وفاء باسيوني ،مراكش. و ال حتى طريق واحد لروما لم تفقد األمل أبدا! ظلت تنتظر سنين طويلة قدوم ذلك اليوم الذي ستطأ فيه قدماها أرضا غير موطنها ،يوم تشتم فيه أريج انتصار حلم طفولتها الذي لم تيأس من تحقيقه ولو لبرهة .ضحت بكل ما لديها ،شاركت مرات عديدة في مباريات وبرامج دراسية ال تعد وال تحصى ،عسى أن تفوز برحلة ألمريكا أو بضعة أيام سياحية في أوروبا .لكن كلما اقتربت من المراتب األولى للفوز بكذا فرصة ،تبخر الحلم في ثانية وتاه في سراديب النسيان. لكن ذلك اليوم الذي كرست من أجله كل طاقاتها وجل أحالمها ،أضحى اآلن عبئا ثقيال تتحمله في صمت وإذعان .إذعان لقدر يستهزئ من بر اءتها ويتالعب بمشاعرها ،استسالم لرحلة مجهولة في ظروف غامضة ودت لو لم تتحقق أبدا .أجل ،فبعدما كانت تجري متلهفة وراء حلم من سراب يختفي كلما اقتربت منه ،أصبحت اليوم تحاول الفرار من حقيقة قاسية تتجسد أمامها كأسوار إسمنتية تنبني أمامها كلما ابتعدت عنها. ها هي اآلن ،حبيسة الغرفة ، 39طريق داكياردي ،بيزا ،إيطاليا .وحيدة في بالد غريبة ،سجينة بين جدران جديدة .ال عائلة حاضرة لمواساتها ،وال صديق قريب لمؤانستها .عزاؤها الوحيد ،مذكرة بنية اللون ذبلت أوراقها بمرارة عبراتها ،و شحب غالفها آلالم خلجاتها .مذكرة كان الغرض منها رواية سفريات ومغامرات تجوالها في إيطاليا ،لينتهي بها المطاف مجرد سلة مهمالت تدون فيها تفاهات بالية تجري أحداثها الرئيسية بين جدران بيت معزول في أزقة بيزا الخالية. " 30-مارس :2020إغالق جميع جمعيات ومدارس إيطاليا إلى حين بالغ جديد" " 05-مارس 108 :2020يورو صرف نقد القتناء لوازم المنزل" " 10-مارس : 2020دقيق ،حليب ،خبز ،خبز،خبز ،خخخخخخبززز كثيييير…قبل إقفال المحالت التجارية .يلزم سكرر ،سكر ضروري ،للحرشة!!!! " 20-مارس :2020آخر مرة أعمل حرشة!!! اليوم كاااارثة! لن أعيد الكرة مجددا .بيض و زيت يكفيني لإلفطار.. هكذا امتأل إذن ذلك الدفتر ،كل يوم حكاية عن مصير فلس صغير من ادخاراتها ،أو فشل في طبخها ،أو تذكير صغير لتاريخ تسليم عمل بسيط ألساتذتها .لم تكن لتتخيل أبدا أن سعادتها ستقتصر على إتقان وجبة غذاء شهية ،أو حتى مجرد تنظيف و تطهير البيت من الجراثيم .من كان ليخال أن مجرد استيقاظها صباحا بحال جيدة كفيل بأن يجعلها سعيدة لبيقة حياتها .بعدما كان هدفها أن تسافر خارج الوطن لتنعم بلذات الحياة ،أضحى اليوم رجاؤها الوحيد أن تحيا لتعود ألرض ذويها ،أن تحيا لتضم بحرارة تلك الوجوه الوحيدة التي أحبتها بصدق ،و أن تقابل و لو لمرة واحدة كل أولئك األشخاص الذين ساهموا في إسعادها و توفير كل سبل الدعم لها. اقتصرت كل أحالمها على أن تحيا و فقط. ------ أمي ،إنها مجرد سعلة صغيرة ،ال تقلقي.. أريد أن أرى وجهك ،اقفلي وسأكلمك عبر الفيديو.. -يا أماااه ،إنها فقط نزلة برد صغيرة ،أرجوك فأنا لم أخرج منذ شهر ،كما أن األنترنت ضعيفة ..أمي…
43 | P a g e