SCIENTIFIC AMERICAN ARABIC مجلة العلوم النسخة العربية - المجلد_26 - العددان 7\8

Page 1

‫املجلد ‪ 26‬ـــ العددان‬

‫املجلد ‪ 26‬ـــ العددان ‪8/7‬‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪8/7‬‬

‫‪July / August 2010‬‬

‫جنوم تتكون من غيوم‬

‫مــــــجــــــــــــــلة الـعـــــــــــــــــــــــــــــــــلــوم‬

‫العددان ‪ 268/267‬ــــ السعر‪ 1.500 :‬دينار كويتي‬

‫طاقة الدماغ اخلفية‬ ‫مفتاح لفهم االضطرابات العصبية‬

‫يوليو‪ /‬أغسطس‬ ‫‪2010‬‬

‫دور اجللد العاري من الشعر‬ ‫في بزوغ سمات بشرية‬

‫آذان حيوية إلكترونية‬

‫جتارب ميدانية للتنبؤ بالتغير املناخي‬

‫مفاعل الطاقة االندماجي‪:‬‬ ‫حلم تأمني طاقة نظيفة المتناهية‬


‫املجلد ‪ 26‬ـ ـ العددان‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪268./267‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫علي عبـداهلل ال�شـمالن‬ ‫رئ ـيـس الهيـئـ ــة‬

‫‪20856‬‬ ‫‪oloom@kfas.org.kw‬‬ ‫‪(+965) 22428186‬‬

‫عبداهلل �سليمـان الفهيد‬

‫‪13069‬‬

‫‪www.kfas.org‬‬ ‫‪(+965) 22403895‬‬

‫نائب رئيس الهيئة‬

‫عـدنـان احلـموي‬

‫‪Advertising correspondence from outside the Arab World should be addressed to‬‬ ‫‪SCIENTIFIC AMERICAN 415, Madison Avenue, New York, NY 10017 - 1111‬‬ ‫‪Or to MAJALLAT AL-OLOOM, P.O. Box 20856 Safat, Kuwait 13069 - Fax. (+965) 22403895‬‬

‫عضو الهيئة ـ رئيس التحرير‬

‫شارك في هذا العدد‬

‫‪1.800‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪1.800‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫❊‬ ‫❊‬ ‫‪20‬‬

‫خضر األحمد‬ ‫علي األمير أحمد‬ ‫زيدان أسعد‬

‫‪1.500‬‬ ‫❊‬ ‫❊‬ ‫‪7‬‬ ‫‪30‬‬ ‫❊‬ ‫‪250‬‬

‫❊‬ ‫‪100‬‬ ‫❊‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1.25‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪$‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪£‬‬ ‫‪Cl‬‬

‫‪$‬‬

‫‪Britain‬‬ ‫‪Cyprus‬‬ ‫‪France‬‬ ‫‪Greece‬‬ ‫‪Italy‬‬ ‫‪U.S.A.‬‬ ‫‪Germany‬‬

‫)‪(USA $ 1.5‬‬

‫❊‬

‫عبداحملسن األيوبي‬ ‫رياض احللوجي‬ ‫عدنان احلموي‬

‫‪12‬‬

‫‪45‬‬

‫عبدالقادر رحمو‬

‫‪16‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪56‬‬ ‫‪112‬‬

‫أحمد الرحمون‬ ‫محمد توفيق الرخاوي‬ ‫غدير زيزفون‬ ‫قاسم السارة‬ ‫وليد الشارود‬ ‫فؤاد العجل‬ ‫عدنان عضيمة‬ ‫عصام قاسم‬ ‫أحمد الكفراوي‬ ‫يوسف محمود‬

‫‪CD‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪Settings‬‬

‫‪-2‬‬

‫‪Regional and Language Options‬‬

‫‪-3‬‬

‫‪Arabic‬‬

‫‪start‬‬

‫‪Control Panel‬‬

‫‪Standards and formats‬‬

‫‪www.kfas.org‬‬

‫‪OK‬‬

‫‪1986‬‬


‫املجلد ‪ 26‬ـــ العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪8/7‬‬

‫‪4‬‬

‫علم الفلك‬

‫جنوم تتكون من غيوم‬ ‫>‪ .T .E‬يونگ<‬

‫خضر األحمد ـ عدنان احلموي‬

‫إن تك ّون جنم ليس بالشيء السهل فهمه‪ .‬ويعكف الفلكيون على َس ّد الثغرات في النظرة‬ ‫النموذجية إلى طريقة نشوء النجوم‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫طـب‬

‫استعادة التوازن باستعمال‬ ‫آذان َح َي ْترونية (حيوية‪-‬إلكترونية)‬ ‫>‪.C .Ch‬‬

‫ديال‬

‫سانتينا<‬

‫عبداحملسن األيوبي ـ رياض احللوجي‬

‫غرسات إلكترونية في األذن الداخلية قد تُعني في يوم من األيام املرضى الذين يعانون‬ ‫اضطراب التوازن املُقعِ د‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫طب‬

‫الطب النانوي يستهدف السرطان‬

‫>‪ .R .J‬هيث< ـ >‪ .E .M‬ديڤيز< ـ‬

‫>‪ .L‬هود<‬

‫أحمد الكفراوي ـ قاسم السارة‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫باعتبار جسم اإلنسان نظا ًما يتكون من شبكات جزيئية‪ ،‬سيكون بإمكان أطباء املستقبل‬ ‫استهداف اخللل في هذا النظام بتقانات ذات أبعاد نانوية تُبدل بذلك طرق تشخيص‬ ‫ومعاجلة األورام اخلبيثة وغيرها من األمراض‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫طاقة‬

‫فجر االندماج الكاذب‬ ‫>‪ .M‬موير<‬

‫زيدان أسعد ـ يوسف محمود‬

‫لطاملا حلم العلماء بالتحكم في طاقة االندماج النووي ‪ -‬مولد الطاقة النجمية ‪ -‬من أجل‬ ‫احلصول على طاقة آمنة‪ ،‬نظيفة المتناهية‪ .‬وحتى مع اقتراب هذا احلدث التاريخي املهم‪،‬‬ ‫فما زال هناك من يشكك في إمكان إنتاج فعلي ملفاعل طاقة اندماجي‪ ،‬مفاعل باستطاعته‬ ‫تأمني طاقة نظيفة المتناهية‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫بيولوجيا‬

‫صعود جنم البكتيريا النانوية وأفوله‬ ‫>‪ .D .J‬يونگ< ‪ .J> -‬مارتل<‬

‫وليد الشارود ـ عصام قاسم‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫لقد كان ُيعتقد أن البكتيريا النانوية هي أصغر الكائنات املمرضة املعروفة؛ وقد برهنت‬ ‫ً‬ ‫مرتبطا بالصحة‪،‬‬ ‫اليوم على أنها أشياء غريبة بالقدر نفسه تقريبا‪ ،‬وأن لها بالفعل دو ًرا‬ ‫لكنه ليس ذات الدور الذي اقتُرح لها في البداية‪.‬‬


‫«مجـلـة العـلوم» تصــدر شهر ًيا فــي الكـويـت مـنذ عـام ‪ 1986‬عـن «مؤسسـة الكـويـت للتقـدم العلمـي» وهـي مؤسسـة أهليـة ذات نفـع عـام‪ ،‬يـرأس مجلـس إدارتهـا صاحـب السمـو أمــير دولــة الكـويــت‪ ،‬وقـد أنشــئت عــام‬ ‫بهـدف املعاونـة فـي التطــور العلمـي واحلضـاري فـي دولـة الكويـت والوطـن العـربـي‪ ،‬وذلـك مــن خـالل دعــم األنشطــة العلمــية واالجتماعـيـة والثقـافيـة‪ .‬و«مجلة العلوم» هـي فـي ثلثي محتوياتهــا ترجمـة لـ«ساينتفيك أمريكان»‬ ‫التـي تعتبر مـن أهـم املجـالت العلمـيـة فــي عالـم اليــوم‪ .‬وتسعـى هـذه املج ـلـة مـنذ نشأتهـا عــام ‪ 1845‬إلـى متكـني القـارىء غــير املتخصــص مــن متـابعـة تطــورات معـارف عصـره العلميــة والتقانيــة‪ ،‬وتوفير معـرفـة شموليـة للقــارىء‬ ‫املتخصص حول موضوع تخصصه‪ .‬تصدر «ساينتفيك أمريكان» بثماني عشرة لغة عاملية‪ ،‬وتتميز بعرضها الشيق للمواد العلمية املتقدمة وباستخدامها الق ّيم للصور والرسوم امللونــة واجلداول‪.‬‬

‫‪1976‬‬

‫‪48‬‬

‫بيـ ـ ــئة‬

‫ّ‬ ‫متحكم فيها‬ ‫التغير املناخي‪ :‬جتربة‬

‫>‪ .D .S‬ولسشليگر< ـ ـ‬

‫>‪ .M‬ستراهل<‬

‫غدير زيزفون ـ فؤاد العجل‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫كل‬ ‫درس العلماء بعناية األراضي العشبية والغابات ملعرفة كيف أن التغيرات في ٍ‬ ‫من الهطول املطري وثاني أكسيد الكربون ودرجة احلرارة‪ ،‬ستؤثر في مستقبل‬ ‫البيوسفير (الغالف احليوي)‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫تطور‬

‫احلقيقة الناصعة‬

‫>‪ .G .N‬جابلونسكي<‬

‫أحمد الرحمون ـ عبد القادر رحمو‬

‫توضح املستجدات احلديثة أصول غياب الشعر لدى البشر؛ كما تشير هذه املستجدات‬ ‫إلى الدور املفتاحي للجلد العاري في بزوغ سمات بشرية أخرى‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫علوم عصبية حديثة‬

‫طاقة الدماغ اخلفية‬ ‫>‪ .E .M‬ريتشيل<‬

‫محمد توفيق الرخاوي ـ علي األمير أحمد‬

‫إن مناطق الدماغ الناشطة عندما نسمح لعقولنا بأن تَسرح‪ ،‬ميكن أن تزودنا مبفتاح لفهم‬ ‫االضطرابات العصبية‪ ،‬ال بل حتى الوعي نفسه‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫فـلـك‬

‫األعاجيب الثماني للمنظومة الشمسية‬ ‫>‪ِ .E‬ب ْل<‬

‫عدنان عضيمة ـ خضر األحمد‬

‫جولة لرؤية بعض أكثر املشاهد املبهرة التي تنتظر مكتشفني شجعانا ملنظومتنا الشمسية‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫بيولوجيا‬

‫توسيع حدود احلياة‬ ‫>‪ .S .A‬برادلي<‬

‫عبدالقادر رحمو ـ عدنان احلموي‬

‫كيف تطورت احلياة؟ إن حتليل نظام بيئي لنمط حديث االكتشاف من الفتحات (امل ْن َفسات‬

‫‪ )vents‬الساخنة في قاع البحر‪ ،‬يوفر احتماالت جديدة لكيفية تطور احلياة‪.‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫جنوم تتكون من غيوم‬

‫(٭)‬

‫إن فهم كيف يتكون جنم ليس أمرا سهال‪ .‬والفلكيون يحاولون‬ ‫جاهدين ملء فجوات الرؤية املتعارفة حول الكيفية التي تتكون وفقها النجوم‪.‬‬ ‫>‪ .T .E‬يونگ<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫>‬

‫>‬

‫مع أن نظرية الفلكيني في التكون‬ ‫النجمي أحرزت تقدما جوهريا‬ ‫في السنني القليلة املاضية‪ ،‬إال‬ ‫أنها مازالت حتوي ثغرات مهمة‪.‬‬ ‫صحيح إن النجوم تتكون من‬ ‫سحب غازية عند انهيارها‪ ،‬ولكن‬ ‫من أين تأتي تلك السحب‪ ،‬وما‬ ‫الذي يجعلها تنهار؟‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬تتعامل النظرية‬ ‫املعيارية مع النجوم كل مبعزل عن‬ ‫غيره‪ ،‬مهملة تآثراتها والسحب‬ ‫التي وُ لِدت فيها‪.‬‬ ‫يحقق الفلكيون تقدما في ملء هذه‬ ‫الثغرات‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬فإنهم‬ ‫رأوا كيف تتمكن النجوم ذات‬ ‫الكتل الضخمة من استهالل انهيار‬ ‫السحب‪ ،‬وكيف تدفع النجوم‬ ‫احلديثة الوالدة بعضها بعضا‬ ‫لتنتهي في الفضاء السحيق‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪4‬‬

‫إذا كان ثمة ش������ــيء ُيظ������ن أن عل ـمـاء‬ ‫الفلك توصـ ـل������وا إلى فهم������ه اآلن‪ ،‬فه ـ ــو‬ ‫تك ُّون النجوم‪ .‬وتعود الفكـ ــرة األساس������ية‬ ‫ون النجـ ــوم إلى >‪ .E‬كانْت<‬ ‫في طريق ــة تك ّ‬ ‫و >‪ .S .P‬الپالس< في القرن الثامن عشر؛‬ ‫أما تفصيالت طريق������ة تأللئها وتطورها‪،‬‬ ‫فق������د اكتش������فها فيزيائيون ف������ي النصف‬ ‫األول م������ن القرن العش������رين‪ .‬وفي أيامنا‬ ‫هذه‪ُ ،‬ت َع َّلم املبادئ التي حتكم النجوم في‬ ‫مدارس املرحلة املتوسطة‪ ،‬ثم إن األشياء‬ ‫غير املألوفة واملثيرة‪ ،‬كامل���ادة املعتمة(‪،)1‬‬ ‫مت���ل��أ عناوي������ن مقاالت بع������ض الصحف‬ ‫واملجالت‪ .‬وقد يب������دو أن التك ّون النجمي‬ ‫مس������ألة اكتمل حلها‪ ،‬ولكن ما من ش������يء‬ ‫يس������تطيع جتاوز احلقيق������ة‪ ،‬إذ إن والدة‬ ‫النجوم مازالت واح������دا من املوضوعات‬ ‫غير املبتوت فيها في الفيزياء الفلكية التي‬ ‫بلغت مرحلة متقدمة في أيامنا هذه‪.‬‬ ‫ومتث������ل عملي������ة ال������والدة هذه‪ ،‬بأبس������ط‬ ‫العب������ارات‪ ،‬انتص������ار الثقال���ة ‪ gravity‬على‬ ‫الضغط‪ .‬وهي تبدأ بغيمة (س������حابة) مترامية‬ ‫األطراف م������ن الغ������از والغب������ار الطافية في‬ ‫الفضاء البينجمي(‪ .)2‬فإذا كانت غيمة ‪ -‬أو‪،‬‬ ‫ف������ي األغلب‪ ،‬جزء كثيف من الغيمة يس������مى‬ ‫قلبه���ا(‪ - )3‬ب������اردة وكثيفة كفاية‪ ،‬فإن اجلذب‬ ‫(نحو الداخل) الذي تقوم ب������ه الثقالة يتغلب‬ ‫على الدفع نحو اخلارج الذي يفعله الضغط‬ ‫الغازي‪ ،‬ومن ثم تبدأ الغيمة باالنهيار نتيجة‬ ‫تأثير وزنه������ا الذات������ي‪ .‬وإذ ذاك تأخذ كثافة‬

‫وحرارة الغيم������ة‪ ،‬أو قلبه������ا‪ ،‬بالتزايد‪ ،‬وهذا‬ ‫يؤدي في نهاية املطاف‪ ،‬إلى إطالق ش������رارة‬ ‫اندم���اج ن���ووي(‪ .)4‬وتعم������ل احل������رارة التي‬ ‫يولده������ا االندماج النووي على زيادة الضغط‬ ‫وإيق������اف االنهيار‪ .‬ويس������تمر النج������م املولود‬ ‫اجلديد بحالة توازن ديناميكي ميكن أن يدوم‬ ‫من ماليني إلى تريليونات السنني‪.‬‬ ‫إن النظرية في هذا احلقل متس������اوقة‬ ‫بعضها مع بعض(‪ ،)5‬وتتفق مع قدر كبير‬ ‫متزايد من األرصاد‪ ،‬ولكنها مازالت بعيدة‬ ‫عن الكمال‪ ،‬ذلك أن كل جملة ذكرناها في‬ ‫الفقرة السابقة حتتاج إلى تفسير؛ وبوجه‬ ‫خاص‪ ،‬ثمة أربعة أس������ئلة ُّ‬ ‫تقض مضاجع‬ ‫الفلكيني‪ ،‬أ ّولها أنه ل������و افترضنا القلوب‬ ‫الكثيفة بي������وض النجوم‪ ،‬فأين الدجاجات‬ ‫الكوني������ة؟ فالغيوم نفس������ها يجب أن تأتي‬ ‫م������ن مكان ما‪ ،‬ث������م إن تك ّونها غير مفهوم‬ ‫جيدا‪ .‬ثانيا‪ ،‬ما ال������ذي يجعل القلب يبدأ‬ ‫باالنهي������ار؟ فأيا كانت آلية ه������ذه البداية‪،‬‬ ‫فهي حتدد معدل س������رعة تك������ ّون النجوم‬ ‫وكتلها النهائية‪.‬‬ ‫ثالثا‪ ،‬كي������ف تؤث������ر النج���وم اجلنينية‬ ‫‪ embryonic stars‬أحده������ا ف������ي اآلخ������ر؟ إن‬ ‫النظرية املعيارية(‪ )6‬تقدم وصفا للنجوم كل‬ ‫مبع������زل عن اآلخر؛ وهي ال تقول ش������يئا عما‬ ‫( ) ‪Cloudy with a Chance of Stars‬‬ ‫(‪dark matter )1‬‬ ‫(‪interstellar space )2‬‬ ‫(‪core )3‬‬ ‫(‪nuclear fusion )4‬‬ ‫(‪self-consistent )5‬‬ ‫(‪the standard theory )6‬‬


‫يح������دث حني تتكون وه������ي قريبة بعضها من‬ ‫بعض‪ ،‬كما يحدث في معظم النجوم‪ .‬وتوحي‬ ‫االكتشافات احلديثة أن شمسنا ولدت ضمن‬ ‫جتمع سرعان ما تشتت(‪ .)1‬تُرى‪ ،‬كيف ميكن‬ ‫أن تختلف تربية طف������ل في بيت حضانة عن‬ ‫تربيته في بيت ال يوجد فيه غيره؟‬

‫رابع������ا‪ ،‬كي������ف تتدب������ر النج������وم البالغة‬ ‫الضخامة أمرها لتتك������ون‪ .‬على أي حال إن‬ ‫النظري������ة املعياري������ة تنجح في تفس������ير تك ّون‬ ‫جنوم كتلها أكبر من كتلة شمس������نا عشرين‬ ‫مرة‪ ،‬ولكنه������ا تخفق في النج������وم التي تكبر‬ ‫انظر‪:‬‬

‫”‪“ The Long-Lost Sibling of the Sun,‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪by S.Zwart, Scientific American, November 2009‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫تكون جنمي عنيف قرب قلب املجرة‬ ‫‪ ،M83‬التقطته العام املاضي آلة‬ ‫التصوير ‪Wide Field Camera 3‬‬ ‫اجلديدة املوجودة على منت مقراب هابل‬ ‫الفضائي‪ .‬وتخفق النظريات املعيارية‬ ‫في معرفة أسباب ظهور هذه النجوم‬ ‫الضخمة‪ ،‬التي مييل لونها إلى الزرقة‪،‬‬ ‫وفي معرفة الطريقة التي تعي ُد بها طاقة‬ ‫إلى السحب الغازية والتي تتكون هذه‬ ‫النجوم منها‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫[النظرية املعيارية]‬

‫والدة جنم ــ بصعوبة‬

‫( )‬

‫تقدم النظرية املعيارية في التكون النجمي تفسيرا متقنا للنجوم املنعزلة ذات الكتل الطفيفة واملتوسطة‪ ،‬ولكنها تترك كثيرا من الثغرات املفاهيمية‪.‬‬ ‫يبدأ التكون النجمي بسحابة جزيئية عمالقة‪،‬‬ ‫هي كتلة بارزة سدميية من الغاز والغبار‪.‬‬

‫ضمن هذه السحابة‪ ،‬تنهار سحابة جزئية كثيفة‬ ‫من الغاز والغبار ‪ -‬تسمى قلبا ‪ -‬بفعل وزنها‪.‬‬

‫يتشظى القلب إلى أجنة جنمية متعددة‪ .‬وفي كل من هذه‬ ‫األجنة تنشأ نواة لنجم بدائي‪ ،‬وتسحب نحوها غازا وغبارا‪.‬‬ ‫جنم بدائي‬

