاب ‪ ،‬يتقامسان فريستهما بالتساوى‬ ‫وعندم��ا وصال إىل ش��اطئ أحد األنه��ار العريضة ‪ ،‬اقرتح الثعلب امل��كار على زميله‬ ‫الثعبان ‪:‬‬ ‫ الثعلب ‪َّ :‬‬‫هيا بنا نسبح إىل الشاطئ اآلخر ثم نكمل جولتنا ‪.‬‬ ‫ الثعبان ‪ :‬ليس هذا فى استطاعتى ‪ ،‬فأنا مل أتعلم السباحة من قبل ‪.‬‬‫ الثعل��ب ‪ :‬ه��ذا ال يهم فى ش��يء يا صديق��ى الثعبان ‪ ،‬ففى إمكانى مس��اعدتك‬‫بكل ما أس��تطيع ‪ ،‬عليك فقط أن تلتف حول جس��مى وسأس��بح بك حتى نصل إىل‬ ‫ً‬ ‫وفعال التف الثعبان حول جسم الثعلب ‪ ،‬وبدأ الثعلب فى السباحة حتى تعب‬ ‫هناك ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تع ًب��ا ش��ديدا ‪ ،‬لكن��ه مل يظهر ذل��ك وحتمل على نفس��ه إىل أن اقرتبا من الش��اطئ‬ ‫اآلخ��ر بعد أن خارت قواه ‪ ...‬وقبل الوصول إىل الش��اطئ أخ��ذ الثعبان األنانى يضغط‬ ‫بعضالته القوية على جس��م الثعلب لينفرد بكل فريسة يقابلها هناك فيما بعد ‪،‬‬ ‫وإذا بالثعلب يصيح ‪:‬‬ ‫ الثعلب ‪ :‬ماذا تفعل بى يا صديقى الثعبان ؟ أال تعلم أنك بهذا تستطيع أن تقضى‬‫على حياتى ؟‬ ‫ الثعبان ‪ :‬نعم ‪ ،‬هذا ما أسعى إليه فإننى أشعر باجلوع الشديد ‪.‬‬‫غ�ير أن الثعل��ب فك��ر فى التخل��ص م��ن الثعب��ان األنانى فق��ال ل��ه واملكر ميأل‬ ‫عينيه‪:‬‬ ‫ الثعل��ب ‪ :‬ما دم��ت تريد ذلك ‪ ،‬دعنى أحق��ق أمنيتى األخرية قب��ل أن أفارقك إىل‬‫األبد‪.‬‬ ‫ الثعبان ‪ :‬ماذا تريد إذن؟ وأنا على استعداد أن أحققه لك ‪.‬‬‫ الثعل��ب ‪ :‬عل��ى الرغم م��ن صداقتنا لعدة س��نوات َّ‬‫إال أننى مل أر وجه��ك عن قرب ‪،‬‬ ‫‪137‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫فدعنى أنظر إىل وجهك اجلميل قبل نهايتى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حس��نا ‪ ،‬أيها الثعل��ب ‪ ،‬دعنى أنا أيضا أنظر إليك ع��ن قرب نظرة الوداع‬ ‫ الثعب��ان ‪:‬‬‫(قال الثعبان ذلك وهو ميد رأسه حنو الثعلب ) ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫انقض الثعل��ب بأنيابه على رأس الثعبان والتهمها ‪ .‬وهنا على الش��اطئ‬ ‫وف��ى احلال‬ ‫ختلص الثعلب من الثعبان األنانى وقال فى نفسه ‪:‬‬ ‫ ً‬‫حقا جيب على املرء أال يثق فى أصدقائه امللتويني ‪.‬‬

‫‪138‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫سر الشباب‬ ‫كان يعيش فى إحدى القرى ّ‬ ‫طحان معروف برقة قلبه وأمانته وحبه لآلخرين ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومل حيدث ً‬ ‫ش��يئا ال يستحقه ‪ ،‬بل كان ً‬ ‫دائما على استعداد بأن يتقاسم‬ ‫أبدا أن أخذ‬ ‫آخر ما لديه من خرب مع احملتاجني ‪.‬‬ ‫وذات م��رة أثن��اء تنظيف��ه ماس��ورة الطاحونة التى مي��ر بها الدقي��ق وجد تفاحة‬ ‫ناضج��ة كب�يرة ق��د جرفتها املي��اه الت��ى ينظف بها‬ ‫ً‬ ‫قليال‬ ‫الطاحونة ‪ ..‬أراد أن يأكلها لكنه فكر‬ ‫وقال فى نفسه “ إننى مل أقم بزرعها أو شرائها‪،‬‬ ‫لذا ليس م��ن حقى أن اكله��ا ‪ ،‬لكن بهره‬ ‫مج��ال التفاح��ة فق��رر أن‬ ‫يع��رف م��ن أين أت��ت هذه‬ ‫التفاحة ‪.‬‬ ‫ذهب الطح��ان مبحاذاة‬ ‫القناة التى تأتى منها املياه‬ ‫حت��ى وص��ل إىل النهر‬ ‫وبع��د وق��ت قلي��ل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عج��وزا‬ ‫رج�لا‬ ‫رأى‬ ‫ذا حلي��ة بيض��اء‬ ‫كالثل��ج فاق�ترب‬ ‫منه وقال له ‪:‬‬ ‫ الس�لام عليكم‬‫أيها العجوز؟‬ ‫ وعليكم الس�لام‬‫يا بنى ‪.‬‬ ‫‪139‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ أود أن أعرف منك ً‬‫شيئا ‪ .‬هل تقوم بزراعة مثل هذه أشجار التفاح فى حديقتك؟‬ ‫ ال ي��ا بنى ‪ ،‬لكن أخى األكرب يزرع أش��جار التفاح مث��ل هذه فى حديقته ‪ ،‬إنه‬‫يعيش على شاطئ النهر وال يبعد عن هنا بكثري ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كهال ال يظهر فى حليته الكثري من الشعرات‬ ‫ومضى الطحان فى سريه حتى قابل‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫البيضاء ‪ .‬فاقرتب منه الطحان‬ ‫ السالم عليكم !‬‫ فرد الكهل عليك السالم َّ‬‫ورحب به ‪.‬‬ ‫فسأله الطحان ‪:‬‬ ‫ هل أنت ش��قيق ذلك العجوز الذى يعيش على ش��اطئ النهر ؟ وهل تزرع مثل هذه‬‫األشجار التى تنتج التفاح ؟‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫فرد عليه‬ ‫ هذا العجوز فى احلقيقة هو ش��قيقى األصغر ‪ ،‬أما بالنس��بة ألش��جار التفاح فإنه‬‫س��نا وهو يعيش عل ش��اطئ النهر ً‬ ‫ُيزرع عند ش��قيقنا الثالث الذى يكربنا ً‬ ‫أيضا وال‬ ‫يبعد عن هنا بكثري ‪.‬‬ ‫ش��ابا ً‬ ‫ومضى الطحان فى طريقه حتى رأى ً‬ ‫قويا ختلو رأس��ه وحليته من الشعرات‬ ‫البيضاء ‪ .‬فاقرتب منه الطحان وألقى عليه السالم ثم سأله ‪:‬‬ ‫ أه��ذه التفاحة م��ن حديقتك؟ وهل أنت األخ الثال��ث لألخوين العجوزين اللذين‬‫يعيشان على شاطئ النهر هناك؟‬ ‫ً‬ ‫ نعم ‪ ،‬أنا األخ الثالث هلما واألكرب سنا ‪ ،‬وهذا التفاح أزرعه فى حديقتى ‪ .‬مرح ًبا‬‫ضيفا علينا اليوم ‪َ .‬‬ ‫بك ‪ ،‬تفضل أيها الضيف ‪ ،‬أدعوك أن تكون ً‬ ‫وق ِب َل الطحان الدعوة‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫وأخذا يتسامران فى موضوعات كثرية ‪ .‬ثم نادى صاحب البيت على زوجته‬ ‫ ي��ا زوجتى العزيزة ‪ ..‬لق��د حل علينا ضيف من القرية اجملاورة ‪َّ ،‬‬‫أعدى لنا طعام‬ ‫الغذاء ‪ ،‬وال تنسى أن ختتارى ثـمرة بطيخ من احلديقة قد نضجت ‪.‬‬ ‫وتناول صاحب البيت والضيف طعامهما وأحضرت الزوجة البطيخة ‪ .‬ثم قام الزوج‬ ‫بشق البطيخة ‪ ،‬لكنه قال لزوجته ‪:‬‬ ‫ هذه البطيخة مل تنضج بعد ‪ ،‬أحضرى لنا بطيخة أخرى ‪.‬‬‫وظل ال��زوج هكذا يطلب منها بطيخة بعد األخرى مخ��س مرات حتى أعجبته‬ ‫البطيخة اخلامسة فأكالها ومحدا اهلل على نعمه ‪.‬‬ ‫‪140‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫وش��كر الطحان أهل البيت على حس��ن الضيافة ‪ ،‬لكنه سأل صاحب البيت قبل‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫أن يرحل‬ ‫ أيها الرجل الكريم ! امسح ىل أن أسألك عن شيء حيرينى ‪ :‬فعلى الرغم من أنك‬‫أكرب إخوتك ً‬ ‫سنا إال أنك تبدو أكثر ً‬ ‫شبابا وحيوية ما السر فى ذلك؟‬ ‫ كم��ا رأيت بنفس��ك ‪ ..‬لقد طلبت من زوجتى مخس م��رات ان ختتار لنا بطيخة‬‫ومل يغضب أو يستاء أحد منا ‪ ..‬فباحللم والصرب تنال ما تريد ‪ .‬ولتعلم أننى وزوجتى‬ ‫نعيش فى حب ووئام للغاية ‪.‬‬ ‫وحتى وقتنا هذا مل يعكر حياتنا شيء على اإلطالق لكن أخواى لألسف ً‬ ‫دائما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مبكرا ‪.‬‬ ‫مشدودا األعصاب ‪ ،‬يغضبان ألتفه األسباب ‪ ،‬ولذلك أصابتهما الشيخوخة‬ ‫الطحان سر الشباب ‪ .‬ومنذ ذلك الوقت بدأ َّ‬ ‫ومن هناعرف َّ‬ ‫الطحان يعيش مع زوجته‬ ‫فى حب ووئام ‪ُ ...‬‬ ‫ويقال إنه بلغ من العمر مائة عام ومل تظهر شعرة بيضاء فى رأسه أو‬ ‫حليته الطويلة ‪.‬‬

‫‪141‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫‪III‬‬ ‫ثالث حكايات من بلد األهرامات‬ ‫لألديبة الروسية ‪ :‬صامويال فينجرييت‬ ‫يف عام ‪ 1988‬صدرت فى “موسكو” طبعة فاخرة بعنوان “ثالث حكايات من بلد‬ ‫األهرامات” ‪ .‬وقد ترمجتها من اللغة املصرية القدمية ‪ ،‬وأعادت صياغتها‪ ،‬وقدمت هلا‬ ‫األديبة الروس��ية “صامويال فينجرييت” التى ولدت عام ‪ ، 1927‬وهلا مؤلفات عديدة‬ ‫فى أدب األطفال واملتخصصة فى املصريات ‪ ،‬حيث كتبت يف املقدمة تقول‪:‬‬ ‫“ مازال��ت آالف اآلالف م��ن القص��ص تعيش يف كوكبنا هذا ‪ ،‬ويس��عى اجلميع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحينا تتضمن عامل‬ ‫أحداثا يصعب تصديقه��ا ‪،‬‬ ‫إىل مساعه��ا ‪ ،‬رمب��ا ألنها تارة تروى‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا تب��دو غريبة ‪ ،‬ولكنها يف أغلب األحيان تكون مس��لية ومثرية‬ ‫الس��حر ‪،‬‬ ‫للضح��ك ‪ ..‬وق��د ظهرت معظم هذه القص��ص الرائعة ‪ ،‬يف األزمن��ة البعيدة الغابرة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طويال ‪ ،‬ورس��خت يف وجدانه على مر الس��نني ‪،‬‬ ‫طريقا‬ ‫إال أنه��ا اجتازت مع ش��عوبها‬ ‫فلديها جذور عميقة يف حضارة األمم ‪ ،‬ففى البداية تناقلت على الش��فاه من جيل‬ ‫إىل جيل ‪ ،‬ثم بعد ذلك حرصوا على تدوينها ‪.‬‬ ‫ويتب��ادر إىل الذه��ن س��ؤال ‪ :‬من��ذ متى ظه��رت هذه القص��ص املش��هورة ‪ ،‬املدونة ؟‬ ‫وكيف وصلت إلينا ؟ وجييب علينا التاريخ ‪ ،‬بأنها ظهرت من أربعة آالف عام بالضبط‪.‬‬ ‫ف��أول قصة ظهرت يف مصر القدمية بني هذا الش��عب ال��ذي كان يقدس العمل ‪،‬‬ ‫وحيب البناء ‪ ،‬ويعش��ق الزراعة ‪ ،‬قد س��رت أحداثها عند س��فح األهرامات الضخمة ‪،‬‬ ‫وترددت يف قصور الفراعنة ‪ ،‬وضياع النبالء ‪ ،‬ولوقت طويل انتش��رت بني أوساط أبناء‬ ‫الشعب املختلفة من صناع األوانى النحاسية ‪ ،‬واخلزفية ‪ ،‬والنساجني ‪.‬‬ ‫وكم��ا ه��و معروف فإن أية قص��ة تنتهى بنهاية س��عيدة ‪ ،‬وهذا م��ا انتهت إليه‬ ‫إح��دى احلكايات ال�تي يدور احلديث فيها عن َّ‬ ‫مالح ‪ ،‬حتطمت س��فينته ‪ ،‬وغرقت‬ ‫أث��ر تعرضه��ا لري��اح عاتية ‪ ،‬إال أنه فى الوقت املناس��ب ظهر س��احر طي��ب القلب قام‬ ‫بإنق��اذه ‪ ،‬وانتهى كل ش��يء على م��ا يرام ‪ ،‬اذ قذف��ت موجة عاتية به��ذا املالح إىل‬ ‫‪142‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫شاطئ جزيرة موحشة ‪ ،‬تشبه تلك البالد اليت جتري فيها أنهار من اللنب ‪.‬‬ ‫وكان صاحب هذه اجلزيرة ‪ -‬ثعبان من الذهب ‪ ، -‬الذي أهدى ضيفة املالح هدايا‬ ‫ثـمينة ال ُتعد وال تحُ صى ‪.‬‬ ‫أحبرت يف األزمنة البعيدة كثري من السفن املصرية عرب البحر األمحر ‪.‬‬ ‫فلق��د جذبت ش��واطئ أفريقي��ا االس��توائية اهتمامات املالحني ملا فيه��ا من عطور‬ ‫طيب��ة ‪ ،‬وأن��واع م��ن األش��جار الن��ادرة ‪ ،‬واحليوانات الغريب��ة ‪ .‬وتعت�بر القصص التى‬ ‫حيكيه��ا املالحون احملنكون عن األخطار التى كان��ت تعرتضهم فى عرض البحر‬ ‫هى أساس السرد القصصى “ ‪.‬‬

