مهاتير بن محمد يتحدث عن العالم المعاصر

Page 1



‫الناشر‬ ‫رئيس جملس اإلدارة ورئيس التحرير‬

‫د‪ .‬حســـني الشــــــافعي‬ ‫‪h.elshafie57@mail.ru‬‬ ‫املراسالت‬ ‫القاهرة – مدينة العبور‬

‫‪ 44971‬مكتب بريد مجعية أمحد عرابي‬

‫ص‪ .‬ب ‪72 .‬‬ ‫‪Tel. & Fax: + (202) 24 77 38 70 & 71‬‬ ‫‪E-mail: secertary_ert@yahoo.com‬‬ ‫التصحيح واملراجعة‬ ‫حامد أمحد حممد‬

‫اإلخراج الفين‬ ‫مــى مـجـدى‬ ‫حترير‬

‫نور اهلدى احلسن عبد الكريم‬

‫شيماء حممد الشافعى‬ ‫الطباعة‬ ‫دار الطباعة املتميزة‬ ‫مدينة العبور – القاهرة‬

‫‪Tel. & Fax: + (202) 4478 96 44 & 46‬‬

‫الطبعة الثانية‬

‫‪2014‬‬

‫مجيع حق��وق الطب��ع والنش��ر حمفوظة‬ ‫للناشر ‪.‬‬ ‫ال حيق إعادة طبع أو نس��خ حمتويات هذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضوئيا دومنا ٌ‬ ‫إذن‬ ‫إلكرتوني��ا أو‬ ‫الكتاب‬ ‫كتابي من الناشر ‪.‬‬

‫رقم اإليداع‬

‫بالتعاون مع‬ ‫اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم‬

‫‪При содействии‬‬

‫‪eгипетско –российской‬‬ ‫‪ассоциации по культуре и науке‬‬ ‫رئيس جملس األمناء‬

‫رئيس جملس اإلدارة‬

‫ا‪.‬د فيتاىل ناؤمكني‬

‫د‪.‬حسني الشافعى‬


‫مهاتري بن حممد‬ ‫يتحدث عن العامل املعاصر‬ ‫( حوار مع فيتاىل ناومكني )‬



‫مهاتري بن حممد‬ ‫يتحدث عن العامل املعاصر‬ ‫( حوار مع فيتاىل ناومكني )‬ ‫ترمجة‬ ‫خريى الضامن‬



‫تقديم‬ ‫قبل فرتة من الزمن حالفنى احلظ فى مدينة بوتراجايا بلقاء‬ ‫مؤسس ماليزيا احلديثة وصانع « املعجزة املاليزية » الدكتور‬ ‫مهاتري بن حممد وتهنئته بعيد ميالده السادس والثمانني ‪ .‬بدا‬ ‫ً‬ ‫ونشاطا مما فى سنه‬ ‫الدكتور مهاتري ‪ ،‬كالعادة ‪ ،‬أكثر حيوية‬ ‫املتقدمة ‪ .‬وجرى بيننا حوار مستفيض عن العامل املعاصر ‪ ،‬وعن‬ ‫اإلسالم ‪ ،‬وبالطبع عن ماليزيا وخصوصيات جتربتها التارخيية ‪.‬‬ ‫وكانت بعض األسئلة التى طرحتها على الزعيم السابق هلذه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحمرجة ‪ .‬فى أدناه نص احلوار مع حملة‬ ‫معقدة‬ ‫البالد املدهشة‬ ‫موجزة عن حياة الدكتور « مهاتري بن حممد» بقلم الدكتور‬ ‫ً‬ ‫جيدا على الشأن املاليزى والذى حيب‪،‬‬ ‫«فالدميري ساوتوف » املطلع‬ ‫مثلى ‪ ،‬ماليزيا وأهلها ‪.‬‬ ‫الربوفيسور ‪ /‬فيتاىل ناومكني‬ ‫مدير معهد اإلستشراق ألكادميية العلوم الروسية‬ ‫عضو مراسل فى األكادميية‬ ‫رئيس جملس األمناء‬ ‫للجمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم‬

‫‪7‬‬



‫مهاتري بن حممد‬ ‫( حملة موجزة عن حياته )‬ ‫ولد مهاتري بن حممد فى العشرين من ديسمرب عام ‪1925‬‬ ‫فىأسرة املعلم « حممد اسكندر » مبدينة آلور سيتار ( والية‬ ‫كيداه ) ‪ .‬والده مسلم هندى من والية « كرياال » فىجنوب اهلند‪.‬‬ ‫وأمه « فان تيمبوفان » ماليوية من أحد أحفاد زعماء كيداه ‪ .‬و قد‬ ‫أشار مهاتري نفسه إىل أن إلختالط األجناس ً‬ ‫ً‬ ‫إجيابيا فىوراثته ‪.‬‬ ‫أثرا‬ ‫عاش مع أسرته ويالت اإلحتالل اليابانى ( ‪، ) 1945 – 1942‬‬ ‫ً‬ ‫كثريا فى التثقيف الذاتى ‪،‬‬ ‫وعانى من الفقر واحلرمان ‪ .‬إجتهد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خصوصيا باملواد الدراسية اإلجتماعية وبالسرية‬ ‫إهتماما‬ ‫وأبدى‬ ‫النبوية وبنشاط احلكام املصلحني الكبار مثل ‪ :‬إمرباطور‬ ‫اليابان « موسوهيتو » ( واضع إصالحات مايدزى ) ‪ ،‬و « بطرس‬ ‫األكرب » ‪ ،‬و « كمال أتاتورك » ‪ .‬ونشر مقاالت فى الصحف‬ ‫احمللية عن حياة املاليو ‪.‬‬ ‫فى عام ‪ 1946‬بدأ مهاتري ميارس السياسة ‪ ،‬فإنتسب إىل املنظمة‬ ‫املاليوية الوطنية املتحدة التى تقوم أيديولوجيتها على التوفيق‬ ‫بني اإلسالم وبني النزعة القومية املاليوية املعتدلة ‪ .‬وقادت هذه‬ ‫املنظمة نضال شعب املاليو الربيطانية فى سبيل اإلستقالل‬ ‫حتى تكلل بالنجاح فى عام ‪. 1957‬‬ ‫‪9‬‬


‫فى عام ‪ 1947‬تلقى منحة دراسية من سلطات املاليو الربيطانية‬ ‫لدراسة الطب فى كلية إدوارد السابع فى سنغافورة ‪.‬‬ ‫وفى عام ‪ 1953‬خترج من كلية الطب فى جامعة سنغافورة ‪،‬‬ ‫وباشر العمل التدريسى فى جامعة املاليو ‪ .‬وفى عام ‪ 1957‬إفتتح‬ ‫أول مستوصف خاص فى واليته ( كيداه ) ومارس الطب هناك‬ ‫طوال سبع سنوات ‪.‬‬ ‫إنتخب ً‬ ‫وفى عام ‪ُ 1964‬‬ ‫نائبا فى الربملان على قائمة احلزب املوحد‬ ‫احلاكم ( ائتالف املنظمة املاليوية الوطنية املتحدة ‪ ،‬والرابطة‬ ‫املاليوية الصينية ‪ ،‬واملؤمتر املاليوى اهلندى ) ‪ .‬وذاع صيته هناك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ماليويا يقاوم األحزاب التى متثل سكان البالد‬ ‫قوميا‬ ‫بصفته‬ ‫من أصل صينى بالشيوعية والشوفينية العنصرية ‪ ،‬ويدافع عن‬ ‫مصاحل املاليويني األصليني « البوميبوترا » ‪.‬‬ ‫بعد اإلشتباكات اإلثنية الدموية فى ( ‪ 31‬مايو ‪) 1969‬‬ ‫إتهم مهاتري السكان الصينيني ورئيس الوزراء « تنكو عبد‬ ‫الرمحن» بإثارة الفتنة ‪ ،‬وطالب بإستقالة احلكومة ‪ .‬إال أنه‬ ‫ُفصل من املنظمة املاليوية املتحدة ‪ ،‬وفقد مقعده النيابى ‪ .‬وفى‬ ‫ً‬ ‫مناضال فى سبيل‬ ‫املقابل اكتسب شعبية واسعة بصفته‬ ‫مصاحل املاليويني ‪ .‬واستغل مهاتري فرتة أفول جنمه الوقتى آنذاك‬ ‫لصياغة آرائه السياسية والرتويج هلا ‪ .‬وفى عام ‪ 1970‬ألف كتاب‬ ‫ّ‬ ‫وضمنه رؤيته ألسباب ختلف السكان‬ ‫« معضلة املاليو »‬ ‫األصليني املاليويني ‪ُ .‬‬ ‫ومنع توزيع الكتاب إىل أن توىل مهاتري‬ ‫منصب رئيس الوزراء فى عام ‪ . 1981‬وقبل ذلك ناشد الزعماء‬ ‫‪10‬‬


‫الشباب فى املنظمة املاليوية املتحدة هذا السياسى احملبوب من‬ ‫ً‬ ‫عضوا‬ ‫قبل الشعب أن يعود إىل املنظمة ‪ .‬وفى عام ‪ 1973‬صار‬ ‫فى جملس الشيوخ ‪ .‬وفى ظل تصاعد املشاعر القومية املاليوية ‪،‬‬ ‫وبرتشيح من رئيس الوزراء « تون عبد الرزاق » شغل مهاتري منصب‬ ‫وزير التعليم ونائب رئيس املنظمة املاليوية الوطنية املتحدة ‪،‬‬ ‫وبذلك دخل الساحة السياسية من أوسع أبوابها ‪.‬‬ ‫فى عام ‪ 1976‬توىل مهام نائب رئيس الوزراء « حسني عون » ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رئيسا‬ ‫وبعد وفاة األخري فى ( ‪ 16‬يوليو عام ‪ ) 1981‬صار مهاتري‬ ‫للمنظمة املاليوية وللحكومة ‪ ،‬فصعد إىل قمة اهلرم احلزبى‬ ‫احلاكم فى البالد ‪ .‬ظل مهاتري بن حممد فى منصب رئيس الوزراء‬ ‫أكثر من عشرين ً‬ ‫عاما حتى ( ‪ 31‬أكتوبر ‪ ) 2003‬واصل خالهلا‬ ‫تطبيق أفكاره لتحويل ماليزيا إىل دولة عصرية ذات اقتصاد‬ ‫متطور وسياسة داخلية وخارجية مستقلة ‪ ،‬كما جاهد فى بناء‬ ‫جمتمع قائم على القيم اآلسيوية واملاليزية األصيلة ‪ .‬وسعى‬ ‫إىل التخلص من التخلف التارخيى للقومية املاليوية وإحالل‬ ‫التكافؤ بني « البوميبوترا » وبني غري املاليويني ‪ ،‬وتوفري‬ ‫مكانة متكافئة ملاليزيا فى العالقات مع الدول الغربية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإعتبارا من عام ‪ 1981‬شرع بتطبيق نظريته فى « التطلع إىل‬ ‫املشرق » والتى تركز على إقتباس النمط اليابانى فى تنظيم‬ ‫االقتصاد وإدارته ‪ .‬وكذلك فى سلوكيات العمل واإلنضباط ‪.‬‬ ‫وفى عام ‪ 1983‬أعلن مهاتري « سياسة اخلصخصة اجلديدة »‬ ‫التى كان يراد هلا أن حتفز تشغيل الثروة الوطنية املرتاكمة ‪،‬‬ ‫‪11‬‬


‫وإزالة كل ما يعيق فاعلية القطاعني العام واخلاص ‪ .‬واقتبست‬ ‫ماليزيا من النموذج اليابانى مبدأ الشراكة بني هذين القطاعني‪،‬‬ ‫حبيث تكون الدولة ‪ ،‬حبسب فكرة مهاتري ‪ ،‬متكاملة‬ ‫يشكل فيها القطاع اخلاص األساس املاىل واالقتصادى للبالد ‪،‬‬ ‫فيما تؤمن احلكومة التدابري اللوجستية وتوفر اخلدمات ‪.‬‬ ‫وقد حقق مهاتري بن حممد جناحات مذهلة فى حتديث البالد‪،‬‬ ‫وتصفية خملفات اإلقطاعية الشرقية ‪ ،‬ورفع مستوى حياة‬ ‫اإلثنية املاليوية ودورها االقتصادى ‪ .‬كل ذلك بفضل املثابرة‬ ‫واإلصرار وسعة األفق والقدرة على رسم املهمات اإلسرتاتيجية ‪،‬‬ ‫واإلجتهاد فى تنفيذها باإلعتماد على تأييد األوساط الواسعة‬ ‫من السكان ‪ ،‬برغم العقبات وبصرف النظر عن معارضة بعض‬ ‫الشرائح اإلجتماعية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا إىل دولة‬ ‫وفى مطلع التسعينات حتولت البالد املتخلفة‬ ‫صناعية زراعية متقدمة هلا مكانتها احملرتمة بني بلدان جنوب‬ ‫شرق آسيا ‪ .‬وطرح رئيس الوزراء برنامج « رؤية العام ‪ »2020‬حبيث‬ ‫يصار إىل تنفيذه على مخسة مراحل‪ ،‬ومت مبوجبه بناء مؤسسات‬ ‫إنتاجية كربى فى ميادين صناعة السيارات والتعدين وغريها ‪،‬‬ ‫وتطوير البنية التحتية للنقليات ‪ .‬وباتت ماليزيا فى عداد الدول‬ ‫الرائده فى املنطقة من حيث وتائر النمو االقتصادى ‪ .‬كما تدين‬ ‫ماليزيا ملهاتري بن حممد بالفضل فى مسعتها الرفيعة للغاية على‬ ‫الساحة الدولية ‪.‬‬ ‫وعندما أخذت املنافسات اآلسيويات ( الصني والفيتنام واهلند)‬ ‫‪12‬‬


