SCIENTIFIC AMERICAN ARABIC مجلة العلوم النسخة العربية - المجلد_27 - العددان 7\8

Page 1

‫املجلد ‪ 27‬ـــ العددان ‪8/7‬‬ ‫يوليو‪/‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪July / August 2011‬‬

‫العددان ‪ 280/ 279‬ــــ السعر‪ 1.500 :‬دينار كويتي‬

‫�سبعـة‬ ‫حلول‬ ‫جذرية‬ ‫للطاقـة‬

‫مقاومة املضادات احليوية‪ :‬عد ُُّو بداخلنا‬

‫امليثان‪ :‬خطر ينبعث‬

‫رنا‬

‫دنا‬ ‫ريبوسوم‬

‫بروتني ناشىء‬

‫رنا‬

‫الفوضى املُ َن َّظمة للبروتينات‬

‫ثورة الغذاء األزرق‪ ...‬مزارع سمك في عمق البحر‬

‫في الدماغ‪ ،‬مئة تريليون وصلة‬


‫املجلد ‪ 27‬ـ ـ العددان‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫‪280/279‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫عدنان شهاب الدين‬ ‫رئ ـيـس الهيـئـ ــة‬

‫عبداللطيف البدر‬ ‫نائب رئيس الهيئة‬

‫عدنان احلموي‬

‫رئيس حترير مجلة العلوم‬ ‫مراسالت التحرير توجه إلى‪:‬‬ ‫مؤسسة الكويت للتقدم العلمي‬ ‫شارع أحمد اجلابر‪ ،‬الشرق ‪ -‬الكويت‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 20856 :‬الصفاة‪ ،‬الكويت ‪13069‬‬ ‫عنوان البريد اإللكتروني‪ - oloom@kfas.org.kw :‬موقع الوِ ب‪www.oloommagazine.com :‬‬ ‫هاتف‪ - )+965(22428186 :‬فاكس ‪)+965(22403895 :‬‬ ‫اإلعالنات في الوطن العربي يتفق عليها مع قسم اإلعالنات باملجلة‪.‬‬

‫‪Advertising correspondence from outside the Arab World should be addressed to‬‬ ‫‪SCIENTIFIC AMERICAN 415, Madison Avenue, New York, NY 10017 - 1111‬‬ ‫‪Or to MAJALLAT AL-OLOOM, P.O.Box 20856 Safat, Kuwait 13069 - Fax. (+965) 22403895‬‬

‫ ‬

‫عضو الهيئة ـ رئيس التحرير‬

‫شارك في هذا العدد‬ ‫علي األمير‬ ‫فهد باشا‬ ‫يوسف بركات‬ ‫أحمد بشارة‬ ‫إبراهيم بالل‬ ‫محمد حسن حتاحت‬ ‫ابتسام حمد‬ ‫عدنان احلموي‬ ‫سعدالدين خرفان‬ ‫لينة دعبول‬ ‫نزار الريس‬ ‫قاسم السارة‬ ‫صالح سليمان‬ ‫منر عرب‬

‫سعر العدد‬ ‫األردن‬ ‫اإلمارات ‪20‬‬ ‫البحرين ‪1.800‬‬ ‫تونس‬ ‫‪2.5‬‬ ‫اجلزائر ‬ ‫جيبوتي ‬ ‫السعودية ‪20‬‬ ‫‪1.800‬‬

‫>‬

‫دينار‬ ‫درهم‬ ‫دينار‬ ‫دينار‬ ‫دينار‬ ‫فرنك‬ ‫ريال‬

‫مراكز توزيع‬

‫جنيه‬ ‫ليرة‬ ‫شلن‬ ‫‬‫ريال‬

‫السودان ‬ ‫سوريا‬ ‫‪100‬‬ ‫الصومال‬ ‫ ‬ ‫العراق ‪-‬‬ ‫ُعمان‬ ‫‪2‬‬ ‫فلسطني ‪$ 1.25‬‬ ‫‪ 20‬ريال‬ ‫قطر‬

‫الكويت ‪1.500‬‬ ‫لبنان ‬ ‫ليبيا‬ ‫ ‬ ‫مصر‬ ‫‪7‬‬ ‫املغرب ‪30‬‬ ‫موريتانيا ‬ ‫اليمن‬ ‫‪250‬‬

‫دينار‬ ‫ليرة‬ ‫دينار‬ ‫جنيه‬ ‫درهم‬ ‫أوقية‬ ‫ريال‬

‫‪4‬‬ ‫‪2.5‬‬

‫‪₤‬‬ ‫‪CI‬‬

‫‪Britain‬‬ ‫‪Cyprus‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪Greece‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪Italy‬‬

‫‪6‬‬

‫‪$‬‬

‫‪6‬‬

‫‪€‬‬

‫‪France‬‬

‫‪U.S.A.‬‬ ‫‪Germany‬‬

‫[ ما يعادل بالعملة احمللية دوالرا أمريكيا ونصف الدوالر (‪])USA $ 1.5‬‬

‫في األقطار العربية (انظر الصفحة ‪.)94‬‬

‫االشتراكات‬ ‫ترسل الطلبات إلى قسم االشتراكات باملجلة‪.‬‬ ‫ للطلبة وللعاملني في سلك‬ ‫التدريس و‪/‬أو البحث العلمي‬ ‫ لألفراد‬ ‫ للمؤسسات‬

‫بالدينار الكويتي‬

‫بالدوالر األمريكي‬

‫‪12‬‬

‫‪45‬‬

‫‪16‬‬

‫‪56‬‬

‫‪32‬‬

‫‪112‬‬

‫مالحظة‪ :‬حتول قيمة االشتراك بشيك مسحوب على أحد البنوك في دولة الكويت‪.‬‬

‫بزيارة موقع املجلة ‪ www.oloommagazine.com‬ميكن االطالع على مقاالت اإلصدارات املختلفة اعتبارا من العدد ‪.1995/1‬‬

‫كما ميكن االطالع على قاموس مصطلحات‬

‫باتباع التعليمات الواردة على الصفحة الرئيسية للموقع‪.‬‬

‫فوزي عوض‬ ‫ياسر العيتي‬ ‫سحر الفاهوم‬ ‫عزت قرني‬ ‫أحمد الكفراوي‬ ‫‪1‬‬

‫بنسـخة مجـانية من قرص ‪ CD‬يتضمن خالصات مقاالت هذه املجلة منذ نشأتها‬ ‫ميكـن تزويــد املشـتركني في‬ ‫عام ‪ 1986‬والكلمات الدالة عليها‪ .‬ولتشغيل هذا القرص في جهاز ُمدعم بالعربية‪ ،‬يرجى اتباع اخلطوات التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬اختر ‪ Settings‬من ‪ start‬ثم اختر ‪Control Panel‬‬ ‫‪ -2‬اختر ‪Regional and Language Options‬‬ ‫‪ -3‬اختر ‪ Arabic‬من قائمة ‪ Standards and Formats‬ثم اضغط ‪OK‬‬ ‫حقوق الطبع والنشر محفوظة ملؤسسة الكويت للتقدم العلمي‪ ،‬ويسمح باستعمال ما يرد في‬

‫شريطة اإلشارة إلى مصدره في هذه املجلة‪.‬‬


‫املجلد ‪ 27‬ـــ العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪8/7‬‬

‫‪4‬‬

‫استدامة‬

‫سبعة حلول جذرية للطاقة‬

‫منر عرب ـ أحمد بشارة‬

‫رمبا تفشل معظم هذه احللول‪ ،‬ولكن ما سينجح منها قد يغير بشكل جوهري‬ ‫كيف نولد الطاقة وكيف نستخدمها بكفاءة‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫علم النفس‬

‫صالبة التحمل َ‬ ‫احل َّقة‬ ‫من منظور علم األعصاب‬

‫عزت قرني ـ عدنان احلموي‬

‫>‪ .G‬ستكس<‬

‫عندما ُّ‬ ‫حتل بنا مصيبة‪ ،‬فمن املدهش أن معظمنا يعود في نهاية األمر ليستأنف‬ ‫مسار حياته املعتاد على نحو جيد‪ .‬فمن أين تأتي مثل هذه القدرة على‬ ‫استعادة التوازن واحليوية بعد تلك املصيبة؟‬ ‫‪22‬‬

‫بيولوجيا اخللية‬

‫َّ‬ ‫املنظمة للبروتينات‬ ‫الفوضى‬ ‫<‪ .K .A‬دانكر< ‪-‬‬

‫>‪ .W .R‬كريواكي>‬

‫سحر الفاهوم ـ أحمد الكفراوي‬ ‫&‬ ‫التحرير‬

‫لكي تقوم البروتينات بأداء عملها احليوي في اخلاليا‪ ،‬عليها أن تتخذ أشكاال‬ ‫صلبة محددة‪ ،‬أو هكذا تقول احلكمة التقليدية‪ .‬ولكن تبني أن الكثير من‬ ‫البروتينات األساسية تصبح مرنة متاما‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫علوم احلياة‬ ‫ِجني‪ ،‬عاملة األدغال‬ ‫مقابلة أجرتها‬

‫ابتسام حمد ـ التحرير‬

‫>‪ .K‬وونگ<‬

‫>‪ .J‬گودال< اختصاصية علم الرئيسيات تستعرض خبراتها خالل سنواتها‬ ‫اخلمسني التي قضتها بني الشمپانزيات‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫طب‬

‫سبيل سريع البتكار لقاحات‬ ‫>‪ .A‬أديرمي<‬

‫فهد باشا ـ قاسم السارة‬

‫لعل علماء البيولوجيا قد جنحوا في إيجاد سبيل البتكار لقاحات ف ّعالة ضد مرض‬ ‫اإليدز والتدرن (السل) وأمراض مستعصية أخرى‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪40‬‬

‫دعم غذائي‬ ‫ثورة الغذاء األزرق‪ ...‬مزارع سمك في‬ ‫عمق البحر‬

‫لينة دعبول ـ عدنان احلموي‬

‫>‪ .S‬سيمپسون<‬

‫ميكن ملزارع سمك جديدة في عمق البحر وعمليات أنظف على طول الشاطئ‪،‬‬ ‫أن تزود العالم مبصدر غني حلاجته الشديدة إلىالپروتني‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫إيكولوجيا‬ ‫بحيرة الفسفور‬ ‫>‪ .M‬فيشيتي<‬

‫نزار الريس ـ التحرير‬

‫لتزويد الواليات املتحدة بالسماد‪ ،‬تُستنزف مكامن الفسفور في والية فلوريدا‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫بيئة‬ ‫امليثان ‪ :‬خطر ينبعث‬

‫>‪ .W .K‬أنثوني<‬

‫سعدالدين خرفان ـ صالح سليمان‬ ‫&‬ ‫التحرير‬

‫ُيشكل ذوبان اجلليد السرمدي القطبي بحيرات تطلق غاز امليثان‪ .‬وهذا الغاز‬ ‫احلابس للحرارة ميكن أن يس ّرع االحترار العاملي‪ .‬فما حجم هذا التهديد؟‬ ‫وما الذي ميكن عمله؟‬ ‫‪62‬‬

‫طـب‬

‫مقاومة املضادات احليوية‪ :‬عدو بداخلنا‬ ‫>‪ .M‬ما ّكينا<‬

‫ياسر العيتي ـ محمد حسن حتاحت‬ ‫&‬ ‫التحرير‬

‫نوع جديد من مقاومة املضادات احليوية ينتشر حول العالم قد يجعلنا في وقت قريب‬ ‫عاجزين عن الدفاع عن أنفسنا في وجه طيف واسع مخيف من اإلنتانات البكتيرية‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫علوم عصبية حديثة‬

‫مئة تريليون وصلة في الدماغ‬ ‫<‪ .C‬زمير>‬

‫يوسف بركات ـ علي األمير‬

‫ُ‬ ‫يحمل املفتاح‬ ‫إن صخب باليني خاليا الدماغ محاول ًة االتصال فيما بينها‪ ،‬قد‬ ‫حلل لغز الوعي وفهمه‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫فيزياء‬

‫«عفريت مكسويل» من أجل تبريد الذرات‬ ‫إلى درجة حرارة قريبة من الصفر املطلق‬ ‫<‪ .G .M‬ريزن>‬

‫فوزي عوض ـ إبراهيم بالل‬ ‫&‬ ‫التحرير‬

‫جترب ٌة ذهني ٌة من القرن التاسع عشر حتولت إلى تقنية واقعية بغية الوصول إلى‬ ‫حرارة متناهية االنخفاض‪ ،‬ممهدّة الطريق الكتشافات علمية جديدة ولتطبيقات مفيدة‪.‬‬ ‫‪ 87‬ملفات تقنية‬ ‫إن ن‍جاح برم‍جيات گوگل ال‍هاتفية أندرو ْيد ‪Android‬‬ ‫ليس دليال على أن االنفتاح هو األفضل‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ 89‬أخبار علمية‬ ‫> األسلحة املعتمدة على احلزم الشعاعية‬ ‫> ستيرلنگ في أعماق الفضاء‬ ‫> ڤيروس في الدماغ‬ ‫> رؤية ليلية‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس‬

‫‪8/7‬‬

‫‪2011‬‬

‫سبعة حلول‬ ‫جذرية للطاقة‬

‫( )‬

‫قد يكون معدل فشل هذه احللول املثيرة ‪ 90‬في املئة‪،‬‬ ‫ولكن إذا جنح أي منها فسيكون مبقدوره حتسني‬ ‫كفاءة الطاقة وأمانها بشكل كبير‪.‬‬ ‫يسعى كثي ٌر من الناس إلى تسخير مصادر الطاقة املتجددة بفعالية أعلى‪،‬‬ ‫وكذلك إلى حتسني كفاءتها‪ ،‬وعلى العموم هذا مسعى حميد‪ .‬ولرمبا أفضت‬ ‫معظم اجلهود في هذا الش������أن إلى حتسينات هي موضع ترحيب وإن كانت‬ ‫صغي������رة‪ ،‬إال أن احلاجة تدعو إل������ى ابتكارات جذر ّية إلحداث تغيير كبير في‬ ‫قواعد لعبة الطاقة‪.‬‬ ‫فعلى مدى س������نوات‪ ،‬قام علماء ومهندس������ون‪ ،‬بالترويج لبعض املش������اريع‬ ‫توجه الطاقة الشمس ّية إلى القطات‬ ‫املثيرة التي اش������تملت على‪ :‬أقمار صنعية ّ‬ ‫(مستقبالت) على األرض‪ ،‬وآالت رياح حتوم في الغالف اجلوي وتقوم بتوليد‬ ‫الكهرب������اء‪ .‬إال أنه على أرض الواق������ع تلقى الباحثون‬ ‫خاصا لدراسة‬ ‫هل هنالك احتمال للنجاح؟ مؤخرا دعما حكوم ّيا كبيرا أو متويال‬ ‫ّ‬ ‫يتناول محررونا ومستشارونا‬ ‫التقاناتفي مجموع������ة متم ِّيزة من تقان������ات معروفة منذ أمد طويل‬ ‫الصفحات التالية هذه‬ ‫عبر منهجني‪:‬‬ ‫في بضعة مجاالت أساس������ية‪ .‬ونس������تعرض فيما يلي‬ ‫أرجحية‬ ‫مشاريع تقدم أمثلة ريادية ذات مردود محتمل وقابلة‬ ‫جناحها جتاريا‬ ‫تأثيرها احملتمل‬ ‫للتحقيق‪ ،‬فيما لو متكن املخترعون من تخطي العوائق‬ ‫في توفير الطاقة أو استخدامها‬ ‫الهائلة‪ ،‬وإب������داع تقن ّيات عمل ّية قابل������ة لإلنتاج الك ّم ّي‬ ‫األدنى‪:‬‬ ‫وسهلة التمويل‪.‬‬ ‫األعلى‪:‬‬ ‫‪5/1‬‬

‫‪5/5‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫( ) ‪7 RADICAL ENERGY SOLUTIONS‬‬

‫‪4‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫باختصار‬ ‫يحاول العلماء واملهندسون تطوير‬ ‫تقانات معروفة منذ أمد بعيد ميكن لها‬ ‫أن تغير لعبة الطاقة بشكل جذري‪.‬‬ ‫فمن املمكن إيجاد مصادر جديدة‬ ‫للطاق������ة م������ن خ���ل��ال توفي������ر الطاقة‬ ‫للمفاعالت االنشطارية التي تستخدم‬ ‫املنضب الذي هو نفاية‬ ‫ّ‬ ‫الوقود الذري‬ ‫خطرة‪ ،‬وثمة آالت أخرى ميكنها حتويل‬ ‫ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون‬ ‫إلى وقود يحل محل البنزين‪.‬‬ ‫إن إحداث زيادة كبيرة في كفاءة الطاقة‬ ‫قد يتحقق بفعل مغنطيسات حتدِ ث ثورة‬ ‫في املكيفات‪ ،‬ومن خالل سبائك تستذكر‬ ‫الش������كل وقادرة على حتسني استخدام‬ ‫الوقود في السيارات‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫‪5‬‬


‫أرجحية‬ ‫‪5/2‬‬

‫محطات توليد الطاقة‬ ‫( )‬

‫‪5/4‬‬

‫ليزر يولد الكهرباء من‬ ‫الوقود النووي املنضب‪.‬‬

‫التأثير احملتمل‬

‫انشطار نووي‬ ‫مثار باالندماج‬

‫لقد كدح الفيزيائيون واملهندس������ون‬ ‫عقودا م������ن الزمن لتس������خير االندماج‬ ‫الن������ووي‪ ،‬الذي مياث������ل العملي������ة التي‬ ‫تتوقد في القنبل������ة الهدروجينية وكذلك‬ ‫في الش������مس‪ .‬فيس������تطيع الباحثون أن‬ ‫ينتجوا تفاعالت االندماج بس������هولة من‬ ‫خ���ل��ال قذف ن������وى الهدروجني بعضها‬ ‫ببعض بعنف يكفي الندماجها وانطالق‬ ‫نيوترونات وطاقة‪ .‬إن اجلزء الصعب هو‬ ‫عمل ذلك بكفاءة بحيث تحُ ِّرر التفاعالت‬ ‫طاق������ة أكبر مم������ا مت اس������تخدامها لبدء‬ ‫تل������ك التفاعالت‪ ،‬وهذه احلالة تس������مى‬ ‫اال ْ‬ ‫ِش������ ِت َعال إذ تؤدي ف������ي نهاية املطاف‬ ‫إلى توليد الكهرباء‪.‬‬ ‫لقد توصل العلماء في وحدة اال ْ‬ ‫ِش ِت َعال‬ ‫الوطني������ة في ليڤرم������ور بكاليفورنيا إلى‬ ‫وس������يلة جديدة هي استخدام االندماج‬ ‫لتحفيز االنشطار‪ ،‬وهو االنقسام الذري‬ ‫اندماج ذرات منشطرة‬ ‫حرارة‬ ‫ضائعة‬ ‫توربني (عنفة)‬ ‫بخاري‬

‫ليزر‬ ‫انشطار‬

‫كهرباء‬

‫اندماج‬

‫‪6‬‬

‫مفاعل‬

‫الذي يشغّل املفاعالت النووية التقليد ّية‪.‬‬ ‫ويزعم املدير >‪ .E‬موزز< أنّ هذه العملية‬ ‫األولي‬ ‫ميكنها أن تُفضي إلى النموذج‬ ‫ّ‬ ‫‪ prototype‬حملطات الطاقة في السنوات‬ ‫العشرين القادمة‪.‬‬ ‫تنت������ج نبضات اللي������زر ‪ -‬في محطة‬ ‫ليڤرمور ‪ -‬انفجارات االندماج في مركز‬ ‫حجرة املفاعل‪ ،‬مصدرة بذلك نيوترونات‬ ‫تقوم بشطر الذرات في طبقة اليورانيوم‬ ‫الس������ميكة أو في أي وق������ود آخر يبطن‬ ‫جدران احلج������رة‪ .‬وميكن للطاقة املتأت ّية‬ ‫من هذه الذرات املنش������طرة أن تضاعف‬ ‫ناجت طاق������ة احلجرة إل������ى أربعة أمثاله‬ ‫أو أكثر‪ .‬ويعود مب������دأ االندماج احمل ّفز‬ ‫لالنشطار لألغراض السلم ّية إلى «أبي»‬ ‫القنبل������ة الهدروجين ّية الس������وڤيتية >‪.A‬‬ ‫زاخ������ارزڤ< الذي أطلق هذه الفكرة في‬ ‫خمسينات القرن املاضي‪.‬‬ ‫إن كان������ت معظ������م الطاق������ة تأتي من‬ ‫االنش������طار النووي‪ ،‬فل َم ال نس������تمر مع‬ ‫مفاع���ل��ات الطاق������ة النو ّوي������ة التقليد ّية‬ ‫ونتجنب مشقة تطوير مقداح االندماج؟‬ ‫يعتمد مفاعل االنش������طار على التفاعل‬ ‫املتسلس������ل الذي تقوم في������ه نيوترونات‬ ‫متأت ّية م������ن الذرات املنش������طرة بتحفيز‬ ‫ذرات أكث������ر ك������ي تنش������طر‪ ،‬ويتطل������ب‬ ‫اس������تمرار التفاعل املتسلسل وقودا من‬ ‫املخصب‪،‬‬ ‫الپلوتوني������وم أو اليوراني������وم‬ ‫ّ‬ ‫وكالهم������ا ميكن اس������تخدامه كذلك في‬ ‫األسلحة النووية‪.‬‬ ‫في محطة االندماج ‪ -‬االنش������طار‬ ‫املهجن������ة تتول������ى النيترون������ات الناجتة‬ ‫من انفجارات االندم������اج حتفيز عملية‬ ‫االنش������طار فتنتفي بذل������ك احلاجة إلى‬ ‫اس������تمرار التفاعل املتسلس������ل‪ .‬وهذا‬ ‫يوس������ع قائمة الوقود احملتمل‪،‬‬ ‫اإلجراء ّ‬ ‫املخصب‪،‬‬ ‫لتض������ ّم اليوراني������وم غي������ر‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫املنضب (الناجت من نفايات‬ ‫واليورانيوم‬ ‫وفيرة متأت ّية من تخصيب اليورانيوم)‪،‬‬ ‫أو حتى الوقود املس������تنزف الناجت من‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫مفاع���ل��ات نووية أخ������رى‪ ،‬وهي نفايات‬ ‫ينبغ������ي ‪ -‬بدال م������ن ذل������ك ‪ -‬أن تُخزّن‬ ‫ملئ������ات اآلالف م������ن الس������نني‪ ،‬أو يتعينَّ‬ ‫إخضاعه������ا إلع������ادة معاجل������ة مع ّقدة‬ ‫ُ‬ ‫وخطيرة الس������تخدامها مرة أخرى في‬ ‫محطة االنشطار‪.‬‬ ‫ث َّمة فائ������د ٌة أخرى هي كم ّية احتراق‬ ‫الوقود‪ .‬فاملفاعل التقليدي َيشطر نسبة‬ ‫ضئيلة فقط م������ن ذ ّرات وق������وده القابلة‬ ‫لالنش������طار قبل وجوب تغيي������ر الوقود‪.‬‬ ‫ويقول <م������وزز> إن محطات االندماج ‪-‬‬ ‫االنشطار ميكنها أن تصل إلى حرق ما‬ ‫نسبته ‪ ،%90‬ولعلها لهذا السبب ال حتتاج‬ ‫إال إلى جزء واحد من الوقود من أصل‬ ‫‪ 20‬جزءا يحتاج إليها مفاعل االنشطار‬ ‫التقليدي‪ .‬لذا فإنّ طور «احلرق» ‪ -‬خالل‬ ‫العقد األخير من عمر املفاعل البالغ ‪50‬‬ ‫سنة تقريبا ‪ -‬سيخ ّفض مقدا َر النفايات‬ ‫املديدة العمر م������ن ‪ 2500‬كيلوغرام إلى‬ ‫‪ 100‬كيلوغرام تقريبا‪ ،‬وذلك على الرغم‬ ‫م������ن تراجع مقدار تولي������د الطاقة خالل‬ ‫هذه السنوات‪.‬‬ ‫كذلك ف������إن الباحث���ي��ن يعكفون على‬ ‫دراسة مقترحات االندماج ‪ -‬االنشطار‬ ‫القائمة على االندماج املغنطيسي‪ ،‬وهو‬ ‫املنافس لالندماج الليزري‪ ،‬الذي َي ْحصر‬ ‫تفاعل االندماج ضمن حقول مغنطيسية‬ ‫قوي������ة‪ .‬في عام ‪ 2009‬اقت������رح علماء في‬ ‫جامعة تكس������اس مبدينة أوسنت مفاعال‬ ‫هجينا مع مقداح اندماج مغنطيس������ي‪.‬‬ ‫ويق������وم باحث������ون م������ن الص���ي��ن بتقييم‬ ‫تصامي������م مع ّدة لتحس���ي��ن إنتاج الطاقة‬ ‫التقليدي وحلرق‬ ‫ولتهجني وقود املفاعل‬ ‫ّ‬ ‫النفايات النوو ّية‪.‬‬ ‫إن طاق������ة االندم������اج عل������ى مختلف‬ ‫أنواعها هي مقترح جذري‪ .‬وهناك عقبات‬ ‫تقنية رئيسة قبل أن تصبح ّ‬ ‫محطة الطاقة‬ ‫واقعا ملموس������ا‪ ،‬حتى ولو ق������ ّدم مختبر‬ ‫إنتاج‬ ‫>موزز< مش ِّعال هذا العام‪ .‬فيتعني‬ ‫ٌ‬ ‫( ) ‪Fusion Triggered Fission‬‬


‫أرجحية‬ ‫‪5/3‬‬

‫وقود سائل‬

‫بنزين شمسي‬

‫( )‬

‫التأثير احملتمل‬

‫َ‬ ‫األرض ‪ -‬خالل ساعة‬ ‫������مس‬ ‫تغمر الش ُ‬ ‫واح������دة ‪ -‬بطاق������ة أكب������ر مما تس������تخدمه‬ ‫احلض������ارة البش������رية خالل س������نة كاملة‪.‬‬ ‫فإذا اس������تطاع العلماء حتويل ‪ -‬ولو جزء‬ ‫من هذا الفائض ‪ -‬إلى وقود سائل ألمكن‬ ‫أن ينتهي إدماننا عل������ى الوقود األحفوري‬ ‫ألغراض النقل‪ ،‬وق������د ينتهي ما تخلقه من‬ ‫مش������كالت‪ .‬وقد ص������ ّرح >‪ .N‬لويس< [مدير‬ ‫املركز املش������ترك للبناء الضوئي الصناعي‬ ‫طبخ احلديد كوقود‬

‫مكثف‬ ‫حلقة‬ ‫أكسيدية‬ ‫أكسجني‬ ‫خارج‬

‫وقود‬ ‫هدروجيني‬ ‫خارج‬

‫بخار‬ ‫داخل‬

‫أكسجني‬ ‫داخل‬

‫>‪ .P .G‬كولينز<‬

‫‪7‬‬

‫‪5/4‬‬

‫متقن لكميات كبيرة (وبس������عر رخيص)‬ ‫م������ن دريئات االندم������اج البالغة الصغر‬ ‫واملص ّممة بإتقان‪ .‬وينبغي تكرار حدوث‬ ‫االش������تعال ‪ 10‬مرات في الثانية‪ ،‬وهذا‬ ‫يتطل������ب َمن ُْظو َمة من تقانة غير ُمث َبتة (إذ‬ ‫إن مختبر اال ْ‬ ‫ِش������ ِت َعال الوطني متكن في‬ ‫أحسن األحوال من الوصول إلى بضع‬ ‫طلقات فقط على الدريئة في اليوم)‪.‬‬ ‫إن التص������دي إلنتاج الهجني يتطلب‬ ‫أيضا تقان������ات ال يحتاج إليها االندماج‬ ‫اخلالص ‪ -‬وخصوصا طبقة االنشطار‪،‬‬ ‫مبا في ذلك وقود االنشطار الذي ميكنه‬ ‫حت ّمل وابل م������ن احلرارة والنيوترونات‬ ‫أكبر بكثير من ذاك املعهود في املفاعل‬ ‫������دي‪ .‬وتت������راوح املقترح������ات من‬ ‫التقلي ّ‬ ‫كر َي������ات صلب������ة متع������ددة الطبقات إلى‬ ‫س������وائل مك ّونة من يورانيوم أو ثوريوم‬ ‫أو پلوتونيوم ُمذابة في أمالح ُم َس َّيلة‪.‬‬ ‫إن التحد ّي������ات هائل������ة‪ ،‬فق������د وضع‬ ‫>موزز< خطة أولي������ة طموحة لتجاوزها‪،‬‬ ‫إال أنه البد في املق������ام األول أن يبرهن‬ ‫املختبر على قدرة االندماج الليزري على‬ ‫حتقيق االشتعال على أرض الواقع‪.‬‬

‫أشعة الشمس املركزة‬ ‫وثاني أكسيد الكربون‬ ‫يسيران اآلليات‪.‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫في معه������د كاليفورنيا للتقانة] بأنّ «الوقود‬ ‫الكيميائي سيكون األمر الذي سيغ ّير قواعد‬ ‫اللعبة إن استطعنا أن نصنّعه مباشرة من‬ ‫أشعة الشمس بكفاءة وبشكل رخيص»‪.‬‬ ‫وف������ي محاولة مثي������رة لالهتمام في‬ ‫مختبرات س������انديا الوطن ّية ُيس������تخ َدم‬ ‫طبقٌ م������ن املرايا قط ُره س������تة أمتار في‬ ‫صحراء نيومكس������يكو‪ ،‬ويرك������ز الطبق‬ ‫أش ّعة الشمس على آلة أسطوان ّية طو ُلها‬ ‫نصف متر على شكل برميل بيرة مر ّكب‬ ‫وتوجه املرايا أش ّعة الشمس إلى‬ ‫أمامه‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫بؤرة عبر نافذة في جدار اآللة على اثنتي‬ ‫عش������رة حلقة متحدة املرك������ز تدور م ّرة‬ ‫واح������دة في الدقيق������ة‪ .‬وحتيط باحللقات‬ ‫أس������نانٌ من أكس������يد احلديد (الصدأ)‬ ‫أو أكسيد السيريوم‪ ،‬وتدور عبر حزمة‬ ‫األشعة فتسخن إلى ‪ 1500‬درجة مئوية‪،‬‬ ‫فتن������زع ه������ذه احلرارة األكس������جني من‬ ‫الص������دأ‪ .‬وتقوم األس������نان – من خالل‬ ‫دورانها أثناء عودتها إلى املب ّرد ‪ -‬وهو‬ ‫اجلانب القامت من املفاعل ‪ -‬بامتصاص‬ ‫األكسجني واس������ترجاعه من البخار أو‬ ‫من ثاني أكس������يد الكربون الذي ُأ ِ‬ ‫دخل‬ ‫س������ابقا إل������ى احلجرة‪ ،‬مخ ّلف������ة وراءها‬ ‫الهدروج���ي��ن أو أول أكس������يد الكربون‬ ‫الغنيني بالطاقة‪.‬‬ ‫ومزي������ج الهدروجني وأول أكس������يد‬ ‫الكربون الناجت يسمى الغاز الصناعي‬ ‫«‪ ،)1(»syngas‬وه������و اللبن������ة اجلزيئي������ة‬ ‫األساس������ية للوقود األحف������وري وللمواد‬ ‫الكيميائية وحتى البالس������تيكية‪ .‬وميكن‬ ‫له������ذه العملي������ة أن متت������ص أيضا ثاني‬ ‫أكس������يد الكرب������ون بق������در املنبعث عند‬ ‫ح������رق ه������ذا الوق������ود‪ .‬إن نظام������ا من‬ ‫الوقود الشمس������ي كه������ذا ‪ -‬كما يقول‬ ‫>‪ .A‬ماجومدار< [مدير وكالة مش������اريع‬ ‫البحث املتق ّدم حول الطاقة] – «يش������به‬ ‫اصطي������اد أربعة طيور بحج������ر واحد»‪:‬‬ ‫( ) ‪Solar Gasoline‬‬ ‫(‪synthesis gas )1‬‬


‫توفير وق������ود نظيف وتأمني كميات أكبر‬ ‫من الطاقة وانخفاض في ثاني أكس������يد‬ ‫الكربون وتغ ّير مناخي أقل‪.‬‬ ‫ويط������ ّور الباحثون في أمكنة أخرى ‪-‬‬ ‫تض������م املعهد االحت������ادي السويس������ري‬ ‫للتقانة في زيوريخ وجامعة مينيس������وتا ‪-‬‬ ‫آلة إلنت������اج الغ������از الصناع������ي‪ .‬وبعض‬ ‫الشركات الناشئة تتبع مسارات أخرى‪.‬‬ ‫فش������ركة صن كاتاليتيكس في كامبردج‬ ‫مباساشوس������تس‪ ،‬تقوم م������ن خالل غمر‬ ‫ُمحفز رخيص للتفاع������ل في املاء‪ ،‬بإنتاج‬ ‫األكس������جني والهدروج���ي��ن باس������تخدام‬ ‫الكهرباء املستمدة من األلواح الشمسية‪.‬‬ ‫أما ش������ركة ليكويد اليت في نيوجيرسي‬

‫أرجحية‬ ‫‪5/4‬‬

‫كهرباء‬

‫( )‬

‫‪5/4.5‬‬

‫إلكترونات ساخنة‬ ‫تضاعف كفاءة اخلاليا‬ ‫الشمسية‪.‬‬

‫التأثير احملتمل‬

‫ڤلطية ضوئية‬ ‫كمومية‬

‫حالي������ا تحُ������ ِّول اخلاليا الشمس������ية‬ ‫التجار ّي������ة ما نس������بته ‪ 10‬إلى ‪ %15‬فقط‬ ‫م������ن الضوء الذي تس������تقبله إل������ى ت ّيار‬ ‫كهربائي‪ ،‬منتجة بذل������ك كهرباء مرتفعة‬ ‫الثمن‪ .‬وأحد أس������باب ذلك هو أن طبقة‬ ‫واحدة من الس������يليكون املمتص للضوء‬ ‫كفاءتها النظرية مح������دودة تقارب ‪%31‬‬ ‫(تصل ف������ي أفضل اخلالي������ا املختبرية‬ ‫حتس������ن األبحاث‬ ‫إلى ‪ .)%26‬وميكن أن ّ‬ ‫اجلديدة حول بلورات أشباه املوصالت‬ ‫(النواق������ل)‪ ،‬أو بقع الك ّم‪ ،‬احلد األقصى‬ ‫النظري إلى نحو ‪ ،%60‬مفسحة الطريق‬ ‫أم������ام منتجات ميكنها تولي������د الكهرباء‬ ‫‪8‬‬

‫فتضخ فقاعات من ثاني أكسيد الكربون‬ ‫في خلية كهركيميائية لتح ّوله إلى ميثانول‪.‬‬ ‫كما أن >لويس< نفسه يبني أوراقا صنعية‬ ‫من أس���ل��اك نانو ّية شبه موصلة (ناقلة)‬ ‫‪ semiconducting‬متتص أش������عة الشمس‬ ‫فتشطر املاء إلى هدروجني وأكسجني‪.‬‬ ‫وبالطب������ع فإنّ العائ������ق الرئيس الذي‬ ‫ينبغي التغلب عليه هو تخطي املش������كالت‬ ‫التطبيق ّية‪ .‬ففي مختبرات سانديا مازالت‬ ‫تتكس������ر فتعيق‬ ‫أسنان أكس������يد احلديد‬ ‫ّ‬ ‫التفاعل‪« ،‬فتدوير األس������نان جيئة وذهابا‬ ‫ب���ي��ن ‪ 1500‬و‪ 900‬درج������ة مئوي������ة يش������كل‬ ‫عبئ������ا كبيرا على املادة»‪ ،‬كما يش������ير إلى‬ ‫ذلك الكيميائي غير املش������ارك في العمل‬

‫>‪ .G‬ديرك������س< [مدير الي������ت ووركس في‬ ‫جامعة والية أريزونا]‪ .‬إن اخلطوة التالية‬ ‫هي جعل بنية الص������دأ أكثر صالبة على‬ ‫������وي‪ ،‬أو حت������ى التوصل إلى‬ ‫مقياس نان ّ‬ ‫مواد أفضل لألس������نان‪ .‬كما ينبغي أيضا‬ ‫خفض التكلف������ة العالية للمرايا‪ .‬إذ يقترح‬ ‫الباحثون في سانديا إمكانية إنتاج وقود‬ ‫بتكلف������ة ‪ 10‬دوالرات للگالون (‪ 2.65‬دوالر‬ ‫ل������كل لتر) بواس������طة آلتهم إلنت������اج الغاز‬ ‫الصناع������ي‪ ،‬لك������ن املهن������دس الكيميائي‬ ‫واملخترع املش������ارك >‪ .G .E‬مي ّلر<‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫«لم نبرهن ألنفسنا على عدم قدرتنا على‬ ‫القيام بذلك‪ ،‬ولكننا كذلك ما زلنا بعيدين‬ ‫>‪ .D‬بي ّلو<‬ ‫أشواطا عن حتقيق ذلك»‪.‬‬

‫بأسعار تنافسية‪.‬‬ ‫في اخللية التقليدية ترتطم الفوتونات‬ ‫املنبعث������ة باإللكترون������ات فتح ّرره������ا م������ن‬ ‫الس������يليكون وتفسح لها املجال لالنسياب‬ ‫بحر ّية إلى الس������لك املوصل فتنتج تيارا‪.‬‬ ‫ولكن العديد من فوتونات الش������مس ذات‬ ‫طاقة كبيرة جدا‪ ،‬وعندما تضرب السيليكون‬ ‫حترر «إلكترونات س������اخنة» س������رعان ما‬ ‫تفقد طاقتها على شكل حرارة لتعود إلى‬ ‫حالتها األولى قبل اصطيادها في السلك‬ ‫املوصل‪ ،‬إال أن الكفاءة القصوى ميكن أن‬ ‫تتضاع������ف إن أمكن احتجاز اإللكترونات‬ ‫الساخنة قبل أن تبرد‪.‬‬ ‫إن أحد احللول لذلك هو العمل على‬ ‫إبطاء س������رعة تبريد اإللكترونات وإتاحة‬ ‫زم������ن كاف الصطيادها‪ .‬ف������ي عام ‪2010‬‬ ‫حت ّول الكيميائي >‪ .X‬زو< مع زمالئه [من‬ ‫جامعة تكس������اس بأوسنت] إلى بقع الك ّم‬ ‫التي يتك ّون كل منها من بضعة آالف من‬ ‫الذ ّرات‪ .‬فأدخل >زو< بقعا من س������يلينيد‬ ‫الرصاص إلى الطبقة املوصلة املؤلفة من‬ ‫ثاني أكسيد التيتانيوم وهي مادة شائعة‪،‬‬ ‫وعندما س������ ّلط الضوء عليها اس������تغرقت‬ ‫اإللكترونات الس������اخنة زمنا أطول بألف‬

‫م ـ ّرة حتـ������ى فقـ ـ������دت حـرارته ــا‪ .‬ويقــول‬ ‫>‪ .P‬كامات< [من جامع������ة نوتردام] وهو‬ ‫غير مشارك في البحث‪ :‬إن >زو< «برهن‬ ‫فعال على أن هذه الفكرة ممكنة»‪.‬‬ ‫غي������ر أن إبط������اء اإللكترونات ما هو‬ ‫إال ج������زء م������ن اله������دف‪ ،‬إذ يبحث >زو<‬ ‫اآلن عن طريقة ملس������اعدة املوصل على‬ ‫حتويل أكبر عدد ممكن من اإللكترونات‬ ‫ميتصها‬ ‫الس������اخنة إلى تيار حت������ى ال‬ ‫ّ‬ ‫املوصل نفسه كحرارة أيضا‪.‬‬ ‫ويح������ول العدي������د م������ن العوائق دون‬ ‫الوصول إلى خلية شمس ّية فاعلة‪« .‬فنحن‬ ‫بحاجة إلى توطيد اجلوانب الفيزيائية» –‬ ‫كما يقول >زو<‪ :‬كيفية تبرد اإللكترونات‬ ‫الساخنة وكيفية انتقالها إلى املوصالت‬ ‫جميعها‪« ،‬وحاملا نفهم جميع ذلك ميكننا‬ ‫أن نح������دد أفض������ل امل������واد الت������ي يتعني‬ ‫استخدامها»‪ ،‬ذلك أن العمل ‪ -‬كما يتنبأ‬ ‫>زو< ‪« -‬سيس������تغرق فت������رة من الزمن‪،‬‬ ‫ولكنني متأك ٌد من أننا سننجزه‪ ،‬إذ ُأريد‬ ‫أن أرى هذه اخلاليا الشمس ّية على سطح‬ ‫بيتي‪ ».‬وقد يكون العائد التجاري هائال‪.‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫>‪ .JR‬مينكل<‬ ‫( ) ‪Quantum Photovoltaics‬‬


‫أرجحية‬ ‫‪5/3‬‬

‫استرداد الطاقة املهدرة‬

‫محركات حرارية‬

‫( )‬

‫التأثير احملتمل‬ ‫‪5/3‬‬

‫تنتج السبائك التي‬ ‫تستذكر الشكل طاقة‬ ‫إضافية للسيارات‬ ‫واألجهزة واآلالت‪.‬‬

‫إن نح������و ‪ %60‬من الطاقة املُنتَجة في‬ ‫الواليات املتحدة مهدور ٌة‪ ،‬تضيع غالبيتها‬ ‫كحرارة من ماليني السيارات ومحطات‬ ‫توليد ّ‬ ‫الطاقة‪ .‬ويحاول العلماء في شركة‬ ‫جنرال موتورز في وارن مبتشيگان أسر‬ ‫هذه الطاقة املب ّددة من خالل اس������تخدام‬ ‫مواد غريب������ة تُدعى س���بائك تس���تذكر‬ ‫الش���كل ‪ shape-memory alloys‬وميكنها‬ ‫حتويل احل������رارة إلى طاق������ة ميكانيك ّية‬ ‫تو ّلد بدورها الكهرباء‪ .‬إن الهدف األول‬ ‫لرئيس الفريق >‪ .A‬ب������راون<‪ ،‬هو إعادة‬ ‫تدوير احلرارة في نظام عادم الس������يارة‬ ‫لتشغيل املك ّيف أو املذياع من دون حاجة‬ ‫إلى قيام احمل ّرك بذلك‪.‬‬ ‫ويخطط >ب������راون< جلن������ي احلرارة‬ ‫بواس������طة حزام مصن������وع من عصائب‬ ‫رقيق������ة متوازية م������ن س������بيكة النيكل‪-‬‬ ‫‪9‬‬

‫التيتاني������وم والتي «تس������تذكر» ش������كال‬ ‫معينا‪ .‬تنقلب ّ‬ ‫كل السبائك التي تستذكر‬ ‫الش������كل جيئة وذهابا بني وضعني‪ ،‬هما‬ ‫في هذه احلالة‪« :‬وضعية بداية» جامدة‬ ‫في درجات احل������رارة األعلى‪ ،‬ووضعية‬ ‫أكثر مرونة في درجات احلرارة األدنى‪.‬‬ ‫ُيبس������ط احلزام ‪ -‬في تصمي������م جنرال‬ ‫موت������ورز ‪ -‬ف������وق ثالث بكرات تش������ ّكل‬ ‫زوايا مثل������ث‪ .‬وتقع إحدى زوايا احلزام‬ ‫بالق������رب من نظ������ام العادم الس������اخن‪،‬‬ ‫وزاويت������ه األخ������رى بعيدة حي������ث يكون‬ ‫احملي������ط أبرد‪ .‬وبس������بب االنكماش عند‬ ‫زاوي������ة درجة احل������رارة العالية والتم ّدد‬ ‫لدى الزاوية األبرد يجذب احلزام نفسه‬ ‫حول احللقة متس ّببا في دوران البكرات‬ ‫بسرعة‪ .‬وميكن للبكرات أن تدير عمودا‬ ‫سبائك (خالئط) تنزع احلرارة‬ ‫كهرباء خارجة‬ ‫مو ِّلد‬

‫حزام من‬ ‫خليطة‬ ‫منطقة‬ ‫باردة‬

‫منطقة‬ ‫حارة‬

‫عادم السيارة‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫يحرك مولدا‪ ،‬حيث تتزايد سرعة دوران‬ ‫احللق������ة وتتول������د طاقة أكبر م������ع تعاظم‬ ‫الفارق احلراري‪.‬‬ ‫لقد ق ّدم منوذج شركة جنرال موتورز‬ ‫األولي دليال عل������ى مبدأ أكثر من جهاز‬ ‫فعلي‪ .‬إذ تولد جديلة صغيرة وزنها ‪10‬‬ ‫غرامات طاقة متواضعة تبلغ ‪ 2‬واط تكفي‬ ‫ليلي‪ .‬ويزعم >براون< أن‬ ‫لتغذية مصباح ّ‬ ‫ه������ذه التقانة ميكن أن ترتقي لتصل إلى‬ ‫األسواق خالل عقد من السنني‪ ،‬إذا لم‬ ‫تعق أي مش������كلة تقانية طرح محركات‬ ‫حرارية ذات س������بائك تس������تذكر الشكل‬ ‫لتشغيل األجهزة املنزلية أو أبراج تبريد‬ ‫محطات توليد الطاقة‪ .‬وتفتح الس������بائك‬ ‫عاملا م������ن التطبيقات ‪ -‬كان فيما مضى‬ ‫يعتبر غير قاب������ل للتطبيق ‪ -‬نظرا لقدرة‬ ‫السبائك على العمل حتت فروق حرارية‬ ‫متدني������ة تقارب ‪ 10‬درج������ات مئوية‪ ،‬كما‬ ‫يقول >‪ .G‬ماكنايت< [عالم املواد املشارك‬ ‫في مختبرات ‪.]HRL‬‬ ‫إن تصميم جنرال موتورز بسيط إال‬ ‫أنه مازال بعيد املنال‪ ،‬فالس������بائك التي‬ ‫تستذكر الش������كل تعاني اإلجهاد فتغدو‬ ‫ّ‬ ‫هش������ة‪ .‬فثم������ة حاجة إلى ثالثة أش������هر‬ ‫من املعاجلة املس������تمرة لتضمني احلالة‬ ‫العادية في ذاكرتها؛ إضافة إلى صعوبة‬ ‫ضم األس���ل��اك جلعلها حزاما‪ .‬كما أن‬ ‫( ) ‪Heat Engines‬‬


‫حتدي������د كيفية تس������خني وتبريد احلزام‬ ‫باس������تخدام الهواء يشكل حتديا أيضا‪.‬‬ ‫وال يح ِّدد >براون< بدقة كيفية قيام فريقه‬ ‫بالنظر في حل هذه املشكالت باستثناء‬ ‫إشارته إلى أنهم يغيرون أقطار األسالك‬ ‫وهندسة احلزام وطرق تسخني احلزام‬ ‫وتبريده ‪ -‬كل متغير «ميكن للعلم وللمرء‬ ‫أن يف ّكر فيه‪».‬‬

‫‪5/3‬‬

‫موجة الصدمة‬ ‫حملركات السيارات‬

‫أرجحية‬

‫آليات‬

‫( )‬

‫التأثير احملتمل‬ ‫‪5/3.5‬‬

‫تتحرك السيارات العاملة‬ ‫على توربني الغاز‬ ‫بصورة أسرع بخمسة‬ ‫أمثال السيارات املهجنة‬ ‫واحمل َّركة باملكبس‪.‬‬

‫ظل������ت احمل������ ّركات ذات املكبس مدة‬ ‫تزي������د على قرن من الزمن وهي تس������ ِّير‬ ‫جميع السيارات والش������احنات تقريبا‪.‬‬ ‫املهجنة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫وحتى آليات اليوم‬ ‫ّ‬ ‫طيف جديد من الس������يارات الكهربائية‬ ‫مثل ش������يڤي ڤلط‪ ،‬تس������تخدِ م محركات‬ ‫صغيرة ذات مكابس لتحس���ي��ن الطاقة‬ ‫وإلعادة ش������حن البطاريات بكفاءة أكبر‪.‬‬ ‫ولك������ن جامعة والي������ة متش������يگان تط ّور‬ ‫اليوم تصميم������ا مختلفا متاما ‪ُ -‬يع َرف‬ ‫مبح ّرك قرص املوج������ة أو محرك موجة‬ ‫الصدمة ‪ -‬الذي يستغني عن املكابس‪.‬‬ ‫وفي حال جناح املشروع فإن احملركات‬ ‫املهجنة املستقبل ّية ستقطع بلتر واحد من‬ ‫ّ‬ ‫البنزين مسافات أطول بخمس م ّرات‪.‬‬ ‫إن حجم احمل������ ّرك املدمج هو بحجم‬ ‫وعاء طهي‪ ،‬ويتطلب جتهيزات ّ‬ ‫أقل بكثير‬ ‫من مح ّرك املكبس كم������ا يقول املخترع‬ ‫‪10‬‬

‫ليس������ت جنرال موتورز الوحيدة في‬ ‫البح������ث في إعادة تدوي������ر احلرارة‪ ،‬إذ‬ ‫يط ّور >‪ .S‬سينها< [من جامعة إيلينوي]‬ ‫مواد لدنة في حالة صلبة ميكنها حتويل‬ ‫احلرارة إلى كهرباء‪ ،‬وإذا أمكن إدخال‬ ‫مح������ركات حرار ّي������ة في بني������ة املع ّدات‬ ‫ال ّراهن������ة واملس������تقبل ّية فالتطبيق������ات ال‬ ‫نهاي������ة لها‪ :‬بدءا من آالف أبراج التبريد‬ ‫املش������ارك >‪ .N‬مي ّلر< [أس������تاذ الهندسة‬ ‫امليكانيكية في جامعة والية متش������يگان]‬ ‫إذ ال حاج������ة إلى املكاب������س والقضبان‬ ‫وهيكل احملرك‪ .‬وميك������ن للكتلة املختزلة‬ ‫وكفاءة الوقود العالية أن تدفع «س������ ّيارة‬ ‫مهجن������ة تش������حن مبقبس كهرب������اء مع‬ ‫مكابح ذات ّية التج ّدد إلى مس������افة أطول‬ ‫بخمس مرات بالكمية ذاتها من الوقود‪،‬‬ ‫ومن ثم تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد‬ ‫الكرب������ون»‪ ،‬على حد ق������ول >مي ّلر<‪ .‬كما‬ ‫ميكن لهذا النظ������ام أن يخ ّفض تكاليف‬ ‫التصنيع مبا يصل إلى ‪.%30‬‬ ‫يختب������ر اآلن >مي ّل������ر< وفريق������ه على‬ ‫طاوالت التجارب مبختبرهم في إيست‬ ‫النسنگ منوذجا أول ّيا ملولد قرص املوجة‪،‬‬ ‫وذل������ك بهدف عرض مح ّرك يعمل بقدرة‬ ‫‪ 25‬كيل������وواط (‪ 33‬حصان������ا)‪ ،‬إذ يتوقع‬ ‫>مي ّل������ر< أن تكون كف������اءة حتويل الطاقة‬ ‫احتراق ُمدار بالتوربني‬ ‫عادم‬

‫مزيج هواء‬ ‫ووقود‬

‫احتراق مبوجة‬ ‫الصدمة‬ ‫محرك توربيني‬ ‫يدير عمود‬ ‫مرفق العربة‬

‫ومراجل املصانع إلى ماليني املش������عات‬ ‫وال ّثالجات واملداخ������ن املنزل ّية‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى التراكتورات والشاحنات والقطارات‬ ‫والطائرات‪ .‬إذ ميكن ف������ي العالم توليد‬ ‫ُ‬ ‫اجل���والت‬ ‫كوينتليون������ات )‪ (1018‬م������ن‬ ‫‪ ،joules‬وم������ن ث������م تخفيض اس������تهالك‬ ‫الوقود األحفوري بشكل كبير‪.‬‬ ‫> ‪ .P .B‬تريڤيدي<‬

‫آللته األولى نحو ‪ ،%30‬وهي نسبة قريبة‬ ‫من نس������بة ال ـ������ـ ‪ %45‬حمل������ ّركات الديزل‬ ‫ٌ‬ ‫متفائل بأن التحس������ينات‬ ‫الرائدة‪ ،‬ولكنّه‬ ‫ميكن أن ترفع الكفاءة إلى ‪.%65‬‬ ‫وفي مح������ ّرك االش������تعال التقليدي‬ ‫بشرارة‪ ،‬تشعل شمعة االحتراق مزيجا‬ ‫من البنزين والهواء في احلجرة‪ ،‬محركة‬ ‫مكبس������ا يقوم بدوره بتدوير عمود مرفق‬ ‫يدير في نهاية املطاف عجالت الس ّيارة‪.‬‬ ‫كذلك يقوم املكبس ف������ي محرك الديزل‬ ‫بضغ������ط الوقود والهواء بقوة ويش������عله‬ ‫فتتم������ ّدد غ������ازات االحت������راق الناجت������ة‬ ‫وحت ّرك املكبس إلى اخللف مدورة عمود‬ ‫املرفق‪.‬‬ ‫حت������دث عملي������ة توليد الطاق������ة‪ ،‬في‬ ‫تصميم ق������رص املوجة‪ ،‬ضم������ن توربني‬ ‫ي������دور بس������رعة‪ .‬تص������ َّوروا أن مروحة‬ ‫طاولة موضوعة بشكل أفقي على سطح‬ ‫الطاولة وأن لها ش������فرات كثيرة منحنية‬ ‫م������ع إطار يحي������ط بحافته������ا اخلارجية‪.‬‬ ‫يدخل من عم������ود الدوران املركزي هواء‬ ‫س������اخن مضغوط ووقود ف������ي الفراغات‬ ‫الكائن������ة فيما ب���ي��ن الش������فرات‪ ،‬وعندما‬ ‫يش������تعل املزيج العالي الضغ������ط تتم ّدد‬ ‫الغازات في الف������راغ احملصور‪ ،‬محدثة‬ ‫موجة الصدمة التي تتس������ ّبب في ضغط‬ ‫الهواء في الفراغ املتبقي‪ .‬كما تتس������ ّبب‬ ‫االنعكاسات التالية ملوجة الصدمة خارج‬ ‫( ) ‪Shock-Wave Auto Engine‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫اإلطار بضغط أكبر للهواء وبتس������خينه‪،‬‬ ‫فيتح ّرر هذا الهواء في اللحظة املناسبة‬ ‫عبر اإلطار‪ .‬إن قوة الغازات املضغوطة‬ ‫على الشفرات املنحنية‪ ،‬إضافة إلى قوة‬ ‫نفث الغاز املنبثق������ة تدفع اجلزء الدوار‬ ‫إلى ال������دوران‪ ،‬مس������ببة بالتالي دوران‬ ‫عمود املرفق‪.‬‬ ‫ووفقا للمخترع املش������ارك في آالت‬

‫أرجحية‬ ‫‪5/3.5‬‬

‫أجهزة‬

‫مكيفات هواء‬ ‫مغنطيسية‬ ‫( )‬

‫التأثير احملتمل‬ ‫‪5/3‬‬

‫سبائك غير تقليدية‬ ‫ُتبقي على الغرف‬ ‫منعشة والطعام باردا‪.‬‬

‫قرص املوجة ‪ .J> -‬بيش������نا< [األس������تاذ‬ ‫املش������ارك بجامعة وارس������و التقنية في‬ ‫بولندا] ‪ -‬بدأ املهندسون في عام ‪1906‬‬ ‫بدراس������ة آالت املوجة ال������د ّوارة‪ .‬وحاليا‬ ‫تس������تخدم ه������ذه اآلالت العالي������ة الطاقة‬ ‫في بعض الس������يارات الرياض ّية‪ .‬ولكن‬ ‫اجلزء الصعب ه������و معرفة كيفية إدارة‬ ‫االنس������يابات غير املس������تقرة للغازات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اخلطي‬ ‫ويتط ّل������ب التنبؤ بالس������لوك غير‬ ‫ّ‬ ‫املتقطع������ة‬ ‫املعق������د له������ذه االنس������يابات‬ ‫حس������ابات رقم ّية تفصيل ّية ظلت ‪ -‬على‬ ‫ح������د قول >مي ّل������ر< – إلى فت������رة قريبة‬ ‫تستنفد وقتا طويال‪ ،‬أو تكون غير دقيقة‬ ‫فيصعب تطبيقه������ا‪ .‬إن احملاكاة العالية‬ ‫جنزت في والية متش������يگان‬ ‫الد ّقة التي ُأ ِ‬ ‫وفي أمكنة أخرى تقود اليوم التش������كيل‬ ‫الدقيق لهندس������ة الش������فرات والنشطار‬ ‫توقي������ت االحتراق بأجزاء من الثانية من‬ ‫التوصل إلى األداء األفضل‪.‬‬ ‫أجل‬ ‫ّ‬ ‫ويبقى من غير الواضح ما إذا كان‬ ‫مبقدور من������اذج حاس������وبية أن تفضي‬ ‫جديدة تعتمد على املغنطيس‪.‬‬ ‫تق������وم معظ������م املب������ردات التجارية‬ ‫������رد ومن ث������م إزالة‬ ‫بضغ������ط الغ������از املُب ّ‬ ‫الضغط عنه عبر دائرة متكررة‪َ .‬يسحب‬ ‫املب������ ِّر ُد ‪ -‬عندما يدور ‪ -‬احل������رار َة من‬ ‫داخ������ل غرف������ة أو من اجله������از‪ .‬غير أن‬ ‫هواء بارد من املغنطيس‬ ‫مغنطيس‬

‫إن املك ّيفات والثالجات واملج ّمدات‬ ‫تس������اعد على تبريد حياتنا‪ ،‬غير أنها‬ ‫تُ������دار بالطاق������ة فتس������تهلك بذلك ثلث‬ ‫الكهرباء املُستخ َدمة في بيوت الواليات‬ ‫املتح������دة‪ .‬وم������ن املمك������ن تخفيف هذا‬ ‫املقدار بش������كل كبير م������ن خالل تقنية‬ ‫‪11‬‬

‫حقل بارد‬ ‫يسحب احلرارة‬ ‫من الغرفة‬

‫قرص من‬ ‫سبيكة (خليطة)‬

‫حقل حار‬

‫إلى آالت عمل ّية عل������ى الطرقات‪ .‬ويقول‬ ‫>‪ .D‬پاكس������ون< ال������ذي صم������م من������اذج‬ ‫االنسياب في مركز گلني ألبحاث ناسا‬ ‫ف������ي كليڤالن������د‪« :‬ما زال������ت تقانة دوار‬ ‫املوج���ة ‪ wave-rotor‬تنطوي على بعض‬ ‫الصعوبات في اإلجناز»‪ ،‬ويعلق بشيء‬ ‫م������ن الش ّ‬ ‫������ك الواقعي واإلعج������اب بأن‬ ‫مشروع والية متشيگان «يدفع بال ريب‬ ‫نحو األفض������ل»‪ ،‬ويضيف‪« :‬مهما كانت‬ ‫النتائ������ج النهائية‪ ،‬فإنني متأكد من أنهم‬ ‫قد تعلموا الكثير»‪.‬‬ ‫ويبدو أنّ >مي ّلر< ال يش������ك كثيرا في‬ ‫أنه إذا متكن فريقه من بناء مولد موجة‬ ‫القرص بش������كل صحيح‪ ،‬فسيشق هذا‬ ‫املولد طريقه إلى مركبات مهجنة صديقة‬ ‫للبيئة‪ ،‬بدءا من الدراجة ذات احملرك إلى‬ ‫السيارات العائل ّية وصوال إلى شاحنات‬ ‫نقل البضائع‪ .‬مضيفا‪« :‬إنها فقط مسألة‬ ‫وقت وجهد وخيال؛ ومال بالطبع»‪.‬‬ ‫>‪ .S‬أشلي<‬

‫الضاغطات (الكمبرس������ورات) تستهلك‬ ‫قدرا كبيرا م������ن الطاقة‪ .‬وعندما تنبعث‬ ‫معظم الغازات الش������ائعة االس������تخدام‬ ‫فإنّها تس������خن الغ���ل��اف اجلوي مبقدار‬ ‫يزيد ‪ 1000‬ضعف على ما يسخنه ثاني‬ ‫أكسيد الكربون‪ ،‬جزيئا بجزيء‪.‬‬ ‫يقوم الباحثون اليوم في مؤسس������ة‬ ‫أس������ترونوتيكس األمريكي������ة مبيلواكي‬ ‫بتطوير مب������ ّرد يعتمد عل������ى املغنطيس‬ ‫������ل مح ّ‬ ‫يح ّ‬ ‫������ل الضواغ������ط‪ .‬فعندما يتم‬ ‫تعري������ض كل امل������واد املمغنط������ة حلقل‬ ‫مغنطيس������ي تس������خن إلى حد معني ثم‬ ‫تب������رد عن������د إزالته‪ ،‬وهي ِس������مة تدعى‬ ‫«التأثير املغنطيسي احلراري»‪ .‬تختزن‬ ‫الذرات احلرارة على شكل اهتزازات‪،‬‬ ‫وعندما يقوم احلقل املغنطيسي برصف‬ ‫( ) ‪Magnetic Air Conditioners‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫اإللكترونات في معدن ما ‪ -‬ومينعها من‬ ‫حرية احلركة ‪ -‬ف������إن اهتزازات ذرات‬ ‫املعدن تزداد وتسخن‪ .‬فإذا أزيل احلقل‬ ‫انخفضت درجة احلرارة‪ .‬لقد اكتشفت‬ ‫هذه الظاهرة عام ‪ ،1881‬إال أنها أهمِ لَت‬ ‫في األغراض التجار ّية‪ ،‬ألنّ املغنطيس‬ ‫الب������ارد املصن������وع م������ن املوص�ل�ات‬ ‫(النــواقـل) الفــائقــة‬

‫‪superconducting‬‬

‫س������يكون من الناحي������ة النظرية مطلوبا‬ ‫كي يزيد ‪ -‬إلى احل������ ّد األقصى ‪ -‬من‬ ‫تأثير درجات احل������رارة املنخفضة‪ .‬إال‬ ‫أن علماء املواد في مختبر آميس بوالية‬ ‫أيوا التاب������ع لوزارة الطاقة األمريكية ‪-‬‬ ‫بالتعاون مع أسترونوتيكس ‪ -‬توصلوا‬ ‫عام ‪ 1997‬إلى سبيكة من الگادولينيوم‬ ‫والس������يليكون واجلرماني������وم أظه������رت‬ ‫تأثيرا مغنطيس������يا حراري������ا كبيرا في‬ ‫درجة حرارة الغرفة‪ .‬ومنذ ذلك الوقت‬ ‫قامت املؤسس������ة بالتركيز على سبائك‬ ‫أخرى من هذا القبيل‪.‬‬ ‫وحاليا تقوم أسترونوتيكس بتصميم‬ ‫مك ّيفات تهدف إلى تبريد ش������ ّقة أو بيت‬ ‫قرص‬ ‫مبساحة ‪ 1000‬قدم مربع‪ .‬يحوي‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫مسطح صغي ٌر أسافني مسام ّية مصنوعة‬ ‫من إحدى هذه الس������بائك‪ ،‬ويحيط بهذا‬ ‫الق������رص مغنطيس ثابت دائ������م املغنطة‬ ‫ودائري الشكل يقع في املستوي نفسه‪.‬‬ ‫وللمغنطيس فجوة في طرف واحد يتركز‬ ‫احلقل املغنطيس������ي عندها‪ .‬ومع دوران‬ ‫الق������رص مي ّر ّ‬ ‫������ي‬ ‫كل أس������فني مغنطيس ّ‬ ‫حراري عبر الفجوة فيس������خن ثم يعود‬ ‫ّ‬ ‫فيبرد بعد جتاوزه إياها‪ .‬فيت ّم تس������خني‬ ‫الس������ائل الدائر ضمن النظام ثم تبريده‬ ‫بواس������طة األس������افني الد ّوارة‪ ،‬وميتص‬ ‫الس ُ‬ ‫������ائل املب ّر ُد احل������رار َة من احلجرة‪.‬‬ ‫وقد ص ّمم املغنطيس بعناية ملنع احلقل‬ ‫م������ن التب ّدد خارج اآللة‪ ،‬لذا فإنه ال يؤثر‬ ‫ف������ي اإللكترونيات املج������اورة أو الناس‬ ‫املزودين بأجهزة تنظيم ضربات القلب‪.‬‬ ‫يق������وم الضاغ������ط ف������ي املب������ ّردات‬ ‫‪12‬‬

‫التقليدي������ة مبعظ������م العم������ل‪ .‬أم������ا في‬ ‫املب������ردات املغنطيس������ية ف������إن احمل������ ّرك‬ ‫ال������ذي يد ّور العجلة يقوم مبعظم العمل‪،‬‬ ‫واحمل������ركات في الع������ادة أكث������ر كفاءة‬ ‫بكثير من الضواغط‪ .‬وتسعى مؤسسة‬ ‫أولي‬ ‫أسترونوتيكس إلى إجناز منوذج ّ‬ ‫بحل������ول ع������ام ‪ 2013‬ق������ادر على خفض‬ ‫استخدام الكهرباء مبقدار الثلث مقابل‬ ‫املق������دار ذاته من التبري������د‪ .‬وفضال عن‬ ‫ذلك فإن هناك ميزة إضافية مهمة‪ ،‬إذ‬ ‫تستخدم الوحدة املا َء لنقل احلرارة‪،‬‬ ‫«وال ميك������ن وج������ود ش������يء أكثر‬ ‫صداق������ة للب ـي ـئـ ــة م ـ������ن ذل ــك»‪،‬‬ ‫كمـا يقول >‪ .S‬جيكوبس< [مدير‬ ‫مرك������ز التقانة في مؤسس������ة‬ ‫أسترونوتيكس]‪.‬‬ ‫ميكن مالءمة التصميم من‬ ‫أجل الثالج������ات واملج ّمدات‪،‬‬ ‫وذلك عل������ى الرغم من ضرورة‬ ‫الس������يطرة عل������ى كثي������ر م������ن‬ ‫أولي‬ ‫التعقي������دات إليجاد من������وذج ّ‬ ‫ناجح‪ .‬إنّ السيطرة على الكيف ّية التي‬ ‫ينساب فيها املاء عبر األسافني املسامية‬ ‫أم ٌر صعب‪ ،‬فالقرص يدور ‪ 360‬إلى ‪600‬‬ ‫مصنوع‬ ‫مرة في الدقيق������ة‪ ،‬واملغنطيس‬ ‫ٌ‬ ‫من سبيكة مرتفعة الثمن من النيودميوم‬ ‫والبورون‪ ،‬لذا فإن تصغيره إلى أصغر‬ ‫ما ميكن ‪ -‬مع اإلبقاء على تقدميه حقال‬ ‫مغنطيس������ ّيا قو ّي������ا ‪ -‬س������يكون ضرورة‬ ‫جتار ّي������ة‪« :‬إنها لتقانة عالي������ة املخاطر‪،‬‬ ‫ولكنه������ا ذات احتمال واع������د‪ ،‬وإن هذا‬ ‫املس������توى من األداء ٌ‬ ‫هدف معقول»‪ ،‬كما‬ ‫يقول مهن������دس امليكانيكا >‪ .A‬روه< [من‬ ‫جامعة ڤيكتوريا في بريتيش كولومبيا]‪.‬‬ ‫يقوم العلماء اليوم بإجراء التجارب‬ ‫بتقان������ات تبريد أخرى غي������ر اعتيادية‪.‬‬ ‫فش������ركة ش������يتاك ‪ Sheetak‬الكائنة في‬ ‫أوس���ت��ن بتكس������اس‪ ،‬تط ّور مب ّردا يؤ ّدي‬ ‫العم������ل باالس������تغناء التام ع������ن غازات‬ ‫التبريد ‪ ،refrigerants‬إذ‪ ،‬وبدال من ذلك‪،‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫تعتمد على مواد حرارية كهربائية تبرد‬ ‫على أحد وجهيها وتس������خن على الوجه‬ ‫اآلخر عند تعرضها للكهرباء‪ .‬وبطريقة‬ ‫أو بأخ������رى‪ ،‬فإن اس������تهالك كمية أقل‬ ‫من الوق������ود وخفض انبعاثات االحترار‬ ‫العامل���ي ‪ - global warming‬ميك������ن أن‬ ‫يجعال العالم مكانا ألطف‪.‬‬

‫>‪ .Q .Ch‬تشوي<‬


‫أرجحية‬ ‫‪5/3.5‬‬

‫فحم نظيف‬

‫( )‬

‫‪5/2‬‬

‫ملح ميتص الكربون‬ ‫من املداخن‪.‬‬

‫التأثير احملتمل‬

‫انبعاثات‬

‫الفح ُم هو أرخص مصادر الطاقة‬ ‫وأكثرها وفرة ف������ي الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫وهو كأغلب املصادر الغنية بالكربون‬ ‫والوفيرة محفز رئيس للتغ ّير املناخي‪.‬‬ ‫لقد اس������تنبط املهندسون طرقا مختلفة‬ ‫إلزال������ة ثان������ي أكس������يد الكرب������ون من‬ ‫ع������وادم املصانع العامل������ة بالفحم قبل‬ ‫اجلوي‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫دخوله في الغالف‬ ‫ّ‬ ‫العمليات تستنزف ما يصل إلى ‪%30‬‬ ‫م������ن الطاقة الناجتة م������ن حرق الفحم‬ ‫ف������ي املقام األول‪ .‬وميك������ن لهذا العبء‬ ‫أن يضاعف تكلفة الكهرب������اء املو ّلدة‪،‬‬ ‫مما يجعل احلرق النظيف للفحم أمرا‬ ‫يصعب تقبله‪.‬‬ ‫والفكرة َج َّذابة جدا بحيث‬ ‫دفع������ت وكال������ة أبح������اث‬ ‫مشاريع الطاقة املتقدمة‬ ‫التابعة لوزارة الطاقة‬ ‫األمريكية‪ ،‬ووكاالت‬ ‫أخرى‪ ،‬إلى ضخ‬ ‫أم������وال لدف������ع‬ ‫أبحاث التقانات‬ ‫التي ق������د تقلل‬ ‫من تلك النسبة‬ ‫غير املقبولة‪.‬‬ ‫هذا ويستخدِ م‬ ‫تصمي������ ٌم الف������ت‬ ‫لالنتب������اه عل������ى وجه‬ ‫اخلصوص ‪ -‬مق ّد ٌم من‬ ‫‪13‬‬

‫مركز الطاق������ة التابع جلامعة نوتردام ‪-‬‬ ‫مادة جدي������دة تدعى الس���ائل األيوني‬ ‫‪ ،ionic liquid‬وهو في أساس������ه نوع من‬ ‫ميتص ضعف‬ ‫امللح‪ .‬وأول������ى فوائده أنه‬ ‫ّ‬ ‫مق������دار ثاني أكس������يد الكرب������ون الذي‬ ‫ممتص������ات الكرب������ون األخرى‬ ‫متتصه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الش������بيهة كيميائيا‪ .‬وبذل������ك تبرز ميزة‬ ‫إضافية ثانية تتم ّث������ل بخضوعه لتحول‬ ‫الصلبة إلى السائلة فتنطلق‬ ‫من احلالة ّ‬ ‫بسبب هذا التح ّول حرارة ُيعاد تدويرها‬ ‫للمس������اعدة على إخ������راج الكربون من‬ ‫السائل‪ ،‬وبالتالي ميكن التخ ّلص منه‪.‬‬ ‫وتق������ول >‪ .J‬بريني������ك< [املهندس������ة‬ ‫الكيميائي������ة ومدي������رة مرك������ز الطاقة]‪:‬‬ ‫«تظه������ر منذجتُنا أن علين������ا أن نكون‬ ‫(‪)1‬‬ ‫قادرين على خفض الطاقة الطفيلية‬ ‫إل������ى ‪ 22‬أو ‪ ».%23‬وتضي������ف‪« :‬ونود‬ ‫تخفيضها في نهاية املطاف إلى‪».%15‬‬ ‫ويق������وم فريقها ببناء وح������دة جتريبية‬ ‫إلثبات هذه التقانة‪.‬‬ ‫ولئن ب������دت هذه التقان������ة نظرية في‬ ‫املرحل������ة الراهنة‪ ،‬فإنه������ا ‪ -‬كما تعترف‬ ‫>برينيك<‪« :‬في واقع احلال جذر ّية‪ ،‬ألنّ‬ ‫هذه امل������واد جديدة متام������ا‪ »،‬إذ لم يكد‬ ‫ميضي على اكتشافها عامان‪ .‬فمجموعة‬ ‫«برينيك» باشرت لت ِّوها باستطالع هذه‬ ‫املواد‪ ،‬وقد تبرز مش������كالت غير متوقعة‬ ‫في أ ّية مرحلة‪ .‬وحتى لو جنحت العملية‬ ‫في املختبر فرمبا ال ميكن تطويرها إلى‬ ‫ّ‬ ‫محطة توليد الطاقة‪.‬‬ ‫مستوى‬ ‫فضال ع������ن ذلك‪ ،‬فإذا جنحت عملية‬ ‫التخ ّلص من الكربون فالبد من تخزينه‬ ‫في مكان م������ا‪ .‬والفكرة الرئيس������ة التي‬

‫نزع الفحم‬ ‫جهاز غسل امللح‬ ‫يصطاد ثاني‬ ‫أكسيد الكربون‬

‫ثاني أكسيد‬ ‫الكربون مدوّ ر‬ ‫أو مخزن‬

‫مصنع الفحم‬

‫يناصرها العلماء هي حقنه في تشكيالت‬ ‫صخر ّية مس������ام ّية حتت األرض بعملية‬ ‫ُتع������رف باس������م الع���زل ‪،sequestration‬‬ ‫والتي متت جتربتها حقليا‪ ،‬ولكنه لم يتم‬ ‫إثباتها على مدى واس������ع‪ .‬وهناك فكر ٌة‬ ‫جتريب ّية أخرى وهي مزج ثاني أكس������يد‬ ‫الكرب������ون مع الس������يليكات‪ ،‬مو ّلدا بذلك‬ ‫العملية الطبيع ّية التي يندمج فيها ثاني‬ ‫أكسيد الكربون في الصخور الكربونية‬ ‫فيصبح خامال ‪.inert‬‬ ‫ومما ينبغي التص ّدي له أيضا القضايا‬ ‫الصح ّية والبيئ ّية املرافقة لتعدين الفحم‪،‬‬ ‫والتخل������ص م������ن الرماد الس������ام املتبقي‬ ‫بعد االحتراق‪ .‬وهذه املش������كالت الكثيرة‬ ‫جتعل علم������اء البيئة يستش������يطون غيظا‬ ‫عندما يسمعون تعبير «الفحم النظيف»‪.‬‬ ‫ومع ذلك فم������ا زال الفحم على غاية من‬ ‫الوف������رة والرخص األمر الذي يش������جع‬ ‫على جتريب األفكار اخلطرة التي – إن‬ ‫جنحت – س������تؤدي إلى محاربة التغيير‬ ‫املناخي بشكل كبير‪.‬‬

‫>‪ .M‬ليمونيك<‬

‫( ) ‪Clean(er) Coal‬‬ ‫(‪parasitic energy )1‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, May 2011‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫صالبة التحمل َ‬ ‫احل َّقة‬ ‫من منظور علم األعصاب‬

‫( )‬

‫عندما ُّ‬ ‫حتل بنا مصيبة‪ ،‬فمن املدهش أن معظمنا يعود في نهاية‬ ‫األمر ليستأنف مسار حياته املعتاد على نحو جيد‪ .‬فمن أين تأتي‬ ‫مثل هذه القدرة على استعادة التوازن واحليوية بعد تلك املصيبة؟‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .G‬ستكس<‬

