لزيارة الموقع اإللكترونيwww.elsiyasa-online.com: صفحتنا على الفايسبوكhttps://www.facebook.com/elsiyasa / :
تصدّع ركائز المنتظم الدولي والحرب العظمى القادمة
تصدّع ركائز المنتظم الدولي والحرب العظمى القادمة جوزيف السخن
كثيرا ما يُقال ّ عظيم للقوى القائمة هناك فترة من السالم ،وقبل انهيار إن قبل كل ٍ ً ٍ كل صعود عظيم لقوى جديدة هناك فترة ٌ من االضطرابات .حاليًا ،تواجه بنية المنتظم الوستفالي أزمة منهجية إلى حد ما ،تخضع ركائزه باستمرار لضغوطات من القوى التي لم تعد تتّفق على قواعد اللعبة أو قواعد التفاعل السياسي بداخله. صل إلى بديل متّفق عليه ،وبخاصة بين القوة القائمة أي وعلى الرغم من عدم التو ّ الواليات المتحدة األميركية ،والقوى الصاعدة كالصين وروسيا ،بدأت ركيزة الدولة القومية التاريخية ،صاحبة السيادة المطلقة تشهد تحدّيًا من قبل فاعلين ال يمتلكون عنصر السيادة ،ولكن يمتلكون قدرات موازية لقدرات الدول .ففي السنين العشر القادمة ،لم تعد بنية المنتظم متجانسةّ ، ألن من كان يحتكر الساحة الدَولية في السابق ،سيتشاركها مع عدد آخر من الفاعلين من غير الدول ،بعضها يمتلك قدرات اقتصاديةً هائلةً ،كالشركات العابرة لحدود الدول ،وبعضها يمتلك قدرات المتطرفة. عسكرية نوعية ،كالتنظيمات اإلرهابية ّ
التحوالت البنيوية إلى الدور الجوهري الذي تؤدّيه االبتكارات وتعود هذه ّ التكنولوجية في مسار توازن القوى العالمي ،أي في استقرار المنتظمات الدولية، سواء من حيث تأثيرها على نمط ّ القوة أو على طبيعة الفاعلين في بنية توزع ّ المنتظم الدولي .فال فرق بين منتظم وآخرّ ،إال في نمط ّ القوة ،وطبيعة توزع ّ الفاعلين أو القوى الرئيسة في بنيته الفوضويةّ ، ألن االبتكارات التكنولوجية تع ّزز القدرات االقتصادية والعسكرية ووضعية القوى في المنتظم الدولي ،وهذا سيؤدّي إلى تغيّر في ّ القوة أي في نمط توازن القوى العالمي .أما الذي ميّز الحربين توزع ّ العالميتين األولى والثانية ،فهو محاولة ألمانيا تغيير مسار توازن القوى مرتين ،أي تغيير نمط ّ القوة في بنية المنتظم التي تتالءم مع رؤيتها للسالم أو االستقرار توزع ّ قوتها الصناعية واالقتصادية والعسكرية ،ما دفعها إلى العالمي ،بعد أن ارتفعت ّ سع إقليميًا بحثًا عن أسواق اقتصادية ،وأدّى في المحاولتين إلى نشوب حرب التو ّ ستقرا ى بين قطبين ،وكان الوضع م ً عظمى .بعدها أتت الحرب الباردة كتوازن قو ً نسبيًا إلى أن اتّسعت الفجوات اإلنتاجية واالقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بينهما ،وانتهت بصمود القطب الليبرالي بقيادة واشنطن ،وسقوط القطب االشتراكي بقيادة موسكو .وظ ّل دور االبتكارات التكنولوجية وتأثيرها يرتفعان ،مع دخول عالمنا في القرن الحادي والعشرين مسار التوازن العالمي بين القوى العظمى ،مع صعود بكين وموسكو اقتصاد ًيا وعسكريًا وتكنولوجيًا ،وبشك ٍل أكبر على حجم االختالفات الثقافيّة بينها وبين القوى القائمة كواشنطن من جهة، المتطرفة العابرة للحدود من جهة أخرى ،التي يمتلك كل والتنظيمات اإلرهابية ّ منها رؤية مختلفة لنمط السالم أو االستقرار العالمي في المنتظم الدولي .من هنا، التحوالت التكنولوجية والجيواقتصادية نطرح اإلشكالية الرئيسة التالية :هل ترفع ّ والثقافية للقوى الرئيسة في بنية المنتظم الدولي من احتمال نشوب حرب عظمى جديدة بينها؟ والتطور التكنولوجي، سنقوم ّأو ًال بوضع إطار نظري يشرح العالقة بين االبتكار ّ وتحوالت نمط ّ القوة في بنية المنتظم الدولي ،ومسار التوازن العالمي ،مع توزع ّ ّ تحديد المفاهيم العلمية المطروحة باإلشكالية الرئيسة كتحديد ماهيّة السالم العالمي. بالتوازي مع ذلك ،سنلجأ لمقارنة أحداث تاريخي ٍة مهمة وأخرى حالية لتحديد التحوالت التكنولوجية وفهمها وصعود القوى العظمى وسقوطها العالقة بين ّ
صناعيًا واقتصاديًا وعسكريًا ،والستخالص تأثيرها العام على انهيار المنتظمات ً وصوال إلى اإلجابة عن اإلشكالية الرئيسة ،أي الدولية وقواعد التفاعل السياسي، تحديد النتيجة المحتملة في المستقبل لتصدّع بنية المنتظم الدولي حال ًيا نتيجة بروز قوى تمتلك رؤى متناقضة للسالم العالمي ،أي لنمط ّ القوة العالمي. توزع ّ لذلك ،ارتأينا أن نتناول في الفقرة األولى ،دور االبتكارات التكنولوجية الجوهري في تغيير ّ حوالت الق ّوتين القوة في بنية المنتظم .من خالل اإلحاطة ّأو ًال ،بت ّ توزع ّ األفقية والعمودية وعالقتها بالسالم العالمي .وثانيًا ،سنراقب أثر االبتكار التكنولوجي والنّمو االقتصادي في التوازن العالمي .أ ّما في الفقرة الثانية ،سنطرح مستقبل المنتظم الدولي ،بين الحرب أو المنافسة كطريق للسالم العالمي .وذلك ً أوال ،من خالل دراسة مسار العولمة التكنولوجية وتأثيرها في مراكز التوازن العالمي في القرن الحادي والعشرين ،وبشكل خاص بين بكين وواشنطن .أما ثانيًا، سنحدّد التحدّيات الحالية التي تضغط على بنية المنتظم وهل ستكون نتيجة ذلك حرب عظمى أم منافسة مستمرة بين أربع رؤى متناقضة للسالم العالمي؟ للقوة في بنية المنتظم االبتكارات التكنولوجية المحرك األساسي ّ ّ ا القوتين األفقية والعمودية والسالم العالمي تحوالت ّ أوالّ : إن الركيزة األساسية التي يقوم عليها كل منتظم دولي ويتميّز بها هي نمط ّ ّ توزع القوة بين الوحدات التي تتفاعل في بنيته بشكل دائم ومتين .لذلك ،يفترض أن ّ ينطلق كل تحليل للتوازن العالمي أو السالم العالمي من دراسة دقيقة لنمط ّ توزع ّ وتحوالتها في بنية المنتظمّ ، القوة والنفوذ ستلحظه بنية ألن كل تغيّر القوة لتوزع ّ ّ ّ ى أخرى ،سيغيّر مسار التوازن العالمي بين ى وانحدار لقو ً المنتظم ،كصعود لقو ً القوى التي هي في حالة دائمة من الصراع أو المنافسة .بمعنى آخرّ ، إن التوازن مسارا جامدًا ،بل ديناميكيًا أو متحر ًكا ،له وظيفةٌ أساسيةٌ في تثبيت العالمي ليس ً االستقرار أو السالم العالمي من خالل المحافظة على فوضوية بنية المنتظم -أي عدم وجود حكومة عالمية ،وهو أمر يترجم في استقاللية القوى العظمى ،التي قوتها حتى ال تخضع لسلطة أعلى منها .لذلكّ ، فإن تحقيق تسعى دائ ًما لزيادة ّ االستقرار العالمي ال يعني إنهاء الحروب ،إنّما قبول القوى بنمط ّ القوة أو توزع ّ
