ماستر الدراسات الدولية المعمقة
صناعة القرار االستراتيجي تحت إشراف :خديجة بوتخيلي من اعداد: •
أيوب برمي
•
عبد الغني الشيوخة
•
محمد عطيف
•
أيوب منصار
•
عبد الغني الشيوخة
•
عصام الرافعي
•
صالح الدين الجميلي 2017-2018
1
مقدمة
تعتبر اإلستراتيجية من المفاهيم التي حظيت باهتمام بالغ في دراستها و تحليلها و هي من المفاهيم التي تتسم بالتعدد من حيث التعاريف المناطة بها ،و ثم كون مجمل التعاريف تصبو نحو ربطها بمنشئها العسكري غير أنها تطورت مع نطور المنتظم الدولي و الدولة نفسها فتطور هذه األخيرة في عالقتها مع دول العالم و انتقالها من الفهم العسكري إلى المعطى السياسي و االقتصادي و االجتماعي بلوروا فهما جديدا لإلستراتيجية يطال مجمل مناحي تدخل الدولة .و قد تحدث هيربرت روزينسكي في الماضي عن اإلستراتيجية 1الفطرية الغريزية أما في الوقت الحالي أصبحنا نتحدث عن علم اإلستراتيجية كمادة تدرس داخل الجامعات و األكاديميات... 2 يعد القرار االستراتيجي من الحالقات المهمة في صياغة اإلستراتيجية ،و صناعة هذا القرار مسالة أساسية في كل دولة إذ يعد عنصرا حتميا في كافة صور و مراحل األنشطة الخارجية للدولة و يستند القرار االستراتيجي إلى نتائج عملية التحليل االستراتيجي التي تقودها الدولة ،إن القرار االستراتيجي يقع تحت رحمة التغيرات و التحوالت و يخضع لمؤشرات متعددة و يعرف على انه ذالك القرار الذي تم اختياره من مجموعة من البدائل اإلستراتيجية و الذي يمثل أفضل طريقة للوصول إلى أهداف إستراتيجية للدولة. وجب الفصل بين القرار االستراتيجي و القرار السياسي فهذا األخير هو ذالك القرار الذي تتوفر فيه واحدة من مجموعة من عناصر مختلفة أهمها أن يكون صادر عن شخص متخصص ذي صفة سياسية أو من خالل احد أجهزة السلطة السياسية أو منصبا على موضوع يتعلق بالسياسة العامة للدولة . إن دراسة عملية صناعة القرار االستراتيجي تكتسي أهمية بالغة لنا كطلبة باحثين في حقل الدراسات الدولية باعتبار هذه الدراسة ستمنح لنا آليات و ميكانيزمات فهم القرار االستراتيجي من إطاره النظري المؤطر لهذه العملية ثم الفاعلون في صناعته ثم المراحل التي يمر منها للخروج لحيز الوجود. و تتمثل إشكالية حول كيف يصنع القرار االستراتيجي ،من اجل الخوض في اإلشكالية المطروحة يمكننا أن نطرح مجموعة من األسئلة المفتاحية التي تندرج في إطار تفكيك معطيات اإلشكالية وهي كالتالي: • ما هو اإلطار النظري المؤطر لعملية صنع القرار؟ • من هم الفاعلون في صناعة القرار االستراتيجي ؟ -1محمد بنحمو :صناعة القرار االستراتيجي و المتدخلين فيه ،مركز راشيل كوري -2صالح نيوف :مدخل إلى الفكر االستراتيجي ،األكاديمية العربية في الدانمرك كلية العلوم السياسية
2
• ما هي مراحل صنع القرار االستراتيجي ؟ • ما هي العوامل المؤثرة في صناعة القرار االستراتيجي ؟ • ما هي ابرز التي تواجه عملية صنع القرار ؟ ولمحاولة اإلجابة على األسئلة المطروحة ،والعمل على حل إشكالية البحث ،اعتمدنا على مناهج مختلفة نرمي من خاللها إلى تحقيق تكامل منهجي يضفي قيمة علمية إضافية إلى البحث الذي نحن بصدده. ولذلك سيتم توظيف المنهجين االستنباطي واالستقرائي في التفاعل مع األفكار وسردها ومناقشتها . و سوف نحاول التطرق للموضوع عبر التقسيم التالي : المبحث األول :القرار اإلستراتيجي؛ النظرية و الفاعلون المطلب األول :نظرية صنع القرار المطلب الثاني :الفاعلون في صناعة القرار اإلستراتيجي المبحث الثاني :صنع القرار اإلستراتيجي؛ المراحل ،العوامل و اإلشكاالت المطلب األول :مراحل صنع القرار االستراتيجي الم طلب الثاني :العوامل المؤثرة في صنع القرار اإلستراتيجي و إشكاالته
3
المبحث األول :القرار اإلستراتيجي النظرية و الفاعلون يعد القرار االستراتيجي أحد الحلقات المهمة في عملية صياغة اإلستراتيجية ،ويستند إلى نتائــج عملية التحليل االستراتيجي التي تقوم بها المنظمة ،إذ يتم تكوين مجموعة بدائل متاحة ،ويكون القــــرار االستراتيجي أفضلها من وجهه نظر السلطة العليا.و تطور تعريف القرار االستراتيجي من الحــقـــــــل العسكري إلى المجال االقتصادي واإلداري و السياسي بالخصوص بتطور اإلستراتجية و استعمالــها في هذه المجاالت .ما جعل تعريف القرار االستراتيجي يتنوع ويختلف باختالف المنظرين و المفكــــرين و صياغة هذا القرار كنظرية مستقلة بذاتها لدراسة السياسة الخارجية للدول .بحيث سنتطرق في المطـــلب األول إلى نظرية صنع القرار نشأتها و روادها بينما سنتطرق في المطلب الثاني إلى الفاعلين فــــــــي صناعة القرار االستراتيجي.
المطلب األول :نظرية صنع القرار أن الحديث عن صناعة القرار يقتضي الحديث عن نظرية صنع القرار من حيث ظروف نشأتها، ايجابياتها و سلبياتها و روادها و هو ما سنحاول التطرق إليه في فقرتين نتناول في األولى نظرية صنع القرار و في الثانية رواد نظرية صناع القرار .
الفقرة األولى :ماهية نظرية صنع القرار ارتبطت نشأة نظرية صنع القرار أساسا بضرورة تطوير مقاربة صناعة القرار في دراسة السياسة الدولية ،فكانت بدايتها خالل الخمسينيات من طرف ريتشارد سنايدر وزميله آليسون ،وهذا راجع إلى الظروف الدولية السائدة آنذاك ،وهي مثلها مثل النظريات األخرى والتي ظهرت لظرف ما ولتكريس سياسة ما حيث كانت الحرب الباردة مشتدة بين االتحاد السوفيتي والواليات المتحدة األمريكية وفي مرحلة الذروة وأقصى درجاتها وهذا ما أدى إلى ظهور أزمات خانقة في ما بين الدول . وقد كانت الدول المهيمنة قبل التسعينات (الواليات المتحدة األمريكية و االتحاد السوفيتي) تشكل بؤر توتر في مناطق أخرى من أجل مصالحها سواء عسكرية أو اقتصادية أو استقطابية ،وهذا ما أدى بمنظري العالقات الدولية في تلك الفترة إلى إيجاد نظرية تساير الواقع المعايش في تلك الفترة ،وبذلك أتت نظرية اتخاذ القرار من أجل تحديد من يصنع القرار ومن يتخذه وما هي الفواعل واألطر المؤثرة في هذه العالقات بين الدول وكيفية إدارة األزمات والتعامل معها ،ويرى ريتشارد سنايدر أن بؤرة بحث العالقات الدولية يجب أن تكون حول المواقف وردود األفعال والتفاعالت بين الدول ،وهذه النظرية تلتقي مع النظرية الواقعية نوعا ما في كون الدولة هي الفاعل الرئيسي في العالقات الدولية. 4
تقوم هذه النظرية على عملية صنع القرار السياسي الخارجي كأساس لتفسير السياسة الخارجية .و ترد على تحديد كيف تعمل الدولة و لماذا تعمل كما هي حيال موقف دولي محدد و ترتكز أيضا في البحث عن الكيفية التي تتفاعل بها النظم القومية مع المؤثرات التي تأتيها و تنعس عليها من النظام الدولي.
3
و تكمن أهميتها في كونها تتعامل مع العناصر و المتغيرات الرئيسية التي تحدد حركة الدول و مواقفها و تصرفاتها .4و تتناول هذه النظرية ظواهر العالقات الدولية وموضوعات السياسة الخارجية ،من منظور صانع القرار وكل مدخالته السيكولوجية والبيئة ،بمعنى أنها تبني تحليالتها للعالقات الدولية على افتراض أن العالقات الدولية هي نتاج لفعل صانع القرار المعبر عن بلورة لمجموعة العوامل الذاتية والموضوعة التي يصنع في ظلها القرار في السياسة الخارجية ،حيث تدرس العالقات الدولية ليس على أساس الدول بصورتها المجردة وإنما على أساس دراسة الدولة من خالل صناع قراراتها ،و هي تتشابه نوعا ً ما مع النظرية الواقعية في من يعتبر الفاعل األساسي في العالقات الدولية وهي الدولة ولكن الواقعيون يركزون على الدولة كوحدة ولكن نظرية صناع القرار تعتبر األفراد الذين يعملون في النظام السياسي هم الذين يعملون في صناعة القرار والدولة هي التي تتخذ القرار .فنظرية صنع القرار تركز على صانع القرار نفسه باعتباره العنصر الرئيسي في العملية السياسية و هو المؤثر األكبر في القرار ،فاتخاذ القرار سلوك إنساني يرتبط بسلوك الفرد الذي يستقبل محفزات اتخاذ القرار ،و يجمع هذا السلوك بين الجانب العقالني لمتخذ القرار و جانبه غير العقالني . إن هذه النظرية تعمل ع لى تحديد عدد كبير من المتغيرات المتعلقة بالموقف ثم تسعى إلى تحديد العالقة بين هذه المتغيرات و لكنها ال تضع فرضيات تطلب من صانع القرار أن يعمل على أساسها .إنها تلعب دورا مهما في كشف العديد من الجوانب الهامة في السياسة كما إنها تفيد في البحوث التي تسعى إلى دراسة األفراد بوصفهم صناع بشكل أفضل من النظريات األخرى .و بطبيعة كل إنتاج بشري فهو ال يخلو من نواقص تجعله دائما محل انتقاد ،و قد وجهت لنظرية صنع القرار مجموعة من االنتقادات نذكر منها : - 1هذه النظرية تتطلب عددا كبيرا من الباحثين لجمع المعلومات و عددا كبيرا من المنظرين لتقويم المعلومات ضمن تصنيفاتهم و عدم توفر هذه المتطلبات سيجعل من النتائج غير واقعية . -2مخطط سنايدر و زمالؤه ال ينطبق على كل الدول إذ أن هذا النموذج يعمل على تحويل األنظمة السياسية الدولية على اختالفها إلى مفهوم أحادي للنظام السياسي.
