تقارير
0
نوفمبر 2017
May 24, 2019
التدخل اإلنساني يف ضوء االتفاقيات اإلقليمية والثنائية د .عبد الله محمود ت شكل المنظمات الدولية إحدى األدوات الدولية التي كانت ومازالت من صناعة الدول ،والتي اتفقت الدول على العمل من خاللها على تنمية العالقات وتطوير التعاون فيما بينها في العديد من مناحي الحياة .ومن هنا جاءت أهمية المواثيق التي تحكم عمل هذه المنظمات ،سواء فيما بينها وبين الدول األعضاء الذين يدخلون في عضويتها، أو غيرها من الدول والمنظمات األخرى .كما أن المنظمات الدولية ال تخرج من حيث أهدافها ،عن كونها منظمات سياسية ،أو منظمات متخصصة ..عالمية أو إقليمية.. ومنذ تناول الفقه التنظيم الدولي بالدراسة والتحليل ألهميته ،خاصة من الناحية القانونية ،فقد أثار موضوع التمييز بين المنظمات العالمية واإلقليمية ،في القانون الدولي الكثير من الجدل ،ألنه وإن كان مدلول العالمية يعني شمول دول العالم أجمع ،أو على األقل قابليته ألن يشمل تلك الدول ،فإن اإلقليمية تحتاج إلى شيء من التمحيص. فاإلقليمية عند البعض وحدة أرضية تضم مصالح مترابطة ،بينما يري البعض اآلخر أن الظروف هي التي تحدد مقصود اإلقليم في كل حالة على حدة ،أي أنه ال يمكن وضع قواعد لتحديد اإلقليمية ،بل يرجع في ذلك إلى االتفاق اإلقليمي ،وبذلك ال يتقيد هذا الفريق بالمعنى الجغرافي للفظ إقليمية ،بينما قال فريق ثالث إن ه يجب أن يفهم تعبير اإلقليمية في مجال القانون الدولي على أنه يعني جزءًا من كل ،أي يعني القانون الذي يضم بعض دول العالم، وليس جميعهاً ،وذلك على أساس أن كلمة "إقليم" مهما اتسع مدلولها الجغرافي فهي تشير إلى جزء من كل ،وهو الكرة األرضية (.)1 وحتى يمكن تناول طبيعة التدخل الدولي في إطار االتفاقيات اإلقليمية والثنائية ،فقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى مبحثين :المبحث األول :التدخل الدولي في ضوء االتفاقيات اإلقليمية ،المبحث الثاني :التدخل الدولي في ضوء االتفاقيات الثنائية.
( )1د .محمد طلعت الغنيمي ،مرجع سابق ،ص .256
Page 1 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019
املبحث األول :التدخل الدولي يف ضوء االتفاقيات اإلقليمية تأتي أهمية تناول طبيعة التدخل الدولي ومدي مشروعيته في إطار االتفاقيات والمنظمات اإلقليمية ،من كون التعاون اإلقليمي في معظم الحاالت يزيد بس بب حاجة يحس بها اإلقليم لمقاومة نفوذ خارجي ،كما يجري التعاون اإلقليمي بين دول متقاربة في نظمها السياسية وفي خلفيتها الثقافية واالقتصادية ويزيد التعاون بين الدول التي يكمل بعضها بعضًا ،حيث أن التجانس مصدر هام لقوة المنظمات اإلقليمية ،ولذلك تتميز بعض هذه المنظمات بدرجة أكبر من القوة والفاعلية .وكلما زاد التجانس زادت قوة المنظمة اإلقليمية ،وهذا من شأنه التأثير على الحد من الصراعات المسلحة ،وكذلك يمكنها من االتفاق بصورة أكثر فاعلية حول مبدأ عدم التدخل الدولي ،خاصة إذا منحت فرصتها بعيدًا عن هيمنة الدول الكبرى والتدخالت الخارجية (.)2 فالمنظمات اإلقليمية شأنها شأن األمم المتحدة ،نصت مواثيقها على مبدأ عدم التدخل الدولي في شئون الدول األخرى ،وهو ما يمكن تناوله في العرض اآلتي: أوالً :ميثاق منظمة الدول األمريكية: تعرضت منظمة الدول األمريكية في ميثاقها للتدخل الدولي من خالل المادة ،15والتي تنص على :أنه "ليس ألي دولة ،أو مجموعة من الدول ـ الحق في التدخل بطريق مباشر أو غير مباشر ،ألي سبب كان ،في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى ،وال يمنع المبدأ السابق استخدام القوة المسلحة فحسب ،بل يمنع أيضًا أي صورة من صور التدخل ،أو محاولة االعتداء على شخصية الدولة ،أو على إحدى العناصر السياسية أو االقتصادية ،أو الثقافية التي تكونها". وتوضح المادة 16من ميثاق المنظمة األمريكية حظر التدخل بقولها" :ليس ألي دولة أن تطبق ،أو تعد العدة التخاذ وسائل تعسفية ذات صفة اقتصادية أو سياسية إلكراه دولة أخرى ،والحصول منها على امتيازات من أى نوع كان".
( )2د .محمد مصطفى يونس ،قانون التنظيم الدولي :الجزء األول ـ الهيكل التنظيمي للمنظمات الدولية ،القاهرة ،دار النهضة العربية، ،1986ص 46ـ .48
Page 2 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 كذلك أكدت اللجنة القانونية المشتركة لدول أمريكا الالتينية ،على أن بعض األعمال ال يجوز إتيانها من قبل الدول األمريكية ضد غيرها من الدول األخرى ،ألن ذلك يعد غير مشروع ومن هذه األعمال: أ ـ السماح بتهريب األسلحة وأدوات الحرب التي يقصد بها إثارة القالقل واالضطرابات والفتن ،وتشجيع أو تغذية الحروب األهلية في دول أمريكية. ب ـ التزويد ألي سبب سابق باألسلحة أو قطع الغيار ألشخاص أو جماعات أخرى ،ويكون بقصد توجيهها لألعمال السابق ذكرها. ج ـ تشجيع حركات االنفصال أو التمرد في دولة أمريكية ،حتى ولو كانت ضد حكومة غير معترف بها. د ـ األعمال التي من شأنها االعتراض على تشكيل حكومة من دولة أخرى ،سواء تم ذلك االعتراض بصورة مباشرة أو غير مباشرة (.)3 وجاءت اللجنة القانونية المشتركة وفسرت ما جاء في "م "15من ميثاق المنظمة حيث عددت مجموعة من التصرفات، واألعمال الدولية التي ال يجوز إتيانها من قبل الدول األمريكية في مواجهة بعضها ألنها تشكل تدخالً في شئون الدول األخرى ،خاصة أوقات األزمات الداخلية أو النزاعات المسلحة ،مثل السماح بتهريب األسلحة لبث القالقل واالضطرابات والفتن في الدول األخرى .أو تغذية الحروب األهلية في إحدى الدول األمريكية ،حيث أن ذلك يمثل خط اًر مباش اًر على الدول األخرى. ولم يقف األمر عند عدم التدخل في الصراعات المسلحة ،بل إ ن المنظمة أكدت على أنه ال يجوز مساعدة أى أشخاص أو جماعات تسعى إلى التمرد على الدولة حتى لو كانت هذ ه الجماعات تتمرد على حكومة غير معترف بها .كذلك ال يجوز لدولة ما في المنظمة األمريكية أن تعترض بشكل مباشر أو غير مباشر على تشكيل حكومة في دولة ما من الدول األمريكية. وما جاء في "م "15من ميثاق منظمة الدول األمريكية ،وكذا ما تم تفسيره في تقرير اللجنة القانونية المشتركة لدول أمريكا الالتينية ،يعد أكثر وضوحًا لبيان األعمال التي تعد تدخالً غير مشروع .وهي تعد بحق أكثر تقدمًا من "م "7/2الواردة في ميثاق األمم المتحدة ،ألن هذا الموقف األمريكي من مبدأ عدم التدخل الدولي في شئون الدول
( )3د .علي إبراهيم ،مرجع سابق ،ص .436
Page 3 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 إذا صاحبته آليات إقليمية فاعلة تضع هذه القواعد موضع التنفيذ ،فإن ذلك مما ال شك فيه ،سيأتي باالستقرار على المستوى اإلقليمي ألنه يعبر عن رغبة إقليمية لها تاريخها ،خاصة في عالقة الدول األمريكية ببعضها ،كما أكدت على ذلك اتفاقية مونتفيديو عام .1933 وعلى الرغم من هذا التقدم ،إال أن عدم وجود تعريف جامع مانع للتدخل الدولي في ميثاق بوجوتا ـ ميثاق منظمة الدول األمريكية ـ فإن ذلك قد يكون له أثره في إمكانية فتح الباب أمام التدخل العتبارات سياسية ،وهو ما أكدته األحداث والواقع عندما تدخلت الواليات المتحدة األمريكية في نيكاراجوا ،1984لتأييد قوات الكونت ار ضد الحكومة المركزية ،وكذا تدخلها في هايتي عام 1994للعمل على عودة الرئيس "أريستيد" للسلطة وعزل العسكريين عنها. وال تكاد تنقضي حقبة من الزمان حتى تشكو دولة أمريكية ،من تدخل دولة أمريكية أخرى في شؤونها ،بل إن االنقالبات العسكرية المتوالية ،التي تهز الحياة السياسية في القارة األمريكية ،تعد أكثر ما تعد في دولة مجاورة للدولة التي يراد أن يقع االنقالب فيها ،ضاربة بذلك عرض الحائط مبدأ عدم التدخل ،الذي أريد به أن يكون ركنًا من أركان العالقات الدولية بين الدول األمريكية (.)4 ثانياً :ميثاق منظمة الوحدة األفريقية: تعرض ميثاق منظمة الوحدة ألفريقية لمبدأ عدم التدخل ،حيث نصت م 2/3منه" :على أنه من المبادئ التي تقوم عليها المنظمة ،عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول األعضاء" .كما أن م 3/3تنص على" :أنه يجب احترام سيادة كل دولة ،وسالمة أراضيها وحقها الثابت في كيانها المستقل" .وكذلك م 5/3تنص على" :أنه يجب االستنكار مطلقًا ألعمال االغتيال السياسي في جميع الصور ،وكذلك ألوان النشاط الهدام التي تقوم بها الدول المجاورة أو أي دولة أخرى". كما أن المنظمة في قمتها الثانية "بأكرا" في أكتوبر عام ،1965أصدرت قرارها رقم 27لبعض الصور واألنشطة التخريبية ،التي ربط الميثاق بينها وبين عدم التدخل ،حيث أكد القرار المشار إليه على خمسة أنواع من األنشطة التخريبية ،ومنها التشجيع والتحريض لالنقسام ،والنزاع الداخلي في الدول األفريقية باستخدام االختالفات القائمة على
( )4د .بطرس غالي ،التدخل العسكري األمريكي والحرب الباردة ،السياسة الدولية ،مركز األرام للدراسات السياسية واالستراتيجية، القاهرة ،عدد ،7يناير ،1967ص 8ـ .9
Page 4 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 أساس الدين أو العنصر أو اللغة ،والعمل على تعميق الخالفات السالف ذكرها .وانتهت القمة ،إلى عدم مشروعية هذه التصرفات على اعتبار أنها تدخل في شئون الدول األخرى (.)5 وأكدت المنظمة من خالل تطبيق ميثاقها ونصوصه ذات الصلة عل أن التدخل الدولي غير مشروع في الظروف العادية ،ويكون عدم مشروعيته أشد في ظروف النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي .والمنظمة األفريقية وأن كانت أقل حسماً ،في تحديد موقفها من التدخل الدولي ،عما قالت به منظمة الدول األمريكية ،إال أنها تظل أكثر وضوحاً من األمم المتحدة ،في مجال تحديد مبدأ عدم التدخل الدولي ،غير أن ذلك ال يمنع من القول بأنها مازالت في حاجة إلى مزيد من الخطوات لتحديد موقفها بدقة وبصورة أكثر وضوحًا من مبدأ عدم التدخل الدولي. وفي مؤتمر أديس أبابا تكلم أكثر من مسئول عن ضرورة احترام مبدأ عدم التدخل .فقال "هوفويه بواني" رئيس جمهورية ساحل العاج" :إن ما نعتبره مخالفاً لروح الوحدة التي تحركنا جميعًا هو االغتيال ،أو القتل المدبر في الخارج ،أو الذي تشترك فيه دولة أجنبية بصورة خفية ،وذلك بغية قلب حكومة أو نظام حكم ال يلقى تأييد الدول األفريقية التي تدبر أو تشجع مثل هذه األعمال ،ومن ثم يتعين على مؤتمرنا أن يحدد سياسة مشتركة نتبعها في مثل هذه الحاالت .ويجب أن تكون هذه السياسة واضحة تمامًا لهؤالء األخوة المزيفين حتى ال تنزلق أفريقيا ،فنغرق ال كثيرة نتيجة لتحريض بعض الطموحين المتعطشين للشهرة ،وهذا ما في مثل هذه الثورات التي طالما مزقت دو ً يأتي دائماً على حساب الجماهير المجاهدة التي تغرق بالتالي في الفقر والبؤس ،وهي النتائج الحتمية لمثل هذه االضطرابات". كذلك قال "تافاوا باليو" رئيس وزراء نيجيريا حينذاك" :إ ننا ال نستطيع أن نحقق الوحدة طالما أن بعض الدول األفريقية ال تزال تمارس أوجه نشاط هدام في دول أفريقية أخرى". ولم يمض على هذه التصريحات ،وعلى ميثاق أديس أبابا وقت طويل حتى تجاهلت الدول األفريقية مبدأ عدم التدخل ،وانقسمت إلى فريقين :فريق يتدخل في الكونغو ليساند حكومة "ليموبولد فيل" وفريق يتدخل ليساند حكومة "ستانلي فيل"(.)6