توازنها ،وترجمة هذا الرضى بالتزامها قواعد اللعبة أو التفاعل السياسي أي النظم الدولية ،ومنع تفاقم االضطرابات والنزاعات أو خروجها عن إطار معيّن. على سبيل المثال ،يعلّمنا التاريخّ ، أن السبب الرئيس خلف انتهاء "سالم المئة عام" ( ) 1914-1815الذي أعقب الحروب النابليونية ،وفي اندالع الحرب العالمية األولى بين الدول األوروبية ،كان نتيجة التغيّرات التي طرأت على نمط ت ّ وزع القوة في بنية المنتظم الدولي أي على توازن القوى بين الدول األوروبية -القوى ّ الرئيسة في بنية المنتظم الدولي -وانتهاج ألمانيا لسياسات تغيير الوضع القائم. ولكن ،ذلك ال يعني ّ أن تلك الفترة لم تشهد نزاعات على اإلطالق ،إنّما حتى خالل السنوات المئة األخيرة من السالم ،شاركت الدول األوروبية في حروب محدودة سع اإلقليمي ،كذلك ،دخلت في سباق التسلح بوتيرة متصاعدة وغزوات بهدف التو ّ بلغت ذروتها في الحرب العالمية األولى. وبعد عقدين من الزمن ،اندلعت حرب عالمية ثانية بين القوى العظمى ،كان أحد قوتين رئيستين ،هما االتحاد السوفياتي والواليات المتحدة أسبابها البنيوية غياب ّ األميركية ،عن مسارات توازن القوى لتثبيت االستقرار العالمي ،ما يعني غياب القوى القادرة على ردع ألمانيا من إعادة انتهاجها لسياسات تغيير الوضع القائم، القوة واستقرارها بين عدد محدود من أي حاجة القوى القائمة إلى إعادة تركيز ّ الوحدات المتشابهة وظيفيًّا. وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانيةّ ، القوة في بنية المنتظم بين قطبين هما توزعت ّ االتحاد السوفياتي والواليات المتحدة األميركية .ودام نوع من "سالم بارد" بين اإليديولوجيتين الشيوعية والرأسمالية ألقل من نصف قرن ،أي لم تحدث أي حرب مباشرة بين القطبين ،لكن اتّسمت الحرب الباردة باإلنفاق العسكري الهائل، واألزمات الخطيرة ،وحروب بالوكالة ،وسباق التسلّح النووي ،والتسابق الفضائي، قوة االتحاد السوفياتي .من هناّ ، فإن االستقرار العالمي ينتج عن ما أدى إلى استنفاذ ّ القوة العالمي ،ومتى تغيّر نمط ت ّ وزع المسارات الوظيفية للمحافظة على توازن ّ القوة العالمي ،بالتالي ،يدخل العالم في فترة من القوة في بنية المنتظم يتغيّر توازن ّ ّ االضطرابات .ولكن ،كيف يتغير نمط ّ القوة؟ توزع ّ دورا مه ًما في استقرار المنتظمات الدولية وانهيارها. يؤدي التطور التكنولوجي ً ّ صحيح ّ أن كل منتظم دولي يُفتَرض أن يكون نظريًا مشيّدًا على أساس توازن
القوى ،ولكن ،يختلف هذا التوازن من منتظم آلخر .فالتوازن بحسب توزيع األقاليم بين القوى العظمى كما في القرن التاسع عشر ،يختلف عن التوازن بحسب القدرات العسكرية أو االقتصادية للقوى العظمى في القرن العشرين .من هنا، تضطلع القدرات التكنولوجية للقوى العظمى بدور جوهري في مسارات التوازن العالمي في القرن الحادي والعشرينّ ، ألن سرعة التواصل واالتصال ،والقدرة على التعبئة والجهوزية العسكرية واالنتشار السريع حول العالم ،والقدرة على دورا مه ًما في تحديد من هي الوحدات األقوى الهجوم االستباقي ،جميعها تؤدي ً داخل بنية المنتظم. في القرن الحادي والعشرين ،كان لمسار العولمة التكنولوجية واالقتصادية أثر القوة في ال ُمنت َ القوة في بنية ال ُمنت َ جوهري على ّ ظم محصورة ظم[ .]2فلم تعد ّ توزع ّ القوة بشكل كبير بيد قوة مهيمنة أو عدد محدود من القوى العظمى[ .]3إنّما انتقلت ّ في اتجاهين :األول هو أفقي ،أ ّما الثاني فهو عمودي. يتكرر دائ ًما بشكل أفقي للقوة ،فهو نو ًعا ما تقليدي أي ّ بالنسبة إلى االتجاه األول ّ بين الدول ،فبينما تصعد قوى جديدة تنحدر أخرى كانت قائمة ( Power القوة القوة من الغرب إلى الشرق ،مع عودة ّ . )Transitionsحال ًيا ،تنتقل ّ االقتصادية إلى آسيا ،وبخاصة إلى روسيا والصينّ ، ألن العولمة االقتصادية والتكنولوجيا سمحت بتسريع عمليات اإلنتاج في أي زاوية من العالم ،ولم تعد هذه للقوة جديد العمليات اإلنتاجية محصورة بيد الغرب .بينما بالنسبة لالتجاه الثاني ّ نسبيًا في العالقات الدولية ،ويحصل بشكل عمودي ( ،)Power Diffusionمن األعلى إلى األسفل ،أي من الدول إلى الفاعلين من غير الدول[ .]4فبرزت وحدات ض ِعف من غير الدول لديها قدرات مهمة موازية لقدرات الدول ،كون العولمة ت ُ ْ قدرة هذه األخيرة على التح ّكم بحركة انتقال رؤوس األموال واألفراد والمعلومات وتس ّهل عبورها الحدود .باإلضافة إلى ذلك ،ساعد االنخفاض في التكلفة القوة إلى الفاعلين من غير الدول ،عبر زيادة قدراتها التكنولوجية في انتشار ّ العسكرية مثل تنظيم القاعدة ،والدولة اإلسالمية في الشرق ،وقدراتها االقتصادية[ ]5كالشركات االقتصادية العابرة لحدود الدول مثل General
نظرا المتالكها قدرات ،Motorsوارتفاع قدراتها التأثيرية في التفاعالت الدوليةً ، قوة الدول. توازي ّ من جهةّ ، للقوة االقتصادية من الغرب إلى الشرق نتيجة انتشار إن االنتقال الكثيف ّ خولها اإلنتاج بكلفة أقل وكمية أكبر وبسرعة التكنولوجيا داخل البلدان الناميةّ ، قياسية .لذلك ،خالل العقود القادمة ،سيستمر هذا االنتقال القوي للثقل االقتصادي، الذي يش ّكل سابقة نوعية على الساحة الدولية .ومع انتقال الثقل االقتصادي إلى آسيا ،ستطمح الصين وروسيا للتد ّخل عسكريًا وإقليميًا ودوليًا ،لحماية مم ّراتها نموها االقتصادي ،وتكييف وطرقها االقتصادية الحيوية التي تسهم في تعزيز ّ المنتظم الدولي وقواعده بحسب رؤيتها للسالم العالمي .ومن جهة أخرى ،مع ّ ستعزز التنظيمات اإلرهابية الخطيرة قدراتها انتشار التكنولوجيا عبر حدود الدول، العسكرية ،وستستخدم أسلحة جديدة لتنفيذ هجماتها كاألسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو النووية كي تسعى إلى تحقيق مصالحها عبر الحدود. إذًا ،عمليًا ،مع انتشار التكنولوجيا والمعرفة والمعلومات ،تزايد عدد الدول القادرة القوة مما كان عليه الحال سابقًا .فالصين على تصنيع معدات عسكرية متوسطة ّ متطورة وتصديرها .