- 3إسماعيل صبري مقلد :السياسات الدولية ،دار السالسل ن الكويت 1987ص 181 - 4سعد حقي توفيق :مبادئ العالقات الدولية ،الطبعة الخامسة ، 2015شركة عاتك لصناعة الكتاب القاهرة ص 117
5
-3ينشا هذا المنهج من فكرة خالية من أية قيمة ألنه يحاول أن يحلل القرارات في إطار العالقات الدولية دون محاولة اإلجابة عن أي القرارات التي تكون صائبة و أيها خاطئة . – 4تسقط النظرية من العالقات الدولية كل شيء ال يمثل اإلضافة المجردة للقرارات فالنظرية تهمل المتغيرات المؤثرة ضمن سياسات القوة و قواعد السلوك الدولي إذ ال تعطي النظرية أي معيار لتفسير سياسات القوة أو وصف لقواعد السلوك الدولي. -5تعاني النظرية من صعوبة حصر القو ى التي تؤثر في مسار مشكلة من مشاكل السياسة سواء أكانت قوى سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية ...
الفقرة الثانية :رواد نظرية صناعة القرار كما سبق الذكر فقد نشأت هذه النظرية في كنف الصراع القائم بين الواليات المتحدة األمريكية و االتحاد السوفيتي ،الصراع الذي اثر بشكل كبير في مجموعة من المخللين السياسيين و كان أهمهم غراهم اليسون و ريتشارد سنايدر اللذان كان أول من نظرا لصناعة القرار االستراتيجي
أوال :سنايدر ريتشارد سنايدر هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة براون األمريكية و هو مؤلف كتاب السياسة النيوليبرالية .اهتم بموضوع صناعة القرار و نماذجه و اتخاذ القرارات خالل األزمات. يبني ريتشارد سنايدر نموذجه الخاص بعملية صناعة القرار على مسلمة أولية مفادها أن أفضل وسيلة الستيعاب السياسية الدولية و عوامل التأثير في سلوكية الدولة تكمن في التحليل على مستوى الدولة , ويعتبر سنايدر أن الفعل الصادر عن الدولة يقوم به في الواقع أشخاص و بالتالي فان فهم و استيعاب هذا الفعل يتطلب النظر إلى محيط صناعة القرار من خالل إدراك صناع القرار لمحيطهم وليس من خالل موقع المراقب الحيادي والموضوعي ،فالكيفية التي يحددها صناع القرار الوضع الذي يواجهونه هي التي تصنع سلوك الدولة تجاه الوضع .5وبالتالي فإن اإلطار النظري للنموذج يركز على فكرة دراسة مسار التفاعل الذي يبدأ من الفعل الصادر عن الدولة ويقابله رد فعل من المحيط الخارجي الذي يأخذ األشكال ذاتها التي يأخذها الفعل األول فيشكل بذلك تفاعالً .ويرى بأن الذين يدرسون في السياسة الدولية يهتمون بالدرجة األساسية باألفعال وردود األفعال والتفاعالت بين الوحدات السياسية التي يطلق عليها بالدول القومية .و أن التركيز
-عبد المنعم محمد عدلي :القرار االستراتيجي في ضوء المتغيرات الدولية ،المكتب العربي للمعارف ص 205
6
على األفعال يتطلب تحليل العمليات وان األفعال تنبع من ضرورة إقامة وتأمين وتنظيم اتصاالت مقنعة وموجهة بين الدول وممارسة بعض الرقابة على االتصاالت غير المرغوبة .أما األفعال فإنها تمثل محاولة لتحقيق بعض األهداف ومنع وتقليل انجاز األهداف غير المتفق عليها أو المهددة للدول األخرى.6 تأثر ريتشارد سنايدر بنظرية النظم في نموذجه في السياسة الخارجية ،و لعل ابرز ما نالحظه على النموذج كونه يحدد مجموعة كبيرة من المتغيرات المتعلقة بعملية صنع القرار .فنظرية صنع القرار تدعو لدراسة وحدة اتخاذ القرار في إطار البيئة النظامية التي توجد فيها هذه الوحدة و صانع القرار يتخذ قراره من خالل إدراكه للبيئة الداخلية و البيئة الخارجية .و يرى سنايد أن الفعل يكون قائما تحليليا عندما توجد مجموعة من المقومات و هم الالعبين ،األهداف ،الوسائل و المواقف. ويمكن أن يعرف بواسطة الالعب أو الالعبين ضمن إطار طريقة الذي يعد نفسه في عالقة مع غيره من الالعبين اآلخرين و يرتبط معهم باألهداف و الوسائل المتاحة و في اإلطار الذي تتحول فيه هذه األهداف و الو سائل إلى استراتيجيات للفعل و تعرض إلى العوامل المناسبة للموقف .إن هذه الطرق التي تربط الالعب بالموقف تعتمد على طبيعة الالعب أو توجيهه .هكذا فالدولة ينظر إليها بوصفها مشارك في نظام الفعل المتضمن الالعبين اآلخرين و الدولة توجه الفعل طبقا للطريقة التي ينظر بها إلى موقف معين بواسطة و من قبل بعض المسئولين و طبقا لما يريدون .و إن فعل الالعبين األخريين و أهدافهم ووسائلهم و عناصر المواقف األخرى كلها مرتبطة بالالعب.
7
إن هذه النظرية تعمل على تحديد عدد كبير من المتغيرات المتعلقة بالموقف ،ثم تسعى لتحديد العالقة بين هذه المتغيرات ،إنها تلعب دورا هاما في كشف العديد من الجوانب الهامة في صنع السياسة الخارجية. و إلى جانب نموذج سنايدر في صناعة القرار نجد منظر أخر و هو غراهم اليسون الذي طرح ثالث نماذج سنحاول التطرق إليها كالتالي :
ثانيا :نماذج اليسون ولد غراهم اليسون في 23من مارس 1940و هو باحث سياسي أمريكي اهتم بدراسة البيروقراطية و صناعة القرار ،و يعتبر من بين أهم رواد نظرية صنع القرار و من أهم مؤسسيها و اقترح في هذا الصدد ثالث نماذج لصناعة القرار . -6سعد حقي توفيق :مرجع سابق ص 118 -سعد حقي توفيق ،مرجع سابق ص 1177
7
-1نموذج الفاعل العاقل طبقا لهذا النموذج يتم افتراض أن الدول مثل الرجل العاقل الرشيد الذي يسعى إلى تعظيم المكاسب بإتباع تحليل عاقل للمكاسب و الخسارة المتوقعة لتحقيق األهداف .و يتم صنع القرار أوال بتحديد و وصف المشكلة أو القضية بشكل واضح و دقيق ،ثم يتم تحديد األهداف و المصالح القومية و خاصة التي لها عالقة بهذه المشكلة أو القضايا .و يتم تحديد األولويات لكل من المشاكل و األهداف و المصالح .ثم يتم تحدي البدائل من االستراتيجيات .يتم تحديد النتائج المتوقعة من كل بديل .ثم يتم اختيار أفضل بديل استراتيجي من حيث مخرجاته .مشكلة النموذج انه يفترض أن الحكومات بالدول جيدة التنظيم ،إال انه و بافتراض ذلك نجد أن القرار ال يصنع من قبل جهة واحدة بواسطة أفراد و جماعات لها الشكل المؤسسي و غير المؤسسي و المصالح و المستوى المتساوي من العقالنية .8كما انه يفترض أن القرار يعمل على توازنات المدى الطويل ألنه يستهدف المصالح و األهداف القومية إال انه في أحيان أخرى يتطلب أن يعمل القرار على توازنات المدى القصير .كما يفترض أيضا سهولة و دقة حسابات العائد و الخسارة و هذا يعني توفر المعلومات ذات الجودة العالية و تضائل نسبة األخطاء أو التغيب و الحصر الكامل لألخطار المتوقعة و صدقها .غير أن المعلومات الخاصة بالدول األخرى طبيعتها أنها متغيرة و غامضة و خاصة في حالة المعلومات األمنية و اإلستراتيجية التي تبنى عليها .المواقف الهجومية أو الدفاعية للدولة .كما أن الوقت عامل حاسم في صنع القرار و بالتالي تكون متطلبات سرعة اتخاذ القرار المناسب في بعض المواقف تتعارض و دقة حجم البيان ات المتاحة ،و بالتالي عدم معقولية العالم المتصور و عدم مطابقته للواقع ،و هذا ينفي المثالية المطلقة في عقالنية صنع القرار السياسي في الدولة .
9
-2نموذج العمليات التنظيمية إن نظام صناعة القرار حسب هذا النموذج ليس موحدا بل يتكون من عدة وحدات أو أدوات مرتبطة بعضها ببعض ولكل منها حد معين من االستقاللية والمصلح الخاصة به .10فمن سمات صناعة القرار في الدول المتقدمة مؤسسيا التنافس بين مختلف اإلدارات والدوائر في عملية صناعة القرار .و من التقنيات المستعملة في التنافس تسريب أخبار أو المعلومات بهدف إحراج إدارة أو دائرة أخرى أو التطرف في موقف معين يترك مردودا سلبيا على إدارات أخرى وبالتالي يفشل سياساتها.
-8عبد المنعم محمد عدلي :مرجع سابق ص 92 سعد حقي توفيق :مبادئ العالقات الدولية ،مرجع سابق ،ص -10احمد نوري النعيمي :عملية صنع القرار في السياسة الخارجية – الواليات المتحدة األمريكية نموذجا – دار زهران -عمان 2011ص 294 1189
8
هناك مجال واسع للمناورات والتسابق في الحصول على المعلومات أو حجبها عن األطراف األخرى إذ أن المعلومات التي تصل إلى أعلى مستوى في نظام صناعة القرار لالختيار على أساسها لوضع سياسة معينة تمر عبر عملية التأطير التي تقوم بها كل من هذه الوحدات فسلوك الدولة حسب هدا النموذج ال يقوم على االخ تيار الحر و الموحد بل هو نتاج ما تقوم به وحدات عديدة بوظائفها و أدوارها حسب قواعد معينة و منظمة و لكل من هذه الوحدات إجراءات موحدة. يستتبع ذلك أن سلوك الدولة هو محصلة اإلجراءات المحددة مسبقا والتي تقوم بها هذه الوحدات إذا يعتبر سلوك الدولة كنتاج ل لعبة في إطار بنيتها التنظيمية و هي الوحدة األساسية في التحليل في هذا النموذج و ذلك لألسباب التالية: • كون األحداث الجارية هي نتاج البيئة التنظيمية • كون مجال الخيارات الحقيقية تحدده الخيارات والقدرات التي تملكها البنية التنظيمية • كون البنية التنظيمية تحدد األوضاع التي بدورها تؤثر في القرارات ضمن الضوابط التي تفرضها إمكاناتها وقدراتها وعليه فان الفاعل في هذا النموذج ليس الدولة كوحدة كما في النموذج األول وإنما شبكة الدوائر واإلدارات المترابطة والتي على رأسها القيادة.