‫سحابة‬ ‫قلب‬

‫املسألة رقم ‪ :1‬من أين تأتي السحابة؟‬ ‫اجلواب‪ :‬ال بد أن يتخثر على نحو ما خليط من‬ ‫مادة ولدها االنفجار األعظم‪ ،‬أو قذفتها جنوم‪.‬‬

‫املسألة رقم ‪ :2‬ملاذا ينهار القلب؟‬ ‫اجلواب‪ :‬ال يحدد هذا النموذج كيف يختل توازن‬ ‫القوى التي جتعل السحابة مستقرة‪.‬‬

‫هذا احلد‪ ،‬والتي يتعني على تألقها الش������ديد‬ ‫أن يعص������ف بالغيمة قب������ل أن يتمكن النجم‬ ‫احلديث الوالدة من جتمي������ع الكتلة املطلوبة‪.‬‬ ‫يضاف إلى ذل������ك أن النجوم الضخمة تدمر‬ ‫ما يحيط بها باإلش������عاع فوق البنفس������جي‪،‬‬ ‫وباالندفاعات العالية السرعة اخلارجة منها‪،‬‬ ‫ومبوجات الصدم فوق الصوتية ‪supersonic‬‬ ‫‪ .shock‬إن التغذي���ة الراجع���ة(‪ )1‬لهذه الطاقة‬ ‫متزق الغيمة‪ ،‬ولكن النظرية املعيارية ال ُت ْد ِخل‬ ‫هذا األمر في احلسبان‪.‬‬ ‫لقد أصبحت احلاجة إلى تالفي مواطن‬ ‫الضع������ف هذه متثل ضغط������ا متعاظما على‬ ‫الفلكيني‪ .‬فالتكون النجمي يكمن في أساس‬ ‫كل ش������يء تقريبا في علم الفل������ك‪ ،‬بدءا من‬ ‫نشوء املجرات‪ ،‬وصوال إلى تك ّون الكواكب‪.‬‬ ‫وم������ن دون فهم هذا املوض������وع‪ ،‬فلن يكون‬ ‫مبق������دور الفلكي���ي��ن أن يعق������دوا األمل على‬ ‫تفحص املجرات النائية‪ ،‬أو أن يس������تفيدوا‬ ‫من الكواكب املكتش������فة خ������ارج منظومتنا‬ ‫الشمس������ية‪ .‬ومع أن األجوب������ة النهائية تظل‬ ‫‪6‬‬

‫املسألة رقم ‪ :3‬كيف تؤثر األجنة أحدها في اآلخر؟‬ ‫اجلواب‪ :‬إن النظرية املعيارية في التكون النجمي‬ ‫تتعامل مع النجوم كل على حدة‪.‬‬

‫خادعة‪ ،‬فثمة فكرة آخذة في البروز مفادها‬ ‫بأن أي نظرية أكثر تطورا في تكون النجوم‬ ‫البد لها م������ن النظير في بيئ������ة جنم حديث‬ ‫العه������د‪ .‬فاحلالة النهائي������ة للنجم اجلديد ال‬ ‫تتوقف على الش������روط االبتدائية في القلب‬ ‫فحس������ب‪ ،‬بل تتوقف‪ ،‬أيضا‪ ،‬على التأثيرات‬ ‫الالحقة مل������ا يحيط به وبجيرانه من النجوم‪.‬‬ ‫إنه������ا الطبيع������ة التلقائي������ة مقاب������ل الرعاية‬ ‫واالحتضان على مقياس كوني‪.‬‬ ‫مغطاة بالغبار‬ ‫حني تُو ّلي وجهك شطر السماء من موقع‬ ‫مظل������م‪ ،‬بعيدا عن أضواء املدينة‪ ،‬ميكنك رؤية‬ ‫درب التبان���ة(‪ )2‬بش������كل قوس يعلوك‪ ،‬ناشرا‬ ‫دفقا من الض������وء تقطعه لطخات مظلمة‪ ،‬هي‬ ‫الس������حب البينجمية‪ .‬وجس������يمات الغبار في‬ ‫هذه الس������حب حتجب ضوء النجوم‪ ،‬وجتعل‬ ‫هذه الغيوم معتمة للضوء املرئي‪.‬‬ ‫( )‬

‫( ) ‪A Star Is Born-With Difficulty‬‬ ‫( ) ‪Swaddled in Dust‬‬ ‫(‪feedback )1‬‬ ‫(‪the Milky Way )2‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬


‫يتقلص حجم النجم البدائي‪ ،‬وتتزايد كثافته‪ ،‬ويغدو رسميا جنما عندما تبدأ عملية االندماج النووي في قلبه‪ .‬وتنشأ الكواكب عن املادة املتخلفة التي تدور حوله‪.‬‬

‫جنم شبيه بالشمس‬

‫جنم بدائي‬

‫كوكب‬

‫املسألة رقم ‪ :4‬كيف تتكون النجوم ذات الكتل الضخمة؟‬ ‫اجلواب‪ :‬إن النجوم الوليدة‪ ،‬التي لها كتل أكبر من ‪ 20‬كتلة شمسية‪ ،‬شديدة اإلضاءة‬ ‫بدرجة جتعل من املتوقع أن تقوم بتعطيل تكونها‪ ،‬وأيضا ُتكوُّ ن جنوم قريبة منها‪.‬‬

‫جنم ضخم‬ ‫الكتلة‬

‫لذا‪ ،‬فكل َم ْن يسعى مِ نّا إلى رصد التك ّون‬ ‫النجمي‪ ،‬سيواجه مش������كلة أساسية هي أن‬ ‫النج������وم تخفي عملية والدتها‪ .‬إن املادة التي‬ ‫تو ِّلد النجوم س������ميكة ومعتمة؛ ويتعني عليها‬ ‫أن تصبح كثيفة بدرجة متكنها من استهالك‬ ‫اندماج ن������ووي‪ ،‬ولكنها لم حتق������ق ذلك بعد‪.‬‬ ‫ويس������تطيع الفلكي������ون رؤية كي������ف تبدأ هذه‬ ‫العملي������ة وكيف تنتهي‪ ،‬ولك������ن ما يحدث بني‬ ‫البداي������ة والنهاية يصعب ج������دا رصده‪ ،‬ذلك‬ ‫أن كثيرا من اإلش������عاع يخرج بطول موجات‬ ‫اإلش������عاع حتت األحم���ر البعي���د(‪ )1‬وأطوال‬

‫موجي������ة دون مليمترية‪ ،‬لذا فإن صندوق ُع َددِ‬ ‫الفلكي���ي��ن يعد بدائيا نس������بيا في التعامل مع‬ ‫تلك األجزاء من الطيف‪.‬‬ ‫ويعتقد الفلكيون أن الس������حب التي تو َّل ُد‬ ‫فيها النجوم تنشأ بصفتها جزءا من الدورة‬ ‫الضخم���ة(‪ )2‬للوسط البينجمي‪ ،‬والذي ينتقل‬ ‫فيه الغاز والغبار من الس������حب إلى النجوم‪،‬‬ ‫ثم يعودان أدراجهما من حيث انطلقا‪ .‬وهذا‬ ‫الوسط مكون في املقام األول‪ ،‬من الهدروجني؛‬ ‫(‪far-infrared )1‬‬ ‫(‪the grand cycle )2‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪7‬‬


‫[املسألة رقم ‪]1‬‬

‫األصول املظلمة للسحب‬

‫( )‬

‫لقد حدد الفلكيون تدريجيا مراحل اندماج‬ ‫السحب‪ ،‬بدءا من غاز منتشر بني النجوم‬ ‫يتزايد كثافة باطراد‪ .‬هذا وإن املرحلة‪،‬‬ ‫التي تسبق مباشرة تكون النجوم البدائية‬ ‫مُت َّثل مبا يسمى سحبا معتمة حتت حمراء‪.‬‬ ‫هذه السحب التي تعترض حتى انتشار‬ ‫الضوء حتت األحمر‪ ،‬تظهر بشكل خطوط‬ ‫سوداء في هذه الصورة التي أخذها املسح‬ ‫‪ GLIMPSE‬في مقراب سپيتزر الفضائي‪.‬‬ ‫وحجوم هذه السحب وكتلها مالئمة متاما‬ ‫للتكون النجمي‪.‬‬

‫ويك ِّون الهلي������وم قرابة ربع كتلته‪ ،‬أما جميع‬ ‫العناصر األخرى فال تك ِّون أكثر من بضعة‬ ‫أج������زاء في املئ������ة من هذا الوس������ط‪ .‬وبعض‬ ‫ه������ذه املادة بدائي لم يح������دث فيه اضطراب‬ ‫إال نادرا من������ذ الدقائق الثالث األولى والتي‬ ‫حدث فيها االنفجار األعظ���م ‪the big bang‬؛‬ ‫وبعضها اآلخر نبذته النجوم خالل حياتها؛‬ ‫وبعضها حطام لنجوم تفجرت‪ .‬إن اإلشعاع‬ ‫النجمي يحطم أي جزيئات هدروجينية إلى‬ ‫الذرات التي تكونها(‪.)1‬‬ ‫وفي البداية ينتش������ر الغاز بحيث توجد‬ ‫ذرة هدروجني واحدة تقريبا في السنتيمتر‬ ‫املكعب‪ ،‬ب ْيد أنه خالل تبرده يتخثر متحوال‬ ‫إلى سحب متقطعة متاما‪ ،‬مثلما يتكثف بخار‬ ‫امل������اء متحوال إلى س������حب في جو األرض‪.‬‬ ‫ويتب������رد الغاز بس������بب إش������عاعه حرارة‪،‬‬ ‫ولكن العملية هذه ليس������ت مباش������رة بسبب‬ ‫وجود عدد محدود فقط من الطرق خلروج‬ ‫احل������رارة‪ .‬وقد تبني أن أكثر اإلش������عاعات‬ ‫فعالي������ة هو اإلصدار حت������ت األحمر البعيد‬ ‫من عناص������ر كيميائية معينة‪ ،‬كاإلش������عاع‬ ‫ال������ذي يصدره كربون مؤي������ن بطول موجي‬ ‫قدره ‪ 158‬ميكرونا ‪ .micron‬هذا وإن جو‬ ‫األرض السفلي كامد (معتم) لهذه األطوال‬ ‫املوجي������ة‪ ،‬لذا يج������ب رصدها باس������تعمال‬ ‫املراص������د الفضائية مثل مرصد هيرش���ل‬ ‫الفضائي(‪ )2‬ال������ذي أطلقته عام ‪ 2009‬وكالة‬ ‫‪8‬‬

‫سحابة مظلمة حتت حمراء‬

‫أشياء أخرى تربكنا‬ ‫( )‬ ‫بها النجوم‬ ‫ما هي سرعة تكون النجوم؟ هذا‬ ‫سؤال آخر يكافح الفلكيون ملعرفة‬ ‫جوابه‪ .‬النقطة احلاسمة هي املرحلة‬ ‫النهائية من االنهيار‪ ،‬وذلك بعد أن‬ ‫يكون جنم بدائي قد ّ‬ ‫شكل نواة‪ ،‬ولكن‬ ‫قبل أن يكون قد َك ُب َر حجمه نتيجة‬ ‫الغاز املتنامي‪ .‬وقد رصد فريق يقوده‬ ‫>‪ .J .N‬إيڤانز< [من جامعة تكساس في‬ ‫أوسنت] مجمعات قريبة تتكون فيها‬ ‫النجوم‪ ،‬وذلك بواسطة مقراب سپيتزر‬ ‫الفضائي‪ ،‬ووجدوا أن التنامي يحدث‬ ‫مبعدل غير مستقر جدا‪ .‬ويكبر النجم‬ ‫بسرعة ليصل إلى نصف حجمه‬ ‫النهائي‪ ،‬ولكن منوه يتباطأ بعد ذلك‪،‬‬ ‫إذ يستغرق للوصول إلى حجمه‬ ‫النهائي عشرة أمثال الوقت الذي‬ ‫يستغرقه للوصول إلى نصف حجمه‪.‬‬ ‫وتستغرق العملية كلها وقتا أطول‬ ‫كثيرا مما كان يتوقعه الفلكيون‪.‬‬ ‫وثمة مسألة أخرى هي أن الغاز في‬ ‫السحب اجلزيئية شديد االضطراب‪،‬‬ ‫ويتحرك بسرعات فوق صوتية‪ُ .‬ترى‪،‬‬ ‫ما الذي يثير حركته هذه؟ قد تكون‬ ‫النجوم اجلنينية نفسها هي املسؤولة‬ ‫عن ذلك‪ .‬وجميع النجوم البدائية‬ ‫تقريبا تنفث دفقات بسرعة عالية‬ ‫[انظـر‪« :‬األيـام املبكـرة في حيـاة جنم»‬ ‫‪ ،‬العدد ‪ ،(2000)12‬صفحة ‪.]26‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫الفضاء األوروبية‪ ،‬أو باس������تعمال مقاريب‬ ‫مركبة على منت طائرات‪ ،‬مثل املرصد الذي‬ ‫أطلق عليه اسم )‪.)3((SOFIA‬‬ ‫ومع تب ُّرد السحب‪ ،‬تصبح أكثر كثافة‪.‬‬ ‫وعندما يصبح ع������دد ذراتها نحو ألف في‬ ‫الس������نتيمتر املكعب‪ ،‬تغ������دو كثافتها كافية‬ ‫العت������راض اإلش������عاع فوق البنفس������جي‬ ‫الصادر عن املج������رة املجاورة‪ .‬وعند ذلك‪،‬‬ ‫ميك������ن ل������ذرات الهدروج���ي��ن االندماج في‬ ‫جزيئات بواسطة عملية معقدة فيها حبيبات‬ ‫غبار‪ .‬وق������د بينت األرص������اد الراديوية أن‬ ‫الس������حب اجلزيئية حتوي مركبات ‪ -‬بدءا‬ ‫من الهدروجني )‪ ،(H2‬وصوال إلى عضويات‬ ‫مركبة ‪ -‬قد تك������ون وفرت الظروف للحياة‬ ‫على األرض(‪ .)4‬بي������د أن درجات احلرارة‪،‬‬ ‫وراء هذا املس������رح‪ ،‬تتدن������ى‪ .‬وقد أظهرت‬ ‫أرص������اد حتت األحمر جنوما حديثة املولد‬ ‫مطم������ورة في أعم������اق الغب������ار‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫األرصاد لم تتمكن من رؤية أولى اخلطوات‬ ‫التي أسفرت عن حتول السحابة اجلزيئية‬ ‫إلى هذه النجوم البدائية(‪.)5‬‬ ‫( ) ‪The Dark Origins of Interstellar Clouds‬‬ ‫( ) ‪OTHER WAYS THAT STARS MYSTIFY‬‬

‫(‪[ )1‬انظر‪« :‬الغاز بني النجوم»‪،‬‬ ‫صفحة ‪]90‬‬

‫‪ ،‬العددان ‪،(2002) 6/5‬‬

‫(‪Herschel Space Observatory )2‬‬ ‫(‪the Stratospheric Observatory for Infrared Astronomy )3‬‬

‫(‪[ )4‬انظر‪« :‬مواد احلياة األولية املقذوفة من بعيد»‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،(2000)1‬صفحة ‪]4‬‬

‫(‪protostars )5‬‬

‫‪،‬‬


‫إن موضوع أبكر مراحل التكون النجمي‬ ‫ب������دأ بالتغير ف������ي منتصف التس������عينات من‬ ‫القرن العش������رين‪ ،‬عندما اكتشف املرصدان‬ ‫‪ ،the Midcourse Space Experiment‬و ‪the‬‬ ‫‪Infrared Space Observatory‬؛ ُس������حبا له������ا‬ ‫كثافــة عالية (إذ إن������ه يوجد أكثر من ‪10 000‬‬ ‫ذرة منها في السنتيمتر املكعب الواحد) قادرة‬ ‫على اعتراض حتى األطوال املوجية احلرارية‬ ‫لإلش������عاع حتت األحمر ال������ذي يخترق عادة‬ ‫املناطق الغبارية‪ .‬ولهذه الس������حب‪ ،‬املس������ماة‬ ‫س���حبا مظلم���ة حت���ت حم���راء(‪ ،)1‬كتل أكبر‬ ‫كثيرا (‪ 100‬إلى ‪ 10 000‬مرة من كتلة الشمس)‬ ‫من كتل السحب التي سبق اكتشافها بأطوال‬ ‫موجي������ة ضوئية‪ .‬وخالل الس������نوات العديدة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫املنصرمة استعمل فريقان املرص َد سپيتزر‬ ‫إلجــراء مسـ ــح شـ ــامــل لها‪ :‬املسح األول هو‬ ‫(‪)3‬‬ ‫)‪ (GLIMPSE‬بقيـ ــادة >‪ .B .E‬تشيرش������ويل<‬ ‫[مـن جـ ــامعـ ــة وسكونس������ن ‪ -‬ماديس������ون]‬ ‫واملس������ــح الث ــاني ه ـ ــو ‪ ،MIPSGAL‬بقي ـ ــادة‬ ‫>‪ .S‬كاري< [م������ن مرك������ز س������پيتزر]‪ .‬وه������ذه‬ ‫الس������حب هي احللقة املفقودة بني الس������حب‬ ‫اجلزيئية والنجوم البدائية‪.‬‬ ‫وفي احلقيقة‪ ،‬فقد متثل الس������حب املظلمة‬ ‫والقل������وب الكثيفة املرحلة احلاس������مة للنجوم‬ ‫التي ميكن فيها حتديد كتلها‪ .‬وللسحب كتل‬ ‫متسلسلة في كِ َبرها؛ علما بأن الصغير الكتلة‬ ‫منها أكثر شيوعا من السحب الكبيرة الكتلة‪.‬‬ ‫ويحاك������ي ت������وزع الكتل هذا ت������وزع النجوم‪،‬‬ ‫باس������تثناء أن كتل السحب أكبر عموما ثالث‬ ‫مرات من كتل النج������وم‪ ،‬وهذا يوحي أن ثلثا‬ ‫واحدا فقط من كتلة سحابة يتحول إلى جنم‬ ‫ولي������د‪ .‬أما م������ا تبقى من الس������حابة‪ ،‬فيتناثر‬ ‫بطريقة ما في الفضاء‪.‬‬ ‫أما كون هذا التش������ابه في التوزيع سببيا‬ ‫أو مجرد مصادفة‪ ،‬فمس������ألة ال بد من حلها‪.‬‬ ‫وأيا كان السبب الذي يكمن وراء امتالك جنم‬ ‫ُكتلتَ������هُ‪ ،‬فهي التي حتدد تاري������خ حياته كلها‪:‬‬ ‫ف������إذا كان جنما ضخم الكتلة فإنه يفنى وهو‬ ‫مازال صغير الس������ن ويتفجر بطريقة كارثية‪.‬‬

‫[املسألة رقم ‪]2‬‬

‫بداية االنهيار‬

‫( )‬

‫إن الكتب املقررة في علم الفلك غامضة فيما يتعلق بالطريقة التي جتعل الغيوم تفقد اس���تقرارها‬ ‫ث���م تنه���ار‪ .‬وتظهر الصور احلديث���ة حتت احلمراء التي حص���ل عليها املركز س���پيتزر أن النجوم‬ ‫الضخمة املجاورة غالبا ما تكون املسؤولة عن ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬في املنطقة ‪ W5‬من املجرة‪ ،‬أحدثت النجوم الضخمة‬ ‫(التي تظهر في الصورة بلون مائل إلى الزرقة) جتويفا‬ ‫في سحابة جزيئية‪ .‬وتوجد على حافة التجويف جنوم‬ ‫بدائية (مطمورة في غاز لونه مييل إلى االبيضاض‪ ،‬وآخر‬ ‫لونه مييل إلى اللون القرنفلي) لها العمر نفسه تقريبا‪،‬‬ ‫وهذا يشير إلى أن تكونها استهل بفعل النجوم الضخمة؛‬ ‫أما العمليات األخرى‪ ،‬فلم جتر مبثل هذا التزامن‪.‬‬

‫‪ ‬في احلشد ‪ NGC 2068‬تصطف‬ ‫النجوم البدائية معا مثل آللئ في عِ ْق ٍد‪.‬‬ ‫ومع أنها مبعثرة على نطاق واسع‪،‬‬ ‫فقد تكونت في الوقت نفسه تقريبا‪،‬‬ ‫هذا وإن املسؤول األكثر احتماال هو‬ ‫زمرة من النجوم الضخمة القريبة‪.‬‬

‫أما إذا كان جنم������ا ذا كثافة متواضعة‪ ،‬فإنه‬ ‫يعيش حياة أطول‪ ،‬ونراه يتهادى بسالس������ة‬ ‫في تلك الليلة اللطيفة‪.‬‬ ‫ما الذي ضغط على الزناد؟‬