‫‪143‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الحكاية األوىل‬

‫الساحر جيدى‬ ‫كان ُيطل��ق عل��ى ح��كام بعض الب�لاد لق��ب “القياص��رة” أو “امللوك” باس��تثناء‬ ‫ُح َّ‬ ‫��كام مص��ر القدمية ‪ ،‬فكان��وا يلقبون “بالفراعنة” ويرجع س��بب ذل��ك إىل أنهم‬ ‫كانوا يعيش��ون يف قصور فخمة ال جتد مثيله��ا اآلن فى أية بقعة من بقاع العامل ‪،‬‬ ‫إذ تضم متاثيل من األحجار ُتعد من عجائب الدنيا وهي مازالت شاخمة يف مكانها‪،‬‬ ‫وإذا أحصيناه��ا وجدناه��ا أكثر من جن��ود أى جيش لدى أى مل��ك آخر ‪ ،‬وقد يضل‬ ‫املرء عن طريقه وس��ط أعم��دة القصر الواحد العديدة ‪ ،‬كما لو كان وس��ط غابة‬ ‫من النخيل ‪.‬‬ ‫حظى هؤالء الفراعنة الش��رف العظيم ملا َّ‬ ‫ش��يدوه من أبنية ضخمة ‪ ،‬فال يستطيع‬ ‫اإلنس��ان أن يتفق��د كل م��ا فيه��ا يف ثالثة أيام إذا س��ار على قدمي��ه ‪ ،‬أو طيلة يوم‬ ‫كام��ل إذا رك��ب عربة ‪ .‬وهل��ذا أطلق عل��ى أصحاب القص��ور العظ��ام “الفراعنة” ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيض��ا “البيت الكبري” ولكيال خيل��ط الناس بني كلميت‬ ‫وكلم��ة “فرعون” تعنى‬ ‫ً‬ ‫“البي��ت الكبري” و “فرع��ون امللك” فكانوا يدعون للمل��ك احرتاما له إذا ذكر امسه‬ ‫بقوهلم “فليبق على الدوام ‪ ،‬موفور الصحة ‪ ،‬قوى البنية ‪ ،‬عظيم الشأن” ‪.‬‬ ‫كان الفق�ير من الناس يدفن بعد وفاته يف حفرة يف باطن األرض ‪ ،‬لكن الغنى‬ ‫منه��م يوضع جثمان��ه فى مدفن منح��وت فى الصخ��ر ‪ ،‬أما بالنس��بة لفرعون فكان‬ ‫يحُ نط جس��ده ثم يوضع فى “تابوت” وحيفظ فى هرم يشبه اجلبل العاىل إلعتقادهم‬ ‫بالبعث مرة أخرى يف “البيت الكبري” ‪.‬‬ ‫ولضخام��ة األهرامات ومشوخها كانت عند غروب الش��مس ختتف��ي وراء قممها‬ ‫العالي��ة مما يتي��ح الفرصة للطي��ور أن حتلق وتطري ح��ول هذه األبني��ة العظيمة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مشوخا من حيث االرتفاع إذا قورن باألهرامات اجملاورة له‬ ‫ويعترب هرم “خوفو” أكثر‬ ‫ً‬ ‫إذ ظل البناءون على مدى (عشرين ً‬ ‫عاما) ينقلون األحجار ويضعونها صفوفا مرتاصة‬ ‫ً‬ ‫بعضها فوق بعض إىل أن ارتفع البناء وأصبح ً‬ ‫هرما ً‬ ‫عاليا مقرونا بعظمة فرعون ‪ .‬حتى‬ ‫‪144‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫وصل عنان السماء الزرقاء مما أكسب الفراعنة اجملد واخللود ‪.‬‬ ‫كان��وا يطلق��ون على خوفو أمس��اء خمتلفة مث��ل “احلاكم صاح��ب القوة‬ ‫العظيم��ة”‪ ،‬و “األس��د القوى” و “الث��ور اجلبار” ألن كل ش��يء كان حتت إمرته‪:‬‬ ‫الن��اس ‪ ،‬الياب��س واملاء ‪ ،‬فبأم��ره كانت األحج��ار تنتقل من مكانه��ا ‪ ،‬وجبربوته‬ ‫يفي��ض نهر النيل ثم يعود إىل جمراه ‪ ،‬ولذا كان مبقدوره أن يتحكم يف كل‬ ‫شيء عدا شيء واحد هو قلبه ‪.‬‬ ‫حدث ذات مرة أن بدأ اليأس يدب يف قلب “امللك خوفو” وأحس بالوحش��ة ‪ ،‬فأخذ‬ ‫يتج��ول بني حجرات قصره خبط��وات ثقيله دون أن يدري ماذا يري��د ‪ ،‬وعندما حل‬ ‫اهلدوء مسع طنني احلية الذهبية احمللى بها التاج الذى يضعه على فوق رأسه ‪ ،‬وهنا‬ ‫متلك اخلوف رجال القصر ً‬ ‫أيضا واختبأوا وراء األعمدة والتماثيل وهم يهمسون فيما‬ ‫بينه��م ويقولون ‪ :‬لقد ظهر النجم يف الس��ماء وهذا نذير بالعاصفة ‪ .‬وقال آخرون وهم‬ ‫يلتصقون باحلائط ‪ :‬انتظروا ما سيصيبنا من ضراء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخريا جلس على كرس��ي وثري وقد وضع‬ ‫س��ئم “خوفو” التنقل من بهو إىل آخر ‪.‬‬ ‫راحتى يديه على مس��ندى الكرس��ى الذهبى واحملفور يف نهاية كل مس��ند رأس‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪ :‬ائتوا بأوالدى إىل هنا فو ًرا ‪.‬‬ ‫الصقر ‪ .‬ثم أمر رجال قصره بكل حزم‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن احلائط ‪ ،‬وبسرعة فائقة هرعوا لتنفيذ أوامر فرعون‬ ‫حترك رجال القصر‬ ‫وكأنهم يسبقون ظلهم ‪ .‬وعلى الفور حضر أبناء فرعون ويف مقدمتهم “خفرع” االبن‬ ‫األك�بر لفرع��ون ‪ ،‬وه��و طويل القامة ‪ ،‬ق��وى البنية إىل درجة أنه يس��تطيع بكل‬ ‫سهولة ‪ ،‬ودون عناء أن يثقب قطعة من الربونز مسكها ثالثة أصابع بسهم واحد ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫معروف��ا يف مصر كلها‬ ‫وب��دأ من ورائه االب��ن الثاني “م��ن كاورى” ‪ ،‬والذي كان‬ ‫جبم��ال طلعته ورش��اقته ‪ .‬وظهر خلفهما “جي��دي فحور” االبن الصغ�ير الذى كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ورقيقا ‪ ،‬ويشبه أخاه األكرب يف قوته اجلسمانية باإلضافة إىل ما أن وقعت‬ ‫بشوش��ا‬ ‫ورق��ة بردى يف يده إال وقد قرأها ‪ .‬دخل األبن��اء الثالثة البهو الكبري يف الوقت الذي‬ ‫كان ش��عاع الشمس ينفذ من إحدى النوافذ املوجودة أسفل السقف فأضاء وجوههم‬ ‫ً‬ ‫مجيعا ‪ .‬أما امللك خوفو فقد بدا كما كان من قبل ‪ ،‬عابس الوجه ‪ ،‬قاطب اجلبني ‪،‬‬ ‫تنظر عيناه املتأملتان من حتت حاجبيه املرتعش��تني وقد أخذت احلية الذهبية اليت‬ ‫تتحل��ى ب��ه تاجه يف إصدار طن�ين مزعج ‪ ،‬ثم ق��ال ألوالده ‪ :‬لقد أصابن��ى امللل – وأنا‬ ‫ً‬ ‫أعماال جميدة وال تزال أمامى أعمال أخرى س��تخلدني إىل‬ ‫امللك الذى تركت خلفى‬ ‫األبد ‪ .‬لقد أقاموا ىل ً‬ ‫هرما يتناسب مع جمدى وقوتى وعظمتى التى فاقت حدود مصر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فل��م أكن أهرب من األع��داء إطالقا‪ ،‬بل كنت أقاتلهم وجها لوجه ببس��الة مبا يتس��م‬ ‫‪145‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ب��ه احملارب املقدام ‪ ،‬كان قلب��ى ً‬ ‫ثابتا ً‬ ‫قويا أثناء املعارك احلربي��ة ‪ ،‬وفى حلظات اخلطر‬ ‫يكون أكثر صالبة من احلجر الصوان ‪.‬‬ ‫أم��ا اآلن فق��د أصاب قل�بي احلزن وامللل ال��ذي ال يق��در عليهما إنس��ان ‪ ،‬وما أطلبه‬ ‫ّ‬ ‫عل��ى حبكايات غريبة قد حدثت من��ذ زمن بعيد ‪ .‬مل‬ ‫منك��م ي��ا أوالدي أن تهونوا‬ ‫يرف��ض أبناء خوفو طلب أبيهم ‪ ،‬وأخذ كل منه��م يتذكر حكاية ‪ ،‬كي يرويها‬ ‫ل��ه ‪ ،‬وكان أول املتحدث�ين ‪ -‬خف��رع – االبن األك�بر لفرعون الذي أق�ترب من والده‬ ‫ً‬ ‫قائ�لا ‪ :‬كان يعيش يف العص��ور الغابرة س��احر ماه��ر يدعى‬ ‫وأخ��ذ يق��ص علي��ه‬ ‫“أوبانري”‪،‬وكان له معجزات كثرية ‪ ،‬غري أن هناك معجزة واحدة قد جعلته يتمتع‬ ‫بش��هرة فائقة على مر العصور ‪ .‬وتتلخص هذه املعجزة فى أن ً‬ ‫ً‬ ‫ش��ريرا دأب الرتدد‬ ‫لصا‬ ‫على منزل هذا الس��احر ‪ ،‬فبمجرد أن خيرج الس��احر من بيته حتى يأتى هذا الشرير‬ ‫ويس��رق املالبس اجلديدة التى لدى الس��احر ثم خيتفى فى حديقة املنزل ‪ ،‬ويسطو‬ ‫على ثـمار األش��جار الناضجة اللذيذة الطعم ويس��رقها ‪ ،‬مل يصرب الس��احر على ذلك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صائحا ‪:‬‬ ‫طويال ‪ .‬وذات مرة نادى على خادمه وقال له‬ ‫ امس��ع يا غ�لام أحضر لي العلبة املصنوعة من اخلش��ب األس��ود املطلية بالذهب‬‫ً‬ ‫وأيضا قطعة من الشمع النقي – فأحضر اخلادم ما أمره به سيده وقال ‪:‬‬ ‫ ها هى العلبة يا س��يدى ‪ ،‬وها هو الشمع الذي قد مجعوه صباح اليوم من مناحل‬‫العسل ‪ ،‬ثم قال له الساحر‪:‬‬ ‫ ضع كل ش��يء هنا أمامى واتركنى وش��أنى ‪ .‬وبقى الس��احر مبف��رده وقد أخذ‬‫ً‬ ‫متثاال على هيئة‬ ‫قطعة من الش��مع وبات يعجنها وميطها ويلويها حتى شكل منها‬ ‫متساح ‪ ،‬فإذا نظرت إليه يبدو لك كأنه متساح حقيقي بفمه املفتوح وأسنانه احلادة‬ ‫وبذيله الطويل املمدود ‪ ،‬وبعيونه املستديرة الشريرة ‪ ،‬لكنه مل يكن أخضر اللون‬ ‫بل أصفر ‪ ،‬ومن املعروف أن هذا الس��احر يف مقدوره عمل كل ش��يء ‪ ،‬فقد وضع هذا‬ ‫التمساح الصغري الذي صنعه يف إناء به ماء ‪ ،‬ثم أخرج من العلبة لفافة من ورق الربدي‬ ‫وبدأ يردد بعض التعاويذ السحرية ويقول ‪:‬‬ ‫ َّ‬‫هيا أطلقي سم العقرب “تيبيت” أخرجي سم العقرب “تشيتت” أقبضي على اللص‪،‬‬ ‫أقبضى على اللص الش��رير ‪ ،‬وأستمر الس��احر ينطق بكلمات غريبة ‪ ،‬وبعدها بدأ‬ ‫امل��اء يتعكر ويف��ور إىل أعلى وبدأت الفقاقيع تظهر وفجأة هدأ املاء وس��كن كما‬ ‫كان ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متس��احا يرقد وكأنه وس��ط حبرية‬ ‫وهنا نظر الس��احر فى ق��اع كوب املاء فرأى‬ ‫‪146‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫صغ�يرة وق��د تغري لونه من اللون األصف��ر إىل اللون األخضر لدرج��ة أن ظهرت البقع‬ ‫الس��وداء على ظهره كالتى توجد عن التماس��يح احلقيقية ‪ ،‬وبعد أن فرغ الس��احر‬ ‫من هذا نادى على خادمه وقال له ‪:‬‬ ‫ امس��ع يا غالم ‪ ،‬خذ متثال الش��مع هذا من اإلناء وراقب الل��ص الذى يأتي إلينا من‬‫آن آلخر ‪ ،‬وحيمنا تلمحة من بعيد ألق بهذا التمثال يف مستنقع املاء ‪ .‬وانصاع اخلادم‬ ‫ألوامر س��يده ‪ ،‬وما أن ظهر اللص يف البس��تان حتى ألقى اخلادم بالتمثال يف املستنقع‬ ‫فإذا باملاء يفور وتظهر منه الفقاقيع ‪ ،‬وأخذت األمواج تتالطم بشاطئ املستنقع بقوة ‪،‬‬ ‫وظهر على الفور متساح حقيقي يطفو على سطح أعلى موجة ‪ .‬هذا التمساح طوله‬ ‫ً‬ ‫ضاربا‬ ‫سبعة أذرع ‪ ،‬وما رأى التمساح اللص حتى فتح فاهه وأمسك به بأسنانه احلادة‬ ‫املاء بذيله ‪.‬‬ ‫أخذ اللص يستغيث ويصيح بأعلى صوت ‪:‬‬ ‫ أيها التمساح املخيف ابتعد عنى ‪ ،‬ابتعد عنى !‪..‬‬‫مل يكن هناك َمن ينقذه إذ انقض عليه التمس��اح ‪ ،‬وس��حبه إىل قاع املس��تنقع ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كال من اللص والتمساح ‪“ ،‬نعم ‪ ،‬لقد استطاع الساحر‬ ‫ومنذ تلك اللحظة مل ير أحد‬ ‫“أوبانري” أن يأتى مبعجزة مل يسبق ألحد غريه أن يقوم بها يف تلك األزمنة الغابرة” ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتبجيال ثم وقف‬ ‫احرتاما‬ ‫وبهذه الكلمات أنهى – خفرع – حكايته واحننى لوالده‬ ‫ً‬ ‫إىل جانب أبيه من ناحية اليمني ‪ ،‬ثم علق امللك – خوفو ‪ -‬على ذلك قائال ‪:‬‬ ‫ ً‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫أح��دا مل يتفوق عليه يف علم الس��حر ‪،‬‬ ‫حكيم��ا يبدو أن‬ ‫حق��ا ‪ ،‬كان أوبان�ير‬ ‫ً‬ ‫ترمحا عليه ‪.‬‬ ‫فلتأمر بإحضار القرابني من خبز وحلم وروائح عطرية‬ ‫ولك��ن هذا مل خيفف من حالة الضيق التى يعانى منه��ا امللك – خوفو – فمازالت‬ ‫جتاعي��د جبهته تبعث على عدم الرضا ‪ ،‬وم��ا زال طنني احلية الذهبية الذي يتحلى‬ ‫ً‬ ‫أصواتا حزينة ‪.‬‬ ‫بها التاج يصدر‬ ‫والحظ األمري “من كاورى”– االبن الثاني لفرعون – حالة أبيه فتقدم حنوه وقال‬ ‫له ‪:‬‬ ‫ س��أحكي لك يا موالى – ولتبق على الدوام موفور الصحة ‪ ،‬قوى البنية ‪ ،‬عظيم‬‫الشأن – عن معجزة قام بها حكيم ُيدعى – جاد جامانج – والذي كان يعيش منذ‬ ‫زم��ن بعيد ‪ ..‬فقد ح��دث أن ً‬ ‫ً‬ ‫مطلي��ا بالذهب حمفور يف مؤخرت��ه زهرة اللوتس‬ ‫زورقا‬ ‫كان يبحر يف البحرية وعلى متنه عشرون فتاة على قدر كبري من اجلمال ترتدين‬ ‫أفخر الثياب كما لو كن مدعوات إىل حفل ُعرس بهيج ‪.‬‬ ‫‪147‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫كانت فس��اتينهن م��ن قماش الكت��ان األبيض الش��فاف ‪ ،‬واملطرزة بأل��وان زاهية‬ ‫م��ن الرتتر الت��ى تبهر األنظار ‪ ،‬وكان م��ن أروع ما يكون تلك الق�لادات اليت كانت‬ ‫عل��ى صدورهن واملرصع��ة باألحجار الكرمية اليت تصدر منها ألوان تش��به الطيف ‪،‬‬ ‫وترتدين أساور متعرجة تشبه الثعابني ‪ ،‬وقد زينت تسرحياتهن الرائعة من مشابك‬ ‫من الذهب واملاس ‪ ،‬والتى تذكرنا بالفراشات اجلميالت ‪ ،‬متعددة األلوان واألشكال‬ ‫واجلعارين املتأللئة ‪.‬‬ ‫كانت تلك احلس��نوات يشدين بأصوات عذبة مجيلة وهن يف الزورق ‪ ،‬ويدفعن‬ ‫بأيادينه��ن اجملادي��ف احمل�لاة برقائق م��ن الذهب فوق مي��اه البح�يرة اهلادئة ‪ ،‬حيث‬ ‫تتمايل أغصان أشجار السنط واجلميز ‪:‬‬ ‫وبـــ��دأ النس��ـــــيم يداعــــ��ب‬ ‫أغصان أش��جار اجلميز الكثيفة‬ ‫وبسرور يسمع كل من غدا أو راح‬ ‫حفي��ف أوراق الش��جر اخلض��راء‬ ‫وفجأة وبدون اكرتاث هزت إحدى الفتيات ضفائر شعرها فوقع على أثرها مشبك‬ ‫مصن��وع من “حجر الف�يروز” الذى كانت تزين به ش��عرها ومل تس��تطع مع زميالتها‬ ‫اإلمساك به فسقط املشبك يف املاء ‪ .‬وعلى أثر ذلك صاحت الفتاه قائلة ‪“ :‬آه واأسفاه”‪.‬‬ ‫توقف��ت الفتاه وزميالتها عن التجدي��ف وعن الغناء ‪ ،‬وبدأ الزورق يف اإلهتزاز وعدم‬ ‫التوازن ‪ .‬وعرضن الفتيات على زميالتهن مبشابك أخرى كثرية فقالت إحداهن هلا ‪:‬‬ ‫ خذى هذا املشبك اخلاص بى ‪ ،‬فهو من “حجر امللخيت األخضر” ‪ ،‬انظرى إليه ً‬‫جيدا‬ ‫وهو كالعشب األخضر حتت قطرات الندى ‪.‬‬ ‫وقالت هلا زميلة أخرى ‪:‬‬ ‫ اقبلى منى هذا املشبك فهو من “حجر العقيق األمحر” ‪.‬‬‫وقالت صديقة الثالثة هلا ‪:‬‬ ‫ تفضل��ي يا عزيزتى مش��بكي هذا ‪ ،‬فهو من حجر اليس�بر الن��ادر ‪ ،‬لكن الفتاه‬‫احلسناء رفضت عروضهن وقالت هلن وهي تبكي ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ ال أري��د ‪ ،‬ال أري��د ‪ ،‬لس��ت يف حاجة إىل مش��بك أى منكن ‪ ،‬أعيدوا إىل املش��بك‬‫اخلاص بى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأخريا توصلن إىل‬ ‫كث�يرا فيما جيب عمله ‪،‬‬ ‫أخذت الفتيات احلس��ناوات تفكر‬ ‫‪148‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫هذا القرار ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ جي��ب علين��ا أن ندع��و احلكي��م “ج��اد جامان��ج” ‪ ،‬وفع�لا مت حتقي��ق م��ا طلبه‬‫احلس��ناوات وعلى الفور أرس��لن ً‬ ‫عبدا إلحضار احلكيم “جاد جامانج” ‪ .‬وعندما جاء‬ ‫احلكيم حكت له الفتيات عما حدث ‪ .‬بعد ذلك وقف “جاد جامانج” على ش��اطئ‬ ‫البحرية ‪ ،‬وألقى برأسه إىل اخللف وحدق بعينه إىل السماء ولوح بكلتا يديه ناحية‬ ‫املاء ‪ ،‬وأخذ يتمتم بكلمات لن تس��تطيع أية فتاة منهن تفسريها على اإلطالق ‪ ،‬بل‬ ‫مل جت��رؤ أية منهن اخلوض فى فه��م عمليات التعويذ ه��ذه ‪ ،‬ومسعن فقط احلكيم‬ ‫يردد هذه الكلمات ‪:‬‬ ‫ فليطلق يف القاع س��م العقرب تبيتت ويطفو على الس��طح سم العقرب “تشيتت”‬‫‪ ..‬اختف��ى أيته��ا املياه وأظهر أيها القاع ‪ .‬وفجأة انش��طرت البحرية إىل جزئني كما لو‬ ‫كانت املياه قد انش��قت بس��كني حاد ‪ .‬س��يطر الذعر على اجلميع وكانت املعجزة‬ ‫يف البحرية ‪.‬‬ ‫جتمع��ت كل مي��اه البحرية يف النصف األول ‪ ،‬وأصبح النص��ف الثاني من البحرية‬ ‫خالي��ا ً‬ ‫ً‬ ‫متاما م��ن املياه ‪ ،‬وهنا رأى اجلميع “املش��بك” ملقى فى الق��اع وكأنه مسكة‬ ‫زرقاء تتألأل ‪.‬‬ ‫أخذت الفتاة احلسناء تصيح ومتسح دموعها من وجنتيها وهى تقول ‪:‬‬ ‫ ها هو مشبكي ‪ .‬فقال هلا “جاد جامانج” ‪.‬‬‫ “نع��م إنه املش��بك اخلاص بك فلتأخذي��ه” ‪ .‬بعد ذلك مد “ج��اد جامانج” – الرجل‬‫احلكي��م – يديه من جدي��د ناحية املاء ومتتم بكلمات غ�ير مفهومة ألحد ‪ ،‬ومل‬ ‫يك��د ينتهي من تعويذته ‪ ،‬حتى عادت املياه كما كانت من قبل ‪ ،‬متأل البحرية ‪.‬‬ ‫ثم جلست احلس��ناوات بإنتظام يف أماكنهن وأمسكن باجملاديف مسرورات وبدأن‬ ‫يف الغناء ‪:‬‬ ‫وتتمايل أوراق الشجر الناعمة يف ضوء الشمس ‪ ،‬ويفوح منها يف األفق عبق زكى‬ ‫طيب ‪ ،‬وتهدي لنا األغصان واألشجار املتشابكة ظالل ونسيم منعش ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫احرتام��ا لوالده ثم وقف‬ ‫واختت��م األمري – م��ن كاورى – احلكاية وه��و ينحنى‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫على يساره‬ ‫ ه��ا ه��ى يا أبتى املعجزة اليت ق��ام بها “جاد جامانج” ‪ ،‬وال�تي مل يقم مبثلها أحد من‬‫قبل‪ .‬وبعد أن استمع األب “خوفو” إىل احلكاية عن آخرها قال ‪:‬‬ ‫‪149‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ماهرا وما فعله مل يس��تطع‬ ‫حكيما‬ ‫حقا لقد كان “جاد جامانج” يف احلقيقة‬ ‫أحد القيام به أو التفوق عليه يف إتقانه للس��حر ‪ .‬فلتأمر بأن يقدموا هلم القرابني من‬ ‫حلم وخبز وطيب حتية لذكراه ‪.‬‬ ‫لكن نظرات امللك “خوفو” ال يبدو عليها ش��يء من الس��رور ‪ ،‬وظل قاط ًبا بعد هذه‬ ‫احلكاية ‪ ،‬وأن احلية الذهبية احمللى بها التاج اليت يضعها امللك “خوفو” فوق رأسه ال‬ ‫ت��زال تتلوى يف حزن وكآبة ‪ .‬وأيقن – جيدي فحور – االبن األصغر أن دوره قد جاء‬ ‫فتقدم إىل األمام وقال ألبيه ‪:‬‬ ‫يا موالى ‪ ،‬فلتكن على الدوام موفور الصحة ‪ ،‬قوى البنية ‪ ،‬عظيم الشأن ‪ ،‬استمعت‬ ‫جاللتك��م إىل حكاي��ات قد‬ ‫حدث��ت يف العص��ور الغاب��رة ‪،‬‬ ‫ومل نتأك��د بالدليل إن كانت‬ ‫قد حدثت بالفع��ل أم ال ‪ .‬أليس‬ ‫من األفض��ل أن أحكى لك عن‬ ‫الس��احر الذي يعيش بيننا هذه‬ ‫األيام ؟‬ ‫ عم تتحدث يا ُبنى ؟‬‫ ع��ن ذل��ك الس��احر ال��ذي‬‫يدع��ى “جي��دى” ال��ذى بل��غ‬ ‫م��ن العم��ر مائ��ة وعش��ر‬ ‫س��نة يس��تطيع أن ي��أكل‬ ‫مبف��رده وجب��ة مكونة من‬ ‫مخس��مائة رغي��ف ونص��ف‬ ‫عجل ‪ ،‬ويشرب مائة قدح من‬ ‫عصري العنب ‪ .‬وفى استطاعته‬ ‫إع��ادة احلي��اة ألى حيوان قد‬ ‫قطعت رأس��ه ‪ .‬وعندما ميشى‬ ‫ً‬ ‫أس��دا أو ث��و ًرا دون‬ ‫جير خلفه‬ ‫أن يقيدهم��ا بسالس��ل فهذه‬ ‫كان��ت أمو ًرا تافهة بالنس��بة‬ ‫له وال تستحق احلديث عنها‪.‬‬ ‫‪150‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ وأين يعيش هذا الشره النهم ؟ يبدو أنه يقطن خارج القطر املصري ‪ ،‬أو وراء البحر‬‫األمحر ‪.‬‬ ‫ ً‬‫أب��دا ‪ ،‬هذا الس��احر يعي��ش يف عاصمة مملكتك على نهر الني��ل ‪ ،‬وليس خارج‬ ‫القطر املصرى أو وراء البحر األمحر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أمسع يا ُبنى ‪ ،‬أود رؤية هذا الساحر حاال ‪ .‬وعلى الفور تأهب اإلبن إلحضار الساحر‬ ‫“جيدي” إىل قصر أبيه ‪ .‬أجلس العبيد األمري “جيدي فحور” على محالة من اخلشب‬ ‫األبان��وس األس��ود املزخرف بالل��ون الالزوردى ‪ ،‬وأمس��كوا بأيديه��م املطلية بالذهب‬ ‫وق��د محلوها على أكتافهم ثم أخذوا جيوب��ون املدينة بعد أن تركوا وراءهم قصر‬ ‫فرع��ون العظيم ‪ ،‬ومنازل األثرياء التى كانت تغطيها أوراق أش��جار الس��نط واجلميز‬ ‫وش��وارع املدينة املمه��دة ‪ ،‬وبدءوا يس�يرون يف القفار اخلاوية التى ال تس��ر األنظار ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأخريا‬ ‫حي��ث أك��واخ من الصفيح وم��ن الطوب اللنب التى يغطيها س��عف النخي��ل ‪..‬‬ ‫عثروا على الساحر “جيدى” يستلقى على حصرية مهلهلة عند عتبة املدخل ‪.‬‬ ‫نزل األمري واقرتب منه وحياه بتحية التلميذ ألستاذه وقال له ‪:‬‬ ‫ قدم��ت ل��ك أيها الس��احر اجلليل بأمر م��ن والدي فرع��ون ‪ -‬ليك��ن ً‬‫دوما موفور‬ ‫الصحة ‪ ،‬قوى البنية ‪ ،‬عظيم الشأن ‪ -‬إن جاللته يريد أن يراك ‪ ،‬ولذا أقرتح أن تأتى‬ ‫معى إىل القصر ‪ ،‬وهناك سوف جتد حياة رغدة وستلقى رعاية خاصة وستحصل‬ ‫على كل ما تريد من طعام وشراب على ذات مائدة امللك خوفو ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫رحب “جيدى” بهذا العرض وقال لألمري ‪:‬‬ ‫ منحتك اآلهلة الس��عادة ‪ ،‬منحتك اآلهلة الس��عادة أيها األم�ير ‪ ،‬فيعظمك فرعون‬‫العظيم ومينحك أعلى املراتب ‪ .‬إنين مستعد من اآلن ‪َّ ..‬‬ ‫هيا بنا ‪.‬‬ ‫س��اعد األمري الس��احر جيدى على اجللوس ف��وق احلمالة وأخذ يعتن��ى به أثناء‬ ‫الطري��ق ‪ ،‬وم��ا أن وص��ل إىل قصر فرع��ون حتى أخرب األم�ير أباه عن وصول الس��احر‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫ يا ابتى لقد عثرت على الساحر العجوز وصحبته معى إىل هنا كما أمرتين ‪.‬‬‫ دعه يدخل يا بنى ‪.‬‬‫وعندما دخل “جيدي” جملس فرعون ‪ ،‬ألقى خوفو عليه بعض األسئلة ‪:‬‬ ‫ ملاذا مل أرك من قبل ؟‬‫ ال ميك��ن ىل أن أحض��ر إىل صاح��ب اجلالل��ة دون أن يس��تدعينى ‪ ،‬ه��ا أن��ا قد‬‫‪151‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫حضرت فور استدعاء جاللتكم ىل ‪.‬‬ ‫ يقولون عنك إن فى استطاعتك تغيري صورة طائر أو حيوان ‪.‬‬‫ نعم ‪ ،‬هذا صحيح ‪.‬‬‫ً‬ ‫ثم أمر امللك مساعديه قائال ‪:‬‬ ‫ ائت��وا بذل��ك احملكوم عليه باإلع��دام ‪ ،‬وبأحد كالب الصي��د التى ترافقنى يف‬‫رحالت الصيد ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهنا سارع “جيدى” قائال ‪:‬‬ ‫ ه��ذا مس��تحيل أيها امللك العظي��م ‪ ،‬لتبق موفور الصحة ‪ ،‬عظيم الش��أن ‪ ،‬ألننى مل‬‫ولن أقوم بالسحر على أى إنسان مهما يكن األمر حتى لو أمرت جاللتكم بإعدامى‬ ‫فلتأمر جاللتكم بإحضار أي طائر أو حيوان ‪.‬‬ ‫وهنا أمر فرعون بإحضار أوزة حية ‪ ،‬ثم ذحبوها ‪ ،‬وفصلوا رأس��ها عن جس��مها على‬ ‫مشهد من مجيع احلاضرين ‪ ،‬وبعد ذلك وضعوا رأسها يف ناحية احلائط حيث متاثيل‬ ‫من اجلرانيت ‪ ،‬أما جس��م األوزة فقد وضعوه عند احلائط املقابل ‪ ،‬هذا يف الوقت الذي‬ ‫كانت تتصاعد فيه رائحة البخور من املباخر ‪.‬‬ ‫وقف الس��احر جيدى وسط البهو ثم ألقى برأس��ه إىل اخللف ورفع يديه إىل أعلى‬ ‫وأخذ يتمتم بتعاويذ مل يستطع أحد فهمها على اإلطالق ‪ ،‬وعلى أثرها رأى اجلميع‬ ‫أن احلياة قد عادت إىل جس��م األوزة ‪ ،‬ووقفت على رجليها ثم س��ارت ناحية التماثيل‬ ‫اجلرانيتي��ة والتحم جس��مها برأس��ها التى كان��ت مفصولة عن جس��مها وانتفضت‬ ‫ً‬ ‫وكأن ً‬ ‫أصواتا ‪“ :‬جا ‪ ،‬جا ‪ ،‬جا” ‪.‬‬ ‫شيئا مل يكن ‪ ،‬وأخذت تطلق‬ ‫وهنا ظهرت اإلبتس��امة املمزوجة بالدهشة على وجوه احلاضرين ‪ .‬مل حيدث ً‬ ‫أبدا‬ ‫أن أطلق��ت مث��ل هذه األصوات يف القصر ‪ ،‬وعندما مسعه��ا فرعون ظهرت على وجهه‬ ‫اإلبتس��امة ‪ ،‬والحظ رجال القصر إبتسامة فرعون هذه ‪ ،‬فأمروا اخلدم بإحضار بطة‪،‬‬ ‫وقد فعل الس��احر بها كما فعل باألوزة من قبل فصلوا رأس��ها عن جس��مها ‪ ،‬لكنه‬ ‫أوصلهم��ا مرة أخرى ‪ ،‬وأخذت البطة تدس منقارها بني ريش��ها وس��ارت على رجليها‬ ‫ً‬ ‫أصواتا مألت املكان كله “ كريا ‪ ،‬كريا ” ‪...‬‬ ‫وهى تطلق‬ ‫مل يكن يف وسع احلاضرين الكف عن الضحك وحينئذ اختفت الكآبة بعض‬ ‫الشيء عن وجه فرعون ‪.‬‬ ‫بع��د ذلك أحضروا ثو ًرا ً‬ ‫هائج��ا لدرجة أنه من الصعوبة مبكان الس��يطرة عليه‬ ‫وق��د أوثق��اه باحلبل اثن��ان من العبي��د وذحباه ثم فصال رأس��ه عن جس��مه ‪ ،‬ولكن‬ ‫‪152‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫“جيدى” أخ��ذ يتمتم بتعويذاته حتى عادت الرأس املفصولة إىل جس��م الثور ودبت‬ ‫احلياة فيه ‪.‬‬ ‫وعندئ��ذ أطل��ق الثور خواره ( مرو ‪ ،‬مرو ‪ ،‬مرو ) ‪ ....‬ووقف الثور على رجليه ‪ ،‬وجرى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وديعا ‪ ،‬مما جعل احلاضرين‬ ‫صغريا‬ ‫عجال‬ ‫يلعق يد الس��احر جيدى كما لو كان‬ ‫ً‬ ‫يف القاعة يقهقهون ‪ ،‬حتى امللك فرعون انفجر ضاحكا بصوت عال ‪ ،‬كذلك احلية‬ ‫ً‬ ‫أصواتا مفرحة ‪.‬‬ ‫الذهبية التى يتحلى بها التاج أخذت تتحرك وتطلق‬ ‫وهن��ا أعطى امللك خوفو أوامره لرجاله وعلى وجهه اإلبتس��امة العريضة النابعة‬ ‫من القلب وقال ‪:‬‬ ‫ اصطحبوا “جيدى” ‪ -‬هذا الساحر اجلليل ‪ -‬إىل منزل إبنى “جيدي فحور” ليمكث‬‫في��ه ‪ ،‬وقدم��وا له كل يوم عش��رة آالف رغيف من اخلبز إىل جان��ب حلم ثور كامل‬ ‫ومائتى قدح من عصري العنب ‪.‬‬ ‫وعلى الفور مت تنفيذ أوامر الفرعون ‪.‬‬ ‫حكم امللك خوفو العظيم بالده إىل أن تقدم يف السن حتى قضي حنبه ‪ ،‬ثم اعتلى‬ ‫ً‬ ‫ش��اخما‬ ‫من بعده العرش ابنه األكرب “خفرع” الذي أمر ببناء هرم له جبانب هرم أبيه‬ ‫ف��وق أعل��ى جبل باملنطق��ة ‪ ،‬لكنه ال مياثل ه��رم أبيه “خوفو” من حي��ث الضخامة‬ ‫ومالمسة سحب السماء الزرقاء ‪ ،‬وهو ُيعترب اهلرم الثانى من حيث اإلرتفاع ‪.‬‬

