التدخل الإنساني في ضوء الاتفاقيات الإقليمية والثنائية

Page 1

‫تقارير‬

‫‪0‬‬

‫نوفمبر ‪2017‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬

‫التدخل اإلنساني يف ضوء االتفاقيات اإلقليمية والثنائية‬ ‫د‪ .‬عبد الله محمود‬ ‫ت شكل المنظمات الدولية إحدى األدوات الدولية التي كانت ومازالت من صناعة الدول‪ ،‬والتي اتفقت الدول على‬ ‫العمل من خاللها على تنمية العالقات وتطوير التعاون فيما بينها في العديد من مناحي الحياة‪ .‬ومن هنا جاءت‬ ‫أهمية المواثيق التي تحكم عمل هذه المنظمات‪ ،‬سواء فيما بينها وبين الدول األعضاء الذين يدخلون في عضويتها‪،‬‬ ‫أو غيرها من الدول والمنظمات األخرى‪ .‬كما أن المنظمات الدولية ال تخرج من حيث أهدافها‪ ،‬عن كونها منظمات‬ ‫سياسية‪ ،‬أو منظمات متخصصة‪ ..‬عالمية أو إقليمية‪..‬‬ ‫ومنذ تناول الفقه التنظيم الدولي بالدراسة والتحليل ألهميته‪ ،‬خاصة من الناحية القانونية‪ ،‬فقد أثار موضوع التمييز‬ ‫بين المنظمات العالمية واإلقليمية‪ ،‬في القانون الدولي الكثير من الجدل‪ ،‬ألنه وإن كان مدلول العالمية يعني شمول‬ ‫دول العالم أجمع‪ ،‬أو على األقل قابليته ألن يشمل تلك الدول‪ ،‬فإن اإلقليمية تحتاج إلى شيء من التمحيص‪.‬‬ ‫فاإلقليمية عند البعض وحدة أرضية تضم مصالح مترابطة‪ ،‬بينما يري البعض اآلخر أن الظروف هي التي تحدد‬ ‫مقصود اإلقليم في كل حالة على حدة‪ ،‬أي أنه ال يمكن وضع قواعد لتحديد اإلقليمية‪ ،‬بل يرجع في ذلك إلى االتفاق‬ ‫اإلقليمي ‪ ،‬وبذلك ال يتقيد هذا الفريق بالمعنى الجغرافي للفظ إقليمية‪ ،‬بينما قال فريق ثالث إن ه يجب أن يفهم تعبير‬ ‫اإلقليمية في مجال القانون الدولي على أنه يعني جزءًا من كل‪ ،‬أي يعني القانون الذي يضم بعض دول العالم‪،‬‬ ‫وليس جميعهاً‪ ،‬وذلك على أساس أن كلمة "إقليم" مهما اتسع مدلولها الجغرافي فهي تشير إلى جزء من كل‪ ،‬وهو‬ ‫الكرة األرضية (‪.)1‬‬ ‫وحتى يمكن تناول طبيعة التدخل الدولي في إطار االتفاقيات اإلقليمية والثنائية‪ ،‬فقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى‬ ‫مبحثين‪ :‬المبحث األول‪ :‬التدخل الدولي في ضوء االتفاقيات اإلقليمية‪ ،‬المبحث الثاني‪ :‬التدخل الدولي في ضوء‬ ‫االتفاقيات الثنائية‪.‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬محمد طلعت الغنيمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.256‬‬

‫‪Page 1 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التدخل الدولي يف ضوء االتفاقيات اإلقليمية‬ ‫تأتي أهمية تناول طبيعة التدخل الدولي ومدي مشروعيته في إطار االتفاقيات والمنظمات اإلقليمية‪ ،‬من كون التعاون‬ ‫اإلقليمي في معظم الحاالت يزيد بس بب حاجة يحس بها اإلقليم لمقاومة نفوذ خارجي‪ ،‬كما يجري التعاون اإلقليمي‬ ‫بين دول متقاربة في نظمها السياسية وفي خلفيتها الثقافية واالقتصادية ويزيد التعاون بين الدول التي يكمل بعضها‬ ‫بعضًا‪ ،‬حيث أن التجانس مصدر هام لقوة المنظمات اإلقليمية‪ ،‬ولذلك تتميز بعض هذه المنظمات بدرجة أكبر من‬ ‫القوة والفاعلية‪ .‬وكلما زاد التجانس زادت قوة المنظمة اإلقليمية‪ ،‬وهذا من شأنه التأثير على الحد من الصراعات‬ ‫المسلحة‪ ،‬وكذلك يمكنها من االتفاق بصورة أكثر فاعلية حول مبدأ عدم التدخل الدولي ‪ ،‬خاصة إذا منحت فرصتها‬ ‫بعيدًا عن هيمنة الدول الكبرى والتدخالت الخارجية (‪.)2‬‬ ‫فالمنظمات اإلقليمية شأنها شأن األمم المتحدة‪ ،‬نصت مواثيقها على مبدأ عدم التدخل الدولي في شئون الدول‬ ‫األخرى‪ ،‬وهو ما يمكن تناوله في العرض اآلتي‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬ميثاق منظمة الدول األمريكية‪:‬‬ ‫تعرضت منظمة الدول األمريكية في ميثاقها للتدخل الدولي من خالل المادة ‪ ،15‬والتي تنص على‪ :‬أنه "ليس ألي‬ ‫دولة‪ ،‬أو مجموعة من الدول ـ الحق في التدخل بطريق مباشر أو غير مباشر‪ ،‬ألي سبب كان‪ ،‬في الشئون الداخلية‬ ‫أو الخارجية لدولة أخرى‪ ،‬وال يمنع المبدأ السابق استخدام القوة المسلحة فحسب‪ ،‬بل يمنع أيضًا أي صورة من صور‬ ‫التدخل‪ ،‬أو محاولة االعتداء على شخصية الدولة‪ ،‬أو على إحدى العناصر السياسية أو االقتصادية‪ ،‬أو الثقافية‬ ‫التي تكونها"‪.‬‬ ‫وتوضح المادة ‪ 16‬من ميثاق المنظمة األمريكية حظر التدخل بقولها‪" :‬ليس ألي دولة أن تطبق‪ ،‬أو تعد العدة‬ ‫التخاذ وسائل تعسفية ذات صفة اقتصادية أو سياسية إلكراه دولة أخرى‪ ،‬والحصول منها على امتيازات من أى نوع‬ ‫كان"‪.‬‬

‫(‪ )2‬د‪ .‬محمد مصطفى يونس‪ ،‬قانون التنظيم الدولي‪ :‬الجزء األول ـ الهيكل التنظيمي للمنظمات الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪ ،1986‬ص ‪ 46‬ـ ‪.48‬‬

‫‪Page 2 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫كذلك أكدت اللجنة القانونية المشتركة لدول أمريكا الالتينية‪ ،‬على أن بعض األعمال ال يجوز إتيانها من قبل الدول‬ ‫األمريكية ضد غيرها من الدول األخرى‪ ،‬ألن ذلك يعد غير مشروع ومن هذه األعمال‪:‬‬ ‫أ ـ السماح بتهريب األسلحة وأدوات الحرب التي يقصد بها إثارة القالقل واالضطرابات والفتن‪ ،‬وتشجيع أو تغذية‬ ‫الحروب األهلية في دول أمريكية‪.‬‬ ‫ب ـ التزويد ألي سبب سابق باألسلحة أو قطع الغيار ألشخاص أو جماعات أخرى‪ ،‬ويكون بقصد توجيهها لألعمال‬ ‫السابق ذكرها‪.‬‬ ‫ج ـ تشجيع حركات االنفصال أو التمرد في دولة أمريكية‪ ،‬حتى ولو كانت ضد حكومة غير معترف بها‪.‬‬ ‫د ـ األعمال التي من شأنها االعتراض على تشكيل حكومة من دولة أخرى‪ ،‬سواء تم ذلك االعتراض بصورة مباشرة‬ ‫أو غير مباشرة (‪.)3‬‬ ‫وجاءت اللجنة القانونية المشتركة وفسرت ما جاء في "م‪ "15‬من ميثاق المنظمة حيث عددت مجموعة من التصرفات‪،‬‬ ‫واألعمال الدولية التي ال يجوز إتيانها من قبل الدول األمريكية في مواجهة بعضها ألنها تشكل تدخالً في شئون‬ ‫الدول األخرى‪ ،‬خاصة أوقات األزمات الداخلية أو النزاعات المسلحة‪ ،‬مثل السماح بتهريب األسلحة لبث القالقل‬ ‫واالضطرابات والفتن في الدول األخرى‪ .‬أو تغذية الحروب األهلية في إحدى الدول األمريكية‪ ،‬حيث أن ذلك يمثل‬ ‫خط اًر مباش اًر على الدول األخرى‪.‬‬ ‫ولم يقف األمر عند عدم التدخل في الصراعات المسلحة‪ ،‬بل إ ن المنظمة أكدت على أنه ال يجوز مساعدة أى‬ ‫أشخاص أو جماعات تسعى إلى التمرد على الدولة حتى لو كانت هذ ه الجماعات تتمرد على حكومة غير معترف‬ ‫بها‪ .‬كذلك ال يجوز لدولة ما في المنظمة األمريكية أن تعترض بشكل مباشر أو غير مباشر على تشكيل حكومة‬ ‫في دولة ما من الدول األمريكية‪.‬‬ ‫وما جاء في "م‪ "15‬من ميثاق منظمة الدول األمريكية‪ ،‬وكذا ما تم تفسيره في تقرير اللجنة القانونية المشتركة لدول‬ ‫أمريكا الالتينية‪ ،‬يعد أكثر وضوحًا لبيان األعمال التي تعد تدخالً غير مشروع‪ .‬وهي تعد بحق أكثر تقدمًا من‬ ‫"م‪ "7/2‬الواردة في ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬ألن هذا الموقف األمريكي من مبدأ عدم التدخل الدولي في شئون الدول‬

‫(‪ )3‬د‪ .‬علي إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.436‬‬

‫‪Page 3 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫إذا صاحبته آليات إقليمية فاعلة تضع هذه القواعد موضع التنفيذ‪ ،‬فإن ذلك مما ال شك فيه‪ ،‬سيأتي باالستقرار على‬ ‫المستوى اإلقليمي ألنه يعبر عن رغبة إقليمية لها تاريخها‪ ،‬خاصة في عالقة الدول األمريكية ببعضها‪ ،‬كما أكدت‬ ‫على ذلك اتفاقية مونتفيديو عام ‪.1933‬‬ ‫وعلى الرغم من هذا التقدم‪ ،‬إال أن عدم وجود تعريف جامع مانع للتدخل الدولي في ميثاق بوجوتا ـ ميثاق منظمة‬ ‫الدول األمريكية ـ فإن ذلك قد يكون له أثره في إمكانية فتح الباب أمام التدخل العتبارات سياسية‪ ،‬وهو ما أكدته‬ ‫األحداث والواقع عندما تدخلت الواليات المتحدة األمريكية في نيكاراجوا ‪ ،1984‬لتأييد قوات الكونت ار ضد الحكومة‬ ‫المركزية‪ ،‬وكذا تدخلها في هايتي عام ‪ 1994‬للعمل على عودة الرئيس "أريستيد" للسلطة وعزل العسكريين عنها‪.‬‬ ‫وال تكاد تنقضي حقبة من الزمان حتى تشكو دولة أمريكية‪ ،‬من تدخل دولة أمريكية أخرى في شؤونها‪ ،‬بل إن‬ ‫االنقالبات العسكرية المتوالية‪ ،‬التي تهز الحياة السياسية في القارة األمريكية‪ ،‬تعد أكثر ما تعد في دولة مجاورة‬ ‫للدولة التي يراد أن يقع االنقالب فيها‪ ،‬ضاربة بذلك عرض الحائط مبدأ عدم التدخل‪ ،‬الذي أريد به أن يكون ركنًا‬ ‫من أركان العالقات الدولية بين الدول األمريكية (‪.)4‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ميثاق منظمة الوحدة األفريقية‪:‬‬ ‫تعرض ميثاق منظمة الوحدة ألفريقية لمبدأ عدم التدخل‪ ،‬حيث نصت م‪ 2/3‬منه‪" :‬على أنه من المبادئ التي تقوم‬ ‫عليها المنظمة‪ ،‬عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول األعضاء"‪ .‬كما أن م‪ 3/3‬تنص على‪" :‬أنه يجب احترام‬ ‫سيادة كل دولة‪ ،‬وسالمة أراضيها وحقها الثابت في كيانها المستقل"‪ .‬وكذلك م‪ 5/3‬تنص على‪" :‬أنه يجب االستنكار‬ ‫مطلقًا ألعمال االغتيال السياسي في جميع الصور‪ ،‬وكذلك ألوان النشاط الهدام التي تقوم بها الدول المجاورة أو أي‬ ‫دولة أخرى"‪.‬‬ ‫كما أن المنظمة في قمتها الثانية "بأكرا" في أكتوبر عام ‪ ،1965‬أصدرت قرارها رقم ‪ 27‬لبعض الصور واألنشطة‬ ‫التخريبية‪ ،‬التي ربط الميثاق بينها وبين عدم التدخل‪ ،‬حيث أكد القرار المشار إليه على خمسة أنواع من األنشطة‬ ‫التخريبية‪ ،‬ومنها التشجيع والتحريض لالنقسام‪ ،‬والنزاع الداخلي في الدول األفريقية باستخدام االختالفات القائمة على‬

‫(‪ )4‬د‪ .‬بطرس غالي‪ ،‬التدخل العسكري األمريكي والحرب الباردة‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬مركز األرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬عدد‪ ،7‬يناير ‪ ،1967‬ص ‪ 8‬ـ ‪.9‬‬