‫( )‬

‫يحرز الفلكيون بع������ض التقدم أيضا في‬ ‫املسألة الرئيس������ية الثانية التي لم حتل بعد‪،‬‬ ‫وه������ي التي تبحث عن األس������باب التي تؤدي‬ ‫إلى انهيار س������حابة أو قلبها‪ .‬وفي النموذج‬ ‫( ) ‪The Onset of Collapse‬‬ ‫( ) ‪What Pulled the Trigger‬‬ ‫(‪infrared dark clouds )1‬‬ ‫(‪the Spitzer Space Telescope )2‬‬ ‫(‪the Galactic Legacy Infrared Midplane Survey Extraordinaire )3‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪9‬‬


‫[املسألة رقم ‪]3‬‬

‫احلياة في بيت‬ ‫حضانة مزدحم‬

‫( )‬

‫ميكن أن يتداخل تكون النجوم احلديثة الوالدة‬ ‫بعضها ببعض‪ ،‬وهذا يناقض االفتراضات التي‬ ‫يبنى عليها النموذج املعياري للتكون النجمي‪ .‬وقد‬ ‫وجد مركز سپيتزر مثاال في احلشد ‪ NGC 2264‬الذي‬ ‫يسمى حشد شجرة عيد امليالد ‪the Christmas Tree‬‬ ‫‪ ،Cluster‬والذي يحوي جتمعا كثيفا من النجوم‬ ‫التي لها أعمار مختلفة‪ .‬وقد تبني بامليز العالي‬ ‫‪ high resolution‬أن بعض أصغر «النجوم» سنا‬ ‫هي جتمعات متراصة من النجوم البدائية ‪ -‬إذ‬ ‫توجد عشرة منها في منطقة نصف قطرها ‪ 0.1‬سنة‬ ‫ضوئية‪ ،‬وهذا يعني أنها قريبة جدا بعضها من‬ ‫بعض‪ ،‬ومن ثم يوجد تآثر بينها‪.‬‬

‫األطوال املوجية‬ ‫حتت احلمراء ‪101‬‬

‫) (‬

‫تشبه السحب بني النجمية‪ ،‬حيث تتكون‬ ‫النجوم‪ ،‬لطخات سوداء في الضوء‬ ‫املرئي‪ ،‬غير أنها تصبح جلية باألطوال‬ ‫املوجية الراديوية وحتت احلمراء‪.‬‬ ‫لألشعة حتت احلمراء طول موجي‬ ‫قدره ‪ 1000‬ميكرون‪ ،‬أي مليمتر واحد‪.‬‬ ‫واملادة‪ ،‬التي تتراوح درجة حرارتها بني‬ ‫‪ 3‬و ‪ 3000‬درجة مئوية‪ ،‬تصدر إشعاعا‬ ‫تبلغ ذرواته في هذا النطاق‪.‬‬ ‫اإلشعاع حتت األحمر القريب‬ ‫‪ near-infrared radiation‬يقع في نهاية‬ ‫األطوال املوجية القصيرة لهذا النطاق‪،‬‬ ‫إذ إن طولها يقع بني ميكرون وخمسة‬ ‫ميكرونات تقريبا‪ .‬إنها‪ ،‬غالبا ضوء‬ ‫جنمي أضعف الغبار شدتَه‪.‬‬ ‫يصل الطول املوجي لإلشعاع حتت‬ ‫األحمر البعيد واملتوسط البعد إلى‬ ‫‪ 300‬ميكرون‪ .‬إطالق الغاز هو مصدره‬ ‫الرئيسي‪ .‬وتصعب رؤيته من األرض‬ ‫ألن األرض ذاتها تصدر في هذا‬ ‫النطاق‪ ،‬وألن اجلو األرضي يحجب‬ ‫معظم اإلصدار السماوي‪.‬‬ ‫األشعة دون املليمترية‪ ،‬التي تقع أطوالها‬ ‫في النطاق بني ‪ 300‬و ‪ 1000‬ميكرون‪،‬‬ ‫هي موقع جيد لرؤية املادة بني النجمية‬ ‫الباردة‪.‬‬ ‫املوجات الراديوية هي جميع املوجات‬ ‫التي تكون أطول من ذلك‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫املعي������اري للتك������ ّون النجم������ي‪َ ،‬ي ُك������ون القلب‬ ‫ف������ي بدايته متوازنا جي������دا‪ ،‬إذ توازن الثقالة‬ ‫والضغ������ط اخلارج������ي بالضغ������ط الداخل������ي‬ ‫احل������راري أو املغنطيس������ي املضطرب‪ .‬ويبدأ‬ ‫االنهيار عندما يختل ه������ذا التوازن ملصلحة‬ ‫الثقالة‪ .‬ولكن ما ال������ذي يقدح زناد االختالل‬ ‫في التوازن؟ للجواب عن هذا الس������ؤال‪ ،‬قدم‬ ‫الفلكيون أس������بابا جد متنوعة‪ .‬فقد تقوم قوة‬ ‫خارجية‪ ،‬كأن تكون انفجار مستعر أعظمي‬ ‫‪ ،supernova‬بضغط السحابة‪ ،‬أو أن الضغط‬ ‫الداخلي ق������د يضعف جراء تبدد احلرارة أو‬ ‫احلقول املغنطيسية‪.‬‬ ‫وقد ح������اج >‪ .Ch‬الدا< [من مركز الفيزياء‬ ‫الفلكي������ة )‪ ])1((CfA‬و>‪ .J‬ألڤيس< [من املرصد‬ ‫)‪ ])2((ESO‬ومعاونوهم في أن السبب هو التبدد‬ ‫البطيء ف������ي الدعم احل������راري‪ .‬فبمتابعتهما‬ ‫للس������حب اجلزيئية بأطوال موجية مليمترية‬ ‫أو دون مليمترية‪ ،‬التي تغشى ال ُّن ُ‬ ‫طق ‪bands‬‬ ‫الراديوية وحتت احلمراء‪ ،‬اس������تطاعا كشف‬ ‫عدد كبير نسبيا من القلوب املعزولة الهادئة‬ ‫في سحب مجاورة‪ .‬ويوفر بعضها أدلة على‬ ‫حركات بطيئة متجهة إلى الداخل‪ ،‬وقد تكون‬ ‫ف������ي طريقه������ا لتكوين جنوم‪ ،‬ويق������دم النجم‬ ‫‪ Barnard 335‬مثاال ممتازا‪ ،‬وهو يقع في برج‬ ‫العق������اب(‪ .)3‬إن كثافته هي ما يتوقع بالضبط‬ ‫إذا كان الضغط احلراري للسحابة في حالة‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫توازن تقريبا م������ع الضغط اخلارجي‪ .‬ورمبا‬ ‫كان مصد ُر اإلش������عاع حتت األحمر املوجود‬ ‫ف������ي املركز جنما بدائيا في مرحلة مبكرة من‬ ‫حياته‪ ،‬وهذا يوحي أن التوازن مال قبل وقت‬ ‫قريب إلى االنهيار‪.‬‬ ‫وتقدم دراسات أخرى شواهد على قدح‬ ‫زن������اد خارجي‪ .‬فقد ب���ي��ن >‪ .T‬پيربيتش< [من‬ ‫معهد ماكس پالنك لعلم الفلك الراديوي في‬ ‫ب������ون] ومعاونوه أن ثم������ة جنوما موزعة على‬ ‫(‪)4‬‬ ‫نطاق واسع في منطقة برج العقرب العلوي‬ ‫تكون������ت جميعها مع������ا‪ .‬وس������يكون من قبيل‬ ‫املصادفة متاما أن يتب������دد الضغط الداخلي‬ ‫للقلوب املختلفة في وقت واحد‪ .‬وثمة تفسير‬ ‫أكث������ر احتماال مفاده بأن موجة صدم أطلقها‬ ‫مس������تعر أعظمي اكتسحت املنطقة وأدت إلى‬ ‫انهيار القلوب‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهذا دليل غامض‪،‬‬ ‫ألن النجوم الضخمة متزق املواقع التي تولد‬ ‫فيها‪ ،‬وه������ذا يجعل من الصعب إعادة إيجاد‬ ‫الظروف التي تتكون فيها‪ .‬وهناك تقييد آخر‬ ‫يتجلى في صعوبة رؤي������ة جنوم أصغر كتلة‬ ‫(وهي أضعف ضوءا) إلثبات أنها هي أيضا‬ ‫تكونت في وقت واحد‪.‬‬ ‫اكتش������ ــف مرك������ز س������ـپيتزر تق ــدمـ ـ������ا في‬ ‫( ) ‪Life in a Crowded Nursery‬‬ ‫( ) ‪INFRARED 101‬‬ ‫(‪Center for Astrophysics )1‬‬ ‫(‪the European Southern Observatory )2‬‬ ‫(‪Aquila )3‬‬ ‫(‪the Upper Scorpius )4‬‬


‫[املسألة رقم ‪]4‬‬

‫اختراق سقف الكتلة‬

‫( )‬

‫تبني محاكيات حاس���وبية حديثة للتكون النجمي أن النجم الضخم الكتلة قادر على بلوغ حجم يبدو مس���تحيال‪ ،‬ألنه ال ينمو بانتظام‪ .‬إن اإلش���عاع الذي ُيصدره‬ ‫النج���م البدائ���ي يدف���ع الغ���از بعيدا عنه‪ ،‬وهذا يولد خ�ل�اءات (فقاقيع) عمالقة ضمن الغاز‪ ،‬ولكنه ال يكبح كليا تدفق الغاز نح���و النجم‪ ،‬ألن املادة تتجمع على هيئة‬ ‫خيوط في الصدوع داخل هذه اخلالءات‪.‬‬ ‫الكثافة على طول احملور‬

‫الكثافة العمودية على احملور‬

‫‪ 3000‬وحدة فلكية‬

‫‪ 55 900‬سنة ‪ :‬تنتهي احملاكاة حني‬ ‫تبلغ كتلة النجم املركزي ‪ 42‬كتلة‬ ‫شمسية‪ ،‬وكتلة رفاقه ‪ 29‬كتلة شمسية‪.‬‬ ‫ويتبقى نحو ‪ 28‬كتلة شمسية من‬ ‫الغاز الذي يُحتمل أن يسقط نحو‬ ‫الداخل في نهاية املطاف‪.‬‬

‫‪ 41 700‬سنة ‪ :‬ينمو أحد النجوم‬ ‫البدائية الصغيرة بسرعة أعلى من‬ ‫النجم البدائي املركزي‪ ،‬وسرعان ما‬ ‫ينافسه في احلجم‪ .‬والتنامي ال يكون‬ ‫غير منتظم في الفضاء فحسب‪ ،‬بل‬ ‫هو‪ ،‬أيضا‪ ،‬غير مستقر في الزمان‪.‬‬

‫‪ 34 000‬سنة ‪ :‬عندما تتجاوز كتلة‬ ‫النجم البدائي ‪ 17‬كتلة شمسية‪ ،‬يقوم‬ ‫اإلشعاع بدفع الغاز خارجا‪ ،‬مولدا‬ ‫فقاقيع‪ .‬ولكن الغاز مازال يتدفق نحو‬ ‫الداخل حولها‪ .‬وعندئذ تتكون جنوم‬ ‫بدائية أصغر‪.‬‬

‫حل هذه األس������ئلة‪ .‬وق������د اكتش������ف >‪ .L‬ألني‬ ‫[من املرص���د الوطني لعلم الفل���ك الضـوئي‬ ‫)‪ ])1((NOAO‬و>‪ .P .X‬كوين������گك< [م������ن املرك������ز‬ ‫‪ ]CfA‬ومعاونوهم������ا مثاال مدهش������ا على قدح‬ ‫زناد خارجي في منطقة من املجرة تسمى ‪W5‬‬ ‫(انظر املؤطر في الصفحة ‪ .)9‬وتظهر صورهما‬ ‫جنوم������ا بدائية فتية مطم������ورة في جيوب كثيفة‬ ‫من الغ������از انضغطت باإلش������عاع الصادر عن‬ ‫جيل س������ابق من النجوم‪ .‬ومل������ا كان االنضغاط‬ ‫عملية سريعة‪ ،‬فال بد أن هذه األجسام املبعثرة‬ ‫على نطاق واسع تكونت في وقت واحد تقريبا‪.‬‬ ‫جنمي‬ ‫واختصارا‪ ،‬فإن مسألة قدح زناد تك ُّون‬ ‫ٍّ‬ ‫ال حتتمل إجابة من النوع «إما ‪ -‬أو» كما كان‬ ‫يظن في املاضي‪.‬‬ ‫<‬

‫‪ 25 000‬سنة ‪ :‬عندما يكون النجم‬ ‫البدائي قد صار بحجم ‪ 11‬كتلة‬ ‫شمسية‪ ،‬يصبح الغاز احمليط به غير‬ ‫مستقر تثاقليا‪ ،‬ويأخذ شكال لولبيا‪.‬‬

‫‪ 17 500‬سنة ‪ :‬لقد تكوّ ن جنم‬ ‫بدائي‪ ،‬ويتدفق الغاز نحوه‬ ‫بانتظام إلى حد ما‪ .‬هذا‬ ‫وإن الطاقة الكامنة التثاقلية‬ ‫احملررة بفعل هذا التدفق للغاز‬ ‫جتعله متوهجا‪.‬‬

‫احلياة في بيت حضانة جنمي‬

‫( )‬

‫إذا وضعن������ا جانبـا مواطـ������ن النق ــص التي‬ ‫أوردنــاه������ا آنفا‪ ،‬فإن النموذج املعياري يفس������ر‬ ‫أرصـاد القلوب املنعـزلة املكونة للنجـ ــوم تفسيرا‬ ‫جيـ������دا إلى حد مــا‪ .‬ولكن كثيـرا من النجـوم‪ ،‬إن‬ ‫ل������م يكن جميعها‪ ،‬تتكون في حش���ود(‪ ،)2‬ومن ثم‬ ‫ف ــإن النم ــوذج املعيــاري ال يفسر كيف أن ه ــذا‬ ‫الوس������ـط املزدحم يــؤث ــر فـي والدة تلك النجوم‪.‬‬ ‫وفي الس������نوات القليلة املاضية‪ ،‬قدم الباحثـ ــون‬ ‫نظـريتــني متنافسـ ــتني مللء ه ــذه الثغــرة‪ .‬فالتقدم‬ ‫اله ــائ������ل في ق���وة احلوس���بة(‪ )3‬الت������ي أتيحت‬ ‫) ( ‪Breaking through the Mass Ceiling‬‬ ‫( ) ‪Life in a Stellar Nursery‬‬ ‫)‪the National Optical Astronomy Observatory (1‬‬ ‫)‪clusters (2‬‬ ‫(‪computing power )3‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪11‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Erick T. Young‬‬

‫بدأ اهتمامه بعلم الفلك حني كان في‬ ‫السادسة عشرة من عمره‪ ،‬إذ صنع آنذاك‬ ‫مقرابا من أنبوب من الورق املقوى‪ .‬هو‬ ‫اآلن مدير عمليات البعثة العلمية للمرصد‬ ‫الذي أطلق عليه اسم )‪ .(SOFIA‬كان‬

‫>يونگ< فلكيا في مرصد‬ ‫التابع جلامعة أريزونا بني عامي‬ ‫و ‪ .2009‬وكان يعمل في الفِ رق العلمية‬ ‫في كل مرفق فضائي رئيسي حتت‬ ‫األحمر‪ ،‬من ضمنها الساتل الفلكي ‪the‬‬ ‫‪ ،Infrared Astronomical Satellite‬واملرصد‬ ‫‪Steward‬‬

‫‪1978‬‬

‫الفضائي حتت األحمر‬ ‫‪ ،Space Observatory‬وآلة التصوير‬ ‫‪ ،NICMOS‬وآلة التصوير ‪the Wide Field‬‬ ‫‪the Infrared‬‬

‫‪ Camera 3‬املركبة على منت مقراب هابل‬ ‫الفضائي‪ ،‬واملقراب ‪the Spitzer Space‬‬ ‫‪ ،Telescope‬واملقراب املقبل ‪James‬‬ ‫‪.Webb Space Telescope‬‬

‫‪12‬‬

‫للمحاكيات(‪ )1‬كان حاسما في شحذ النظريتني‪.‬‬ ‫وم������ن ثم‪ ،‬فإن األرصاد‪ ،‬وم������ن أهمها تلك التي‬ ‫أجراها مركز س������پيتزر‪ ،‬تس������اعد الفلكيني على‬ ‫دعم إحداهما‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫في واح������دة منهم������ا‪ ،‬يصبح التآث����ر‬ ‫بني القل������وب املتجاورة مهم������ا‪ .‬وفي احلالة‬ ‫املتطرف������ة يتكون كثير م������ن النجوم البدائية‬ ‫البالغة الصغر‪ ،‬وهي تتحرك بس������رعة عبر‬ ‫الس������حابة‪ ،‬وجتهد كي جتم������ع ما تبقى من‬ ‫الغ������از‪ .‬وبعض هذه النج������وم يكبر حجمها‬ ‫أكث������ر من األخ������رى‪ ،‬أما اخلاس������رون فقد‬ ‫يطردون جميعا من احلش������د‪ ،‬وه������ذا يو ّلد‬ ‫صفا من األق������زام النجمية التي تطوف في‬ ‫املجرة‪ .‬وقد َأ َّي َد هذه الصورة‪ ،‬التي سميت‬ ‫تنامي����ا تنافس����يا(‪ .I> ،)3‬بونيل< [من جامعة‬ ‫س������انت أن������دروز] و>‪ .M‬بيت< [م������ن جامعة‬ ‫إكستر] وآخرون‪.‬‬ ‫وفي النم������وذج البديل‪ ،‬ال يكون التأثير‬ ‫اخلارجي الرئيسي التآثرات بني القلوب‪،‬‬ ‫ب������ل االضط������راب ضمن الغاز‪ .‬ويس������اعد‬ ‫االضط������راب على قدح زن������اد االنهيار؛ ثم‬ ‫إن ت������وزع حج������وم النج������وم يعكس طيف‬ ‫احلركات املضطربة وليس تنافس������ات في‬ ‫وق������ت الحق على املادة‪ .‬وقد ابتكر منوذج‬ ‫(‪)4‬‬ ‫القل���ب املضط���رب هـ ـ������ذا >‪ .C‬ماك كي<‬ ‫[من جــامعـ ـ������ة كاليفــورنـي ــا في بيركــلي]‬ ‫و>‪ .M‬كرومهولت������ز< [من جامعة كاليفورنيا‬ ‫في سانتاكروز] وآخرون‪.‬‬ ‫ويب������دو أن األرصاد حتبذ من������وذج القلب‬ ‫املضطرب(‪ ،)5‬ولكن منوذج التنامي التنافسي‬ ‫ق������د يكـ ـ������ون مهمـ ــا ف������ي منـ ــاط ـ ـ������ق حتــظى‬ ‫بكثاف ـ ـ ـ������ة جنميـ ـ ــة ع ــالي ــة‪ .‬وإحـ ــدى احلــاالت‬ ‫املثي ـ ـ ـ������رة ج ـ ـ������دا لالهت ـم ــام‪ ،‬حش���ـد ش���جرة‬ ‫املي�ل�اد(‪ (NGC 2264) )6‬املوج������ود ف������ي كوكبة‬ ‫مونوس������يروس(‪ .)7‬وفي الضوء املرئي‪ ،‬تظهر‬ ‫ه������ذه املنطقة ع������ددا من النجوم الس������اطعة‬ ‫ومقادي������ر كبيرة من الغب������ار والغاز ‪ -‬وهي‬ ‫س������مات مميزة للتكون النجمي‪ .‬وقد كشفت‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫أرصاد مركز سپيتزر حشدا مطمورا كثيفا‬ ‫من النج������وم التي تنتمي إلى مراحل مختلفة‬ ‫من التطور‪ .‬ويوفر هذا احلشد لقطة سريعة‬ ‫لتل������ك املراحل بالضبط‪ ،‬التي س������يترك فيها‬ ‫االضطراب أو التنامي التنافسي عالماته‪.‬‬ ‫إن أصغر النجوم س������نا‪ ،‬وتتميز بأنها‬ ‫حتتوي على أعلى نس������بة من اإلصدارات‬ ‫بأط������وال موجية كبي������رة‪ ،‬تتكت������ل في زمر‬ ‫محكمة(‪ .)8‬وقد بينت >‪ .S .P‬تكسيرا< [تعمل‬ ‫اآلن في املرصد ‪ ]ESO‬ومعاونوها أن هذه‬ ‫النجوم يتباع������د بعضها عن بعض كل ‪0.3‬‬ ‫س������نة ضوئية تقريبا‪ .‬وهذه الصورة هي ما‬ ‫يتوق������ع بالضبط إن كانت القل������وب الكثيفة‬ ‫تنهار تثاقلي���ا ‪ gravitationally‬وتخرج من‬ ‫الغيم������ة اجلزيئية العام������ة‪ ،‬وهذا يوحي أن‬ ‫الظروف االبتدائية في الغيمة هي التي حتدد‬ ‫الطريق إلى االنهيار‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فحتى ولو‬ ‫كانت األرص������اد تدعم النموذج املضطرب‪،‬‬ ‫فللصور ميز(‪ )9‬جي������د يمُ كِ ننا من القول إن‬ ‫بعض النج������وم البدائية املفترضة ليس������ت‬ ‫أجساما منعزلة‪ ،‬إمنا هي زمر متراصة من‬ ‫األجس������ام‪ ،‬حتوي إحداها عشرة مصادر‬ ‫ضم������ن منطقة نص������ف قطرها ‪ 0.1‬س������نة‬ ‫ضوئية‪ .‬ولألجسام كثافة عالية جدا تؤدي‬ ‫إل������ى ضرورة حدوث تنام تنافس������ي‪ ،‬وذلك‬ ‫مبقياس صغير على األقل‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬فكما هو احلال في آليات قدح الزناد‪،‬‬ ‫ف ــإن أثــر البيئة النجمية ال يس������مح باخليار‬ ‫«إم���ا ‪ -‬أو»(‪ .)10‬ولك������ن ميك������ن لالضط������راب‬ ‫والتنامي التنافس������ي أن يعمال كالهما‪ ،‬وذلك‬ ‫يتوق������ف على الظ������روف‪ .‬ويب������دو أن الطبيعة‬ ‫تستفيد من كل طريقة ممكنة لتكوين جنم‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪simulations‬‬ ‫‪interactions‬‬ ‫‪competitive accretion‬‬ ‫‪turbulent-core model‬‬