-3نموذج السياسة الحكومية يتناول هذا النموذج التحليل على مستوى القيادة أو الفئة األعلى في نظام صناعة القرار ففي حين أن النموذج الثاني يتعامل مع القيادة كصانع قرار موحد تصله الخيارات والمعلومات من شبكة اإلدارات والدوائر المختلفة بشكل هرمي فان هذا النموذج يحاول تفسير وشرح العالقات القائمة في إطار هذه القيادة حيث أن لكل فرد سلوك ومصالح ودور خاص به .و وزن سياسي في لعبة مميزة تتسم بالتنافس و التعاون بينهم و يتم التوصل إلى القرار باعتماد مختلف أشكال التفاوض و تقديم التنازالت المتبادلة و يستتبع ذلك انه يمكن تفسير سلوك الدولة الخارجي كنتاج للعبة التفاوض التي تجري في إطار القيادة إذا ال يوجد فاعل واحد هو الدولة كما هو الحال في النموذج األول بل فاعلون عدة في إطار القيادة و لكل منهم أهداف وطنية و شخصية و إدراك لمختلف القضايا و بالتالي لهم أولويات و تصورات قد تكون متمايزة حينا و متناقضة أحيانا و بالتالي القرار ليس خيارا عقالنيا بل محصلة سياسية للعبة التنافس و التعاون المستمرة بينهم. الفاعلون أيضا ليسوا واحدا و ال شبكة من الوحدات ولكن عددا من المسئولين الذين يقومون بادوار مختلفة في شبكة القرار فالدور يحدد على الفاعل ما يجب عمله و يضع ضوابط عليه و الخروج عن هذه الضوابط
9
يبقى مرتبطا بقدرة كل فاعل و إمكاناته .و بالتالي فان سيطرة كل فاعل على موارد القرار تحدد تأثيره على النتيجة .إذن فأصول و قواعد اللعبة تحددها األنظمة و األعراف القائمة.11
المطلب الثاني :الفاعلون في صناعة القرار االستراتيجي تن بع صناعة القرار االستراتيجي في الدولة من مصادر مختلفة ،تتداخل فيها األجهزة التنفيذية و األمنية و العسكرية و الرأي العام الذي تعبر عنه جميع التنظيمات المدنية ووسائل اإلعالم الذي أصبح عامال ذا شان في السياسة الخارجية للبالد .و لقد عملت بعض األنظمة السياسية على بقاء صياغة السياسة الخارجية في يد األجهزة التنفيذية بدال من الجهاز التشريعي .و من هم المتدخلين في صناعة القرار االستراتيجي .
12
الفقرة األولى :األجهزة الحكومية يدخل ضمن األجهزة الحكومية المساهمة في صناعة القرار االستراتيجي للدولة في ما يلي :
أوال :رئيس الدولة يعد أعلى سلطة في البالد يمثل الدولة ووحدة الشعب و يصادق على االتفاقيات الدولية و نشرها و إيفاد الممثلين الدبلوماسيين لدولته ،و قبول نظرائهم األجانب .و يترأس أيضا مجلس األمن القومي كما يتخذ قرار تعبئة القوات المسلحة و يتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة للدولة نيابة عن المجلس الوطني و اتخاذ القرارات المتعلقة باستخدام هذه القوات و تعيين رئيس األركان العامة هذا من جهة ،أما من جهة أخرى يقوم رئيس الدولة على إدارة و إشراف و تنفيذ القرار و خطة إعداد الدولة للدفاع ،لذا فهو المسئول عن تحديد األسس و القيود التي تعمل كل األجهزة و المؤسسات و التنظيمات الرسمية و الشعبة في إطارها المخصص إ
13
ذن فرئيس الدولة هو المسؤول األول عن صناعة القرار االستراتيجي و مواجهة كافة الظروف
المتعلقة بالسياسة الخارجية و الداخلية و العسكرية للدولة .
14
عبد المنعم محمد عدلي :مرجع سابق ،ص 2311 - 12مالك مفتي :الجرأة والحذر في سياسة تركيا الخ ارجية،دراسات عالمية،مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلستراتيجية،العدد 27ص 23 - 13جالل عبد هللا معوض صناعة القرار في تركيا والعالقات العربية التركية،الطبعة األولى ،مركز دراسات الوحدة العربية،غشت ،1998ص.18 - 14خليل حسين .االستراتيجيا ،مرجع سابق ص 40
10
ثانيا :رئيس الوزراء تمنح لرئيس الوزراء سلطة صياغة السياسة األمنية بالتعاون و التنسيق مع األجهزة البيروقراطية و العسكرية و المدنية ذات العالقة باإلضافة إلى كونه عضو في مجلس األمن القومي. كان لرئيس الوزراء دور في صياغة السياسة الخارجية للدولة دون أخذه بعين االعتبار النخب السياسية و العسكرية و هذا عرفته بعض األنظمة السياسة ،بحيث فرضت الظروف السياسة و الدولية المحيطة بالدولة على رئيس الوزراء التخلي عن صياغة السياسة الخارجية للدبلوماسيين و العسكريين المحترفين. و يختص رئيس الوزراء ـ رئيس المجلس الوزاري ـ بصياغة اإلستراتيجية العامة لحماية األمن القومي ،و إعداد القوات المسلحة للدفاع و الحرب .و يمكنه أيضا ترؤس اجتماعات مجلس األمن القومي في حالة عدم اشتراك رئيس الدولة فيها ،كما يقترح على الرئيس تعيين رئيس األركان العامة.
15
ثالثا :وزارة الخارجية أصبحت وزارة الخارجية المسئولة عن المعالجة اليومية للعالقات الخارجية للدولة ،و هذا يتم عن طريق موظفي وزارة الخارجية باعتبارهم خرجي األكاديميات النخبة للدولة ،و يملكون حسا متطورا من الهوية و الرؤيا المستقبلية تتماشى مع البيئة الخارجية للدولة . فرغم إن وزارة ال خارجية تتوفر على مركز للدراسات اإلستراتيجية إال أن المركز محدود اإلمكانات و التجهيزات على مستوى البنيات التحتية و المؤسسية لتقديم دراسات و أبحاث إستراتيجية لمساعدة صناع القرار و لفهم التحديات المتسارعة اإلقليمية و التي تواجه الدولة. و لتجاوز هذا ال خصاص لبد من تكوين متخصصين و اطر في مجال التحليل االستراتيجي و االنفتاح على مؤسسات أخرى متخصصة في الشؤون اإلستراتيجية.
16
رابعا :مجلس األمن القومي
- 15جالل عبد هللا معوض،مرجع سابق،ص 21 - 16احمد داود اوغلو،العمق االستراتيجي،الطبعة األولى، 2010،مركز الجزيرة للدراسات،الدار العربية للعلوم ناشرون ،ص .72
11
يترأسه رئيس الدولة و يضم رئيس الوزراء و رئيس األركان العامة و وزير الدفاع و وزير الخارجية و وزير الداخلية ،و قادة القوات البرية و البحرية و الجوية و قائد قوات الدرك .و يرسم السياسات العامة للدولة داخليا و خارجيا بحيث يبدأ بالقضايا األمنية و العسكرية و حماية الدولة من االعتداءات الخارجية ،و تهيئة القوة العسكرية اإلستراتيجية لمواجهة التحديات. لقد أصبح مجلس األمن القومي المؤسسة األكثر تحكما في توجهات الدولة على الصعيد الداخلي و الخارجي ،و كان محصورا في تشكيلته على النخبة العسكرية العليا برئاسة هيئة األركان العامة .
17
الفقرة الثانية :األجهزة غير الحكومية يساهم مجموعة من ـالفاعلين غ ير الحكوميين ـ في صناعة القرار االستراتيجي للدولة سنتطرق إليهم كالتالي :
أوال :المؤسسة العسكرية يلعب الجيش دورا في صناعة القرار في الدولة بحيث أصبح منفذا رسميا للقرار االستراتيجي بهدف حماية األمن القومي و الوطني من المخاطر الخارجية و الداخلية .الن المؤسسة العسكرية تستمد قوتها من دعم رجال األعمال الكبار ووسائل اإلعالم الكبيرة. 18 حسب بعض القوانين في األنظمة السياسية أن تدخالت الجيش في السياسة يعد عال قانونيا شرعيا بحيث أن المؤسسة العسكرية لها حق التدخل في السلطة إذا كان هناك خطر على الدولة و على نظامها الديمقراطي .هذا يعني أن المؤسسة العسكرية تؤدي مهامها الدستورية.
19
و غالبا فالقوات المسلحة تتدخل في كل ما يهدد الدولة من المخاطر او التهديدات الخارجية فإنها تبقى األداة الضامنة للخيارات اإلستراتيجية للدولة.
ثانيا :األحزاب السياسية تعمل هذه التنظيمات على طرح خيارات سياسية خارجية ،تكون مصدرا إلثراء التوجهات اإلستراتيجية و إعداد أطرها من اجل التطورات المحتملة التي ستحصل للدولة
- 17فالديمير ايفانوفيتش،الصراع السياسي في تركيا،ترجمة إبراهيم الجهماني،الطبعة األولى1999،دار حوران للطباعة والنشر،دمشق،ص .381 - 18تركيا والقضية الفلسطينية،تقرير معلومات رقم 17لعام ، 2010مركز الزيتونة للدراسات واالستشارات،بيروت،ص .10 - 19ياسر احمد حسن،تركيا البحث عن المستقبل،الطبعة األولى،2006،القاهرة،الهيئة المصرية العامة للكتاب،ص 50
12
و تظهر رؤية األحزاب اإلستراتيجية من خالل امتالكها لخطابات ومفاهيم سياسية خارجية تسعى إلى تنفيذها بمجرد الوصول إلى السلطة. كما تلعب قوى المعارضة دورا في عملية صنع السياسة الخارجية و التأثير في صنع القرار من خالل خطابات حساسة و قدرتها على المناورة و مناقشة رؤيتها اإلستراتيجية تحت سقف البرلمان لتوجيه سياسة الدولة الخارجية-اإلستراتيجية بمستوى أكثر عقالنية.20 المبحث الثاني :صنع القرار اإلستراتيجي المراحل العوامل و اإلشكاالت
المطلب األول :مراحل صناعة القرار االستراتيجي المرحلة األولى :تحديد الموقف االستراتيجي يعد من األهمية تحديد الموقف الذي على أساسه يتخذ القرار االستراتيجي ،وكما يعتقد صانع القرار فقط ،وهذا ما يراه "سنا يدر" في حين يهتم "فرا نكل" بضرورة أخذ البيئة الموضوعية في االعتبار من وجهة نظره''
21
يجب الحصول على كل المعلومات والمعطيات والحقائق الوثيقة الصلة بالمشكلة وتحليلها .مع ضرورة دراسة العوامل التوصل إلى االستنتاجات المؤثرة على المشكلة واألهداف والواجبات المنبثقة منها. يرى أبو دية في تحديد الموقف ضرورة دراسة العوامل الخارجية والداخلية والمتمثلة" :العامل االجتماعي ،واالقتصادي ،والعسكري ،واإلعالمي ،والسياسي" .وتحليلها وبيان تأثيرها على المشكلة ،وبين أبو دية تأثير عوامل البيئة العلمية والنفسية كضوابط أو مقومات على عملية تحليل وصنع واتخاذ القرار''. تتعرض عملية تحليل صنع واتخاذ القرار االستراتيجي إلى ضغوط خارجية كبيرة ,نتيجة لتأثير النظام الدولي ووحداته ،وتُعد ُّ الم وضوعات التي ال ترد في ذهن صانع القرار غير مؤثرة في طبيعة القرار، لكنها تؤثر في نتيجة القرار بعد صدوره وانفصاله عن صانعه ،ويصبح محكوما بالبيئة الموضوعية .يجب على صانع القرار أن يجعل من قراره متناسبا ومتوافقا مع الموقف. أوضح العالمان فكثور فروم وزمي له فيليب يوتون في نموذجهما ،الذي "يوضح األسلوب الموقفي والقدرة التي تمكن صانع القرار االستراتيجي ومتخذه على تفهم الظروف أو الموقف المحيط به ،ممـــــا يدفعه نحو تحديد نوعية القرار الذي سيقوم بصناعته واتخاذه ،وهذا يعتمد على دقة المعلومات وجدوى الهدف ،والتجاوز على الغموض وخلق االستجابة التنفيذية''.