( )5د .ممدوح شوقي مصطفى ،مرجع سابق ،ص 326ـ .328 ( )6د .بطرس غالي ،التدخل العسكري األمريكي والحرب الباردة ،مرجع سبق ذكره ،ص 8ـ .9
Page 5 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 3ـ ميثاق جامعة الدول العربية: نصت "م "8من ميثاق جامعة الدول العربية الذي تحرر في 22مارس ،1945في مدينة القاهرة ،على "أن تحترم كل الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة األخرى ،وتعتبره حقًا من حقوق تلك الدول وتتعهد بأن ال تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها"(.)7 وباالطالع على مواد الميثاق نجد أنه لم يتعرض لمبدأ عدم التدخل الدولي بصورة واضحة ،كما جاء في ميثاق األمم المتحدة في م 7/2منه ،أو ميثاق منظمة الوحدة األفريقية في "م "3منه ،أو ميثاق منظمة الدول األمريكية "م "15منه والتي تعد أكثرها تقدماً ،ألنها نصت على مشروعية التدخل المباشر أو غير المباشر ،في شئون الدول األخرى. ولما كان ميثاق الجامعة العربية لم يتصد لمبدأ عدم التدخل الدولي ،إال بصورة غير مباشرة من خالل "م "8ألنها أكدت على عدم جواز التدخل لتغيير نظام الحكم في الدول العربية ،وهي في الحقيقة إحدى صور التدخل ،كما أكد الميثاق على أنه ال يجوز ألي دولة عربية أن تلجأ إلى القوة لفض المنازعات التي تقع بينها وبين غيرها من الدول العربية ،كما الزم كل دولة عربية أن تحترم نظام الحكم القائم في غيرها ،وأن تنظر إليه على أنه حق من حقوق تلك الدول ،وتتعهد بأال تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها. وعلى الرغم من ذلك ،طالما ارتفعت الشكوى من جانب دولة عربية تتدخل في شؤونها دولة عربية أخرى ـ بل إن هناك من جاهر ،باستنكار مبدأ عدم التدخل بالنسبة إلى العالم العربي ،على اعتبار أن القومية العربية تقتضي التدخل المستمر بين الدول العربية بعضها وبعض متخطية الحدود السياسية ،والحكومات المحلية ،تحقيقًا لإلرادة الشعبية العربية (.)8 ونظرة واضعي الميثاق لمبدأ عدم التدخل من خالل عدم جواز تغيير أنظمة الحكم في الدول األخرى فقط دون غيرها من األمور التي قد تمس كيان الدولة ،هو أمر يمثل في الحقيقة قصو ًار واضحاً ،يضع الميثاق والمنظمة ككل في مرتبة متدنية بالنسبة للتنظيم الدولي ،خاصة في عصرنا الحديث الذي شهد تطورات جد مهمة في إطار إنشاء
( )7أنظر اتفاقيات الجامعة العربية ،مؤلف صادر عن الجامعة العربية. ( )8د .بطرس غالي ،التدخل العسكري األمريكي والحرب الباردة ،مرجع سبق ذكره ،ص 8ـ .9
Page 6 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 الكيانات اإلقليمية الفاعلة والقوية على الساحة الدولية .وهذا الوضع الذي رسمه الميثاق للمنظمة جعلها عاجزة عن مواجهة مشاكلها ،خاصة ما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي. رابعاً :ميثاق حلف وارسو: تنص المادة الثامنة من ميثاق الحلف الذي تشكل بين االتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا عام ،1947على ما يلي" :تعلن الدول المتعاقدة أن رائدها هو الصداقة والتعاون على تنمية عالقاتها االقتصادية الثقافية ،وأن شعارها هو االحترام المتبادل ،وعدم تدخل إحداها في الشؤون الداخلية لآلخرين". ولكن على الرغم من هذه المادة لم تتردد الحكومة السوفيتية في التدخل في شؤون المجر الداخلية ،عندما وقعت اضطرابات بودابست عام .)9(1956 خامساً :ميثاق حلف شمال األطلنطي: حلف األطلنطي ،أحد األحالف العسكرية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية ،لمواجهة حلف وارسو ،الذي كان يقوده االتحاد السوفيتى سابقاً ،وعلى الرغم من الطبيعة العسكرية التي تحكم تنظيم هذا الحلف ،الذي يضم بعض الدول األوروبية الغربية باإلضافة إلى الواليات المتحدة األمريكية ،والذي تأسس في 14أبريل عام ،1949فإنه قد نص في "م "2من معاهدة إنشائه على عدم جواز التدخل في شئون الدول األخرى ( .)10والتزم الحلف بذلك إلى حد كبير منذ نشأته حتى .1990 ولكن مع انتهاء الحرب الباردة عام ، 1990أخذ الحلف يوسع من نفوذه على حساب حلف وارسو الذي انهار مع انهيار االتحاد السوفيتى ،وبدأ الحلف يتخلى عما جاء في "م "2من المعاهدة المنشئة له .حيث صدرت عدة تصريحات ،من قادة الحلف والدول التي تشترك فيه ،خاصة ما صدر عن قادة الحلف في نوفمبر ،1991بإعالن "روما" حول السالم والتعاون الدولي ،وأكد اإلعالن على أن التحديات والمخاطر األمنية التي أصبح الحلف يواجهها، تختلف في طبيعتها عما كانت في الماضي ،منها الصعوبات االقتصادية واالجتماعية والسياسية الخطيرة ،خاصة الصراعات العرقية التي تواجه العديد من دول أوروبا الوسطى والشرقية ،وهذه التوترات وإن كانت ال تهدد بشكل
( )9د .بطرس غالي ،مرجع سبق ذكره ،ص 8ـ .9 ( )10د .محمد مصطفى يونس ،مرجع سابق ،ص .204
Page 7 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 مباشر أمن وسيادة أعضاء الحلف ،إال أنها قد تؤدي إلى أزمات خطيرة تهدد استقرار أوروبا ،وربما بتطورها إلى نزاعات مسلحة تتورط فيها قوى خارجية ومن بينها أعضاء في الحلف ،األمر الذي قد يؤثر على أمن الحلف. كذلك عندما حدثت أزمة إقليم كوسوفا مع حكومة بلجراد الصربية عام ،1998اتخذ الحلف ق ارره بالتدخل في الصراع وباستخدام القوة دون الرجوع إلى األمم المتحدة ضد صربيا والجبل األسود ،مما دفع البعض إلى القول بأن األمم المتحدة في ظل ممارسات حلف األطلنطي ،قد تم تهميشها ،ولم يبق سوى البحث عن مناسبة إلعالن نهاية وجودها (.)11 إن حلف األطلنطي باإلضافة إلى خروجه عن مبدأ عدم التدخل الذي نصت عليه معاهدة الحلف في "م "2منه، وكذا أحكام "م " 7/2من ميثاق األمم المتحدة ،قد أعطى لنفسه الحق في تحديد ما قد يهدد السلم واألمن الدوليين، وفقاً لمصالحه ومصالح أعضائه خارج إطار الشرعية الدولية ،المتعارف عليها والتي تمثلها األمم المتحدة بميثاقها وق ارراتها ،وهذا الوضع من شأنه العمل على إهمال القواعد القانونية ،وإعطاء مبررات تقوم على أسس سياسية ،مما قد يؤدي إلى ،تهديد النظام القانوني الدولي المتعارف عليه ،خاصة فيما يتعلق بإعمال مبدأ عدم التدخل الدولي في شئون الدول األخرى ،وأمام هذه الفرص ة الواقعية الخطيرة تساءل البعض هل تدخل حلف األطلنطي في كوسوفو سليم من الناحية القانونية أم ال؟(.)12 وذلك التساؤل تزداد أهميته خاصة في ضوء القرار ،1239الصادر من مجلس األمن في ،1999/5/14بخصوص أزمة كوسوفو ،وتأكيده عل أهمية حماية الالجئين وتقديم المساعدات اإلنسانية لسكان كوسوفو في ظل استمرار الضربات العسكرية "للناتو" ضد يوغوسالفيا ،إال أن هذا القرار خال من أية إشارة إلى األعمال العسكرية ،ومدى مشروعيتها (.)13
( )11د .حسن أبو طالب ،حرب كوسوفو وحدود التغير في النظام الدولي ،السياسة الدولية ،مركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية ،القاهرة ،عدد ،137يوليو ،1999ص .95 ( )12مالك عوني ،حلف األطلنطي وأزمة كوسوفو :حدود القوة وحدود الشرعية ،مرجع سابق ،ص .114 ( )13محمد فايز فرحات ،األمم المتحدة وأزمة كوسوفو ،مرجع سابق ،ص .124
Page 8 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 ولخطورة ما حدث في كوسوفو وما قام به حلف األطلنطي ،حدث خالف بين الدول والفقه حول مدى مشروعية هذا التدخل ،حتى أن هذا الخالف امتد إلى دول الحلف أنفسهم ،عندما عارضت بعض الدول األوروبية ،الفلسفة األمريكية الجديدة لعمل الحلف ،خاصة في مواجهة النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي .ونجد ذلك الخالف في اجتماع وزراء خارجية الحلف الذي عقد في بروكسل يومي 9 ،8ديسمبر ،1998مما أدى إلى مطالبة بعض الدول األوروبية داخل الحلف إلى إنشاء قوة عسكرية أوروبية تتولى حماية المصالح األوروبية في الوقت الذي تتعارض فيه مواقفها مع الواليات المتحدة ولقى هذا التوجه تأييدًا من المسئولين األلمان والفرنسيين وحتى الحكومة البريطانية التي قلما خرجت عن تأييد السياسة األمريكية (.)14 ومما سبق يتضح أن األمم المتحدة وبعض المنظمات اإلقليمية أجمعت مواثيقها على عدم مشروعية التدخل الدولي، إال أن الواقع الدولي أكد على خروج المنظمات وبعض الدول على هذا المبدأ ،خاصة في ظروف النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي ،وقد يكون ذلك نتيجة لعدم وضع تعريف جامع مانع للتدخل الدولي ،مما أدى إلى غلبة االعتبارات السياسية ومصالح بعض القوى وااللتفاف حول مبدأ عدم التدخل ،من خالل بعض الذرائع والحجج التي حاولت من خاللها إقناع المجتمع الدولي بمشروعية تصرفاتها (.)15
املبحث الثاني :التدخل الدولي يف ضوء االتفاقيات الثنائية الدول في عالقاتها الثنائية أكثر حساسية لمسألة التدخل ،فهي تعتبر التدخل يشمل :إبداء ال أري أو النقد لتصرف سلطات الدولة أو األشخاص المعبرين عن إرادتها في المجتمع الدولي ،أو محاولة التأثير على ق اررات السلطات فيها بأي وجه ،بدءًا من ممارسة الضغوط السياسية واالقتصادية إلى استخدام القوة العسكرية .وعلى ذلك ،فإن تدخل الدولة في شئون الدول األخرى قد يتخذ أشكاالً متنوعة منها (:)16 أ ـ قيام دولة تعسفًا بمد نطاق تطبيق قانونها الداخلي ،على أوضاع تدخل أساسًا في اختصاص دولة أخرى.