‫‪153‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الحكاية الثانية‬

‫املالح والثعبان‬ ‫كان البحر األمحر ً‬ ‫هادئا‪ ،‬واملروج اخلضراء فى كل مكان ‪ ،‬والسماء الزرقاء بلونها‬ ‫الالزوردى تنعكس على س��طح مياه البحر التى تبدو كامل��رآة فى صفائها‪ .‬فى ذلك‬ ‫الوقت كان هناك مركب شراعى ميخر عباب البحر الفريوزية اللون ‪ ،‬حيث تتحرك‬ ‫جماديفه فى اهلواء فى حركة سريعة منتظمة ‪ ،‬ولذا بدأ املركب كالطائر الذى‬ ‫يرفرف بأجنحته ‪ ،‬وكانت الرياح الشديدة تدفع الشراع مما جتعله يرتطم بصوارى‬ ‫املركب ‪ .‬ولضخامة هذا املركب كان يدير شراعه أربعة من البحارة باإلضافة إىل‬ ‫أثن�ين يوجهان دفته ‪ .‬ويقدر عدد الذين على منت املركب “مائة وواحد وعش��رون”‬ ‫ً‬ ‫مالحا من بينهم “رسول فرعون” ‪ ،‬ومجيعهم يتصفون باحلنكة والشجاعة واإلقدام‬ ‫وركوب البحر و ال يهابون العواصف العاتية ‪.‬‬ ‫هيا أسرعوا ‪َّ ،‬‬ ‫ َّ‬‫هيا أسرعوا ‪.‬‬ ‫هكذا صاح املسئول عن املراقبة من مؤخرة املركب ‪ ،‬وعلى الفور أخذت الثالثة‬ ‫حب��ال املصنوعة من اجلل��د والتى تتحكم فى دفة املركب خت�ترق اهلواء الصافى ‪،‬‬ ‫وتشق املاء فيتناثر رذاذ املياه امللحة على جسم املركب ‪.‬‬ ‫إىل أي��ن يبح��ر هذا املركب الس��ريع ؟ وإىل أي��ن تتجه أنظار املالح�ين التى على‬ ‫ظهره ؟‬ ‫كان��ت تتبع القطر املصرى أراض��ى صحراوية مرتامية األط��راف ‪ ،‬مل متتد يد‬ ‫أحد إليها ‪ ،‬وليس بها حش��ائش أو أش��جار ‪ ،‬ومل يسمع فيها زقزقة عصافري أو صوت‬ ‫حيوانات ‪ ،‬بل تدوى فيها فقط صليل السالسل وضربات املالطيس التى ينتشر صداها‬ ‫فى أرج��اء الصحراء ها هم العبيد املكبلون بالسالس��ل يقومون بتكس�ير الصخور‬ ‫هناك الستخراج الذهب من أجل فرعون ‪.‬‬ ‫وكان رسول فرعون يبحر على ظهر تلك املركب إىل مناجم الفراعنة هذه كى‬ ‫يتفقد سري العمل هناك ‪.‬‬ ‫‪154‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫أحب��ر املركب فى عرض البحر و اختفى الياب��س عن األنظار ‪ ،‬ونظر املالحون حنو‬ ‫السماء فوجدوها زرقاء صافية ‪ ،‬وإىل مياه البحر فوجدوها ساكنة هادئة ‪ .‬ولذا أيقن‬ ‫اجلميع بأن كل شيئ على ما يرام ‪ ،‬ولن تهب أية عاصفة فى األيام القليلة القادمة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مدوي ًا فى‬ ‫ولك��ن س��رعان ما ب��دأت الرياح الش��ديدة تهب بعنف ‪ ،‬يس��مع صفريه��ا‬ ‫اآلذان ‪ ،‬ث��م إرتفعت األمواج عاليه ‪ ،‬فارتطمت املوجة األوىل القوية مبقدمة املركب‬ ‫فتحطمت ‪ ،‬ومل يبق س��وى بعض ألواح خشبية ‪ ،‬ثم سقطت مياه املوجه الثانية داخل‬ ‫جسم املركب كما يكسر عود القصب ‪ ،‬وبعد ذلك دفعت املوجة الثالثة املركب‬ ‫دفعة قوية فأطاحت بها من كل جانب ‪ ،‬على أثرها تهش��م جسمها وغرقت املركب‬ ‫كلها و مل يبق منها شيء ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجيعا فى هذا البحر اهلائج ‪ ،‬ومل يبق على قيد احلياة س��وى مالح‬ ‫غرق املالحون‬ ‫واحد هو – رس��ول فرعون الذى محلته موجة قوية وقذفت به على ش��اطئ جزيرة‬ ‫موحشة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ش��يئا‬ ‫فى تلك اللحظة هدأت الرياح واختفت األمواج وس��كنت العاصفة وكأن‬ ‫ً‬ ‫وحي��دا على الش��اطئ ثالثة أي��ام مل يرافقه فى‬ ‫مل يك��ن ‪ ،‬ومك��ث رس��ول فرعون‬ ‫وحدته هذه س��وى قلبه النابض حتت ظل ش��جرة اجلميز الت��ى كانت مبثابة منزل‬ ‫ً‬ ‫ش��يئا من قوته ‪ ،‬فنهض من مكانه ‪ ،‬وبدأ يتجول فى قلب‬ ‫له ‪ .‬وفى اليوم الرابع اس�ترد‬ ‫ً‬ ‫باحثا عن طعام يقتات به ‪ .‬وما كاد خيطو خطوة إىل األمام حتى ارتطمت‬ ‫اجلزيرة‬ ‫قدماه حببتني من البصل والثوم ‪ ،‬ثم خطا خطوة أخرى حتى سقطت أمامه حبة من‬ ‫التني وعنقود من العنب ‪ ،‬وبدأت بعض األمساك تقفز من جدول املاء الذى يشق أرض‬ ‫اجلزيرة وأخذت الطيور حتلق من مقربة منه ‪..‬‬ ‫وهنا قال رسول فرعون فى نفسه ‪:‬‬ ‫ي��ا هلا م��ن معجزة رائع��ة ! ويا له م��ن مجال يفوق اخلي��ال ! غري أن ه��ذا مل يدم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫موقدا لتجهي��ز طعام له ‪ ،‬وفجأة حدث��ت هزة قوية فى‬ ‫طوي�لا إذ عندم��ا كان يعد‬ ‫البحر وسرعان ما ارتطمت أمواجه بالشاطئ فى الوقت الذى زلزلت فيه األرض وكأنها‬ ‫أصيب��ت باحلمى ‪ ،‬واهتزت األش��جار والنباتات بقوة ‪ ،‬وانش��قت األرض ‪ ،‬ثم ظهر ثعبان‬ ‫ضخ��م مغطى بقش��ور م��ن الذهب اخلال��ص وله حلي��ة طويل��ة وحواجب مسيكة‬ ‫متأللئة ‪ .‬هل أتيح ألحد ما أن يرى مثل هذا الش��يء؟ وس��رعان ما أدرك رسول فرعون‬ ‫أن هذا الثعبان هو سلطان اجلزيرة ‪..‬‬ ‫كان الثعبان قد ظهر فى ذلك الوقت من بني األحراش ‪ ،‬و أخد ينظر بعينيه ً‬ ‫ميينا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خميفا ‪ ،‬وبدأ يتحرك صوب رس��ول فرعون‬ ‫صفريا‬ ‫ويس��ا ًرا وفى كل اجتاه ‪ ،‬ثم أطلق‬ ‫‪155‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ه��ذا املخلوق الغريب – وهو يس�ير على قدمني كاإلنس��ان ‪ ،‬خيطو بهما فى صعوبة‬ ‫بالغة فوق احلشائش و يتلوى جسمه الذهبى فى صورة دوائر ضخمة ‪.‬‬ ‫تس��مر رس��ول فرعون فى مكانه وهوى على األرض بني احلي��اة واملوت ‪ .‬إذ فقدت‬ ‫ي��داه الق��وة وقدم��اه الصالبة ‪ ، .‬ومل جيد فى نفس��ه الق��درة على أن يفت��ح عينيه ‪،‬‬ ‫ومل تبق لديه س��وى حاس��ة الس��مع إذا مسع صوت الثعبان يدوى فى أرجاء اجلزيرة‬ ‫كالرعد بلهجة ملؤها التهديد ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫‪َ -‬م ْن الذى أتى بك إىل هنا؟ َم ْن الذى أتى بك إىل هنا أيها اإلنسان ؟ َمن الذى أوعز‬

‫‪156‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫إليك باجمليء إىل جزيرتنا املوحشة هذه واملختفية بني أمواج البحر األمحر ؟‬ ‫وانعقد لس��ان رسول فرعون من اخلوف الذى أصابه وهو بني احلياه واملوت فكيف‬ ‫جييب على مثل هذا الثعبان الضخم؟‬ ‫هاج الثعبان وماج وفتح فاهه لإلمساك برسول فرعون ‪ ،‬لكنه تراجع عن عزمه فى‬ ‫ً‬ ‫ملقيا على األرض دون ان يؤذيه ‪ ،‬ثم أخذ يس��أله من جديد‬ ‫القض��اء عليه وتركه‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫م ْ‬‫َ��ن ال��ذى أتى ب��ك إىل هنا أيها اإلنس��ان؟ َم ْن أت��ى بك إىل هنا؟ كي��ف جئت اىل‬ ‫جزيرتن��ا املختفي��ة بني األم��واج؟ إن مل جت��ب على س��ؤاىل ولزمت الصم��ت هكذا‪،‬‬ ‫فس��وف أقضى علي��ك ً‬ ‫نهائيا وذلك حبرقك كما حترق احلش��ائش ‪ ،‬ول��ن يبقى منك‬ ‫سوى حفنة قليلة من الرماد ‪ .‬وهنا أدرك رسول فرعون أن املوضوع أصبح قضية حياة‬ ‫أو موت ‪ ،‬فبدأ يستجمع قواه وأخذ يرد على الثعبان ‪:‬‬ ‫ لقد ارس��لونى فى مهم��ة اىل مناجم الفراعنة التفقد س�ير العمل فيها‪ ،‬فركبت‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫مالحا ميتازون بالشجاعة‬ ‫كبريا ذا جماديف قوية ‪ ،‬يقودها مائة وعشرون‬ ‫مرك ًبا‬ ‫واإلقدام وال ختيفهم العواصف مهما كانت سرعتها‪ ،‬ولكن حدث وأن هبت عاصفة‬ ‫عاتي��ة م��ن حي��ث ال ندرى ‪ ،‬وعل��ى أثرها ه��اج البحر وارتفع��ت األم��واج العالية التى‬ ‫كانت تش��به األهرمات فى ارتفاعها والتى أخذت ترتطم جبس��م املركب فانكسر‬ ‫صارى املركب وتطايرت ألواح اخلش��ب وحتط��م املركب ً‬ ‫متاما وغرق كل من عليه‬ ‫وس��ط البحر اهلائج ومل ينج ٌ‬ ‫أحد غريى ‪ ،‬إذ محلتنى موجة كبرية وقذفت بى على‬ ‫الش��اطئ ‪ ..‬هكذا جئت اىل اجلزيرة احملاط��ة باألمواج من مجيع اجلهات ‪ ..‬فاألمواج‬ ‫هى التى محلتنى إىل هنا‪ ...‬ها هى قصة جميئى إىل هنا ‪.‬‬ ‫استمع الثعبان الضخم اىل ما قاله رسول فرعون ثم هز رأسه وقال ‪:‬‬ ‫ ال ختف منى أيها االنسان ‪ ،‬واطرد اخلوف من قلبك ‪ ،‬لن اصيبك بسوء لقد حتملت‬‫ً‬ ‫جزيرتنا ‪ ،‬حيث يوجد بوفرة‬ ‫كارثة املركب ‪ ،‬لكنك جنوت بأعجوبة وجئت إىل‬ ‫كل ما تش��تهيه األنفس تعيش بيننا ً‬ ‫شهرا تلو اآلخر ‪ ،‬ولن تشعر خالهلا باملصائب أو‬ ‫اهلموم ‪ ،‬وفى نهاية الشهر الرابع سوف تاتى إىل هنا مركب يقودها مالحون تعرفهم‬ ‫أنت ً‬ ‫جيدا ‪ ،‬وسرتكب معهم وتعود معهم اىل مصر وهناك ستحيا حياة رغدة وستنعم‬ ‫بك��رم فرع��ون ‪ -‬ليبق على ال��دوام موفور الصحة ‪ ،‬ق��وى البنية ‪ ،‬عظيم الش��أن ‪ -‬ولن‬ ‫تتذكر تلك األحداث العصيبة التى مرت بك اآلن و ستنس��اها ‪ ،‬وستبدو لك وكأنها‬ ‫ً‬ ‫شخصيا مصيبة لن أنساها مدى احلياه ‪.‬‬ ‫جمرد حلم ‪ ،‬فقد حدث ىل أنا‬ ‫‪157‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫تنهد الثعبان ‪ ،‬وعلى أثر ذلك تساقطت أوراق األشجار ‪ ،‬ثم تنهد مرة أخرى فتطايرت‬ ‫أوراق األزهار ‪.‬‬ ‫وصمت الثعبان حلظة ثم قال ‪:‬‬ ‫ مل اكن أعيش هنا مبفردى ‪ ،‬بل كنت رب أسرة تتمتع بالوئام واحلب فيما بينها‪،‬‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫ذكرا وابنة واحدة ‪ ،‬كانت‬ ‫ثعبانا‬ ‫وكانت األس��رة تتكون من مخس��ة وس��بعني‬ ‫ابنت��ى الوحيدة ه��ذه لطيفة ومرحة ‪ ،‬مما جعلنى أحبها أكث��ر من أخوتها ‪ ..‬أما ما‬ ‫حدث ىل ‪ ،‬فإننى عندما كنت فى عرض البحر رأيت ً‬ ‫جنما س��قط من السماء مباشرة‬ ‫ف��وق أرض اجلزي��رة‪ ،‬فأحرتقت األش��جار واش��تعلت النريان فى كل ش��يء وأصبحت‬ ‫ً‬ ‫محما هائلة ملتهبة ال مكان فيها للجوء إليه ومل ينج أحد من هذا السعري‬ ‫اجلزيرة‬ ‫مبا فى ذلك ابنتى ‪ ،‬إذا القت حتفها مع كل من كان فوق اجلزيرة ‪.‬‬ ‫وأنس��ابت دمعتان من عينى الثعبان ‪ ،‬وس��قطتا عل��ى األرض وحتولتا إىل كرتني‬ ‫صغريتني تشبهان ‪ ،‬حبتى اجلميز لكنهما من الذهب اخلالص ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫ثم أضاف الثعبان‬ ‫ اتعتق��د أن م��ا حدث لك ش��يء يذك��ر إذا ق��ورن مبصيبتى هذه الت��ى منيت بها؟‬‫أتذك��ر تل��ك اللحظة الت��ى عدت فيه��ا اىل اجلزي��رة ومل أجد أحد ‪ ،‬أحسس��ت بأن‬ ‫قلبى كاد ينفجر من احلزن واألس��ى ‪ .‬أما بالنس��بة لك ف��إن زوجتك وأوالدك وأهلك‬ ‫ينتظرونك فى وطنك ‪ ،‬وسوف تعود اليهم و ستعيش بينهم حتى توافيك املنية ‪ .‬أليس‬ ‫هناك أمجل من أن يعيش اإلنسان حياته فى البلد الذى ولد فيه؟ ومن أجل ذلك على‬ ‫ً‬ ‫شجاعا ‪ ،‬وأن يتحمل كل ما يصيبه من صعوبات ونكبات ‪.‬‬ ‫اإلنسان أن يكون‬ ‫حينئذ جثا رسول فرعون على ركبته وقبل األرض وقال للثعبان‪:‬‬ ‫ س��وف أحكى لفرع��ون – فليبق على ال��دوام موفور الصحة ق��وى البنية عظيم‬‫الشأن – عن طيبة قلبك ‪ ،‬وسأخربه عن قوتك اخلارقة ‪ ،‬وعندئذ سيأمر بإرسال العطور‬ ‫ً‬ ‫مثيال فى العامل كله ‪ ،‬سوف أحكى لألمراء ‪ ،‬والوجهاء‬ ‫النادرة إليك و التى مل جتد هلا‬ ‫عن عظمتك ‪ ،‬وحينذاك س��يأمرون بنحر الذبائح وذبح الطيور من أجلك ‪ ،‬ويرس��لون‬ ‫إلي��ك بكل ما تتمت��ع به مصر من ثروات على الس��فن التى تبح��ر إىل جزيرتكم ‪.‬‬ ‫وهن��ا أطل��ق الثعبان ضحكة عالية مس��ع صداها فى أرجاء اجلزيرة كلها‪ ،‬تش��به‬ ‫صلي��ل الكئوس املصنوعة من الربونز ‪ ،‬حينما تتدحرج بني األحجار ثم قال لرس��ول‬ ‫ً‬ ‫متسائال ‪:‬‬ ‫فرعون‬ ‫ أتقول أيها اإلنسان ‪َّ ،‬‬‫إن لديكم عطو ًرا كثرية تود إهداء بعض منها إىل ؟ إن فى‬ ‫‪158‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫جزيرتى ً‬ ‫أنواعا كثرية من خمتلف العطور تفوق العطور املوجودة فى العامل كله ‪،‬‬ ‫أليس هذا يثري الضحك عندما تفكر فى إهدائى عطور تتوفر عندى بكثرة ؟ لست‬ ‫ف��ى حاجة إىل عطور أو أفتقر إىل ذهب وال ينقصنى ش��يء من أحجار كرمية مثل‬ ‫الفريوز والزمرد والياقوت وغريها‪ ..‬ولتعلم أن ً‬ ‫أحدا لن جيد ً‬ ‫أثرا للجزيرة فيما بعد ‪ ،‬إذ‬ ‫ً‬ ‫متوجها إىل بالدك‬ ‫إنك مبجرد أن تربح جزيرتنا هذه على املركب التى ستعود عليها‬ ‫سوف أقوم بإغراق اجلزيرة بأكملها حتت املاء ‪.‬‬ ‫ ولكن��ك قدم��ت ىل كل معونة وأكرمتنى وأنا غريب عنكم فبأى ش��يء أرد‬‫لك مجيل صنعك ؟‬ ‫ً‬ ‫ ال أريد منك شيئا على اإلطالق سوى أن حتكى البنك وابنتك عنى ‪ ،‬وأن يعرف‬‫قصت��ى كل صغ�ير وكبري من بنى وطن��ك وأن تبلغ فرعون مص��ر العظيم – وليبق‬ ‫على الدوام موفور الصحة ‪ ،‬قوى البنية ‪ ،‬عظيم الشأن – مبا حدث وهذا كل ما أريد‬ ‫أن تفعله من أجلى ‪ ،‬هل تعلم أن هلذا الس��بب قد قذفت بك املوجة احلالية ومحلتك‬ ‫إىل جزيرتى هذه ؟‬ ‫ سوف أنفذ ما أمرتنى به ‪.‬‬‫ومرت األيام يوم تلو اآلخر ‪ ،‬وانقضت األشهر الثالثة األوىل كلمح البصر ‪ ،‬وما أن‬ ‫قارب الشهر الرابع على االنتهاء حتى ظهر مركب فى األفق تبدو جماديفه كأجنحة‬ ‫الطري ‪ .‬وعلى الفور إندفع رس��ول فرعون – إىل ش��جرة اجلميز املوجودة على الش��اطئ‬ ‫وراح يتس��لقها وكأنه ق��ط حتى وصل إىل أعاله��ا‪ ،‬ومل يصدق عيني��ه حينما رأى‬ ‫مرك ًب��ا يبحر من بعيد ‪ .‬كان ذلك املرك��ب هو ذات املركب الذى كان قد محله‬ ‫وه��و فى طريقه إىل مناجم فرع��ون فوق مياه البحر الفريوزية ‪ ،‬ومما زاد دهش��ته أن‬ ‫املركب سليم ً‬ ‫متاما ‪ ،‬ومل يصب بأضرار على اإلطالق ‪ ،‬وأن الصارى ثابت فى مكانه ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأن الشراع يرفف ً‬ ‫عاليا خفاقا ليس به أثار لثقوب أو أعطاب وأن كل أنظار من على‬ ‫املركب تتجه صوب شاطئ اجلزيرة ‪.‬‬ ‫يا هلا من معجزة فريدة مل يسبق هلا مثيل فى الدنيا !‬ ‫يا ترى من الذى يدير دفة املركب وميسك بالشراع واجملاديف ؟ وكانت املفاجأة‬ ‫أنه��م هؤالء الربان واملالحون الش��جعان الذي��ن كانوا معه وأنه��م ال يزالون على قيد‬ ‫احلياة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نع��م ‪ ،‬لي��س عبثا حينما ذاع صيتهم واش��تهروا بالش��جاعة واإلق��دام وهم جيوبون‬ ‫البح��ر بني الس��ماء واألرض فال ترهبهم العواص��ف العاتية ‪ ،‬بل يتغلب��ون عليها مهما‬ ‫‪159‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫كلفهم من تضحيات ‪.‬‬ ‫نس��ى – رسول فرعون – نفس��ه من غمرة السعادة وراح يرمتى فى أحضان الثعبان‬ ‫ً‬ ‫الضخم ً‬ ‫مبتسما ‪:‬‬ ‫فرحا مسرو ًرا فقال له الثعبان‬ ‫ أمل أقل لك بأن مرك ًبا سوف تأتى إىل هنا وعليها مالحون تعرفهم ً‬‫جيدا ‪ ،‬وليسوا‬ ‫بغرباء عنك ؟‬ ‫ هكذا حدث أيها الثعبان العظيم ‪.‬‬‫ اذه��ب إىل الش��اطئ ‪ ،‬أيه��ا اإلنس��ان واس��تقبل زم�لاءك املالح�ين ‪ ،‬وس��افر معهم‬‫وس��تكون فى وطنك بعد شهرين و سيستقبلك أوالدك باألحضان ‪ ،‬وستعيش معهم‬ ‫فى قصر امللك فرعون ليبق على الدوام موفور الصحة قوى البنية وعظيم الشأن ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أنواعا خمتلفة‬ ‫وعن��د الرحيل أمر الثعبان العظيم بأن ينقلوا على ظهر املركب‬ ‫ً‬ ‫وكالب��ا متت��از بالس��رعة الفائق��ة كى‬ ‫م��ن أعش��اب العط��ور الذكي��ة وق��ردة‬ ‫يس��تخدمها فرعون أثناء رحالت الصيد‪ ،‬ه��ذا باإلضافة إىل هدايا قيمة كثرية ال‬ ‫تعد وال حتصى ‪.‬‬ ‫واحننى رسول فرعون فى أدب جم للثعبان العظيم وقال له ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫شكرا يا صاحب اجلزيرة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيعا أمام الثعبان العظيم وهم يقولون ‪:‬‬ ‫واحننى أيضا املالحون‬ ‫ أط��ال اهلل عم��رك ‪ ،‬فلتكن حياتك اخلالدة مثل الس��ماء الباقي��ة لألبد ‪ ،‬وحان‬‫وقت الرحيل وحترك املركب حنو الشمال ووقف رسول فرعون عند مؤخرة املركب‬ ‫ونظر إىل الش��اطئ البعيد ‪ ،‬فوجد أشعة الشمس الذهبية تغطى اجلزيرة بأكملها‬ ‫إذ كانت الش��ـمس تس��ـطع بق��وة تـارة ويظهر الثعب��ان العظيم مال��ك اجلزيرة تارة‬ ‫أخرى ‪ ،‬وفجأة اختفى كل شيء ومل ير سوى حبر بال شاطئ ‪.‬‬ ‫اس��تغرقت رحلة العودة يف عرض البحر ش��هرين وكان البحر األمحر طيلة هذه‬ ‫الف�ترة ً‬ ‫هادئا دون أمواج ‪ ،‬وكانت الس��ماء الزرقاء صافية مل يعكر صفوها س��حابة‬ ‫واحدة ‪ ،‬ولذا كانت ترى الس��ماء منعكس��ة على س��طح مياه البح��ر وكأنها تبدو‬ ‫كاملرآة يف صفائها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخ�يرا الح��ت يف األف��ق أرض الوط��ن ‪ ،‬وحينم��ا اق�ترب املرك��ب من املرف��أ ألقى‬ ‫باحلبال لربطها باملرس��ى ‪ ،‬وتدفق الناس على رصيف امليناء تغمرهم الفرحة والس��رور‬ ‫وه��م حيي��ون كل َم ْن على املركب والذين كان يعتق��د أنهم يف عداد املفقودين ‪.‬‬ ‫وتعانق ‪ -‬رس��ول فرعون وزوجته وأوالده ثم توجه بس��رعة إىل قصر امللك فرعون فهل‬ ‫‪160‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫كان فى اس��تطاعته أن يتمهل يف تنفيذ وصية الثعب��ان العظيم ؟ لقد قال ملرافقيه‬ ‫وهو فى طريقه إىل قصر فرعون ‪“ :‬يا هلا من جزيرة موحشة ‪ ،‬كم كان صاحبها ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫كرميا ‪ ،‬وحكى الرسول لفرعون كل ما حدث له ‪ ،‬ووضع الروائح‬ ‫الثعبان العظيم ‪-‬‬ ‫واهلداي��ا اآلخ��رى بالقرب من كرس��ى العرش وأض��اف عليها من عن��ده كرتني من‬ ‫الذهب اخلالص التى كانت تش��به حبتى اجلميز وكل منها يف حجم قبضة اليد ‪.‬‬ ‫وكان الثعبان العظيم قد مسح له بأخذها معه كهدية منه ‪.‬‬ ‫وظهرت الدهش��ة على وجه امللك فرعون لس��ماعه مغامرات رس��وله ثم قال لرجال‬ ‫البالط ‪:‬‬ ‫ إن رس��وىل ه��ذا مل يفقد ش��جاعته حلظ��ة واحدة س��واء وقت العاصف��ة أو أثناء‬‫ً‬ ‫مكانا‬ ‫وجوده فى اجلزيرة املوحشة ولذلك أمرت بتعيينه ضمن حاشيتى مع منحه‬ ‫لإلقام��ة يف قصرى هذا ‪ ،‬ومكافأته خبوامت ذهبية ال يقدر عددها ‪ ،‬وهكذا حتقق‬ ‫بالفعل كل ما قاله الثعبان العظيم ‪..‬‬ ‫لقد عانى ‪ -‬رس��ول فرع��ون ‪ -‬الكثري من املتاعب ‪ ،‬ومل يستس��لم ً‬ ‫أبدا للصعوبات‬ ‫ً‬ ‫س��عيدا ‪ ،‬واس��تحق عل��ى ذلك الثناء‬ ‫الت��ى واجهته ‪ ،‬وإذ وصل إىل أرض وطنه س��املًا‬ ‫واملكافأة‪ ،‬ومل يقض بقية حياته مع زوجته وأبنائه فى مكان متواضع مع عامة‬ ‫الشعب ‪ ،‬بل قضاها يف القصر امللكي الفرعوني ‪ ،‬حيث تبوأ مكانة مرموقة ‪.‬‬

