Write From Home Anthology

Page 41

‫بلغيت أمين‪ ،‬الريصاني‪.‬‬ ‫ال عاطفة مع الكورونا‬ ‫بعدما أن استقبل والدي بعضا من أصدقائه في البلدة‪ ،‬بال موعد‪ ،‬اللعنة عليهم‪ ،‬اضطر وفي ظل هذا الوضع‪ ،‬والرعب الذي تعيشه‬ ‫البالد‪ ،‬أن يقوم بكرم الضيافة‪ ،‬فرحب بهم‪ ،‬واستقبلهم في بيت المعيشة‪ .‬أما أنا فقد كنت مقررا في نفسي أال أرى أحدا‪ ،‬كان من كان‪،‬‬ ‫كما أ ني قد أوصيت أبي من قبل بأال يصافح أحدا‪ ،‬وأن يترك مسافة األمان بين كل شخص يصادفه‪ .‬أبي‪ ،‬طبعا‪ ،‬وعى بخطورة‬ ‫كورونا‪ ،‬وقرر أن يسير وفقا لما يناشد به اإلعالم‪ ،‬وبما أناشد به أنا‪ ،‬صباح مساء‪.‬‬ ‫لكن على الرغم من أنني كنت مصرا على عدم رؤية أحد‪ ،‬فقد أتاني األمر من السلطات العليا بأن أحضر الشاي‪ ،‬والحلوى‪ ،‬وشيئا من‬ ‫المملحات‪ .‬طبعا أخدت أشتم وأتمتم في سري بكل ما وعى صدري من صنوف الشتائم الجائزة‪ ،‬وألعن هؤالء الضيوف‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫ألم يجدوا وقتا آخر للزيارة إال هذا‪ ،‬اللعنة عليكم يا أوغاد كورونا‪.‬‬

‫أخذت الصينية بما فيها‪ ،‬على مضض‪ ،‬ثم دخلت الغرفة وقلت‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫السالم عليكم‪.‬‬

‫لم أزد عنها شيئا‪ ،‬ثم جلست‪ .‬حينها أرسل الضيفان طرفيهما في غرابة يحملقان بي‪ ،‬بشراهة ونهم‪ ،‬وكأني أكلت لهم رزق جدهم‪ ،‬كنت‬ ‫أعلم أنهم مستغربان ألنني لم أقم بمصافحتهما‪ ،‬وأخذا ينظران في بعضهما البعض‪ ،‬في ذهول ووجم‪ ،‬دون أن يتكلما‪ ،‬لكنني كنت‬ ‫أعرف فيما كانا يفكران‪ .‬كان األول يقول في سره‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫أرأيت قليل األدب هذا‪ ،‬دخل ولم يسلم‪.‬‬

‫فيجيب اآلخر في سره كذلك‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫رأيته‪( ،‬البرهوش ربا كتيفات وعجبو راسو‪ ،‬قليل الحيا)‪.‬‬

‫وفي الوقت الذي كانا يتحاوران فيه بأعينهما‪ ،‬كنت أنظر إلى كأس من نوع (حياتي) أمامي‪ ،‬وأفكر هل آخذه وأكسره فوق رأس‬ ‫أحدهما‪ ،‬فأكون بذلك قد خليت ملة أبيه وجده‪ ،‬لكن سرعان ما تمالكت أعصابي‪ ،‬هذا من قلة األدب‪ ،‬فأرسلت كليمات تترنحن عبر‬ ‫األثير‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫معذرة‪ ،‬لم أسلم عليكما‪ ،‬ألنه كما تعرفان‪ ،‬كورونا تغزو العالم‪.‬‬

‫لكنني فوجئت بابتسامة شمطاء صدرت منهما‪ ،‬حتى بدت أسنانهما كملقاط‪ ،‬وكأني بذلك دغدغت مؤخرتيهما‪ ،‬فقال أحدهما‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫شرب الحريرة‪ ،‬وكول التمر‪ ،‬وراه مايقيسك حتاش‪ ،‬راه صحراوا معروف عليهم الرجلة‪ .‬في تلك اللحظة بدأت أستشيط‬ ‫غضبا من هذا الجهل الدي يخيم على عقولهم الصماء‪ ،‬حتى تمنيت أن أمسك رأسيهما‪ ،‬كل في يد‪ ،‬وألصق جباههم بقوة‪،‬‬ ‫حتى يعلمون ما معنى‪ :‬التمر والحريرة‪ ،‬وأطفئ غليل صدري‪.‬‬

‫لكنني ارتأيت أن أحتفظ بذلك الغضب في قلبي‪ ،‬ريتما أرجعه في وقت الحق‪ ،‬وأصير الصاع صاعين‪ .‬وقفت‪ ،‬لمحتهما بخفة‪ .‬الزاال‬ ‫ينظران إلي في سخرية‪ ،‬عقدت بين حاجبي‪ ،‬ثم تنهدت فخرجت‪.‬‬ ‫أخدت أدور كالمجنون أمام المنزل‪ ،‬يدي خلف ظهري‪ ،‬ورأسي منغرس في األرض‪ ،‬نظرت إلى السماء‪ .‬صافية‪ ،‬اللهم بعض الغيوم‬ ‫التي تعانق بعضها في غير مباالت‪ .‬بدأت أفكر في طريقة ألقنع هؤالء بخطورة الكورونا‪ ،‬وأنها ال تمزح‪ ،‬كما أنها ال تقبل رشوة‪ ،‬أو‬ ‫تتغاضى ألنك فقط تعرف وزير الصحة أو المندوب الجهوي‪ ،‬وغيرها من األسامي التي قد تحتمي بها‪ .‬الكورونا تأتي على الرضيع‬

‫‪40 | P a g e‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.