الموقع اإللكترونيwww.elsiyasa-online.com : صفحتنا على الفايسبوكhttps://www.facebook.com/elsiyasa/ :
الثروة البترولية واألمن االقتصادي العربي ستيتي الزازية
أوالً :مفهوم األمن االقتصادي األمن االقتصادي ،حسب منظمة األمم المتحدة « ،هو أن يملك المرء الوسائل المادية التي تم ّكنه من أن يحيا حياة مستقرة ومشبعة من خالل امتالك ما يكفي من النقود إلشباع الحاجات األساسية وهي الغذاء ،المأوى الالئق والرعاية الصحية األساسية والتعليم»[]1؛ أي أن األمن االقتصادي يشمل تدابير الحماية والضمان التي تؤهل اإلنسان للحصول على حاجاته األساسية وضمان الحد األدنى لمستوى المعيشة. عرف األمن االقتصادي بأنه يعني التنمية؛ إذ إن ظاهرتي األمن وهناك من ّ االقتصادي والتنمية مترابطتان بحيث يصعب التمييز بينهما ،فكلما تقدمت التنمية تقدم األمن ،وكلما نظم المجتمع أموره االقتصادية لم ِّدّ نفسه بما يحتاج إليه فإن درجة مقاومته للمهددات الخارجية سوف تتزايد بدرجة كبيرة .والتنمية – كما هو معروف – مفهوم مر َّكب؛ فهي عملية وليست حالة واتجاها ً مستمراً في النمو وال وضعا ً طارئاً .كما إنها آلية ،إلى جانب كونها وسيلة لتحقيق أهداف مرحلية ضمن إطار غايات إنسانية وحضارية ذات أبعاد مجتمعية. أما مؤشراتها المتكاملة والمتداخلة فهي أربعة :أولها ،نمو اقتصادي بمعنى تزايد مستمر في إنتاج المجتمع وإنتاجية الفرد؛ ثانيها ،تحوالت هيكلية تمس كل أوجه
التخلف – االقتصادية واالجتماعية والسياسية واإلدارية والثقافية – بهدف تكوين بنى أساسية ،وتنمية القدرات ،وإطالق الطاقات الخ ِّيّرة على المستويين الفردي والجماعي؛ وثا لثها ،تحسن مستدام لنوعية الحياة المادية – من خالل تزايد َّ مطرد في متوسط الدخل الحقيقي للفرد عبر فترة طويلة من الزمن – والمعنوية ألفراد المجتمع؛ ورابعها :تطبيق نسق اجتماعي يهدف إلى توسيع الخيارات المتاحة للمواطنين بأجيالهم المتعاقبة. ثانياً :موقع البلدان العربية من األمن االقتصادي إذا تم إجراء مقارنة موضوعية بين مفهوم األمن االقتصادي ،الذي سبقت اإلشارة إليه ،وبين التغيرات االقتصادية واالجتماعية الفجائية والعشوائية المتقلبة التي تشهدها البلدان العربية في عصر البترول لتبين مدى ابتعاد تلك التغيرات عن نهج األمن االقتصادي ،بل إن مسار تلك التغيرات أخذ تدريجيا ً – عبر فترات اليسر يقوض إمكانات األمن االقتصادي الحقيقية .فمسيرة االقتصادات العربية والعسر – ّ ِّ ترتبط ،ومنذ سبعينيات القرن الماضي ،بمسيرة البترول في المقام األول .وقد سن على إثرها مستوى المعيشة جمعت البلدان المنتجة ثروات ضخمة تح َّ والمستوى الصحي وانتشر التعليم… لكن تبقى حقيقة تلك التحسنات تمثل حالة سمحت بها الوفرة البترولية ،وليست عملية تعكس تحوالت في البنى االقتصادية واالجتماعية وتع ِّبّر عن اتجاه مستمر في ارتفاع اإلنتاجية أو عدالة التوزيع؛ ما يعني أن خدمات الص حة والتعليم واإلسكان وغيرها يمكن أن تتراجع تحت ضغط تراجع معدالت اإلنفاق العام التي تعكس ظاهرة تآكل ريع البترول .وإذا كان الوضع كذلك بالنسبة إلى البلدان العربية البترولية ،فإن البلدان العربية غير البترولية حققت كذلك منافع كبيرة من خالل تقديم الخدمات المتعلقة بالبترول وتحويالت العاملين في البلدان المنتجة واالستثمارات اآلتية من بلدان المنطقة ومداخيل السياحة اإلقليمية والمعونات على أنواعها .واستمر هذا الوضع طوال مرحلة الوفرة البترولية ،ما يعني أن دخل البترول يشكل قوة دفع رئيسية لألمن االقتصادي العربي .لكن هذا ا ألمن المرتبط بتقلبات أسواق البترول كان وما زال