‫‪161‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الحكاية الثالثة‬

‫كيف كافأ فرعون جنده الشجاع‬ ‫حروبا كثرية ً‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪ ،‬مل يعرف خالهلا قلبه اخلوف ‪ ،‬ومل تلحق‬ ‫قاد امللك “رمسيس”‬ ‫ً‬ ‫به هزمية قط ‪ ،‬وليس عبثا أن تغنوا بشجاعته بهذه الكلمات ‪:‬‬ ‫يطلق السهم من القوس عن ميينه‬ ‫ويضــــ��رب بالرمح عن يس��ـــاره‬ ‫إن��ه امللك رمـــس��يس أقـــــوى من‬ ‫مئ��ات املئات من اجلنود اجلس��ارى‬ ‫كان��ت ال��دول اجمل��اورة ملصر تدف��ع اجلزي��ة للمل��ك ‪ ،‬إذ كان ُح��كام املناطق‬ ‫التى تش��تهر مبناجم الذهب ترس��ل له العرب��ات املطلية بالذه��ب اخلالص ‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل أن الب�لاد الواقع��ة فى الوادى والتى تقوم بالزراعة تقدم له األقمش��ة املنس��وجة‬ ‫خبيوط من الذهب ‪ ،‬كما يتوافد إليه أهل اجلزر حمملني بأنواع كثرية من العطور‬ ‫واألحج��ار الكرمي��ة املختلفة ‪ ،‬حتى تراكمت هذه الكن��وز ‪ ،‬لدرجة أن ضاق بها‬ ‫ً‬ ‫وكث�يرا ما كان يذهب رج��ال القصر إىل امللك “رمس��يس”‬ ‫قص��ر امللك “رمس��يس” ‪،‬‬ ‫يش��كون له من الكدمات والردود التى تصيبهم عن��د إصطدامهم بربوز الصناديق‬ ‫املكدس��ة لضيق املكان ‪ ،‬وكانت ً‬ ‫أيضا تتشابك فساتني س��يدات البالط الشفافة‬ ‫املطرزة بالرتتر فى أرجل الكراسى املرتاكمة أثناء سريهن فى أروقة القصر ‪ ،‬كما‬ ‫اشتكى اخلدم من ضيق أماكن حفظ اجملوهرات ‪ ،‬حيث إنهم ال يستطيعون إغالق‬ ‫أغطية الصناديق الكتظاظها باجملوهرات املختلفة لدرجة أنك تسمع صليل بعض‬ ‫قطع اجملوهرات وهى تس��قط على األرض ‪ ،‬وكان من الصعب أن تعثر على ما تبحث‬ ‫عنه من قالئد وأساور وسط كومة من اجملوهرات الثمينة ‪.‬‬ ‫عرب امللك “رمس��يس” – ليبق على الدوام موفور الصحة ‪ ،‬قوى البنية ‪ ،‬عظيم الشأن‬ ‫‪162‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ع��ن عدم ارتياح��ه أكثر من م��رة ‪ ،‬خاصة عندم��ا اتضح له أن لي��س هناك مكان‬ ‫لإلتاوات التى جاءت بها ثالث س��فن عن طريق البحر األمحر ‪ ،‬فأرس��ل فو ًرا باستدعاء‬ ‫أحد املهندس�ين على وجه الس��رعة ‪ ،‬ج��اء املهندس فى حينه وجثا أم��ام امللك ‪ ،‬وقبل‬ ‫األرض ثم قال امللك “رمسيس” له ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ أكلفك بإقامة مبنى حصني مالصقا هلذا القصر اخلاص بى ‪.‬‬‫ً‬ ‫متسائال وهو راكع فى مكانه ‪:‬‬ ‫ورد املهندس‬ ‫ فلتأمرن��ى جاللتك��م ‪ ،‬وفى احلال س��وف تتح��رك احلجارة من مكانها وس��وف‬‫يتغري جمرى النيل بناء على أوامركم ‪ ،‬ولكن ما الغرض من بناء هذا املبنى ؟ وكم‬ ‫عدد النوافذ واألبواب التى سيضمها املبنى ؟‬ ‫أجاب امللك “ رمسيس ” ‪:‬‬ ‫ جي��ب أن تك��ون احلوائ��ط مسيكة وأن تك��ون األبواب من خش��ب متني ‪ ،‬وال‬‫حاج��ة للنوافذ على اإلطالق ‪ .‬هذه هى املواصفات ‪ ،‬أما عن معرفة س��بب تش��يد هذا‬ ‫املبن��ى فليس هذا من ش��أنك ‪ .‬كان املهن��دس يتمتع بالذكاء ‪ ،‬وفى مل��ح البصر أيقن‬ ‫الغرض من إقامة هذا البناء ونفذ األمر ‪ ،‬وس��رعان ما ْش��يد املبنى على أكمل وجه ‪،‬‬ ‫فاحلوائط كانت مسيكة ً‬ ‫جدا ال تقوى على حتطيمها أية آلة ‪ ،‬واألبواب مصنوعة‬ ‫م��ن الف��والذ ‪ ،‬الذى ال يقدر على كس��ره أى ن��وع من الفئوس ‪ ،‬ولذلك فلن يس��تطيع‬ ‫اللصوص التسلل داخلة سواء باحليلة أو بالقوة ‪.‬‬ ‫ش��عر امللك بس��عادة غامرة بعد تفقده املبنى اجلديد ‪ ،‬فى احلال أمر بنقل أكرب‬ ‫ق��در من اجملوهرات فيه ‪ .‬كان املهندس يطمع ف��ى أن يكون لديه مثل هذا الكنز‬ ‫ً‬ ‫شخصيا ‪ ،‬وهلذا استدعى ولديه قبل وفاته وقال هلما‪:‬‬ ‫الذى لن يستفيد منه‬ ‫ مل أت��رك لكما ضيعة وال مراعى لرتبية املاش��ية ‪ ،‬بل تركت اخلزانة اخلاصة‬‫“بفرعون مصر” وميكنكما أن تتصرفا فيها كأنها ملككما اخلاص ‪.‬‬ ‫ ماذا تقول يا أبى ؟‬‫ هن��اك حج��ر فى احلائ��ط اخلارجى للمبن��ى الذى ّ‬‫ش��يدته ‪ ،‬غري مثبت مع س��ائر‬ ‫األحج��ار األخ��رى ‪ ،‬ولن حتتاج��ا إىل جمهود ف��ى حتريكه من مكان��ه ‪ ،‬وتذكرا‬ ‫ً‬ ‫جيدا أن هذا احلجر يوجد فى الصف الثالث من أس��فل وهو احلجر اخلامس من جهة‬ ‫ً‬ ‫جي��دا أن ما أقول ؟ الثالث من أس��فل واخلامس من جهة الش��مال ‪،‬‬ ‫الش��مال‪ ،‬تذك��را‬ ‫وبعد أن قال املهندس تلك الكلمات مات فى احلال ‪.‬‬ ‫ذه��ب أبناء املهندس إىل املبنى اجلديد فى الليلة نفس��ها وتس��لال إىل الداخل دون‬ ‫‪163‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫عناء إذ حبثا عن احلجر الذى أش��ار والدهما إليه ‪ ،‬فدخال واخذا ما اس��تطاعا محله من‬ ‫ذهب ‪ ،‬ومل ينسا أن يضعا احلجر فى مكانه كما كان ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عندما ذهب امللك “رمس��يس” لالطمئنان على خزانت��ه ‪ ،‬الحظ ً‬ ‫نقصا ملحوظا فى‬ ‫ً‬ ‫قائال هلم ‪:‬‬ ‫كمية الذهب وأخذ ينادى على أفراد احلراسة‬ ‫ ماذا تفعلون أيها الكساىل ‪ ،‬أيها اللصوص ‪ ،‬أين إختفى الذهب ؟‬‫وكاد احلراس أن يقعوا على األرض من شدة اخلوف ‪ ،‬وهرعوا بسرعة حنو األبواب‬ ‫ً‬ ‫لفحصهاولإلطمئنان على أنها مغلقة ً‬ ‫وأخريا عادوا وأخربوا امللك ‪ ،‬قائلني ‪:‬‬ ‫متاما ‪،‬‬ ‫ إن األبواب موصدة ومل ُتكس��ر ‪ ،‬ومل حيدث بها أى تلف ‪ ،‬وكذلك األقفال كما‬‫هى فى مكانها ومل ينتزعها أحد ‪ ،‬واألختام موجودة فى أماكنها مل ميسها أحد ‪.‬‬ ‫ وكيف تسلل اللصوص إىل الداخل ؟‬‫ مل نعرف عن هذا ومل نر ً‬‫أحدا ‪.‬‬ ‫وفى اليوم التاىل ذهب امللك “رمسيس” إىل هناك ليتفقد خزائنه ‪ ،‬فوجد أن الذهب‬ ‫ً‬ ‫قد نقص عما كان ‪ ،‬وفى اليوم الثالث الحظ ً‬ ‫ش��ديدا فى كمية الذهب وهنا‬ ‫نقصا‬ ‫ثار فرعون ثورة عارمة وقال وهو يغلى من الغيظ ‪:‬‬ ‫ أقيموا املصايد والفخاخ فى كل مكان ؟‬‫ نفذ اخلدم ما أمر به فرعون ‪.‬‬‫َّ‬ ‫مل يشك أبناء املهندس فى أن يصيبهم سوء ‪ ،‬وانتظرا حتى حل الليل ملزاولة عملهما‬ ‫اخلفى لسرقة املزيد من الذهب املوجود فى خزائن امللك ‪ ،‬ما أن تسلل األخ األكرب إىل‬ ‫داخ��ل املبنى حتى وقع فى املصي��دة وأطبقت عليه فى احلال ‪ ،‬وعلى أثر ذلك أحدثت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عاليا ‪ ،‬أما األخ األصغر فقد أصيبت يداه جبروح ش��ديدة نتيجة حملاوالت عدة‬ ‫صوتا‬ ‫مل تفلح فى ختليص أخيه من املصيدة ‪ ،‬هكذا كان الفخ الذى أقامة رجال فرعون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحمكما‪ .‬وهنا قال األخ األكربألخيه األصغر ‪:‬‬ ‫متقنا‬ ‫ علي��ك أن خت��رج اآلن من هنا آلنك لن تفل��ح فى إنقاذى ً‬‫أب��دا ‪ ،‬لكن األخ األصغر‬ ‫صاح وهو يبكى ‪:‬‬ ‫ ما الذى تقوله؟ هل يصح أن أتركك وأنت فى هذه الكارثة ؟‬‫ على أى األحوال س��وف حيكمون ّ‬‫على باإلعدام ‪ ،‬أما أنت فس��وف تهلك إذا بقيت‬ ‫مع��ى هن��ا ‪ ،‬فلماذا نهلك حن��ن االثنان ً‬ ‫معا ؟ اخرج أنت وبس��رعة ‪ ..‬أن��ا أخوك األكرب‬ ‫وأمرك وعليك أن تطيع أوامرى وخترج فو ًرا ‪.‬‬ ‫‪164‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫مل يبق لألخ األصغر إال أن ينفذ أمر أخيه األكرب ‪.‬‬ ‫ف��ى الصباح جاء امللك “رمس��يس” إىل املبنى اجلديد كى يتفق��د خزائنه ‪ ،‬فرأى‬ ‫األقفال س��ليمة ً‬ ‫متاما ‪ ،‬ومل تفتح واألقفال كما هى موصدة مل ميس��ها أحد‪ ،‬لكنه‬ ‫ً‬ ‫وجد اللص قد وقع فى الفخ ‪ ،‬وهنا أغتاظ امللك ونادى على احلراس قائال ‪:‬‬ ‫ أيه��ا احلراس ‪ ،‬قيدوا هذ اللص واقتادوه إىل الزنزانة واس��تجوبوه ثم أعدموه عند‬‫حائط املدينة ‪.‬‬ ‫علم األخ األصغر مبوعد ومكان إعدام أخيه األكرب ‪ ،‬فأخذ يفكر فى وس��يلة‬ ‫ً‬ ‫وأخ�يرا اهت��دى إىل فكرة‬ ‫م��ا إلنق��اذ أخي��ه األكرب م��ن تنفيذ حك��م اإلع��دام ‪،‬‬ ‫تتلخص فى أنه كان حيتفظ بإناء خاص به نقيع أوراق خمدرة ‪ ،‬إذا شرب منه إنسان‬ ‫فقد الوعى ‪ ،‬وفى حقيقة األمر يبدو هذا النقيع ‪ ،‬وكأنه مياه عادية ‪ ،‬لكن قطرة‬ ‫واحدة منه تكفى بأن ينام اإلنسان على أثرها‪ ،‬أم قطرتان منه فتجعل اإلنسان يغط‬ ‫فى سبات عميق ‪ ،‬خلط األخ األصغر هذا النقيع بعصري من العنب األمحر وأفرغه فى‬ ‫ث�لاث ق��رب ‪ ،‬ومحله على ظه��ر محاره وذهب ب��ه ناحية حائط املدين��ة ‪ ،‬حيث رأى‬ ‫هناك رجال حرس فرعون ميسكون بأخيه األكرب ‪ ،‬فاقرتب منهم ودون أن يالحظ‬ ‫أحد‪ ،‬ش��د غطاء الثالث قرب اململوءة بعصري العن��ب املمزوج بنقيع املخدر ‪ ،‬وهنا صاح‬ ‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫الشقيق األصغر املاكر‬ ‫ أنقذون��ى ‪ ،‬أن عصري العنب يس��يل من القرب عل��ى األرض ‪ .‬فالتفت إليه احلراس‬‫وأس��رعوا إليه وه��م يقهقهون ويضع��ون أياديهم حتت العصري املس��كوب ‪ ،‬وأخذو ا‬ ‫يشربون منه بنهم وهلفة شديدتني وهم يقولون له ‪:‬‬ ‫ ال تصرخ أيها القروى الساذج والغبى ‪ ،‬كما ترى لن نرتك نقطة واحدة مسكوبة‬‫عل��ى األرض ‪ .‬لكن هذا املاكر أخذ يصرخ أكثر من ذى قبل وهو يفتح ثالث قرب‬ ‫أخرى دون أن يشعر به أحد‪ ،‬فتدفق العصري على األرض وأمسك احلراس بطونهم من‬ ‫كثرة الضحك ‪.‬‬ ‫انتهى كل ش��ئ بعد فرتة وجيزة فس��قط احلراس فاقدين الوعى ‪ ،‬وراحوا فى نوم‬ ‫عميق ‪ ،‬حتى ُ‬ ‫مسع ش��خريهم ً‬ ‫عاليا‪ ،‬وهذا ما كان يتمناه الش��قيق األصغر املاكر ‪،‬‬ ‫الذى فك وثاق شقيقه األكرب ‪ ،‬وساعده على أن ميتطى احلمار ‪ ،‬وقبل أن ينطلقا فى‬ ‫طريقهما قص الش��قيق األصغر اجلزء األمين من شارب كل حارس كى يتذكروا‬ ‫كيف يتعامالن مع اآلخرين باحلسنى ‪.‬‬ ‫وملا أشيع أن اللص قد هرب ‪ ،‬وانفضح أمر احلراس ‪ .‬اسرتسل صاحب اجلاللة فرعون‬ ‫‪165‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ف��ى التفك�ير وأراد أن يعرف مهم��ا كلفه هذا األم��ر ْم َن هو ذلك الش��جاع املاكر ‪،‬‬ ‫ولك��ن كيف ميكن القبض عليه ؟ أخذ امللك “رمس��يس” يفك��ر فى هذا األمر ‪،‬‬ ‫اهت��دى إىل فكرة أصدر على أثرها ً‬ ‫أمرا بأن يعلن معاونوه على الش��عب أمر فرعون‬ ‫ف��ى األماكن العامة باملدينة ‪ ،‬وراح املنادون إىل س��احة س��وق املدينة العام وأخذوا‬ ‫عال ‪:‬‬ ‫يعلنون على الناس بصوت ٍ‬ ‫ أص��در صاح��ب اجلاللة “فرع��ون العظيم” – فليب��ق على الدوام موف��ور الصحة ‪،‬‬‫ق��وى البنية ‪ ،‬عظيم الش��أن – أمر بأنه س��يزوج ابنته لصاحب أك�بر حيلة فى مصر‬ ‫كلها‪ .‬وذهب منادون آخرون خارج القطر املصرى ‪،‬وهم يعلنون ‪ :‬ستختار األمرية ابنة‬ ‫“فرعون” العظيم شريك حياتها من هو أكثر دها ًء وذكا ًء ‪.‬‬ ‫تعالت أصوات أعوان فرعون فى كل مكان ‪ ،‬حيث يتواجد الكثري من الناس‪:‬‬ ‫هيا أيها األذكياء والدهاه ‪ ،‬أس��رعوا إىل قصر فرعون ‪ ،‬حيث تنتظر الس��عادة َمنْ‬ ‫ ً‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫هو أكثر دهاء وذكاء ‪.‬‬ ‫وفى الوقت الذى ذهب فيه املنادون يعلنون قرار امللك فرعون على الناس ‪ ،‬نادى امللك‬ ‫“رمسيس” على ابنته وقال هلا‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫امسع��ى ي��ا حبيبتى ! اس��أىل كل َمن يأتى لطل��ب الزواج منك ع��ن أعظم حيلة‬ ‫ماك��رة قد قام به��ا ‪ ،‬ومن يصرح لك بأنه خدع ّ‬ ‫وخدر احل��راس ‪ ،‬آمرى بالقبض عليه‬ ‫ً‬ ‫فورا ‪.‬‬ ‫مل جت��رؤ األم�يرة على عصيان أوامر والده��ا امللك ‪ ،‬وكانت تس��أل كل َم ْن يأتى‬ ‫لطلب الزواج منها قائلة ‪ :‬أحك ىل عن أكرب حيلة ماكرة قمت بها ‪.‬‬ ‫فيقول أحدهم ‪:‬‬ ‫ لقد استوليت على نصف األرض اجملاورة ألمالكى باملكر واخلداع ‪.‬‬‫ويقول آخر ‪:‬‬ ‫ اس��تطعت باملكر أن أطلى األساور املصنوعة من النحاس بالذهب ‪ ،‬فبدت للناظر‬‫وكأنها من الذهب اخلالص ‪.‬‬ ‫ويقول ثالث ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تاجرا متجوال مبلء مائة جوال بالرمل بدال من حبوب القمح‪.‬‬ ‫ لقد خدعت‬‫ْ‬ ‫ً‬ ‫مجيع��ا ال تقارن باحليل��ة التى قام بها ذلك الش��قيق األصغر‬ ‫لك��ن خداع هؤالء‬ ‫ً‬ ‫املاك��ر وال��ذى أراد أن خي��دع امللك م��رة أخرى ‪ ،‬فحم��ل معه يدا إلح��دى املومياوات‬ ‫‪166‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫وأخفاها حتت ردائه وتوجه بشجاعة إىل قصر فرعون وعند بوابة القصر سألوه ‪:‬‬ ‫ َم ْن أنت ؟ وما امسك ؟ وملاذا جئت إىل هنا ومم تشكو ؟‬‫ً‬ ‫قائ�لا ‪ :‬أنا الذى يلقبونن��ى باملاكر ‪ ،‬وليس ىل أية ش��كوى ‪ ،‬وأنا الذى قمت‬ ‫ف��رد‬ ‫بتخدي��ر حراس جالل��ة امللك فرعون – ليبق على الدوام موفور الصحة ‪ ،‬قوى البنية ‪،‬‬ ‫الشأن ‪.‬‬

‫‪167‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ تفضل بالدخول وال تقف هكذا عند البوابة ‪.‬‬‫ً‬ ‫عامودا ذات نقوش زاهية‬ ‫دخل الشاب وسار إىل أن وصل إىل بهو القصر ذات أربعني‬ ‫األلوان ‪ ،‬وخرجت األمرية ملالقاته وكان رداؤها بالرتتر الذهبى ‪.‬‬ ‫أنتاب الشقيق األصغر الذهول للمرة األوىل فى حياته عند رؤيته لألمرية ‪ ،‬فلم ير‬ ‫من قبل مثل هذا اجلمال ‪ ،‬إذ كانت عيونها متيل إىل اللون األزرق وحواجبها الدقيقة‬ ‫تشبهان جناحى الطائر ‪ ،‬وشفتاها تشبه برعم زهرة اللوتس ‪ ،‬ومن املستحيل أن تغض‬ ‫عني اإلنسان عن مجاهلا‪ ،‬واقرتبت األمرية منه ً‬ ‫متاما وهى تسأله ‪:‬‬ ‫ م��اذا قمت به من حيل ك��ى تتقدم وتطلب يدى للزواج منى وأنت صغري الس��ن‬‫هكذا؟‬ ‫ً‬ ‫فرد عليها قائال‪:‬‬ ‫ أنت على حق أيتها األمرية ‪ ،‬إن احليلة التى قمت بها مل تكن بالعمل العظيم‪ .‬فقد‬‫ً‬ ‫س��ويا باالس��تيالء على خزائن‬ ‫خدعت حراس فرعون وأنقذت أخى األكرب ‪ ،‬إذ قمنا‬ ‫والدك بسهولة ويسر ‪ ،‬نعم إنه عمل ليس بطوىل وال يستحق احلديث عنه ‪.‬‬ ‫أيقن��ت األم�يرة على الفور ‪ ،‬أن هذا الش��اب هو املطلوب القب��ض عليه ‪ ،‬ولكنها مل‬ ‫تشعره بذلك ‪ ،‬بل قالت له ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫س��ويا إىل أبى‬ ‫حقيق��ة أن��ت أمهر َم ْن فى مصر كلها‪ ،‬هال أعطيتنى يدك لنذهب‬ ‫فرعون ‪.‬‬ ‫َم َّد هلا الشاب يد املومياء التى كانت حتت ردائه‪ ،‬واعتقدت األمرية أن يد املومياء‬ ‫ً‬ ‫كافيا وتشبثت األمرية باليد التى امتدت إليها وإذا‬ ‫هذه هى يده ألن الضوء مل يكن‬ ‫بها تصرخ وتصيح ‪:‬‬ ‫ أيها احلراس ‪ً ،‬‬‫هيا هنا بسرعة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وه��رع احلراس إليها وفى اعتقادهم أنهم س��يقبضون على الل��ص ‪ ،‬لكنهم بدال من‬ ‫ذلك رأوا األمري وهى تكاد متوت من اخلوف وهى متسك بكف من العظم ‪.‬‬ ‫ أين هذا املخادع الذى هرب ومل يبق له من أثر ‪.‬‬‫عندم��ا مس��ع امللك “رمس��يس” مبا حدث أعجبه تفكري وش��جاعة ذلك الش��اب ‪،‬‬ ‫فأرس��ل رجال��ه فى مجيع أرج��اء العاصمة يعلنون على الش��عب األم��ر اجلديد بهذا‬ ‫عال ‪:‬‬ ‫الشأن ‪ ،‬وراح رجال فرعون يبلغون الناس أوامر فرعون بصوت ِ‬ ‫ لقد أصدر فرعون ً‬‫أمرا بالعفو عمن استولوا على خزائنه وقد عفا عن ذلك الشاب‬ ‫‪168‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ً‬ ‫ش��يئا‬ ‫ال��ذى اختط��ف أخاه من يد احل��راس ‪ ،‬وعليه احلضور إىل قصر فرعون وكأن‬ ‫مل يك��ن ‪ ،‬وثق الش��اب فيما أعلنه رج��ال فرعون واجته إىل قصر املل��ك ‪ ،‬غري أنه فى‬ ‫ً‬ ‫وأيضا كان امللك رمس��يس عند وعده بأال‬ ‫ه��ذه املرة مل يكن فى نيته خداع أحد ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُيعاقب هذا الشاب الشجاع وعند رؤيته للشاب قال له مبتسما ‪:‬‬ ‫ حقيقة مل أجد أذكى منك فى مملكتى ‪.‬‬‫ً‬ ‫ ّف َّ‬‫قائال‪:‬‬ ‫رد عليه الشاب‬ ‫ كالم امللك ال ُيرد ‪.‬‬‫ أتريد الزواج من ابنتى األمرية ؟‬‫ لن يكون هناك أغبى منى إذا رفضت ذلك ‪.‬‬‫ إننى موافق على أن أزوجك ابنتى ‪ ،‬ولتعيشا فى حب ووئام ‪.‬‬‫ليال ‪ ،‬ومل يبخل امللك “رمسيس” بتوزيع‬ ‫واس��تمر حفل الزواج س��بعة أيام وس��بع ٍ‬ ‫النق��ود الذهبي��ة وإقامة الوالئم لدرج��ة أن املوائد حتطمت من كث��رة ما عليها من‬ ‫مأكوالت ‪ ،‬وبات الشعب يرقص ويغنى فى مجيع املدن حتى أقصى قرى البالد ‪.‬‬

‫‪169‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫نيكاالى نيكااليفتش نوسف‬ ‫( ‪) 1976 – 1908‬‬ ‫ولد “نيكاالى نيكااليفتش نوس��ف” فى الثالث والعشرين من نوفمربعام ‪1908‬‬ ‫فى مدينة “كييف” ‪ ،‬وكان والده يعمل بالتمثيل ‪ ،‬أما هو فقد أنهى معهد السينما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫س��ينمائيا فى الفرتة م��ن ‪ ، 1951 – 1932‬وقد‬ ‫خمرجا‬ ‫مبوس��كو عام ‪ 1932‬ثم عمل‬ ‫أصدر باكورة قصصه عام ‪. 1947‬‬ ‫وم��ن املالحظ أن م��ن أهم مسات كتابات��ه للطفل الرتكيز على بس��اطة وبراءة‬ ‫الطف��ل ‪ ،‬الذى يس��عى ً‬ ‫دائما إىل املعرف��ة ‪ .‬وقد حصل نيكاالى نوس��ف على جائزة‬ ‫الدولة التقديرية الحتاد اجلمهوريات الس��وفيتية االشرتاكية لعام ‪ 1952‬ملا قدمه‬ ‫من مؤلفات ً‬ ‫قيمة لألطفال والنشء ‪.‬‬ ‫ومن بني أعمال “نيكاالى نوسف” قصة “مغامرات توليا كليوكفن” وتتلخص‬ ‫“ املغام��رات ” فى تقديم النصائح غري املباش��رة للنشء والناش��ئة وم��ا ال جيب عمله أو‬ ‫القي��ام به أو اإلقدام عليه ‪ ،‬وتؤك��د حقيقة مهمة من خالل أحداثها فى أال يعتقد‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‬ ‫اإلنس��ان فى اخلرافات البالية ‪ ،‬التى تؤدى إىل نتائج س��لبية ‪ ،‬أو تكاد تقضى‬ ‫على اإلنسان ‪ .‬وقد أيقن “توليا” – بطل املغامرات – فى نهاية األمر بأنه قد حان الوقت‬ ‫أن يتحرر اإلنس��ان ً‬ ‫نهائيا من هذه اخلرافات البالية ‪ ،‬وضرورة استخدام العقل واملنطق‬ ‫فى كل ما يقوم به ‪ .‬ألن تلك اخلزعبالت واخلرافات القدمية التى ليس هلا أى أساس‬ ‫م��ن الصحة تقف حجر عثرة أمام اإلنس��ان فى حتقيق م��ا يريد خاصة فى عصر قد‬ ‫أح��رز العامل فيه جناحات عظيمة ‪ ،‬وإس��تطاع العلم��اء أن يطلقوا األقمار الصناعية‬ ‫من األرض إىل القمر والكواكب األخرى بدقة منتاهية ‪.‬‬