‫ف������ي خريف عام ‪ ،2009‬ح������دث أن كان������ت >‪ .B .J‬مي ّلر< في‬ ‫سيارتها مع زوجها عائد ْين إلى املنزل‪ ،‬بعد زيارة والدتها في‬ ‫منطقة ش���ل��االت نياگارا‪ ،‬بوالية نيوي������ورك؛ ومرت على حاجز‬ ‫للشرطة على الطريق بالقرب من مدخل مجمع جامعة نياگارا‪،‬‬ ‫وبينم������ا كانت أضواء عربة إس������عاف تلم������ع أمامها‪ ،‬خطر لها‬ ‫أن عليها أن تتوقف‪ ،‬وتطلب إلى أحد مس������اعدي اإلس������عاف‬ ‫املوجودي������ن ف������ي املوقع أن يتح������رى عما إذا كانت الس������يارة‬ ‫املصابة حتمل على لوحتها عالمة ”‪ ،”J Mill‬فقد كانت السيدة‬ ‫>مي ّلر< تعرف أن ابنها «جوناثان»‪ ،‬البالغ من العمر ‪ 17‬عاما قد‬ ‫غادر املنزل بسيارته‪ .‬وبعد دقائق قليلة رأت شرطيا وقسيسا‬ ‫يقتربان منها فأدركت‪ ،‬حتى من قبل أن يصال إليها‪ ،‬ما سوف‬ ‫يقوالنه لها‪.‬‬ ‫لقد كان������ت وفاة ولدها بهذا احلادث‪ ،‬نتيجة ملش������كلة طبية‬ ‫شخص‪ ،‬وتس������ببت في وفاته الفجائية حتى قبل اصطدام‬ ‫لم ُت ّ‬ ‫سيارته بش������جرة‪ .‬وقد كان لوفاته أثر مدمر فيها‪« .‬كان الزمن‬ ‫ال يكاد يتحرك في األيام التي تلت مباش������رة موت >جوناثان<‪.‬‬

‫وكانت تقول‪« :‬إن األسبوع األول كان أشبه شيء باألبدية‪ ،‬فقد‬ ‫كنت أعيش دقيقة بدقيقة‪ ،‬وليس ساعة بساعة‪ .‬وكان يحدث أن‬ ‫أستيقظ فجأة وال أفكر في أي شيء يتعدى ما هو أمامي‪».‬‬ ‫لقد جاءها العون واملس������اندة من جه������ات متعددة‪ ،‬مبا في‬ ‫ذلك قراراتها الش������خصية هي نفس������ها‪ .‬فقد شارك في جنازة‬ ‫>جوناثان< وحتية جثمانه خمسمئة من زمالء مدرسته الثانوية‪،‬‬ ‫وقد ساعد تعبيرهم هذا عن مشاعرهم جتاه ولدها على تسكني‬ ‫األلم عندها‪ .‬كما أنها وجدت عزاء لها في عقيدتها الكاثوليكية‬ ‫املخلصة‪ .‬وبعد انقضاء أس������بوعني رجعت إلى عملها كخبيرة‬ ‫في ش������ؤون املوظفني‪ ،‬كما اس������تطاعت‪ ،‬بعد بضعة أشهر إثر‬ ‫احل������ادث‪ ،‬أن تزور املطع������م الذي تناولت فيه آخ������ر إفطار لها‬ ‫بصحب������ة ولدها في ي������وم وفاته‪ .‬ول������م يتذبذب مطلق������ا العون‬ ‫واملساندة اللذان كانت تتلقاهما من جيرانها وأصدقائها‪ .‬وقد‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪THE NEUROSCIENCE OF TRUE GRIT‬‬ ‫‪resilience‬‬ ‫‪bereavement‬‬ ‫‪coping ugly‬‬

‫باختصار‬ ‫كان السائد تقليديا بني علماء النفس أن القدرة النفسية على استعادة‬ ‫الت���وازن واحليوي���ة(‪ ،)1‬في مواجهة اإلجهادات النفس������ية الش������ديدة التي‬

‫تس������ببها ضغوط احلياة‪ ،‬هي حدث ن������ادر اعتياديا‪ ،‬وأنه������ا ناجتة إما من‬ ‫جينات محظوظة أو من تزاوج موفق بني أبوين‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ولكن األبحاث في ش������أن حاالت فقد األب أو األم أو الولد ‪ ،‬وفي شأن‬ ‫الك������وارث الطبيعية‪ ،‬قد أظهرت ف������ي األعوام األخيرة أن صفة اس������تعادة‬ ‫الت������وازن واحليوية إثر التعرض ملصيبة‪ ،‬إمنا ه������ي‪ ،‬في واقع األمر‪ ،‬صفة‬ ‫مألوفة ومعتادة نسبيا‪.‬‬ ‫وإن البشر يس������تجيبون بس������لوكيات متنوعة ملا حتمله احلياة إليهم من‬ ‫‪14‬‬

‫مصائب أو كوارث‪ .‬وبعض هذه السلوكيات ميكن تصنيفه على أنه نرجسي‬ ‫أو غير متوافق وظيفيا في ناحية أخرى‪.‬‬ ‫َ‬ ‫إال أن أش������كال الس������لوك هذه‪ ،‬وهي الت������ي أطلق عليها أح������د الباحثني‬ ‫«املواجهة الس���يئة مع املش���كالت»(‪ ،)3‬تقوم في نهاية املطاف بدور مساعد‬ ‫على التكيف في أزمة‪.‬‬ ‫وهكذا ُيطرح التساؤل حول ما إذا كانت التدخالت العمدية لتعليم القدرة‬ ‫عل������ى اس������تعادة التوازن واحليوية ‪ -‬وهي برام������ج مطبقة بالفعل في بعض‬ ‫املدارس وفي اجليش األمريكي ‪ -‬ستُعني حقا إذا كان الناس قادرين على‬ ‫مواجهة أزماتهم احلادة بأنفسهم‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫احتُفِ ل بتكرمي ذكرى >جوناثان< مبناسبة تخرج دفعة مدرسته‬ ‫الثانوية‪ ،‬كما أن صفحة >جوناثان< على «الفيس������بوك» بعنوان‬ ‫>(جوناثان ”‪ ”J Mill‬م ّلر)<‪ ،‬تستقبل بانتظام زوارا جددا؛ ويقدم‬ ‫مقهى محلي قه������وة ”‪ ،“76‬في ذكرى عض������و فريق كرة القدم‬ ‫املتقاعد اآلن‪ .‬وقد اس������تمرت‪ ،‬خالل سنة إثر وفاة ولدها تبكي‬ ‫كل يوم‪ ،‬إ ّال أنها وجدت طرقا كثيرة للتغلب على أحزانها‪.‬‬ ‫إن م������ا يحدث عندما حتل كارث������ة‪ ،‬مثال‪ ،‬وفاة في العائلة أو‬ ‫هج������وم إرهابي أو وباء ملرض فتّاك أو خوف يش������ل قوى املرء‬ ‫وس������ط معركة ما‪ ،‬هو أننا نحس بش������عور من الصدمة العميقة‬ ‫ونتيه حيارى‪ .‬ولكن علماء األعصاب وعلماء النفس الذين قاموا‬ ‫بدراس������ة آثار تلك األحداث املفزعة الرهيبة توصلوا إلى إدراك‬ ‫شيء غير متوقع‪ :‬إن معظم ضحايا املآسي سرعان ما يستعيدون‬ ‫قوتهم‪ ،‬ويخرجون في النهاية من أزماتهم من دون أن ميس������هم‬ ‫سوء من الناحية الوجدانية‪ .‬نعم‪ ،‬إن معظمنا ُيظهرون على نحو‬ ‫غير متوقع‪ ،‬قدرة طبيعية على اس������تعادة التوازن واحليوية بعد‬ ‫املرور بأسوأ ما تقذفنا به احلياة في طريقنا‪.‬‬ ‫إن دراس������ة القدرة على اس������تعادة التوازن واحليوية تبدأ‬ ‫بالكشف عن سلسلة من آليات أساسية‪ ،‬وذلك من خالل صور‬ ‫امل������خ وقواعد بيانات اجلينات‪ ،‬إضاف������ة إلى األدوات التقليدية‬ ‫لدى علماء النفس باس������تخدام اس������تبانات علم االجتماع‪ .‬فقد‬ ‫ظهر أنه‪ ،‬م������ا أن حتل مصيبة بنا حتى تأخذ عوامل حيوية ‪-‬‬ ‫كيميائية وجينية وس������لوكية في العمل معا من أجل اس������تعادة‬ ‫توازننا الوجداني‪ .‬وتس������عى األبحاث العلمية في هذا الصدد‬ ‫إلى فهم متعمق للقواعد التي تقوم عليها القوة الوجدانية لدى‬ ‫البشر‪ ،‬وهذا الفهم سوف يدلنا يوما ما على ما ميكن فعله في‬ ‫حال فشل سيرورات االلتئام الطبيعية في القيام بدورها‪.‬‬ ‫وف������ي الوقت احلاض������ر‪ ،‬فإن امل������دارس واملعاهد واجليش‬ ‫والهيئ������ات املختلف������ة ال تنتظر حتدي������د الص������ورة الكاملة عن‬ ‫اجلينات وناقالت الرس������ائل في األعصاب وما إلى ذلك‪ ،‬حتى‬ ‫تقوم بتنفيذ برامج من أجل تقوية املناعة ضد أضخم التوترات‬ ‫الت������ي نصاب به������ا‪ .‬وهكذا‪ ،‬وفي غياب دلي������ل أو كتيب نهائي‬ ‫ف������ي موضوع القدرة على التحمل في أوقات الش������دة‪ ،‬طرحت‬ ‫مناقش������ات قوية ح������ول ما إذا كان العبث مبا قد يكون س������مة‬ ‫فطرية لإلنس������ان هو مما ميكن أن يؤدي بن������ا إلى حال يكون‬ ‫أس������وأ مما نكون عليه بش������كل طبيعي‪ .‬وهذه املناقشة العامة‬ ‫تكتس������ي اآلن طابع االستعجال غير العادي‪ ،‬حيث إن اجليش‬ ‫األمريكي يبدأ بالقيام ببرنامج تدريبي عمالق يستهدف غرس‬ ‫القدرة على اس������تعادة التوازن واحليوي������ة في نفوس أكثر من‬ ‫مليون جن������دي وعائالتهم‪ ،‬وهو برنامج رمب������ا كان واحدا من‬ ‫‪15‬‬

‫أضخم التدخالت الس������يكولوجية التي قامت بها في أي وقت‬ ‫مضى‪ ،‬مؤسسة منفردة‪.‬‬ ‫آليات استعادة التوازن احليوية إثر بالء مُ ِل ّم‬

‫( )‬

‫ف������ي ع������ام ‪ ،1917‬حت������دث >‪ .S‬فرويد< عن ض������رورة القيام‬ ‫مبهمة «التخلص م������ن آثار» الكوارث‪ ,‬وبهذا نس������تعيد الطاقة‬ ‫الوجداني������ة‪ ،‬أو «اللبي������دو» ‪ libido‬كما كان ُيس������ميها‪ ،‬التي كنا‬ ‫قد ك ّرس������ناها ملا أصب������ح اآلن «كيانا غير موجود»‪ ،‬وفي عبارة‬ ‫أخ������رى‪ ،‬املتوفى‪ .‬وهذه النظرة ‪ -‬التي ترجع إلى نحو قرن من‬ ‫الزمن‪ ،‬والتي تَعتبر «النفس» منظومة من القنوات لتفريع قوى‬ ‫احلياة الالمدركة وتوجيهها ‪ -‬كانت هي السائدة‪ ،‬لعدم وجود‬ ‫دلي������ل على ضدها‪ ،‬لكنها لم تعد كذلك منذ بضعة عقود‪ :‬وذلك‬ ‫منذ أن أخذ علماء النفس وعلماء األعصاب يتفحصون إمكان‬ ‫( ) ‪THE MECHANISMS OF RESILIENCE‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫>‪ .B .J‬مي ّل���ر< وق���د اجتازت األيام العصيبة التي أعقبت وف���اة ابنها عام ‪ ،2009‬وهي‬ ‫ِصطدمت بها سيارة ابنها جوناثان‪.‬‬ ‫تلمس الشجرة التي ا ْ‬

‫تقدمي تفسيرات جديدة بديلة‪.‬‬ ‫وأح������د األمور التي بدؤوا بالنظ������ر إليها كان طبيعة القدرة‬ ‫على استعادة التوازن واحليوية‪ .‬وقد استخدموا لذلك املصطلح‬ ‫اإلنكليزي ‪ resilience‬الذي أخذوه من العلوم الطبيعية وأدخلوه‬ ‫في مفردات علم النفس‪ .‬ويقول >‪ .M .Ch‬لني< [الباحث في القدرة‬ ‫على استعادة التوازن واحليوية في جامعة كاليفورنيا‪ ،‬بلوس‬ ‫أجنل������وس]‪« :‬إن هذا املصطلح‪ ،‬من الناحية الس������لوكية‪ ،‬يعني‬ ‫أساس������ا أنك تعود وثبا إلى سابق أدائك لوظائفك خالل فترة‬ ‫قصيرة من الزمن»‪ ،‬متاما كش������أن الذراع املتذبذب الفوالذي‪،‬‬ ‫ال������ذي ينثني حتت تأثير الضغط ثم يعود بعد ذلك إلى وضعه‬ ‫األصلي‪ .‬وبطبيعة احلال‪ ،‬فإنه ال وجود في رؤوس������نا لشريط‬ ‫معدني يعمل عمل منظم احلرارة (الثرموستات)‪ ،‬فينثني حني‬ ‫تش������تد انفعاالتنا‪ ،‬ويطلق شالال عصبيا كيميائيا يجعلنا نعود‬ ‫إلى س������ابق عهدنا من حيث حالة التوازن االنفعالي‪ .‬فقد وجد‬ ‫العلم������اء أن جهازنا البيولوجي هو أعقد بكثير من أن ُيش������ ّبه‬ ‫بحالة في علم املعادن‪.‬‬ ‫إن اس������تعادة التوازن واحليوية تنطلق من مستوى أولي‪:‬‬ ‫فحينم������ا يندفع أحدهم نحوك‪ ،‬ف������إن الهيبوثاالموس (املهاد‬ ‫األدنى)(‪ - )1‬وهو محطة ترحيل في املخ يربط النظام العصبي‬ ‫‪16‬‬

‫بنظام الغدد الصماء في اجلسم ‪ -‬يسارع إلى إطالق إشارة‬ ‫اإلجهاد احلاد‪ ،‬وذلك على شكل كورتيكوتروبني(‪ ،)2‬الهرمون‬ ‫احملفز لقش������رة الغدة األدرينالية‪ ،‬وهو الذي يبدأ بدفع س������يل‬ ‫كيميائ������ي يخبرك بأن تضم قبضتي يديك أو أن متضي بعيدا‬ ‫إلى حيث األمان‪ .‬فمخك يأخ������ذ في اخلفقان كضوء ومضي‪:‬‬ ‫«هاجم أو اهرب»‪« ،‬هاجم أو اهرب»‪ .‬وبعد ذلك يتجه اإلعصار‬ ‫البيولوج������ي نح������و الهمود‪ .‬أما إذا كنت عل������ى التوالي مطالبا‬ ‫بالدفاع عن عرينك‪ ،‬فإن مجموعة من هرمونات اإلجهاد احلاد‬ ‫تأخ������ذ في التدفق من دون توقف‪ .‬وأحد هذه الهرمونات‪ ،‬وهو‬ ‫الكورتيزول‪ ،‬ال������ذي تنتجه غدة األدرينالني بج������وار الكليتني‪،‬‬ ‫ميكنه فعليا أن يس������بب تلفا خلاليا املخ في منطقتي احلصني‬ ‫(ق���رن آم���ون)(‪ )3‬واللوزة(‪ ،)4‬وهما املنطقت������ان املتصلتان بعمل‬ ‫الذاكرة واملش������اعر الوجدانية‪ .‬وب������ذا تنتهي عندك حالة حتطم‬ ‫شعوري وجسدي‪ .‬وحلس������ن احلظ‪ ،‬فإن الغالبية العظمى منا‬ ‫لديها القدرة على استعادة التوازن واحليوية‪.‬‬ ‫إن هرمونات اإلجهاد النفسي‪ ،‬ومبساعدة بعض العناصر‬ ‫البيولوجية الكيميائية الواقي������ة‪ ،‬يبدو أنها تطفئ هذا اإلجهاد‬ ‫بسرعة أكبر عند األشخاص الذين لديهم القدرة على استعادة‬ ‫التوازن واحليوية‪ .‬ففي الس������نوات األخيرة‪ ،‬اكتش������ف بعض‬ ‫العلماء عددا م������ن العُ لاّ م���ات(‪ )5‬البيولوجية التي تدل على أن‬ ‫ش������خصا ما ميكن أن يكون قادرا على أن يصبح صلب العود‬ ‫العلاّ مات طويلة‬ ‫بحيث يس������تعيد توازنه وحيويته‪ .‬وقائم������ة تلك ُ‬ ‫ومن ضمنها مواد كيميائي������ة من قبيل املادة )‪ ,)6((DHEA‬التي‬ ‫تقلل من قوة تأثير الكورتيزول‪ ،‬والپپتيد العصبي ‪ ،)7(Y‬الذي‬ ‫يبدو وكأنه‪ ،‬إلى جان������ب أمور أخرى‪ ،‬يقلل من حدة القلق عن‬ ‫طريق حتييد آثار الهرمون املفرز للكورتيكوتروبني‪ ،‬الذي يطلقه‬ ‫الهيبوثاالموس في املخ‪ .‬وفي عام ‪ 2000‬وجد >‪ .S .D‬تش������ارني<‬ ‫وباحثون آخرون في املستش������فى ‪ VA‬وس������ت هاڤن‪ ،‬بجامعة‬ ‫ييل‪ ،‬أن������ه حتت وطأة اإلجهاد احلاد الس���تنطاق ُص���وَ ري(‪،)8‬‬ ‫يكون أداء اجلنود األمريكيني ذوي مس������تويات الدم العالية من‬ ‫الپپتي������د العصب������ي ‪ Y‬أفضل من غيرهم خ���ل��ال التمرين‪ .‬بعد‬ ‫ذل������ك‪ ،‬وفي عام ‪ ،2006‬اكتش������فت >‪ .R‬يه������ودا<‪ ،‬وآخرون‪ ،‬في‬ ‫املركز الطبي لشؤون قدامى احملاربني في برونكس‪ ،‬أن وجود‬ ‫(‪hypothalamus )1‬‬ ‫(‪corticotropin )2‬‬

‫(‪hippocampus )3‬‬ ‫(‪amygdala )4‬‬ ‫(‪signposts )5‬‬

‫(‪dehydroepiandrosterone )6‬‬ ‫(‪neuropeptide Y )7‬‬

‫(‪mock interrogations )8‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫مس������تويات عالية من ذلك العنص������ر الكيميائي عند احملاربني‬ ‫القدماء‪ ،‬كان يعني انخفاض درجة احتمال خطر الوقوع في‬ ‫االضطراب )‪.)1((PTSD‬‬ ‫وهن������اك ع������دد من املس������ارات البيولوجية ‪ -‬سالس������ل من‬ ‫البروتينات املتفاعلة التي تس������هم في ش������يء ما متعدد األوجه‬ ‫كالقدرة على اس������تعادة التوازن واحليوي������ة‪ .‬ولكن حتى اآلن‪،‬‬ ‫ف������إن ما قام به العلماء ال يزيد إال قليال على االقتراب حينا ثم‬ ‫االبتعاد حينا آخر عن مجموع������ة من مالمح جزئية للبروفايل‬ ‫البيولوجي للنفس اجلس������ورة الش������ديدة القدرة على التحمل‪.‬‬ ‫وفي الش������هر ‪ ،2010/5‬أبلغ >‪ .E .J‬نس������تلر< وزمالؤه [في معهد‬ ‫ماونت س������ايناي الطبي] عن وجود بروتني‪ ،‬أطلق عليه اس������م‬ ‫‪ ،DeltaFosB‬بدا لهم أنه يحمي الفئران‪ ،‬ورمبا البش������ر أيضا‪،‬‬ ‫ف������ي مواجهة اإلجهاد احلاد الذي يس������ببه وجود الفأر وحيدا‬ ‫ومع������زوال‪ ،‬أو كون������ه مهددا من قب������ل فأر أكث������ر عدوانية منه‪.‬‬ ‫ويقوم هذا البروتني بدور املفت���اح اجلزيئي(‪ )2‬ملجموعة كاملة‬ ‫من اجلينات (التي تتس������بب في إنتاج البروتينات التي حتمل‬ ‫كوده������ا)‪ .‬وقد ثبت وجود هذا البروتني مبس������تويات عالية في‬ ‫القوارض التي أظهرت قدرة على استعادة التوازن واحليوية‪،‬‬ ‫بينم������ا ثبت نقصها في خاليا أدمغة جرى فحصها بعد الوفاة‬ ‫ملرضى كانوا مصابني بتوتر اإلجهاد احلاد‪ .‬وهكذا‪ ،‬فقد بدا‬ ‫أن الدواء الذي يزيد من نسبة البروتني ‪ DeltaFosB‬رمبا أمكنه‬ ‫أن يقي من االكتئاب وأن يدعم بوجه عام القدرة على استعادة‬ ‫التوازن واحليوية‪.‬‬ ‫وم������ع كل ه������ذا‪ ،‬فإنه ال ي������زال أمامنا بع������ض الوقت حتى‬ ‫ميكن أن يظهر مش������روب من مشروبات الطاقة ميكن أن ُيدعم‬ ‫مبسحوق القدرة على استعادة التوازن واحليوية‪ .‬فحبة العقار‬ ‫التي ترفع من إنتاج املخ للبروتني ‪ DeltaFosB‬رمبا تصبح في‬ ‫ي������وم ما حقيقة واقعة‪ .‬أما في الوقت احلالي‪ ،‬فإن التجارب ال‬ ‫تزال جترى على القوارض‪ ،‬وبوس������يلتها يستكشف الباحثون‬ ‫دقائق عنصر كيميائي ال يعمل فقط على مس������اعدة الفأر على‬ ‫التحمل بنبالة(‪ )3‬ألقوى جهود املشتغلني في املختبر من أجل‬ ‫إصابته بذعر يكاد يتس������بب في نفوق������ه‪ ،‬بل قد يكون له أيضا‬ ‫دور في إثارة األحاسيس املريحة عند تعاطي املخدرات‪ ،‬وهذا‬ ‫نذير شؤم أكثر‪.‬‬ ‫وقد تسهم في ذلك أيضا مجموعة من اجلينات والبروتينات‬ ‫األخرى؛ ولكن‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة إلى البروتني ‪،DeltaFosB‬‬ ‫على الباحثني أن يتناولوها بالدراسة بدقة وحذر‪ .‬فهناك مثال‬ ‫اجل���ي��ن ‪ - 5-HTT‬الذي كان ُيظن في مرحلة س������ابقة أنه جني‬ ‫رئيس������ي من جينات القدرة على استعادة التوازن واحليوية ‪-‬‬ ‫‪17‬‬

‫مدعمات القدرة على استعادة التوازن واحليوية‬

‫َخ ْف ُ‬ ‫ض حدة نظام اإلنذار في املخ‬

‫( )‬

‫حينم���ا يواج���ه املخ خطرا‪ ،‬فإنه يب���ادر إلى إطالق ش�ل�ال كيميائي يدفع‬ ‫ب���ك إما إل���ى مقاومة هذا اخلطر أو الهروب منه‪ .‬وتباعا‪ ،‬ميكن لسلس���لة‬ ‫م���ن العناص���ر الكيميائية في امل���خ أن تهدئ من هذه االس���تجابة‪ ،‬وبذلك‬ ‫فإنها حتفز القدرة على استعادة التوازن واحليوية في مواجهة اإلجهاد‬ ‫احلاد‪ .‬وتبدأ دورة كيميائية ذات أهمية بارزة حني يطلق الهيبوثاالموس‬ ‫(امله���اد األدنى) الهرمون املطلق لتروف���ي��ن تغذية اللحاء )‪ ،)4((CRH‬وهو ما‬ ‫يدفع الغ���دة النخامية إلى إفراز الهرمون َأدرينوكورتيكوتروبني (الكظري)‬ ‫(‪ )5()ACTH‬ف���ي مج���رى ال���دم‪ ،‬وهو ما يدفع ب���دوره الغ���دد األدرينالينية‬ ‫(الكظري���ة) (بج���وار الكليت�ي�ن) لك���ي تفرز هرم���ون الكورتي���زول‪ .‬ويؤدي‬ ‫الكورتي���زول إلى النهوض بقدرة اجلس���م على مواجه���ة التحديات‪ ،‬لكن‬ ‫ق���درا زائ���دا من���ه قد يؤدي‪ ،‬م���ع مرور الوق���ت‪ ،‬إلى إحداث أض���رار دائمة‬ ‫باجلسم‪ .‬وهناك سالسل من العناصر الكيميائية التي تساعد املرء على‬ ‫السيطرة على زمام األمور (اثنان من هذه العناصر معروضان في الشكل‬ ‫أدن���اه)‪ ،‬وهي التي تهدئ من االس���تجابة لإلجه���اد احلاد‪ .‬ومن املمكن أن‬ ‫تقوم العقاقير أو العالج النفسي بالتحفيز على إنتاج مدعمات مواجهة‬ ‫اإلجهاد احلاد هذه‪.‬‬ ‫الهيبوثاالموس‬ ‫(املهاد األدنى)‬

‫‪ CRH‬الهرمون املطلق‬ ‫لتروفني تغذية اللحاء‬ ‫العصارة الهضمية ‪ Y‬تهدئ‬ ‫من آثار الهرمون املطلق‬ ‫لتروفني تغذية اللحاء (‪)CRH‬‬ ‫في مناطق متعددة في املخ‪.‬‬

‫اللوزة (اجلسم اللوزي)‬

‫الغدة النخامية‬ ‫احلصني‬ ‫(قرن آمون)‬

‫‪ ،ACTH‬هرمون‬ ‫املنشط الكظري‬ ‫الكورتيزول‬

‫‪ ،DHEA‬مادة كيميائية‬ ‫تبطل مفعول هرمون‬ ‫اإلجهاد احلاد‪ ،‬وهو‬ ‫الكورتيزول‬

‫الغدة األدرينالينية‬ ‫(الكظرية) بجوار الكليتني‬

‫يقدم حالة حتذر من ِ‬ ‫الش������راك واملآزق التي ميكن أن يسببها‬ ‫النظ ُر إل������ى املوضوع من وجهة نظر جيني������ة بحتة‪ .‬فمنذ عقد‬ ‫من الزمن تقريبا أظهر عدد من الدراس������ات أن األفراد الذين‬ ‫لديهم الش������كل األطول من هذا اجلني بدا أنهم كانوا يقاومون‬ ‫االكتئاب بنجاح أكبر من هؤالء الذين لديهم الش������كل األقصر‬ ‫م������ن ذلك اجلني‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬أنه������م كانوا أكثر قدرة على‬ ‫( ) ‪Toning Down the Brain’s Alarm System‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪post-traumatic stress disorder‬‬ ‫‪molecular switch‬‬ ‫‪nobly‬‬ ‫‪corticotropin - releasing hormone‬‬ ‫‪adrenocorticotropin hormone‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫لقد اختبر إعصار كاترينا قدرة سكان نيوأورليانز على استعادة التوازن واحليوية‪.‬‬

‫استعادة التوازن واحليوية‪.‬‬ ‫وقد احتل هذا اجلني عناوين األخبار حني أش������ارت مقالة‬ ‫ُنش������رت ف������ي مجلة نيوي������ورك تاميز عام ‪ 2006‬إل������ى التوصل‬ ‫الوشيك إلى اختبار جتاري يحدد مدى إسهام اجلني ‪5-HTT‬‬ ‫في اس������تعادة التوازن واحليوية‪ .‬ولكن س������رعان ما أخذ هذا‬ ‫التفاؤل املبكر يخبو ليتحول إلى تش������وش وارتباك (وهذا منط‬ ‫ش������ائع في الدراس������ات التي ت َّدعي الق������درة على ربط نوع من‬ ‫السلوك املعقد بجني منفرد)‪ .‬وحديثا وجدت اثنتان مما تُسمى‬ ‫«ما بعد حتليالت الدراس���ات» ‪ ،meta-analyses of studies‬أن‬ ‫األدلة املتوفرة لم تؤيد وجود ارتباط بني جني يختلف جزئيا عن‬ ‫اجلني ‪ 5-HTT‬واالكتئاب الناجم عن الضغوط املجهدة للحياة‪.‬‬ ‫وهناك دراس������ة أخرى من ذلك النوع تب���ي��ن أن هناك ارتباطا‪.‬‬ ‫وهك������ذا‪ ،‬لو حدث أن كان هناك ارتباط بني ذلك اجلني والقدرة‬ ‫على اس������تعادة التوازن واحليوي������ة‪ ،‬فمن املرجح أن يكون هذا‬ ‫االرتباط ضعيفا‪ .‬وفي نهاية املطاف‪ ،‬ميكن للبيولوجيا النفسية‬ ‫حول القدرة على اس������تعادة الت������وازن واحليوية‪ ،‬أن تؤدي إلى‬ ‫إنت������اج عقاقير جديدة وإلى مناهج محددة من أجل تقييم مدى‬ ‫تكيفنا مع توترات احلياة املجهدة‪ .‬أما في الوقت احلالي‪ ،‬فإن‬ ‫اإلدراك العميق املباش������ر الذي ي������ؤدي إلى فهم الذات القادرة‬ ‫على اس������تعادة التوازن واحليوية لن يأتي من دراسة جني أو‬ ‫‪18‬‬

‫آخر أو مُ س���تقبِ ٍل ‪ receptor‬ما في اخلاليا‪ ،‬وإمنا باألحرى من‬ ‫القي������ام باملقابالت وجها لوجه على الطريقة التقليدية مع هؤالء‬ ‫الذين مروا بأزمات شخصية مهمة‪.‬‬ ‫مواجهة سيئة للمشكالت‬

‫( )‬

‫لقد تراكمت لدى علماء دراسة السلوك البشري عقود من‬ ‫البيان������ات اخلاصة ببالغني وبأطف������ال تعرضوا لصدمات‪ .‬وقد‬ ‫كرس >‪ .G .A‬بونانُّو< [م������ن كلية املعلمني في جامعة كولومبيا]‬ ‫حياته العلمية كلها كسيكولوجي من أجل جتميع شواهد حول‬ ‫تنوعات جتربة استعادة التوازن واحليوية بعد الصدمات‪ ،‬مع‬ ‫تركيز خاص على ردود أفعالنا لدى وفاة شخص عزيز علينا‪،‬‬ ‫وعلى ما يحدث في مواجه������ة احلرب واإلرهاب واملرض‪ .‬وما‬ ‫توص������ل إليه هو أنه في جميع احلاالت التي جمع ش������واهدها‬ ‫يس������تطيع معظم الناس‪ ،‬وعلى نحو مثير للدهشة‪ ،‬أن يتكيفوا‬ ‫تكيف������ا ُمرضيا مع ما يضعه العالَم أمامهم؛ وتعود احلياة إلى‬ ‫حالتها الس������وية خالل بضعة أشهر‪ .‬وينتشر موضوع أبحاثه‬ ‫ف������ي أرجاء مكتبه في مبنى قدمي م������ن مباني جامعة كولومبيا‪.‬‬ ‫وعلى الب������اب الداخلي للمكتب‪ ،‬ألصق >بونانُّو<‪ ,‬قصاصة من‬ ‫جري������دة يومية أملاني������ة عرضت نبذة عن حيات������ه حتت عنوان‪:‬‬ ‫«األسوأ قد يحدث‪ ،‬هكذا يقول >بونانُّو<(‪».)1‬‬ ‫( ) ‪COPING UGLY‬‬ ‫(‪S t Happens )1‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫كانت بداية أبحاث >بونانُّو< تدور حول كيفية االس������تجابة‬ ‫الوجدانية لفجيعة َف ْقد عزيز وغير ذلك من فواجع األحداث‪ ،‬وذلك‬ ‫في أوائل التسعينات‪ ،‬حني كان يد ِّرس في جامعة كاليفورنيا‪،‬‬ ‫بسان فرانسيسكو‪ .‬وكان السائد املتفق عليه آنذاك هو الرأي‬ ‫القائ������ل‪ :‬إن فقد صديق أو قريب عزي������ز يترك ُن َد ًبا وجدانية ال‬ ‫ينمحي أثرها‪ ،‬بحيث إن الش������خص املفجوع يحتاج إلى عالج‬ ‫للتخلص من آثار فاجعته على طريقة >فرويد<‪ ,‬أو إلى منش������ط‬ ‫مماثل من أجل أن يعود املفجوع إلى س������ابق عهده‪ .‬وقد أقبل‬ ‫>بونانُّو< وزم���ل��اؤه على النظر في األمر بأذهان منفتحة‪ .‬ومع‬ ‫ذل������ك‪ ،‬ومرارا وتكرارا لم يعثروا في جتاربهم على أثر جلروح‬ ‫نفس������ية؛ مما أدى بهم إل������ى توقع كون القدرة النفس������ية على‬ ‫استعادة التوازن واحليوية ظاهرة منتشرة‪ ،‬وهي أيضا ليست‬ ‫مجرد حدث ن������ادر يظهر عند أفراد َح َب ْته������م الطبيعة بجينات‬ ‫مالئمة طيبة أو بأبوي������ن موهوبني‪ .‬وهذه البصيرة(‪ )1‬أدت بهم‬ ‫أيض������ا إلى التوقع املقلق‪ ،‬وهو أن آخر أيام األس������ى قد ينجم‬ ‫عنها في نهاية املطاف آثار ضارة أكثر من نافعة‪.‬‬ ‫وفي أحد األمثلة على موضوعات أبحاثه‪ ،‬قام >بونانُّو< مع‬ ‫زميل������ه >‪ .D‬كلتنر<‪ ,‬بتحليل تعبي������رات الوجه لدى أناس فقدوا‬ ‫منذ فترة قريبة أحد أحبائهم‪ .‬ولم حتمل تسجيالت الڤيديو أية‬ ‫إشارة إلى وجود حزن دائم يكون بحاجة إلى االقتالع‪ .‬وعلى‬ ‫نحو ما كان متوقعا‪ ،‬فإن مش������اهد الڤيديو كش������فت عن وجود‬ ‫أس������ى ولكن معه أيضا غضب وسعادة‪ .‬وظهر مرة بعد أخرى‬ ‫أن تعبيرات الشخص الذي أصيب بفاجعة ميكن أن تتبدل من‬ ‫كآبة إلى ضحك‪ ،‬وبالعكس‪.‬‬ ‫لك������ن‪ ،‬هل كانت القهقهات حقيقية خالصة؟ هكذا تس������اءل‬ ‫الباحث������ون‪ ،‬فقاموا بع������رض بطيء لش������رائط الڤيديو‪ ،‬باحثني‬ ‫ع������ن انقباض عضالت اإلبص������ار الدائرية حول العينني‪ ،‬وهي‬ ‫ُوش���نّ ‪ ،Duchenne‬والتي‬ ‫احلركات املعروفة باس������م تعبيرات د ِ‬ ‫تثب������ت أن الضح������كات هي حقا على النحو نفس������ه الذي تبدو‬ ‫علي������ه‪ ،‬وليس������ت مجرد اصطن������اع من جانب ش������خص مهذب‬ ‫يضحك نصف ضحكة‪ ،‬إال أنها ليس������ت خالصة‪ ،‬وقد تبني في‬ ‫املقاب������ل‪ ،‬أن ضحكات احلِ دادي�ي�ن(‪ mourners )2‬خالصة (غير‬ ‫مصطنعة)‪ .‬وقد تكرر ظهور التأرجح نفس������ه ما بني األس������ى‬ ‫واالنشراح من دراسة بعد أخرى‪.‬‬ ‫م������ا معنى هذا؟ إن >بونا ُّن������و< يرى تخمينا أن ش���دة الغ ّم‬ ‫‪ melancholy‬تس������اعدنا على الشفاء بعد التعرض لفقد عزيز‪،‬‬ ‫في حني أن الش������عور باألس������ى العنيف الذي ال ينقطع‪ ،‬شأنه‬ ‫ش������أن االكتئاب اإلكلينيكي‪ ،‬هو أعظم بكثير مما ميكن حتمله‪،‬‬ ‫حيث يغم������ر احلِ دادي (املفجوع) غمرا ش������ديدا‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن‬ ‫شبكة األعصاب في رؤوسنا حتول دون أن ينغرز معظمنا في‬ ‫‪19‬‬

‫حالة نفس������ية ال يجدي معها عزاء وال مواساة‪ .‬وإذا أصبحت‬ ‫مشاعرنا الوجدانية إما ساخنة أو باردة كثيرا‪ ،‬فإن نوعا من‬ ‫جهاز االستش������عار الباطني ‪ -‬ولنس������مه جهاز تنظيم القدرة‬ ‫عل���ى اس���تعادة الت���وازن واحليوي���ة(‪ - )3‬يعيدن������ا إلى حال‬ ‫التوازن االعتدالي‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫يوسع >بونانُّو< أبحاثه إلى ما وراء الفجيعة ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك‪ِّ ،‬‬ ‫فف������ي اجلامعة الكاثوليكية ومن بعد ذلك في جامعة كولومبيا‪،‬‬ ‫أجرى مقابالت مع الناجني من إيذاءات جنس������ية‪ ،‬ومع سكان‬ ‫من نيويورك عانوا هجوم ‪ 9/11‬على مدينتهم‪ ،‬ومع مقيمني في‬ ‫هونگ كونگ عاش������وا فيها فترة الوب������اء ‪ .SARS‬وحيثما اجته‬ ‫>بونانُّ������و< بنظره‪ ،‬كانت النتيجة واح������دة‪« :‬معظم هؤالء الناس‬ ‫بدا أنهم يواجهون أزماتهم على نحو رائع‪».‬‬ ‫وبرز منط معهود‪ :‬ففي الفترة التالية مباش������رة على الوفاة‬ ‫أو املرض أو الكارثة‪ ،‬لوحظ أن ما بني الثلث إلى الثلثني‪ ،‬ممن‬ ‫شملتهم االختبارات‪ ،‬يعانون قليال‪ ،‬أو ال شيء‪ ،‬أعراضا ميكن‬ ‫تصنيفها حتت اس������م «صدم���ة»(‪ trauma )5‬من قبيل‪ :‬صعوبات‬ ‫الن������وم‪ ،‬تنبه مفرط‪ ،‬ارجتاعات متك������ررة لذكرى‪ ،‬إلى غير ذلك‬ ‫من األعراض‪ .‬وخالل س������تة أشهر يهبط عدد من تستمر تلك‬ ‫األعراض على الظهور عندهم إلى أقل من ‪.%10‬‬ ‫ومع ذل������ك‪ ،‬إذا كان معظم هؤالء الناس لم يتعرضوا لضرر‬ ‫دائم‪ ،‬فما الذي كانوا يش������عرون به؟ وه������ل تخلصوا من األزمة‬ ‫بس���ل��ام؟ وقد كان من الصعب على الباحثني أن يعرفوا اإلجابة‬ ‫عن هذه األس������ئلة‪ .‬ولكن إدخال ظاهرة اضطراب إجهاد ما بعد‬ ‫الصدمة إلى «مدونة التش���خيص واإلحص���اء لالضطرابات‬ ‫الذهني���ة»(‪ ،)6‬في ع������ام ‪ ،1980‬أدى إلى تضيي������ق منظور علماء‬ ‫النفس‪ .‬فاإلطار الذي اعتمدته مدونة التشخيص تلك كان ينحو‬ ‫إلى دفع الباحثني إلى أن تقتصر دراستهم على املجموعات التي‬ ‫تتوفر فيها سمات التصنيف الصارم الذي عرضته تلك املدونة‪،‬‬ ‫بشأن االضطراب ‪ .PTSD‬وصار التحديد اجلديد للصدمة يعني‬ ‫أن ه������ؤالء املرضى الذين تظهر عليه������م أعراض اإلجهاد احلاد‬ ‫ميكن إدخالهم في ذلك النطاق التشخيصي‪ ،‬حتى وإن أدى ذلك‬ ‫في نهاية املطاف إلى إحداث بعض اإلرباك والتشويش‪.‬‬ ‫وقد ش������رع >بونانُّو< في فحص مش������اعر ه������ؤالء الذين لم‬ ‫يسعوا إلى طلب عون س������يكولوجي‪ .‬ومن املعروف عموما أن‬ ‫األش������خاص املفحوصني في أبحاث العلوم االجتماعية يظهر‬ ‫(‪insight )1‬‬

‫(‪ )2‬ج‪ِ :‬حدادي‪ :‬شخص في حالة ِحداد أو‪ :‬شخص مفجوع‪.‬‬ ‫(‪resilience-state )3‬‬ ‫(‪bereavement )4‬‬

‫(‪ )5‬أو‪ :‬حالة نفسانية م َرضية‪.‬‬

‫(‪Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders )6‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫عندهم تشويه وحتريف لذكرياتهم عن األحداث املاضية‪ ،‬وذلك‬ ‫عندما يقومون مبلء بيانات االس������تبيان‪ :‬ح���ي��ن تأخذ العوالم‬ ‫التي كانوا يعيش������ون فيها في التضعض������ع واالنهيار‪ ،‬فرمبا‬ ‫يغالون في تقدير كيف أن أمورهم كانت س������يئة‪ ،‬أو يتذكرونها‬ ‫باعتبار أنها كانت مفجعة على مس������توى عال جدا‪ .‬ومن أجل‬ ‫اتخ������اذ إجراء يعادل هذا االجتاه‪ ،‬فإن >بونانُّو< بدأ القيام مبا‬ ‫يسمى الدراس���ات االستش���رافية(‪ )1‬التي متكنه من أن يتابع‬ ‫مس������بقا مجموعات من أفراد ذوي أعم������ار متنوعة‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫أن يتوفى بعضهم‪ ،‬وهي آلية ساعدت على استبعاد ما يسميه‬ ‫الس������يكولوجيون انحراف���ات التذكر(‪ .)2‬وقد ش������رع أيضا في‬ ‫اس������تخدام آلية إحصائية عالية البراعة‪ ،‬وهي منذجة خليط‬ ‫النم���و الكام���ن ‪ ،latent growth mixture modeling‬التي أعانته‬ ‫على أن يحدد على نحو أكثر دقة من الس������ابق النمط اخلاص‬ ‫لآلثار التي يشعر بها الناس بعد مرورهم في حالة الصدمة‪.‬‬ ‫وكمثل الدراس������ات الس������ابقة ح������ول الضح������ك‪ ،‬فإن هذه‬ ‫الدراس������ات األكثر دقة وحتديدا‪ ،‬في تناولها لعمليات الشعور‬ ‫بآث������ار َف ْقد الوالدي������ن واألبن������اء األعزاء‪ ،‬تلقت ه������ي األخرى‬ ‫اس������تجابات من أطياف واس������عة التنوع‪ ،‬وهي استجابات لم‬ ‫تدخل متاما في خانات التصنيف املس������تخدمة لتسمية ما هو‬ ‫تكيف صحي‪ .‬واخت���ل��اط األمر كله بعضه مع بعض أدى إلى‬ ‫أن يسرع >بونا ُّنو< بتسمية االستجابات األقل في اتفاقها مع‬ ‫النمط الكالسيكي بأنها «املواجهة السيئة مع املشكالت(‪.»)3‬‬ ‫وق������د اجته بعض الن������اس نحو االنغمار ف������ي «انحراف تعزيز‬ ‫الذات» ‪ -‬إدراكات متضخمة ملا كانوا عليه وكيف كان تصرفهم‪،‬‬ ‫سلوك يقترب‪ ،‬في ظل ظروف أخرى‪ ،‬من النرجسية(‪ .)4‬وفيما‬ ‫يخ������ص احلِ دادي (املفجوع)‪ ،‬فإن هذه التحريفات الضئيلة قد‬ ‫تساعده على جتنب اجترار األفكار(‪« :)5‬هل كان بإمكاني عمل‬ ‫شيء مختلف يحول دون حدوث ما حدث؟»‬ ‫لكن تشجيع الذات واإلعالء من شأنها لم يكن هو الطريقة‬ ‫الوحيدة‪ .‬فبعض األش������خاص قاموا بقمع األفكار واملش������اعر‬ ‫الس������لبية‪ ،‬في حني توصل غيرهم إلى إقناع أنفس������هم بأنهم‬ ‫قادرون على التعامل مع كل ما يعترض طريقهم‪ .‬هناك أيضا‬ ‫هؤالء الذين اعتادوا أن يضحكوا وأن يبتس������موا طوال الوقت‬ ‫ومهم������ا تكن الظروف‪ ،‬ومع ذلك فإن كثي������را من علماء النفس‬ ‫قد يعتبرون ذلك ش������كال غير صحي لإلنكار أو التنصل‪ .‬لقد‬ ‫وجد >بونا ُّنو< أن املواجهة الس������يئة للمشكالت لم تساعد فقط‬ ‫املفجوعني بفقد شخص عزيز(‪ ،)6‬وإمنا أيضا ساعدت املدنيني‬ ‫البوسنيني في ساراييڤو عقب الصراع في البلقان‪ ،‬وكذلك من‬ ‫ش������هدوا هجوم ‪ 9/11‬على برجي املرك������ز العاملي للتجارة‪ .‬لقد‬ ‫‪20‬‬

‫كان هؤالء الناس مماثلني لـ >‪ .F‬جونس������ون<‪ ،‬الذي واجه على‬ ‫طريقته عواقب إعصار كاترينا‪.‬‬ ‫لقد كانت استجابة >جونسون<‪ ،‬البالغ من العمر ‪ 57‬عاما‬ ‫والذي عاش طوال حياته في نيوأورليانز‪ ،‬آلثار إعصار كاترينا‬ ‫هي أن يش������ارك في مساعدة فرق اإلنقاذ بعد انتهاء اإلعصار‬ ‫في منطقة س������وبردوم‪ .‬لقد كان منظ������ر اخلطوط املتعرجة من‬ ‫البش������ر‪ ،‬املمتدة من األستاد الرياضي إلى مواقف السيارات‬ ‫العام������ة املغادرة للمدينة‪ ،‬منظرا مزعجا‪ .‬وبلغ من ذهول بعض‬ ‫اآلباء‪ ،‬وهم يخرجون ببطء من األس������تاد‪ ،‬أنهم كانوا يحاولون‬ ‫تس������ليم أطفالهم الصغار إلى املنقذين‪ ،‬في حني مترغ آخرون‬ ‫بالطني‪ .‬لقد ارتاع >جونس������ون< وهو يشاهد املنظر ألول مرة‪،‬‬ ‫وسرعان ما فقد السيطرة على نفسه؛ وانحرف بعيدا عن باب‬ ‫دخول املبنى الضخم‪ ،‬وانفجر في البكاء‪ .‬لقد كان األمر أكبر‬ ‫بكثير من أن يس������تطيع حتمله‪ .‬ولكن������ه بعد دقائق قليلة توقف‪،‬‬ ‫ووجد أن ما كان يس������ميه «حاكمه(‪ »)7‬ه������ا هو ذا يظهر أمامه‬ ‫فجأة‪ .‬ويقول >جونس������ون< موضحا‪« :‬حينما تقهرني امللمات‬ ‫وأجد نفس������ي منس������حقا أمامها‪ ،‬أفكر أن ليس أمامي غير أن‬ ‫أعم������ل ما يلي‪ :‬أبكي أمامها‪ ،‬ثم أجفف دموعي‪ ،‬وبعدها أعود‬ ‫من جديد إلى س������ابق أش������غالي؛ لكنني لن أظل أبكي وأبكي‬ ‫وأبك������ي‪ ،‬إنني أظن أن هذا هو «حاكمي»‪ .‬وبهذه الطريقة ُأبقي‬ ‫على صحتي النفسية»‪.‬‬ ‫لق������د حاز عمل >بونانُّ������و< هتاف االستحس������ان‪ ،‬لكن بعض‬ ‫العلماء ال يزالون غير مقتنعني بأن القدرة على استعادة التوازن‬ ‫واحليوية هي أمر فطري على نحو ما توحي به الدراس������ات التي‬ ‫قام بها‪ .‬فمن رأي بعض زمالئه أنه يقدم تعريفا واس������عا بأكثر‬ ‫مم������ا ينبغي لذلك املصطل������ح‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬ف������إن >بونانُّو<‬ ‫يعت������رف بأن وق������وع محن للمرء وهو ال يزال ف������ي طفولته ميكن‬ ‫أن ي������ؤدي إلى عواقب تدوم أمدا طوي���ل��ا أكثر من كونها مجرد‬ ‫مش������اعر عارضة أو س������ريعة الزوال‪ ،‬على نحو تلك التي تظهر‬ ‫عقب حدوث وفاة في العائلة أو كارثة طبيعية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه ال‬ ‫يزال يرى أن ردود أفعال معظم البالغني‪ ،‬إن أمام فقدهم لعملهم‬ ‫مثال أو أمام ضربات املوج الع������ارم الذي يعقب الزلزال‪ ،‬تُظهر‬ ‫أن املقدرة على استعادة القدرة على التوازن واحليوية من جديد‬ ‫تبقى هي األمر االعتيادي في خالل حياة الشخص البالغ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪prospective studies‬‬ ‫‪recall bias‬‬ ‫‪coping ugly‬‬ ‫‪narcissism‬‬ ‫‪rumination‬‬ ‫‪bereaved‬‬ ‫‪governor‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫أو اضطالع سيئ‪.‬‬ ‫أو االفتنان بالنفس‪.‬‬


‫كن ما تستطيع أن تكون‬

‫( )‬

‫إذا كانت القدرة على استعادة التوازن واحليوية هي اإلمكان‬ ‫القائم لنا جميعا من الناحية العملية‪ ،‬لكن ماذا عن هؤالء العشرة‬ ‫في املئة أو نحو ذلك‪ ،‬الذين سيفشلون في النهوض من كبوتهم‪،‬‬ ‫وبدال من ذلك فإنهم ينغ������رزون في حمأة القلق والكآبة؟ هل من‬ ‫املمكن أن ُي َدربوا على التح ُّمل أمام األزمات على نحو أفضل؟ إن‬ ‫االختصاصيني في هذه القضية لم يتوصلوا بعد إلى قرار حولها‪،‬‬ ‫ولكن األدلة املعروضة تدعو إلى احليطة واحلذر‪ .‬فغالبا ما حدث‬ ‫أن قام االختصاصيون النفس������يون واملساعدون االجتماعيون‪،‬‬ ‫الذين يزورون موقع وقوع كارثة معينة‪ ،‬باس������تخدام آلية تسمى‬ ‫االستجواب النقدي لضحايا األحداث املثيرة لإلجهاد النفسي‬ ‫احلاد‪ .‬و ُيطلب في هذا االس������تجواب إلى أفراد أو إلى مجموعة‬ ‫أن يتحدث������وا عن جتربتهم‪ ،‬وذلك حتى يحرروا أنفس������هم‪ ،‬على‬ ‫طريقة التخلص من س������يئ املشاعر‪ ،‬من أعراض الصدمة التي‬ ‫تكون قد بدأت بالظهور‪ .‬وهكذا‪ ،‬فقد تعرض لعملية االستجواب‬ ‫هذه‪ ،‬ضحايا حادثة إطالق النار في مدرسة كولومباين الثانوية‪،‬‬ ‫وكذلك ضحايا تفجير القنابل في أوكالهوما سيتي‪.‬‬ ‫إال أن دراس������ات عديدة‪ ،‬أجريت خالل أكثر من ‪ 15‬عاما‪،‬‬ ‫أظهرت أن هذه اآللية ليس������ت ذات فعالية‪ ،‬وأنها قد تؤدي إلى‬ ‫إحداث أضرار‪ .‬فيحدث أحيانا أن يكون أحد املش������اركني في‬ ‫جلس������ات املجموعة في حالة إنهاك تام‪ ،‬فيصيب اآلخرين في‬ ‫املجموعة بعدوى الذعر الش������ديد‪ ،‬وهو م������ا يجعل األمر يتجه‬ ‫إلى األس������وأ عند غالبية املشاركني‪ .‬وبعد كارثة تسونامي في‬ ‫احمليط الهندي ف������ي عام ‪ ،2004‬حذرت منظمة الصحة العاملية‬ ‫من آلية االس������تجواب هذه‪ ،‬ألنها رمبا تؤدي إلى ازدياد شعور‬ ‫بعض الضحايا باالضطراب‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن االستجوابات تثير‬ ‫عالمات اس������تفهام حول محاوالت أحدث زمنيا تستهدف بث‬ ‫القدرة على اس������تعادة التوازن واحليوية باالعتماد على حشد‬ ‫أدوات من مجمع أسلحة علم النفس اإليجابي(‪.)1‬‬ ‫لقد ظهرت حركة علم النفس اإليجابي إلى العلن رس������ميا‬ ‫في إعالن طرحه في عام ‪ .M .F .P> ،1998‬س������لگمان< [األستاذ‬ ‫في جامعة پنس������لڤانيا] حني دافع عن الرأي القائل إن املرض‬ ‫العقلي(‪ )2‬ينبغي أ ّال يكون موضع االهتمام الوحيد لتخصصه‪،‬‬ ‫وذلك في االجتماع السنوي للجمعية السيكولوجية األمريكية‬ ‫لذلك الع������ام‪ .‬وقد انتهى >س������لگمان< إلى فك������رة علم النفس‬ ‫اإليجابي بعد اكتشافه أن الكالب تدخل في حالة من اخلضوع‬ ‫املذل‪ ،‬وهو ما س������ماه «الش������عور بالعجز املكتسب»‪ ،‬وذلك إثر‬ ‫تعرضها لصدمات كهربائية‪ ،‬حيث اس������توحى >سلگمان< من‬ ‫نتائج ذلك البحث أنه ميكن استكشاف إمكان أن يقوم التدخل‬ ‫‪21‬‬

‫اجلراحي بإحداث أثر مضاد ملا ظهر عند الكالب‪ :‬التش������جيع‬ ‫على التفاؤل‪ ،‬واإلحس������اس بالصحة والسعادة‪ ،‬ولم ال أيضا‪،‬‬ ‫القدرة على استعادة املرونة واحليوية لدى املرضى‪.‬‬ ‫وقد كان لـ >سلگمان< دور مهم في عملية إطالق «برنامج‬ ‫«پ���ن» للق���درة عل���ى اس���تعادة الت���وازن واحليوي���ة»‬

‫‪Penn‬‬

‫‪ ،Resiliency Program‬قبل عقدين من الزمن‪ ،‬وهو برنامج أثبت‬ ‫جدارته‪ ،‬وبخاصة بني فئة الصبيان ممن هم في عمر املدرسة‪.‬‬ ‫وانطالقا من نظريات االكتئاب‪ ،‬فإن التدريب يتضمن استخدام‬ ‫أس������اليب من قبيل إعادة التش������كيل العقلي‪ ،‬التي يس������تعملها‬ ‫علماء علم النفس اإلدراكي والسلوكي من أجل دفع املعالجَ ني‬ ‫نح������و إعادة النظر في أفكارهم في ض������وء أكثر إيجابية‪ .‬وقد‬ ‫أظهر تقييم للبرنامج ‪ -‬من خالل‪ ،‬على األقل‪ ،‬إحدى وعشرين‬ ‫دراسة ُم ْح َكمة ُأجريت على ‪ 2400‬طفل تتراوح أعمارهم ما بني‬ ‫الثامنة واخلامسة عشرة ‪ -‬جناحه في منع االكتئاب والقلق‪.‬‬ ‫وفي الوقت احلالي‪ ،‬يقوم اجليش األمريكي بتطبيق أساليب‬ ‫شبيهة بذلك على أكثر من مليون جندي وعائالتهم‪ ،‬وهو املشروع‬ ‫الذي يقول عنه إنه أش������به أن يكون‪« :‬أكبر تدخل س������يكولوجي‬ ‫قصدي» جرت محاولته على اإلطالق‪ .‬وهذا املش������روع ‪ -‬الذي‬ ‫تبل������غ ميزانيته ‪ 125‬مليون������ا من الدوالرات عل������ى مدى خمس‬ ‫س������نوات ‪ -‬قد دف������ع ‪ 800 000‬جندي إلى العم������ل عبر اإلنترنت‬ ‫مع «أداة التقومي الشامل»‪ ،‬وهي اختبار سيكولوجي يقيس بني‬ ‫عوامل أخرى‪ ،‬حسن احلال روحيا وعاطفيا‪ ،‬كما أنهم يلتحقون‬ ‫بدورات تدريبية لرفع مستوى «اللياقة» في نواح متنوعة من القدرة‬ ‫الوجدانية على اس������تعادة التوازن واحليوية‪ .‬ويأتي شهريا إلى‬ ‫جامعة بنس������لڤانيا مئة وخمسون جنديا ليتعلموا كيف ُي َد ِّرسون‬ ‫الق���درة على اس���تعادة الت���وازن واحليوي���ة(‪ )3‬إلى غيرهم من‬ ‫أفراد اجليش‪ .‬ويتنبأ >سلگمان< بأن البيانات املتجمعة من هذه‬ ‫البرامج س������وف تتحول‪ ،‬في نهاية املطاف‪ ،‬إل������ى قاعدة بيانات‬ ‫هائلة لإلحصاءات املتصلة بعلم النفس وبالصحة‪ ،‬وسوف ينهل‬ ‫الباحث������ون املدنيون منها من أجل إج������راء أبحاثهم حول القدرة‬ ‫على استعادة التوازن واحليوية‪ .‬ويقول >سلگمان<‪« :‬بهذا يصل‬ ‫العلم إلى مستوى لم يبلغه علم النفس قط من قبل»‪.‬‬ ‫لقد انطلق البرنام������ج انطالقة مندفعة‪ ،‬ذلك أن رئيس هيئة‬ ‫أركان اجليش األمريكي >‪ .W‬كوس������ي< كان متلهفا إلى تقدمي‬ ‫العون للجنود العاديني من ضباط الصف واجلنود الذين وقع‬ ‫عليهم تنفيذ إعادة االنتشار عدة مرات في عدد من املواقع‪.‬‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪BE ALL THAT YOU CAN BE‬‬ ‫‪the armamentarium of positive psychology‬‬ ‫‪mental illness‬‬ ‫‪resiliency‬‬

‫التتمة في‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫الصفحة ‪49‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫الفوضى املُ َّ‬ ‫نظمة للبروتينات‬

‫( )‬

‫لكي تقوم البروتينات بسحرها داخل اخلاليا‪ ،‬يجب عليها أن‬ ‫تنطوي أوال لتأخذ أشكاال صلبة‪ ،‬أو هكذا تقول احلكمة التقليدية‪.‬‬ ‫إلاّ أن هناك قصة أكثر تعقيدا قد بدأت لتوها بالظهور‪.‬‬ ‫>‪ .K .A‬دانكر> ‪-‬‬ ‫البروتين���ات هي املادة اخلام للحياة‪ ،‬فهي عيون وأذرع‬ ‫وأرجل اخلاليا احلي������ة‪ .‬فحتى الدن���ا ‪( DNA‬أكثر اجلزيئات‬ ‫أيقونية ‪ iconic‬ما بني كافة اجلزيئات) إمنا تنبع أهميته أوال‪،‬‬ ‫وقبل كل ش������يء‪ ،‬من احتوائه على اجلين������ات التي حتدد بنية‬ ‫البروتين������ات‪ .‬وإلى حد بعيد‪ ،‬يعود اختالف خاليا أجس������ادنا‬ ‫بعضه������ا عن بع������ض ‪ -‬وهي تعمل كعصبون������ات أو خاليا دم‬ ‫بيضاء أو خاليا حس������ية ش������مية وغير ذلك ‪ -‬إلى كونها ُت َف ِّعل‬ ‫مجموع������ات مختلفة من اجلينات منتج������ة بذلك خالئط مختلفة‬ ‫من البروتينات‪.‬‬ ‫وانطالقا من أهمية هذه اجلزيئات‪ ،‬فإن أول ما يتبادر إلى‬ ‫الذهن ه������و أن البيولوجيني قد ك ّونوا ومنذ أمد بعيد‪ ،‬صورة‬ ‫أساس������ية لش������كل هذه البروتينات ولطريقة عملها‪ .‬ومع ذلك‬ ‫ولعقود كثي������رة‪ ،‬تبنى العلماء صورة كانت غير مكتملة‪ .‬إنهم‬ ‫وإن كان������وا يعلمون متاما بأن البروتينات تتألف من أحماض‬ ‫أمينية يتصل بعضها ببعض مثل حبات اخلرز املنضدة على‬ ‫خي������ط‪ ،‬إال أنهم كانوا على ثقة بأنه على سلس������لة األحماض‬ ‫األمينية املشكلة للبروتني أن تنطوي أوال على شكل صلب ذي‬ ‫بنية محددة بدقة‪ ،‬كي يكون قادرا على القيام بوظيفته‪ .‬إال أنه‬ ‫ق������د أصبح من الواضح اآلن أن ثمة مجموعة من البروتينات‬ ‫التي تق������وم بوظائفها احليوية دون أن تنطوي بش������كل كامل‬ ‫أبدا‪ ،‬في ح���ي��ن أن بعضها اآلخر ينطوي بقدر احلاجة فقط‪.‬‬

‫>‪ .R‬كريواكي>‬

‫وف������ي الواقع‪ ،‬إن ثلث عدد البروتينات البش������رية غير منتظم‬ ‫فعلي���ا(‪ )1‬إذ يحوي على األق������ل بعض األجزاء غير املنطوية‬ ‫أو غير املنتظمة(‪.)2‬‬

‫ع������رف علماء البيولوجيا‪ ،‬بال ش������ك‪ ،‬وألمد غير قصير بأن‬ ‫اإلنزمي������ات مث������ل البوليميريزات التي تقوم باستنس������اخ الدنا‬ ‫(‪)3‬‬ ‫إلنت������اج الرنا ‪ RNA‬هي ف������ي احلقيقة آالت نانوي���ة معقدة‬ ‫تتأل������ف من عدد من األجزاء املتحركة واملرتبطة معا بواس������طة‬ ‫مفصالت مم������ا يس������مح لألج������زاء املختلفة م������ن البروتينات‬ ‫بااللتف������اف بعضها حول بع������ض‪ .‬إال أن تلك البروتينات كانت‬ ‫تصور على أنه������ا مجاميع من األجزاء غير املرنة مبا يش������به‬ ‫أجزاء الكرس������ي القابل لالنطواء‪ .‬أم������ا البروتينات املضطربة‬ ‫جوهريا فيمكن تشبيهها بالسباغيتي(‪ )4‬املطبوخة جزئيا والتي‬ ‫تتقلب باستمرار داخل وعاء املاء املغلي‪.‬‬ ‫وقبل خمس������ة عشر عاما كان مثل هذا التأكيد ُينظر إليه‬ ‫كهرطق������ة‪ .‬واليوم يدرك العلماء أن هذه اخلصائص من عدم‬ ‫االنتظام واملرونة رمبا تكون قد أس������همت في نشوء احلياة‬ ‫عل������ى األرض‪ ،‬وأن تل������ك املرونة ما زالت تس������هم في القيام‬ ‫( ) ‪ THE ORDERLY CHAOS OF PROTEINS‬أو الشواش املُ َّ‬ ‫نظم للبروتينات‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪ )4‬معكرونة‬ ‫(‪folding )5‬‬

‫‪intrinsically disordered‬‬ ‫‪disordered‬‬ ‫‪ complicated nanomachines‬أو‬

‫طويلة ورفيعة األعواد‪.‬‬

‫آالت نانوية معقدة‪.‬‬

‫باختصار‬ ‫وفقا للحكمة التقليدي������ة فإنه يتعني على‬ ‫البروتين������ات أن تنط������وي متخ������ذة أش���كاال‬ ‫صلب���ة ‪ rigid shapes‬بغية أن تقوم بوظائفها‬ ‫كاالرتباط بجزيئات مستهدفة بعينها‪ ،‬ولكن‬ ‫األبحاث احلديثة تشير إلى أن ثلث األمناط‬ ‫‪22‬‬

‫البروتيني������ة املوجودة في البش������ر يكون غير‬ ‫منظم كليا أو جزئيا‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ومع أن عدم انطواء البروتني كان يعتبر‬ ‫ومنذ زمن بعيد حال������ة مرضية‪ ،‬إال أنه ال يعيق‬ ‫بالض������رورة األداء الوظيف������ي‪ ،‬ولكنه في الواقع‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫غالبا ما يكون وصفا أساسيا لعمل البروتني‪.‬‬ ‫ورمب������ا تك������ون البروتينات غي������ر املنظمة قد‬ ‫أدت دورا مهم������ا أثناء التطور وأن فهما أفضل‬ ‫حلقيقة طبيعتها ق������د يقودنا أيضا إلى تصميم‬ ‫أدوية مبتكرة‪.‬‬


‫‪A. Keith Dunker‬‬

‫املؤلفان‬

‫هو عالم فيزياء بيولوجية في كلية الطب بجامعة إنديانا‬ ‫حيث يدير مركز البيولوجيا احلاسوبية واملعلومات‬ ‫البيولوجية(‪ .)1‬لقد درس الڤيروسات ملدة ‪ 30‬عاما‬ ‫قبل أن ينهمك بدراسة البروتينات املضطربة ذاتيا‬ ‫في عام ‪.1995‬‬

‫‪Richard W. Kriwacki‬‬

‫هو عالم بيولوجيا بنيوية ‪ structural biologist‬في‬ ‫مستشفى سانت جود البحثي لألطفال في ممفيس‪ .‬وفي‬ ‫عام ‪ ،1996‬عندما كان يعمل في معهد سكريپس لألبحاث‬ ‫في الهوال بكاليفورنيا‪ ،‬اكتشف مع آخرين أحد النماذج‬ ‫األولى لبروتني مرن الهيئة حقا‪.‬‬

‫االنطواء حس����ب احلاجة فقط‪ ,‬ميكن للبروتني ‪ p27‬املــرن‬ ‫(األخضر) أن يلتف حول العديد من الشركاء املختلفني‪ ،‬وهذا‬ ‫شيء ال تستطيعه بروتينات ذات بنية فريدة ثالثية األبعاد‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪23‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫‪the Center for Computational Biology and Bioinformatics‬‬


‫نظرة أكثر شمولية للبروتينات‬

‫الترتيب مقابل االضطراب‬

‫( )‬

‫تق���وم اآللي���ات اجلزيئي���ة في اخللية بنس���خ املعلوم���ات املكودة‬ ‫ضمن تسلس�ل�ات الدن���ا– اجلين���ات – إلى رن���ا وتترجم الرنا‬ ‫لتعط���ي سالس���ل طويلة م���ن األحماض األمينية التي تش���كل‬ ‫البروتينات‪ .‬وتنص كتب البيولوجيا أنه يجب على البروتني‬ ‫حين���ذاك أن ينط���وي ليعطي ش���كال فريدا (الص���ف العلوي)‬ ‫رنا‬

‫دنا‬

‫وذلك كي يقوم بوظيفته بش���كل صحيح‪ ،‬فمثال‪ ،‬أن يرتبط بجزيء‬ ‫مح���دد كمالءمة املفت���اح للقفل‪ ،‬إال أن العديد م���ن البروتينات مع‬ ‫ذلك تبقى غير منطوية جزئيا على األقل‪ ،‬وهذه املرونة متكنها من‬ ‫االرتباط بجزيئات متنوعة (الصف الس���فلي) أو من القيام مبهام‬ ‫أخرى (انظر املؤطر في الصفحة ‪.)26‬‬

‫نظرة تقليدية لعمل البروتني‬ ‫ينطوي البروتني‬ ‫مباشرة‬

‫ارتباط قفل‬ ‫ومفتاح‬

‫يبقى البروتني منطويا‬ ‫عند االنفصال‬

‫بروتني ناشئ‬ ‫ريبوسوم‬ ‫رنا‬ ‫طريقة حديثة االكتشاف‬ ‫يبقى البروتني‬ ‫متمددا‬

‫ميكن للبروتني أن‬ ‫يرتبط بأهداف متنوعة‬

‫بأدوار أساسية في اخللية‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أثناء االنقسام‬ ‫اخللوي والتفعيل اجليني‪ .‬وه������ذا الفهم اجلديد يعرض ما‬ ‫هو أكثر م������ن مجرد إدراك جديد مذهل في فهم البيولوجيا‬ ‫األساس������ية للخلية‪ .‬ومن املدهش بالقدر نفسه‪ ،‬أنه يدل على‬ ‫سبل جديدة ملعاجلة األمراض مبا فيها السرطان‪.‬‬ ‫تطابقات تامة‬

‫( )‬

‫ف������ي عام ‪ 1894‬ظه������رت الفكرة العامة ب������أن البنية الصلبة‬ ‫الثالثية األبعاد للبروتني هي ما حتدد وظيفته‪ .‬اقترح <‪ .E‬فيشر>‬ ‫(‪)1‬‬ ‫[وهو كيميائي من جامع������ة برلني] بأن اإلنزميات (محفزات‬ ‫التفاعالت احليوية) تتفاعل م������ع اجلزيئات األخرى باالرتباط‬ ‫بأش������كال محددة على س������طحها اخلارجي؛ في حني تتجاهل‬ ‫اإلنزميات كلية اجلزيئات التي تختلف مبظاهرها الس������طحية‬ ‫ول������و اختالفا ضئيال‪ .‬وبعبارة أخ������رى‪ ،‬يجب على اإلنزمي أن‬ ‫يتطابق متاما مع قرينه مبا يشبه القفل واملفتاح‪.‬‬ ‫ل������م تكن طبيع������ة البروتين������ات معروفة متام������ا حني صاغ‬ ‫<فيش������ر> منوذجه‪ .‬وعلى امتداد الس������تني عاما التالية توصل‬ ‫البيولوجيون إلى معرفة أن البروتينات هي عبارة عن سالسل‬ ‫من األحماض األمينية‪ ،‬واس������تنتجوا بأن على هذه السالسل‬ ‫‪24‬‬

‫ينطوي البروتني ويرتبط (آخذا أشكاال‬ ‫مختلفة بحسب بنية الهدف)‬

‫تقوم البروتينات‬ ‫بالتمدد عند االنفصال‬

‫أن تنطوي بشكل محدد ودقيق كي تعمل بشكل صحيح‪ .‬وفي‬ ‫عام ‪ 1931‬ق ّدم عال������م الكيمياء احليوية الصيني <‪ .H‬وو> دعما‬ ‫قوي������ا لوجهة النظر تلك‪ ،‬مبينا أن تغي���ر طبيعة(‪ )2‬البروتني أو‬ ‫فقدان البني������ة الثالثية األبعاد الطبيعية‪ ،‬ق������د أدى إلى فقدانه‬ ‫لكامل وظيفته‪ .‬ومنذ ذلك احلني‪ ،‬وبدءا بالبنية الثالثية األبعاد‬ ‫للميوگلوب�ي�ن ‪ myoglobin‬في احليوان������ات املنوية حلوت‪ ،‬قام‬ ‫الباحثون في عام ‪ 1958‬بتحديد بنية أكثر من ‪ 50 000‬نوع من‬ ‫البروتني‪ ،‬وكان ذلك ع������ادة ما يتم بتحويلها برفق إلى ب ّلورات‬ ‫ومن ثم بعكس أشعة ‪ X‬من على هذه البلورات‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن األمور ل������م تكن ثابتة في عالم البروتني ذي‬ ‫نظ������ام القفل واملفت������اح املنظم هذا‪ .‬فحتى بداي������ات عام ‪1900‬‬ ‫كان العلم������اء يعلمون بوجود العديد من األضداد (األجس���ام‬ ‫املض���ادة) ‪ antibodies‬الت������ي ميكنه������ا االرتب������اط بع������دد م������ن‬ ‫املس���تضدات ‪ antigens‬أو األهداف املختلفة‪ ،‬وهي مالحظة لم‬ ‫تكن لتنسجم متاما مع منوذج القفل واملفتاح‪ .‬ففي األربعينات‬ ‫من القرن العش������رين‪ ،‬خمن الكيميائي العظيم <‪ .L‬بولينگ> أنه‬ ‫( ) ‪Order vs. Disorder‬‬ ‫( ) ‪PERFECT MATCHES‬‬ ‫(‪catalysts )1‬‬

‫(‪ denaturation )2‬أو متسخ‪ :‬فقدان الشيء طبيعته اخلاصة‪.‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫ميكن لبعض األجس������ام املضادة أن تنط������وي لواحد من عدة‬ ‫أشكال‪ ،‬بحيث يتشكل تركيب كل انطواء بناء على التالؤم بني‬ ‫اجلسم املضاد واملستضد‪.‬‬ ‫منذ أربعينات القرن العش������رين تقريبا وحتى اآلن أشارت‬ ‫دالئ������ل أخرى إل������ى أن البروتينات كافة ال تلت������زم بتلك النظرة‬ ‫الدوغماتي������ة التي مفادها أن الوظيفة تنب������ع من البنية الصلبة‬ ‫الثالثية األبع������اد‪ .‬ولكن تلك التي لم تكن تتوافق مع ذلك عادة‬ ‫م������ا كانت تعتبر عل������ى أنها حاالت فردية واس������تثناءات غريبة‬ ‫للقاعدة العامة‪ .‬لقد كان أحدن������ا (>دانكر<) من بني الباحثني‬ ‫األوائل الذي������ن جمعوا مثل تلك النم������اذج الفردية‪ ،‬وقد أبدى‬ ‫مالحظت������ه على أن النظرة الدوگماتية ذاتها رمبا كانت بحاجة‬ ‫إل������ى تنقيح‪ .‬وفي عام ‪ 1953‬على س������بيل املثال‪ ،‬الحظ العلماء‬ ‫أن الكازي���ن (بروتني احللي������ب) ‪ ،casein‬كان غير ّ‬ ‫منظم البنية‬ ‫إل������ى حد بعي������د‪ ،‬وأن مرونته تلك كانت تس������هل عملية الهضم‬ ‫لدى رضع الثدييات‪ .‬وفي أوائل س������بعينات القرن العشرين‪،‬‬ ‫وج������د أن البروتني‪ ،‬الذي يدعى فيبرينوجني ‪ ،fibrinogen‬كان‬ ‫يحوي منطقة كبيرة نس������بيا لم تكن له������ا بنية ثابتة‪ ،‬ووجد أن‬ ‫هذه املنطقة إضافة إلى مناطقَ أخرى أصغر منها اكتش������فت‬ ‫الحقا‪ ،‬تؤدي دورا أساسيا في عملية تخثر الدم‪ .‬وفي أواخر‬ ‫الس������بعينات من القرن العشرين َق ّدم البروتني املشكل للغالف‬ ‫اخلارج������ي لڤيروس التب���غ املوزاييك���ي ‪the tobacco mosaic‬‬ ‫‪ virus‬مثاال مدهشا آخر‪ .‬فحني يكون الغالف اخلارجي فارغا‬ ‫يك������ون لدى البروتني أجزاء كبيرة غي������ر منظمة وتتدلى بحرية‬ ‫داخل فراغ احملفظة‪ .‬وتلك احلرية تساعد على تعبئة جزيئــات‬ ‫الرن���ا ‪ - RNA‬املصنعة حديثا خ���ل��ال تكاثر الڤيروس ضمن‬ ‫اخللية املصابة ‪ -‬داخل احملفظة‪ .‬ولكن مع دخول الرنا يرتبط‬ ‫البروتني به متخذا أشكاال صلبة‪.‬‬ ‫وأثناء ذلك افترض أولئك‪ ،‬الذين فش������لت جتاربهم في حث‬ ‫بروتينات معين������ة على االنطواء في أنابي������ب اختبارهم‪ ،‬بأنهم‬ ‫كانوا يقعون في خطأ ما‪ :‬فبالتأكيد ميكن لسالسل األحماض‬ ‫األمينية تلك أن جتد شكال منطويا «صحيحا» في بيئة اخللية‪.‬‬ ‫فمث���ل��ا‪ ،‬عندما كان الباحثون يقوم������ون بوضع محاليل حتوي‬ ‫بروتينات معزولة في أنابيب معينة ومن ثم تصويرها مبطياف‬ ‫الرن�ي�ن املغنطيس���ي الن���ووي (‪ - )1()NMR‬األداة املوثوق������ة‬ ‫في دراس������ات البروتينات ‪ -‬فإنهم كان������وا في بعض األحيان‬ ‫يحصلون على نتائج غير واضحة‪ ،‬والتي فس������روها على أنها‬ ‫ُّ‬ ‫تدل على أن البروتينات قد فشلت في االنطواء‪.‬‬ ‫إال أن هذه النتائج كانت تروي قصة أكثر ثراء‪ .‬فالتصوير‬ ‫بالرنني املغنطيسي النووي يستخدم نبضات قوية من الترددات‬ ‫الراديوية لتحفيز تزامن دوران نوى ذرات معينة كالهدروجني‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫والتغيرات الطفيفة في التردد نتيجة الس������تجابة النوى ترتبط‬ ‫ارتباطا وثيق������ا مبوضع تلك الذرات ضمن األحماض األمينية‬ ‫وكذلك مبوضع األحماض األمينية نس������بة إلى بعضها بعضا‪.‬‬ ‫وهكذا ميكن للباحث‪ ،‬وانطالقا من هذه التغيرات في التردد‪،‬‬ ‫أن يرسم في معظم األحيان صورة كاملة ل ُبنية بروتني صلب‪.‬‬ ‫ولك������ن في حال كون األحم������اض األمينية تتحرك كثيرا – كما‬ ‫ه������ي احلال في البروتينات غي������ر املنطوية – فإن التغيرات في‬ ‫التردد تولد صورة مهزوزة‪.‬‬ ‫وف������ي عام ‪ ،1996‬كان أحدن������ا (>كريواكي<) [وكان آنذاك‬ ‫يعمل في معهد سكريپس لألبحاث(‪ ])2‬يطبق التصوير بالرنني‬ ‫‪ NMR‬عل������ى بروت���ي��ن يدعى ‪ - p21‬له صلة بتنظيم االنقس������ام‬ ‫اخللوي ‪ -‬عندما الحظ أمرا مذه���ل��ا‪ .‬فطبقا لنتائج التصوير‬ ‫بالرنني ‪ NMR‬فإن البروتني ‪ p21‬كان مضطربا بش������كل كامل‬ ‫تقريبا‪ .‬وكانت األحم������اض األمينية ُت َدور بحرية حول الروابط‬ ‫الكيميائي������ة التي جتمعها معا‪ ،‬بحيث إنه������ا ال تبقى أبدا على‬ ‫ش������كل واحد ألكثر من جزء من الثانية‪ .‬ومع ذلك – وهذا هو‬ ‫اجل������زء املذهل– فق������د كان البروتني ‪ p21‬ال ي������زال قادرا على‬ ‫القي������ام بوظيفته التنظيمية األساس������ية‪ .‬وكان ذلك هو البرهان‬ ‫املقن������ع األول الذي َبينّ َ أن عدم وج������ود بنية ال يجعل البروتني‬ ‫عدمي الفائدة‪.‬‬ ‫ويبقى التصوير بالرنني ‪ NMR‬التقانة الرئيسة التي حتدد‬ ‫فيما إذا كان البروتني منطويا أو مضطربا‪ ،‬ومع غيرها من‬ ‫التقانات األخرى فقد ثبت أن الكثير من البروتينات مضطربة‬ ‫ذاتيا‪ .‬فهذه اجلزيئات تقوم باس������تمرار بتغيير هيئتها حتت‬ ‫تأثي������ر احلرك���ة البرواني���ة ‪ Brownian motion‬وتوتراته������ا‬ ‫احلرارية الذاتية‪ ،‬وهي مع ذلك تبقى فعالة متاما‪.‬‬ ‫إسباغيتي البروتني‬