رهنا ً بتيارات خارجية المنشأ .والثروة البترولية التي أنعشت البلدان العربية في السبعينيات اضمحلت في الثمانينيات وأوائل التسعينيات بفعل الهبوط الحاد ألسعار البترول في األسواق العالمية ،حيث ارتبط نمو الناتج المحلي اإلجمالي للبلدان العربية منذ الستينيات ارتباطا ً شديداً بارتفاع عائدات الصادرات والتي غلبت عليها صادرات البترول .هذا التفاوت في النمو بين مرتفع في السبعينيات وراكد في الثمانينيات وصوالً إلى نمو استثنائي بداية العقد األول من القرن الحادي والعشرين كان انعكاسا ً واضحا ً للتقلبات الحادة التي عصفت بسوق البترول. وباعتبار أن نسبة نمو الناتج المحلي اإلجمالي ال تعني الكثير قبل األخذ بعين االعتبار نسبة نمو السكان ،أي ما يمكن أن يناله الفرد الواحد من النمو ،فإنه خالل مراحل االنتعاش والركود التي شهدتها فترة األربعة وعشرين عاما ً من 1980إلى غاية 2004لم يسجل نصيب الفرد من النمو االقتصادي في المنطقة العربية أي زيادة على اإلطالق تقريباً ،حيث – وفقا ً لبيانات البنك الدولي – لم يتجاوز نمو نصيب الفرد الحقيقي من الناتج المحلي اإلجمالي في البلدان العربية 4.6بالمئة أي أقل من 0.5بالمئة سنوياً ،بل تحولت معدالت نمو الدخل الفردي خالل التسعينيات إلى مسار سلبي في أغلب األحيان .وبهذا فإن البلدان العربية لم يتحقق فيها تزايد مطرد في متوسط الدخل الحقيقي للفرد ألي فترة طويلة من الزمن حيث ظل يتأرجح بين ارتفاع قياسي وهبوط حاد ،وذلك تعبيراً عن اتجاهات الطلب العالمي على البترول الخام وانكماش مستويات أسعاره في السوق العالمية التي تحكمها عوامل خارجية. وهذا التأرجح في متوسط دخل الفرد يؤكد حقيقة ليست في حاجة إلى كثير من الشرح ،وهي أن مصدر الناتج المحلي اإلجمالي وبالتالي متوسط دخل الفرد في بلدان المنط قة ال عالقة له بإنتاجية الفرد أو العامل كما يتطلب مفهوم النمو االقتصادي ،وال يعكس تأثير تحوالت هيكلية وتغيرات بنائية قادرة على استدامة مستويات الدخل المتحقق كما يتطلب مفهوم التنمية االقتصادية؛ وإنما اعتمدت مستويات الناتج المحلي اإلجمالي ومتوسطات دخل الفرد في المنطقة دائما ً على استنزاف ثروة طبيعية غير متجددة (البترول) ،كما اعتمدت على مستويات أسعار صادرات البترول الخام إلى السوق العالمية .والحقيقة أن هذا السيناريو لم يتغير
مع الفورة البترولية الثالثة التي حدثت مع مطلع القرن الحادي والعشرين حيث ارتفعت أسعار البترول إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 147.2دوالر للبرميل في تموز/يوليو ،2008ما جعل االقتصادات العربية البترولية تجني إيرادات لم تشهد لها مثيل منذ سبعينيات القرن العشرين ،لكن وبسبب أزمة الرهن العقاري تم خسارة الكثير من المكاسب في فترة قياسية ،ما يعني أن أزمة 2008 أكدت مرة أخرى الطبيعة الريعية للبلدان العربية ،وفشل دول المنطقة في بناء قاعدة إنتاجية بديلة للبترول. عموما ً إن النمو المرتكز على البترول خلق عدداً من مواطن الضعف في األسس وحولها بصورة متزايدة إلى اقتصاد قائم على البنيوية لالقتصادات العربية ّ االستي راد والخدمات مقابل انكماش لقطاع الزراعة والصناعة .