الناشر رئيس جملس اإلدارة ورئيس التحرير
د .حســـني الشــــــافعي h.elshafie57@mail.ru املراسالت القاهرة – مدينة العبور
44971مكتب بريد مجعية أمحد عرابي
ص .ب 72 . Tel. & Fax: + (202) 24 77 38 70 & 71 E-mail: secertary_ert@yahoo.com التصحيح واملراجعة حامد أمحد حممد
اإلخراج الفين مــى مـجـدى حترير
نور اهلدى احلسن عبد الكريم
شيماء حممد الشافعى الطباعة دار الطباعة املتميزة مدينة العبور – القاهرة
Tel. & Fax: + (202) 4478 96 44 & 46
الطبعة الثانية
2014
مجيع حق��وق الطب��ع والنش��ر حمفوظة للناشر . ال حيق إعادة طبع أو نس��خ حمتويات هذا ً ً ضوئيا دومنا ٌ إذن إلكرتوني��ا أو الكتاب كتابي من الناشر .
رقم اإليداع
بالتعاون مع اجلمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم
При содействии
eгипетско –российской ассоциации по культуре и науке رئيس جملس األمناء
رئيس جملس اإلدارة
ا.د فيتاىل ناؤمكني
د.حسني الشافعى
مهاتري بن حممد يتحدث عن العامل املعاصر ( حوار مع فيتاىل ناومكني )
مهاتري بن حممد يتحدث عن العامل املعاصر ( حوار مع فيتاىل ناومكني ) ترمجة خريى الضامن
تقديم قبل فرتة من الزمن حالفنى احلظ فى مدينة بوتراجايا بلقاء مؤسس ماليزيا احلديثة وصانع « املعجزة املاليزية » الدكتور مهاتري بن حممد وتهنئته بعيد ميالده السادس والثمانني .بدا ً ونشاطا مما فى سنه الدكتور مهاتري ،كالعادة ،أكثر حيوية املتقدمة .وجرى بيننا حوار مستفيض عن العامل املعاصر ،وعن اإلسالم ،وبالطبع عن ماليزيا وخصوصيات جتربتها التارخيية . وكانت بعض األسئلة التى طرحتها على الزعيم السابق هلذه ً ً وحمرجة .فى أدناه نص احلوار مع حملة معقدة البالد املدهشة موجزة عن حياة الدكتور « مهاتري بن حممد» بقلم الدكتور ً جيدا على الشأن املاليزى والذى حيب، «فالدميري ساوتوف » املطلع مثلى ،ماليزيا وأهلها . الربوفيسور /فيتاىل ناومكني مدير معهد اإلستشراق ألكادميية العلوم الروسية عضو مراسل فى األكادميية رئيس جملس األمناء للجمعية املصرية الروسية للثقافة و العلوم
7
مهاتري بن حممد ( حملة موجزة عن حياته ) ولد مهاتري بن حممد فى العشرين من ديسمرب عام 1925 فىأسرة املعلم « حممد اسكندر » مبدينة آلور سيتار ( والية كيداه ) .والده مسلم هندى من والية « كرياال » فىجنوب اهلند. وأمه « فان تيمبوفان » ماليوية من أحد أحفاد زعماء كيداه .و قد أشار مهاتري نفسه إىل أن إلختالط األجناس ً ً إجيابيا فىوراثته . أثرا عاش مع أسرته ويالت اإلحتالل اليابانى ( ، ) 1945 – 1942 ً كثريا فى التثقيف الذاتى ، وعانى من الفقر واحلرمان .إجتهد ً ً خصوصيا باملواد الدراسية اإلجتماعية وبالسرية إهتماما وأبدى النبوية وبنشاط احلكام املصلحني الكبار مثل :إمرباطور اليابان « موسوهيتو » ( واضع إصالحات مايدزى ) ،و « بطرس األكرب » ،و « كمال أتاتورك » .ونشر مقاالت فى الصحف احمللية عن حياة املاليو . فى عام 1946بدأ مهاتري ميارس السياسة ،فإنتسب إىل املنظمة املاليوية الوطنية املتحدة التى تقوم أيديولوجيتها على التوفيق بني اإلسالم وبني النزعة القومية املاليوية املعتدلة .وقادت هذه املنظمة نضال شعب املاليو الربيطانية فى سبيل اإلستقالل حتى تكلل بالنجاح فى عام . 1957 9
فى عام 1947تلقى منحة دراسية من سلطات املاليو الربيطانية لدراسة الطب فى كلية إدوارد السابع فى سنغافورة . وفى عام 1953خترج من كلية الطب فى جامعة سنغافورة ، وباشر العمل التدريسى فى جامعة املاليو .وفى عام 1957إفتتح أول مستوصف خاص فى واليته ( كيداه ) ومارس الطب هناك طوال سبع سنوات . إنتخب ً وفى عام ُ 1964 نائبا فى الربملان على قائمة احلزب املوحد احلاكم ( ائتالف املنظمة املاليوية الوطنية املتحدة ،والرابطة املاليوية الصينية ،واملؤمتر املاليوى اهلندى ) .وذاع صيته هناك ً ً ماليويا يقاوم األحزاب التى متثل سكان البالد قوميا بصفته من أصل صينى بالشيوعية والشوفينية العنصرية ،ويدافع عن مصاحل املاليويني األصليني « البوميبوترا » . بعد اإلشتباكات اإلثنية الدموية فى ( 31مايو ) 1969 إتهم مهاتري السكان الصينيني ورئيس الوزراء « تنكو عبد الرمحن» بإثارة الفتنة ،وطالب بإستقالة احلكومة .إال أنه ُفصل من املنظمة املاليوية املتحدة ،وفقد مقعده النيابى .وفى ً مناضال فى سبيل املقابل اكتسب شعبية واسعة بصفته مصاحل املاليويني .واستغل مهاتري فرتة أفول جنمه الوقتى آنذاك لصياغة آرائه السياسية والرتويج هلا .وفى عام 1970ألف كتاب ّ وضمنه رؤيته ألسباب ختلف السكان « معضلة املاليو » األصليني املاليويني ُ . ومنع توزيع الكتاب إىل أن توىل مهاتري منصب رئيس الوزراء فى عام . 1981وقبل ذلك ناشد الزعماء 10
الشباب فى املنظمة املاليوية املتحدة هذا السياسى احملبوب من ً عضوا قبل الشعب أن يعود إىل املنظمة .وفى عام 1973صار فى جملس الشيوخ .وفى ظل تصاعد املشاعر القومية املاليوية ، وبرتشيح من رئيس الوزراء « تون عبد الرزاق » شغل مهاتري منصب وزير التعليم ونائب رئيس املنظمة املاليوية الوطنية املتحدة ، وبذلك دخل الساحة السياسية من أوسع أبوابها . فى عام 1976توىل مهام نائب رئيس الوزراء « حسني عون » ، ً رئيسا وبعد وفاة األخري فى ( 16يوليو عام ) 1981صار مهاتري للمنظمة املاليوية وللحكومة ،فصعد إىل قمة اهلرم احلزبى احلاكم فى البالد .ظل مهاتري بن حممد فى منصب رئيس الوزراء أكثر من عشرين ً عاما حتى ( 31أكتوبر ) 2003واصل خالهلا تطبيق أفكاره لتحويل ماليزيا إىل دولة عصرية ذات اقتصاد متطور وسياسة داخلية وخارجية مستقلة ،كما جاهد فى بناء جمتمع قائم على القيم اآلسيوية واملاليزية األصيلة .وسعى إىل التخلص من التخلف التارخيى للقومية املاليوية وإحالل التكافؤ بني « البوميبوترا » وبني غري املاليويني ،وتوفري مكانة متكافئة ملاليزيا فى العالقات مع الدول الغربية . ً وإعتبارا من عام 1981شرع بتطبيق نظريته فى « التطلع إىل املشرق » والتى تركز على إقتباس النمط اليابانى فى تنظيم االقتصاد وإدارته .وكذلك فى سلوكيات العمل واإلنضباط . وفى عام 1983أعلن مهاتري « سياسة اخلصخصة اجلديدة » التى كان يراد هلا أن حتفز تشغيل الثروة الوطنية املرتاكمة ، 11
وإزالة كل ما يعيق فاعلية القطاعني العام واخلاص .واقتبست ماليزيا من النموذج اليابانى مبدأ الشراكة بني هذين القطاعني، حبيث تكون الدولة ،حبسب فكرة مهاتري ،متكاملة يشكل فيها القطاع اخلاص األساس املاىل واالقتصادى للبالد ، فيما تؤمن احلكومة التدابري اللوجستية وتوفر اخلدمات . وقد حقق مهاتري بن حممد جناحات مذهلة فى حتديث البالد، وتصفية خملفات اإلقطاعية الشرقية ،ورفع مستوى حياة اإلثنية املاليوية ودورها االقتصادى .كل ذلك بفضل املثابرة واإلصرار وسعة األفق والقدرة على رسم املهمات اإلسرتاتيجية ، واإلجتهاد فى تنفيذها باإلعتماد على تأييد األوساط الواسعة من السكان ،برغم العقبات وبصرف النظر عن معارضة بعض الشرائح اإلجتماعية . ً سابقا إىل دولة وفى مطلع التسعينات حتولت البالد املتخلفة صناعية زراعية متقدمة هلا مكانتها احملرتمة بني بلدان جنوب شرق آسيا .وطرح رئيس الوزراء برنامج « رؤية العام »2020حبيث يصار إىل تنفيذه على مخسة مراحل ،ومت مبوجبه بناء مؤسسات إنتاجية كربى فى ميادين صناعة السيارات والتعدين وغريها ، وتطوير البنية التحتية للنقليات .وباتت ماليزيا فى عداد الدول الرائده فى املنطقة من حيث وتائر النمو االقتصادى .كما تدين ماليزيا ملهاتري بن حممد بالفضل فى مسعتها الرفيعة للغاية على الساحة الدولية . وعندما أخذت املنافسات اآلسيويات ( الصني والفيتنام واهلند) 12
ً وظروفا استثمارية أكثر جاذبية التى متلك عمالة رخيصة ّ تضيق اخلناق على ماليزيا وتزحيها من املواقع األمامية متكن مهاتري ،على عجل وبكل مرونة ،من تغيري النهج اإلسرتاتيجى للبالد ،والتوجه صوب تسريع إستخدام وتطوير التقنيات املعلوماتية اإللكرتونية الفائقة احلداثة .وفى سياق هذا النهج أعلن فى عام 1996عن وضع برنامج دوىل لفتح « رواق إعالمى»فائق السرعة كأداة لتحديث ماليزيا بأفضل صورة . وبدأ إنشاء خط هائل لإلتصاالت واملواصالت فى منطقة العاصمة يضم اإلتصال باأللياف الضوئية ،والنقل بالسكك احلديدية ،وطرق السيارات ،واملالحة النهرية .ومت ربط العاصمة ً سريعا ،ويقع قربه مطار مبيناء ( كالنج) البحرى الذى يتطور دوىل فائق احلداثة . وفى منطقة « الرواق اإلعالمى » ،عند منتصف الطريق بني العاصمة وامليناء ،باشر رئيس الوزراء بناء العاصمة اإلدارية للبالد بوتائر متسارعة .وأطلقت عليها تسمية ( بوتراجايا ) ً تكرميا لعبد الرمحن بوترا -أول رئيس وزراء ملاليزيا . -ونقلت إىل هنا من ( كواال – لومبور ) أهم الدوائر احلكومية ،كما ترتكز املوجودات التقنية وأهم مراكز البحث العلمى املاليزية واألجنبية املتخصصة فى التقنيات املعلوماتية اإللكرتونية. وإىل ذلك تنفذ خطة أخرى لبناء « مدينة املستقبل » - (سيربجايا) -وفيها جامعة إعالمية ومؤسسات تعليمية إلعداد كوادر املهندسني واألخصائيني فى الربجمة واإللكرتونيات . 13