‫ً‬ ‫وظروفا استثمارية أكثر جاذبية‬ ‫التى متلك عمالة رخيصة‬ ‫ّ‬ ‫تضيق اخلناق على ماليزيا وتزحيها من املواقع األمامية متكن‬ ‫مهاتري ‪ ،‬على عجل وبكل مرونة ‪ ،‬من تغيري النهج اإلسرتاتيجى‬ ‫للبالد ‪ ،‬والتوجه صوب تسريع إستخدام وتطوير التقنيات‬ ‫املعلوماتية اإللكرتونية الفائقة احلداثة ‪ .‬وفى سياق هذا‬ ‫النهج أعلن فى عام ‪ 1996‬عن وضع برنامج دوىل لفتح « رواق‬ ‫إعالمى»فائق السرعة كأداة لتحديث ماليزيا بأفضل صورة ‪.‬‬ ‫وبدأ إنشاء خط هائل لإلتصاالت واملواصالت فى منطقة‬ ‫العاصمة يضم اإلتصال باأللياف الضوئية ‪ ،‬والنقل بالسكك‬ ‫احلديدية ‪ ،‬وطرق السيارات ‪ ،‬واملالحة النهرية ‪ .‬ومت ربط العاصمة‬ ‫ً‬ ‫سريعا ‪ ،‬ويقع قربه مطار‬ ‫مبيناء ( كالنج) البحرى الذى يتطور‬ ‫دوىل فائق احلداثة ‪.‬‬ ‫وفى منطقة « الرواق اإلعالمى » ‪ ،‬عند منتصف الطريق بني‬ ‫العاصمة وامليناء ‪ ،‬باشر رئيس الوزراء بناء العاصمة اإلدارية‬ ‫للبالد بوتائر متسارعة ‪ .‬وأطلقت عليها تسمية ( بوتراجايا )‬ ‫ً‬ ‫تكرميا لعبد الرمحن بوترا ‪ -‬أول رئيس وزراء ملاليزيا ‪ . -‬ونقلت‬ ‫إىل هنا من ( كواال – لومبور ) أهم الدوائر احلكومية ‪ ،‬كما‬ ‫ترتكز املوجودات التقنية وأهم مراكز البحث العلمى املاليزية‬ ‫واألجنبية املتخصصة فى التقنيات املعلوماتية اإللكرتونية‪.‬‬ ‫وإىل ذلك تنفذ خطة أخرى لبناء « مدينة املستقبل » ‪-‬‬ ‫(سيربجايا) ‪ -‬وفيها جامعة إعالمية ومؤسسات تعليمية إلعداد‬ ‫كوادر املهندسني واألخصائيني فى الربجمة واإللكرتونيات ‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫مستقال دافع فيه عن‬ ‫نهجا‬ ‫على الساحة الدولية طبق مهاتري‬ ‫مبادئ التكافؤ فى العالقات مع الدول الكربى ‪ .‬وفى عام‬ ‫‪ ، 1998‬فى ظروف األزمة املالية واالقتصادية اآلسيوية ‪ ،‬مل يلتزم‬ ‫بتوصيات صندوق النقد الدوىل ‪ ،‬بل مارس رقابة حكومية‬ ‫مشددة على الشؤون املالية بهدف جتاوز مظاهر األزمة ‪ .‬فتمكن‬ ‫بفضل هذه اجلهود من تفادى اهلزات اخلطرية التى عصفت بدول‬ ‫آسيوية عديدة ‪ ،‬مبا فيها دولة عمالقة ‪ ،‬هى اليابان ‪.‬‬ ‫وفى منتصف يوليو عام ‪ ، 2001‬ومبناسبة مرور عشرين ً‬ ‫عاما‬ ‫على توليه رئاسة الوزارة ‪ ،‬ذكر مهاتري بن حممد ألول مرة أنه‬ ‫يشعر بالتعب وينوى اإلستقالة ‪ .‬وفى أواخر أكتوبر ‪ 2003‬أحال‬ ‫صالحيات رئيس الوزراء إىل « عبد اهلل أمحد بدوى » الذى هيأه‬ ‫ً‬ ‫مسبقا ليخلفه فى هذا املنصب ‪ .‬إال أن مهاتري مل يعتزل السياسة‪.‬‬ ‫والدليل على ذلك هو تأزم العالقة املفاجئ بينه وبني رئيس‬ ‫الوزراء اجلديد فى منتصف عام ‪ 2005‬بعد إنتقادات مهاتري لعدد‬ ‫من املشاريع االقتصادية اجلديدة حلكومة بدوى ‪.‬‬ ‫وبعد توىل « جنيب رزاق » رئاسة احلكومة عاد مهاتري إىل‬ ‫صفوف املنظمة املاليوية الوطنية املتحدة فى منصب مستشار‬ ‫ً‬ ‫متقيدا بالدعوة إىل تأمني‬ ‫جملسها األعلى ‪ .‬وظل كسياسى ‪،‬‬ ‫املزيد من حقوق املاليو « البوميبوترا » ‪.‬‬ ‫أول زيارة قام بها مهاتري بن حممد إىل روسيا متت فى عام ‪. 1987‬‬ ‫ثم زار روسيا فى عام ‪ ، 2002‬والتقى مع « فالدميري بوتني » ‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫فيما قام الرئيس الروسى ‪ ،‬من جانبه ‪ ،‬بزيارة إىل ماليزيا‬ ‫فى عام ‪ ، 2003‬والتقى ملك ماليزيا « سيد سراج الدين شاه »‬ ‫و « مهاتري بن حممد » ‪ .‬وفتحت الزيارتان الطريق أمام تطوير‬ ‫العالقات املتعددة اجلوانب بني بلدينا ‪ .‬وإىل ذلك مت أثناء زيارة‬ ‫الرئيس بوتني اإلتفاق على إنتساب روسيا إىل منظمة املؤمتر‬ ‫ً‬ ‫حاليا ) بصفة مراقب ‪.‬‬ ‫اإلسالمى (منظمة التعاون اإلسالمى‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫على الساحة الدولية حيتفظ مهاتري بن حممد اليوم‬ ‫بشعبيته الواسعة ً‬ ‫نظرا إلنتقاداته الشديدة إلزدواجية املعايري فى‬ ‫السياسة ودفاعه بال كلل عن حقوق البلدان النامية اآلسيوية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتقديرا ألفضاله ّ‬ ‫القيمة فى بناء وتطوير ماليزيا احلديثة منح‬ ‫فى عام ‪ 2003‬لقب « تون » الذى هو أعلى لقب فخرى يمُ نح‬ ‫جملموعة حمدودة من الشخصيات ال تتجاوز الـ ‪ 25‬فى وقت واحد ‪.‬‬ ‫ومن بني أومسة مهاتري بن حممد امليدالية احلكومية « أبو ماليزيا‬ ‫احلديثة» ‪ ،‬ولقب اإلستحقاق « ّ‬ ‫جراح ماليزيا » ‪ ،‬وامليدالية الذهبية‬ ‫لتطوير االقتصاد والتقنيات ‪ ،‬و « وسام الصداقة الروسى » ‪.‬‬ ‫مهاتري متزوج من السيدة « حامسة حممد على » التى ّ‬ ‫تعرف‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫عليها منذ سنوات الدراسة فى جامعة سنغافورة ‪ .‬وهى‬ ‫حتمل لقب « تون » مثل زوجها ‪ ،‬وحاصلة على درجة الدكتوراه‪.‬‬ ‫ولدى الزوجني سبعة أبناء ‪ ،‬ثالثة منهم متبنون ‪.‬‬ ‫الدكتور‪ /‬فالدميري ساوتوف‬

‫‪15‬‬



‫الدكتور مهاتري بن حممد‬ ‫يتحدث عن‬ ‫« منظومة العالقات الدولية والعامل اإلسالمى وماليزيا»‬ ‫فى‬ ‫حوار مع د‪ .‬فيتاىل ناومكني‬ ‫بوتراجايا‬



‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫دكتور مهاتري ‪ ،‬يطيب ىل ويسعدنى أن ألتقيكم‬ ‫وأطرح عليكم بعض األسئلة للنقاش‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جزيال على حضوركم هذا اللقاء ‪.‬‬ ‫فشكرا‬ ‫قبل حني من الزمن ‪ ،‬غري بعيد ‪ ،‬بدا وكأن املسار‬ ‫الرئيسى لتطور اجملتمع الدوىل املعاصر مير عرب‬ ‫تأمني اإلزدهار الشامل والسالم العاملى ‪ .‬فقد‬ ‫إنتهى عهد «احلرب الباردة» وانتفى مع نهايتها ‪،‬‬ ‫حسب الظاهر ‪ ،‬خطر إندالع حرب عاملية جديدة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا إىل صفوف‬ ‫وإنضمت عدة بلدان متخلفة‬ ‫الدول املتطورة ‪ ،‬فيما غدت بعض أقطار آسيا‬ ‫وأمريكا الالتينية فى عداد الدول الريادية فى‬ ‫العامل ‪ ،‬وانتشر اقتصاد السوق فى كل مكان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كاسحا‬ ‫إنتصارا‬ ‫تقريبا ‪ ،‬وحققت الرأمسالية‬ ‫على البديل اإلشرتاكى‪ ،‬وسجلت البشرية‬ ‫جناحات باهرة على طريق التقدم التكنولوجى‪.‬‬ ‫فالثورة املعلوماتية واإلعالمية العاصفة ‪،‬‬ ‫واإلخرتاقات فى مكافحة األوبئة واألمراض ‪،‬‬ ‫وإستحداث مواد مصنعة جديدة‪ ،‬وظهور وسائط‬ ‫النقل احلديثة و… إخل ‪ ،‬غريت حياة الشعوب‬ ‫التى حصلت على فرص أكرب ملعرفة بعضها‬ ‫‪19‬‬


‫البعض ‪ ،‬ولتبادل القيم الثقافية واحلضارية ‪ ،‬بل‬ ‫وحتى التكامل فيما بينها ‪ ،‬وحلل املشاكل‬ ‫القائمة بالطرق السلمية واحلوار وبإستخدام‬ ‫املؤسسات واهليئات الدولية ‪.‬‬ ‫فباتت الدميقراطية من القيم العامة املشرتكة ‪.‬‬ ‫إال أن العامل تعرض ملوجة عاتية من خمتلف أنواع‬ ‫النزاعات‪ ،‬مبا فيها النزاعات القومية السياسية‬ ‫القائمة على إستخدام العنف ‪ .‬وازداد عدد الدول‬ ‫الراغبة فى احلصول على السالح النووى ‪ .‬ومل‬ ‫تتحقق جناحات حامسة فى مكافحة الفقر ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سبيال للحصول‬ ‫فيما ال جيد عدد هائل من الناس‬ ‫على ماء الشرب ‪ .‬ودخلت الرأمسالية‪ ،‬وخصوصاً‬ ‫مؤسساتها املالية والنقدية ‪ ،‬فى أزمة حادة ‪،‬‬ ‫يضاف إليها تفاقم املشاكل اإليكولوجية ‪ .‬فما‬ ‫هو ‪ ،‬فى رأيكم ‪ ،‬سبب كل هذه املشاكل ؟ وما‬ ‫الذى جرى على غري املرام واملطلوب حتى حتصل‬ ‫كل تلك األمور ؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫فى زمن « احلرب الباردة » واملواجهة بني الشرق والغرب ‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫كليا على استحصال أكرب قدر من املنافع من تلك‬ ‫الرتكيز‬ ‫‪20‬‬


‫املواجهة ‪ ،‬حبيث أنك إذا شعرت خبطر من أحد الطرفني تضطر‬ ‫اإللتجاء إىل الطرف اآلخر ً‬ ‫حبثا عن احلماية واملالذ ‪ .‬وعندما وضعت‬ ‫« احلرب الباردة » أوزارها كنا ‪ ،‬بالطبع ‪ ،‬ننتظر من املنتصر أن‬ ‫ً‬ ‫نظاما يستند إىل مبدأ السالم واألمن واألشكال‬ ‫يقيم فى العامل‬ ‫الدميقراطية للحكم واإلدارة ‪ .‬ولكننا ‪ ،‬لألسف الشديد ‪،‬‬ ‫إكتشفنا أن املنتصر حيتاج فى كل األحوال إىل خصم يربر‬ ‫من خالله زيادة قدراته احلربية ‪ ،‬لوجود خماوف من أن ً‬ ‫أحدا آخر‬ ‫ميكن أن حيتل موقع الطرف املقابل فى إطار جولة جديدة من‬ ‫«احلرب الباردة » ‪.‬‬ ‫ووقع اإلختيار هذه املرة على املسلمني مبثابة ذلك « اآلخر »‪.‬‬ ‫بديهى أن عدد املسلمني كبري ً‬ ‫جدا ‪ .‬إال أنهم ‪ ،‬على أية حال ‪،‬‬ ‫ضعفاء ً‬ ‫ً‬ ‫متاما ‪ .‬ومع ذلك كان املنتصر يبحث عن‬ ‫جدا ومشتتون‬ ‫عدو ليتمكن من تعبئة اجلماهري والقيام باألفعال التى يريدها‪.‬‬ ‫ولذا أعتقد أننا نواجه حماولة سافرة خللق ذلك العدو فى صورة‬ ‫ً‬ ‫جزئيا بإسرائيل ‪.‬‬ ‫املسلمني ‪ .‬ثم أن كل ما جيرى بالطبع مرتبط‬ ‫دولة إسرائيل خلقتها األمم األوروبية الغربية ‪ .‬وفى أصل وجودها‬ ‫ً‬ ‫حاليا أخذت تلك األمم تصطف فى‬ ‫يكمن النزاع منذ البداية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جانبا واحدا ‪ ،‬هو جانب إسرائيل ‪ .‬لقد عاشت‬ ‫نسق واحد ‪ ،‬وتلتزم‬ ‫إسرائيل ً‬ ‫دوما فى حالة من الرعب ‪ ،‬ألنها حماطة بدول إسالمية‪،‬‬ ‫ولذا فمن مصلحة إسرائيل تأجيج هليب اخلوف بني املنتصرين‬ ‫فى « احلرب الباردة » حلمايتهم بالكامل من أعدائهم الوهميني‬ ‫بشخص املسلمني ‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫وطاملا هنالك ضرورة للحفاظ على القدرات احلربية فإن كل‬ ‫األموال تصرف فى الواقع على توفري مجيع املستلزمات هلذه األمم‬ ‫لتكون متأهبة للحرب ‪ .‬وهكذا نرى أن مجيع املنجزات العلمية‬ ‫ً‬ ‫تقريبا تستخدم لصنع معدات حربية جديدة أجود‬ ‫والتقنية‬ ‫وأكمل ‪ .‬وكما كان احلال حينما أنفقت مبالغ طائلة على‬ ‫حتقيق اإلكتشافات واإلخرتاعات فإن تلك املنجزات كانت‬ ‫خاضعة لألغراض احلربية ‪ .‬بهذه الصورة جرى تأجيج التوتر ‪،‬‬ ‫وكان الذين ال ميتلكون السالح واملعدات القتالية يشعرون‬ ‫بأنهم فى خطر دائم ‪ ،‬وحباجة ماسة إىل احلماية ‪ .‬وبهذه الصورة‬ ‫بدأ سباق التسلح والركض وراء حيازة سالح مثل القنبلة الذرية‬ ‫وغريها من وسائل اإلبادة اجلماعية ‪.‬‬ ‫إال أن الدول الغربية تصر على بقاء هذا السالح بيدها وحدها وال‬ ‫حيق ألحد غريها حيازته‪ .‬وبنا ًء على هذا املنطق ‪ ،‬ال جيوز لألقطار‬ ‫اإلسالمية أن متتلك السالح النووى ‪ ،‬ألن الدول الغربية ال تثق بها‬ ‫ً‬ ‫علما بأن تلك الدول تؤكد لنا بأنها لن تلجأ‬ ‫من هذه الناحية ‪.‬‬ ‫إىل إستخدام ذلك السالح ‪ ،‬مع أنها إستخدمته فى الواقع بشكل‬ ‫ً‬ ‫أضرارا بالغة خبصومها ‪.‬‬ ‫يورانيوم منضب ‪ ،‬وأحلقت‬ ‫هذه املشاكل كلها نتيجة لرغبتها املتواصلة فى اهليمنة‬ ‫على العامل املعاصر ‪ .‬على فكرة ‪ ،‬ينبغى أن نأخذ باإلعتبار أن‬ ‫تلك الدول من الناحية االقتصادية مل تعد قادرة على املنافسة‪.‬‬ ‫وقد أدركت أنها عاجزة عن منافسة دول النصف الشرقى من‬ ‫‪22‬‬


‫الكرة األرضية ‪ ،‬مثل اليابان وكوريا اجلنوبية وتايوان ‪ .‬ولذا‬ ‫اضطرت أن ترتاجع ‪ ،‬وتشغل مواقعها فى سوق املال ‪ .‬فهناك أخذت‬ ‫تبتكر خمتلف أنواع املعامالت لتؤمن كسب األموال السهلة ‪،‬‬ ‫بإعتماد رفع أو خفض أسعار صرف العمالت أو أسعار البضائع‬ ‫دون ممارسة اإلنتاج الفعلى ‪.‬‬ ‫لذلك بالذات ابتكرت خمتلف أنواع الصناديق من قبيل الودائع‬ ‫البديلة املعروفة باسم « هيدج فوند » ‪ ،‬والصناديق االستثمارية‬ ‫الفرعية ‪ ،‬وتقديم قروض العمالت الصعبة ‪ ،‬وإستصدار السندات‬ ‫اإلضافية وما إىل ذلك ‪ .‬على هذا النحو أرادت تلك الدول أن تظهر‬ ‫تفوقها وتربز مكانتها اخلصوصية دون أن توفر أى أماكن‬ ‫للعمل والتشغيل ‪ ،‬فيما إتضح أن كل تلك املستجدات املالية‬ ‫أدوات غري مأمونة فى نشاط رجال األعمال ‪ ،‬وفى إنتقال رؤوس‬ ‫األموال ‪.‬‬ ‫وكان البد أن يأتى يوم تنهار فيه هذه املنظومات ُ‬ ‫مبجملها ‪.‬‬ ‫وما كان باإلمكان إرجاء هذه العملية ‪ ،‬ألن املنظومة نفسها‬ ‫حمكوم عليها بالفشل ‪ ،‬كونها متثل فقاعة للمضاربة‪،‬‬ ‫ليس إال ‪ .‬وهكذا إنفجرت الفقاعة وحل اإلنهيار املاىل ‪ .‬وصرنا‬ ‫نرى البلدان الغربية التى كانت تدافع طوال الوقت عن مزايا‬ ‫الرأمسالية تقدم على كل احليل واألالعيب ‪ ،‬بل وتسىء‬ ‫إستعمال ميكانيزمات منظومتها ‪ ،‬لتواصل اإلثراء الذاتى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اقتصاديا لن تستطيع التخلص‬ ‫إنكماشا‬ ‫إال أنها تواجه اآلن‬ ‫‪23‬‬