كما أتاحت للدول صناعة أسلحة بدأت بإنتاج معدات عسكرية ّ متطورة جدًا ،وبخاصة األسلحة النووية مثل باكستانّ . إن هذا من شأنه أن يجعل ّ الدول الصغيرة والفاعلين من غير الدول أقل اعتمادًا أو أكثر استقاللية عن القوى العظمى ،وأكثر قدرة على إلحاق الضرر بالقوى التي تهاجمها مهما كانت عظمة قوتها. ّ ضا في منح الديموقراطية للخبرات والمهارات وقد أسهمت العولمة التكنولوجية أي ً العسكرية ،مع انتشار وسائل الطباعة وإنتاج الكتب العلمية وانتشار المعلومات واألفكار بين الدول والفاعلين من غير الدول واألفراد ،ما ساعدهم على تطوير خبراتهم العسكرية وتعزيز قدراتهم على محاربة قوى أكبر حج ًما منهم .فانتشار التكنولوجيا العسكرية الرقمية لم ّ يعزز القدرات العسكرية للصينيين والروس وحدهم ،ولكنّ ، ضا قدرات دول وتنظيمات وبات بمقدورهما الوصول إلى عزز أي ً للقوة التكنولوجية ي ّ مسافات بعيدة وضرب أهداف بدقّة عالية .وهذا االنتشار النوع ّ صا األميركية[ .]6لكن، طرحت معادلة جديدة أمام القوى العسكرية التقليدية خصو ً
ّ وألن الدولة ال تزال الفاعل الرئسي على الساحة الدولية ،سنر ّكز في النقطة الثانية للقوة أي بين الدول ،لتحديد عالقته باالبتكار التكنولوجي على االنتقال األفقي ّ وتداعياته على توازن القوى العالمي؟ ثانياا :أثر االبتكار التكنولوجي والنّمو االقتصادي في التوازن العالمي ّ الرواد والعلماء في إن ترجمة االختراعات واالبتكارات التكنولوجية التي تَ ْنتُج عن ّ المجاالت االقتصادية والعسكرية ،تؤدّي إلى تعزيز القدرات اإلنتاجية والقدرات ّ وتعزز وضعيّتها ودورها في المنتظم وتدفعها العسكرية لحكومات دولهم، للوصول إلى مناطق جيوسياسية واقتصادية مه ّمة حول العالم .ثانيًاّ ، إن الدول التي قوة عسكرية ال يمكنها أن ترتقي إلى قوتها االقتصادية إلى ّ تحول جز ًءا من ّ ال ّ مستوى القوى العظمى ،وبالتالي ،لن تستطيع أن تغيّر نمط ّ القوة أو التوازن توزع ّ العالمي ،والسياسات الدولية في بنية المنتظم الدولي. قبل أفول القرن الثامن عشرّ ، هزت بريطانيا وشمال أميركا سلسلة من االبتكارات تحوالت سياسية عميقة طالت بنية المنتظم الدولي ،فعدّلت في العلمية التي أدّت إلى ّ وقوتها كبريطانيا .قبل حدوث الثورة وضعية الدول التي كانت على شفير االنحدار ّ كقوة الصناعية كانت بريطانيا في مرحلة دقيقة بين السقوط أو االستمرار ّ عظمى،باألخص بعد أن خسرت مستعمراتها األميركية في نهاية القرن الثامن عشر .على أثر ذلك ،رثى Horace Walpoleرجل الدولة البريطاني ،انحدار بريطانيا وشبّهها بدولة عديمة األهميّة مثل الدنمارك أو سردينيا[ .]7ولكن ،تغيّر تطور مفاجئ لحلقات من الثورات الصناعية في كثيرا ،بعد حدوث الوضع ً ّ رواد بريطانيين )Thomas Newcomen (1664-1729 ،و بريطانيا على يد ّ ،)1819-1736(]8[ James Wattعندما ابتكرا اآلالت التي تعمل على الفحم قوة اقتصادية فحولتها إلى ّ والبخار ،ورفعا القدرات اإلنتاجية للحكومة البريطانية ّ قوة عسكرية قوتها االقتصادية إلى ّ منافسة كبيرة ،م ّكنتها من تحويل جزء من ّ مه ّمة ،دفعتها للوصول سريعًا إلى مناطق جيوسياسية واقتصادية مه ّمة حول العالم كالهند والصين ،وأسواق جديدة لتصريف فائض إنتاجها[.]9 قبل الثورة الصناعية في العام ،1750كانت آسيا -التي تش ّكل نصف سكان العالم ونصف اإلنتاج االقتصادي العالمي -هي مركز الصناعة حيث تستخدم اليد العاملة
الرخيصة بينما كانت أوروبا السوق االستهالكي .ولكن ،بعد الثورة الصناعية أي مع بروز اآلالت في القرن التاسع عشر ،أصبحت أوروبا مركز الصناعة وآسيا السوق االستهالكي للناتج االقتصادي الفائض[ ،]10أي انكمشت حصة آسيا من اإلنتاج االقتصادي العالمي حوالى .%20مقارنة بتلك الفترة ،وتحديدًا قبل العام ،1800كان مستوى المعرفة العلمية والتكنولوجية مرتفعًا في آسيا -أكثر م ّما كان التطور التكنولوجي، يحصل في بعض المجاالت العلمية في أوروبا .أما من حيث ّ كانت الصين في وضع متقدّم جدًا قبل عصر النهضة األوروبية وبعده .على سبيل المثال ،في مجال األسلحة النارية ،والرصاص والحديد والصلب والساعات قوة صناعية الميكانيكية والهندسة ،ومعدات الحفر العميقة[ .]11أي ً ضا ،كانت آسيا ّ مهيمنة بشكل خاص في منتجات القطن والحرير الهندية والصينية .هكذا ،كانت للقارة اآلسيوية مكانة بارزة في الصناعة العالمية في ذلك الوقت. المؤرخ االقتصادي Paul Bairochفي العام ،1750 من هنا ،وفق تقديرات ّ كانت حصة الصين من الناتج الصناعي العالمي ،٪32.8مقارنةً مع ٪23.2 ألوروبا ،مع مستوى عدد سكاني من 207مليون نسمة للصين ،و 130مليون نسمة ألوروبا[ .]12ففي العام ،١٧٧٦أشار ،Adam Smithإلى ّ أن الصين هو بلد أكثر ثراء من أي بلد في أوروبا[ .]13ومن ناحية أخرى ،ش ّكلت الهند والصين معًا ٪ 57.3من الناتج الصناعي العالمي .وإذا أضيفت المساهمات اإلنتاجية لدول جنوب شرق آسيا ،وبالد فارس واإلمبراطورية العثمانية ،كانت تش ّكل حصة آسيا ضا ،يقدّر بالمعنى األوسع (باستثناء اليابان) 70٪تقريبًا من اإلنتاج العالمي .أي ً Bairochأنّه في العام 1750كان المستوى اإلنتاجي للصين أعلى من المتوسط اإلنتاجي ألوروبا ،إذا أ ُ ِخذَ في االعتبار عدد السكان في ذلك الوقت :في الصين، دوالرا أميركيًا ،مقارنة مع كان نصيب الفرد من الناتج القومي اإلجمالي 228 ً 200-150دوالر أميركي في البلدان األوروبية[.]14 هكذا ،في العام ،1750ساهمت آسيا في إنتاج حوالى ٪80من الثروة االقتصادية في أنحاء العالم جمي ًعا ،مع نسبة سكان تصل إلى ٪66تقريبًا .وبعد خمسين سنة، كان نصيب الفرد من الناتج القومي اإلجمالي في الصين وأوروبا متقار ًبا ،حيث كانت إنجلترا وفرنسا ،الدولتين األوروبيتين الوحيدتين ،اللتين كان فيهما درجة
الناتج الصناعي للفرد أعلى ً قليال من درجة الناتج الصناعي للفرد في الصين .وكما أشار ،Andre Gunder Frankكانت الصين والهند المنطقتين الكبيرتين األكثر دورا مركزيةً في االقتصاد العالمي ،بينما أدّت القارتان األوروبية واألميركية ً تجاريًا محدودًا جدًا في تلك الحقبة.