‫(‪[ )5‬انظر‪:‬‬ ‫‪]R. Jayawardhana; Scientific American, January 2006‬‬

‫‪“The Mystery of Brown Dwarf Origins,” by S. Mohanty -‬‬

‫(‪Christmas Tree Cluster )6‬‬ ‫(‪Monoceros )7‬‬ ‫(‪tight group )8‬‬ ‫(‪resolution )9‬‬ ‫(‪either-or choice )10‬‬


‫اجعل هذا النجم فائق احلجم‬

‫( )‬

‫إن النج������وم ذوات الكتل الضخمة نادرة‬ ‫الوجود وقصيرة العم������ر‪ ،‬لكنها تؤدي دورا‬ ‫مهما في نشوء املجرات وتطورها‪ .‬إنها تضخ‬ ‫طاقة في الوسط البينجمي بواسطة التدفقات‬ ‫اخلارجي������ة للم������ادة واإلش������عاع كليهما‪ ،‬ثم‬ ‫إنها‪ ،‬ف������ي أواخر حياتها‪ ،‬ميك������ن أن تنفجر‬ ‫كاملس������تعرات األعظمية‪ ،‬معي������دة بذلك املادة‬ ‫مخصبة بعناص������ر ثقيلة‪ .‬ودرب التبانة مليء‬ ‫بفقاقيع وبقايا مستعرات أعظمية و ّلدتها مثل‬ ‫هذه النجوم‪ .‬بيد أن النظرية املعيارية تعاني‬ ‫مشكلة في تفسير تك ّونها‪ .‬وحاملا يصل جنم‬ ‫بدائ������ي عتبة تعادل قرابة ‪ 20‬كتلة شمس������ية‪،‬‬ ‫يتعني عل������ى الضغط الذي يحدثه إش������عاعه‬ ‫التغلب على قوة الثقالة‪ ،‬ومنعها من التعاظم‪.‬‬ ‫وإضاف������ة إلى ضغط اإلش������عاع‪ ،‬فإن الرياح‬ ‫التي يطلقها مثل هذا النجم الضخم تش������تت‬ ‫السحابة التي ولدته‪ ،‬وهذا يحد من منوه‪ ،‬وال‬ ‫يسمح له بالتدخل في تكوين جنوم قريبة‪.‬‬ ‫ويوف������ر بح������ث نظ������ري حدي������ث‪ ،‬أجنزه‬ ‫>كرومهولتز< ومعاون������وه‪ ،‬طريقة للخروج من‬ ‫هذه املش������كلة‪ .‬فمحاكياته������م الثالثية األبعاد‬ ‫تبني من������وا جنميا في ظ������روف تعقيدات غير‬ ‫متوقع������ة‪ .‬فالتدفق الداخل������ي للمادة ميكن أن‬ ‫يغدو غير منتظ������م البتة؛ إذ يجري تناوب بني‬ ‫املناط������ق الكثيفة وبني الفقاقي������ع التي يتدفق‬ ‫منها الضوء إلى اخل������ارج‪ .‬لذا‪ ،‬فإن الضغط‬ ‫اإلش������عاعي رمبا ال يضع عقبة أم������ام النمو‬ ‫املس������تمر على الرغم من كل ش������يء‪ .‬ومن ثم‪،‬‬ ‫فإن املادة الكثيفة املتدفقة نحو الداخل تك ِّون‪،‬‬ ‫أيضا وبس������رعة‪ ،‬جنوم���ا مرافق���ة(‪ ،)1‬وهذا‬ ‫يفسر السبب في أن النجوم الضخمة الكتلة‬ ‫نادرا ما تُرى وحيدة‪ .‬ويبحث الراصدون اآلن‬ ‫عن تأييد لهذا األمر باالس������تفادة من عمليات‬ ‫مس������ح س������پيتزر للمناطق التي تتك������ون فيها‬ ‫النج������وم ذات الكتل الضخم������ة‪ .‬بيد أن هذه‬ ‫عملية ليست بالسهلة بسبب ندرة هذه النجوم‬ ‫وقصر أعمارها‪ ،‬ومن ثم فمن الصعوبة مبكان‬ ‫اصطيادها خالل عملية تك ُّونها‪.‬‬

‫وحلس������ن احلظ‪ ،‬فثم������ة مراف������ق جديدة‬ ‫ستس������اعد س������ريعا على حل هذه املش������كلة‬ ‫ومس������ائل أخرى طرحها التك������ون النجمي‪.‬‬ ‫منها‪ ،‬على س������بيل املثال‪ ،‬هيرشل وصوفيا‪،‬‬ ‫وهي طائرة من طراز ‪ ،Boeing 747‬س������تحلق‬ ‫فوق ‪ 99‬في املئة م������ن بخار املاء الذي يجعل‬ ‫ج������و األرض مظلم������ا‪ ،‬وس������ترصد األطوال‬ ‫املوجية لإلش������عاع حت������ت األحم������ر البعيد‪،‬‬ ‫واألط������وال املوجي������ة دون املليمتري������ة‪ ،‬حيث‬ ‫تكون رؤي������ة التكون النجمي أس������هل كثيرا‪.‬‬ ‫وللتجهي������زات املوجودة على منت الطائرة ميز‬ ‫مكاني وظيفي‪ ،‬وهذا ضروري لرسم خريطة‬ ‫مفصلة للسرعات في الغيوم البينجمية‪ .‬وفيما‬ ‫يتعلق باألط������وال املوجية التي هي أكبر‪ ،‬فإن‬ ‫الصفيف )‪ ،)2((ALMA‬الذي يجري بناؤه في‬ ‫الصني حاليا‪ ،‬سيسمح برسم خريطة للنجوم‬ ‫البدائية املنفردة بتفصيل بالغ اإلتقان‪.‬‬ ‫وباإلفادة من هذه األرصاد اجلديدة‪ ،‬يأمل‬ ‫الفلكيون ب������أن يتتبعوا ال������دورة الكاملة حلياة‬ ‫الوس������ط البينجمي‪ :‬م������ن الغي������وم الذرية‪ ،‬إلى‬ ‫الغيوم اجلزيئية‪ ،‬إلى القلوب التي سبقت والدة‬ ‫النجوم‪ ،‬إلى النجوم‪ ،‬وأخيرا‪ ،‬العودة إلى الغاز‬ ‫املنتش������ر‪ .‬ويحدو هؤالء العلم������اء أيضا األمل‬ ‫برصد أق������راص التكون النجم������ي مبيز زاوي‬ ‫يكفي جلعله������م قادرين على تعقب التدفق نحو‬ ‫الداخل للمادة اآلتية من الغيمة‪ ،‬وأيضا‪ ،‬مقارنة‬ ‫تأثيرات البيئات املختلفة في والدة النجوم‪.‬‬ ‫وس������تفيد األجوبة موضوعات أخرى في‬ ‫الفيزياء الفلكية‪ .‬فكل شيء نراه ‪ -‬املجرات‪،‬‬ ‫الس������حب البينجمي������ة‪ ،‬النج������وم‪ ،‬الكواكب‪،‬‬ ‫الناس ‪ -‬صار وجوده ممكنا بفضل التكون‬ ‫النجمي‪ .‬هذا وإن نظريتنا احلالية في التكون‬ ‫النجمي ليست س������يئة‪ ،‬ولكن الثغرات التي‬ ‫تتخللها جتعلنا عاجزين عن تفسير كثير من‬ ‫أهم س������مات عاملنا احلالي‪ .‬ونحن نرى في‬ ‫تلك الثغرات أن التكون النجمي عملية أكثر‬ ‫غنى مما كان يتوقعه أي إنس������ان على وجه‬ ‫>‬ ‫هذه البسيطة‪.‬‬ ‫( ) ‪Supersize This Star‬‬ ‫(‪companion stars )1‬‬ ‫(‪the Atacama Large Millimeter Array )2‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, February 2010‬‬

‫‪13‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫استعادة التوازن‬ ‫باستعمال آذان َح ِي ْترونية‬

‫(٭)‬

‫يوما ما‪ ،‬قد تعيد الغرسات اإللكترونية في األذن الداخلية وضوح‬ ‫النظر والتوازن لبعض املرضى الذين يعانون اضطراب التوازن املُ ِ‬ ‫قعد‪.‬‬ ‫>‪ .C .Ch‬ديال‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫> ميكن أن تسبب اضطرابات النظام‬ ‫الدهليزي في األذن الداخلية الدوار‬ ‫واهتزاز النظر وتشوشه‪.‬‬ ‫> هناك ثالث قنوات نصف دائرية في‬ ‫األذن الداخلية مسؤولة عن قياس‬ ‫دوران الرأس‪.‬‬

‫> يجري تطوير أجهزة تعويضة‬ ‫اصطناعية ‪ prostheses‬للقيام‬ ‫بوظيفة القنوات نصف الدائرية ومن‬ ‫ثم استعادة التوازن‪.‬‬ ‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪14‬‬

‫سانتينا<‬

‫اس� � ��أل أصدق� � ��اءك أن يع � � � ّددوا حواس‬ ‫اجلس� � ��م‪ ،‬وس� � ��يتوقفون عادة بعد ع ّد خمس‬ ‫ح� � ��واس‪ :‬ال� � ��ذوق واللمس والبصر والش� � ��م‬ ‫والس� � ��مع‪ .‬إن معظ� � ��م الن� � ��اس ال يالحظ� � ��ون‬ ‫حاستهم السادسة ‪ -‬اإلحساس بكيفية توجه‬ ‫ال� � ��رأس وحركته‪ .‬ولكن فق� � ��دان هذه القدرة‬ ‫ميكن أن يؤدي إلى دوار شديد و ُمقعِ د يتبعه‬ ‫عدم ت� � ��وازن مزمن وتش� � ��وش البصر عندما‬ ‫يك� � ��ون الرأس في وضع احلركة‪ .‬وحلس� � ��ن‬ ‫احلظ يجري ُق ُدما تطوير غرسات َح ِي ْترونية‬ ‫لألذن(‪ )1‬الس� � ��تعادة التوازن لدى األشخاص‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الذي� � ��ن يعان� � ��ون أذي� � ��ة التي����ه الدهلي����زي‬ ‫ف� � ��ي األذن الداخلية ‪ -‬اجل� � ��زء الذي يزودنا‬ ‫بحاستنا السادسة‪.‬‬ ‫إن >‪ .R‬گان� � ��ون< [العام� � ��ل املتقاعد الذي‬ ‫يبلغ ‪ 57‬عاما‪ ،‬وال� � ��ذي كان يعمل في تركيب‬ ‫وضب� � ��ط األجه� � ��زة البخاري� � ��ة ويقط� � ��ن في‬ ‫پنسلڤانيا وفلوريدا] يترقب بصبر نافد توفر‬ ‫هذه األجهزة التعويضي� � ��ة‪ ،‬إذ فقد >گانون<‬ ‫كثيرا م� � ��ن إحساس� � ��ه بالتوازن قبل س� � ��بع‬ ‫س� � ��نوات بعد أن أصيب مبا يبدو أنه مرض‬ ‫ڤيروس� � ��ي‪ .‬يقول >گانون<‪« :‬دعوني أكن أول‬ ‫من ُي ْج� � ��رى له زرع غرس� � ��ة دهليزية‪ ,‬مازلت‬ ‫أنتظر مكاملتهم الهاتفية منذ خمس س� � ��نوات‪,‬‬ ‫وحاملا يس� � ��تطيعون القيام بالزرع فسأمشي‬ ‫إلى املستشفى إن اضطررت إلى ذلك‪».‬‬ ‫يضي� � ��ف >گان� � ��ون< [الذي كان س� � ��باحا‬

‫ماهرا من قبل]‪« :‬لقد انتقلت إلى منزل قرب‬ ‫الش� � ��اطئ عندما تقاعدت ألنن� � ��ي أحب املاء‪.‬‬ ‫ولكن من� � ��ذ أن فقدت توازني ل� � ��م أعد قادرا‬ ‫على السير مس� � ��تقيما خاصة على الرمل‪».‬‬ ‫أصبحت األمهات اآلن يسحنب أوالدهن بعيدا‬ ‫عن� � ��ي العتقادهن أنني ثمل‪ .‬إن وقوفي ضمن‬ ‫أم� � ��واج متكس� � ��رة على الش� � ��اطئ ال يتجاوز‬ ‫ارتفاعها بوصتني يجعلني أشعر بأنني على‬ ‫وش� � ��ك الس� � ��قوط‪ .‬لم أعد أقود الس� � ��يارة إ ّال‬ ‫نادرا‪ ,‬وال أقوده� � ��ا أبدا في الليل ألنني أرى‬ ‫كل مصباح عشرين مصباحا‪.‬‬ ‫وم� � ��ع أن >‪ .R‬گانون< يش� � ��عر بأنه مرتاح‬ ‫نس� � ��بيا في القيادة النهارية‪ ,‬فإنه يشير إلى‬ ‫أن املسارات الشبيهة باملذنبات التي تخلفها‬ ‫أضواء الطري� � ��ق‪ ،‬وهي تعبر أمام عينيه ليال‬ ‫«تش� � ��به َع ْرضا بأضواء الليزر»‪ .‬ويقول‪« :‬أنا‬ ‫مس� � ��تعد للتخل� � ��ي عن س� � ��معي إذا كان ذلك‬ ‫سيجعلني أس� � ��تعيد توازني‪ ».‬إن التطورات‬ ‫اإليجابية احلديثة في مجال غرس� � ��ات األذن‬ ‫ا َ‬ ‫حل ِيتْرونية متنح األمل لـ >گانون< وعش� � ��رات‬ ‫اآلالف م� � ��ن أمثاله الذين عان� � ��وا أذية لألذن‬ ‫الداخلية بسبب مضادات حيوية معينة (مثل‬ ‫الگنتامايسني) أو بسبب املعاجلة الكيميائية‬ ‫( )‬

‫‪ ،REGAINING BALANCE WITH BIONIC EARS‬حيترونية‬

‫‪( bionic‬نحت لـ‪ :‬حيوية إلكترونية)‪ :‬أجهزة مصممة على‬ ‫غرار النظم احلية تؤدي وظائفها نفسها‪.‬‬

‫(‪bionic ear implants )1‬‬ ‫(‪vestibular labyrinth )2‬‬


‫أو التهاب الس� � ��حايا أو داء مينيير أو غيرها‬ ‫من األمراض‪.‬‬ ‫البقاء بانتصاب وثبات‬

‫(٭)‬

‫س� � ��وف ُي َؤ ِّم� � ��نُ ه� � ��ذا النوع م� � ��ن اآلذان‬ ‫ا َ‬ ‫حل ِيتْروني� � ��ة الثب� � ��ات ع� � ��ن طري� � ��ق التنبي� � ��ه‬ ‫الكهربائ� � ��ي إلى العص� � ��ب الدهليزي والذي‬ ‫ينقل عادة اإلش� � ��ارات من التي� � ��ه الدهليزي‬ ‫إل� � ��ى الدماغ‪ ,‬بصورة مش� � ��ابهة لغرس� � ��ات‬ ‫القوقعة التي تعيد الس� � ��مع عن طريق التنبيه‬ ‫الكهربائ� � ��ي ألجزاء من العصب الس� � ��معي‪.‬‬ ‫إن رب� � ��ط اجلهاز كهربائيا بالعصب س� � ��وف‬ ‫يتجاوز النظام الدهليزي املعيب‪.‬‬ ‫يقوم التيه الس� � ��ليم بوظيفتني مهمتني‪.‬‬ ‫األولى ه� � ��ي قياس أي اجت� � ��اه هو األعلى‬ ‫وإل� � ��ى أي جهة تتجه‪ .‬أنت بحاجة إلى هذه‬ ‫املعلومات كي تقف ومتشي بصورة طبيعية‪.‬‬ ‫والثانية هي اإلحساس بكيفية دوران رأسك‪.‬‬ ‫إنك حتتاج إلى هذه املعلومات لتبقي عينيك‬ ‫على الهدف‪ .‬على سبيل املثال‪ ,‬كلما ترفع‬ ‫رأس� � ��ك لألعلى يأمر التيه عينيك بالدوران‬ ‫لألسفل بالسرعة نفسها متاما مما ُي ْبقي‪،‬‬ ‫بالتالي‪ ،‬الصور ثابتة على الشبكية‪ .‬ولوال‬ ‫هذا املنعكس الدهلي���زي البصري(‪ )1‬لبدا‬ ‫ص ّور‬ ‫العال� � ��م كما ل� � ��و كنا نش� � ��اهد فيلما ُ‬ ‫بكاميرة ڤيديو مهت� � ��زة بيد صاحبها‪ .‬هذا‬ ‫هو املنعكس الذي س� � ��وف يس� � ��تعاض عنه‬ ‫بواس� � ��طة األجهزة التعويضي� � ��ة املصممة‪،‬‬ ‫مم� � ��ا يعيد كثيرا من التوازن املفقود وليس‬ ‫كامل التوازن‪.‬‬ ‫يقي� � ��س التي� � ��ه الدهلي� � ��زي دوران الرأس‬ ‫مس� � ��تعمال ثالث بنى مليئة بالس� � ��ائل ُسميت‬ ‫القنوات نصف الدائرية بسبب شكلها الذي‬ ‫يش� � ��به طوق الرقص (الهوال هوپ)‪ .‬تتوضع‬ ‫القنوات نص� � ��ف الدائرية في كل من األذنني‬ ‫توضعا عموديا عل� � ��ى بعضها بعضا بحيث‬ ‫تستطيع تس� � ��جيل دوران الرأس في األبعاد‬ ‫الفراغية الثالثة‪.‬‬ ‫تقي� � ��س إحدى القنوات ف� � ��ي كل أذن‪ ,‬على‬

‫س� � ��بيل املثال‪ ,‬الدوران في املس� � ��توى األفقي‪.‬‬ ‫ف� � ��إذا اس� � ��تدرت‪ ،‬فرض� � ��ا‪ ،‬إلى اليس� � ��ار فإن‬ ‫الس� � ��ائل داخل القناة يضغط على غشاء ميتد‬ ‫عبر إح� � ��دى نهايتي القناة ويثني اس� � ��تطاالت‬ ‫تشبه الش� � ��عر تسمى األهداب ‪ cilia‬املتوضعة‬ ‫في خاليا منغرس� � ��ة في قاع� � ��دة البنية‪ .‬ويطلق‬ ‫ثني األهداب إش� � ��ارات في العصب الدهليزي‬ ‫تصل إلى جذع الدماغ واملخيخ‪ ،‬وهي مناطق‬ ‫الش� � ��عور احلس� � ��ي والتحكم احلرك� � ��ي والتي‬ ‫ترسل رسائل إلى العضالت التي تدير الرأس‬ ‫في اجتاه معاكس الجتاه حركة الرأس‪.‬‬ ‫( ) ‪Staying Upright and Steady‬‬ ‫(‪vestibuloocular reflex )1‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪15‬‬