( )14د .عماد جاد ،حلف األطلنطي والحرب في البلقان ،مرجع سابق ،ص 102ـ .103 ( )15مسعد عبد الرحمن ،تدخل األمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي ،رسالة دكتوراه في القانون الدولي العام، جامعة القاهرة ،كلية الحقوق ،2001 ،ص ،108ص.118 ( )16د .إبراهيم العناني ،القانون الدولي العالم ،1990 ،ص .181
Page 9 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 ب ـ محاولة أعاقة دولة أخرى عن إقرار وتطبيق ما اختارته من نظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو تعديله. ج ـ المساس بعالقات الدولة الخارجية مع غيرها من الدول ،ومحاولة فرض اتجاهات وتفسيرات معينة لتصرفات هذه الدولة. د ـ المساس بالتكامل اإلقليمي لدولة أو دول أخرى. وقد تأكد هذا المفهوم في اإلعالنات الصادرة عن الجمعية العامة لألمم المتحدة ،وبصفة خاصة القرار الذي وافقت عليه الجمعية العامة في 21ديسمبر ،1965بأغلبية 109دولة وامتناع دولة واحدة عن التصويت ،ويتضمن المبادئ اآلتية: 1ـ ليس من حق أي دولة ،أن تتدخل باألسلوب المباشر أو غير المباشر في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى. 2ـ ليس من حق أي دولة ،أن تستخدم أو تشجع ،أى وسيلة من وسائل اإلكراه السياسي أو االقتصادي أو ما إلى غير ذلك ،لجعل دولة أخرى تتنازل عن سيادتها أو تتنازل عن بعض حقوقها ضد إرادتها. 3ـ ليس من حق أى دولة ،أن تنظم أو تدعم أو تحول أو تحرض أو تسمح بممارسة أية أنشطة تخريبية أو إرهابية أو عسكرية ،يكون الهدف منها اإلطاحة بالقوة بنظام الحكم في دولة أخرى ،أو التدخل في النزاعات األهلية لدولة أخرى. اعتداء على مبدأ حظر 4ـ إن استخدام القوة لحرمان الشعوب من تأكيد ذاتها الوطنية ،يشكل انتهاكاً لحقوقها و ً التدخل. 5ـ ويكون لكل دولة الحق في أن تختار نظامها السياسي واالقتصادي والثقافي ،دون تدخل من الخارج. 6ـ تتعهد كل الدول باحترام حق تقرير المصير واالستقالل لكافة الشعوب بعيداً عن أي صورة من صور الضغط الخارجي ،مع االحترام المطلق للحقوق اإلنسانية والحريات األساسية ،وعليه فإنه يتعين على كل الدول أن تشارك في تصفية جميع مظاهر التمييز العنصري والتحكم االستعماري. وقد تأكدت المبادئ الواردة في هذا اإلعالن في ممارسات المنظمات الدولية والق اررات الصادرة عنها ،كما أكدتها العديد من االتفاقيات الدولية الثنائية ،وأصبحت ضمن مبادئ القانون الدولي الحديث ،وقد وردت القاعدة في المادة 3/1من دستور اليونسكو ،والمادة /3د من نظام وكالة الطاقة الذرية الدولية. Page 10 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 وتناول "التدخل الدولي" في إطار االتفاقيات الثنائية ،والعالقات الخاصة بين الدول يثير إشكاليتين رئيسيتين ،يمكن تناولهما في المطالب التالية :المطلب األول :التدخل الدولي وإشكالية سيادة الدولة ،المطلب الثاني :مشروعية التدخل بدعوى صالح اإلنسانية ،المطلب الثالث :مشروعية التدخل لمساندة ثورة في إقليم دولة أخرى
املطلب األول :التدخل الدولي وإشكالية سيادة الدولة الدولة بصفتها تنظيمًا سياسيًا ذا سيادة تتميز بخاصية احتكار القوة المادية وتكلف بوظيفة سياسية تهدف إلى حفظ النظام والسالم ،ودعم التنظيم االجتماعي واالقتصادي ،ولذلك فإن هناك جانبين للسيادة ،الجانب الداخلي الذي يعني امتالك الدولة للسلطة الشرعية المطلقة على جميع األفراد والمجموعات التي يتعين عليها إطاعة الدولة إقليمياً، أي انتهاك لهذه األوامر يعرضهم للعقاب ،أما الجانب الخارجي فيعني االستقالل عن كل رقابة وتدخل من أية دولة أخرى أو منظمة دولية ،وهنا ينشأ التميز بين دولة كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة(.)17 وقد اتفقت الدول األوروبية في مؤتمر وستفاليا عام 1648م على مبدأ السيادة اإلقليمية من أجل تحقيق السالم الدولي ،وكنتيجة ثانوية لهذا المبدأ ،اعتبر الطريقة التي تعامل بها الدول األفراد الذين يقيمون داخل أراضيها مسألة داخلية ،ولم تكن حقوق اإلنسان جزءًا من السياسة الدولية رغم االستثناء منذ مؤتمر وستفاليا وحتى اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،وقد قبلت الدول هذا المبدأ ألنها رأت فيه إفادة في تحقيق السالم واالستقرار الدوليين (.)18 لكن نظام وستفاليا لسيادة الدولة ،أصبح ضعيفًا في نهاية القرن العشرين ،حيث الحظ االقتصادي الفرنسي فرانسو بيرو ،إن هناك ظواهر متعددة وبسبب طبيعتها ال تستطيع الحكومات السيطرة عليها ،ألنها تنبثق في وقت واحد في أماكن عديدة وتهم العديد من الدول في نفس الوقت (.)19 وعليه تتناقض قدرات الدول تدريجياً بدرجات متفاوتة فيما يتعلق بممارسة سيادتها في ضبط عمليات تدفق المعلومات واألموال والسلع والبشر عبر حدودها ،ألن الثورات الهائلة في مجاالت االتصال واإلعالم قد حذت من أهمية حواجز
( )17بطرس غالي ومحمود خيري عيسى ،المدخل إلى عالم السياسة ،القاهرة ،مكتبة األنجلو المصرية ،1989 ،ص .171 ( )18دافيد فورسايت ،حقوق اإلنسان والسياسة الدولية ،ترجمة محمد مصطفى غنيم ،القاهرة ،الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية ،1993 ،ص .17 ( )19مارسيل ميرل ،سوسيولوجيا العالقات الدولية ،القاهرة ،دار المستقبل العربي ،1986 ،ص64ـ.65
Page 11 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 الجغرافيا والحدود ،كما حد توظيف التكنولوجيا المتطورة في عمليات التبادل التجاري والمعامالت المالية من قدرة الدولة على ضبط السياسة المالية والضري بية ،وقدرتها على محاربة الجرائم االقتصادية ،بل إن القوة االقتصادية الضخمة للشركات العمالقة تسمح لها بممارسة الضغط على حكومات الدول والتأثير في ق ارراتها السيادية (.)20 لقد انعكست التطورات االجتماعية الدولية على تطور مفهوم لسيادة ،فاالنتقال من العزلة إلى حالة التضامن ،الذي أخذ يظهر في شكل عالقات تعاون بين الدول لمواجهة الحاجات والمصالح الوطنية المتزايدة ،أدى إلى قيام نظام االعتماد المتبادل الذي أخذت فيه كل دولة على نفسها المساهمة في تحقيق مصالح المجموعة الدولية ،وهو ما ال يتم إال باالعتراف بحد أدنى من الضوابط الضرورية الستمرار سالمة العالقات الدولية ،وهذه المعطيات الجديدة للنظام الدولي عملت على تحجيم مفهوم السيادة الوطنية ،بحيث يتم التخلي عن بعض الحقوق السيادية وفقاً لما يتطلبه الصالح العام الدولي ،وهو ما يعني إفراغ السيادة من مضمونها بامتيازات السلطة المطلقة ،وإعطائها مضموناً جديدًا قائمًا على نشاط وظيفي لصالح الهيئة الدولية ،وقد كان هذا التخلي عن بعض حقوق السيادة الوطنية بحكم الضرورة وليس اختيا ًار بإرادة الدولة ،نتيجة للتطور المستمر للجماعة الدولية(.)21 ومع ظهور مفاهيم وعالقات جديدة بين الدولة ومواطنيها ،تعرضت الدولة لعوامل عديدة ،أدت إلى فشلها في حماية سيادتها اإلقليمية ،ومنها التطور الكبير في العالقات االقتصادية الدولية وثورة االتصاالت وانتشار األسلحة الفتاكة التي أدت إلى إحالل سياسة األمن الجماعي محل األمن اإلقليمي ،بسبب ضعف القدرات الدفاعية للطبيعة اإلقليمية الدولية ،والثورة العلمية الهائلة والمتسارعة التي جعلت من العسير التخطيط لمواجهة حقائق المستقبل نظ ًار لعدم ثبات الجديد ،وقد أضعفت هذه التطورات الحديثة نظام الدولة الوطنية (.)22
( )20حسنين توفيق إبراهيم" ،العولمة :األبعاد واالنعكاسات السياسية ،رؤية أولية من منظور علم السياسة" ،عالم الفكر ،الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،المجلد ،28العدد ،2أكتوبر ـ ديسمبر ،1999ص .194 ( )21عدنان نعمة ،السيادة في ضوء التنظيم الدولي المعاصر ،بيروت ،د.ن ،1978 ،ص 10ـ .12 ( )22أحمد صدقي الدجاني ،الدولة التعددية وحق تقرير المصير في عصرنا ،أعمال ندوة ،رؤساء الدول أمام حق تقرير المصير وواجب الحفاظ على الوحدة الترابية والوطنية ،تحرير عبد الهادي بوطالب ،فاس ،مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية ،أبريل ،1994ص 74 ـ .75
Page 12 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 وهذه التطورات الدولية تمس سلطة الدولة على رعاياها ،حيث تشهد هذه السلطة جانبًا من االنتقاص التدريجي عند دخول الدولة عالقات متعددة مع الدول األخرى ،ألن هذه العالقات تخضع لبعض الضوابط العامة التي تهز من سلطان الدولة القائم على منطق القوة لتخضعه لمنطق الحق والقانون ،وذلك يعني أن تغي اًر قد أصاب مبدأ السيادة بتحوله من مبدأ سياسي قائم على فكرة اإلرادة العامة باعتبار األمة مصد ًار للسلطات يستخدم إلضفاء الشرعية على أية حركة سياسية ،إلى مبدأ قانوني يتبع ظهور دولة القانون التي مردها إلى فكرتين تبناهما اإلعالن العالمى لحقوق اإلنسان ،األولى المحافظة على الحقوق الطبيعية التي ال تتقادم ،والثانية أن هذه الحماية ال تتحقق إال بالقانون. ويتغير مضمون مبدأ السيادة تبعًا لتغير العالقات الدولية التي تتغير وفقًا لتزايد الحاجات المشتركة وتغيرها ،وهذا ما عكسه اتجاه تطور التنظيم الدولي من الفوضى إلى التقنين الدولي لمختلف المجاالت ،خالفًا لمفهوم السيادة الذي يتحرك في اتجاه عكسي (.)23 والسيادة بصفتها مفهومًا قانونيًا ال يمكن أن تعكس الواقع بطريقة دقيقة تمامًا ألنها في أحد معانيها مطلقة في حين أن الوقائع نسبية ،لذلك أدت العالقة بين المفاهيم القانونية والعالقات االجتماعية المؤثرة ،واستقاللها النسبى إلى انفصال المفاهيم القانونية عن الوقائع كي تصبح مستقلة عنها تماماً ،ولذلك تعتبر السيادة مفهوما شكلياً صرفًا، حيث الحق في التشريع وصك النقود وتحقيق العدالة وغيرها من مضامين السيادة ،وهي تاريخية مشروطة وال يمكن أن تكون ثابتة ،كما أنه يستحيل وضع قائمة باالختصاصات التي ينبغي أن تقوم بها دولة ذات سيادة ،فهذه االختصاصات متغيرة عبر التاريخ (.)24 وقد استخدم مبدأ السيادة كأداة لتحقيق استقرار نظام الدولة الوطنية ،فبعد معاهدة وستفاليا أصبح لكل دولة الحق في التمتع بسيادتها اإلقليمية وتحقيق مصالحها دون أن تدمر كل منها األخرى أو تتعدى على النظام الدولي الذي تمركز في القارة األوروبية ،مسلمًا بفكرة الدولة المستقلة ذات السيادة باعتبارها الوحدة الرئيسية في النظام ،وإن الدول متساوية أمام القانون وتتولى الحفاظ على النظام المدني داخل أراضيها ،وتعمل على إقامة عالقات جيدة مع الدول األخرى.
