رحلة كادح

Page 1


‫ً‬ ‫واحد من قلة من املؤهلين عامليا في مجال االستشارات اإلدارية من قبل‬ ‫"املجل سسد اي سسدواي ج ي سسات االستش سسارات اإلداري سسة" ‪ ،)ICMCI‬ا خاض سسم ي م س‬ ‫املتحس س سسدة‪ ،‬واملؤس س س سسة املعايس س سسة اييحيس س سسدة فس س سسي اي س س سساي املخييس س سسة يتا س س سسي معاس س سسة‬ ‫االستشارات اإلدارية‪ ،‬وتطيير م اييرها‪ ،‬وقسد تس ماحسق ي س ‪ ،Fellow‬امل اسي‬ ‫ألقل من أيف شخص على م تيى اي اي حتى ساة ‪.9002‬‬ ‫ت تخييلق في ‪ 9000‬من قبل "ج ية اإلدارة اي انينية" ‪ )CMI‬بامل لكة‬ ‫املتحدة كياحد من بين اثاين ف ط من ا خبراء‪ ،‬خارج امل لكة املتحدة يت يين‪،‬‬ ‫وت يي املدراء‪ ،‬املؤهلين يلحصسيل علسى ي س "لمايسة اإلدارة اي انينيسة" اي ساي‬ ‫مدير مجال) ايسي ع سد أقىسوى وسسال دواسي ي كسن يل سدراء املحتسرفين ا حصسيل‬ ‫عليق‪.‬‬ ‫ح ل اي ديد من واملؤهالت األكادي ية واملعاية اي املية‪ ،‬مثسل "محاسس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫م ت د قانينيسا" ‪ )CPA‬مسن أمرياسا‪ ،‬و"م تشسار ردار م ت سد قانينيسا" ‪)CMC‬‬ ‫مس سسن بريطانيس سسا‪ ،‬و"مس سسدير مجس سسال" ‪ )CMgr‬مس سسن بريطانيس سسا‪ ،‬و"مح س س اختالسس سسات‬ ‫م ت س س سسد" ‪ )CFE‬م س س سسن أمريا س س سسا‪ .‬وه س س سسي لمي س س سسل ف س س سسي "ج ي س س سسة االستش س س سسارات" )‪(FIC‬‬ ‫ايبريطسسا و‪ ،‬ولميسسل فسسي "ج يسسة اإلدارة اي انينيسسة" ‪ ،)FCMI‬بامل لكسسة املتح سسدة‪،‬‬ ‫وفي اي ديد من املؤس ات املعاية ايدويية‪.‬‬ ‫ي لك من ا خبرة مسا يييسد عسن ‪ 90‬عامسا فسي مجساالتال االستشسارات اإلداريسة‬ ‫واملايي سسة وايرقابي سسة‪ ،‬وقي سسادة املؤس سسات‪ ،‬واالس سستراتيجيات‪ ،‬وم ا ج سسة املخ سسا ر‬ ‫املاييس س سسة وايتش س س سسسيلية واالس س س سستراتيجية‪ ،‬وتص س س س ي وتا ي س س سسي ايعياك س س سسل واألن س س سسة‬ ‫واي ليس س سسات اإلداريس س سسة وايرقابيس س سسة وتا يس س سسيها‪ ،‬وايتس س سسدقي واملحاسس س سسبة‪ ،‬وقيس س سسادة‬ ‫ع ليات ايتطيير ايتسيير) ايشاملة‪ ،‬وايتدري وتطيير امليارد ايبشرية‪ ،‬وذيك‬ ‫في أرقى املؤس ات واملاات املعاية اي املية‪.‬‬


‫رحلة كادح ‪ -‬رواية‬ ‫حقوق الطبع وامللكية الفكرية محفوظة للمؤلف ‪/‬‬ ‫عباس علي محمود‬ ‫نسخة رقمية أولى – مايو ‪4102‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة‪ .‬ال يجوز نشرأي جزء من هذا الكتاب أو‬ ‫اختزال مادته بطريقة االسترجاع‪ ،‬أو نقله على أي نحو‪ ،‬وبأية‬ ‫طريقة‪ ،‬سواء كانت إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويرأو‬ ‫بالتسجيل أو بخالف ذلك‪ ،‬إال بموافقة املؤلف على ذلك كتابة‬ ‫ً‬ ‫ومقدما‪.‬‬

‫صدرللمؤلف‪:‬‬ ‫‪ .0‬االستراتيجية اإلسالمية – كيف تساهم في النهوض باألمة‬ ‫اإلسالمية‬ ‫‪ .4‬طريقك املنهي – مدخل لتطويرمحفظة أعمالك‬


‫لشراء نسخة مطبوعة‪ ،‬أو‬ ‫للتفضل بتعليقك ومالحظاتك على الكتاب‪،‬‬ ‫يرجى التواصل مع املؤلف‬ ‫(واتس أب)‪00968 9538 5151‬‬


‫ل‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫هرست‬ ‫الفهرست ‪5 .........................................................................................‬‬ ‫قالوا عن الرواية‪7 ...............................................................................‬‬ ‫إهداء‪8 ...............................................................................................‬‬ ‫شكروامتنان‪9 .....................................................................................‬‬ ‫مقدمة‪00 ...........................................................................................‬‬ ‫الضياع‪01 ..........................................................................................‬‬ ‫مواقف محرجة‪55 ...............................................................................‬‬ ‫قصة الحياة‪90 ....................................................................................‬‬ ‫فشل مستمر ‪045 ................................................................................‬‬ ‫الحب يصنع املعجزات ‪071 ...................................................................‬‬ ‫مرارة الغربة‪409 ..................................................................................‬‬ ‫املؤامرة ‪429 ........................................................................................‬‬ ‫الصعود إلى الهاوية‪478 ........................................................................‬‬ ‫وتمض ي الحياة‪505 ..............................................................................‬‬



‫قالوا عن الرواية‬ ‫إن من املصاديق الجلية للكلمة الطيبةة الةدعوة إلةى االسةتقامة الفكريةة والسةلوكية‪،‬‬ ‫باألسةةلوب القص ة ي الجةةذاب‪ ،‬وهةةذا مةةا تجلةةى لةةي بصةةورة رابعةةة خالبةةة‪ ،‬وأنةةا أبحةةربش ةراع‬ ‫خيالي املتعطش ومجةاديف قليةي املتلهةف فةي رعايةة عقلةي املتأمةل فصةل "مواقةف محرجةة"‬ ‫مةةن ه ةذه القصةةة الهادفةةة "رحلةةة كةةادح"‪ ،‬التةةي بةةرهن مةةن خاللهةةا الباحةةا الشةةي عبةةاس آل‬ ‫حميد على قدرته الذهنية وموسوعيته الثقافية في تأصيل املفاهيم االسةالمية‪ ،‬وإظهارهةا‬ ‫بأس ةةس متحن ةةة محكم ةةة‪ ،‬وبراعت ةةه األدبي ةةة وذوق ةةه املره ةةف ف ةةي ص ةةيارة املنظوم ةةة الفكرية ةةة‬ ‫الدينيةةة فةةي بيةةان را ةةق سةةلس‪ ،‬يجمةةع بةةان املتانةةة والو ةةوح بصةةور جميلةةة مةةن واقةةع الحيةةاة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بمره ةةا وحلوه ةةا‪ ،‬مش ةةفوعا بطرا ةةف الحك ةةم والق ةةيم الخلقي ةةة الس ةةامية‪ ،‬متعط ةةرا بنفح ةةات‬ ‫الق ةةدس وس ةةبحات االس ةةتغراق امللك ةةوت ف ةةي ا تع ةةالى ب ةةان جن ةةا ي الخ ةةوف والرج ةةاء‪ ،‬ليب ةةرز‬ ‫ب ةةذلك م ةةن اإلس ةةالش ف ةةي ش ةةموليته لش ةةت حق ةةول املس ةةارة اإلنس ةةانية‪ ،‬وقيادت ةةه لةحضة ةةارة‬ ‫البشرية في آفاقها املتنوعة‪ ،‬قاصدا حكاية قصة رسالة السماء في قصته "رحلة كادح‪.‬‬ ‫السيد منري اخلبّاز‬

‫رحلةةة كةةادح" كتةةاب فريةةد مةةن نوعةةه‪ ،‬مةةن كاتةةب تجةرأ علةةى طةةرح أسةةيلة قويةةة وجرييةةة فةةي‬ ‫وجةود االنسةةان وخالقةةه‪ ،‬وأجةةاب عنهةا مةةن خةةالل سلسةةلة مواقةف عاشةةها وعا شةةها فجةةاءت‬ ‫مةةن الصةةميم لتةةدخل الةةى صةةميم القةةار ‪ ،‬وتجعلةةه يتبصةةرويفكةةرمةةن زوايةةا مختلفةةة‪ .‬ومةةا ماةةز‬ ‫الكتاب هو واقعية املواقف بأماكنهةا وبأسةمااها‪ ،‬التةي رواهةا بأسةلوب سةهل وسةلس فتشةعر‬ ‫وكةةأن الكاتةةب يرولهةةا لةةك وجهةةا لوجةةه‪ ،‬وتعةةحش املوقةةف وتتةةأ ربةةه‪ ،‬فيجيةةب عةةن األسةةيلة التةةي‬ ‫طرحها في بدايةة الكتةاب‪ ،‬ويجيةب عةن األسةيلة التةي تةدور فةي ذهنةك فةي لحظكهةا وكأنةه عرفهةا‬ ‫ً‬ ‫مس ةةبقا‪ ...‬رحل ةةة ك ةةادح ش ةةكل ا ةةافة مهم ةةة ف ةةي عص ةةراالنفج ةةاراملعلوم ةةات فحس ةةةخك م ةةن‬ ‫واقةةع‪ ،‬وينقلةةك الةةى واقةةع آخةةرعمقةةه كباةةروأ ةةره عظةةيم‪ ..‬حةةحي عنةةوان الكتةةاب هةةو "رحلةةة‬ ‫كادح " ولكن كاتبها بكدحه يصل بهذه الرحلة الى عقلك وقلبك‪.‬‬ ‫الدكتور كفاح فياض‬


‫اهداء‬ ‫إلى شريكتي في رحلة كدحي وكفاحي‪ ،‬والتيي لي حبهيا‬ ‫ونبلها وأصالتها وعطاؤها الالمحدود‪ ،‬لما حققت حتى بعضاً مميا‬ ‫كنت أصب إليه‪.‬‬ ‫هذا أقل ما يمكنني تقديمه إليك‪ ،‬تعبييراً عيع عمييب حبيي‬ ‫وامتناني لك‪ ...‬أهدي هذا الكتاب لزوجتي طاهرة‪.‬‬


‫شكر وامتنان‬ ‫أتقدم ببالغ الشكر‪ ،‬وجزيل ا متنان والتقدير لكل مع سياهب‬ ‫معي بإخراج الرواية بشكلها التي هي عليه‪ ،‬مع خيال مراجعتهيا‬ ‫أدبييياً‪ ،‬أو لي ييياً‪ ،‬أو فنيييًا أو مييع ناحييية المحتيي ‪ ،‬وتقييديب‬ ‫مالحماتهب واقتراحاتهب‪ ،‬التي ل هيا لميا وصيت الروايية إليى‬ ‫المست الذي يسعدني تقديمه للقراء‪ .‬أخص منهب بالذكر‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫األستاذ‪ /‬أب لبابة حجي‬ ‫األستاذ‪ /‬اشرف محمد محمد عطية‬ ‫األستاذ‪ /‬محمد رضا محمد سليمان‬ ‫الدكت ر‪ /‬حسع أحمد ج اد ني‬ ‫الفاضل‪ /‬حسيع علي داود الل اتي‬ ‫زوجتي ‪ /‬طاهرة الخاب ري‬ ‫ابنتي‪ /‬إيثار عباس‬ ‫ابني‪ /‬محمد عباس‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫دمة‬


‫مقدمة‬ ‫أنا لست عالب دييع‪ ،‬و متخصصيًا فيي العقييدة اإلسيالمية‪،‬‬ ‫أدعيهيا‪،‬‬ ‫ولست كذلك أديباً أو روائيّاً‪ .‬فهيذ كلهيا مقاميا‬ ‫وإنما إنسان مع عامة الناس‪ ،‬يبحر في هيذ الحيياة ميس أسيرته‬ ‫الصييرة‪ ،‬يبحث فيها عع العيش الكريب واألمان‪ ،‬ويبحث فيها عع‬ ‫الحقيقيية وعييع رضييا اهلل‪ ،‬فت اجهييه الحييياة‪ ،‬بكييل جبروتهييا‬ ‫وتعقيداتها‪ ،‬وكأنها تقصد تحدّييه‪ ،‬فيال يجيزأ أو يتقهقير‪ ،‬بيل‬ ‫يمضي قدماً فيها‪ ،‬مدافعاً عع بقائه‪ ،‬وكرامتيه وقيميه‪ ،‬متسيلحاً‬ ‫بالصييبر واإلرادة والتأمييل‪ ،‬ومسييتعيناً بمييا أدركت يه مييع قيييب‬ ‫ومفاهيب وتقنيا إسالمية رائعة‪ ،‬مبث ثة في النص ص الشرعية‪،‬‬ ‫متجسدة في تعاليمنا وعقيدتنا اإلسالمية حسب فهميي المحيدود‬ ‫والقاصر لها‪.‬‬ ‫كنت أنتشي بفرحة ا نتصار تارة‪ ،‬وأتجرأ ميرارة الهزيمية‬ ‫أخر ‪ ...‬كنت أتف ق على ذاتي مرّة‪ ،‬وينتابني الخ ر وا نهييار‬ ‫مرّا ومرّا ‪ ،‬لكنني في كل مّرة كنت أنهار فيها‪ ،‬كنت أشيعر‬ ‫بيد الرحمة اإللهية تمتد لي لتنتشلني وتسعفني‪.‬‬ ‫وفي كل هذا كنيت أجيد ا سيللة المحييرة واألليياز عيع‬ ‫الحياة وال ج د والكي ن‪ ،‬والتيي كانيت تليع عليي وتيررقني‪،‬‬ ‫تتكشف ال احدة تل األخر بشيكل تتيرابف فييه الحقيائ ميس‬ ‫بعضها البعض‪ ،‬وتنجلي عع رسمة فنية رائعة الجميا والعممية‪،‬‬ ‫أبدعها الخال بلطفه اإللهي‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫م دمة‬


‫معمب أحداث هذ الرواية خيالية‪ ،‬ولكيع ميا ورد فيهيا ميع‬ ‫تقنيا ومفاهيب وقيب هي واقعية‪ ،‬جربتها‪ ،‬ومارستها بنفسي‪ ،‬في‬ ‫حياة ربما أكثر تحديا وصع بة وجد عع تليك التيي ت اجيه‬ ‫بطلنا في هذ الرواية‪ .‬لقد مكنتني هيذ القييب والتقنييا بيأن‬ ‫أنعب بالسعادة والطمأنينة‪ ،‬في حياة أشبه ما تك ن ببحير عاصيف‬ ‫يزداد هيجاناً وعنفاً‪ ،‬كلما ازدد أنت ق ة واستقراراً‪.‬‬ ‫عديدة هي ا سللة عع الحياة والك ن التيي كانيت تيررقني‪،‬‬ ‫وأنا واث مع أنها تررق كثيريع مع ح لي‪ ،‬ا أننا نهرب منهيا‪،‬‬ ‫ألننا تربينا على الهرب والخ ف‪ .‬قرر منذ طف لتي أن أواجيه‬ ‫هذ األسللة‪ ،‬وأ أؤمع بشيء لمجرد أنني يجيب أن أؤميع بيه‪.‬‬ ‫لكنني عندما آمنت باهلل‪ ،‬وعرفت جماله وعممته‪ ،‬بقدر ما يسيمع‬ ‫لي به قص ري ونقصي‪ ،‬أدركت أن ما يلف هذا الك ن مع حقائ‬ ‫وأسرار‪ ،‬بد وأن تك ن بجماله وجالله‪ ،‬ألنها نابعة منه سبحانه‬ ‫وتعالى‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫هل اهلل م ج د حقاً؟ أم أنيه محيض خييا ؟ لمياذا يجيب أن‬ ‫يك ن لنا خال ؟ و يك ن هلل خيال ؟ ثيب ميا ييدرينا أن اهلل‬ ‫كريب وصادق في وع د لنا؟ ما يدرينا أنه متصيف بجمييس‬ ‫صفا الكما ‪ ،‬كما يصف ه نفسه؟ ما ه اهلل؟ وهل يمكننا‬ ‫ي ما ما رؤيته؟ وهل يمكع أن يك ن له شريك؟‬

‫‪.2‬‬

‫هل اهلل حقا يحبنا؟ وهيل هي رحييب بنيا؟ فلمياذا إذا خلي‬ ‫األمراض واآلفا ؟ ولماذا يدأ النياس يم تي ن ميع الجي أ‬ ‫والمرض؟ لماذا خل اهلل المجرميع والجيراثيب وال حي ؟‬ ‫لماذا جعل بعضينا أذكيياء وأغنيياء ومعيافيع بينميا ابتليى‬ ‫آخريع بالفقر والمرض واليباء؟ ولماذا لب يخلقنا في الجنة‬ ‫مباشرةً‪ ،‬بيد ً ميع أن يخلقنيا فيي األرض‪ ،‬ويجعلنيا نعياني‬

‫‪12‬‬

‫م دمة‬


‫العذابا تل العذابا ‪ ،‬ومع ثب نخطأ‪ ،‬فييضب علينا ويرمينا‬ ‫في النار؟‬ ‫‪.3‬‬

‫لماذا خلقنا اهلل؟ وما الذي يرييد منيا أن نفعليه فيي هيذ‬ ‫الحياة؟ هل لكي نعمر األرض! ولكع لماذا يريد اهلل أن يعمر‬ ‫األرض؟ وهل يحتاج لنيا نحيع أن نعمير ليه األرض؟ وهيل‬ ‫األرض‪ -‬هذا الك كب األخرس الميت‪ -‬أهب منيا لكيي يكي ن‬ ‫هدفنا تعمير األرض؟ ولماذا أصالً خل األرض؟ هيل خلقنيا‬ ‫لكي نعبد ؟ ولكع لماذا؟ فاهلل غير محتاج لعبادتنا و تنقصه‬ ‫أو تزيد عبادتنا مع عدمها شيلاً؟‬

‫‪.4‬‬

‫هل الم نقمة وعذاب؟ وكييف يكي ن كيذلك ونحيع‬ ‫نسمس أن مع يم يعاني أشد العذاب‪ ،‬بدايي ًة عنيدما ييذوق‬ ‫سكرة الم ‪ ،‬ثب يليه ضيطة القبير‪ ،‬وعيذاب البيرزت تحيت‬ ‫يدي منكر ونكير‪ ،‬وثب يذهب للجحيب؟ ولكع أ يق لي ن أن‬ ‫الم ه عروج نح اهلل‪ ،‬فكييف يكي ن العيروج نحي اهلل‬ ‫عذاباً وشقاءً؟‬

‫‪.5‬‬

‫ولكع لماذا يعذبنا في النار؟ ما اليذي يضيير ميع ارتكابنيا‬ ‫لبعض المعاصي‪ ،‬التي نقصد منها أن نتحد إرادته‪ ،‬وإنميا‬ ‫نرتكبها بسبب شه اتنا التي تتملكنا بسيبب ضيعفنا وجهلنيا؟‬ ‫ولماذا نرتكيب ذنبيًا بسييطاً‪ ،‬لفتيرة محيدودة كيأن نسيمس‬ ‫األغاني المحرمية ميثالً أحيانيا‪ ،‬فيعيذبنا اهلل بعيذاب يفي ق‬ ‫مليارا المرا ‪ -‬شدّةً ومدّةً ‪ -‬الذنب الذي ارتكبنيا ؟ أليي‬ ‫مع الملب أن نق م بحرق مع يسبنا؟ فلماذا إذاً نعتبير حيرق‬ ‫اهلل للسبّابيع في نار جهنب عد ً؟ أألنه اهلل؟ أألنه أق ؟‬

‫‪13‬‬

‫م دمة‬


‫‪.6‬‬

‫لماذا الدعاء؟ ولماذا اإلصرار علييه ميع قبيل اهلل؟ إذا كيان‬ ‫سبحانه وتعالى يعلب حاجتي‪ ،‬وكان قادراً على قضائها‪ ،‬لماذا‬ ‫يشترط أن ندع ؟ هل يحتاج اهلل والعياذ باهلل لدعائنا؟‬

‫‪.7‬‬

‫لماذا خلقنا اهلل؟ أليي لنعبيد ؟ إذن لمياذا سيمع للشييطان‬ ‫بي ايتنا‪ ،‬مستيالً شه اتنا وأوهامنا التي خُلقنا بها‪ ،‬والتسبيب‬ ‫في إلقائنيا فيي النيار والعيذاب؟ لمياذا اسيتجاب اهلل ليدعاء‬ ‫الشيطان وطلبه‪ ،‬بالرغب ميع أن فيي طلبيه أذيتنيا؟ هيل ألن‬ ‫الشيطان استفز سبحانه وتعالى عع ذلك علي ّاً كبييراً؟ أم‬ ‫ألن اهلل عييز وجييل يحييب الشيييطان؟ أم لعلييه – حاشييا هلل –‬ ‫يكرهنا؟ ألي في هذا ظلمًا عميمًا؟ ألي فييه أيضياً نقضيًا‬ ‫لليرض الذي خلقنا اهلل مع أجله‪ ،‬أ وه عبادته؟‬

‫كل هذ ا سللة‪ ،‬والعديد مع ا سللة األخر هي ما تحاو‬ ‫هذ الرواية معالجتها‪ ،‬ولكع مع منم ر واقعيي بسييف يناسيب‬ ‫الذوق العام والفطرة‪ ،‬ويتف مس ما ورد في النص ص الشيرعية‪،‬‬ ‫وينسجب مس حركة الحياة ميع ح لنيا‪ ،‬بيل ويفعّلهيا ويجعلهيا‬ ‫أكثر إيجابية‪ ،‬وسعادة‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫م دمة‬


‫الفصل األو‬

‫ا‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ض‬ ‫اع‬


‫الضناع‬ ‫ي لي ‪ 1996‬م‬ ‫مدينة مطرح‪ ،‬سلطنة عمان‬ ‫كانت قدماي بالكاد تحمالنني‪ ،‬مع شدة ثقل الهب الذي كان‬ ‫يمأل قلبي‪ ،‬ويعتصر صدري‪ ،‬ويست لي على كل ذرة في كيياني‪،‬‬ ‫كنت محبطاً كما لب أكع ي مًا في حيياتي‪ ،‬وكأنميا مشياعري‬ ‫هذ صبيت الك ن بصبيتها‪ ،‬فكانيت السيماء ميع حي لي تزمجير‬ ‫بشدة وعنف‪ ،‬وكانت اليي م الس داء تميأل الجي كببية وأسيى‪،‬‬ ‫والمطر ينهمر بيزارة‪ ،‬وكنت أمشي عليى شيارأ "الكي رنيش"‬ ‫على غير هد ‪ ،‬ودم عي تتساقف بحرقة وغزارة‪ ،‬فتتخيالف ميس‬ ‫حبا المطر الباردة‪ ،‬وجسمي يرتعش ميع شيدة البيرودة‪ ،‬وقلية‬ ‫الحيلة‪.‬‬ ‫كان شريف الذكريا يمر ببفء ومرارة‪ ،‬فيقتلس ميا بقيي‬ ‫في أعماقي مع سيكينة وطمأنينية‪ ...‬وكانيت ا سيللة الحيير‬ ‫تعصف بي‪ ،‬وترميني في جحيب الشك والحيرة‪.‬‬ ‫"لماذا يحدث كل هذا معي؟ لماذا أنيا باليذا ؟ لمياذا يصير‬ ‫القدر على محاربتي؟ أنا أطلب إ القليل‪ ..‬القليل الذي يملكيه‬ ‫كل الناس‪ ،‬فلماذا أحرم أنا منه‪ ،‬وأنيا أجهيد نفسيي أكثير ميع‬ ‫غيري؟ لماذا؟‬ ‫آ ‪ ...‬لقد عشت ط ا عمري فقيراً‪ ،‬ولكنني لب أشتك ي مياً‪،‬‬ ‫بل انهمكيت فيي دراسيتي‪ ،‬واستعضيت عيع فقيري بتفي قي فيي‬ ‫‪16‬‬

‫ايضياع‬


‫الدراسة‪ ...‬كان والدي يخبرني دائماً أن فقرنا ه نعمة مع اهلل‪،‬‬ ‫ألنه ه الذي يدفعنا للتف ق في الحياة‪ ،‬ومع ثب يكافلنا بالنجاح‬ ‫في الدنيا واآلخرة‪ ،‬بينما األغنياء محروم ن مع هذ الدافعية‪.‬‬ ‫أيع أنت يا أبي؟ كب أنا محتياج إلييك‪ ،‬وكيب أنيا مشيتاق‬ ‫إليك‪ .‬لماذا تركتني؟ ولمع تركتني؟ كب أكر هيذا القيدر!‬ ‫ما أفمعه! كيف يستطيس هكذا أن يقلب لحما السعادة واألمان‬ ‫إلى كارثة في غمضة عيع؟ مع أيع يأتي بقسياوة القليب هيذ ؟‬ ‫تعساً‪ ،‬أريد أن أكفر‪ ،‬لكنني أستطيس تحمل المزيد‪ .‬لماذا يا‬ ‫رب؟ لماذا؟ أخبرني أبي بأنك تحبنيا وأنيك خلقتنيا لتسيعدنا‪،‬‬ ‫وأنك تكافئ الشاكريع لك بالخير والنعب‪ ،‬فلماذا إذن أشقيتني‬ ‫وأنت تعلب أني أحبك؟ كنت م اظباً على صل اتي‪ ،‬كنت أدع ك‬ ‫بكل كياني‪ ،‬وأث بك ثقة حدود لها‪ ،‬وكنت أنت تينعب عليي‪،‬‬ ‫وتخبرني أنك معي‪ .‬أنا أنسى وق فك المستمر إليى جيانبي‬ ‫في كل الصع با التي مرر بها في حياتي‪ ،‬فلمياذا إذاً تخلييت‬ ‫عني؟ ما الذي فعلته يا رب ألستح العق بة؟ أنت تعليب أننيي‬ ‫أعصيك عع عمد يا رب!! هل يعقل أنيك غضيبت منيي ألننيي‬ ‫كنت أضعف في بعض األحاييع القليلة وأتسلل ألسيتمس ليبعض‬ ‫األغاني خفية‪ ،‬مع دون علب أسرتي؟ ولكنني ‪ -‬واهلل العميب ‪ -‬ليب‬ ‫أكع أرتكب هذا الذنب استخفافاً بك يا رب‪ ،‬ولكع بسبب ضيعف‬ ‫إرادتي‪ ،‬وكنت أع د وأستيفرك ف راً‪ .‬هل يعقل أنك تنتقب مني‬ ‫ألني خالفت أوامرك؟ ولكع أنت لست كذلك يا رب‪ .‬أنت تحبنا‪،‬‬ ‫وتعلب أننا ضعفاء‪ ،‬هذا ما كان أبي يخبرني به‪ ..‬هل كيان أبيي‬ ‫مخطلا؟! يا إلهي مياذا يحيدث ليي‪ ،‬لقيد بيدأ أكفير! ‪..‬‬ ‫أستطيس التفكير‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫ايضياع‬


‫أبي‪ ...‬أيع أنت يا أبي؟ لكب أحببت ابتسامتك العذبة الحن نة‬ ‫الدافلة‪ ..‬كب أحببت نمراتيك الملهمية المشيجعة المطملنية‪..‬‬ ‫كب أحببت مسحتك على رأسي بكفك الحانيية‪ ..‬كيب أحببيت‬ ‫الحديث معك‪ ،‬ومشاكستك‪ ،‬واللعيب معيك‪ ..‬كنيت صيديقي‪،‬‬ ‫وقدوتي‪ ،‬ومرنسي‪ ...‬كنت أستلهب ق تي مع ق تك‪ ،‬وأسكع إلى‬ ‫رباطة جأشك‪ ،‬وأضس رأسي على كتفيك‪ ،‬فأشيعر أنيي أمليك‬ ‫الدنيا كلها‪ ..‬لب أتخيل ي مًا أن تتركني‪ ،‬لب أتخيل أن أحيا ميع‬ ‫دونك! لكنك خذلتني‪ ..‬أنت لب تخذلني‪ ،‬أنت أجبر على أن‬ ‫تتركني‪ ..‬إنه القدر‪...‬‬ ‫تخليت عني وأنا في أم الحاجة إلييك‪ ..‬وأنيا فيي السينة‬ ‫األخيرة مع الثان ية‪ ،‬هذ السنة التي تحدد مصيري ومسيتقبلي‪.‬‬ ‫لماذا يا أبي؟ لماذا؟‬ ‫أتتذكر يا أبي عندما دخليت البييت علينيا‪ ،‬ومعيك طاولية‬ ‫جديدة وأنيقة‪ ،‬هدية دخي لي فيي الثان يية العامية‪ ،‬كانيت أو‬ ‫قطعة أثاث جديدة دخلت علينا البيت‪ ،‬لذا كانيت محيف إعجياب‬ ‫الجميس‪ ..‬وبالرغب مع صير حجمها‪ ،‬إ أنها أخيذ الكثيير ميع‬ ‫حيز البيت‪ ،‬ولكع الجميس كان فرحياً بهيا‪ ،‬ألنهيا ستسيهل عليي‬ ‫الدراسة في هذ السنة األخيرة الحرجة‪ .‬والهدف كيان واضيحاً‬ ‫ومعلناً ‪ :‬أن أحق المركز األو في السلطنة‪.‬‬ ‫كانت حالة ا ستنفار قد أعلنت‪ ،‬وكان كل مع فيي البييت‬ ‫متحفييزاً لخييدمتي والسييهر علييى راحتييي‪ :‬أختيياي الصييييرتان‬ ‫الت أمان اللتان قدمتا إلى الدنيا بعيد طي انقطياأ كفتيا عيع‬ ‫مشاكساتهما لي بالرغب مع صير سنهما‪ ،‬وجدتي كانت تفتيأ‬ ‫تدع لي بالنجاح والتف ق‪ ،‬وأميا أميي فكيأنني كنيت وحييدها‪،‬‬ ‫وهمها األوحد‪ ...‬مر شهر على هذ الحالة‪ ،‬كان كل شيء فيهيا‬

‫‪18‬‬

‫ايضياع‬


‫جميالً ورائعاً‪ ..‬شهر لب أشهد مثله في حياتي مع السعادة‪ ...‬إليى‬ ‫أن جاء ذلك الي م األس د‪ ،‬ذلك الي م الذي قرر فييه القيدر أن‬ ‫يعلع الحرب علي‪ ،‬ويسلبني أغلى ما أملك‪ ..‬سائ سيارة أحمي‬ ‫ومته ر اصطدم بأبي‪ ،‬فرما على األرض جثيةً هاميدة! وانتهيى‬ ‫أبي‪ ،‬وانتهت معه أحالمي وحياتي‪ ،‬وانتهينا كلنيا معيه‪ ...‬أليب‬ ‫يطاق‪ ،‬وحزن يُحْتميل‪ ،‬وحشية‪ ،‬وإحسياس باليربية وال حيدة‬ ‫والخ ف‪ ..‬ذهب أبي مع دون رجعة‪ ،‬وياء ليتني ذهبت قبليه! ليب‬ ‫أكع أريد في الحياة غير ‪ ،‬فلماذا ضننتَ عليَّ به؟ ليتني أستطيس‬ ‫أن أفهب هذ الحياة؟ ربي إني تائه وحائر‪.‬‬ ‫مضت أيامي بطيلة مريرة‪ ،‬وكأنها تستلذ بعيذابي‪ ،‬فتزييدني‬ ‫حزناً وكببة‪ ،‬وأنا قدرة لي عليى مقاومتهيا‪ ،‬فاستسيلمت لهيا‪،‬‬ ‫وفقد قدرتي على الحياة‪ ..‬لقد أصبحت أتمنى الم ‪ ..‬المي‬ ‫الذي أكرهه ألنه أخذ أبي‪ ..‬إنه مرعب وقاسٍ‪ ..‬ليت أبيي زا‬ ‫حياً معي!‬ ‫لب يكع التع د على األلب ه ما مكننيي ميع العي دة للحيياة‬ ‫مرة أخر ‪ ،‬وإنما بقايا ق ة اجتررتها مع أعمياق قلبيي‪ ،‬لخي في‬ ‫على أمي أن تلح بأبي حزناً علي‪ ،‬ورأفةً بأسرتي الصييرة التيي‬ ‫ت فجأةً‪ ،‬وفي ثي ان بسييطة أنيا عمادهيا‪ ..‬كيان عليي أن‬ ‫أصبحْ ُ‬ ‫أصمد‪ ،‬لكي تنهار أسرتي‪.‬‬ ‫رجعت للدراسة بعد انقطاأ طا عدة أسابيس‪ ،‬وبدأ أسترجس‬ ‫ما فاتني‪ ..‬كان علي أن أجعل أبي يفتخر بي‪ ،‬كان ذليك أشيبه‬ ‫بالمستحيل في البداية‪ ،‬ولكنني تيلبت على نفسي‪ ،‬وبدأ أخفيف‬ ‫عع أسرتي مصابَ فقْد أبي‪ .‬كانت تنتابني بييع الفينية والفينية‬ ‫ن با حزن عميقة‪ ،‬أفقد فيهيا السييطرة عليى نفسيي‪ ،‬ولكننيي‬

‫‪19‬‬

‫ايضياع‬


‫سرعان ما كنت أسترجس نفسي‪ ،‬وأشحذ همتي‪ ،‬أو بياألحر ميا‬ ‫بقي مع همتي‪.‬‬ ‫وبدأ أيام ا متحانا النهائيية‪ ،‬وكنيت مسيتعداً لهيا‪ ،‬لكيع‬ ‫الهدف هذ الميرة كيان أن أتخيرج بمجمي أ ييدخلني جامعية‬ ‫السلطان قاب س (الجامعة األفضل في البلد)‪ ،‬أو على األقل إحد‬ ‫الكليا التقنية الحك مية‪ .‬كنت متحفزاً‪ ،‬وأشيعر بثقية شيديدة‬ ‫بالرغب مع أن أبي لب يكع معي‪ ،‬لقيد كنيت واثقياً ميع اهلل ليع‬ ‫يتركني‪ ..‬لقد أخبرني أبي مراراً‪ ،‬أن اهلل يزيد الشياكريع ميع‬ ‫فضله‪ ،‬وأخبرني أنه يخيب الملتجليع إليه‪ ،‬ال اثقيع فيه‪ ،‬وأنيا‬ ‫شك كنت واحداً منهب‪ ..‬كب دع تيه‪ ،‬وكيب ناجيتيه‪ ،‬وكيب‬ ‫وثقت فيه‪ ،‬وكب أحببته‪ ،‬بل إني أحبه حتى أكثر مع حبي ألبي‪،‬‬ ‫إنه ربي‪ ..‬يمكع أن يخذلني‪ ،‬و سيما أنني بذلت جهداً جبياراً‪،‬‬ ‫وأظهر عزيمة فائقة‪ ،‬فحاشا هلل أن يتخلى عني‪.‬‬ ‫قدمت ا متحانا ال احدة تل األخر ‪ ،‬بشكل جيد‪ ،‬بل وربما‬ ‫رائس‪ ،‬إلى أن وصلت لالمتحان األخير‪ ،‬امتحان مادة الرياضييا ‪..‬‬ ‫لست أدري ماذا دهاني‪ ،‬لقد اعترتني ي مها ن بية حيزن شيديدة‪،‬‬ ‫وأحسست بيداخلي يضيطرب‪ ،‬ودمي عي تنهمير مثيل المييزاب!‬ ‫حاولت التركيز في ا متحان‪ ،‬ودع اهلل أن يهدئ ميع روعيي‬ ‫ويسكع نفسي‪ .‬تماسكت قليالً‪ ،‬وبذلت قصار جهدي‪ ،‬دقائ مر‬ ‫بطيلة جداً إلى أن خرجت مع قاعة ا متحان‪ ،‬وأنا أعليب حتيى‬ ‫كيف قدمت ا متحان‪ .‬ولكنني كنت واثقاً في ربيي‪ .‬إنيه يعليب‬ ‫أنني عماد أسرتي‪ ،‬وأنني أملهب‪ ،‬بعد أن أخذ أبي‪ ،‬وه يعلب أنه‬ ‫سبيل لي ألعيل أسرتي الصييرة ما لب أدرس الجامعة‪ ،‬ولذا فهي‬ ‫لع يتخلى عني‪ ..‬إذا لب يكع ذلك مع أجلي‪ ،‬ربميا ألننيي أسيمس‬

‫‪20‬‬

‫ايضياع‬


‫األغاني في بعيض األحياييع القليلية‪ ،‬فألجيل أسيرتي الصيييرة‪،‬‬ ‫المرمنة المطيعة هلل‪.‬‬ ‫آ ‪ ،‬ليتني ما وثقت! أستيفر اهلل‪ ،‬ولكننيي لي ليب أثي لميا‬ ‫عقد اآلما ‪ ،‬وما أرهقت نفسي هباءً‪ ،‬ليتني كنت أعليب‪ .‬لمياذا؟‬ ‫لماذا يا رب؟ أحتاج فقف لبضس عالميا ليدخ الكليية! فقيف‬ ‫بضس عالما ! األمر سهل يا رب فلماذا لب تساعدني؟ أنا أطليب‬ ‫س القليل يا رب‪ ...‬لماذا تفعل ذلك بي ييا اهلل؟ لمياذا؟ لسيت‬ ‫أفهمك يا رب! لماذا تتخلى عني‪ ،‬وأنا في أم الحاجية إلييك‪،‬‬ ‫واألمر عليك سهل يسير؟ لماذا يا رب؟ ألست أنت الذي خلقتنيا‪،‬‬ ‫وأنت المسرو عنا؟ ألست على كل شيء قدير؟ ألسيت أنيت ييا‬ ‫سُ‬ ‫س س‬ ‫رب مييع تق ي ‪ْ " :‬اد ُعةو ين أ ْسةةت يج ْب لك ْةم"؟ دع تييك مييرارا ومييراراً‪،‬‬ ‫فلماذا تستجيب لي؟ لماذا؟ كان أبي يردد دائماً أنيك تحبنيا؟‬ ‫هل أنت حقاً تحبنا؟ هل تحبني؟ هل تسمعني يا رب؟ هل يهميك‬ ‫أمري‪ ،‬وتريد مسياعدتي؟ هيل أنيت م جي د ييا رب؟ ام أن هيذ‬ ‫مجرد أوهام؟ وحتى إذا كنت م ج داً‪ ،‬ما يدريني أنك على كل‬ ‫شيء قدير؟ وأنك صادق في وع دك لنا؟ وأنك تحبنا؟ نعيب إذا‬ ‫كنت كامالً و ينقصك شيء فلماذا خلقتنا إذاً؟ هيل لتسيعدنا‪،‬‬ ‫كما يق ل ن؟ كييف أصيدق ذليك‪ ،‬وأنيت تخلييت عنيي‪ ،‬وليب‬ ‫تساعدني حتى في الحص على النسبة التيي تيدخلني الجامعية‬ ‫بالرغب مع شدة حبي لك منذ طف لتي‪ ،‬وثقتي فييك‪ ،‬ودعيائي‬ ‫المستمر لك؟ آ ثب آ ‪.‬‬ ‫المطر يزداد انهماراً‪ ،‬والسماء تيزداد سي اداً‪ ،‬وترعيد وتبيرق‬ ‫بشدة وعنف‪ ،‬وكأنها تزمجر غضباً مع تفكيري! هل ما أق له يا‬ ‫رب كفر‪ ،‬هل أنت غاضب مني يا رب؟ أرج ك ييا رب تيضيب‬

‫‪21‬‬

‫ايضياع‬


‫مني‪ ،‬فأنا أحبك‪ ،‬وليي ليي غييرك‪ .‬رب إن تركتنيي هلكيت‪.‬‬ ‫أرج ك يا رب أنجدني فأنا حائر وتائه ويائ ‪.‬‬ ‫قادتني قدماي لحديقة الريام‪ ،‬للمكان الذي تعي د أن ألعيب‬ ‫فيه الكرة مس أبيي‪ ...‬اسيتلقيت عليى األرض منهكياً ومستسيلماً‬ ‫للقدر‪ ،‬أغمضت عيني‪ ،‬ودخلت في ن مٍ عمي ٍ‪ ،‬لب اسيتف منيه إ‬ ‫على ص بكاء أمي وهي تحضنني بخ ف‪ .‬هالني ذليك‪ ،‬فقميت‬ ‫مرع با ً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أمي ما الذي تفعلينه هنا في هذا الج العاصف؟ ستمرضيع‪.‬‬

‫‪ ‬هيا يا حبيبي إلى البيت‪ ،‬حرام عليك‪ ،‬ستقتلني ميع الحيزن‬ ‫عليك‪ .‬وأجهشت بالبكاء‪.‬‬ ‫احتضنت أمي‪ ،‬ثب اخذ بيدها‪ ،‬وأخذ أسيرأ الخطيى معهيا‬ ‫إلى البيت‪ .‬لب أكع أفكر حينها س في أمي المسكينة‪ ،‬التيي‬ ‫ح لها و ق ة‪ ..‬رحمتها فمصيبتها أشيد ميع مصييبتي‪ ،‬فهيي‬ ‫أضعف مني‪ ،‬ومس ذلك فهي مضطرة للتماسك مع أجلنيا نحيع‬ ‫أسرتها وفلذا كبدها‪.‬‬ ‫كان طري الرج أ مع حديقة الريام إلى بيتنا فيي "سي ر‬ ‫الل اتية"(‪ ) 1‬ط يالً‪ ،‬ومرعباً جداً في هذا الج العاصف‪ ،‬ولعميري‬ ‫كنت أخشى أن تطير بنا الرياح‪ ،‬أو يسحبنا السييل إليى البحير‪،‬‬ ‫وقد كان منمر األمي اج العاتيية يزييدنا رعبياً‪ .‬كانيت فتيرة‬ ‫عصيبة إلى أن وصلنا إلى المنز ‪ ،‬وقيد هيالني أن أجيد جيدتي‪،‬‬ ‫‪ 0‬ماط ة سكاية‪ ،‬ت م على شارع ايايرنيش‪ ،‬في مدياة مطر ‪ ،‬كان يت ركي فيها أفراد قبيلة ايلياتية‪ ،‬قبل أن‬ ‫ياتشروا في ب ية ماا اي اص ة‪ ،‬في ايث انياات‪ ،‬من اي رن املاضو ‪ ،‬ويكن ال ييال ي طن فيها ب ض منه ‪ ،‬ال‬ ‫ً‬ ‫سي ا من كبار اي ن قرابة ‪ 00‬بيتا من رج ااي ‪ 940‬بيت ت ريبا يحتييق اي ير)‪ ،‬وال ييال اي ير ي ثل مركي‬ ‫ريت اءات وتج م أفراد اي بيلة في املااسبات ايدينية ايكثيرة يديه ‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫ايضياع‬


‫وأختي واقفا على الباب ينتمرننا‪ :‬جدتي تدع اهلل أن يحفمنا‪،‬‬ ‫وأختاي تبكيان بمرارة مع الخ ف والجزأ‪.‬‬ ‫كان الج دافلاً في البيت‪ ،‬وخيال دقيائ قليلية كنيت قيد‬ ‫بدلت ثيابي‪ ،‬واطمأننت على والدتي‪ ،‬ثب ألقيت نفسي على فراشي‬ ‫القطني‪ ،‬وادثر ببطانيتي‪ ،‬وغرقت في ن م عمي ‪ ،‬لب أستف منه‬ ‫إ على الشع ر بحمى شديدة‪ ،‬تسيطر عليى جسيمي وأنفاسيي‪..‬‬ ‫لقد كنت مرهقاً ومريضاً للياية جراء البرودة والجي العاصيف‬ ‫اللذيع تعرضت لهما البارحة‪ ،‬لكنني شكر اهلل عنيدما علميت أن‬ ‫والدتي بخير‪ ،‬وأنها لب تصب بأذ ‪.‬‬ ‫لقد كان في مرضي عق بة شديدة لي على تصرفي األرعيع‬ ‫البارحة‪ ،‬بخروجي راكضاً ومنهاراً مع البيت‪ ،‬وكأنني أهرب مع‬ ‫قدري‪ ،‬وسف ذه أمي وأسرتي! لي ألننيي مرضيت‪ ،‬بيل ألن‬ ‫والييدتي اضييطر ألن تييأتي بالطبيييب إلييى المنييز لمعيياينتي‬ ‫وعالجي‪ ،‬وقد كلفنا ذلك كثيراً‪ ،‬باإلضافة إليى األدويية التيي‬ ‫اضطررنا لشرائها‪ ،‬ولذا فقد عاهد نفسي أ ّ أفقد السيطرة على‬ ‫نفسي مرة أخر مهما حدث‪ ،‬ألن ذلك يعني المزيد مع الشيقاء‬ ‫ألسرتي الصييرة‪ ،‬التي تستح كل هذا األلب‪ ،‬ولب تعد قيادرة‬ ‫على تحمل المزيد‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫مضت أيام‪ ،‬وأنا أصارأ الحمى‪ ،‬إلى أن أخذ صحتي تتحسع‪،‬‬ ‫ومزاجي يعتد تدريجياً‪ ،‬وفي أحد األيام‪ ،‬عندما أفقت مع الني م‬

‫‪23‬‬

‫ايضياع‬


‫كنت أشعر أنني تعافيت تقريباً‪ .‬كانت واليدتي تجلي‬

‫بجيانبي‬

‫تخيف كمة(‪ ) 2‬لكي تسدد بثمنها بعض احتياجا البيت المتزايدة‪.‬‬ ‫سرحت أفكر فيي وضيعي ووضيس أسيرتي‪ ،‬وفيي الخييارا‬ ‫المتاحة أميامي‪ ..‬الراتيب التقاعيدي ل اليدي ‪ 229‬رييا ً عمانييًا‬ ‫يكفيي لمعيشيتنا‪ .‬صيحيع أن‬ ‫]قرابة ‪ 666‬دو ر أمريكي[ وه‬ ‫أقساط السيارة الشهرية قد ت لتهيا شيركة التيأميع بعيد وفياة‬ ‫والدي‪ ،‬وصحيع أيضاَ أن إيجار البيت في س ر الل اتيية رخييص‬ ‫جداَ‪ ،‬ولكع الراتب يكاد يكفينا حتى لألكل‪ ،‬سيّما مس جحيب‬ ‫اليالء المتزايد‪.‬‬ ‫لست أدري‪ ،‬ألهذا السبب ربما لب ي فقني اهلل لتكملة دراسيتي‬ ‫الجامعية؟ ربما علي أن أعمل كيي أخفيف العيبء عيع واليدتي‪،‬‬ ‫وأسدد احتياجا أسيرتي‪ ،‬واحتياجيا أختياي الصيييرتيع التيي‬ ‫تتزايد كلما كبرتا‪.‬‬ ‫ولكع أيع سأعمل؟ ومع سي ظفني بشيهادة الثان يية العامية؟‬ ‫وبأي راتب؟ ربما علي أن أبحث عع وظيفة "مندوب مبيعا " في‬ ‫إحد المحال الكبر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ماما‪ ،‬سأخرج ألبحث عع وظيفة‪.‬‬

‫‪ ‬صباح الخير حبيبي‪ ،‬قالتها وهي تبتسب ابتسامة عذبة دافلية‪،‬‬ ‫وتمسع بيدها الحانية على رأسي‪ .‬تفكر في هذا الم ض أ‬ ‫اآلن‪ .‬سيفرجها اهلل إن شاء اهلل‪ ،‬وستكمل دراستك الجامعيية‪،‬‬ ‫وستصبع أحسع طبيب في العالب‪.‬‬

‫‪ 9‬قب ة تخاط من اي اش‪ ،‬وت د من ض ن ايلباس املحلي في سلطاة ع ان‪ .‬ع تسرق خيا تها في اي ادة قرابة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شعر‪ ،‬وتدر عائدا يبلغ مائة دوالر ت ريبا‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫ايضياع‬


‫لقد علت وجهي ابتسامة ساخرة‪ ،‬مش بة بالحزن واأللب‪ .‬لقد‬ ‫كانت أمنيتنا جميعاً أن أصبع طبيباً مشه راً‪ .‬ولكع هذ أحيالم‪،‬‬ ‫فالقدر – كما يبدو – يكرهني‪ ،‬وقد قرر معاندتي‪ ،‬وأنا قيدرة‬ ‫لي على مجابهته‪ .‬يجب أن أك ن واقعياً‪ ،‬وأتيرك هيذ األحيالم‬ ‫الرائعة ألصحابها مع األغنياء‪ ،‬والمقتدريع‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أمي‪ ،‬هل‬ ‫بنا؟‬

‫زلت تثقيع في اهلل عز وجل‪ ،‬بعد كيل ميا فعليه‬

‫‪ ‬أستيفر اهلل‪ ،‬حرام‪ ،‬هذا كفر‪ ،‬اهلل لب يفعل بنا إ خيراً!‬ ‫‪-‬‬

‫يا ليتني يا ماما أملك إيمانك‪ .‬كيف تسيتطيعيع أن تثقيي‬ ‫باهلل بهذ الطريقة؟‬

‫‪ ‬حبيبي أب ك لب يمت‪ .‬ه ينتمرنا في عالب البيرزت‪ ،‬ونحيع‬ ‫سنلحقه هناك ي ماً ما‪ ،‬في عالب ي جد فيه أي أليب‪ ...‬فيي‬ ‫عالب نك ن فيه ضي فا عند اهلل‪ ،‬ويكرمنا مع فضله‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إذا كان اهلل كريماً لهذ الدرجة‪ ،‬لماذا‬ ‫لماذا يعذبنا في الدنيا؟‬

‫يكرمنا هنا أيضياً؟‬

‫ز كالمي هذا أمي بشدة‪ ،‬فارتفس صي تها وهيي تيرد عليي‬ ‫استف ّ‬ ‫بانفعا ‪ ،‬وحزم‪:‬‬ ‫‪ ‬اهلل يعذبنا‪ ،‬حاشا حبيبي‪ .‬تعد هذا الق ميرة أخير ‪.‬‬ ‫أنا أستطيس أن أتحمل هذا الكالم على اهلل‪ .‬اسمعني حبيبي‪:‬‬ ‫لقد كان اهلل قادراً على أ ّ يخلقني‪ ،‬لكنيه خلقنيي‪ ،‬وهي‬ ‫يريد مني شيلاً‪ ،‬وأعطاني إياك وأختيك‪ ،‬وجيدتك‪ ،‬وأبياك‪.‬‬ ‫ولما ذهب أب ك إلى الجنة‪ ،‬أنا أعيرف أنيه هنياك ينتمرنيا‪،‬‬ ‫وسرعان ما سنذهب إليه كلنا‪ ،‬ونلتقي هناك عنيد اهلل‪ .‬لكيع‬ ‫اآلن‪ ،‬وإلى أن نذهب عند اهلل‪ ،‬يكفيني أن أكي ن معكيب لكيي‬ ‫‪25‬‬

‫ايضياع‬


‫أك ن سعيدة‪ .‬انا أحب اهلل ألنه يحبنيا‪ ،‬ويينعب علينيا دائمياً‬ ‫حتى ل لب نفهب كيف‪ .‬ه بنفسه عز وجل‪ ،‬يقي ‪ " :‬سو سع سسة‬ ‫س ْ س ْ سُ س ًْ س ُ س سٌْس ُ ْ س س س س ْ ُ و س ًْ س ُ س س ُس ُ ْ س ُْ س‬ ‫اع س ْعل ُةم‬ ‫أن تكرهوا شحيا وهو خارلكم ۖ وعسة أن ت يحبةوا شةحيا وهةو شةرلكةم ه و‬ ‫سُْ س س س س‬ ‫سوأنت ْم ال ت ْعل ُمون"‪.‬‬ ‫كان اندفاأ أمي في ج ابها‪ ،‬ودفاعهيا عيع اهلل‪ ،‬وثقتهيا فييه‬ ‫ملهماً‪ .‬هل هذا ه يا تر ما يسم نه "إيمان العجيائز"؟ ليتنيي‬ ‫كنت أملكه! لكع والدتي ليست عج زاً‪ .‬إنها تكبرني فقف بسيتة‬ ‫عشر عاماً! فهي في أواسف الثالثينيا مع عمرها‪ .‬صيحيع أنهيا‬ ‫لب تكمل دراستها الجامعية‪ ،‬لكنها مثقفة وتحب القيراءة كثييراً‪،‬‬ ‫وإن كانت بعد وفاة والدي اضطر لالكتفياء بقيراءة القيرآن‬ ‫وكتب األدعية‪ .‬عم ماً‪ ،‬لقد كانت هذ مع المرا النيادرة جيداً‬ ‫التي رأيت فيها والدتي تنفعل بشدة هكذا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا آسف ماما‪ .‬لب أقصد أذيتك‪ .‬قلت ذلك‪ ،‬وأنا أقبيل ييدها‬ ‫المباركة بحنان واعتذار‪.‬‬

‫‪ ‬أنا التي آسفة حبيبي لتعصبي عليك‪ .‬لماذا تناقش خاليك‬ ‫عيسى في هذا الم ض أ‪ ،‬فه مثقيف جيداً‪ ،‬وقيد كيان فيي‬ ‫بداية حياته طالبًا في الح زة الدينية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫سأذهب إليه حا ً‪ .‬أحتاج أن أناقشه عع العمل أيضاً‪.‬‬

‫تردد والدتي في البداية بالسماح لي بالخروج ميع البييت‪،‬‬ ‫ألنني كنت أزا مت عكاً بعض الشيء‪ ،‬لكع خشيتها مع األفكار‬ ‫التي كانت تدور في رأسي‪ ،‬وحياجتي ألن أتحيدث ميس شيخص‬ ‫ناضج ومثقف دعتها إلى الم افقة‪.‬‬ ‫بدلت ثيابي‪ ،‬وانطلقت مباشرة إلى مكتيب خيالي‪ .‬ليب أكيع‬ ‫متأكداً مع أنه سيك ن م ج داً هناك‪ ،‬أو أن لديه وقتًا لمقابلتي‪،‬‬

‫‪26‬‬

‫ايضياع‬


‫لكع لب يكع لدي مع خيار غير المحاولة‪ ،‬فهاتفنا تب قطعه بعيد‬ ‫شهريع مع وفاة والدي‪ ،‬لعدم سداد الفات رة‪ .‬عم ماً لب يكع لدي‬ ‫مع خيار آخر‪ ،‬وأنا مستعد حتى ل اضطرر لالنتميار لسياعا‬ ‫لمقابلته‪ ،‬فالم ض أ يحتمل التأجيل‪.‬‬ ‫خالي شخص رائس‪ ،‬ومليء بالحنان والخير‪ .‬إنه يعمل ميديرًا‬ ‫للم ارد البشرية في إحد شركا النفف‪ ،‬وه مثقف‪ ،‬وذكيي‪،‬‬ ‫ومتحييدث لب ي ‪ ،‬ومتييديع جييداً‪ ،‬وشخصيييته ت ي حي با طملنييان‬ ‫والراحة‪ .‬ه أقرب أخ الي إلى قلبي‪ ،‬ربما ألنيه أصييرهب‪ ،‬فهي‬ ‫يصير أمي بسنتيع‪ ،‬أو ربما بسبب أسل به المتميز فيي التعاميل‪،‬‬ ‫واحترام اآلخريع‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫كان الي م مشمساً وحاراً جداً على عادتنا في أشيهر الصييف‬ ‫الملتهبة‪ ،‬وكأن العاصفة اله جاء التي مر علينا قبل عدة أييام‪،‬‬ ‫والتي تسببت في مرضي كانت مجرد كذبة‪.‬‬ ‫وخال ربس ساعة مع الزمع‪ ،‬كنت أطرق الباب عليى خيالي‪،‬‬ ‫لقد كان م ج داً في مكتبه‪ ،‬لكنه لألسف كيان يهيب بيالخروج‪.‬‬ ‫كنت محرجًا منه‪ ،‬فاعتذر لمجيليي لمحيل عمليه دون م عيد‪،‬‬ ‫لكنه طيّب خاطري‪ ،‬وسلب علي بحرارة وش ق‪.‬‬ ‫‪ ‬سأجل معك لميدة ‪ 16‬دقيائ ‪ ،‬نحتسيي فيهيا الشياي معياً‪،‬‬ ‫وتخبرني عع سبب زيارتيك الحلي ة ليي‪ .‬ثيب سيأتركك‬ ‫وأرجس لك تقريباً بعد ساعة‪ ،‬يعني وقيت "اللينج برييك"‬ ‫لنخرج لليداء معاً‪ .‬ما رأيك؟‬ ‫‪-‬‬

‫م اف طبعاً‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫ايضياع‬


‫‪ ‬دعنا نبدأ إذاً‪ ،‬أنا أجهز الشاي‪ ،‬وأنت تتكلب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خالي‪ .‬أعرف كيف أبدأ‪ ،‬لكنني في مشكلة‪ ،‬وأنيا أرجي ك‬ ‫أن تسمعني‪ ،‬وتشير علي كيف أحل مشيكلتي‪ ،‬لكيع ميع دون‬ ‫أن تيضب مني‪.‬‬

‫‪ ‬طبعاً حبيبي‪ .‬تفضل تكلب أنا أسمعك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنت تعرف كل المشاكل التي مرر بها مرخراً‪ ،‬ميع مي‬ ‫والدي‪ ،‬وصع بة ظروفنا المادية‪ ،‬وفي النهاية حص لي عليى‬ ‫مجم أ أقل فقف بي ‪ %1‬مع المجم أ الذي يرهلني لدخ‬ ‫الكلية التقنية‪.‬‬

‫‪ ‬أعييرف‪ .‬قالهييا خييالي بص ي‬ ‫وبنمرا تشس شفقة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ميينخفض‪ ،‬أو ربمييا منكسيير‪،‬‬

‫أنا اآلن مضطر أن أبحث عيع وظيفية‪ ،‬ميع أجيل أن أخفيف‬ ‫الحمييل عييع والييدتي‪ .‬وأنييا أريييدك أن تسيياعدني فييي هييذا‬ ‫الم ض أ‪.‬‬

‫‪ ‬بالتأكيد‪ ،‬لكع أخبرنيي‪ ،‬أ ترغيب فيي م اصيلة دراسيتك‬ ‫الجامعية‪ ،‬وفي الحص على مستقبل زاهر؟‬ ‫‪-‬‬

‫طبعاً أريد خالي‪ ،‬لكع هذ األحالم ليست للفقراء‪ ،‬وأنا القدر‬ ‫يكرهني‪ .‬قلتها بهدوء‪ ،‬ولكع بأسى بالغ‪ ،‬وانطلقت ميع عينيي‬ ‫دم أ حارة‪ ،‬بصمت ومرارة‪.‬‬

‫كنت قد قرر قبل لقاء خالي أن أتمالك نفسي‪ ،‬وأ أنب‬ ‫بشيء ي حي باله ة السحيقة مع الكببة واأللب التيي أرزح فيهيا‪،‬‬ ‫ولكننييي لييب أسييتطس أن أتماسييك‪ ،‬تحييت ثقييل بركييان األسييى‬

‫‪28‬‬

‫ايضياع‬


‫والحيرة الذي كان يعتمل في داخلي‪ ،‬مع جهية‪ ،‬وأسيل ب خيالي‬ ‫العط ف والحن ن مع جهة أخر ‪.‬‬ ‫نهض خالي مع مقعد ‪ ،‬وجل بالمقعد اليذي بجيانبي‪ ،‬وقيد‬ ‫ظهر التأثر على وجهه‪ ،‬واحتضع يدي في يد ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫هذ مشكلتي الثانية‪ ،‬أنا فقد ثقتي في اهلل عز وجل‪ ،‬أعرف‬ ‫أن هذا كفر‪ ،‬والعياذ باهلل‪ ،‬لكع الم ضي أ ليي بييدي‪ ،‬و‬ ‫أستطيس أن أمنس نفسي عع الشيك‪ .‬أنيا أؤميع بياهلل‪ ،‬ألننيي‬ ‫مسلب‪ ،‬لكنني اآلن غير مطملع عقليّياً أن اهلل م جي د‪ ،‬وأنيه‬ ‫يحبنا و يملمنا‪ ،‬وأنه قادر على كل شيء‪.‬‬

‫‪ ‬أنت تشعر أن اهلل تخلى عنك‪ ،‬عندما ت في واليدك‪ ،‬وعنيدما‬ ‫لب ي فقك في الحص على النسبة التي تدخلك الجامعية‪،‬‬ ‫بفارق بسيف جداً‪ ،‬بالرغب مع أنك بذلت مجه داً جباراً فيي‬ ‫المذاكرة والدراسة‪ ،‬نمراً للمروف التي كنت تمر بها!‬ ‫‪-‬‬

‫ولب نت قف مطلقًا عع اليدعاء ليه‪ ،‬لكنيه ليب يميد لنيا ييد‬ ‫المساعدة‪ ،‬وخذلني‪ ،‬وخذ أسرتي كلهيا‪ ،‬بيالرغب ميع أننيا‬ ‫نحبه كثيراً‪ ،‬ومتمسك ن به‪ .‬ل كيان م جي داً‪ ،‬أو ل كيان‬ ‫في طيبة أي إنسان عادي‪ ،‬ما كان ليتخلى عنا بعدما كل ميا‬ ‫رج نا ‪ ،‬ووثقنا فيه‪.‬‬

‫‪ ‬وإذا أثبت لك‪ ،‬أن اهلل‪ ،‬على عك ما تق تماماً‪ ،‬قد استجاب‬ ‫دعاءك‪ ،‬ومنعك مع خطيأ كبيير كنيت سيترتكبه لي أنيه‬ ‫وفقك في الحص على المجم أ الالزم لدخ الجامعية‪،‬‬ ‫بالرغب مع أنه يعلب أنه ل وفقك فإنك ستشيكر ‪ ،‬ولي لب‬ ‫ي فقك ستمع به س ءاً‪ ،‬وبالرغب مع ذلك فضل مصلحتك‪،‬‬ ‫وربما يك ن في هذا نفسه درس لك‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫ايضياع‬


‫‪-‬‬

‫لب أفهب‪.‬‬

‫‪ ‬أنا لب أفسير كالميي بعيد‪ .‬اسيمعني يجيب أن أذهيب اآلن‪،‬‬ ‫سأرجس لك بعد ساعة‪ ،‬وحينها سأشيرح ليك كييف أن اهلل‬ ‫في ال اقس حماك‪ ،‬واستجاب لك دعاءك‪ ،‬وفيتع ليك طريي‬ ‫الدراسة الجامعية والمستقبل الباهر عندما لب يسمع لك أن‬ ‫تحصل على النسبة المطل بة للمنحة الجامعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عف اً خالي‪ ،‬لكع هذا الكالم معنى له‪ .‬عم مياً اذهيب أنيت‬ ‫اآلن‪ ،‬لكي تتأخر‪ ،‬وأنا في انتمارك‪.‬‬

‫‪ ‬خذ راحتك فيي المكتيب‪ ،‬أحيد سييزعجك‪ .‬تسيتطيس أن‬ ‫تصلي‪ ،‬فقد أذّن المهر‪ ،‬لكع اتصل بخالة صفية‪ ،‬جارة أميك‪،‬‬ ‫وقل لها أن تخبر أمك‪ ،‬أنك ستبقى معي إلى ما بعد صيالة‬ ‫الميرب‪ .‬وعندما تفرغ مع الصالة وا تصا أرجي ك ابحيث‬ ‫في اإلنترنت عع شيء اسمه "تخطيف المسار المهنيي" إليى‬ ‫أن أرجس مع ا جتماأ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن شاء اهلل خالي‪.‬‬

‫خرج خالي‪ ،‬لكع كالمه منع روحي بصيص أمل‪ ،‬كنيت فيي‬ ‫أم الحاجة إليه‪ ..‬هل يا تر خالي مصيب في كالمه‪ ،‬وأن اهلل‬ ‫لب يخذلني‪ ،‬وأنني تسرعت في اتهامه عز وجل‪ .‬أسيتيفر اهلل‪ .‬ييا‬ ‫رب هل أنت غاضب مني اآلن؟ أنا أحبك يا رب بالرغب مع كيل‬ ‫ما أق له‪ ،‬وأشعر به ميع ييأس وإحبياط‪ ..‬لكننيي تائيه ييا رب‪.‬‬ ‫أرج ك يا اهلل إن كنت تحبني يا رب ففهمنيي‪ ،‬و تيدعني فيي‬ ‫حيرتي‪ ،‬وبعد ذلك افعل بي ما تشاء‪ ،‬ولكع أرف بي ييا رب‪ .‬ييا‬ ‫اهلل أنا محتاج إليك فهل تتخلى عني وأنا أدع ك؟‬

‫‪30‬‬

‫ايضياع‬


‫مرة أخر أخذ الدم أ الحارة تنهمير ميع عينيي‪ ،‬لكننيي‬ ‫هذ المرة أطلقت لها العنان‪ ،‬ومدد يدي بعف يية إليى طاولية‬ ‫خالي آلخذ نسخة القرآن الكريب التي كانت عليه‪ ،‬وفتحته علَّني‬ ‫أجد فيه ما يبرد أواري المستعرةَ‪ ،‬ويسيكّع روحيي المضيطربة‪.‬‬ ‫فتحته‪ ،‬فشعر أن اهلل يخاطبني مباشرة حينما وقس نياظري أو‬ ‫س سسْ سُْ ْ ُ ُس س س ْ ْ س‬ ‫ين سج س‬ ‫ما وقس على ق له تعالى‪ " :‬سو ْالةذ س‬ ‫اع سملسةعس‬ ‫اه ُةدوا يفينةا لنه يةدينهم سةبلنا ِ و يإن‬ ‫ي‬ ‫ُْ‬ ‫س‬ ‫اْل ْح يسة ينان" هنا لب أتمالك نفسي‪ ،‬وأجهشيت بالبكياء‪ ،‬ولكيع هيذ‬ ‫المرة عرفاناً وشكراً هلل‪ ،‬بالرغب مع أني زلت لب أفهب كيف!‪.‬‬ ‫صليت‪ ،‬واتصلت بخالتي صفية‪ ،‬لكننيي ليب أكيع فيي ميزاج‬ ‫يسمع لي بالبحث عع أي شيء‪ ،‬لذا ألقيت بثقلي على مسند مقعد‬ ‫خالي المريع‪ ،‬وأغمضت عيني ألريحهما بعد ذلك البكاء الط يل‪،‬‬ ‫ولب أشعر إ وخالي ي قمني‪.‬‬ ‫‪ ‬يبدو أن جسمك يزا يعاني مع تعب الحمى‪ .‬أتريدني أن‬ ‫أرجعييك إلييى البيييت‪ ،‬ونكمييل نقاشيينا عنييدما ترجييس لييك‬ ‫صحتك؟ قالها بحنان‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أرج ك خالي‪ .‬أنا لب أكد اصدق أنيي وجيد أميالً‪ .‬أنيا‬ ‫مرتاح جداً‪ ،‬و أشعر بالحمى‪ ،‬كما أني مشتاق أن ألعب ميس‬ ‫تامر (ابع خالي‪ ،‬ذي السنيع التسس)‪.‬‬

‫‪ ‬ه أيضاً يذكرك كثيراً‪ ،‬ويعجبه أن يلعيب معيك‪ .‬سينر‬ ‫مع منا يفي ز اليي م فيي لعبية كيرة القيدم "فيفيا" فيي‬ ‫"نايتندوا" ]لعبة عائلية إلكترونيية‪ ،‬كانيت معروفية‪ ،‬قبيل‬ ‫البالي ستيشع[؟ بالمناسبة أنيا اسيتأذنت ميع العميل لبقيية‬ ‫ي مي لكي نلعب معاً‪ ،‬كأيامنا الخ الي‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫ايضياع‬


‫خرجنا مع المكتب‪ ،‬وركبنا السيارة‪ ،‬في صمت‪ ،‬أنيا أنتمير‬ ‫أن ييتكلب ويشيرح ليي اللييز اليذي ألقيا عليي قبيل ميادرتييه‬ ‫لالجتماأ‪ ،‬أما ه فربما كان يفكر في ما سيق له ليي‪ .‬واخييراً‬ ‫نط خالي‪.‬‬ ‫‪ ‬قل لي‪ :‬إذا كان لديك ركاب‪ ،‬وتريد أن تأخذهب مع مدينة‬ ‫الخي ير إلييى مدينيية روي‪ ،‬أي سيييارة سييتختار لت صيييلهب‬ ‫بطريقة أسرأ‪ ،‬وأريع‪ :‬سيارة بي أم دبلي الفارهة‪ ،‬أم سيارة‬ ‫ميني باص؟‬ ‫‪-‬‬

‫طبعاً سيارة بي أم دبلي ‪.‬‬

‫‪ ‬وطبعاً الج اب غلف‪ .‬ألن الركاب إذا كان عددهب أكثر مع‬ ‫أربعة راكب‪ ،‬فإنك ستضطر لت صيلهب على دفعتييع‪ ،‬وفيي‬ ‫هذ الحالة تك ن سيارة الميني باص أفضل بكثير مع سيارة‬ ‫بي ام دلي ‪ .‬أما إذا كان عدد الركاب أربعة فأقل فإن سيارة‬ ‫بي ام دبلي تعد خيارًا أفضل‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫ه كذلك‪ .‬أنا فعالً لب أفكر في عدد الركاب‪.‬‬

‫‪ ‬وكنت سيترتكب غلطية مشيابهة‪ ،‬إذا كنيت دخليت جامعية‬ ‫السلطان قاب س‪ ،‬أو أيا مع الكليا ‪ ،‬ولذا حمياك اهلل‪ ،‬وجعيل‬ ‫مجم عك ينقص بهيذ النسيبة البسييطة‪ ،‬وربميا قصيد أن‬ ‫يك ن الفارق بسيطاً‪ ،‬لكي يشير لك إلى عنايته بيك‪ ،‬ولكيي‬ ‫تتساء عع السر وراء ما حدث لك‪ ،‬كما فعلت‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عف اً خالي أنا أفهب كيف يك ن دخي لي للجامعية خييارا‬ ‫خاطلا‪ ،‬إذا كنت أنا أريد أن أدرس في الجامعة‪.‬‬

‫‪ ‬لنفترض أنك دخلت الجامعية‪ .‬بعيد أشيهر قليلية سيتدخل‬ ‫أختاك المدرسة‪ ،‬وبالتالي ستزداد المصروفا ‪ ،‬ومع الممكيع‬ ‫‪32‬‬

‫ايضياع‬


‫جداً أن تتعب أمك مع العمل في خياطية الكمييب‪ ،‬كميا أن‬ ‫األسعار مستمرة في ا رتفاأ‪ .‬وأنت وأمك ترفضيان بشيكل‬ ‫قاطس أن نتحمل نحع مسروليتنا تجاهكب‪ .‬قل لي إذن كييف‬ ‫ستستطيس م اصلة دراستك الجامعية مع دون وجي د دخيل‬ ‫كاف‪ ،‬يسد أبسف احتياجاتك واحتياجا أسرتك الي مية؟‬ ‫‪-‬‬

‫أطرقت رأسي لث اني بسيطة‪ ،‬ثب رفعته‪ :‬والحل؟‬

‫‪ ‬الميني باص‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫يعني؟‬

‫‪ ‬يعني أن تعمل وقت الصباح في وظيفة‪ ،‬لتكميل الينقص فيي‬ ‫مصروف البيت‪ ،‬ومع جهة أخر لتكتسيب خبيرة‪ ،‬تسياعدك‬ ‫على النجاح والتميز في مستقبلك الي ظيفي‪ .‬وفيي المسياء‬ ‫تدرس في إحد جامعا القطاأ الخاص على حسابك‪ ،‬وهي‬ ‫لع تكلفك س جزءٍ مع راتبك الشهري‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫معق‬

‫جداً‪.‬‬

‫‪ ‬لكنه صعب‪ .‬هل تقدر أن تجمس ما بيع ال ظيفة والدراسة؟‬ ‫‪-‬‬

‫مع دون أدنى شيك‪ .‬هيذا األمير يقلقنيي مطلقياً‪ .‬أنيا‬ ‫أعرف لماذا لب أفكر في هذا الحل منذ البداية‪ ،‬مس أنيه حيل‬ ‫سهل‪.‬‬

‫‪ ‬ألننا تع دنا أن نقلد ما يفعله اآلخرون‪ ،‬مع دون أن نخطيف‬ ‫لحي اتنا‪ ،‬وفقاً لمروفنيا‪ .‬عم مياً إذا كيان هيذا الحيل قيد‬ ‫أعجبك‪ ،‬فعندي لك بعض النصائع التي ستجعل مسيتقبلك‬ ‫المهني متميزاً عع اآلخيريع بمراحيل‪ ،‬لكيع سنناقشيها فيي‬ ‫البيت‪.‬‬

‫‪33‬‬

‫ايضياع‬


‫وصلنا إلى بيت خالي‪ ،‬حيث قضيت وقتاً ممتعا معهب‪ ،‬وتيدينا‬ ‫جميعنا معاً في ج مريع وناعب‪ ،‬ثب أكملنا نقاشنا أنيا وخيالي‪،‬‬ ‫حيث قمنا بمناقشة هيدفي الي ظيفي‪ ،‬وبنياءً علييه قمنيا برسيب‬ ‫تفاصيل مساري المهني بينما نحع نلعب النايتندوا‪ ،‬ومعنا تيامر‪.‬‬ ‫كانت خطتيي المهنيية تقتضيي أن أعميل فيي وظيفية منيدوب‬ ‫عالقا عامة‪ ،‬وفي أثناء ذلك أدرس الشهادة المهنية الدولية في‬ ‫المحاسبة اإلدارية (‪ ،)CMA‬والتي يت قس أن تستيرق منيي فتيرة‬ ‫سنة تقريباً‪ ،‬أبحث بعدها عع وظيفة في المحاسبة‪ ،‬ولكع براتيب‬ ‫كبير نسبياً‪ ،‬وفي نف ال قت أبدأ بالدراسة الجامعية في إحد‬ ‫الكليا الخاصة‪ ،‬في الفترة المسائية‪.‬‬ ‫ل سار األم ر كما خططنا لها‪ ،‬فهذا يعني أنني في خيال‬ ‫خم سن ا مع اآلن سييك ن ليدي شيهادة جامعيية‪ ،‬وخبيرة ‪5‬‬ ‫سن ا منها ‪ 4‬فيي المحاسيبة‪ ،‬باإلضيافة إليى الزمالية المهنيية‬ ‫الدولية في المحاسبة اإلدارية مع ال يا المتحيدة األمريكيية‪.‬‬ ‫وهذا يعني أن وضعي المهني والمالي سيك ن أفضل بمراحل ميع‬ ‫زمالئي الذيع تخرج ا معي مع الدراسة‪ ،‬ثيب انضيمّ ا للدراسية‬ ‫الجامعية مباشرة‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫في تلك الليلة كنت سعيداً جداً‪ ،‬كنت مستلقيا على فراشي‪،‬‬ ‫متلحفًا ببطانيتي الثقيلة بكامل جسمي‪ ،‬اليذي تق قيس ميع شيدة‬ ‫برودة اليرفة‪ ،‬بسبب التكييف‪ ،‬وصير حجب اليرفة‪ ،‬وألن فراشيي‬ ‫كييان فييي م اجهيية المكيييف مباشييرة‪ .‬كانييت جييدتي وأختيياي‬ ‫الصييرتان نائما بهدوء‪ ،‬وأميا أميي فكعادتهيا كانيت افترشيت‬ ‫السجادة‪ ،‬وقامت تصلي الليل‪ ،‬وتدع اهلل‪ ،‬وكنت أ حمهيا تبكيي‬

‫‪34‬‬

‫ايضياع‬


‫بيع الفينة واألخر في صمت مع خشيية اهلل‪ ،‬عليى عادتهيا فيي‬ ‫صالة الليل‪.‬‬ ‫كنت أشعر بالرضى لدرجة كبيرة‪ .‬منذ وفاة واليدي‪ ،‬وأنيا‬ ‫حالي كحا مع غرق قاربيه وسيف عاصيفة شيديدة‪ ،‬وتضيربه‬ ‫أم اج البحر العاتية يمنة ويسرة‪ ،‬وأنا متمسك بخشبة صيييرة‪،‬‬ ‫وأقاوم بكل ما لدي مع ق ة لكي أغرق ومعي أسرتي الصييرة‪،‬‬ ‫وبعد أن يبلغ مني اإلجهاد مبليه‪ ،‬وتنفيد حيلتيي‪ ،‬وأفقيد األميل‪،‬‬ ‫ترميني األمي اج عليى اليابسية‪ ،‬عليى جزييرة جميلية وخالبية‪،‬‬ ‫وترمي معي كنزاً لب أكع أحلب بيه‪ :‬حيل لمشياكلنا الماليية‪،‬‬ ‫ومستقبل زاهير إن شياء اهلل‪ ،‬وثقية اسيتعدتها فيي اهلل‪ ،‬بعيد أن‬ ‫اكت يت بنار اليربة والضياأ‪.‬‬ ‫ولكع المشكلة لب تعالج بعد! فأنا أريد أن أتعيرض لهيزة‬ ‫مشابهة إذا تعرضت بتالء أشد مع الذي تعرضت له هذ الميرة‪،‬‬ ‫ولذا اتفقت مس خالي أن نلتقي بعد صالة الجمعية‪ ،‬ليجييب عليى‬ ‫اسللتي عع اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ليك ن إيمياني بيه عميقياً مبنيياً‬ ‫على العقل والمنط ‪ ،‬ولي على مجرد أحاسيسي‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫خرجنا معاً مع صالة ي م الجمعة‪ ،‬كان ذلك الي م مع أشيد‬ ‫أيام الصيف حرارةً‪ ...‬مشينا عدة دقائ قبل أن نصل إليى سييارة‬ ‫خييالي الفارهيية‪ .‬كنييت صييامتاً طي ا الطريي ‪ ،‬أرتييب اسييللتي‬ ‫وشك كي التي كنت متهيباً مع طرحها‪.‬‬

‫‪35‬‬

‫ايضياع‬


‫جلست في السيارة‪ ..‬كان مقعدها مصن عاً مع الجلد‪ ،‬وهيذا‬ ‫ما جعلها بيالرغب ميع فخامتهيا شيديدة ا متصياص للحيرارة‪.‬‬ ‫ف جلت بهذ الحرارة الشديدة للمقعد فصدر مني آهة عف ية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خالي ‪ ..‬المقعد نار‪.‬‬

‫‪ ‬أنا آسف‪ .‬نسيت أن أضس اليطاء ال اقي مع الشم ‪.‬‬ ‫مشكلة أنا متع د‪...‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ ‬قل لي‪ ،‬لقد تقبلت بسه لة ك ن المقعد "نار"‪ .‬لماذا؟‬ ‫‪-‬‬

‫طبيعي‪ ،‬ألن الج حار جداً!‬

‫‪ ‬حسناً‪ ،‬افترض أننا في الشتاء‪ ،‬هل كنت ستسيتيرب إذا كيان‬ ‫المقعد حاراً جداً؟‬ ‫‪-‬‬

‫طبعاً‪.‬‬

‫يمكع أن يك ن المقعد حارًا في الشتاء‪.‬‬

‫‪ ‬لماذا؟‬ ‫‪-‬‬

‫ألنه ما مع سبب ألن يك ن حاراً‪ .‬ما الذي ترمي إليه خالي؟‬

‫‪ ‬اصبر معي قليالً‪ .‬واآلن قل لي‪ ،‬هل تستيرب مع ك ن النيار‬ ‫حارةً حتى في الشتاء؟‬ ‫‪-‬‬

‫طبعاً ‪ ،‬سأستيرب إذا صار العك ‪.‬‬

‫‪ ‬إذاً ما الفرق بيع المقعيد والنيار بالنسيبة للحيرارة؟ لمياذا‬ ‫تستيرب إذا كان المقعد حاراً في الشتاء‪ ،‬و تسيتيرب ميع‬ ‫ك ن النار حارة في الشتاء؟‬ ‫‪-‬‬

‫النار نار‪ ،‬و يمكع مطلقاً‪ ،‬وبأي حا مع األحي ا أن تكي ن‬ ‫غير حارة‪ ،‬بينما حرارة المقعد تعتمد على حرارة الج ‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫ايضياع‬


‫‪ ‬اسمع لي أن أعيد عبارتك‪ .‬أنت تقي ليي‪ :‬أن الحيرارة‬ ‫يمكع أن تنفصل وأن تنفك عع النار مطلقياً‪ ،‬ألنهميا شييء‬ ‫واحد‪ ،‬أو بمعنى آخر إن صفة الحرارة ذاتية في النار‪ ،‬بينميا‬ ‫في المقابل فإن الحرارة يمكيع أن تنفصيل وأن تنفيك عيع‬ ‫المقعد بسه لة حسب حيرارة الجي ‪ ،‬بعبيارة أخير فصيفة‬ ‫الحرارة عرضية على المقعد‪ ،‬وغير ذاتية فيه‪ .‬ألي هذا ميا‬ ‫تعنيه؟‬ ‫‪-‬‬

‫نعب‪ ،‬يمكنك أن تق‬

‫ذلك‪.‬‬

‫كان الشارأ خالياً تقريباً مع السيارا ‪ ،‬ربما هرباً مع شيدة‬ ‫القيظ‪ ،‬لذا لب نستيرق وقتاً ط يالً لنصل إلى مطعب "كارجيع"‬ ‫في مدينة قاب س‪ ،‬المطعب الذي عزمني فيه خالي‪ .‬ركيع خيالي‬ ‫سيارته بج ار المطعب‪ ،‬وأرجس مقعد السيارة إلى الخلف‪ ،‬واتجيه‬ ‫بكله ناحيتي‪.‬‬ ‫‪ ‬عميب‪ .‬لكع حيظ حتيى المقعيد‪ ،‬بُي ّد أن يكي ن متصيفًا‬ ‫بالحرارة في كل حا ته‪ ،‬بيض النمر عيع درجية الحيرارة‪،‬‬ ‫ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع‪ ،‬لكع مس ذلك فصفة الحرارة‪ ،‬على تعبيرك‪ ،‬عرضيية‬ ‫عليه‪ .‬هذا واضع‪ ،‬لكع كيف نسيتطيس التميييز بييع الصيفة‬ ‫العرضية والذاتية؟‬

‫‪ ‬أنييت قلتهييا فييي البداييية‪ ،‬أن تنفييك وتنفصييل الصييفة عييع‬ ‫الم ص ف‪ ،‬فهذا يعني أنها عرضية‪ ،‬أو قل عارضة علييه‪ ،‬وإ‬ ‫فهي ذاتية‪ ،‬ولكيع هيذا ا نفكياك يشيترط أن يكي ن فيي‬ ‫وج دنا الخارجي‪ ،‬وإنما حتى على مست الذهع والتصي ر‪،‬‬ ‫أو كما يعبر عنه الفالسفة "في نف األمر وال اقس"‪ .‬دعني‬

‫‪37‬‬

‫ايضياع‬


‫اسألك‪ :‬ما رأيك في صفة الط‬ ‫عرضية؟‬ ‫‪-‬‬

‫المسألة واضحة‪ ،‬هي صفة عرضية‪ .‬لكع عف ًا خالي‪ ،‬هل لهذا‬ ‫النقا عالقة بم ض عنا األصلي؟‬

‫‪ ‬نحع في نف الم ض أ‪.‬‬ ‫صفة السي لة للماء؟‬ ‫‪-‬‬

‫لإلنسيان‪ ،‬أهيي ذاتيية أم‬

‫تستعجل‪ ،‬وقل لي ما رأيك فيي‬

‫صفة ذاتية‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً‪ ،‬واآلن أ تالحظ أن الصفة إذا كانت عرضيية‪ ،‬فأنيت‬ ‫تسأ عع السبب‪ ،‬وعع المصدر بعف ية وتلقائية‪ ،‬ولكنيك‬ ‫تسأ عع السبب إذا كانت الصفة ذاتية‪ ،‬بيل تسيتيرب عميع‬ ‫يسأ عنه؟ يعني إذا كانت ال رقة مبللة‪ ،‬فأنت ستسأ كيف‬ ‫تبللت‪ ،‬ولكنك لع تسأ مطلقاً عع سبب تبلل الماء‪ ،‬بل أنك‬ ‫تعدُّ هذا السرا غبياً‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫بالتأكيد‪.‬‬

‫‪ ‬أخبرني إذاً هل صفة ال ج د ذاتية فيك أم عرضية علييك؟‬ ‫أو بعبارة أخر ‪ :‬هل وج دك ناتج ميع ذاتيك‪ ،‬وبالتيالي‪،‬‬ ‫يمكع أن ينفك عنك بأي حا مع األح ا ‪ ،‬أم أنيه عيارض‬ ‫عليك؟‬ ‫‪-‬‬

‫بالطبس عارض علي‪ ،‬ألنني ليب أكيع م جي داً فيي البدايية‪،‬‬ ‫وسأم في ي مٍ ما!‬

‫‪ ‬وما رأيك في كل الكائنا التي مع ح ليك‪ ،‬وفيي الكي ن‬ ‫كله‪ ،‬هل صفة ال ج د ذاتية فيها (بمعنيى أن ال جي د نيابس‬

‫‪38‬‬

‫ايضياع‬


‫مع ذاتها) أم أنها عرضية عليها (بمعنيى أن ال جي د عيارض‬ ‫عليها)؟‬ ‫‪-‬‬

‫عرضية طبعاً‪ ،‬ألنها يمكع أن تك ن م جي دة‪ ،‬وقيد‬ ‫فهي وجد بعد أن لب تكع‪.‬‬

‫تكي ن‪.‬‬

‫‪ ‬أحسنت‪ ...‬واآلن إذا كانت صفة ال جي د عرضيية عليهيا‪ ،‬أو‬ ‫بعبارة أخر ال ج د عارض عليها‪ ،‬وليي ميع ذاتهيا‪ ،‬فهيذا‬ ‫يعني أنها مفتقرة لل ج د‪ ،‬ويعني أيضاً أنه بد مع مصيدر‬ ‫غني لل ج د‪ ،‬أفاض ال ج د عليها‪ ،‬وخلقها‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫واضع‪.‬‬

‫‪ ‬هذا المصدر ه غني بال ج د‪ ،‬وصفة ال ج د ذاتيية فييه‪،‬‬ ‫تنفك أو تنفصل عنه‪ .‬أو بعبارة أخير ال جي د نيابس ميع‬ ‫ذاته‪ ،‬أو بعبارة ثالثة ه ذا ال ج د‪ .‬هيي عبيارا مختلفية‬ ‫لكع المعنى واحد‪ ،‬وه اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خالي الدليل واضع جداً على وج د اهلل‪ ،‬ولكع هيل أسيتطيس‬ ‫أن أتجرأ‪ ،‬وأتكلب بصراحة؟‬

‫‪ ‬طبعاً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع أن هذا الدليل يثبت تماماً أن هناك ربًّا خلقنا‪ ،‬ولكنيه‬ ‫يثبت أنه محسع‪ ،‬وقدير‪ ،‬ولطيف بنا‪ ،‬وأنه يخدعنا وأنه‬ ‫يملمنا‪ ،‬وأنه غير ناقص‪.‬‬

‫‪ ‬بل يثبت ذلك‪ .‬ألب تتف معي أن صفة ال ج د عرضية عليى‬ ‫كل الكائنا ؟ لماذا تعتقد ذلك؟ هل تتيذكر العاميل اليذي‬ ‫قمنا على أساسه بتحديد ميا إذا كانيت الصيفة عرضيية‪ ،‬أم‬ ‫ذاتية؟‬

‫‪39‬‬

‫ايضياع‬


‫‪-‬‬

‫بصراحة‪ ..‬نسيت‪.‬‬

‫‪ ‬دعني أنشف ذاكرتك قليالً‪ ...‬هل تتذكر أننا فيي البدايية‬ ‫قلنا أن الصفة إذا كانت تنفك وتنفصل عع الم ص ف‪ ،‬فهذا‬ ‫يعني أنها عرضية‪ ،‬وأما إذا كانت تنفيك وتنفصيل عنهيا‬ ‫فهي ذاتية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫صع‪ ..‬وقلنا أيضاً أن هذا ا نفكاك يشيترط أن يكي ن فيي‬ ‫ال اقس الخارجي‪ ،‬وإنما حتى على مست الذهع والتص ر‪.‬‬

‫‪ ‬طالما تذكر ذلك‪ ،‬أجبني عليى سيرالي‪ :‬لمياذا تعتقيد أن‬ ‫صفة ال ج د عرضية على الكائنا ؟‬ ‫‪-‬‬

‫الج اب واضع‪ :‬ألن جميس الكائنا قابلة للتصي ر والتخييل‪،‬‬ ‫وذلك مع جها حدودها ونقصها‪ .‬ألي كذلك يا خالي؟‬

‫‪ ‬عميب‪ ..‬وهذا يعني أن مصدر ال ج د‪ ،‬ه شييء يمكيع أن‬ ‫يتب تص ر وتخيله‪ ،‬في نفي األمير وال اقيس‪ ،‬ألنيه إذا تيب‬ ‫تص ر ‪ ،‬فهذا يعني أن ال ج د عارض عليه‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع‪.‬‬

‫‪ ‬أن يك ن مصدر ال ج د غير قابلٍ للتصي ر فيي ذاتيه‪ ،‬فهيذا‬ ‫يعني أنه لي له حيدود أو قيي د أو ني اقص فيي وجي د ‪،‬‬ ‫ويعني أيضاً أن يك ن واحداً‪ ،‬بسيطاً‪ ،‬غير مركب مع أجيزاء‬ ‫أو صفا مطلقاً‪ ،‬ألنه ل كان مركباً‪ ،‬ألمكيع تصي ر ميع‬ ‫خال تص ر أجزائه‪ ،‬كما أنه ل كان محدوداً أو مقييداً أو‬ ‫ناقصاً في أي ناحية أو جهة‪ ،‬ألمكع تصي ر ‪ ،‬وتعريفيه‪ ،‬ميع‬ ‫خال حدود ونقصه‪ .‬ألي هكذا نتعيرف عليى ه يية كيل‬ ‫الكائنا مع ح لنا؟‬

‫‪40‬‬

‫ايضياع‬


‫‪-‬‬

‫فعالً! يا ‪ ،‬المسألة سهلة لكنها معقدة في نف‬

‫ال قت‪.‬‬

‫‪ ‬وهييذا يثبييت لنييا كيييف أن اهلل متصييف بجميييس الصييفا‬ ‫ال ج دية‪ ،‬وصفا الكميا ‪ ،‬ويثبيت لنيا أيضياً أنيه سيبحانه‬ ‫وتعالى منز عع جميس الن اقص والعي ب والحدود‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المسألة واضحة‪ .‬قلت ذلك وأنيا مطيرق أتأميل بعمي فيي‬ ‫كالم خالي‪.‬‬

‫‪ ‬اآلن أريدك أن تتأمل أكثر قليالً‪ .‬فكر معي‪ ،‬ما الذي يمكيع‬ ‫أن يك ن بسيطاً‪ ،‬واحداً‪ ،‬وغير محدود مطلقاً‪ ،‬ويك ن مصيدر‬ ‫ال ج د‪ ،‬وبمعنى آخر ال ج د نابس مع ذاته؟‬ ‫‪-‬‬

‫يا إلهي‪ .‬قلتها بص مرتفيس‪ ،‬ثيب أعقبيت بحمياس‪ ،‬بنبيرة‬ ‫مستفهب‪ ،‬يريد التأكد مع صحة ما أكتشفه‪:‬‬

‫‪-‬‬

‫ه ذا ال ج د‪ ...‬اآلن أفهب عندما قرأ عيع اهلل ميرة أنيه‬ ‫صرف ال ج د‪.‬‬

‫‪ ‬نعب ه ذا ال ج د‪ ..‬ه ال ج د‪ ،‬وألنه ي جيد هنياك أي‬ ‫شيء آخر غير ال جي د‪ ،‬إ العيدم ‪ -‬والعيدم غيير م جي د‪-‬‬ ‫فبالتالي ه وج د مطل ‪ ،‬يخالطه شيء‪ ،‬وهيذا ميا نطلي‬ ‫عليه صرف ال ج د‪ ،‬ولهذا ه مطل ‪ ،‬ألنه ل لب يكع مطلقاً‪،‬‬ ‫لكان محدوداً بالعدم مع بعض جهاته‪ ،‬والعدم غيير م جي د‪،‬‬ ‫فكيف يخالف ال ج د!!‬ ‫‪-‬‬

‫خالي سأجع‪.‬‬

‫‪ ‬سأت قف‪ ،‬ولكع بقيت هناك نقطية واحيدة أرييد ت ضييحها‪،‬‬ ‫وهي ألنه صرف ال ج د‪ ،‬فهي بسييف‪ ،‬وغيير مركيب ميع‬ ‫أجزاء‪ ،‬وإ ألمكع تص ر كما قلنا‪ .‬وهذا يعنيي أن صيفاته‬

‫‪41‬‬

‫ايضياع‬


‫عيع ذاته‪ ،‬وذاته عييع صيفاته‪ ،‬فقدرتيه‪ ،‬هيي حكمتيه‪ ،‬وهيي‬ ‫سمعه‪ ،‬وبصر ‪ ،‬وكيل صيفاته‪ ،‬وهيي ذا وجي د البسييف‬ ‫ال احد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫يا ‪ ،‬رائس خالي‪ ..‬اآلن أستطيس أن أفهب معنيى خطبية اإلميام‬ ‫علي التي كثيراً ما نسيمس الخطبياء يرددونهيا‪" :‬الحمةد ‪....‬‬ ‫الةةذي ال يدركةةه ُبعةةد الهمةةم‪ ،‬وال ينالةةه رةةول الفطةةن‪ ،‬الةةذي لةةحس لصةةفته حةةد‬ ‫محدود‪ ،‬وال نعت موجود ‪ ...‬أول الدين معرفته‪ ،‬وكمال معرفته التصةديق بةه‪،‬‬ ‫وكمةةال التصةةديق بةةه توحيةةده‪ ،‬وكمةةال توحيةةده اإلخةةالل لةةه‪ ،‬وكمةةال اإلخةةالل‬ ‫ل ةةه نفة ة الص ةةفات عن ةةه‪ ،‬لش ةةهادة ك ةةل ص ةةفة أ ه ةةا را ةةراملوص ةةوف‪ ،‬وش ةةهادة ك ةةل‬ ‫موصةةوف أنةةه راةةرالصةةفة ‪ :‬فمةةن وصةةف ا سةةبحانه فقةةد قرنةةه ‪ ...‬ومةةن أشةةار‬ ‫إليه فقد حده‪ ،‬ومن حده فقد عده ‪."...‬‬

‫ابتسب خالي ابتسامة مشيجعة‪ ،‬تينب عيع ني أ ميع الرضيى‪،‬‬ ‫وا رتياح‪.‬‬ ‫لقد كنت مستمتعاً جداً‪ ،‬لهذا الفهب‪ .‬لقد أحسست بقشعريرة‬ ‫تسري في أوصالي‪ ،‬وكأنها طاقة إلهية تيدب فيي روحيي وفيي‬ ‫جسمي كله‪ .‬لب أشعر ي ماً بمثيل هيذ الطمأنينية‪ .‬لقيد كيان‬ ‫شع راً جميالً‪ ،‬بل رائعاً كأروأ ما يمكع أن يك ن‪.‬‬ ‫نزلنا مع السيارة في صمت‪ ،‬وأنا شيارد أتحسي بهيدوء ميا‬ ‫أدركته مع معان مقدسة ورائعة‪ ،‬لب أتخيلها ي مياً فيي حيياتي‪.‬‬ ‫كنت تائهاً‪ ،‬وها أنا اآلن متيقع كما لب أكيع سيابقاً‪ .‬ليب يشيأ‬ ‫خالي أن يقطس علي إحساسي الجميل هيذا فتركنيي هائمياً فيي‬ ‫أفكاري‪ ،‬حتى أنني لب أشعر بنفسي وأنا أدخل المطعيب‪ ،‬ويسيتقر‬ ‫بي المقام في الكرسي الخشبي للطاولة المقابلية للنياف رة عليى‬ ‫الجانب األيمع منها‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫ايضياع‬


‫‪-‬‬

‫خالي لماذا يعلم ننا هذ البيراهيع الرائعية فيي مدرسية‬ ‫المسيييجد‪ ،‬ولمييياذا يطرحهيييا العلمييياء فيييي خطيييبهب‬ ‫ومحاضراتهب؟‬

‫‪ ‬سنتحدث في هذا الم ض أ حقاً‪ ،‬لكع اآلن يجيب أن نطليب‬ ‫األكل‪ .‬ماذا ستأكل؟‬ ‫‪-‬‬

‫أعرف‪ ،‬هذ أو مرة أذهب فيها لمطعب مثيل هيذا‪ .‬اختير‬ ‫لي أنت يا خالي‪.‬‬

‫طلب خالي األكل‪ ،‬وبدأنا نأكل‪ ،‬وأنا في تفكيير عميي ‪ ،‬ليب‬ ‫يقطعه خالي احترامًا لي‪ ،‬إلى أن لمعت فيي رأسيي فجيأة فكيرة‬ ‫جميلة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خالي نستطيس بهذا الفهب أن نثبيت الت حييد أيضياً‪ ،‬وبشيكل‬ ‫قاطس‪ .‬ألي كذلك؟‬

‫‪ ‬صحيع‪ ،‬ه كذلك‪ .‬هل تريد أن تجرب وت ضع فكرتك؟‬ ‫‪-‬‬

‫طبعاً‪ ،‬األمر واضع‪ .‬ل كان هناك إلهًا آخر‪ ،‬لكان كيل إليه‬ ‫محدودا باإلله اآلخر‪ ،‬وبالتالي نستطيس تخيله وتصي ر ميع‬ ‫خال حدود ‪ ،‬األمر اليذي يعنيي أن ال جي د عيارض علييه‪.‬‬ ‫صحيع خالي؟‬

‫‪ ‬رائس‪ .‬يبدو أنك است عبت الفكرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولكع ألسنا نحع نحد اهلل؟ ففي المكان الذي أك ن فييه أنيا‪،‬‬ ‫يمكع أن يك ن فيه اهلل‪ .‬فال يمكع أن يت اجد شييبن اثنيان‬ ‫في مكان واحد!‬

‫‪ ‬وج دنا نحع وإن كيان حقيقيياً فيي ال اقيس‪ ،‬أ أنيه ليي‬ ‫وج دًا بإزاء وج د اهلل‪ ،‬وإ لكان وج د عز وجيل محيدوداً‬

‫‪43‬‬

‫ايضياع‬


‫بنا نحع المخل قا ‪ ،‬وبالتالي أصبع ال جي د عرضيياً علييه‪،‬‬ ‫ولب يعد ه مصدر ال ج د‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫قطبت ما بيع حاجبي محاو ً التركيز‪ ،‬والبحث عيع إجابية‬ ‫فاألمر يبدو معضلة‪ .‬كيف يك ن وج دنيا حقيقيياً‪ ،‬ولكنيه فيي‬ ‫ال قت نفسه لي وج د بإزاء وج د اهلل! ما معنيى هيذا الكيالم؟‬ ‫مع جهة أخر فعالً يمكع بأي حا مع األحي ا أن نيدعّي أن‬ ‫وج د اهلل عز وجل محدود بنا نحيع مخل قاتيه‪ .‬المسيألة فعيالً‬ ‫محيرة‪.‬‬ ‫‪ ‬دعني اسألك‪ ،‬هل تعرف في الك ن مكانًا خالياً‪،‬‬ ‫شيء ليك ن فيه اهلل عز وجل؟‬ ‫‪-‬‬

‫ي جد فييه‬

‫درسنا في الفيزياء أنه ي جيد فيي الكي ن أي مكيان خيا ٍ‬ ‫(خالء) مطلقاً! هل يعني هذا أن اهلل لي فيي الكي ن كليه؟‬ ‫بالطبس خطأ‪.‬‬

‫‪ ‬القرآن واألحاديث الشريفة مستفيضة في التأكييد عليى أن‬ ‫اهلل يخل منه مكان‪ ،‬و يحد مكان‪ .‬هل تستحضير ق ليه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫س سْ‬ ‫تعالى‪ " :‬سون ْح ُن أق سر ُب يإل ْي يه يم ْن سح ْب يل ال سو ير ييد" كييف يمكيع أن يكي ن‬ ‫اهلل أقرب إلى اإلنسان مع نفسه‪ ،‬حقيقةً‪ ،‬ولي مجازاً؟‬ ‫‪-‬‬

‫فعالً‪ ،‬لب أفكر في ذلك مع قبل‪.‬‬

‫‪ ‬ألننا نحع وإن كنا م ج ديع بشكل حقيقي في ال اقس‪ ،‬فإننا‬ ‫نبقى مجرد تجلّ لل ج د اإللهي‪ ،‬يشبه ذلك كثيراً حقيقية‬ ‫أن الن ر والحرارة إنميا هيي تجلييا للشيم ‪ ،‬فهميا غيير‬ ‫الشم ‪ ،‬وفيي ال قيت نفسيه وج دهميا ليي بيإزاء وجي د‬ ‫الشم ‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫ايضياع‬


‫‪-‬‬

‫معق ‪ ،‬ويذكرني هذا بق اإلميام عليي (أ) عيع اهلل عيز‬ ‫وجل ‪" :‬مةع كةل ية يء ال بمقارنةة‪ ،‬وراةر كةل ية يء ال بمزايلةة"‪ ،‬لكننيي ميا‬ ‫زلت أستطيس أن أتص ر ب ض ح كييف أننيا تجلييا هلل‪،‬‬ ‫بالرغب مع أننا لسنا جزءًا ميع اهلل‪ ،‬وأن وج دنيا الخيارجي‬ ‫حقيقي!‬

‫‪ ‬ربمييا ألن هييذا يسييتدعي أن نييدرك كنييه وحقيقيية وج ي د‬ ‫الطرفيع معاً‪ :‬نحع واهلل‪ .‬ونحع اتفقنا أنه يمكع بأي حا‬ ‫إدراك ومعرفة كنه وحقيقة اهلل عز وجل‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫ه كذلك خالي‪.‬‬ ‫‪#####‬‬

‫في المساء‪ ،‬نزلت مع سيارة خالي‪ ،‬مقابل الباب الكبير "لس ر‬ ‫الل اتية"‪ ،‬على شارأ الك رنيش‪ .‬كنت أكاد أطير ميع الفرحية‬ ‫والسعادة‪ ،‬وأنا أحث الخطى نح بيتنا في أزقة "سي ر الل اتيية"‬ ‫الضيقة والمتداخلة‪ ،‬وكأنها مدينة البندقية‪ ،‬بروما‪ .‬كنت أحياناً‬ ‫أركض مع شدة لهفتي وش قي للقاء والدتي وجدتي‪ ،‬والتحيدث‬ ‫معهب‪ ،‬واللعب مس أختاي الشيقيتيع‪ .‬نعيب‪ ،‬مضيت سينة منيذ أن‬ ‫تركتهب‪ ،‬وانشيلت عنهب بنفسيي‪ ،‬بيالرغب ميع أنهيب فيي أمي‬ ‫الحاجة لي‪ ،‬بل وأرهقتهب بمشاكلي وحزني الدائب‪ .‬لقيد كنيت‬ ‫أنانياً‪ ،‬واآلن آن األوان ألع ضهب عع ذلك كليه‪ ،‬وألسيدَّ بعيض‬ ‫النقص الذي خلَّفه والدي‪.‬‬ ‫دخلت البيت‪ ،‬فسلمت عليهب بلهفية وشي ق‪ ،‬وداعبيت أختييَّ‪،‬‬ ‫وكأنني رجعت مع سفر ط يل ومرير‪ ،‬وطفقت أحكي ل اليدتي‬ ‫ما دار بيني وبيع خالي مع نقا بحماس وشييف‪ ،‬وأنيا أفتيأ‬

‫‪45‬‬

‫ايضياع‬


‫بيع الفينة واألخر عع ميدح خيالي‪ ،‬وطيبتيه وسيعة معرفتيه‪.‬‬ ‫وكانت والدتي تسمعني باهتميام بيالغ‪ ،‬وعليى وجههيا ابتسيامة‬ ‫مالئكية رائعة‪ ،‬لقد كانت سعيدة جداً لسعادتي‪ ،‬وتحميد اهلل بييع‬ ‫الحيع واآلخر‪ .‬وأما جدتي‪ ،‬فكنت أ حظ أن وجهها يعل ويصعد‬ ‫مع شدة الييظ لما تسمعه‪ ،‬وكانت تت قف عع ا ستيفار مميا‬ ‫تعتقد أنه تجرّؤ على اهلل‪ ،‬والعياذ باهلل‪.‬‬ ‫في تلك الليلية جافياني الرقياد‪ ،‬فقميت اسيترجس أفكياري‪،‬‬ ‫وكانت تدور في مخيلتي العديد مع األحاديث الشريفة واألدعية‬ ‫التي تد على هذ المعاني‪ ،‬لكنني لب أكع أنتبه لها سابقاً‪ .‬لقيد‬ ‫كنت سعيداً ومطملناً جداً‪ ..‬سعادة مع يرجس ليه معشي قه بعيد‬ ‫ط هجر وغياب‪ ،‬سعادة مع يكتشيف ويتأكيد أن ميع يعشيقه‬ ‫يبادله نف مشاعر ‪ ،‬وأنه يستح كل مشاعر العش والحب‪ ،‬بل‬ ‫يستح أكثر منها بكثير‪.‬‬ ‫كان الجميس مع ح لي ييف في ن م عميي ‪ .‬تسيللت خلسية‬ ‫مع فراشي‪ ،‬وت ضأ ‪ ،‬وقمت أصلي الليل‪ ،‬وأنا ألهج بحب اهلل بكل‬ ‫ذرة في كياني‪ ،‬وبكل خلجة مع خلجا فرادي‪ ،‬ليب يكيع هنياك‬ ‫مع شيء يستطيس أن يعبر عع مشياعري التيي كانيت تمتلكنيي‬ ‫تجا اهلل‪ .‬تناوليت كتياب األدعيية‪ .‬لكننيي هيذ الميرة كنيت‬ ‫أتصفحه بحثاً عع المعياني التيي اكتشيفتها اليي م‪ .‬ليب أشيعر‬ ‫بنفسييي‪ ،‬إ والمييرذن يييرذن لصييالة الفجيير‪ ،‬فصييليت الفجيير‪،‬‬ ‫واستلقيت في فراشي‪ ،‬وادثر ‪ ،‬وغصت في ن م عمي ‪.‬‬ ‫لست أدري كب مضى علي وأنيا نيائب‪ ،‬لكننيي اسيتفقت ميع‬ ‫ن مي تحت إلحاح فقرة مع دعاء األمام الحسيع (أ) ي م عرفية‪،‬‬ ‫كنت أرددهيا ‪" :‬كيةف سةتدل عليةك‪ ،‬بمةا هةو فةي وجةوده مفتقةر إليةك؟ أيكةون‬ ‫لغارك من الظهور ما لحس لك‪ ،‬حت يكون هو املظهرلك؟ مت ربت حت تحتةا إلةى‬ ‫‪46‬‬