‫‪Page 4 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫أساس الدين أو العنصر أو اللغة‪ ،‬والعمل على تعميق الخالفات السالف ذكرها‪ .‬وانتهت القمة‪ ،‬إلى عدم مشروعية‬ ‫هذه التصرفات على اعتبار أنها تدخل في شئون الدول األخرى (‪.)5‬‬ ‫وأكدت المنظمة من خالل تطبيق ميثاقها ونصوصه ذات الصلة عل أن التدخل الدولي غير مشروع في الظروف‬ ‫العادية‪ ،‬ويكون عدم مشروعيته أشد في ظروف النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي‪ .‬والمنظمة األفريقية وأن‬ ‫كانت أقل حسماً‪ ،‬في تحديد موقفها من التدخل الدولي ‪ ،‬عما قالت به منظمة الدول األمريكية‪ ،‬إال أنها تظل أكثر‬ ‫وضوحاً من األمم المتحدة‪ ،‬في مجال تحديد مبدأ عدم التدخل الدولي‪ ،‬غير أن ذلك ال يمنع من القول بأنها مازالت‬ ‫في حاجة إلى مزيد من الخطوات لتحديد موقفها بدقة وبصورة أكثر وضوحًا من مبدأ عدم التدخل الدولي‪.‬‬ ‫وفي مؤتمر أديس أبابا تكلم أكثر من مسئول عن ضرورة احترام مبدأ عدم التدخل‪ .‬فقال "هوفويه بواني" رئيس‬ ‫جمهورية ساحل العاج‪" :‬إن ما نعتبره مخالفاً لروح الوحدة التي تحركنا جميعًا هو االغتيال‪ ،‬أو القتل المدبر في‬ ‫الخارج‪ ،‬أو الذي تشترك فيه دولة أجنبية بصورة خفية‪ ،‬وذلك بغية قلب حكومة أو نظام حكم ال يلقى تأييد الدول‬ ‫األفريقية التي تدبر أو تشجع مثل هذه األعمال‪ ،‬ومن ثم يتعين على مؤتمرنا أن يحدد سياسة مشتركة نتبعها في‬ ‫مثل هذه الحاالت‪ .‬ويجب أن تكون هذه السياسة واضحة تمامًا لهؤالء األخوة المزيفين حتى ال تنزلق أفريقيا‪ ،‬فنغرق‬ ‫ال كثيرة نتيجة لتحريض بعض الطموحين المتعطشين للشهرة‪ ،‬وهذا ما‬ ‫في مثل هذه الثورات التي طالما مزقت دو ً‬ ‫يأتي دائماً على حساب الجماهير المجاهدة التي تغرق بالتالي في الفقر والبؤس‪ ،‬وهي النتائج الحتمية لمثل هذه‬ ‫االضطرابات"‪.‬‬ ‫كذلك قال "تافاوا باليو" رئيس وزراء نيجيريا حينذاك‪" :‬إ ننا ال نستطيع أن نحقق الوحدة طالما أن بعض الدول األفريقية‬ ‫ال تزال تمارس أوجه نشاط هدام في دول أفريقية أخرى"‪.‬‬ ‫ولم يمض على هذه التصريحات‪ ،‬وعلى ميثاق أديس أبابا وقت طويل حتى تجاهلت الدول األفريقية مبدأ عدم‬ ‫التدخل‪ ،‬وانقسمت إلى فريقين‪ :‬فريق يتدخل في الكونغو ليساند حكومة "ليموبولد فيل" وفريق يتدخل ليساند حكومة‬ ‫"ستانلي فيل"(‪.)6‬‬

‫(‪ )5‬د‪ .‬ممدوح شوقي مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 326‬ـ ‪.328‬‬ ‫(‪ )6‬د‪ .‬بطرس غالي‪ ،‬التدخل العسكري األمريكي والحرب الباردة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ 8‬ـ ‪.9‬‬

‫‪Page 5 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫‪3‬ـ ميثاق جامعة الدول العربية‪:‬‬ ‫نصت "م‪ "8‬من ميثاق جامعة الدول العربية الذي تحرر في ‪ 22‬مارس ‪ ،1945‬في مدينة القاهرة‪ ،‬على "أن تحترم‬ ‫كل الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة األخرى‪ ،‬وتعتبره حقًا من حقوق تلك الدول‬ ‫وتتعهد بأن ال تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها"(‪.)7‬‬ ‫وباالطالع على مواد الميثاق نجد أنه لم يتعرض لمبدأ عدم التدخل الدولي بصورة واضحة‪ ،‬كما جاء في ميثاق‬ ‫األمم المتحدة في م‪ 7/2‬منه‪ ،‬أو ميثاق منظمة الوحدة األفريقية في "م‪ "3‬منه‪ ،‬أو ميثاق منظمة الدول األمريكية‬ ‫"م‪ "15‬منه والتي تعد أكثرها تقدماً‪ ،‬ألنها نصت على مشروعية التدخل المباشر أو غير المباشر‪ ،‬في شئون الدول‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫ولما كان ميثاق الجامعة العربية لم يتصد لمبدأ عدم التدخل الدولي‪ ،‬إال بصورة غير مباشرة من خالل "م‪ "8‬ألنها‬ ‫أكدت على عدم جواز التدخل لتغيير نظام الحكم في الدول العربية‪ ،‬وهي في الحقيقة إحدى صور التدخل‪ ،‬كما أكد‬ ‫الميثاق على أنه ال يجوز ألي دولة عربية أن تلجأ إلى القوة لفض المنازعات التي تقع بينها وبين غيرها من الدول‬ ‫العربية‪ ،‬كما الزم كل دولة عربية أن تحترم نظام الحكم القائم في غيرها‪ ،‬وأن تنظر إليه على أنه حق من حقوق‬ ‫تلك الدول‪ ،‬وتتعهد بأال تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬طالما ارتفعت الشكوى من جانب دولة عربية تتدخل في شؤونها دولة عربية أخرى ـ بل إن‬ ‫هناك من جاهر‪ ،‬باستنكار مبدأ عدم التدخل بالنسبة إلى العالم العربي ‪ ،‬على اعتبار أن القومية العربية تقتضي‬ ‫التدخل المستمر بين الدول العربية بعضها وبعض متخطية الحدود السياسية‪ ،‬والحكومات المحلية‪ ،‬تحقيقًا لإلرادة‬ ‫الشعبية العربية (‪.)8‬‬ ‫ونظرة واضعي الميثاق لمبدأ عدم التدخل من خالل عدم جواز تغيير أنظمة الحكم في الدول األخرى فقط دون‬ ‫غيرها من األمور التي قد تمس كيان الدولة‪ ،‬هو أمر يمثل في الحقيقة قصو ًار واضحاً‪ ،‬يضع الميثاق والمنظمة ككل‬ ‫في مرتبة متدنية بالنسبة للتنظيم الدولي‪ ،‬خاصة في عصرنا الحديث الذي شهد تطورات جد مهمة في إطار إنشاء‬

‫(‪ )7‬أنظر اتفاقيات الجامعة العربية‪ ،‬مؤلف صادر عن الجامعة العربية‪.‬‬ ‫(‪ )8‬د‪ .‬بطرس غالي‪ ،‬التدخل العسكري األمريكي والحرب الباردة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ 8‬ـ ‪.9‬‬

‫‪Page 6 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫الكيانات اإلقليمية الفاعلة والقوية على الساحة الدولية‪ .‬وهذا الوضع الذي رسمه الميثاق للمنظمة جعلها عاجزة عن‬ ‫مواجهة مشاكلها‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬ميثاق حلف وارسو‪:‬‬ ‫تنص المادة الثامنة من ميثاق الحلف الذي تشكل بين االتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا عام ‪ ،1947‬على ما‬ ‫يلي‪" :‬تعلن الدول المتعاقدة أن رائدها هو الصداقة والتعاون على تنمية عالقاتها االقتصادية الثقافية‪ ،‬وأن شعارها‬ ‫هو االحترام المتبادل‪ ،‬وعدم تدخل إحداها في الشؤون الداخلية لآلخرين"‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من هذه المادة لم تتردد الحكومة السوفيتية في التدخل في شؤون المجر الداخلية‪ ،‬عندما وقعت‬ ‫اضطرابات بودابست عام ‪.)9(1956‬‬ ‫خامساً‪ :‬ميثاق حلف شمال األطلنطي‪:‬‬ ‫حلف األطلنطي‪ ،‬أحد األحالف العسكرية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬لمواجهة حلف وارسو‪ ،‬الذي كان‬ ‫يقوده االتحاد السوفيتى سابقاً‪ ،‬وعلى الرغم من الطبيعة العسكرية التي تحكم تنظيم هذا الحلف‪ ،‬الذي يضم بعض‬ ‫الدول األوروبية الغربية باإلضافة إلى الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬والذي تأسس في ‪ 14‬أبريل عام ‪ ،1949‬فإنه قد‬ ‫نص في "م‪ "2‬من معاهدة إنشائه على عدم جواز التدخل في شئون الدول األخرى (‪ .)10‬والتزم الحلف بذلك إلى حد‬ ‫كبير منذ نشأته حتى ‪.1990‬‬ ‫ولكن مع انتهاء الحرب الباردة عام ‪ ، 1990‬أخذ الحلف يوسع من نفوذه على حساب حلف وارسو الذي انهار مع‬ ‫انهيار االتحاد السوفيتى‪ ،‬وبدأ الحلف يتخلى عما جاء في "م‪ "2‬من المعاهدة المنشئة له‪ .‬حيث صدرت عدة‬ ‫تصريحات‪ ،‬من قادة الحلف والدول التي تشترك فيه‪ ،‬خاصة ما صدر عن قادة الحلف في نوفمبر ‪ ،1991‬بإعالن‬ ‫"روما" حول السالم والتعاون الدولي ‪ ،‬وأكد اإلعالن على أن التحديات والمخاطر األمنية التي أصبح الحلف يواجهها‪،‬‬ ‫تختلف في طبيعتها عما كانت في الماضي ‪ ،‬منها الصعوبات االقتصادية واالجتماعية والسياسية الخطيرة‪ ،‬خاصة‬ ‫الصراعات العرقية التي تواجه العديد من دول أوروبا الوسطى والشرقية‪ ،‬وهذه التوترات وإن كانت ال تهدد بشكل‬

‫(‪ )9‬د‪ .‬بطرس غالي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ 8‬ـ ‪.9‬‬ ‫(‪ )10‬د‪ .‬محمد مصطفى يونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬

‫‪Page 7 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫مباشر أمن وسيادة أعضاء الحلف‪ ،‬إال أنها قد تؤدي إلى أزمات خطيرة تهدد استقرار أوروبا‪ ،‬وربما بتطورها إلى‬ ‫نزاعات مسلحة تتورط فيها قوى خارجية ومن بينها أعضاء في الحلف‪ ،‬األمر الذي قد يؤثر على أمن الحلف‪.‬‬ ‫كذلك عندما حدثت أزمة إقليم كوسوفا مع حكومة بلجراد الصربية عام ‪ ،1998‬اتخذ الحلف ق ارره بالتدخل في الصراع‬ ‫وباستخدام القوة دون الرجوع إلى األمم المتحدة ضد صربيا والجبل األسود‪ ،‬مما دفع البعض إلى القول بأن األمم‬ ‫المتحدة في ظل ممارسات حلف األطلنطي‪ ،‬قد تم تهميشها‪ ،‬ولم يبق سوى البحث عن مناسبة إلعالن نهاية وجودها‬ ‫(‪.)11‬‬ ‫إن حلف األطلنطي باإلضافة إلى خروجه عن مبدأ عدم التدخل الذي نصت عليه معاهدة الحلف في "م‪ "2‬منه‪،‬‬ ‫وكذا أحكام "م‪ " 7/2‬من ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬قد أعطى لنفسه الحق في تحديد ما قد يهدد السلم واألمن الدوليين‪،‬‬ ‫وفقاً لمصالحه ومصالح أعضائه خارج إطار الشرعية الدولية‪ ،‬المتعارف عليها والتي تمثلها األمم المتحدة بميثاقها‬ ‫وق ارراتها‪ ،‬وهذا الوضع من شأنه العمل على إهمال القواعد القانونية‪ ،‬وإعطاء مبررات تقوم على أسس سياسية‪ ،‬مما‬ ‫قد يؤدي إلى‪ ،‬تهديد النظام القانوني الدولي المتعارف عليه‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بإعمال مبدأ عدم التدخل الدولي في‬ ‫شئون الدول األخرى‪ ،‬وأمام هذه الفرص ة الواقعية الخطيرة تساءل البعض هل تدخل حلف األطلنطي في كوسوفو‬ ‫سليم من الناحية القانونية أم ال؟(‪.)12‬‬ ‫وذلك التساؤل تزداد أهميته خاصة في ضوء القرار ‪ ،1239‬الصادر من مجلس األمن في ‪ ،1999/5/14‬بخصوص‬ ‫أزمة كوسوفو‪ ،‬وتأكيده عل أهمية حماية الالجئين وتقديم المساعدات اإلنسانية لسكان كوسوفو في ظل استمرار‬ ‫الضربات العسكرية "للناتو" ضد يوغوسالفيا‪ ،‬إال أن هذا القرار خال من أية إشارة إلى األعمال العسكرية‪ ،‬ومدى‬ ‫مشروعيتها (‪.)13‬‬

‫(‪ )11‬د‪ .‬حسن أبو طالب‪ ،‬حرب كوسوفو وحدود التغير في النظام الدولي‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬مركز األهرام للدراسات السياسية‬ ‫واالستراتيجية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عدد ‪ ،137‬يوليو ‪ ،1999‬ص ‪.95‬‬ ‫(‪ )12‬مالك عوني‪ ،‬حلف األطلنطي وأزمة كوسوفو‪ :‬حدود القوة وحدود الشرعية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫(‪ )13‬محمد فايز فرحات‪ ،‬األمم المتحدة وأزمة كوسوفو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬

‫‪Page 8 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫ولخطورة ما حدث في كوسوفو وما قام به حلف األطلنطي ‪ ،‬حدث خالف بين الدول والفقه حول مدى مشروعية هذا‬ ‫التدخل‪ ،‬حتى أن هذا الخالف امتد إلى دول الحلف أنفسهم‪ ،‬عندما عارضت بعض الدول األوروبية‪ ،‬الفلسفة‬ ‫األمريكية الجديدة لعمل الحلف‪ ،‬خاصة في مواجهة النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي ‪ .‬ونجد ذلك الخالف‬ ‫في اجتماع وزراء خارجية الحلف الذي عقد في بروكسل يومي ‪ 9 ،8‬ديسمبر ‪ ،1998‬مما أدى إلى مطالبة بعض‬ ‫الدول األوروبية داخل الحلف إلى إنشاء قوة عسكرية أوروبية تتولى حماية المصالح األوروبية في الوقت الذي‬ ‫تتعارض فيه مواقفها مع الواليات المتحدة ولقى هذا التوجه تأييدًا من المسئولين األلمان والفرنسيين وحتى الحكومة‬ ‫البريطانية التي قلما خرجت عن تأييد السياسة األمريكية (‪.)14‬‬ ‫ومما سبق يتضح أن األمم المتحدة وبعض المنظمات اإلقليمية أجمعت مواثيقها على عدم مشروعية التدخل الدولي‪،‬‬ ‫إال أن الواقع الدولي أكد على خروج المنظمات وبعض الدول على هذا المبدأ‪ ،‬خاصة في ظروف النزاعات المسلحة‬ ‫غير ذات الطابع الدولي ‪ ،‬وقد يكون ذلك نتيجة لعدم وضع تعريف جامع مانع للتدخل الدولي‪ ،‬مما أدى إلى غلبة‬ ‫االعتبارات السياسية ومصالح بعض القوى وااللتفاف حول مبدأ عدم التدخل‪ ،‬من خالل بعض الذرائع والحجج التي‬ ‫حاولت من خاللها إقناع المجتمع الدولي بمشروعية تصرفاتها (‪.)15‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬التدخل الدولي يف ضوء االتفاقيات الثنائية‬ ‫الدول في عالقاتها الثنائية أكثر حساسية لمسألة التدخل‪ ،‬فهي تعتبر التدخل يشمل‪ :‬إبداء ال أري أو النقد لتصرف‬ ‫سلطات الدولة أو األشخاص المعبرين عن إرادتها في المجتمع الدولي ‪ ،‬أو محاولة التأثير على ق اررات السلطات‬ ‫فيها بأي وجه‪ ،‬بدءًا من ممارسة الضغوط السياسية واالقتصادية إلى استخدام القوة العسكرية‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإن تدخل‬ ‫الدولة في شئون الدول األخرى قد يتخذ أشكاالً متنوعة منها (‪:)16‬‬ ‫أ ـ قيام دولة تعسفًا بمد نطاق تطبيق قانونها الداخلي‪ ،‬على أوضاع تدخل أساسًا في اختصاص دولة أخرى‪.‬‬

‫(‪ )14‬د‪ .‬عماد جاد‪ ،‬حلف األطلنطي والحرب في البلقان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 102‬ـ ‪.103‬‬ ‫(‪ )15‬مسعد عبد الرحمن‪ ،‬تدخل األمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي‪ ،‬رسالة دكتوراه في القانون الدولي العام‪،‬‬ ‫جامعة القاهرة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،2001 ،‬ص ‪ ،108‬ص‪.118‬‬ ‫(‪ )16‬د‪ .‬إبراهيم العناني‪ ،‬القانون الدولي العالم‪ ،1990 ،‬ص ‪.181‬‬

‫‪Page 9 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫ب ـ محاولة أعاقة دولة أخرى عن إقرار وتطبيق ما اختارته من نظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو تعديله‪.‬‬ ‫ج ـ المساس بعالقات الدولة الخارجية مع غيرها من الدول‪ ،‬ومحاولة فرض اتجاهات وتفسيرات معينة لتصرفات‬ ‫هذه الدولة‪.‬‬ ‫د ـ المساس بالتكامل اإلقليمي لدولة أو دول أخرى‪.‬‬ ‫وقد تأكد هذا المفهوم في اإلعالنات الصادرة عن الجمعية العامة لألمم المتحدة‪ ،‬وبصفة خاصة القرار الذي وافقت‬ ‫عليه الجمعية العامة في ‪ 21‬ديسمبر ‪ ،1965‬بأغلبية ‪ 109‬دولة وامتناع دولة واحدة عن التصويت‪ ،‬ويتضمن‬ ‫المبادئ اآلتية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ ليس من حق أي دولة‪ ،‬أن تتدخل باألسلوب المباشر أو غير المباشر في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ليس من حق أي دولة‪ ،‬أن تستخدم أو تشجع‪ ،‬أى وسيلة من وسائل اإلكراه السياسي أو االقتصادي أو ما إلى‬ ‫غير ذلك‪ ،‬لجعل دولة أخرى تتنازل عن سيادتها أو تتنازل عن بعض حقوقها ضد إرادتها‪.‬‬ ‫‪3‬ـ ليس من حق أى دولة‪ ،‬أن تنظم أو تدعم أو تحول أو تحرض أو تسمح بممارسة أية أنشطة تخريبية أو إرهابية‬ ‫أو عسكرية‪ ،‬يكون الهدف منها اإلطاحة بالقوة بنظام الحكم في دولة أخرى‪ ،‬أو التدخل في النزاعات األهلية لدولة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫اعتداء على مبدأ حظر‬ ‫‪4‬ـ إن استخدام القوة لحرمان الشعوب من تأكيد ذاتها الوطنية‪ ،‬يشكل انتهاكاً لحقوقها و ً‬ ‫التدخل‪.‬‬ ‫‪5‬ـ ويكون لكل دولة الحق في أن تختار نظامها السياسي واالقتصادي والثقافي‪ ،‬دون تدخل من الخارج‪.‬‬ ‫‪6‬ـ تتعهد كل الدول باحترام حق تقرير المصير واالستقالل لكافة الشعوب بعيداً عن أي صورة من صور الضغط‬ ‫الخارجي‪ ،‬مع االحترام المطلق للحقوق اإلنسانية والحريات األساسية‪ ،‬وعليه فإنه يتعين على كل الدول أن تشارك‬ ‫في تصفية جميع مظاهر التمييز العنصري والتحكم االستعماري‪.‬‬ ‫وقد تأكدت المبادئ الواردة في هذا اإلعالن في ممارسات المنظمات الدولية والق اررات الصادرة عنها‪ ،‬كما أكدتها‬ ‫العديد من االتفاقيات الدولية الثنائية‪ ،‬وأصبحت ضمن مبادئ القانون الدولي الحديث‪ ،‬وقد وردت القاعدة في المادة‬ ‫‪ 3/1‬من دستور اليونسكو‪ ،‬والمادة ‪/3‬د من نظام وكالة الطاقة الذرية الدولية‪.‬‬ ‫‪Page 10 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫وتناول "التدخل الدولي" في إطار االتفاقيات الثنائية‪ ،‬والعالقات الخاصة بين الدول يثير إشكاليتين رئيسيتين‪ ،‬يمكن‬ ‫تناولهما في المطالب التالية‪ :‬المطلب األول‪ :‬التدخل الدولي وإشكالية سيادة الدولة‪ ،‬المطلب الثاني‪ :‬مشروعية التدخل‬ ‫بدعوى صالح اإلنسانية‪ ،‬المطلب الثالث‪ :‬مشروعية التدخل لمساندة ثورة في إقليم دولة أخرى‬

‫املطلب األول‪ :‬التدخل الدولي وإشكالية سيادة الدولة‬ ‫الدولة بصفتها تنظيمًا سياسيًا ذا سيادة تتميز بخاصية احتكار القوة المادية وتكلف بوظيفة سياسية تهدف إلى حفظ‬ ‫النظام والسالم‪ ،‬ودعم التنظيم االجتماعي واالقتصادي ‪ ،‬ولذلك فإن هناك جانبين للسيادة‪ ،‬الجانب الداخلي الذي‬ ‫يعني امتالك الدولة للسلطة الشرعية المطلقة على جميع األفراد والمجموعات التي يتعين عليها إطاعة الدولة إقليمياً‪،‬‬ ‫أي انتهاك لهذه األوامر يعرضهم للعقاب‪ ،‬أما الجانب الخارجي فيعني االستقالل عن كل رقابة وتدخل من أية دولة‬ ‫أخرى أو منظمة دولية‪ ،‬وهنا ينشأ التميز بين دولة كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة(‪.)17‬‬ ‫وقد اتفقت الدول األوروبية في مؤتمر وستفاليا عام ‪ 1648‬م على مبدأ السيادة اإلقليمية من أجل تحقيق السالم‬ ‫الدولي‪ ،‬وكنتيجة ثانوية لهذا المبدأ‪ ،‬اعتبر الطريقة التي تعامل بها الدول األفراد الذين يقيمون داخل أراضيها مسألة‬ ‫داخلية‪ ،‬ولم تكن حقوق اإلنسان جزءًا من السياسة الدولية رغم االستثناء منذ مؤتمر وستفاليا وحتى اإلعالن العالمي‬ ‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬وقد قبلت الدول هذا المبدأ ألنها رأت فيه إفادة في تحقيق السالم واالستقرار الدوليين (‪.)18‬‬ ‫لكن نظام وستفاليا لسيادة الدولة‪ ،‬أصبح ضعيفًا في نهاية القرن العشرين‪ ،‬حيث الحظ االقتصادي الفرنسي فرانسو‬ ‫بيرو‪ ،‬إن هناك ظواهر متعددة وبسبب طبيعتها ال تستطيع الحكومات السيطرة عليها‪ ،‬ألنها تنبثق في وقت واحد في‬ ‫أماكن عديدة وتهم العديد من الدول في نفس الوقت (‪.)19‬‬ ‫وعليه تتناقض قدرات الدول تدريجياً بدرجات متفاوتة فيما يتعلق بممارسة سيادتها في ضبط عمليات تدفق المعلومات‬ ‫واألموال والسلع والبشر عبر حدودها‪ ،‬ألن الثورات الهائلة في مجاالت االتصال واإلعالم قد حذت من أهمية حواجز‬

‫(‪ )17‬بطرس غالي ومحمود خيري عيسى‪ ،‬المدخل إلى عالم السياسة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،1989 ،‬ص ‪.171‬‬ ‫(‪ )18‬دافيد فورسايت‪ ،‬حقوق اإلنسان والسياسة الدولية ‪ ،‬ترجمة محمد مصطفى غنيم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة‬ ‫العالمية‪ ،1993 ،‬ص ‪.17‬‬ ‫(‪ )19‬مارسيل ميرل‪ ،‬سوسيولوجيا العالقات الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المستقبل العربي‪ ،1986 ،‬ص‪64‬ـ‪.65‬‬

‫‪Page 11 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫الجغرافيا والحدود‪ ،‬كما حد توظيف التكنولوجيا المتطورة في عمليات التبادل التجاري والمعامالت المالية من قدرة‬ ‫الدولة على ضبط السياسة المالية والضري بية‪ ،‬وقدرتها على محاربة الجرائم االقتصادية‪ ،‬بل إن القوة االقتصادية‬ ‫الضخمة للشركات العمالقة تسمح لها بممارسة الضغط على حكومات الدول والتأثير في ق ارراتها السيادية (‪.)20‬‬ ‫لقد انعكست التطورات االجتماعية الدولية على تطور مفهوم لسيادة‪ ،‬فاالنتقال من العزلة إلى حالة التضامن‪ ،‬الذي‬ ‫أخذ يظهر في شكل عالقات تعاون بين الدول لمواجهة الحاجات والمصالح الوطنية المتزايدة‪ ،‬أدى إلى قيام نظام‬ ‫االعتماد المتبادل الذي أخذت فيه كل دولة على نفسها المساهمة في تحقيق مصالح المجموعة الدولية‪ ،‬وهو ما ال‬ ‫يتم إال باالعتراف بحد أدنى من الضوابط الضرورية الستمرار سالمة العالقات الدولية‪ ،‬وهذه المعطيات الجديدة‬ ‫للنظام الدولي عملت على تحجيم مفهوم السيادة الوطنية‪ ،‬بحيث يتم التخلي عن بعض الحقوق السيادية وفقاً لما‬ ‫يتطلبه الصالح العام الدولي‪ ،‬وهو ما يعني إفراغ السيادة من مضمونها بامتيازات السلطة المطلقة‪ ،‬وإعطائها مضموناً‬ ‫جديدًا قائمًا على نشاط وظيفي لصالح الهيئة الدولية‪ ،‬وقد كان هذا التخلي عن بعض حقوق السيادة الوطنية بحكم‬ ‫الضرورة وليس اختيا ًار بإرادة الدولة‪ ،‬نتيجة للتطور المستمر للجماعة الدولية(‪.)21‬‬ ‫ومع ظهور مفاهيم وعالقات جديدة بين الدولة ومواطنيها‪ ،‬تعرضت الدولة لعوامل عديدة‪ ،‬أدت إلى فشلها في حماية‬ ‫سيادتها اإلقليمية‪ ،‬ومنها التطور الكبير في العالقات االقتصادية الدولية وثورة االتصاالت وانتشار األسلحة الفتاكة‬ ‫التي أدت إلى إحالل سياسة األمن الجماعي محل األمن اإلقليمي‪ ،‬بسبب ضعف القدرات الدفاعية للطبيعة اإلقليمية‬ ‫الدولية‪ ،‬والثورة العلمية الهائلة والمتسارعة التي جعلت من العسير التخطيط لمواجهة حقائق المستقبل نظ ًار لعدم‬ ‫ثبات الجديد‪ ،‬وقد أضعفت هذه التطورات الحديثة نظام الدولة الوطنية (‪.)22‬‬

‫(‪ )20‬حسنين توفيق إبراهيم‪" ،‬العولمة‪ :‬األبعاد واالنعكاسات السياسية‪ ،‬رؤية أولية من منظور علم السياسة"‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬المجلد ‪ ،28‬العدد ‪ ،2‬أكتوبر ـ ديسمبر ‪ ،1999‬ص ‪.194‬‬ ‫(‪ )21‬عدنان نعمة‪ ،‬السيادة في ضوء التنظيم الدولي المعاصر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،1978 ،‬ص ‪ 10‬ـ ‪.12‬‬ ‫(‪ )22‬أحمد صدقي الدجاني‪ ،‬الدولة التعددية وحق تقرير المصير في عصرنا‪ ،‬أعمال ندوة‪ ،‬رؤساء الدول أمام حق تقرير المصير وواجب‬ ‫الحفاظ على الوحدة الترابية والوطنية‪ ،‬تحرير عبد الهادي بوطالب‪ ،‬فاس‪ ،‬مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية‪ ،‬أبريل ‪ ،1994‬ص ‪74‬‬ ‫ـ ‪.75‬‬