‫[قطع الغيار]‬

‫التيه‬ ‫الدهليزي‬

‫جهاز الستعادة التوازن‬

‫( )‬

‫التيه الدهليزي ذو التركيب املعقد املوجود في األذن الداخلية هو أساس التوازن؛‬ ‫تسبب أذيته عدم الثبات وتشوش البصر‪ .‬يحقق الباحثون تقدما نحو ابتداع جهاز‬ ‫اصطناعي تعويضي ميكن أن يعوض عن مثل هذه األذية متاما مثلما تعوض الغرسات‬ ‫عن فقدان السمع بسبب تأذي القوقعة‪.‬‬

‫العصب‬ ‫الدهليزي‬

‫العلوية‬ ‫اخللفية‬ ‫القوقعة‬

‫غشاء‬ ‫الطبلة‬

‫ال ُق َر ْيبة‬

‫العصب الدهليزي‬

‫قناة األذن‬

‫األفقية‬

‫القنوات‬ ‫نصف‬ ‫الدائرية‬

‫ال ُك َي ْيس‬

‫القوقعة‬

‫األذن الداخلية‪ :‬ليست فقط للسمع ‪‬‬

‫يشمل التيه الدهليزي ثالثة تراكيب مليئة بالسائل تشبه‬ ‫طوق الرقص تسمى القنوات نصف الدائرية‪ ،‬يحتوي كل منها‬ ‫على بنية تسمى األنبولة ‪ the ampullae‬في إحدى نهايتيها‪.‬‬ ‫تستشعر ا ُألنبولة دوران الرأس في األبعاد الثالثة وتعتمد مثل‬ ‫املستشعرات األخرى في األذن الداخلية على خاليا متخصصة‬ ‫تترجم حركة السائل إلى إشارات عصبية‪ .‬وتخبر بنى أخرى في‬ ‫التيه ‪ -‬ال ُق َر ْيبة وال ُك َي ْيس ‪ -‬الدماغ بكيفية توجه الرأس نسبة‬ ‫للثقالة‪ .‬وسوف يقوم اجلهاز التعويضي الذي اقترحه املؤلف‬ ‫بوظيفة األقنية نصف الدائرية‪.‬‬

‫مساعدات التوازن‪ :‬مجازة كهربائية ‪‬‬

‫يستعمل اجلهاز التعويضي املقترح جيروسكوپا منمنما‬ ‫الستشعار حركة الرأس يحل مكان العناصر اخلربة في األذن‪.‬‬ ‫ويقع اجليروسكوب ضمن وحدة تغرس خلف األذن‪ ،‬ويتألف من‬ ‫عجلة كهرميكانيكية ميكروية هزازة (مصنعة باستعمال أسلوب‬ ‫الليثوغرافيا (الطباعة احلجرية) الضوئية املستخدم في تنميش‬ ‫شيپات ‪ .)chips‬متيل العجلة قليال عندما يتحرك الرأس مغيرة‬ ‫الڤلطية في مواسعات (مكثفات) مجاورة موجودة ضمن الوحدة‬ ‫➊‪ .‬يلتقط معالج ميكروي موجود ضمن اجليروسكوب التغير‬ ‫ويرسل إشارات إلى إلكترودات مزروعة في األذن الداخلية ‪,‬‬ ‫تنقل املعلومات إلى العصب الدهليزي ‪ ‬ومن ثم إلى جذع الدماغ‬ ‫وفي نهاية املطاف إلى األعصاب التي‬ ‫تضبط وضعية العينني‪.‬‬

‫العرف‬

‫ا َأل ْنبولة‬

‫الرأس بوضعية الثبات‬ ‫ا َألنبولة‬

‫السير مع التيار ‪‬‬

‫عندما يكون الرأس ثابتا‪ ,‬يبقى السائل ضمن‬ ‫كل قناة نصف دائرية راكدا وتطلق ألياف‬ ‫العصب الدهليزي مبعدل ثابت (الصورة‬ ‫العليا)‪ .‬عند دوران الرأس (الصورة السفلى)‬ ‫يثني السائل في كل قناة نصف دائرية أفقية‬ ‫القديح ‪( cupula‬غشاء مرن عبر القناة)‪.‬‬ ‫تترجم خاليا شعرية هذه احلركة إلى إشارة‬ ‫كهربائية تنقلها األلياف إلى أجزاء أخرى من‬ ‫الدماغ‪ .‬تثير هذه النبضات مُ نعَ كِ سات تدير‬ ‫العينني باجتاه معاكس الجتاه حركة الرأس‪,‬‬ ‫مما يبقيهما مثبتتني على الهدف ويساعد‬ ‫على احلفاظ على توازن ثابت‪.‬‬

‫جيروسكوب‬

‫القديح‬ ‫العرف‬

‫حزمة‬ ‫أشعار‬ ‫سائل‬ ‫خلية شعرية‬ ‫عصب دهليزي‬

‫الرأس بوضعية الدوران‬ ‫بطارية‬ ‫خارجية‬

‫غرسة معالج‬ ‫ميكروي ومحس‬

‫العصب الدهليزي‬ ‫إلى جذع الدماغ‬

‫‪‬‬

‫‪16‬‬

‫➊‬ ‫القديح‬ ‫يستشعر‬ ‫باجتاه تدفق‬ ‫السائل‬ ‫عصب دهليزي‬ ‫مح َّرض‬

‫شبكة مسابر‬ ‫(الكترودات)‬

‫➋‬

‫( ) ‪A Device to Restore Balance‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬


‫مجازة توازنية‬

‫(٭)‬

‫طورت م� � ��ع زمالئي في مختبر الهندس� � ��ة‬ ‫العصبية الدهليزية بجامعة جونز هوپكنز إحدى‬ ‫الغرس� � ��ات التي تهم >گان� � ��ون< وجربناها على‬ ‫احليوانات‪ .‬يحتوي اجلهاز على جيروسكوب‬ ‫منمنم(‪( )1‬ميكانيكي ميكروسكوبي) يقيس حركة‬ ‫الرأس ف� � ��ي األبعاد الثالثة جميعها‪ ،‬ويرس� � ��ل‬ ‫معاجل���ه امليك���روي(‪ )2‬إش� � ��ارات إلى مس� � ��ابر‬ ‫حترض ثالث� � ��ة أفرع من العص� � ��ب الدهليزي‪.‬‬ ‫وتقنيات استش� � ��عار‪ ،‬جرى‬ ‫إلكترونيات‬ ‫وتقدم‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ابتداعها في أكثر من ‪ 120 000‬غرس� � ��ة قوقعية‬ ‫زرعت خالل الس� � ��نوات اخلمس والعش� � ��رين‬ ‫�س التقني َة لهذا اجليل اجلديد‬ ‫املاضية‪ ،‬األس� � � َ‬ ‫من الغرسات العصبية مما يس ّرع االنتقال من‬ ‫البحث العلمي إلى االستخدام السريري‪.‬‬ ‫نحن نزرع عادة في جهة واحدة فقط‪ ,‬ألننا‬ ‫نري� � ��د أن نحصر املخاط� � ��ر اجلراحية ‪ -‬مثل‬ ‫احتمال أذية بنى في األذن الداخلية مسؤولة‬ ‫عن الس� � ��مع ‪ -‬في أذن واحدة‪ .‬نحن نعتقد‪,‬‬ ‫من خالل جتاربنا على احليوان‪ ,‬أن اجلهاز‬ ‫ال� � ��ذي يع ّوض عن وظيفة مجموعة واحدة من‬ ‫القنوات نصف الدائرية سوف يؤمن للمريض‬ ‫الذي يعاني اضطرابا دهليزيا‪ ،‬ثباتا وتوازنا‬ ‫كافيني‪ .‬قد تكون اس� � ��تعادة وظيفة بنى األذن‬ ‫الداخلية التي تعمل حساسات للثقالة ممكنة‬ ‫أيضا لكنها غير ضرورية لتصحيح تشوش‬ ‫الرؤية الذي هو أكث� � ��ر ما يزعج الذين فقدوا‬ ‫وظيفة األذن الداخلية‪.‬‬

‫ع� � ��دا عن العمل ال� � ��ذي ُي ْجرى في جامعة‬ ‫جونز هوپكنز‪ ,‬هن� � ��اك أيضا باحثون آخرون‬ ‫يط ّورون تقانة الغرس� � ��ات الدهليزية‪ .‬نش� � ��ر‬ ‫>‪ .D‬ميرفيل� � ��د< و>‪ .W‬گون� � ��گ< وزمالؤهما في‬ ‫مستش� � ��فى ماساتشوس� � ��تس للعني واألذن‬ ‫في بوس� � ��طن عام ‪ 2000‬تقريرا عن أول جهاز‬ ‫تعويض� � ��ي بديال عن إح� � ��دى األقنية نصف‬ ‫الدائرية الثالثة‪ ،‬وأظهروا أن احليوانات ميكن‬ ‫أن تتأقلم مع ما يصدره ذلك اجلهاز‪ .‬ويدرس‬ ‫>‪ .R‬لويس< [من مستشفى ماساتشوستس‬ ‫للع� �ي��ن واألذن] أيضا إمكاني� � ��ة قيام اجلهاز‬ ‫بثبيت وضعية اجلسم‪.‬‬ ‫ومؤخــ� � ��را‪ ،‬طــــورت مجمــــوعــــــة يقودهــــا‬ ‫>‪ .O .J‬فيليپس< [من جامعة واشنطن] جهازا‬ ‫يش� � ��به الناظ����م(‪ )3‬في محاول� � ��ة للتغلب على‬ ‫اإلص� � ��دار العصب� � ��ي املفرط ال� � ��ذي يحصل‬ ‫أثن� � ��اء هجم� � ��ة ال� � ��دوار الت� � ��ي يس� � ��ببها داء‬ ‫مينيي� � ��ر‪ .‬ويعمل >‪ .M .A‬ش� � ��كل< [من جامعة‬ ‫كاليفورين� � ��ا في إيرڤني] و>‪ .J‬گيورگيو< [مـــن‬ ‫جامعـــــــــة قبرص] عل� � ��ى دارة مدمجة لدعم‬ ‫هذا املش� � ��روع‪ ,‬في حـــني تطــور مجموعـــــــة‬ ‫أخرى يقــــــودهــــــا >‪ .C‬وول< [من مستشفى‬ ‫ماساتشوس� � ��تس للع� �ي��ن واألذن] أجه� � ��زة‬ ‫خارجية تساعد اجلس� � ��م على احلفاظ على‬ ‫وضعية ثابتة له‪.‬‬ ‫نظرا إلدراكنا الكامل للعجز الذي يعانيه‬ ‫>گان� � ��ون< واملرض� � ��ى اآلخ� � ��رون املصابون‬ ‫بإصابات مش� � ��ابهة‪ ,‬ف� � ��إن فريقنا في جامعة‬ ‫جون� � ��ز هوپكنز يأمل بأن يب� � ��دأ باالختبارات‬ ‫الس� � ��ريرية مبجرد أن نتغلب عل� � ��ى العوائق‬ ‫الباقية التقنية والتنظيمية‪ .‬فإذا جرى البحث‬ ‫كما هو مخطط له‪ ,‬فإن اآلذان احليترونية والتي‬ ‫تستعيد احلاسة السادسة املفقودة ستسمح‬ ‫أخيرا ملرضى مثل >گانون< بأن يس� � ��تعيدوا‬ ‫>‬ ‫إحساسا بالتوازن‪.‬‬

‫املؤلف‬

‫‪Charles C. Della Santina‬‬

‫أستاذ مشارك في طب األذن واألنف‬ ‫واحلنجرة والهندسة احليوية الطبية‬ ‫في كلية طب جامعة جونز هوپكنز‬ ‫التي يدير فيها أيضا مختبر الهندسة‬ ‫العصبية الدهليزية‪ .‬يركز في ممارسته‬ ‫اجلراحية على املرضى الذين‬ ‫يعانون اضطرابات دهليزية‪ ،‬وعلى‬ ‫استعادة السمع باستعمال الغرسات‬ ‫القوقعية(‪ .)4‬ويركز بصفته باحثا‬ ‫على تطوير أجهزة تعويضية لعالج‬ ‫األشخاص املعاقني نتيجة لفقدان‬ ‫اإلحساس الدهليزي‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫( ) ‪A Balance Bypass‬‬

‫(‪miniaturized gyroscope )1‬‬

‫>‪ .R‬گانون< أول متطوع لتركيب جهاز تعويضي‪،‬‬ ‫كان يعمل فنيا لألجهزة البخارية قبل أن يؤدي مرض‬ ‫أصابه قبل سبع سنوات إلى إعاقته‪.‬‬

‫(‪microprocessor )2‬‬

‫(‪pacemaker )3‬؛ مولد نبضي يعمل على البطارية يزرع في‬ ‫جسد اإلنسان لتوليد نبض سوي‪.‬‬ ‫(‪cochlear implants )4‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪Scientific American, April 2010‬‬

‫‪17‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫الطب النانوي يستهدف السرطان‬

‫(٭)‬

‫إذا نظرنا إلى جسم كل إنسان على أنه نظام يتألف من شبكات‬ ‫جزيئية تتفاعل مع بعضها‪ ،‬واستهدفنا مواطن اخللل في هذا النظام‬ ‫باستخدام تقانات ذات قياسات نانوية‪ ،‬فإن ذلك يدفعنا إلى إعادة النظر‬ ‫في كيفية فهمنا للمرض وفي كيفية مهاجمته‪ ،‬ورمبا في إمكانية الوقاية منه‪.‬‬ ‫>‪ .R .J‬هيث< ـ >‪ .E .M‬ديڤيز< ـ‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫>‬

‫>‬

‫إن أسلوب «الن ُ​ُّظم» ‪ systems‬في‬ ‫الطب ينظر إلى اجلسم باعتباره‬ ‫شبكة معقدة من تفاعالت جزيئية‪،‬‬ ‫ميكن قياسها‪ ،‬وعمل مناذج لها‪،‬‬ ‫لكشف أسباب األمراض‪ ،‬مثل‬ ‫السرطان‪.‬‬ ‫وتستطيع األدوات البالغة الصغر‬ ‫قياس اجلزيئات والتعامل معها‬ ‫بتكلفة زهيدة لصالح طب النظم‪.‬‬

‫العالجات النانوي ُة األبعاد‬ ‫وتوصل‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫األدوي َة التي تستهدف األورام بدقة‪،‬‬ ‫في حني تتجنب النسج السليمة‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪18‬‬

‫>‪ .L‬هود<‬

‫قبل الذهاب إلى قاعة التمارين الرياضية‪،‬‬ ‫أو بع� � ��د اإلفراط في تناول الكعك في احتفال‬ ‫يقام ف� � ��ي املكتب‪ ،‬ف� � ��إن الس � � � ّكر ِّيينِّ ميكنهم‬ ‫اس� � ��تخدام جهاز محمول لقي� � ��اس الگلوكوز‬ ‫ف� � ��ي دمهم بس� � ��رعة‪ ،‬فيعدل� � ��ون طعامهم‪ ،‬أو‬ ‫يأخذون جرعة من األنسولني‪ ،‬لتفادي حدوث‬ ‫ارتفاعات أو انخفاضات حادة في مس� � ��توى‬ ‫س� � ��كر الدم‪ .‬إن األجه� � ��زة الرخيصة الثمن‬ ‫الختبار سكر الدم بوخز اإلصبع والتي تتيح‬ ‫للس� � ��كريني فحص مس� � ��توى الگلوكوز طوال‬ ‫اليوم‪ ،‬قد تبدو كأنها وس� � ��يلة صغيرة احلجم‬ ‫لتأم� �ي��ن الراحة‪ ،‬فإذا لم تكن س � � � ّكر ّيا‪ ،‬وإذا‬ ‫كنت تس� � ��تطيع أن تعود بذاكرتك إلى عقد أو‬ ‫أكثر‪ ،‬فستتذكر أن اإلصابة بالسكري كانت‬ ‫والتوجس‪ ،‬وبقدر‬ ‫تترافق بالكثير من اخلوف‬ ‫ُّ‬ ‫أقل بكثير من التحكم في صحتك‪.‬‬ ‫إن نوعي� � ��ة احلي� � ��اة املتاح� � ��ة للس� � ��كريني‬ ‫بواسطة التقانات التي ميكنها أن تستخلص‬ ‫املعلوم� � ��ات من الدم بس� � ��هولة وبتكلفة قليلة‪،‬‬ ‫تعطي انطباعا موج� � ��زا عما ينبغي أن يكون‬ ‫علي� � ��ه الطب‪ :‬أكث� � ��ر قدرة عل� � ��ى التنبؤ وعلى‬ ‫الوقاية‪ ،‬وأكثر تلبية لالحتياجات الشخصية‬ ‫لكل ف� � ��رد على حدة‪ ،‬وإتاحة فرص أكثر لكل‬ ‫فرد إلس� � ��هام أكثر في احلفاظ على صحته‪.‬‬ ‫توجه‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬فإنن� � ��ا نعتقد أن الطب قد َّ‬ ‫بالفعل وبصورة عامة إلى هذا املنحى‪ ،‬بسبب‬ ‫التقانات اجلديدة التي جعلت احلصول على‬

‫معلومات بيولوجية وحتليلها بس� � ��رعة وبثمن‬ ‫زهيد أمرا ممكنا‪.‬‬ ‫وأحد املفاتيح له� � ��ذا التطور في الطب‬ ‫ه� � ��و الوصول إلى تصغي� � ��ر فائق في أبعاد‬ ‫األدوات التقانية التي تستخدم كمية ضئيلة‬ ‫جدا من الدم للقياس� � ��ات التشخيصية‪ ،‬أو‬ ‫تس� � ��تخدم خالي� � ��ا مفردة تؤخذ من نس� � ��ج‬ ‫مريض� � ��ة‪ .‬وميكن له� � ��ذه األدوات اجلديدة‪،‬‬ ‫والتي تقاس أبعادها بامليكرون والنانومتر‪،‬‬ ‫(وهو جزء من البليون من املتر)‪ ،‬أن تتعامل‬ ‫مع أعداد ضخمة من اجلزيئات البيولوجية‪،‬‬ ‫وأن تقيس� � ��ها بسرعة وبدقة‪ ،‬ومن ثم بتكلفة‬ ‫زهي� � ��دة ل� � ��كل قي� � ��اس‪ ،‬التتجاوز س� � ��نتات‬ ‫مع� � ��دودة‪ .‬وقد فتحت ه� � ��ذه التوافقات بني‬ ‫رخص التكلفة ورفع� � ��ة األداء طرقا جديدة‬ ‫لدراس� � ��ة ومعاجلة األمراض‪ ،‬إذ س� � ��محت‬ ‫بالنظر إلى جسم اإلنسان كنظام ديناميكي‬ ‫يتألف م� � ��ن تفاعالت جزيئية‪ .‬وعندما تُد َمج‬ ‫هذه القياس� � ��ات التي أجريت على مستوى‬ ‫الن ُ​ُّظم في من� � ��اذج حاس� � ��وبية‪ ،‬تتمكن تلك‬ ‫النماذج احلاسوبية‪ ،‬بدورها‪ ،‬من كشف أي‬ ‫مؤشرات مبكرة ملش� � ��كلة ما‪ .‬وعند جتميع‬ ‫التبص� � ��رات مع العالج� � ��ات املرتكزة‬ ‫هذه‬ ‫ُّ‬ ‫على التقانة النانوية‪ ،‬فس� � ��يكون من املمكن‬ ‫أن يستهدف العالج املشكلة‪ ،‬دون غيرها‪،‬‬ ‫ومن ثم يتفادى أي آثار جانبية خطيرة‪.‬‬ ‫( ) ‪NANOMEDICINE TARGETS CANCER‬‬


‫ومع أننا نتوقع أن الطب مبجمله س� � ��وف‬ ‫يعمل وفق هذه األسس‪ ،‬إال أن األبحاث حول‬ ‫الس� � ��رطان َت ْع ِر ُ‬ ‫ض‪ ،‬في الوقت احلالي‪ ،‬أمثلة‬ ‫عن الكيفية التي تقدم بها التقانة ذات األبعاد‬ ‫املتناهي� � ��ة الصغر املعلومات الالزمة لرس� � ��م‬ ‫صورة كبيرة للمرض كما تراه الن ُ​ُّظم‪.‬‬ ‫طب ال ُّن ُظم‬