‫ايضياع‬


‫دليةةل يةةدل عليةةك؟ ومت ة بعةةدت حت ة تكةةون اا ةةارصةةي التةةي توصةةل إليةةك؟"‪ .‬لقيييد‬ ‫قفز إلى ذهني فكرة رائعية‪ ،‬تتحيدث عنهيا هيذ الفقيرة ميع‬ ‫الدعاء‪ .‬الفكرة ببساطة هي‪ :‬عنيدما تكي ن هنياك حيرارة‪ ،‬فإننيا‬ ‫تلقائياً‪ ،‬ومع دون أدنى تفكير نعرف يقيناً أن هناك مصدراً ذاتيياً‬ ‫للحرارة‪ ،‬حتى قبل أن نكتشف أو أن نفكر في األشياء التي تأثر‬ ‫بهذ الحرارة‪ ،‬والتي ربما تك ن أو تك ن‪.‬‬ ‫وهذا ما تق له لنا فقيرة اليدعاء هيذ ‪ :‬إن نفي ال جي د ‪-‬‬ ‫وبيض النمر عع الم ج دا ‪ -‬يد على أن هناك مصيدرا ذاتييا‬ ‫لل ج د "صرف ال ج د‪ ،"،‬والذي ه اهلل عز وجل‪ .‬وعليه فنحع‬ ‫نحتاج إلى دليل لنثبت أن اهلل م جي د! اسيتيفر اهلل‪ ..‬كييف‬ ‫يمكع أن نك ن بهذا اليباء‪ ،‬بحيث نحتاج إلقامة األدلة على مصدر‬ ‫ال ج د "اهلل"! فيما بعد عرفت أن هذا الدليل ه ما يعيرف بيي‬ ‫"برهان الصدّيقيع"‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫كان الج أقرب إلى ا عتدا تلك الليلية‪ ،‬وكانيت السيماء‬ ‫صافية كعادتها عندنا في سلطنة عمان‪ ،‬وكانيت مضييلة بأشيعة‬ ‫القمر الذي كان في تمامه‪ .‬كان جميالً! أسمعهب دائماً يتيني ن‬ ‫بجما القمر‪ ،‬لكع ربما هذ أو مرة أشعر فيها بجماليه حقياً‪.‬‬ ‫كانت نفسي هادئة‪ ،‬كهدوء البحر الذي جلست على شاطله فيي‬ ‫"سيع المالع"‪ ،‬وصافية كصفاء السماء‪ ،‬وكنت ألعب بأناملي في‬ ‫رما الشاطئ الناعمة‪ ،‬والباردة نسبياً‪ ،‬وكأننا كلنا معاً أصيبحنا‬ ‫قطعة واحدة تحكي عع جما الخال ‪ ،‬ما أبدعه!‬ ‫كان الج ملهماً‪ ،‬وصي البحير بأم اجيه الهادئية‪ ،‬كأنيه‬ ‫ترنيمة ربّانية‪ ،‬تتسلل إلى أعماقك‪ ،‬فتخرج ما استقر فيهيا ميع‬ ‫‪47‬‬

‫ايضياع‬


‫خلجا وهمسا ‪ ،‬فتسمعها واضحة‪ ،‬وتكتشف ما كنت تجهله عع‬ ‫نفسك‪.‬‬ ‫سنة مضت‪ ،‬مليلة بالحزن واليأس واإلحبياط‪ ..‬خضيت فيهيا‬ ‫معاناة شديدة‪ ،‬لدرجة ت صف‪ ،‬وكفر فيهيا بكيل شييء ميع‬ ‫ح لي! واآلن وبعد سنة مع المعاناة‪ ،‬انتهى كل شيء‪ ،‬وليب يبي‬ ‫منها س ذكريا مريرة ومرسفة‪ ،‬وكأن كل ميا كيان‪ ،‬ليب‬ ‫يكع! ما أبي‪ ،‬و زا ألب فراقه كالنصل المنيرس فيي قلبيي‪،‬‬ ‫يستعر أوار في أحشائي‪ ،‬كلما تحركت‪ ،‬وكلما هدأ ‪ ...‬ولكع‬ ‫بقدر المعاناة التي عشتها‪ ،‬وخضيت مرارتهيا‪ ،‬كبير ونضيجت‪.‬‬ ‫أشعر أنني خال السنة الماضية كبر عشرا السنيع‪ .‬أدركيت‬ ‫ما لب أكع ألدركه وأفهمه ل تلك المعاناة الرهيبية‪ ..‬أشيعر‬ ‫أن قدرتي ازداد ‪ ،‬وثقتي في نفسي تعاظميت‪ ..‬ليب أعيد مطلقياً‬ ‫ذلك الطفل الصيير‪ ،‬الذي كنته قبل سنة‪ .‬حتيى مسيتقبلي‪ ،‬ليب‬ ‫أكع ألخطف له بهذ الطريقة الرائعة‪ ،‬ل كانت األم ر جير‬ ‫مع دون مشاكل‪ ،‬بل أن معاناتي هي التي دفعتني للشك فيي اهلل‪،‬‬ ‫ومع ثب ال ص إلى الحقيقة‪ ،‬ومعرفته سبحانه وتعالى‪ ،‬بدرجة‬ ‫مع اليقيع‪ ،‬ما كانت ممكنة‪ ،‬ل ما جر علي‪ ،‬بل لقد أدركيت‬ ‫في ح عمري أن ما حصل لي كان أشبه باللقياح "الفييروس‬ ‫الضعيف" الذي نأخذ ‪ ،‬ليشكل لدينا مناعة ضيد هيذا الفييروس‪،‬‬ ‫وما كانت اآل م والمعاناة التي عشتها إ بمثابة األعراض التيي‬ ‫نشعر بها عندما نأخذ اللقاح‪ ...‬لقد رسخت هذ التجربية ثقتيي‬ ‫في اهلل ألعماق جذوري‪ ،‬وجعلت حبيه عيز وجيل يشيتعل جيذوةً‬ ‫وحييرارة فييي كييل ذرة مييع كييياني‪ ،‬وعي دتني علييى مناجاتييه‬ ‫والتحدث معه بسه لة ومع دون تكلف في كل لحما حياتي‪...‬‬ ‫ع دتني أن أشكر ربي أو ميا أشيعر بالنعمية‪ ،‬وأن ألجيأ إلييه‪،‬‬

‫‪48‬‬

‫ايضياع‬


‫كلما ضاقت بي األرض‪ ،‬حتى وإن لب تمهر ليي اسيتجابته عليى‬ ‫دع اتي‪.‬‬ ‫هل يا تر لهذا جعلني اهلل أعاني ما عانيته؟ ألهذا تي فى اهلل‬ ‫والدي؟ ربما‪ ،‬لكع ما ذنب والدي؟ وميا ذنيب أختييَّ الصيييرتيع‬ ‫وأمي وجدتي؟ ‪...‬‬ ‫ولكع لماذا أتكلب عع الم ‪ ،‬وكأنه نقمة وعذاب؟؟؟ وكييف‬ ‫يك ن كذلك ونحع نسمس أن مع يم يعياني أشيد العيذاب‪،‬‬ ‫بدايةً عندما يذوق سكرة الم ‪ ،‬ثب يليه ضييطة القبير‪ ،‬وعيذاب‬ ‫البرزت تحت يدي منكر ونكير؟ ثيب ييذهب للجحييب؟ ولكيع أ‬ ‫يق ل ن أن الم ه عروج نح اهلل‪ ،‬فكيف يك ن العروج نحي‬ ‫اهلل عذاباً وشقاءً؟‬ ‫لماذا أفترض أن اهلل ه مع سبب معاناتي‪ ،‬ووفاة والدي؟ هل‬ ‫اهلل الذي يحرك الحياة واألشياء مع ح لنيا فيي الكي ن؟ أم أننيا‬ ‫نحع مع نفعل ونحرك الحياة مع ح لنيا؟ السيائ عنيدما قتيل‬ ‫والدي‪ ،‬قتله بسبب ته ر ‪ ،‬ولب يقتله بأمر مع اهلل‪ ،‬ولهذا اسيتح‬ ‫عقابه‪ ،‬وإ فلماذا إذاً يعاقب؟ ولكع إذا كان األمر كذلك فلماذا‬ ‫إذاً ندع اهلل؟‬ ‫مع نحع؟ ولماذا يهتب اهلل بأمرنا لهذ الدرجة؟ مع أنا؟ وهل‬ ‫أنا بهذ األهمية ليراقبني اهلل عع كثيب فيي كيل لحمية ميع‬ ‫لحما حياتي‪ ،‬ويتدخل ليسير األم ر في صالحي؟ هل يفعل اهلل‬ ‫ذلك مس كل الكائنا ؟ فلماذا إذاً لب يخلقنا في الجنية مباشيرةً‪،‬‬ ‫بد ً مع أن يخلقنيا فيي األرض‪ ،‬ويجعلنيا نعياني العيذابا تلي‬ ‫العذابا ‪ ،‬ومع ثب نخطأ‪ ،‬فييضب علينا ويلقي بنا في النار؟‬

‫‪49‬‬

‫ايضياع‬


‫لماذا يعذبنا في النار؟ ما لذي يضيير ميع ارتكابنيا ليبعض‬ ‫المعاصي‪ ،‬التي نقصد منها أن نتحد إرادتيه‪ ،‬وإنميا نرتكبهيا‬ ‫بسبب شه اتنا التي تتملكنا بسبب ضعفنا وجهلنا؟ ولماذا نرتكيب‬ ‫ذنباً بسيطاً‪ ،‬لفترة محدودة كأن نسيتمس األغياني ميثالً أحيانيا‪،‬‬ ‫فيعذبنا اهلل بعذاب يف ق مليارا المرا شدّةً ومدّةً الذنب اليذي‬ ‫ارتكبنا ؟ ألي مع الملب أن نق م بحرق ميع يسيبنا؟ فلمياذا إذاً‬ ‫نعتبر حرق اهلل للسبابيع في نار جهينب عيد ؟ األنيه اهلل؟ األنيه‬ ‫األق ؟‬ ‫لماذا خلقنا اهلل؟ وما اليذي يرييد منيا أن نفعليه فيي هيذ‬ ‫الحياة؟ أتذكر مرة أنني سألت ميدرس التربيية اإلسيالمية فيي‬ ‫المدرسة هذا السرا ‪ ،‬فأجابني‪ :‬لكي نعمير األرض! ولكيع لمياذا‬ ‫يريد اهلل أن يعمر األرض؟ وهل يحتياج لنيا نحيع أن نعمير ليه‬ ‫األرض؟ وهل األرض‪ ،‬هذا الك كب األخرس الميت أهب منا لكيي‬ ‫ال خل األرض؟‬ ‫يك ن هدفنا تعمير األرض؟ ولماذا أص ً‬ ‫أجابني مدرس آخر‪ :‬لكي نعبد ‪ .‬أسيتطيس أن أرفيض هيذا‬ ‫سس سسْ ُ ْ ْ س ْ ْ س ْ‬ ‫ةس يإال‬ ‫اإلن‬ ‫الج اب‪ ،‬ألن القرآن نفسه يذكر ذليك "ومةا خلقةت ال يجةن و ي‬ ‫يل سي ْع ُب ُةدو ين" ولكنني أفهب معنيى هيذ اآليية‪ ،‬فياهلل غيير محتياج‬ ‫لعبادتنا و تنقصه أو تزيد عبادتنا مع عدمها شيلاً!‬ ‫اسللة واسللة تعصف في ذهني‪ ،‬و أجد لها ج اباً‪ .‬كنت منذ‬ ‫الصير أسته ي األلياز‪ ،‬ولكنني بت أكرهها اآلن‪ .‬حيرة تلف بي‪،‬‬ ‫و تجعلني أعرف قراراً‪ ..‬أنا واث أن هناك إجابا واضحة‪ ،‬بيل‬ ‫ورائعة لكل هذ ا سللة‪ ،‬ألن اهلل حكيب ولطيف بنيا‪ ،‬وهي ليي‬ ‫عبثياً‪ ،‬حاشا ‪ ...‬إذاً بد مع أن هناك سيرًا أو أسيراراً وراء هيذا‬ ‫الك ن‪ ،‬ووراء هذ الحياة‪ ..‬بد أن هناك أشياء جميلية ورائعية‪،‬‬ ‫نحع نعرفها‪ ،‬وربما لي عرفناهيا لتييير حياتنيا وأصيبحت‬

‫‪50‬‬

‫ايضياع‬


‫رائعة‪ ،‬مثيل لها‪ .‬أنسى كب أصبحت حيياتي جميلية عنيدما‬ ‫عرفت بعضاً مع حكمة اهلل‪ ،‬فكييف تكي ن حيياتي إذن إذا عرفيت‬ ‫المزيد‪ ،‬وفهمت أسرار هذ الحياة؟‬ ‫ولكع كيف السبيل لمعرفية هيذ األسيرار؟ وهيل عليي أن‬ ‫أخ ض ا بتالءا تل األخر ‪ ،‬ألستكشف أسرار الك ن؟ هيل هيذا‬ ‫ما يسم نه "بالتعليب عع طري الممارسية"؟ ييا رب ارفي بيي‪،‬‬ ‫وساعدني لل ص إلى الحقيقة‪ .‬وهنيا تبيادر إليى ذهنيي ق ليه‬ ‫س سسْ سُْ ْ ُ ُس س س ْ ْ س سس ُْ‬ ‫س‬ ‫ين سج س‬ ‫تعالى‪ " :‬سو ْالذ س‬ ‫اع مل سع اْل ْح يس ينان"‪.‬‬ ‫اه ُدوا يفينا لنه يدينهم سبلنا ِ و يإن‬ ‫ي‬

‫‪51‬‬

‫ايضياع‬


‫الفصل الثاني‬

‫م‬ ‫مواقف حرجة‬


‫مواقف محرجة‬ ‫واصلت حياتي‪ ،‬بحماس منقطس النمير‪ ،‬وبإرادة أحسست أنهيا‬ ‫تتأجج في داخلي‪ ،‬وتلهب كياني‪ ،‬ولكع أيضاً بخشيية وقلي ميع‬ ‫المستقبل المجه ‪ ،‬ومع الفشل‪ .‬أعرف أن الطري لي معبَّيدًا‪،‬‬ ‫بل وأحياناً أشك أنني قادر على تييير واقعي‪ ...‬ولكع لي لدي‬ ‫ما أخسر ‪ .‬آ آ ‪ ،‬كب أتمنى أن أتميز‪ ،‬وأن أجعل أبي يفتخر بي‬ ‫في مث ا ‪.‬‬ ‫كانت المهمة األوليى هيي الحصي عليى وظيفية منيدوب‬ ‫عالقا عامة براتب مناسب (عليى األقيل ‪ 250‬رييا ً عمانيياً ميس‬ ‫سيارة‪ ،‬بمصروفاتها) ويفضل أن تك ن في شركة كبييرة‪ ،‬وفيي‬ ‫نف ال قت أق م بدراسة شهادة الي ‪ CMA‬مع ال ييا المتحيدة‬ ‫األمريكية‪.‬‬ ‫استطاأ خالي ‪ -‬بفضل شبكة عالقاته المتشعبة ‪ -‬أن يرتب لي‬ ‫العديد مع المقابال في شركا تبحث عع مندوب عالقا عامة‬ ‫مناسب‪.‬‬ ‫كانت مقابلتي األولى يي م األربعياء‪ ،‬فيي السياعة ال احيدة‬ ‫ظهراً‪ ،‬مس شركة محلية تعمل في األوراق المالية وا ستثمارا ‪،‬‬ ‫في شارأ مطرح التجاري‪ .‬كنت خائفاً ومترقباً جداً‪ ،‬وقد عقد‬ ‫كل آمالي عليها‪ .‬لب استطس الن م بعد صالة الفجير فيي ذليك‬ ‫الي م‪ ،‬كنت في أشد حاجتي ألن أدع اهلل وأت سل إليه‪ ،‬وبالرغب‬ ‫مع ثقتي به سبحانه وتعالى‪ ،‬لكنني كنت خائفاً فيي أعمياقي أن‬

‫‪53‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫يردني خائباً وأن يخذلني‪ ،‬وتضيس علي الفرصة التيي أحليب بهيا‬ ‫لتييير واقعي المرير‪.‬‬ ‫في شنطتي‪ -‬حيث أضس مالبسي وأغراضي ‪ -‬ليب تكيع هنياك‬ ‫س دشداشتيع – غير التي في اليسالة – والمشكلة أن كلتاهما‬ ‫كانتا مبقعتيع‪ .‬أخذ أفضلهما‪ ،‬وطلبيت ميع واليدتي أن تقي م‬ ‫بكيها لي‪ ،‬ولكع جهاز الكي كان معطيالً‪ ،‬فأخيذتها لبييت خيالتي‬ ‫صفية وقامت بكيها هناك‪.‬‬ ‫لب أكع أملك قيمة البنزيع‪ ،‬ألستخدم سيارة واليدي‪ ،‬وليذا‬ ‫ت جهت إلى دوار الك رنيش ألسيتقل ميع هنياك سييارة أجيرة‪،‬‬ ‫بالطبس بالمشياركة ميس ركياب آخيريع‪ ،‬ميع أمثيالي مميع‬ ‫يملك ن رفاهية رك ب سيارة أجرة بمفردهب‪.‬‬ ‫كان الج شديد الحرارة‪ ،‬والعرق يتصبب ميع كيل أنحياء‬ ‫جسمي‪ ،‬وأنا في طريقي لدوار الك رنيش‪ ،‬ثيب وأنيا واقيف عليى‬ ‫الدوار‪ ،‬أنتمر مجيء سيارة أجرة‪ .‬مضت فتيرة ط يلية ‪ -‬أكثير‬ ‫مما ت قعت بكثير ‪ -‬قبل أن أجد سيارة أجرة‪ ،‬تقلني إلى "الي ادي‬ ‫الكبير"‪ ،‬لتنزلني على الشارأ الم ازي لشارأ مطيرح التجياري‪،‬‬ ‫حيث كانت المقابلة‪.‬‬ ‫الساعة اآلن تقارب ال احدة‪ ،‬لقد تيأخر كثييراً‪ ..‬أحسسيت‬ ‫بالهب والقل يعتصر ف أدي‪ ..‬يا رب أرج ك ساعدني‪ ،‬أنا أحتياج‬ ‫لهذ ال ظيفة‪ ،‬ساعدني ييا أهلل‪ .‬كيدنا نصيل إليى المكيان لكيع‬ ‫الطري كان مزدحماً عند تقاطس الش ارأ في "مطرح الكبر "‪،‬‬ ‫مما اضطرنا لمزيد مع التأخير‪ .‬كانيت عقيارب السياعة تيدور‬ ‫مسرعة‪ ،‬وكأنها تقصد أن تل ي قلبي وتعتصر ‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫كانت الساعة ال احدة وتسعة عشير دقيقية‪ ،‬عنيدما وصيلت‬ ‫أخيراً إلى الشارأ الم ازي لمكان المقابلية‪ ،‬نزليت ميع السييارة‬ ‫بسرعة‪ ،‬ولكع كان علي أن اسأ عع م قس الشركة‪ ،‬وأصل إليها‬ ‫بأسرأ ما يمكع‪ .‬أخذ أركض ألساب الزمع إلى المكيان اليذي‬ ‫كنت أفترض أن الشركة تقس فيه‪ ،‬واسيأ الميارة بييع دقيقية‬ ‫وأخر للتأكد مع صحة اتجاهي‪ ،‬وأخيراً وصلت إلى الشيركة‪،‬‬ ‫قرابة ال احدة والنصف‪.‬‬ ‫دخلت الشركة‪ ،‬وقد كان أحدهب يهب بالخروج منها‪ ،‬فسألته‬ ‫عع "محمد عطية" مدير الشرون اإلدارية بالشركة‪ ،‬فتبييع أنيه‬ ‫ه نفسه‪ ..‬كنت ألهث مع شدة التعب‪ ،‬وكان العرق يتصبب ميع‬ ‫جسمي‪ ،‬ورائحة العرق النتنة تف ح منيي‪ ،‬وميس وضياعة ثييابي‪،‬‬ ‫والبقس التي كانت تيزيع دشداشيتي‪ ،‬والتجاعييد التيي تعل هيا‪،‬‬ ‫والتي لب تنجع ك اية خالتي صفية المعطلة في معالجتها كنت‬ ‫أبدو شحّاتا مع الطراز األو ‪ ..‬لقد كنت حقاً فيي حالية يرثيى‬ ‫لها‪.‬‬ ‫أخبر المدير أنني المندوب الذي يفترض أن يجيري معيه‬ ‫المقابلة‪ ،‬لكنه طالعني باشملزاز‪ ،‬ووبخني بسبب تأخري‪ ،‬وازدراء‬ ‫حالتي‪ ،‬وأخبرني بصراحة أنني لست مناسباً لل ظيفة‪.‬‬ ‫وقس كالم المدير علي وقس الصاعقة‪ ...‬مضيى الميدير فيي‬ ‫حاله‪ ،‬لكنني جمد في مكاني‪ ،‬وكيأن أحاسيي العجيز واليذ‬ ‫والحاجة وقلة الحيلة قد أفقدتني كل طاقية وقيدرة ليي عليى‬ ‫الحركة‪ ،‬أو حتى التأو ‪ ..‬أحسست بياأللب يضيرب فيي صيدري‬ ‫عميقاً‪ ،‬وشعر أنني غير قادر على التنف ‪ ...‬وفجأة تح هيذا‬ ‫األلب إلى غضب عارم يلفني‪ ،‬فشعر دمائي تتيدف فيي عروقيي‬ ‫وهي تيلي‪ ،‬وكأنها ت د أن تحرق كل شييء‪ ...‬خرجيت منيدفعاً‬

‫‪55‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫مع الشركة‪ ،‬أل ي على شيء‪" ...‬اللعنة‪ ،‬اللعنية‪ ،‬اللعنية‪ ،‬كيل‬ ‫شيء غلف في غلف‪ ،‬تعبت"‪.‬‬ ‫لقد كان الشع ر باليأس واإلحباط والسخف يملل ني‪ ،‬بينميا‬ ‫كنت أمشي راجعاً إلى البيت مسيافة ‪ 5‬كيلي متيرا فيي هيذا‬ ‫الهجير‪ ،‬ألنني لب أكيع أمليك أجيرة سييارة األجيرة "مائتيان‬ ‫بيسة" ]نصف دو ر أمريكي[! كنت أشعر بالقهر‪ ،‬كنيت أرييد‬ ‫أن أفعل أي شيء أن ّف به عع غضيبي‪ ،‬كيأن أخيذ حجيرًا ميثالً‬ ‫وأحطب به ن افذ سيارا هر ء األغنياء المترفيع‪ ،‬التافهيع‪ ،‬لكيع‬ ‫ضميري وعقلي كانا يمنعياني ميع ذليك‪ ،‬فيرتيد غضيبي إليى‬ ‫داخلي ليزيدني حنقاً وتأججاً‪.‬‬ ‫ساعة كاملة وأنا أمشي في هذا الجحيب‪ ،‬واليضب يستعر في‬ ‫داخلي‪ ،‬ليتح رويداً رويداً إلى حزن واكتلياب‪ ..‬وصيلت إليى‬ ‫البيت وأنا أترنع على شفا ا نهييار‪ ،‬ليب اسيتطس أن أفيتع فميي‪،‬‬ ‫ألجيب أمي على اسللتها الحيير ‪ ،‬وألطملنهيا‪ .‬فتحيت المكييف‪،‬‬ ‫وفرد فراشي القطني‪ ،‬واستلقيت علييه متق قعياً عليى نفسيي‪.‬‬ ‫"لقد تعبت‪ ،‬يكفي ما جر ‪ ،‬سأظل مستلقياً هكيذا إليى أن الحي‬ ‫ب الدي"‪.‬‬ ‫شرعت أمي تبكي وتت سل إلي ألجيبهيا‪ ،‬لكيع بكاءهيا كيان‬ ‫يزيدني غضبًا وألمياً‪ .‬ليب اسيتطس البقياء صيامتاً‪ ،‬صيرخت فيي‬ ‫وجهها‪" :‬يكفي"‪ ،‬وهددتها أنهيا إن ليب تتركنيي لحيالي‪ ،‬فيإنني‬ ‫سأفرُّ مع البيت ميع دون رجعية‪ .‬كانيت أو ميرّة أرفيس فيهيا‬ ‫ص تي على أمي‪ ،‬التي أصابها الجزأ والذه والخ ف‪ ،‬فقيرر‬ ‫أن تبتلس كل آ مها‪ ،‬وأن تبتعد عنيي‪ ،‬وهيي تنيتفض ميع شيدة‬ ‫البكاء‪ ،‬ولكع بصمت خ فاً علي‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫كان األلب يطحع قلبي طحناً‪ ،‬والشياطيع تقفز ميع حي لي‪،‬‬ ‫لكع خيطاً رفيعاً مع األمل ظل يربطني باهلل‪ .‬ردد اسمه بمرارة‬ ‫طالباً ع نه‪ ،‬قبل أن أغ ص في ن م عمي ‪ ،‬لب أصيع منيه إ ً فيي‬ ‫الليل على وجه خالي عيسى‪ ،‬وه ي قمني بص حن ن‪.‬‬ ‫‪ ‬أنا آسف‪ ،‬اليلطة غلطتي‪ .‬قالها لي خالي بحنان‬ ‫كانت أعصابي قد هدأ بعد هيذا الني م الط ييل‪ ،‬كميا أن‬ ‫وج د خالي بجيانبي بيالرغب ميع أنيه فاجيأني لكنيه أشيعرني‬ ‫بالطمأنينة في ال قت ذاته‪ .‬كنت أح بالحاجة إليه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خالي!‬

‫‪ ‬بعدما اتصلت بي أمك‪ ،‬اتصلت بمحمد عطيية‪ ،‬وعرفيت منيه‬ ‫كيف جر اللقياء بينكميا‪ .‬فاعتيذر منيه عليى تيأخرك‪،‬‬ ‫وطلبت منه أن يمنحك فرصة أخر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ،‬خالي‪ .‬أستطيس أن أعمل في هذ الشركة بعدما حدث‪.‬‬ ‫لقد كانت اليلطة غلطتي‪ .‬قلت هذا وأنا أقعيد ميع ني متي‪،‬‬ ‫وأستند بمهري على جدار اليرفة‪ ،‬بينما كان خيالي جالسياً‬ ‫مقابلي‪.‬‬

‫بأس هناك العديد مع الشركا ‪ .‬والخطأ لب يكع خطيأك‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫بل خطلي أنا‪ .‬كيان عليي أن أبقيى معيك إليى أن تسيتقر‬ ‫أح الك‪ ،‬لكنني أهملت‪ .‬أنا أعتذر!‬ ‫خالي‪ ،‬أرج ك‬

‫‪-‬‬

‫تقل ذلك‪ .‬أنت فعلت أكثر مما عليك‪.‬‬

‫‪ ‬اسمعني حبيبي‪ .‬كما أننا يمكننا أن نرسل جنيدياً للقتيا‬ ‫مع دون سيالح‪ ،‬يمكنيك أن تجيري المقيابال ميع دون‬ ‫بعض الترتيبا ‪ ،‬مثالً تحتاج لمالبي جييدة‪ ،‬ونعيا جييدة‪،‬‬

‫‪57‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫وساعة‪ ،‬وكمة جيدة‪ .‬كما تحتاج أن يك ن لديك مصيروف‬ ‫شهري‪ ،‬لتستطيس أن تستخدم السيارة للتنقل‪.‬‬ ‫كان كالم خالي محرجاً جداً! ه يعلب أن أوضاعنا الماليية‬ ‫عسيرة جداً‪ ،‬وأنني أملك ما يطلبه منيي‪ ،‬لكيع كرامتيي ليب‬ ‫تكع تسمع لي بأن أق له ذلك‪ .‬كما أنني كنت أخشى بشيدة‪،‬‬ ‫أن يعرض علي المساعدة‪ ،‬ألنني حينهيا كنيت سأضيطر أن أرد ‪،‬‬ ‫ألنني أستطيس أن أمد يدي ألحد‪ ،‬بما فيهب خالي عيسى‪ ،‬حتيى‬ ‫ل مت ج عًا‪.‬‬ ‫‪ ‬لقد اقترضت مبلياً بسييطا ميع الميا ليك ميع "صيندوق‬ ‫القرض الحسنة"‪ ،‬باسمي‪ ،‬وتستطيس أن تسدد خال األشيهر‬ ‫القادمة مع أصل المبلغ إلى أن ت ف ل ظيفة مناسبة‪.‬‬ ‫كان ا قتراح مناسباً جداً‪ ،‬أرد أن أرفض في البدايية‪ ،‬لكيع‬ ‫لب يكع هناك مع سبب لرفضيي‪ ،‬سييّما أن هنياك مجم عية‬ ‫بأس بها مع قبيلتنا تستفيد مع هذا الصندوق المخصيص ألفيراد‬ ‫القبيلة‪.‬‬ ‫ أشكرك خالي‪ ،‬أنيا م افي ‪ ،‬لكيع بشيرط أن يكي ن القيرض‬‫باسمي‪ ،‬وتك ن أنت الضامع‪.‬‬ ‫‪ ‬كما تريد‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫أدعي أنني كنت أملك مهارا إجيراء المقيابال ‪ ،‬لكننيي‬ ‫تمرستها بشكل مناسب مس استمرارية المقيابال ‪ .‬وميس إجيادتي‬ ‫للييية اإلنجليزييية‪ ،‬وقييدرتي علييى كتابيية الرسييائل‪ ،‬وطبيعيية‬ ‫شخصيتي الهادئة المنضبطة‪ ،‬كل ذلك كان يفعل فعيل السيحر‬

‫‪58‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫في كل مقابلة كنت أخ ضها‪ ،‬ولذا لب يدم ط يالً حتى وجيد‬ ‫نفسي أمام ثالثة عروض‪ ،‬كان أفضلها ميع شيركة إنجليزيية‪،‬‬ ‫ألعمل سائقًا ومندوبًا للشركة لتخليص معامالتهيا‪ ،‬مقابيل ‪456‬‬ ‫ريا ً شهرياً يشمل قسف السيارة ومصروفاتها‪.‬‬ ‫كانت ال ظيفة مناسبة جداً‪ ،‬فقد كانت تتيع لي الكثير ميع‬ ‫وقت الفراغ‪ ،‬الذي كنت أستفيد منيه فيي الدراسية‪ ،‬سي اءً فيي‬ ‫المكتب أو أثناء ساعا ا نتمار الط يلة في الط ابير التي كنت‬ ‫أقفها ليد المرسسيا الحك ميية المختلفية إلنجياز معيامال‬ ‫الشركة‪.‬‬ ‫سنة مضت هادئة‪ ،‬ومريحة‪ ،‬تحسع فيها وضعنا المالي بحميد‬ ‫اهلل‪ ،‬واستطعنا أن نسدد جميس اليدي ن المتراكمية علينيا‪ ،‬كميا‬ ‫انتقلنا لبيت آخر في س ر الل اتية‪ ،‬أكبر ممّا كنا نسكع فيه‪.‬‬ ‫لب يكع يكدّر هذا الهدوء والراحة س معاناتي ميس دراسية‬ ‫المحاسبة اإلدارية األمريكية (‪ .)CMA‬لقد كان األمر صعبًا جداً‪،‬‬ ‫بل مستحيالً في البداية‪ ،‬مما سبب لي إحباطاً شديداً‪ ،‬ولكنني ميس‬ ‫تط ر ليتيي اإلنجليزيية‪ ،‬وشيدة عزيمتيي‪ ،‬بيدأ أتيليب عليهيا‬ ‫بالتدريج‪.‬‬ ‫وأخيييراً بعييد سيينة مييع معانيياة الدراسيية‪ ،‬ومعانيياة تقييديب‬ ‫ا متحانا والرس ب فيها مرّة بعد أخير ‪ ،‬نجحيت فيي جمييس‬ ‫الم اد األربعة‪ ...‬لب يكع ذلك مجرد نجاح عادي بالنسبة لي‪ ،‬بل‬ ‫كان نجاحاً متألقًا انتزعته مع رحب األسى واليأس‪.‬‬ ‫يا يا أبي‪ ،‬كيب تمنييت لي كنيت معنيا لتشياركني هيذ‬ ‫الفرحة! أبي هل أنت سعيد في عالمك بما حققته؟ هل ييا تير‬

‫‪59‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫تفتخر بي هناك‪ ،‬أم أن هذا كله‬ ‫فيه؟ كب اشتقت إليك أبي‪.‬‬

‫قيمة له في العالب الذي أنيت‬

‫‪#####‬‬ ‫المهمة التالية كانت تحيدياً ميع ني أ آخير‪ ،‬لكنهيا كانيت‬ ‫بمثابة جائزة على نجاحي في المهمة األولى! كانيت المهمية أن‬ ‫أجد وظيفة في مجا المحاسبة براتب أفضل مع راتبي الحيالي‪،‬‬ ‫وفي ال قت نفسه ا نضمام لبرنيامج البكيال ري س فيي الفتيرة‬ ‫المسائية في مجا التجارة في إحد الكليا الخاصة‪.‬‬ ‫يقا أنني كنت محم ظاً‪ ،‬لكنني أر أنني كنت م فقّاً ميع‬ ‫اهلل عز وجل‪ ،‬فقد حدث أنني ذهبت فيي اليي م التيالي لنجياحي‪،‬‬ ‫لمقابلة "سير أندرو" المدير اإلقليميي لشيركتنا‪ ،‬وقيد كنيت‬ ‫استطعت خال فترة السينة الماضيية أن أفيرض احتراميي فيي‬ ‫الشركة‪ ،‬كما استطعت تكي يع عالقيا جييدة ميس جمييس ميع‬ ‫تعاملت معهب مع م ظفي الشركة‪ ،‬و سيّما سيير أنيدرو‪ ،‬حييث‬ ‫قمت بمساعدته عدة مرا في تخليص بعض معامالته الشخصية‪.‬‬ ‫كان سير أندرو منكباُ تحت الطاولية‪ ،‬يبحيث كالعيادة عيع‬ ‫قلمه الذي وقس منه‪ ،‬ولذا اضطرر للبقاء واقفاً على الباب إليى‬ ‫أن ينهض‪ .‬لحما ووجدته ينهض مع تحيت الطاولية‪ ،‬ويسيتقر‬ ‫في مقعد الفاخر‪ ،‬وه يت جه برأسه نحي ي‪ ،‬منكسياً إييا إليى‬ ‫األسفل‪ ،‬لينمر لي مع طرف عينييه العلي ي‪ ،‬فقيد كيان يليب‬ ‫نمارة قصر النمر للقراءة‪ .‬سألني وه يبتسب لي بلطف‪:‬‬ ‫‪ ‬محمد! بماذا أقدر أن أساعدك؟‬ ‫‪-‬‬

‫سير‪ ،‬أنا نجحت في الي ‪.CMA‬‬

‫‪60‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫‪ ‬حقّاً! مبروك‪ ،‬أنت تستح ذلك‪ .‬وما الخط ة القادمة لك؟‬ ‫‪-‬‬

‫أبحث عع وظيفة في المحاسبة‪ ،‬وأكمل شهادة البكال ري س‬ ‫في إدارة األعما ‪.‬‬

‫‪ ‬واضع أنك تعرف مسارك المهني‪ .‬ما رأيك أن تنتقل عندنا‬ ‫في قسب المحاسبة؟‬ ‫كان العرض مفاجلاً لي‪ .‬لب أتعي د أن تكي ن األمي ر بهيذ‬ ‫السه لة‪ ،‬أجبيت بالم افقية بسيرعة وبصي عيا ومضيطرب‪،‬‬ ‫وكأنني خشيت مع أن ييير رأيه‪.‬‬ ‫‪ ‬جيد‪ ،‬إذاً في هذ الحالة عليك أن تبحيث لنيا عيع منيدوب‬ ‫ممتاز يحل محلك‪ ،‬وبعدها تنتقل للمحاسبة‪ .‬هيل يكفييك‬ ‫مدة شهريع لتيدبر أمي رك؟ سيألني الميدير‪ ،‬وهي يبتسيب‬ ‫ابتسامةً مشجعةً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫شهر واحد يكفي‪ ،‬وأنا أعدك بأن المنيدوب الجدييد سييك ن‬ ‫ممتازاً‪.‬‬

‫‪ ‬عميب‪ ،‬اهتب بنفسك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أشكرك سير‪ ،‬أشكرك‪.‬‬

‫لب تكع مسألة إيجاد مندوب بديل أميراً صيعباً‪ ،‬فقيد كانيت‬ ‫شركتنا تدفس رواتب جيدة‪ ،‬كما أنني مع خال عمليي تعرفيت‬ ‫على العديد مع المندوبيع‪ ،‬مع الطراز األو ‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫كانت ال ظيفة تأخذ نصيب األسد مع جهيدي ووقتيي‪ ،‬فقيد‬ ‫كانت تتطلب مني أحيانا العمل ط ا الليل‪ ،‬وأحياناً كنت أقضي‬

‫‪61‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫أيام الخمي والجمعة في الشركة ألنجيز عمليي‪ ،‬سييّما فيي‬ ‫آخر كل شهر‪ ،‬حيث كان علينا إصدار تقارير اإلدارة الشهرية‪.‬‬ ‫لكع لب يكع ذلك ليمنعني مع التسجيل في الفترة المسيائية‬ ‫في كلية التجارة‪ ،‬لذا كنت أرجس كل ليلة ميع الكليية منهكيا‬ ‫ومكدوداً‪ ،‬أجرُّ أقدامي جيراً إليى البييت‪ ،‬ألتنياو طعيام العشياء‬ ‫اللذيذ الذي تقدمه واليدتي‪ ،‬وأسيتمتس بشيرب الشياي المنزليي‬ ‫الرائس النكهة‪ ،‬وأقضيي وقتياً ممتعياً ميس أميي وجيدتي وأختييَّ‬ ‫الصييرتيع الشقيتيع‪ .‬لقد كان هذا ال قت حقاً وقتياً مسيتقطعاً‬ ‫مع عالب الدنيا المليء بالكفاح والكدح‪.‬‬ ‫رغب هذا اإلرهاق الذي كنت أعانييه‪ ،‬أ أننيي كنيت أشيعر‬ ‫بالنشاط يدب في أوصالي سرعان ميا كنيت أر أميي‪ ،‬ب جههيا‬ ‫المالئكي البش ‪ ،‬وهي جالسة كعادتها على دكة البيت تخييف‬ ‫لي كمة جميلة مع صنس يديها الكريمتيع‪.‬‬ ‫مر األيام‪ ،‬وتعاظمت األعباء والضي ط علي‪ ،‬فاضيطرر أن‬ ‫أخفض عدد ساعا ن مي ألربس ساعا ي ميياً‪ ،‬لكيي أسيتطيس أن‬ ‫أوف بيع مسرولياتي العديدة التي تكاد تنتهي‪ ...‬كان الصداأ‬ ‫رفيقي‪ ،‬و يتركني إ بالمهدئا ‪ ،‬وكنت أشعر بجسيمي ييزن‬ ‫أطناناً‪ ،‬وكنت أعاني مع النعياس طي ا ال قيت‪ ،‬سييّما عنيدما‬ ‫كنت أق د السيارة‪ ،‬وأخيراً بيدأ أدائيي فيي كيل ميع ال ظيفية‬ ‫والدراسة يسي ء‪ ،‬وبيدأ أخطيائي تكثير‪ ،‬وأعياني ميع التي تر‬ ‫والعصبية‪ ،‬ول دقائ الخل ة العشريع التي كنت أواظب عليها‬ ‫كل ليلة‪ ،‬لربما كنت فقد نفسي وانهر ‪.‬‬ ‫لب يكع لدي مع خيار آخر‪ ..‬لقد كان علي أن أواصل حتيى‬ ‫آخر نفي ليي‪ ،‬وكنيت أؤميل نفسيي أن السينيع سيرعان ميا‬

‫‪62‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫ستنقضي‪ ،‬وسأتخرج مع الكليية‪ ،‬وعنيدها سأسيتمتس بالراحية إن‬ ‫شاء اهلل‪.‬‬ ‫كنت أدع اهلل بإلحاح أن يفرّج عني‪ ،‬وكنت اسيأ واليدتي‬ ‫ي مياً أن تدع لي بذلك‪ ،‬لكنني في أعماق نفسي كنت أشك أن‬ ‫يك ن هناك مخرج لل رطة التي كنت فيهيا‪ ،‬إ أن يرزقنيي اهلل‬ ‫كنزاً لب أكع أحسبه‪.‬‬ ‫وبينما أنا أصلي الميرب في إحد األيام‪ ،‬برقيت فيي ذهنيي‬ ‫فكرة رائعة‪ ،‬وغريبة في ال قت ذاته! تذكر أنني عندما كنيت‬ ‫صييراً‪ ،‬وكنت أخشى أن أذهيب إليى المدرسية كنيت أتميارض‬ ‫وأُشعر نفسي بالحمى‪ ،‬لدرجة أننيي كنيت اقتنيس بهيا‪ ،‬وعنيدما‬ ‫كانت والدتي تفحصني كانت تالحظ علي الحمى والتعب‪ ،‬وليذا‬ ‫كانت تسمع لي باليياب عع المدرسة‪ ،‬وعندما كان وقت الذهاب‬ ‫للمدرسة يف كنت أعي د وأُشيعر نفسيي أننيي أحسيع حيا ً‪،‬‬ ‫وكنت أيضاً أقتنس بذلك‪ ،‬ويمهر ذلك علي‪ ،‬فتسيمع ليي أميي‬ ‫بالخروج واللعب في الحارة‪.‬‬ ‫كانت الفكرة التي برقت في ذهني‪ ،‬أن أحدث نفسي وأقنعهيا‬ ‫أن ما يحتاجه جسمي مع الن م ي مياً ه ثالثة إلى أربعة ساعا‬ ‫كحد أقصى‪ ،‬وأن الن م أكثر مع ذلك يره جسدي‪ ،‬ويشعرني‬ ‫بالنعاس! وبالرغب مع غرابية الفكيرة إ أننيي اسيتطعت فعيالً‬ ‫تمريرها إلى عقلي الباطع‪ ،‬وكانت النتيجة ف رية‪ ..‬لقيد زاليت‬ ‫عني جميس آثار التعب واإلرهاق‪ ،‬وبدأ أشعر بالنشاط يسري في‬ ‫جسمي وعقلي ط ا ال قت‪ ،‬فيما عدا أننيي عنيدما كنيت أقي د‬ ‫السيارة لمسافا ط يلة‪ ،‬كنت أشعر بنعاس شديد‪.‬‬ ‫لقد كنت سعيدا جداً بهذا اإلنجاز‪ ،‬لي ألن أدائي الي ظيفي‬ ‫والدراسي تحسع وحسيب‪ ،‬وليي ألننيي أخييرًا بيدأ أسيتمتس‬ ‫‪63‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫بالراحة والهدوء‪ ،‬ولكع ألنني أحسست بقيرب اهلل منيي‪ ،‬ودعميه‬ ‫إياي‪ ،‬وأدركت عميب مكافأته لي عليى جهيدي وإخالصيي‪ ،‬فقيد‬ ‫جعلني اهلل أكتشف في ذاتي قدرة عجيبة‪ ،‬لب أكع أعرفهيا ميع‬ ‫قبل‪ .‬لقد مكنتني هذ القدرة "اإليحاء الذاتي" على التخلص مع‬ ‫العديد مع المشاعر السلبية‪ ،‬ونقاط الضعف التيي كنيت أعياني‬ ‫منها‪ ،‬كال س سة واألرق وغيرهما‪ ،‬كما مكنتنيي ميع اكتسياب‬ ‫العديد مع المهارا والقدرا التي تمنيتها‪ ،‬وفشيلت سيابقاً فيي‬ ‫اكتسابها‪ .‬لب يكع األمير سيهالً دائمياً‪ ،‬وأقير أننيي فشيلت فيي‬ ‫التخلص مع بعض نقاط الضعف لدي‪ ،‬وفشلت أيضاً في اكتسياب‬ ‫بعض النقاط اإليجابية‪ ،‬التي كنت أسعى إليها‪ ،‬ولكع مما شك‬ ‫فيه أن هذ القدرة كانت بشكل عام فعّالة جداً‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫غرفة الصالة في الكلية غرفة صييرة وم حشة‪ ،‬بسبب نيدرة‬ ‫المصليع فيها‪ ،‬حيث يكاد يدخلها أحد‪ ،‬وكيان يزييدها وحشية‬ ‫خف إضاءتها البيضاء‪ .‬في البداية كنت أست حش الصالة فيها‪،‬‬ ‫ولكنني تع د عليها مس مرور ال قت‪ ،‬بل بدأ أشيعر با رتيياح‬ ‫فيما بعد‪ ،‬ألنني كنت أستطيس أن أخشس في صالتي متى ما هفت‬ ‫نفسي لذلك‪ ،‬مع دون أن أخشى أن ألفت األنمار لي‪.‬‬ ‫وفي إحد المرّا ‪ ،‬وبينما كنت أصلي صالة الميرب‪ ،‬وأبكي‬ ‫بحرقة لضعف إرادتي عع اإلقالأ عيع سيماأ األغياني المطربية‪،‬‬ ‫دخل علي فجأة أحد الزمالء بالكلية‪ ،‬فت قفت في را عيع البكياء‪،‬‬ ‫وجففت دم عي بكب ث بي بسرعة وارتباك‪ ،‬وأنا كلي خشية ميع‬ ‫أن يك ن قد رآني‪ ،‬وكأنني كنت أرتكب جريمة! ربما ألنه لي‬ ‫مع المعتاد أن يبكي الناس في صالتهب وربميا ألننيي خشييت أن‬

‫‪64‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫أتهب باإلفراط في التديع أو التعقيد فيه‪ ،‬فأغيدو سيخرية أميام‬ ‫طلبة الكلية‪ ،‬سيّما وأنني كنت كذلك فعالً لدرجة ما بسيبب‬ ‫امتناعي عع ا خيتالط بالبنيا ‪ ،‬ومصيافحتهع‪ ،‬وبسيبب رفضيي‬ ‫لسماأ األغاني (أمام اآلخيريع‪ ،‬وإ فيإنني كنيت أسيمعها سيراً‬ ‫عندما أك ن بمفردي)‪.‬‬ ‫حدث لألسف الشديد ما كنت أخشى منه‪ ،‬فسرعان ما انتهيت‬ ‫مع صالتي وت جهت لمقهى الكلية‪ ،‬تجمس عليي الشيباب وأخيذوا‬ ‫يستهزئ ن بي‪ ،‬ويسخرون مني وميع تيديني‪ ،‬بشيكل غيير ئي‬ ‫مطلقياً‪ .‬تييأثر كثيييراً‪ ،‬وشييعر بالييدماء تيلييي فييي عروقييي‬ ‫وتتصاعد في وجهي‪ ،‬ولكنني رغب ذلك بدو هادئاً مع الخيارج‪،‬‬ ‫ربما ألنني تع د على المشاكل‪ ،‬وألفتها‪.‬‬ ‫أرد أن أرد عليهب بقس ة‪ ،‬لكنني كنت عاجزاً عع ذليك‪ ،‬إذ‬ ‫لب يحصل لي في حياتي أن تالسنت مس أحد! ومس شيدة غضيبي‬ ‫وجد يدي تمتد لمقعد بجانبي‪ ،‬وأحسسيت برغبية عارمية فيي‬ ‫تهشيمه على رؤوسهب‪ ،‬وكد أخرج مع ط ري‪ ،‬وأفعل ما كنت‬ ‫سأندم علييه كثييراً‪ ،‬لي أننيي تيذكر فيي تليك اللحمية‬ ‫الحاسمة الرس األكرم (ص)‪ ،‬وتذكر كيف أنيه أوذي فيي‬ ‫جنب اهلل‪ ،‬ومس ذلك ليب يقابيل ميع آذو إ بالحسينى‪ .‬تمثليت‬ ‫الرس األكرم (ص)‪ ،‬وقرر أن أقتدي به‪ ،‬عيل اهلل ييفير ليي‬ ‫سماعي األغاني المحرمة‪.‬‬ ‫هدأ ‪ ،‬وقربيت المقعيد منيي وجلسيت علييه‪ ،‬وأنيا أصيطنس‬ ‫ابتسامة هادئية عليى وجهيي‪ ،‬وسير بجسيمي قشيعريرة وأنيا‬ ‫ْ س س س ُ سس ْ س ُ س ْ‬ ‫س س س‬ ‫السة يةةحية ِ ْادفة ْةع يبةةال يتي يصة سةي‬ ‫أستحضيير ق لييه تعييالى‪ " :‬سوال ت ْسةةت يوي الحسةةنة وال‬ ‫س س ُس ْ س‬ ‫اه ةةا إ ْال ْال ةةذ س‬ ‫س ْ س ُ س س ْ سْس س سسْس ُ س س س ٌ سسْ ُ س ُ س ٌ‬ ‫ين‬ ‫ي‬ ‫أحسةةن ف ة يةاذا ال ة يةذي بحن ةةك وبحن ةةه ع ةةداوة كأنةةه و يل ةةي ح يم ةةيم (‪ )52‬وم ةةا يلق ي‬ ‫ة‬ ‫س سُ س س ُس ْ س ْ ُ‬ ‫اهةا يإال ذو سح ظةع سع يظ ظةيم" عندها شعر بالسكينة تسري فيي‬ ‫صةبروا ومةا يلق‬ ‫‪65‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫صدري‪ ،‬وقرر أن أسمس تعليقاتهب وأتأميل فيهيا‪ ،‬فيي محاولية‬ ‫لفهمهب وفهب طريقة تفكيرهب ومشكلتهب‪.‬‬ ‫حمت أنه رغب تعليقاتهب السياخرة فيإن بعيض كلمياتهب‬ ‫كانت تسيتبطع ن عياً ميع ا حتيرام والتقيدير ليي ولتيديني!‬ ‫أدركت أن مزاحهب الثقيل إنميا كيان نابعياً ميع رغبيتهب فيي‬ ‫التسلية‪ ،‬وضحكهب وتعليقاتهب لب تكع لقلة احتيرامهب لشخصيي‬ ‫أو لتديني‪ ،‬وإنما ليرابة سل كياتي واختالفها عمّا يألف نهيا ميع‬ ‫سل كيا ‪.‬‬ ‫كاد الم قف أن ينتهي مع دون أية مشكلة‪ ،‬ل أن ذلك ليب‬ ‫يرق لعامر‪ ،‬صديقي المشاك اليذي دخيل المصيلى وشياهدني‬ ‫أبكي‪.‬‬ ‫لب يكع عامر شريراً بطبعه‪ ،‬بيل بيالعك ميع ذليك كيان‬ ‫متديناً وطيباً جداً في بداية حياته‪ .‬كنا نقضي أنا وإييا سياعا‬ ‫ط يلة ي مياً على شارأ الكي رنيش نتنياقش فيهيا فيي مختليف‬ ‫القضايا والمسائل في الديع‪ ،‬وهم م األمة‪ ،‬وكنا نبدو أكبر مع‬ ‫عمرينا كثيراً‪ .‬لكنه أصيب بصدمة شديدة بسبب انفصيا واليد‬ ‫"المتديع" عنهب‪ ،‬وقد كان يحبه كثيراً‪ ،‬ثب زاد مع ألمه إصيابة‬ ‫والدته بالسرطان‪ ،‬األمر الذي جعله يفقد ثقتيه بياهلل وينحيرف‬ ‫مائة وثمانيع درجة‪ ،‬وساعد على ذليك تيسير حالتيه الماديية‪،‬‬ ‫وذكائه المفرط‪ ،‬ووسامته‪ ،‬وضعف رقابة األهل عليه‪.‬‬ ‫‪ ‬قل لي محمد‪ ،‬بما إنك ما شاء اهلل تقرأ كثييراً فيي اليديع‪،‬‬ ‫هل تستطيس أن تساعدني؟ أنا أواجه منذ فترة بعض ا سيللة‬ ‫المحيّرة في العقيدة‪ ،‬وأبحث لها عع إجابة‪ ،‬ولكنني لب أصيل‬ ‫إلى إجابة شافية؟‬

‫‪66‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫شعر بنبرة التحدي في كالم عامر‪ .‬أعلب أن قصيد ليي‬ ‫بريلاً‪ ،‬وأنه يقصد إحراجي‪ ،‬وأنا لب يكع ليدي خييار آخير غيير‬ ‫قب التحدي‪ ،‬فرفعت رأسي نح ‪ ،‬بابتسيامة‪ ،‬حرصيت أن تبيدو‬ ‫بريلة‪ ،‬وأجبته بنبرة ق ية واثقة‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا مجرد متعلب‪ ،‬ولست أعرف إ القليل‪ ،‬ولكع تفضيل فيإذا‬ ‫لب أكع أعرف اإلجابة‪ ،‬أستطيس أن اسأ علماء الديع‪.‬‬

‫‪ ‬السرا الذي يحيرني ه أن اهلل إذا كان يحبنا‪ ،‬ورحيب بنيا‪،‬‬ ‫فلماذا إذاً خل األمراض واآلفا ؟ ولماذا يدأ الناس يم تي ن‬ ‫مع الج أ والمرض؟ ولماذا خل اهلل المجرميع والجيراثيب‬ ‫وال ح ؟ لماذا جعل بعضنا أذكياء وأغنياء ومعافيع بينميا‬ ‫ابتلى آخريع بالفقر والمرض واليباء؟‬ ‫أثار سرا عامر انزعاجاً ليد الشيباب‪ ،‬إذ أن مناقشية هيذ‬ ‫الم اضيس – سيّما علناً ‪ -‬يعد محرماً في ثقافتنا السائدة‪ ،‬ورغب‬ ‫أنني لب أكع أملك ج اباً شافياً مفصالً عع سرا عامر‪ ،‬لكننيي‬ ‫لب أستطس أن أترك سراله مع دون ج اب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫نحع نجهل الكثير مع األم ر في هذا الك ن‪ ،‬فكما يقي اهلل‬ ‫ْ ْ ْ س ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫تعالى‪ " :‬سو سما أو يتحت ْم يم سن ال يعل يم يإال ق يلةيال"‪ ،‬ولكع مما شك فيه هي‬ ‫أن اهلل حكيب وق ي‪ ،‬وأنيه يحبنيا‪ ،‬ويرحمنيا‪ ،‬إ أن عق لنيا‬ ‫تقصر عع إدراك الحكمة اإللهية في بعيض المسيائل‪ ،‬ومنهيا‬ ‫هذ ا سللة التي سألت أنت عنها‪ ،‬ولكع هيذا يعنيي أن اهلل‬ ‫يحبنا و يرحمنا‪ .‬أ يق اهلل سيبحانه وتعيالى‪" :‬إ ْن ْ س‬ ‫اع‬ ‫ي‬ ‫ْ سسُ ٌ‬ ‫وف ْر يح ٌ‬ ‫يم"‪...‬‬ ‫اس لرء‬ ‫يبالن ي‬

‫‪ ‬عف اً محمد‪...‬‬

‫‪67‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫حاو عامر مقاطعتي‪ ،‬لكع أحد الطلبة (عمر) منعيه‪ ،‬وطليب‬ ‫منه أن يدعني أنهي ج ابي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا انتهيت مع إجابتي‪ ،‬لكع دعني أعطيك مثيا ً‪ :‬تيذكر ييا‬ ‫عامر عندما كان والدك يصحبك إلى صف التايك اندو فيي‬ ‫صباك‪ ،‬لتتمرن على القتا ‪ .‬هل تذكر كيف كنت تستشيف‬ ‫غضباً في داخلك على والدك‪ ،‬وكنت تعتقد أنيه يحبيك‪،‬‬ ‫ألنه لب يكع يحرك سياكناً‪ ،‬وهي يشياهدك ميراراً وأنيت‬ ‫تتعرض للضرب المبرح اثنياء أداء تميريع "الم اجهية ميس‬ ‫الخصب" مس زمالئك الذيع يف ق نيك قي ة ومهيارة؟ هيل‬ ‫كييان حقياً والييدك يحبييك‪ ،‬أو أنييه كييان يفعييل ذلييك‬ ‫لمصلحتك‪ ،‬ولكنك لب تكع آنذاك تستطيس أن تيدرك هيذ‬ ‫المصلحة؟‬

‫‪ ‬عف اً محمد‪ ،‬هذا تهرب مع اإلجابة‪...‬‬ ‫وقبل أن يكمل كالمه‪ ،‬قاطعه طالب آخر‪ ،‬اسمه سالب‪،‬‬ ‫‪ o‬بصراحة يا عامر‪ ،‬سرالك غير مناسيب‪ .‬نحيع كنيا نميزح‪،‬‬ ‫وأنت قلبت الم ض أ إلى جد‪ ..‬لب يكع مع المناسب أبيداً أن‬ ‫تعتييرض علييى حكميية اهلل بهييذ الطريقيية‪ ،‬أو أن تحيياو‬ ‫التشكيك بحبه لنا‪ ،‬ورحمته علينا‪ ،‬ومس ذلك أجابك محمد‬ ‫على سرالك‪ ،‬لكنك تريد أن تصيي إليه‪...‬‬ ‫يا سالب‪ ،‬عف اً‪ ،‬أنا لب يكع قصدي التشيكيك فيي حيب اهلل‬ ‫‪‬‬ ‫لنا‪.‬‬ ‫‪ o‬بل قصد ذلك‪ .‬عم ماً أرج ك لنيدأ هيذا الم ضي أ‪ ،‬وإذا‬ ‫كانت لديك المزيد مع الشك ك وا سيللة‪ ،‬اذهيب للشيي ‪،‬‬

‫‪68‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫وه سيجيبك عليها‪ ،‬ولكع‬ ‫الطلبة‪.‬‬

‫تطرحهيا هكيذا فيي أوسياط‬

‫استمر الجد والنقا بيع مجم عة مع الطلبية حي هيذا‬ ‫الم ض أ‪ .‬اما أنا فالم قف انتهى بالنسبة ليي هنيا‪ ،‬وشيكر اهلل‬ ‫أنه ألهمني اإلجابة‪ ،‬وإ فأني ليب أكيع مسيتعدا لهيذا النقيا ‪.‬‬ ‫ولكع وألك ن منصفاً‪ ،‬فإن كالمي وإن كان صحيحاً‪ ،‬ولكنيه –‬ ‫كما قيا عيامر ‪ -‬كيان تهربياً ميع اإلجابية! لمياذا خلي اهلل‬ ‫الشرور؟ ولماذا التفاو في ت زيس القدرا بييع البشير؟ أسيللة‬ ‫محيرة‪ ،‬أعرف لها سراً‪.‬‬ ‫لب يكع مثا ال الد صحيحاً‪ ،‬فال الد ناقص وعاجز‪ ،‬ولذا ليب‬ ‫يكع أمامه طريقة ليق ي ابنه عامر س أن يدربه على القتيا ‪،‬‬ ‫يحتاج لهذ الطرق لتحقي ما يريد! أليي اهلل‬ ‫وأما اهلل فه‬ ‫ْس سْ ُ​ُ س سس س س ًْ س ْ سُ س س ُ ُ ْ سس ُ ُ‬ ‫" يإنما أمره يإذا أراد شحيا أن يقول له كن فيكون"؟!‬ ‫لست أفهب لماذا لب يخلقنا اهلل في الجنة مباشرة‪ ،‬بد ً مع أن‬ ‫يخلقنا في األرض‪ ،‬ويجعلنا نعاني العذابا تلي العيذابا فيهيا‪،‬‬ ‫ونرتكب األخطاء‪ ،‬فييضب علينا ويرمينا في النار؟!‬ ‫يق ل ن ان اهلل خل النبي آدم فيي الجنية‪ ،‬ولكنيه بمعصييته‬ ‫وأكله مع الشجرة التيي منعيه اهلل أن يأكيل منهيا‪ ،‬اسيتح أن‬ ‫ينزله اهلل في الدنيا عق بية ليه!! ولكيع لمياذا خلي اهلل تليك‬ ‫الشجرة؟ ولماذا جعلها فيي متنياو النبيي آدم (أ)؟ ولمياذا ليب‬ ‫يمنعه‪ ،‬أو حتى ينبهه عندما رآ عازماً على أكلهيا؟ لمياذا سيمع‬ ‫للشيطان أن يخدعه‪ ،‬وه نبي؟‬ ‫ثب إن كان آدم (أ) استح العق بة بمعصيته؟ ما ذنبنا نحع‬ ‫أفراد البشرية كلها لنعاقب بفعل أبينا آدم (أ)؟‬

‫‪69‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫اسللة تلع في رأسي‪ ،‬و أجد لها ج اباً‪ .‬شك عنيدي فيي‬ ‫أن اهلل حكيب وأنه أرحب الراحميع‪ ،‬ولكيع أهتيدي لحيل هيذ‬ ‫األلياز‪ ،‬وقلبي يحدثني أن وراءها أسراراً عميقة‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫يزا على قيدم وسياق‬ ‫في قاعة المحاضرا كان النقا‬ ‫بيع عامر وسالب‪ ،‬مس مجم عة مع الشباب تحيف بهميا‪ ،‬وكانيت‬ ‫أص اتهب عالية‪ ،‬تبلغ حد الصرات أحياناً‪ ...‬كيان المنمير ملفتيا‬ ‫جداً‪ ،‬إذ لب يكع مع عادتهب النقا بهذ الجدية وبهذا الحماس‪.‬‬ ‫دخل الدكت ر القاعة‪ ،‬فجل الطلبة في مقاعدهب‪ ،‬فيما عيدا‬ ‫مجم عتنا هذ حيث كانت مستيرقة في النقا بشيكل عجييب‪،‬‬ ‫وأخيرًا تدخل الدكت ر‪ ،‬وطلب منهب الجل س‪.‬‬ ‫بعد أن سمس الدكت ر منا م جز ميا حصيل‪ ،‬اقتيرح أن ييتب‬ ‫مناقشة هذا الم ض أ على مست الصف كامالً‪ .‬حياو بعيض‬ ‫الطلبة ا عتراض‪ ،‬باعتبار أن هذا الم ض أ متخصيص‪ ،‬ويحتياج‬ ‫ل ج د عالب ديع‪ ،‬لكع يبدو أن الدكت ر كان أكثر إقناعياً ميع‬ ‫هر ء البعض‪ ،‬ولذا ص ّ معميب الطلبية لصيالع مناقشية هيذا‬ ‫الم ض أ‪ ،‬ولكع بعد شهر مع اآلن‪ ،‬حيث يك ن كيل فريي قيد‬ ‫استعد بشكل كاف للنقا ‪.‬‬ ‫كان أفراد فريقي‪ ،‬بل ومعمب أفراد فريي عيامر "الفريي‬ ‫الخصب" مطملنيع مع قدرتي على المحياورة‪ ،‬و"إظهيار الحي "‬ ‫على حد تعبيرهب‪ ،‬لكننيي شخصييًا كنيت قلقيًا جيداً! ليب تعيد‬ ‫المسألة مجرد أسيللة وأليياز تيدور فيي رأسيي‪ ،‬وإنميا عقييدة‬ ‫عشرا الطلبة باتت على المحيك‪ ،‬ومت قفية عليى قيدرتي فيي‬

‫‪70‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫اإلجابة على أسللة عامر‪ ،‬وميا يمكيع أن يسي قه فيي المنياظرة‬ ‫وبراهيع‪.‬‬ ‫القادمة مع إشكا‬ ‫كنت أعلب أن اهلل لع يتخلى عني‪ ،‬ولكنني ليب أكيع أعيرف‬ ‫كيف ومع أيع يمكنني الحص على اإلجابا على هذ ا سللة‪.‬‬ ‫ل كان خالي م ج داً‪ ،‬لكنت لجأ إليه‪ ،‬ولكنه مسيافر أللمانييا‬ ‫للعالج‪ ،‬ولع يرجس قريباً‪.‬‬ ‫لب يكع أمامي غير اللج ء لعلماء الديع‪ ،‬لكنني صدمت عندما‬ ‫وجد أن مع سألت منهب يملك غير ذاك الج اب العام اليذي‬ ‫سب وأن أجبت به عامراً! وه ج اب ربما يقنس الكثيريع‪.‬‬ ‫فاجأني أيضاً أنني عندما كنت أحاو أن أتعمي معهيب فيي‬ ‫المسألة أكثر‪ ،‬كان ا يستاؤون مني‪ ،‬وكان ا يحذرونني ميع أن‬ ‫ال ل ج في هذ المسائل غير محبذ في الشرأ‪ ،‬وأنه منهي عنه‪.‬‬ ‫لب يكع هذا الكالم ليخمد أواري‪ ،‬و ليشيبس نهميي لمعرفية‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وبد ً مع أن تصدني تحذيراتهب خ فاً عليي‪ ،‬حفزتنيي‪،‬‬ ‫وجعلتني أكثر إصراراً على البحيث عيع الحقيقية‪ ،‬سييّما أن‬ ‫هناك عشرا الطلبة مع ورائي ينتمرون مني إجاب ًة شيافية‪ ،‬وأن‬ ‫هناك خصماً لدوداً يتمنى أن أضعف‪ ،‬ليشيمت بيي‪ ،‬وليبيرر أميام‬ ‫نفسه وأمام اآلخريع سبب انحرافه عع الديع!‬ ‫كانت األيام تمر‪ ،‬والم عد يقترب‪ ،‬وكانت الحلقية محكمية‬ ‫اإلغالق‪ ،‬ولب يكع هناك مع مخرج! أشعر أنه مع المناسيب أن‬ ‫أتصل بخالي في ألمانيا‪ ،‬وه لب يمض على إجرائه العملية س‬ ‫عدة أيام‪ ،‬ولكع في المقابيل‪ ،‬المسيألة خطييرة‪ ،‬وتتجياوز هيذ‬ ‫القضايا الشخصية‪ .‬تردد كثييراً‪ ،‬ولكيع فيي النهايية حسيمت‬ ‫أمري‪ ،‬ورفعت سماعة الهاتف‪ ،‬واتصلت بخالي في ألمانيا‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫كان ص ته ييزا واهنياً‪ ،‬وهيذا ميا زاد فيي تيرددي فيي‬ ‫البداية‪ .‬سألته عع أح اله‪ ،‬وعيع صيحته‪ ،‬فكيان يجيبنيي بتعيب‪.‬‬ ‫فكر أن أنهي المكالمة بعد ا طملنان علييه‪ ،‬ولكننيي تجياوز‬ ‫نفسي‪ ،‬وأخبرته بشكل مختصر أن عندي مناقشة في الكليية فيي‬ ‫هذا الم ض أ‪ ،‬وأن األمر مهب جداً‪ ،‬ألن عقييدة عشيرا الطلبية‬ ‫ربما تت قف على ما سأق له‪.‬‬ ‫أخذ خالي كالمي على محمل الجد‪ ،‬وصارحني أنه ه أيضيًا‬ ‫لب يت صل لحل لهذ المسيألة‪ ،‬غيير أنيه طليب منيي أن أذهيب‬ ‫لمكتبته في بيته‪ ،‬وأستعير منها كتاب "العيد اإللهيي" للشيي‬ ‫مرتضى المطهري‪ ،‬ألنه يناقش هذ المسألة‪.‬‬ ‫أمضيت أياماً وأنا أقرأ الكتاب‪ ،‬سييّما الفصيل الثياني ميع‬ ‫الكتاب‪ ،‬المسمى بي "حيل العقيدة"‪ .‬أعيد قراءتيه عيدة ميرا ‪،‬‬ ‫ولكنني لب أكع أشعر بأنني أتقنت فهب الفكرة‪.‬‬ ‫وأخيراً طلس فجير ذليك اليي م اليذي سيتك ن فيي مسياء‬ ‫المناقشة‪ ،‬كنت مضطرباً جداً‪ ،‬الج اب أمامي في الكتاب‪ ،‬ولكننيي‬ ‫أستطيس أن أهضمه بشكل يمكنني ميع طرحيه‪ .‬كنيت خائفياً‪،‬‬ ‫لي مع الفضيحة‪ ،‬بقدر ما كنت خائفاً أن أخذ أوللك اليذيع‬ ‫وثق ا بي‪.‬‬ ‫نمت بعدما صليت الفجر‪ ،‬ودم عي تتساقف بحرقية‪ ،‬وقلبيي‬ ‫يلهج هلل‪ ..‬دع ته مع أعماق قلبي‪ ،‬وأقسمت عليه بالنبي وآليه‪ ،‬أ‬ ‫يتخلى عني بسبب عصياني له‪ .‬كنيت أعليب أنيه قيادر عليى أن‬ ‫يلهمني اإلجابة إن أراد‪ .‬أقسمت له بحقه أنني مخلص له‪ ،‬وأننيي‬ ‫أريد نصرة دينه‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫في الصباح‪ ،‬وقبل أن يرن جرس المنبه‪ ،‬أفقت مع الن م‪ ،‬وقد‬ ‫اتضحت اإلجابة في ذهني! يا إلهي كيب هيي المسيألة بسييطة!‬ ‫لست أدري لبَ لب أهتدي إليها مع قبل! شكر اهلل وقفيز ميع‬ ‫فراشي ف راً‪ ،‬ومسيكت كتياب "العيد اإللهيي"‪ ،‬وشيرعت أقيرأ‬ ‫الفصل الثاني منه مرة أخر ‪ ،‬ولكع هذ المرة وف اإلجابة التي‬ ‫أدركتها في منامي‪ ،‬ف جدتها هي هيي‪ .‬ييا اهلل! الحميد هلل! اآلن‬ ‫أستطيس أن أجيب على أسللة عامر‪ .‬شكراً لك يا رب! كيب أنيت‬ ‫عميب!‬ ‫‪#####‬‬ ‫قاعة المحاضرا كانيت أشيبه بعرصية السي ق فيي ذليك‬ ‫المساء‪ ،‬فقد كان الجميس متحمساً لهيذا النقيا المرتقيب منيذ‬ ‫شهر‪ .‬بعضهب كان يربت على كتفي‪ ،‬وه في طريقيه لمقعيد ‪،‬‬ ‫ملقياً بعض عبارا التشجيس‪ ،‬أو اإلطراء‪ .‬لكنني كنت فيي شييل‬ ‫عع كل ذلك‪ ..‬كنت مرتبكاً جداً‪ ،‬وكان جبيني يتصيبب عرقياً‪،‬‬ ‫ويداي ترتعشان‪.‬‬ ‫المفييروض أن النقييا بيييع فريقييي وفريي عيامر‪ ،‬ولكييع‬ ‫المسألة منذ البداية أخذ شكل التحيدي الشخصيي بينيي وبييع‬ ‫عامر‪ .‬كان أعضاء فريقي يحفّ ن بي مع كيل جهية‪ ،‬وكيأنني‬ ‫البطل الذي سيق دهب للنصر‪.‬‬ ‫بدأ المناقشة‪ ،‬فطلب اليدكت ر ميع عيامر أن يعييد طيرح‬ ‫اسللته‪ ،‬ثب طلب مني أن أرد عليه‪ .‬طلبت مع الدكت ر أن يسيمع‬ ‫لي ب قت أط ألن المسألة متخصصة وشائكة‪ ،‬واإلجابة تتطليب‬ ‫التمهيد لها ببعض المقدما ‪ ،‬ف اف الدكت ر‪ ،‬على أ ّ أزيد عيع‬ ‫ربس ساعة‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫‪-‬‬

‫أنكر أنني فيي البدايية شيعر أن المسيألة معقيدة جيداً‪،‬‬ ‫ولكنني عندما أدركيت اإلجابية‪ ،‬وجيدتها سيهلة وواضيحة‪،‬‬ ‫ولكع وقبل البدء في طرحها أود أن اسأ عامر‪ ،‬ل أمكع‪.‬‬

‫‪ o‬تفضل محمد اسأ ‪ .‬رد علي الدكت ر بابتسامة مشجعة‪.‬‬ ‫‪ ‬خذ راحتك‪.‬‬ ‫قالها عامر باطملنان‪ ،‬وكأنه كان متأكدا ميع أننيي مهميا‬ ‫حاولت فإنني لع أصيل إليى اإلجابية! أليي هي أيضياً حياو‬ ‫ال ص إلى اإلجابة وسيأ بعيض علمياء اليديع فيي منطقتنيا‪،‬‬ ‫فعجزوا عع اإلجابة كما حصل معي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أشكرك عامر‪ .‬أنت تتساء لماذا جعليك اهلل بهيذ المالميع‬ ‫التي أنت عليها‪ .‬ألي كذلك؟‬

‫‪ ‬قل ذلك مثالً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ،‬فإذا أخذك والدك إلى جيراح تجمييل‪ ،‬وغيير مالميع‬ ‫وجهك‪ ،‬هل كان سيح لك أن تتسياء لمياذا جعليك اهلل‬ ‫بهذ المالمع الجديدة التي أنت عليها؟‬

‫‪ ‬بالطبس ‪ ،‬ولكع فيي المقابيل سييح ليي أن اسيأ واليدي‬ ‫والجراح لماذا جعالني بهذ المالمع الجديدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بالضبف‪ ،‬ه كذلك‪ ،‬أنا أتف معك‪.‬‬

‫يبدو أن م افقتي على إجابة عامر فاجأته‪ ،‬فرد علي‪:‬‬ ‫‪ ‬محمييد دعنييي أوضييع لييك نقطيية لي سييمحت‪ .‬إذا كانييت‬ ‫محاولتك على اإلجابة مبنية على حقيقة أننيا نحيع البشير‬ ‫مع ي جد هذ الشرور واآلفيا ‪ ،‬وليي اهلل‪ ،‬سيأرد علييك‪:‬‬ ‫لماذا جعل اهلل مع األصل إمكانية وج د الشرور واألمراض؟‬ ‫‪74‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫تستعجل‪ .‬دعني أكمل إجابتي‪ ،‬وبعدها رد علي كما تشاء‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫قلتها بثقة شديدة تماهرتها‪ ،‬ولكني كنيت خائفياً ومرتبكياً فيي‬ ‫داخلي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المقدمتان اللتان أحتاج لت ضيحهما قبل اإلجابية هميا كميا‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫أو ً‪ :‬إن ما نملكه مع قابليا ‪ ،‬وما نتصف به مع صفا مثيل‬ ‫الذكاء والق ة والط ولي ن البشيرة هيي نفي وج دنيا‪،‬‬ ‫وليست شيلاً خارجياً عع وج دنا‪ ،‬كما أن وج دنا ليي فيي‬ ‫ال اقس س ما نملكه مع استعدادا وقابليا ‪ ،‬وما نتصف به‬ ‫مع صفا !‬ ‫وكييذلك األميير بالنسييبة لجميييس الكائنييا والم ج ي دا‬ ‫كالحجر‪ ،‬والماء والشم وقنديل البحر وجميس المخل قا‬ ‫األخر ‪ ،‬ف ج دها في ال اقس لي س مجمي أ ميا تملكيه‬ ‫مع استعدادا وقابليا ‪ ،‬وما تتصف به مع صفا ‪.‬‬ ‫فمثالً مالمع وجهك‪ ،‬كيفما كانت هي وجهك نفسه‪ ،‬وميا‬ ‫المالمع س حدود وصفا ل جهك‪ ،‬شيلاً مختلفاً عنيه‪.‬‬ ‫كما أن الجسب – كائنا ما كان هيذا الجسيب – هي نفي‬ ‫امتداد وحجمه وكتلته‪ ،‬وليسا شيليع مختلفيع في ال اقيس‪.‬‬ ‫هل هناك مع يتف معي على ذلك؟‬

‫كان الجمييس منصيتاً‪ ،‬ويبيدو أن ميا طرحتيه كيان أقيرب‬ ‫للبديهة‪ ،‬ولذا لب يعترض أحيد ميع الطلبية علييه‪ ،‬فطليب منيي‬ ‫الدكت ر أن أكمل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الصفا والقابليا الخاصية بكيل م جي د فيي هيذا الكي ن‪،‬‬ ‫بحكب طبيعتهيا تتفاعيل ميس الصيفا والقابلييا الخاصية‬ ‫‪75‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫بالم ج دا األخر التيي تحييف بهيذا الم جي د‪ ،‬وتشيكل‬ ‫بالتالي حركة الك ن‪.‬‬ ‫فمثالً تتفاعل الطبيعة ال رقية مس الطبيعية السيائلة للمياء‪،‬‬ ‫وبالتالي تبتل ال رقة إذا وقعت في الماء‪ ،‬بسبب طبيعتها وما‬ ‫تمتلكه مع صفا ‪ ،‬وبسبب ذلك أيضاً‪ ،‬تتميزق‪ ،‬ومثيا آخير‬ ‫ه طبيعتنا الجسمية البشرية‪ ،‬التي تتفاعل مس طبيعة الكيرة‬ ‫األرضية‪ ،‬بما تملكه مع صفا كالكتلة والجاذبيية وغيرهيا‪،‬‬ ‫فتجعلنا قادريع على المشي‪ ،‬والركض والقفز‪ ،‬ولكننا غيير‬ ‫قادريع على الطيران أو التنف تحت الماء‪ ،‬أو الزحف عليى‬ ‫بط ننييا بخييالف الطييي ر واألسييماك والزواحييف وذلييك‬ ‫ختالف طبيعة أجسامها والقابليا التي تمتلكها‪ ،‬والصيفا‬ ‫التي تتصف بها‪.‬‬ ‫‪ o‬عف اً محمد‪ ،‬قبل أن تسترسل‪ ،‬أخشى أن تكي ن الفكيرة غيير‬ ‫واضحة تماما‪ ،‬لد بعض الطلبية‪ .‬هيل تسيتطيس ت ضييحها‬ ‫أكثر؟ قاطعني الدكت ر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بييالطبس دكتيي ر‪ .‬مييا أق لييه هيي ‪ :‬أن جميييس المخل قييا‬ ‫والكائنييا بتن عهييا واختالفهييا ‪ -‬كالك اكييب‪ ،‬والحي انييا‬ ‫واألشجار واألنهار والبحار والكائنا الحية‪ ،‬ونحيع البشير‪،‬‬ ‫بل وحتى المالئكة‪ ،‬والشياطيع – إنميا تتفاعيل ميس بعضيها‬ ‫البعض‪ ،‬وف ما تملكه مع صفا واستعدادا وقابليا ‪.‬‬ ‫إن تفاعل هذ الصفا والقابليا لد الم ج دا المختلفية‬ ‫يشكل الق انيع واألنممة التي تحكب الكي ن مثيل الجاذبيية‪،‬‬ ‫ومثل المد والجزر‪ ،‬ومثل قان ن العلة والمعل ‪ ،‬والقي انيع‬ ‫األخر التي تحكب الك ن‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫مع هنا نستنتج أن هذ القي انيع كلهيا‪ ،‬بيالرغب ميع أنهيا‬ ‫تحكب وتحدد حركة هذا ال ج د إ أنها ليست شيلاً خارجيا‬ ‫مستقالً عع وج دا األشياء‪ ،‬وإنما هي نف وج دها‪.‬‬ ‫ال إذا سيقف حجير عليى بيضية ميع الطبيعيي جيدًا أن‬ ‫فمث ً‬ ‫يكسرها‪ ،‬فإن لب يكسرها‪ ،‬فال بد أن يكي ن هنياك ميع سيبب‬ ‫حمى البيضة مع الكسر‪ ،‬وإ لما كان الحجر حجراً‪ ،‬أو ليب‬ ‫تكع البيضة بيضة!‬ ‫وعلى هذا تق م كل العل م وعليه يق م نمام ال ج د كليه‪.‬‬ ‫فال أحد مثالً يمكع أن يصيدق أن يسيبب سيكب المياء عليى‬ ‫األرض انفجارا ن وياً! ول أن أمريكا ادعت مثالً أنها لب ترم‬ ‫أي قنبلة على هيروشيما‪ ،‬وأنها مجرد رميت بعيض الي رود‬ ‫عليها فحصل ا نفجار‪ ،‬سنم مع الضحك على اسيتخفافها‬ ‫بعق لنا‪ ،‬ألي كذلك؟‬ ‫هذ الق انيع واألنممة يسميها القرآن بالسنة‪ ،‬ويركد أنهيا‬ ‫سس ْ س س ُ ْ ْ‬ ‫اع‬ ‫يمكع أن تتخلف‪ ،‬فيق سبحانه وتعالى‪" :‬فلةن ت يجةد يلسةن ية ي‬ ‫سْ ً سس ْ س س ُ ْ ْ س ً‬ ‫اع ت ْح يويال"‪.‬‬ ‫تب يديال ولن ت يجد يلسن ية ي‬ ‫‪ o‬نقطة ممتازة‪ .‬استمر‪ .‬قا الدكت ر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المقدمة الثانية هي أن اهلل ليب يخلي كيل م جي د بيإرادة‬ ‫مستقلة عع الم ج دا األخر ‪ ،‬فه لب يخل والدي بيإرادة‬ ‫مستقلة‪ ،‬وخلقني بإرادة أخير وخلي كيل كيائع بيإرادة‬ ‫مستقلة‪ ،‬وإنما تب خل الك ن كله‪ ،‬بكل مك ناته وم ج داتيه‬ ‫بإرادة إلهية واحدة بسيطة‪ ،‬وهي "إفاضية ال جي د" إفاضية‬ ‫ْ ُ س‬ ‫مستمرة‪ ،‬كما يصف اهلل سبحانه وتعالى ذليك ‪ " :‬يإنةا ك ْةل ية ْي ظء‬ ‫سخ سل ْق سن ُاه ب سق سدر(‪ )29‬سو سما سأ ْم ُرسنا إ ْال سواح سد ٌة سك سل ْم ب ْال سب س‬ ‫ص ير"‪ .‬وأما المخل قيا‬ ‫ي‬ ‫ي ظ‬ ‫ي‬ ‫ظ ي‬ ‫‪77‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫فقد تك نت وتشكّلت وف الق انيع التي تحكب الك ن‪ ،‬ووفي‬ ‫قان ن العلة والمعل ‪.‬‬ ‫هذ المقدمة هي نتيجية طبيعيية للمقدمية األوليى‪ ،‬ف في‬ ‫قان ن العلة والمعل ‪ ،‬وج دي بجميس صفاتي وقابلياتي هي‬ ‫معل ونتيجة طبيعية‪ ،‬بل وحتمية نيدماج حيي ان مني ي‬ ‫معيع ميع بييع ملييارا الحي انيا المن يية ميع واليدي‪،‬‬ ‫بالب يضة التي أفرزها رحيب واليدتي‪ ،‬بميا يحمالنهميا ميع‬ ‫جينا وصفا وراثية محددة‪.‬‬ ‫ول كان حي ان من ي آخر ه الذي انيدمج بالب يضية‪ ،‬أو‬ ‫أن المبيض أفرز ب يضة أخر‪ ،‬لما كنت أنا الذي وجد ‪ ،‬بيل‬ ‫كان إنسان آخر بصفا أخر ‪.‬‬ ‫ونفيي هييذا الكييالم يصييع بالنسييبة لجميييس الم جيي دا‬ ‫والمخل قا ‪ ،‬فكل مخل ق‪ ،‬وكل م ج د‪ ،‬بد أن هناك ميع‬ ‫علة أوجدته‪ ،‬وهذ العلة هي التي حيدد صيفاته وقابلياتيه‪،‬‬ ‫بنف عملية إيجاد ‪.‬‬ ‫‪ ‬عف اً‪ ،‬هل تعني أن اهلل خل الك ن‪ ،‬واآلن الك ن يتصرف وف‬ ‫الق انيع الطبيعية‪ ،‬ميع دون تيدخل ميع اهلل؟ سيألني عيامر‬ ‫باهتمام‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫طبعاً‪ ،‬الك ن بكل ما يحت يه فقير ‪ -‬دائماً وفي ذاتيه ‪ -‬فيي‬ ‫وج د هلل عز وجل‪ .‬فإفاضة اهلل لل جي د عليى الكي ن هيي‬ ‫إفاضة مستمرة غير منقطعة‪ ،‬أشبه ما تك ن بإفاضة الشيم‬ ‫للن ر على األرض‪ ،‬إلظهار الم ج دا وجعلها مرئية‪ .‬ولهذا‬ ‫يصف اهلل نفسه بالن ر فيي ق ليه تعيالى ‪ُ ْ " :‬‬ ‫ةور ْ س‬ ‫اع ُن ُ‬ ‫ات‬ ‫الس سةماو ي‬ ‫س ْ سْ‬ ‫ض"‪.‬‬ ‫واألر ي‬

‫‪78‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫‪ ‬وفي النتيجة‪ ،‬هل اهلل أوجدني‪ ،‬بما أملكه مع صفا وملكيا ‪،‬‬ ‫أم أبي وأمي هما اللذان أوجداني؟‬ ‫‪-‬‬

‫كلتا المق لتيع صحيع‪ ،‬فاهلل ه الذي أوجدك‪ ،‬وأيضاً أب ك‬ ‫وأمك أوجداك‪ .‬قل لي يا عامر‪ ،‬شجرة المانج في حديقية‬ ‫بيتكب مع الذي زرعها؟‬

‫‪ ‬والدي!‬ ‫‪-‬‬

‫س ُ س‬ ‫سس ُ‬ ‫سس س ُ‬ ‫لكع اهلل سيبحانه وتعيالى يقي ‪" :‬أف سةرأ ْيتم ْمةا ت ْح ُر ةون (‪ )15‬أأنةت ْم‬ ‫س‬ ‫سْس ُ س‬ ‫ونة ُةه سأ ْش سن ْحة ُةن ْ‬ ‫الز يار ُعةةون"‪ .‬فهيي عييز وجييل ينسييب لنفسييه‬ ‫تزرع‬ ‫الزراعة!! لكي أوضع الفكرة‪ ،‬دعني اسيألك‪ :‬عنيدما نشيعل‬ ‫النار تت لد بسبب هذا النار حرارة شديدة‪ ،‬أليي كيذلك؟‬ ‫وعندما نقرب بيضة ميع هيذ الحيرارة فأنهيا تسيبب قليي‬ ‫البيض‪ ،‬ألي كذلك؟‬

‫‪ ‬إلى هنا‬ ‫‪-‬‬

‫مشكلة‪.‬‬

‫قل ما الذي قلى البيض الحرارة أم النار؟‬

‫أحسست براحة شديدة‪ ،‬عندما سمعت إجابة عف ية مع عدد‬ ‫بأس به مع الطلبة "النار والحرارة"‪" ،‬كالهما"‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫واآلن بعد هذ المقدما ‪ ،‬نأتي لإلشكا الذي طرحيه عيامر‪،‬‬ ‫لماذا خُل إنسان أسْ دا‪ ،‬وآخير أبيضيا؟ لمياذا كيان إنسيان‬ ‫جميالً وذكيا وق ياً وغنيياً‪ ،‬وآخير قبيحياً وغبيياً وضيعيفاً‬ ‫وفقيراً؟ لماذا خل اهلل الجراثيب وال ح ؟‬ ‫والجي اب هي أن اهلل أفياض ال جي د فيضياً واحيداً بسيييطا‬ ‫مستمراً على كل ما يمكع أن ي جد‪ ،‬ولب يمنس ال جي د عيع‬ ‫أي شيء يمكع أن يك ن بحجية أنيه نياقص‪ ،‬ألن اهلل كيريب‬

‫‪79‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫وج اد‪ ،‬وال ج د في ذاته خير‪ ،‬والكل يأخذ ميع هيذا الخيير‬ ‫حسييب اسييتعداداته وقابلياتييه‪ ،‬التييي كسييبها وفيي تفاعييل‬ ‫الم ج دا مس بعضها البعض‪ ،‬وف نمام العليل والمعلي‬ ‫واألسباب والمسببا ‪.‬‬ ‫ُ س‬ ‫ُ ُْ س‬ ‫اع خ يةال ُق ك ي ةةل ية ْي ظء سو ُه سةو‬ ‫يشبّه اهلل هذا األمير بق ليه تعيالى‪" :‬ق يةل‬ ‫ْس‬ ‫س س سل س ْ س س س س س ْ س ْ س ٌ س س‬ ‫س‬ ‫ْس‬ ‫اح ُد الق ْه ُار(‪ )01‬أنةز يمةن السةماء مةاء فسةالت أو يديةة يبقةد يرها ‪ ."...‬فكميا‬ ‫الو ي‬ ‫أن ماء المطر يك ن متسعاً‪ ،‬لكع األودية تأخذ مع ماء المطر‬ ‫بقدر ما تست عبه هي‪ ،‬بسعة المطير‪ ،‬فكيذلك إفاضية اهلل‬ ‫لل ج د والخل واسعة‪ ،‬و حيدود لهيا‪ ،‬ولكيع المخل قيا‬ ‫تأخذ مع هذ اإلفاضة بحسب ما تسمع لها عللها التي كانت‬ ‫السبب المباشر في إيجادها‪.‬‬ ‫يا عامر‪ ،‬هي بالضبف نف الحالة في المثا اليذي ذكرنيا‬ ‫في بداية الطرح عندما سألتك أنه إذا أخذك والدك لجيراح‬ ‫تجميل وغير مع مالمع وجهك‪ ،‬وقلت لي أنك تلي م اهلل‬ ‫ألن الجراح ووالدك هما سبب تييير مالمحيك وليي اهلل‪.‬‬ ‫وكذلك صيفاتك التيي وجيد بهيا هيي نتيجية طبيعيية‬ ‫للجينا ال راثية ل الدك ووالدتك‪ ،‬وهكذا كل ميا يحيدث‬ ‫فييي الكيي ن‪ ،‬هيي نتيجيية طبيعييية لحركيية الم جيي دا ‪،‬‬ ‫وممارستها لقدراتها وقابلياتها وصفاتها التي تملكهيا‪ ،‬سيعياً‬ ‫وراء حاجاتها‪.‬‬ ‫سكت للحما ‪ ،‬تب ت جهت نح الطلبة‪ ،‬وسألتهب‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫اسمح ا لي أن اسألكب‪ .‬نحع جميعنا نشعر بالنقص مع جهية‬ ‫أو أخر ‪ .‬هل يا تر تتمن ن أن تنعدم ا؟ هل تتمن ن ل أن‬ ‫اهلل لب يخلقكب؟ أم تشعرون بالسعادة أنكيب م جي دون‪ ،‬وأن‬ ‫اهلل لب يمنس عنا ال ج د بسبب النقص الذي نعاني منه؟‬ ‫‪80‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫كنت متأثراً جداً وأنا أطرح فكرتي بجميس أحاسي ا متنان‬ ‫تجا اهلل‪ .‬ولذا ف جلت بالدكت ر وه يصف بحرارة‪ ،‬ومع ثيب‬ ‫يليه الطلبة جميعهب بما فيهب عامر‪.‬‬ ‫‪ ‬لقد سألت الكثيريع عيع هيذ المعضيلة‪ ،‬ولكننيي ليب يبليغ‬ ‫مسامعي مثل هذا الج اب مع قبل‪ ،‬لكع لدي سيرا ن اثنيان‪.‬‬ ‫قا عامر‬ ‫‪ o‬ممتاز‪ ،‬تفضل اطرحهما‪ .‬أعقب الدكت ر‪.‬‬ ‫‪ ‬السرا األو ‪ ،‬ه أنه حسبما تق يا محمد‪ ،‬فإن اهلل أفياض‬ ‫ال ج د فيضاً واحداً بسيطا مستمراً‪ ،‬وأن كل م جي د يأخيذ‬ ‫مع هذا الفيض بحسب علته‪ ،‬التي أوجدته‪ .‬حسناً‪ ،‬لكع بيد‬ ‫أن يك ن هناك مع م ج د استمد وجي د ميع اهلل مباشيرة‪،‬‬ ‫ولب يكع له علة سابقة عليه‪ ،‬غير اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬ألي‬ ‫كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع‪ ،‬وهذا المعلي (أو سيمه الم جي د األو ‪ ،‬أو كميا‬ ‫يُسمّى الصادر األو ) يتصف بجميس صيفا الكميا والقي ة‬ ‫والشدة في ال ج د التي كيان ميع الممكيع للم جي د عنيد‬ ‫خلقه أن يتحلى بها‪ ،‬بميا فيهيا اإلرادة واإلدراك‪ .‬وميع هيذا‬ ‫الم ج د صدر الم ج دا األخير ‪ ،‬بتراتبهيا وفي نميام‬ ‫‪ ،‬حسبما شرحته سابقاً‪.‬‬ ‫العلل والمعل‬

‫‪ ‬أصارحك أن الفكرة جديدة علي‪ ،‬واننيي أحتياج إليى وقيت‬ ‫ألست عبها‪ .‬عم ماً لننتقل إلى السرا الثاني‪ .‬أرج ك صيحع‬ ‫لي إذا كنت مخطلاً فيما سأق له‪ :‬إن خالصية الفكيرة التيي‬ ‫تطرحها‪ ،‬هي أن الك ن يسير وف أنممية وقي انيع‪ ،‬تتحيدد‬ ‫بنيياءً علييى تفاعييل الم ج ي دا فيمييا بينهييا‪ ،‬وف ي صييفاتها‬

‫‪81‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫وقابلياتها‪ ،‬التي هي نف‬ ‫ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫وج دهيا‬

‫شييء خيارجي عنهيا‪.‬‬

‫بالضبف‪ .‬أشكرك على هذا التلخيص الرائس‪.‬‬

‫‪ ‬هذ الق انيع التي تحكب الك ن‪ ،‬هي كما ذكير سينة‪ ،‬و‬ ‫يمكع أن تتخلف مهما حصل‪ ،‬ألن البيضة – كميا تفضيلت –‬ ‫لع تك ن بيضةً إذا سقف حجر عليها‪ ،‬ولب تنكسر‪ ،‬والماء ليع‬ ‫يك ن ماءًا إذا تسبب في انفجار ن وي‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫ه كذلك‪.‬‬

‫‪ ‬سرالي‪ ،‬ما فائدة الدعاء إذاً؟ لماذا نيدع اهلل؟ إذا كيان كيل‬ ‫شيء يجري في هيذا الكي ن وفي حركية الكي ن‪ ،‬وتفاعيل‬ ‫الم ج دا مس بعضيها اليبعض‪ ،‬حسيب صيفاتها وقابلياتهيا‪،‬‬ ‫فلماذا ندع اهلل؟‬ ‫سكت ل هلة‪ ،‬وبلعت ريقي‪ ..‬وفي لحمة مر عليى ذاكرتيي‬ ‫كيف أن اهلل كان معي دائماً‪ ،‬وكيف أنه كان يرعاني في كيل‬ ‫لحمة مع لحما حيياتي‪ ،‬بيالرغب ميع عيدم إدراكيي ليذلك‪،‬‬ ‫وتص ري لفترة ط يلة أنه تخلى عني‪ ..‬احسست برعشية تسيري‬ ‫في جسمي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫قل لي عامر إذا وجد نياراً تشيتعل بجانيب سيرير أخييك‬ ‫الصيير وه نائب‪ ،‬ماذا ستفعل؟‬

‫‪ ‬سأوقمه مع الن م‪ ،‬وأحاو أن أطفئ النار‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كيف ستطفلها؟‬

‫‪ ‬باستخدام طفاية الحري طبعاً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ألي‬ ‫‪82‬‬

‫ذلك خالف الق انيع الطبيعية؟‬ ‫مياقف محرجة‬


‫‪ ‬طبعاً !‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ،‬لنفترض أنك كنت تستطيس أن تطفئ النيار بنفخية‬ ‫واحدة مع فمك‪ ،‬هل كنت ست قظ أخاك‪ ،‬أم تكتفي بإطفياء‬ ‫النار؟‬

‫‪ ‬هذا ه خالف الق انيع الطبيعية؟ قالها عامر بابتسيامة‪ .‬ميا‬ ‫الذي ترمي إليه؟‬ ‫‪-‬‬

‫ستعرف بعد قليل‪ ،‬قل لي أو ً‪ ،‬ل كنت فيي قي ة سي برمان‪،‬‬ ‫هل كان سيك ن إطفاؤك للنار بنفخية ميع فميك‪ ،‬خيالف‬ ‫الق انيع الطبيعية؟‬ ‫‪ ،‬سيك ن وف الق انيع الطبيعية‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪-‬‬

‫إذاً ك ن الشيء خالف الق انيع الطبيعية‪ ،‬أم وفي القي انيع‬ ‫الطبيعية‪ ،‬يعتمد على الم ج د‪ ،‬وما له ميع صيفا وقيدرا‬ ‫وقابليا ‪ .‬ألي كذلك؟‬

‫‪ ‬صحيع‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنت تطفي النيار‪ ،‬بطفايية الحريي ‪ ،‬أميا أخي ك الصييير‬ ‫يسييتطيس أن يطفلهييا ألنييه صيييير‪ ،‬و يسييتطيس أن يحمييل‬ ‫يحتياج‬ ‫الطفاية أو أن يتحكب فيهيا‪ ،‬أميا سي برمان فهي‬ ‫لطفاية الحري ‪ ،‬ألنه يستطيس أن يطفلها بنفخة واحيدة ميع‬ ‫فمه‪ ،‬ألنه ق ي جداً‪ ،‬ولديه قدرا فائقة‪ .‬قل لي‪ :‬أ يستطيس‬ ‫اهلل ‪ -‬وه الذي ق ته حدود لها ‪ -‬أن يطفئ النار؟‬

‫سكت عامر‪ ،‬ولب يحر ج اباً‪ .‬تقدمت خط تيع نحي ‪ ،‬وأكمليت‬ ‫كالمي‪.‬‬

‫‪83‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫‪-‬‬

‫بل ه قيادر عليى كيل شييء‪ ،‬و يحتياج للطفايية‪ ،‬و‬ ‫ْ س‬ ‫س س س ً سْ ُ س ُ س ُ ُ‬ ‫للنفخة‪ ،‬و" يإن سما أ ْم ُر ُه يإذا أ سر ساد ش ْحيا أن سيقو سل ل ُه ك ْن ف سيكون"‪ ،‬ولي فيي‬ ‫تدخله سبحانه وتعالى أي إخال بالسينع الطبيعيية‪ ..‬نحيع‬ ‫ندع ألنه الق ي القادر الرحيب بنا‪ ،‬وألننيا وكيل ميا فيي‬ ‫الك ن ملكه‪ ،‬وبييد ‪ ،‬وألنيه أمرنيا بدعائيه‪ ،‬وضيمع اإلجابية‬ ‫سُ‬ ‫س س‬ ‫بشكل أو ببخر‪ ،‬فقا ‪ْ " :‬اد ُعو ين أ ْست يج ْب لك ْم"‪.‬‬

‫‪ ‬رائس‪ .‬قالها عامر وه يصف ‪ ،‬وتعل وجهه ابتسامة رضى‪.‬‬ ‫لقد فاجأني رد فعله اإليجابي‪ .‬كنيت أتصي ر أنيه سييجاد ‪،‬‬ ‫وأنه لع يعدم الحيلة ليرد عليي‪ ،‬فهي مياهر فيي اليرد‪ .‬كنيت‬ ‫ن كبريائيه‬ ‫أتص ر أنه سيييل قلبيه وعقليه أميام الحقيقية‪ ،‬وأ ّ‬ ‫سيمنعه مع اإلقرار بها‪ .‬لكنني فعالً أسأ المع به‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أشكرك عامر‪ ،‬واآلن أرج كب اسمح ا لي أن آخذ مع وقتكب‬ ‫بضس دقائ ألشارككب تجربتي الشخصية في هذا الم ض أ‪.‬‬

‫صمت للحما ‪ ،‬أطرقت فيهيا رأسيي إليى األرض‪ ،‬وأغمضيت‬ ‫عينيَّ‪ ،‬وتذكر بسرعة خاطفة جميس ما مر عليي ميع ميرارا‬ ‫وعذابا ‪ ،‬وكيف أن اهلل كان معي‪ ،‬ثب رفعت رأسي‪ ،‬وأنيا أشيعر‬ ‫بمشاعر مضطربة يس دها العرفان نح اهلل‪ .‬قلت بتيأثر واضيع‪،‬‬ ‫ولكع بهدوء عمي ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫جميعنا نمر بمروف سييلة ميع وقيت آلخير‪ ،‬لكننيي ربميا‬ ‫أك ن األس أ مع بينكب‪ .‬عشت ط ا عمري فقيراً‪ ،‬ثب عندما‬ ‫كنت في الثان ية العامة ما والدي‪ ،‬وقد كنت متعلقياً بيه‬ ‫ألقصى درجة‪ ،‬األمر الذي أدّ إلى عدم قدرتي على ا نتساب‬ ‫للجامعة‪ ،‬واآلن أنا مشتت بيع مسرولياتي الكثيرة بيع البييت‬

‫‪84‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫وال ظيفة والدراسية‪ ،‬و أجيد وقتيا كافيياً حتيى للراحية‬ ‫والن م‪.‬‬ ‫حسب الماهر فأنا ربما أك ن أشيدكب برسياً‪ ،‬ولكننيي فيي‬ ‫الحقيقة ربما أك ن أسعدكب!‬ ‫لقد اكتشفت أن كل ما مرَّ بي مع مصائب إليى اآلن كيان‬ ‫لخيري! صحيع أن م والدي أصيابني با كتلياب‪ ،‬لسينة‬ ‫كاملة‪ ،‬لكنه في المقابل فتع قلبي وروحي للحب الحقيقيي‪،‬‬ ‫أ وه حب اهلل‪ ،‬ول صدمة وفاة والدي‪ ،‬وعمي تأثيرهيا‬ ‫في روحي‪ ،‬لكنت أزا ذلك الشاب المدلل الناعب‪ ،‬كما أن‬ ‫عدم قدرتي لالنتساب للجامعة فتحت لي آفاقاً جديدة رائعية‬ ‫في حياتي‪ ،‬وأميا الضيي ط التيي أعانيهيا بييع مسيرولياتي‬ ‫المختلفة فقد ق ّ مع عزيمتي وإرادتي‪ ،‬وأوقيد ذهنيتيي‪،‬‬ ‫وجعلتني أكتشف الكثير عع نفسي‪ ،‬وما تملكيه ميع جميا‬ ‫وروعة وقي ة‪ ،‬ليب أكيع ألسيتطيس أن أدركهيا لي هيذ‬ ‫الضي ط‪.‬‬ ‫خالصة ما أرييد أن أق ليه هي أن هيذ المصيائب والبالييا‬ ‫واآلفا ‪ ،‬وإن ظننّا أنها شر‪ ،‬لكنها في ال اقس خير لنيا‪ ،‬وهيي‬ ‫بعيع اهلل‪ ،‬ولذا فإن اهلل مع رحمته بنا‪ ،‬ومع حبه لنا يتعهيدنا‬ ‫بيع فترة وأخر بأن اأ اليبالء المختلفية‪ .‬يقي سيبحانه‬ ‫س‬ ‫سسسُْ سْ ُ ْ س ْ ة س ْ س ْ ْ س ْ ُ سس ْ‬ ‫ةم ةيم ة سةن األ ْم ة سةو يال‬ ‫وتعييييالى‪" :‬ولنبل ةةونكم يبْ ة ي ظء يم ةةن الخ ةةوف والج ة‬ ‫ةوع ونق ة ظ‬ ‫ْ س س سي س سُْ و س ٌ س ُ ْ‬ ‫س ُ س ْ‬ ‫الصةةابر س‬ ‫الث سمة سةرات سو سر ةشةةر ْ‬ ‫ين (‪ )055‬الة يةذين يإذا أصةةابكهم م يصةةحبة قةةالوا‬ ‫ةس و‬ ‫ي ي‬ ‫واألنفة ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ات ةمةن ْ ةبه ْةم سو سر ْح سمة ٌة سو ُأ سوليةكس‬ ‫ص سةل سو ٌ‬ ‫س‬ ‫إ ْنا ْع سوإنا إل ْيه سراج ُعون (‪ )051‬أ ْوليةك سعل ْةهه ْم س‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي ي ي ي ي ي ي‬ ‫ي ري ي‬ ‫ي‬ ‫ُْ س س‬ ‫ُه ُم امل ْهت ُدون"‪.‬‬ ‫ي جد هناك شر في الك ن‪ .‬ومع أيع يمكع أن يك ن هناك‬ ‫شر‪ ،‬و مصدر لل ج د غير اهلل‪ ،‬وه خير وكما وجميا‬ ‫‪85‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫مطل ‪ ،‬شر‪ ،‬و نقص فيه؟ المشكلة هي أننا ننمر لألمي ر‬ ‫دائماً مع زاوية ضيقة ومحدودة‪ ،‬وهي زاوية أناتنا ومد ما‬ ‫تحق األشياء لنا مع سعادة أو آ م ملم سة حتى وإن كانت‬ ‫مرقتةً ولحمية! ولذا فإن المدرسة مع وجهة نمير كثيير‬ ‫مع األطفا شر‪ ،‬وكذلك أيضاً كيان بالنسيبة ليك صيف‬ ‫التايك اندو يا عامر‪ ...‬ألي الم في وجهة نمير الثقافية‬ ‫اإلنسانية عم ماً شرًا مطلقًا! ولكنه في ال اقس خير ما مثليه‬ ‫خير‪ ،‬ألنه ارتقاء لإلنسان إلى مرحلة أعمب وأفضل بماليييع‬ ‫المرا ‪ ،‬مثله في ذلك مثل ي م و دته إلى عالب الدنيا‪ .‬نعب‪،‬‬ ‫ه خير جسيب ورائس ألنه عيروج نحي اهلل ونحي السيعادة‬ ‫لإلنسان الطبيعي‪ ...‬ما أبي‪ ،‬ونحع بكينا عليه ألليب فراقيه‬ ‫مع جهة‪ ،‬ولكع أيضاً رحمةً به وظنّاً منّا أنه أصابته مصييبة‪،‬‬ ‫لكنه في ال اقس أفضل وأروأ شيء حصل ل الدي فيي حياتيه‬ ‫ألنه انتقل إلى دار السعادة والرض ان‪.‬‬ ‫سكت‪ ،‬فخيب الصمت عليى القاعية‪ ،‬وسياد السيك ن للحميا‬ ‫ط يلة‪ .‬الجميس كان متأثراً‪ ،‬ربما هي هيبة المي اليذي أتييت‬ ‫بذكر ‪ ،‬والذي نخشى أن نذكر فيي مجالسينا‪ ،‬وكأنيه جنيي‪،‬‬ ‫وربما أيضاً ألنني مرّة أخر كنت متأثراً ومتحمساً جيداً‪ ،‬وأنيا‬ ‫أطرح فكرتي‪.‬‬ ‫قطس هذا الصمت تصفي الدكت ر‪ ،‬ثب تبعه تصفي الطلبة‪.‬‬ ‫‪ o‬ممتاز يا محمد‪ ،‬أداء رائس‪ ،‬وطيرح جمييل‪ ،‬ونميرة إيجابيية‬ ‫ومليلة بالتفاؤ للحياة‪ ،‬نحتاج أن نتعلمها منك‪.‬‬ ‫ثب التفت إلى الطلبة‪ ،‬وسألتهب إذا كان هناك مع أحد يرييد‬ ‫أن يسأ أو يعقب‪ ،‬لكع الجمييس فضيل السيك ‪ .‬وهكيذا انتهيت‬ ‫المناقشة على خير والحمد هلل‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫‪#####‬‬ ‫كنت أشعر بإعياء شديد‪ ،‬ربما بسبب حالية القلي والتحفيز‬ ‫التي عانيت منها ط ا شيهر مضيى‪ ..‬واآلن أشيعر أن ثقيالً قيد‬ ‫انزاح مع ف ق صدري‪ .‬كان مع المفيروض أن أكي ن منتشيياً‬ ‫بالنصر‪ ،‬أطير مع السعادة‪ ،‬لكع شيلاً ما في أعماقي كان يينيص‬ ‫علي فرحتي‪ ،‬ويسلبني اإلحساس بالرضيا! ليب أسيتطس أن أدرك‬ ‫ماهيته‪ ،‬لكع تأثير كان ق ياً‪ ،‬فقد جعلني أغفل عع كل عبارا‬ ‫اإلطراء والمديع ميع حي لي‪ ،‬وأغي ص فيي أعمياقي ألستكشيف‬ ‫ماهيته‪.‬‬ ‫استأذنت مع الدكت ر‪ ،‬وركبت سيارتي‪ ،‬وت جهت إلى شاطئ‬ ‫القرم‪ .‬كان الشاطئ كعادته شيبه خيا ٍ‪ ،‬فيميا عيدا ميع بعيض‬ ‫األفراد واألسر الذيع كان ا يتسكع ن أو يمارس ن الرياضة‪.‬‬ ‫استلقيت على ظهيري عليى ترابيه النياعب‪ .‬كانيت برودتيه‬ ‫تمتص كل إحساس التعب مع جسدي‪ ،‬وكان ه ا العلييل يميأل‬ ‫رئتي وصدري بنشاط وانتعا ‪ .‬أزحت ييدي ميع تحيت رأسيي‪،‬‬ ‫وأفردتهما‪ ،‬بينما وضيعت رأسيي في ق التيراب‪ ،‬وأنيا فيي حالية‬ ‫استرخاء شديدة‪" ..‬نعب لب يُروَ ظميأي بعيد" كنيت أفكير فيي‬ ‫نفسي‪" .‬صحيع أنني أدركت حل العقدة في مسألة العد اإللهي‪،‬‬ ‫وصحيع أن ذلك أزاح همّاً كبيراً عع صدري‪ ،‬وخفف بعضاً ميع‬ ‫الطنيع الذي يصدح في رأسي‪ ،‬لكنه زادني ولهاً لمعرفة الحقيقية‬ ‫كاملة! إذ تزا الصي رة الكليية مبهمية‪ ،‬و زا الكثيير ميع‬ ‫حقائقها مجه ً لدي!"‪.‬‬ ‫"لماذا خلقنا اهلل؟ ألي لنعبيد ؟ إذاً فلمياذا سيمع للشييطان‬ ‫بي ايتنا‪ ،‬والتسبيب في إلقائنا في النار والعذاب؟ لمياذا اسيتجاب‬