‫‪170‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫مغامرات توليا كليوكفن‬ ‫“ تولي��ا كليوكف��ن ” – تلمي��ذ فى الص��ف الرابع فى مدرس��ة ( ‪ ) ....‬ويقطن فى‬ ‫ش��ــارع ( ‪ ) ...‬خرج من منزله لزيارة زميله “س�لافا أجنكوف” ‪ ،‬الذى يقطن بالقرب‬ ‫من��ه ‪ ،‬فق��د اتفقا باألمس عل��ى أن يتقاب�لا صباح الي��وم ليلعبا الش��طرنج ‪ ،‬إذ إنهما‬ ‫مولع��ان بهذه اللعب��ة لدرجة أنهما يس��تطيعان اللعب من الصباح حتى املس��اء دون‬ ‫تعب أو ملل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متأخرا ‪ ،‬وأخذ يس��رع فى خطواته كى يصل إىل زميله فى املوعد‬ ‫خرج “توليا”‬ ‫ً‬ ‫احملدد‪ ،‬أى فى العاشرة صباحا ‪ ،‬ولكن الساعة اآلن قد جاوزت العاشرة ‪ .‬وألنه إنسان‬ ‫ً‬ ‫وكثريا ما حيدث أن يس��رع اإلنس��ان‬ ‫غري منظم لذا قد تأخر عن موعد لقاء زميله ‪.‬‬ ‫اخلط��ى فى الش��ارع عندما يتأخر ع��ن موعده ‪ .‬وأثناء س�ير “توليا” وه��و فى طريقه‬ ‫إىل زميل��ه ‪ ،‬قفز فجأة من أعلى الس��ور قط رمادى اللون ويب��دو أنه كان يريد عبور‬ ‫ً‬ ‫الطريق إىل الناحية األخرى من الشارع ‪ً ،‬‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫مارا أمام “توليا” فصاح توليا‬ ‫ بس ‪ ،‬امش ‪ُ ،‬أ ْ‬‫غرب عنى ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حجرا من‬ ‫متظاهرا بأنه سيلتقط‬ ‫ولكى خييف “توليا” القط ‪ ،‬احننى حنو األرض‬ ‫األرض ليضرب به القط ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ح��دث ً‬ ‫فعال أن القط قد خ��اف ‪ ،‬ولكن بدال من أن يرتاجع القط إىل الوراء ‪ ،‬اندفع‬ ‫وواصل اجلرى أمام “توليا” ‪ ،‬وعرب الطريق إىل الناحية األخرى من الش��ارع ‪ ،‬ثم اختبأ‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫وراء احد املنازل ‪ .‬هنا بدت على وجه “توليا” عالمات االرتباك وهمس‬ ‫ آه ‪ ،‬أنت تستحق الضرب ‪ ،‬أيها القط ‪ ،‬ألنك عدوت من أمامى ‪.‬‬‫وتوقف “توليا” ومل جيس��ر أن خيطو خطوة واحدة إىل األمام ‪ ..‬وأخذ يفكر ماذا‬ ‫يفع��ل؟ هل من األفضل أن يبصق ث�لاث مرات عرب كتفيه حس��ب العادات املوروثة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأخريا َّ‬ ‫قرر أن يرتاجع بعدما نظر‬ ‫طريقا آخر ؟‬ ‫ويواصل طريقه ؟ أم يرتاجع ويسلك‬ ‫حوله وتأكد من أن ً‬ ‫أحدا مل يره ‪.‬‬ ‫‪171‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ق��ال “توليا” فى نفس��ه “ إن م��ا فعلته – البصق ثالث مرات ع�بر كتفى عند مرور‬ ‫ش��يئا – وأن مرور القط أمام أى ش��خص يعترب ً‬ ‫ً‬ ‫فأال‬ ‫الق��ط م��ن أمامى لن يغري من األمر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حسنا فليذهب القط إىل اجلحيم ‪ ،‬وأما بالنسبة ىل فليس من الصعب على أن‬ ‫سيئا ‪...‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أغري مسار طريقى وأسلك طريقا ً‬ ‫آخرا بدال من أن حيدث ىل مكروه ‪.‬‬ ‫وبع��د تفك�ير طويل ق��رر “تولي��ا” أن يع��ود إىل منزله ولكن عن طريق ش��ارع‬ ‫ً‬ ‫ش��خصا من بعيد يشبه صديقه‬ ‫آخر دون أية مغامرات ‪ .‬وفجاة وفى أثناء عودته ملح‬ ‫“س�لافا” ً‬ ‫واقفا ‪ ،‬ويبدو أنه يفكر فى ش��يء ما وقد أعطى ظهره “لتوليا”‪ ،‬ثم مشى فى‬ ‫االجتاه اآلخر ‪ .‬وهنا قال “توليا” فى نفسه ‪:‬‬ ‫ س��أصعد اآلن إىل شقة “سالفا” وسيتضح األمر ‪ .‬فإذا وجدت “سالفا” باملنزل ‪ ،‬فهذا‬‫يعنى أن مارأيته من بعيد ما هو إال ش��خص آخر يش��به “سالفا”‪ ،‬وإذا مل أجده باملنزل‬ ‫فإن ما رأيته هو “سالفا” ‪.‬‬ ‫صع��د “توليا” باملصعد إىل الطابق الرابع ثم دق جرس الباب ‪ .‬فتحت والدة “س�لافا”‬ ‫الباب وقالت له ‪:‬‬ ‫ لقد خرج “سالفا” منذ حلظات ‪ ...‬أمل تقابله فى الطريق ؟‬‫فأجابها “توليا” ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ش��خصا ما يشبهه ‪ ،‬ومل خيطر على باىل بأنه “سالفا” ‪.‬‬ ‫ال ‪ ،‬مل أقابله ‪ ،‬لكننى رأيت‬‫فلقد إتفقنا على أن ينتظرنى ‪.‬‬ ‫فقالت والدة “سالفا” ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كثريا ألنك مل‬ ‫ لقد انتظرك “سالفا” طويال ‪ ،‬وأنت مل حتضر فى موعدك فغضب‬‫حتضر فى املوعد احملدد ‪ ،‬ولذلك اتصل به صديقه “جينيا زايتسف” ‪ ،‬وطلب منه ان‬ ‫يذهب إليه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مبتسما ‪:‬‬ ‫فقال هلا “توليا”‬ ‫ً‬ ‫ ياله من أمحق ‪ ...‬أمل يكن فى استطاعته أن ينتظر قليال ؟‬‫ً‬ ‫وأخريا قرر أن‬ ‫وعند خروجه من منزل صديقه أخذ يفكر فيما س��وف يفعله ‪،‬‬ ‫يذهب إىل “جينيا زايتسف” الذى كان يسكن فى حى آخر بعيد إىل حد ما كى‬ ‫يلتق��ى هناك بصديقه “س�لافا”‪ ...‬واآلن بدت خطواته بطيئ��ة ‪ ،‬فلم يكن هناك ما‬ ‫يدعوه إىل الس��رعة فى الس�ير ‪ ..‬ومش��ى ينظر بفضول بالغ فيم��ا حوله ‪ ،‬يتطلع إىل‬ ‫كل ش��يء ف��ى الطريق ‪ ...‬ث��م توقف يراقب بع��ض الصيبة الذي��ن حياولون ركوب‬ ‫‪172‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫دراجة ذات عجلتني ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫يس��تطع أح��د رك��وب الدراجة مبف��رده دون‬ ‫كان ع��دد الصبي��ة أربع��ة ‪ ،‬ومل‬ ‫ً‬ ‫مساعدة اآلخرين له ‪ .‬ولذلك مل يقطعوا مسافة ولو قصرية جدا حتى يقعوا من على‬ ‫الدراجة ‪ .‬وهنا جيب القول َّ‬ ‫إن ركوب هذا النوع من الدرجات دون ممارسة أو تدريب‬

‫‪173‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ً‬ ‫ش��يئا غاي��ة فى الصعوبة ‪ ،‬ألن تصميمها ال يش��به الدرج��ات العادية ‪ .‬فمن‬ ‫يعترب‬ ‫املع��روف أن بدال الدراج��ة العادية ذات العجلتني فى حاج��ة إىل أن يلفه الراكب‬ ‫بقدميه طاملا العجلتان ال تعمالن وبذلك تسريالعجلة ‪ ،‬ومن املمكن إيقاف البدال‬ ‫رغم س�ير العجلتني ‪ ،‬ولكن بدال هذه الدراج��ة التى كانت مع الصبية يتطلب أن‬ ‫راكبها عليه أن يلفه طول الوقت وإذا أردت أن توقفه فهذا أمر مس��تحيل ‪ ،‬فهو يلف‬ ‫ً‬ ‫رغما عنك ‪.‬‬ ‫رمب��ا هذا يوضح أن هذه الدراجة التى كانت مع الصبية من الطراز القديم ً‬ ‫جدا ‪.‬‬ ‫فلقد أهداها للصبية أحد اجلريان من كبار الس��ن ويدعى “إيفان جرياسيموفتش”‬ ‫ً‬ ‫صغريا ‪ .‬وحينما اشرتى لنفسه دراجة‬ ‫والتى كانت قد أهداها له والده عندما كان‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫حديثة احتفظ بالدراجة القدمية فى املخزن معتقدا منه بأنه عندما يتزوج سوف‬ ‫ً‬ ‫أطفاال ‪ ،‬وعندئذ س��يقدم ألوالده هذه الدراجة القدمي��ة هدية هلم ‪ .‬ومضى‬ ‫ينج��ب‬ ‫ً‬ ‫ثالثون عاما ومل يتزوج “إيفان جرياس��يموفتش” ونس��ى أمر ه��ذه الدراجة ‪ ،‬ولكنه‬ ‫منذ عدة أيام كان يبحث عن شيء ما فى املخزن فوجد هذه الدراجة وأخذ يفكر‬ ‫فى أمرها‪:‬‬ ‫ ماذا سأفعل بها ؟ فمن األفضل أن أهديها للصبية الذين يسكنون باملنزل ‪ ،‬فليس‬‫ً‬ ‫فبدال من أن يصيبه��ا الصدأ أو ُتباع‬ ‫عن��دى أبن��اء فى الوق��ت الراهن ‪ ،‬ومل أتزوج بع��د ‪.‬‬ ‫خردة فليأخذها األطفال كهدية يلعبون بها ‪.‬‬ ‫أخرج “إيفان جرياسيموفتش” الدراجة من املخزن وقال للصبية ‪:‬‬ ‫ أيها الش��ياطني الصغار ‪ ،‬ه��ذه الدراجة أقدمها لكم هدية ‪ .‬صحيح أنها ليس��ت‬‫ً‬ ‫صغريا‬ ‫مجيلة الش��كل ولكنها متينة ‪ ..‬كنت أركبها ط��ول اليوم عندما كنت‬ ‫رغم اجلزء املكسور فيها ‪.‬‬ ‫ظهرت الدهشة على وجوه الصبية ومل يصدقوا “إيفان جرياسيموفتش” واعتقدوا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جادا فيما قاله ‪ .‬فرح الصبية ً‬ ‫ش��ديدا وشكروه‬ ‫فرحا‬ ‫بأنه ميزح معهم ‪ ،‬لكنه كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جزيال ‪.‬‬ ‫شكرا‬ ‫فى بداية األمر حاول الصبية ركوب الدراجة فى س��احة جانبية غري فس��يحة‬ ‫حيث ال متر فيها السيارات ‪ ،‬لكن ذلك مل يساعدهم على ركوب الدراجة إذ كانت‬ ‫تعوقه��م املطب��ات ‪ .‬ذهب��وا بالدراجة إىل احلديقة التى تتوس��ط الش��ارع الرئيس��ى ‪،‬‬ ‫وعندئذ رآهم “توليا” والحظ عدم استطاعتهم ركوب الدراجة كما جيب ‪ ،‬فاقرتب‬ ‫منهم وقال هلم ‪:‬‬ ‫‪174‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ م��اذا تفعلون ؟ َم ْن ال��ذى علمكم ركوب الدراجة بهذه الطريقة ؟ س��تحطمونها‪...‬‬‫ولكى تتعلموا اإلتقان السليم لركوب الدراجة عليكم بركوبها من أعلى املنحدر ‪.‬‬ ‫تعجب الصبية وسأله أحدهم ‪:‬‬ ‫ وملاذا من أعلى املنحدر بالذات ؟‬‫فأجاب “توليا”‪:‬‬ ‫ ألن الدراج��ة س��وف جت��رى دون أن تلف البدال بقدميك ‪ ،‬وبذل��ك من املمكن أن‬‫تتعل��م كيف حتافظ عل��ى توازنك كخطوة أوىل ‪ ،‬وعندما تتقن هذه اخلطوة ‪ ،‬من‬ ‫املمكن أن تلف البدال كخطوة ثانية ‪ ،‬لكن إذا أردت أن تتعلم اخلطوتني فى وقت‬ ‫واحد فلن تستطيع إتقان هذا أو ذاك ‪ .‬عندئذ قال أحد الصبية ‪:‬‬ ‫ إذن علينا أن نعرب احلديقة التى تتوس��ط الش��ارع الرئيسى حيث املنحدر ‪ .‬جرى‬‫ً‬ ‫أحدا منهم مل جيرؤ على ركوب الدراجة من‬ ‫اجلميع إىل هناك حيث املنحدر ‪ .‬لكن‬ ‫اعلى املنحدر ‪ .‬فقال هلم توليا ‪:‬‬ ‫ يالك��م من جبناء ! ً‬‫هيا أعطونى الدراجة وس��أريكم كيف يكون ركوب‬ ‫الدراجات ‪.‬‬ ‫رك��ب “تولي��ا” الدراجة ‪ .‬ودف��ع األرض بقدميه ‪ ،‬فإندفعت الدراجة بس��رعة من‬ ‫أعل��ى املنح��در إىل أس��فل ‪ .‬كان “تولي��ا” من قبل عل��ى معرفة ‪ -‬بق��در ما بركوب‬ ‫الدراج��ات ‪ ،‬ول��ذا مل يكن م��ن الصعب عليه ركوب ه��ذه الدراج��ة ‪ .‬وعندما رأى‬ ‫األوالد “توليا” وهو يس��رع بالدراج��ة أخذوا يركض��ون وراءه ‪ ،‬ولكن فى البداية‬ ‫ساورهم اخلوف من أن ميكن أن يهرب بالدراجة فى الوقت الذى رأوا فيه أن الدراجة‬ ‫تزيد من س��رعتها والبدال يلف بس��رعة هائل��ة ‪ ،‬لدرجة أن توليا مل يس��تطع وضع‬ ‫قدميه على البدال والتحكم فيه ‪ .‬فاضطر أن يبعد قدميه عن البدال ‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫من ذلك مل يسلم من ضربات البدال لقدميه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أطفاال صغا ًرا يلعبون وسط احلديقة بالكرة ‪ ،‬وقد حاول‬ ‫فجأة رأى “توليا” أمامه‬ ‫ق��در اس��تطاعته أال يصط��دم بهم أو يصيبهم ب��أى أذى ‪ ،‬فكان ً‬ ‫لزام��ا عليه أن يعرج‬ ‫بس��رعة ناحية اليمني ‪ ،‬وحلس��ن احلظ إس��تطاع أن يتفاداهم عن طريق فتحة سور‬ ‫احلديقة التى تتوس��ط الشارع الرئيسى ‪ .‬وفى ملح البصر وجد نفسه عند بوابة أحد‬ ‫املنازل ‪ ،‬وبس��رعة ال�برق ارتطمت عجل��ة الدراجة األمامية بعام��ود حديدى صغري‬ ‫ً‬ ‫موجودا عند الس��ور املبنى من الطوب ‪ ،‬ونتيجة للصدمة هذه صدمت الدراجة‬ ‫كان‬ ‫“تولي��ا” كما يرفس احلصان ‪ ...‬طار “توليا” من كرس��ى الدراجة وأرجله إىل أعلى‬ ‫‪175‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫عرب السور كما لو كان العب أكروبات فى السريك ‪ ،‬ثم سقط فى صندوق القمامة‬ ‫املوجود فى الفناء اجملاور للسور ‪.‬‬ ‫حدث هذا بس��رعة مذهلة لدرجة أن “توليا” بعد أن أفاق من الصدمة مل يصدق‬ ‫نفسه بأنه قد سقط ً‬ ‫فعال فى صندوق القمامة ‪ ...‬ولكن عند سقوطه تشبث قميصه‬ ‫م��ن اخللف مبس��مار طويل مثبت بغطاء الصندوق ‪ ،‬فقط��ع قميصه من ناحية الظهر‬ ‫مما س��اعد ذلك على إعاقة هبوطه مرة واحدة داخل الصندوق فسقط على كومة‬ ‫ً‬ ‫كثريا من وطأة الصدمة ‪ .‬وعلى هذا النحو مر‬ ‫م��ن القمامه الغري صلبة ‪ .‬مما خف��ف‬ ‫كل ش��ئ بسالم ‪ ،‬إذا اس��تثنينا الكدمة التى أصيب بها فى جبهته نتيجة ارتطامه‬ ‫بأحد جوانب صندوق القمامة اخلشبى ‪.‬‬ ‫مل يف��ق “تولي��ا” بعد ملا حدث ل��ه ‪ .‬لكنه حتس��س جبهته بيديه فش��عر بوجود‬ ‫ً‬ ‫واضع��ا منديله على جبهته ‪ ،‬حيث ُجرح‬ ‫خدوش وتس��لخات ‪ .‬ثم أخذ يتلفت حوله‬ ‫ً‬ ‫حماوال أن حيل لغز سقوطه فى هذا املكان ‪.‬‬ ‫ختل��ف الصبية الذين كان��وا جيرون وراء الدراجة بكل م��ا لديهم من قوة ‪ ،‬ومل‬ ‫يس��تطيعوا اللح��اق “بتولي��ا” ‪ ،‬ولكنه��م الحظوا أن “تولي��ا” قد ع��رج بالدراجة ‪ ،‬ثم‬ ‫وج��دوا الدراج��ة ملقاة عل��ى األرض ‪ ،‬وقد اختف��ى “توليا” ‪ .‬أخذ الصبي��ة بعد ذلك‬ ‫جيوبون الفناء ً‬ ‫حبثا عن “توليا” فى كل ركن من أركانه وهم ينادون‪:‬‬ ‫ أيها الغالم ‪ ،‬أيها الصبى ‪ ...‬أين أنت ؟ أين أنت ؟‬‫لك��ن “توليا” مل ي��رد على نداءاتهم ‪ ...‬ولذلك اعتقد الصبية أنه قد رجع إىل بيته‬ ‫وال يريد ركوب الدراجة ورجعوا أدراجهم صوب احلديقة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أصواتا ونداءات الصبي��ة أثناء وجوده فى صن��دوق القمامة ‪ ،‬وألنهم‬ ‫مس��ع “تولي��ا”‬ ‫كانوا ال ينادونه بامسه ‪ ،‬لذا اعتقد أنهم ينادون على صديق آخر هلم ‪.‬‬ ‫عندم��ا تأك��د “تولي��ا” أن ال��دم كان ين��زف من جبهته ق��د توقف ً‬ ‫متام��ا ‪ ،‬وضع‬ ‫املنديل على جبينه وبدأ خيرج من الصندوق حبذر دون أن يراه أحد ‪.‬‬ ‫رأى “توليا” من وراء األشجار ً‬ ‫بيتا من الطوب رمادى اللون ‪ ،‬مدخله على شكل قوس‬ ‫عال ‪ .‬س��ار “توليا” عرب هذا املدخل ‪ً ،‬‬ ‫آمال أن خيرج عن طريقه إىل الش��ارع الرئيس��ى ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مجاال من ذلك الفناء الذى كان قد وقع‬ ‫وإذا به جيد نفسه فى فناء آخر يبدو أكثر‬ ‫فيه‪ ،‬إذ يتوس��طه حديقة كبرية مس��تديرة الش��كل بها نباتات متعددة األلوان ‪،‬‬ ‫وزهور يانعة غاية فى اجلمال ‪ ،‬وبالقرب من هذه احلديقة توجد كومة من الرمل‬ ‫حماطة من اجلهات األربع بسياج خشبى قصري ‪ ،‬مطلى باللون األزرق ‪ ،‬وجيلس حوهلا‬ ‫‪176‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ً‬ ‫أش��كاال‬ ‫بع��ض األطف��ال وتبدو على وجوههم ال�براءة واهلدوء ‪ ،‬يصنعون من الرمال‬ ‫خمتلف��ة م��ن الفطائ��ر ‪ ،‬كان األطفال يرتدون مالب��س زاهية األل��وان حتى يرتاءى‬ ‫للناظر من بعيد بأنهم ليس��وا بأطفال ‪ ،‬بل أزهار ‪ ...‬كانت على جانبى كومة الرمل‬ ‫األحواض منس��قة مزروعة حبش��ائش خضراء مس��توية بطريقة هندسية رائعة‪..‬‬ ‫وعل��ى ط��ول األحواض توج��د مقاعد مرحي��ة جتلس عليه��ا أمهات األطف��ال الالئى‬ ‫يتبادلن احلديث ‪ ،‬بعضهن تقرأن الكتب فى الوقت الذى تراقنب فيه أطفاهلن ‪ ،‬كى‬ ‫ال يقذف األطفال أعني بعضهم ً‬ ‫بعضا بالرمال ‪.‬‬ ‫ومن خلف هذه املقاعد توجد س��احة للكرة الطائرة فى وسطها تعلق الشبكة ‪،‬‬ ‫وفى أرض امللعب يقف فريقان من أوالد وبنات يكربون “توليا” بعض الشيء ‪ ...‬كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحماطا من مجيع اجلهات بواجهات املنازل ذات الش��رفات التى‬ ‫وفس��يحا‬ ‫كبريا‬ ‫الفناء‬ ‫كان يعل��ق بها أحواض خش��بية مليئة بأزه��ار يانعة وزاهية األل��وان ‪ .‬توقف توليا‬ ‫دون قص��د يتأمل تلك الصورة الرائعة اجلميلة التى ظهرت أمامه من زهور وأحواض‬ ‫احلش��ائش اخلضراء ‪ ،‬وأطفال تلعب وكرة تطري فوق الشبكة املوجودة فى ساحة‬ ‫الكرة الطائرة ‪ ،‬وهنا قال توليا فى نفسه ‪:‬‬ ‫ آه ل��و كن��ت أقطن فى هذا املنزل ‪ ،‬الس��تمتعت كل يوم بالنظ��ر إىل تلك األزهار‬‫اجلميلة واألطفال الت��ى تلهو باللعب فى الرمل ‪ ،‬ولعبت مع الصبية والفتيات الكرة‬ ‫الطائرة ‪.‬‬ ‫تنه��د “توليا” حبزن ‪ ،‬وفى هذه اللحظة رأى فتاة تلوح له بيدها ‪ ،‬وتدعوه للعب مع‬ ‫زمالئها الكرة الطائرة‪ ،‬فاقرتب منهم وعلى وجهه شيء من الرهبة ‪ ،‬ولكن بعد عدة‬ ‫دقائ��ق جتاوب مع هؤالء األصدقاء اجلدد حتى ب��دا وكأنه يعرفهم منذ فرتة طويلة‬ ‫ً‬ ‫ج��دا ‪ ...‬مض��ت مخس دقائ��ق تقري ًبا حت��ى أخذ زمام املب��ارة بيديه ‪ ،‬ف��كان يقود‬ ‫الفريق ويبدى مالحظاته الس��ديدة حينما يكون م��ن الضرورى تغيري األماكن‬ ‫فيصي��ح‪“ :‬أوت” ‪ “ ،‬ش��بكة ”‪ “ ،‬س�يرف ” وتعب�يرات أخ��رى رياضية ال يعرفها س��وى‬ ‫العارفني بأصول اللعبة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجيعا قواعد اللعبة ‪ ،‬على الرغم من أنه نفس��ه ال يتبع هذه‬ ‫َع َّل َم “توليا” الصبية‬ ‫القواع��د‪ ،‬اذ ح��دث أنه مل يس��تطع التقاط إحدى الك��رات القريبة من الش��بكة‬ ‫ً‬ ‫فبدالم��ن أن يدفعه��ا بيده قذفه��ا بقدمه اليمن��ى‪ ،‬وكانت‬ ‫والقادم��ة م��ن اخلص��م ‪،‬‬ ‫الضرب��ة أقوى مما يعتقد “تولي��ا”‪ ،‬فطارت الكرة بس��رعة وارتطمت بزجاج إحدى‬ ‫نواف��ذ الدور الثانى بإحدى املنازل فتهش��م زجاجها‪ ،‬وأحدث ً‬ ‫صوتا ً‬ ‫عاليا فتناثرت قطع‬ ‫‪177‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الزجاج إىل أسفل وسقطت الكرة حلسن احلظ على األرض ‪.‬‬ ‫وأول ماخط��ر على بال “توليا” أن يرتك هذا امل��كان وينطلق ً‬ ‫هاربا ‪ ،‬لكنه رفض‬ ‫ه��ذه الفك��رة ‪ ،‬ألن اهلروب من مسات امل��رء اجلبان وغري األمني ‪ .‬فرمب��ا يعتقدون أن‬ ‫َم ْن كس��ر زجاج النافذة ليس ه��و‪ ،‬بل أحد الصبية الذين لزم��وا أماكنهم‪ .‬فى ذلك‬ ‫الوقت آخذ صبى آخر الكرة وضمها بكلتا يديه إىل صدره وسرعان ما ترك الفناء‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫واختفى‪ .‬ثم صاح صبى منهم‬ ‫هيا‪ ،‬يا أصدقائى ُ‬ ‫ ً‬‫لينج كل منا بقدر استطاعته ‪.‬‬ ‫رك��ض مجيع الصبية فى ش��تى االجتاه��ات ‪ ،‬فيما عدا “توليا” فقد وجد نفس��ه‬ ‫ً‬ ‫واقف��ا ف��ى مكانه ‪ ،‬وفى اللحظة الت��ى قرر “توليا” الفرار مثل بقية األوالد ش��عر بيد‬ ‫متسك بشدة ياقة قميصه من اخللف ‪ ،‬وبصوت خيرتق أذنيه يقول‪:‬‬ ‫ إىل أين قذفت بالكرة ‪ ،‬أيها الصبى الشقى؟ أمل يكن هناك مكان آخر تقذف‬‫ً‬ ‫بعيدا عن زجاج النافذة ؟‬ ‫الكره فيه‬ ‫فاس��تدار “توليا” قدر اس��تطاعته ونظر ش��ز ًرا ورأى وجها يعلوه الشر المرأة عجوز‬ ‫ذقنها رمادى اللون يعلوها حسنة كبرية ظاهرة أعلى شفتها العليا‪ -‬وإذ بتلك العجوز‬ ‫متس��ك بإح��دى يديها وباحكام بياق��ة قميص “توليا” وفى يده��ا األخرى حقيبة‬ ‫مصنوعة من البالستيك سوداء اللون ‪ ،‬وقد امتألت باملواد الغذائية اشرتتها اليوم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حماوال أن يفلت من يد العجوز وهو يقول ‪:‬‬ ‫ومتتم “توليا” وهو فى حالة ذهول‬ ‫ مل أكن أقصد ‪.‬‬‫فقالت العجوز ‪:‬‬ ‫ وأن��ا ً‬‫أيض��ا ال أقصد إذا قطعت اآلن رأس��ك ‪ ،‬ووضعتها مكان زج��اج النافذة الذى‬ ‫كسرته أنت ‪ .‬لن يهدأ ىل بال حتى أنال منكم ‪ .‬أيها الشياطني ‪.‬‬ ‫ فقامت إحدى الس��يدات الالئى جيلس��ن على أحد املقاعد املوج��ودة بالقرب من‬‫كومة الرمال وقالت للعجوز‪:‬‬ ‫ هل كسروا زجاج نافذة مرة أخرى ‪“ ،‬يا داريا سيميونوفنا” ؟‬‫ نع��م ‪ ،‬كما ترين ياعزيزت��ى ‪ ،‬هذه هى املرة الثالثة على التواىل التى كس��روا‬‫فيها زجاج النافذة لسوء احلظ ‪.‬‬ ‫ثم توجهت العجوز بسؤال إىل “توليا” ‪ ،‬وهى تهزه بعنف من ياقة قميصه ‪:‬‬ ‫‪178‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ فى أية شقة تقطن ؟‬‫فأجاب “توليا” ‪:‬‬ ‫ إننى أقطن فى الشقة رقم ‪16‬‬‫فأسرعت إحدى السيدات اجلالسات قائلة‪:‬‬ ‫ إنه ال يقول احلقيقة فإننى أعرف كل من يقطن فى شقة رقم ‪16‬‬‫فقال “توليا”‪:‬‬ ‫ أنا فى احلقيقة ال أقطن فى منزلكم ‪.‬‬‫فقالت “يا داريا س��يميونوفنا” العجوز وعلى وجهها ابتس��امة صفراء ميلؤها الش��ر‬ ‫والغيظ ‪:‬‬ ‫ آه تقول إنك ال تعيش فى منزلنا ‪ .‬أال يكفى ما عندنا من األوالد الذين يكسرون‬‫زجاج نوافذنا‪ ،‬فيأتى الغرباء ويكس��رونها ً‬ ‫أيضا ؟ ه�لا ذهبنا ً‬ ‫معا إىل مكتب احتاد‬ ‫مالك املنزل ‪.‬‬ ‫جذب��ت العج��وز “تولي��ا” وقادت��ه إىل مكتب احتاد امل�لاك وهن��اك كان جيلس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واضعا بني‬ ‫مشغوال بكتابة شيء ما ‪،‬‬ ‫املس��ئول مع رئيس احلس��ابات ‪ ...‬كان املسئول‬ ‫ً‬ ‫مش��تعال وقد أغمض إحدى عينيه إىل حد ما كى ال ينلها دخان‬ ‫ش��فتيه س��يجا ًرا‬ ‫الس��يجار الذى يتطاير فى عينيه ‪ ،‬وهناك ش��خص آخر ذو شارب جيلس عند النافذة‬ ‫يدخن هو اآلخر سيجارا ‪ ،‬ولذا كان يتصاعد من السيجار كما لو كان فى الغرفة‬ ‫عامود من الدخان ‪.‬‬ ‫وإنتاب��ت “تولي��ا” نوبة من الس��عال عندما تواجد ف��ى هذه الغرف��ة املليئة بدخان‬ ‫الس��يجار اخلانق والضار ‪ ،‬أما “يا داريا س��يميونوفنا” فدفعت بتوليا إىل األمام بغلظة‬ ‫بعد أن أغلقت وراءها باب احلجرة ثم قالت ‪:‬‬ ‫ ه��ا هو ال��ذى حطم زجاج الناف��ذة ‪ .‬وهذه امل��رة الثالثة التى حيطم��ون فيها زجاج‬‫النافذة ‪ .‬فبمجرد أن ذهبت إىل السوق لشراء ما يلزمنى من مواد غذائية وعند عودتى‬ ‫رأيت بنفس��ى هذا الصبى يقذف بقدمه الكرة فى النافذة ‪ .‬نعم رأيته بنفسى ‪ .‬لقد‬ ‫س��افرت العائلة للراحة وتركت ىل مصروفات املن��زل بالكاد‪ .‬فمن أين آتي بقيمة‬ ‫الزجاج املكسور ؟‬ ‫وانقطع املسئول عن الكتابة ومتتم بكلمات غري مفهومة وقال لتوليا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫لزاما عليك ‪ ،‬ياصديقى ‪ ،‬أن تدفع قيمة الزجاج املكسور ‪.‬‬ ‫‬‫‪179‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ً‬ ‫متلعثما ‪:‬‬ ‫فأجاب “توليا”‬ ‫ سوف أحضر لك النقود ‪.‬‬‫ هكذا هو احلل ‪ ..‬اذهب ‪ ،‬ياعزيزى وأحضرها بسرعة ‪.‬‬‫وهبت العجوز “ داريا سيميونوفنا” وهى تقول لرئيس مكتب احتاد املالك ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أتصدق أنه سيحضرها ؟‬ ‫‪ : -‬آه ‪ ،‬آحيضرها ‪.‬‬