- 20احمد داود اوغلو،العمق االستراتيجي،مرجع مشار إليه ،ص 72 - 21الخزرجي تامر كامل :العالقات السياسية الدولية واستراتيجية إدارة األزمات368
13
برزت خالل خمسينيات القرن الماضي الحاجة إلى دراسة القرارات ،وخاصة في الجانــــــــب السياسي ،والتي تتضمن قيما وأساليب محددة إزاء التعامل مع المواقف ،مثل التدخل البريطاني في قناة السويس عام ،1956وغير ذلك مما سيتم دراسته مستقبال ،وقد استنتج الباحثون أن للقيم الموقفية مجموعة فرضيات ،يمكن أن تكون بمثابة ترجمة سلوكية مؤثرة على متخذي وصانعي القرارات اإلستراتيجية ،والتي تشمل: أوالً :أن القرارات المتعلقة بالموقف توجه وتتخذ في إطار هذا الموقف تحديدا. ثانياً :كلما كان الموقف يجسد أزمة كبيرة ،كلما سعى متخذو القرار نحو التقارب فيما بينهم وتفعيل دور االستشارة الجماعية الداخلية والخارجية. ثالثا :كلما طال الموقف ،كلما زادت كمية المعلومات المتوفرة عنه . رابعا :كلما ازدادت تكلفه التعامل مع الموقف ،كلما زاد التراجع عن القيم التي ارتبطت به. خامساً :كلما ازداد الموقف خطورة ازدادت جهود متخذ القرار نحو تطمين القلق العام والبحث عن معونات خارجية ،والقيام باتصاالت دولية ،ودراسات مقارنة لمواجهة الموقف. وتعليقا على ذلك ،يرى الباحث وجود حالة من التطابق والموائمة ما بين موقف االحتالل األمريكي للعراق في عام 2003مع النقاط الواردة آنفا .بعد إطالة أمد الحرب وكثرة الخسائر لدى القوات األمريكية ،والتكاليف المادية الباهظة المصروفة على الحرب ،والتي لم يعد يطيقها معظم الشعب األمريكي، دفع القيادة األمريكية برئاسة جورج بوش االبن في عام ،2007تشكيل لجنة يرأسها عضو مجلس النواب األمريكي لي هاملتون وجيمس بيكر وزير الخارجية األسبق ومجموعة من الشخصيات األخرى بإعداد دراسة بخصوص الموقف في العراق ودور الدول المحيطة به ،وتأثيرها على الوجود األمريكي ،وقد قامت اللجنة بزيارة العراق والدول المحيطة به وتقديم توصيات ألجل تفعيلها من قبل القيادة األمريكية. تتميز بعض المنظمات "كالمنظمات العسكرية بإدراج فقرة الموقف في مقدمة قراراتها اإلستراتيجية أو العملياتية أو التكتيكية منها". تعد عملية استعراض عوامل الموقف من األمور األساسية لفهم جوهر القرار والتي من خاللها يتم الحصول على كل المعطيات والحقائق الوثيقة الصلة بالمشكلة التي يجب تحليلها. تستهدف دراسة كل العوامل التوصل إلى االستنتاجات المؤثرة على المشكلة واألهداف والواجبات المنبثقة منها والتي من خاللها يمكن رسم الصورة الخاصة بالقرار. تعد عملية استكمال دراسة عوامل الموقف وتحديد مسالك العمل وإظهار البدائل من خالل التمعن في البيئة الموضوعية التي تأخذ من وجهة نظر متخذ القرار من العوامل الرئيسية لكون القرار بعد صدوره ينفصل عن صانعه ويصبح محكوما ً بتلك البيئة ولذلك تظهر كثير من التحديدات والمعا ضل التي تواجه القرار في عملية التنفيذ. 14
يعتمد تعريف موقف معين أو تحديد مشكلة في كثير من األحيان على حجم المعرفة ،لذلك تعدا لمعلومات ومخرجاتها ذات أثر كبير على ترشيد القرار ،كما إن إدراك صانع القرار للموقف يتأثر بقيم ومعتقدات والتكوين الشخصي لمتخذ القرار والتي تعد جزءا ً من قيم الدولة ومعتقداتها وشخصيتها ،والتي يعبر عنها من خالل موقعه الرسمي في رده على الموقف الناشئ ،ويستند فهم صانع القرار للموقف إلى إدراكه له ،وإلى المعلومات المتوفرة عنه لكي تمنح الفرصة بتحديد المشكلة والهدف الالحق. ينبغي ا ن يتعامل صانع القرار مع أفضل مايمكن الحصول عليه في ضوء المتغيرات الدولية المختلفة ،وليس على أفضل مايتمناه ،أي أن تكون نظرته واقعية للموقف واألهداف التي يسعى إليها ولقدرته على المواجه ،وقد تتطلب في بعض األحيان ضرورة التضحية ببعض األهداف ليس لعدم أهميتها بل الن تحقيقها قد يرتب أضرارا كبيرة على الموقف مما يحرم من الحصول على المكاسب المتوقعة ،وان التضحية في بعض األهداف مرحليا ً قد يؤدي إلى خلق موقف مالئم أفضل النجاز أهداف أخرى أكثر أهمية. لذلك يعد تحديد الموقف أولى مراحل عملية صنع القرار ويجب التأني في دراسته واستخالص مافيه وتحديد صورته لالستمرار والتقدم إلى المرحلة الثانية" ،وعليه فإن التعريف الموضوعي الدقيق للموقف واستيضاح معالمه يؤثر في النتيجة النهائية للقرار االستراتيجي". المرحلة الثانية :تحديد المشكلة يعد تحديد المشكلة الحالة المستقبلية التي يرمي صانع القرار االستراتيجي عبر نشاطه إلى ترتيبها وتصنيفها لتشكل اإلطار العام للقرار .فهي تحدد البدائل التي يبحثها ،وطريقه التقييم لها. تؤثر الطريقة التي تعرض بها المشكلة تأثيرا عميقا على المسار الذي تم اختياره ،وسيؤدي التحديد السليم لها من خالل بحثها وجمع البيانات واإلحصائيات المتعلق بها" ،وكلما كانت البيانات والمعلومات المتعلقة بالمشكلة صحيحة ودقيقة ومتكاملة ،كان تعريف المشكلة وبيان حدودها وإيضاح أبعادها أكثر يسرا وسهولة ،ويمكن الوصول إلى القرار االستراتيجي 22السليم في النهاية. يجب أن يكون التحرك األول لصانع القرار منصبا على خلق صورة أولية للمشكلة في أذهان منظومة هيكلية صناعة القرار ،من خالل وضع قائمة تفقد أولية تشمل( :ماذا ،لماذا ،متى ،كيف ،أين ،من) حاول أن تصوغ جملة مشكلة. تعرف المشكلة "بأكبر قدر ممكن من الدقة ،وهل المشكلة مثيرة لالهتمام العام للقرار االستراتيجي أم فيها بعد خاص؟ وهل لها بعد يتعدى من حيث التأثير والنتائج حدود األشخاص المباشرين المعنيين بها كمشكلة".
- 22الحسن أحمد مصطفي :تحليل السياسات ،مدخل جديد للتخطيط في األنظمة الحكومية-دبي ،طبعة البيان التجارية،1994،ص34
15
يحدد لنا بيتر دركر ثالثة أجزاء أساسية لكيفية التعامل مع المشكلة ،في سبيل التعرف عليها ودراسة أبعادها من خالل ما يأتي
23:
أوالً :تصنيف المشكلة :هل هي مشكلة عامة متكررة يمكن مواجهتها ،أم نوع جديد من المشاكل ال يمكن معالجتها. ثانياً :التعرف على المشكلة :وهذا يعني تحديد المشكلة ومنحها التفسيرات المناسبة ،وما هو جوهر مفتاحها. ثالثا :تحديد الجواب للمشكلة :ينبغي تعريض المشكلة إلى مجموعة من المعايير الواضحة ،وكيفية جمع المعلومات عنها ،وما هو الهدف الذي يجب أن يصل القرار إليه و تحديداته الشكل يوضح كيفية جمع المعلومات. وتحديد العناصر الجوهرية والنطاق الكافي لمعالجتها ،باالستفادة من مشورة اآلخرين .تجري إعادة النظر في تحديد المشكلة بمرور الوقت والتمسك بالرأي الذي يعتقد أنه صالح لحل هذه المشكلة، وتحدد األولويات بموجب مجموعة من الجمل مع بيان الهدف ،وكيفية ربط األهداف الفرعية المباشرة باألهداف العامة ،ولمن تعطى األولوية لهذين النوعين من األهداف ،وكيف سيعمل حل هذه المشكلة على تحقيقهما؟ وما هي القدرات والموارد ،لمواجهة هذه المشكلة؟ ينبغي على صانع القرار أن يتذكر في نهاية الخطوة األولى من تحديد المشكلة أن الهدف هو "جملة كيف" التي سوف تثير أفكارا جديدة للعمل عليها. المرحلة الثالثة :تحديد األهداف اإلستراتيجية تعد عملية تحديد األهداف اإلستراتيجية من األمور األساسية في فن وتحليل وصناعة واتخاذ القرارات السليمة .تكون عملية التفكير في األهداف وكتابتها على الورق في بعض األحيان كافية لتقود إلى الخيار االستراتيجي ،دون القيام بمزيد من البحث. تساعد عملية تحديد األهداف في توجيه عملية صنع واتخاذ القرار بكاملها ،بدءا من تحديد البدائل وتحليلها ،والتي ستقود إلى تبرير الخيار النهائي. حدد جون هاموند ثالثة نقاط رئيسية للتركيز على األهداف للوصول إلى المسار الصحيح في صنع واتخاذ القرار: أوالً :تساعد األهداف في تحديد المعلومات التي تسعى للحصول عليها .فعند تحديد الهدف يجري جمع المعلومات وتفسيرها وصوال الستنتاجات منطقية تساعد في تحقيق القرار السليم .والشكل آنفا يوضح كيفية الحصول على المعلومات.