‫منه ‪ .‬جيرى ذلك على مرأى األنظار منذ أربع سنوات ‪ ،‬وهى عاجزة‬ ‫عن وقف هذه العملية وتصحيح األوضاع ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫رمبا ستحصل جولة أخرى ‪ ،‬جديدة ‪ ،‬من هذه‬ ‫األزمة‪ .‬إال أن بعض احملللني واملسؤولني يعزون‬ ‫ً‬ ‫مثال ‪ ،‬إىل حرب املطابع ‪ ،‬مبعنى طبع‬ ‫ذلك ‪،‬‬ ‫وإستصدار الدوالر ‪...‬‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫عموما لفقدت العمالت‬ ‫لو مل يضطر الناس إىل تداول النقود‬ ‫قيمتها باملطلق ‪ .‬وملا كانت بعض البلدان تتمتع بسلطة قائمة‬ ‫على املال والنقود ‪ ،‬وملا كانت تستطيع إرغام الناس على تداول‬ ‫تلك النقود ‪ ،‬فإنها تركز فىأيديها ً‬ ‫قيما هائلة ‪ .‬إال أن تلك البلدان‬ ‫كانت ستعلن إفالسها التام وعجزها املطلق بدون هذه السلطة ‪.‬‬ ‫فبفضلها تتمكن من التصرف وكأنها ال تزال تشكل منظومة‬ ‫قادرة على األداء واحلياة بالفعل ‪ .‬وإىل ذلك ال يزال من الضرورى‬ ‫لتلك البلدان أن متول شن احلروب ‪ ،‬ولذا هنالك حاجة إىل إدامة‬ ‫اجملتمع الصناعى العسكرى ‪ ،‬وذلك كله يعود بأرباح طائلة‬ ‫على أصحاب األرصدة فى ذلك اجملمع ‪ .‬وبالتاىل تبقى حالة التوتر‬ ‫‪24‬‬


‫بسبب اخلوف من اجلهات التى ميكن أن يستخدموا أسلحتهم‬ ‫ضدها ‪ .‬فهم فى الواقع قرروا بأنفسهم ضرورة غرس الدميقراطية‬ ‫فى كل مكان ‪ .‬وال يروق هلم أن األمم أحرزت استقالهلا ‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من عدم جواز التدخل فى الشؤون الداخلية للبلدان األخرى‬ ‫فقد قرروا ‪ ،‬مع أنفسهم ‪ ،‬أنهم ميتلكون حق التدخل ‪ ،‬بل وجدوا‬ ‫الذرائع لتربير تصرفاتهم العدوانية ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫على فكرة ‪ ،‬حتى بعض ممثلى األوساط النافذة‬ ‫فى الواليات املتحدة ‪ ،‬ممن يتحلون بالعقل‬ ‫السليم ‪ ،‬ال حيبذون فكرة هذا النوع من التدخل‬ ‫العسكرى‪ .‬الدكتور « هنرى كيسنجر»‪ ،‬على‬ ‫سبيل املثال ‪ ،‬يؤكد فى تصرحياته عدم جواز‬ ‫فرض الدميقراطية بالقوة ‪ ،‬ويقول ‪:‬بضرورة‬ ‫توفري الفرصة للبلدان األخرى لكى تقرر‬ ‫مصريها بنفسها دون إرغامها على تبنى األنظمة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متاما أنه ليس من‬ ‫قسرا ‪ .‬وواضح‬ ‫الدميقراطية‬ ‫مؤيدى هذه اإلسرتاتيجية ‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫مهاتري بن حممد‬ ‫حنن نعتقد أن للبلدان ً‬ ‫حقا فى أن يكون هلا رأيها بهذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صادقا مبا حيدث ‪ ،‬فيما يرفضه‬ ‫إميانا‬ ‫اخلصوص ‪ .‬البعض يؤمنون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قاطعا ‪ .‬ومع ذلك تبقى احلقيقة التى ال جدال فيها‪،‬‬ ‫رفضا‬ ‫اآلخرون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حيث نواجه اليوم غزوا فى العراق وإحتالال فى أفغانستان ‪ ،‬جملرد‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما‬ ‫أن « أسامة بن الدن » كان هناك فى زمن ما ‪ .‬وحنن‬ ‫نسمع من تربيرات من هذا النوع لتلك التصرفات ‪ .‬وهم يشنون‬ ‫ً‬ ‫أرباحا طائلة ‪،‬‬ ‫احلروب ألنها تدر على صناعاتهم العسكرية‬ ‫فيما تغدو احلكومة نفسها مفلسة ‪ .‬ذلك فى احلقيقة هو اخلطأ‬ ‫الذى ال ينوون تصحيحه ‪ ،‬ألنهم متقيدون بالرأى القائل إنهم‬ ‫إذاجنحوا فى فرض هيمنتهم على العامل فسيتمكنون من حل‬ ‫ً‬ ‫حاليا ‪ ...‬وحتاول‬ ‫مشاكلهم االقتصادية ‪ .‬وهذا ما حيصل بالفعل‬ ‫تلك الدول فرض الدميقراطية على غريها بالرغم من أنها تتحمل‬ ‫ً‬ ‫ديونا باهظة بسبب احلرب فى العراق وفى أفغانستان احملتلة ‪.‬‬ ‫وإىل ذلك تعلن تلك الدول صراحة عن رغبتها فى تغيري األنظمة‬ ‫احلاكمة فى بلدان أخرى بإستخدام العنف إذا اقتضى األمر ‪.‬‬ ‫وملا كانت إمكانية تغيري األنظمة على هذه الصورة قد توفرت‬ ‫فى األقطار العربية بنتيجة احلركات اإلحتجاجية‪ ،‬فقد غرق‬ ‫العامل العربى فى حالة احلرب والفنت والقالقل واإلضطرابات ‪.‬‬ ‫فى حني تواصل الصني صعودها املربمج الدائب‪ ،‬وال أحد يستطيع‬ ‫ً‬ ‫مليارا وأربعمائة‬ ‫الوقوف فى وجه هذه العملية ‪ ،‬ذلك ألن فى الصني‬ ‫‪26‬‬


‫مليون من السكان احملبني للعمل ‪ ،‬واإلنضباط الصارم ‪،‬‬ ‫واملتميزين باملهارة والتأهيل ‪ .‬وال يبقى أمامنا سوى اإلعرتاف‬ ‫بهذه احلقيقة ‪ ،‬باألمر الواقع ‪ .‬وتعرفون بالطبع أن الصني كانت‬ ‫دوما بالنسبة لنا ولتارخينا ذات شأن كبري ‪ .‬وكنا ندرك ً‬ ‫ً‬ ‫دوما‬ ‫أن الصني موجودة وجيب علينا أن نأخذ هذا الواقع باإلعتبار ‪ .‬مل‬ ‫نكن خاضعني للدولة الصينية‪ .‬كانت لدينا عالقات جتارية‬ ‫معها ‪ ،‬وقد اكتسبنا من تلك العالقات منافع كبرية ‪ .‬إال أن‬ ‫ً‬ ‫عدوا‬ ‫الغرب أراد لنا أن ندخل فى نزاع مع الصني ‪ ،‬ألنه يرى فيها‬ ‫ً‬ ‫جديدا له ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫بعض شركائنا الغربيني حياولون أن يوجهوا‬ ‫املسائل اخلالفية املستعصية فى جمرى تدويل‬ ‫اخلالف ‪ ،‬حتى أنهم يبذلون حماوالت جاهدة‬ ‫لتأجيج النزاعات الثنائية القائمة بني بعض دول‬ ‫منطقة جنوب شرقى آسيا ‪...‬‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫نعم ‪ ،‬ذلك هو واقع حالنا ‪ .‬الصني طالبت بأراضى ( أرخبيل‬ ‫سرباتلى ) الواقع فى ( حبر الصني اجلنوبى ) ‪ .‬إضافة إىل مطالب‬ ‫‪27‬‬


‫أخرى مماثلة ‪ .‬لكن الغرب ال يسارع إىل اإلعرتاف بأنه فقد‬ ‫السيطرة على بلدان النصف اجلنوبى من الكرة األرضية ‪.‬‬ ‫لقد إقرتف خطأ عندما أثقل بنفسه على منظومته ‪ ،‬وأفرط فى‬ ‫استثمار إمكانياتها ‪ ،‬ولذا فهو يعانى اآلن من عواقب أفعاله ‪.‬‬ ‫ورغم ذلك ال يزال يريد فرض هيمنته على العامل ‪ .‬وحنن نرى‬ ‫اليوم تأكيدات كثرية على ذلك ‪ .‬احلقيقة ‪ ،‬أنا صريح معكم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حقدا على الواليات‬ ‫جدا ‪ .‬وأقول على املكشوف إننى ال أضمر‬ ‫املتحدة حبد ذاتها ‪ .‬ففى هذه البالد أمريكيون طيبون وآخرون‬ ‫أشرار ‪ .‬كما فى أى بلد آخر ‪ .‬إال أن املشكلة فى كون احلكومة‬ ‫األمريكية تعتقد بضرورة تعامل اآلخرين معها على أنها زعيم‬ ‫عاملى ال جيوز اإلعرتاض عليه فى مسائل السياسة الدولية ‪ .‬ولذا‬ ‫من املهم هلا أن تستعرض العضالت لتبني أنها ال تزال أعظم دولة‬ ‫ً‬ ‫مطلقا حتى مبجرد فكرة التنازل عن‬ ‫على األرض ‪ ،‬وال تقبل‬ ‫مكانتها للصني ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫أثناء ما يسمى ( باألزمة اآلسيوية ) سرمت على‬ ‫طريقكم اخلاص فى تذليل الصعوبات ‪،‬‬ ‫ورفضتم توصيات بعض اهليئات الدولية ‪،‬‬ ‫فحققتم النجاح ‪ .‬فهل من حاجة اليوم إىل وصفات‬ ‫شاملة؟ وكيف ينبغى للدول أن تتصرف لتذليل‬ ‫الصعوبات اجلديدة ؟‬ ‫‪28‬‬


‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫قبل أن نعثر على مثل هذه الوصفة أو أسلوب تذليل الصعوبات‬ ‫التى واجهناها تكلمت فى جلسة البنك العاملى ‪ ،‬وصندوق‬ ‫النقد الدوىل فىهونج كونج ‪ .‬قلت للحاضرين آنذاك إن النظام‬ ‫املعمول به لديهم تعرض لتطاول بشع ‪ ،‬وإن هذا العنف ضده‬ ‫جيب أن يتوقف ً‬ ‫حاال ‪ .‬صفقات املضاربة لبيع العملة مثال على‬ ‫التعامل اخلاطئ مع هذا النظام ‪ ،‬ذلك ألن بيع العملة ال يقوم‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ ،‬وكذلك‬ ‫على قيمة واقعة ‪ .‬الذهب شىء آخر ‪ ،‬والفضة‬ ‫النب ‪ .‬أما العملة فال ‪.‬‬

‫فيتاىل ناونكني ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫واألوراق النقدية أو املالية‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ .‬كل ما فى األمر أنكم‬ ‫نعم ‪ ،‬واألوراق النقدية‬ ‫تطبعونها‪ ،‬ثم تقولون إن قيمتها كذا وكذا ‪ .‬وفى احلقيقة هى‬ ‫ال تعادل القيمة التى تتحدثون عنها ‪ .‬إنها ال تساوى تلك املبالغ إال‬ ‫إذا كنتم مستعدين لتقبل هذا املؤشر الرمزى املفتعل للقيمة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حتديدا إحدى‬ ‫وقلت هلم ال جيوز لكم أن تتاجروا بالعملة ‪ .‬فتلك‬ ‫‪29‬‬


‫املخالفات التى تشمل ً‬ ‫أمورا أخرى مثل ( اهليدج فوند ) ‪ ،‬وكل ما‬ ‫إبتكر من أجل كسب املال للمصلحة الشخصية ‪ .‬ولذا يتضح لنا‬ ‫ً‬ ‫متاما أن النظام املاىل تعرض للعنف والتعامل اخلاطئ على‬ ‫اآلن‬ ‫أوسع نطاق ‪ ،‬حتى صار حباجة اليوم إىل إصالح جذرى ‪ .‬ولرمبا‬ ‫ً‬ ‫جمددا إىل إتفاقية « بريتون – وودز ‪»1944‬‬ ‫ينبغى لنا أن نعود‬ ‫بشأن نظام العملة ملا بعد احلرب العاملية الثانية كى نعتمدها‬ ‫فى حتليل اإلحنرافات عن اخلطة وتصحيح تلك األخطاء ‪.‬‬ ‫أما خبصوص ماليزيا فنحن ‪ ،‬بصراحة ‪ ،‬ال نستطيع أن نسري مع‬ ‫الغرب على نهج واحد ‪ ،‬ألن لدينا ‪ ،‬فى بالدنا ‪ ،‬مشاكل إجتماعية‬ ‫مستعصية ‪ .‬حنن بلد متعدد األجناس ‪ .‬ومن الضرورى لنا أن‬ ‫حنافظ على عالقات طبيعية سليمة بني أبناء خمتلف األجناس ‪.‬‬ ‫وهذا ميكن حتقيقه ‪ ،‬باإلضافة إىل الظروف األخرى ‪ ،‬من‬ ‫خالل تعادل أوضاع الشرائح القومية الفقرية مع أوضاع الباقني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائما فى‬ ‫وبالتاىل نقوم بتصفية التناقض الصارخ الذى كان‬ ‫السابق بني الثروة والفاقة ‪ .‬إال أننا ال نستطيع إزالة واقع كون‬ ‫سكاننا من أبناء أجناس خمتلفة ‪.‬‬ ‫إذا كان الشخص مييل إىل تلبية متطلبات الغرب ‪ ،‬عليه أن‬ ‫يتقبل كل ما يريد الغرب أن يفعله ‪ .‬يقرضه ً‬ ‫ماال ثم يتحكم‬ ‫بالكيفية التى يتم فيها صرف ذلك املال ‪ .‬كل ذلك يقوم به الغرب‬ ‫ً‬ ‫أساسا إلرغام هذا الشخص على تسديد كل ديونه املستحقة‬ ‫للدول املاحنة األجنبية ‪ .‬إال أن ذلك ال يعنى بأية حال أنها حتاول‬ ‫‪30‬‬


‫ً‬ ‫اقتصاديا ‪ .‬وهلذا السبب‬ ‫مساعدة هذا الشخص فى ترسيخ أقدامه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متاما أننا مل نتمكن من القبول بهذه الشروط‪،‬‬ ‫واضحا‬ ‫يبدو‬ ‫فاضطررنا للبحث عن سبل متكننا من تفادى هذا املصري ‪.‬‬ ‫وهكذا إقتنعنا بأن جتارة العملة هى سبب ظهور كل‬ ‫تلك املشاكل ‪ .‬وال عالقة لذلك « بسوء اإلدارة » املفرتض فى‬ ‫ً‬ ‫متاما ‪ .‬ولدينا صناديق‬ ‫اقتصادنا ‪ .‬اقتصادنا تطور بشكل ناجح‬ ‫إحتياطية كبرية ‪ .‬ولذا قررنا بأن األفضل لنا هو التصرف على‬ ‫حنو مناهض هلذه اإلسرتاتيجية التى حاولوا أن يفرضوها علينا‬ ‫من اخلارج ‪ .‬وقررنا أن نوقف جتارة العملة ‪ .‬واألسلوب الطبيعى‬ ‫الذى كان بوسعنا أن حنقق ذلك بواسطته ‪ ،‬هو فسخ أية صفقة‬ ‫موقعة معنا بإستخدام عملتنا الوطنية ‪ .‬فإذا بعنا ‪ ،‬على سبيل‬ ‫املثال ‪ 100 ،‬مليون رينغيت فإننا ال نفقد هذا املبلغ ‪ ،‬بل نظل‬ ‫ً‬ ‫شيئا ‪ ،‬ولذا أنهينا‬ ‫منتلكه كالسابق ‪ .‬أما املشرتى فال يستلم‬ ‫هذه املمارسات ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا واجهنا نفس املشكلة املرتبطة بهيمنة‬ ‫حنن‬ ‫الدوالر وتشغيل اآللة الضخمة لإلستصدار‬ ‫بكامل قدراتها ‪ .‬تلك إحدى اخلصائص املالزمة‬ ‫للموقف الليرباىل اجلديد من العامل كله ‪،‬‬ ‫ونظامه املاىل ‪ .‬ولكن بودى أن أنتقل ‪ ،‬إذا‬ ‫‪31‬‬