‫( )‬

‫لعل البروتني ‪ p27‬هو النموذج األفضل املمثل لهذه النظرة‬ ‫األكثر ش������مولية (الس������يما وأنه يوجد في معظم الفقاريات)‪.‬‬ ‫فكم������ا هو احلال ف������ي البروتني ‪ ،p21‬ف������إن البروتني ‪ p27‬هو‬ ‫واحد من البروتينات املهمة في تنظيم وضبط عملية االنقسام‬ ‫اخللوي بحيث ال تس������تمر اخلاليا باالنقسام من دون حتكم‪،‬‬ ‫وتب���ي��ن نتائج التصوير بالرنني ‪ NMR‬أن البروتني ‪ p27‬يتمتع‬ ‫مبرونة عالية ويتضمن أجزاء س������ريعة التبدل تتطوى وتنفرد‬ ‫آخذة أش������كاال قصيرة األجل‪ ،‬تكون لولبية تارة ومنبس������طة‬ ‫كورقة تارة أخرى‪ ،‬إن معظم اخلاليا الس������رطانية البش������رية‬ ‫حتتوي على كمية أقل من البروتني ‪ ،p27‬وكلما ازداد النقص‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪the Scripps Research Institute )2‬‬ ‫‪PROTEIN SPAGHETTI‬‬

‫‪a nuclear magnetic resonance (NMR) spectrometer‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫فوضى ملحوظة‬ ‫حمولة‬

‫ناقل أحادي اخلط‬

‫ثمة آلية جزيئية مؤلفة من نسختني من البروتني كينيزين‬

‫كينيزين‬

‫ناحية غير‬ ‫منظمة البنية‬ ‫اجلزيء‬ ‫‪ATP‬‬

‫العمال املرنون للخلية احلية‬

‫( )‬

‫‪Kinesin‬‬

‫تقوم بالتنقل (املشي) على طول األنابيب امليكروية‬ ‫حيث تسحب معها حويصالت ‪ vesicle‬أو أي حمولة أخرى من‬ ‫منطقة إلى منطقة أخرى في اخللية‪ .‬يقوم اجلزيء املطلق للطاقة‬ ‫(‪ )ATP‬بتوفير الطاقة لكل خطوة‪ ،‬حيث يتفاعل اجلزيء ‪ ATP‬مع‬ ‫«القدم» األمامية من البروتني ويجبر «اجلزء الرابط» من البروتني‬ ‫وغير املبنى على االنطواء فوق تلك القدم‪ ،‬ويقوم اجلزء الرابط في‬ ‫الوقت ذاته بسحب القدم اخللفية مجبرا إياها على الدوران إلى‬ ‫األمام حيث ترتبط باألنبوب امليكروي‪.‬‬ ‫‪microtubules‬‬

‫إن البروتين���ات لدى قيامه���ا بعملها كإنزميات أو مكونات‬ ‫بنيوي���ة أو آالت جزيئي���ة‪ ،‬إل���ى آخ���ره‪ ،‬فإنه���ا تق���ود فعليا‬ ‫جمي���ع األعم���ال التي تؤديه���ا اخللية‪ .‬نب�ي�ن هنا من خالل‬ ‫نظ���رة داخ���ل خلية بش���رية ثالث���ة أمثلة مهم���ة لبروتينات‬ ‫حي���ث يكون عدم وجود بنية صلبة محددة بش���كل مس���بق‬ ‫أمرا حاسما لوظائف البروتني‪.‬‬

‫أنابيب ميكروية‬

‫حارس مضاد للسرطان‬

‫مسامي‬ ‫مركب ّ‬ ‫النواة‬

‫عندما تعطب خلية ما بسبب اإلشعاع أو مسببات أخرى‪،‬‬ ‫يبدأ البروتني ‪ p53‬عمله‪ ،‬فتتجمع أربع نسخ من البروتني‬ ‫‪ p53‬وتقوم باالرتباط بالدنا مبواضع محددة لتحفز البدء‬ ‫بإنتاج إنزميات إصالح الدنا ‪ .DNA repair enzymes‬إن‬ ‫األجزاء غير املنظمة البنية من البروتني ‪ p53‬متكن املركب‬ ‫البروتيني من االلتفاف حول احللزون املزدوج‪ .‬وإضافة‬ ‫إلى الدنا فإن البروتني ميكنه أن يتفاعل مع الرنا وأكثر‬ ‫من ‪ 100‬منط مختلف من البروتني‪.‬‬

‫البروتني‬ ‫بروتينات غير منطوية‬

‫حارس بيت النواة‬

‫‪p53‬‬

‫الدنا‬

‫ناحية غير منظمة‬ ‫البنية للبروتني ‪p53‬‬

‫يتألف مركب املسامات النووية املنغرس في الغشاء‬ ‫النووي من ‪ 30‬من األمناط املختلفة من البروتينات‬ ‫ثماني متقن حيث تقوم بتنظيم‬ ‫متجمعة معا بتناظر‬ ‫ٍّ‬ ‫اجلزيئات التي تدخل إلى النواة أو تخرج منها‪ .‬وتكون‬ ‫الفتحة محشوة بهالم من البروتينات غير املنطوي على‬ ‫اإلطالق‪ .‬واجلزيئات الصغيرة‪ ،‬مثل املاء‪ ،‬ميكنها أن‬ ‫مت ّر خالل الهالم من دون إعاقة‪ ،‬في حني أن اجلزيئات‬ ‫الكبيرة تتطلب مكوكية ‪ shuttling‬للدخول‪.‬‬

‫تقوم بإضافة الفوس������فات ‪ PO4‬إل������ى البروتينات األخرى (أي‬ ‫ساءت توقعات احلياة بالنسبة إلى املريض‪.‬‬ ‫تعم������ل جزيئ������ات البروتني ‪ p27‬ككابح لالنقس������ام اخللوي فسفرتها ‪ ،)phosphorylate‬األمر الذي يؤدي إلى إطالق شلاّ ل‬ ‫وذلك باالرتباط بس������تة أمناط مختلفة على األقل من إنزميات من األح������داث‪ .‬فعند قيامها بعملها‪ ،‬يقوم جزيء البروتني ‪p27‬‬ ‫الكيني���ز ‪ kinase enzymes‬وتثبط عملها‪ ،‬فإنزميات الكينيز هي الديناميكي ذو الش������كل اخليطي بااللتفاف حول إنزمي الكينيز‬ ‫املنظمات األساسية الستنساخ الدنا واالنقسام اخللوي‪ .‬فهي‬ ‫( ) ‪The living cell’s flexible workers‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫(الذي يكون في الغالب صلبا) مغطيا جزءا كبيرا من سطحه‪،‬‬ ‫مب������ا في ذلك املواضع املتفاعلة كيميائيا أو «النش������طة» [انظر‬ ‫الش������كل في الصفحة ‪ .]23‬يؤدي هذا إلى منع عملية الفسفرة‬ ‫ومن ثم إلى وقف االنقس������ام اخلل������وي‪ .‬وبفضل مرونته‪ ،‬يكون‬ ‫بإمكان البروتني ‪ p27‬أن يقولب نفس������ه حول أمناط مختلفة من‬ ‫اإلنزمي������ات ويثبطها‪ .‬وتوصف مثل تلك البروتينات التي متتاز‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بهذه اخلاصية على أنها بروتينات غير مميزة ‪promiscuous‬‬ ‫أو تقوم بأعمال إضافية(‪.)2‬‬ ‫يق������ع البروتني ‪ ،P27‬الذي هو تقريب������ا غير منظم كلية‪،‬‬ ‫بالقرب من الطرف املضطرب ملقياس ميتد من االضطراب‬ ‫التام (بنية غي������ر منظمة كلية) إلى االنتظام الكامل (منطو‬ ‫صلب متاما)‪ .‬بينما تقع إنزميات الكينيز نفس������ها بالقرب‬ ‫من النهاية املعاكس������ة من ذاك املقياس‪ .‬ويقع العديد من‬ ‫البروتين������ات األخرى في مكان ما من مقياس الرس������م ما‬ ‫بني تل������ك النهايتني‪ ،‬كونه������ا حتمل أجزاء منظم������ة البنية‬ ‫وأخرى غير منظمة البنية‪ .‬فالكالس���ينورين ‪calcineurin‬‬ ‫الذي ي������ؤدي دورا مهما ف������ي االس������تجابة املناعية (وهو‬ ‫ما تس������تهدفه األدوية املض������ادة للرف������ض املناعي) يقوم‬ ‫بدور معاك������س متاما إلنزميات الكيني������ز‪ :‬فهو يعمل على‬ ‫نزع الفوس������فات من بعض البروتينات التي سبق لها أن‬ ‫ُف ْسفِ رت‪ .‬يتضمن هذا البروتني في بنيته جزءا منظم البنية‬ ‫وهو ما يش������كل املوضع النشط لإلنزمي ويعمل وفق املبدأ‬ ‫الكالسيكي للقفل واملفتاح لنزع الفوسفات من البروتينات‬ ‫األخرى‪ .‬إال أنه يتضمن أيضا جزءا غير منظم البنية يقوم‬ ‫باالرتباط باملوضع النشط لإلنزمي ذاته مثبطا إياه عندما‬ ‫ال يك������ون هناك حاجة إلى نزع الفوس������فات‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن‬ ‫الكالس������ينورين هو كبروتينني في بروتني واحد‪ :‬إذ يقوم‬ ‫اجلزء املنظم البنية بالتحفيز‪ ،‬بينما يقوم اجلزء غير املنظم‬ ‫البنية بتنظيم هذه الوظيفة التحفيزية‪.‬‬ ‫إن األمثلة التي ناقشناها حتى اآلن هي لبروتينات تنطوي‬ ‫إما حول ذاتها أو حول بروتينات أخرى لدى قيامها بوظيفتها‪.‬‬ ‫غي������ر أن االضطراب هو غالبا ما يكون واحدا من أدوات عمل‬ ‫البروتني‪ .‬وفي أحد األمثلة املعروفة فإن طول اجلزء غير املنظم‬ ‫البني������ة يعمل كآلة للتوقي������ت‪ ،‬إذ يضبط مدى س������رعة اقتراب‬ ‫موضعني فعالني من بع������ض‪ :‬كلما كان طول اجلزء غير منظم‬ ‫البني������ة أكبر أدى ذل������ك باملوضعني الفعالني إل������ى البحث عن‬ ‫بعضهما ملدة أطول مما لو كان اجلزء غير املنظم البنية أقصر‪،‬‬ ‫وفي حالة أخرى تساعد البنية غير املنظمة بروتينا معينا على‬ ‫التغلغل من خالل فتحات صغيرة في الغشاء اخللوي ومن ثم‬ ‫عبوره من خالله������ا‪ ،‬وكذلك فإن البروتينات غير املنظمة البنية‬ ‫توجد في محاور ‪ axons‬اخلاليا العصبية‪ ،‬حيث تش������كل بنى‬ ‫‪27‬‬

‫شبيهة بالفرشاة حتمي احملاور من االنهيار‪.‬‬ ‫تبقى بعض البروتين������ات (خالفا ملا هو متوقع) بحالة غير‬ ‫منظم������ة البنية حتى بعد ارتباطها بهدفها‪ .‬فمؤخرا اكتش������ف‬ ‫<‪ .T‬ميتاگ> [من مستشفى األطفال في تورنتو (وهو اآلن عضو‬ ‫تدريس في قس������م <كريواكي>)] بروتين������ا مثبطا في اخلميرة‬ ‫‪ yeast‬يدع������ى البروتني ‪ ،Sic1‬وهو يبقى مرتبطا بش������ريكه عبر‬ ‫أجزاء صغي������رة تواصل القفز من وإلى موضع ارتباط وحيد‪،‬‬ ‫في حني يحافظ باقي البروتني ‪ Sic1‬على اضطرابه‪.‬‬ ‫ومث������ل ه������ذا االضط������راب يوجد أيض������ا ف������ي بروتينات‬ ‫املتعضيات ‪ organisms‬األكثر بساطة‪ ،‬وحتى في الـ يروسات‪.‬‬ ‫فهناك بعض الڤيروسات التي تعرف باسم امللتهمات ‪phages‬‬ ‫والتي تتخصص بإصابة البكتيريا‪ ،‬وتقوم باالرتباط بأغش������ية‬ ‫املضيف عبر بروتينات تتصل بجس������م الـ يروس بأربطة مرنة‪،‬‬ ‫وميكن لبروتينات األربطة التي هي أصغر وأس������رع حركة من‬ ‫الـ يروس امللتهم الكامل أن تعيد ترتيب نفسها للحصول على‬ ‫تطابق أمثل أثناء اإلرساء‪.‬‬ ‫ال متييزية واسعة االنتشار‬

‫( )‬

‫وحتى اليوم جرى التعرف على ‪ 600‬تقريبا من البروتينات‬ ‫غير منظمة البنية جزئيا أو كليا‪ ،‬كما جرى تعرف وظيفتها من‬ ‫قب������ل باحثني يعملون في مختبرات حول العالم‪ ،‬إال أننا نعتقد‬ ‫بوج������ود املزيد منها‪ ،‬إذ إن العلم������اء قد تعرفوا حتى اآلن بنية‬ ‫نسبة ضئيلة فقط من البروتينات التي يقدر عددها بـ ‪100 000‬‬ ‫بروتني موجودة في جسم اإلنسان وحده‪ .‬والدراسات احلديثة‬ ‫في مجال املعلوم���ات البيولوجية(‪ )3‬لـ <دانكر> ورفاقه كانت‬ ‫أيضا تشير إلى ذلك االجتاه‪.‬‬ ‫تقوم مقاربة املعلومات البيولوجية على الدراسات النظرية‬ ‫الس������ابقة لبروتين������ات معينة‪ ،‬والتي اقترحت أن������ه بعد أن تقوم‬ ‫اخللية بتصنيع سلس������لة األحماض األمينية لتشكل البروتني‪،‬‬ ‫تنطوي هذه السلسلة اعتمادا على تركيبها‪ .‬فاألحماض األمينية‬ ‫الكبيرة احلجم والكاره���ة للماء ‪ – hydrophobic‬أي تلك التي‬ ‫تنف������ر من جزيئات املاء التي ع������ادة ما حتيط بالبروتني – متيل‬ ‫بشكل خاص إلى التموضع في الداخل‪ .‬وعلى العكس من ذلك‪،‬‬ ‫فإن األحماض األمينية التي جندها على سطح بروتني مطو هي‬ ‫عادة ما تكون صغيرة احلجم ومحبة للماء ‪ hydrophilic‬وهي‬ ‫متيل إلى االلتصاق بجزيئات املاء احمليطة بها‪.‬‬ ‫كانت فكرة <دانكر> ترتكز على مقارنة تسلسل األحماض‬ ‫( )‬

‫‪WIDESPREAD PROMISCUITY‬‬

‫(‪)2‬‬

‫‪moonlighting‬‬

‫(‪ )1‬أو مشوشة‪.‬‬

‫(‪ bioinformatics )3‬أو املعلومات اإلحيائية‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫األميني������ة للبروتين������ات املعروف������ة بأنها مضطرب������ة ذاتيا‪ ،‬بتلك‬ ‫البروتين������ات املعروف������ة بأنها تتمي������ز بأش������كال مطوية صلبة‪.‬‬ ‫وف������ي عام ‪ ،1997‬وجد فريق������ه بخوارزميات حاس���وبية(‪ )1‬أن‬ ‫البروتينات املضطربة ذاتيا كانت حتتوي على نس������بة أكبر من‬ ‫األحماض األمينية احملبة للماء مقارنة بالبروتينات غير املرنة‪،‬‬ ‫فإن التوازن في نس������بة األحماض األميني������ة احملبة للماء وتلك‬ ‫الكارهة له ميكنه أن ينبئنا فيما إذا كان بروتني ما س������ينطوي‬ ‫جزئيا أو ال ينطوي على اإلطالق‪.‬‬ ‫وفي ع������ام ‪ 2000‬ق������ام فري������ق <دانكر> (وبه������دف تقصي‬ ‫املضمون البيولوجي الكتش������افاتهم الس������ابقة) بإجراء مقارنة‬ ‫عب������ر ممالك احلي������اة‪ .‬فحص الباحث������ون جين������وم العديد من‬ ‫املتعضيات بخوارزميات بحث������ا عن قطع من الدنا تكود ‪code‬‬ ‫سالس������ل طويلة من األحماض األمينية احملبة للماء(‪ .)2‬ومن‬ ‫املفت������رض أن البروتينات الناجتة منها ال بد وأن تكون أفضل‬ ‫املرش������حني لتكون غير منظمة البني������ة‪ ،‬جزئيا على األقل‪ .‬ففي‬ ‫املتعضيات األبس������ط كالبكتيري������ا أو العتيق���ات ‪ ،archaea‬مت‬ ‫التنبؤ بوجود عدد أقل من البروتينات املضطربة ذاتيا‪ ،‬أما في‬ ‫حقيقيات النوى ‪ ،eukaryotes‬وهي املتعضيات األكثر تعقيدا‬ ‫مث������ل اخلميرة وذبابة الفاكهة واإلنس������ان والتي تتميز بخاليا‬ ‫ذات ن������واة ‪ -‬فعلى ما يبدو تكون البروتينات غير منظمة البنية‬ ‫أكثر شيوعا‪.‬‬ ‫وف������ي عام ‪ 2004‬أضيف املزيد إلى هذه النتائج من فريق‬ ‫يقوده <‪ .D‬جونز> [من جامعة لندن]‪ ،‬الذي استخدم مقارنات‬ ‫مشابهة تتضمن بيانات عن اإلنسان‪ .‬ومن املدهش أن هؤالء‬ ‫الباحثني وج������دوا أن ‪ %35‬من جميع بروتينات البش������ر قد‬ ‫حتوي أجزاء طويلة غير منظمة البنية‪ .‬وهكذا فإن نحو ثلث‬ ‫البروتينات البش������رية رمبا يكون به أج������زاء كبيرة ال ينطبق‬ ‫عليها مفهوم القفل واملفتاح‪.‬‬ ‫وما زالت أس������باب ه������ذا االختالف غي������ر واضحة‪ ،‬وأحد‬ ‫التفسيرات احملتملة هي أن البروتينات التي حتوي بنى بسمات‬ ‫تتوافق مع آلية القفل واملفتاح قد تكون األمثل للقيام بوظائف‬ ‫مح������ددة كما هو احلال في نش������اط اإلنزمي������ات‪ ،‬في حني أن‬ ‫البروتينات املضطربة ذاتيا تكون األفضل في إعطاء اإلش���ارة‬ ‫‪ signaling‬والتنظي������م‪ .‬وتض������م البكتيريا ذات البنية البس������يطة‬ ‫جمي������ع مكوناتها في حاوية واحدة‪ ،‬ف������ي حني أن املتعضيات‬ ‫املعق������دة تتميز بوجود عدة حاويات مثل النواة وجهاز گوجلي‬ ‫واملتق���درات ‪ the mitochondria‬وغير ذلك‪ ،‬وهذا ما يس������تدعي‬ ‫وج������ود الكثير من اإلش������ارات ما بني أجزائه������ا املختلفة؛ كما‬ ‫يتطلب رقابة أش������مل‪ .‬كما تتطلب املتعضيات الكثيرة اخلاليا‬ ‫سبال لنقل اإلشارة لتنس������يق النشاط ما بني اخلاليا وما بني‬ ‫‪28‬‬

‫األنسجة املختلفة‪ ،‬ففي مثال البروتني ‪ p27‬الذي سبق مناقشته‪،‬‬ ‫فبفضل مرونته‪ ،‬يتمكن البروتني من حمل رسائل كيميائية عبر‬ ‫مس������ارات نقل اإلش������ارة في خلية‪ :‬تكود الرس������ائل في حتور‬ ‫ش������كل البروتني وفي تعديالته الكيميائية مثل الفس������فرة‪ ،‬وفي‬ ‫رفقائه الذين يرتبط بهم (وبذلك يثبط أو ينظم)‪.‬‬ ‫السر األكثر خفاء في التطور‬

‫( )‬

‫قد تكون قلة البروتين������ات املضطربة ذاتيا في البكتيريا‬ ‫مؤش������را إلى أن هذه البروتينات قد نش������أت فقط في مرحلة‬ ‫متأخرة من التطور‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تش������ير العديد من الدراسات‬ ‫إلى أنها نش������أت في وقت مبكر‪ .‬فأحد األدلة‪ ،‬هو أن العديد‬ ‫من نظم نقل اإلشارة املهمة في البكتيريا تقوم على بروتينات‬ ‫غي������ر منظمة البني������ة عوضا عن منظم������ة البنية‪ .‬وفضال عن‬ ‫ذلك‪ ،‬جند أن بعض اآلالت اجلزيئية القدمية النش������وء والتي‬ ‫كانت تتألف من الرنا والبروتينات متجمعة مع بعضها‪ ،‬فإن‬ ‫كاف������ة البروتينات تقريبا كانت غي������ر منظمة البنية جزئيا أو‬ ‫كليا عندما التكون مرتبطة بش������ركائها من الرنا‪ .‬وتتضمن‬ ‫هذه اجلزيئات املركب������ة الهجينة القدمية السپليسوس���وم‬ ‫‪( spliceosome‬وهو آلة جزيئية تقوم بتحرير (إعداد) وضفر‬ ‫الرنا كخطوة س������ابقة إلنت������اج البروتينات)‪ ،‬والريبوس���وم‬ ‫‪( )3(ribosome‬اجلزيء املركب الذي ينظم األحماض األمينية‬ ‫معا في سلسلة ليشكل البروتينات)‪.‬‬ ‫تش������ير األبح������اث الت������ي تتعلق بنش������وء احلياة إل������ى قِ َدم‬ ‫البروتين������ات غي������ر املنظمة البنية‪ .‬وتقول النظرية الس������ائدة إن‬ ‫املتعضيات األولى كانت ترتك������ز على الرنا‪ ،‬وكان الرنا يعمل‬ ‫بالوقت ذاته كجزيء حتفيزي وأيضا كمس������تودع للمعلومات‬ ‫الوراثية ‪ -‬ال������دوران اللذان تؤديهم������ا البروتينات والدنا على‬ ‫الترتي������ب في اخلاليا احلديثة‪ .‬وإحدى املش������كالت املهمة في‬ ‫نظري������ة عالم الرنا هذا أن الرنا ينطوي بش������كل غير فعال في‬ ‫هيئته احملفزة النشطة وكثيرا ما يجمد في هيئته غير الفعالة‪.‬‬ ‫يوج������د في اخلاليا احلديثة بروتين������ات معينة تدعى مرافقات‬ ‫(ش���اپيرونات) الرن���ا)(‪ ،)4‬وه������ي تقوم مبس������اعدة الرنا على‬ ‫االنطواء الصحيح‪ ،‬كما أن هناك بروتينات أخرى تقوم بتثبيت‬ ‫الهيئ������ة الفعالة لرنا معني‪ ،‬وهذا ما يش������ير إلى أن حلول مثل‬ ‫هذه البروتينات قد أوجد احلل ملش������كلة جتمد الرنا في هيئته‬ ‫املنطوية‪ .‬واملرافقات والبروتين������ات املثبتة كالهما يفتقدان أي‬ ‫( )‬

‫‪EVOLUTION’S BEST-KEPT SECRET‬‬

‫(‪)2‬‬

‫‪hydrophilic amino acids‬‬

‫(‪)4‬‬

‫‪RNA chaperones‬‬

‫(‪ ،computer algorithms )1‬واخلوارزمي������ات جم������ع خوارزمي������ة وه������ي طريقة مقننة في‬ ‫احلساب وتنسب إلى عاملنا الشهير «اخلوارزمي»‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أو الريباسة‪.‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫بنية ثابتة قبل أن يرتبطا بالرنا‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن حتليل منش������أ الكود اجليني ‪genetic code‬‬ ‫قد قدم دعما إضافيا إلى النشوء املبكر للبروتينات غير املنظمة‬ ‫البني������ة‪ .‬فالكود اجليني هو عبارة عن مجموعة التعليمات التي‬ ‫تستخدمها اخللية بغية ترجمة املعلومات املختزنة في األحماض‬ ‫النووي������ة (الرنا أو الدنا) في النواة إلى سلس������لة متعاقبة من‬ ‫األحماض األمينية‪ .‬ويعتق������د الباحثون أنه قد مت تكويد بعض‬ ‫األحماض األمينية في مرحلة مبكرة من نش������وء احلياة‪ ،‬بينما‬ ‫ظهر بعضها اآلخر في وقت الحق‪ .‬ومن املرجح أن األحماض‬ ‫األمينية الكبيرة احلجم والكاره������ة للماء والتي تدفع البروتني‬ ‫إلى االنطواء ظهرت في وقت متأخر‪ ،‬ومن ثم فالبروتينات التي‬ ‫تتألف من األحماض األمينية التي ظهرت في وقت مبكر غالبا‬ ‫ما س������تبقى غير منطوية فيما إذا تُركت وشأنها‪ .‬وإذا صحت‬ ‫ه������ذه األفكار املتعلقة بنش������وء الكود اجليني‪ ،‬ف���ل��ا بد من أن‬ ‫البروتينات األولى في العالم كانت تنطوى بش������كل ضعيف أو‬ ‫ال تنط������وى على اإلطالق‪ .‬ومن الواضح أن األحماض األمينية‬ ‫التي نش������أت فيما بعد هي التي مكنت البروتينات من تشكيل‬ ‫بنية منظمة‪ ،‬مما وضع األساس لتشكيل مواقع إنزميية فعالة‬ ‫تعم������ل وفق منوذج القفل واملفتاح‪ ،‬وه������ذا ما مكن البروتينات‬ ‫وعبر ماليني الس������نني م������ن احللول مكان الرن������ا كمركز القوة‬ ‫التحفيزية في جميع اخلاليا احلية‪.‬‬ ‫سيف ذو حدين‬

‫( )‬

‫نظرا للدور البيولوجي احملوري الذي تؤديه البروتينات‪،‬‬ ‫فلي������س من املس������تغرب ارتب������اط العديد منه������ا بالكثير من‬ ‫األم������راض‪ .‬لذا‪ ،‬فإن النموذج اجلدي������د لالضطراب الذاتي‬ ‫للبروتينات س������يكون ل������ه تأثير عميق ف������ي فهمنا لألمراض‬ ‫البشرية وكيفية معاجلتها‪.‬‬ ‫بداي������ة‪ ،‬في بعض احل������االت‪ ،‬يك������ون لعدم وج������ود البنية‬ ‫مؤذ‪ :‬فإذا كانت اخللية تقوم بإنتاجها‬ ‫املنظمة للبروتني تأثي������ر ٍ‬ ‫بص������ورة زائدة فإن بعض ه������ذه البروتينات غير املنظمة البنية‬ ‫تك������ون عرض������ة للتراكم معا مش������كلة صفائ���ح ‪ .plaques‬وإذا‬ ‫حدث ذلك في الدماغ فس������تكون تلك الصفائح املش������تبه فيها‬ ‫األس������اس للعديد من األمراض العصبية االنتكاس���ية(‪ )1‬مثل‬ ‫داء ألزهامير وپاركنس������ون وهنتگتون ‪ .Huntington‬وبصورة‬ ‫أعم‪ ،‬فإن������ه يبدو أن هذه البروتينات غي������ر املنظمة البنية يجب‬ ‫أن تخض������ع لعملية كبح دقيقة لتالفي حدوث املش������كالت‪ :‬في‬ ‫عام ‪ 2008‬بينت دراس������ات واسعة النطاق قام بها <‪ .M .M‬بابو>‬ ‫[من مختب������ر مجلس األبح������اث الطبية للبيولوجي������ا اجلزيئية‬ ‫ف������ي كامبريدج بإنكلترا] أن اخلالي������ا تقوم بضبط البروتينات‬ ‫‪29‬‬

‫املضطربة بشكل أكبر مقارنة بالبروتينات املنطوية‪.‬‬ ‫إن إدراك ارتباط البروتينات املضطربة ذاتيا بأمراض معينة‬ ‫ق������د أدى إلى طرح أفكار جديدة تتعلق بإمكانية اس������تخدامها‬ ‫كعالجات‪ .‬إن التفاعالت بروتني‪-‬بروتني تكمن في الواقع وراء‬ ‫كل عملية بيولوجية (حيوية)‪ ،‬لذا صارت منذ زمن بعيد أهدافا‬ ‫جاذبة الختراع أدوية‪ ،‬لكنها لم حتقق س������وى جناحات بسيطة‬ ‫حت������ى اآلن‪ ،‬مقارن������ة باملقاربة التي تس������تهدف التفاعل ما بني‬ ‫البروتينات التي‬ ‫اإلنزميات واجلزيئات األصغر‪ .‬وغالبا ما تقدم‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫تثبيت منعزال‬ ‫مكان‬ ‫تتفاعل مع البروتينات غي������ر املنظمة البنية‬ ‫َ‬ ‫يستخدمه البروتني لالرتباط‪ ،‬مما ميكن الباحثني من استثمار‬ ‫ذلك به������دف تثبيت أدوية جديدة‪ .‬وقد أب������دت بعض اجلزيئات‬ ‫التي تعمل عل������ى حجب التفاعل ما بني ج�ي�ن ‪ gene‬مهم كابح‬ ‫للس������رطان وواحد من البروتينات املنظمة له جناحا باهرا في‬ ‫مكافح������ة الس������رطان في احليوان������ات في املختب������ر‪ ،‬وهي اآلن‬ ‫تخضع لتجارب سريرية على البشر‪ .‬وحاليا‪ ،‬يقوم <كريواكي>‬ ‫وفريق������ه بتطوير خط هجوم مماثل ملعاجلة س���رطان الش���بكية‬ ‫‪ ،retinoblastoma‬وهو س������رطان يصيب العيون خصوصا عند‬ ‫األطفال‪ .‬وقد أعطت النتائ������ج األولية لألبحاث على احليوانات‬ ‫نتائ������ج واعدة‪ ،‬وهن������اك مختبرات أخرى تعمل على مش������اريع‬ ‫مماثلة‪.‬‬ ‫وقد بدأ العلم������اء املهتمني بفهم آلية قيام البروتني بعمله‬ ‫بالتخل������ص من االنحياز القدمي لنموذج القفل واملفتاح لعمل‬ ‫البروت���ي��ن‪ .‬وقد أدرك������وا أنه ميكن القي������ام ببعض الوظائف‬ ‫البيولوجية بأفضل ما يكون باستخدام بروتينات صلبة‪ ،‬في‬ ‫حني أن بعضها اآلخر يحتاج إلى بروتينات ذات ديناميكية‬ ‫عالية‪ .‬وإن بزوغ فجر حقبة جديدة من إدراك بنية البروتني‬ ‫وكيفية قيامه بوظيفته قد يكون له أثر كبير في حتول فهمنا‬ ‫ ‬ ‫للحياة‪ ،‬ورمبا إلنقاذ حياة‪.‬‬ ‫( )‬

‫‪DOUBLE-EDGED SWORD‬‬

‫(‪ neurodegenerative diseases )1‬أو األمراض العصبية التنكسية‪.‬‬

‫(التحرير)‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, April 2011‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫ِجني‪ ،‬عاملة األدغال‬

‫( )‬

‫>‪ .J‬گودال< اختصاصية في علم الرئيسيات تدلي مبالحظاتها‬ ‫من خالل سنواتها اخلمسني التي قضتها بني الشمپانزيات‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫مقابلة أجرتها‬

‫بتاريخ ‪ ،1960/7/4‬وصلت > ِجني گودال< ذات الـ‪ 26‬ربيعا إلى‬ ‫محمية نهر گومبي في تانزانيا لدراس������ة سلوك الش ْمپانزيات‪.‬‬ ‫ومن خ���ل��ال وصفها لقصص احلياة املفعمة بالدراما لكل من‬ ‫فيف������ي وديڤيد گريبيرد وقردة أخ������رى‪َ ،‬ب ّينت >گودال< أن هذه‬ ‫القردة تش������ترك في العديد من السجايا التي كان ُيظـن سابقا‬ ‫أنها مقتصرة على اإلنس������ان‪ .‬وحاليا تعم������ل >گودال< البالغة‬ ‫م������ن العمر ‪ 76‬عاما على حماية الق������ردة املعرضة للخطر هي‬ ‫وموائله���ا ‪ .habitats‬وقد اتصلت مجلة س������اينتفيك أمريكان‬ ‫مؤخ������را بـ>گودال< هاتفيا في هونگ كونگ‪ ،‬حيث كانت حتيي‬ ‫الذكرى اخلمس���ي��ن النطالقة عملها في محمي������ة نهر گومبي‪.‬‬ ‫وفيما يلي مقتطفات ُحررت من هذه احملادثة الهاتفية‪:‬‬

‫ِ‬ ‫وصلت إلى گومبي‪،‬‬ ‫س���اينتفيك أمريكان )‪ :(SA‬أول ما‬ ‫ماذا كانت أفكارك املسبقة عن الشمپانزيات؟‬

‫>‪ .K‬وونگ<‬

‫حتى احلرب‪ .‬فمجتمعاتها سوف تنخرط في نوع من الصراع‬ ‫البدائي ال������ذي يبدو أنه صراع على ح������وزة األراضي‪ .‬ولعل‬ ‫املثير أكثر من ذلك هي الهجمات على املواليد احلديثة الوالدة‬ ‫في مجتمعها نفسه‪.‬‬

‫)‪ :(SA‬ما الذي مييز العقل البشري عن عقل الشمپانزي؟‬

‫>گ���ودال<‪ :‬التطور الهائل للتفكير‪ .‬تستطيع أن جتد شمپانزيا‬ ‫ذكيا جدا بحيث ميكنه تعلُّم لغة اإلش������ارة والقيام بالعديد من‬ ‫املهام على احلاس������وب‪ ،‬ولكن ال ميكن مقارنة ذلك العقل بعقل‬ ‫أي ش������خص عادي‪ ،‬ناهيك عن أينشتاين‪ .‬واعتقادي اخلاص‬ ‫هو أن تطور ذكائنا تسارع عندما بدأنا باستعمال ذلك النوع‬ ‫من اللغة الذي نس������تعمله اليوم‪ ،‬اللغة التي متكننا من مناقشة‬ ‫املاضي والتخطيط للمستقبل البعيد‪.‬‬

‫>گودال<‪ :‬كنت أتوقع أن يكون الش������مپانزي بالغ الذكاء‪ ،‬أما )‪ :(SA‬كيف هو حال الشمپانزي في البرية؟‬

‫عن كيف كان يعيش في البرية أو ماذا كانت بنيته االجتماعية‪،‬‬ ‫فإن أحدا لم يكن يعرف الكثير عن ذلك‪.‬‬

‫)‪ :(SA‬أي ش���يء م���ن س���لوك الش���مپانزيات كان أش���د‬ ‫إدهاشا لكِ ؟‬

‫>گ���ودال<‪ :‬الش������يء األكثر متيزا هو ش������بهها ال������ذي ال يصدق‬ ‫بالبش������ر‪ .‬فالكثير من الناس كانوا حقا مندهشني من حقيقة أن‬ ‫الشمپانزي يصنع األدوات ويستعملها‪ .‬وهذا لم يدهشني كثيرا‪،‬‬ ‫ألن عالم النفس األملاني >‪ .K‬كوهلر< كان قد ذكر أن القردة وهي‬ ‫في األس������ر تستعمل األدوات ب ُيسر‪ .‬ولكنه كان من املثير مراقبة‬ ‫هذا الس������لوك في البرية‪ ،‬مع الصيد وتقاسم الطعام‪ ،‬ألنه م ّكننا‬ ‫من احلصول على املال الالزم لالستمرار في بحثنا‪.‬‬ ‫واألمر الذي كان كالصدمة بالنس������بة إلي هو أنها‪ ،‬مثلنا‪،‬‬ ‫لها جانب ش������ديد الظلمة‪ ،‬وميكنها ممارس������ة وحشية عنيفة‪،‬‬ ‫‪30‬‬

‫>گودال<‪ :‬ليس حالها بجيد على اإلطالق‪ .‬تختلف التهديدات‬ ‫األساس������ية من مكان آلخر‪ ،‬ولكن املش������كلة الكبيرة في معظم‬ ‫األماك������ن هي النقص احلاصل في غابات الش������مپانزيات‪ .‬في‬ ‫حوض الكونگو‪ ،‬حيث توجد اجلمهرة الرئيس������ة للشمپانزي‪،‬‬ ‫يش������كل االجتار غير القانوني بلحوم الطرائ������د تهديدا كبيرا‬ ‫آخر‪ .‬وميكن للشمپانزي أيضا أن يلتقط العديد من أمراضنا‬ ‫املعدية‪ ،‬وهكذا فكلما ش َّقت شركات التحطيب طرقا أعمق في‬ ‫الغابة‪ ،‬تعرضت احليوانات خلطر أكبر‪.‬‬

‫)‪ :(SA‬ما الذي يجرى حاليا حلماية الشمپانزي؟‬

‫>گ���ودال<‪ :‬في تانزانيا بدأ معهد «جني گودال» برنامجا ُس������مي‬ ‫«اعنت» ”‪ )2(“TACARE‬والذي يعمل على حتس���ي��ن حياة القرويني‬ ‫( )‬

‫(‪)1‬‬

‫‪ JANE OF THE JUNGLE‬أو جني الغاب‪.‬‬

‫‪ primatologist‬اختصاصي في علم الرئيسيات‬

‫(‪“Take Care” )2‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫‪.primatology‬‬


‫احمللي���ي��ن عبر املس������اعدة على‬ ‫التخفي������ف من وط������أة فقرهم‪،‬‬ ‫وله������ذا فهم يري������دون اآلن دعم‬ ‫جهودنا حلماي������ة الغابة‪ .‬إنهم‬ ‫يدرك������ون أهمي������ة احلفاظ على‬ ‫املي������اه من خ���ل��ال ع������دم قطع‬ ‫األش������جار‪ .‬إن محمية گومبي‬ ‫صغي������رة ج������دا‪ ،‬لكنه������ا متتلك‬ ‫اآلن حزاما أخض������ر ينمو في‬ ‫كل اجت������اه من محي������ط املتنزه‬ ‫العام حي������ث كان يوما هضابا‬ ‫ج������رداء‪ .‬ولدين������ا بدايات لنطق‬ ‫تنتش������ر باجتاه غابات مدارية‬ ‫أخرى حيث تعيش مجموعات‬ ‫صغيرة من الشمپانزي‪ .‬وليس‬ ‫لدينا أدنى فكرة عما إذا كانت‬ ‫احليوانات سوف تستعمل هذه‬ ‫النطق‪ ،‬ولكننا على األقل نوفر‬ ‫لهم ذلك اخليار‪.‬‬ ‫وهن������اك تط������ور آخ������ر هو‬ ‫مب���ادرة خف���ض االنبعاثات‬ ‫الناجم���ة عن إزال���ة األحراج‬ ‫وتده���ور الغابة(‪، (REDD) )1‬‬

‫وه������ي آلي������ة يتم م������ن خاللها‬ ‫توجي������ه األموال م������ن جتارة‬ ‫الكربون إلى املجتمعات التي‬ ‫ميكنها أن تثبت أنها تقوم بحماية غاباتها‪ .‬ومبنحة املال التي‬ ‫تلقيناها من س������فارة مملكة النرويج بتانزانيا عام ‪ ،2010‬نعمل‬ ‫على مساعدة املجتمعات على املشاركة في املبادرة ‪ REDD‬من‬ ‫خ���ل��ال العمل‪ ،‬من بني أمور أخرى‪ ،‬مع برنامج گوگل ‪Google‬‬ ‫‪ Earth Outreach‬لتدري������ب الس������كان احملليني على اس������تعمال‬ ‫الهات������ف الذكي أندرويد ‪ Android‬وغي������ره من التقانات جلمع‬ ‫البيانات عن الكربون ومراقبة غاباتهم‪.‬‬

‫وعلى الش������باب في كل مكان أن يدرك������وا أن ما نفعله كل‬ ‫يوم بش������كل فردي ُيحدِ ث تغييرا‪ .‬فإذا ش������رع كل شخص في‬ ‫التفكير في عواقب اخليارات الصغيرة التي يتخذونها – ماذا‬ ‫يأكلون‪ ،‬ماذا يلبس������ون‪ ،‬ماذا يش������ترون‪ ،‬وكي������ف ينتقلون من‬ ‫النقطة ‪ A‬إلى النقطة ‪ – B‬والعمل وفقا لذلك‪ ،‬فإن ماليني هذه‬ ‫التغييرات الصغيرة سوف تكون التغييرات الكبرى التي يجب‬ ‫أن نحققه������ا إذا كنا نحب أطفالنا حقا‪ .‬ولهذا الس������بب‪ ،‬فإنني‬ ‫أقضي ‪ 300‬يوم في السنة في السفر أحتدث في هذا املضمار‬ ‫)‪ :(SA‬ماذا كانت أهم إسهاماتك؟‬ ‫ص َّور بيننا وبني إلى مجموعات من اليافعني وكذلك البالغني‪ ،‬سياسيني ورجال‬ ‫>گودال<‪َ :‬ك ْس������ ُر هذا احلاجز الص������ارم املُتـ َ َ‬ ‫>‬ ‫سائر املخلوقات‪ .‬وأعتقد أن الشمپانزيات ساعدت البشر على أعمال – ألنني ال أظن أنه بقي لدينا الكثير من الوقت‪.‬‬ ‫فه������م أننا جزء من اململكة احليوانية‪ ،‬ولس������نا منفصلني عنها‪،‬‬ ‫(‪Reducing Emissions from Deforestation and Forest Degradation )1‬‬ ‫وهذا م َّهد الس������بيل لنُـكِ ّـن التقدير للكائنات األخرى املدهش������ة‬ ‫التي نتشارك كوكب األرض معها‪.‬‬ ‫‪Scientific American, December 2010‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫سبيل سريع البتكار لقاحات‬

‫( )‬

‫إن حتليل جميع طبقات اجلهاز املناعي في آن واحد‬ ‫ّ‬ ‫ُيس ّرع من تصميم اللقاحات‪ ،‬وقد يؤدي يوما ما إلى إجناز‬ ‫حاسم ضد ڤيروس عوز (نقص) املناعة البشرية املكتسب (‪.)HIV‬‬ ‫>‪ .A‬أديرمي<‬

‫في عام ‪ ،2007‬أصي������ب الباحثون في مجال ڤيروس عوز‬ ‫(نقص) املناعة البشرية املكتسب (‪ ،)HIV‬ومؤيدو العمل على‬

‫مكافحته‪ ،‬بخيبة أمل كبيرة‪ ،‬إذ فوجئوا بفش������ل أحد اللقاحات‬ ‫التي ع ّلقوا عليها آماال كبي������رة ضد هذا الڤيروس‪ ،‬فلم ينجح‬ ‫أي فرد من ثالثة آالف ش������خص في‬ ‫ذل������ك اللقاح ف������ي حماية َ‬ ‫جتربة س������ريرية‪ .‬ومما زاد األمر س������وءا أن اللقاح التجريبي‬ ‫الذي ش������ارك في متويله ّ‬ ‫كل من ش������ركة ميرك لألدوية واملعهد‬ ‫الوطني للحساس������ية واألمراض املعدية‪ ،‬ق������د فاقم بالفعل من‬ ‫فرص إصابة بعض األش������خاص بالڤي������روس (‪ )HIV‬في وقت‬ ‫صرفت ماليني ال������دوالرات ومر ما يزيد على عقد‬ ‫الحق‪ .‬فقد ُ‬ ‫من الزمن من األبحاث الت������ي كانت تهدف إلى ابتكار اللقاح‪.‬‬ ‫َالز َمة‬ ‫مبت ِ‬ ‫وخالل هذه السنوات العشر توفي ‪ 18‬مليون شخص ُ‬ ‫َع َو ِز (نقص) املَناعة املُ ْكت َ​َس������ب (اإلي������دز)‪ ،‬وأصيب باإلنتان به‬ ‫ماليني أخرى من البشر‪.‬‬ ‫و ُيعزى السبب األكبر لفش������ل لقاح الشركة ميرك ‪Merck‬‬ ‫إل������ى جهل الباحث���ي��ن‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬بالكيفي������ة التي ميكنهم من‬ ‫خاللها ابتكار اللق������اح األمثل لهذا املرض‪ .‬صحيح أنّ عددا‬ ‫ِقاح‬ ‫م������ن اللقاحات األخرى ق������د حقق جناحا مذه���ل��ا‪ ،‬مثل ل ُ‬ ‫َش������لَلِ األَ ْطفال وا ُ‬ ‫جل َد ِر ّي‪ ،‬غير أنّ احلقيقة تكمن في أنّ احلظ‬

‫ق������د أدى دورا كبيرا في حتقيق هذه النجاحات‪ .‬واس������تنادا‬ ‫إلى املعرفة احملدودة باجلهاز املناعي والس������مات البيولوجية‬ ‫للم ْم ِرض����ات(‪ ،pathogens )1‬فق������د افترض الباحثون فرضيات‬ ‫ُ‬ ‫مدروس������ة حول تركيب������ات اللقاح التي ميكن له������ا أن تنجح‪،‬‬ ‫ورمب������ا بعد إجراء قليل من التعدي���ل��ات عليها‪ ،‬وقد كان لهذه‬ ‫التخمينات حظ طيب فأثبتت صحتها عندما جنحت في حماية‬ ‫الن������اس‪ .‬غير أنّه في كثير من األحيان قد يؤدي عدم التبصر‬ ‫الكافي باالس������تجابة املناعية املطلوب������ة إلى خيبة األمل‪ ،‬وذلك‬ ‫عندم������ا ُيعلن عن عدم فعالية لقاح م������ا بعد جتريبه على عدد‬ ‫كبير من الناس‪.‬‬ ‫ولكن ماذا لو توفر للباحثني سبيل أسرع وأكثر فاعلية‬ ‫بحي������ث يس������تطيعون من خالل������ه تطوير لقاح������ات ُمحتملة‬ ‫وتقييمها؟ مثاليا س������تقوم الطريقة البديلة على فهم واضح‬ ‫للمزيج الدقيق من االس������تجابات املناعي������ة التي ينبغي أن‬ ‫حتص������ل إذا ما أريد من اللقاح أن ُيح������دِ ثَ تفاعال وقائيا‬ ‫قويا‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬أي من مجموعات اخلاليا املناعية‬ ‫يجب عليه������ا أن تتفاعل في ما بينها‪ ،‬وب������أي الطرق؟ وما‬ ‫( )‬

‫‪FAST TRACK TO VACCINES‬‬

‫(‪ )1‬أو العوامل املسببة للمرض‪.‬‬

‫(التحرير)‬

‫باختصار‬ ‫تعتم������د الطرائق التقليدية لتصميم اللقاحات اعتمادا كبيرا على مبدأ‬ ‫التجرب������ة واخلطأ‪ .‬إذ يطور الباحثون أح������د املُركبات التي يعتقدون أنها‬ ‫سوف حتفز حدوث استجابة مناعية‪ ،‬ومن ث ّم يقومون بتجربة هذا املركب‬ ‫على آالف البشر‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ب������رز حقل جديد في ميادي������ن األبحاث يعرف ببيولوجي����ا النظم‬ ‫‪ systems biology‬يس������تطيع جعل عملية تطوير اللقاحات وجتربتها أكثر‬ ‫سرعة وكفاءة‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫تقوم فرق الباحثني بقياس التغيرات في األنشطة اجلينية ومستويات‬ ‫البروتينات والس������لوك اخللوي للجهاز املناعي استجابة ل ِّلقاح احملتمل‪.‬‬ ‫وتقوم حواس������يب خاصة بتحليل البيانات الناجتة لتطوير سمات جزيئية‬ ‫لهذه االستجابات‪.‬‬ ‫ومبقارنة الس������مات اجلزيئية بالس������مة املثالية التي ُيفترض أن تنشأ‬ ‫نتيجة الستجابة مناعية وقائية متكاملة‪ ،‬يتمكن الباحثون من العثور على‬ ‫صيغ اللقاحات الواعدة أكثر وتطويرها‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫‪Alan Aderem‬‬

‫املؤلف‬

‫>آديرمي< هو اختصاصي في علم املناعيات والبيولوجيا اخللوية يتمتع بشهرة عاملية‪،‬‬ ‫وشارك في تأسيس معهد بيولوجيا الن ُ​ُّظم في سياتل عام ‪ .2003‬وهو حاليا مدير‬ ‫معهد سياتل للبيولوجيا الطبية الذي يهتم بشكل رئيسي في تطوير اللقاحات‪.‬‬

‫‪33‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫كيف تعمل اللقاحات‬

‫تفاصيل حول الدفاع‬

‫( )‬

‫يتم ّث����ل جناح اللقاح بقدرته على حتفي����ز اجلهاز املناعي على بناء دفاع‬ ‫����رض آخر قبل حدوث اإلنتان‬ ‫ق����وي ض���� ّد ڤيروس ُمعينّ أو بكتيريا أو ممُ ْ ِ‬ ‫َّ‬ ‫محضرة من‬ ‫بهذا العامل‪ .‬و ُتطلق أفضل مركبات اللقاحات (سواء كانت‬ ‫ڤي����روس كامل أو من ڤي����روس ُم َع ّطل أو من قطع من الڤيروس) عددا من‬ ‫التفاع��ل�ات املتتابع����ة في فرعني من اجلهاز املناعي‪ ،‬هما اجلهاز املناعي‬ ‫الذات����ي واجله����از املناع����ي التكيف����ي‪ .‬ويوض����ح ه����ذا الش����كل اخلطوات‬ ‫الرئيس����ة في حتضيرات مي����دان احلرب املعقدة‪ .‬وثم����ة مجموعة جزئية‬ ‫م����ن املدافعني في اجلبه����ة األمامية من ا َ‬ ‫خل َ‬ ‫َص ِن َّية ‪the dendritic‬‬ ‫الي������ا ال َتغ ُّ‬ ‫‪ ،cells‬وهي خاليا غير متخصصة‪ ،‬تس����تجيب س����ريعا بعد دخول اللقاح‬ ‫إلى اجلس����م‪ ،‬وتبتلع هذه اخلاليا جزيئات اللقاح قبل تس����ليمها املهمة‬ ‫التالي����ة إل����ى خالي����ا أكثر تخصص����ا ‪ -‬وه����ي اخلاليا التائي����ة واخلاليا‬ ‫البائي����ة املنتج����ة لألضداد ‪ – antibodies‬وذلك ك����ي تتذكر العامل الغازي‬ ‫ِّ‬ ‫وحتضر اجلس����م لردع أي هجمات ُمس����تقبلية يش����نها علي����ه أعداؤه من‬ ‫املِيكروبات ذاتها أو امليكروبات املشابهة لها‪.‬‬

‫ه������ي مجموعات اجلينات التي ينبغي على هذه اخلاليا أن‬ ‫تنش������طها أو تثبطها؟ وعندها يمُ ك������ن للباحثني جتميع هذه‬ ‫املعلومات على ش������كل صورة للجه������از املناعي بكامله‪ ،‬أو‬ ‫بصم������ة للمناعة الوقائية‪ .‬وبدوره‪ ،‬س������وف يقوم هذا النهج‬ ‫بإرش������ادنا بدقة إل������ى ما ينبغي على اللق������اح عمله للوقاية‬ ‫م������ن املرض‪ .‬يس������تطيع العلماء أن يقارن������وا بني مئات من‬ ‫التركيبات احملتملة‪ ،‬وأن ال يتبعوا منها س������وى التركيبات‬ ‫التي تعطي مرتس���مات ‪ profiles‬قريبة من التركيبة املُثلى‪.‬‬ ‫عندها‪ ،‬يس������تطيع هؤالء العلماء متابعة العمل على حتسني‬ ‫تل������ك التركيبات احملتملة م������ن اللقاحات في جتارب جترى‬ ‫عل������ى مجموعات صغيرة من البش������ر حت������ى الوصول في‬ ‫النهاي������ة إلى عدد قلي������ل ال يتجاوز ع������دد أصابع اليد من‬ ‫اللقاحات املرشحة لتوليد البصمة البيولوجية األقرب إلى‬ ‫اللقاح األمث������ل‪ .‬ومن خالل محاول������ة املواءمة بني مختلف‬ ‫البصمات املثلى لهذه التجارب الصغيرة‪ ،‬يس������تطيع هؤالء‬ ‫العلم������اء خالل فترة قصيرة جدا‪ ،‬معرفة ما إذا كان للقاح‬ ‫فرص������ة جيدة للنجاح‪ .‬ومع حل������ول الوقت الذي يختبر فيه‬ ‫اللقاح التجريبي النهائي في جتارب سريرية موسعة على‬ ‫الناس‪ ،‬سيكون جناحه مضمونا واقعيا‪.‬‬ ‫حت������ى وقت قريب‪ ،‬لم يك������ن العلماء ميتلك������ون األدوات أو‬ ‫اخلب������رة التي جتعلهم قريبني إل������ى هذه الرؤي���ة ‪ .vision‬فقد‬ ‫كانت ثمة حاجة إلى وجود فِ َرق متعددة االختصاصات قادرة‬ ‫معا على فهم علم املناعة وبيولوجيا امليكروبات‪ ،‬وكيفية وضع‬ ‫مناذج َ‬ ‫مت ُّثل النظم البيولوجية املعقدة‪ ،‬وتعرف األمناط املفيدة‬ ‫ضمن كم هائل من البيانات‪ .‬كذلك‪ ،‬كانت ثمة حاجة إلى وجود‬ ‫تقانة قادرة على القيام بقياس������ات متعددة ومتزامنة للتغيرات‬ ‫‪34‬‬

‫متتص اخلاليا املناعية‬ ‫املعروفة باخلاليا‬ ‫التغصنيّة شظايا اللقاح‬ ‫(املُستضدات) التي‬ ‫تساعد اجلهاز املناعي‬ ‫على حتديد كيفية‬ ‫االستجابة املطلوبة‪.‬‬ ‫لقاح‬

‫تنتقل اخلاليا التغصنيّة‬ ‫إلى العقد اللمفاوية‬ ‫حيث تعرض اخلاليا‬ ‫شظايا املستضدات أمام‬ ‫خاليا أخرى لتس َت ِح ّث‬ ‫بذلك عمل اجلهاز‬ ‫املناعي التكيفي‪.‬‬

‫َخ َ‬ ‫اليا َ‬ ‫صنِ يَّة‬ ‫تغ ُّ‬

‫استجابة‬ ‫مناعية ذاتية‬

‫بروتينات العالمات‬

‫استجابة‬ ‫مناعية تكيفية‬

‫احلاصل������ة في األنش������طة اجليني������ة‪ ،‬ومس������تويات البروتينات‪،‬‬ ‫والس���لوك اخلل���وي(‪ ،)1‬وفي غير ذلك من سمات االستجابات‬ ‫املناعية – إضافة إلى احلواس������يب وبرامجها التي تس������تطيع‬ ‫معاجلة جميع هذه البيانات‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يقوم اآلن عدد من الباحثني العاملني في حقل‬ ‫يطلق عليه اسم بيولوجيا النُّظُ م ‪ systems biology‬بتشكيل‬ ‫مثل هذه الف������رق‪ ،‬واتخاذ اخلطوات األولى لتطوير األدوات‪،‬‬ ‫الت������ي ميكنها أن حتس������ن بش������كل كبير من ط������رق تصميم‬ ‫اللقاحات‪ .‬وقد بدأنا العمل اآلن‪ ،‬كجماعة‪ ،‬بتفكيك تفصيلي‬ ‫لش���فرة(‪ )2‬االس������تجابات املناعية املطلوبة حلماية اإلنس������ان‬ ‫من الڤي������روس ‪ .HIV‬كما يجري حاليا اس������تخدام مقاربات‬ ‫بيولوجيا الن ُ​ُّظم لتطوير لقاحات ضد اإليدز والدرن (السل)‬ ‫واملالريا واإلنفلونزا‪.‬‬ ‫حالة اختبارية‬

‫( )‬

‫إن جميع اللقاحات‪ ،‬س������واء م������ا مت حتضيره بالطريقة‬ ‫التقليدي������ة أو بناء عل������ى أبحاث بيولوجي������ا الن ُ​ُّظم‪ ،‬حتتوي‬ ‫على قطع صغيرة من الڤيروس������ات أو من البكتيريا أو من‬ ‫الطفيليات التي حتفز اس������تجابات مناعية نوعية جدا‪ .‬وفي‬ ‫بعض األحيان‪ ،‬تكون هذه القطع الصغيرة‪ ،‬التي يس������ميها‬ ‫َضدّات ‪ ،antigens‬جزءا م������ن ڤيروس كامل‬ ‫العلم������اء املُس���ت ِ‬ ‫ُم ْ‬ ‫ض َع������ف (وهذا ما كان عليه احل������ال منذ ‪ 200‬عام‪ ،‬عندما‬ ‫قام <‪ .E‬جينّر> بتلقيح صبي يافع بلقاح ا ُ‬ ‫جل َدري مستخدما‬ ‫( ) ‪Defense in Depth‬‬ ‫( ) ‪TEST CASE‬‬ ‫(‪cellular behavior )1‬‬ ‫(‪decipher )2‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫خاليا تائية‬ ‫قاتلة بسيطة‬

‫استجابة اخلاليا التائية‪:‬‬

‫خلية تائية قاتلة‬

‫خلية مُ صابة باإلنتان‬ ‫خلية تائية مساعدة‬

‫خلية تائية‬ ‫مساعدة بسيطة‬

‫خلية تائية ذاكرة‬

‫تتحول بعض اخلاليا في اجلهاز‬ ‫املناعي التكيفي إلى خاليا تائية‬ ‫قاتلة تتعرف في األنسجة املصابة‬ ‫اإلنتانَ وتدمره‪ .‬بينما تتحول‬ ‫خاليا تائية أخرى إلى «خاليا‬ ‫ذاكرة» تبقى في اجلسم لسنوات‬ ‫حلراسة أنسجته السليمة‪.‬‬

‫خلية بائية ذاكرة‬

‫ضد‬ ‫(جسم مضاد)‬ ‫خلية بائية‬ ‫استجابة األجسام املضادة‪ُ :‬تطلق اخلاليا التائية املُساعدة املُ ّ‬ ‫نش َطة مواد‬ ‫كيميائية تؤثر في اخلاليا التائية القاتلة؛ وتتفاعل اخلاليا التائية املُساعدة‬ ‫أيضا مع اخلاليا البائية مولدة أضدادا ضد مستضدات اللقاح‪ .‬ويستمر وجود‬ ‫عدد من اخلاليا البائية في اجلسم تعرف باخلاليا البائية الذاكرة‪.‬‬

‫القيح الذي أخذه م������ن صديد من بثرة مرض جدري البقر‬ ‫ظهرت على جلد إحدى العامالت في حلب األبقار املصابة‬ ‫باملرض)‪ .‬وفي أحيان أخرى‪ ،‬تكون املستضدات جزءا من‬ ‫ڤيروس كامل ‪ -‬ولكنه ُم َع ّطل متاما ‪ -‬مستخلص من عامل‬ ‫مس������بب لإلنتان (مثل نس������خة س����ولك ‪ Salk‬من لقاح شلل‬ ‫األطف������ال)‪ ،‬أو أن تكون جزيئات املس������تضد بحد ذاتها هي‬ ‫اللقاح نفسه (كما في اللقاحات املضادة للخناق (الدفتريا)‪،‬‬ ‫والش������اهوق (الس������عال الديكي)‪ ،‬والك������زاز (التيتانوس)‪.‬‬ ‫وق������د تتضمن بعض اللقاحات مواد مس������اعدة‪ ،‬وهي مواد‬ ‫حتفز األنش������طة املناعية بش������كل عام‪ .‬وعندما تسير جميع‬ ‫األمور على ما يرام‪ ،‬يستجيب اجلهاز املناعي ملستضدات‬ ‫اللقاحات بسلس������لة موجهة ومنظمة م������ن األحداث اخللوية‬ ‫واجلزيئية التي تس������مح للجس������م بإحصار ‪ block‬أي إنتان‬ ‫مستقبلي ڤيروسي أو بكتيري يحمل املستضدات ذاتها أو‬ ‫ما يشابهها‪ .‬ويكمن السر في قدرة مطوري اللقاحات على‬ ‫إيج������اد التوليفة الصحيحة من املواد املس������تضدية واملواد‬ ‫املساعدة التي توفر التحصني األقوى‪.‬‬ ‫وعل������ى الرغم م������ن أنّ لقاح ا ُ‬ ‫حل ّمى الصف������راء‪ ،‬املعروف‬ ‫باللق������اح ‪ ،YF-17D‬قد ُط ِّور بالطريقة التقليدية‪ ،‬فإنه قد جنح‬ ‫في حتقيق املرجو منه بدق������ة‪ .‬فهو واحد من أكثر اللقاحات‬ ‫الت������ي ُأنتجت حت������ى اآلن فاعلية‪ .‬إنّ حقن������ة واحدة من هذا‬ ‫اللقاح توفر املناعة للجسم خالل أسبوع واحد فقط وحماية‬ ‫تدوم ‪ 30‬عاما على األقل‪ .‬ق������ ّدم هذا النجاح فرصة الختبار‬ ‫بع������ض األفكار والط������رق املتبعة في بيولوجي������ا ال ُّنظُ م‪ ،‬ودفع‬ ‫إلى الش������روع فورا في دراس������ة ذلك‪ ،‬وقد قاد هذه الدراسة‬ ‫<‪ .B‬پولن ْد َرن> [من جامعة إميوري] مبس������اعدة فريق <رافي‬ ‫‪35‬‬

‫ممرضات‬ ‫غازية‬

‫استجابة مناعية‬ ‫تكيفية الحقة‬

‫تنطلق خاليا الذاكرة التائية‬ ‫والبائية فورا إلى العمل‬ ‫عندما حتاول العوامل الغازية‬ ‫للجسم التي حتمل مستضدات‬ ‫تشابه املستضدات املوجودة‬ ‫في اللقاح مهاجمة اجلسم في‬ ‫وقت الحق‪.‬‬

‫أحم������د> [من جامعة إمي������وري أيضا ومن فري������ق في معهد‬ ‫بيولوجيا النظم (‪ ])ISB‬وألننا نعلم أنّ اللقاح ف ّعال‪ ،‬اعتقدنا‬ ‫أنه س������يكون مبقدورنا تعرف املرتس������م التفصيلي للتغيرات‬ ‫اجلزيئية واخللوية(‪ )1‬التي ينتج منها جناح التحصني لدى‬ ‫األش������خاص الذين ل ّقحوا به‪ .‬وق������د عثرنا على هذه البصمة‬ ‫وانطلقنا نبني على اخلبرات املكتس������بة لتعرف س������بب فشل‬ ‫لقاح������ات الڤيروس ‪ HIV‬في إطالق املناع������ة املطلوبة للوقاية‬ ‫من اإلنتان‪.‬‬ ‫لق������د بدأنا جتربة احل ّمى الصف������راء من خالل تلقيح ‪25‬‬ ‫متطوع������ا أصحاء‪ ،‬بلقاح احل ّمى الصف������راء ‪ .YF-17D‬ومن‬ ‫ثم أخذنا عين������ات دم من املتطوعني عل������ى مراحل متعددة‪:‬‬ ‫عين������ة عند التلقيح‪ ،‬وأخرى بعد ثالثة أيام منه‪ ،‬وأخرى بعد‬ ‫س������بعة أيام‪ ،‬وأخرى بعد ‪ 21‬يوما‪ .‬ثم وضعت ّ‬ ‫كل عينة من‬ ‫العينات في جهاز الكش������ف اآلل������ي لتعرف أي من اجلينات‬ ‫جرى تنش������يطها‪ .‬وبالطبع‪ ،‬ال تقوم اجلينات بشكل مباشر‬ ‫بإنت������اج البروتينات التي حتتاج إليه������ا اخللية‪ .‬ففي البداية‬ ‫يتم استنساخ جزيئات الدنا إلى جزيئات من الرنا املرسال‬ ‫‪ messenger RNA‬الت������ي تس������تخدم بدورها كنم������وذج لبناء‬ ‫البروتينات‪ .‬وهكذا فإنه من خالل تعرف مس������تويات الرنا‪،‬‬ ‫نس������تطيع تعرف‪ ،‬ليس فقط اجلين������ات التي مت التعبير عنها‬ ‫(أي الت������ي اس������تخدمت إلنتاج البروتني)‪ ،‬ب������ل ميكن أيضا‬ ‫تعرف مدى فعالية تلك اجلينات‪.‬‬ ‫وكم������ا توقعنا‪ ،‬فإنّ اللق������اح ‪ YF-17D‬يقوم أ ّوال بتفعيل‬ ‫اجله������از املناع������ي الذاتي‪ ،‬وه������و اجلهاز املناع������ي األقدم‬ ‫(من وجه������ة النظر التطورية) من ب���ي��ن الفرعني الدفاعيني‬ ‫(‪ :cellular )1‬خلوي أو خليوي‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫(التحرير)‬


‫متطوعون‬ ‫مادة مناعية‬ ‫مساعدة ثانية‬

‫جتربة ‪3‬‬

‫مادة مناعية‬ ‫مساعدة أولى‬

‫مال‬ ‫جتربة ‪2‬‬

‫النتائج‬ ‫متطوعون‬ ‫جتربة ‪1‬‬

‫ملا كان الباحثون قد اختاروا‬ ‫مسبقا الصيغة التي تطلق‬ ‫االستجابة املناعية املثلى‪،‬‬ ‫فإنه ميكن للتجربة النهائية‬ ‫أن تستغرق وقتا أقل‬ ‫وتكون األكثر جناحا في‬ ‫غالب األحيان‪.‬‬

‫مادة مناعية‬ ‫مساعدة‬ ‫ثانية‬

‫استثارة‬ ‫االستجابة األعلى‬

‫في اجلس������م‪ .‬فاجلهاز املناع������ي الذاتي يق������وم باملواجهة‬ ‫الفورية ضد جميع أش������كال املمرضات‪ .‬كما تقوم خاليا‬ ‫املناعة الذاتية باس������تيعاب معظم املتعضي����ات امليكروية‬ ‫‪ microorganisms‬وقتلها‪ .‬ومع أنّ االستجابة الذاتية تكفي‬ ‫ع������ادة للتعامل مع التهديد اخلارجي‪ ،‬فإن اجلهاز املناعي‬ ‫الذاتي يق������وم بإص������دار التعليمات إلى اجله������از املناعي‬ ‫التكيفي األح������دث ظهورا لتوليد اس������تجابات نوعية ذات‬ ‫مواصفات محددة تناس������ب املُ ْم ِرض املهاجم‪ ،‬مما يجعل‬ ‫الضرر محدودا ويتم احتواؤه بشكل أسرع في حال تك ُّرر‬ ‫حدوث اإلصابة باإلنتان‪.‬‬ ‫بعد عش������رة أيام من التلقيح‪ ،‬قام اجلهاز املناعي الذاتي‬ ‫لدى املتطوع���ي��ن بتنبيه اجله������از املناعي التكيف������ي للتفاعل‬ ‫بطلقت���ي��ن متتابعتني من التنبيهات‪ .‬تولد في األولى بروتينات‬ ‫خاصة تعرف باألضداد (األجس����ام املضادة)(‪antibodies )1‬‬ ‫ملختلف أج������زاء ڤيروس ا ُ‬ ‫حل ّمى الصف������راء‪ ،‬وبعد ذلك تفعل‬ ‫مجموع������ة من اخلالي������ا املناعية تع������رف باخلالي����ا التائية‬ ‫القاتل����ة ‪ ،Killer T cells‬التي تق������وم بدورها بتع ّرف اخلاليا‬ ‫املصابة باإلنتان في اجلس������م وتُد ّمره������ا‪ .‬ومن خالل إجراء‬ ‫ع������دد من التحلي���ل��ات‪ ،‬تعرفنا ‪ 65‬جينا أدت دورا أساس������يا‬ ‫‪36‬‬

‫مادة مناعية‬ ‫مساعدة‬ ‫أولى‬

‫استثارة‬ ‫االستجابة العالية‬

‫صيغة اللقاح‬ ‫الرابعة‬

‫مال‬ ‫بصمة تتفق‬ ‫مع النتائج‬ ‫املرجوة‬

‫استثارة‬ ‫االستجابة املُعتدلة‬

‫في اس������تجابة اجلس������م للقاح ‪ .YF-17D‬وأظهر حتليل أكثر‬ ‫عمقا أنّ منط������ا نوعيا يتضمن تلك اجلينات قد ّ‬ ‫دل بش������كل‬ ‫خ������اص على تفعل كل من األض������داد القوية واخلاليا التائية‬ ‫القاتلة‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬متكنّا من إثبات وجهة نظرنا في هذا‬ ‫الصدد‪ .‬وقد اس������تطعنا أن نقيس بدق������ة متناهية‪ ،‬وأن نح ّدد‬ ‫بالضبط أي اجلينات في اجلهاز املناعي بدأت بالعمل وتلك‬ ‫التي توقفت عن العمل خالل عملية االستجابة املناعية القوية‬ ‫للقاح ‪ .YF-17D‬ومن ثم توصل >رفيق‪-‬بيير س������يكالي< [من‬ ‫معهد للقاحات واملعاجلة اجلينية ‪ -‬فلوريدا (‪ ])VGTI‬بشكل‬ ‫منفصل‪ ،‬إلى نتائج مشابهة‪ ،‬وقد أكد توافق الدراستني على‬ ‫صحة النتائج‪.‬‬ ‫واألمر الذي يبعث الرضا بشكل خاص عن هذه النتائج‬ ‫هو إمكاني������ة قياس بصم������ة التحصني في مج������رى الدم‪،‬‬ ‫والناجمة عن االس������تجابة املوضعي������ة للمناعة عند موضع‬ ‫التطعيم‪ .‬فمن حيث املبدأ‪ ،‬تعني هذه االكتش������افات أنه من‬ ‫املمكن تطوير فحص تش������خيصي بسيط كأخذ عينة دم من‬ ‫رأس األصب������ع ملعرفة درجة جودة عمل اللقاح‪ .‬وال يتطلب‬ ‫األمر س������وى القليل جدا من التدري������ب أو األجهزة املعقدة‬ ‫(‪ :antibody )1‬جسم مضاد أو ضد‪ ،‬وجمعها أجسام مضادة أو أضداد‪( .‬التحرير)‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫طريقة جديدة لتصميم اللقاحات‬ ‫مقاربة تقليدية‬

‫وقت‬ ‫جتربة ‪1‬‬

‫صيغة اللقاح‬ ‫الرابعة‬

‫الوقت‬

‫محمي بلقاح‬

‫مستويات‬ ‫البروتينات‬ ‫مستقلبات‬ ‫تغيرات جينية‬ ‫إنتاج الرنا‬ ‫مستويات‬ ‫البروتينات‬ ‫مستقلبات‬ ‫تغيرات جينية‬

‫ملا كان اجلهاز املناعي ينتج األضداد‬ ‫واخلاليا التائية بآالف الطرائق‪ -‬وليس‬ ‫جميعها طرقا فعّ الة – فإنه ينبغي جتربة‬ ‫صيغ اللقاحات التي تنجح في االختبارات‬ ‫األولية على عدد كبير من األشخاص‪ .‬في‬ ‫هذه احلالة‪ ،‬كانت نتائج التجارب السريرية‬ ‫األولية مخيبة لآلمال؛ غير أنّ احملاوالت‬ ‫الالحقة التي استغرقت وقتا أطول أظهرت‬ ‫أنّ إضافة مُ ركبني يعرفان بأنهما من املواد‬ ‫املساعدة أدت إلى إطالق الوقاية املثلى‪.‬‬

‫بغ����ض النظ����ر عن املقاربة الت����ي يتبعها العلماء في تطويره����م ل ّلقاحات‪ ،‬فإن‬ ‫عليه����م البدء بإجراء أبحاث أولية عل����ى عدد من الصيغ التجريبية‪ .‬ويوضح‬ ‫الش����كل هن����ا‪ ،‬لقاح����ا واحدا فقط م����ن بني أربع����ة لقاحات جتريبي����ة جنح في‬ ‫اجتياز االختبارات العامة في استثارة اجلسم لتوليد أضداد وخاليا تائية‪،‬‬ ‫كما مت ّيز هذا اللقاح بسالمته لالستخدام على البشر‪.‬‬ ‫األبحاث التمهيدية‬ ‫صيغة اللقاح الرابعة صيغة اللقاح الثالثة صيغة اللقاح الثانية صيغة اللقاح األولى‬

‫مقاربة بيولوجيا النظُ م‬

‫وقت‬ ‫إنتاج الرنا‬

‫بصمات النجاح‬

‫( )‬

‫غير محمي بلقاح‬

‫جرى جتربة صيغة اللقاح الناجحة على‬ ‫عدد من املتطوعني‪ .‬وقامت أجهزة التحليل‬ ‫األوتوماتيكية بتكوين بصمات نوعية‬ ‫لالستجابات املناعية من خالل قياس‬ ‫إنتاج الرنا (احلمض النووي الريبي)‬ ‫‪( RNA‬عدد جزيئات الرنا التي نسخت‬ ‫من كل جني مُ َن َّشط)‪ ،‬وقياس مستويات‬ ‫البروتينات الفردية واملُستقلبات‬ ‫(املَئيضات) – وهي املواد الناجتة من‬ ‫تفكيك املنتجات – وكذلك التغيرات‬ ‫الوراثية‪ .‬يقوم الباحثون باختبار صيغة‬ ‫اللقاح ومن ثم تعديله وإعادة جتربته‬ ‫من جديد وتعديله عددا من املرات حتى‬ ‫تتمكن صيغة اللقاح األخيرة من إطالق‬ ‫بصمة الستجابة فعّ الة تتميز مبستوى‬ ‫عال من األمان‪.‬‬