( )23عدنان نعمة ،مرجع سابق ذكره ،ص 9ـ 27 ،10ـ .31 ( )24عبد الهادي عباس ،سيادة الدولة ،مجلة المعرفة ،دمشق ،و ازرة الثقافة ،السنة ،36العدد ،402آذار ،1997ص 57ـ .58
Page 13 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 إال أن المما رسات الواقعية بين الدول أظهرت عدم المساواة بينها ،فنشأت ثالثة نظم ساعدت على االستقرار في نظام ال مركزى من العالقات الدولية وزعت فيه الموارد توزيعاً غير عادل ،وهو توازن القوى لمنع ظهور دولة مسيطرة واحتوائها ،ووضع المعايير لقواعد السلوك الدولي ولحل الخالفات ،ثم قيام الدول العظمى بمسؤوليتها في حفظ النظام الدولي من خالل مؤسسات متفق عليها ،فكان إنشاء عصبة األمم ثم هيئة األمم المتحدة ،وكان لألخيرة دور مهم في ظهور الدولة المستقلة حديثًا جراء تفكك اإلمبراطوريات األوروبية االستعمارية ،هذه الدول هي األكثر حساسية لتدهور مفهوم السيادة ،واألكثر تخوفًا من تدخل المجتمع الدولي كذريعة لبسط نفوذ الدول العظمى من جديد(.)25 وبعد الحرب العالمية الثانية ،ظهر الفرد كوحدة قانونية تمتع بحقوق عامة وخاصة ،وهو ما شكل تحدياً لمبدأ سيادة الدولة التقليدي ،فبعد أن أصبح الفرد يحظى باهتمام القانون الدولي من خالل ظهور قانون اإلنسان ومبدأ المسؤولية الدولية عن الجرائم العالمية الموجهة إلى سالمة وأمن البشرية ،لم يعد بوسع صانع القرار انتهاك حقوق اإلنسان تحت مظلة مبدأ السيادة الوطنية ،النهيار حجته بأنه يمثل الدولة أو يطيع أوامرها العليا ،حيث أصبحت حقوق اإلنسان مسألة تهم الجماعة الدولية والقانون الدولي ،ولم تعد تتعلق بالمجتمعات القومية وتخضع للقانون الداخلي(.)26
( )25جين لويتر وميشيل باستاندونوا ،التدخل الدولي وسيادة الدولة ومستقبل المجتمع الدولي ،ترجمة محمد جالل عباس ،المجلة الدولية للعلوم االجتماعية ،اليونسكو ،العدد ،138نوفمبر ،1993ص80ـ.81 ( )26هذا ما أكده القاضي الياباني "تانكا" في قضية جنوب غرب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية معلقاً على أهمية حقوق اإلنسان بقوله" :يستمد مبدأ حماية حقوق اإلنسان من فكرة أن اإلنسان هو شخص ،ومن عالقته مع المجتمع التي ال يمكن فصلها عن الطبيعة اإلنسانية ،وأن وجود حقوق اإلنسان ال يعتمد على إدارة الدولة ال من خالل تشريعاتها الداخلية وال من خالل معاهداتها الدولية ،فليس بمقدور الدول خلق حقوق اإلنسان وإنما يمكن لها التأكيد على وجودها وحمايتها ،ولذلك فإن دور الدولة ليس أكثر من دور إيضاحي، حيث وجدت حقوقه مع وجوده وقبل وجود الدولة.
Page 14 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 وحتى األشخاص األجانب في دولة ما أو الذين ال ينتمون إليها يجب أال يجردوا منها ،وقد حظي مبدأ حماية حقوق اإلنسان باالعتراف كقاعدة قانونية بموجب ثالثة مصادر في القانون الدولي ،هي :االتفاقيات الدولية ،والعرف الدولي ،ومبادئ العدالة (.)27 وإذا كان مبدأ السيادة يفترض أن الروابط بين الدولة ورعاياها ،ال تدخل ضمن نطاق العالقات الدولية ،فإن التسليم ال بوجود حقوق دولية لإلنسان يعني بداهة أن مجاالً من المجاالت السياسية لالختصاص المطلق للدولة أصبح مح ً لتدخل القانون الدولي ،ومثل هذا األمر ال يمكن تقبله بسهولة ألن من أساسيات القانون الدولي التسلي م بسيادة الدولة ،وهو ما يعني أن مبدأ السيادة مازال يعوق اضطالع المنظمات الدولية بإعداد نظام أكثر فعالية للدفاع عن حقوق اإلنسان (.)28 وفي هذا المجال اعتبر "بطرس غالي" األمين العام لألمم المتحدة "سابقاً" أن االنتقال من حقبة دولية إلى أخرى، إنما يتمثل في احتالل مجموعة جديدة من الدول األعضاء مقاعدها في الجمعية العامة ،ودخول هذه الدول يعيد تأكيد مفهوم الدولة باعتبارها الكيان األساسي في العالقات الدولية ،ووسيلة الشعوب لتحقيق وحدتها وإسماع صوتها في المجتمع الدولي .وإذا كان احترام سيادة الدولة ووحدة أراضيها ال يزال محورياً ،فإن هذا المبدأ السائد لم يعد قائمًا ،وأنه لم يكن مطلقًا بالدرجة المتصورة له. األمر الذي يتطلب إعادة التفكير في مسألة السيادة ال من أجل إضعاف جوهرها الذي له أهمية حاسمة في األمن والتعاون الدوليين ،وإنما بقصد اإلقرار أنها يمكن أن تتخذ أكثر من شكل وتؤدي أكثر من وظيفة ،وهذه الرؤيا يمكن أن تساعد علي حل المشاكل سواء داخل الدول أو فيما بينها ،وحقوق الفرد وحقوق الشعوب تستند إلى أبعد من السيادة العالمية التي تملكها البشرية قاطبة ،والتي تعطى جميع الشعوب حقًا مشروعًا لشغل نفسها بالقضايا التي
( )27محمد فضة ،الدولة القومية وحقوق اإلنسان ،البحث العلمي ،الرباط ،المعهد الجامعي للبحث العلمي بجامعة محمد الخامس، العدد ،33نوفمبر ،1982 ،ص 214ـ .215 ( )28مصطفى سالمة حسين ،محاضرات في العالقات الدولية ،القاهرة ،دار اإلشعاع للطباعة ،1986 ،ص 39ـ .40
Page 15 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 تمس العالم في مجموعه ،وهذا المعنى يجد انعكاسًا متزايدًا له في التوسع التدريجي للقانون الدولي ،وخاصة مع االعتراف بأن الدول وحكوماتها ال تستطيع بمفردها مواجهة أو حل المشاكل القائمة اليوم (.)29 ورغم أن مبدأ السيادة من المبادئ األساسية في تكوين الدول ،ومازال يشكل حجر الزاوية في بنية القانون الدولي، فإن التغيرات والتحوالت الدولية أدت إلى تغير مفهومه التقليدي ،وأبرزت التفرقة بين المفهوم القانوني للسيادة ،الذي يقوم على المساواة القانونية بين الدول وحقها في االستقالل وإدارة شؤونها بحرية في المجالين الداخلي والدولي، بناء على ما تحوز عليه الدولة من إمكانيات والمفهوم السياسي ،الذي يقوم على الممارسة الفعلية لمظاهر السيادة ً ال كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة (.)30 يوفرها التقدم العلمي والتكنولوجي ،مما يعني أن هناك دو ً ومن هنا تراجع مفهوم السيادة من صيغته المطلقة إلى صيغ نسبية ،بحيث يصبح وسيلة وليس غاية ،ويعمل على تحقيق الخير العام الداخلي والدولي ،ولم تعد السيادة مبر اًر النتهاك حقوق اإلنسان األساسية ،السيما أن الدولة ملتزمة في ممارستها لمظاهر سيادتها بالقانون الدولي وما يتضمنه من التزامات تفرض عليها احترام حقوق اإلنسان (.)31
املطلب الثاني :مشروعية التدخل بدعوى صالح اإلنسانية تعد نظرية التدخل لصالح اإلنسانية ،من السمات البارزة في العالقات غير المتكافئة ،التي سادت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،وخاصة بين الواليات المتحدة األمريكية وبين الدول األوروبية من جهة ،وبين الشعوب األخرى لدول العالم من جهة أخرى ،وكانت الدول الغربية تتذرع بهذه النظرية لالنحياز في حقيقة األمر إلى أحد أطراف النزاع الداخلي.