‫‪Page 12 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫وهذه التطورات الدولية تمس سلطة الدولة على رعاياها‪ ،‬حيث تشهد هذه السلطة جانبًا من االنتقاص التدريجي عند‬ ‫دخول الدولة عالقات متعددة مع الدول األخرى‪ ،‬ألن هذه العالقات تخضع لبعض الضوابط العامة التي تهز من‬ ‫سلطان الدولة القائم على منطق القوة لتخضعه لمنطق الحق والقانون‪ ،‬وذلك يعني أن تغي اًر قد أصاب مبدأ السيادة‬ ‫بتحوله من مبدأ سياسي قائم على فكرة اإلرادة العامة باعتبار األمة مصد ًار للسلطات يستخدم إلضفاء الشرعية على‬ ‫أية حركة سياسية‪ ،‬إلى مبدأ قانوني يتبع ظهور دولة القانون التي مردها إلى فكرتين تبناهما اإلعالن العالمى لحقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬األولى المحافظة على الحقوق الطبيعية التي ال تتقادم‪ ،‬والثانية أن هذه الحماية ال تتحقق إال بالقانون‪.‬‬ ‫ويتغير مضمون مبدأ السيادة تبعًا لتغير العالقات الدولية التي تتغير وفقًا لتزايد الحاجات المشتركة وتغيرها‪ ،‬وهذا‬ ‫ما عكسه اتجاه تطور التنظيم الدولي من الفوضى إلى التقنين الدولي لمختلف المجاالت‪ ،‬خالفًا لمفهوم السيادة‬ ‫الذي يتحرك في اتجاه عكسي (‪.)23‬‬ ‫والسيادة بصفتها مفهومًا قانونيًا ال يمكن أن تعكس الواقع بطريقة دقيقة تمامًا ألنها في أحد معانيها مطلقة في حين‬ ‫أن الوقائع نسبية‪ ،‬لذلك أدت العالقة بين المفاهيم القانونية والعالقات االجتماعية المؤثرة‪ ،‬واستقاللها النسبى إلى‬ ‫انفصال المفاهيم القانونية عن الوقائع كي تصبح مستقلة عنها تماماً‪ ،‬ولذلك تعتبر السيادة مفهوما شكلياً صرفًا‪،‬‬ ‫حيث الحق في التشريع وصك النقود وتحقيق العدالة وغيرها من مضامين السيادة‪ ،‬وهي تاريخية مشروطة وال يمكن‬ ‫أن تكون ثابتة‪ ،‬كما أنه يستحيل وضع قائمة باالختصاصات التي ينبغي أن تقوم بها دولة ذات سيادة‪ ،‬فهذه‬ ‫االختصاصات متغيرة عبر التاريخ (‪.)24‬‬ ‫وقد استخدم مبدأ السيادة كأداة لتحقيق استقرار نظام الدولة الوطنية‪ ،‬فبعد معاهدة وستفاليا أصبح لكل دولة الحق‬ ‫في التمتع بسيادتها اإلقليمية وتحقيق مصالحها دون أن تدمر كل منها األخرى أو تتعدى على النظام الدولي الذي‬ ‫تمركز في القارة األوروبية‪ ،‬مسلمًا بفكرة الدولة المستقلة ذات السيادة باعتبارها الوحدة الرئيسية في النظام‪ ،‬وإن الدول‬ ‫متساوية أمام القانون وتتولى الحفاظ على النظام المدني داخل أراضيها‪ ،‬وتعمل على إقامة عالقات جيدة مع الدول‬ ‫األخرى‪.‬‬

‫(‪ )23‬عدنان نعمة‪ ،‬مرجع سابق ذكره‪ ،‬ص ‪ 9‬ـ ‪ 27 ،10‬ـ ‪.31‬‬ ‫(‪ )24‬عبد الهادي عباس‪ ،‬سيادة الدولة‪ ،‬مجلة المعرفة‪ ،‬دمشق‪ ،‬و ازرة الثقافة‪ ،‬السنة ‪ ،36‬العدد ‪ ،402‬آذار ‪ ،1997‬ص ‪ 57‬ـ ‪.58‬‬

‫‪Page 13 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫إال أن المما رسات الواقعية بين الدول أظهرت عدم المساواة بينها‪ ،‬فنشأت ثالثة نظم ساعدت على االستقرار في‬ ‫نظام ال مركزى من العالقات الدولية وزعت فيه الموارد توزيعاً غير عادل‪ ،‬وهو توازن القوى لمنع ظهور دولة‬ ‫مسيطرة واحتوائها‪ ،‬ووضع المعايير لقواعد السلوك الدولي ولحل الخالفات‪ ،‬ثم قيام الدول العظمى بمسؤوليتها في‬ ‫حفظ النظام الدولي من خالل مؤسسات متفق عليها‪ ،‬فكان إنشاء عصبة األمم ثم هيئة األمم المتحدة‪ ،‬وكان لألخيرة‬ ‫دور مهم في ظهور الدولة المستقلة حديثًا جراء تفكك اإلمبراطوريات األوروبية االستعمارية‪ ،‬هذه الدول هي األكثر‬ ‫حساسية لتدهور مفهوم السيادة‪ ،‬واألكثر تخوفًا من تدخل المجتمع الدولي كذريعة لبسط نفوذ الدول العظمى من‬ ‫جديد(‪.)25‬‬ ‫وبعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ظهر الفرد كوحدة قانونية تمتع بحقوق عامة وخاصة‪ ،‬وهو ما شكل تحدياً لمبدأ سيادة‬ ‫الدولة التقليدي‪ ،‬فبعد أن أصبح الفرد يحظى باهتمام القانون الدولي من خالل ظهور قانون اإلنسان ومبدأ المسؤولية‬ ‫الدولية عن الجرائم العالمية الموجهة إلى سالمة وأمن البشرية‪ ،‬لم يعد بوسع صانع القرار انتهاك حقوق اإلنسان‬ ‫تحت مظلة مبدأ السيادة الوطنية‪ ،‬النهيار حجته بأنه يمثل الدولة أو يطيع أوامرها العليا‪ ،‬حيث أصبحت حقوق‬ ‫اإلنسان مسألة تهم الجماعة الدولية والقانون الدولي‪ ،‬ولم تعد تتعلق بالمجتمعات القومية وتخضع للقانون الداخلي(‪.)26‬‬

‫(‪ )25‬جين لويتر وميشيل باستاندونوا‪ ،‬التدخل الدولي وسيادة الدولة ومستقبل المجتمع الدولي‪ ،‬ترجمة محمد جالل عباس‪ ،‬المجلة الدولية‬ ‫للعلوم االجتماعية‪ ،‬اليونسكو‪ ،‬العدد ‪ ،138‬نوفمبر ‪ ،1993‬ص‪80‬ـ‪.81‬‬ ‫(‪ )26‬هذا ما أكده القاضي الياباني "تانكا" في قضية جنوب غرب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية معلقاً على أهمية حقوق اإلنسان‬ ‫بقوله‪" :‬يستمد مبدأ حماية حقوق اإلنسان من فكرة أن اإلنسان هو شخص‪ ،‬ومن عالقته مع المجتمع التي ال يمكن فصلها عن الطبيعة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وأن وجود حقوق اإلنسان ال يعتمد على إدارة الدولة ال من خالل تشريعاتها الداخلية وال من خالل معاهداتها الدولية‪ ،‬فليس‬ ‫بمقدور الدول خلق حقوق اإلنسان وإنما يمكن لها التأكيد على وجودها وحمايتها‪ ،‬ولذلك فإن دور الدولة ليس أكثر من دور إيضاحي‪،‬‬ ‫حيث وجدت حقوقه مع وجوده وقبل وجود الدولة‪.‬‬

‫‪Page 14 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫وحتى األشخاص األجانب في دولة ما أو الذين ال ينتمون إليها يجب أال يجردوا منها‪ ،‬وقد حظي مبدأ حماية حقوق‬ ‫اإلنسان باالعتراف كقاعدة قانونية بموجب ثالثة مصادر في القانون الدولي‪ ،‬هي‪ :‬االتفاقيات الدولية‪ ،‬والعرف‬ ‫الدولي‪ ،‬ومبادئ العدالة (‪.)27‬‬ ‫وإذا كان مبدأ السيادة يفترض أن الروابط بين الدولة ورعاياها‪ ،‬ال تدخل ضمن نطاق العالقات الدولية‪ ،‬فإن التسليم‬ ‫ال‬ ‫بوجود حقوق دولية لإلنسان يعني بداهة أن مجاالً من المجاالت السياسية لالختصاص المطلق للدولة أصبح مح ً‬ ‫لتدخل القانون الدولي ‪ ،‬ومثل هذا األمر ال يمكن تقبله بسهولة ألن من أساسيات القانون الدولي التسلي م بسيادة‬ ‫الدولة‪ ،‬وهو ما يعني أن مبدأ السيادة مازال يعوق اضطالع المنظمات الدولية بإعداد نظام أكثر فعالية للدفاع عن‬ ‫حقوق اإلنسان (‪.)28‬‬ ‫وفي هذا المجال اعتبر "بطرس غالي" األمين العام لألمم المتحدة "سابقاً" أن االنتقال من حقبة دولية إلى أخرى‪،‬‬ ‫إنما يتمثل في احتالل مجموعة جديدة من الدول األعضاء مقاعدها في الجمعية العامة‪ ،‬ودخول هذه الدول يعيد‬ ‫تأكيد مفهوم الدولة باعتبارها الكيان األساسي في العالقات الدولية‪ ،‬ووسيلة الشعوب لتحقيق وحدتها وإسماع صوتها‬ ‫في المجتمع الدولي‪ .‬وإذا كان احترام سيادة الدولة ووحدة أراضيها ال يزال محورياً‪ ،‬فإن هذا المبدأ السائد لم يعد‬ ‫قائمًا‪ ،‬وأنه لم يكن مطلقًا بالدرجة المتصورة له‪.‬‬ ‫األمر الذي يتطلب إعادة التفكير في مسألة السيادة ال من أجل إضعاف جوهرها الذي له أهمية حاسمة في األمن‬ ‫والتعاون الدوليين‪ ،‬وإنما بقصد اإلقرار أنها يمكن أن تتخذ أكثر من شكل وتؤدي أكثر من وظيفة‪ ،‬وهذه الرؤيا يمكن‬ ‫أن تساعد علي حل المشاكل سواء داخل الدول أو فيما بينها‪ ،‬وحقوق الفرد وحقوق الشعوب تستند إلى أبعد من‬ ‫السيادة العالمية التي تملكها البشرية قاطبة‪ ،‬والتي تعطى جميع الشعوب حقًا مشروعًا لشغل نفسها بالقضايا التي‬

‫(‪ )27‬محمد فضة‪ ،‬الدولة القومية وحقوق اإلنسان‪ ،‬البحث العلمي‪ ،‬الرباط‪ ،‬المعهد الجامعي للبحث العلمي بجامعة محمد الخامس‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،33‬نوفمبر‪ ،1982 ،‬ص ‪ 214‬ـ ‪.215‬‬ ‫(‪ )28‬مصطفى سالمة حسين‪ ،‬محاضرات في العالقات الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار اإلشعاع للطباعة‪ ،1986 ،‬ص ‪ 39‬ـ ‪.40‬‬

‫‪Page 15 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫تمس العالم في مجموعه‪ ،‬وهذا المعنى يجد انعكاسًا متزايدًا له في التوسع التدريجي للقانون الدولي ‪ ،‬وخاصة مع‬ ‫االعتراف بأن الدول وحكوماتها ال تستطيع بمفردها مواجهة أو حل المشاكل القائمة اليوم (‪.)29‬‬ ‫ورغم أن مبدأ السيادة من المبادئ األساسية في تكوين الدول‪ ،‬ومازال يشكل حجر الزاوية في بنية القانون الدولي‪،‬‬ ‫فإن التغيرات والتحوالت الدولية أدت إلى تغير مفهومه التقليدي‪ ،‬وأبرزت التفرقة بين المفهوم القانوني للسيادة‪ ،‬الذي‬ ‫يقوم على المساواة القانونية بين الدول وحقها في االستقالل وإدارة شؤونها بحرية في المجالين الداخلي والدولي‪،‬‬ ‫بناء على ما تحوز عليه الدولة من إمكانيات‬ ‫والمفهوم السياسي‪ ،‬الذي يقوم على الممارسة الفعلية لمظاهر السيادة ً‬ ‫ال كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة (‪.)30‬‬ ‫يوفرها التقدم العلمي والتكنولوجي‪ ،‬مما يعني أن هناك دو ً‬ ‫ومن هنا تراجع مفهوم السيادة من صيغته المطلقة إلى صيغ نسبية‪ ،‬بحيث يصبح وسيلة وليس غاية‪ ،‬ويعمل على‬ ‫تحقيق الخير العام الداخلي والدولي‪ ،‬ولم تعد السيادة مبر اًر النتهاك حقوق اإلنسان األساسية‪ ،‬السيما أن الدولة‬ ‫ملتزمة في ممارستها لمظاهر سيادتها بالقانون الدولي وما يتضمنه من التزامات تفرض عليها احترام حقوق اإلنسان‬ ‫(‪.)31‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مشروعية التدخل بدعوى صالح اإلنسانية‬ ‫تعد نظرية التدخل لصالح اإلنسانية‪ ،‬من السمات البارزة في العالقات غير المتكافئة‪ ،‬التي سادت في نهاية القرن‬ ‫التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬وخاصة بين الواليات المتحدة األمريكية وبين الدول األوروبية من جهة‪ ،‬وبين‬ ‫الشعوب األخرى لدول العالم من جهة أخرى‪ ،‬وكانت الدول الغربية تتذرع بهذه النظرية لالنحياز في حقيقة األمر‬ ‫إلى أحد أطراف النزاع الداخلي‪.‬‬

‫(‪ )29‬د‪ .‬بطرس غالي‪ ،‬نحو دور أقوى لألمم لمتحدة‪ ،‬السياسة الدولية ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية باألهرام‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ،111‬يناير‪ ،1993 ،‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪ )30‬ممدوح شوقي‪ ،‬األمن والعالقات الدولية‪ ،‬السياسة الدولية ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية باألهرام‪ ،‬العدد ‪،127‬‬ ‫يناير‪ ،1997 ،‬ص ‪.46‬‬ ‫(‪ )31‬د‪ .‬سعدى كريم سليمان‪ ،‬د‪ .‬حسن الجديد‪ ،‬التدخل اإلنسانى وإشكالية السيادة‪ ،‬مجلة دراسات‪ ،‬طرابلس‪ ،‬المركز العالمي لدراسات‬ ‫وأبحاث الكتاب األخضر‪ ،‬العدد الثالث والعشرون‪ ،‬الشتاء ‪ ،2005‬ص ‪ 54‬ـ ‪.61‬‬

