م�رسحية السلطان بيبرس راحيمجان �أوتارباييف (دراما تاريخية من جزئني و �أربعة ف�صول)
ترجمة
�أ.د.على فهمى عبدال�سالم مراجعة وتقدمي
د.ح�ســني ال�شــافعى
القاهرة 2011
تقديم السلطان بيبرس ..عمل مسرحى مميز للكاتب الكازاخستانى المعروف راحيمجان أوتارباييف ،بين أيديكم فى طبعتها المترجمة للعربية ،بعدما صدرت ،ومُثلث مرات عديدة على خشبات المسارح الكازاخية ،والروسية. المسرحية تحكى فى فصولها األربعة رحلة الصبى بيبرس ابن الخان “جامك” ،مع صاحبه قالوون من أسر المغول لهم ،حيث تلقفتهم يد تاجر إيطالى يبيعهم فى سوق العبيد مفرقاً بينه وبين حبيبته “بولجتبيس” لكنها َت َع ُده :سوف أنتظرك يا بيبرس ..سوف أنتظر أخبارك من الطيور الجوارح ..ومن الرياح ومن الناس العابرة ..سوف أتحلى باألمل وأنتظرك مثلما ننتظر حوافر الخيل جالبة األنباء السارة للناس”. ولم تغادر صورة حبيبته “بولجتبيس” مخيلته على مدى عمره ،يناجيها ..ويناجى معها وطنه وأرضه وأهله وريح نباتها الطيب “الشيح” ،والذى يأتى من ضفاف نهر جانكا يحرر الصدر. ً ً الرحلة تستمر ..وها هو بيبرس يصبح قائدا عاما للجيش ،وقد أجاد الحرب بفنونها وخططها ولم َي ُع ْد أحداً له ن ٌد. كافر” فيضع بيبرس خطته العبقرية بسد مجرى النيل تأتى الحرب “والهارب من رحاها ٌ ليحاصر أعدائه ،ويعلن “من سيعارض خططى سنلقى بجسده فى الماء”. الدسائس لم تفلح فى كسر شوكته ،وها هو النصر – وقد حالف بيبرس – يرتفع بقامته فوق القامات ليهتف الشعب ... :يحيا المماليك ...المجد للمماليك معلناً “بيبرس قائدنا” بعدما دحر األعداء ورد الهجوم على سوريا وفلسطين. بيبرس ..لم تكن تشغله الحروب وال الدسائس عن أن يملى على كاتبه رواية ما حدث ،وها هو يروى عندما َق ُد َم سفراء هوالكو برسالته“ :استسلموا بإرادتكم ..إفتحوا بوابات القاهرة بأيديكم وإال فكل األحيا ِء موتى ..وكل الموتى إلى الجحيم “ فيشير بيبرس عندئذ إلى “أنها الحرب .. والحرب وحدها”. ٌ لكنه ..رغم حنقه وغضبه يرى أن قتل سفراء هوالكو “عمل ال يقره الدين” وهنا الوجه االنسانى لبيبرس يُطل ،إذ نراه فيما بعد مقرظاً لمن باعه قناً للتاجر االيطالى بعد
وأس َر بيبرس لحارسه بأن يقطع حبل المشنقة التى أمر قطز بلفها حول أن أصر ُقطز على أسرهَّ ، رأسه ليبقيه على قيد الحياة: “من األفضل أن تكون عبدا فى وطنك ...من أن تكون سلطانا فى الغربة” لكنه ما يلبث أن يعود ليقر “ :يا قدرى الذى أصابه الهرج والمرج ،والذى تعلق فى نفس الوقت ببلدى ...إمنحنى القوة أن أسحق بيدى األعداء” وتستمر الرحلة ......فنراه ينحنى لقدسية العلم ،إذ تراه يصفح عن مهندس فرنجى – سقط فى األسر مع الملك لودفيك –IXألنه خبير حاذق ،كشف لبيبرس أسرار األسلحة ،فينحنى بيبرس له قليال . مسرحية الظاهر بيبرس ،صاغ حوارها المبدع “راحيجمان أوتارباييف” ،وهو ينقل لقطات مميزة من حياة السلطان ،ناقال عنه فلسفته فى الحياة ،وفى الحكم فى قول يستعيد به حكايات الطفولة فى الوطن البعيد “ كان ينقش فى بالدنا اسم الميت على شاهد قبره ،وأصله ،واسم عائلته .كان يكتب على الشاهد ،عاش هذا اإلنسان يوماً واحداً ...أو ثالثة أيام .....أومائة يوم“ وحين يسأله محدثه :وهل كان القبجاق يعيشون هذا العمر القصير ؟ يرد بيبرس سريعا “ :الال .....أنهم قوم يمتطى الواحد منهم صهوة جواده دون سرج وعمره مائة عام ،لكنهم يعتبرون أنهم يعيشون فقط عندما يصنعون أعماال َخيِّرة ...لزمالئهم فى القبيلة ...أو ألصدقائهم ...أو للناس جميعا” ...ويستكمل “فالرقم المنقوش على الحجر يقول :فلتعش حتى مائة عام ...لكن األيام التى إبتلعت فيها طعامك لن تدخل فى الحساب “ لن ينتهى العمل المسرحى إال وقد تنفس بيبرس الصعداء بعد إن إشتم رائحة زهور الشيح لتعيد روحه إلى بارئها بعدما روى شغفه برائحه بالده. عمل متميز ...قراءته متعة ..ورؤيته على خشبة المسرح لن تكون أقل إمتاعاً. حسين الشافعي القاهرة -يوليو 2011
بيبرس
راحيمجان أوتارباييف
مسرحية
السلطان بيبرس (دراما تاريخية من جزئين و أربعة فصول) أبطال المسرحية: -1السلطان بيبرس. -2تاجر إيطالى. -3بولجتبيس(ال تظهر ،و تروى عن طفولة بيبرس). -4األم. -5أمير أيتيجين بوندوكتارى. -6سلطان عيسى طوران -شاه. -7المقدس الوزير -خان. -8لودوفيك ( IXملك فرنسا). -9أغا شاهين (الوزير األكبر). -10بيك. -11شجارة الدر. -12قالوون. -13قطز. -14طانيربيردى. -15طاجى باخيت (زوجة بيبرس). -16سعيد (االبن األكبر لبيبرس). -17أحمد (االبن األصغر لبيبرس). -18أمير. -19شيخ. -20األمير مليك -قاهر (ابن الخليفة). فرسان ،محاربين ،سعاة ،بشراء ،مماليك ،سفراء ،أسرى ،مالئكة ،أصوات ،و غيرها. 5
بيبرس
الجزء األول الفصل األول يَسقط على المسرح ضوء خافت .يَتحرك جمع من ٌ متنوع لسوق .هذه هى ضجيج الناس بال نظام ،يُسمع ٌ سوق العبيد بمدينة «سيواس» بآسيا الصغرى. تُسمع موسيقى شرقية من بعد .أصوات« :اشتروا عبد ،عبد!» «عبد ذكى و قوى» «فليبق ذكاءه فى رأسه ،يكفى كونه قوياً»« .هذا العبد وار ٌد من أفريقيا». «تعال هنا ،ما هو ثمنه» « 500دينار»« .غال .يمكنني بهذا الثمن شراء خمسة من أمثال هذا الهباب»« .اشتروا عبد ،عبد ،اقتربوا .توجد قوة ،ال يوجد عقل .أذناه فى مكانهما ،و لكن ال يوجد لسان .توجد عيون ،و لكنه ال يرى»« .هيا ،هيا ،تعال هنا .هذا هو أغلى عبد!». في هذه اللحظة يسكت كل من البائعين و المشترين .أصوات« :السفن وصلت ،السفن وصلت!» «بدأوا انزال عبيد ُجدد» «سوف تلتهب اآلن التجارة». يبدأ ظهور العبيد و يسمع صليل السالسل على أيديهم و القيود على أرجلهم .أصوات« :هؤالء هم التجار اإليطاليون»« .أَ ْح َ ضروا أسرى من آسيا الوسطي و سهول دشتى -قبجاق»« .يجب االختيار بسرعة»« .على أية حال ال يوجد أحسن ..من السودانيين السود»« .ال...ال أحسن قوم محاربون هم -القبجاق «« .هم أحسن المماليك» .يدخل إلى الوسط تاجر إيطالي. التاجر اإليطالي :العبيد ،الذين جاءوا من شواطىء الدون ،و من كاربات ...أخرجوا إلى اليمين .الذين أُحضروا من هندستان و كردستان ..اصطفوا في الشمال .الذين أسروا في جبال أرارات...قفوا بعيداً .الكازاخ من سهول القبجاق..احضروا بسرعة ،اقتربوا منى. (يقترب صبيان و السالسل تصلل ،و يقفان بجانب التاجر). أصوات: أين أكبر القبجاق سنا؟ يبدو أنه لم يتم انزالهم بعد من السفينة.ِّ و هذان الكتكوتان الصغيران...لمن يمكن أن يمثال حماية؟7
السلطان
هذا غير صحيح ..يمكن تعليمهم بسهولة ..و هما ما زاال كتكوتان .أما الطيور الجارحة ،فالتستطيع أن تمسكها بيديك. التاجر اإليطالي :لقد أعلن القيجاق الكبار التمرد على السفينة ،و أظهروا مخالب الطيور الجارحة .و بمساعدة من اهلل ،أمسكنا بهم فرداً فرداً ،و ألقيناهم بقيودهم في البحر .و قد التهمتهم القرش..ه ْم َ َ ..ه ْم (يبين ذلك بالتمثيل) ،و قطعتهم إلى قطع ..و من العجب ..أنه لم يصدر من أسماك أي منهم أى أنين أو حتى صوت ينم عن البكاء أو الشكوى .ما هؤالء القوم؟ ..يفضلون الموت على العبودية التي يمكن احتمالها .هيا ..انتظر ،يمكن البدء ببيع هذين الصبيين .أيديهم وأرجلهم سليمة.. أسنانهم كاملة ..في عيونهم لهيب ..و في صدورهم فحم موقد(.وقف التجار فى دائرة و بدءوا يتهامسون) -شراء مثل هذا المملوك -حلم كل شخص ،و عدم شراءه -أيضا حلم! تعال أنت...قف فى الوسط (التاجر اإليطالي يقود قالوون إلى الوسط) .هيا ،قدم نفسك. قالوون :عمرى 12سنة .و اسمي هو قالوون .أنا من ساحل نهر «جانكا» ،ابن من أصل «بيرش» ،من قبيلة القبجاق. أصوات :أعطى 300دينار .هات يدك. ال.400، سأشتريه ،أعطى .500 600دينار ذهب. سأعطى ما لم يساويه جده.800 ..التاجر اإليطالي :انظروا ..رقبته مثل رقبة العجل ..انظروا إلى أكتافه و عضالته! ثمن هذا القبجاقى هو 1000دينار! ٌ (فى هذا الوقت بدأ بيبرس -الواقف بجانب قالوون -يتكلم .أصوات الصبييَن مسموعة من خلف المسرح). قالوون (بسرور) :شيء رائع ..لقد تم تقدير ثمني بألف دينار. بيبرس (بغضب) :أتفخر بأنه يتم بيعك؟ كثير أم قليل؟ قالوون :يا ترى ..كم سيدفعون ثمناً لك ..يا بيبرس؟ ٌ بيبرس :أليس من الواضح أنهم -كقاعدة عامة -يقيمون األكثر تميزاً أقل من جميع اآلخرين؟ التاجر اإليطالي :أيها األسير القبجاقى الثاني ..تعال إلى الوسط (يذهب بيبرس إلى الوسط، ويقف على مكان عال ،ثم يقدم نفسه). بيبرس :عمري 14سنة .اسمي -بيبرس .و قد أسرني «المغول» مع اآلخرين الذين هربوا من سواحل نهر «جانكا» .أنا من قبيلة القبجاق ،من الطبقة العليا البرشية .والدي هو الخان 8