( )29د .بطرس غالي ،نحو دور أقوى لألمم لمتحدة ،السياسة الدولية ،القاهرة ،مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية باألهرام ،العدد ،111يناير ،1993 ،ص .11 ( )30ممدوح شوقي ،األمن والعالقات الدولية ،السياسة الدولية ،القاهرة ،مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية باألهرام ،العدد ،127 يناير ،1997 ،ص .46 ( )31د .سعدى كريم سليمان ،د .حسن الجديد ،التدخل اإلنسانى وإشكالية السيادة ،مجلة دراسات ،طرابلس ،المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب األخضر ،العدد الثالث والعشرون ،الشتاء ،2005ص 54ـ .61
Page 16 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 فق د استخدمت الواليات المتحدة األمريكية نظرية التدخل لصالح اإلنسانية أكثر من ستين مرة ،وذلك بين عام 1812 وعام ، 1932من أجل حماية حياة وممتلكات مواطنين أمريكيين في الصين وأمريكا الالتينية ،وفي بعض االستخدامات األمريكية لنظرية التدخل لصالح اإلنسانية ،كانت الواليات المتحدة تهدف إلى حماية التجارة األمريكية ( ، )32كما أدت االستخدامات األمريكية لنظرية التدخل لصالح اإلنسانية إلى احتالل مطول ( .)33كما أدي في بعض الحاالت إلى بسط الحماية على الدول الضعيفة (.)34 وبعد الحرب العالمية الثانية تالشت هذه الصورة في إطار العالقات بين الدول الغربية ودول العالم األخرى ،فمثالً لم يؤد تذرع الواليات المتحدة بهذه النظرية في عام ،1948إلجالء الرعايا األمريكيين في قبرص إلى احتالل الصين وقبرص ،إال أن هذه الصورة تركت بصماتها على عدد من االستخدامات الحديثة لنظرية التدخل لصالح اإلنسانية (.)35 وقد وضع الفقه الغربي ثالثة شروط لصحة التدخل لصالح اإلنسانية ،هي :أن تحصل الدولة التي تتذرع بهذه النظرية على موافقة الدولة التي تتم فيها العمليات العسكرية ،وأال تتجاوز العمليات العسكرية الهدف اإلنساني ،وأن يكون التدخل ضرورياً. إال أن الحاالت التي استخدمت فيه ا نظرية التدخل لصالح اإلنسانية لم تحترم هذه الشروط الثالثة ،فعمليات التدخل لصالح اإلنسانية اعتمدت على موافقة من أجهزة مشكوك في مشروعيتها ،في الدولة التي تمت فيها العمليات العسكرية ،التي تندرج ضمن نظرية التدخل لصالح اإلنسانية ،أو بغياب كل مواقفه في الدولة التي تمت فيها هذه
( )32مثل التدخل األمريكي في هندوراس في عام 1910ـ.1911 ( )33مثل احتالل الواليات المتحدة لكوبا في عام 1898م. ( )34مثالً قامت الواليات المتحدة األمريكية باإلشراف بشكل مباشر على إدارة الجمارك في جمهورية الدومنيكان في عام ،1907وفي هايتي في عام .1915 ( )35كما في حالة التدخل الفرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى في عام ،1979حيث أدى هذا التدخل إلى احتالل فرنسي ألفريقيا الوسطى تجسد بتعيين فرنسا لرئيس جديد للجمهورية "داكو" ،الذي حل محل اإلمبراطور بوكاسا ،كما قامت القوات الفرنسية بعد التدخل العسكرى بالتدقيق في الهوايات ،وقامت بحراسة القصر الجمهوري في بانجي ،وفرضت حظر التجول ،كما مارست السفارة الفرنسية في بانجي نوعا من المراقبة على المؤتمرات الصحفية ،التي عقدها رئيس أفريقيا الوسطى الجديد.
Page 17 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 العمليات ،كما أن شرط الضرورة الذي يتحكم في مشروعية هذه النظرية لم يتوافر إطالقًا ،كما أن االستخدامات الحديثة لهذه النظرية ،تظهر استخدامات سياسية واضحة تتجاوز معيار األهداف اإلنسانية. فقد شهدت بعض التطبيقات العملية للتدخل لصالح اإلنسانية أن موافقة سلطات الدولة التي تمت فيها عملية التدخل لصالح اإلنسانية ،كانت موافقة شكلية (.)36
( )36من األمثلة علي ذلك: ـ تدخل فرنسا في أفريقيا الوسطي :فقد بدأت القوات الفرنسية بالتدخل في جمهورية أفريقيا الوسطى في الساعة الحادية عشر والربع من ليلة 20أيلول 1979قبل اإلعالن الرسمى عن االنقالب الذي قام به داكو ،كما سيطر المظليون الفرنسيون على النقاط االستراتيجية في بانجى قبل إعالن داكو عن توليه السلطة. بناء على رسالة أرسلها الحاكم العام ـ حالة التدخل األمريكى في جزر جرينادا في تشرين األول ،1983فقد تدخلت الواليات المتحدة ً لجزر جرينادا" ،بول ساكون" ،في 24تشرين األول 1983إلى الرئيس "ريجان" ،ومن المعروف أن وظيفة الحاكم العام لجزر جرينادا قد أصبحت وظيفة رمزية ثانوية هامشية بعد الثورة التي قامت في هذه الجزر في عام .1979 بناء على طلب من حكومة "كميل شمعون" الذي كان معزوالً. ـ التدخل األمريكي في لبنان في عام 1958كان ً بناء على طلب من "تشومبي" الذي أسس حكومة محلية صورية ،ولقد أشار مندوب ـ تدخل بلجيكا في الكونغو عام ،1964والذي تم ً
بناء على طلب من الحكومة المؤقتة التي أنشأها توشمبي ،ولكن حكومة بلجيكا في مجلس األمن إلى أن القوات البلجيكية تدخلت ً تشومبي قد انفصلت عن الكونغوا كينشاسا ،والقانون الدولي ال ينظر بعين العطف إلى االنفصال ،فقد أوضحت التوصية رقم ،2625 انجيل العالقات الودية بين الدول والصادرة عن الجمعية العامة لهيئة األمم المتحدة في تشرين األول ،1970بأن حق الشعوب في تقرير مصيرها يجب أن ال يفهم على أنه يسمح أو يشجع أى تصرف يهدد كليًا أو جزئيًا مبدأ التكامل اإلقليمى. والمعروف أن اإلدارة المحلية ،والواليات المكونة التحاد فيد ارلي ،ال تملك الشخصية القانونية الدولية ،صحيح قد تكون للواليات الفيدرالية واإلدارات المحلية نوع من السلطة ،إال أن هذه الكيانات ليس لديها اتصال مباشر مع القانون الدولي ،ويتم هذا االتصال عن طريق السلطة المركزية ،وقد عبرت عن هذه الفكرة محكمة العدل الدولية في رأيها االستشاري ،الصادر في قضية اصطالح بعض الضرر الذي لحق بهيئة األمم المتحدة في الشرق األوسط ،ويترتب على غياب الشخصية القانونية الدولية لإلدارات المحلية أو الواليات المكونة لالتحاد الفيدرالي ،هو أن طلب حكومة محلية للمساعدة من دولة أخرى ال يولد أي آثار قانونية.
Page 18 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 كما شهدت عدة استخدامات لنظرية التدخل لصالح اإلنسانية غياب موافقة الدولة التي حدث فيها التدخل ( .)37كما تظهر الحاالت التي استخدمت فيها الدول نظرية التدخل لصالح اإلنسانية ،على أن هذا المبرر ال يهدف إلى حماية رعايا الدولة المتدخلة في الخارج (.)38
( )37من األمثلة على ذلك: ـ العملية العسكرية األمريكية الفاشلة التي قامت بها في صحراء لوط في أيار ،1980ومن المعروف أن الطلبة اإليرانيين ،بدافع من السلطات الدينية الحاكمة في طهران ،قاموا في تشرين الثاني 1979باحتجاز عدد من الدبلوماسيين األمريكيين ،ومن أجل إجبار ابتداء من 12 السلطات اإليرانية على إطالق سراح الرهائن قامت الواليات المتحدة باتخاذ عدد من العقوبات االقتصادية ضد إيران ً تشرين الثاني ،1979وقررت في 7نيسان 1980قطع العالقات الدبلوماسية مع إيران. وهذه اإلجراءات لم تنجح في إقناع إيران بإطالق سراح الدبلوماسيين ،مما دفع الواليات المتحدة إلى تنظيم عملية عسكرية فاشلة في إيران ،في وقت كانت فيه محكمة العدل الدولية تقوم بإصدار حكمها ،وقد رأت محكمة العدل الدولية ،أنه من المناسب أن تعلق على التدخل األمريكي الفاشل بالرغم من أن إيران ،بسبب ممارستها لسياسة الكرسي الفارغ ،لم تطلب منها أن تبت في القضية ،وأوضحت بأن العملية ،التي تمت مداولة المحكمة حول القضية ،هو تصرف يلحق الضرر بالمؤسسة الدولية. ـ تدخل الهند العسكرى في باكستان الشرقية عام ،1971فبعد انتصار حزب "عوامي" في االنتخابات العامة في كانون األول 1970 في باكستان الشرقية نمت حركة انفصالية في هذا اإلقليم تطالب باالنفصال عن باكستان ـ األم ـ ورد الجيش الباكستاني وانتهاكات حقوق اإلنسان ،وانعكاسات األحداث على الهند " 98مليون الجئ بنغالي فروا إلى الهند" للتدخل في باكستان الشرقية ،وقد أوضح مندوب الهند لدى هيئة األمم المتحدة هذا المبرر ،حيث قال" :لقد تدخلت الهند إلنقاذ شعب البنغال الشرقي من اإلبادة الجماعية". ال عندما تدخلت الواليات المتحدة في لبنان عام 1958لم يكن هناك خطر يواجه الرعايا األمريكيين ،ولم تظهر الفصائل ( )38فمث ً اللبنانية المعارضة للسيد "كميل شمعون" أي تهديد للرعايا األمريكيين ،وحين طلب الرئيس "شمعون" من الواليات المتحدة التدخل ،لم يشر بتاتاً إلى عدم مقدرته على حماية الرعايا األمريكيين ،في لبنان. أما الواليات المتحدة فقد استندت في بداية األمر عند تدخلها في لبنان في 20أيار ،1958على حماية المواطنين األمريكيين في بناء على طلبها ـ على لبنان ،ثم تخلت عن هذا المبرر وأوضحت" :بأن التدخل األمريكي يهدف فقط إلى مساعدة الحكومة اللبنانية ـ ً تهدئة الوضع الذي تردى بسبب التهديدات الخارجية" .وتناست الواليات المتحدة تماماً مبرر حماية المواطنين األمريكيين ،خالل أعمال الدورة االستثنائية للجمعية العمومية التي افتتحت في 8آب .1958
Page 19 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 وإن كان هذا ال ينفي وجود استثناءات توافر فيه شرط الضرورة لقيام دولة ما بإجراء عسكريي لحماية رعاياها في الخارج. ووهنا تجدر أهمية اإلشارة إلى قيام عدد من الدول بالتذرع بهذه النظرية لوقف انتهاكات حقوق اإلنسان في الدول المجاورة ،وهذه االنتهاكات ال تمس رعايا الدول التي تدخلت بأي ضرر وإنما بمواطني الدولة التي تم التدخل فيها، كما في حالة تدخل فيتنام في كمبوديا .وتدخل تنزانيا في أوغندا. و التدخل لصالح اإلنسانية يثير العديد من اإلشكاليات من أهمها: 1ـ إن الدولة ،حسب قواعد القانون الدولي ،تملك الحق في حماية مواطنيها في الخارج ضمن إطار القاعدة اإلجرائية "الحماية الدبلوماسية" ،وهذا الحق يقوم على رابطة الجنسية وبدون هذه الرابطة ال يمكن لدولة أن تتدخل في دولة أخرى لحماية أشخاص ال يحملون جنسيتها. وفي كل حالة قيام دولة بالتدخل لصالح اإلنسانية ،فإنها بذلك تقيم ظروف التدخل من تلقاء نفسها ،وهذا يعني حتمًا ال عندما تدخلت بلجيكا في الكونغو عام 1964أوضحت عدة دول وعلى أن مصالحها قد أملت عليها التدخل ،فمث ً رأسها غانا والجزائر ومالي ،بأن هدف بلجيكا من التدخل هو فصل إقليم كاتنجا عن الكونغوـ كينشاسا ،وكذلك الحال عندما تدخلت الواليات المتحدة في جرينادا ،1904وعندما تدخلت فرنسا في زائير .1978 وهنا يعتقد البعض أنه في حالة قيام دولة بالتذرع بنظرية التدخل لصالح اإلنسانية في دولة مجاورة ،وكان لهذه الدولة مطالب أو أطماع إقليمية في الدولة المجاورة ،فإنه يمكن توجيه االتهام إلى الدولة المتدخلة بأنها تسعى لتحقيق حلمها .كما في حالة التدخل التركى في قبرص ،فقد اتهم مندوب قبرص في هيئة األمم المتحدة تركيا عام 1964بأنها تسعى إلى تقسيم قبرص ،وهذا االتهام تحقق بعد التدخل العسكرى في قبرص في يوليو ،1974وما
كما لم يتعرض الرعايا األمريكيين في جرينادا ألي خطر ،قبل تدخل الواليات المتحدة في الجزيرة ،رغم أن األطروحات األمريكية كانت تركز على أن الرعايا األمريكيين يواجهون خطر أخذهم كرهائن إال أن المجلس العسكري الثوري ،الذي استلم مقاليد الحكم بعد اإلطاحة بالسيد "شوب" ،قد أعرب على رغبته في حماية الطلبة األمريكيين وتحسين عالقة جرينادا بالواليات المتحدة.