وفي ما يلي توضيح لبعض مواطن الضعف العربي: – 1الخدمات تقع أنواع الخدمات المتوافرة في البلدان العربية في أدنى سلسلة القيمة المضافة، وال تضيف إال القليل إلى تنمية المعرفة على المستوى المحلي وتضع بذلك البلدان العربية في مراتب متدنية في األسواق الدولية ،فرغم تشابه هذه الظاهرة – نمو قطاع الخدمات – بما يحدث في الدول الرأسمالية المتقدمة ،إال أن الفارق يكمن في نوع تلك الخدمات .فنمو القطاع الثالث أو قطاع الخدمات في الدول الرأسمالية مرتبط بنمو الخدمات المصرفية وأعمال التأمين وأعمال التسويق والخدمات االستشارية وخدمات النقل الدولي واإلعالن واالتصاالت وقطاع المعلومات ،وهي في بلدان العالم الثالث ومنها البلدان العربية تعبير عن تضخم البيروقراطية وشبه الخدمات المنزلية ،وانتفاخ أجهزة األمن والقوات المسلحة وتدني إنتاجية العمل في أعمال التشييد والصيانة وإصالح السلع المعمرة… إلخ[ .]2من هنا فإن استمرار هذا االتجاه الذي ينمو على حساب الصناعة والزراعة العربية يظل مدعاة للقلق، فنصيب الخدمات من الناتج المحلي اإلجمالي يتجاوز 50بالمئة في كل البلدان العربية غير المنتجة للبترول ،بينما تزيد على 65بالمئة في كل من البحرين
واألردن وجيبوتي ولبنان والمغرب ،بل إن هذا القطاع يضم أكثر من 50بالمئة من إجمالي العمالة في معظم البلدان العربية. – 2الصناعة إن البلدان العربية قاطبة ليست بلدانا ً صناعية بالمعنى الحقيقي للكلمة ،ففي ظل غياب السياسات التنموية القائمة على توافر عنصر اإلرادة الفاعلة والصلبة من أجل إنجاز مهمة التحرر االقتصادي ،وفي ظل احتياج المراكز الرأسمالية العالمية لبلدان األطراف ،فإن األقطار العربية على ما هي عليه اآلن – وحسب تقديرنا – لم ولن تستطيع أن تصبح دوالً صناعية ذات شأن .وإذا تمت إضافة عنصري والمشوه الذي ما زالت تعمق التجزئة العربية واستمرار المسار التنموي المعوج َّ الحكومات العربية متمسكة به ،فلن يكون مثل هذا القول إجحافا ً أو تجنيا ً على الوقائع أو ميالً إلى نزعة تشاؤمية .فاالقتصاد العربي عموما ً ال يزال يقوم بوظيفته التقليدية با لنسبة إلى التقسيم الدولي للعمل وإلى حد بعيد ،حيث ما فتئ يقدم المواد األولية التي بدأت في النضوب ليستورد في مقابلها سلعا ً رأسمالية غذائية واستهالكية .فالصناعة التي يفترض أنها ستغير من قساوة هذا الوضع وتفتح مجاالً للنمو والتطور أصبحت وسيلة إضافية إلخضاع االقتصادات العربية لالقتصاد العالمي ولشركاته االحتكارية متعددة الجنسية ،وقصد االطالع أكثر على حقائق األمور نتطرق إلى النقاط التالية: أ – رغم أن التجارب الصناعية العربية والتي امتدت على مدى أربعة عقود تقريبا ً أفرطت في الحديث عن الصناعات الثقيلة واالستراتيجية ،إال أن تطور القطاع الصناعي العربي إجماالً أظهر أن الصناعة الثقيلة عموما ً غير ذات وزن يذكر في ما يتعلق بمساهمتها في الناتج المحلي اإلجمالي العربي ،بل تكشف تلك التطورات عن تخلُّف الصناعة العربية وتبعيتها عموما ً وتركيزها باألساس على الصناعات االستخراجية والبتروكيمياوية والتحويلية .بلغة األرقام ظل معدل االرتفاع النسبي لمجموع الصناعات العربية منذ 1995وإلى غاية نهاية 1996ما يقارب 8بالمئة