ولكن ،مع الثورة الصناعية ،تغيّرت المعادلة الدولية ،فبدأ األوروبيون بالبحث عن سرعت وكثّفت عملية ق لتصريف فائض إنتاجهم[ ،]15بفضل اآلالت التي ّ أسوا ٍ قوتها اإلنتاج المحلي .فس ّخرت القوى األوروبية ،وبشكل خاص بريطانياّ ، صلت إلى احتالل %35من العسكرية للتو ّ سع االستعماري لتصريف إنتاجها ،فتو ّ العالم بفضل هذه الثورة الصناعية[ .]16كما اشتدّت المنافسة االقتصادية والعسكرية بين الدول الصناعية العظمى حول األسواق الخارجية-المستعمرات، ّ النمو االقتصادي وزيادة اإلنتاج ،اللذين نتجا عن الثورة الصناعية ،رفعا نسبة ألن ّ الطلب على المواد األولية وعلى األسواق الخارجية لتصريف منتجاتهم .وكانت التطور التكنولوجي للصناعات الحربية حرب القرم 1856-1853أول دليل على ّ المحترفة[.]17 نتيجةً لذلك ،أدّت هذه العملية إلى انتقال الثقل االقتصادي العالمي من آسيا إلى أوروبا .فبعد أن كانت تش ّكل الهند والصين أكثر من ٪٥٣من االقتصاد العالمي في العام ،١٨٠٠أصبحتا تمثّالن ٪٧.٩فقط في العام .]18[ ١٩٠٠كما ّ أن تحويل قوتها القوى األوروبية لجزء من قدراتها التكنولوجية واالقتصادية لصالح ّ العسكرية رفع وضعيتها الدولية ،ما أدّى إلى تغيّر نمط ّ القوة أو التوازن توزع ّ العالمي ،والسياسات الدولية أي الوضع القائم في بنية المنتظم الدولي. تطور تكنولوجي -صناعي حصل ولكن، ّ استمر التوازن العالمي بالتغيّر مع كل ّ داخل أقاليم القوى الدوليةّ ، صة الدول من االقتصاد العالمي غير متساوية ألن ح ّ تطورها تكنولوج ًيا ،باإلضافة إلى عوامل أخرىّ . فإن ارتفاع حصة تب ًعا لمدى ّ القوى من مجموع االقتصاد العالمي سيكون دائ ًما على حساب قوى أخرى .فكلّما قوتها ومساحة تح ّكمها اإلقليمي، نمو الدولة االقتصادي ،كلّما ازدادت ّ ارتفع ّ
ونفوذها السياسي وموقعها داخل المنتظم الدولي ،وذلك ال يكون ّإال على حساب ضا ،تسعى القوى تلقائيًا إلى التوسع إقليميًا لتصريف الفائض قوى أخرى .أي ً االقتصادي الناتج عن ارتفاع قدراتها اإلنتاجية ،للوصول إلى أسواق جديدة وحمايتها مع الممرات الجيو-اقتصادية المؤدّية إليها من المنافسين المحتملينً . مثال، بعد العام ، ١٨٩٥بدت النخبة السياسية الحاكمة في ألمانيا مقتنعة بالحاجة إلى سع إقليميًا والتمدّد عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا على نطاق أوسع ،فالمسألة لم التو ّ ّ النمو االقتصادي والتقدّم الصناعي كانا وأن تعد خيارية ،إنّما حيوية ،السيما ّ النمو االقتصادي األلماني الدولة القدرات بأوجهما في ألمانيا .من هنا ،أعطى ّ العسكرية الالزمة لتغيير الوضع القائم .على الرغم من ّ القوة البحرية أللمانيا لم أن ّ ّ تخطت القوة البحرية لفرنسا وروسيا[.]19 قوة بريطانياّ ،إال أنّها قد تتساو مع ّ َ من هنا ،يعود أحد األسباب الجوهريةفي اندالع الحربين العالميتين األولى والثانية، كقوة اقتصادية ذات قدرات إنتاجية منافسة لفرنسا وقريبة جدًا إلى صعود ألمانياّ ، من قدرات بريطانيا العسكرية ،ومحاولتها لتغيير الوضع القائم في المنتظم الدولي القائم على توازن معيّن للقوى -تقاسم معيّن لألقاليم -التي لم تكن ألمانيا راضية عنه ،وعبّرت عن ذلك بسياسة خارجية ثورية .لذلك ،اندلعت الحرب بين القوى الصاعدة والقوى التقليدية. التحوالت في مثل آخر أقرب تاريخيًا لحقبتنا ،ويجمع بين ولكن ،يمكن تلخيص هذه ّ نمو الدولة ما حصل في آسيا وأوروبا من حيث تأثير التطور التكنولوجي على ّ ّ اقتصاديًا وعسكريًا من جهةٍ ،وعلى نمط ّ القوة في بنية المنتظم والسياسات توزع ّ الدولية بشكل عام من جهة أخرى .قبل انهيار جدار برلين في العام ،١٩٨٩الحظ االتحاد السوفياتي ّ أن الفجوة التكنولوجية -العسكرية واالقتصادية بينه وبين سع بشكل ملحوظ وباألخص في مجال الواليات المتحدة األميركية بدأت تتو ّ التكنولوجيا الرقمية ،ال سيّما ّ وأن إمكانات األخيرة العسكرية التدميرية تساوي قدرته في مجال األسلحة النووية التكتيكية ،ما دفع به إلى االعتراف بعدم قدرته على منافسة واشنطن في هذا المجال ،لذلك ،بدأ البحث في إمكانية التقارب السياسي معها ليتم ّكن من اللحاق بها في مجال حاسم للمنافسة العسكرية[.]20
نستنتج ّ أن ما وصلنا إليه اليوم ليس نتيجة بضع سنوات من التغيرات الدولية ،إنّما نتيجة عدة قرون من االبتكارات والثورات الصناعية والتكنولوجية التي أحدثت تغيّرات عميقة في بنية المنتظم السياسي الدولي والتوازن العالمي ،دفعت بدورها القوة في بنية تحوالت مه ّمة تعيد توزيع ّ إلى بروز توازن جديد في كل مرة تطرأ ّ المنتظم .كما ّ نمو االقتصاد الدولي ،والقدرات اإلنتاجية التي رفعتها الثورة أن ّ الصناعية والتكنولوجية ،والتي تركت أثرها في مجال التكنولوجيا العسكرية والبحرية مع مرور الزمن ،أدّت إلى تغيير توازن القوى العالمي بشكل ملحوظ. والتحوالت التكنولوجية على التوازن لذلك ،ال يمكن تجاهل دور ابتكارات األفراد ّ العالمي والتي ال زالت حتى يومنا هذا ،وبخاصة عندما أصبح تعزيز القدرات نمو قدراتها االقتصادية والتكنولوجية ،أي العسكرية للقوى يعتمد بشكل كبير على ّ قوتها قوتها االقتصادية لصالح تعزيز ّ قدرتها على تخصيص جزء من ّ القوة االقتصادية لحكومتهم، العسكرية[ .]21فكلّما ازدادت ابتكارات األفراد تنمو ّ قوة تأثير هذه األخيرة على التفاعالت الدولية ،وبالتالي تتغيّر حسابات فترتفع ّ القوى األخرى لها. كذلكّ ، إن استخدام عدد من المؤشرات لقياس قوة الدول ،بشكل خاص مؤشرات لقياس قدرتها على االبتكار وق ّوتها التكنولوجية واالقتصادية ،على فترة تاريخية التحوالت في موازين القوى العالمية وديناميكية التفاعالت محددة ،تم ّكننا من رؤية ّ الدولية بين القوى – الصاعدة والمنحدرة – داخل بنية المنتظم الدولي .لذلك، والنمو االقتصادي بين القوى سيؤدي اختالل التوازن في االبتكار التكنولوجي ّ العظمى سيغيّران في ّ توزع القدرات في ما بينها على المدى الطويل .مث ًال ،في حال تراجعت القدرة على االبتكار التكنولوجي للواليات المتحدة األميركية قوتها االقتصادية وقدرتها التنافسية ،وبالتالي سوف تنخفض النسبة ستتضاءل ّ المخصصة لإلنفاق العسكري ،ما سيؤدي إلى تراجع وضعيتها ودورها وهيبتها عالميًا ،مقابل صعود لقوى أخرى منافسة أكثر قدرةً على االبتكار التكنولوجي وذات قدرات اقتصادية وعسكرية مهمة .إذًا ،هل يمكن لهذه المقاربة النظرية التي مطولة ألهم األحداث العالمية من أن تشرح لنا المسار تلتها مناقشة تاريخية ليست ّ المستقبلي للسياسات الدولية ،ونمط السلوك العام للقوى القائمة والصاعدة في العقود الثالثة القادمة؟