‫مسحتم ‪ ،‬إىل املسألة التالية‪ :‬حققت ماليزيا فى‬ ‫فرتة توليكم رئاسة الوزارة جناحات مذهلة فى‬ ‫التطور والتنمية ‪ .‬إال أن الغرب الذى إعرتف بتلك‬ ‫النجاحات وخباصية التسامح املالزمة للحضارة‬ ‫املاليزية‪ ،‬قد إنتقدكم مع ذلك على بعض مظاهر‬ ‫التمييز فى إسرتاتيجيتكم إلدارة البالد ( مبدأ‬ ‫تقسيم املواطنني إىل بوميبوترا وغري بوميبوترا )‬ ‫وعلى الرتاجع عن الدميقراطية ( قانون التوقيف‬ ‫اإلستباقى أو الوقائى)‪ .‬ما مدى كون التجربة‬ ‫املاليزية نابعة من الظروف اخلصوصية لبالدكم؟‬ ‫وما مدى صالحيتها للتطبيق فى الدول األخرى‬ ‫املتعددة اإلثنيات واألديان ؟‬ ‫ً‬ ‫أيضا بلد متعدد القوميات‬ ‫على فكرة ‪ ،‬روسيا‬ ‫واألديان ‪ .‬فنحن دولة أوراسية تضم ‪ ،‬إىل جانب‬ ‫الروس األرثوذكس الذين يشكلون اجلزء‬ ‫األساسى من السكان ‪ 20 ،‬مليون مسلم ينتمون‬ ‫إىل شتى اجملاميع اإلثنية والقومية ‪ .‬وهم من‬ ‫السكان األصليني غري الوافدين ‪ .‬وليس عندنا‬ ‫نظام الكومونالية ‪ ،‬وال أى نوع من املؤسسات‬ ‫ً‬ ‫كثريا‬ ‫القائمة على هذا النظام ‪ .‬إال أننا مهتمون‬ ‫بتجربتكم ‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫ما نفعله اآلن هو ماجيرى بصورة طبيعية فى أى جمتمع يواجه‬ ‫مثل هذه املشاكل ‪ .‬إذا مل تكن لدى الشخص أية مشاكل‬ ‫فهو يعرف ً‬ ‫دوما اجلواب عن السؤال بشأن كيفية التصرف ‪ .‬أما‬ ‫إذا ظهرت لديه مشاكل البد من حلها فهو يدرك أنه ليس من‬ ‫البساطة القيام مبا ينتظره منه الناس حتى إذا كان يتصرف‬ ‫بالشكل الصحيح ‪.‬‬ ‫ولذا فعندما واجه الغرب ما جرت العادة على تسميته «خبطر‬ ‫اإلرهاب » أقدم على نفس اإلجراءات التى إختذناها حنن فى بالدنا‪.‬‬ ‫إنهم يسجنون الناس بدون حماكمة أو حتقيق ‪ .‬السجناء أمضوا‬ ‫فىجوانتانامو أكثر من عشر سنوات ‪ ،‬وال يزالون هناك دون أن‬ ‫تتوفر هلم إمكانية املثول أمام احملكمة ‪ .‬بعضهم يتعرضون‬ ‫ً‬ ‫مطلقا ‪ .‬إذن ‪ ،‬فهم يتخذون‬ ‫للتعذيب ‪ ،‬وهو أمر مل نفعله حنن‬ ‫اإلجراءات املضادة لكى يتصدوا خلطر فعلى ‪ .‬ولكن ما حقيقة‬ ‫هذا اخلطر ؟ السكان فى ماليزيا متعددو القوميات ‪ .‬وأسوأ ما‬ ‫ميكن أن حيصل هو الصدام ألسباب قومية ‪ .‬ميكنكم‪،‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬أن تروا ماحيصل فى البلدان التى تشهد مثل هذه‬ ‫الصدامات حبكم اخلالفات العرقية والطائفية وغريها ‪ .‬ففى‬ ‫تلك البلدان ‪ ،‬واحلال هذا ‪ ،‬تتفشى البلبلة ويغيب اإلستقرار‪،‬‬ ‫األمر الذى يعيقها عن التطور الطبيعى السليم ‪ .‬ولذا تعني‬ ‫علينا أن نتصدى لتطور األحداث على هذه الشاكلة ‪ .‬وكان‬ ‫‪33‬‬


‫من اخلطوات التى إختذناها أننا حذرناهم وقلنا هلم ‪ « :‬طيب ‪،‬‬ ‫ميكنكم أن تتمتعوا باحلرية ‪ ،‬لكن حريتكم حمدودة‬ ‫بكونكم ال متتلكون احلق فى تأجيج العداوات واألحقاد بني‬ ‫خمتلف القوميات » ‪.‬‬ ‫للمواطنني حق فى حرية التعبري عن الرأى ‪ .‬صحفنا تتمتع‬ ‫بقدر كاف من احلرية ‪ .‬أحزاب املعارضة تطبع صحفها حبرية ‪،‬‬ ‫ولكن بشرط واحد ‪ ،‬هو أن تتحاشى كل أنواع التحريض على‬ ‫التنازع بني الناس ‪ .‬وإذا مل تفعل ذلك تتعرض للحبس واإلعتقال ‪.‬‬ ‫فى حالتنا اخلصوصية ال ميكننا إحالة القضايا إىل‬ ‫احملكمة‪ ،‬ونعتقد أن التوقيف ميكن أن حيول دون إنفجار‬ ‫العنف اإلثنى‪ .‬ألننا إذا إنتظرنا اللحظة التى حيصل فيها ذلك‬ ‫اإلنفجار نكون قد خسرنا ‪ .‬فالبلد سيضعف ‪ ،‬وقوانا ستستنزف ‪.‬‬ ‫ولذا فاملخرج الوحيد من هذه الورطة هو إختاذ اإلجراءات التى حتول‬ ‫دون تنفيذ هذا السيناريو ‪ .‬والقوانني التى إختذت لألغراض‬ ‫اإلستباقية الوقائية إمنا تهدف إىل التصدى إلقرتاف اجلرائم ‪ .‬فال‬ ‫ميكن تفادى اجلرمية اخلطرية بعد وقوعها ‪ .‬هذا شبيه باحلالة‬ ‫التى ينوى فيها رجل بيده سكني تسديد طعنة لشخص آخر ‪،‬‬ ‫ولكنه مل يطعنه بعد ‪ ،‬وأنت تنتظر اللحظة التى يطعنه فيها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حاليا لديه سكني‬ ‫مذنبا فى إرتكاب اجلرمية ‪.‬‬ ‫لكى تعتربه‬ ‫فقط ‪ ،‬وأنت تعرف ما ينوى القيام به ‪ ،‬لكنك ال حترك ساكناً‬ ‫لوقفه عند حده ‪ .‬وفى احلالة التى حنن بصددها ما إن نرى‬ ‫السكني بيد الرجل حتى نوقفه عند حده ونعتقله ً‬ ‫فورا ‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫عندما حتصل حاالت من هذا النوع فى بريطانيا أو فى أمريكا‬ ‫يردون عليها بنفس الطريقة بالرغم من أن القوانني هناك ال تنص‬ ‫على أية “ عقوبات وقائية “ ‪ .‬من السهل على اآلخرين أن يقدموا‬ ‫النصائح لنا ‪ “ :‬ال ينبغى لكم أن تفعلوا هكذا ” ‪ “ ،‬جيب‬ ‫ً‬ ‫قاضيا للنظر فى‬ ‫أن تنظموا مرافعات فى احملكمة ‪ ،‬وتعينوا‬ ‫الدعوى “ وما إىل ذلك ‪ .‬كل ذلك يقولونه إىل أن واجهوا بأنفسهم‬ ‫ً‬ ‫وحاملا واجهوا تلك املشكلة ‪ ،‬تصرفوا بنفس‬ ‫نفس املشكلة ‪.‬‬ ‫الطريقة التى نتصرف بها حنن ‪ .‬فى بريطانيا جيرى اآلن حبث‬ ‫فى مسألة فرض الرقابة على الصحف ‪ .‬وتتخذ نفس اإلجراءات‬ ‫اجلوابية عندما يتهددهم اخلطر ويضطرون أن يتصدوا له ‪.‬‬ ‫إنهم يردون عليه بنفس الروح التى نرد بها عليه حنن ‪ .‬حنن‬ ‫نقول للصحافة األجنبية ‪ “ :‬أنت حرة ‪ ،‬ولكن ال تؤججى اخلالفات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دوما ‪ .‬وهى ختربنا‬ ‫أيا كانت “ ‪ .‬فالصحافة ال تقول احلقيقة‬ ‫ً‬ ‫أحيانا بأكاذيب اهلدف منها بيع نسخها ‪ .‬وليست هلا مصلحة‬ ‫باألمن العام وال بتطوير دولتنا ‪ .‬مصلحة أصحاب وسائل اإلعالم‬ ‫تقتصر على بيع صحفهم ‪ .‬وهلذا الغرض هم مستعدون حتى‬ ‫لزعزعة اإلستقرار فى البلدان األخرى ‪ .‬وحصل أننا اضطررنا إىل‬ ‫مواجهة هذه املشكلة ‪ .‬فاضطررنا إىل التصرف بالشكل الذى‬ ‫تصرفنا به ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جيدا‬ ‫فى دولتنا يعيش أبناء ثالث جمموعات إثنية ‪ .‬وتعرفون‬ ‫أن اإلشتباكات من السهل أن تنشب بني أبناء اإلثنيات املختلفة‬ ‫فى الدول التى توجد فيها تلك اإلثنيات ‪ .‬وإىل ذلك يتعقد املوقف‬ ‫‪35‬‬


‫فى احلالة التى حنن عليها بكون تلك اإلثنيات ختتلف عن‬ ‫بعضها البعض ليس فقط من حيث اإلنتماء القومى والدينى ‪ ،‬بل‬ ‫ومن حيث املكانة اإلجتماعية ‪ ،‬ومن حيث مستوى الرفاه ‪ .‬إحدى‬ ‫جدا ‪ .‬واألخرى فقرية ً‬ ‫اإلثنيات غنية ً‬ ‫جدا ‪ .‬والنزاع قائم ً‬ ‫دوما بني‬ ‫األغنياء والفقراء ‪ ،‬حتى إذا كانوا أبناء نفس اجملموعة اإلثنية ‪.‬‬ ‫أما إذا كانوا ينتمون إىل إثنيات خمتلفة فالنزاع يكتسب حدة‬ ‫ً‬ ‫حتما التوتر الدائم بسبب حدة ذلك النزاع ‪.‬‬ ‫أكرب ‪ .‬ويواجه البلد‬ ‫وطاملا حتصل حاالت العنف والقسوة ‪ ،‬فالبلد يصاب بالضعف‬ ‫الشديد نتيجة هلا ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونظرا لتلك املخاطر ‪ ،‬ولدرجة الضعف التى حنن فيها ‪ ،‬بذلنا‬ ‫قصارى اجلهود لتصحيح إختالل التوازن عن طريق املزيد من دعم‬ ‫اإلثنيات األكثر ً‬ ‫فقرا من غريها بالفعل ‪ .‬فال أحد يستطيع أن‬ ‫يغري الرتكيبة اإلثنية ‪ ،‬ذلك ألنها تبقى على حاهلا ً‬ ‫دوما ‪ .‬أما‬ ‫إختالل التوازن فيمكن ختفيفه ‪ .‬وباملناسبة ‪ ،‬ليس باإلمكان‬ ‫إزالة ذلك اخللل من اجلذور ‪ ،‬ألن من الصعب رفع مستوى رفاه‬ ‫تطورا و ً‬ ‫ً‬ ‫الشرائح الفقرية ً‬ ‫ثراءا‪.‬‬ ‫جدا إىل مستوى اإلثنيات األكثر‬ ‫إال أن باإلمكان جعل الفوارق فى حدها األدنى ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى ظروف األزمة احلالية‪.‬‬ ‫وسرعان ما جتلت ثـمرة جهودنا‬ ‫فقد حصلت فى البلدان األخرى التى إجتاحتها األزمة إضطرابات‬ ‫واسعة ‪ ،‬وأعمال عنف ‪ ،‬وتفجريات إرهابية ‪ ،‬وجرائم قتل ‪ ،‬وحرق‬ ‫املتاجر ‪ ،‬فيما ظلت ماليزيا فى حالة من اهلدوء التام ‪ .‬وسبب هدوئنا‬ ‫أننا قلصنا فى الوقت املناسب ‪ ،‬وبقدر ملحوظ ‪ ،‬سوء التناسب القائم‬ ‫‪36‬‬


‫بني اجلماعات اإلثنية ‪ .‬ولذا ليس هناك ما يدعو إىل اإلعتذار عما‬ ‫ً‬ ‫موقفا كاملوقف‬ ‫فعلناه ‪ .‬وحنن على يقني من أن أى دولة تواجه‬ ‫الذى واجهناه ستتخذ نفس اإلجراءات التى إختذناها ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫ماليزيا من مصدرى النفط اخلام ‪ .‬حقول النفط‬ ‫والغاز ‪ ،‬هل هى خري أم شر ؟ كيف ميكن‬ ‫تصريف أمور هذه الثروات الطبيعية بأفضل صورة‬ ‫لكى يتم حتاشى ما يسمى « باملرض اهلولندى»؟‬ ‫ما توصيفكم لدور اخلامات الكربونية‬ ‫املرتقب فى التنمية االقتصادية لبالدكم ؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫أقول ً‬ ‫رأسا إننا ‪ ،‬من حسن احلظ ‪ ،‬لسنا دول متارس استخراج‬ ‫النفط والغاز على نطاق واسع ‪ .‬اقتصادنا ال يتوقف على أسعار‬ ‫احملروقات ‪ .‬صحيح أننا ننتفع بها ‪ .‬لكننا ال نعتمد على‬ ‫مؤشرات األسعار لدرجة كبرية ‪ .‬حنن نعلق ً‬ ‫آماال أكرب على‬ ‫إنتاج السلع الصناعية واإللكرتونيات وما إىل ذلك ‪ .‬حجم جتارة‬ ‫املصنوعات اإللكرتونية يبلغ ‪ %80‬من صادراتنا ‪ .‬أما خامات‬ ‫النفط ‪ ،‬واملشتقات البرتولية ‪ ،‬والغاز ‪ ،‬واملطاط ‪ ،‬وزيت النخيل‬ ‫‪37‬‬


‫فتشكل مبجموعها قرابة ‪ % 18‬من صادراتنا ‪ .‬ولذا ترون أننا ال‬ ‫ً‬ ‫كثريا على تسويق النفط والغاز فى اخلارج ‪.‬‬ ‫نعتمد‬ ‫وإىل ذلك قررنا فى الوقت ذاته أن نفكر من اآلن فى كيفية‬ ‫العيش بعد أن تنضب إحتياطياتنا الشحيحة من النفط والغاز‬ ‫ً‬ ‫عاما فقط ‪ .‬ولذا‬ ‫التى تقول التقديرات إنها تكفينا لثالثني‬ ‫أسسنا شركة « نفطية وطنية »ليست جلباية رسوم استثمار‬ ‫بطون األرض أثناء استخراج النفط ‪ .‬كال ‪ ،‬فهذه الشركة‬ ‫متارس جممل دورة األعمال املرتبطة باإلنتاج النفطى ‪ ،‬إبتدا ًء من‬ ‫ً‬ ‫وإنتهاءا بصنع املشتقات النفطية وما إىل ذلك ‪ .‬لقد‬ ‫اإلستخراج‬ ‫حتولت شركة « برتوناس » فى الواقع إىل مؤسسة ضخمة عابرة‬ ‫للقوميات ‪ .‬وميكننا أن نستخرج النفط فى بالدنا ‪ ،‬وأن مند‬ ‫أنابيب النفط فى بلدان أخرى ‪ ،‬وننتج املشتقات النفطية والغاز‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫املسال وغريه هناك‬