فقط؛ أي حوالى 15.7مليار دوالر .وبذلك تمثل مجموع الصناعات العربية نحو 30بالمئة من الناتج المحلي اإلجمالي عام ]3[1996جلّها صناعة استخراجية. أما بالنسبة إلى الصناعات الكيماوية والبتروكيمياوية فإنه رغم افتخار عدة بلدان بها ،وال سيَّما الدول البترولية ،فإن توسع تلك الصناعة في المنطقة العربية في حقبة السبعينيات والثمانينات كان جزءاً من العملية العريضة التي مارستها مجموعة الدول الرأسمالية المتقدمة لنقل الصناعات التي أخذت تفقد ميزتها النسبية داخل االقتصاد المتقدم ذاته ،إما بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة أو ارتفاع تكلفة العمل أو بسبب مشكالت التلوث .وبذلك تحقق هذه العملية لالقتصاد الرأسمالي فرصة لتركيز ميزته النسبية في الصناعات األكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية مثل اإللكترونيات الدقيقة ،وفوق ذلك فإن الشركات االحتكارية المنفذة لتلك المشاريع تسيطر على ما يسمى «الحلقة األولى» أي التنقيب واالستكشاف والتشييد و«الحلقة األخيرة» ؛ أي التسويق للمنتجات من خالل احتكار المعلومات ،إذ إن البيانات التسويقية والتكنولوجية – بحسب تلك الشركات – هي من قبيل األسرار التجارية، ولهذا فإن مسألة نقل الصناعات الكيمياوية والبتروكيمياوية إلى بعض أجزاء المنطقة العربية لم يتبعه نقل حقيقي للتكنولوجيا. ب – لم يكن غريبا ً أن تشهد معظم البلدان العربية خالل العقود األربعة الماضية درجة كبيرة من التباطؤ واالنكماش في مجال التصنيع ،والحقيقة أنها كانت أقل تصنيعا ً في عام 2007منها في عام ،1970ويصدق ذلك على البلدان ذات الدخل المتوسط والقاعدة االقتصادية المتنوعة المصادر نسبيا ً في الستينيات مثل سورية، العراق ومصر .صحيح أن اإلمارات واألردن وعمان وتونس والجزائر حققت تقدما ً ملحوظا ً في مجال التنمية الصناعية ،لكن على العموم يبقى نصيب الصناعة من PIBلديها ضعيفا ً جداً ،حيث يمثل أقل من 11بالمئة من السلع المصدرة في عام ،2007 – 2006بل يبدو أن فئات البلدان جميعا ً تقترب من المعدل اإلقليمي المتواضع والذي مثل أقل من 10بالمئة عام .2007 ج – إن التصنيع العربي وبدعم االستثمارات الخارجية وإرشادات ونصائح الشركات متعددة الجنسية ،لم يركز على الصناعات اإلنتاجية الحقيقية الثقيلة وال
على الصناعات األكثر وفاء بالحاجات االجتماعية األساسية رغم توفير األموال والطاقة والعمالة والعقول البشرية .فالبلدان العربية لم تزل تستورد «المصانع الجاهزة» بصيغة تسليم المفاتيح مثالً وتستورد اآلالت والمعدات والسلع الهندسية، بل إن هذا التصنيع المزعوم ركز في المقابل على الصناعات األكثر واألسرع ربحا ً بما في ذلك الصناعات التجميعية ،والتصنيع العربي بتلك األنماط االستهالكية وبدعم الحمالت اإلعالنية البراقة ساهم أيضا ً في تصفية الصناعات التقليدية والحرفية العربية التي لو أتيحت لها فرص التطور والنمو لحلت كثيراً من مشاكل التنمية .كما إن هذا التصنيع الذي نشأ وتطور في إطار تنمية مشوهة وتابعة أدى إلى تبدي د الثورة المالية واإلمكانات والموارد بتوجهه الستيراد التكنولوجيا واآلالت والمعدات والسلع الهندسية بل حتى دراسات الجدوى وأعمال التصميم والخدمات االستشارية ،فضالً عن استيراد الفنيين وعمال الصيانة والكهرباء في الوقت الذي تم االستغناء فيه عن جزء من العمالة العربية وحرمان الجزء اآلخر منها من مخططات التكوين والتدريب والتأهيل .