Page 20 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 صاحب هذا التدخل من إعالن قيام دولة قبرصية تركية فيدرالية في أبريل ،1975تحولت إلى دولة مستقلة في 15 نوفمبر .)39(1983 3ـ أن القانون الدولي المعاصر ال يحتوي على قواعد تؤيد اللجوء إلى القوة لحماية المواطنين في الخارج :فقد سجل القانون الدولي تطو ًار نحو التحريم التدريجي الستخدام القوة في المجتمع الدولي بدءًا باتفاقية الهاي لعام ،1970حول تحديد استخدام القوة السترجاع الديون ،ومرو اًر بمعاهدة "براين ـ كيلوج" التي وقعت في عام ،1928 انتهاء بميثاق هيئة األمم المتحدة الذي أوضح بأنه ال يمكن اعتبار الحرب كوسيلة للسياسة الوطنية ،وحرم التهديد و ً أو اللجوء إلى استخدام القوة ضد التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي. ومن أجل تجاوز هذا التحريم ،اعتمدت الدول التي تذرعت بنظرية التدخل لصالح اإلنسانية على نوعين من المبررات، فمن جهة أوضحت هذه الدول بأن التدخل لصالح اإلنسانية هو جانب من جوانب الدفاع عن النفس ،ومن جهة أخرى زعمت هذه الدول بأن التدخل لصالح اإلنسانية يهدف إلى قواعد القانون الدولي. 4ـ أن التدخل لصالح اإلنسا نية هو جانب من جوانب الدفاع عن النفس :فقد اعتمدت الدول التي تذرعت بنظرية التدخل لصالح اإلنسانية ،على قراءة قابلة للنظر لنص المادة 51من ميثاق هيئة األمم المتحدة ،وهذه القراءة تتضمن حقيقة مفادها أن المادة 51المذكورة ال تبيح فقط اللجوء إلى القوة في حالة عدوان مسلح ،وإنما حافظت أيضًا على قاعدة عرفية كانت موجودة قبل تبني ميثاق سان فرانسيسكو وهذه القاعدة العرفية تسمح لدولة من الدول بالتذرع بنظرية الدفاع عن النفس لحماية مواطنيها في الخارج (.)40
( )39غسان الجندي ،نظرية التدخل لصالح اإلنسانية في القانون الدولي العام ،المجلة المصرية للقانون الدولي ،الجمعية المصرية للقانون الدولي ،عدد ،1987 ،34ص 162ـ .167 ( )40تعتبر هذه الفكرة من أفكار الفقيه البريطاني " ،"Waldockوتعتمد على القرائن القانونية التالية: 1ـ أنه خالل األعمال التحضيرية لمؤتمر سان فرانسيسكو لم يحتو أو لمشروع لصياغة ميثاق هيئة األمم المتحدة على المادة ،51وقد تم إدراج هذه المادة فيما بعد لتوضيح موقف هيئة األمم من معاهدات التحالف المشترك وحسب الفقيه " "Waldockلم تهدف المادة 51إلى تنظيم حق الدفاع عن النفس بشكل نهائي ،ويستند هذا االتجاه على تقرير مقرر لجنة فرعية تابعة للجنة األولى ،حيث أشار هذا التقرير ،بأن استخدام السالح للدفاع عن النفس هو أمر مقبول ،وبدون أي تحديد.
Page 21 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 إال أن البعض يرفض هذه األطروحات ،لعدة اعتبارات: أ ـ فيما يتعلق باعتماد هذا االتجاه الفقهي على األعمال التحضيرية ،يجب قراءة تقرير مقرر اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة األولى ،ضمن اإلطار العام لمعاهدة سان فرانسيسكو ،فربط هذا التقرير باإلطار العام ينتهي إلى أن تحريم القوة يعتبر تحريمًا مطلقًا "الفقرة الربعة من المادة الثانية من الميثاق" ،كما تم التوصل إلى اتفاق بأن أي استخدام للقوة ضمن نظرية الدفاع عن النفس ال يمكن أن يحدث بدون مجلس األمن. ب ـ إن اعتماد هذه المدرسة علي قضية "كارولين" ،وعلى قضية إغراق السفن البريطانية لقطع األسطول الفرنسي التابع لحكومة "فيشي" ،خالل الحرب العالمية الثانية ،من أجل استخراج قاعدة عرفية؛ تكرس نظرية الدفاع عن النفس االحتياطى ،قبل تبني ميثاق هيئة األمم المتحدة ،ومن المعروف أن أهم شروط تكوين العرف الدولي هو تكرار السوابق المتجانسة ،وسابقة أو سابقتين ال يمكن أن تؤدى إلى تأسيس عرف دولي ،إذ أوضحت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في 31كانون األول 1951في قضية المصائد النرويجية ،بأن قيام النرويج بإنشاء بحر إقليمي طوله 10أميال بحرية ال يشكل قاعدة عرفية.
2ـ االعتماد على قضية "كارولين" بين بريطانيا وبين الواليات المتحدة األمريكية ،ووقائع هذه القضية هي كالتالي :قامت سفينة أمريكية بنقل السالح إلى متمردين كنديين ،وردت القوات البريطانية على ذلك بإغراق السفينة ،وطلبت الواليات المتحدة من بريطانيا تقديم تعويض نتيجة إغراقها لهذه السفينة ،إال أن بريطانيا رفضت التعويض متذرعة بنظرية الدفاع عن النفس ،وبعد التحاور اتفقت الدولتان على مبادئ الدفاع عن النفس ،وهذه المبادئ هي الضرورة وانعدام أي خيار آخر ،ويستند هذا االتجاه الغربي إلى قضية "كارولين"، إلعطاء الدول حق حماية مواطنيها في الخارج ،فقد أوضح البروفسور "" :"Rolinبأن الدفاع عن النفس ال يقتصر على رد العدوان ضد أراضى دولة ،وإنما يشمل حماية رعاياها في دولة أجنبية إذا تعرضوا للخطر ،وفي حالة شلل السلطات المحلية في الدولة األجنبية". 3ـ تفسير الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق ،تفسي ًار مفاده ،أن التحريم باستخدام القوة الوارد في هذه المادة يختفي ،في حالة شلل الباب السابع من ميثاق هيئة األمم المتحدة ،المتعلق بإجراءات القسر الجماعي. 4ـ أن استخدام القوة ضمن نظرية التدخل لصالح اإلنسانية ال يؤدي إلى انتهاك مبدأ التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي الوارد في الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق ،وحسب االتجاه الفقهي ،والذي دافع عنه الفقيه األسترالي " ،"Stoneفإن الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق ،ال تحرم اللجوء إلى القوة إذا لم يؤدي استخدام القوة إلى انتهاك التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي لدولة ما.
Page 22 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 ومما يؤكد عدم استقبال القانون الدولي لنظرية الدفاع عن النفي االحتياطي ،هو قيام و ازرة الخارجية األمريكية بحذف عبارة الدفاع عن النفس االحتياطي ،التي وردت في خطاب الرئيس "كيندي" حينما فرض عقوبات اقتصادية على كوبا في تشرين األول ،1962خالل أزمة الصواريخ األمريكية ـ السوفيتية. ج ـ إن فكرة ربط تطبيق الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق األمم المتحدة ،بفعالية إجراءات القسر الجماعي الواردة في الميثاق ،ال يمكن أن تجد دعماً كافياً ال في نصوص الميثاق وال روحه ،إذ إن الفقرة الرابعة من المادة الثانية ال تقوم بهذا الربط ،كما أن الدول التي وقعت على ميثاق سان فرانسيسكو ،والتي كانت تتذكر بم اررة تجارب الحرب العالمية الثانية ،أرادت تحريم كل استخدام فردي للقوة من قبل دولة ما "باسم أفكارها الخاصة بالعدالة ،أو احتياجاتها األمنية الذاتية" ،وألن محكمة العدل قد أوضحت في قضية مضيق "كورفو" في نيسان ،1948بأنه يعمل بقاعدة تحريم اللجوء إلى القوة مهما كانت النواقص الحالية لهيئة األمم المتحدة"(.)41 د ـ إن القول بأن الفقرة الرابعة ،من المادة الثانية من ميثاق هيئة األمم المتحدة تبيح استخدام القوة ،إذا لم يؤد هذا االستخدام إلى انتهاك مبدأ التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي ،هو قول مثير للجدل ويعاني من العديد من أوجه القصور (.)42 ( )41غسان الجندى ،مرجع سبق ذكره ،ص 167ـ .172 ( )42ينبع هذا القصور من عدة اعتبارات: أ ـ أظهرت األعمال التحضيرية لمؤتمر سان فرانسيسكو أن عبارة التكامل اإلقليمي واالستقالل السياسي ،الواردة في الفقرة الرابعة من بناء على إلحاح الدول الضعيفة في الحصول على ضمانات واضحة ،لحماية حرمة أراضيها واستقاللها المادة الثانية ،قد تم إدراجها ً السياسي ،وبشكل يؤدي إلى القضاء على منفذ للعمليات العسكرية ،التي يزعم أنها ال تؤدي إلى انتهاك التكامل اإلقليمي أو االستقالل السياسي ،إذن يستخلص من نية واضعي ميثاق هيئة األمم المتحدة ،رغبتهم في إغالق الباب على كل تدخل عسكري منفرد. ب ـ من الصعب توفيق هذا االتجاه الفقهي ،مع توصيات الجمعية العمومية لهيئة األمم المتحدة ،التي تحرم التدخل في الشئون الداخلية، فقد أوضحت التوصية رقم 2131حول عدم مشروعية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر ،مهما كان السبب في الشئون الداخلية أو الخارجية للدول األخرى بالنتيجة ،فإن التدخل العسكرى وكل أنواع التدخل األخرى والتهديدات التي تمارس ضد شخصية الدولة ،أو عناصرها السياسية واالقتصادية والثقافية ،هي تصرفات مدانة". وتم التأكيد على تحريم التدخل في الشئون الداخلية في التوصية رقم ،2625التي تشكل انجيل العالقات الودية بين الدول ،ولقد أحست الجمعية العامة لهيئة األمم المتحدة بالحاجة إلى وضع تصريح عالمي يحرم التدخل في الشئون الداخلية ،وبذلت منذ عام ،1976
Page 23 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 5ـ القول بإن التدخل لصالح اإلنسانية يهدف إلى توفير احترام القانون الدولي :فقد استخدمت تنزانيا وفيتنام هذا المبرر للتدخل في أوغندا وكمبوديا ،كما استندت بلجيكا على هذا المبرر للتدخل في الكونغو كينشاسا ،فقد أوضحت بأن القوات المتمردة في الكونغو قامت بانتهاكات واسعة النطاق ،التفاقية جنيف الرابعة والتي تهدف إلى حماية المدنيين ،ومن المعروف أنه بموجب المادة الثالثة من االتفاقية المذكورة ،فإن أحكامها تطبق في نزاع مسلح ،غير دولي ،ينشب في أراضي دولة طرفاً في هذه المعاهدة. إال أن هذا الرأي ترد عليه مالحظتان أساسيتان: األولي :أنه يخالف القواعد التقليدية للمسئولية الدولية ،فمسألة الحق القانوني المتضرر ،هي قضية ثنائية بين الدولة المقصرة والدولة الضحية ،ويمكن دعم هذه القاعدة بحكم محكمة العدل الدولية الصادرة في عام ،1966في قضية جنوب غرب أفريقيا (.)43 ويمكن لنظرية حديثة في القانون الدولي أن تعطي مبر ًار للدول التي تعتمد على انتهاكات حقوق اإلنسان ،في الدول األخرى التخاذ عدد من اإلجراءات المعنية ضد الدولة التي تنتهك هذه الحقوق ،وهذه النظرية هي نظرية اإلجراءات المعاكسة ،التي وردت في المادة 30من مشروع المعاهدة التي تقوم لجنة القانون الدولي بإعدادها ،حول المسئولية الدولية ،ومضمون هذه النظرية هو إضفاء المشروعية على رد فعل تقوم به دولة ،نتيجة انتهاك دولة أخرى لقاعدة من قواعد القانون الدولي.