ً ً مستقال دافع فيه عن نهجا على الساحة الدولية طبق مهاتري مبادئ التكافؤ فى العالقات مع الدول الكربى .وفى عام ، 1998فى ظروف األزمة املالية واالقتصادية اآلسيوية ،مل يلتزم بتوصيات صندوق النقد الدوىل ،بل مارس رقابة حكومية مشددة على الشؤون املالية بهدف جتاوز مظاهر األزمة .فتمكن بفضل هذه اجلهود من تفادى اهلزات اخلطرية التى عصفت بدول آسيوية عديدة ،مبا فيها دولة عمالقة ،هى اليابان . وفى منتصف يوليو عام ، 2001ومبناسبة مرور عشرين ً عاما على توليه رئاسة الوزارة ،ذكر مهاتري بن حممد ألول مرة أنه يشعر بالتعب وينوى اإلستقالة .وفى أواخر أكتوبر 2003أحال صالحيات رئيس الوزراء إىل « عبد اهلل أمحد بدوى » الذى هيأه ً مسبقا ليخلفه فى هذا املنصب .إال أن مهاتري مل يعتزل السياسة. والدليل على ذلك هو تأزم العالقة املفاجئ بينه وبني رئيس الوزراء اجلديد فى منتصف عام 2005بعد إنتقادات مهاتري لعدد من املشاريع االقتصادية اجلديدة حلكومة بدوى . وبعد توىل « جنيب رزاق » رئاسة احلكومة عاد مهاتري إىل صفوف املنظمة املاليوية الوطنية املتحدة فى منصب مستشار ً متقيدا بالدعوة إىل تأمني جملسها األعلى .وظل كسياسى ، املزيد من حقوق املاليو « البوميبوترا » . أول زيارة قام بها مهاتري بن حممد إىل روسيا متت فى عام . 1987 ثم زار روسيا فى عام ، 2002والتقى مع « فالدميري بوتني » . 14
فيما قام الرئيس الروسى ،من جانبه ،بزيارة إىل ماليزيا فى عام ، 2003والتقى ملك ماليزيا « سيد سراج الدين شاه » و « مهاتري بن حممد » .وفتحت الزيارتان الطريق أمام تطوير العالقات املتعددة اجلوانب بني بلدينا .وإىل ذلك مت أثناء زيارة الرئيس بوتني اإلتفاق على إنتساب روسيا إىل منظمة املؤمتر ً حاليا ) بصفة مراقب . اإلسالمى (منظمة التعاون اإلسالمى ً أيضا على الساحة الدولية حيتفظ مهاتري بن حممد اليوم بشعبيته الواسعة ً نظرا إلنتقاداته الشديدة إلزدواجية املعايري فى السياسة ودفاعه بال كلل عن حقوق البلدان النامية اآلسيوية. ً وتقديرا ألفضاله ّ القيمة فى بناء وتطوير ماليزيا احلديثة منح فى عام 2003لقب « تون » الذى هو أعلى لقب فخرى يمُ نح جملموعة حمدودة من الشخصيات ال تتجاوز الـ 25فى وقت واحد . ومن بني أومسة مهاتري بن حممد امليدالية احلكومية « أبو ماليزيا احلديثة» ،ولقب اإلستحقاق « ّ جراح ماليزيا » ،وامليدالية الذهبية لتطوير االقتصاد والتقنيات ،و « وسام الصداقة الروسى » . مهاتري متزوج من السيدة « حامسة حممد على » التى ّ تعرف ً أيضا عليها منذ سنوات الدراسة فى جامعة سنغافورة .وهى حتمل لقب « تون » مثل زوجها ،وحاصلة على درجة الدكتوراه. ولدى الزوجني سبعة أبناء ،ثالثة منهم متبنون . الدكتور /فالدميري ساوتوف
15
الدكتور مهاتري بن حممد يتحدث عن « منظومة العالقات الدولية والعامل اإلسالمى وماليزيا» فى حوار مع د .فيتاىل ناومكني بوتراجايا
فيتاىل ناومكني : دكتور مهاتري ،يطيب ىل ويسعدنى أن ألتقيكم وأطرح عليكم بعض األسئلة للنقاش، ً ً جزيال على حضوركم هذا اللقاء . فشكرا قبل حني من الزمن ،غري بعيد ،بدا وكأن املسار الرئيسى لتطور اجملتمع الدوىل املعاصر مير عرب تأمني اإلزدهار الشامل والسالم العاملى .فقد إنتهى عهد «احلرب الباردة» وانتفى مع نهايتها ، حسب الظاهر ،خطر إندالع حرب عاملية جديدة، ً سابقا إىل صفوف وإنضمت عدة بلدان متخلفة الدول املتطورة ،فيما غدت بعض أقطار آسيا وأمريكا الالتينية فى عداد الدول الريادية فى العامل ،وانتشر اقتصاد السوق فى كل مكان ً ً ً كاسحا إنتصارا تقريبا ،وحققت الرأمسالية على البديل اإلشرتاكى ،وسجلت البشرية جناحات باهرة على طريق التقدم التكنولوجى. فالثورة املعلوماتية واإلعالمية العاصفة ، واإلخرتاقات فى مكافحة األوبئة واألمراض ، وإستحداث مواد مصنعة جديدة ،وظهور وسائط النقل احلديثة و… إخل ،غريت حياة الشعوب التى حصلت على فرص أكرب ملعرفة بعضها 19
البعض ،ولتبادل القيم الثقافية واحلضارية ،بل وحتى التكامل فيما بينها ،وحلل املشاكل القائمة بالطرق السلمية واحلوار وبإستخدام املؤسسات واهليئات الدولية . فباتت الدميقراطية من القيم العامة املشرتكة . إال أن العامل تعرض ملوجة عاتية من خمتلف أنواع النزاعات ،مبا فيها النزاعات القومية السياسية القائمة على إستخدام العنف .وازداد عدد الدول الراغبة فى احلصول على السالح النووى .ومل تتحقق جناحات حامسة فى مكافحة الفقر ، ً سبيال للحصول فيما ال جيد عدد هائل من الناس على ماء الشرب .ودخلت الرأمسالية ،وخصوصاً مؤسساتها املالية والنقدية ،فى أزمة حادة ، يضاف إليها تفاقم املشاكل اإليكولوجية .فما هو ،فى رأيكم ،سبب كل هذه املشاكل ؟ وما الذى جرى على غري املرام واملطلوب حتى حتصل كل تلك األمور ؟
مهاتري بن حممد : فى زمن « احلرب الباردة » واملواجهة بني الشرق والغرب ،كان ً كليا على استحصال أكرب قدر من املنافع من تلك الرتكيز 20
املواجهة ،حبيث أنك إذا شعرت خبطر من أحد الطرفني تضطر اإللتجاء إىل الطرف اآلخر ً حبثا عن احلماية واملالذ .وعندما وضعت « احلرب الباردة » أوزارها كنا ،بالطبع ،ننتظر من املنتصر أن ً نظاما يستند إىل مبدأ السالم واألمن واألشكال يقيم فى العامل الدميقراطية للحكم واإلدارة .ولكننا ،لألسف الشديد ، إكتشفنا أن املنتصر حيتاج فى كل األحوال إىل خصم يربر من خالله زيادة قدراته احلربية ،لوجود خماوف من أن ً أحدا آخر ميكن أن حيتل موقع الطرف املقابل فى إطار جولة جديدة من «احلرب الباردة » . ووقع اإلختيار هذه املرة على املسلمني مبثابة ذلك « اآلخر ». بديهى أن عدد املسلمني كبري ً جدا .إال أنهم ،على أية حال ، ضعفاء ً ً متاما .ومع ذلك كان املنتصر يبحث عن جدا ومشتتون عدو ليتمكن من تعبئة اجلماهري والقيام باألفعال التى يريدها. ولذا أعتقد أننا نواجه حماولة سافرة خللق ذلك العدو فى صورة ً جزئيا بإسرائيل . املسلمني .ثم أن كل ما جيرى بالطبع مرتبط دولة إسرائيل خلقتها األمم األوروبية الغربية .وفى أصل وجودها ً حاليا أخذت تلك األمم تصطف فى يكمن النزاع منذ البداية . ً ً جانبا واحدا ،هو جانب إسرائيل .لقد عاشت نسق واحد ،وتلتزم إسرائيل ً دوما فى حالة من الرعب ،ألنها حماطة بدول إسالمية، ولذا فمن مصلحة إسرائيل تأجيج هليب اخلوف بني املنتصرين فى « احلرب الباردة » حلمايتهم بالكامل من أعدائهم الوهميني بشخص املسلمني . 21
وطاملا هنالك ضرورة للحفاظ على القدرات احلربية فإن كل األموال تصرف فى الواقع على توفري مجيع املستلزمات هلذه األمم لتكون متأهبة للحرب .وهكذا نرى أن مجيع املنجزات العلمية ً تقريبا تستخدم لصنع معدات حربية جديدة أجود والتقنية وأكمل .وكما كان احلال حينما أنفقت مبالغ طائلة على حتقيق اإلكتشافات واإلخرتاعات فإن تلك املنجزات كانت خاضعة لألغراض احلربية .بهذه الصورة جرى تأجيج التوتر ، وكان الذين ال ميتلكون السالح واملعدات القتالية يشعرون بأنهم فى خطر دائم ،وحباجة ماسة إىل احلماية .وبهذه الصورة بدأ سباق التسلح والركض وراء حيازة سالح مثل القنبلة الذرية وغريها من وسائل اإلبادة اجلماعية . إال أن الدول الغربية تصر على بقاء هذا السالح بيدها وحدها وال حيق ألحد غريها حيازته .وبنا ًء على هذا املنطق ،ال جيوز لألقطار اإلسالمية أن متتلك السالح النووى ،ألن الدول الغربية ال تثق بها ً علما بأن تلك الدول تؤكد لنا بأنها لن تلجأ من هذه الناحية . إىل إستخدام ذلك السالح ،مع أنها إستخدمته فى الواقع بشكل ً أضرارا بالغة خبصومها . يورانيوم منضب ،وأحلقت هذه املشاكل كلها نتيجة لرغبتها املتواصلة فى اهليمنة على العامل املعاصر .على فكرة ،ينبغى أن نأخذ باإلعتبار أن تلك الدول من الناحية االقتصادية مل تعد قادرة على املنافسة. وقد أدركت أنها عاجزة عن منافسة دول النصف الشرقى من 22
الكرة األرضية ،مثل اليابان وكوريا اجلنوبية وتايوان .ولذا اضطرت أن ترتاجع ،وتشغل مواقعها فى سوق املال .فهناك أخذت تبتكر خمتلف أنواع املعامالت لتؤمن كسب األموال السهلة ، بإعتماد رفع أو خفض أسعار صرف العمالت أو أسعار البضائع دون ممارسة اإلنتاج الفعلى . لذلك بالذات ابتكرت خمتلف أنواع الصناديق من قبيل الودائع البديلة املعروفة باسم « هيدج فوند » ،والصناديق االستثمارية الفرعية ،وتقديم قروض العمالت الصعبة ،وإستصدار السندات اإلضافية وما إىل ذلك .على هذا النحو أرادت تلك الدول أن تظهر تفوقها وتربز مكانتها اخلصوصية دون أن توفر أى أماكن للعمل والتشغيل ،فيما إتضح أن كل تلك املستجدات املالية أدوات غري مأمونة فى نشاط رجال األعمال ،وفى إنتقال رؤوس األموال . وكان البد أن يأتى يوم تنهار فيه هذه املنظومات ُ مبجملها . وما كان باإلمكان إرجاء هذه العملية ،ألن املنظومة نفسها حمكوم عليها بالفشل ،كونها متثل فقاعة للمضاربة، ليس إال .وهكذا إنفجرت الفقاعة وحل اإلنهيار املاىل .وصرنا نرى البلدان الغربية التى كانت تدافع طوال الوقت عن مزايا الرأمسالية تقدم على كل احليل واألالعيب ،بل وتسىء إستعمال ميكانيزمات منظومتها ،لتواصل اإلثراء الذاتى . ً ً اقتصاديا لن تستطيع التخلص إنكماشا إال أنها تواجه اآلن 23
منه .جيرى ذلك على مرأى األنظار منذ أربع سنوات ،وهى عاجزة عن وقف هذه العملية وتصحيح األوضاع .