‫فيتاىل ناومكني‬

‫‪:‬‬

‫شركة « برتوناس » ‪ ،‬على حد علمى ‪ ،‬تعمل‬ ‫فى أكثر من ‪ 25‬دولة ‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫إذا أردنا الدقة إنها تعمل اليوم فى أكثر من ‪ 30‬دولة ‪ .‬األعمال‬ ‫النفطية ذات أهمية بالغة بالنسبة لنا ‪ .‬ولكن طاملا يصلنا قسم‬ ‫كبري من عائداتها من املصادر األجنبية ‪ ،‬فإننا ال نعتمد على‬ ‫نفطنا ‪ .‬النفط بالنسبة لنا وقود هام ‪ ،‬وسيبقى على أهميته هذه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عال‬ ‫وقتا طويال ‪ .‬ونظرا ألن استخراج النفط يرتبط مبستوى ىٍ‬ ‫لتلوث البيئة الطبيعية ‪ ،‬فمن الضرورى أن نستوضح إمكانيات‬ ‫ً‬ ‫ضررا كهذا‬ ‫اإلستفادة من املصادر األخرى للطاقة التى ال تلحق‬ ‫بالبيئة ‪ ،‬مثل‪ « :‬اهليدورجني والرياح والوقود البيولوجى » وما‬ ‫إىل ذلك ‪ .‬وحنن مهتمون ً‬ ‫جدا بتطوير هذه املصادر ‪ ،‬وحنن حناول‬ ‫اليوم تنظيم صنع السيارات اهلجينة والسيارات الكهربائية على‬ ‫الرغم من أننا بالد ليست كبرية ‪...‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫لكنها موفقة ً‬ ‫جدا من الناحية االقتصادية ‪.‬‬ ‫وهذا هو سبب إهتمام اجلميع بأسرار النجاح الذى‬ ‫حققتموه وجبذور هذا النجاح‪ ...‬ولكن فلننتقل‬ ‫إىل مسألة أخرى يا دكتور مهاتري ‪ .‬ما رأيكم‬ ‫بالنظام املاىل العاملى القائم ؟ الكثريون منا‬ ‫يعتقدون أن االقتصاد العاملى مرتبط ً‬ ‫جدا ومقيد‬ ‫بالدوالر ‪ .‬ورغم اجلهود احلثيثة لتغيري هذا الوضع‪،‬‬ ‫‪39‬‬


‫ال نرى حتى اليوم أى تقدم فى حماوالت استبداله‬ ‫ً‬ ‫أيضا عن اليورو والني) ‪.‬‬ ‫بعملة أخرى ( ختتلف‬ ‫فهل يكمن السبب فى كون أهمية االقتصاد‬ ‫األمريكى كبرية لتلك الدرجة ‪ ،‬أم أن النظام‬ ‫احلاىل ال ميكن تغيريه بالسرعة املطلوبة ‪ ،‬فيما‬ ‫يتعني على « االقتصادات اآلسيوية » أن تدلل‬ ‫على ثبات تطورها وجناحها املطرد ؟ حنن نتذكر‬ ‫ً‬ ‫جيدا أنكم ‪ ،‬فى السنوات األخرية من توليكم‬ ‫ً‬ ‫جهودا إلجراء تعديالت‬ ‫مهام رئيس الوزراء ‪ ،‬بذلتم‬ ‫على النظام املعتاد ‪ ،‬وحاولتم طرح ما يسمى‬ ‫فلم ْ‬ ‫«بالدينار الذهبى» للتداول ‪َ .‬‬ ‫مل تتكلل تلك‬ ‫اجلهود بالنجاح؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫إستخدم الذهب بصفة معيارللقيمة ‪ .‬ومت‬ ‫منذ البداية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تسجيل سعره بـ ‪ 35‬دوالرا أمريكيا لألوقية ‪ .‬أما اآلن فقد‬ ‫وصل سعره إىل ‪ 1700‬دوالر ‪ .‬وهذا دليل واضح على مدى‬ ‫ختفيض قيمة العملة األمريكية وتدنيها ‪ .‬إال أن الدوالر‬ ‫ً‬ ‫معادال للقيمة ‪ ،‬ألن مجيع‬ ‫األمريكى بات منذ البداية‬ ‫البلدان التى تاجرت فيما بينها استخدمته وسيلة لتصفية‬ ‫احلسابات ‪ .‬وحتى اليوم حافظ الدوالر األمريكى على وظيفته‬ ‫‪40‬‬


‫ً‬ ‫طلبا‬ ‫األوىل بصفته وسيلة شاملة للمدفوعات ‪ .‬ولذا نشاهد‬ ‫ً‬ ‫متواصال على الدوالر ‪ ،‬وبفضل هذا الطلب حيتفظ بقيمته ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عجزا‬ ‫وقد قررت الواليات املتحدة لنفسها أن يكون لديها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أرقاما خيالية ‪ .‬وفى احلقيقة ‪،‬‬ ‫أرقاما فى املوازنة يبلغ‬ ‫متواصال‬ ‫ً‬ ‫حاليا على حساب القروض النقدية ‪.‬‬ ‫تتاجر الواليات املتحدة‬ ‫فهى نفسها ال تنتج الكثري ‪ ،‬وأمواهلا مقرتضة من الشركات‬ ‫النفطية التى متارس جتارتها بالدوالر ‪ ،‬وال تدرى ماذا تفعل‬ ‫بالدوالرات التى تكسبها ‪ .‬ولذا فهى تدخر تلك األموال بشراء‬ ‫السندات األمريكية ‪ .‬وفى واقع احلال ُيستخدم هذا امليكانيزم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفاعال ‪.‬‬ ‫عائما‬ ‫لتغذية االقتصاد األمريكى كى يبقى‬ ‫وها قد حلت حلظة إنهار فيها االقتصاد األمريكى ‪ ،‬ومل يعد‬ ‫ً‬ ‫نظرا لعجز امليزانية ‪ ،‬وإخنفاض‬ ‫للدوالر فى الواقع أية قيمة‬ ‫مستوى اإلنتاج ‪ .‬فى هذه املرحلة إستوىل الفزع على اجلميع ‪.‬‬ ‫ولكنك إذا حاولت وجازفت بإعالن إفالس الواليات املتحدة فإنها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مسلحا على بالدك ‪ .‬ولذا يبقى الناس فى حالة من‬ ‫هجوما‬ ‫تشن‬ ‫اخلوف ‪ ،‬ويظلون يعتمدون على الدوالر فى التعامل ‪ .‬وبودهم‬ ‫لو استعملوا عملة أخرى فى احلسابات التجارية ‪ ،‬ولكن حتى‬ ‫إيران التى أعلنت رغبتها فى إستخدام اليورو اضطرت إىل الرتاجع‬ ‫عن هذه الفكرة ‪ ،‬وذلك بسبب اخلوف من عدوان مسلح ُيشن‬ ‫عليها ‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫على هذه الصورة يبدو املوقف اليوم ‪ .‬ال تزال الدول تعتمد الدوالر‬ ‫األمريكى فى معامالتها التجارية ‪ ،‬وال جترؤ على إستخدام‬ ‫عملة دولية مربوطة إىل الذهب ‪ .‬وقد إقرتحنا حنن استعمال‬ ‫الدينار الذهبى ‪ ،‬ولكن فقط بصفة وحدة لتصفية احلسابات‬ ‫فى الصفقات التجارية اخلارجية ‪ ،‬وليس للحسابات الداخلية ‪،‬‬ ‫ليس بصفة وسيلة للمدفوعات فى السوق الداخلى ‪ .‬وأعتقد أن‬ ‫تلك أفضل وسيلة للمدفوعات ‪ ،‬ألن للذهب قيمة حقيقية فى‬ ‫أى بلد من بلدان العامل ‪ .‬فالشخص يعرف ً‬ ‫دوما املبلغ الذى يدفعه‬ ‫مقابل الذهب ‪ ،‬ويعرف قيمته احلقيقية ‪ .‬وميكنه أن يذكر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مطابقا للقيمة‬ ‫إستنادا إىل قيمة الذهب ‪ ،‬ويكون ذلك‬ ‫السعر‬ ‫فى عملة بالده ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫مرحيا للشخص‬ ‫نظرا ألن للذهب قيمته اخلاصة فليس‬ ‫ولكن‬ ‫أن يستعمله فى احلسابات املباشرة ‪ ،‬ذلك ألن هذا اإلستعمال‬ ‫حيتاج إىل ذهب أكثر من الكمية التى ميتلكها ‪ .‬ومع ذلك‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ .‬فى معرض الكالم‬ ‫ميكن العثور على حل هلذه املشكلة‬ ‫ً‬ ‫عن آفاق املستقبل القريب ال أعتقد أن هنالك ً‬ ‫كبريا كان‬ ‫بلدا ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫صغريا ‪ ،‬جيرؤ على اإلستهانة بالدوالر األمريكى ‪ ،‬فاخلوف‬ ‫أو‬ ‫من إنهيار االقتصاد األمريكى مينع ذلك البلد ‪ْ ،‬‬ ‫إن ُوجد ‪ ،‬عن‬ ‫التصرف بهذا الشكل ‪ .‬هذا اإلنهيار ترافقه عواقب كارثية على‬ ‫اقتصادات معظم بلدان العامل ‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫فيتاىلناومكني ‪:‬‬ ‫العامل اإلسالمى اليوم يغدو قوة متنفذة أكثر‬ ‫فأكثر فى السياسة الدولية ‪ .‬إال أن القرن احلاىل‬ ‫بدأ يف ظل تأزم العالقات الشديد بني األمة‬ ‫ً‬ ‫أيضا فى‬ ‫اإلسالمية والغرب ‪ ،‬األمر الذى جتلى‬ ‫أنشطة الشبكات اإلرهابية الدولية وفى إعالن‬ ‫إدارة بوش احلرب الشاملة على اإلرهاب ‪ .‬القوات‬ ‫املسلحة للواليات املتحدة وحلفائها إقتحمت‬ ‫أفغانستان ‪ ،‬وأسقطت حكومة طالبان ‪ .‬وفى عام‬ ‫‪ 2003‬غزت العراق ‪ .‬ويرى الكثريون من رجاالت‬ ‫الدولة والسياسيني واحمللليني أن غزو العراق‬ ‫خمالف للقانون ‪ ،‬ألنه مت ً‬ ‫بناءا على قرار إنفرادى‬ ‫من جانب إدارة بوش بدون تفويض دوىل ‪ .‬ومما له‬ ‫داللته بهذا اخلصوص أن احملافظني األمريكيني‬ ‫تطرقوا إىل هذا الغزو قبل حصوله بفرتة طويلة ‪،‬‬ ‫وكانوا خيططون إلسقاط األنظمة احلاكمة‬ ‫فى بلدان أخرى ‪ .‬ونضيف إىل قائمة تلك البلدان‬ ‫ليبيا التى تواجه اآلن اإلضطراب والفوضى‬ ‫بالكامل ‪ .‬ما رأيكم فى هذه العمليات ؟ وما‬ ‫هى عواقبها على البناء اإلقليمى وعلى اجملتمع‬ ‫الدوىل ككل ؟‬ ‫‪43‬‬


‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وأنا أجيب على هذا السؤال يتعني ّ‬ ‫جمددا إىل دور‬ ‫على أن أعود‬ ‫ً‬ ‫إسرائيل ‪ .‬فمنذ أن تأسست هذه الدولة قبل ستني عاما أو يزيد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حتديدا هو‬ ‫كليا ‪ .‬والسبب‬ ‫نسى الشرق األوسط طعم السالم‬ ‫واقع إغتصاب اإلسرائيليني أراضى الغري ‪ ،‬أراضى شعب آخر ‪.‬‬ ‫وال ميكن لشعب أن حيرتم نفسه أن يسكت على هذا‬ ‫اإلغتصاب‪ .‬الفلسطينيون الذين ُه ِّجروا من ديارهم وأراضيهم‪،‬‬ ‫واضطروا من ذلك احلني على العيش فىخميمات الالجئني ‪،‬‬ ‫إمنا يريدون إستعادة أراضيهم ‪ .‬وحتى خميمات الالجئني ليست‬ ‫أماكن آمنة هلم ‪ .‬فلنتذكر ( خميم شاتيال ) الذى تعرض هلجوم‬ ‫مليشيات املوارنة بتحريض من اإلسرائيليني ‪ .‬الرعب القابع فى‬ ‫نفوس اإلسرائيليني بسبب جتاورهم مع الدول اإلسالمية شديد‬ ‫لدرجة جعلت إسرائيل ترى ضرورة للتحالف مع شريك قوى ً‬ ‫جدا‬ ‫بشخص الواليات املتحدة ‪ .‬وقد عمل اإلسرائيليون جبهد جهيد‬ ‫فى داخل الواليات املتحدة ليتمكنوا من اهليمنة على املؤسسات‬ ‫التى هلا تأثري حاسم على احلكومة األمريكية ‪.‬‬ ‫لقد أمنوا ألنفسهم السيطرة على معظم وسائل اإلعالم ‪ْ ،‬‬ ‫إن مل‬ ‫نقل عليها مجيعها ‪ .‬مبا فى ذلك هوليود والقنوات التلفزيونية‬ ‫واجلرائد واإلذاعات وهلمجرا ‪ .‬وبعد ذلك هيمنوا على اجلزء‬ ‫األساسى من النظام املاىل فى أمريكا ‪ .‬معظم البنوك األمريكية‬ ‫‪44‬‬


‫تسيطر عليها بيوتات يهودية ‪ .‬والبد من اإلعرتاف بأنهم أناس‬ ‫مثقفون ‪ ،‬ن ُب َهاء ‪ ،‬وعلى قدر كبري من الفطنة والذكاء ‪ .‬وقد‬ ‫متكنوا حتى من التوغل فى الكوجنرس األمريكى ‪ ،‬حيث‬ ‫إن ْ‬ ‫صاروا فى ِعداد القائمني على خدمته ‪ْ ،‬‬ ‫مل نقل صاروا أعضا ًء‬ ‫فى الكوجنرس نفسه ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قويا فى الواليات‬ ‫ولذا نرى نفوذ األوساط املوالية إلسرائيل‬ ‫املتحدة لدرجة جعلت كل من يتجرأ على معاكستها خيسر‬ ‫احلملة اإلنتخابية ‪ .‬وطاملا أن مجيع املرشحني خيشون الفشل فى‬ ‫اإلنتخابات فيمكننا أن نتوقع بأنهم إذا فازوا فيها سيكونون‬ ‫ملزمني بتقديم كل أنواع الدعم إلسرائيل ‪ .‬وإسرائيل هذه‬ ‫فى حالة مواجهة مع املسلمني ‪ ،‬ولذا ستبقى أمريكا ً‬ ‫دوما فى‬ ‫عالقات متأزمة مع العامل اإلسالمي ‪ .‬املسلمون أنفسهم مشتتون‬ ‫متاما ‪ .‬األقطار اإلسالمية غنية ً‬ ‫ً‬ ‫جدا بفضل حيازتها لإلحتياطات‬ ‫النفطية ‪ .‬إال أنها ‪ ،‬رغم ذلك ‪ ،‬ال تزال غري منظمة وغري منضبطة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪ ،‬تدوس الواحدة‬ ‫العامل اإلسالمى موزع على ‪ 60‬دولة‬ ‫منها على « املواضع األليمة » فى أقدام األخرى ‪ .‬بعضها يتمسك‬ ‫بوجهات النظر املوالية ألمريكا ‪ ،‬وبعضها يتمسك مبواقف‬ ‫مناوئة لألمريكيني ‪ .‬فيما تعثر إسرائيل كل مرة على أسلوب‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا بني‬ ‫لإلستفادة من التناقضات القائمة بني املسلمني ‪،‬‬ ‫العرب ‪ ،‬لتضعف وحدتهم بالتاىل ‪.‬‬ ‫كما يتميز املسلمون بضعفهم الشديد من الناحية‬ ‫‪45‬‬