بيبرس
«جاماك». أصوات :أوه ..ابن خان قبجاقى!.. فلنرى. أخفض رأسك ..ال تتفاخر.( تسقط بقعة صغيرة من الضوء -فى تلك اللحظة -على طرف المسرح ،و تظهر فيها فتاة في الثامنة إلى العاشرة من عمرها .هى «بولجتبيس» -خطيبة بيبرس -و قد خطبها والداه له .يدور حوارهم خلف المسرح. بيبرس :بولجتبيس.. بولجتبيس :نعم يا بيبرس. بيبرس :لقد كنت خطيبتي ،و اآلن يتاجرون برؤوسنا البائسة في الغربة .يا لها من مصيبة وقعنا فيها!.. بولجتبيس :ال تحزن..بيبرس ..أترى ..إنه أحد انعطافات القدر. ٌ حسن إذا قادني -في النهاية -هذا أمر بيبرس :نعم ..نعم هذا مقدر لنا مسبقاً .سوف يكون ٌ القدر إليك.. بولجتبيس :سوف أنتظرك ،يا بيبرس ..سوف أنتظر أخبارك من الطيور الجوارح ..من الرياح التي تدخل من النوافذ ..و من الناس العابرة ..سوف أتحلى باألمل ،و أنتظرك! ..مثلما ننتظرطرقات حافر الخيل التي تجلب األنباء السارة للناس. بيبرس (بصوت مرتعش) :في وقت ما ،مهما طال ..يا حياتي ..طالما روحي في صدري.. يا بولجتبيس ..سأعود إليك! بولجتبيس :سوف ..أنتظرك ،يا بيبرس .يا روحي..سوف أنتظرك ( يخفت صوت بولجتبيس الذي كان يدوى عاليا .كما تختفي هي نفسها). أصوات (على المسرح) - :بوجد بياض على عينه. و كآبة فى عينيه. يدعى أنه من النبالء. لن يكون مملوكا مميزا. أخرجه من هنا. أيها التاجر اإليطالي ..أعطيك 800درهم .صفقوا. لن أفرق بين اثنين من قبيلة القبجاق ..ال يفرق اهلل نفسه بينهما ..أرجو أال يموتوا هما االثنانمن االشتياق كل لآلخر. 9
السلطان
التاجر اإليطالي 800 :درهم؟ قليل جدا ..لقد اشتريته أنا من التجار البلغار ب 80درهما. حافظت عليه ..و اعتنيت به ..و أطعمته لمدة 3شهور على نفقتي الخاصة. أصوات :كفى شكوى! سوف أدفع ما يساويه ..يقف ،يترنح ..بالكاد ،على قيد الحياة. آه ..كم تسعى للربح. حتى ال تنظر إلى المال.ُ قال..ك ْف عن الشكوى ..لقد ُحسم األمر ..كما لو كان ركل بحافر. أترى..كما لم توخز بلسانك -بكالمك عن أنه«:يقف ،يترنح..بالكاد على قيد الحياة» -كالحية السامة؟ ها -ها -ها.ها -ها -ها. يا له من فم!ٌ (صراخ .سكت الجميع) ،بيبرس اقترب منى. كفى(اقترب بيبرس جدا من األمير السلطان «صالح ناجى-الدين آية-الدين بوندقتارى» ،الذي على رأسه عمامة بيضاء و له لحية مهيبة) آية-الدين بوندقتارى (لبيبرس) :ما هذه الحشائش التي تمسكها بيدك؟ بيبرس :نبات الشيح. آية-الدين بوندقتارى:أعطها لي( .يشمها ،يعبس) .رائحتها كريهة ..تخلص من هذا الهراء. (يلقيها بنفسه فى نار شديدة اللهب) بيبرس :توقف!(يظلم المسرح مع صرخته المدوية ،و تختفي مجموعات التجار و العبيد. وعندما تعود اإلضاءة ،يظهر موقع معركة حربية ،و بيبرس راقدا على مفرش ملون .يستيقظ مذعورا .يقف عند قدميه عبد أسود -زنجي -يقوم بحراسته .و عبد زنجي آخر ،يقف عند طرف المفرش من ناحية رأسه ،يهوى بمروحة كبيرة .يتلفت بيبرس بفزع من حوله .يصهل حصانه) آه يا بولجيتبيس ..جعلت منك خطيبتي الحبيبة ..ثم اَ َف ْ ترق ِت عنى رغماً عنك ..صورتك تزور ً أحالمي باستمرار ..أحيانا تتتبع مشاعري في هذا البلد الغريب ..و أحيانا في هذه الحرب الدموية.. هل هي تحميني؟ ..هل هى تمنحني دعم؟ نبات الشيح(..يسرح) .استنشاق عميق ،كما لو كان شاى له رائحة جميلة ،نبات الشيح من ضفاف نهر «جانكا» يحرر الصدر ..آمل أن أرى مرة أخرى كيف تتفتح براعمك التي تشبه خصلة شعر على رأس صبى. (تسمع عن بعد صرخات و هتافات ،و صليل أسلحة ،و صهيل خيول .يدخل رسول إلى بيبرس) الرسول (نازال على ركبتيه و حانيا رأسه) :يا فخامة القائد ..لقد تحرك الفرنجة اليوم -مرة 10
بيبرس
أخرى -في «حملة صليبية». بيبرس (يلبس درعا و خوذة ،و يعلق خمسة أنواع من األسلحة) :هل وردتم المؤن إلى قلعة دمياط؟ الرسول :تمكننا من توريدها ،أيها القائد .و هم اآلن متجهون إلى ضواحي المنصورة. بيبرس :انقل لهم أمري -فليقم ثلث الجيش المستدعى تحت لواء «الغزوات» بعمل سد على النيل..بسرعة. الرسول :يا إلهي الجبار!َ ..ح ْجز مجرى نهر النيل!؟ بيبرس (يتحرك بحيوية) :فليحجزوه .أكلف قالوون باإلشراف على هذا العمل .و أي شخص يهرب من أرض المعركة ..سيعتبر كافراً ..و لن يتم دفنه بمقابر المسلمين ..و من سيعارض إنشاء س ٍد على النيل ..سيجد جسده في الماء ..ولن يتم منع العقاب. الرسول :أمراً و طاعة! (يختفي .يُسمع صوته و هو يعلن أمر القائد األعلى للجيش« .أى شخص يهرب من أرض المعركة..سيعتبر كافراً ..و من سيعارض إنشاء سد على النيل..سيجد جسده في الماء. تحتدم اشتباكات حربية على المسرح .على أحد جانبي المسرح -المماليك تحت رئاسة بيبرس، و على الجانب اآلخر -الفرنجة .المعركة حامية). أصوات :اقطع حبل التثبيت! أغرس الرمح! اقطع رقبته! انتزع كبده! أخرجوا من هنا..أيها المرتزقة ..المماليك. يا مرضعو الكالب. أيتها األذناب العربية.بيبرس(يصرخ بصوت جهوري) :إلى الهجوم! ..يا مسلمون! ..ال تتراجعوا أبدا!..اسحقوا الكفار! اذبحوهم! ..هيا ..ورائي. أصوات :إلى األمام ..يا عباد اهلل! إلى األمام ..يا أتباع محمد. نحن محاربو «شاديار». نموت من أجل ديننا -سنحتل مكانة متميزة في الجنة.(معركة كبيرة تدور على منعطف المسرح ،و عند وصولها إلى خلفيته ،تنتهي .و اآلن 11
السلطان
يظهر السلطان «طوران شاه» على كرسي عرش القصر .ترقص راقصتان جميلتان على نغمات موسيقى شرقية،تهزان وسطهما ،و تلعبان أردافهما ،و تقدمان رقصة شرقية أمامه تماما. عيسى طوران شاه ( يصفق بيديه و هو مخمور) :أنتن ترقصان بشكل جميل..زيدوا ..زيدوا في الرقص( .تقترب منه الرقصتان من الجانبين ترقصان و تهزان أردافهن في اتجاه السلطان، وتنضم لكل ضحكة مرحة حماسية للجميلتين ضحكة استمتاع من الحاكم) .رائع! عندما سمع المرحوم والدي «السلطان صالح نجى -الدين» رنين ضحكاتكن( ..لحظة صمت) أقسم ..أن حتى أظافرى قد اهتزت( .يزداد ضحك الجميلتين أكثر) .أقسم ،أن حتى أظافري قد اهتزت .من اليوم، سوف أنقل كل منكن إلى حريمي الخاص( .تناول بيده كأس فضية) سأشرب هذا المشروب القادم من الجنة من أجل ذلك ( يشرب الكأس على مرة واحدة .يدخل الوزير خوان). خوان :اسمح لي (ينحني) ،أيها العظيم ،يا موالى المماثل للشمس و ذو وجه القمر. عيسى طوران شاه :مرحبا بك أيها الوزير ،فخامة الوزير خوان (ينهض من مكانه بعد محاولتين) .يا خزينة أخبار العالم ،يا بشير األنباء السارة ،تكلم. خوان (متملقا ،ذليال) :ال أستطيع في هذه المرة إرضائكم باألخبار التى تنتظرونها ،أخاف جدا يا صاحب األمر العظيم .أخشى سخطكم ،أخشى قول كلمات تافهة ،حضرت و أنا أتقطع داخليا ـ أيها العظيم «عيسى طوران شاه». ً عيسى طوران شاه (مستال سيفه ملوحا به فى الهواء) :إذا كان هناك شخص تافه تجرأ على لمس وجه حاكم كل مصر ..مثلما تلمسه الريح ..تكلم ،ال تتمايع. خوان (معبرا عن الخضوع ،بتكلف) :أال ترون..أنه باعتباركم بيبرس العبد المفضل لوالدكم المبجل ..فقد تركتم له تماما الحبل على الغارب؟ وعينتموه قائداً عاما للجيش .أليست أصوله مختلفة؟ ..و دمه عاص؟ عيسى طوران شاه :ال يوجد قائد عسكري أفضل من بيبرس .حتى قالوون..ال توجد لديه مثل هذه الشجاعة و هذا اإلقدام. خوان :أنتم عينتموه قائدا للجيش ،و أرسلتموه لمالقاة هؤالء الكالب الصليبيين (منافقا) ،فهل تعرفون ما الذي يفعله؟ عيسى طوران شاه (مذعورا) :ال! ..و ما الذي فعله؟ خوان :لقد أقفل النيل ..و أنشأ سدا فى مجراه .و منذ لحظة فقط ابتلع تمساح عبداً زنجياً بالكامل .مزقه إلى قطع ثم ابتلعه .و اآلن إذا تفرقت هذه المخلوقات ،فسوف تتم إبادتنا كلنا. (تزحلق عيسى طوران شاه و سقط صدفة على كرسي عرشه .رفع كلتا يديه فجعل الموسيقى تسكت ،و قفزت الراقصتان إلى الباب و اختفيتا). عيسى طوران شاه :حجز ماء النيل؟ بأى هدف؟ هل سيسمح النهر العظيم بعمل ذلك؟ ما هو دخل األعداء ،و ما دخل النيل؟ أحدهما -الفرنجة ،و الثاني -ماء ،ما هي العالقة بينهما؟ ال أستطيع 12
بيبرس