جهوداً مكثفة لوضع تصريح حول تحريم التدخل في الشئون الداخلية ،وأدت هذه الجهود إلى تبني التوصية رقم 103/36من قبل الجمعية العمومية في 14كانون األول ،1981وفي أحدى فقرات التصريح المهمة ،هناك إشارة تعتبر كل استغالل وتشويه تقوم به دولة لوقائع متعلقة بحقوق اإلنسان في دولة أخرى ،بغية ممارسة ضغوط على هذه الدولة أو إرباكها ،تدخالً في شئونها الداخلية. ( )43حيث رفضت محكمة العدل الدولية شكوى تقدمت بها ليبيريا وإثيوبيا ضد اتحاد جنوب أفريقيا ،بسبب عدم احترام هذه الدولة التفاقية الوصايا ،وقد أوضحت محكمة العدل الدولية ،بأن الدولتين ال تملكان مصلحة مباشرة في توفير احترام أفريقيا الجنوبية التفاقية الوصايا ،وإن احترام هذه االتفاقية مسألة ثنائية ،بين جنوب أفريقيا وهيئة األمم .وبالقياس على هذه القاعدة يمكن القول بإن الدولة التي لم تتعرض إلى ضرر ،نتيجة المعاناة السيئة التي يعاني منها مواطنو دولة أخرى ،ال يمكن لها أن تتذرع بنظرية التدخل لصالح اإلنسانية.
Page 24 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 ولقد أعطت المادة 30مبر ًار لإلجراءات المعاكسة ،التي تقوم بها عدد من الدول الغربية ،مثل قيام الواليات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية في كانون األول ، 1981ضد بولندا بعد فرض األحكام العرفية فيها ،أو العقوبات االقتصادية التي اتخذتها الدول األوروبية ضد األرجنتين في نيسان ،1982بعد احتاللها لجزر الفوكلند. إال أن استخدام نظرية اإلجراءات المعاكسة لتبرير العمليات العسكرية ،تحت غطاء نظرية التدخل لصالح اإلنسانية، هو نوع من المثالية القانونية التي ال يمكن أن يكون لها حيز في القانون الدولي ،فهذه النظرية تقتصر على إجراءات سلمية ،مثل العقوبات االقتصادية ،أو إنهاء العمل بمعاهدة ،وال تشتمل على أعمال القسر العسكري (.)44 وإذا كان الدفاع عن القواعد األساسية للقانون الدولي ،من المؤشرات التي تدل على تقدم هذا القانون ،إال أن هناك احتماال يحتوي على مجازفة وخيمة العواقب تتلخص بقيام الدول بتقليد نفسها لحق الدفاع عن القواعد األساسية للقانون الدولي ،وهذا أمر غامض وال يمكن فصله عن اإلطار االستراتيجي والدبلوماسي القائم بين هذه الدول والدول التي تتخذ ضدها إجراءات معاكسة ،كما أن اإلجراءات التي اتخذتها دول لم تتعرض إلى ضرر مباشر ،ليست إال ممارسات قامت بها الدول الغربية ،فما هي إال سوابق لعرف إقليمي. الثانية :إن التدخل العسكري لصالح اإلنسانية ،ال يتطابق مع المعاهدات الدولية ،لحماية حقوق اإلنسان التي تنبذ فكرة استخدام القوة الحترام حقوق اإلنسان ،فمعاهدة تحريم جرائم اإلبادة الجماعية التي اعتبرت اإلبادة الجماعية جريمة دولية ،لم تشر إلى استخدام القوة ضد دولة عضو انتهكت المعاهدة ،كما أن المعهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية ،لم يكرس قاعدة اللجوء إلى القوة الحترام حقوق اإلنسان الواردة فيه ،وإنما اقتصر فقط على وضع نظام للتقارير تقوم الدول األعضاء بإعدادها تتعلق بالخطوات التي قامت باتخاذها لتنفيذ العهد ،والتقدم الذي تم الحترام الحقوق الواردة فيه ،وترسل هذه التقارير إلى المجلس االقتصادي واالجتماعي لهيئة األمم المتحدة(.)45
( )44يعتمد هذا التحليل على ما أوضحته لجنة التحكيم في حكمها الصادر في 9كانون األول ،1978في قضية اإلخالل بااللتزام في النقل الجوى بين فرنسا والواليات المتحدة ،بأن اإلجراءات المعاكسة يجب أن تفهم دون اللحاق الضرر بالقواعد العامة للقانون الدولي المتعلقة بالقسر العسكري. ( )45غسان الجندي ،مرجع سبق ذكره ،ص 167ـ .179
Page 25 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019
املطلب الثالث :مشروعية التدخل ملساندة ثورة يف إقليم دولة أخرى من القضايا األخرى التي يثيرها التدخل الدولي في إطار العالقات الثنائية ،مشروعية التدخل لمساندة ثوار في إقليم دولة أخري ،فقد انقسم الفقه الدولي في هذا الشأن إلى فرعين ،اتجه األول إلى جواز الخروج على مبدأ عدم التدخل، لصالح الثوار في دولة أخرى ،ولكن بشروط معينه .وذهب الثاني إلى عدم مشروعية الخروج على مبدأ عدم التدخل على اإلطالق: االتجاه األول :عدم جواز التدخل لصالح الثوار: يؤسس هذا الفريق المعارض لمبدأ التدخل لصالح الثوار رأيه على أن القانون الدولي التقليدي ينظر إلى الثورات أو الحروب األهلية من حيث المبدأ ،على أنها مسألة داخلية بعيدة عن إطار القانون الدولي ،ألن االختالف بين الثورة والعصيان والتمرد والحرب األهلية ،اختالف في الشكل والدرجة لكنها جميعًا تتفق في غاية واحدة ،وهي إحداث تغيير في المؤسسات أو السياسات لحكومة قائمة ،ولذلك فإن القانون الدولي يحظر كل تدخل يهدف إلى إثارة الحروب األهلية أو التشجيع عليها في دولة أخرى. ال غير مشروع ،ألنه يتعارض مع حق الشعوب في وترتيبًا على ذلك ،يعتبر التدخل لصالح الثوار أو ضدهم عم ً اختيار نظام الحكم فيها ،الذي تقبله وترتضيه ،وإن األولى بالدول األجنبية أن تقف من الثورة أو الحرب األهلية موقف الحياد ،حتى ينتهي النضال وينجلي الموقف (.)46 كما ينتقد هذا الفريق االتجاه ،الذي يسمح بمساعدة الثوار ،وذلك لما تالقيه تلك المساعدة من معارضة ورفض دولي ،األمر الذي أكدته الممارسات الدولية ،كما ورد بمذكرة الخارجية الفرنسية عام ،1935من ضرورة االلتزام باالمتناع المفروض على الدول في الحروب األهلية ،التي تتمثل في حظر الدعاية المدمرة ضد حكومة أجنبية،
( )46د .على صادق أبو هيف ،القانون الدولي العام ،مرجع سابق ،ص .224
Page 26 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 وحظر االعتراف بالصفة الرسمية لممثلي الثوار ،وكذلك حظر إمدادهم بمعونة أو تدريب ،ألن ذلك يشكل اعتداءًا على سيادة الدولة ،وخروجًا على مبدأ عدم التدخل (.)47 ويؤيد أصحاب هذا ال أري موقفهم ،بما قننته المعاهدات الدولية في هذا الشأن ،ومن ذلك إدانة مؤتمر باريس عام ،1869لكل أشكال المحاباة تجاه الفرق الثورية ،وإعداد أو تأييد ثورة ضد حكومة أجنبية .وكذلك ما اتجهت إليه منظمة األمم المتحدة ،عندما اعتبرت أن المساعدة المقدمة من كل من ألبانيا وبلغاريا ويوغوسالفيا للثوار في اليونان بين (1946ـ )1949وبين (1959ـ )1962ال تتفق وقواعد الميثاق. وقد تأكد موقف األمم المتحدة في هذا الشأن ،عندما رفضت الجمعية العامة لألمم المتحدة ،االستناد لفكرة حرب التحرير الوطنية ،إلعطاء الحق لحركة المقاومة األفغانية ضد الوجود السوفيتى في التمايز ،وإخراج النزاع من الشأن الداخلي ألفغانستان. ويذهب أغلب الفقهاء العرب ،إلى مناصرة هذا االتجاه الرافض لمبدأ التدخل ،تحت ذريعة مساعدة الثوار في دولة أخرى ،مؤكدًا على" :أن قيام ثورة في دولة ما ،يعد من األمور الداخلية ،فإذا نجحت وفرضت سيطرتها بذاتها وبدون عون خارجي ،أصبحت حكومة هذه الدولة ،وللدول األخرى أن تتعامل معها بعد االعتراف بها .أما إذا فشلت، استمر نظام الحكم الذي كان قائمًا وهو الحكومة الشرعية للدولة (.)48 االتجاه الثانى :جواز التدخل لصالح الثوار: اختلف أصحاب هذا االتجاه فيما بينهم حول سند كل منهم في تبرير مساندة الثوار ،فذهب فريق ،إلى مشروعية مساندة الطرف الثائر ،ولكن بشرط أن تكون ل ه منظمة عسكرية ومدنية كافية ،تبدأ ممارسة اختصاصات الحكم على اإلقليم والسكان ،في ظل انحسار فاعلية الحكومة.