‫( )‬

‫إن وض� � ��ع منوذج ألحد الن ُ​ُّظم يتطلب ك ًّما‬ ‫هائال من البيان� � ��ات‪ ،‬والكائنات احلية تزخر‬ ‫باملعلوم� � ��ات الت� � ��ي ميكن أن توص� � ��ف بأنها‬ ‫َر َقم َّي� � ��ة‪ ،‬أي ميكن قياس� � ��ها وتعي� �ي��ن كميتها‬ ‫مجتها لتكون منوذجا‪ .‬ومثل هذه املعلومات‬ ‫و َب ْر َ‬ ‫البيولوجي� � ��ة تب� � ��دأ بأحد الك���ودات اجلينية‬ ‫لكائن(‪ .)1‬إذ حتمل كل خلية في جسم اإلنسان‬ ‫نسخة تامة من جينومه ‪ ،genome‬وهو يتألف‬ ‫من ثالثة باليني زوج من قواعد الدنا ‪،DNA‬‬ ‫وهي أحرف األبجدي� � ��ة اجلينيــة‪ .‬وتكود هذه‬ ‫األحرف قراب� � ��ة ‪ 25 000‬جني‪ ،‬مت ِّثل تعليمات‬ ‫لتش� � ��غيل اخلاليا والنسج‪ .‬و ُت ْنت َ​َسخ اجلينات‬ ‫داخل كل خلية إلى ش� � ��كل يسهل نقله‪ ،‬وهي‬ ‫قطع منفصلة من الرنا ‪ RNA‬املرسال‪ ،‬حتمل‬ ‫تل� � ��ك التعليمات إلى جهاز خلوي‪ ،‬يقرأ الرنا‪،‬‬ ‫وتس� � ��تخلص منه سالس� � ��ل م� � ��ن األحماض‬ ‫األمينية‪ ،‬وفقا للتعليمات املك���ودة ‪.encoded‬‬ ‫وما تلبث سالس� � ��ل األحماض األمينية تلك‪،‬‬ ‫بدورها‪ ،‬أن تطوي نفسها لتش ِّكل الپروتينات‪،‬‬ ‫وهي اآلالت اجلزيئي� � ��ة الثالثية األبعاد التي‬ ‫تنفذ معظم وظائف احلياة‪.‬‬ ‫وف� � ��ي داخ� � ��ل أي نظام بيولوج� � ��ي‪ ،‬مثل‬ ‫ش� � ��خص ما‪ ،‬تُن َق� � ��ل جميع ه� � ��ذه املعلومات‪،‬‬ ‫وتُعالَ� � ��ج و ُت ْد َمج وتُنفذ في النهاية‪ ،‬من خالل‬ ‫ش� � ��بكات م� � ��ن الپروتينات الت� � ��ي تتفاعل مع‬ ‫بعضه� � ��ا بعضا ومع جزيئ� � ��ات أخرى وثيقة‬ ‫الصلة بها داخل اخلاليا‪ .‬وعندما ننظر إلى‬ ‫النظام بأكمله على أنه ش� � ��بكة من األحداث‬ ‫التي تربط فيما بينها عالقات متبادلة‪ ،‬يكون‬ ‫بإمكانن� � ��ا النظ� � ��ر إلى امل� � ��رض باعتباره من‬ ‫العواقب التي متخض� � ��ت عن اضطراب في‬ ‫األمناط الطبيعية املُ َب ْر َمجة للمعلومات ضمن‬

‫الش� � ��بكة‪ .‬وقد يكون السبب‬ ‫ولي خل� �ل��ا داخل النظام‪،‬‬ ‫األَ ّ‬ ‫مث� � ��ل تغي� � ��ر عش� � ��وائي في‬ ‫الدنا يغ ِّير إحدى التعليمات‬ ‫املكودة‪ ،‬أو أح� � ��د التأثيرات‬ ‫البيئي� � ��ة التي مت� � ��س النظام‬ ‫من اخلارج‪ ،‬مثل اإلش� � ��عاع‬ ‫فوق البنفس� � ��جي في ضوء‬ ‫الش� � ��مس‪ ،‬والذي ميكن أن‬ ‫يس� � ��بب تلفا ف� � ��ي الدنا‪ ،‬والذي ي� � ��ؤدي إلى‬ ‫الورم املالني (املالنوما) في النهاية‪ .‬وبينما‬ ‫يتس� � ��بب االضط� � ��راب املبدئي ف� � ��ي موجات‬ ‫صغي� � ��رة من التأثي� � ��رات واالرجتاعات؛ فإن‬ ‫أمناط املعلومات تستمر بالتغ ُّير‪ ،‬وتفسر تلك‬ ‫األمناط املعدلة تعديال ديناميكيا ما يتسم به‬ ‫املرض من طبيعة ميكانيكية [انظر الش� � ��كل‬ ‫في الصفحة التالية]‪.‬‬ ‫وم� � ��ن الطبيع� � ��ي‪ ،‬أن يكون بن� � ��اء منوذج‬ ‫حاسوبي دقيق لشبكة بيولوجية من هذا النمط‬ ‫مجهودا مرهقا‪ ،‬فهذه املهمة قد تتطلب اإلدماج‬ ‫احلاس� � ��وبي ملاليني أو أكثر من القياس� � ��ات‬ ‫للرنا املرسال وملس� � ��تويات الپروتينات‪ ،‬لكي‬ ‫نتمكن من فه� � ��م أعم� � ��ق لديناميكيات حت ُّول‬ ‫النظ� � ��ام من الصحة إلى امل� � ��رض‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫فإن منوذجا دقيقا (منوذجا يتمكن من التنبؤ‬ ‫بدقة بآثار االضطرابات) قد يكون األس� � ��اس‬ ‫لتغ ُّي� � ��رات مثيرة في الطريق� � ��ة التي نفهم بها‬ ‫املرض والصحة‪ ،‬وفي الكيفية التي نتناولهما‬ ‫بها من الوجهة الطبية‪.‬‬ ‫وم� � ��ن األمثلة على ذلك أن الس� � ��رطان قد‬ ‫حظي على امتداد العديد من العقود السابقة‬ ‫بدراس� � ��ات مكثفة أكثر مما حظيت به جميع‬ ‫األمراض األخ� � ��رى‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬كانت األورام‬ ‫تمُ َّيز منطيا بصفات غير دقيقة إلى حد بعيد‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وتوضعها في عضو أو في‬ ‫تتضمن حجمها‪،‬‬ ‫نس� � ��يج معني‪ ،‬وما إذا كانت اخلاليا اخلبيثة‬ ‫قد انتش� � ��رت من الورم األول� � ��ي‪ .‬وكلما تقدم‬ ‫السرطان طبقا لهذه «املراحل» التشخيصية‬ ‫كان التكهن بتقدم املرض قامتا بالنسبة إلى‬ ‫املريض‪ .‬ومع ذلك‪ ,‬فإن تلك احلكمة التقليدية‬

‫ُ‬ ‫اجل َس ْيمات النانوية والتي بنيت لنقل‬ ‫صعَ ة بپروتينات‬ ‫احلمولة العالجية‪ُ ،‬م َر َّ‬ ‫ِّ‬ ‫فتمكنها من‬ ‫تؤدي عمل املفاتيح‪،‬‬ ‫الدخول إلى خاليا الورم‪.‬‬

‫( ) ‪Systems Medicine‬‬ ‫(‪an organism’s genetic code )1‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪19‬‬


‫حتتوي خاليا الپروستاته على مجموعات من‬ ‫الپروتينات (الدوائر املصمتة)‪ ،‬والتي تتفاعل‬ ‫مع بعضها (اخلطوط)‪ ،‬في شبكات صغيرة‪،‬‬ ‫وتصاحب التغيرات في املستويات اخللوية‬ ‫لبعض الپروتينات تغيرات من الصحة إلى‬ ‫املرض‪ .‬وتبدي خاليا سرطان الپروستاته في‬ ‫املرحلة املبكرة زيادة في مستويات الپروتني‬ ‫‪( MAPK8‬وهو پروتني معروف بتنظيمه حركة‬ ‫اخللية)‪ .‬كما تكون مستويات الپروتني ‪ SDC1‬في‬ ‫خاليا السرطان في املرحلة األخيرة أعلى مبقدار‬ ‫‪ 16‬مرة عما هي عليه في خاليا املرحلة املبكرة‪.‬‬ ‫و قد تعطي الكمية النسبية من هذين الپروتي َنينْ‬ ‫أدلة تشخيصية على وجود املرض وتفاقمه‪.‬‬

‫صحيح‬

‫مرحلة مبكرة‬

‫‪SDC1‬‬ ‫‪MAPK8‬‬

‫كانت تقدم العديد من التناقضات‪ ،‬فاملرضى‬ ‫الذين ُش� � ��خصوا بسرطانات متماثلة و ُأعطوا‬ ‫عالجات متش� � ��ابهة م� � ��ن ذخيرة اإلش� � ��عاع‬ ‫واملعاجل� � ��ات الكيميائي� � ��ة ع� � ��ادة م� � ��ا كانوا‬ ‫يس� � ��تجيبون بصورة متفاوتة‪ ،‬فمجموعة من‬ ‫املرض� � ��ى قد تتمتع بالش� � ��فاء التام‪ ،‬في حني‬ ‫متوت املجموعة األخرى سريعا‪.‬‬ ‫كشفت القياس� � ��ات الواسعة النطاق للرنا‬ ‫املرس� � ��ال ولتركيزات الپروتني داخل خزعات‬ ‫األورام عدم كفاءة هذه األساليب املعهودة في‬ ‫إظهار كيف أن سرطانني متماثلني ظاهريا في‬ ‫مريضني يتضمنان ش� � ��بكات مضطربة بطرق‬ ‫مختلفة اختالفا مثيرا‪ .‬واعتمادا على مثل هذا‬ ‫التحليل اجلزيئي‪ ،‬فإن العديد من السرطانات‬ ‫التي كانت في وقت م� � ��ا تُع َت َبر مرضا واحدا‬ ‫جرى تعرفها اآلن كأمراض منفصلة‪.‬‬ ‫إن ما يقرب من ‪ %80‬من أورام الپروستاته‬ ‫في البش� � ��ر تنمو ببطء‪ ،‬حتى إنها ال تس� � ��بب‬ ‫ضررا للمصاب بها أبدا‪ .‬أما بقية املصابني‬ ‫بها‪ ،‬فإنها سوف تنمو بس� � ��رعة أكبر وتغزو‬ ‫النس� � ��ج املجاورة‪ ،‬وتنتش� � ��ر إل� � ��ى األعضاء‬ ‫البعي� � ��دة أيضا‪ ،‬وفي النهاي� � ��ة تقتل املريض‪.‬‬ ‫ومجموعتنا البحثية حتاول حاليا أن تتعرف‬ ‫الش� � ��بكات التي يس� � ��بب املرض اضطرابها‬ ‫في خاليا الپروس� � ��تاته‪ ،‬وهي الشبكات التي‬ ‫متيز النمطني الرئيسني من السرطان‪ ،‬بحيث‬ ‫يتعرف الطبيب منذ البداية املوجود منها لدى‬ ‫املري� � ��ض‪ .‬فهذه املعلومة ق� � ��د تعفي ‪ %80‬من‬ ‫املرض� � ��ى من جراحة غي� � ��ر ضرورية‪ ،‬أو من‬ ‫التعرض لإلش� � ��عاع أو للمعاجلة الكيميائية‪،‬‬ ‫‪20‬‬

‫مرحلة متأخرة‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫فضال عن األلم وس� � ��لس البول والعنانة التي‬ ‫تصاحب تلك املعاجلات‪.‬‬ ‫ونح� � ��ن نحل� � ��ل كذل� � ��ك الش� � ��بكات داخل‬ ‫الپروستاته التي متيز األمناط الفرعية األكثر‬ ‫غزوا من بني ‪ %20‬من احلاالت‪ ،‬وهي األمناط‬ ‫التي قد تتطل� � ��ب ن ُ​ُظما عالجية متميزة‪ .‬وعلى‬ ‫س� � ��بيل املثال‪ ،‬ولدى حتليل الشبكات املميزة‬ ‫للمرحلة املبكرة وسرطان الپروستاته النقيلي‪،‬‬ ‫تمَ َ َّكنّا من تع� � ��رف پروتني ُيفرز في الدم‪ ،‬وهو‬ ‫الپروتني الذي يبدو وكأنه واسم ‪ marker‬ممتاز‬ ‫لتعرف الس� � ��رطان النقيلي‪ .‬واألدوات من هذا‬ ‫النوع التي ميكنها أن ُت ْد ِر َج مرضا مع َّينا مثل‬ ‫سرطان الپروستاته ضمن منط فرعي دقيق‪،‬‬ ‫ق� � ��د تتيح للطبي� � ��ب أن يق� � ��وم باختيار منطقي‬ ‫للعالج املالئم لكل فرد على حدة‪.‬‬ ‫اكتشاف املرض‬

‫( )‬

‫وم� � ��ع أن مثل هذا التحليل للرنا املرس� � ��ال‬ ‫والپروتينات املس� � ��تمدة من النسج الورمية قد‬ ‫يكون غني� � ��ا باملعلومات عن طبيعة نوع معروف‬ ‫من الس� � ��رطان‪ ،‬فإن أس� � ��لوب الن ُ​ُّظم قد يكون‬ ‫مفي� � ��دا أيضا في التمييز بني الصحة واملرض‪.‬‬ ‫فال� � ��دم يغم� � ��ر كل عضو من أعضاء اجلس� � ��م‪،‬‬ ‫ويحمل معه پروتينات وجزيئات أخرى‪ ،‬ومن ثم‬ ‫فإنه يوفر نافذة ممتازة تُطِ ّل على نظام اجلسم‬ ‫بأكمله‪ .‬والقدرة على اكتشاف اختالل التوازن‬ ‫ف� � ��ي پروتينات معينة أو في الرنا املرس� � ��ال قد‬ ‫يفيد في إعطاء إش� � ��ارات عن وجود مرض ما‪،‬‬ ‫وحتديد مكانه بدقة‪ ،‬فضال عن طبيعته‪.‬‬ ‫وتص� � ��دت مجموعتن� � ��ا البحثي� � ��ة لتحدي‬ ‫( ) ‪Detecting Disease‬‬


‫[املستحضرات التشخيصية لألمراض]‬

‫سنتات معدودة مقابل كل پروتني‬ ‫إن املعلوم���ات ه���ي أغل���ى‬ ‫س���لعة في أس���لوب ال ُّن ُظم‬ ‫ف���ي الط���ب‪ ،‬ل���ذا كان على‬ ‫االختبارات التش���خيصية‬ ‫أن تقيس‪ ،‬بسهولة وبدقة‪،‬‬ ‫أعدادا كبيرة من جزيئات‬ ‫بيولوجي���ة لق���اء س���نتات‬ ‫قليل���ة‪ ،‬أو لق���اء ما هو أقل‬ ‫م���ن ذلك‪ ،‬مقابل كل قياس‪.‬‬ ‫لقد سمح التصغير البالغ‬ ‫للمؤلف�ي�ن ولزمالئه���م بأن‬ ‫ينتج���وا منوذج���ا أولي���ا‬ ‫لشيپة مبقدورها أن تقيس‬ ‫مجموعة م���ن الپروتينات‬ ‫املرتبط���ة بالس���رطان ف���ي‬ ‫ُق َ‬ ‫ط ْي��� َرة من ال���دم خالل ‪10‬‬ ‫دقائ���ق بتكلفة قدرها من ‪5‬‬ ‫إلى ‪ 10‬س���نتات مقابل كل‬ ‫پروتني‪.‬‬

‫( )‬

‫حتوي هذه العينة الشبيهة بالباركود اثني عشر شريطا‬ ‫للكشف عن الپروتينات التي ترافق التهاب الپروستاته وأداءها‬ ‫لوظائفها‪ .‬إذ تظهر نتائج اختبار الدم املأخوذ من أحد مرضى‬ ‫سرطان الپروستاته تركيزات عالية من املستضد اخلاص‬ ‫بالپروستاته (في الوسط) واإلنترفيرون گاما (في اليمني)‪.‬‬ ‫ضد على الشيپة‬ ‫ضد كاشف‬

‫يغمر الدم كل عضو من أعضاء اجلسم‪،‬‬ ‫مما يجعله نافذة ممتازة تطل على‬ ‫حالة نظام اجلسم بأكمله‪ .‬فاملستويات‬ ‫غير الطبيعية من جزيئات اإلشارات‬ ‫اخللوية‪ ،‬أو الپروتينات اخلاصة‬ ‫بعضو ما‪ ،‬قد ترفع عالمة تشير إلى‬ ‫وجود مشكلة‪ ،‬وتعينِّ موقعها‪.‬‬

‫عالمات متألقة‬ ‫پروتني‬

‫واسم للترصيف‬ ‫دم كامل‬ ‫پالزما‬

‫پروتينات‬ ‫تنساب الپروتينات‬ ‫خالل مصفوفات من‬ ‫قضبان مُ َر َّصعَ ة باألضداد‬ ‫‪ .antibodies‬فكل قضيب‬ ‫يحوي أضدادا الترتبط‬ ‫إال بپروتني معني‪ .‬وبعد‬ ‫أخذ عينة الپالزما‪،‬‬ ‫تنجرف العالمات املتألقة‬ ‫خالل مصفوفة القضبان‬ ‫الشبيهة بالباركود‪،‬‬ ‫والترتبط إال باألضداد‬ ‫املرتبطة بالپروتني‪.‬‬

‫اس� � ��تخدام الدم في تقييم حالة نظام اجلسم‬ ‫بالكام� � ��ل‪ ،‬وذل� � ��ك مبقارنة مجموع� � ��ات الرنا‬ ‫املرس� � ��ال التي تُنتَج ف� � ��ي ‪ 50‬عضوا أو أكثر‬ ‫من أعضاء اجلس� � ��م املنفردة‪ ،‬ووجدنا أن كل‬ ‫عضو من أعضاء جس� � ��م اإلنسان له ‪ 50‬نوعا‬ ‫من الرنا املرسال أو أكثر‪ ،‬والتي تُنتَج بشكل‬ ‫رئيس� � ��ي في هذا العضو فقط‪ .‬وبعض أمناط‬ ‫هذا الرنا تكود پروتينات نوعية للعضو‪ ،‬تُف َرز‬ ‫ِّ‬ ‫ويوضح مس� � ��توى كل منها‬ ‫في مجرى الدم‪،‬‬ ‫العملية التي تت ّم في الشبكات التي تتحكم في‬ ‫إنتاجها داخل العضو‪ .‬وعندما تضطرب هذه‬ ‫الشبكات باملرض‪ ،‬تتغ َّير مستويات الپروتينات‬ ‫املقابلة؛ وم� � ��ن املؤكد أن هذه التغيرات جتعل‬ ‫تع ّرف املرض ممكن� � ��ا؛ ألن كل مرض يصيب‬ ‫أحد األعضاء يسبب اضطرابا في الشبكات‬ ‫البيولوجية املتميزة من غيرها بطرق فريدة‪.‬‬ ‫وإذا كان م� � ��ن املمكن تعيني مس� � ��تويات‬ ‫مايق� � ��رب من ‪ 25‬پروتينا ف� � ��ي كل بصمة من‬ ‫ه� � ��ذه البصم� � ��ات اخلاصة بالعض� � ��و‪ ،‬فالبد‬

‫ميكن لقنوات السوائل امليكروية في شيپة عرضها ‪ 4‬سنتيمترات أن‬ ‫تأخذ ُق َط ْيرة من الدم الكامل‪ ،‬وأن تفصل الپالزما عن اخلاليا‪ ،‬فتنساب‬ ‫الپالزما والپروتينات املستعلقة بها على طول القنوات الضيقة‪.‬‬