‫‪87‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫للشيطان دعاء وطلبه‪ ،‬بالرغب مع أن في طلبيه أذيتنيا؟ هيل ألن‬ ‫الشيطان استفز اهلل سبحانه وتعالى عما يصف ن؟ أم ألن اهلل عيز‬ ‫وجيل يحييب الشيييطان؟ أم لعلييه – حاشييا هلل – يكرهنييا؟ كلهييا‬ ‫شك في فسادها وبطالنها! ولكع هل هنياك احتميا‬ ‫احتما‬ ‫آخر؟ ما ه ؟‬ ‫ل كنت أملك حصاناً جميالً ورائعاً‪ ،‬واشتريته ألدخل به في‬ ‫سباق عالمي أ يك ن مع الجهيل المطبي أن أسيمع لعيدوي أن‬ ‫يدخل حميرتي بإذن مني‪ ،‬ليي ي حصاني‪ ،‬ويعطيه أكيالً‪ ،‬يسيمه‬ ‫ويقعد عع السباق؟ ألي في هذا نقضاً لليرض الذي ميع أجليه‬ ‫اشتريت هذا الحصان؟‬ ‫بل أ يك ن مع الملب حينها أن أعاقب الحصان‪ ،‬ألنيه أكيل‬ ‫مع يد غيري‪ ،‬وقد كنت ع دته أ يأكل إ مع يدي؟‬ ‫فلماذا إذاً يخلقنا اهلل لعبادته وخالفته؟ ويعليب أننيا ملييرون‬ ‫بالشه ا والرغبا واألوهام بسبب العلة التي أوجيدتنا‪ ،‬لدرجية‬ ‫ْ‬ ‫أن المالئكة تصيفنا عنيد سيبحانه وتعيالى بأننيا " سمةن ُيف يس ُةد يف سههةا‬ ‫سو سي ْسف ُك ة‬ ‫ال شيه اتنا‬ ‫الد سماء"‪ ،‬ثيب يسيمع للشييطان بإغ ائنيا‪ ،‬مسيتي ً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وأوهامنا التي خُلقنا بها‪ ،‬فنرتكب الخطيلة تل األخر ؟ ويفسيد‬ ‫معمب الناس‪ ،‬ويك ن ما قالته المالئكة؟ فال يكي ن منيه سيبحانه‬ ‫وتعالى‪ ،‬عالب الييب والشهادة‪ ،‬إ أن يرمينا في نار جهينب‪ ،‬التيي‬ ‫شررها أشد اشتعا وحرارة مع الشم ‪ ،‬لميدد تكياد تنقضيي؟‬ ‫لماذا؟ ألي هذا ه الشر بعينه‪ ،‬مع دون أن يك ن لنميام الكي ن‬ ‫بعلله ومعل ته يد فيه‪ ،‬وإنما بيإرادة منيه سيبحانه وتعيالى‪ ،‬إذ‬ ‫حمّلنا مسرولية نتحملها‪ ،‬وفي ق ذليك سيمع للشييطان بيأن‬ ‫يي ينا؟؟؟"‬

‫‪88‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫كانت دم عي تجري غزييرة‪ ،‬واإلحسياس بيالقهر والحييرة‬ ‫يملل ني‪" .‬رب اغفر لي لتجرُّئيي علييك‪ ،‬ولكيع كييف ليي أن‬ ‫أخمد ص عقلي؟ وهل تريدني يا رب أن أخمد ؟ ألست أنت ييا‬ ‫رب مع تدع ننا إلى العقل‪ ،‬لنصل به إليك؟ أنيا واثي أن هنياك‬ ‫الكثير مما يجب أن أعرفه‪ .‬أنا واث أن هناك قصية رائعية وراء‬ ‫هذا الك ن‪ ،‬رسمها وخلقها مع جلت صفاته‪ .‬أحبيك ييا رب ميع‬ ‫أعماق قلبي‪ ،‬فأنا أعلب أنك أرحب اليراحميع‪ ،‬وأنيك تحبنيا"‪...‬‬ ‫وغصت في ن م عمي ‪...‬‬

‫‪89‬‬

‫مياقف محرجة‬


‫الفصل الثالث‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫قضة اة‬


‫قضة الحناة‬ ‫الجمعة‪ 22 ،‬ي ني ‪2661‬‬

‫السابعة صباح الجمعة‪ .‬كنيت كالعيادة‪ ،‬متيدثراً ببطيانيتي‪،‬‬ ‫متق قعاً على نفسي‪ ،‬مع شدة برودة اليرفة بسبب المكيف اليذي‬ ‫كان يضربني به ائه البارد‪ ،‬الم جه مباشرة إليي‪ .‬كنيت غارقياً‬ ‫أختيَّ المشياغبتيع‬ ‫في ن م عمي ‪ ،‬لب تخرجني منه كل محاو‬ ‫خديجة وخ لة إليقاظي‪ ،‬إلى أن قررتا أن تقفزا بالتنياوب عليى‬ ‫بطني‪.‬‬ ‫كد أنفجر غضباً عليهما فأنا لب أخلد إليى الني م إ بعيد‬ ‫صالة الفجر‪ ،‬فقد قضيت الليل كله ساهراً ميس أصيدقائي‪ ،‬عليى‬ ‫شاطئ القرم‪ ،‬نتسلى ونتسيامر ونضيحك‪ ،‬ونسيبع فيي البحير‪،‬‬ ‫لكنني عنيدما رأييت ضيحكاتهما البريلية‪ ،‬وفرحتهميا ب جي دي‬ ‫معهما‪ ،‬رحمتهما‪ ،‬وأحسست أنني أع ضهما‪ ،‬ولي بنحي ميا عيع‬ ‫حنان أبيهما الذي يفتقدانه‪.‬‬ ‫الي م ه م عد اللقاء الشهري لعائلتي ميع طيرف واليدتي‪،‬‬ ‫حيث يجتمس كل أخ الي وخا تي وأسيرهب فيي مزرعية خيالي‬ ‫عيسى ط ا ي م الجمعة‪ ،‬لنقضي فيه وقتاً ممتعاً ورائعاَ معاً‪.‬‬ ‫كنت أستمتس جداً بهذا اللقياء العيائلي‪ ،‬وأترقبيه ميع شيهر‬ ‫آلخر‪ ،‬لكنني هذ المرّة كنت متعبياً جيداً‪ ،‬بسيبب سيهري ليلية‬ ‫البارحة‪ ،‬إ أنني كنت وعد أختييَّ منيذ األسيب أ الماضيي أن‬ ‫‪91‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫ننطل إلى المزرعة مع الصيباح البياكر‪ ،‬وليذا كيان الجمييس‬ ‫جاهزاً‪ ،‬في انتماري‪ .‬وثبت مع فراشي ف راً‪ ،‬وغسلت وجهي بمياء‬ ‫بارد‪ ،‬ألزيل عنه آثار الن م‪ ،‬وبدلت ثيابي‪ ،‬وانطلقنيا جميعياً إليى‬ ‫المزرعة‪.‬‬ ‫مع شدة سرعتي‪ ،‬لبست نعليع مختلفتيع ولب أنتبه لذلك إ ّ‬ ‫حينما وصلنا إلى السيارة‪ ،‬عندما قامت أختيي خ لية بالضيحك‬ ‫علي‪ ،‬وهي تشير إلى أقدامي‪ ،‬وميا هيي إ ثي اني‪ ،‬حتيى انفجير‬ ‫الجميس بالضحك‪ ،‬وهب يركبي ن السييارة‪ .‬بيالطبس غنيي عيع‬ ‫الق أنني أصبحت مثار ضحكهب وتعليقاتهب لقرابة ربس سياعة‬ ‫تالية‪ ،‬ولب ينجني مع تعليقياتهب عليى تصيرفاتي التيي يرونهيا‬ ‫غريبيية ومضييحكة سيي اقتراحييي أن نلعييب لعبيية "شخصييية‬ ‫مضمرة"‪ ،‬ولكع أختي خديجة أصرّ أو ً أن تطرح علينيا لييزاً‪،‬‬ ‫سمعته مع صديقتها‪ ،‬التي أخبرتها أنيه ليب يهتيد أحيد لحليه‪...‬‬ ‫مجرد كالم أطفا !‬ ‫كان الليز عع بابيع‪ ،‬أحدهما ي صل إلى الجنة‪ ،‬واآلخر إليى‬ ‫الجحيب‪ ،‬وعلى كل باب حارس‪ ،‬أحدهما كاذب واآلخر صادق‪،‬‬ ‫تعلب أي البابيع ه للجنة‪ ،‬كميا تعليب اي الحارسييع صيادق‪،‬‬ ‫فقد يك ن حارس باب الجحيب ه الصيادق! وأنيت بإمكانيك أن‬ ‫تسأ أحد الحارسيع سرا ً واحيداً فقيف‪ ،‬بحييث تكي ن إجابتيه‬ ‫"نعب" أو " "‪ ،‬وتمكنك مع معرفة بياب الجنية بشيكل قطعيي‪.‬‬ ‫والليز ه معرفة هذا السرا ‪.‬‬ ‫استيرقنا جميعا في التفكير في الحيل‪ ،‬أو هيذا ميا بيدا ليي‬ ‫ل هلة‪ ،‬لكني سرعان ما حمت مع المنمرة األماميية أن جيدتي‬ ‫أسند رأسها على باب السيارة‪ ،‬واستيرقت في ن م عميي ‪ ،‬وأميا‬ ‫أختاي‪ ،‬فبدأتا تتشاكسيان ميس بعضيهما‪ ،‬كيل واحيدة ترييد أن‬

‫‪92‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫تجل بجانب النافذة‪ ،‬وأما أمي فأخرجت مصحفها الصييير ميع‬ ‫شنطة يدها وشرعت تقرأ القرآن‪.‬‬ ‫كنا جميعاً في غاية السعادة‪ ،‬لبدء اإلجازة الصيفية‪ ،‬وانقضاء‬ ‫سنة دراسية ط يلة ومتعبة‪ .‬وكان يزيدنا سيعادة وفرحية‪ ،‬أننيا‬ ‫كنا قد عزمنا السفر إلى تركييا للسيياحة‪ ،‬وميع بعيدها إليى‬ ‫العمرة‪ ،‬وزيارة الرسي األكيرم (ص)‪ ،‬فقيد كانيت أوضياعنا‬ ‫المالية قد تحسنت كثيراً‪ ،‬منذ أن تميت ترقيتيي لرئاسية قسيب‬ ‫المحاسبة السنة الماضية‪ ،‬براتب ‪ 1266‬ريا ً عمانياً‪.‬‬ ‫كان إحساسي بالسعادة ي صف‪ ،‬فهذ أو ميرة سيأركب‬ ‫فيها الطائرة‪ ،‬وأسيع مثل بقية الناس! لقد كيان ذليك يرضيي‬ ‫غروري وكرامتي التي طالما شعر أنها أهدر بسبب فقيري‪.‬‬ ‫نعب إن سفري يثبت للجميس أننا لب نعد فقراء‪.‬‬ ‫كما أن مجرد التفكير فيي زييارة الرسي األكيرم (ص)‬ ‫كان يشعرني بالقشعريرة‪ ،‬ش قاً ولهفاً إليه‪ ،‬ولشدة حاجتي لبثه‬ ‫ما يضج في صدري مع مشاعر‪ ،‬لب أعد قادراً على كتمانها‪ .‬كب‬ ‫أنا محتاج ألن أخبير أننيي ميرة أخير تف قيت عليى نفسيي‪،‬‬ ‫وحصلت على شهادة البكال ري س بتقدير جيد جيداً‪ ،‬رغيب كيل‬ ‫ظروفي الصعبة‪ ،‬علّيه يرضيى عنيي‪ ،‬ويرحمنيي فييدع اهلل ليي‬ ‫بالت بة والميفرة‪.‬‬ ‫سن ا مضت‪ ،‬منذ بداية مساري المهني‪ ،‬بيذلت فيهيا جهي دًا‬ ‫كبيرة‪ ،‬بل جبّارة‪ ...‬حرثت فيها األرض بأنياملي‪ ،‬وسيقيت فيهيا‬ ‫الزرأ بعرقي ودم عي‪ ،‬لكني في المقابل حصد ‪ ،‬ميا ليب أكيع‬ ‫حتى أحلب به‪ ..‬إحساسياً بيالق ة والعزيمية والسيعادة ييمرنيي‪،‬‬ ‫ويتأجج مع بيع ج انبي‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫حتى تلك األسللة عع الك ن والحياة هدأ طنينها في دمياغي‪،‬‬ ‫وأصبحت أذكرها إ ّ بيع فينة وأخير ‪ ،‬ميع دون أن أحميى‬ ‫بفرصة التفكير فيها‪ ،‬فضالً عع ا ستيراق فيها‪ ،‬والبحث لها عيع‬ ‫أج بة‪.‬‬ ‫الشيء ال حيد الذي كان ينيص علي‪ ،‬ويسيبب ليي ا نكسيار‬ ‫واإلحبياط‪ ،‬وأحيانياً الييأس مييع نفسيي هي فشيلي فييي جميييس‬ ‫محاو تي المستمرة لإلقيالأ عيع إدمياني عليى ا سيتماأ إليى‬ ‫األغاني المحرمة! كنت أنجع أحياناً ولفترا قد تصل إلى عيدة‬ ‫أسابيس‪ ،‬حتى أني كنت أظع نفسي‪ ،‬تحرر مع سيطرتها نهائيياً‪،‬‬ ‫وأني لع أع د إليها أبداً‪ ،‬لكع سرعان ميا كانيت نفسيي تضيعف‪،‬‬ ‫وي س س لي الشيطان‪ ،‬و أر نفسي إ وأنا أستمس إلى األغاني‬ ‫بكل نش ة وطرب‪.‬‬ ‫ربما يعد هذا الذنب في عرف الناس هيّنياً‪ ،‬بيل ربميا يعيد‬ ‫ذنباً‪ ،‬مثله في ذلك مثل العدييد ميع كبيائر اليذن ب كالييبية‬ ‫والنميمة والكذب‪ ،‬مما تع د الناس عليه‪ ،‬ولكنني لسيت كيذلك‪،‬‬ ‫فقد تربيت في ج متديع ومحافظ‪.‬‬ ‫كنت أكر نفسي عندما أرجس لص ابي‪ ،‬وأحتقرهيا لفعلهيا‪،‬‬ ‫وأستحي مع اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وكب بكيت هلل وكليي ميرارة‬ ‫وأسى‪ ،‬خجالً منه‪ ،‬وأسفاً على ما أقترفه‪ ،‬ولكني مس كل ذلك لب‬ ‫أنجع في اإلقالأ عنها‪.‬‬ ‫كنت مستيرباً جداً مع نفسي! ما الذي يجعلني م لعاً لهيذ‬ ‫الدرجة بسماأ األغاني؟ وما عسياها تكي ن الليذة التيي تمنحنيي‬ ‫إياها؟! لب تكع بالشيء العميب‪ ،‬فلماذا أعجز عع اإلقالأ عنها‪ ،‬بل‬ ‫وحتى عع اسيتبدالها باألناشييد‪ ،‬أو الم سييقى الهادئية؟ كييف‬ ‫تتقهقر إرادتي ‪ -‬التي قهر بها أعتى الصعاب ‪ -‬أمام مجرد ليذة‬ ‫‪94‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫األغاني؟! وأيع هي ق ة اإليحاء اليذاتي‪ ،‬التيي قهير بهيا أعقيد‬ ‫المشاكل النفسية‪ ،‬كاألرق‪ ،‬والقل وال س سة‪ ،‬وغيرها؟ لماذا‬ ‫أفلع في استخدامها‪ ،‬لمساعدتي على ترك األغاني؟!‬ ‫أنا أبرر لنفسي‪ ،‬فأنا أعليب أننيي أسيمس األغياني بمحيض‬ ‫إرادتي‪ ،‬ولكنني عاجز عع فهيب تركيبية نفسيي المعقيدة هيذ !‬ ‫خطر لي أنه ربما بسبب مرور ال قت على تقلبي بييع ا سيتماأ‬ ‫وا متناأ‪ ،‬تك َّن عندي احتقان داخلي ميع شيدة ميا حاوليت بيه‬ ‫اإلقالأ عع األغاني‪ ،‬وشدة تأنيب ضميري وخجلي ميع اهلل‪ ،‬وفيي‬ ‫المقابل شه تي المحم مية لسيماأ األغياني! ربميا يكي ن هيذا‬ ‫ا حتقان ه جدار المناعة الذي شيكلته نفسيي األميارة بالسي ء‬ ‫لمنعي مع معالجة نفسي مع داء األغاني! ولهذا قرر أن أتيرك‬ ‫مشكلة األغاني لفترة ط يلية ميع اليزمع‪ ،‬وأن أتناسياها كليياً‪،‬‬ ‫ألركز على بقية الصفا التي أرغب في معالجتهيا فيي نفسيي‪،‬‬ ‫وتط يرها في ذاتيي‪ ،‬إليى أن ييزو ا حتقيان وجيدار المناعية‬ ‫تدريجيّاً‪ ،‬فأع د إلى مشكلة سماأ األغاني وأقتلعها ميع جيذورها‬ ‫هذ المرّة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خديجة‪ .‬الحيل هي أن نسيأ أحيد الحارسييع‪" :‬إذا سيألت‬ ‫الحارس اآلخر عع أن الباب الذي يحرسه‪ ،‬هل ه باب الجنة‪،‬‬ ‫هل ستك ن إجابته نعب؟"‪ ،‬فإذا أجابنا الحيارس "نعيب" كيان‬ ‫الباب الذي يحرسه ه باب الجنة‪ ،‬وإذا أجابنا " " فإن الباب‬ ‫الذي يحرسه ه باب الجحيب‪.‬‬

‫‪ ‬مستحيل‪ ،‬أنت تمزح معي‪ .‬الج اب طبعاً غلف!‬ ‫‪-‬‬

‫‪95‬‬

‫بل ه صحيع‪ ،‬أقسب باهلل على ذلك‪.‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫كان مع المستحيل على أختي أن تفهيب حيل اللييز‪ ،‬لكننيي‬ ‫كنت أعلب أنني لع أنج مع إلحاحها‪ ،‬إن ليب أحياو أن أشيرح‬ ‫لها‪ ،‬ولذا قمت بت ضيع الحل لها مراراً‪ ،‬لكع دون جدو ‪ ،‬إليى أن‬ ‫وصلنا إلى المزرعة‪ ،‬فنج منها ومع إزعاجها‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫باتت أسرة خالي عيسى ليلتها في المزرعة‪ ،‬وكنا نحيع أو‬ ‫ال اصليع‪ ،‬وقد كان ذليك يناسيبني جيدًا فقيد كنيت محتاجياً‬ ‫لمناقشة خالي عع الخط ا التالية في مساري المهني!‬ ‫كان خالي يتمرجع على حبيل كيان ربيف طرفييه بجيذأ‬ ‫شجرة البيذام الضخمة‪ ،‬التي كانت تقس في الفنياء المطيل عليى‬ ‫مدخل المزرعة‪ .‬قفز خالي مع األرج حة وتقدم إلينا يسيتقبلنا‬ ‫ويسلب علينا بحرارة‪ ،‬ثب أخذني باألحضان ليبيارك ليي نجياحي‬ ‫الباهر وحص لي على شهادة البكال ري س‪ ،‬ويذكرني كييف أن‬ ‫اهلل أراد بي خيراً‪ ،‬عندما فشلت في تحقي النسبة التيي تيرهلني‬ ‫للحص على المنحة الجامعية‪.‬‬ ‫سرعان ما أتى ابع خالي تامر ليسلب علينا‪ ،‬ونحع نتجه إليى‬ ‫الفناء‪ .‬جلسنا انا وخيالي وتيامر في ق العشيب الميزروأ تحيت‬ ‫شجرة البيذام‪ ،‬وقد وضس خالي هنياك مجم عية ميع المبيردا‬ ‫المائية لتلطف الج ‪ ،‬بينما ذهبت أمي إلى المطب لتساعد زوجة‬ ‫خالي في خبز الرخا وإعداد اإلفطيار لنيا‪ ،‬وقريبيا منيا‪ ،‬تحيت‬ ‫شجرة البيذام‪ ،‬كانت أختياي تلعبيان ميس ابنية خيالي الصيييرة‬ ‫"ريب"‪ ،‬وأما جدتي فقد ذهبت إلى غرفية الني م لتسيتلقي عليى‬ ‫السرير لتريج جسدها المنهك مع جراء الرحلة‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫‪-‬‬

‫خالي‪ ،‬ما الخط ة القادمة؟‬

‫‪ ‬أن ترتاح يا حبيبي‪ .‬قالها خالي بضحك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫فعالً‪ ،‬أنا في أم الحاجة للراحة! لكني لكي أرتاح يجيب أن‬ ‫أعرف ما علي فعله تالياً لتط ير وضعي المهني‪.‬‬

‫‪ ‬أصبحت اآلن تملك شيهادة البكيال ري س‪ ،‬وتمليك شيهادة‬ ‫ا حتراف في المحاسبة (‪ ،)CMA‬كما تملك ‪ 5‬سن ا خبرة‪،‬‬ ‫بناءً على هذ المعطيا أنصحك أن تدرس ماجسيتير إدارة‬ ‫األعما (‪ )MBA‬مع إحد الجامعا المرم قة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا لي وجهة نمر أخر ‪ ،‬وأريد رأيك فيها‪ ..‬لقد قرأ مرّة‬ ‫في إحد المجيال المهنيية‪ ،‬أن القيدرة عليى التكييف ميس‬ ‫البيلا المرسسية المختلفة ه واحد ميع المهيارا الهامية‬ ‫جداً‪.‬‬

‫‪ ‬صحيع‪ ،‬ه كذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بقائي م ظفًا في نف المرسسة لسين ا ط يلية‪ ،‬و سييما‬ ‫في بداية مساري المهني‪ ،‬سيفقدني قدرة التكيف هذ ‪ ،‬كميا‬ ‫أنني في هذ الفتيرة أعياني ضيي طا شيديدة ميع ميديري‬ ‫ال افد‪ ،‬الذي يخشى مع منافستي له عليى منصيبه‪ ،‬وميديرنا‬ ‫اإلقليمي الجديد يميل إلييه‪ ،‬فيإذا بيدأ بدراسية اليي ‪،MBA‬‬ ‫سيقلب حيياتي إليى جحييب‪ ،‬و أسيتبعد أن ييتخلص منيي‪،‬‬ ‫بمساعدة المدير اإلقليمي‪.‬‬ ‫مع جهة أخر ‪ ،‬فأنا أشعر أنني في حاجة لمزيد ميع القي ة‬ ‫وا حتراف في المحاسبة والتدقي ‪ ،‬وتحليل المخاطر المالية‬ ‫والتشييلية‪ ،‬وأنممة الرقابة‪.‬‬

‫‪97‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫‪ ‬ما الذي تفكر فيه؟‬ ‫‪-‬‬

‫أفكر أن أنتقل للعمل إليى واحيدة ميع الشيركا األربعية‬ ‫الكبار العالمية في التدقي ‪ ،‬وأبقى فيها قرابة سنتيع إليى أن‬ ‫أتعلب أسرار المهنة‪ ،‬وأحترف التدقي والمحاسبة‪ ،‬وفي هيذا‬ ‫األثناء انتهي مع دراسة شهادة المحاسبة القان نية األمريكية‬ ‫(‪.)CPA‬‬

‫‪ ‬ممتاز‪ ،‬لكنني أت قس أنه سيك ن عليك قب راتيب أقيل ميع‬ ‫راتبك الحالي‪ ،‬ألننيي أت قيس أن يعرضي ا علييك نفي‬ ‫راتبك الحالي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مشكلة لدي في ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬والي ‪ ،MBA‬متى تن ي أن تدرسها؟‬ ‫‪-‬‬

‫بالرغب مع أنني أملك اآلن خبرة سنة في اإلدارة‪ ،‬كيرئي‬ ‫قسب المحاسبة‪ ،‬لكنني أعتقد أنني زلت أحتاج إليى مزييد‬ ‫مع الخبرة في اإلدارة ألستطيس ا ستفادة القص مع شهادة‬ ‫الي ‪ ،MBA‬ولذا أفضل أ أبدأ بهيا قبيل أن أكتسيب الخبيرة‬ ‫الكافية في شركة التدقي العالمية‪.‬‬

‫‪ ‬معق ي جييداً‪ .‬هييل تحتيياج مسيياعدتي فييي الحص ي‬ ‫ال ظيفة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫علييى‬

‫أشكرك خالي‪ ،‬لكع لي هيذ الميرة‪ .‬سيأطلب غيداً مقابلية‬ ‫"الشريك" في الشركة التي تق م بتدقي حسياباتنا‪ ،‬وهيي‬ ‫واحدة مع األربعة الكبار في العالب‪.‬‬

‫‪ ‬على بركة اهلل حبيبي‪ ،‬وبالت في إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫‪#####‬‬ ‫يت افيدون‬ ‫كنا نزا تحيت الشيجرة‪ ،‬األخي ا والخيا‬ ‫واحداً بعد اآلخر‪ ،‬لكع مع مجم أ خمسة خا ‪ ،‬وثمانية أخ ا ‪،‬‬ ‫أكد تسعة منهب على الحض ر‪ ،‬ووصل منهب لآلن خالتان وأربعة‬ ‫أخ ا ‪.‬‬ ‫كنت لدقائ ط يلة مح ر حديثهب وإطرائهب‪ ،‬فقيد كيان ا‬ ‫سعداء بنجاحي وإنجازاتي‪ .‬ربما كان خالي حسع األكثر تيأثراً‬ ‫مع بيع أخ الي وخا تي – بعد خالي عيسى طبعاً – فلقد كانيت‬ ‫تربطه ب الدي صداقة متينة منذ طف لتهما‪.‬‬ ‫خالي حسع‪ :‬رحب اهلل والدك‪ ،‬كان سييفرح كثييرًا لنجاحاتيك‬ ‫ل كان حيّاً‪.‬‬ ‫رد عليه خالتي زينب‪ :‬اهلل يرحميه‪ ،‬لكنيه اآلن حيي فيي عيالب‬ ‫البرزت‪ ،‬ويعلب ويفرح بكل النجاحا التي يحققها محمد‪.‬‬ ‫خالي سلمان‪ :‬فعالً‪ ،‬هذا صحيع‪ ،‬لكع المرسف جداً ه أننا تع دنا‬ ‫في ثقافتنا عم ماً على أن نعتبر الم وكأنه نهاية الحياة‪.‬‬ ‫رد عليه خالتي نجالء‪ :‬بصراحة‪ ،‬أنيا أفضيل أن يكي ن المي‬ ‫نهاية الحياة‪ ،‬بد ً مع أن نحيى في حفرة ضييقة تحيت التيراب‪،‬‬ ‫ويق م القبر بعصرنا‪ ،‬ويق م منكر ونكير بتعذيبنا على أخطائنيا‬ ‫التي نرتكبها في هذ الدنيا‪ ،‬وبعد كل هذا العيذاب‪ ،‬يحشيرنا اهلل‬ ‫ي م القيامة ليلقي بنا في الجحيب‪ ،‬ويحرقنا بنيار جهينب‪ ،‬لميدد‬ ‫يعلب اهلل أمدها‪ ،‬وذلك عقابا لنا لما اجترحنا مع سيلا في هذ‬ ‫الدنيا‪...‬‬

‫‪99‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫فيقاطعها خالي سلمان‪:‬‬ ‫اهلل بأرحب الراحميع؟‬

‫يعقل أن يك ن األمر كيذلك! أليي‬

‫فترد عليه خيالتي نجيالء‪ :‬بليى هي أرحيب اليراحميع‪ ،‬ولكيع‬ ‫للمرمنيع المطيعيع فقف‪ ،‬أما أمثالنا مع البشير‪ ،‬اليذيع نرتكيب‬ ‫السيلا فه شديد العقاب‪.‬‬ ‫خالتي زينب‪ :‬بصراحة أنيا أعيرف كثييراً فيي اليديع‪ ،‬لكنيي‬ ‫أعرف أن هذا مستحيل ألنه ظلب شديد‪ ،‬واهلل يسيتحيل أن يكي ن‬ ‫يحتاج أن يملب أحداً‪ ،‬فلماذا إذاً سيملمنا!؟‬ ‫ظالماً! ه‬ ‫ْ س‬ ‫س س سس س ُ ُ ُْ س س ُ ْ س ُ‬ ‫اع سول يكن كانوا أنف سس ُه ْم سيظ يل ُمون"‪.‬‬ ‫فترد عليها خالتي نجالء‪" :‬وما ظلمهم‬ ‫خالي حسع‪ :‬شباب‪ ،‬لنر ما رأي الشيي عيسيى فيي الم ضي أ‪.‬‬ ‫قالها خالي وه ييمز مشاكسة لخالي عيسى‪.‬‬ ‫خالتي نجالء‪ :‬ألي‬

‫صحيحاً ما أق له‪ ،‬عيسى؟‬

‫خالي عيسى‪ :‬أنا لدي وجهة نمر أخر تماماً‪...‬‬ ‫وقبل أن يكمل حديثه‪ ،‬رأينيا بقيية األخي ا ييدخل ن دفعية‬ ‫واحدة إلى المزرعية‪ ،‬فينهض الجمييس ليرحيب بهيب‪ ،‬وليك أن‬ ‫تتص ر الهرج والمرج الذي كان مع لقاء ما يزيد عيع ‪ 56‬فيردا‬ ‫مع العائلة‪.‬‬ ‫وكالعادة اتجهت النس ة والبنا إلى صالة النساء‪ ،‬بينما ظل‬ ‫بعض أخ الي تحت الشجرة يتحيادث ن ويتفياكه ن‪ ،‬بينميا قيام‬ ‫معممنا إلى الملعب لنلعب كرة القدم‪.‬‬ ‫لعبنا لفترة ط يلة‪ ،‬ولب نت قف إ عندما جياء خيالي حسيع‬ ‫ليخبرنا أنه وقت الصالة‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫‪#####‬‬ ‫كالعادة‪ ،‬صلينا تحت الشجرة‪ ،‬وأ َمّ بنا الصالة خيالي عيسيى‪،‬‬ ‫ألنه كان أكثر أخ الي تدينا ومعرفة بالديع‪ ،‬باإلضافة إلى أنيه‬ ‫قضى عدة سن ا في الدراسة الدينية‪.‬‬ ‫بعد أن فرغنا مع الصالة جلسنا جميعاً تحت الشجرة‪ ،‬بعضينا‬ ‫يلعب الكيرم‪ ،‬ومجم عة تلعب األن ‪ ،‬وأخر تتحيادث وتتسيامر‪،‬‬ ‫وبعضنا أخذ يمشي في المزرعة بينما جلست مجم عية كبييرة‬ ‫مع خا تي وزوجا أخ الي تتناقش في الم ‪ ،‬وما بعد المي ‪،‬‬ ‫وفي النهاية اتفقع فيما بينهع أن يسألع خالي عيسى‪.‬‬ ‫كان خالي عيسى يلعب معنا األون ‪ ،‬عندما طلبت منه خا تي‬ ‫أن يكمل إجابته التي لب يستطس إكمالها فيما سب بسبب مجييء‬ ‫أخ الي‪.‬‬ ‫ال أنا أيضاً أريد أن أعرف اإلجابة‪.‬‬ ‫خالي حسع‪ :‬فع ً‬ ‫خالي سلمان (للجميس)‪ :‬شباب‪ ،‬عيسى سيشرح مياذا يحيدث بعيد‬ ‫الم ‪ .‬مع يريد أن يسمس فليحضر هنا‪.‬‬ ‫ارتبك خالي عيسى‪ ،‬فه لب يكع مستعداً لهذا‪ ،‬لكنه تماسك‪،‬‬ ‫وه يبتسب ابتسامة ساهمة‪ .‬يبدو أن عقله كان يفكر بسرعة في‬ ‫كيفية عرض الم ض أ بطريقة سهلة للحاضريع‪.‬‬ ‫كان الجميس منصتاً‪ ،‬في انتمار ما سيق له خيالي‪ ،‬ربميا ألن‬ ‫م ض أ الم يشكل هاجساً للجميس‪ .‬الم مرعيب فعيالً‪ .‬أنيا‬ ‫أيضاً كنت ت اقاً لمعرفة المزيد عنه‪.‬‬ ‫س س‬ ‫ُ‬ ‫ْس ُ ْس ً‬ ‫سسس ْ سسْ س ْ س س‬ ‫نسان يمةن ُسةالل ظة ةيمةن يط ظةان (‪ْ )04‬ةم سج سعلن ُةاه نطفةة‬ ‫اإل‬ ‫خالي عيسى ‪" :‬ولقد خلقنا ي‬ ‫س‬ ‫ُ ْ س س ْ س و ْ س س س س س ً س س س ْ س ْ سس س س ُ ْ س ً س س س ْ س ُْ ْ س س‬ ‫يفةي ق سةر ظار ْم يك ظةان (‪ )05‬ةم خلقنةا النطفةة علقةة فخلقنةا العلقةة مضةغة فخلقنةا املضةغة‬ ‫‪101‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫س ً س س س ْس ْ س س س ْ ً ُ ْ س س ْس ُ س ْ ً س س س سس س س ُْ س‬ ‫ْ س‬ ‫س‬ ‫اع أ ْح سسة ُةن الخة يةال يقان‬ ‫يعظامةةا فكسةةونا ال يعظةةاش لحمةةا ةةم أنشةةأناه خلقةةا آخةةرِ فتبةةارك‬ ‫ُ ْ ُْ ْ س ْ س ْ س س ُْ سُ س‬ ‫س س س سس ُ س‬ ‫ُ ُْ‬ ‫(‪ )02‬ة ْةم يإنكةةم سب ْعةةد ذلةك مل يةيتةةون (‪ )05‬ةةم يإنكةةم يةةوش ال يقيامة يةة تبعثةةون" صييدق اهلل‬ ‫العميب‪.‬‬

‫بهذ اآلية الشريفة بدأ خالي كالمه‪ .‬كانت تقاسييب وجهيه‬ ‫جادة‪ ،‬كما لب أتع د أن أشاهد ‪ ،‬وكأنه كان يهب بإخبارنا شييلاً‬ ‫على قدر عا مع الخط رة واألهمية‪ ،‬أو علّه كان يجميس شيتا‬ ‫فكر ‪ ،‬ليبدأ في طرحه كما تع دنا منه دائماً‪.‬‬ ‫خييالي عيسييى‪ :‬فييي البداييية أرجي كب أخرجي ا فكييرة الم ي ‪،‬‬ ‫والنهاييية‪ ،‬والفنيياء‪ ،‬والعييدم‪ ،‬وكييل مرادفاتهييا مييع رؤوسييكب‪،‬‬ ‫واستمع ا لهذ القصة الجميلة التي سأحكيها لكب‪ .‬طبعاً هيي ذا‬ ‫عالقة وثيقة بم ض عنا‪.‬‬ ‫لكل واحد منا‪ ،‬بل لكيل إنسيان عليى هيذ األرض قصية جميلية‬ ‫ل ج د ‪ ،‬تتك ن ميع أربعية مراحيل‪ .‬تبيدو هيذ القصيص فيي‬ ‫ظاهرها متشيابهة جيداً‪ ،‬لكنهيا فيي ال اقيس مختلفية كياختالف‬ ‫مالمحنا وبصماتنا‪ ..‬نعب لكل منا قصة وج د متميزة‪ ،‬لها بدايية‪،‬‬ ‫ولكع لي لها نهاية!‬ ‫بدأ المرحلة األولى مع قصة وجي د كيل واحيد فينيا عنيدما‬ ‫تشكلت نطفته‪ ،‬ولقع الحي ان المن ي المحم ظ "البطل" القادم‬ ‫مع أبيه‪ ،‬مع بيع مليارا الحي انا المن ية األخير ‪ ،‬الب يضية‬ ‫المحم ظة التي اختارها اليرحب ميع بييع ملييارا الب يضيا ‪،‬‬ ‫فأنضجها ثب أفرزها للرحب في انتميار أن تيتب عمليية التلقييع‬ ‫المقدسة!‬ ‫ومس كل عملية تلقيع‪ ،‬بدأ قصية واحيد منيا‪ ...‬قصية إنسيان‬ ‫جديد‪ ،‬تب اختيار مع بيع تريلي نيا المخل قيا الحيية التيي‬

‫‪102‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫تنافست حتى آخر رم بها‪ ،‬للف ز بالجيائزة العمميى‪ ،‬وهيي أن‬ ‫تصييبع إنسيياناً! لكييع مييع بينهييا جميعييا تييب اصييطفاؤك أنييت‪،‬‬ ‫واصطفائي أنا‪ ،‬واصطفاؤنا نحع‪ ،‬واحداً واحداً‪.‬‬ ‫خالي جعفر‪ :‬مذهل‪.‬‬ ‫قالها بإعجاب‪ ،‬وقد كان مستلقياً عليى ظهير تحيت شيجرة‬ ‫البيذام‪ ،‬فنهض وقعد ليستمس لخالي عيسى بانتبا ‪.‬‬ ‫لب يلتفت إليه خالي عيسى‪ ،‬بل واصل حديثه‪:‬‬ ‫لب تكع تلك المخل قا الحية تسيتطيس فهيب معنيى أن تصيبع‬ ‫إنساناً‪ ،‬فهذا يف ق قدراتها‪ ،‬ول أن أحداً ما أخبر الحي ان المن ي‬ ‫المصطفى والمختار أن العالب ال اسس الذي يسبع فيه ه مجيرد‬ ‫نقطة‪ ،‬بل وأصير مع نقطة فيي عيالب واسيس مهي ‪ ،‬وأنيه فيي‬ ‫غض ن عدة أشهر سيصبع إنساناً تاماً‪ ،‬والذي يعني أنيه سيصيبع‬ ‫أضخب‪ ،‬وأفضل وأكثر قدرة وق ة‪ ،‬وأكثر استشيعاراً لكيل ميع‬ ‫اللذة واأللب بتريلي نا المرا ‪ ،‬عميا هي علييه اآلن‪ ،‬لضيحك‬ ‫حتى الثمالة‪ ،‬وقا إن هذا إ أساطير األولييع‪ ...‬وهي معيذور‬ ‫إدراك و عقل له!‬ ‫طبعا‪ ،‬فه‬ ‫تمت عملية التلقيع‪ ،‬وتشكلت النطفية‪ ،‬لكيع هيذ مجيرد بدايية‪،‬‬ ‫يزا شاقاً وط يالً ومحف فياً بالمخياطر‪ ،‬و زاليت‬ ‫فالطري‬ ‫هناك العديد مع المراحل التي يجب على هذ الخليية ال احيدة‪،‬‬ ‫والتي نسميها النطفة‪ ،‬أن تمر بها لتصبع إنساناً تاما س يّاً‪.‬‬ ‫تبدأ هذ الرحلة الط يلة والخطرة في عالب الرحب‪ ،‬هذا العيالب‬ ‫الذي ه أكبر وأعقد بكثير مع العالب اليذي كيان يسيبع فييه‬ ‫الحي ان المن ي‪ .‬تمضي األييام‪ ،‬وتمير الشيه ر‪ ،‬وهيذ الخليية‬ ‫ال احدة تنقسب وتتكاثر بسرعة جن نية تفي ق التصي ر‪ ،‬فتيزداد‬

‫‪103‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫حجماً بتريلي نا المرا ‪ ،‬وييزداد وج دهيا تعقييداً بميا يفي ق‬ ‫التص ر أيضاً!‬ ‫وهكذا تتح وتتط ر تدريجياً في غضي ن أشيهر بسييطة ميع‬ ‫خلية واحدة بسيطة إلى إنسان تام يملك قلبياً وعقيالً‪ ،‬ويمليك‬ ‫الح اس الخمسة ويملك الروح‪ ...‬نعب يملك اليروح اإلنسيانية‬ ‫التي تستطيس أن تستخدم جميس قيدرا وأدوا الجسيد‪ ،‬لتسيمس‬ ‫وتبصر‪ ،‬وتحب وتفكر وتفعل العديد جداً ميع األشيياء الجميلية‬ ‫األخر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫"مهالً‪ ،‬هناك خطيأ جسييب"‪ ...‬يصيرت الجنييع فيي شيهر‬ ‫التاسس‪ ،‬مستنكراً كالمنا! "هل تق أنني أستطيس أن أبصر‪،‬‬ ‫وأن أسمس وأن أفكر؟"‬

‫‪ ‬نرد عليه‪ :‬نعب أنت تستطيس اإلبصار‪ ،‬وتستطيس السمس والشب‪،‬‬ ‫وتسيتطيس أن تفكيير وأن تحييب‪ ،‬وتسييتطيس أن تفعييل أشييياء‬ ‫كثيرة يسس المجا لذكرها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫يجيبنا‪ :‬هذا جن ن‪ ،‬أنا أفهب ما تق ل ن! ماذا يعني البصر‪،‬‬ ‫وماذا يعني السمس‪ ،‬وماذا يعني الحب‪ ،‬وماذا تعني كيل هيذ‬ ‫الترها التي تذكرونها؟‬

‫‪ ‬ننتبه‪ ،‬فنق له‪ :‬أنت معذور‪ ،‬فإن عالب الرحب اليذي تعييش‬ ‫فيه‪ ،‬عيالب نياقص محيدود وضيي جيداً‪ ،‬و يمكنيك ميع‬ ‫استخدام قدراتك التي تمتلكها‪ ،‬إ القليل منها‪ ،‬وفيي أضيي‬ ‫الحدود‪ ،‬ولذا أنت عاجز عع أن تدرك ما نق ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫يضييحك علينييا الجنيييع بسيخرية‪ :‬تعسيًا لكييب‪ ،‬إن هييذا إ‬ ‫أساطير األوليع‪ .‬إن هذا العالب الذي أنا فيه ه أعقد وأفضل‬ ‫بمالييع المرا عع عيالب السيائل المني ي اليذي أتيى منيه‬

‫‪104‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫أصلي‪ ،‬وأنت تق لي أنه يكاد يك ن صيفراً بالنسيبة لعيالب‬ ‫الدنيا! عف اً‪ ،‬ولكع ما تدّعيه ه ضرب مع الخيا !‬ ‫عقل ليه‪ ،‬وهي عليى كيل‬ ‫بأس إن لب يصدقنا الجنيع‪ ،‬فه‬ ‫إرادة له لييير مصير ‪ ،‬سلباً و إيجاباً‪ ،‬وعلييه فسي اءً‬ ‫حا‬ ‫صدقنا أم كذّبنا‪ ،‬فاألمر غير ذي أهمية‪.‬‬ ‫خالتي زينب‪ :‬هل تقصد اإلشارة إلى أوللك الذيع يكذّب ن أنهيب‬ ‫سيبعث ن إلى عالب اآلخرة بعد حياة الدنيا؟‬ ‫يجيبها خالي عيسى‪ :‬بالضبف‪ .‬لنرجس إلى أحداث القصة‪ .‬تمضيي‬ ‫األيام‪ ،‬وسرعان ما يم الجنيع في عالب اليرحب! عفي اً أقصيد‬ ‫أنه ينتقل للدار األخر ‪ ،‬لعالب الدنيا‪ ...‬طريي ا نتقيا لعيالب‬ ‫الدنيا‪ ،‬أو كما يسم نها ال دة‪ ،‬ليست سهلة‪ ،‬بل هي مرلمة جداً‪،‬‬ ‫فالجنيع يضطر للخروج مع عالب الرحب مع ثقيب ضيي جيداً‪،‬‬ ‫يعصر عصراً‪ ،‬وه يخرج منه‪ ...‬يبكي الجنيع ميع شيدة األليب‪،‬‬ ‫لكننا نحع ‪ -‬أحبته والمشتاق ن ل ج د بيننا – نضحك ونفيرح‬ ‫ونحتفل به‪ ،‬لي استهتاراً بألمه‪ ،‬ولكع فرحةً بقدومه‪ ،‬وألن هيذا‬ ‫األلب يكاد يذكر مقابل السعادة التي تنتمر في عالب الدنيا‪.‬‬ ‫وها نحع اآلن في عالب الدنيا‪ ،‬نعرف ما جر علينا ميع أحيداث‬ ‫في الع الب السابقة‪ ،‬لكننا نذكر أي شيء منها مطلقاً‪ ،‬وكأنها‬ ‫لب تكع! كل ما نشعر به ه أننا في هذ الدنيا‪ ،‬مستمتع ن بميا‬ ‫وهبنا اهلل مع قدرا وإمكانيا ‪...‬‬ ‫خالي جعفر‪ :‬هذ هي المرحلة الثانية مع قصة وج دنيا‪ ،‬أليي‬ ‫كذلك يا عيسى‪.‬‬ ‫خالي عيسى‪ :‬صحيع يا جعفر‪ ...‬مرحلة عالب الدنيا‪ ،‬التي تستمر‬ ‫في العادة بما يزيد عع مائة عام‪ ،‬تليها المرحلة الثالثة‪ ،‬والتي‬

‫‪105‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫تبدأ مع لحمة م تنا في عالب الدنيا‪ ،‬أو قل لحمية و دتنيا فيي‬ ‫عالب البرزت‪ ،‬وتسيتمر ربميا آ ف السينيع إليى أن يحييع أوان‬ ‫المرحلة الرابعة واألخيرة ميع قصية وج دنيا (عيالب اآلخيرة)‪،‬‬ ‫والتي تستمر إلى ما نهاية‪ ..‬لي مائية أليف‪ ،‬وليي مليي ن‪،‬‬ ‫ولي بلي ن‪ ،‬ولي ترلي ن سنة‪ ،‬بل أكثير ميع ذليك بكثيير‬ ‫جداً‪ ..‬بما نهاية ليه‪ .‬رياضيياً ميدة المراحيل الثالثية جميعياً‬ ‫تساوي صفراً بالمقارنة مس المرحلة األخير التي نهاية لها‪.‬‬ ‫ولكع كيف هي هذ الع الب اآلتيية؟ لسيت أدري و اعتقيد أن‬ ‫هناك مع البشر غير مع علمه اهلل يدري‪ .‬تص روا ل أن حي انياً‬ ‫سأ حي انا من ياً آخر وهما يسبحان في السائل المن ي متجهيع‬ ‫لهدفهب األسمى‪ ،‬وه تلقيع الب يضة‪ ،‬فقا له‪:‬‬ ‫‪ ‬يق ل ن أن هناك عالماً كبيراً جيداً وراء هيذا العيالب اليذي‬ ‫نحع فيه‪ ،‬اسمه عالب الدنيا‪ .‬هل تصدق ذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫يجيبه رفيقه‪ :‬نعب إنه عالب كبير ومعقد ورائيس جيداً جيداً‬ ‫جداً‪ ،‬لدرجة تستطيس أن تتص رها‪.‬‬

‫‪ ‬حقاً؟ لقد ش قتني إليه‪ .‬أرج ك هل تستطيس أن تصفه لي؟‬ ‫‪-‬‬

‫بالطبس‪ .‬لقد قرأ أن عالب الدنيا أكبر بتريلي نا الميرا‬ ‫مع عالمنا‪ ،‬وأن الناس يعيش ن فيه على كرة كبيرة‪ ،‬تشيبه‬ ‫رؤوسنا‪ ،‬كما أن لهب شمساً جميلة جداً تشبه أيضاً رؤوسينا‪،‬‬ ‫وعندهب البحار الجميلة‪ ،‬وهي تشبه جداً السائل الذي نعييش‬ ‫فيه نحع‪.‬‬

‫‪ ‬يا ما أروعه مع عالب‪ .‬ليتني أذهب إليه!‬ ‫ق ل ا لي باهلل عليكب‪ ،‬هل تتصي رون أن الحيي ان المني ي أدرك‬ ‫شيلًا ول مقدار ذرة عع عالب الدنيا؟ هل يستطيس أن يدرك شيلاً‬ ‫‪106‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫عع الك ن الجميل الرائس بكل مجراته ونج مه؟ هل يسيتطيس أن‬ ‫يفهب ما ه الحب‪ ،‬وما ه العلب وما ه الخير وما ه الجما ؟‬ ‫هل يستطيس أن يدرك ماذا تعني السيعادة‪ ،‬ومياذا يعنيي الشيقاء‪،‬‬ ‫وماذا تعني مشاعر األم مة‪ ،‬وما هي الصبابة والعش والش ق؟‬ ‫وكذلك نحع‪ ،‬نستطيس أن نصف عالب البرزت‪ ،‬أو عالب اآلخيرة‪،‬‬ ‫كما وصف الحي ان المن ي عالب اليدنيا‪ ،‬ولكننيا نسيتطيس أن‬ ‫ندرك شييلًا عيع حقيقتهميا‪ .‬بيل حتيى أهيل عيالب البيرزت‪،‬‬ ‫يستطيع ن إدراك حقيقة عالب اآلخرة‪.‬‬ ‫ولكع لنستطيس أن نتخيل الفرق بيع تلك الع الب اآلتيية‪ ،‬وبييع‬ ‫عالب الدنيا‪ ،‬يكفيك أن تقارن بيع وج دك كنطفية‪ ،‬ووجي دك‬ ‫كإنسان مكتمل في هذ الدنيا‪ ،‬ثب تتصي ر أنيك سيتتط ر فيي‬ ‫عالب البرزت بنف النسبة‪ ،‬بل أكثر مع ذلك بكثير‪ .‬قارن بييع‬ ‫عالب السائل المن ي‪ ،‬أو حتى عالب الرحب‪ ،‬وبيع عالب الدنيا‪ ،‬هذا‬ ‫الك ن ال اسس الممتد والمك ن مع مالييع المجرا ‪ ،‬والتيي يعيد‬ ‫مع أصيرها مجرة درب التبانة‪ ،‬التي تقيس المجم عية الشمسيية‬ ‫بكل ك اكبها وأقمارها‪ ،‬في طرف جانبي مع ذيلها‪ ،‬ثب تخيل أن‬ ‫عالب البرزت‪ ،‬ه عالب أكبر وأوسس وأكثير تطي راً ميع عيالب‬ ‫الدنيا بنف النسبة التي بها عالب الدنيا أط ر مع عيالب اليرحب‪،‬‬ ‫وبنف النسبة أيضاً عالب اآلخرة أط ر عع عالب البرزت‪.‬‬ ‫ولكع مهالً‪ ،‬هذا كان مجرد لتقريب المعنى‪ ،‬وإ فيإن الحقيقية‬ ‫أعمب مع ذلك بكثير‪ .‬دع نا ننسى أن عالب الدنيا بالرغب مع‬ ‫كل تط ر بالمقارنة مس عالب الرحب‪ ،‬وأننا بيالرغب ميع كيل‬ ‫تط رنا بالمقارنة مس الحي ان المن ي‪ ،‬إ أننا نزا نتك ن مع‬ ‫نف المادة الجسمانية‪ ،‬والتي هي أسيرة الزمان والمكيان‪ ،‬بينميا‬

‫‪107‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫نحع وع المنا فيي تط رنيا اآلتيي نتكي ن ميع هيذ الميادة‬ ‫الجسمانية‪ ،‬ولسنا فيه أسر الزمان والمكان!‬ ‫واآلن هل لكب أن تتخيل ا كيف سنك ن وسيتك ن ع المنيا فيميا‬ ‫يأتي مع مراحل قصة وج دنا؟‬ ‫أجابت خالتي نجالء‪ :‬يبدو لي أننا نستطيس ‪...‬‬ ‫فقاطعها خالي عيسى بتلقائية‪ :‬بالطبس‪ . ،‬ألن ذليك مسيتحيل‪.‬‬ ‫س س س‬ ‫سُ س ُ‬ ‫نشيك ْم يفي سما ال ت ْعل ُمون"‪.‬‬ ‫يق اهلل تعالى في س رة ال اقعة ‪" :‬ون ي‬ ‫ثب أكمل كالمه‪ :‬وبنف النسبة التي نتط ر بها ويتطي ر بهيا‬ ‫عالب البرزت بالمقارنة مس عالب الدنيا‪ ،‬يتطي ر أيضياً كيل ميع‬ ‫إحساسنا باللذة والسعادة‪ ،‬وإحساسنا بياأللب والعيذاب فيي عيالب‬ ‫البرزت! بل يصبع جزء مع حقيقة وج دنا‪ ،‬فنتح نحيع إليى‬ ‫السعادة والجنة والرض ان‪ ،‬أو بالعك ميع ذليك نتحي إليى‬ ‫الشقاء والجحيب‪ ،‬تماماً مثلما يتح الفحب إلى جمر!‬ ‫ثب مرة أخر ‪ ،‬بنف النسبة التي نتط ر بها‪ ،‬ويتط ر بها عيالب‬ ‫اآلخرة بالمقارنة ميس عيالب البيرزت‪ ،‬يتطي ر أيضياً كيل ميع‬ ‫إحساسنا باللذة والسعادة‪ ،‬وإحساسنا بياأللب والعيذاب فيي عيالب‬ ‫اآلخرة‪ ،‬بالمقارنة مس عالب البرزت‪.‬‬ ‫إن وج دنا هنا في هذ الدنيا‪ ،‬بما نملكه مع صفا وقابلييا ‪،‬‬ ‫دخل لنا فيه‪ ،‬ألنه محك م ومحدد بالحي ان المني ي‪ ،‬والب يضية‬ ‫الذيع شكّال كل واحد فينا‪ ،‬ومحيدد أيضياً ب ج دنيا فيي عيالب‬ ‫الرحب‪ ،‬حيث لب نكيع نمليك فييه المعرفية‪ ،‬و القيدرة و‬ ‫اإلرادة‪ ،‬لتحديد شكلنا وه يتنا التي أتينا بها إلى هذ الدنيا‪.‬‬ ‫لكع وج دنا في عالب البرزت‪ ،‬وبعد ذلك في عالب اآلخيرة‪ ،‬بميا‬ ‫نملكه مع صفا وقابليا هناك‪ ،‬وبالتالي بما سينحمى بيه ميع‬ ‫‪108‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫السعادة واللذة‪ ،‬أو بالعك مع ذلك‪ ،‬بما سنعانيه ونتجرعه ميع‬ ‫األلب والعذاب إنما يتحدد بحركتنيا وإراداتنيا وقراراتنيا التيي‬ ‫نتخذها في عالب الدنيا! نعب نحيع ميع نشيكّل حقيقية وج دنيا‬ ‫وه يتنا فيما يأتي مع قصة وج دنا!‬ ‫خالي سلمان‪ :‬اشرح هذ الفقرة األخيرة ل سمحت يا عيسى‪.‬‬ ‫أحضر الخادمة في تلك اللحمة صينيةً مملي ءة بيأك اب‬ ‫مع شراب الليم ن‪ ،‬فتناو خالي عيسى أحدها‪ ،‬وارتشف منه عدة‬ ‫رشفا ‪ ،‬ثب وضس الك ب بجانبه‪ ،‬واستأنف حديثه‪.‬‬ ‫خالي عيسى‪ :‬هل تقصد أن أشرح كييف أننيا نحيع ميع نشيكّل‬ ‫حقيقة وج دنا وه يتنا في الع الب اآلتية؟‬ ‫خالي سلمان‪ :‬نعب‪.‬‬ ‫كنت غارقاً بعم في كالم خالي عيسى األخير‪ ،‬فليب أنتبيه‬ ‫لسرا خالي سلمان‪ ..‬نعب كالم خالي عيسى يجيب عليى واحيدة‬ ‫مع أعتى ا سللة التي كانت تحيرني‪ .‬قلت بحماس وفرحة ميع‬ ‫وجد ما يرويه بعد ط ظمأ‪:‬‬ ‫أنا‪ :‬أحسنت خيالي‪ .‬كالميك هيذا يجيبنيي عليى سيرا كيان‬ ‫يحيرني منذ عدة سن ا ‪.‬‬ ‫خالي عيسى‪ :‬أ وه ؟‬ ‫أنا‪ :‬أنه لماذا يعذبنا اهلل في النار؟ ما الذي يضيير ميع ارتكابنيا‬ ‫لبعض المعاصي‪ ،‬التي نقصد منهيا أن نتحيد إرادتيه‪ ،‬وإنميا‬ ‫نرتكبها بسبب شه اتنا التي تتملكنا بسبب ضعفنا وجهلنا؟ ولماذا‬ ‫نرتكب ذنباً بسيطاً‪ ،‬لفترة محيدودة كيأن نسيمس األغياني ميثالً‬

‫‪109‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫أحيانا‪ ،‬فيعذبنا اهلل بعذاب يف ق تريلي نا الميرا شيدّةً ومي ّدةً‬ ‫الذنب الذي ارتكبنا ؟‬ ‫خالي عيسى‪ :‬صحيع‪ ،‬فاهلل يعذبنا و يعاقبنا‪ ،‬وإنما نحيع ميع‬ ‫نعذب أنفسنا‪ ،‬بما نشكله مع وج د لنا في عالب البرزت واآلخرة‪.‬‬ ‫بينما اهلل ه الناصع المرشد لنا لنتجنب هذا العذاب‪ .‬إنه سبحانه‬ ‫وتعالى يلطف بنا‪ ،‬ويرسل الرسيل لكييال نمليب أنفسينا ونشي‬ ‫وج دنا‪ ،‬فنتعذب جراء ذلك‪ ،‬بالضبف كما تنصيع األم الشيف ق‬ ‫ابنها وتحذر مع تعاطي المخدرا مثالً‪ ،‬بالرغب مع أن تعاطييه‬ ‫لها يستيرق غير ث ان معيدودة‪ ،‬ولكنهيا تسيبب دميارًا لحيياة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬قد يستمر ألشهر ط يلة‪ ،‬وقد تردي إليى م تيه‪ .‬وهيذا‬ ‫يق دنا لسيرا سيلمان‪" :‬كييف نشيكّل نحيع حقيقية وج دنيا‬ ‫وه يتنا في الع الب اآلتية (البرزت واآلخرة)؟"‬ ‫تفصيل ج اب هذا السرا يكمع في حكايتنا في المرحلة الثانيية‬ ‫مع قصة وج دنا (عالب الدنيا)‪ ،‬والتي تختلف تفاصيلها مع فيرد‬ ‫آلخر‪ ،‬بالضبف كما تختلف مالمحنا عيع بعضيها اليبعض‪ ،‬لكيع‬ ‫يبقى المح ر واألساس ه نفسه في جميس حكايا وج دنا‪.‬‬ ‫س‬ ‫ْ س ة س‬ ‫يق سبحانه وتعالى‪" :‬إ ْذ سق س‬ ‫ةال سروب سةك يلل سمال ي ك يةة يإ ينة خ يةال ٌق سبش ًةرا يمةن يط ظةان (‪)70‬‬ ‫ي‬ ‫سس ُ س‬ ‫س س س ْ​ُْ ُ سسس ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫اج يدين"‬ ‫ف ياذا سويته ونفخت يف ييه يمن رو ي ي فقعوا له س ي‬ ‫نأتي إلى الدنيا ونحع نملك بعديع اثنيع‪ ،‬بعد حي اني جسماني‪،‬‬ ‫وبعد روحي نفسي‪ .‬ل ن البشيرة‪ ،‬والشيعر والطي ‪ ،‬والصيفا‬ ‫الجسمية األخر ‪ ،‬ودرجة الذكاء‪ ،‬ومست الميرح‪ ،‬والشيجاعة‪،‬‬ ‫وجميس الصفا النفسيية األخير ‪ ،‬وا سيتعدادا الكامنية لكيال‬ ‫البعديع فينا م روثة ومحددة بطقب الجينا ال راثية للحيي ان‬ ‫المن ي المختار والب يضة المختارة‪ ،‬اليذيع منهميا تشيكّل كيل‬ ‫واحد منا‪ .‬ولكع ليست الصفا وا ستعدادا الكامنة فقف التيي‬ ‫‪110‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫نأتي بها إلى هيذ اليدنيا‪ ،‬وإنميا نيأتي إليهيا أيضياً بطقيب ميع‬ ‫المعايير والقيب الم حدة الميروسة فينا جميعياً‪ ،‬والتيي تشيمل‬ ‫فيما تشمل معرفة اهلل والتعل به وحبه وعب ديتيه‪ .‬هيذا الطقيب‬ ‫نسميه "الفطرة"‪.‬‬ ‫ربما تك ن الصفا الجسدية صعبة وأحيانا مستحيلة التيير‪ ،‬أميا‬ ‫الصفا النفسية‪ ،‬والتي تشكل أساس حركتنا فيي عيالب اليدنيا‪،‬‬ ‫وا سييتعدادا الكامنيية فينييا‪ ،‬والقيييب والمعييايير "الفطييرة"‬ ‫الميروسة فينا فهي ليست ثابتة أبدًا‪ ،‬بل تمل تتييير‪ ،‬وتنمي أو‬ ‫تضمحل بحسيب حركتنيا وإراداتنيا والمعرفية التيي نكتسيبها‪،‬‬ ‫والعقائد التي نرمع بها‪ ..‬تتيير بنمرتنيا للحيياة وبسيل كياتنا‬ ‫الي مية البسيطة‪ ،‬ونحع ندرس‪ ،‬ونحع نعمل‪ ،‬ونحع نلعب وننيام‬ ‫ونتعامل مس األصدقاء‪ ،‬ونتعامل مس أفراد األسيرة‪ ،‬ونتعاميل ميس‬ ‫المجتمعا المحيطة بنا‪ ،‬ونتعامل مس جميس مفردا الك ن التيي‬ ‫ندركها‪ ،‬ونحع نفكر‪ ،‬ونحيع نشيعر‪ ،‬وباختصيار ونحيع نعييش‬ ‫الحياة بكل تفاصيلها‪ ،‬وكأنها األحرف التي تكتب وترسب صفاتنا‬ ‫النفسية مع علب وإرادة وعزيمة وحكمة وحيب وتقي وجميا‬ ‫وخير وشجاعة ويقيع‪ ،‬إلى آخر القائمة‪ ،‬التي ربميا نعجيز عيع‬ ‫تحديدها‪ ،‬ألن عالب الدنيا بطبيعتيه الماديية أقيل ميع أن تمهير‬ ‫وتبرز فيه جمييس صيفاتنا النفسيية‪ ،‬إ أن أهيب هيذ الصيفا ‪،‬‬ ‫وأولها وآخرها‪ ،‬ه إدراكنا لعب ديتنا هلل عز وجل‪.‬‬ ‫خالي جعفر‪ :‬عيسى‪...‬‬ ‫فقاطعه خالي سلمان‪ :‬دعه يكمل‪ ،‬أرج ك‪.‬‬ ‫خالي عيسى‪ :‬نأتي إلى الدنيا‪ ،‬بحاجاتنا‪ ،‬الناشلة مع كال البعديع‬ ‫فينا الروح والجسد‪ ،‬فنحتياج أن نأكيل وان نشيرب وأن نليب ‪،‬‬ ‫وأن نمرح وأن نحب وأن نفكر وأن نيتعلب‪ ،‬وأن نتفياخر‪ ،‬وهليب‬ ‫‪111‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫جراً‪ .‬نتفاعل مس الدنيا بمك ناتها‪ ،‬وم ج داتهيا‪ ،‬سيعيّاً وراء سيد‬ ‫هذ الحاجا ‪ ،‬فندرس‪ ،‬ونتعلب‪ ،‬ونبحث‪ ،‬ونعميل ونصينس ونكيدح‬ ‫فيها‪ ،‬فنسد حاجاتنا‪ ،‬وفي المقابل تنشأ ليدينا حاجيا وحاجيا‬ ‫أخر ‪ ،‬ونمل في سعي دائب منذ طف لتنا وحتى مماتنا لسد هيذ‬ ‫الحاجا التي تنتهي‪.‬‬ ‫لكي تكسب لقمة عيشك بكرامة‪ ،‬وأميان‪ ،‬ولتسيتطيس أن تميارس‬ ‫حياتك باطملنان‪ ،‬مع دون ذ الحاجة‪ ،‬عليك أن تدرس وتيتعلب‬ ‫لسن ا ط يلة‪ ،‬ثب عليك بعدها أن تعمل وتكيدح‪ ،‬وفيي جمييس‬ ‫هذ المراحل الدراسية‪ ،‬والعملية أنت ت اجه الكثير مع الم اقيف‬ ‫الي مية‪ ،‬ويك ن عليك اتخاذ العدييد ميع القيرارا والم اقيف‪،‬‬ ‫وهذ هي التي تحدد صفاتك أو قل ملكاتك‪ ،‬وميع ثيب تشيكل‬ ‫وتك ن ذاتك بها‪.‬‬ ‫لديك رصيد مع مست الشجاعة ورثتيه ميع واليديك‪ ،‬واآلن‬ ‫في هذ الدنيا أنت تبنيي علييه‪ ،‬فيإذا تعي د أن تأخيذ م اقيف‬ ‫متخاذلة خائفة‪ ،‬فأنت تشكّل وتك ّن في ذاتيك الخي ف والجيبع‬ ‫إلى أن يصبع الخ ف والجبع جزءاً مع كيانك النفسيي‪ ،‬بينميا‬ ‫لي اتخيذ م اقيف شيجاعة‪ ،‬فانيت تشيكّل وتكي ّن فيي ذاتيك‬ ‫الشجاعة‪ ،‬إلى أن تصبع الشجاعة جزءاً مع كيانك النفسي‪ ،‬وإن‬ ‫تضاربت م اقفك وسل كياتك‪ ،‬فتارة جبانية خائفية‪ ،‬واخير‬ ‫جريلة شجاعة‪ ،‬فانت تزيد وتنقص مع رصيد الشيجاعة ليديك‬ ‫وف قراراتيك وم اقفيك‪ .‬عيع الرسي األكيرم (ص)‪" :‬إن‬ ‫الصدق لهدى إلى البةروإن البةرلهةدى إلةى الجنةة وإن الرجةل ليصةدق حتة يكتةب عنةد‬ ‫ا صةةديقا وإن الكةةذب لهةةدى إلةةى الفجةةور وإن الفجةةور لهةةدى إلةةى النةةاروإن الرجةةل‬ ‫ليكةةذب حتة يكتةةب عنةةد ا كةةذابا" واألميير ذاتييه يحييدث مييس جميييس‬

‫‪112‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫الصفا النفسية األخر ‪ ،‬كيالعلب واإلرادة‪ ،‬والتقي‬ ‫والحكمة والحلب‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪ ،‬واليقييع‬

‫وفي نهاية المرحلة الثانية مع قصية وج دنيا‪ ،‬أو بتعبيير آخير‬ ‫عندما يعطب الجسد‪ ،‬و يستطيس البعد النفسيي فينيا "اليروح"‬ ‫على ا ستمرار معه في هذ الدنيا‪ ،‬يتركه‪ ،‬ويرحيل إليى عيالب‬ ‫آخر أوسس وأجمل وأفضل مع هذا العالب الذي نحع فيه مع دون‬ ‫أدنى مقارنة‪ ،‬ليبدأ المرحلة الثالثة مع قصة وجي د ‪ ،‬فيي عيالب‬ ‫البرزت‪ ...‬يرحل إلى عالب ه مع حدد مصير فيه‪ ...‬يرحل إلى‬ ‫عالبٍ يتحدد فيه شدة وج د وق ته وكماله بجمييس ميا حصّيله‬ ‫مع ملكا وصيفا وم اهيب وقيدرا ‪ ،‬وتشيكل بهيا فيي هيذ‬ ‫الدنيا‪ ...‬يرحل إلى عالب أساس السعادة والرضا فيه ه العب دية‬ ‫هلل عز وجل والقرب منه‪ ،‬ورض انه‪.‬‬ ‫صمت خالي للحما ‪ ،‬ثب أطرق برأسه إلى األرض‪ ،‬ثب رفعيه‪،‬‬ ‫ووجهه يشس ابتسامة دافلة‪ ،‬وسأ خالي جعفر‪:‬‬ ‫خالي عيسى‪ :‬واآلن جعفر‪ ،‬هل كنت تريد أن تق‬

‫شيلاً؟‬

‫خالي جعفر‪ :‬كان عندي سرا ‪ ،‬لكنني نسيته اآلن‪.‬‬ ‫خالي عيسى‪ :‬أنا أعتذر مع عيدم إتياحتي المجيا ليك لتسيأ‬ ‫حينها‪ ،‬لكنني خشيت أن تطير األفكار مع رأسي‪.‬‬ ‫خالي جعفر‪:‬‬

‫أبداً‪ ،‬لب يكع السرا مهماً‪.‬‬

‫خالي عيسى‪ :‬خالصة القصة هي أننا منذ أن خلقنا اهلل ونحع في‬ ‫حركة مستمرة دؤوبة تهيدأ نحي التطي ر والكميا ‪ .‬يقي‬ ‫س س‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫س سوس ْ ْ ُ ْ س‬ ‫اإلن سسةةان يإنة سةك كة يةاد ٌح يإلةةى سريةبة سةك كة ْةد ًحا ف ُمال يقية يةه"‪..‬‬ ‫سييبحانه وتعييالى‪" :‬يةةا ألهةةا ي‬ ‫ننتقل مع عالب إلى آخر‪ ،‬بعد ان نكمل رسالتنا وهدفنا في العالب‬

‫‪113‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫الذي نحع فيه‪ ،‬أو قل يكتمل فيه تط رنا بحييث نصيبع قيادريع‬ ‫ومرهليع لالنتقا الى العالب الذي يليه‪.‬‬ ‫فقف عندما لقع الحي ان المن ي الب يضة‪ ،‬وأصبع نطفية‪ ،‬قيدر‬ ‫أن ينتقل إلى عالب الرحب‪ ،‬مع خال ما نسميه بعملية "الحميل"‬ ‫وفقف عندما تط ر النطفة‪ ،‬واكتمل نم ها‪ ،‬وأصيبحت إنسياناً‬ ‫انتقلت لعالب الدنيا‪ ،‬عبر ما نسميه بعمليية "الي دة" وبمجيرد‬ ‫مقدمنا لعالب الدنيا‪ ،‬تبدأ عملية تط رنا‪ ،‬التي تشتد وتتسارأ بعد‬ ‫بل غنا إلى أن ننتقل إلى عالب البرزت‪ ،‬عبير ميا نسيميه بعمليية‬ ‫"الم " حيث نمل نتكامل هناك‪ ،‬مس بقية األرواح األخر إليى‬ ‫أن يأتي الي م الذي تصبع فيه األرواح جاهزة ومهييأة لالنتقيا‬ ‫إلى عالب اآلخرة‪ ،‬وه العالب األخير‪ ،‬والمقير اليدائب‪ ،‬فتنتقيل‬ ‫إليه‪ ،‬عبر عملية "البعث"‪ ،‬حيث نمل نتكاميل ونسيم ‪ ،‬ونقتيرب‬ ‫منه اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ت قف خالي عيسى عع الكالم‪ ،‬لكننيا بقينيا جميعياً صيامتيع‬ ‫ل هلة‪ ،‬وكأننا كنا قد خرجنا ت نا مع مشياهدة فليب سيينمائي‬ ‫مرثر‪ .‬وأخيراً قطس خالي حسع هذا الصمت‪.‬‬ ‫خالي حسع‪ :‬كالمك يا عيسى ‪ -‬بكل صدق ‪ -‬ممتس ورائس جيداً‪.‬‬ ‫ليتني كنت سمعته في بدايا حياتي‪ .‬عم ماً زا ال قيت ليب‬ ‫يفت‪ ،‬ولكع قل ليي مياذا تعنيي بأننيا نقتيرب ميع اهلل سيبحانه‬ ‫وتعالى‪ .‬ألي اهلل قريب منا جميعاً‪ ،‬بل أقرب إلينيا ميع أنفسينا‪،‬‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫س سْ‬ ‫كما يق سبحانه وتعالى ‪ " :‬سون ْح ُن أق سر ُب يإل ْي يه مِ ن سح ْب يل ال سو ير ييد"‬ ‫خالي عيسى‪ :‬القرب المذك ر في هذ اآلية هي قيرب إفاضيته‬ ‫لل ج د علينا‪ ،‬وقرب إحاطته بنا‪ ،‬وك ننا في قبضة قدرتيه‪ ،‬فيال‬ ‫شيء يخفى عليه األفعا و األق ا و األفكار والنييا ‪ ،‬و‬ ‫تخفى عليه حتى ال ساوس التي تخطر في القل ب‪ .‬بينما القيرب‬ ‫‪114‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫الذي نتكلب عنه ه تكاملنا وتط رنا ال جي دي‪ ،‬وبالتيالي قيرب‬ ‫عب ديتنا منه سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫خالي حسع‪ :‬لب أفهب‪ .‬ما عالقة تكاملنا وتط رنا مع عالب آلخر‪،‬‬ ‫واكتسابنا للمزيد والمزيد مع القيدرا والملكيا ‪ ،‬ورسي خها‬ ‫فينا وشدتها‪ ،‬ما عالقة كل ذلك بقربنا منيه سيبحانه وتعيالى‪.‬‬ ‫أعني ما ه هذا القرب الذي تقصد ؟‬ ‫خالي عيسى‪ :‬إن قربنا مع اهلل سبحانه وتعيالى بيالمعنى الثياني‪،‬‬ ‫بمعنى قرب العب دية ه يعني مد إدراكنا وتفاعلنيا سيل كياً‬ ‫ومعرفياً ونفسياً وشع رياً و شع رياً بعب ديتنيا هلل عيز وجيل‪،‬‬ ‫إلى أن نصل إليى مرحلية ميع العب ديية والفنياء فيي حيب اهلل‬ ‫وعب ديته نر معها شيلاً غير اهلل‪ ،‬وه ما يعبر عنهيا األميام‬ ‫ً‬ ‫علي (أ) ‪" :‬ما رأيت شحيا إال ورأيت ا‪ :‬قبله‪ ،‬ورعده‪ ،‬ومعه‪ ،‬وفيه"‪.‬‬ ‫خالي حسع‪ :‬ولكع ما عالقة عب ديتنا هلل‪ ،‬وإدراكنا لها‪ ،‬بتكاملنيا‬ ‫وتط رنا‪ .‬هما أمران مختلفان‪ ،‬ألي كذلك؟‬ ‫خالي عيسى‪ :‬بل هما مرتبطان جداً‪ .‬ألن قربنا مع اهلل‪ ،‬وإدراكنا‬ ‫لعب ديتنا هلل عز وجل‪ ،‬إنما ه محصيلة عنصيريع‪ ،‬أولهميا هي‬ ‫مقدار شدة عب ديتنا هلل عز وجل‪ ،‬وثانيهميا هي ميد إدراكنيا‬ ‫التام معرفيا وعاطفياً وعملياً لهذ العب دية‪ .‬هل تتف معيي فيي‬ ‫ذلك حسع؟‬ ‫أجابني خالي جعفير‪ :‬بصيراحة‪ ،‬أنيا فقيد تركييزي‪ .‬عم مياً‬ ‫يكفيني ما تعلمته الي م‪.‬‬ ‫رد عليه خالتي زينب‪ :‬بالعك أنا أريد أن أفهب‪ .‬أرج ك واصل‬ ‫عيسى‪ .‬نعب أنا أتف معك إلى هنا‪.‬‬

‫‪115‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫خالي حسع‪ :‬واصل عيسى‪ ،‬أنا أعي ما تق‬ ‫أيضاً‪.‬‬

‫‪ ،‬وأتفي معيك فييه‬

‫خالتي نجالء‪ :‬لكنني لب أفهب‪.‬‬ ‫خالي سلمان‪ :‬نجالء‪ ،‬لكي تتضع لديك الص رة‪ ،‬يمكنك التفكير‬ ‫بهذ الطريقة‪ ..‬إذا كان مقدار عب ديتك الحقيقية هلل ه ألف‪،‬‬ ‫ومقدار استشعارك بها وإدراكك لهيا هي ‪ %66‬فيإن محصيلة‬ ‫إدراكك للعب دية ستك ن ستمائة! الي كذلك عيسى؟‬ ‫خالي جعفر‪ :‬واضع جداً أن مد ادركنيا للعب ديية هلل يختليف‬ ‫مع شخص آلخر حسب درجة وعيه وتق ا ‪ ،‬ولكع كييف يمكننيا‬ ‫أن نحسب مقدار عب دية كل واحد فينا؟ ألي مقدار عب ديتنيا‬ ‫هلل مطلقًا‪ ،‬ولي له حد؟‬ ‫خالي عيسى‪ :‬صحيع إن مقدار وحقيقة عب ديتنيا هلل عيز وجيل‬ ‫مطلقة‪ ،‬ومساوية لتمام وج دنا بأكمله بكل ذرة فيه‪ ،‬ومع كيل‬ ‫حيثية مع حيثياته‪ ،‬بل إن عب ديتنا هلل ما هي إ نفي وج دنيا‬ ‫المفاض مع اهلل سبحانه وتعالى علينا‪ ،‬وما وج دنا بكل ذرة فيه‪،‬‬ ‫وبكل حيثية مع حيثياته س مطل العب دية هلل عز وجل‪ ،‬فميا‬ ‫هما – أي العب دية وال ج د ‪ -‬س وجهيع لعملية واحيدة‪ ،‬هيل‬ ‫تتفق ن معي في ذلك؟‬ ‫خالتي زينب‪ :‬معق‬

‫‪ .‬استمر‬

‫خالي عيسى‪ :‬وعلييه‪ ،‬فكلميا ازداد وج دنيا شيدة وقي ة‪ ،‬ازداد‬ ‫حقيقة عب ديتنا هلل بنف المقدار‪ ،‬حتى وإن لب ندرك أننا عبييد‬ ‫هلل‪ ،‬بل حتى ل أنكرنا العب دية‪ ،‬وتجرأنيا عليى تحيدي البياري‪،‬‬ ‫كما فعل الشيطان‪ ،‬لعنه اهلل‪.‬‬

‫‪116‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫ولهذا فإن عب ديتنا نحيع البشير هلل أشيد وأعميب ميع عب ديية‬ ‫قنديل البحر هلل عز وجل‪ .‬صحيع أن عب دية كل مخل ق تشمل‬ ‫كل وج د ‪ ،‬لكع شدة هذا ال ج د وق ته تختليف ميع مخلي ق‬ ‫آلخر ألي كذلك؟‬ ‫خالي سلمان‪ :‬كالمك جميل ومعق‬

‫‪ .‬أيع تعلمت كل هذا؟‬

‫ابتسب خالي عيسى‪ ،‬وأكمل كالمه‪ :‬واآلن لنرجس إليى المعادلية‬ ‫التي ذكرناها في البداية ‪ :‬قربنا مع اهلل عز وجل هي محصيلة‬ ‫كل مع أو ‪ ،‬ق ة وشدة عب ديتنا الحقيقية هلل عز وجل‪ ،‬وثانيياً‪،‬‬ ‫مد إدراكنا لهيذ العب ديية واستشيعارنا بهيا وترسيخها فيي‬ ‫وجداننا وسل كياتنا وأفكارنا‪.‬‬ ‫مع جهة أخر فإن شدة وق ة حقيقة عب ديتنا هلل عز وجل‪ ،‬إنما‬ ‫هي رهع بشدة وج دنا وق ته‪ ،‬أو قل بميد تكاملنيا وتط رنيا‪.‬‬ ‫وعليه فإذا عمل اإلنسان على تط ير ملكاتيه وقدراتيه وم اهبيه‬ ‫واكتساب المزيد مع الصيفا النبيلية مثيل الكيرم والشيجاعة‬ ‫والحكمة وصفاء الينف والعزيمية وغيرهيا‪ ،‬فيإن عب ديتيه هلل‬ ‫وبالتالي قربه مع اهلل يزداد بنف المقدار‪ ،‬أما إذا خسر ملكاتيه‬ ‫وقدراته‪ ،‬فخسر معرفته‪ ،‬وفطرته‪ ،‬وشجاعته‪ ،‬وصفاء نفسه‪ ،‬فإنيه‬ ‫يزداد بعداً عع اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫خييالي حسييع‪ :‬لكييع عيسييى أ تالحييظ أن هييذيع العنصييريع‬ ‫مترابطييان جييداً‪ ،‬فكلمييا ازداد تط رنييا وتكاملنييا ازداد إدراكنييا‬ ‫لعب ديتنييا هلل عييز وجييل‪ ،‬وفييي المقابييل كلمييا ازداد إدراكنييا‬ ‫لعب ديتنا هلل عز وجل ازداد تط رنا وتكاملنا ومعرفتنيا وصيفاء‬ ‫نف سنا‪.‬‬

‫‪117‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫خالي عيسى‪ :‬صحيع ما تق ‪ .‬هما عنصيران مختلفيان‪ ،‬لكنهميا‬ ‫مترابطان جداً في العادة‪ ،‬ولكع ليسا متالزميع دائماً‪ ،‬كما حيدث‬ ‫مس الشيطان‪ .‬واآلن هل معنى القرب مع اهلل أصبع واضحاً؟‬ ‫خالتي نجالء‪ :‬نعب‪ ،‬لكع لدي سرا آخر‪.‬‬ ‫خالي جعفر‪ :‬أنا اتص ر أنه يكفي النقا فيي هيذا الم ضي أ‪.‬‬ ‫لقد سمعت الي م كالماً مختلفاً عع كل ما سمعته فيي حيياتي‪،‬‬ ‫وبصدق أحتاج إلى وقت للتأمل والتفكير فيه؟‬ ‫خالتي نجيالء‪ :‬السيرا يليع عليي‪ .‬أرجي كب اسيمح ا ليي أن‬ ‫أطرحه؟‬ ‫خالي عيسى‪ :‬أنا شخصيياً أرحيب بيأي سيرا ‪ ،‬إذا كيان البقيية‬ ‫م افقيع‪ .‬وإ فيمكنا أن نفضّ هذ الجلسة‪ ،‬ونكميل أنيا وإيياك‬ ‫النقا ‪.‬‬ ‫خالي سلمان‪ :‬أنا أريد أن أسمس‪ .‬تفضلي نجالء‪.‬‬ ‫خالي جعفر‪ :‬أمري إلى اهلل‪ .‬تفضلي نجالء‪.‬‬ ‫خالتي نجالء‪ :‬ماذا عع عذاب القبير وشيدة المي‬ ‫عنهما دائماَ؟‬

‫التيي نسيمس‬

‫خالي عيسى‪ :‬شك أن الم (شأنه في ذليك شيأن الي دة)‬ ‫صعب على اإلنسان‪ ،‬ألنه ينتقل إلى عيالب مجهي بالنسيبة ليه‪،‬‬ ‫وه لب يستعد له نفسياً‪ ،‬لكنه سرعان ميا ينيدمج ويتيأقلب فيي‬ ‫حياته البرزخية الجديدة الرائعة‪ ،‬ولكع هذا يعنيي أن المي‬ ‫في ذاته عذاب وشقاء‪.‬‬ ‫إننا عندما نم إنما ن لد في عيالب البيرزت بالشيكل واله يية‬ ‫والحقيقة التي شكلناها‪ ،‬وبالملكا والقيدرا التيي اكتسيبناها‪،‬‬

‫‪118‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫وعليه فإن سعادتنا أو شقاءنا في عيالب البيرزت إنميا هي رهيع‬ ‫بنتيجة تفاعل وج دنا الذي شكلنا وك نّيا نحيع ميس قي انيع‬ ‫عالب البرزت وسننه‪.‬‬ ‫لكي يتضع األمر‪ ،‬تص ري أن أمّا حامالً في شهرها الرابس‪ ،‬تصاب‬ ‫بمرض اإليدز ]مرض فقدان المناعية[‪ ،‬فتعيدي طفلهيا الجنييع‬ ‫بهذا المرض‪ .‬طالما أن الجنيع في عالب الرحب فإنه يتأذ مع‬ ‫مرض اإليدز‪ ،‬ألنه يحتاج لهذ القيدرة (المناعية) فيي عيالب‬ ‫الرحب‪ ،‬ولكنه سيبدأ المعاناة والعذاب الشديد عنيدما ييأتي إليى‬ ‫عالب الدنيا ويتفاعل معها وف ق انينها وم ج داتها‪ ،‬والتي منهيا‬ ‫الجراثيب والفيروسا ‪.‬‬ ‫األمر نفسه تقريبا يحصل عندما ننتقل إلى عالب البيرزت‪ ،‬فيميا‬ ‫عدا أن فقدان ذلك الجنييع لصيفة المناعية إنميا كيان بسيبب‬ ‫والدته‪ ،‬بينما فقداننا لمناعاتنا ول ج داتنا في عالب البرزت إنميا‬ ‫ه بسبب سل كياتنا نحع في عالب الدنيا‪ ،‬رغب التنبيها اإللهية‬ ‫لنا‪.‬‬ ‫حم ا أن القرآن عندما يصف قيبض أرواح الميرمنيع‪ ،‬يقي ‪:‬‬ ‫ْ س س س س ْ ُ ْ سس س ُ س س ُ ُ س س‬ ‫ُ​ُ ْ ْ ْ س‬ ‫س ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ةاه ُم املال ي ك ةةة ط يةي يب ةةان ا سيقول ةةون سس ةةال ٌش سعل ة ْةيك ُم ْادخل ةةوا ال سجن ةةة يب سم ةةا كن ةةت ْم‬ ‫"ال ة يةذين تتوف ة‬ ‫سس ْ س س ْ سس س ْ‬ ‫س ُ س‬ ‫ت ْع سملةون"‪ ،‬بينما يق عع قيبض أرواح الكيافريع‪" :‬ولةو تةرى يإذ يتةوفى‬ ‫ْ س س س ُ ْ ْس س ُ س ْ ُ س ُ ُ س ُ ْ سس ْ س س ُ ْ س ُ ُ ْ س س س ْ‬ ‫اب ال سح ير ييق"‪.‬‬ ‫ال يذين كفروا املال ي كة يض يربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذ‬ ‫‪#####‬‬ ‫في طري الع دة‪ ،‬كنت ساهماً ط ا ال قت أفكر في كيالم‬ ‫خالي عيسى‪ ،‬لب يحدث لي أن سمعت أو قرأ مثل هذا الكالم مع‬ ‫قبل‪ ،‬لي بهذا ال ض ح على األقل‪.‬‬

‫‪119‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫لقد قلب هذا الكالم تفكيري رأساً على عقيب! صيحيع أننيي‬ ‫منذ أن تخرجت مع الثان ية لب أُضس وقتي سيد ‪ ،‬بيل اسيتفد‬ ‫منه بأحسع ما يك ن‪ ،‬تعلمت‪ ،‬وت ظفت‪ ،‬وط ر ذاتيي وقيدراتي‪،‬‬ ‫واهتممت بأسرتي‪ ،‬واقتربت مع اهلل أكثير وأكثير‪ .‬كيل هيذا‬ ‫جميل‪ ،‬ولكع نمرتي في كل ذلك كانت محصي رة عليى عيالب‬ ‫الدنيا! لب يحدث لي أن نمر لحياتي بمراحلها المختلفة ابتداء‬ ‫مع النطفة‪ ،‬وحتى عيالب اآلخير كشيريف واحيد‪ ،‬وإنميا كيان‬ ‫تفكيري وكل طم حي منصباً ألن أصيبع ي مياً ميديراً تنفييذياً‬ ‫لشركة كبيرة‪ ،‬بل عمالقة‪ ،‬ليفخر بي والدي‪.‬‬ ‫أحببت اهلل دائمياً‪ ،‬و أزا ‪ ،‬اسيأله وأدعي دائمياً‪ ،‬فيجيبنيي‬ ‫ويعطيني‪ ،‬ولكع لب أفكر ي ما في عب ديتي ليه‪ ،‬ليب أفكير ي مياً‬ ‫كيف علي أن أرضيه! كان كيل تفكييري منصيباً عليى ذاتيي‪،‬‬ ‫متمح راً على ما أريد‪ ،‬وما أشعر‪ ،‬وما أرغب به‪ ،‬لكنني لب أفكير‬ ‫أبداً في ماذا يريد اهلل مني!‬ ‫حتى وإن حققت جميس أحالمي فيي هيذ اليدنيا‪ ،‬وأصيبحت‬ ‫أغنى‪ ،‬وأق الناس‪ ،‬ما الذي سأكسبه وأنيا مفيارق عميا قرييب‬ ‫جداً هذا العالب ومتجه إلى مصيري!‬ ‫واخجلتا مع ربي! كيف سأقابله ي م أم ؟ ماذا سأق له‬ ‫في تقصيري في حقه؟ ماذا قدمت هلل؟ ما الذي سياهمت بيه لكيي‬ ‫يعرف الناس اهلل كما أعرفه أنا؟ ما اليذي فعلتيه لكيي أجعلهيب‬ ‫يعبدونه ح عبادته؟ ثب هل أنا أعبد ح عبادته؟‬ ‫األنبياء والرسل واألئمة والصالح ن عليى مير التياري ليب‬ ‫يتق قعي ا علييى ذواتهييب‪ ،‬وإنمييا انطلقي ا فييي األرض يملرونهييا‬ ‫صالحاً‪ ،‬ويدع ن الناس ويعلمي نهب عب ديية اهلل‪ ،‬وأرخصي ا فيي‬

‫‪120‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫سبيل ذلك كل غيا ونفيي ‪ ،‬حتيى دمياء أطفيالهب وأسيرهب‪،‬‬ ‫وعذاباتهب! فماذا فعلت أنا؟‬ ‫أعيش في رغد مع عيشي‪ ،‬قرير العيع‪ ،‬أطلب وأدع اهلل متيى‬ ‫شلت‪ ،‬وكأنه واجب علي تجا ربي الذي أكرمني!‬ ‫لكع ماذا أفعل؟ أنا أحب ربي بجن ن‪ ،‬ويسيرني ويليذ ليي أن‬ ‫أضحي في سبيله‪ ،‬ولكع ماذا علي أن أفعل؟‬ ‫فكر أن أعيش العب دية هلل فيي كيل لحمية ميع لحميا‬ ‫حياتي‪ ،‬وأن أسافر طلباً للدراسة الدينية‪ ،‬لكي أرجس عالماً‪ ،‬وأدع‬ ‫الناس هلل عز وجل‪ ،‬ولكع كيف سأنف على نفسي وعلى أسرتي؟‬ ‫يا إلهي أنا مستعد لكل ميا يرضييك‪ ،‬ولكيع قيل ليي ميا اليذي‬ ‫يرضيك؟؟‬ ‫كانت دم عي تتساقف بحرارة وحرقة وغزارة‪ ،‬لكع بصيمت‪،‬‬ ‫ولذا لب يالحظ أحد مع أفراد أسرتي بكيائي‪ ،‬اليى أن اضيطرر‬ ‫لل ق ف بجانب الطري ‪ ،‬ووضعت رأسي على المقي د‪ ،‬وأجهشيت‬ ‫بالبكاء بكل مرارة‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫قصة ا حياة‬


‫الفصل الرابس‬

‫م‬ ‫س‬ ‫فشل ت رم‬


‫م‬ ‫فشل ستمر‬ ‫المدينة المن رة‪ 13 ،‬ي لي ‪2001‬‬

‫أفكار كثيرة كانت تدور في رأسي‪ ،‬وأنا جيال فيي حيرم‬ ‫الرس األكرم (ص)‪ ،‬مت جهاً إلى القبر الشريف‪ ،‬متيأمالً فييه‬ ‫وفي فضل الرس (ص) علينا‪.‬‬ ‫لقد ضحى الرس األكرم (ص) بكل شيء‪ ،‬وأوذي كما ليب‬ ‫يرذ نبي مع قبل‪ ،‬فقف لنرمع برسيالة اإلسيالم الحقية‪ ،‬ونكي ن‬ ‫متقيع‪ .‬واآلن بعد ألف وأربعمائة عام‪ ،‬يزا الرس حيّاً عنيد‬ ‫اهلل‪ ،‬يراقب أعمالنا‪ ،‬ويتأذّ مع حالة الذ والهي ان التيي وصيلنا‬ ‫إليها‪ ،‬ويتأذّ مع ارتكابنا للمعاصي‪ ،‬وابتعادنا عع تعاليب اهلل‪ ،‬التي‬ ‫قضى عمر الشريف (ص)‪ ،‬وضحى مع بعد حتى بأهله لييرسها‬ ‫ويرصلها فينا‪.‬‬ ‫شعر بالخجل الشديد وأنا في حضرته (ص)‪ ،‬فأنا واحد مع‬ ‫أوللييك الييذيع يرذونييه (ص) بمعاصيييّ‪ ،‬وسييماعي لألغيياني‪.‬‬ ‫استحييت مع نفسي‪ ،‬وعاهدته (ص) أ أك ن ممع يرذونه ميرّة‬ ‫أخر ‪.‬‬ ‫رن هاتفي‪ ..‬لقد كانت والدتي تتصل بي‪ ،‬فلقد أنهت زيارتها‬ ‫للرس (ص)‪ ،‬وآن أوان الرج أ للفندق بعد ساعا مع اليدعاء‬ ‫والزيارة‪.‬‬

‫‪123‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫وضعت كمتي ف ق رأسي‪ ،‬ولبست سياعتي‪ ،‬ونهضيت واقفياً‪،‬‬ ‫وأنا أشعر بخدر في ساقاي مع ط جل سي‪ ،‬ومضيت أمشي إلى‬ ‫مكان الملتقى الذي اتفقنا أن نجتمس فيه‪.‬‬ ‫كنت أشعر بالحيرة‪ ،‬فمنذ كالم خالي األخير في المزرعية‪،‬‬ ‫وأنا تتملكني رغبة جامحية للتفيرغ للعبيادة وخدمية اهلل‪ .‬لقيد‬ ‫قرأ كثيراً في كتب السير نحي اهلل‪ ،‬وكلهيا تتمحي ر حي‬ ‫اإلكثيار ميع العبييادة‪ ،‬لكيع المشيكلة أن الحييياة الي ميية‪ ،‬بكييل‬ ‫تحدياتها التي تنتهي‪ ،‬تمنعنيا عيع أداء العبيادة غيير ال اجبية‪،‬‬ ‫فضالً عع التركيز فيها‪.‬‬ ‫هل أقلل مع اهتمامي بأسرتي؟ شيك أن ذليك يرضيي‬ ‫اهلل‪ .‬إذن هل أترك م اصيلة تطي ري المهنيي؟ ربميا‪ ،‬سييّما أن‬ ‫انشيالي بالدراسة‪ ،‬والعمل‪ ،‬وما يتطلبه نجاحي المهني لي فقف‬ ‫يسلبني معمب وقتي‪ ،‬وإنما يشيلني نفسياً وذهنياً‪ ،‬و يبقيي ليي‬ ‫مع تركيزي إ القليل!‬ ‫هناك أمر آخر أيضاً يستهلك الكثيير ميع وقتيي‪ ،‬أ وهي‬ ‫مخالطة الناس‪ ،‬سيّما بعد الصالة‪ ،‬ولقد قرأ في بعض كتيب‬ ‫السير والسل ك أن مخالطة العامة مع الناس‪ ،‬وهيب أهيل غفلية‪،‬‬ ‫يبعد المرء عع اهلل‪ ،‬ويشيله عع السير في سبيله عز وجل‪.‬‬ ‫"محمد" صرخت أختي باسمي فيي أذنيي مباشيرة‪ ،‬ففزعيت‬ ‫بشدة‪ ،‬وأخذ الجميس يضحك علي‪ .‬كنت مستيرقاً في تفكييري‪،‬‬ ‫فلب أنتبه لهيب وهيب يصيل ن‪ ،‬ف جيدتها أختيي فرصية سيانحة‬ ‫إلزعاجي‪ ،‬كعادتها‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪-‬‬

‫أشهد أنك مقرفة‪ ،‬سي ف ليع يتقبيل اهلل زيارتيك‪ ،‬بيل‪،‬‬ ‫سيهب لي ث اب جميس أعمالك الي م ألنيك آذيتنيي‪ .‬قلتهيا‬ ‫وأنا ميتاظ جداً منها‪ ،‬لكع هذا لب يزدها س ضحكاً علي‪.‬‬

‫‪ ‬ألع تخبرنا مع هي سعيدة الحظ هذ ؟ سألتني أميي بميزاح‬ ‫ونحع نمشي في طريقنا إلى الفندق‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مع؟‬

‫‪ ‬تلك التي تشيل تفكيرك‪.‬‬ ‫أجبتها‪ ،‬وأنا مذه وخجل فيي اآلن ذاتيه‪ ،‬إذ ليب يحيدث أن‬ ‫تكلمنا في هذا الم ض أ مع قبل‪ ،‬بل لب يحدث أن فكر فيه مع‬ ‫قبل‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫أمي عيب‪ ،‬نحع في حضرة الرس األكيرم (ص)‪ ،‬ثيب أنيت‬ ‫تعرفيع جيدًا أنني لست مع هذا الن أ مع الشباب‪.‬‬

‫‪ ‬وماذا به هذا الن أ مع الشباب؟ الزواج أمر مسيتحب وليي‬ ‫حراماً!‬ ‫‪-‬‬

‫نعب لكع أنت تعرفيع أنني أفكر في أشياء أهب‪.‬‬

‫‪ ‬وستمل كذلك ط ا عميرك‪ ،‬فهيل يعنيي هيذا أنيك ليع‬ ‫تتزوج ط ا عمرك؟! ثب ألي الرس (ص) هي القائيل‪:‬‬ ‫"مع تزوج فقد أحرز نصف دينه"‪ ،‬فهل ي جد ميا هي أهيب‬ ‫مع نصف دينك؟‬ ‫‪-‬‬

‫لكع مع سترضى بي؟ أنت تعلميع ييا أميي‪ ،‬أننيي قيرر أن‬ ‫أسافر طلباً للدراسة الدينية‪ ،‬ف ر أن أك ّن مصدر دخل ليي‪،‬‬ ‫فمع سترضى أن تتزوج بعالب ديع؟ ومع سترضى أن تسيافر‬ ‫معي؟‬

‫‪125‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫تقل يا حبيبي‪ ،‬أنت اعزم‪ ،‬وت كل على اهلل‪ ،‬ونحع سينجد‬ ‫‪‬‬ ‫لك العروس المناسبة‪ ..‬إن في مجتمعنا الكثير مع الفتييا‬ ‫المتدينا ‪.‬‬ ‫لع أخدأ نفسي‪ ،‬فقيد راقيت ليي الفكيرة كثييراً‪ .‬يبيدو أن‬ ‫اسييتيراقي فييي تطي يري لييذاتي‪ ،‬واهتميامي بدراسييتي وعملييي‪،‬‬ ‫وسعيي وراء طم حاتي شيلني عع هذا الم ض أ تماماً‪.‬‬ ‫أمسكت أمي مع ذراعها برف ‪ ،‬وانزويت بها‪ ،‬وقليت لهيا وأنيا‬ ‫مرتبك مع شدة الخجل‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫ماما‪ ،‬ولكع ابحثي لي عع فتاة جميلية ورشييقة جيداً‪ ،‬فهيذا‬ ‫شرط ضروري‪ ،‬كما أنني أريدها كريمية الينف ‪ ،‬صيافية‬ ‫القلب‪ ،‬بريلة‪ ،‬ومثقفية‪ ...‬أو لمياذا أسيلمك غيداً قائمية‬ ‫بالم اصفا التي أبحث عنها في شريكة حياتي‪.‬‬

‫‪ ‬أخذ أمي تضحك‪ :‬كل هذا وأنت‬ ‫ساعد اهلل قلبك‪.‬‬

‫تفكر فيي الم ضي أ!‬

‫‪#####‬‬ ‫مضت األيام سريعاً‪ ،‬ورجعنا إلى البلد‪ .‬لب أقيض فيي حيياتي‬ ‫أياما أسعد وأجمل منها‪ .‬مشاعر لب أجربها مع قبل ميع السيعادة‬ ‫والطمأنينة والش ق للقاء اهلل عز وجل‪ ،‬ولقاء الرسي األكيرم‬ ‫(ص)‪ ،‬سيّما عندما كنت أجل طي ا اللييل لليدعاء والتأميل‬ ‫والصالة مقابل ميزاب الرحمة‪ ،‬وأنا على بعيد أمتيار ميع أطهير‬ ‫وأقدس مكان في األرض "الكعبة"‪ .‬كنت أشعر بحبي هلل يتفجير‬ ‫مع بيع ج انبي‪ .‬كانت كل خليية فيي جسيمي وكيل ذرة فيي‬ ‫كياني تدع وتبتهل هلل معي‪ .‬دعي اهلل أن يفرغنيي لخدمتيه‪،‬‬

‫‪126‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫وأن يجنبني معصيته‪ ،‬وإ فتعساً لي ول ج دي كله إن لب يكيع‬ ‫هلل‪.‬‬ ‫وها نحع اآلن نرجس ميرة أخير لحيياة اليدنيا‪ ،‬لمشياغلها‬ ‫ومشاكلها‪ ،‬التي تفتيأ تعصير فيرادك بياأللب‪ ،‬والتيي تهيدأ‬ ‫تحديّاتها‪ ،‬فتطحنك برحاها‪ ،‬وتمر سن ا عمرك‪ ،‬وأنت منشييل‬ ‫فيها‪ ..‬دوامة تنتهي‪ ،‬حتى تنهيك معها‪ ،‬وحتيى ينهيا علييك‬ ‫التراب في قبرك‪.‬‬ ‫يا إلهي كب أكر هذا العالب! وكب أنا فيي شي ق للرحييل‬ ‫إلى اهلل في العالب اآلخر‪ ،‬حيث مسروليا أقل بشأنها‪ ،‬وحييث‬ ‫يمكننييي أن أعبييد اهلل‪ ،‬وأن أعيييش الحييب والطهييارة والبييراءة‬ ‫والصييفاء بصييحبة األنبييياء والرسييل (أ)‪ ،‬وأهييل البيييت (أ)‬ ‫والمرمنيع الصالحيع‪.‬‬ ‫ي‬ ‫إلهي خذني إلييك‪ .‬اسيتيفر اهلل‪ ،‬ولكيع ميع ألميي وأختي ّ‬ ‫وجدتي إن ذهبت أنا؟ نعب أنا أتحمل أن يميدوا أييديهب‪ ،‬حتيى‬ ‫ألخ الي‪ ،‬فال أذلهب اهلل‪ .‬رب مُ ّد لي في عمري حتى أطميلع عليى‬ ‫أسرتي‪ ،‬وتكبر أختاي‪ ،‬فتعتني احداهما بأمي وجيدتي ثيب خيذني‬ ‫إليك‪.‬‬ ‫لكع ماذا سأقدم بيع يدي اهلل عندما أرحل للعالب اآلخر؟ ماذا‬ ‫قدمت لربي؟ ماذا قدمت لديني؟ مياذا قيدمت لعييا اهلل وخلقيه‬ ‫الذيع يحبهب‪ ،‬وخلقهب ألنه يحبهب؟ ماذا قدمت للبشيرية؟ بمياذا‬ ‫ساهمت في سعادتها؟‬ ‫ربي مكني أن أك ّن مصيدر دخيل ليي‪ ،‬يفرغنيي لعبادتيك‬ ‫وخدمتك سيدي‪ ،‬ثب عندما ترضى عني خذني إليك‪ ،‬وانت عنيي‬ ‫راض‪ ،‬يا اهلل‪.‬‬