مستقبل المنتظم الدولي :الحرب أم المنافسة كطريق للسالم العالمي؟ ا أوال :العولمة التكنولوجية ّ تعزز وضعية بكين مقابل واشنطن ّ للقوة أو الثقل االقتصادي العالمي في بنية المنتظم ،الذي س ّهلته إن االنتقال األفقي ّ وش ّجعته ّ ونظمته قواعد المنتظم الليبرالي ،مستمد من مصدر مهم :انخفاض تكاليف اإلنتاج في الدول اآلسيوية التي تمتلك يدًا عاملة ذات حجم كبير ورخيصة ،والتي جذبت المستثمرين في الدول الصناعية الغربية ،مثل الواليات المتحدة األميركية، إلى االستثمار مباشرةً في األسواق الوطنية للدول النامية ،وبشكل خاص في الصين والهند ،ونقل مراكز التصنيع الخدماتية والتكنولوجية إليها ،ما سمح بتراكم قوتها االقتصادية بشكل هائل على المدى الطويل. ّ ومع انتقال مركز اإلنتاج إلى آسيا ،نجحت دول شمال شرق آسيا في تحديث أنشطتها االقتصادية خالل الفترة الممتدة بين العامين ١٩٧٠و .١٩٨٠بدأت سا في االقتصاد العالمي ،بعد أن حافظت دورا رئي ً الصين تنمو اقتصاديًا وتؤدي ً القوة على ٢٠عا ًما من النمو االقتصادي المستمر في الداخل ،ما أدّى إلى تراكم ّ ّ لنمو االقتصاد وتحول هذا البلد الشاسع إلى نواة جوهرية االقتصادية لديها، ّ ّ اإلقليمي والعالمي ومركز محوري للتجارة اإلقليمية والدولية .ولكنّ ، إن حجم صا ،أعاد طرح الكثير من اإلنتاج االقتصادي في آسيا عمو ًما والصين خصو ً التساؤالت المقلقة عن مستقبل االقتصاد الليبرالي العالمي المتمركز في الغرب، وعن انتقال الثقل الجيواقتصادي نحو آسيا ،وما سيرتّب على المدى الطويل من تحوالت في توازن القوى العالمي بشكل جوهري ،وتداعيات ذلك على مستقبل ّ القوة االقتصادية المنتظم والنظم والقواعد والمبادئ الليبرالية الدولية .فمع انتقال ّ من الغرب إلى الشرق ،كنتيجة تلقائية النتقال مصادر اإلنتاج والتكنولوجيا قوة سياسية مهمة في بنية المنتظم تدريجيًا[ ،]22ما العالمية ،ستمتلك بكين ّ سيخولها ثني مبادئ التفاعل السياسي وقواعده التي وضعتها واشنطن بعد انتهاء ّ الحرب العالمية الثانية تدريجيًاّ ، ألن القوى العظمى هي َمن تحدّد قواعد السلوك تقرر َمن يجلس على طاولة المفاوضات الدولية ،و َمن يدير الدولية ،وهي َمن ّ الشؤون الدولية عبر استخدام قوتها ونفوذها في صياغة قواعد اللعبة أو قواعد التفاعل السياسي بين الدول[ .]23لذلكّ ، فإن صعود الصين سيؤدي إلى البحث عن
نفوذ أكبر داخل نُ ُ ظم اإلدارة الدولية ،لصياغة األجندة الدولية وآلية اتخاذ القرارات، ووضع مبادئ التفاعالت وقواعدها ،وإعادة توجيه مسار السياسات الدولية، وبالتالي يتغير نمط المنتظم الدولي تدريج ًيا. على الرغم من ذلك ،انقسمت اإلدارة األميركية حيال مسألة صعود الصين ،إلى كقوة اقتصادية فئتين :األولى ،فئة المتفائلين ،كانت ترى في صعود الصين ّ رأسمالية قادمة ذات سوق اقتصادي ضخم ومزدهر ،سوف يؤدي إلى جعل مؤسساتها السياسية ديموقراطية وتخلّيها عن المبادئ الشيوعية لالنضمام إلى نادي الدول الليبرالية -الديمقراطية .أما الثانية ،فئة المتشائمين ،فكانت تشبّه صعود الصين بالتنّين الشيوعي العظيم األخير الذي يهدّد االستقرار في آسيا والعالم ،أي يحاول أن يغيّر الوضع القائم في بنية المنتظم الدولي. لكن واشنطن اصطدمت في الواقع مع بكين ،التي ال تتبع األنموذج الليبرالي الغربي للتنمية السياسية واالقتصادية بحذافيره ،إنّما أنموذج هجين يعرف بـ State Capitalismالذي يجمع بين الليبرالية االقتصادية والسلطوية السياسية ،فحاولت قوتها االقتصادية ضع منافسيها الرأسماليين وتستميلهم من خالل استخدام ّ أن ت ُ ْخ ِ الضخمة وأسواقها الواسعة ،لثَ ْني قواعد التفاعل السياسي أو قواعد اللعبة وكسرها، وصياغة نظم وقواعد دولية جديدة من أجل تنظيم التفاعالت الدولية وتوجيهها[ .]24فبكين ترفض دائ ًما االلتزام بقواعد السلوك الدولية ألنّها صيغت في حقبة كانت غائبة عن الساحة الدولية[ .]25لذلك ،واصلت بكين تحقيق مصالحها القومية من دمبالغة لقواعد اللعبة والمعايير العالمية ،كبناء جزر في المياه الدولية المتنازع عليها ومضايقة الطائرات األميركية في بحر الصين الجنوبي[ ،]26ودفع واشنطن إلى أقصى أطراف آسيا والمحيط الهادئ ،من خالل قوتها العسكرية إلعادة ترسيم الحدود في البحر الصيني إظهار نيّتها في نشر ّ الجنوبي. كما اقتنصت بكين من األزمة المالية العالمية ،في العام ،2008فرصة مهمة لتبرز كقوة سياسي ة اقتصادية نموذجية عالمية بديلة لواشنطن والدول الغربية التي لم تعد ّ الدول النامية تحتذي بها ،بعد أن أظهرت ّ يتفوق أن االقتصاد المو ّجه من الدولة ّ قررت التخلّي عن سياسة العزلة التي انتهجتها لعدة على االقتصاد الحر .لذلكّ ،
عقود ،والبدء بالخطوات األولى للدخول مباشرةً في تكوين مسار التفاعالت الدولية فقوت صوتها في المؤسسات الدولية ،بما في ذلك وإدارته وتصويب اتجاههّ . صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ،تمهيدًا لتعزيز وضعيتها مقابل واشنطن في بنية المنتظم الدولي .وعلى الرغم من ّ أن القدرات التأثيرية لهذه األخيرة وحلفائها ما زالت قوية داخل تلك المؤسسات ،واآلليات واألهداف التي تعمل على أساسها تقوض سلوك الصين وأمنها ،لم تخرج في النظم الدولية ،كالديمقراطية والشفافيةّ ، الصين من هذه المؤسسات الدولية الليبرالية مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجلس األمنّ ،إال ّ أن عدم اكتفائها بالتغييرات التي طالبت بها داخل المؤسسات الدولية ،دفعتها إلى إنشاء نظم ومؤسسات دولية رسمية وغير رسمية بديلة ،مثل بنك التنمية الجديد ( )BRICs/NDBوالبنك اآلسيوي لالستثمار في البنية التحتية ( ،)AIIBالذي ينوي بوضوح منافسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ،وكسب المزيد من التأثير في المنتظم الدولي الحالي ،من خالل زيادة مساعداتها اإلنمائية وتطويق أوراسيا بالعقود التجارية وقواعد التفاعل الجديدة التي تبرز بالتوازي مع الطرق التجارية ،و ِسكك الحديد وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية ،وكابالت