فيتاىل ناومكني : رمبا ستحصل جولة أخرى ،جديدة ،من هذه األزمة .إال أن بعض احملللني واملسؤولني يعزون ً مثال ،إىل حرب املطابع ،مبعنى طبع ذلك ، وإستصدار الدوالر ...
مهاتري بن حممد : ً عموما لفقدت العمالت لو مل يضطر الناس إىل تداول النقود قيمتها باملطلق .وملا كانت بعض البلدان تتمتع بسلطة قائمة على املال والنقود ،وملا كانت تستطيع إرغام الناس على تداول تلك النقود ،فإنها تركز فىأيديها ً قيما هائلة .إال أن تلك البلدان كانت ستعلن إفالسها التام وعجزها املطلق بدون هذه السلطة . فبفضلها تتمكن من التصرف وكأنها ال تزال تشكل منظومة قادرة على األداء واحلياة بالفعل .وإىل ذلك ال يزال من الضرورى لتلك البلدان أن متول شن احلروب ،ولذا هنالك حاجة إىل إدامة اجملتمع الصناعى العسكرى ،وذلك كله يعود بأرباح طائلة على أصحاب األرصدة فى ذلك اجملمع .وبالتاىل تبقى حالة التوتر 24
بسبب اخلوف من اجلهات التى ميكن أن يستخدموا أسلحتهم ضدها .فهم فى الواقع قرروا بأنفسهم ضرورة غرس الدميقراطية فى كل مكان .وال يروق هلم أن األمم أحرزت استقالهلا .وعلى الرغم من عدم جواز التدخل فى الشؤون الداخلية للبلدان األخرى فقد قرروا ،مع أنفسهم ،أنهم ميتلكون حق التدخل ،بل وجدوا الذرائع لتربير تصرفاتهم العدوانية .
فيتاىل ناومكني : على فكرة ،حتى بعض ممثلى األوساط النافذة فى الواليات املتحدة ،ممن يتحلون بالعقل السليم ،ال حيبذون فكرة هذا النوع من التدخل العسكرى .الدكتور « هنرى كيسنجر» ،على سبيل املثال ،يؤكد فى تصرحياته عدم جواز فرض الدميقراطية بالقوة ،ويقول :بضرورة توفري الفرصة للبلدان األخرى لكى تقرر مصريها بنفسها دون إرغامها على تبنى األنظمة ً ً متاما أنه ليس من قسرا .وواضح الدميقراطية مؤيدى هذه اإلسرتاتيجية .
25
مهاتري بن حممد حنن نعتقد أن للبلدان ً حقا فى أن يكون هلا رأيها بهذا ً ً صادقا مبا حيدث ،فيما يرفضه إميانا اخلصوص .البعض يؤمنون ً ً قاطعا .ومع ذلك تبقى احلقيقة التى ال جدال فيها، رفضا اآلخرون ً ً حيث نواجه اليوم غزوا فى العراق وإحتالال فى أفغانستان ،جملرد ً غالبا ما أن « أسامة بن الدن » كان هناك فى زمن ما .وحنن نسمع من تربيرات من هذا النوع لتلك التصرفات .وهم يشنون ً أرباحا طائلة ، احلروب ألنها تدر على صناعاتهم العسكرية فيما تغدو احلكومة نفسها مفلسة .ذلك فى احلقيقة هو اخلطأ الذى ال ينوون تصحيحه ،ألنهم متقيدون بالرأى القائل إنهم إذاجنحوا فى فرض هيمنتهم على العامل فسيتمكنون من حل ً حاليا ...وحتاول مشاكلهم االقتصادية .وهذا ما حيصل بالفعل تلك الدول فرض الدميقراطية على غريها بالرغم من أنها تتحمل ً ديونا باهظة بسبب احلرب فى العراق وفى أفغانستان احملتلة . وإىل ذلك تعلن تلك الدول صراحة عن رغبتها فى تغيري األنظمة احلاكمة فى بلدان أخرى بإستخدام العنف إذا اقتضى األمر . وملا كانت إمكانية تغيري األنظمة على هذه الصورة قد توفرت فى األقطار العربية بنتيجة احلركات اإلحتجاجية ،فقد غرق العامل العربى فى حالة احلرب والفنت والقالقل واإلضطرابات . فى حني تواصل الصني صعودها املربمج الدائب ،وال أحد يستطيع ً مليارا وأربعمائة الوقوف فى وجه هذه العملية ،ذلك ألن فى الصني 26
مليون من السكان احملبني للعمل ،واإلنضباط الصارم ، واملتميزين باملهارة والتأهيل .وال يبقى أمامنا سوى اإلعرتاف بهذه احلقيقة ،باألمر الواقع .وتعرفون بالطبع أن الصني كانت دوما بالنسبة لنا ولتارخينا ذات شأن كبري .وكنا ندرك ً ً دوما أن الصني موجودة وجيب علينا أن نأخذ هذا الواقع باإلعتبار .مل نكن خاضعني للدولة الصينية .كانت لدينا عالقات جتارية معها ،وقد اكتسبنا من تلك العالقات منافع كبرية .إال أن ً عدوا الغرب أراد لنا أن ندخل فى نزاع مع الصني ،ألنه يرى فيها ً جديدا له .
فيتاىل ناومكني : بعض شركائنا الغربيني حياولون أن يوجهوا املسائل اخلالفية املستعصية فى جمرى تدويل اخلالف ،حتى أنهم يبذلون حماوالت جاهدة لتأجيج النزاعات الثنائية القائمة بني بعض دول منطقة جنوب شرقى آسيا ...
مهاتري بن حممد : نعم ،ذلك هو واقع حالنا .الصني طالبت بأراضى ( أرخبيل سرباتلى ) الواقع فى ( حبر الصني اجلنوبى ) .إضافة إىل مطالب 27
أخرى مماثلة .لكن الغرب ال يسارع إىل اإلعرتاف بأنه فقد السيطرة على بلدان النصف اجلنوبى من الكرة األرضية . لقد إقرتف خطأ عندما أثقل بنفسه على منظومته ،وأفرط فى استثمار إمكانياتها ،ولذا فهو يعانى اآلن من عواقب أفعاله . ورغم ذلك ال يزال يريد فرض هيمنته على العامل .وحنن نرى اليوم تأكيدات كثرية على ذلك .احلقيقة ،أنا صريح معكم ً ً حقدا على الواليات جدا .وأقول على املكشوف إننى ال أضمر املتحدة حبد ذاتها .ففى هذه البالد أمريكيون طيبون وآخرون أشرار .كما فى أى بلد آخر .إال أن املشكلة فى كون احلكومة األمريكية تعتقد بضرورة تعامل اآلخرين معها على أنها زعيم عاملى ال جيوز اإلعرتاض عليه فى مسائل السياسة الدولية .ولذا من املهم هلا أن تستعرض العضالت لتبني أنها ال تزال أعظم دولة ً مطلقا حتى مبجرد فكرة التنازل عن على األرض ،وال تقبل مكانتها للصني .
فيتاىل ناومكني : أثناء ما يسمى ( باألزمة اآلسيوية ) سرمت على طريقكم اخلاص فى تذليل الصعوبات ، ورفضتم توصيات بعض اهليئات الدولية ، فحققتم النجاح .فهل من حاجة اليوم إىل وصفات شاملة؟ وكيف ينبغى للدول أن تتصرف لتذليل الصعوبات اجلديدة ؟ 28
مهاتري بن حممد : قبل أن نعثر على مثل هذه الوصفة أو أسلوب تذليل الصعوبات التى واجهناها تكلمت فى جلسة البنك العاملى ،وصندوق النقد الدوىل فىهونج كونج .قلت للحاضرين آنذاك إن النظام املعمول به لديهم تعرض لتطاول بشع ،وإن هذا العنف ضده جيب أن يتوقف ً حاال .صفقات املضاربة لبيع العملة مثال على التعامل اخلاطئ مع هذا النظام ،ذلك ألن بيع العملة ال يقوم ً أيضا ،وكذلك على قيمة واقعة .الذهب شىء آخر ،والفضة النب .أما العملة فال .
فيتاىل ناونكني : ً أيضا . واألوراق النقدية أو املالية
مهاتري بن حممد : ً أيضا .كل ما فى األمر أنكم نعم ،واألوراق النقدية تطبعونها ،ثم تقولون إن قيمتها كذا وكذا .وفى احلقيقة هى ال تعادل القيمة التى تتحدثون عنها .إنها ال تساوى تلك املبالغ إال إذا كنتم مستعدين لتقبل هذا املؤشر الرمزى املفتعل للقيمة . ً حتديدا إحدى وقلت هلم ال جيوز لكم أن تتاجروا بالعملة .فتلك 29
املخالفات التى تشمل ً أمورا أخرى مثل ( اهليدج فوند ) ،وكل ما إبتكر من أجل كسب املال للمصلحة الشخصية .ولذا يتضح لنا ً متاما أن النظام املاىل تعرض للعنف والتعامل اخلاطئ على اآلن أوسع نطاق ،حتى صار حباجة اليوم إىل إصالح جذرى .ولرمبا ً جمددا إىل إتفاقية « بريتون – وودز »1944 ينبغى لنا أن نعود بشأن نظام العملة ملا بعد احلرب العاملية الثانية كى نعتمدها فى حتليل اإلحنرافات عن اخلطة وتصحيح تلك األخطاء . أما خبصوص ماليزيا فنحن ،بصراحة ،ال نستطيع أن نسري مع الغرب على نهج واحد ،ألن لدينا ،فى بالدنا ،مشاكل إجتماعية مستعصية .حنن بلد متعدد األجناس .ومن الضرورى لنا أن حنافظ على عالقات طبيعية سليمة بني أبناء خمتلف األجناس . وهذا ميكن حتقيقه ،باإلضافة إىل الظروف األخرى ،من خالل تعادل أوضاع الشرائح القومية الفقرية مع أوضاع الباقني. ً قائما فى وبالتاىل نقوم بتصفية التناقض الصارخ الذى كان السابق بني الثروة والفاقة .إال أننا ال نستطيع إزالة واقع كون سكاننا من أبناء أجناس خمتلفة . إذا كان الشخص مييل إىل تلبية متطلبات الغرب ،عليه أن يتقبل كل ما يريد الغرب أن يفعله .يقرضه ً ماال ثم يتحكم بالكيفية التى يتم فيها صرف ذلك املال .كل ذلك يقوم به الغرب ً أساسا إلرغام هذا الشخص على تسديد كل ديونه املستحقة للدول املاحنة األجنبية .إال أن ذلك ال يعنى بأية حال أنها حتاول 30
ً اقتصاديا .وهلذا السبب مساعدة هذا الشخص فى ترسيخ أقدامه ً ً متاما أننا مل نتمكن من القبول بهذه الشروط، واضحا يبدو فاضطررنا للبحث عن سبل متكننا من تفادى هذا املصري . وهكذا إقتنعنا بأن جتارة العملة هى سبب ظهور كل تلك املشاكل .وال عالقة لذلك « بسوء اإلدارة » املفرتض فى ً متاما .ولدينا صناديق اقتصادنا .اقتصادنا تطور بشكل ناجح إحتياطية كبرية .ولذا قررنا بأن األفضل لنا هو التصرف على حنو مناهض هلذه اإلسرتاتيجية التى حاولوا أن يفرضوها علينا من اخلارج .وقررنا أن نوقف جتارة العملة .واألسلوب الطبيعى الذى كان بوسعنا أن حنقق ذلك بواسطته ،هو فسخ أية صفقة موقعة معنا بإستخدام عملتنا الوطنية .فإذا بعنا ،على سبيل املثال 100 ،مليون رينغيت فإننا ال نفقد هذا املبلغ ،بل نظل ً شيئا ،ولذا أنهينا منتلكه كالسابق .أما املشرتى فال يستلم هذه املمارسات .