‫أن حتليال حاس� � ��وبيا يجعل اكتشاف جميع‬ ‫األم� � ��راض ممكن� � ��ا بتحدي� � ��د أي الش� � ��بكات‬ ‫قد حلقه� � ��ا االضطراب‪ ،‬وذل� � ��ك انطالقا من‬ ‫قياس� � ��ات تجُ ْرى على الدم فقط‪ .‬وميكن لهذا‬ ‫األس� � ��لوب أن يحقق ما هو أكثر من الكشف‬ ‫املبكر‪ ،‬مع أن الكش� � ��ف املبكر شديد األهمية‬ ‫في الس� � ��رطان‪ ،‬فهو قد يتيح إمكانية تقسيم‬ ‫مرض م� � ��ا لدى أح� � ��د املرضى إل� � ��ى أمناط‬ ‫فرعية مختلفة‪ ،‬وإمكانية متابعة تقدم املرض‪،‬‬ ‫ومتابعة اس� � ��تجابة املري� � ��ض للمعاجلة‪ .‬وقد‬ ‫قدمنا برهانا أوليا على هذا املبدأ بتتبع تطور‬ ‫املرض الپريوني ‪ Prion‬في الفئران‪.‬‬ ‫فق� � ��د قمن� � ��ا بحق� � ��ن الفئ� � ��ران بپروتينات‬ ‫الپريون� � ��ات املس� � ��ببة للع� � ��دوى‪ ،‬والتي تؤدي‬ ‫إلى مرض تن ُّكس� � ��ي في الدماغ قريب الصلة‬ ‫«مبرض جنون البقر»‪ ،‬ثم قمنا بتحليل جميع‬ ‫مجموعات الرنا املرسال في أدمغة احليوانات‬ ‫املصابة بالع� � ��دوى‪ ،‬واحليوانات الش� � ��اهدة‪،‬‬ ‫( ) ‪Pennies Per Protein‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫إن اختالل‬ ‫التوازن في بعض‬ ‫الپروتينات أو الرنا‬ ‫املرسال قد يفيد في‬ ‫إعطاء إشارة عن‬ ‫وجود مرض ما‪ ،‬كما‬ ‫يحدد بدقة مكانه‬ ‫وطبيعته‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫[األساسيات]‬

‫التقانة النانوية في الطب‬

‫( )‬

‫مبقياس يبلغ نانومتر (واحد إلى بليون من املتر) ميكن للمواد ولألدوات أن تتفاعل مع اخلاليا‬ ‫واجلزيئ���ات البيولوجي���ة بط���رق فريدة‪ .‬والتقان���ات ذات املقي���اس النانوي التي اس��� ُت ْخدِ متْ ‪-‬‬ ‫بالفع���ل ‪ -‬ف���ي األبحاث وفي العالجات تتراوح عمومـــا ما بني ‪ 10‬نانومتر (حجم پروتني الضد)‬ ‫ُ‬ ‫واجل َس��� ْيمات تس���تخدم حاليا كمس���ابير لكش���ف‬ ‫و‪ 100‬نانومتر (حجم ڤيروس)‪ .‬وهذه األدوات‬ ‫وجود اجلزيئات مثل الپروتينات أو الدنا‪ ،‬وكمع ِّززات للتصوير‪ ،‬وكوس���ائل الس���تهداف نس���ج‬ ‫نوعية‪ ،‬ولتوصيل العوامل العالجية‪.‬‬ ‫أداة نانوية‬ ‫‪0.01‬‬

‫‪1‬‬

‫نانومتر‬

‫‪10‬‬

‫ضد‬

‫گلوكوز‬

‫‪100‬‬

‫ڤيروس‬

‫‪1.000‬‬

‫بكتيرة‬

‫‪10.000‬‬

‫خلية دم حمراء‬

‫‪100.000‬‬

‫ُقطر شعرة‬

‫التقانة النانوية‬

‫االستخدام‬

‫كيف تعمل‬

‫األسالك النانوية‬

‫اإلحساس‬

‫موصل‪ ،‬سماكته ما بني ‪ 10‬إلى ‪ 20‬نانومترا‪،‬‬ ‫سلك‬ ‫ِّ‬ ‫ُي ْر َبط عبر القناة التي ستمر خاللها العينة‪.‬‬ ‫للكشف عن الپروتينات أو عن الدنا‪ُ ،‬تصنع‬ ‫املسابير من أضداد تكميلية أو من الدنا‪ ،‬وتربط‬ ‫بكل سلك‪ .‬وعندما يقابل أحدُ الپروتينات‬ ‫َ‬ ‫املوافق له‪ ،‬فإنه يرتبط باملسبار‪ ،‬ويغير‬ ‫الضدَّ‬ ‫اخلواص التوصيلية للسلك‪ ،‬مما يسمح‬ ‫َ‬ ‫احلدَث كهربائيا‪.‬‬ ‫باكتشاف‬

‫اإلحساس‬

‫مسابير جزيئية مثل الدنا الوحيد الطاق(‪ ،)1‬ميكن أن‬ ‫ترتبط بحزم ال تتجاوز سماكتها بضعة نانومترات‬ ‫قليلة‪ .‬وعندما تتعرض الطيقان املتكاملة لعينة دنا‪،‬‬ ‫ترتبط الطيقان املندمجة في املسبار املوجود على‬ ‫الدعامة‪ ،‬فتسبب انحناء احلزمة انحناء قليال‪ .‬وميكن‬ ‫كشف هذه االستجابة بصريا أو بالتغيُّر في التوصيل‬ ‫الكهربائي للحزمة‪.‬‬

‫التصوير‬

‫بلورات نانوية مصنوعة من عناصر غير عضوية مثل‬ ‫الكادميوم والزئبق ومكسوة بالالتكس أو مبعدن ما‪،‬‬ ‫تستجيب للضوء بإصدار تألق بأطوال موجية مختلفة‬ ‫وفقا لتكوينها‪ .‬واألضداد املرتبطة بالبلورات ميكنها‬ ‫أن تسبب ارتباط النقاط بنسيج منتقى (مثل ورم‬ ‫ما)‪ ,‬وعندها ميكن رؤية الورم بسهولة أكثر بأدوات‬ ‫التصوير التقليدية‪.‬‬

‫استهداف النسج‬ ‫والتصوير‬

‫كريات نانوية صلبة من السيليكا‪ُ ،‬ت َغ َّلف أحيانا‬ ‫بطبقة رقيقة من الذهب‪ ،‬تسافر عبر مجرى الدم‪،‬‬ ‫دون أن تدخل معظم النسج السليمة‪ ،‬ولكنها‬ ‫متيل إلى التراكم في النسج الورمية‪ .‬وميكن ربط‬ ‫اجلزيئات العالجية بالكرات‪ ،‬أو مبجرد جتمع عدد‬ ‫كبير من القشرات النانوية في ورم ما‪ ،‬إذ إنها‬ ‫ستمتص احلرارة التي تسلط على الورم فتقتل‬ ‫النسيج‪ .‬وميكن أيضا للقشرات النانوية أن متتص‬ ‫أو أن تشتت الضوء‪ ،‬وفقا لتركيبها‪ ،‬ومن ثم تعزز‬ ‫تصوير الورم الذي يتم باستخدام أنواع معينة من‬ ‫التنظير الطيفي‪.‬‬

‫استهداف النسج‬ ‫وتوصيل املواد‬

‫ميكن بناء ُ‬ ‫اجل َس ْيمات املركبة من مواد متنوعة‬ ‫لتحوي في نواتها جزيئات عالجية‪ ،‬ولتحررها في‬ ‫الزمن واملكان املرغوب فيهما‪ .‬وتتضمن وسائط‬ ‫التوصيل هذه قشرات دهنية بسيطة ميكنها أن‬ ‫تتسرب تسربا الفاعال خالل جدران أوعية الورم‬ ‫الدموية‪ ،‬لتحرر عقار معاجلة كيميائية تقليدية داخل‬ ‫ُ‬ ‫واجل َس ْيمات النانوية األحدث أكثر‬ ‫النسيج ببطء‪.‬‬ ‫تعقيدا في تصميمها‪ ،‬إذ تتضمن عناصر خارجية‪،‬‬ ‫مثل األضداد‪ ،‬الستهداف پروتينات خاصة بالورم‪،‬‬ ‫ومواد تقلل من تفاعل ُ‬ ‫اجل َس ْيمات مع النسج السليمة‬ ‫إلى أقل قدر ممكن‪.‬‬

‫پروتني‬

‫ضد‬

‫إ‬

‫شارة‬

‫مسبار دنا‬

‫الدعامات‬

‫عينة دنا‬

‫النقاط الكمومية‬

‫ك ْ‬ ‫َش ُف‬ ‫الو َرم‬ ‫َ‬

‫القشرات النانوية‬ ‫ذهب‬ ‫سيليكا‬

‫ُ‬ ‫اجل َس ْيمات النانوية‬ ‫قشرة دهنية‬ ‫نواة‬ ‫عالجية‬ ‫پروتني‬ ‫الترانسفي ّرين‬

‫‪22‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫في ‪ 10‬نقاط زمني� � ��ة مختلفة‪ ،‬من بداية ظهور‬ ‫املرض‪ .‬ومن ه� � ��ذه املعلومات تعرفنا ‪ 300‬رنا‬ ‫مرس� � ��ال متغير‪ ،‬وهي التي تكود االستجابة‬ ‫املرضية األساسية للپريون‪ ،‬وينتمي نحو ‪200‬‬ ‫رنا مرس� � ��ال منها إلى ‪ 4‬ش� � ��بكات بيولوجية‪،‬‬ ‫وهي الش� � ��بكات التي تفسر نظريا كل مظهر‬ ‫من مظاهر امل� � ��رض‪ ،‬إلى جانب نحو ‪ 100‬رنا‬ ‫آخ� � ��ر تصف جوانب أخرى للمرض الپريوني‬ ‫لم نكن نعرفها من قبل‪ .‬ودراسة تلك الشبكات‬ ‫التي اضطربت بس� � ��بب املرض س� � ��محت لنا‬ ‫بتعرف ‪ 4‬پروتينات في الدم متكننا من التنبؤ‬ ‫بوجود املرض الپريوني قبل ظهور أية أعراض‬ ‫ظاهرة له‪ ،‬ومن ثم ميكن أن تفيد كواس� � ��مات‬ ‫تش� � ��خيصية قبل ظهور األعراض‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫مزايا واضحة للطب الوقائي‪.‬‬ ‫وقد تطلب� � ��ت هذه الدراس� � ��ات إجراء ‪30‬‬ ‫مليون قياس‪ ،‬وتطوير سالسل من البرمجيات‬ ‫لتحلي� � ��ل ودمج‪ ،‬وأخي� � ��را بناء من� � ��اذج لهذه‬ ‫املقادير الهائلة م� � ��ن املعلومات‪ .‬ويتطلب بناء‬ ‫مناذج لشبكة التنبؤ بأحد األمراض‪ ،‬وحتويل‬ ‫هذه النماذج إل� � ��ى أدوات مفيدة طبيا‪ ،‬توا ُفر‬ ‫طرق سريعة وحساسة ورخيصة التكاليف‪،‬‬ ‫لسلْ َس � � �لَة الدنا‪،‬‬ ‫وه� � ��و األمر األكث� � ��ر أهمية‪َ ،‬‬ ‫وقياس تركيزات الرنا املرسال والپروتينات‪.‬‬ ‫قياس اجلزيئات‬

‫( )‬

‫الحظ العديد من العلماء أن التقدم التقاني‬ ‫حُ ْ‬ ‫امل َرز في َسلْ َسلَة الدنا كان جتسيدا لقانون‬ ‫م���ور‬

‫‪Moore’s law‬‬

‫عال���ات امليكروي���ة‬ ‫ُ‬ ‫للم جِ‬

‫�ص على أن عدد‬ ‫‪ ،microprocessors‬ال� � ��ذي ين� � � ُّ‬ ‫العناصر الوظيفية الت� � ��ي ميكن حتميلها على‬ ‫إحدى الش���يپات (الرقاقات) ‪ chips‬منس� � ��وبا‬ ‫إلى وحدة التكلفة يتضاعف مرة كل ‪ 18‬شهرا‪،‬‬ ‫وذلك عل� � ��ى امتداد العق� � ��ود العديدة املاضية‪.‬‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬فإن اجليل القادم من اآلالت التي‬ ‫لسلْ َسلَة الدنا تزيد من سرعة قراءة‬ ‫ت ُْس � � �تَخْ دم َ‬ ‫ينص عليه قانون مور‪.‬‬ ‫الدنا مبعدل أسرع مما ُّ‬ ‫وعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬فإن أول جينوم بش� � ��ري‬ ‫( ) ‪Nanotech in Medicine‬‬ ‫( ) ‪Measuring Molecules‬‬ ‫(‪single-stranded DNA )1‬‬


‫استغرق ما بني ‪ 3‬و ‪ 4‬سنوات لتكتمل َسلْ َسلَته‪،‬‬ ‫وبلغت تكلفت� � ��ه ‪ 300‬مليون دوالر‪ .‬ونحن نعتقد‬ ‫أن� � ��ه خالل ‪ 5‬إلى ‪ 10‬س� � ��نوات لن تزيد تكاليف‬ ‫َسلْ َس � � �لَة اجلينوم البش� � ��ري على ‪ 1000‬دوالر‬ ‫(بتكلفة أقل مماس� � ��بق مبقدار ‪ 300 000‬مرة)‪،‬‬ ‫ولن تس� � ��تغرق أكثر من يوم واحد‪ .‬ومع توغلنا‬ ‫في العقد القادم‪ ،‬فإن تط� � ��ورات مماثلة تحُ ْ َرز‬ ‫ف� � ��ي التقانات الطبي� � ��ة البيولوجية ذات الصلة‬ ‫بذلك ستس� � ��مح بنهوض الطب التنبئي والطب‬ ‫الذي يع َّدل ليل ِّبي االحتياجات الشخصية لكل‬ ‫فرد على حدة‪.‬‬ ‫وفي الوقت احلالي‪ ،‬يك ِّلف إجراء اختبار‬ ‫لقياس پروتني سرطاني واحد مثل املستضد‬ ‫النوع� � ��ي للپروس� � ��تاته‪ ،‬ف� � ��ي دم مريض في‬ ‫املستشفى نحو ‪ 50‬دوالرا‪ .‬ونظرا ألن الطب‬ ‫املعتمد على النظم س� � ��وف يتطلب قياس� � ��ات‬ ‫ألعداد كبيرة من مث� � ��ل هذه الپروتينات‪ ،‬فإن‬ ‫التكلفة البد أن تنخفض انخفاضا ملحوظا‪.‬‬ ‫ويعتب� � ��ر الزمن الذي يتطلب� � ��ه القياس أيضا‬ ‫تكلفة‪ ،‬ألن اختبارا للدم قد يستغرق في الوقت‬ ‫احلاضر من بضع ساعات إلى بضعة أيام‪،‬‬ ‫ويعود ذلك جزئيا إل� � ��ى كثرة اخلطوات التي‬ ‫نحتاج إليها لفص� � ��ل مكونات الدم‪( ،‬اخلاليا‬ ‫والپالزم� � ��ا والپروتينات واجلزيئات األخرى)‬ ‫قبل أن جنرب القياس لكل ُم َك ِّون باستخدام‬ ‫اختبارات تختلف في دقتها‪.‬‬ ‫والتصغي� � ��ر البالغ قد ي� � ��ؤدي إلى تعزيز‬ ‫الدقة‪ ،‬وإلى احلصول على القياس� � ��ات بزمن‬ ‫أس� � ��رع بصورة ملحوظ� � ��ة مقارنة مبا ميكن‬ ‫إجنازه باستخدام التقانات احلالية‪ .‬إذ أثبت‬ ‫العديد من التقانات التي تعمل على مستويات‬ ‫قياس امليكرو أو النانو قيمتَها الفعلية كأدوات‬ ‫بحثية جلم� � ��ع املعلومات الالزمة لتكوين رؤية‬ ‫لنظم املعلومات البيولوجي� � ��ة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫استخدام هذا األس� � ��لوب في رعاية املرضى‬ ‫س� � ��وف يتطلب أال تتجاوز تكاليف كل قياس‬ ‫ألحد الپروتينات أكثر من بضعة س� � ��نتات ‪-‬‬ ‫األمر الذي يس� � ��تبعد أن تستوفيه العديد من‬ ‫التقانات النانوية الناهضة‪.‬‬ ‫وق� � ��د طور اثنان منا (>هيث< و >هود<)‬

‫وميكن للتقانة‬ ‫النانوية أن تخفض‬ ‫كمية كل عقار نحتاج‬ ‫إليه لعالج سرطان‬ ‫ما تخفيضا جذريا‪.‬‬

‫في الهدف‬ ‫معاجلة نانوية جتريبية باستخدام‬ ‫اجلسيم ‪ ،IT-101‬يتم فيها تغليف عقار‬ ‫املعاجلة الكيميائية‪ ،‬كامپتوثيسني‬ ‫‪ ,camptothecin‬داخل ُج َس ْيم نانوي‬ ‫مصمم ليجول لفترة ممتدة في مجرى‬ ‫الدم‪ ،‬وليتراكم في األورام‪ .‬في جتارب‬ ‫السالمة التي أجريت على البشر‪،‬‬ ‫شوهدت َب ِّينات على فعالية العالج في‬ ‫بعض املرضى املصابني بالسرطانات‬ ‫املتقدمة‪ .‬ويوضح املسح املقطعي‬ ‫حُ َ‬ ‫امل ْو َسب أسفل هذه الفقرة صورا‬ ‫ملقاطع متوسطة للمريض‪ ،‬يظهر فيها‬ ‫ورم كبير في الرئة (الكتلة الرمادية‬ ‫اللون واحملاطة بدائرة في األعلى) قبل‬ ‫العالج باجلسيم ‪ ،IT-101‬وبعد ‪ 6‬أشهر‬ ‫من العالج به (في األسفل)‪ ،‬عندما‬ ‫انكمش الورم بقدر ملحوظ‪.‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫ش� � ��يپة عرضه� � ��ا ‪ 4‬س� � ��نتيمترات تقي� � ��س‬ ‫مس� � ��تويات الپروتينات ف� � ��ي ُق َط ْيرة من الدم‪،‬‬ ‫صغَّر تصغيرا بالغا‬ ‫باستخدام ٍ‬ ‫شكل آخر ُم َ‬ ‫من اس� � ��تراتيجيات كشف الپروتني املعهودة‬ ‫[انظ� � ��ر ما هو مؤطر في الصفحة ‪ .]21‬وهذه‬ ‫الش� � ��يپة مصنوعة من الزجاج والبالس� � ��تيك‬ ‫والكواش� � ��ف فق� � ��ط‪ ،‬ومن ثم فه� � ��ي رخيصة‬ ‫الثمن في إنتاجها‪ ،‬وجهازنا يس� � ��تقبل نحو‬ ‫‪ 2‬ميكرولتر من ال� � ��دم‪ ،‬ويفصل اخلاليا عن‬ ‫الپالزما‪ ،‬ثم يقيس مجموعة مؤلفة من بضعة‬ ‫عشر پروتينا في الپالزما‪ ،‬ويتم ذلك ك ّله خالل‬ ‫دقائق قليلة من جمع الدم‪ .‬والتكلفة املتوقعة‬ ‫الستخدام النسخة األولية قد تبلغ من ‪ 5‬إلى‬ ‫‪ 10‬س� � ��نتات لكل پروتني يتم اختباره‪ ،‬ولكن‬ ‫عند اكتمال تطويرها‪ ،‬فإن هذه التقانة يجب‬ ‫أن تكون قادرة عل� � ��ى تلبية متطلبات التكلفة‬ ‫لطب النظم‪.‬‬ ‫وس� � ��يتطلب توسيع قدرات الشيپة لقياس‬ ‫مئ� � ��ات اآلالف من الپروتين� � ��ات بعض الوقت‪،‬‬ ‫إال أن التقدم في تصميم السوائل امليكروية‪،‬‬ ‫وفي علوم الكيمياء السطحية‪ ،‬وفي القياسات‬ ‫يس� � ��د الفجوة سريعا بني ما هو ممكن اليوم‪،‬‬ ‫وما هو مطلوب منا لبلوغ الطب التنبئي والطب‬ ‫املعن� � ��ي بتلبية االحتياجات الش� � ��خصية لكل‬ ‫فرد على حدة‪ .‬فقد طور زميالنا من اجلامعة‬ ‫«كالتك» وهما >‪ .R .S‬كويك< و >‪ .A‬ش� � ��يرر<‬ ‫نظاما للس� � ��وائل امليكروية يدمج الصمامات‬ ‫واملضخات في الش� � ��يپة‪ ،‬وتس� � ��مح أعمالهما‬ ‫ص َّغرة تصغيرا بالغا‬ ‫في حقل الس���باكة املُ َ‬ ‫‪ miniaturized plumbing‬بتوجيه الكواش� � ��ف‬ ‫الكيميائية واجلزيئ� � ��ات البيولوجية والعينات‬ ‫البيولوجية توجيها دقيقا نحو ُح ْج َرة واحدة‬ ‫من بني ع� � ��دد كبير من ا ُ‬ ‫حل ُجرات املس� � ��تقلة‬ ‫على الش� � ��يپة‪ ،‬علما ب� � ��أن كل ُح ْجرة من تلك‬ ‫ا ُ‬ ‫حل ُجرات متثل قياس� � ��ا منفصال ومستقال‪.‬‬ ‫وبذل� � ��ك‪ ،‬ف� � ��إن وجه� � ��ات نظرهما ق� � ��د حولت‬ ‫املختبر املوجود على شيپة واحدة إلى العديد‬ ‫من املختبرات على ش� � ��يپة واحدة‪ ،‬مع توفير‬ ‫ُط ُرق إضافية‪ ،‬للوصول إلى املزيد من خفض‬ ‫تكاليف القياسات البيولوجية‪.‬‬ ‫وللتقان� � ��ات البالغ� � ��ة الصغر آث� � ��ار مهمة‪،‬‬ ‫‪23‬‬