( )47د .محمد مصطفى يونس ،مرجع سابق ،ص .41 ( )48د .عبد العزيز سرحان ،الغزو العراقى للكويت ،مرجع سابق ،ص ، 16وما بعدها ..كما ذهب الدكتور "على صادق أو هيف"، إلى اعتبار" :إن التدخل إلى جانب أى من الفريقين عمل غير مشروع؛ ألنه يتعارض مع حق الشعوب في اختيار نظام الحكم الذي ترتضيه" .أنظر :د .على صادق أبو هيف القانون الدولي العام ،مرجع سابق ،ص .210
Page 27 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 وذهب آخر إلى التمييز بين "الحرب األهلية" التي تهدف إلى اإلطاحة بالسلطة الحاكمة ،وتلك التي يحاول جزء من السكان إعمال حق تقرير المصير ،ففي الحالة األولى يتسم النزاع بالصبغة الداخلية ويستبعد كل تدخل ،بما فيه التدخل لصالح الحكومة القائمة .بينما في الحالة الثانية ،فيتسم النزاع بالصيغة الدولية ،حينئذ تحظر كل مساعدة للحكومة ،على حين يحق لكل دولة بموجب القانون الوصفي الساري بمساعدة الثوار ،وذلك بإعمال تفسيرها الخاص لوقائع الحالة. ويرى فريق ثالث أن القاعدة في هذا الشأن ،هي إعمال مبدأ عدم التدخل ،غير أن االستثناء قد تحتمه مسألة تطور أمور تلك الثورة وأعمالها ،التي قد تضر بسالمة وأمن دولة أخرى ،حينئذ يجوز لتلك األخيرة التدخل ،إذا ما نشأ عن تلك األحداث أضرار بحقوقها وسالمتها (.)49 وإلى ذلك ذهب "جنينة" ،مؤكدًا على" :أن قيام ثورة داخل دولة ،ال يبيح لدولة أخرى التدخل في شؤونها ،مادام أن ما للدولة من حق البقاء والصيانة ،ال يهدده قيام الثورة الداخلية في الدولة األخرى"(.)50 ومن ذلك يتضح ،أن الفريقين اتفقا على أن القاعدة هي إعمال مبدأ عدم التدخل ،وعلى حين رفض الفريق األول اعتبار مساندة الثوار استثناءاً على هذه القاعدة ،فإن الفريق الثانى قد وضع شروطًا معينة حتى يمكن اعتبار مساندة الثوار بمثابة استثناء على مبدأ عدم التدخل. ولقد انتهى مجمع القانون الدولي ،في دورته التي عقدت بواشنطن عام ،1973إلى امتناع الدول عن التدخل لصالح أى طرف من أطراف الحرب األهلية أو مساعدته ،باستثناء المساعدات ذات الطابع اإلنساني ،وذلك بعد أن عرف المجمع الحروب األهلية بأنها النزاعات المسلحة التي تقع على إقليم إحدى الدول ما بين حكومة هذه الدولة وواحدة أو أكثر من حركات العصيان المسلح ،التي تهدف إلى قلب نظام الحكم ،أو تغييره أو االنفصال عن الدولة أو تحقيق الحكم الذاتي على جزء منها ،أو قيام حالة حرب بين طائفتين أو أكثر من طوائف الدولة ،بغية الوصول إلى السلطة في ظل غياب سيطرة الحكومة على مقاليد األمور.
( )49د .محمد مصطفى يونس ،مرجع سابق ،ص 45ـ .46 ( )50د .محمد سامي جنينة ،القانون الدولي العام ،ط ،1938 ،3ص .199
Page 28 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 ولكن المساعدات تكون واجبة على الدول لحركات التحرير الوطنية ،التي تقاوم االستعمار واالحتالل ،وذلك طبقًا للبروتوكول األول عام ،1977الملحق باتفاقيات جنيف لعام ، 1949باعتبار أن حروب التحرير تعتبر ضمن النزاعات المسلحة الدولية (.)51 وبالتطبيق علي حالة العراق والكويت عام ، 1990والتي ادعي فيها العراق مشروعية تدخله في الكويت ،لمناصرة الثورة التي قامت فيها ،وطلب قادتها مساعدته ،فإنه على ضوء نصوص مواثيق وإعالنات المنظمات الدولية ،يتضح فساد وبطالن االدعاء العراقي في تبرير واقعة الغزو ،خاصة وأن أشد اآلراء تأييدًا لحق التدخل لمساعدة الثور قد وضع قيودًا وشروطًا ،لم يتوفر أيًا منها في حالة ثورة الكويت التي يدعيها العراق ،فلم تكن هناك ثمة اضطرابات داخل الكويت ،أو حرب أهلية بين حكومة الكويت وأي جماعة ثورية ،كذلك لم يكن األمر داخل دولة الكويت يشكل نوعاً من نضال شعبها ضد حكومة تلك الدولة. بل إن افتراض قيام تلك الثورة لم يشكل أي مخاطر أو اضطرابات تمس أمن وسيادة واستقالل العراق حتى يستطيع التدخل في الشأن الكويتى ،األمر الذي يعد معه فعل الغزو العراقي للكويت عمالً من أعمال العدوان. وإذا كان من الثابت أن القانون الدولي العام يتضمن مجموعة من المبادئ ،التي من شأن تطبيقها واحترامها أن تسود العالقات السلمية والودية بين األمم والشعوب ،يأتي على رأسها مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية والخارجية للدولة ،فإن مبدأ "حسن الجوار" يشكل مع مبدأ عدم التدخل وجهين لعملة واحدة ،يستحيل الفصل بينها من الناحية القانونية البحتة. وحسن الجوار ينطوي بالضرورة على عدم تدخل في شؤون الدول المجاورة ،وعدم التدخل يفترض حسب المجرى العادي لألمور أن الدول المتجاورة تحترم بعضها البعض ،بالشكل الذي يجعل العالقات بينهما تسير في اتجاه النمو والتعاون على حل المشكالت ذات االهتمام المشترك (.)52
( )51د .عبد العزيز سرحان ،نظرية الدولة في القانون الدولي واإلسالم ،مرجع سابق ،ص .152 ( )52د .على إبراهيم ،المفاوضات العراقية اإليرانية ومستقبل السالم في الخليج ،مجلة السياسة الدولية ،القاهرة ،عدد ،299يناير ،1990ص .52
Page 29 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 وعلى ذلك ،ال يكون العراق قد انتهك مبدأ عدم التدخل حسب ،بل ـ وفي نفس الوقت ـ قد عصف بمبدأ حسن الجوار، الذي يشكل أحد أعمدة التنظيم الدولي المعاصر ،والتي يجب احترامها من قبل أعضاء المجتمع الدولي (.)53 خاتمة الدراسة لقد أصبح مبدأ عدم التدخل عنص ًار قانونيًا هامًا في ميثاق األمم المتحدة الصادر عام ،1945وفي العديد من الق اررات الصادرة عنها في هذا الشأن ،فقد أقرت المادة ( ) 1/2من الميثاق صراحة بمبدأ المساواة القانونية بين الدول األعضاء بقولها "تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها". كما أن المادة ( )4/2التي تنص على أن "يمنع أعضاء الهيئة جميعًا في عالقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سالمة األراضي أو االستقالل السياسي ألية دولة أو على وجه آخر ال يتفق ومقاصد األمم ال على االستقالل السياسي والوحدة اإلقليمية للدول األخرى. المتحدة" ،فسرت بأن على الدولة أال تحدث تعدي ً كذلك فإن المادة ( )7/2التي تنص على "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ لألمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما ،وليس فيه ما يقتضي األعضاء أن يعرضوا مثل هذا ألن تحل بحكم هذا الميثاق ،على أن هذا المبدأ ال يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع" ،ويالحظ على هذا المبدأ أنه قد قصد أن يكون عامًا يسري على جميع وجوه نشاط األمم المتحدة وسائر فروعها ،وبذلك يقيد من تدخل الهيئة في الشؤون االقتصادية واالجتماعية للدول األعضاء حتى ال تصبح هذه الهيئة دولة عالمية أو كيانًا يعمل لصالح مجموعة من األعضاء. كما أخذت لجنة القانون الدولي لألمم المتحدة في مشروعها الخاص بحقوق وواجبات الدول عام 1947بهذا ال أري عندما نصت المادة ( ) 3على أنه" :يجب االمتناع عن أي تدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى". وقد حاولت الدول الضعيفة استغالل هذا المبدأ لتحوله إلى قاعدة قانونية دولية مطلقة ،من خالل إصدار الجمعية العامة عددًا من اإلعالنات منها :إعالن عدم جواز التدخل في الشؤون للدول وحماية استقاللها وسيادتها رقم ( )2131لعام .1965
( )53عمرو رضا بيومي ،نزاع أسلحة الدمار الشامل للعراق ـ دراسة لآلثار القانونية والسياسية واالستراتيجية لحرب الخليج الثانية ،رسالة دكتوراه في القانون ،القاهرة ،جامعة عين شمس ،كلية الحقوق ،2000 ،ص 37ـ .40
Page 30 of 31 www.eipss-eg.org
May 24, 2019 كما أصدرت الجمعية العامة إعالن مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعالقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق األمم المتحدة رقم ( )2625لعام 1970الذي تضمن مبدأً خاصًا بواجب عدم التدخل في الشؤون التي تكون من صميم الوالية القومية للدولة. وأصدرت الجمعية العامة إعالن عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية بجميع أنواعه رقم ( )103/36لعام ،1981 وقد تضمن هذا اإلعالن مبدأ عدم التدخل ،فحدد حقوق الدول في السيادة واالستقالل وحرية اختيار نظامها السياسى واالجتماعي ،باإلضافة إلى حقها في تملك المعلومات بحرية ،ثم حدد واجبات الدول في االمتناع عن جميع أشكال التدخل التي تهدد حقوقها. ومن حيث القضايا واإلشكاليات التي يثيرها مبدأ التدخل الدولي :انتهي الباحث إلي أن أهم هذه القضايا تتمثل في طبيعة العالقة بين التدخل والسيادة ،فرغم أن مبدأ السيادة من المبادئ األساسية في تكوين الدول ،ومازال يشكل حجر الزاوية في بنية القانون الدولي ،فإن التغيرات والتحوالت الدولية أدت إلى تغير مفهومه التقليدي ،وأبرزت التفرقة بين المفهوم القانوني القائم على المساواة القانونية بين الدول وحقها في االستقالل وإدارة شؤونها بحرية في بناء على ما تحوز عليه المجالين الداخلي والدولي ،والمفهوم السياسي القائم على الممارسة الفعلية لمظاهر السيادة ً ال كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة، الدولة من إمكانيات يوفرها التقدم العلمي والتكنولوجي ،مما يعني أن هناك دو ً كما غيرت مفهوم السيادة المطلقة وجعلته نسبياً. كما أنه أمام التطورات الدولية ،تراجع مفهوم السيادة من صيغته المطلقة إلى صيغ نسبية ،بحيث يصبح وسيلة وليس غاية ،ويعمل على تحقيق الخير العام الداخلي والدولي باعتبار اإلنسان الهدف األسمى له ،ولم تعد السيادة مبر ًار النتهاك حقوق اإلنسان األساسية ،السيما أن الدولة ملتزمة في ممارستها لمظاهر سيادتها بالقانون الدولي وما يتضمنه من التزامات تفرض عليها احترام حقوق اإلنسان (.)54
( )54اآلراء الواردة تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.
Page 31 of 31 www.eipss-eg.org