‫العسكرية ‪ .‬فال وجود اآلن لإلمرباطورية العثمانية ‪ .‬وهم‬ ‫يستخدمون تكنولوجيات مقتبسة من اآلخرين ‪ .‬ما يزيد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حاليا ‪ ،‬ميكنك أن‬ ‫ضعفا رغم عددهم الغفري ‪.‬‬ ‫على ضعفهم‬ ‫ً‬ ‫تكتشف بسهولة لدى املسلمني كثريا من املشاكل فى شتى‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ‪،‬‬ ‫اجملاالت ‪ .‬البلدان التى تعرضت للغزو والعدوان كلها‬ ‫وبال إستثناء ‪ ،‬إسالمية ‪ .‬الطوائف اإلسالمية تتعرض للمضايقات‬ ‫واملالحقات ‪ .‬فى مجهورية ( ميامنا ) ‪ً ،‬‬ ‫مثال ‪ ،‬يتعرض السكان‬ ‫املسلمون للقهر واإلذالل ‪ .‬وفى الكثري من البلدان التى يشكل‬ ‫فيها املسلمون أقليات إثنية يعانون من التمييز العنصرى ‪.‬‬ ‫شيئا ‪ ،‬ألنهم ضعفاء ً‬ ‫ً‬ ‫جدا ‪ ،‬وال‬ ‫لكنهم ال يستطيعون أن يفعلوا‬ ‫وحدة تربط بينهم ‪ .‬وحتى لو أخذنا احلركة الفلسطينية نرى‬ ‫ثـمة ً‬ ‫دوال إسالمية تقدم املساعدات للفلسطينيني ‪ ،‬فيما توجد‬ ‫دول إسالمية ‪ ،‬عربية حتى تساعد إسرائيل فى واقع األمر فى‬ ‫مكافحة الفلسطينيني ‪ .‬تلك هى اللوحة الفعلية لألحداث التى‬ ‫تالحظونها اليوم ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫لكن الغرب ‪ ،‬مبا فيه الواليات املتحدة ‪ ،‬أيد‬ ‫و‬ ‫احلركات اإلحتجاجية فى العامل العربى فى‬ ‫(‪ ، )2012 - 2011‬حيث إستلمت األحزاب اإلسالمية‬ ‫مقاليد السلطة فى دول عديدة‪ .‬فهل يصح القول‬ ‫‪46‬‬


‫إن اخلالف املشار إليه أعاله قد إحنسر على ضوء‬ ‫تقارب الغرب مع احلركات اإلسالمية ؟ ما هى‬ ‫رؤيتكم ملستقبل العالقات بني الغرب والعامل‬ ‫اإلسالمى ؟ وما تأثري أوضاع الالجئني والوافدين‬ ‫من العامل اإلسالمى إىل الغرب ‪ ،‬إىل دول اإلحتاد‬ ‫األوروبى بالدرجة األوىل ‪ ،‬على تلك العالقات‬ ‫فى ضوء تزايد شعورهم بالتفرقة ومعاناتهم من‬ ‫املشاكل األخرى املرتبطة باألزمة االقتصادية ؟‬ ‫وهل صحيح التأكيد بأن العالقات بني الواليات‬ ‫املتحدة والعامل اإلسالمى حتسنت بفضل تأييد‬ ‫أمريكا للحركات اإلحتجاجية ؟ وكيف ترون‬ ‫تطورات املوقف فى املستقبل القريب ؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫الواليات املتحدة دعمت اإلنتفاضات فى األقطار العربية ألنها‬ ‫إعتربتها فرصة ساحنة من أجل إستبدال األنظمة فى تلك البلدان‪.‬‬ ‫وكانت تريد مترير مرشحيها هناك إىل املناصب املفصلية ‪ .‬إال‬ ‫ً‬ ‫أساسا بأيدى‬ ‫أن املواقع القيادية فى هذه اإلنتفاضات تركزت‬ ‫ً‬ ‫حتديدا تعرضوا للمضايقات‪.‬‬ ‫اإلسالميني الذين يشعرون بأنهم‬ ‫وبالنتيجة تشكلت أنظمة حكم إسالمية فى البلدان التى‬ ‫شهدت اإلنتفاضات اجلماهريية ‪ .‬تلك األنظمة ال تنوى إقامة‬ ‫‪47‬‬


‫عالقات ودية مع الغرب ‪ .‬فهى ‪ ،‬بالعكس ‪ ،‬تريد التخلص من‬ ‫ً‬ ‫قائما ‪ ،‬بقدر ما ‪ ،‬ألن القوى‬ ‫نفوذه ‪ .‬وسيظل اخلالف بني الطرفني‬ ‫اإلسالمية التى إنتصرت تواجه داخل بلدانها معارضة من القوى‬ ‫ً‬ ‫شكال آخر للحكم ‪ .‬وإىل ذلك ستحاول الواليات‬ ‫التى حتبذ‬ ‫املتحدة إثارة البلبلة واإلضطراب فى الدول العربية على أمل أن‬ ‫ً‬ ‫موال للغرب ‪ .‬إال أن ذلك لن حيصل‬ ‫يظهر فى إحداها أخريا زعيم ٍ‬ ‫ً‬ ‫عموما فلن حيصل ‪،‬‬ ‫فى املستقبل املنظور ‪ .‬وإذا حصل فى زمن ما‬ ‫بالضبط ‪ ،‬فى املستقبل القريب ‪.‬‬ ‫وبالتاىل لن تتحسن العالقات بني املسلمني والغرب ‪ ،‬ألن‬ ‫املسلمني يدركون اآلن بوضوح أن الغرب خلق هذه املشكلة ‪،‬‬ ‫وأنه حياول التحكم بنا ‪ .‬وطاملا أن ذلك ال يروق لنا ‪ ،‬وال يعجبنا‬ ‫ً‬ ‫قطعا فإن عالقاتنا ال ميكن أن تتحسن ‪.‬‬ ‫يضاف إىل ذلك كله اخلوف املستور الذى يشعر به الغرب‬ ‫من إحتمال جناح اإلسالميني يف إحالل اإلستقرار فى بلدانهم‪،‬‬ ‫وإكتساب قوة متكنهم من تسديد الضربة إىل إسرائيل ‪.‬‬ ‫ويعتقد الغرب أن من الضرورى ‪ً ،‬‬ ‫مثال ‪ ،‬وقف إيران عند حدها‬ ‫وإضعافها من خالل العقوبات املفروضة عليها ‪ .‬وقد بلغ األمر حد‬ ‫التهديد املباشر بشن احلرب عليها وغزو أراضيها ‪ .‬والناس بالطبع‬ ‫مرعوبون من هذه التهديدات ‪ ،‬ألن قوات الدول الغربية املتحالفة‬ ‫تستطيع شن العمليات احلربية كما فعلت أثناء غزوها املسلح‬ ‫للعراق وأفغانستان ‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫واليوم يتساءل ‪ ،‬حتى األمريكيون أنفسهم ‪ ،‬هل كان اهلجوم‬ ‫على ناطحيت السحاب املتجاورتني عملية إرهابية مدبرة من قبل‬ ‫املتشددين العرب أم غريهم ‪ ،‬ذلك ألن هناك الكثري من املالبسات‬ ‫املتعلقة بهذه الفاجعة ‪ ،‬وال تقبل أى تفسري منطقى ‪ .‬فقد هوت‬ ‫كلتا البنايتني بنفس الطريقة ‪ ،‬فيما إنهارت بناية ثالثة وهوت‬ ‫ً‬ ‫إطالقا ‪ .‬ثم إن الطائرة التى نطحت البنتاجون‬ ‫دون أن ميسها أحد‬ ‫ً‬ ‫إختفت بعد ذلك ‪ ،‬وباتت أثرا بعد عني ‪ .‬األمريكيون أنفسهم‬ ‫ً‬ ‫شيئا‬ ‫يبحثون اآلن عن أجوبة على هذه التساؤالت ‪ .‬ويشعرون بأن‬ ‫غامضا ً‬ ‫ً‬ ‫جدا قد حدث ‪ ،‬ومن ورائه نوايا خبيثة ‪ .‬غياب اإلستقرار الذى‬ ‫حصل بعد النزاعات التى أشرت إليها سيبقى فرتة طويلة ً‬ ‫جدا ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫نافعا‬ ‫ما رأيكم ‪ ،‬هل يكون النموذج املاليزى‬ ‫فى سياق أحداث الربيع العربى ؟ فى احلال احلاضر‬ ‫يبحث أصدقاؤنا العرب عن منوذج أو موديل‬ ‫يرتضونه ألنفسهم ‪ .‬بعضهم يتحدث عن النموذج‬ ‫الرتكى ‪ ،‬فيما يتحدث بعضهم اآلخر عن‬ ‫النموذجني املاليزى واهلندى بوصفهما ً‬ ‫مثاال للدول‬ ‫الدميقراطية التى حققت اإلزدهار االقتصادى ‪.‬‬ ‫هل تعتقدون بوجود موديل ماليزى مميز ؟ وهل‬ ‫تستطيع الدول العربية أن تعتمده أو تقتدى به ؟‬ ‫‪49‬‬


‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫عربا آخرين ‪ ،‬وقلت هلم ‪ :‬يا‬ ‫حتدثت إىل مصريني ‪ ،‬وألتقيت‬ ‫أخوة ‪ ،‬لكى تكونوا دميقراطيني ينبغى أن تتعلموا الفشل‬ ‫وتتقبلوا اهلزمية ‪ .‬فإذا ساهمتم فى محلة إنتخابية جملرد الفوز‬ ‫واإلدعاء بالدميقراطية لن تكون هناك دميقراطية ‪ .‬وإذا فاز‬ ‫غريكم وتريدون نسف قواه وإسقاطه بالقوة لن تستطيعوا‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ .‬ففى هذه احلالة لن حيل‬ ‫التفوق عليه وكسب املعركة‬ ‫اإلستقرار فى بالدكم ‪ .‬ولذا فاإلستعداد للهزائم جانب هام جداً‬ ‫من الدميقراطية ً‬ ‫أيا كانت ‪ .‬سبب إنتصار الدميقراطية فى‬ ‫الغرب هو إعرتاف املهزوم بهزميته ‪.‬‬ ‫على سبيل املثال ‪ « :‬آلربت غور » كان جيب أن يكسب‬ ‫محلته اإلنتخابية لكنه فشل ‪ ،‬ووجد فى نفسه شجاعة‬ ‫لإلعرتاف بهزميته ‪ .‬أما فى الدول العربية فرتى رغبة احلكام‬ ‫املتواصلة فى التشبث بالسلطة مدى العمر ‪ ،‬بصرف النظر عما إذا‬ ‫كانوا فائزين فى اإلنتخابات أو خاسرين ‪ .‬بينما يوجد لدينا فى‬ ‫ماليزيا منوذج آخر ‪ .‬منوذجنا يتلخص فى كوننا فقدنا مخس‬ ‫واليات فازت فيها املعارضة ‪ .‬لكن ذلك حصل بنتيجة إنتخابات‬ ‫نزيهة ‪ .‬ممثلو أحزاب املعارضة يرتأسون هيئات السلطة احمللية‬ ‫فى مخس واليات ‪ .‬وهذا أمر فى منتهى األهمية لدميقراطيتنا ‪.‬‬ ‫وإال إلضطررنا إىل تضليل ناخبينا فى سياق اإلنتخابات ‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫مع تزايد وزنها فى العامل تعانى الدول اإلسالمية‬ ‫ً‬ ‫أحيانا إىل‬ ‫من تناقضات طائفية طاحنة تتحول‬ ‫إشتباكات مسلحة سافرة‪ .‬العداء بني السنة‬ ‫والشيعة ‪ ،‬بني السلفية والصوفية ‪ ،‬وما إىل ذلك‬ ‫بات ظاهرة يومية فى حياة العديد من اجملتمعات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إعتباطا حبق‬ ‫علما بأن بعض الدعاة يستأثرون‬ ‫الكالم نيابة عن اإلسالم ‪ .‬وتزيد فى توتر املوقف‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫العالقات املعقدة بني األغلبية‬ ‫أصال‬ ‫املتوتر‬ ‫املسلمة واألقلية املسيحية فى عدد من الدول‪،‬‬ ‫الشرق أوسطية على سبيل املثال ‪ .‬وإىل ذلك‬ ‫جند العالقات معقدة بني دعاة الدولة الدينية‬ ‫وأنصار اجملتمع املدنى ‪ ،‬والعلمانية املتجذرة فى‬ ‫بعض البلدان‪ .‬فكيف ميكن جتاوز احلزازات‬ ‫الفتاكة بالنسبة لتطور الدول اإلسالمية ؟‬ ‫وهل هناك فرصة لتفوق التسامح الدينى على‬ ‫العداوات ؟ ألن يتفكك اجملتمع املدنى حتت‬ ‫ضغط اإلسالم السياسى ؟‬

‫‪51‬‬


‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫فى ماليزيا كلنا متساحمون ‪ .‬متساحمون جتاه الدين الذى‬ ‫يعتنقه الناس ‪ ،‬وجتاه إنتماءاتهم اإلثنية ‪ .‬كان من املتوقع أن‬ ‫يتباغض املواطنون فيما بينهم ويشعرون بالعدوانية جتاه‬ ‫بعضهم البعض ‪ ،‬لكننا ندرك بأننا ال نتميز بشىء عن سائر‬ ‫أبناء القوميات األخرى من حيث املعايري اإلثنية ‪ ،‬ومن حيث‬ ‫اإلعتقادات الدينية والفوارق املتعلقة بامليدان االقتصادى ‪ .‬لقد‬ ‫أفلحنا فى العثور على سبيل للعمل ً‬ ‫معا ‪ ،‬وجبهود متضافرة ‪.‬‬ ‫واألقلية موافقة على اخلضوع إلرادة األغلبية عندما نلجأ إىل‬ ‫إستخدام صالحياتنا ‪ .‬فى حني أن األغلبية ‪ ،‬من جهتها ‪ ،‬حباجة‬ ‫إىل التأييد من جانب األقلية وجيب عليها أن تهتم مبصاحل ورفاه‬ ‫هذه األقلية ‪ .‬ولذا ‪ ،‬ونتيجة لكوننا ننظر إىل هذه األمور بروح‬ ‫التسامح ‪ ،‬أفلحنا فى احلفاظ على الوئام وعلى الظروف السلمية‬ ‫للحياة واإلستقرار فى بالدنا منذ أن أحرزنا اإلستقالل ‪ .‬ولذلك‬ ‫ّ‬ ‫حنسن ونطور نظامنا ‪ ،‬وأن نتمتع باحلريات‬ ‫بإمكاننا أن‬ ‫الدميقراطية حبيث نستطيع إستبدال احلكومات من دون‬ ‫ثورات‪ .‬كل ما يتطلبه ذلك هو إجراء اإلقرتاع الشعبى العام ‪.‬‬ ‫هذا الفهم مل حيصل ُ‬ ‫بعدفى ظروف األنظمة الدميقراطية‬ ‫اجلديدة ‪ ،‬ألن األنظمة اإلستبدادية هى التى كانت مهيمنة‬ ‫على تلك الدول اإلسالمية قبل ذلك ‪ .‬وحبكم هذه الظروف ليس‬ ‫من السهل عليها اإلنتقال إىل الدميقراطية فى ليلة وضحاها‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫هائال فى وعىالناس ‪ .‬والبد من تعلم ذلك‬ ‫إنقالبا‬ ‫فذلك يتطلب‬ ‫جبد وإجتهاد على مدى سنني ‪ .‬وحتى ذلك احلني ‪ ،‬يبقى اإلستقرار‬ ‫ً‬ ‫غائبا عنها عدة سنني ‪.‬‬ ‫إختالف اآلراء بني املسلمني ‪ ،‬من « سلفيني » و« وهابيني وسنة‬ ‫و شيعة » و غريهم ‪ ،‬يقوم على العقائد وتنوع تفاسري القرآن‬ ‫الكريم املعتمدة من قبل خمتلف املذاهب ‪ .‬اإلسالم واحد ‪ .‬وهذا‬ ‫اإلسالم الواحد ينبع من القرآن ‪ .‬إذا راجعت القرآن لن تكون‬ ‫لديك أية مشاكل ‪ .‬أما إذا راجعت مرشدك أو إمامك ستقتنع‬ ‫أن املرشد أو اإلمام اآلخر ليس على حق ‪ .‬ما جيرى اآلن هو تعود‬ ‫أئمة الطوائف على الغلو فى متجيد معتقداتهم الشخصية‬ ‫معتربين باقىاملسلمني غري متنورين للدرجة التى تربر القول‬ ‫بأنهم مسلمون حقيقيون ‪ .‬وفى تلك األثناء يتباغض ويتعادى‬ ‫أتباع أولئك وهؤالء ‪.‬‬ ‫أما فى ماليزيا فقد حالفنا احلظ بكون مجيع مسلمينا‬ ‫شافعية ‪ .‬وحتى اآلونة األخرية مل حتصل عندنا أية مشاكل ‪.‬‬ ‫إال أن السياسة دخلت على اخلط ‪ ،‬وأخذ السياسيون حياولون‬ ‫إستخدام اإلسالم فى تكفري اآلخرين على إعتبار أنهم ليسوا‬ ‫مسلمني حقيقيني ‪ .‬ذلك أمر يقود إىل خالفات ونزاعات حتى‬ ‫فى ماليزيا ‪ .‬إال أننا قادرون على معاجلة هذه املشكلة على أية‬ ‫حال‪ ،‬ذلك ألننا ندرك أن بعض األشخاص يفسرون أحكام ديننا‬ ‫بشكل غري صحيح ‪ .‬ففى اجملتمعات التى يبدى مسلموها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دوما اإلشتباكات ومظاهر العداوة‬ ‫تعصبا لطوائفهم حتصل‬ ‫‪53‬‬