األلياف الضوئية، ومختلف البُنى التحتية ،التي يمكن اختصارها بمبادرة الحزام والطريق الصينية. ضا ،ما يميّز هذه المؤسسات الدولية هو أنّها تتض ّمن قيم ومبادئ آسيويةّ ،إال أنّها أي ً ّ تخطط لبناء آليات تحكيم جديدة لتسوية المنازعات الدولية جميعها التي قد تنشأ عن يمر عبر ٦٩دولة ،سواء خطط تمويل مبادرة الحزام والطريق ( )BRICsالذي ّ لألطراف الصينية أو الخارجية ،من خالل النظام القضائي الخاص في الصين، وفي ثالث محاكم أُنشئت تحت سلطة المحكمة الشعبية العليا. بنا ًء على ذلكّ ، إن اهتمام واشنطن وبخاصة في السنوات األخيرة في المحافظة على المنتظم الليبرالي العالمي الذي تقوده بنفسها ،من خالل المحافظة على قواعده وتوسيع نطاقه الجغرافي ،دفعها إلى قلب هذا المسار عبر اتّخاذ سياسات حمائية وإغالق حدودها أحاديًا ،وفي بعض األحيان بالتعاون مع دول أخرى ،إلضعاف بكين اقتصاد ًيا تمهيدًا إلجبارها على اللعب بحسب القواعد السياسية الليبراليةّ .إال ّ كقوة اقتصادية بقدر ما هي مع سلوكها أن مشكلة واشنطن ليست مع صعود الصين ّ
كقوة غير ليبراليّة تسعى للزعامة في منتظم ليبرالي .لذلك ،تنظر األولى إلى سلوك ّ األخيرة كتهديد ألمنها القومي ،وباألخص لناحية منافستها اقتصاديًا وعسكر ًيا[ ]27ومؤسسات ًيا .فما تريده واشنطن هو رؤية بكين تتفاعل داخل المنتظم الليبرالي بحسب قواعد اللعبة التي وضعتها بنفسها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. القوة التكنولوجية إلى آسيا بشكل رئيسي. من هناّ ، قررت واشنطن منع انتقال ّ فعمليًا ،إذا استمرت الصين باستقدام االبتكارات التكنولوجية الغربية إلى أقاليمها، من دون أي عقبات خطيرة ،ستتم ّكن في العام ٢٠٢٥من أن تصبح رائدة عالمية في مجال الذكاء االصطناعي ،والروبوتات ،واالتصاالت السلكية والالسلكية، واستعمار الفضاء ،والتكنولوجيات اإلحيائية -بما في ذلك خطة لبناء أكبر شبكة G5في العالم ،كما ستستعيد في العام ٢٠٥٠وضعيّتها التاريخية في اإلنتاج ّ ألن التقدّم التكنولوجي السريع سيزيد من وتيرتها اإلنتاجية ،بتكلفة قليلة وأسعار وجودة التطور الذي يشهده مجال الذكاء تنافسية في األسواق العالمية ،وبشكل خاص مع ّ االصطناعي الذي سيدفع إلى منافسة اليد العاملة ،في اإلنتاج والتكلفة والجودة عالم ًيا .بكلمات أخرى ،إذا استمرت الصين في استقدام االبتكارات التكنولوجية، ّ تخطي واشنطن اقتصاديًا وعسكريًاّ ، ألن التقدّم التكنولوجي السريع ستتمكن من سيزيد من وتيرة التغيير في ّ القوة االقتصادية والعسكرية بين القوى الرئيسة توزع ّ في بنية المنتظم الدولي. سس الصيني وسرقة الملكية قررت واشنطن فرض قيود صارمة على التج ّ لذلكّ ، ابتكارا ،وزيادة التعريفات على صا من الشركات األميركية األكثر ً الفكرية ،خصو ً رقائق األلومنيوم وفرض تعريفات جمركية صارمة على واردات الصلب/الفوالذ النمو االقتصادي بين بكين النمو االقتصادي لبكين .فالتفاوت في وتيرة لتقويض ّ ّ وواشنطن ،في ظل استمرار استقدام االبتكارات التكنولوجية إلى آسيا ،يعني ّ أن تحول جوهري في األولى ستصعد بينما األخرى ستنحدر نسبيًا .لذلك ،استباقًا ألي ّ توازن القوى العالمي ،فتحت واشنطن تحقيقًا رسميًا في الممارسات المتعلّقة بالملكية الفكرية األميركية في بكين ،بعد أن قدّرت الخسارة السنوية لالقتصاد ي من السلع المقلّدة والبرمجيات المقرصنة وسرقة األسرار التجارية بنحو األميرك ّ
600مليار دوالر أميركي[ .]28إضافة إلى ذلك ،قدّمت واشنطن شكوى أمام منظمة التجارة العالمية لمعاقبة الصين على النقل القسري للتكنولوجيا من ً إجماال تقدّر بتريليون دوالر الشركات األميركية إلى مصانعها؛ ما سبب خسارة أميركي. عي الصناعة والتكنولوجياّ .إال ّ أن ،تنفيذ هكذا ،تطال أغلب الرسوم المفروضة قطا َ هذه الحماية الشديدة سيؤدّي إلى تدهور صادرات الصين للواليات المتحدة األميركية ،وهي تبلغ ٥٠٥مليار دوالر أميركي[ ،]29وت ُ َك ِبّدها خسائر مالية نموها االقتصادي ،وإجبارها على القبول بقواعد المنتظم فادحة ،بهدف استنزاف ّ الليبرالي الدولي دون تغييرها أو صياغة قواعد بديلة. ثانياا :المنافسة المستمرة بين أربع رؤى متناقضة للسالم العالمي بحلول العام ،2025على أثر عولمة االبتكارات التكنولوجية ،هناك الكثير من التغيّرات القادمة داخل بنية المنتظم الدولي ،وبشكل خاص في نمط ّ القوة توزع ّ على المستوى العالمي والذي سيتمثل تدريجيًا ببروز عالم متعدّد األقطاب[ ]30ما يعني ّ أن حقبة األحادية القطبية في طور االختفاء حاليًا -كما لن يكون هناك مجتمع يتكون من دول قومية ذات سيادة فقط ،مع بروز فاعلين دولي متجانس نسب ًيا ،أي ّ جدد من غير الدول في بنية المنتظم يمتلكون قدرات تأثيرية موازية لقدرات الدول، كالشركات والجماعات العرقية والتنظيمات الدينية المتطرفة والشبكات اإلجرامية الدولية ،بالتالي ستتغيّر طبيعة ّ القوة في بنية المنتظم على المدى الطويل، توزع ّ وألن البحث عن نمط ّ ّ تصور القوة في بنية المنتظم الصاعد يساعدنا على ّ توزع ّ ي الذي تداعيات هذه ّ التحوالت على السياسات الدولية ،وتحديد السلوك السياس ّ يمكن توقّعه للقوى الرئيسة في المنتظم .لذلك ،نطرح السؤال التالي :ما هي التحدّيات التي تضغط على ركائز المنتظم الدولي؟ وهل تشير التغيرات البنيوية في ّ القوة داخل بنية المنتظم الدولي في القرن الحادي والعشرين ،إلى احتمال توزع ّ نشوب نزاع دولي جدي ٍد في عالم غير مستعد أن يتح ّمل تكلفته؟ ّ إن التعبير األكثر خطورة لرفض المنتظم الدولي القائم على ركيزة سيادة الدولة، والذي يشير إلى تغيّر جوهري في نمط ّ القوة أو التوازن العالمي ،يمكن توزع ّ متطرفة تستخدم اإلرهاب والعنف لتبرير رؤيته في بروز قوى إيديولوجية دينية ّ
سعيها الستبدال ركيزة الدولة ،الركيزة األساسية للمنتظم الدولي ،بركيزة أحادية مختلفة تعرف بـالخالفة اإلسالمية العالمية .وتجلّى ذلك عندما توقّفت أربع دول في الشرق األوسط وشمالي أفريقيا ،ليبيا واليمن وسوريا والعراق ،عن العمل كدول سيادية بعد أن أصبحت هدفًا لفاعلين من غير الدول أبرزها مجموعات إسالمية تسعى لفرض حكمها .من بين هذه المجموعات هناك ما يعرف بالدولة اإلسالمية في العراق والشام التي أعلنت نفسها كخالفة بديلة عن مبدأ الدولة الذي هو نتاج غربي -وتسعى إلى استبداله – أي الركيزة األساسية للمنتظم الدولي -بخالفة أو إمبراطورية إسالمية واحدة تحكمها الشريعة اإلسالمية .عمليًا ،في حزيران ، 20١4أعاد تنظيم الدولة اإلسالمية رسم خريطة الشرق األوسط وألغى الحدود ً مزيال الحدود السياسية بين العراق التي رسمتها القوى األوروبية في العام ،١٩١٦ ومنتشرا في ليبيا ومصر ،كجزء من خطة التنظيم الستعادة الخالفة وسوريا، ً اإلسالمية على أنقاض حدود "سايكس-بيكو". وفي مناطق أخرى من العالم ،كآسيا ،تنظر القوى الصاعدة إلى المنتظم الدولي كمنتظم قائم على قواعد غربية يتم فرضها عليها ،بالتالي ال يمكن القبول بها. ً فمثال ،وانطالقًا من موقع موسكو الجيوسياسي الذي يشرف على العالم األوروبي وا آلسيوي واإلسالمي .تعتبر موسكو نفسها وسط أمبراطورية قائمة بحكم الواقع. دورا مه ًما في المحافظة على التوازن العالمي .ويمكن رؤية ذلك في بالتالي ،تمتلك ً خطاب الرئيس بوتين عندما أعلن ّ أن :زوال االتحاد السوفياتي كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين .أما بكين ،فهي حضارة قديمة ودولة وإمبراطورية آن م ًعا .لذلك ،من المحتّم أن تسعى الصين إلى تكييف ذات اقتصا ٍد معولم في ٍ قوتها ،ورؤيتها المنتظم الدولي بما يتّفق مع خبرتها التاريخية ،وتراكم ّ االستراتيجية للسالم العالمي .بينما ،على القارة األميركية ،فتعتبر واشنطن نفسها متفوقة في المجاالت جميعها ال سيّما في المجال العسكري ،لذلك ،تحاول أن أ ّمة ّ التفوق حتى ال تبرز أي قوى منافسة لها ،كما تعتبر ّ أن على تستمر بهذا ّ المجتمعات األخرى التمثّل بها واستيعاب قيمها ومبادئها وتطبيقها .في حين تعتبر بكين نفسها محور حضارات األرض وكل ما هو خارج هذا المحور هو بربري، بالتالي ،على المجتمعات األخرى اتّباعها أو الخضوع لها .كما شدّد الرئيس
تفوق الحضارة الصينية في خطابه في العام ّ ٢٠١٢ "إن األ ّمة الصيني على ّ الصينية هي أ ّمة عظيمة" وأضاف الحقًا في كتابه ّ "أن ليس هناك حضارة على وجه األرض مساوية للحضارة الصينية" .إذًاّ ، إن القوى األميركية والصينية التفوق والعظمة[ ،]31باإلضافة إلى التنظيمات اإلرهابية، والموسكوية لديها عقدة ّ والتي تمتلك كل منها رؤيتها الخاصة للسالم العالمي المرتبطة بخبرتها التاريخية. من هنا ،ترمز حالة الالاستقرار في المنتظم إلى المنافسة الكامنة بين أربع رؤى للسالم أو التوازن العالمي .وعلى الرغم من ّ سس أن هذه الرؤى تحاول أن تؤ ّ ً ّ لتوزع القوى بينها في بنية المنتظمّ ،إال مقبوال إطارا أنموذ ًجا عالميًا للسالم ،أي ً أنّها ال تتمتّع بشرعية عالمية ألنّها ال تمتلك خاصية مشتركة يمكن أن تجمع عليها أطراف المنتظم الدولي جميعها أو على األقل األطراف األقوى فيه .فما من أمر مشترك بين هذه الرؤى ،وبالتالي ال تتمتّع بشرعية عالمية .إذًاّ ، إن العالم ال يواجه تحو ًال جوهريًا في ّ القوة بين قوى تميل إلى تكييف بنية توزع ّ أزمة دولية فقط ،إنّما ّ المنتظم الدولي بحسب رؤيتها وخبرتها التاريخية للسالم العالمي ،من هنا تنتج حالة الالاستقرار الدولية .فهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى اندالع حرب عظمى بينها؟ ً أوال :ال يوجد منتظم بديل ف ّعال أو شرعي على حدّ سواء عن المنتظم الدولي الوستفالي ،أي القائم على ركيزة الدولة .من هناّ ، إن التحدّي األعمق الذي يواجه عصرنا هو التكيّف مع هذا المنتظم أو تجديد قواعد اللعبةّ ، ألن على الجانب اآلخر من البنية القائمة ،تلوح مخاطر أ كبر في األفق .لذلك ،على الرغم من أ ّن واشنطن لقوتها ومصالحها ونفوذها ،لمحاولتهما تنظر إلى كل من روسيا والصين كتحدّ ّ تقويض أمنها وازدهارهاّ ،إال ّ أن هذه القوى أشارت في عدّة مناسبات إلى التعاون غير العلني بينها – على مستوى مشاركة المعلومات بين أجهزتها االستخباراتية – لمحاربة الدولة اإلسالمية ومكافحة التنظيمات المتطرفة واإلرهابية العابرة للحدود ،وإن كانت في نزاع غير مباشر مع واشنطن حاليًا .فتاريخيًا ،لدى القوى صا موسكو – التي تقع على الثالثة عالقة سيئة مع الجماعات اإلسالمية ،خصو ً حدودها الجنوبية أكثرية إسالمية والمحاطة بجمهوريات إسالمية – وبكين التي واجهت حركات انفصالية إسالمية في منطقة ،Xinjinagالتي تعتبر الباب الرئيس إلى العالم اإلسالمي.
ثانيًا :في ظل البيئة االقتصادية العالمية المترابطة والمعقّدة التي نعيشها اليوم، ونظرا للتبعات االقتصادية والتي ال يمكن مقارنتها مع أي حقبة تاريخية أخرى، ً المد ّمرة للحروب الدولية[ ،]32من غير الممكن أن تلجأ واشنطن وموسكو وبكين نظرا لتوازي قدراتها العسكرية التدميرية نسب ًيا إلى تدمير بعضها البعض، ً تتطور اقتصاديًا وعسكريًا، وتداعياتها العالمية .كما ال يمكن لبكين أو موسكو ،أن ّ دون الوصول إلى األسواق األميركيةّ . النمو االقتصادي ألي قوى، ألن تراجع ّ سيؤدّي على المدى الطويل ،إلى انخفاض في حصة الناتج المحلي اإلجمالي صصة لإلنفاق العسكري .بالتالي ،كي تستطيع بكين أو موسكو أن تنفق المخ ّ مستقر ال يمكن حصوله دون االستمرار في لنمو اقتصادي ّ عسكريًا ،هي بحاجة ّ التبادل التجاري مع واشنطن. تحول بنية ثالثًا :باإلضافة إلى البيئة االقتصادية الدولية المترابطة والمعقّدة ،مع ّ المنتظم تدريجيًا نحو التعدّدية القطبية ،سيتغيّر تلقائيًا السلوك العام للقوى العظمى قوة البعض اآلخر من هجومي إلى دفاعي .بذلك ،ستلجأ بعض القوى إلى قياس ّ بطرق مختلفة تعرف بسياسة االستنزاف ،أي زيادة الكلفة على أقرانها إلضعافها تدول النزاعات الداخلية، على المدى الطويل .وتبرز هذه السياسة عمليًا عندما ّ الستدراج القوى اإلقليمية والدولية إلى التد ّخل عسكر ًيا فيها ،أو عندما تستدرج القوى نحو سباق إلى التسلّح ،أو سباق الفضاء ،من أجل استنزاف قدراتها االقتصادية ومواردها وثرواتها بشكل تدريجي وكبير ،ما سيؤثر سلبًا على وضعيّة الدولة داخل المنتظم على المدى الطويل ،أي سيؤدّي إلى انحدار حرج في قوتها[ً .]33 مثال ،إذا دخلت دولة ما في سباق تسلّحي مع دولة أخرى ،وقامت ّ الدولة األولى بزيادة إنفاقها العسكري بنسبة %1فقط من إجمالي ناتجها المحلي، يمكن أن يؤدّي ذلك خالل خم س سنوات إلى تراجع قدراتها االقتصادية بنسبة .%٠.٧لذلك ،لتجنّب هذا المصير ،ستبحث القوى عن حلفاء لها لتشارك الكلفة بينها.