وما زاد األمور سوءاً أن هذا التصنيع جاء على حساب تكامل واندماج الهياكل الصناعية واالقتصادية على مستوى الوطن العربي ككل فكرس التجزئة وألغى التكامل والتنسيق العربي والذي يمكنه فعليا ً أن يحقق تنمية صناعية واقتصادية مستقلة وحقيقية. – 3البطالة تعد البطالة من المصادر الرئيسية النعدام األمن االقتصادي في معظم البلدان العربية ،حيث تشير اإلحصاءات إلى أن متوسط معدل البطالة فيها بلغ 15.4 بالمئة من مجموع القوى العاملة عام 2005بالمقارنة مع 6.3بالمئة على المستوى العالمي .ويالحظ أن معدالت البطالة المحلية تتفاوت بدرجة ملموسة بين بلد وآخر متراوحة بين 2بالمئة في قطر والكويت ونحو 22بالمئة في موريتانيا[ .]4ال شك في أن هذه األرقام تدعو إلى القلق ،خصوصا ً إذا أخذ بالحسبان أن البلدان العربية ستحتاج بحلول عام 2020إلى حوالى 51مليون فرصة عمل جديدة .هذا وتمثل البطالة في أوساط الشباب تحديا ً جديا مشتركا في العديد من البلدان العربية ،إذ بلغ متوسط معدل البطالة في أوساط الشباب عام 2006 – 2005نحو 30بالمئة من
إجمالي القوى العاملة الشابة مقارنة بمتوسط عالمي بلغ 14بالمئة .بل إن نسبة البطالة في ارتفاع حتى بين المتعلمين ،إذ إن قرابة 40بالمئة من خريجي المدارس الثانوية والجامعات والمتراوحة أعمارهم بين 15و 25سنة ال يجدون عمالً. – 4الفقر إن قياس الفقر وعدم االستقرار المصاحب له يتحقق من خالل منظورين: أ – فقر الدخل هو الذي يحدد مستوى رفاه األفراد م ّما يتوافر لهم من سلع وخدمات بناء على إنفاق دخلهم ،وأكثر المقاييس استخداما ً لتحديد الفقر في إطار هذه المقاربة يعتمد نسبة عددية تمثل إجمالي نسبة السكان التي تعيش دون خط الفقر والذي – وبحسب البنك الدولي – يعتمد على دخل يعادل الدوالرين للفرد يومياً ،وبحسب هذا المقياس بينت اإلحصاءات أنه رغم ارتفاع معدالت البطالة في البلدان العربية إال أن درجة فقر الدخل منها ت ُ َعد على العموم منخفضة نسبيا ً حيث ثبت أن حوالى 20.37بالمئة من السكان العرب يعيشون تحت خط الفقر الدولي المحدد بدوالرين يوميا ً وذلك عام ،2005وأن القطاع األكبر من الفقراء يتركز في بلدان مثل الصومال، السودان ،مصر ،سورية ،موريتانيا ،العراق ،المغرب ،اليمن؛ وهي ذات أحجام سكانية مرتفعة نسبيا ً ومستويات منخفضة من معدل اإلنفاق الفردي .بل إنه برغم تمتع قرابة 92بالمئة من سكان الوطن العربي بمتوسط دخل للفرد يعد مقبوالً من ناحية األمن االقتصادي إال أن معدل نمو هذا الدخل قد اتصف بعدم االستقرار والتذبذب المرتفع وذلك العتماد النمو على أسعار النفط العالمية التي تتصف بمثل هذا التذبذب[.]5
ب – الفقر البشري
هو مفهوم أشاع استخدامه برنامج األمم المتحدة اإلنمائي للتعبير عن حرمان المرء من الفرص والقدرات ويمكن قياسه باستخدام «دليل الفقر البشري» ،والذي قوامه 3مكونات أساسية :طول العمر؛ مستوى المعيشة؛ المعرفة. المكون األول بنسبة السكان الذين ال يتوقع أن يبلغوا األربعين من العمر. يقاس ّ المكون الثاني هو قيمة مركبة تقاس بنسبة السكان الذين يحصلون على المياه النظيفة ونسبة األطفال ناقصي الوزن ممن هم دون الخامسة من العمر .والمكون الثالث يقاس بمعدل األمية بين البالغين .