‫ً‬ ‫مطلقا مع الدميقراطية والتسامح ‪.‬‬ ‫الطائفية التى ال تتعايش‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫حياول الكثري من املثقفني واحملللني تنظري‬ ‫أحداث ما يسمى « بالربيع العربى » الذى هز‬ ‫فجأة األنظمة القائمة من عشرات السنني ‪.‬‬ ‫البعض حياولون إجياد قاسم مشرتك واحد بني‬ ‫جذور كل احلركات اإلحتجاجية والثورات‬ ‫واإلنقالبات فى خمتلف البلدان ‪ ،‬فيما يؤكد‬ ‫البعض اآلخر على خصوصيتها فى كل بلد ‪.‬‬ ‫البعض يرون أنها حتصل ألسباب داخلية صرف‪،‬‬ ‫والبعض اآلخرون يرون فيها ( أو فى قسم منها‬ ‫على األقل) أصابع أجنبية‪.‬‬ ‫بعضهم يعتربونها ظاهرة إقليمية حبتة ‪،‬‬ ‫وبعضهم اآلخر يتحدثون عن بداية عملية ذات‬ ‫طابع عاملى شامل‪ .‬ليبيا مثال كبري الداللة بهذا‬ ‫اخلصوص ‪ .‬فيما نسمع فى تونس ومصر من‬ ‫يقول ويكرر إن الظاهرة إقليمية حمدودة ‪ .‬ففى‬ ‫هذين البلدين تنادى اجلماهري الشعبية باملساواة‬ ‫‪ ،‬وإحرتام كرامة اإلنسان‪ ،‬ومشاركة املواطن‬ ‫التامة فى احلياة السياسية ‪ .‬وهناك من يعتقد أن‬ ‫‪54‬‬


‫هذه الظاهرة تشري بنفسها إىل طبيعتها وأهميتها‬ ‫العالية الشاملة ‪.‬‬ ‫وإىل ذلك يتحدث البعض عما يسمونه « الفيس‬ ‫بوك الثورى»‪ ،‬وهم على يقني بأن التقنيات‬ ‫املعلوماتية واإلعالمية احلديثة تلعب الدور‬ ‫األساسى فى تعبئة اجلماهري ‪ .‬يقابلهم من ناحية‬ ‫أخرى أولئك الذين يركزون على أهمية السبل «‬ ‫التقليدية » ‪ ،‬مبا فيها إستخدام املساجد والنشاط‬ ‫الدعوى ‪ .‬فما رأيكم أنتم ‪ ،‬يا دكتور مهاتري ‪،‬‬ ‫فى الربيع العربى ؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫كل ما حدث وحيدث ال جيوز أن نعزوه إىل سبب واحد ‪ .‬فثمة‬ ‫مجلة أسباب ‪ .‬نعم الناس مل يشعروا ومل يتمتعوا بالسعادة ‪ .‬فى‬ ‫السابق ما كانوا يستطيعون التواصل مع بعضهم البعض ‪ .‬أما‬ ‫اآلن فبوسعهم التواصل ليس فىاملساجد وحدها ‪ ،‬بل ومن خالل‬ ‫ً‬ ‫كثريا اإلختالط‬ ‫اإلنرتنت ‪ .‬الشبكة العنكبوتية يسرت‬ ‫والتفاهم بني الناس ‪ ،‬ومن الصعب ً‬ ‫جدا القبض على حمرض فيها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شعارا فى املسجد فيمكن أن تتعرض للتوقيف‬ ‫أما إذا رفعت‬ ‫واإلعتقال ‪ .‬وإذا تلوت نداءك فى املمر قرب املدخل ميكن أن‬ ‫ً‬ ‫أيضا ‪ .‬ومن هذه الناحية تكتسب إمكانية‬ ‫يقبضوا عليك‬ ‫‪55‬‬


‫التواصل من دون الظهور أمام املأل أهيمة كبرية ً‬ ‫جدا ‪ .‬وقد لعبت‬ ‫ً‬ ‫هذه اإلمكانية ( بإستخدام اإلنرتنت ) ً‬ ‫كبريا فى األحداث‬ ‫دورا‬ ‫اآلنفة الذكر ‪.‬‬ ‫السبب األساسي للصحوة العربية أن الناس كانوا مقهورين‪،‬‬ ‫ويشعرون بالتعاسة واملهانة ‪ .‬مل يكن لديهم عمل وال دخل ‪.‬‬ ‫يفتقرون إىل أسباب العيش ‪ .‬احلاصلون على التعليم العاىل‬ ‫مضطرون على اإلجتار باخلضروات فى السوق ‪ .‬كل هذه‬ ‫املالبسات أسباب منتشرة تثري فى اإلنسان مشاعر التذمر‬ ‫واإلستنكار ‪ .‬وإذا بلغ اإلستنكار درجة الغليان فإنه يفضى‬ ‫إىل تفجري املوقف ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫فى بعض احلاالت حصل تدخل عسكرى مباشر‪،‬‬ ‫كما فى ليبيا ‪.‬‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫طبيعى أن وسائل اإلعالم الدولية لعبت ً‬ ‫ً‬ ‫جوهريا فى حلظة‬ ‫دورا‬ ‫احلادث بتونس ‪ .‬فقد أبلغت اجلميع بأنه حصل نتيجة للظلم‬ ‫املوجود وحلاالت قمع التذمر الشعبى وما إىل ذلك ‪ .‬إال أن البعض‬ ‫‪56‬‬


‫مل يقتنعوا بهذه الرواية ‪ .‬وقد جرى بالطبع حتقيق فى احلادث ‪.‬‬ ‫وعمدت مجيع املنظمات واهليئات غري احلكومية التى تتلقى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كافيا إىل تأجيج هذه املشاعر عند الناس ‪.‬‬ ‫متويال‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫كثريا التناقض فيما بني‬ ‫فى اآلونة األخرية إشتد‬ ‫الالعبني الدوليني املتمسكني مببادئ إحرتام‬ ‫السيادة الوطنية للدول ً‬ ‫وفقا لنظام ( ويستفاليا)‪،‬‬ ‫وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية‪ ،‬وإعتماد‬ ‫أصول القانون الدوىلواهليئات الدولية ‪ .‬وأعنى‬ ‫التناقضات بني العبني مثل الدول األعضاء فى‬ ‫منظمة « آسيان» من جهة وبني الذين يعارضونها‬ ‫ويطرحون نظرية « التدخل اإلنسانى» ‪ ،‬فيجيزون‬ ‫التدخل األجنبى ‪ ،‬مبا فيه التدخل فى إطار مبدأ «‬ ‫مسؤولية احلماية » من جهة أخرى ‪ .‬فما رأيكم‬ ‫بهذا اخلصوص ؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫عندما فقدت الدول الغربية إمرباطورياتها حرمت من حق التدخل‬ ‫فى الشؤون الداخلية للبلدان األخرى ‪ .‬وظلت لبعض الوقت حترتم‬ ‫‪57‬‬


‫حقنا فى السيادة ومل تتدخل فى شؤوننا ‪ .‬وحصل فيما بعد أنها‬ ‫فوتت بعض الفرص التى توفرت فى عدد من البلدان ‪ ،‬وعندها‬ ‫شعرت باحلاجة ملنفذ إىل تلك البلدان ‪ .‬كان من الضرورى هلا أن‬ ‫توسع أسواق التصريف ‪ .‬فكيف تتغلغل إىل هناك ما مل جتد‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا ؟‬ ‫نقاط ضعف فى البلدان التى أحرزت إستقالهلا‬ ‫بعد ذلك أخذت تركز على مسألة حقوق اإلنسان ‪ .‬وتلك‬ ‫ً‬ ‫قيما مل يكن هلا وجود فى‬ ‫املسائل من خمرتعاتها التى متثل‬ ‫السابق ‪ .‬وحتى احلال احلاضر مل يكن هلا مثل تلك األهمية وهذا‬ ‫الوزن ‪ .‬وصارت تظن أنها طاملا وبقدر ما تدخل فى نقاش حول‬ ‫حقوق اإلنسان تستطيع أن تتدخل فى الشؤون الداخلية للبلدان‬ ‫األخرى ‪ .‬ويتعني ّ‬ ‫على أن أستدرك وأقول بهذا اخلصوص إن هذا‬ ‫التدخل قد تكون له مربراته فى حاالت معينة ‪ .‬ففى (كمبوديا)‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هائال من مواطنيها ‪ ،‬إال أن ً‬ ‫ً‬ ‫أحدا مل‬ ‫عددا‬ ‫مثال أبادت احلكومة‬ ‫يتمكن من إختاذ أية إجراءات ‪ .‬ولذا كان باإلمكان إختاذ‬ ‫ذلك ذريعة للتدخل األجنبى ‪ ،‬ولكن فقط على أساس تفويض‬ ‫دوىل ال لبس فيه ‪ ،‬يقره ‪ ،‬على سبيل املثال ‪ ،‬جملس األمن الدوىل‪.‬‬ ‫أما إذا كانت أية دولة تستأثر لذاتها ‪ ،‬وبصورة إنفرادية ‪ ،‬حبق‬ ‫إختاذ تلك القرارات ‪ْ ،‬‬ ‫وإن كان ذلك حبجة مساعدة « الشعب‬ ‫املضطهد» حسب إدعائها ‪ ،‬فإن ذلك خمالفة صرحية للشريعة‬ ‫والقانون ‪ .‬وإذا مسحنا بذلك لن حيل السالم على األرض ً‬ ‫أبدا ‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫النساء يلعنب ً‬ ‫دورا ً‬ ‫هاما فى اجملتمعات احلديثة‪،‬‬ ‫فيما غدت املساواة بني اجلنسني من القيم‬ ‫الشاملة بالنسبة جلميع دول العامل فى الواقع ‪.‬‬ ‫على أية حال ‪ ،‬ال يستطيع أحد اليوم أن يصرح‬ ‫ً‬ ‫شأنا من الرجل ‪،‬‬ ‫على املكشوف بأن املرأة أقل‬ ‫وبأنها عاجزة عن حتقيق نفس النجاحات التى‬ ‫حيققها الرجل فى الكثري من ميادين النشاط‪.‬‬ ‫إال أن فىبعض دول العامل اإلسالمى أنظمة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومتييزا ضد‬ ‫تفرقة‬ ‫وأعرافا ُتعترب خارج تلك الدول‬ ‫النساء ‪ .‬وواضح أن املسألة هنا ليست فى الدين ‪،‬‬ ‫بل فى تفسري بعض أحكامه من قبل العلماء‬ ‫واملشرعني ‪ .‬ولعل املشكلة فى إستمرارية‬ ‫التقاليد واألصول القبلية التى كانت قائمة فى‬ ‫هذه البلدان فى زمن اجلاهلية‪ .‬فما رأيكم بهذا‬ ‫اخلصوص ؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬

‫أعتقد أن إختالف تفسري أحكام اإلسالم على يد خمتلف‬ ‫األشخاص هو السبب فى مجيع هذه املشاكل الكثرية ‪ .‬فإذا‬ ‫تناولنا املبادئ األساسية للدين احلنيف ‪ ،‬واألحكام ‪ ،‬واألصول‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا يقضى‬ ‫حكما‬ ‫الشاملة الواردة فى القرآن لن جند هناك وال‬ ‫‪59‬‬


‫بأن حتجب املرأة وجهها أو تغطى بدنها كله بثياب ال شكل هلا ‪،‬‬ ‫أو مبنع النساء من املشاركة فى أنواع معينة من النشاط ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بدنيا ‪ .‬لكنهن‪،‬‬ ‫صحيح أن النساء فى العادة أضعف من الرجال‬ ‫على أية حال ‪ ،‬ميكن أن يغدون قويات ً‬ ‫جدا ‪ .‬وال جيوز لنا أن‬ ‫مننعهن من ممارسة هذا النوع من النشاط أو ذاك ‪ .‬علينا أن‬ ‫إن شئتم ‪ .‬كنت ً‬ ‫نبدىإحرتامنا هلن ‪ ،‬بل إحرتامنا لضعفهن ‪ْ ،‬‬ ‫دوما‬ ‫أطرح على نفسى هذا السؤال ‪ :‬كيف ينبغى أن يكون موقفنا‬ ‫ً‬ ‫متذكرا‬ ‫من النساء فى ماليزيا ؟ وكل مرة أجيب على السؤال‬ ‫بأننا دولة غري كبرية ‪ .‬ويلزمنا أن نعبئ قوانا‪ .‬مبعنى أننا‬ ‫ال نستطيع أن نستبعد النساء بأية حال ‪ .‬ميكنهن أن يؤدين‬ ‫األعمال على قدم املساواة مع الرجال فى اجملاالت التى تتطلب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عاليا ‪ .‬والبد لنا أن نستفيد من ذلك ‪.‬‬ ‫مهنيا‬ ‫وتأهيال‬ ‫كفاءة‬ ‫لقد أفردنا للنساء ً‬ ‫ً‬ ‫مرموقا فى جمتمعنا ودولتنا ‪ .‬وفرنا هلن‬ ‫دورا‬ ‫فرص العمل بصفة نائبات ووزيرات ‪ ،‬وما إىل ذلك ‪ .‬وال تعارض‬ ‫ً‬ ‫إطالقا بني هذا وبني أحكام اإلسالم ‪ .‬حنن نعرف أن النساء فى‬ ‫عهد النبى حممد (صلعم) كن يسهرن على اجلرحى ‪ .‬ولذا فنحن ال‬ ‫خنالف األصول اإلسالمية فى بالدنا ماليزيا ‪ .‬أما الذين يفكرون‬ ‫على حنو آخر فإنهم ينطلقون من تقاليد اجلاهلية ‪ ،‬أو من املمارسات‬ ‫املالزمة لطائفة معينة ‪ .‬لكن ذلك ال ميت بصلة إىل اإلسالم ‪.‬‬ ‫فى احلقيقة كان إرتداء اخلمار أو الغشاوة من املمارسات‬ ‫املنتشرة فى املسيحية بادئ ذى بدء ‪ .‬وفى فرتة متأخرة قرر النصارى‬ ‫‪60‬‬


‫أن يتخلوا عن إرتدائها ‪ .‬وكان التقليد املسيحى مقدمة للحجاب‬ ‫اإلسالمى ‪ .‬املرأة فى املمارسات اإلسالمية تستطيع أن تكشف‬ ‫عن وجهها ويديها ‪ .‬فإذا عدنا إىل األصول األوىل للدين اإلسالمى‬ ‫لن جند ‪ ،‬على ما أعتقد ‪ ،‬أى حادث يربر بأية درجة تعرض النساء‬ ‫للمضايقات ‪ .‬الدين يعتربهن خمتلفات عن الرجال ‪ ،‬ولكن فقط‬ ‫بسبب ضعف األبدان املالزم هلن ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا عن رأى يقول‪:‬‬ ‫أحد الساسة األتراك أعرب‬ ‫( إن من أسباب عدم إستحسان النمط األوروبى‬ ‫فى العامل اإلسالمى هو اإلفراط فى العلمانية‬ ‫املدنية فى دول اإلحتاد األوروبى ) ‪ .‬وأكد هذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متزايدا بأطراد‬ ‫دورا‬ ‫السياسى أن الدين يلعب‬ ‫فى اجملتمع اإلسالمى ‪ ،‬وهذا يشكل إحدى‬ ‫خصائصه األكثر أهمية ‪ .‬وجهة النظر هذه‬ ‫حتظى بتأييد الكثري من املفكرين يف العامل‬ ‫اإلسالمى ‪ .‬ومن ناحيتهم يعتقد الناس فى البلدان‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫مكون‬ ‫عموما أن فصل الدين عن الدولة‬ ‫الغربية‬ ‫ً‬ ‫هام مبدئيا من مكونات اجملتمع الدميقراطى‪،‬‬ ‫إىل جانب مكوناته األخرى مثل ‪ « :‬سلطة‬ ‫القانون ‪ ،‬وإستقالل القضاء ‪ ،‬وإحرتام حقوق‬ ‫األقليات ‪ ،‬وحرية الرأى» ‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬ما رأيكم‬ ‫‪61‬‬