‫جلم������ع وحتليل البيانات ‪ -‬وهذا أم������ر مهم عند األخذ في‬ ‫ّ‬ ‫والسل تؤثر أكثر ما‬ ‫احلسبان أنّ الڤيروس ‪ HIV‬واملالريا‬ ‫تؤثر في أكثر األماكن فقرا في العالم‪.‬‬ ‫التصدّي لڤيروس عوز املناعة البشرية املكتسب‬ ‫ومتالزمة عوز املناعة املكتسب (اإليدز)‬

‫)‪(HIV‬‬

‫( )‬

‫بعد البرهان على أنّ أس������لوب بيولوجيا الن ُ​ُّظم ميكنه أن‬ ‫مفصلة عن تأثير اللقاحات الناجحة في اجلهاز‬ ‫يق ّدم صورة ّ‬ ‫اشتركت مع مجموعة من الزمالء للتص ّدي ملشكلة‬ ‫املناعي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الڤيروس ‪ .HIV‬ولعل أفضل اخلطوات التالية التي كان ميكن‬ ‫اتخاذه������ا هي املقارنة بني تركيب ع������دد من اللقاحات ملعرفة‬ ‫م������ا إذا كان أحدها يؤدي إلى اس������تجابة مناعية منوذجية‪.‬‬ ‫ولكنن������ا لم نع������رف وال نعرف ذلك حت������ى اآلن‪ .‬ففي احلقيقة‬ ‫كيف تبدو االستجابة املناعية النموذجية للڤيروس ‪ ،HIV‬لذا‬ ‫فإن معرفة مثل هذه البصمة هي من أهم األهداف الرئيس������ة‬ ‫لن������ا في الوقت احلاضر‪ .‬وقد بدأنا بالبحث عن بعض األدلة‬ ‫في احليوانات‪.‬‬ ‫أظه������رت التجارب أنّه ميكن للقردة أن تُصاب باإلنتان‬ ‫بڤي����روس ع����وز املناع����ة القردي (‪ ،)1()SIV‬والذي يتش������ابه‬ ‫‪37‬‬

‫استجابة‬ ‫باألضداد‬ ‫استجابة‬ ‫باخلاليا التائية‬

‫استجابة‬ ‫باألضداد‬ ‫استجابة‬ ‫باخلاليا التائية‬

‫استجابة‬ ‫باألضداد‬ ‫استجابة‬ ‫باخلاليا التائية‬

‫استجابة‬ ‫باألضداد‬ ‫استجابة‬ ‫باخلاليا التائية‬

‫مأمون‬

‫مأمون‬

‫مأمون‬

‫مأمون‬

‫ف������ي أوجه كثيرة مع الڤيروس ‪ .HIV‬وه������ذه القابلية مهمة‬ ‫ألنن������ا نس������تطيع أن َن َت َع ّمد نق������ل اإلنتان إل������ى القردة عند‬ ‫إجراء الدراسات‪ ،‬في حني ال ميكننا فعل ذلك من الناحية‬ ‫األخالقية مع البشر‪.‬‬ ‫للصحة‬ ‫وبالتعاون م������ع <‪ .L‬پيكر> [من جامع������ة أوريگون‬ ‫ّ‬ ‫والعلوم]‪ ،‬و<‪ .R‬س������يدر> [من املعاه������د الوطنية للصحة] يقوم‬ ‫حالي������ا باحثون في معهد س������ياتل للبيولوجيا الطبية باختبار‬ ‫عدد من لقاحات الڤيروس ‪ SIV‬على القردة‪ ،‬للتع ّرف بش������كل‬ ‫أكبر على س������مات مناعية ترتبط باستجابة مناعية قوية ضد‬ ‫ذل������ك الڤيروس‪ .‬وقد متكنّا حتى اآلن من تعرف بصمات عدة‬ ‫م������ن االس������تجابات املناعية الذاتية واملبك������رة التي ميكنها أن‬ ‫تتوق������ع أي احليوانات التي جرى تلقيحها هي التي س������وف‬ ‫يحوي دمها كمية أقل من الڤيروس������ات‪ ،‬بعد أن يتم تعريضها‬ ‫بالتتابع للڤيروسات ‪.SIV‬‬ ‫وتظه������ر هذه اجلين������ات ‪ -‬التي يرتب������ط التعبير عنها‬ ‫بارتفاع قدرة اجلس������م على محارب������ة الڤيروس ‪ -‬كأنها‬ ‫مجموعات من العقد الش������ديدة الترابط عند متثيلها في‬ ‫( ) ‪Signatures of Success‬‬ ‫( ) ‪TACKLING HIV / AIDS‬‬ ‫(‪simian immunodeficiency virus )1‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫رسم بياني ُيظهر استجابة اجلسم املناعية؛ فالعقد متثل‬ ‫جينات منفردة‪ ،‬ومتثل الصالت بني العقد تأثير هذه العقد‬ ‫في أنش������طة بعضها بعض [انظر اإلطار في الصفحتني‬ ‫‪ 36‬و ‪ .]37‬وملا كانت القردة والبشر يتشاركان في الكثير‬ ‫من اجلينات ذاتها‪ ،‬فإن س������مات االس������تجابة املثلى لدى‬ ‫الق������ردة قد تعطينا فكرة عن كي������ف يجب أن تبدو بصمة‬ ‫االس������تجابة القوية ضد الڤيروس ‪ ،HIV‬كما قد تستخدم‬ ‫هذه البصمة أيضا في تقيي������م مقدرة عدد من اللقاحات‬ ‫املختلفة على العمل في البشر‪.‬‬ ‫ُيتابع الباحثان >پيكر< و>س������يكالي< إحدى املس������ائل‬ ‫املرتبطة بذل������ك‪ .‬فهما ُيط ِّبقان مقاربات مس������تويات الن ُ​ُّظم‬ ‫ملعرفة الس������بب ال������ذي يجع������ل اللقاح������ات املصنوعة من‬ ‫الڤيروس������ات ‪ SIV‬املضعفة جيدة في حماية الرئيس������يات‬ ‫من غير البش������ر من أي إنتان الحق‪ .‬ومع األسف‪ ،‬فحتى‬ ‫استخدام الڤيروسات املضعفة من الڤيروس ‪ HIV‬يشكل‬ ‫خطرا كبيرا‪ .‬فمع مرور الوقت‪ ،‬قد متتزج هذه الڤيروسات‬ ‫املُضعفة في ڤيروسات قوية وتؤدي إلى اإلصابة باملرض‬ ‫الذي كان من املفترض أن حتمي الناس منه‪( .‬لهذا جرى‬ ‫استبعاد األشكال احلية من لقاح شلل األطفال في الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية)‪ ،‬وينبغي أن يرش������دنا النجاح إلى طرق‬ ‫إحداث اس������تجابة مناعية في اجلسم مماثلة للمناعة التي‬ ‫تحُ دثها الڤيروسات املُضعفة من دون املخاطرة باستخدام‬ ‫هذه الڤيروسات في اللقاح‪.‬‬ ‫تعلّم من اإلخفاق‬

‫( )‬

‫واآلن‪ ،‬أثب������ت العلماء م������ن مختلف املؤسس������ات العلمية‬ ‫إمكانية جناح مقاربة النُّظُ م(‪ )1‬في العديد من مراحل تطوير‬ ‫اللقاح‪ .‬فق������د طورنا البصمة املناعية للق������اح ‪ YF-17D‬الذي‬ ‫يوف������ر وقاية كامل������ة‪ .‬وقد طورنا الس������مات املناعية لقردة مت‬ ‫تطعيمها بنجاح‪ .‬ولكن ما زال هناك عدد آخر من األس������ئلة‬ ‫احمليرة التي نأمل بحلها قبل الشروع في تطوير لقاح جديد‬ ‫للڤيروس ‪ .HIV‬ومن بني هذه األسئلة‪ :‬هل ميكننا أن نشرح‬ ‫بدقة سبب إخفاق اللقاح الذي طورته شركة ميرك ضد هذا‬ ‫الڤيروس في عام ‪ – 2007‬وهو إخفاق صدم مجتمع اإليدز‪،‬‬ ‫وأصاب في مقتل ما بدا أنه أكثر اللقاحات املرجوة املرشحة‬ ‫ملواجهة هذا املرض؟‬ ‫فــاللقــ������اح الـــذي طـــورتــــه ش������ركــة ميــرك واملُس������مى‬ ‫‪ ،MRKAd5/HIV-1‬ل������م يك������ن بالطبع اللق������اح األ ّول الذي‬ ‫ُج ّرب ضد الڤيروس ‪ .HIV‬فقد ركزت التجارب السريرية‬ ‫الس������ابقة على حتفيز اس������تجابة بأض������داد ف ّعالة متحو‬ ‫‪38‬‬

‫بالكامل جميع ُجس������يمات الڤيروس قب������ل أن تتمكن من‬ ‫السيطرة على اجلسم‪ .‬ومع األسف‪ ،‬فإنّ استراتيجيتني‬ ‫اثنتني من أصل االس������تراتيجيات الثالث الرئيسة لتوليد‬ ‫مثل هذا اللقاح لم تكن متاحة‪ .‬فاستخدام نسخة ُمضعفة‬ ‫من هذا الڤيروس كان مش������وبا بخطر كبير‪ ،‬بينما فشلت‬ ‫اس������تراتيجية اس������تخدام جس������يمات ُم ّ‬ ‫عطلة بالكامل من‬ ‫الڤيروس ف������ي إنتاج األنواع الصحيح������ة من األضداد‪.‬‬ ‫وبقيت االس������تراتيجية الثالثة وهي اس������تخدام ش������ذرات‬ ‫متناثرة من الڤيروس ‪ HIV‬إما مس������تقلة عن غيرها وإما‬ ‫ُمرتبطة بڤيروس آخر (وذلك من أجل حتريض النش������اط‬ ‫املناع������ي)‪ .‬ولألس������ف‪ ،‬حتى هذه األنواع م������ن اللقاحات‬ ‫لم تس������تطع حتى اآلن إنتاج اس���تجابة ضدّي���ة(‪ )2‬فاعلة‬ ‫ومؤكدة‪( .‬وقد أظهرت النتائج التي نشرت في عام ‪2009‬‬ ‫عن جتربة اللقاح في تايالند اس������تجابة ض ّدية متواضعة‬ ‫الف َّعالي������ة لم تك������ن فوائدها عامة مبا يكف������ي حلماية كل‬ ‫مما دعا جمي������ع الباحثني إلى االقتناع بأنّ هذا‬ ‫األفراد‪ّ ،‬‬ ‫اللقاح يحتاج إلى حتسني)‪.‬‬ ‫وق������د غ ّير املش������روع ‪ MRKAd5/HIV-1‬من مس������اره‪.‬‬ ‫فعوض������ا عن محاولته إثارة اس������تجابة ض ّدية قوية‪ ،‬فإنه‬ ‫هدف إلى تنش������يط اخلالي������ا التائية القاتل������ة في اجلهاز‬ ‫املناعي التكيفي‪ .‬وكما كانت احلال في احملاوالت السابقة‪،‬‬ ‫اس������تخدم اللقاح الذي طورته ش������ركة ميرك مستضدات‬ ‫نوعي������ة للڤيروس ‪ HIV‬مت تركيبها للحصول على ڤيروس‬ ‫أكث������ر أمانا – فق������د اختي������ر النمط ‪ 5‬من الڤيروس������ات‬ ‫الغ ّدانية الذي أطلق عليه الرمز ‪ – Ad5‬جتنبا للمشكالت‬ ‫جس������يمات كاملة للڤيروس ‪HIV‬‬ ‫التي ترتبط باس������تخدام ُ‬ ‫(والڤيروسات الغ ّدانية من املس������ببات الشائعة للزكام)‪.‬‬ ‫وق������د أدرك علماء املناعة أنّ جهودهم – حتى ولو جنحت‬ ‫بالكامل – لن تس������تطيع أن متنع الڤي������روس من إصابة‬ ‫اخلاليا؛ كما ينبغي وجود األضداد لتحقيق ذلك الهدف‪.‬‬ ‫لكن جهودهم س������وف تتمكن عل������ى األقل من اإلبقاء على‬ ‫تكاثر الڤيروس������ات في ح ّده األدنى‪ ،‬وذلك بقتلها اخلاليا‬ ‫املُصابة‪ .‬ومن الناحية النظرية‪ ،‬سوف يسمح اللقاح لكل‬ ‫من يتعرض لإلصابة بالڤيروس ‪ HIV‬أن يحارب الڤيروس‬ ‫سمى‪.‬‬ ‫ويوقفه إلى أجل غير ُم ّ‬ ‫وق������د كان هذا األس������لوب ميثل آخر م������ا توصلت إليه‬ ‫األبحاث‪ ،‬إذ س������وف تكون هذه الدراسة أ ّول جتربة جترى‬ ‫ص ِّمم نوعيا لتفعيل اخلاليا التائية‬ ‫على نطاق واسع للقاح ُ‬ ‫( ) ‪LEARNING FROM FAILURE‬‬ ‫(‪systems approach )1‬‬ ‫(‪antibody response )2‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫لقتل اخلاليا املصابة بإنتان الڤيروس ‪ .HIV‬وقد أش������ارت‬ ‫الدراس������ات الرائدة الت������ي أجريت على الرئيس������يات غير‬ ‫البش������رية بقوة إلى أنّ هذا اللقاح سوف يق ّدم مستوى ما‬ ‫من احلماية للبشر‪.‬‬ ‫وكان م������ن غير املتوق������ع أن يخفق اللقاح ال������ذي طورته‬ ‫ش������ركة مي������رك‪ .‬فعلى الرغم من جن������اح اللقاح في حتريض‬ ‫اس������تجابة اخلاليا التائية بدقة ضد اخلاليا املصابة بإنتان‬ ‫الڤي������روس ‪ HIV‬ف������ي أكثر من ‪ 75‬في املئة من األش������خاص‬ ‫الذي������ن أجري عليهم االختبار (وهي نتيحة مدهش������ة بحق)‪،‬‬ ‫أظهرت التحاليل األولية للبيانات عدم اختالف نسبة اإلنتان‬ ‫بالڤيروس ومستويات الڤيروسات في اجلسم بني املجموعة‬ ‫الت������ي أعطيت اللق������اح واملجموعة التي أعطي������ت مادة ُغفال‬ ‫‪ .Placebo‬ومما أثار قدرا أكبر من الدهش������ة‪ ،‬أنّ املشتركني‬ ‫الذين تناول������وا اللقاح‪ ،‬وهم ممن يحملون أضدادا لـلڤيروس‬ ‫الغ ّدان������ي ‪( Ad5‬نتيجة لتعرضهم الس������ابق إلنتان بالڤيروس‬ ‫الغداني من النمط ‪ 5‬غير ذات صلة بالڤيروس ‪ ،)HIV‬أظهروا‬ ‫ميال إلى اإلصابة باإلنتان أكثر من األشخاص في املجموعة‬ ‫التي تلقت املادة الغُفل‪.‬‬ ‫لقد قمنا بتش������كيل فريق مش������ترك م������ع <‪ .J‬ماكيلراث> من‬ ‫فرد هاتشنسون ألبحاث السرطان في سياتل] لتحليل‬ ‫[مركز ِ‬ ‫اللقاح الذي طورته ش������ركة ميرك‪ .‬وقد اتفقنا معا في حتليلنا‬ ‫على أنّ التع������ ّرض للقاح ‪ MRKAd5/HIV-1‬قد ف ّعل عمل آالف‬ ‫اجلينات خالل الـ ‪ 24‬ساعة األولى بعد التلقيح‪ .‬وتنسجم هذه‬ ‫االستجابة على نحو استثنائي بتفعيل نسبة عالية من اخلاليا‬ ‫التائية‪ .‬وقد توصلنا أيضا إلى معرفة أنّ هذه اجلينات تتضمن‬ ‫جميع األطراف الرئيس������ة املعنية ف������ي اجلهاز املناعي الذاتي‪.‬‬ ‫ولكن عندما قمنا بفحص عينات الدم املأخوذة من األشخاص‬ ‫املش������تركني في الدراس������ة‪ ،‬والذين يحملون أضدادا للڤيروس‬ ‫الغ ّدان������ي ‪( Ad5‬وهم من املجموعة نفس������ها من األش������خاص‬ ‫الذي������ن أظهروا مع������دال أكبر لإلصابة بإنت������ان الڤيروس ‪HIV‬‬ ‫بعد تعرضهم للتلقيح)‪ ،‬وجدنا أنّ حتفيز عمل اجلهاز املناعي‬ ‫الذاتي قد أضعف بشدة‪.‬‬ ‫االحتم������ال األكب������ر هن������ا‪ ،‬أنّ ضعفا خط������را – لم يكن‬ ‫متوقعا على اإلط���ل��اق – قد جعل من أولئك املتطوعني في‬ ‫الدراسة عرضة لإلنتان عندما مارسوا اجلنس مع شركاء‬ ‫مصاب���ي��ن بالڤيروس ‪ ،HIV‬أو تش������اركوا معهم في احلُقن‬ ‫امللوثة‪ .‬ونقوم حاليا بإجراء دراس������ات جديدة لنرى ما إذا‬ ‫كنا قادرين على تأكيد هذه الفرضية وتفسير سبب إخفاق‬ ‫ألي من‬ ‫االستجابة القوية للخاليا التائية في توفير احلماية ّ‬ ‫األشخاص املشتركني في الدراسة‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫خطوات تالية‬

‫( )‬

‫في الوقت احلاضر يبدو أن املقاربة القائمة على الن ُ​ُّظم هي‬ ‫أفضل ما يناسب االختبارات التجريبية ل ّلقاحات بعد تشكيلها‬ ‫م������ن أجل التح ّقق من قدرتها على توفير حماية فاعلة‪ .‬غير أنّ‬ ‫الهدف املنشود في النهاية هو تصميم لقاحات بأسلوب جديد‬ ‫من البداية إلى النهاية‪ ،‬بحيث نعرف مسبقا أنّها سوف حتفز‬ ‫االستجابات املناعية املرجوة‪.‬‬ ‫لقد متكن العلماء من إحراز تقدم ملحوظ في هذا املسار‪-‬‬ ‫مث������ل‪ ،‬التقدم في فهم آلي������ة تأثير بعض املواد املُس������اعدة في‬ ‫اللقاحات في اجلهاز املناعي‪ .‬وقام فريق <‪ .A‬أديرمي> بدراسة‬ ‫الشبكات اجلينية التي جرى تفعيلها مبنظومة واسعة من املواد‬ ‫املس������اعدة‪ ،‬ومن الواضح أنّ بعض املواد املس������اعدة املناعية‬ ‫ق������د أطل����ق ‪ trigger‬عمل بعض اجلينات التي تقوم باس������تثارة‬ ‫اس������تجابات اخلاليا التائية‪ ،‬بينما قامت شبكات جينية أخرى‬ ‫بحرف مسار الشبكات املناعية نحو إنتاج األضداد‪ .‬ولكن من‬ ‫املمكن جدا أن نتوصل إلى استمثال ‪ optimize‬إنتاج لقاحات‬ ‫خاص������ة ضد ممُ ْ ِرضات معينة‪ ،‬وذل������ك من خالل دمج معارفنا‬ ‫التفصيلي������ة ح������ول املواد املس������اعدة في معرفتن������ا بالبصمات‬ ‫اجلزيئية الدقيقة واخلاصة باستجابة مناعية معينة‪.‬‬ ‫وف������ي جميع األحوال‪ ،‬أش������ارك زمالئ������ي اعتقادهم أن‬ ‫املقاربة املستندة إلى الن ُ​ُّظم متنح األمل األكبر للتوصل إلى‬ ‫تصميم لقاح أكثر اس������تهدافا وميكن التنبؤ بنتائجه‪ .‬وإنّ‬ ‫الفهم األفضل للجهاز املناعي هو السبيل الوحيد البتكار‬ ‫لقاحات فاعلة ضد هجمات األمراض الضارية مثل اإليدز‬ ‫واملالريا والس������ل‪ .‬وقد متكنت هذه املُ ْم ِرضات التي تسبب‬ ‫مثل هذه اجلائحات الوبائية حتى اآلن‪ ،‬من إحباط أقصى‬ ‫اجلهود التي بذلناها لتطوير اللقاحات بالطريقة التقليدية‪.‬‬ ‫ولكننا ببس������اطة‪ ،‬ال ميكن أن نسمح مبوت عشرات املاليني‬ ‫من األشخاص من األجيال القادمة مبثل أمراض الطواعني‬ ‫ ‬ ‫العاملية هذه‪.‬‬ ‫( )‬

‫‪NEXT STEPS‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, May 2011‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫ثورة الغذاء األزرق‬

‫( )‬

‫مزارع سمك جديدة في عمق البحر وعمليات أنظف على طول الشاطئ‪،‬‬ ‫ميكن أن تزود العالم مبصدر غني حلاجته الشديدة إلىالپروتني‪.‬‬ ‫>‪ .S‬سيمپسون<‬

‫يرعى >‪ .N‬س������يمز< قطيعه املش������اكس كأي مزارع متفان؛‬ ‫ولكن عوضا ع������ن امتطاء حصانه كرعاة الغنم األس������ترال ّيني‬ ‫الذين ترعرع بينهم‪ ،‬فإنّه يرتدي قناع الغوص وقصبة التنفس‬ ‫ليرع������ى قطيعه املكون م������ن ‪ 480 000‬س������مكة فض ّية واحمل ّوط‬ ‫بأقفاص تبعد مسافة نصف ميل من شاطئ كونا ‪ ،Kona‬أكبر‬ ‫جزر هاواي‪.‬‬ ‫وتعد مزرعة >سيمز< املخ ّبأة حتت األمواج واحدة من ‪20‬‬ ‫عمل ّية عامل ّية حتاول أن تستفيد من آخر التخوم الزراعية على‬ ‫الكرة األرضية وأعظمها‪ :‬أال وهو احمليط‪ .‬فموقعها البعيد عن‬ ‫الشواطئ مي ّيزها بسمة نادرة عن اآلالف من أحواض مزارع‬ ‫الس������مك التقليد ّية التي هي عبارة عن سلس������لة من احلظائر‬ ‫الش������اطئية املعانق������ة للش������واطئ‪ .‬وهذه احلظائر الش������اطئية‬ ‫الس������تزراع السمك تثير في العادة االستياء لبشاعة منظرها‬ ‫ولتلويثها مي������اه البحر ملا ينتج منها من فضالت األس������ماك‬ ‫وبقايا الطعام التي تعكر املي������اه الضحلة الهادئة‪ ،‬وتزيد من‬ ‫تكاث������ر الطحالب الض������ارة الذي يقضي عل������ى بقية األحياء‬ ‫البحر ّي������ة‪ ،‬ويعمل على نفوق الكائن������ات احلية التي قد تعيش‬ ‫حتت تلك احلظائر‪ .‬ويبني >س������يمز< أنه ف������ي املواقع البعيدة‬ ‫عن الش������اطئ ‪ -‬كمزارع املياه الزرقاء في كونا(‪ - )1‬ال يعد‬ ‫التلوث مش������كلة‪ .‬فاحلظائر السبع املغمورة حتت املياه والتي‬ ‫يبلغ حجم الواحدة منها حجم صالة رياضة مدرس ّية‪ ،‬مثبتة‬

‫في قاع البحر بني الت ّيارات الس������ريعة التي تزيل الفضالت‬ ‫وتخفف من تركيزها بس������رعة إلى مستويات أقل ضررا في‬ ‫البحر اجلاري‪.‬‬ ‫وللتحقق مما ذكره >سيمز<‪ ،‬قمت بارتداء زعانف السباحة‬ ‫وقن������اع وقصب������ة التنفس عل������ى رقبتي‪ ،‬وصع������دت على ح ّفة‬ ‫مركب اخلدمة الصغير‪ ،‬ثم قف������زت‪ .‬في املاء‪ ،‬بدا لي القفص‬ ‫املخروطي الطرفني منيرا مثل مصباح صيني عمالق وس������ط‬ ‫أش������عة الشمس املتدفقة واألجسام البراقة لألسماك املسرعة‬ ‫بداخله‪ .‬وعند حتسس املادة املش������دودة على امتداد أطراف‬ ‫الهي������كل اخلارجي‪ ،‬فإنه������ا تبدو كما لو كانت س������ياجا أكثر‬ ‫منها ش������بكة‪ .‬ومتنع ألياف مادة الكِ ڤالر إيسك ‪Kevlar-esque‬‬ ‫الصلبة أس������ماك القرش اجلائعة من دخول القفص بالكفاءة‬ ‫نفس������ها التي حت������وي بها العدد الهائل من س������مك س����ريوال‬ ‫ريڤوليان����ا ‪ ،Seriola rivoliana‬وهو نوع مح ّلي من الس������مكة‬ ‫صف����راء الذيل(‪ )2‬التي تربيها مزرعة كونا بلو بدال من أسماك‬ ‫التونا البر ّية‪.‬‬ ‫ولكن ملاذا صفراء الذيل؟ ألنّ العديد من مصايد أس������ماك‬ ‫التونا البرية آخذة في التدهور‪ ،‬والرتفاع ثمن سمكة صفراء‬ ‫( ) ‪THE BLUE FOOD REVOLUTION‬‬ ‫)‪Kona Blue Water Farms (1‬‬ ‫)‪Yellowtail (2‬‬

‫باختصار‬ ‫في الوقت الذي يزداد فيه استهالك اللحوم في العالم ‪ -‬وما يستلزمه‬ ‫إنتاجه������ا من طاق������ة ومياه وانبعاثات ‪ -‬ومع تناقص صيد الس������مك‪ ،‬قد‬ ‫يصبح استزراع السمك مصدر الپروتني األكثر استدامة لإلنسان‪.‬‬ ‫لقد صار اس������تزراع الس������مك يوفر نصف كمية اإلنتاج الكلي من‬ ‫املأكوالت البحرية‪ .‬ولكن‪ ،‬مبا أن معظم هذا االس������تزراع يجري بالقرب‬ ‫‪40‬‬

‫من السواحل‪ ،‬فإنه يسبب قدرا ملحوظا من تلوث املياه‪.‬‬ ‫واملزارع الكبيرة والبعيدة عن الشواطئ واملثبتة في قاع البحر غالبا‬ ‫ما تكون أنظف‪ .‬وميكن لهذه املزارع‪ ،‬وهي أشكال جديدة للزراعة املائية‪،‬‬ ‫ولعمليات تنظيف السواحل أن تنتشر على نحو ملحوظ‪.‬‬ ‫ويبقى السؤال عن مدى استدامة هذه املزارع وفعاليتها االقتصادية‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫قد يصبح استزراع السمك ‪ -‬مثل‬ ‫السمكة صفراء الذيل ‪ yellowtail‬في‬ ‫املزارع ‪ Blue Water Farms‬بالقرب‬ ‫من هاواي ‪ -‬في أقفاص في عمق‬ ‫البحر املصدر األكثر استدامة‬ ‫إلنتاج الپروتني لالستهالك البشري‬ ‫مبا هو أكثر مما يوفره صيد‬ ‫السمك أو إنتاج اللحوم‪.‬‬

‫أسس >سيمز‬ ‫الذيل املالئمة إلعداد أطباق السوش������ي‪ .‬وقد ّ‬ ‫وزميله >‪ .D‬س������ارڤر< [عالم األحياء البحرية] كونا بلو في عام‬ ‫‪ 2001‬الستزراع أنواع السمك املرغوبة كثيرا باستخدام طرق‬ ‫مستدامة‪ .‬إ ّال أنه ميكن أيضا تطبيق طرق هذه الشركة لتربية‬ ‫األس������ماك العادية التي قد نحتاج إليها‪ .‬فعدد س������كان العالم‬ ‫الذي يتجاوز حاليا ‪ 6.9‬بليون نس������مة س������وف يرتفع إلى ‪9.3‬‬ ‫بلي������ون بحلول عام ‪ ،2050‬والناس الذين يتمتعون مبس������تويات‬ ‫معيش������ية مرتفع������ة مييلون بازدي������اد إلى تن������اول كميات أكبر‬ ‫م������ن اللحوم واملأك������والت البحرية‪ .‬ومع ذلك ل������م يتغير مردود‬ ‫الصي������د البحري العاملي خالل العقد املاضي‪ ،‬بل إنه آخذ في‬ ‫التناقص‪ .‬كما أن تربية األبقار والدجاج واحليوانات األخرى‬ ‫تستلزم مناطق شاس������عة من األراضي واملياه العذبة والوقود‬ ‫األحفوري الذي يل ّوث الهواء والسماد الذي ُيرمى في األنهار‬ ‫واحمليطات فيخنقها‪.‬‬ ‫فمن أين لنا بالپروتني كله الذي نحتاج إليه نحن البشر؟ قد‬ ‫يكمن احلل في املزارع املائ ّية اجلديدة البعيدة عن الس������واحل‬ ‫صلُح تش������غيلها‪ ،‬واملزارع الش������اطئية فيما إذا كانت‬ ‫فيما إذا َ‬ ‫<‬

‫‪41‬‬

‫قابلة للتنظيف‪.‬‬ ‫األنظف هو األفضل‬

‫( )‬

‫في نظر بعض العلماء تستلزم دعوات إطعام العالم حتويل‬ ‫إنت������اج پروتيننا احليوان������ي إلى البحار‪ .‬ولكن كي تس������تطيع‬ ‫ثورة الطع������ام األزرق أن متأل هذا الطب������ق الكبير على طاولة‬ ‫العش������اء‪ ،‬عليه������ا أن تعمل وفقا للطرق البيئية الس������ليمة‪ ،‬وأن‬ ‫توصل مزاياها إلى أسماع جمهور منهك وإلى صناع القرار‬ ‫القادرين على مساعدة أو إعاقة انتشار هذه الطرق‪.‬‬ ‫في املاضي رمبا كان االس������تنكار محقا‪ .‬فعندما نش������أت‬ ‫مزارع الس������مك الش������اطئ ّية احلديث������ة قبل ‪ 30‬س������نة‪ ,‬لم تكن‬ ‫األمور جتري على نح������و صحيح من الناحية البيئية وال حتّى‬ ‫م������ن ناحية اس������تدامة الصناعة‪ .‬فق������د كان الصرف الصحي‬ ‫لفضالت األس������ماك أحد أكبر املش������كالت‪ .‬فق������د قام مزارعو‬ ‫الربيان (الروبيان) في شمال شرق آسيا واملكسيك بالقضاء‬ ‫على غابات القرم (املنگروڤ) ‪ mangrove‬الس������احلية إلنشاء‬ ‫( )‬

‫‪CLEANER IS BETTER‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫إطعام العا َلم‬

‫إنتاج البروتني‪ :‬بر أم بحر؟‬

‫( )‬

‫تزداد حاجة العالم إلى البروتني‬

‫حيوان‬

‫بازدياد عدد سكان‬ ‫العالم من ‪ 6.9‬إلى‬ ‫‪ 9.3‬بليون نسمة‬ ‫بحلول عام ‪.2050‬‬ ‫‪2010‬‬

‫البد من زيادة مساحة املناطق‬ ‫الزراعية واملراعي بنسبة‬ ‫‪ %50‬إلى ‪ %70‬لس ّد حاجة‬ ‫السكان إلى الطعام في عام‬ ‫‪ ،2050‬وهذا أمر يصعب‬ ‫حتقيقه في الوضع احلالي‪.‬‬

‫‪2050‬‬

‫سمك‬ ‫خضار‬

‫‪2010‬‬

‫تزود األسماك ‪ %7‬فقط‬ ‫من البروتني العاملي‪.‬‬

‫‪2050‬‬

‫من أين لنا بالبروتني؟‬ ‫املخزون الغذائي ملراكز الصيد‬ ‫النمو السنوي‬ ‫املتوقع‪ %7.4 :‬العاملي (باوند للشخص الواحد)‬

‫تنتج معظمه‬ ‫البلدان اآلسيوية‬ ‫من الزراعة املائية‬ ‫للسمك واحملار‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫أمر‬

‫يكا‬

‫أ‬

‫‪20‬‬

‫وروبا‬

‫إفريقيا‬

‫‪10‬‬

‫‪(%‬‬

‫)‬

‫‪(%4.4‬‬

‫)‪(%1.8‬‬

‫أوقيانوسيا‬

‫‪0‬‬ ‫‪197‬‬

‫)‬ ‫‪4.6‬‬

‫)‪(%0.3‬‬

‫‪2000‬‬ ‫‪2000‬‬

‫آسيا‬ ‫آخرون‬

‫)‪(%88.9‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪30‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪20‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪10‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1980‬‬ ‫‪1990‬‬ ‫‪01970‬‬ ‫‪1980‬‬ ‫‪1970 1990‬‬ ‫‪1980 2000‬‬ ‫‪1990‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1970‬‬

‫برك لتربية الروبيان‪ .‬وفي مزارع تربية الس������لمون في أوروبا‬ ‫واألمريكتني كانت األس������ماك حتش������ر ضمن مساحات ض ّيقة‬ ‫مما ساعد على تفشي األمراض والطفيل ّيات في تلك املزارع‪.‬‬ ‫وعند هروب بعض األس������ماك من املزارع كانت أحيانا تنش������ر‬ ‫أمراضها إلى األنواع احملل ّية من األس������ماك‪ .‬واألسوأ من ذلك‬ ‫هو أنّ الزراع������ة املائية كانت وال تزال قطبا يس������تنزف الكتلة‬ ‫السمكية‪ :‬فالسمك املستخدم كعلف في استزراع السمك هو‬ ‫عبارة عن أس������ماك صغيرة من األنواع األرخص التي ال ُيقبل‬ ‫عليها البش������ر ولكن تتغذى بها األسماك الكبيرة‪ ،‬لذا تُصطاد‬ ‫بكمي������ات كبيرة وتطحن لتغذية األس������ماك الكبيرة األلذ طعما‬ ‫واألغلى ثمنا التي تُستزرع إلرضاء ذائقة املستهلك‪.‬‬ ‫وم������ن الواضح أن مثل هذه املش������كالت لم تكن في صالح‬ ‫األعم������ال التجارية‪ ،‬ل������ذا ط������ورت الصناعة حل������وال مبتكرة‪.‬‬ ‫فاس������تراتيجية كونا بلو من إقامة مزارع الس������مك في املناطق‬ ‫البعيدة عن الشواطئ ووسط الت ّيارات السريعة‪ ،‬هي أحد هذه‬ ‫احللول‪ .‬في حني يقوم مزارعون آخرون باس������تزراع األعشاب‬ ‫البحري������ة واحليوانات التي تتغذى بفلترة املياه مثل الرخو ّيات‬ ‫بالقرب من حظائر األسماك كي تلتهم الفضالت‪ .‬وقد أدخلت‬ ‫حتس������ينات على ن������واح متعددة من ه������ذه الصناعة ‪ -‬مبا في‬ ‫ذلك حظائر(‪ )1‬املياه العذبة‪ ،‬وحتس������ينات في تربية احليوانات‬ ‫‪42‬‬

‫وتنتج الزراعة املائية ‪ %47‬من‬ ‫احلاجة الكلية إلى املأكوالت‬ ‫البحرية للبشر‪ .‬وتستطيع أن‬ ‫تزود على نحو مستدمي ‪ %62‬من‬ ‫البروتني العاملي الكلي بحلول‬ ‫عام ‪ 2050‬فيما إذا استمرت‬ ‫بالنمو باملعدل احلالي نفسه‬ ‫الذي يبلغ ‪ ،%7.4‬واستمرت‬ ‫الزراعة بالنمو مبعدل ‪.%2.0‬‬ ‫‪2000‬‬

‫‪1990‬‬

‫‪1980‬‬

‫‪30‬الزراعة‬ ‫املائية‬

‫‪30‬‬

‫‪20‬‬

‫‪20‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2000 1970‬‬

‫مراكز‬ ‫صيد األسماك‬

‫‪1990‬‬

‫‪10‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪1990‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫‪1980‬‬

‫وابتكار تركيبات طعام تحَ ُ ُّد من األمراض وتس������اعد األسماك‬ ‫على النمو سريعا وبكميات أقل من العلف‪ .‬ومع ذلك قد تطول‬ ‫املدة قبل أن ترفع املجموعات الناشطة بيئيا السمك املستزرع‬ ‫تشتر»‪.‬‬ ‫من قوائم «ال‬ ‫ِ‬ ‫هذا وقد عمد بعض املفكرين املبدعني إلى جتربة طرق أكثر‬ ‫جرأة‪ .‬يحق لكل أ ّمة إدارة مسافة ‪ 200‬ميل بحري اعتبارا من‬ ‫شواطئها‪ ،‬وتلك مساحات شاسعة غير مستغلة بعد في إنتاج‬ ‫الطعام للبشر‪ .‬وتقدر املساحة املائية احمليطة بالواليات املتحدة‬ ‫بنحو ‪ 3.4‬مليون ميل مربع بحري‪ .‬وميكن إقامة حظائر أسماك‬ ‫مغمورة في مياه احمليط ومزودة مبحركات كبيرة لتس������بح في‬ ‫تيارات هذا احمليط الدائمة‪ ،‬ومن ثم ترجع بعد عدة أشهر إلى‬ ‫نقط������ة البداية أو إلى مناطق بعيدة كي تو ّرد الس������مك الطازج‬ ‫إلى أسواقها‪.‬‬ ‫وفي أواخ������ر عام ‪ ،2008‬قام مهن������دس احمليط >‪ .C‬گودي<‬ ‫[املدير السابق ملركز هندسة االستزراع املائي في املعهد‪]MIT‬‬ ‫بتجربة أول حظيرة سمك مغمورة ذاتية الدفع في العالم‪ ،‬وذلك‬ ‫قبالة شاطئ بروتريكو‪ .‬يقول >گودي<‪ :‬إن احلظيرة‪ ،‬وهي على‬ ‫ش������كل قفص منحني السطوح قطره ‪ 62‬قدما‪ ،‬قد برهنت على‬ ‫( )‬

‫?‪Protein Supply: Land or Sea‬‬

‫)‪ (1‬أو‪ :‬مرابد‪ ،‬ج‪ :‬مربد ‪ = pen‬حظيرة‪.‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫‪1980‬‬


‫اغترفت كبش������ة م������ن كيس مفت������وح ترك على‬ ‫متتلك الواليات املتحدة إمكانات محتملة واسعة‬ ‫املرف������أ‪ ،‬يحوي الكي������س ‪ 2000‬باوند من العلف‬ ‫تستطيع مزارع األسماك في البحر القريبة من السواحل‬ ‫الزيتي البني اللون‪ .‬كانت حبيبات العلف تبدو‬ ‫والبعيدة عنه أن تتوسع على نحو كبير في املياه االحتادية‪.‬‬ ‫ككسر طعام الكالب ولكن برائحة كرائحة علبة‬ ‫محيط القطب الشمالي‬ ‫أنشوا(‪ )1‬فارغة‪.‬‬ ‫ل������م تكن الرائحة مفاجئة لي‪ ،‬إذ إنّ ‪ 30‬في‬ ‫آالسكا‬ ‫املئة من طعام كونا بلو مكون من أنشوا مستورد‬ ‫من بيرو‪ .‬وقد بينّ >سيمز< أن السمكة صفراء‬ ‫الذيل تس������تطيع أن تقتات بحمية نباتية ولكنها‬ ‫في ه������ذه احلالة لن يكون مذاقه������ا لذيذا‪ ،‬ولن‬ ‫الواليات‬ ‫جزر‬ ‫املتحدة‬ ‫حتتوي حلومها على األحماض الدهنية واألمينية‬ ‫احمليط‬ ‫جزر‬ ‫ميدوي‬ ‫األطلسي‬ ‫جزر‬ ‫مارينا‬ ‫التي جتعل هذه اللح������وم مفيدة للصحة‪ .‬فهذه‬ ‫جزيرة‬ ‫هاواي‬ ‫بورتوريكو‪،‬‬ ‫الشمالية‬ ‫وايك‬ ‫اجلزر العذراء‬ ‫املكونات ال تتأتى إال من وجبات السمك وزيت‬ ‫احمليط الهادي‬ ‫جزيرة‬ ‫جزيرة‬ ‫جونستون املرجانية‬ ‫الس������مك‪ ،‬وهنا تكمن املشكلة‪ .‬ويقول >سيمز<‪:‬‬ ‫ناڤاسا‬ ‫جزيرة كنج ريف‬ ‫جوام‬ ‫جزيرة هاوالند‪,‬‬ ‫بامليرا املرجانية‬ ‫«إن ما يغضبنا حقا هو أننا مضطرون إلى قتل‬ ‫جزيرة بايكر‬ ‫خط االستواء‬ ‫بعض األسماك لتغذية أسماك أخرى‪ ».‬وتواجه‬ ‫جزيرة جارڤس‬ ‫متتد «املنطقة االقتصادية اخلاصة بالواليات‬ ‫ساموا‬ ‫مزارع الس������لمون الس������احلية الغضب الشديد‬ ‫املتحدة األمريكية» إلى ‪ 200‬ميل بحري من الساحل‪.‬‬ ‫األمريكية‬ ‫واملنطقة البحرية للواليات املتحدة (أزرق) أكبر من‬ ‫لهذا السبب نفسه‪.‬‬ ‫يابستها‪ .‬فهي تبلغ ‪ 3.4‬مليون ميل مربع بحري‪.‬‬ ‫ويخشى النقاد من أن يؤدي الطلب املتزايد‬ ‫من مزارع الس������مك إلى القضاء على األنشوا‬ ‫قدرتها املدهش������ة على املناورة عندما ز ِّودت بزوج من مراوح البري والس������ردين واألس������ماك األخرى التي تستخدم كغذاء‪.‬‬ ‫الدف������ع طول كل منها ثمانية أق������دام‪ .‬ويعتقد >گودي< بأنه من فقبل البدء بإنشاء مزارع السمك احلديثة‪ ،‬كانت أغلب وجبات‬ ‫املمك������ن إطالق عش������رات املزارع املتحركة تباعا ‪-‬كل تس������عة العلف ه������ذه تعطى للخنازير والدجاج‪ ،‬ولك������ن الزراعة املائية‬ ‫أشهر ‪ -‬في التيارات البحرية التي ميكن التنبؤ بحركتها أثناء اليوم تس������تهلك ‪ 68‬في املئة من العل������ف‪ .‬ومع ذلك فقد تقلص‬ ‫االس������تهالك مؤخرا مع حتسني تركيبات العلف‪ .‬فعندما بدأت‬ ‫عبورها البحر الكاريبي‪.‬‬ ‫كونا بلو بتربية الس������مكة صفراء الذي������ل في عام ‪ ،2005‬كانت‬ ‫( )‬ ‫ُسعار إطعام‬ ‫حبيبات العلف تتكون من ‪ 80‬في املئة من األنشوا‪ .‬ومع بدايات‬ ‫إن اجلانب الذي يصعب معاجلته في استزراع األسماك عام ‪ 2008‬كانت الشركة قد متكنت من تقليل هذه احلصة إلى‬ ‫البحري������ة (مياه ماحلة) هو احلاجة إلى اس������تخدام أس������ماك ‪ 30‬في املئة‪ ،‬وين ّوه >س������يمز< ب������أن كل هذا قد حصل من دون‬ ‫صغيرة برية إلطعام األسماك الكبيرة‪ ،‬وال تستزرع األسماك التضحية باملذاق أو الفوائد الغذائية املعهودة‪ ،‬وذلك عن طريق‬ ‫الصغيرة بسبب وجود صناعة تقوم بصيدها وطحنها لتصنع زي������ادة تركيز كمية فول الصويا وإضافة زيت الدجاج(‪ )2‬وهو‬ ‫منها علف األس������ماك الكبيرة واستخالص زيت السمك‪ .‬وقد منتج ثانوي من صناعة الدواجن‪ .‬ويعد هذا اخلليط في وجبات‬ ‫������ت حجم مش������كلة علف األس������ماك عندم������ا صعدت مع العلف إجنازا مهما مقارنة بالطريق������ة املزدراة التي تنتهجها‬ ‫أدرك ُ‬ ‫<س������يمز> على منت باخرة نقل أمريكية قد مت حتويلها ببراعة مزارع السمك التقليدية‪ ،‬وتقوم على إلقاء السردين كامال في‬ ‫من س������فينة حربية إلى بارجة لشحن الغذاء‪ .‬لقد كانت أمواج أحواض الس������مك‪ .‬ومن املؤسف أن هذه العادة املسرفة تبقى‬ ‫البح������ر تدفعني جانبا وأنا في طريقي نحو مقدمة الس������فينة‪ ،‬اخليار املتّبع بني املزارعني األقل شعورا باملسؤولية‪.‬‬ ‫إن هدف املالك الواعني هو حتقيق التعادل‪ ،‬وذلك عن طريق‬ ‫مما ذكرني بالرحلة املتعبة في الش������احنة التي استقليتها منذ‬ ‫زمن عبر مراعي ميزوري ش������به املتجم������دة‪ ،‬وذلك في طريقي املوازنة بني كمية السمك املس������تخدم في العلف ووزن السمك‬ ‫( ) ‪FEEDING FRENZY‬‬ ‫إل������ى توصيل العلف إلى مزارع املاش������ية الت������ي ميتلكها ابن‬ ‫(‪ anchovy )1‬أو أنشوڤي‪ :‬أسماك صغيرة تخلل وتؤكل كمقبالت‪.‬‬ ‫عمي‪ .‬واختفت ذكرى الرائحة اجلميلة للعشب اجلاف عندما‬ ‫)‪chicken oil (2‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫كيف تعمل‬

‫املنتج للتس������ويق‪ .‬وقد متكن مزارعو أس������ماك البلطي‬ ‫والقرموط ‪ catfish‬التي تعيش في املياه العذبة من حتقيق هذه‬

‫‪tilapia‬‬

‫النس������بة الس������حرية‪ ،‬في حني عجز مزارعو األسماك البحرية‬ ‫ع������ن حتقيق ذلك‪ ،‬ألن ‪ 70‬في املئة من علف كونا بلو يتألف من‬ ‫الپروتني والزيت النباتيني‪ ،‬ومن ث ّم البد من استخدام ما يعادل‬ ‫‪ 1.6‬إلى ‪ 2‬باوند من األنش������وا إلنتاج باوند واحد من السمكة‬ ‫صفراء الذيل‪ ،‬في حني أن املتوس������ط في اس������تزراع السلمون‬ ‫ه������و نحو ‪ 3‬باوندات‪ .‬ويجب على ه������ذه الصناعة أن تقلل هذه‬ ‫النس������بة لتجنب أي خسارة في توازن الپروتني البحري‪ .‬ولكن‬ ‫ال يزال الس������مك املستزرع يستهلك نسبة علف أقل من أمثاله‬ ‫من الس������مك البري‪ ،‬إذ يستهلك سمك التونا في الطبيعة يوميا‬ ‫ما مق������داره ‪ 100‬باوند من الطعام لكل باوند من وزنه‪ ،‬وجميع‬ ‫غذائه من السمك‪.‬‬ ‫هذا وسيزداد الضغط للتقليل من صيد السردين واألنشوا‬ ‫مع ازدياد عدد مزارع الس������مك‪ .‬فالزراعة املائية هي أس������رع‬ ‫قطاع������ات اإلنت������اج الغذائي منوا في العالم‪ ،‬إذ تزداد بنس������بة‬ ‫‪ 7.5‬في املئة س������نويا منذ عام ‪ .1994‬وبذلك املعدل السريع‪ ،‬قد‬ ‫تُستنفد بحلول عام ‪ 2040‬جميع املوارد املتاحة لوجبات السمك‬ ‫وزيته‪ .‬إذ يؤكد >‪ .M .C‬دوارتي< [عالم إيكولوجيا البحار الذي‬ ‫يرأس املختبر الدولي لدى املجلس اإلس������باني للبحث العلمي‬ ‫ف������ي مايوركا] أن أقصى ما نس������عى إليه هو عدم اس������تخدام‬ ‫الس������مك البري في العلف بتاتا وذلك خالل عقد من الزمن أو‬ ‫نحو ذلك‪.‬‬ ‫وأحد احللول التي قد تساعد على حتقيق ذلك هو استخالص‬ ‫احلم���ض الدهن���ي ‪ DHA‬م������ن مجموعة دهون أومي���گا‪ 3‬من‬ ‫الطحال������ب امليكروس������كوبية‪ ،‬التي قد تس������تخدم كبديل غذائي‬ ‫لألسماك‪ .‬وتقوم شركة التغذية البيولوجية املتقدمة ‪ ABNC‬في‬ ‫ميريالند‪ ,‬بتجربة علف يحت������وي على احلمض الدهني ‪DHA‬‬ ‫نفسه املس������تخدم في تعزيز أغذية األطفال الصنعية كاحلليب‬ ‫والعصير م������ن املنتجات التي تُباع في األس������واق‪ .‬كما مت ّكن‬ ‫الباحثون ف������ي منظمة الكومنولث األس������ترالي للبحث العلمي‬ ‫والصناعي وألول مرة من اس������تخالص احلمض ‪ DHA‬نفسه‬ ‫م������ن النباتات التي تنبت في اليابس������ة‪ .‬وي������رى >ديوارتي< أن‬ ‫التنافس الشديد على األراضي الزراعية ومزارع املياه العذبة‬ ‫يعني أن مزارعي السمك في نهاية األمر سيستغنون عن فول‬ ‫الصويا وزيت الدجاج وغيرها من منتجات اليابسة‪ ،‬وعوضا‬ ‫عن ذلك سيطعمون أسماكهم العوالق واألعشاب البحرية التي‬ ‫تس������هل زراعتها (علما بأن األعشاب البحرية تشكل نحو ربع‬ ‫الزراعة البحرية)‪.‬‬ ‫( )‬

‫خمس طرق‬ ‫لتربية الطعام البحري‬

‫( )‬

‫إن معظم مزارع الس���مك البح���ري مقام في أحواض‬ ‫ش���اطئية‪ ،‬ولكن ي���زداد بُعد األقفاص عن الش���واطئ‬ ‫على نحو مس���تمر‪ .‬وبعيدا ف���ي البحر املفتوح جرى‬ ‫جتري���ب من���وذج أولي واح���د على األقل م���ن املزارع‬ ‫املس���يجة واملتنقل���ة واملتحك���م فيها من بُع���د والتي‬ ‫ت���دار ع���ن طري���ق م���راوح‪ .‬ويرب���ي أصح���اب ه���ذه‬ ‫املش���اريع أعش���ابا بحري���ة وبل���ح البحر على ش���كل‬ ‫صفوف وضعت بجانب األحواض الشاطئية‪ ،‬وحول‬ ‫التوربينات الهوائية البعيدة عن الشاطئ‪.‬‬

‫أداة استشعار‬ ‫عوامل سطحية‬

‫خيوط مساندة‬

‫دافعة‬

‫أقفاص البحر املفتوحة‬

‫في املستقبل‪ ،‬قد تستطيع‬ ‫سلسلة من األحواض‬ ‫املتنقلة واملغمورة باملاء‬ ‫واملتحكم فيها من بعد‬ ‫وتدار عن طريق مراوح‬ ‫أو دافعات‪ ،‬ركوب تيارات‬ ‫متوقعة‪ ،‬لتصل بعد عدة‬ ‫أشهر إلى مناطق بعيدة‬ ‫تكبر أثناءها األسماك‪ .‬وقد‬ ‫توزع آالت العلف املخزن‬ ‫في الصاري املركزي‪.‬‬

‫أقفاص بعيدة عن الساحل‬

‫يوضع السمك الصغير في قفص مثبت يبلغ حجم‬ ‫صالة األلعاب الرياضية‪ ،‬ويستمر غمر الصاري املركزي‬ ‫للحوض حتت املاء حتى ينضج السمك‪ ،‬ويرسل مركب‬ ‫أو زورق بخاري الطعام إلى الداخل عن طريق أنابيب‪،‬‬ ‫وتزيل التيارات الطبيعية فضالت السمك‪ ،‬ويرفع‬ ‫احلوض إلى سطح املاء جلني األسماك وللتنظيف‪.‬‬

‫‪Five Ways to Raise Seafood‬‬

‫‪44‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫البرك الشاطئية‬

‫أطواق التوربني‬

‫يفقس جميع السمك البحري في برك على اليابسة‪،‬‬ ‫ثم ينقل العديد منه إلى أحواض في البحر عندما‬ ‫تصبح األسماك كبيرة كفاية (أصبعيات)‪ .‬إال أن‬ ‫بعض املبتكرين يربي السمك إلى أن يصل إلى‬ ‫أحجام ميكن جنيها في برك شاطئية‪ ،‬حيث يسهل‬ ‫التحكم في امللوثات واألمراض والسمك الهارب‪.‬‬

‫يلتصق بلح البحر واألعشاب البحرية بسرعة‬ ‫بأسالك تركيبية وتنمو منوا طبيعيا‪ .‬وميكن‬ ‫وضع هذه األسالك حول التوربينات أو بينها‬ ‫في املزارع الهوائية البعيدة عن الشاطئ لتعزيز‬ ‫االستثمار ولتساعد على تقليص املنافسة على‬ ‫املساحات البعيدة عن الشاطئ‪.‬‬

‫جهاز دوران‬

‫مزودات الطعام اآللية‬

‫طوق‬ ‫بلح البحر‬ ‫أعشاب بحرية‬

‫بلح البحر‬

‫أحواض شاطئية‬

‫مدخل منزلق‬ ‫للغواصني‬

‫إن األحواض املتشابكة الثقيلة‬ ‫هي نسبيا سهلة اإلرساء‬ ‫والتحكم فيها‪ .‬وتستطيع‬ ‫مزودات الطعام اآللية أن‬ ‫تقلص من هدر الطعام‪ ،‬فهي‬ ‫تتوقف عن العمل عندما‬ ‫تكتشف حساسات األشعة‬ ‫حتت احلمراء في قاع البحر‬ ‫بقايا طعام تخرج من دون أن‬ ‫تؤكل‪ .‬كما تستطيع األعشاب‬ ‫البحرية وبلح البحر الذي‬ ‫يتغذى بفضالت األسماك فيما‬ ‫لو ربي فورا «في اجتاه مجرى‬ ‫املاء» أن تقلل من التلوث وتزيد‬ ‫من الدخل اإلجمالي‪ .‬كما ميكن‬ ‫وضع عدد كبير من الكائنات‬ ‫آكلة الفضالت‪ ،‬مثل قنفذ البحر‬ ‫األحمر‪ ،‬حتت األحواض‪.‬‬

‫أنبوب التغذية‬

‫صاري (يزود بالهواء‬ ‫واملاء للطفو)‬

‫‪45‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫إن تربية األسماك الصفراء الذيل ‪ yellowtail‬املدجنة فعالة ومجدية أكثر من‬ ‫السمك البري الذي يتطلب صيده وحمايته من األسماك املفترسة طاقة أكثر‪.‬‬

‫وعل������ى الرغم من التحس������ينات في اس������تزراع األس������ماك‬ ‫البحري������ة‪ ،‬م������ا زال علم������اء البيئ������ة واألكادميي������ون املعروفون‬ ‫يحاولون احلد من انتش������ــارها‪ .‬وفي هــذا الصـدد‪ ،‬يقول عالم‬ ‫إيكولوجيا البحار >‪ .J‬جاكس������ون< [من معهد سكريپس لعلوم‬ ‫البحار]‪ :‬إنه «يعارض بش������دة» اس������تزراع األسماك املفترسة‬ ‫والروبيان وأي س������مك يحب الناس تناول������ه معدا على طريقة‬ ‫الساشيمي ‪ .sashimi-style‬ويقول إنها ممارسة «مدمرة بيئ ّيا»‬ ‫بسبب االس������تغالل املفرط ملخزون السمك البري‪ ،‬ويصر على‬ ‫«جترميها قانونا‪».‬‬ ‫أذكى من اللحم البقري‬

‫( )‬

‫تذه������ب وجهة نظرة >جاكس������ون<‪ ،‬التي يرددها العديد من‬ ‫منتقدي اس������تزراع األسماك‪ ،‬إلى أن املخاطرة بانهيار مراكز‬ ‫صيد األسماك املستخدمة في العلف ‪ -‬وهي من قبل مستغلة‬ ‫اس������تغالال جائرا ‪ -‬هي مخاطرة كبي������رة من أجل توفير غذاء‬ ‫باهظ الثمن لن يتذوقه معظم الناس‪ .‬فمن األفضل كثيرا تناول‬ ‫األس������ماك اآلكلة األعشاب مثل الس������ردين واألنشوا مباشرة‬ ‫عوضا عن األس������ماك املفترس������ة التي حتتل املراتب العليا في‬ ‫السلسلة الغذائية‪.‬‬ ‫ويؤيد >س������يمز< وجوب استهالك األس������ماك األدنى في‬ ‫السلس������ة الغذائية‪ ،‬ولكن ه������ذا ال يعني أنه علينا أن نقلل من‬ ‫نوعية طعامنا‪ .‬ويقول >سيمز< موضحا‪« :‬لنكن واقعيني‪ ،‬فأنا‬ ‫آكل األنش������وا الذي يوضع على البيتزا‪ ،‬ولكنني ال أس������تطيع‬ ‫إقناع أي فرد من عائلتي بذلك‪ .‬وإذا كان باإلمكان احلصول‬ ‫على باوند من السمك املس������تزرع الصالح إلعداد السوشي‬ ‫مقاب������ل باون������د مكافئ من األنش������وا‪ ،‬فلم ال نوف������ر للناس ما‬ ‫يرغبون فيه!»‬ ‫ويه������زأ بعض الناس من اس������تهالك الس������مك ‪ -‬س������واء‬ ‫‪46‬‬

‫كان صيدا أو مس������تزرعا – انطالقا م������ن مبدأ أن الكوكب‬ ‫وسكانه من البشر سيكونون بصحة أفضل فيما لو تناولوا‬ ‫خض������ارا أكثر‪ .‬ولكن املجتمع ال يندفع بعد إلى التحول إلى‬ ‫مجتم������ع نباتي‪ .‬فأعداد متزايدة من الناس تأكل حلما أكثر‪،‬‬ ‫وخصوصا مع ازدياد ثروة ش������عوب الدول النامية وحتضر‬ ‫املجتمع������ات وتأثرها بالغ������رب‪ .‬فقد تنب������أت منظمة الصحة‬ ‫العاملية بزيادة آكلي اللحوم بنس������بة ‪ 25‬في املئة بحلول عام‬ ‫‪ .2050‬وحتى لو بقي معدل االستهالك ثابتا‪ ،‬يجب أن تزداد‬ ‫مس������احة األراضي الزراعية واملراعي مبا يعادل من ‪ 50‬إلى‬ ‫‪ 70‬ف������ي املئ������ة‪ ،‬وأن تبقى على معدل اإلنتاج نفس������ه‪ ،‬لتوفير‬ ‫الطعام الالزم في عام ‪.2050‬‬ ‫وتلك احلقيقة تدعو إلى مقارنة نادرا ما تُعقد بني استزراع‬ ‫األسماك والزراعة على اليابسة‪ .‬وعند القيام بذلك كما يجب‪،‬‬ ‫يكون بإمكان اس������تزراع األسماك تأمني الپروتني الذي تزداد‬ ‫حاجة العالم إليه مع تقليص التوسع في الزراعة على اليابسة‬ ‫وما يصاحبها من أضرار بيئية‪.‬‬ ‫لقد سبق ملزارعي األراضي استغالل ما يعادل ‪ 40‬في املئة‬ ‫من مساحة اليابسة على الكرة األرضية‪ .‬وبعد ‪ 10 000‬سنة من‬ ‫محاوالت اإلصالح‪ ،‬مازالت املشكالت الكبيرة قائمة‪ .‬فاملاشية‬ ‫تستهلك كميات كبيرة جدا من احملاصيل املزروعة باستخدام‬ ‫شديد للسماد‪ ،‬وتُعتبر حظائر اخلنازير ومزارع الدواجن من‬ ‫أسوأ مصادر التلوث‪ .‬وتتضاءل مساحة املناطق املدمرة حتت‬ ‫مزارع الس������مك الش������اطئية مقارنة باملناطق الشاسعة املدمرة‬ ‫بفعل مياه الصرف املش������بعة ببقايا السماد‪ ،‬والتي تصب في‬ ‫خليج املكسيك والبحر األسود ومناطق أخرى‪ ،‬وأمام الطحالب‬ ‫الضارة الت������ي تتزايد أعدادها بفعل مياه الصرف من مزارع‬ ‫اخلنازير في خليج تشيساپيك ‪.Chesapeake‬‬ ‫لقد بدأ عدد متزايد من العلماء مبقارنة اآلثار البيئية لكل‬ ‫م������ن النظم املتباينة إلنتاج الپروتني‪« ،‬وذلك من أجل أن يتمكن‬ ‫املجتمع م������ن تركيز طاقاته على املش������كالت األكثر إحلاحا‪».‬‬ ‫على حد قول >‪ .M .K‬بروكس< [مستش������ار بيئة بحرية مستقل‬ ‫في مرفأ تاونس������ند بووش(‪ .])1‬ويقدر >بروكس< أن تربية بقر‬ ‫األنگس ‪ Angus beef‬حتتاج إلى مساحة مراعي عالية اجلودة‬ ‫ُ‬ ‫أكثر بـ ‪ 4400‬مرة من مس������احة ق������اع احمليط الضرورية إلنتاج‬ ‫وزن مكافئ من سمك السلمون‪ .‬أضف إلى ذلك‪ ،‬أن املنظومة‬ ‫البيئية حتت مزرعة الس������لمون تتعافى خالل عقد من الزمن‪،‬‬ ‫مقارنة بالقرون التي حتتاج إليها مراعي املواش������ي لتنمو إلى‬ ‫غابة يانعة‪.‬‬ ‫وق������د يكون الس������بب األكث������ر إقناعا إلنت������اج الپروتني في‬ ‫) ( ‪SMARTER THAN BEEF‬‬ ‫)‪Port Townsend, Wash (1‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫البحار هو تقليل استنزاف البشرية للمياه العذبة‪ .‬فكما يشير‬ ‫>ديوارتي<‪ ،‬فإن منتجات اللحم احليواني تش������كل ‪ 3.5‬في املئة‬ ‫من اإلنتاج الغذائي فقط ولكنها تس������تهلك ‪ 45‬في املئة من املاء‬ ‫املس������تخدم في الزراعة‪ ،‬وبتحويل معظ������م إنتاج الپروتني إلى‬ ‫البحار فإن «الزراعة على اليابسة ستنمو منوا كبيرا من دون‬ ‫احلاجة إلى جتاوز املعدل احلالي الستخدام املاء‪ ».‬وذلك على‬ ‫حد قول >ديوارتي<‪.‬‬ ‫وبالطب������ع‪ ،‬فإن جم������ع ونقل وجبات ف������ول الصويا وزيت‬ ‫الدج������اج وإطعام الس������مك جميعها عمليات تس������تهلك طاقة‬ ‫وينتج منها انبعاثات غازية‪ .‬واستهالك الطاقة وكمية انبعاث‬ ‫الغازات هي أكبر بالنس������بة إلى املزارع األبعد عن الشاطئ‪،‬‬ ‫لكن كلتا طريقتي االستزراع أفضل بكثير من معظم أساطيل‬ ‫صيد السمك‪ .‬والطريقة الوحيدة التي جتعل املزارع البعيدة‬ ‫عن الشواطئ مربحة للمزارعني في الوقت احلالي هي تربية‬ ‫أس������ماك باهظة الثمن‪ ،‬لكن م������ن املمكن تخفي������ض التكلفة‪:‬‬ ‫فبعض امل������زارع التجريبية بدأت باس������تزراع احملار بطريقة‬ ‫مجدية اقتصاديا‪.‬‬ ‫مميزات بيئية‬

‫( )‬

‫إذا كان توفير املزيد من الس������مك للمستهلكني ح ً‬ ‫ال لتوفير‬ ‫املتطلبات العاملية من الپروتني‪ ،‬فلم ال نصطاد السمك مباشرة؟‬ ‫إن العديد من املصايد الطبيعية لألسماك قد استُغلت ألقصى‬ ‫حد ممكن‪ ،‬في الوقت الذي يزداد فيه تعداد الس������كان والطلب‬ ‫على السمك‪ .‬فعلى س������بيل املثال‪ ،‬جند األمريكيني في شمال‬ ‫أمريكا مقتنعني بنصائح خبراء الصحة من أن تناول الس������مك‬ ‫يساعد على تقليل احتمال اإلصابة بذبحات صدرية ويساعد‬ ‫على حتسني أداء الدماغ‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن أساطيل صيد السمك تستهلك كميات‬ ‫كبيرة من الوق������ود وتطلق كميات هائلة من غازات االحتباس‬ ‫احلراري ‪ greenhouse gases‬وامللوثات‪ .‬كما أن الطرق التقليدية‬ ‫في صيد األس������ماك‪ ،‬مثل الصيد بالش������باك والكرف(‪ ،)1‬تقتل‬ ‫ماليني األحياء البحرية من دون متييز‪ ،‬وتش������ير الدراس������ات‬ ‫إلى أن نصف األحي������اء البحرية املصطادة بهذه الطريقة تنبذ‬ ‫لكون األس������ماك أصغر من الالزم‪ ،‬أو لتجاوز أعدادها النسبة‬ ‫املس������موح بها لكل صياد‪ ،‬أو لكونه������ا من النوع غير املرغوب‬ ‫فيه‪ .‬وفي الغالب‪ ،‬يكون ه������ذا الصيد الذي يطلق عليه الصيد‬ ‫اخلطأ‪ ،‬ميتا عندما يعاد طرحه إلى البحر‪ .‬أما الزراعة املائية‬ ‫فال تدع مجاال لهذا التبذير؛ فكما يقول >س������يمز<‪« :‬ال يحصد‬ ‫املزارعون إال السمك املوجود في حظائرهم‪».‬‬ ‫ويشير >گودي< إلى حقيقة كثيرا ما تُغفل‪ :‬ميكن استزراع‬ ‫‪47‬‬

‫السمك بطريقة أكثر فعالية من اصطياده‪ .‬فالسمك املستزرع‬ ‫يحول غ������ذاءه إلى حلم بطريقة أكثر فاعلي������ة من مثيالتها في‬ ‫البرية‪ ،‬التي تس������تهلك ق������درا كبيرا من الطاق������ة في اصطياد‬ ‫غذائه������ا وجتنب املفترس���ي��ن والبحث عن زوج وف������ي التكاثر‪.‬‬ ‫فاحلياة بالنس������بة إلى األسماك املس������تزرعة أسهل‪ ،‬لذلك فإن‬ ‫أغلب غذائها يوجه إلى النمو‪.‬‬ ‫تحُ صد األس������ماك صفراء الذيل التي تربيها مزارع كونا‬ ‫بلو ومعظم السلمون املس������تزرع عندما تكون أعمارها ما بني‬ ‫السنة والثالث س������نوات‪ ،‬وهذا ثلث عمر السلمون الكبير غير‬ ‫املس������تزرع الذي يجري اصطياده إلعداد السوش������ي‪ .‬كما أن‬ ‫صغر عمر األس������ماك املس������تزرعة يعني فرصا أق������ل لتراكم‬ ‫الزئب������ق وغيرها من امللوث���ات الدائم���ة ‪persistent pollutants‬‬ ‫التي جتعل األس������ماك الكبيرة من التونا وسمك سياف البحر‬ ‫خطرا محتمال على الصحة‪.‬‬ ‫وفي الواقع قد أصبحت منتجات اس������تزراع السمك توفر‬ ‫‪ 47‬في املئة من املأكوالت البحرية التي يستهلكها الناس عامليا‪،‬‬ ‫بعد أن كانت ‪ 9‬في املئة فقط في عام ‪ .1980‬كما يتنبأ اخلبراء‬ ‫بأن النسبة قد ترتفع إلى ‪ 62‬في املئة من إنتاج الپروتني بحلول‬ ‫عام ‪ .2050‬ويقول >‪ .J‬ڤياللون< [مدير الزراعة املائية في املنظمة‬ ‫العاملية للحياة البرية (‪« :])WWF‬من الواضح أن الزراعة املائية‬ ‫مؤثرة‪ ،‬وهي هنا لتبقى‪ ،‬والناس الذين يعارضونها ال يدركون‬ ‫أهميته������ا حقا‪ ».‬فالنظر فقط إلى مس������اوئ الزراعة املائية فيه‬ ‫الكثير من التضليل‪ ،‬إذ البد من مقارنة مس������اوئها مبس������اوئ‬ ‫األشكال األخرى من إنتاج الغذاء‪ .‬صحيح أن الزراعة املائية‬ ‫تؤث������ر في األرض‪ ،‬ومهما كان عدد التحس������ينات ال ميكنها أن‬ ‫تلغي جميع املش������كالت‪ .‬ولكن جميع أنظمة إنتاج الغذاء تؤثر‬ ‫في البيئة؛ فصيد الس������مك البري وإنتاج حلم البقر واخلنزير‬ ‫والدواجن جميعها تلقي أعباء ثقيلة على البيئة‪.‬‬ ‫ورغبة في تش������جيع املمارس������ات الس������ليمة ومتييز مزارع‬ ‫الس������مك النظيفة من املس������يئني للبيئة‪ ،‬أسست املنظمة ‪WWF‬‬ ‫مجلس اإلش������راف على الزراعة املائي������ة ‪ ASC‬لوضع مقاييس‬ ‫عاملية للممارس������ات املسؤولة‪ ،‬ولتعيني مدققني مستقلني للتأكد‬ ‫م������ن تراخيص املزارع امللتزمة باملقاييس‪ .‬ومن املتوقع صدور‬ ‫أول مجموعة من القواعد مبكرا هذا العام‪ .‬فاملجلس يعتقد أن‬ ‫ترخيص امل������زارع قد يكون له أثر كبير في حث نحو ‪ 100‬إلى‬ ‫‪ 200‬من كبار بائعي السمك بالتجزئة على شرائها من املزارع‬ ‫املرخصة‪ ،‬بدال من التعامل املباشر مع آالف املنتجني‪.‬‬ ‫ويقـر مديـ ـ������ر إدارة الـزراع ــة الـمـائي ــة فـي مجلـس حمـايـة‬ ‫( ) ‪ENVIRONMENTAL DISTINCTIONS‬‬ ‫)‪dredging (1‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫احمليـ ـ������ط ‪ .G> Ocean Conservancy’s‬ليون������ارد< بأن هذا النوع‬ ‫من برنام������ج املزرعة‪-‬إلى‪-‬الطب���ق(‪ )1‬املرخص هو طريقة مهمة‬ ‫لتش������جيع مزارعي الس������مك على تقصي املمارس������ات األكثر‬ ‫اس������تدامة‪ .‬ويتابع قائال‪« :‬س������نجد دائما‪ ،‬كما في كل صناعة‬ ‫عاملي������ة‪ ،‬موردين مخادعني أس������عارهم متدنية‪ ».‬لذا فإن وضع‬ ‫«أرضية» تنظيمية ستدفع مزارعي الواليات املتحدة إلى حتمل‬ ‫املسؤولية «من دون جعل املنافسة مستحيلة عليهم‪».‬‬ ‫وتلك نقطة جوهرية‪ .‬فهناك فقط خمس من أصل عش������رين‬ ‫منش������أة بحرية توج������د في مي������اه الواليات املتح������دة‪ .‬ويعتقد‬ ‫>گودي< أن الزراعة املائية س������تنمو فيما لو وضعت الواليات‬ ‫املتحدة نظام������ا للتراخيص في املياه االحتادية‪ ،‬بدءا من ثالثة‬ ‫إل������ى ‪ 200‬ميل بحري بعد الش������واطئ‪ .‬ويؤكد >گودي< أنه «لن‬ ‫يقوم أي مس������تثمر باالستثمار في الواليات املتحدة ما لم يكن‬ ‫هناك تشريع مينح حقوق اإليجار لالستثمار‪ ».‬فجميع مزارع‬ ‫الواليات املتحدة توجد داخل حدود الثالثة أميال طوال وعرضا‬ ‫اخلاضعة للواليات‪ ،‬وتس������مح بذلك فق������ط بعض الواليات مثل‬ ‫ه������اواي‪ .‬وعلى والية كاليفورنيا أن تبدأ مبنح هذه التصاريح‪،‬‬ ‫إذ تقدر احلكومة أن عائدات صناعة استزراع سمك مستدامة‬ ‫في أقل من واحد في املئة من مياه الوالية قد تصل إلى بليون‬ ‫دوالر سنويا‪.‬‬ ‫سياسة الپروتني‬

‫( )‬

‫حتتاج صناعة اس������تزراع السمك إلى سياسات مناسبة‬ ‫ومجاالت منافس������ة منصف������ة كي تتمكن م������ن النمو وحتقيق‬ ‫االستدامة‪ .‬وإلى اآلن‪ ،‬مازال الدعم احلكومي ألسعار الوقود‬ ‫املستخدم لدعم أساطيل الصيد بشباك اجلر والكرف كبيرا‪،‬‬ ‫على الرغم من تدميرهما لقيعان البحار وتس������ببهما في موت‬ ‫كميات رهيبة من األسماك غير املرغوب فيها‪ .‬ويساعد الدعم‬ ‫احلكوم������ي للمزارع عل������ى بقاء إنتاج حل������م البقر واخلنازير‬ ‫والدج������اج كصناعات مربح������ة‪ .‬في حني تس������تمر جماعات‬ ‫الضغ������ط الزراعي������ة القوية مبحاوالتها لتحجي������م قوانني منع‬ ‫إلقاء مياه الصرف امللوثة بالسماد الغني بالنتروجني في نهر‬ ‫املسيسيبي‪ .‬ويقول >بروكس<‪« :‬تقريبا ما من طريقة من هذه‬ ‫الط������رق التقليدية في إنتاج الطعام قد خضعت للمراقبة التي‬ ‫خضعت لها الزراعة املائية‪ ».‬لقد َق ِب َل الناس فالحة األراضي‬ ‫ولكنه������م يرون أن احمليطات يج������ب أن تبقى برية طبيعية‪ ،‬مع‬ ‫أن ع������دم التوازن هذا رمبا ال يكون اخلطة األكثر اس������تدامة‬ ‫إلطعام العالم‪.‬‬ ‫قريبا‪ ،‬قد تفتح التحوالت في السياس������ات على املستويني‬ ‫اإلقليمي واالحتادي املياه االحتادية للواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫ففي الش������هر ‪ 2009/1‬ص ّوت مجلس إدارة الثروة السمكية في‬ ‫خليج املكس������يك لصالح خطة غير مس������بوقة للسماح للزراعة‬ ‫املائية البعيدة عن الش������اطئ ضمن مياهها اإلقليمية‪ ،‬بانتظار‬ ‫احلص������ول على املوافقة من املس������تويات األعل������ى في اإلدارة‬ ‫الوطنية للمحيطات والغالف اجلوي للواليات املتحدة )‪.(NOAA‬‬ ‫وس������تقوم هذه اإلدارة بتقييم اخلطة بعد استكمال سياستها‬ ‫الوطنية اجلدي������دة للزراعة املائية‪ ،‬الت������ي تنظر جلميع جوانب‬ ‫هذه الصناعة‪ ،‬والتي قد تتضمن توجيهات لتطوير إطار وطني‬ ‫متسق لتنظيم اجلوانب التجارية‪ .‬وتقول >‪ .G‬لوبشينكو> [مدير‬ ‫ع������ام اإلدارة ‪« :]NOAA‬ال نريد أن تكرر الثورة الزرقاء نفس‬ ‫أخطاء الثورة اخلضراء‪ ...‬إنه من املهم جدا أال حتدث أخطاء‪،‬‬ ‫وهناك طرق كثيرة للوقوع في اخلطأ‪».‬‬ ‫وم������ع التزايد املطرد في الطلب عل������ى الپروتني‪ ،‬يجب على‬ ‫املجتم������ع أن يتخ������ذ قرارات صعبة بخص������وص األماكن التي‬ ‫س������تنتج أكبر كمية منه‪ .‬تقول >لوبشينكو<‪« :‬أحد أهدافي هو‬ ‫الوص������ول بنا إلى وضع‪ ،‬بحيث عندما يتكلم الناس عن األمن‬ ‫الغذائي‪ ،‬فإنه������م ال يعنون فقط احلبوب واملاش������ية‪ ،‬بل أيضا‬ ‫صيد السمك والزراعة املائية»‪ .‬ويرى >ديوارتي< أنه علينا أن‬ ‫نخ ّفف الضغط على اليابس������ة ونتوجه نحو البحار‪ ،‬حيث تتاح‬ ‫أمامن������ا فرصة القيام بالزراعة املائية على نحو صحيح‪ ،‬حتى‬ ‫النندم بعد ‪ 40‬سنة ونتمنى لو أننا قمنا بذلك‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بدور <سيمز> في الثورة الزرقاء‪ ،‬فإنه يشجع‬ ‫شركات التقانة على تطوير املعدات‪ .‬فأدوات مثل منظفات آلية‬ ‫للش������بكات وأجهزة التغذية األوتوماتيكي������ة وأجهزة التصوير‬ ‫املتحكم فيها من قبل األقمار الصنعية ملراقبة صحة األسماك‬ ‫واألعطال التي قد تصيب األقفاص‪ ،‬جميعها ستس������اعد بقية‬ ‫طاق������م كونا بلو على التحكم من بعد في مزارعهم البعيدة عن‬ ‫الشواطئ‪ .‬ويقول >س������يمز<‪« :‬وهذا ليس ليساعدنا فقط على‬ ‫احلصول على املزيد من الس������مك املس������تزرع في احمليط ‪ ،‬بل‬ ‫>‬ ‫أيضا لنربي أسماكا أكثر على نحو أفضل‪».‬‬ ‫( ) ‪PROTEIN POLICY‬‬ ‫)‪farm-to-plate (1‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, February 2011‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫تتمة الصفحة ‪( 21‬صالبة التحمل احلقة من منظور علم األعصاب)‬