أن أفهم أي شيء( .ابتلع مرة أخرى ما فى الكأس الفضية). خوان (هامسا ،منتفضا) :أيها الحاكم العظيم ..إن بيبرس قد كسب الثقة بحيله ،و هو يريد تدمير كل شيء من الداخل ..هكذا تقول النجوم .و إذا لم يتم التخلص منه بسرعة ،فليس من المستبعد أن يطمع في العرش. عيسى طوران شاه (مقهقها) :يطمع في العرش؟ يعنى ..تريد أن تقول أن مملوكا ،قطعت السالسل و القيود يديه و رجليه ،يريد اآلن البحث عن سعادته على العرش .طالما أنا على قيد الحياة..لن تتحقق أمنيته .أيها المقدس خوان( .بتوعد) -أبلغ بيبرس أوامري .فليتوقف عن سد النيل. و ليتوقف عن التصرف بنفسه .فلم يترك له أسالفه هذا النهر .و إذا لم ينجح حتى الغد في أسر «ليودوفيك ،»IXفسوف تلتهمه هو نفسه الغربان .فليجمع حظه في قبضته .إذهب( .يختفي خوان و هو ينحني ،يعود المزاج العالي لعيسى طوران شاه ،يصفق بيديه لكي تبدأ الموسيقى من جديد، تظهر الراقصتان مرة أخرى من الجانبين ،و تبدآن ثانية رقصهما الشرقي .تسمع أصوات ضحك. يدور المسرح و يظلم ،و يظهر عليه بيبرس مع مجموعة من مماليكه .يسمع خرير مياه النيل .يتم التعبير عن عمل المقاتلين بنشاط و هم يحجزون مياه النيل). أصوات :ضعوا الرمال فى األكياس آلخرها. القوا بمائة كيس فى المجرى. بحيث ال تجرفها المياه المندفعة. تمساح؟ هشم رأسه بالسيوف! جره من ذيله. أغرس فيه رمح. لقد تحول المجرى إلى الجانب! املئوا حنكه! (ال تتوقف أثناء ذلك الحركات النشطة القوية)الحارس :قائدهم العام..تتنازعه سكرة الموت .لقد مات الكثير منهم حتى اآلن .العدو بستعد الستخدام األسلحة النارية(.يدوى صوت قذف النيران) .لقد سقطت الدانة بعيدا .الفرنجة ينسحبون. مقدمة جيشهم تولى أدبارها. أصوات (الذين يقومون بسد النهر) :يحيا المماليك .المجد للمماليك. بيبرس..قائدنا..عظيم. أحفاد القيجاق ..محاربون ال يهزمون. قالوون محارب..ال يقل عنه.13
السلطان
قطز بطلنا. وصلت المياه إلى الحدود. ماذا علينا عمله بعد ذلك؟ أرسلوا رسوال ليحضر قائدكم بيبرس! إلى أى اتجاه علينا توجيه مجرى النيل ..فليأمرنا هو.(فى ذلك الوقت يصل المقدس خوان إلى ضفة النهر .يبدو على مظهره األهمية و العجرفة). خوان :أنت يا حفيد العبيد الصلم ،الذين ال يفقهون ما يفعلون ،و الذين ال يستطيعون عمل خطوة بدون قيادة .إن محاولتكم سد النهر ،الذى يجرى من قرون طويلة فى المجرى الذى شفه بنفسه ،هو ضرر غير مسبوق بمنقذ اإلسالم ،بالقائد عيسى طوران شاه الذى ليس له مثيل .كونكم تقتلون التماسيح و حيوانات النهر ،و معتقدات أجدادنا ،يدل على النوايا العدوانية لألغراب .أنتم مجرد مفسدون ،دمروا السدْ ، اخ َتفوا عن النظر .هذا أمر الحاكم العظيم. أصوات :أيها الوزير المقدس ..نحن عبيد رهن إرادتك ،و لكننا ال نستطيع تنفيذ هذا األمر. أصبح العدو يقترب منا. لقد بنينا السد بأمر من بيبرس.خوان (يصرخ بغضب) :أنا آمركم ..أهدموا السد! أنتم تفتحون الطريق للفرنجة .اآلن سوف تتدفق اآلن قوات األعداء إلى القاهرة .هذه خيانة! الحارس :بيبرس يقترب ..ممطياً فرساً أبيض. (يسمع اصطدام رماح .يظهر بيبرس على المسرح). بيبرس (الهثا) :حجزتم النهر؟ رائع ..يا جنودي الشجعان! خوان :بيبرس ..يا قائد جيوشنا ..لماذا هذه العجلة؟ بيبرس:أيها الوزير ..أنت تعرف أننا ال نستطيع االستكانة عندما يكون العدو قد أمسك بتالبيبنا! َ ْ خوان (و هو يهز رأسه بعدم رضاء) :لن يسير األمر هكذا ..أ ِزل السد .هذا أمر من السلطان نفسه .و إذا لم تهزموا العدو حتى الغد ،و لم تأسروا ملكه ،فإن رقبتكم لن تستطيع تفادى عقدة المشنقة. بيبرس :اذهب من هنا ..أيها الكافر ..األحمق. خوان :أنت أيضا كافر ..لست مثل كل من يأكلون لحم الخيل و يشربون لبنها (ينصرف خوان بعين الحذر ،و لكن ليس ببساطة ،و لكن بوعيد و لعنات) . 14
بيبرس
بيبرس :أيها الحارس! ..أخبر كل من (قالوون ،آيتمير ،توكتمير ،إبراهيم ،و أواك) بأن يخرجوا القوات بسرعة من ضواحى المنصورة .و بأال يمنحوا العدو فرصة لالنسحاب ..فليغلقوا الطريق إلى القاهرة .اآلن سوف نطلق مياه النهر في االتجاه اآلخر. الحارس :سمعا و طاعة ،أيها القائد األعلى .سوف ينطلق الرسل في طريقهم( .يبدأ كل شيء في المكان فى الحركة ،يتحول إلى عربة خيل بسرعة ،اشتباكات ،مطاردات ،تطلق صيحات عالية ،أوامر .يقف بيبرس نفسه فى وسط المسرح ،ممثال محور ارتكاز العالم و هو ينظر إلى قاعة المتفرجين ،موحيا لهم بأهميته و عظمته .و يتم ذلك عن طريق لحظة توقف قصيرة .يسمع من بعيد لحن بروجي ) أيها القائد العسكري العظيم للجيش ،لقد تركت قواتنا ،بالخداع ،أرض المعركة ،و بقى الفرنجة بها وحدهم. بيبرس (متنهدا) :اهدموا السد! فلتتدفق مياه النهر فى االتجاه اآلخر ،و تغرق المنخفض ،و تبتلع العدو( .يصدر ضجيج عال من المياه المحررة .تصدر أصوات دهشة .صراخ). الحارس :لقد هرب ،من سلم من الفرنجة .أما الجزء األكبر منهم ..فقد جرفته المياه .حتى الملك لودوفيك ..IXفقد جرفته المياه .و ها هو قد ظهر مرة أخرى على رأس حاشيته رافعون رايات بيضاء .لقد هزمنا العدو! فليحيا الخالق األعلى! (يعبر حوالى عشرة من الفرنجة المهزومين المسرح جريا). بيبرس (يحدث نفسه) :المجد لك يا تنجرى ..لقد ساعدت ابنك ( .لحظة سكون)( .يرفع المقربون بيبرس على أيديهم) – .هيا إلى األمام فلنقبض على الملك أسيرا! (تطفأ إضاءة المسرح .و عندما يسقط الضوء مرة أخرى ،يظهر شكل قصر عيسى طوران شاه .مرة أخرى ترقص فتيات رقصا شرقيا ،و لكن فى هذه المرة عددهن أربع راقصات .يجلس الشاه على كرسي العرش ،و وزيره األكبر خوان ينحني أمامه). عيسى طوران شاه :قل لي ،يا وزيري المقدس خوان ،ألم تخلط بين مسئوليتك كوزير ومسئوليتك كرسول؟ خوان :آه ،يا موالى العظيم ،أال تبدأ روحي في االندفاع ذهابا و إيابا ،عندما يمسك العدو بتالبيبي ،و الذئاب بسروالي؟ عيسى طوران شاه :من المفهوم من هو العدو ،و لكن من هي ذئابك؟ خوان :ذئب رمادى ،أظهر مخالبه -بيبرس .يقولون أنه عندما حجز مياه النيل ،فقد فتح الطريق للفرنجة ،ثم انضم إليهم. عيسى طوران شاه :هل تقسم بأنك تقول الحقيقة؟ خوان :أقسم ،يا صاحب األمر ..بحياتي (باضطراب) -يهددنا خطر ..نحن ..و أنتم .إن لم تعلنوا الحرب على بيبرس ..و إن لم تكونوا جيش آخر ..فسوف يبدأ زمن أسود .و سوف يغطى الضباب الشمس فى السماء ،أما القمر ..فسوف يختفي في السماء. 15
السلطان
عيسى طوران شاه :و لكن بيبرس ..قبل أن يكون قائدا للجيش ..فقد أقسم ألبى السلطان صالح قسم الوالء(..يفتح باب القصر بعنف ،و يدخل بيبرس و هو يلهث .حركاته عنيفة .خوان يرتعش من الخوف). عيسى طوران شاه :اسمح لى ،يا موالى العظيم .لقد تم سحق من أعلن «الحملة الصليبية»، من اعتدى على أرضنا ..تم سحقه بالكامل .لقد غرق الكثير منهم في مياه و مستنقعات النيل ،و قد سقط جزء منهم فقط في األسر .لقد دفعت قطيع حاشية ليودوفيك IXأمامي .استلمهم كغنائم حرب. عيسى طوران شاه (قافزا من على كرسيه) :أنا فخور بإنجازك الحربي ،يا بيبرس ..يا محاربي العظيم( .مترنحا) -فليدخلوا هؤالء الثيران ،الذين أدخلوا رؤوسهم في النيران! (يدخل القصر 5-6من الفرنجة ،مرسوم على صلبان على أرديتهم ،و على مالبسهم عالمات تدل على أنهم من الوجهاء .مالبسهم ملطخة باألوساخ .من الواضح أنهم منكسرون ،محبطون .فى عيونهم حسرة مختلطة بالخوف). بيبرس (منحنيا للسلطان) :يا صاحب األمر العظيم ،تلقى الضيوف غير المرغوب فيهم. إنهم يطلبون العفو (ساخرا) عن زيارتهم غير المنتظرة (كل من الحاشية و الملك يمثلون تحية باالنحناء). عيسى طوران شاه :إذا ،نقول أنكم وقعتم ..يا سادة. ليودوفيك :IXلقد وقعنا في الفخ ..لقد جرفت المياه كل جيشي .و إال( ...يشير طوران شاه للراقصات ،فيبدأن في الرقص حول األسرى ،و يالمسونهن بأجسادهن .و يخيفونهن بحركات أردافهن .يقف طوران شاه و بشاهد و هو يضحك .خوان خائف .بيبرس و هو سارح) -شبعنا يا صاحب األمر (قوى من صوته)،من الرقصات الشرقية. عيسى طوران شاه :و من الراقصات؟ ليودوفيك : IXمن كل شىء. (أشار الشاه بذقنه ،فأحضرت إحدى الفتيات الجميالت للملك كأسا من الفضة مليئة بالنبيذ) عيسى طوران شاه:هيا -يا سيدي الملك -فلنشرب نخب النصر(يشرب الشاه كأسه ،أما بغل محتوى كأسه فى وجه خوان) ليودوفيك IXفيلقى ٍ ليودوفيك : IXقل لنا قرارك ،يا صاحب األمر .امنحني حريتي. بيبرس:اآلن فقط ..طرحت قرارك ..أيها الملك! عيسى طوران شاه :اهلل منح الرؤوس الحرة ..أنت حضرت بنفسك إلى بلد عربي ..و دخلت إلى الجحيم (يهز رأسه) ..اآلن ،غالبا لن تجد التحرير. خوان (ساخراً) :أبدا. 16
بيبرس
ليودوفيك ( IXبزفرة حسرة) :آه« ..يا أيتها األرض المقدسة» ..أنت بقيت إلى األبد ال ينال منك. عيسى طوران شاه :الحلم يبقى حلما! بيبرس (مشيرا برأسه إلى الفرنسيين) انزع األصفاد عنهم و احبسهم في زنزانة محكمة األبواب. (يمشى هو نفسه بتثاقل ،و يصعد درجات عالية) .سوف أنظر من فوق مأذنة عالية إلى هذا العالم ،المنبسط عند قدمي. (ينحني خوان تماما مقدما التحية ،يقود بيبرس األسرى ،تستمر الجميالت في الرقص. ينغمس المسرح في ظالم تام).