فيتاىل ناومكني : ً أيضا واجهنا نفس املشكلة املرتبطة بهيمنة حنن الدوالر وتشغيل اآللة الضخمة لإلستصدار بكامل قدراتها .تلك إحدى اخلصائص املالزمة للموقف الليرباىل اجلديد من العامل كله ، ونظامه املاىل .ولكن بودى أن أنتقل ،إذا 31
مسحتم ،إىل املسألة التالية :حققت ماليزيا فى فرتة توليكم رئاسة الوزارة جناحات مذهلة فى التطور والتنمية .إال أن الغرب الذى إعرتف بتلك النجاحات وخباصية التسامح املالزمة للحضارة املاليزية ،قد إنتقدكم مع ذلك على بعض مظاهر التمييز فى إسرتاتيجيتكم إلدارة البالد ( مبدأ تقسيم املواطنني إىل بوميبوترا وغري بوميبوترا ) وعلى الرتاجع عن الدميقراطية ( قانون التوقيف اإلستباقى أو الوقائى) .ما مدى كون التجربة املاليزية نابعة من الظروف اخلصوصية لبالدكم؟ وما مدى صالحيتها للتطبيق فى الدول األخرى املتعددة اإلثنيات واألديان ؟ ً أيضا بلد متعدد القوميات على فكرة ،روسيا واألديان .فنحن دولة أوراسية تضم ،إىل جانب الروس األرثوذكس الذين يشكلون اجلزء األساسى من السكان 20 ،مليون مسلم ينتمون إىل شتى اجملاميع اإلثنية والقومية .وهم من السكان األصليني غري الوافدين .وليس عندنا نظام الكومونالية ،وال أى نوع من املؤسسات ً كثريا القائمة على هذا النظام .إال أننا مهتمون بتجربتكم .
32
مهاتري بن حممد : ما نفعله اآلن هو ماجيرى بصورة طبيعية فى أى جمتمع يواجه مثل هذه املشاكل .إذا مل تكن لدى الشخص أية مشاكل فهو يعرف ً دوما اجلواب عن السؤال بشأن كيفية التصرف .أما إذا ظهرت لديه مشاكل البد من حلها فهو يدرك أنه ليس من البساطة القيام مبا ينتظره منه الناس حتى إذا كان يتصرف بالشكل الصحيح . ولذا فعندما واجه الغرب ما جرت العادة على تسميته «خبطر اإلرهاب » أقدم على نفس اإلجراءات التى إختذناها حنن فى بالدنا. إنهم يسجنون الناس بدون حماكمة أو حتقيق .السجناء أمضوا فىجوانتانامو أكثر من عشر سنوات ،وال يزالون هناك دون أن تتوفر هلم إمكانية املثول أمام احملكمة .بعضهم يتعرضون ً مطلقا .إذن ،فهم يتخذون للتعذيب ،وهو أمر مل نفعله حنن اإلجراءات املضادة لكى يتصدوا خلطر فعلى .ولكن ما حقيقة هذا اخلطر ؟ السكان فى ماليزيا متعددو القوميات .وأسوأ ما ميكن أن حيصل هو الصدام ألسباب قومية .ميكنكم، بالطبع ،أن تروا ماحيصل فى البلدان التى تشهد مثل هذه الصدامات حبكم اخلالفات العرقية والطائفية وغريها .ففى تلك البلدان ،واحلال هذا ،تتفشى البلبلة ويغيب اإلستقرار، األمر الذى يعيقها عن التطور الطبيعى السليم .ولذا تعني علينا أن نتصدى لتطور األحداث على هذه الشاكلة .وكان 33
من اخلطوات التى إختذناها أننا حذرناهم وقلنا هلم « :طيب ، ميكنكم أن تتمتعوا باحلرية ،لكن حريتكم حمدودة بكونكم ال متتلكون احلق فى تأجيج العداوات واألحقاد بني خمتلف القوميات » . للمواطنني حق فى حرية التعبري عن الرأى .صحفنا تتمتع بقدر كاف من احلرية .أحزاب املعارضة تطبع صحفها حبرية ، ولكن بشرط واحد ،هو أن تتحاشى كل أنواع التحريض على التنازع بني الناس .وإذا مل تفعل ذلك تتعرض للحبس واإلعتقال . فى حالتنا اخلصوصية ال ميكننا إحالة القضايا إىل احملكمة ،ونعتقد أن التوقيف ميكن أن حيول دون إنفجار العنف اإلثنى .ألننا إذا إنتظرنا اللحظة التى حيصل فيها ذلك اإلنفجار نكون قد خسرنا .فالبلد سيضعف ،وقوانا ستستنزف . ولذا فاملخرج الوحيد من هذه الورطة هو إختاذ اإلجراءات التى حتول دون تنفيذ هذا السيناريو .والقوانني التى إختذت لألغراض اإلستباقية الوقائية إمنا تهدف إىل التصدى إلقرتاف اجلرائم .فال ميكن تفادى اجلرمية اخلطرية بعد وقوعها .هذا شبيه باحلالة التى ينوى فيها رجل بيده سكني تسديد طعنة لشخص آخر ، ولكنه مل يطعنه بعد ،وأنت تنتظر اللحظة التى يطعنه فيها ً ً حاليا لديه سكني مذنبا فى إرتكاب اجلرمية . لكى تعتربه فقط ،وأنت تعرف ما ينوى القيام به ،لكنك ال حترك ساكناً لوقفه عند حده .وفى احلالة التى حنن بصددها ما إن نرى السكني بيد الرجل حتى نوقفه عند حده ونعتقله ً فورا . 34
عندما حتصل حاالت من هذا النوع فى بريطانيا أو فى أمريكا يردون عليها بنفس الطريقة بالرغم من أن القوانني هناك ال تنص على أية “ عقوبات وقائية “ .من السهل على اآلخرين أن يقدموا النصائح لنا “ :ال ينبغى لكم أن تفعلوا هكذا ” “ ،جيب ً قاضيا للنظر فى أن تنظموا مرافعات فى احملكمة ،وتعينوا الدعوى “ وما إىل ذلك .كل ذلك يقولونه إىل أن واجهوا بأنفسهم ً وحاملا واجهوا تلك املشكلة ،تصرفوا بنفس نفس املشكلة . الطريقة التى نتصرف بها حنن .فى بريطانيا جيرى اآلن حبث فى مسألة فرض الرقابة على الصحف .وتتخذ نفس اإلجراءات اجلوابية عندما يتهددهم اخلطر ويضطرون أن يتصدوا له . إنهم يردون عليه بنفس الروح التى نرد بها عليه حنن .حنن نقول للصحافة األجنبية “ :أنت حرة ،ولكن ال تؤججى اخلالفات ً ً دوما .وهى ختربنا أيا كانت “ .فالصحافة ال تقول احلقيقة ً أحيانا بأكاذيب اهلدف منها بيع نسخها .وليست هلا مصلحة باألمن العام وال بتطوير دولتنا .مصلحة أصحاب وسائل اإلعالم تقتصر على بيع صحفهم .وهلذا الغرض هم مستعدون حتى لزعزعة اإلستقرار فى البلدان األخرى .وحصل أننا اضطررنا إىل مواجهة هذه املشكلة .فاضطررنا إىل التصرف بالشكل الذى تصرفنا به . ً جيدا فى دولتنا يعيش أبناء ثالث جمموعات إثنية .وتعرفون أن اإلشتباكات من السهل أن تنشب بني أبناء اإلثنيات املختلفة فى الدول التى توجد فيها تلك اإلثنيات .وإىل ذلك يتعقد املوقف 35
فى احلالة التى حنن عليها بكون تلك اإلثنيات ختتلف عن بعضها البعض ليس فقط من حيث اإلنتماء القومى والدينى ،بل ومن حيث املكانة اإلجتماعية ،ومن حيث مستوى الرفاه .إحدى جدا .واألخرى فقرية ً اإلثنيات غنية ً جدا .والنزاع قائم ً دوما بني األغنياء والفقراء ،حتى إذا كانوا أبناء نفس اجملموعة اإلثنية . أما إذا كانوا ينتمون إىل إثنيات خمتلفة فالنزاع يكتسب حدة ً حتما التوتر الدائم بسبب حدة ذلك النزاع . أكرب .ويواجه البلد وطاملا حتصل حاالت العنف والقسوة ،فالبلد يصاب بالضعف الشديد نتيجة هلا . ً ونظرا لتلك املخاطر ،ولدرجة الضعف التى حنن فيها ،بذلنا قصارى اجلهود لتصحيح إختالل التوازن عن طريق املزيد من دعم اإلثنيات األكثر ً فقرا من غريها بالفعل .فال أحد يستطيع أن يغري الرتكيبة اإلثنية ،ذلك ألنها تبقى على حاهلا ً دوما .أما إختالل التوازن فيمكن ختفيفه .وباملناسبة ،ليس باإلمكان إزالة ذلك اخللل من اجلذور ،ألن من الصعب رفع مستوى رفاه تطورا و ً ً الشرائح الفقرية ً ثراءا. جدا إىل مستوى اإلثنيات األكثر إال أن باإلمكان جعل الفوارق فى حدها األدنى . ً أيضا فى ظروف األزمة احلالية. وسرعان ما جتلت ثـمرة جهودنا فقد حصلت فى البلدان األخرى التى إجتاحتها األزمة إضطرابات واسعة ،وأعمال عنف ،وتفجريات إرهابية ،وجرائم قتل ،وحرق املتاجر ،فيما ظلت ماليزيا فى حالة من اهلدوء التام .وسبب هدوئنا أننا قلصنا فى الوقت املناسب ،وبقدر ملحوظ ،سوء التناسب القائم 36
بني اجلماعات اإلثنية .ولذا ليس هناك ما يدعو إىل اإلعتذار عما ً موقفا كاملوقف فعلناه .وحنن على يقني من أن أى دولة تواجه الذى واجهناه ستتخذ نفس اإلجراءات التى إختذناها .
فيتاىل ناومكني : ماليزيا من مصدرى النفط اخلام .حقول النفط والغاز ،هل هى خري أم شر ؟ كيف ميكن تصريف أمور هذه الثروات الطبيعية بأفضل صورة لكى يتم حتاشى ما يسمى « باملرض اهلولندى»؟ ما توصيفكم لدور اخلامات الكربونية املرتقب فى التنمية االقتصادية لبالدكم ؟
مهاتري بن حممد : أقول ً رأسا إننا ،من حسن احلظ ،لسنا دول متارس استخراج النفط والغاز على نطاق واسع .اقتصادنا ال يتوقف على أسعار احملروقات .صحيح أننا ننتفع بها .لكننا ال نعتمد على مؤشرات األسعار لدرجة كبرية .حنن نعلق ً آماال أكرب على إنتاج السلع الصناعية واإللكرتونيات وما إىل ذلك .حجم جتارة املصنوعات اإللكرتونية يبلغ %80من صادراتنا .أما خامات النفط ،واملشتقات البرتولية ،والغاز ،واملطاط ،وزيت النخيل 37
فتشكل مبجموعها قرابة % 18من صادراتنا .ولذا ترون أننا ال ً كثريا على تسويق النفط والغاز فى اخلارج . نعتمد وإىل ذلك قررنا فى الوقت ذاته أن نفكر من اآلن فى كيفية العيش بعد أن تنضب إحتياطياتنا الشحيحة من النفط والغاز ً عاما فقط .ولذا التى تقول التقديرات إنها تكفينا لثالثني أسسنا شركة « نفطية وطنية »ليست جلباية رسوم استثمار بطون األرض أثناء استخراج النفط .كال ،فهذه الشركة متارس جممل دورة األعمال املرتبطة باإلنتاج النفطى ،إبتدا ًء من ً وإنتهاءا بصنع املشتقات النفطية وما إىل ذلك .لقد اإلستخراج حتولت شركة « برتوناس » فى الواقع إىل مؤسسة ضخمة عابرة للقوميات .وميكننا أن نستخرج النفط فى بالدنا ،وأن مند أنابيب النفط فى بلدان أخرى ،وننتج املشتقات النفطية والغاز ً أيضا . املسال وغريه هناك
فيتاىل ناومكني
:
شركة « برتوناس » ،على حد علمى ،تعمل فى أكثر من 25دولة .