‫ولكن لم تكن هناك دراس������ات استكشافية رائدة الختبار مدى‬ ‫صالحية برنامج كان قد تعامل مع طلبة املدارس‪ ،‬الستخدامه‬ ‫ف������ي التعامل مع جندي أمريكي يواجه دورة ثالثة في العراق‪.‬‬ ‫ومع تقدم العمل في البرنامج‪ ،‬فإن الباحثني س������وف يقيسون‬ ‫ما إذا كان اجلنود يتحملون بشكل أفضل اإلجهادات النفسية‬ ‫احلادة للحياة العس������كرية‪ .‬ومع أننا نبني كل هذا في وس������ط‬ ‫الهواء‪ ،‬إ ّال أن جميع خطواتنا يجري تقييمها على نحو ش������ديد‬ ‫االنضباط»‪ ،‬على حد قول > ِسلگمان<‪.‬‬ ‫وقد أش������ار >بونانّو< وآخرون إلى افتقار الدليل على فعالية‬ ‫البرنامج‪ .‬وفي ضوء التاريخ املليء ببواعث التشكك في التدخالت‬ ‫السابقة يتس������اءل >بونانّو< ما إذا كانت النتيجة ستكون سيئة‬ ‫أكثر مما هي جيدة‪ .‬وقد ش������ارك في دراس������ة‪ ،‬لم تنش������ر بعد‪،‬‬ ‫قامت خالل أحد عش������ر عاما بتتبع نح������و ‪ 160 000‬جندي من‬ ‫جهات مختلفة في املؤسسة العسكرية‪ ،‬وأمضى نصفهم دورة‬ ‫انتش������ار واحدة على األقل إما في العراق أو في أفغانس������تان‪.‬‬ ‫وتظهر هذه الدراسة أن نحو ‪ %85‬ممن أرسلوا إلى البلدين قد‬ ‫اعتبروا ممن لديهم القدرة على التحمل واملرونة‪ ،‬وذلك بناء على‬ ‫غياب أعراض الصدمة عندهم‪ ،‬بينما أظهرت الدراس������ة أن ما‬ ‫يتراوح بني ‪ 4‬و ‪ %6‬فقط منهم ظهرت عليهم أعراض االضطراب‬ ‫‪ .PTSD‬ويتساءل >بونانُّو<‪« :‬إذا كان معظم الناس قادرين على‬ ‫اس������تعادة التوازن واحليوية‪ ،‬وهو ما يبدو من سائر الدراسات‬ ‫التي قمنا بها أنهم هكذا‪ ،‬فما الذي سوف يحدث لهؤالء الناس‬ ‫إذا أنت قدمت لهم تدريبا يقوم بدور لقاح اإلجهاد؟» ويضيف‪:‬‬ ‫«هل تستطيع جعلهم أقل قدرة على استعادة املرونة واحليوية؟‬ ‫إن هذا هو السؤال الذي يتعني اإلجابة عنه‪».‬‬ ‫إن اجليش األمريكي ك ّله لم يتلق تدريبا موحدا على القدرة‬ ‫على اس������تعادة التوازن واحليوية‪ .‬ويق������ول >‪ .W .P‬ناش< [وهو‬ ‫طبيب كان قد أوكل إليه من قبل اإلش������راف على برامج مراقبة‬ ‫حاالت اإلجهاد احلاد ف������ي فرقة املارينز باجليش األمريكي]‪:‬‬ ‫إنه������ا ضئيلة هي األدلة على جناح التدريب الوقائي في صدد‬ ‫القدرة على استعادة التوازن واحليوية‪ .‬وهو يقارن املوقف في‬ ‫اجليش بكرة القدم األمريكية للمحترفني‪ :‬فمهما يكن من شأن‬ ‫امتداد الزمن الذي يتمرن فيه الالعبون خالل األس������بوع‪ ،‬فإنه‬ ‫يحدث دائما في أيام األحد أن يقعوا وأن يصابوا بالكدمات‪.‬‬ ‫ويقول‪« :‬إنك ال تستطيع أن متنع األمور السيئة من أن حتدث‪.‬‬ ‫وعلى النحو نفسه‪ ،‬فإنك ال تستطيع أن حتول دون أن يصاب‬ ‫الناس باإلجهاد احلاد‪».‬‬ ‫هل هناك ش������يء ميك������ن فعله من أجل رفع مقدرة ش������خص‬ ‫مع���ي��ن على املواجه������ة اإليجابية للمصائب والباليا؟ إن تس������ليح‬ ‫‪49‬‬

‫الناس قبل أن يحدث لهم ش������يء من ذلك القبيل قد يفيد ورمبا ال‬ ‫يفي������د‪ .‬وقد قام بعض الباحثني م������ن ذوي اخلبرة املؤكدة ‪ -‬وهم‬ ‫سيكولوجيون وأطباء متخصصون في «املركز القومي األمريكي‬ ‫لالضطراب������ات ‪ - »PTSD‬بتطوي������ر طريق������ة للتعامل تس������تهدف‬ ‫حتفيز قدرات الش������خص على املواجهة اإليجابية أكثر من القيام‬ ‫باخلوض االس������تبطاني في ردود أفعال سيكولوجية‪ .‬وتقول >‪.P‬‬ ‫واطس������ون< [وهي أحد من ساعدوا على ابتكار ذلك األسلوب]‪:‬‬ ‫«إذا كان أح������د ما على ما ي������رام‪ ،‬فأنت تُقِ ُّر بأنهم على ما يرام»‪.‬‬ ‫«اإلسعاف األولي الس������يكولوجي»‪ ،‬واسمه الرسمي هذا‪ ،‬ينطلق‬ ‫من التس������ليم بأن كثيرا من الناس يتعاملون تعامال حس������نا مع‬ ‫األمور واألحداث معتمدين على أنفس������هم‪ :‬إنه يركز على ما هو‬ ‫عملي وتطبيقي‪ .‬والطع������ام واملأوى أمران لهما األولوية في حالة‬ ‫الكوارث‪ ،‬لكن الضحايا تصلهم أيضا معلومات عن أوجه املعونة‬ ‫املتاحة‪ ،‬كما يتعلمون كيف يقودون بأنفسهم تقدمهم نحو جتاوز‬ ‫احلدث‪ .‬فبعد حادث احلادي عشر من سپتمبر‪ ،‬ظن بعض هؤالء‬ ‫الذي������ن كانوا بجوار مرك������ز التجارة العامل������ي‪ ،‬أن القلق والكآبة‬ ‫ستس������تمر أعراضهما عندهم لثالثة أشهر بعد احلادث‪ ،‬وهكذا‬ ‫فق������د جتاهلوا نوع املعونة الذي كان متاح������ا لهؤالء الذين كانت‬ ‫األعراض التي تنتابهم ليس������ت مجرد أع������راض وقتية عارضة‪.‬‬ ‫«فانته������ى األمر به������ؤالء الناس بأن امت������دت معاناتهم مدة أطول‬ ‫مم������ا كان ممكنا‪ ،‬وذلك لظنهم أن هذه األعراض ما هي إال أمور‬ ‫طبيعية وحس������ب»‪ ،‬حس������ب قول >واطس������ون<‪ .‬أما فيما يخص‬ ‫الضحايا الذين بلغ عندهم االضطراب ‪ PTSD‬مبلغه‪ ،‬فإن عقاقير‬ ‫متنوعة من الطب النفسي‪ ،‬وكذلك عالجات تعتمد على علم النفس‬ ‫اإلدراكي والسلوكي التي تكشف للمريض منبع اإلجهاد احلاد‬ ‫عنده‪ ،‬كل هذا قد أظهر شيئا من النجاح مع هؤالء الضحايا‪.‬‬ ‫إن املعرفة العلمية اجلديدة بش������أن القدرة على اس������تعادة‬ ‫الت������وازن واحليوية تبني لنا أن الطريقة نفس������ها في العالج ال‬ ‫ميكن أن تكون مناسبة للجميع من أجل التعامل اإليجابي مع‬ ‫ما يصيبنا‪ .‬وقد يحدث األس������وأ أحيان������ا‪ ،‬لكن قدرتنا الفطرية‬ ‫عل������ى النهوض من الكبوة تعني أن األمور‪ ،‬في معظم األوقات‪،‬‬ ‫>‬ ‫تعود من جديد لتسير على النحو السليم‪.‬‬ ‫>‪ .G‬ستكس<‪ ،‬كاتب أول في مجلة ساينتفيك أمريكان‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, March 2011‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس‬

‫‪8/7‬‬

‫‪2011‬‬

‫بحيرة الفسفور‬

‫(٭)‬

‫في والية فلوريدا يتم احلصول على الفسفور‬ ‫من خالل > التعدين بالتعرية< لتوفير غذاء الناس‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .M‬فيشيتي<‬

‫إن لتعدين الفس���فور جانبني‪ :‬أحدهما مفيد واآلخر مقلق‪ .‬فمن خالله‪ ،‬نحصل على >فس���فات‬ ‫األمونيوم <(‪ ،)2‬وهو املركب الذي يش���كل املكون الرئيس للس���ماد املستخدم إلنتاج كميات وافرة‬ ‫م���ن الطع���ام‪ .‬وفي الوقت نفس���ه‪ ،‬تؤدي عمليات التعدين إلى إنت���اج كميات هائلة من الفضالت‪،‬‬ ‫كما هو موضح في الصورة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ونحصل على الفسفور باستخالصه من صخور >فسفات الكالسيوم< عن طريق <التعدين‬ ‫بالتعري���ة> ‪ strip-mining‬ف���ي العدي���د من الواليات األمريكي���ة‪ .‬ويقوم منتجو الفس���فور بإضافة‬ ‫>حمض الكبريت<(‪ )4‬إلى الصخور ليتكون >حمض الفس���فور<(‪ ،)5‬الذي يتم حتويله إلى فس���فات‬ ‫األموني���وم‪ .‬ه���ذا‪ ،‬ويراف���ق احلصول على كل طن من حمض الفس���فور‪ ،‬خمس���ة أطنان من منتج‬ ‫جانبي ش���بيه بالتراب يسمى <اجلبس الفس���فوري>(‪ ,)6‬وتطلق هذه املادة البيضاء أو الرمادية‬ ‫<غاز الرادون> (‪ )7‬املش���ع‪ ،‬مما يجعل اس���تخدامات هذا اجلبس محدودة ومن ضمنها استخدامه‬ ‫ف���ي زراع���ة حقول <الف���ول الس���وداني>(‪ ،)8‬ويتم جرف معظ���م اجلبس الفس���فوري وتخزينه في‬ ‫(‪)9‬‬ ‫أكداس يصل ارتفاعها إلى ما يقرب من مئتي قدم‪ ،‬وتغطي مساحة تبلغ أربعمئة <أكر (فدان)>‬ ‫أو أكث���ر‪ .‬وحتت���وي كل كومة من اجلبس الفس���فوري على ما يتراوح ب�ي�ن بليون وثالثة باليني‬ ‫شكلة بحيرات صغيرة تومض وميض ًا‬ ‫گالون من <مياه الفضالت>(‪ )10‬التي تنضح من اجلبس ُم ِّ‬ ‫أزرق أو أخضر‪ ،‬نتيجة النعكاس الضوء من على رواسب قاع البحيرات‪ .‬وتتراوح درجة تركيز‬ ‫األيون الهدروجيني (احلموضة) للماء ما بني ‪ 1‬و ‪< 2‬حمضية ّ‬ ‫أكالة>(‪ .)11‬وتظهر الصورة زاوية‬ ‫كومة من هذه األكداس في فلوريدا والبحيرة بجانبها‪.‬‬ ‫وتنتج والية فلوريدا ‪ %75‬من الفسفور الذي يستخدمه املزارعون األمريكيون‪ ،‬ونحو ‪ %20‬من‬ ‫اإلنتاج العاملي‪ .‬ويتكدس أكثر من بليون طن من اجلبس الفسفوري في ‪ 25‬كومة عبر الوالية‪ ,‬ويضاف‬ ‫>‬ ‫إليها نحو ‪ 28‬مليون طن كل عام‪.‬‬ ‫>‪.M‬‬ ‫( ) ‪PHOSPHORUS LAKE‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪ :strip-mining‬تعدين بإزالة الطبقة العليا من التربة ومن ثم سحقها‪.‬‬

‫‪ammonium phosphate‬‬ ‫‪calcium phosphate‬‬ ‫‪sulfuric acid‬‬ ‫‪phosphoric acid‬‬

‫فيشيتي<‪ ،‬عضو هيئة التحرير‪.‬‬

‫(‪phosphogypsum )6‬‬ ‫(‪radon gas )7‬‬ ‫(‪peanuts )8‬‬ ‫(‪ :acre )9‬فدان وتبلغ مساحته‬ ‫(‪wastewater )10‬‬ ‫(‪corrosively acidic )11‬‬

‫‪:‬‬

‫عنصر غازي مشع‪.‬‬ ‫نحو ‪ 4000‬متر مربع‪.‬‬

‫‪Scientific American, November 2010‬‬

‫‪50‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


(2011) 8/7

51


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫امليثان‪ :‬خطر ينبعث‬

‫( )‬

‫منذ فترة‪ ،‬بدأ اجلليد السرمدي في القطب‬ ‫الشمالي بالذوبان مشكال بحيرات تُصدر غاز‬ ‫امليثان‪ .‬وهذا الغاز احلابس للحرارة ميكن أن‬ ‫يس ّرع االحترار العاملي بشكل كبير‪ .‬فما‬ ‫حجم هذا التهديد؟ وما الذي ميكن عمله؟‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .W .K‬أنثوني<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫يبدو أن امليثان الذي يفور إلى‬ ‫الغالف اجلوي من جراء ذوبان‬ ‫اجلليد السرمدي الذي يقع‬ ‫أسفل العديد من بحيرات القطب‬ ‫الشمالي يس ّرع االحترار العاملي‪.‬‬

‫>‬

‫تشير التقديرات احلديثة إلى أنه‬ ‫ميكن لذوبان اجلليد السرمدي أن‬ ‫يرفع انبعاثات الغاز الدفيء القوي‬ ‫من ‪ 20‬إلى ‪ %40‬فوق ما سيتم‬ ‫إنتاجه من املصادر الطبيعية‬ ‫والبشرية بحلول العام ‪.2100‬‬

‫>‬

‫الطريقة الواقعية الوحيدة إلبطاء‬ ‫الذوبان هي أن يحد البشر‬ ‫من االحترار العاملي بخفض‬ ‫انبعاثاتهم من غاز ثاني أكسيد‬ ‫الكربون‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪52‬‬

‫في جهودنا املس������تمرة لرصد مارد نشط‬ ‫ميكن له أن يس������ ّرع بشدة االحترار العاملي‪،‬‬ ‫قمنا برحلة اس������تغرقت خمسة أيام وضمت‬ ‫فريق البح������ث الذي أنتمي إلي������ه في جامعة‬ ‫آالس������كا فيربانكس‪ ،‬عابرين روسيا على منت‬ ‫طائرة مروحية صغي������رة إلى احملطة العلمية‬ ‫الشمالية الش������رقية في أرض املليون بحيرة‬ ‫التي ُكنّا نعود لزيارتها من جديد‪.‬‬ ‫تس������اعدنا ه������ذه الرح���ل��ات العلمية على‬ ‫فهم مقدار املس������احات املتجمدة طوال العام‪،‬‬ ‫واملعروفة باجلليد الس���رمدي(‪ )1‬في سيبيريا‬ ‫وعبر القطب الش������مالي واآلخذ ف������ي الذوبان‬ ‫أو قري������ب منه‪ ،‬ومقدار امليث������ان الذي قد تو ّلده‬ ‫هذه العملية‪ .‬ويثير هذا الس������ؤال اهتمامنا ‪-‬‬ ‫وكذل������ك اهتمام العديد م������ن العلماء وصانعي‬ ‫السياس������ات ‪ -‬ألن امليث������ان غ���از احتب���اس‬ ‫ح���راري ‪ green house gas‬ق������وي وميتلك قدرة‬ ‫احتب������اس حراري تف������وق غاز ثاني أكس������يد‬ ‫الكرب������ون مبا يع������ادل ‪ 25‬جزيئا ل������كل جزيء‪.‬‬ ‫ولو ذاب اجلليد الس������رمدي بس������رعة بس������بب‬ ‫االحت���رار العامل���ي ‪ global warming‬الرتفعت‬ ‫حرارة كوكب األرض بس������رعة أكبر مما تتنبأ‬ ‫به معظم النماذج املناخية احلالية‪ .‬إن بياناتنا‬ ‫( ) ‪METHANE: A MENACE SURFACES‬‬ ‫(‪permafrost )1‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


(2011) 8/7

53


‫التهديدات باألعداد‬

‫( )‬

‫يغطي اجلليد السرمدي ‪%20‬‬

‫مع التحاليل املك ّملة لها التي قام بها آخرون‬ ‫تظهر اجتاهات تبعث على القلق‪.‬‬

‫إن ثلث إلى نصف اجلليد السرمدي‪،‬‬

‫ترك باب الفريزر (املجمدة) مفتوحا‬

‫من سطح األرض‪.‬‬

‫وهو مصدر غني بامليثان يبتعد‬

‫اآلن من ‪ 1‬إلى ‪ 1.5‬درجة‬ ‫سيليزية من الذوبان‪.‬‬

‫عند معدالت الذوبان املتنبأ بها‬ ‫فإن اجلليد السرمدي سيرفع‬ ‫امليثان املطلق إلى الغالف اجلوي‬

‫بزيادة تعادل من ‪ %20‬إلى‬

‫‪ %40‬أعلى من تلك التي تنتج‬ ‫من املصادر الطبيعية والبشرية‬ ‫جميعها بحلول العام ‪.2100‬‬ ‫ميتلك امليثان في الغالف اجلوي‬ ‫قدرة على رفع درجة احلرارة مبقدار‬

‫يعادل ‪ 25‬مثل‬

‫الكربون‪.‬‬

‫ثاني أكسيد‬

‫ونتيجة لذلك‪ ،‬فإن متوسط درجة‬ ‫حرارة األرض السنوي ميكن أن‬

‫يرتفع مبا يعادل ‪ 0.32‬درجة‬ ‫سيليزية إضافية مسببا‬

‫( )‬

‫إن التغ ّيرات في اجلليد السرمدي مقلقة‬ ‫جدا ألن األرض املتجمدة التي تغطي ‪ %20‬من‬ ‫س������طح الكرة األرضية تخزّن نحو ‪ 950‬بليون‬ ‫طن من الكربون في عش������رات األمتار األولى‬ ‫من أعماقها‪( .‬قد ميتد اجلليد السرمدي إلى‬ ‫مئات األمتار حتت س������طح األرض)‪ .‬وخالل‬ ‫عش������رات اآلالف م������ن الس������نني تراك������م هذا‬ ‫الكربون على ش������كل بقاي������ا حيوانية ونباتية‬ ‫ميت������ة ولطاملا بقي متجم������دا حتت العديد من‬ ‫البحي������رات أو فيما بينها‪ ,‬فإنه يظل محجوزا‬ ‫بأمان عن الهواء‪.‬‬ ‫ولك������ن عندما ي������ذوب اجلليد الس������رمدي‬ ‫يغ������دو الكربون الذي كان محبوس������ا متوفرا‬ ‫للميكروبات التي حتلله بسرعة منتجة الغاز‪.‬‬

‫تغيرات مناخية أكبر وارتفاعا‬ ‫إضافيا ملستوى سطح البحر‪.‬‬

‫‪ ‬وضع الشمال‪ :‬ستذوب رقع واسعة من اجلليد‬ ‫السرمدي بحلول العام ‪ 2050‬وصوال إلى العام ‪ 2100‬إذا‬ ‫استمر االحترار العاملي من دون توقف‪ ،‬مصدرا كميات‬ ‫كبيرة من امليثان التي ستجعل االحترار أسوأ‪.‬‬

‫ذوبان اجلليد السرمدي في عام‬ ‫ذوبان اجلليد السرمدي في عام‬ ‫اجلليد السرمدي يبقى مستقرا في عام ‪2100‬‬ ‫‪2050‬‬ ‫‪2100‬‬

‫القطب‬ ‫الشمالي‬ ‫سيبيريا‬

‫كندا‬ ‫آالسكا‬

‫وحت������دث العملية نفس������ها فيما ل������و ترك باب‬ ‫املجم������دة مفتوحا ملدة كافي������ة فيذوب اجلليد‬ ‫من الغ������ذاء ويبدأ الغ������ذاء بالتعفن‪ .‬إذ يحفز‬ ‫األكسجني البكتيريا والفطريات لتف ّكك املادة‬ ‫العضوي������ة هوائيا وتنتج غاز ثاني أكس������يد‬ ‫الكربون‪ .‬ولكن األكسجني ينضب في التربة‬ ‫املش������بعة باملاء كالرواس������ب في قعر بحيرة‪،‬‬ ‫وفي ه������ذه الظروف يحدث التحلل الالهوائي‬ ‫الذي يطل������ق غاز امليثان (إضاف������ة إلى كمية‬ ‫من ثاني أكسيد الكربون)‪ .‬وحتت البحيرات‬ ‫يش ّكل غاز امليثان فقاعات تفر عبر عمود املاء‬ ‫لتنفجر عند السطح وتدخل الغالف اجلوي‪.‬‬ ‫إن التحلل الالهوائي هو املصدر الرئيس‬ ‫للميثان في القطب الش������مالي‪ .‬ويؤدي ذوبان‬ ‫الثل������ج ف������ي اجلليد الس������رمدي إل������ى هبوط‬ ‫مس������توى س������طح التربة‪ .‬ومتأل مياه السيول‬ ‫هذه املنخفضات بس������رعة فينشأ العديد من‬ ‫البحيرات الصغيرة املتش������كلة حديثا‪ ،‬والتي‬ ‫تبدأ بنف������ث كمي������ات كبيرة م������ن امليثان ألن‬ ‫اجلليد السرمدي الذي يقع اآلن في أسفلها‬ ‫يذوب بش������كل أسرع‪ .‬وتش������ير األدلة إلى أن‬ ‫هذه العملية مستمرة في احلدوث منذ عشرة‬ ‫آالف س������نة‪ ،‬منذ أن دخلت األرض في الفترة‬ ‫الدافئ������ة احلديثة‪ :‬ما ب���ي��ن اجلليديتني‪ .‬ولكن‬ ‫تسجيالت األقمار الصنعية املرصودة خالل‬ ‫العقود القليلة املاضية تقترح تسارع ذوبان‬ ‫اجلليد السرمدي‪.‬‬ ‫تتوافق هذه التس������جيالت مع املالحظات‬ ‫املدونة م������ن العديد من مواقع عبر آالس������كا‬ ‫وسـ ـيـب ـيــري ــا‪ ،‬التـي يـعـم ــل ع ـلـيـهــا زم ـيـلــي‬ ‫>‪ .V‬رومانوڤسكي< [من فيربانكس] وآخرون‪.‬‬ ‫إذ يشير >رومانوڤسكي< إلى أن درجة حرارة‬ ‫اجلليد الس������رمدي في هذه املواقع آخذة في‬ ‫االرتف������اع منذ أوائل الس������بعينات في القرن‬ ‫العش������رين‪ .‬وبناء على هذه القياس������ات فإن‬ ‫حساباته تشير إلى أن ثلث اجلليد السرمدي‬ ‫في آالس������كا إلى نصفه ه������و اآلن على بعد ‪1‬‬ ‫إلى ‪1.5‬م درجة س������يليزية م������ن الذوبان‪ ،‬وقد‬ ‫( ) ‪THREATENED BY THE NUMBERS‬‬ ‫( ) ‪Leaving the Freezer Door Open‬‬

‫‪54‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫ّ‬ ‫تخط������ت بعض األماكن في العالم عتبة درجة في م������واد تعرف بهي������درات امليثان – (انظر‬ ‫املؤطر في الصفحة ‪ )58‬لوصل ارتفاع درجة‬ ‫الصفر املئوية احلرجة‪.‬‬

‫إن الرصد املس������تمر الذي يجريه فريقي‬ ‫خالل زياراته إلى تشيرسكي ومواقع أخرى‬ ‫عدي������دة‪ ،‬وتلك التي يقوم به������ا زمالؤنا‪ ،‬تعزز‬ ‫اإلدراك بأن الذوبان يتس������ارع‪ ،‬وتش������ير إلى‬ ‫أن االنبعاثات قد تك������ون أكبر بكثير مما هو‬ ‫متوقع‪ .‬وتشير آخر تقديرات مجموعتي إلى‬ ‫أن������ه حتت ظ������روف االحت������رار احلالية ميكن‬ ‫لذوبان اجلليد الس������رمدي أن يرفع انبعاثات‬ ‫امليثان بحلول عام ‪ 2100‬ألكثر بكثير مما ينتج‬ ‫من املص������ادر الطبيعية والبش������رية مجتمعة‪.‬‬ ‫وميكن لغاز االحتب������اس احلراري املضاف‪،‬‬ ‫إضافة إلى ثاني أكس������يد الكربون الناجمني‬ ‫عن ذوب������ان اجللي������د الس������رمدي‪ ،‬أن يرفعا‬ ‫املتوس������ط الس������نوي لدرجة حرارة األرض بـ‬ ‫‪ 0.32‬سيليزية إضافية بحسب >‪ .V‬أليكسيڤ<‬ ‫[من فيربانكس]‪.‬‬ ‫ق������د تبدو ه������ذه الزي������ادة ضئيل������ة لكنها‬ ‫ليس������ت كذلك‪ .‬فهي ستس������هم بش������كل كبير‬ ‫في تق ّلبات الطقس وارتفاع مس������توى سطح‬ ‫البحر واإلضرار بالزراعة وانتش������ار األوبئة‬ ‫الناجمة عن االحترار العاملي‪ .‬ولو تس������ربت‬ ‫املصادر األعمق للميثان – مثل تلك املخزونة‬ ‫‪55‬‬

‫احلرارة إلى عدة درجات سيليزية‪ .‬لذا‪ ،‬فإن‬ ‫لدى البش������رية أس������باب تدفعها أكثر من أي‬ ‫وقت مضى إلى أن تبطئ بقوة املعدل احلالي‬ ‫لالحترار بحيث ال ندفع مناطق شاس������عة من‬ ‫القطب الشمالي إلى ما بعد احلد األقصى‪.‬‬ ‫منجم الذهب في سيبيريا‬

‫( )‬

‫إن مسح مناطق مثل تشيرسكي ضروري‬ ‫للتحقق م������ن تقديراتنا أو مراجعتها‪ .‬وعندما‬ ‫أمش������ي مع زميلي >‪ .S‬زمي������وڤ< [من احملطة‬ ‫الشمالية الشرقية] على شاطئ نهر سيبيريا‬ ‫فإنني أتوخى احلذر في األماكن التي أتوقف‬ ‫فيها‪ .‬إذ إن قش������رة األرض هي بعمق نصف‬ ‫متر فقط وتتألف بشكل كبير من طبقة لينة من‬ ‫خثّ طحلبي موحل فوق طبقة من الثلج بعمق‬ ‫يتراوح بني ‪ 40‬و ‪ 80‬مترا‪ .‬ومتيل األش������جار‬ ‫القزم������ة بزواي������ا مختلف������ة في ه������ذه «الغابة‬ ‫السكرى»؛ ألنها ال تستطيع أن متد جذورها‬ ‫عميقا داخل األرض املتجمدة‪ ،‬وتو ّلد دورات‬ ‫الذوبان في الصيف أكم������ات كبيرة‪ .‬وتهوي‬ ‫خلفي ش������جرة كبيرة س������كرى إلى األرض‪،‬‬ ‫( ) ‪The Mother Lode in Siberia‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫‪ ‬حريصون على اقتفاء األثر‪:‬‬

‫في قيادتها ملجهود قياس كمية امليثان‬ ‫املنبعثة في الغالف اجلوي في العالم‪،‬‬ ‫تقوم املؤلفة (تلبس معطفا أزرق) مع‬ ‫طالب الدراسات العليا >‪ .D‬ڤاز< بجمع‬ ‫الغاز الفائر إلى سطح اجلليد الذي‬ ‫يغطي بحيرة في أواسط آالسكا‪ .‬وكما‬ ‫هو حال الغاز الطبيعي‪ ،‬فإن غاز امليثان‬ ‫قابل لالشتعال‪.‬‬


‫ومن خ���ل��ال الغطاء املمزق ألرض الغابة نرى‬ ‫السطح األسود الالمع للجليد الصلب ونشم‬ ‫الرائحة العفنة للمادة العضوية املتحللة‪ .‬ومن‬ ‫الصع������ب أيضا أن ال يتع ّث������ر أحدنا بالعظام‬ ‫الكثي������رة املبعث������رة‪ :‬وحيد الق������رن الصوفي‬ ‫واملام������وث واألس������د م������ن العص���ر اجلليدي‬ ‫احلديث ‪ Pleistocene‬والدب واحلصان‪.‬‬ ‫وبالنس������بة إلى >زميوڤ<‪ ،‬فإن هذه املنطقة‬ ‫هي مبنزلة منجم من الذهب‪ .‬وليس ذلك بسبب‬ ‫أني������اب وجماجم احليوانات النافقة‪ .‬ففي العام‬ ‫ ‪ -1989‬مدفوع������ا باالهتم������ام بكمي������ة الكربون‬ ‫احملبوس في األرض ‪ -‬قاد >زميوڤ< مجموعة‬ ‫م������ن العلماء الش������باب الذين أنش������ؤوا احملطة‬ ‫الش������مالية الش������رقية املعزولة لرص������د اجلليد‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الس������رمدي في التن���درا(‪ tundra )1‬والتايگا‬ ‫‪ taiga‬على مدار العام‪ .‬خاض الباحثون األنهار‬ ‫الروسية العظيمة في قوارب صغيرة‪ ،‬وتسلقوا‬ ‫هضابا من اجلليد الس������رمدي من دون حبال‪،‬‬ ‫وذلك لقياس محتوى الكربون الذي ينذر بإطالق‬ ‫غاز امليثان‪ .‬وباستخدام الدبابات والبلدوزرات‬ ‫أحدثوا اضطراب������ات تزيح التربة الس������طحية‬ ‫بالطريق������ة نفس������ها الت������ي تنتج م������ن احلرائق‬ ‫الطبيعية الش������ديدة‪ .‬ولقد برهنت جتاربهم على‬ ‫حجم مخزون اجلليد الس������رمدي من الكربون‬ ‫وأهميته بالنسبة إلى العالم‪.‬‬ ‫ولك������ن ملاذا ر ّكز >زميوڤ< – ومجموعتي‬ ‫من بعده – أبحاثهم هنا في منطقة لم تعرف‬ ‫من قب������ل إال من قبل املعتقالت الس������وڤييتية‬ ‫فق������ط؟ إذ إن اجلليد الس������رمدي ليس واحدا‬ ‫كل������ه‪ .‬إن أي أرض يك������ون متوس������ط درج������ة‬ ‫حرارتها الس������نوية حتت الصفر الس������يليزي‬ ‫لعامني متتال���ي��ن على األقل تصنّف على أنها‬ ‫جليد س������رمدي س������واء أكان الثلج موجودا‬ ‫أم ال‪ .‬ويح������وي ه������ذا اجل������زء الشاس������ع من‬ ‫س������يبيريا نوعا مميزا من اجلليد السرمدي‬ ‫يدعى اليدوم���ا(‪ ،yedoma )3‬وه������و تربة غنية‬ ‫باجلليد والكربون – وكالهما أساسيان في‬ ‫قصة امليثان‪ .‬وتش������كل األوتاد الضخمة من‬ ‫اجلليد ‪ -‬بارتفاع ‪ 10‬إلى ‪ 80‬مترا والعدسات‬ ‫األصغر حت������ى ‪ %90‬من حج������م التربة‪ ،‬أما‬ ‫‪56‬‬

‫[كيف ُينتج امليثان]‬

‫الفقاعات املتفجرة‬

‫( )‬

‫في بيئة القطب الشمالي الباردة‪ ،‬تتجمد بقايا احليوانات والنباتات امليتة في اجلليد السرمدي‬ ‫القدمي حتت طبقة رقيقة من التربة احلديثة‪ .‬ولكن مع ارتفاع درجة حرارة الغالف اجلوي تذوب‬ ‫التربة‪ .‬وهذا هو الوقت الذي يبدأ عنده إطالق غاز امليثان‪.‬‬

‫تربة‬ ‫➊‬ ‫➊ يذوب اجلليد في‬ ‫التربة املتجمدة وتهبط‬ ‫التربة مشكلة ثقوب‬ ‫تصريف متتلئ باملاء‬ ‫لتشكل بركا‪.‬‬

‫تندرا‬ ‫ذائبة‬

‫ثقب يُنفذ املاء‬

‫بركة‬

‫جليد سرمدي‬ ‫متجمد‬ ‫أرض غير‬ ‫متجمدة‬

‫فقاعات ميثان‬

‫بحيرة شاولو‬

‫➊‬ ‫➋ تندمج البرك لتشكل‬ ‫بحيرات‪ .‬ويذيب املاء‬ ‫التربة في األسفل‬ ‫وتفكك امليكروبات املادة‬ ‫العضوية ال هوائيا‬ ‫منتجة غاز امليثان‪.‬‬

‫➊‬ ‫ُ‬ ‫البحيرات‬ ‫تذيب‬ ‫ُ‬ ‫➌‬ ‫اآلخذ ُة في االزدياد عمق ًا‬ ‫السرمدي‪ ،‬وهذه‬ ‫اجللي َد‬ ‫َّ‬ ‫التربة املتجمدة هي‬ ‫األغنى باملادة العضوية‪.‬‬ ‫وتأخذ هذه التربة في‬ ‫التحلل أيضا مولدة‬ ‫العديد من فقاعات‬ ‫امليثان التي تصعد إلى‬ ‫سطح البحيرة وتنبعث‬ ‫في الغالف اجلوي‪.‬‬

‫جليد سرمدي‬ ‫ذائب‬

‫فقاعات ميثان‬

‫الباقي فهو عبارة عن أعمدة من التربة الغنية‬ ‫باملادة العضوية من بقايا احليوانات الثديية‬ ‫من العصر اجلليدي احلديث ومن األعشاب‬ ‫التي كانت تتغذى بها‪.‬‬ ‫( ) ‪BURSTING BUBBLES‬‬

‫(‪ )1‬لفظة روسية تطلق على نباتات القطب الشمالي‪ ،‬وهي تشكل‬ ‫نظاما بيئيا فريدا‪.‬‬ ‫(‪ )2‬لفظة روس������ية تش������ير إلى غابات الصنوبريات في األجزاء‬ ‫الشمالية من روسيا وإسكندناڤيا وكندا‪.‬‬ ‫(‪ )3‬جلي������د دائم غني باملواد العضوية‪ ،‬من حقبة البليستوس���ي��ن‬ ‫(العصر احلجري احلديث) تتراوح نسبة اجلليد فيه من ‪50‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫إلى ‪.%90‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫بحيرة‬ ‫عميقة‬

‫جليد سرمدي ذائب‬


‫‪ ‬تتشكل البحيرات عبر سيبيريا‬ ‫مع قيام الهواء الدافئ بإذابة‬ ‫التربة املتجمدة سابقا (في األعلى)‪.‬‬ ‫وفي األسفل املؤلفة (في معطف‬ ‫أحمر) وطالب الدراسات العليا >‪.L‬‬ ‫فارغوهارسون< يأخذان عينات من‬ ‫األجزاء الظاهرة من اجلليد السرمدي‬ ‫املتكشفة (تربة رمادية)‪ ،‬والذي غالبا‬ ‫ما ميتد لعشرات األمتار حتت غطاء‬ ‫رقيق من التربة غير املتجمدة‪.‬‬

‫عن������د نهاي������ة العصر اجللي������دي احلديث‬ ‫تشكلت اليدوما على مس������احة تعادل تقريبا‬ ‫‪ 1.8‬مليون كيلومتر مربع في س������يبيريا‪ ،‬وفي‬ ‫جيوب قليلة في أمريكا الشمالية‪ .‬وقد جت ّمدت‬ ‫امل������ادة العضوية في مكانها قب������ل أن تتم ّكن‬ ‫امليكروبات من تفكيكها؛ وبذلك حبس مخزون‬ ‫هائ������ل من الغذاء إلى أن تتغير الظروف‪ ،‬مثل‬ ‫ترك باب املجمدة مفتوحا‪.‬‬ ‫مؤخ������را س������اعدت ظروف املن������اخ األدفأ‬ ‫على إذابة جليد اليودما مش������كلة البحيرات‪.‬‬ ‫وتنه������ار النبات������ات عند احلواف م������ع ذوبان‬ ‫التربة وانحسارها‪ ،‬وهي عملية تعرف بالنقر‬ ‫احل���راري ‪ .thermokarst‬وتغط������ي البحيرات‬ ‫اليوم مس������احة تصل إلى ‪ %30‬من سيبيريا‪،‬‬ ‫واس������تمرار الذوبان سيجعلها أوسع وأعمق‬ ‫إلى أن تندمج لتش������كل أسطحا مائية كبيرة‬ ‫منتجة لغاز امليثان‪.‬‬ ‫تنبعث على شكل فقاعات‬

‫( )‬

‫في التسعينات من القرن العشرين الحظ‬ ‫‪57‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫الباحثون في احملطة الشمالية الشرقية أن غاز‬ ‫امليثان ينبعث طوال العام على شكل فقاعات‬ ‫من أعماق البحيرات‪ ،‬ولكنهم لم يعرفوا مدى‬ ‫أهمية البحيرات بالنس������بة إل������ى العالم‪ .‬ومن‬ ‫هن������ا ج������اءت مصاعب الهب������وط لطائرتي في‬ ‫تشيرسكي في الش������هر ‪ ،2009/8‬في رحلتي‬ ‫التاسعة للخوض في بحيرات النقر احلراري‬ ‫ش������ديدة االتساع‪ ،‬وذلك لقياس التغيرات في‬ ‫اجلليد السرمدي وانبعاثات غاز امليثان‪.‬‬ ‫بدأ بحثي كمشروع لرسالة الدكتوراه في‬ ‫الع������ام ‪ .2000‬وفي ذلك الوق������ت‪ ،‬كان العلماء‬ ‫يعرفون أن مستوى امليثان‪ ،‬وهو ثالث غازات‬ ‫االحتباس احلراري من حيث توافره في اجلو‬ ‫بعد ثاني أكس������يد الكربون وبخار املاء‪ ،‬آخذ‬ ‫في االزدياد‪ .‬وكان مق������دار االنبعاث ومعدله‬ ‫غير مس������بوقني خالل الس������نوات الـ ‪650 000‬‬ ‫املاضية‪ .‬وكانت الدالئل تش������ير إلى أن تركيز‬ ‫امليث������ان في اجل������و خالل احلقبات الس������ابقة‬ ‫تذبذب بنح������و ‪ %50‬وارتبط ذل������ك بالتغيرات‬ ‫( ) ‪Blown Away by Bubbles‬‬


‫[مصادر جديدة للميثان في املستقبل]‬

‫الهيدرات‪ :‬مشكلة أعمق‬

‫( )‬

‫لي���س اجللي���د الس���رمدي هو املصدر الوحي���د لقلق العالم من غ���از امليثان‪ .‬فهن���اك كميات هائلة‬ ‫م���ن الغاز محبوس���ة في أقفاص جليدية حتت األرض مبئ���ات األمتار وحتت قاع احمليطات‪ .‬ولو‬ ‫ذاب���ت «هي���درات امليث���ان» هذه بطريقة ما وأطلق���ت الغاز منها إلى الغالف اجل���وي فإنها تقريبا‬ ‫بالتأكيد ستحفز تغييرا مفاجئا في املناخ‪ .‬وتقترح الدالئل من رسوبيات قاع البحر أن هذا هو‬ ‫بال���ذات ‪ -‬التحفي���ز الناجم عن االرتفاع الس���ريع لدرجة حرارة احمليط���ات ‪ -‬رمبا يكون قد حدث‬ ‫قبل ‪ 55‬مليون سنة‪.‬‬ ‫ويدّع���ي بع���ض العلماء الروس أن أكثر م���ن ‪ 1000‬بليون طن من امليثان يقع حتت الصفيحة‬ ‫الس���يبيرية – أرض مغم���ورة متت���د نح���و البح���ر من الش���اطئ وتنح���در في النهاي���ة إلى أعماق‬ ‫احمليط‪ .‬ولو انبعث ‪ %10‬من ‪ 100‬بليون طن – فسيكون ضعف الـ ‪ 50‬بليون طن التي نتنبأ بأنها‬ ‫ميكن أن تنطلق من جراء ذوبان اجلليد الس���رمدي (انظر املقال الرئيس)‪ .‬وليس من احملتمل أن‬ ‫ترتف���ع درج���ة حرارة أعماق احمليطات في املس���تقبل القريب‪ .‬ولكن لوح���ظ مؤخرا وجود تراكيز‬ ‫مرتفعة من غاز امليثان في املياه الضحلة قرب اجلرف القاري‪ ،‬وسيحدد البحث املتواصل هناك‬ ‫فيم���ا إذا كان املص���در ه���و الهي���درات أو (األكثر احتماال) ه���و املادة العضوي���ة املتحللة بذوبان‬ ‫اجلليد السرمدي في قيعان البحار الضحلة‪.‬‬ ‫وعلى اليابس���ة لو امتد ذوبان قاع البحيرات مثل األصابع عميقا في األرض أس���فلها‪ ،‬فمن‬ ‫احملتم���ل أن تص���ل إلى ترس���بات الهي���درات وتوفر قناة للف���وران نحو األعلى خ�ل�ال عمود املاء‬ ‫ومن���ه إل���ى الغالف اجلوي‪ .‬وتتعاون مجموعتي مع عاملني من مؤسس������ة الواليات املتحدة للرصد‬ ‫اجليولوجي(‪ )1‬هما >‪ .K‬روبل< و>‪ .J‬بوهلمان< لتقييم هذا االحتمال‪.‬‬ ‫ول���و ثب���ت أن الهيدرات س���تمثل تهديدا‪ ،‬فيمكن عك���س هذا التأثير قليال باس���تخالص غاز‬ ‫امليث���ان على ش���كل وقود قبل أن يطلق‪ .‬وس���ينتج امليثان في الهيدرات ف���ي العالم كميات الطاقة‬ ‫أكب���ر م���ن من تلك املوج���ودة في الغاز الطبيعي والنفط والفحم احلج���ري مجتمعة‪ .‬ولكن القليل‬ ‫جدا منه قابل لالس���تخراج بش���كل اقتصادي ألنه ش���ديد التناثر في الطبقات اجليولوجية‪ ،‬مما‬ ‫يجع���ل االستكش���اف واالس���تخالص مكلفني جدا حتى ولو كان س���عر النف���ط ‪ 100‬دوالر للبرميل‪.‬‬ ‫وق���د يكون اس���تخراج الهيدرات املركزة أكثر اقتصادية في مناطق قليل���ة تتركز فيها الهيدرات‪.‬‬ ‫ومل���ا كان���ت دول مثل اليابان والصني وكوريا اجلنوبي���ة تتطلع نحو خفض وارداتها من الوقود‬ ‫األحف���وري‪ ،‬فإنه���ا تس���تثمر ف���ي تقنية الس���تخالص امليثان من ه���ذه الطبقات‪ .‬وتق���وم كونوكو‬ ‫فيليپ���س ‪ ConocoPhillips‬وش���ركة البت���رول البريطاني���ة ‪ British Petroleum‬بدراس���ة اجل���دوى‬ ‫االقتصادية لبعض أنواع الهيدرات في الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫إن تعدين الهيدرات أمر موضع جدل‪ .‬فلو اقترحت أدلة كافية انبعاث كميات كبيرة ال ميكن‬ ‫التحك���م فيه���ا قريب���ة من امليثان من مناط���ق الهيدرات التي لم تعد مس���تقرة‪ ،‬ف���إن التقاط الغاز‬ ‫سيس���اعد عل���ى التخفيف من االحترار العاملي‪ .‬وال يوجد دلي���ل على وجود انبعاث كبير من غاز‬ ‫امليثان من الهيدرات حتى اآلن‪ ،‬لكن االس���تخراج التجاري س���يفاقم ببس���اطة التغيرات املناخية‬ ‫الناجمة عن حرق الوقود األحفوري‪ .‬ومن وجهة نظر االحترار العاملي فس���نكون في حال أفضل‬ ‫لو تركنا هذه الهيدرات في أعماق األرض‪.‬‬

‫العمالق ‪‬‬

‫ميكن للطبقات العميقة والكبيرة من اجلليد والغاز التي تعرف بالهيدرات أن تطلق فجأة كميات كبيرة من‬ ‫امليثان لو خرقت‪ .‬وهناك نظريا طريقتان حلدوث ذلك‪ (1) :‬على اليابسة ميكن ألصابع اجلليد السرمدي الذائبة‬ ‫أن متتد في األعماق وتخترق الطبقات مما يسمح للميثان بأن ينطلق نحو األعلى‪ (2) .‬حتت الصفائح القارية‬ ‫قد يؤدي ارتفاع درجة حرارة مياه احمليطات إلى إذابة غطاء اجلليد السرمدي الرقيق ومن ثم يذيب الهيدرات‬ ‫اجلليدية مما يسمح للميثان بأن ينطلق نحو األعلى‪.‬‬ ‫شاطىء داعم‬

‫تندرا‬ ‫ذائبة‬ ‫بحيرة عميقة‬

‫محيط‬ ‫حار‬

‫فقاعات ميثان‬

‫جليد سرمدي‬ ‫ذائب‬ ‫➊‬ ‫➊‬

‫ُ‬ ‫سيف القار ّة‬

‫ثقوب انبعاث‬ ‫هيدرات امليثان‬

‫➊‬ ‫➋‬

‫املناخية الطبيعية خالل آالف الس������نني‪ .‬ولكن‬ ‫ذاك التغير كان ضئيال مقارنة بالزيادة بنسبة‬ ‫‪ %160‬تقريب������ا الت������ي حصلت من������ذ منتصف‬ ‫القرن الثامن عشر‪ ،‬إذ ارتفع التركيز من ‪700‬‬ ‫جزء لكل بليون قبل الثورة الصناعية إلى نحو‬ ‫‪ 1800‬جزء لكل بليون عندما بدأت مشروعي‪.‬‬ ‫وأدرك العلماء أيضا أن الزراعة والصناعة‬ ‫ودفن النفايات والنشاطات البشرية األخرى‬ ‫كان������ت مرتبط������ة بوض������وح به������ذا االرتفاع‬ ‫احلديث‪ ،‬ومع ذلك ف������إن نصف امليثان الذي‬ ‫يدخل الغالف اجل������وي تقريبا كل عام يأتي‬ ‫م������ن مصادر طبيعية‪ .‬ولكن ل������م يكن أحد قد‬ ‫ح ّدد أكبر تلك املصادر بعد‪.‬‬ ‫وف������ي الفترة ما بني العام ‪ 2001‬إلى العام‬ ‫‪ 2004‬وزّعت وقتي بني غرفتي في فيربانكس‬ ‫والعمل مع >زميوڤ< وآخرين في تشيرسكي‪،‬‬ ‫والعيش مع العائالت الروسية احمللية القليلة‬ ‫هن������اك‪ .‬وفي مكتبة في عل ّي������ة البيت مبحطتنا‬ ‫اخلش������بية الصفراء الصغيرة أمضيت ليالي‬ ‫ط������وا ًال أصنع مصاي������د بالس������تيكية عائمة‬ ‫ميكنن������ي وضعه������ا عل������ى البحي������رات جلمع‬ ‫فقاعات امليثان‪ .‬كنت أد ّلي املصايد باالنحناء‬ ‫فوق حافة الزوارق املهجورة التي اس������توليت‬ ‫ألسجل حجم‬ ‫عليها‪ ،‬وكنت أتفحص املصايد‬ ‫ّ‬ ‫الغاز املتجمع حتت قبابها التي تشبه قنديل‬ ‫البح������ر‪ .‬ولكنني في البداية ل������م ألتقط الكثير‬ ‫من امليثان‪.‬‬ ‫يأتي الش������تاء مبكرا‪ ،‬وفي صباح يوم من‬ ‫أيام الش������هر ‪ 10‬عندما كان اجلليد األس������ود‬ ‫بالكاد غليظا مبا يكفي ليتح ّمل وزن جسمي‬ ‫مش������يت على السطح الالمع صدرت صرخة‬ ‫تعجب «آه !»‪ .‬كان املنظر كما لو‬ ‫أنني كنت أنظر إلى الس������ماء في‬ ‫الليل‪ .‬إذ كانت هناك مجموعات‬ ‫المعة م������ن الفقاع������ات البيضاء‬ ‫محص������ورة في اجلليد األس������ود‬ ‫الرقيق‪ ،‬وقد كانت تنتش������ر عبر‬ ‫السطح بحيث إنها أرتني خريطة‬ ‫مص������ادر انط���ل��اق الفقاعات أو‬ ‫( ) ‪HYDRATES: DEEPER TROUBLE‬‬ ‫(‪U.S. Geological Survey scientists )1‬‬

‫‪58‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫تس������ربها في حوض البحيرة في األس������فل‪.‬‬ ‫طعن������ت جيبا أبي������ض كبيرا برم������ح حديدي‬ ‫فانطلقت منه ريح نحو األعلى‪ .‬أش������علت عود‬ ‫ثقاب فاشتعل لهب ارتفع خمسة أمتار نحو‬ ‫األعلى بحيث ألقاني أرضا إلى الوراء وحرق‬ ‫وجهي ولفح حواجبي‪ .‬إنه غاز امليثان!‬ ‫طيل������ة ذلك الش������تاء خاط������رت بالتجول‬ ‫عبر البحي������رات املتجمدة لوض������ع مصايد‬ ‫أكثر فوق مواضع التس������رب‪ .‬ومن دون علم‬ ‫مني دس������ت أكثر من مرة فوق بقع ساخنة‬ ‫تصدر الفقاعات وس������قطت ف������ي املاء البارد‬ ‫املتجم������د‪ .‬ميكن لبقع امليثان الس������اخنة في‬ ‫أحواض البحيرات أن تص������در كمية كبيرة‬ ‫م������ن الغاز بحيث ميك������ن لالضطراب الناجت‬ ‫من صعود الفقاعات أن مينع تشكل اجلليد‬ ‫س������وى طبقة رقيقة من اجلليد فوق س������طح‬ ‫البحيرة‪ ،‬تاركا فتحات هش������ة بحجم أغطية‬ ‫فتح������ات املجاري حت������ى عندما تصل درجة‬ ‫حرارة الهواء إلى ‪ 50 -‬س������يليزية في شتاء‬ ‫س������يبيريا املظلم‪ .‬التقطت ما مقداره ‪ 25‬لترا‬ ‫(‪ 8‬گالونات) من امليثان كل يوم من مواضع‬ ‫تس������رب متفرقة‪ ،‬وهي أكثر بكثير مما يجده‬ ‫العلماء ع������ادة‪ .‬وأعددت خرائط ملواقع البقع‬ ‫الس������اخنة وس������جلت االنبعاثات عبر العديد‬ ‫من البحي������رات‪ .‬كان الغليان األقوى يحدث‬ ‫قرب ح������واف البحيرات حي������ث كان اجلليد‬ ‫السرمدي آخذ في الذوبان بسرعة‪ .‬وأشار‬ ‫عمر الكربون املش������ع للغ������از ‪ -‬والذي يبلغ‬

‫علم للمواطن‪ :‬امليثان في‬ ‫( )‬ ‫البحيرات القريبة منك‬ ‫هل تعيش بالقرب من بحيرة؟ كم كمية امليثان‬ ‫التي تنبعث منها؟ يصعد امليثان من قاع أي‬ ‫بحيرة تتحلل فيها املادة العضوية بغض النظر‬ ‫عن خط العرض ملنطقتها‪ .‬إن البرك التي تتشكل‬ ‫بفعل قيام القندس ببناء السدود هي برك غنية‬ ‫باملواد العضوية‪ .‬وملعرفة كيف ميكنك أن تسهم‬ ‫في رصد انبعاثات امليثان في باحتك اخللفية قم‬ ‫بزيارة موقع الشبكة القطبية لرصد انبعاث امليثان‬ ‫من البحيرات اجلليدية(‪ . )1‬وميكن للمعلمني‬ ‫أيضا أن يشاركوا من خالل برنامج للطلبة على‬ ‫املوقع نفسه‪.‬‬

‫‪59‬‬

‫‪ 43 000‬س������نة في بع������ض األماكن ‪ -‬إلى أن‬ ‫اليدوما هي مصدر ذلك‪.‬‬ ‫ومن������ذ الع������ام ‪ 2002‬وحتى الع������ام ‪2009‬‬ ‫أجريت مس������وحات لتس������رب امليثان في ‪60‬‬ ‫بحي������رة م������ن أن������واع وأحج������ام مختلفة في‬ ‫سيبيريا وآالسكا‪ .‬وما لم يتوقعه العلماء هو‬ ‫أن الزي������ادة في انبعاث امليث������ان عبر املنطقة‬ ‫املدروسة لم يكن يتناسب مع ازدياد مساحة‬ ‫البحيـ ــرة في املنطق ـ ــة نفسها‪ .‬لقد كان أكبر‬ ‫بـ ‪ %45‬تقريبا؛ أي كان يتسارع‪.‬‬ ‫وعند تطبيق منهج التقدير االس���تقرائي‬ ‫‪ extrapolate‬عل������ى البحي������رات ف������ي القط������ب‬ ‫الش������مالي أش������ار تقديري األولي إلى أن ‪14‬‬ ‫إل������ى ‪ 35‬مليون طن متري م������ن امليثان يطلق‬ ‫في الس������نة‪ .‬وأظهرت الدالئل من س������جالت‬ ‫العين������ات املأخوذة من اجللي������د القطبي ومن‬ ‫التأريخ بالكربون املشع ألحواض البحيرات‬ ‫التي جفت في القدم أن البحيرات املتش������كلة‬ ‫بالنقر احلراري أسهمت بقوة في تغير املناخ‬ ‫املفاجئ قبل ‪ 10 000‬إلى ‪ 11 000‬س������نة – مبا‬ ‫يعادل ‪ %87‬من ميثان القطب الشمالي الذي‬ ‫س������اعد على إنهاء العصر اجلليدي‪ .‬ويدلنا‬ ‫هذا إلى أنه حتت ظروف مناسبة فإن ذوبان‬ ‫اجلليد الس������رمدي وإطالق امليثان ميكن أن‬ ‫( ) ‪CITIZEN SCIENCE: METHANE IN LAKES NEAR YOU‬‬ ‫(‪Pan-Arctic Lake-Ice Methane monitoring Network )1‬‬ ‫‪ projects.xml‬ـ ‪www.alaska.edu/uaf/cem/ine/walter/ongoing‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫‪ ‬احلل؟ يصلح راعي الرنة سياجا‬ ‫يحيط مبنطقة واسعة من سيبيريا‬ ‫تعرف بحديقة العصر اجلليدي احلديث‪.‬‬ ‫أعيد تقدمي حيوانات رعي مثل خيول‬ ‫الياكوتشاين ‪ Yakutian‬في هذه احلديقة‬ ‫إلعادة تشكيل البراري العشبية بشكل‬ ‫أفضل‪ ،‬مما يساعد على احملافظة على‬ ‫اجلليد السرمدي متجمدا‪.‬‬


‫يتس������ارعا مولدين دارة تغذية راجعة‬ ‫إيجابي���ة ‪ :positive feedback‬يطل������ق‬

‫كربون العص������ر اجلليدي احلديث على‬ ‫ش������كل ميثان مما يس������هم ف������ي احترار‬ ‫الغالف اجل������وي‪ ،‬وهذا يس������بب ذوبانا‬ ‫أش������د وإطالق كمية أكبر م������ن امليثان‪.‬‬ ‫وفي يومنا هذا‪ ،‬يهدد االحترار املسبب‬ ‫باألنشطة البشرية بتحفيز دائرة التحكم‬ ‫العكسية مرة أخرى‪.‬‬ ‫ما مدى سرعة حدوث هذه الدوائر‬ ‫العكسية؟ في العام ‪ 2007‬تنبأت مناذج‬ ‫املناخ العاملية التي أعلنت عنها «اللجنة‬

‫م����ا بني احلكومات حول تغير املناخ»‬

‫)‪ )1((IPCC‬ب������أن االحت������رار األش������د في‬ ‫املستقبل س������يكون في خطوط العرض‬ ‫العليا‪ ،‬إذ تنبأت بعض النماذج بارتفاع‬ ‫درجة احلرارة من ‪ 7‬إلى ‪ 8‬سيليزية مع‬ ‫نهاية القرن احلادي والعش������رين‪ .‬وبناء‬ ‫على العدي������د من التحالي������ل تنبأت مع‬ ‫زمالئ������ي بأن ‪ 50‬بليون ط������ن من امليثان‬ ‫س������تهرب من بحي������رات النقر احلراري‬ ‫في س������يبيريا مع ذوبان اليدوما خالل‬ ‫العقود والق������رون القادمة‪ .‬وتعادل هذه‬ ‫الكمي������ة ‪ 10‬أمثال امليثان املوجود حاليا‬ ‫في الغالف اجلوي‪.‬‬ ‫ضبط النماذج‬

‫( )‬

‫حتى م������ع أفضل جهودن������ا‪ ،‬حتتاج‬ ‫تقديراتن������ا احلالي������ة إلى من������اذج أكثر‬ ‫تطورا وإلى أخذ احتم������ال تطور دوائر‬ ‫التحكم العكس������ية باالعتب������ار كونها قد‬ ‫تعمل ككوابح على النظام‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬في آالس������كا جند أن عددا كبيرا‬ ‫م������ن بحيرات النقر احل������راري آخذ في‬ ‫اجلفاف‪ .‬وتظل البحيرات املتش������كلة في‬ ‫املناطق املرتفعة تكبر في املساحة حتى‬ ‫تص������ادف منحدرا؛ عنده������ا يتدفق املاء‬ ‫أس������فل املنحدر فيعري الطبقات ويؤدي‬ ‫إلى ق������در أكبر من التجفيف‪ ،‬مرس���ل��ا‬ ‫الرس������وبيات إلى األنهار وف������ي النهاية‬ ‫‪60‬‬

‫إلى احمليط‪ .‬ومتتلئ أحواض الصرف‬

‫‪ drained basins‬بنباتات جديدة لتتحول‬ ‫على األغلب إلى أراض رطبة ‪.wetlands‬‬ ‫ومع أن هذه األراضي تنتج امليثان عندما‬ ‫تذوب الثلوج في الصيف‪ ،‬فإن مجموع‬ ‫االنبعاثات الس������نوي غالبا ما يكون أقل‬ ‫من تلك التي تصدر عن البحيرات‪.‬‬ ‫من الصعب الق������ول ما إذا كانت‬ ‫مثل هذه العمليات احملتملة س������تقلل‬ ‫من إط���ل��اق امليثان مبق������دار كبير أو‬ ‫ببض������ع ف������ي املئ������ة فقط‪ .‬ف������ي العام‬ ‫‪ 2008‬بدأت مبش������روعني مع زمالئي‪:‬‬ ‫>‪ .G‬گروس������ي< [م������ن فيربانك������س]‬ ‫و>‪ .L‬پل������ج< [من جامعــة دالهاس������ي‬ ‫نوڤا س������كوتيا] و>‪ .M‬إدواردز< [من‬ ‫جامعة س������اوثهامپتون] ف������ي إنگلترا‬ ‫وآخرين‪ ،‬وذلك لتحس���ي��ن التقريبات‬ ‫م������ن الدرجة األولى لدوائ������ر التحكم‬ ‫العكس������ية أو الطردية‪ .‬كانت اخلطوة‬ ‫األس������اس هي إع������داد خرائط ونظام‬ ‫تصنيف بحي������رات النق������ر احلراري‬ ‫ودورة الكربون ملناطق في س������يبيريا‬ ‫وآالس������كا‪ ،‬والتي نأمل بأن ننتهي من‬ ‫مسودة البحث في أوائل العام ‪.2010‬‬ ‫يربط هذا البح������ث ‪ -‬الذي يجمع بني‬ ‫عدد من التخصصات العلمية ‪ -‬بني‬ ‫القياس������ات اإليكولوجية واالنبعاثات‬ ‫واجليوفيزي������اء‪ ،‬واالستش������عار ع������ن‬ ‫بع������د‪ ،‬والرصد املخبري لتربة اجلليد‬ ‫السرمدي الذائبة ورواسب البحيرات‬ ‫بوصفها ف������ي حضانات‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫دراس������ات متنوعة من فروع أخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫منذجة‬ ‫كان اله������دف ه������و صياغ������ة‬ ‫كمي ٍ����ة ‪ quantitative model‬النبعاثات‬ ‫امليث������ان وثاني أكس������يد الكربون من‬ ‫بحيرات النقر احلراري منذ الذروة‬ ‫اجلليدي����ة األخي����رة(‪( )2‬قبل ‪21 000‬‬ ‫سنة) إلى الوقت احلالي‪ ،‬وذلك للتنبؤ‬ ‫بدوائر التحكم لالحترار بفعل امليثان‬ ‫املنبعث م������ن البحيرات في العقود أو‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫القرون القادمة‪.‬‬ ‫وللمس������اعدة عل������ى التنب������ؤ بتأثي������ر‬ ‫االحت������رار‪ ،‬في املس������تقبل‪ ،‬في بحيرات‬ ‫النقر احلراري‪ ،‬يط������ ّور >پلج< بالتعاون‬ ‫مع طالب ما بعد الدكتوراه يعمل معن ــا‬ ‫هو >‪ .M‬كيسلر<‪ ،‬منوذجني حاسوبيني‪.‬‬ ‫النمذجة األولى لبحيرة وحيدة س������تمثل‬ ‫ديناميكي������ة ح������وض البحي������رة‪ .‬والثانية‬ ‫منذج������ة ملنطقة كامل������ة تتضمن خواص‬ ‫منح������درات الت���ل��ال وحرك������ة املي������اه‬ ‫الس������طحية والتغي������رات في مس������احات‬ ‫اجلليد الس������رمدي‪ .‬أوال‪ ،‬سيتم اختبار‬ ‫النمذج������ة للتحق������ق م������ن صحتها وذلك‬ ‫مبقارنتها مبناطق درس������ناها مس������بقا‪،‬‬ ‫ومن ثم باملقارنة ببيانات من عينات من‬ ‫ترس������بات تعود إلى ‪ 15 000‬سنة مضت‬ ‫في سيبيريا وآالسكا‪ ،‬ثم باملقارنة بنتائج‬ ‫محاكاة مناخية أخرى منذ ‪ 210 000‬سنة‬ ‫مضت‪ .‬وس������تكون اخلطوة النهائية ربط‬ ‫منذجة بحيرة النقر احلراري بالنموذج‬ ‫الضخم املع������روف بالنم���وذج املرتبط‬ ‫ملرك���ز هادل���ي(‪ )3‬الذي يص������ف تيارات‬ ‫احمليطات وحركة الغالف اجلوي – وهو‬ ‫أحد النماذج الرئيسة التي تستخدم في‬ ‫تقاري������ر الرصد التقديري������ة التي تعدها‬ ‫اللجنة ‪ .IPCC‬وستكون النتيجة كما نأمل‬ ‫برنامجا رئيسا ميكن أن ينمذج بالكامل‬ ‫مدى ذوبان اجلليد السرمدي وتأثيراته‪،‬‬ ‫مما يسمح لنا بأن نحسب معدل انبعاث‬ ‫امليثان في املستقبل‪ ،‬ونقدر كيف سيؤثر‬ ‫ذلك في درجة حرارة األرض‪.‬‬ ‫وبالطب������ع‪ ،‬ف������إن العم������ل امليدان������ي‬ ‫سيس������تمر بتحسني نوعية البيانات التي‬ ‫تس������تخدم في هذه النم������اذج‪ .‬في العام‬ ‫‪ 2010‬سوف نتفحص وباستخدام طائرة‬ ‫برمائية ‪ -‬البحيرات على طول ‪ 1000‬ميل‬ ‫تقريبا من األنهار الس������يبيرية والساحل‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪Fine-tuning the Models‬‬ ‫‪the Intergovernmental Panel on Climate Change‬‬ ‫‪the last glacial maximum‬‬ ‫‪Hadley Center Coupled Model‬‬


‫القطبي‪ .‬وستجمع أيضا حملة ضخمة عينات‬ ‫من طبقات من البحيرات تعود إلى ألف عام‪.‬‬ ‫وفي النهاية ستستخدم البيانات امليدانية مع‬ ‫االستشعار عن بعد في برنامج مركز هادلي‬ ‫تنبؤات لنمذجة مس������ببات التغير املناخي من‬ ‫ال������ذروة اجلليدية األخيرة وحتى ‪ 200‬عام في‬ ‫املستقبل؛ على أن تس������تكمل خرائط تنبؤات‬ ‫ذوبان اجلليد الس������رمدي وانبعاث امليثان بها‬ ‫بحلول الشهر ‪.2011/4‬‬ ‫حلول‬

‫( )‬

‫ل������و كان انبع������اث امليث������ان م������ن اجلليد‬ ‫السرمدي في القطب الشمالي يتسارع كما‬ ‫تقترح املؤش������رات جميعها‪ ،‬يصبح السؤال‬ ‫امله������م‪ :‬هل ميكن فعل أي ش������يء ملنع انبعاث‬ ‫امليثان؟ سيكون أحد األجوبة هو استخالص‬ ‫الغاز كوقود نظيف نسبيا قبل أن يتسرب إلى‬ ‫الغالف اجلوي‪ .‬ولكن حصاد غاز امليثان من‬ ‫ماليني البحيرات املنتشرة عبر مناطق شاسعة‬ ‫ليس اقتصاديا ألن أماكن التسرب متباعدة‬ ‫كثي������را‪ .‬ومع ذلك ميكن للتجمعات البش������رية‬ ‫الصغيرة والقريبة من مواضع تس������رب قوية‬ ‫أن تلتقط امليثان كمصدر للطاقة‪.‬‬ ‫لقد صمم >زميوڤ< وابنه >نيكيتا< خطة‬ ‫ذكية للمس������اعدة على بقاء اجلليد السرمدي‬ ‫في س������يبيريا متجمدا‪ .‬فهم������ا يعيدان تكوين‬ ‫املنظومة اإليكولوجية ‪ ecosystem‬العشبية‬ ‫التي تعيش عليها آكالت العش������ب الشمالية‬ ‫الضخم������ة‪ ،‬وتش������به تل������ك التي وج������دت في‬ ‫سيبيريا قبل أكثر من ‪ 10 000‬سنة‪ .‬لقد أدخال‬ ‫احلصان واملوظ ‪ moose‬والدببة والذئاب في‬ ‫«حديق������ة العصر اجللي������دي احلديث»‪ .‬وهي‬ ‫عبارة عن محمية علمية مبساحة ‪ 160‬كم‪ 2‬في‬ ‫شمال شرق سيبيريا‪ .‬ويعتزمان إعادة تقدمي‬ ‫ثور املس������ك وثور البيسون‪ ،‬بحسب التمويل‬ ‫الذي يأتي من مصادر مستقلة ومن احلكومة‬ ‫الروسية والوكاالت األمريكية‪.‬‬ ‫لقد حافظت هذه احليوانات آكلة العشب‬ ‫مع املاموث‪ ،‬على منظومة إيكولوجية من براري‬ ‫اإلس���تپس ‪ steppe-grassland‬منذ س������نوات‬ ‫‪61‬‬

‫بعيدة مضت‪ .‬إن اإلقليم العشبي الالمع أكثر‬ ‫كفاءة في عكس اإلشعاع الشمسي الساقط‬ ‫عليه من الغابة الش������مالية املعتمة التي ح ّلت‬ ‫محلها‪ ،‬األمر الذي سيس������اعد على احلفاظ‬ ‫عل������ى اجلليد الس������رمدي حتتها ف������ي حالة‬ ‫متجمدة‪ .‬إضافة إلى ذل������ك‪ ،‬فإن احليوانات‬ ‫آكلة العش������ب تدوس في الشتاء على اجلليد‬ ‫وتستخرج العلف من كتل اجلليد املتراكمة‪،‬‬ ‫مما يس������مح للبرد الش������ديد أن يج ّمد اجلليد‬ ‫السرمدي لدرجة أكثر‪.‬‬ ‫لق������د أخذ رجل مع أس������رته عل������ى عاتقه‬ ‫مجه������ودا عمالق������ا لينقذ العالم م������ن التغير‬ ‫املناخي ببن������اء حديقة عصر جليدي حديث‪.‬‬ ‫ومع ذل������ك‪ ،‬هناك حاجة إل������ى جتاوب عاملي‬ ‫بحي������ث يتحمل كل ف������رد أو منظم������ة أو أمة‬ ‫املس������ؤولية في تخفيض البصم������ة الكربونية‬ ‫لهذا التغير‪ .‬إن إبطاء انبعاث ثاني أكس������يد‬ ‫الكرب������ون هو الطريق������ة الوحيدة لكي تتجنب‬ ‫البشرية تضخيم دارة راجعة الحترار أشد‬ ‫سيس������بب ذوبان اجلليد الس������رمدي والذي‬ ‫بدوره سيسبب احترارا أكبر‪ .‬إننا نتنبأ بأنه‬ ‫لو تزايدت انبعاثات الكرب������ون وفقا للمعدل‬ ‫احلالي املتوقع‪ ،‬فس������وف تطل������ق البحيرات‬ ‫الش������مالية ما يعادل ‪ 100‬إلى ‪ 200‬مليون طن‬ ‫من امليثان في العام بحلول العام ‪ ،2100‬وهي‬ ‫أكثر بكثير من انبعاث ‪ 14‬إلى ‪ 35‬مليون طن‬ ‫التي تصدرها س������نويا اليوم‪ .‬وإن اإلصدار‬ ‫الكل������ي العاملي م������ن املص������ادر جميعها هو‬ ‫نحو ‪ 550‬مليون طن في العام‪ ،‬فإذا اس������تمر‬ ‫ذوبان اجلليد السرمدي دون من إيقاف فإنه‬ ‫س������يضيف من ‪ %20‬إلى ‪ %40‬درجة حرارة‬ ‫األرض رافعا املتوسط السنوي لهذه الدرجة‬ ‫مبا يعادل ‪ °0.32‬سيليزية‪ .‬والعالم لن يحتمل‬ ‫التده������ور املناخي إلى ذل������ك احلد‪ .‬وخلفض‬ ‫ثاني أكسيد الكربون في اجلو ومن ثم إبطاء‬ ‫ذوب������ان اجلليد الس������رمدي‪ ،‬علينا جميعا أن‬ ‫نواج������ه «الفيل في الغرف������ة»‪ )1(:‬أولئك الناس‬ ‫>‬ ‫الذين يحرقون الوقود األحفوري‪.‬‬

‫املؤلفة‬

‫‪Katey Walter Anthony‬‬

‫>‪ .W .K‬أنتوني< أستاذة باحثة في مركز‬ ‫أبحاث املياه والبيئة في جامعة آالسكا‬ ‫فيربانكس‪ .‬وهي تتنقل بني املواقع‬ ‫امليدانية في سيبيريا وآالسكا‪ ،‬لدارسة‬ ‫انبعاث امليثان وثاني أكسيد الكربون من‬ ‫البحيرات واجلليد السرمدي الذائب‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫( ) ‪Solutions‬‬

‫(‪ :the elephant in the room )1‬تعبير اصطالحي يعني‪ :‬مس������ألة‬ ‫(التحرير)‬ ‫رئيسية خالفية ال تناقش‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫‪Scientific American, December 2009‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫مقاومة املضادات احليوية‪ :‬عدو بداخلنا‬

‫( )‬

‫نوع جديد من مقاومة املضادات احليوية ينتشر‬ ‫حول العالم قد يجعلنا في وقت قريب عاجزين عن الدفاع‬ ‫عن أنفسنا في وجه طيف واسع ومخيف من اإلنتانات البكتيرية‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .M‬ماكينا<‬

‫في أوائل صيف ع������ام ‪ 2008‬تل ّقى >‪ .T‬وولش< [من جامعة‬ ‫ِ‬ ‫كاردف ف������ي ويلز] رس������الة عب������ر بري������ده اإللكتروني من أحد‬ ‫معارفه >‪ .C‬جيس������ك<‪ ،‬وهو طبيب وعضو هيئة تدريس مبعهد‬ ‫كارولينس������كا في الس������ويد‪ .‬كان >جيس������ك< يعالج رجال في‬ ‫التاس������عة واخلمس���ي��ن من العمر ُأدخل املستشفى في الشهر‬ ‫‪ 2011/1‬ف������ي أوريب������رو‪ ،‬وه������ي مدينة صغيرة تبع������د نحو ‪100‬‬ ‫مي������ل عن اس������توكهولم‪ .‬هذا الرجل كان يعاني داء الس������كري‬ ‫منذ سنوات وأصيب بعدة س������كتات دماغية‪ ،‬ومؤخرا أصيب‬ ‫بتقرح������ات فراش عميقة‪ .‬ولكن هذه األم������ور لم تكن موضوع‬ ‫رس������الة >جيس������ك<‪ .‬ما أقلقه هو البكتيري���ا ‪ bacterium‬التي‬ ‫ظهرت بش������كل غير متوقع في املزرعة الروتينية لبول الرجل‪.‬‬ ‫هل سيكون >وولش< ‪ -‬الذي يدير مختبرا يحل ألغاز التركيبة‬ ‫الوراثي������ة للبكتيريا املقاومة للمضادات احليوية – مس������تعدا‬ ‫إللقاء نظرة على هذه اجلرثومة؟‬ ‫واف������ق >وولش< وأج������رى على اجلرثوم������ة املعزولة أكثر من‬ ‫ال نيموني‬ ‫اثنتي عشرة مقايس���ة ‪ .assays‬إنها من نوع كلبسي ّ‬ ‫(الكلبس���يلة الرئوي���ة) ‪ ،Klebsiella pneumoniae‬وهي البكتيريا‬ ‫التي تس������بب معظم اإلنتانات الرئوية ‪ pneumonia‬والدموية عند‬ ‫مرضى املستش������فيات‪ .‬إال أن هذه الساللة ض ّمت شيئا جديدا‪،‬‬