17
بيبرس
الجزء الثاني الفصل الثانى يظهر منادى من أحد جانبي المسرح مبشرا باألنباء السعيدة. المنادى (بصوت مسرور) :يا مؤمنون ،يا محترمون ..لكل من ينتظر أنباء حسنة..جئت به .إن الذين كانوا يريدون االستيالء على سوريا و فلسطين.. قد لقوا الهزيمة .لقد سحقت قوات الفرنجة ..و تم أسر ملكهم .لمن انتظر هذه األنباء..أعدوا هداياكم .سيعقد احتفال عظيم بقصر صاحب األمر .من ليس له مأوى.. سيحصل على مسكن .العزباء ..سيحصلون على نساء. و الجوعى..على طعام! أفرح..يا شعبي (يعبر المنادى المسرح و هو يعلن هذه األنباء)( .يظهر بعده رسول على المسرح .صوته ينم عن مأساة كبيرة). الرسول :آه..يا قومي ..انطفأت الشمس ..و خرج القمر من مرعاه ..كل مصر مغطاة بلون الحداد .سقطت راية اإلسالم من األيدي ..أسقطت ريح شريرة شجرة جبارة ..تعكرت مياهنا النظيفة ..لقد ترك عيسى طوران شاه هذا العالم ..فلتسترح روحه ..أما هو نفسه..فسيحتل مكان مكرما فى الجنة .آه..يا قوم ..انضموا للحزن العام ..انزعوا شعر رؤوسكم ..خربشوا وجوهكم. (عندما يخفت صوت المناد ،تطفأ إضاءة المسرح .و عندما تضاء مرة أخرى ،تظهر الصورة التالية :قصر السلطان ،كرسي العرش فارغ ،يقف على جانبيه المطالبون به بمالبس الحداد .تظهر تعبيرات الحزن على الوجوه مختلطة بأحاسيس الزعامة و الرغبة في السلطة). أغا شاهين (الوزير األكبر) :اهلل..اهلل! يا قوم حزين ..أيها الوزراء و القضاة ..أيها الشيوخ واألمراء .الميالد -حق ..و الموت -حق! ..هذه هي إرادة اهلل .التمسك بقوة بهذا الوحي الذي نزل على نبينا محمد و أن نكون نصراءه -يمثل السعادة. (ينطق المجتمعون بكلمات “هذا صحيح”“ ،كلمات صحيحة”“ ،إرادة اهلل” و هم يهزون رؤوسهم ،داللة على موافقتهم) .لقد مر أسبوع على وفاة صاحب األمر العظيم -عيسى طوران شاه .لقد وجد الراحة األبدية .ال يوجد شاهد واحد على طريقة سقوطه من أعلى المأذنة ..هناك جدل .و قد حاصرت القوات المغولية،التي تتكاثر كالديدان ،و تتحرك كالنمل ..حاصرت بغداد، مرة أخرى ..و ال يوجد صاحب أمر ..و العرش فارغ. 19
السلطان
خوان (منحنيا) :أقسم باهلل ،أنه بعد صعود صاحب األمر إلى قمة المأذنة لمشاهدة العالم المحيط ،صعد بعده بيبرس. شيخ :أنا أيضا رأيت ذلك ..و كان فى حزامه سيف باتر ..و قد صعد إلى المأذنة مندفعا. شادجار -أد -دروت :و بعد ذلك ..سقط فورا السلطان من على قمة المأذنة العالية. خوان :كان بيبرس نفسه يحلم دائما بالسلطة. قالوون :كل هذه اختراعات ..فعندما مات السلطان ..كان بيبرس يقضى على بقايا جيش العدو .أقسم على ذلك..برأس قالوون. قطز :كان السلطان سكران تماما ..كان الذنب ،فى ذلك ..هو ذنب الخمر. خوان (هائجا) :لماذا أنت هنا..تلوث االسم العظيم؟ ..أيها الكيبتشاكى الملعون! قطز :كان الشاه ..من األكراد ..و أنت أيضا من الغرباء .ال تنسى ذلك ..أيها المقدس خوان. قالوون :لم يقدم أحد هذا الكم من األعمال العظيمة للبلد العربى ..مثل المماليك .فكل ذنبهم هو أنهم عرضوا صدورهم للرماح ..ووضعوا رقابهم تحت السيف ..و ظهورهم للهراوات. أغا شاهين :و لماذا لم يحضر بيبرس إلى هذا المجلس؟ قطز :لقد قدم رأيه أمس فى أرض القتال .نعم ..و هو اآلن على رأس الجيش. أغا شاهين :ال تتحدثوا في الحياة ..عن الموت .فهو بئر القتال الالنهائي .ها أنتم تعبثون بروح الشاه التي في الحياة األخرى ..نؤرقها ،حتى بعد الموت .ال يوجد هنا أحد مذنب .إذا كان بيبرس يطمع فى العرش ..لكان جالسا بجانينا اآلن ،و لم يكن سيبخل بالحديث الجميل ..إنه هو..من انتزع لنا النصر الكبير .و اهلل راض عنه. خوان :العرش في انتظار سلطانه. قالوون :العرش واحد فقط. أمير :و المطالبون به ..كثرة. قطز :يمأمئون كالخراف ..النجوم كثيرة ..و لكن القمر المضيء واحد... شجرة الدر :النجم الفاسد يكتسب اللون األبيض ..دائما على حساب القمر. أغا شاهين :يوجد وريث للعرش يبلغ الثامنة من عمره. شجرة الدر :رضيع ..يطلب باكيا ..اللبن من الصدر ..ال يصلح للعرش. خوان :و لكن يمكن أن يكون بجانبه وصى على العرش. قالوون :ال يوجد من هو أنسب من الوزير األكبر لذلك الغرض. أغا شاهين (و هو يتلفت ناظرا لكل من حوله) :تريدين أن تقولوا أنه قد بدأ الصراع على 20
بيبرس
العرش؟ بالنسبة لى ..فأنا متنازل عنه شخصيا. قطز :إذا ،فلنفتح الطريق للقائد الحربى بيبرس. خوان ( قافزا ،بصوت ناشز عال) :هل سيكون هناك يوم ..ال أسمع فيه اسم هذا الكيبتشاكى الكريه! (ثم بعد ذلك ،بمظهر جاد) ..هيا إذا..فلنفتح الطريق لشجرة الدر ..فهى قد كانت ،على أية حال ،زوجة السلطان الصالح ..و لها خبرة بشئون القصر ..أما صيد الذئاب ..فعندنا من يقوم به. أمير :أن تضع ثعلبة على رأس قطيع من الذئاب ..يعنى هالك هذا القطيع. قالوون :نعم ..و أن تذهب كل أيامنا في إبادة بعضنا البعض. شجرة الدر :كان المرحوم زوجى “السلطان صالح” يحترم األصل النبيل .و قد أخذني من بين الجواري ،و جعلني زوجته الحبيبة ألنني ابنة حاكم القبيلة القبجاقية “الدروت” ،أو “ترت- كارا” .لذلك فمن حقي -كزوجة للسلطان-المطالبة بالعرش. قطز :المماليك هم دعامة الدولة .لذلك يجب أن يكون واحد منهم -بالذات -هو من يزين رمز البلد -كرسي العرش. ُ قالوون :إذا كان بيبرس ال يناسبكم ..فال َي ِقل عنه في أي شيء “قطز” ،و هو يمكن أن يكون دعامة مناسبة للسلطة. قطز :نعم..يمكن ذلك. (يتحول هذا الجدل الواضح و النزاع الساخن ،الذي يشوح فيه الجميع بأيديهم ،إلى سكون قليل تتم فيه كل ذلك عن طريق اإلشارة و الحركات). أغا شاهين (بشدة و قسوة) :كفى ..لقد تحولت دبدبة األقدام إلى نقيق ضفادع .سوف يقبض كل منا بدوره على هذا الصولجان -صولجان الحكم ،حتى طرفه .و من سيقع طرف الصولجان في قبضة يده ..سيتم إعالنه سلطانا حاكما .أما الباقون ،فسيعدون تابعين له. الجميع :حل صحيح! قرار حكيم. نعم ،مخرج. يا لحظة الحظ ،أو ِمضى. تماسكي ..يا قبضتي. ساعدني ..يا ربى!(يغرز كبير الوزراء الصولجان الطويل فى وسط المسرح تماما) أغا شاهين :هيا ..أقبضوا كل بدوره على الصولجان ..كل بدوره( .الجميع يتدافعون، يطمعون فى السلطة .بعضهم يقبض على الصولجان بكلتا يديه ،و يقفل عيناه متمتما دعاء .يدفع 21
السلطان
كل منهم اآلخر باألكتاف و باأليدي) .إرادة اهلل..اختارت :آيبك (كل الباقين صمتوا فى حسرة، يتنهدون .شجرة الدر تعانق السلطان الجديد). شجرة الدر(ترمق السلطان سرا ،و تغازله بعينيها) :كنت أعرف أن ذلك سيحدث .فليثبت العرش من تحتك ،و أال يترنح. (يظلم المسرح .و عندما يضاء مرة أخرى،يظهر بيبرس و هو يأمر الحدادين الذين يطرقون السيوف ،و يقف بجانبه سكرتيره الخاص المؤرخ “طانيربيردى”). بيبرس (موجها الحديث للحدادين) :ال يجب أن يثلم النصل الماسي .بعد إخراجه من النار.. طشه في الماء ..هكذا(.يستدير إلى مؤرخه) -أين توقفنا ،يا طانيبيردى؟ طانيبيردى يقرأ ما هو مكتوب)“ :نشب فى القصر نزاع على العرش .و قد وجد كبير الوزراء “أغا شاهين” الحل عن طريق القرعة .و قد رفض هو نفسه العرش .و قد اكتفى بالقليل.. حيث أنه وصى على الكثيرين في الوقت الحالي ..لقد كان شخصا جيدا”. بيبرس :أكتب”:نتيجة القرعة ..فقد ذهب العرش لمملوك..للتركى “آيبك” ..و بعد أسبوع من الصالة ،تزوج شجرة الدر .هكذا ..فى البداية باعت هذه الماكرة فراشها للزعيم ..ثم باعته هو نفسه أيضا .فليغفر لها اهلل ..ففى الليل ..أغمدت الزوجة الشابة خنجرا في صدر السلطان ..و انتقل العرش لشجرة الدر .أكتب -،فالمقدر الذى لم يمنحه لها القادر األعلى ،أخذته عن طريق سكب الدماء .أكتب ،بحيث أال تتمكن ،حتى آالف من السنوات ،من مسح هذه الكتابة! االحتيال والعنف- هما شقيقان توأمان .و قد تم قلب شجرة الدر من العرش ،و قتلها الشعب بنفسه .أكتب أن صديقى و أخى القبجاقى “قطز” سيطر على العرش” .أما ما بعد ذلك ..فذوقه بنفسك. طانيبيردى (و هو يخفى الكتابة فى عبه) :إنه يكشف لى عن كل دسائس و األعمال الشريرة بالقصر .أيها القائد العظيم ..يبدو أنك تثق بي لكوني من قبيلة القبجاق ..سوف أعمل على أن أكون جديرا بثقتك. (يدخل إلى خشبة المسرح مجموعة من الناس ،يحملون أجزاء من مكونات اليورطة -مساكن ُر ّحل آسيا الوسطى -و معهم بيبرس و زوجنه “طاجى باخيت” ،و اثنان من أبنائه“ :سعيد” و “أحمد”) بيبرس (بسرور) :آه ..كأنما يرحل قوم القبجاق من ضفاف نهرى الفولجا و اليايكا( .يمسك بكل جزء من أجزاء اليورطة) .كل األشياء التي شاهدتها في طفولتي( .تنظر طجى باخيت و ابناه و هم مبتسمون) .هذه “شانيراك”(شنكر) .و هذا مأوى اليورطة .ال يجمع اللباد كما يفعل البدو ،بترتيب أطرافه واحد فوق اآلخر .فيجب أن يغطى اللباد نفسه بحرية“ ..كيريجى””..أويك””..أويك”.. يبدو أنى بدأت أنسى .كانت أمي تعلق عليها الجبن و الجبن القريش لتجفيفهما(.يتنهد بعمق) .يا له من زمن مضى... ُ طاجى باخيت (مع انحناء) :لقد اهتممت باعداد كل أجزاء اليورطة ،التى كنت تحلم بها منذ 22
بيبرس
سنوات ،قبل سفرك الطويل .لقد قلت أنت نفسك أنه يجب أن تكون من 12مصراع .كما أن كل من ابنيك ،قد اجتهدا من صميم قلبهما. سعيد :يا أبى ..و لكننا ال نعرف كيف ننصبها. أحمد :عندما أقول لسعيد أن أبانا قد ولد فى مثل هذا المسكن ..فإنه ال يصدقني. بيبرس :نعم يا سعيد ..و يا أحمد ..فى قديم زمان والدكم ..مع الحدوات التي كانت ترتديها الخيل التى حملته ،و أسطح السفن الصدأة التي نقلته ،بقيت هذه اليورطة .خرجنا من مثل هذه المساكن المصنوعة من اللباد ،و سافرنا إلى مختلف أطراف العالم. طاجى باخيت :لقد قلت أنه ال يوجد ما هو أفضل من النوم حتى وقت متأخر في الصباح بعد طى ستار اليورطة ،و شرب الكوميس (لبن الخيل المختمر) ،و أكل لحم الخيل. سعيد :لحم الخيل ( ..محدثا نفسه) ال أستطيع أكله. أحمد :األفضل شرب ماء النيل. بيبرس (بعد أن أنصت في صمت ،يهز رأسه) :لم يقل الشيوخ هبا ًء أن الفرس لن تصبح حصانا ،إذا لم تصهل ،أو مهر حولي .و كذلك ابني ..الذي لم يرى أجداده..فسوف يكون غريبا. إن البيئة المحيطة هي التي جعلت منكم غرباء. طاجى باخيت :ألن ننصبها ..يا حامى الوطن؟ بيبرس :لم يقل العرب -الذين يلبسون على رؤوسهم عمامات -هدرا ..أن زواجك من فتاة كيبتشاكية ..مثل قيامك بعمل آخر .هيا يا حاذقين ..يا كرام..هيا .سيقوم زنوج سود ،و رجال من القبجاق بالمساعدة على نصب اليورطة .يبدأ تمثيل عملية تجميع اليورطة ،ليس في مقدمة المسرح ،و لكن فى خلفيته) .أول ما يتم عمله..هو رفع الشنديراك..ثم يجمع الكيريجى الذى يثبت إليه “الألويكى”؟ طاجى باخيت ..اقتربي أكثر .األب يؤكد :الشانيراك -أتواله بنفسي ..أما الكيريجى -با أبنائى ..فوالدتكم. طاجى باخيت :إذا فلنبدأ بنا نحن االثنين .أنت ستكون صاحب الشانيراك ..أما األوالد ..فلهم األويكيات. بيبرس (رافعا الشانيراك) :هوبا ..فلتحمنا أرواح األجداد ..فليصبح سكنى -الذي أقيمه في الغربة -سعيدا. طاجى باخيت (نصف هامسة) :فليشمل ذلك أيضا ولدينا ..آمين (.جلبة ،أصوات سعيدة، يستمر تشييد اليورطة). (فى المشهد التالى ،يجلس بيبرس فى الوسط .أحد الزنوج السود يقف حارسا .الثاني يهوى له بمروحة كبيرة .و حولهم قوم يقومون بطرق أسلحة .أمام بيبرس تقف مشنقة ،معلق عليها أحد الفرنجة من قدميه و هو مقيد .أحيانا نادرة يرفع رأسه ثم يخفضها مرة أخرى). 23
السلطان
أسد.