38
مهاتري بن حممد : إذا أردنا الدقة إنها تعمل اليوم فى أكثر من 30دولة .األعمال النفطية ذات أهمية بالغة بالنسبة لنا .ولكن طاملا يصلنا قسم كبري من عائداتها من املصادر األجنبية ،فإننا ال نعتمد على نفطنا .النفط بالنسبة لنا وقود هام ،وسيبقى على أهميته هذه ً ً ً عال وقتا طويال .ونظرا ألن استخراج النفط يرتبط مبستوى ىٍ لتلوث البيئة الطبيعية ،فمن الضرورى أن نستوضح إمكانيات ً ضررا كهذا اإلستفادة من املصادر األخرى للطاقة التى ال تلحق بالبيئة ،مثل « :اهليدورجني والرياح والوقود البيولوجى » وما إىل ذلك .وحنن مهتمون ً جدا بتطوير هذه املصادر ،وحنن حناول اليوم تنظيم صنع السيارات اهلجينة والسيارات الكهربائية على الرغم من أننا بالد ليست كبرية ...
فيتاىل ناومكني : لكنها موفقة ً جدا من الناحية االقتصادية . وهذا هو سبب إهتمام اجلميع بأسرار النجاح الذى حققتموه وجبذور هذا النجاح ...ولكن فلننتقل إىل مسألة أخرى يا دكتور مهاتري .ما رأيكم بالنظام املاىل العاملى القائم ؟ الكثريون منا يعتقدون أن االقتصاد العاملى مرتبط ً جدا ومقيد بالدوالر .ورغم اجلهود احلثيثة لتغيري هذا الوضع، 39
ال نرى حتى اليوم أى تقدم فى حماوالت استبداله ً أيضا عن اليورو والني) . بعملة أخرى ( ختتلف فهل يكمن السبب فى كون أهمية االقتصاد األمريكى كبرية لتلك الدرجة ،أم أن النظام احلاىل ال ميكن تغيريه بالسرعة املطلوبة ،فيما يتعني على « االقتصادات اآلسيوية » أن تدلل على ثبات تطورها وجناحها املطرد ؟ حنن نتذكر ً جيدا أنكم ،فى السنوات األخرية من توليكم ً جهودا إلجراء تعديالت مهام رئيس الوزراء ،بذلتم على النظام املعتاد ،وحاولتم طرح ما يسمى فلم ْ «بالدينار الذهبى» للتداول َ . مل تتكلل تلك اجلهود بالنجاح؟
مهاتري بن حممد : ُ إستخدم الذهب بصفة معيارللقيمة .ومت منذ البداية ً ً تسجيل سعره بـ 35دوالرا أمريكيا لألوقية .أما اآلن فقد وصل سعره إىل 1700دوالر .وهذا دليل واضح على مدى ختفيض قيمة العملة األمريكية وتدنيها .إال أن الدوالر ً معادال للقيمة ،ألن مجيع األمريكى بات منذ البداية البلدان التى تاجرت فيما بينها استخدمته وسيلة لتصفية احلسابات .وحتى اليوم حافظ الدوالر األمريكى على وظيفته 40
ً طلبا األوىل بصفته وسيلة شاملة للمدفوعات .ولذا نشاهد ً متواصال على الدوالر ،وبفضل هذا الطلب حيتفظ بقيمته . ً عجزا وقد قررت الواليات املتحدة لنفسها أن يكون لديها ً ً ً أرقاما خيالية .وفى احلقيقة ، أرقاما فى املوازنة يبلغ متواصال ً حاليا على حساب القروض النقدية . تتاجر الواليات املتحدة فهى نفسها ال تنتج الكثري ،وأمواهلا مقرتضة من الشركات النفطية التى متارس جتارتها بالدوالر ،وال تدرى ماذا تفعل بالدوالرات التى تكسبها .ولذا فهى تدخر تلك األموال بشراء السندات األمريكية .وفى واقع احلال ُيستخدم هذا امليكانيزم ً ً وفاعال . عائما لتغذية االقتصاد األمريكى كى يبقى وها قد حلت حلظة إنهار فيها االقتصاد األمريكى ،ومل يعد ً نظرا لعجز امليزانية ،وإخنفاض للدوالر فى الواقع أية قيمة مستوى اإلنتاج .فى هذه املرحلة إستوىل الفزع على اجلميع . ولكنك إذا حاولت وجازفت بإعالن إفالس الواليات املتحدة فإنها ً ً مسلحا على بالدك .ولذا يبقى الناس فى حالة من هجوما تشن اخلوف ،ويظلون يعتمدون على الدوالر فى التعامل .وبودهم لو استعملوا عملة أخرى فى احلسابات التجارية ،ولكن حتى إيران التى أعلنت رغبتها فى إستخدام اليورو اضطرت إىل الرتاجع عن هذه الفكرة ،وذلك بسبب اخلوف من عدوان مسلح ُيشن عليها .
41
على هذه الصورة يبدو املوقف اليوم .ال تزال الدول تعتمد الدوالر األمريكى فى معامالتها التجارية ،وال جترؤ على إستخدام عملة دولية مربوطة إىل الذهب .وقد إقرتحنا حنن استعمال الدينار الذهبى ،ولكن فقط بصفة وحدة لتصفية احلسابات فى الصفقات التجارية اخلارجية ،وليس للحسابات الداخلية ، ليس بصفة وسيلة للمدفوعات فى السوق الداخلى .وأعتقد أن تلك أفضل وسيلة للمدفوعات ،ألن للذهب قيمة حقيقية فى أى بلد من بلدان العامل .فالشخص يعرف ً دوما املبلغ الذى يدفعه مقابل الذهب ،ويعرف قيمته احلقيقية .وميكنه أن يذكر ً ً مطابقا للقيمة إستنادا إىل قيمة الذهب ،ويكون ذلك السعر فى عملة بالده . ً ً ْ مرحيا للشخص نظرا ألن للذهب قيمته اخلاصة فليس ولكن أن يستعمله فى احلسابات املباشرة ،ذلك ألن هذا اإلستعمال حيتاج إىل ذهب أكثر من الكمية التى ميتلكها .ومع ذلك ً أيضا .فى معرض الكالم ميكن العثور على حل هلذه املشكلة ً عن آفاق املستقبل القريب ال أعتقد أن هنالك ً كبريا كان بلدا ، ً صغريا ،جيرؤ على اإلستهانة بالدوالر األمريكى ،فاخلوف أو من إنهيار االقتصاد األمريكى مينع ذلك البلد ْ ، إن ُوجد ،عن التصرف بهذا الشكل .هذا اإلنهيار ترافقه عواقب كارثية على اقتصادات معظم بلدان العامل .
42
فيتاىلناومكني : العامل اإلسالمى اليوم يغدو قوة متنفذة أكثر فأكثر فى السياسة الدولية .إال أن القرن احلاىل بدأ يف ظل تأزم العالقات الشديد بني األمة ً أيضا فى اإلسالمية والغرب ،األمر الذى جتلى أنشطة الشبكات اإلرهابية الدولية وفى إعالن إدارة بوش احلرب الشاملة على اإلرهاب .القوات املسلحة للواليات املتحدة وحلفائها إقتحمت أفغانستان ،وأسقطت حكومة طالبان .وفى عام 2003غزت العراق .ويرى الكثريون من رجاالت الدولة والسياسيني واحمللليني أن غزو العراق خمالف للقانون ،ألنه مت ً بناءا على قرار إنفرادى من جانب إدارة بوش بدون تفويض دوىل .ومما له داللته بهذا اخلصوص أن احملافظني األمريكيني تطرقوا إىل هذا الغزو قبل حصوله بفرتة طويلة ، وكانوا خيططون إلسقاط األنظمة احلاكمة فى بلدان أخرى .ونضيف إىل قائمة تلك البلدان ليبيا التى تواجه اآلن اإلضطراب والفوضى بالكامل .ما رأيكم فى هذه العمليات ؟ وما هى عواقبها على البناء اإلقليمى وعلى اجملتمع الدوىل ككل ؟ 43
مهاتري بن حممد : ً وأنا أجيب على هذا السؤال يتعني ّ جمددا إىل دور على أن أعود ً إسرائيل .فمنذ أن تأسست هذه الدولة قبل ستني عاما أو يزيد، ً ً حتديدا هو كليا .والسبب نسى الشرق األوسط طعم السالم واقع إغتصاب اإلسرائيليني أراضى الغري ،أراضى شعب آخر . وال ميكن لشعب أن حيرتم نفسه أن يسكت على هذا اإلغتصاب .الفلسطينيون الذين ُه ِّجروا من ديارهم وأراضيهم، واضطروا من ذلك احلني على العيش فىخميمات الالجئني ، إمنا يريدون إستعادة أراضيهم .وحتى خميمات الالجئني ليست أماكن آمنة هلم .فلنتذكر ( خميم شاتيال ) الذى تعرض هلجوم مليشيات املوارنة بتحريض من اإلسرائيليني .الرعب القابع فى نفوس اإلسرائيليني بسبب جتاورهم مع الدول اإلسالمية شديد لدرجة جعلت إسرائيل ترى ضرورة للتحالف مع شريك قوى ً جدا بشخص الواليات املتحدة .وقد عمل اإلسرائيليون جبهد جهيد فى داخل الواليات املتحدة ليتمكنوا من اهليمنة على املؤسسات التى هلا تأثري حاسم على احلكومة األمريكية . لقد أمنوا ألنفسهم السيطرة على معظم وسائل اإلعالم ْ ، إن مل نقل عليها مجيعها .مبا فى ذلك هوليود والقنوات التلفزيونية واجلرائد واإلذاعات وهلمجرا .وبعد ذلك هيمنوا على اجلزء األساسى من النظام املاىل فى أمريكا .معظم البنوك األمريكية 44
تسيطر عليها بيوتات يهودية .والبد من اإلعرتاف بأنهم أناس مثقفون ،ن ُب َهاء ،وعلى قدر كبري من الفطنة والذكاء .وقد متكنوا حتى من التوغل فى الكوجنرس األمريكى ،حيث إن ْ صاروا فى ِعداد القائمني على خدمته ْ ، مل نقل صاروا أعضا ًء فى الكوجنرس نفسه . ً قويا فى الواليات ولذا نرى نفوذ األوساط املوالية إلسرائيل املتحدة لدرجة جعلت كل من يتجرأ على معاكستها خيسر احلملة اإلنتخابية .وطاملا أن مجيع املرشحني خيشون الفشل فى اإلنتخابات فيمكننا أن نتوقع بأنهم إذا فازوا فيها سيكونون ملزمني بتقديم كل أنواع الدعم إلسرائيل .وإسرائيل هذه فى حالة مواجهة مع املسلمني ،ولذا ستبقى أمريكا ً دوما فى عالقات متأزمة مع العامل اإلسالمي .املسلمون أنفسهم مشتتون متاما .األقطار اإلسالمية غنية ً ً جدا بفضل حيازتها لإلحتياطات النفطية .إال أنها ،رغم ذلك ،ال تزال غري منظمة وغري منضبطة. ً تقريبا ،تدوس الواحدة العامل اإلسالمى موزع على 60دولة منها على « املواضع األليمة » فى أقدام األخرى .بعضها يتمسك بوجهات النظر املوالية ألمريكا ،وبعضها يتمسك مبواقف مناوئة لألمريكيني .فيما تعثر إسرائيل كل مرة على أسلوب ً وخصوصا بني لإلستفادة من التناقضات القائمة بني املسلمني ، العرب ،لتضعف وحدتهم بالتاىل . كما يتميز املسلمون بضعفهم الشديد من الناحية 45
العسكرية .فال وجود اآلن لإلمرباطورية العثمانية .وهم يستخدمون تكنولوجيات مقتبسة من اآلخرين .ما يزيد ً ً حاليا ،ميكنك أن ضعفا رغم عددهم الغفري . على ضعفهم ً تكتشف بسهولة لدى املسلمني كثريا من املشاكل فى شتى ً تقريبا ، اجملاالت .البلدان التى تعرضت للغزو والعدوان كلها وبال إستثناء ،إسالمية .الطوائف اإلسالمية تتعرض للمضايقات واملالحقات .فى مجهورية ( ميامنا ) ً ، مثال ،يتعرض السكان املسلمون للقهر واإلذالل .وفى الكثري من البلدان التى يشكل فيها املسلمون أقليات إثنية يعانون من التمييز العنصرى . شيئا ،ألنهم ضعفاء ً ً جدا ،وال لكنهم ال يستطيعون أن يفعلوا وحدة تربط بينهم .وحتى لو أخذنا احلركة الفلسطينية نرى ثـمة ً دوال إسالمية تقدم املساعدات للفلسطينيني ،فيما توجد دول إسالمية ،عربية حتى تساعد إسرائيل فى واقع األمر فى مكافحة الفلسطينيني .تلك هى اللوحة الفعلية لألحداث التى تالحظونها اليوم .