وبموجب دليل الفقر البشري هذا تصنف البلدان التي تحصل على أكثر من 30بالمئة في مرتبة مرتفعة على سلم الفقر البشري ،والبلدان التي تحصل على أقل من 10بالمئة في مرتبة منخفضة على سلم الفقر البشري ،أما النسب المئوية الواقعة بين هذين المعيارين فتشير إلى درجة متوسطة من الفقر البشري. إن نتائج الفقر البشري ترتبط بشكل وثيق مع الدخل ،فالبلدان ذات الدخل المنخفض تشهد أعلى مستويات من الفقر البشري ( 35بالمئة) ،وبذلك فإن انخفاض الدخل يشكل انتقاصا ً من مستويات المعيشة والصحة والتعليم ،وعلى إثر الهبوط المسجل في معدالت فقر الدخل ،انخفض بمرور الوقت كذلك انعدام األمن الناجم عن الفقر البشري في كل البلدان العربية بنسبة الثلث تقريباً. ثالثاً :موقع البلدان العربية من األمن الغذائي – 1تشخيص الوضع الغذائي العربي إن معظم البلدان العربية وفقا ً لألرقام واإلحصاءات المختلفة ،تعتبر منطقة عجز غذائي دائم وال سيّما في الحبوب والزيوت والمواد الغذائية حيوانية األصل .فرغم زيادة القيمة المضافة لهذا القطاع من 45مليار دوالر عام 1995إلى 125مليار دوالر عام . 2010غير أن نسبة الناتج الزراعي إلى الناتج المحلي اإلجمالي للبلدان العربية تناقصت من 9.5بالمئة عام 1995إلى 6بالمئة عام ،2010 والمالحظ أن هذه النسبة تتفاوت بشكل واضح بين البلدان العربية ،فهي مرتفعة في
البلدان ذات الموارد الزراعية الجيدة كالسودان والتي بلغت فيها هذه النسبة 29.3 بالمئة سنة 2008وسورية 20بالمئة ،بينما تراوحت بين 7بالمئة و 13بالمئة في كل من اليمن ،تونس ،لبنان ،مصر ،المغرب وموريتانيا طبقا ً إلحصاءات عام .2011وبخصوص االكتفاء الذاتي من بعض السلع األساسية لسنة 2010يمكن إدراج الجدول الالحق. لقد ترتب على تدني نسب االكتفاء الذاتي من السلع الغذائية األساسية – نظراً إلى التفاوت الكبير بين معدل نمو الناتج الزراعي البالغ 2بالمئة عام 2011وبين معدل نمو الطلب على المنتجات الزراعية البالغ 5.5بالمئة – تزايد الواردات من السلع الغذائية الرئيسية ،ما تسبب في ارتفاع عجز الميزان التجاري الزراعي العربي من 18مليار دوالر عام 1995إلى 26مليار دوالر عام .]6[2010فعلى الرغم من ارتفاع قيمة الصادرات الزراعية من 7مليارات دوالر سنة 2000إلى 19مليار دوالر سنة 2010إال أن زيادة الواردات الزراعية كانت أكبر كثيرا ً حيث ارتفعت هذه األخيرة من 30مليار دوالر سنة 2000إلى 65مليار دوالر سنة .2010وبذلك فإن ارتفاع عجز الميزان التجاري الزراعي العربي يعود بالدرجة األولى إلى عدم كفاية اإلنتاج الزراعي المحلي خاصة من الحبوب وإلى ارتفاع قيمة الواردات الزراعية بسبب ارتفاع أسعارها في السوق العالمية .فقد استوردت البلدان العربية حتى اآلن نحو ثُمن الواردات العالمية من السلع الغذائية و ُخمس ا لواردات العالمية من الحبوب ،ما يعني أن إنتاج وإنتاجية السلع الزراعية هما عند مستويات ال يمكن االعتماد عليها في المساهمة في تحقيق األمن الغذائي العربي في المدى المنظور على أقل تقدير. الجدول نسبة االكتفاء الذاتي عام 2010 المجموعة السلعية
مجموعة الحبوب والدقيق
البقوليات
الزيوت
نسبة االكتفاء الذاتي (بالمئة)
49
57
31