بيبرس (ينظر إليه) :تقول أنك ال تعرف أسرار أسلحة إطالق النيران؟ األسير :لو كنت أعرفها..لكنت اعترفت بها ..أيها القائد. بيبرس :أنت تكذب ..كيف أمكنك أن تقرب شعلة إلى ذيل فوهة ماسورة سالح ،يشبه فوهة
األسير :واجبى كان أن أقرب لهب النار ..و بعد ذلك كان يصدر دوى “بوخ!”. بيبرس :و عندما انتقلت إلى جانبنا..لماذا لم تجعل سالحك يدوى”..بوخ”. األسير :السائل المرارى يمأل فمي. بيبرس (ضرب األسير بعصي على مؤخرته) :هكذا قدمت لذيلك النار .قل لي ..إلى أين دخلت النار اآلن؟ األسير :إلى الفتيل ..ياإلهى ..الفتيل يشتعل. بيبرس :آه ..تقول الفتيل يشتعل ..يوجد لدينا فتيل( .يضربه مرة أخرى على مكان طرى) .و عندما ينتهي احتراق الفتيل ..يصل إلى ماذا؟ األسير :السائل المراري ..يا إلهي ..إلى بارود( .يرتعش جسمه من التشنجات) .عند االشتعال يدفع البارود الدانة ..الدانة... بيبرس :و الدانة فى اتجاه المماليك (يبدأ فى التفكير). األسير :ال يوجد عندنا بارود ..بارود ..آه..مرارتى! بيبرس :ابحث عن بارود ..اصنعه ..و إال سوف أسكب سائلك المراري..خذوه بعيدا( .يبعده 3-4مماليك مع المشنقة .يقترب بيبرس من الذين يطرقون األسلحة .يفحصها ،و يقيمها) .سيوف، نصلها معقوف .تم طريقها بالطريقة األصفهانية .تم تسخينها فى النار ،ثم طشها في الماء؟ (موجها الحديث لمملوك) خذ ..أمسك (يلقى له السيف،فيلتقطه) و اآلن مبارزة ثنائية..جيكبى.. جيك..جيكبى..جيك. المملوك :أيها القائد..أنا خائف. بيبرس (صارخا بصوت عال) :خائف ممن؟ المملوك :منك. بيبرس :سوف أقطع اآلن رأسك(..ثم بلطف) إقطع. المملوك :عندئذ سوف أتخيل أنك محارب منغولى. بيبرس :حسنا ..أنا محارب مغولي. المملوك (متصنعا الغيظ) :حسنا ..خذ(.يبدآن سويا فى القتال بحماس) من أجل قتل أبى ..في أرض موحشة! 24
بيبرس
خذ ..من أجل موت أخى على يديك! خذ أيها الكلب المغولى! (يدفعان بعضهما البعض إلى ركن المسرح). بيبرس (مبتسما) :ممتاز ،أيها المملوك ..مقاتل بحق ..اضرب بمحاورة ..مد يدك بالتواء أكبر.. اقفز! ..اقفز جانبا!..دافع عن نفسك ..اندفع إلى األمام (التف من حولهم جمع من المتفرجين).. ارجع إلى الوراء ..قلت لك( .يسقط المملوك) .فليأخذك الشيطان( .بيبرس يضع قدمه اليمنى على صدر المملوك ،و يقرب سن السيف من رقبته) .ماذا ..هل الحياة غالية؟ المملوك :ال. بيبرس :انت حاذق ..قم. (يقترب رسول ،و يتكلم) الرسول :أيها القائد بيبرس ..أيها السيد ..لقد استولى األعداء على بغداد ..األعداء! لقد أرسل المغول 40سفيرا .السلطان قطز ينتظر حضوركم بفارغ الصبر. (يدخل بيبرس إلى قصر السلطان .يجلس قطز على كرسي العرش .من حوله كل من قالوون، و خوان ،و آخرون -قضاة ،أمراء ،شيوخ .وجه قطز عابس). قطز :ها ،بيبرس ..أخى..حضرت؟ بيبرس :ما الذي حدث ..أيها السلطان؟ قطز (مقويا صوته) :بدأت أوقات غير هادئة ..بيبرس ..لقد استولى هؤالء المغول ،الذين ألبسونا كلنا -في الماضي -لجام العبودية ،على بغداد. خوان (يحدث نفسه) :أليس هؤالء المغول هم نفسهم الذين جعلوا منكم ..سالطين..و من اآلخرين قواد جيوش؟ ال يمكن أن تتوقع ما يمكن أن يقوم بعمله هؤالء القبجاق!( ..ثم بصوت عال) لقد قضوا على كل القوات و أحرقوها تماما. بيبرس :من على رأس الجيش؟ قطز“ :كتبوخا” ..القائد “هوالكو”. بيبرس :من األحسن أن تقول “مدمر حقيقي”. خوان :لقد أمسكوا بقائد القوات ،و ثنوه نصفين ..فكسروا عموده الفقري. شيخ :لقد أحرقوا كل سجاجيد الصالة الخاصة بالصوفيين. خوان :لقد دنسوا المساجد ..فحولوها إلى اسطبالت للخيل ..و نشروا بها روث الحيوانات. قطز (رافعا صولجانه) :يجب أال يثيروا الفزع! ..أربعون سفيرا أرسلهم “كتبوخا” و“هوالكو” ..ينتظرون استقبالهم. بيبرس :فلنتحدث معهم. 25
السلطان
قالوون :فلنتبين نواياهم. قطز :فليدخل بعض منهم ..فال يجب أن يتزاحموا هنا. (يدخل 5-6من السفراء إلى قاعة استقبال السلطان و هم ينحنون و هم يتشجعون) سفير :تحيات لحاكم مصر ..من “هوالكو” ،حفيد ملك العالم ..من مركز أرض “جنكيزخان”.. ومن قائده الحربي “كتبوخا”. قطز :نتقبل تحياتهم. قالوون :األفضل -هو تحديد مكان القتال. السفير :باإلضافة إلى التحية..لقد أرسل لكم حفيد “كوجان” العظيم رسالة .تلقوها( .يقدم لفافة إلى قطز). قطز (يفتح اللفافة و يقرأها)“ :استسلموا بإرادتكم .افتحوا بوابات القاهرة بأيديكم ..نعد كل منكم بالحياة..و إال فإن جيشي ،الذي داست حوافر خيوله على كل الكرة األرضية ،سوف يحول كل األحياء إلى موتى ،و يرسل الموتى إلى الجحيم .إلى اللقاء.كتبوخا .ختم هوالكو”. قالوون :آخ..آخ ..أنظروا إلى شراهتهم. شيخ :أقدام غير المؤمنين في الرديم ..و رؤوسهم في السماء. بيبرس (يتفحص بتمعن وجه أحد السفراء .يحدث نفسه هامسا) :غريبة ..يشبهه تماما ..لقد مر على ذلك نحو عشرين عاما. قطز :يا وزرائي..يا بكواتي ..يا أمرائي ،و يا شيوخي ..قولوا كلمتكم المسموعة ..حتى نقدم الرد إلى السفراء. قالوون :أنا أعرف هؤالء المغول ..الخداعين ..بعد أن استولوا على بغداد ،لن يتركوا حجرا واقفا على اآلخر في القاهرة ..نعلن الحرب. بيبرس :الحرب ..و الحرب وحدها. قطز :نخسر مصر ..فقط ..و نحن أموات ..أما و نحن أحياء ،فال! السفير :أيها السلطان ..االستسالم ،بدون أن تفقد وجهك ..أمر مختلف. قطز :أغلق فمك ..أيها النجس. بيبرس :هل يجب أن نصب الرصاص في فمه ..أم ماذا؟ قطز :الصبر ..يا بيبرس. خوان :إذا كانوا لن يهدموا أبنيتنا ..و لن يلمسوا أرواحنا ..حينئذ يمكن الوصول إلى اتفاق -أن نعيش في سالم. شيخ :عندئذ ..سوف نفكر( .يمثل التأرجح). السفير :أحسن شيء -هو التفكير .نمنحكم وقتا ..حتى منتصف الغد. 26
بيبرس
خوان :السفير يعرض فكر رباني ..لماذا علينا أن نحارب ..و أن نهلك؟ قطز :هنا كلمتي هي األخيرة ..سوف نحارب. بيبرس :الحرب ..و الحرب وحدها ..قواتى جاهزة. السفير (ينفض سرواله) :هذا يعنى ..أنه قراركم األخير. قطز (بغضب) :و لكن ليس عليكم ..أيها السفير ..اإلبالغ بهذا القرار .فليتم شنقهم كلهم. (يدخل مماليك من الخارج ،يمسكون السفراء من رقابهم ،و يلون أيديهم ،و يخرجونهم من قصر السلطان .السفراء مذعورون تماما .الباقون أيضا محبطون). بيبرس :قطز..إن قتل السفراء -عمل ال يقره الدين للمسلمين. قالوون :هذا مكتوب فى رسالة النبي. خوان (و قد جبن تماما) :يا إلهي ..يا إلهي ..اغفر لنا. السفير :كيف ال تتبعون القرآن ..يا ناقصي العقل ..و تخذلون سلطانكم؟ قطز :أقفل فمك ..يا ثعبان! أنت لست سفيرا بل جاسوسا من األعداء! يكون الحبل دائما في انتظار رقبة الجاسوس..حبل المشنقة .خذوه. قالوون :قطز ..يا صاحب األمر... بيبرس :ال تلوث يديك بالدم. قطز :لقد قلت ..قطعت ..فليشنقوا جميعا! (بيبرس ينادى على أحد الحراس ،و يهمس بشيء ما في أذنه .ينصرف المملوك). قالوون :ما حدث ..قد حدث( .يمسح بيده على وجهه) آمين. قطز (و هو يقوم من على كرسي العرش) :فليرسل الرسل إلى كل أطراف مصر األربعة. الحرب معلنة .كل الرجال..كل من يستطيع ركوب الخيل ،و اإلمساك بلجامه ..كل من يستطيع إمساك رمح ،أو سيف..فليخرج الجميع على “الحرب المقدسة”! ..فليسرع الرسل. (يدخل مملوك) المملوك :انقطع حبل عقدة المشنقة ..و سقط أحد السفراء حيا على األرض ..ماذا نفعل؟ (ينظر قطز إلى بيبرس متسائال عما يجب عمله). بيبرس :احبسوه في زنزانة. المملوك :سمعا و طاعة. (يظلم المسرح .تجرى عليه في الخلف و في األمام مجموعات كبيرة من الناس ممسكة برماح و سيوف و دروع .تسمع صرخات و هتافات“ .الحرب .الحرب”“ ،الحرب المقدسة”“ ،ال إله إال اهلل”“ ،الحرب ..الحرب”“ ،بغداد البائسة”“ ،الموت للمغول”...الخ. 27
بيبرس
الجزء الثاني الفصل الثالث
قصر السلطان .يجلس بيبرس على كرسي العرش، متكئاً على الصولجان .يقف على الجانبين اثنان من الزنوج السود يهويان له بمروحتين كبيرتين .على اليمين، و على يسار بيبرس،الذى وقف على ركبة واحدة ،يقف بال حركة كل من قالوون و المؤرخ طانيربيردى .يوجد سيف معلق في جنب قالوون .في يد طانيربيردى ريشة أوزة ،و في يده األخرى ورقة ملفوفة .يفكر بيبرس و عيناه مغلقتان). بيبرس (يفتح فجأة عينيه) :اقرأ ،يا طانيربيردى ..أكمل مدوناتك التاريخية. طانيربيردى “ :تم إعالن الحرب على الخان “هوالكو” و قائده “كيربوخا” .و عند اقتراب جيش الكفرة من القاهرة ،جاء البدو للمساعدة .فلينزل عليهم نور اهلل .لم تكن تظهر نصف السماء بسبب األتربة ،و كذلك األرض بسبب الدماء و جثث القتلى .و قد قام قائد الجيش المؤمن “بيبرس” بنفسه بتدمير األعداء الكفرة الذين سقطوا فى الحصار ،و هو ممتطى حصان أبيض اللون .و قد بح صوته من الصراخ باألوامر و التعليمات .كما أنه كان يطلق مدافع إطالق النيران. و قد استمر ذلك حتى تم القضاء على بقايا جيش العدو .و قد فتل السلطان “قطز” في المعركة. فليرحم اهلل روحه .و قد جلس السلطان “بيبرس” على العرش .نأمل أال ينال عدم رضاء تنجرا” قالوون :و لماذا لم تكتب أنه حول الصحارى إلى حديقة مزهرة .و أنه جعل النظام يستتب فى البلد ،و أنه قضى على كل غير الشرفاء ،و أن بلده تمكنت من لم شملها و من مضاعفة ثرواتها الدينية. بيبرس :نعم ..أيها المؤرخ ..قل لي ..بعد جلوسي على العرش ..ما هي األلقاب األخرى والصفات التي ارتبطت بأسمى؟ طانيربيردى (و هو يستعدل المخطوط الملفوف) :أبو الفتوح ..ركن الدين ..الملك ..الظاهر بيبرس..البندقدارى ..الصالح. بيبرس (رافعا صولجانه) :كفى ..كما لو كانت ابل مربوطة بعضها إلى البعض ..في قافلة. حتى من الصعب حمل كل ذلك( .متكدرا) هل تساوى كل هذه األسماء اسما واحدا“ ..يا بارسى”.. 29