فيتاىل ناومكني : ّ لكن الغرب ،مبا فيه الواليات املتحدة ،أيد و احلركات اإلحتجاجية فى العامل العربى فى ( ، )2012 - 2011حيث إستلمت األحزاب اإلسالمية مقاليد السلطة فى دول عديدة .فهل يصح القول 46
إن اخلالف املشار إليه أعاله قد إحنسر على ضوء تقارب الغرب مع احلركات اإلسالمية ؟ ما هى رؤيتكم ملستقبل العالقات بني الغرب والعامل اإلسالمى ؟ وما تأثري أوضاع الالجئني والوافدين من العامل اإلسالمى إىل الغرب ،إىل دول اإلحتاد األوروبى بالدرجة األوىل ،على تلك العالقات فى ضوء تزايد شعورهم بالتفرقة ومعاناتهم من املشاكل األخرى املرتبطة باألزمة االقتصادية ؟ وهل صحيح التأكيد بأن العالقات بني الواليات املتحدة والعامل اإلسالمى حتسنت بفضل تأييد أمريكا للحركات اإلحتجاجية ؟ وكيف ترون تطورات املوقف فى املستقبل القريب ؟
مهاتري بن حممد : الواليات املتحدة دعمت اإلنتفاضات فى األقطار العربية ألنها إعتربتها فرصة ساحنة من أجل إستبدال األنظمة فى تلك البلدان. وكانت تريد مترير مرشحيها هناك إىل املناصب املفصلية .إال ً أساسا بأيدى أن املواقع القيادية فى هذه اإلنتفاضات تركزت ً حتديدا تعرضوا للمضايقات. اإلسالميني الذين يشعرون بأنهم وبالنتيجة تشكلت أنظمة حكم إسالمية فى البلدان التى شهدت اإلنتفاضات اجلماهريية .تلك األنظمة ال تنوى إقامة 47
عالقات ودية مع الغرب .فهى ،بالعكس ،تريد التخلص من ً قائما ،بقدر ما ،ألن القوى نفوذه .وسيظل اخلالف بني الطرفني اإلسالمية التى إنتصرت تواجه داخل بلدانها معارضة من القوى ً شكال آخر للحكم .وإىل ذلك ستحاول الواليات التى حتبذ املتحدة إثارة البلبلة واإلضطراب فى الدول العربية على أمل أن ً موال للغرب .إال أن ذلك لن حيصل يظهر فى إحداها أخريا زعيم ٍ ً عموما فلن حيصل ، فى املستقبل املنظور .وإذا حصل فى زمن ما بالضبط ،فى املستقبل القريب . وبالتاىل لن تتحسن العالقات بني املسلمني والغرب ،ألن املسلمني يدركون اآلن بوضوح أن الغرب خلق هذه املشكلة ، وأنه حياول التحكم بنا .وطاملا أن ذلك ال يروق لنا ،وال يعجبنا ً قطعا فإن عالقاتنا ال ميكن أن تتحسن . يضاف إىل ذلك كله اخلوف املستور الذى يشعر به الغرب من إحتمال جناح اإلسالميني يف إحالل اإلستقرار فى بلدانهم، وإكتساب قوة متكنهم من تسديد الضربة إىل إسرائيل . ويعتقد الغرب أن من الضرورى ً ، مثال ،وقف إيران عند حدها وإضعافها من خالل العقوبات املفروضة عليها .وقد بلغ األمر حد التهديد املباشر بشن احلرب عليها وغزو أراضيها .والناس بالطبع مرعوبون من هذه التهديدات ،ألن قوات الدول الغربية املتحالفة تستطيع شن العمليات احلربية كما فعلت أثناء غزوها املسلح للعراق وأفغانستان . 48
واليوم يتساءل ،حتى األمريكيون أنفسهم ،هل كان اهلجوم على ناطحيت السحاب املتجاورتني عملية إرهابية مدبرة من قبل املتشددين العرب أم غريهم ،ذلك ألن هناك الكثري من املالبسات املتعلقة بهذه الفاجعة ،وال تقبل أى تفسري منطقى .فقد هوت كلتا البنايتني بنفس الطريقة ،فيما إنهارت بناية ثالثة وهوت ً إطالقا .ثم إن الطائرة التى نطحت البنتاجون دون أن ميسها أحد ً إختفت بعد ذلك ،وباتت أثرا بعد عني .األمريكيون أنفسهم ً شيئا يبحثون اآلن عن أجوبة على هذه التساؤالت .ويشعرون بأن غامضا ً ً جدا قد حدث ،ومن ورائه نوايا خبيثة .غياب اإلستقرار الذى حصل بعد النزاعات التى أشرت إليها سيبقى فرتة طويلة ً جدا .
فيتاىل ناومكني : ً نافعا ما رأيكم ،هل يكون النموذج املاليزى فى سياق أحداث الربيع العربى ؟ فى احلال احلاضر يبحث أصدقاؤنا العرب عن منوذج أو موديل يرتضونه ألنفسهم .بعضهم يتحدث عن النموذج الرتكى ،فيما يتحدث بعضهم اآلخر عن النموذجني املاليزى واهلندى بوصفهما ً مثاال للدول الدميقراطية التى حققت اإلزدهار االقتصادى . هل تعتقدون بوجود موديل ماليزى مميز ؟ وهل تستطيع الدول العربية أن تعتمده أو تقتدى به ؟ 49
مهاتري بن حممد : ً عربا آخرين ،وقلت هلم :يا حتدثت إىل مصريني ،وألتقيت أخوة ،لكى تكونوا دميقراطيني ينبغى أن تتعلموا الفشل وتتقبلوا اهلزمية .فإذا ساهمتم فى محلة إنتخابية جملرد الفوز واإلدعاء بالدميقراطية لن تكون هناك دميقراطية .وإذا فاز غريكم وتريدون نسف قواه وإسقاطه بالقوة لن تستطيعوا ً أيضا .ففى هذه احلالة لن حيل التفوق عليه وكسب املعركة اإلستقرار فى بالدكم .ولذا فاإلستعداد للهزائم جانب هام جداً من الدميقراطية ً أيا كانت .سبب إنتصار الدميقراطية فى الغرب هو إعرتاف املهزوم بهزميته . على سبيل املثال « :آلربت غور » كان جيب أن يكسب محلته اإلنتخابية لكنه فشل ،ووجد فى نفسه شجاعة لإلعرتاف بهزميته .أما فى الدول العربية فرتى رغبة احلكام املتواصلة فى التشبث بالسلطة مدى العمر ،بصرف النظر عما إذا كانوا فائزين فى اإلنتخابات أو خاسرين .بينما يوجد لدينا فى ماليزيا منوذج آخر .منوذجنا يتلخص فى كوننا فقدنا مخس واليات فازت فيها املعارضة .لكن ذلك حصل بنتيجة إنتخابات نزيهة .ممثلو أحزاب املعارضة يرتأسون هيئات السلطة احمللية فى مخس واليات .وهذا أمر فى منتهى األهمية لدميقراطيتنا . وإال إلضطررنا إىل تضليل ناخبينا فى سياق اإلنتخابات . 50
فيتاىل ناومكني : مع تزايد وزنها فى العامل تعانى الدول اإلسالمية ً أحيانا إىل من تناقضات طائفية طاحنة تتحول إشتباكات مسلحة سافرة .العداء بني السنة والشيعة ،بني السلفية والصوفية ،وما إىل ذلك بات ظاهرة يومية فى حياة العديد من اجملتمعات. ً ً إعتباطا حبق علما بأن بعض الدعاة يستأثرون الكالم نيابة عن اإلسالم .وتزيد فى توتر املوقف ً ُ العالقات املعقدة بني األغلبية أصال املتوتر املسلمة واألقلية املسيحية فى عدد من الدول، الشرق أوسطية على سبيل املثال .وإىل ذلك جند العالقات معقدة بني دعاة الدولة الدينية وأنصار اجملتمع املدنى ،والعلمانية املتجذرة فى بعض البلدان .فكيف ميكن جتاوز احلزازات الفتاكة بالنسبة لتطور الدول اإلسالمية ؟ وهل هناك فرصة لتفوق التسامح الدينى على العداوات ؟ ألن يتفكك اجملتمع املدنى حتت ضغط اإلسالم السياسى ؟
51
مهاتري بن حممد : فى ماليزيا كلنا متساحمون .متساحمون جتاه الدين الذى يعتنقه الناس ،وجتاه إنتماءاتهم اإلثنية .كان من املتوقع أن يتباغض املواطنون فيما بينهم ويشعرون بالعدوانية جتاه بعضهم البعض ،لكننا ندرك بأننا ال نتميز بشىء عن سائر أبناء القوميات األخرى من حيث املعايري اإلثنية ،ومن حيث اإلعتقادات الدينية والفوارق املتعلقة بامليدان االقتصادى .لقد أفلحنا فى العثور على سبيل للعمل ً معا ،وجبهود متضافرة . واألقلية موافقة على اخلضوع إلرادة األغلبية عندما نلجأ إىل إستخدام صالحياتنا .فى حني أن األغلبية ،من جهتها ،حباجة إىل التأييد من جانب األقلية وجيب عليها أن تهتم مبصاحل ورفاه هذه األقلية .ولذا ،ونتيجة لكوننا ننظر إىل هذه األمور بروح التسامح ،أفلحنا فى احلفاظ على الوئام وعلى الظروف السلمية للحياة واإلستقرار فى بالدنا منذ أن أحرزنا اإلستقالل .ولذلك ّ حنسن ونطور نظامنا ،وأن نتمتع باحلريات بإمكاننا أن الدميقراطية حبيث نستطيع إستبدال احلكومات من دون ثورات .كل ما يتطلبه ذلك هو إجراء اإلقرتاع الشعبى العام . هذا الفهم مل حيصل ُ بعدفى ظروف األنظمة الدميقراطية اجلديدة ،ألن األنظمة اإلستبدادية هى التى كانت مهيمنة على تلك الدول اإلسالمية قبل ذلك .وحبكم هذه الظروف ليس من السهل عليها اإلنتقال إىل الدميقراطية فى ليلة وضحاها. 52
ً ً هائال فى وعىالناس .والبد من تعلم ذلك إنقالبا فذلك يتطلب جبد وإجتهاد على مدى سنني .وحتى ذلك احلني ،يبقى اإلستقرار ً غائبا عنها عدة سنني . إختالف اآلراء بني املسلمني ،من « سلفيني » و« وهابيني وسنة و شيعة » و غريهم ،يقوم على العقائد وتنوع تفاسري القرآن الكريم املعتمدة من قبل خمتلف املذاهب .اإلسالم واحد .وهذا اإلسالم الواحد ينبع من القرآن .إذا راجعت القرآن لن تكون لديك أية مشاكل .أما إذا راجعت مرشدك أو إمامك ستقتنع أن املرشد أو اإلمام اآلخر ليس على حق .ما جيرى اآلن هو تعود أئمة الطوائف على الغلو فى متجيد معتقداتهم الشخصية معتربين باقىاملسلمني غري متنورين للدرجة التى تربر القول بأنهم مسلمون حقيقيون .وفى تلك األثناء يتباغض ويتعادى أتباع أولئك وهؤالء . أما فى ماليزيا فقد حالفنا احلظ بكون مجيع مسلمينا شافعية .وحتى اآلونة األخرية مل حتصل عندنا أية مشاكل . إال أن السياسة دخلت على اخلط ،وأخذ السياسيون حياولون إستخدام اإلسالم فى تكفري اآلخرين على إعتبار أنهم ليسوا مسلمني حقيقيني .ذلك أمر يقود إىل خالفات ونزاعات حتى فى ماليزيا .إال أننا قادرون على معاجلة هذه املشكلة على أية حال ،ذلك ألننا ندرك أن بعض األشخاص يفسرون أحكام ديننا بشكل غري صحيح .ففى اجملتمعات التى يبدى مسلموها ً ً دوما اإلشتباكات ومظاهر العداوة تعصبا لطوائفهم حتصل 53
ً مطلقا مع الدميقراطية والتسامح . الطائفية التى ال تتعايش
فيتاىل ناومكني : حياول الكثري من املثقفني واحملللني تنظري أحداث ما يسمى « بالربيع العربى » الذى هز فجأة األنظمة القائمة من عشرات السنني . البعض حياولون إجياد قاسم مشرتك واحد بني جذور كل احلركات اإلحتجاجية والثورات واإلنقالبات فى خمتلف البلدان ،فيما يؤكد البعض اآلخر على خصوصيتها فى كل بلد . البعض يرون أنها حتصل ألسباب داخلية صرف، والبعض اآلخرون يرون فيها ( أو فى قسم منها على األقل) أصابع أجنبية. بعضهم يعتربونها ظاهرة إقليمية حبتة ، وبعضهم اآلخر يتحدثون عن بداية عملية ذات طابع عاملى شامل .ليبيا مثال كبري الداللة بهذا اخلصوص .فيما نسمع فى تونس ومصر من يقول ويكرر إن الظاهرة إقليمية حمدودة .ففى هذين البلدين تنادى اجلماهري الشعبية باملساواة ،وإحرتام كرامة اإلنسان ،ومشاركة املواطن التامة فى احلياة السياسية .وهناك من يعتقد أن 54
هذه الظاهرة تشري بنفسها إىل طبيعتها وأهميتها العالية الشاملة . وإىل ذلك يتحدث البعض عما يسمونه « الفيس بوك الثورى» ،وهم على يقني بأن التقنيات املعلوماتية واإلعالمية احلديثة تلعب الدور األساسى فى تعبئة اجلماهري .يقابلهم من ناحية أخرى أولئك الذين يركزون على أهمية السبل « التقليدية » ،مبا فيها إستخدام املساجد والنشاط الدعوى .فما رأيكم أنتم ،يا دكتور مهاتري ، فى الربيع العربى ؟
مهاتري بن حممد : كل ما حدث وحيدث ال جيوز أن نعزوه إىل سبب واحد .فثمة مجلة أسباب .نعم الناس مل يشعروا ومل يتمتعوا بالسعادة .فى السابق ما كانوا يستطيعون التواصل مع بعضهم البعض .أما اآلن فبوسعهم التواصل ليس فىاملساجد وحدها ،بل ومن خالل ً كثريا اإلختالط اإلنرتنت .الشبكة العنكبوتية يسرت والتفاهم بني الناس ،ومن الصعب ً جدا القبض على حمرض فيها. ً شعارا فى املسجد فيمكن أن تتعرض للتوقيف أما إذا رفعت واإلعتقال .وإذا تلوت نداءك فى املمر قرب املدخل ميكن أن ً أيضا .ومن هذه الناحية تكتسب إمكانية يقبضوا عليك 55
التواصل من دون الظهور أمام املأل أهيمة كبرية ً جدا .وقد لعبت ً هذه اإلمكانية ( بإستخدام اإلنرتنت ) ً كبريا فى األحداث دورا اآلنفة الذكر . السبب األساسي للصحوة العربية أن الناس كانوا مقهورين، ويشعرون بالتعاسة واملهانة .مل يكن لديهم عمل وال دخل . يفتقرون إىل أسباب العيش .احلاصلون على التعليم العاىل مضطرون على اإلجتار باخلضروات فى السوق .كل هذه املالبسات أسباب منتشرة تثري فى اإلنسان مشاعر التذمر واإلستنكار .وإذا بلغ اإلستنكار درجة الغليان فإنه يفضى إىل تفجري املوقف .
فيتاىل ناومكني : فى بعض احلاالت حصل تدخل عسكرى مباشر، كما فى ليبيا .
مهاتري بن حممد : طبيعى أن وسائل اإلعالم الدولية لعبت ً ً جوهريا فى حلظة دورا احلادث بتونس .فقد أبلغت اجلميع بأنه حصل نتيجة للظلم املوجود وحلاالت قمع التذمر الشعبى وما إىل ذلك .إال أن البعض 56
مل يقتنعوا بهذه الرواية .وقد جرى بالطبع حتقيق فى احلادث . وعمدت مجيع املنظمات واهليئات غري احلكومية التى تتلقى ً ً كافيا إىل تأجيج هذه املشاعر عند الناس . متويال
فيتاىل ناومكني : ً كثريا التناقض فيما بني فى اآلونة األخرية إشتد الالعبني الدوليني املتمسكني مببادئ إحرتام السيادة الوطنية للدول ً وفقا لنظام ( ويستفاليا)، وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية ،وإعتماد أصول القانون الدوىلواهليئات الدولية .وأعنى التناقضات بني العبني مثل الدول األعضاء فى منظمة « آسيان» من جهة وبني الذين يعارضونها ويطرحون نظرية « التدخل اإلنسانى» ،فيجيزون التدخل األجنبى ،مبا فيه التدخل فى إطار مبدأ « مسؤولية احلماية » من جهة أخرى .فما رأيكم بهذا اخلصوص ؟
مهاتري بن حممد : عندما فقدت الدول الغربية إمرباطورياتها حرمت من حق التدخل فى الشؤون الداخلية للبلدان األخرى .وظلت لبعض الوقت حترتم 57
حقنا فى السيادة ومل تتدخل فى شؤوننا .وحصل فيما بعد أنها فوتت بعض الفرص التى توفرت فى عدد من البلدان ،وعندها شعرت باحلاجة ملنفذ إىل تلك البلدان .كان من الضرورى هلا أن توسع أسواق التصريف .فكيف تتغلغل إىل هناك ما مل جتد ً مؤخرا ؟ نقاط ضعف فى البلدان التى أحرزت إستقالهلا بعد ذلك أخذت تركز على مسألة حقوق اإلنسان .وتلك ً قيما مل يكن هلا وجود فى املسائل من خمرتعاتها التى متثل السابق .وحتى احلال احلاضر مل يكن هلا مثل تلك األهمية وهذا الوزن .وصارت تظن أنها طاملا وبقدر ما تدخل فى نقاش حول حقوق اإلنسان تستطيع أن تتدخل فى الشؤون الداخلية للبلدان األخرى .ويتعني ّ على أن أستدرك وأقول بهذا اخلصوص إن هذا التدخل قد تكون له مربراته فى حاالت معينة .ففى (كمبوديا) ً ً هائال من مواطنيها ،إال أن ً ً أحدا مل عددا مثال أبادت احلكومة يتمكن من إختاذ أية إجراءات .ولذا كان باإلمكان إختاذ ذلك ذريعة للتدخل األجنبى ،ولكن فقط على أساس تفويض دوىل ال لبس فيه ،يقره ،على سبيل املثال ،جملس األمن الدوىل. أما إذا كانت أية دولة تستأثر لذاتها ،وبصورة إنفرادية ،حبق إختاذ تلك القرارات ْ ، وإن كان ذلك حبجة مساعدة « الشعب املضطهد» حسب إدعائها ،فإن ذلك خمالفة صرحية للشريعة والقانون .وإذا مسحنا بذلك لن حيل السالم على األرض ً أبدا .
58
فيتاىل ناومكني : النساء يلعنب ً دورا ً هاما فى اجملتمعات احلديثة، فيما غدت املساواة بني اجلنسني من القيم الشاملة بالنسبة جلميع دول العامل فى الواقع . على أية حال ،ال يستطيع أحد اليوم أن يصرح ً شأنا من الرجل ، على املكشوف بأن املرأة أقل وبأنها عاجزة عن حتقيق نفس النجاحات التى حيققها الرجل فى الكثري من ميادين النشاط. إال أن فىبعض دول العامل اإلسالمى أنظمة ً ً ً ومتييزا ضد تفرقة وأعرافا ُتعترب خارج تلك الدول النساء .وواضح أن املسألة هنا ليست فى الدين ، بل فى تفسري بعض أحكامه من قبل العلماء واملشرعني .ولعل املشكلة فى إستمرارية التقاليد واألصول القبلية التى كانت قائمة فى هذه البلدان فى زمن اجلاهلية .فما رأيكم بهذا اخلصوص ؟
مهاتري بن حممد :
أعتقد أن إختالف تفسري أحكام اإلسالم على يد خمتلف األشخاص هو السبب فى مجيع هذه املشاكل الكثرية .فإذا تناولنا املبادئ األساسية للدين احلنيف ،واألحكام ،واألصول ً ً واحدا يقضى حكما الشاملة الواردة فى القرآن لن جند هناك وال 59
بأن حتجب املرأة وجهها أو تغطى بدنها كله بثياب ال شكل هلا ، أو مبنع النساء من املشاركة فى أنواع معينة من النشاط . ً بدنيا .لكنهن، صحيح أن النساء فى العادة أضعف من الرجال على أية حال ،ميكن أن يغدون قويات ً جدا .وال جيوز لنا أن مننعهن من ممارسة هذا النوع من النشاط أو ذاك .علينا أن إن شئتم .كنت ً نبدىإحرتامنا هلن ،بل إحرتامنا لضعفهن ْ ، دوما أطرح على نفسى هذا السؤال :كيف ينبغى أن يكون موقفنا ً متذكرا من النساء فى ماليزيا ؟ وكل مرة أجيب على السؤال بأننا دولة غري كبرية .ويلزمنا أن نعبئ قوانا .مبعنى أننا ال نستطيع أن نستبعد النساء بأية حال .ميكنهن أن يؤدين األعمال على قدم املساواة مع الرجال فى اجملاالت التى تتطلب ً ً ً عاليا .والبد لنا أن نستفيد من ذلك . مهنيا وتأهيال كفاءة لقد أفردنا للنساء ً ً مرموقا فى جمتمعنا ودولتنا .وفرنا هلن دورا فرص العمل بصفة نائبات ووزيرات ،وما إىل ذلك .وال تعارض ً إطالقا بني هذا وبني أحكام اإلسالم .حنن نعرف أن النساء فى عهد النبى حممد (صلعم) كن يسهرن على اجلرحى .ولذا فنحن ال خنالف األصول اإلسالمية فى بالدنا ماليزيا .أما الذين يفكرون على حنو آخر فإنهم ينطلقون من تقاليد اجلاهلية ،أو من املمارسات املالزمة لطائفة معينة .لكن ذلك ال ميت بصلة إىل اإلسالم . فى احلقيقة كان إرتداء اخلمار أو الغشاوة من املمارسات املنتشرة فى املسيحية بادئ ذى بدء .وفى فرتة متأخرة قرر النصارى 60
أن يتخلوا عن إرتدائها .وكان التقليد املسيحى مقدمة للحجاب اإلسالمى .املرأة فى املمارسات اإلسالمية تستطيع أن تكشف عن وجهها ويديها .فإذا عدنا إىل األصول األوىل للدين اإلسالمى لن جند ،على ما أعتقد ،أى حادث يربر بأية درجة تعرض النساء للمضايقات .الدين يعتربهن خمتلفات عن الرجال ،ولكن فقط بسبب ضعف األبدان املالزم هلن .
فيتاىل ناومكني : ً مؤخرا عن رأى يقول: أحد الساسة األتراك أعرب ( إن من أسباب عدم إستحسان النمط األوروبى فى العامل اإلسالمى هو اإلفراط فى العلمانية املدنية فى دول اإلحتاد األوروبى ) .وأكد هذا ً ً متزايدا بأطراد دورا السياسى أن الدين يلعب فى اجملتمع اإلسالمى ،وهذا يشكل إحدى خصائصه األكثر أهمية .وجهة النظر هذه حتظى بتأييد الكثري من املفكرين يف العامل اإلسالمى .ومن ناحيتهم يعتقد الناس فى البلدان ً ٌ مكون عموما أن فصل الدين عن الدولة الغربية ً هام مبدئيا من مكونات اجملتمع الدميقراطى، إىل جانب مكوناته األخرى مثل « :سلطة القانون ،وإستقالل القضاء ،وإحرتام حقوق األقليات ،وحرية الرأى» ،وما إىل ذلك .ما رأيكم 61
خبصوص اجلمع والتوفيق بني هذه القيم ؟ وإىل أى مدى ميكننا الكالم عن القيم املشرتكة للبشرية ،مثل الدميقراطية أو حقوق اإلنسان ؟
مهاتري بن حممد : فى احلقيقة ال وجود للعلمانية حبد ذاتها فى اإلسالم ،ذلك ألن اإلسالم ،كما تعرفون ،منط حياتى شامل .وحنن على حق عندما نشرك فى عملنا السياسيني ورجال األعمال ... واملنخرطني فى شتى جماالت النشاط .إال أن اإلسالم ال يفرق بني احلياة الدينية واملدنية .وبعبارة أخرى مفهوم العلمانية املدنية غري وارد فى اإلسالم .فمن جهة ،يوضح الدين اإلسالمى كل ما حيدث فى جمتمعنا ،ألن القرآن حيتوى على جمموعة التوجيهات والتعاليم املتعلقة بكل جانب من جوانب حياتنا ،مما مييزه عن ْ ولكن من اجلهة األخرى كل األفعال اليت اإلجنيل والتوراة . نقوم بها ينبغى أن تتطابق مع الدميقراطية بالكامل ،وهذا ال يتعارض مع تعاليم الدين اإلسالمى ً أبدا ،ألن الدميقراطية كانت موجودة حتى فى فجر اإلسالم . عندما توفى الرسول (صلعم) مل يكن عنده من يرثه ،فبايع ً خلفا للنبى املؤمنون « أبو بكر الصديق » خليفة عليهم .بايعوه حممد (صلعم) ،ومن بعده بايعوا ثالثة خلفاء آخرين .ثم تأسست خالفة بنى أمية الوراثية على يد « معاوية بن أبى سفيان » . 62
إال أنها مل تكن من اإلمجاع فى الدين اإلسالمى .وهكذا حنن نؤمن بأن الدميقراطية جزء ال يتجزأ من اإلسالم ،وعلينا أن نكون صادقني مع أنفسنا عندما نطبقها .أما التطاول عليها وخمالفة مبادئها فيتعارضان مع الدين احلنيف .إذا كنت ختالف األصول الدميقراطية فإنك ال تنفذ التعاليم احلقيقية لديننا .
فيتاىل ناومكني : نشهد اليوم جمادالت كثرية حول التناسب بني مفهومى حرية الرأى وإحرتام القيم الدينية . ً جيدا أمثلة اإلهانات الفظيعة ملشاعر وحنن نعرف املسلمني من قبل بعض أبناء اجملتمعات الغربية، ومن ذلك حرق املصحف الشريف يف أمريكا ، وعرض الفيلم السيء الصيت واملسمى « براءة ً مؤخرا موجة من السخط املسلمني » الذى آثار واإلستنكار فى العامل اإلسالمى .فما سبب ذلك ؟ هل هو معاداة اإلسالم املتجذرة فى العامل الغربى؟ أم هو جمرد وقاحة وشقاوة تتسرت حبرية ً مفهوما الرأى؟ فإذا كانت حرية التعبري عن الرأى ً منصوصا عليها فى الئحة حقوق وقيمة شاملة اإلنسان فهل يعترب منع مثل هذه اإلعتداءات أمراً ً مرفوضا ؟ وكيف ميكن اجلمع بني هذا وذاك؟ على فكرة ،حنن نسمع إستنكار هذا النوع 63
من التصرفات ليس فقط من املسلمني .فمنذ فرتة ً إحتجاجا على غري بعيدة تظاهر مسيحيو لبنان الفيلم الرتكى « غزوات » 1453الذىإعتربوه ً مهينا للنصارى. إال أن السلطات الرتكية أيدت حق أصحاب الفيلم فى التعبري عن رؤيتهم الفنية ألحداث التاريخ . وبعد ذلك حتى بعض الصحفيني األتراك إعتربوا ً دليال على إزدواجية املعايري .فما هذا التصرف موقفكم من التناسب بني حرية التعبري عن الرأى وإحرتام املشاعر الدينية ؟
مهاتري بن حممد : ال وجود لظاهرة احلرية املطلقة فى أى مكان .فمهما فعلت لن تتمكن من جتاوز األطر واحلدود .ميكنك بالطبع أن تقول ما تشاء وتقرتب من الشخص الذى تطاولت على حقوقه. فما عساه أن يفعل ؟ إنه يدخل فى شجار معك .يصفعك . ً أيضا هلا حدود ألنك جتاوزت حدود املسموح .ولذا فاحلرية وقيود .ال ميكنك أن تستخدم احلرية إلهانة اآلخرين .جيب أن تتمالك أعصابك وتضبط نفسك .وإذا مل تفعل ذلك تتوىل السلطة هذه املسألة ً بدال عنك ،وترغمك على ضبط النفس .وإىل ذلك جند تفسريات احلرية متباينة فىخمتلف 64
ً ً متاما. عاريا البلدان .فىأوروبا ميكنك أن تظهر على البالج فىحني أن هذا التصرف مرفوض باملطلق فى جمتمعنا .ففى جمتمعنا عليك أن تتقيد بقواعدنا وعاداتنا .أما الذين يعتقدون بأن احلرية ال تعرف احلدود فهم خمطئون فىفهمها . وإذا جتاوزنا احلدود املتعارف عليها حتل الفوضى الشاملة فى اجملتمع البشرى .فيقوم الناس بتصرفات ال جيوز القيام بها، ويتطاولون على بعضهم البعض ،ويهينون األقرباء أو يفرتون عليهم ،وما إىل ذلك من التصرفات املشينة .وعند ذاك حتصل املناوشات واإلشتباكات بني الناس .وإذا إنهالت مجاعة على ً أفعاال مجاعة بأقوال بذيئة شائنة فإن ذلك يستثري بالطبع ً حتما إىل إشاعة البلبلة وغياب اإلستقرار. جوابية إرجتالية ويقود فى حني أن اجملتمع حباجة إىل اإلستقرار .ولذا حنن حباجة إىل ْ ولكن حبدود معينة . احلرية .نعم .
فيتاىل ناومكني : ماذا تقولون بشأن اجملموعات الدولية اجلديدة، ً وخصوصا جمموعة « بريكس» ودورها فى النظام الدوىل ؟
65
مهاتري بن حممد : أنا ال أعتربها جمموعة .أنا أميل إىل وضع هذه الدول فى مصاف تلك التى متكنت من إحراز وتائر متسارعة فى التطور والتنمية .لكل من هذه الدول اخلمس خصائصها املميزة ، ً علما بأنها ال تتكتل ضد أحد وثقافتها وسياستها وأفكارها . ً أبدا .فما الذى سيحدث هلا ؟ البد من اإلعرتاف بأن هذه الدول غنية ومؤثرة .حنن فى ماليزيا يروق لنا أن يكون جرياننا أغنياء .ألن ذلك ال يسبب لنا املزيد من املشاكل .هذه الدول ً أيضا نستطيع أن نبيع تنتج البضائع بتكلفة أقل ،وحنن ً هلا بضائعنا .وبالتاىل حنن ننتفع ،مثال ،من منو االقتصاد الصينى .التداول للبضائع بيننا وبني الصني أعلى بكثري من املستوى الذى كان عليه قبل أن تغدو الصني دولة جبارة من الناحية االقتصادية .على فكرة ،حنن ال نزال قادرين على صيانة الفاضل اإلجيابى فى امليزان التجارى مع هذه الدول . ً أيضا مهمة أما اهلند فهىليست غنية بقدر الصني ،إال أنها هى ً ً جدا كشريك جتارى لنا .عالقاتنا مع هذه الدول جيدة جدا .إال أن سياستنا اخلارجية تقوم على مبدأ العالقات الودية مع مجيع البلدان ،سوا ًء الشيوعية أم الرأمسالية .فال أهمية لذلك بالنسبة لنا .كل ما نريده هو احلفاظ على العالقات الطيبة واإلنتفاع منها . وأنا أعتقد أن « بريكس » مل تتحول ُ بعد إىل جمموعة 66
ً احتادا لتنسيق جهود متكاملة .كل ما فى األمر أنها متثل البلدان اخلمسة التى تتطور بسرعة وجناح .
فيتاىل ناومكني : وما تقوميكم آلفاق العالقات بني ماليزيا وروسيا ؟ أتذكر أنكم أشرمت ذات مرة إىل أن ماليزيا ميكن أن تغدو ساحة مناسبة لروسيا بهدف تطوير اإلتصاالت االقتصادية مع دول منطقتكم .ولألسف مل حيصل ذلك حتى اآلن. ً نظرا فهل نستطيع إحياء هذه الفكرة اليوم لرغبتنا فى التقارب مع بالدكم ومنطقتكم ؟
مهاتري بن حممد : ماليزيا دولة ذات جتارة نشيطة .ولنا مصلحة فى تطوير ً ً ً واعدا . جتاريا شريكا العالقات التجارية .وحنن نعترب روسيا إال أن روسيا نفسها ال تعلق أهمية كبرية على تطوير العالقات التجارية معنا .إنها منغلقة على نفسها ،وتستخدم مواردها ْ ولكن إن رغبت روسيا يف متتني وتوسيع إتصاالتها الداخلية . التجارية ،فإن ماليزيا ميكن أن تكون نافعة ً جدا هلا ،ذلك ألن بالدنا من الناحية اإلسرتاتيجية تقع فى متوسط منطقة جنوب 67
شرقى آسيا ُ مبجملها ،وميكنكم من خاللنا أن تصلوا بسهولة حتى إىل الشرق األقصى .ومن هذه الناحية يستجيب تطوير العالقات بني روسيا وماليزيا ملصاحل الطرفني .
فيتاىل ناومكني : لعل من املهم و املفيد ً جدا اآلن أن نسمع منكم بضع كلمات عن األيديولوجية التى استحدثتموها ً شخصيا فى بالدكم ،و أعنى نظرية ركون نيغارا .لدى القراء بالطبع فكرة عن مبادئها ً ْ حاليا ؟ لكن ما تعليقكم عليها األساسية ،و
مهاتري بن حممد : الركون نيغارا أو أركان الدولة عبارة من جمموعة من القيم ً مجيعا بصفتنا مواطنني لبالدنا . التى ينبغى لنا أن نؤمن بها وهى مل تتحول إىل أيديولوجية لنا .ماليزيا دولة برمجاتية ، وال يهمنا أن متثل تلك القيم أيديولوجية رمسية أم ال .كما ال يهمنا نوع األيديولوجيات الذى تنتمى إليه إذا إفرتضنا أنها أيديولوجية بالفعل .إذا كانت هذه املنظومة من القيم أو تلك قادرة على مساعدة ماليزيا حنن نتبناها ونعتمدها فى التطبيق. فمن جهة إعتمدنا فى التطبيق بضعة مبادئ اشرتاكية ،مثل 68
أولوية دور الدولة فى التجارة واخلطط اخلمسية فى التنمية .ومن ً متاما نظام التجارة واالستثمار الرأمساىل . جهة أخرى ،يناسبنا وبعبارة أخرى حنن نتقبل كل ما هو نافع وصاحل لنا ،وال نرفض ً ً عموما ميكننا إنطالقا من إعتبارات أيديولوجية . أى شىء القول إننا فى واقع األمر ال منتلك أية أيديولوجية .
فيتاىل ناومكني : ً شكرا لكم ،دكتور « مهاتري » ،على هذا احلوار الصريح والغين املضمون .
69
الفهرس •تقديم •مهاتري بن حممد ( حملة موجزة عن حياته )9 .......................... •د.مهاتري بن حممد يتحدث عن « منظومة العالقات الدولية والعامل اإلسالمى وماليزيا » فىحوار مع د .فيتاىل ناومكني 19 ..................................................................... الربوفيسور /فيتاىل ناومكني .............................
7