‫‪127‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫لكع ألك ّن مصدر دخل لي‪ ،‬عليي أن أسيعى لتطي ير ذاتيي‪،‬‬ ‫حتى يزيد راتبي‪ ،‬بدرجة تمكنني مع استثمار جزء منه في بنايية‬ ‫تجارية‪ ،‬أنف منها على نفسي‪ ،‬وأسرتي‪.‬‬ ‫لكع هذا يعني أن أنشييل باليدنيا ميرة أخير عيع العبيادة‬ ‫والييذكر وقيييام الليييل! هييذا ه ي الشيييطان ي سيي س لييي‪،‬‬ ‫ويخدعني‪ .‬نعب سأت كل عليى اهلل‪ ،‬وليع أشييل نفسيي بيالرزق‬ ‫أكثر مع الالزم‪ ،‬وسأتفرغ في بقية وقتي ليذكر اهلل وللعبيادة‪،‬‬ ‫وأنا واث مع أن اهلل إذا علب إخالصي فإنيه سييدبر ليي مصيدر‬ ‫دخل بمنه‪ ،‬إنه ج اد كريب‪ ،‬و يخيب مريديه‪.‬‬ ‫قرر أن أبحث عع وظيفة حك مية ألن ساعا العميل فيهيا‬ ‫أقل‪ ،‬وألنها تتطلب مجهي داً أقيل‪ ،‬وبيذلك سييمكنني أن أحقي‬ ‫بعض التفيرغ اليذي أنشيد لعبيادة اهلل‪ ،‬سييّما أن مسيرولياتي‬ ‫ستزداد بزواجي‪ ،‬وستزداد أكثر بمجيء األطفا ‪.‬‬ ‫بالرغب مع أنني كنت مطملنياً ميع قيراري‪ ،‬لكننيي كنيت‬ ‫أرغب في استشارة خالي عيسى‪ ،‬إ َّ أنه كان مسافراً لعدة أشيهر‬ ‫في مهمة في ه لندا‪ ،‬ولذا ت كلت على اهلل‪ ،‬وبيدأ البحيث عيع‬ ‫وظيفة حك مية‪ ،‬أما مسألة البحث عع عيروس فتركتهيا ألميي‪،‬‬ ‫فهذا مع اختصاصها‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫‪ ‬هل تفضلها بيضاء‪ ،‬أم سمراء؟ سألتني أمي وأنا جيال‬ ‫سفرة العشاء‪ ،‬مس بقية أفراد األسرة‪.‬‬

‫عليى‬

‫شعر بالحرج الشديد‪ ،‬واحمر وجهي خجالً‪:‬‬

‫‪128‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪-‬‬

‫ماما عيب هذا الكالم‪ ،‬وخاصة بهذا الشيكل المفتي ح‪ .‬بيضياء‬ ‫طبعاً‪.‬‬

‫ضحك الجمييس عليي‪ ،‬واقترحيت أختيي خديجية بصي‬ ‫وبحماسة‪:‬‬

‫عيا‬

‫‪ ‬ما رأيك في مروة بنت خالة صفية؟‬ ‫‪-‬‬

‫الم ض أ يعنيك أنت‪ .‬وألنك أنت ميع اقترحهيا فأنيا‬ ‫أريدها‪ .‬أجبتها بمزاح‪ ،‬ولكع بجفاء قليالً‪.‬‬

‫ي بفماظي ٍة أحيانيا‪ ،‬فهميا‬ ‫لقد تعي د أن أتحيدث ميس أختي ّ‬ ‫مشاكستان‪ ،‬وتستمتعان جداً بإغاظتي‪ ،‬لكننيي يبيدو هيذ الميرة‬ ‫قس عليها أكثر ميع العيادة‪ ،‬ألنهيا تيأثر وتييير مالميع‬ ‫وجهها‪ ،‬فرق قلبي لها‪ ،‬وقمت إليها وقبلتها على رأسها وأنا أعتذر‬ ‫منها‪.‬‬ ‫‪ ‬أسامحك‪ ،‬ولكع بشرط أن ت اف على ميروة‪ .‬قاليت أختيي‬ ‫خديجة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع أنه تعامل بيننا مطلقاً‪ ،‬لكنني أشعر أنها مثل أختي‬ ‫بحكب ك نها بنت خالة صفية‪ .‬أجبتها‪.‬‬

‫تقل حبيبيي جهيز ليك مجم عية ميع األسيماء‪ ،‬ميس‬ ‫‪‬‬ ‫ص رهع‪ ،‬والمعل ما األخر الالزمة عنهع‪ .‬قالت أمي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫رائس أمي‪ ،‬لكع سنناقش الم ض أ على انفراد‪ ،‬أنا وأنت فقف‬ ‫يا أمي؟‬

‫ي‪ ،‬وبان عليهما الحيزن وا نكسيار‪ ،‬ورفعيت‬ ‫تيير مالح أخت ّ‬ ‫أختي خ لة ص تها وهي تحتج‪ ،‬وعينها تدمس‪:‬‬

‫‪129‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪ ‬نحع مع حقنا أن نشيارك فيي هيذا القيرار‪ ،‬فهيذ القادمية‬ ‫الجديدة ستك ن زوجة أخينا‪ ،‬وستأخذك منا‪.‬‬ ‫رق قلبي لهما‪ ،‬وأمام إصرارهما لب أجد بيداً ميع ا سيتجابة‬ ‫لهما‪ ،‬ولكع بشرط أ يعلقا أو يضحكا علي‪ .‬قفزتا وضحكتا ميع‬ ‫شدة الفرح‪ ،‬وبدأنا النقا في األسيماء المقترحية‪ ،‬واحيداً بعيد‬ ‫اآلخر‪ ،‬ل قت متأخر جداً مع الليل‪ ،‬وأخيراً تب ا تفاق على التيي‬ ‫مالت نفسي منذ البداية إليها‪ ،‬وشعر نح ها بعاطفة‪ ،‬وحيدثتني‬ ‫نفسي أنها ستك ن زوجتي إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫طبعاً تخاذ القرار النهائي‪ ،‬كان بيد ميع مقابلية الفتياة‪،‬‬ ‫والجل س معها‪ ،‬لنختبر كالنا مد انسجامنا مس بعضنا اليبعض‪،‬‬ ‫وبالطبس هذا يقتضي م افقتها المبدئيية عليي‪ ،‬وليذا طلبنيا ميع‬ ‫زوجة خالي عيسيى أن تفياتع أمهيا بياألمر‪ ،‬حتيى نكميل بقيية‬ ‫اإلجراءا ‪ ،‬بما فيها المقابلة في حالة م افقتهب المبدئية‪.‬‬ ‫مرّ أكثر مع أسب عيع إلى أن أُخْبرنا بالم افقية المبدئيية‪.‬‬ ‫لقد كنت سيعيداً جيداً‪ ،‬فيأن أرتيبف بزوجية صيالحة ومرمنية‬ ‫وجميلة لتشاركني حياتي وأحالمي وطم حاتي‪ ،‬هي أعمب نعمة‬ ‫يمكع لي أن أفكر فيها‪.‬‬ ‫تب تحديد م عد المقابلة الساعة الخامسية والنصيف‪ ،‬مسياء‬ ‫ي م الخمي ‪ .‬كنت أنتمر هذا الم عد بفارغ الصبر‪ ،‬وعلى أحر‬ ‫مع الجمر‪ ،‬كنت أحسب الدقائ والث اني‪ ،‬وأظل أردد اسمها على‬ ‫خاطري مراراً وتكراراً فأشيعر بالسيعادة والراحية‪ .‬لقيد كنيت‬ ‫م قناً أنها مكافأة رب العالميع لي على العمرة‪.‬‬ ‫وأخيراً آن أوان المقابلة‪ .‬حرصت أن أصل في الم عد تمامًا‪.‬‬ ‫كنت مرتبكاً جداً في المقابلة‪ ،‬ورغيب أن جهياز التكيييف كيان‬

‫‪130‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫مفت حاً‪ ،‬كنت أشيعر بيالحرارة تنيبض ميع جسيمي‪ ،‬وبيالعرق‬ ‫يتصبب مع جبيني‪.‬‬ ‫كان المجل أنيقاً‪ ،‬ويينب عيع ذوق راق‪ .‬كنيا خمسية أنيا‬ ‫ووالدتي‪ ،‬وفي مقابلنا جلست "ند "‪ ،‬وبجانبها على اليميع جل‬ ‫أب ها قاسب‪ ،‬وعلى جانبها األيسر أمها بت ‪.‬‬ ‫أحسست قلبي يتطاير مع شدة السيعادة‪ ،‬عنيدما رأييت نيد‬ ‫ألو مرة‪ ،‬فقد كانت أجمل مما تخيلتهيا‪ ،‬لكيع أقلقنيي م قيف‬ ‫األب‪ ،‬فقد كان صعباً ن عاً ما في أسللته‪ ،‬وكأنه كان ينمر إلي‬ ‫كمع جاء يسلب وحيدته مع بيع يديه‪ ،‬لكنني تماسكت‪ ،‬وحافمت‬ ‫على ابتسامتي‪ ،‬ورباطة جأشي‪.‬‬ ‫نصف ساعة مع السرا والج اب مس األب‪ ،‬لب يتع لي خاللهيا‬ ‫مطلقاً التحدث مس عروستي المرتقبة‪ ،‬ولكع يبدو أننيي كسيبت‬ ‫الج لة‪ ،‬ولحمت ارتياح األم نح ي‪ ،‬ولي نة أكثير فيي الحيديث‬ ‫مع جانب األب‪.‬‬ ‫همست أمي في أذن الحاجية بت ‪ ،‬برغبتي للجل س مس ند‬ ‫على انفراد‪ ،‬فنهضت األم وهي تبتسيب راضيية واسييتأذنت منيي‬ ‫نيابة عع زوجها بأنه مضطر اآلن لالنصراف ألن لدييه اجتماعياً‬ ‫في المكتب‪ ،‬أستأذن األب بدور ‪ ،‬وصيافحني بحيرارة‪ ،‬وانصيرف‪،‬‬ ‫بينما اتجهيت أميي وأم الفتياة للجلي س فيي الصيالة المقابلية‬ ‫للمجل ‪ ،‬مس إبقاء الباب مفت حاً بيننا‪.‬‬ ‫جيير المقابليية علييى أروأ مييا يك ي ن‪ ،‬فقييد كان يت نييد‬ ‫تشاركني الكثير مع القيب التي أحملها‪ .‬كانت على درجة عالية‬ ‫مع الرقة والعذوبة‪ ،‬الممزوجة بالحيياء والعفية‪ .‬لقيد أحسسيت‬ ‫بميل شديد نح ها‪ ،‬ربما ه ما يسم نه الحب‪ .‬وكنت واثقاً ميع‬

‫‪131‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫أنها ستبادلني نفي المشياعر‪ ،‬بيالرغب ميع ا رتبياك ومالميع‬ ‫الخجل التي كانت تعل وجهها‪ ،‬وتطيى عليها‪.‬‬ ‫كنت سعيداً جداً بالمقابلة‪ ،‬وتمنيت ل أنهيا تنتهيي أبيداً‪،‬‬ ‫لكع كان ال قت يمضي بسرعة‪ ،‬وكان علي أن أصارحها برغبتي‬ ‫في السفر للدراسة الدينية‪ ،‬إ أنني كنت شبه مطملع ميع أنهيا‬ ‫لع تمانس‪ ،‬فقد كانت معجبة بما أحمليه ميع قييب ورسيالة فيي‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫أخبرتها‪ ،‬لكنني ف جليت بني أ ميع اإلحبياط يعلي وجههيا‬ ‫ل هلة‪ ،‬وظلت صامتة للحما ‪ ،‬وكأنهيا تسيت عب الصيدمة‪ ،‬ثيب‬ ‫صارحتني بأنها مرمنة بهذا الخف الرسالي‪ ،‬وتُقدّر كثيراً علماء‬ ‫الديع‪ ،‬ولكنها ليست متأكدة مع مد قدرتها على الصيم د فيي‬ ‫هذا الخف‪ ،‬وتحمل تبعا السفر للدراسة الدينية‪ ،‬وتحمل تبعيا‬ ‫أن تك ن زوجة عالب ديع‪.‬‬ ‫انتهت المقابلة‪ .‬كنت متأثراً وحزيناً جداً! لقد أحببتها فعالً‪،‬‬ ‫ربما ألنني لب أحادث فتاة قبلها في حياتي‪ ،‬وربما لما كان بيننيا‬ ‫مع انسجام كبير أثناء المقابلة‪ ..‬لست أدري لماذا‪ ،‬ولكنها سلبت‬ ‫كياني‪ ،‬إ ّ أن ثمع ا رتباط بها يمكنني سداد ‪ :‬أن أتخلى عيع‬ ‫فكرة الدراسة الدينية‪ ،‬وما تمثله لي مع طم ح يقربنيي ميع اهلل‬ ‫ومع خدمته‪ ،‬وهذا ما كيان مسيتحيالً فيي عقييدتي‪ ،‬بيل كيان‬ ‫ْ س س‬ ‫س س س‬ ‫شركاً باهلل‪ ،‬وقمت أردد في أعماقي ق ليه تعيالى‪" :‬أ سرأ ْيةت سم يةن اتخةذ‬ ‫س‬ ‫يإل سه ُه سه سو ُاه"‪.‬‬ ‫لب يطل انتماري للرد كثيراً‪ ،‬فما هما إ ي ميان ووصيلني‬ ‫الرد بالرفض‪ .‬ورغب أنني كنيت أعيرف اليرد مسيبقاً‪ ،‬أ أننيي‬ ‫أصبت بإحباط شديد‪ ،‬ربما ألنني كنت أزا آمل أن يك ن الرد‬ ‫بالم افقة رغب كل شيء‪ ،‬وأنها أحبتني كما أحببتها أنا‪.‬‬ ‫‪132‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫نعب كنت أشعر باإلحباط‪ ،‬لكع مشاعر الخش أ هلل‪ ،‬والسعادة‬ ‫للتضحية في سبيله كانت أق وأشد بكثيير‪ ،‬أحسسيت دمي عي‬ ‫تجري ساخنة‪ ،‬وأحسست قلبي ينبض بشدة خش عاً وانكسياراً هلل‪،‬‬ ‫وشيعر نفسيي أخاطيب اهلل بكلييي‪ ،‬أن ييا رب اقبيل منيي هييذ‬ ‫التضحية على حبك‪ ،‬والسير في دربيك‪ .‬أنيا أعليب إنيه قلييل‪،‬‬ ‫لكنني مستعد للتضحية بكل شيء في سيبيلك‪ ،‬فقيف اقبلنيي ييا‬ ‫رب‪ ،‬واقبل مني خدمتي لك‪.‬‬ ‫تعلمت درساً قاسياً مع التجربة الماضية‪ ،‬وطلبت ميع زوجية‬ ‫خالي عيسى‪ ،‬ومع أمي أن يصارحا أي فتاة نتقدم لخطبتهيا منيذ‬ ‫البداية برغبتي في الدراسة الدينية‪ ،‬وهذا ما كان‪.‬‬ ‫مضت أشهر‪ ،‬وأنا اتقدم لفتاة بعد اخر ‪ ،‬حتى لب تبي فتياة‬ ‫متدينة‪ ،‬لب أتقدم لخطبتها‪ ،‬بالطبس اضطرر مس ميرور ال قيت‬ ‫التناز عع كثير مع شروطي كالجما والعمير‪ ،‬وميس ذليك‬ ‫فقد ُرفضْت مع قبلهع جميعاً!‬ ‫كنت أتألب كل مرّة كان ييتب رفضيي فيهيا‪ ،‬شيفقة عليى‬ ‫نفسي وكرامتي‪ ،‬وكبريائي‪ ،‬وألن كل مرة ييتب رفضيي فيهيا‬ ‫كانت تتقلص فرصتي في تك يع أسرة خاصية بيي‪ ،‬ميس زوجية‬ ‫أشاركها هم مي وطم حاتي‪ ،‬وما يعتمل في صدري‪ ،‬ويج في‬ ‫ذهني‪.‬‬ ‫صحيع أنني في البداية لب أكع أفكر في الزواج‪ ،‬ولكع منيذ‬ ‫أن فاتحتني أمي بهذا الم ض أ بدأ فكرة الزواج تسيطر عليي‪،‬‬ ‫حتي أنني كنت أشعر أن حياتي أصبحت مت قفة عليه‪.‬‬

‫‪133‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫كنت أتألب ألمي‪ ،‬التي كنت أراها تكبت ألمهيا كلميا كيان‬ ‫يتب رفضيي‪ ..‬رفيض وحييدها‪ ،‬وكيأنني والعيياذ بياهلل مصياب‬ ‫بالجرب أو الجذام!‬ ‫كنت أتألب شفقة على ما أصبع عليه حيا مجتمعنيا‪ ،‬حتيى‬ ‫أصبع الذهاب للدراسة الدينية ذنباً‪ ،‬أو ربميا وصيمة عيار ليد‬ ‫بعضهب‪ ،‬يأب ن بسببه مصاهرة مع هب على شاكلتي! نعيب إنهيب‬ ‫جميعا يمجدون طلبة العلب وعلماء الديع‪ ،‬طالما كيان ا بعييديع‬ ‫عع أسرهب وبناتهب‪ ،‬وطالما أن هر ء الطلبة لب يك ن ا أو دهب‪.‬‬ ‫طلبت مني زوجة خالي أن أخفي أمير رغبتيي فيي الدراسية‬ ‫الدينية في الفترة الحاليية‪ ،‬وعنيدما أتيزوج ليع يكي ن بإمكيان‬ ‫زوجتي الرفض‪ ،‬لكنني رفضت هذا األمر بشكل قياطس‪ ،‬واعتبير‬ ‫أن هذا خيانة وتدلي ‪.‬‬ ‫نعب كنت أتألب‪ ،‬وأشف على نفسي لكنني بيالرغب ميع هيذا‬ ‫األلب‪ ،‬الذي كان يحز في نفسي بقيت صلباً‪ ،‬واحسست بحبيي هلل‬ ‫يزداد‪ ،‬وتمسكي وتعلقي به يشتد‪ ،‬ولطالما أحسست بقربيه منيي‪،‬‬ ‫وكب سهر الليالي أناجيه وأدع أن يقربني منه‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫مر األيام‪ ،‬واستطعت خاللها أن اقتلس مع قلبي حرصي على‬ ‫مستقبلي المهني‪ ،‬والركض وراء الترقية‪ ،‬لكع مس التزاميي بيأن‬ ‫أؤدي مسرولياتي ال ظيفية على أكمل وجه‪ ،‬كما أمرنا اهلل‪.‬‬ ‫ابتعد عع مخالطة الناس‪ ،‬ولذ بالصمت أسيتعيع بيه عليى‬ ‫ذكر اهلل في كل مكان وفي كل وقت‪ ،‬حتى أن اهلل لب يكد يييب‬

‫‪134‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫عع بالي س في ن مي‪ ،‬بل حتى في ن مي‪ ،‬كنيت أحليب بيأنني‬ ‫في الجنة‪ ،‬وأنني مس الصالحيع‪.‬‬ ‫ولقد كافأني اهلل على ذلك‪ ،‬فما عد أسمس األغاني‪ ،‬منذ أن‬ ‫عاهد الرس األكرم (ص) على تركها‪ ،‬بل ولب تعد لي رغبة‬ ‫في سماعها! أكاد أصدق أنني تخلصيت منهيا وميع شيرورها‬ ‫لألبد‪.‬‬ ‫تيير طبيعتي‪ ،‬بالمرة‪ ،‬فأصبحت أكثير هيدوء وطمأنينية‪،‬‬ ‫وارتباطاً باهلل‪ ،‬وحتى المكروها أصبحت أشعر أنها ذن ب تبعدنا‬ ‫عع اهلل عزو وجل‪ ،‬فنفر منها‪.‬‬ ‫هكذا مضت أيامي منذ أن رجعت مع العمرة‪ ،‬ولكع ما هي إ‬ ‫أشهر قليلة‪ ،‬وبدأ يتسلل إلى قلبي شع ر غريب ليب أعرفيه ميع‬ ‫قبل! شع ر مريس ومخيف‪ ،‬ومزعج‪.‬‬ ‫بدأ أشعر في قرارة نفسي أنني أفضل ميع النياس ‪ -‬اليذيع‬ ‫كنت أسميهب في قرارة نفسي بالعامة جرياً على ثقافتنا الدينية‬ ‫المنتشرة ‪-‬فبينما أنا والحمد هلل أضحي بكل شيء هلل‪ ،‬و أنام أو‬ ‫أصح أو أتحرك أو أسكع إ بذكر ‪ ،‬وطلباً لرضا ‪ ،‬فإن النياس‬ ‫غافل ن ساه ن في دنياهب‪ ،‬يركض ن وراء المادة‪ ،‬و ييذكرون‬ ‫اهلل إ قليالً‪ ،‬بل وحتى الصيالة ييأت ن بهيا إ كسيالى وهيب‬ ‫يفكرون في كل شيء إ في اهلل عز وجل‪ .‬نعب أنا أقرب إلى اهلل‬ ‫سبحانه وتعالى منهب‪.‬‬ ‫حمت أن دمعي بدأ يجف في الصالة والدعاء‪ ،‬وأن خشي عي‬ ‫بدأ يقل‪ .‬فقد تدريجيا تلك الحرارة التيي كانيت تتسيب بهيا‬ ‫عالقتي مس اهلل‪ .‬فقد ذلك اللذأ اليذي كنيت أشيعر ‪ ،‬كلميا‬ ‫كنت أذكر ذن بي!‬

‫‪135‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫بدأ أفقد تدريجياً ارتباطي باهلل‪ ،‬ولب أعد أبكي‪ ،‬ش قاً له‪،‬‬ ‫و خ فاً مع مع عقابه سبحانه وتعالى! ولب سيعاقبني اهلل وأنيا‬ ‫أرتكب حتى المكروها فضالً عع المعاصي‪ ،‬واهلل لي بميالم‬ ‫للعبيد!‬ ‫يا إلهي‪ ،‬كب أنا مشتاق ألن أرجس لحالتي الماضية‪ ،‬كيب أنيا‬ ‫مشتاق لتلك العالقة الرائعة التي كانت تربطنيي بياهلل‪ ،‬عالقية‬ ‫الخ ف منه سبحانه وتعالى‪ ،‬وحبه واللهف إلييه‪ ،‬والخشي أ ليه‪،‬‬ ‫والرغبة في عف ورضا ‪ ،‬وأظل أتقلب بينها مع حا إلى حا ‪.‬‬ ‫لب تستيرق هذ المشاعر واألفكار اليريبة والمريعة طي يالً‬ ‫لتسيطر على ج ارحي‪ ،‬وتتملكني‪ ،‬ولب يفلت ميع أسيارها سي‬ ‫عقلي‪ ،‬الذي أدرك ب ض ح‪ ،‬أن هذ األفكار والمشاعر ميا هيي إ‬ ‫آفة بل لعنة "العجب"!‬ ‫لقد قرأ عع هذا المرض‪ .‬إنيه داء خطيير عضيا ‪ ،‬يصييب‬ ‫النف ‪ ،‬وبالتحديد نف س المتيدينيع‪ ،‬لينيز بهيب إليى اليدرك‬ ‫األسفل‪ ،‬وأنه في خط رتيه مثيل الييأس ميع روح اهلل‪ ،‬والتكبير‪،‬‬ ‫وربما أس ء مع ال س سة‪ .‬ألي ه ما أنز الشيطان اللعيع مع‬ ‫أعلى قمة المقربيع إلى أسفل سافليع ودرك الجحيب؟!‬ ‫لقد كنت خائفاً‪ ،‬بيل مرع بياً عليى نفسيي عليى المسيت‬ ‫العقلي‪ ،‬لكع ذلك لب يكع ليدغدغ مشاعري‪ ،‬وكأنهيا فيي عيالب‬ ‫آخر‪ ،‬في عالب يسيطر عليه العجب كليّا!‬ ‫دع اهلل أن ينجيني مع هذ اللعنية‪ ،‬وسيألت العلمياء عيع‬ ‫كيفية التخلص منها‪ ،‬لكع مع دون جيدو ! كيان ال قيت يمير‬ ‫سريعاً‪ ،‬في غير صالحي‪ ،‬ففي كيل لحمية كانيت هيذ اللعنية‬ ‫تستشري في كل أرجاء نفسي وتتأصل فيها‪ ،‬بل وأصبحت تهاجب‬

‫‪136‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫حتى عقلي‪ ،‬فبدأ الشيطان ي س س لي أنني مخطئ‪ ،‬وأننيي لسيت‬ ‫مصاباً بالعجيب‪ ،‬وأن شيع ري بيأنني مصياب بالعجيب هي ميع‬ ‫وس سة الشيطان ليبعدني عع اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫أيقنت ‪ -‬بما بقي مع إدراكيي ‪ -‬أننيي إذا ظلليت عليى هيذ‬ ‫الحالة فإنني سألح بالشيطان‪ ،‬محالة! كنيت مسيتعداً لفعيل‬ ‫أي شيء ألرجس عالقتي القديمة مس اهلل! لب يب أمامي س حل‬ ‫واحد‪ ،‬لب أتجرأ أن أستشير فيه أحداً‪ ،‬لكننيي ت كليت عليى اهلل‪،‬‬ ‫ودع ته أن أك ن مصيباً فيما سأفعله‪ ،‬ونفذته عليى الفي ر ميع‬ ‫دون أي إبطاء!‬ ‫رجعت لسماأ األغاني‪ ،‬وتركت ذكير اهلل فيي غيير الصيالة‬ ‫ال اجبيية! نعييب تركييت الن افييل‪ ،‬ولييب ألتييزم بيييير ال اجبييا‬ ‫والفييرائض‪ ،‬بالحييد األدنييى منهييا‪ ،‬وتركييت الصييمت‪ ،‬ورجعييت‬ ‫لمخالطة الناس‪ ،‬بشكل طبيعي كما كنت سيابقاً‪ ،‬ورجعيت إليى‬ ‫ساب عهدي مس شلتي نقيب الرحال ‪ ،‬ونسهر ونمرح ونله ‪ ،‬بميا‬ ‫معصية فيه هلل عز وجل‪ ،‬كما قمت با نضمام لبرنامج دراسية‬ ‫المحاسبة القان نية األمريكية (‪ ،)CPA‬قاصداً تقيديب ا متحانيا‬ ‫في شهر ماي اآلتي‪.‬‬ ‫ما هي إ ّ أيام مع انضمامي لبرنامج الي ‪ ،CPA‬وإذا به يحصل‬ ‫ما كنت أخشيا ‪ ،‬فقيد اسيتطاأ الميدير الميالي إقنياأ الميدير‬ ‫اإلقليمي الجديد بأنني أرتكب األخطياء فيي عمليي‪ ،‬وأننيي غيير‬ ‫كفء‪ ،‬وأنه مع األفضل التخلص مني‪.‬‬ ‫وهذا ما كان فعالً‪ ،‬فقد اجتمس بي الميدير الميالي والميدير‬ ‫اإلقليمي الجديد‪ ،‬إلخباري بأنني غير مرغ ب به فيي المرسسية‪،‬‬ ‫وطلبا منيي تقيديب اسيتقالتي‪ ،‬ميس منحيي راتيب ثالثية أشيهر‬ ‫كتع يض‪.‬‬ ‫‪137‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫وقس الخبر عليي كالصياعقة‪ ،‬فقيدمت اسيتقالتي مستسيلماً‬ ‫لقدري الذي أفهمه! شعر بالدنيا تلف بي‪.‬‬ ‫تجري أم ري بالشكل الصحيع؟‬ ‫لست أفهب لماذا أنا بالذا‬ ‫ما الذي يحدث لي؟ هل ه عقاب مع اهلل؟ ولكع لماذا ييضيب اهلل‬ ‫علي؟ أ ألننيي أصيبت بالعجيب؟ وهيل كيان ذنبيي أننيي أصيبت‬ ‫بالعجب! لقد داهمني بيالرغب منيي‪ .‬إنيه ميرض أصيابني‪ ،‬وليب‬ ‫أختر بإرادتي‪ ،‬فهل يالم المريض على مرضه! أم لعله عز وجل‬ ‫غضب مني ألنني حاولت التخلص مع العجيب بطريقية خاطلية؟‬ ‫ولكع هل كان هناك مع طري آخر ليب أتبعيه؟! نعيب أنيا ليب‬ ‫أسلك هذا الطري إ للرج أ إليه! يا إلهي أنا تائه‪.‬‬ ‫أيحتمل أن يك ن كل هذا مجيرد بيالء واختبيار؟ ولكيع أي‬ ‫اختبار هذا أن أصاب بالعجب‪ ،‬وأخسر وظيفتيي‪ ،‬ومصيدر رزقيي‬ ‫ورزق أسرتي‪ ،‬و أجد مع ترضى بي زوجاً؟!‬ ‫لكع لماذا أص ر األم ر بهذ الطريقة‪ ،‬ربما هي سنة الحيياة‬ ‫الطبيعية تجري وف ق انينها بتلقائية‪ ،‬وما أنا س شخص سيئ‬ ‫الحظ!‬ ‫مهالً‪ ...‬يجب أ أشتت نفسيي‪ ،‬وإ سيأظل أدور فيي حلقية‬ ‫مفرغة‪ .‬فمهما كان سبب ميا حصيل‪ ،‬فهي ميع الماضيي‪ ،‬بينميا‬ ‫المستقبل على كل حا بيد اهلل‪ ،‬وأما ما بيدي فهي أن أتصيرف‬ ‫كما يريد اهلل مني!‬ ‫علييي أن أكيي ن إيجابييياً‪ ،‬وأ أخضييس لل سيياوس واليييأس‬ ‫وال هب‪ ..‬علي أن أسعى أكثر بحثًا عع وظيفة‪ ،‬حتى وإن كانيت‬ ‫في القطاأ الخاص‪ ،‬وأ أستسلب أبيداً‪ .‬بيل ومرحبياً بكيل فشيل‬

‫‪138‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫أواجهه‪ ،‬فأتجاهله‪ ،‬وكأنه لب يحدث وأمضي في طريقي بعزيمية‬ ‫وإصرار‪ ..‬هذا ما سيرضي اهلل عني‪ ،‬إن كان غاضباً مني حقاً‪.‬‬ ‫كما أن علي أن أبذ مجه داً أكبر في دراسة اليي ‪ ،CPA‬ألن‬ ‫ذلك سيعزز مع فرصي في الحص على وضس وظيفي أفضيل‪،‬‬ ‫وأكثر أماناً واستقراراً‪.‬‬ ‫هكذا مضت أيامي التالية‪ .‬لست أدري كب شهراً مضيى عليي‬ ‫وأنا على هذ الحالة‪ ،‬لكنني كنت مثابراً فيها‪ ،‬وذا همة عالية‪،‬‬ ‫تتعب س اء على مست الدراسة‪ ،‬أو البحث عع وظيفة‪.‬‬ ‫لب أترك مشاعر اليأس والمليل تتسيلل إليى نفسيي مطلقياً‪،‬‬ ‫بالرغب مع كل إجابا الرفض التي كنت أقابيل بهيا‪ ،‬والفشيل‬ ‫الذي كنت أعاني منه س اءً في م ض أ الخطبة‪ ،‬أو البحيث عيع‬ ‫وظيفة‪ ،‬رغب كل الجه د الجبارة‪ ،‬التي كنت أبذلها!‬ ‫مع جهة أخر بدأ أستعيد ن عَا ميا عالقتيي القديمية ميس‬ ‫اهلل‪ ،‬ولكنني هذ المرة كنت خائفاً مع أن أمضي قدماً أكثر في‬ ‫عالقتي معه سبحانه وتعالى‪ ،‬خشية أن أفقد كليةً‪ ،‬كما حصيل‬ ‫معي في المرة الماضية!‬ ‫كنت أشعر بالفشل الذريس يلف بي ويحيطني‪ ،‬ويكيتب عليي‬ ‫أنفاسي‪ ،‬فمنذ أن رجعت مع العمرة‪ ،‬وأنا أفشل فيي كيل شييء!‬ ‫طرد مع وظيفتي‪ ،‬وفشلت في الحصي عليى وظيفية أخير ‪،‬‬ ‫وفشلت في أن أجد فتاة تقبل بي‪ ،‬حتى ملَّت أمي وزوجية خيالي‬ ‫مع البحث عع عروس لي‪ ..‬واألس أ مع ذلك كليه فشيلت فيي‬ ‫أهب وأعمب شيء في حيياتي‪ ،‬فشيلت فيي القيرب منيه سيبحانه‪،‬‬ ‫وتعالى!‬

‫‪139‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫يا رب أنا لست راغباً في هيذ الحيياة‪ ،‬فيإذا ليب تميع عليي‬ ‫بالقرب منك‪ ،‬فخذني إليك‪ ،‬ولكع تدعني في هذ الدنيا‪ ،‬وأنا‬ ‫أعصيك!‬ ‫‪#####‬‬ ‫الخمي ‪ ،‬السابس مع فبراير ‪ ،2662‬عصراً‬ ‫كنت أتمرجع بسعادة في األرج حية‪ ،‬وأنيا منيدمج بقيراءة‬ ‫األناشيد‪ ،‬وفجأة طل علي خالي عيسى مع الباب‪،‬‬ ‫صرخت بلهفة وش ق‪ :‬خالي! وقفز أحضنه في ش ق وحرارة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫متى رجعت؟ لماذا لب تخبرنا خالتي أم تامر لنيأتي للمطيار‬ ‫ستقبالك‪.‬‬

‫‪ ‬أنا طلبت منها أ ّ تخبركب‪ ،‬فقد أحببت أن أفاجلكب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫يا لها مع مفاجأة سارة‪.‬‬

‫‪ ‬أر البيت خالياً! أيع البقية؟‬ ‫‪-‬‬

‫كالعادة‪ ،‬أمي وجدتي ذهبتيا للقييام بيبعض الزييارا ‪ ،‬أميا‬ ‫خديجة وخ لة‪ ،‬فقد ذهبتا لدرس المسجد‪.‬‬

‫‪ ‬وأنت تستيل غيابهب لتقرأ األناشيد بيأعلى صي تك‪ ،‬كنيت‬ ‫أسمعك تصدح بص تك مع بداية الطري ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حقاً خالي! هل تسببت باإلزعاج للجيران؟‬

‫‪ ،‬أنا أمزح معك فقف‪ .‬كنت أسمس صي تك‪ ،‬لكنيه كيان‬ ‫‪‬‬ ‫ضعيفاً‪ ،‬ولي بشكل يزعج الجيران‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫هل عرفت أخباري خالي؟‬

‫‪140‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪ ‬كنت أتابعها مع خال خالتك أم تامر‪ ،‬لكع أخبيارك بيد‬ ‫لي مضطربة‪ ،‬ومختلفة جداً عما كنت اتخذته ميع قيرارا‬ ‫لد نقاشنا في المزرعة! فما الذي جر ؟‬ ‫‪-‬‬

‫خالي أنا في أم الحاجية أن أخبيرك مياذا جير ‪ ،‬وأسيمس‬ ‫نصيحتك‪ .‬ما رأيك أن نتمشى عليى الكي رنيش‪ ،‬ونتحيدث‬ ‫إلى أن يأتي وقت صالة الميرب؟‬

‫‪ ‬على الرحب والسعة‪.‬‬ ‫هناك على الك رنيش‪ ،‬كان الهي اء بيارداً‪ ،‬ومنسي ب البحير‬ ‫مرتفعاً جداً على غير العادة‪ ،‬األمر الذي كان يجعل المشي عليى‬ ‫الك رنيش ممتعاً حقاً‪.‬‬ ‫أخبر خالي ونحع نتمشى كل ما جر منذ أن رجعنا ميع‬ ‫العمرة‪ ،‬فيما عدا أنني أخفيت عنه أنني أسمس األغاني‪ ،‬وبد ً ميع‬ ‫ذلك قلت له "خطأ أرتكبه"‪ .‬كان أميراً فيي غايية اإلحيراج أن‬ ‫أخبر خالي أنني أرتكب خطأً ما‪ ،‬ولكنني كنت في أم الحاجية‬ ‫لنصيحته‪ ،‬فقد كنت تائهاً‪ ،‬لدرجة أنني كنت خائفاً عليى نفسيي‬ ‫مع ا متناأ عع ترك األغاني‪ ،‬لكي أصاب بالعجب‪ ،‬مرة أخر !‬ ‫ظل خالي ساكتا لبرهة ليست بالقصيرة‪ ،‬وكأنه كان يجمس‬ ‫أفكار ‪ ،‬وربما كان محبطاً مني‪ ،‬ويحتقرني بسبب الخطيأ اليذي‬ ‫أخبرته أنني أرتكبه‪.‬‬ ‫‪ ‬محمد‪ ،‬هل تسمع لي أن أك ن صريحاً معك؟‬ ‫‪-‬‬

‫بلعت ريقي‪ :‬طبعاً خيالي‪ ،‬لهيذا أخبرتيك بكيل ميا عنيدي‪،‬‬ ‫لتنصحني وتساعدني على تجاوز أزمتيي‪ .‬قليت ذليك وأنيا‬ ‫أشعر بحرج شديد‪.‬‬

‫‪141‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪ ‬بالرغب مع الخطأ الذي تق أنك ترتكبه‪ ،‬لكع شك فيي‬ ‫أنك إنسان مرمع‪ ،‬وتحب اهلل كثيراً‪ ،‬وقد حبياك اهلل بيقييع‬ ‫عجيب‪ ،‬ولكع ما حدث لك منذ وص لك مع العمرة إنما ه‬ ‫بسببك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بسببي أنا! كيف؟! سألت خالي‪ ،‬وأنا في غاية ا ستيراب‪.‬‬

‫‪ ‬لقد حاولت بيديك وإرادتك أن تمنس نفسك مع ثالثة ميع‬ ‫أهب الطرق الم صلة هلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا؟! مستحيل!‬

‫‪ ‬أو ً تركك لم اصيلة تطي رك المهنيي‪ ،‬وثانيياً تركيك‬ ‫للت اصييل ا جتميياعي مييس النيياس‪ ،‬وثالثياً تجنبييك الكييالم‪،‬‬ ‫وميلك للصمت‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لكنني فعلت ذلك‪ ،‬ليتسنى لي وقتاً أط للعبيادة‪ ،‬وألبتعيد‬ ‫عع المحرما التي تنشيأ ميع ا حتكياك بالنياس والتعاميل‬ ‫معهب‪ ..‬لكع كيف تقربنا هذ ا شياء مع اهلل؟ سيألت خيالي‬ ‫باستيراب شديد‪.‬‬

‫‪ ‬هل تذكر عنيدما كنيا نتنياقش فيي المزرعية‪ ،‬أن حقيقية‬ ‫عب ديتنا ما هي إ مقيدار ميا نملكيه ميع ال جي د‪ ،‬واليذي‬ ‫بدور يتك ن مع قدراتنا وملكاتنا مثيل الحكمية والمعرفية‬ ‫واإلرادة واللطف وغيرهيا‪ ،‬وأن وج دنيا ييزداد قي ة وشيدة‬ ‫كلما ترسخت فينا هذ الصفا والملكا إلى أن تتحد ميس‬ ‫نف سنا فتصير شيلاً واحداً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫نعب أذكر ذلك‪.‬‬

‫‪142‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪ ‬حسناً وميا هي الطريي برأييك كتسياب هيذ الملكيا‬ ‫وترسيخها فينا غير ممارسية الحيياة بتجاربهيا وتحيدياتها‬ ‫المختلفة‪ ،‬واستخدام قدراتنا فيها؟‬ ‫كلما زاد التحديا التي ت اجهنا وزدنا نحع إصراراً عليى‬ ‫التيلب عليها‪ ،‬والتصرف بإيجابية نح هيا‪ ،‬ازداد نصييبنا ميع‬ ‫الملكا والقيدرا ‪ ،‬وازداد رسي خا فينيا‪ ،‬وبالتيالي ازداد‬ ‫عب ديتنا هلل عز وجل‪ ،‬وازداد قربنا منه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫فعالً كالمك صحيع يا خالي‪ .‬لست أدري لمياذا ليب أنتبيه‬ ‫لذلك!‬

‫‪ ‬قل لي ألي التط ر المهني‪ ،‬يكميع فيي أن يطي ر اإلنسيان‬ ‫قدرته على األداء واإلنجاز‪ ،‬مع خال تط ير قدراته‪ ،‬وذاته؟‬ ‫‪-‬‬

‫ه كذلك‪ ،‬خالي‪.‬‬

‫‪ ‬إذًا فتط رك المهني يق دك لدرجة كبيرة نحي اهلل‪ ،‬فضيالً‬ ‫أنه يحق لك السعادة وتحقيي اليذا فيي اليدنيا‪ .‬أليي‬ ‫كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫بلى‪ ،‬أتف معك‪ .‬لست أعلب ماذا دهاني عندما فكير بتليك‬ ‫الطريقة!‬

‫‪ ‬ونف الكالم يصدق بالنسبة للت اصل ا جتماعي مس النياس‪،‬‬ ‫ويصدق أيضياً بالنسيبة للكيالم اليذي هي ميع أهيب أدوا‬ ‫الت اصييل ا جتميياعي والتط ي ر المهنييي وممارسيية الحييياة‬ ‫عم ماً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولكع خالي‪ ،‬ألي‬

‫‪143‬‬

‫حب الدنيا رأس كل خطيلة؟‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪ ‬هذا صحيع‪ ،‬لكع المنهيي عنيه هي أن ننحصير فيي اليدنيا‪،‬‬ ‫ونشتيل بهما عما بعدها‪ ،‬وإ ّ فكما ورد عع الرس األعميب‬ ‫(ص)‪" :‬الةدنيا مزرعةةة االخةرة"‪ ،‬نييزرأ فيهييا مييا سنحصييد فييي‬ ‫ا خرة‪.‬‬ ‫اسمعني حبيبي‪ :‬إن معادلة الت ازن بيع الدنيا وا خيرة‪ ،‬هيي‬ ‫ً‬ ‫ما ذكرها اإلمام علي (أ)‪" :‬اعمةل لةدنياك كأنةك تعةحش أبةدا واعمةل‬ ‫ً‬ ‫اخرتك كأنك تموت ردا"‪.‬‬ ‫سر في جسمي قشعريرة‪ ،‬فقد بدأ الج يبرد قليالً‪.‬‬ ‫‪ ‬هل تشعر بالبرودة‪ ،‬دعنا ندخل المسجد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ،‬دعنا هنا‪ ،‬إن منمر البحير رائيس‪،‬‬ ‫مضطرباً بهذ الطريقة‪.‬‬

‫سييما عنيدما يكي ن‬

‫‪ ‬كما تشاء‪ .‬قالها خالي‪ ،‬وه يبتسب لي ابتسامة حن نة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ماذا عع تلك المعصية‪ ..‬أعني الخطيأ اليذي أسيتطيس أن‬ ‫أمتنس عنه؟ هل زلت أستطيس ان أسلك نح اهلل وأنا أرتكب‬ ‫ذلك الخطأ؟‬

‫‪ ‬أقدر لك جداً أنك رغب حاجتك للب ح عميا فيي صيدرك‪،‬‬ ‫ورغب عالقتنا الق ية‪ ،‬لكنك ستر نفسك‪ ،‬وليب تيبع عيع‬ ‫معصيتك! وأنا حقيقةً أعليب ميا إذا كنيت فعيالً ترتكيب‬ ‫معصيةً‪ ،‬أم أنك ته األمر كعيادة الميرمنيع فيي النمير‬ ‫ألخطائهب!‬ ‫ثب سكت خالي للحما ‪ ،‬وأخذ حصاةً صيييرة كانيت هنياك‬ ‫على الحاجز الصخري الذي يفصلنا عع البحر‪ ،‬ورماها في البحر‬ ‫بعيداً‪ ،‬ثب ت جه نح ي وأعقب‪:‬‬

‫‪144‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪ ‬المعصية معصية و يجب أن نستهيع بهيا‪ ،‬ويجيب علينيا أن‬ ‫نمل نستيفر منها ونحاو بأقصى قيدرتنا أن نمتنيس عنهيا‪،‬‬ ‫ولكع في ال قت نفسيه يجيب علينيا أ نت قيف عنيدها‪ ،‬و‬ ‫ندعها تح بيننا وبيع اهلل حتيى وإن ليب نسيتطس اإلقيالأ‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫إننا يمكننا أن نتدرج في مدارج الكما ونقترب منه سيبحانه‬ ‫وتعالي لمراتب عالية حتى مس الضعف والخ ر الذي يسييطر‬ ‫علينا تجيا أمي ر معينية‪ ،‬وضيعف عبادتنيا‪ ،‬فقيد ورد عيع‬ ‫الرسي ي (ص)‪" :‬إن العبةةد ليبل ة بحسةةن خلقةةه عظةةيم درجةةات ااخةةرة‪،‬‬ ‫وشرف املنازل‪ ،‬وإنه لضعيف العبةادة"‪ .‬كميا ورد عنيه (ص)‪" :‬لةوال‬ ‫ً‬ ‫أنكم تذنبون‪ ،‬فتستغفرون ا لخلق ا خلقا حتة يةذنبوا ةم سةتغفروا ا‪،‬‬ ‫فيغف ةةرله ةةم‪ .‬إن امل ةةؤمن مفت ةةتن ت ةةواب‪ .‬أم ةةا س ةةمعت ق ةةول ا ع ةةزوج ةةل‪" :‬إن ا‬ ‫يحب التوابان ويحب املتطهرين"‪ ،‬وقال ‪":‬استغفروا ربكم م توبوا إليه"‪.‬‬ ‫هل تعرف يا محمد‪ ،‬كثيرة هي النص ص الي اردة عيع أهيل‬ ‫البيت (أ) أن المرمع في حالة المعانياة‪ ،‬وحيرارة ا نيدفاأ‪،‬‬ ‫والحرقة في الت جه أفضل حتى مس اليذنب‪ ،‬منيه وهي فيي‬ ‫حالة ا ستقامة والعجب بذاته! ورد عع اإلمام الصيادق (أ)‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫"إن ا علةةم أن الةةذنب خاةةرللمةةؤمن مةةن العج ةب‪ ،‬ولةةوال ذلةةك مةةا ْابتلةةي املةةؤمن‬ ‫ً‬ ‫بذنب ابدا"‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا أكثر ميع يفهيب معنيى هيذا الحيديث الشيريف‪ .‬قلتهيا‬ ‫بابتسامة‪.‬‬

‫ضحك خالي‪ ،‬وجلي عليى المقعيد الصيخري‪ ،‬مقابيل البحير‪،‬‬ ‫فجلست بجانبه‪ ،‬وأردفت‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫أحتاج أن أفهب المزيد عع كيفية السل ك نح اهلل‪.‬‬

‫‪145‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪ ‬المشكلة أن الكثير مع كتب السير والسل ك إما تتحدث عع‬ ‫ممارسييا تمييج منهييا فطييرة ا نسييان وتخييالف التعيياليب‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وإما تتمح ر ح ذكر اهلل والصالة‪ ،‬وعبادة اهلل‬ ‫بالمعنى الخاص وه أمر بالرغب مع عممته ولكع يمكيع‬ ‫اختصار السل ك والسير نح اهلل فيه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وهل هناك عبادة بالمعنى الخاص‪ ،‬وعبادة بالمعنى العام؟‬

‫‪ ‬بالطبس‪ ..‬العبادة بالمعنى العام ه أن تأتي بكل حركية ميع‬ ‫حركاتك وبكل سكنة مع سكاناتك وبكل تصي ر تتصي ر‬ ‫أو شع ر تشعر وف رضا اهلل عز وجل‪ ،‬وفي خدمته‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫هذا األمر صعب جداً خالي‪.‬‬

‫‪ ‬الصعب حقاً ه أن تصل إلى درجية قريبية ميع القمية فيي‬ ‫سل كك نح اهلل‪ ،‬لكنك ميع الممكيع جيدًا أن تصيل إليى‬ ‫مراتب عالية جداً‪ .‬ألي اإلمام زيع العابديع يق في دعياء‬ ‫س س‬ ‫س س‬ ‫ْس س سْ‬ ‫سس ْ‬ ‫راح سةل يال ْي سةك قري ُةب املسةاف ية‪ ،‬سوان سةك ال ت ْحت يج ُةب‬ ‫أبي حمزة الثمالي‪" :‬وان يال ي‬ ‫سْ‬ ‫ُ س‬ ‫ةسْ س‬ ‫عمال ُدون سك"‪.‬‬ ‫سع ْن خل يق سك إال ان ت ْح ُج سب ُه ُم األ‬ ‫تن أن اهلل خلقنيا لنتجيه إلييه‪ ،‬وأنيه سيبحانه وتعيالى‬ ‫أحرص منا أن نصل إليه‪ ،‬وأنه يت نا بأمر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وهذا المعنى أيضاً أدركته جييداً‪ ،‬فقيد خبرتيه ميراراً فيي‬ ‫حياتي‪ .‬أرج ك أخبرني المزيد عع السير نح اهلل‪.‬‬

‫‪ ‬المشكلة حبيبي أنني لست مرهال لهذا األمر‪ ،‬فأنا لست عيالب‬ ‫ديع‪ ،‬وهذا األمر يتطلب درجة عالية مع المعرفة والممارسة‬ ‫في جهاد النف والسير نح اهلل‪.‬‬

‫‪146‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪-‬‬

‫خالي‪ ،‬أنا لي لدي غيرك‪ ،‬وأنا فعال محتاج أن أفهب أكثير‬ ‫عع هذا األمر‪ .‬ما رأيك أن تلب لي في جلسة واحدة أطراف‬ ‫ما سب وأن أخبرتني به‪.‬‬

‫بأس‪ ،‬ولكع لي اآلن‪ ،‬ألن وقت صالة المييرب قيد قيرب‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫وبعدها علي أن أذهب للبيت‪ .‬ما رأيك أن تأتي أنت وأهليك‬ ‫غداً إلى المزرعة‪ ،‬ونتحدث هناك؟‬ ‫‪-‬‬

‫يسرني ذلك‪ ،‬لكع يجب أخذ م افقة أمي أو ً‪ .‬دعني اسيألها‪،‬‬ ‫وسأتصل بك للتأكيد‪.‬‬ ‫‪#####‬‬

‫كان اله اء منعشًا في المزرعة‪ ،‬والج يميل للبرودة‪ ،‬وكنّيا‬ ‫أنا وخالي نمشي معاً بيع األشجار‪ .‬كان خيالي مقطّبيًا حاجبييه‪،‬‬ ‫وصامتاً كعادته‪ ،‬عندما يجمس أفكار ‪ .‬وأخيراً‪ ،‬بعد لحما صمت‬ ‫ط يلة‪ ،‬هب خالي بالبدء بالكالم‪ ،‬فبادرته قائالً‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫خالي‪ ،‬هل تمانس أن أسجل هذا الحديث‪ ،‬ألنني أريد أن أسمعه‬ ‫مرّة أخر وأتأمل فيه‪.‬‬ ‫مطلقاً‪ .‬تفضل حبيبي‪.‬‬

‫‪‬‬

‫أخرجت المسجلة‪ ،‬وبدأ التسجيل‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً خالي‪ ،‬تستطيس أن تبدأ بالكالم اآلن‪.‬‬

‫‪ ‬كنت أقرأ كتاب "العادا السبس للناس األكثر فعالية" ليي‬ ‫ستيفع ر‪ .‬ك في ]والذي يعد واحداً مع أكثر الكتب مبيعياً‬ ‫ورواجاً في العالب[ فاسيت قفتني فييه هيذ العبيارة ‪" :‬إننيا‬ ‫نستطيس قضاء أسابيس‪ ،‬أو شه ر‪ ،‬بيل وسينيع كيادحيع ميس‬ ‫الصييفا األخالقييية الذاتييية محيياوليع تييييير ت جهاتنييا‬ ‫‪147‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫وسل كياتنا‪ ،‬و نحاو حتى مجيرد البيدء لالقتيراب ميع‬ ‫ظاهرة التيير الذي يحدث تلقائياً عندما نير األشيياء فيي‬ ‫ص رة مختلفة‪ .‬وهكذا يبدو بجالء أنه إذا رغبنا فيي إجيراء‬ ‫تيييرا طفيفة نسبيًا في حياتنا‪ ،‬فلربما اسيتطعنا التركييز‬ ‫بطريقة مالئمة على ت جهاتنا وسل كياتنا‪ .‬أما إذا رغبنا في‬ ‫إجراء تييير ج هري وكمي‪ ،‬فإنه يتعيع أن تنصب جه دنيا‬ ‫على تص راتنا الذهنية األساسية‪" .‬‬ ‫ْ‬ ‫ْس‬ ‫وهذا ما يركد عليه القيرآن الكيريب‪" :‬إ سل ْيةه سي ْ‬ ‫ص سةع ُد الك يل ُةم الط يةي ُةب‬ ‫ي ي‬ ‫س‬ ‫سو ْال سع سم ُل ْ‬ ‫الص يال ُح سي ْرف ُع ُه"‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫"نية املؤمن خارمن عمله"‬

‫‪ ‬عندما نتكلب عيع السيير نحي اهلل يجيب أو ً أن نيدرك أن‬ ‫التييير المستهدف فينا يكي ن عليى مسيت سيل كياتنا‬ ‫وأفعالنا وحسب‪ ،‬وإنما عليى مسيت مشياعرنا وإدراكاتنيا‬ ‫وتص راتنا الذهنية األساسية أيضاً‪.‬‬ ‫كما أن أهب عامل يمكّننيا ميع تيييير أنفسينا‪ ،‬وتط يرهيا‪،‬‬ ‫والسير نح اهلل ه ميا غرسيه اإلسيالم ورسيخه فينيا ميع‬ ‫مفاهيب وتص را وخرائف ذهنية في غاية الروعة والجما‬ ‫وا نسجام مس الفطرة‪ ،‬والتي مع أهمها العقائد اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مثل عقيدة الت حيد والعد اإللهي‪.‬‬

‫‪ ‬ومثل أن سبب خل اهلل لنا ه ألنه سبحانه وتعيالى محيض‬ ‫الفيض والج د والكرم‪ ،‬فه عز وجل بإرادته يفيض ال ج د‬ ‫على كل ما يمكيع أن يكي ن‪ ،‬ألن وجي د أي مخلي ق تعنيي‬ ‫سعادته في األصل‪.‬‬

‫‪148‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫هل تذكر محمد عندما ذكر لكب في المزرعة أن وج دنيا‬ ‫وحقيقة عب ديتنا هلل إنما هما وجهان لعملة واحدة؟‬ ‫‪-‬‬

‫نعب‪ ،‬وقد أثر في كثيراً هذ الحقيقة‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً‪ ،‬في ال اقس هما ليسا وجهيع‪ ،‬وإنما هيي ثالثية أوجيه‬ ‫لعملة واحدة‪ ،‬ال ج د‪ ،‬والعب دية‪ ،‬ومقدار اإلحساس بالسعادة‬ ‫أو الشقاء! فكلما ازداد الم ج د ق ة وشدة في وجي د ‪ ،‬ازداد‬ ‫عب دية هلل‪ ،‬وازداد في ال قت نفسه مقدار إحساسه بالسيعادة‬ ‫أو الشقاء‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولماذا اإلحساس بالشيقاء؟ أ يفتيرض أن ال جي د يمنحنيا‬ ‫السعادة؟‬

‫‪ ‬ربما في عالب الدنيا‪ ،‬ولكع ما بعيد اليدنيا فيإن قي ة وشيدة‬ ‫ج دنا يحدد مقدار إحساسنا بالسعادة أو الشقاء‪ ،‬أما ما يحدد‬ ‫إذا ما كنا سنح بالسعادةً أو الشقاءً‪ ،‬فه مقيدار إدراكنيا‬ ‫لعب ديتنييا هلل‪ ،‬ومييد ترسييخه فييي أعماقنييا وسييل كياتنا‬ ‫ووجييداننا‪ ،‬وانصييياعنا للحي ‪ ،‬فكلمييا كييان إيجابي ياً ازداد‬ ‫سعادتنا شدة‪ ،‬إلى أن نصل إلى درجة نصبع فيها نحع بذواتنا‬ ‫"سعادة"‪ ،‬وكلما كان سلبياً بأن كنيا مسيتكبريع عليى اهلل‬ ‫وعلى الح ازداد شقاؤنا شدة‪ ،‬إلى أن نصل إلى درجة نصبع‬ ‫فيها نحع بذواتنا "شقاءً"‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ممتاز خالي‪.‬‬

‫حظ كب هي عميمة رحمة اهلل بنا وحبيه لنيا‪ ،‬فقيد جعيل‬ ‫‪‬‬ ‫هدفنا في الحيياة هيي عب ديية اهلل‪ ،‬وحبيه واليذوبان فييه‪،‬‬ ‫والقرب منه سبحانه وتعالى‪ ،‬طلباً للسعادة‪ ،‬وإنما عب دييةً‬ ‫له سبحانه‪.‬‬

‫‪149‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪-‬‬

‫ونحع كلما تدرجنا وصعدنا فيي سيير العب ديية نحي اهلل‪،‬‬ ‫ازداد سعادتنا وازداد وج دنا شدة وق ة‪ ..‬لكيع مياذا تعنيي‬ ‫العب دية؟‬

‫‪ ‬العب دية هلل تعني أن تتحرر مع كل األغيال التيي تحييف‬ ‫بك‪ ،‬ومع كيل الملميا والط اغييت‪ ،‬والمشياعر السيلبية‪،‬‬ ‫كاإلحباط والخ ف والقل ‪ ،‬ومع الضعف والخ ر‪ ،‬بل وميع‬ ‫عب ديتك لنفسك‪ ،‬فال يعد لشيء في الدنيا مهميا عميب أو‬ ‫صير أثر عليك‪ ،‬وإنميا تكي ن خاضيعاً منصياعاً بكليك هلل‬ ‫ومتفانياً فيه‪.‬‬ ‫ هذا المعنى مذك ر في آية الكرسي‪ ،‬في ق ليه تعيالى‪ " :‬ة ُ‬‫اع‬ ‫س وُ‬ ‫س و ُ س ْ س سس ْس ُ‬ ‫س ْ س سُ ُْ ْ ُ‬ ‫ين كف ة ُةروا أ ْو يل سية ة ُه ُم‬ ‫ةات يإل ةةى الن ةةو ير وال ة يةذ‬ ‫و يل ة وةي ال ة يةذين آمن ةةوا يخ ة يةرج ُهم ةيم ةةن الظل سم ة ي‬ ‫ْ ُ ُ ُ ْ ُ سُ ة س و س‬ ‫وُ‬ ‫ات"‪ ،‬واهلل ه ن ر السيماوا‬ ‫ور يإلى الظل سم ي‬ ‫الطاروت يخ يرجو هم يمن الن ي‬ ‫واألرض‪ ،‬ألي كذلك؟‬ ‫‪ ‬أحسنت حبيبي‪ .‬هذا اإلنسان اليذي يبليغ هيذ الدرجية ميع‬ ‫العب دية ه ما نسميه باإلنسان الكامل‪ ،‬ألن ال سييلة لبلي غ‬ ‫هذ الدرجة هي عبر تكاملنا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عف اً يا خالي‪ ،‬ما رأيك في أن نتجنب استخدام المصطلحا‬ ‫فإنها تجعل المعنى غامضاً أحياناً! ماذا تقصد بي "تكاملنا"؟‬

‫‪ ‬ه نف المعنى اإلنساني العام للتكامل‪ ،‬ولكع بشيكل أشيمل‪،‬‬ ‫وأفضل منهجية‪.‬‬ ‫نعني بالتكامل هنيا تنميية وتطي ير ذواتنيا‪ ،‬بجمييس قيمنيا‬ ‫وملكاتنا اإلنسانية معاً بانسجام وتناسيب‪ ،‬تتخليف واحيدة‬ ‫عع أخر في النضج والنم ‪ ،‬حتيى تبليغ أعليى مسيت ياتها‪،‬‬ ‫وبحيث تتأصل وتستشري في عقلنا ال اعي والالواعي‪ ،‬وفيي‬

‫‪150‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫كل حركاتنا وسكناتنا‪ ،‬إلى أن تصيير هيي ونفسينا وحيدة‬ ‫واحدة يستحيل تفككها‪ .‬وبالطبس أهب هيذ القييب وأعممهيا‬ ‫ه إدراكنا لعب ديتنا هلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولكع‪ ،‬كيف يمكننا تط ير أنفسنا إليى هيذا المسيت‬ ‫العب دية؟‬

‫ميع‬

‫‪ ‬لقد حدد اهلل هذ المنهجية التي تمكنيك ميع تحقيي هيذا‬ ‫الهدف‪ :‬فيي أن تميارس حياتيك الي ميية الطبيعيية‪ ،‬وفي‬ ‫التعاليب اإلسالمية بالت ازن الذي أمر به اإلسالم‪ ،‬بحيث تنم‬ ‫لديك جميس القييب اإلنسيانية ومكيارم األخيالق بشيم لية‬ ‫واتزان‪ ،‬واضعا اهلل ورضا وحبيه نصيب عينييك فيي كيل‬ ‫لحمة مع لحماتك وفي كل حركة منك وسك ن‪.‬‬ ‫في ال اقس فيإن الشيريعة اإلسيالمية هيي برنيامج تيدريبي‪،‬‬ ‫ارتضا اهلل واعتميد ‪ ،‬لتطي ير كيل ميع الفيرد والمجتميس‬ ‫والرقي بهما نح اهلل فيي حركية طبيعيية وسلسية‪ ،‬تي ائب‬ ‫الفطرة اإلنسانية وتنسجب مس الطبيعة البشرية‪ ،‬وتلتقي ميس‬ ‫المعطيا والق انيع الك نية‪.‬‬ ‫هذا مع حيث المنهج العام‪ ،‬وأما تطبيقاته‪ ،‬أو كميا يعبيرون‬ ‫عنها الطرق الم صلة هلل فهي بعيدد أنفياس الخالئي ‪ ،‬كميا‬ ‫تذكر الرواييا ‪ ،‬فكيل إنسيان ليه تركيبتيه الخاصية ميع‬ ‫ا ستعدادا والصفا التي ورثها‪ ،‬كما أن كل إنسان تختلف‬ ‫بيلته المحيطة به وتختلف التحديا واألحداث التي ي اجهها‬ ‫عع أي إنسان آخر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خالي‪ ،‬أنا حاولت أن أنفذ التعاليب اإلسيالمية حسيب فهميي‪،‬‬ ‫لكنني كد أن أنزل في الهاوية!‬

‫‪151‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪ ‬صحيع ميا تق ليه تمامياً‪ ،‬فقيد تكي ن مخلصياً‪ ،‬وتسيتخدم‬ ‫إرادتك‪ ،‬لكنك مس ذلك تخطئ الطري ‪ ،‬وذلك إميا بسيبب‬ ‫الجهل بالتعاليب اإلسالمية‪ ،‬أو بسبب اليفلة‪ ،‬وكيال األميريع‬ ‫لهما عالج‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وما هذا العالج؟‬

‫‪ ‬بالنسبة للجهل بالتعاليب واإلرشادا اإلسيالمية‪ ،‬فعلييك أن‬ ‫تتفقيه فيي اليديع‪ ،‬وتكثير ميع قيراءة القيرآن واألحاديييث‬ ‫الشريفة‪ ،‬واألدعية‪ ،‬وتتدبر فيها‪ ،‬وتنميي قيدراتك العقليية‪،‬‬ ‫وفهمك للديع‪.‬‬ ‫أما عالج اليفلة‪ ،‬فه الخل ة مس النف ومحاسبتها كل ليلة‬ ‫إن أمك يع ول ي لنصييف سيياعة‪ ،‬باإلضييافة إلييى مصيياحبتك‬ ‫ألصدقاء صدوقيع ناصحيع‪.‬‬ ‫هيجت لدي هذ النقطة األخييرة ذكير صيداقة الطف لية‬ ‫بعامر‪ ،‬فقد كان ه ال حيد مع بيع أصدقائي ممع يمكع وصفه‬ ‫بالصدوق والناصع‪ ..‬لكنه لألسف الشيديد انقليب بعيد األحيداث‬ ‫المريرة التي عاشها وه في الثان ية‪ ،‬فانقلب على جميس القييب‪،‬‬ ‫وانجرف نح شه اته بشكل مريس‪ ،‬بالرغب ميع كيل محياو تي‬ ‫لل ق ف بجانبه ونصحه‪.‬‬ ‫‪ ‬أراك سرحت؟!‬ ‫‪-‬‬

‫أبداَ يا خالي‪ ،‬لكنني تذكر أحد أصدقائي األعيزاء‪ ..‬قيل‬ ‫لي كيف نسير نح اهلل سبحانه وتعالى؟‬

‫‪ ‬تبدو وكأنيك اسيترجعت حماسيك؟ سيألني خيالي وهي‬ ‫يبتسب‪.‬‬

‫‪152‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪-‬‬

‫جداً‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً‪ .‬تتمح ر الفكرة في أن قدرتك على اكتسياب القييب‬ ‫والملكا اإلنسانية يعتمد على ميد وجي د ثالثية عناصير‬ ‫لديك األو ه الرغبة‪ ،‬والثاني ه الممارسة‪ ،‬والثالث هي‬ ‫طبيعة البيلة النفسية التي تمتلكهيا‪ ،‬وميد ك نهيا صيحية‬ ‫وإيجابية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫هل تقصد بالبيلة النفسية ما تمتلكيه الينف ميع القيدرا‬ ‫والملكا والمهارا والتصي را والخيرائف الذهنيية التيي‬ ‫تحدثنا عنها؟‬

‫‪ ‬صحيع‪ .‬هذ البيلة النفسية بطبيعتهيا متحركية ومتيييرة‬ ‫باستمرار‪ .‬إنها في ال اقس محصلة جمييس اسيتجاباتك‪ ،‬لكيل‬ ‫المنبها والمثيرا التي تتعرض لها في حياتك‪ ،‬مهما بليت‬ ‫مع الصير‪ ،‬س اءً علمت بها أو لب تعلب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إذا كانييت نف سيينا هييي محصييلة اسييتجاباتنا للمنبهييا‬ ‫والمثيرا التي ن اجهها ط ا حياتنيا‪ ،‬فلمياذا إذن حكيب اهلل‬ ‫بالعذاب على أبي لهب‪ ،‬وعلى الشييطان ميثالً قبيل أن ينهييا‬ ‫حياتهما في الدنيا؟ أ يحتمل أن يتييرا إلى األفضل‪ ،‬ويت بيا‬ ‫إلى اهلل؟‬

‫‪ ‬إن نف حكب اهلل عليهما بالعذاب قبل أن ينهيا حياتهما لهي‬ ‫دليل على أن اهلل علب أنه لي هناك مع احتميا أن يتيييرا‬ ‫إلى األفضل‪.‬‬ ‫إن إمكانية تيير أي صفة أو عيادة أو تصي ر ذهنيي ليديك‬ ‫يعتمد على العناصر الثالث‪ ،‬التي تحيدثنا عنهيا‪ ،‬وهيي أو ً‪:‬‬

‫‪153‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫مد رس ت هذا التص ر أو هذ الصفة فيك‪ ،‬وثانيياً‪ :‬ميد‬ ‫رغبتك في تييير ‪ ،‬وثالثاً‪ :‬على سل كياتك‪ ،‬وممارساتك‪.‬‬ ‫قد يصل القبع في إنسان ما غايته‪ ،‬بسبب ممارساته ورغباتيه‪،‬‬ ‫بحيث يتحد هذا القبع مس نفسه‪ ،‬ويصيرا شيلاً واحد يستحيل‬ ‫انفكاكهما‪ ،‬كما حدث مس الشيطان‪ ،‬ومس مع يشيير القيرآن‬ ‫س س س ُْ سس ُ​ُ‬ ‫وب يه ْم"‪.‬‬ ‫الكريب إليهب بق له ‪" :‬ختم اع على قل ي‬ ‫وفي المقابل قد يصل الجما والجال في إنسان ميا غايتيه‪،‬‬ ‫بسبب ممارساته ورغباته أيضاً‪ ،‬بحيث يتحد هذا الجما ميس‬ ‫نفسه‪ ،‬ويصيرا شيلاً واحيد يسيتحيل انفكاكهميا‪ ،‬كميا هي‬ ‫حاصل مس المعص ميع (أ)‪.‬‬ ‫ هيذا يفسيير ق لييه سيبحانه وتعييالى‪ُ " :‬ق ْةل سه ْةل ُن سن ةب ُةي ُك ْم با سأل ْخ سسةةر س‬‫ين‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫سأ ْع سم ة ةةاال (‪ْ )015‬ال ة ةةذ س‬ ‫ين س ة ة ْةل سس ة ة ْةع ُه ُه ْم ف ة ةةي ْال سح سي ة ةةاة ال ة ة وةد ْن سيا سو ُه ة ة ْةم سي ْح سس ة ة ُةبو سن سأ ْ ُه ة ةةمْ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ ْ ُ سن ُ ْ‬ ‫صةن ًعا"‪ .‬فاآلية إنما تقصد أوللك الذيع يصبع القيبع‬ ‫يح يسنو‬ ‫جزءاً منهب بسبب س ء أفعالهب‪ ،‬فيحسيب ن المنكير معروفياً‬ ‫والمعروف منكراً‪ ،‬ألي كذلك؟‬ ‫‪ ‬صحيع‪ .‬إن البيلة النفسية ألي إنسان هي العدسية التيي ميع‬ ‫خاللها ينمر للعيالب‪ ،‬ويتفاعيل معيه عليى مسيت الحيياة‬ ‫الي مية‪..‬‬ ‫قد تر البحير فتير فييه الجميا والخيير‪ ،‬وتسيمس فيي‬ ‫أم اجه م سيقى رائعة تسيكع لهيا نفسيك وتطلي العنيان‬ ‫لمخيلتك‪.‬‬ ‫وربما بالعك مع ذلك‪ ،‬تر فييه عمالقياً مرعبياً غامضياً‪،‬‬ ‫وتملرك منه الرهبة والخي ف‪ ،‬وتسيمس فيي أصي اته نشييج‬

‫‪154‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫الحزن والنعي على كيل ميع غرقي ا فيي خضيمه‪ ،‬وكيتب‬ ‫أنفاسهب بجبروته‪.‬‬ ‫وربما تر فيه شيلاً آخر‪ ..‬هذا يعتمد على طبيعته بيلتيك‬ ‫النفسية‪ ،‬وتص راتك وخرائطك الذهنية‪.‬‬ ‫قد يعني لك غروب الشم مصدر ضيي وأليب‪ ،‬فينقيبض‬ ‫صدرك كلما رأيتيه‪ ،‬وربميا يعنيي ليك الهيدوء والسيكينة‬ ‫والراحة والجما !‬ ‫قد تك ن في مكان ما فتسمس ج ّا أحدهب يرن برنة كانيت‬ ‫رنة هاتفك فيما مضى‪ ،‬فتشعر بيالحزن الشيديد إذا كانيت‬ ‫هي رنة هاتفك عندما تلقيت نبأ وفاة شخص عزيز علييك‪،‬‬ ‫أثر فيك فقد ‪ ،‬وقد تشعر بالراحة والسعادة إذا كانت هيذ‬ ‫رنة هاتفك في فترة تلقيت فيها الكثير مع األخبار السيارة‪.‬‬ ‫كل هذا مرتبف بتص راتك وخرائطك الذهنية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولهذا كل هذا ا هتمام في القرآن الكريب‪ ،‬وكتب األدعيية‪،‬‬ ‫ومختلييف العبييادا التييي نمارسييها علييى تييييير تص ي راتنا‬ ‫وخرائطنا الذهنية‪ ،‬وجعلها إيجابية صحية‪ ،‬تتسيب ب حدانيية‬ ‫العب دية هلل عز وجل‪ ،‬ونبذ جميس أني اأ المشياعر السيلبية‪،‬‬ ‫ومصادر الخ ف والضعف‪ ،‬والقل !‬

‫‪ ‬لي ذلك فحسب‪ ،‬بل إن بيلتنيا النفسيية هيي التيي تحيدد‬ ‫بتلقائية طبيعة استجاباتنا في مختلف قضايا الحياة الي مية‪.‬‬ ‫سكت خالي للحما ‪ ،‬ثب أعقب‪ ،‬ببفء‪ ،‬وكأنه يشدد عليى أهميية‬ ‫ما سيق له‪:‬‬ ‫‪ ‬بالطبس‪ ،‬نستطيس بإرادتنا القيام بممارسا ميايرة لما تملييه‬ ‫علينا بيلتنا النفسية‪ ،‬س اءً سلبًا أو إيجاباً‪.‬‬ ‫‪155‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪-‬‬

‫خالي‪ ،‬أنا ضيعت الفكرة!‬

‫‪ ‬الخالصة يا حبيبي هي أنه‪ :‬إذا كانت بيلتيك النفسيية ميع‬ ‫الصفاء وق ة اإلرادة وحب الخير بدرجة عاليية‪ ،‬ومنسيجمة‬ ‫مس الفطرة‪ ،‬مس عدم وج د مع قا وعقيد نفسيية ليديك‬ ‫يمكنك اكتساب القيب والملكا اإلنسانية ‪ -‬والتي قلنا أنهيا‬ ‫الطري هلل – بمجرد وج د الش ق لديك لقيمة أو صفة ما‪،‬‬ ‫وا لتفا اليها‪ ،‬وإرادتك بتملكها‪ ،‬غير أنهيا تشيتد رسي خاً‬ ‫كلما مارستها عملياً‪.‬‬ ‫كما تسبب ممارستك المستمرة لقيمة أو صفة ما (إيجابية‬ ‫كانت أو سلبية) اكتسابك لها‪ ،‬حتيى وإن ليب ترغيب بهيا‪،‬‬ ‫ولكع بالطبس تزداد هذ الصفة رس خاً فيك‪ ،‬بل وقد تصيير‬ ‫جزءاً منك‪ ،‬وتتحد مس نفسك بحييث يسيتحيل انفكاكهميا‬ ‫عملياً‪ ،‬إذا رغبت في هذ الصيفة‪ ،‬وكانيت بيلتيك النفسيية‬ ‫مساعدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لنتناو مثا ً‪ .‬كيف يمكيع – ميثالً ‪ -‬لهيذا الشيخص اليذي‬ ‫يشعر بالضي لرؤية اليروب‪ ،‬أن يتخلص مع هذ المشياعر‬ ‫السلبية‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً تخيل أنك تعاني مع الضيي كلميا رأييت الييروب‪.‬‬ ‫عليك في البداية أن تفهيب سيبب مشياعرك السيلبية هيذ ‪.‬‬ ‫حيياو أن تي ي ص فييي ذاكرتييك لتبحييث عييع التص ي را‬ ‫الذهنية الميروسة فيك‪ ،‬المسيببة لهيذ المشياعر السيلبية‬ ‫تجا اليروب‪.‬‬ ‫ركز ذهنك‪ ،‬واعصر دماغك‪ ،‬وعنيدما تتعيب‪ ،‬اني األمير‬ ‫واشيل نفسك بأم ر أخر ‪ ،‬لكيع ارجيس للتفكيير فيي هيذا‬

‫‪156‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫الم ض أ بصفة دورية‪ ،‬ثالث مرا فيي اليي م ميثالً‪ ،‬وهيذا‬ ‫سيحفز عقلك الالواعي على التفكير فيي الم ضي أ بينميا‬ ‫أنت مشي في أم رك األخر ‪ ،‬بل حتى وأنت نائب‪.‬‬ ‫قد تت صل إلى السبب بمجرد التفكير فيي الم ضي أ‪ ،‬وقيد‬ ‫يتطلب منك ي ماً كامالً‪ ،‬أو عدة أيام‪ ،‬أو حتى عدة أسيابيس‪،‬‬ ‫لكنك على األرجع ستت صل إلى السبب في نهاية المطاف‪.‬‬ ‫واآلن قييد يك ي ن السييبب الييذي ت صييلت إليييه – مييثالً ‪ -‬أن‬ ‫رئيسك في العميل "اليذي يرتيدي دائمياً معطفياً برتقيالي‬ ‫الل ن"‪ ،‬ي بخك بشدة كلما رآك‪ ،‬مما يسبب ليك إحباطياً‪،‬‬ ‫وإحراجييًا شييديداً أمييام زمييالءك‪ .‬ونتيجيية ذلييك ارتييبف‬ ‫إحساسك بالضي مس الل ن البرتقالي الذي تشياهد كلميا‬ ‫رأيت رئيسك‪.‬‬ ‫ويحدث لد مشاهدتك ليروب الشم ‪ ،‬أن الل ن البرتقيالي‬ ‫للشم أثناء اليروب يحفيز ليديك مشياعر الضيي اليذي‬ ‫تشعر به كلما رأيت رئيسك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫دعنا نفترض سبباً يرجس أليام الطف لة!‬

‫‪ ‬حسناً‪ ،‬لنفترض أن سبب مشاعرك السلبية تجا اليروب قابس‬ ‫في الماضي البعيد‪ ،‬عندما كنت طفالً‪ ،‬وكنت تشعر بالخ ف‬ ‫التي تمهر فيه‪ ،‬ولذا كنت تمل‬ ‫الشديد مع الليل وال ح‬ ‫مرع باً منه ومتكدراً إلى أن يطلس النهار‪.‬‬ ‫مع الطبيعي أن تنيرس هذ المشاعر السيلبية ليديك تجيا‬ ‫الليل في أعماقك‪ ،‬إن لب تعميل عليى معالجتهيا‪ ،‬حتيى وإن‬ ‫كنت قد تخلصت مع خ فك مع الليل عندما كبر ‪ .‬وليذا‬

‫‪157‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫فإن مشاهدتك ليروب الشم‬ ‫السلبية‪.‬‬

‫تك ن محفزة لهيذ المشياعر‬

‫إن مجرد معرفتيك لسيبب الرابطية بييع غيروب الشيم ‪،‬‬ ‫وإحساسك بالضي ‪ ،‬وك نيه غيير منطقيي يسياعدك عليى‬ ‫معالجة نفسييتك وربميا ييردي مباشيرة إليى قطيس هيذ‬ ‫الرابطة‪.‬‬ ‫أنت اآلن تمتلك عنصريع لمعالجة نفسيتك‪ ،‬وهميا الرغبية‬ ‫وا ستعداد النفسي‪ ،‬لكنك زلت تحتاج إلى العنصر الثاليث‬ ‫"الممارسة" لتضيمع عيدم وجي د أيية رواسيب سيلبية فيي‬ ‫أعماقك‪.‬‬ ‫لتحق الممارسة والسل ك اإليجيابي تجيا غيروب الشيم‬ ‫إلزالة المشاعر السلبية التي ليديك منيه‪ ،‬تعي َّد أن تميارس‬ ‫عمالً يسبب لك السعادة والراحة أثنياء مشياهدتك لييروب‬ ‫الشم ‪ ،‬مرتيع أو ثالث مرا في األسب أ على األقل‪ ،‬ولكيع‬ ‫بصفة مستمرة لعدة أشهر‪ ،‬كأن تمشي مس صدي ترتياح ليه‬ ‫على شاطئ البحر‪.‬‬ ‫إن هذ الممارسة ستيير الرابطة القديمة السلبية‪ ،‬وتستبدلها‬ ‫برابطة أخير إيجابيية بييع غيروب الشيم ‪ ،‬وإحساسيك‬ ‫بالراحة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫هل تعرف خالي‪ ،‬أنا أمارس هذا األسيل ب منيذ أن تجياوز‬ ‫تلك األزمة بعد الثان ية العامة‪ ،‬وه يعمل بشكل جيد‪.‬‬

‫‪ ‬إن تع دك على ممارسة هذا األسل ب في حياتيك‪ ،‬يجعليك‬ ‫قريباً مع عقلك الالواعي‪ ،‬ويعزز ميع ثقتيك الذاتيية فيي‬ ‫نفسك وفي قدراتك‪ ،‬فيجعلك أقدر على معالجية نفسيك‬

‫‪158‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫وتط يرها‪ ،‬وقد تتمكع مع تييير بعض خرائطيك الذهنيية‪،‬‬ ‫وتك يع خرائف أخر بمجرد رغبتك وإرادتك‪ ،‬حتيى ميع‬ ‫دون ممارسة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫فعالً‪ ..‬هذا يحصل معي أحياناً‪ ،‬فقد استطعت – مثالً – منيذ‬ ‫عدة سنيع إقناأ نفسي بأن ميا يحتاجيه جسيمي ميع الني م‬ ‫ي مياً ه ثالثة إلى أربعة ساعا ‪ ،‬وأن الن م أكثر مع ذلك‬ ‫يرهقني‪.‬‬

‫‪ ‬أنت محم ظ‪ ،‬أنا شخصياً زلت غير قادر على ذلك‪ .‬عليى‬ ‫كل حا ‪ ،‬فإن هذ العناصر الثالثة إنما تتأتى لإلنسيان ميع‬ ‫ممارسة الحياة الي ميية بإيجابيية ميع خيال الكيدح فيهيا‬ ‫مريحية وراحية‬ ‫والسعي لزينتها مع أم ا وبنييع وبيي‬ ‫مادية ومعن ية‪ ،‬لكع بما ينسجب مس الفطرة‪ ،‬ووف إرشيادا‬ ‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫إننا بممارسة الحياة بإيجابية ننضج ونتعلب ونكتسب الحكمة‬ ‫فنسم وتسم أخالقنا وأرواحنا‪ ،‬فنحب اهلل‪ ،‬ونحيب صيفاته‬ ‫وجالله وجماله‪ ،‬ونشيعر بعب ديتنيا تجاهيه بسيبب الفطيرة‬ ‫الميروسة فينا‪ ،‬فنيدو أكثر إيجابية في الحيياة‪ ،‬وممارسيةً‬ ‫للعب دية تجا اهلل على مست التفاصييل الي ميية‪ ،‬فنقابيل‬ ‫مسرولياتنا تجا أسرنا ومحا عملنا ومجتمعاتنيا وأنفسينا‬ ‫واإلنسانية كلها بإيجابية وارتياح‪ ،‬ويزداد حبنا لكيل البشير‪،‬‬ ‫بل ولكيل مفيردا الكي ن‪ ،‬وبالتيالي نيزداد سيم اً وصيفاءً‬ ‫واستعدادًا لقب الجما والجال واألخالق الفاضلة‪ ،‬وتزو‬ ‫بشكل تلقيائي األدران ميع نف سينا‪ ،‬وتيزداد معرفتنيا بياهلل‪،‬‬ ‫ويزداد عشقنا له ولجماله‪ ،‬ولحبه لنا‪ ،‬فنخشيس ونفنيى فييه‬ ‫فال نر في الك ن غير ‪ ،‬ونر كل شيء مع خالله سبحانه‬

‫‪159‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫وتعالى‪ ،‬سيّما عندما ندرك أننا تجلياته وخلقه‪ ،‬وأنه يحبنا‬ ‫ويعتني بنا فرداً فرداً‪.‬‬ ‫كما أننا بتع دنيا – فيي حياتنيا الي ميية – عليى اسيتخدام‬ ‫إراداتنا وعزائمنا تشتد قدرتنا على مجاهدة أنفسنا وتشكيلها‬ ‫كما نحب‪ ،‬أو قل كما يحب اهلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كب هي رائعة هذ الحياة التي تصفها يا خالي!‬

‫‪ ‬هي فعالً رائعة‪ .‬إن اإلسالم ير اليدنيا دار شير‪ ،‬بيل هيي‬ ‫كما وصفها األميام عليي (أ)‪" :‬الةدنيا دار صةدق ملةن صةدقها ودار‬ ‫رنة ً ملةةن تةةزود منهةةا ودارنجةةاة ملةةن فهةةم عنهةةا فوةةي مهةةب و ةةي ا ومصةةلى أنبيةةاء‬ ‫ا ومتجرأولياء ا ربحوا فهها الرحمة واكتسبوا فهها الجنة"‪.‬‬ ‫وكيف يك ن شراً ميا خلقيه اهلل؟! وإنميا الشير أن نتق قيس‬ ‫عليها‪ ،‬ونيفل عما وراءها والخير كل الخير إنما يكمع فيما‬ ‫وراءها‪ ،‬فاذا شيلتنا عنها أصبحت شراً بالنسبة لنا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إذاً فزهدنا في الدنيا‪ ،‬وعزوفنا عنها‪ ،‬وتفرغنا الكامل للصالة‬ ‫والص م إنما يحرمنا مع فرصة السم بأنفسينا وتزكيتهيا‪،‬‬ ‫وبالتالي القرب مع اهلل سبحانه؟‬

‫‪ ‬نعب‪ ،‬فا ختبار لي ه أ تبتل بالماء‪ ،‬بينما أنت تمشي على‬ ‫ضفاف النهر‪ ،‬وإنما أن تسبع فيي النهير وتيطي فييه‪ ،‬بيل‬ ‫وتمل فيه ط ا عميرك‪ ،‬ولكيع ميع دون أن تبتيل بالمياء!‬ ‫وهذا يتأتى مع دون ط ممارسة ومران‪ ،‬ولهذا خل اهلل‬ ‫األرض والدنيا‪ ،‬لتك نا ميدان التدريب لنا‪.‬‬ ‫ا ختبار ه أن تكدح في الدنيا بما أوتيت مع قيدرا لطليب‬ ‫الرزق الحال لتستمتس بيه‪ ،‬وت سيس عليى أهليك‪ ،‬وتسيجل‬ ‫أو دك في أحسع المدارس‪ ،‬وتسكع في بيت واسيس وميريع‪،‬‬ ‫‪160‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫وتق د سيارة مع الطراز ا و – مع دون تيرف أو سيرف ‪-‬‬ ‫ثب تقس أسيراً لهذ المتس واللذائذ‪ ،‬بيل تزهيد فيهيا‪ ،‬فيال‬ ‫يرثر عليك نفسياً إذا فقدتها‪ ،‬واضطرر أن تعييش الفقير‪،‬‬ ‫ولكع بشرط أ يردي عدم تأثرك لفقد هذ المتس واللذائيذ‬ ‫إلى النيل مع سعيك الحثيث واإليجابي لتحسييع ظروفيك‬ ‫المالية؟‬ ‫إذا استطعت ذلك فأنت زاهد فعالً‪ ،‬وإ ّ فال‪ .‬ولكع حتيى وإن‬ ‫نجحت في هذا ا ختبار‪ ،‬يجب عليك المداومة عليه إليى أن‬ ‫يصبع الزهد ملكة راسخة فييك‪ ،‬بيل ويتحيد ميس نفسيك‪،‬‬ ‫س سْ‬ ‫س‬ ‫س سُ‬ ‫سْ‬ ‫فتك ن كق ليه سيبحانه‪ " :‬يلك ْةيال تأ سس ْةوا سعلةى سمةا فةاتك ْم سوال تف سر ُحةوا يب سمةا‬ ‫س ُ‬ ‫آتاك ْم"‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫"لي‬

‫الزهد أ ّ تملك شيلاً‪ ،‬وإنما أ يملكك شيء"‪.‬‬

‫‪ ‬تذكر أن الهدف لي ه أن تعيش حالية كميا ا نقطياأ‬ ‫إليه سبحانه وتعالى‪ ،‬وأنت في خل ة‪ ،‬وتتعبد في محرابك!‬ ‫وإنما الهدف أن تعيش حالة كما ا نقطياأ إلييه سيبحانه‬ ‫وأنت تعيش وسف الناس والحياة بكل مفرداتهيا وتناقضياتها‬ ‫وتحدياتها‪ ،‬فتتفاعل معها‪ ،‬فتدفعها وتدفعك‪ ،‬لكنك بيالرغب‬ ‫مع كل ذلك تر غير ربك‪ ،‬وغير عب ديتك ليه! فيي‬ ‫ال قت الذي تشيلك حالة ا نقطاأ هذ عع الحيياة‪ ،‬بكيل‬ ‫ما فيها‪ ،‬وإنما تدفعك إليها دفعاً بيايية اإليجابيية‪ ،‬وبطاقية‬ ‫إلهية تف ق كل تص ر!‬ ‫الهدف أن تعيش حالة ا نقطاأ وأنت تأكيل وتشيرب وتنيام‬ ‫وأنيت تييدرس وتعميل‪ ،‬وتلعييب ميس أطفالييك‪ ،‬وتميزح مييس‬ ‫أصدقاءك‪ ،‬وأنت تمارس حياتك الي مية بكل تفاصييلها‪ ،‬فيال‬

‫‪161‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫يشيييلك ا نقطيياأ عييع الحييياة‪ ،‬و تشيييلك الحييياة عييع‬ ‫ا نقطاأ‪ ،‬ألنه لي هناك مع تعارض بينهما‪ ،‬فهما ليسيا فيي‬ ‫عرض واحد‪ ،‬وإنما في ط واحد! وممارستك للحياة وف‬ ‫ما أمر اهلل هي عب ديتك هلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫"فهما ليسا في عرض واحد‪ ،‬وإنما في ط‬ ‫صعبة يا خالي‪.‬‬

‫واحيد"‪ .‬عبيارة‬

‫‪ ‬هل شاهد زيدان وه يلعب في نهائيا كأس العيالب‪ ،‬هيل‬ ‫رأيت حماسه‪ ،‬واستيراقه في المباراة‪ ،‬وانقطاعه عيع العيالب‬ ‫كله؟‬ ‫‪-‬‬

‫لي‬

‫ه وحسب‪ ،‬وإنما جميس الالعبيع كذلك يا خالي‪.‬‬

‫‪ ‬جميل! قل ليي أ تتفي معيي فيي أنهيب يك ني ن بأقصيى‬ ‫قدراتهب‪ ،‬وأفضل تركيزهب؟‬ ‫‪-‬‬

‫هب كذلك خالي‪ ،‬ألنهب يك ني ن مسيتميتيع للفي ز بكياس‬ ‫العالب‪.‬‬

‫‪ ‬هب يلعب ن ويركض ن‪ ،‬ويحاول ن تسيجيل األهيداف‪ ،‬وهيب‬ ‫غارق ن في حلمهب بالف ز بكأس العيالب‪ ..‬وألنهيب غيارق ن‬ ‫فيه‪ ،‬وألنه مسيطر على جميس مشاعرهب وأفكارهب‪ ،‬فإن هيذا‬ ‫يلهمهب‪ ،‬ويمدهب بالنشاط والقي ة والتركييز‪ ،‬ويرفيس ميع‬ ‫مست أدائهب؟‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع يا خالي‪.‬‬

‫‪ ‬إذن فلي هناك مع تعارض بيع استيراقهب وتركيزهب فيي‬ ‫اللعب‪ ،‬وبيع سعيهب للف ز بكأس العيالب‪ ،‬وك نيه المحيرك‬ ‫األساسي لهب‪ ،‬والسبب في اشتداد عزيمتهب ونشاطهب‪.‬‬

‫‪162‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫‪-‬‬

‫بالطبس يا خالي! في ال اقس هميا شييء واحيد‪ ،‬ولي فتير‬ ‫حماسهب – فرضاً – عع الف ز بكأس العالب‪ ،‬فإن أداءهيب ليع‬ ‫يك ن بالمست المطل ب‪.‬‬

‫‪ ‬وهذا ما عنيته أنا بق لي "ليسا في عرض واحد‪ ،‬وإنميا فيي‬ ‫ط واحد"‪ .‬إن حركتنا في هذ اليدنيا‪ ،‬وسيعينا نحي اهلل‬ ‫إنما ه شيء واحد‪ ،‬كما أن لعب زيدان في المباراة‪ ،‬وسيعيه‬ ‫نح كأس العالب إنما ه شيء واحد‪.‬‬ ‫ساد لحما صمت ط يلية‪ ..‬أطرقيت برأسيي إليى األرض‪،‬‬ ‫ونحع نمشي ببفء‪ ،‬متأمالً في كالم خالي‪ ،‬الذي ظل هي أيضياً‬ ‫ساكتاً ليمنحني الفرصة ألقلب المسألة مع ج انبها المختلفة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولكييع كيييف يمكييع للمييرء أن يضييمع أن ت اجهييه الييدنيا‬ ‫بالتحديا الالزمة والكافية لتط ير جميس ج انب شخصيته؟‬

‫‪ ‬إن مسييرولية ضييمان قيامييك بتطيي ير جميييس ج انييب‬ ‫شخصيتك تقس علييك‪ ،‬ميع خيال برنيامجي الخلي ة ميس‬ ‫النف والمحاسبة‪ ،‬ومع خال التأمل والتفكر‪ ،‬ثب بعد ذلك‬ ‫استخدام اإلرادة للقيام بالممارسا اإليجابية المطل بة‪ ،‬كما‬ ‫ناقشنا سابقاً‪.‬‬ ‫لكع إذا سعيت مخلصاً نح اهلل‪ ،‬فإنه يت ك بأمر ‪ ،‬ويشيدك‬ ‫إليه‪ ،‬ويهديك سبله‪ ،‬وف طاقتك‪ ،‬وقدراتك‪ ،‬وخصائصيك‬ ‫بل إنه سبحانه وتعالى يفعل ذلك ميس كيل إنسيان‪ ،‬ميا دام‬ ‫اه ُةدوا ف سينةا سل سن ْهةد سي ْن ُه ْم ُس ُةب سل سنا ِ سوإ ْن ْ س‬ ‫ين سج س‬ ‫يستجيب ول بنح ميا " سو ْالةذ س‬ ‫اع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫سس ُْ‬ ‫س‬ ‫مل سع اْل ْح يس ينان"‪.‬‬ ‫المطل ب منك ه أن تمارس حياتك الي مية بشكل إيجابي‪،‬‬ ‫ومت ازن‪ ،‬ما استطعت‪ ،‬محاو ً تطي ير ذاتيك ميا اسيتطعت‪،‬‬

‫‪163‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫مخلصياً نيتيك هلل ميا اسيتطعت‪ ،‬وت كيل عليى اهلل‪ ،‬فهي‬ ‫سيت ك بأمر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إذاً فاهلل يريدنا أن نستمتس بلذائذ الدنيا ومتعها المباحة‪ ،‬بيل‬ ‫وأن نسعى لها‪ ،‬ولكع بإيجابية وت ازن‪ ،‬ألن في سعينا نح هيا‬ ‫يكمع تط رنا وتكاملنيا وقربنيا ميع اهلل‪ ،‬والتحيدي هي أ‬ ‫تقيدنا وتأسرنا أه اؤنا ومتس هيذ اليدنيا‪ .‬أليي كيذلك‬ ‫خالي؟‬

‫‪ ‬ولكع ليست الدنيا وحسب هي التيي يرييدنا اهلل أن نسيتمتس‬ ‫بها مع دون أن تأسرنا وتتحكب بنا‪ ،‬وإنما حتى أنفسنا‪ ،‬فرغب‬ ‫أن اهلل عز وجل يريدنا أن نحبها ونفهمها ونرعاها‪ ،‬ولكنه‬ ‫يريدها ان تتحكب فينا ول بمقدار ذرة!‬ ‫وبتعبير آخر إن اهلل يريدنا أن نفنى فيه سبحانه وتعالى‪ ،‬فال‬ ‫تك ن لنا كين نة غير إدراكنا التام لعب ديتنا له عز وجل!‬ ‫‪-‬‬

‫كيف نستطيس يا خالي أن نتخلص مع سيطرة ذواتنا علينا!‬

‫‪ ‬إن سعينا وراء إشيباأ حاجاتنيا الحي انيية اليرائزيية مثيل‬ ‫األكل والشه ة‪ ،‬وسيعينا لتطي ير ذواتنيا وأرواحنيا بطليب‬ ‫العلب‪ ،‬وتق يتها وتزكيتها‪ ،‬إنما يعزز حبنا لذواتنا وأنفسينا‪،‬‬ ‫وتمح رنا ح لها‪ ،‬وتحكمها بنا!‬ ‫ولكع اهلل يريدنا أن نفلت مع ذلك‪ ،‬لكي تك ن ذواتنا ميع‬ ‫حييث نشييعر حاجبياً يحجبنييا عييع اهلل‪ ،‬كمييا حصييل مييس‬ ‫الشيطان اللعيع‪ ،‬ولذا فاهلل يأمرنا باإليثار والعطاء‪ ،‬وأن نحب‬ ‫لييرنا ما نحب ألنفسنا‪ ،‬ويركد أن قضاء حاجة ميرمع هيي‬ ‫أعمب عند اهلل مع سبعيع حجة!‬

‫‪164‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫نعب‪ ،‬إننا عندما نحج نمارس عبادة عميمة جداً أليام عدييدة‪،‬‬ ‫ونقترب مع اهلل‪ ،‬ولكع عندما نقضي حاجة مرمع فيإن ذليك‬ ‫قد يستيرق منا أكثر مع دقائ معدودة‪ ،‬وبالتالي فإننا‬ ‫نعيش في ممارسة العبادة‪ ،‬ولكع األهب مع ذلك أننا نتخلص‬ ‫مع تمح رنا ح ذواتنا ونفعل شيلاً‪ ،‬ربما يفييدنا بشيكل‬ ‫مباشر! ولكننا نفعله ألن اهلل يطلب منا أن نفعله‪ ،‬ثب بميرور‬ ‫ال قت نفعله ألن حبنا لييرنا يصبع أعمب مع حبنا ألنفسينا‪،‬‬ ‫ألنه نابس مع حبنا هلل عز وجل وفنائنا فيه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عندها تصبع كل حاجة مرمع نقضيها أشيبه بالهيدف اليذي‬ ‫يسجله زيدان‪ ،‬في سعيه للفي ز بكيأس العيالب! قلتهيا وأنيا‬ ‫أبتسب‪.‬‬

‫علت ابتسامة عريضة وجه خالي‪ ،‬فقد راقيه أننيي اسيت عبت‬ ‫بعم المثل الذي طرحه لي قبل قليل‪ ،‬ثب أعقب‪:‬‬ ‫‪ ‬لقد حدد اإلسالم لحركتنا التكاملية نح اهلل أربعة محياور‬ ‫متداخلة‪ ،‬بسل كنا إياها بجدية واتزان وف الفطرة وتعاليب‬ ‫اإلسالم وإرشادا العقل نمل نقترب ميع اهلل إليى أن نصيل‬ ‫إلى مرحلة العب دية المطلقة له سبحانه‪.‬‬ ‫هذ المحاور األربعة هي السعي إلشباأ الحاجيا واليرائيز‬ ‫اإلنسانية بت ازن واعتدا ‪ ،‬والمح ر الثاني ه تط ير الذا ‪،‬‬ ‫والمح ر الثاليث العطياء‪ ،‬وحميل رسيالة الخيير والصيالح‬ ‫والسعادة لآلخريع مع ح لنا وللبشيرية جمعياء‪ ،‬والمحي ر‬ ‫الرابس ه ديم مة ذكر اهلل تعالى وعبادته‪.‬‬ ‫‪#####‬‬

‫‪165‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫مضت قرابة أسب عيع على جلستي األخيرة ميس خيالي‪ ،‬لكيع‬ ‫صداها يزا يصيدح فيي داخليي! لقيد كانيت هيذ الجلسية‬ ‫مصيرية بالنسبة لي‪ ،‬فقد تيير نمرتيي كليياً للحيياة‪ ،‬ولكيل‬ ‫مفرداتها‪ ،‬وحركتها‪ .‬أصبحت تلقائيياً أنمير لألمي ر ولكيل ميا‬ ‫يجري مع ح لي بشكل إيجابي‪ .‬أحيانا كثيرة‪ ،‬لب أكع أر في‬ ‫أحداثها بخيرها وشرها س حقيقة واحدة‪ ،‬وهي سييري نحي‬ ‫اهلل وقربي منه سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫كنت فيما مضى أستخدم إرادتي ألبقى إيجابياً ومثابراً‪ ،‬للال‬ ‫أدأ مشاعر القل واأللب تنا منيي‪ ،‬لكننيي اآلن أصيبحت أشيعر‬ ‫بالسعادة والطمأنينة تنبس مع أعماقي وذاتي‪ ،‬وأمّا ما يجري ميع‬ ‫ح لي مع اختبيارا وتحيديا فكلهيا فيرص تمنحنيي المزييد‬ ‫والمزيد مع القرب منه سبحانه وتعيالى‪ ،‬ولكيع بمقيدار جهيدي‬ ‫وسعيي في الحياة‪.‬‬ ‫أقبل عيد األضحى‪ ،‬لكنني هذ المرة كنت سيعيداً ومطملنياً‪،‬‬ ‫بخالف ما كان عليه حالي في عيد الفطر‪ ،‬الذي مر علينا بأسي أ‬ ‫حا ‪ .‬قضينا في العيد أياما في غاية المتعة والراحة في مزرعية‬ ‫خالي عيسى برفقه بقية أفراد العائلة‪.‬‬ ‫وف ر انتهاء إجازة العيد استلمت عرض عمل! كان العيرض‬ ‫مع شركة التدقي العالمية التي تدق حسيابا الشيركة التيي‬ ‫كنت أعمل بها سابقاً‪ ،‬وقد كنت قابلت شريكها قبيل سفري فيي‬ ‫اإلجازة الصيفية‪ ،‬ثب عاود ا تصا به بعدما تب تسيريحي ميع‬ ‫وظيفتي‪.‬‬ ‫ورغب أنها ال ظيفة التي كنت أتمنّاها حقّاً وأسعى إليهيا‪ ،‬أ ّ‬ ‫أن الراتب المعروض كان ألف ريا عماني فقف (أقل مع راتبي‬

‫‪166‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫الساب بمائتي ريا ) لكع مس وعد مع الشيريك أن ييتب زييادة‬ ‫راتبي إلى ‪ 1566‬ريا عماني ف ر نجاحي مع امتحانا الي ‪.CPA‬‬ ‫لب يكع لي بد مع القب ‪ ،‬فقد كان العيرض ال حييد اليذي‬ ‫استلمته! وعم ماً فنحع اآلن في بداية شهر ميارس‪ ،‬وليب يتبي‬ ‫على م عد امتحانا الي ‪ CPA‬س شهريع تقريبياً‪ ،‬وهيذا يعنيي‬ ‫أنني سيتب تعيديل راتبيي إن شياء اهلل فيي غضي ن سيتة أشيهر‬ ‫بالكثير‪ ،‬وهي ليست بالفترة الط يلة‪.‬‬ ‫التحقت بال ظيفة الجديدة ف راً‪ .‬وكأن هذ ال ظيفة كانت‬ ‫فأ خير علي‪ ،‬فعندما رجعت إلى البيت في أو ي م داومت فييه‪،‬‬ ‫وجد في انتماري خبراً كان رائعاً بالنسبة لي!‬ ‫كان الخبر عع فس خط بة إحد الفتييا المتيدينا فيي‬ ‫المجتمس بعد أن دامت خط بتها أكثر مع سنتيع‪ .‬الفتاة جميلية‬ ‫جداً‪ ،‬وبها كل الم اصفا التي أبحيث عنهيا‪ ،‬بدرجية تصيدق‪،‬‬ ‫كما أنها في السنة األخيرة في دراستها الجامعية‪.‬‬ ‫فرحت ل هلة‪ ،‬وطلبت مع والدتي وزوجة خالي التقيدم لهيا‬ ‫ف راً‪ ،‬سيّما أن أختها الكبيرة هي صديقة زوجة خالي المقربة‪،‬‬ ‫ولكع سرعان ما التفت ل اقعي المرير‪ ،‬وعرفيت أن ج ابهيا ليع‬ ‫يك ن أفضل مع ج اب غيرها بالرفض‪.‬‬ ‫شكر اهلل على جميل بالئه‪ ،‬وأخرجت الم ض أ مع دمياغي‪،‬‬ ‫لكي أتألب عندما يأتيني الرد بالرفض كالعادة‪.‬‬ ‫وبعد بضعة أيام استلمنا اليرد‪ ،‬وقيد فاجيأني أنيه ليب يكيع‬ ‫بالرفض‪ ،‬ولكنه لب يكع بالقب أيضاً! لقد طلبت الفتياة تأجييل‬ ‫النمر والتفكير في الم ض أ لميدة شيهريع عليى األقيل‪ ،‬فقيد‬ ‫خرجت لت ها مع تجربة دامت سنتيع‪ ،‬وهي تحتاج لبعض ال قت‪،‬‬

‫‪167‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫حتى تهدأ مشاعرها ويستقر تفكيرها‪ ،‬لتسيتطيس اتخياذ قرارهيا‬ ‫بحكمة ومع دون انفعا !‬ ‫أعجبني ج ابها‪ ،‬وزاد مع مكانتهيا عنيدي‪ ،‬لكيع المشيكلة أن‬ ‫ذلك يعني أن علي أن أنتمر ردهيا ألكثير ميع شيهريع‪ ،‬وفيي‬ ‫النهاية قد يك ن رفضاً‪ ،‬وحتى إذا كان ج ابها المبيدئي إيجابيياً‪،‬‬ ‫فإنه سيك ن علي اجتياز المقابلة‪ .‬قبلت مكرهاً‪ ،‬فلب يكع لدي مع‬ ‫خيار آخر‪ ،‬ومع طلب الحسناء لب ييله المهر‪.‬‬

‫‪168‬‬

‫فشل م ت ر‬


‫الفصل الخام‬

‫الح يضن ال عحم‬ ‫ت ع رات‬


‫الح يضن ال حم‬ ‫ع‬ ‫ت ع رات‬ ‫مر األيام بطيلة‪ ،‬كنت أحسيبها ي مياً بيي م وسياعة بعيد‬ ‫أخر ‪ ،‬مترقباً‪ ،‬منتمراً على أحر مع الجمر‪ ،‬رد "سيارة" الفتياة‬ ‫التي تقدمت لخطبتها‪ ،‬فطلبت مدة أكثر ميع شيهريع للتفكيير‬ ‫واتخاذ القرارا‪.‬‬ ‫كنت أحدث نفسي أنها سترفض مثل س اها‪ ،‬وكنيت أخشيى‬ ‫أن تك ن خيبتي هذ المرة األس ء‪ ،‬بسبب ط ا نتمار‪ ،‬ولكننيي‬ ‫كنت آمل أن يتلطف اهلل بي‪ ،‬وه القادر على كل شيء‪.‬‬ ‫أحمد اهلل أنني لب أكيع أمليك وقيت فيراغ‪ ،‬حتيى أظيل‬ ‫أعيش القل طي ا فتيرة اإلنتميار‪ .‬لقيد كانيت أييامي كلهيا‬ ‫مشي لة ما بيع ال ظيفة الجديدة‪ ،‬ودراسة اليي ‪ ،CPA‬حتيى أننيي‬ ‫أضطرر ألن أنقطس عع المسجد‪ ،‬وعع الحيياة اإلجتماعيية‪ ،‬وأن‬ ‫أقلل ساعا ن مي ألقل مع أربيس سياعا ي ميياً‪ ،‬لكيي أسيتطيس‬ ‫المحافمة على برنامجي‪.‬‬ ‫لكنني رغب ذلك‪ ،‬لب أستطس منس نفسي بيع لحمية وأخير‬ ‫مع التفكيير فيي خطيبتيي المنتميرة‪ ،‬وفيي سيماتها وأخالقهيا‬ ‫الرائعة‪ ،‬وكنت ميراراً أغي ص فيي خييا تي وأحالميي‪ ،‬راسيماً‬ ‫ص رة وردية جميلة لحياتي مس زوجتي المرتقبة‪.‬‬ ‫وأخيراً انقضيت مهلية الشيهريع التيي طلبتهيا "خطيبتيي"‪،‬‬ ‫وأصبحتُ هذ المرة أحسب ال قت باليدقائ واللحميا ‪ ،‬وليي‬ ‫بالساعا ‪ ..‬كنت في أم الحاجة لكامل تركيزي واسيتقراري‪،‬‬