السلطان
الذي كانت تناديني به أمي؟ ..يا لها من حياة! (يظلم المسرح ،و يدور .يقف على المسرح بيبرس فى عمر 7-8أعوام مع أمه). أم بيبرس (تقترب من طفلها) :أين كنت ..يا بارسى؟ لم يبقى أى مكان ،لم أبحث عنك فيه. لقد خفت أن تكون قد غرقت. الطفل :كنت ألعب ..كنت أطلق السهام ..كنت أنتظر فريسة ألصطادها ..اصطدت وحوشا. األم :من األفضل أن تقول أنك كنت تتجول على ضفة نهر “الجانكا”“ ..الياييك” نهر كبير.. ال يجب المزح معه ..يا بنى .تعيش فيه أسماك الزجر ..هى أسماك مقدسة ..و تتأرجح طيور النورس على أمواجه ..ها هى ..أتراها؟ الطفل :أراها. األم :هي أيضا مقدسة. الطفل :نعم .يبدو أن كل شيء هنا مقدس. األم :كل شيء مقدس بأرض الوطن ..يا ابني .هناك فى السهول الواسعة ،خلف “الجانك” تنمو حشائش االشتياق للوطن ..اسمها “جوسان”. الطفل“ :جوسان”؟ ..و لماذا هي مقدسة؟ األم :ألنها تبدأ تبدأ في إطالق رائحة المسك ،و تتفتح براعمها ،فقط عندما يشمها شخص مشتاق لوطنه. الطفل :مدهش ..و إذا كنت سأكون أنا -في يوم -مشتاقا لوطني ..فهل سيهديني نبات الشيح هذا ..رائحته. األم (وهى سارحة) :يا إلهى ..ارحم صغيري من طول الفراق .ستشتاق يا مهري الصغير. (يدور المسرح ،يختفي الطفل و أمه ،و يظهر بيبرس على كرسى العرش متكآ على صولجانه) بيبرس (قافزا من مكانه) :اشتياق! بالرغم من كل الجهد الذي بذلته طوال حياتي ،إال أن الجايك ،و سهول الشيح بقيت بعيدة المنال ..كانت دائما أمام عيني ،و عكرت عقلي .هل يمكن هلل أن يهزل مع عبده بهذه الطريقة؟ هل هذا ممكن؟ هل إذا ألقيت إلى الجحيم هذا العرش ،و هذا النجاح الذي نزل على رأسي ،و الذي ال يبعده ..و ال حتى ركلة قدم ..و أغلى أنواع الحرير؟ .. هل سأصل إليك أم ال؟ (تسمع أغنية عن بعد ”.تطير طيور الغرنوق من اليايكا في مجموعات، و لكنها ال تجلب أخبار” .يسير بيبرس إلى الخلف ليجلس على كرسي العرش .و في هذا الوقت يحضر اثنان من الحرس السفير المغولي الذي بقى على قيد الحياة) الحارس :أيها السلطان ..يا صاحب األمر ..حيث أن عبد إرادتك ،أنفذ أمرك .ها هو السفير الذي سقط من حبل المشنقة. 30
بيبرس
(السفير الذى سقط على األرض ،يسجد محييا). بيبرس :قم ،أيها السفير ..ال تخف! من أين أتيت؟ ..و إلى أين ،أنت ذاهب؟ السفير (مضطربا) :من “كاراكوروم” ..أيها السلطان. بيبرس :ال تخلط األمور ..أنت أتيت من الزنزانة ..و سوف تذهب للقاء اهلل. السفير :سوف نتقابل كلنا أمام اهلل ..أيها السلطان. بيبرس :ميزان اإليمان ...اهلل هو ربى ..هو الذي يقرر من و كيف يقابل؟ كفى هراء! األفضل أن تقول لي ..كيف بقيت على قيد الحياة ،بعد شنقك؟ السفير :على األغلب ..ألني لم أكن مذنبا. بيبرس :هل انقطع حبل المشنقة على عنقك الدقيق ألنك لست مذنبا؟ السفير :يبدو ذلك ..أيها السلطان. بيبرس :على العكس ..لقد انقطع ألنه لم يتحمل ذنوبك ..أيها الخائن! (أصيب السفير بذعر شديد .يقوم بيبرس من مكانه بغضب) .قل لى بسرعة ..هل ظهرت منذ 20عاما على ارض القبجاق؟ السفير(مضطربا) :السهل القبجاقى... بيبرس :نعم السهل القبجاقى ..لو قلت حتى نصف كلمة غير حقيقية ..ستفقد رأسك (يسحب سيفه الالمع من جرابه) ..تكلم! السفير(متهتها) :ن-عم ..ك-نت. بيبرس :و هاجمت القوم الرحل بخان “جاماك”. السفير (وجسمه يرتعش بشدة) :ح -قي -قى ..ح -د -ث.. بيبرس(ساخرا) :ح -قي -قى ..ح -د -ث..و هل تتذكر كيف أسرت الصغير ..مثل العصفور.. ابن “جاماك خان”؟ (السفير يهز رأسه بااليجاب) ثم بعته لتاجر إيطالي؟ نعم ..يا سفير؟ تم بيعه عبدا ،و تم ترحيله إلى بلدان العالم ،و تم وصفه بالعبد األصلم ..هل تعرف اسم هذا الصبي؟ السفير :ال..ال ..لقد نسيته. بيبرس :كان اسمه ..بيبرس! (يصرخ السفير “آه” ،و يسقط و هو يشيح بيديه) -و أنا عرفتك فورا .عرفتك يا مجرم! بعته بنفسك ،و كنت تعد ربحك ،و أنت تضحك .عرفتك! ..عرفتك من ثولول على جبهتك بحجم األصبع .ينمو ثولول -لمن ال تكتب له السعادة -على جبهته ..أما من ال يصلحون للعرش ..فهو موجود على أردافهم ..!.ها-ها-ها-ها (يضحك ساخرا). 31
السلطان
السفير :و لماذا إذا ..بقيت على قيد الحياة؟ ..أخ(..يضرب على جبهته بقبضتيه) بيبرس :أنا السبب..ألني أمرت بقطع حبل المشنقة ..و أبقيتك على قيد الحياة. السفير :و لكن ،لمذا؟ ..ما السبب؟ بيبرس :بالرغم من أن الحياة واحدة ..و لكن لها امتدادان ..فالسفاالت المعروفة فى الحياة، واألعمال الشريرة الغادرة ..ال تنمحي في الحياة اآلخرة. السفير (قافزا من مكانه) :بيبرس ..بالرغم من كوني قد بعتك عبدا ..و لكن ،كانت يدي رحيمة عليك ..و فى النهاية ،أنت أصبحت سلطانا .ال تأخذ حياتي! بيبرس (يحدث نفسه بصوت عال) :األفضل من أن تكون سلطانا في الغربة ..هو أن تكون عبدا على أرض وطنك. السفير :ال يوجد شيء سيء في أن تكون سلطانا. بيبرس :فى البداية طلبت..أن يتم قتلك ،و اآلن تطلب أن نبقيك على قيد الحياة .تبين أن وجهك ال يكسوه الخجل ،و أن روحك ال تلبس قميص الكرم ..و ال روحك تكتسي باإليمان. الموت الشريف أفضل من الحياة بال معنى .يا قدري..الذي أصابه الهرج و المرج ..و الذي تعلق في نفس الوقت ببلدي ..و لكنه منحنى ..أن أسحق بيدي األعداء الذين قاموا بذلك .أنا راض ..يا خالقى ..راض عن أنك ألقيت عند قدمي من خطفني ..من جرح روحي ..و هدم عالمي .لن أعاتب نصيبى الحزين. ( يعطى بيبرس إشارة الثنين من المماليك .يحضران المهندس الفرنجى) -أيها السفير ..هذا سقط في األسر مع الملك الفرنسي..هو خبير حاذق (يسجد المهندس محييا بيبرس) .لقد كشف لنا أسرار أسلحة إطالق النيران .لقد أحرقت هذه األسلحة الكثير من قواتكم( .ينحنى بيبرس قليال للمهندس) .فليرضى عنه اهلل( .السفير مؤكدا “آه” ،و يتجه إلى المهندس مهددا .يخفت ضوء المسرح .بيبرس يجلس على كرسى العرش ،و بجانبه المؤرخ طانيبيردى) أكتب ..أيها المؤرخ “طانيبيردى” .أكتب عنوان “إلى الوطن” (يستغرق فى التفكير)“إلى خان القوم الرحل بيركى الذهبيين المحترم الذي يظلم أمامه القمر ،و تختفي الشمس أمامه، تحية قريب ،من سلطان مصر “بيبرس” حليفكم الخليفة ،و هو يعقد عليكم آمال خاصة ،يتمنى لكم الصحة و طول سنوات الحياة .أنتم مسلمون ،لذلك نعتقد أنه لن تكون لديكم نحونا مشاعر ثأرية ألننا هزمنا جيوش قريبكم .و لكن الكافر “هوالكو” ..أرسلهم لتدمير األماكن المقدسة فى عقيدتنا ،فلقوا فيها حتفهم( .يفكر) .أمد لكم يد الصداقة” (تقدم األفكار التي في رأس بيبرس على هيئة مونولوج على المسرح) 32
بيبرس
“واه ..أيها العالم الالنهائي الخالد ..كان بابك مفتوح لى بضنى ..ما هو العالم إذا لم يقفل بنفس هذا الضنى؟ كان هناك نهرى العظيم “الجايك” ..نعم ..و بلد موحد كبير هو “دشتى-قبجاق” .كان عندي حديقة من الجنة ..و حرية مقدسة ..و حقول ممتدة من نبات الشيح..و كم كانت الفتيات.. جميالت؟ ..بضفائرهن الشقراء ..و اللبن المخمر ..الذي يكون رغاوى في اآلنية؟! ..آه ..كيف كان الرجال هناك ..أقوى من جزوع أشجار الزان ..أقوى من صخور الجبال ..هل يمكن وصف ضربات حوافر الخيول األصيلة بالكلمات؟! هل أجدادنا أحياء هناك ،بمالبسهم المطرزة بالذهب؟ ..هل هم أصحاء؟ يا ترى ،هل أجدادنا هناك بصحتهم و عافيتهم..بذقونهم الفضية التى تصل إلى صرتهم؟ أيتها الخطابات ذات األجنحة ..طيري مثل عصافير الجنة ..أخبريهم ،أن الشوق إلى الوطن قد نما فى صدر “بيبرس” .أخبريهم ..إلطفاء هذا الحنين ..فليرسلوا حزمة صغيرة من نبات الشيح”. طانيبيردى (ينظر إلى السلطان بحذر) :يا موالى ..لم تكن تظهر علنا -في الماضي -أي نوع من االستسالم ..أو حتى أخفت صور ظهور المشاعر ..هل مرضت؟ يا سيدي الفصيح ..فليحمك اهلل من األجواء الغائمة.. بيبرس :آه..ال ..امسك بلسانك (يتناول الخطاب بيده ،و يمسح عليه بحنان) .لقد حلمت بذلك سنوات طويلة ..يا ترى ،عن طريق من ..يمكنني إرساله؟ ..بعد عشرين عام ..هذا أول ..أول خطاب .هل أجهز قافلة ،أم أرسل سفيرا ..فلتصل بسالمة( .يضغط الخطاب على صدره .عندما تظلم خشبة المسرح ،يظهر منظر شوارع القاهرة ،حشد كبير من الناس تتحرك جيئة و ذهابا. يسير فيها كل من “بيبرس” “ ،قالوون” ،و المقدس خوان ،و مماليك .تسمع أصوات “جاء صاحب األمر”“ ،معجزة ..يظهر أنه توجد أيام ،يمكن فيها رؤية وجهه المضىء”“ ،ابصق من فمك ..سوف تحسده”” .يستدير “بيبرس” جهة “قالوون”) -هل حفرتم القنوات؟ قالوون :يا صاحب الكلمة ..نحن نخطط لإلنتهاء من هذا العمل قبل منتصف شهر مايو. و لكننا قد أطلقنا المياه فى تلك القنوات التى تم االنتهاء من حفرها .و أصبح الفالحون يجمعون محاصيل بكميات لم يسبق أن حصدها. بيبرس :حسن ،يا أيها المقدس خوان ..هل و ضعت نهاية للظواهر غير األخالقية (الدعارة، السكر ،الفجور ،و غيرها)؟ خوان :أوامركم تنفذ بدون قيود و ال شروط .و قد تمت السيطرة على كل تلك الظواهر..و يتم إغالق األوكار ..و الحمامات الخاصة باألعمال السرية ..أما الداعرات ،القادمات من أوروبا مع الصليبيين ..فقد أعدناهن من حيث جئن. قالوون :قل كالما موزونا ..أيها المقدس خوان .لقد بدأ ت البلد و الشعب يزدهران بشكل غير مسبوق( .ينظر بيبرس إلى كل من قالوون و خوان مقيما كالمهم .و في ذلك الوقت تسمع صيحات“ :نبيع عبيد .نبيع عبيد!”“ ،عبيد قادمون من كل أنحاء العالم!” “ ،فى عيونهم لهيب ..و 33
السلطان
في صدورهم فحم موقد”“ ،زنوج سود ..أتراك ..يناسبون جميع األذواق” .تستخدم حركة خشبة المسرح ،يتجه بيبرس و حاشيته إلى ناحية العبيد.يعبس بيبرس عند سماعه لهذه األصوات). بيبرس(يتوقف) :من يمتلك هؤالء العبيد ..تعال هنا! (يخرج تاجر العبيد من بين الزحام) تاجر العبيد (منحنيا) :أكبر تحية لصاحب األمر ،الذي أقام العدل في الخالفة( .انحناءات). نسجد تحية ألعمالكم و إنجازاتكم. بيبرس :كم من العبيد األتراك معروضين للبيع؟ تاجر العبيد :كثيرون ..حوالي مائة. بيبرس :أحضرهم إلى هنا. تاجر العبيد (يزعق) :أنتم يا أتراك ..ماذا تفعلون هناك؟ ..كالخرفان في حظيرة األغنام. تكدستم معا ..تعالوا إلى هنا ..تعالوا بسرعة. بيبرس :يا أيها التعساء ..هل وقعتم في الشبكة؟ ..كررتم حكايتي؟ تتعذبون من أن أيديكم وأرجلكم ..قد قطعتها األغالل و القيود .لو لم يتحد حكام بالد األتراك ..فسوف يستمر هذا الزمن طويال ،بالنسبة لكم ..بالء و عذاب .نعم ..لستم متحدون ..بالرغم من أنه كانت توجد عندكم دائما محاوالت للوحدة ..آخ ..أنتم مولودون بخنجر بين أسنانكم ..يا صقورى( .بحدة) -أنت أيها التاجر.. سأشترى أنا كل األتراك ..بالثمن الذى سوف تحدده ..أنت ..ألنه ال يمكن تقدير أى منهم بثمن. تاجر العبيد (باضطراب ،متذلال) :ال تقل ،يا صاحب األمر .نار ،مشتعلة من الداخل .كلفونى جهد و عناء ،أثناء نقلهم .أنا أحيى آثارك على األرض. ( يظلم المسرح تدريجيا .يواصل السير بيبرس مع حاشيته .يظهر قصر السلطان فى األمام. يدخل كل من بيبرس و قالوون و خوان القصر .يدخل إبن السلطان “سعيد” و بيده بطيخة ،ولكنه يتوقف مترددا). بيبرس (بفرح) :آه ..يا سعيد ..يا ابني..أدخل ..تعال هنا. سعيد (مقتربا من أبيه ،يضع البطيخة) :هذه لك. بيبرس :شكرا ،يا ابني .لساني يشتاق إلى عسل البطيخ(.ينحني السعيد بالتحية ،و ينصرف). تعال هنا ..مد يدك أيها المقدس خوان( .يتناول بيبرس شقة بطيخ بيده). خوان (يشحب تماما ،و يرجع إلى الوراء :معدتي مضطربة..ال أعلم لماذا ..ال تمنحني الراحة ..يا صاحب األمر. بيبرس :ايه..تقول ..معدتك .افعل ما تريد ..قالوون ..مد يدك ..تفضل( .يقضم قطعة ليختير مذاقها ،فيتغير شكل وجهه .يبصق ما أكله ..يسرع كل من قالوون و خوان إليه). قالوون :ماذا حدث ..يا موالى؟ خوان :فليحفظنا اهلل. 34
بيبرس
بيبرس :مسمم(..يقف ،ثم يجلس مرة أخرى على كرسي العرش) البطيخ مسمم. قالوون :يا إله السماوات ..مسمم؟ خوان :مسمم ..هذا يعنى ،أنه من عمل سعيد؟! قالوون (مذعورا) :كيف ذلك؟! ..هذه خسة! بيبرس (يتماسك) :هذا يعنى ،أنه يسعى لعرش أبيه ..كم هو خسيس! لو أنك كلب قذر ،فسوف أضحى بك ،بال أسف. (تدخل طاجى باخيت ،و تسرع إلى بيبرس .تحتضن قدمه) -ال ليس هو.. بيبرس :ال! ..ال يوجد عفو.
35
بيبرس
الجزء الثاني الفصل الرابع قصر السلطان .الليل .بيبرس نائم في فراشه. المسرح نصف مظلم .يحلم بيبرس حلما .يدخل إلى المسرح -من كل جوانبه -قوم يلبسون مالبس سوداء ،فى أيديهم خناجر .يجرون فى صمت حول بيبرس .أصوات“ :نائم””،ال يوجد حارس”“ ،أنت ستطعنه بالخنجر”،ال..فلنذبحه” (يتقلب بيبرس على الجانب اآلخر)“ .فلنرقص أوال رقصة الموت” .يرقص القوم المتشحون بالسواد فى حلقة، و هم يرفعون خناجرهم“ ،فلنقطع رأسه”“ ،تكلم أيها القبجاقى””،اقطع بسرعة”“ ،سوف أجلس أنا على عرشه”“ ،و سأكون أنا كبير الوزراء”“ ،ال تجادل ،اطعنه بالخنجر”. (يستيقظ بيبرس فى هذا الوقت مذعورا و هو يصيح “آه” .و هنا يختفي الظالم و القوم المتشحون بالمالبس السوداء). بيبرس (متنفسا بصعوبة) :آه ..يا له من حلم ،ال يختلف عن الواقع ..يا إلهي ،من هؤالء الذين فى المالبس السوداء؟ بالطبع هم من يسخنون المساومة على العرش ،من خلف ظهري. هذا ليس بسيطا ..ليس بسيطا .أنت نفسك من أرض عظيمة..لن تصبح قبضة طين تحت حوافر غريبة .كن حذرا ..مثل الثعلب .من هم تحديدا؟ ..هل هم من األقرباء؟ ..أم من البعداء؟ ..هل هم من القبجاق ..أم من قوم آخرين؟ ..من هم؟ ..من هم الذين يستترون بظالم الليل الدامس ،يتشحون بالمالبس السوداء ..لعمل فعل أسود؟ (يجلس على العرش) .حسنا ..اهدأ .أنت لم تكن أبدا ضعيفا.. و لم يكن قلبك جبانا .ألم تكن أنت ..بيبرس..من خيب آمال كل أعدائه ،الذين حاولوا القضاء عليك؟ ..إذن ،إهدأ. قالوون (منحنيا) :آه ،يا صاحب األمر ..لقد ظهر أن العدو ..قريب منك تماما .روحه- خنجر ..وعناقه -لعنة .و قد كدت أن تصبح ضحيته. بيبرس (باردا ،هادئا) :ماذا تقول ..يا عزيزي..وضح الموقف ..بشكل مباشر. قالوون :خوان ..هو من وضع السم في البطيخ. بيبرس :المقدس خوان!( ..يقفز بيبرس من على العرش) .و لماذا أعطاه لسعيد ،الذي لم يقدم 37
السلطان
لي أبدا الطعام ..قبل ذلك. قالوون :هنا يتمثل هذا الملعوب. بيبرس :يا لهم من قوم ماكرين! ..لم يلمسه هو نفسه .كان سيقتل ابني( .يسقط على كرسي العرش) .يا إلهى ..لقد انقلب عالمي. قالوون :كاد أن ينقلب. بيبرس (غير ملتفت لهذه الكلمات) :أحضره إلى!(..إثنان من المماليك يجرون خوان). قالوون (بصوت عال غاضبا) :لماذا ال تنحني ،أيها الخسيس ..ها؟ خوان :لماذا أحنى رأسي ..التي سوف تقطع بال رحمة. بيبرس (مندهشا) :ماذا قال؟ قالوون :و ما الذى يستطيع قولهٍ ..سوف أقول أنا ..كانت هنا طباخة ،من الغرباء ..أقنعها بمنحها الذهب ..أوعز إليها بدس السم. خوان :نحن كلنا غرباء هنا ..قادمون من أماكن أخرى. بيبرس :هل تقول الحقيقة ..أيها المقدس خوان؟ خوان :الحقيقة..فقط الحقيقة ..لقد خطت السم في كم ردائي .و احتفظت به سنوات طويلة. بيبرس :ال تناور ..قل كل الحقيقة ..هل وضعت عينك على العرش؟ خوان :ال ..يا صاحب األمر. بيبرس :ال توجد سعادة ..حيث ال يوجد كرسي العرش ..ماذا يوجد غير ذلك؟ خوان :لقد ولد العرش والعذاب معا ..ال تخلط ..أيها السلطان بين السعادة و العذاب. بيبرس (بحماس) :إذا لماذا كنت متعطشا لموتى؟ خوان :سأقول يا صاحب األمر .كنت أحسدك ،على أنك بعد أن كنت مكبال باألغالل.. أصبحت سلطانا آمرا .و قد حرقني هذا الحسد بلهيبه ..و لم يمنحني الراحة أبدا. بيبرس (سارحا) :اذا ،هذا هو ما فى األمر؟( ..يهز رأسه). خوان :عين الحسد ،يا موالي ..عيني ..و أنت تعرف أي خبثاء يحومون من حولك؟ بيبرس :أي خبثاء؟ خوان :منافقون..ماكرون ..ينتظرون ساعة منافقتهم ..لصوص ..مقاحيم ..يبيعون الخبث.. حرابي ..و هل يمكن حصرهم كلهم ،عند عدهم؟ ..أنهم يتظاهرون بأنهم مخلصون لك ..و لكنهم يقتلونك ،في الخفاء ..كل يوم. قالوون :أكمل عناءك ..أكمل ..يا عالم بما في داخل نفوس اإلنسان. 38
بيبرس