‫‪Page 16 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫فق د استخدمت الواليات المتحدة األمريكية نظرية التدخل لصالح اإلنسانية أكثر من ستين مرة‪ ،‬وذلك بين عام ‪1812‬‬ ‫وعام ‪ ، 1932‬من أجل حماية حياة وممتلكات مواطنين أمريكيين في الصين وأمريكا الالتينية‪ ،‬وفي بعض‬ ‫االستخدامات األمريكية لنظرية التدخل لصالح اإلنسانية‪ ،‬كانت الواليات المتحدة تهدف إلى حماية التجارة األمريكية‬ ‫(‪ ، )32‬كما أدت االستخدامات األمريكية لنظرية التدخل لصالح اإلنسانية إلى احتالل مطول (‪ .)33‬كما أدي في بعض‬ ‫الحاالت إلى بسط الحماية على الدول الضعيفة (‪.)34‬‬ ‫وبعد الحرب العالمية الثانية تالشت هذه الصورة في إطار العالقات بين الدول الغربية ودول العالم األخرى‪ ،‬فمثالً‬ ‫لم يؤد تذرع الواليات المتحدة بهذه النظرية في عام ‪ ،1948‬إلجالء الرعايا األمريكيين في قبرص إلى احتالل الصين‬ ‫وقبرص‪ ،‬إال أن هذه الصورة تركت بصماتها على عدد من االستخدامات الحديثة لنظرية التدخل لصالح اإلنسانية‬ ‫(‪.)35‬‬ ‫وقد وضع الفقه الغربي ثالثة شروط لصحة التدخل لصالح اإلنسانية‪ ،‬هي‪ :‬أن تحصل الدولة التي تتذرع بهذه‬ ‫النظرية على موافقة الدولة التي تتم فيها العمليات العسكرية‪ ،‬وأال تتجاوز العمليات العسكرية الهدف اإلنساني‪ ،‬وأن‬ ‫يكون التدخل ضرورياً‪.‬‬ ‫إال أن الحاالت التي استخدمت فيه ا نظرية التدخل لصالح اإلنسانية لم تحترم هذه الشروط الثالثة‪ ،‬فعمليات التدخل‬ ‫لصالح اإلنسانية اعتمدت على موافقة من أجهزة مشكوك في مشروعيتها‪ ،‬في الدولة التي تمت فيها العمليات‬ ‫العسكرية‪ ،‬التي تندرج ضمن نظرية التدخل لصالح اإلنسانية‪ ،‬أو بغياب كل مواقفه في الدولة التي تمت فيها هذه‬

‫(‪ )32‬مثل التدخل األمريكي في هندوراس في عام ‪1910‬ـ‪.1911‬‬ ‫(‪ )33‬مثل احتالل الواليات المتحدة لكوبا في عام ‪1898‬م‪.‬‬ ‫(‪ )34‬مثالً قامت الواليات المتحدة األمريكية باإلشراف بشكل مباشر على إدارة الجمارك في جمهورية الدومنيكان في عام ‪ ،1907‬وفي‬ ‫هايتي في عام ‪.1915‬‬ ‫(‪ )35‬كما في حالة التدخل الفرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى في عام ‪ ،1979‬حيث أدى هذا التدخل إلى احتالل فرنسي ألفريقيا‬ ‫الوسطى تجسد بتعيين فرنسا لرئيس جديد للجمهورية "داكو"‪ ،‬الذي حل محل اإلمبراطور بوكاسا‪ ،‬كما قامت القوات الفرنسية بعد التدخل‬ ‫العسكرى بالتدقيق في الهوايات‪ ،‬وقامت بحراسة القصر الجمهوري في بانجي‪ ،‬وفرضت حظر التجول‪ ،‬كما مارست السفارة الفرنسية‬ ‫في بانجي نوعا من المراقبة على المؤتمرات الصحفية‪ ،‬التي عقدها رئيس أفريقيا الوسطى الجديد‪.‬‬

‫‪Page 17 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫العمليات‪ ،‬كما أن شرط الضرورة الذي يتحكم في مشروعية هذه النظرية لم يتوافر إطالقًا‪ ،‬كما أن االستخدامات‬ ‫الحديثة لهذه النظرية‪ ،‬تظهر استخدامات سياسية واضحة تتجاوز معيار األهداف اإلنسانية‪.‬‬ ‫فقد شهدت بعض التطبيقات العملية للتدخل لصالح اإلنسانية أن موافقة سلطات الدولة التي تمت فيها عملية التدخل‬ ‫لصالح اإلنسانية‪ ،‬كانت موافقة شكلية (‪.)36‬‬

‫(‪ )36‬من األمثلة علي ذلك‪:‬‬ ‫ـ تدخل فرنسا في أفريقيا الوسطي‪ :‬فقد بدأت القوات الفرنسية بالتدخل في جمهورية أفريقيا الوسطى في الساعة الحادية عشر والربع من‬ ‫ليلة ‪ 20‬أيلول ‪ 1979‬قبل اإلعالن الرسمى عن االنقالب الذي قام به داكو‪ ،‬كما سيطر المظليون الفرنسيون على النقاط االستراتيجية‬ ‫في بانجى قبل إعالن داكو عن توليه السلطة‪.‬‬ ‫بناء على رسالة أرسلها الحاكم العام‬ ‫ـ حالة التدخل األمريكى في جزر جرينادا في تشرين األول ‪ ،1983‬فقد تدخلت الواليات المتحدة ً‬ ‫لجزر جرينادا‪" ،‬بول ساكون"‪ ،‬في ‪ 24‬تشرين األول ‪ 1983‬إلى الرئيس "ريجان"‪ ،‬ومن المعروف أن وظيفة الحاكم العام لجزر جرينادا‬ ‫قد أصبحت وظيفة رمزية ثانوية هامشية بعد الثورة التي قامت في هذه الجزر في عام ‪.1979‬‬ ‫بناء على طلب من حكومة "كميل شمعون" الذي كان معزوالً‪.‬‬ ‫ـ التدخل األمريكي في لبنان في عام ‪ 1958‬كان ً‬ ‫بناء على طلب من "تشومبي" الذي أسس حكومة محلية صورية‪ ،‬ولقد أشار مندوب‬ ‫ـ تدخل بلجيكا في الكونغو عام ‪ ،1964‬والذي تم ً‬

‫بناء على طلب من الحكومة المؤقتة التي أنشأها توشمبي‪ ،‬ولكن حكومة‬ ‫بلجيكا في مجلس األمن إلى أن القوات البلجيكية تدخلت ً‬ ‫تشومبي قد انفصلت عن الكونغوا كينشاسا‪ ،‬والقانون الدولي ال ينظر بعين العطف إلى االنفصال‪ ،‬فقد أوضحت التوصية رقم ‪،2625‬‬ ‫انجيل العالقات الودية بين الدول والصادرة عن الجمعية العامة لهيئة األمم المتحدة في تشرين األول ‪ ،1970‬بأن حق الشعوب في‬ ‫تقرير مصيرها يجب أن ال يفهم على أنه يسمح أو يشجع أى تصرف يهدد كليًا أو جزئيًا مبدأ التكامل اإلقليمى‪.‬‬ ‫والمعروف أن اإلدارة المحلية‪ ،‬والواليات المكونة التحاد فيد ارلي‪ ،‬ال تملك الشخصية القانونية الدولية‪ ،‬صحيح قد تكون للواليات الفيدرالية‬ ‫واإلدارات المحلية نوع من السلطة‪ ،‬إال أن هذه الكيانات ليس لديها اتصال مباشر مع القانون الدولي‪ ،‬ويتم هذا االتصال عن طريق‬ ‫السلطة المركزية‪ ،‬وقد عبرت عن هذه الفكرة محكمة العدل الدولية في رأيها االستشاري‪ ،‬الصادر في قضية اصطالح بعض الضرر‬ ‫الذي لحق بهيئة األمم المتحدة في الشرق األوسط‪ ،‬ويترتب على غياب الشخصية القانونية الدولية لإلدارات المحلية أو الواليات المكونة‬ ‫لالتحاد الفيدرالي‪ ،‬هو أن طلب حكومة محلية للمساعدة من دولة أخرى ال يولد أي آثار قانونية‪.‬‬

‫‪Page 18 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫كما شهدت عدة استخدامات لنظرية التدخل لصالح اإلنسانية غياب موافقة الدولة التي حدث فيها التدخل (‪ .)37‬كما‬ ‫تظهر الحاالت التي استخدمت فيها الدول نظرية التدخل لصالح اإلنسانية‪ ،‬على أن هذا المبرر ال يهدف إلى حماية‬ ‫رعايا الدولة المتدخلة في الخارج (‪.)38‬‬

‫(‪ )37‬من األمثلة على ذلك‪:‬‬ ‫ـ العملية العسكرية األمريكية الفاشلة التي قامت بها في صحراء لوط في أيار ‪ ،1980‬ومن المعروف أن الطلبة اإليرانيين‪ ،‬بدافع من‬ ‫السلطات الدينية الحاكمة في طهران‪ ،‬قاموا في تشرين الثاني ‪ 1979‬باحتجاز عدد من الدبلوماسيين األمريكيين‪ ،‬ومن أجل إجبار‬ ‫ابتداء من ‪12‬‬ ‫السلطات اإليرانية على إطالق سراح الرهائن قامت الواليات المتحدة باتخاذ عدد من العقوبات االقتصادية ضد إيران‬ ‫ً‬ ‫تشرين الثاني ‪ ،1979‬وقررت في ‪ 7‬نيسان ‪ 1980‬قطع العالقات الدبلوماسية مع إيران‪.‬‬ ‫وهذه اإلجراءات لم تنجح في إقناع إيران بإطالق سراح الدبلوماسيين‪ ،‬مما دفع الواليات المتحدة إلى تنظيم عملية عسكرية فاشلة في‬ ‫إيران‪ ،‬في وقت كانت فيه محكمة العدل الدولية تقوم بإصدار حكمها‪ ،‬وقد رأت محكمة العدل الدولية‪ ،‬أنه من المناسب أن تعلق على‬ ‫التدخل األمريكي الفاشل بالرغم من أن إيران‪ ،‬بسبب ممارستها لسياسة الكرسي الفارغ‪ ،‬لم تطلب منها أن تبت في القضية‪ ،‬وأوضحت‬ ‫بأن العملية‪ ،‬التي تمت مداولة المحكمة حول القضية‪ ،‬هو تصرف يلحق الضرر بالمؤسسة الدولية‪.‬‬ ‫ـ تدخل الهند العسكرى في باكستان الشرقية عام ‪ ،1971‬فبعد انتصار حزب "عوامي" في االنتخابات العامة في كانون األول ‪1970‬‬ ‫في باكستان الشرقية نمت حركة انفصالية في هذا اإلقليم تطالب باالنفصال عن باكستان ـ األم ـ ورد الجيش الباكستاني وانتهاكات‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬وانعكاسات األحداث على الهند "‪ 98‬مليون الجئ بنغالي فروا إلى الهند" للتدخل في باكستان الشرقية‪ ،‬وقد أوضح‬ ‫مندوب الهند لدى هيئة األمم المتحدة هذا المبرر‪ ،‬حيث قال‪" :‬لقد تدخلت الهند إلنقاذ شعب البنغال الشرقي من اإلبادة الجماعية"‪.‬‬ ‫ال عندما تدخلت الواليات المتحدة في لبنان عام ‪ 1958‬لم يكن هناك خطر يواجه الرعايا األمريكيين‪ ،‬ولم تظهر الفصائل‬ ‫(‪ )38‬فمث ً‬ ‫اللبنانية المعارضة للسيد "كميل شمعون" أي تهديد للرعايا األمريكيين‪ ،‬وحين طلب الرئيس "شمعون" من الواليات المتحدة التدخل‪ ،‬لم‬ ‫يشر بتاتاً إلى عدم مقدرته على حماية الرعايا األمريكيين‪ ،‬في لبنان‪.‬‬ ‫أما الواليات المتحدة فقد استندت في بداية األمر عند تدخلها في لبنان في ‪ 20‬أيار ‪ ،1958‬على حماية المواطنين األمريكيين في‬ ‫بناء على طلبها ـ على‬ ‫لبنان‪ ،‬ثم تخلت عن هذا المبرر وأوضحت‪" :‬بأن التدخل األمريكي يهدف فقط إلى مساعدة الحكومة اللبنانية ـ ً‬ ‫تهدئة الوضع الذي تردى بسبب التهديدات الخارجية"‪ .‬وتناست الواليات المتحدة تماماً مبرر حماية المواطنين األمريكيين‪ ،‬خالل أعمال‬ ‫الدورة االستثنائية للجمعية العمومية التي افتتحت في ‪ 8‬آب ‪.1958‬‬