‫املتاح� � ��ة إلى أهدافه� � ��ا بكفاءة أعل� � ��ى كثيرا‪،‬‬ ‫بتحقيق التوافق األمثل م� � ��ن توليفات األدوية‬ ‫لكل مري� � ��ض‪ .‬وفضال عن ذلك‪ ،‬ف� � ��إن التقانة‬ ‫النانوية قد تُخ ّفض تخفيض� � ��ا جذريا الكمية‬ ‫املطلوبة من كل دواء لعالج السرطان‪.‬‬

‫متاثل في أهميتها م� � ��ا للوقاية وما للمكافحة‪.‬‬ ‫فالتبصرات داخل الشبكات املريضة قد تقدم‬ ‫ُّ‬ ‫في النهاية أهدافا لعالجات جديدة ومبتكرة‪،‬‬ ‫تستطيع إعادة ديناميكيات الشبكة إلى حالتها‬ ‫الطبيعية‪ .‬وفي عبارة أقصر‪ ،‬فإن الرؤية التي‬ ‫تقدمها النظم قد تساعد على توجيه العقاقير‬

‫وم َو َّجهة إلى أهدافها‬ ‫ضئيلة املقدار ُ‬

‫( )‬

‫[دراسة حالة]‬

‫صممت للتوصيل‬

‫( )‬

‫يوضح ا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيم النانوي العالجي التجريبي الذي يس���مى ‪ CALAA-01‬بعض املميزات التي ميكن‬ ‫أن توفرها هذه العوامل‪ .‬فإضافة إلى أن لدى ُ‬ ‫اجل َس��� ْيمات النانوية ميال طبيعيا إلى التراكم في‬ ‫ص َّمم ألن تأوي إلى مستقبلة واحدة أو أكثر من املستقبالت التي يشيع‬ ‫الورم‪ ،‬فإن من املمكن أن ُت َ‬ ‫اجل َس ْيمات إلى اخلاليا لهذه ُ‬ ‫وجودها على اخلاليا السرطانية‪ .‬ومنط دخول ُ‬ ‫اجل َس ْيمات يسمح‬ ‫بتفادي املضخات اخللوية التي تطرد بعض العقاقير‪.‬‬ ‫الگليكول‬ ‫الگليكول ‪- PEG‬‬ ‫الپروتينات ‪Tf‬‬ ‫الطيقان‬

‫بنية تعدَّل حسب الطلب‬

‫‪PEG‬‬

‫الپوليمير‬

‫‪siRNA‬‬

‫‪70 nm‬‬

‫(القطر)‬ ‫وعاء دموي طبيعي‬

‫‪CDP‬‬

‫يتم بناء ُ‬ ‫اجل َس ْيمات من مواد متناسقة بيولوجيا‪،‬‬ ‫وهي پوليمر يحوي أحد الدكسترينات احللقية‬ ‫)‪ )1((CDP‬مع سيقان من گليكول متعدد اإلثيلني‬ ‫)‪ )2((PEG‬ترتبط بها پروتينات الترانسفي ّرين‬ ‫)‪ .)3((Tf‬وفي الداخل يتم تخزين عدد يصل إلى‬ ‫‪ 2000‬جزيء من جزيئات طيقان الرنا املُسكتة‬ ‫للجينات )‪( )4((siRNA‬األدوية الفعالة)‪.‬‬ ‫وعاء في ورم‬

‫االستهداف السلبي للورم‬

‫عندما جتول ُ‬ ‫اجل َس ْيمات في‬ ‫مجرى دم املريض‪ ،‬فإنها جتول‬ ‫بحرية‪ ،‬ولكنها ال تستطيع‬ ‫اختراق أغلب جدران األوعية‬ ‫الدموية‪ .‬أما األوعية الدموية‬ ‫للورم‪ ,‬فتعاني التسرب بصورة‬ ‫غير طبيعية‪ ،‬ولها ثقوب واسعة‬ ‫للج َس ْيمات النانوية‬ ‫تسمح ُ‬ ‫باملرور خاللها‪ ،‬وبالتراكم في‬ ‫نسيج الورم‪.‬‬

‫االستهداف الفاعل للورم‬

‫ُ‬ ‫اجل َس ْيمات النانوية‬

‫ترتبط مستقبالت الترانسفي ّرين على سطح خلية سرطانية‬ ‫بالپروتني الترانسفي ّرين املوجود على ُ‬ ‫اجل َس ْيم النانوي‪ ،‬مما يؤدي‬ ‫إلى إدخال اجلزيء النانوي إلى داخل اخللية بااللتقام اخللوي‪.‬‬

‫املستقبلة‬

‫‪Tf‬‬

‫خلية سرطانية‬

‫حترير منضبط‬

‫س الكيميائي املوجود ضمن‬ ‫مبجرد أن يدخل امل َِج ّ‬ ‫ُ‬ ‫اجل َس ْيم النانوي إلى داخل اخللية‪ ،‬فإنه يستجيب‬ ‫لدرجة احلموضة )‪ (pH‬املنخفضة داخل حويصلة‬ ‫االلتقام اخللوي‪ ،‬وفي وقت واحد يقوم بتفكيك‬ ‫ُ‬ ‫اجل َس ْيم النانوي‪ ،‬وبتحرير جزيئات الطيقان‬ ‫‪ siRNA‬التي ُت َثبِّط تعليمات أحد اجلينات‪ ،‬فتحول‬ ‫دون أن يُترجم إلى پروتني حتتاج إليه اخللية‬ ‫السرطانية لتبقى حية‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫حويصلة االلتقام‬ ‫اخللوي‬

‫الطيقان‬

‫وتعتب� � ��ر املس� � ��تحضرات الدوائي� � ��ة‬ ‫للج َس � � � ْيمات النانوية صغي� � ��رة احلجم إذا‬ ‫ُ‬ ‫قورنت مبعظم األشياء‪ ،‬ولكنها تعتبر كبيرة‬ ‫احلجم إذا قورنت با ُ‬ ‫جلزيئات‪ ،‬وس� � ��يؤدي‬ ‫العمل وفق هذا املقياس إلى بلوغ مستوى‬ ‫غير مس� � ��بوق من الس� � ��يطرة على س� � ��لوك‬ ‫اجلس� � ��يمات العالجي� � ��ة داخ� � ��ل اجلس� � ��م‪،‬‬ ‫وتت� � ��راوح أحجام اجلزيئات النانوية ما بني‬ ‫‪ 1‬و ‪ 100‬نانومت� � ��ر‪ ،‬وميك� � ��ن جتميعه� � ��ا من‬ ‫العوامل العالجي� � ��ة املتنوعة املوجودة‪ ،‬مثل‬ ‫أدوية املعاجلات الكيميائية‪ ،‬أو طيقان الرنا‬ ‫املُسكتة للجينات )‪.)4()siRNA‬‬ ‫وقد ُت َغ َّلف هذه الشحنات ضمن مواد‬ ‫ُم َخ َّلق� � ��ة‪ ،‬مثل الپوليم� � ��رات أو اجلزيئات‬ ‫الش����بيهة بالدهون ‪،lipidlike molecules‬‬ ‫وميكن إضافة عوامل ُم َو َّجهة إلى أهدافها‪،‬‬ ‫مث� � ��ل األض� � ��داد وغيرها م� � ��ن اجلزيئات‬ ‫املُص َّممة لالرتباط بپروتينات خلوية نوعية‬ ‫عل� � ��ى س� � ��طح ا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيمات‪ .‬وتطبيق هذا‬ ‫النموذج يجعل مس� � ��تحضرات العالجات‬ ‫النانوية بصورة خاص� � ��ة أكثر قدرة على‬ ‫احلرك� � ��ة‪ ،‬كم� � ��ا يجعلها ق� � ��ادرة على أداء‬ ‫الوظائف املعقدة‪ ،‬في املكان الصحيح وفي‬ ‫الوقت الصحيح‪ ،‬داخل جسم املريض‪.‬‬ ‫ويتمث� � ��ل أحد أكبر التحديات التي تواجه‬ ‫تطوير واستخدام أدوية السرطان بتوصيلها‬ ‫إلى ال ُّنس� � ��ج املريضة من دون تسميم سائر‬ ‫جسم املريض‪ .‬إن احلجم وحده يضفي إلى‬ ‫ُج َس ْيمات املس� � ��تحضرات العالجية النانوية‬ ‫البس� � ��يطة صف� � ��ات خاصة حت� � ��دد حركتها‬ ‫( ) ‪Designed to Deliver‬‬ ‫( ) ‪Tiny and Targeted‬‬ ‫(‪cyclodextrin containing polymer )1‬‬ ‫(‪polyethylene glycol )2‬‬ ‫(‪transferrin proteins )3‬‬ ‫(‪gene-silencing RNA )4‬‬

‫‪siRNA‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬


‫داخل الورم وفي كل مكان فيه‪ .‬فا ُ‬ ‫جل َس ْيمات‬ ‫النانوية األصغر من ‪ 10‬نانومتر‪ ،‬والتي يطلق‬ ‫عليها األدوية الصغي����رة اجلزيئات(‪ ،)1‬يتم‬ ‫إزالتها بس� � ��رعة عبر ال ُكلية‪ ،‬وا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيمات‬ ‫األكبر من ‪ 100‬نانومتر تواجه صعوبات في‬ ‫حركتها ضمن الورم‪ ،‬أما ا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيمات التي‬ ‫تت� � ��راوح أحجامها ب� �ي��ن ‪ 10‬و ‪ 100‬نانومتر‪،‬‬ ‫فإنها تس� � ��افر في جميع األماكن عبر مجرى‬ ‫ال� � ��دم بحثا عن األورام‪ ،‬مع أنها التس� � ��تطيع‬ ‫التس� � ��لل إلى معظم النس� � ��ج الصحيحة من‬ ‫خالل جدران األوعية الدموية‪ .‬وألن األورام‬ ‫لها‪ ،‬في املقابل‪ ،‬أوعية دموية ذات جدران غير‬ ‫طبيعية‪ ،‬إذ تكث� � ��ر فيها الثقوب الكبيرة حتى‬ ‫تبدو مثل الغربال‪ ،‬فإن ا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيمات النانوية‬ ‫تس� � ��تطيع أن تتس� � ��رب إلى النسيج الورمي‬ ‫احمليط بها‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فإن ا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيمات‬ ‫النانوية متيل إل� � ��ى التراكم في األورام‪ ،‬في‬ ‫حني يتضاءل تأثيرها في األجزاء األخرى من‬ ‫اجلسم‪ ،‬فتس� � ��لم هذه األجزاء من األعراض‬ ‫اجلانبية التقليدية السيئة ألدوية السرطان‪.‬‬ ‫وحتى عندم� � ��ا يتمك� � ��ن دواء معياري من‬ ‫الوص� � ��ول إلى اخلاليا الورمية‪ ،‬فإن پروتينات‬ ‫مضخة اخللية قد تلفظه من اخللية‪ ،‬قبل أن تتاح‬ ‫له فرصة العمل‪ ،‬وهذه إحدى اآلليات الشائعة‬ ‫ملقاومة األدوية‪ .‬أما اجلزيئات النانوية؛ فتدخل‬ ‫خلية عن طريق االلتقام اخللوي(‪ )2‬وهي عملية‬ ‫طبيعي� � ��ة تصنع جيبا من غش� � ��اء اخللية حول‬ ‫الش� � ��يء لتس� � ��حبه داخل اخللية‪ ،‬فتحمي ما‬ ‫يحمله ا ُ‬ ‫جلس� � ��يم من املضخات اخللوية [انظر‬ ‫ما هو مؤطر في الصفحة املقابلة]‪.‬‬ ‫وبع� � ��ض عالجات الس� � ��رطان التي تُصنف‬ ‫في الوقت احلاضر على أنها ُج َس ْيمات نانوية‪،‬‬ ‫موج� � ��ودة من� � ��ذ بع� � ��ض الوقت‪ ،‬وه� � ��ي توضح‬ ‫للج َس � � � ْيمات النانوية‬ ‫بعض املزايا األساس� � ��ية ُ‬ ‫ف� � ��ي الوصول إل� � ��ى خاليا الورم‪ ،‬م� � ��ع التقليل‬ ‫من تأثيرها في النس� � ��ج الصحيح� � ��ة إلى أقل‬ ‫فج َس � � � ْيمات الدوكسوروبيس�ي�ن‬ ‫قدر ممكن‪ُ .‬‬ ‫الشحمية ‪ ،liposomal doxorubicin‬على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬هي مركب عالجي كيميائي تقليدي يتم‬ ‫تغليفه بقش� � ��رة ش� � ��حمية‪ ،‬و ُيستخدم في عالج‬ ‫سرطانات املبيض وورم النقي املتعدد‪ .‬والنسخة‬

‫عالجات ذات قياسات نانوية‬

‫( )‬

‫تتضمن ُ‬ ‫ص َّم َمة لعالج السرطان عقاقير ُتستخدم بالفعل‪،‬‬ ‫اجل َس ْيمات ذات القياسات النانوية واملُ َ‬ ‫مثل النسخة املُ َغ َّلفة با ُ‬ ‫جل َس ْيم الشحمي ‪ liposome-encased‬من الدواء الكيميائي الدوكسوروبيسني‪،‬‬ ‫إضاف���ة إل���ى ضروب من التوليفات التجريبية من جزيئات الپوليمر مع العقار‪ ،‬والتي مت َزج فيها‬ ‫جزيئات الپوليمر بالعقار‪ ،‬أو تربط ربطا مش���تركا كيميائيا داخل ُ‬ ‫اجل َس��� ْيمات النانوية (مركبات‬ ‫ص ْينات)‪ .‬وحتمل ُ‬ ‫وم َذ ْيالت ُ‬ ‫اجل َس ْيمات املُ َو َّجهة إلى أهدافها واألكثر حداثة مالمح‬ ‫ومقترنات ُ‬ ‫وغ َ‬ ‫تزيد من اجنذابها إلى اخلاليا السرطانية وتسهل دخولها فيها‪.‬‬

‫نوع ُ‬ ‫اجل َس ْيم‬

‫مرحلة التطوير‬

‫أمثلة‬

‫ُج َس ْيم شحمي‬

‫موافقة‬

‫‪FDA‬‬

‫‪DaunoXome, Doxil‬‬

‫أساس البوميني‬

‫موافقة‬

‫‪FDA‬‬

‫‪Abraxane‬‬

‫ُم َذ ْيالت پوليمرية‬

‫جتارب سريرية‬

‫‪Genexol-PM, SP1049C, NK911,‬‬ ‫‪NK012, NK105, NC-6004‬‬

‫مقترنات للپوليمرات مع العقار‬

‫جتارب سريرية‬

‫‪XYOTAX (CT-2103),CT-2106, IT-101,‬‬ ‫‪AP5280, AP5346, FCE28068 (PK1),‬‬ ‫‪FCE28069 (PK2), PNU166148,‬‬ ‫‪PNU166945,MAG-CPT, DE-310,‬‬ ‫‪Pegamotecan, NKTR-102,EZN-2208‬‬

‫ُج َس ْيم شحمي ُم َو َّجه إلى هدفه‬

‫جتارب سريرية‬

‫‪MCC-465, MBP-426, SGT-53‬‬

‫ُج َس ْيمات لها أساس پوليمري‬ ‫ُم َو َّجهة إلى هدفها‬

‫جتارب سريرية‬

‫‪FCE28069(PK2), CALAA-01‬‬

‫ُج َس ْيمات صلبة غير عضوية‬ ‫أو معدنية‬

‫جتارب سريرية (الذهب)‬ ‫وقبل سريرية‬

‫أنابيب كربونية نانوية و ُج َس ْيمات‬ ‫وج َس ْيمات ذهب‬ ‫سيليكا ُ‬

‫غصينات‬

‫قبل سريرية‬

‫)‪Polyamidoamine (PAMAM‬‬

‫)‪(CYT-6091‬‬

‫املغ َّلفة بالش� � ��حم من هذا العقار لها آثار سمية‬ ‫ف� � ��ي القلب أقل بكثير مما للدوكسوروبيس� �ي��ن‬ ‫الذي يعط� � ��ى منفردا‪ ،‬في ح� �ي��ن لوحظ أن لها‬ ‫تأثيرا جانبيا جديدا‪ ،‬هو سميتها للجلد‪.‬‬ ‫وا ُ‬ ‫جلســـ َ ْيمات النانـــويــــة األحـــدث [ومنهـــا‬ ‫عــلى ســــبيل املثـــال جســــيم يعــــرف بــاســـم‬ ‫‪ ،IT-101‬وقد اجتاز مرحلة السالمة‪ ،‬في املرحلة‬ ‫التجريبية األولى على البش� � ��ر] لها تصاميم‬ ‫أكثر تعقي� � ��دا‪ ،‬وتوفر وظائف متعددة‪ ،‬فحجم‬ ‫ا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيم النانوي ‪ IT-101‬يبلغ ‪ 30‬نانومترا‪،‬‬ ‫وهو مرك� � ��ب من پوليم� � ��رات ترتبط باجلزيء‬ ‫الصغير احلج� � ��م من دواء الكامپتوثيس�ي�ن‬ ‫‪ ،camptothecin‬وه� � ��و دواء قري� � ��ب الصل� � ��ة‬ ‫بعقا َر ْين يستخدمان في املعاجلة الكيميائية‪،‬‬ ‫حص� �ل��ا عل� � ��ى الترخيص م� � ��ن إدارة الغذاء‬ ‫والدواء األمريكية ‪ FDA‬وهما‪ :‬اإليرينوتيكان‬ ‫‪ irinotecan‬والتوپوتيكان ‪ .topotecan‬وجزيئات‬ ‫اجلس� � ��يم ‪ IT-101‬مصمم� � ��ة لتج� � ��ول في دم‬ ‫املريض‪ ،‬ولتبقى فيه ملدة أكثر من ‪ 40‬س� � ��اعة‪،‬‬ ‫( ) ‪Nanoscale Therapies‬‬ ‫(‪small-molecule drugs )1‬‬ ‫(‪endocytosis )2‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪25‬‬


‫املؤلفون‬ ‫ ‪James R. Heath - Mark E. Davis‬‬‫‪Leroy Hood‬‬

‫>هيث< هو مدير مركز بيولوجيا‬ ‫النظم النانوية للسرطان‪ ،‬وأستاذ‬ ‫الكيمياء في معهد كاليفورنيا للتقانة‪،‬‬ ‫حيث يعمل على مواد ذات بنية نانوية‪،‬‬ ‫وعلى الدارات الكهربائية النانوية‪،‬‬ ‫فضال عن تقانات لتشخيص ومعاجلة‬ ‫السرطان‪> .‬ديڤيز< هو أستاذ‬ ‫الهندسة الكيميائية في «كالتك»‪ ،‬وقد‬ ‫طور مواد متخصصة للمستحضرات‬ ‫العالجية التجريبية‪ ،‬وأسس شركتني‬ ‫هما إنسيرت ‪ Insert‬لألدوية وكاالندو‬ ‫للمستحضرات الصيدالنية‪ ،‬التي طورت‬ ‫املعاجلات با ُ‬ ‫جل َس ْيمات النانوية‪.‬‬ ‫>هود< هو رئيس معهد بيولوجيا‬ ‫النظم في سياتل‪ ،‬وهو املعهد الذي‬ ‫أسسه بعد ريادته في التقانات لسلسلة‬ ‫وتخليق الدنا والپروتني‪ ،‬وبدأ بتأسيس‬ ‫العديد من الشركات‪ ،‬منها آمگن‬ ‫‪ Amgen‬للنظم البيولوجية التطبيقية‬ ‫وسيستيميكس ‪ Systemix‬وداروين‬ ‫‪ Darwin‬وروزيتا(‪ .Rosetta )1‬وقد‬ ‫أسس >هود< و>هيث< أيضا شركة‬ ‫املستحضرات التشخيصية املتكاملة‪،‬‬ ‫وهي شركة تعنى بطب الن ُ​ُّظم‪ ،‬وتبحث‬ ