مسرحية السلطان بيبرس - الاصدار باللغة العربية

Page 1


‫م�رسحية‬ ‫السلطان بيبرس‬ ‫راحيمجان �أوتارباييف‬ ‫(دراما تاريخية من جزئني و �أربعة ف�صول)‬

‫ترجمة‬

‫�أ‪.‬د‪.‬على فهمى عبدال�سالم‬ ‫مراجعة وتقدمي‬

‫د‪.‬ح�ســني ال�شــافعى‬

‫القاهرة ‪2011‬‬



‫تقديم‬ ‫السلطان بيبرس ‪ ..‬عمل مسرحى مميز للكاتب الكازاخستانى المعروف راحيمجان‬ ‫أوتارباييف‪ ،‬بين أيديكم فى طبعتها المترجمة للعربية ‪ ،‬بعدما صدرت ‪ ،‬ومُثلث مرات عديدة على‬ ‫خشبات المسارح الكازاخية ‪ ،‬والروسية‪.‬‬ ‫المسرحية تحكى فى فصولها األربعة رحلة الصبى بيبرس ابن الخان “جامك” ‪ ،‬مع صاحبه‬ ‫قالوون من أسر المغول لهم ‪ ،‬حيث تلقفتهم يد تاجر إيطالى يبيعهم فى سوق العبيد مفرقاً بينه وبين‬ ‫حبيبته “بولجتبيس” لكنها َت َع ُده ‪ :‬سوف أنتظرك يا بيبرس ‪ ..‬سوف أنتظر أخبارك من الطيور‬ ‫الجوارح ‪ ..‬ومن الرياح ومن الناس العابرة ‪ ..‬سوف أتحلى باألمل وأنتظرك مثلما ننتظر حوافر‬ ‫الخيل جالبة األنباء السارة للناس”‪.‬‬ ‫ولم تغادر صورة حبيبته “بولجتبيس” مخيلته على مدى عمره ‪ ،‬يناجيها ‪ ..‬ويناجى معها‬ ‫وطنه وأرضه وأهله وريح نباتها الطيب “الشيح” ‪ ،‬والذى يأتى من ضفاف نهر جانكا يحرر‬ ‫الصدر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الرحلة تستمر ‪ ..‬وها هو بيبرس يصبح قائدا عاما للجيش ‪ ،‬وقد أجاد الحرب بفنونها وخططها‬ ‫ولم َي ُع ْد أحداً له ن ٌد‪.‬‬ ‫كافر” فيضع بيبرس خطته العبقرية بسد مجرى النيل‬ ‫تأتى الحرب “والهارب من رحاها ٌ‬ ‫ليحاصر أعدائه ‪ ،‬ويعلن “من سيعارض خططى سنلقى بجسده فى الماء”‪.‬‬ ‫الدسائس لم تفلح فى كسر شوكته ‪ ،‬وها هو النصر – وقد حالف بيبرس – يرتفع بقامته فوق‬ ‫القامات ليهتف الشعب‪ ... :‬يحيا المماليك ‪ ...‬المجد للمماليك معلناً “بيبرس قائدنا” بعدما دحر‬ ‫األعداء ورد الهجوم على سوريا وفلسطين‪.‬‬ ‫بيبرس ‪ ..‬لم تكن تشغله الحروب وال الدسائس عن أن يملى على كاتبه رواية ما حدث ‪ ،‬وها‬ ‫هو يروى عندما َق ُد َم سفراء هوالكو برسالته‪“ :‬استسلموا بإرادتكم ‪ ..‬إفتحوا بوابات القاهرة بأيديكم‬ ‫وإال فكل األحيا ِء موتى ‪ ..‬وكل الموتى إلى الجحيم “ فيشير بيبرس عندئذ إلى “أنها الحرب ‪..‬‬ ‫والحرب وحدها”‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫لكنه ‪ ..‬رغم حنقه وغضبه يرى أن قتل سفراء هوالكو “عمل ال يقره الدين”‬ ‫وهنا الوجه االنسانى لبيبرس يُطل ‪ ،‬إذ نراه فيما بعد مقرظاً لمن باعه قناً للتاجر االيطالى بعد‬


‫وأس َر بيبرس لحارسه بأن يقطع حبل المشنقة التى أمر قطز بلفها حول‬ ‫أن أصر ُقطز على أسره‪َّ ،‬‬ ‫رأسه ليبقيه على قيد الحياة‪:‬‬ ‫“من األفضل أن تكون عبدا فى وطنك ‪ ...‬من أن تكون سلطانا فى الغربة”‬ ‫لكنه ما يلبث أن يعود ليقر ‪“ :‬يا قدرى الذى أصابه الهرج والمرج ‪ ،‬والذى تعلق فى نفس‬ ‫الوقت ببلدى ‪ ...‬إمنحنى القوة أن أسحق بيدى األعداء”‬ ‫وتستمر الرحلة ‪ ......‬فنراه ينحنى لقدسية العلم ‪ ،‬إذ تراه يصفح عن مهندس فرنجى – سقط‬ ‫فى األسر مع الملك لودفيك ‪ –IX‬ألنه خبير حاذق ‪ ،‬كشف لبيبرس أسرار األسلحة ‪ ،‬فينحنى‬ ‫بيبرس له قليال ‪.‬‬ ‫مسرحية الظاهر بيبرس ‪ ،‬صاغ حوارها المبدع “راحيجمان أوتارباييف” ‪ ،‬وهو ينقل لقطات‬ ‫مميزة من حياة السلطان ‪ ،‬ناقال عنه فلسفته فى الحياة ‪ ،‬وفى الحكم فى قول يستعيد به حكايات‬ ‫الطفولة فى الوطن البعيد “ كان ينقش فى بالدنا اسم الميت على شاهد قبره ‪ ،‬وأصله ‪ ،‬واسم‬ ‫عائلته‪ .‬كان يكتب على الشاهد ‪ ،‬عاش هذا اإلنسان يوماً واحداً ‪ ...‬أو ثالثة أيام ‪ .....‬أومائة يوم“‬ ‫وحين يسأله محدثه ‪ :‬وهل كان القبجاق يعيشون هذا العمر القصير ؟‬ ‫يرد بيبرس سريعا ‪“ :‬الال ‪ .....‬أنهم قوم يمتطى الواحد منهم صهوة جواده دون سرج وعمره‬ ‫مائة عام ‪ ،‬لكنهم يعتبرون أنهم يعيشون فقط عندما يصنعون أعماال َخيِّرة ‪ ...‬لزمالئهم فى القبيلة‬ ‫‪ ...‬أو ألصدقائهم ‪ ...‬أو للناس جميعا” ‪ ...‬ويستكمل “فالرقم المنقوش على الحجر يقول ‪ :‬فلتعش‬ ‫حتى مائة عام ‪ ...‬لكن األيام التى إبتلعت فيها طعامك لن تدخل فى الحساب “‬ ‫لن ينتهى العمل المسرحى إال وقد تنفس بيبرس الصعداء بعد إن إشتم رائحة زهور الشيح‬ ‫لتعيد روحه إلى بارئها بعدما روى شغفه برائحه بالده‪.‬‬ ‫عمل متميز ‪ ...‬قراءته متعة ‪ ..‬ورؤيته على خشبة المسرح لن تكون أقل إمتاعا‪ً.‬‬ ‫حسين الشافعي‬ ‫القاهرة ‪ -‬يوليو ‪2011‬‬


‫بيبرس‬

‫راحيمجان أوتارباييف‬

‫مسرحية‬

‫السلطان بيبرس‬ ‫(دراما تاريخية من جزئين و أربعة فصول)‬ ‫أبطال المسرحية‪:‬‬ ‫‪ -1‬السلطان بيبرس‪.‬‬ ‫‪ -2‬تاجر إيطالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬بولجتبيس(ال تظهر‪ ،‬و تروى عن طفولة بيبرس)‪.‬‬ ‫‪ -4‬األم‪.‬‬ ‫‪ -5‬أمير أيتيجين بوندوكتارى‪.‬‬ ‫‪ -6‬سلطان عيسى طوران‪ -‬شاه‪.‬‬ ‫‪ -7‬المقدس الوزير‪ -‬خان‪.‬‬ ‫‪ -8‬لودوفيك ‪( IX‬ملك فرنسا)‪.‬‬ ‫‪ -9‬أغا شاهين (الوزير األكبر)‪.‬‬ ‫‪ -10‬بيك‪.‬‬ ‫‪ -11‬شجارة الدر‪.‬‬ ‫‪ -12‬قالوون‪.‬‬ ‫‪ -13‬قطز‪.‬‬ ‫‪ -14‬طانيربيردى‪.‬‬ ‫‪ -15‬طاجى باخيت (زوجة بيبرس)‪.‬‬ ‫‪ -16‬سعيد (االبن األكبر لبيبرس)‪.‬‬ ‫‪ -17‬أحمد (االبن األصغر لبيبرس)‪.‬‬ ‫‪ -18‬أمير‪.‬‬ ‫‪ -19‬شيخ‪.‬‬ ‫‪ -20‬األمير مليك‪ -‬قاهر (ابن الخليفة)‪.‬‬ ‫فرسان‪ ،‬محاربين‪ ،‬سعاة‪ ،‬بشراء‪ ،‬مماليك‪ ،‬سفراء‪ ،‬أسرى‪ ،‬مالئكة‪ ،‬أصوات‪ ،‬و غيرها‪.‬‬ ‫‪5‬‬



‫بيبرس‬

‫الجزء األول‬ ‫الفصل األول‬ ‫يَسقط على المسرح ضوء خافت‪ .‬يَتحرك جمع من‬ ‫ٌ‬ ‫متنوع لسوق‪ .‬هذه هى‬ ‫ضجيج‬ ‫الناس بال نظام‪ ،‬يُسمع‬ ‫ٌ‬ ‫سوق العبيد بمدينة «سيواس» بآسيا الصغرى‪.‬‬ ‫تُسمع موسيقى شرقية من بعد‪ .‬أصوات‪« :‬اشتروا‬ ‫عبد‪ ،‬عبد!» «عبد ذكى و قوى» «فليبق ذكاءه فى‬ ‫رأسه‪ ،‬يكفى كونه قوياً»‪« .‬هذا العبد وار ٌد من أفريقيا»‪.‬‬ ‫«تعال هنا‪ ،‬ما هو ثمنه» «‪ 500‬دينار»‪« .‬غال‪ .‬يمكنني‬ ‫بهذا الثمن شراء خمسة من أمثال هذا الهباب»‪« .‬اشتروا‬ ‫عبد‪ ،‬عبد‪ ،‬اقتربوا‪ .‬توجد قوة‪ ،‬ال يوجد عقل‪ .‬أذناه فى‬ ‫مكانهما‪ ،‬و لكن ال يوجد لسان‪ .‬توجد عيون‪ ،‬و لكنه ال يرى»‪« .‬هيا‪ ،‬هيا‪ ،‬تعال هنا‪ .‬هذا هو أغلى‬ ‫عبد!»‪.‬‬ ‫في هذه اللحظة يسكت كل من البائعين و المشترين‪ .‬أصوات‪« :‬السفن وصلت‪ ،‬السفن‬ ‫وصلت!» «بدأوا انزال عبيد ُجدد» «سوف تلتهب اآلن التجارة»‪.‬‬ ‫يبدأ ظهور العبيد و يسمع صليل السالسل على أيديهم و القيود على أرجلهم‪ .‬أصوات‪« :‬هؤالء‬ ‫هم التجار اإليطاليون»‪« .‬أَ ْح َ‬ ‫ضروا أسرى من آسيا الوسطي و سهول دشتى‪ -‬قبجاق»‪« .‬يجب‬ ‫االختيار بسرعة»‪« .‬على أية حال ال يوجد أحسن ‪..‬من السودانيين السود»‪« .‬ال‪...‬ال أحسن قوم‬ ‫محاربون هم‪ -‬القبجاق «‪« .‬هم أحسن المماليك»‪ .‬يدخل إلى الوسط تاجر إيطالي‪.‬‬ ‫التاجر اإليطالي‪ :‬العبيد‪ ،‬الذين جاءوا من شواطىء الدون‪ ،‬و من كاربات‪ ...‬أخرجوا إلى‬ ‫اليمين‪ .‬الذين أُحضروا من هندستان و كردستان‪ ..‬اصطفوا في الشمال‪ .‬الذين أسروا في جبال‬ ‫أرارات‪...‬قفوا بعيداً‪ .‬الكازاخ من سهول القبجاق‪..‬احضروا بسرعة‪ ،‬اقتربوا منى‪.‬‬ ‫(يقترب صبيان و السالسل تصلل‪ ،‬و يقفان بجانب التاجر)‪.‬‬ ‫أصوات‪:‬‬ ‫ أين أكبر القبجاق سنا؟‬‫ يبدو أنه لم يتم انزالهم بعد من السفينة‪.‬‬‫ِّ‬ ‫ و هذان الكتكوتان الصغيران‪...‬لمن يمكن أن يمثال حماية؟‬‫‪7‬‬


‫السلطان‬

‫ هذا غير صحيح‪ ..‬يمكن تعليمهم بسهولة‪ ..‬و هما ما زاال كتكوتان‪ .‬أما الطيور الجارحة ‪،‬فال‬‫تستطيع أن تمسكها بيديك‪.‬‬ ‫التاجر اإليطالي‪ :‬لقد أعلن القيجاق الكبار التمرد على السفينة‪ ،‬و أظهروا مخالب الطيور‬ ‫الجارحة‪ .‬و بمساعدة من اهلل‪ ،‬أمسكنا بهم فرداً فرداً‪ ،‬و ألقيناهم بقيودهم في البحر‪ .‬و قد التهمتهم‬ ‫القرش‪..‬ه ْم َ‬ ‫َ‬ ‫‪..‬ه ْم (يبين ذلك بالتمثيل)‪ ،‬و قطعتهم إلى قطع‪ ..‬و من العجب‪ ..‬أنه لم يصدر من‬ ‫أسماك‬ ‫أي منهم أى أنين أو حتى صوت ينم عن البكاء أو الشكوى‪ .‬ما هؤالء القوم؟‪ ..‬يفضلون الموت على‬ ‫العبودية التي يمكن احتمالها‪ .‬هيا‪ ..‬انتظر‪ ،‬يمكن البدء ببيع هذين الصبيين‪ .‬أيديهم وأرجلهم سليمة‪..‬‬ ‫أسنانهم كاملة‪ ..‬في عيونهم لهيب‪ ..‬و في صدورهم فحم موقد‪(.‬وقف التجار فى دائرة و بدءوا‬ ‫يتهامسون)‪ -‬شراء مثل هذا المملوك‪ -‬حلم كل شخص‪ ،‬و عدم شراءه‪ -‬أيضا حلم! تعال أنت‪...‬قف‬ ‫فى الوسط (التاجر اإليطالي يقود قالوون إلى الوسط)‪ .‬هيا‪ ،‬قدم نفسك‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬عمرى ‪ 12‬سنة‪ .‬و اسمي هو قالوون‪ .‬أنا من ساحل نهر «جانكا»‪ ،‬ابن من أصل‬ ‫«بيرش»‪ ،‬من قبيلة القبجاق‪.‬‬ ‫أصوات‪ :‬أعطى ‪ 300‬دينار‪ .‬هات يدك‪.‬‬ ‫ ال‪.400،‬‬‫ سأشتريه‪ ،‬أعطى ‪.500‬‬‫ ‪ 600‬دينار ذهب‪.‬‬‫ سأعطى ما لم يساويه جده‪.800 ..‬‬‫التاجر اإليطالي‪ :‬انظروا‪ ..‬رقبته مثل رقبة العجل‪ ..‬انظروا إلى أكتافه و عضالته! ثمن هذا‬ ‫القبجاقى هو ‪ 1000‬دينار!‬ ‫ٌ‬ ‫(فى هذا الوقت بدأ بيبرس‪ -‬الواقف بجانب قالوون‪ -‬يتكلم‪ .‬أصوات الصبييَن مسموعة من‬ ‫خلف المسرح)‪.‬‬ ‫قالوون (بسرور)‪ :‬شيء رائع‪ ..‬لقد تم تقدير ثمني بألف دينار‪.‬‬ ‫بيبرس (بغضب)‪ :‬أتفخر بأنه يتم بيعك؟‬ ‫كثير أم قليل؟‬ ‫قالوون‪ :‬يا ترى‪ ..‬كم سيدفعون ثمناً لك‪ ..‬يا بيبرس؟ ٌ‬ ‫بيبرس‪ :‬أليس من الواضح أنهم‪ -‬كقاعدة عامة‪ -‬يقيمون األكثر تميزاً أقل من جميع‬ ‫اآلخرين؟‬ ‫التاجر اإليطالي‪ :‬أيها األسير القبجاقى الثاني‪ ..‬تعال إلى الوسط (يذهب بيبرس إلى الوسط‪،‬‬ ‫ويقف على مكان عال‪ ،‬ثم يقدم نفسه)‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬عمري ‪ 14‬سنة‪ .‬اسمي‪ -‬بيبرس‪ .‬و قد أسرني «المغول» مع اآلخرين الذين هربوا‬ ‫من سواحل نهر «جانكا»‪ .‬أنا من قبيلة القبجاق‪ ،‬من الطبقة العليا البرشية‪ .‬والدي هو الخان‬ ‫‪8‬‬


‫بيبرس‬

‫«جاماك»‪.‬‬ ‫أصوات‪ :‬أوه‪ ..‬ابن خان قبجاقى‪!..‬‬ ‫ فلنرى‪.‬‬‫ أخفض رأسك‪ ..‬ال تتفاخر‪.‬‬‫( تسقط بقعة صغيرة من الضوء‪ -‬فى تلك اللحظة‪ -‬على طرف المسرح‪ ،‬و تظهر فيها فتاة في‬ ‫الثامنة إلى العاشرة من عمرها‪ .‬هى «بولجتبيس»‪ -‬خطيبة بيبرس‪ -‬و قد خطبها والداه له‪ .‬يدور‬ ‫حوارهم خلف المسرح‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬بولجتبيس‪..‬‬ ‫بولجتبيس‪ :‬نعم يا بيبرس‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬لقد كنت خطيبتي‪ ،‬و اآلن يتاجرون برؤوسنا البائسة في الغربة‪ .‬يا لها من مصيبة‬ ‫وقعنا فيها‪!..‬‬ ‫بولجتبيس‪ :‬ال تحزن‪..‬بيبرس‪ ..‬أترى‪ ..‬إنه أحد انعطافات القدر‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حسن إذا قادني ‪ -‬في النهاية ‪ -‬هذا‬ ‫أمر‬ ‫بيبرس‪ :‬نعم‪ ..‬نعم هذا مقدر لنا مسبقاً‪ .‬سوف يكون ٌ‬ ‫القدر إليك‪..‬‬ ‫بولجتبيس‪ :‬سوف أنتظرك‪ ،‬يا بيبرس‪ ..‬سوف أنتظر أخبارك من الطيور الجوارح ‪ ..‬من‬ ‫الرياح التي تدخل من النوافذ‪ ..‬و من الناس العابرة‪ ..‬سوف أتحلى باألمل‪ ،‬و أنتظرك!‪ ..‬مثلما‬ ‫ننتظرطرقات حافر الخيل التي تجلب األنباء السارة للناس‪.‬‬ ‫بيبرس (بصوت مرتعش)‪ :‬في وقت ما‪ ،‬مهما طال‪ ..‬يا حياتي‪ ..‬طالما روحي في صدري‪..‬‬ ‫يا بولجتبيس‪ ..‬سأعود إليك!‬ ‫بولجتبيس‪ :‬سوف‪ ..‬أنتظرك‪ ،‬يا بيبرس‪ .‬يا روحي‪..‬سوف أنتظرك ( يخفت صوت بولجتبيس‬ ‫الذي كان يدوى عاليا‪ .‬كما تختفي هي نفسها)‪.‬‬ ‫أصوات (على المسرح)‪ - :‬بوجد بياض على عينه‪.‬‬ ‫ و كآبة فى عينيه‪.‬‬‫ يدعى أنه من النبالء‪.‬‬‫ لن يكون مملوكا مميزا‪.‬‬‫ أخرجه من هنا‪.‬‬‫ أيها التاجر اإليطالي‪ ..‬أعطيك ‪ 800‬درهم‪ .‬صفقوا‪.‬‬‫ لن أفرق بين اثنين من قبيلة القبجاق‪ ..‬ال يفرق اهلل نفسه بينهما‪ ..‬أرجو أال يموتوا هما االثنان‬‫من االشتياق كل لآلخر‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫السلطان‬

‫التاجر اإليطالي‪ 800 :‬درهم؟ قليل جدا‪ ..‬لقد اشتريته أنا من التجار البلغار ب‪ 80‬درهما‪.‬‬ ‫حافظت عليه‪ ..‬و اعتنيت به‪ ..‬و أطعمته لمدة ‪ 3‬شهور على نفقتي الخاصة‪.‬‬ ‫أصوات‪ :‬كفى شكوى! سوف أدفع ما يساويه‪ ..‬يقف‪ ،‬يترنح‪ ..‬بالكاد‪ ،‬على قيد الحياة‪.‬‬ ‫ آه‪ ..‬كم تسعى للربح‪.‬‬‫ حتى ال تنظر إلى المال‪.‬‬‫ُ‬ ‫قال‪..‬ك ْف عن الشكوى‪ ..‬لقد ُحسم األمر‪ ..‬كما لو كان ركل بحافر‪.‬‬ ‫ أترى‪..‬كما‬‫ لم توخز بلسانك‪ -‬بكالمك عن أنه‪«:‬يقف‪ ،‬يترنح‪..‬بالكاد على قيد الحياة»‪ -‬كالحية السامة؟‬‫ ها‪ -‬ها‪ -‬ها‪.‬‬‫ها‪ -‬ها‪ -‬ها‪.‬‬‫ يا له من فم!‬‫ٌ‬ ‫(صراخ‪ .‬سكت الجميع)‪ ،‬بيبرس اقترب منى‪.‬‬ ‫ كفى‬‫(اقترب بيبرس جدا من األمير السلطان «صالح ناجى‪-‬الدين آية‪-‬الدين بوندقتارى»‪ ،‬الذي‬ ‫على رأسه عمامة بيضاء و له لحية مهيبة)‬ ‫آية‪-‬الدين بوندقتارى (لبيبرس)‪ :‬ما هذه الحشائش التي تمسكها بيدك؟‬ ‫بيبرس‪ :‬نبات الشيح‪.‬‬ ‫آية‪-‬الدين بوندقتارى‪:‬أعطها لي‪( .‬يشمها‪ ،‬يعبس)‪ .‬رائحتها كريهة‪ ..‬تخلص من هذا الهراء‪.‬‬ ‫(يلقيها بنفسه فى نار شديدة اللهب)‬ ‫بيبرس‪ :‬توقف!(يظلم المسرح مع صرخته المدوية‪ ،‬و تختفي مجموعات التجار و العبيد‪.‬‬ ‫وعندما تعود اإلضاءة‪ ،‬يظهر موقع معركة حربية‪ ،‬و بيبرس راقدا على مفرش ملون‪ .‬يستيقظ‬ ‫مذعورا‪ .‬يقف عند قدميه عبد أسود ‪ -‬زنجي‪ -‬يقوم بحراسته‪ .‬و عبد زنجي آخر‪ ،‬يقف عند طرف‬ ‫المفرش من ناحية رأسه‪ ،‬يهوى بمروحة كبيرة‪ .‬يتلفت بيبرس بفزع من حوله‪ .‬يصهل حصانه)‬ ‫آه يا بولجيتبيس‪ ..‬جعلت منك خطيبتي الحبيبة‪ ..‬ثم اَ َف ْ‬ ‫ترق ِت عنى رغماً عنك‪ ..‬صورتك تزور‬ ‫ً‬ ‫أحالمي باستمرار‪ ..‬أحيانا تتتبع مشاعري في هذا البلد الغريب‪ ..‬و أحيانا في هذه الحرب الدموية‪..‬‬ ‫هل هي تحميني؟‪ ..‬هل هى تمنحني دعم؟ نبات الشيح‪(..‬يسرح)‪ .‬استنشاق عميق‪ ،‬كما لو كان شاى‬ ‫له رائحة جميلة‪ ،‬نبات الشيح من ضفاف نهر «جانكا» يحرر الصدر‪ ..‬آمل أن أرى مرة أخرى‬ ‫كيف تتفتح براعمك التي تشبه خصلة شعر على رأس صبى‪.‬‬ ‫(تسمع عن بعد صرخات و هتافات‪ ،‬و صليل أسلحة‪ ،‬و صهيل خيول‪ .‬يدخل رسول إلى‬ ‫بيبرس)‬ ‫الرسول (نازال على ركبتيه و حانيا رأسه)‪ :‬يا فخامة القائد‪ ..‬لقد تحرك الفرنجة اليوم‪ -‬مرة‬ ‫‪10‬‬


‫بيبرس‬

‫أخرى‪ -‬في «حملة صليبية»‪.‬‬ ‫بيبرس (يلبس درعا و خوذة‪ ،‬و يعلق خمسة أنواع من األسلحة)‪ :‬هل وردتم المؤن إلى قلعة‬ ‫دمياط؟‬ ‫الرسول‪ :‬تمكننا من توريدها‪ ،‬أيها القائد‪ .‬و هم اآلن متجهون إلى ضواحي المنصورة‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬انقل لهم أمري‪ -‬فليقم ثلث الجيش المستدعى تحت لواء «الغزوات» بعمل سد على‬ ‫النيل‪..‬بسرعة‪.‬‬ ‫الرسول‪ :‬يا إلهي الجبار!‪َ ..‬ح ْجز مجرى نهر النيل!؟‬ ‫بيبرس (يتحرك بحيوية)‪ :‬فليحجزوه‪ .‬أكلف قالوون باإلشراف على هذا العمل‪ .‬و أي شخص‬ ‫يهرب من أرض المعركة‪ ..‬سيعتبر كافراً‪ ..‬و لن يتم دفنه بمقابر المسلمين‪ ..‬و من سيعارض إنشاء‬ ‫س ٍد على النيل‪ ..‬سيجد جسده في الماء‪ ..‬ولن يتم منع العقاب‪.‬‬ ‫الرسول‪ :‬أمراً و طاعة! (يختفي‪ .‬يُسمع صوته و هو يعلن أمر القائد األعلى للجيش‪« .‬أى‬ ‫شخص يهرب من أرض المعركة‪..‬سيعتبر كافراً‪ ..‬و من سيعارض إنشاء سد على النيل‪..‬سيجد‬ ‫جسده في الماء‪.‬‬ ‫تحتدم اشتباكات حربية على المسرح‪ .‬على أحد جانبي المسرح‪ -‬المماليك تحت رئاسة بيبرس‪،‬‬ ‫و على الجانب اآلخر‪ -‬الفرنجة‪ .‬المعركة حامية)‪.‬‬ ‫أصوات‪ :‬اقطع حبل التثبيت!‬ ‫ أغرس الرمح!‬‫ اقطع رقبته!‬‫ انتزع كبده!‬‫ أخرجوا من هنا‪..‬أيها المرتزقة‪ ..‬المماليك‪.‬‬‫ يا مرضعو الكالب‪.‬‬‫ أيتها األذناب العربية‪.‬‬‫بيبرس(يصرخ بصوت جهوري)‪ :‬إلى الهجوم!‪ ..‬يا مسلمون!‪ ..‬ال تتراجعوا أبدا!‪..‬اسحقوا‬ ‫الكفار! اذبحوهم!‪ ..‬هيا‪ ..‬ورائي‪.‬‬ ‫أصوات‪ :‬إلى األمام‪ ..‬يا عباد اهلل!‬ ‫ إلى األمام ‪ ..‬يا أتباع محمد‪.‬‬‫ نحن محاربو «شاديار»‪.‬‬‫ نموت من أجل ديننا‪ -‬سنحتل مكانة متميزة في الجنة‪.‬‬‫(معركة كبيرة تدور على منعطف المسرح‪ ،‬و عند وصولها إلى خلفيته‪ ،‬تنتهي‪ .‬و اآلن‬ ‫‪11‬‬


‫السلطان‬

‫يظهر السلطان «طوران شاه» على كرسي عرش القصر‪ .‬ترقص راقصتان جميلتان على نغمات‬ ‫موسيقى شرقية‪،‬تهزان وسطهما‪ ،‬و تلعبان أردافهما‪ ،‬و تقدمان رقصة شرقية أمامه تماما‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه ( يصفق بيديه و هو مخمور)‪ :‬أنتن ترقصان بشكل جميل‪..‬زيدوا‪ ..‬زيدوا‬ ‫في الرقص‪( .‬تقترب منه الرقصتان من الجانبين ترقصان و تهزان أردافهن في اتجاه السلطان‪،‬‬ ‫وتنضم لكل ضحكة مرحة حماسية للجميلتين ضحكة استمتاع من الحاكم)‪ .‬رائع! عندما سمع‬ ‫المرحوم والدي «السلطان صالح نجى‪ -‬الدين» رنين ضحكاتكن‪( ..‬لحظة صمت) أقسم‪ ..‬أن حتى‬ ‫أظافرى قد اهتزت‪( .‬يزداد ضحك الجميلتين أكثر)‪ .‬أقسم‪ ،‬أن حتى أظافري قد اهتزت‪ .‬من اليوم‪،‬‬ ‫سوف أنقل كل منكن إلى حريمي الخاص‪( .‬تناول بيده كأس فضية) سأشرب هذا المشروب القادم‬ ‫من الجنة من أجل ذلك ( يشرب الكأس على مرة واحدة‪ .‬يدخل الوزير خوان)‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬اسمح لي (ينحني)‪ ،‬أيها العظيم‪ ،‬يا موالى المماثل للشمس و ذو وجه القمر‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬مرحبا بك أيها الوزير‪ ،‬فخامة الوزير خوان (ينهض من مكانه بعد‬ ‫محاولتين)‪ .‬يا خزينة أخبار العالم‪ ،‬يا بشير األنباء السارة‪ ،‬تكلم‪.‬‬ ‫خوان (متملقا‪ ،‬ذليال)‪ :‬ال أستطيع في هذه المرة إرضائكم باألخبار التى تنتظرونها‪ ،‬أخاف جدا‬ ‫يا صاحب األمر العظيم‪ .‬أخشى سخطكم‪ ،‬أخشى قول كلمات تافهة‪ ،‬حضرت و أنا أتقطع داخليا ـ‬ ‫أيها العظيم «عيسى طوران شاه»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عيسى طوران شاه (مستال سيفه ملوحا به فى الهواء)‪ :‬إذا كان هناك شخص تافه تجرأ على‬ ‫لمس وجه حاكم كل مصر‪ ..‬مثلما تلمسه الريح‪ ..‬تكلم‪ ،‬ال تتمايع‪.‬‬ ‫خوان (معبرا عن الخضوع‪ ،‬بتكلف)‪ :‬أال ترون‪..‬أنه باعتباركم بيبرس العبد المفضل لوالدكم‬ ‫المبجل‪ ..‬فقد تركتم له تماما الحبل على الغارب؟ وعينتموه قائداً عاما للجيش‪ .‬أليست أصوله‬ ‫مختلفة؟‪ ..‬و دمه عاص؟‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬ال يوجد قائد عسكري أفضل من بيبرس‪ .‬حتى قالوون‪..‬ال توجد لديه‬ ‫مثل هذه الشجاعة و هذا اإلقدام‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬أنتم عينتموه قائدا للجيش‪ ،‬و أرسلتموه لمالقاة هؤالء الكالب الصليبيين (منافقا)‪ ،‬فهل‬ ‫تعرفون ما الذي يفعله؟‬ ‫عيسى طوران شاه (مذعورا)‪ :‬ال!‪ ..‬و ما الذي فعله؟‬ ‫خوان‪ :‬لقد أقفل النيل‪ ..‬و أنشأ سدا فى مجراه‪ .‬و منذ لحظة فقط ابتلع تمساح عبداً زنجياً‬ ‫بالكامل‪ .‬مزقه إلى قطع ثم ابتلعه‪ .‬و اآلن إذا تفرقت هذه المخلوقات‪ ،‬فسوف تتم إبادتنا كلنا‪.‬‬ ‫(تزحلق عيسى طوران شاه و سقط صدفة على كرسي عرشه‪ .‬رفع كلتا يديه فجعل الموسيقى‬ ‫تسكت‪ ،‬و قفزت الراقصتان إلى الباب و اختفيتا)‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬حجز ماء النيل؟ بأى هدف؟ هل سيسمح النهر العظيم بعمل ذلك؟ ما هو‬ ‫دخل األعداء‪ ،‬و ما دخل النيل؟ أحدهما‪ -‬الفرنجة‪ ،‬و الثاني‪ -‬ماء‪ ،‬ما هي العالقة بينهما؟ ال أستطيع‬ ‫‪12‬‬


‫بيبرس‬

‫أن أفهم أي شيء‪( .‬ابتلع مرة أخرى ما فى الكأس الفضية)‪.‬‬ ‫خوان (هامسا‪ ،‬منتفضا)‪ :‬أيها الحاكم العظيم‪ ..‬إن بيبرس قد كسب الثقة بحيله‪ ،‬و هو يريد‬ ‫تدمير كل شيء من الداخل‪ ..‬هكذا تقول النجوم‪ .‬و إذا لم يتم التخلص منه بسرعة‪ ،‬فليس من‬ ‫المستبعد أن يطمع في العرش‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه (مقهقها)‪ :‬يطمع في العرش؟ يعنى‪ ..‬تريد أن تقول أن مملوكا‪ ،‬قطعت‬ ‫السالسل و القيود يديه و رجليه‪ ،‬يريد اآلن البحث عن سعادته على العرش‪ .‬طالما أنا على قيد‬ ‫الحياة‪..‬لن تتحقق أمنيته‪ .‬أيها المقدس خوان‪( .‬بتوعد)‪ -‬أبلغ بيبرس أوامري‪ .‬فليتوقف عن سد النيل‪.‬‬ ‫و ليتوقف عن التصرف بنفسه‪ .‬فلم يترك له أسالفه هذا النهر‪ .‬و إذا لم ينجح حتى الغد في أسر‬ ‫«ليودوفيك ‪ ،»IX‬فسوف تلتهمه هو نفسه الغربان‪ .‬فليجمع حظه في قبضته‪ .‬إذهب‪( .‬يختفي خوان‬ ‫و هو ينحني‪ ،‬يعود المزاج العالي لعيسى طوران شاه‪ ،‬يصفق بيديه لكي تبدأ الموسيقى من جديد‪،‬‬ ‫تظهر الراقصتان مرة أخرى من الجانبين‪ ،‬و تبدآن ثانية رقصهما الشرقي‪ .‬تسمع أصوات ضحك‪.‬‬ ‫يدور المسرح و يظلم‪ ،‬و يظهر عليه بيبرس مع مجموعة من مماليكه‪ .‬يسمع خرير مياه النيل‪ .‬يتم‬ ‫التعبير عن عمل المقاتلين بنشاط و هم يحجزون مياه النيل‪).‬‬ ‫أصوات‪ :‬ضعوا الرمال فى األكياس آلخرها‪.‬‬ ‫ القوا بمائة كيس فى المجرى‪.‬‬‫ بحيث ال تجرفها المياه المندفعة‪.‬‬‫ تمساح؟‬‫ هشم رأسه بالسيوف!‬‫ جره من ذيله‪.‬‬‫ أغرس فيه رمح‪.‬‬‫ لقد تحول المجرى إلى الجانب!‬‫ املئوا حنكه! (ال تتوقف أثناء ذلك الحركات النشطة القوية)‬‫الحارس‪ :‬قائدهم العام‪..‬تتنازعه سكرة الموت‪ .‬لقد مات الكثير منهم حتى اآلن‪ .‬العدو بستعد‬ ‫الستخدام األسلحة النارية‪(.‬يدوى صوت قذف النيران)‪ .‬لقد سقطت الدانة بعيدا‪ .‬الفرنجة ينسحبون‪.‬‬ ‫مقدمة جيشهم تولى أدبارها‪.‬‬ ‫أصوات (الذين يقومون بسد النهر)‪ :‬يحيا المماليك‪ .‬المجد للمماليك‪.‬‬ ‫ بيبرس‪..‬قائدنا‪..‬عظيم‪.‬‬‫ أحفاد القيجاق‪ ..‬محاربون ال يهزمون‪.‬‬‫ قالوون محارب‪..‬ال يقل عنه‪.‬‬‫‪13‬‬


‫السلطان‬

‫ قطز بطلنا‪.‬‬‫ وصلت المياه إلى الحدود‪.‬‬‫ ماذا علينا عمله بعد ذلك؟‬‫ أرسلوا رسوال ليحضر قائدكم بيبرس!‬‫ إلى أى اتجاه علينا توجيه مجرى النيل‪ ..‬فليأمرنا هو‪.‬‬‫(فى ذلك الوقت يصل المقدس خوان إلى ضفة النهر‪ .‬يبدو على مظهره األهمية و‬ ‫العجرفة)‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬أنت يا حفيد العبيد الصلم‪ ،‬الذين ال يفقهون ما يفعلون‪ ،‬و الذين ال يستطيعون عمل‬ ‫خطوة بدون قيادة‪ .‬إن محاولتكم سد النهر‪ ،‬الذى يجرى من قرون طويلة فى المجرى الذى شفه‬ ‫بنفسه‪ ،‬هو ضرر غير مسبوق بمنقذ اإلسالم‪ ،‬بالقائد عيسى طوران شاه الذى ليس له مثيل‪ .‬كونكم‬ ‫تقتلون التماسيح و حيوانات النهر‪ ،‬و معتقدات أجدادنا‪ ،‬يدل على النوايا العدوانية لألغراب‪ .‬أنتم‬ ‫مجرد مفسدون‪ ،‬دمروا السد‪ْ ،‬‬ ‫اخ َتفوا عن النظر‪ .‬هذا أمر الحاكم العظيم‪.‬‬ ‫أصوات‪ :‬أيها الوزير المقدس‪ ..‬نحن عبيد رهن إرادتك‪ ،‬و لكننا ال نستطيع تنفيذ هذا األمر‪.‬‬ ‫ أصبح العدو يقترب منا‪.‬‬‫ لقد بنينا السد بأمر من بيبرس‪.‬‬‫خوان (يصرخ بغضب)‪ :‬أنا آمركم‪ ..‬أهدموا السد! أنتم تفتحون الطريق للفرنجة‪ .‬اآلن سوف‬ ‫تتدفق اآلن قوات األعداء إلى القاهرة‪ .‬هذه خيانة!‬ ‫الحارس‪ :‬بيبرس يقترب‪ ..‬ممطياً فرساً أبيض‪.‬‬ ‫(يسمع اصطدام رماح‪ .‬يظهر بيبرس على المسرح‪).‬‬ ‫بيبرس (الهثا)‪ :‬حجزتم النهر؟ رائع‪ ..‬يا جنودي الشجعان!‬ ‫خوان‪ :‬بيبرس‪ ..‬يا قائد جيوشنا‪ ..‬لماذا هذه العجلة؟‬ ‫بيبرس‪:‬أيها الوزير‪ ..‬أنت تعرف أننا ال نستطيع االستكانة عندما يكون العدو قد أمسك‬ ‫بتالبيبنا!‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خوان (و هو يهز رأسه بعدم رضاء)‪ :‬لن يسير األمر هكذا‪ ..‬أ ِزل السد‪ .‬هذا أمر من السلطان‬ ‫نفسه‪ .‬و إذا لم تهزموا العدو حتى الغد‪ ،‬و لم تأسروا ملكه‪ ،‬فإن رقبتكم لن تستطيع تفادى عقدة‬ ‫المشنقة‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬اذهب من هنا‪ ..‬أيها الكافر‪ ..‬األحمق‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬أنت أيضا كافر‪ ..‬لست مثل كل من يأكلون لحم الخيل و يشربون لبنها (ينصرف خوان‬ ‫بعين الحذر‪ ،‬و لكن ليس ببساطة‪ ،‬و لكن بوعيد و لعنات) ‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫بيبرس‬

‫بيبرس‪ :‬أيها الحارس!‪ ..‬أخبر كل من (قالوون‪ ،‬آيتمير‪ ،‬توكتمير‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬و أواك) بأن‬ ‫يخرجوا القوات بسرعة من ضواحى المنصورة‪ .‬و بأال يمنحوا العدو فرصة لالنسحاب‪ ..‬فليغلقوا‬ ‫الطريق إلى القاهرة‪ .‬اآلن سوف نطلق مياه النهر في االتجاه اآلخر‪.‬‬ ‫الحارس‪ :‬سمعا و طاعة‪ ،‬أيها القائد األعلى‪ .‬سوف ينطلق الرسل في طريقهم‪( .‬يبدأ كل شيء‬ ‫في المكان فى الحركة‪ ،‬يتحول إلى عربة خيل بسرعة‪ ،‬اشتباكات‪ ،‬مطاردات‪ ،‬تطلق صيحات‬ ‫عالية‪ ،‬أوامر‪ .‬يقف بيبرس نفسه فى وسط المسرح‪ ،‬ممثال محور ارتكاز العالم و هو ينظر إلى‬ ‫قاعة المتفرجين‪ ،‬موحيا لهم بأهميته و عظمته‪ .‬و يتم ذلك عن طريق لحظة توقف قصيرة‪ .‬يسمع‬ ‫من بعيد لحن بروجي ) أيها القائد العسكري العظيم للجيش‪ ،‬لقد تركت قواتنا‪ ،‬بالخداع‪ ،‬أرض‬ ‫المعركة‪ ،‬و بقى الفرنجة بها وحدهم‪.‬‬ ‫بيبرس (متنهدا)‪ :‬اهدموا السد! فلتتدفق مياه النهر فى االتجاه اآلخر‪ ،‬و تغرق المنخفض‪ ،‬و‬ ‫تبتلع العدو‪( .‬يصدر ضجيج عال من المياه المحررة‪ .‬تصدر أصوات دهشة‪ .‬صراخ‪).‬‬ ‫الحارس‪ :‬لقد هرب‪ ،‬من سلم من الفرنجة‪ .‬أما الجزء األكبر منهم‪ ..‬فقد جرفته المياه‪ .‬حتى‬ ‫الملك لودوفيك ‪ ..IX‬فقد جرفته المياه‪ .‬و ها هو قد ظهر مرة أخرى على رأس حاشيته رافعون‬ ‫رايات بيضاء‪ .‬لقد هزمنا العدو! فليحيا الخالق األعلى! (يعبر حوالى عشرة من الفرنجة المهزومين‬ ‫المسرح جريا)‪.‬‬ ‫بيبرس (يحدث نفسه)‪ :‬المجد لك يا تنجرى‪ ..‬لقد ساعدت ابنك‪ ( .‬لحظة سكون)‪( .‬يرفع‬ ‫المقربون بيبرس على أيديهم)‪ – .‬هيا إلى األمام فلنقبض على الملك أسيرا!‬ ‫(تطفأ إضاءة المسرح‪ .‬و عندما يسقط الضوء مرة أخرى‪ ،‬يظهر شكل قصر عيسى طوران‬ ‫شاه‪ .‬مرة أخرى ترقص فتيات رقصا شرقيا‪ ،‬و لكن فى هذه المرة عددهن أربع راقصات‪ .‬يجلس‬ ‫الشاه على كرسي العرش‪ ،‬و وزيره األكبر خوان ينحني أمامه)‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬قل لي‪ ،‬يا وزيري المقدس خوان‪ ،‬ألم تخلط بين مسئوليتك كوزير‬ ‫ومسئوليتك كرسول؟‬ ‫خوان‪ :‬آه‪ ،‬يا موالى العظيم‪ ،‬أال تبدأ روحي في االندفاع ذهابا و إيابا‪ ،‬عندما يمسك العدو‬ ‫بتالبيبي‪ ،‬و الذئاب بسروالي؟‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬من المفهوم من هو العدو‪ ،‬و لكن من هي ذئابك؟‬ ‫خوان‪ :‬ذئب رمادى‪ ،‬أظهر مخالبه‪ -‬بيبرس‪ .‬يقولون أنه عندما حجز مياه النيل‪ ،‬فقد فتح‬ ‫الطريق للفرنجة‪ ،‬ثم انضم إليهم‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬هل تقسم بأنك تقول الحقيقة؟‬ ‫خوان‪ :‬أقسم‪ ،‬يا صاحب األمر‪ ..‬بحياتي (باضطراب)‪ -‬يهددنا خطر‪ ..‬نحن‪ ..‬و أنتم‪ .‬إن لم‬ ‫تعلنوا الحرب على بيبرس‪ ..‬و إن لم تكونوا جيش آخر‪ ..‬فسوف يبدأ زمن أسود‪ .‬و سوف يغطى‬ ‫الضباب الشمس فى السماء‪ ،‬أما القمر‪ ..‬فسوف يختفي في السماء‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫السلطان‬

‫عيسى طوران شاه‪ :‬و لكن بيبرس‪ ..‬قبل أن يكون قائدا للجيش‪ ..‬فقد أقسم ألبى السلطان‬ ‫صالح قسم الوالء‪(..‬يفتح باب القصر بعنف‪ ،‬و يدخل بيبرس و هو يلهث‪ .‬حركاته عنيفة‪ .‬خوان‬ ‫يرتعش من الخوف)‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬اسمح لى‪ ،‬يا موالى العظيم‪ .‬لقد تم سحق من أعلن «الحملة الصليبية»‪،‬‬ ‫من اعتدى على أرضنا‪ ..‬تم سحقه بالكامل‪ .‬لقد غرق الكثير منهم في مياه و مستنقعات النيل‪ ،‬و‬ ‫قد سقط جزء منهم فقط في األسر‪ .‬لقد دفعت قطيع حاشية ليودوفيك ‪ IX‬أمامي‪ .‬استلمهم كغنائم‬ ‫حرب‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه (قافزا من على كرسيه)‪ :‬أنا فخور بإنجازك الحربي‪ ،‬يا بيبرس‪ ..‬يا‬ ‫محاربي العظيم‪( .‬مترنحا)‪ -‬فليدخلوا هؤالء الثيران‪ ،‬الذين أدخلوا رؤوسهم في النيران! (يدخل‬ ‫القصر ‪ 5-6‬من الفرنجة‪ ،‬مرسوم على صلبان على أرديتهم‪ ،‬و على مالبسهم عالمات تدل على‬ ‫أنهم من الوجهاء‪ .‬مالبسهم ملطخة باألوساخ‪ .‬من الواضح أنهم منكسرون‪ ،‬محبطون‪ .‬فى عيونهم‬ ‫حسرة مختلطة بالخوف)‪.‬‬ ‫بيبرس (منحنيا للسلطان)‪ :‬يا صاحب األمر العظيم‪ ،‬تلقى الضيوف غير المرغوب فيهم‪.‬‬ ‫إنهم يطلبون العفو (ساخرا) عن زيارتهم غير المنتظرة (كل من الحاشية و الملك يمثلون تحية‬ ‫باالنحناء)‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬إذا‪ ،‬نقول أنكم وقعتم‪ ..‬يا سادة‪.‬‬ ‫ليودوفيك ‪ :IX‬لقد وقعنا في الفخ‪ ..‬لقد جرفت المياه كل جيشي‪ .‬و إال‪( ...‬يشير طوران شاه‬ ‫للراقصات‪ ،‬فيبدأن في الرقص حول األسرى‪ ،‬و يالمسونهن بأجسادهن‪ .‬و يخيفونهن بحركات‬ ‫أردافهن‪ .‬يقف طوران شاه و بشاهد و هو يضحك‪ .‬خوان خائف‪ .‬بيبرس و هو سارح)‪ -‬شبعنا يا‬ ‫صاحب األمر (قوى من صوته)‪،‬من الرقصات الشرقية‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬و من الراقصات؟‬ ‫ليودوفيك ‪ : IX‬من كل شىء‪.‬‬ ‫(أشار الشاه بذقنه‪ ،‬فأحضرت إحدى الفتيات الجميالت للملك كأسا من الفضة مليئة بالنبيذ)‬ ‫عيسى طوران شاه‪:‬هيا ‪ -‬يا سيدي الملك‪ -‬فلنشرب نخب النصر(يشرب الشاه كأسه‪ ،‬أما‬ ‫بغل محتوى كأسه فى وجه خوان)‬ ‫ليودوفيك‪ IX‬فيلقى ٍ‬ ‫ليودوفيك ‪ : IX‬قل لنا قرارك‪ ،‬يا صاحب األمر‪ .‬امنحني حريتي‪.‬‬ ‫بيبرس‪:‬اآلن فقط ‪ ..‬طرحت قرارك‪ ..‬أيها الملك!‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬اهلل منح الرؤوس الحرة‪ ..‬أنت حضرت بنفسك إلى بلد عربي‪ ..‬و دخلت‬ ‫إلى الجحيم (يهز رأسه)‪ ..‬اآلن‪ ،‬غالبا لن تجد التحرير‪.‬‬ ‫خوان (ساخراً)‪ :‬أبدا‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫بيبرس‬

‫ليودوفيك ‪( IX‬بزفرة حسرة)‪ :‬آه‪« ..‬يا أيتها األرض المقدسة»‪ ..‬أنت بقيت إلى األبد ال ينال‬ ‫منك‪.‬‬ ‫عيسى طوران شاه‪ :‬الحلم يبقى حلما! بيبرس (مشيرا برأسه إلى الفرنسيين) انزع األصفاد‬ ‫عنهم و احبسهم في زنزانة محكمة األبواب‪.‬‬ ‫(يمشى هو نفسه بتثاقل‪ ،‬و يصعد درجات عالية)‪ .‬سوف أنظر من فوق مأذنة عالية إلى هذا‬ ‫العالم‪ ،‬المنبسط عند قدمي‪.‬‬ ‫(ينحني خوان تماما مقدما التحية‪ ،‬يقود بيبرس األسرى‪ ،‬تستمر الجميالت في الرقص‪.‬‬ ‫ينغمس المسرح في ظالم تام)‪.‬‬

‫‪17‬‬



‫بيبرس‬

‫الجزء الثاني‬ ‫الفصل الثانى‬ ‫يظهر منادى من أحد جانبي المسرح مبشرا باألنباء‬ ‫السعيدة‪.‬‬ ‫المنادى (بصوت مسرور)‪ :‬يا مؤمنون‪ ،‬يا‬ ‫محترمون‪ ..‬لكل من ينتظر أنباء حسنة‪..‬جئت به‪ .‬إن‬ ‫الذين كانوا يريدون االستيالء على سوريا و فلسطين‪..‬‬ ‫قد لقوا الهزيمة‪ .‬لقد سحقت قوات الفرنجة‪ ..‬و تم أسر‬ ‫ملكهم‪ .‬لمن انتظر هذه األنباء‪..‬أعدوا هداياكم‪ .‬سيعقد‬ ‫احتفال عظيم بقصر صاحب األمر‪ .‬من ليس له مأوى‪..‬‬ ‫سيحصل على مسكن‪ .‬العزباء‪ ..‬سيحصلون على نساء‪.‬‬ ‫و الجوعى‪..‬على طعام! أفرح‪..‬يا شعبي (يعبر المنادى المسرح و هو يعلن هذه األنباء)‪( .‬يظهر‬ ‫بعده رسول على المسرح‪ .‬صوته ينم عن مأساة كبيرة)‪.‬‬ ‫الرسول‪ :‬آه‪..‬يا قومي‪ ..‬انطفأت الشمس‪ ..‬و خرج القمر من مرعاه‪ ..‬كل مصر مغطاة بلون‬ ‫الحداد‪ .‬سقطت راية اإلسالم من األيدي‪ ..‬أسقطت ريح شريرة شجرة جبارة‪ ..‬تعكرت مياهنا‬ ‫النظيفة‪ ..‬لقد ترك عيسى طوران شاه هذا العالم‪ ..‬فلتسترح روحه‪ ..‬أما هو نفسه‪..‬فسيحتل مكان‬ ‫مكرما فى الجنة‪ .‬آه‪..‬يا قوم‪ ..‬انضموا للحزن العام‪ ..‬انزعوا شعر رؤوسكم‪ ..‬خربشوا وجوهكم‪.‬‬ ‫(عندما يخفت صوت المناد‪ ،‬تطفأ إضاءة المسرح‪ .‬و عندما تضاء مرة أخرى‪ ،‬تظهر الصورة‬ ‫التالية‪ :‬قصر السلطان‪ ،‬كرسي العرش فارغ‪ ،‬يقف على جانبيه المطالبون به بمالبس الحداد‪ .‬تظهر‬ ‫تعبيرات الحزن على الوجوه مختلطة بأحاسيس الزعامة و الرغبة في السلطة)‪.‬‬ ‫أغا شاهين (الوزير األكبر)‪ :‬اهلل‪..‬اهلل! يا قوم حزين‪ ..‬أيها الوزراء و القضاة‪ ..‬أيها الشيوخ‬ ‫واألمراء‪ .‬الميالد‪ -‬حق‪ ..‬و الموت‪ -‬حق!‪ ..‬هذه هي إرادة اهلل‪ .‬التمسك بقوة بهذا الوحي الذي نزل‬ ‫على نبينا محمد و أن نكون نصراءه‪ -‬يمثل السعادة‪.‬‬ ‫(ينطق المجتمعون بكلمات “هذا صحيح”‪“ ،‬كلمات صحيحة”‪“ ،‬إرادة اهلل” و هم يهزون‬ ‫رؤوسهم‪ ،‬داللة على موافقتهم)‪ .‬لقد مر أسبوع على وفاة صاحب األمر العظيم‪ -‬عيسى طوران‬ ‫شاه‪ .‬لقد وجد الراحة األبدية‪ .‬ال يوجد شاهد واحد على طريقة سقوطه من أعلى المأذنة‪ ..‬هناك‬ ‫جدل‪ .‬و قد حاصرت القوات المغولية‪،‬التي تتكاثر كالديدان‪ ،‬و تتحرك كالنمل‪ ..‬حاصرت بغداد‪،‬‬ ‫مرة أخرى‪ ..‬و ال يوجد صاحب أمر‪ ..‬و العرش فارغ‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫السلطان‬

‫خوان (منحنيا)‪ :‬أقسم باهلل‪ ،‬أنه بعد صعود صاحب األمر إلى قمة المأذنة لمشاهدة العالم‬ ‫المحيط‪ ،‬صعد بعده بيبرس‪.‬‬ ‫شيخ‪ :‬أنا أيضا رأيت ذلك‪ ..‬و كان فى حزامه سيف باتر‪ ..‬و قد صعد إلى المأذنة مندفعا‪.‬‬ ‫شادجار‪ -‬أد‪ -‬دروت‪ :‬و بعد ذلك‪ ..‬سقط فورا السلطان من على قمة المأذنة العالية‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬كان بيبرس نفسه يحلم دائما بالسلطة‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬كل هذه اختراعات‪ ..‬فعندما مات السلطان‪ ..‬كان بيبرس يقضى على بقايا جيش‬ ‫العدو‪ .‬أقسم على ذلك‪..‬برأس قالوون‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬كان السلطان سكران تماما‪ ..‬كان الذنب‪ ،‬فى ذلك‪ ..‬هو ذنب الخمر‪.‬‬ ‫خوان (هائجا)‪ :‬لماذا أنت هنا‪..‬تلوث االسم العظيم؟ ‪ ..‬أيها الكيبتشاكى الملعون!‬ ‫قطز‪ :‬كان الشاه ‪..‬من األكراد‪ ..‬و أنت أيضا من الغرباء‪ .‬ال تنسى ذلك‪ ..‬أيها المقدس خوان‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬لم يقدم أحد هذا الكم من األعمال العظيمة للبلد العربى‪ ..‬مثل المماليك‪ .‬فكل ذنبهم هو‬ ‫أنهم عرضوا صدورهم للرماح‪ ..‬ووضعوا رقابهم تحت السيف‪ ..‬و ظهورهم للهراوات‪.‬‬ ‫أغا شاهين‪ :‬و لماذا لم يحضر بيبرس إلى هذا المجلس؟‬ ‫قطز‪ :‬لقد قدم رأيه أمس فى أرض القتال‪ .‬نعم‪ ..‬و هو اآلن على رأس الجيش‪.‬‬ ‫أغا شاهين‪ :‬ال تتحدثوا في الحياة‪ ..‬عن الموت‪ .‬فهو بئر القتال الالنهائي‪ .‬ها أنتم تعبثون بروح‬ ‫الشاه التي في الحياة األخرى‪ ..‬نؤرقها‪ ،‬حتى بعد الموت‪ .‬ال يوجد هنا أحد مذنب‪ .‬إذا كان بيبرس‬ ‫يطمع فى العرش‪ ..‬لكان جالسا بجانينا اآلن‪ ،‬و لم يكن سيبخل بالحديث الجميل‪ ..‬إنه هو‪..‬من انتزع‬ ‫لنا النصر الكبير‪ .‬و اهلل راض عنه‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬العرش في انتظار سلطانه‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬العرش واحد فقط‪.‬‬ ‫أمير‪ :‬و المطالبون به‪ ..‬كثرة‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬يمأمئون كالخراف‪ ..‬النجوم كثيرة‪ ..‬و لكن القمر المضيء واحد‪...‬‬ ‫شجرة الدر‪ :‬النجم الفاسد يكتسب اللون األبيض‪ ..‬دائما على حساب القمر‪.‬‬ ‫أغا شاهين‪ :‬يوجد وريث للعرش يبلغ الثامنة من عمره‪.‬‬ ‫شجرة الدر‪ :‬رضيع‪ ..‬يطلب باكيا‪ ..‬اللبن من الصدر‪ ..‬ال يصلح للعرش‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬و لكن يمكن أن يكون بجانبه وصى على العرش‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬ال يوجد من هو أنسب من الوزير األكبر لذلك الغرض‪.‬‬ ‫أغا شاهين (و هو يتلفت ناظرا لكل من حوله)‪ :‬تريدين أن تقولوا أنه قد بدأ الصراع على‬ ‫‪20‬‬


‫بيبرس‬

‫العرش؟ بالنسبة لى‪ ..‬فأنا متنازل عنه شخصيا‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬إذا‪ ،‬فلنفتح الطريق للقائد الحربى بيبرس‪.‬‬ ‫خوان ( قافزا‪ ،‬بصوت ناشز عال)‪ :‬هل سيكون هناك يوم‪ ..‬ال أسمع فيه اسم هذا الكيبتشاكى‬ ‫الكريه! (ثم بعد ذلك‪ ،‬بمظهر جاد)‪ ..‬هيا إذا‪..‬فلنفتح الطريق لشجرة الدر‪ ..‬فهى قد كانت‪ ،‬على أية‬ ‫حال‪ ،‬زوجة السلطان الصالح‪ ..‬و لها خبرة بشئون القصر‪ ..‬أما صيد الذئاب‪ ..‬فعندنا من يقوم به‪.‬‬ ‫أمير‪ :‬أن تضع ثعلبة على رأس قطيع من الذئاب‪ ..‬يعنى هالك هذا القطيع‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬نعم‪ ..‬و أن تذهب كل أيامنا في إبادة بعضنا البعض‪.‬‬ ‫شجرة الدر‪ :‬كان المرحوم زوجى “السلطان صالح” يحترم األصل النبيل‪ .‬و قد أخذني من‬ ‫بين الجواري‪ ،‬و جعلني زوجته الحبيبة ألنني ابنة حاكم القبيلة القبجاقية “الدروت”‪ ،‬أو “ترت‪-‬‬ ‫كارا”‪ .‬لذلك فمن حقي‪ -‬كزوجة للسلطان‪-‬المطالبة بالعرش‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬المماليك هم دعامة الدولة‪ .‬لذلك يجب أن يكون واحد منهم‪ -‬بالذات‪ -‬هو من يزين رمز‬ ‫البلد‪ -‬كرسي العرش‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قالوون‪ :‬إذا كان بيبرس ال يناسبكم‪ ..‬فال َي ِقل عنه في أي شيء “قطز”‪ ،‬و هو يمكن أن يكون‬ ‫دعامة مناسبة للسلطة‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬نعم‪..‬يمكن ذلك‪.‬‬ ‫(يتحول هذا الجدل الواضح و النزاع الساخن‪ ،‬الذي يشوح فيه الجميع بأيديهم‪ ،‬إلى سكون قليل‬ ‫تتم فيه كل ذلك عن طريق اإلشارة و الحركات)‪.‬‬ ‫أغا شاهين (بشدة و قسوة)‪ :‬كفى‪ ..‬لقد تحولت دبدبة األقدام إلى نقيق ضفادع‪ .‬سوف يقبض‬ ‫كل منا بدوره على هذا الصولجان‪ -‬صولجان الحكم‪ ،‬حتى طرفه‪ .‬و من سيقع طرف الصولجان‬ ‫في قبضة يده‪ ..‬سيتم إعالنه سلطانا حاكما‪ .‬أما الباقون‪ ،‬فسيعدون تابعين له‪.‬‬ ‫الجميع‪ :‬حل صحيح!‬ ‫ قرار حكيم‪.‬‬‫ نعم‪ ،‬مخرج‪.‬‬‫ يا لحظة الحظ‪ ،‬أو ِمضى‪.‬‬‫ تماسكي‪ ..‬يا قبضتي‪.‬‬‫ ساعدني‪ ..‬يا ربى!‬‫(يغرز كبير الوزراء الصولجان الطويل فى وسط المسرح تماما)‬ ‫أغا شاهين‪ :‬هيا‪ ..‬أقبضوا كل بدوره على الصولجان‪ ..‬كل بدوره‪( .‬الجميع يتدافعون‪،‬‬ ‫يطمعون فى السلطة‪ .‬بعضهم يقبض على الصولجان بكلتا يديه‪ ،‬و يقفل عيناه متمتما دعاء‪ .‬يدفع‬ ‫‪21‬‬


‫السلطان‬

‫كل منهم اآلخر باألكتاف و باأليدي)‪ .‬إرادة اهلل‪..‬اختارت‪ :‬آيبك (كل الباقين صمتوا فى حسرة‪،‬‬ ‫يتنهدون‪ .‬شجرة الدر تعانق السلطان الجديد)‪.‬‬ ‫شجرة الدر(ترمق السلطان سرا‪ ،‬و تغازله بعينيها)‪ :‬كنت أعرف أن ذلك سيحدث‪ .‬فليثبت‬ ‫العرش من تحتك‪ ،‬و أال يترنح‪.‬‬ ‫(يظلم المسرح‪ .‬و عندما يضاء مرة أخرى‪،‬يظهر بيبرس و هو يأمر الحدادين الذين يطرقون‬ ‫السيوف‪ ،‬و يقف بجانبه سكرتيره الخاص المؤرخ “طانيربيردى”)‪.‬‬ ‫بيبرس (موجها الحديث للحدادين)‪ :‬ال يجب أن يثلم النصل الماسي‪ .‬بعد إخراجه من النار‪..‬‬ ‫طشه في الماء‪ ..‬هكذا‪(.‬يستدير إلى مؤرخه)‪ -‬أين توقفنا‪ ،‬يا طانيبيردى؟‬ ‫طانيبيردى يقرأ ما هو مكتوب)‪“ :‬نشب فى القصر نزاع على العرش‪ .‬و قد وجد كبير‬ ‫الوزراء “أغا شاهين” الحل عن طريق القرعة‪ .‬و قد رفض هو نفسه العرش‪ .‬و قد اكتفى بالقليل‪..‬‬ ‫حيث أنه وصى على الكثيرين في الوقت الحالي‪ ..‬لقد كان شخصا جيدا”‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬أكتب‪”:‬نتيجة القرعة‪ ..‬فقد ذهب العرش لمملوك‪..‬للتركى “آيبك”‪ ..‬و بعد أسبوع من‬ ‫الصالة‪ ،‬تزوج شجرة الدر‪ .‬هكذا‪ ..‬فى البداية باعت هذه الماكرة فراشها للزعيم‪ ..‬ثم باعته هو‬ ‫نفسه أيضا‪ .‬فليغفر لها اهلل‪ ..‬ففى الليل‪ ..‬أغمدت الزوجة الشابة خنجرا في صدر السلطان‪ ..‬و انتقل‬ ‫العرش لشجرة الدر‪ .‬أكتب‪ -،‬فالمقدر الذى لم يمنحه لها القادر األعلى‪ ،‬أخذته عن طريق سكب‬ ‫الدماء‪ .‬أكتب‪ ،‬بحيث أال تتمكن‪ ،‬حتى آالف من السنوات‪ ،‬من مسح هذه الكتابة! االحتيال والعنف‪-‬‬ ‫هما شقيقان توأمان‪ .‬و قد تم قلب شجرة الدر من العرش‪ ،‬و قتلها الشعب بنفسه‪ .‬أكتب أن صديقى‬ ‫و أخى القبجاقى “قطز” سيطر على العرش”‪ .‬أما ما بعد ذلك‪ ..‬فذوقه بنفسك‪.‬‬ ‫طانيبيردى (و هو يخفى الكتابة فى عبه)‪ :‬إنه يكشف لى عن كل دسائس و األعمال الشريرة‬ ‫بالقصر‪ .‬أيها القائد العظيم‪ ..‬يبدو أنك تثق بي لكوني من قبيلة القبجاق‪ ..‬سوف أعمل على أن أكون‬ ‫جديرا بثقتك‪.‬‬ ‫(يدخل إلى خشبة المسرح مجموعة من الناس‪ ،‬يحملون أجزاء من مكونات اليورطة‪ -‬مساكن‬ ‫ُر ّحل آسيا الوسطى‪ -‬و معهم بيبرس و زوجنه “طاجى باخيت”‪ ،‬و اثنان من أبنائه‪“ :‬سعيد” و‬ ‫“أحمد”)‬ ‫بيبرس (بسرور)‪ :‬آه‪ ..‬كأنما يرحل قوم القبجاق من ضفاف نهرى الفولجا و اليايكا‪( .‬يمسك بكل‬ ‫جزء من أجزاء اليورطة)‪ .‬كل األشياء التي شاهدتها في طفولتي‪( .‬تنظر طجى باخيت و ابناه و هم‬ ‫مبتسمون)‪ .‬هذه “شانيراك”(شنكر)‪ .‬و هذا مأوى اليورطة‪ .‬ال يجمع اللباد كما يفعل البدو‪ ،‬بترتيب‬ ‫أطرافه واحد فوق اآلخر‪ .‬فيجب أن يغطى اللباد نفسه بحرية‪“ ..‬كيريجى”‪”..‬أويك”‪”..‬أويك”‪..‬‬ ‫يبدو أنى بدأت أنسى‪ .‬كانت أمي تعلق عليها الجبن و الجبن القريش لتجفيفهما‪(.‬يتنهد بعمق)‪ .‬يا‬ ‫له من زمن مضى‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫طاجى باخيت (مع انحناء)‪ :‬لقد اهتممت باعداد كل أجزاء اليورطة‪ ،‬التى كنت تحلم بها منذ‬ ‫‪22‬‬


‫بيبرس‬

‫سنوات‪ ،‬قبل سفرك الطويل‪ .‬لقد قلت أنت نفسك أنه يجب أن تكون من ‪ 12‬مصراع‪ .‬كما أن كل‬ ‫من ابنيك‪ ،‬قد اجتهدا من صميم قلبهما‪.‬‬ ‫سعيد‪ :‬يا أبى‪ ..‬و لكننا ال نعرف كيف ننصبها‪.‬‬ ‫أحمد‪ :‬عندما أقول لسعيد أن أبانا قد ولد فى مثل هذا المسكن‪ ..‬فإنه ال يصدقني‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬نعم يا سعيد‪ ..‬و يا أحمد‪ ..‬فى قديم زمان والدكم‪ ..‬مع الحدوات التي كانت ترتديها‬ ‫الخيل التى حملته‪ ،‬و أسطح السفن الصدأة التي نقلته‪ ،‬بقيت هذه اليورطة‪ .‬خرجنا من مثل هذه‬ ‫المساكن المصنوعة من اللباد‪ ،‬و سافرنا إلى مختلف أطراف العالم‪.‬‬ ‫طاجى باخيت‪ :‬لقد قلت أنه ال يوجد ما هو أفضل من النوم حتى وقت متأخر في الصباح بعد‬ ‫طى ستار اليورطة‪ ،‬و شرب الكوميس (لبن الخيل المختمر)‪ ،‬و أكل لحم الخيل‪.‬‬ ‫سعيد‪ :‬لحم الخيل ‪( ..‬محدثا نفسه) ال أستطيع أكله‪.‬‬ ‫أحمد‪ :‬األفضل شرب ماء النيل‪.‬‬ ‫بيبرس (بعد أن أنصت في صمت‪ ،‬يهز رأسه)‪ :‬لم يقل الشيوخ هبا ًء أن الفرس لن تصبح‬ ‫حصانا‪ ،‬إذا لم تصهل‪ ،‬أو مهر حولي‪ .‬و كذلك ابني‪ ..‬الذي لم يرى أجداده‪..‬فسوف يكون غريبا‪.‬‬ ‫إن البيئة المحيطة هي التي جعلت منكم غرباء‪.‬‬ ‫طاجى باخيت‪ :‬ألن ننصبها‪ ..‬يا حامى الوطن؟‬ ‫بيبرس‪ :‬لم يقل العرب‪ -‬الذين يلبسون على رؤوسهم عمامات‪ -‬هدرا‪ ..‬أن زواجك من فتاة‬ ‫كيبتشاكية‪ ..‬مثل قيامك بعمل آخر‪ .‬هيا يا حاذقين‪ ..‬يا كرام‪..‬هيا‪ .‬سيقوم زنوج سود‪ ،‬و رجال‬ ‫من القبجاق بالمساعدة على نصب اليورطة‪ .‬يبدأ تمثيل عملية تجميع اليورطة‪ ،‬ليس في مقدمة‬ ‫المسرح‪ ،‬و لكن فى خلفيته)‪ .‬أول ما يتم عمله‪..‬هو رفع الشنديراك‪..‬ثم يجمع الكيريجى الذى‬ ‫يثبت إليه “الألويكى”؟ طاجى باخيت‪ ..‬اقتربي أكثر‪ .‬األب يؤكد‪ :‬الشانيراك‪ -‬أتواله بنفسي‪ ..‬أما‬ ‫الكيريجى‪ -‬با أبنائى‪ ..‬فوالدتكم‪.‬‬ ‫طاجى باخيت‪ :‬إذا فلنبدأ بنا نحن االثنين‪ .‬أنت ستكون صاحب الشانيراك‪ ..‬أما األوالد‪ ..‬فلهم‬ ‫األويكيات‪.‬‬ ‫بيبرس (رافعا الشانيراك)‪ :‬هوبا‪ ..‬فلتحمنا أرواح األجداد‪ ..‬فليصبح سكنى‪ -‬الذي أقيمه في‬ ‫الغربة‪ -‬سعيدا‪.‬‬ ‫طاجى باخيت (نصف هامسة)‪ :‬فليشمل ذلك أيضا ولدينا‪ ..‬آمين‪ (.‬جلبة‪ ،‬أصوات سعيدة‪،‬‬ ‫يستمر تشييد اليورطة)‪.‬‬ ‫(فى المشهد التالى‪ ،‬يجلس بيبرس فى الوسط‪ .‬أحد الزنوج السود يقف حارسا‪ .‬الثاني يهوى‬ ‫له بمروحة كبيرة‪ .‬و حولهم قوم يقومون بطرق أسلحة‪ .‬أمام بيبرس تقف مشنقة‪ ،‬معلق عليها أحد‬ ‫الفرنجة من قدميه و هو مقيد‪ .‬أحيانا نادرة يرفع رأسه ثم يخفضها مرة أخرى)‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫السلطان‬

‫أسد‪.‬‬

‫بيبرس (ينظر إليه)‪ :‬تقول أنك ال تعرف أسرار أسلحة إطالق النيران؟‬ ‫األسير‪ :‬لو كنت أعرفها‪..‬لكنت اعترفت بها‪ ..‬أيها القائد‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬أنت تكذب‪ ..‬كيف أمكنك أن تقرب شعلة إلى ذيل فوهة ماسورة سالح‪ ،‬يشبه فوهة‬

‫األسير‪ :‬واجبى كان أن أقرب لهب النار‪ ..‬و بعد ذلك كان يصدر دوى “بوخ!”‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬و عندما انتقلت إلى جانبنا‪..‬لماذا لم تجعل سالحك يدوى‪”..‬بوخ”‪.‬‬ ‫األسير‪ :‬السائل المرارى يمأل فمي‪.‬‬ ‫بيبرس (ضرب األسير بعصي على مؤخرته)‪ :‬هكذا قدمت لذيلك النار‪ .‬قل لي‪ ..‬إلى أين‬ ‫دخلت النار اآلن؟‬ ‫األسير‪ :‬إلى الفتيل‪ ..‬ياإلهى‪ ..‬الفتيل يشتعل‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬آه‪ ..‬تقول الفتيل يشتعل‪ ..‬يوجد لدينا فتيل‪( .‬يضربه مرة أخرى على مكان طرى)‪ .‬و‬ ‫عندما ينتهي احتراق الفتيل‪ ..‬يصل إلى ماذا؟‬ ‫األسير‪ :‬السائل المراري‪ ..‬يا إلهي‪ ..‬إلى بارود‪( .‬يرتعش جسمه من التشنجات)‪ .‬عند االشتعال‬ ‫يدفع البارود الدانة‪ ..‬الدانة‪...‬‬ ‫بيبرس‪ :‬و الدانة فى اتجاه المماليك (يبدأ فى التفكير)‪.‬‬ ‫األسير‪ :‬ال يوجد عندنا بارود‪ ..‬بارود‪ ..‬آه‪..‬مرارتى!‬ ‫بيبرس‪ :‬ابحث عن بارود‪ ..‬اصنعه‪ ..‬و إال سوف أسكب سائلك المراري‪..‬خذوه بعيدا‪( .‬يبعده‬ ‫‪ 3-4‬مماليك مع المشنقة‪ .‬يقترب بيبرس من الذين يطرقون األسلحة‪ .‬يفحصها‪ ،‬و يقيمها)‪ .‬سيوف‪،‬‬ ‫نصلها معقوف‪ .‬تم طريقها بالطريقة األصفهانية‪ .‬تم تسخينها فى النار‪ ،‬ثم طشها في الماء؟‬ ‫(موجها الحديث لمملوك) خذ‪ ..‬أمسك (يلقى له السيف‪،‬فيلتقطه) و اآلن مبارزة ثنائية‪..‬جيكبى‪..‬‬ ‫جيك‪..‬جيكبى‪..‬جيك‪.‬‬ ‫المملوك‪ :‬أيها القائد‪..‬أنا خائف‪.‬‬ ‫بيبرس (صارخا بصوت عال)‪ :‬خائف ممن؟‬ ‫المملوك‪ :‬منك‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬سوف أقطع اآلن رأسك‪(..‬ثم بلطف) إقطع‪.‬‬ ‫المملوك‪ :‬عندئذ سوف أتخيل أنك محارب منغولى‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬حسنا‪ ..‬أنا محارب مغولي‪.‬‬ ‫المملوك (متصنعا الغيظ)‪ :‬حسنا‪ ..‬خذ‪(.‬يبدآن سويا فى القتال بحماس) من أجل قتل أبى‪ ..‬في‬ ‫أرض موحشة!‬ ‫‪24‬‬


‫بيبرس‬

‫خذ‪ ..‬من أجل موت أخى على يديك! خذ أيها الكلب المغولى! (يدفعان بعضهما البعض إلى‬ ‫ركن المسرح)‪.‬‬ ‫بيبرس (مبتسما)‪ :‬ممتاز‪ ،‬أيها المملوك‪ ..‬مقاتل بحق‪ ..‬اضرب بمحاورة‪ ..‬مد يدك بالتواء أكبر‪..‬‬ ‫اقفز!‪ ..‬اقفز جانبا!‪..‬دافع عن نفسك‪ ..‬اندفع إلى األمام (التف من حولهم جمع من المتفرجين)‪..‬‬ ‫ارجع إلى الوراء‪ ..‬قلت لك‪( .‬يسقط المملوك)‪ .‬فليأخذك الشيطان‪( .‬بيبرس يضع قدمه اليمنى على‬ ‫صدر المملوك‪ ،‬و يقرب سن السيف من رقبته)‪ .‬ماذا‪ ..‬هل الحياة غالية؟‬ ‫المملوك‪ :‬ال‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬انت حاذق‪ ..‬قم‪.‬‬ ‫(يقترب رسول‪ ،‬و يتكلم)‬ ‫الرسول‪ :‬أيها القائد بيبرس‪ ..‬أيها السيد‪ ..‬لقد استولى األعداء على بغداد‪ ..‬األعداء! لقد أرسل‬ ‫المغول ‪ 40‬سفيرا‪ .‬السلطان قطز ينتظر حضوركم بفارغ الصبر‪.‬‬ ‫(يدخل بيبرس إلى قصر السلطان‪ .‬يجلس قطز على كرسي العرش‪ .‬من حوله كل من قالوون‪،‬‬ ‫و خوان‪ ،‬و آخرون‪ -‬قضاة‪ ،‬أمراء‪ ،‬شيوخ‪ .‬وجه قطز عابس)‪.‬‬ ‫قطز ‪ :‬ها‪ ،‬بيبرس‪ ..‬أخى‪..‬حضرت؟‬ ‫بيبرس‪ :‬ما الذي حدث‪ ..‬أيها السلطان؟‬ ‫قطز (مقويا صوته)‪ :‬بدأت أوقات غير هادئة‪ ..‬بيبرس‪ ..‬لقد استولى هؤالء المغول‪ ،‬الذين‬ ‫ألبسونا كلنا‪ -‬في الماضي‪ -‬لجام العبودية‪ ،‬على بغداد‪.‬‬ ‫خوان (يحدث نفسه)‪ :‬أليس هؤالء المغول هم نفسهم الذين جعلوا منكم‪ ..‬سالطين‪..‬و من‬ ‫اآلخرين قواد جيوش؟ ال يمكن أن تتوقع ما يمكن أن يقوم بعمله هؤالء القبجاق!‪( ..‬ثم بصوت‬ ‫عال) لقد قضوا على كل القوات و أحرقوها تماما‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬من على رأس الجيش؟‬ ‫قطز‪“ :‬كتبوخا”‪ ..‬القائد “هوالكو”‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬من األحسن أن تقول “مدمر حقيقي”‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬لقد أمسكوا بقائد القوات‪ ،‬و ثنوه نصفين‪ ..‬فكسروا عموده الفقري‪.‬‬ ‫شيخ‪ :‬لقد أحرقوا كل سجاجيد الصالة الخاصة بالصوفيين‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬لقد دنسوا المساجد‪ ..‬فحولوها إلى اسطبالت للخيل‪ ..‬و نشروا بها روث الحيوانات‪.‬‬ ‫قطز (رافعا صولجانه)‪ :‬يجب أال يثيروا الفزع!‪ ..‬أربعون سفيرا أرسلهم “كتبوخا”‬ ‫و“هوالكو”‪ ..‬ينتظرون استقبالهم‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬فلنتحدث معهم‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫السلطان‬

‫قالوون‪ :‬فلنتبين نواياهم‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬فليدخل بعض منهم‪ ..‬فال يجب أن يتزاحموا هنا‪.‬‬ ‫(يدخل ‪ 5-6‬من السفراء إلى قاعة استقبال السلطان و هم ينحنون و هم يتشجعون)‬ ‫سفير‪ :‬تحيات لحاكم مصر‪ ..‬من “هوالكو”‪ ،‬حفيد ملك العالم‪ ..‬من مركز أرض “جنكيزخان”‪..‬‬ ‫ومن قائده الحربي “كتبوخا”‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬نتقبل تحياتهم‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬األفضل‪ -‬هو تحديد مكان القتال‪.‬‬ ‫السفير‪ :‬باإلضافة إلى التحية‪..‬لقد أرسل لكم حفيد “كوجان” العظيم رسالة‪ .‬تلقوها‪( .‬يقدم‬ ‫لفافة إلى قطز)‪.‬‬ ‫قطز (يفتح اللفافة و يقرأها)‪“ :‬استسلموا بإرادتكم‪ .‬افتحوا بوابات القاهرة بأيديكم‪ ..‬نعد كل‬ ‫منكم بالحياة‪..‬و إال فإن جيشي‪ ،‬الذي داست حوافر خيوله على كل الكرة األرضية‪ ،‬سوف يحول‬ ‫كل األحياء إلى موتى‪ ،‬و يرسل الموتى إلى الجحيم‪ .‬إلى اللقاء‪.‬كتبوخا‪ .‬ختم هوالكو”‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬آخ‪..‬آخ‪ ..‬أنظروا إلى شراهتهم‪.‬‬ ‫شيخ‪ :‬أقدام غير المؤمنين في الرديم‪ ..‬و رؤوسهم في السماء‪.‬‬ ‫بيبرس (يتفحص بتمعن وجه أحد السفراء‪ .‬يحدث نفسه هامسا)‪ :‬غريبة‪ ..‬يشبهه تماما‪ ..‬لقد‬ ‫مر على ذلك نحو عشرين عاما‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬يا وزرائي‪..‬يا بكواتي‪ ..‬يا أمرائي‪ ،‬و يا شيوخي‪ ..‬قولوا كلمتكم المسموعة‪ ..‬حتى نقدم‬ ‫الرد إلى السفراء‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬أنا أعرف هؤالء المغول‪ ..‬الخداعين‪ ..‬بعد أن استولوا على بغداد‪ ،‬لن يتركوا حجرا‬ ‫واقفا على اآلخر في القاهرة‪ ..‬نعلن الحرب‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬الحرب‪ ..‬و الحرب وحدها‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬نخسر مصر‪ ..‬فقط‪ ..‬و نحن أموات‪ ..‬أما و نحن أحياء‪ ،‬فال!‬ ‫السفير‪ :‬أيها السلطان‪ ..‬االستسالم‪ ،‬بدون أن تفقد وجهك‪ ..‬أمر مختلف‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬أغلق فمك‪ ..‬أيها النجس‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬هل يجب أن نصب الرصاص في فمه‪ ..‬أم ماذا؟‬ ‫قطز‪ :‬الصبر‪ ..‬يا بيبرس‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬إذا كانوا لن يهدموا أبنيتنا‪ ..‬و لن يلمسوا أرواحنا‪ ..‬حينئذ يمكن الوصول إلى اتفاق‪ -‬أن‬ ‫نعيش في سالم‪.‬‬ ‫شيخ‪ :‬عندئذ‪ ..‬سوف نفكر‪( .‬يمثل التأرجح)‪.‬‬ ‫السفير‪ :‬أحسن شيء‪ -‬هو التفكير‪ .‬نمنحكم وقتا‪ ..‬حتى منتصف الغد‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫بيبرس‬

‫خوان‪ :‬السفير يعرض فكر رباني‪ ..‬لماذا علينا أن نحارب‪ ..‬و أن نهلك؟‬ ‫قطز‪ :‬هنا كلمتي هي األخيرة‪ ..‬سوف نحارب‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬الحرب‪ ..‬و الحرب وحدها‪ ..‬قواتى جاهزة‪.‬‬ ‫السفير (ينفض سرواله)‪ :‬هذا يعنى‪ ..‬أنه قراركم األخير‪.‬‬ ‫قطز (بغضب)‪ :‬و لكن ليس عليكم‪ ..‬أيها السفير‪ ..‬اإلبالغ بهذا القرار‪ .‬فليتم شنقهم كلهم‪.‬‬ ‫(يدخل مماليك من الخارج‪ ،‬يمسكون السفراء من رقابهم‪ ،‬و يلون أيديهم‪ ،‬و يخرجونهم من قصر‬ ‫السلطان‪ .‬السفراء مذعورون تماما‪ .‬الباقون أيضا محبطون)‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬قطز‪..‬إن قتل السفراء‪ -‬عمل ال يقره الدين للمسلمين‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬هذا مكتوب فى رسالة النبي‪.‬‬ ‫خوان (و قد جبن تماما)‪ :‬يا إلهي‪ ..‬يا إلهي‪ ..‬اغفر لنا‪.‬‬ ‫السفير‪ :‬كيف ال تتبعون القرآن‪ ..‬يا ناقصي العقل‪ ..‬و تخذلون سلطانكم؟‬ ‫قطز‪ :‬أقفل فمك‪ ..‬يا ثعبان! أنت لست سفيرا بل جاسوسا من األعداء! يكون الحبل دائما في‬ ‫انتظار رقبة الجاسوس‪..‬حبل المشنقة‪ .‬خذوه‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬قطز‪ ..‬يا صاحب األمر‪...‬‬ ‫بيبرس‪ :‬ال تلوث يديك بالدم‪.‬‬ ‫قطز‪ :‬لقد قلت‪ ..‬قطعت‪ ..‬فليشنقوا جميعا!‬ ‫(بيبرس ينادى على أحد الحراس‪ ،‬و يهمس بشيء ما في أذنه‪ .‬ينصرف المملوك)‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬ما حدث‪ ..‬قد حدث‪( .‬يمسح بيده على وجهه) آمين‪.‬‬ ‫قطز (و هو يقوم من على كرسي العرش)‪ :‬فليرسل الرسل إلى كل أطراف مصر األربعة‪.‬‬ ‫الحرب معلنة‪ .‬كل الرجال‪..‬كل من يستطيع ركوب الخيل‪ ،‬و اإلمساك بلجامه‪ ..‬كل من يستطيع‬ ‫إمساك رمح‪ ،‬أو سيف‪..‬فليخرج الجميع على “الحرب المقدسة”!‪ ..‬فليسرع الرسل‪.‬‬ ‫(يدخل مملوك)‬ ‫المملوك‪ :‬انقطع حبل عقدة المشنقة‪ ..‬و سقط أحد السفراء حيا على األرض‪ ..‬ماذا نفعل؟‬ ‫(ينظر قطز إلى بيبرس متسائال عما يجب عمله)‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬احبسوه في زنزانة‪.‬‬ ‫المملوك‪ :‬سمعا و طاعة‪.‬‬ ‫(يظلم المسرح‪ .‬تجرى عليه في الخلف و في األمام مجموعات كبيرة من الناس ممسكة برماح‬ ‫و سيوف و دروع‪ .‬تسمع صرخات و هتافات‪“ .‬الحرب‪ .‬الحرب”‪“ ،‬الحرب المقدسة”‪“ ،‬ال إله إال‬ ‫اهلل”‪“ ،‬الحرب‪ ..‬الحرب”‪“ ،‬بغداد البائسة”‪“ ،‬الموت للمغول”‪...‬الخ‪.‬‬ ‫‪27‬‬



‫بيبرس‬

‫الجزء الثاني‬ ‫الفصل الثالث‬

‫قصر السلطان‪ .‬يجلس بيبرس على كرسي العرش‪،‬‬ ‫متكئاً على الصولجان‪ .‬يقف على الجانبين اثنان من‬ ‫الزنوج السود يهويان له بمروحتين كبيرتين‪ .‬على اليمين‪،‬‬ ‫و على يسار بيبرس‪،‬الذى وقف على ركبة واحدة‪ ،‬يقف‬ ‫بال حركة كل من قالوون و المؤرخ طانيربيردى‪ .‬يوجد‬ ‫سيف معلق في جنب قالوون‪ .‬في يد طانيربيردى ريشة‬ ‫أوزة‪ ،‬و في يده األخرى ورقة ملفوفة‪ .‬يفكر بيبرس و‬ ‫عيناه مغلقتان)‪.‬‬ ‫بيبرس (يفتح فجأة عينيه)‪ :‬اقرأ‪ ،‬يا طانيربيردى‪ ..‬أكمل مدوناتك التاريخية‪.‬‬ ‫طانيربيردى‪ “ :‬تم إعالن الحرب على الخان “هوالكو” و قائده “كيربوخا”‪ .‬و عند اقتراب‬ ‫جيش الكفرة من القاهرة‪ ،‬جاء البدو للمساعدة‪ .‬فلينزل عليهم نور اهلل‪ .‬لم تكن تظهر نصف السماء‬ ‫بسبب األتربة‪ ،‬و كذلك األرض بسبب الدماء و جثث القتلى‪ .‬و قد قام قائد الجيش المؤمن‬ ‫“بيبرس” بنفسه بتدمير األعداء الكفرة الذين سقطوا فى الحصار‪ ،‬و هو ممتطى حصان أبيض‬ ‫اللون‪ .‬و قد بح صوته من الصراخ باألوامر و التعليمات‪ .‬كما أنه كان يطلق مدافع إطالق النيران‪.‬‬ ‫و قد استمر ذلك حتى تم القضاء على بقايا جيش العدو‪ .‬و قد فتل السلطان “قطز” في المعركة‪.‬‬ ‫فليرحم اهلل روحه‪ .‬و قد جلس السلطان “بيبرس” على العرش‪ .‬نأمل أال ينال عدم رضاء تنجرا”‬ ‫قالوون‪ :‬و لماذا لم تكتب أنه حول الصحارى إلى حديقة مزهرة‪ .‬و أنه جعل النظام يستتب‬ ‫فى البلد‪ ،‬و أنه قضى على كل غير الشرفاء‪ ،‬و أن بلده تمكنت من لم شملها و من مضاعفة ثرواتها‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬نعم‪ ..‬أيها المؤرخ‪ ..‬قل لي‪ ..‬بعد جلوسي على العرش‪ ..‬ما هي األلقاب األخرى‬ ‫والصفات التي ارتبطت بأسمى؟‬ ‫طانيربيردى (و هو يستعدل المخطوط الملفوف)‪ :‬أبو الفتوح‪ ..‬ركن الدين‪ ..‬الملك‪ ..‬الظاهر‬ ‫بيبرس‪..‬البندقدارى‪ ..‬الصالح‪.‬‬ ‫بيبرس (رافعا صولجانه)‪ :‬كفى‪ ..‬كما لو كانت ابل مربوطة بعضها إلى البعض‪ ..‬في قافلة‪.‬‬ ‫حتى من الصعب حمل كل ذلك‪( .‬متكدرا) هل تساوى كل هذه األسماء اسما واحدا‪“ ..‬يا بارسى”‪..‬‬ ‫‪29‬‬


‫السلطان‬

‫الذي كانت تناديني به أمي؟‪ ..‬يا لها من حياة!‬ ‫(يظلم المسرح‪ ،‬و يدور‪ .‬يقف على المسرح بيبرس فى عمر ‪ 7-8‬أعوام مع أمه)‪.‬‬ ‫أم بيبرس (تقترب من طفلها)‪ :‬أين كنت‪ ..‬يا بارسى؟ لم يبقى أى مكان ‪ ،‬لم أبحث عنك فيه‪.‬‬ ‫لقد خفت أن تكون قد غرقت‪.‬‬ ‫الطفل‪ :‬كنت ألعب‪ ..‬كنت أطلق السهام‪ ..‬كنت أنتظر فريسة ألصطادها‪ ..‬اصطدت وحوشا‪.‬‬ ‫األم‪ :‬من األفضل أن تقول أنك كنت تتجول على ضفة نهر “الجانكا”‪“ ..‬الياييك” نهر كبير‪..‬‬ ‫ال يجب المزح معه‪ ..‬يا بنى‪ .‬تعيش فيه أسماك الزجر‪ ..‬هى أسماك مقدسة‪ ..‬و تتأرجح طيور‬ ‫النورس على أمواجه‪ ..‬ها هى‪ ..‬أتراها؟‬ ‫الطفل‪ :‬أراها‪.‬‬ ‫األم‪ :‬هي أيضا مقدسة‪.‬‬ ‫الطفل‪ :‬نعم‪ .‬يبدو أن كل شيء هنا مقدس‪.‬‬ ‫األم‪ :‬كل شيء مقدس بأرض الوطن‪ ..‬يا ابني‪ .‬هناك فى السهول الواسعة‪ ،‬خلف “الجانك”‬ ‫تنمو حشائش االشتياق للوطن‪ ..‬اسمها “جوسان”‪.‬‬ ‫الطفل‪“ :‬جوسان”؟‪ ..‬و لماذا هي مقدسة؟‬ ‫األم‪ :‬ألنها تبدأ تبدأ في إطالق رائحة المسك‪ ،‬و تتفتح براعمها‪ ،‬فقط عندما يشمها شخص‬ ‫مشتاق لوطنه‪.‬‬ ‫الطفل‪ :‬مدهش‪ ..‬و إذا كنت سأكون أنا‪ -‬في يوم‪ -‬مشتاقا لوطني‪ ..‬فهل سيهديني نبات الشيح‬ ‫هذا‪ ..‬رائحته‪.‬‬ ‫األم (وهى سارحة)‪ :‬يا إلهى‪ ..‬ارحم صغيري من طول الفراق‪ .‬ستشتاق يا مهري الصغير‪.‬‬ ‫(يدور المسرح‪ ،‬يختفي الطفل و أمه‪ ،‬و يظهر بيبرس على كرسى العرش متكآ على‬ ‫صولجانه)‬ ‫بيبرس (قافزا من مكانه)‪ :‬اشتياق! بالرغم من كل الجهد الذي بذلته طوال حياتي‪ ،‬إال أن‬ ‫الجايك‪ ،‬و سهول الشيح بقيت بعيدة المنال‪ ..‬كانت دائما أمام عيني‪ ،‬و عكرت عقلي‪ .‬هل يمكن‬ ‫هلل أن يهزل مع عبده بهذه الطريقة؟ هل هذا ممكن؟ هل إذا ألقيت إلى الجحيم هذا العرش‪ ،‬و هذا‬ ‫النجاح الذي نزل على رأسي‪ ،‬و الذي ال يبعده‪ ..‬و ال حتى ركلة قدم‪ ..‬و أغلى أنواع الحرير؟ ‪..‬‬ ‫هل سأصل إليك أم ال؟ (تسمع أغنية عن بعد‪ ”.‬تطير طيور الغرنوق من اليايكا في مجموعات‪،‬‬ ‫و لكنها ال تجلب أخبار”‪ .‬يسير بيبرس إلى الخلف ليجلس على كرسي العرش‪ .‬و في هذا الوقت‬ ‫يحضر اثنان من الحرس السفير المغولي الذي بقى على قيد الحياة)‬ ‫الحارس‪ :‬أيها السلطان‪ ..‬يا صاحب األمر‪ ..‬حيث أن عبد إرادتك‪ ،‬أنفذ أمرك‪ .‬ها هو السفير‬ ‫الذي سقط من حبل المشنقة‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫بيبرس‬

‫(السفير الذى سقط على األرض‪ ،‬يسجد محييا)‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬قم‪ ،‬أيها السفير‪ ..‬ال تخف! من أين أتيت؟ ‪ ..‬و إلى أين‪ ،‬أنت ذاهب؟‬ ‫السفير (مضطربا)‪ :‬من “كاراكوروم”‪ ..‬أيها السلطان‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬ال تخلط األمور‪ ..‬أنت أتيت من الزنزانة‪ ..‬و سوف تذهب للقاء اهلل‪.‬‬ ‫السفير‪ :‬سوف نتقابل كلنا أمام اهلل‪ ..‬أيها السلطان‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬ميزان اإليمان‪ ...‬اهلل هو ربى‪ ..‬هو الذي يقرر من و كيف يقابل؟ كفى هراء! األفضل‬ ‫أن تقول لي‪ ..‬كيف بقيت على قيد الحياة‪ ،‬بعد شنقك؟‬ ‫السفير‪ :‬على األغلب‪ ..‬ألني لم أكن مذنبا‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬هل انقطع حبل المشنقة على عنقك الدقيق ألنك لست مذنبا؟‬ ‫السفير‪ :‬يبدو ذلك‪ ..‬أيها السلطان‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬على العكس‪ ..‬لقد انقطع ألنه لم يتحمل ذنوبك‪ ..‬أيها الخائن! (أصيب السفير بذعر‬ ‫شديد‪ .‬يقوم بيبرس من مكانه بغضب)‪ .‬قل لى بسرعة‪ ..‬هل ظهرت منذ ‪ 20‬عاما على ارض‬ ‫القبجاق؟‬ ‫السفير(مضطربا)‪ :‬السهل القبجاقى‪...‬‬ ‫بيبرس‪ :‬نعم السهل القبجاقى‪ ..‬لو قلت حتى نصف كلمة غير حقيقية‪ ..‬ستفقد رأسك (يسحب‬ ‫سيفه الالمع من جرابه)‪ ..‬تكلم!‬ ‫السفير(متهتها)‪ :‬ن‪-‬عم‪ ..‬ك‪-‬نت‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬و هاجمت القوم الرحل بخان “جاماك”‪.‬‬ ‫السفير (وجسمه يرتعش بشدة)‪ :‬ح‪ -‬قي‪ -‬قى‪ ..‬ح‪ -‬د‪ -‬ث‪..‬‬ ‫بيبرس(ساخرا)‪ :‬ح‪ -‬قي‪ -‬قى‪ ..‬ح‪ -‬د‪ -‬ث‪..‬و هل تتذكر كيف أسرت الصغير‪ ..‬مثل العصفور‪..‬‬ ‫ابن “جاماك خان”؟‬ ‫(السفير يهز رأسه بااليجاب) ثم بعته لتاجر إيطالي؟ نعم‪ ..‬يا سفير؟ تم بيعه عبدا‪ ،‬و تم ترحيله‬ ‫إلى بلدان العالم‪ ،‬و تم وصفه بالعبد األصلم‪ ..‬هل تعرف اسم هذا الصبي؟‬ ‫السفير‪ :‬ال‪..‬ال‪ ..‬لقد نسيته‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬كان اسمه‪ ..‬بيبرس!‬ ‫(يصرخ السفير “آه”‪ ،‬و يسقط و هو يشيح بيديه)‪ -‬و أنا عرفتك فورا‪ .‬عرفتك يا مجرم!‬ ‫بعته بنفسك‪ ،‬و كنت تعد ربحك‪ ،‬و أنت تضحك‪ .‬عرفتك!‪ ..‬عرفتك من ثولول على جبهتك بحجم‬ ‫األصبع‪ .‬ينمو ثولول ‪-‬لمن ال تكتب له السعادة‪ -‬على جبهته‪ ..‬أما من ال يصلحون للعرش‪ ..‬فهو‬ ‫موجود على أردافهم‪ ..!.‬ها‪-‬ها‪-‬ها‪-‬ها (يضحك ساخرا)‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫السلطان‬

‫السفير‪ :‬و لماذا إذا‪ ..‬بقيت على قيد الحياة؟‪ ..‬أخ‪(..‬يضرب على جبهته بقبضتيه)‬ ‫بيبرس‪ :‬أنا السبب‪..‬ألني أمرت بقطع حبل المشنقة‪ ..‬و أبقيتك على قيد الحياة‪.‬‬ ‫السفير‪ :‬و لكن‪ ،‬لمذا؟‪ ..‬ما السبب؟‬ ‫بيبرس‪ :‬بالرغم من أن الحياة واحدة‪ ..‬و لكن لها امتدادان‪ ..‬فالسفاالت المعروفة فى الحياة‪،‬‬ ‫واألعمال الشريرة الغادرة‪ ..‬ال تنمحي في الحياة اآلخرة‪.‬‬ ‫السفير (قافزا من مكانه)‪ :‬بيبرس‪ ..‬بالرغم من كوني قد بعتك عبدا‪ ..‬و لكن‪ ،‬كانت يدي‬ ‫رحيمة عليك‪ ..‬و فى النهاية‪ ،‬أنت أصبحت سلطانا‪ .‬ال تأخذ حياتي!‬ ‫بيبرس (يحدث نفسه بصوت عال)‪ :‬األفضل من أن تكون سلطانا في الغربة‪ ..‬هو أن تكون‬ ‫عبدا على أرض وطنك‪.‬‬ ‫السفير‪ :‬ال يوجد شيء سيء في أن تكون سلطانا‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬فى البداية طلبت‪..‬أن يتم قتلك‪ ،‬و اآلن تطلب أن نبقيك على قيد الحياة‪ .‬تبين أن‬ ‫وجهك ال يكسوه الخجل‪ ،‬و أن روحك ال تلبس قميص الكرم‪ ..‬و ال روحك تكتسي باإليمان‪.‬‬ ‫الموت الشريف أفضل من الحياة بال معنى‪ .‬يا قدري‪..‬الذي أصابه الهرج و المرج‪ ..‬و الذي تعلق‬ ‫في نفس الوقت ببلدي‪ ..‬و لكنه منحنى‪ ..‬أن أسحق بيدي األعداء الذين قاموا بذلك‪ .‬أنا راض‪ ..‬يا‬ ‫خالقى‪ ..‬راض عن أنك ألقيت عند قدمي من خطفني‪ ..‬من جرح روحي‪ ..‬و هدم عالمي‪ .‬لن أعاتب‬ ‫نصيبى الحزين‪.‬‬ ‫( يعطى بيبرس إشارة الثنين من المماليك‪ .‬يحضران المهندس الفرنجى)‪ -‬أيها السفير‪ ..‬هذا‬ ‫سقط في األسر مع الملك الفرنسي‪..‬هو خبير حاذق (يسجد المهندس محييا بيبرس)‪ .‬لقد كشف لنا‬ ‫أسرار أسلحة إطالق النيران‪ .‬لقد أحرقت هذه األسلحة الكثير من قواتكم‪( .‬ينحنى بيبرس قليال‬ ‫للمهندس)‪ .‬فليرضى عنه اهلل‪( .‬السفير مؤكدا “آه”‪ ،‬و يتجه إلى المهندس مهددا‪ .‬يخفت ضوء‬ ‫المسرح‪ .‬بيبرس يجلس على كرسى العرش ‪ ،‬و بجانبه المؤرخ طانيبيردى)‬ ‫ أكتب‪ ..‬أيها المؤرخ “طانيبيردى”‪ .‬أكتب عنوان “إلى الوطن” (يستغرق فى التفكير)‬‫“إلى خان القوم الرحل بيركى الذهبيين المحترم‬ ‫الذي يظلم أمامه القمر‪ ،‬و تختفي الشمس أمامه‪،‬‬ ‫تحية قريب‪ ،‬من سلطان مصر “بيبرس”‬ ‫حليفكم الخليفة‪ ،‬و هو يعقد عليكم آمال خاصة‪ ،‬يتمنى لكم الصحة و طول سنوات الحياة‪ .‬أنتم‬ ‫مسلمون‪ ،‬لذلك نعتقد أنه لن تكون لديكم نحونا مشاعر ثأرية ألننا هزمنا جيوش قريبكم‪ .‬و لكن‬ ‫الكافر “هوالكو”‪ ..‬أرسلهم لتدمير األماكن المقدسة فى عقيدتنا‪ ،‬فلقوا فيها حتفهم‪( .‬يفكر)‪ .‬أمد لكم‬ ‫يد الصداقة”‬ ‫(تقدم األفكار التي في رأس بيبرس على هيئة مونولوج على المسرح)‬ ‫‪32‬‬


‫بيبرس‬

‫“واه‪ ..‬أيها العالم الالنهائي الخالد‪ ..‬كان بابك مفتوح لى بضنى‪ ..‬ما هو العالم إذا لم يقفل بنفس‬ ‫هذا الضنى؟ كان هناك نهرى العظيم “الجايك”‪ ..‬نعم‪ ..‬و بلد موحد كبير هو “دشتى‪-‬قبجاق”‪ .‬كان‬ ‫عندي حديقة من الجنة‪ ..‬و حرية مقدسة‪ ..‬و حقول ممتدة من نبات الشيح‪..‬و كم كانت الفتيات‪..‬‬ ‫جميالت؟‪ ..‬بضفائرهن الشقراء‪ ..‬و اللبن المخمر‪ ..‬الذي يكون رغاوى في اآلنية؟! ‪ ..‬آه‪ ..‬كيف‬ ‫كان الرجال هناك‪ ..‬أقوى من جزوع أشجار الزان‪ ..‬أقوى من صخور الجبال‪ ..‬هل يمكن وصف‬ ‫ضربات حوافر الخيول األصيلة بالكلمات؟!‬ ‫هل أجدادنا أحياء هناك‪ ،‬بمالبسهم المطرزة بالذهب؟‪ ..‬هل هم أصحاء؟ يا ترى‪ ،‬هل أجدادنا‬ ‫هناك بصحتهم و عافيتهم‪..‬بذقونهم الفضية التى تصل إلى صرتهم؟‬ ‫أيتها الخطابات ذات األجنحة‪ ..‬طيري مثل عصافير الجنة‪ ..‬أخبريهم‪ ،‬أن الشوق إلى الوطن‬ ‫قد نما فى صدر “بيبرس”‪ .‬أخبريهم‪ ..‬إلطفاء هذا الحنين‪ ..‬فليرسلوا حزمة صغيرة من نبات‬ ‫الشيح”‪.‬‬ ‫طانيبيردى (ينظر إلى السلطان بحذر)‪ :‬يا موالى‪ ..‬لم تكن تظهر علنا‪ -‬في الماضي‪ -‬أي نوع‬ ‫من االستسالم‪ ..‬أو حتى أخفت صور ظهور المشاعر‪ ..‬هل مرضت؟ يا سيدي الفصيح‪ ..‬فليحمك‬ ‫اهلل من األجواء الغائمة‪..‬‬ ‫بيبرس‪ :‬آه‪..‬ال‪ ..‬امسك بلسانك (يتناول الخطاب بيده‪ ،‬و يمسح عليه بحنان)‪ .‬لقد حلمت بذلك‬ ‫سنوات طويلة‪ ..‬يا ترى‪ ،‬عن طريق من‪ ..‬يمكنني إرساله؟‪ ..‬بعد عشرين عام‪ ..‬هذا أول‪ ..‬أول‬ ‫خطاب‪ .‬هل أجهز قافلة‪ ،‬أم أرسل سفيرا‪ ..‬فلتصل بسالمة‪( .‬يضغط الخطاب على صدره‪ .‬عندما‬ ‫تظلم خشبة المسرح‪ ،‬يظهر منظر شوارع القاهرة‪ ،‬حشد كبير من الناس تتحرك جيئة و ذهابا‪.‬‬ ‫يسير فيها كل من “بيبرس” ‪“ ،‬قالوون”‪ ،‬و المقدس خوان‪ ،‬و مماليك‪ .‬تسمع أصوات “جاء‬ ‫صاحب األمر”‪“ ،‬معجزة‪ ..‬يظهر أنه توجد أيام‪ ،‬يمكن فيها رؤية وجهه المضىء”‪“ ،‬ابصق من‬ ‫فمك‪ ..‬سوف تحسده””‪ .‬يستدير “بيبرس” جهة “قالوون”)‪ -‬هل حفرتم القنوات؟‬ ‫قالوون‪ :‬يا صاحب الكلمة‪ ..‬نحن نخطط لإلنتهاء من هذا العمل قبل منتصف شهر مايو‪.‬‬ ‫و لكننا قد أطلقنا المياه فى تلك القنوات التى تم االنتهاء من حفرها‪ .‬و أصبح الفالحون يجمعون‬ ‫محاصيل بكميات لم يسبق أن حصدها‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬حسن‪ ،‬يا أيها المقدس خوان‪ ..‬هل و ضعت نهاية للظواهر غير األخالقية (الدعارة‪،‬‬ ‫السكر‪ ،‬الفجور‪ ،‬و غيرها)؟‬ ‫خوان‪ :‬أوامركم تنفذ بدون قيود و ال شروط‪ .‬و قد تمت السيطرة على كل تلك الظواهر‪..‬و يتم‬ ‫إغالق األوكار‪ ..‬و الحمامات الخاصة باألعمال السرية‪ ..‬أما الداعرات‪ ،‬القادمات من أوروبا مع‬ ‫الصليبيين‪ ..‬فقد أعدناهن من حيث جئن‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬قل كالما موزونا‪ ..‬أيها المقدس خوان‪ .‬لقد بدأ ت البلد و الشعب يزدهران بشكل‬ ‫غير مسبوق‪( .‬ينظر بيبرس إلى كل من قالوون و خوان مقيما كالمهم‪ .‬و في ذلك الوقت تسمع‬ ‫صيحات‪“ :‬نبيع عبيد‪ .‬نبيع عبيد!”‪“ ،‬عبيد قادمون من كل أنحاء العالم!”‪ “ ،‬فى عيونهم لهيب‪ ..‬و‬ ‫‪33‬‬


‫السلطان‬

‫في صدورهم فحم موقد”‪“ ،‬زنوج سود‪ ..‬أتراك‪ ..‬يناسبون جميع األذواق”‪ .‬تستخدم حركة خشبة‬ ‫المسرح‪ ،‬يتجه بيبرس و حاشيته إلى ناحية العبيد‪.‬يعبس بيبرس عند سماعه لهذه األصوات‪).‬‬ ‫بيبرس(يتوقف)‪ :‬من يمتلك هؤالء العبيد‪ ..‬تعال هنا! (يخرج تاجر العبيد من بين الزحام)‬ ‫تاجر العبيد (منحنيا)‪ :‬أكبر تحية لصاحب األمر‪ ،‬الذي أقام العدل في الخالفة‪( .‬انحناءات)‪.‬‬ ‫نسجد تحية ألعمالكم و إنجازاتكم‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬كم من العبيد األتراك معروضين للبيع؟‬ ‫تاجر العبيد‪ :‬كثيرون‪ ..‬حوالي مائة‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬أحضرهم إلى هنا‪.‬‬ ‫تاجر العبيد (يزعق)‪ :‬أنتم يا أتراك‪ ..‬ماذا تفعلون هناك؟‪ ..‬كالخرفان في حظيرة األغنام‪.‬‬ ‫تكدستم معا‪ ..‬تعالوا إلى هنا‪ ..‬تعالوا بسرعة‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬يا أيها التعساء‪ ..‬هل وقعتم في الشبكة؟‪ ..‬كررتم حكايتي؟ تتعذبون من أن أيديكم‬ ‫وأرجلكم‪ ..‬قد قطعتها األغالل و القيود‪ .‬لو لم يتحد حكام بالد األتراك‪ ..‬فسوف يستمر هذا الزمن‬ ‫طويال‪ ،‬بالنسبة لكم‪ ..‬بالء و عذاب‪ .‬نعم‪ ..‬لستم متحدون‪ ..‬بالرغم من أنه كانت توجد عندكم دائما‬ ‫محاوالت للوحدة‪ ..‬آخ‪ ..‬أنتم مولودون بخنجر بين أسنانكم‪ ..‬يا صقورى‪( .‬بحدة)‪ -‬أنت أيها التاجر‪..‬‬ ‫سأشترى أنا كل األتراك‪ ..‬بالثمن الذى سوف تحدده ‪ ..‬أنت‪ ..‬ألنه ال يمكن تقدير أى منهم بثمن‪.‬‬ ‫تاجر العبيد (باضطراب‪ ،‬متذلال)‪ :‬ال تقل‪ ،‬يا صاحب األمر‪ .‬نار‪ ،‬مشتعلة من الداخل‪ .‬كلفونى‬ ‫جهد و عناء‪ ،‬أثناء نقلهم‪ .‬أنا أحيى آثارك على األرض‪.‬‬ ‫( يظلم المسرح تدريجيا‪ .‬يواصل السير بيبرس مع حاشيته‪ .‬يظهر قصر السلطان فى األمام‪.‬‬ ‫يدخل كل من بيبرس و قالوون و خوان القصر‪ .‬يدخل إبن السلطان “سعيد” و بيده بطيخة‪ ،‬ولكنه‬ ‫يتوقف مترددا)‪.‬‬ ‫بيبرس (بفرح)‪ :‬آه‪ ..‬يا سعيد‪ ..‬يا ابني‪..‬أدخل‪ ..‬تعال هنا‪.‬‬ ‫سعيد (مقتربا من أبيه‪ ،‬يضع البطيخة)‪ :‬هذه لك‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬شكرا ‪ ،‬يا ابني‪ .‬لساني يشتاق إلى عسل البطيخ‪(.‬ينحني السعيد بالتحية‪ ،‬و ينصرف)‪.‬‬ ‫تعال هنا‪ ..‬مد يدك أيها المقدس خوان‪( .‬يتناول بيبرس شقة بطيخ بيده)‪.‬‬ ‫خوان (يشحب تماما‪ ،‬و يرجع إلى الوراء‪ :‬معدتي مضطربة‪..‬ال أعلم لماذا‪ ..‬ال تمنحني‬ ‫الراحة‪ ..‬يا صاحب األمر‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬ايه‪..‬تقول‪ ..‬معدتك‪ .‬افعل ما تريد‪ ..‬قالوون‪ ..‬مد يدك‪ ..‬تفضل‪( .‬يقضم قطعة ليختير‬ ‫مذاقها‪ ،‬فيتغير شكل وجهه‪ .‬يبصق ما أكله‪ ..‬يسرع كل من قالوون و خوان إليه)‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬ماذا حدث‪ ..‬يا موالى؟‬ ‫خوان‪ :‬فليحفظنا اهلل‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫بيبرس‬

‫بيبرس‪ :‬مسمم‪(..‬يقف‪ ،‬ثم يجلس مرة أخرى على كرسي العرش) البطيخ مسمم‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬يا إله السماوات‪ ..‬مسمم؟‬ ‫خوان‪ :‬مسمم‪ ..‬هذا يعنى‪ ،‬أنه من عمل سعيد؟!‬ ‫قالوون (مذعورا)‪ :‬كيف ذلك؟!‪ ..‬هذه خسة!‬ ‫بيبرس (يتماسك)‪ :‬هذا يعنى‪ ،‬أنه يسعى لعرش أبيه‪ ..‬كم هو خسيس! لو أنك كلب قذر‪ ،‬فسوف‬ ‫أضحى بك‪ ،‬بال أسف‪.‬‬ ‫(تدخل طاجى باخيت‪ ،‬و تسرع إلى بيبرس‪ .‬تحتضن قدمه)‪ -‬ال ليس هو‪..‬‬ ‫بيبرس‪ :‬ال!‪ ..‬ال يوجد عفو‪.‬‬

‫‪35‬‬



‫بيبرس‬

‫الجزء الثاني‬ ‫الفصل الرابع‬ ‫قصر السلطان ‪ .‬الليل‪ .‬بيبرس نائم في فراشه‪.‬‬ ‫المسرح نصف مظلم‪ .‬يحلم بيبرس حلما‪ .‬يدخل‬ ‫إلى المسرح‪ -‬من كل جوانبه‪ -‬قوم يلبسون مالبس‬ ‫سوداء‪ ،‬فى أيديهم خناجر‪ .‬يجرون فى صمت حول‬ ‫بيبرس‪ .‬أصوات‪“ :‬نائم”‪”،‬ال يوجد حارس”‪“ ،‬أنت‬ ‫ستطعنه بالخنجر‪”،‬ال‪..‬فلنذبحه” (يتقلب بيبرس‬ ‫على الجانب اآلخر)‪“ .‬فلنرقص أوال رقصة‬ ‫الموت”‪ .‬يرقص القوم المتشحون بالسواد فى حلقة‪،‬‬ ‫و هم يرفعون خناجرهم‪“ ،‬فلنقطع رأسه”‪“ ،‬تكلم أيها القبجاقى”‪”،‬اقطع بسرعة”‪“ ،‬سوف أجلس‬ ‫أنا على عرشه”‪“ ،‬و سأكون أنا كبير الوزراء”‪“ ،‬ال تجادل‪ ،‬اطعنه بالخنجر”‪.‬‬ ‫(يستيقظ بيبرس فى هذا الوقت مذعورا و هو يصيح “آه”‪ .‬و هنا يختفي الظالم و القوم‬ ‫المتشحون بالمالبس السوداء)‪.‬‬ ‫بيبرس (متنفسا بصعوبة)‪ :‬آه‪ ..‬يا له من حلم‪ ،‬ال يختلف عن الواقع‪ ..‬يا إلهي‪ ،‬من هؤالء‬ ‫الذين فى المالبس السوداء؟ بالطبع هم من يسخنون المساومة على العرش‪ ،‬من خلف ظهري‪.‬‬ ‫هذا ليس بسيطا‪ ..‬ليس بسيطا‪ .‬أنت نفسك من أرض عظيمة‪..‬لن تصبح قبضة طين تحت حوافر‬ ‫غريبة‪ .‬كن حذرا‪ ..‬مثل الثعلب‪ .‬من هم تحديدا؟‪ ..‬هل هم من األقرباء؟‪ ..‬أم من البعداء؟‪ ..‬هل هم‬ ‫من القبجاق‪ ..‬أم من قوم آخرين؟‪ ..‬من هم؟‪ ..‬من هم الذين يستترون بظالم الليل الدامس‪ ،‬يتشحون‬ ‫بالمالبس السوداء‪ ..‬لعمل فعل أسود؟ (يجلس على العرش)‪ .‬حسنا‪ ..‬اهدأ‪ .‬أنت لم تكن أبدا ضعيفا‪..‬‬ ‫و لم يكن قلبك جبانا‪ .‬ألم تكن أنت‪ ..‬بيبرس‪..‬من خيب آمال كل أعدائه‪ ،‬الذين حاولوا القضاء‬ ‫عليك؟‪ ..‬إذن‪ ،‬إهدأ‪.‬‬ ‫قالوون (منحنيا)‪ :‬آه‪ ،‬يا صاحب األمر‪ ..‬لقد ظهر أن العدو‪ ..‬قريب منك تماما‪ .‬روحه‪-‬‬ ‫خنجر‪ ..‬وعناقه‪ -‬لعنة‪ .‬و قد كدت أن تصبح ضحيته‪.‬‬ ‫بيبرس (باردا‪ ،‬هادئا)‪ :‬ماذا تقول‪ ..‬يا عزيزي‪..‬وضح الموقف‪ ..‬بشكل مباشر‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬خوان‪ ..‬هو من وضع السم في البطيخ‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬المقدس خوان!‪( ..‬يقفز بيبرس من على العرش)‪ .‬و لماذا أعطاه لسعيد‪ ،‬الذي لم يقدم‬ ‫‪37‬‬


‫السلطان‬

‫لي أبدا الطعام‪ ..‬قبل ذلك‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬هنا يتمثل هذا الملعوب‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬يا لهم من قوم ماكرين!‪ ..‬لم يلمسه هو نفسه‪ .‬كان سيقتل ابني‪( .‬يسقط على كرسي‬ ‫العرش)‪ .‬يا إلهى‪ ..‬لقد انقلب عالمي‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬كاد أن ينقلب‪.‬‬ ‫بيبرس (غير ملتفت لهذه الكلمات)‪ :‬أحضره إلى!‪(..‬إثنان من المماليك يجرون خوان)‪.‬‬ ‫قالوون (بصوت عال غاضبا)‪ :‬لماذا ال تنحني‪ ،‬أيها الخسيس‪ ..‬ها؟‬ ‫خوان‪ :‬لماذا أحنى رأسي‪ ..‬التي سوف تقطع بال رحمة‪.‬‬ ‫بيبرس (مندهشا)‪ :‬ماذا قال؟‬ ‫قالوون‪ :‬و ما الذى يستطيع قوله‪ٍ ..‬سوف أقول أنا‪ ..‬كانت هنا طباخة‪ ،‬من الغرباء‪ ..‬أقنعها‬ ‫بمنحها الذهب‪ ..‬أوعز إليها بدس السم‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬نحن كلنا غرباء هنا‪ ..‬قادمون من أماكن أخرى‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬هل تقول الحقيقة‪ ..‬أيها المقدس خوان؟‬ ‫خوان‪ :‬الحقيقة‪..‬فقط الحقيقة‪ ..‬لقد خطت السم في كم ردائي‪ .‬و احتفظت به سنوات طويلة‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬ال تناور‪ ..‬قل كل الحقيقة‪ ..‬هل وضعت عينك على العرش؟‬ ‫خوان‪ :‬ال‪ ..‬يا صاحب األمر‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬ال توجد سعادة ‪ ..‬حيث ال يوجد كرسي العرش‪ ..‬ماذا يوجد غير ذلك؟‬ ‫خوان‪ :‬لقد ولد العرش والعذاب معا‪ ..‬ال تخلط‪ ..‬أيها السلطان بين السعادة و العذاب‪.‬‬ ‫بيبرس (بحماس)‪ :‬إذا لماذا كنت متعطشا لموتى؟‬ ‫خوان‪ :‬سأقول يا صاحب األمر‪ .‬كنت أحسدك‪ ،‬على أنك بعد أن كنت مكبال باألغالل‪..‬‬ ‫أصبحت سلطانا آمرا‪ .‬و قد حرقني هذا الحسد بلهيبه‪ ..‬و لم يمنحني الراحة أبدا‪.‬‬ ‫بيبرس (سارحا)‪ :‬اذا‪ ،‬هذا هو ما فى األمر؟‪( ..‬يهز رأسه)‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬عين الحسد‪ ،‬يا موالي‪ ..‬عيني‪ ..‬و أنت تعرف أي خبثاء يحومون من حولك؟‬ ‫بيبرس‪ :‬أي خبثاء؟‬ ‫خوان‪ :‬منافقون‪..‬ماكرون‪ ..‬ينتظرون ساعة منافقتهم‪ ..‬لصوص‪ ..‬مقاحيم‪ ..‬يبيعون الخبث‪..‬‬ ‫حرابي‪ ..‬و هل يمكن حصرهم كلهم‪ ،‬عند عدهم؟‪ ..‬أنهم يتظاهرون بأنهم مخلصون لك‪ ..‬و لكنهم‬ ‫يقتلونك‪ ،‬في الخفاء‪ ..‬كل يوم‪.‬‬ ‫قالوون‪ :‬أكمل عناءك‪ ..‬أكمل‪ ..‬يا عالم بما في داخل نفوس اإلنسان‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫بيبرس‬

‫خوان‪ :‬إنهم يعلمون بكل ما أنجزه موالي‪ ،‬بإسم هذا البلد‪ ،‬و بأنه حمى أراضيهم من المحتلين‪،‬‬ ‫وأنه أنقذ رؤوسهم من التعليق في المشانق‪ ،‬و أنه ساق الكسالى‪ ،‬فجعل منهم أغنياء‪ ،‬و أنه حمى‬ ‫الخالفة من المجرمين و المنافقين‪ ،‬و أنه قادها إلى االزدهار‪ .‬إنهم يعلمون ذلك تماما!‪ ..‬و لكن كلما‬ ‫علموا أكثر‪ ..‬كلما زادت خستهم‪ ..‬التي ال يمكن عالجها‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬و كيف يمكن التخلص من هؤالء؟‪ ..‬تكلم‪ ..‬يا مقدس‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬ال يمكن ذلك أبدا‪ ,.‬فهم يملؤون كل ركائز العرش األربعة‪ ..‬و يزحفون داخل السروال‪،‬‬ ‫و يتغلغلون داخل األيدي و الرأس‪ ،‬و يزحفون إلى تحت اإلبط‪ ،‬و يدخلون إلى داخل رقبة الحذاء‪.‬‬ ‫هم ديدان السبعة عوالم‪ ..‬و بمجرد اهتزاز العرش‪ ..‬فهم بالذات‪ ..‬يستخدمون أربعين حيلة‪ ..‬لكي‬ ‫يهوون به و يدوسون عليه باألقدام‪ .‬لقد استمر ذلك منذ وقت الزلزال و الطوفان‪ ..‬و سوف‬ ‫يستمر ذلك‪ ..‬حتى يوم القيامة‪ ..‬حيث أنهم سوف يقوون و يوسعون جزرهم‪ ..‬و سوف يتصرفون‬ ‫رأس ‪ ..‬ها هي رأسي ‪ ..‬وإذا كنت‬ ‫بنفس هذه الطريقة‪ .‬و أنا أيضا‪ ..‬واحد منهم‪ .‬إذا كنت ستُ َطير ٌ‬ ‫ستذبحني‪ ..‬فها هو السيف‪.‬‬ ‫بيبرس (و هو يفكر)‪ :‬كفى!‪ ..‬سأروى إحدى قصصي‪ ،‬التي سمعتها في طفولتي‪ .‬اسمع‪ ،‬أيها‬ ‫المقدس خوان‪ .‬كانت توضع‪ -‬في سهول القبجاق‪ -‬شواهد حجرية على مقابر الموتى‪ ،‬و كانت‬ ‫تصنع فى نصف شهر‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬عالمة على ميالد الهالل الشاب؟‬ ‫بيبرس‪ :‬ال‪ ..‬على األحجار‪ -‬عالمة الهالل الذي ولد؟‪..‬ال‪ ..‬على العكس‪ .‬فهذا يعنى‪ ،‬أنه قد‬ ‫أظلم الضوء في عيني اإلنسان‪ ..‬و أن شهر ميالده قد ولى‪ ،‬و أن تناوله للطعام قد انتهى‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬مدهش‪..‬‬ ‫بيبرس‪ :‬و لكن األكثر إدهاشا‪ -‬هو ما يلي! كان ينقش اسم الميت على شاهد القبر‪ ،‬و أصله‪..‬‬ ‫واسم عائلته‪ ..‬و كان يكتب على كل منها أن االنسان قد عاش يوما واحدا‪ ..‬ثالثة أيام‪ ..‬خمسة‬ ‫أيام‪ ..‬مائة يوم‪.‬‬ ‫خوان‪ :‬هل كان القبجاق يعيشون هذا العمر القصير؟‬ ‫بيبرس‪ :‬ال‪..‬ال‪ ..‬انهم قوم‪ ..‬يقفز منهم‪ -‬من وصل سنه إلى مائة عام‪ -‬إلى ظهر الخيل بدون‬ ‫سرج‪ ..‬و لكنهم كانوا يعتبرون أنهم يعيشون‪ ..‬فقط عندما يصنعون أعماال خيرة‪ ..‬لزمالئهم في‬ ‫القبيلة‪ ،‬أو أصدقائهم‪ ،‬أو للناس جميعا‪( ..‬لحظة توقف)‪ .‬يعتبر الرقم‪ -‬المنقوش على الحجر‪ -‬بأنه‬ ‫فلتعش حتى مائة عام‪ ،‬و لكن األيام التي ابتلعت فيها بقايا األكل‪ ،‬و أفرغت األواني فقط من أجل‬ ‫معدتك‪ ،‬ال تدخل في هذا الحساب‪.‬‬ ‫(ال يتوقف خوان عن هز رأسه من الدهشة‪ .‬أما بيبرس فيقوى من صوته)أما أنت‪ ..‬أيها‬ ‫المقدس خوان‪ ..‬فسوف يكتب على شاهد قبرك‪ ..‬يا من أشعلت نار الحسد فى كل مكان‪ ..‬يا من‬ ‫خاط السم فى كم ردائه‪ ..‬و حفظه عدة أعوام‪ ..‬و الذي لم يمنح العالم كله‪ ..‬حتى و لو عمال واحدا‬ ‫‪39‬‬


‫السلطان‬

‫صغيرا صالح‪ ..‬فسوف أكتب على قبرك ما لن يمكن أبدا مسحه‪“ :‬عاش و مات” (يهدده بقبضة‬ ‫يده)‪ .‬ستكون كتابة‪ ،‬ال يمكن أبدا مسحها! فلتكن درسا قاسيا لألجيال القادمة (يخبط فى يده)‪ .‬لقد‬ ‫قلت كل شيء‪.‬‬ ‫(يطفأ الضوء‪ ،‬و ينهض بيبرس‪ -‬في العمق‪ -‬من على كرسى عرشه بنشاط)‬ ‫رسول‪ :‬لقد حضر سفير من قبل القوم الرحل الذهبيين!!!‬ ‫بيبرس‪ :‬بم جاء‪ ..‬إن روحي ليست مستريحة‪..‬لسبب ما‪( .‬يندفع إلى الخارج بسرعة)‪ .‬سوف‬ ‫أستقبله بنفسي‪( .‬يعانق السفير‪ ،‬ثم يعود مرة أخرى)‪ .‬فقد قال إنه جاء من قبل القوم الذهبيين‪ ..‬من‬ ‫قبل “بيركى خان”؟‬ ‫السفير‪ :‬نعم من قبل القوم الذهبيين‪ ..‬من قبل “بركى خان”‪ ..‬يا موالي‪( .‬يحنى رأسه محييا)‪.‬‬ ‫سوف أعرض الموضوع طبقا لما هو متبع‪ ،‬يا موالى‪ ..‬القوم الذهبيون أصدقاء “الديشتى‪-‬‬ ‫قبجاق”‪...‬‬ ‫بيبرس (رافعا يده)‪ :‬الوقت المتاح قليل‪ ..‬يا عزيزي السفير‪ .‬ال يجب أن تستبدل األخبار التي‬ ‫أنتظرها على شغف‪ ،‬بكل جوارحي‪ ،‬بكلمات منمقة‪ .‬أين ما طلبت تسليمه؟‬ ‫السفير (مندهشا)‪ :‬لقد تم تحميل اثنتي عشر من اإلبل بالباالت األقمشة الثمينة‪...‬‬ ‫بيبرس (بفراغ صبر)‪ :‬أنا ال أنتظر أشياء و هدايا‪.‬‬ ‫السفير‪ :‬قوالب ذهب‪ ،‬و ياقوت‪ ،‬و ماس‪...‬‬ ‫بيبرس‪ :‬ال‪..‬ال! إذا كنت فى حاجة إلى نفائس و ذهب‪ ..‬اطلب منى‪.‬‬ ‫السفير‪ :‬خمسة أنواع من األسلحة‪...‬‬ ‫بيبرس‪ :‬هل أحضرت نبات الشيح من ضفاف حبيبي نهر “الجانكا”!؟‬ ‫السفير‪ :‬آه‪ ..‬الحشائش (يدس يده فى جيبه)‪ .‬ها هي‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬هذه ليست حشائش‪ ،‬و لكنها حزمة صغيرة من نبات الشيح‪ -‬الذى أشتاق إليه‪ .‬هاتها‪،‬‬ ‫لكى أشمها‪ ..‬هل ستطلقى رائحة المسك؟ (يشمها)‪ .‬هذه هى الرائحة الذكية! و هو أيضا‪ ،‬فعال‪،‬‬ ‫يشتاق إلى‪ .‬لقد التحم كل شيء في هذه الرائحة‪ :‬رائحة حبيبي نهر الجانكا‪ ،‬وطني‪ ،‬أبى و أمي‪..‬‬ ‫بولجيتبيس‪( ...‬يصدر صوت عال)‪ -‬طاجى باخيت‪ ،‬أين أنت (تدخل طاجى باخيت مع ولديها)‪-‬‬ ‫طاجى باخيت‪ ،‬نبات الشيح‪ ..‬نبات الشيح‪ .‬لقد جاء نهر الجانكا باحثا عنى!‬ ‫طاجى باخيت (تتناول بيدها نبات الشيح و تشمه)‪ :‬كم هى بديعة هذه الرائحة!‪ ..‬يا الهي‪ ،‬يبدو‬ ‫أن اشتياقك و حزنك كانا مختفيين فيه‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬فيه هو بالذات (ثم‪ ،‬بعد أن يلحظ وجود سعيد‪ ،‬يفتح ذراعيه و هو يسرع إليه)‪ .‬ابني‪..‬‬ ‫أنت حي‪ ..‬يا ابني!؟ (يحتضنه)‪.‬‬ ‫سعيد‪ :‬حي‪ ..‬يا أبى‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫بيبرس‬

‫طاجى باخيت (منحنية)‪ :‬لقد اختفينا‪ ،‬حتى يزول غضبك‪ .‬شم كل من االبنين نبات الشيح‪ .‬و‬ ‫يهزان رأسيهما بسرور و دهشة)‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬لقد كدت أن أرسلك إلى الموت‪ ..‬بسبب الشرير العجوز‪( .‬يحتضن سعيد مرة أخرى)‪.‬‬ ‫يا له من يوم سعيد‪..‬هذا اليوم‪.‬‬ ‫طاجى باخيت‪ :‬وريثاك االثنان بجانبك‪ ..‬هل يوجد ما هو أهم من ذلك؟‬ ‫بيبرس (سارحا)‪ :‬وريثى!‪ ..‬سعيد و أحمد!‬ ‫سعيد (وهو ينحنى)‪ :‬اننا عبيد إرادتك‪.‬‬ ‫أحمد (و هو ينحنى)‪ :‬أأمر‪ ..‬يا أبى‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬كنت معتقدا أن حياتي‪ ..‬يجب أن تسير فى سبيل البلد‪ ،‬و الشعب‪ ..‬فلم أنزل من على‬ ‫العرش أو من على الحصان‪ .‬كنت أضع آمالي فيكما لتكونا سندا لي‪ ..‬و لكن يبدو‪ ..‬أنه ألني لم‬ ‫أخصص لكم اهتماما كبيرا‪ ..‬فلم ألحظ بريق إنجازاتكم و أعمالكم‪..‬لألسف‪.‬‬ ‫ممسكون بالرمح‪ ،‬و لكن لم نذهب إلى المعارك الضارية‪،‬‬ ‫و أمسكنا بالقرآن‪ ،‬و لكن لم نحل النزاعات‪،‬‬ ‫لم نبذر النباتات‪ ،‬و لكن أمسكنا بالمعول‪،‬‬ ‫لم نشغف بالعلم‪ ،‬فلم نصبح علماء‪-،‬‬ ‫فقط‪ ..‬مثل قمم األشجار الراسخة‪ ..‬تهز رؤوسها تحت تأثير الرياح‪ .‬لقد كنت في عمركما‪..‬‬ ‫(يظهر الدفء على وجهه)‪ .‬نبات الشيح‪( ..‬يشمه مرة أخرى) حزمة شيح‪.‬‬ ‫طاجى باخيت‪ :‬تبدو كما لو كنت عدت طفال‪ ..‬مرة أخرى‪ ..‬يا موالي‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬طفل؟ نعم‪..‬فعال‪ ..‬لقد عادت إلى طفولتي!‬ ‫(يتغير المشهد‪ .‬يسمع صهيل ممتد للخيل‪ ،‬و صوت ارتطام حدواتها باألرض‪ .‬يجرى المنادون‬ ‫جيئة و ذهابا‪ ،‬و هم يعلنون األخبار‪“ .‬يتجه موالنا إلى دمشق”‪“ ،‬لقد أخذ معه فرقة صغيرة‪،‬‬ ‫فقط”‪“ ،‬إنه ذاهب إلى األعياد”‪“ ،‬نعم سوف يعود بصحة و عافية”‪“ ،‬فليعينه اهلل”‪ ،‬عندما تعود‬ ‫اإلضاءة مرة أخرى‪ ،‬بيبرس يظهر جالسا على كرسي العرش‪ .‬يظهر ابن الخليفة‪ -‬األمير” مليك‬ ‫القاهر”)‪.‬‬ ‫بيبرس‪ :‬يا أيها األمير “مليك القاهر”‪ ..‬يا ابن الخليفة عالي المقام‪ ..‬فلتكن أيام حياته طويلة‪.‬‬ ‫كيف هي صحة والدك؟‬ ‫مليك‪ -‬القاهر(منحنيا)‪ :‬شكرا‪ ..‬كل شىء حسن‪ ..‬لقد أضأت‪ -‬يا موالي‪ -‬العالم بنورك‪ .‬إن‬ ‫رؤية وجهك السمح‪ ..‬هو سعادة كبيرة لنا‪ ..‬نحن الفانين البسطاء‪ .‬إن أبى‪ -‬ركيزة إيمان خليفتنا‪-‬‬ ‫طلب إبالغكم أن مسلمي دمشق ينتظرون زيارتكم بفارغ الصبر‪ ..‬و قد طلب إبالغ الكلمات باسمه‬ ‫لسيد كل شيء‪ .‬فليحفظكم اهلل فى طريقكم‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫السلطان‬

‫بيبرس‪ :‬آمين!‬ ‫مليك‪ -‬القاهر‪ :‬لقد سبق أن سمعت عن سعادتكم بخصوص حضور سفير من القوم الرحل‬ ‫الذهبيين إلينا‪ ،‬و عن اعجابكم برائحة نبات الشيح‪ ..‬هذه الحشائش المدهشة من سهول وطنكم‬ ‫األم‪ .‬إنكم تحبون كل ما هو سهول‪ ،‬و خيل‪ ،‬و يورطة‪ ،‬و كوميس‪ ..‬بالمناسبة‪ ،‬لقد فكرت فيما‬ ‫يمكن أن أقدمه لكم للطريق‪ ..‬و قد قررت‪ ..‬أن أهم شىء فى صحرائنا هو الشراب‪ ..‬و من بين كل‬ ‫المشروبات‪ ،‬أنتم تفضلون الكوميس‪ .‬لذلك‪ ..‬فقد أحضروا فى التو و اللحظة‪ -‬إلى قصركم‪ -‬كوميسا‬ ‫منتقيا من السوق‪ .‬فلتجربوه بنفسكم‪( .‬يصب فى كوب)‪.‬‬ ‫بيبرس (يمسكه بيده)‪ :‬كوميس؟ هذه نعمة؟ شكرا‪ .‬سأشرب منه‪ ..‬ثم اشم نبات الشيح‪ ،‬مرة‬ ‫أخرى‪( .‬يشرب فقط نصف الكوب‪ .‬يترنح‪ .‬يختفى فورا مليك‪ -‬القاهر‪ .‬تسقط الكأس من يده‪،‬‬ ‫ويتبعثر الكوميس الباقى فيها) ماذا يحدث‪ ..‬إن جسمي‪ ..‬تسرى به حرارة‪ .‬مرة أخرى جرعونى‬ ‫السم؟ (يترنح)‪ .‬يا له من موت خسيس‪ ..‬مرة أخرى‪ ..‬مدوا لي يدهم الماكرة؟! آه‪..‬أيتها الحياة‬ ‫المضيئة‪ ..‬هل بدأت باآلمال‪ ..‬و انتهيت بالعذاب؟‬ ‫(تظهر عليه سكرات الموت)‪ -‬أيتها الحياة‪ ..‬لقد بديت قصيرة‪ ،‬مثل عمر النيزك المذيل‪.‬‬ ‫واحسرتاه!‪ ..‬من هذا؟ يبدو أنه وجه مألوف تماما‪ ..‬إنها أمى‪ ..‬و بولجيسبيس‪ ،‬و هذا الفتى الذى‬ ‫يتجول على ضفاف نهر جانكا‪ -‬إنه أنا (فى ذلك الوقت‪ ،‬يظهر وجه أمه‪،‬و بولجيمنيس‪ ،‬و هو نفسه‬ ‫فى طفولته‪ ،‬فى ثالثة دوائر ضوئية‪ .‬يختفون و هم يمدون له أيديهم)‪ .‬انى احترق من السخونة‪..‬‬ ‫أحترق! لقد اسكنت الرعب فى قلوب األعداء الدمويين‪ ..‬حتى بمجرد اسمي‪ ،‬و أجبرتهم على‬ ‫الركوع‪ ..‬و لكنى ال أستطيع حتى أن أدفع عن نفسي الموت‪...‬‬ ‫(يظهر على المسرح مالئكة بأجنحة بيضاء‪ .‬يحيطون ببيبرس المترنح‪ ،‬و الذى يقف على‬ ‫قدميه بصعوبة‪ ،‬و هم يؤدون رقصة الموت فى دائرة)‬ ‫أيتها المالئكة ذات األجنحة البيضاء‪ ..‬يا مالئكتي ذات األجنحة البيضاء! هذه الحزمة من‬ ‫نبات الشيح‪ ،‬هى اشتياق للوطن‪(.‬يشمها)أشمك آلخر مرة‪ ..‬سآخذ رائحتك معى إلى العالم اآلخر‪.‬‬ ‫خذوه معكم كرهن أمانة‪( .‬يعطيه لهم)‪ .‬سوف يظهر رجل عظيم آخر على األرض التي ولدت‪..‬‬ ‫أنا‪ ..‬عليها! سوف يلمع مثل السيف المعقوف‪ ،‬و سوف يبحث‪“ ..‬أين أنت يا جدي العظيم”‪ .‬أعطوه‬ ‫هذه الحزمة من نبات الشيح‪ .‬هذه أمانة فى أعناقكم أيتها المالئكة!‪ ..‬أمانة!‬ ‫(يعزف جزء من نشيد “بيبرس‪-‬بابا”)‪ -‬ينزل الستار‬

‫‪42‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.