‫‪Page 19 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫وإن كان هذا ال ينفي وجود استثناءات توافر فيه شرط الضرورة لقيام دولة ما بإجراء عسكريي لحماية رعاياها في‬ ‫الخارج‪.‬‬ ‫ووهنا تجدر أهمية اإلشارة إلى قيام عدد من الدول بالتذرع بهذه النظرية لوقف انتهاكات حقوق اإلنسان في الدول‬ ‫المجاورة‪ ،‬وهذه االنتهاكات ال تمس رعايا الدول التي تدخلت بأي ضرر وإنما بمواطني الدولة التي تم التدخل فيها‪،‬‬ ‫كما في حالة تدخل فيتنام في كمبوديا‪ .‬وتدخل تنزانيا في أوغندا‪.‬‬ ‫و التدخل لصالح اإلنسانية يثير العديد من اإلشكاليات من أهمها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ إن الدولة‪ ،‬حسب قواعد القانون الدولي‪ ،‬تملك الحق في حماية مواطنيها في الخارج ضمن إطار القاعدة اإلجرائية‬ ‫"الحماية الدبلوماسية"‪ ،‬وهذا الحق يقوم على رابطة الجنسية وبدون هذه الرابطة ال يمكن لدولة أن تتدخل في دولة‬ ‫أخرى لحماية أشخاص ال يحملون جنسيتها‪.‬‬ ‫وفي كل حالة قيام دولة بالتدخل لصالح اإلنسانية‪ ،‬فإنها بذلك تقيم ظروف التدخل من تلقاء نفسها‪ ،‬وهذا يعني حتمًا‬ ‫ال عندما تدخلت بلجيكا في الكونغو عام ‪ 1964‬أوضحت عدة دول وعلى‬ ‫أن مصالحها قد أملت عليها التدخل‪ ،‬فمث ً‬ ‫رأسها غانا والجزائر ومالي‪ ،‬بأن هدف بلجيكا من التدخل هو فصل إقليم كاتنجا عن الكونغوـ كينشاسا‪ ،‬وكذلك الحال‬ ‫عندما تدخلت الواليات المتحدة في جرينادا ‪ ،1904‬وعندما تدخلت فرنسا في زائير ‪.1978‬‬ ‫وهنا يعتقد البعض أنه في حالة قيام دولة بالتذرع بنظرية التدخل لصالح اإلنسانية في دولة مجاورة‪ ،‬وكان لهذه‬ ‫الدولة مطالب أو أطماع إقليمية في الدولة المجاورة‪ ،‬فإنه يمكن توجيه االتهام إلى الدولة المتدخلة بأنها تسعى‬ ‫لتحقيق حلمها‪ .‬كما في حالة التدخل التركى في قبرص‪ ،‬فقد اتهم مندوب قبرص في هيئة األمم المتحدة تركيا عام‬ ‫‪ 1964‬بأنها تسعى إلى تقسيم قبرص‪ ،‬وهذا االتهام تحقق بعد التدخل العسكرى في قبرص في يوليو ‪ ،1974‬وما‬

‫كما لم يتعرض الرعايا األمريكيين في جرينادا ألي خطر‪ ،‬قبل تدخل الواليات المتحدة في الجزيرة‪ ،‬رغم أن األطروحات األمريكية كانت‬ ‫تركز على أن الرعايا األمريكيين يواجهون خطر أخذهم كرهائن إال أن المجلس العسكري الثوري‪ ،‬الذي استلم مقاليد الحكم بعد اإلطاحة‬ ‫بالسيد "شوب"‪ ،‬قد أعرب على رغبته في حماية الطلبة األمريكيين وتحسين عالقة جرينادا بالواليات المتحدة‪.‬‬

‫‪Page 20 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫صاحب هذا التدخل من إعالن قيام دولة قبرصية تركية فيدرالية في أبريل ‪ ،1975‬تحولت إلى دولة مستقلة في ‪15‬‬ ‫نوفمبر ‪.)39(1983‬‬ ‫‪3‬ـ أن القانون الدولي المعاصر ال يحتوي على قواعد تؤيد اللجوء إلى القوة لحماية المواطنين في الخارج‪ :‬فقد‬ ‫سجل القانون الدولي تطو ًار نحو التحريم التدريجي الستخدام القوة في المجتمع الدولي بدءًا باتفاقية الهاي لعام‬ ‫‪ ،1970‬حول تحديد استخدام القوة السترجاع الديون‪ ،‬ومرو اًر بمعاهدة "براين ـ كيلوج" التي وقعت في عام ‪،1928‬‬ ‫انتهاء بميثاق هيئة األمم المتحدة الذي أوضح بأنه ال يمكن اعتبار الحرب كوسيلة للسياسة الوطنية‪ ،‬وحرم التهديد‬ ‫و ً‬ ‫أو اللجوء إلى استخدام القوة ضد التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي‪.‬‬ ‫ومن أجل تجاوز هذا التحريم‪ ،‬اعتمدت الدول التي تذرعت بنظرية التدخل لصالح اإلنسانية على نوعين من المبررات‪،‬‬ ‫فمن جهة أوضحت هذه الدول بأن التدخل لصالح اإلنسانية هو جانب من جوانب الدفاع عن النفس‪ ،‬ومن جهة‬ ‫أخرى زعمت هذه الدول بأن التدخل لصالح اإلنسانية يهدف إلى قواعد القانون الدولي‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن التدخل لصالح اإلنسا نية هو جانب من جوانب الدفاع عن النفس‪ :‬فقد اعتمدت الدول التي تذرعت بنظرية‬ ‫التدخل لصالح اإلنسانية‪ ،‬على قراءة قابلة للنظر لنص المادة ‪ 51‬من ميثاق هيئة األمم المتحدة‪ ،‬وهذه القراءة‬ ‫تتضمن حقيقة مفادها أن المادة ‪ 51‬المذكورة ال تبيح فقط اللجوء إلى القوة في حالة عدوان مسلح‪ ،‬وإنما حافظت‬ ‫أيضًا على قاعدة عرفية كانت موجودة قبل تبني ميثاق سان فرانسيسكو وهذه القاعدة العرفية تسمح لدولة من الدول‬ ‫بالتذرع بنظرية الدفاع عن النفس لحماية مواطنيها في الخارج (‪.)40‬‬

‫(‪ )39‬غسان الجندي‪ ،‬نظرية التدخل لصالح اإلنسانية في القانون الدولي العام‪ ،‬المجلة المصرية للقانون الدولي‪ ،‬الجمعية المصرية‬ ‫للقانون الدولي‪ ،‬عدد ‪ ،1987 ،34‬ص ‪ 162‬ـ ‪.167‬‬ ‫(‪ )40‬تعتبر هذه الفكرة من أفكار الفقيه البريطاني "‪ ،"Waldock‬وتعتمد على القرائن القانونية التالية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أنه خالل األعمال التحضيرية لمؤتمر سان فرانسيسكو لم يحتو أو لمشروع لصياغة ميثاق هيئة األمم المتحدة على المادة ‪ ،51‬وقد‬ ‫تم إدراج هذه المادة فيما بعد لتوضيح موقف هيئة األمم من معاهدات التحالف المشترك وحسب الفقيه "‪ "Waldock‬لم تهدف المادة‬ ‫‪ 51‬إلى تنظيم حق الدفاع عن النفس بشكل نهائي ‪ ،‬ويستند هذا االتجاه على تقرير مقرر لجنة فرعية تابعة للجنة األولى‪ ،‬حيث أشار‬ ‫هذا التقرير‪ ،‬بأن استخدام السالح للدفاع عن النفس هو أمر مقبول‪ ،‬وبدون أي تحديد‪.‬‬

‫‪Page 21 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫إال أن البعض يرفض هذه األطروحات‪ ،‬لعدة اعتبارات‪:‬‬ ‫أ ـ فيما يتعلق باعتماد هذا االتجاه الفقهي على األعمال التحضيرية‪ ،‬يجب قراءة تقرير مقرر اللجنة الفرعية المنبثقة‬ ‫عن اللجنة األولى‪ ،‬ضمن اإلطار العام لمعاهدة سان فرانسيسكو‪ ،‬فربط هذا التقرير باإلطار العام ينتهي إلى أن‬ ‫تحريم القوة يعتبر تحريمًا مطلقًا "الفقرة الربعة من المادة الثانية من الميثاق"‪ ،‬كما تم التوصل إلى اتفاق بأن أي‬ ‫استخدام للقوة ضمن نظرية الدفاع عن النفس ال يمكن أن يحدث بدون مجلس األمن‪.‬‬ ‫ب ـ إن اعتماد هذه المدرسة علي قضية "كارولين"‪ ،‬وعلى قضية إغراق السفن البريطانية لقطع األسطول الفرنسي‬ ‫التابع لحكومة "فيشي"‪ ،‬خالل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬من أجل استخراج قاعدة عرفية؛ تكرس نظرية الدفاع عن‬ ‫النفس االحتياطى‪ ،‬قبل تبني ميثاق هيئة األمم المتحدة‪ ،‬ومن المعروف أن أهم شروط تكوين العرف الدولي هو‬ ‫تكرار السوابق المتجانسة‪ ،‬وسابقة أو سابقتين ال يمكن أن تؤدى إلى تأسيس عرف دولي‪ ،‬إذ أوضحت محكمة العدل‬ ‫الدولية في حكمها الصادر في ‪ 31‬كانون األول ‪ 1951‬في قضية المصائد النرويجية‪ ،‬بأن قيام النرويج بإنشاء‬ ‫بحر إقليمي طوله ‪ 10‬أميال بحرية ال يشكل قاعدة عرفية‪.‬‬

‫‪2‬ـ االعتماد على قضية "كارولين" بين بريطانيا وبين الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ووقائع هذه القضية هي كالتالي‪ :‬قامت سفينة أمريكية‬ ‫بنقل السالح إلى متمردين كنديين‪ ،‬وردت القوات البريطانية على ذلك بإغراق السفينة‪ ،‬وطلبت الواليات المتحدة من بريطانيا تقديم‬ ‫تعويض نتيجة إغراقها لهذه السفينة‪ ،‬إال أن بريطانيا رفضت التعويض متذرعة بنظرية الدفاع عن النفس‪ ،‬وبعد التحاور اتفقت الدولتان‬ ‫على مبادئ الدفاع عن النفس‪ ،‬وهذه المبادئ هي الضرورة وانعدام أي خيار آخر‪ ،‬ويستند هذا االتجاه الغربي إلى قضية "كارولين"‪،‬‬ ‫إلعطاء الدول حق حماية مواطنيها في الخارج‪ ،‬فقد أوضح البروفسور "‪" :"Rolin‬بأن الدفاع عن النفس ال يقتصر على رد العدوان‬ ‫ضد أراضى دولة‪ ،‬وإنما يشمل حماية رعاياها في دولة أجنبية إذا تعرضوا للخطر‪ ،‬وفي حالة شلل السلطات المحلية في الدولة األجنبية"‪.‬‬ ‫‪3‬ـ تفسير الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق‪ ،‬تفسي ًار مفاده‪ ،‬أن التحريم باستخدام القوة الوارد في هذه المادة يختفي‪ ،‬في حالة‬ ‫شلل الباب السابع من ميثاق هيئة األمم المتحدة‪ ،‬المتعلق بإجراءات القسر الجماعي‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن استخدام القوة ضمن نظرية التدخل لصالح اإلنسانية ال يؤدي إلى انتهاك مبدأ التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي الوارد في‬ ‫الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق‪ ،‬وحسب االتجاه الفقهي ‪ ،‬والذي دافع عنه الفقيه األسترالي "‪ ،"Stone‬فإن الفقرة الرابعة من‬ ‫المادة الثانية من الميثاق‪ ،‬ال تحرم اللجوء إلى القوة إذا لم يؤدي استخدام القوة إلى انتهاك التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي لدولة‬ ‫ما‪.‬‬

‫‪Page 22 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫ومما يؤكد عدم استقبال القانون الدولي لنظرية الدفاع عن النفي االحتياطي‪ ،‬هو قيام و ازرة الخارجية األمريكية بحذف‬ ‫عبارة الدفاع عن النفس االحتياطي‪ ،‬التي وردت في خطاب الرئيس "كيندي" حينما فرض عقوبات اقتصادية على‬ ‫كوبا في تشرين األول ‪ ،1962‬خالل أزمة الصواريخ األمريكية ـ السوفيتية‪.‬‬ ‫ج ـ إن فكرة ربط تطبيق الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬بفعالية إجراءات القسر الجماعي‬ ‫الواردة في الميثاق‪ ،‬ال يمكن أن تجد دعماً كافياً ال في نصوص الميثاق وال روحه‪ ،‬إذ إن الفقرة الرابعة من المادة‬ ‫الثانية ال تقوم بهذا الربط‪ ،‬كما أن الدول التي وقعت على ميثاق سان فرانسيسكو‪ ،‬والتي كانت تتذكر بم اررة تجارب‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬أرادت تحريم كل استخدام فردي للقوة من قبل دولة ما "باسم أفكارها الخاصة بالعدالة‪ ،‬أو‬ ‫احتياجاتها األمنية الذاتية"‪ ،‬وألن محكمة العدل قد أوضحت في قضية مضيق "كورفو" في نيسان ‪ ،1948‬بأنه يعمل‬ ‫بقاعدة تحريم اللجوء إلى القوة مهما كانت النواقص الحالية لهيئة األمم المتحدة"(‪.)41‬‬ ‫د ـ إن القول بأن الفقرة الرابعة‪ ،‬من المادة الثانية من ميثاق هيئة األمم المتحدة تبيح استخدام القوة‪ ،‬إذا لم يؤد هذا‬ ‫االستخدام إلى انتهاك مبدأ التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي‪ ،‬هو قول مثير للجدل ويعاني من العديد من أوجه‬ ‫القصور (‪.)42‬‬ ‫(‪ )41‬غسان الجندى‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ 167‬ـ ‪.172‬‬ ‫(‪ )42‬ينبع هذا القصور من عدة اعتبارات‪:‬‬ ‫أ ـ أظهرت األعمال التحضيرية لمؤتمر سان فرانسيسكو أن عبارة التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي‪ ،‬الواردة في الفقرة الرابعة من‬ ‫بناء على إلحاح الدول الضعيفة في الحصول على ضمانات واضحة‪ ،‬لحماية حرمة أراضيها واستقاللها‬ ‫المادة الثانية‪ ،‬قد تم إدراجها ً‬ ‫السياسي‪ ،‬وبشكل يؤدي إلى القضاء على منفذ للعمليات العسكرية‪ ،‬التي يزعم أنها ال تؤدي إلى انتهاك التكامل اإلقليمي أو االستقالل‬ ‫السياسي‪ ،‬إذن يستخلص من نية واضعي ميثاق هيئة األمم المتحدة‪ ،‬رغبتهم في إغالق الباب على كل تدخل عسكري منفرد‪.‬‬ ‫ب ـ من الصعب توفيق هذا االتجاه الفقهي‪ ،‬مع توصيات الجمعية العمومية لهيئة األمم المتحدة‪ ،‬التي تحرم التدخل في الشئون الداخلية‪،‬‬ ‫فقد أوضحت التوصية رقم ‪ 2131‬حول عدم مشروعية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬مهما كان السبب في الشئون‬ ‫الداخلية أو الخارجية للدول األخرى بالنتيجة‪ ،‬فإن التدخل العسكرى وكل أنواع التدخل األخرى والتهديدات التي تمارس ضد شخصية‬ ‫الدولة‪ ،‬أو عناصرها السياسية واالقتصادية والثقافية‪ ،‬هي تصرفات مدانة"‪.‬‬ ‫وتم التأكيد على تحريم التدخل في الشئون الداخلية في التوصية رقم ‪ ،2625‬التي تشكل انجيل العالقات الودية بين الدول‪ ،‬ولقد أحست‬ ‫الجمعية العامة لهيئة األمم المتحدة بالحاجة إلى وضع تصريح عالمي يحرم التدخل في الشئون الداخلية‪ ،‬وبذلت منذ عام ‪،1976‬‬