‫‪170‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫ألنني كنت على وشك تقديب ا متحانا ‪ ،‬لكع القلي والترقيب‬ ‫كانا ينهشاني مع داخلي‪.‬‬ ‫جاء م عد السفر لتقديب ا متحانا فيي ال ييا المتحيدة‬ ‫األمريكية‪ .‬سافر ‪ ،‬لكنني كنت مشيتتاً نفسيياً وذهنيياً ميا بييع‬ ‫ا ستعداد لالمتحانا وما بيع التفكير فيي زوجية المسيتقبل إن‬ ‫شاء اهلل‪.‬‬ ‫قدمت امتحانا الي ‪ CPA‬األربعة‪ ،‬في ي ميع اثنيع‪ ،‬امتحيانيع‬ ‫كل ي م‪ ،‬وكل امتحان كان يستمر لمدة ‪ 4‬ساعا تقريباً‪ .‬كان‬ ‫األمر مرهقاً جداً‪ ،‬لكنه كان مثيراً‪ ،‬ومهيباً‪ ،‬سييّما وأن هنياك‬ ‫ملا آخريع معك في نف القاعة‪ ،‬مع مختلف دو العالب‪.‬‬ ‫أهب ما في الم ض أ أنني وجد ا متحانا سيهلة‪ ،‬وذليك‬ ‫بخالف ما كنت أسمعه مع تعليقا ممع حي لي عيع صيع بتها‪.‬‬ ‫حمد اهلل على لطفه بي‪.‬‬ ‫في الي م التالي لالمتحانا كنت في طري الرجعية للبليد‪.‬‬ ‫هذ المرّة أرخيت لنفسيي المجيا للتفكيير فيي كيل األحيالم‬ ‫الجميلة البريلة التي كنت أرسمها لي مس زوجتي في المستقبل‪،‬‬ ‫بل حتى عندما كان ييلبني الن م‪ ،‬كنت أحلب إ بها‪.‬‬ ‫وصلت البلد‪ ،‬وأنا منتعش تملرني اآلميا واألحيالم الحلي ة‪،‬‬ ‫وأترقب األخبار السعيدة مع كل جهة‪ ..‬ال ظيفة الجديدة‪ ،‬وقيد‬ ‫أبليت فيها لآلن بشكل جيد رغب أنني ليب أكيع متفرغياً بسيبب‬ ‫دراستي‪ ،‬ونتائج الي ‪ ،CPA‬واألهب مع كل ذلك أنتمير النتيجية‬ ‫األهب في حياتي خال األيام القليلة القادمة‪.‬‬ ‫‪#####‬‬

‫‪171‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫وأخيراً أتى الرد‪ ،‬لب أكد أصدقه في بادئ األمر‪ ،‬كان حلميًا‬ ‫لب أظع أنه سيتحق ي ماً‪ ..‬لقد وافقت "سارة"! سيك ن يي م ‪27‬‬ ‫ماي ‪ 2662‬ي م عيد لي فيما بقي مع حياتي‪..‬‬ ‫نعب لقد أحببت سارة منذ أو مرة سمعت فيها باسمها‪ ،‬حتى‬ ‫قبل أن اسأ عنها‪ ،‬أو أر ص رتها! شيعر تجاههيا‪ ،‬كميا ليب‬ ‫أشعر تجا أي فتاة أخر ‪ ..‬أحسست أنني أعرفها منذ زمع بعيد‪،‬‬ ‫وأنها متأصلة مستقرة في أعماقي‪ ،‬لكنني لب أصارح نفسي بهيذ‬ ‫المشاعر غير المنطقية‪ ،‬خشية أن يك ن مبلي الخيبية والحسيرة‬ ‫عندما ترفضني‪.‬‬ ‫سارة يتيمة األب يع منذ طف لتها‪ ،‬فقيد تي في واليداها فيي‬ ‫حادث اصطدام‪ ،‬بينما كانا في طريقهما ميع مسيقف إليى دبيي‪،‬‬ ‫ومع حينها ت لت أختها الكبيرة‪ ،‬وزوجها رعايتها‪.‬‬ ‫األسييرة معروفيية بتييدينها الشييديد‪ ،‬وبأخالقهييا المتميييزة‪،‬‬ ‫وذكائها الفائ ‪ .‬وقد لفت انتباهي ما سمعته مع أن حجاب سارة‬ ‫يك ن متيناً‪ ،‬حتى أمام زوج أختهيا‪ ،‬رغيب انيه هي اليذي ربّاهيا‪،‬‬ ‫ورعاها منذ طف لتها!‬ ‫تمت المقابلة في بيت أخت سارة‪ .‬كان البيت فخماً جداً‪ ،‬فيي‬ ‫منطقة شاطئ القرم "الفارهة"‪ .‬ل هلة هالني األمر‪ ،‬حييث أننيي‬ ‫عشت ط ا عمري فقيراً‪ ،‬ورغب أن ظروفي المالية ليست سييلة‬ ‫اآلن‪ ،‬لكنني حتماً لع أستطيس أن أوفر لها مست المعيشة التيي‬ ‫تع دتها‪.‬‬ ‫دخلنا المنز ‪ .‬كان معي أمي وخالي وزوجة خيالي‪ .‬كانيت‬ ‫المقابلة أكثر مع رائعة‪ ،‬وفي ج حميميي‪ ،‬حييث تجلّيت فيهيا‬

‫‪172‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫ب ض ح أواصر العالقة الق ية التي تيربف بييع أسيرتي وأسيرة‬ ‫سارة‪.‬‬ ‫واخيراً جاء وقيت حيديثنا أنيا وسيارة مباشيرة‪ ،‬وبمفردنيا‪.‬‬ ‫انسحب األهل – كالعادة – إلى جلسة قريبة مع المجل ‪ ،‬بحيث‬ ‫يرياننا ولكع يسمعاننا‪.‬‬ ‫رغب كل المشاعر التي تضطرم داخليي تجيا سيارة‪ ،‬كنيت‬ ‫متماسكاً جداً‪ ،‬وحريصياً أن تعلي وجهيي ابتسيامة بسييطة‪ .‬فيي‬ ‫ال اقس فإنني لب أبذ جهداً فيي أن أحيافظ عليى ابتسيامتي‪ ،‬ألن‬ ‫فرط الحب والسعادة التي كنت أشعر بهما جعال ابتسيامة عذبية‬ ‫بريلة تعل وجهي بشكل عف ي ط ا المقابلة‪ ...‬هذا ما أخبرني‬ ‫به خالي في وقت ح ‪.‬‬ ‫أما سارة فقد كانت شيلاً مختلفاً‪ .‬كانت هادئية ومتماسيكة‪،‬‬ ‫ورغب براءتها الماهرة في تقاسيب وجهها ونبرة صي تها‪ ،‬كانيت‬ ‫تحاو أن تتسب بالعقالنية والم ض عية في النقا ‪ .‬كيان ميع‬ ‫ال اضع أنني كنت أمام فتاة نضجّتها التجربة‪ ،‬فبد في نقاشيها‬ ‫وكالمها أكبر مع عمرها‪ ،‬بل بدا لي أنها أنضج منيي‪ ،‬وأكثير‬ ‫استقراراً وهدوءاً‪ ،‬ومعرفة بنفسها‪.‬‬ ‫وبعد نقا ومحادثة ط يلة بيننا‪ ،‬تعرفنا فيها على بعض عع‬ ‫كثب‪ ،‬وازداد فيها تعلقي بها‪ ،‬وثقتي مع أنها أفضيل بكثيير مميا‬ ‫كنت أحلب به‪ ،‬فاجأتني بسرا لب أكع أت قعه‪:‬‬ ‫‪ ‬هل تعرف لماذا فسخت خط بتي السابقة؟‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ...‬سألت‪ ،‬لكني لب أت صل إلى الج اب‪.‬‬

‫‪ ‬ألن خطيبي الساب كان يريدنا أن نسكع في بيت واحد ميس‬ ‫أسرته‪ ،‬فه وحيدها أيضاً‪ ...‬مثلك‪.‬‬ ‫‪173‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪-‬‬

‫عف اً‪ ،‬وماذا في ذلك؟‬

‫أستطيس‪ .‬عشت ط ا عمري أحلب ببيتي الخاص بيي‪ ،‬وإذا‬ ‫‪‬‬ ‫سكنت مس مع ستك ن عمتي (حماتي)‪ ،‬فإنني سيأك ن تحيت‬ ‫أنمارها ورقابتها‪ ،‬ولع يك ن لدي حرية الحركية والقيرار‬ ‫في بيتي‪ ،‬أو باألحر لع يك ن بيتي‪ ،‬وإنما سيأك ن ضييفةً‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بل سيك ن بيتك‪.‬‬

‫لع يك ن‪ ،‬وأنا لع أسمع لنفسيي بيأن أنيازأ ميع سيتك ن‬ ‫‪‬‬ ‫عمتي بيتها‪ .‬هذا شرطي إذا أردتني‪ ،‬علينا أن نسكع فيي بييت‬ ‫مستقل‪ ،‬حتى تك ن لي حريتي وقراري في بيتي‪ ،‬وأسرتي‪.‬‬ ‫شعر بانزعاج وإحباط شديديع‪ ،‬فلقد قالتها بلهجة حازمية‪،‬‬ ‫رغب حرصها على أن تبدو هادئة ومنكسرة‪ ،‬كما أنني أستطيس‬ ‫التخلي عع أسرتي‪ ،‬حتى ل بقيت أعزب طي ا عميري‪ .‬سيألتها‪،‬‬ ‫ونبرتي تقطر ألماً‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫وماذا ل قلت لك أنني أستطيس أن أتخليى عيع أسيرتي‪..‬‬ ‫فكري معي‪ ،‬ل أنني اآلن تخليت عع أسرتي‪ ،‬كيف تضيمنيع‬ ‫غداً أ ّ أتخلى عنك وعع أسرتنا نحع؟!‬

‫يبدو أن كالمي أثّر في سارة‪ ،‬وأنها لمست حجب ميا أعانييه‬ ‫مع مرارة وأسى‪ ،‬فرقت لحيالي‪ ،‬وأطرقيت برأسيها إليى األرض‪،‬‬ ‫محرجة ومنزعجة‪ ،‬ثب رد علي بعد لحما صمت شعر ُ أنهيا‬ ‫دامت ط يالً‪:‬‬ ‫‪ ‬معاذ اهلل أن أطلب منك أن تتخلى عع أسرتك‪ .‬إقض معهيب‬ ‫ال قت الذي تريد ‪ ،‬كل ي م‪ .‬بل أمانس أن نتعشى معاً فيي‬ ‫بيت والدتك كل ليلة‪ ،‬ولكع ليكع بيتنا مستقالً‪ .‬اسمع ليي‬ ‫‪174‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫أن أنبهك لنقطة‪ ،‬ربما لب تكع فكر فيها سابقاً‪ ..‬إنك اآلن‬ ‫في صدد تك يع أسرة أخر جديدة غير أسيرتك الحاليية‪.‬‬ ‫ستك ن لديك أسرتان‪ ،‬ولي أسرة واحيدة‪ ،‬وليذا يجيب أن‬ ‫تفصل بينهما‪ ،‬لكي نستطيس أن نينعب بالهيدوء والخص صيية‬ ‫والراحة‪.‬‬ ‫فاجأني منطقها ال اضع‪ ،‬فأنا فعالً ليب أفكير فيي الم ضي أ‬ ‫بهذ الطريقة‪ .‬أدركت أنها على ص اب‪ .‬لكنني لب أكيع أجيرؤ‬ ‫حتى على مفاتحة أمي في هذا الم ض أ‪ .‬كنت أخشى عليها مع‬ ‫خيبة األمل والشع ر بالخذ ن‪ ،‬ل أنني فاتحتها في األمر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسنا‪ ،‬امنحيني عدة أيام ألفكر في األمر‪ ،‬وأناقش الم ضي أ‬ ‫مس والدتي‪ ،‬وخالي‪ ،‬ثب أرد عليك‪ .‬قلتها وأنا زا الشع ر‬ ‫باأللب واألسى يكس نبرتي‪.‬‬

‫‪ ‬أنا آسفة أنني وضعتك فيي هيذا الم قيف الصيعب‪ ،‬لكننيي‬ ‫أريدك أن تعرف‪ ،‬إنني أرتاح ألمك كثيراً‪ ،‬وأر فيها دائماً‬ ‫أمي التي فقدتها منذ طف لتي‪ .‬لكع ث أنه سييك ن مي قفي‬ ‫نفسه‪ ،‬حتى مس أمي – رحمها اهلل ‪ -‬ل أنها كانت عليى قييد‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا أفهمك جيداً‪ .‬سأرد عليك خال األيام القليلة القادمية‪.‬‬ ‫قلتها وابتسامة باهتة تعل وجهي‪.‬‬

‫في طري الع دة للبيت‪ ،‬أخبر أمي وخيالي وزوجية خيالي‬ ‫بما دار مع نقيا بينيي وبييع سيارة‪ ،‬وأنيا فيي غايية الحيرج‬ ‫واإلنزعاج‪ ،‬لكع أذهلني أنهب جميعاً اتفق ا مس سارة في رأيها‪ ،‬بل‬ ‫رأو أمراً طبيعياً‪ ،‬بل وأكثر مع ذلك اعتبروها عاقلة وطيبية!‬ ‫يبدو أنني أفهب في المسائل اإلجتماعية‪.‬‬

‫‪175‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪#####‬‬ ‫مضت أم ر الخط بة كأفضل ما تك ن‪ ،‬وتب ا تفاق عليى أن‬ ‫تستمر فترة الخط بة ‪ 3‬أشهر نتزوج بعدها مباشيرة فيي شيهر‬ ‫أغسط اآلتي‪ ،‬أي قبل بضعة أسابيس تقريباً مع بيدء عملهيا فيي‬ ‫إحد مدارس البنا الحك مية‪ ،‬بمسقف‪.‬‬ ‫لب تكع مدخراتي مع العميل خيال السينيع الفائتية تكفيي‬ ‫لتيطية مصروفا الزواج‪ ،‬وتأثيث البيت الجديد‪ ،‬سييّما أننيي‬ ‫كنت أنفقيت جيزءاً منهيا لسيداد مصياريف دراسية المحاسيبة‬ ‫القان نية األمريكية (‪ )CPA‬والسفر ألمريكا لتقديب ا متحانيا ‪،‬‬ ‫ولذا اضطرر أن أستلف مع البنيك مبليياً ميع الميا لتكملية‬ ‫النقص‪.‬‬ ‫لكع مع جهة أخر ‪ ،‬فإن قسف السيارة الجديدة التيي كنيت‬ ‫اشتريتها قبل عدة أشيهر‪ ،‬وقسيف القيرض اليذي اسيتلفته ميع‬ ‫البنك‪ ،‬وإيجار البيت الجديد‪ ،‬باإلضافة إلى الراتب الشهري الذي‬ ‫أعطيه ل الدتي كان يقضي على تمام راتبي‪ ،‬ولب يكع يتبقى منه‬ ‫شيء للبيت اآلخر!‬ ‫لكع هذا األمر لب يكع يزعجني‪ ،‬فلقد وعدتني الشركة عنيد‬ ‫تعيينييي بزيييادة راتبييي إلييى ‪ 1566‬ريييا ً عمانييًا في ر اجتيييازي‬ ‫متحانا الي ‪ ،CPA‬وها أنذا‪ ،‬على وشك استالم نتائجي‪.‬‬ ‫وأخيرًا بعيد انتميار ط ييل‪ ،‬وصيلتني النتيائج فيي البرييد‬ ‫المسجل‪ ،‬قبيل عدة أيام مع زواجي‪ .‬كنت سيعيدًا جيداً واتجهيت‬ ‫مع ف ري لمكتب البرييد سيتالمها‪ .‬لكيع ميا أشيد ميا كانيت‬ ‫صدمتي عندما اطلعت على ورقة النتائج‪..‬‬

‫‪176‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫لقد نجحت فيي ميادتيع بنسيبة عاليية‪ ،‬لكننيي رسيبت فيي‬ ‫األخريتيع على الحافة‪ ،‬حيث كانت نتيائجي فيي ميادة التيدقي‬ ‫‪ %73‬و ‪ %71‬في مادة القان ن التجاري‪ ،‬بينما كانت نسبة النجاح‬ ‫المطل بة ‪.%75‬‬ ‫لب يكع األمر محبطاً وحسب‪ ،‬وإنما صعباً جداً‪ ،‬فقد كنت في‬ ‫أم ّ الحاجة إليى زييادة راتبيي ألسيد الينقص فيي المصيروف‬ ‫الشهري‪ .‬وعلى كل حا فال قت لب يكع مالئماً لألخبار السيلة‪،‬‬ ‫إذ لب يب على م عد زواجي س ثالثة أيام‪ ..‬شعر بانقبياض‬ ‫شديد في صدري‪.‬‬ ‫كنت في أم الحاجية ألن أميتص الصيدمة‪ ،‬وأفكير فيميا‬ ‫سأفعله‪ .‬كالعادة اتجهت إلى شاطئ القرم‪ ،‬حيث جلسيت لسياعا‬ ‫ط يلة في المقهى المطل على البحر‪ ،‬أقليب أمي ري رأسياً عليى‬ ‫عقب‪ ،‬وأفكر في الخيارا المطروحة أمامي‪.‬‬ ‫وأخيراً تيلبت على نفسي‪ ،‬واتخذ عدة قرارا أظنها‪ ،‬أفضل‬ ‫ما يمكنني فعله‪ :‬قرر تقديب ا متحانيع مرة أخر فيي شيهر‬ ‫ن فمبر‪ ،‬مع هذا العام‪ ،‬أي بعد قرابة ‪ 3‬أشهر مع اآلن‪ ،‬بالطبس مس‬ ‫مزيد مع ا ستعداد لهما‪ ،‬كما قرر أن أزيد مع سلفتي بمقدار‬ ‫‪ 2666‬ريا ً عمانياً لسداد النقص في مصروف البيت خال الفتيرة‬ ‫مع زواجي‪ ،‬وحتى استالمي النتائج في فبراير‪.2663 ،‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫الي م السبت‪ ،‬أو أيام دوامي بعد رحلة شهر العسل الرائعية‬ ‫في تركيا‪ .‬لكنني بقدر ما كان يرسيفني انتهياء شيهر العسيل‪،‬‬ ‫كنت مشتاقاً ومتحمساً للرج أ لحياة الكفاح والعمل‪.‬‬

‫‪177‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫أعدد الشاي واإلفطار لي ولزوجتيي‪ ،‬التيي كانيت تيزا‬ ‫نائمة‪ .‬أيقمتها لكي نتناو طعام اإلفطار معاً‪ ،‬ثيب غادرنيا‪ ،‬كيل‬ ‫في سيارته‪ ،‬فاتجهت زوجتيي لمدرسية الي ادي الكبيرالحك ميية‬ ‫للبنا ‪ ،‬بينما اتجهت أنا لمقر عملي في روي‪ ،‬نف المنطقة التي‬ ‫نسكع فيها‪.‬‬ ‫كنت متأخراً‪ ،‬فقد كانت الساعة تدق الثامنة والنصف عندما‬ ‫خرجت مع البيت‪ ،‬ولذا اتصيلت بيي السيكرتيرة ميع الشيركة‪،‬‬ ‫فأكد لها أنني في طريقي للعمل‪.‬‬ ‫لييد وص ي لي للمكتييب‪ ،‬كانييت هنيياك مفاجييأة سييارة فييي‬ ‫انتماري‪ ،‬فقد حفَّ الم ظف ن بي في حفل صيير أعدّو خصيصاً‬ ‫ستقبالي‪ ،‬ومباركتي على اليزواج‪ ،‬حييث أهيدوني فييه سياعةً‬ ‫جميلة‪.‬‬ ‫كنت سعيداً جيداً‪ ،‬وشيعر بالحميميية‪ .‬لقيد حفيز هيذ‬ ‫الحفلة الصييرة الدافلة حماسي للعمل‪ ،‬فقد كان فيي انتمياري‬ ‫المشاركة في تدقي ابتدائي ل احد مع أهب عمالئنا مع البن ك‪.‬‬ ‫مر األيام‪ ،‬وبدأنا تدقي البنك‪ ..‬كان المفترض أ ّ تزييد‬ ‫مدة التدقي عع شهر واحد‪ ،‬ولكع بسبب فساد األنممة الرقابيية‬ ‫في البنك‪ ،‬وتخبطها اضطرر أن أستيرق في المهمة ميا يزييد‬ ‫قليالً عع شهريع‪.‬‬ ‫في نهاية المهمة كان تقريري ممتازاً ميع الناحية المهنيية‪،‬‬ ‫فقد قمت بتحديد العشرا مع نقاط الضعف الرئيسية في أنممة‬ ‫البنك الرقابية‪ ،‬والتيي تجعلنيا كميدققيع غيير قيادريع عليى‬ ‫ا عتماد عليها فيي القييام بإجراءاتنيا التدقيقيية‪ ،‬ميس الت صيية‬ ‫باإلجراءا التصحيحية‪.‬‬

‫‪178‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫إن حيثية "عدم القدرة عليى ا عتمياد عليى أنممية البنيك‬ ‫الرقابية"‪ ،‬التي تضمنها تقريري كانيت تعنيي ببسياطة مشيكلة‬ ‫كبيرة‪ ،‬لكل مع شركة التدقي ‪ ،‬والبنك‪ ،‬وكنيت أعليب ذليك‬ ‫جيداً‪ ،‬لكع لب أكع أملك غير أن أك ن صادقًا في تقريري‪.‬‬ ‫بعد تقديمي التقرير بأيام قليلة‪ ،‬وبالتحديد في الي م الساب‬ ‫لسفري ألمريكا لتقديب ا متحانا في شهر ني فمبر‪ ،‬اسيتدعاني‬ ‫الشريك في مكتبه‪..‬‬ ‫بارك لي زواجي‪ ،‬ومدح م اهبي وقدراتي الفيذة فيي مجيا‬ ‫التدقي ‪ ،‬والتي تجلت فيي التقريير اليذي قدمتيه عيع البنيك‪،‬‬ ‫وشكرني جداً عليه‪ ،‬ألنه ذا قيمة حقيقة عالية‪ ..‬على حيد ق ليه‪.‬‬ ‫كنت متفاجأّ جداً‪ ،‬فقد ظننت أنها ستك ن جلسة تقرييس‪ ،‬وليي‬ ‫إطراء!‬ ‫سألته‪ ،‬إذا كان يريد مني أن أغير تقريري‪ ،‬لكنه دُهيش ميع‬ ‫سرالي واستنكر ‪ .‬حمد اهلل‪ ،‬في أعمياقي‪ ،‬وعرفيت أننيي أسيأ‬ ‫المع بالشركة‪ ،‬وباليت في تقييب نتائج تقريري‪.‬‬ ‫في نهاية الجلسة‪ ،‬وبينما أنا واقف أصافحه للمييادرة هنيأني‬ ‫على النتائج الباهرة التي حققتها في امتحانا اليي ‪ ،CPA‬وأكيد‬ ‫لي أنه سيق م برفس راتبي ف ر اجتيازي لالمتحانيع اآلخريع في‬ ‫األسب أ القادم‪ ،‬ولكنه طلب مني‪ ،‬بهدف مسياعدة العمييل‪ ،‬وعيدم‬ ‫تش يه سمعته‪ ،‬أن أضيف في خالصة تقريري فقرة واحدة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫"ت جد في البنك مجم عة مع اإلجراءا الرقابية البديلة‪ ،‬التيي‬ ‫تجعل مع أنممة الرقابة بالبنك فعالة‪ ،‬وكفاية‪ ،‬وبالتيالي فكيل‬ ‫ما نحتاج إليه إلنهاء تدقي البنك ه إجراءا التدقي السيريس‬ ‫في نهاية السنة‪ ،‬ولي المفصل"‪.‬‬

‫‪179‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫لب يكع أمامي خيار آخر‪ ..‬ابتسمت بلطف في وجه الشريك‪،‬‬ ‫وقلت له برقة‪ ،‬ولكع بحزم ‪ " :‬أستطيس"‪ ،‬ألقطيس أي أميل ليه‬ ‫في أن أغيَر مع تقريري‪ .‬ت قعت منه أن يستشيف غضيباً‪ ،‬لكنيه‬ ‫فاجأني مرة أخر بابتسامة هادئة‪ ،‬وردَّ علي‪ " :‬علييك‪ .‬اني‬ ‫الم ض أ"‪.‬‬ ‫عصر ذلك الي م أخبرني رئيسي المباشر بأن الشريك طلب‬ ‫منه إضافة تلك الفقرة بجانب ت قيعيه عليى التقريير ففعيل‪..‬‬ ‫كالعادة‪ ،‬فهي ليست المرّة األولى‪ ،‬ولع تك ن األخيرة التي يُطلب‬ ‫فيها مع رئيسي ذلك! كان منزعجاً مع ال ضيس‪ ،‬لكنيه – كميا‬ ‫قا لي ‪ -‬لب يكع أمامه خيار آخر!!!‬ ‫‪#####‬‬ ‫استيرقت رحلتي لتقديب ا متحانا أسب عاً واحداً‪ ،‬اسيتأنفت‬ ‫بعدها العمل ألجد أن الجنة قد انقلبت إلى جحيب‪ ،‬يطاق‪.‬‬ ‫كل ما كان يريد الشريك مني ه أن أستقيل مع العميل‪،‬‬ ‫وهذا مالب أكع أستطيعه‪ ،‬قبل أن أنهي فترة السينتيع المطل بية‬ ‫ألحصل على لقب زمالة المحاسبة القان نية (‪.)CPA‬‬ ‫لب يكع الشريك قيادراً عليى طيردي ميع ال ظيفية‪ ،‬ألننيي‬ ‫ر لمشاكل قبل له بها مس الحك مية‪،‬‬ ‫م اطع‪ ،‬وطردي سيج ّ‬ ‫سيّما وأنه سيك ن طرداً تعسفيّاً! ولذا لجأ إليى أسيل ب "تكسيير‬ ‫العمب"‪..‬‬ ‫لب يترك الشيريك وسييلة إ واتبعهيا إلذ ليي‪ ،‬وإظهياري‬ ‫بممهر الفاشل أمام جميس الم ظفيع‪ ،‬وإلرهاقي في العمل نفسيياً‬ ‫وجسدياً‪ ..‬لقد قام بخفض رتبتي ال ظيفية بعيدة درجيا نكاييةً‬

‫‪180‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫بي‪ ،‬بحجة أنني غير كفير‪ ،‬وأننيي بطييء فيي إنجياز مهيامي!‬ ‫وكان يق م بإرسالي بشكل مستمر لمناط بعيدة إلنجياز بعيض‬ ‫مهام التدقي بها‪ ،‬كما م رست مختلف الضي ط عليي ألتجياوز‬ ‫مبادئي في التدقي ‪ ،‬وهلب جراً‪.‬‬ ‫في البداية كنت أشعر با نزعاج الشديد كلميا كنيت أجيد‬ ‫نفسي في م قف محرج‪ ..‬لب أكع أصدق أن ما يجري معي هي‬ ‫عع سب إصرار وترصد‪ ،‬وأنها تصدر عع عقلية ونفسية تمرست‬ ‫على لعبة المرأمرا وتكسير العمب‪..‬‬ ‫ثب تفاقب األمر بي‪ ،‬فصر أكر اليذهاب للعميل‪ ،‬وكيأنني‬ ‫أساق إلى حتفي‪ ،‬وصر أشعر بالحاجة للني م باسيتمرار‪ ،‬ربميا‬ ‫للهرب مع األلب الذي لب يكع يفتيأ يعتصير صيدري‪ ..‬أصيبحت‬ ‫أنتمر أيام اإلجازا والعطل بفارغ الصبر‪ ،‬وكأنني غري يبحث‬ ‫عع يابسة‪.‬‬ ‫وجد نفسي أنهار وأتبكل تيدريجيّاً ميع داخليي‪ ،‬وتينعك‬ ‫آثار ذلك على أسرتي‪ ،‬حيث أصبع الج مش باً بالت تر والقل ‪..‬‬ ‫كما وجدتني غير قادر على التركيز في العمل‪ ،‬واألداء فيه‪..‬‬ ‫ظلت عالقتي باهلل ق ية‪ ،‬لكنني في ليلية الجمعية تليك فيي‬ ‫أواخر شهر يناير‪ ،‬شعر بقلبي يخف بشدة مع أعماقي لجأً إلى‬ ‫اهلل‪ ،‬بعييد أن يلسييت مييع أمييري‪ ،‬وتملكتنييي أحاسييي األلييب‬ ‫والهزيمة‪ ..‬دع ته "رب إني ممل م‪ ،‬فانتصر"‪.‬‬ ‫وفي أثناء سماعي لدعاء كميل تلك الليلة ]دعاء مروي عع‬ ‫األمام علي (أ)‪ ،‬يقرأ كل ليلة جمعة[‪ ،‬وأنا ساجد هلل‪ ،‬بعد صالة‬ ‫العشاء‪ ،‬قرر أ ّ أستسلب‪ ..‬وكيف أستسلب وأنيا أعليب أن هيذ‬ ‫فرصييتي ألك ي ن كمييا يريييدني اهلل أن أك ي ن‪ ،‬فييأقترب منييه‬

‫‪181‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫وأستح رضا ‪ ..‬يجب أن أك ن ق ياً ومتماسكاً وإيجابيياً‪ ..‬هيذا‬ ‫ما يريد اهلل مني‪ ،‬وبعد ذلك فليكع ما يك ن‪.‬‬ ‫لب يكع أمامي س أن أرجس لذاتي‪ ،‬وألمليب أطيراف نفسيي‬ ‫المشتتة‪ ..‬وبعد منتصف تلك الليلة‪ ،‬حيث أرخى اللييل سيدوله‪،‬‬ ‫وهدأ األص ا ‪ ،‬وسكنت الكائنا ‪ ،‬نهضت ميع فراشيي‪ ،‬وتسيللت‬ ‫على أطراف أصابعي لشرفة غرفة الن م‪..‬‬ ‫كان الج بارداً‪ ،‬وكان نسيب البحر منعشاً‪ ..‬ميأل صيدري‬ ‫مع نسيمه البارد‪ ،‬وكأنني أغسل جميس ما تراكب عليى صيدري‬ ‫مع ألب وكرب‪ ،‬وسجد هلل‪ ،‬وشكرته مع أعماقي إلتاحتيه هيذ‬ ‫الفرصة لي‪ ،‬ألثبت لنفسي أنني في درب اهلل‪ ..‬غصت في أعمياقي‪،‬‬ ‫وأنا ساجد‪ ،‬وأزلت كل ما ترسب فيها مع أليب وقهير‪ ،‬ومشياعر‬ ‫سلبية‪.‬‬ ‫ثب رجعت لعقلي‪ ،‬وفكر في كل ما جر علي بم ضي عية‬ ‫وعقالنية‪ ،‬فأدركت أنني أواجه رئيساً‪ ،‬لع يتركني إ بتحطيمي‬ ‫أو تقديب استقالتي‪ ،‬وكال األمريع كانا مستحيليع بالنسبة لي‪.‬‬ ‫كان علي أن أحافظ على أعصابي وتركيزي إليى أن أنتقيل‬ ‫إلى شركة أخر ‪ ،‬بعد أن أكمل فترة سنتيع مع العمل في هذ‬ ‫الشييركة‪ ..‬فتييرة الخبييرة المطل بيية لنيييل زماليية المحاسييبة‬ ‫القان نية‪ ،‬والتي بقي منها سنة واحدة تقريباً!‬ ‫الشريك‬ ‫قرر اتباأ سياسة "عدم اإلكتراث" لكل محاو‬ ‫ستفزازي‪ ،‬وا حتفاظ بهدوئي الداخلي‪ ،‬في كل األحي ا ‪ .‬أميا‬ ‫على الصعيد العملي‪ ،‬فقد قرر أن اكتسب أقصى ما يمكنني مع‬ ‫خبرة التدقي والمحاسبة‪ ،‬ولذا كنت أضطر للبقياء فيي العميل‬

‫‪182‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫لفترا ط يلة ي مياً‪،‬‬ ‫ساعة ي مياً‪.‬‬

‫شك أنها‬

‫تقل فيي المت سيف عيع ‪11‬‬

‫قرر أيضاً أن أترك كل ما يحدث لي في العمل عند عتبية‬ ‫الشركة ‪ ،‬عنيدما أعي د للبييت‪ ،‬لكييال ييرثر ذليك عليى بيتيي‬ ‫وزواجي‪ ،‬وأن أعمل بجديية فيي الفتيرة المسيائية عليى إسيعاد‬ ‫زوجتي‪ ،‬وهي تطلب مني غير أن أك ن سعيداً وحي ياً ونشطاً‬ ‫عندما أك ن معها!‬ ‫وهذا ما كان فعالً‪ ،‬فتحسنت نفسيتي‪ ،‬وبدأ تصلع أحي الي‪،‬‬ ‫رغب استمرار الشريك في محاو ته لتحطيمي!‬ ‫وفي غمرة فرحة اإلنتصيار عليى نفسيي‪ ،‬وصيلتني مفاجيأة‬ ‫جميلة‪ ،‬كنت في أم الحاجة لهيا‪ ،‬بيل كنيت أترقبهيا بفيارغ‬ ‫الصبر‪ ،‬وكأنها ورقة الج كر التي ستقلب حمي! لقيد نجحيت‬ ‫في ا متحانيع األخيريع‪.‬‬ ‫يا اهلل‪ ..‬كنت في أم الحاجة لهذ النتائج‪ ،‬لي للمطالبية‬ ‫بزيادة راتبي‪ ،‬وحسب‪ ،‬وإنما لتعزيز م قفي في الشركة‪ ،‬وتييير‬ ‫نمرة الم ظفيع لي‪ ،‬فحتى في شيركة تيدقي عالميية كيالتي‬ ‫كنت فيها‪ ،‬معدودون هب أوللك الذيع يملكي ن هيذ الشيهادة!‬ ‫الكل يتهيب منها‪ ،‬فهي تتطلب مذاكرة كثيفة‪ ،‬وحسب‪ ،‬وإنميا‬ ‫تف ق ياً ذهني ياً‪ ..‬هييذا علييى األقييل مييا كييان يييردد المييدقق ن‬ ‫المحترف ن في شركتنا!‬ ‫تعتبر هذ الشهادة في عالب التدقي معياراً حقيقيياً‪ ،‬رييب‬ ‫فيه‪ ،‬للمدققيع المحتيرفيع‪ ،‬وأنيا اآلن‪ ،‬وفي المعيايير الدوليية‬ ‫أصبحت واحدًا منهب‪ ..‬ما أجمله مع شع ر بيالتف ق وا نتصيار!‬ ‫واألهب مع ذلك‪ ..‬استرداد الكرامة!‬

‫‪183‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫في صباح الي م التالي كنيت أو ال اصيليع للشيركة‪ ،‬فيي‬ ‫انتمار قدوم الشريك‪ ،‬ألثبيت ليه أننيي عصيي عليى اإلنكسيار‪،‬‬ ‫وللمطالبة بزيادة راتبي‪ ،‬وربما لفتع صفحة جديدة‪ ،‬ننسى فيهيا‬ ‫الماضي‪.‬‬ ‫يبدو أنني أفهب الناس‪ ،‬فقد كنت أت قس أن يزعجه الخبر‪،‬‬ ‫لكنه على العك مع ذلك‪ ،‬سعد لسماعه‪ ،‬أو هكيذا بيدا‪ ،‬وهنيأني‬ ‫بحرارة على هذا اإلنجاز الرائس!‬ ‫طالبته بتنفيذ وعد لي بزيادة الراتيب‪ ،‬لكنيه رفيض رفضيًا‬ ‫قاطعاً بحجة أنني أسيتح الزييادة ألننيي مهميل فيي عمليي‪،‬‬ ‫وأدائي فيه أقل مع المست المطل ب‪ ،‬واستد على كالمه هيذا‬ ‫بأنه قد تب تخفيض رتبتي ال ظيفية ألقل مع درجة خريج!‬ ‫أحسست بالقهر والمرارة‪ ..‬لب أستطس النط مع شدة الييظ‬ ‫فانسحبت مع مكتب الشريك دون أن اتف ببن شفة‪ ،‬وأنطلقت‬ ‫نح الشاطئ‪ ..‬حيث قفز في البحر بكامل ثييابي‪ ،‬عيلَّ بيرودة‬ ‫مائه تطفئ لهيب صدري‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫كان األمر محبطاً جداً‪ ،‬فأنا ليب أكيع أمليك ميا أسيد بيه‬ ‫النقص في مصروف البيت‪ .‬طلبت مع زوجتي أن ننتقل إلى بييت‬ ‫والدتي‪ ،‬لكي ن فر اإليجار‪ ،‬لكنها رفضيت رفضياً تامياً‪ ،‬وأنيا ليب‬ ‫أرغب في أن أضيف عليها‪ ،‬فقد كان ذلك شرطها منذ البداية!‬ ‫كنت مستاءً جداً‪ .‬لب يكع أمامي حل س اإلنتقا ل ظيفية‬ ‫أخر ‪ ،‬ذا راتب أكبر‪ ،‬سيّما وأنني قد اجتز امتحانا مرهل‬ ‫المحاسبة القان نية (‪.)CPA‬‬

‫‪184‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫نعب كنت مستاءً جداً‪ ،‬ألنني لكي أجيد التدقي ‪ ،‬ولكي أحصل‬ ‫على زمالة المحاسبة القان نية (‪ )CPA‬المهنية‪ ،‬أحتاج ميا يقيل‬ ‫عع خبرة سنتيع في هذ الشركة‪ ،‬وأنا ليب أكميل سي سينة‬ ‫واحدة منها!‬ ‫إن انتقالي مع الشركة قبل األوان‪ ،‬يعني أن أضيحي بجمييس‬ ‫أهدافي المرحلية التي كنت رسيمتها ميس خيالي فيي المزرعية‪،‬‬ ‫والبدء مع جديد‪ ..‬ربما هذ المرّة بإطار وأهداف أخر !‬ ‫كنت حانقًا جداً على الشريك‪ ..‬ما كنت ألحن علييه رغيب‬ ‫كل ما كان يفعله بي‪ ،‬ل كانت أوضاعي المادية مسيت رة‪ ،‬أمّيا‬ ‫وأنا أعاني األمريع مع ضي ذا اليد‪ ،‬بسببه‪ ،‬فقيد أحسسيت بيي‬ ‫ألعنه مع أعماقي وأدع عليه‪.‬‬ ‫كنت وزوجتي في السيارة‪ ،‬متجهيع لبييت واليدتي للعشياء‪،‬‬ ‫وقد كانت تحكي لي بضحك وبراءة ما جر عليها اليي م ميع‬ ‫م اقف طريفة في العمل‪ .‬كانت تعرف أني كنت منشييالً عنهيا‬ ‫في هم مي‪ ،‬لكنها كانت تحاو تسيليتي‪ ،‬وإخراجيي ميع دائيرة‬ ‫الهب‪ ،‬بأحاديثها‪ ،‬وضحكاتها البريلة‪ ،‬والتي كانت دائماً تفعل فعل‬ ‫السحر معي‪.‬‬ ‫لكنني هذ المرّة كنت عصيّاً على اإلسيتجابة‪ ،‬شيارد اليذهع‬ ‫كلياً في بل تي‪ .‬تنهد تنهيدة مليلة بالحسرة واأللب‪ ،‬وأعقبت‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫لعنة اهلل عليه‪ .‬رب انتقب منه‪.‬‬

‫ذهلت زوجتي عندما سيمعتني أدعي وألعيع‪ ،‬وفيير فاههيا‬ ‫دهشة‪ ..‬كانت مصدومة مني‪ ،‬ومتألمة لحالي في ال قت لذاته‪.‬‬ ‫‪ ‬محمد! يياحبيبي‪ ..‬لسيت أنيت اليذي تيدع عليى النياس‬ ‫وتلعنهب‪ ،‬مهما فعل ا بك‪.‬‬ ‫‪185‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪-‬‬

‫أنت‬

‫تفهميع ال رطة التي نحع فيها‪...‬‬

‫يبدو أن ردّي صدمها‪ ،‬فقاطعتني‪ ،‬ودم عها تنز على خديها‪:‬‬ ‫‪ ‬منذ أن تزوجنا‪ ،‬وأنا أعيش معك هذ المعاناة‪ ..‬كيل يي م‪،‬‬ ‫وكل ليلة‪ ،‬ثب تأتي وتق لي أنني أفهيب ال رطية التيي‬ ‫نحع فيها!‬ ‫آلمني بكاؤها‪ ،‬فأنيا أطيي أن تتيألب زوجتيي‪ ،‬سييّما إذا‬ ‫كنت أنا السبب‪ ،‬و شك أننيي كنيت مخطيأ فيي ردي عليهيا‪.‬‬ ‫أخذ يدها في يدي‪ ،‬ومسحت عليهيا بلطيف‪ .‬وقليت لهيا برقية‬ ‫وعذوبة باليتيع‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا آسف‪ ..‬أنا مخطئ‪ ..‬أرج ك سامحيني‪.‬‬

‫بأس‪ ،‬لكع أرج ك تُعدْ هذا القي ميرة أخير ‪ .‬قاليت‬ ‫‪‬‬ ‫وهي تكفكف دم عها‪" .‬ولكع لدي شرط واحد ألسيامحك"‪.‬‬ ‫استدركت كالمها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لك األمر‪ .‬أشرطي ما تريديع‪.‬‬

‫‪ ‬سلمت لي‪ .‬شرطي أن تبتسب‪ ،‬وترتاح‪ ،‬وتكل أمرك إلى اهلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً سابتسيب‪ ،‬وأضيحك‪ ،‬وأتناسيى كيل المشياكل‪ ،‬لكيع‬ ‫الت كل على اهلل يعني أن أفكير فيي المشياكل والتحيديا‬ ‫التي ت اجهني‪ ،‬وأضيس لهيا الحلي ‪ ،‬أن أتناسياها‪ .‬أليي‬ ‫كذلك؟‬

‫‪ ‬صحيع‪ ،‬ولكع ألب تقل لي قبل عدة أيام‪ ،‬أن اهلل يريد منيا أن‬ ‫ن اجه مشاكلنا بإيجابية؟‬ ‫‪-‬‬

‫صع‪...‬‬

‫‪186‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪ ‬إذاً فشرودك وتجهمك‪ ،‬وهذا األلب اليذي يعتصير صيدرك‪،‬‬ ‫ويجعلك غير قادر على ا ستقرار ه لي ميع اإليجابيية!‬ ‫هل أنا مخطلة؟‬ ‫أبداً‪ ..‬أنت على ص اب‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ ‬إذا تدأ المشاعر السلبية ترثر علييك‪ .‬وعنيدما سينخرج‬ ‫مع بيت "ماما" سنذهب للشاطئ – المكان المحبب ليديك ‪-‬‬ ‫لنفكر كيف نعالج المشكلة‪ .‬اتفقنا؟‬ ‫‪-‬‬

‫اتفقنا‪ .‬قلتها وأنا أشعر براحة كبيرة تيمرني‪.‬‬

‫‪ ‬أنا يهمني أ ّ تعلب "ماما" أو أي شخص آخر المشاكل التيي‬ ‫نمر بها‪ .‬أريد إيذاء اآلخريع بمشاكلي‪ ،‬كميا أرييد أن‬ ‫ينمر إلينا أحد بعيع الشفقة‪ ،‬والمسكنة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا أتف معك‪ .‬تخشي‪ ،‬لع أخبير احيداً بميا ن اجهيه ميع‬ ‫مشاكل‪ .‬واآلن هيا ندخل إلى البيت‪.‬‬

‫كنا قد وصلنا إلى بيت والدتي‪ ،‬وقد همميت أن أدخيل إليى‬ ‫البيت‪ ،‬فمسكتني زوجتيي ميع ييدي بلطيف‪ ،‬واسيت قفتني وهيي‬ ‫تركد علي‪:‬‬ ‫‪ ‬أرج ك تماهر بالسعادة‪ ،‬إنهب يحتياج ن أن ييروك سيعيداً‪،‬‬ ‫فأنت بطلهب‪ ،‬كميا أرييدهب أن يمني ا أنيي أسيبب ليك‬ ‫المشاكل‪ .‬أرج ك‪.‬‬ ‫التفت إليها‪ ،‬ومسيكتها ميع ذراعيهيا بلطيف‪ ،‬وابتسيمت لهيا‬ ‫ابتسامة مليلة بالحب والحنان‪ ،‬وقلت لها‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا فعالً سعيد حبيبتي‪ ..‬ألنك م ج دة معي‪ .‬ثب دخلنا البيت‬ ‫معاً‪ ،‬وأنا أشعر بالسعادة‪ ،‬وقلبي يخف بالحب‪.‬‬

‫‪187‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪#####‬‬ ‫هناك على شاطئ البحر‪ ،‬حيث كانيت ظلمية اللييل تسيترنا‪،‬‬ ‫أخذ يدها بيدي‪ ..‬ضممتها بحنان‪ ،‬وكأنني أستمد منها وأميدها‬ ‫بالدفء‪ ،‬فقد كان الج بارداً‪ ،‬كعادته في شهر فبرايير‪ ..‬أخيذنا‬ ‫نمشي حفاةً على ترابه الناعب‪ ،‬ونستنش نسيمه العليل‪ ،‬ونهيب في‬ ‫ص أم اجه العمي ‪.‬‬ ‫مشينا بصمت لعدة دقائ ‪ ،‬نستشعر جميا البحير‪ ،‬وروعتيه‪،‬‬ ‫وكأننا نفرغ مشاعرنا السلبية‪ ،‬وما تراكب عليى صيدورنا ميع‬ ‫األلب‪ ،‬ونبثه للبحر ال اسس‪ ..‬وأخيراً نطقت أنيا بهيدوء‪ ،‬مميزوج‬ ‫بألب مكب ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫لماذا يحدث هيذا؟ لمياذا يقي م النياس بياليش‪ ،‬والتيدلي ‪،‬‬ ‫والكذب؟ لماذا يق م ن باألعما الشريرة؟‬

‫‪ ‬سامحه‪ ..‬الشيطان ه السبب‪ ..‬ه الذي يي ي الناس‪ .‬قالتهيا‬ ‫بابتسامة رقيقة عذبة‪ .‬إن طيبتها الالمحدودة هيذ ‪ ،‬تجعلنيي‬ ‫أزداد حباً لها‪ ،‬وتعلقاً بها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫صدقيني‪ ..‬لقد سامحته مع كل قلبي‪ ،‬لعل اهلل يرضى عني‪.‬‬

‫‪ ‬أصدقك‪ ،‬وأعرفك جيداً‪ ،‬ولذا أهيب فيك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لكع الشيطان لي ه السبب‪ ..‬اإلنسان ه سيبب تصيرفاته‪،‬‬ ‫أما الشيطان فال يعدو أن يك ن دور دور المشجس لي إ ّ‪..‬‬ ‫تص ري عندما يف ز فري كرة قدم مثالً‪ ،‬هيل تف قيه هي‬ ‫سبب انتصار ‪ ،‬أم الجمه ر الذي يشاهد ويشجعه؟‬

‫‪ ‬بالطبس تف قه وأداؤ ه السبب األساسيي فيي في ز ‪ ،‬وأميا‬ ‫المتفرج ن‪ ،‬فهب مشجع ن لي إ ّ‪.‬‬

‫‪188‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪-‬‬

‫صع‪ ..‬وهكذا ه األمر مس الشيطان‪.‬‬

‫‪ ‬ولكع لماذا يسيمع اهلل للشييطان بي ايتنيا وتشيجيعنا عليى‬ ‫الحرام؟! أستيفر اهلل‪ ..‬هل يريدنا سبحانه وتعالى أن نعصيه‬ ‫وبالعياذ باهلل؟‬ ‫‪-‬‬

‫أنا أيضاً أفهب لماذا! يتردد هذا السرا في ذهني منذ عيدة‬ ‫سن ا ‪ ،‬ولكنني لب أت صل للج اب‪ ..‬دعينا ميع هيذا األمير‪،‬‬ ‫ولنناقش مشكلتنا‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً‪ ،‬دعني أفهب أو ً‪ :‬ما أس ء ما تت قعه‪ ،‬وتخشا ؟‬ ‫‪-‬‬

‫أس ء ما كنت أخشا حصل فعيالً‪ ،‬عنيدما رفيض الشيريك‬ ‫زيادة راتبي! وعليه فأنيا مضيطر اآلن للبحيث عيع وظيفية‬ ‫أخر ‪ ،‬والتضحية بخبرة السنتيع‪ ،‬بكل ما تعنيهما لي هاتيان‬ ‫السنتان‪.‬‬

‫‪ ‬وكب الراتب الذي تت قعه في ال ظيفة الجديدة؟‬ ‫‪-‬‬

‫مس شهادة الي ‪ CMA‬و شهادة الي ‪ CPA‬والخبيرة التيي أملكهيا‬ ‫أت قس أن أجد وظيفة إدارية في الحسيابا أو فيي الماليية‪،‬‬ ‫براتب يقل عع ‪ 2666‬ريا تقريباً‪.‬‬

‫‪ ‬ونحع كما حسيبنا ليلية البارحية‪ ،‬نحتياج إليى ‪ 1366‬رييا‬ ‫شهريًا لنك ن في راحة‪ .‬صع؟‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع‪ .‬أنا يقلقني أمر الراتب‪ ،‬ولكع يرسفني أن أضيطر‬ ‫لترك الشركة‪ ،‬وبالتالي أضيس أهدافي التي كنيت وضيعتها‬ ‫لنفسي لهذ المرحلة‪ ،‬وهي إجادة عملية التدقي ‪...‬‬

‫‪ ‬وحص لك عليى لقيب زمالية المحاسيبة القان نيية‪ .‬صيع؟‬ ‫أكملت زوجتي‪.‬‬

‫‪189‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪-‬‬

‫صع‪.‬‬

‫‪ ‬خطأ! ألنك تستطيس ا نتقا إليى شيركة تيدقي عالميية‬ ‫أخر ‪ ،‬لتكمل خبرة السنتيع اللتيع تحتاجهما‪ .‬وأنا متأكيدة‬ ‫أنك بالخبرة التي لديك‪ ،‬ومرهالتك‪ ،‬وك نيك م اطنيًا‪،‬‬ ‫ستسعى خلفك جميس شركا التدقي ‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ،‬ولكنني أحب أن أقفز مع وظيفة ألخير ‪ ،‬سييّما‬ ‫وأننييي أخطييف لإلنتقييا مييع مجييا التييدقي إلييى مجييا‬ ‫الخدما ف ر تكملتي للخبرة الالزمة‪.‬‬

‫‪ ‬حبيبي (قالتها بعتاب عيذب‪ ،‬هزنيي حالوتيه ميع أعمياقي)‪.‬‬ ‫لمجرد أنيك ترييد ا نتقيا لشيركة أخير ‪ ،‬تصي ر‬ ‫المسألة‪ ،‬وكأن كارثة حلت بك!‬ ‫سكت للحما أفكر في كالم زوجتي‪ ..‬يبدو لي مرة أخير‬ ‫أنها محقة‪ .‬يخجلني أن تك ن دائماً على ص اب‪ ،‬وأنا على خطيأ‪..‬‬ ‫أخشى أن أفقد تدريجياً احترامها لي!‬ ‫أعقبت زوجتي كالمها‪:‬‬ ‫‪ ‬أنت زلت في الرابعة والعشريع ميع عميرك‪ ،‬وهي العمير‬ ‫الذي يبدأ فيه الكثيرون مسارهب ال ظيفي‪ ،‬بينميا أنيت فيي‬ ‫يملكهيا غيير‬ ‫مرحلة وظيفية متقدمة‪ ،‬وتمليك ميرهال‬ ‫أفراد معدوديع فقف في البلد‪ ،‬وتت قس راتباً يحلب بيه أي‬ ‫مع أقرانك‪ ،‬ورغب ذلك‪ ،‬فأنت تتجاهيل كيل هيذ األمي ر‬ ‫الرائعة‪ ،‬و تر س أنك مجبر عليى اإلنتقيا ل ظيفية‬ ‫أخر ‪ ،‬وه ما تريد !!!‬

‫‪190‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫أ تتف معي أنك‪ ،‬لست فقف تنمر إلى النصف الفارغ ميع‬ ‫الك ب‪ ،‬وإنما تنمر إليى الجيزء البسييف جيداً ميع الكي ب‬ ‫الفارغ‪ ،‬وتتجاهل معممه المليء؟‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً أنت محقة‪ ،‬كالعادة‪.‬‬

‫‪ ‬أنا آسفة‪ ..‬أخشى أن أك ن آذيتك بكالمي!‬ ‫‪-‬‬

‫أبداً‪ ..‬تعجبني صراحتك‪ ..‬أحتاج إليها‪ ،‬ألر ميا تجعلنيي‬ ‫ع اطفي وانفعا تي أغفل عنه‪.‬‬

‫‪ ‬إحب إحب‪ ..‬حسناً‪ ،‬قل لي هل الممارسا المقرفة التي يقي م‬ ‫الشريك بها تجاهك لها دخل في اتخياذك لقيرار ا نتقيا‬ ‫مع الشركة؟‬ ‫‪-‬‬

‫أبداً‪ .‬لقد تيلبت على األمر منذ تلك الليلية التيي تكلمنيا‬ ‫فيها‪ ..‬بالعك أنا أعتبر األمر تحدياً‪ ،‬وفرصة رائعة ألروّض‬ ‫نفسي‪ ،‬لتتحمل األذ مع اآلخريع‪ ،‬مع دون أن ييرثر ذليك‬ ‫علي وعلى أدائي واستقراري‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً إذاً في النهاية اتفقنا أنه ت جد لدينا مشكلة حقيقية‬ ‫تستح أن نهتب لها‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫ه كذلك‪.‬‬

‫‪ ‬إذن هناك‪ ،‬أمر آخر أريد أن أناقشيك فييه‪ ،‬وأنيا أخشيى أن‬ ‫تردني‪ ،‬أو تزعل مني‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مع‪ ..‬أنا!‬

‫‪ ‬نعب أنت‪ ..‬أقسب لي باهلل أنك لع تأخذ في خاطرك علي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أعطيك كلمتي‪ .‬هيّا ها ما عندك‪.‬‬

‫‪191‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪ ‬قل لي‪ ،‬كيف تر عالقتنا معياً؟ أعنيي هيل ترانيا وكأننيا‬ ‫صاحبان يتشاركان بيتاً واحداً‪ ،‬أم ترانا شريكيع في الحياة‪..‬‬ ‫أنت أنا‪ ،‬وأنا أنت‪ ،‬حياتنا واحدة؟‬ ‫‪-‬‬

‫بالطبس‪ ،‬شريكان في الحياة! هذا ما اتفقنا عليه منذ البداية‪.‬‬

‫‪ ‬إذن‪ ،‬فعلينا كلينا أن ندافس عع حياتنا معاً‪ ،‬ألنها حياتنا معياً‪،‬‬ ‫أن تدافس أنت عنها‪ ،‬بينما أقف أنا مكت فية األييدي‪ ،‬أليي‬ ‫كذلك؟ قالتها بهدوء‪ ،‬مش ب بانفعا ٍ حاولت أن تخفيه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫طبعاً‪ ..‬وهذا ما يحدث فعالً‪ .‬نحع‪...‬‬

‫! لي هذا ما يحدث‪ ..‬أنا آسفة على صراحتي‪ ..‬الشيراكة‬ ‫‪‬‬ ‫لي مجرد شيعار نرفعيه‪ ،‬وإنميا مشياركة وممارسية فيي‬ ‫الحياة‪...‬‬ ‫يبدو أن زوجتي لب تستطس البقاء عليى هيدوئها أكثير ميع‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد أخذ نبرة ص تها تصبع أكثر حدّةً‪ ،‬ووجهها ينفعل‪.‬‬ ‫ولذا قاطعتها‪ ،‬وأنا ألتفت بكلي نح ها‪ ،‬وأمسك بكلتا يديها بحب‬ ‫وحنان‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫إهدئي يا حبيبتي‪ ..‬أنا آسف‪ .‬يبيدو أننيي آذيتيك ميع دون‬ ‫قصد مني‪ .‬أرج ك اهدئي وأخبريني ب ض ح ما الذي حيدث‪،‬‬ ‫وأنا أعدك أنني سأصحع ال ضس‪ .‬اتفقنا؟‬

‫‪ ‬أنا آسفة‪ ..‬لقد انفعلت‪.‬‬ ‫بأس‪ .‬واآلن أخبريني ماذا هناك؟‬

‫‪-‬‬

‫‪ ‬أنت تتكلب بأن الراتب يكفينا‪ ،‬وتنسيى تمامياً أننيي اسيتلب‬ ‫راتباً أيضاً‪ ،‬وه ييطي العجز‪ ،‬بل ويزيد!‬ ‫‪-‬‬

‫ولكع‪...‬‬

‫‪192‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪ ‬ولكع ماذا؟ ألي البيت بيتي أنا أيضاً؟ أليسيت هيذ حياتنيا‬ ‫معاً‪ ،‬أم أنها حياتك أنت ل حدك فقف؟ قالتها بانفعا شديد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ .‬أرج ك اهدئي‪ ..‬هي حياتنا معاً‪ ،‬لكنني أنيا المسيرو‬ ‫عع مصروف البيت‪ ،‬ولست أنت‪...‬‬

‫جر بيننا نقا ط يل‪ ،‬ومنفعل للياية‪ .‬وميع دون اليدخ‬ ‫في تفاصيل النقا ‪ ،‬فقيد اسيتطاعت زوجتيي كالعيادة إقنياعي‬ ‫ب جهة نمرها‪ .‬لست أفهب كيف تستطيس دائماً إقنياعي ب جهيا‬ ‫نمرها‪ ،‬لكع هذا ما يحدث فعالً!‬ ‫عم ماً‪ ،‬فقد اتفقنا في النهاية أن أبقى في وظيفتي الحاليية‪،‬‬ ‫إلى أن أكمل فترة السنتيع‪ ،‬وأما العجز الميالي‪ ،‬فييتب تيطيتيه‬ ‫مع راتب زوجتي‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫‪ 19‬ماي ‪2663‬‬ ‫‪ ‬سأتقيأ‪ .‬ناولني الكي‬

‫بسرعة‪.‬‬

‫ناولتها الكي ‪ ،‬وركنت سيارتي على جانيب الطريي ‪ .‬بينميا‬ ‫أخذ زوجتي تتقيأ في الكي البالستيكي الذي ناولته إياها‪.‬‬ ‫منذ البارحة‪ ،‬وهي تشيعر بل عية وغثييان شيديديع‪،‬‬ ‫يهدآن‪ .‬لب يكد الصباح يطلس حتى أخذتها للطبيبة‪.‬‬

‫يكياد‬

‫فحصتها الطبيبة‪ ،‬وبعد عيدة أسيللة لزوجتيي‪ ،‬ابتسيمت فيي‬ ‫وجهها‪ ،‬وطلبت منها أن تجري فحص الحمل!‬

‫‪193‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫غير ممكع! لقد خططنيا أن نمضيي أو ثيالث سين ا ميع‬ ‫زواجنا دون أطفا ‪ ،‬لكع النتيجة كانت قاطعة‪ ،‬تقبل الشيك‪..‬‬ ‫لقد كانت زوجتي حامل في شهرها الثاني!!‬ ‫لقد كان أفضل خبر سمعته في حياتي‪ ..‬هل سأصبع أباً؟ هل‬ ‫يعقل ذلك؟! كنت فرحاناً‪ ،‬لكننيي كنيت خائفياً مت جسياً فيي‬ ‫ال قت نفسه‪ ..‬إنها مسرولية ثقيلة‪ ،‬هل سأستطيس احتمالهيا؟ هيل‬ ‫سأك ن مثل والدي؟‬ ‫مر األيام التالية بطيلة‪ ،‬ومرلمة ومرهقة جداً‪ ،‬فقيد عانيت‬ ‫زوجتي ‪ -‬وأنا معها – أس ء أعراض الحمل‪ ،‬فقد تملكتها الل عية‬ ‫واليثيان والت عك‪ ،‬حتى لب تب لها طاقةً تتحرك بها‪ ،‬فسيقطت‬ ‫طريحة الفرا ‪ ،‬منهكة‪ ،‬تقيدر عليى شييء ميع أمي ر اليدنيا‬ ‫واآلخرة‪ ،‬غير أن تتقيأ‪ ،‬حتى كان يزيد عدد المرا التيي تتقييأ‬ ‫فيها عع ‪ 12‬مرة ي مياً‪.‬‬ ‫فإذا جعّ عليها الليل‪ ،‬جافاها الن م‪ ،‬وزاد على ما كانت تشيعر‬ ‫به مع ل عة وت عك وغثيان‪ ،‬شع ر بالتنمل فيي قيدميها‪ ،‬حتيى‬ ‫كانت تشعر أن الدبابي تطعنها فيهما‪.‬‬ ‫انتقلنا لبيت والدتي‪ ،‬إلى أن تنتهيي هيذ الفتيرة العصييبة‪.‬‬ ‫وقدمت زوجتي استقالتها مع المدرسة‪ ،‬ألنها لب تكع قادرةً عليى‬ ‫العمل‪ ،‬وأيضاً لتتفرغ لهذا القادم الجديد‪.‬‬ ‫أما أنا فأحمد اهلل أنني لب أنتقل ل ظيفة أخر ‪ ،‬إذ أن أدائيي‬ ‫وصل ألدنى مست ياته! فلب أعد أعمل أكثر مع ‪ 8‬ساعا ي ميياً‬ ‫– كما ينص القان ن ‪ -‬بالرغب مع انزعاج الشيركة ميع ذليك‪،‬‬ ‫وتهديدهب إياي بالطرد‪ ،‬وكأنهب يفهم ن أنّه ما لجرح بمييت‬ ‫إيالم!‬

‫‪194‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫لي ذلك وحسب‪ ،‬بل ت قفت عع العمل في وقت اليداء‪ ،‬فقد‬ ‫كنت أذهب للسيارة‪ ،‬وأغيف فيي ني م عميي ‪ ،‬يعييد ليي بعيض‬ ‫نشاطي‪ ،‬ويجعلني قادراً على م اصلة بقية ي مي مستيقماً‪ ،‬حتيى‬ ‫أرجس إلى البيت‪ ،‬ألنام ساعتيع أخريتيع‪ ،‬قبل أن أبدأ دواميي فيي‬ ‫العناية بزوجتي المسكينة‪.‬‬ ‫بانقطاأ راتب زوجتي‪ ،‬كنت سأواجه مشكلة ماليية شيديدة‪،‬‬ ‫ولكع زوجتي رغب حالتها هذ ‪ ،‬لب تيفل عيع هيذا األمير‪ ،‬وليذا‬ ‫استحلفتني باهلل في إحد المرا القليلة التيي كانيت تسيتطيس‬ ‫التكلب فيها‪ ،‬في بدايا حملها أن أسد النقص في مصروف البييت‬ ‫مع حسابها المصرفي‪ ،‬الذي تجمس فيه رصيد معق ميع هيدايا‬ ‫الزواج‪ ،‬ومما تبقى مع رواتبها الشهرية‪ .‬لقد جعلني م قفها هذا‬ ‫أكبرها كثيراً‪.‬‬ ‫مضت ثالثة أشهر إ ّ نيف وزوجتي على هذ الحالة‪ ،‬إليى أن‬ ‫بدأ أحاسي الل عة واليثيان والت عك والتنميل تهيدأ قلييالً‪،‬‬ ‫وأصبحت تستطيس ممارسة حياتها بشكل بسييف تيدريجياً‪ ،‬كيأن‬ ‫تشاهد التلفاز مثالً‪ ،‬وأن تأكل إليى حيد ميا‪ ،‬وأن تجلي معنيا‬ ‫أحياناً لتشاركنا في الحديث‪ ،‬وأن تنام أحياناً بشيكل متصيل فيي‬ ‫الليل‪.‬‬ ‫لقد كانت هذ الفترة أشبه بنعيب لما سبقتها‪ ،‬سييّما أننيا‬ ‫كنّا معاً في بيت واحيد ملير اليدفء والحيب والعطياء‪ ،‬وكنيا‬ ‫ننتمر م ل داً رائعاً بفارغ الصبر‪.‬‬ ‫في الشهر السابس مع حملهيا‪ ،‬كانيت زوجتيي قيد تحسينت‬ ‫كثيراً‪ ،‬ولذا رجعنا إلى البيت‪ ،‬رغب إلحاح والدتي للبقاء عنيدها‪،‬‬ ‫إلى ما بعد ال دة‪ .‬كانت أخت زوجتي تمر علينا ي مياً لتقضيي‬ ‫نصف ي مها للعناية بها‪ ،‬واإلشراف على الشيّالة‪.‬‬ ‫‪195‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪#####‬‬ ‫في إحد الليالي المقمرة‪ ،‬رفعت ستائر غرفة الن م‪ ،‬بعيد أن‬ ‫أطفأ األن ار‪ ،‬وفتحت الن افذ‪ ،‬بعد أن أنزليت الشيباك‪ ،‬ألسيمع‬ ‫لله اء العليل‪ ،‬ولض ء القمر بالدخ لليرفة‪ .‬كان الج أكثير‬ ‫مع رائس‪ ،‬ويبعث على الهدوء والسك ن وا سترخاء‪.‬‬ ‫كانييت زوجتييي نائميية‪ ،‬بينمييا كنييت جالس ياً علييى األرض‪،‬‬ ‫بجانبها‪ ،‬وأنا مستمتس بكل ذرة في كياني بهيذا الجي الميذهل‪..‬‬ ‫أطلقت ألفكاري وروحي العنان‪ ،‬فهامت على وجههيا تنتقيل ميع‬ ‫مكان آلخر‪ ،‬ومع فكرة ألخر ‪ ،‬مع دون متابعية منيي أو تقيييد‪،‬‬ ‫فقد كنت في حالة استرخاء وخدر شبه تامة‪.‬‬ ‫وفجأة برقت فيي خياطري فكيرة اسيتثار كيل ح اسيي‬ ‫وتركيزي‪" ..‬أنا لب أعد أسمس األغياني منيذ أن تزوجيت"! بيل‬ ‫إنني نسيتها أصالً‪ ،‬ولب أنتبه لها س اآلن! هيذ األغياني التيي‬ ‫قهرتني ط ا عمري‪ ،‬وجعلتني أسيرها‪ ،‬ولب أستطس اإلفال منها‬ ‫رغب كل ما بذلته مع جهد وإرادة!!!‬ ‫كيف حدث ذلك؟ كنت فيي غايية السيعادة بتحيرري ميع‬ ‫األغاني‪ ،‬لكنني كنت أريد أن أفهب ما الذي جير ! قلبيي كيان‬ ‫يحدثني أنني على وشك أن أفهب سراً جدييداً ميع أسيرار هيذا‬ ‫الك ن‪ .‬لكع ماه ؟‬ ‫أدركت أنني لع أصل إلى شيء‪ ،‬وأنيا باضيطرابي هيذا‪ ،‬ليذا‬ ‫هدّأ نفسي‪ ،‬وبدأ أغ ص في أعمياقي‪ ،‬وأرجيس إليى ذاكرتيي‬ ‫ومشاعري‪ ،‬وأسبر أغ ارها بلطف منذ أن تزوجت‪..‬‬

‫‪196‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫وجدتها‪ ..‬إنه "الحب"‪ ..‬الحب الذي مأل زوجتي قلبيي بيه‪،‬‬ ‫وجعلت كل ذرة في كياني يخف به‪ ،‬حتى أني كنيت أر فيي‬ ‫بسمتها جما الدنيا كله‪ ،‬وأر في عب سها شقاء الدنيا كله‪.‬‬ ‫لقد جعلني حبها أنفر مع األغاني‪ ،‬وأتقزز منها‪ ،‬ألنهيا هيي‬ ‫تنفر مع األغاني‪ ،‬وتتقزز منها‪ ،‬كما تنفير وتتقيزز ميع جمييس‬ ‫المحرما األخر ‪..‬‬ ‫لكع لماذا إذن لب يجعلني حبي هلل أكير األغياني‪ ،‬رغيب أن‬ ‫حبي هلل أعمب مع حبي لزوجتي‪ ،‬ومع أي شيء آخر في العالب!‬ ‫هل يا تر ألن اهلل مجرد‪ ،‬ومطلي ‪ ،‬فيأدرك عممتيه وحبيه‬ ‫بعقلي وروحيي‪ ،‬ولكيع جسيمي الميادي يشيعر إ بالمحيدود‬ ‫والمادي‪ ،‬بينما زوجتي كائع بشري مادي أتعاميل معيه مباشيرةً‬ ‫ي مياً بكل ح اسيي وجي ارحي‪ ،‬باإلضيافة إليى عقليي وروحيي‪،‬‬ ‫فألمسها وأسمعها وأتحادث معها‪ ،‬وأمسك يدها‪ ،‬وليذا كيان لهيا‬ ‫تأثير مباشر علي؟ ربما‪ ..‬لست متأكداً مع اإلجابة‪ ..‬ميع ييدري‬ ‫ربما أجد ي مًا أخصائيّاً نفسياً يستطيس ت ضيع هذ المسألة لي‪..‬‬ ‫كل ما أعلمه اآلن‪ ،‬ه أن حبي لزوجتي‪ ،‬لب يجعلنيي أبتعيد‬ ‫عع األغاني وحسيب‪ ،‬وإنميا منيذ أن تزوجنيا وانيا أشيعر أننيي‬ ‫أصبحت أكثر طيبة وبيراءة‪ ،‬وكيأنني تقمصيت شيع ريًا ميا‬ ‫شع رياً مميا كانيت هيي‬ ‫كانت هي تحب مع صفا ‪ ،‬ونفر‬ ‫تكرهه – كسماأ األغاني‪-‬مع دون أن أبذ جهداً لذلك‪ ،‬أو حتى‬ ‫أقصد !‬ ‫عجباً‪ ..‬ألهذا السيبب ييدفعنا اهلل لحيب النبيي وأهيل البييت‪،‬‬ ‫خص صاً‪ ،‬وحب الصالحيع والعلمياء عم مياً‪ ،‬لدرجية أنيه ييأمر‬

‫‪197‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫الرس (ص) بمطالبة الناس بحب أهل البييت (أ) كيأجر ليه‬ ‫ُ ة س سُ ُ س س‬ ‫ْ ْس س ْ ُ‬ ‫على تبليغ الرسالة "قل ال أ ْسألك ْم سعل ْي يه أ ْج ًرا يإال امل سو ْدة يفي الق ْرسرى"؟!‬ ‫نهضت على أطراف أصابعي‪ ،‬وتسللت إلى المكتبة‪ ،‬وأخرجيت‬ ‫منه "المعجب المفهرس أللفاظ القرآن الكريب"‪ ،‬ورجعيت عائيدأً‬ ‫أدراجي‪ ،‬حيث جلست بجانب السرير‪ ،‬وشرعت أبحث بهدوء‪ ،‬عليى‬ ‫ض ء مصباح قراءة صيير‪ ،‬كنت أحتفظ به بجانب السرير‪ ،‬عيع‬ ‫اآليا القرآنية التي تتحدث عع مطالبة الرسي النياس بيأجر‪،‬‬ ‫فأذهلتني النتيجة‪..‬‬ ‫يطاليب بيأي أجير‬ ‫تنص اآليا القرآنية على أن الرسي‬ ‫س س س ْ سُ ُ ْ سسْ ْ س ْ ْ‬ ‫مقابل تبلييه الرسالة‪ ،‬كق ليه تعيالى‪" :‬ومةا أسةألكم علي يةه يمةن أج ظةر يإن‬ ‫س ْ سي ْ س س س ة ْ س س س‬ ‫ةاملان"‪ .‬آية واحدة فقف تخالف هذا المعنى‪ ،‬وهي‬ ‫أج يةر يإال علةى ر يب الع ي‬ ‫اآلية التي تطالب الناس بحب أهل البيت (أ)!!‬ ‫ولكع لماذا حب أهل البيت (أ)؟ تأتي س رة سيبأ لتجييب أن‬ ‫األجر الذي طلبه الرس بحب أهل البيت إنما ه لفائدة النياس‬ ‫أنفسهب‪ ،‬فالمسألة ليست خاصة بالرس (ص)! فيق سيبحانه‬ ‫ُ س س سُْ ُ ة ْ س ْ س س س ُ ْ ْ س ْ س ْ سس ْ‬ ‫اع"!!‬ ‫وتعالى‪" :‬ق ْل ما سألتكم يمن أج ظر ف ُهو لكم يإن أج يري يإال على ي‬ ‫ولكع كيف يك ن حب أهل البيت (أ)‪ ،‬إنما ه لفائدة الناس‬ ‫أنفسهب؟ لب يترك اهلل سبحانه األمر غامضياً‪ ،‬بيل وضيع‪ ،‬فقيا ‪:‬‬ ‫س‬ ‫س س ْ س س‬ ‫س سُ ُ س‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫"ق ْل سما أ ْسألك ْم سعل ْي يه يم ْةن أ ْج ظةر يإال سمةن شةاء أن سيت يخةذ يإلةى سريةب يةه سس يةبيال"! إذن حيبهب‬ ‫ما ه إ سبيل اهلل‪ ،‬يرتقي بنيا نحي سيبحانه وتعيالى‪ ،‬ألجيل‬ ‫سعادتنا نحع‪.‬‬ ‫شعر بقشعريرة تسري فيي جسيمي‪ ..‬وأحسسيت بيدم عي‬ ‫تنز على وجهي خش عاً وشكراً هلل‪ ..‬يا اهلل ما ألطفك بنيا عيال‬ ‫شأنك!‬

‫‪198‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫ولكع كيف؟ رجعت بيذاكرتي لنقاشيي األخيير ميس خيالي‬ ‫عيسى‪ ،‬واسترجعت ما ذكير ليي آنيذاك ميع أن قيدرتنا عليى‬ ‫اكتساب القيب اإلنسانية‪ ،‬يتطلب وج د ثالثة عناصر لدينا األو‬ ‫ه الرغبة والش ق‪ ،‬والثاني ه الطبيعة النفسيية التيي يمتلكهيا‬ ‫ال احد منا‪ ،‬ومد ك نها صحية وإيجابية‪ ،‬والعنصر الثالث هي‬ ‫الممارسة والسل ك‪.‬‬ ‫قرر أن أتناسى جميس ما أحمله في داخليي ميع مرتكيزا‬ ‫غيبية تحملني على حب أهل البيت‪ ،‬وتقديسهب‪ ،‬وأن أنمر إلييهب‬ ‫وإلى دورهب في الرقي بالبشرية نحي اهلل‪ ،‬بم ضي عية وحيياد‪،‬‬ ‫مع خال العناصر الثالثة السابقة‪...‬‬ ‫كثيراً ما كان يهزني ذلك الحيديث عيع أهيل البييت (أ)‪،‬‬ ‫الذي ورد في كتب جميس المذاهب اإلسالمية‪ ،‬بشيكل مسيتفيض‬ ‫"إنة تةةارك فةةيكم‪ ،‬مةةا إن تمسةةكتم بةةه‪ ،‬لةةن تضةةلوا بعةةدي‪ ،‬أحةةدهما أعظةةم مةةن ااخةةر‪،‬‬ ‫كتاب ا‪ ،‬حبل ممدود من السةماء إلةى األرض‪ ،‬وعترتة أهةل بيتةي‪ ،‬ولةن يتفرقةا‪ ،‬حتة‬ ‫يردا علي الحوض‪ ،‬فانظروا كيف تخلفون فههما"!‬ ‫أدرك عممة القيرآن‪ ،‬فهي كتياب اهلل‪ ،‬وبييع دفتييه سُيطّر‬ ‫اإلسالم كله‪ ،‬وبيه يسيتهدي المسيلم ن‪ ،‬ومنيه يأخيذون أحكيام‬ ‫دينهب‪ ،‬فما هي ييا تير دور أهيل البييت (أ) ليصيبح ا عيد ً‬ ‫للقرآن؟‪ ،‬بحيث ي جب اهلل علينا محبتهب والتمسك بهب؟؟؟‬ ‫لست أدري كب مضى علي‪ ،‬وأنا أبحث في الم ضي أ‪ ،‬وأقيرأ‬ ‫وأفكر فيه‪ ،‬لكنني لب أشعر إ وصي الميرذن يختيرق اليرفية‬ ‫بق ة‪ ..‬هرعت مذع راً أقفل باب النافذة‪ ،‬لكي تستيقظ زوجتي‪،‬‬ ‫لكع ال قت كان قد فا ‪ ،‬فقد استيقمت زوجتيي‪ ،‬ورأتنيي أقفيل‬ ‫النافذة‪ ،‬وبيدي كتاب‪.‬‬

‫‪199‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫زلت مستيقماً!؟ سألتني والن م مطب على جف نها‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪-‬‬

‫سأصلي‪ ،‬وأنام‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً‪ ،‬أوقمني إذاَ ألصلي بعدما تفرغ مع الصالة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن شاء اهلل‪ .‬هل تعرفيع‪ ..‬لقد اكتشفت البارحة أمرًا رائعاً‪.‬‬

‫لكع زوجتي لب ترد علي‪ ،‬فقد غرقت مرة أخر في ن م عمي ‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫في الصباح‪ ،‬كنت في غاية الش ق إلخبار زوجتي ما ت صيلت‬ ‫إليه مع حقائ ليلة البارحة‪ ،‬لكننا كنا في عجلة مع أمرنا‪ ،‬فقد‬ ‫تأخر في الرقاد‪ ،‬وكان ينبيي أن نصل إلى مزرعة خيالي قبيل‬ ‫اليداء‪ ،‬سيما وأن الجميس بما فيهب أمي وأختاي‪ ،‬قد وصل ا إليى‬ ‫المزرعة‪.‬‬ ‫بمجرد أن صرنا في الطري ‪ ،‬سألتني زوجتي‪:‬‬ ‫‪ ‬قل لي‪ ،‬ما الذي تحاو إخباري به منذ الصباح؟‬ ‫‪-‬‬

‫لقد ت صلت البارحة لبعض األفكار الرائعة عع اإلسالم‪ ،‬وعع‬ ‫لطف اهلل بنا‪.‬‬

‫‪ ‬ش قتني‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بداية أخبريني‪ ،‬لماذا خلقنا اهلل؟‬

‫‪ ‬ناقشنا هذا الم ض أ سابقاً‪ ،‬وقد شيرحت ليي كييف أن اهلل‬ ‫خلقنا لنقترب منه سبحانه وتعالى‪ ،‬بعب ديتنا له‪ ،‬وتكاملنا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ،‬وما ه دور الشيريعة اإلسيالمية فيي تحقيقنيا لهيذا‬ ‫الهدف؟‬

‫‪200‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪ ‬حبيبي‪ ،‬أدخل في الم ض أ مباشرةً‪ .‬لقد ناقشتني فيي كيل‬ ‫هذ األم ر سابقاً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أرج ك‪ ،‬جاريني‪ ،‬وأجيبي على أسللتي‪.‬‬

‫‪ ‬كما ترغب‪ .‬الشريعة اإلسالمية هي المنهج والطريقية التيي‬ ‫تبيع لنا كيف نتحرك في هذ الحياة لنقترب منه سيبحانه‬ ‫وتعالى‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ومع أيع نعرف الشريعة اإلسالمية؟‬

‫‪ ‬مع القرآن واألحاديث الشريفة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ،‬وكيف أطب هذ التعليميا اإلسيالمية الي اردة فيي‬ ‫القرآن والسنة؟‬

‫‪ ‬بالممارسة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وماذا ل كانت التعليما اإلسالمية صعبة التنفيذ‪.‬‬

‫‪ ‬يجب أن تستخدم إرادتك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وإذا كانت إرادتي ضعيفة‪ ،‬أو فلنقل ليسيت ق يية بميا فييه‬ ‫الكفاية؟‬

‫‪ ‬إذن‪ ،‬أنت في مشكلة كبيرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسنًا أخبرينيي‪ ،‬مياذا لي كانيت هيذ القييب والتعليميا‬ ‫اإلسالمية المكت بة في القرآن واألحاديث‪ ،‬تيب تح يلهيا ميع‬ ‫حبر على ورق‪ ،‬إلى مسرحية‪ ،‬أو فييلب سيينمائي ييتب فيهيا‬ ‫تجسيد هذ القييب والتعليميا بجمييس أبعادهيا وحيثياتهيا‬ ‫المختلفة‪ .‬أخبريني بأي درجة سييعزز هيذا األمير فهميك‬

‫‪201‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫وإدراكك لهذ القيب والتعليميا ‪ ،‬وسييعزز ميع قيدرتك‬ ‫على تطبيقها؟‬ ‫مقارنة‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪-‬‬

‫شك أنه سيعزز ذلك بدرجة كبيرة جداً‪.‬‬

‫حسنا‪ ،‬هذا ه واحد مع أهيب أدوار رسي لنا األكيرم (ص)‪،‬‬ ‫وأهل البيت (أ)‪ ،‬أ وه تجسيد الرسالة اإلسيالمية بقيمهيا‬ ‫وتعليماتها في واقس الحياة اليي مي‪ ،‬فيي مختليف الميروف‬ ‫والحيثيا ‪ ،‬ومع ثب نقلهيا ميع حبير عليى ورق إليى قييب‬ ‫وتعليما واضحة ومجسدة ومتحركة‪ ،‬مع خيال قصصيهب‬ ‫وسير حي اتهب‪.‬‬

‫‪ ‬رائس‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولهذا استح أهل البيت (أ) أن يك ن ا عد ً للقرآن‪.‬‬

‫‪ ‬فكرة رائعة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ..‬لي ذلك وحسب‪ .‬سألتك قبل قليل‪ ،‬ماذا ل ليب تكيع‬ ‫إرادتييي ق ييية بدرجيية تكفييي أن أنفييذ التعليمييا والقيييب‬ ‫اإلسالمية‪...‬‬

‫‪ ‬وأجبتك أنك ستك ن في مشكلة كبيرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ،‬ماذا ل كانت هناك آلية‪ ،‬تدعب إرادتي‪ ،‬وتسيهل األمير‬ ‫عليها‪ ،‬وتعمل معها في غرس القيب والمفاهيب اإلسالمية فيي‬ ‫وجداني‪ ،‬مع دون جهد أبذله‪.‬‬

‫‪ ‬هذا مستحيل‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫بد مع الجهد والكفاح‪.‬‬

‫بالطبس‪ ،‬أنا أعني عدم بذ أي جهد! وإنميا أعنيي‪ ،‬وجي د‬ ‫آلية تمكننا غرس القيب اإلسيالمية فيي أعماقنيا ووجيداننا‪،‬‬ ‫بمجه د أقل نبذله نسبياً!‬

‫‪202‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪ ‬هذا سحر!‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ..‬هذا واقس‪ .‬هل زلت تذكريع نقاشنا األسب أ الماضيي‬ ‫عع العناصر الثالثة‪ ،‬التي تمكّع اإلنسان مع اكتساب الصفا‬ ‫التي يرغب بها؟‬

‫‪ ‬بالطبس‪ ..‬لقد راقت لي الفكرة كثيراً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ..‬أنت م لعة بكتب تط ير اليذا ‪ .‬هيل قيرأ كتياب‬ ‫"العادا السيبس للنياس األكثير فعاليية"‪ ،‬لمرلفيه سيتيفع‬ ‫ك في؟‬

‫‪ ‬مرتيع‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا لب أقرأ ‪ ،‬لكع خالي نقل لي عبارة مع الكتياب‪ ،‬أعجبتنيي‬ ‫كثيراً‪ ،‬فحفمتها عع ظهر قلب‪.‬‬

‫‪ ‬وما هي هذ العبارة الرائعة‪ ،‬التي جعلت حبيبي يحفمها عيع‬ ‫ظهر قلب؟‬ ‫‪-‬‬

‫"إذا رغبنا في إجيراء تييييرا طفيفية نسيبياً فيي حياتنيا‪،‬‬ ‫فلربما استطعنا التركيز بطريقية مالئمية عليى ت جهاتنيا‬ ‫وسل كياتنا‪ .‬أما إذا رغبنا في إجراء تييير ج هري وكمي‪،‬‬ ‫فإنييه يتعيييع أن تنصييب جه دنييا علييى تص ي راتنا الذهنييية‬ ‫األساسية‪".‬‬

‫أذكر هيذ العبيارة بيالنص‪ ،‬لكنيه بالفعيل ييذكر هيذا‬ ‫‪‬‬ ‫المعنى‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫فإذًا ل وُجيد هنياك آليية تييير ميع تصي راتنا الذهنيية‬ ‫األساسييية‪ ،‬وتجعلهييا مليليية وميروسيية ب يالقيب والمفيياهيب‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬بكل ما فيها مع جما ونبل وإيجابيية‪ ،‬فإننيا فيي‬

‫‪203‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫هذ الحالة سنحتاج لبذ جهد أقل‪ ،‬فيي تصيحيع مسياراتنا‬ ‫وسل كياتنا‪ ،‬ألي كذلك؟‬ ‫‪ ‬صحيع‪ ..‬ه كذلك‪ .‬أنا أتف معك في هذا‪ .‬ولكع ما هيذ‬ ‫اآللية السحرية؟‬ ‫‪-‬‬

‫الحب‪.‬‬

‫‪ ‬الحب ؟!!‬ ‫‪-‬‬

‫نعب ‪ ..‬الحب‪.‬‬

‫‪ ‬يبدو أنك تكثر مع مشاهدة األفالم الهندية‪ ،‬مع دون علمي‪.‬‬ ‫قالتها وهي تضحك‬ ‫أنا جاد فيما أق له‪ .‬إليك النمرية ‪...‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ ‬هاتها‪ ،‬وأمري إلى اهلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ألب نتف أن األئمة إنما هب تجسيد واقعي خارجي في الحياة‬ ‫الي مية للقيب والصفا اإللهية التي يدع نا اإلسالم إليها؟‬

‫شك في ذلك‪ .‬يكفي أن اهلل أكّيد عليى هيذا األمير فيي‬ ‫‪‬‬ ‫ْ س ُ ُ ْ ُ ُ ْ س س ُ ُ ة ْ س س ْ س سْ‬ ‫ْ‬ ‫القرآن بق له تعالى‪ " :‬يإنمةا ي يريةد اع يليةذ يهب عةنكم ال يةرجس أهةل البح يةت‬ ‫س ُ س ْ‬ ‫سو ُيط يةه سرك ْم تط يه ًارا"‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وهذا األمر يجعل الناس يحب نهب ويعشيق نهب (أ) فطريّياً‪،‬‬ ‫ويتعلق ن بهب تلقائيياً‪ ،‬لميا يجسيدونه ميع جميا تعشيقه‬ ‫األرواح والعق ‪ .‬ألي كذلك؟‬

‫‪ ‬ه كذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ..‬كل ما فعله اإلسالم ه أنه أكد عليى هيذا الحيب‪،‬‬ ‫والم دة‪ ،‬وال ء لهب‪ ،‬ورسّخه في أعماقنيا‪ ،‬فجعيل مي دتهب‬

‫‪204‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫أجراً يأمرنا اهلل به‪ ،‬ويستح به اإلنسان ث اباً عميماً‪ ،‬وحطَّ ًة‬ ‫مع ذن به‪ ،‬بل وينا به الدرجا العلى‪ ،‬فقد ورد‪ ،‬ميثالً‪ ،‬فيي‬ ‫صييحيع الترمييذي‪" :‬أن رسةةول ا (ل) أخةةذ بيةةد الحسةةن والحسةةان‬ ‫علههمةةا السةةالش‪ ،‬فقةةال مةةن أحبنةةي‪ ،‬وأحةةب هةةذين‪ ،‬وأباهمةةا وأمهمةةا‪ ،‬كةةان م ةةي فةةي‬ ‫درجتي يوش القيامة"‪...‬‬ ‫شك في ذلك‪ ،‬و أعتقد أن هناك مسلميع يختلفان فيه‪..‬‬ ‫‪‬‬ ‫ولكع ألي الحب مع دون أن نقتدي بهيب‪ ،‬ونتصيف بيالقيب‬ ‫التي يدع ن إليها ه حب فائدة فيه‪ ،‬وغير ذي نفس؟‬ ‫‪-‬‬

‫هنا السر‪ ..‬إن حبهب والتعلي بهيب‪ ،‬يجعلنيا تلقائيياً‪ ،‬نتعلي‬ ‫ونرغب بشدة في الصفا والقيب التي يجسدونها‪ ،‬وييدافع ن‬ ‫عنها بأرواحهب‪ ،‬وبكل ما يملك نه‪ .‬أ تتفقيع معي في هذا؟‬

‫‪ ‬بالطبس اتف معك‪ ..‬وهذا ه العنصر األو ؟‬ ‫‪-‬‬

‫وهذا ه العنصر األو ‪ .‬ولكنه لي كل شيء‪ ..‬ألن تفاعلنيا‬ ‫وتعاطفنييا مييس أهييل البيييت (أ)‪ ،‬فييي م ي اقفهب‪ ،‬ودفيياعهب‬ ‫المستميت عع هذ القيب والمفاهيب اإلسالمية‪ ،‬والذود عنهيا‪،‬‬ ‫وتجسيدها في حياتهب‪ ،‬رغيب كيل اآل م والعيذابا والقتيل‬ ‫والسبي والتشريد الذي ي اجه نه في سيبيل ذليك‪ ،‬يييرس‬ ‫هذ القيب‪ ،‬وهذ المفاهيب شع رياً في وجيداننا وأعماقنيا‬ ‫مباشرةً‪ ،‬ويجعل نمرتنا للحياة والك ن تصطبغ بها‪ ،‬وتنطلي‬ ‫منها‪ .‬وهذا ه العنصر الثاني‪.‬‬

‫‪ ‬رائس‪ ،‬رائس‪ ..‬هل تعلب‪ ،‬لقد اقشعر جسمي كله لهذ الفكرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫هذا يعني أنك اقتنعت بهذ الطريقة "السحرية"‪ .‬قليت لهيا‬ ‫ذلك‪ ،‬وانا أغمز لها بعيني‪.‬‬

‫‪205‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪ ‬إذاً‪ ،‬فنحع بقدر حبنا ألهل البيت (أ)‪ ،‬وتفاعلنا معهيب‪ ،‬وبميا‬ ‫مر عليهب مع أحداث ومصائب‪ ،‬وواجهي فيي حيياتهب ميع‬ ‫تحديا في سبيل الذود عع القيب اإللهية‪ ،‬نرتقيي نحي اهلل‪،‬‬ ‫ونسم بأنفسنا‪ ،‬وذلك ألن هذا التفاعل معهب‪ ،‬وهيذا الحيب‬ ‫لهب‪ ،‬ييرس فينا الصفا اإللهية‪ ،‬ويرسيخها فيي أعماقنيا‬ ‫شع رياً‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫نعب‪ ..‬ه كذلك‪ .‬وليذا ورد عيع الرسي األكيرم (ص)‬ ‫ً‬ ‫ق ليييه ‪" :‬م ةةن أح ةةب قوم ةةا حش ةةرمعه ةةم‪ ،‬وم ةةن أح ةةب عم ةةل ق ةةوش أش ةةرك ف ةةي‬ ‫عملهم"‪..‬‬ ‫ولكع مهالً‪ ..‬أريدك أن تفهمي مع كالميي أن حيب أهيل‬ ‫البيت لي مطل باً لنفسه‪ ،‬وإنما هي مجيرد طريي لييرس‬ ‫القيب اإللهية فينا! األمر لي كذلك‪.‬‬

‫‪ ‬بصراحة‪ ..‬هذا ما فهمته مع كالمك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أبداً‪ ..‬إن حب أهل البيت مطل ب لذاته‪ ،‬ألن الحب عم مياً‪،‬‬ ‫وبالذا حب اهلل‪ ،‬وحب مع ينتسب إليه مع األنبياء والرسيل‬ ‫واألوصياء وأهل البيت هي واحيد ميع أهيب الصيفا التيي‬ ‫تقربنا منه سبحانه وتعالى‪ ،‬وتحق لنا السعادة والرض ان‪.‬‬ ‫مثل الصالة‪ ،‬هي تنهانا عع الفحشاء والمنكر‪ ،‬ولكنها مطل بة‬ ‫لذاتها ألنها تجسد العب دية هلل عز وجل‪.‬‬

‫‪ ‬وماذا عع العنصر الثالث "الممارسة والسل ك"؟‬ ‫‪-‬‬

‫وه أيضاً لب ييفله اهلل فيي الشيريعة اإلسيالمية‪ ،‬فاإلنسيان‬ ‫بطبيعته وفطرته ميّا لمحاكاة مع يحيبهب‪ ،‬ويعتقيد بهيب‬ ‫مثالً أعلى له‪ ،‬غير أن اإلسالم أكّد على هذا األمر مع خيال‬ ‫العديييد مييع اآليييا والروايييا ‪ ،‬فأوجييب علينييا التمسييك‬

‫‪206‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫بالرس األعمب (ص) وأهل البييت (أ)‪ .‬كق ليه سيبحانه‬ ‫ْ ُ ْ سٌ س س س ٌ س ْ س س سْ ُ ْس ْ‬ ‫ُ‬ ‫سس ْ س س سُ ْ‬ ‫اع سوال سي ْةو سش‬ ‫اع أسوة حسنة يملةن كةان يرجةو‬ ‫وتعالى‪" :‬لقد كان لكم يفي سرسو يل ي‬ ‫ْ س س س س س ْس س‬ ‫اع ك يث ًارا"‪.‬‬ ‫اا يخر وذكر‬ ‫‪ ‬وعليه‪ ،‬فكلما ازداد المرء اقتداءً بهب‪ ،‬ازدادا القيب والصيفا‬ ‫اإللهية‪ ،‬والمفاهيب اإلسالمية رس خًا فيه‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع‪ ..‬ولكع في المقابل ل أن شخصاً ميا سييطر علييه‬ ‫أه اؤ وشه اته‪ ،‬وق ا اليضبية‪ ،‬وغلبت على مشياعر تجيا‬ ‫أهل البيت (أ)‪ ،‬فخضس أله ائه في سيل كياته وممارسياته‪،‬‬ ‫وأصبع بمرور ال قت أسيراً ومنقاداً لها‪ ،‬ولي لحبيه ألهيل‬ ‫البيت (أ)‪ ،‬فإن ممارسياته السيلبية هيذ سيتعي اكتسيابه‬ ‫للصفا والقيب اإللهيية‪ ،‬بيل ربميا تيردي بيه إليى تقميص‬ ‫الصفا السلبية‪ ،‬وتشكله بها‪.‬‬ ‫وبمييرور ال قييت‪ ،‬وكلمييا تميياد واسييتمر فييي ممارسيياته‬ ‫السلبية‪ ،‬ازداد الصفا السلبية رس خاً‪ ،‬وشدة فيه‪ ،‬وبالتالي‬ ‫يقلل هذا األمر تلقائياً مع حبه ألهل البيت‪ ،‬بل وربما يقضي‬ ‫عليه تماماً‪ ،‬و يبقى مع حبه ألهل البييت سي الممياهر‪،‬‬ ‫وس اسب "الحب" فقف‪ ،‬خالياً مع أي محت ‪.‬‬

‫‪ ‬ما أعممه سبحانه وتعالى‪ ،‬وما ألطفه بنا!‬ ‫‪-‬‬

‫هل تعلميع أن "حب عترة أهل البيت" ليست اآللية ال حيدة‪،‬‬ ‫التي جعلها اهلل ليرس القيب اإللهية في وجداننا‪ ،‬وإنما هناك‬ ‫آلية أخر تردي هذا اليرض أيضاً‪ ،‬ولكع بنح تكياملي ميس‬ ‫حب أهل البيت (أ)‪ ،‬بحيث ييني كيل واحيد منهميا عيع‬ ‫اآلخر!‬

‫‪ ‬حقاً؟! لماذا يبدو لي وكأنني أكتشف اإلسالم مع جديد!‬

‫‪207‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪-‬‬

‫لقد وصلنا إلى المزرعة‪ ،‬ميا رأييك أن نكميل حيديثنا فيي‬ ‫طري الع دة؟‬

‫‪ ..‬أرج ك دعنا نكمله اآلن‪ ..‬ما رأيك أن نقيف هنيا عليى‬ ‫‪‬‬ ‫ناصية المدخل‪ ،‬إلى أن ننتهي مع الم ض أ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كما ترغبيع‪.‬‬

‫ركنت سيارتي على الجانيب عنيد ناصيية الميدخل الفرعيي‬ ‫المردي إلى المزرعة‪ ،‬وواصلت حديثي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫اآللية الثانية هي العبيادة‪ ،‬بميا تشيمله ميع صيالة‪ ،‬وقيراءة‬ ‫القرآن‪ ،‬والدعاء‪ ،‬وحج وغيرها ميع الشيعائر العباديية‪ .‬لقيد‬ ‫كرّس اإلسالم بشدة أهمية العبيادة بييع المسيلميع‪ ،‬وشيدد‬ ‫عليها أيما تشديد‪ ،‬ورغّب بها أيما ترغيب!‬

‫شك في أهمية العبيادة فيي اإلسيالم‪ ،‬لكيع كييف تقي م‬ ‫‪‬‬ ‫العبادة بيرس القيب اإللهية فينا شع رياً؟‬ ‫ مع خال حيثتيع‪ :‬األولى‪ ،‬مع حيث أنها ترس فيي أعماقنيا‬‫حالة اإلحسياس بالعب ديية هلل جيل شيأنه‪ ،.‬وبرسي ت حالية‬ ‫العب دية فينا‪ ،‬فإن نف سنا تلقائياً تصبع راغبة ومشتاقة فيي‬ ‫الصفا التي يدع نا إليها اهلل عز وجل‪ ،‬كميا أننيا برسي ت‬ ‫حالة العب ديية فينيا تصيبع نفسيياتنا أكثير صيفاء وقي ة‬ ‫وجما ً‪ ،‬وأقل تيأثراً بالشيه ا والقي اليضيبية‪ ،‬وأكثير‬ ‫انجذاباً لصفا الجما والكما ‪.‬‬ ‫س‬ ‫ْ س ْ ْ س سْ‬ ‫الصةالة تنوسة سع يةن‬ ‫‪ ‬هذا ما تعبر عنه اآلية الكريمة ‪" :‬أ يق يةم الصةالة يإن‬ ‫ُْ س‬ ‫ْس س‬ ‫الف ْحشاء سواملنك ير"‪.‬‬

‫‪208‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫‪-‬‬

‫نعب‪ ،‬كما ورد في صحيع مسلب أن الرسي األكيرم (ص)‬ ‫قيييا ‪" :‬مث ةةل الص ةةلوات الخم ةةس كمثةةل ه ةةرج ةةاررمةةر‪ ،‬عل ةةى ب ةةاب أح ةةدكم‪،‬‬ ‫غتسل منه كل يوش خمس مرات"‪.‬‬

‫‪ ‬وما هي الحيثية الثانية؟‬ ‫‪-‬‬

‫الحيثية الثانية هي أن العبادا بمختلف أن اعها ميع صيالة‪،‬‬ ‫وص م‪ ،‬وحج‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬والدعاء‪ ،‬وغيرها‪ ،‬تيطي معمب‬ ‫أوقاتنا خال السنة‪ ،‬وخال الي م‪ ،‬وتمر بنا بيأن اأ متعيددة‬ ‫مع األنشيطة البصيرية‪ ،‬والسيمعية‪ ،‬والجسيدية‪ ،‬والروحيية‬ ‫والعقلية‪ ،‬ومع خال مختليف المشياعر‪ ،‬كالحيب والخي ف‬ ‫والرجاء والعب دية هلل‪ ،‬والرحمة والتضيامع ميس الميرمنيع‪،‬‬ ‫وغيرها‪ ..‬هذ العبادا تشتمل على جمييس القييب والصيفا‬ ‫اإللهية‪ ،‬والمفاهيب اإلسالمية‪ ،‬وبالتالي عند تفاعلنا ميس هيذ‬ ‫العبادا ‪ ،‬وممارساتنا لها تتسرب هذا القيب وهيذ المفياهيب‬ ‫إلى وجداننا وكل جنبة فينيا‪ ،‬وتصيبع جيزءاً ميع كياننيا‬ ‫الداخلي‪..‬‬

‫‪ ‬بالطبس هذا يعتمد عليى ميد تفاعلنيا ميس هيذ العبيادا ‪،‬‬ ‫وانسجامنا وخش عنا فيها‪ ،‬س اء فيي الصيالة‪ ،‬أو القيرآن أو‬ ‫الدعاء أو غيرها مع العبادا ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بالتأكيد‪ ..‬لكع يبقى العنصر الثالث "الممارسة والسيل ك"‬ ‫له أهميته أيضاً‪ ،‬في ترسي هذ القيب والصفا والمفاهيب‪.‬‬

‫‪ ‬ويصدق هنا في العبادة أيضاً ما ذكرته قبل قليل بخصي ص‬ ‫حب أهيل البييت (أ)‪ ،‬ميع أنيه كلميا تمياد اإلنسيان فيي‬ ‫ممارساته السلبية‪ ،‬ازداد الصفا السيلبية رسي خاً‪ ،‬وشيدة‬ ‫فيه‪ ،‬وبالتالي يقلل هذا األمر تلقائياً مع شيع ر بالعب ديية‬

‫‪209‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫تجا اهلل‪ ،‬بل وربما يقضي عليه تماماً‪ ،‬و يبقيى منيه سي‬ ‫المماهر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ال ليد‬ ‫بالضبف‪ ،‬ولذا فإن القرآن أكد على هذا المعنيى ميث ً‬ ‫تناوله منسك األضحية في فريضية الحيج‪ ،‬فقيا سيبحانه‬ ‫ُ س‬ ‫س ْ سس س ْس ُ ُ ُ س‬ ‫ُْ‬ ‫س ُ ْ​ْ‬ ‫وم سها سوال يد سما سها سول يك ْن سينال ُه التق سوى يمنك ْم"‪.‬‬ ‫وتعالى ‪" :‬لن ينال اع لح‬

‫‪ ‬إذاً‪ ،‬فقد خل اهلل آليتيع أساسييتيع تق ميان بشيكل تلقيائي‪،‬‬ ‫ومع دون أن يشعر اإلنسان بيرس القييب والصيفا اإللهيية‪،‬‬ ‫والمفاهيب اإلسالمية في وجدانه و شيع ر ‪ ،‬بحييث تتكي ن‬ ‫بيلته النفسية الداخلية مع هذ القيب والصفا ‪ ،‬والمفياهيب‪.‬‬ ‫ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع‪ ،‬لكع باإلضافة إلى هاتيع اآلليتيع اللتيع شرعهما اهلل‪،‬‬ ‫هناك ثالث عناصر خلقها اهلل في اإلنسان‪ ،‬لتهديه نح اهلل‪...‬‬

‫‪ ‬أعرفها‪ ..‬إنها العقل‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬واليييييييييي ‪..‬‬ ‫‪-‬‬

‫والفطرة‪.‬‬

‫‪ ‬صع‪ ..‬أعرفها‪ ،‬لكنك سبقتني إليها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أعرف أنك تعرفينها‪ ،‬فقد ناقشينا هيذا الم ضي أ األسيب أ‬ ‫الماضي‪.‬‬

‫‪ ‬ما يرلمني ه إننا بيالرغب ميع كيل هيذ الهيدايا التيي‬ ‫وضعها اهلل فينا‪ ،‬نيزا نرتكيب المعاصيي‪ ،‬ونتجيرأ علييه‬ ‫سبحانه وتعالى بد ً مع أن نشكر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لي هذ الهيدايا وحسيب‪ ،‬بيل إن اهلل سيخر لنيا ميا فيي‬ ‫السم ا واألرض جميعاً لخدمتنا‪ ،‬وإلعدادنا للمقيام السيامي‬ ‫الذي خلقه اهلل لنا‪ ..‬هذا المقام الذي تمنّته المالئكة‪ ،‬ولكنهيا‬

‫‪210‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫ييزا فيي‬ ‫لب تنله‪ ..‬هذا المقام الذي يمكّع اإلنسان‪ ،‬وهي‬ ‫عالب الدنيا المحدود مع أن يصل إلى العر ‪ ،‬ويقتيرب منيه‬ ‫سبحانه تعالى إلى درجة لب يصل إليها حتى جبرئيل نفسيه‪،‬‬ ‫وه أعمب مالئكة اهلل‪.‬‬ ‫س‬ ‫ْ س ً ةُْ ْ س س س س ةس‬ ‫الس سم ساو س س‬ ‫‪ " ‬سو سس ْخ سر سل ُكم ْما في ْ‬ ‫ةات يلق ْةو ظش‬ ‫ض ج يميعا يمنه يإن يفةي ذ يلةك اي ظ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ات وما يفي األر ي‬ ‫سس ْ س‬ ‫سيتفك ُرون"‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تص ري حتى المالئكة‪ ،‬برغب كل عممتهب‪ ،‬ومقامهب‪ ،‬جعلهب‬ ‫اهلل في خدمة البشر‪ ،‬إليصالهب لهيذا المقيام السيامي "مقيام‬ ‫العب دية هلل"‪ ،‬وما سج د المالئكة ألدم (أ)‪ ،‬إ كناية عليى‬ ‫س‬ ‫ْ س س س ْ س ة س‬ ‫ةال سروبةك يلل سمال ي ك يةة يإ ينة خ يةال ٌق سبش ًةرا‬ ‫ك نهب مسيخريع لخيدمتنا! " يإذ ق‬ ‫سس ُ س‬ ‫س س س ْ​ُْ ُ سسس ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ةاج يدين (‪)74‬‬ ‫يمةةن يطةةان (‬ ‫‪ ُ )70‬ف ُة ي وةاذا سسةةويته سونفخةةت يف ْية يةه يمةةن رو ي ةسةيْ فق سعةةوا لةةه س ْة س ي‬ ‫س س س س ظ ْس س‬ ‫ْ س ْ سس س س‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫فسجد املال ي كة كلهم أجمعون (‪ )75‬يإال يإب يلحس استكبر وكان يمن الكا يف يرين"‪.‬‬

‫‪ ‬لكع كيف يعقل أذاً‪ ،‬أن يسيتطيس الشييطان بعيد كيل هيذ‬ ‫الهدايا ‪ ،‬مع السيطرة على اليالبية العمميى ميع البشيرية‪،‬‬ ‫ويفسد بذلك على اهلل غرضه مع خل البشر؟‬ ‫ ومع قا إن الشيطان يسييطر عليى اليالبيية العمميى ميع‬‫البشرية؟! قلتها باستنكار‬ ‫س ْ س‬ ‫‪ ‬القرآن نفسه يحكي ذلك عنيدما يقي ‪ " :‬سق س‬ ‫ةال سر ي ةب يب سمةا أر سةو ْيت يني‬ ‫س‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ ْ س س‬ ‫س‬ ‫ُسةس ْ س ُ ْ‬ ‫سْ‬ ‫ض سوألر يو سي ْن ُه ْم أ ْج سم يعان (‪ )59‬يإال يع سب ساد سك يم ْن ُه ُم اْلخل يصان"‪.‬‬ ‫ألزيينن لهم يفي األر ي‬ ‫‪-‬‬