‫وهو جني لم يره >وولش< من قبل‪ .‬وهذا اجلني يجعل الكلبسيال‪،‬‬ ‫املقاومة أصال لكثير من املضادات احليوية املستخدمة في طب‬ ‫العناية املركزة‪ ،‬غير حساسة للمجموعة الوحيدة من املضادات‬ ‫احليوي���ة ‪ antibiotics‬الت������ي ميكن أن يع ّول عليها بش������كل آمن‬ ‫وهي الكارباپينيمات(‪ ،)2‬وتُدعى أدوية املالذ األخير‪ .‬إن الدواء‬ ‫الوحيد الذي وجد الباحثون أنه يؤثر في هذه الساللة املقاومة من‬ ‫الكلبسيال هو الكوليستني ‪ ،colistin‬وهو دواء لم يعد مستخدما‬ ‫السم ّية في الكليتني‪ .‬س ّمى >وولش<‬ ‫منذ سنوات بسبب تأثيراته ُ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫اإلنزمي الذي ينتجه اجلني (نيودلهي ميتاولو‪ -‬بيتا‪-‬الكتميز‬ ‫أو ‪ )NDM-1‬نس������بة إلى املدينة التي أصيب فيها الرجل باإلنتان‬ ‫قبل أن يعود إلى بلده السويد‪.‬‬ ‫ف ّك������ر >وولش< في أنه إذا كانت هن������اك حالة من هذا النوع‬ ‫فعل������ى األرجح وجود حاالت أخرى‪ ،‬وبدأ هو و >جيس������ك< مع‬ ‫آخرين بالبحث عن هذه احلاالت‪ .‬وفي الش������هر ‪ 2010/8‬نشروا‬ ‫نتــائــج بحثهــم في مجــلة النســت لألمـراض اإلنتانيـة ‪ :LID‬لقد‬ ‫وجدوا ‪ 180‬مريض������ا يحملون هذا اجلــني‪ .‬كان اجلني ‪NDM-1‬‬ ‫‪ THE ENEMY WITHIN‬العنوان األصلي‪ :‬عدو بداخلنا‬ ‫‪ :infection‬إنتان أو عدوى‪.‬‬ ‫‪ :carbapenems‬أحد أنواع املضادات احليوية‪.‬‬

‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪New Delhi metallo-beta-lactamase )3‬‬

‫باختصار‬ ‫منط جديد من املقاومة نش������أ بني مجموعة من البكتيريا التي تش������كل‬ ‫حتديا خاصا‪ ،‬وتدعى سلبيات الغرام ‪ ،gram-negatives‬وهو يهدد بتحويل‬ ‫العديد من أنواع اإلنتانات الشائعة إلى إنتان غير قابل للعالج‪.‬‬ ‫اجلين���ات البكتيري���ة املس���ؤولة جتع������ل البكتيري������ا مقاوم������ة‬ ‫للكارپينيمات‪ ،‬وهي مجموع������ة من املضادات احليوية ُيطلق عليها املالذ‬ ‫األخير‪ .‬و ُيطلق على أهم جينني ينقالن املقاومة اسم ‪ NDM-1‬و ‪.KPC‬‬ ‫املقاومة للكارباپنيم في البكتيريا السلبية الغرام تثير القلق‪ ،‬على‬ ‫‪62‬‬

‫وجه اخلصوص‪ ،‬ألن هذه البكتيريا موجودة في كل مكان وهي تتناقل‬ ‫اجلينات بسهولة‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬لم تطور أدوية جديدة ملقاومة هذه‬ ‫البكتيريا بعد‪.‬‬ ‫هذا احلش���د م���ن العوام���ل يعني أن هناك عددا من األش������خاص‬ ‫في املستش������فيات وفي املجتمع‪ ،‬على العموم‪ ،‬قد ميوتون بس������بب أنواع‬ ‫من اإلنتانات اجلديدة غير القابلة للعالج تصيب املس������الك البولية والدم‬ ‫وغيرها من األنسجة‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املؤلفة‬ ‫‪Maryn McKenna‬‬

‫>ماكينا< صحفية مستقلة في مجال العلوم ومد ِّونة على موقع‬ ‫)‪ :(Wired‬كتبت تقارير من مناطق تفشي األمراض في معظم القارات‪.‬‬ ‫وألَّفت كتاب (اجلرثومة اخلارقة‪ :‬التهديد القاتل للعنقوديات‬ ‫الذهبية(‪ )1‬املقاومة للميثيسلني) )‪ (free press, 2010‬وكتاب (هزمية‬ ‫الشيطان‪ :‬على اخلطوط األمامية مع مكتشفي األمراض في برنامج‬ ‫االستخبارات اخلاصة بالوبائيات) )‪.(free press, 2004‬‬

‫قد انتش������ر في جرثومة الكلبسيال في الهند وباكستان وانتقل‬ ‫مؤخرا إلى اململكة املتحدة بواسطة مقيمني سافروا إلى جنوب‬ ‫آس������يا طلبا للرعاي������ة الطبية أو لزي������ارة أصدقائهم وعائالتهم‪.‬‬ ‫واألس������وأ من ذلك‪ ،‬أن ه������ذا اجلني انتقل ف������ي بعض احلاالت‬ ‫إلى بكتيريا من جنس آخر – من الكلبس������يال إلى اإلش���ريكية‬ ‫القولوني���ة ‪ ،Escherichia Coli‬الت������ي تعيش ف������ي أمعاء جميع‬ ‫الكائن������ات ذات الدم احل������ار‪ ،‬وهي موجودة ف������ي كل مكان في‬ ‫بيئتنا‪ .‬ه������ذا االنتقال يزيد من إمكانية ع������دم خروج اجلني من‬ ‫‪63‬‬

‫دائرة املستشفيات واإلنتانات التي حتدث فيها‪ ،‬وحتركه بصمت‬ ‫خ���ل��ال احلياة اليومية للناس ف������ي كل أنحاء العالم محموال في‬ ‫بكتيريا تقطن في أمعاء األش������خاص العاديني‪ ،‬ومنتشرا بشكل‬ ‫خفي عبر املصافحة والتقبيل وقبضات األبواب‪.‬‬ ‫أث������ار هذا االكتش������اف احتماال آخر‪ :‬هذا الت������وازن الدقيق‬ ‫واملتذب������ذب م������ا بني اجلراثي����م ‪ bugs‬واألدوية‪ ،‬ال������ذي بدأ منذ‬ ‫(‪ )1‬بكتيري������ا س������تيفيلوكوكس أوري������وس ‪ Staphylococus aureus‬املقاومة للميثس������يلني‬ ‫)‪Methicillin-resistant Staphylococus aureus (MRSA‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫أصول اجلراثيم الرديئة‬

‫روليت املقاومة‬ ‫(‪)1‬‬

‫اجلني‬

‫صبغي بكتيري‬

‫‪KPC‬‬

‫پالزميد‬

‫( )‬

‫إن االس���تخدام املتواص���ل للمض���ادات احليوية‪ ،‬والذي ع��� ّزز املقاومة لألدوي���ة بني أنواع‬ ‫البكتيريا‪ ،‬أنتج تهديدا جديدا مميتا‪ .‬إن الساللة اجلديدة‪ ،‬املصورة فيما يلي‪ ،‬بدأت بعدد‬ ‫قلي���ل م���ن البكتيريا كلبس���يال احلاملة للج�ي�ن ‪ ،KPC‬مما جعلها غير حساس���ة للمضادات‬ ‫احليوية املعروفة بالكارباپينيمات‪ .‬إن عدة جوالت من العالج غير الفعال أفسحت املجال‬ ‫أم���ام اجل�ي�ن ‪ KPC‬لكي يتكاثر‪ .‬وما يقلق أكثر‪ ،‬كما هو مبني في اليمني‪ ،‬هو أن الكلبس���يال‬ ‫وغي���ر ه���ا من البكتيريا الس���لبية الغ���رام تتبادل بس���هولة اجلني ‪ KPC‬وجين���ات املقاومة‬ ‫األخرى عبر األنواع مما يجعلها مقاومة لكل األدوية‪.‬‬

‫كلبسيال نيموني‬ ‫إنزمي‬

‫‪KPC‬‬

‫كلبسيال‬ ‫نيموني مقاومة‬

‫كلبسيال نيموني مقاومة‬ ‫(حاملة للجني ‪)KPC‬‬

‫عالجية(‪ )3‬األولى‬ ‫الدورة ال ضادات احليوية‬ ‫من امل‬ ‫مضاد حيوي‬

‫العالج املكثف يشجع على نشوء ذريات مقاومة‬

‫في بيئة مليئة باملضادات احليوية‪ ،‬كوحدات العناية املركزة‪،‬‬ ‫واجلراثيم التي تنجو وتتكاثر هي فقط اجلراثيم احملتوية على‬ ‫جينات جتعلها مقاومة للمضادات احليوية‪ .‬في الصورة املكبرة‬ ‫أعاله‪ ،‬قام اجلني ‪ KPC‬بتكويد(‪ )2‬إنزمي (اللون األخضر) اندفع‬ ‫بسرعة ملهاجمة دواء الكارباپينيم (اللون البرتقالي) حتى قبل‬ ‫أن يتمكن الدواء من عبور الغالف اخلارجي املزدوج للجرثومة‪.‬‬

‫ا‬

‫لدورة العالجية التالية من املضادات احليوية‬

‫إشريكية‬ ‫قولونية‬ ‫نسخة من اجلني‬

‫‪KPC‬‬

‫إشريكية قولونية مقاومة‬

‫املقاومة تنتشر إلى أنواع جرثومية أخرى‬

‫يوجد جني املقاومة ‪ KPC‬على عرى من الدنا(‪ DNA )4‬تدعى الپالزميدات‬

‫‪ plasmids‬متتد خارج صبغي اخللية البكتيرية‪ .‬في أثناء تزاوج‬ ‫البكتيريا‪ ،‬تشكل اخلليتان جسرا بينهما يسمح للپالزميد بنقل جيناته‬ ‫من خلية إلى أخرى‪ .‬إن البكتيريا السلبية الغرام‪ ,‬على وجه اخلصوص‪,‬‬ ‫متك ّيفة لهذا النوع من النقل‪ ،‬مما ّ‬ ‫ميكن خاليا أخرى لم ُتعالج قط باملضادات‬ ‫احليوية من التحول إلى جراثيم مقاومة لألدوية‪ .‬يصبح منط املقاومة الذي مينحه‬ ‫اجلني ‪ KPC‬أكثر خطورة عندما ينتشر من الكلبسيال إلى اإلشريكية القولونية ومنها‬ ‫إلى اجلراثيم األخرى السلبية الغرام التي تسبب احلاالت الشائعة من اإلنتانات‪.‬‬ ‫( ) ‪Resistance Roulette‬‬

‫(‪ )1‬الروليت‪ :‬لعبة روسية يتم فيها وضع رصاصة في طاحونة املسدس وتدويرها بشكل عشوائي‪،‬‬ ‫ومن ثم إطالق الزناد مع توجيه املسدس إلى الرأس‪.‬‬ ‫(‪ )2‬تكويد‪ :‬إدخال الكودات اجلينية لإلنزمي في صبغي اجلرثوم مما يؤدي إلى إنتاج هذا اإلنزمي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الدورة العالجية‪ :‬اجلرعات الدوائية التي تعطى للمريض خالل فترة محددة‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪ )4‬هو املادة الوراثية التي حتمل اجلينات التي حتدد صفات الكائن احلي‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫عام ‪ 1928‬مع اكتش������اف الپنس����لني ‪ ،penicillin‬كان س������يميل أيضا‪ .‬إضاف������ة إلى ذلك‪ ،‬فإن خي������ارات عالجها أقل من‬ ‫إل������ى صال������ح البكتيريا‪ .‬وإذا كان هذا ما س������يحدث حقا‪ ،‬فإن خيارات عالج اجلراثيم األخرى‪ .‬إذ إن ش������ركات األدوية‬ ‫اإلنتان������ات القاتلة التي ح ّدت منها املض������ادات احليوية لعقود في هذه األيام‪ ،‬تصن������ع القليل من املضادات احليوية من‬ ‫أي ن������وع من األنواع‪ ،‬وال تط������ ِّور أي مركبات جديدة ضد‬ ‫ستعاود الظهور لالنتقام‪.‬‬ ‫سلبيات الغرام املتغيرة واملستعصية على العالج‪ .‬كل ذلك‬ ‫( )‬ ‫يعني أن هذا املزيج من العوامل ميكن‪ ،‬لس������وء احلظ‪ ،‬أن‬ ‫منط جديد من املقاومة‬ ‫إن نهاية معج������زة املضادات احليوية ليس������ت موضوعا يؤدي بسهولة إلى تصدي ــر كـارثـ ــة من املراكز الطبية إلى‬ ‫جديدا‪ .‬فطاملا وجدت مض������ادات حيوية كانت هناك مقاومة املجتمع األع ّم‪.‬‬ ‫إن املقاومة للمضادات احليوية من صنف الكارباپينيم‬ ‫لها‪ ،‬بل إن أول بكتيريا مقاومة للپنسلني ظهرت قبل وصول‬ ‫قد أوصل������ت اإلنتان������ات من املستش������فى‪،‬‬ ‫الپنسلني إلى األس������واق في األربعينات من‬ ‫وجود‬ ‫عدم‬ ‫مع‬ ‫كالكلبس������يال الت������ي أصابت ذل������ك املريض‬ ‫القرن املاضي‪ .‬ومنذ ذلك الوقت تقريبا‪ ،‬أطلق‬ ‫الس������ويدي‪ ،‬إلى حافة اإلنتانات غير القابلة‬ ‫أدوية جديدة‬ ‫األطب������اء صيحات التحذير م������ن عدم فاعلية‬ ‫األدوية‪ ،‬بدءا باالنتشار العاملي للمتعضيات تستطيع الشركات للعالج‪ .‬بعد الكارباپينميات‪ ،‬هناك القليل من‬ ‫األدوية لكن األطباء يكرهون اس������تخدامها‪،‬‬ ‫‪ organisms‬املقاومة للپنسلني في اخلمسينات‬ ‫إلى‬ ‫إيصالها‬ ‫إم������ا ألنها ال تس������تطيع الوصول إلى جميع‬ ‫ث������م املقاوم������ة للميثيس����لني ‪ methicillin‬في‬ ‫الثمانين������ات ث������م املقاومة للڤانكومايس��ي�ن املستهلك وتكون‬ ‫األماكن اخلفية في اجلسم التي تتكاثر فيها‬ ‫قادرة على القضاء البكتيريا أو ألنه������ا تصيب املريض بدرجة‬ ‫‪ vancomycin‬في التسعينات‪.‬‬ ‫كبيرة من اإلعياء بحيث يصبح استخدامها‬ ‫إال أن التنب������ؤ بنهاية عصر املضادات‬ ‫على اجلراثيم‬ ‫غير آمن‪.‬‬ ‫احليوي������ة جاء هذه امل������رة من جزء مختلف‬ ‫األخيرة‪،‬‬ ‫القوية‬ ‫لك������ن‪ ،‬حت������ى وإن اس������تعصت ح������االت‬ ‫من عال������م امليكروبات‪ .‬إن ه������ذه اجلينات‬ ‫اإلنتان������ات على الع���ل��اج‪ ،‬فإنها ُتش ّ‬ ‫������خص‬ ‫قد نضطر إلى‬ ‫التي تنقل املقاومة للكارباپينيم – ليس������ت‬ ‫عادة ألن املرضى املصابني بها – املس������نني‬ ‫اجلني ‪ NDM-1‬وحسب‪ ،‬بل هناك مجموعة‬ ‫العيش مدة‬ ‫والعاجزين عن احلركة والراقدين في وحدة‬ ‫تختلط فيها العديد من اجلينات – ظهرت‬ ‫خالل العقد املاض������ي تقريبا في مجموعة طويلة مع إنتانات العناي������ة املرك������زة – يكونون حت������ت املراقبة‬ ‫خاص������ة من البكتيريا التي تش������كل حتديا مزعجة وغير قابلة الشديدة‪ .‬فما يطرد النوم من عيون مسؤولي‬ ‫الصح������ة‪ ،‬هو احتم������ال أن تنتق������ل اجلينات‬ ‫خاصا وتس������مى س����لبيات الغرام ‪gram-‬‬ ‫للعالج‪.‬‬ ‫املقاومة للكارپينيمات من دون أن ترصد إلى‬ ‫‪ .negative‬هذه التس������مية تس������تعير اس������م‬ ‫عالم دامنركي عاش في القرن التاس������ع عشر‪ ،‬وهي تشير خارج املستشفيات وداخل املتعضيات التي تسبب األمراض‬ ‫بشكل سطحي إلى االستجابة لصبغة تل ِّون غشاء اخللية‪ ،‬اليومية‪ ،‬كاإلشريكية القولونية التي تسبب النسبة األكبر من‬ ‫ولكن مضمونها أكثر تعقيدا من ذلك‪ .‬فالبكتيريا الس������لبية ماليني حاالت إنتان املسالك البولية التي حتدث في الواليات‬ ‫الغ������رام تتزاوج مع بعضها م������ن دون متييز‪ ،‬فهي تتبادل املتحدة كل عام‪ .‬يعطي >وولش< [مكتش������ف اجلني ‪]NDM-1‬‬ ‫ُراجع طبيب العناية األولية اخلاص بها مبا‬ ‫قطع الدنا بس������هولة‪ ،‬بحيث إن جني املقاومة الذي ينش������أ مث������اال عن امرأة ت ِ‬ ‫في الكلبس������يال‪ ,‬على س������بيل املثال‪ ,‬يهاجر بس������رعة إلى يب������دو أنها مصابة بإنتان املثانة غير املصحوب مبضاعفات‪.‬‬ ‫اإلش������ريكية القولونية واألس����ينيتوباكتر ‪ Acinetobacter‬ومبا أنه ال يوجد س������بب يدعو إلى الشك في وجود املقاومة‪،‬‬ ‫وغيرهما من أنواع البكتيريا السلبية الغرام‪( .‬في املقابل‪ ،‬س������يصف الطبيب أدوي������ة لم تعد مؤثرة‪ ،‬في حني سينتش������ر‬ ‫ُيرجح أن تتجمع جينات املقاومة في البكتيريا اإليجابية اإلنتان من دون أي عائق باجتاه القس������م العلوي من املسالك‬ ‫الغرام ‪ gram-positives‬ضمن النوع نفس������ه)‪ .‬كذلك يكون البولية‪ ،‬ليصيب كليتيها‪ ،‬ثم لينتقل بش������كل مد ّمر إلى دمها‪.‬‬ ‫القضاء على س������لبيات الغرام باملض������ادات احليوية أكثر ويختت������م >وولش< قائ���ل��ا‪« :‬ولن يكون هن������اك أي دواء ميكن‬ ‫صعوب������ة؛ ألنها تتمتع بغالف م������زدوج يصعب حتى على عالجها به»‪.‬‬ ‫( ) ‪A NEW PATTERN OF RESISTANCE‬‬ ‫األدوي������ة القوية أن تخترقه ولديه������ا دفاعات داخل اخللية‬ ‫‪65‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫وبائيات‬

‫تهديد عاملي‬

‫( )‬

‫بع���د أربع س���نوات م���ن عزل اجل�ي�ن ‪ KPC‬ألول مرة‬ ‫من مستشفى غير محدّد في كارولينا الشمالية‪،‬‬ ‫ل���م يس���تطع أح���د أن يج���د دلي�ل�ا عل���ى‬ ‫انتش���اره‪ .‬ولكن عندما سببت البكتيريا‬ ‫احلامل���ة للجني ‪ KPC‬أوبئ���ة في عدة‬ ‫مستش���فيات مبدينة نيويورك‪ ،‬كان‬ ‫ذل���ك دلي�ل�ا عل���ى بداي���ة الهجوم‪.‬‬ ‫انتقلت اجلراثيم الصعبة القتل‬ ‫بس���رعة إلى فرنسا وكولومبيا‬ ‫وكن���دا واليونان والصني‪ .‬أما‬ ‫الوباء في إسرائيل فقد انتقل‬ ‫إل���ى إنگلت���را والنرويج وعدة‬ ‫دول أوروبية‪.‬‬

‫كارولينا الشمالية‪،‬‬ ‫نيويورك‪،‬‬ ‫باريس‪2005 ،‬‬ ‫مناطق أصيبت الحقا‬ ‫‪1996‬‬ ‫‪2000‬‬

‫الواليات التي ثبت إصابتها‬ ‫بالبكتيريا املقاومة احلاملة‬ ‫للجني ‪ KPC‬بحلول ‪2010‬‬ ‫(عددها الكلي ‪)37‬‬

‫خسارة معجزة املضادات احليوية‬

‫( )‬

‫إن املعركة القائمة بني البكتيريا واألدوية منذ ‪ 83‬عاما تقع ما بني‬ ‫ألعاب ضرب اخلُ لد ‪ Whack-a-Mole‬الترفيهية(‪ )1‬واالستراتيجية‬ ‫النووي������ة القائمة على التدمير املتبادل املؤك���د(‪ .)2‬وفي مقابل كل‬ ‫مضاد حيوي مت صنعه حتى اليوم‪ ،‬طورت البكتيريا عامل مقاومة‬ ‫يحميها من هجوم هذا املضاد‪ .‬ومقابل كل عامل مقاومة‪ ،‬أنتجت‬ ‫شركات األدوية دواء أقوى – حتى اآلن‪.‬‬ ‫هذه املعركة مالت عبر العقود إلى صالح املتعضيات‪ ،‬مثل‬ ‫نوّ اس���ة(‪ )3‬ينزاح مركز توازنها ببطء‪ .‬إن التطور يعمل لصالح‬ ‫البكتيريا؛ فهي تستغرق ‪ 20‬دقيقة لتنتج جيال جديدا‪ ،‬أما الدواء‬ ‫فيس������تغرق تطويره واألبحاث املتعلقة به عقدا أو أكثر‪ .‬إضافة‬ ‫إل������ى ذلك‪ ،‬إن أي اس������تخدام – حتى االس������تخدام املعقول –‬ ‫للمضادات احليوية يؤدي إلى نشوء املقاومة من خالل ممارسة‬ ‫ما يس������مى بالضغط االنتقائ���ي ‪ .selective pressure‬وعادة ما‬ ‫ينجو بعض البكتيرات احملظوظة بطفرات ‪ mutations‬عشوائية‬ ‫من هجوم املض������اد احليوي‪ ،‬ثم تتكاثر مالئ������ة املكان احليوي‬ ‫الذي أخلته املضادات احليوية بقتل أخواتها الس������ريعة التأثر‪،‬‬ ‫ومترر هذه اجلينات التي ستحميها لألجيال التالية‪( .‬لذلك‪ ،‬من‬ ‫املهم تناول دورة املضادات احليوية بش������كل كامل‪ :‬لقتل جميع‬ ‫‪66‬‬

‫البكتيريا املس������ببة لإلنتان وليس فقط الس������ريعة التأثر)‪ .‬ولكن‬ ‫املقاومة ال تنتقل بالوراثة فقط‪ .‬وتس������تطيع البكتيريا اكتس������اب‬ ‫املقاومة من خالل تبادل قطع من الدنا‪ ،‬حتى من دون التعرض‬ ‫للدواء الذي تقوم اجلينات باحلماية منه‪.‬‬ ‫ميكن������ك رؤية هذا النمط م������ن املقاومة التي تتفوق على أدوية‬ ‫سبق لها أن تفوقت على املقاومة في تطور املكورات العنقودية‬ ‫الذهبي���ة (الس���تيفلوكوكس أورس) ‪،Staphylococcus aureus‬‬ ‫وه������ي متعض إيجابي الغرام (ذو غش������اء أح������ادي الطبقة)‪ :‬في‬ ‫البداي������ة أصبحت غي������ر متأثرة بالپنس������يلني ثم بالپنس������يلينات‬ ‫املصنعة – مبا فيها امليثيس������لني ولذلك اكتسبت اسم املكورات‬ ‫العنقودي���ة الذهبي���ة املقاوم���ة للميثيس���لني ‪ - )4(MRSA‬ث������م‬ ‫بالسيفالوس���پورينات ‪ cephalosporins‬كالكيفليك���س ‪،Keflex‬‬ ‫( ) ‪Global Threat‬‬

‫( ) ‪LOSING THE ANTIBIOTIC MIRACLE‬‬

‫(‪ :Whack-a-Mole )1‬لعبة حتتوي على ثقوب تخرج منها مجسمات بالستيكية حليوان‬ ‫اخللد‪ .‬ويكون اللعب بإعادة احليوان إلى الثقب بضربه مبطرقة بالستيكية‪ ،‬وكلما‬ ‫أعدت مزيدا من احليوانات حصلت على درجة أعلى ( ُتش������ ِّبه الكاتبة إعادة اخللد‬ ‫إل������ى الثقب بصناعة أدوية جديدة تقضي على اجلراثيم اجلديدة املقاومة لألدوية‬ ‫القدمية)‪.‬‬ ‫(‪Mutually Assured Destruction )2‬‬

‫(‪ 3‬النواسة ‪:‬لعبة مكونة من لوح خشبي يرتكز على محور موجود في منتصفه ويجلس‬ ‫الطف���ل��ان على طرفي������ه ويتناوبان الصع������ود والهبوط (في العامي الش������امي‪ :‬أَبينو‬ ‫ج ّعيصو)‪.‬‬ ‫(‪MRSA: Methicillin Resistant Staphylococcus Aureus )4‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫التحكم في اإلنتان‬

‫پروتوكول دقيق‬

‫( )‬

‫غالب���ا م���ا يحم���ل العامل���ون ف���ي املج���ال الصح���ي‬ ‫البكتيري���ا املقاومة م���ن دون أن يدروا بذلك‪ُ .‬أجبرت‬ ‫املستش���فيات الت���ي س���يطرت عل���ى اإلنت���ان املقاوم‬ ‫للكارباپينيم���ات عل���ى تطبي���ق إج���راءات صارم���ة‬ ‫والترصد‪.‬‬ ‫للنظافة‬ ‫ّ‬

‫تع ّر ْف‬

‫لتجنب دخول أي حالة دون اكتشافها تستخدم‬ ‫املستشفيات في فرنسا املسحات املأخوذة من املستقيم‬ ‫لفحص املرضى اجلدد الذين لديهم تاريخ إصابة سابقة‬ ‫بإنتان مقاوم لعدة أدوية‪.‬‬

‫ع ّق ْم‬

‫على األطباء واملمرضات أن يقوموا بشكل منتظم بغسل‬ ‫أيديهم وارتداء القفازات‪ .‬يتم تنظيف املرضى باملعقمات‬ ‫كل يوم‪ُ .‬تعقم كل األسطح في غرفهم مبا في ذلك لوحات‬ ‫أزرار احلاسوب‪.‬‬

‫راجع‬ ‫ْ‬

‫ُتفحص العينات املخبرية باستمرار و ُتعدّل إجراءات‬ ‫التحكم في اإلنتان إلى أن يتم التخلص من اجلراثيم‬ ‫املقاومة لعدة أدوية‪.‬‬

‫ثم بالڤانكومايسني ‪ ،vancomycin‬وهو خط الدفاع األخير ضد‬ ‫املكورات ‪ .MRSA‬اتبعت س������لبيات الغرام منطا مش������ابها‪ ،‬فقد‬ ‫أبطلت تأثير الپنسيلينات ثم السيفالوسپورينات ثم املاكروليدات‬ ‫‪( macrolides‬إريثروميس�ي�ن ‪ erythromycin‬وآزيثروميس�ي�ن‬ ‫‪ azithromycin‬أو زيثروماك���س ‪ )Zithromax‬واللينكوزامي���دات‬ ‫‪( lincosamides‬ڤانكوميس�ي�ن ‪ .)vancomycine‬ولك������ن إلى وقت‬ ‫قريب جدا‪ ،‬كان باستطاعة الكارپينيمات أن تقضي بشكل آمن‬ ‫وموث������وق به على اإلنتان������ات األكثر اس���تدامة(‪ ،persistent )1‬مما‬ ‫جعلها املالذ األخير ضد البكتيريا السلبية الغرام‪ ،‬أي احلاجز‬ ‫األخي������ر بني اإلنتانات القابلة للعالج وتل������ك غير القابلة للعالج‪.‬‬ ‫كان������ت الكارپينيمات غير مكلفة‪ ،‬وميك������ن االعتماد عليها‪ ،‬وذات‬ ‫طيف واس������ع أي إنه������ا تعمل ضد الكثير م������ن املتعضيات‪ ،‬كما‬ ‫كانت قوية جدا جدا‪.‬‬ ‫ق������د نتمكن من إيجاد مخرج من هذه املعضلة بابتكار نوع‬ ‫جديد من املضادات احليوية ‪ -‬على األقل حتى تتمكن البكتيريا‬ ‫م������ن مقاومته مرة أخرى‪ .‬ولكن مع ع������دم وجود أدوية جديدة‬ ‫تستطيع الش������ركات إيصالها إلى املستهلك خالل ‪ 10‬سنوات‬ ‫وتكون قادرة عل������ى القضاء على اجلراثيم القوية األخيرة‪ ،‬قد‬ ‫نضطر إلى العيش مع مخاطر أنواع عديدة من اإلنتانات غير‬ ‫القابلة للعالج ولفترة طويلة إلى ح ٍّد مزعج‪.‬‬ ‫«من الصعب اكتشاف مركبات جديدة تعمل ضد سلبيات‬ ‫الغرام مــن غي ــر أن تكــون س������ام ــة للبشر»‪ ،‬ه ــذا م ــا يقــولـ ــه‬ ‫>‪ .D‬شاليس< [طبيب ومستشار في تطوير األدوية](‪ .)2‬ويقول‪:‬‬ ‫‪67‬‬

‫«عندم������ا تفكر في املوض������وع‪ ،‬فإن ما حت������اول فعله باملضاد‬ ‫احلي������وي هو محاولة قتل ش������يء يعيش ف������ي داخلنا من دون‬ ‫أن يس������بب ذلك األذى لنا‪ ،‬إنه حت ٍّد»‪ .‬إن الدواء األحدث الذي‬ ‫ُر ِّخص له لعالج اإلنتانات التي تس������ببها س������لبيات الغرام هو‬ ‫دوريپيني���م ‪ ،doripenem‬هو كارپينيم‪ ،‬وقد متت املوافقة عليه‬ ‫من قبل إدارة الغذاء والدواء(‪ )3‬في عام ‪.2007‬‬ ‫س������يكون الوضع خطيرا حتى وإن اقتص������ر فقط على املئات‬ ‫من احل������االت التي أظهرت اجلني ‪ NDM-1‬حت������ى اآلن‪ .‬ولكن في‬ ‫السنوات اخلمس األخيرة انتقل بسرعة عبر العالم جني آخر يحمل‬ ‫مقاومة مش������ابهة ويدعى اجلني ‪ KPC‬اختص������ارا لكارباپينيميز‬ ‫الكلبس���يال نومون���ي (الكلبس���يلة الرئوي���ة) ‪Klebsiella‬‬ ‫‪ .pneumoniae carbapenemase‬ويب������دو أنه يتبع النمط الذي اتبعته‬ ‫املتعضيات املقاومة للپنس������لني في اخلمسينات واملكورات ‪MRSA‬‬ ‫في التس������عينات‪ :‬بدأ أوال كوباء بني مرضى املستشفيات سريعي‬ ‫التأثر ثم االنتشار في املجتمع على نطاق أوسع‪.‬‬ ‫كشف تهديد خفي‬

‫( )‬

‫عندما نش������ر >وولش< و >جيس������ك< نتائج أبحاثهما عن‬ ‫اجلني ‪ NDM-1‬في مجلة النس������ت لألم������راض اإلنتانية في‬ ‫( ) ‪Exacting Protocol‬‬ ‫( ) ‪UNCOVERING A HIDDEN THREAT‬‬

‫(‪ )1‬االستدامة‪ :‬املقاومة لألدوية‪.‬‬ ‫(‪ )2‬مؤلف كتاب املضادات احليوية‪ :‬العاصفة الكاملة (منشورات سپرينگر‪.)2010 ،‬‬ ‫(‪the Food and Drug Administration )3‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫صي������ف عام ‪ ،2010‬أث������ار مقالهما رعبا عاملي������ا على الفور‪،‬‬ ‫واتخذ مس������ؤولو الصحة في الهند موقفا هجوميا‪ ،‬متهمني‬ ‫األطباء الغربيني بأنهم يحاولون ‪ -‬بدافع احلس������د ‪ -‬التقليل‬ ‫من شأن صناعة الس������ياحة الصحية التي راجت في الهند‬ ‫بشكل كبير‪.‬‬ ‫ل������م ُيثر االكتش������اف األول للج���ي��ن ‪ KPC‬ضجيجا مماثال‪.‬‬ ‫لق������د ظهر بهدوء في واحدة من مئ������ات العينات البكتيرية التي‬ ‫جمعت عام ‪ 1996‬من املستش������فيات في ‪ 18‬والية أمريكية‪ .‬كان‬ ‫املش������روع الذي طلب هذه العينات‪ ،‬وس������مي آيكير )‪(ICARE‬‬ ‫مش���روع وبائي���ات املقاوم���ة للمض���ادات احليوي���ة ف���ي‬ ‫العناي���ة املركزة(‪ ،)1‬جهدا مش������تركا بني مراك���ز الوقاية من‬ ‫األمراض والتحكم فيها بأتالنتا(‪ )2‬وجامعة إميوري املجاورة‪.‬‬

‫ص ُد الطريقة التي تس������تخدم بها‬ ‫كان ه������دف ه������ذا البرنامج َر ْ‬ ‫املض������ادات احليوية ف������ي وح������دات العناية املركزة وأقس������ام‬ ‫املستش������فيات األخرى‪ ،‬أمال برصد املكان الذي قد ينشأ عنه‬ ‫املتعضي التالي املقاوم لألدوية‪.‬‬ ‫لقد تبني أن إحدى اجلراثيم املعزولة من عينة مرس������لة‬ ‫من مستش������فى في كارولينا الشمالية لم ُيعلن عن اسمه‪،‬‬ ‫هي الكلبس������يال‪ .‬لم يكن ذلك أمرا غير مألوف‪ .‬إنها إنتان‬ ‫ش������ائعة في املستش������فيات‪ ،‬ويكاد يك������ون عاقبة ال ميكن‬ ‫جتنبها للع���ل��اج في العناية املركزة؛ إذ يؤدي اس������تخدام‬ ‫كميات كبيرة من املضادات احليوية الواسعة الطيف إلى‬ ‫اإلخالل بإيكولوجيا اجلهاز الهضمي ويس������بب اإلسهال‪،‬‬ ‫الذي يلوث البيئة احمليطة باملرضى وأيدي عاملي الرعاية‬ ‫الصحي������ة الذين يعاجلونه������م‪ .‬يقول >‪ .A‬سرينيڤاس������ان<‬ ‫(‪)3‬‬ ‫[املدير املس������اعد في مراكز التحكم في األمراض )‪(CDC’s‬‬ ‫واملس������ؤول عن برامج الوقاية من األمراض التي تش������ارك‬ ‫فيها مراكز الرعاية الصحي������ة]‪« :‬عندما تفكر في مريض‬ ‫يرقد في وح������دة العناية املركزة‪ ،‬حتت تأثير املس������كنات‪،‬‬ ‫وموض������وع على جهاز التهوية الرئوي����ة ‪ ،ventilator‬فهو‬ ‫ال يس������تطيع النه������وض والذهاب إلى املرح������اض»‪ ،‬ويقول‬ ‫أيضا‪« :‬إذا كان املرضى مصابني بالسلس البولي‪ ،‬فيجب‬ ‫على فريق الرعاية الصحية أن ينظفهم‪ .‬وهناك الكثير من‬ ‫املعدات القريب������ة من املريض والكثير من األس������طح التي‬ ‫ميكن أن تتلوث‪».‬‬ ‫إذا لم تكن اإلصابة بالكلبسيال في وحدة العناية املركزة‬ ‫أمرا مفاجئا‪ ،‬فإن نتائ������ج حتليلها كانت مفاجئة‪ .‬وكما كان‬ ‫متوقعا‪ ،‬كانت العينة القادمة من كارولينا الشمالية مقاومة‬ ‫لقائمة طويلة م������ن املضادات احليوية مبا فيها الپنس������يلني‬ ‫‪68‬‬

‫وبع������ض األدوية األخ������رى القريبة منه‪ .‬ولك������ن العينة كانت‬ ‫مقاوم������ة أيضا لنوع���ي��ن من الكارباپينيم������ات – إمييپينيم‬ ‫‪ imipenem‬وميروپيني���م ‪ – meropenem‬والت������ي كان������ت‬ ‫الكلبسيال تستجيب لها دائما‪ .‬لم تكن العينة مقاومة بشكل‬ ‫كامل‪ ،‬ولك������ن نتائج االختبار في املركز ‪ CDC‬بينت احلاجة‬ ‫إلى كميات كبيرة على نحو اس������تثنائي من الكارباپينيمات‬ ‫ملعاجلة أي إنتان تس������ببه هذه البكتيري������ا‪ .‬إن اإلنزمي الذي‬ ‫مينح هذه املقاومة يهاجم أدوي������ة الكارباپينيم حتى قبل أن‬ ‫تتمكن من عبور الغشاء الداخلي جلدار البكتيريا‪.‬‬ ‫لم ي َر أح ٌد من قبل طراز مقاومة يش������به اجلني ‪ .KPC‬لقد‬ ‫جعلت مهمة املختصني بالوبائيات صعبة – وكأنهم يسمعون‬ ‫بصعوبة صوت إنذار بعي������د‪ .‬يقول >‪ .B .J‬پاتل< [نائب مدير‬ ‫مكتب مقاومة املض������ادات احليوية التابع للمراكز ‪:]CDC’s‬‬ ‫«كان نوع������ا جديدا م������ن املقاومة‪ ،‬ولكن عندم������ا تعزل عينة‬ ‫واحدة‪ ،‬ال تعرف إلى أي حد ستكون شائعة»‪ ,‬ويقول أيضا‪:‬‬ ‫«منذ فترة طويلة لم نعثر على عينات من هذا النوع‪».‬‬ ‫تفشي املرض في نيويورك‬

‫( )‬

‫ظلت عينة الكلبس������يال القادمة من كارولينا الش������مالية‬ ‫مصادفة مثيرة للقلق‪ .‬وفي منتصف عام ‪ 2000‬بدأ املرضى‬ ‫في أربع وح������دات للعناية املركزة في مستش������فى تيش(‪،)4‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫وهي جزء من مركز النگون الطبي التابع جلامعة نيويورك‬ ‫على اجلانب الشرقي من مانهاتن‪ ،‬يصابون بإنتانات قوية‬ ‫وغير معتادة س������ببها الكلبس������يال وكان������ت مقاومة تقريبا‬ ‫ل������كل أصناف األدوي������ة التي يرغب أطب������اء العناية املركزة‬ ‫في اس������تخدامها‪ .‬كانت املرة األولى التي يرى فيها أطباء‬ ‫جامعة نيويورك إنتانات مقاوم������ة للكارباپينيمات‪ .‬أصيب‬ ‫أربعة عش������ر مريضا بذات رئة وإنتانات جراحية وإنتانات‬ ‫دموية ش������ديدة املقاومة لألدوية‪ ،‬في حني كان هناك عشرة‬ ‫مرضى يحملون اجلرثومة احلاملة للجني ‪ KPC‬من دون أن‬ ‫تظهر عليهم أي أعراض‪ .‬توفي ثمانية من املرضى األربعة‬ ‫والعشرين‪ .‬وقد اكتش������فت املستشفى بالتحليل أن ساللة‬ ‫الكلبس������يال التي أصيب بها ه������ؤالء املرضى حتمل اجلني‬ ‫‪ KPC‬ذاته الذي اك ُتش������ف ف������ي العينة األصلية القادمة من‬ ‫كارولينا الشمالية‪.‬‬ ‫( ) ‪OUTBREAK IN NEW YORK‬‬

‫(‪Project Intensive Care Antimicrobial Resistance Epidemiology )1‬‬ ‫(‪the Atlanta-based Centers for Disease Control and Prevention )2‬‬ ‫(‪the Control Disease Centers )3‬‬ ‫(‪TISCH HOSPITAL )4‬‬

‫(‪new york University’s Langone Medical Center )5‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫وسرعان ما س������تتعلم املستش������فى أيضا صعوبة احتواء‬ ‫امليكروب املقاوم‪ .‬وبس������بب عدم فعالية الكثير من األدوية‪ ،‬كان‬ ‫اخليار الوحيد هو تعزيز األس������لوب القدمي في التشديد على‬ ‫النظاف������ة‪ ،‬للتأكد من أن البكتيري������ا املقاومة ال تنتقل عبر أيدي‬ ‫العامل���ي��ن في الرعاية الصحية م������ن دون علمهم‪ .‬وضع مركز‬ ‫النگون الطبي املرضى في العزل‪ ،‬وطلب إلى األشخاص الذين‬ ‫يدخلون إلى غرفهم أن يرتدوا الكمامات والقفازات‪ .‬وقد راقبوا‬ ‫عن كثب غسل األيدي باستخدام املعقمات‪ ،‬وعندما وجدوا أن‬ ‫هذه اإلجراءات غير كافية‪ ،‬غيروا حلول النظافة املس������تخدمة‬ ‫في وحدات العناية املركزة‪ .‬وعندما استمرت اإلنتانات ركزوا‬ ‫على رعاية املرض������ى املصابني‪ ،‬ووجدوا أن بعضا منهم ممن‬ ‫كانوا مصابني بالتهاب املس������الك البولي������ة كانوا يل ّوثون البيئة‬ ‫والعاملني في الرعاية الصحية أثناء تغيير أكياس جمع البول‪.‬‬ ‫لقد استغرقت السيطرة على الوباء نحو عام‪.‬‬ ‫بعد عامني ظهرت اجلراثيم نفس������ها ذات املقاومة العالية‬ ‫في مستشفيات بروكلني‪ ،‬مما عزّز االقتناع بصعوبة السيطرة‬ ‫على جرثومة الكلبس������يال احلاملة للجني ‪ .KPC‬وقد اكتشف‬ ‫أح������د املستش������فيات مريضني مصابني باإلنتان في الش������هر‬ ‫‪ ،2003/8‬فوضعهم في العزل‪ ،‬وقام مباشرة بتعزيز إجراءات‬ ‫التحك������م في اإلنتانات‪ ،‬ومع ذلك كان لديه في نهاية الش������هر‬ ‫‪ 2004/2‬ثالثون مريض������ا مصابا بها‪ .‬أحد هؤالء املرضى مت‬ ‫تش������خيص إصابته في الش������هر ‪ ،2003/12‬ومريضان آخران‬ ‫ُش������خصت إصابتهم������ا ف������ي الش������هر ‪ 2004/2‬و‪ 24‬مريضا‬ ‫ُش ّ‬ ‫������خصت إصابتهم في نهاية الش������هر ‪ ،5‬كل هؤالء أصيبوا‬ ‫داخل املستشفى على الرغم من اجلهود اجلبارة التي ُبذلت‬ ‫لوقف انتشار امليكروب‪.‬‬ ‫لق������د ظهرت البكتيريا احلاملة للجني ‪ KPC‬في مستش������فى‬ ‫هارلم حيث سببت س������بع حاالت إنتانات دموية في ربيع عام‬ ‫ينج منها إال مريضان‪ .‬كما ظهرت في مركز جبل‬ ‫‪2005‬؛ ول������م ُ‬ ‫سيناء الطبي في اجلزء الشرقي الشمالي من نيويورك‪ ،‬حيث‬ ‫بدأ الباحث������ون بفحص جميع املرض������ى املقبولني في وحدات‬ ‫العناي������ة املركزة الثالث أمال بالس������يطرة على الوباء املنتش������ر‬ ‫بسرعة‪ .‬لقد س������اعد ما وجدوه على اكتش������اف السبب الذي‬ ‫جع������ل من البكتيريا مش������كلة عويصة؛ إذ كان ‪ %2‬من مرضى‬ ‫أقس������ام العناية املرك������زة يحملون الس���ل��الة املقاومة من دون‬ ‫أن يظه������روا أعراضا لكنهم كان������وا يع ّرضون اآلخرين خلطر‬ ‫اإلصابة باإلنتان‪.‬‬ ‫لقد أصبحت مستشفيات نيويورك مرتعا لتكاثر اجلراثيم‬ ‫املقاومة‪ ،‬وهو ما أكدته األرقام الصادرة عن الهيئات االحتادية‪.‬‬ ‫‪69‬‬

‫وفي عام ‪ ،2007‬فإن نس������بة ‪ %21‬من عينات الكلبس������يال التي‬ ‫ُجمع������ت من مدينة نيويورك كان������ت حتمل اجلني ‪ ،KPC‬مقارنة‬ ‫بنسبة ‪ %5‬من العينات التي ُجمعت من بقية أنحاء البالد‪ .‬وفي‬ ‫عام ‪ 2008‬ذكر أحد مستشفيات نيويورك أن مع ّدل اإلصابات‬ ‫باجلرثومة احلاملة للجني ‪ KPC‬ارتفع لديها بنسبة ‪.%38‬‬ ‫بالتعريف‪ ،‬يعاني املرضى الراقدون في وحدات العناية‬ ‫ّ‬ ‫املرك������زة أمراضا ش������ديدة‪ :‬رضوض ًا‪ ،‬س������رطانا‪ ،‬قصورا‬ ‫في أجهزة اجلسم الرئيس������ية‪ ،‬بحيث تكون أسباب وفاتهم‬ ‫مع ّقدة ويصعب حتديد سبب واحد‪ .‬ولكن في حاالت محددة‬ ‫أصي������ب فيها املرضى باجلرثوم������ة احلاملة للجني ‪ ،KPC‬لم‬ ‫يكن هناك ش������ك في سبب الوفاة‪ ،‬كما يقول >‪ .J‬كويل< [وهو‬ ‫أستاذ مس������اعد في الطب مبركز داونستيت الطبي )‪(DSC‬‬ ‫في بروكلني] وقد عالج بعض احلاالت األولى في نيويورك‪:‬‬ ‫«من الواضح أن هناك حاالت َف ِش َل فيها العالج على الرغم‬ ‫من جميع اجلهود التي ُبذلت»‪ ،‬ويضيف‪« :‬واملريض مات»‪.‬‬ ‫انتشار عاملي‬

‫( )‬

‫انتش������رت الكلبس������يال احلاملة للجني ‪ KPC‬انطالقا من‬ ‫دت في األماكن الت������ي غالبا ما‬ ‫نيوي������ورك‪ .‬في البداي������ة ِ‬ ‫وج ْ‬ ‫يسافر سكان نيويورك منها وإليها ‪ -‬نيو جيرسي‪ ،‬أريزونا‪،‬‬ ‫فلوريدا – ثم وجدت في أماكن أبعد‪.‬‬ ‫ال تُعتب������ر املقاومة للكارباپينيمات من األمراض التي يجب‬ ‫التبليغ عنها‪ ،‬أي إنها ليس������ت من األم������راض التي يجب على‬ ‫املختبرات الطبية أن تب ّلغ السلطات الصحية العامة عندما تقوم‬ ‫بتشخيصها‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن مدى انتشار اجلني ‪ KPC‬غير معروف‪.‬‬ ‫وم������ع ذلك‪ ،‬في عام ‪ 2009‬اكتش������ف نصف عدد مستش������فيات‬ ‫ش������يكاغو اجلني ‪ KPC‬في بعض مرضاه������ا على األقل‪ .‬وبعد‬ ‫عام ارتفعت نس������بة مستشفيات ش������يكاغو التي ذكرت وجود‬ ‫اجلني ‪ KPC‬إلى ‪ .%65‬وفي نهاي������ة عام ‪ 2010‬كانت البكتيريا‬ ‫احلاملة للجني ‪ KPC‬قد أصابت مرضى املستش������فيات في ‪37‬‬ ‫والي������ة‪ .‬وعندما بدأ املركز ‪ CDC‬مبتابعة اجلرثومة‪ ،‬اكتش������ف‬ ‫املس������ؤولون أن املستش������فيات لم تكن مستعدة لوصوله‪ .‬يقول‬ ‫>پات������ل<‪« :‬رأينا ولعدة مرات أن العينة التي ُأرس������لت إلينا لم‬ ‫تكن اإلصابة األولى في املستشفى‪ ،‬وعندما راجعوا البيانات‬ ‫املوجودة لديهم‪ ،‬وجدوا حاالت س������ابقة‪ ،‬ولكن هذه احلاالت لم‬ ‫تلفت انتباه أحد‪».‬‬ ‫ف������ي الش������هر ‪ 2005/2‬طلب رج������ل في الثمان���ي��ن من عمره‬ ‫مصاب بس������رطان الپروس������تات منذ ‪ 5‬أعوام‪ ،‬عالجا إسعافيا‬ ‫( ) ‪GLOBAL SPREAD‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫في مستشفى مجاور للمكان الذي يقطن فيه في باريس‪ ،‬وبعد‬ ‫أن ّ‬ ‫مت قبوله في املستش������فى اكتش������ف األطباء أنه أحضر معه‬ ‫الكلبسيال احلاملة للجني ‪ KPC‬من عملية جراحية أجراها في‬ ‫مدينة نيويورك قبل عدة أشهر‪ .‬وكان ذلك أول انتقال معروف‬ ‫للج���ي��ن ‪ KPC‬من الواليات املتحدة إل������ى بلد آخر‪ ،‬لكنه لم يكن‬ ‫األخي������ر‪ .‬وبعد فترة قصيرة وجدت املتعضيات احلاملة للجني‬ ‫‪ KPC‬في كولومبيا وكندا والصني واليونان‪ .‬وسببت وباء لـ‪45‬‬ ‫مريضا في مستش������فى تل أبي������ب وانتقلت من خالل املرضى‬ ‫والعاملني في الرعاية الصحية إلى إنگلترا والنرويج والسويد‬ ‫وبولندا وفنلندا والبرازيل وإيطاليا‪.‬‬ ‫ماذا بعد؟‬

‫( )‬

‫ينظر مس������ؤولو الصحة اآلن إلى االنتشار العاملي ملقاومة‬ ‫الكارباپينيمات – من اجلني ‪ KPC‬إلى اجلني ‪ NDM-1‬وغيرهما‬ ‫م������ن اجلينات – على أنه «حدث صحي عام يثير قلق العالم»‪،‬‬ ‫كما وصفته منظمة الصحة العاملية في الش������هر ‪( 2010/11‬لقد‬ ‫جعلت هذه املنظمة «املقاومة ضد املضادات احليوية وانتشارها‬ ‫العاملي» موضوعها في يوم الصحة العاملي الذي تعقده سنويا‬ ‫وس������ َب ُب هذا اإلعالن هو أنه ال ميكن فعل الكثير‬ ‫بتاريخ ‪َ .)4/7‬‬ ‫إليقاف املتعضيات املقاوم������ة للكارباپينيمات‪ :‬فالقليل فقط من‬ ‫املض������ادات احليوية ما زال يعمل ض ّده������ا‪ ،‬وما زالت األدوية‬ ‫بعيدة عن الفعالية‪.‬‬ ‫ما زال معظم هذه اإلنتانات يس������تجيب للتيگيس����ايكلني‬ ‫‪ ،tigecycline‬والكوليس����تني ‪ colistin‬وه������و دواء عم������ره عدة‬ ‫عقود‪ .‬كان التيگيس������ايكلني الذي ُأطلق ع������ام ‪ 2005‬أول دواء‬ ‫من صنف جديد من املضادات احليوية س������ ّمي گالسيلس��ي�ن‬ ‫‪glycylcylines‬؛ ألن البكتيريا لم تعهد آلية عمله من قبل فإنها‬ ‫س������تكون بطيئة في تطوير مقاومة ضده‪ .‬ولكن التيگيسايكلني‬ ‫ال ينتش������ر بش������كل جيد عبر الدم أو في املثان������ة‪ ،‬مما يجعله‬ ‫غير فع������ال في اإلنتانات الدموية أو التهاب املس������الك البولية‬ ‫التي يسببها اجلينان ‪ KPC‬و ‪( .NDM-1‬كما أن إدارة الغذاء‬ ‫وال������دواء في ع������ام ‪ 2010‬أضافت إلى التحذي������رات اخلاصة‬ ‫بالتيگيس������ايكلني أن بع������ض املرض������ى املصاب���ي��ن باإلنتانات‬ ‫احل������ادة يواجهون زي������ادة غير مبررة في خط������ر املوت)‪ .‬في‬ ‫املقابل‪ ،‬ينتمي الكوليس������تني إلى صنف مح������دود من األدوية‬ ‫ُيدعى الپوليميكس��ي�ن ‪ polymyxins‬يعود إلى األربعينات من‬ ‫القرن العش������رين‪ ،‬ولديه مش������كالته اخلاصة به‪ :‬إضافة إلى‬ ‫سمعته القدمية بإيذاء الكليتني‪ ،‬فهو ال يخترق األنسجة بشكل‬ ‫جيد‪ .‬هذه املشكالت منعت استخدامه على نطاق واسع لعدة‬ ‫‪70‬‬

‫عقود‪ ،‬ورمبا ه������ذا ما جعله يحافظ عل������ى فعاليته طوال هذه‬ ‫املدة – أ ّما وقد ازداد استخدامه في السنوات األخيرة‪ ،‬فإن‬ ‫املقاومة ضده ازدادت أيضا‪.‬‬ ‫ما عدا التيگيس������ايكلني والكوليس������تني‪ ،‬تقريبا ال توجد‬ ‫لدينا أدوية أخرى‪ .‬ما بني عامي ‪ 1998‬و ‪ 2008‬وافقت إدارة‬ ‫الغذاء والدواء عل������ى ‪ 13‬مضادا حيويا جديدا‪ ،‬ثالثة منها‬ ‫فقط تعمل بآليات جديدة ال متتلك البكتيريا مقاومة ضدها‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 2009‬ك ّثفت جمعية األمراض اإلنتانية في أمريكا‬ ‫)‪ (IDSA‬جهود األبحاث حول مضادات حيوية جديدة‪ .‬ومن‬ ‫ب���ي��ن مئات طلبات املوافقة على أدوية جديدة التي تق ّدم كل‬ ‫عام إلى إدارة الغذاء والدواء‪ ،‬كان هناك ‪ 16‬مضادا حيويا‬ ‫في مراحل مختلفة من التطوير‪ .‬ثمانية من هذه املضادات‬ ‫كان������ت موجهة إلى عالج البكتيريا الس������لبية الغرام‪ ,‬ولكن‬ ‫عدد املض������ادات احليوي������ة التي ميكن اس������تخدامها ضد‬ ‫س������لبيات الغرام ذات املقاومة العالي������ة كالبكتيريا احلاملة‬ ‫جليني ‪ KPC‬و ‪ NDM-1‬بلغ الصفر‪.‬‬ ‫ه������ذه اإلحصائيات ّ‬ ‫توضح القضية‪ :‬م������ن دون أن تص ّرح‬ ‫بذلك بش������كل واضح‪ ،‬ق������ررت معظم ش������ركات األدوية أنه من‬ ‫الصعوبة مب������كان تطوير األدوية التي تعالج اإلنتانات املقاومة‬ ‫للكارباپينيم‪ ،‬كما أنها ستستخدم لفترة قصيرة قبل أن تتطور‬ ‫املقاوم������ة ضدها‪ ،‬مما يجعلها ال تس������تحق الوقت املبذول في‬ ‫البح������ث عنها وتطويره������ا‪ .‬يقول >وول������ش<‪« :‬وصلنا اآلن إلى‬ ‫مرحلة نحتاج فيها إلى البدء اجلدي باستثمار الكثير من املال‬ ‫في تطوير مركبات جديدة لم نرها من قبل‪ ،‬واألهم من ذلك‪ ،‬لم‬ ‫تره������ا البكتيريا من قبل‪ .‬ونحن ال نحتاج إلى مركب أو اثنني‪،‬‬ ‫نحن بحاجة إلى عدد يتراوح بني ‪ 10‬إلى ‪.»20‬‬ ‫لقد أجبر الوباء اآلخذ بالتوس������ع املستشفيات على إعادة‬ ‫تقييم فعالي������ة إجراءات التحكم في اإلنتان التي تتبعها‪ .‬تقول‬ ‫املؤسسات التي اس������تطاعت لجَ ْ َم البكتيريا إن اجلهد املبذول‬ ‫يتطل������ب تركيزا ش������ديدا‪ .‬وتتضمن هذه البروتوكوالت غس������ل‬ ‫املرضى باملعقمات كل يوم وتنظيف األسطح في غرف املرضى‬ ‫وصوال إلى أصغ������ر الوصالت والزوايا ف������ي أجهزة املراقبة‬ ‫واحلاس������وب مبعدل مرة كل ‪ 12‬س������اعة‪ .‬يق������ول >‪ .M‬فيليپس<‬ ‫ال������ذي يرأس التحكم في اإلنتان في مركز النگون الطبي‪ ،‬أحد‬ ‫األماكن التي تعرضت للوباء في نيويورك‪« :‬أشعر بالقلق إزاء‬ ‫تعقيم األسطح‪ .‬إنها األماكن التي عادة ما تفشل املستشفيات‬ ‫في تعقيمها»‪ .‬لقد س������اعد >فيليپس< على استحداث مشروع‬ ‫«فري������ق التنظيف» الذي يجمع بني خب������راء التحكم في اإلنتان‬ ‫( ) ?‪WHAT NEXT‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫وعم������ال خدمات املباني في املستش������فى؛ حي������ث خ ّفض هذا‬ ‫الفريق عدد اإلنتانات املكتس������بة في مراكز الرعاية الصحية‬ ‫في الشهور الستة األولى من عمله‪.‬‬ ‫يظه������ر أحدث تقارير اجلني ‪ KPC‬إل������ى أي مدى يجب أن‬ ‫يك������ون العاملون في مراكز الرعاي������ة الصحية حريصني على‬ ‫النظاف������ة‪ .‬في عام ‪ 2010‬أصيب ‪ 28‬مريضا في مستش������فيني‬ ‫فرنسيني بالكلبسيال املقاومة بفعل منظار اجلهاز الهضمي‪،‬‬ ‫وهو مجه������ز بألياف بصرية مرنة‪ ،‬يتم إدخاله عبر احللق إلى‬ ‫اجلهاز الهضمي‪ .‬ظن املستش������فيان أنهم������ا ع ّقما أدواتهما‪،‬‬ ‫ولكن اجلني ‪ KPC‬جنا من التعقيم‪.‬‬ ‫تعزز ف������رق الرعاية الطبية عملي������ات الرصد أمال بتحديد‬ ‫املرضى احلاملني للجرثومة بحيث ميكن عزلهم قبل أن يعدوا‬ ‫اآلخرين‪ .‬فرنسا‪ ،‬على س������بيل املثال‪ ،‬أدخلت فحصا إجباريا‬ ‫باس������تخدام مسحات من املس������تقيم لكل مرضى املستشفيات‬ ‫الذي������ن أدخلوا املستش������فى في دول أخرى بس������بب اإلصابة‬ ‫بإنت������ان مقاومة لعدة أدوية وذلك ف������ي اليوم األول من دخولهم‬ ‫إلى أي مستشفى فرنس������ي‪« .‬في املستشفى الذي أعمل فيه‪،‬‬ ‫كان لدينا مريض منقول من املغرب‪ ،‬حامل للجرثومة املقاومة‬ ‫للكارپينيم������ات»‪ ،‬هذا ما يقوله >‪ .P‬نوردمان< [رئيس قس������ َم ْي‬ ‫البكتيريا والڤيروسات في مستش������فى پيستر بباريس] الذي‬ ‫عالج أول حالة مصابة باجلني ‪ KPC‬عام ‪ ،2005‬ويقول‪« :‬عزلنا‬ ‫املريض‪ ،‬وأطلقنا جرس اإلنذار‪ ،‬وجتنبنا الوباء»‪.‬‬ ‫موس������عة‬ ‫في عام ‪ 2009‬نش������ر املركز ‪ CDC‬إرش������ادات ّ‬ ‫ملس������اعدة املستش������فيات على التحكم في البكتيريا املقاومة‬ ‫������وص الوكالة باتباع‬ ‫للكارباپينيم������ات‪ .‬عل������ى كل حال‪ ،‬لم ت ِ‬ ‫االستراتيجية الفرنس������ية القاضية باختبار كل مريض قبل‬ ‫قبوله في املستش������فى‪ ،‬قائل������ة إن البكتيريا لم تنتش������ر بعد‬ ‫ف������ي كل البالد إلى احلد الذي يب������رر التكلفة والوقت الذي‬ ‫تستغرقه هذه العملية‪.‬‬ ‫إن إبق������اء املتعضي������ات املقاوم������ة للكارباپينيمات خارج‬ ‫املستشفيات ليس مهما فقط للتحكم في الوباء بني املرضى‬ ‫املقعدين وحسب‪ ،‬بل هو ضروري أيضا ملنع انتشارها إلى‬ ‫عامل������ي الرعاية الصحية‪ .‬يظن >كوي������ل< وغيره ممن و ّثقوا‬ ‫حت������رك اجلني ‪ KPC‬عبر نيويورك أنه م������ن احملتمل أن هذه‬ ‫اجلراثيم انتقلت بواس������طة األطب������اء واملمرضات واملوظفني‬ ‫الذين يعملون في عدة مؤسس������ات ممن حملوا اجلراثيم من‬ ‫دون علمهم‪ .‬كما أنه من امله������م أكثر منع البكتيريا احلاملة‬ ‫للجني ‪ KPC‬من مش������اركة جيناتها املقاومة مع أنواع أخرى‬ ‫م������ن البكتيري������ا‪ ،‬مثل اإلش������ريكية القولوني������ة املوجودة في‬ ‫‪71‬‬

‫املستشفيات واملنتشرة خارجها أيضا‪ .‬مثل هذه اإلشريكية‬ ‫القولونية املق ّواة باجلني ‪ KPC‬قد تتس������رب من املستش������فى‬ ‫بحيث تصبح خارج نطاق أي رصد‪.‬‬ ‫حصل هذا التس������رب‪ ،‬في حال������ة واحدة على األقل‪ .‬وفي‬ ‫عام ‪ 2008‬عالج األطباء رجال مس������نّا جاء إلى مستش������فاهم‬ ‫في حالة مرض ش������ديد من دون أن يوجد لديه ما يشير إلى‬ ‫وجود مقاومة للكارباپينيم‪ .‬وخالل ش������هر حترك اجلني ‪KPC‬‬ ‫من اإلنتان التي س������ببته الكلبسيال إلى اإلشريكية القولونية‬ ‫املقيم������ة في أمعاء الرجل‪ ،‬فأوجد بذلك س���ل��الة مقاومة جدا‬ ‫لكنها كانت ما تزال تس������تجيب جلرعات عالية من املضادات‬ ‫احليوية‪ .‬وهذا االنتقال للجينات حدث في املستش������فى حتت‬ ‫الضغ���ط التطوري ‪ evolutionary pressure‬لألدوية التي كان‬ ‫املريض يتلقاها‪ .‬ولكن في الش������هر ‪ 1‬من عام ‪ 2011‬س������جل‬ ‫الباحثون في هون������غ كونغ حدوث انتقال للجينات في العالم‬ ‫اخلارجي أيضا‪ .‬وأحد املرضى الذين راجعوا عيادة محلية‬ ‫خارجي������ة كان يحمل بش������كل صامت اإلش������ريكية القولونية‬ ‫احلاملة للجني ‪ .NDM-1‬ولم تش������ر الس������جالت إلى أن ذلك‬ ‫الرجل دخل املستشفى من قبل‪.‬‬ ‫وبالنظر إلى املستقبل‪ ،‬يرى الباحثون أن سالالت مقاومة‬ ‫من البكتيريا الس������لبية الغرام سوف تظهر قبل فترة طويلة‬ ‫من تطوير األدوية القادرة على عالجها‪ .‬وال يحتاج البعض‬ ‫إل������ى تخيل ذلك وهو يحدث‪ ،‬فه������م يرونه حقيقة على أرض‬ ‫الواقع‪ .‬فقبل ثالثة أعوام عالج األطباء في مستشفى سانت‬ ‫ڤنسنت(‪ )1‬مبانهاتن مريضني مصابني بالكلبسيال التي كانت‬ ‫مقاومة لذخيرة هذه املستشفى من األدوية‪ .‬وأحد املريضني‬ ‫جنا‪ ،‬واآلخر تو ّفي‪ .‬وقد كتبوا في مجلة طبية «إنه ألمر نادر‬ ‫لطبيب في العالم املتطور أن ميوت مريضه بإنتان ش������ديد ال‬ ‫يوج������د خيارات لعالجه‪ ».‬فما ل������م يتباطأ تطور البكتيريا أو‬ ‫يتس������ارع تطوير األدوية‪ ،‬ف������إن مثل هذه احلاالت قد تصبح‬ ‫>‬ ‫شائعة جدا‪.‬‬ ‫(‪St. Vincent’s Hospital )1‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, April 2011‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫مئة تريليون وصلة‬

‫( )‬

‫إن صخب باليني خاليا الدماغ وهي حتاول االتصال‬ ‫فيما بينها‪ ،‬قد يحمل مفتاحا حاسما حلل لغز الوعي وفهمه‪.‬‬ ‫<‪ .C‬زمير>‬

‫يستقر نورون(‪ neuron )1‬مفرد في طبق پتري ‪،petri dish‬‬ ‫ُمفرقع������ا مبا يعبر عن اطمئنان������ه بوحدته‪ ،‬إذ يطلق تلقائيا من‬ ‫وقت آلخر موجة كهربية تنتشر على طوله‪ .‬وإذا قمت بتعريض‬ ‫إحدى نهايتي النورون لنبضات كهربية‪ ،‬فقد يستجيب مبوجات‬ ‫إضافي������ة ڤلطية مدببة‪ .‬وإذا غمرته في نواقل عصبية مختلفة‪،‬‬ ‫فيمكن������ك تعديل ق ّوة موجاته الكهربي������ة وتوقيتها‪ .‬إنّ النورون‬ ‫وحده في طبقه ال يس������تطيع فع������ل الكثير‪ ،‬لكن وصل ‪ 302‬من‬ ‫النورونات معا يو ّلد جملة عصبية من ش������أنها أن حتافظ على‬ ‫الدودة املد َّورة (كينورهابديتيس إيليگانس ‪Caenorhabditis‬‬ ‫‪ )elegans‬حية؛ أي جتعلها قادرة على الشعور ببيئتها احمليطة‬ ‫واتخاذ القرارات وإصدار األوامر إلى جس������مها‪ .‬أما وصل‬ ‫‪ 100‬بليون نورون معا عبر ‪ 100‬تريليون وصلة‪ ،‬فهذا ما يشكل‬ ‫دماغ اإلنسان القادر على عمل ما هو أكثر بكثير‪.‬‬ ‫ال يزال الغموض يكتنف كيفية تشكل عقولنا من حشد كبير‬ ‫نوع من األس������ئلة التي ال تزال‬ ‫من النورونات التي منتلكها‪ .‬إنه ٌ‬ ‫العلوم العصبي������ة‪ ،‬مع انتصاراتها‪ ،‬عاج������زة عن اإلجابة عنه‪.‬‬ ‫يك ّرس بعض علماء اجلهاز العصبي مسيرة حياتهم املهنية في‬ ‫دراسة طرائق عمل النورونات الفردية‪ ،‬في حني يختار آخرون‬ ‫مجاال أكثر تعقيدا؛ فقد يبحثون‪ ،‬على س������بيل املثال‪ ،‬في كيفية‬ ‫تكويد ُ‬ ‫احلصني ‪ hippocampus‬ملختلف أنواع ذكرياتنا‪ ،‬وهو –‬ ‫أي احلصني ‪ -‬بنية عنقودية مكونة من ماليني النورونات‪ .‬وقد‬

‫ينظر آخرون إلى الدماغ من منظور أكثر ش������موال‪ ،‬فيالحظون‬ ‫جميع املناطق التي تنشط عندما نؤ ّدي مه ّمة مع ّينة‪ ،‬كالقراءة أو‬ ‫اإلحساس باخلوف‪ .‬أما الذين حاولوا تأمل الدماغ مبستوياته‬ ‫املتع������ددة معا فعددهم قليل‪ .‬وما نش������هده من تكتم لدى هؤالء‬ ‫تعود أسبابه جزئيا إلى حجم التحدي الكبير الذي يواجهونه‪،‬‬ ‫فتآثرات عدد قليل من النورونات يكفي وحده إلحداث تشويش‬ ‫في احلش������د الكبير من االس���تجابات االرتدادي���ة ‪.feedbacks‬‬ ‫وإذا أضفن������ا ‪ 100‬بليون نورون آخر إلى هذه املس������ألة‪ ،‬فال بد‬ ‫جلهودنا عندئذ من أن تواجه صداعا كونيا‪.‬‬ ‫وم������ع ذلك‪ ،‬فإن بعض علماء اجله������از العصبي يعتقدون‬ ‫أن������ه قد حان الوقت للتصدي له������ذا التحدي‪ ،‬ويدعمون ذلك‬ ‫بحجة منطقية تفيد بأنه من املستحيل أن نفهم بصورة فعلية‬ ‫الكيفية التي يو ّلد بها اجلهاز العصبي العقل إذا بقينا نتأمل‬ ‫الدماغ مقس������ما إلى قطع منفصل������ة ال رابط بينها‪ .‬إن النظر‬ ‫إل������ى أجزاء الدماغ املختلفة خارج س������ياق كليته هو أش������به‬ ‫مبحاولة فهم كيفية جتمد املاء من خالل دراسة جزيء واحد‬ ‫من������ه‪« ،‬فالثلج» تعبي ٌر ال معنى له في عالم اجلزيئات املفردة‪،‬‬ ‫بل يتش������كل فقط م������ن تآثر عدد كبير م������ن اجلزيئات عندما‬ ‫تتجمع وتتحول إلى بلورات‪.‬‬ ‫) ( ‪100 TRILLION CONNECTIONS‬‬

‫)‪neuron (1‬‬

‫أو عصبون‪.‬‬

‫باختصار‬ ‫ال يستطيع النورون مبفرده أن يفعل الشيء الكثير‪ ،‬لكن بضع مئات‬ ‫من النورونات املتش������ابكة فيما بينها وجهاز عصبي بدائي‪ ،‬قادران على‬ ‫توليد نظام معقد مي ِّكن الدودة من احلركة‪.‬‬ ‫ازدياد ع������دد النورونات يعني زيادة تعقيد املتعضي (الكائن احلي)‬ ‫‪ .organism‬واالهتمام احملوري للعلوم العصبية هو اكتشاف الطريقة التي‬ ‫تعمل بها باليني النورونات لتوليد العقل البشري‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫بدأ علماء اجلهاز العصبي بكش������ف تعقيد الدم������اغ من خالل تبنّي‬ ‫منهاج البحث في النظم املعقدة األخرى‪ ،‬بدءا من الشيپات احلاسوبية‬ ‫‪ computer chips‬وحتى سوق األسهم‪.‬‬ ‫مفاتيح تعرف‬ ‫ق������د يقد ُم فه ُم عمل ش������بكات الدم������اغ املع ّق������دة‬ ‫َ‬ ‫األس������باب الكامن������ة وراء احل������االت املرضية املد ّم������رة‪ ،‬مبا في ذلك‬ ‫الفصام واخلرف‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Carl Zimmer‬‬

‫<زمير> مؤلف لتسعة كتب‪ ،‬ومحرر مشارك في جريدة نيويورك تاميز ومجلتي ناشيونال‬ ‫جيوگرافيك وديسكاڤر‪ .‬وهو أيضا مؤلف الكتاب اإللكتروني اجلديد «مقاطع الدماغ‪ :‬خمس عشرة‬ ‫رحلة في رحاب العقل» )‪ Brain Cuttings: Fifteen Journeys Through the Mind (Scott & Nix‬وقد‬ ‫نشرت مقتطفات من أحد فصوله على املوقع‪www.ScientificAmerican.com/e-zimmer :‬‬

‫‪73‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫وحلس������ن احلظ‪ ،‬ميكن أن يستلهم علماء اجلهاز العصبي‬ ‫من الباحثني اآلخرين الذين يدرس������ون منذ عدة عقود مختلف‬ ‫أش������كال الظواهر املعقدة؛ من أس������واق األس������هم إلى دارات‬ ‫احلاس������وب إلى تآثر اجلينات والبروتين������ات في خلية واحدة‪.‬‬ ‫ق������د يبدو أنه ليس هناك كثير من األمور املش������تركة بني اخللية‬ ‫وأس������واق األسهم‪ ،‬ولكن الباحثني وجدوا بعض أوجه التشابه‬ ‫بني جمي������ع النظم املع ّقدة التي قاموا بدراس������تها‪ .‬كما ط ّوروا‬ ‫أيض������ا أدوات رياضياتية ميكن‬ ‫استخدامها لتحليل تلك النظم‪ .‬تآثر بضعة‬ ‫وقد التقط علماء اجلهاز العصبي نورونات فقط‬ ‫تلك األدوات وبدؤوا باستعمالها‬ ‫لفهم تعقي������دات الدم������اغ‪ .‬ومع يكون حشدا‬ ‫أن الوق������ت ال ي������زال مبكرا‪ ،‬إال كبيرا من‬ ‫أنّ النتائج التي ُس������جلت حتى االستجابات‬ ‫اآلن هي نتائ������ج واعدة‪ ،‬فها‬ ‫هم االرتدادية‪ .‬أما‬ ‫العلماء يكتشفون قواعد انتظام‬ ‫باليني النورون������ات في وحدات جوهر النظام‬ ‫تعم ُ‬ ‫������ل س������وية كش������بكة واحدة املع ّقد فيتجلى‬ ‫متماس������كة ندعوها الدماغ‪ .‬وقد عبر خليط من‬ ‫وجدوا أنّ ن َْظم هذه الشبكة هو‬ ‫أس������اس قدرتنا على فهم عاملنا باليني اخلاليا‬ ‫املتغ ّير باس������تمرار‪ .‬ولعل بعض الدماغية‪.‬‬ ‫االضطراب������ات العقلي������ة األكثر‬ ‫تدمي������را‪ ،‬كالفص������ام واخل������رف‪ ،‬تنجم جزئيا ع������ن انهيار في‬ ‫شبكات الدماغ‪.‬‬ ‫تتش������كل الش������بكات العصبية من النورون������ات ووصالتها‬ ‫بالنورونات األخرى عبر استطالة محاويرها ‪ .axons‬وتسمح‬ ‫هذه الوصالت لإلش������ارات التي تعبر إحدى اخلاليا العصبية‬ ‫(النورون������ات) بتحريض موجة كهربية في النورونات األخرى‪.‬‬ ‫وألن ّ‬ ‫كل ن������ورون ميكن أن يتصل ب������آالف اخلاليا األخرى –‬ ‫القريب������ة منه أو الواقعة على اجلانب اآلخر من الدماغ – فإن‬ ‫الش������بكات ميكن أن تتخذ عددا خياليا من التدابير‪ .‬والطريقة‬ ‫التي تس������تخدمها شبكة معينة في دماغك بتنظيم نفسها تؤثر‬ ‫كثيرا في طريقة عملها‪.‬‬ ‫بناء ُم ّ‬ ‫صغر للدماغ‬

‫( )‬

‫ولكن كيف ميكننا دراس������ة ش������بكة الدماغ النورونية؟ ما‬ ‫التجربة التي ميكن للعلماء القيام بها لتت ّبع باليني الوصالت‬ ‫الش������بكية؟ إحدى اإلجابات عن هذين السؤالني هي أن نقوم‬ ‫‪74‬‬