‫‪180‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ إنه وعدنى ‪ .‬إنها كلمة شرف ‪ ،‬سوف أحضرها لكم ‪.‬‬‫فردت عليه العجوز بسخرية ‪:‬‬ ‫ سوف تذهب ولن نراك ثانية ‪ -‬مباذا تفيدنى كلمة الشرف هذه ؟‬‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫وأضاف رئيس املكتب‬ ‫ هذا صحيح ‪ ..‬جيب تسجيل عنوانه ‪ .‬ما امسك واسم والدك ؟‬‫ توليا كليوكفن‬‫ وأين تقيم ؟‬‫ أقيم فى شارع ‪ ........‬رقم ‪ ........‬شقة رقم ‪....‬‬‫ثم قال له املسئول وهو يسجل فى دفرت أمامه على املكتب ‪:‬‬ ‫ امس��ع “يا توليا كليوكف��ن” ‪ ،‬إن مل ُ‬‫حتضر النقود فس��وف نعثر عليك أينما‬ ‫كنت ‪.‬‬ ‫فهمت؟‬ ‫لكن العجوز “داريا سيميونوفنا” ال تثق حتى اآلن بصحة ما قاله الصبى “توليا”‪،‬‬ ‫إذ ّ‬ ‫وجهت كلماتها إىل املسئول قائلة ‪:‬‬ ‫ آه ستجده ‪ ...‬إنه لفق القصة ‪ ،‬ولن نعرف مكانه فيما بعد ‪.‬‬‫وهنا قال املسئول هلا ‪:‬‬ ‫ انتظرى ‪ ...‬هذه مس��ألة بس��يطة س��نتأكد مما يقوله ‪ ...‬شارع دمييانوفكسى‬‫رقم ‪ 10‬أعتقد أن رقم تليفون رئيس احتاد املالك عندهم هو ‪. 29‬‬ ‫وأمسك الضابط املسئول بدليل التليفون ‪ ،‬وأخذ يقلب صفاحاته حتى حتقق من‬ ‫رقم التليفون ثم أمسك بسماعة التليفون رقم ‪ 29‬وقال بصوت عالِ‪:‬‬ ‫ آل��و ‪ ...‬آل��و ‪ ...‬هل هذا رق��م ‪ 29‬؟ إذن أرجوك أن تتأكد عن��دك فى دفرت العناوين‬‫عم��ا إذا كان يعيش “توليا كليوكفن” فى الش��قة رق��م ‪ 16‬باملنزل رقم ‪ 10‬وانتظر‬ ‫املس��ئول دقيقة وعاد يس��تكمل احلديث هل يقيم ً‬ ‫ً‬ ‫ش��كرا ماذا فعل ؟ إنه‬ ‫فعال‪ ...‬؟‬ ‫كسر زجاج نافذة إحدى املواطنات ‪ ،‬ثم وجه كالمه إىل العجوز “ داريا سيميونوفنا”‬ ‫وهو يضع مساعة التليفون ‪:‬‬ ‫ ال تقلق��ى أيتها املواطنة اآلن لن يس��تطيع اهلروب م��ن أيدينا فقد قال احلقيقة‬‫كاملة بالنس��بة للعنوان كل ش��يء على ما ُيرام ‪ .‬ولكن ذلك الش��خص ذا الشارب‬ ‫‪181‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫الذى كان جبانب رئيس مكتب احتاد املالك قال بشيء من الشك واإلرتياب ‪:‬‬ ‫ ما هذا الذى كله متام ؟ ذات مرة حدثت فى قسم الشرطة مثل هذه احلادثة ‪:‬‬‫أمس��ك رجل الش��رطة بصبى كان قد قفز من الرتام أثناء س�يره ‪ .‬ورفض أن يدفع‬ ‫الغرامة ‪ ...‬ومن الطبيعى أن يقوده الش��رطى إىل قس��م الشرطة ‪ ،‬حيث مت أخذ أقواله‬ ‫وعندما سألوه عن امسه أدىل باسم صديق له وحينما سألوه عن مكان إقامته ‪ .‬أدىل‬ ‫بعن��وان صديق��ة هذا ‪ ،‬وتأكد رجال الش��رطة ً‬ ‫فعال من صحة االس��م والعنوان عند‬ ‫اتصاهل��م مبكتب احت��اد املالك فأفرجوا عنه ثم اتضح بعد ذل��ك أن هذا غري صحيح‬ ‫فقد أرس��ل رجال الش��رطة ف��ى اليوم الت��اىل إىل والديه إش��عا ًرا ك��ى يدفعا قيمة‬ ‫الغرام��ة عم��ا ارتكبه ابنها من خمالفة ‪ ..‬ومن الطبيع��ى أن األب واألم أخذا يعاتبان‬ ‫ويلومان االبن – فانيا – على ما ارتكبه من خطأ ويقوالن له‪:‬‬ ‫ مل��اذا تقفز من الرتام وهو يس�ير؟ يالك من مس��تهرت‪ ..‬إذن علي��ك بدفع الغرامة من‬‫مصروف��ك اخلاص ‪ ،‬ولك��ن فانيا أخذ ي��ذرف الدمع وقد انتابته حال��ة من التكدر‬ ‫وقال لوالده‪:‬‬ ‫ مل أقفز ً‬‫أبدا فى يوم من األيام أثناء سري الرتام ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا تكذب؟ يالك من ‪....‬‬ ‫‬‫لك��ن الصب��ى أخ��ذ يقنعهما ويقس��م هلما بان��ه مل يفعل ه��ذا ‪ ...‬وم��رض فانيا‬ ‫املسكني لعدم ثقة والديه به ‪ ،‬وراى الوالدان بأن ليس هناك جدوى من الضغط على‬ ‫ابنهما وأحسا بأنه إذا كان هذا قد حدث ً‬ ‫فعال ملا تكدر ابنهما إىل هذا احلد ‪ .‬فأسرع‬ ‫الوالد إىل قسم الشرطة وقال للنوبتجى ‪:‬‬ ‫ إنن��ا نث��ق فى كالم االبن ‪ .‬فهو مل يقفز قط من ال�ترام كما تقولون وحنن نعرف‬‫سلوكه احلسن ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فرد عليه النوبتجى قائال‪:‬‬ ‫ إن سلوك األوالد حسن طاملا موجودون باملنزل ‪.‬‬‫لكن األب قال ‪:‬‬ ‫ مهما يكن فأنا لن أقوم بدفع الغرامة ‪.‬‬‫ إن مل تدفع الغرامة فسوف نقدمك للمحاكمة ‪.‬‬‫ّ‬ ‫ومر أسبوع أو أكثر بقليل وأستدعى والد فانيا إىل احملكمة ‪ ...‬وذهب إىل هناك‬ ‫وقال ‪:‬‬ ‫‪182‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ ما هذا الذى َت ّد ُعونه ؟ ابنى مل يقفز قط من الرتام ‪.‬‬‫ م��اذا تقول ؟ إذا كان كل ش��يء مدون أمامنا ها هو االس��م والعن��وان وأراد رجال‬‫الشرطة معاقبة الوالد باحلبس مخسة عشر ً‬ ‫يوما لسوء تربية إبنه من ناحية ولعدم‬ ‫دفع��ه الغرامة من ناحية أخرى لكن حلس��ن احلظ أرس��لوا إلحضار ذلك الش��رطى‬ ‫ً‬ ‫وفعال جاء الشرطى وعرضوا عليه االبن “فانيا” ‪...‬‬ ‫الذى أمس��ك بفانيا حلظة احلادث ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبعد فرتة من العرض تذكر مؤكدا وقال ‪:‬‬ ‫ ليس هذا بالصبى الذى أمسكت به ‪.‬‬‫وبعده��ا مت اإلفراج عن الوالد ومل يتم العثور على الصبى ‪ ،‬الذى أطلق على نفس��ه‬ ‫“فاني��ا س��يدوروف” ‪ ،‬وكان من املمكن حبس والد “فانيا” ملدة مخس��ة عش��ر ً‬ ‫يوما‬ ‫وعقاب ابنه خلطأ مل يرتكبه وإىل يومنا هذا مل يقبض على الغالم الذى ادعى على‬ ‫نفسه بأنه “فانيا سيدوروف” ‪.‬‬ ‫لكن السيدة العجوز “داريا سيميونوفنا” علقت على هذا بقوهلا ‪:‬‬ ‫ وهكذا كل صبى يكس��ر زجاج نافذة ‪ ،‬أو يرتكب خطأ يطلق على نفس��ه‬‫االسم الوهمى “فانيا سيدوروف” ويقول إنه يعيش باملكان ( كذا ) ثم تذهب لتبحث‬ ‫عنه لتأخذ قيمة الزجاج املكسور فال جتد له ً‬ ‫أثرا ‪.‬‬ ‫وحتري رئيس مكتب احتاد املالك ثم قال‪:‬‬ ‫ ماذا عساى أن أفعل أيتها العجوز ؟ رمبا يكون هذا هو “فانيا سيدوروف” الوهمى‬‫ورمبا اليكون ( ثم توجه إىل الصبى وسأله مرة أخرى) ‪:‬‬ ‫ ما امسك؟‬‫أجابه الصبى‪:‬‬ ‫ توليا كليوكفن ‪.‬‬‫ثم قال للعجوز‪:‬‬ ‫ كم��ا تري��ن ‪ ،‬إنه ف��ى احلقيق��ة “توليا كليوكف��ن” ‪ ،‬ولك��ن رمبا يكون‬‫ً‬ ‫شخصا آخر وللتأكد من ذلك إذهبى به إىل قسم الشرطة ‪ ،‬حيث ميكنهم التحقق‬ ‫من ذلك ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخذ “توليا” يتوسل قائال ‪:‬‬ ‫ ملاذا قسم الشرطة ‪ ...‬إننى مل أقل غري احلقيقة ‪.‬‬‫لكن العجوز قاطعته بشيء من االستياء ‪:‬‬ ‫‪183‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ احلقيقة ‪ ،‬احلقيقة ! هل ُينتظر من شخص مثلك أن يقول احلقيقة ؟‬‫ثم أمس��كت بذراع “توليا” وجذبته إىل الش��ارع ومش��ى جبانبها وهو ينظر حوله‬ ‫ويبدو على وجهه اخلوف ‪ ،‬كان “توليا” يظن أن الناس ينظرون إليه بفضول ويظنون‬ ‫أنه مقاد إىل قسم الشرطة ‪ ،‬ورمبا يعتقدون أنه لص ‪.‬‬ ‫مل يذه��ب “توليا” إىل قس��م الش��رطة قط من قب��ل ‪ ،‬ومل يكن يري��د الذهاب إىل‬ ‫هن��اك ‪ ..‬وقد حاول “توليا” أن يفلت من يد العجوز التى كانت تقبض عليه بش��دة‪.‬‬ ‫وأثناء سريهما سألتها إحدى السيدات العجوز بشيء من الغرابة ‪:‬‬ ‫ ملاذا تقبضني بيدك عليه هكذا ؟‬‫ لقد كسر زجاج النافذة ‪.‬‬‫ وإىل أين تقودينه ؟‬‫ إىل قسم الشرطة ليس إال ‪.‬‬‫ً‬ ‫حماوال اإلفالت من يديها القابضة عليه ‪:‬‬ ‫ثم قال هلا “توليا”‬ ‫ اتركينى من فضلك ‪ ،‬وسأس�ير معك وال داعى بإمساكى هكذا‪ ،‬صدقينى لن‬‫أهرب ‪.‬‬ ‫ تعتقد أننى أثق فيما تقول ؟‬‫َ‬ ‫وف ّ‬ ‫كر “توليا” فى وس��يلة خلداع العجوز “داريا سيميونوفنا” لإلفالت من قبضتها‬ ‫القوية ‪ ...‬فهى متس��كه بيد واحدة اململوءة مبا اش�ترته اليوم من الس��وق ‪ ،‬أما توليا‬ ‫فقال فى نفسه ‪:‬‬ ‫ س��أفلت من يدها ألنها لن تس��تطيع أن تقبض ً‬‫على بش��دة ملدة طويلة ‪ ،‬فالبد أن‬ ‫تأتى حلظة وتتعب ‪ ...‬وهذه هى فرصتى الوحيدة ‪.‬‬ ‫س��ار “توليا” معها بهدوء ‪ ،‬ومل حياول اإلفالت من يدها وكما لو كان قد استس��لم‬ ‫ملص�يره ‪ ،‬فاطمأن��ت العج��وز ل��ه وأضعفت م��ن قبضتها ويقظته��ا فإنته��ز “توليا” هذه‬ ‫الفرصة وأفلت من يدها فجأة ‪ ،‬وفر ً‬ ‫هاربا ‪.‬‬ ‫أخذت العجوز “ياداريا سيميونوفنا” جترى وراءه وتصرخ قائلة ‪:‬‬ ‫ قف ‪ ..‬قف ‪ ....‬أمسكوا به ‪ ،‬أمسكوا به ‪ ..‬اقبضوا عليه ‪.‬‬‫وتوق��ف كثري ممن يس�يرون فى الش��ارع مذهول�ين ‪ ،‬ال يعرفون الس��بب ‪ ،‬هل من‬ ‫الض��رورى اإلمس��اك “بتولي��ا” أم ال ؟ وملاذا ؟ وحاول أح��د املواطنني اإلمس��اك “بتوليا”‪،‬‬ ‫لك��ن توليا أفل��ت من بني يديه برباعة وخف��ة ‪ ،‬ونزل عن الرصـي��ف وجرى ناحية‬ ‫‪184‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫الكوبرى‪ ،‬حيث ال يعرتضه كثري من املشاه ‪ ،‬وفى الوقت نفسه تتاح أمامه الفرصة‬ ‫للمزي��د من س��رعة اجل��رى ‪ ..‬وج��رت “داريا س��يميونوفنا” خلفه إجت��اه الكوبرى ‪،‬‬ ‫وكادت تصدمها سيارة نقل ‪ ،‬فعادت مرة أخرى إىل الرصيف وأخذت تصيح ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حاال ‪ ،‬وإال ستقع حتت عجالت إحدى السيارات ‪.‬‬ ‫ قف ‪ ،‬قف ‪ ،‬قف‬‫مل يستمع “توليا” إليها ‪ ،‬بل استمر فى اجلرى بأقصى مالديه من سرعة ‪ ،‬ثم انطلق‬ ‫ع�بر الطريق فى الوقت ال��ذى رأت فيه “داريا س��يميونوفنا” الرتام ً‬ ‫قادم��ا حنوه فوقفت‬ ‫مش��دودة األعص��اب ‪ ،‬وتوقف معها قلبها‪ ،‬وتس��مرت فى مكانه��ا عندما أعتقدت أن‬ ‫“توليا” قد وقع حتت عجالت الرتام ‪ ،‬لكن سائق الرتام كان قد رأى “توليا” فجأة أمامه‬ ‫فأبط��أ من س��ـرعة الرتام فى الوقت الذى عرب فيه “تولي��ا” القضبان إىل اجلـانب اآلخر‪،‬‬ ‫حيث كانت تأتى س��يارة ناحيته ‪ ،‬ومسع صوت فرملة يدوى فاتضح أن الس��يارة قد‬ ‫المس��ت كتفه فقط ‪ ،‬ووقع “توليا” على األرض وألقت “داريا سيميونوفنا” بالشنطة‬ ‫التى فى يدها على األرض وأطبقت بكلتا يديها على وجهها ‪.‬‬ ‫وفى احلال جتمع كثري من املارة حول توليا‪ ،‬وأس��رع أحد املواطنني إىل كابينة‬ ‫التليف��ون وأخذ يطلب س��يارة اإلس��عاف ‪ .‬وفى أثناء ذل��ك نهض “تولي��ا” ‪ ،‬ووقف على‬ ‫قدميه فسأله أحد الواقفني ‪:‬‬ ‫ هل أصبت إصابة بالغة أوجرحت ؟‬‫وبدأ “توليا” يهز رأسه ويقول ‪:‬‬ ‫ ال ‪ ،‬وهو يهز رأسه ‪.‬‬‫ونزل سائق السيارة ‪ ،‬واقرتب من توليا ثم قال له ‪:‬‬ ‫ من أين ظهرت فجاة فى وسط الكوبرى كالسهم ؟ هل هناك ما يؤملك ؟‬‫أجاب “توليا” ‪:‬‬ ‫ال ‪ ،‬اليؤملنى شيء ‪.‬‬‫ث��م أمس��ك الس��ائق “توليا” بكلت��ا يديه وأخ��ذ جيس كتف��ى الصبى‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫وذراعيه‬ ‫ أمل يؤلك هنا شيء ؟‬‫ ال ‪ ،‬ال ‪ ،‬لقد أصابنى اخلوف ليس إال ‪.‬‬‫فقال السائق واالبتسامة العريضة تظهر على وجهه ‪:‬‬ ‫‪185‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ أصاب��ك اخل��وف !! فلتش��كر اهلل ألننى متكن��ت من إيقاف الس��يارة فى الوقت‬‫املناسب ‪.‬‬ ‫واقرتب الشرطى من اجلمع الواقف حول “توليا” ‪ ،‬وسأل السائق بصرامة ‪:‬‬ ‫ ماذا حدث للصبى ؟‬‫ً‬ ‫قائال ‪:‬‬ ‫فرد السائق‬ ‫ ما هو إال حادث بس��يط مل يس��فر عن أض��رار ‪ ،‬وميكن الق��ول َّ‬‫إن الصبى قد جنا‬ ‫ً‬ ‫متاما من كل شيء إال أن اخلوف قد سيطر عليه ‪.‬‬ ‫يا للعجب !!‬ ‫وأثناء ذلك تسللت “داريا سيميونوفنا” من بني الواقفني ويداها ترتعشان ‪ ،‬وشفتاها‬ ‫ترتعشان ً‬ ‫أيضا من اخلوف ‪ .‬وعندما رأت “توليا” يقف معافى دون إصابات بالقرب من‬ ‫عال ‪:‬‬ ‫السيارة إندفعت حنوه وهى تقول بصوت ِ‬ ‫ أمازلت ً‬‫حيا ؟ آه ياعزيزى !‬ ‫لك��ن “تولي��ا” عند رؤيت��ه هلذه العجوز ابتع��د عنها للناحية األخ��رى ‪ ،‬غري أن‬ ‫الن��اس الذين كانوا حييطون به كاحلائط املتني مل يس��محوا له باهلروب من تلك‬ ‫العجوز ‪.‬‬ ‫وعادت العجوز تقول وهى تلوح بيدها ‪:‬‬ ‫ إنه من املستحيل ياعزيزى أن ً‬‫أمسك بسوء !‬ ‫ثم تقول العجوز للشرطى ‪:‬‬ ‫ أيه��ا الش��رطى! إننى أعرتف ‪ ،‬وبكل أمانة ‪ ،‬بأننى الس��بب ف��ى كل ما حدث ‪...‬‬‫إن ه��ذا الش��قى كاد يقع حتت عجالت الس��يارة فيما أصابه من خ��وف مما أدى إىل‬ ‫ارتطامه بالس��يارة ‪ ،‬ذلك بس��بب لوح الزجاج الذى حطمه ه��و والذى كان قد حتطم‬ ‫من قبل عدة مرات ‪.‬‬ ‫وانربى واحد من الواقفني ‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫ لق��د رأيت كي��ف كانت هذه العجوز تط��ارد هذا الصبى وق��د متلكها الغيظ‬‫والسخط عليه ‪.‬‬ ‫فقال الشرطى ‪:‬‬ ‫ ماذا عساى أن أفعل سوى أن أسجل هذه األقوال فى حمضر رمسى ؟‬‫‪186‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫فقالت له العجوز بعض كلمات لكى تطمئنه وتزيل خوفه ‪:‬‬ ‫ نع��م ‪ ،‬س��جل هذا ياعزي��زى ! أما أنت ياحبيب��ى ( موجهة كلماته��ا إىل الصبى‬‫تولي��ا) فال ختف فأنا لس��ت غاضبة منك بس��بب ل��وح الزجاج الذى كس��رته ‪ ،‬فليبق‬ ‫مكس��و ًرا هكذا على ما هو ‪ ،‬أما أنت فتعال والع��ب الكره مع صبيان ّ‬ ‫حينا‪ ،‬ومهما‬ ‫كسرت من زجاج النوافذ فلن أقول لك ً‬ ‫شيئا أو أحاسبك ‪.‬‬ ‫وتوقفت بالقرب منهم سيارة اإلسعاف ‪ ،‬ونزلت منها سيدة ترتدى بالطو أبيض اللون‬ ‫واقرتبت من الواقفني وسألت ‪:‬‬ ‫ أين املصاب ؟‬‫فأجابت إحدى الواقفات ‪:‬‬ ‫ ها هو ‪ ...‬ذلك الصبى الواقف هناك ‪.‬‬‫وأفسح الواقفون الطريق لطبيبة اإلسعاف التى اقرتبت من “توليا” قائلة ‪:‬‬ ‫ ً‬‫هي��ا تعل��ق بكلت��ا يديك ف��ى رقبتى وس��أمحلك إىل س��يارة اإلس��عاف ‪ ،‬لعمل‬ ‫اإلسعافات األولية ‪.‬‬ ‫لكن السائق قال هلا‪:‬‬ ‫ إنه معافى ً‬‫متاما ‪ ،‬ومل يصبه شيء على اإلطالق ‪.‬‬ ‫لكن الطبيبة قالت بكل صرامة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫كسرا فى جبهة الصبى ‪.‬‬ ‫ هكذا يبدو لك ‪ ،‬لكننى أرى أن هناك‬‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫فرد “توليا” عليها‬ ‫ إن ه��ذا اجل��رح ليس من أثر هذا احلادث اآلن ‪ ،‬لكنن��ى جرحت عندما وقعت فى‬‫صندوق القمامة ‪.‬‬ ‫أى صندوق قمامة هذا ؟‬ ‫ عندما كنت ألعب مع الصبية بالدراجة ‪.‬‬‫ومحلت الطبيبة “توليا” بني ذراعيها وأخذته إىل سيارة اإلسعاف ‪.‬‬ ‫وسألتها العجوز “داريا سيميونوفنا” ‪:‬‬ ‫ إىل أي��ن تأخذيه ؟ لقد مسعت بنفس��ك بأنه قد ُجرح عندما س��قط فى صندوق‬‫القمامة ‪.‬‬

