بلغيت أمين ،الريصاني. ال عاطفة مع الكورونا بعدما أن استقبل والدي بعضا من أصدقائه في البلدة ،بال موعد ،اللعنة عليهم ،اضطر وفي ظل هذا الوضع ،والرعب الذي تعيشه البالد ،أن يقوم بكرم الضيافة ،فرحب بهم ،واستقبلهم في بيت المعيشة .أما أنا فقد كنت مقررا في نفسي أال أرى أحدا ،كان من كان، كما أ ني قد أوصيت أبي من قبل بأال يصافح أحدا ،وأن يترك مسافة األمان بين كل شخص يصادفه .أبي ،طبعا ،وعى بخطورة كورونا ،وقرر أن يسير وفقا لما يناشد به اإلعالم ،وبما أناشد به أنا ،صباح مساء. لكن على الرغم من أنني كنت مصرا على عدم رؤية أحد ،فقد أتاني األمر من السلطات العليا بأن أحضر الشاي ،والحلوى ،وشيئا من المملحات .طبعا أخدت أشتم وأتمتم في سري بكل ما وعى صدري من صنوف الشتائم الجائزة ،وألعن هؤالء الضيوف: -
ألم يجدوا وقتا آخر للزيارة إال هذا ،اللعنة عليكم يا أوغاد كورونا.
أخذت الصينية بما فيها ،على مضض ،ثم دخلت الغرفة وقلت: -
السالم عليكم.
لم أزد عنها شيئا ،ثم جلست .حينها أرسل الضيفان طرفيهما في غرابة يحملقان بي ،بشراهة ونهم ،وكأني أكلت لهم رزق جدهم ،كنت أعلم أنهم مستغربان ألنني لم أقم بمصافحتهما ،وأخذا ينظران في بعضهما البعض ،في ذهول ووجم ،دون أن يتكلما ،لكنني كنت أعرف فيما كانا يفكران .كان األول يقول في سره: -
أرأيت قليل األدب هذا ،دخل ولم يسلم.
فيجيب اآلخر في سره كذلك: -
رأيته( ،البرهوش ربا كتيفات وعجبو راسو ،قليل الحيا).
وفي الوقت الذي كانا يتحاوران فيه بأعينهما ،كنت أنظر إلى كأس من نوع (حياتي) أمامي ،وأفكر هل آخذه وأكسره فوق رأس أحدهما ،فأكون بذلك قد خليت ملة أبيه وجده ،لكن سرعان ما تمالكت أعصابي ،هذا من قلة األدب ،فأرسلت كليمات تترنحن عبر األثير: -
معذرة ،لم أسلم عليكما ،ألنه كما تعرفان ،كورونا تغزو العالم.
لكنني فوجئت بابتسامة شمطاء صدرت منهما ،حتى بدت أسنانهما كملقاط ،وكأني بذلك دغدغت مؤخرتيهما ،فقال أحدهما: -
شرب الحريرة ،وكول التمر ،وراه مايقيسك حتاش ،راه صحراوا معروف عليهم الرجلة .في تلك اللحظة بدأت أستشيط غضبا من هذا الجهل الدي يخيم على عقولهم الصماء ،حتى تمنيت أن أمسك رأسيهما ،كل في يد ،وألصق جباههم بقوة، حتى يعلمون ما معنى :التمر والحريرة ،وأطفئ غليل صدري.
لكنني ارتأيت أن أحتفظ بذلك الغضب في قلبي ،ريتما أرجعه في وقت الحق ،وأصير الصاع صاعين .وقفت ،لمحتهما بخفة .الزاال ينظران إلي في سخرية ،عقدت بين حاجبي ،ثم تنهدت فخرجت. أخدت أدور كالمجنون أمام المنزل ،يدي خلف ظهري ،ورأسي منغرس في األرض ،نظرت إلى السماء .صافية ،اللهم بعض الغيوم التي تعانق بعضها في غير مباالت .بدأت أفكر في طريقة ألقنع هؤالء بخطورة الكورونا ،وأنها ال تمزح ،كما أنها ال تقبل رشوة ،أو تتغاضى ألنك فقط تعرف وزير الصحة أو المندوب الجهوي ،وغيرها من األسامي التي قد تحتمي بها .الكورونا تأتي على الرضيع
40 | P a g e