‫بتش������كيل من������وذج مصغّر للدماغ ميك������ن أن ُيظهر ما يحدث‬ ‫عندم������ا تتآثر النورون������ات بطرق مختلفة‪ .‬قام <‪ .O‬س������پورنز>‬ ‫وزم���ل��اؤه [من جامعة إنديانا] ببن������اء مثل هذا النموذج‪ ،‬فقد‬ ‫ابتكروا ‪ 1600‬نورون مصطنع مت ترتيبها حول سطح كروي؛‬ ‫كل نورون بالنورونات األخرى‪ .‬وكان ّ‬ ‫ث ّم وصلوا ّ‬ ‫كل نورون في‬ ‫أ ّية حلظة ال ميتلك سوى فرصة صغيرة جدا إلطالق موجاته‬ ‫الكهربي������ة بصورة تلقائية‪ ،‬وعندم������ا يطلقها فإن فرصتها في‬ ‫اس������تثارة النورونات األخرى املرتبطة به هي فرصة ضعيفة‪،‬‬ ‫وفرصة ه������ذه النورونات في إط���ل��اق موجاتها الكهربية هي‬ ‫بدورها فرصة ضئيلة‪.‬‬ ‫قام < س������پورنز> وزمالؤه بإجراء تعديل على الوصالت‬ ‫النورونية ثم راقبوا مصغره���م الدماغي(‪ )1‬أثناء عمله‪ .‬فبعد‬ ‫أن ج������رى في املرحلة األولى وص������ل ّ‬ ‫كل نورون بالنورونات‬ ‫املجاورة فقط‪ ،‬قام مصغر الدماغ عبر هذه الشبكة بإطالق‬ ‫ومضات صغيرة عش������وائية‪ .‬وعندم������ا كان النورون الواحد‬ ‫يطلق موج������ة كهربية بصورة تلقائي������ة‪ ،‬كانت هذه املوجة ال‬ ‫تس������تطيع االنتق������ال بعيدا‪ .‬أما في املرحل������ة الثانية فقد قام‬ ‫<س������پورنز> وفريق������ه بربط ّ‬ ‫كل ن������ورون بجمي������ع النورونات‬ ‫األخ������رى في كام������ل الدماغ‪ ،‬وقد أدى ذل������ك إلى توليد منط‬ ‫نشاط مختلف جدا‪ ،‬حيث أخذ الدماغ عندئذ يعمل ويتوقف‬ ‫عن العمل بكامله بنبضات منتظمة‪.‬‬ ‫ف������ي املرحلة الثالث������ة واألخي������رة‪ ،‬أضاف العلماء ش������بكة‬ ‫متوس������طة إلى مصغر الدماغ‪ ،‬وك َّون������وا بذلك وصالت محل ّية‬ ‫ّ‬ ‫وأخرى بعيدة املدى بني النورونات‪ ،‬فصار الدماغ اآلن معقدا‪.‬‬ ‫وعندم������ا بدأت النورونات بإطالق موجاتها الكهربية ظهر عدد‬ ‫املتوهجة التي أخذت تطوف في الدماغ‬ ‫كبير من بقع النش������اط‬ ‫ّ‬ ‫كالدوامة‪ ،‬حيث كان بعضها يصطدم باآلخر‪ ،‬وبعضها اآلخر‬ ‫يسير مسرعا بحركة دورانية‪.‬‬ ‫يق ّد ُم مصغر الدماغ ل ِـ<س������پورنز> درس������ا مهما عن نشوء‬ ‫النظم املعقدة؛ فهندسة بناء الشبكة ذاتها حتدد منط نشاطها‪.‬‬ ‫ويقوم <س������پورنز> وباحث������ون آخرون باس������تخالص الدروس‬ ‫وجمعها من مناذج مصغر الدماغ ويبحثون عن أمناط مماثلة‬ ‫في األدمغة احلقيقية في رؤوسنا‪ .‬ولكن العلماء‪ ،‬ولسوء احلظ‪،‬‬ ‫ال يستطيعون مراقبة ّ‬ ‫كل نورون على حدة في الدماغ احلقيقي‪.‬‬ ‫ولذلك‪َ ،‬ف ُهم يستخدمون تقنيات ذكية لتسجيل النشاط الناشئ‬ ‫عن عدد قليل نس������بيا من النورونات‪ ،‬ثم يس������تخلصون بعض‬ ‫العبر املهمة من نتائج جتاربهم‪.‬‬ ‫) ( ‪BUILDING A TOY BRAIN‬‬ ‫)‪toy brain (1‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫تبسيط التعقيد‬

‫تشريح مصغر الدماغ‬

‫( )‬

‫تش���ير محاكاة الدماغ التي أبدعها <‪ .O‬س���پورنز> وزمالؤه [من جامعة‬ ‫إنديان���ا] إلى وجود ثالثة أمن���اط مختلفة من الوصالت بني النورونات‬ ‫االفتراضي���ة املوزعة على س���طح ك���رة وعددها ‪ .1600‬وه���ذه احملاكاة ‪-‬‬ ‫التي ينش���ط فيها بعض النورونات تلقائي���ا (املناطق الصفراء) ويبقى‬

‫ما سواها هاجعا – تساعد الباحثني على تعرف آلية التآثرات املع ّقدة‬ ‫ب�ي�ن األنواع املختلفة من الش���بكات‪ ،‬وهي التآثرات التي يش���كل بعض‬ ‫منه���ا نس���خة طبق األصل عن النش���اط الذي يحدث ف���ي أرجاء الدارات‬ ‫الدماغية احلقيقية كافة‪.‬‬ ‫الزمن‬ ‫يبني منوذج ارتباط النورونات‬ ‫مبجاوراتها املباشرة فقط‬ ‫ومضات نشاط عشوائية متفرقة‬ ‫مبرور الوقت‪.‬‬

‫عندما يكون النورون الواحد‬ ‫مرتبطا بجميع النورونات‬ ‫األخرى‪ ،‬فإن الدماغ يُو ّلد أمناط‬ ‫نشاط واسعة النطاق تبقى فيه‬ ‫مجموعة اخلاليا ناشطة بالكامل‬ ‫أو خامدة كليّا تقريبا‪.‬‬

‫مزيج االرتباطات القصيرة‬ ‫يولد‬ ‫ُ‬ ‫املدى والبعيدة املدى منط نشاط‬ ‫معتدل يصعب التنبؤ به‪ ،‬ويشبه‬ ‫منط نشاط األدمغة احلقيقية‪.‬‬

‫أدمغة في طبق‬

‫( )‬

‫يقوم <‪ .D‬بلينز> [وهو عالم من علماء اجلهاز العصبي‬

‫(‪)1‬‬

‫بتقصي‬ ‫العاملني في املعهد الوطني للصحة العقلية] ومساعدوه ّ‬ ‫هندس������ة بناء الدماغ من خالل زرع قِ طع من النسيج الدماغي‬ ‫بحجم بذور السمس������م في أطباق پتري‪ .‬يق������وم هؤالء بتثبيت‬ ‫‪ 64‬مس������رى كهربيا داخل النسيج لتس������جيل إطالق اخلاليا‬ ‫العصبية إلش������عاراتها التلقائية‪ ،‬فهذه املس������اري تكتشف ما‬ ‫يس������مى تقطع إطالق املوجات الكهربية السريع ‪rapid‑fire‬‬ ‫‪ staccato of activity‬واملع������روف أيض������ا باس������م االنهي���ارات‬ ‫النورونية ‪.neuronal avalanches‬‬ ‫في بداية األمر‪ ،‬تبدو املسألة وكأن النورونات تطلق فرقعة‬ ‫ال متثل سوى صخب عش������وائي‪ .‬فإذا كان هذا صحيحا فلن‬ ‫يكون هناك فرق بني أن يكون االنهيار النوروني محدودا جدا‪،‬‬ ‫أو أن يكون واسع االنتشار‪ .‬بيد أنّ ما وجده <بلينز> وزمالؤه‬ ‫لم يك������ن متوافقا مع ذلك؛ فقد كانت االنهيارات الصغيرة هي‬ ‫األكثر ش������يوعا والكبيرة هي النادرة واالنهيارات األكبر أكثر‬ ‫ن������درة‪ .‬وقد أظهر املخط������ط البياني احتم������االت كل مقدار من‬ ‫‪75‬‬

‫مقادير االنهيارات على شكل منحنى انسيابي هابط‪.‬‬ ‫لقد رأى العلماء هذا الشكل من املنحنيات قبل ذلك‪ ،‬فدقات‬ ‫القلب‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬ليست جميعها متشابهة؛ فمعظم هذه‬ ‫الدقات تقصر مدتها أو تطول قليال مقارنة باملعدل الوسطي‪،‬‬ ‫وعدد قليل منها فقط تقصر مدته أو تطول كثيرا عن هذا املعدل‬ ‫الوس������طي‪ .‬أما دقات القلب األبعد كثيرا عن املتوسط فعددها‬ ‫أصغ������ر بكثير‪ .‬كما أنّ الزالزل تتبع النمط ذاته‪ ،‬فاالنزياح في‬ ‫طبقات األرض يسبب عددا كبيرا من الزالزل الصغيرة وعددا‬ ‫محدودا من الزالزل الكبيرة‪ .‬وكذلك احلال أثناء األوبئة‪ ،‬ففي‬ ‫كل ي������وم يظهر عدد من احلاالت اجلديدة عادة‪ ،‬ومن وقت إلى‬ ‫آخر تظهر موجات منها‪ .‬وإذا قمنا برسم مخطط بياني لدقات‬ ‫القلب أو الزالزل أو ألعداد احلاالت اجلديدة في األوبئة‪ ،‬فإننا‬ ‫سنشاهد منحنى ُأ ّسيا هابطا‪.‬‬ ‫ه������ذا املنحنى‪ ،‬واملعروف بقان������ون القدرة‪ ،‬هو عالم ٌة فارقة‬ ‫للش������بكة املعقدة التي تش������مل الوصالت القصيرة املس������افة‬ ‫) ( ‪Anatomy of a Toy Brain‬‬ ‫) ( ‪BRAIN IN A DISH‬‬ ‫)‪a neuroscientist (1‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫تقطيع الدماغ‬

‫عوالم صغيرة من شبكات كبيرة‬

‫( )‬

‫تنتش���ر موج���ات النش���اط الكهربي في الدماغ‪ ،‬حت���ى ولو كان في‬ ‫حالة الراحة‪ .‬يحاول عدد من الدراس���ات اليوم رس���م خارطة لهذه‬ ‫األمن���اط العصبية نظ���را ألنها قد تؤدي دورا حاس���ما في حياتنا‬ ‫العقلية‪ .‬وقد قام <‪ .P‬هاگمان> [من جامعة لوزان في سويس���را] و‬ ‫<‪ .O‬س���پورنز> [من جامعة إنديانا] برس���م مخطط للدماغ بتقنية‬ ‫«تصوير طيف االنتش������ار»(‪ ،)1‬ووجدوا أنّ الش���بكة ذات الوصالت‬ ‫الكثيف���ة (ف���ي اليس���ار) متتل���ك عُ َقدا جي���دة التراب���ط (النقاط‬ ‫احلمرء) متر عبرها روابط عديدة (في األس���فل)‪ .‬وقد تساعد‬ ‫ش���بكات «العالم الصغير» م���ن العقد أدمغتنا على معاجلة‬ ‫املعلومات بسرعة أكبر وتسمح لها بأن تصون متاسكها‬ ‫البنيوي بكفاءة‪.‬‬

‫شبكة عالم صغير‬

‫والبعيدة املس������افة على حد سواء‪ .‬قد ينتشر االهتزاز الصادر‬ ‫عن بقع������ة معينة من األرض‪ ،‬في بعض احل������االت‪ ،‬إلى منطقة‬ ‫مج������اورة محدودة فقط‪ ،‬ولكنه قد ينتش������ر إلى مناطق أوس������ع‬ ‫بكثير في ح������االت أخرى نادرة‪ .‬والنورون������ات تعمل بالطريقة‬ ‫ذاتها‪ ،‬فتستثير أحيانا ما يجاورها من نورونات فقط‪ ،‬لكنها في‬ ‫أحيان أخرى ميكن أن تطلق موجة نشاط واسعة االنتشار‪.‬‬ ‫ميك������ن للعلماء أن يس������تخلصوا من ش������كل منحنى قانون‬ ‫القدرة دالئل مهمة بش������أن الش������بكة التي تو ّل������ده‪ .‬وقد اختبر‬ ‫<بلينز> ومس������اعدوه ع������ددا من الش������بكات النورونية احملتملة‬ ‫لتحديد تلك الت������ي تو ّلد انهيارات نورونية بالطريقة ذاتها التي‬ ‫تعمل وفقه������ا النورونات احلقيقية‪ ،‬وق������د حصلوا على أفضل‬ ‫مقاربة من ش������بكة تتكون من ‪ 60‬عنقودا من النورونات‪ .‬وكانت‬ ‫‪76‬‬

‫شبكة كبيرة‬

‫هذه العناقيد موصولة وس������طيا بعش������رة عناقي������د أخرى‪ ،‬ولم‬ ‫تكن ه������ذه الوصالت موزعة بصورة عش������وائية بني العناقيد‪،‬‬ ‫ب������ل بطريقة كان فيها بعض العناقيد فقط يتمتع بعدد كبير من‬ ‫الوص���ل��ات‪ ،‬في حني أن غالبية العناقيد لم يكن لديها س������وى‬ ‫ع������دد قليل من الوصالت‪ .‬وقد ترت������ب على ذلك نتيجة مفادها‬ ‫بأن ع������دد الوصالت التي تربط العنق������ود الواحد باآلخر كان‬ ‫قليال جدا‪ .‬ويدعو العلماء هذا النوع من الترتيب باسم شبكة‬ ‫عالم صغير ‪.small‑world network‬‬ ‫لقد صار واضحا أنّ هذا النوع من الشبكات من شأنه أن‬ ‫مينح أدمغتنا حساسية مرهفة حيال اإلشارات الواردة إليها‪،‬‬ ‫) ( ‪Small Worlds from Large Networks‬‬ ‫)‪diffusion tensor imaging (1‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫وذلك على نحو يشبه قدرة املايكرفون على تقوية مجال واسع من خالل مراجعة الذكريات وإعداد خطط للمستقبل‪.‬‬ ‫م������ن األصوات‪ .‬وقد قام <بلينز> وفريق������ه بتعريض النورونات‬ ‫( )‬ ‫ُر ّسام اخلرائط النورونية‬ ‫لصدمات كهربية مختلفة الشدة ثم قاموا بقياس استجابتها‪،‬‬ ‫فوج������دوا أنّ الصدمات الضعيفة تو ّلد اس������تجابات عند عدد‬ ‫من أجل فهم س������لوك هذه املوجات‪ ،‬يس������عى علماء اجلهاز‬ ‫مح������دود م������ن النورونات فقط‪ ،‬في ح���ي��ن أن الصدمات القوية العصب������ي إلى وضع خرائ������ط للوص���ل��ات النورونية في كامل‬ ‫تستثير استجابة قوية لدى عدد أكبر بكثير من النورونات‪.‬‬ ‫الدم������اغ‪ .‬وغني عن القول أن هذه املهمة صعبة للغاية‪ ،‬وأفضل‬ ‫وملعرف������ة الكيفي������ة التي تؤثر به������ا بنية الش������بكة في هذه دلي������ل على ذلك هو التح������دي الكبير الذي يواج������ه علماء مثل‬ ‫االس������تجابة‪ ،‬أضاف <بلين������ز> وزمالؤه إل������ى النورونات مادة <بلين������ز> في محاولتهم فه َم ماذا يجري في قطعة صغيرة جدا‬ ‫دوائية تُضعف عمل الوصالت النورونية‪ ،‬فالحظوا أن اخلاليا من النسيج الدماغي‪ُ .‬يدير <سپورنز> أحد أكثر مشاريع رسم‬ ‫العصبي������ة تتوق������ف عندئذ عن‬ ‫اخلرائط النورونية طموحا‪ .‬وبانضمامه إلى <‪ .P‬هاگمان> [من‬ ‫االستجابة لإلشارات الضعيفة‪ .‬ميكن للنموذج‬ ‫جامعة لوزان في سويس������را] وفريقه املتخصص في التصوير‬ ‫ولكن هؤالء العلماء حصلوا على الرياضياتي‬ ‫العصبي‪ ،‬قام بتحليل بيانات حصل عليها من أدمغة خمس������ة‬ ‫نتيجة ُمغايرة متاما عندما حقنوا الذي يحاكي‬ ‫متطوعني‪ ،‬وذلك باستخدام طريقة تُعرف باسم «تصوير طيف‬ ‫النورونات مب������ادة دوائية ترفع‬ ‫التآثرات الكامنة االنتش���ار )‪ ،»)2((DSI‬وهي طريقة يتم فيها‪ ،‬وبتبس������يط شديد‪،‬‬ ‫قابلية اس������تثارتها واستجابتها‬ ‫التقاط صور للمحاوير ‪ axons‬املُ ّ‬ ‫غطاة بطبقة رقيقة من الشحم‪،‬‬ ‫لإلش������ارات الواردة من املنطقة للبيع والشراء‬ ‫وهي األلياف الطويلة املعروفة باس������م املادة البيضاء التي تربط‬ ‫املج������اورة‪ ،‬حي������ث اس������تجابت في سوق األسهم‪،‬‬ ‫املناطق املختلفة من القشرة الدماغية فيما بينها‪ .‬اختار العلماء‬ ‫ه������ذه النورونات بص������ورة قوية أن يكون صاحلا‬ ‫نحو ‪ 1000‬منطقة من القش������رة ورسموا خريطة للمادة البيضاء‬ ‫وكثيفة لإلش������ارات الضعيفة –‬ ‫التي تربط كل منطقة منها بباقي املناطق األخرى‪.‬‬ ‫ول������م تختلف اس������تجابتها هذه أيضا للشبكات‬ ‫لق������د ابتكر العلماء نس������خة محاكاة له������ذه املناطق األلف‪،‬‬ ‫من حي������ث الق������وة والكثافة عن املسؤولة عن‬ ‫وأجروا جتارب عليها ملعرفة طبيعة أمناط النشاط التي تو ّلدها‪.‬‬ ‫استجابتها لإلش������ارات القوية‪ .‬نشاط الدماغ‪.‬‬ ‫وق������د أظهرت هذه التج������ارب أن ّ‬ ‫كل منطقة م������ن هذه املناطق‬ ‫لق������د أظه������رت ه������ذه التجارب‬ ‫أن الش������بكات النورونية تضبط عملها بدق������ة عالية‪ ،‬وأن هذه تُصدر إش������ارات قادرة على االنتقال إلى املناطق املرتبطة بها‬ ‫الدرجة العالية من الضبط (الدوزنة) هي التي تتيح لها إطالق وحتري������ض النورونات هناك على بث إش������ارات مماثلة أيضا‪.‬‬ ‫إش������اراتها بانضباط كبير‪ .‬أما إذا مت ترتي������ب النورونات في وعندما ش������غّل العلماء هذا الدماغ االفتراضي‪ ،‬بدأ بإصدار‬ ‫شبكة مختلفة‪ ،‬فإن استجاباتها سوف تكون غير مترابطة وال موجات نشاط بطيئة االنتقال‪ .‬واملدهش أن هذه املوجات كانت‬ ‫تشبه املوجات التي مت رصدها في األدمغة احلقيقية في حالة‬ ‫معنى لها‪.‬‬ ‫يأمل علماء اجلهاز العصبي بأن يتوصلوا في نهاية املطاف الراحة‪ ،‬والتي رآها <ريكلي> وآخرون‪.‬‬ ‫إنّ نظام الش������بكة الدماغية التي رسم خارطتها <سپورنز>‬ ‫إلى إيجاد رابط بني ما نراقبه من نش������اط في طبق املختبر(‪،)1‬‬ ‫وم������ا يحدث من عمليات عقلية ف������ي احلياة اليومية‪ .‬فمن خالل وزمالؤه يش������به إلى حد كبير نظام تلك الشبكة األصغر التي‬ ‫رص������د الدماغ بكامله‪ ،‬يقوم الباحثون التجريبيون باكتش������اف وجدها <بلينز> في قطعه النسيجية الصغيرة التي تضم عددا‬ ‫أمناط من النش������اط التلقائي تشبه النوع الذي اكتشفه <بلينز> قلي���ل��ا من العق������د املترابطة جيدا بعضه������ا ببعض – وهي ما‬ ‫في قطعه الصغيرة من نسيج الدماغ‪ .‬لقد وجد <‪ .E .M‬ريكلي> يس������مى «ش������بكة العالم الصغير»‪ ،‬كما ذكرنا سابقا‪ .‬وجتدر‬ ‫ومس������اعدوه [من جامعة واشنطن في سانت لويس] أنّ بعض اإلش������ارة إلى أن الهندسة البنيوية الواسعة النطاق من شأنها‬ ‫النم������اذج املعقدة من املوجات الكهربائي������ة ميكن أن تنتقل عبر أن تس������اعد أدمغتنا على احلفاظ عل������ى مواردها وعلى العمل‬ ‫الدماغ بكامله في حال توقف اإلنسان عن التفكير في أي شيء بطريقة أس������رع‪ .‬إن إمناء املادة البيض������اء وصيانتها يكلفاننا‬ ‫كان‪ .‬كما تشير التجارب احلديثة إلى أنّ هذا النشاط العفوي الكثي������ر من املوارد‪ .‬أما إذا توفر ألدمغتنا عدد قليل من ال ُعقد‬ ‫ميكن أن يكون له دور حيوي في حياتنا العقلية من حيث إنه قد‬ ‫) ( ‪NEURAL CARTOGRAPHERS‬‬ ‫يس������مح للعقل أثناء استراحته بالتأمل في نظام عمله الداخلي )‪ (1‬طبق بتري‪.‬‬ ‫)‪diffusion tensor imaging (2‬‬

‫‪77‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املترابط������ة جيدا فيما بينها‪ ،‬فإن أدمغتنا س������وف تكتفي بكمية‬ ‫أق������ل بكثير من املادة البيضاء الت������ي تتطلبها األنواع األخرى‬ ‫من الش������بكات‪ .‬وألن املعلومات في هذه احلالة تعبر عددا أقل‬ ‫م������ن الوصالت في رحلتها من أحد أجزاء الدماغ إلى أجزائه‬ ‫األخرى‪ ،‬فإن معاجلة هذه املعلومات تتم بصورة أسرع‪.‬‬ ‫سيصبح علماء اجلهاز العصبي قادرين على رسم خرائط‬ ‫أفضل بكثير لش������بكات الدماغ في الس������نوات القادمة‪ ،‬ويعود‬ ‫الفض������ل في ذلك إلى مش������روع الثالثني مليون������ا الذي أطلقه‬ ‫املعه������د الوطني للصح������ة العقلية عام ‪ ،2010‬وهو املش������روع‬ ‫املعروف مبشروع مجموع وصالت الدماغ البشري ‪Human‬‬ ‫‪ ،Connectome Project‬ال������ذي س������يقوم مبس������ح ّ‬ ‫كل وصلة بني‬ ‫النورونات في دماغ البالغ‪ .‬ولكن حتى هذه اخلارطة س������وف‬ ‫ل������ن تتمكن‪ ،‬مبفردها‪ ،‬من اإلمس������اك بكاف������ة جوانب تعقيدات‬ ‫الدم������اغ‪ ،‬وذلك ألن النورونات ال تس������تخدم في تواصلها معا‬ ‫سوى جزء يسير فقط من الوصالت الدماغية املتاحة‪ .‬وأيضا‬ ‫ألن هذه الش������بكة ميكن أن تغ ّير ش������كلها م������ن وقت إلى آخر‬ ‫من خالل عزوف النورونات عن بعض وصالتها واالستعاضة‬ ‫عنه������ا بوصالت جدي������دة‪ .‬إن خلق مناذج للدم������اغ قادرة على‬ ‫التقاط هذه الشبكات الديناميكية يتطلب جميع ما ميتلكه عالَم‬ ‫التجارة من حيل وبراعة توفرها له نظرية النظم املعقدة‪.‬‬ ‫( )‬

‫نورون سوق األسهم (وول ستريت)‬

‫يحاول عاملان في الرياضي������ات [من معهد دارمتوث] هما‬ ‫<‪ .N .D‬روكم������ور> و <‪ .D .S‬پولس> حتليل هذا التعقيد من خالل‬ ‫التعامل مع الدماغ كما نتعامل مع س������وق األسهم؛ فكالهما‪،‬‬ ‫أي الدماغ وسوق األسهم‪ ،‬يتألفان من عدد كبير من الوحدات‬ ‫الصغيرة – أي تجُ ّ ار األس������هم والنورونات – التي تنتظم في‬ ‫ش������بكة واسعة املجال‪ .‬فكل تاجر يس������تطيع أن يؤثر في باقي‬ ‫التجار في عملية البيع والش������راء‪ ،‬وقد يشتد هذا التأثير إلى‬ ‫ّ‬ ‫حد يشمل الشبكة بكاملها مؤديا إلى هبوط أو ارتفاع األسعار‬ ‫مبجملها في س������وق األسهم‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الش������بكة اإلجمالية‬ ‫بدورها تس������تطيع أن تؤثر في احلدود الدنيا لألسعار‪ .‬فعلى‬ ‫س������بيل املثال عندما تبدأ سوق األس������هم باالرتفاع من جديد‪،‬‬ ‫فإن َت ْوقَ بعض التجار إلى الشراء مجددا يؤدي إلى مزيد من‬ ‫االرتفاع في سوق األسهم‪.‬‬ ‫قام <روكمور> و <پولس> م������ع زمالئهما بتطوير مجموعة‬ ‫من األدوات الرياضياتية من أجل الكش������ف عن بنية الش������بكة‬ ‫التي تتكون منها س������وق نيويورك لألوراق املالية‪ ،‬حيث قاموا‬ ‫بتحميل أس������عار اإلغالق اليومية لـ ‪ 2547‬سهما من صفحات‬ ‫‪78‬‬

‫اإلنترنت على مدى ‪ 1251‬يوما‪ ،‬وبحثوا عن أوجه التش������ابه في‬ ‫تغير أسعار األسهم العادية املختلفة‪ :‬قابلية ارتفاع وانخفاض‬ ‫األسعار في زمن متقارب‪ ،‬على سبيل املثال‪.‬‬ ‫كش������فت هذه الدراس������ة عن وجود ‪ 49‬عنقودا من األسهم‬ ‫العادي������ة‪ ،‬وعندما راج������ع العلماء معلوماته������م املالية‪ ،‬وجدوا‬ ‫أنّ ه������ذه العناقي������د تتوافق في معظم األحي������ان إما مع بعض‬ ‫القطاعات االقتصادية املع ّينة كبرامج احلاسوب (البرمجيات‬ ‫‪ )software‬أو املطاع������م مثال‪ ،‬أو م������ع مناطق جغرافية محددة‪،‬‬ ‫كأمريكا الالتينية أو الهند‪.‬‬ ‫وإذ توص������ل العلماء إلى حتديد الفئات املذكورة من خالل‬ ‫حتليل البيانات وحده‪ ،‬فقد أخذوا يش������عرون بشيء من الثقة‬ ‫بطرائقهم البحثية‪ .‬إن ميل أس������عار أس������هم ش������ركات التزويد‬ ‫بخدمات اإلنترنت إلى التقلب بطريقة عشوائية هو أمر منطقي‬ ‫في آخر املطاف إذا أخذنا في احلسبان‪ ،‬مثال‪ ،‬اخلطر الناجم‬ ‫ع������ن دودة اإلنترنت واملش������كالت التي ميك������ن أن تتعرض لها‬ ‫مجموعة هذه الشركات بكاملها من جراء ذلك‪.‬‬ ‫وجد <روكمور> و <پولس> أيضا أنّ العناقيد الـ‪ 49‬املذكورة‬ ‫كانت تنتظم في حقيقة األمر في سبعة عناقيد كبرى‪ ،‬وأن هذه‬ ‫العناقي������د الكبرى كانت في العديد م������ن احلاالت‪ ،‬تتوافق مع‬ ‫قطاعات صناعية يعتمد بعضها على بعض‪ ،‬فمراكز التس ّوق‬ ‫وأعم������ال البن������اء‪ ،‬مثال‪ ،‬يس������يران جنبا إلى جن������ب‪ .‬كما وجد‬ ‫الباحثان أيضا أنّ ه������ذه العناقيد الكبرى تتداخل فيما بينها‬ ‫لتشكل أنشوطة عمالقة ُيرجح أنّها تنبثق عن ممارسة شائعة‬ ‫بني مديري االس������تثمار تُدعى دوران القطاع ‪،sector rotation‬‬ ‫فه������ؤالء املديريون يقومون وعلى مدى ع ّدة س������نوات‪ ،‬بتحريك‬ ‫أموالهم من قطاع إلى قطاع آخر في عالم االقتصاد‪.‬‬ ‫يس������تخدم <روكمور> و <پولس> اآلن الطرائق الرياضياتية‬ ‫ذاته������ا لبناء منوذج للدماغ‪ .‬ولكن بدال من البحث عن املعلومات‬ ‫املالية املنتقلة من جزء إلى آخر من الس������وق‪ ،‬فهما يقومان هنا‬ ‫باس������تقصاء املعلوم������ات التي تنتقل من منطق������ة إلى أخرى في‬ ‫الدماغ‪ .‬وكما هي احلال في الشبكات املتق ّلبة ألسواق املال‪ ،‬فإن‬ ‫الدماغ ال ينفك عن إعادة تنظيم شبكته بني اللحظة واألخرى‪.‬‬ ‫والختب������ار منوذجهما‪ ،‬ق������ام <روكم������ور> و <پولس> مؤخرا‬ ‫بتحلي������ل صور ال ّرنني املغنطيس���ي الوظيف���ي )‪ )1((fMRI‬التي‬ ‫حص������ل عليها فري������ق <ريكلي> من دماغ األش������خاص في حالة‬ ‫الراحة‪ ،‬وراقبا ارتفاع النشاط وهبوطه ضمن الڤوكسل ‪voxel‬‬ ‫الواح������د؛ وهو قطعة من الدماغ بحجم ذرة الفلفل ومتثل أصغر‬ ‫حجم ميكن أن يقيسه ال ّرنني ‪ .fMRI‬ومن ث ّم َب َح َثا عن العالقات‬ ‫) ( ‪THE WALL STREET NEURON‬‬ ‫)‪functional MRI (1‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫الوثيقة بني أمناط النش������اط‪ .‬وكما وجد ه������ذان العاملان عناقيد‬ ‫األسهم في األسواق املالية‪ ،‬فقد اكتشفا أن الڤوكسالت ميكن‬ ‫جتميعها في ‪ 23‬عنقودا‪ ،‬وجتميع هذه األخيرة بدورها في أربعة‬ ‫عناقيد كبرى‪ .‬وما يثير الدهش������ة في هذا الس������ياق هو أنّ هذه‬ ‫العناقيد األربعة الكبرى لم تكن سوى نسخة عصبية تعمل وفق‬ ‫مبدأ دوران القطاع الذي اكتشفه <روكمور> و <پولس> ووجده‬ ‫في مجال سوق األسهم‪ :‬لقد كانت كلها جتتمع ضمن أنشوطة‬ ‫واحدة تتحرك داخلها موجات النشاط في مسار دائري‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬وبعد أن جنح <روكمور> و <پولس> في بناء ش������بكة‬ ‫للدماغ املس������تريح‪ ،‬قررا توجيه اهتمامهما إلى الدماغ املفكر‪.‬‬ ‫ولفه������م اآللي������ات التي يس������تخدمها الدماغ ف������ي تغيير نظامه‬ ‫الداخلي‪ ،‬يقوم كل منهما اآلن بتحليل بيانات التصوير بالرنني‬ ‫‪ fMRI‬اخلاصة مبجموعة من األشخاص الذين تبني أن لديهم‬ ‫سلسلة من البيانات‪ .‬وإذا جنح منوذجهما فقد يغدو <روكمور>‬ ‫و <پولس> قاد َرين على التنب������ؤ بطبيعة النتائج التي ميكن أن‬ ‫يحصل عليها عالم اجلهاز العصبي من الفحص الذي يجريه‬ ‫بواسطة الرنني ‪ fMRI‬على أحد األشخاص الذي يشاهد نوعا‬ ‫مع ّينا من املنبهات البصرية‪ ،‬كوجه صديق قدمي مثال‪ .‬والشك‬ ‫في أن مثل هذا اإلجناز س������وف يدفع العلوم العصبية باجتاه‬ ‫ئي بالفعل‪.‬‬ ‫ميكن أن تتحول من خالله إلى علم تن ُّب ّ‬ ‫لن تس������مح مثل هذه الدراس������ات للعلماء بفك جميع طالسم‬ ‫الطبيعة املعقدة لدماغ اإلنس������ان خالل وق������ت قصير‪ .‬وفي هذا‬ ‫الصدد تقدم لنا الدودة املدورة األنيقة ‪the nematode worm C.‬‬ ‫‪ elegans‬حكاية حتذيرية‪ ،‬فقبل أكثر من ‪ 20‬س������نة أنهى الباحثون‬ ‫عملية وضع خارطة جلميع الوصالت بني نوروناتها البالغ عددها‬ ‫‪ ،302‬ومع ذلك فإنهم ما زالوا يجهلون الكيفية التي يتش������كل بها‬ ‫جهاز عصبي قادر على تأدية وظائفه من هذه الشبكة البسيطة‪.‬‬ ‫( )‬

‫شبكة طب اجلهاز العصبي‬

‫عس������ى أن يستخلص العلماء بعض الدروس العملية املهمة‬ ‫قبل أن ينجزوا مهمتهم في رسم مخطط كامل لشبكات الدماغ‬ ‫الس������لكية‪ .‬يشير عد ٌد من الدراسات إلى أنّ بعض اضطرابات‬ ‫أي‬ ‫الدماغ املَرض ّية رمبا ال تنش������أ عن اضط������راب وظيفي في ّ‬ ‫جزء معينّ من الدماغ‪ ،‬بل عن انحراف في الشبكة ذاتها‪ .‬وقد‬ ‫تس������اءل <س������پورنز> وزمالؤه في هذا الصدد عن التغير الذي‬ ‫ميكن أن يطرأ على «ش������بكة العالم الصغير» التي اكتش������فوها‬ ‫إذا أوقفوا عددا من عقده������ا املختلفة عن العمل‪ .‬فإذا أوقفوا‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬إحدى مناطق الدماغ التي ليس لها سوى بضع وصالت‬ ‫بالنورونات املجاورة‪ ،‬فإن الش������بكة مبجملها ستستمر بالعمل‬ ‫بطريقة تش������به من حيث الكثافة ما كانت عليه قبل ذلك‪ .‬أما إذا‬ ‫‪79‬‬

‫أوقفوا عقدة واحدة فقط فإن أمناط نشاط الشبكة كلها ستتغير‬ ‫بص������ورة جذرية‪ ،‬وهذا ما يفس������ر بالطبع ما تحُ دثه أذي ٌة ما في‬ ‫الدماغ من تغير ُمح ّير وال ميكن التنبؤ به‪ .‬فالس������كتة الدماغية‬ ‫أو الورم ميكن أن يس������ ّبب أذية مد ّمرة أحيانا من خالل إصابة‬ ‫رقع������ة بالغة الصغر م������ن النورونات‪ .‬وباملقاب������ل‪ ،‬هناك حاالت‬ ‫ُيص������اب فيها عدد كبير من األماكن العصبية من دون أن ينجم‬ ‫أي تغيير ملحوظ على طريقة عمل الدماغ‪.‬‬ ‫عن ذلك ّ‬ ‫هناك عدد من أمراض الدماغ التي قد يتبني أن سببها يعود‬ ‫إلى اضطرابات في الشبكة ذاتها‪ .‬وحاليا يستقصي <‪ .Ed‬باملور>‬ ‫[عالم اجلهاز العصبي من جامعة كامبردج] وزمالؤه هل هناك‬ ‫عالقة بني ش������بكات الدم������اغ والفصام‪ .‬وقد قام ه������ذا الفريق‬ ‫البحثي‪ ،‬في دراسة حديثة له‪ ،‬بفحص أربعني مصابا بالفصام‬ ‫وأربعني ش������خصا من األصحاء بواس������طة التصوي������ر بالرنني‬ ‫‪ fMRI‬بوضعية االستلقاء وحالة االسترخاء التام وبقاء العينني‬ ‫مفتوحتني‪ .‬ومن ثم قام <باملور> وفريقه برس������م خارطة لش������بكة‬ ‫املناطق التي بقيت نش������طة في األدمغ������ة املرتاحة‪ ،‬حيث وجدوا‬ ‫أنّ مرض������ى الفصام يتميزون ع������ن األصحاء بأن بعض مناطق‬ ‫الشبكة في أدمغتهم املستريحة تعمل بتزامن أكبر‪.‬‬ ‫إ ّال أن العلم������اء ال يعرفون حتى اآلن ما هي طبيعة العالقة‬ ‫التي تربط الفصام بهذه التغيرات في شبكة الدماغ‪ .‬وعلى أية‬ ‫حال‪ ،‬فإن هذا الفهم قد يساعدنا على أقل تقدير‪ ،‬على تطوير‬ ‫حساس������ة للفصام ورمبا لغي������ره من االضطرابات‪،‬‬ ‫اختبارات ّ‬ ‫كالتوحد واضطراب فرط النش������اط مع نقص االنتباه ‪،ADHD‬‬ ‫ّ‬ ‫التي تش������ير الدالئل إلى أنها قد تكون هي أيضا من أمراض‬ ‫شبكات الدماغ‪ .‬وعس������ى أن يتمكن األطباء أيضا من متابعة‬ ‫حتس������ن حاالت مرضاهم من خالل مراقبتهم لهم وملا يش������ير‬ ‫إلى استعادة شبكات أدمغة هؤالء املرضى وظيفتها الطبيعية‪،‬‬ ‫األم������ر الذي س������يمثل تقدما ال ميك������ن إ ّال أن نحتفي به‪ ،‬حتى‬ ‫وإن كان علينا أن نس������تمر طويال حت������ى يتمكن علماء اجلهاز‬ ‫>‬ ‫العصبي من فك جميع طالسم الطبيعة املعقدة للدماغ‪.‬‬ ‫) ( ‪NETWORK NEUROLOGY‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, January 2011‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2011‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫«عفريت مكسويل» من أجل تبريد الذرات‬ ‫إلى درجة حرارة قريبة من الصفر املطلق‬

‫( )‬

‫جترب ٌة ذهني ٌة من القرن التاسع عشر حتولت إلى تقنية‬ ‫واقعية بغية الوصول إلى حرارة متناهية االنخفاض‪ ،‬ممه ّدة‬ ‫الطريق الكتشافات علمية جديدة ولتطبيقات مفيدة‪.‬‬ ‫<‪ .G .M‬ريزن>‬

‫خالل قراءتك لهذه الكلمات فإن جزيئات الهواء تئ ّز حولك‬ ‫بس������رعة تقارب ‪ 2000‬ميل في الساعة‪ ،‬أي أسرع من انطالق‬ ‫رصاصة‪ ،‬وتصطدم������ك من جميع اجلوانب‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تتدافع‬ ‫ال������ذرات واجلزيئات التي تك ّون جس������مك‪ ،‬وتهت������ز ويصطدم‬ ‫بعضه������ا بعض������ا؛ إذ ال ُيوجد في الطبيعة س������كون تام مطلق‪،‬‬ ‫وكلما س������ارت األشياء أسرع كانت الطاقة التي حتملها أكبر؛‬ ‫وندعو «الطاقة اجلمعي���ة»(‪ )1‬للذرات واجلزيئات حرارة ‪،heat‬‬ ‫نحس به‪.‬‬ ‫وهو ما‬ ‫ّ‬ ‫ومع أن الس������كون التام‪ ،‬ال������ذي يقابل حرارة صفر مطلق‪،‬‬ ‫مس������تحيل فيزيائي������ا‪ ،‬إال أن العلماء يقتربون م������ن تلك النهاية‬ ‫احل ّدية‪ .‬وتبدأ عند مثل هذه املجاالت احلدية‪ ،‬اآلثا ُر الكمومية‬ ‫الغريب������ة بالظهور لتعطي حاالت جديدة وغي������ر عادية للمادة‪.‬‬ ‫وبشكل خاص‪ ،‬فإن تبريد الغمامات الغازية الذرية(‪ – )2‬في‬ ‫مقاب������ل املادة بحالتها الس������ائلة أو الصلب������ة ‪ -‬إلى أجزاء من‬ ‫الدرجة فوق الصفر املطلق‪ ،‬يسمح للباحثني مبشاهدة السلوك‬ ‫املوجي للجسيمات املادية‪ ،‬مما م ّكنهم من ابتكار أكثر أدوات‬ ‫القياس دقة في التاريخ‪ ،‬كما م ّكنهم من بناء أكثر الس������اعات‬ ‫الذرية دقة‪.‬‬ ‫إن معوقات تقنيات تبريد الذرات هذه‪ ،‬هي اقتصار تطبيقها‬

‫عل������ى بضعة عناصر فقط في اجل������دول الدوري‪ ،‬مما يح ّد من‬ ‫فوائدها‪ .‬وعلى س������بيل املثال‪ ،‬ش ّكل تبريد الهدروجني‪ ،‬أبسط‬ ‫جميع ال������ذرات‪ ،‬ملدة طويلة حتديا كبي������را‪ .‬غير أن مجموعتي‬ ‫البحثي������ة وجدت طريقة تبريد جديدة‪ ،‬ميكن أن نبرد بها غالبية‬ ‫العناصر‪ ،‬إضافة إلى أنواع عديدة من اجلزيئات‪.‬‬ ‫كان������ت ُملهِ متي في هذا الش������أن‪ :‬جتربة ذهنية من العصر‬ ‫الڤكت������وري اقترحه������ا <‪ .M. J‬مكس������ويل>‪ .‬إذ ب���ّي��نّ نظريا هذا‬ ‫الفيزيائي االس������كتلندي العظيم‪ ،‬أن������ه باإلمكان وجود عفريت‬ ‫‪ demon‬يبدو وكأنه قادر على اإلخالل بقواعد الترموديناميك‪.‬‬ ‫ه������ذه اإلمكاني������ة اجلديدة س������تفتح اجتاه������ات جديدة‬ ‫ف������ي األبحاث األساس������ية‪ ،‬وتق������ود إلى مجال واس������ع من‬ ‫االس������تخدامات‪ .‬فعلى س������بيل املثال‪ ،‬قد يق������ود تطوير هذه‬ ‫التقني������ة‪ ،‬إلى عملي������ات تنقية نظائ���ر ‪ isotopes‬ن������ادرة لها‬ ‫اس������تعماالت مهمة في الطب وفي األبحاث األساسية‪ .‬وقد‬ ‫تقود تقنية أخرى ناش������ئة عن هذه التقني������ة‪ ،‬إلى زيادة دقة‬ ‫طرق التصنيع على املقياس النانوي‪ ،‬املس������تخدمة لتصنيع‬ ‫( ) ‪DEMONS, ENTROPY AND THE QUEST FOR ABSOLUTE ZERO‬؛ العن������وان األصلي‪:‬‬ ‫عفاريت وأنتروبية سعيا وراء الصفر املطلق‪.‬‬ ‫(‪the collective energy )1‬‬ ‫(‪gaseous clouds of atoms )2‬‬

‫باختصار‬ ‫تعم������ل الطرائق التقليدية لتبريد الغازات إلى درجات قريبة من الصفر الترموديناميك‪ ،‬وهي حتقيق لتجربة ذهنية مش������هورة منذ القرن التاسع‬ ‫عشر تدعى «عفريت مكسويل»‪.‬‬ ‫املطلق بشكل جيد في بضعة عناصر فقط‪.‬‬ ‫تتراوح تطبيقاتها من دراس������ة خواص اجلسيمات األولية ‪elementary‬‬ ‫وهناك تقنيتان مبتكرتان تعمالن معا‪ ،‬لتبريد ذرات أي عنصر‪ ،‬وحتى‬ ‫‪ ،particles‬من دون احلاجة إلى مس������رعات مكلفة لفصل النظائر املستعملة‬ ‫تبريد بعض اجلزيئات‪.‬‬ ‫وتب������دو إح������دى هات���ي��ن التقنيتني وكأنها تخ������رق القان������ون الثاني في في الطب واألبحاث العلمية األخرى‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫املؤلف‬ ‫‪Mark G. Raizen‬‬

‫يشغل <ريزن> كرسي الفيزياء في‬ ‫مؤسسة أوصياء <‪ .S .W‬ريتشاردسون>‬ ‫بجامعة تكساس في أوسنت‪ ،‬ومنها‬ ‫حصل على الدكتوراه‪ .‬تتضمن‬ ‫اهتماماته املصايد الضوئية والتشابكات‬ ‫فتى قابل‬ ‫الكمومية‪ .‬وعندما كان ً‬ ‫الفيزيائي <‪ .L‬سيالرد>‪ ،‬الذي كان‬ ‫مريضا عند أبيه طبيب القلب‪ ،‬فشرح له‬ ‫ملاذا ال يخرق «عفريت مكسويل» قوانني‬ ‫الترموديناميك‪.‬‬

‫الشيپات ‪ chips‬احلاسوبية‪ .‬وعلى اجلانب العلمي‪ ،‬قد يمُ ّكن‬ ‫تبريد الذرات واجلزيئات الباحثني من استكش������اف املنطقة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الغامض������ة غير املتاحة والتي تقع بني الفيزياء الكمومية‬ ‫والكيمياء العادية‪ ،‬أو الكش������ف ع������ن اختالفات محتملة بني‬ ‫س������لوك امل������ادة وامل���ادة املض���ادة(‪ .)2‬ورمبا يس������اعد تبريد‬ ‫الهدروجني ونظائره‪ ،‬تبريدا فائقا‪ ،‬املختبرات الصغيرة على‬ ‫اإلجابة عن أس������ئلة في الفيزياء األساس������ية من النوع الذي‬ ‫تط َّل������ب تقليديا إجراء جتارب تطلبت جتهيزات ضخمة كتلك‬ ‫املوجودة في مسرعات اجلسيمات‪.‬‬ ‫رصاصات متسابقة‬

‫( )‬

‫إن إيق������اف الذرات واجلزيئ������ات والتحكم فيها ليس باألمر‬ ‫السهل‪ .‬ففي جتربة منوذجية‪ ،‬يبدأ الباحثون بتحضير غازات‬ ‫‪81‬‬

‫مخلخلة لعنصر كيميائي معني‪ ،‬وذلك بتسخني مادة صلبة أو‬ ‫بتبخيرها بليزر‪ .‬بعدئذ يجب إبطاء الغاز‪ ،‬وحصره في حجرة‬ ‫ُمخلاّ ة(‪ ،)3‬وإبقاؤه بعيدا عن جدران هذه احلجرة‪.‬‬ ‫لق������د بدأت باتباع حيل������ة معروفة منذ زم������ن بعيد‪ .‬فقد‬ ‫وجد الكيميائيون قبل أكثر م������ن أربعني عاما أنه إذا ُط ِّبق‬ ‫عل������ى غاز م������ا ضغط من مرتبة عدة ضغ������وط جوية‪ ،‬وترك‬ ‫لينفذ عبر فتحة صغيرة نحو اخلالء‪ ،‬فإنه س������يبرد بش������دة‬ ‫مع متدده‪ .‬وما يثير االنتباه أن هذه «ا ُ‬ ‫الس������رع‬ ‫حل َزم ذات ُّ‬ ‫ف������وق الصوتية» وحي���دة الطاقة(‪ )4‬تقريب������ا‪ ،‬مما يعني أن‬ ‫ُس������رع جميع اجلزيئات س������تكون قريبة جدا من املتوسط‪،‬‬ ‫فعلى س������بيل املثال‪ ،‬إذا انطلقت حزمة بس������رعة ‪ 2000‬ميل‬ ‫( ) ‪Racing Bullets‬‬ ‫(‪quantum physics )1‬‬ ‫(‪antimatter )2‬‬ ‫(‪vacuum chamber )3‬‬ ‫(‪monoenergetic )4‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫في الساعة‪ ،‬فإن س������رعة أي من جزيئاتها لن تنحرف عن‬ ‫هذه السرعة بأكثر من ‪ 20‬ميال في الساعة‪ .‬وللمقارنة فإن‬ ‫جزيئات الهواء عند درجة حرارة الغرفة‪ ،‬تتحرك بس������رعة‬ ‫متوس������طة تقارب ‪ 2000‬ميل في الساعة‪ ،‬وستتراوح ُس َرع‬ ‫جزيئاته في احلالة العادية في مجال بني الصفر و ‪ 4000‬ميل‬ ‫في الس������اعة‪ .‬وما ُيعنيه ذلك من وجهة نظر ترموديناميكية‪،‬‬ ‫ه������و أن احلزمة على الرغم من امتالكه������ا كمية كبيرة من‬ ‫الطاقة‪ ،‬إال أنها باردة جدا‪ .‬ولننظر إليها بهذه الطريقة‪ :‬إذا‬ ‫حترك مراقب ‪ observer‬مع احلزمة بس������رعة ‪ 2000‬ميل في‬ ‫الساعة‪ ،‬فإنه س������يرى اجلزيئات تتحرك ببطء شديد‪ ،‬ومن‬ ‫ث ّم س������تكون درجة حرارة احلزم������ة قرابة جزء في املئة من‬ ‫الدرجة فوق الصفر املطلق!‬ ‫وقد تبينّ لي أنه إذا استطعت وزمالئي إبطاء هذه احلزمة‬ ‫وإيقافها‪ ،‬مع احلفاظ على االنتش������ار الضئيل للس������رع حول‬ ‫املتوسط‪ ،‬فإننا سنحصل على حزمة من الذرات الباردة جدا‪،‬‬ ‫ومن ثم نستطيع اصطيادها وتبريدها أكثر‪.‬‬ ‫لتحقي������ق ذلك الهدف بدأ فريقن������ا في عام ‪ 2004‬العمل مع‬ ‫حزم فوق صوتية(‪ ،)1‬مبش������اركة <‪ .U‬إيڤن> [كيميائي بجامعة‬ ‫تل أبيب]‪ .‬وكانت محاولتنا األولى بناء دوّ ار ‪ rotor‬بش������فرات‬ ‫تتحرك نهاياتها بس������رعة تس������اوي نصف سرعة احلزمة فوق‬ ‫وجهنا نبضات من احلزمة باجتاه شفرات‬ ‫الصوتية‪ .‬بعد ذلك ّ‬ ‫الدوار املرتدة ‪ receding‬بحيث حتذف سرعة الشفرات سرعة‬ ‫احلزمة متام������ا‪ .‬وعندما ترت ّد ذرات الغ������از بعيدا عن الدوار‪،‬‬ ‫فإنه يأخ������ذ طاقاتها احلركية جميعها‪ ،‬متاما كما يوقف الكرة‬ ‫مضرب تنس مرتد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫غي������ر أنه بتلك التركيبة‪ ،‬يصعب العمل بصورة جيدة‪ ،‬ألنها‬ ‫حتتاج إلى عملي������ة ضبط دقيقة جدا‪ .‬وقد اقت������رح <‪ .R‬هيبنر>‬ ‫[مدير مركز امليكانيك الكهربائي ‪ Electromechanics‬بجامعة‬ ‫تكس������اس في أوس���ت��ن] تصميما مغايرا‪ :‬وهو َر ُّد الغاز بعيدا‬ ‫عن ظهر قذيفة وه������ي تنطلق عبر مدفع وش���ائعي(‪،coilgun )2‬‬ ‫وهذا املدفع هو س���ل��اح جتريبي يدف������ع القذائف املمغنطة عبر‬ ‫أس������طوانته‪ ،‬بتأثير حقول مغنطيس������ية وليس بس������بب انفجار‬ ‫مس������حوق البارود‪ .‬ويعمل عن طريق تس������ريع الرصاصة عبر‬ ‫سلسلة وشائع (ملف���ات)(‪ coils )3‬سلكية لولبية متر بها تيارات‬ ‫كهربائية مو ّلدة حقوال مغنطيس������ية‪ .‬وتنجذب الرصاصة‪ ،‬التي‬ ‫هي باألس������اس مغنطيس ‪ ،bar magnet‬نحو مركز الوش���يعة‬ ‫‪ coil‬الذي جتتازه‪ .‬ومن َث ّم تتسارع رصاصة مقتربة بفعل قوى‬ ‫اجلذب‪ .‬ومن ناحي������ة أخرى‪ ،‬فبمجرد عبور الرصاصة املركز‪،‬‬ ‫تبدأ القوى بس������حبها إلى اخللف‪ ،‬ومن ث ّم تباطؤها لتعود إلى‬ ‫س������رعتها األصلية‪ .‬غير أن التيار في كل وشيعة‪ ،‬يقطع حلظة‬ ‫‪82‬‬

‫عب������ور القذيفة املرك������ز متاما‪ ،‬بحيث تدفع القوى املغنطيس������ية‬ ‫القذيفة دائما في االجتاه الصحيح عبر األسطوانة‪.‬‬ ‫لقد تبني لي بسرعة أنه ميكننا تطبيق فكرة <هيبنر>‪ ،‬ولكن‬ ‫مع التخ ّلص من الرصاصة كليا‪ .‬وبدال من ذلك ميكن استخدام‬ ‫املبدأ نفسه مطبقا على احلزمة نفسها‪ ،‬ولكن بشكل معاكس‪:‬‬ ‫فعوضا عن تس������ريع رصاصة‪َ ،‬ن َد ُع وش������ائع املدفع‪ ،‬في هذه‬ ‫احلالة‪ ،‬تؤثر مباش������رة في جزيئات الغاز‪ ،‬موقفة إياها [انظر‬ ‫املؤط������ر في الصفحة املقابلة]‪ .‬إن هذه احليلة ممكنة ألن ملعظم‬ ‫ال������ذرات مقدارا‪ ،‬ولو قليال‪ ،‬من املغنطيس������ية‪ ،‬ومتتلك جميعها‬ ‫مغنطيس������ية عندما ُتس������تثار إلكتروناتها‪ .‬هذا وإن الكثير من‬ ‫أنواع اجلزيئات هو مغنطيسي أيضا‪.‬‬ ‫لقد بنينا اجلهاز اجلديد واختبرناه أوال على ذرات النيون‬ ‫املثارة‪ ،‬ثم على جزيئات األكسجني‪ .‬وجنحنا في إيقاف نوعي‬ ‫اجلس������يمات كليهما‪ .‬ومن دون علم منّا‪ ،‬طور فريق آخر يعمل‬ ‫بص������ورة مس������تقلة في زيوريخ بقي������ادة <‪ .F‬ميرك������ت>‪ ،‬الفكرة‬ ‫نفسها وجنح في إيقاف الهدروجني الذري‪ ،‬في وقت إجرائنا‬ ‫لتجاربنا تقريبا‪ .‬وقد َبنَت فرق كثيرة حول العالم اآلن مدافعها‬ ‫الوش���ائعية الذري���ة(‪ )4‬وهي في النهاية أدوات بس������يطة جدا‬ ‫ومتينة‪ ،‬تعتمد على أس���ل��اك نحاسية عادية ومكثفات كهربائية‬ ‫وترانزيستورات متوافرة في األسواق‪.‬‬ ‫ومبجرد جناحنا في إيقاف الذرات بهذه الطريقة‪ ،‬كان من‬ ‫السهل نسبيا اصطيادها ‪ trap‬بحقول مغنطيسية ساكنة‪ .‬وقد‬ ‫كانت املشكلة األصعب هي إيجاد طريقة لتبريدها إلى درجات‬ ‫أخفض من ذلك‪ .‬ومع أن الدرجة ‪ 0.01‬كلڤن (أي جزء من مئة‬ ‫م������ن الدرجة فوق الصفر املطلق) تبدو صقيع���ة ‪ ،chilly‬لكنها‬ ‫م������ا زالت بعيدة جدا عن احلدود الت������ي توصلت إليها تقنيات‬ ‫أخرى‪ .‬وعلينا إيجاد طريقة لتبريدها أكثر‪.‬‬ ‫طرق ذات اجتاه واحد‬

‫( )‬

‫لق������د كنت أفكر ف������ي طرائق تبريد عامة قب������ل أن يف ّكر أحد‬ ‫في املدافع الوش������ائعية الذرية‪ ،‬لكنني لم أج������د‪ ،‬ولفترة طويلة‪،‬‬ ‫ح���ل��ا لذلك‪ .‬لقد كانت تقنية التبري������د بالليزر‪ ،‬التي اختُرعت في‬ ‫ثمانينات القرن العشرين‪ ،‬ناجحة جدا – ونتج منها توليد حالة‬ ‫للم������ادة تدعى «كثافات بوز‪-‬أينش���تاين»(‪ )5‬و َمن ُْح جائزتي نوبل‬ ‫ف������ي الفيزياء لعامي ‪ 1997‬و ‪ .2001‬غير أن مجال تطبيق التبريد‬ ‫( ) ‪One-Way Roads‬‬

‫(‪supersonic beams )1‬‬

‫(‪ )2‬مدفع ذو وشائع أو مسرع قذائف ذو وشائع‪.‬‬ ‫(‪ )3‬وشائع ج‪ :‬وشيعة‪.‬‬ ‫(‪atomic coilguns )4‬‬

‫(‪ Bose-Einstien condensates )5‬انظر‪« :‬كثافة بوز‪-‬آينشتاين»‪،‬‬ ‫صفحة ‪.54‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫‪ ،‬العدد ‪،(2000)11‬‬ ‫(التحرير)‬


‫مرحلة التبريد األولى‬

‫الكوابح املغنطيسية‬

‫( )‬

‫ميكن للمرحلة األولى من التبريد أن تخ ّفض درجة حرارة غاز ما حتى قرابة جزء في املئة من الدرجة فوق‬ ‫الصفر املطلق‪ ،‬وذلك بإطالقها إلى حجرة مخالة بسرعة عالية (مما يخفض إلى حد كبير درجة حرارتها)‪،‬‬ ‫ثم ِ‬ ‫تبط ُئها مبس���اعدة أداة جديدة تدعى املدفع الوش������ائعي الذري ‪ .atomic coilgun‬وكان املدفع الوش������ائعي‬ ‫‪ coilgun‬في األصل س�ل�احا جتريبيا اب ُتكِ ر لتس���ريع القذائف باستخدام حقول مغنطيسية‪ .‬ويطبق املدفع‬ ‫الوش���ائعي ال���ذري الفكرة نفس���ها ولكن بش���كل معكوس‪ ،‬وذل���ك إلبط���اء ذرات أو جزيئات‪ ،‬متتلك‬ ‫قطبني مغنطيسيني‪ ،‬شمالي وجنوبي‪ ،‬وهذا يشمل معظم عناصر اجلدول الدوري‪.‬‬

‫حجرة خالئية‬

‫ ‬ ‫يبدأ غاز من الذرات أو ‪1‬‬ ‫➊‬ ‫اجلزيئات باخلروج من وعاء‬ ‫في درجة حرارة الغرفة‪.‬‬

‫ ‬ ‫تخرج اجلسيمات ‪4‬‬ ‫➊‬

‫بسرع منخفضة‬ ‫وحتفظ في مصيدة‬ ‫مغنطيسية لتبريدها‬ ‫الحقا [انظر املؤطر في‬ ‫الصفحة ‪.]84‬‬

‫ ‬ ‫تتباطأ جسيمات الغاز نتيجة ‪3‬‬ ‫➊‬ ‫عبورها مراحل متعددة من وشائع‬ ‫كهربائية (مفصلة في األسفل)‪.‬‬

‫ ‬ ‫يدخل الغاز منطقة التخلية عبر ‪2‬‬ ‫➊‬ ‫قناة ضيقة‪ ،‬فيبرد فجأة خالل‬ ‫تشكيله حزمة فوق صوتية‪.‬‬

‫كيف يعمل املدفع املعكوس‬ ‫تيار مقطوع‬

‫تيار موصول‬

‫تيار موصول‬

‫حقل قوة‬

‫ ‬ ‫يتحرك اجلسيم نحو الوشيعة ‪3‬‬ ‫➊‬ ‫ص ًة سرعة‬ ‫التالية‪ ،‬وتعاد الك ّرة مُ ْنقِ َ‬ ‫اجلسيم بعد كل مرحلة‪.‬‬

‫ ‬ ‫عند وصول اجلسيم مركز الوشيعة (الوشيعة)‪2 ،‬‬ ‫➊‬ ‫يُقطع التيار‪ :‬وإال‪ ،‬ستدفع القوى اجلسيم عند‬ ‫املخرج مرجعة إياه إلى سرعته األصلية‪.‬‬

‫باللي������زر محصور غالبا في ذرات عناص������ر العمود األول من‬ ‫اجلدول الدوري(‪ ،)1‬مثل الصوديوم والبوتاس������يوم ألنه يسهل‬ ‫لذرات هذه العناصر االنتقال من حالة أساس���ية(‪ )2‬إلى حالة‬ ‫مث���ارة ‪ exited state‬وحيدة‪ ،‬بحس������ب ما تتطلب������ه هذه التقنية‪.‬‬ ‫وق������د نظرت في تقنية أخرى هي التبريد بالتبخير‪ ،‬التي تعتمد‬ ‫على كش������ط الذرات الس������طحية احلا ّرة‪ ،‬تاركا الذرات الباردة‬ ‫(اعتمادا على املبدأ نفس������ه الذي يبردنا عندما نعرق ويتبخر‬ ‫ه������ذا العرق عن اجللد)‪ .‬ولكن من دون التبريد بالليزر يصعب‬ ‫جدا احلصول على كثافة عالية كفاية للشروع في التبخر في‬ ‫‪83‬‬

‫ ‬ ‫تيار في وشيعة (ملف) ‪ coil‬يولد قوى ‪1‬‬ ‫➊‬ ‫مغنطيسية تدفع جسيما (رصاصة) بعيدا‬

‫عن الوشيعة‪ .‬وهذا يبطئ اجلسيم املقترب‪.‬‬

‫املقام األول‪.‬‬ ‫وفي الش������هر ‪ 2004/2‬زرت جامعة پرنس������تون وحتدثت مع‬ ‫<‪ .J .N‬في������ش> [الفيزيائي املختص بالبالزما]‪ ،‬فأخبرني بفكرة‬ ‫ط ّوره������ا للت������و‪ ،‬مفادها‪ :‬كي������ف ميكن دفع تي������ار كهربائي من‬ ‫اإللكترونات في بالزما – على ش������كل غاز م������ن اإللكترونات‬ ‫باجتاه‬ ‫وأيونات موجبة ‪ -‬وفق مخطط يجعل اإللكترونات تسير‬ ‫ٍ‬ ‫واحد وليس باآلخر‪ .‬وتس������اءلت عما إذا كان بإمكاننا حتقيق‬ ‫( ) ‪Magnetic Brakes‬‬

‫(‪the periodic table )1‬‬ ‫(‪ground state )2‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫مرحلة التبريد الثانية‬

‫برود شيطاني‬

‫( )‬

‫بعد أن يب ِّرد املدفع الوش���ائعي ال���ذري أو أي أداة أخرى‪ ،‬غازا حتى‬ ‫أج���زاء من مئة م���ن الدرجة فوق درجة ح���رارة الصفر املطلق‪ ،‬ميكن‬ ‫أن يب���دأ جتمي���د جدي تص���ل درجة حرارته إلى ج���زء من مليون من‬ ‫الدرجة فوق الصفر املطلق أو أدنى من ذلك‪ .‬حتقق التقنية اجلديدة‬ ‫املعتم���دة عل���ى تبري���د فوت���ون واحد ه���ذه الغاية باس���تعمال بوابة‬ ‫وحيدة االجتاه مس���تلهمة من جتربة ذهنية تعود إلى القرن التاسع‬ ‫عش���ر‪ .‬والفكرة هي أن ّ‬ ‫تركز البوابة أوال الذرات في حجم أصغر من‬ ‫احلج���م األصلي (ولكن من دون أن ترف���ع درجة حرارتها) ثم تتركها‬ ‫تتمدّد إلى حجمها األصلي (مما يخفض درجة حرارتها)‪.‬‬

‫➊‬

‫تحُ صر ذرات في حالة‬ ‫أولية مفروضة (الزرقاء)‬ ‫في مصيدة مغنطيسية‪،‬‬ ‫ثم يشغل الليزر (اللون‬ ‫البرتقالي)‪ ،‬الذي يؤثر‬ ‫في هذه الذرات فقط‬ ‫عندما تكون متموضعة‬ ‫في حالة ثانية‪.‬‬

‫➋‬

‫حتول حزمة ليزر ثان‬ ‫(احلمراء) حاالت الذرات‬ ‫من الزرقاء إلى حاالت‬ ‫ثانية مستقرة (الذرات‬ ‫احلمراء)‪ ،‬عندما‬ ‫تالقيها‪.‬‬

‫➌‬

‫ترتد الذرات في احلاالت‬ ‫احلمراء عند اصطدامها‬ ‫بحزمة الليزر البرتقالية‬ ‫مما يجبرها على البقاء‬ ‫في اجلانب األمين من‬ ‫املصيدة‪.‬‬

‫➍‬

‫تعبر جميع الذرات في‬ ‫النهاية الليزر الثاني‬ ‫متحولة إلى ذرات حمراء‬ ‫ومحصورة في اجلانب‬ ‫األمين‪ .‬ولكنها تكون في‬ ‫درجة احلرارة نفسها‪،‬‬ ‫التي بدأت منها‪ ،‬ولكن في‬ ‫حجم أصغر من األصلي‪.‬‬

‫➎‬

‫يسمح للذرات بالتمدد‬ ‫ببطء لتشغل حجمها‬ ‫األصلي‪ .‬فيبرد الغاز‬ ‫خالل متدّده‪.‬‬

‫مصيدة مغنطيسية‬

‫ش������يء مشابه بالذرات أو اجلزيئات‪ :‬بناء «بوابة» ‪ gate‬تسمح‬ ‫مبرور الذرات عبرها في اجتاه واحد وليس باآلخر‪.‬‬ ‫لنترك جانبا وللحظة املش������كلة التقنية املتعلقة ببناء بوابة‬ ‫وحيدة االجتاه ‪ ،one-way gate‬ألش������رح‪ ،‬أوال‪ ،‬ملاذا سيساعد‬ ‫بناء مثل هذه األداة على تبريد غاز ما‪ .‬قد تكون اخلطوة األولى‬ ‫ه������ي إنقاص حجم الغ������از من دون أن ترتف������ع درجة حرارته‪.‬‬ ‫ولنفترض بوابة تقس������م حاوية إلى حجمني‪ .‬ستتراقص ذرات‬ ‫الغاز في أرجاء احلاوية عش������وائيا‪ ،‬وستنتهي عاجال أم آجال‬ ‫بالطيران‪ ،‬باجتاه البوابة‪ .‬فإذا س������محت له������ا البوابة بالعبور‬ ‫وفق اجتاه واحد فقط‪ ،‬وليكن من اليسار إلى اليمني‪ ،‬ستتر ّكز‬ ‫جمي������ع الذرات ف������ي النهاية في ميني احلاوي������ة‪ .‬ومن املهم أ ّال‬ ‫تتغير س������رعات الذرات في هذه العملية‪ ،‬ومن َث ّم سيبقى الغاز‬ ‫في درجة احلرارة نفس������ها‪ ،‬التي ب������دأ منها‪( .‬من وجهة النظر‬ ‫الترموديناميكي������ة‪ ،‬تختلف هذه العملية اختالفا كليا عن عملية‬ ‫ضغط الغاز إلى اجلانب األمين من احلاوية‪ ،‬ألن ذلك يس������رع‬ ‫الذرات ومن َث ّم يرفع درجة حرارته)‪.‬‬ ‫س������تكون اخلطوة الثاني������ة جعل الغاز يتم������ ّدد إلى حجمه‬ ‫األصل������ي‪ .‬ونتيجة لتم ّدد الغاز تنخف������ض درجة حرارته‪ ،‬وهو‬ ‫السبب نفسه الذي يجعل علب بخ الرذاذ تبرد عند استعمالها‪.‬‬ ‫لذلك سيكون لدينا في النتيجة النهائية غاز في حجمه األصلي‪،‬‬ ‫ولكن في درجة حرارة أدنى من درجة حرارته االبتدائية‪.‬‬ ‫إن املشكلة التي أربكت الفيزيائيني ملدة طويلة هي أن بوابة‬ ‫فصل الذرات هذه‪ ،‬تب������دو كأنها تنتهك قوانني الفيزياء‪ .‬إذ إن‬ ‫أنتروبي���ة(‪ entropy )1‬الغاز في حالت������ه املضغوطة (أي قياس‬ ‫فوض������ى املنظومة) أخفض مما كانت علي������ه‪ .‬ولكن‪ ،‬من وجهة‬ ‫نظ������ر قانون الترموديناميك الثاني‪ ،‬يس������تحيل خفض أنتروبية‬ ‫منظومة ما من دون صرف طاقة‪ ،‬وإنتاج أنتروبية إضافية في‬ ‫مكان آخر‪.‬‬ ‫إن ه������ذه األحجي������ة بقيت موضع جدل من������ذ عهد التجربة‬ ‫الذهنية التي طرحها <‪ .C .J‬مكس������ويل> عام ‪ ،1871‬حيث ميكن‬ ‫وفقها «لكائن ذكي لديه يدان حاذقتان» أن يرى اجلس������يمات‬ ‫القادم������ة والذاهبة فيفتح أو يغلق بوابة بصورة مناس������بة‪ .‬هذا‬ ‫املخلوق االفتراضي عرف باسم «عفريت مكسويل» ‪Maxwell’s‬‬ ‫‪ ،demon‬وبدا أنه ينتهك القانون الثاني في الترموديناميك ألنه‬ ‫يخفض أنتروبية الغاز‪ ،‬بينما يستهلك كمية مهملة من الطاقة‪.‬‬ ‫وقد استطاع <‪ .L‬سيالرد>‪ ،‬بعد عدة سنوات‪ ،‬قرابة عام ‪1929‬‬ ‫ح ّ‬ ‫������ل هذه األحجي������ة‪ .‬فاقترح أن العفريت يجم������ع في كل مرة‬ ‫معلومات تفتح بوابة املصي������دة‪ .‬وجادل في أن هذه املعلومات‬ ‫( ) ‪Devilishly Cool‬‬

‫(‪ )1‬أو القصور احلراري‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫(التحرير)‬