‫‪187‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫فردت عليها الطبيبة قائلة ‪:‬‬ ‫ ما يهمك فقط أن اجلرح كان نتيجة س��قوطه فى صندوق القمامه ‪ ،‬لكن هل‬‫معنى هذا أال نعاجله ؟ من الضرورى له وبسرعة أن حيقن بالتيتانوس ‪.‬‬ ‫وهنا قالت العجوز “داريا سيميونوفنا” وهى تودع “توليا” ملوحة بيدها‪:‬‬ ‫ ه��ذا صحي��ح ‪ ،‬فأنت��م األطباء تعرف��ون متى وكي��ف تعاجلون املرض��ى ‪ ،‬أما أنت‬‫ي��ا تولي��ا‪ ،‬يا حبيبى ‪ ،‬تعال والعب الكرة فى ّ‬ ‫حينا بعدما تش��فى ‪ ،‬وانطلقت س��يارة‬ ‫اإلس��عاف بعد دقيقة واح��دة وبداخلها “توليا” ‪ ،‬وذلك بع��د أن أرقدته الطبيبة على‬ ‫السرير اجملهز بالسيارة ‪ ،‬أما هى فقد جلست جبانبه ‪ ...‬ثم قالت له ‪:‬‬ ‫ س��وف نذه��ب ب��ك اآلن إىل املسـتش��فى وس��ـيقوم الطبي��ب املخت��ص بفحص��ك‬‫وستش��فى ‪ ،‬وبعد ذلك تستطيع السري وسوف جترى هنا وهناك ‪ ،‬لكن اآلن عليك أن‬ ‫ترقد بهدوء وال تتحرك ‪.‬‬ ‫مل ير “توليا” من نافذة س��يارة اإلس��عاف س��وى األدوار العليا من املنازل ‪ ،‬ومل يكن‬ ‫بوس��عه حتديد الشوارع التى ميرون بها ‪ ،‬مل يزعجه هذا فى شيء بل أكثر ما كان‬ ‫ً‬ ‫خائفا من أن تؤمله ‪.‬‬ ‫يزعجه تلك احلقنة التى البد وأن حيقنوه بها فكان‬ ‫وس��رعان ما توقفت س��يارة اإلسعاف عند مدخل املستش��فى ‪ ،‬وفتح ممرضان باب‬ ‫الس��يارة وأخذا فى سحب الس��رير املتحرك من الس��يارة ‪ .‬وحاول “توليا” الوقوف على‬ ‫عال ‪:‬‬ ‫رجليه ‪ ،‬لكن أحد املمرضني قال له بصرامة وبصوت ِ‬ ‫ ارقد كما كنت ‪ ،‬ارقد بهدوء !‬‫ثم محال “توليا” داخل املستشفى ‪ ،‬غري أنه كان يريد أن يرى إىل أين حيمالنه؟‬ ‫ً‬ ‫وب��دال م��ن أن يرقد ً‬ ‫متاما عل��ى النقالة ‪ ،‬جلس عليها وأخذ يتلفت برأس��ه حوله هنا‬ ‫وهناك ‪.‬‬ ‫وتعج��ب لذلك املمرض ال��ذى كان حيمل النقالة من الطرف اخللفى ‪ ،‬ويقول فى‬ ‫نفسه ‪:‬‬ ‫ يال��ه من صبى عنيد ‪ ،‬نق��ول له أال يتحرك ‪ ،‬وأن يرقد به��دوء لكنه كاللعبة‬‫التى ال تتوقف عن احلركة ‪.‬‬ ‫أدخ��ل املمرضان “تولي��ا” فى حجرة مضيئة كب�يرة ذات ج��دران مطلية باللون‬ ‫األبي��ض وس��قف مرتفع وذلك بعد أن انتهي��ا من املمر الطويل ال��ذى تفوح منه رائحة‬ ‫اليود وحامض الكربوليك واملستحضرات الطبية األخرى ‪ ،‬ثم أمسك املمرضان “توليا”‬ ‫برفق من إبطه وأرقده على س��رير مرتفع عليه مفرش أبيض اللون من البالستيك ‪ .‬ثم‬ ‫‪188‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ً‬ ‫مهددا إياه بإصبعه ‪:‬‬ ‫قال له املمرض بهدوء‬ ‫ ارقد هنا وسيأتى الطبيب اآلن للكشف عليك ‪.‬‬‫وبق��ى “توليا” ً‬ ‫راقدا فى مكان��ه يتملكه اخلوف‪ .‬ومل يعرف مل��اذا تأخر الطبيب‬ ‫لف�ترة م��ن الوق��ت واعتقد توليا أنهم قد نس��وه ‪ ،‬لك��ن بعد دقائق فت��ح الباب ودخل‬ ‫الطبيب وبرفقته املمرضة املساعدة‪.‬‬ ‫كان الطبيب كبري السن إىل حد ما وكل ما يرتديه بالطو نظيف أبيض اللون‬ ‫ً‬ ‫واضعا نظارة بيضاء ‪ ،‬واقرتب من “توليا” وهو يقول له‪:‬‬ ‫وكذلك غطاء للرأس أبيض ‪،‬‬ ‫ قل ىل ‪ ،‬أيها الشاب ‪ ،‬كيف سقطت حتت السيارة ؟‬‫ومل يك��د تولي��ا أن جييب عليه حتى وضع الطبيب مساعت��ه الطبية على أذنيه‬ ‫وأخذ جيس صدر “توليا” بقطعة معدنية مستديرة ‪.‬‬ ‫ من فضلك تنفس بعمق ‪ ...‬تنفس مرة أخرى ‪.‬‬‫ً‬ ‫وأخ��ذ الطبي��ب ينقل القطعة املعدنية املس��تديرة ه��ذه ميينا ويس��ا ًرا ‪ ،‬ثم وضع‬ ‫أصابعه أمام أنف “توليا” وقال له ‪:‬‬ ‫ واآلن لو مسحت ‪ ،‬انظر إىل طرف إصبعى ‪.‬‬‫وأخ��ذ الطبي��ب حيرك إصبع��ه فى جهات خمتلف��ة ‪ .‬وراح “تولي��ا” يركز بكلتا‬ ‫عينيه على إصبع الطبيب وحيركها ً‬ ‫ميينا ويسا ًرا ثم إىل أعلى وإىل أسفل وهكذا‪...‬‬ ‫ً‬ ‫حماوال بذلك متابعة أصابع الطبيب ‪ ،‬بعد ذلك اخذ الطبيب جيس مجيع أجزاء جسم‬ ‫تولي��ا‪ :‬يدق على ركبتى توليا مبطرقة صغرية من الكاوتش��وك ذات يد معدنية‬ ‫من النيكل الالمع ثم التفت إىل املساعدة وسأهلا ‪:‬‬ ‫ هل كل شيء جاهز “يا سريافيما أندرييفنا” ؟‬‫فأجابت املساعدة ‪:‬‬ ‫ كل شيء جاهز ؟‬‫ثم أمرها الطبيب ‪:‬‬ ‫ هال بدأت ‪...‬‬‫وفكر “توليا” فى ذلك وقال فى نفسه ‪:‬‬ ‫ يا إهلى ‪ ،‬ماذا ستفعل املساعدة بى ؟‬‫وبدأ “توليا” يتوسل إىل املساعدة ويقول ‪:‬‬ ‫‪189‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ أتوسل إليك بأال حتقنينى ‪ ،‬لن أفعل ذلك مرة أخرى ‪.‬‬‫وابتسمت املساعدة وقالت له ‪:‬‬ ‫وم ْن قال لك ‪ ،‬أيها الساذج ‪ ،‬إننى سأحقنك ؟ ال ختف فلن أفعل بك ً‬ ‫ َ‬‫شيئا ‪.‬‬ ‫وأثن��اء ذلك اقرتبت املس��اعدة م��ن “توليا” ممس��كة بيدها اليمن��ى احلقنة وقد‬ ‫أخفته��ا وراء ظهره��ا ‪ ،‬وس��اعدته عل��ى أن ينام عل��ى جنبه األمين بيدها اليس��رى ثم‬ ‫ً‬ ‫وأخ�يرا حقنته ‪ّ .‬‬ ‫وتأوه “توليا” وأح��س بإبرة احلقنه تدخل فى‬ ‫غافلت��ه وهى تداعبه‬ ‫جسمه ‪ ،‬لكن املساعدة قالت له ‪:‬‬ ‫داع للت��أوه ‪ ،‬ياعزي��زى ‪ ،‬لق��د انتهى كل ش��يء ‪ ،‬وأعتقد أنه��ا ال تؤملك ! أليس‬ ‫ ال ِ‬‫كذلك ؟‬ ‫فرد عليها “توليا” والدموع فى عينيه ‪:‬‬ ‫ نعم ‪ ،‬ال تؤملنى !‬‫وقال الطبيب قبل خروجه من احلجرة‪:‬‬ ‫ واآلن دعيه يرقد فى الس��رير ملدة نصف ساعة ‪ ،‬وبعدها من املمكن العودة إىل‬‫منزله ‪ ،‬لكن ال تنسى أن تضعى اليود على اجلرح الذى فى جبهته ‪.‬‬ ‫وضعت املس��اعدة “س�يرافيما أندرييفنا” اليود على جرح “توليا” ثم جلس��ت على‬ ‫مكتبها وأخذت تسجل ً‬ ‫شيئا ما فى الدفرت املوجود أمامها وسألته‪:‬‬ ‫ ما أمسك؟‬‫َّ‬ ‫أراد “تولي��ا” أن يق��ول هلا بأنه يدعى “تولي��ا”‪ ،‬ولكن مل يعرف مل��اذا قال إن امسه‬ ‫“سالفا” وحينما سألته عن اسم والده ‪ ،‬أجابها باسم والد سالفا أى “أجونكوف” ‪ً ،‬‬ ‫بدال‬ ‫من اس��م والده “كليوكفن” ‪ ،‬وبذلك أدعى بأنه “س�لافا أجونكوف” – زميله الذى‬ ‫ً‬ ‫صباحا عندما قابل القط الذى عرب الطريق أمامه ‪.‬‬ ‫كان قد ذهب إليه‬ ‫وس��جلت املساعدة ما قاله “توليا” ثم س��الته عن اسم الشارع الذى يقطن به ‪ .‬وبدالً‬ ‫من أن يقول عنوانه هو ‪ ،‬أمالها عنوان صديقه “س�لافا” بش��ارع ‪ ....‬مل يعرف “توليا”‬ ‫تفس�ير األكذوبة هذه ‪ ،‬ملاذا اآلن يكذب على املس��اعدة ؟ فى تلك اللحظة تذكر‬ ‫مل��اذا مل يصدق��ه أحد حينما ق��ال احلقيقة لرئيس احت��اد املالك ‪ .‬فطامل��ا أن ً‬ ‫أحدا مل‬ ‫يص��دق كالمه فلم��اذا إذن يقول احلقيقة ! وهلذا الس��بب خش��ى ً‬ ‫أيض��ا أن يقوم‬ ‫أح��د من املستش��فى بتبلي��غ والدته مبا ح��دث له ‪ .‬ولذل��ك فقد س��لك “توليا” نفس‬ ‫سلوك الصبى ‪ ،‬الذى كان ضيف رئيس احتاد املالك حيكى عنه ‪ ،‬والذى قد انتحل‬ ‫‪190‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫ش��خصية غالم آخر ‪ .‬ولو مل يس��مع “توليا” ذلك احلوار ‪ ،‬الذى َ‬ ‫وقع فى مكتب رئيس‬ ‫احت��اد امل�لاك عن هذا الغ�لام ‪ ،‬ملا خطر بباله ق��ط أن يدىل بعنوان��ه ‪ ،‬وألنه مسع هذه‬ ‫احلكاي��ة من اآلخرين ‪ ،‬ل��ذا خطرت بباله هذه الفكرة ولكن املس��اعدة قالت إن‬ ‫شارع ‪ ....‬بعيد ً‬ ‫جدا ‪.‬‬ ‫ هل عندكم تليفون ؟ مل يكن لدى أسرة “توليا” تليفون ‪ ،‬ولكنه تذكر رقم‬‫تليفون صديقه “سالفا” فقال هلا ‪:‬‬ ‫ نعم ‪ ...‬لكننى ال أتذكره ومتتم ببعض األرقام ‪.‬‬‫وهنا إبتسمت املساعدة وقالت له ‪:‬‬ ‫ كي��ف يكون لدي��ك تليفون وال تتذكره ‪ ...‬رمبا نس��يته م��ن اخلوف حينما‬‫وقعت أمام السيارة ‪ ...‬على العموم ‪ ،‬ال عليك ‪ ،‬سوف أحبث عنه فى دليل التليفون ‪.‬‬ ‫وسأهلا “توليا” واخلوف يبدو عليه ‪:‬‬ ‫ وملاذا تريدين االتصال مبنزلنا ؟‬‫ً‬ ‫جيب تبليغ أس��رتك مبا ح��دث ‪ ،‬ومن الضرورى أيضا أن تأتى والدتك الس��تالمك ‪.‬‬ ‫كنت أود أن أصاحبك إىل منزلكم ‪ ،‬ولكننى ال أستطيع التغيب عن العمل ‪.‬‬ ‫لكن “توليا” قال هلا ‪:‬‬ ‫ تقول�ين ه��ذا كما لو كن��ت ال أعرف الطريق ملن��زىل ‪ ...‬ال داع��ى لتوصيلى فأنا‬‫أعرف الطريق ً‬ ‫جيدا ‪.‬‬ ‫ ال‪ ،‬ياعزيزى ‪ ،‬لن أتركك تذهب مبفردك ‪ ،‬فرمبا تصدمك سيارة أخرى وأنت فى‬‫الطريق ‪ .‬وأخذت املس��اعدة “س�يرافيما أندرييفنا” البحث عن اس��م “أجانكوف” فى‬ ‫دلي��ل التليفون حت��ى وجدته‪ ...‬ومدت يدها حنو جهاز التليفون ‪ ،‬ورفعت الس��ماعة‬ ‫وطلبت الرقم املوجود أمامها بالدليل ‪ ...‬وكان “توليا” فى تلك اللحظات يراقبها بقلق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫موجودا فى منزل‬ ‫منتظرا النتيج��ة ‪ ،‬وكان أمله الوحيد أال يكون أحد‬ ‫وإضط��راب‬ ‫“س�لافا” غري أن أمله مل يتحقق وذهب س��دى ‪ ،‬وبعد نصف دقيقة كانت املس��اعدة‬ ‫تتحدث مع والدة “سالفا” وتقول ‪:‬‬ ‫ آل��و ! حضرت��ك حرم الس��يد أجونك��وف ؟ إننى أحت��دث معك من املستش��فى ‪،‬‬‫وعليك باحلضور فو ًرا إىل مستشفى ( ‪ ) ...‬من أجل ابنك “سالفا” ‪.‬‬ ‫من أجل سالفا ؟ سالفا ؟ ماذا حدث له ؟‬ ‫ مل حيدث له أى مكروه ‪ ،‬إنه موجود اآلن هنا فى املستشفى ‪ ...‬ال تنزعجى ‪ ...‬إنه‬‫‪191‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫خبري ‪ ....‬صدقينى ‪ ...‬إنه فى املستشفى وقد أعطيت له حقنة تيتانوس ‪.‬‬ ‫ حقنه تيتانوس ؟ ملاذا ؟‬‫ كم��ا تعلم�ين أن��ه ف��ى حالة ح��دوث ج��رح ألحد م��ا م��ن الض��رورى حقنه‬‫بالتيتانوس ‪.‬‬ ‫ أى جرح هذا ؟ من قال لك أنه قد ُجرح ؟‬‫ ليس به جرح كما تظنني ‪ ...‬أنه جمرد خدش فى جبهته وسيطيب عند املساء ‪...‬‬‫صدقينى فأنا ال أخدعك بل أقول لك احلقيقة ‪.‬‬ ‫ أصحيح خدش وليس جرح ؟ ولكن ما السبب الذى أدى به إىل ذلك؟‬‫ لقد صدمته س��يارة‪ ...‬ال‪ ،‬ال مل تصدمه‪ ،‬بل خدشته سيارة‪ .‬ال‪ ،‬ال ‪ ...‬مل ختدشه‪....‬‬‫ما الذى أقوله ؟ احلقيقة بينما كان يسري فى الطريق مرت سيارة جبانبه ومل يصب‬ ‫بشيء أقسم لك ‪ ...‬ال أريد ان أسبب لك ً‬ ‫قلقا ‪ ...‬إنه بصحة جيدة‪ ...‬إنه بصحة جيدة‪...‬‬ ‫صدقين��ى ‪ ...‬إنه بصحة جيدة ً‬ ‫جدا ‪ ...‬وملاذا تنزعجني طاملا مل ترينه بعد‪ ...‬إنه يرقد‬ ‫هن��ا باملستش��فى وأمام عين��ى وملاذا أك��ذب عليك ! فلت��أت لرتينه بنفس��ك ‪ ...‬ماذا؟‬ ‫إىل أي��ن تاتني ؟ العنوان ؟ آه العنوان ش��ارع ( ‪ ) ...‬مستش��فى ( ‪ ) ...‬ووضعت “س�يرافيما‬ ‫اندرييفنا” مساعة التليفون وهى تقول للصبى توليا ضاحكة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حاال ‪.‬‬ ‫ ها هى والدتك سوف تأتى‬‫قفز “توليا” من السرير عند مساعه كلمات املساعدة هذه ‪ ،‬لكنها أرقدته كما‬ ‫كان مرة أخرى وقالت له ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫أرق��د كما كنت واس�ترح ‪ ،‬مل��اذا نهضت من مكان��ك ‪ ،‬فمن املف��روض أن تلتزم‬ ‫‬‫الراحة فى السرير بعد احلقنة ‪ ...‬وعلى العموم سوف حتضر والدتك اآلن وستعودان‬ ‫ً‬ ‫سويا إىل املنزل ‪.‬‬ ‫رق��د “تولي��ا” وأخذ يفك��ر ‪ ،‬ماذا س��يفعل عندما تأت��ى والدة صديقه “س�لافا”‬ ‫وستجده ً‬ ‫بدال من ابنها “سالفا” ؟‬ ‫وب��دأ “تولي��ا” يفكر ف��ى أن يعرتف للمس��اعدة “س�يرافيما اندرييفن��ا” بأنه فى‬ ‫احلقيقة ليس سالفا ‪ .‬بل هو صديقه توليا غري أنه مل يستطع أن يعرتف للمساعدة‬ ‫ألنه��ا قد خرج��ت فى ه��ذه اللحظة من احلج��رة ‪ ،‬ومل تع��د لفرتة طويل��ة ‪ ،‬وعندما‬ ‫ش��عر تولي��ا أن املس��اعدة مل تعد أدرك أنه م��ن األفضل اآلن أن يهرب من املستش��فى ‪،‬‬ ‫فقد ختيل املوقف عند قدوم املس��اعدة ووالدة س�لافا وتدخ�لان احلجرة ولن جتداه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اضطرابا‬ ‫س��تبدءان فى البحث عنه فى املستشفى وفى نهاية األمر ستزداد والدة سالفا‬ ‫‪192‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫وتعود أدراجها إىل املنزل حيث س��تجد ابنها س�لافا وس��تطمئن عليه ‪ ،‬وبعد أن فكر‬ ‫توليا فى ذلك نهض من السرير ‪ ،‬ونزل بقدميه على األرض وما كادت قدماه‬ ‫تلمسان األرض ليبدأ الركض فى هذه اللحظة انفتح باب احلجرة ودخلت‬ ‫ً‬ ‫ومضطربا هنا‬ ‫املس��اعدة ومن ورائها والدة “س�لافا” وقد بدا وجهها ش��اح ًبا‬ ‫قالت املساعدة لوالدة “سالفا” ‪:‬‬ ‫ ها هو كما ترين بصحة جيدة ‪ ،‬ومعافى ً‬‫متاما واالبتسامة على‬ ‫وجهه ‪.‬‬ ‫ف��ى ذل��ك الوق��ت كان “تولي��ا” جيلس على الس��رير ‪ ،‬يبتس��م‬ ‫ابتس��امة بلهاء وهو ينظر إىل والدة “سالفا” ‪.‬وبعد أن ألقت والدة‬ ‫س�لافا نظرة جالت بها احلجرة كله��ا وكأنها مل تلحظ وجود‬ ‫“توليا” سألت وهنا وجهت األم كالمها إىل املساعدة قائلة ‪:‬‬ ‫ أين ابنى ‪ ....‬؟‬‫فأجابته��ا املس��اعدة “س�يرافيما‬ ‫اندرييفنا” وهى تشري بيدها جتاه‬ ‫توليا قائلة ‪:‬‬ ‫ ها هو ! أال تعرفني ابنك ؟‬‫ أين ابنى؟ موجهة س��ؤاهلا‬‫إىل توليا بصوت خافت ‪.‬‬ ‫ توليا ! أين سالفا ؟‬‫هنا تلعثم توليا وهو يقول‪:‬‬ ‫ ال أعرف ‪...‬‬‫ أمل تكونا ً‬‫م��ع��ا عند صديقكما‬ ‫جينيازايتسيف ؟ أين تركتما سالفا ؟‬ ‫توليا ! ال ختف عنى ً‬ ‫شيئا !‬ ‫قال��ت املمرض��ة “س�يرافيما‬ ‫أندرييفنا”‪:‬‬ ‫م ْ‬‫َ��ن توليا الذى تناديه ؟‬ ‫إنه يدعى سالفا ‪.‬‬ ‫‪193‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫تعجبت والدة سالفا قائلة‪:‬‬ ‫ أهذا هو سالفا؟‬‫ْ‬ ‫ً‬ ‫طبعا إنه سالفا‪َ ،‬من سيكون غريه؟‬‫اصغ ّ‬ ‫ْ‬ ‫إىل ما الذى تقولينه ؟ أريد أن أعرف أين ابنى ؟‬ ‫ ِ‬‫وترد املساعدة ‪:‬‬ ‫ وهل “سالفا” ليس ابنك ؟‬‫ “س�لافا” ابن��ى ‪ ،‬ولك��ن ه��ذا لي��س ابن��ى “س�لافا” ! إن ه��ذا صديق��ه “تولي��ا‬‫كليوكف��ن” ‪ .‬أتفهم�ين ما أق��ول ؟ كم مرة أق��ول لك هذا ! يا إهل��ى أكاد أفقد‬ ‫رشدى !‬ ‫ ثم توجه املساعدة كالمها إىل “توليا” قائلة ‪:‬‬‫ أمل تقل ىل أن امسك “س�لافا أجانوكوف” ؟ ‪ ...‬ثم توجه كالمها لوالدة س�لافا‬‫وهى تقول ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ س��احمينى يا س��يدتى ‪ ،‬فأنا مل أخطئ ‪ .‬فهو الذى قال ىل إن امسه “س�لافا” ‪ ،‬على‬‫الرغم من أنه ليس بسالفا ‪.‬‬ ‫وعادت املساعدة موجهة كالمها إىل “توليا” ‪:‬‬ ‫ ه��ل فق��دت صوابك ؟ هذه ليس��ت بدعاب��ة ‪ ،‬أم أن اخلوف رمبا قد يس��يطر عليك‬‫عندما وقعت جبانب عجالت السيارة ؟ ثم قالت لوالدة “سالفا” ‪:‬‬ ‫ أن��ت ي��ا س��يدتى ال تلومين��ه ‪ ،‬فرمبا قال هذا ألن��ه وقع حتت تأثري اخل��وف ‪ ،‬وهذا‬‫ً‬ ‫كثريا ما حيدث ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أح��دا ‪ ،‬لكننى أريد أن أعرف منك‬ ‫ أتعتقدي��ن أنن��ى ألومه على هذا ؟ أنا ال ألوم‬‫أين أجد ابين “سالفا” اآلن ؟‬ ‫ وم��ا يدرين��ى ي��ا س��يدتى ؟ أي��ن ابن��ك اآلن ؟ أال ترى بنفس��ك أن ابن��ك ليس فى‬‫املستشفى ؟‬ ‫ هل هذا يعنى أنه مل يقع حتت عجالت السيارة ؟‬‫ بالتأكيد مل حيدث له سوء ‪ ،‬وأعتقد إذا كان قد حدث له سوء كانوا سيأتون‬‫به إىل هنا يف املستشفى ‪.‬‬ ‫ثم وجهت والدة “سالفا” كالمها إىل “توليا” ‪:‬‬ ‫‪194‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫اص��غ ّ‬ ‫ ْ‬‫إىل ي��ا “توليا” ‪ ،‬قل ىل فقط متى تركت أنت و “س�لافا” منزل صديقكما‬ ‫ِ‬ ‫“جينيا” اليوم ؟‬ ‫ً‬ ‫فأجابها توليا قائال ‪:‬‬ ‫ وهل أنا ذهبت اليوم عند “جينيا” ؟‬‫ أمل تذهب��ا إلي��ه ؟ فق��د اعتقدت بأن��ك ذهبت الي��وم يف الصباح مع “س�لافا” إىل‬‫“جينيا” ؟‬ ‫ً‬ ‫ كن��ت فعال أنوى الذه��اب إليه ‪ ،‬ولكن هذا مل حيدث ‪ ،‬بل فجأة وجدت نفس��ى‬‫هنا !‬ ‫ وه��ل تعتق��د أن “س�لافا” موجود عن��د “جيني��ا” اآلن ؟ أال تتذكر رق��م تليفون‬‫“جينيا” ؟‬ ‫ ال ‪ ،‬ال أتذكره ‪.‬‬‫قالت املساعدة “سريافيما أندرييفنا” ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حسنا ‪ ،‬من املمكن معرفة رقم التليفون من دليل التليفون هذا ‪.‬‬ ‫‬‫وبسرعة أخذت والدة “سالفا” تبحث عن اسم “جينيا زايتسيف” من دليل التليفون‬ ‫واتصل��ت بالرقم ‪ ،‬ثم حتدثت مع ش��خص ‪ ،‬وقد اتضح أنه ابنها “س�لافا” فاطمأن قلبها‬ ‫وه��دأت ‪ ،‬وطلب��ت منه أثناء احلديث مع��ه العودة إىل املنزل ‪ ..‬ثم طلبت من املس��اعدة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وكوبا من املاء ‪.‬‬ ‫مهدئا‬ ‫“سريافيما أندرييفنا” أن حتضر هلا دوا ًء‬ ‫وعادت املساعدة تقول ‪:‬‬ ‫ اآلن جيب أن اتصل بوالدة “توليا” ‪ ،‬وإال سيصيبها الفزع من هول اخلرب ‪.‬‬‫ولكن والدة سالفا قالت هلا ‪:‬‬ ‫ ال ‪ ،‬ال ‪ ،‬ال داعى لالتصال بها ‪ ،‬وإال سيصيبها الفزع من هول اخلرب ‪.‬‬‫ ماذا تقولني ؟ كيف أكون مصد ًرا خلوفها وفزعها ؟ إننى أعرف ما جيب ً‬‫على أن‬ ‫أفعله يف مثل هذه املواقف ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أصطحب “توليا” إىل املنزل ‪ ،‬وعلى العموم ليس‬ ‫داع��ي إىل ذلك وم��ن األفضل أن‬ ‫ ال ٍ‬‫لديهم تليفون لالتصال بها ‪.‬‬ ‫أخذت والدة “س�لافا” “توليا” من يديه ‪ ،‬وودعت املساعدة وخرجت من املستشفى‬ ‫وهى تصطحب “توليا” وأخذت تسأله ‪:‬‬ ‫ قص على ما األسباب التى أدت إىل دخولك هذه املستشفى ‪.‬‬‫‪195‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫ً‬ ‫صباحا إىل سالفا ‪.‬‬ ‫أخذ توليا يقص عليها ما حدث له بالتفصيل ‪ ..‬كيف توجه‬ ‫ثم عاد أدراجه ألن ً‬ ‫ً‬ ‫وقطعا هذا فأل سيء ولذلك تأخر‬ ‫قطا قد قطع الطريق أثناء سريه ‪،‬‬ ‫عل��ى س�لافا ومل يلحق به باملنزل ‪ ،‬ث��م توجه إىل منزل “جيني��ا” ‪ ،‬لكنه فى الطريق‬ ‫إىل جيني��ا لع��ب بدراجة بعض الصبي��ة ‪ ،‬وكيف وقع فى صن��دوق القمامة ‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك لعب بالكرة الطائرة مع بعض األوالد من أقرانه ‪ ،‬وكسر بالكرة زجاج إحدى‬ ‫النوافذ ‪ ،‬وعلى أثر ذلك أمس��كت به سيدة عجوز ‪ -‬صاحبة الزجاج املكسور ‪ -‬والتى‬ ‫حاولت أن تذهب به إىل قسم الشرطة ‪ ،‬إال أنه استطاع الفرار منها وجرى عرب الطريق‬ ‫وكادت السيارات أن تصدمه ‪ .‬بعد ذلك محلوه إىل املستشفى ‪ ،‬حيث حقنوه حبقنة‬ ‫التيتانوس ‪.‬‬ ‫مل تستطع والدة “سالفا” االنقطاع عن الضحك ملا حيكيه “توليا” وقالت له ‪:‬‬ ‫ يالك من إنس��ان غريب ! أود أن تقول ىل بصراحة ‪ ،‬ماذا كان س��يحدث لك إذا مل‬‫تهتم مبرور القط أمامك ومضيت ً‬ ‫هادئا فى طريقك ؟‬ ‫فأجاب “توليا” ‪:‬‬ ‫ ما الذى كان سيحدث؟ أعتقد أنه لن حيدث ىل سوء‪ ...‬وأن كل شيء سيكون‬‫على ما يرام ‪ ،‬وكنت قد حلقت بسالفا باملنزل ولعبنا ً‬ ‫معا الشطرنج وما كنت ذهبت‬ ‫إىلجينيا وما كسرت الزجاج وما وقعت فى يد العجوز أو ارتطمت بى السيارة‪.‬‬ ‫ أال ت��رى أن كل م��ا ح��دث ل��ك كان نتيج��ة إميان��ك باخلراف��ات وتصديق��ك‬‫التفاهات؟‬ ‫ وما معنى كلمة خرافات هذه؟‬‫ أال تعرف معنى خرافات؟ ‪ -‬وهنا ضحكت والدة “س�لافا” ‪ -‬سأحاول قدر املستطاع‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫جاهال‪،‬‬ ‫بدائيا ‪،‬‬ ‫أن أش��رح لك هذا ‪ .‬أنت تعلم علم اليقني أن اإلنس��ان فى فرتة م��اكان‬ ‫ومل يك��ن حكم��ه صائ ًبا لكث�ير من األمور الت��ى حتدث حوله‪ ،‬ألنه مل يس��تطع‬ ‫أن يفسرأس��باب ذل��ك ‪ ...‬مثال ذلك ‪ :‬حينما كان حيدث خس��وف الش��مس مل يكن‬ ‫اإلنس��ان يس��تطيع أن يفس��ر تلك الظاهرة التى حتدث فجاة ‪ ،‬بل كان ينتابه الفزع‬ ‫وتصور أن مصيبة ما سوف حتل به ‪ ،‬كما اعتقد ً‬ ‫أيضا أنه إذا سار فى طريق ما ‪ ،‬وعرب‬ ‫ً‬ ‫راكضا فهذا يعنى الفأل السىء ونذير بالفشل واإلخفاق ‪ ....‬لكن‬ ‫قط أمامه الطريق‬ ‫بعدها ّ‬ ‫ً‬ ‫تعلم اإلنس��ان وأخذ يفس��ر ويعلل مس��تعينا بالعقل والعلم ‪ ،‬عرف الكثري ‪.‬‬ ‫فنحن اآلن نعلم ً‬ ‫متاما بأن ظاهرة خسوف الشمس حتدث نتيجة حجب القمر ألشعة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الش��مس ‪ ،‬وأن هذا بالطبع اليضر أحدا ‪ ،‬وأيضا ماذا يضري اإلنس��ان إذا عرب قط أمامه‬ ‫الطريق ‪.‬‬ ‫‪196‬‬