خوان :إنهم يعلمون بكل ما أنجزه موالي ،بإسم هذا البلد ،و بأنه حمى أراضيهم من المحتلين، وأنه أنقذ رؤوسهم من التعليق في المشانق ،و أنه ساق الكسالى ،فجعل منهم أغنياء ،و أنه حمى الخالفة من المجرمين و المنافقين ،و أنه قادها إلى االزدهار .إنهم يعلمون ذلك تماما! ..و لكن كلما علموا أكثر ..كلما زادت خستهم ..التي ال يمكن عالجها. بيبرس :و كيف يمكن التخلص من هؤالء؟ ..تكلم ..يا مقدس. خوان :ال يمكن ذلك أبدا ,.فهم يملؤون كل ركائز العرش األربعة ..و يزحفون داخل السروال، و يتغلغلون داخل األيدي و الرأس ،و يزحفون إلى تحت اإلبط ،و يدخلون إلى داخل رقبة الحذاء. هم ديدان السبعة عوالم ..و بمجرد اهتزاز العرش ..فهم بالذات ..يستخدمون أربعين حيلة ..لكي يهوون به و يدوسون عليه باألقدام .لقد استمر ذلك منذ وقت الزلزال و الطوفان ..و سوف يستمر ذلك ..حتى يوم القيامة ..حيث أنهم سوف يقوون و يوسعون جزرهم ..و سوف يتصرفون رأس ..ها هي رأسي ..وإذا كنت بنفس هذه الطريقة .و أنا أيضا ..واحد منهم .إذا كنت ستُ َطير ٌ ستذبحني ..فها هو السيف. بيبرس (و هو يفكر) :كفى! ..سأروى إحدى قصصي ،التي سمعتها في طفولتي .اسمع ،أيها المقدس خوان .كانت توضع -في سهول القبجاق -شواهد حجرية على مقابر الموتى ،و كانت تصنع فى نصف شهر. خوان :عالمة على ميالد الهالل الشاب؟ بيبرس :ال ..على األحجار -عالمة الهالل الذي ولد؟..ال ..على العكس .فهذا يعنى ،أنه قد أظلم الضوء في عيني اإلنسان ..و أن شهر ميالده قد ولى ،و أن تناوله للطعام قد انتهى. خوان :مدهش.. بيبرس :و لكن األكثر إدهاشا -هو ما يلي! كان ينقش اسم الميت على شاهد القبر ،و أصله.. واسم عائلته ..و كان يكتب على كل منها أن االنسان قد عاش يوما واحدا ..ثالثة أيام ..خمسة أيام ..مائة يوم. خوان :هل كان القبجاق يعيشون هذا العمر القصير؟ بيبرس :ال..ال ..انهم قوم ..يقفز منهم -من وصل سنه إلى مائة عام -إلى ظهر الخيل بدون سرج ..و لكنهم كانوا يعتبرون أنهم يعيشون ..فقط عندما يصنعون أعماال خيرة ..لزمالئهم في القبيلة ،أو أصدقائهم ،أو للناس جميعا( ..لحظة توقف) .يعتبر الرقم -المنقوش على الحجر -بأنه فلتعش حتى مائة عام ،و لكن األيام التي ابتلعت فيها بقايا األكل ،و أفرغت األواني فقط من أجل معدتك ،ال تدخل في هذا الحساب. (ال يتوقف خوان عن هز رأسه من الدهشة .أما بيبرس فيقوى من صوته)أما أنت ..أيها المقدس خوان ..فسوف يكتب على شاهد قبرك ..يا من أشعلت نار الحسد فى كل مكان ..يا من خاط السم فى كم ردائه ..و حفظه عدة أعوام ..و الذي لم يمنح العالم كله ..حتى و لو عمال واحدا 39
السلطان
صغيرا صالح ..فسوف أكتب على قبرك ما لن يمكن أبدا مسحه“ :عاش و مات” (يهدده بقبضة يده) .ستكون كتابة ،ال يمكن أبدا مسحها! فلتكن درسا قاسيا لألجيال القادمة (يخبط فى يده) .لقد قلت كل شيء. (يطفأ الضوء ،و ينهض بيبرس -في العمق -من على كرسى عرشه بنشاط) رسول :لقد حضر سفير من قبل القوم الرحل الذهبيين!!! بيبرس :بم جاء ..إن روحي ليست مستريحة..لسبب ما( .يندفع إلى الخارج بسرعة) .سوف أستقبله بنفسي( .يعانق السفير ،ثم يعود مرة أخرى) .فقد قال إنه جاء من قبل القوم الذهبيين ..من قبل “بيركى خان”؟ السفير :نعم من قبل القوم الذهبيين ..من قبل “بركى خان” ..يا موالي( .يحنى رأسه محييا). سوف أعرض الموضوع طبقا لما هو متبع ،يا موالى ..القوم الذهبيون أصدقاء “الديشتى- قبجاق”... بيبرس (رافعا يده) :الوقت المتاح قليل ..يا عزيزي السفير .ال يجب أن تستبدل األخبار التي أنتظرها على شغف ،بكل جوارحي ،بكلمات منمقة .أين ما طلبت تسليمه؟ السفير (مندهشا) :لقد تم تحميل اثنتي عشر من اإلبل بالباالت األقمشة الثمينة... بيبرس (بفراغ صبر) :أنا ال أنتظر أشياء و هدايا. السفير :قوالب ذهب ،و ياقوت ،و ماس... بيبرس :ال..ال! إذا كنت فى حاجة إلى نفائس و ذهب ..اطلب منى. السفير :خمسة أنواع من األسلحة... بيبرس :هل أحضرت نبات الشيح من ضفاف حبيبي نهر “الجانكا”!؟ السفير :آه ..الحشائش (يدس يده فى جيبه) .ها هي. بيبرس :هذه ليست حشائش ،و لكنها حزمة صغيرة من نبات الشيح -الذى أشتاق إليه .هاتها، لكى أشمها ..هل ستطلقى رائحة المسك؟ (يشمها) .هذه هى الرائحة الذكية! و هو أيضا ،فعال، يشتاق إلى .لقد التحم كل شيء في هذه الرائحة :رائحة حبيبي نهر الجانكا ،وطني ،أبى و أمي.. بولجيتبيس( ...يصدر صوت عال) -طاجى باخيت ،أين أنت (تدخل طاجى باخيت مع ولديها)- طاجى باخيت ،نبات الشيح ..نبات الشيح .لقد جاء نهر الجانكا باحثا عنى! طاجى باخيت (تتناول بيدها نبات الشيح و تشمه) :كم هى بديعة هذه الرائحة! ..يا الهي ،يبدو أن اشتياقك و حزنك كانا مختفيين فيه. بيبرس :فيه هو بالذات (ثم ،بعد أن يلحظ وجود سعيد ،يفتح ذراعيه و هو يسرع إليه) .ابني.. أنت حي ..يا ابني!؟ (يحتضنه). سعيد :حي ..يا أبى. 40
بيبرس
طاجى باخيت (منحنية) :لقد اختفينا ،حتى يزول غضبك .شم كل من االبنين نبات الشيح .و يهزان رأسيهما بسرور و دهشة). بيبرس :لقد كدت أن أرسلك إلى الموت ..بسبب الشرير العجوز( .يحتضن سعيد مرة أخرى). يا له من يوم سعيد..هذا اليوم. طاجى باخيت :وريثاك االثنان بجانبك ..هل يوجد ما هو أهم من ذلك؟ بيبرس (سارحا) :وريثى! ..سعيد و أحمد! سعيد (وهو ينحنى) :اننا عبيد إرادتك. أحمد (و هو ينحنى) :أأمر ..يا أبى. بيبرس :كنت معتقدا أن حياتي ..يجب أن تسير فى سبيل البلد ،و الشعب ..فلم أنزل من على العرش أو من على الحصان .كنت أضع آمالي فيكما لتكونا سندا لي ..و لكن يبدو ..أنه ألني لم أخصص لكم اهتماما كبيرا ..فلم ألحظ بريق إنجازاتكم و أعمالكم..لألسف. ممسكون بالرمح ،و لكن لم نذهب إلى المعارك الضارية، و أمسكنا بالقرآن ،و لكن لم نحل النزاعات، لم نبذر النباتات ،و لكن أمسكنا بالمعول، لم نشغف بالعلم ،فلم نصبح علماء-، فقط ..مثل قمم األشجار الراسخة ..تهز رؤوسها تحت تأثير الرياح .لقد كنت في عمركما.. (يظهر الدفء على وجهه) .نبات الشيح( ..يشمه مرة أخرى) حزمة شيح. طاجى باخيت :تبدو كما لو كنت عدت طفال ..مرة أخرى ..يا موالي. بيبرس :طفل؟ نعم..فعال ..لقد عادت إلى طفولتي! (يتغير المشهد .يسمع صهيل ممتد للخيل ،و صوت ارتطام حدواتها باألرض .يجرى المنادون جيئة و ذهابا ،و هم يعلنون األخبار“ .يتجه موالنا إلى دمشق”“ ،لقد أخذ معه فرقة صغيرة، فقط”“ ،إنه ذاهب إلى األعياد”“ ،نعم سوف يعود بصحة و عافية”“ ،فليعينه اهلل” ،عندما تعود اإلضاءة مرة أخرى ،بيبرس يظهر جالسا على كرسي العرش .يظهر ابن الخليفة -األمير” مليك القاهر”). بيبرس :يا أيها األمير “مليك القاهر” ..يا ابن الخليفة عالي المقام ..فلتكن أيام حياته طويلة. كيف هي صحة والدك؟ مليك -القاهر(منحنيا) :شكرا ..كل شىء حسن ..لقد أضأت -يا موالي -العالم بنورك .إن رؤية وجهك السمح ..هو سعادة كبيرة لنا ..نحن الفانين البسطاء .إن أبى -ركيزة إيمان خليفتنا- طلب إبالغكم أن مسلمي دمشق ينتظرون زيارتكم بفارغ الصبر ..و قد طلب إبالغ الكلمات باسمه لسيد كل شيء .فليحفظكم اهلل فى طريقكم. 41
السلطان
بيبرس :آمين! مليك -القاهر :لقد سبق أن سمعت عن سعادتكم بخصوص حضور سفير من القوم الرحل الذهبيين إلينا ،و عن اعجابكم برائحة نبات الشيح ..هذه الحشائش المدهشة من سهول وطنكم األم .إنكم تحبون كل ما هو سهول ،و خيل ،و يورطة ،و كوميس ..بالمناسبة ،لقد فكرت فيما يمكن أن أقدمه لكم للطريق ..و قد قررت ..أن أهم شىء فى صحرائنا هو الشراب ..و من بين كل المشروبات ،أنتم تفضلون الكوميس .لذلك ..فقد أحضروا فى التو و اللحظة -إلى قصركم -كوميسا منتقيا من السوق .فلتجربوه بنفسكم( .يصب فى كوب). بيبرس (يمسكه بيده) :كوميس؟ هذه نعمة؟ شكرا .سأشرب منه ..ثم اشم نبات الشيح ،مرة أخرى( .يشرب فقط نصف الكوب .يترنح .يختفى فورا مليك -القاهر .تسقط الكأس من يده، ويتبعثر الكوميس الباقى فيها) ماذا يحدث ..إن جسمي ..تسرى به حرارة .مرة أخرى جرعونى السم؟ (يترنح) .يا له من موت خسيس ..مرة أخرى ..مدوا لي يدهم الماكرة؟! آه..أيتها الحياة المضيئة ..هل بدأت باآلمال ..و انتهيت بالعذاب؟ (تظهر عليه سكرات الموت) -أيتها الحياة ..لقد بديت قصيرة ،مثل عمر النيزك المذيل. واحسرتاه! ..من هذا؟ يبدو أنه وجه مألوف تماما ..إنها أمى ..و بولجيسبيس ،و هذا الفتى الذى يتجول على ضفاف نهر جانكا -إنه أنا (فى ذلك الوقت ،يظهر وجه أمه،و بولجيمنيس ،و هو نفسه فى طفولته ،فى ثالثة دوائر ضوئية .يختفون و هم يمدون له أيديهم) .انى احترق من السخونة.. أحترق! لقد اسكنت الرعب فى قلوب األعداء الدمويين ..حتى بمجرد اسمي ،و أجبرتهم على الركوع ..و لكنى ال أستطيع حتى أن أدفع عن نفسي الموت... (يظهر على المسرح مالئكة بأجنحة بيضاء .يحيطون ببيبرس المترنح ،و الذى يقف على قدميه بصعوبة ،و هم يؤدون رقصة الموت فى دائرة) أيتها المالئكة ذات األجنحة البيضاء ..يا مالئكتي ذات األجنحة البيضاء! هذه الحزمة من نبات الشيح ،هى اشتياق للوطن(.يشمها)أشمك آلخر مرة ..سآخذ رائحتك معى إلى العالم اآلخر. خذوه معكم كرهن أمانة( .يعطيه لهم) .سوف يظهر رجل عظيم آخر على األرض التي ولدت.. أنا ..عليها! سوف يلمع مثل السيف المعقوف ،و سوف يبحث“ ..أين أنت يا جدي العظيم” .أعطوه هذه الحزمة من نبات الشيح .هذه أمانة فى أعناقكم أيتها المالئكة! ..أمانة! (يعزف جزء من نشيد “بيبرس-بابا”) -ينزل الستار
42