‫‪Page 23 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫‪5‬ـ القول بإن التدخل لصالح اإلنسانية يهدف إلى توفير احترام القانون الدولي‪ :‬فقد استخدمت تنزانيا وفيتنام هذا‬ ‫المبرر للتدخل في أوغندا وكمبوديا‪ ،‬كما استندت بلجيكا على هذا المبرر للتدخل في الكونغو كينشاسا ‪ ،‬فقد أوضحت‬ ‫بأن القوات المتمردة في الكونغو قامت بانتهاكات واسعة النطاق‪ ،‬التفاقية جنيف الرابعة والتي تهدف إلى حماية‬ ‫المدنيين‪ ،‬ومن المعروف أنه بموجب المادة الثالثة من االتفاقية المذكورة‪ ،‬فإن أحكامها تطبق في نزاع مسلح‪ ،‬غير‬ ‫دولي‪ ،‬ينشب في أراضي دولة طرفاً في هذه المعاهدة‪.‬‬ ‫إال أن هذا الرأي ترد عليه مالحظتان أساسيتان‪:‬‬ ‫األولي‪ :‬أنه يخالف القواعد التقليدية للمسئولية الدولية‪ ،‬فمسألة الحق القانوني المتضرر‪ ،‬هي قضية ثنائية بين الدولة‬ ‫المقصرة والدولة الضحية‪ ،‬ويمكن دعم هذه القاعدة بحكم محكمة العدل الدولية الصادرة في عام ‪ ،1966‬في قضية‬ ‫جنوب غرب أفريقيا (‪.)43‬‬ ‫ويمكن لنظرية حديثة في القانون الدولي أن تعطي مبر ًار للدول التي تعتمد على انتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬في الدول‬ ‫األخرى التخاذ عدد من اإلجراءات المعنية ضد الدولة التي تنتهك هذه الحقوق‪ ،‬وهذه النظرية هي نظرية اإلجراءات‬ ‫المعاكسة‪ ،‬التي وردت في المادة ‪ 30‬من مشروع المعاهدة التي تقوم لجنة القانون الدولي بإعدادها‪ ،‬حول المسئولية‬ ‫الدولية‪ ،‬ومضمون هذه النظرية هو إضفاء المشروعية على رد فعل تقوم به دولة‪ ،‬نتيجة انتهاك دولة أخرى لقاعدة‬ ‫من قواعد القانون الدولي‪.‬‬

‫جهوداً مكثفة لوضع تصريح حول تحريم التدخل في الشئون الداخلية‪ ،‬وأدت هذه الجهود إلى تبني التوصية رقم ‪ 103/36‬من قبل‬ ‫الجمعية العمومية في ‪ 14‬كانون األول ‪ ،1981‬وفي أحدى فقرات التصريح المهمة‪ ،‬هناك إشارة تعتبر كل استغالل وتشويه تقوم به‬ ‫دولة لوقائع متعلقة بحقوق اإلنسان في دولة أخرى‪ ،‬بغية ممارسة ضغوط على هذه الدولة أو إرباكها‪ ،‬تدخالً في شئونها الداخلية‪.‬‬ ‫(‪ )43‬حيث رفضت محكمة العدل الدولية شكوى تقدمت بها ليبيريا وإثيوبيا ضد اتحاد جنوب أفريقيا‪ ،‬بسبب عدم احترام هذه الدولة‬ ‫التفاقية الوصايا‪ ،‬وقد أوضحت محكمة العدل الدولية‪ ،‬بأن الدولتين ال تملكان مصلحة مباشرة في توفير احترام أفريقيا الجنوبية التفاقية‬ ‫الوصايا‪ ،‬وإن احترام هذه االتفاقية مسألة ثنائية‪ ،‬بين جنوب أفريقيا وهيئة األمم‪ .‬وبالقياس على هذه القاعدة يمكن القول بإن الدولة التي‬ ‫لم تتعرض إلى ضرر‪ ،‬نتيجة المعاناة السيئة التي يعاني منها مواطنو دولة أخرى‪ ،‬ال يمكن لها أن تتذرع بنظرية التدخل لصالح‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬

‫‪Page 24 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫ولقد أعطت المادة ‪ 30‬مبر ًار لإلجراءات المعاكسة‪ ،‬التي تقوم بها عدد من الدول الغربية‪ ،‬مثل قيام الواليات المتحدة‬ ‫بفرض عقوبات اقتصادية في كانون األول ‪ ، 1981‬ضد بولندا بعد فرض األحكام العرفية فيها‪ ،‬أو العقوبات‬ ‫االقتصادية التي اتخذتها الدول األوروبية ضد األرجنتين في نيسان ‪ ،1982‬بعد احتاللها لجزر الفوكلند‪.‬‬ ‫إال أن استخدام نظرية اإلجراءات المعاكسة لتبرير العمليات العسكرية‪ ،‬تحت غطاء نظرية التدخل لصالح اإلنسانية‪،‬‬ ‫هو نوع من المثالية القانونية التي ال يمكن أن يكون لها حيز في القانون الدولي‪ ،‬فهذه النظرية تقتصر على إجراءات‬ ‫سلمية‪ ،‬مثل العقوبات االقتصادية‪ ،‬أو إنهاء العمل بمعاهدة‪ ،‬وال تشتمل على أعمال القسر العسكري (‪.)44‬‬ ‫وإذا كان الدفاع عن القواعد األساسية للقانون الدولي‪ ،‬من المؤشرات التي تدل على تقدم هذا القانون‪ ،‬إال أن هناك‬ ‫احتماال يحتوي على مجازفة وخيمة العواقب تتلخص بقيام الدول بتقليد نفسها لحق الدفاع عن القواعد األساسية‬ ‫للقانون الدولي‪ ،‬وهذا أمر غامض وال يمكن فصله عن اإلطار االستراتيجي والدبلوماسي القائم بين هذه الدول والدول‬ ‫التي تتخذ ضدها إجراءات معاكسة‪ ،‬كما أن اإلجراءات التي اتخذتها دول لم تتعرض إلى ضرر مباشر‪ ،‬ليست إال‬ ‫ممارسات قامت بها الدول الغربية‪ ،‬فما هي إال سوابق لعرف إقليمي‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬إن التدخل العسكري لصالح اإلنسانية‪ ،‬ال يتطابق مع المعاهدات الدولية‪ ،‬لحماية حقوق اإلنسان التي تنبذ‬ ‫فكرة استخدام القوة الحترام حقوق اإلنسان‪ ،‬فمعاهدة تحريم جرائم اإلبادة الجماعية التي اعتبرت اإلبادة الجماعية‬ ‫جريمة دولية‪ ،‬لم تشر إلى استخدام القوة ضد دولة عضو انتهكت المعاهدة‪ ،‬كما أن المعهد الدولي للحقوق االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬لم يكرس قاعدة اللجوء إلى القوة الحترام حقوق اإلنسان الواردة فيه‪ ،‬وإنما اقتصر فقط على وضع‬ ‫نظام للتقارير تقوم الدول األعضاء بإعدادها تتعلق بالخطوات التي قامت باتخاذها لتنفيذ العهد‪ ،‬والتقدم الذي تم‬ ‫الحترام الحقوق الواردة فيه‪ ،‬وترسل هذه التقارير إلى المجلس االقتصادي واالجتماعي لهيئة األمم المتحدة(‪.)45‬‬

‫(‪ )44‬يعتمد هذا التحليل على ما أوضحته لجنة التحكيم في حكمها الصادر في ‪ 9‬كانون األول ‪ ،1978‬في قضية اإلخالل بااللتزام‬ ‫في النقل الجوى بين فرنسا والواليات المتحدة‪ ،‬بأن اإلجراءات المعاكسة يجب أن تفهم دون اللحاق الضرر بالقواعد العامة للقانون‬ ‫الدولي المتعلقة بالقسر العسكري‪.‬‬ ‫(‪ )45‬غسان الجندي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ 167‬ـ ‪.179‬‬

‫‪Page 25 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬مشروعية التدخل ملساندة ثورة يف إقليم دولة‬ ‫أخرى‬ ‫من القضايا األخرى التي يثيرها التدخل الدولي في إطار العالقات الثنائية‪ ،‬مشروعية التدخل لمساندة ثوار في إقليم‬ ‫دولة أخري‪ ،‬فقد انقسم الفقه الدولي في هذا الشأن إلى فرعين‪ ،‬اتجه األول إلى جواز الخروج على مبدأ عدم التدخل‪،‬‬ ‫لصالح الثوار في دولة أخرى‪ ،‬ولكن بشروط معينه‪ .‬وذهب الثاني إلى عدم مشروعية الخروج على مبدأ عدم التدخل‬ ‫على اإلطالق‪:‬‬ ‫االتجاه األول‪ :‬عدم جواز التدخل لصالح الثوار‪:‬‬ ‫يؤسس هذا الفريق المعارض لمبدأ التدخل لصالح الثوار رأيه على أن القانون الدولي التقليدي ينظر إلى الثورات أو‬ ‫الحروب األهلية من حيث المبدأ‪ ،‬على أنها مسألة داخلية بعيدة عن إطار القانون الدولي‪ ،‬ألن االختالف بين الثورة‬ ‫والعصيان والتمرد والحرب األهلية‪ ،‬اختالف في الشكل والدرجة لكنها جميعًا تتفق في غاية واحدة‪ ،‬وهي إحداث‬ ‫تغيير في المؤسسات أو السياسات لحكومة قائمة‪ ،‬ولذلك فإن القانون الدولي يحظر كل تدخل يهدف إلى إثارة‬ ‫الحروب األهلية أو التشجيع عليها في دولة أخرى‪.‬‬ ‫ال غير مشروع‪ ،‬ألنه يتعارض مع حق الشعوب في‬ ‫وترتيبًا على ذلك‪ ،‬يعتبر التدخل لصالح الثوار أو ضدهم عم ً‬ ‫اختيار نظام الحكم فيها‪ ،‬الذي تقبله وترتضيه‪ ،‬وإن األولى بالدول األجنبية أن تقف من الثورة أو الحرب األهلية‬ ‫موقف الحياد‪ ،‬حتى ينتهي النضال وينجلي الموقف (‪.)46‬‬ ‫كما ينتقد هذا الفريق االتجاه‪ ،‬الذي يسمح بمساعدة الثوار‪ ،‬وذلك لما تالقيه تلك المساعدة من معارضة ورفض‬ ‫دولي‪ ،‬األمر الذي أكدته الممارسات الدولية‪ ،‬كما ورد بمذكرة الخارجية الفرنسية عام ‪ ،1935‬من ضرورة االلتزام‬ ‫باالمتناع المفروض على الدول في الحروب األهلية‪ ،‬التي تتمثل في حظر الدعاية المدمرة ضد حكومة أجنبية‪،‬‬

‫(‪ )46‬د‪ .‬على صادق أبو هيف‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.224‬‬

‫‪Page 26 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫وحظر االعتراف بالصفة الرسمية لممثلي الثوار‪ ،‬وكذلك حظر إمدادهم بمعونة أو تدريب‪ ،‬ألن ذلك يشكل اعتداءًا‬ ‫على سيادة الدولة‪ ،‬وخروجًا على مبدأ عدم التدخل (‪.)47‬‬ ‫ويؤيد أصحاب هذا ال أري موقفهم‪ ،‬بما قننته المعاهدات الدولية في هذا الشأن‪ ،‬ومن ذلك إدانة مؤتمر باريس عام‬ ‫‪ ،1869‬لكل أشكال المحاباة تجاه الفرق الثورية‪ ،‬وإعداد أو تأييد ثورة ضد حكومة أجنبية‪ .‬وكذلك ما اتجهت إليه‬ ‫منظمة األمم المتحدة‪ ،‬عندما اعتبرت أن المساعدة المقدمة من كل من ألبانيا وبلغاريا ويوغوسالفيا للثوار في اليونان‬ ‫بين (‪1946‬ـ‪ )1949‬وبين (‪1959‬ـ‪ )1962‬ال تتفق وقواعد الميثاق‪.‬‬ ‫وقد تأكد موقف األمم المتحدة في هذا الشأن‪ ،‬عندما رفضت الجمعية العامة لألمم المتحدة‪ ،‬االستناد لفكرة حرب‬ ‫التحرير الوطنية‪ ،‬إلعطاء الحق لحركة المقاومة األفغانية ضد الوجود السوفيتى في التمايز‪ ،‬وإخراج النزاع من الشأن‬ ‫الداخلي ألفغانستان‪.‬‬ ‫ويذهب أغلب الفقهاء العرب‪ ،‬إلى مناصرة هذا االتجاه الرافض لمبدأ التدخل‪ ،‬تحت ذريعة مساعدة الثوار في دولة‬ ‫أخرى‪ ،‬مؤكدًا على‪" :‬أن قيام ثورة في دولة ما‪ ،‬يعد من األمور الداخلية‪ ،‬فإذا نجحت وفرضت سيطرتها بذاتها وبدون‬ ‫عون خارجي‪ ،‬أصبحت حكومة هذه الدولة‪ ،‬وللدول األخرى أن تتعامل معها بعد االعتراف بها‪ .‬أما إذا فشلت‪،‬‬ ‫استمر نظام الحكم الذي كان قائمًا وهو الحكومة الشرعية للدولة (‪.)48‬‬ ‫االتجاه الثانى‪ :‬جواز التدخل لصالح الثوار‪:‬‬ ‫اختلف أصحاب هذا االتجاه فيما بينهم حول سند كل منهم في تبرير مساندة الثوار‪ ،‬فذهب فريق‪ ،‬إلى مشروعية‬ ‫مساندة الطرف الثائر‪ ،‬ولكن بشرط أن تكون ل ه منظمة عسكرية ومدنية كافية‪ ،‬تبدأ ممارسة اختصاصات الحكم‬ ‫على اإلقليم والسكان‪ ،‬في ظل انحسار فاعلية الحكومة‪.‬‬