- 23كامل تامر :العالقات السياسية الدولية وأسلوب إدارة األزمات ،مرجع سابق ،ص369
16
ثانياً :إن أهدافك تساعدك في تفسير اختيارك لآلخرين .يطلب منك حينما تشرع التخاذ القرار بيان أسباب القرار الذي اتخذته ،فعندما تكون مسلحا بقائمة من األهداف ،فإنك تعرض مسار تفكيرك ،وتبين كيف أن قرارك يحقق األهداف األساسية أكثر مما تحققها البدائل األخرى. ثالثا :تحدد األهداف أهمية القرار وما يحتاج إليه من وقت وجهد واألمور غير المتوقعة .قد ينصب اهتمام متخذ القرار على مجال أضيق مما يجب ،وتستبعد اعتبارات مهمة ال تظهر إال بعد أن يكون القرار قد أخذ. ي جري التركيز على األمور الملموسة والقابلة للتقدير الكمي " كالتكاليف ،مدى التوافر" وينســــــى العوامل غير الملموسة كالجوانب الذاتية "السمات ،سهولة االستعمال" ،واالهتمامات األساسية. يفكر صانع القرار االستراتيجي عند تحديد األهداف لمجموعة من التساؤالت التي تساعده في الوصول إلى تحقيق الهدف ،وتشمل" :الغاية والرغبة من القرار والتفكير بأسوأ االحتماالت ،و األثر المحتمل للقرار على اآلخرين ،واالستئناس باآلخرين لالستفادة من تجاربهم ،والتفكير بنوع العمل ،والبحث في عملية تفسير القرارات لآلخرين". وباستخدام هذه األساليب وغيرها سيتم الحصول على الكثير من المالحظات التي تصنف األشياء المهمة والمتعلقة بالقرار الذي يراد اتخاذه. المرحلة الرابعة :جمع المعلومات تعد عملية جمع المعلومات من األمور األساسية التي يستند عليها في عملية تحليل وصنع القرار االستراتيجي واتخاذه ،وعند تحديد المشكلة وتفرعاتها تهيأ الوسائل لتقليل العناصر األساسية المجهولة من خالل الحصول على المعلومات ،وهنالك ثالثة أمور أساسية يسترشد بها صانع القرار ليجمع المعلومات عن المشكلة وهي:
24
أوالً :التفكير الدقيق بالمشكلة لضمان دقة تحديد مصادر المعلومات المرتبطة بتلك المشكلة وبأبعادها المؤثرة. ثانياً :تفعيل دور االستشارة مع االختصاص وذوي الخبرات ،من أجل الحصول على معلومات إضافية، تعزز فهم حدود المشكلة وظاهرتها مع الظرف الطبيعي واالعتيادي. ثالثا :حسن استخدام المعالجات اإلحصائية ،وتوظيف المعلومات ذات الدالالت الواضحة باالستناد إلى مقاييس الموضوعية والصدق والثبات ،بما يضمن فعاليتها في إعطاء القرارات والتقييمات الجيدة للخيارات والتفصيالت. تعد المعلومات من المقومات األساسية لترشيد القرار االستراتيجي ،وألهميتها البد من إعطاء تعريف محدد لها ،فالمعلومات بالمعنى العام ،وكما عرفها (د.مازن الرمضاني) هي" :األداة التي من خاللها
- 24الطيب حسن أبشر :المحاور النظرية والتجريبية لعلم السياسة العامة ،مسقط ،مجلة اإلداري ،عدد ،1993 ،52ص26 -25
17
يتم تحويل البيئة الحركية إلى بيئة نفسية ،والتي تتم في ضوء إدراك الموقف ،وبالتالي صنع واتخاذ القرار" ،....وهناك من يروي أنها" :عبارة عني سيل من اإلشارات ورسائل التي تحفز صانع القرار للتعامل مع الموقف''
25
تصبح القرارات اإلستراتيجية وغيرها من القرارات بال أساس عندما ال توجد معلومات إلدامتها. إن توافر المعلومات المتكاملة يعتبر الركيزة األساسية الهامة في استمرارية المنهجية التحليلية للقرار االستراتيجي ولمشكالته ،ضمن مراحل االستدالل ،واالستنتاج ،والتقويم ،واالختيار للبديل األحسن ،ومن أجل تحقيق الفائدة في المعلومات يجب أن تتوافر فيها الخصائص التالية.
26
أوالً :الموضوعية والدقة. ثانياً :الشمولية :وتعني القدرة للمعلوماتية على االتصال بطبيعة المشكلة والعناصر المؤثرة فيها والمتأثرة بها. ثالثا :المالئمة :وتعني قدرة المعلومات على إعطاء الدالالت واآلثار التي تسهم في اإلحاطة بأبعاد المشكلة ،وتحديد أفضلية البدائل الممكنة على الحلول. يتطلب البحث ضمن نطاق مشاريع القرارات البديلة الحصول على أكبر قدر من المعلومات في أقصر و قت ممكن ضمن وحدة صنع واتخاذ القرار نظرا لوجود العقبات الكثيرة .تمر عملية تحليل المعلومات وتقيمها بثالثة مراحل أساسية لينتج عنها مايسمى (المعلومات الدقيقة أو االستخبارات) .وتشمل المراحل ما يأتي: أوالً :اإلدراك :ويعني فيه الصورة التي تتكون في ذهن صانع القرار بسبب الظروف غير الطبيعية المسببة لإلرباك في وظيفة اإلدراك لدى وحدة صنع واتخاذ القرار ،باإلضافة إلى ضيق الوقت وقصر المدة الكافية للحصول على المعلومات الصحيحة والمصنفة في الحاالت الطارئة ،والتغير السريع في الموقف مما يسبب في محصلته النهائية اإلجهاد والتعب والقلق ،ويدفع إلى القصور في اإلدراك وسوء التقدير ،مما يؤثر على موقف المنظمة .واإلدراك عملية متشعبة ومعقدة. يرى روبرت جيرفيس "أن المنظومة العقائدية لصانع القرار والتجارب السابقة هي من أهم العوامل المؤثرة فيه ،ويضاف إليها تكرار األفعال المباشرة والوثيقة الصلة بالقرار في عالقة المنظمة ،كالتاريخ الذي يصبح اعتباره مقياس لدراسة الموقف. ثانياً :التصور :يمثل مجموعة األفكار والمعلومات التي تحكم تصرف اإلنسان ،وهي االنطباع األول الذي يتولد لدى الفرد نتيجة حافز معين .وفي سياسة المنظمة الخارجية يستجيب صنع القرار ألفكار عن البيئة
- 25المرجع نفسه - 26طارق محمد سويدان :مجلة اإلبداع،العدد 55تاريخ االصدار 2013يوليو www.elbdaae.es
18
الخارجية ومؤثراتها على التصور ،والتي تشمل المعلومات بكافة أشكالها وتدفقها بما يشبه وسائل تصل اإلنسان عن طريق حواسه ،فتؤثر في التصور ،وقد تحدث تغيرات جذرية فيه. وقد وصف (فرانكل) صانع القرار على رأس قمة الهرم في المنظمة" ،بأنه بعيد عن المعلومات التفصيلية التي تصف البيئة الخارجية ،وأنه أسير المستشارين واإلجراءات البيروقراطية''
27
يكون لديه فكرة عن ذلك ثالثا :التقويم :إن تقويم صانع القرار للمعلومات من حيث جودتها ،أو رداءتهاِّ ، التصور ،وهذا يعرف بـ (تقويم التصور) .تلعب القيم االجتماعية السائدة في المجتمع لصانع القرار دورا عاطفيا في التأثير بكيفية إدراكه على سلوك اآلخرين ،وبالتالي يفسر المواقف التي تواجه بالشكل الذي ال يعارض ما تعلمه ،وإن اختلفت البيئة الواقعية للموقف مع تلك القيم .وكلما كان صانع القرار يمتلك معلومات دقيقة حول ما يواجهه كان أقرب إلى فهم الموقف. وخالصة األمر أن مسألة اإلحاطة بالموقف تتطلب ثالثة مراحل مترابطة هي( :اإلدراك ،و التصور ،والتقويم) .فاإلدراك يؤدي إلى خلق صورة ذاتية عن طبيعة ومعنى المواقف ،وهذه الصورة تستخدم كأساس لبناء التقييم ومدى القدرة الذاتية للمنظمة للرد على مطالب بيئتها الخارجية ،أي إنها تستخدم لتقدي م المواقف واستقراء أمنيات الحقيقية ،ومحصلة التقييم تؤثر أخيرا في نوعية التصرف الالحق لصنع القرار10. تنتج التطورات التي تحدث في موقف عن ديناميكية مستمرة يحصل منها شيء كبير من المعلومات ،منها ماهو حقيقي ،ومنها ماهو مخادع ،ومنها ماهو متناقض .فهذا يشكل عنصر ضغط على وحدة تحليل وصنع واتخاذ القرار االستراتيجي ،وال يستطيع التعامل مع هذا الزخم الهائل من المعلومات، ويجب أن تعتمد الحكومات ،أو المنظمات على أجهزتها االستخبارية" .ويجب أن تكون االستخبارات ضمن إطار الزمان والمكان لتوفير المعلومات القيمة والصحيحة لتقليل احتماالت الخطأ في القرار المرحلة الخامسة :توليد البديل االستراتيجي تمثل هذه المرحلة اتجاها فاعال لوضع المشكلة في طريق االختبار الموضوعي ,من خالل معرفة طاقتها وقدرتها على االستجابة والتحول والتأثير لهذا البديل" ،وتكلف وحدة صنع واتخاذ القرار للبحث عن الحلول الممكنة وتقيم كل بديل منها ،وتتضمن هذه المرحلة خطوتين أساسيتين ,وهما:
28
أوالً :الخطوة األولى :تحتاج إلى بحث المختصين والخبراء لهذه المشكلة القائمة" ،وستبرز في هذه الحالة عدة بدائل يجري التحري عن اآلثار الجانبية لكل بديل ،ومعرفة مصادره من خالل االستبصار
- 27سانشيز :مفهوم اإلدارة ،ص ، 153عن إبراهيم محمد حسن إعجام ،تقانة المعلومات وإدارة المعرفة وأثرهما في الخيار االستراتيجي ،رسالة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية اإلدارة واالقتصاد في الجامعة المستنصرية ،غير منشورة ،سنة .2007ص105 D. Torrington and Jane weightman, " Effective Management: People and Organization" 2 nd ED, N. Y - 28 prentice HallInternational(uk) Limited,1994, p.131