المصدر :المنظمة العربية للتنمية الزراعية ،إحصاءات سنة .2011 وعموما ً يالحظ أن هناك تباينا ً في مقدار العجز الغذائي بين البلدان العربية بما نسبته 19.6بالمئة ،حيث يكون مرتفعا ً خاصة في الصومال ومشكلة هذه الفئة تكمن في أن عدم كفايتها من الغذاء يرجع في جزء كبير منه إلى ارتفاع األهمية النسبية للفقر[ ،]7واألمر نفسه تقريبا ً بالنسبة إلى السودان واليمن .مشكلة هذه الفئة أنها تشمل دوالً ذات دخل منخفض وقدرة شرائية ضعيفة ،ما يجعل زيادة عرض الغذاء ال تساهم في تحسين أوضاعهم الغذائية إذا لم يصاحبها تزايد في القوة الشرائية. – 2مخاطر العجز الغذائي العربي يمكن تحديد خطرين أساسيين ناتجين من العجز الغذائي العربي: أ – إن مسألة استيراد الغذاء واالعتماد على الخارج في هذا المحور الحيوي للحياة ،زاد تكلفة اإلنفاق المالي العربي في كل المنطقة العربية سواء البترولية أو غير البترولية ،حيث توضح اإلحصاءات أن البلدان البترولية أصبحت تتميز منذ مطلع الثمانينيات بأعلى متوسطات استيراد المواد الغذائية .وعموما ً يمكن تقدير مدى تعرض األمن الغذائي للخطر بواسطة مقياس يحسب بقسمة الواردات الغذائية على مجموع عوائد الصادرات مطروحا ً منها خدمة الدين الخارجي ،إذ يتفاقم خطر انعدام األمن الغذائي كلما ارتفعت قيمة هذا المؤشر .ورغم أن اإلحصاءات أكدت تراجع قيمته في البلدان العربية بصفة عامة من 19.7بالمئة في منتصف الثمانينيات إلى 13.9بالمئة في منتصف التسعينيات إلى 7.7بالمئة عام ، ]8[2004وخاصة في البلدان البترولية ،لكن رغم ذلك ينبغي على هذه الدول أن تحس بمرارة المشكلة وبأبعادها المستقبلية وأثرها في حياة األجيال القادمة ومستقبلها ،وبالذات لو تم األخذ باالعتبار أن البترول المعتمد عليه في شراء الغذاء هو مورد ناضب وغير متجدد .كما أن االرتفاع السريع والمتزايد لفاتورة الواردات الغذائية تمثل عبئا ً ثقيالً على البلدان العربية ذات الدخل المنخفض ،وهو أمر ال يبشر بالخير ،وبخاصة أن تبديد جزء هام من األموال في تمويل واردات
الغذاء يعني زيادة األعباء الما لية على الميزانية وإعاقة مسيرة التطور والتنمية وااللتفات إلى ضرورة توفير الغذاء تحت أي ظرف وثمن .كما أن الصدمات االقتصادية عادة ما تؤثر في أوضاع األمن الغذائي القتصاد غير متنوع ،وال سيّما في حالة تواضع أو غياب الخزين االستراتيجي من الغذاء ،أو قلة االحتياطات من النقد األجنبي التي تساعد على استيراد الغذاء ،فتقلبات أسعار بترول البلدان تقرب هذه البلدان من حالة انعدام األمن الغذائي البترولية غير المنتجة للغذاء قد ِّ ّ طالما أنها تعتمد في صادراتها على مورد وحيد هو البترول .وقد تبين من تقدير مؤشر الصدمات االقتصادي أن ه مرتفع في مجموعة البلدان العربية مرتفعة الدخل كبلدان مجلس التعاون الخليجي حيث بلغ أكثر من 73بالمئة في منتصف التسعينيات وكذلك مطلع األلفية الثالثة ليرتفع إلى 90.7بالمئة عام .2005 وباعتبار أن البترول يشكل أهمية نسبية عالية في صادرات الدول فإن ارتفاع قيمة مؤشر الصدمات االقتصادية معناه أن أوضاع األمن الغذائي لهذه الدول معرضة ألخطار كبيرة في حالة تراجع أسعار البترول ،في حين أن انخفاض قيمة هذا المؤشر بالنسبة إلى البلدان العربية منخفضة الدخل من 51.9بالمئة في منتصف التسعينيات إلى 46بالمئة و 41بالمئة مطلع األلفية الثالثة وسنة 2005على التوالي تقلل من تلك المخاطر ،بينما البلدان العربية متوسطة الدخل والتي زاد انفتاحها على الخارج بموجب ما طبقته من برامج صندوق النقد الدولي والبنك العالمي انعكس ذلك على مؤشرها من الصدمات االقتصادية والذي شهد ارتفاعا