‫من زمن فات ‪ -‬الجزء الثانى‬

‫فأجاب “توليا”‪:‬‬ ‫ ً‬‫حقا ‪ ،‬ماذا ميكن أن حيدث ؟ ال ش��ي َء باملرة ‪ .‬فاإلنس��ان يس�ير فى طريقه كما‬ ‫يشاء ‪ ،‬وكذلك يركض القط كما يشاء فى طريقه ‪.‬‬ ‫ثم قالت والدة “سالفا”‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حس��نا ‪ ،‬إن��ك أدركت ذلك اآلن ي��ا “ توليا “ ‪ ،‬ولكن الش��يء احملزن عندما تعوق‬ ‫‬‫اإلنس��ان عن العمل خرافة م��ن اخلرافات كحادثة القط الذى ع�بر الطريق أمامك ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عزي��زا عليك قد وقع له حادث وأس��رعت أنت لنجدته‬ ‫صديقا‬ ‫مث�لا أن لديك‬ ‫ختي��ل‬ ‫ً‬ ‫وف��ى الطريق إليه عرب أمامك قط ما ماذا تفعل ؟ ه��ل تتوقف وتعود أدراجك بدال من‬ ‫أن تنقذه وتأخذ بيديه ؟‬ ‫ بالطبع لن أتوقف ‪ ،‬بل سأواصل الطريق كى أنقذ صديقى ‪.‬‬‫ أحسنت يا “توليا” ‪ ،‬على اإلنسان أن يفعل ما ميليه الواجب عليه وليس ما ميليه‬‫ً‬ ‫صباحا إىل “سالفا”‬ ‫عليه قط أو أمر تافه من هذا القبيل ‪ .‬ها أنت قررت أن تذهب اليوم‬ ‫ألن��ك كنت قد وعدته باللق��اء ‪ .‬وهذا يعنى أن من واجب��ك أن تذهب إليه فى املوعد‬ ‫احملدد‪ ،‬ولكنك بس��بب قط تافه أخذت تسري بال هدف وتتسكع فى الشوارع ‪ ،‬وفى‬ ‫النهاية كادت تدهمك إحدى السيارات ‪.‬‬ ‫عجي��ب ً‬ ‫حقا ع��امل األطفال ه��ذا !! ‪ .‬ففى الوق��ت الذى أحرز في��ه العلم جناحات‬ ‫عظيمة ‪ ،‬واستطاع العلماء أن يطلقوا الصواريخ من األرض إىل القمر والكواكب‬ ‫األخ��رى بدقة متناهية ‪ .‬كما اس��تطاع اإلنس��ان ً‬ ‫أيضا أن يق��وم برحالت متعددة‬ ‫إىل الفضاء جند أنه مازال بيننا أطفال يعتقدون فى خرافات تافهة ال أس��اس هلا من‬ ‫الصح��ة ‪ ،‬كالتش��اؤم من ذل��ك القط الذى ع�بر الطريق‬ ‫أثناء سريك ‪.‬‬ ‫فى الوقت الذى كانت والدة “سالفا” تشرح “لتوليا”‬ ‫عن خطأ االعتقاد فى هذه اخلرافات وجدا نفس��هما‬ ‫ق��د وصال بالق��رب م��ن الش��ارع الذى يقط��ن فيه‬ ‫“توليا”‪ .‬وهنا توقف “توليا” وقال لوالدة “سالفا”‪:‬‬ ‫ أرجوك أال ترافقينى إىل منزىل ودعينى أصل‬‫إىل هناك مبفردى ‪.‬‬ ‫وافقت والدة “سالفا” على ذلك قائلة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حسنا يا “توليا”‪ ،‬هذا ماكنت أتوقعه ‪.‬‬ ‫‬‫‪197‬‬


‫قصص وحكايات للبنين والبنات‬

‫أسرع “توليا” إىل منزله خبطوات واسعة وهو يقول فى نفسه ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫محدا هلل فإن‬ ‫ ي��ا هل��ا من محاقة ق��د ارتكبتها نتيجة اعتقادى فى اخلراف��ات ‪.‬‬‫كل شيء قد انتهى على خري ‪ .‬لكن احلالة كانت ستزداد سو ًءا لو مل يستطع سائق‬ ‫السيارة التحكم فى فراملها فى الوقت املناسب ‪.‬‬ ‫فج��أة توقف احلوار الذى كان يدور بينه وبني نفس��ه وذل��ك عندما ظهر قط بنى‬ ‫اللون قد خرج من أحد املنازل ‪ ،‬وكان قد فرد ذيله كاملاسورة وعرب الطريق بسرعة‬ ‫فارتع��د “توليا” من املفاجأة وتس��مر فى مكانه وأخذ “توليا” يفكر ويس��تعيد ما‬ ‫حدث له منذ الصباح ويقول فى نفسه ‪:‬‬ ‫ مل حيالفنى احلظ منذ الصباح ويبدو أن س��وء احلظ س��يالزمنى ط��وال اليوم ‪ ،‬يا‬‫لألس��ف ‪ ،‬ماذا أنا بفاع��ل اآلن ؟ ‪ .‬ماذا إذا تراجعت وغ�يرت طريقى كما فعلت صباح‬ ‫اليوم ً‬ ‫قطعا سأتعرض ألشياء سيئة ‪ .‬إما أن أسقط فى صندوق القمامة أو يسقط فوق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رأسى مثال قالب من الطوب وبذلك لن أعود إىل املنزل أبدا ‪.‬‬ ‫أخ��ذ “توليا” ينظ��ر حوله فى مجيع االجتاهات وهو فى ح�يرة من أمره ثم قال فى‬ ‫نفسه ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ ال‪ ،‬لن أتراجع ‪ ،‬لقد حان الوقت أن القرار النهائى بهذا الش��ان ‪َ .‬من أكون ؟ إنس��ان‬‫أنا أم لس��ت بإنس��ان؟ نعم إننى إنس��ان ‪ ،‬إننى كائن حى ميتاز عن الكائنات األخرى‬ ‫بعقله والشعور بالفخر ‪ ....‬فاإلنسان استطاع أن يطلق الصواريخ فى الفضاء ّ‬ ‫وسخر له‬ ‫الطاقة النووية خلدمة اإلنس��ان واخرتع احلاس��ب اآلىل ‪ .‬فلذا جيب على اإلنس��ان أال‬ ‫يرتب��ط باخلراف��ات واخلزعبالت وخياف من قط ‪ ،‬بل جيب علي��ه أن يفعل مبا ميليه‬ ‫علي��ه الواجب ‪ .‬وماذا ميليه ً‬ ‫على الواجب ؟ على بأن أواصل الطريق للذهاب إىل املنزل‬ ‫ألتناول طعامى ‪ ،‬ألن أمى ستكون فى انتظارى بقلق شديد لتأخريى ‪.‬‬ ‫كم��ا توقع “توليا” كانت والدته تقف فى حرية وقلق على ناصية الش��ارع وهى‬ ‫تراق��ب ابنها من بعيد وقد انتابها الفزع خش��ية أن يكون قد حدث له مكروه لقد‬ ‫رأت��ه وقد وقف بعض الوقت وس��ط الرصيف وهو فى حرية من أم��ره ‪ ،‬وفجأة َّ‬ ‫لو َح بيده‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضاربا عرض احلائط ً‬ ‫ً‬ ‫كاسرا خلفه حائط‬ ‫نش��يطا إىل األمام‬ ‫رافعا رأس��ه فخو ًرا وسار‬ ‫اخلوف ‪.‬‬

‫‪198‬‬


‫الفهرس‬ ‫رقم‬ ‫الصفحة‬

‫العنـــــوان‬ ‫تلستوى ‪ :‬أديب يدعو لعودة القيم اإلنسانية إلى مكانتها “بقلم د‪ .‬حسين‬ ‫ليف نيكاليفتش تلستوى وعالم الطفل‬

‫الشافعى”‪..............‬‬

‫‪5‬‬

‫‪..................................................................................‬‬

‫‪7‬‬

‫الجزء األول ‪:‬‬ ‫ السعاده أم المال‬‫ الحرب أم السلم ‪.......................................................................................................‬‬‫ الثوب الملكي الجديد ‪...............................................................................................‬‬‫ حورية البحر واللؤلؤة ‪............................................................................................‬‬‫ الشقيقان ‪..................................................................................................................‬‬‫ طفل لقيط ‪................................................................................................................‬‬‫ األمير وصديقاه التاجر والفالح ‪..............................................................................‬‬‫ التاجران ‪.................................................................................................................‬‬‫ سبب الشر في الدنيا ‪................................................................................................‬‬‫ الرفيقان ‪..................................................................................................................‬‬‫ الغراب والثعلب ‪......................................................................................................‬‬‫ األسد والفأر ‪..........................................................................................................‬‬‫ البعوضة واألسد ‪.....................................................................................................‬‬‫ الذئب والسيدة العجوز ‪.............................................................................................‬‬‫ الوزير عبد اهلل ‪........................................................................................................‬‬‫ األسقف واللص ‪.......................................................................................................‬‬‫ الكذاب ‪....................................................................................................................‬‬‫ الحظ ‪.......................................................................................................................‬‬‫ القاضي العادل ‪........................................................................................................‬‬‫ القيصر والصقر ‪.....................................................................................................‬‬‫ القيصر والقميص ‪...................................................................................................‬‬‫ القيصر بطرس األول والفالح البسيط ‪.....................................................................‬‬‫ نواة البرقوق ‪...........................................................................................................‬‬‫ الجد العجوز والحفيد ‪...............................................................................................‬‬‫ األسد والكلب ‪..........................................................................................................‬‬‫ القطة الصغيرة ‪.......................................................................................................‬‬‫ البقرة ‪......................................................................................................................‬‬‫ حبة القمح التى في حجم بيضة الدجاج ‪....................................................................‬‬‫ الفالح وعروس البحر ‪..............................................................................................‬‬‫ اختفاء حقيبة نقود التاجر الثرى ‪...............................................................................‬‬‫ اهلل يمهل وال يهمل ‪..................................................................................................‬‬‫‪......................................................................................................‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪75‬‬


‫تابع الفهرس‬ ‫رقم‬ ‫الصفحة‬

‫العنـــــوان‬ ‫الجزء الثاني ‪:‬‬ ‫* قنسطنطين ديميترفيتش أوشينسكى ‪:‬‬ ‫ الحصان األعمى‬‫ حكمة الصبر ‪..........................................................................................................‬‬‫ الرياح والشمس ‪.....................................................................................................‬‬‫ الماعزان ‪...............................................................................................................‬‬‫ الثعلب والماعز ‪.......................................................................................................‬‬‫ األطفال في الغابة الصغيرة ‪.....................................................................................‬‬‫ الصقر والقطة ‪.......................................................................................................‬‬‫‪ -‬البيضة الغريبة ‪.......................................................................................................‬‬

‫‪87‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪101‬‬

‫* قصص شعبية روسية ‪:‬‬ ‫ الصديقان‬‫ الماء أصل الحياة ‪..................................................................................................‬‬‫ السجادة الزرقاء ‪....................................................................................................‬‬‫ طائر الوقواق ‪.........................................................................................................‬‬‫ العدالة ‪...................................................................................................................‬‬‫ الصداقة ‪................................................................................................................‬‬‫ حكاية الذئب المكار ‪................................................................................................‬‬‫ راعى الغنم الحكيم ‪................................................................................................‬‬‫ الرجل الكريم وصاحبه البخيل ‪................................................................................‬‬‫ حكاية جميلة ‪ ..‬الفتاة اليتيمة ‪....................................................................................‬‬‫ قصة الثعلب المكار والثعبان األنانى ‪.......................................................................‬‬‫‪ -‬سر الشباب ‪.............................................................................................................‬‬

‫‪103‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪124‬‬ ‫‪127‬‬ ‫‪130‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪139‬‬

‫‪................................................................................‬‬

‫‪...................................................................................................‬‬

‫‪....................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫* ثالث حكايات من بلد األهرامات لألديبة الروسية “صامويال فينجاربت” ‪:‬‬ ‫ الحكاية األولى الساحر جيدى‬‫ الحكاية الثانية المالح والثعبان ‪................................................................................‬‬‫ الحكاية الثالثة كيف كافأ فرعون جنده الشجاع ‪.......................................................‬‬‫‪.......................‬‬

‫‪..................................................................................‬‬

‫* توليا كليوكيفن لألديب الروسي نيكاالى نوسف ‪:‬‬ ‫‪ -‬مغامرات توليا كليوكيفن‬

‫‪................................................................‬‬

‫‪.........................................................................................‬‬

‫‪142‬‬ ‫‪144‬‬ ‫‪154‬‬ ‫‪162‬‬ ‫‪170‬‬ ‫‪171‬‬


‫السرية الذاتية‬

‫د‪ .‬محمد عباس محمد‬

‫ من مواليد القاهرة‪.‬‬‫ أستاذ متفرغ بقسم اللغات السالفية ‪ ،‬ووكيل كلية األلسن األسبق – جامعة عني‬‫شمس‪.‬‬ ‫ له العديد من من املؤلفات ‪ ،‬والترجمات ‪ ،‬واملقاالت باللغتني العربية والروسية‪:‬‬‫ •«بني روسيا والشرق العربى» ‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫مشاركة‪.‬‬ ‫ •إعادة إصدار ترجمة كتاب «اإلسالم بني احلقيقة واإلدعاء» ‪ ،‬القاهرة‪ .‬مشاركة‪.‬‬ ‫ •من معجزات القرآن الكرمي ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫ •إميان رائد الفضاء األمريكى نيل ارمستروجن باملعجزات اإللهية ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫ •«قصص وحكايات للبنني والبنات» ‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫مشاركة‪.‬‬ ‫ •ترجمة كتاب «عالقة اإلسالم باالديان األخرى» ‪ ،‬القاهرة‪ .‬مشاركة‪.‬‬ ‫ •فى ذكرى أمير الشعراء الروسى الكسندر بوشكن وقصيدته «محاكاة القرآن»‪،‬‬ ‫القاهرة‪.‬‬ ‫ •مشكلة عالم األطفال والكبار فى القصص القصيرة عند كل من األديب الروسى‬ ‫أ‪ .‬تشييخف واألديب املصرى يوسف إدريس ‪ ،‬موسكو‪( .‬باللغة الروسية)‪.‬‬ ‫ •األطفال فى القصة القصيرة عند أنطون تشييخف ويوسف إدريس ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫ •«مشكلة األخالق» فى رواية « الشاطئ » للكاتب يورى بوندريف ‪ ،‬وقصة «عش‬ ‫وتذكر» فالنبني راسبوتني ‪ ،‬القاهرة‪( .‬باللغة الروسية)‪.‬‬ ‫ •املؤثرات اإلسالمية فى الشعر الروسى فى القرن التاسع عشر ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫ •مسؤولية مصير اإلنسان والعالم فى رواية «يوم أطول من مائة عام» للكاتب‬ ‫السوفيتى جنكيز أيتماتف ‪ ،‬موسكو‪( .‬باللغة الروسية)‪.‬‬ ‫ •خصائص الرواية التاريخية « ابنة اململوك » للكاتب محمد أبو فريد أبو حديد ‪،‬‬ ‫موسكو‪( .‬باللغة الروسية)‪.‬‬


‫السرية الذاتية‬

‫د‪ .‬ناديه إمام أحمد سلطان‬

‫ من مواليد االسكندرية‪.‬‬‫ أستاذ متفرغ ‪ ،‬ورئيس مجلس اللغات السالفية األسبق ‪ ،‬كلية األلسن ‪ ،‬جامعة عني‬‫شمس ‪ ،‬ورئيس مجلس قسم اللغة الروسية األسبق ‪ ،‬كلية السياحة والفنادق ‪ ،‬جامعة‬ ‫القاهرة ‪ ،‬فرع الفيوم ‪.‬‬ ‫ لها العديد من من املؤلفات ‪ ،‬والترجمات ‪ ،‬واملقاالت باللغتني العربية والروسية‪:‬‬‫ •«بني روسيا والشرق العربى» ‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫مشاركة‪.‬‬ ‫ •إعداد كتاب بعنوان «أنطون تشييخف بعيون مصرية» ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫ •اعادة إصدار ترجمة كتاب «اإلسالم بني احلقيقة واالدعاء» ‪ ،‬القاهرة ‪ .‬مشاركة‪.‬‬ ‫ •ودا ًعا فارس الرواية العربية قبل وبعد جائزة نوبل ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫ •«قصص وحكايات للبنني والبنات» ‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫مشاركة‪.‬‬ ‫ •ترجمة كتاب «عالقة اإلسالم باألديان األخرى» ‪ ،‬القاهرة‪ .‬مشاركة‪.‬‬ ‫ •إعداد كتاب بعنوان «من كاتب هزلى إلى أديب يحتل القمة» ‪ ،‬يتضمن احملاضرات‬ ‫التى ألقاها البروفيسور ف‪ .‬ب‪ .‬كاتايف فى الفترة من ‪ 01 - 3‬مارس بكلية‬ ‫األلسن ‪ ،‬القاهرة‪( .‬باللغة الروسية)‬ ‫ •فى األدب الروسى‪:‬‬ ‫ حرب روسيا ضد نابليون وتطور األدب الروسى ‪.‬‬‫ بوشكن بداية البدايات‪.‬‬‫‪ -‬بيلينسكى ‪ ...‬كفاح ثورى ونقد أدبى ‪.‬‬


‫ داستايفسكى وتالستوى وتشييخف‪...‬ثالوث النهضة األدبية ‪ ،‬الشارقة‪.‬‬‫ •املؤثرات الشرقية فى مؤلفات الكتاب الروس فى القرن التاسع عشر ‪ ،‬موسكو‪.‬‬ ‫(باللغة الروسية)‬ ‫ •تصوير الفالحني فى مؤلفات أ‪ .‬ب‪ .‬تشييخف ‪ ،‬القاهرة‪( .‬باللغة الروسية)‬ ‫ •انعكاس املشاكل األخالقية فى رواية «آنا كارينينا» للكاتب الروسى ل‪ .‬تلستوى‪،‬‬ ‫القاهرة‪( .‬باللغة الروسية)‬ ‫ •مشكلة الرواية املعاصرة دراسة حتليلية لروايتى «الشاطئ» و « االختيار»‬ ‫للكاتب الروسى يورى بوندريف ‪ ،‬القاهرة‪( .‬باللغة الروسية)‬ ‫ •أهمية النصوص األدبية فى تدريس اللغة الروسية كلغة أجنبية ‪ ،‬موسكو‪.‬‬


‫السرية الذاتية‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫د‪ .‬حسـني الشـافعى‬

‫•من مواليد القاهرة أكتوبر ‪1957‬‬ ‫•بكالوريوس هندسة املطرية ‪ -‬جامعة حلوان ‪1982 -‬‬ ‫•ماجستير الهندسة ‪ -‬معهد بوليتيكنيك ليننجراد ‪1988 -‬‬ ‫•دكتوراة الهندسة ‪ -‬معهد الطاقة مبوسكو ‪1991 -‬‬ ‫•دكتوراة العلوم ‪ -‬األكادميية األوروبية للمعلومات ببلجيكا ‪2003 -‬‬

‫ يرأس حترير مجلة «أنباء روسيا» ‪ -‬منذ ‪ ، 2006‬عالوة على رئاسة حترير كل من مجلة‬‫«الفضاء الروسي» ‪ ،‬و «كازاخستان اليوم» ‪.‬‬ ‫ يرعى مشرو ًعا جلمع اخملطوطات العربية ببلدان االحتاد السوفيتى السابق ‪.‬‬‫ أصدر عشرات من الكتب األدبية ‪ ،‬والفنية املترجمة عن أدباء سوفيت وروس للعربية‪.‬‬‫ ترجم أكثر من مائة كتاب من اللغات الروسية واألوكرانية إلى اإلجنليزية في موضوعـات‬‫«علوم وتكنولوجيا وتطبيقات الفضاء» و «املواد والتكنولوجيات اجلديدة»‪.‬‬ ‫ يعمل مستش��ارًا لوكالة الفضاء الروس��ية للشرق األوس��ط ‪ ،‬ولعديد من املؤسسات‬‫الصناعية الروس��ية ‪ -‬األوكرانية ‪ -‬البيلالروس��ية ‪ -‬وغيرها ‪ ،‬ويشارك في عدد من املشروعات‬ ‫اإلستراتيجية لهذه البلدان بالشرق األوسط ‪.‬‬




‫دار نشر ‪ .....‬أنباء روسيا‬

‫رئيس مجلس االدارة ورئيس التحرير‬

‫د ‪ .‬حســـين الشـــافعى‬

‫للمراسالت ‪:‬‬ ‫القاهرة ‪ -‬مدينة العبور‬ ‫‪ 44971‬مكتب بريد جمعية أحمد عرابي‬ ‫ص ‪ .‬ب ‪72 .‬‬ ‫‪Tel. - Fax: + ( 202 ) 24 77 38 70 - 71‬‬ ‫‪E-mail : h.elshafie57@mail.ru‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.