19
باألشياء ،وطرق البحث العلمي وتوظيف النظريات العلمية ،والدوافع الشخصية والقيم والحاالت الدراسية المماثلة ،والمنظومة األخالقية القائمة في المجتمع محط الدراسة واالهتمام بالمشكلة القائمة". تحتاج هذه الخطوات األساسية إلى اختيار األساليب التي تؤمن لها المقدرة في تحليل البدائل وتقصي نتائجها ومميزاتها ،ومن هذه األساليب: أ .أسلوب الحدس :وهي عملية ناجمة عن فاعلية الخبرات المتراكمة حينما تتسم ظروف المشكلة بعدم التأكد وقلة السوابق والحقائق حولها ،وأن البدائل متداخلة ،وهناك ضيق في الوقت ودعوة متشددة نحو حسم المشكلة. ب .أسلوب دلفي :وهي عملية جماعية تعبر عن آراء مجموعة من المختصين وعن تحليالتهم ،إزاء القضايا المستقبلية وحلولهم اإلبداعية للمشكالت المتوقع قيامها ضمن المجاالت العامة. ج .أسلوب السيناريو :هو عملية افتراضية لمجموعة أحداث مستقبلية ،تدفع نحو استشارة األفكار للتصرف حيالها ،وتحديد اإلجراءات العالجية لها في ضوء معطياتها ،وبما يعزز من القيمة التحسبية للقرار ،وقدرته على التصدي للمشكالت التي قد تظهر. د .أسلوب بحوث العمليات :وهو عملية منظمة لتطبيق الوسائل العلمية في معالجة المشكالت المعقدة بإدارة النظم الكبرى وتوجيه قواها البشرية ،ومعداتها ومواردها الحكومية والعسكرية ،فضال عن توظيف فروع هذا األسلوب من البرمجة الخطية والمصفوفة ،وتحليل السالسل الزمنية والمسار الحرج هـ .أسلوب النماذج الرياضية :وهي أساليب تجريبية لتحليل ومعالجة المتغيرات الكمية التابعة والمستقلة في عمليات صنع واتخاذ القرارات من خالل استخدام وتفعيل نماذج التنبؤات بمتغيرات البيئة ،أو تلك النماذج المختصة بآلية عمل النظام ومعدالت أدائه ،إضافة إلى النماذج البحثية عن الحلول المثلى. ثانياً :الخطوة الثانية ،وتشمل هذه المرحلة في تقيم هذه البدائل اإلستراتيجية بعد تعرضها لمجموعة من االختبارات العلمية والعملية ،لبيان مزايا ومساوئ كل واحد منها ،ومدى إمكانية مساهمته في حل مشكلة موضوع البحث. يؤكد سانشيز وآخرون أن هناك عالقة بين البدائل والمرونة والتكيف االستراتيجي للمنظمة، حيث أن فكرة توليد البدائل التي تعتمدها المنظمة ،يعني امتالك المنظمة للمرونة اإلستراتيجية ،وإن قيمة القرارات اإلستراتيجية للمنظمة تزداد بأمرين :أولهما السرعة التي تستطيع المنظمة بواسطة استخدام خياراتها ،وثانيهما انخفاض الكلفة من استخدام هذه الخيارات التي تشمل المتطلبات األساسية لعملية توليد البدائل اإلستراتيجية (اإلبداع ،والمرونة ،والتوقيت). ونتيجة لعدم محدودية عدد البدائل اإلستراتيجية ،لذا فإن استراتيجي المنظمة يدرسون عدد كبيرا منها ويتم االختيار من بينها ،ووضعها ضمن قائمة بوصفها بدائل إستراتيجية يتم اختيار بديل استراتيجي واحد ،أو أكثر لتعبر في النهاية عن القرار االستراتيجي ،ويمثل عملية صنع القرار ليشمل 20
دراسة وتحليل منطقي لكافة البدائل والمعطيات ذات العالقة بالمشكلة ،وتم التعبير عنها في الموقف" ،وهي عملية تصنيف االحتماالت/البدائل إلى حدها األدنى ليتسنى لمتخذ القرار اتخاذ مايراه مناسبا". تسعى اإلدارة العليا إلى خلق "حالة الموائمة بين البدائل اإلستراتيجية وإمكانات المنظمة الداخلية والخارجية ،وبما يوفر لها القدرة على اختيار البديل االستراتيجي األفضل من بين البدائل المتاحة". تبرز في هذه المرحلة أهمية دور هيئة الخبراء واالستشاريين والمعاونين للقائد أو الرئيس في عملية بحث ودراسة البدائل المطروحة ،لكي تجعل للمنظمة في محيط أوسع واالستفادة من نقاط قوتها، لمتابعة األمور المهمة في بيئتها الخارجية ،ويجب ربط البيئتين الداخلية والخارجية بنظر االعتبار وإال كان العمل نظريا. توجه قيادة المنظمة عمل هذا الفريق وتتابعه ،وقد يتدخل القائد أو الرئيس شخصيا في كثير من األحيان الستبعاد بديل من البدائل ال يصلح تطبيقه ،أو لتحديد االعتبارات األساسية التي ستتم عليها بناء عملية تقيمة البدائل. المرحلة السادسة :اختيار البديل االستراتيجي تعد هذه المرحلة من أدق مراحل القرار جميعا ،ألن اختيار البديل االستراتيجي "يعني حقيقة األمر حسم الموقف والوصول إلى المحصلة النهائية للجهد المبذول ،وهذا األمر يحتاج إلى القدر الكبير من الكفاءة والقدرة ا لذاتية للرئيس أو المدير لتحقيق االختيار السليم". تبنى القرارات على أساس من (الحقائق ،والتحليل ،واإلمكانيات ،واالحتماالت ،والخيارات) ،فإن بنيت على غير ذلك فهي (فن) ،يختلف أمره وفقا الختالف مواهب صانعيها ،أما إذا كانت معتمدة على األسس المذكورة آنفا ،فهي علم له أصوله وقواعده يطلق عليه علم القرارات" ،والذي بني وتطور نتيجة لإلنجازات التي حققتها ثورة المعلومات واالتصاالت ،والتي طورت النماذج الفكرية المعتمدة والمؤثرة في تحليل وصناعة واتخاذ القرارات ،أو التعلم ألمنظماتي ،أو االجتماعي". يعد علم القرارات من الدروس المهمة والمستنبطة التي أنتجتها ثورة المعلومات ،وتتطلب منا االستمرار في دراسته وتعلمه وخلق الموائمة والتزاوج التام بينه وبين االتصاالت ،التي هي عصب وروح العصر ليتسنى لصانع القرار استخدامها في الوقت المحدد والمناسب. يجري اختبار البديل االستراتيجي "بحسب السياق المنطقي للمفاضلة ،وعلى أساس التوجه الموزون والمحسوب ،في ضوء المعايير والمقاييس ذات العالقة بنوعية القرار ،وضمن إطار الكلفة والمنفعة المترتبة على البديل األفضل في إطار المفاضلة.
29
تتضمن معايير المفاضلة الختيار البديل االستراتيجي المطلوب ضمن هذه المرحلة ما يأتي. - 29شعراوي سلوى :االتجاهات الحديثة في تحليل السياسات العامة ،بحث غير منشور ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد والعلوم السياسية،2000 ، ص.10 -9
21
أ .تكلفة البديل المترتبة عنه حينما ينفذ. ب .قدرة البديل على استغالل الموارد المتاحة المسخرة لحل المشكلة. ج .نوعية المعالجة التي يقدمها إزاء المشكلة كلية ،أم جزئية. د .مدى انسجام البديل مع أهداف القرار على صعيد النظام والمجتمع والبيئة. هـ .مدى السرعة والتوقيت المطلوب في تنفيذ الحل ونتائجه المحتملة. و .درجة المخاطرة المتوقعة عن البديل في حالة عدم تحقيقه الهدف المطلوب منه. برزت في النصف الثاني للقرن الماضي نظريات ووسائل قدمتها العلوم السلوكية وطورتها ثورة المعلومات ،وأصبحت بإمكانياتها وفعالياتها تساعد محللي وصانعي ومتخذي القرار في اختبار البديل األفضل من بين مجموعة البدائل" ،وشملت هذه الطريقة :نظرية المباراة ،وشجرة القرارات ،ونظرية االحتماالت ،ودراسة الحالة". أكسبت تلك الطرق والنظريات صانعي القرار الخبرة المتواصلة والقدرة اإلبداعية وتفعيلها عند قيامهم بدراسة المشكالت وتحليلها ومعالجتها والوصول إلى حلول إيجابية يصددها. يخضع القرار االستراتيجي البديل لالختبار التجريبي من قبل صانع القرار ومتخذه ،ليتسنى لهم التأك د من سالمة اختيارهم له ،ولضمان جدول نتائجه وتأثيراته تمهيدا العتماده قرارا استراتيجيا مستقبليا عبر الواقع الميداني لحل المشكلة ،وعند هذه الحالة يمكن أن نقول أن العملية بدأت تدخل في صلب اتخاذ القرار ،ويمكن تعرفيها "بأنها عملية دقيقة تهدف إلى االختيار بين ال بدائل والخيارات ،أي اختيار البديل الذي يعتبره متخذ القرار صحيحا ،أو قريبا من الصحة عندما ال تتيسر المعلومات الكافية والكاملة حول المشكلة، وهي عملية مفاضلة دقيقة بين بديلين أو أكثر ،يتمتعان بقيمة واحدة أو متشابهة ،أو تكون فيها نسبة األرجحة ضئيلة". تعد اإلجراءات المتخذة قبل تطبيق البديل تقويما عمليا للحل النظري ،واستكماال لعلمية الجهد العلمي والمعرفي في إدخال التعديالت المطلوبة ،ولقياس فاعلية البديل وضمان النتائج المترتبة عليه الحقا. توجد وسائل متعددة تدعم وتساند هذه الخطوة المنهجية في اختيار البديل األفضل،وإثبات تميزه مثل: (برمجة الحاسوب ،ونماذج المحاكاة ،وتحليل الكلفة والمنفعة ،والرضا العام والمشاركة ،وعدالة اإلجراءات، وتقدير األثر االجتماعي ،وتقدير األثر البيئي ،وتحليل الخطر.
30
تنفذ الخطوات الست الواردة آنفا في نطاق من السرية واألمن العالي بفعل الطابع التخصصي والتقني واالستشاري في هيكلية صنع واتخاذ القرار .ويتطلب من جميع المعنيين في هذه المنظمة
- 30الخزرجي ،د .ثامر كامل ،العالقات السياسية الدولية واستراتيجية إدارة األزمات ،مصدر سابق ،ص375
22
والمشتركين معهم االلتزام بهذا المبدأ ومنع الخروقات االستخبارية الخارجية ،وفي حالة انكشاف سره فله تأثير سلبي على مستقبل المنظمة سواء من البيئة الداخلية أو الخارجية. المرحلة السابعة :التنفيذ الفعلي للقرار االستراتيجي ومتابعته وتقويمه تعد هذه الخطوة هي مرحلة اإلعالن عن القرار رسميا ومن ثم تنفيذه .يعتبر التنفيذ الفعلي للبديل ،والذي سيصبح القرار االستراتيجي من الخطوات الهامة ،بوصفها الحاسم المعلن والمكشوف الذي يعتزل الكثير من األمور ،وقد يظهر بشكل مرضي أو غير مرضي لألطراف المعنية .يستوجب تنفيذ القرار النهائي ضمن البيئة االجتماعية المعنية ،ويتطلب التطبيق الفعلي بعض اإلجراءات الالزمة ،وهي: أوالً :صياغة البديل بوصفه قرارا استراتيجيا داال ً على مضمونه بشكل جيد. ثانياً :اختيار الوقت المناسب إلعالن هذا القرار. ثالثا :تهيئة البيئة الداخلية -المعنية لتنفيذ القرار ،واالستعداد لعمل ذلك وتهيئة الموارد واإلمكانيات الالزمة ،واإلدارات واألقسام. رابعا :تهيئة البيئة الخارجية الرأي العام والمجتمع لضمان االلتزام وحسن التجاوب والتفاعل مع القرار وتنفيذه. يشمل القرار االستراتيجي "جميع األفعال التي تلزم وضعه موضع التنفيذ ،أو في صورة تجعله يؤثر بالواقع وتتأثر به اإلجراءات التنفيذية للمشروع". تتصف عملية اتخاذ القرار وإعالنه بالصعوبة ،وسبب ذلك يعود إلى جملة عوامل مهمة ،بينهما عامالن أساسيا مترابطان هما:
31
أ .صعوبة التنبؤ الدقيق والمسبق بنوعية ردود أفعال المنظمات األخرى ،وبالتالي تحديد النتائج المترتبة على األنماط السلوكية المنوي اتباعها. ب .احتمال الفشل الذي يسبب كارثة وخاصة في أوقات األزمات التي تواجه المنظمات بسبب التغير السريع لمواقف المنظمات األخرى ،وعدم القدرة على السيطرة على الموقف. تضع قيادة المنظمة خطة لتنفيذ فقرات القرار االستراتيجي الذي وقع عليه االختيار ،مع مالحظة التحديدات المفروضة ،والتي تشمل: أ .الوقت الذي يستغرقه لتنفيذ الحل. ب .مراحل التنفيذ. ج .األشخاص المسئولين عن التنفيذ والعالقة بينهم ومسؤولياتهم. د .الطريقة التي يتم بها التنفيذ.
- 31الدروبي ،سليمان ،اتخاذ القرارات والسيطرة على المشكالت واألزمات ،دار األسرة للنشر والتوزيع ،ط ،1عمان األردن ،2006 ،ص13
23
ه .الوسائل المساعدة لمراقبة التنفيذ. و .المعايير المستخدمة لقياس نسبة النجاح لحل المشكلة. ز .المشكالت المستجدة نتيجة التنفيذ والحلول المناسبة لعالجها. ح .البديل الواجب استخدامه في الظرف الطارئ. تجري متابعة ومراقبة تنفيذ القرار بالشكل الذي يعزز من استمرار يته التطبيقية والعملية ,فضال عن إمكانية نجاحة في تحقيق األهداف المتواخاة
.
تبرز في هذه الحالة دور الجهات التي اشتركت في صناعة القرار ،كنواب الرئيس والمستشارين وهيئات الركن ولجان التخطيط والمتابعة والتنفيذ ،والتي تقوم بدورها بمتابعة ومالحقة فقرات التنفيذ، وتحديد درجات الفشل والنجاح ،وتحليل النتائج النهائية للعمل والتنفيذ ،وتقدير مدى تحقيقها لألهداف التي كان يقصدها القرار المتخذ. تستنهض الجهود الوقائية لمعالجة القرار عند مواجهته بعض الصعوبات أو العقبات من قبل لجان معدة لهذا الغرض ،إما باالستمرار عليه ومعالجته ،أو بالدعوة إلى تعديله ،أو بإيقافه أو بإلغائه "،وهذا يعكس روح المسؤولية لدى هيكلية صنع واتخاذ القرار ،ودفعهم للمشاركة في إبداء اآلراء واالقتراحات، والتحري الدقيق عن مواطن الضعف خالل التنفيذ ,مما يزيد من حماستهم وإقبالهم على الفعل''
32
تعتمد عملية استكمال المتابعة والمراقبة من خالل منظومات فنية وعلمية تحليلية متعددة المستويات تشمل :التغذية الراجعة ،أطر األعمال ،توقيت األعمال ،التحكم الذاتي ،النظم المفتوحة .يباشر متخذ القرار التقويم الموضوعي والمعالجة للنتائج المتحققة ،ولآلثار الفعلية الناجمة من تنفيذ القرار ومنذ مراحله األولى ،وبهذا يكون التقويم بمثابة االختبار ،أو الفحص ،لمعرفة التأثيرات التي أنتجها القرار للتماشي مع البرامج واألهداف التي تم التخطيط لها والمراد بلوغها وانجازها. فالتقويم" :يمثل العملية المنهجية التي يقوم بها صانعوا القرار ،ويجري تطبيقها في سبيل تحديد قيمة النتائج المترتبة عن تنفيذه ،بحيث ينتج عن هذه العملية التحليلية إثبات صحة البديل من عدمه ،وبالتالي إيجاد بديل ثاني عوضا عنه في حالة الفشل''
33
المطلب الثاني :صناعة القرار العوامل المؤثرة و معيقاته الفقرة األولى :العوامل المؤثرة في صناعة القرار اإلستراتيجي
. - 32قنديل ،د .أماني ،معاير التقيم في علم السياسة ،بحث ضمن كتاب تقويم السياسات العامة ،تحرير د.عبدالمطلب غانم ،القاهرة ،مطبعة أطلس، ،1989ص107-106 - 33الدكتور يوسف ناصف حتي،،دراسة العالقات الدولية،دار الكتاب العربية،الطبعة االولى ،1988ص 179 178
24
تعتري عملية صناعة القرار االستراتيجي مجموعة من العوامل التي قد تؤثر إيجابا أو سلبا في هذه العملية ،و يصنف الباحثون هذه العوامل الى عوامل موضوعية اوال ثم عوامل داتية مرتبطة بصامع القرار نفسه ثانيا. أوال :العوامل الموضوعية تتأثر عملية صناعة القرار بمجموعة من العوامل المرتبطة بالمحيط الداخلي للدولة غير أن هذه العملية تتاثر اكثر بالمحيط الخارجي للدولة الذي يشكل العامل الضاغط و المحفز التخاذ عملية القرار. - 1العوامل الداخلية البيئة الداخلية هي التي تستطيع الدولة التحكم فيها والتأثير عليها وتغيريها وفق ما تحتاجه لصياغة إستراتيجياتها و التي من خاللها تتمكن القيادة اإلستراتيجية من تسيير دولتها بفعالية اكبر وأدق ،و ال يمكن للدولة صياغة إستراتيجية بدون تحليل كاف وحيد لبيئتها الداخلية وإمكانيتها .و بمعنى أخر معرفة نفسها وقدراتها ومدى قوتها أو ضعفها وذلك في محاولة لتسخير بيئتها الداخلية وتطويعها في أغراضها ،و تتمثل عوامل البيئة الداخلية في وظائف ونشاطات الدولة الرئيسية ألنها األعمدة األساسية ألنشطتها ،و تكمن أهمية تحليل هذه العوامل في تحديد مصادر القوة وتدعيمها وتعميميها ،و مصادر الضعف لتقويميها وتصحيحها
34
أ -النظامين السياسي واالقتصادي : إن عملية اتخاذ القرار السياسي مرتبط بطبيعة النظام السياسي للدولة .فالنظام السياسي من حيت كونه ديمقراطيا .أو غير ديمقراطي ،يؤثر في عملية اتخاذ القرار ،من حيث الجهة التي تصنع القرار ،و مدى مشاركة أكثر من طرف في هذه العملية و من حيث المراحل التي تمر بها صناعة القرار .ففي النظم الديمقراطية تخضع هذه العملية لإلجراءات و مشاورات و مناقشات طويلة مع جهات عديدة ؛ و يلزم لتنفيذها موافقة أكثر من جهة ،و هذه اإلجراءات تؤدي إلى تأخير اتخاذ القرار وتنفيذه .مما يجعل هذا القرار ال يتسم بالفعالية. كما يؤثر النظام االقتصادي في عملية اتخاذ القرار من زوايا عديدة ،فالدولة التي تتمتع بنظام اقتصادي قوي ،و تمتلك ثروات طبيعة و طاقات إنتاجية ضخمة نسبيا ،تكون لديها حرية اكبر عند اختيارها البدائل المطروحة أمامها .كما و إن قدرتها االقتصادية هذه تساعدها على تحقيق أهدافها التي تسعى إليها من وراء هذه القرارات .و يجب إن نذكر أن وجود هذه الموارد االقتصادية للدولة ،ال يكفي أحيانا لنجاح
- 34سعد حقس توفيق :مرجع سابق ص 119
25
سياستها الخارجية ،بل يجب أن يتوافر شرط أخر ،وهو قدرة النظام على استمرار هذه الموارد واإلمكانيات وتوظيفها بشكل صحيح ،لخدمة السياسية الخارجية للدولة.35 ب-األحزاب السياسية : مما الشك فيه على أن الحزب السياسي يعتبر من أبرز المؤسسات السياسية التي تسهم في صنع السياسية الخارجية ،و يتوقف دور الحزب السياسي في عملية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية على طبيعة النظام السياسي الذي يعيش فيه هذا الحزب ،ففي النظم السياسية التي تعتمد سياسية الحزب الواحد .يقل دور األحزاب في عملية صنع القرار .و قد ينعدم تماما ،حيث تحرم من المشاركة في الحكم بأي صورة من الصور ،و تبقى في موضع مالحقة مستمرة من قبل النظام ،و لهذا فإن الحزب الحاكم يكون له الدور الرئيس في عملية اتخاذ القرار ،كما أن متخذي القرار يتأثرون ببرنامج الحزب ومبادئه.36 – 2العوامل الخارجية تشير البيئة الخارجية بشكل عام إلى تلك العوامل و الظروف لما وراء حدود إقليم الدولة مثل أفعال و ردود أفعال الدول األخرى و المجتمعات التي يعملون من اجلها كما أن تطابق العوامل الخاصة و الظروف في المواقف العامة و الخاصة يعتمد على االدراك و تقديرات صناع قرار الدولة و كيفية تعرضهم للتحريضات.
37
أ .النظام الدولي العام : إن التغيير في شكل وطبيعة النظام الدولي العام ،يؤثر في عملية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية للدولة ،بوصفها وحدة من الوحدات المكونة لهذا النظام ،فالدول في ظل نظام تعدد األقطاب تتوافر لها حرية أكبر في الحركة واتخاذ القرارات كما يصبح للدول الصغرى قدرة أكبر على المناورة الخارجية عن طريق التلويح باالنضمام إلى حلف معين ،أو االنسحاب من الحلف المنظمة إليه. ب .األزمة السياسية الدولية :
- 35احمد عارف الكافرنة :العوامل المؤثرة في صناعة القرار في السياسة الخارجية ،مجلة دراسات دولية ،العدد 42سنة 2009ص 22-21 - 36احمد عارف الكافرنة :المرجع نفسه ص 24-23 - 37سعد حقس توفيق :مرجع سابق ص 119
26
تعرف األزمة السياسية بأنها موقف سياسي مفاجئ يشكل تهديدا سياسيا لألهداف القومية مع وجود مدة محدودة من الوقت لالتخاذ القرار ،أي أن هناك ثالثة عناصر تتميز بها األزمة ( الفجأة ،التهديد ،ضيق الوقت) و تتطلب األزمة اتخاذ قرارات سريعة.