ً من 33.9بالمئة في منتصف التسعينيات إلى 51.5بالمئة و 73.5بالمئة خالل عامي 2000و 2005على التوالي. ب – إن تطور الفجوة الغذائية العربية خالل العقود األخيرة جعل المنطقة العربية واحدة من أكثر مناطق العجز الغذائي ومن أكثرها تبعية غذائية في العالم؛ حيث تحولت من مشكلة تجارية تؤثر في ميزان المدفوعات العربي في المرحلة األولى إلى مشكلة اقتصادية تؤثر في مجمل التنمية االقتصادية في مرحلة ثانية إلى مشكلة سياسية في مرحلتها الراهنة ،نظرا ً إلى كون توفير اإلمكانات المطلوبة من الغذاء معرضا ً في الوقت الحاضر للكثير من احتماالت الضغوط المستورد أصبح ّ السياسية ،وبالتالي أصبح األمن الغذائي في ظل احتماالت السيطرة األجنبية على
استهالك الغذاء أحد أهم المكونات الرئيسية ليس لألمن االقتصادي العربي فحسب، وإنما لألمن القومي العربي بأكمله .فالدول المصدرة للغذاء هي دول قليلة ومتقدمة اقتصاديا ً ويمكنها ممارسة سياسة احتكار القلة ،ما يؤثر في السوق العالمية للغذاء ويؤثر بالتالي في حرية القرار االقتصادي والسياسي للبلدان العربية .ولهذا فإن اعتقاد البعض في كون استيراد الغذاء لمن يملك المال يعتبر أكثر اقتصادية من زراعته يعتبر اعتقاداً خاطئا ً وخطراً .وتكمن خطورة هذه السياسة في رهن أمنك الغذائي لمن يملك بيعه ويستبد به ويملي إرادته عليك كمحتاج ،فمن ال يملك غذاءه ال يملك قراره ،ومن ال يملك قراره ال يملك مصيره ويجد نفسه ضحية لعبة األمم. فلطالما استخدمت الواليات المتحدة األمريكية – باعتبارها أهم المصدِّّرين للغذاء في العالم – وال تزال تستخدم سالح الغذاء كأداة ضغط على دول العالم. الخاتمة زاد سوء استخدام البترول من اعوجاج التنمية العربية التابعة ،وضيّع بالتالي فرصة تحقيق أمن اقتصادي عربي .لكن الحقيقة أنه ما زالت هناك فرصة يمكن أن تنقل بلدان المنطقة العربية من المسار الخطر إلى المنعطف اآلمن قبل جفاف آبار الذهب األسود وفوات األوان .ترتكز هذه الفرصة على ثالثة مداخل استراتيجية متكاملة ومتداخلة: أولها :إصالح إدارة الحكم باعتبار أن ذلك يساعد على مكافحة الفساد واالرتقاء بمستويات المعيشة. ثانيها :إصالح الخلل اإلنتاجي وهذا يتطلب في البداية إعادة النظر في طبيعة الريع االقتصادي لصادرات البترول باعتباره إيرادا ً رأسماليا ً يعود للدولة مقابل استنضاب الثورة البترولية وليس إيراداً جارياً ،ومن ثم وجوب إعادة استثماره في أصول إنتاجية معمرة من خالل بناء قاعدة اقتصادية بديلة لصادرات البترول الخام مدر ة للدخل ،ويستفيد من منافعها الجيل الحالي واألجيال القادمة بعد أن يزول ّ البترول أو يتآكل ريعه لسبب أو آلخر .وتتوقف فرصة التحول من استهالك ريع
البترول إلى استثماره على نمو إرادة مجتمعية واالرتقاء بحس المسؤولية في الدولة والمجتمع إلى درجة القدرة على الجهاد األكبر (جهاد النفس) والتخلص من حالة اإلدمان الخطير على االستهالك. ثالثها :التكامل العربي والذي يشكل إطاراً يحقق لبلدان المنطقة كيانا ً اقتصاديا ً واجتماعيا ً قابالً للتنمية ،وكيانا ً عسكريا ً وسياسيا ً قادراً على توفير الحد األدنى من متطلبات األمن القومي ،ويمثل بال شك مدخالً رئيسيا ً من مداخل المنعطف اآلمن، وال بد هنا أيضا ً من التدرج الذي يبدأ باإلصالح الداخلي في كل بلد من بلدان المنطقة. قائمة المصادر تجدها هنا