‫حتم������ل أنتروبية‪ ،‬ت ِ‬ ‫ُوازن متاما نُقص������ان أنتروبية الغاز‪ ،‬وبذلك في جامعة لينب������ز بهانوڤر في أملاني������ا] بتطوير مفهوم مماثل‬ ‫ُينقذ القانون الثاني‪( .‬كان <س������يالرد> س������ابقا لزمانه‪ :‬فبعد بش������كل مس������تقل عما قمنا به معا‪ .‬ومنذئذ عم������ل ثالثتنا معا‬ ‫بضعة عقود‪ ،‬دفع املفهو ُم القائل إن للمعلومات‬ ‫معنى فيزيائيا على تطوي������ر بعض اجلوانب النظرية للبوابة‪ .‬وفي بحث علمي‬ ‫ً‬ ‫حقيقيا محددا عل َم املعلوماتية احلديث إلى األمام)‪.‬‬ ‫مش������ترك ُنش������ر عام ‪ ،2006‬ب ّينا أنه عندما تُبعث������ر ذرة فوتونا‬ ‫لقد كانت جميع األفكار بخصوص معضلة <مكس������ويل>‪ ،‬واحدا‪ ،‬فإن هذا الفوتون يحمل معه معلومات عن تلك الذرة ‪-‬‬ ‫مبا فيها ّ‬ ‫حل <س������يالرد>‪ ،‬تخمينا محض������ا‪ ،‬وبدت لعقود عدة وم������ن ثم ك ّما صغيرا من األنتروبية‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬ومبا أن‬ ‫أنها س������تبقى كذلك‪ .‬غي������ر أنني وزمالئي حققن������ا أول جتربة الفوتون األصلي كان جزءا من سلس������لة مرتبة من الفوتونات‬ ‫فيزيائي������ة حتاكي جتربة <مكس������ويل> الذهني������ة‪( .‬لقد حققت (حزمة الليزر)‪ ،‬ف������إن الفوتونات املبعثرة تتطاير في اجتاهات‬ ‫جتارب حديثة مماثلة من حيث املفهوم‪ ،‬الغاي َة نفس������ها‪ ،‬ولكن عش������وائية‪ .‬وبذل������ك تصبح أقل انتظاما‪ ،‬وق������د ب ّينا أن الزيادة‬ ‫بوس������اطة امليكانيك النان������وي وليس عن طريق‬ ‫املقابل������ة في أنتروبي������ة الضوء‪ ،‬ت������وازن متاما‬ ‫بوابات للغاز)‪ .‬وقد استعملناها لتبريد الذرات‬ ‫تبريد فوتون‬ ‫نقص������ان أنتروبية ال������ذرات نتيجة حصرها في‬ ‫البواب������ة الوحيدة االجتاه‪ .‬لذل������ك‪ ،‬فإن التبريد‬ ‫حتى درجات حرارة تصل إلى خمس������ة عشر منفرد يوضح‬ ‫جزءا من املليون من الكلڤن‪.‬‬ ‫بفوت������ون واحد يعمل عمل «عفريت مكس������ويل»‬ ‫«عفريت‬ ‫فكرة‬ ‫ّ‬ ‫������توضح األداة التي بنيناها‬ ‫وكما سنرى‪ ،‬س‬ ‫باملعنى الدقيق الذي تص ّوره <س������يالرد> متاما‬ ‫مكسويل»‪،‬‬ ‫كي������ف ميكن لعفريت مكس������ويل أن يوجد عمليا‪،‬‬ ‫في عام ‪ .1929‬والعفريت في هذه احلالة بسيط‬ ‫وكيف أن رؤية <سيالرد> العميقة ‪ -‬تلك‪ ،‬من أن‬ ‫جدا وك������فء‪ :‬فهو حزمة لي������زر حترض عملية‬ ‫ذلك املخلوق‬ ‫املعلومات تؤدي دورا مهما‪ ،‬كانت صحيحة‪.‬‬ ‫العكوسة نتيجة تبعثر فوتون واحد‪ .‬وبالتأكيد‪،‬‬ ‫الذي يبدو أنه‬ ‫ولك������ي تعمل البوابة الوحي������دة االجتاه كما‬ ‫فإن عفريتا كهذا‪ ،‬ليس كائنا ذكيا وال حاسوبا‬ ‫مبدأ‬ ‫يخرق‬ ‫رت بوجوب امتالك ذرات الغاز‬ ‫وال يحت������اج إلى اتخاذ ق������رارات اعتمادا على‬ ‫هو مطلوب‪ ،‬ق ّد ُ‬ ‫حالتني مختلفتني (تش������كيلني مختلفني ملدارات الترموديناميك‬ ‫املعلومات الواردة من الذرات‪ .‬وإن حقيقة توفر‬ ‫اإللكترون������ات)‪ ،‬ولكليهم������ا طاقتان منخفضتان‬ ‫املعلوم������ات وإمكانية جتميعه������ا من حيث املبدأ‬ ‫الثاني‪.‬‬ ‫ومن ثم مس������تقرتان‪ .‬ولن������ ْد ُع هاتني احلالتني‪:‬‬ ‫يعتبر كافيا‪.‬‬ ‫احلمراء والزرقاء‪ .‬لقد ُعلق������ت الذرات في حاوية تقطعها عند‬ ‫( )‬ ‫حدود االصطياد والتبريد‬ ‫منتصفها حزمة ليزر‪ ،‬وكانت هذه احلزمة مضبوطة على طول‬ ‫موجي يجعل الذرات احلمراء ترتد عند اقترابها منها‪ ،‬بحيث‬ ‫إن التحكم في حرك������ة الذرات واجلزيئات‪ ،‬يفتح اجتاهات‬ ‫إنها تفعل عمليا عمل بوابة مغلقة‪ .‬في البدء تكون جميع الذرات جديدة في العلم‪ .‬فقد حلم الكيميائيون منذ أمد بعيد باصطياد‬ ‫زرقاء‪ ,‬ومن ثم فهي تستطيع الطيران عبر احلاجز الليزري من جزيئات وتبريدها لدراس������ة تفاعالتها الكيميائية في املنظومة‬ ‫دون إعاقة‪ .‬ولكن الذرات تصطدم‪ ،‬على ميني احلاجز مباشرة‪ ،‬الكمومي������ة‪ .‬يعمل املدفع ‪ coilgun‬على أي جزيء مغنطيس������ي‪،‬‬ ‫بلي������زر ثان موال���ف ‪ ،tuned‬بحيث يقلب ال������ذرات الزرقاء إلى ويكم������ل أي طريقة أخرى تس������تعمل ق������وى كهربائية‪ ،‬بدال من‬ ‫ذرات حمراء نتيجة تبعثره������ا لفوتون منفرد‪ ،‬ومبا أن الذرات القوى املغنطيس������ية إلبطاء أي جزيء مستقطب كهربائيا‪ .‬وإذا‬ ‫ه������ي اآلن حم������راء فإنها تُرد من قبل حزم������ة احلجز وبذلك ال كانت اجلزيئات صغيرة كفاية‪ ،‬ميكن للتبريد بفوتون منفرد أن‬ ‫تستطيع عبور البوابة والعودة إلى اجلانب األيسر‪ .‬وتدريجيا يخفض درجات احلرارة‪ ،‬إلى درجات منخفضة كفاية‪ ،‬بحيث‬ ‫س������تتراكم جميع الذرات مع مرور الوقت‪ ،‬في اجلانب األمين‪ ،‬تسود الظواهر الكمومية‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬تتحول اجلزيئات‬ ‫تاركة اجلانب األيسر خاليا‪.‬‬ ‫إلى موجات محدودة‪ ،‬ميكنها التفاعل كيميائيا على مس������افات‬ ‫وف������ي بداية ع������ام ‪ ،2008‬ب ّين������ا أوال صحة عم������ل بوابتنا‪ ،‬أكبر م������ن املعتاد‪ ،‬ومن دون احلاجة إلى الطاقة احلركية التي‬ ‫باس������تخدام ذرات الروبيدي������وم‪ .‬وأطلقنا على طريقتنا اس������م حتف������ز التفاعالت العادية‪ .‬وهن������اك اآلن عدة فرق بحثية تتابع‬ ‫«التبري���د بفوتون واح���د»(‪ ،)1‬لتمييزها ع������ن التبريد بالليزر‪ ،‬هذا التوجه‪.‬‬ ‫وهناك ميزة رئيس������ية أخرى للتبري������د بفوتون منفرد وهي‬ ‫الذي يتط ّلب فوتونات عديدة لتبريد كل ذرة‪.‬‬ ‫وبينما كنا نطور عملنا‪ ،‬قام كل من <‪ .G‬موگا> [من جامعة‬ ‫( ) ‪Frontiers of Trapping and Cooling‬‬ ‫بيلباو في إسبانيا] وزميله <‪ .A‬روشهاوبت> [الذي يعمل حاليا‬ ‫(‪single-photon cooling )1‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫أنها تطبق على الهدروجني – ونظيريه الديتريوم (الذي ميتلك‬ ‫نترونا إضاف������ة إلى البروتون الوحيد في الن������واة) والتريتيوم‬ ‫(الذي يحوي نترونني إضافيني)‪ .‬وفي تسعينات القرن املاضي‬ ‫اس������تطاع كل من <‪ .D‬كليپن������ر> و <‪ .J . T‬گريتاك> [اللذان عمال‬ ‫معا ف������ي املعهد ‪ ]MIT‬وبجهود بطولي������ة اصطياد الهدروجني‬ ‫وتبريده باس������تعمال طرق تبريد بالس������ائل والتبريد بالتبخير‪،‬‬ ‫غير أنهما لم ينجحا ق ُّ‬ ‫������ط في تبريد النظائر األخرى بالطريقة‬ ‫نفس������ها‪ .‬ويتوقف إحداث مزيد من التقدم‪ ،‬على طرائق جديدة‬ ‫الصطياد نظائر الهدروجني وتبريدها بأدوات بس������يطة نسبيا‪.‬‬ ‫غي������ر أن التبريد بفوت������ون واحد يالئم متام������ا اصطياد نظائر‬ ‫الهدروجني الثالثة وتبريدها‪ .‬وسيكون الهدف التالي‪ ،‬حتسني‬ ‫ح ّد الدقة العالية جدا للقياسات الطيفية‪ ،‬الذي هو تطبيق آخر‬ ‫مهم للذرات الباردة‪.‬‬ ‫هذا وق������د ميكننا اصطياد ذرات التريتي������وم وتبريدها من‬ ‫قي������اس كتل������ة النترينوه���ات ‪ ،neutrinos‬تل������ك اجلس���يمات‬ ‫األولي���ة ‪ elementary particles‬األكث������ر وفرة على اإلطالق من‬ ‫بني اجلس������يمات واملعروفة في الكون‪ ،‬ومن ثم س������يؤدي ذلك‬ ‫إلى فهم أفض������ل لآلثار التثاقلية ‪ gravitational‬للجس������يمات‬ ‫������ع يتحول إلى‬ ‫في تطور الك������ون؛ إذ إن التريتيوم عنصر مش ّ‬ ‫هيليوم ‪ 3‬عندما يتخام������د أحد نتروناته إلى بروتون وإلكترون‬ ‫ونترينو مض������ا ّد‪ ،‬الذي هو املادة املقابلة للنترينو‪ .‬ويس������تطيع‬ ‫الفيزيائيون بقياس طاقة اإللكترون الذي يصدر كأش������عة بيتا‪،‬‬ ‫تعيني الطاقة املفقودة م������ع النترينو ‪ -‬الذي مير عبر األجهزة‬ ‫من دون أن ُي ْك َش������ف ‪ -‬ومن ثم تعيني كتل������ة النترينو املضا ّد؛‬ ‫ويتوق������ع الفيزيائي������ون أن تك������ون كتلة النترين������و مطابقة لكتلة‬ ‫النترينو املضاد‪.‬‬ ‫وس������تطبق الطرائق نفس������ها على اصطي������اد الهدروجني‬ ‫املضاد وتبري������ده‪ ،‬وهو املقابل امل������ادي للهدروجني‪ .‬وحديثا‬ ‫جرى احلصول على الهدروجني املضاد في املختبر س������يرن‬ ‫‪ ،CERN‬املق������ام ق������رب جنيف‪ ،‬وهو س������ريع العطب ألن املادة‬ ‫املضادة س������رعان ما تختفي على ش������كل نبضة طاقة مبجرد‬ ‫مالمس������تها للمادة‪ .‬ولذا ال ميكن في هذه احلالة اس������تعمال‬ ‫طريق������ة احلزمة فوق الصوتية‪ .‬وعوضا عن ذلك‪ ،‬ميكن توليد‬ ‫حزمة م������ن ذرات الهدروج���ي��ن املضاد‪ ،‬بإط���ل��اق بروتونات‬ ‫مض������ادة على غيمة بوزيترونات‪ ،‬ثم إيقافها وتبريدها بطريقة‬ ‫«عفريت مكسويل»‪ .‬وستم ّكننا جتارب باستخدام الهدروجني‬ ‫املضاد من اإلجابة عن الس������ؤال البسيط التالي‪ :‬هل تسقط‬ ‫املادة املضادة س������قوطا حرا كما تسقط املادة؟ وبتعبير آخر‪،‬‬ ‫هل تفعل الثقالة ‪ gravity‬فعلها بالطريقة نفس������ها على جميع‬ ‫األجسام التي لها الكتلة نفسها؟‬ ‫‪86‬‬

‫ميكن للتقنيات اجلديدة التي تس������تعمل مدفعا وش������ائعيا‬ ‫ذري������ا وتطب������ق تقني������ة التبريد بفوت������ون منف������رد‪ ،‬أن يكون لها‬ ‫تطبيق������ات عملي������ة مهمة أيضا‪ .‬فما زال������ت عملية فصل نظائر‬ ‫معظم عناصر اجلدول الدوري تُنجز باس������تعمال أداة تسمى‬ ‫كالت���رون ‪ ،calutron‬اخترعها <‪ .E‬لورانس>‪ ،‬عندما كان يعمل‬ ‫في مشروع مانهاتن‪ .‬وتفصل هذه األداة (الكالترون) النظائر‬ ‫الت������ي يختل������ف بعضها عن بعض اختالفا طفيف������ا في الكتلة‪،‬‬ ‫باس������تعمال حقل كهربائي‪ .‬وهذا يش������به في األساس مطياف‬ ‫كتلة ضخما ‪ -‬والكالترون الوحيد الفعال موجود في روسيا‪،‬‬ ‫وهو ذو مردود رديء جدا‪ .‬وباإلمكان استعمال مفهوم مماثل‬ ‫ملفه������وم «عفريت مكس������ويل» ف������ي التبريد‪ ،‬لفص������ل نظائر في‬ ‫حزمة‪ ،‬وس������يكون أكثر كفاءة من الكالت������رون‪ .‬وبهذه الطريقة‬ ‫ميكن إنتاج كميات ضئيلة من النظائر‪ ،‬مثل الكالس������يوم ‪ 48‬أو‬ ‫اليتريبيوم ‪ ،168‬املناسبني للعالج الطبي ولألبحاث األساسية‪،‬‬ ‫من دون أن يكونا خطيرين من حيث االنتشار النووي ألن هذه‬ ‫الطريق������ة عملية فقط من أجل فصل كمي������ات ضئيلة جدا من‬ ‫نظير معني‪.‬‬ ‫ونتتبع حاليا تقنية أخرى مشتقة من تلك‪ ،‬متكننا من تشكيل‬ ‫بنى قياساتها نانوية‪ .‬فعوضا عن استخدام حقول مغنطيسية‬ ‫إلبطاء الذرات‪ ،‬ميكن اس������تعمال احلقول لتبئي���ر ‪ focus‬حزم‬ ‫ال������ذرات‪ ،‬كما تفعل عدس������ة بالضوء‪ ،‬ولكن مبي���ز ‪resolution‬‬ ‫يقارب النانومتر الواحد فقط أو أحس������ن‪ .‬وميكن حلزم كهذه‪،‬‬ ‫أن تُرس������ب بعدئذ الذرات لتشكيل بنى ذات تفاصيل أدق مما‬ ‫ه������و ممكن اآلن باحلفر الضوئ���ي ‪ ،optical lithography‬الذي‬ ‫ُيع ّد الطريقة الذهبية املس������تعملة لتصنيع ش���يپات احلاسوب‬ ‫‪ .computer chips‬ومقدرتن������ا على تش������كيل بن������ى على املقاس‬ ‫النان������وي بهذه املقاربة من األس���فل إلى األعل���ى ‪،bottom-up‬‬ ‫بدال من املقاربات من األعلى إلى األس���فل ‪ ،top-down‬األكثر‬ ‫شيوعا اآلن في علم النانو‪ ،‬ستؤدي إلى استهالل حقل جديد‬ ‫أدعوه «علم الذرات ‪.»atomoscience‬‬ ‫هذا ورمبا لن يكون الوصول إلى الصفر املطلق ممكنا‪ ،‬كما‬ ‫كان احلال كذلك دائما؛ لكن ما زال علينا الكثير الكتش������افه ‪-‬‬ ‫>‬ ‫واكتس������ابه – في الطريق الذي يوصلنا إلى هناك‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, March 2011‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


‫ملفات تقنية‬ ‫مسألة مفتوحة‬

‫( )‬

‫ليس ‍نج������اح برم‍جيات گوگل ال‍هاتفي������ة أندرو ْيد‬

‫(‪)1‬‬

‫‪ Android‬دليال على أن االنفتاح هو األفضل‪.‬‬

‫املؤلف‬

‫يس������ود اعتق������اد أن الش������ركة آپ������ل ‪ Apple‬أضاعت أول‬ ‫فرص������ة ل‍ها لل‍هيمن������ة على صناعة ال‍حاس������وب‪ .‬فقد أخفقت‬ ‫ف‍ي اكتس������اح سوق ال‍حواسيب الشخصية ألن ن ُ​ُظ َمها كانت‬ ‫ش������ديدة االنغالق‪ ،‬ليس بال‍معن‍ى ال‍حرف‍������ي فقط ‪ -‬إذ كانت‬ ‫حواس������يب ماكينتوش األصلية م‍حكمة اإلغالق‪ ،‬فتع َّذر عل‍ى‬ ‫املُص ِّلحني الهواة العب������ث بأجزائ‍ها الداخلية ‪ -‬بل من حيث‬ ‫الترخيص(‪ )2‬ف‍ي استعمال‍ها‪ .‬فشركة آپل وحدها هي صانعة‬ ‫ال‍حواس������يب الت‍ي تعمل بنظ������ام التش������غيل ماكينتوش‪ .‬أما‬ ‫الشركة مايكروس������وفت ‪ ،Microsoft‬فقد َر َّخصت استعمال‬ ‫نظام التش������غيل ويندوز ‪ Windows‬ألي ش������ركة من شركات‬ ‫ال‍حاس������وب‪ ،‬وهو مستع َمل اليوم لتش������غيل ‪ 90‬في ال‍مئة من‬ ‫احلواسيب الشخصية في العالَ‍م‪.‬‬ ‫وبعد بضع سنوات‪ ،‬حصلت ت‍جرب ٌة ثانية‪ ،‬تناولت هذه ال‍مرة‬ ‫مش ِّغالت ال‍موسيقا‪ .‬واتَّبعت الش������ركتان آپل ومايكروسوفت‬ ‫النهج نفسه الذي ات َبعتاه مع ال‍حواسيب‪ .‬ف‍من جهة‬ ‫هنا أيضا‬ ‫َ‬ ‫ش������ركة آپل‪ ،‬يص ّر >‪ .S‬جوبس< على أن يكون الصانع الوحيد‬ ‫ّ‬ ‫لكل من مش������ ِّغل ال‍موس������يقا آيپ‍ود ‪ iPod‬وبرم‍جياته‪ .‬ومن جهة‬ ‫ش������ركة مايكروسوفت‪ ،‬تو ِّفر الش������رك ُة نظاما برمجيا لتشغيل‬ ‫ال‍موس������يقا‪ ،‬الت‍ي يطلق عليها پاليزفورش���ور ‪،PlaysForSure‬‬ ‫ألي شركة تدفع رسوم الترخيص‪.‬‬ ‫النموذج‬ ‫ولكن النتائ‍ج ه������ذه ال‍مرة كانت معكوس������ة‪ ،‬فانتص َر‬ ‫ُ‬ ‫������جل بحق������وق ملكية خاص������ة‪ ،‬م‍ح ِّققا ن‍جاح������ا عظيما‪ .‬وقد‬ ‫ال‍مس َّ‬ ‫اكتس������ح اآليپود ‪ 85‬في ال‍مئة من س������وق مش ِّغالت ال‍موسيقا‪ ،‬ف‍ي‬ ‫حي‍ن تخلصت ش������ركة مايكروس������وفت من النظ������ام البرمجي‬ ‫ال ْي‍زفورشور‪.‬‬ ‫پ َ‍‬ ‫(ومن ث َّم‪ ،‬فإن ش������ركة مايكروس������وفت أجرت ت‍جربة ثالثة‪،‬‬ ‫ق ّدمت فيها نظا َم تشغيل موس������يقا جديدا ت‍ماما‪ ،‬أطلقت عليه‬ ‫اس������‍م زيون ‪ ،Zune‬اعتمدت فيه إل‍ى ح ّد كبير على الهندس������ة‬ ‫املخلقة لن‍موذج شركة آپل‪ .‬وقد أخفق هذا النظام أيضا‪).‬‬ ‫وهك������ذا‪ ،‬فإن بي‍ن أيدين������ا عدة دراس������ات بضوابط علمية‬ ‫وذات نتائ‍ج متناقضة‪ .‬ف‍م‍������ا هي ال‍مقاربة الصحيحة يا ترى؟‬ ‫الترخيص أم التقييد؟‬ ‫‪87‬‬

‫‪David Pogue‬‬

‫كاتب عمود تقانة ال‍معلومات الشخصية لدى صحيفة‬ ‫نيويورك تاي‍مز‪ ،‬و ُمضيف لل‍مسلسل العلمي القصي‍ر‬ ‫ال‍جديد ‪ Making Stuff‬لدى قناة التلفزة األمريكية ‪.PBS‬‬

‫حرب تسويق كب‍رى ب‍حثا عن النموذج‬ ‫إننا ن‍خوض حال ّيا‬ ‫َ‬ ‫الذي يضمن ال‍هيمنة على الس������وق‪ ،‬وهذا هو أكب‍ر اختبار‬ ‫ي‍حصل حت‍������ى اآلن‪ :‬إن‍ها معركة هاتف التطبيقات(‪ )3‬الت‍ي‬ ‫تدور هذه ال‍م������رة بي‍ن آپل (وهاتفها آ ْيفون ‪ iPhone‬ال‍محمي‬ ‫بحقوق ملكي������ة خاصة) وگ������وگل (وبرم‍جيا‍ته������ا أندرويْد‬ ‫‪ Android‬ال‍مفتوحة)‪.‬‬ ‫تتمثل مقارب ُة آپل مرة أخرى بأن‍ها حتتفظ لنفس������ها حصرا‬ ‫صن َع العتاديات والب‍رم‍جيات‪ ،‬دون السم‍اح ألحد بصنع أجهزة‬ ‫اآل ْيف������ون‪ .‬أما گوگل‪ ،‬فقد اعتم‍دت مبدأ مايكروس������وفت ف‍ي أنه‬ ‫أي جهة أن تستعمل برم‍جياتنا»‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن برم‍جيات‬ ‫«بإمكان ِّ‬ ‫گوگل ال‍هاتفية أندرو ْيد ليست مفتوحة ف‍حسب‪ ،‬بل هي م‍جانية‬ ‫أي شركة صن َع هاتف تطبيقات (أو حاسوب‬ ‫أيضا؛ إذ تستطيع ُّ‬ ‫لوحي(‪ )4‬أو قارئ كتاب إلكترون‍ي ‪ )e-book reader‬مس������تعملة‬ ‫برم‍جيات أندرو ْيد من دون أن يترتب على ذلك دفع أي رس������وم‬ ‫إل‍ى گوگل‪ ،‬بل وي‍مكنها إدخال تغي‍ـي‍رات عليها‪.‬‬ ‫وتش������هد هذه التجربة تط ُّورا م‍متازا حت‍ى اآلن‪ .‬فالشركات‬ ‫ف‍ي شت‍ى أن‍حاء العال‍م تُنتِج هواتف أندرو ْيد بأعداد كبي‍رة‪ ،‬وقد‬ ‫وص������ل عدد تلك ال‍هواتف إل‍������ى ‪ 30‬مليونا‪ ،‬وهو ف‍ي تزايد‪ .‬أما‬ ‫شركة آپل‪ ،‬فقد باعت ‪ 75‬مليون هاتف آ ْيفون‪ ،‬لكنها بدأت قبل‬ ‫گوگل بسنة كاملة‪.‬‬ ‫وي‍م ِّثل ذلك ن‍جاحا كبي‍را لب‍رم‍جيات أندرو ْيد‪ .‬ولكنها ‪ -‬من‬ ‫حيث كون‍ها ت‍جربة ‪ -‬ت‍مثل ت‍جربة س������ ِّيئة التصميم‪ .‬والسؤال‬ ‫( ) ‪An Open Question‬‬

‫(‪ :Android )1‬نظام تش������غيل لألجهزة النقالة يقوم على منوذج مع َّدل من لينُكس‪ ،‬وكانت‬ ‫قد ط َّورته في البداية الشركة ‪ Android Inc‬التي اشترتها الشركة گوگل وباعتها فيما‬ ‫بعد إلى الشركة ‪.Open Handset Alliance‬‬ ‫(‪licensing )2‬‬

‫(‪ :app-phone )3‬جه������از هاتفي خلوي ميكن أن ُتش������غَّل فيه تطبيقات مختلفة على غرار‬ ‫تطبيقات الوِ ب‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪ :tablet phone )4‬جهاز يجمع بني مزايا الهاتف واحلاسوب اللويحي‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫هنا هو‪ :‬ما مقدار ال‍جاذبية ف‍ي كون نظام أندرو ْيد مفتوحا؟‬ ‫وال‍حقيق������ة أن باإلمكان القول إن «االنفت������اح» ي‍جعل حياة‬ ‫ال‍مستهلكي‍ن بائسة؛ فهو يعن‍ي أن الشركتي‍ن ‪ AT&T‬وڤريزون‬ ‫‪ Verizon‬تس������تطيعان ملء هاتفك ال‍جدي������د بأيقونات خدمات‍ها‬ ‫املضاف���ة(‪ )1‬البغيض������ة والباهظة الثمن‪( .‬ال ي‍مكن أن تس������مح‬ ‫ش������ركة آپل على اإلطالق لطرف ثالث بإدخال برمجيات رديئة‬ ‫على جهاز هاتف آ ْيفون‪).‬‬ ‫وأس������وأ من ذلك أن االنفتاح يعن‍������ي أيضا وجود أكثر من‬ ‫هاتف أندرو ْيد واحد‪ .‬فيتح َّول النظام البرمجي لألندرو ْيد إل‍ى‬ ‫م‍جموعة متش������ظية من الن‍ماذج املعدلة قليال‪ .‬فما عليك إال أن‬ ‫تس������أل أي مالك ل‍هاتف أندرو ْيد‪ ،‬أغرته إمكانية تشغيل فالش‬ ‫ڤيديو عندما أطلقت الش������ركة آدوب������ي ‪ Adobe‬أخي‍را اإلضافة‬ ‫البرمجية الالزمة لتش������غيل برامجها على األندرويد‪ ،‬و َو َجدت‬ ‫أنه ال يعمل إال ف‍ي عدد ضئيل من ن‍ماذج أندرو ْيد‪.‬‬ ‫ُيضاف إل‍ى ذلك أن س������وق تطبيقات گ������وگل أكث‍ر انفتاحا‬ ‫من س������وق آپل‪ .‬فمن ال‍معروف أن ش������ركة آپ������ل توظف العديد‬ ‫م������ن الفنيني للتأكد م������ن عمل كل تطبيق عل������ى حدة‪ .‬ومن بني‬ ‫أمور أخرى أن باإلمكان تش������غيل تطبيقات إباحية على هاتف‬ ‫أندرو ْيد‪ ،‬ولكن ليس عل������ى هاتف آ ْيفون‪ .‬وذلك يعن‍ي أيضا أن‬ ‫سوق آپل أفضل تنظيما وأعلى جودة من سوق گوگل ال‍مختلط‬ ‫ال‍خاص بأندرو ْيد‪.‬‬ ‫قد يبدو الس������ؤال التال‍ي حاس‍ما‪ :‬هل من ال‍ممكن أن يكون‬ ‫‪88‬‬

‫«االنفتاح» وسيلة كب‍رى للتضليل وصرف االهتم‍ام عن ال‍مهم‬ ‫من األمور؟‬ ‫هل االنفتاح‪ ،‬من منظور مص ِّنعي أجهزة ال‍هاتف‪ ،‬هو فعال‬ ‫العامل ال‍جاذب لألندرو ْيد؟ أم إن ما ُيغري‍هم هو أن األندرو ْيد‬ ‫نظام تشغيل هاتفي أنيق كامل‪ ،‬مع مكتبة برم‍جيات متض َّمنة‬ ‫فيه ‪ -‬وال يك ِّلف مص ِّنع ال‍هواتف فلسا واحدا إضافيا؟‬ ‫ومن منظور ال‍مستهلك‪ ،‬هل ث‍مة من أه‍مية لالنفتاح فعال؟‬ ‫هل دخ َل أح ٌد إل‍ى متاجر الش������ركة ڤريزون مثال وقال‪« :‬أريد‬ ‫هاتف درو ْيد ‪ Droid‬ألنن‍ي أريد إدخا َل ت‍حسينات ت‍جميلية على‬ ‫األندرو ْي������د» بدال من أن يقول‪« :‬أري������د هاتف درو ْيد ألنه رقيق‬ ‫وسريع ويعمل بنظام ڤريزون؟»‬ ‫ق������د يكون ما ي‍حتاج إلي������ه العالَ‍م اليوم ه������و ت‍جربة علمية‬ ‫كب‍رى أخي‍رة‪ :‬ن ُ​ُظم (آپل) مغلق������ة وم‍حمية ملكيتها مقابل ن ُ​ُظم‬ ‫مغلق������ة وم‍جانية (گوگل)‪ .‬أال ترى أن الفصل‪ ،‬بطريقة ما‪ ،‬بي‍ن‬ ‫الصف َتينْ «م‍جان‍ي» و«مفتوح» ي‍م ِّكن بوضوح من رؤية السبب‬ ‫الكامن وراء استم‍رار ن‍جاح أندرو ْيد؟‬ ‫أق ّر بأن تلك التجربة لن ت‍حصل‪ ،‬مع أن‍ها الطريقة الوحيدة‬ ‫>‬ ‫إلدراك القيمة احلقيقية «لالنفتاح»‪.‬‬ ‫>‪ .D‬پ‍وگ<‬

‫(‪ :add-on services )1‬اخلدمة املضافة هي خدمة يقدمها مس������تثمر مشارك ولها طبيعة‬ ‫غير مالية‪ ،‬ومن أمثلتها املساعدة على جتميع فريق عمل إلدارة مشروع أو شركة‪،‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫أو التحضير لتغيير طبيعة الشركة‪.‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬


‫أخبار علمية‬ ‫األسلحة املعتمدة على احلزم الشعاعية تصبح حقيقة‬ ‫استخدام ليزرات احلالة الصلبة بالقرب من أرض املعركة‪.‬‬

‫(٭)‬

‫إن مسدس������ا ُيطلق حزمة (ش������عاعية)‪،‬‬ ‫والذي اعتبر م������ن حكايات اخليال العلمي‪،‬‬ ‫قد يدخل فعال ترس������انة احل������رب األمريكية‬ ‫خالل سنوات قليلة‪ .‬فقد أجرى املهندسون‬ ‫في عدد من املؤسسات الدفاعية اختبارات‬ ‫أولي من‬ ‫ناجحة ملركبات أساس������ية لنموذج ّ‬ ‫منظومة «مدفع ليزري» بحجم عربة‪ ،‬وقادر‬ ‫على إط���ل��اق حزمة (ش������عاعية) من طائرة‬ ‫أو س������فينة َب ْحرية أو عربة مس������لحة لتدمير‬ ‫أهداف تبعد كيلومترات عدة‪ ،‬حتى وإن كان‬ ‫الهدف محجوبا بالغبار أو بالضباب‪.‬‬ ‫فلليزرات العالي������ة القدرة ‪ -‬والتي تقاس‬ ‫مبئات إل������ى آالف الكيلوواطات ‪ -‬فوائد عدة‬ ‫مقارنة باألسلحة القذفية ‪projectile weapons‬‬ ‫التقليدية‪ ،‬وذلك حسب قول <‪ .M‬نيس> [مدير‬ ‫قس������م الليزرات العالية الطاقة الدفاعية في‬ ‫مكتب التقانات املشتركة بنيومكسيكو]‪ .‬كما‬ ‫قال إن‪« :‬لهذه الليزرات دقة عالية وإمكانات‬ ‫س������رعتها تقترب من سرعة الضوء‪ ،‬وآثارها‬ ‫اجلانبية صغيرة أو معدومة‪».‬‬ ‫وم������ع أن التوقع������ات الس������ابقة املتفائلة‬ ‫س������محت للمشككني بأن يس������خروا من أن‬ ‫«الليزرات هي أس������لحة املستقبل وستبقى‬ ‫كذلك؛» لكن األسلحة املعتمدة على احلزم‬ ‫الش���عاعية(‪ beam weapons )1‬تب������دو اآلن‬ ‫حقيقية‪« .‬فالصناعة على عتبة إنتاج أسلحة‬ ‫طاقية موجهة عملية لألغراض العس������كرية‬ ‫الدفاعية والهجومية»‪ ،‬وفقا ملا يراه <نيس>‪.‬‬ ‫وخ���ل��ال عام ‪ 2006‬أجن������ز الباحثون في‬ ‫مختبرات الش������ركات‪Northrop Grumman :‬‬ ‫‪ Textron ،Raytheon‬وكذلك في مختبر لورنس‬ ‫ليڤرمور الوطني (‪ )LLNL‬وبدعم من القوى‬ ‫اجلوية واجلي������ش والبحرية‪ ،‬تقدما ملحوظا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫في «لي������زرات احلالة الصلب������ة احلجمية»‬ ‫‪89‬‬

‫التي ُتش������غّل مباش������رة بالكهرباء‪ .‬إن ليزر‬ ‫احلال������ة الصلب������ة املوصول مبول������د كهرباء‬ ‫عربة أرضي������ة أو خلية وق������ود أو مجموعة‬ ‫تخزي������ن‪ ،‬والقادرة على توليد قدرة أكبر من‬ ‫مئة كيلوواط‪ ،‬ميك������ن النظر إلى هذا الليزر‬ ‫عل������ى أنه مخزن النهائ������ي لطلقات رخيصة‬ ‫الثمن ميكنها حتطيم طلقات هاون وقذائف‬ ‫مدفعية وقذائف موجهة وهي في اجلو على‬ ‫مسافة من خمس������ة إلى ثمانية كيلومترات‪.‬‬ ‫كما أن ملثل هذه املنظومة القدرة على تعمية‬ ‫احملس���ات ‪ sensors‬الكهرضوئية وتلك التي‬ ‫ّ‬ ‫تعمل في املجال حتت األحمر واملوجودة في‬ ‫أرض املعركة‪ ،‬كم������ا تمُ كن وحدات اجلنود‬ ‫من إبطال مفع������ول األلغام ونبائط ‪devices‬‬ ‫التفجير املرجتلة(‪ )3‬من مسافة آمنة‪.‬‬ ‫واملفتاح لهذا اجلهاز (ليزر احلالة الصلبة)‬ ‫ذي الطاقة العالية هو الوسط الربحي(‪ ،)4‬أي‬ ‫املادة التي تضخم فوتونات الليزر‪ .‬فالطبقات‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ش������به املوصل������ة ف������ي الثنائ���ي اللي���زري‬ ‫املستخدم في ألعاب الـ ‪ DVD‬وفي إلكترونيات‬ ‫املس������تهلك األخرى‪ ،‬تضخم الضوء بعد قفزة‬ ‫بدئية من شحنة كهربائية‪ .‬أما الوسط الربحي‬ ‫في ليزر للحالة الصلبة احلجمي‪ ،‬فهو عبارة‬ ‫ع������ن لوح مربع (أو مس������تطيل) أبعاده بضعة‬ ‫س������نتيمترات‪ ،‬كما شرحت <‪ .J‬كيش> [مديرة‬ ‫تقانة الطاقة املوجهة ومنتجاتها لدى ش������ركة‬ ‫نورثروب كرومان للتقانات الفضائية]‪ .‬وتتألف‬ ‫الصفائح ‪ slabs‬من مواد خزفية قاس������ية مثل‬ ‫ياتريوم‪-‬أملونيوم‪-‬گارنيت (‪ )6()YAG‬مشاب‬

‫(‪)7‬‬

‫بالنيودمييوم (‪ ،)Nd‬العنصر األرضي النادر‪.‬‬ ‫ولكن بدال من تعبئة(‪ )8‬وسط الربح كهربائيا‪،‬‬ ‫ف������إن كمية كبيرة من الثنائيات الليزرية تضخ‬ ‫هذا الوسط أو تثيره‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬فإنه كلما‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫أحد نظم ليزر احلالة الصلبة حتت‬ ‫االختبار في شركة [نورثروب كرومان]‬ ‫لتقانات الفضاء‪ .‬إنه منوذج عالي القدرة‬ ‫قادر على توليد مئة كيلوواط أو أكثر‪ِّ ،‬‬ ‫ميكن‬ ‫القوات األرضية من تدمير قاذفات الهاون‬ ‫والصواريخ القذفية‪.‬‬

‫( ) ‪ BEAM WEAPONS GET REAL‬أو‪:‬‬ ‫األسلحة احلزمية تصبح حقيقة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أو‪ :‬األسلحة احلزمية‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫(‪)8‬‬

‫‪solid-state bulk lasers‬‬ ‫‪improvised explosive devices‬‬ ‫‪the gain medium‬‬ ‫‪laser diodes‬‬ ‫‪yttrium - aluminum - garnet‬‬ ‫‪doped‬‬ ‫‪priming‬‬


‫لالستخدام في حرب حقيقية‪ ،‬يتوقف على ردود أفعال مدمرة‬

‫كبرت الصفيحة ازداد خرج القدرة(‪.)1‬‬ ‫إن ل������كل فريق بحثي طرق������ه في ربط عدة جناح تكاملها في منظومة تسلح عاملة‪ ،‬أي‬ ‫صفائح مع������ا من أجل تش������كيل «سالس���ل» كونها بحجم يس������مح بوضعه������ا في عربة‪.‬‬ ‫‪ chains‬تنتج مســتويات قــدرة عـالية من مرتبة إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإنه لتش������غيل سالح ليزر‬ ‫عشرات الكيـلوواطــات‪ ،‬وذلــك وفقــا ملــا قــالــه احلال������ة الصلبة احلجمي‪ ،‬فإننا نحتاج إلى‬ ‫<‪ .J‬بونيس> [نائب الرئيس للتقانات التطبيقية في مول������د طاق������ة كهربائية متج������دد لنحو ألف‬ ‫نظم ‪ .]Textron Systems‬ويتوقع املهندسون أن كيل������وواط أو أكث������ر ومب������رد للتأكد من عدم‬ ‫تسخني الصفائح إلى حد تشويه احلزمة‪.‬‬ ‫يتم قريبا إجراء شديد الترابط لهذه السالسل‬ ‫كم������ا يتطلب نظام هذا الس���ل��اح وجود‬ ‫معا بالتوالي أو بالتوازي وذلك للحصول على‬ ‫موج������ه للحزم������ة لتوجي������ه الفوتون������ات إلى‬ ‫ِّ‬ ‫مئ������ة كيل������وواط‪ ،‬الذي يعتبر معيارا ملتوس������ط‬ ‫الهدف ‪ -‬وقد يك������ون ذلك املوجه عبارة عن‬ ‫القدرة الضرورية للبدء بالتطبيقات العسكرية‬ ‫م������رآة كبي������رة متحركة مجه������زة بضوئيات‬ ‫لليزر‪ .‬وأهداف التش������غيل األساسية األخرى‪ ،‬مناسبة أو تشويهية ‪ deformable‬للتعويض‬ ‫على حد ق������ول <‪ .M‬نيس> هي‪ :‬زمن تش������غيل عن التش������ويه اجلوي‪ ,‬الذي ميكن كش������فه‬ ‫يصل إلى ‪ 300‬ثانية (زمن كاف إلرسال طلقات بحزمة حتسس ليزرية ذات قدرة منخفضة‪.‬‬ ‫ليزرية متعددة) وكفاءة حتويل في نظم الطاقة وأخيرا‪ ,‬فإن تصويب نظام كهذا قد يعتمد‬ ‫الكهربائية إلى ضوئية تصل إلى ‪ %17‬أو أكثر على قاعدة رادارية أو منظومة توجيه ضوئية‬ ‫وبخاصة «جودة حزمة» ‪ beam quality‬مناسبة إليجاد الهدف املقصود وتتبعه‪.‬‬ ‫(للتمحرق ‪ focusing‬بش������كل خاص) من أجل‬ ‫إن األس������لحة املعتم������دة عل������ى احل������زم‬ ‫التأك������د من وصول عدد كاف م������ن الفوتونات الش������عاعية الفعالة‪ ،‬قد تطل������ق ثورة في عالم‬ ‫إلى الهدف لتس������خينه خارجيا أو لتحطيمه أو احلروب‪ .‬ولك������ن وضع كل تل������ك التقانة في‬ ‫ش������يء ما حجمه يسمح بوضعه في عربة‪ ،‬ال‬ ‫تفجيره أو إبعاده عن مساره‪.‬‬ ‫>‬ ‫وبفرض أن اللي���زرات الصفحية ‪ slab‬يزال في عالم «اخليال العلمي‪».‬‬ ‫>‪ .S‬آشلي<‬ ‫‪ lasers‬حتقق تل������ك األهداف‪ ،‬فإن تصنيعها‬

‫(٭)‬

‫لقد طورت الواليات املتحدة أحد أنواع‬ ‫الليزرات اجلبارة‪ ،‬وهو جهاز طاقة موجهة‬ ‫يغذى بالتفاعل الكيميائي‪ .‬وتسمى هذه‬ ‫الفئة من الليزرات امليگاواطية واألكثر‬ ‫«قوة» من «نسيباتها» ليزرات احلالة‬ ‫الصلبة‪ ،‬بليزرات األكسجني واليود الكيميائية‬ ‫(‪ .)2()COILs‬ولكنها كبيرة وتعمل فقط‬ ‫مادام هناك مخزون من املواد الكيميائية‬ ‫املتفاعلة‪ .‬ومع ذلك فإن املتعاقدين‬ ‫الدفاعيني ي ِّ‬ ‫ُحضرون لتركيب هذه الليزرات‬ ‫على الطائرات‪ .‬وسوف حتتضن طائرة‬ ‫بوينگ ‪ 747‬تلك الليزرات اجلوية ‪YAL-1A‬‬ ‫لالستخدام ضد املركبات اجلوية وبخاصة‬ ‫الصواريخ القذفية املوجهة وطائرات‬ ‫الشحن ‪ AC-130‬التي تستخدم أيضا‬ ‫كسفينة قتالية‪ .‬وهي بدورها ستستفيد من‬ ‫الليزرات التكتيكية املتطورة التي يتوقع‬ ‫استخدامها في الهجوم الدقيق من اجلو‬ ‫إلى األرض‪.‬‬

‫ستيرلنگ في أعماق الفضاء‬ ‫لإلقالل من استهالك وقود النظائر املشعة‪ ،‬تعود وكالة الفضاء «ناسا» مئتي سنة إلى الوراء‪.‬‬ ‫(٭٭)‬

‫من������ذ ‪ 30‬عاما وحتى الي������وم‪ ،‬اعتمدت‬ ‫مجسات الوكالة «ناسا» للسبر في الفضاء‬ ‫البعي������د عل������ى املو ّل���دات الكه ُرحراري���ة‬ ‫العامل���ة عل���ى النظائر املش���عة‬

‫(‪)RTGs‬‬

‫(‪ ،)3‬وه������ي األجهزة التي تس������تخدم تفكك‬ ‫الپلوتوني������وم ‪ 238‬في تس������خني املزدوجات‬ ‫الكه ُرحرارية فتولد الكهرباء‪ .‬ووكالة الفضاء‬ ‫مستعدة اليوم لالستعاضة عن هذه املولدات‬ ‫الثقيلة واملكلفة وغير الكفؤة مبنظومة تز ّودنا‬ ‫بطاقة أكبر وباس������تخدام كمي������ة من الوقود‬ ‫‪90‬‬

‫املش������ع أقل بكثير ‪ -‬وهي تقانة تعتمد على‬ ‫ابتكار يعود إلى القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫������س‬ ‫فف������ي ع������ام ‪ 1816‬حـص ـ������ل الق ـ ّ‬ ‫االســكتـلـن ــدي >‪ .R‬ستيرلنگ< البالغ النشاط‬ ‫عل������ى ب������راءة اخت������راع حملرك هو البس������اطة‬ ‫بعينها‪ ،‬محرك ستيرلنگ‪ ،‬مكون من حجرتني‬ ‫أو أسطوانتني إحداهما باردة واألخرى حارة‬ ‫حتتوي������ان عل������ى «مائ���ع عام���ل(‪( »)4‬هو عادة‬ ‫(‪)5‬‬ ‫اله������واء أو الهليوم أو الهدروجني) مع ب َّراد‬ ‫أو مب���ادل حراري(‪ )6‬ب���ي��ن احلجرتني‪ .‬وتؤدي‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫( )‬

‫‪LETHAL REACTIONS‬‬

‫(٭٭) ‪STIRLING IN DEEP SPACE‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪radioisotope thermoelectric generators )3‬‬ ‫(‪working fluid )4‬‬ ‫(‪regenerator )5‬‬ ‫(‪heat exchanger )6‬‬ ‫‪the power output‬‬ ‫‪chemical oxygen iodine lasers‬‬


‫االختالف������ات في درجة احل������رارة والضغط‬ ‫بني األس������طوانتني إلى مت������دد وتقلص املائع‬ ‫العامل؛ فيغدو وي������روح عبر املبادل محركا‬ ‫مكبس������ا‪ ،‬وبهذا حتول ه������ذه العملية الطاق َة‬ ‫احلراري������ َة (التي يوفرها في حالة «ناس������ا»‬ ‫التفكك اإلشعاعي) إلى طاقة ميكانيكية‪.‬‬ ‫يقول >‪ .D‬الڤيري< [أحد مديري برنامج‬ ‫استكش������اف املنظومة الشمسية في املقر‬ ‫الرئيس������ي للوكالة ناس������ا ف������ي العاصمة‬ ‫واش������نطن]‪« :‬لق������د عكفن������ا عل������ى البحث‬ ‫واالس������تثمار ف������ي املو ّلد س������تيرلنگ على‬ ‫مس������توى معني أثناء قرابة العقود الثالثة‬ ‫املاضي������ة‪ ،‬وحاليا توصلنا إلى النقطة التي‬ ‫أصبحنا فيها على استعداد للتقدم خطوة‬ ‫أخرى نحو األمام‪».‬‬ ‫تضع الش������ركة لوكهيد مارتن اللمسات‬ ‫األخيرة على وحدة اختبار هندس������ية ينبغي‬ ‫أن تكون جاهزة في ربيع عام ‪ 2008‬هي مو ّلد‬ ‫س���تيرلنگ املتقدم ذو النظائر املشعة‬

‫‪the‬‬

‫‪.advanced Stirling radioisotope generator‬‬ ‫يقوم اثنان من محوالت ستيرلنگ داخل املو ّلد‬ ‫منوب���ة خطية(‪،)1‬‬ ‫بتحري������ك املكابس داخل ّ‬ ‫فتول������د ‪ 100‬واط م������ن الطاق������ة الكهربائية‪.‬‬ ‫س������يكون طول وحدة االختبار تلك أقل من‬ ‫ياردة (نحو ‪ 90‬س������نتيمترا) وعرضها قدم‬ ‫واحدة (‪ 30‬سنتيمترا)‪ ،‬فهي صغيرة لدرجة‬ ‫تكفي ألن توضع في املقعد اخللفي لسيارة‬ ‫صغي������رة‪ ،‬ذلك أن وزنه������ا يتجاوز بقليل ‪40‬‬ ‫رطال (‪ 18‬كيلوغراما)‪ ،‬وهذا أقل من نصف‬ ‫وزن املو ّل������د ‪ RTG‬الع������ادي‪ .‬وس������يكون لها‬ ‫الفخ ــر بـأن يكــون مردود التحويـل فيها بني‬ ‫‪ 20‬و ‪ 30‬في املئة‪ ،‬مقارنة باملردود الشحيح‬ ‫البالغ ‪ 6‬إلى ‪ 7‬في املئة للمو ّلدات ‪ ،RTGs‬في‬ ‫ح���ي��ن ال حتتاج إال إلى ربع كمية الوقود من‬ ‫النظائر املشعة‪.‬‬ ‫تلك الصفات تع ّد ميزات مهمة بالنسبة‬ ‫إل������ى الرحالت في الفضاء‪ .‬ومبا أن وحدة‬ ‫س������تيرلنگ أق������ل وزنا‪ ،‬ف������إن إطالقها أقل‬ ‫تكلفة‪ ،‬وسوف يتيح ذلك للمركبة الفضائية‬ ‫أن تزيد من حمولتها‪ .‬كما أن إنقاص كمية‬ ‫‪91‬‬

‫الوقود من النظائر املشعة إلى الربع ‪ -‬من‬ ‫‪ 20‬رط���ل��ا في املولد ‪ RTG‬إلى خمس������ة في‬ ‫املو ّلد س������تيرلنگ ‪ -‬يوفر املال أيضا‪ ،‬وفي‬ ‫الوقت نفس������ه يقلل من مخاطر الس���ل��امة‬ ‫املتعلقة بأسوأ السيناريوهات‪ ،‬وهو انفجار‬ ‫مركبة اإلطالق في اجلو‪ .‬والوكالة ناس������ا‬ ‫تدرك متاما قلق اجلمهور املتعلق بالسالمة‬ ‫اإلش������عاعية‪ ،‬وكما يقول >الڤيري<‪« :‬ففي‬ ‫أية منظومة أساس������ها ن������ووي نتبع كامل‬ ‫إجراءات قانون السياس������ة البيئية»‪ ،‬وهذه‬ ‫تتطل������ب أن جتمع الوكالة ناس������ا تعليقات‬ ‫اجلمهور ّ‬ ‫وتطلع عل������ى آرائه قبل أي قرار‬ ‫نهائي بإطالق مركبة فضائية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويوض������ح >‪ .R‬ش������التنز< [رئي������س فرع‬ ‫حتويل الطاق������ة احلرارية ف������ي مركز گلني‬ ‫‪ Glenn‬لألبح������اث التابع للوكالة ناس������ا] أنه‬ ‫مبجرد أن تنهي الش������ركة لوكهيد االختبا َر‬ ‫األولي للجهاز‪ ،‬فإن املركز س������وف ُيخضعه‬ ‫لتقييمات مس������تفيضة بغية البدء بنقله إلى‬ ‫احلالة التي تؤهله للطيران‪ .‬وهو يقول‪« :‬إننا‬ ‫نخطط للمضي في دراسة إمكان استخدام‬ ‫هذه التقان������ة في الرح���ل��ات القادمة‪ ،‬رمبا‬ ‫في األع������وام ‪ ».2013-2012‬ويش������ير أيضا‬ ‫إلى أن محوالت س������تيرلنگ‪ ،‬في أثناء أكثر‬ ‫من ‪ 100 000‬س������اعة اختبار مختبري وفي‬ ‫ظروف متنوعة «برهنت على أن أداءها كما‬ ‫ه������و متوقع وأن لديها الق������درة على دميومة‬ ‫طويلة» مقارنة باملولدات ‪.RTGs‬‬ ‫والوكالة ناس������ا واثقة متام������ا باملولدات‬ ‫س������تيرلنگ ذات النظائر املشعة لدرجة أنها‬ ‫دعت جماعة الباحثني في علم الفضاء إلى‬ ‫تقدمي أفكار مش������اريع ع������ن مهام ورحالت‬ ‫بني الكواكب تعتمد املو ّلد ستيرلنگ‪ .‬ويؤكد‬ ‫>الڤيري< أن املهمة التدشينية للمو ّلد ميكن‬ ‫أن تكون رحلة إل������ى الكواكب اخلارجية أو‬ ‫رحلة مأهولة إل������ى القمر أو املريخ‪ .‬ويقول‪:‬‬ ‫«على التصميم العام ملثل هذه الرحالت في‬ ‫الوق������ت احلالي أن يكون منس������جما إما مع‬ ‫البيئة بني الكواكب ف������ي الفضاء البعيد أو‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪linear alternator‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬

‫مسار جديد‪ :‬تخطط الوكالة ناسا‬ ‫لالستعاضة عن املولدات الكهرحرارية العاملة‬ ‫على النظائر املشعة‪ ،‬املستخدمة على منت‬ ‫مجسات الفضاء البعيد مثل املجس كاسيني‬ ‫‪ Cassini‬مبحركات ستيرلنگ التي حتتاج إلى‬ ‫املجس‬ ‫ُربع كمية الوقود‪ .‬متثل صورة الفنان‬ ‫َّ‬ ‫كاسيني يطير قرب كوكب األرض‪.‬‬


‫مع بيئة س������طوح الكواكب احملاطة بغالف‬ ‫جوي أو باخلالء‪».‬‬ ‫وميكن لتقانة ستيرلنگ أن تب ّز تقانة ‪RTG‬‬ ‫كلي������ا‪ .‬ويتوقع >الڤيري< أنها «س������تكون بداية‬ ‫عائلة جديدة من منظومات طاقة النظائر املشعة‬ ‫أكثر كفاءة بكثير وأقل تكلفة بكثير من احللول‬

‫للقس‬ ‫التي كانت متاحة لنا حتى اآلن‪ ».‬ما كان ّ‬ ‫املبج������ل أن يتخي������ل أن ابتكاره‬ ‫>س������تيرلنگ< ّ‬ ‫العبق������ري ميكن أن يصير احملرك الرئيس������ي‬ ‫الذي يزود بالقوة احملركة عصر االستكشاف‬ ‫>‬ ‫العظيم القادم للمنظومة الشمسية‪.‬‬ ‫>‪ .M‬وولڤرتون<‬

‫ڤيروس في الدماغ‬ ‫هل ينجم سرطان الدماغ املميت املسمى ورم األرومة الدبقية ‪ glioblastoma‬عن ڤيروس حلئي ‪ herpesvirus‬؟‬ ‫(٭)‬

‫في الس������نوات األخيرة‪ ،‬تزاي������دت كثيرا‬ ‫������ارات علماء حيويات السرطان بأصابع‬ ‫إش‬ ‫ُ‬ ‫االته������ام إلى الڤيروس������ات‪ .‬فق������د وجدوا أنّ‬

‫ڤي���روس ال���ورم احلليمي البش���ري ‪human‬‬

‫‪ papillomavirus‬يسـ ِّبب سـرطان عنق الرحم‪،‬‬ ‫وأنّ الته���اب الكبـد الڤـيروس���ي من النمط‬ ‫‪ hepatitis B‬يح������ ِّرض على حدوث س������رطان‬ ‫الكب������د؛ كم������ا ظه������رت عالق ٌة ب���ي��ن ڤيروس‬ ‫إيپش���تاين‪-‬بار ‪ Epstein-Barr virus‬وحدوث‬ ‫بعض اللمفوم���ات ‪ .lymphoma‬وحديثا جدا‬ ‫اكتشف بعض العلماء أنّ أورام الدماغ اخلبيثة‬ ‫املس������ماة أورام األروم���ة الدبقي���ة العديدة‬ ‫األش���كال ‪ - glioblastoma multiforme‬وهي‬ ‫النوع املت ـقـ ــدم ف ــي تط ـ ـ ـ ّوره م ــن السـرطـ ــان‬ ‫الذي أص ـ ـ������اب الس������ ــين ــاتــور >‪ .E‬كي ـن ـيـ ــدي<‬ ‫م ــن والية ماساتشوس������يتس ‪ -‬تعِ ج في جميــع‬ ‫ِّ‬ ‫مضخمة للخاليا‬ ‫احلاالت تقريبا بڤيروس���ات‬ ‫(‪ ،)1()CMV‬وهي ڤيروس������ات ش������ائعة االنتشار‬ ‫غير مؤذية عادة تنتمي إلى فصيلة الڤيروس������ات‬ ‫احللئي������ة‪ .‬ومع أنّ طبيعة ه������ذا الترا ُفق ما زالت‬ ‫مشوبة بالغموض‪ ،‬فإنّ بعض الباحثني شرعوا‬ ‫في محاولة االس������تفادة من هذه الصلة إليجاد‬ ‫عالجات جديدة للسرطان‪.‬‬ ‫بدأت هذه القص������ة امللحمية في أواخر‬ ‫تس������ــعينــات الق ـ������رن امل ــاض������ي‪ ،‬عنــدم ــا‬ ‫أخ ــذ >‪ .Ch‬كوب������س< [وهو اختصاصي في‬ ‫اجلراحة العصبية وكان عندئذ في جامعة‬ ‫س������ان فرانسيس������كو بوالي������ة كاليفورنيا]‬ ‫‪92‬‬

‫بالتأ ّم������ل والتفكير في العالقة بني االلتهاب‬ ‫وسرطان الدماغ‪ .‬فاألورام اخلبيثة تترافق‬ ‫في كثير من األحيان مع فعالية مناعية غير‬ ‫سوية‪ ،‬وقد أراد >كوبس< أن يعرف السبب‬ ‫الكام������ن وراء ذل������ك‪ .‬يقول متس������ائال وهو‬ ‫يتذكر تل������ك األيام‪« :‬هل ه������ذا األمر مج َّرد‬ ‫ش������يء يحصل من دون تخطيط‪ ،‬أم إنه من‬ ‫املحُ ت َمل أن يكون هناك شي ٌء ما رمبا يقود‬ ‫ذاك الشالل االلتهابي؟»‬ ‫إنّ األخماج ‪ infections‬تثير االستجابات‬ ‫املناعي������ة‪ ،‬لذا فهي تقفز ف������ورا إلى األذهان‬ ‫هن������ا على أنها أس������باب َّ‬ ‫مرش������حة إلحداث‬ ‫ذلك األم������ر‪ .‬وعندما ح َّلل >كوبس< وزمالؤه‬ ‫عينات من أورام أرومة دبقية مس������تخلصة‬ ‫م������ن ‪ 22‬مريضا‪ ،‬وجدوا أنها جميعها تؤوي‬ ‫الڤيروس ‪ .CMV‬وفي الواقع‪ ،‬إنّ أربعة من‬ ‫أصل كل خمسة أشخاص يكون لديهم هذا‬ ‫الڤيروس‪ ،‬ويظل مالزما لهم طوال حياتهم‪.‬‬ ‫ويقوم اجلهاز املناعي لإلنسان عادة بإبقاء‬ ‫الڤي������روس ‪ CMV‬في حال������ة كامنة ال يتكاثر‬ ‫ولكن >كوبس< وجد أنّ هذا الڤيروس‬ ‫فيها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يستنسخ ذاته ويعيد إنتاج نفسه في خاليا‬ ‫تلك األورام‪ ،‬في حني ال يقوم بهذا في اخلاليا‬ ‫السليمة املجاورة للخاليا السرطانية‪ .‬ويقول‬ ‫>كوب������س<‪« :‬لقد كان واضحا بجالء أنّ هذه‬ ‫األورام كانت مصابة باخلمج‪ »،‬وقد نُشرت‬ ‫اكتش������افاته في مجلة األبحاث السرطانية‬ ‫‪ Cancer Research‬ع������ام ‪ ،2002‬وأ ّكده������ا عام‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫رابطة جتمع الڤيروسات بالسياسة‪:‬‬ ‫إنّ الورم الدماغي اخلبيث املسمى ورم‬ ‫األرومة الدبقية العديد األشكال ــ وهو‬ ‫النوع املتقدم في تطوّ ره من السرطان الذي‬ ‫أصاب السيناتور >‪ .E‬كينيدي< [من والية‬ ‫ماساتشوسيتس] ــ يعِ ُّج في معظم األحيان‬ ‫بجزيئات الڤيروس ‪( CMV‬البقع احلمراء‬ ‫والصفراء التي ُتشاهد في الشكل السفلي)‪.‬‬ ‫ويشكك بعض الباحثني في كون هذا‬ ‫املمرض(‪( pathogen )2‬ڤيروس من فصيلة‬ ‫َ‬ ‫املسؤول عن‬ ‫الڤيروسات احللئية) هو‬ ‫املعني‪.‬‬ ‫حدوث الورم‬ ‫ّ‬

‫(٭) ‪VIRUS IN THE BRAIN‬‬ ‫(‪cytomegalovirus )1‬‬

‫(‪ )2‬أو العامل املمرض‪.‬‬

‫(التحرير)‬


‫‪ .D> 2007‬ميتش������ل< [االختصاص������ي بعلم‬ ‫األورام العصبية في جامعة ديوك]‪.‬‬ ‫واألمر الذي لم يكن واضحا هو ملاذا على‬ ‫وجه التحديد كان اخلمج موجودا هناك؟ فهل‬ ‫يس������ ّبب الڤيروس ‪ CMV‬حدوث السرطان‪ ،‬أم‬ ‫إنه ببس������اطة يتكاثر ضمن اخلاليا الورمية؟‬ ‫وكما ِّ‬ ‫يوضح >ميتش������ل< «إنه س������ؤال يشبه‬ ‫قص������ة الدجاج������ة والبيض������ة‪ :‬من ج������اء قبل‬ ‫اآلخر الڤيروس أم الس������رطان؟» فاملصابون‬ ‫بورم األرومة الدبقية ‪ -‬على حسب ما يقوله‬ ‫ٌ‬ ‫ضعف في اجلهاز املناعي‬ ‫>ميتشل< ‪ -‬لديهم‬ ‫ميكن أن يسمح للخمج الكامن بالڤيروسات‬ ‫‪ CMV‬بأن يستعيد نشاطه من جديد‪ .‬وميكن‬ ‫أن توجد الڤيروسات ‪ CMV‬بشكل وافر في‬ ‫اخلالي������ا الورمية للدماغ؛ ألنه من الس������هولة‬ ‫������اح فيها‪ .‬وفي دراسة أجريت‬ ‫مبكان االرتش ُ‬ ‫ع������ام ‪ 2008‬ونش������رها >كوب������س< ف������ي مجلة‬ ‫‪ Nature‬الشهيرة‪ ،‬تبينَّ أنّ هناك ُم ْس َت ْق ِبلة على‬ ‫سطح اخللية مس������ؤولة عن السماح بدخول‬ ‫الڤيروس ‪ CMV‬إليها‪ ،‬وهي توجد بكمية أكبر‬ ‫على سطوح خاليا الورم الدماغي منها على‬ ‫سطوح أمناط اخلاليا األخرى‪.‬‬ ‫ويعتقد >كوبس< [الذي يعمل حاليا في‬ ‫معهد األبحاث التابع للمركز الطبي للمحيط‬ ‫الهادىء في مدينة س������ان فرانسيسكو] أنّ‬ ‫الڤيروس ‪ CMV‬يؤدي دورا أكثر فاعلية في‬ ‫عملية توليد األورام‪ .‬وهو يشير إلى دراسة‬ ‫نُشرت في الشهر ‪ 2008/5‬في مجلة ‪،Science‬‬ ‫وأظه������رت أنّ الڤي������روس ‪ CMV‬يقوم بصنع‬ ‫پروتينات مع ّينة تقوم بـ«إطفاء» جينات بشرية‬ ‫عملها ذو قيمة في منع النمو غير املرغوب فيه‬ ‫للخاليا‪ ،‬وهذا األخير ُيع َت َبر ش������رطا مسبقا‬ ‫لتط������ ّور حدوث الورم‪ .‬فكأنّ الڤيروس ‪CMV‬‬ ‫يقوم بـ«حتطيم حاجز الفرملة‪ »،‬على حسب‬ ‫رأي أحد املش ــاركني في الدراس ــة املذكــورة‬ ‫آنف ــا وهــو >‪ .R‬كالجِ تا< [االختصاصي بعلم‬ ‫الڤيروسات اجلزيئي في جامعة ماديسون]‪.‬‬ ‫وقد أظهرت دراس������ات أخرى أنّ الڤيروس‬ ‫‪ CMV‬ميكن������ه أن يعرقل ق������درة اخللية على‬ ‫‪93‬‬

‫االنتحار عندما ينحرف منوها عن املس������ار‬ ‫الصحي������ح‪ .‬ولكن حتى اآلن ‪ -‬على حس������ب‬ ‫م������ا ين ّبه إليه >كالِتجا< ‪ -‬ل������م ُيثبت أحد أنّ‬ ‫الڤيروس ‪ CMV‬ميكنه أن يح ِّول خلية سليمة‬ ‫إلى خلية سرطانية‪ .‬وهكذا‪ ،‬فعلى الرغم من‬ ‫امت���ل��اك الڤيروس بع������ض األدوات الالزمة‬ ‫إلحداث الس������رطان‪ ،‬فال يوج������د ٌ‬ ‫قاطع‬ ‫دليل‬ ‫ٌ‬ ‫على أنه يقوم بذلك بالفعل‪.‬‬ ‫يخص‬ ‫إنّ اخلبر اجل ّيد هنا هو أنّه فيما‬ ‫ّ‬ ‫اس ــتنباط الط ــرق الع ــالجي ـ ــة للسـ ــرط ــان‬ ‫ال يه ّمن������ا فه������م تفاصيل عالق������ة الڤيروس‬ ‫‪ CMV‬بسرطان الدماغ بقدر ما يه ّمنا وجود‬ ‫العالقة بح ِّد ذاتها‪ .‬يقول >ميتش������ل< [الذي‬ ‫ير ّكز عمل مختبره عل������ى ابتكار معاجلات‬ ‫جديدة للس������رطان]‪« :‬فيم������ا يتعلق بالهدف‬ ‫املرجو من أعمالنا ليس لألمر الس������ابق في‬ ‫احلقيقة قيم������ ٌة فعلية‪ ،‬فنح������ن نعتبر مج َّرد‬ ‫وج������ود الڤيروس فرصة فري������دة من نوعها‬ ‫تس������مح لنا مبالحقته هدفا ضمن اخلاليا‬ ‫الس������رطانية‪ ».‬وهك������ذا‪ ،‬ق������ام العاملون في‬ ‫مختبره بـ«تدريب» خالي������ا اجلهاز املناعي‬ ‫على متييز پروتينات الڤيروس ‪ ،CMV‬ومن‬ ‫ث َّم قاموا باستخدام هذه اخلاليا في تع ّرف‬ ‫اخلاليا الورمية املخموجة بالڤيروس ‪CMV‬‬ ‫وفي القضاء عليها‪.‬‬ ‫إنّ >ميتش������ل< وزم���ل��اءه يج������رون حاليا‬ ‫جتارب س������ريرية الختبار لقاحه������م (وكذلك‬ ‫نس������خة أخرى منه تس������تخدم خلي������ة مناعية‬ ‫أخرى)‪ .‬وعل������ى الرغم من أنهم لم ينش������روا‬ ‫بع������ ُد نتائج أبحاثهم‪ ،‬فهو يق������ول‪« :‬إنّ طالئع‬ ‫املعلوم������ات الواردة تبدو واع������دة‪ ».‬هنا يع ِّلق‬ ‫>كوبس< على ذلك كونه أحد املُف َعمني باألمل‬ ‫فيق������ول‪« :‬إنني أحبس أنفاس������ي‪ ،‬إذ يبدو أنّ‬ ‫ه������ذه الطريقة ميكن أن تكون وس������يلة جديدة‬ ‫بش������كل جذري فيما يتعلق بأس������لوب معاجلة‬ ‫>‬ ‫هذه األورام‪».‬‬ ‫>‪ .M‬وينر< تعمل في مدينة نيويورك وتكتب‪ ،‬في معظم‬ ‫األحيان‪ ،‬في مواضيع طبية بيولوجية ‪.biomedical‬‬ ‫‪(2011) 8/7‬‬

‫عندما توجد النظافة‬ ‫(٭)‬ ‫بجوار السرطان‬ ‫يصيب الڤيروس ‪ CMV‬نحو‬ ‫من الناس‪ .‬فإذا كان هذا الڤيروس‬ ‫يس ِّبب ورم األرومة الدبقية العديد‬ ‫األشكال‪ ،‬كما يفترض >كوبس<‬ ‫[من معهد األبحاث باملركز الطبي‬ ‫للمحيط الهادئ في مدينة سان‬ ‫فرانسيسكو بوالية كاليفورنيا]؛‬ ‫ٌ‬ ‫قليل منهم‬ ‫فلماذا ال يصاب إ ّال عد ٌد‬ ‫فقط بأورام الدماغ؟ يجيب >كوبس<‬ ‫مجادال في أنّ السؤال نفسه ميكن‬ ‫أن ُيط َرح بخصوص املُمرضات‬ ‫‪ pathogen‬املعروف عنها إحداثها‬ ‫للسرطان مثل ڤيروس الورم احلليمي‬ ‫البشري‪ ،‬ويقول‪« :‬إنّ هذه هي القاعدة‬ ‫خمج واســع‬ ‫الفعلية هنا‪ :‬يكون لديك‬ ‫ٌ‬ ‫االنتشـار‪ ،‬وعلى الرغم من هذا‪ ،‬ال‬ ‫تُصاب بالسرطان سوى نسبة صغيرة‬ ‫من تلك احلاالت‪ ».‬وبالنسبة إلى ورم‬ ‫األرومة الدبقية الحظ >كوبس< أنّ‬ ‫معظم املرضى هم من األشخاص‬ ‫فخمن أنّ األشخاص‬ ‫امليسورين‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫املصابني بالشكل الكامن من خمج‬ ‫الڤيروس ‪ CMV‬رمبا يكونون أكثر‬ ‫عرضة حلدوث األورام إذا متَّت‬ ‫تنشئتهم في بيئة نظيفة حتفظ‬ ‫الصحة ‪.hygienic‬‬ ‫تستند هذه الفكرة إلى ما يسمى‬ ‫«فرضية احلفاظ على الصحة» التي‬ ‫تُستخ َدم لتفسير مع ّدل احلدوث‬ ‫التحسسية في البلدان‬ ‫املرتفع للظواهر‬ ‫ّ‬ ‫املتطورة‪ .‬هذه الفرضية تقوم على أنّ‬ ‫التع ّرض أثناء الطفولة للممرضات‬ ‫يهيئ للجهاز املناعي الفرصة كي‬ ‫يستجيب لها بشكل صحيح ومناسب‪.‬‬ ‫وفي املقابل‪ ،‬عندما ينمو األشخاص‬ ‫ويتق ّدمون في السن وهم ضمن بيئة‬ ‫«فائقة النظافة»؛ فإنّ أجهزتهم املناعية‬ ‫ال تنضج بالشكل الكافي‪ .‬وعلى حسب‬ ‫ما يقوله >كوبس< عندما ُيصاب مثل‬ ‫أولئك األشخاص باخلمج بالڤيروس‬ ‫‪ ،CMV‬فحينئذ ميكن أن يكونوا أكثر‬ ‫عرضة حلدوث ورم األرومة الدبقية‪.‬‬ ‫ولكنّ >كوبس< يعترف بأنّ فكرته هذه‬ ‫ال ترتكز فعليا على أكثر من إحساس‬ ‫داخلي ذاتي‪.‬‬ ‫‪%80‬‬

‫()٭) �‪When Cleanliness Is Next to Malig‬‬ ‫‪nancy‬‬


‫رؤية ليلية‬ ‫يبدو أن حركات العني السريعة متسح‬ ‫التحركات في أحالمنا‪.‬‬ ‫( )‬

‫ت������دور أعيننا باس������تمرار ضمن محاجره������ا خالل مرحلة‬ ‫حت���ركات العني الس���ريعة أثن���اء الن���وم ‪ ،)1((REM) sleep‬أو‬

‫اختص������ارا «نوم الرمي»‪ ،‬وهي ظاهرة مازالت من دون تفس������ير‬ ‫من������ذ عقود‪ ،‬وقد وضع لها الباحث������ون عدة احتماالت‪ :‬منها أن‬ ‫العني تدور لتش������حيم الطبقة الداخلية من اجلفن‪ ،‬أو أن العني‬ ‫لتنبيه من‬ ‫تهت������ز لتدفئة الدماغ‪ ،‬أو أن العني ترتعش اس������تجابة‬ ‫ٍ‬ ‫جذع الدماغ‪ .‬وبحسب الدراسة الواردة في العدد الصادر في‬ ‫الش������هر ‪ 2010/6‬من مجلة الدم���اغ ‪ ،Brain‬فإن التفسير األكثر‬ ‫توجه حتديقها إلى مس������ح الصور التي‬ ‫احتماال هو‪ :‬إن أعيننا ِّ‬ ‫نتخيله������ا في األح���ل��ام‪ ،‬مثلما تغير العين������ان اجتاه حتديقهما‬ ‫استجابة للبيئة التي حتيط بنا ونحن يقظون ومتحركون‪.‬‬ ‫وقد ش������ملت الدراسة التي أجراها اختصاصيون في العلوم‬ ‫العصبية مبستش������فى پيتييه س������الپيترييه ف������ي باريس مجموعة‬ ‫فريدة من املصابني باضطراب س������لوكي ف������ي مرحلة نوم الرمي‪.‬‬ ‫فهؤالء األش������خاص ال يدخل������ون في احلالة املعتادة من الش������لل‬ ‫املؤقت الت������ي حتول دون التحرك أثناء األح���ل��ام‪ .‬وبدال من ذلك‬ ‫فإنهم يع ّبرون بأجس������ادهم عن أحالمه������م‪ :‬فقد يقومون بالرفس‬ ‫بالقدم���ي��ن‪ ،‬وبالصراخ‪ ،‬ومبس������ك األش������ياء باليدي������ن‪ ،‬ومبد اليد‬ ‫للوصول إلى ش������يء ما‪ ،‬وبتس������لق مكان ما أو بالقفز منه‪ ،‬وهذا‬ ‫ما مي ِّكن الباحثني من اكتش������اف مــا يـ ـ������دور عـ ــادة داخــل رأس‬ ‫الش������ ــخص احلــالِم‪ ،‬وكما قالت >‪ .I‬أرنولف< [االختصاصية في‬ ‫اجلهاز العصبي واملتخصصة في مجال النوم‪ ،‬والتي ش������اركت‬ ‫في إعداد هذه الدراس������ة]‪« :‬تلك نافذة مباش������رة نطل من خاللها‬ ‫على أحالم الناس»‪ ،‬وتتابع >أرنولف< قولها‪« :‬وهذا يبدو شبيها‬

‫مراكز توزيع‬

‫باحلاشية املكتوبة أسفل الشاشة في فيلم سينمائي‪».‬‬ ‫وقد اس������تعملت >أرنولف< وزمالؤها أقطاب������ا كهربائية لتعقب‬ ‫حركات العني عند ‪ 56‬ش������خصا ممن يعانون اضطرابا في النوم‪،‬‬ ‫و‪ 17‬ش������خصا ممن نومهم سوي‪ ،‬وس������جلت شريط فيديو للسلوك‬ ‫الليلي للمجموعتني املدروس������تني في وقت واحد؛ ثم حلل الباحثون‬ ‫الشريط املسجل للمرضى طوال الليل صورة صورة ملعرفة ما إذا‬ ‫كانت الفعاليات لديهم تتماشى مع اجتاه حتديقهم‪.‬‬ ‫وقد ظهر ذلك التماش������ي بوضوح لديهم‪ ،‬إذ إنه في ‪%90‬‬ ‫من الوقت كان ن َ​َظ ُر الش������خص ال������ذي لديه اضطراب في نوم‬ ‫موجها بش������كل متزامن إلى أنش������طة تومىء إلى أفعال‬ ‫الرمي ّ‬ ‫باحللم‪ .‬فمن َحلِم بأنه يق ِّبل أحدا إلى يس������اره‪ ،‬فإنه ينظر إلى‬ ‫اليسار‪ ،‬ومن حلم بأنه يصعد س ّلما‪ ،‬فهو يبدل بالتتالي اجتاه‬ ‫نظره إلى األعلى واألس������فل ملتابعة تق������دم حركته‪ .‬وكان هناك‬ ‫من يس������ترق النظر إلى اخللف من ف������وق كتفه وهو يحلم بأنه‬ ‫يهرب من أس������د‪ .‬فلو كانت حركات العني السريعة ارتعاشات‬ ‫عشوائية‪ ،‬فإن تلك االرتعاشات لن تتوافق مع حركات األحالم‬ ‫املرافقة لها بهذا التكرار‪ ،‬وهذا ما اس������تنتجه الباحثون‪ .‬ومن‬ ‫املؤك������د أنه إذا تمَ ّ النظر إل������ى املوضوع من وجهة نظر العلوم‬ ‫>‬ ‫العصبية لألحالم‪ ،‬فمن األفضل أن تصدق عينيك‪.‬‬ ‫جبر<‬ ‫>‪َ .F‬‬

‫( ) ‪Night Sight‬‬ ‫(‪Rapid Eye Movement )1‬‬

‫في األقطار العربية‪:‬‬

‫< اإلمارات‪ :‬شركة اإلمارات للطباعة والنشر والتوزيع ‪ -‬أبوظبي‪ /‬دار احلكمة ‪ -‬دبي < البحرين‪ :‬الشركة العربية‬ ‫للوكـاالت والتوزيــع ‪ -‬املنامــة < تونس‪ :‬الشــركة التونسـية للصحافة ‪ -‬تونس < السعودية‪ :‬تهامـة للتوزيـع ‪ -‬جدة‬ ‫ الرياض ‪ -‬الدمام < سوريا‪ :‬املؤسـسة العربية السورية لتوزيع املطبوعات ‪ -‬دمشق < عُ مان‪ :‬محالت الثالث‬‫جنوم ‪ -‬مسقط < فلسطني‪ :‬وكالة الشرق األوسط للتوزيع ‪ -‬القدس < قطر‪ :‬دار الثقافة للطباعة والصحافة والنشر‬ ‫والتوزيع ‪ -‬الدوحة < الكويت‪ :‬الشركة املتحدة لتوزيع الصحف واملطبوعات ‪ -‬الكويت < لبنان‪ :‬الشركة اللبنانية‬ ‫لتوزيع الصحف واملطبوعات ‪ -‬بيروت < مصر‪ :‬األهرام للتوزيع ‪ -‬القاهرة < املغرب‪ :‬الشركة الشريفية للتوزيع‬ ‫والصحافة ‪ -‬الدار البيضاء < اليمن‪ :‬الدار العربية للنشر والتوزيع ‪ -‬صنعاء‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫‪(2011) 8/7‬‬


50

ECOLOGY

Phosphorus Lake By Mark Fischetti

To supply the nation with fertilizer, Florida gets stripmined.

52

ENVIRONMENT

Methane: A Menace Surfaces By Katey Walter Anthony

Arctic permafrost is thawing, creating lakes that emit methane. The heattrappings gas could accelerate global warming. How big is the threat? What can be done?

62

MEDICINE

The Enemy Within By Maryn MacKenna

A new kind of antibiotic resistance threatens to leave us defenseless against a frightening range of bacterial infections.

72

NEUROSCIENCE

100 Trillion Connections By Carl Zimmer

The noise of billions of brain cells trying to communicate with one another may hold a crucial clue to understanding consciousness.

80

PHYSICS

Demons, Entropy and the Quest for Absolute Zero By Mark G. Raizen

A 19th-century thought experiment has turned into a real technique for reaching ultralow temperatures, paving the way to scientific applications.

87 TechnoFiles

The success of Google’s Android software doesn’t prove that open is better.

89 News Scan < < < <

Beam Weapons Get Real Stirling in Deep Space Virus in the Brain Night Sight

ADVISORY BOARD

Adnan Shihab-Eldin Chairman

Abdullatif A. Al-Bader Deputy

Adnan Hamoui

Member - Editor In Chief

(2011) 8/7

EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam SEnIor writeR: Gary Stix EDITORS: Davide Castelvecchi, Graham P. Collins, Mark Fischetti, Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser, Christine Soares, Kate Wong

CONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert, Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs, Marguerite Holloway, Christie Nicholson, Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer, Sarah Simpson ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello, Larry Greenemeier news Reporter, ONLINE: John Matson ART DIRECTOR, online: Ryan Reid ART DIRECTOR: Edward Bell ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller Editorial Administrator: Avonelle Wing SENIOR SECRETARY: Maya Harty COPY and PRODUCTION, nature publishing group: Senior COPY editor, npg: Daniel C. Schlenoff COPY editor, npg: Michael Battaglia editorial assistant, npg: Ann Chin managing pRODUCTION EDITOR, npg:  Richard Hunt senior pRODUCTION EDITOR, npg: Michelle Wright PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:  Carl Cherebin PREPRESS AND QUALITY MANAGER:  Silvia De Santis CUSTOM PUBLISHING MANAGER:  Madelyn Keyes-Milch pRESIDENT: Steven Inchcoombe VICE PRESIDENT, operations and Administration: Frances Newburg Vice president, finance and BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek BUSINESS MANAGER: Marie Maher

Letters to the Editor Scientific American 75 Varick Street, 9th Floor, New York, NY 10013-1917 or editors@SciAm.com

Letters may be edited for length and clarity. We regret that we cannot answer each one. Post a comment on any article instantly at

www.ScientificAmerican.com/ sciammag

95


July / August - 2011

4

Volume 27

Number 7/8

SUSTAINABILITY

7 Radical Energy Solutions

Most of these technologies may fail, but the ones that don’t could significantly alter how we generate energy and how efficiently we use it.

14

PSYCHOLOGY

The Neuroscience of True Grit By Gary Stix

When tragedy strikes, most of us ultimately rebound surprisingly well. Where does such resilience come from?

22

cell BIOLOGY

The Orderly Chaos of Proteins By A. Keith Dunker - Richard W. Kriwacki

To carry out critical work in cells, proteins must adopt specific rigid shapes–or so standard wisdom says. Yet many key proteins turn out to be quite floppy.

30

LIFE SCIENCE

Jane of the Jungle By Kate Wong

Primatologist Jane Goodall shares insights from her 50 years among the chimpanzees of Gombe.

32

MEDICINE

Fast Track to Vaccines By Alan Aderem

Biologists may have found a way to make effective vaccines against AIDS, tuberculosis and other difficult diseases.

40

SUSTAINABILITY

The Blue Food Revolution By Sarah Simpson

New fish farms out at sea, and cleaner operations along the shore, could provide the world with a rich supply of much needed protein. (2011) 8/7

96


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.