نستنتج أنّه من المحتمل أن تشتد المنافسة بين موسكو وبكين وواشنطن ،إلى حدّ ال يمكن التنبّؤ بدرجتها .ولكن ،من غير المحتمل أن تدخل في حرب عظمى فيما بينهاّ ، سيتفوق في عالم اليوم ليس ذلك القادر أن ينتصر في الحرب ،إنّما ألن الذي ّ التفوق العسكري التكنولوجي والصناعي واالقتصادي القادر على االستمرار في ّ والثقافي ،ليتم ّكن من مواكبة نمط ّ القوة في بنية المنتظم الذي هو في تغيّر توزع ّ القوة ،أي االنتقال من مستمر ،واالنتصار في هذا الصراع العالمي الدائم من أجل ّ التطور االقتصادي والعسكري والتكنولوجي .لذلك، حالة األقوى إلى األسرع في ّ سنشهد في السنوات العشرين القادمة منافسات استراتيجية مه ّمة في المجاالت سع التجارية واالستثمارية واالبتكار التكنولوجي ،والسباق إلى التسلّح والتو ّ اإلقليمي والتنافسات العسكرية في مناطق جيواقتصادية حيوية .من هنا ،إ ّن مسألة ّ ولكن القوى الدولية التي ستنتصر اليوم هي األسرع واألكثر الحرب هي خيارية، التطورات الجديدة في التكنولوجيا العسكرية قدرة على االستمرار في مواكبة ّ واالقتصادية والصناعية واألمنيةّ ، ألن المستقبل يكمن بين أيدي القوى التي ستعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة واإلنتاج االقتصادي الضخم. الخاتمة حاليًا ،نحن في مرحلة بناء ل ُمنت َ ظم دولي -عالمي ( ،)Sui generisما يعني مرحلة إعادة النظر في نمط ّ القوة ومسار التوازن العالمي وقواعد اللعبة، توزع ّ القوة الجوهرية في العالم ،وما يعنيه من صعود لقوى عظمى تحوالت ّ نتيجة ّ ووحدات جديدة من غير الدول تبحث عن دور ووضعية أقوى في بنية ال ُمنت َ ظم الدولي .وما يحدث اليوم لم يحدث سابقًا في تاريخ العالقات الدولية ،من حيث طبيعة الوحدات وقدرتها على التفاعل التي ّ عززتها االبتكارات التكنولوجية .ومتى القوة ،وطبيعة الوحدات في بنية ال ُمنت َ تغيّر نمط ّ ظم الدولي ،يعقب ذلك حت ًما توزع ّ حقبة من االضطرابات .وضمن هذا المسار النظري ،نستنتج عمليًا: على الرغم من ّ أن الواليات المتحدة األميركية ستظل على األرجح الدولة األقوى في بنية المنتظمّ ،إال ّ قوتها العسكرية ،ستصبح نسبية مقارنةً بالقدرات العسكرية أن ّ التصرف أحاد ًيا بل ستلجأ إلى للقوى الصاعدة مثل الصين .لذلك ،لن تستطيع ّ قوة التحالف مع دول أخرى .أما على المدى الطويل ،من المحتمل أن تنحدر ّ
موسكو االقتصادية والعسكرية والسياسية ،نتيجة سياسة االستنزاف ،إحدى سمات ً وانعزاال في المثلّث المنتظم المتعدّد األقطاب ،بالتالي ستصبح النقطة األكثر ضعفًا األميركي -الصيني -الروسي .على خالف ذلك ،ستصبح واشنطن وبكين ،أكثر قوتين في العالم تمتلكان قدرات تأثيرية من الناحية االقتصادية والعسكرية ّ والجيوسياسية على حدّ سواء .ولكن ،عندما تأتي تلك اللحظة ،ستضطر روسيا إلى تغيير سلوكها العام ،وأن تتّخذ موقفًا أكثر تعاونًا مع الغرب .هكذا ،بعد أن نشهد تكونًا لمسار أو نمط متعدّد القوى في بنية المنتظم الدولي ،الذي سيستمر لفترة ّ طويلة نسبيًا ،ستعود بنية المنتظم الدولي ،بشكل تدريجي ،إلى نمط ثنائي القطبية. ّ تتخطى الصين الواليات المتحدة األميركية خالل العقود القادمة ،من المتوقّع أن لتش ّكل أكبر اقتصاد عالميّ ،إال أنّها لن تتم ّكن من أن تحكم العالم بنفسها أو أحاديًا، على األقل ليس على المدى القريبّ . ألن العولمة التكنولوجية ،تضعف الهيمنة من جهة ،وترفع درجة المنافسة بين الفاعلين من جهة أخرى في بنية المنتظم. باإلضافة إلى ذلك ،تواجه الصين قضايا داخلية مهمة ،عليها أن تعالجها ،بالتعاون مع الغرب ،حتى ال تؤثّر على استقرار نظامها السياسي .كما ّ أن البيئة االقتصادية الدولية الحالية معقّدة جدًا ومليئة بالقضايا الدولية المشتركة التي ال يمكن حلّها ّإال عبر تعاون إقليمي ودولي .من هنا ،ليس للصين مصلحة في التحالف الرسمي مع روسيا ،وال في تشكيل تحالف معاد للواليات المتحدة األميركية بشكل خاص ،أو أن تش ّكل كتلة معادية للغرب بشكل عامّ . مو الصين يعتمد بشكل أساسي على ألن ن ّ الهدوء وضبط النفس ،حتى تتم ّكن من إعادة تثبيت توازن القوى العالمي بشكل سلمي ،وهو ،حال ًيا التحدي األكبر لها ،حتى ال يقع خطأ في الحسابات قد تو ّرطها في حرب تدميرية عظمى. وأخيرا ،يمكن القول ّ التحوالت التكنولوجية إن هذا البحث إذ يعالج عالقة ً ّ بالتغيّرات التي تطال طبيعة الوحدات ونمط ّ القوة في بنية المنتظم ،ويفتح توزع ّ الباب واس ًعا في الوقت نفسه على تساؤل مهم حول مستقبل العالقات الدولية، صا بين روسيا والصين مع إشراف الحرب على الدولة اإلسالمية في الشرق خصو ً على االنتهاء ،وغزو بكين للشرق األقصى الروسي ،وتمدّد نفوذها نحو أوروبا على الرغم من التسويات المؤقتة بين موسكو وبكين .فمتى سيحصل االنفصال بين القوتين اآلسيويتين؟ وعلى أي قضية؟ ومتى ستعيد موسكو توحيد حساباتها هاتين ّ
القومية مع الغرب ،وباألخص واشنطن حليفتها التقليدية في الحربين العالميتين ضد محاوالت الهيمنة على المنتظم الدولي -الوستفالي ،الحتواء صعود بكين؟ لتحميل قائمة المراجع هنا