‫نعب‪ ،‬هيذا ميا كيان يتمنيا الشييطان‪ ،‬ويصي ر ليه عقليه‬ ‫المريض‪ ،‬لكع الجبّار عيزّ وجيل كذّبيه‪ ،‬ورد علييه‪ ،‬بق ليه‬ ‫س ٌ‬ ‫س س س‬ ‫اع سع سل ْةي ُم ْس سةت يق ٌ‬ ‫يم (‪ )20‬إ ْن يع سب يةادي سل ْةح س‬ ‫س‬ ‫ةال سهةذا يصةر‬ ‫سبحانه وتعالى ‪" :‬ق‬ ‫ي‬ ‫س س سسْ ْ ُ ْ س ٌ ْ س ْس س س س ْ س‬ ‫س‬ ‫اوين"‪.‬‬ ‫لك عله يهم سلطان يإال م ين اتبعك يمن الغ ي‬

‫‪211‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫فاهلل سبحانه وتعالى يق للشيطان إن عبادي‪ ،‬أي البشير‪،‬‬ ‫سلطان لك عليهب‪ ،‬وهذ هي القاعدة‪ ،‬وهذا ه األصل‪..‬‬ ‫وأمّا سيلطانك إنميا يتحقي بشيكل اسيتثنائي فقيف‪ ،‬عليى‬ ‫أوللك الذيع يتبع نك مع اليياويع‪ ،‬وهيب أولليك اليذيع‬ ‫تتمكع منهب ممارساتهب السلبية في حياتهب‪ ،‬إلى درجة أنهيب‬ ‫يصع أن يطل عليهب "غاويع"!‬ ‫‪ ‬مع أيع تأتي بكل هذ األفكار الجميلة يا حبيبي؟‬ ‫‪-‬‬

‫إنها ليست أفكاري‪ ،‬فهي مذك رة في كتب علمائنا‪ ،‬وما أنيا‬ ‫س ناقل لها‪ ..‬واآلن هل ندخل إلى المزرعة‪ ،‬فقد تأخرنا‪.‬‬

‫‪ ‬نعب‪ ،‬أنا أيضاً تعبت‪ ..‬فلنذهب‪.‬‬ ‫وفجأة لمعت في ذهني فكرة‪ ..‬ما أروعها مع فكيرة‪ .‬أوقفيت‬ ‫السيارة فجأة‪ ،‬وت جهت بكلي نح زوجتي‪ ،‬وأنا في غاية اإلنفعا‬ ‫والسرور مع هذا اإلكتشاف الرائس‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫هل تعرفيع‪ ،‬لي فقف إن الشيطان لب يفسد على اهلل غرضه‬ ‫مع خل الك ن‪ ،‬وإنميا بيالعك ميع ذليك إنيه يلعيب دوراً‬ ‫مساعداً في إيصا البشر إلى الهدف الذي خلق ا مع أجليه‪..‬‬ ‫نعب هذا منطقي جداً!‬

‫‪ ‬لب أفهب !!‬ ‫‪-‬‬

‫بعبارة أخر ‪ ،‬إن وج د الشيطان‪ ،‬ومحاو ته الشريرة إلغ اء‬ ‫البشر‪ ،‬والتزييع لهب‪ ،‬تجعل أعداداً أكبر ميع البشير أفضيل‬ ‫مما كان يمكع أن يك ن ا عليه مع دون وج د الشييطان‪ ،‬ألن‬ ‫محاو ته المستمرة هذ إلفساد حياة الناس‪ ،‬إنميا تحفّيزهب‪،‬‬

‫‪212‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫وتحرك فيهب العقل واإلرادة‪ ،‬وقي الينف الكامنية فييهب‬ ‫للدفاأ عع أنفسهب وحياتهب في هذ الدنيا قبل اآلخرة‪.‬‬ ‫والنتيجة‪ ،‬ه أن أعيدادًا أكبير ميع البشير تسيتح دخي‬ ‫الجنة‪ ،‬وأعداداً أكبر تستح مقاما ليب تكيع لتصيل إليهيا‬ ‫ل التحديا وا ستفزازا التي كيان الشييطان يمارسيها‬ ‫إلغ اء البشر‪.‬‬ ‫األمر أشبه بالتطعيب "اللقاح" اليذي نعطييه ألطفالنيا‪ ،‬لكيي‬ ‫نحصنهب ضد األمراض التي نت قس أن ي اجه هيا‪ ..‬تنسيي‬ ‫إن التطعيب في أصله لي س "ميكروب" ضيعيف‪ ،‬نحقيع‬ ‫به جسب اإلنسان‪ ،‬ليفرز أني اأ المقاومية المختلفية تجاهيه‪،‬‬ ‫وهذا ما يردي إلى تق ية جهاز المناعي‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪ ‬لكننا نجيد أن كثييراً ميع البشير يخطيرون‪ ،‬ويمارسي ن‬ ‫المعاصي!‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع‪ ،‬كما نجد أن مع نحقنهب باللقاح يصاب ن باألعراض‬ ‫المختلفة‪ ،‬مثل ارتفاأ الحرارة وغيرهيا‪ ،‬ولكيع ذليك إنميا‬ ‫يحدث ألن أجسامهب تقاوم اللقاح‪ ،‬وهكيذا هي األمير معنيا‬ ‫عندما تفرز نف سنا أن اأ المقاومة تجا إغ اءا الشيطان‪.‬‬ ‫إننا نحكب على الناس مع منم ر ضيي محيدود‪ ،‬فيإذا كيان‬ ‫أحدهب مثالً يمارس محرمياً أو أكثير‪ ،‬كيأن يكيذب ميثالً‬ ‫والعياذ باهلل‪ ،‬أو أن يسمس األغاني‪ ،‬أو ميا شيابه‪ ،‬فإننيا نعيد‬ ‫فاسقًا منحرفاً قد است لى الشيطان عليه‪ ،‬وتحكب به!‬ ‫ولكننا ننمر إلى جميس األم ر الحسنة األخر التي يقي م‬ ‫بها‪ ،‬ولب يستطس الشيطان أن يصرفه عنها‪ ،‬وهي أكثر بكثير‬ ‫مع أخطائه‪ ..‬نحع ننمر مثالً إلى الجهد الذي يبذليه فيي‬

‫‪213‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫الدراسة‪ ،‬أو في الكد على عياله‪ ،‬أو في خدمة أهله ومجتمعه‪،‬‬ ‫أو إلى لطفه وبشاشته مس الناس‪ ،‬أوإلى الكثيير الكثيير جيداً‬ ‫مييع الممارسييا والسييل كيا اإليجابييية‪ ،‬والمسييتحبة‬ ‫والمرضية إلى اهلل‪ ،‬والتي يتمنيى الشييطان لي اسيتطاأ أن‬ ‫يصرفه عنها‪ ،‬لكنه لب يستطس‪.‬‬ ‫يصع عندما نجد عمالً فنياً رائعاً جميالً جداً‪ ،‬لكع به نقطة‬ ‫خطأ‪ ،‬أن نحكب على هذا العميل الجمييل الرائيس‪ ،‬أنيه قبييع‬ ‫وشنيس‪" ...‬الحسنة بعشرة أمثالها"‪ ،‬وليسيت السييلة بعشيرة‬ ‫أمثالها‪ ،‬ألي هذا ما يق له لنا اإلسالم؟‬ ‫‪ ‬أريد ان أفهب أكثر هيذ النقطية‪ ،‬لكننيي اآلن متعبية‪ .‬هيل‬ ‫نذهب إلى المزرعة‪ ،‬ثب نكمل نقاشنا في وقت آخر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫آهه‪ ..‬نعب حبيبتي‪ .‬حا ً‪.‬‬ ‫‪#####‬‬

‫كنت جالساً في غرفة "مدير م ارد البشرية"‪ ،‬ورغب الهدوء‬ ‫الذي كان يبدو على ظاهري‪ ،‬إ ّ أن قلبيي كيان يخفي بشيدة‪،‬‬ ‫وداخلي يكاد يستقر‪ ،‬ويداي تت قف عع الحركة ميع شيدة‬ ‫اإلضطراب والت تر الذي كنت أعاني منه‪..‬‬ ‫كنت أنتمر مجييء الميدير للت قييس عليى عقيد ال ظيفية‬ ‫الجديد في مرسسة شبه حك مية‪ ،‬تب افتتاحهيا قريبياً‪ ..‬وظيفية‬ ‫"مدير الشرون المالية" براتب ‪ 3166‬ريا ً شيهرياً‪ ،‬عليى أن ييتب‬ ‫تدريبي خال سينتيع تقريبياً ألترقيى ل ظيفية "رئيي قطياأ‬ ‫المالية" (‪ )CFO‬بالمرسسة‪ ،‬وعلى أن أبدأ بالعمل بعد فترة إنيذار‬ ‫ثالثة أشهر أمنحها لشركة التدقي التي أعمل بهيا‪ ،‬أي بعيد أن‬

‫‪214‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫أكمل فترة السنتيع التي جاهد مع أجلها ط يالً‪ ..‬وظيفية ليب‬ ‫أكع حتى أحلب بها في خيالي‪.‬‬ ‫في ال اقس لب يكع هذا األمير ليربكنيي‪ ،‬ولكننيي كنيت قيد‬ ‫تركت زوجتي في جناح ال دة‪ ،‬بالمستشفى‪ ،‬في انتمار الم ل د‬ ‫الذي عذبنا بما فيه الكفاية‪ ،‬حتى قبل و دته‪..‬‬ ‫لقد شعر سارة بب م ال ضس البارحة‪ ،‬بعد منتصيف اللييل‪،‬‬ ‫فأخذتها مباشرة للمستشفى‪ ،‬وظللت ساهراً بجانبها‪ ،‬إلى أن أصبع‬ ‫الصباح‪ ،‬فاتصلت بأمي وأختها إلخبارهب‪.‬‬ ‫كنت قلقاً على زوجتي‪ ،‬وعلى م ل دي المرتقب اليذي أخيذ‬ ‫بشياف قلبي حتى مع قبل أن أرا ‪ ،‬ربما ألنه أحيا في قلبي عالقة‬ ‫األب ة مع جديد‪ ،‬بكل ما تعنيه هذ العلقة مع دفء وحنان وحيب‬ ‫وذكريا جميلة‪ ،‬نُسجَت بها خالياي‪ ،‬ولكع هذ الميرًة أنيا هي‬ ‫األب‪ ..‬ما أروعه مع شع ر!‬ ‫رن الهاتف بجانبي‪ ،‬فاندهشت‪ ،‬وأرد أن أرفس السيماعة ألرد‪،‬‬ ‫ولكنني انتبهت أن المكالمة ليست لي‪ ،‬وأننيي مجيرد ضييف فيي‬ ‫المكان‪ ..‬تركت الهاتف يرن‪ ،‬ونهضت مع مقعيدي‪ ،‬أذرأ اليرفية‬ ‫ذهاباً وإياباً‪..‬‬ ‫وأخيراً أتى المدير‪ ..‬سلب علي ببيرود عليى خيالف عادتيه!‬ ‫جل في مقعد ‪ ،‬وارتشف ميع كي ب الشياي اليذي بيرد عليى‬ ‫طاولته رشفة ط يلة‪ ،‬ثب ت جيه نحي ي‪ ،‬يخبرنيي بيأن مجلي‬ ‫اإلدارة قرر تعييع شخص آخر لهذ ال ظيفة‪!...‬‬ ‫وقس الخبر علي وقس الصاعقة‪ ،‬فجمد مكاني ل هلة‪ ،‬ولكنني‬ ‫وقبل أن أنب بشيء‪ ،‬رنَّ هاتفي النقا ‪ ..‬لقيد كانيت واليدتي‪..‬‬ ‫رفعت السماعة بسرعة‪ ..‬لكع ص والدتي كان مخن قاً‪ ،‬ومليلاً‬

‫‪215‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫بالجزأ والبكاء‪ ،‬بالرغب مع محاولة تماسكها‪ ..‬لقد ما الطفيل‪،‬‬ ‫وزوجتي في حالة خطرة‪...‬‬ ‫لب أعرف مياذا أقي ‪ ..‬شيعر بالعيالب ييدور ميع حي لي‪،‬‬ ‫ورويداً رويداً شعر بالخدر يسري في جسمي‪ ،‬سقف الهاتف مع‬ ‫يدي‪ ،‬ووقعت ميشياً علي في غرفة المدير‪ ،‬الذي أصيب باليذه‬ ‫والخ ف‪..‬‬ ‫وفجأة أفقت مع الن م‪ ..‬يا إلهي لقد كان كاب سياً مريعياً‪.‬‬ ‫كانت زوجتي نائمة على يساري‪ ،‬فيي طمأنينية وهيدوء‪ ،‬بينميا‬ ‫كان ابني "نبيل" في مهد على جانبي اليميع‪ ،‬وكان أيضاً ييف‬ ‫في ن م عمي مثل والدته‪ ..‬الحمد هلل كل شيء على ما يرام‪.‬‬ ‫نهضت مع السرير‪ ،‬وت جهت للحمام‪ ،‬حييث ت ضيأ ‪ ،‬وقميت‬ ‫أصلي الليل‪ ،‬فقد مرّ زمع ط يل لب أقب فيه الليل‪ .‬ثب جلست في‬ ‫الشرفة‪ ،‬أفكر في أمري‪..‬‬ ‫الي م أكمل فترة السنتيع في الشركة‪ ،‬وهاقيد مضيى عليي‬ ‫أكثر مع ثالثة أشهر وأنا أبحث عيع وظيفية‪ ،‬حتيى بليغ عيدد‬ ‫ال ظائف التي تقدمت لها أكثر مع مائتي وظيفية ‪ ،‬ولكيع ميع‬ ‫دون جدو !‬ ‫لست أفهب! يُ ْفتَيرض أن أكي ن ‪ -‬بميا أمليك ميع خبيرا‬ ‫ومرهال ‪ -‬هدفاً ميرياً‪ ،‬وفرصة ثمينه ألصحاب ال ظائف‪ ،‬ولكع‬ ‫األمر على العك تماماً! يتب ت ظيف المتردية والنطيحة‪ ،‬ولكيع‬ ‫لي أنا!؟ لست افهب ما الذي يحدث معي‪.‬‬ ‫قيل ليي إ ننيي محسي د‪ ،‬وقيا بعيض أصيدقائي أنهيا عييع‬ ‫أصابتني‪ ،‬وقا آخر‪ ،‬ربما ه ميع عميل الجيع‪ ،‬وقيا رابيس أن‬

‫‪216‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫المدير المالي ال افد في الشركة األولى التي كنيت أعميل بهيا‬ ‫ه مع يسعى ورائي ليخرب علي كل وظيفة أتقدم لها!!!‬ ‫في تقديري لي ه أيّ مع ذاك‪ ،‬وإنميا هيي سيمعتي التيي‬ ‫تسبقني أو تلحقني في كل مكان أتقدم إلييه! لقيد عمليت فيي‬ ‫وظيفتيع‪ ،‬وفي كلتاهميا واجهيت مشياكل شيديدة ميع اإلدارة‪،‬‬ ‫وطلب مني أن أسيتقيل‪ ،‬وفيي كلتيا الي ظيفتيع أظهير قي ة‬ ‫وصالبة فائقة‪ ...‬شخصياً ما كنت أرغيب فيي ت ظييف شيخص‬ ‫صاحب مشاكل وق ي؟!‬ ‫واآلن‪ ،‬ما العمل؟ لب تبي وظيفية ليب أتقيدم لهيا‪ ..‬يياإلهي‬ ‫أدركني‪ ،‬فقد أعجزتني الحيلة!‬

‫‪217‬‬

‫ا ح يصام املعجيات‬


‫الفصل السادس‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫غ‬ ‫مرارة يرة‬


‫مرارة الغ يرة‬ ‫‪ 17‬أبريل ‪ 2664‬م‬ ‫المضينية‪ ،‬عليى ميد أشيهر‪ ،‬فيي‬ ‫بعد كل تلك المحاو‬ ‫العث ر على وظيفية مناسيبة‪ ،‬ليب أظفير سي ب ظيفية ميدق‬ ‫رئيسي في إحد شركا التدقي العالميية‪ ،‬براتيب ‪ 1566‬رييا‬ ‫عماني فقف!‬ ‫كانت الشركة صييرة الحجب نسيبياً بالمقارنية ميس بقيية‬ ‫شركا التدقي العالمية الكبر ‪ ،‬وكان المدير التنفيذي يسعى‬ ‫لزيادة إيرادا المكتب وربحيته‪ ،‬طمعاً في أن تتب ترقيته شيريكا‬ ‫للمكتب! كما أن الشركة كانت مضطرة لتعييع عماني‪ ،‬بسيبب‬ ‫انخفاض نسبة التعميع فيها‪ ،‬ولذا كان المدير التنفييذي سيعيداً‬ ‫بأن يجد عمانيا حاصالً على زمالة المحاسيبة القان نيية‪ ،‬يتقيدم‬ ‫بطلب وظيفة‪ ،‬لكي يرفس مع نسبة التعميع لديه‪ ،‬ويسيتعيع بيه ‪-‬‬ ‫ك نه عمياني ‪ -‬فيي رفيس إييرادا الشيركة‪ .‬وألن راتبيي فيي‬ ‫وظيفتي الحاليية كيان ‪ 1666‬رييا فقيف‪ ،‬فقيد كيان مي قفي‬ ‫التفاوضي ضعيفا‪ ،‬فعرض علي وظيفة بزيادة ‪ 566‬ريا فقف عع‬ ‫راتبي الحالي!‬ ‫وأخيراً رجس مسار حيياتي لل ضيس الطبيعيي‪ ،‬وبيدأ أنعيب‬ ‫با ستقرار والهدوء‪ ،‬اللذيع حرمت منهميا طي يالً! صيحيع أنيه‬ ‫كان يزعجني في بادئ األمر أن الشركة لب تكع محترفية فيي‬ ‫إجراءاتها ومعاييرها بمست الشركة السابقة التي عمليت بهيا‪،‬‬ ‫‪219‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫لكنني سيرعان ميا تأقلميت عليى ال ضيس‪ ،‬وألفيت هيذ البيلية‬ ‫الجديدة‪.‬‬ ‫مر األيام على خير ميا ييرام‪ ،‬قيدمت خاللهيا الكثيير ميع‬ ‫المساعدة للميدير التنفييذي فيي مقابلية العدييد ميع متخيذي‬ ‫القرارا فيي البليد‪ ،‬كميا أن وجي دي معيه باعتبياري عمانييًا‬ ‫محترفًا‪ ،‬وحاصالً على زمالة الي ‪ ،CPA‬ولبقاً فيي الكيالم‪ ،‬أعانتيه‬ ‫كثيراً على تط ير األعما وزيادة اإليرادا ‪.‬‬ ‫لب تكع فترة اإلستقرار والنجاح هذ لتيرنيي‪ ،‬فقيد خبير‬ ‫األيام‪ ،‬وعرفت أنها لع تفتأ حتى ت اجهني بتحيد جدييد‪ ،‬وكيان‬ ‫علي أن أستعد له‪ ،‬بتق يية مركيزي المهنيي والي ظيفي‪ ..‬هيذا‬ ‫أقصى ما كان يمكنني القيام به!‬ ‫قرر أن أستيل فرصة استقرار أوضاعي‪ ،‬وأبدأ بدراسة اليي‬ ‫‪ MBA‬ولكع مع أي جامعة؟ األمر معقيد ويتطليب بحثياً مفصيالً‬ ‫عع البرنامج المناسب ذي السمعة الجييدة‪ ،‬واليذي يتناسيب ميس‬ ‫ظروفي‪.‬‬ ‫بعد بحث ط يل وجد البرنامج المناسب مع جامعة هري‬ ‫وا البريطانية‪ ،‬فهي واحدة مع الجامعا المعروفة‪ ،‬والبرنيامج‬ ‫الخاص بها يتك ن مع تسيعة مي اد يمكيع دراسيتها فيي الحيرم‬ ‫الجامعي‪ ،‬أو في أي مكان آخر‪ ،‬ويمكيع تقيديب اإلمتحانيا فيي‬ ‫العديد مع المراكز المت اجدة في مختليف دو العيالب‪ ،‬ومنهيا‬ ‫عمان‪.‬‬ ‫لكنني بالرغب مع ذلك كنت أطمع أن أدرسيها فيي الحيرم‬ ‫الجامعي‪ ،‬هناك في مدينة "أدنبر " في المملكة المتحدة‪.‬‬

‫‪220‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫كان األمر يبدو مسيتحيالً لل هلية األوليى‪ ،‬فميع أييع ليي‬ ‫بتكاليف الدراسة والمعيشة هناك؟ هذا إذا واف المدير التنفيذي‬ ‫على أن يمنحني إجازة سنة كاملة مع دون راتب! ولكيع كييف‬ ‫ي اف وه في أم الحاجة لي لجلب مزيد ومزيد مع العميالء‬ ‫للشركة؟!‬ ‫صفتان كان معروفاً بهما مديرنا التنفيذي‪ ،‬جعلتيا كريهيا‬ ‫لد كل الم ظفيع بالشركة‪ ،‬البخيل الشيديد‪ ،‬وكير الخيير‬ ‫لآلخريع! األمر الذي كان يجعل مع المسيتحيل حصي لي عليى‬ ‫أي دعب مع الشركة لقيامي بدراسة الي ‪.MBA‬‬ ‫لكع رغب ذلك فإن شيلاً ما فيي أعمياقي جعلنيي أوقيع أنيه‬ ‫سي اف ‪ ،‬لي على إجازة مع دون راتب‪ ،‬بل عليى إجيازة براتيب‬ ‫كامل!‬ ‫جهز طلب إجازة براتب كامل لمدة سنة لقييامي بدراسية‬ ‫الي ‪ ،MBA‬واحتفمت به عندي لحيع تسنع الفرصة المناسبة‪ .‬ليب‬ ‫يكع ال ضس بالشركة يشجعني على تقديب طلبيي للميدير‪ ،‬فقيد‬ ‫كنت أخشى أن يهزأ بي بقس ة‪.‬‬ ‫وأخيراً سنحت الفرصة التي كنت أنتمرهيا بفيارغ الصيبر‪،‬‬ ‫فقد ساعد المدير في مقابلة الرئي التنفيذي ألحيد العميالء‬ ‫الكبار الذيع كان يسيعى ميديرنا لالجتمياأ بهيب‪ .‬وفيي أثنياء‬ ‫ا جتماأ‪ ،‬قام الرئي التنفيذي (العماني) بميدحي كثييرًا أميام‬ ‫مديرنا التنفيذي‪ ،‬وت صيته على العمانييع عم ماً وبيي شخصيياً‪،‬‬ ‫ووعد في نهاية ا جتماأ بإسناد بعض األعما للشركة‪.‬‬ ‫كان مديرنا سعيداً جداً بنتائج ا جتماأ‪ ،‬وشياعراً باإلمتنيان‬ ‫تجاهي‪ ،‬ولذا لب أضييس الفرصية‪ ،‬فيدع اهلل‪ ،‬وت سيلت بيالنبي‬

‫‪221‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫(ص)‪ ،‬ودخلت عليه مكتبه‪ ،‬ف ر رج عنيا للشيركة‪ ،‬وقيدمت ليه‬ ‫طلبي‪ ،‬م ضحاً إيا ‪ ،‬إن هذا سيسهب فيي حصي الشيركة عليى‬ ‫المزيد مع األعما ‪ ،‬وأنه سيخل انطباعاً إيجابيياً عيع الشيركة‬ ‫في البلد‪ ،‬بأنها تق م بتدريب العمانييع‪.‬‬ ‫لييب يتييردد كثيييراً‪ ،‬فقييد كييان غارقياً فييي نشي ة الشييع ر‬ ‫باإلنتصار والفرح‪ ،‬فأخذ قلمه‪ ،‬ووقس بالم افقة عليى النسيختيع‬ ‫مع الرسالة‪ ،‬نسخة للحسابا ‪ ،‬وأخر لي أنا‪.‬‬ ‫كنت سعيداً جداً‪ ،‬وأشعر بأن األرض تسعني مع الفرحية‪،‬‬ ‫فقد كنا كالنا أنا وزوجتي في أم الحاجية للسيفر للتيييير‪،‬‬ ‫بعد كل ما عانينا مع تحديا ومصاعب‪ ،‬كما أنني كنت ت اقياً‬ ‫جداً لدراسة الي ‪ ،MBA‬وفهب أسرار اإلدارة وا ستراتيجيا ‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫عدة أشهر مضت منذ أن انضممت للشيركة‪ ،‬واألمي ر عليى‬ ‫أحسع ما يرام‪ ،‬وأنا أشهد مزيداً ومزيداً مع التقيدير واإلحتيرام‬ ‫في الشركة‪ ..‬ربما كانت هذ الفترة كافية ألن تشعر اإلنسيان‬ ‫باألمان‪ ،‬ولكع لي أنا‪ ،‬بعد كل الذي لقيته وواجهته في حياتي!‬ ‫كان هناك ص في أعماقي يدع ني ألن أستعد لما يلي مع‬ ‫األيام‪ ،‬وأنها لع تستمر هكذا! هل كان هذا ياتر صي عقليي‬ ‫مستنداً على ما خبرته مع تجارب مريرة ومتقلبة‪ ،‬أم أنه مجيرد‬ ‫قل ووس سة شيطان تحاو أن تجهدني نفسياً وتعطل تفكيري؟‬ ‫لست أدري‪ ،‬ولكع لب يكع هناك مع ضير ألن أسيتعد‪ ،‬وأن أطي ر‬ ‫قدراتي طالما إنني ماضٍ على نف أسيل بي فيي الحيياة‪ :‬أبيذ‬ ‫جه داً كبيرة‪ ،‬بعزيمة عالية‪ ،‬وتركيز شديد‪ ،‬ولكننيي مطميلع‪،‬‬ ‫وسعيد في ال قت ذاته‪ ،‬كما أنني عندما أك ن مس األسرة‪ ،‬أو في‬

‫‪222‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫المناسبا اإلجتماعية فإنني أترك كل هذا العالب ورائي‪ ،‬وأصف‬ ‫لهب بذهني وقلبي‪.‬‬ ‫منذ بداية شهر ديسمبر‪ ،‬حميت أن الميدير التنفييذي قيد‬ ‫تيير معاملته لي‪ ،‬وأنيه أصيبع يترصيد ليي‪ ،‬وألخطيائي التيي‬ ‫أرتكبها أحيانا‪ ،‬فيعممها وي بخني عليها بشيدة ويحياو تشي يه‬ ‫سمعتي في المكتب!‬ ‫كنت مذه ً مما يحدث‪ ،‬و أفهب له سبباً! أذكر أنه قد‬ ‫صدر مني ما يسيله‪ ،‬بل على العك مع ذليك‪ ،‬دعمتيه وسياندته‬ ‫كثيراً في تحقي أهدافه التس يقية‪.‬‬ ‫لب أجد بداً مع جلسة مصارحة مس مديرنا التنفيذي‪ ،‬بالرغب‬ ‫مع أنني كنت أكر جلسا المصارحة‪ ،‬وأشعر بالحرج الشيديد‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫طرقت باب مكتبه‪ ،‬ثب فتحته ف جدته عليى وشيك أن ينهيي‬ ‫مكالمته مس أحدهب‪ ،‬وقد كان يضحك في غاية السيعادة‪ .‬أوميأ‬ ‫إلي بيد أن أقعد‪ ،‬فقعد على الكرسي على الطرف اليمييع ميع‬ ‫مكتبه وأنا مت تر‪.‬‬ ‫أنهى مكالمته فت جه لي وقد ارتسمت الجدية على وجهه‬ ‫‪ ‬نعب‪ ،‬ماذا تريد؟‬ ‫‪-‬‬

‫حمت مرخراً أن معاملتك لي ساء ! هل صيدر منيي ميا‬ ‫آذاك؟‬

‫‪ ‬لقد كثر أخطاؤك في العمل‪ ،‬وأداؤك عم ماً‬ ‫المست المهني المطل ب‪.‬‬

‫‪223‬‬

‫يرتقي إلى‬

‫مرارة ايسربة‬


‫‪-‬‬

‫لكع‪ ..‬هذا غير منطقي‪ ،‬فقد كنت مرتاحاً مني وميع أدائيي‬ ‫ط ا ثمانية أشهر‪ ..‬كيف حصل أنك وفجأة اكتشيفت أن‬ ‫أدائي لي بالمست المطل ب!‬

‫‪ ‬المشكلة أنك متحدث جيد‪ ،‬وكالمك يخدأ النياس فييك‪،‬‬ ‫ولذا لب يسب أنني راجعت ملفا عملك في الفترة الماضية‬ ‫ثقة بك‪ ،‬ولكع عندما قام "أن ك" (مدير التدقي بالمكتيب)‬ ‫بمراجعة بعض ملفاتك الشهر الماضيي سيتكما عملييا‬ ‫التدقي النهائية‪ ،‬وجدنا فيها أخطاءً فادحة كثيرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عف اً‪ ،‬لكع هذا غير صيحيع! لقيد جلي أني ك معيي فعي ً‬ ‫ال‬ ‫األسب أ الماضي‪ ،‬ليناقش معي ملف أحد العمالء‪ ،‬كانت كل‬ ‫األخطاء التي ذكرها سطحية وشكلية‪ ،‬فيما عيداً نقيص فيي‬ ‫إجراء واحد‪ ،‬وطلب مني القيام به‪ ،‬وقد قمت به‪..‬‬

‫سكت للحمة‪ ،‬ثب استأنفت حديثي وأنا أشعر بإحباط شديد‬ ‫‪-‬‬

‫أنت تعلب أن هذ أم ر اعتيادية‪ ،‬تحصل دائمياً فيي التيدقي ‪،‬‬ ‫خاصة في ظل عدم وج د برنامج مسب للتدقي يتب اإلتفاق‬ ‫عليه لكل عميل! ولذا يتب دائما مراجعة كل ملف ميع قبيل‬ ‫مدير التدقي ف ر انتهاء كل مرحلة في التيدقي ‪ ،‬للتأكيد‬ ‫مع ا كتما الصحيع للمهمة‪.‬‬

‫‪ ‬أخطاؤك كثيرة‪ ،‬بدرجة غير معق لية‪ .‬عم ميا ميع الجييد‬ ‫أنيك فيياتحتني فيي الم ضي أ‪ ،‬ألننييي كنيت عازمياً علييى‬ ‫مفاتحتك فيه خال األيام القليلة القادمة‪.‬‬ ‫سكت المدير للحما ‪ ،‬ثيب أخيرج علبيه السيجائر ميع درج‬ ‫مكتبه‪ ،‬وأخرج منها سيجارة واشعلها وأخيذ يينف فيهيا بيبفء‪،‬‬ ‫وكأنه على وشك ق أمر في غاية األهمية أو الصع بة‪.‬‬

‫‪224‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫أدركت ما يريد ق له‪ ،‬فقيد تعي د عليى هيذا الني أ ميع‬ ‫المحادثا ‪ ،‬لكيع عقليي كيان يعميل بسيرعة‪ ،‬ويقليب ال جي‬ ‫المختلفة للم ض أ‪ ،‬ليحدد كيف ستك ن ردة فعلي‪ .‬بادرته قبيل‬ ‫أن يق لي شيلاً‬ ‫‪-‬‬

‫أعدك أننيي سيأجل ميس أني ك‪ ،‬لمراجعية جمييس ملفياتي‬ ‫لمعرفة أخطائي‪ ،‬وميع ثيب سيأق م بتصيحيحها ميع وقتيي‬ ‫الخاص‪ ،‬كما أعدك أنني سيأك ن أكثير حيذراً ودقية فيي‬ ‫المرا القادمة‪.‬‬

‫‪ ‬لقد اقترحت هذا األمر على أن ك‪ ،‬لكنه له رأي آخر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وه ؟ سألته متحفزاً‪.‬‬

‫‪ ‬ه ير أنك غير مناسب في مهنة التدقي ‪ ،‬وأن عقليتك ‪-‬‬ ‫بالرغب مع ذكائك الشديد‪ -‬تناسب مهنة التدقي ‪ ،‬وأنيك‬ ‫لع تتط ر فيي هيذ المهنية‪ .‬وعلييه اتفقنيا أن نسيألك أن‬ ‫تبحث لك عع وظيفة أخر أكثر مناسبة لك‪.‬‬ ‫كان ذهني يعمل مثيل التي ربيع‪ ،‬بقي ة وسيرعة‪ ،‬ألسيتطيس‬ ‫تحديد ردة الفعل المناسبة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنا أعرف نفسيي وقيدراتي جييداً‪ ،‬وبيالرغب ميع احتراميي‬ ‫لرأيكما في‪ ،‬لكنني أختلف معكما تماماً‪ ،‬وأر أنني بارأ جداً‬ ‫في التدقي ‪.‬‬

‫قلتها بحزم وق ة‪ ،‬ثب خفضت نبرة ص تي مس إصراري عليى‬ ‫أ يبدو علي أي انكسار أو ضعف‪ ،‬واستأنفت‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫عم ماً‪ ،‬لي هذا ه نقاشنا‪ ،‬وإنما مع ال اضع أنيك تطليب‬ ‫مني ميادرة الشركة‪ ،‬لسبب لست أفهمه‪...‬‬

‫‪225‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫‪ ،‬المسألة ليست كذلك‪...‬‬

‫‪‬‬

‫‪-‬‬

‫أرج ك دعني أنهيي كالميي‪ ،‬وبعيدها صيححني‪ ،‬إذا كنيت‬ ‫مخطلاً‪.‬‬

‫قاطعته بحزم‪ ،‬ولكع بهدوء‪ .‬استند بمهري على الكرسيي‪،‬‬ ‫ورسمت ابتسامة هادئة على شفتي‪ ،‬محافماً على بيرودة نمراتيي‬ ‫ورفعت رأسي نح ثب استأنفت‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنييت تريييدني أن أغييادر‪ ،‬وأنييا أمييانس إذا وجييد وظيفيية‬ ‫مناسبة‪ ،‬براتب جيد‪ .‬إذاً ساعدني على إيجياد هيذ ال ظيفية‪،‬‬ ‫وأنا سأغادر ف راً مع دون مشياكل‪ .‬البيديل اآلخير هي أن‬ ‫تحاو طردي‪ ،‬فهذا ما تعلب جيداً أنك تستطيعه‪ ..‬أميا إذا‬ ‫حاولت إيذائي‪ ،‬وتش يه سمعتي في المكتب أو خارجه‪ ،‬فيإنني‬ ‫سأق م بهج م مضاد عليك وعلى المكتب‪ ،‬وأنت تعليب جييداً‬ ‫ما يمكنني فعله‪ ...‬هل نحع متفقان؟‬

‫كنت حازماً وهادئاً وق ياً‪ ،‬بدرجة أذهلتني أنا نفسيي! وفيي‬ ‫المقابل‪ ،‬فقيد تمليك الرعيب ميديرنا التنفييذي‪ ،‬فييير نبرتيه‬ ‫وسحنته كلياً‪ ،‬وعلت وجهه ابتسامة رقيقة بريلة‪.‬‬ ‫يا محمد‪ ،‬لي األمر كذلك‪ ،‬أنا أنسى أفضيالك عليى‬ ‫‪‬‬ ‫المكتب‪ ..‬ثب يا أخي أنت بمثابة صديقي‪ ،‬ونحيع نرييد أن‬ ‫يك ن بيننا زعيل‪ .‬خيذ راحتيك فيي البحيث عيع ال ظيفية‬ ‫المناسبة‪ ،‬وأنا أيضًا سأساعدك مع جهتي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عف اً‪ ،‬أنا أعتذر على انفعالي‪ .‬لقد أسأ فهمك‪ .‬قلتها‪ ،‬وقيد‬ ‫رجعت لطبيعتي الرقيقة في الكالم‪.‬‬

‫بأس نحع أخ ة وأصدقاء‪ ،‬وس ء الفهب يحصل دائمياً بييع‬ ‫‪‬‬ ‫األحباب‪.‬‬ ‫‪226‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ،‬لكنني في هذ الحالة سيأحتاج للتفيرغ للبحيث عيع‬ ‫ال ظيفة‪ ،‬وإجراء المقيابال ‪ .‬هيل يمكنيك أن تعفينيي ميع‬ ‫المهام خال الفترة القادمة‪ ..‬ولكع مهالً‪ ..‬لقد نسيت‪.‬‬

‫‪ ‬ما الذي نسيته؟ قالها بقل ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أ تذكر أنني مسافر في شهر ينياير إليى بريطانييا لميدة‬ ‫سنة لدراسة اليي ‪ ،MBA‬وليذا أسيتطيس أن أنتقيل قبيل أن‬ ‫أرجس مع السفر ‪ ...‬ولكع أتعليب‪ ،‬حصي لي عليى اليي ‪،MBA‬‬ ‫سيساعدني كثيراً للعث ر على ال ظيفة المناسبة‪.‬‬

‫يمكييع‪ .‬يجييب أن تتييرك المكتييب اآلن‪ ،‬خييال الشييهريع‬ ‫‪‬‬ ‫القادميع على األكثر‪ ..‬ثب ميع قيا ليك أننيي أوافي أن‬ ‫تتييب عع العمل مدة سنة كاملة؟ قالها بعصبية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ال ووقعت على طلبيي‪ ،‬وقيد سيجلت أنيا فيي‬ ‫لقد وافقت فع ً‬ ‫الجامعة وسدد رس م التسجيل‪.‬‬

‫‪ ‬نعب أذكر ذلك! لست أدري ما الذي دهياني ذليك اليي م؟‬ ‫لي مع عادتي ان أواف على هكذا أم ر‪ .‬ليب يحيدث ذليك‬ ‫معي في كل حياتي‪ .‬قالها بهدوء وبص مينخفض وكأنيه‬ ‫يخاطب نفسه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ربما‪ ،‬لكنك وافقت‪ ،‬وهذا دليل آخر على أنك كنيت بيايية‬ ‫السعادة مع أدائي‪ ،‬فما الذي حصل ليجعلك تنقلب علي؟‬

‫‪ ‬قلت لك أن أداءك سيء‪ ،‬وأنك‬

‫تنفس أن تك ن مدققاً‪.‬‬

‫قالها بعصبية وه يخرج سيجارة أخر مع علبة السجاير ‪.‬‬

‫‪227‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫‪-‬‬

‫حسناً هذا رأيك‪ .‬وأنا أعدك أننيي سيأبدأ فيي البحيث عيع‬ ‫ال ظيفة‪ ،‬حتي قبل أن أرجس مع السفر‪ ،‬بحيث أقدم استقالتي‬ ‫إن شاء اهلل‪ ،‬سرعان ما اصل إلى البلد‪.‬‬

‫قلت ذليك وأنيا أنهيض واقفيًا ميادًا ييدي إلييه ألصيافحه‪،‬‬ ‫فصافحني وه شبه مذه ‪.‬‬ ‫بعد ي ميع مع اجتماعي بالميدير التنفييذي‪ ،‬وصيلنا تعمييب‬ ‫إداري مع المركز الرئيسي بترقية المدير التنفيذي إلى درجية‬ ‫"شريك"‪.‬‬ ‫عندها فقف أدركت السر وراء رغبة الميدير فيي اليتخلص‬ ‫مني‪ ،‬فقد حق هدفه المنش د بأن يصبع شريكاً‪ ،‬كميا أن صييت‬ ‫الشركة أصبع في كل مكيان‪ ،‬وليب يعيد الميدير‪ ،‬عفي اً أعنيي‬ ‫"الشريك" في حاجة لي ألغراض التس ي ‪ ،‬بل على العك ميع‬ ‫ذلك ربما كان يحسبني تهديداً له عليى مركيز فيي الميد‬ ‫المت سف‪ ،‬بسبب ك ني م اطناً ومرهالً‪ ،‬وبسبب تشعب عالقاتي‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫‪ 17‬يناير‪2665 ،‬‬ ‫في الطائرة‪ ،‬كانت زوجتي نائمة في المقعد بجانبي مستندة‬ ‫برأسها على كتفي‪ ،‬بينما كنت أنيا أفكير فيي أمرنيا‪ ،‬وأراجيس‬ ‫للمرة العشريع صحة القرار الذي أخذته بالسفر للدراسة‪ .‬لقيد‬ ‫كنت مت جساً وقلقاُ مما سي اجهنا هناك‪ ،‬أنا وأسرتي الصيييرة‪،‬‬ ‫سيما وأن ما يتبقى مع راتبي الشهري بالكاد يكفينا أن نعيش!‬

‫‪228‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫لقد استقرضت قيمية رسي م الجامعية ميع البنيك‪ ،‬وبعيت‬ ‫سيييارتي وتخلصييت مييع الش ييّالة والبيييت ألقلييص مصييروفاتي‬ ‫الشهرية‪ ،‬وسدد بالثمع البخ الذي قبضته مع بيس أثاثي جزءاً‬ ‫مع تكلفة تذاكر السفر‪.‬‬ ‫أحمد اهلل أن صديقي ماهر كان يعمل في مدينة قريبة ميع‬ ‫أدنبرة (جالسج ) ولذا قررنيا أن نسيكع هنياك‪ ،‬وقيد سياعدني‬ ‫كثيراً فقد حجز لي شقة صييرة بإيجار رخيص نسبياً‪ ،‬كما أنه‬ ‫وعدني أن يساعدني ف ر وص لي في البحث عع سييارة صيييرة‬ ‫ورخيصة‪.‬‬ ‫ركبنا مع لندن القطار المتجه لجالسج حيث وصلنا مسياء‬ ‫‪ ..‬كان الج بارداً جداً وكانت السيماء تمطير بشيدة كعادتهيا‬ ‫هناك!‬ ‫مشينا أنا وزوجتي جنبياً إليى جنيب ونحيع نييادر محطية‬ ‫القطارا ‪ ،‬أنا أدفس عربة الشنف‪ ،‬وزوجتيي تيدفس عربية طفلنيا‬ ‫الصيير (نبيل)‪ ،‬الذي أصيبع عمير سينة‪ .‬كنيا نمشيي بصيمت‬ ‫وحزن وكأننا نمشي في م كب عزاء!‬ ‫مع المفروض أن نك ن سعداء جذليع‪ ،‬لكع كيل واحيد منيا‬ ‫كان أسيراً لمشاعر مضطربة تعتمل في داخله‪.‬‬ ‫كنت أنا متحفزاً للياية‪ ،‬فقد كانت قدماي تطيأ ألو ميرة‬ ‫أرضاً أوروبية "جنة اهلل على األرض" – كميا يقيا ‪ -‬بكيل ميا‬ ‫كان يثير ذلك في نفسي مع الشع ر باإلعجاب والهيبية‪ ،‬مميا‬ ‫سمعت عع جميا طبيعتهيا‪ ،‬وتحضير ميدنيتها وسيكانها ورقيي‬ ‫تفكيرهب! هل ه صحيع ما سمعت ياتر ‪ ،‬أم أنه اإلعيالم اليذي‬ ‫ع ّدنا أن يقلب الحقائ رأساً على عقب؟ لست أدري‪ ،‬لكع الشع ر‬

‫‪229‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫باإلنبهار واإلعجاب كيان يسييطر عليي‪،‬‬ ‫متش قاً جداً للبدء بالدراسة وتعلب اإلدارة‪.‬‬

‫سييّما وأننيي كنيت‬

‫لكع في المقابل كنت أشعر بانقباض في صدري خ فياً ميع‬ ‫المجه ‪ ،‬وخشية على زوجتي مع المعاناة واليربة‪ .‬ورغيب أنيه‬ ‫لب يمض على ابتعادنا عع البلد س ليلية واحيدة‪ ،‬فقيد كنيت‬ ‫أشعر بالحنيع للبلد‪ ،‬وال حشة لإلبتعاد عنها‪ ...‬أن تسيافر لميدة‬ ‫أسب عيع أو حتى أربعة فه سيياحة وهي أمير ممتيس ويجيدد‬ ‫نشاط الروح‪ ،‬ولكع أن تسيافر لعيدة أشيهر فهيذا أمير مختليف‬ ‫تماماً‪.‬‬ ‫أما زوجتي فقد كان يسيطر عليها شع ر واحد فقف جعلهيا‬ ‫في شيل شاغل عع كل ما ح لنا وعع أي شيء آخر "اإلحسياس‬ ‫باليربة والحنيع للبلد"‪ ..‬كان ا كتلاب والحيزن يجيثب عليى‬ ‫صدرها ويمأل قلبها‪ .‬كانت تشيعر وكأنهيا تحميل جيبالً في ق‬ ‫قلبها!‬ ‫سرعان ما التقينا صديقي ماهر اليذي كيان ينتمرنيا عنيد‬ ‫ب ابة الخروج‪ ،‬فأخذته في األحضان بحرارة حبياً ليه‪ ،‬وألخفيف‬ ‫بعضاً مع لهيب الش ق للبلد الذي كان يلذعني‪.‬‬ ‫كان سعيداً برؤيتنا‪ ،‬وكان وجهه المالئكيي يطفيع بالبشير‬ ‫كعادته‪ ،‬لكنني حمت وج مياً خفيفياً فيي سيحنته عليى غيير‬ ‫عادته! سرعان ما أدركنا السر وراء وج مه فقد بدأ المشاكل‬ ‫تتر ميع جدييد‪ ،‬أو هيذا – عليى األقيل ‪ -‬ميا شيعرنا بيه أنيا‬ ‫وزوجتي!‬

‫‪230‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫كان المفروض أن يستلب ماهر مفتاح شقتنا ميع السمسيار‬ ‫ي م أم ‪ ،‬ولكع بسبب خطيأ فيي األوراق واإلجيراءا فقيد تيب‬ ‫تأجير الشقة لمستأجر آخر سكع فيها فعالً منذ ي م أم !‬ ‫واآلن علينا اإلنتقا إلى فندق إلى حيع حص لنا عليى شيقة‬ ‫أخر مناسبة! لب نكع نملك ما ندفعه للسكع في الفندق‪ ،‬كميا‬ ‫أن زوجتي رفضت بإصرار قب عيرض مياهر ‪ -‬حرجياً منيه ‪-‬‬ ‫بالسكع في شقته مرقتاً‪ ،‬ولذا لب يبي أمامنيا سي السيكع فيي‬ ‫"نز " بسيف مت اضس‪ ،‬وبحمام مشترك مس بقية اليرف في كل‬ ‫طاب ‪.‬‬ ‫لب يكع بإمكان ماهر مساعدتنا في البحث‪ ،‬فقد كان مضطرًا‬ ‫للسفر لمدة أسب عيع في مهمة عمل طارئية‪ ،‬وليذا كيان علينيا‬ ‫اإلعتماد على أنفسنا في البحث عع الشقة وعع السيارة!‬ ‫أضطرر في صباح الي م التالي للميادرة إلى الجامعية فيي‬ ‫مدينة أدنبرة‪ ،‬تاركاً زوجتي ووحيدي بمفردهما فيي اليرفية‪..‬‬ ‫كانت زوجتي تشعر بالخ ف الشديد وباسيتيحا مريير‪ ،‬كميا‬ ‫أنها لب تكع تستطيس أن تستخدم الحمام ط ا فترة غيابي خ فياً‬ ‫مع ميادرة اليرفة‪ ،‬ورعباً مع ترك نبيل وحيداً ول للحما ‪.‬‬ ‫عندما رجعت مع الجامعة‪ ،‬كيان ابنيي نائمياً‪ ،‬لكيع زوجتيي‬ ‫كانت شبه منهارة مع البكاء والحزن! جلست بجانبهيا‪ ،‬وأخيذ‬ ‫أفرك يدها بحنيان‪ ،‬فأخيذ تنشيج ميع شيدة البكياء والميرارة‬ ‫والحرقة‪ ..‬طملنتها بأن األم ر ستفرج إن شاء اهلل‪ ،‬وأنها مجيرد‬ ‫سيينة واحييدة ستنقضييي‪ ،‬وسييرعان مييا سيينرجس ألهلنييا وبلييدنا‪،‬‬ ‫وأخبرتها عما أع ّد اهلل مع الفضل للصابريع إلى أن بيدأ تهيدأً‬ ‫رويدًا رويداً‪.‬‬

‫‪231‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫كنت أشعر بألب شيديد فيي قلبيي‪ ،‬وكانيت دمي عي تنيز‬ ‫بحرقة‪ ،‬ألماً ورحمةً لما كانت تشيعر بيه زوجتيي ميع ميرارة‬ ‫وتعب‪ ..‬وعدتها أ ّ أتركها مرة أخر إلى أن نعثير عليى شيقة‬ ‫مناسبة وننتقل إليها حتى وإن أثر ذلك على دراستي‪.‬‬ ‫لحمت زوجتي دم عي الساخنة‪ ،‬فرفعت رأسها نح ي بحنيان‬ ‫ومسحت دم عي بأناملها الرقيقة‪ ..‬جففت هي دم عها‪ ،‬واعتذر‬ ‫مني ووعدتني أ ّ تتعب هكذا مرة أخر ‪ ،‬ونهضت بعذوبة عف ية‬ ‫وهي تشدني مع يدي‪ ،‬وتطلب منيي بابتسيامة دافلية مرافقتهيا‬ ‫لباب الحمام‪ ،‬فلب تعد قادرة على الصم د أكثر‪.‬‬ ‫كان المفروض أن نخرج للبحث عيع سيكع‪ ،‬لكيع زوجتيي‬ ‫كانت متعبة نفسيّاً‪ ،‬فاقترحيت أن نيذهب إليى مركيز المدينية‬ ‫لنستكشفها‪ ،‬حتى نفهب المدينية التيي نحيع فيهيا ونسيتطيس أن‬ ‫نبحث عع سكع مناسب‪.‬‬ ‫أعجبها مركز المدينة كثيراً ووجد نفسيها أحسيع حيا ً‬ ‫وأقل استيحاشاً عما كانت عليه في النز الذي كان يقس خيارج‬ ‫مركز المدينة‪..‬‬ ‫بدأنا في الي م الثالث رحلة البحث عع السكع‪ .‬كانت متعبية‬ ‫وأليمة نفسيّاً‪ ،‬سيّما وأنها كانيت تحيرك فيي أحشياء زوجتيي‬ ‫نصل اليربة الميروس في قلبها فتزيدها ل عة وألما‪.‬‬ ‫فييي صييباح الي ي م الرابييس‪ ،‬وبينمييا كنييا نتنيياو إفطارنييا‬ ‫"المجاني" في صالة الطعام ف جلنا بصاحب النز يقبيل علينيا‪،‬‬ ‫كان يبدو في نهاية األربعيع مع عمر ‪ ،‬وبيالرغب ميع مالمحيه‬ ‫الجادة وتقاسيب وجهه القاسية كانت تبدو عليه الطيبة‪.‬‬

‫‪232‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫كان صريحاً معنا‪ ،‬فقد كان يراقبنا طي ا األييام الماضيية‬ ‫بدافس الفض ‪ ،‬فقد شد إلينا حجاب زوجتي المحكب وطريقتنيا‬ ‫الطيبة في التعامل وطفلنا الصيير بالرغب مع صير سننا (حسب‬ ‫رأيه)‪ ،‬وأخيراً سحنة الحزن على وجه زوجتي‪.‬‬ ‫كانت ابتسامته عذبة وأسل ب حديثه مطملنياً‪ ،‬ليذا أخبرتيه‬ ‫صراحةً عما كنا ن اجهه مع صع بة في البحث عع شقة وسيارة‪،‬‬ ‫ويبدو أنه تأثر مع قصتنا‪ ،‬فتبرأ بأن يتفرغ ابتداءً مع لحمتهيا‬ ‫لمساعدتنا في العث ر على شقة وسيارة مناسبتيع‪.‬‬ ‫قبلنا عرضه السخي‪ ،‬وبمجرد أن انتهينا مع إفطارنا انطلقنيا‬ ‫في سيارته في ش ارأ المدينة‪ ،‬يدور بنا مع سمسيار إليى آخير‬ ‫ومع كراج آلخر‪.‬‬ ‫دامت رحلة البحث هذ ‪ ،‬بمساعدة صاحب النز ميدة يي ميع‬ ‫تكللت بنجاح نسبي‪ ،‬فقد عثرنا والحميدهلل عليى سييارة مناسيبة‬ ‫بقيمة خمسمائة جنيه استرليني‪ ،‬اشتريناها ف راً كما عثرنا على‬ ‫شقة مناسبة جداً في مركز المدينة‪ ،‬لكنها لألسف كانيت أغليى‬ ‫بثالثملة وخمسة عشر جنيهاً عمّا كنا خططنا له!‬ ‫لب تكع زيادة اإليجار في حد ذاتها مشكلة‪ ،‬ولكع المشكلة أنه‬ ‫كان يتبقى لنا قرابة مائتيع وأربعيع جنيهياً فقيف للمصيروف‬ ‫الشهري‪ ،‬شياملة األكيل والشيرب ومصياريف النزهيا ووقي د‬ ‫السيارة وكل ما قد يخطر على البا ! لب نكع نحتاج ‪ -‬ليكفينيا‬ ‫هذا المبلغ – إلى مجرد "التدبر في المعيشة" وإنما إلى معجزة‪.‬‬ ‫لب أكع راغباً في استلجارها‪ ،‬لكنهيا األرخيص التيي عثرنيا‬ ‫عليهييا فييي مركييز المدينيية‪ ،‬وأمييام رغبيية زوجتييي ونمراتهييا‬ ‫المت سلة لي بالقب ‪ ،‬لب أجد بداً مع الم افقية‪ ،‬بعيد أن أكيد‬

‫‪233‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫زوجتي أنها على أتب استعداد لتحمل شمف العيش‪ ،‬في مقابيل أن‬ ‫تسكع في مكان تشعر فيه باألمان ويخفف عنها مرارة اليربة‪.‬‬ ‫‪#####‬‬ ‫التييدبر فييي المعيشيية يحتيياج إلييى عنصييريع اثنيييع‪ :‬األو‬ ‫التخطيف ال اقعي لمصروفاتك‪ ،‬والثياني إرادةً تلتيزم بهيا بميا‬ ‫خططت له‪ .‬لب يكع "التخطيف" مشكلة‪ ،‬أما اإللتزام فقيد كيان‬ ‫مرلماً حقاً‪ ،‬فقد كان يعني قائمة ط يلة ميع األشيياء الصيعبة!‬ ‫فمثالً‪ ،‬شراء مع مطاعب أو مقاهي أو محال البقالية مطلقياً‪،‬‬ ‫وإنما فقف مع الهايبرماركيتا ‪ ،‬وفقف تلك السيلس المخفضية‬ ‫السعر بشكل استثنائي كتلك التي يتب الترويج لهيا‪ ،‬أو تليك‬ ‫التي قارب تاري انتهاء صالحيتها‪.‬‬ ‫كنا نأكل وجبتيع مت اضعتيع ي مياً‪ :‬الري ق والعشاء‪ ،‬وأما‬ ‫وجبة اليداء‪ ،‬وأوقا النزها فقد كنا نتناو الم ز فقد كيان‬ ‫مع أرخص الف اكه المت فرة وأكثرهيا إشيباعاً‪ ..‬لقيد أحببيت‬ ‫الم ز مع أيام جالسج فلب يكع لنيا ميالذ غيير عنيد اشيتداد‬ ‫الج أ وقرقرة البطع سيّما في ذلك الج الشديد البرودة‪.‬‬ ‫ما كيان سييجعل ال ضيس أسي ء بكثيير مميا ه علييه هي‬ ‫استشعارنا به وبشمف العيش كمشكلة وإحساسنا بالشيفقة عليى‬ ‫ذواتنا‪ ،‬ولذا قررنا بشكل عف ي أ نقس أسييريع لهيذ المشياعر‬ ‫السلبية‪.‬‬ ‫كان علي ت زيس وقتيي ميا بييع اإلهتميام بزوجتيي وابنيي‬ ‫والدراسة وعمل البيت‪ ،‬ولذا ففي أيام األسيب أ العاديية بمجيرد‬ ‫رج عي مع الجامعة‪ ،‬كنا نخرج مع البيت لنتنيز فيي شي ارأ‬

‫‪234‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫المدينة وأسي اقها أمياكع نزهتهيا‪ ،‬و نرجيس للبييت إ بعيد‬ ‫الساعة السابعة مساءً‪.‬‬ ‫ومع حسع حمنا كان المطب مفت حاً عليى الصيالة‪ ،‬حييث‬ ‫كنا نقضي بقية ي منا إلى أن يحيع وقيت ني م زوجتيي وابنيي‬ ‫قرابة منتصف الليل‪.‬‬ ‫كنا نجل ونشاهد البرامج واألخبار العربية في التلفزي ن‪،‬‬ ‫بينما أنا أضس العشاء وأغسل األطباق واألواني بعد تناو العشياء‬ ‫وأ عب ابني ثب آخذ للفرا إلى أن ينام‪.‬‬ ‫وأخيراً بعد أن تنام زوجتي‪ ،‬كنت أبدأ أنا بالش الرابس ميع‬ ‫ي مي "المذاكرة"‪ .‬كنت أقضي الليل كله إلى الساعة الرابعية‬ ‫صباحًا في الدراسة والمراجعة وقراءة المقررا الدراسية‪.‬‬ ‫سنة كاملة مر بطيلة جداً‪ ..‬كانت متعبة ومرهقة ومليلة‬ ‫بالحزن والبكاء ‪ ..‬شخصياً ليب أشيعر باليربية ب جي د زوجتيي‬ ‫وابني معي وانشيالي بالدراسة‪ ،‬لكع زوجتي كانيت كيل قطعية‬ ‫منها تلع مع ألب اليربة والحنيع للبلد حتى ذبلت عيناها لتك نيا‬ ‫نصالً يطعنني في أعماقي كلما نمر إليها‪.‬‬ ‫حاولت جاهداً أن أشيلها وأنسيها اليربة‪ ،‬ولكني كنت كميع‬ ‫يحاو أن يخفف حرارة النار بالمشبة‪.‬‬ ‫رغب أننا قضينا أوقاتاً كان يبدو فيها على زوجتيي السيعادة‬ ‫والفرحة‪ ،‬ورغيب أننيا عشينا أوقاتياً كثييرةً مليلية بالمييامرة‬ ‫واإلثارة خال رحالتنا‪ ،‬لكع داخلهيا كيان ينيزف ألمياً وحرقيةً‬ ‫ومرارةً! لقد أصبع الحزن رفيقها اللدود الذي لب تسيتطس كيل‬ ‫مشاعر الحب التي كانت تحملها زوجتي تجاهي وتجا ابننيا أن‬ ‫تشيلها عنه وعع مرارة اليربة!‬

‫‪235‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫كان يزيد الطيع بلية قلقهيا ميع المسيتقبل بسيبب رغبية‬ ‫الشريك بطردي مع المرسسة‪ ،‬وبعد تجربتيي الماضيية والتيي‬ ‫فشلت فيها بامتياز على العث ر عليى وظيفية بيالرغب ميع كيل‬ ‫مرهالتي وخبراتي!‬ ‫سألتني ذا مرة‪ ،‬ونحع جالسيع عليى العشيب‪ ،‬عليى بحييرة‬ ‫"ل ك ل م ند"‪ ،‬بنبرة تقطر أساً ويأساً‪.‬‬ ‫‪ ‬لماذا؟‬ ‫‪-‬‬

‫لماذا‪ ،‬ماذا؟‪ ..‬أجبتها برقة‬

‫‪ ‬لماذا كل هذا البالء؟ لماذا نخرج مع مصييبة إ لنيدخل‬ ‫في أخر ؟ منذ أن تزوجتك وأنيا أنتقيل ميع مشيكلة إليى‬ ‫أخر وكأن ب ابة الجحيب قد انفتحت عليي! عشيت طي ا‬ ‫عمري يتيمة‪ ،‬لكنني كنت مرتاحية فيي حيياتي أعييش فيي‬ ‫هدوء واستقرار إلى أن تزوجتك فانقلبت حيياتي جحيمياً!‬ ‫لماذا؟‬ ‫أدار كالمها شريف الذكريا في قلبي ودماغي‪ ..‬تيذكر‬ ‫كل ما واجهته منذ وفاة واليدي‪ ،‬وتيذكر نفسيي وأنيا أسيأ‬ ‫نف هذ األسللة ط ا سنة كاملة إلى أن ت صلت للحقيقة‪.‬‬ ‫لكع ماذا عساي أن أجيبها‪ ،‬وهي تعرف أدق تفاصيل ما مرر‬ ‫به وكل تأثيراته على نفسي فقد حدثتها مراراً عع كل ذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إنه القدر‪ ،‬وينبيي أن نرضى به ونشكر اهلل عليه‪.‬‬

‫‪ ،‬إنه لي القدر‪ .‬نحع نق‬ ‫‪‬‬ ‫مع م اجهة أخطائنا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ذلك لنخدأ أنفسنا‪ ،‬ولنهيرب‬

‫ماذا تقصديع حبيبتي؟‬

‫‪236‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫‪ ‬أنا لست حبيبتك! هذ خدعية أخير تخيادأ بهيا نفسيك‬ ‫لتريع ضميرك ونفسك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لماذا تق ليع ذلك؟ لست أفهمك؟ إنها الحقيقة أنيا أحبيك‬ ‫فعالً!‬

‫‪ ‬ما نحع فيه مع مشكلة لب يكع بسيبب القيدر وإنميا بسيبب‬ ‫قراراتك الخاطلة التي لب تراعني فيها! كنيت تسيتطيس أن‬ ‫تييدرس الييي ‪ MBA‬ونحييع مرتيياح ن فييي البلييد‪ ،‬ونيينعب‬ ‫با ستقرار‪ ،‬لكنك أصرر أن تدرس هنا‪ ،‬وبيض النمر عما‬ ‫أتحمله أنا مع مصائب!‪ ..‬أنت أناني و تحب إ نفسك‪.‬‬ ‫ثب لماذا يجب أن تدرس الي ‪MBA‬؟ أنيت تعياني ميع مشيكلة‬ ‫كثرة المرهال التي لديك و تحتياج لليي ‪ .MBA‬لكنيك‬ ‫أناني‪ ،‬يه سك جمس الشهادا والتفاخر بها‪.‬‬ ‫كنت مذه ً مع كالم زوجتي‪ .‬آلمني حديثها كثيراً‪ ،‬لكيع‬ ‫ألمي لها ولما تشعر مع يأس وإحباط كان أشيد‪ .‬خفيت عليهيا‬ ‫مع هذ األفكار التي بدأ تتسلل إليها‪ ،‬فقيد كنيت أنيا عمادهيا‬ ‫ال حيد في الحياة‪ ،‬وإذا استطاعت هذ األفكار الس داء ووسياوس‬ ‫الشيطان أن تجد طريقها إلى قلبها وعقلهيا وتيتحكب بهيا فإنهيا‬ ‫ستخسر كل شيء‪.‬‬ ‫إقتربت منها وأخذتها يدها في يدي‪ ،‬لكنها دفعتني بعيداً عنها‬ ‫وأخذ تبكي بمرارة شديدة‪.‬‬ ‫كنت رابف الجأ ‪ ،‬لكنني لب أكيع أعيرف كييف عليي أن‬ ‫أتصرف‪ ،‬فهذ أو مرة أك ن فيها في هذا الم قف‪ .‬كيان ميع‬ ‫ال اضع أن زوجتي قد سد كل األب اب إلى عقلها‪ ،‬وأنني مهميا‬

‫‪237‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫حدثتها بالمنط فإنها ليع تسيتجيب ليي وسيترد عليى حججيي‬ ‫بحجج أخر مخالفة‪ ،‬هذا إذا رد علي أصالً!‬ ‫لب يب أمامي س سالح واحد‪ ،‬لكنه فعّا جداً وم جه إليى‬ ‫قلب زوجتي‪ ،‬فإذا فتحته واسترددته اسيتطعت بعيدها أن أخاطيب‬ ‫عقلها بالمنط وأناقشها‪.‬‬ ‫كيان علييي أن أبكيي‪ ..‬لكييع نفسيي كانييت تيأبى أن أزيييف‬ ‫مشاعري‪ ،‬لذا كان عليي أن أستشيعر الحيزن وا نكسيار لتكي ن‬ ‫دم عي صادقة‪ ،‬وفعالً بدأ أبكيي لكننيي سيرعان ميا انيدمجت‪،‬‬ ‫ويبدو أن شع ري كان يعاني ميع الكبيت ف جيد فيي بكيائي‬ ‫فرصة سانحة ليفرغ ما تراكب فييه ميع معانياة وعيذابا ‪ ،‬ليذا‬ ‫وجد نفسي أبكي بكل صيدق‪ ،‬وبكيل ميرارة وأسيى حتيى عيال‬ ‫ص تي مع شدة البكاء‪.‬‬ ‫لب تتحمل زوجتي أن تراني أبكي‪ ،‬فأخيذ تهيدئني وتعتيذر‬ ‫مني ألنها آذتني وجرحتنيي بكالمهيا‪ ..‬حاوليت أن أت قيف عيع‬ ‫البكاء ولكنني لب أستطس ذلك إ بعد جهد كبير‪.‬‬ ‫اعتذر مع زوجتي لكيل ميا سيببته لهيا ميع آ م وصير‬ ‫أطملنها إلى أن األوضاأ ستك ن أفضل حا ً‪ ،‬وأذكرهيا بيأن اهلل‬ ‫معنا وأنه سيكافلنا على صبرنا وأنه س ف لع يتخلى عنا سبحانه‬ ‫وتعالى‪.‬‬ ‫واخيراً بدأ زوجتي تشيعر با طملنيان تيدريجيّاً‪ ،‬أ أننيي‬ ‫كنت أدرك جيداً أنه شع ر مرقت با طملنان‪ ،‬وانّها سيرعان ميا‬ ‫سترجس لنف الحالة إذا لب أجبها على تساؤ تها‪.‬‬ ‫اعتدلت زوجتي في جلستها‪ ،‬فتق قعت على نفسها والتصيقت‬ ‫بي واضعة رأسها على صدري وكأنها تبحث عيع سيند يسيندها‬

‫‪238‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫ويهب لها األمان الذي لب أكيع أسيتطس حينهيا أن أفهيب سيبب‬ ‫شع رها بفقدانه!‬ ‫‪-‬‬

‫هل فعالً تعتقديع أنني سبب المشاكل التي نحع فيهيا اآلن؟‬ ‫سألتها برقة شديدة‪.‬‬

‫‪ ‬هكذا ي س س لي الشيطان‪.‬‬ ‫مش بة با عتذار‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تزعيل منيي‪ .‬أجيابتني برقية‬

‫لع أزعل‪ ،‬ومع حقك أن يك ن لك رأيك على كل حا ‪.‬‬ ‫ولكع هل تسمحيع لي أن أجيبك على تساؤ تك؟‬

‫‪ ‬نعب أحتاج ذلك‪ .‬أنا أحبك‪ ،‬ولي‬ ‫الشيطان أن يفرق بيننا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لي أحد غيير‪ ،‬و أرييد‬

‫حسناً‪ ،‬نحع اآلن ن اجيه ثالثية مشياكل‪ :‬اليربية‪ ،‬وصيع بة‬ ‫حالتنا المادية‪ ،‬والخ ف مع الطرد مع ال ظيفة‪ .‬أليست هيي‬ ‫هذ المشاكل التي تعتقديع أنني السبب فيها؟‬

‫‪ .‬أنا أتكلب عع صع بة حالتنا المادية‪ ،‬فأنا أعلب أنني أنيا‬ ‫‪‬‬ ‫السبب فيها‪ ،‬ألنني فضلت أن أسيتأجر فيي مركيز المدينية‪،‬‬ ‫كما انها عم ماً ليست بالمشكلة الكبيرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ،‬إذاً لنتكلب عع اليربة‪ ..‬تذكري أننا كلينا كنا نرغب‬ ‫فييي السييفر لتييييير الجي وللراحيية بعييد الصييع با التييي‬ ‫واجهناها في الفترة قبل الماضية‪ ،‬بسبب حملك والمشياكل‬ ‫التي كنت أتعرض لها في ال ظيفة‪ .‬ألي كذلك؟‬

‫كنت أحدثها بنع مة شديدة‪ ،‬وحرص مع خل كالمي أليية‬ ‫نبرة هج مية أو ل م‪ ،‬لكي أثير حفيمتها‪.‬‬

‫‪239‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫‪ ‬لكنني لب أكع أعلب أنني سأست حش بهذ الطريقة‪ ،‬كما أن‬ ‫وضعنا كان آمناً ولي مهدداً كما ه اآلن‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫سأوضع لك بعد قليل كيف أن وضعنا لي‬ ‫وأن هذ مجرد ه اج ‪...‬‬

‫مهدداً بيالمرة‪،‬‬

‫‪ ‬هل تسمي رغبة الشريك بطردك بأي ثمع مجرد هياج !؟‬ ‫قاطعتني زوجتي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫سأجيبك على هذا السرا بعدما ننتهي مع مشيكلة اليربية‪.‬‬ ‫ع داً على مشكلة اليربة‪ ،‬أنا أيضاً مثلك لب أكع أعلب أنك‬ ‫ستست حشيع بهيذ الطريقية بيل كنيت أعتقيد أن السيفر‬ ‫سيريحك‪ ،‬وأقسب باهلل أنني ل كنت أعلب أنه سيرذيك لميا‬ ‫سافر ولقمت بدراسة الي ‪ MBA‬في البلد‪.‬‬

‫‪ ‬حقاً؟‬ ‫‪-‬‬

‫بالطبس‪ ،‬أنا مستعد ألن أضحي بحياتي إلجل ابتسيامة واحيدة‬ ‫مع فمك الجميل‪ .‬قلت لها ذلك وأنا أضب يدها بكلتا ييدي‪،‬‬ ‫وأفركها بنع مة ورقة‪.‬‬

‫‪ ‬أنا سعيدة أنني أسمس ذلك‪.‬‬ ‫قالتها وابتسامة عريضة بريلة تعل وجهها الجميل‪ ،‬ثب استأنفت‪:‬‬ ‫‪ ‬ولكع لماذا يجب ان تدرس الي ‪ MBA‬؟ أنت‬ ‫مع المرهال ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تحتياج لمزييد‬

‫بل أحتاج‪ .‬تنسي أن ن عية ال ظائف المناسبة لي اآلن ميس‬ ‫ما أملكه مع خبرة هي ال ظائف اإلدارية في المجا الميالي‪،‬‬ ‫ولكنني لست مرهالً في اإلدارة‪ ،‬وهذا سيك ن مع قياً حقيقيّياً‬ ‫أمام ت ظيفي!‬

‫‪240‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫مع ناحية أخر ‪ ،‬فالبرغب مع إمكانية الدراسة في البلد (عع‬ ‫بعد)‪ ،‬لكع استفادتي ميع الدراسية سيتك ن أقيل بكثيير عيع‬ ‫اسييتفادتي منه يا وأنييا أحضيير المحاضييرا وأنيياقش فيهييا‬ ‫الدكاترة والطلبة‪.‬‬ ‫تنهد تنهيدة ط يلة‪ ،‬ثب قالت ودم عها تنحدر على خديها‪:‬‬ ‫‪ ‬حسناً‪ ،‬ربما تك ن على ح ‪...‬لكع اليربة مرلمة جدا وقاسية‪.‬‬ ‫لقد تعبت واشتقت للبلد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مسحت دم عها بأناملي‪ ،‬وأنا أق‬

‫لها‪ :‬أرج ك‬

‫تبكي‪.‬‬

‫سكت هنيه ثب أعقبت‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن لب تسكتي سأبكي أنا أيضا‪ ،‬فانا‬

‫أتحمل ان أراك تبكيع‪.‬‬

‫‪ ‬حسنا انا آسفة‪ .‬سأكف عع البكاء‪ ...‬قل لي كيف تقي‬ ‫وضعنا لي مهدداً؟‬ ‫‪-‬‬

‫أن‬

‫وف قان ن العمل العماني‪ ،‬تستطيس الشركة طيردي ألنيه‬ ‫سيك ن طرداً تعسفياً وهذا سيجر الشركة إلى مشاكل هيي‬ ‫في غنىً عنها‪.‬‬

‫‪ ‬هل أنت متأكد مع ذلك؟ سألتني باهتمامٍ بالغ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫طبعاً‪ ،‬وأنت بنفسك رأيت كيف أنه لب يستطس طردي لآلن‪،‬‬ ‫وكيف انه اضطر الى قب سفري للدراسة مس منحي اجازة‬ ‫براتب كامل‪.‬‬

‫‪ ‬لكنه س ف لع يقبل ببقائك فيي المرسسية‪ ،‬وسييدبر ليك‬ ‫المكائد ليطردك‪.‬‬

‫‪241‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫‪-‬‬

‫لع يحصل ذلك بع ن اهلل‪ .‬عندما سنرجس للبلد سيأتفاهب‬ ‫معه أن يعينني بعالقاته للحص على وظيفة بديلة مناسيبة‬ ‫بد ً مع الصراأ بيننا‪ ،‬وه كما رأيت يحب المشاكل‪.‬‬

‫‪ ‬أتمنى ذلك مع كل قلبي‪ ،‬فأنا‬ ‫والصراعا ‪ .‬قالتها بحزن‪.‬‬

‫قدرة ليي عليى المشياكل‬

‫كان علي أن أخرج زوجتي مع هذا الج الكليب التي كانت‬ ‫ترزح تحته‪ ،‬ولب أجد طريقةً أفضل مع أن أنعش لديها األمل في‬ ‫اليد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أفترض أن راتبي في ال ظيفة الجديدة سيك ن أكثر بكثيير‬ ‫مع راتبي الحالي‪ ،‬وأو شيء سنفعله ه ان نشيتري قطعية‬ ‫أرض‪ ،‬لنق م ببناء بيتنا عليها إن شاء اهلل‪.‬‬

‫حت على وجه زوجتي ابتسامة رضىً وسعادة‪ ،‬وكأن األميل‬ ‫أنعش قلبها بعد أن كان مثقالً تحت وطأة اليأس والخ ف‪.‬‬ ‫‪ ‬حقا؟ هل سنبني بيتنيا في ر انتقاليك لل ظيفية الجدييدة؟‬ ‫قالتها بنبرة مليلة با مل‪ ،‬ولكع منكسرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بالتأكيد‪ ..‬بل سينبني ان شياء اهلل فلتييع‪ ،‬وسينرجر واحيد‬ ‫منها‪.‬‬

‫سكتت زوجتي للحما ‪ ،‬ثب رفعت رأسها ميع عليى صيدري‬ ‫ونمر الي وقالت وكأنها تستجدي مني األمان‪:‬‬ ‫‪ ‬كالمك مريع‪ ،‬لكنني خائفة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تخافي‪ ،‬وت كلي على اهلل‪.‬‬

‫‪ ‬انا مرمنة باهلل‪ ،‬ومت كلة علييه‪ ،‬وأعيرف انيه ليع يخيذلنا‪،‬‬ ‫ولكنني أفهب لماذا يساعدنا اهلل ويفرج عنا؟!‬ ‫‪242‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫‪-‬‬

‫ً‬ ‫أ تعلميع "إن ا إذا أحب عبدا ابتاله"!‬

‫رفعت مرة أخر رأسها نح ي وهي مستيربة‪ ،‬فأكملت كالمي‬ ‫س س س ْ ُ سْ ْ ُ سْ ُ ُ‬ ‫ةاس أن ُيت سركةوا أن سيقولةوا‬ ‫ أ يق اهلل سبحانه وتعالى ‪" :‬أح يسةب الن‬‫س ْسُ س‬ ‫س ْ‬ ‫آ سمنا سو ُه ْم ال ُيفتنون"؟‬ ‫‪ ‬ولكع لماذا؟‬ ‫‪-‬‬

‫ألن ابتالء اهلل لنا بالمحع والتحديا هي واحيد ميع أبيرز‬ ‫مصادي لطفه ورحمته اإللهية بنا ليقربنا منه!‬

‫‪ ‬كيف؟ هل نحع مع دعاة تعذيب الذا لل ص‬

‫هلل؟!‬

‫‪-‬‬

‫أبدا‪ ،‬بل بالعك مع ذلك فان علينا ان نسعى وان نجاهيد‬ ‫لنتخلص مع ا م وان نستمتس بملذا اليدنيا فيي حيدودها‬ ‫المعق لة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫أقدر ان أجمس بيع كالمك‪ .‬أشعر انه متناقض مس نفسه‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫إن مست اآل م واللذائذ التي نشعر بها‪ ،‬وتفاعلنا اإليجيابي‬ ‫معها في معترك الحياة الي مية مع خال محاولتنا التخلص‬ ‫مع اآل م‪ ،‬والحص عليى اللذائيذ‪ ،‬هي ميا يرسي ويعمي‬ ‫المشاعر والمعاني اإلنسانية الجميلية فيي نف سينا ويكسيبنا‬ ‫المعرفة ويدفعنا نحي العميل واإلصيالح واإلبيداأ فيشيحذ‬ ‫هممنا وعزائمنا ويرفس مع قدراتنا‪.‬‬ ‫كما أن هذ اآل م واللذائذ هي ميا تيدفعنا للجي ء إليى اهلل‬ ‫لطلب المساعدة والع ن في قضاء ح ائجنا أو الشكر له عليى‬ ‫مننه وإحسانه علينا فيرس لدينا احساسنا بعب ديتنا هلل‪.‬‬

‫‪243‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫‪ ‬اذا فشع ري ا ن باأللب مما أعانيه لي خطأً!؟ كيف؟ ألي‬ ‫ذلك خالف الرضا بقضاء اهلل وقدر الذي ه أحيد أركيان‬ ‫ا يمان؟‬ ‫‪-‬‬

‫مهالً‪ ،‬لقد خلطت ا م ر في بعضها البعض‪.‬‬

‫سكت للحما ثب أعقبت‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫نعب علينا أن نرضى بيالبالء‪ ،‬وأن نرضيى بالقضياء والقيدر‪،‬‬ ‫ولكنه رضاً إيجابي ولي سلبيًا‪.‬‬

‫‪ ‬لب أفهب!‬ ‫‪-‬‬

‫يعني إن علينا أن نجزأ أو نيأس‪ ،‬بل بيالعك ميع ذليك‬ ‫فنحع نرضى بالبالء ونسعد به لمعرفتنا أنه يقربنا ميع اهلل‬ ‫تعالى ويط رنا ما دمنا نسعى بشكل إيجيابي لليتخلص منيه‬ ‫ولمعالجته‪ ،‬وبذلك فه يزيد مع حجب اسيتمتاعاتنا بلذائيذ‬ ‫الجنة‪ ،‬لكع هذا ييير مع حقيقة ك ن اليبالء مرلمياً وأن‬ ‫هذا األلب نفسه (مثله مثل اللذة) هي الحرارة التي تمكنيك‬ ‫مع صقل نفسك وروحك‪.‬‬ ‫كل ما ه مطل ب أن ندأ اآل م والمتيس تسييطر علينيا‬ ‫وعلى المعاني والملكا الجميلة التي نملكها ول قليالً‪.‬‬

‫‪ ‬حسنا بدا المسألة تتضع لكنني أحتياج مزييدا ميع ال قيت‬ ‫لهضب الفكرة‪.‬‬ ‫سر في جسد زوجتي قشيعريرة ميع شيدة بيرودة الجي ‪،‬‬ ‫فخلعت معطفي ودثر به زوجتي التي انكمشت‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫دعينا نجل‬

‫‪‬‬

‫‪244‬‬

‫في السيارة‪ ،‬ستشعريع بالدفء هناك‪.‬‬

‫أرج ك دعنا هنا‪ ،‬المكان رائس و اريد ان أغادر ‪.‬‬ ‫مرارة ايسربة‬


‫‪-‬‬

‫حسنا كما ترغبيع‪.‬‬

‫صمتنا لدقائ نتأمل المنمر الرائس‪ .‬كان جماله يسري فيي‬ ‫أعماقي فيشعرني بالنش ة‪ ،‬سيما أنني كنت أدرك أن كل هيذا‬ ‫يقارن مطلقا بالجما الذي اعد اهلل لنيا فيي العي الب‬ ‫الجما‬ ‫ا خر ‪.‬‬ ‫شعر با طملنان وبا متنان هلل فقد كنت أعلب أن اهلل معي‬ ‫كما أنه مس كل انسان على هذ األرض بل وميس كيل مخلي قٍ‬ ‫في هذا الك ن‪ ،‬يرعا ويعتني به‪ ..‬سبحان ربي‪ ..‬كب أحبه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن الرضا بالقيدر والتسيليب ليه يتعيارض ميس إحساسينا‬ ‫باآل م‪ ،‬ألن العالقية بينهميا هيي عليى نحي طي لي وليي‬ ‫عرضي‪.‬‬

‫‪ ‬يعني؟‬ ‫‪-‬‬

‫يعني أن األمر لي كشيع رك بحم ضية وحيالوة عصيير‬ ‫الليم ن في آن واحد عند شربك له‪ ،‬وإنما مثيل إحساسيك‬ ‫باإلجهياد والتعييب واأللييب وأنييت تلعبييع كييرة القييدم مييس‬ ‫أصدقائك أو تمارسيع السباحة وما شابه ميع األمي ر التيي‬ ‫تستمتس بها‪ ،‬ولكنها تسبب لك اإلجهاد واأللب‪.‬‬

‫‪ ‬معنى جميل جدا‪ ..‬لكع كيف أستطيس عمليا أن أواجه اليبالء‬ ‫بهذ اإليجابية؟‬ ‫‪-‬‬

‫إن كل ما ت اجهينه مع ابتالءا أو تكسبينه ميع نعيب إنميا‬ ‫تنتهي عندما تصل إلييك و يكي ن لهيا قيمية إ بكيفيية‬ ‫تفاعلك معها! قد تيريع البحير فتشيعريع بالسيعادة وقيد‬ ‫ترينييه فتشييعريع بييالخ ف والييذعر‪ ...‬هييذا يعتمييد علييى‬ ‫مسبقاتك وطريقة تفكيرك‪.‬‬

‫‪245‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫اذاً فع دي ذهنك ونفسييتك أن تتعاميل ميس اليبالء بشيكل‬ ‫إيجابي‪ ،‬حتى ل تصنعاً وتمثييالً فيي البدايية‪ ،‬ألنيه بميرور‬ ‫ال قت سيتح الى ممارسةٍ تلقائيةٍ وأسل بٍ طبيعيٍ ليديك‬ ‫لم اجهة البالء‪.‬‬ ‫‪ ‬هه‪ ..‬ممكع!‬ ‫‪-‬‬

‫فكري أنه مهما طا أميد هيذ ا بيتالءا والينعب‪ ،‬فإنهيا‬ ‫تط أكثر ميع لحمية فيي عمير وجي دك الخاليد‪ ،‬لكيع‬ ‫كيفية تفاعلك معها ه ما يبقى ويشكّل مقيدار سيعادتك‬ ‫أو شقائك إلى األبد‪ ...‬وعليه فالنعمة والمصييبة الحقيقيية‬ ‫هي ما يصدر منك ولي ما يقس عليك‪ .‬ألي كذلك؟‬ ‫‪#####‬‬

‫‪ 6‬ابريل‪2666 ،‬‬ ‫بالرغب مع أنني كنت أحمل شيكاً بمبلغٍ كبييرٍ فيي جيبيي‬ ‫(قرابة ‪18‬ألف ريا ) وه راتبي لألثني عشر شيهراً القادمية‪ ،‬إ‬ ‫أنني كنت أشعر بالحزن يسري في عروقي ويثقل ف آدي‪.‬‬ ‫أغلقت باب الشركة ورائي بكل هدوء‪ ،‬وأنا ساهب أفكير فيي‬ ‫أمري متعجبا‪ ..‬نزلت الدرج ببف وأنا أحدث نفسيي‪" :‬واآلن ميا‬ ‫هي الخط ة القادمة؟"‬ ‫وقفت على الدرجة األخيرة هنيهة‪ ،‬ثيب جلسيت مكياني وأنيا‬ ‫أستعيد شريف الذكريا ‪..‬‬

‫‪246‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫بعد انتهائي مع دراسية ا ‪ MBA‬كيان الشيريك فيي غايية‬ ‫الخشية مع أن آخذ مكانه في المكتب‪ ،‬ولذا كان همه األوحيد أن‬ ‫يطردني بأي ثمع كان‪ ،‬وبذلك بدأ الم اجهة العلنية بيننا‪.‬‬ ‫كد أصيبه عدة مرا في مقتل مهني‪ ،‬ا أنه كيان ينجي‬ ‫بأعج بة في كل ميرة‪ ،‬ولكيع ذليك كيان كافيياً ألن تجعيل‬ ‫فرائصه ترتعد خ فاً مني‪..‬‬ ‫ابتسمت ابتسامةً خفيفيةً‪ ،‬فلقيد تيذكر كييف أنيه كيان‬ ‫مرع باً مني في ا جتماأ قبل األخيير اليذي تيب بيننيا‪ ،‬واليذي‬ ‫اسييتدعى فيييه الشييريك األقليمييي لمنطقيية الشييرط األوسييف‬ ‫ليتفاوض معي‪.‬‬ ‫أخبرتهب أن هذا طرد تعسيفي‪ ،‬وأننيي أعييل أسيرة‪ ،‬وليذا‬ ‫أستطيس تقديب استقالتي ميع دون وظيفية أخير بييدي‪ ،‬إ اذا‬ ‫ع ض ني برواتب سنة كاملة‪ ..‬رفض ا ذلك بشدة فيي البدايية‪،‬‬ ‫لكنهب أذعن ا في النهاية‪ ،‬خ فا ميع أن أجعلهيا سينتيع‪ ..‬وهكيذا‬ ‫كان آخر ي م عمل لي في الشركة ه ‪ 6‬أبريل ‪..2666‬‬ ‫ومرة أخر رجعت للمربس األو "البحث عع وظيفة"‪.‬‬

‫‪247‬‬

‫مرارة ايسربة‬


‫الفصل السابس‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫وا رة‬


‫الموامرة‬ ‫ي ني ‪ 2666‬م‬ ‫بدأ رحلية البحيث عيع وظيفية حتيى قبيل رجي عي ميع‬ ‫بريطانيا في ن فمبر ‪ ،2665‬وها نحع اآلن في شهر ي ني وما مع‬ ‫نتيجة! لقد حاولت بشكل مستميت ولب أترك بابيا إ وطرقتيه‪،‬‬ ‫وقدمت ملا الطلبا ولكع مع دون جدو وكأنني أغرف الماء‬ ‫بالمشخل‪.‬‬ ‫كانت زوجتي تعاني معي لحمة بلحمة مسيرة البحيث عيع‬ ‫وظيفة‪ ،‬ولذا سرعان ما بدأ اليأس يسيت لي عليى قلبهيا سييما‬ ‫وأنها ليست المرة األولى التي أعجيز فيهيا عيع الحصي عليى‬ ‫وظيفة‪.‬‬ ‫كان الخ ف مع المستقبل ينهش قلبها‪ ،‬واإلحسياس بميرارة‬ ‫الحاجة والخ ف مع الفضيحة في المجتميس يخنقيان ليديها أي‬ ‫إحساس بالسعادة‪ ..‬لقد كانت ترزح تحت وطأة الحزن والقل ‪.‬‬ ‫لب يكع هناك مع مبررٍ واضعٍ لعيدم تي فقي ل ظيفية إذ أن‬ ‫هناك طلبًا عالياً على الك ادر ال طنية لنيدرتها‪ ،‬وهيذا ميا كيان‬ ‫يعزز لد زوجتي الفكرة التي كانيت قيد تسيربت إليى عقلهيا‬ ‫الباطع حينما كنا في جالسج ‪ ،‬وهي أن المشكلة تكمع فيي أنيا‬ ‫وفي شخصيتي وربما أيضا في س ء أدائي‪...‬‬

‫‪249‬‬

‫املؤامرة‬


‫قلت لها ذا مرة وأنا مستل ٍ ف ق السرير في غرفية الني م‪،‬‬ ‫بينما هي ترتب خزانة المالب بهدوء ورتابة‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثقي باهلل‪ ..‬سيحلها إن شاء اهلل‪.‬‬

‫لب ترد علي‪ ،‬وظلت مشي لة فيما كانيت تقي م بيه فنهضيت‬ ‫إليها ومسكت يدها‪ ،‬وسألتها بحنان‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫مستاءة؟‬

‫‪ ‬لقد وعدتني باألمان والستر‪ ،‬وجعلتنيي ميراراً أحليب ببييت‬ ‫جميل صيير نبنيه لنا! فأيع هي وع دك‪.‬‬ ‫قالتها بانكسار ودم عها تجري بصمت‪ ،‬لكع بحرقة على خدودها‪.‬‬ ‫عبثاً حاولت إقناعها أنه القدر‪ ،‬ولكع باء كيل محياو تيي‬ ‫بالفشل‪ ..‬وكيف تفشل وأنا نفسي ليب أكيع م قنياً بيذلك‪،‬‬ ‫فكيف لمشييلة اهلل أن تقيدر ليي الفشيل تلي الفشيل اذا كنيت‬ ‫مستحقًا للنجاح!!‬ ‫ولكع لماذا أعد فشالً ولي نجاحاً أمام بيالءٍ إلهييٍ يختبير‬ ‫فيه عزيمتي وإصراري وثقتي به؟! ألي اهلل يقي فيي كتابيه‬ ‫س ْ س ْ س س ْ سْ ُ س ْ‬ ‫ة‬ ‫سسسُْ سْ ُ ْ س ْ س ْ س ْ س ْ ُ سس ْ‬ ‫ات سو سر يش يةر‬ ‫س والث سم سر ي‬ ‫وع ونق ظ‬ ‫م يمن األمو يال واألنف ي‬ ‫"ولنبلونكم يبْ ي ظء يمن الخو يف والج ي‬ ‫الصابر س‬ ‫ْ‬ ‫ين"؟!‬ ‫يي‬ ‫يقا أن األم ر تمشي إ باستخدام ال اسيطة فيي بليداننا‬ ‫ولكع حتى هذ لب تنفس معي‪ ،‬فقد استعنت بجميس مع تسنى ليي‬ ‫أن أستعيع به ومينهب مجم عية ميع أصيحاب المناصيب العلييا‬ ‫والنف ذ ولكع مع دون جدو ‪.‬‬ ‫استنفذ كل الطرق ولب يب بيد ميع البحيث فيي اليدو‬ ‫المجاورة‪ ..‬لب تن زوجتي مرارة اليربة و نسيتها أنيا‪ ،‬ولكيع‬

‫‪250‬‬

‫املؤامرة‬


‫الخ ف مع ذ الحاجة لب يتيرك لنيا سيبيالً آخير‪ ..‬أنيا كنيت‬ ‫صامداً‪ ،‬وكنت بد مع أن أك ن كذلك ألحمي أسيرتي‪ ،‬لكيع‬ ‫زوجتي كانت شبه منهارةٍ ومستسلمةٍ للقدر‪.‬‬ ‫بدأ البحث عيع وظيفية فيي دولية اإلميارا بكيل جديي ٍة‬ ‫وعزيمةٍ‪ ،‬مس حرصي أن يك ن بحثي بعييداً عيع أسيماأ زوجتيي‬ ‫ألجنبها األلب‪ ،‬غير أن األمر لب يكع سيهالً بيالمرّة‪ ،‬فحتيى بعيد‬ ‫مضي شهريع مع سعيي الحثيث للحص على وظيفة وتقيديمي‬ ‫لملا الطلبا لب يصيلني حتيى اتصيا هياتفيّ واحيد ميع أيٍّ‬ ‫كان‪....‬‬ ‫لب يكع الج مناسيباً لليذهاب إليى الشياطئ سييما وقيت‬ ‫الصباح‪ ،‬فقد كنا في شهر ي ني أشدُّ أشهر السنة حيرارةً‪ ،‬لكيع‬ ‫ص البحر ومنمر كان بمثابة مرهبٍ سحريٍ يخفيف آ ميي‬ ‫وينعشني كلما شعر بالتعب‪.‬‬ ‫جلست قبالة البحر على مقهى (كاند ) استمس لص البحر‬ ‫العذب وأطرب على ترنيمته الخالدة‪ ،‬وسرحت في ذكرياتي فيي‬ ‫الماضي العمي حينما كان أبي يزا حيّياً فشيعر بالسيعادة‬ ‫والراحة‪.‬‬ ‫مرّ على خاطري كيف أنني مرّةً ذهبت إلى رحلة مبيتٍ ميس‬ ‫أبي لمزرعة أحد أصيدقائه فيي مدينية "العقيدة" فيي منطقية‬ ‫الباطنة‪ ،‬وقد كانت المزرعة تقس في مكانٍ شيبه معيزو ٍ وسيف‬ ‫كثبييانٍ رمليييةٍ تفصييلها عييع الشييارأ مسييافةً تمتييد قرابيية‬ ‫كيل متريع‪.‬‬

‫‪251‬‬

‫املؤامرة‬


‫وبينما كان الجميس يسبع في الح ض وقت العصر‪ ،‬خرجيت‬ ‫مع المزرعة (مع دون أن أخبير أحيداً) متجهياً لمحيل البقالية‬ ‫الكائع على الشارأ العام لشراء مرطبا ‪.‬‬ ‫مشيت كثيراً في الكثبيان الرمليية فيي طريي ٍ ظننيت أنيه‬ ‫سي صلني للشارأ‪ ،‬لكع وبعد مضي أكثر مع نصف ساعة‪ ،‬عرفت‬ ‫انني أضعت الطري فقيرر العي دة للمزرعية فسيلكت طريي‬ ‫الرجعة‪.‬‬ ‫ومرةً أخر ‪ ،‬وبعد مضي أكثر مع ساعة وأنيا أمشيي عائيدًا‬ ‫إكتشفت انني أضعت الطري كليا لدرجة أنني لب اعيد أعيرف‬ ‫اتجا الشارأ مع اتجا المزرعة!‬ ‫حاولت ربما لساعةٍ أخر ان أجد طريقي بيع تلك الكثبيان‬ ‫الرملية‪ ،‬ولكع مع دون جدو إلى ان بدأ الشيم تمييل نحي‬ ‫اليروب فشعر باليأس والخ ف‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫يارب‬ ‫حينها وقفت مكاني‪ ،‬وخاطبت اهلل خطاب مستسلبٍ له أن‬ ‫قد بذلت ما في وسعي فلب أجد طريقي وانا ا ن مت كل علييك‬ ‫فأرشدني للمزرعة بأقصر طري ‪.‬‬ ‫أغمضت عينيي ومشيت حيثما أخذتني قدماي‪ ،‬وأنا أذْكر اهلل‬ ‫وأبتهل إليه وأسبحه و أخالني استيرقت أكثر مع بضعة دقائ‬ ‫ألجييد نفسييي أمييام بيياب المزرعيية‪ .‬سييجد هلل شييكراً‪ ،‬ودخلييت‬ ‫المزرعة راكضاً‪،‬فرأيت أبيي وأصيدقاء يهمُّي ن بيالخروج ميع‬ ‫الح ض إلقامة الصالة مع دون أن يشعروا بفقدي‪.‬‬ ‫دمعت عيناي ميع شيدّة التيأثر وأنيا أتيذكر هيذ القصية‪،‬‬ ‫وشعر بنفسي ألجأ إلى اهلل لجأ مع يل ميع اليدنيا واستسيلب‬ ‫لربه‪ ،‬فخاطبته خطاب م قع باإلجابية‪ :‬ييا رب إننيي تائيه ميرة‬

‫‪252‬‬

‫املؤامرة‬


‫أخر وقد بذلت كل ما في وسعي فأرشدني لميا ترييد منيي‪،‬‬ ‫فقد ت كلت عليك فأنت ثقتي في كيل كيرب‪ .‬ييا رب أقسيب‬ ‫عليك بح محمد وآ محميد صيل اتك علييهب أن ينقضيي‬ ‫ي مي هذا إ وقد استجبت لي‪.‬‬ ‫بقيت في المقهى قرابة ساعة‪ ،‬وبينما كنيت أهيب بيالخروج‬ ‫لمحت عامر يتجه ص ب البحر‪ ..‬قفز ميع مكياني‪ ،‬وركضيت‬ ‫باتجاهه وناديته‪ ..‬التفت الي‪ ،‬فانفرجيت أسيارير لمّيا شياهدني‬ ‫وأقبل علي‪ ،‬وأخذنا بعضنا باألحضان فقد مضيت سين ا ط يلية‬ ‫على لقائنا األخير‪.‬‬ ‫تذكر كيف انه اختفى فجأة بعيد المنياظرة التيي جير‬ ‫بيننا في السنة األولى مع دراستنا في الكلية‪..‬‬ ‫تلك المناظرة التي كانت السبب المباشر في هدايتيه‪ ،‬فقيد‬ ‫عرفت مرخراً أن عامر منذ تلك المناظرة قد تييّر كثيراً فليب‬ ‫يعد ذلك الفتى الالهي الالمسرو ‪ ،‬وإنما رجس لساب عهد ميع‬ ‫التديع بل وأشد تديناً!‬ ‫لقد كان حانقاً على القدر فيما مضى‪ ،‬بسبب ما عانيا منيه‪،‬‬ ‫فكانت ردة فعله أنه انيم في المعصية‪ ،‬وكأنه يقصد أن يلفيت‬ ‫انتبا اهلل إليه عله يتداركه برحمته!‬ ‫غير أن وجدانه و شع ر الذي تربّى على حيب اهلل‪ ،‬وحيب‬ ‫الطهارة كان يلعّ في داخله مع شدة ال جس بسبب انيماسيه فيي‬ ‫الله والمعصية‪ ..‬كان حائراً متقلب المزاج كميع يبحيث عيع‬ ‫خالص مع التيه الذي كان يرزح فيه‪ .‬وعندما رآني في المصلى‬ ‫أبكي استفز بكائي شيع ر ‪ ،‬فتحيرّ بيي أميالً أن يجيد ليديّ‬

‫‪253‬‬

‫املؤامرة‬


‫الخالص بعد أن يأس مع نفسه وهذا ما حصل فعالً بتقيديرٍ ميع‬ ‫اهلل جل وعال‪.‬‬ ‫وبعد فترة ليست بالط يلة ت فيت واليدة عيامر بالسيرطان‪،‬‬ ‫ورفضت زوجة أبيه أن تستقبله في بيتها ولذا أضيطر لالنتقيا‬ ‫لبيت خالته في دولة ا مارا ‪ ،‬فأولته عنايةً شديدةً وقيد كانيت‬ ‫تحبه كثيراً كما كانت تحب أميه‪ .‬لقيد كانيت خالتيه إميرأةً‬ ‫متدينةً‪ ،‬وكذلك كان زوجها وابنهما صهيب الذي عدّ عامر أخاً‬ ‫له‪ ،‬وبذلك وجد عامر نفسيه فيي بيلي ٍة مسيتقرةً ي اصيل فيهيا‬ ‫مسيرة حياته بهدوءٍ‪ ،‬ومع حينها انقطس الت اصل بيننا‪.‬‬ ‫جلسنا ط يالً على المقهى نتباد األخبار ونقهقه عالياً عندما‬ ‫نستذكر بعض األحداث الطريفة التي مررنا بهيا سييّما تليك‬ ‫المناظرة بتفاصيلها المضحكة‪.‬‬ ‫أخبرته بما جر علي‪ ،‬فتأثر كثييراً ووعيدني أنيه سييبذ‬ ‫قصار جهد لمساعدتي في الحص على وظيفة تلي بي‪ ،‬فقيد‬ ‫كان – باإلضافة إلى وظيفتيه فيي شيركة شيل ‪ -‬يسياعد زوج‬ ‫خالته في إدارة شركة ا ستثمارا الخاصة به‪ ،‬مما ساعد عليى‬ ‫تك يع شبكة عالقا متينة ومتشيعبة ميس العدييد ميع متخيذي‬ ‫القرارا في ا مارا ‪..‬‬ ‫شكرته على اهتمامه غير أنني نفسيّا لب أكيع أعي‬ ‫فقد فقد األمل بالناس‪.‬‬

‫علييه‪،‬‬

‫لب يكع قد مضى أسب عان على إرسالي سيرتي الذاتية لعامر‬ ‫حينمييا اسييتلمت اتصييا ً مييع رئييي المي ارد البشييرية بإحييد‬ ‫المرسسا المرم قة في دولة اإلمار لحض ر مقابلة مس لجنية‬

‫‪254‬‬

‫املؤامرة‬


‫يرأسها اليرئي التنفييذي للمرسسية ل ظيفية "ميدير شيرون‬ ‫التط ير"‪ ،‬براتب إجمالي يبلغ ‪ 3‬آ ف ريا ٍ عماني تقريباً‪.‬‬ ‫لب أخبر زوجتي عع المقابلة وال ظيفة المحتملة‪ ،‬ألنني ليب‬ ‫أكع أريد إيذاءها‪ ،‬فقد كانت تعاني ميع ا كتلياب وخاصية أن‬ ‫األمر لب يحسب بعد‪.‬‬ ‫أقنعت زوجتي أن نذهب لإلمارا لميدة يي ميع عليى سيبيل‬ ‫تييير الج والتسلية‪ ..‬وعندما كنا في اإلميارا تعيذر وقيت‬ ‫المقابلة بأن عامر عزمني على اليداء‪ ...‬لقد كانت تلك الميرة‬ ‫األولى التي أضطر فيها إلخفاء الحقيقة عع زوجتي‪.‬‬ ‫كانت المقابلة أكثر ميع رائعية‪ ،‬وشيعر أننيي اسيتطعت‬ ‫إبهارهب ألقصى درجة‪ ،‬وكان شع ري في محليه‪ ،‬فلقيد ف جليت‬ ‫بعد عدة أيام باتصا ٍ هاتفيٍ مع الرئي التنفيذي يعبّر ليي فييه‬ ‫عييع سييعادته باختييياري لل ظيفيية‪ ،‬ويركييد ثقتييه العالييية بييي‬ ‫ويخبرني أن مجل إدارة المرسسة واف على تعيينيي ب ظيفية‬ ‫"نائب الرئي التنفيذي لشرون التط ير"‪ ،‬براتيب يزييد عيع ‪6‬‬ ‫آ ف ريا ٍ عماني بقليل!!!‬ ‫أقفلت خف الهاتف وأنا مذه وتتملكني مشاعر مختلفية‪..‬‬ ‫كنت سعيداً جداً بالعرض وسعيداً أكثر ألنه تب تقديري‪ ،‬لكنني‬ ‫كنت في ال قت نفسه متهيباً فأنا خبرة لي في هيذ الحرفية‪،‬‬ ‫ولب يسب لي أن وضعت خططاً استراتيجية مع قبل‪ ،‬واألهب ميع‬ ‫ذلك كله كنت قلقاً بخص ص كيفية إخبار زوجتيي وخائفياً‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫يالسخرية القدر! أسعى وأبذ كل جهدي لإللتحاق ب ظيف ٍة‬ ‫ت فر لي األمان والستر‪ ،‬فال أجد‪ ،‬بالرغب مع كثيرة المعيروض‬

‫‪255‬‬

‫املؤامرة‬


‫منها‪ ،‬وكأنني مصاب بالجرب‪ ،‬حتى بدأ أشك في نفسي‪ ،‬وفيي‬ ‫أن الك ن يسير وف سنع طبيعية‪ ،‬وفجأة وبتقدير عجيب ألتقيي‬ ‫بصدي قديب فيهيئ اهلل لي بسببه في زميع قياسيي وظيفيةً ليب‬ ‫أكع أتجرأ حتى أن أحلب بها!!‬ ‫لماذا إذن السعي والكدح‪ ،‬فألنتمر في بيتي مرتاحاً ومت ك ً‬ ‫ال‬ ‫على اهلل الى أن يشاء القدر أو ما نسميه بالحظ أن يطرق بيابي‪،‬‬ ‫وه متى ما آن آوانه لع يعدم وسيلة ليصل الي!‬ ‫ولكع لماذا أغالف نفسي؟ ألي سعيي وإصراري ه ما جعل‬ ‫صديقي يتأثر لقصتي ويبذ جهد مع أجلي؟‬ ‫ثب ألي سعيي المت اصل اليدائب‪ ،‬هي ميا جعلنيي أكتسيب‬ ‫العم والقدرا التي امتلكهيا والتيي جعليت اليرئي التفييذي‬ ‫واللجنة يعجب ن بي لهذ الدرجة؟ أفهل لي كنيت جلسيت فيي‬ ‫بيتي كنت اكتسبت هذ القدرا ؟‬ ‫واألهب مع هذا كله ألي هذا الكدح والسيعي الحثييث بميا‬ ‫يكسبني مع قدرة وعم ه طريي العيروج والسيير نحي اهلل؟‬ ‫س س‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫س سوس ْ ْ ُ ْ س‬ ‫اإلن سسةةان يإنة سةك كة يةاد ٌح يإلةةى سريةبة سةك كة ْةد ًحا ف ُمال يقية يةه"؟‬ ‫أليييي اهلل يقي ي ‪" :‬يةةا ألهةةا ي‬ ‫أولي هذا سبباً كافياً ليدفعني للسعي والكدح!‬ ‫‪ ‬ماذا بك؟ ما الذي تفكر فيه؟‬ ‫سألتني زوجتي بينما كنت جالساً في شيرفة منزلنيا أنمير‬ ‫لألف البعيد وأنا هائب كلياً في أفكاري وخيا تي‬ ‫‪-‬‬

‫ماذا؟ قلتها بارتباكٍ واضع‪.‬‬

‫‪ ‬ماذا بك؟ لماذا ارتبكت هكذا؟‬

‫‪256‬‬

‫املؤامرة‬


‫قالت ذلك وابتسيامة سياحرة تعلي وجههيا‪ ،‬وهيي تجلي‬ ‫بجانبي في الشرفة‪.‬‬ ‫فأجبتها بسرعة وكأنني ألقي همّاً ثقيالً عع قلبي‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫لقد حصلت على وظيفةٍ براتبٍ عا ٍ جداً‪ ،‬في دولة اإلمارا ‪.‬‬

‫آلمها الخبر بشدة‪ ،‬فتيير تقاسيب وجهها وارتسمت بالحزن‬ ‫العمي وقالت لي مت سلةً بانكسارٍ اهتز له كل كياني‪:‬‬ ‫‪ ‬أنا‬ ‫‪-‬‬

‫أطي اليربة‪..‬‬

‫وأنييا أطيي ألمييك‪ ،‬ولكييع ميياذا أفعييل؟ كيييف سيينعيش‬ ‫ونصرف على نبيل؟ هل ترضيع أن نعيش عاليةً عليى النياس‬ ‫وعلى صدقاتهب؟‬