‫خبصوص اجلمع والتوفيق بني هذه القيم ؟ وإىل‬ ‫أى مدى ميكننا الكالم عن القيم املشرتكة‬ ‫للبشرية ‪ ،‬مثل الدميقراطية أو حقوق اإلنسان ؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫فى احلقيقة ال وجود للعلمانية حبد ذاتها فى اإلسالم ‪ ،‬ذلك‬ ‫ألن اإلسالم ‪ ،‬كما تعرفون ‪ ،‬منط حياتى شامل ‪ .‬وحنن على‬ ‫حق عندما نشرك فى عملنا السياسيني ورجال األعمال ‪...‬‬ ‫واملنخرطني فى شتى جماالت النشاط ‪ .‬إال أن اإلسالم ال يفرق بني‬ ‫احلياة الدينية واملدنية ‪ .‬وبعبارة أخرى مفهوم العلمانية املدنية‬ ‫غري وارد فى اإلسالم ‪ .‬فمن جهة ‪ ،‬يوضح الدين اإلسالمى كل ما‬ ‫حيدث فى جمتمعنا ‪ ،‬ألن القرآن حيتوى على جمموعة التوجيهات‬ ‫والتعاليم املتعلقة بكل جانب من جوانب حياتنا ‪ ،‬مما مييزه عن‬ ‫ْ‬ ‫ولكن من اجلهة األخرى كل األفعال اليت‬ ‫اإلجنيل والتوراة ‪.‬‬ ‫نقوم بها ينبغى أن تتطابق مع الدميقراطية بالكامل ‪ ،‬وهذا‬ ‫ال يتعارض مع تعاليم الدين اإلسالمى ً‬ ‫أبدا ‪ ،‬ألن الدميقراطية‬ ‫كانت موجودة حتى فى فجر اإلسالم ‪.‬‬ ‫عندما توفى الرسول (صلعم) مل يكن عنده من يرثه ‪ ،‬فبايع‬ ‫ً‬ ‫خلفا للنبى‬ ‫املؤمنون « أبو بكر الصديق » خليفة عليهم ‪ .‬بايعوه‬ ‫حممد (صلعم) ‪ ،‬ومن بعده بايعوا ثالثة خلفاء آخرين ‪ .‬ثم تأسست‬ ‫خالفة بنى أمية الوراثية على يد « معاوية بن أبى سفيان » ‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫إال أنها مل تكن من اإلمجاع فى الدين اإلسالمى ‪ .‬وهكذا‬ ‫حنن نؤمن بأن الدميقراطية جزء ال يتجزأ من اإلسالم ‪ ،‬وعلينا أن‬ ‫نكون صادقني مع أنفسنا عندما نطبقها ‪ .‬أما التطاول عليها‬ ‫وخمالفة مبادئها فيتعارضان مع الدين احلنيف ‪ .‬إذا كنت ختالف‬ ‫األصول الدميقراطية فإنك ال تنفذ التعاليم احلقيقية لديننا ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫نشهد اليوم جمادالت كثرية حول التناسب بني‬ ‫مفهومى حرية الرأى وإحرتام القيم الدينية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جيدا أمثلة اإلهانات الفظيعة ملشاعر‬ ‫وحنن نعرف‬ ‫املسلمني من قبل بعض أبناء اجملتمعات الغربية‪،‬‬ ‫ومن ذلك حرق املصحف الشريف يف أمريكا ‪،‬‬ ‫وعرض الفيلم السيء الصيت واملسمى « براءة‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا موجة من السخط‬ ‫املسلمني » الذى آثار‬ ‫واإلستنكار فى العامل اإلسالمى ‪ .‬فما سبب‬ ‫ذلك ؟ هل هو معاداة اإلسالم املتجذرة فى العامل‬ ‫الغربى؟ أم هو جمرد وقاحة وشقاوة تتسرت حبرية‬ ‫ً‬ ‫مفهوما‬ ‫الرأى؟ فإذا كانت حرية التعبري عن الرأى‬ ‫ً‬ ‫منصوصا عليها فى الئحة حقوق‬ ‫وقيمة شاملة‬ ‫اإلنسان فهل يعترب منع مثل هذه اإلعتداءات أمراً‬ ‫ً‬ ‫مرفوضا ؟ وكيف ميكن اجلمع بني هذا وذاك؟‬ ‫على فكرة‪ ،‬حنن نسمع إستنكار هذا النوع‬ ‫‪63‬‬


‫من التصرفات ليس فقط من املسلمني ‪ .‬فمنذ فرتة‬ ‫ً‬ ‫إحتجاجا على‬ ‫غري بعيدة تظاهر مسيحيو لبنان‬ ‫الفيلم الرتكى « غزوات ‪ » 1453‬الذىإعتربوه‬ ‫ً‬ ‫مهينا للنصارى‪.‬‬ ‫إال أن السلطات الرتكية أيدت حق أصحاب الفيلم‬ ‫فى التعبري عن رؤيتهم الفنية ألحداث التاريخ ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك حتى بعض الصحفيني األتراك إعتربوا‬ ‫ً‬ ‫دليال على إزدواجية املعايري ‪ .‬فما‬ ‫هذا التصرف‬ ‫موقفكم من التناسب بني حرية التعبري عن الرأى‬ ‫وإحرتام املشاعر الدينية ؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫ال وجود لظاهرة احلرية املطلقة فى أى مكان ‪ .‬فمهما فعلت‬ ‫لن تتمكن من جتاوز األطر واحلدود ‪ .‬ميكنك بالطبع أن‬ ‫تقول ما تشاء وتقرتب من الشخص الذى تطاولت على حقوقه‪.‬‬ ‫فما عساه أن يفعل ؟ إنه يدخل فى شجار معك ‪ .‬يصفعك ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا هلا حدود‬ ‫ألنك جتاوزت حدود املسموح ‪ .‬ولذا فاحلرية‬ ‫وقيود ‪ .‬ال ميكنك أن تستخدم احلرية إلهانة اآلخرين ‪ .‬جيب‬ ‫أن تتمالك أعصابك وتضبط نفسك ‪ .‬وإذا مل تفعل ذلك‬ ‫تتوىل السلطة هذه املسألة ً‬ ‫بدال عنك ‪ ،‬وترغمك على ضبط‬ ‫النفس ‪ .‬وإىل ذلك جند تفسريات احلرية متباينة فىخمتلف‬ ‫‪64‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫متاما‪.‬‬ ‫عاريا‬ ‫البلدان ‪ .‬فىأوروبا ميكنك أن تظهر على البالج‬ ‫فىحني أن هذا التصرف مرفوض باملطلق فى جمتمعنا‪ .‬ففى‬ ‫جمتمعنا عليك أن تتقيد بقواعدنا وعاداتنا ‪ .‬أما الذين‬ ‫يعتقدون بأن احلرية ال تعرف احلدود فهم خمطئون فىفهمها ‪.‬‬ ‫وإذا جتاوزنا احلدود املتعارف عليها حتل الفوضى الشاملة فى‬ ‫اجملتمع البشرى ‪ .‬فيقوم الناس بتصرفات ال جيوز القيام بها‪،‬‬ ‫ويتطاولون على بعضهم البعض ‪ ،‬ويهينون األقرباء أو يفرتون‬ ‫عليهم ‪ ،‬وما إىل ذلك من التصرفات املشينة ‪ .‬وعند ذاك حتصل‬ ‫املناوشات واإلشتباكات بني الناس ‪ .‬وإذا إنهالت مجاعة على‬ ‫ً‬ ‫أفعاال‬ ‫مجاعة بأقوال بذيئة شائنة فإن ذلك يستثري بالطبع‬ ‫ً‬ ‫حتما إىل إشاعة البلبلة وغياب اإلستقرار‪.‬‬ ‫جوابية إرجتالية ويقود‬ ‫فى حني أن اجملتمع حباجة إىل اإلستقرار ‪ .‬ولذا حنن حباجة إىل‬ ‫ْ‬ ‫ولكن حبدود معينة ‪.‬‬ ‫احلرية‪ .‬نعم ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫ماذا تقولون بشأن اجملموعات الدولية اجلديدة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا جمموعة « بريكس» ودورها فى‬ ‫النظام الدوىل ؟‬

‫‪65‬‬


‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫أنا ال أعتربها جمموعة ‪ .‬أنا أميل إىل وضع هذه الدول فى‬ ‫مصاف تلك التى متكنت من إحراز وتائر متسارعة فى التطور‬ ‫والتنمية‪ .‬لكل من هذه الدول اخلمس خصائصها املميزة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫علما بأنها ال تتكتل ضد أحد‬ ‫وثقافتها وسياستها وأفكارها ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أبدا ‪ .‬فما الذى سيحدث هلا ؟ البد من اإلعرتاف بأن هذه الدول‬ ‫غنية ومؤثرة ‪ .‬حنن فى ماليزيا يروق لنا أن يكون جرياننا‬ ‫أغنياء ‪ .‬ألن ذلك ال يسبب لنا املزيد من املشاكل ‪ .‬هذه الدول‬ ‫ً‬ ‫أيضا نستطيع أن نبيع‬ ‫تنتج البضائع بتكلفة أقل ‪ ،‬وحنن‬ ‫ً‬ ‫هلا بضائعنا ‪ .‬وبالتاىل حنن ننتفع ‪ ،‬مثال ‪ ،‬من منو االقتصاد‬ ‫الصينى‪ .‬التداول للبضائع بيننا وبني الصني أعلى بكثري من‬ ‫املستوى الذى كان عليه قبل أن تغدو الصني دولة جبارة من‬ ‫الناحية االقتصادية ‪ .‬على فكرة ‪ ،‬حنن ال نزال قادرين على‬ ‫صيانة الفاضل اإلجيابى فى امليزان التجارى مع هذه الدول ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا مهمة‬ ‫أما اهلند فهىليست غنية بقدر الصني ‪ ،‬إال أنها هى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جدا كشريك جتارى لنا ‪ .‬عالقاتنا مع هذه الدول جيدة جدا ‪ .‬إال‬ ‫أن سياستنا اخلارجية تقوم على مبدأ العالقات الودية مع مجيع‬ ‫البلدان ‪ ،‬سوا ًء الشيوعية أم الرأمسالية ‪ .‬فال أهمية لذلك بالنسبة‬ ‫لنا‪ .‬كل ما نريده هو احلفاظ على العالقات الطيبة واإلنتفاع منها ‪.‬‬ ‫وأنا أعتقد أن « بريكس » مل تتحول ُ‬ ‫بعد إىل جمموعة‬ ‫‪66‬‬


‫ً‬ ‫احتادا لتنسيق جهود‬ ‫متكاملة ‪ .‬كل ما فى األمر أنها متثل‬ ‫البلدان اخلمسة التى تتطور بسرعة وجناح ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫وما تقوميكم آلفاق العالقات بني ماليزيا‬ ‫وروسيا ؟ أتذكر أنكم أشرمت ذات مرة إىل أن‬ ‫ماليزيا ميكن أن تغدو ساحة مناسبة لروسيا‬ ‫بهدف تطوير اإلتصاالت االقتصادية مع دول‬ ‫منطقتكم ‪ .‬ولألسف مل حيصل ذلك حتى اآلن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نظرا‬ ‫فهل نستطيع إحياء هذه الفكرة اليوم‬ ‫لرغبتنا فى التقارب مع بالدكم ومنطقتكم ؟‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫ماليزيا دولة ذات جتارة نشيطة ‪ .‬ولنا مصلحة فى تطوير‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واعدا ‪.‬‬ ‫جتاريا‬ ‫شريكا‬ ‫العالقات التجارية ‪ .‬وحنن نعترب روسيا‬ ‫إال أن روسيا نفسها ال تعلق أهمية كبرية على تطوير العالقات‬ ‫التجارية معنا ‪ .‬إنها منغلقة على نفسها ‪ ،‬وتستخدم مواردها‬ ‫ْ‬ ‫ولكن إن رغبت روسيا يف متتني وتوسيع إتصاالتها‬ ‫الداخلية ‪.‬‬ ‫التجارية ‪ ،‬فإن ماليزيا ميكن أن تكون نافعة ً‬ ‫جدا هلا ‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫بالدنا من الناحية اإلسرتاتيجية تقع فى متوسط منطقة جنوب‬ ‫‪67‬‬


‫شرقى آسيا ُ‬ ‫مبجملها ‪ ،‬وميكنكم من خاللنا أن تصلوا بسهولة‬ ‫حتى إىل الشرق األقصى ‪ .‬ومن هذه الناحية يستجيب تطوير‬ ‫العالقات بني روسيا وماليزيا ملصاحل الطرفني ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫لعل من املهم و املفيد ً‬ ‫جدا اآلن أن نسمع منكم بضع‬ ‫كلمات عن األيديولوجية التى استحدثتموها‬ ‫ً‬ ‫شخصيا فى بالدكم ‪ ،‬و أعنى نظرية ركون‬ ‫نيغارا ‪ .‬لدى القراء بالطبع فكرة عن مبادئها‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫حاليا ؟‬ ‫لكن ما تعليقكم عليها‬ ‫األساسية ‪ ،‬و‬

‫مهاتري بن حممد ‪:‬‬ ‫الركون نيغارا أو أركان الدولة عبارة من جمموعة من القيم‬ ‫ً‬ ‫مجيعا بصفتنا مواطنني لبالدنا ‪.‬‬ ‫التى ينبغى لنا أن نؤمن بها‬ ‫وهى مل تتحول إىل أيديولوجية لنا ‪ .‬ماليزيا دولة برمجاتية ‪،‬‬ ‫وال يهمنا أن متثل تلك القيم أيديولوجية رمسية أم ال ‪ .‬كما‬ ‫ال يهمنا نوع األيديولوجيات الذى تنتمى إليه إذا إفرتضنا أنها‬ ‫أيديولوجية بالفعل ‪ .‬إذا كانت هذه املنظومة من القيم أو تلك‬ ‫قادرة على مساعدة ماليزيا حنن نتبناها ونعتمدها فى التطبيق‪.‬‬ ‫فمن جهة إعتمدنا فى التطبيق بضعة مبادئ اشرتاكية ‪ ،‬مثل‬ ‫‪68‬‬


‫أولوية دور الدولة فى التجارة واخلطط اخلمسية فى التنمية ‪ .‬ومن‬ ‫ً‬ ‫متاما نظام التجارة واالستثمار الرأمساىل ‪.‬‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬يناسبنا‬ ‫وبعبارة أخرى حنن نتقبل كل ما هو نافع وصاحل لنا ‪ ،‬وال نرفض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عموما ميكننا‬ ‫إنطالقا من إعتبارات أيديولوجية ‪.‬‬ ‫أى شىء‬ ‫القول إننا فى واقع األمر ال منتلك أية أيديولوجية ‪.‬‬

‫فيتاىل ناومكني ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫شكرا لكم ‪ ،‬دكتور « مهاتري » ‪ ،‬على هذا‬ ‫احلوار الصريح والغين املضمون ‪.‬‬

‫‪69‬‬



‫الفهرس‬ ‫ •تقديم‬ ‫ •مهاتري بن حممد ( حملة موجزة عن حياته )‪9 ..........................‬‬ ‫ •د‪.‬مهاتري بن حممد يتحدث عن « منظومة العالقات‬ ‫الدولية والعامل اإلسالمى وماليزيا » فىحوار مع‬ ‫د‪ .‬فيتاىل ناومكني ‪19 .....................................................................‬‬ ‫الربوفيسور ‪ /‬فيتاىل ناومكني ‪.............................‬‬

‫‪7‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.