‫(‪ )47‬د‪ .‬محمد مصطفى يونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫(‪ )48‬د‪ .‬عبد العزيز سرحان‪ ،‬الغزو العراقى للكويت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 16‬وما بعدها‪ ..‬كما ذهب الدكتور "على صادق أو هيف"‪،‬‬ ‫إلى اعتبار‪" :‬إن التدخل إلى جانب أى من الفريقين عمل غير مشروع؛ ألنه يتعارض مع حق الشعوب في اختيار نظام الحكم الذي‬ ‫ترتضيه"‪ .‬أنظر‪ :‬د‪ .‬على صادق أبو هيف القانون الدولي العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.210‬‬

‫‪Page 27 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫وذهب آخر إلى التمييز بين "الحرب األهلية" التي تهدف إلى اإلطاحة بالسلطة الحاكمة‪ ،‬وتلك التي يحاول جزء من‬ ‫السكان إعمال حق تقرير المصير‪ ،‬ففي الحالة األولى يتسم النزاع بالصبغة الداخلية ويستبعد كل تدخل‪ ،‬بما فيه‬ ‫التدخل لصالح الحكومة القائمة‪ .‬بينما في الحالة الثانية‪ ،‬فيتسم النزاع بالصيغة الدولية‪ ،‬حينئذ تحظر كل مساعدة‬ ‫للحكومة‪ ،‬على حين يحق لكل دولة بموجب القانون الوصفي الساري بمساعدة الثوار‪ ،‬وذلك بإعمال تفسيرها الخاص‬ ‫لوقائع الحالة‪.‬‬ ‫ويرى فريق ثالث أن القاعدة في هذا الشأن‪ ،‬هي إعمال مبدأ عدم التدخل‪ ،‬غير أن االستثناء قد تحتمه مسألة تطور‬ ‫أمور تلك الثورة وأعمالها‪ ،‬التي قد تضر بسالمة وأمن دولة أخرى‪ ،‬حينئذ يجوز لتلك األخيرة التدخل‪ ،‬إذا ما نشأ عن‬ ‫تلك األحداث أضرار بحقوقها وسالمتها (‪.)49‬‬ ‫وإلى ذلك ذهب "جنينة"‪ ،‬مؤكدًا على‪" :‬أن قيام ثورة داخل دولة‪ ،‬ال يبيح لدولة أخرى التدخل في شؤونها‪ ،‬مادام أن‬ ‫ما للدولة من حق البقاء والصيانة‪ ،‬ال يهدده قيام الثورة الداخلية في الدولة األخرى"(‪.)50‬‬ ‫ومن ذلك يتضح‪ ،‬أن الفريقين اتفقا على أن القاعدة هي إعمال مبدأ عدم التدخل‪ ،‬وعلى حين رفض الفريق األول‬ ‫اعتبار مساندة الثوار استثناءاً على هذه القاعدة‪ ،‬فإن الفريق الثانى قد وضع شروطًا معينة حتى يمكن اعتبار مساندة‬ ‫الثوار بمثابة استثناء على مبدأ عدم التدخل‪.‬‬ ‫ولقد انتهى مجمع القانون الدولي‪ ،‬في دورته التي عقدت بواشنطن عام ‪ ،1973‬إلى امتناع الدول عن التدخل لصالح‬ ‫أى طرف من أطراف الحرب األهلية أو مساعدته‪ ،‬باستثناء المساعدات ذات الطابع اإلنساني‪ ،‬وذلك بعد أن عرف‬ ‫المجمع الحروب األهلية بأنها النزاعات المسلحة التي تقع على إقليم إحدى الدول ما بين حكومة هذه الدولة وواحدة‬ ‫أو أكثر من حركات العصيان المسلح‪ ،‬التي تهدف إلى قلب نظام الحكم‪ ،‬أو تغييره أو االنفصال عن الدولة أو‬ ‫تحقيق الحكم الذاتي على جزء منها‪ ،‬أو قيام حالة حرب بين طائفتين أو أكثر من طوائف الدولة‪ ،‬بغية الوصول إلى‬ ‫السلطة في ظل غياب سيطرة الحكومة على مقاليد األمور‪.‬‬

‫(‪ )49‬د‪ .‬محمد مصطفى يونس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 45‬ـ ‪.46‬‬ ‫(‪ )50‬د‪ .‬محمد سامي جنينة‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،1938 ،3‬ص ‪.199‬‬

‫‪Page 28 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫ولكن المساعدات تكون واجبة على الدول لحركات التحرير الوطنية‪ ،‬التي تقاوم االستعمار واالحتالل‪ ،‬وذلك طبقًا‬ ‫للبروتوكول األول عام ‪ ،1977‬الملحق باتفاقيات جنيف لعام ‪ ، 1949‬باعتبار أن حروب التحرير تعتبر ضمن‬ ‫النزاعات المسلحة الدولية (‪.)51‬‬ ‫وبالتطبيق علي حالة العراق والكويت عام ‪ ، 1990‬والتي ادعي فيها العراق مشروعية تدخله في الكويت‪ ،‬لمناصرة‬ ‫الثورة التي قامت فيها‪ ،‬وطلب قادتها مساعدته‪ ،‬فإنه على ضوء نصوص مواثيق وإعالنات المنظمات الدولية‪ ،‬يتضح‬ ‫فساد وبطالن االدعاء العراقي في تبرير واقعة الغزو‪ ،‬خاصة وأن أشد اآلراء تأييدًا لحق التدخل لمساعدة الثور قد‬ ‫وضع قيودًا وشروطًا‪ ،‬لم يتوفر أيًا منها في حالة ثورة الكويت التي يدعيها العراق‪ ،‬فلم تكن هناك ثمة اضطرابات‬ ‫داخل الكويت‪ ،‬أو حرب أهلية بين حكومة الكويت وأي جماعة ثورية‪ ،‬كذلك لم يكن األمر داخل دولة الكويت يشكل‬ ‫نوعاً من نضال شعبها ضد حكومة تلك الدولة‪.‬‬ ‫بل إن افتراض قيام تلك الثورة لم يشكل أي مخاطر أو اضطرابات تمس أمن وسيادة واستقالل العراق حتى يستطيع‬ ‫التدخل في الشأن الكويتى‪ ،‬األمر الذي يعد معه فعل الغزو العراقي للكويت عمالً من أعمال العدوان‪.‬‬ ‫وإذا كان من الثابت أن القانون الدولي العام يتضمن مجموعة من المبادئ‪ ،‬التي من شأن تطبيقها واحترامها أن‬ ‫تسود العالقات السلمية والودية بين األمم والشعوب‪ ،‬يأتي على رأسها مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية والخارجية‬ ‫للدولة‪ ،‬فإن مبدأ "حسن الجوار" يشكل مع مبدأ عدم التدخل وجهين لعملة واحدة‪ ،‬يستحيل الفصل بينها من الناحية‬ ‫القانونية البحتة‪.‬‬ ‫وحسن الجوار ينطوي بالضرورة على عدم تدخل في شؤون الدول المجاورة‪ ،‬وعدم التدخل يفترض حسب المجرى‬ ‫العادي لألمور أن الدول المتجاورة تحترم بعضها البعض‪ ،‬بالشكل الذي يجعل العالقات بينهما تسير في اتجاه النمو‬ ‫والتعاون على حل المشكالت ذات االهتمام المشترك (‪.)52‬‬

‫(‪ )51‬د‪ .‬عبد العزيز سرحان‪ ،‬نظرية الدولة في القانون الدولي واإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.152‬‬ ‫(‪ )52‬د‪ .‬على إبراهيم‪ ،‬المفاوضات العراقية اإليرانية ومستقبل السالم في الخليج‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عدد ‪ ،299‬يناير‬ ‫‪ ،1990‬ص ‪.52‬‬

‫‪Page 29 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫وعلى ذلك‪ ،‬ال يكون العراق قد انتهك مبدأ عدم التدخل حسب‪ ،‬بل ـ وفي نفس الوقت ـ قد عصف بمبدأ حسن الجوار‪،‬‬ ‫الذي يشكل أحد أعمدة التنظيم الدولي المعاصر‪ ،‬والتي يجب احترامها من قبل أعضاء المجتمع الدولي (‪.)53‬‬ ‫خاتمة الدراسة‬ ‫لقد أصبح مبدأ عدم التدخل عنص ًار قانونيًا هامًا في ميثاق األمم المتحدة الصادر عام ‪ ،1945‬وفي العديد من‬ ‫الق اررات الصادرة عنها في هذا الشأن‪ ،‬فقد أقرت المادة (‪ ) 1/2‬من الميثاق صراحة بمبدأ المساواة القانونية بين الدول‬ ‫األعضاء بقولها "تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها"‪.‬‬ ‫كما أن المادة (‪ )4/2‬التي تنص على أن "يمنع أعضاء الهيئة جميعًا في عالقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال‬ ‫القوة أو استخدامها ضد سالمة األراضي أو االستقالل السياسي ألية دولة أو على وجه آخر ال يتفق ومقاصد األمم‬ ‫ال على االستقالل السياسي والوحدة اإلقليمية للدول األخرى‪.‬‬ ‫المتحدة"‪ ،‬فسرت بأن على الدولة أال تحدث تعدي ً‬ ‫كذلك فإن المادة (‪ )7/2‬التي تنص على "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ لألمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي‬ ‫تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما‪ ،‬وليس فيه ما يقتضي األعضاء أن يعرضوا مثل هذا ألن تحل بحكم‬ ‫هذا الميثاق‪ ،‬على أن هذا المبدأ ال يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع"‪ ،‬ويالحظ على هذا المبدأ‬ ‫أنه قد قصد أن يكون عامًا يسري على جميع وجوه نشاط األمم المتحدة وسائر فروعها‪ ،‬وبذلك يقيد من تدخل الهيئة‬ ‫في الشؤون االقتصادية واالجتماعية للدول األعضاء حتى ال تصبح هذه الهيئة دولة عالمية أو كيانًا يعمل لصالح‬ ‫مجموعة من األعضاء‪.‬‬ ‫كما أخذت لجنة القانون الدولي لألمم المتحدة في مشروعها الخاص بحقوق وواجبات الدول عام ‪ 1947‬بهذا ال أري‬ ‫عندما نصت المادة (‪ ) 3‬على أنه‪" :‬يجب االمتناع عن أي تدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى"‪.‬‬ ‫وقد حاولت الدول الضعيفة استغالل هذا المبدأ لتحوله إلى قاعدة قانونية دولية مطلقة‪ ،‬من خالل إصدار الجمعية‬ ‫العامة عددًا من اإلعالنات منها‪ :‬إعالن عدم جواز التدخل في الشؤون للدول وحماية استقاللها وسيادتها رقم‬ ‫(‪ )2131‬لعام ‪.1965‬‬

‫(‪ )53‬عمرو رضا بيومي ‪ ،‬نزاع أسلحة الدمار الشامل للعراق ـ دراسة لآلثار القانونية والسياسية واالستراتيجية لحرب الخليج الثانية‪ ،‬رسالة‬ ‫دكتوراه في القانون‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،2000 ،‬ص ‪ 37‬ـ ‪.40‬‬

‫‪Page 30 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


‫‪May 24, 2019‬‬ ‫كما أصدرت الجمعية العامة إعالن مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعالقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق‬ ‫األمم المتحدة رقم (‪ )2625‬لعام ‪ 1970‬الذي تضمن مبدأً خاصًا بواجب عدم التدخل في الشؤون التي تكون من‬ ‫صميم الوالية القومية للدولة‪.‬‬ ‫وأصدرت الجمعية العامة إعالن عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية بجميع أنواعه رقم (‪ )103/36‬لعام ‪،1981‬‬ ‫وقد تضمن هذا اإلعالن مبدأ عدم التدخل‪ ،‬فحدد حقوق الدول في السيادة واالستقالل وحرية اختيار نظامها السياسى‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬باإلضافة إلى حقها في تملك المعلومات بحرية‪ ،‬ثم حدد واجبات الدول في االمتناع عن جميع أشكال‬ ‫التدخل التي تهدد حقوقها‪.‬‬ ‫ومن حيث القضايا واإلشكاليات التي يثيرها مبدأ التدخل الدولي‪ :‬انتهي الباحث إلي أن أهم هذه القضايا تتمثل في‬ ‫طبيعة العالقة بين التدخل والسيادة‪ ،‬فرغم أن مبدأ السيادة من المبادئ األساسية في تكوين الدول‪ ،‬ومازال يشكل‬ ‫حجر الزاوية في بنية القانون الدولي ‪ ،‬فإن التغيرات والتحوالت الدولية أدت إلى تغير مفهومه التقليدي‪ ،‬وأبرزت‬ ‫التفرقة بين المفهوم القانوني القائم على المساواة القانونية بين الدول وحقها في االستقالل وإدارة شؤونها بحرية في‬ ‫بناء على ما تحوز عليه‬ ‫المجالين الداخلي والدولي‪ ،‬والمفهوم السياسي القائم على الممارسة الفعلية لمظاهر السيادة ً‬ ‫ال كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة‪،‬‬ ‫الدولة من إمكانيات يوفرها التقدم العلمي والتكنولوجي‪ ،‬مما يعني أن هناك دو ً‬ ‫كما غيرت مفهوم السيادة المطلقة وجعلته نسبياً‪.‬‬ ‫كما أنه أمام التطورات الدولية‪ ،‬تراجع مفهوم السيادة من صيغته المطلقة إلى صيغ نسبية‪ ،‬بحيث يصبح وسيلة‬ ‫وليس غاية‪ ،‬ويعمل على تحقيق الخير العام الداخلي والدولي باعتبار اإلنسان الهدف األسمى له‪ ،‬ولم تعد السيادة‬ ‫مبر ًار النتهاك حقوق اإلنسان األساسية‪ ،‬السيما أن الدولة ملتزمة في ممارستها لمظاهر سيادتها بالقانون الدولي وما‬ ‫يتضمنه من التزامات تفرض عليها احترام حقوق اإلنسان (‪.)54‬‬

‫(‪ )54‬اآلراء الواردة تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات‪.‬‬

‫‪Page 31 of 31‬‬ ‫‪www.eipss-eg.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.