‫أطرقت برأسها إلى األرض ودم عها تنهمر بييزارة‪ .‬حاوليت‬ ‫أن آخذها الى اليرفة للال يرانا أحد في الشيرفة‪ ،‬لكنهيا سيحبت‬ ‫يدها مع يدي بعنف‪ ،‬ورفعت رأسها نح ي بنمرا مليلة بيالل م‬ ‫والعتب‪ ،‬وهي تق ‪":‬أنت السبب"‪ ،‬ثب انطلقت الى اليرفة وهيي‬ ‫تجهش بالبكاء‪.‬‬ ‫لب أكع قادراً على اللحاق بها في راً‪ ،‬فجلسيت فيي الشيرفة‬ ‫قليالً استجمس ق اي وهدوئي‪ ،‬ودع اهلل أن يعينني فقد كنت‬ ‫مقبالً على مهمة صعبة ستستفز الكثير مع مشاعري وانفعا تيي‪،‬‬ ‫ثب نهضت لليرفة لم اساة زوجتي وتهدئتها‪.‬‬ ‫‪######‬‬

‫‪257‬‬

‫املؤامرة‬


‫لب تكع زوجتي تق على اليربة مرة أخير ‪ ،‬وليذا آثير‬ ‫ألب الفراق والبقاء في البلد‪ ،‬على أن أرجس البلد كل ي م أربعياء‬ ‫بعد الدوام مباشرةً وأرجس لإلمارا فجر ي م السبت‪.‬‬ ‫كانت هذ أو مرة أعمل فيها بمرسسة بهذا الحجيب‪ ،‬فلقيد‬ ‫كان فيها ملا الم ظفيع‪ ،‬وكانت تشير بنايية كبييرة مك نية‬ ‫مع العديد مع الط اب ‪ ،‬كما أنني ألو مرة أيضا أعمل ب ظيفة‬ ‫إدارية‪ ،‬حيث أن جميس خبراتي السابقة هي في وظائف احترافيية‬ ‫تتجاوز اعداد الم ظفيع فيها العشرا !‬ ‫في مرسسا‬ ‫كنت أخشى أن أكي ن غيير مناسيب لهيذا المنصيب‪ ..‬لقيد‬ ‫شعر بالرهبة في الي م األو ليدوامي بسيبب فخامية المبنيى‬ ‫وكثرة الم ظفيع واحترامهب المبالغ لي والذي لب آلفه سيابقاً‪،‬‬ ‫وبسبب خشيتي ميع أن أكي ن عليى قيدر ت قعيا اليرئي‬ ‫التنفيذي مني!‬ ‫لقد كان رئيسي التنفيذي متقيد اليذكاء يتصيف بالحكمية‬ ‫والجرأة وحب التييير‪ .‬لقد كان إدارياً ناجحيا‪ ،‬لكنيه ليب يكيع‬ ‫محترفاً في التخطيف ا ستراتيجي وقيادة عمليا التيير وإدارة‬ ‫المخاطر‪ ،‬ولذا قرر ا ستعانة بيي لمسياعدته عليى هيذا األمير!‬ ‫وهذا ما أذهلني ألنني أنا أيضاً غير محترفٍ في هذ القضايا‪ ،‬بل‬ ‫ولب يسب لي ممارستها قيبالً فميا اليذي وجيد فيي ليي ظفني‬ ‫بمنصب نائب الرئي ؟ لست أفهب!‬ ‫لكنني بالرغب مع افتقيادي للخبيرة الالزمية‪ ،‬كنيت واثقياً‬ ‫ألقصى درجة في قدرتي على األداء وكنت عازماً على أن أحقي‬ ‫الكثير ب قت قصير ولكع بقدرٍ عا ٍ مع الج دة‪ ...‬وهذا ما كيان‬ ‫فعالً‪ ،‬ففي عدة أشهر بدأ نتيائج أدائيي تمهير وبيدأ التكلفية‬ ‫تتقلص وج دة الخدما تتحسع بشكل ملح ظ كمّاً وكيفاً‪...‬‬ ‫‪258‬‬

‫املؤامرة‬


‫الكل (بما فييهب اليرئي التنفييذي) في جئ بهيذ النتيائج‬ ‫الباهرة فيما عداي‪ ،‬فقد كنت أعرف ما أقي م بيه منيذ البدايية‬ ‫ب ض ح شديد‪ ،‬وقمت بأداء مهمتي على أكمل وجيه بكيل جيرأة‬ ‫ومع دون أدنى شك أو تردد‪ ،‬وكأنني أمشي فيي دهياليز سي ر‬ ‫الل اتيا التي خبرتها منذ طف لتي وكأنني محترف عتيد!!‬ ‫ذلك غير منطقي‪ ،‬أعرف ذلك‪ ،‬وبنفسيي ف جليت بقيدراتي‬ ‫في القيادة والتخطييف ا سيتراتيجي وقييادة عملييا التيييير‪،‬‬ ‫اإلداريية‬ ‫وذهلت بما أملكه مع معرفة في العديد ميع المجيا‬ ‫التي لب يسب لي أن عملت فيها أو حتى قرأ عنها!!‬ ‫هل ه العقل الباطع وقدرته على اإلبداأ‪ ،‬عندما تقترب منيه‬ ‫ويقترب منك فتفهمان وتحبان بعضكما البعض وتتحركان معيا‬ ‫كشخص واحد بانسجام وثقة؟ أم أنه اإللهام والمدد اإللهي الذي‬ ‫يمع اهلل به على عباد الذيع يلجيرون إلييه بيإخالص‪ ،‬لجيأ ميع‬ ‫يعرف أن رب له غير فيعش مدد ألنه منه سيبحانه؟ أم هي‬ ‫كالهما؟ أم لعلهما شيء واحد ك جهيع لعملة واحدة؟‬ ‫لكع ما كان يصعّب مهمتي ه محدودية المعرفية والقيدرة‬ ‫اإلدارية لد مجم عة مع قيادا اإلدارة العليا بالمرسسية‪ ،‬وليذا‬ ‫كنت أضطر ألن أخ ض معهب نقاشيا حي بعيض المفياهيب‬ ‫اإلدارية األساسية مثل ضرورة وج د رؤية ورسالة اسيتراتيجية‬ ‫واضحة للمرسسة تحدد حركتها‪.‬‬ ‫كنت أوضع لهب كيف أن أي كيانٍ طالما أنه عاقل‪ ،‬ولدييه‬ ‫إرادة يجب أن تك ن له أهداف واضحة يتجه نح هيا‪ ،‬وكييف أن‬ ‫هذ األهداف منبثقية ميع رؤيتيه ا سيتراتيجية ورسيالته فيي‬ ‫الحياة‪ ،‬وإ فإن وج د سيك ن عبثياً و معنى له!‬

‫‪259‬‬

‫املؤامرة‬


‫وبسبب أوقا الفراغ الط يلة التي كانت متاحة ليدي‪ ،‬فيإن‬ ‫أصداء هذ النقاشا كانت تنعك في داخلي وفي نمرتي للك ن‬ ‫والحياة‪..‬‬ ‫وفي ظهييرة أحيد األييام‪ ،‬بينميا كنيت كعيادتي مسيتلقيًا‬ ‫باسترخاء على أريكة مكتبي‪ ،‬بعد انتهاء الدوام الرسيمي قبيل أن‬ ‫اع د إلى العمل مرة أخر ‪ ،‬تساءلت في نفسيي مياذا لي سيألني‬ ‫أحدهب السرا نفسه عع األمة اإلسالمية فبماذا سأجيبه؟‬ ‫ما هي رؤية األمة اإلسالمية وما هي رسالتها للحياة؟‬ ‫ل هلة اعتقد أن هذ الفكرة غريبة وجديدة‪ ،‬ولكع سيرعان‬ ‫سس‬ ‫ُ‬ ‫ما اقشعر جسمي عندما خطر في ذهني ق ليه تعيالى ‪" :‬أف سح يس ْةبت ْم‬ ‫سْ س س ْ س ُ‬ ‫ً سْ ُ س س ُ‬ ‫أن سما خلقناك ْم سع سبثا سوأنك ْم يإل ْينا ال ت ْر سج ُعون"‪.‬‬ ‫إن اهلل بنفسه يهدينا لهذا التفكير‪ ،‬ويعلمنا أن انعيدام الهيدف‬ ‫ه ضرب مع العبث‪ ،‬حتى ل كان صادراً مع اهلل ولهذا نفيى اهلل‬ ‫عع نفسه العبثية وذلك بتأكيد وج د الهدف ميع الخلي وأنيه‬ ‫الرج أ إلى اهلل‪ ...‬سبحانك ربي‪ ،‬ما أعممك!‬ ‫إذا فالرؤييية اإلسييالمية تتمحيي ر فييي أن "الكيي ن وجميييس‬ ‫المخل قا وأولهب وأعممهب اإلنسيان (ك نيه خليفية اهلل) فيي‬ ‫حركة مستمرة وأبدية للرج أ نح اهلل‪ ،‬أو بعبارة أخر نحي‬ ‫التكامل والقرب مع اهلل‪ ،‬وبالتالي تحقي أقصى قدر ممكيع ميع‬ ‫السعادة والق ة"‬ ‫إذا كانت هذ هي رؤية اإلسالم فما هي إذن رسالته للحياة؟‬ ‫لست أدري كب مضى علي وأنا أفكير فيي هيذا األمير‪ ،‬لكيع‬ ‫مر على ذاكرتي عشرا اآليا القرآنية واألحاديث الشريفة‪..‬‬

‫‪260‬‬

‫املؤامرة‬


‫س وُ‬ ‫س و‬ ‫ُْ س ْ س سُ ُ ْ ُ‬ ‫ةور‬ ‫تذكر ق ليه ‪" :‬اع و يل وةي ال يةذين آمنةوا يخ يةرج ُه ْم يمةن الظل سم ي‬ ‫ةات يإلةى الن ي‬ ‫س ْ س س س ُ سْ س ُ ُ ُ ْ ُ ُ ُ ْ ُ سُ ْ س و س‬ ‫وُ‬ ‫ةات ‪ ،"...‬وق له‬ ‫ةور يإلةى الظل سم ي‬ ‫وال يذين كفروا أو يليةا هم الطةاروت يخ يرجةو هم يمةن الن ي‬ ‫س‬ ‫ُ ْ س ُ ْ س وُ‬ ‫ُ س ْ ُ س ة ُل س س س ْ س س ة س‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ةور ِ‬ ‫ةات ب يحن ظ‬ ‫تعالى‪" :‬هةو ال يةذي ين يةز علةى عب يةد يه آي ظ‬ ‫ةات يليخ يةرجكم يمةن الظلم ي‬ ‫ةات يإلةى الن ي‬ ‫س ْ ْس ُ ْ س س ُ ٌ‬ ‫وف سرح ٌ‬ ‫ةيم "‪ ،‬كما تذكر اآلييا التيي تيأمر األمية‬ ‫و يإن اع يبكةم لةرء‬ ‫ي‬ ‫سْس ُ ة ُ‬ ‫ةنك ْم ُأ ْم ٌةة سي ْةد ُعو سن إ سلةى ْال سخاةرْ‬ ‫اإلسالمية لدع ة الناس إلى الخيير "ولةتكن يم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ُْْ‬ ‫ُْ س ُ س س‬ ‫س س ْ ُ س ْس ْ‬ ‫وف سو سي ْن سهة ْةون سعة يةن املنكة يةر سوأ ْول ة ييك ُهة ُةم املف ية ُحةةون"‪ ،‬واستحضييير‬ ‫ويةةأم ُرون يبةةاملع ُر ي‬ ‫ق اإلمام الحسيع (أ) ألعدائه ي م عاش راء‪" :‬إن لةم يكةن لكةم ديةن‬ ‫ً‬ ‫وكنتم التخافون املعاد‪ ،‬فكونوا أحرارا في دنياكم"‬ ‫تأملت فيها وفي الرؤيية اإلسيالمية للحيياة‪ ،‬فأدركيت أننيا‬ ‫نملك أعمب رسالة يمكننا أن نقدمها للبشير عن انياً لحضيارتنا‬ ‫اإلسالمية الرائعة‪..‬‬ ‫إن رسالتنا اإلسالمية هي ببساطة عبادة اهلل تعالى مع خيال‬ ‫عمارة الك ن والكدح فيه سعياً للرزق واألمان والسعادة والحرية‬ ‫وف المنهج اإلسالمي وجعل العالب بيلة آمنية وصيحية وبنّياءة‪،‬‬ ‫حيث يمكع لجميس الكائنا فيه أن ترتقي وتتكامل وتقترب منيه‬ ‫سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫إن رسالتنا تتمح ر ح مساعدة اإلنسان بما ه إنسان حتى‬ ‫وإن كان غير م حدٍ باهلل‪ ،‬على التط ر والتكامل وتحريير ميع‬ ‫كل أن اأ الملب والفساد‪ ،‬جهالً كان أم فقراً أم مرضاً نفسيياً أم‬ ‫جسدياً أم عب دية للبشر أو الكائنا األخر "‪ ...‬يا ميا أروعهيا‬ ‫مع رسالة!‬ ‫شعر بحماسة تنتابني‪ ،‬فنهضت واقفاً وأخذ هاتفي وقميت‬ ‫بالتسجيل الص تي ألفكاري ‪ -‬خشية أن تضيس ‪ -‬وأنا أذرأ اليرفة‬ ‫ذهاباً وإياباً‪.‬‬

‫‪261‬‬

‫املؤامرة‬


‫انتهيت مع تسجيل أفكاري‪ ،‬فشيعر أننيي بحاجية لمناقشية‬ ‫عامر في هذ األفكار‪ ،‬فاتصلت به‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫أل عامر‪ ،‬مشي‬

‫؟‬

‫‪ ‬في الدوام‪ .‬خيراً إن شاء اهلل!‬ ‫‪-‬‬

‫م ض أ فكري أحببت مناقشته معك بشكل ملع‪.‬‬

‫‪ ‬م ض أ فكري‪ ،‬وملع؟ قالها مازحاً باستهجان‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أعدك أنني لع أطيل عليك‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً‪ .‬أيع أنت اآلن؟‬ ‫‪-‬‬

‫في أب ظبي‪ .‬ساعة ونصف وسأك ن عندك‪ .‬ما رأيك؟‬

‫‪ ‬سأنتمرك في "ابع بط طة مي‬ ‫آكل شيلاً منذ الصباح‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫" لكيع‬

‫تتيأخر فأنيا ليب‬

‫أنا أيضا جائس ولب أ تييد بعيد‪ .‬فيي أقيل ميع سياع ٍة وربيس‬ ‫سأك ن عندك‪.‬‬

‫انهيت المكالمة وركبت سيارتي وانطلقت إلى ابيع بط طية‬ ‫م في دبي وأنا غارق حتى النخاأ في أفكاري‪.‬‬ ‫‪######‬‬ ‫لقد أعجب عامر بالفكرة كثيراً‪ ،‬وطف يعيدها ميرة أخير‬ ‫بهدوء متأمالً وه يذيب السكر بالملعقة في ك ب الشاي أمامه‪،‬‬ ‫ثب قا لي بعد فترة صمت‪:‬‬

‫‪262‬‬

‫املؤامرة‬


‫‪ ‬الفكرة جميلة فعالً‪ ،‬والرسالة رائعة وتحمل السالم والخيير‬ ‫للعالب كله‪ ،‬لكنها لألسف ليع تتحقي إ فيي زميع اإلميام‬ ‫المهدي (عج)!‬ ‫‪-‬‬

‫هي رسالة كل األديان السيماوية منيذ بيدء الخليقية‪ ،‬وليذا‬

‫ذكرها اهلل في الكتب السماوية وفيي الزبي ر(‪ ،) 3‬أميا اإلميام‬ ‫المهدي فه خاتب األوصياء الذي تتحق عليى يدييه رسيالة‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ولكع العمل على تحقيقها والتمهيد ميع أجلهيا هي‬ ‫جهد تراكمي ساهب فيه جميس األنبياء والرسل وأئمية أهيل‬ ‫ر التاري ‪.‬‬ ‫البيت والمصلح ن عبر م ّ‬ ‫س‬ ‫سة ُ س‬ ‫‪ ‬صحيع‪ ..‬وهذا معنى ما نقرأ في دعاء الندبة "ا ْي سةن ُمؤ يلةف ش ْةم يل‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫الص س ة‬ ‫الر ا‪ ،‬ا ْي سن الط يال ُب يبذ ُحو يل اال سَن يبي يةاء سوا ْبن يةاء اال سَن يبي يةاء‪ ،‬ا ْي سةن الط يال ُةب‬ ‫الح و ي‬ ‫ي‬ ‫ب سدش ْاملس ْق ُتول ب سك ْرسب س‬ ‫الء‪!"...،‬‬ ‫ي ي‬ ‫ي ي‬ ‫‪-‬‬

‫أتعرف‪ ..‬كثيراً ما افكر في هذا الم ض أ وأشعر بالتقصير‬ ‫في ح اإلمام المهدي (عج)‪ ،‬فأنا أساهب مطلقاً في تعجيل‬ ‫فرجه ونصرته (أ)!‬

‫‪ ‬وكيييف لييك أن تعجييل فييرج اإلمييام (أ)؟ سييألني عييامر‬ ‫باستيراب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫بأن ننشر الخير والصالح فيي العيالب كليه‪ ،‬ليكي ن جياهزًا‬ ‫حتضان ث رة اإلمام المهدي (عج) حينما يمهير‪ ،‬وهيذا ميا‬ ‫نسميه بي "ثقافة انتمار المهدي (عج)"‪.‬‬

‫سكت عامر متأمالً‪ ،‬ثب هز رأسه بإعجاب‪ ،‬وقا ‪:‬‬

‫سس ْ س سْس‬

‫ْ س‬

‫ة ْ س ْ ْس‬

‫ُ‬

‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫س‬ ‫ض سيرث سها ع سباد سي ْ‬ ‫س‬ ‫ن"‪.‬‬ ‫الص يال ُحو َ‬ ‫الذك يرأن األ ْر ي ي ي‬ ‫ور يمن بع يد ي‬ ‫‪ 3‬في رشارة ي ييق ت ااى ال "ولقد كتبنا يفي الزب ي‬

‫‪263‬‬

‫املؤامرة‬


‫‪ ‬رائس أن تك ن هذ هي رؤيتنا فيي الحيياة‪ ..‬ميا ميع رؤيية‬ ‫أعمب وأجمل مع أن تر نفسك جزءاً مع البشيرية كلهيا‪،‬‬ ‫وتسعى نح رقيها وكمالها!‬ ‫ثب سكت ميرةً أخير للحميا ‪ ،‬وهي ميميض عينييه‪ ،‬وكأنيه‬ ‫يستجمس أفكار ‪ ،‬وسألني‪:‬‬ ‫‪ ‬قل لي‪ :‬كيف نعلب أن اإلمام المهدي (أ) م ل د فعيالً وانيه‬ ‫م ج د في هذا العصر؟‬ ‫‪-‬‬

‫ق رسي اهلل (ص) "إنة تةارك فةيكم‪ ،‬مةا إن تمسةكتم بةه‪ ،‬لةن تضةلوا‬ ‫بع ةةدي‪ ،‬أح ةةدهما أعظ ةةم م ةةن ااخ ةةر‪ ،‬كت ةةاب ا حب ةةل مم ةةدود م ةةن الس ةةماء إل ةةى‬ ‫األرض‪ ،‬وعترتة أهةةل بيتةةي‪ ،‬ولةن يتفرقةةا حتة يةةردا علةي الحةةوض‪ ،‬فةةانظروا كيةةف‬ ‫تخلفون فههما"‬

‫(‪) 4‬‬

‫ف ف هذا الحديث بد أن يك ن هناك إمام ميع أهيل بييت‬ ‫النب ة في هذا العصر وفي كل عصر‪ ،‬وقيد أُمرنيا الرسي‬ ‫(ص) بالتمسك به‪ .‬فمع يك ن إمام هذا العصر إذا ليب يكيع‬ ‫اإلمام المهدي (عج)؟‬ ‫‪ ‬ولكع لماذا نفترض أنه اإلمام الثاني عشر مع عترة أهل بيت‬ ‫النب ة‪ ،‬وأنه زا على قيد الحياة مع ذلك الزمع البعيد؟!‬ ‫لماذا يك ن األئمة مستمرون ويكي ن اإلميام المهيدي هي‬ ‫اإلمام الثاني عشر بعد المائة مثالً؟‬ ‫‪-‬‬

‫ألن التاري بإجماأ المسلميع يحدثنا عع أكثر مع إثنيي‬ ‫عشر إماماً‪ ،‬فضالً عع وج د ‪ 112‬إماماً على ق لك!‬

‫‪ 4‬ورد في صحيح م ل ‪ ،‬وايترمي وفي م اد اإلمال أح د‪ ،‬وفي م تدرك ا حاك ‪ ،‬وسنن أبو داود وفي عشرات‬ ‫ايكت ‪ ،‬وبأسانيد صحيحة بشرط ايشيخين‪،‬‬

‫‪264‬‬

‫املؤامرة‬


‫وقلتها وأنا أضحك‪ ،‬ثب اكملت حديثي‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫وألنه ورد في صحيع مسلب والبخاري وغير ميع الصيحاح‪،‬‬ ‫واللفظ لصحيع مسلب‪ ،‬عع جابر بع سمرة قا ‪ :‬دخليت ميس‬ ‫ة‬ ‫أبي على النبي (ص)‪ ،‬فسيمعته يقي ‪" :‬إن هةذا األمةر ال ينقضة ي‬ ‫حتة يمضة ي فةههم ا نةا عشةرخليفةة‪ ،‬قا ‪ :‬ثب تكلّب بكالم خفي عليي‪،‬‬ ‫قا ‪ :‬فقلت ألبي ما قا ؟ قا ‪ :‬كلهم من قريش"‪.‬‬ ‫هذا طبعاً باإلضافة إلى ملا الروايا التي ورد عيع أئمية‬ ‫أهل البيت (أ) أنفسهب وأكد أنهب إثنا عشر إماماً وحدد‬ ‫أسماءهب وتفاصيلهب‪.‬‬

‫‪ ‬أفحمتني‪،...‬‬ ‫‪-‬‬

‫كالعادة‪.‬‬

‫قلتها مبتسماً وانا أغمز له عيني‪ ،‬فبادلني ا بتسامة وه يسألني‪:‬‬ ‫‪ ‬حسناً‪ ،‬أخبرني أيع اإلمام المهدي مع حركة إصالح العيالب؟‬ ‫هل يعقل أنه ‪ -‬بالرغب مع أنيه يير أن العيالب يمي ج ميع‬ ‫يحيرك سياكناً فيي انتميار قييام النياس‬ ‫ح لنا ‪ -‬جال‬ ‫بتمهيد العالب مع أجل نهضته المباركة؟ إذًا ما الفائيدة ميع‬ ‫وج د (أ) اآلن؟‬ ‫‪-‬‬

‫سرا جميل‪ ،‬لكنه ج اب أكثر مع ك نه سرا ً‪..‬‬

‫قلت ذلك وأنا أنزأ كمتي(‪ ) 5‬مع ف ق رأسي وأضيعها عليى‬ ‫الطاولة بجانبي‪ .‬هز عيامر رأسيه عالمية ا ستفسيار‪ ،‬فأكمليت‬ ‫حديثي‪:‬‬

‫‪ 5‬قب ة رأس ع انية ت ليدية‪،‬‬

‫‪265‬‬

‫املؤامرة‬


‫‪-‬‬

‫حظ أن هدف الرقي بالبشر وبثقيافتهب ليك ني ا جياهزيع‬ ‫حتضان الرسالة ا سالمية هي هيدف فيي غايية الصيع بة‬ ‫والعم والشم لية؟‬ ‫كما إن المخياطر والتحيديا ا سيتراتيجية التيي ت اجيه‬ ‫تحقي هذا الهدف هي أيضا فيي غايية الخطي رة والتعقييد‪،‬‬ ‫وأحدها ما ذكرته انت قبل قليل ميع أن العيالب يمي ج ميع‬ ‫ح لنا‪ ،‬وكثرة الصيراعا والفيتع وسيعي جمييس أصيحاب‬ ‫المصالع والمستكبريع في العيالب بياختالف أطييافهب‪ ،‬عبير‬ ‫التاري كليه‪ ،‬للسييطرة عليى العيالب وتحقيي مصيالحهب‬ ‫الشخصية‪ ،‬حتى وإن أد ذلك إلى دمار العالب وفساد ‪.‬‬

‫‪ ‬فعالً‪ ..‬أتف معك في ذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسنا‪ ،‬قل لي إذاً‪ ،‬أ يك ن مع العبث وخالف أبسف المبيادئ‬ ‫اإلدارية أن يريد اهلل تحقي هذا الهدف وف السنع الطبيعية‪،‬‬ ‫مس جميس هذ المخاطر الهائلة المحيطة‪ ،‬مع دون أن يعييع‬ ‫قيييادة معص ي مة مييع الخط يأ ويسييددها بالحكميية وبييبعض‬ ‫القدرا الخاصة التي تمكنها مع أداء مهمتها؟!‬

‫‪ ‬فعالً‪.‬‬ ‫قالها وه ساهب متأمل في حديثي‪ ،‬فأكملت كالمي‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫وهذا يثبت لنا لي أن القيادة م ج دة وحسب‪ ،‬وإنميا أيضيًا‬ ‫ك نها متحركة ونشيطة جيداً نحي تمهييد العيالب كليه‬ ‫لتحقي رسالة السماء‪ ،‬وإ لكانت األرض عاثت فساداً ودماراً‬ ‫مع س ء ما يق م به المستكبرون‪.‬‬

‫ذ عامر بالصمت يفكر في كالمي ويقلبه وه يلعب بكيأس‬ ‫الشاي بيد ‪ ،‬فبثر السك أيضاً لكي أمنحيه مسياحةً للتفكيير‪.‬‬ ‫‪266‬‬

‫املؤامرة‬


‫وبعد لحما ٍ شعر أنها ط يلة ارتشف عامر رشفة ميع كي ب‬ ‫الشاي ورد علي‪:‬‬ ‫‪ ‬أتف معك‪ ،‬لكنها تبقى استنتاجا عقلية‪ .‬هل هناك نص ص‬ ‫شرعية تبرهع على هذا األمر؟‬ ‫‪-‬‬

‫بالطبس‪ ،‬خذ مثالً ما يذكر اإلمام المهدي ‪" :‬وأمةا وجةه االنتفةاع‬ ‫ر في ريبتي فكاالنتفاع بالشمس إذا ة‬ ‫ريبكها عةن األبصةارالسةحاب‪ ،‬وانة ألمةان‬ ‫ألهل األرض كما أن النجوش أمان ألهل السماء‪"..‬‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫كما يق أيضاً (أ)‪ ..." :‬إنا نحي علما بأنبا كم‪ ،‬وال ع ُةزب عنةا ية يء‬ ‫مةةن أخبةةاركم‪ ،‬ومعرفتنةةا بالةةذل الةةذي أصةةابكم مةةذ جةةن كثاةةرمةةنكم إلةةى مةةا كةةان‬ ‫ً‬ ‫السةةلف الص ةةالح عنةةه شاس ةةعا‪ ،‬ونبةةذوا العه ةةد املةةأخوذ وراء ظه ةةورهم ك ةةأ هم ال‬ ‫علمةةون‪ .‬إنةةا راةةرمهملةةان ملراعةةاتكم‪ ،‬وال ناسةةان لةةذكركم‪ ،‬ولةةوال ذلةةك لنةةزل بكةةم‬ ‫ال ة ة ةةمواء واص ة ة ةةطلمكم األع ة ة ةةداء‪ ،‬ف ة ة ةةاتقوا ا (ج ة ة ة ةةل جالل ة ة ةةه) وظاهرون ة ة ةةا عل ة ة ةةى‬ ‫انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم ‪"...‬‬

‫‪ ‬فلماذا إذا‬ ‫‪-‬‬

‫نشاهد اإلمام المهدي (أ)؟‬

‫إن اإلمام المهدي (عج) مثليه مثيل أي قائيد‪ ،‬يتحيدد ميد‬ ‫احتكاكه بتابعييه وجمهي ر ‪ ،‬واتصيالهب المباشير بيه عليى‬ ‫نم ذج اإلدارة المستخدم‪ ،‬سييما فيميا يتعلي بمركزيية‬ ‫القرارا واألنشطة‪ ،‬وف األهيداف ا سيتراتيجية المطلي ب‬ ‫تحقيقها وطبيعة المخاطر المحيطة والم ارد المتاحة‪.‬‬

‫‪ ‬تقصد أن اإلمام (أ) يتبس أسل ب اإلدارة الالمركزية؟‬ ‫‪-‬‬

‫بالطبس‪ ،‬فاإلمام (أ) يقي م بمسيرولية اإلدارة ا سيتراتيجية‬ ‫للرسالة اإلسالمية‪ ،‬أما فيما يتعل باإلدارة التشييلية ألمي ر‬ ‫الحياة الي مية مثل اإلفتاء والقضاء وإدارة الشيرون الماليية‬ ‫وغيرها فقد أناط مسرولية إدارتهيا لعلمياء اليديع‪ ،‬فهي‬

‫‪267‬‬

‫املؤامرة‬


‫يتدخل فيها بشكل مباشر إ استثناءً عندما تكي ن تأثيراتهيا‬ ‫ا ستراتيجية عميمة األهمية‪.‬‬ ‫‪ ‬وما ه دليلك على هذا ا دعاء؟‬ ‫‪-‬‬

‫هناك عدد مع النص ص الشرعية التي تد على ذليك‪ ،‬مثيل‬ ‫ما روي عع اإلمام الصادق (أ)‪" :‬انظةروا إلةى مةن كةان مةنكم قةد روى‬ ‫حديثنا‪ ،‬ونظةرفةي حاللنةا وحرامنةا وعةرف أحكامنةا‪ ،‬فار ةوا بةه حكمةا‪ ،‬فةان قةد‬ ‫ً‬ ‫جعلته عليكم حاكما"‪.‬‬ ‫والحديث اآلخر الميروي عيع اإلميام المهيدي (عيج)‪" :‬وأمةا‬ ‫الحةةوادل الواقعةةة فةةارجعوا فههةةا إلةةى رواة حةةديثنا‪ ،‬فةةا هم جتةةي علةةيكم‪ ،‬وأنةةا‬ ‫جة ا علههم"‪.‬‬

‫عارضني عامر بهدوء‪:‬‬ ‫‪ ‬كالمك صحيع مع الناحية ال اقعيية‪ ،‬فيإن اإلميام المهيدي‬ ‫(أ) بسبب تعقد وشدة خط رة القضايا المرتبطة بتحركيه‪،‬‬ ‫وبسبب امتداد نطياق هدفيه وشيم ليته للعيالب كليه‪ ،‬فيإن‬ ‫تحركه (أ) بد أن يك ن في غاية السرية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫صحيع‪ ،‬ولذا فإن اإلمام (أ) يلتقي جميس مع تتطليب مهاميه‬ ‫اللقاء المباشر بهب‪ ،‬لكع هذا األمر يك ن فيي غايية السيرية‬ ‫بشكل عام‪ ،‬ا اذا كان هناك ما يستدعي نشر هذا اللقاء بييع‬ ‫الناس ألسباب استراتيجية‪ ،‬ربما يرتبف معممها برفس الروح‬ ‫المعن ية للمرمنيع‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً‪ ،‬وماهي نتائج ومنجزا حركة اإلمام (أ)؟‬

‫‪268‬‬

‫املؤامرة‬


‫‪-‬‬

‫إن هييذ الن عييية مييع المنجييزا ذا الطييابس ا جتميياعي‬ ‫وا قتصادي والسياسي تكي ن نتيجية عاميلٍ واحيدٍ يتييبٍ‪،‬‬ ‫وإنما نتيجة تمافر مجم عةٍ مع ع امل النجاح الحرجة(‪.) 6‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فلي مع منجزٍ محددٍ يمكع أن ننسبه بشكلٍ حصريٍ‬ ‫لقيادة اإلمام (أ)‪ ،‬وإنما لمجم عة مع الع امل التي تمافر‬ ‫معاً‪ ،‬ومع أهمها القيادة الكفرة المتمثلة فيي اإلميام المهيدي‬ ‫(عج)‪.‬‬

‫‪ ‬هكذا ه الحا في جميس المرسسا والبيرامج‪ ،‬فيالمنجزا‬ ‫من طة بتمافر الم ارد ومجم عة ع امل النجياح الحرجية‪،‬‬ ‫حسب طبيعة كل منجز وليي بقيدرة اليرئي التنفييذي‬ ‫وحسب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أحسنت‪ .‬ومس أخذ هذا األمر بعيع ا عتبار‪ ،‬يمكنني أن أقي‬ ‫أن نجاح ق مح ر المقاومة في التصدي لق ا سيتعمار‬ ‫اليربي الصهي ني لمنطقة الشرق األوسيف‪ ،‬بكيل جبيروتهب‪،‬‬ ‫وإلحاقهب الهزائب بهب‪ ،‬بالرغب مع ضبلة ق تهب‪ ،‬ومحدوديية‬ ‫م اردهب وتكالب العالب كله عليهب له واحيد ميع أوضيع‬ ‫نتاجا حركة اإلمام المهدي (عج)‪.‬‬

‫‪ ‬لقد جعلت جسمي يقشعر‪ .‬رد علي عامر بتأثر‪،‬‬ ‫سكت للحما وه ميمض العينيع ثب أكمل حديثه بتأثر‪:‬‬ ‫‪ ‬أن تدرك أن إمام زمانك معك على هذ ارض‪ ،‬مثله مثلك‪،‬‬ ‫وأنه ه مع يق د حركة اإلصالح العالميية فيإن هيذا أمير‬

‫‪ 6‬ت رف في اإلدارة بس‬

‫‪269‬‬

‫‪)CSF( Critical Success Factors‬‬

‫املؤامرة‬


‫يشعرك بق ة كبيرة وثقة‪ ،‬ورغبة فيي التفياني ميع أجليه‬ ‫ألقصى درجة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وهذا ما نرمع نحيع بيه‪ .‬قليت ذليك وأنيا أشيعر بيالزه‬ ‫والفخر‪.‬‬

‫‪ ‬إنه إيمان رائس وجميل‪ ..‬يكفي ما فيه مع آثيارٍ رائعيةٍ عليى‬ ‫اإلنسان وعلى نمرته للحيياة‪ ،‬وانعكياس ذليك علييه وعليى‬ ‫مجتمعه‪ .‬إنت فعالً تجعلني أتحسر على ما فيا ميع عميري‬ ‫مع دون أن أساهب فيه بشي مع أجل نصيرة اإلميام المهيدي‬ ‫(أ)؟‬ ‫‪-‬‬

‫لب يفت األوان بعد‪ ،‬والمسألة بسيطة‪ ..‬افعل كل ما ب سعك‬ ‫لجعل العالب مكانًا أفضل‪.‬‬ ‫ساهب بما تستطيس‪ ،‬وأقنيس اآلخيريع ميع ح ليك أيضياً أن‬ ‫يسيياهم ا فييي نشيير السييعادة‪ ،‬والمعرفيية والعلييب والصييحة‬ ‫والحرية واألمان وال عي‪ ،‬وكل المعياني اإلنسيانية الرائعية‬ ‫في العالب كله‪ ،‬بكل أطيافه وأل انيه‪ ،‬وبيذلك سيتك ن ميع‬ ‫أكبر الناصيريع لإلميام المهيدي وقضييته وسيتعجل ميع‬ ‫ظه ر العلني‪.‬‬

‫وفجأة نمر عامر لساعته لمعرفة ال قت‪ ،‬وكأنيه تيذكر فجيأة‬ ‫م عدًا كان قد نسيه‪:‬‬ ‫‪ ‬الحمد هلل زالت السادسة والنصف‪ ..‬اسمعني يجب أن أذهب‬ ‫اآلن ألني وعيد خيالتي آن آخيذها للتسي ق بعيد الصيالة‬ ‫مباشرة‪.‬‬

‫‪270‬‬

‫املؤامرة‬


‫الم ض أ شي ‪ ،‬وأعجبني جداً‪ ،‬لكننا سن اصيل الحيديث فييه‬ ‫حقاً‪ ،‬فهناك الكثير مما أعرفه عع ث رة اإلميام المهيدي‬ ‫(أ)‪.‬‬ ‫قا ذلك وه يقف‪ ،‬ماداً يد لمصافحتي‪.‬‬ ‫ذهب عامر مسرعاً تاركاً إياي في مكاني شبه مذه ‪ ،‬لكنني‬ ‫سرعان ما غصت في أفكاري‪ ،‬وقمت باستعادة شريف النقا الذي‬ ‫دار بيني وبيع عامر بتأمل‪ ،‬إلى ان جاء وقيت الصيالة‪ ،‬فاتجهيت‬ ‫للمصلى‪ ،‬وبعدها انطلقت عائداً إلى البيت‪.‬‬ ‫‪######‬‬ ‫يناير‪2668 ،‬‬ ‫مر األيام هادئةً ومريحةً نسبيّاً‪ ،‬وها نحيع ابيع فيي شيهر‬ ‫يناير سنة ‪ ،2668‬وقد مضى على وج دي بالمرسسية قرابية سينة‬ ‫ونصف‪ ،‬استطاعت خاللها أحاسي األميان وا سيتقرار أن تجيد‬ ‫طريقها ألعماق زوجتي‪ ،‬فبدأ تهيدأ ويخيف قلقهيا وإحساسيها‬ ‫بييالحزن وا كتليياب‪ ،‬ولييب يكييع يكييدرها سيي آ م الفييراق‬ ‫األسب عي‪ ،‬لكنها كانت أه ن الشرور‪.‬‬ ‫استطعنا خال الفترة الماضيية تي فير مبيالغ كبييرة ميع‬ ‫رواتبي‪ ،‬فاشترينا بها قطعة أرضٍ فيي منطقية اإلعيالم بمسيقف‬ ‫العاصمة‪ ،‬حيث يسكع معمب أهلنا لنبني عليها بيتنا في المستقبل‬ ‫القريب إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫كنا قد سمحنا منذ فتيرة غيير قصييرة ألحالمنيا وآمالنيا‬ ‫با نتعا مرة أخير ‪ ،‬فكانيت أحيالم زوجتيي تتمحي ر حي‬

‫‪271‬‬

‫املؤامرة‬


‫رج عي للبلد في وظيف ٍة محترمي ٍة اسيتقر فيهيا‪ ،‬وبيتيًا صيييراً‬ ‫مت اضعاً يروينا‪.‬‬ ‫أما أنا فإن أحالمي كلها كانت تتمح ر حي شيراء عقيار‬ ‫سكني تجاري صيير‪ ،‬يع د علينا بدخل شيهري يكفينيا للمعيشية‪،‬‬ ‫ألتفرغ لطلب الدراسة الدينية‪ ،‬وخدمة رسالة اإلسالم‪.‬‬ ‫لست أفهب أي مع أحالمنا هيذ ليب يكيع القيدر يستسيييها‪،‬‬ ‫ويأبي أن ينعب بها علينا! فقد بيدأ أشيعر ميرخراً أن اليرئي‬ ‫التنفيذي قد تيير معي فأصبع جافاً‪ ،‬و يتجاوب مس المشياريس‬ ‫اإلصالحية التي أق م بها على غير عادته‪.‬‬ ‫أدركت أن خطأً ما قد حصل‪ ،‬وإن كنت عاجزا عع معرفتيه‪،‬‬ ‫كما أدركت أن نهايتي بالمرسسة باتت وشيكةً‪.‬‬ ‫ضربت أخماساً في أسداسٍ لمحاولة معرفة ما يحصل ولكيع‬ ‫مع دون جدو ‪ ،‬فبثر الصبر والترقب وأنا أتل قلقاً وكيدراً‬ ‫مع داخلي لخشيتي مما قد يصيب زوجتيي إن أنيا طيرد ميرة‬ ‫أخر مع وظيفتي‪.‬‬ ‫حاولت إخفاء مشاعر القل وأن أبدو طبيعياً كعادتي‪ ،‬لكي‬ ‫أؤذي زوجتي‪ ،‬غير أنها كانت قادرةً على سبر أغ اري‪ ،‬ومعرفية‬ ‫ما يضطرم داخلي مع مشاعر حتى مع دون أن أنب بشيء‪ ،‬وهذا‬ ‫ما كان يجعلهيا قلقية متي ترة ومترقبية (مثليي) مجهي ً‬ ‫تعرفه‪ ،‬كمع ينتمر الحكب باإلعدام‪.‬‬ ‫صادف ي م ‪ 23‬مع يناير األربعياء‪ ،‬وليذا ذهبيت إليى اليدوام‬ ‫مبكراً‪ ،‬ألخرج قبل انتهاء وقت الدوام ألرجيس للبليد فيي عطلية‬ ‫نهاية األسب أ‪ .‬كان الج على غير عادته ماطرًا فاستبشير بيه‬ ‫خيراً‪.‬‬

‫‪272‬‬

‫املؤامرة‬


‫كنت في اجتماأ مهب في مكتبي‪ ،‬عندما اسيتدعاني اليرئي‬ ‫التنفيذي بصفة عاجلة! دق قلبي بشدة‪ ،‬فقد كنت أعليب أنيه آن‬ ‫أوان الطرد‪ ،‬وهنا ي جد ما يشفس لي أو يحمينيي‪ ،‬فميا أنيا إ‬ ‫وافد ويمكع التخلص مني ف راً بجرة قلب مس إعطائي راتب شهر‬ ‫واحد فقف‪..‬‬ ‫طرقت باب غرفة ا جتماعا ‪ ،‬قبل أن أفتحه‪ ..‬كان اليرئي‬ ‫التنفيذي جالسا يتحدث مس مستشار القيان ني "سيالب" بهيدوء‪،‬‬ ‫وسرعان ما رفس رأسه نح ي عندما دخلت اليرفة‪ ،‬ووجهه ينضع‬ ‫ألماً وحزناً‪ ،‬وأشار ليي بييد ميع بعييد أن أجلي ميع دون أن‬ ‫يصافحني أو يرد على تحيتي أو حتى يبتسب في وجهي!!‬ ‫كنت مضطرباً فدع اهلل مع داخلي أن يلطف بي‪ ،‬وجلسيت‬ ‫صامتاً مستسلماً لحكب القدر علي مع دون أن أعرف السبب!‬ ‫غير أن حيرتي لب تطل كثيراً‪ ،‬فقد أومأ الرئي لمستشار‬ ‫برأسه‪ ،‬الذي فهب اإليماءة‪ ،‬وضيف على زر التشييل في المسيجلة‬ ‫الس داء التي كانت بجانبه‪.‬‬ ‫إنساب ص تي مع المسجلة‪ ،‬لب يكع واضحا جدا‪ ،‬لكنيه كيان‬ ‫مع ال ض ح ما يكفي ألن أعرف أنه ص تي‪ ..‬لب أفهب كثيراً ميا‬ ‫كنت أق له في المسجلة‪ ،‬بسبب عدم وضي ح التسيجيل‪ ،‬وبسيبب‬ ‫شدة اضطرابي‪ ،‬غير أنني فهمت أنني أتلفظ بكلما فاحشة أسيب‬ ‫بها الرئي وإدارة مجل المرسسة‪ ،‬وأقر على نفسي أميام أحيد‬ ‫أصيدقائي بالمرسسيية أننييي أخطيف لالخييتالس مييع المرسسيية‪،‬‬ ‫مستفيدا مع التيييرا التي أق م بها!!‬ ‫غار وجهي إلى الداخل‪ ،‬وأنا أسمس كل هذ الترها ‪..‬‬ ‫‪ ‬ألي‬

‫‪273‬‬

‫هذا ص تك؟‬ ‫املؤامرة‬


‫سألني الرئي‬ ‫‪-‬‬

‫بحزن‪ ،‬وه يتمنى أن أجيب بالنفي‪.‬‬

‫ه ص تي‪ ،‬لكنني ليب أقيل أو حتيى يمكننيي أن أقي‬ ‫الكالم‪ ،‬أو أن افكر فيه‪.‬‬

‫هيذا‬

‫‪ ‬لقد قلت لي مثل هذا الكالم شخصياً‪ .‬رد علي المستشار‪.‬‬ ‫فير فاهي مع شدة الذه فقد كان المستشيار القيان ني‬ ‫مع أقرب الناس لي‪ ،‬وكنت أث فيه كثيراً غير أن اليرئي ليب‬ ‫يسنع لي فرصة الرد‪ ،‬فرفيس رأسيه نحي ي وقيا ليي بعصيبية‬ ‫ظاهرة ‪:‬‬ ‫‪ ‬شهد علييك كثييرون ميع كبيار المي ظفيع بالمرسسية‪،‬‬ ‫وشهدوا على تصرفاتك المشب هة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لكنييك تعييرف أن مصييلحتهب أن يتخلصيي ا منييي بسييبب‬ ‫التيييرا التي أجريها‪.‬‬

‫‪ ‬هه‪ ،‬واآلن أصبحت تحاو أن تشككني فيي أفضيل مي ظفي‪..‬‬ ‫كفاك خبثاً‪ .‬غادر المرسسة و أريد أن أراك فيها أبداً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لكع‪...‬‬

‫‪ ‬أصمت‪.‬‬ ‫قالها بصرخة في وجهي‪ ،‬ثب أعقب بعصبية وشدة‪:‬‬ ‫‪ ‬لقد وثقت بك كما لب أث بأحد‪ ،‬وراهنت عليك فما اليذي‬ ‫فعلته أنت‪ ..‬طعنتني في ظهري جزاء ثقتي بك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أقسب باهلل أن ذلك لب يحصل ‪...‬‬

‫ال مقزز‪.‬‬ ‫‪ ‬أنت فع ً‬ ‫قالها وه يق م مع مقعد بق ة‪ ،‬ويتجه ميادراً نح الباب‪.‬‬ ‫‪274‬‬

‫املؤامرة‬


‫‪ ‬سالب تأكد مع أن ييادر المرسسة ف راً‪ ،‬وأن يرجس إليهيا‬ ‫مرة أخر ‪ ،‬واستلب منه جميس المفاتيع‪ ،‬قبل أن ييادر‪.‬‬ ‫وفتع باب اليرفة يهب بالخروج‪ ..‬وفجأة انقدحت في رأسيي‬ ‫فكرة‪ ،‬فقلت مسرعاً وأنا أت جه للرئي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أعرض التسجيل للتحقي لد الشرطة لنفهب الحقيقة‪.‬‬

‫لكع ص تي ضاأ هباءً‪ ،‬فلقد تجاهل الرئي ميا قليت‪ ،‬وسيد‬ ‫الباب مع وراء ‪ .‬لقد حكب في بحكمه ونفّيذ ‪ ،‬حتيى ميع دون أن‬ ‫يمنحني فرصة الدفاأ عع نفسي!!‬ ‫كان الرئي يريد أن يهينني ويحف مع قدري‪ ،‬ويبدو أنني‬ ‫كنت آخر مع يعلب بهيذ الميرامرة التيي حيكيت ضيدي‪ ،‬وليذا‬ ‫كانت أعيع الشماتة وا نتقام تتيابعني وأنيا أخيرج ميع مكتيب‬ ‫الرئي ‪.‬‬ ‫غير أني بقدر مرارة الملب التي شعر بهيا آنيذاك‪ ،‬شيعر‬ ‫بالسعادة تسري في أعماقي‪ ،‬فلقد وجد فيما حصل ليي اختبياراً‬ ‫ن عياً مميزاً لب أعهد مع قبل‪ ،‬يقربني مع اهلل فحمدته وشكرته‬ ‫مع أعماق قلبي‪.‬‬ ‫وبينما أنا أمشي ميادراً المبنى‪ ،‬حصل معي شيء لب أعرفه أو‬ ‫حتى أسمس به مع قبل‪ ..‬شيء بدا لي وكأنه مع خارج نس هيذا‬ ‫الك ن!‬ ‫لقد وجدتني غاب عع ناظري كل ما كان يحييف بيي ميع‬ ‫هذا العالب‪ ،‬ورأيتني أهيب فيي فضياء غرييب عجييب‪ ،‬أهتيدي‬ ‫ل صفه‪ ،‬ولكنه جميل ورائس بكل ما للكلمة مع معنى و لي فييه‬ ‫غيري‪ ،‬أتجه فيه نح اهلل وأنيا محيض سيعادة وجميا وقي ة‪..‬‬

‫‪275‬‬

‫املؤامرة‬


‫كانت مشاعر غريبة لب أعرفها مع قبل ودف ق ة وحيرارة ليب‬ ‫أشعر بهما مع قبل‪..‬‬ ‫دام األمر للحما معدودة استمر مع خروجي ميع مكتيب‬ ‫الرئي وحتى وص لي للبياب الخيارجي للمبنيى‪ ،‬لكيع مشياعر‬ ‫السعادة وزخب الق ة وا طملنان الذي أحسست به ظل يتأجج في‬ ‫داخلي ويحت يني ألشهر ط يلة بعدها‪.‬‬

‫‪276‬‬

‫املؤامرة‬


‫الفصل الثامع‬

‫ا‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫عود الى الهاوية‬


‫الصعود الى الهاوية‬ ‫يناير ‪2668‬‬ ‫ها أنا ذا أرجس مرة أخر لخانة البداية‪ ،‬وكأنني ألعب لعبة‬ ‫الم ن ب لي!‬ ‫اتفقنا أنا وزوجتي كعادتنا أن نكتب األمر حتى عيع ع ائلنيا‬ ‫تجنباً إليذائهب‪ ،‬ولكي ينتشر الخبر في المجتميس‪ ،‬فيل ك ننيا‬ ‫بألسنتهب بيع قيل وقا ‪.‬‬ ‫كنت أدرك أنني سأحارَب في أي وظيفة‪ ،‬ميا دميت متمسيكًا‬ ‫بمبادئي وقيمي‪ ..‬هذا إذا وُفّقت في الحص على وظيفة أخر !‬ ‫كنا في حاجة ألن نبيرر رجي عي إليى البليد بعيد أن عليب‬ ‫الجميس انني أعمل فيي دولية اإلميارا ‪ ،‬ولهيذا قررنيا أن أفيتع‬ ‫مكتبي الخاص في مجا ا ستشارا اإلدارية والتدريب‪ ،‬بالتعاون‬ ‫والشراكة ا ستراتيجية‪ ،‬مس واحد مع المكاتب العالمية الصييرة‬ ‫المتميزة التي استطعت الت اصل معها على عجل‪.‬‬ ‫كان القرار صعباً‪ ،‬سيّما وأنني لب أكع أملك رأس ميا ‪،‬‬ ‫فقد اشتريت بما استطعت ت فير مع وظيفتيي األخييرة قطعية‬ ‫أرض‪ ،‬ولب نكع نرغب في بيعها خ فا مع عدم قدرتنا عليى شيرا‬ ‫واحدة اخر في المستقبل‪ ،‬ألن أسعار األراضي كانت آخذة فيي‬ ‫ا رتفاأ‪.‬‬

‫‪278‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫لب نكع نملك حتى مصروف البيت‪ ،‬فضيالً عيع مصيروفا‬ ‫المكتب! غير أنني قبل عدة أيام مع طردي مع المرسسية كنيت‬ ‫قد تقدمت بطلب تسهيل بنكي ألسحب عليى المكشي ف مبليغ ‪15‬‬ ‫ألف ريا ‪ ،‬بيرض شراء سيارة جديدة لزوجتي‪.‬‬ ‫ولذا قررنا ان نسحب كامل المبلغ لندبر حالنيا منيه ولكيع‬ ‫باقتصاد‪ ،‬إلى ان يفتع اهلل لنا اب اب رزقه‪.‬‬ ‫لب يكع أمامنا مع أف واضيع‪ ،‬إذ ليب أكيع آميل أن يينجع‬ ‫مكتبي‪ ،‬لكنني كنت مطملناً وهادئاً ميع تيأثير ميا شيهدته يي م‬ ‫طردي مع المرسسة‪ ،‬وألنني كنت مدركاً أن كل ذليك بعييع‬ ‫اهلل وأنه اختبار كسابقاته وأن اهلل يعجز أن يفتع لي أبي اب‬ ‫رزقه متى ما شاء وكيفما شاء‪.‬‬ ‫غير أن زوجتي كانت خائفة بشدة ميع أن تضيطرنا الحيياة‬ ‫للج ء إلى األهل أو ينفضع أمرنا وما نعانيه مع شدة‪...‬‬ ‫وبينما كانت جالسة القرفصاء في زاوية ميع غرفية الني م‬ ‫متق قعة على نفسها وتبكي بحرقة وبصمت‪ ،‬انقدحت فيي رأسيها‬ ‫فكرة فنهضت مسرعة وأقبلت نح ي وهي تجفف دم عها بطرف‬ ‫كمها‪.‬‬ ‫نادتني فالتفت نح ها أنا كلي شفقة عليها‪ ..‬اقترحيت عليي‬ ‫أن نذهب لزيارة اإلمام الحسيع (أ) فيي كيربالء‪ ،‬للت سيل بيه‬ ‫لد اهلل لقضاء حاجتنا وفكاك أزمتنا‪ ،‬ف افقت بكل سرور‪.‬‬ ‫أخذ جهاز الهاتف واتصلت بأمي وسألتها إن كانيت راغبية‬ ‫في مرافقتنا هي وأختاي‪ ،‬فطا لبها مع شدة الفرحية‪ ،‬سييما‬ ‫وان زيارة األربعيع المخص صة ا ستحباب كان قد حان أوانها‪.‬‬

‫‪279‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫في الي م نفسه أخبر أمي أخ الي وخا تي عع عزمنا عليى‬ ‫زيارة األربعيع‪ ،‬فاتصل بي خالي عيسى وعيرض عليي أن نسيافر‬ ‫معاً للزيارة‪ ،‬فرحبت ف راً وأنا أطفع بالسعادة فقد كنيت أحبيه‬ ‫كثيراً‪.‬‬ ‫أقلعت بنا الطائرة لمطار بيداد في صباح ي م ا ثنيع بتاري‬ ‫‪ 24‬فبراير وكان قد بقي عليى زييارة األربعييع المخص صية ‪4‬‬ ‫أيام‪.‬‬ ‫جلست في الطائرة بيع زوجتي التي جلسيت بجانيب النافيذة‬ ‫تراقب الطائرة وهي تقلس والفرحية تعلي وجههيا اليذي اتسيب‬ ‫ببراءة األطفا ‪ ،‬وبيع ابني نبيل اليذي أصير أن يجلي بجانيب‬ ‫الممر ليشاك أختيَّ في الصف الذي بجانبنا‪ ،‬وابع خالي تيامر‬ ‫في الصف األمامي‪.‬‬ ‫كنت في أم الحاجة لهكذا رحلة‪ ،‬فهذ أو مرة منذ عيدة‬ ‫سن ا يسنع لي فيها أن أقترب هكذا مع عيائلتي الكبييرة! لقيد‬ ‫مر السين ا عليي بشيكل سيريس‪ ،‬وانشييلت فيهيا بمشياكلي‬ ‫وهم مي وم اجهاتي عنها‪.‬‬ ‫ت جهت برأسي ص ب زوجتي ف جدتها نائمة‪ ،‬فرجعت برأسي‬ ‫إلى ال راء‪ ،‬ماسكا بيدها وسرحت مرة أخر في خيا تي‪.‬‬ ‫تذكر عندما سألني م ظف الحج زا في مكتب السفريا‬ ‫مع باب الفض عيع سيبب سيفرنا للعيراق‪ ،‬بيالرغب ميع شيدة‬ ‫خط رة السفر إليها‪ ،‬فأجبته بتلقائية‪" :‬لزييارة اإلميام الحسييع‬ ‫(أ)"‪ ،‬وأنا افترض انه يعرف مع ه اإلميام الحسييع (أ)‪ ،‬وميا‬ ‫هي قصة زيارتنا له لكنني ف جلت بأنه يعرف شيلاً!‬

‫‪280‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫يا ! بالرغب مع أن عاش راء هي حقاً ملحمة وجدانية خاليدة‬ ‫تجسد أروأ مفاهيب العطاء والنبل والتضيحية وطليب اإلصيالح‬ ‫والدع ة للحرية على مست التاري البشري كله‪ ،‬وميس ذليك‬ ‫كله نحع مقصرون في تعريف العالب بها‪ ،‬وكأنها مليك وحي‬ ‫ثقافي لطائفتنا الشيعية وحسب‪.‬‬ ‫سألني م ظف الحج زا وه مستيرب‪:‬‬ ‫‪ ‬مع ه اإلمام الحسيع؟‬ ‫‪-‬‬

‫فأجبته باستيراب أشد مع استيرابه‪ :‬ألب تسمس بيه أو بيي م‬ ‫عاش راء مع قبل؟!‬

‫هز رأسه بالنفي‪ ،‬فبلمني ذلك شيعر باليذنب وبالتقصيير‬ ‫الشديد في ح اإلمام الحسيع (أ)‪ ،‬وبدأ أخبر بملحمة اإلميام‬ ‫الحسيع (أ)‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫في سنة ‪ 61‬للهجرة‪ ،‬في القرن السابس الميالدي‪ ،‬كان يحكيب‬ ‫العالب اإلسالمي "معاوية بع أبي سفيان" الذي عميل جاهيداً‬ ‫على تييير نمام الحكب اإلسالمي إلى حكيب وراثيي يتداوليه‬ ‫ه وأو د مع بعد ‪.‬‬ ‫وهكذا كان‪ ،‬فعند وفاته ولي ابنه يزيد حكب العالب اإلسالمي‬ ‫ظلماً‪ ،‬فرفض اإلميام الحسييع (أ)‪ ،‬اليذي هي حفييد نبينيا‬ ‫محمد (ص) البيعة له قائالً‪" :‬يزيد رجل فاسق‪ ،‬شارب الخمةر‪ ،،‬قاتةل‬ ‫النفس ة‬ ‫اْلحرمة‪ ،‬معلن بالفسق‪ ،‬ومثلي ال يبا ع ملثله"‪.‬‬

‫قاطعني م ظف الحج زا ‪ ،‬وه يناولني التذاكر‪:‬‬

‫‪281‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫‪ ‬هاك تذاكرك‪ .‬اسمس لقد ش قتني لسماأ هذ الملحمة‪ ..‬ميا‬ ‫رأيك أن أعزمك على ك ب شياي فيي المطيب ‪ ،‬وتحكيهيا‬ ‫لي‪ ..‬لكع لدي ربس ساعة فقف ستراحة الشاي‪ .‬ماذا قلت؟!‬ ‫كنيت مسيتعجالً‪ ،‬لكننيي ليب أكيع أمليك غيير ان أجيبيه‬ ‫بالم افقة‪ ،‬واتجهنا معاً إلى المطب ‪ ،‬حيث أكملت الحكاية‪ ،‬بينميا‬ ‫ه يعد الشاي لنا‪ ،‬وه منصت لي‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫عندما رفض اإلمام الحسيع (أ) المبايعة ليزييد أمير يزييد‬ ‫بقتل اإلميام (أ)‪ ،‬لكيع رد اإلميام (أ) كيان قاطعياً ييردد‬ ‫ة‬ ‫وإن ال ة‬ ‫ةديي ابةن‬ ‫الشيعة عبر مر الزمع شعاراً للعزة واإلبياء‪" :‬أال‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫الديي قد ركزبان ا نتان بان السلة والذلة‪ ،‬وهههات منا الذلة!"‪.‬‬ ‫إن تردي أوضاأ األمة اإلسالمية وحكب الطياة وتع د النياس‬ ‫على العب دية‪ ،‬دفس باإلمام لقيادة عملية اإلصالح‪ ،‬بهدف هيز‬ ‫ْ س ُ سُ‬ ‫ُُْ‬ ‫ضمائر الناس عبر التاري ‪ ،‬مناديياً‪ ":‬يإن ل ْةم سيك ْةن لك ْةم يدي ٌةن سو كنةت ْم ال‬ ‫س س ُ س ْس س ُ ُ س ً ْ ُ‬ ‫تخافون امل سع ساد فكونوا أ ْح سرارا يفي ُدن سياك ْم"‪.‬‬

‫‪ ‬قاطعني الم ظف‪ :‬عف ا عليى المقاطعية‪ ،‬لكيع كيب ملعقية‬ ‫سكر؟‬ ‫‪-‬‬

‫اثنتان‪.‬‬

‫‪ ‬أق ا اإلمام الحسيع رائعة‪ ،‬لكع لألسف الشديد فإن الشيع ب‬ ‫غالباً ما تتحيرك بمجيرد مي اعظ وإن نطي بهيا أعميب‬ ‫الخل ‪ .‬قا الم ظف وه يناولني ك ب الشاي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫اإلمام كان يعلب هذا األمر جييداً‪ ،‬ويعليب أن إيقياظ األمية‬ ‫يحتاج لملحمة عميمة تتجسيد فيهيا كيل معياني الكرامية‬ ‫والبط لة‪ ،‬وليذا خيرج معلنياً‪" :‬انمةا خرجةت لطلةب االصةالح فةي أمةة‬ ‫ة‬ ‫جدي رسول ا (ل) أريد أن آمرباملعروف وأنو عن املنكر"‪.‬‬

‫‪282‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫كان يعلب أنه ليستنهض ضمير اإلنسيانية يجيب أن يقضيي‬ ‫شهيداً ومع معه وأن تسبى أسيرته‪ ،‬فقيدم نفسيه قربانياً هلل‬ ‫ولإلنسانية‪ ،‬وأعلع عع عزمه لكي يتبعه إ مع وطّع نفسه‬ ‫ة ً‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ً س‬ ‫وموطنةا علةى يلقةاء ا نفسةه‪،‬‬ ‫للشهادة‪ ،‬فقا ‪" :‬من كةان بةاذال يفينةا م جتةه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫فل سا ْر سحل سم سعنا"‪.‬‬ ‫‪ ‬يا ما أعممه‪ ..‬لقيد أقيدم عليى حركتيه‪ ،‬وهي يعليب أنيه‬ ‫سيستشهد؟!! قاطعني الم ظف مده شاً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫نعب كان يعلب ذلك جيداً‪ ،‬لكنه كان ييدرك أيضياً أن يي م‬ ‫شهادته ه ي م النصر‪ ،‬بل وه ي م الفيتع العمييب‪ ،‬فقيا ‪:‬‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫"من لحق بنا استشهد‪ ،‬ومن تخلف عنا لم يبل الفت "‪.‬‬

‫‪ ‬بقي لدينا أقل مع خم دقائ ‪ ،‬أرج ك أخبرني بسرعة ماذا‬ ‫حصل‪ ،‬وكيف جر هذ المأسياة؟ سيألني وهي فيي شي ق‬ ‫لمعرفة ما حصل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫قام جيش يزيد اليذي كيان يبليغ تعيداد ‪ 36‬أليف محيارب‬ ‫بمحاصرة ا مام الحسيع ومع معه مع أهليه وأصيحابه فيي‬ ‫أرض تسمى كربالء‪ ،‬لمدة ‪ 3‬أيام‪ ،‬منع هب فيهيا ميع المياء‪،‬‬ ‫وفي ي م العاشر مع شهر محرم قام ا بقتل أهل بيت رس‬ ‫اهلل (ص)‪ :‬ا مام الحسيع حفييد الرسي (ص)‪ ،‬و ‪ 72‬فيرداً‬ ‫مع أهل بيته وأطفاله وأصحابه وهب عطاشى بأبشيس صي رة‬ ‫وأكثرها إرهاباً‪ ،‬فقطع ا رؤوسهب‪ ،‬وعلق هيا في ق الرمياح‪،‬‬ ‫ورض ا اجسادهب الكريمة بالخي تيركض عليهيا‪ ،‬لتهشيب‬ ‫أجسامهب وعمامهب قطعة قطعة‪.‬‬

‫‪ ‬يا ‪ ...‬ما أفمس ذلك!‬

‫‪283‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫‪-‬‬

‫لب تنته الملحمة هنا‪ ،‬وإنما استمر بق د نساء وأطفا أهيل‬ ‫بيت الرس األعمب (ص)‪ ،‬سبايا مقيديع على الجميا بكيل‬ ‫مميياهر اإلذ والهيي ان رافعيييع بجييانبهب رؤوس اإلمييام‬ ‫وأصحابه على رماح ط يلة‪ ..‬طاف ا بهب مع الك فة والعيراق‬ ‫إلى دمش مرورًا على كبريا المدن ال اقعية بييع الك فية‬ ‫والشام على طري الساحل‪.‬‬

‫تأثر م ظيف الحجي زا بشيدة‪ ،‬فقيد كيان وجهيه يعكي‬ ‫ب ض ح ممياهر األليب مصيح بة بالدهشية وا سيتيراب‪ ،‬وقيا‬ ‫بحرقة‪:‬‬ ‫‪ ‬هر ء حي انا ‪ ..‬إنهب مت حش ن!‬ ‫‪ ‬بابا‪ ،‬احتاج للذهاب للحمام‪ .‬قا لي ابنيي وهي يهزنيي ميع‬ ‫كتفي‪.‬‬ ‫فتحت عيني‪ ،‬وابتسمت فيي وجهيه ثيب قبلتيه عليى وجنتيه‬ ‫واخذته إلى الحمام‪.‬‬ ‫في الممر طليب منيا المضييف أن نعي د بأسيرأ ميا يمكيع‬ ‫لمقاعييدنا‪ ،‬وربييف أحزمتنييا‪ ،‬ألن الطييائرة كانييت علييى وشييك‬ ‫الهب ط‪ ،‬ف عدته بذلك‪.‬‬ ‫كنت متأثرا جدا لنزولنا الى أرض األطهار‪ ،‬وكانت مشاعر‬ ‫متناقضة تتجاذبني‪ ،‬فقد كنت أشعر بالش ق العارم للقاء األئمية‬ ‫األطهار (أ)‪ ،‬سيما اإلمام علي واإلمام الحسيع عليهميا السيالم‪،‬‬ ‫لكنني في ال قت ذاته كنت أشعر بالذنب الشديد لتقصييري فيي‬ ‫نصرتهب ونصرة اإلمام المهدي (عج)‪.‬‬ ‫كنت أدرك أن رسالة اإلمام الحسييع (أ) كانيت النهي ض‬ ‫بالعالب‪ ،‬ومع أجل ذلك قدم نفسه وأهله قيرابيع هلل‪ ،‬بيل كيان‬ ‫‪284‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫ينتمر هذا الي م بفارغ الصبر‪ ،‬فه الي م الذي وُعدَ بيه وأُخْبيرَ‬ ‫بتفاصيله منذ أن كان طفالً صييراً‪.‬‬ ‫تذكر خطبة اإلمام الحسيع (أ) حينما أراد الخيروج ميع‬ ‫مكة إلى الك فية‪" :‬خة املةوت علةى ولةد آدش مخة القةالدة علةى جيةد الفتةاة ‪،‬‬ ‫ومةةا أولنهةةي إلةةى أسةةالفي اشةةتياق عقةةوب إلةةى يوسةةف ‪ ،‬وخاةةرلةةي مصةةرع أنةةا القيةةه‪ ،‬كةةأن‬ ‫ً‬ ‫بأوص ةةالي تقطعه ةةا عس ةةالن الفل ةةوات ب ةةان الن ةةواويس وك ةةربالء ‪ ،‬ف ةةيممن من ةةي أكراش ةةا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جوفا وأجربة سغبا"‪.‬‬ ‫اقشعر جسمي‪ ،‬وانحيدر عليى وجنتيي دمي أ سياخنة ميع‬ ‫حرقتي لمصاب اإلمام الحسيع (أ)‪ ،‬ولتقصيري فيي حي حاميل‬ ‫رسالته في هذا العصر اإلمام المهدي (عج)‪.‬‬ ‫تساءلت في نفسي هل كنت ألنصر اإلمام الحسييع (أ) فيي‬ ‫ي م عاش راء وه يطلب النصرة‪ ،‬أم كنت سأكتفي بالبكاء عليه‬ ‫والتأسف له‪ ،‬متعذراً بمسرولياتي تجا أسيرتي كميا هي حيالي‬ ‫فعالً مس اإلمام المهدي (عج)؟!‬ ‫عاهد اهلل بكل إخالص أنه إن رزقني ميا أدفيس بيه تكليفيي‬ ‫الشرعي تجا أسرتي ووالدتي وأختيَّ‪ ،‬ألتفرغع لخدمته ونصيرة‬ ‫اإلمام المهدي (أ)‪ ،‬وإنه إن زاد في رزقه لي عيع ذليك ألتبيرأ‬ ‫بجميس الزائد عع حاجتي في سبيله وفي خدمة البشرية‪.‬‬ ‫ال أن يجعلنيي‬ ‫عاهدته بكل صدق وحرقة‪ ،‬ورج ته مت سي ً‬ ‫ُ‬ ‫مع أوللك الفاسقيع الذيع أشار إليهب في ق له سبحانه‪" :‬ق ْةل يإن‬ ‫ٌ‬ ‫س س‬ ‫ال ْاق ست سر ْف ُت ُم س‬ ‫ةان سآبةةا ُ ُك ْم سو سأ ْب سن ة ُ ُك ْم سوإ ْخة سةو ُان ُك ْم سو سأ ْز سو ُ‬ ‫اج ُكة ْةم سو سع يشة سةارُت ُك ْم سو سأ ْمة سةو ٌ‬ ‫وهةةا سو يت سجة سةارة‬ ‫كة‬ ‫ي‬ ‫س ْ س ْ س س س س س س س س ُ س ْ س ْسس س س ْ س ْ ُ‬ ‫ة‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ة‬ ‫س‬ ‫ةول يه و يجهة ظةاد يفةةي سة يةب ييل يه‬ ‫اع ورسة ي‬ ‫تخشةةون كسةةادها ومسة يةاكن تر ةةو ها أحةةب يإلةةيكم يمةةن ي‬ ‫ْس ْس ْس‬ ‫س‬ ‫سس ْ ُ ْ س ْ سْ ةُ سْ س ةُ سسْ‬ ‫اس يقان"‬ ‫فت سربصوا حت يأ يت س اع يبأم ير يه واع ال له يدي القوش الف ي‬

‫‪285‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫حطت الطائرة على األرض‪ .‬فتحيت عينيي ف جيد زوجتيي‬ ‫مستيقمة تنمر لي بسعادة‪ ،‬فلقد كانت هي أيضا تشعر بالسعادة‬ ‫والش ق لزيارة األئمة عليهب والمك ث في األراضي المقدسة‪.‬‬ ‫‪#######‬‬ ‫كان مطار النجف غاصاً عع بكيرة أبييه بيالزوار ميع كيل‬ ‫أنحاء العالب‪ ،‬لدرجة انه خيل لي اننيا سينبقى فيي المطيار إليى‬ ‫الي م التالي‪ ،‬سيّما وأن عدداً كبيراً مع الزوار قدم ا مع دون‬ ‫الحص على تأشيرة الدخ للعراق‪.‬‬ ‫أذهلني اننا لب نستيرق أكثر ميع سياعة ونصيف لتخلييص‬ ‫إجراءا الخروج مع المطار بالرغب مع الف ضى العارمية التيي‬ ‫كانت بادية في المطار بسبب األعداد الهائلة للزوار‪.‬‬ ‫كان الباص في انتمارنا في م اقيف السييارا ‪ ،‬حييث كيان‬ ‫خالي عيسى (كابتع الرحلة) قد نسي ميس الفنيدق اليذي قيام‬ ‫بالحجز لنا فيه في النجف ستقبالنا مع المطار‪.‬‬ ‫كان الطري للفندق مزدحما جداً بسبب األفي اج الملي نيية‬ ‫القادمة لزيارة أمير المرمنيع (أ) فيي طريقهيا لزييارة اإلميام‬ ‫الحسيع (أ) بكربالء‪.‬‬ ‫رأيت زوجتي تذرف اليدم أ بخشي أ‪ ،‬فعرفيت أنهيا تعييش‬ ‫مشاعر الحزن لمصاب أبي عبداهلل الحسيع (أ)‪ .‬سألتني بهدوء‪:‬‬ ‫أفهب لماذا لب يترك اإلمام الحسيع (أ) نسياء فيي مكية‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫وأخذهع معه إليى كيربالء‪ ،‬ميس أنيه (أ) كيان يعيرف أن‬ ‫مصيرهع سيك ن السبي؟‬

‫‪286‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫‪-‬‬

‫وكيييف تعلميييع أنييه سييالم اهلل عليييه كييان يعييرف أنهييع‬ ‫سيسبيع؟‬

‫‪ ‬ه بنفسه قا ذلك عندما طلب منه أخ محميد الحنفيية‬ ‫عدم الخروج للك فة‪ ،‬فرد علييه اإلميام الحسييع (أ)‪" :‬لقةد‬ ‫ً‬ ‫ج ةةاءن رس ةةول ا بع ةةد م ةةا فارقت ةةك وق ةةال ل ةةي ‪ :‬لق ةةد ش ةةاء ا أن ي ةةراك قت ةةيال"‬ ‫فاسترجس ابع الحنفية وقا ‪ :‬إذا كان األمير كميا تقي ‪،‬‬ ‫فما معنى حملك للنساء وأنت تخرج لهذ الياية ‪ ،‬فقا (أ)‬ ‫له ‪" :‬لقد شاء ا إن يراهن سبايا"‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫فعال‪ ،‬كالمك صحيع‪ ،‬والسبب في أخذهع معه ه أن ث رته‬ ‫(أ) لب تكع لتينجع لي اليدور اليذي قاميت بيه السيبايا‬ ‫والعقيلة زينب (أ) فيي نشير فكير وأهيداف ثي رة اإلميام‬ ‫للمسيلميع‬ ‫الحسيع(أ)‪ ،‬وما جر فيها مع ميبسٍ وبطي‬ ‫أجمس‪ ،‬إذ انّ اإلعالم األم ي قد عمل على تعتيب األمر وأفهيب‬ ‫الناس بأنّ اإلمام الحسيع وأصيحابه إنميا هيب خي ارج عيع‬ ‫الديع‪.‬‬

‫‪ ‬أنا أشعر بقشعريرة كلما قرأ أو سيمعت م اقيف السييدة‬ ‫زينب ي م عاش راء وفي رحلة السبي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لقد كانت زينب (أ) متقمصة لكل القيب اإلنسانية العميمية‬ ‫التي اختزلتها ث رة الحسيع (أ)‪ ،‬فكانت تبثها بق ة وتلقائية‬ ‫وحرارة وصدق في كل حركية ميع حركاتهيا وم اقفهيا‬ ‫وزفراتها‪ ،‬لتدخل إلى قل ب الناس في العالب كليه‪ ،‬فتهيزهب‬ ‫وت قظ ضمائرهب‪ ،‬فيث روا على ذواتهب‪ ،‬لينعك ذليك فيي‬ ‫ث را وث را ضد الملب والفساد عبر مر التاري ‪.‬‬

‫‪287‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫‪ ‬يهزني مع أعماقي م قفها في ي م عاشي راء‪ ،‬عنيدما رفعيت‬ ‫جسد أخيها الحسيع وه مقط أ الرأس وممزق إربياً إربياً‪،‬‬ ‫وهي تلقي بطرفها الى السماء مخاطبة اهلل تعالى‪" :‬اللهةم تقبةل‬ ‫منا هذا القربان"‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وأنا أيضا‪ ،‬ويذهلني أيضا يقينها وثباتهيا وهيي واقفية أميام‬ ‫الطاغ األعميب يزييد فيي مجلسيه‪ ،‬وهيي أسييرة لدييه‪،‬‬ ‫مزلزلة كيانيه بخطبتهيا المدويّية‪ ..." :‬ولةنن جةرت علةي الةدواصي‬ ‫مخاطبت ةةك‪ ،‬انة ة الستص ةةغرق ةةدرك واس ةةتعظم تقريع ةةك‪ ،‬واس ةةتك رتوبيخ ةةك‪...‬‬ ‫فكةةد كيةةدك‪ ،‬واسةةع سةةعيك‪ ،‬وناصةةب جهةةدك‪ ،‬فةةوا ال تمحةةو ذكرنةةا‪ ،‬وال تميةةت‬ ‫وحينا‪ ،‬وال تدرك أمدنا‪ ،‬وال يةرح عنةك عارهةا‪ ،‬وهةل رأيةك اال فنةد وايامةك اال‬ ‫عدد‪ ،‬وجمعك اال بدد‪ ،‬يوش ينادي املنادي اال لعنة ا على الظاملان‪"...‬‬

‫لب أكد انتهي مع كالمي حتيى وصيلنا إليى الفنيدق‪ .‬لقيد‬ ‫كان بسيطاً ومت اضعاً جيداً‪ ،‬كمعميب الفنيادق الم جي دة فيي‬ ‫النجف‪ ،‬غير أنه كان قريباً جداً مع العتبة العل ية ومطالً علييه‬ ‫مع طرف باب الشي الط سي (قد)‪.‬‬ ‫قرر النساء الجل س في الفندق مس األطفا ألخذ قسف مع‬ ‫الراحة‪ ،‬بينما ت جهنا أنا وخالي عيسى وابنه نادر إلى حرم اإلمام‬ ‫علي (أ) لزيارته‪.‬‬ ‫كان الحرم غاصاً بالزوار لدرجة إننيا التحمنيا فيي بعضينا‬ ‫كجسد واحد‪ ،‬وأصيبحنا نتحيرك يمنية ويسيرة معياً متجهييع‬ ‫لضريحه سالم اهلل عليه‪..‬‬ ‫اسييلمت نفسييي للجميي أ تحركنييي معهييا‪ ،‬وخشييعت وأنييا‬ ‫أستحضر عممة هذا المسجى أمامنا‪ ..‬رجل تعاد ضربة واحيدة‬

‫‪288‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫مع ضرباته أعما الثقليع (الجع واإلن ) إلى ي م القيامية(‪!! ) 7‬‬ ‫فكيف إذاً بسائر أعماله؟!‬ ‫أي عمالقٍ ه ؟ وأي يقيع وإخالص يضمه صدر هيذا الرجيل‬ ‫وأضلعه‪ ..‬إنه يحير العق بعممته حتى تخشس في فنياء جالليه‬ ‫وقدسيته‪..‬‬ ‫قضينا تلك الليلة في النجف في زيارة أمير الميرمنيع (أ)‪،‬‬ ‫وبعد صالة الفجر ركب الجميس الباص‪ ،‬وانطلق ا نح كربالء‪،‬‬ ‫فيما عداي حيث قرر ان أمضي مس المشاية نح كربالء‪.‬‬

‫‪#######‬‬ ‫في كل عام يتقاطر مالييع الزوار (ويسم ن بالمشاية) ميع‬ ‫مختلف دو العالب ومع مختلف مدن العراق‪ ،‬لينطلقي ا لزييارة‬ ‫اإلمام الحسيع (أ) في كربالء مشياً على األقيدام فيي مسييرا‬ ‫ملي نية عالمية سيلمية‪ ،‬إلعيالن الم اسياة والتضيامع ميس سييد‬ ‫الشهداء اإلميام الحسييع (أ)‪ ،‬وإلعيالن الي ء والنصيرة لخيف‬ ‫الرسالة المتمثل في اإلمام المهدي (عج)‪.‬‬ ‫ربما تك ن هذ المسيرا هي األط مسافة ومدة في تاري‬ ‫البشرية‪ ،‬حيث أن مسافة أصير مسار (المسيار ميع النجيف اليى‬ ‫كربالء) تمتد ألكثر مع ‪ 82‬كيل متراً‪ ،‬ويستيرق فيي العيادة‬ ‫قرابة ‪ 3‬أيام‪ ،‬بينما تمتد بعض المسارا لمسافا تصيل ألكثير‬

‫‪ 7‬إشارة إىل قييق ص) ال "ملبارزة على بن أرى طالب عليه السالش لعمرو بن عبد ود يوش الخندق أفضل من‬ ‫أعمال امت الى يوش القيامة"‪ -‬م تدرك ايصحيحين‪ ،‬ا خطي ايبسداد ‪ ،‬واي خر ايرال في ت يره ايكبير‬

‫‪289‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫مع ‪ 456‬كيل متراً‪ ،‬وتستيرق في العادة أكثر مع أسب عيع‪ ،‬بيل‬ ‫ويأتي بعضهب مشياً مع خارج العراق‪.‬‬ ‫كما أنها األضخب أيضاً‪ ،‬فال أعتقد أن العيالب عيرف تجمعيًا‬ ‫ال‪ ،‬حيث تصيل أعيداد المشياية ميا يفي ق العشيريع‬ ‫بشرياً مماث ً‬ ‫ملي ناً‪ ،‬ولذا يتح المسار مع النجف إليى كيربالء إليى نهير‬ ‫بشري متدف ‪ ،‬ويستمر كذلك لعدة أييام‪ ،‬حييث يقي م معميب‬ ‫ال اصليع إلى كربالء بالخروح منها فيي تيدف معياك ‪ ،‬فيي‬ ‫نف ي م ال ص أو الي م الذي يليه‪.‬‬ ‫غير أن ما يميز هيذ المسييرا حقياً‪ ،‬ويجعلهيا ميع أروأ‬ ‫ال وعمميةً هي سيم المشيياعر‬ ‫المسييرا وأكثير جمييا ً ونيب ً‬ ‫واألحاسي التي تكتنف هذ المسيرا ‪ ،‬فهي تتأجج حبياً وخييراً‬ ‫ال لها‪،‬‬ ‫وروحانيةً‪ ،‬يعرف العالب مثي ً‬ ‫لكنها في ال قت ذاته هي أكثر المسيرا في العيالب تقيديمًا‬ ‫للتضحيا والشهداء‪ ،‬حيث يترصدهب التكفيري ن اإلرهابي ن مع‬ ‫السلفية ليفجروهب بالمفخخا والقنابل‪ ،‬فما يزيدهب ذليك إ‬ ‫إصراراً وعشقاً لإلمام الحسيع (أ)!‬ ‫بدأ أحث الخطى وأسرأ في المشي ألصل إلى الطري العام‬ ‫المردي إلى كربالء‪ ..‬كان الطريي مزدحمياً بالمشياة‪ ،‬وذليك‬ ‫بسبب ت افد المالييع مع داخل العراق وخارجه للنجيف لزييارة‬ ‫أمير المرمنيع (أ) في طريقهب لزيارة اإلمام الحسيع (أ)‪.‬‬ ‫بعد س يعا ٍ قليلةٍ وصلت إلى الطري العام‪ .‬واصلت المشيي‪،‬‬ ‫لكع هذ المرة بسرعة أبفء لكي يقعدني التعب عيع م اصيلة‬ ‫الطري فقد كان يمتد قرابة ‪ 86‬كيل متراً‪.‬‬

‫‪290‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫أذهلني ما رأيته فقد كان الطري بالرغب مع سعته مزدحماً‬ ‫بالمشاية‪ ،‬لدرجة أنني كنت أضطر أحيانا لتبطلة سرعتي‪.‬‬ ‫كانت الماليييع تزحيف فيي هميةٍ عالييةٍ‪ ،‬وبمعن ييا ٍ قي َ‬ ‫لّ‬ ‫نميرها‪ ،‬فقد كانت مشياعر الحيزن ممزوجيةً بمشياعر الشي ق‬ ‫والحب واللهفة تدفعهب دفعا نح اإلمام الحسيع (أ)‪.‬‬ ‫كانت أعيينهب صيافية تشيس بي ميض العشي والي ء‪ ،‬وإذا‬ ‫نمر في وجه أحدهب ترا يبتسب في وجهك ابتسامةً مالئكييةٍ‬ ‫تسلب لبك وتأسر قلبك‪ ،‬فتشعر أنك في عالبٍ آخر غير الدنيا‬ ‫وكأنهب مالئكةً يمش ن على األرض‪.‬‬ ‫وبخالف ما كنت أعتقد قبالً‪ ،‬هب لب يك ن ا يتحدون المي‬ ‫على أيدي اإلرهابييع‪ ،‬أو برودة الج الذي كان يرجيف جسيمي‬ ‫رجفاً‪ ،‬أو ط الطري ووع رته‪ ،‬بل إنهب لب يك ن ا يحفل ن أو‬ ‫يبال ن بكل ذليك‪ ،‬فقيد شييفهب حيب الحسييع (أ)‪ ،‬فهيان فيي‬ ‫نف سهب جميس ما دونيه فتجيد أرواحهيب تطيير بأبيدانهب نحي‬ ‫سيدهب وم هب‪،‬‬ ‫كان ا يمش ن مشي العاشقيع عليى طريي ملييء بالحصيى‬ ‫وكأنهب يمش ن على حرير! بل أن بعضهب لب يكع يرضييه هيذا‬ ‫المست مع الم اساة‪ ،‬ويدفعه عشقه للحسييع ألن يتمييز عليى‬ ‫غير مع الم اسيع‪ ،‬فكان يمشي حافيًا وه يحمل عدتيه الثقيلية‬ ‫على ظهر ‪.‬‬ ‫كانت المسيرة شاقةً وتتطلب قدرةً وإرادةً عياليتيع لتحميل‬ ‫مشاق الطري والطق ‪ ،‬ولذا هزني مع أعماقي أن أر المشياية‬ ‫مع كل ا عمار ميع الطف لية حتيى الكه لية‪ ،‬وفييهب النسياء‪،‬‬ ‫والمرضى والعجزة‪ ،‬بل وبعضهب يمشي حافياً!‬

‫‪291‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫ويحي! أي عش وتفان هذا الذي يحمله هر ء فيي نف سيهب‬ ‫وبيع ضل عهب!! يا إلهي‪ ،‬كيب أنيا صييير أميام هيذ العممية‬ ‫والشم ت! غير أن ما جعلني أبكي مع شدة التأثر ه ما شيهدته‬ ‫مع خدام زوار الحسيع (أ)‪.‬‬ ‫لقد كان الطري بط له الممتد ‪ 86‬كيل متيراً راصياً عليى‬ ‫جانبي الطري بخدم زوار الحسيع (كما يحب ن أن يسم ) وهب‬ ‫يفرش ن بضاعتهب التي عمل ا على التجهييز لهيا واقتنائهيا ميع‬ ‫مدخراتهب وق تهب الي مي لط ا سنة كاملة‪.‬‬ ‫وأما مع لب تسعفه فاقتيه وبيرس حاليه عليى اقتنياء شييء‬ ‫يعرضه‪ ،‬لب تعيه الحيلة لخدمة زوار الحسيع (أ) فتجد يعرض‬ ‫بضاعته ه أيضاً مع تدليك للمشاية وما شابه مع خدما ‪.‬‬ ‫قدم "خدم زوار الحسيع" هر ء ميع كافية أنحياء العيراق‬ ‫ومدنييه ليتشييرف ا بخدميية زوار الحسيييع (أ)‪ ،‬ولييذا تجييدهب‬ ‫يتنافس ن بشدة لعرض بضاعتهب للزوار‪ ،‬حتى أن بعضيهب يقيف‬ ‫ال إيياهب لتنياو األكيل عنيد أو‬ ‫وسف طري المشياية مت سي ً‬ ‫ا ستراحة لديه‪.‬‬ ‫وألنهب يهتم ن بشدة براحية عمالئهيب ميع اليزوار‪ ،‬فيإنهب‬ ‫يدرك ن حاجاتهب أثناء المشي‪ ،‬وليذا ينيدر أن تجيد خدمية أو‬ ‫حاجة مما يحتاجها المشاية غير مت فرة‪ ،‬حتيى غسيل المالبي‬ ‫وكيها الف ري‪.‬‬ ‫كما وتجد التنيانير م زعية عليى قارعية الطريي بط ليه‬ ‫لت فر خبز تن رٍ طازجٍ وساخعٍ للمشياية‪ ،‬ناهييك بيالطبس عيع‬ ‫األكشاك التي تقدم مختلف أن اأ الطعام للزوار‪ .‬وأما أكشياك‬

‫‪292‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫الشاي الساخع فهي منتشرة بكثافة شيديدة حتيى يخييل إلييك‬ ‫إنك في ساحة مقاهي‪.‬‬ ‫وخلف خدام "زوار اإلميام الحسييع" يتيراص ميا يقيارب ‪3‬‬ ‫ملي ن مضيف واستراحة على ط الطري ‪ ،‬يلجيأ اليهيا اليزوار‬ ‫للن م أو لالستراحة او الصالة او لتناو الطعام‪.‬‬ ‫كل هذا طبيعي ومت قس في بلدٍ يشهد م سماً سياحياً كهذا‪،‬‬ ‫غير أن اليرييب فيي األمير هي أن ميا تعلمنيا ميع القي انيع‬ ‫ا قتصادية تعمل هنا!‬ ‫فالخدام يتقاض ن أجي را إزاء الخيدما التيي يقيدم نها‬ ‫للزوار! بل و يتقاض ن حتى تكاليف ما يصرف نه علييهب ميع‬ ‫مأكلٍ ومشربٍ ومسكعٍ‪ ،‬وإنما يقدم ن كل ذلك مجاناً لليزوار‬ ‫وهييب فييي غاييية السييعادة واليبطيية وا متنييان للييزوار لقب ي‬ ‫خدماتهب‪.‬‬ ‫يصرف ن مليارا الدو را على زوار الحسيع (أ) في هيذ‬ ‫األيام القليلة مع جي بهب الخاصة م اساةً له وحبياً فييه ورغبيةً‬ ‫في نصرته ونشر رسالته‪.‬‬ ‫واألغرب مع ذلك ه أنهيب يجمعي ن هيذ الملييارا ميع‬ ‫ق تهب وخبزهب الي مي عليى ميد عيامٍ كاميلٍ‪ ،‬وهيب الشيعب‬ ‫الفقير المدقس الفقر! بل ويعيدون الكرة كل عيام‪ ،‬وكيأنهب‬ ‫هبَّ و حاجةَ لهب في هذ الدنيا س خدمة زوار الحسييع (أ)‬ ‫والتفاني في عش اإلمام الحسيع (أ)!!‬ ‫أنهكني التعب وكيان وقيت الصيالة عليى وشيك اليدخ ‪،‬‬ ‫فانعطفت يميناً ألقيرب اسيتراحة وقيد كانيت خيمية مت سيطة‬ ‫الحجب‪.‬‬

‫‪293‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫كان الج شبه معتد في الخيمة‪ ،‬فنزعت الكنيزة الصي فية‬ ‫التي كنت أرتديها‪ ،‬ووضعتها في ق شينطتي التيي وضيعتها فيي‬ ‫طرف مع الخيمة‪ ،‬واستلقيت بجانبها مدثراً ببرنص سميك ميع‬ ‫الص ف‪ ،‬وغصت في ن م عمي أفاقني منه ص الميرذن لصيالة‬ ‫المهر‪.‬‬ ‫ذهبت للت ضر‪ .‬كان الماء شديد البرودة‪ ،‬ولب يكع ليدي ميا‬ ‫أجفف به وجهي وذراعيَّ‪ ،‬فرجعت للخيمة مسرعاً حيث كان أحد‬ ‫علماء الديع قد بدأ صالة الجماعة فكبر ولحقت به‪.‬‬ ‫وبمجرد أن انتهينا مع الصيالة‪ ،‬بيدأ الخيدام ب ضيس سيفرة‬ ‫اليداء‪ ،‬وت زيس أطباق الرز مس السمك‪.‬‬ ‫كان نصيبي مع السمك جافاً بعض الشي‪ ،‬ويبيدو أن الشياب‬ ‫الصيير الذي كان يجل أمامي حظ معاناتي معه‪ ،‬فميا كيان‬ ‫منييه إ أن أخييذ حصييته‪ ،‬وقييد كانييت قطعيةً مليليةً بالسييمك‬ ‫ومطب خةً بشكلٍ جيدٍ‪ ،‬ووضعها في صحني مع دون أن يم منها‬ ‫شيلاً‪.‬‬ ‫شكرته على لطفه‪ ،‬وحاولت إرجاعها اليه‪ ،‬لكنه رفيض رفضيًا‬ ‫باتاً وبإصرار‪ ،‬فخشيت أن أكسر خياطر إذا أنيا ارجعتهيا إلييه‪،‬‬ ‫فاستسلمت وبدأ آكل منهيا‪ ،‬ف جدتيه يبتسيب ابتسيامة بريليةً‬ ‫رائعةً وينمر لي بنمرا شكرٍ وامتنان‪.‬‬ ‫تأثر بالم قف‪ ،‬وذكرني بما حصيل معيي السينة الماضيية‬ ‫عندما ذهبنا أنا وزوجتي لزيارة اإلمام الحسيع (أ) لمدة أربعية‬ ‫أيام في غير م اسيب الزييارة المعروفية‪ ،‬حييث ذهبنيا بمجيرد‬ ‫وص لنا لكربالء لحرم اإلمام الحسيع (أ) لزيارته‪ ،‬وقيد كانيت‬ ‫الساعة الحادية عشر ليالً‪.‬‬

‫‪294‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫كنا قد عقدنا العزم على أن نقضي الليل بط له فيي الحيرم‬ ‫للعبادة والصالة‪ ،‬لكع بعد قرابة ‪ 3‬سياعا بيدأ زوجتيي تشيعر‬ ‫باإلعياء وبب م في ظهرها‪ ،‬فقررنا الرج أ للفنيدق لالسيتراحة‬ ‫مع عناء السفر‪.‬‬ ‫كنّا في حيرةٍ مع أمرنا ونحع نيادر الحيرم‪ ،‬فزوجتيي ليب‬ ‫ال‪ ،‬والفندق يبعد أكثر مع‬ ‫تكع في وضسٍ يسمع لها بالمشي ط ي ً‬ ‫ربس ساعة مشيا‪ ..‬دع نا اهلل أن يجعل لنا مع أمرنا فرجاً بيالرغب‬ ‫مع أننا لب نكع نستطيس حتى أن نتخيل ما عسى قيد يكي ن هيذا‬ ‫الفرج!!‬ ‫وقفنا على عتبة الحرم ميع الخيارج‪ ..‬كانيت اليدكاكيع‬ ‫ميلقة والشارأ شبه خا ٍ مع المارّة‪ ،‬فقد كانت السياعة الثانيية‬ ‫والربس بعد منتصف الليل‪.‬‬ ‫وبينما نحع ننمر يمنةً ويسرة في حيرةٍ مع أمرنيا‪ ،‬اقتيرب‬ ‫منّا طفل في الحاديية عشير ميع عمير تقريبياً وييدفس بيدييه‬ ‫كرسيًا متحركاً‪ ،‬وسألنا إن كان يستطيس أن يقل احدنا لمكيان‬ ‫سكنانا‪.‬‬ ‫يا اهلل ما أكرمك وأرحمك! أمر و في الخييا ‪ ..‬جلسيت‬ ‫زوجتي على الكرسي واتجهنا الى الفندق‪.‬‬ ‫كان الم قف مرثراً جداً‪ ،‬فقد كانيت اسيتجابة اهلل سيريع ًة‬ ‫لدعائنا‪ ،‬وشعر أنه عز وجل يق لي‪ :‬أن يا عبدي أنيا معيك‪،‬‬ ‫وانت فيي عينيي‪ ،‬واألمير بييدي‪ ،‬حتيى وإن اعجزتيك الحيلية‪،‬‬ ‫وفقد األمل‪ ..‬ث بي وأنا لع أتخلى عنك في مصلحتك‪.‬‬ ‫ولكع األشدُّ تأثيراً فيَّ كيان هيذا الطفيل نفسيه‪ ،‬فيأي إراد ٍة‬ ‫وهمةٍ هذ التي تدفعه للبحث عع رزقه في منتصف الليل‪ ،‬حييث‬

‫‪295‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫يندر المحتاج ن لخدماته! يا تر كب مع ال قت أمضيى وهي‬ ‫يبحث عع زب ن إلى أن وجدنا؟‬ ‫ثب أي برسٍ وفقرٍ هذا الذي يضطر للبحث عع لقمة عيشيه‬ ‫حتى في منتصف الليل‪ ،‬والناس نيام في فرشهب‪ ،‬بينما ه يجي‬ ‫هنا وهناك وحيداً في هذا الج البارد يبحث عع رزقه!!‬ ‫تذكر قصة بائعة الكبريت‪ ،‬فدمعت عيناي‪ ،‬ودع اهلل ليه‪،‬‬ ‫وقرر أن أمنحه مبلييًا كبييراً ميع الميا عنيدما نصيل اليى‬ ‫الفندق‪.‬‬ ‫تأملت تقاسيب وجهه على ض ء أعمدة اإلنارة‪ ،‬ف جدته بريلياً‬ ‫يد على البرس‪.‬‬ ‫وفي غاية اللطف والعذوبة‪ ،‬غير أن ممهر‬ ‫وصلنا إلى الفندق‪ ،‬فسبقتني زوجتي للداخل‪ ،‬بينميا أخرجيت‬ ‫أنا مبلياً مع الما وأعطيته ذلك الطفل‪ ،‬فرفض أن يأخذ !‬ ‫ظننت أنه يرييد مبلييًا أكبير فسياءني منيه ذليك‪ ،‬لكننيي‬ ‫أخرجت مبليًا أكبر ومدد يدي نح به‪ ،‬فرفض أخيذ وقيا‬ ‫لي برقة وبراءة‪:‬‬ ‫‪ ‬أريد أجري مع أبي عبد اهلل الحسيع (أ) ي م القيامة‪.‬‬ ‫خنقتني العبرة لكنني تماسكت‪ ،‬وقلت له برقة‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫اهلل يتقبل منك حبيبي‪ ،‬نيتك صافية ومخلصة و شك أن‬ ‫اإلمام الحسيع سيثيبك ي م القيامة‪ ،‬ولكع هيذا رزق سياقه‬ ‫اهلل اليك في الدنيا‪ ،‬باإلضافة إلى ث اب اآلخرة‪.‬‬

‫لكنه نمر إلي بت سلٍ وانكسارٍ وطلب مني أن أعفيه عع أخيذ‬ ‫المبلغ!‬

‫‪296‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫مسكت بيد ‪ ،‬وفتحت أصابعه برقة بالية ووضعت فيه المبليغ‬ ‫وأنا أق له مبتسماً ومشجعاً‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫هي عطية مع اإلمام الحسيع (أ) لك‪ ،‬فهل تردها؟‬

‫فما كان منه إ أن ت سل إلي‪ ،‬والدم أ تنحدر على وجنتيه‪:‬‬ ‫‪ ‬إنني اق م بهذا العمل م اساةً لإلمام الحسيع (أ) ورغبةً فيي‬ ‫ث ابه‪ ،‬فال تحرق عملي‪ ...‬أرج ك‪.‬‬ ‫لب أستطس أن اتمالك نفسي أكثر مع ذلك فسالت دمي عي‪،‬‬ ‫وأرجعت المبلغ إلى جيبي وقلت له برقة وأنا أقبل رأسه‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪..‬‬

‫تخف لع أحرق عملك‪.‬‬

‫فمضى عني سعيداً وه يشكرني!!!‬ ‫يا إلهي هل هب مالئكة أرسلتهب لنا في شكل بشيرٍ ليعلم نيا‬ ‫كيف تك ن العممة والشم ت والنبل!‬ ‫واألدهى أنهب يفعل ن كل ذلك وهيب يشيعرون بالتقصيير‪،‬‬ ‫وتشعر أن ال احد منهب ي د أن يقطس قطعيا قطعياً فيداء ليزوار‬ ‫الحسيع (أ)!‬ ‫أوقد هذ الذكر الهمة في قلبيي وفيي عروقيي‪ ،‬فقميت‬ ‫اجتهد الخطى نح كربالء‪ ،‬والعش يملل ني‪.‬‬ ‫كان الطري يحكي قصة معاناة وبرس يعيشها هيذا الشيعب‬ ‫األبي‪ ،‬فكأنك في دولة فقيرة ميع أفقير دو العيالب وأكثرهيا‬ ‫تخلفاً!‬ ‫تساءلت في نفسي متعجبا ‪ :‬كيف يك ن الشعب العراقيي فيي‬ ‫غاية الفقر والبرس وهب مع بيع الدو العشرة األكثر امتالكاً‬

‫‪297‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫للم ارد الطبيعية في العالب‪ ،‬والتي تبليغ تريلي نيا اليدو را ‪،‬‬ ‫هذا فيما عدا السياحة الدينية والعديد مع الم ارد األخر ؟!‬ ‫لكع كيف يك ن كذلك والصهي نية العالمية متمثلة في‬ ‫ال يا المتحدة ا مريكية قد جنيد م اردهيا‪ ،‬وشيبكتها ميع‬ ‫الدو المجاورة للعراق‪ ،‬وشبكتها مع التابعيع لهيا فيي اليداخل‪،‬‬ ‫لتدمير العراق مع الداخل وتدمير بنيته التحتية حتيى تقي م‬ ‫له قائمة‪.‬‬ ‫وكيف يفعل ن ذلك وهب يعرف ن ح المعرفة ما يشكله‬ ‫العييراق الق ي ي القييادر المسييتقل مييع تهدي يدٍ وخط ي رةٍ علييى‬ ‫الصهي نية العالمية بسبب انتماء العراقييع المستميت ألئمة أهيل‬ ‫البيت (أ)‪ ،‬والذيع يعني بأبسف ص ر اليرفض للخضي أ لييير‬ ‫اهلل‪ ،‬سيراً على نيداء اإلميام الحسييع (أ)‪" :‬كونةوا أحةرارا فةي دنيةاكم"‪،‬‬ ‫حتى وإن أهري في سبيل ذلك دمهب وسبيت نساؤهب‪ ،‬كما فعل‬ ‫مس اإلمام الحسيع (أ)‪ ،‬بيل إنهيب ييرون أن فيي ذليك م اسياةً‬ ‫حقيقيةً لإلمام الحسيع (أ)‪ ،‬وألميه فاطمية الزهيراء (أ)‪ ،‬بنيت‬ ‫الرس األعمب (ص)‪ ،‬فيسع ن له سعياً‪ ،‬ليفخيروا بيذلك أميام‬ ‫رس اهلل (ص) ي م القيامة‪ ،‬وليقدم عرب ن عشقهب وو ئهب‬ ‫ألهل بيته (ص)‪.‬‬ ‫لقد تجرعت الصهي نية العالمية األمرّيع ميع هيذ العقييدة‬ ‫والثقافة في صراعها مس إيران وحزب اهلل اللذيع وقفا سداً منيعاً‬ ‫أمام نف ذها ونزعتها ا ستعمارية في الشرق األوسف‪ ،‬وأشيد ميا‬ ‫تخشا ه أن ينضب العراق الق ي والقادر والمستقل إليى نيادي‬ ‫المقاومة ضد الصهي نية‪ ،‬سيما وأن العراق ذو امتدا ٍد حضياريٍّ‬ ‫عربيٍّ عري ٍ‪ ،‬بكل ما يعنيه ذلك مع امتدادٍ استراتيجيٍّ ناعبٍ فيي‬ ‫العالب العربي‪.‬‬

‫‪298‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫كان بد مع تدمير العراق‪ ،‬وتحطيب إرادة العراقييع عليى‬ ‫الصم د والتحدي‪ ،‬وهذا ما عمل ا عليه منذ استيالء صدامٍ اللعييع‬ ‫على الحكب قبل عشرا السنيع‪ ،‬ثب واصل ا ذليك مباشير ًة ليد‬ ‫احتاللهب للعراق سنة ‪2663‬م‪.‬‬ ‫فقام ا حتال الصهي ني األمريكيي للعيراق بتكيري نميام‬ ‫المحاصصة الطائفية في حكب العراق لكيي يخني كيل فرصيةٍ‬ ‫للعراق للنه ض بأمر ‪،‬‬ ‫كما قام بمنهجة الفساد اإلداري في الدولة‪ ،‬وتثبيت أركانيه‬ ‫بشكل مدروس‪ ،‬مع خال شبكته مع العمالء والمسروليع‪ ،‬ضيماناً‬ ‫إلبقاء الشعب العراقي جائعاً وتعيساً وبائساً ومتخلفياً‪ ،‬ولتف ييت‬ ‫الفرص أمام الشرفاء مع مسرولي العراق لمعالجة هذ األوضاأ‬ ‫المأساوية و تط ير العراق‪.‬‬ ‫عمل بكل ما أوتي مع دهاءٍ وإمكانا وعمالء على إفقاد ثقية‬ ‫الشعب ببعضه البعض‪ ،‬وعلى إشعا وتأجيج الصراأ الطائفي فيي‬ ‫بلدٍ لب يعرف الطائفية ي ماً‪ ،‬وذلك حتى ينشيل الشعب العراقيي‬ ‫بذبع نفسه بد ً مع أن يعمل على مقاومة الصهي نية‪.‬‬ ‫وليته اكتفى بكل ذلك‪ ،‬لكنه عمل بكل بشاعة وحقيارة ميع‬ ‫خال شبكته مع الدو المجاورة للعراق‪ ،‬بض عشيرا األلي ف‬ ‫مع اإلرهابييع التكفيرييع والمرتزقة اليذيع هيب لهيب سي‬ ‫جزر وتفجير العراقييع األبرياء‪ ،‬وا ستمرار في القيام بعملييا‬ ‫التخريب وبخاصية تخرييب خطي ط أنابييب الينفف وتخرييب‬ ‫خط ط نقل الطاقة الكهربائية ومحطا ت ليد الكهرباء‪.‬‬ ‫عمل ا على كل ذليك لكيي يحطمي ا قيدرة وإرادة الشيعب‬ ‫العراقي إلى األبد‪ ،‬ولكي يجعل ا مع العراقي إنساناً عاجزاً خائفياً‬

‫‪299‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫بائساً عديب القيب واإلرادة وال عي‪ ،‬وكل هميه هي البحيث عيع‬ ‫األمان ولقمة العيش‪.‬‬ ‫ولكي يضمن ا النتائج قام ا بتكبيل إرادة الشيرفاء العيراقييع‬ ‫على تييير ال اقس مع خال وضس العراق تحيت الفصيل السيابس‪،‬‬ ‫بكل ما يشكّله ذلك مع قيدٍ ثقيلٍ على السيادة العراقية‪ ،‬وقدرتها‬ ‫على الحراك السياسي وا قتصادي لحل مشاكلها ودعب التنميية‬ ‫في العراق‪.‬‬ ‫األ مر أشبه ما يك ن بتقييدك أحدهب بقي د مع حدييد عليى‬ ‫كرسي خشبي (لكي يستطيس الهرب)‪ ،‬ثب قيامك بسقيه سيماً‬ ‫زعافاً وإطالق الرصاص عليه‪ ،‬بعد إشعا النار في الكرسي اليذي‬ ‫تب تقييد فيه ثب إلقاء المتفجرا عليه‪ ..‬كل ذلك لتتأكد مع‬ ‫قتلك إيا !‬ ‫ولكع هل يمكع ذلك حقاً؟ هل يمكيع القضياء عليى الشيعب‬ ‫العراقي‪ ،‬بعد أن سر روح الحسيع في روحه وامتزجتا معاً؟‬ ‫أخذتني الذاكرة لذكر األربعيع األولى بعد سق ط نميام‬ ‫صدام بتاري ‪ 9‬أبريل ‪ ،2663‬وكان صدام قد منس بالق ة مسييرة‬ ‫المشاية لما يقرب مع ثالثيع عاماً‪ ،‬فما كان مع الشعب العراقيي‬ ‫في أو ذكر أربعيع بعد سق ط نمام صدام اللعيع‪ ،‬وقد كان‬ ‫بعد أيام قليلة فقف مع سق طه‪ ،‬إ أن زحف في جمي أ غفييرة‬ ‫مع الزائريع (قدر بخمسة ملي ن زائرٍ) مشياً إلى مرقد اإلمام‬ ‫الحسيع (أ)‪.‬‬ ‫زحفت هذ المالييع الخمسة غير مبالي ٍة باألخطار المحدقية‬ ‫وغير مباليةٍ بت قفٍ كاملٍ لخدما الدولة!‬