38
ثانيا :العوامل الذاتية إن العوامل الموضوعية ليست وحدها المؤثرة في عملية صناعة القرار ،فالعوامل الذاتية لصانع القرار تؤثر أيضا في هذه العملية و يذهب البعض إلى إعطائها أهمية اكبر من العوامل الموضـــــــــوعية فسنايدر يرى أن الدولة في النهاية هي واضعي القرارات فيها فصانع القرار هو الذي يصوغ السيـــــــاسة الخارجية و يحددها بناءا على فهمه و تصوره للمتغيرات الموضوعية و بناءا على أهمية تلك المـــــتغيرات الموضوعية.39و لمعرفة اثر العوامل الذاتية في صناعة القرار سوف نتناولها كالتالي: -1الخصائص الشخصية :و هي تلك الصفات المرتبطة بصانع القرار نفسه ،و التي تؤثر في اسلوب صياغته للقراراته ،و من هذه الخصائص التسلط القدرة على االبتكار روح المغامرة السعي نحو الشهرة تحقيق الذات القدرة على مواجهة الحالة الغامضة و غيرها من الخصائص .و يرى جاك تيلور أن الخصائص الرئيسية للشخصية القيادية كما استخلصها من مجموعة من الدراسات التجريبية الواسعة التي قام بها و هي ، أ .القدرة العقلية ب .االهتمام بالعمل ت .المهارة في االتصاالت ث .القدرة على تحفيز المرؤوسين الى انجاز العمل بدقة
40
-2النظام العقدي و القيمي لصانع القرار و هي مجموع العقائد و القيم التي تتكون لدى صانع القرار عن البيئة الخارجية و تتميز هذه العقائد بالترابط و عدم التناقض فيما بينها حسب ما يراه صاحبها بحيث تشكل لديه نظاما عقائديا يساعده على ضبط المعلومات الممكن قبولها و استيعابها من النظام الخارجي. -3اإليديولوجية
- 38احمد عارف الكافرنة :مرجع سابق ص 33 - 39احمد عارف الكافرنة :العوامل المؤثرة في صناعة القرار في السياسة الخارجية ،مرجع سابق ص 34 - 40احمد عارف الكافرنة :العوامل المؤثرة في صناعة القرار في السياسة الخارجية مرجع سابق ص 36-35
27
تطرق دي تراسي لمصطلح االيديولجية في عصر التنوير الفرنسي في كتابه '' عناصر اإليديولوجية '' و يعني بها علم األفكار أو العلم الذي يدرس مدى أو خطا األفكار التي يحملها الناس .41و تعتبر اإليديولوجية السياسية عامال مؤثرا في اتخاذ القرار كونها تدخل في بناء الدولة و اختبار نظامها السياسي ألنها تعد سندا و إطارا للعمل من اجل التنمية المستدامة ،و غياب أو فشل الدولة يأتي لغياب االيدولوجيا التي تقوم عليها الدولة .
الفقرة الثانية :معيقات صناعة القرار ال شك أن صناعة القرار تتم على در جة من الرشد و العقالنية ،باالستناد على مجمل التقديرات و الدراسات التحليلية ،إال انه و بالرغم من هذه اآلليات المتاحة و المراحل فمجموعة من القرارات تأتي بنتائج عكسية ال تكون متوقعة بل و تحول دون تفعيل اإلستراتيجية المراد إتباعها ،لذلك كان من الواجب القيام بدراسة تحليلية للمسببات التي تحول دون ذلك ،رغبة منا للرقي بصناعة القرار االستراتيجي،و سنتطرق لمجموعة من األسباب التي تأثر في هذه العملية و أهمها نذكر قصور البناء المؤسساتي ،و البناء المجتمعي و إهمال مختلف المتدخلين في صناعة القرار. بحديثنا عن قصور البناء االستراتيجي أو قصور القرار االستراتيجي ،نكون أمام بناء مؤسساتي بمختلف متدخليه من وزارة الخارجية ،األحزاب السياسية و مراكز الدراسات عاجزة عن التأثير في هذه العملية. يظهر العائق الذي يراود وزارة الخارجية كفاعل في العمل السياسي،تؤثر فـــــــــي صنع القرار االستراتيجي بالطابع البيروقراطي الذي يؤثر على االستراتيجيات المتبعة وذلك باتصافها بالجمود ،فيجعلها تتحلى بطابع قصير األمد أكثر مما هي طويلة. 42 األحزاب السياسية كفاعل في صناعة القرار االستراتيجي يتوجب عليها طرح بدائل تحملها في أجندتها كي تكون مصدر إثراء للبناء االستراتيجي وذلك بمناقشتها في البرلمانات ،من هنا يتوجب على األحزاب وضع أرضية كي تعتمد عليها دون اي اعتبارات سياسية ،من اجل تسهيل عمليات التواصل بين البيروقراطية اإلدارية و رجال السياسة.43 الجامعات و مراكز الدراسات المستقلة
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7 - 41
42احمد داود اوغلو " العمق االستراتيجي :موقع تركيا و موقعها في الساحة الدولية" ،مركز الجزيرة للدراسات ،دار العربية للعلوم ناشرون،الطبعة االولى ،2010ص74-73 43احمد داود اوغلو،مرجع سابق ،ص72
28
يعتبر تطور النتاج المعرفي التحليلي احد الدعامات الرئيسية لالضطالع بصناعة إستراتيجية فعالة ،فيعتبر اإلطار النظري هو المرجع الذي تقوم عليه خصوصا في وقت األزمات و التحوالت الجذرية في العالقات الدولية . فابتعاد الجامعات عن مهمتها البحثية المتمثلة في إغناء طاولة صنع القرار بنتاج فكري، واقتصارها و فقط على تكوين المواطنين من اجل امتالك مهن فحسب يقوم على أسباب رئيسية ،فإما أنها لم تعد تنتج كفاءات قادرة على إعطاء نتاج فكري رفيع من نوعه ،أو أنها لم تستطع ربط عـــــــــــالقة بين البيروقراطية أي أصحاب التكوين األكاديمي و الدبلوماسيين الممارسين وصاني القرار ،وخير مثال لربط اإلطار النظري بالتطبيقي هو اإلستراتيجية األمريكية لماهان و سبيكمان و إستراتيجية األلماني هاوسهوفر، والتي قدمت الدعم النظري لصانعي االستراتيجيات و ترك المجال ألصحاب االختصاص من اجل ربط تلك المعطيات النظرية بالواقع العملي.44 كما هو معلوم انه لكل مجتمع مجموعة من الخصائص مميزة له التي يتشبت بها مما يشكل عائق في تفعيل مجموعة من البادائل التي تتسم بالواقعية و تكون مالئمة للوضع الذي تمر به كل دولة معينة مما يجعل صانع القرار او مجمل المتدخلين مرغمين لترجيح الكفة لصالح بدائل اخرى غير مضمونة النجاح و يصعب تفعيلها ،و بحديثنا عن المتدخلين في صناعة القرار االستراتيجي يظهر وجه القصور في عدم التجانس و األزمات التي تحدث بين صانعي القرار و التي تعبر عن تعارض في االديولوجيات ووجهات النظر مما يخلق حلقة مفرغة تشكل عائق كبير لصانعي القرار ،فكل هذه األسباب تحول دون اختيار رشيد لقرار االستراتيجي الفعال يض طلع بالحياة المجتمعية و المؤسساتية في الدولة.45
خاتمة : يعتبر موضوع صنع القرار واتخاذه من الموضوعات ذات األهمية الكبرى .و تبرز أهمية هذا النوع من الدراسات على مستوى الدراسات السياسية ،وتنطلق األهمية من أمرين أساسيين :أمر أكاديمي يتمثل في محاولة صياغة و الوصول إلى نظرية عامة قادرة عل وضع أسس تفسيرية و متكاملة لفهم و دراسة عملية اتخاذ القرارات ،وأمر واقعي ممارساتي يتمثل في أهمية هذا النوع من الدراسات و مدى تأثيره على صناع القرار في مستوى حيوي حساس كالسياسة الخارجية و ما لهذا النوع من القرارات من خطورة باعتبارها تعبير عن مواقف و عالقات بين الدول بوزنها السياسي.
44احمد داود اوغلو ،مرجع سابق ،ص.74-73، Andrew scot , op, cit, pp.93-9445 ذ .فاروق عمر ،صناعة القرار والراي العام ،القاهرة ،ميريت للنشر ،2001،ص ص،
29
تشكل القرارت التي تعمل على اساسها الدول بشكل عام ،الروح الحركية التي تنظم من خالل مسيرة الحياة في الداخل ،او عالقات تلك الدول مع العالم الخارجي ،و لذلك فان خطورة و اهمية صناعة ذلك القرار تكون كبيرة لما قد يتسبب به من فوضى في حال لم يؤسس على قواعد علمية و عملية قوية وهنا البد من التاكيد على ضرو ة االعتناء بالقرار قبل اصداره النه يمثل الدولة كافة و منزلتها ويدل على تحضر تلك الدولة و في تعامالتها و عالقتها مع بقية دول العالم.
46
الفهرس مقدمة2................................................................................................................................................ المبحث األول :القرار اإلستراتيجي النظرية و الفاعلون4......................................................................................... المطلب األول :نظرية صنع القرار4................................................................................................................ الفقرة األولى :ماهية نظرية صنع القرار4.......................................................................................................... الفقرة الثانية :رواد نظرية صناعة القرار6........................................................................................................ أوال :سنايدر6........................................................................................................................................ ثانيا :نماذج اليسون7................................................................................................................................ .1نموذج الفاعل العاقل8................................................................................................................ .... .2نموذج العمليات التنظيمية8.............................................................................................................. .3نموذج السياسة الحكومية9............................................................................................................... المطلب الثاني :الفاعلون في صناعة القرار االستراتيجي10....................................................................................... الفقرة األولى :األجهزة الحكومية 10............................................................................................................... أوال :رئيس الدولة10................................................................................................................................ ثانيا :رئيس الوزراء11............................................................................................................................. ثالثا :وزارة الخارجية11............................................................................................................................. رابعا :مجلس األمن القومي11...................................................................................................................... الفقرة الثانية :األجهزة غير الحكومية12............................................................................................................ أوال :المؤسسة العسكرية12......................................................................................................................... ثانيا :األحزاب السياسية12.......................................................................................................................... المبحث الثاني :صنع القرار اإلستراتيجي المراحل العوامل و اإلشكاالت13.................................................................... المطلب األول :مراحل صناعة القرار االستراتيجي13...........................................................................................
- 46احمد عارف الكفارنة :مرجع سابق ص 40
30
المطلب الثاني :صناعة القرار العوامل المؤثرة و معيقاته24...................................................................................... الفقرة األولى :العوامل المؤثرة في صناعة القرار اإلستراتيجي24............................................................................... أوال :العوامل الموضوعية24....................................................................................................................... .1العوامل الداخلية24....................................................................................................................... .2العوامل الخارجية25...................................................................................................................... ثانيا :العوامل الذاتية26.............................................................................................................................. الفقرة الثانية :معيقات صناعة القرار27............................................................................................................. خاتمة29.............................................................................................................................................. الفهرس 30...........................................................................................................................................
31