Write From Home Anthology

Page 44

‫وفاء باسيوني‪ ،‬مراكش‪.‬‬ ‫و ال حتى طريق واحد لروما‬ ‫لم تفقد األمل أبدا! ظلت تنتظر سنين طويلة قدوم ذلك اليوم الذي ستطأ فيه قدماها أرضا غير موطنها‪ ،‬يوم تشتم فيه أريج انتصار حلم‬ ‫طفولتها الذي لم تيأس من تحقيقه ولو لبرهة‪ .‬ضحت بكل ما لديها‪ ،‬شاركت مرات عديدة في مباريات وبرامج دراسية ال تعد وال‬ ‫تحصى‪ ،‬عسى أن تفوز برحلة ألمريكا أو بضعة أيام سياحية في أوروبا‪ .‬لكن كلما اقتربت من المراتب األولى للفوز بكذا فرصة‪ ،‬تبخر‬ ‫الحلم في ثانية وتاه في سراديب النسيان‪.‬‬ ‫لكن ذلك اليوم الذي كرست من أجله كل طاقاتها وجل أحالمها‪ ،‬أضحى اآلن عبئا ثقيال تتحمله في صمت وإذعان‪ .‬إذعان لقدر يستهزئ‬ ‫من بر اءتها ويتالعب بمشاعرها‪ ،‬استسالم لرحلة مجهولة في ظروف غامضة ودت لو لم تتحقق أبدا‪ .‬أجل‪ ،‬فبعدما كانت تجري متلهفة‬ ‫وراء حلم من سراب يختفي كلما اقتربت منه‪ ،‬أصبحت اليوم تحاول الفرار من حقيقة قاسية تتجسد أمامها كأسوار إسمنتية تنبني أمامها‬ ‫كلما ابتعدت عنها‪.‬‬ ‫ها هي اآلن‪ ،‬حبيسة الغرفة ‪ ، 39‬طريق داكياردي‪ ،‬بيزا‪ ،‬إيطاليا‪ .‬وحيدة في بالد غريبة‪ ،‬سجينة بين جدران جديدة‪ .‬ال عائلة حاضرة‬ ‫لمواساتها‪ ،‬وال صديق قريب لمؤانستها‪ .‬عزاؤها الوحيد‪ ،‬مذكرة بنية اللون ذبلت أوراقها بمرارة عبراتها‪ ،‬و شحب غالفها آلالم‬ ‫خلجاتها‪ .‬مذكرة كان الغرض منها رواية سفريات ومغامرات تجوالها في إيطاليا‪ ،‬لينتهي بها المطاف مجرد سلة مهمالت تدون فيها‬ ‫تفاهات بالية تجري أحداثها الرئيسية بين جدران بيت معزول في أزقة بيزا الخالية‪.‬‬ ‫"‪ 30-‬مارس ‪ :2020‬إغالق جميع جمعيات ومدارس إيطاليا إلى حين بالغ جديد"‬ ‫"‪ 05-‬مارس ‪ 108 :2020‬يورو صرف نقد القتناء لوازم المنزل"‬ ‫"‪ 10-‬مارس ‪ : 2020‬دقيق‪ ،‬حليب‪ ،‬خبز‪ ،‬خبز‪،‬خبز‪ ،‬خخخخخخبززز كثيييير…قبل إقفال المحالت التجارية‪ .‬يلزم سكرر‪ ،‬سكر‬ ‫ضروري‪ ،‬للحرشة!!!!‬ ‫"‪ 20-‬مارس ‪ :2020‬آخر مرة أعمل حرشة!!! اليوم كاااارثة! لن أعيد الكرة مجددا‪ .‬بيض و زيت يكفيني لإلفطار‪..‬‬ ‫هكذا امتأل إذن ذلك الدفتر‪ ،‬كل يوم حكاية عن مصير فلس صغير من ادخاراتها‪ ،‬أو فشل في طبخها‪ ،‬أو تذكير صغير لتاريخ تسليم‬ ‫عمل بسيط ألساتذتها‪ .‬لم تكن لتتخيل أبدا أن سعادتها ستقتصر على إتقان وجبة غذاء شهية‪ ،‬أو حتى مجرد تنظيف و تطهير البيت‬ ‫من الجراثيم‪ .‬من كان ليخال أن مجرد استيقاظها صباحا بحال جيدة كفيل بأن يجعلها سعيدة لبيقة حياتها‪ .‬بعدما كان هدفها أن تسافر‬ ‫خارج الوطن لتنعم بلذات الحياة‪ ،‬أضحى اليوم رجاؤها الوحيد أن تحيا لتعود ألرض ذويها‪ ،‬أن تحيا لتضم بحرارة تلك الوجوه الوحيدة‬ ‫التي أحبتها بصدق‪ ،‬و أن تقابل و لو لمرة واحدة كل أولئك األشخاص الذين ساهموا في إسعادها و توفير كل سبل الدعم لها‪.‬‬ ‫اقتصرت كل أحالمها على أن تحيا و فقط‪.‬‬ ‫‪------‬‬‫ أمي‪ ،‬إنها مجرد سعلة صغيرة‪ ،‬ال تقلقي‪..‬‬‫ أريد أن أرى وجهك‪ ،‬اقفلي وسأكلمك عبر الفيديو‪..‬‬‫‪ -‬يا أماااه‪ ،‬إنها فقط نزلة برد صغيرة‪ ،‬أرجوك فأنا لم أخرج منذ شهر‪ ،‬كما أن األنترنت ضعيفة‪ ..‬أمي…‬

‫‪43 | P a g e‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.