‫‪300‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫زحفت مع دون قيادة أو ت جيه ومس ذلك انتممت صيف فها‪،‬‬ ‫بفعل العش والنبل الحسييني‪ ،‬فأكمليت زيارتهيا للحسييع (أ)‪،‬‬ ‫ورجعييت أدراجهييا مييع دون أن تحييدث أي إربيياك أو ف ضييى أو‬ ‫إزعاج !!‬ ‫إنه عش مع ن أ آخير ليب يعيرف العيالب شيدته وروعتيه‬ ‫وجماله مع قبل‪ ..‬عش لب نسمس بمثل عنف انه حتى في قصيص‬ ‫العاشقيع‪ ..‬عش يتيليل في الذا ‪ ،‬ويست لي عليها‪ ،‬ليسيم بهيا‪،‬‬ ‫حتى تر غير المعش ق‪ ،‬و يصبع لك مطلب س ا ‪.‬‬ ‫حب وألب وأميل وتفيان ووفياء وإخيالص وكرامية ونبيل‬ ‫وعممة وجن ن واتزان ووعيي يعيرف الحيدود‪ ،‬و تسيتطيس‬ ‫إدراكه وقياسه أو حتى فهمه بالثقافة البشيرية السيائدة‪ ...‬لي‬ ‫فهم ألدرك ا سر هيزيمتهب فيي حيرب تمي ز‪ ،‬بيالرغب ميع‬ ‫تف قهب المه في الق ة!‬ ‫بل وأنا الذي ه ابع بيلتهب‪ ،‬أر نفسيي هائمياً فييهب وفيي‬ ‫و ئهب‪ ،‬فأترك لروحي وجميس ح اسي العنان لتنهيل ميع معييع‬ ‫عشقهب وإنسانيتهب‪..‬‬ ‫هر ء يمكع سحقهب‪ ...‬ومسيرا المشاية هذ لهيي دلييل‬ ‫على ذلك‪ ،‬وأنا كلي يقيع مع أنهب لع يط بهب اليزمع حتيى‬ ‫يخرج ا الجن د األمريكييع مع العيراق‪ ،‬وينقيذوا أنفسيهب ميع‬ ‫براثع الفصل السيابس‪ ،‬ويصيدّوا هير ء التكفييرييع اإلرهيابييع‪،‬‬ ‫ويستنقذوا أنفسهب مع الفقر والج أ والتخلف‪ ،‬ثب يساهم ا في‬ ‫التمهيد لدولة اإلمام المهدي (عج) ودحر الصهي نية العالمية‪.‬‬ ‫أترا هذا العش والتفان ه الذي مع أجله نقل اإلميام عليي‬ ‫(أ) عاصمة دولته إلى الك فية؟ أتيرا هي السيبب فيي اختييار‬

‫‪301‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫النجف المقدسة ليك ن مدفناً له (أ)؟ أترا هي السيبب ليختيار‬ ‫اهلل كييربالء لتك ي ن مسييرحاً لي ي مٍ مييع أعمييب أيييام البشييرية‬ ‫"عاش راء"؟‬ ‫وهل يا تر ه نفسه السيبب اليذي يجعيل اإلميام المهيدي‬ ‫ينتقل مع مكة إلى العراق‪ ،‬ليجعلها عاصمة دولته ومنطل جيشه‬ ‫الجرار الذي سيدحر الصهي نية العالمية‪ ،‬ويحرر العالب مع كل‬ ‫الط اغيت وأن اأ الملمة وا ستعباد؟‬ ‫كان الج ملهماً‪ ،‬تعب منه شيذ العيزة والكرامية والنبيل‬ ‫والصفاء‪ .‬اقشعر بدني‪ ،‬وسالت دم عي‪ ،‬ورأيت نفسي أنحب عشقاً‬ ‫لإلمام الحسيع (أ) وعشقاً لإلمام المهدي (عج) وترقبا له‪.‬‬ ‫وظل يرن في وجداني ق زينب (أ) ليزييد (علييه لعيائع‬ ‫اهلل) وهي أسييرة فيي مجلسيه‪ ..." :‬فكةد كيةدك‪ ،‬واسةع سةعيك‪ ،‬وناصةب‬ ‫جهدك‪ ،‬فوا ال تمحو ذكرنا‪ ،‬وال تميت وحينا‪ ،‬وال تدرك أمدنا‪."...‬‬ ‫مر ثالثة أيام منذ أن بدأ المشيي‪ ،‬وأخييراً وصيلت إليى‬ ‫كربالء في الساعة السيابعة والنصيف مسياء ليلية "األربعييع"‪،‬‬ ‫فت جهت للفندق الذي سبقتني إليه أسرتي‪.‬‬ ‫لقد عشت رحلة مع أعمب الرحال تيأثيراً عليى وجيداني‪..‬‬ ‫كانت أياماً قليلة لكنهيا كانيت كلهيا هلل‪ ،‬وفيي نصيرة اإلميام‬ ‫الحسيع (أ) واإلمام المهيدي (عيج)‪ ،‬أحسسيت خاللهيا بمشياعر‬ ‫الحب وال ء ونصرة اإلمام المهدي تستشري في اعمياقي وفيي‬ ‫كل ذرة في كياني‪.‬‬ ‫كانت أنفاسي في كل خط ة أخط هيا وكيل م قيف أقفيه‬ ‫تتحد مس مالييع األنفاس مع ح لي في نف واحد تعاهد (عج)‬

‫‪302‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫وتبايعه على النصرة‪ ،‬والمضيي بدربيه مهميا بلييت التضيحيا‬ ‫واشتد التحديا ‪.‬‬ ‫‪#######‬‬ ‫كنت مرهقاً جداً ليلة وص لي إلى الفندق‪ ،‬وليذا بقييت فيي‬ ‫الفندق ألنا قسطاً مع الراحية ألسيتطيس إحيياء يي م األربعييع‬ ‫بالعزاء والزيارة‪.‬‬ ‫وفي ي م األربعيع كانيت المدينية مزدحمية جيداً‪ ،‬وغاصية‬ ‫بالزوار‪ ،‬ولذا كانت الحركة بطيلة فيهيا‪ ،‬وليذا اسيتيرقت ميا‬ ‫يقرب مع ساعة لل ص إلى الحرم بالرغب مع أن الفندق كيان‬ ‫قريباً مع الحرم‪.‬‬ ‫قضيت ساعا ط يلة في الحيرم ميا بييع الزييارة واليدعاء‬ ‫والبكاء‪ ،‬وسماأ المراثي واللطميا ثب خرجت أمشي في الممشى‬ ‫ما بيع الحرميع‪ ،‬حيرم اإلميام الحسييع (أ) وحيرم أخييه أبي‬ ‫الفضل العباس متأمالً‪.‬‬ ‫وأخذ األفكار والعبر تج في خاطري‪ ..‬سبحانك ربي ما‬ ‫أعممك! فلقد مضى الحسيع (أ) وحيداً وغريباً فيي كيربالء‪،‬‬ ‫وبذ إعالم الحكب األم ي اللعيع قصار جهد لعشرا السينيع‬ ‫لطم وإخفاء حقيقة ما حصيل وتشي يه اسيب ا ميام الحسييع‬ ‫واسب أبيه أمير المرمنيع‪ .‬فماذا كانت النتيجة؟!‬ ‫ها هي المالييع تزحف مع كل أنحاء العالب لزييارة اإلميام‬ ‫الحسيع (أ)‪ ،‬لتعاهد على نصرته ونصيرة الحي أينميا وجيد‪..‬‬ ‫لقد مضى قرابة ‪ 14‬قرناً على ملحمة عاش راء‪ ،‬إ أنهيا زاليت‬ ‫خالدةً تتدف بحرارةٍ وق ةٍ في ضمير العالب وكأنها ليب تحيدث‬ ‫س باألم !‬

‫‪303‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫منذ ذلك الحيع والحسييع يهيز ضيمير البشيرية ويلهميه‬ ‫الحرية ورفض الخن أ للعب دية والملب‪ ،‬فتت الى الثي را تلي‬ ‫الث را في العالب اإلسيالمي ضيد الطيياة‪ ،‬لتتحي إليى حالية‬ ‫ثقافية عامة راسخة في وجدان األمة اإلسالمية‪ ،‬بل ويمتد صداها‬ ‫إلى غير المسلميع فتهزهب وتنير لهب دروب الحرية‪ ..‬أ يقي‬ ‫غاندي محرر الهند مع ا ستعمار البريطاني‪" :‬علمنيي الحسييع‬ ‫كيف أك ن ممل ماً‪ ،‬فأنتصر"‪.‬‬ ‫وفي هذا العصر غزا ا ستكبار العالمي كل العالب‪ ،‬واسيتعمر‬ ‫قارا ودو فاست لى على أمريكا مع سكانها األصيلييع "الهني د‬ ‫الحمر"‪ ،‬واست لى على كندا مع "اإلن يت" و"الميتي" واست لى‬ ‫على أستراليا ميع "األبي رجنيز" وليب يكتفيي بيذلك‪ ،‬بيل أذ‬ ‫السييكان األصييلييع ومييارس معهييب أبشييس ممارسييا التفرقيية‬ ‫العنصرية وا ضطهاد‪.‬‬ ‫لكنه عندما أتى إلى العالب اإلسالمي اصطدم بسد منييس ميع‬ ‫العزة واإلباء‪ ،‬أسسه اإلمام الحسيع (أ) في يي م الحي العيالمي‬ ‫"عاش راء" فلب يستطس إكما حتى احتال دولة صييرة الحجب‬ ‫مثل فلسطيع‪ ،‬فضال عع ا ستيالء على كل العالب اإلسالمي ميع‬ ‫النيل إلى الفرا ‪ ،‬كما كان يخطف له!‬ ‫ثب أتى أبناء الحسيع (أ) يحمل ن رايته ورايه إميام الزميان‬ ‫"المهدي"‪ ،‬فحرروا إيران مع براثع الطييان وا ستكبار العالمي‪،‬‬ ‫وت جه ا للبنان فحرروها‪ ،‬ثب مض ا يمتدون في العالب لم اجهة‬ ‫ا ستكبار العالمي بكل جبروته وق تيه وخبثيه وسييطرته عليى‬ ‫العالب على جميس الصعد‪ ،‬ويقارع نه بما يملك نه مع عزة وإبياء‬ ‫وإيمان بالرغب مع قلتهب وضعفهب وهي انهب عليى النياس‪ ،‬فليب‬ ‫يثنهب ذلك كله‪ ،‬بل زادهب إيمانًا فرفعي ا شيعار "كةل أرض كةربالء‪،‬‬ ‫‪304‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫وكةل يةوش عاشةوراء"‪ ،‬فإذا بهب يحقق ن ا نتصارا تلي ا نتصيارا ‪،‬‬ ‫"وما النصرإال من عند ا"‪.‬‬ ‫نعب‪ ،‬يق م ما يزيد عيع ‪ 366‬مليي ن ميع المسيلميع الشييعة‬ ‫وغيرهب‪ ،‬في كل سنة بإقامة مراسب العيزاء بمناسيبة عاشي راء‪،‬‬ ‫بكل وجدانهب منذ ما يقرب مع ‪ 1466‬عام‪ ،‬في كل مكان ت اجدوا‬ ‫فيه في العالب‪.‬‬ ‫تمتد مراسيب العزاء لشهري محرم وصفر سين ياً‪ ،‬فيقيمي ن‬ ‫المبتب ليلياً‪ ،‬ويستحضرون ذكر ي م عاش راء بكل ما تحت ييه‬ ‫ودروس‪ ،‬ويبكي ن عليى ميا أصياب اإلميام‬ ‫مع مصائب وبط‬ ‫الحسيع (أ) وأهل بيته وأصحابه وانتهاك الح في أجلى ص ر‬ ‫ويعاهدونه على المضي قدما في طريقه‪.‬‬ ‫و تقتصر فترة استذكار عاش راء على شهريع فيي السينة‪،‬‬ ‫وانما تمتد ط ا السنة مع خيال زييارة الحسييع (أ) وإقامية‬ ‫المبتب الحسينية في مختلف المناسبا الدينية وا جتماعية‪.‬‬ ‫شعر بالعممة والسكينة تسري في أعماقي‪ ،‬فاقشعر جسيمي‬ ‫وجلست على األرض في ركعٍ ملت ياً عليى نفسيي وأنيا ميأخ ذ‬ ‫بالجم أ اليفيرة المعزية مع ح لي‪.‬‬ ‫تذكر عندما سألني عامر ذا يي م‪ ،‬عنيدما كنيا نتنياقش‬ ‫م ض أ المهدي (عج)‪:‬‬ ‫‪ ‬لماذا أراد أئمة أهل البيت (أ) أن نقيب عاش راء في كل بلد‬ ‫وفي كل جيل‪ ،‬حتى أصبحت األساس في حركتنا اإلسالمية‬ ‫في خف أهل البيت (أ)‪ ،‬بحيث ل ذهبيت إليى شيرق األرض‬ ‫وغربها لرأيت ذكر عاش راء تقام بشكل او ببخر؟‬

‫‪305‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫‪-‬‬

‫فأجبته‪ :‬لقد أرادوا لنا ذلك ألنَّ هذا الخف ه خف الرفض‬ ‫لل ثنية والعب دية بكل قيمها منذ عهد أبينيا آدم (أ)‪ ..‬وألن‬ ‫هذا الخف ه خف الم ا ة لكل أولياء الّليه‪ ،‬وللحريية بكيل‬ ‫قيمها‪.‬‬

‫‪ ‬حقاً‪ ..‬كيف ذلك؟ سألني وه باستيراب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أ نردد عند زيارتنا للحسيع (أ) في كل مناسبة ‪" :‬السةالش‬ ‫عليةةك يةةا وارل آدش صةةفوة ا‪ ،‬والسةةالش عليةةك يةةا وارل نةةوح نيةةي ا‪ ،‬السةةالش‬ ‫علي ةةك ي ةةا وارل اب ةةراهيم خلي ةةل ا‪ ،‬الس ةةالش عيل ةةك ي ةةا وارل موس ة كل ةةيم ا‪،‬‬ ‫السةةالش عليةةك يةةا وارل عحسة روح ا‪ ،‬السةةالش علةةيكم يةةا وارل محمةةد حبحةةب‬ ‫ا"‪ ..‬إن هييذا ييييرس فييي أعماقنييا أن خييف اهلل والهييدف‬ ‫الرسالي ه نفسه عبر مر التياري ‪ ،‬وهي السيم باإلنسيان‬ ‫وإيصاله هلل تعالى‪.‬‬

‫‪ ‬تعجبني هذ األصالة واإليجابية في رؤية الحياة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن ث رة األنبياء كانت ث رة على ا نحيراف عيع خيف اهلل‪،‬‬ ‫والخض أ للعب دية بأشكالها المتن عة‪ ،‬وهكذا كانيت ثي رة‬ ‫اإلمام الحسيع لت قظ العالب عبر مر التاري ‪ ،‬ولتخلي فيي‬ ‫قل ب البشر حرارة ودفقاً يهز وجيدانهب‪ ،‬وييدفعهب لألميام‬ ‫نح اإلصالح‪ ،‬مهما بليت التضحيا ‪ ،‬وإنكار الذا ‪ ،‬ولتجعيل‬ ‫مع هذ المشاعر المتدفقة عهداً نعاهيد بيه اإلميام الحسييع‬ ‫(أ)‪ ،‬ونحع نزور ‪" :‬أنا سلم ملن ساملكم‪ ،‬وحرب ملن حاربكم"‪.‬‬ ‫‪#######‬‬

‫‪306‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫‪ 16‬مارس ‪2668‬‬ ‫كانا أسب عيع مع أجمل ميا قضييتهما فيي حيياتي لكنهميا‬ ‫سرعان ما انقضيا‪ ،‬وآن أوان الرج أ للبلد‪.‬‬ ‫لب أكع أعرف كيف سترو األم ر عنيد رجي عي‪ ،‬لكننيي‬ ‫كنت متحمساً ألن أبدأ تشييل مكتبي‪ ،‬الذي لب يكع سي جهياز‬ ‫كمبي تر محم وتسجيل رسمي في وزارة التجارة والصناعة‪.‬‬ ‫وصلنا إلى مطار دبي قادميع مع النجيف فيي اللييل‪ ،‬عنيدها‬ ‫وصلني اتصا مع شريكي األجنبي بأننيا عليى وشيك الحصي‬ ‫على مشروأ استشاري كبيير جيداً‪ ،‬وان المقابلية النهائيية ميس‬ ‫اللجنة (المشكلة مع أربعة وكالء حك مة‪ ،‬وخمسة مدراء عمي م‬ ‫مع مختلف الجها الحك مية) هي غدًا الساعة التاسعة صباحاً‪.‬‬ ‫كان وج دي ضرورياً في المقابلة‪ ،‬لك ني الشريك العماني‪،‬‬ ‫لكع م عد إقالعنا مع دبي إلى مسقف كيان فيي اليي م التيالي‪،‬‬ ‫الساعة الثامنة صباحاً‪ ،‬ولب يكع بذلك ممكنا ً وص لي إلى م عد‬ ‫المقابلة‪.‬‬ ‫ناقشت زوجتي‪ ،‬وقرر أن أرجس في السيارة في نف الليلية‬ ‫ألصل الى الم عد‪ ،‬فأصرّ زوجتي على مرافقتي‪ .‬كان الطريي‬ ‫يستيرق ‪ 4‬ساعا ‪ ،‬فت جهنا مع ف رنا لشركة استلجار السيارا‬ ‫واستأجرنا سيارة على أن نرجعها في مسقف‪.‬‬ ‫كنا متعبيع جداً‪ ،‬وليذا سيرعان ميا ناميت زوجتيي بعيد أن‬ ‫تجاوزنا الحدود‪ ،‬وبعد قليل شعر أنا أيضاً بالنعاس يطب عليى‬ ‫جف ني‪ ،‬ولذا آثر أن اقف بالسيارة في محطة البترو ألنام أنا‬ ‫أيضا لقرابة ساعة‪ ،‬قمت بعدها وأنا أنشف قليالً‪ ،‬فيسيلت وجهيي‬

‫‪307‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫بماء بارد ومارست بعض الحركا الرياضية‪ ،‬واشيتريت كي ب‬ ‫شاي وانطلقت مرة أخر في طريقي لمسقف‪.‬‬ ‫وصلت للمقابلة في ال قت المحدد‪ ،‬لكع آثار التعب واإلعيياء‬ ‫كانت بادية على وجهي‪ ،‬كما أنني لب تسنع لي الفرصة لترتيب‬ ‫لحيتي‪ ،‬أو حتى لب المصر العماني‪.‬‬ ‫كانت الشركة المنافسة هي واحدة مع كبريا الشيركا‬ ‫العالمية‪ ،‬بينما شركتنا نحع كانت صييرة جداً وغير معروفة!‬ ‫أضف إلى ذلك أنه في ال قت اليذي كيان فييه عرضينا عاديّياً‪،‬‬ ‫وكنّا نقدمه أنا وشريكي في مبنى بلدية مسقف‪ ،‬فيإن الشيركة‬ ‫المنافسة أتيت بسيبعة عشير ميع خبيرائهب وميدراءهب لتقيديب‬ ‫العرض‪ ،‬وحجزوا مع أجل ذلك قاعة فخمة مس وجبة عشاء فيي‬ ‫إحد أفخب الفنادق في البلد!!‬ ‫شخصياً لب يكع لدي أدنى أمل أن نكسيب المشيروأ‪ ،‬لكننيي‬ ‫ف جلت في ا جتماأ أنهب يخبروننا انهب قيرروا منحنيا فرصية‬ ‫أخر لتقديب عرضنا مع ّد ً‪ ،‬ومتضمّناً النقاط التي أثاروهيا فيي‬ ‫ا جتماأ مس فري عمل أفضيل بشيرط ت اجيدهب أثنياء تقيديب‬ ‫العرض المعد ‪ ،‬وأنه في حا كيان عرضينا المعيد مسيت فياً‬ ‫لمتطلباتهب فإنهب سيرس ن المناقصة علينا وذلك بسبب وج دي‬ ‫معهب لك ني م اطنا وعلى درجة كبيرة مع ا حتراف المهني‪.‬‬ ‫كان األمر مفاجلاً ليي‪ ...‬ألو ميرة أشيعر بمييزة كي ني‬ ‫ميي اطع‪ .‬شييكر اللجنيية بحييرارة‪ ،‬وانطلقنييا أنييا وشييريكي‬ ‫ا ستراتيجي نرتب العرض المعد ونُعدّ للم عد القادم معهب‪.‬‬

‫‪308‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫مر األيام‪ ،‬وجاء الم عد المرتقب ومر بأحسيع ميا يكي ن‪،‬‬ ‫وأخيراً وصلنا خطاب رسمي مع بلدية مسقف بإرساء المناقصية‬ ‫علينا‪.‬‬ ‫كان ذلك فاتحة الخير‪ ،‬فقد كيان مكسيبنا ميع المشيروأ‬ ‫كبيراً جداً بحيث فاق كل ت قعاتي‪ ،‬ومع بعدها ت الت المشاريس‬ ‫وكأنها سلسلة‪ ،‬كل حلقة فيها تجر أخر ‪.‬‬ ‫استأجر مكتباً واسعاً في إحد المباني الراقية فيي منطقية‬ ‫الخ ير‪ ،‬وعينيت عيدداً كبييراً ميع المي ظفيع بليغ عيددهب ‪18‬‬ ‫م ظفاً‪ ،‬وبدأ أصرف ببذت عليى التسي ي ووسيائله و سييما‬ ‫أدوا التس ي اإللكتروني‪.‬‬ ‫سدد مدي نيتي تجا البنك‪ ،‬وتقدمت بطلب قرض إسيكاني‬ ‫مع بنك مسقف‪ ،‬لبناء منز جميل وواسس ومريع عليى األرض‬ ‫التي كنا اشتريناها‪.‬‬ ‫كانت أرباحي لتللك السنة والسينة التاليية تكفينيي لبنياء‬ ‫المنز ‪ ،‬لكنني طلبت القيرض تجنبياً ألي مشيكلة محتملية فيي‬ ‫ت افر السي لة الالزمة أثناء البناء‪.‬‬ ‫أشهر مضت وكأنها خيا ‪ ،‬نسينا فيها كل ما مر علينيا ميع‬ ‫شدة‪ ،‬حتى ظننت أن القدر قد شطب العذابا واآل م ميع سيجلنا‬ ‫إلى األبد‪ ،‬وأن األيام الس داء قد ولت مع دون رجعة‪.‬‬ ‫في البداية لب أكع أفتيأ أذكير اهلل كثييراً‪ ،‬وأشيكر عليى‬ ‫نعمه وعلى رزقه ال فير في كل حيع‪ ،‬ولكع بمرور ال قت ومس‬ ‫ت الي المشاريس وازدياد األرباح بيدأ أشيعر تيدريجياً بالنشي ة‬ ‫وا نتصار والعجب بنفسي‪ ،‬وأحسست أن ما أوتيتيه إنميا أوتيتيه‬ ‫بسبب قدراتي وذكائي وعزيمتي الفائقة‪.‬‬

‫‪309‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫أنستني هذ النش ة ما كنت قد عاهد اهلل عليه ميراراً ميع‬ ‫التفرغ لخدمته سبحانه وتعالى‪ ،‬فقرر أن أت سيس فيي منطقية‬ ‫الخليج‪ ،‬و حقاً في منطقة الشرق األوسف وفي العالب كله‪.‬‬ ‫وعندما كنت أتذكر ما عاهد اهلل عليه كنيت أهيرب ميع‬ ‫ذاتي‪ ،‬وأقنس نفسي أن ت سعي في العالب ه مع خدمة اهلل‪ ،‬ألننيي‬ ‫سأقدم خدما عالية الج دة وتحتاج لها اإلنسيانية‪ ،‬و شيك أن‬ ‫المرمع الق ي خير وأبقى مع المرمع الضعيف!‬ ‫طبعاً لب أكع ألنسيى اهلل وأعميا الخيير وأنيا فيي غميرة‬ ‫نجاحيياتي ونشيي تي فعزمييت ‪-‬وأنييا معجييب بنفسييي وبإيميياني‬ ‫وبعطائي‪ -‬أن أهب نصف ما أربحه للفقراء وأعما الخير‪ ،‬بينميا‬ ‫أصرف النصف اآلخر على نفسي وعلى ت سعة ممتلكاتي‪ ،‬متيافالً‬ ‫عما أقسمت هلل عليه مع أن أصرف جميس ما يزيد عع حاجتي في‬ ‫سبيله‪.‬‬ ‫ولكي أحق المزيد مع النجاح بدأ أهتب بالمماهر كثييرًا‬ ‫س ي اءً مييع حيييث اللبيياس أو السيييارة التييي أق دهييا أو القلييب‬ ‫والمحفمة التي أحملهما وهلب جراً‪.‬‬ ‫وهكذا أخذ حالة الترف تتسلل تدريجياً إلى كيل مفاصيل‬ ‫حياتي‪ .‬كان يرلمني ضميري بشدة بيع الفينة واألخر ‪ ،‬لكننيي‬ ‫كنت أغض الطرف عنه وأنشيل عنه بنجاحياتي وأخيدأ نفسيي‬ ‫بشكر اهلل بلساني وبالسج د له كلميا حققيت انتصياراً‪ ..‬كنيت‬ ‫أخدأ نفسي بإعجابي بقراري بالتبرأ بنصف ما أحققه مع أرباح‬ ‫في سبيل اهلل‪ ،‬األمر الذي يقدر عليه غير المرمنيع الصيادقيع‬ ‫أمثالي‪.‬‬

‫‪310‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫بدأ الشع ر بالق ة ونشي ة النجياح يسيلبني ذاتيي تيدريجيّاً‪،‬‬ ‫فبدأ أفقد لذة مناجاة اهلل والتحدث معه‪ ،‬وكأنني أُسْلبُها وكأن‬ ‫اهلل جفاني!‬ ‫كنت مدركاً لما يحدث معي لكنني كنت قد مكنت شيه تي‬ ‫مع السيطرة على إرادتي‪ ،‬ولذا لب أكع قادراً على منس نفسي عع‬ ‫المزيد مع ا نحيدار‪ ...‬وبميرور ال قيت بيدأ أفقيد إحساسيي‬ ‫بخط رة المنزل الذي كنت أنزل فيه‪.‬‬ ‫صارحتني زوجتي مراراً بأنني تييير ‪ ،‬وأننيي بيدأ أفقيد‬ ‫براءتي وصفاء روحي اللذيع كنت أتسب بهما‪ ،‬وأكد ليي بعيض‬ ‫أصدقائي ذلك أيضاً لكنني كنت أعلب أنهب يبالي ن فأنا زليت‬ ‫كما كنت!‬ ‫إن ما يرونه مع اهتمامي بالمماهر وأسل ب حيياتي الجدييد‬ ‫ه لي إ ّ لضرورة السعي وراء الرزق وهذا ما يأمرنا اهلل بيه‪.‬‬ ‫ع‬ ‫ثب ألست قد عزمت أن أهب نصف ما أكسبه للفقيراء! مَيعْ مي َ‬ ‫الناس العادييع يفعل ذلك هذ األيام؟!‬ ‫ُ‬ ‫ُس ُ​ُ‬ ‫كانت زوجتي تردد على مسامعي ق له تعالى ‪" :‬ق ْةل سه ْةل نن يةبةيك ْم‬ ‫س س‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ين سأ ْع سمةةاال (‪ْ )015‬الةةذ س‬ ‫األخ سسةةر س‬ ‫ين س ة ْةل سسة ْةع ُه ُه ْم يفةةي ال سح سية يةاة الة وةدن سيا سو ُهة ْةم سي ْح سسة ُةبون أ ْ ُهة ْةم‬ ‫يب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ ْ ُ سن ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫يح يسةنو صةنعا"‪ ،‬لكنني بدأ أعتقد أن زوجتي بطبيعتها نكدية و‬ ‫تملُّ مع الشع ر بالحزن والمشاعر السلبية!‬ ‫ألب تتمنيى السيفر ألقي م بدراسية ا ‪ ،MBA‬فمياذا فعليت‬ ‫عندما استجاب اهلل دعاءنا وسافرنا للمملكة المتحدة‪ ،‬أليب تقضيي‬ ‫ط ا فترة السفر في البكاء والحزن والنكد!‬

‫‪311‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫كنت بدأ أشعر أنها بطبيعتهيا والعيياذ بياهلل سياخطة‪ ،‬و‬ ‫ترضى مطلقاً بما قدر اهلل‪ ،‬حتى ل أنعب عليها وفيتع لنيا أبي اب‬ ‫الرزق ال اسعة!‬ ‫مضى عليَّ أكثر مع سنة ونصف منذ أن باشر العميل فيي‬ ‫مكتبي وأنا ازداد س ء وانحدارًا كما أزداد إعجاباً بنفسي‪ ،‬إلى أن‬ ‫بدأ ريحتي النتنة تطفع مع داخلي وتمأل أنفاسي‪ ،‬لكنني كنيت‬ ‫عاجزاً عع منس نفسي مع المزييد ميع ا نحيدار وكيأنني بعيت‬ ‫نفسي للشيطان!‬ ‫في ليلة القدر في شهر سبتمبر سنة ‪ 2669‬كنت وصلت إليى‬ ‫غاية التقزز مع نفسي‪ ،‬وكان الش ق العارم للرجي أ هلل يتيأجج‬ ‫في داخلي‪ ،‬لكنني كنت عاجزاً فقد كبلتنيي الشيه ا والعجيب‬ ‫بأغاللها حتى صر أسيرها!‬ ‫غير أني كنت أر بصيص الن ر مع بعيد‪ ..‬بصيص أميل أن‬ ‫يتداركني ربي بالرغب مني‪ ،‬ومع حقارتي‪.‬‬ ‫دع اهلل تلك الليلة‪ ،‬والحسرة تعتصر فيرادي‪ ،‬وعينياي‬ ‫ص ُةة سح ْت سسةر سيرت سو سق ُةر سب مةنْ‬ ‫تت قفان عيع البكياء ‪" :‬إلوةي مةالي ُك ْلمةا ُق ْل ُةت سق ْةد س‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫س س س ْ س ْ ٌ س س ْ س ْ س س ْ سْ سسْ س‬ ‫ْ س‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫س التة ةةو يابان سم ْج يل يسة ي عر ةةت يلةةي ب يليةةة أزالةةت قةةد يم وحالةةت بي ينةةي وبةةان يخةةدم يتك‪،‬‬ ‫مجة يةال ي‬ ‫سس يةي يدي‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫س س‬ ‫س‬ ‫س س س س ْ س س‬ ‫بابة ة سةك ط سر ْدت ينة ةةي سو سعة ة ْةن يخة ة ْةد سم يت سك ن ْح ْيت ينة ةةي‪ ،‬أ ْو ل سعلة ة سةك سرأ ْيت ينة ةةي ُم ْسة ةةت يخفا‬ ‫ل سعلة ة سةك سعة ة ْةن‬ ‫ي‬ ‫ْ سسس س س س ْ‬ ‫س ْ س سسْ س س س س ْ‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ص ْحت يني‪ ،‬أ ْو ل سعل سك سر ْأيت ينةي ُم ْع ير ةا سعن سةك فقل ْيت ينةي‪ ،‬أ ْو ل سعل سةك سو سج ْةدت يني يفةي سمق يةاش‬ ‫يبحقك فأق‬ ‫س س س س ْ س س ْ س س ْ س سسْ س س‬ ‫س ْ س س س سْ س سْ س سْ س س س ْ س‬ ‫ْ‬ ‫س‬ ‫الكة يةاذ يبان فرفضةت يني‪ ،‬أو لعلةةك رأيت ينةةي راةةرشة يةاك ظر يلنعما ي ةةك فحرمت ينةةي‪ ،‬أو لعلةةك فقةةدت يني‬ ‫س س‬ ‫س س‬ ‫ُس س س س ْس س س ْ س س‬ ‫ْ س‬ ‫ماء فخذلت يني‪ ،‬أ ْو ل سعل سةك سرأ ْيت ينةي يفةي الغةا يف يلان ف يم ْةن سر ْح سم يت سةك آ س ْسةت يني‪ ،‬أ ْو‬ ‫جال‬ ‫س العل ي‬ ‫يمن م ي‬ ‫ي‬ ‫س س ْ س س‬ ‫ُ‬ ‫سْ س س س ْ س ُ‬ ‫س ْ س س‬ ‫سْ‬ ‫البط ة يةالان ف سب ْي ين ةةي سو سب ْي ة سةن ُه ْم خل ْيت ين ةةي‪ ،‬أ ْو ل سعل ة سةك ل ة ْةم ت يح ة ْةب أن‬ ‫ل سعل ة سةك سرأ ْيت ين ةةي يآل ةةف سمج ة يةالس‬

‫‪312‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫س‬ ‫س س س س ْ س ْ‬ ‫س س س س س ْ س‬ ‫باع ة ْةدت يني‪ ،‬أ ْو ل سعل ةةك يب ُج ْر يم ة سو سج ير سيريت ة ك ةةاف ْيت يني‪ ،‬أ ْو ل سعل ةةك يب يقل ة يةة سحي ةةا يب‬ ‫ت ْس ة سةم سع ُدع ةةا يب ف‬ ‫ْ س س س‬ ‫جازْيت يني؟"‬ ‫يمنك‬ ‫بكيت كثيراً‪ ،‬وأقسمت عليه بح منّه القديب عليي وإحسيانه‬ ‫العميب وما ع دني عليه مع لطفه أن يتركني لنفسي‪.‬‬ ‫انقطعت عع الدنيا كما لب أفعل قبالً وقضييت تليك الليلية‬ ‫ساجداً هلل‪ ،‬وأنا أرج سبحانه مع أعماقي وبكل ذرة في كيياني‬ ‫بانكسييار وألييب وحرقيية أن يطهرنييي وأن يرجعنييي إليييه‪ ،‬وإ‬ ‫فليأخذني مع الدنيا حتى وإن ألقى بي في الجحيب فأنا ليب أعيد‬ ‫قادراً أن أستمر فيي اليدنيا عليى عصييانه‪ ،‬وأفضيل المي بيل‬ ‫والجحيب مع خزي معصيته‪ ..‬إنه ربي!‬ ‫كنت أعلب أنه لي هنياك ميع طريي لتطهييري وتيييير‬ ‫نفسي بالرغب مني س البالء العميب‪ ،‬وه ما كنت أعلب أننيي‬ ‫أطلبه مع اهلل إن كان سيرضى عني بل إن كيان سيي قفني عيع‬ ‫عصيانه‪.‬‬ ‫أما إذا لب أت قف عيع معصييته‪ ،‬وليب أرجيس إلييه سيبحانه‬ ‫وتعالى فأنا استح كل عذاب ولعنية وأسيتح حتيى أن أقطيس‬ ‫بالمناشير قطعة قطعة‪.‬‬

‫‪313‬‬

‫ايص يد راى ايعاوية‬


‫الفصل التاسس‬

‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫و ى اة‪...‬‬


‫ت‬ ‫و مضى الحناة‪...‬‬ ‫سبتمبر‪2669 ،‬‬ ‫كان السر في قدرتي على م اجهة التحديا التي مرر بها‬ ‫في حياتي ه أنني كنت دائماً أشعر بأن اهلل معي‪ ،‬وعندما كنت‬ ‫ألجأ إليه وأقرأ القرآن كنت أشعر أنه يعنيني ويحدثني‪.‬‬ ‫لقد وهبنيي اهلل نفسيية متفائلية إيجابيية تشيعر بطبيعتهيا‬ ‫بالسعادة وا طملنان دوماً مهما واجهت مع ظروف صيعبة وميع‬ ‫تحديا ومصائب‪.‬‬ ‫كنت أدرك أن جميس ما نمر به مع ابتالءا ومصيائب إنميا‬ ‫هي طري رقينا نح اهلل‪ ،‬وأنها تطهرنيا وتقي ي ميع وج داتنيا‬ ‫ومع ثب تقربنا إلى اهلل عز وجل‪،‬‬ ‫ولذا كنت إيجابياً مس جميس ميع كنيت أتعاميل معهيب‪ ،‬و‬ ‫سيّما أسرتي الصييرة وزوجتي وأطفالي‪ .‬كنت معطاءً ميع دون‬ ‫حدود أو شروط أو انتمار للمقابل فقد كان يسيعدني ان أوفي‬ ‫للعطاء والتضحية في سبيلهب‪.‬‬ ‫كل هذا انقلب رأساً على عقب!‬ ‫بدأ ذلك عندما أصبت في الي م التيالي لليلية القيدر تليك‬ ‫بزكامٍ كان يحمل في طياته اإلصابة با كتلاب‪ .‬شعر به وه‬ ‫يعتصر فرادي‪ ..‬ألب شديد في صدري لب أعهد مع قبل‪ ،‬وحيزن‬

‫‪315‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫عمي يدك كيياني ويجعيل نمرتيي للحيياة ولكيل ميا حي لي‬ ‫س داوية قاتمة ويخنقني‪.‬‬ ‫اتصلت بأحد األطباء مع أصدقائي‪ ،‬فأخبرني أن هذا أمر نادر‬ ‫الحص لكنه يحدث ويستمر أليام وربما ألشهر وربما لسن ا ‪،‬‬ ‫وأن علي الصبر إ إذا أحببت أن أتناو حب ب البروزاك‪ ،‬فبثر‬ ‫عدم تناولها بسبب آثارها الجانبية وفضلت الصبر‪.‬‬ ‫أثر ا كتلاب على أدائي فيي المرسسية وكثير أخطيائي‪،‬‬ ‫كما بدأ أتسبب بالمشاكل مس اسيرتي وأرفيس صي تي وتثي ر‬ ‫ثائرتي ألتفه األسباب‪ .‬عانت زوجتي مني‪ ،‬لكنها تحملت الميرارة‬ ‫وستر علي وكل أملها ودعائها أن يشفيني اهلل‪.‬‬ ‫لجأ إلى اهلل كعادتي‪ ،‬ولكني شعر أن اهلل يستجيب ليي‬ ‫وأنه جفاني! كنت تع د ان أفتع القرآن في األزما فيحيدثني‬ ‫ويشير علي‪ ،‬لكع هذ المرة لب أكع أجد أية إشارة‪.‬‬ ‫كنت أدع فال يستجاب لي! كنت أناجيه وأحدثه فال يسمس‬ ‫قلبي ج اباً‪ ،‬وكأن اهلل قطعني!‬ ‫كنت خائفاً مذع را‪،‬‬ ‫ألتجئ وأنا رب لي غير ‪.‬‬

‫أعلب ماذا عليي أن أفعيل وإليى ميع‬

‫وبينما أنا كذلك‪ ،‬بدأ نتائج األزمة المالية العالمية التيي‬ ‫حدثت العام المنصرم‪ ،‬تلقي بماللهيا المرعبية عليى المرسسية‪،‬‬ ‫فقامت المرسسا المتعاقدة معي بفس عق د السين ا القادمية‪،‬‬ ‫ولب يب في يدي س العق د الجارية والتيي أوشيك معممهيا‬ ‫على ا نتهاء‪.‬‬ ‫لب يكع واضحاً كب ستستمر األزمية الماليية‪ ،‬ربميا سينتيع‬ ‫وربما ثالث وربما أكثر بكثير مع ذلك‪.‬‬ ‫‪316‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫كان علي أن أخفض مصروفاتي إلى الحيد األدنيى الممكيع‪،‬‬ ‫فاستينيت عع العديد مع الم ظفيع و سيما أصيحاب الرواتيب‬ ‫العالية‪ ،‬كما قمت باستبدا مكتبي ببخر صيير‪.‬‬ ‫ومس ذلك لب تكع اإليرادا تكفيي سي لسيداد جيزءٍ ميع‬ ‫المصروفا ‪ ،‬وبذلك تراكمت علي المستحقا المالية كرواتب‬ ‫المي ظفيع وأقسيياط القييرض التجياري ومسييتحقا المي رديع‬ ‫ومزودي الخدما وإيجار المكتب‪ ،‬غير أنني كنت حريصاً عليى‬ ‫سداد أقساط القيرض اإلسيكاني خشيية أن يت قيف البنيك عيع‬ ‫تم يله لبناء البيت‪.‬‬ ‫الدائنيع وأصحاب الحق ق تتر علي في كيل‬ ‫بدأ اتصا‬ ‫حيع للمطالبة بمسيتحقاتهب‪ ،‬وإذا ذهبيت للمكتيب عنّيت الرقياب‬ ‫نح ي وشيايعتني نميرا المي ظفيع كلميا دخليت غرفتيي أو‬ ‫خرجت منها مت سلةً لي أن أدفيس رواتيبهب المتيأخرة‪ ،‬أو حتيى‬ ‫جزءاً منها‪ ،‬فإذا ذهبت للبيت طالبتني زوجتي بمصروف البيت‪.‬‬ ‫ولب يكع المطالب ن مردبيع في معمب الحا ‪ ،‬وليذا بيدأ‬ ‫أسمس بشكل مستمر الكثير مع اإلهانا والكالم الجارح الذي ليب‬ ‫أسمعه مع قبل في حياتي‪ ،‬ومس ذلك لب أكع أملك غير الصبر‬ ‫ومحاولة تهدئتهب فهب أصحاب حق ق علي‪.‬‬ ‫مس نفسيتي المكتلبية أصيالً‪ ،‬وإحساسيي بال حيدة واليربية‪،‬‬ ‫كنت أشعر بكل اتصا يصلني أو كلمة جارحة أسمعها وكأنهيا‬ ‫خنجراً يييرس فيي أحشيائي‪ ..‬كنيت أشيعر بنميرا مي ظفي‬ ‫المت سلة لي‪ ،‬وكأنها سهام نارٍ تنفذ إلى أعماقي وتلهبني ميرارةً‬ ‫وأسى‪ ،‬فإذا وصلت إلى البيت شعر اني أدخل إلى أت ن مع النار‬ ‫بسبب عدم قدرتي على ا ستجابة لمصروفاته‪.‬‬

‫‪317‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫لجأ إلى خالي لالستدانة منه‪ ،‬لكنني وجدته في وضس أس ء‬ ‫مني بسبب األزمة المالية‪.‬‬ ‫في إحد المرا كاد العمل يت قف في المكتب بسبب نقيص‬ ‫النقدية‪ ،‬مما كان سيضعني في م قف حيرج جيداً ميس العميالء‬ ‫الذيع وثق ا في بصفة شخصية‪ ،‬كما كان سيجعلني في م قيف‬ ‫مالي أس ء وسيعجزني عع ال فاء بالتزاماتي المالية!‬ ‫ولذا وجد نفسي وألو مرة في حياتي مضطراً للج ء إلى‬ ‫أصدقائي المقربيع مع أصحاب الثروا ‪ ،‬ممع لب تمسهب (حميداً‬ ‫هلل) األزمة المالية الراهنة بس ء‪ ،‬ألستديع مبليياً بسييطاً مقابيل‬ ‫شيك آجل الدفس مع أحد العمالء‪.‬‬ ‫كان ذلك اصعب شيء أق م به فيي حيياتي‪ ،‬ولكننيي كنيت‬ ‫مضطراً للقيام به بسبب التزاما المكتب‪.‬‬ ‫طرقت بابهب واحداً بعد آخر‪ ،‬فلب أجد مينهب سي‬ ‫ألسباب مختلفة طعب لها و ل ن!‬

‫الخيبية‬

‫تخلى الجميس عني‪ ،‬وقد كنت أعدهب سنداَ وذخيرًا ليي عنيد‬ ‫الشدائد‪.‬‬ ‫كان ال ضس حرجاً جداً‪ ،‬وكاد عقليي أن يشيت ميع كثيرة‬ ‫التفكير في مخرج‪ ،‬وأخيراً انقدحت في ذهني فكرة‪ ،‬فقميت ميع‬ ‫ف ري با تصا بأحد أصدقائي اليذيع رفضي ا مسياعدتي قيبالً‪،‬‬ ‫وعرضت عليه أن يقرضيني مبليغ ‪ 5‬آ ف رييا عمياني لميدة ‪3‬‬ ‫أشهر‪ ،‬مقابل شيك آجل الدفس‪ ،‬ولكع بفائدة تبليغ ‪ ،%15‬بشيرط‬ ‫أن نجري العقد وف الطريقة اإلسالمية ف اف في راً‪ ،‬وخرجيت‬ ‫بذلك مع تلك األزمة‪.‬‬

‫‪318‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫اشتد دعائي هلل‪ ،‬وازاد الحاحي عليه سبحانه وتعالى بأن يفرج‬ ‫عني وييسر لي رزقاً واسعاً أدفس به هذ الكربا ولكيع ميا ميع‬ ‫استجابة أو إشارة‪.‬‬ ‫أخذ تصرفاتي وسل كياتي في البيت تتسب بالعنف‪ ،‬وبيدأ‬ ‫أختل المشاكل مس زوجتي ألتفه األسيباب وأؤنيب ابنيي كلميا‬ ‫ارتكب خطأً‪ ،‬وأحياناً حتى مع دون أن يخطئ!‬ ‫حاولييت زوجتييي أن تسييت عبني وتقييف بجييانبي وتنبهنييي‬ ‫بالحسنى والليع‪ ،‬وكنت في البداية أستجيب لها‪ ،‬ولكع مس تكرر‬ ‫األمر وازدياد زخب األلب فيي صيدري واسيتيراقي فيي مشياعر‬ ‫ا كتلاب والضي والشفقة على الذا ‪ ،‬بدأ لينهيا معيي يزييدني‬ ‫حنقاً عليها‪ ،‬سيما وانها كانيت تفتيأ تطيالبني بمصيروفا‬ ‫البيت وهي تعلب أنني أملك شيلاً‪.‬‬ ‫كثييرة مشيياكلي فييي البيييت جعييل زوجتييي تبتعييد عنييي‪،‬‬ ‫وتتجنبني كلما استطاعت وهذا ما كان يزييدني تعبياً وكببية‬ ‫ألنني كنت أحبها كثيراً‪ ،‬و أستطيس ا ستيناء عنها‪.‬‬ ‫سبتمبر‪2616 ،‬‬ ‫مضت علي قرابة سنة وأح الي تنحدر مع سيء إليى أسي ء‪.‬‬ ‫حاولت أن أقاوم في البدايية‪ ،‬لكننيي رأييت نفسيي تنسياق إليى‬ ‫الهاوية انسياقاً‪ ،‬ففقد ثقتي بكيل شييء وبكيل أحيد حتيى اهلل!‬ ‫فت قفت عع الدعاء واستسلمت للقدر يقذفني كيفما يشاء‪.‬‬ ‫ازداد حدة ا كتلاب عندي وشعر بأن كل قطعية داخليي‬ ‫تنهار‪ ،‬وأن كل ما بنيته مع ق ة وقدرة زا وانمحى كأنيه ليب‬ ‫يكع ي ماً‪.‬‬

‫‪319‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫رفس علي المرجر دع لسداد اإليجيارا المتيأخرة‪ ،‬ورفيس‬ ‫علي البنك دع لسيداد أقسياط القيرض التجياري المتيأخرة‪،‬‬ ‫وأصبحت المطالبا المالية عليي أسيرأ وتييرةً وأشيدّ كثافيةً‬ ‫وأغلظ مطالبةً حتى فقد جرأتي للذهاب إلى المكتب‪ ،‬لكنني في‬ ‫ال قت نفسيه ليب أكيع قيادرًا عليى القعي د فيي البييت بسيبب‬ ‫كبريائي وهرباً مع المشاكل مس زوجتيي‪ ،‬وليذا كنيت أقضيي‬ ‫معمب أوقاتي وحيداً على شاطئ البحر بعيداً عع أعيع الناس‪.‬‬ ‫لب أكع قادراً على إغالق المكتيب وإشيهار إفالسيي ل جي د‬ ‫بعض المهام اليير منجزة التي يفترض أن تنجيز بنهايية السينة‬ ‫(‪ ،)2616‬فقيد ائتمننيي أصيحابها عليهييا وليب أكيع قيادراً علييى‬ ‫خذ نهب‪ ،‬كما كانت تدر علي بعض الميا اليذي كنيت أدفعيه‬ ‫رواتب للم ظفيع الذيع يق م ن بهذ المهام‪ ،‬وأسدد بها في اتير‬ ‫الكهرباء والهاتف واألنترنت‪ ،‬كما أسدد منها بعيض المسيتحقا‬ ‫والمطالبا السابقة‪.‬‬ ‫جاهد بما بقي لدي مع قي ة عليى أن أحيافظ عليى لقمية‬ ‫العيش على األقل‪ ،‬وأخيراً عندما وجدتني عاجزاً حتى عع ذليك‪،‬‬ ‫بعت سيارتي وأعطيت ثمنهيا لزوجتيي لتنفقيه عليى مصيروف‬ ‫البيت‪ ،‬ولكع بحذر وبذلك أصبحت أنتقل مع مكان إلى آخر إما‬ ‫بالتاكسي وإما مشياً على األقدام‪.‬‬ ‫‪ 9‬فبراير‪2611 ،‬‬ ‫أشهر أخر مر علي وأنا في هذ الحالية‪ ،‬مستسيلب فيهيا‬ ‫لإلحسيياس با نكسييار وا كتليياب واليربيية واليييأس والخييذ ن‬ ‫وال حدة وكل معاني الهزيمة والتقهقر‪ ،‬حتى أظع انه ليب يبي‬

‫‪320‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫في بنائي النفسي قطعة واحدة صالحة‪ ..‬كنت ركام بشر‪ ،‬كنت‬ ‫مجرد قطعة مع لحب ودم وعمب لي إ ّ!‬ ‫لكنني مس كل ذلك‪ ،‬وبالرغب مع أنني ت قفيت عيع اليدعاء‬ ‫وعع مناجاة اهلل‪ ،‬كنت أعليب أن األمير بييد سيبحانه وتعيالى‪،‬‬ ‫وكنت أعلب أنه ي ماً ما ستتداركني رحمته‪ ،‬لكع متيى وكييف‬ ‫فهذا ما أعرفه‪.‬‬ ‫كان ال قت صباحاً‪ ،‬وكنت مستلقياً على شاطئ القيرم عليى‬ ‫ظهري‪ ،‬واضعاً كمتي ف ق عينيَّ لحمايتهميا ميع الشيم ‪ ..‬ليب‬ ‫أكع أشعر بشيء‪ ،‬فقد فقد كيل األحاسيي معناهيا عنيدي ‪:‬‬ ‫" وصلت إليى القياأ‪ ،‬وصيلت إليى األسي ء‪ ،‬و شييء ليدي اآلن‬ ‫ألخسر ‪ ،‬خسر نفسي وخسر ربي وخسير احتيرام زوجتيي‬ ‫وخسير مكتبيي‪ ..‬خسيير كيل شيييء‪ ،‬وإذا واصيلت ا نحييدار‬ ‫فسأخسر ابني أيضاً‪ ،‬وسأضيس أسرتي إلى األبد!"‬ ‫علي أن أصمد‪ ،‬بل علي أن أبدأ مع الصفر‪ ،‬لكيع كييف؟ ليب‬ ‫تكع لدي القدرة على التفكير‪ ،‬لكع حتى ل اهتيديت إليى الحيل‬ ‫ليست لدي اإلرادة والعزيمة ألحرك ساكناً!‬ ‫شعر با ضطراب يرجف قلبي بشدة‪ ،‬وكأنني ورقة مبللية‬ ‫في مهب الريع‪ .‬كنت أحتاج ألن أشعر باليدفء والعاطفية‪ ،‬فليب‬ ‫اكع قادراً على تحمل المزيد‪.‬‬ ‫نهضت بصع بة بالية وكأنني أرفس جبالً‪ ،‬واتجهت إلى البيت‬ ‫مشياً ودم عي تتساقف بيزارةٍ وحرقةٍ عل قلبي يهيدأ اضيطرابه‪،‬‬ ‫مشيت ط يالً إلى أن وصلت الى البيت وأنا في حالة يرثى لها‪.‬‬ ‫فتحت الباب فرأتني زوجتيي فهالهيا ميا رأتيه ميع حيالتي‪،‬‬ ‫وركضت نح ي واحتضنتني‪ ،‬وهذا ما كنت أحتاجيه‪ ،‬فأجهشيت‬

‫‪321‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫بالبكاء بكل مرارةٍ وأسى‪ ،‬وبقيت أبكيي إليى أن غلبنيي النعياس‪،‬‬ ‫فيصت في ن مٍ عمي ‪.‬‬ ‫أفقت مع الن م ف جد زوجتي بجانبي تبكيي بصيمت وهيي‬ ‫تمسع بيدها على رأسي‪ ..‬آلمنيي بكاؤهيا بشيدة‪ ،‬فمسيكت بييدها‬ ‫الحانية بحرارة وت سلت إليها ان تكف عع بكائها‪ ،‬فليب أعيد فيي‬ ‫قدرة على تحمل المزيد‪.‬‬ ‫كفت عع البكاء‪ ،‬ثب سألتني بانكسار وحب‪:‬‬ ‫‪ ‬هل حقا تهتب ألمري؟‬ ‫‪-‬‬

‫طبعاً‪ .‬أنت كل ما أملك في هذ الدنيا؟‬

‫‪ ‬فهل ستتخلى عني‪ ،‬وتتركني وحيدة في هذ الدنيا؟‬ ‫‪-‬‬

‫لب اتخل عنيك قيف! لكيع مياذا يمكننيي ان أفعيل؟ كييف‬ ‫يمكنني أن أحارب القدر؟ قلت لها بانكسار وضعف‪.‬‬

‫‪ ‬إنه لي القدر! هيل نسييت كالميك ليي؟ إنهيا إرادة اهلل‪.‬‬ ‫ألي كذلك؟‬ ‫‪-‬‬

‫نعب إنها إرادة اهلل‪ .‬لست أفهب لماذا يفعل اهلل ذلك معي؟‬

‫‪ ‬اهلل‬ ‫‪-‬‬

‫يفعل بنا إ خيراً‪ .‬ألي‬

‫هذا كالمك لي؟‬

‫أعرف جيداَ ما كنت أق له لك‪ ،‬فيأرج ك‬ ‫قلت لها بحدّة‪.‬‬

‫ترددييه عليي‪.‬‬

‫‪ ‬حسناً‪ .‬قل لي ماذا يعني لك ابنك نبييل؟ هيل فكير فييه؟‬ ‫منذ متى وأنت لب تلعب معه؟ بل منذ متيى وهي ليب ييرك‬ ‫باسماً؟ هل تريد عندما يكبر أن يصبع مجرماً‪ ،‬قاسي القلب؟‬ ‫صعقني كالم زوجتي‪ ،‬فسألتها باهتمام بالغ‪:‬‬

‫‪322‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫‪-‬‬

‫كيف ه ؟ هل أثر فيه وضعي؟‬

‫‪ ‬بالطبس‪ ،‬لقد أصبع عصبياً جداً ومت تراً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫سألتها متألماً ‪ :‬ماذا علي أن أفعل؟‬

‫‪ ‬إن كل ما حصل لك خيال السينتيع الماضييتيع‪ .‬اقليب‬ ‫صفحتهما‪ ،‬وابدأ مع جديد‪ ،‬ولديك الكثير لتفعله‪ ،‬وت كيل‬ ‫على اهلل وث أنه لع يخيبك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لكنني ت كلت عليه سابقاً‪ ،‬فتخلى عني!‬

‫‪ ‬بالعك ‪ ،‬أنت الذي تخليت عنه‪ .‬أما ه سيبحانه تعيالى فقيد‬ ‫تمسك بك بق ة‪ ،‬ولب ييدعك تتخليى عنيه ألنيه يحبيك‬ ‫ويريدك‪.‬‬ ‫أفهب! قلتها باستيراب‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ ‬أنت تخليت عع اهلل‪ ،‬وعع عه دك له وعع سعيك فيي دربيه‪،‬‬ ‫عندما رزقك وفتحيت ليك اليدنيا ذراعيهيا فمضييت لهيا‬ ‫مهييرو ً‪ ،‬متبختييراً بنجاحاتييك معجبياً بنفسييك‪ ،‬ولي لييب‬ ‫يتداركك اهلل لربما أصبحت مع اليافليع‪ ،‬ولهذا استرجعك‬ ‫إليه بق ة ودافس عع روحك وطهارتك كما تدافس األم عيع‬ ‫وليدها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لكنني اآلن ممزق‪ ،‬وروحي نتنة! قلتها بألب وحسرة‪.‬‬

‫‪ ‬أنت ممزق‪ ،‬هذا صحيع‪ ،‬ولكنك لست نتناً‪ ..‬أنت في الهاوية‪،‬‬ ‫لكع اهلل عالجك مع النتانة التي كنت متجهاً إليها‪ ،‬ولقنك‬ ‫درساً كان ضرورياً لك وه أن تعجب بنفسك‪ ،‬وهذا ما‬ ‫سيحميك مستقبالً مع ا نبهار بالدنيا ونجاحاتك فيها‪..‬‬

‫‪323‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫اسمعني‪ ،‬دأ أمر اهلل له فه بعباد خبير بصير‪ ،‬ولكيع افعيل‬ ‫انت ما عليك أن تفعله بقدر ما تستطيس ولكع بالرف حتيى‬ ‫تسترجس ذاتك وهدوءك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أحقاً هذا رأيك؟‬

‫‪ ‬بكل تأكيد‪ .‬كنت تخبرني الكثير عع هيذ األمي ر سيابقاً‪،‬‬ ‫لكنني لب أكع أستطيس أن أست عبها جييداً آنيذاك‪ ،‬لكيع ميا‬ ‫حصل معنا خال هذ السنتيع جعلني أفهب كثيراً مما كنت‬ ‫تخبرني به‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫سأفعل ذلك‪ ،‬لكنني متعب جداً و أفهب ما الذي حدث معي؟‬

‫‪ ‬حسناً‪ ،‬طي ا السينتيع الماضييتيع وانيا افكير فيميا حصيل‬ ‫ويحصل‪ .‬وعندي تص ر مبدئي‪...‬‬ ‫سكتت زوجتي‪ ،‬وكأنها ترييدني أن أطليب منهيا أن ت اصيل‪،‬‬ ‫لكنني كنت متعباً و أملك الرغبة في سماأ أي شيء‪ ،‬سييما‬ ‫وأنني كنت م قنيًا ميع أنيه ي جيد هنياك حيديث يمكنيه أن‬ ‫ي اسيني أو يخفف عني‪.‬‬ ‫عندما رأتني زوجتي ساكتاً واصلت حيديثها‪ ،‬فاضيطرر أن‬ ‫أسمعها‪ ،‬ألنني لب أكع قادراً أن أطلب منها السك ‪.‬‬ ‫‪ ‬هل تذكر كيف أنك كنت مزهي اً بنفسيك وبنجاحتيك‪،‬‬ ‫قبل أن تصاب بالنكسة؟‬ ‫أومأ رأسي باإليجاب وانا اشعر بالحرج‪ ،‬ف اصلت كالمها‪:‬‬ ‫‪ ‬يخيل لي أن حالة الزه واإلعجاب بنجاحاتك وبذاتك هيي‬ ‫ما دفعتك لالستماتة في النجاح‪ ،‬حتى على حسياب التسياهل‬ ‫في بعض األحكام الشرعية‪ ،‬وا نجرار لحياة المترفيع‪.‬‬

‫‪324‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫‪-‬‬

‫ربما‪..‬‬

‫أعرف!‬

‫قلتها متملمالً‪ ،‬فقد بدأ أشعر بالضي مع كالمها‪.‬‬ ‫‪ ‬هل تذكر عندما حكيت لي كيف أنك أصبت بالعجيب قبيل‬ ‫عدة سن ا بعيد تخرجك مع الجامعة‪ ،‬بعد أن حققت بعض‬ ‫النجاحا المعن ية؟‬ ‫أثارني سرالها األخير‪ ،‬فأجبتها باهتمام‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫نعب‪ ،‬أذكر ذلك جيداً‪ .‬ما الذي تلمحيع إليه؟‬

‫‪ ‬يبدو لي أنك تعاني مع مشكلة العجب وا غترار بذاتك في‬ ‫أعماقك‪ ،‬وكان بإمكانك التخلص منهيا بهيدوء لي أنيك‬ ‫التزمت بما عاهد اهلل عليه أثناء زيارة اإلمام الحسييع (أ)‬ ‫وتفرغييت لخدميية الييديع ونشيير رسييالته‪ ،‬متجيياهالً ذاتييك‬ ‫ورغباتها في السيعي وراء النجياح‪ ،‬لكنيك بيد ً ميع ذليك‬ ‫انيمست في شع رك بالزه والعجيب‪ ،‬وقميت بتأصييله فيي‬ ‫ذاتك مع خال سعيك المفيرط وراء النجياح‪ ،‬حتيى عليى‬ ‫حساب بعض أهب قيمك ومبادئك‪.‬‬ ‫قاطعتها بألب‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫هل كنت كذلك حقا؟!‬

‫‪ ‬قل لي أنت أ تتف معي في ذلك؟‬ ‫فأطرقت رأسي الى األرض خجالً ميع نفسيي‪ ،‬وعينياي تيدمعان‬ ‫حسرةً‪.‬‬ ‫‪ ‬لقد أتاح اهلل لك المجا ‪ ،‬لتتيدارك نفسيك وترجيس إلييه‪،‬‬ ‫لكنك بد ً مع ذلك قمت تتقهقر كلما طيا بيك األميد‪،‬‬ ‫إلى أن أصيبحت حالتيك مستعصيية واسيتبد بيك حالية‬ ‫‪325‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫العجب والترف‪ ،‬ولذا كان ميع الضيروري التيدخل ا لهيي‬ ‫المباشر لينقذك مما كنت فيه‪.‬‬ ‫أجبتها بحزن شديد ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫نعب أذكر ذلك‪ ،‬وأذكر أنني فيي لحمية إفاقية فيي ليلية‬ ‫القدر طلبت مع اهلل أن يرجعني إليه مهما كان الثمع‪.‬‬

‫‪ ‬كان ه سبحانه وتعالى مع ألهمك لحمة اإلفاقة هذ ‪.‬‬ ‫لب أستطس هنا أن أتمالك نفسي‪ ،‬فاشيتد بكيائي‪ ،‬حتيى عيال‬ ‫ص تي بالبكاء‪ .‬فأجهشت زوجتي أيضاً بالبكاء‪.‬‬ ‫بكينا قليالً‪ ،‬ثيب تماسيكت وطلبيت ميع زوجتيي أن ت اصيل‬ ‫كالمها‪ ،‬فقد كنت في أم ّ الحاجة ألن أفهب ما حدث‪.‬‬ ‫ت قفت زوجتي عع البكاء‪ ،‬وأخيذ تمسيع دم عهيا بمحيارم‬ ‫ورقية كانت بجانبها‪ ،‬ثب استأنفت‪:‬‬ ‫تنسى أن ا غترار بالذا والعجب ه ميع أسي ء ميا قيد‬ ‫‪‬‬ ‫يصيب اإلنسان‪ ،‬ويه ي به الى الدرك األسفل‪ ..‬تذكر أنه ه‬ ‫ر‬ ‫ما أوصل الشيطان الى ما وصل اليه ميع الحضييض‪ ،‬وجي ّ‬ ‫على التمرد على اهلل‪ ،‬بالرغب مع أنه كان ميع أعبيد الخلي‬ ‫هلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫يا ‪..‬‬

‫أحسست بالحسرة تعتصر صدري‪ ،‬فانطلقت مع صيدري آهية‬ ‫شعر أنها ستحرقني مع حرارتها‪ .‬أغمضت عيني وسيألتها بيألب‬ ‫وانكسار‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫لكع لماذا هذا األسل ب القاسي؟ ألب تكع هناك طريقة ألطف‬ ‫لمعالجتي؟‬

‫‪326‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫‪ ‬هل ستبدأ مرة أخر بالشيك فيي حكمية اهلل ولطفيه بنيا؟‬ ‫قالت لي معاتبة‪.‬‬ ‫أقصد ذلك‪ ..‬لكنني تعبت كثيراً‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫قلت ذلك وأجهشت بالبكاء‪.‬‬ ‫‪ ‬مرّ علي فترة ط يلة قاسيية ومرلمية جعلتنيي أسيتذكر‬ ‫جميس ما مرّ بنا وبك منذ أن عرفتيك‪ ،‬وأفكير فييه وفيي‬ ‫اضطرارك لالنتقا مع وظيفة الى اخر ومشاكسة الحياة‬ ‫لك باستمرار لتعيقك عع تحقي النجياح اليذي تسيتحقه‪،‬‬ ‫هل تعرف ما هي النتيجة التي ت صلت إليها؟‬ ‫رفعت رأسي نح ها مستفهماً‪ ،‬فأجابتني‪:‬‬ ‫‪ ‬يبدو لي أن السبب المنطقي لذلك ه حمايتك مع ال ق أ‬ ‫في براثع العجب!!‬ ‫أفهب!‬

‫‪-‬‬

‫حظ أنك في كل مرةٍ كنت تستلب فيها وظيفيةً جدييد ًة‬ ‫‪‬‬ ‫كنت تنجع فيها بشكلٍ باهرٍ‪ ،‬ويبيدو أن لطيف اهلل سيبحانه‬ ‫وتعالى بك كان يسيبقك فيي كيل ميرّةٍ قبيل أن تشيعر‬ ‫بالعجب وتزه بنفسك‪ ،‬فتضطر أن تسيتقيل ميع ال ظيفية‬ ‫ب أو آخر‪ ،‬لتبدأ البحث عع وظيفة أخر ‪...‬‬ ‫لسب ٍ‬ ‫كل نجاحٍ كنت تحققه‪ ،‬كان يتبعه فشل! وربما كان ذلك‬ ‫لكي يحميك مع العجيب‪ ،‬وكيان يمكيع أن يسيتمر األمير‬ ‫كذلك ما دمت في الدنيا‪ ،‬لكيع هيذا يعنيي أن هيذ العلية‬ ‫الخطيرة "العجب"‪ ،‬وما يق دك إليها مع الخصيا الذميمية‬

‫‪327‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫في نفسك كانت ستمل قابعةً في أعماقك‪ ،‬كامنيةً فييك‬ ‫تنتمر الفرصة لتمهر‪ ،‬وتست لي عليك كما حدث فعالً‪.‬‬ ‫هذا طبعاً ناهيك عما كانت ستسببه لك مع األذيية واألليب‬ ‫بعد مماتك! وربما لهذا اقتضت حكمته أن يجتثّ منك هذ‬ ‫العلة نهائياً‪.‬‬ ‫قلت باستيراب‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫هل يعقل ذلك؟‬

‫‪ ‬مس كل الثقة بالذا والق ة التيي تتسيب بهميا‪ ،‬ليب تتيرك‬ ‫لنفسك مجا ً ليتب معالجتيك ميع العجيب غيير أن ييتب‬ ‫اجتثاثه مع أعماقيك اجتثاثياً‪ ،‬وهيذا كيان يتطليب عملييةً‬ ‫جراحيةً ن عيةً‪ ،‬ولكع في غاية القس ة واأللب وه ما حصيل‬ ‫معك‪.‬‬ ‫قلت بحسرة وندم وأنا أهز رأسيي يمنية ويسيرة‪ ،‬ودمي عي‬ ‫تتقاطر على وجنتي‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫يا اهلل‪ ..‬كب أسأ المع به سبحانه وتعالى!‬

‫فرد علي زوجتي بألب وعصبية‪ ،‬وهي ت بخني‪:‬‬ ‫أريد أن أؤلمك‪ ،‬لكنك فعالً أخطأ في ح اهلل كثييراً‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫عندما أسأ بيه الميع‪ ،‬سيبحانه‪ .‬لقيد أراك اهلل ميع لطفيه‬ ‫الكثير ولب يخذلك ي ماً ومس ذليك ميا أسيرعك إلسياءة‬ ‫المع به!‬ ‫هل تذكر عناية اهلل عز وجل بك ورعايته لك ي ميا بعيد‬ ‫ي م منيذ طف لتيك‪ ،‬أم ترييدني أن أذكيرك؟ وميس ذليك‬ ‫بمجرد أنك شعر أنه مسّك في كبريائك وفيي رزقيك‬

‫‪328‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫ثر لنفسيك‪ ،‬وأخيذتك العيزة بيذاتك فتركيت اليدعاء‬ ‫وت قفت عع اللجأ إليه بد ً مع أن تث فيه وتشكر ‪...‬‬ ‫ر‬ ‫بربك أليست هذ حقارةً منك؟! أ تعليب أن اهلل تضي ّ‬ ‫معصيتنا و تنفعيه طاعتنيا‪ ،‬وأن كيل ميا يفعليه بنيا هي‬ ‫ألجلنا؟!‬ ‫ألي هذا ما فتلت تشرحه ليي وتفهمنيي إييا ؟! فلمياذا إذًا‬ ‫ظننت به الس ء مع أو صدمة حقيقيةٍ واجهتها‪ ،‬وكأنه عزّ‬ ‫وجل يفعل ما يفعله ليرض شخصي‪ ،‬ولي ألجلك!!‬ ‫أستطيس ان أفهب ما جر عليك وما بيدر منيك‪ ،‬وأعيذرك‬ ‫على أخطائك‪ ،‬لكنني أسيتطيس ان أقبيل منيك أن تسييء‬ ‫المع باهلل بعد كل ما فعله ألجلك وبعد معرفتك به‪.‬‬ ‫كنت أبكي بمرارة وصمت وأنا أسيمس زوجتيي تنبهنيي لميا‬ ‫غفلت عنه مس يقيني به‪ ،‬لكنها لب تت قف عع ت بيخها‪.‬‬ ‫‪#######‬‬ ‫بقدر ما جعلني كالم زوجتيي أحتقير نفسيي‪ ،‬فإنيه أنعيش‬ ‫فرادي وجدد األمل لدي‪ ،‬ولذا قرر أن أحارب بكل ما بقيي فيي‬ ‫نفسي مع ق ة ألجل أسرتي وألجل ربي‪.‬‬ ‫كان األمر في غاية الصع بة‪ ،‬فقد كنيت فقيد معميب ميا‬ ‫وهبني اهلل مع ملكا وقدرا ‪ ،‬فلب أعد أملك ق ة اإليحاء الذاتي‬ ‫و اإلرادة والق ة والثبا والنضج والحكمة اليذي كنيت أتسيب‬ ‫بها قبالً‪ ..‬لقد أصبحت أشبه بخيا مبته عع ك ني إنسان!‬

‫‪329‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫لمعت في ذهني فكرة تمسيكت بهيا كميا يتمسيك اليريي‬ ‫اليائ بالخشبة‪ ،‬وجعلتها نبراساً لي في هذ الفترة الحرجة‬ ‫كانت الفكرة أن مدة عمر اإلنسان في عالب الدنيا‪ ،‬حتيى وإن‬ ‫عا ملا السنيع‪ ،‬مقارنةً بمدة عمر الحقيقي ‪ -‬الذي يمتد إلى‬ ‫ما نهاية له ‪ -‬تساوي صفراً! فرياضيياً كيل رقيبٍ مهميا بليغ‬ ‫يساوي صفراً بالمقارنة مس الالنهاية‪.‬‬ ‫وهكذا فإن حجب أية لذة أو سيعادة مهميا عمميت فيي هيذ‬ ‫الدنيا مقارنةً بلذة وسعادة الجنة التيي يكياد يكي ن لهيا حيد‪،‬‬ ‫والتي تفي ق ليذة وسيعادة اليدنيا بتريلي نيا الميرا ‪ ،‬تقيارب‬ ‫الصفر!‬ ‫ب وشقاءٍ مهما عمب فيي هيذ‬ ‫وفي المقابل فإن حجب أي عذا ٍ‬ ‫الدنيا مقارنةً بعذاب الجحيب‪ ،‬الذي يكاد يك ن ليه حيد يقيارب‬ ‫الصفر أيضاً!‬ ‫إذا كان كذلك‪ ،‬فإنه مع الحماقة بمكان أن يكتسب اإلنسيان‬ ‫ لما نهاية له ميع العمير‪ -‬جحيمياً حيد و أميد لعذابيه‪،‬‬‫ويضيس بذلك مع يديه سعادةً حد و أمد لروعتها بسبب لذةٍ‬ ‫آنيّ ٍة تساوي صفراً‪ ،‬أو تجنّباً مع ألب آنيّ يساوي صفراً لمدة ميع‬ ‫عمر تساوي صفراً في عالب الدنيا!‬ ‫قمت في منتصف تلك الليلة بعد أن نامت زوجتي‪ ،‬وافترشت‬ ‫السجادة وصليت الليل واستيفر اهلل ربي على ميا أخطيأ فيي‬ ‫حقه وتبت إليه ت بة نص حاً‪ ،‬وشكرته على لطفه بي وطلبت منه‬ ‫الع ن والسداد لما فيه رضا ‪.‬‬ ‫ثب سجد هلل وأخذ أفكر في وضيعي وأحياو أن أخطيف‬ ‫لآلتي مع حياتي لكي أنج بنفسي وأسرتي مع براثع الضياأ‪.‬‬

‫‪330‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫كانت قدرتي على األداء والمناورة قد تضياءلت بشيدة‪ ،‬فقيد‬ ‫كان الضعف والخ ر يشالّني عع الحركة‪ ،‬كما كانيت مشياعر‬ ‫ا كتلاب وا نكسار تأسر كل خلية في جسمي وعقلي وروحي‪.‬‬ ‫ولذا كان علي وقف مصادر النزيف واأللب‪ ،‬واتخاذ أقل عيدد‬ ‫مع اإلجراءا الممكنة‪ ،‬ولكع األكثر فاعلية إلدخيا ا سيتقرار‬ ‫والهدوء لقلبي وألسرتي وهذا ما خططت له وبيدأ فيي اليي م‬ ‫التالي تنفيذ مت كالً على اهلل‪.‬‬ ‫صح مبكراً في الي م التالي ووصلت المكتيب قبيل بقيية‬ ‫الم ظفيع‪ .‬دخلت غرفتي وأقفلت على نفسي البياب فيي انتميار‬ ‫وص جميس الم ظفيع‪.‬‬ ‫كان صدري ثقيالً وكنت أشيعر بتي تر وخي ف وأنيا أر‬ ‫الم ظفيع يدخل ن علي اليرفة واحدًا بعد آخر بعيد أن طلبيتهب‬ ‫في اجتماأ طارئ‪.‬‬ ‫كان الترقيب يعلي وجي ههب‪ ،‬فثالثية مينهب ليب يسيتلم ا‬ ‫رواتبهب مع منذ ‪ 3‬أشيهر‪ ،‬أميا اآلخيريع فمنيذ أربعية أشيهر‪..‬‬ ‫أخبرتهب بصراحة أنني قد قيرر تصيفية المكتيب في راً‪ ،‬فقيد‬ ‫كانت جميس المهام العالقة قد أنجز في شهر يناير‪.‬‬ ‫لب يفاجلهب الخبر‪ ،‬فهب كان ا يعلمي ن أن ذليك سيحصيل‬ ‫عاجالً أم آجالً وفي ال اقس فهب جميعهب كان ا يبحث ن عع عمل‬ ‫آخر‪ ،‬غير أنهب كان ا يترقب ن رواتبهب المتأخرة‪..‬‬ ‫أخبروني أنهب متنازل ن عيع مسيتحقاتهب الخاصية بنهايية‬ ‫الخدميية وبشييهر اإلنييذار ولكيينهب يريييدون رواتييبهب لألشييهر‬ ‫الماضية‪ ،‬وهكذا اتفقت معهب أن أق م بتح يل رواتبهب المتيأخرة‬

‫‪331‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫على حساباتهب البنكية في الي م التالي ميع مبليغ كنيت أنتمير‬ ‫تحصيله ذلك الي م مع احد العمالء‪.‬‬ ‫بعد أن أنهيت اجتماعي مس الم ظفيع بنجياح شيعر بالثقية‬ ‫ال تسيري فيي عروقيي‪ ،‬فاتصيلت بإحيد مكاتيب المحاسيبة‬ ‫قلي ً‬ ‫وطلبت منها البدء الف ري بإجراءا تصفية المكتب‪ ،‬وقيد كيان‬ ‫مسييجالً كشييركة محييدودة المسييرولية وأعطيتهييا قائميية‬ ‫بالمستحقا المطل بة لي والمطل بة علي‪.‬‬ ‫تجاريية كثييرة ميع اليدائنيع وميع‬ ‫كانت تردني اتصا‬ ‫العمالء ومع غيرهب وجميعها كانت تسيبب ليي حرجياً وتي تراً‬ ‫شديداً‪ ،‬ولكنني لب أكع قادراً على أن تجاهلها وليذا اتفقيت ميس‬ ‫سكرتير المكتب أن أدفس له نصف راتبه لمدة الشهريع القيادميع‪،‬‬ ‫التي تردني‪ ،‬و يح علي منهيا‬ ‫مقابل أن يجيب على ا تصا‬ ‫المهمة والتي يعجز ه عع معالجتها‪.‬‬ ‫إ ا تصا‬ ‫طلبت مع السكرتير أن يق م مع الي م التالي بإخالء المكتيب‬ ‫وبيس جميس األثاث الم جي د فييه‪ ،‬كميا سيلمته هياتفي النقيا‬ ‫وأخبرته رقمي الجديد‪ ،‬وأوصيته أن يحتفظ به سيراً حتيى عيع‬ ‫بقية الم ظفيع‪ ،‬وطلبت منه أ ّ يتصل بي إ للضرورة‪.‬‬ ‫وقبل أن أغادر المكتب لألبد وقعيت رسيالة تح ييل رواتيب‬ ‫الم ظفيع حسبما اتفقنا عليه وح لت باقي المبلغ المحصل إليى‬ ‫حسابي الشخصي‪ ،‬وقد كيان يمثيل جيزءاً معقي ً ميع رواتبيي‬ ‫المتأخرة للفترة الماضية وطلبت مع السكرتير تقديمها للبنك‪.‬‬ ‫وأنا أنز الدرج اتصلت بالمقاو واتفقت معه على مقابلتيه‬ ‫بعد نصف ساعة‪ ،‬وركبت التاكسي وت جهت له‪.‬‬

‫‪332‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫لقد جهز البيت أخيراً قبل عدة أييام وانتهيت جمييس أعميا‬ ‫التشطيبا النهائية فيه فيما عدا ت صيل الكهرباء‪.‬‬ ‫كان يفترض أن يك ن جاهزاً منذ شهر ي ني الفائت حسيب‬ ‫عقد البناء‪ ،‬لكع المقاو لب يستطس ال فاء بالتزامه‪ ،‬مميا جعلنيي‬ ‫في وضس حرج ألننيي كنيت أسيتطيس أن أسيدد قسيف البنيك‬ ‫وتدبير مصروف البيت مع إيجار البيت‪.‬‬ ‫فكر ان أطالب المقاو بيراما التأخير المتف عليها وه‬ ‫مبلغ كبير سيساعدني كثيراً في األزمة التيي أميرّ بهيا ولهيذا‬ ‫السبب طلبت مقابلته‪.‬‬ ‫لكنني انتبهت وأنا في طريقي للمقاو أن تيأخير ليب يكيع‬ ‫س بسبب بعيض التييييرا فيي القي انيع المحليية الخاصية‬ ‫بتنميب العمالة ال افدة‪ ،‬التي اضطرته للتخلص مع معمب عماليه‬ ‫ألنهب لب يك ن ا على كفالته‪.‬‬ ‫صحيع أن الخطأ خطأ لكنني فكر أن المقاو أيضيًا ربميا‬ ‫يعاني مع نف ما أعانيه فرقّ قلبي لحاله وقرر ان أسامحه‪.‬‬ ‫أخبر صاحب التاكسي أن ييير اتجاهيه ويأخيذني للبييت‪،‬‬ ‫وأرسلت رسالة نصية للمقاو أعتذر منيه عيع المجييء بسيبب‬ ‫ظرف طارئ‪.‬‬ ‫كنت قد دونت صباح الي م أرقام مجم عة مع مكاتب تأجير‬ ‫العقارا المعروفة عندنا‪ ،‬ولذا قمت با تصيا بهيا للبحيث عيع‬ ‫مستأجر لبيتي‪ ،‬وا تفاق معها على م عيد لزييارة البييت خيال‬ ‫الي ميع القادميع‪.‬‬

‫‪333‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫كانت زوجتي تتابعني لحمة بلحمة عبر الهاتف‪ ..‬تشيجعني‬ ‫وتشعرني بسعادتها عع الخطي ا التيي أقي م بهيا‪ ،‬وهيذا كيان‬ ‫يدعمني كثيراً ويحمسني‪.‬‬ ‫وصلت البيت‪ ،‬وبدأ أبحث في ا نترنت عع وظيفية مالئمية‬ ‫وأقدم طلباتي هنا وهناك‪.‬‬ ‫استمر الفترة التالية لهذ الخطي ا قبيل حصي لي عليى‬ ‫وظيفة قرابة أربعة أشهر‪ ...‬كانت بطيلة جداً ومليلة بالترقيب‬ ‫وا نتمار‪.‬‬ ‫عاهد اهلل أن أعاميل زوجتيي وابنيي بلطيفٍ وأن أمنحهميا‬ ‫العناية التي يستحقانها‪ ،‬وفعيالً اسيتطعت أن ألتيزم بيذلك وان‬ ‫أرجس لهما مع داخلي كما كنت دائماً فيما مضى‪.‬‬ ‫كنت أشعر بالخجل مع اهلل إلساءتي المع به عز وجل‪ ،‬ولذا‬ ‫كنت أبحث عع شيء أقدمه هلل بييع ييدي تي بتي لطليب عفي‬ ‫وحسع تجاوز وصفحه عني‪ ،‬وألثبت لنفسيي أننيي صيادق فيي‬ ‫حبي لربي‪.‬‬ ‫مع جهة أخر فقد كنت عاهد اهلل أن أسيترجس ذاتيي وأن‬ ‫أعيد بناء نفسي المنهارة‪ ،‬لكنني كنت في حالةٍ نفسيية تنفيس‬ ‫معها األساليب التقليدية التي كنت أتبعها فيما مضى للتحكب في‬ ‫نفسي وتط ير ذاتي‪.‬‬ ‫كنت قد رجعت لثلث ساعة الخل ة التي كنيت أقضييها ميس‬ ‫نفسي كل ليلة فيما مضى‪ ،‬ألفكر في أمري وأقترب ميع نفسيي‪،‬‬ ‫وكانت هذ األفكار تدور في رأسي أثناء إحد هذ الخل ا ‪.‬‬ ‫وجدتني في أم ّ الحاجية ألن اسيتمد القي ة والهيدوء ميع‬ ‫المعيع الذي ينضب و يت قف عع العطاء‪ ،‬فقرر أن أجعيل‬ ‫‪334‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫كل ليلة ثلث ساعة الخل ة هذ للخل ة مس ربي وتفكّراً في ذاتي‬ ‫وأنا ساجد هلل‪ ،‬فهي الحالة التي يك ن اإلنسان فيها أقرب ما يك ن‬ ‫هلل‪.‬‬ ‫وفعالً قمت مع كرسيي‪ ،‬وسيجد هلل‪ ،‬وأنيا أفكير بيأمري‪..‬‬ ‫س سس ُ ْ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫استحضر ق له تعالى ‪" :‬ل ْن تنةالوا ال يب ْةر سح ْتة تن يفقةوا يم ْمةا ت يح وبةون"‪ ،‬وق له‬ ‫ْ س ُ س ُ ْ ْ س ً س‬ ‫ُ ْ ْ س ً‬ ‫م يمن ُةه ق يلةيال‪ .‬أ ْو‬ ‫سبحانه لرس له (ص) ‪" :‬ق يةم الل ْي سةل يإال ق يلةيال‪ .‬ينصةفه أ يو انقة‬ ‫ْ سس ْ س س ة ْ ُ ْ س س ْ ً ْ س ُْ سس ْ س س ًْ س ً ْ س س س ْ‬ ‫س س‬ ‫اشةةية الل ْية يةل يصة سةي أشة ود‬ ‫يزد علية يةه ور يتة يةل القةةرآن تةةريتيال‪ .‬يإنةةا سةةنل يق عليةةك قةةوال يقةةيال‪ .‬يإن ن ي‬ ‫ً‬ ‫ْ ً سْ‬ ‫سوطيةا سوأق سةو ُش يقةيال" فعزمت أن أداوم على صالة الليل‪ ،‬وأن أقي م لهيا‬ ‫في وقت السحر مع الثلث األخير مع الليل‪.‬‬ ‫بدأ أشعر بالهدوء يتسلل رويداً رويداً إلى قلبيي‪ ،‬وبميرور‬ ‫ال قت أصبحت ألتذُّ بقيام الليل‪.‬‬ ‫أضفت برنامج محاسبة النف لسيجدة الثليث سياعة‪ ،‬فكيان‬ ‫تأثيرها مدهشاً على نفسيتي مع حيث منحيي السيعادة‪ ،‬وتفرييغ‬ ‫الطاقة السلبية مع أعماقي أو ً بأو ‪..‬‬ ‫كنت أحكي هلل األشياء الجميلة التي أق م بها في ي مي وأنيا‬ ‫ساجد ليه‪ ،‬فأشيعر باليبطية والسيرور وأشيعر ان ذليك غايية‬ ‫مقصدي مع الث اب على ما قمت بيه‪ ،‬مثيل الطفيل اليذي يحكيي‬ ‫ألبيه جذ ً ما يفخر بفعله‪.‬‬ ‫ثب أحكي له سبحانه وتعالى كل ميا سياءني القييام بيه أو‬ ‫تركه في ي مي‪ ،‬حتى ل لب يكع خطأً فيي حيد ذاتيه‪ ،‬وأتأسيف‬ ‫وأعتذر منه سبحانه وأعاهد أنني سيأك ن أكثير حرصياً فيي‬ ‫المرة القادمة‪ ..‬كان ذلك يريحني جداً ويحميني ميع تيراكب‬ ‫الطاقة السلبية في أعماقي‪.‬‬

‫‪335‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫وبعد انقضاء عدة أشهر عليى ميداومتي عليى صيالة اللييل‪،‬‬ ‫وسج د الثلث ساعة‪ ،‬بدأ لذتي بقيام اللييل تأخيذ طابعياً آخير‬ ‫وبدأ تمنحني سعادةً وق ةً تكاد تك ن كتلك التي شيعر بهيا‬ ‫قبييل عييدة سيين ا ‪ ،‬وأنييا أخييرج مطييروداً مييع مكتييب الييرئي‬ ‫التنفيذي‪.‬‬ ‫لب أعد في حاجة ألن أسجد لفترة ط يلية ألشيعر بالراحية‬ ‫والطمأنينة‪ ،‬فكان يكفيني سج د بضس ث انٍ هلل‪ ،‬ألشيعر بالفرحية‬ ‫والسعادة تيمرني‪ ،‬لك ني عبداً هلل‪ ،‬ولك نه جلّيتْ عممتيه ربيي‪..‬‬ ‫وماذا يمكنني أن أبتيي أكثر مع هذا؟!‬ ‫في ي ني ‪ 2611‬تب تعييني مستشياراً ماليياً وإداريّياً لليرئي‬ ‫التنفيذي إلحد الشركا الحك مية الكبيرة بالسيلطنة‪ ،‬براتيب‬ ‫مرتفس جداً‪.‬‬ ‫كان كل شيء رائعاً‪ ،‬فيما عدا أننيي كيان ييرذيني ويقيض‬ ‫مضجعي أن حياتي كلها كانت متمح رة ح ذاتي‪ ،‬وأننيي ليب‬ ‫أتشرف بعد أن أك ن مع المجاهديع في سبيله عز وجيل‪ ،‬وقيد‬ ‫س ْ س ُْ ُْ‬ ‫ين سع سلى ْال سقاعد س‬ ‫اْل سجاهد س‬ ‫ين سأ ْج ًرا سع يظ ً‬ ‫يما"!‬ ‫"فضل اع‬ ‫يي‬ ‫ي ي‬ ‫نعب أنا أحب اإلمام المهدي كثيراً وأعرف انه يحبني‪ ،‬لكننيي‬ ‫لب أتشرف أن أك ن مع أنصار وجن د ‪ ،‬وعندما سنحشير يي م‬ ‫القيامة سيك ن جن د وأنصار المخلص ن هيب المقربي ن منيه‬ ‫وح اري ‪ ،‬ولست أنا وأمثالي مع عامة محبيه!!‬ ‫ربما كان خطأي دائماً هي أننيي كنيت أنتمير أن أتفيرغ‬ ‫ألق م بالجهاد في سبيله‪ ..‬ولكع إن لب يحصل ذليك فأنيا اليذي‬ ‫سأك ن الخاسر األكبر!‬

‫‪336‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫قرر أن أضيس لحمة واحدة مع عميري‪ ،‬ودعي اهلل أن‬ ‫يمدّ في عمري إن كان قد حان أجلي‪ ،‬حتى أنجز ما يمكننيي أن‬ ‫أقدمه بيع يدي اهلل ليعدني اهلل مع المجاهديع فيي سيبيله وميع‬ ‫جن د اإلمام المهدي (عج) والممهديع لدولته‪.‬‬ ‫ولكع ما عساي أن أفعل؟ ضربت أخماسياً فيي أسيداس‪ ،‬وفيي‬ ‫النهاية وجد أن أفضل ما يمكنني البدء به ه أن أخبير النياس‬ ‫عع تجربتي علها تك ن ذا فائدة لهب‪ ،‬وهذا ما عقد العزم على‬ ‫أن أفعله ابتداء مع تلك الليلة وهكذا بدأ أكتب رواية "رحلية‬ ‫كادح"‪.‬‬ ‫‪#######‬‬ ‫‪ 25‬يناير‪2614 ،‬‬ ‫كنت جالساً في شرفة منزلي المطلة على المدينة بأكملهيا‪،‬‬ ‫حيث أر البحر وأر الحياة مع تحتيي تمي ج وتتحيرك‪ ،‬وأنيا‬ ‫متدثر بشا ٍ كشميري مع شدة برودة الج ‪.‬‬ ‫أخذ أفكر في جميس هر ء الناس اليذيع يتحركي ن يمنية‬ ‫ويسرة‪ ..‬كل واحد فيهب مشي ومستيرق في كدحه وكفاحه‬ ‫مس الحياة‪ ،‬مشكّالً بذلك قصة وج د وقصة قربه مع اهلل‪ ،‬ولكع‬ ‫كب شخصاً منّا يشعر أو حتى يعلب بذلك؟!‬ ‫ثب انتقل ذهني بعيداً إلى ما يحدث عليى المسيرح السياسيي‬ ‫العييالمي ف يي السيين ا األخيييرة‪ ،‬فقييد دفعييت شييع بنا العربييية‬ ‫والمسلمة الكثير مع األثمان والتضيحيا للتحيرر ميع هيمنية‬ ‫ا ستكبار العالمي‪ ،‬وفي المقابل بذ ا ستكبار العالمي و ييزا‬

‫‪337‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫يبذ جميس ما في جعبته‪ ،‬حتى تلك التي كيان ادخرهيا ل قيت‬ ‫الشدة إلبقاء سيطرته على المنطقة لكنه فشل فشالً ذريعاً!‬ ‫فها هي مصر تسترجس كرامتها وإرادتها المسل بة‪ ،‬وها هي‬ ‫العراق يخرج جميس الجن د األمريكان مع أراضيها‪ ،‬كميا يينجع‬ ‫أخيراً في الخروج مع الفصل السيابس‪ ،‬وهيا هيي سي ريا "ضيلس‬ ‫المقاومة الباسلة ضد ا ستكبار العالمي" تبقى صامدةً‪ ،‬وتنتصير‬ ‫برغب تكاتف ق الشرّ والمالم عليهيا‪ ،‬وهيا هيي إييران بيدأ‬ ‫العق با الدولية ترفيس عنهيا‪ ،‬ودو العيالب تتيراكض نح هيا‬ ‫لطلب ودها والشراكة معها في األعما ‪.‬‬ ‫شخصياً لب أشك لحمية واحيدة فيي حيياتي أن ذليك ميا‬ ‫سيحصل‪ ،‬عاجالً أم آجالً‪ ،‬ليي بسيبب التحلييال السياسيية و‬ ‫ألني أعلب الييب‪ ،‬ولكع ألنني م قع بالقرآن وبما جاء فيه وفييه‬ ‫س سوس ْ س س ُ ْ س ْ ُ ُ ْس س ْ ُ ُ س ْ س ْ ُ‬ ‫ص ْرك ْم سو ُيث يةبت أق سد سامكم"‪.‬‬ ‫ق له تعالى ‪" :‬يا ألها ال يذين آمنوا يإن تنصروا اع ين‬ ‫وأما على صعيدي الشخصي‪ ،‬فقد مضيى أكثير ميع سينتيع‬ ‫ونصف وأنا مستقر في حياتي‪ ،‬أرتقي مع وظيفةٍ ألعلى‪ ،‬مع دون‬ ‫ابتالءا ٍ تُذكر! هل يا تر ه اليسر الذي يأتي ميس العسير‪ ،‬أم‬ ‫أنه الهدوء الذي يسب العاصفة؟!‬ ‫استطعت أن أظهر براعةً فائقةً في عملي كمستشيار‪ ،‬ولهيذا‬ ‫تمت ترقيتي في يناير ‪ ،2612‬رئيساً لقطاأ الشرون ا سيتراتيجية‬ ‫للشركة‪ ،‬وفي مارس ‪ 2613‬عرضت علي وظيفة رئيي تنفييذي‬ ‫إلحد المرسسا الحك مية براتب خيالي‪ ،‬فقبلتها ف راً‪.‬‬ ‫رجعت بذهني إلى ال راء عندما كنيت م ظفياً فيي شيركة‬ ‫التدقي العالمية‪ ،‬وتساءلت ماذا كان سيحصل لي أننيي أضيفت‬ ‫تلك الفقرة التي طلب مني الشريك أن أضيفها فيي تقرييري؟‬

‫‪338‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫ألب تكع حياتي لتك ن أكثر استقراراً‪ ،‬وراحةً بد ً ميع المعانياة‬ ‫التي عشناها أنا وزوجتي؟‬ ‫ولكع ماذا ل كنت وافقت‪ ،‬هل كان األمر سيت قف‪ ،‬أم أنني‬ ‫كنت سأُطالَب بذلك‪ ،‬وربّما أكثر مع ذلك مراراً وتكراراً إليى‬ ‫أن أعتاد األمر‪ ،‬ويت قف ضيميري عيع الشيع ر باليذنب وأفقيد‬ ‫ذاتي؟!‬ ‫يحل للكثيريع أن يسمي ذلك بي "واقعية الحيياة"‪ ،‬وتحيت‬ ‫هذا العن ان نرتكب الكثير مع األخطاء‪ ،‬ونتجاوز عع الكثير ميع‬ ‫قيمنا ومبادئنا بقلبٍ بارد‪.‬‬ ‫تذكر كالم أحد األخ ة المتدينيع مع أصيحاب المناصيب‬ ‫الكبيرة والنضج والمعرفية‪ ،‬عنيدما استشيرته فيي وضيعي قبيل‬ ‫سن ا عديدة‪ ،‬فقا لي أنني باألسل ب اليذي أتبعيه فيي الحيياة‬ ‫علي أن آخذ زاوية في المسجد وأتفرغ للعبادة‪ ،‬وان أعميل نائبياً‬ ‫إلمام المسجد‪ ،‬ألن الحياة ال اقعية تنسيجب ميس أسيل بي فيي‬ ‫الحياة!!‬ ‫فتحت زوجتي باب الشرفة‪ ،‬وأقبلت عليي ب جههيا البشي‬ ‫ومعها ابنتي "فاطمة" ذا السبعة أشهر‪.‬‬ ‫سألتها وهي تجل‬ ‫‪-‬‬

‫‪،‬‬

‫بجانبي‪ ،‬وأنا أتناو منها ابنتي‪:‬‬

‫ما رأيك‪ ..‬هل أنا إنسان ناجع؟‬

‫التفتت زوجتي نح ي باستيراب وهي تبتسب‪ ،‬فأكملت حديثي‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫سألني أحد األصدقاء مع الخريجيع الجدد أم‬ ‫الجمعة‪" :‬كيف أصير ناجحاً مثلك؟"‬

‫‪ ‬وبماذا أجبته؟ سألتني زوجتي بفض‬

‫‪339‬‬

‫بعيد صيالة‬

‫‪.‬‬ ‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫‪-‬‬

‫سألته‪" :‬وكيف تعرف أنني ناجع؟"‪ ،‬فأجابني‪ " :‬أنت متعلب‪،‬‬ ‫ولديك منصب وظيفي كبير‪ ،‬ومرتاح مادياً"‪.‬‬

‫‪ ‬كل هذا صحيع‪ .‬ولكع هذا لي‬ ‫‪-‬‬

‫ه النجاح‪.‬‬

‫وهذا ما قلته له‪ ..‬لقد طلبت منه أن نتقابل عند المسجد بعد‬ ‫صالة الجمعة المقبلة لنناقش في الم ض أ‪ ،‬وذليك بعيد أن‬ ‫يك ن تأمل وفكر بجدية عع معنى النجاح بالنسبة له‪.‬‬

‫‪ ‬هل تعرف لي رجعنيا للي راء عيدة سين ا فقيف‪ ،‬وعيرف‬ ‫صاحبك هذا ما كنا نعانيه ميع المحيع فيي حياتنيا‪ ،‬وميع‬ ‫الطرد المستمر مع ال ظائف‪ ،‬لكان اعتبيرك فاشيالً! قالتهيا‬ ‫وهي تضحك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كالمك صحيع‪ ،‬ولكع ل كنت رضخت للشريك في بداية‬ ‫حياتي‪ ،‬وكذبت في تقريري‪ ،‬لكنت اختصر المسافا نحي‬ ‫المناصب العليا والسلطة والما والشيهرة‪ ،‬ولكنيت أصيبحت‬ ‫أنم ذجاً "للنجاح" في أعيع الناس!!‬

‫‪ ‬النجاح يكمع في الحص على المناصب العلييا والسيلطة‬ ‫والما والشيهرة وميا شيابه؟ وإ لكيان معميب أنبيياء اهلل‬ ‫والمصلح ن فاشليع‪ ،‬وكان المفسدون مع أمثيا "قيارون"‬ ‫ناجحيع!‬ ‫‪-‬‬

‫حسناً‪ ،‬فما ه النجاح في رأيك إذاً؟‬

‫‪ ‬حسب كتب تط ير الذا التي أقرأهيا فالنجياح يكميع فيي‬ ‫الهدوء والقناعة والسعادة الداخلية! لكنني ليي وجهية نمير‬ ‫أخر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫واو‪ ..‬عميب‪ ،‬وما وجهة نمرك؟ قلتها بإعجاب شديد‪.‬‬

‫‪340‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫‪ ‬ل كيان األمير كميا يق لي ن‪ ،‬لكيان الخيامل ن الكسيالى‪،‬‬ ‫المحدودي األف ممع أغناهب اهلل مع رزقه وفضله هيب ميع‬ ‫أكثر الناس نجاحاً‪ ،‬بينما أصحاب الطم حا العليا فاشيل ن‪،‬‬ ‫ألنهب يهيدؤون أو يقنعي ن بميا يحقق نيه ميع نجاحيا‬ ‫نسبية‪ ..‬ما رأيك أنت؟‬ ‫‪-‬‬

‫أتف معك‪ ،‬فكيف يمكع عدّ أيّاً مما نحققه في عيالب اليدنيا‬ ‫نجاحاً‪ ،‬والدنيا بأسرها تعيدو أن تكي ن صيفراً فيي عمير‬ ‫اإلنسان؟!‬

‫سكت للحما ألصب الشاي لي ولزوجتي‪ ،‬ثب استأنفت‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫النجاح لي مرتبطاً بما نحققه ميع مناصيب علييا وسيلطة‬ ‫وما وشهرة‪ ،‬و هي ميرتبف بإحساسينا بالسيعادة واألليب‬ ‫والمشاعر الداخلية‪ ،‬وإنما ه مرتبف بشكل حصيري برضيا‬ ‫اهلل عنا وبقربنا منه‪ ،‬وأما المعايير األخر فهي د لية عليى‬ ‫النجاح والفشل بقدر ما هي تعك قربنا مع اهلل‪.‬‬ ‫فمثالً حالة عدم ا ستقرار واأللب الداخلي الذي تعاني منهما‬ ‫ح أو فشيلٍ فيي حيد ذاتهميا‪ ،‬فهميا إن كانيا‬ ‫ليسا عالمة نجا ٍ‬ ‫ناشليع بسبب ال س سة والخ ف مع المسيتقبل ميثالً فهميا‬ ‫عالمة فشل‪،‬‬ ‫ولكع إن كانا بسبب تفاعلك ميس أحي ا البشير وتألميك‬ ‫لهب‪ ،‬أو بسبب حزنك على اإلمام المهدي وولهك لنصيرته‪،‬‬ ‫أو بسبب ش قك هلل ورغبتك في لقائه‪ ،‬أو بسبب انزعاجك‬ ‫مع ضيعفك وسيلبيتك فهميا عالمية نجياح‪ ،‬طالميا أنهميا‬ ‫يدفعانك نح التط ر‪.‬‬

‫‪341‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫س ْس ُسْ ْ س ُ ُ سُ‬ ‫ةورك ْم‬ ‫‪ ‬أتف معك حبيبي‪ ،‬ولذا ورد في القيرآن "و يإنمةا توفةون أج‬ ‫س ْ س ْ س س س س ْ ُ ْ س س ْ سُْ س ْ س ْ س س س ْ س س س س ْ س س ُ وْس ْ‬ ‫يوش ال يقيام ية ۖ فمن زح يزح ع ين الن ياروأد يخل الجنة فقد فازه ومةا الحيةاة الةدنيا يإال‬ ‫سس ُ ْ ُ​ُ‬ ‫ور"‪ ،‬ولذا ايضًا صرت اإلميام عليي بانتصيار وفرحية‬ ‫متةاع الغةر ي‬ ‫عندما تلقى ضربة السيف على أم رأسه وه ساجد هلل‪" :‬فةزت‬ ‫ورب الكعبة"‪ ..‬ولكع‪...‬‬ ‫سكتت لحما وكأنها تفكر فيما تريد ق له‪ ،‬ثب أعقبت‪:‬‬ ‫‪ ‬يقلقني أن هدف رضا اهلل والقيرب منيه سيبحانه وإن كيان‬ ‫واضحاً‪ ،‬لكع يصعب قياسه‪ ،‬وبالتالي يصيعب قيياس اإلنسيان‬ ‫لمد تحقيقه للنجاح!‬ ‫س ْ ْ ُ س سْ‬ ‫األن سسةان سعلةى نف يس يةه‬ ‫ غير صحيع‪ ،‬أ يق سيبحانه وتعيالى‪" :‬ب يةل ي‬‫ٌ‬ ‫سب يص سارة"‪.‬‬ ‫‪ ‬حقاً! كيف؟‬ ‫‪-‬‬

‫هناك أسيل بان يمكيع لإلنسيان ب اسيطتهما مراقبية نفسيه‪،‬‬ ‫ليييتمكع مييع قييياس مييد نجاحييه‪ ،‬ومييع األفضييل دائمييا‬ ‫استخدامهما معا بشكل دوري‪:‬‬ ‫األسل ب األو وه األسل ب المعروف‪ ،‬ويتمثل فيي مراقبية‬ ‫األعما التي نق م بها‪ ،‬س اءً اإليجابية منها كالعبادة وطليب‬ ‫العلب واإلصيالح وميا شيابه‪ ،‬أو السيلبية كاليذن ب واتبياأ‬ ‫الشه ا أو ترك ما ينبيي القيام به‪،‬‬ ‫أما األسل ب الثاني‪ ،‬فهي مراقبية الينعب! إن هنياك ني عيع‬ ‫رئيسييييع مييع نعييب اهلل علينييا‪ :‬األو هيي نعييب ال جيي د‬ ‫كيياإلحسيياس بالعب دييية هلل‪ ،‬وكييالعلب والحييزم والقييدرة‬ ‫والحكمة والحب وجما الروح واليقيع وا طملنان والهدوء‬

‫‪342‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


‫الداخلي وغيرهيا‪ ،‬والني أ الثياني هي نعيب اليدنيا الزائلية‬ ‫كالما والجا والمنصب والشهرة وأشابهها‪.‬‬ ‫فإذا راقبت نعب اهلل عليك ف جدتها مع الني أ األو ‪ ،‬فياعلب‬ ‫أنك بخير وأنك تقترب مع اهلل عز وجل‪ ،‬حتى وإن حرمت‬ ‫مع الن أ الثاني مع النعب‪ ،‬وظللت تنتقل مع مصيبة دني يية‬ ‫إلى أخر ‪..‬‬ ‫أما إذا حمت أن نعيب اهلل علييك ميع الني أ األو بيدأ‬ ‫تضعف وتقل فاحذر‪ ،‬فهذا يعني أنيك تبتعيد عنيه سيبحانه‬ ‫وتعالى سيما إذا كانت النعب مع الني أ الثياني متزاييدة‪،‬‬ ‫ألن هذا ربما يعني أنك في خطرٍ عميبٍ جداً وأنك أوصلت‬ ‫نفسك مع الس ء ما جعل اهلل يتركك لنفسك وللدنيا‪.‬‬ ‫قاطعتني زوجتي وهي تسألني‪:‬‬ ‫‪ ‬كما كانت حالتيك عنيدما بيدأ نجاحاتيك تتي الى فيي‬ ‫مكتبك‪ ،‬قبل أن يتداركك اهلل با بتالء؟‬ ‫وقبل ان أجيبها‪ ،‬رن هاتفها‪ ..‬كانت أمي تطلب منها الحض ر‬ ‫مبكراً برفقة األطفا لمساعدتها‪ ،‬فقيد كانيت التجميس العيائلي‬ ‫الشهري في بيت أمي هذ المرة‪.‬‬ ‫دخلت زوجتي البيت آخذةً معها ابنتي‪ ،‬لتتجهز للذهاب لبييت‬ ‫أمي‪ ،‬بينما بقيت أنا جالساً في البلك نة أتأمل الحياة ميع حي لي‪،‬‬ ‫ثب فتحت كمبي تري وبدأ اضس اللمسا األخيرة على روايتيي‬ ‫"رحلة كادح"‪.‬‬

‫النهاية‬ ‫‪343‬‬

‫وت ضو ا حياة‪...‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.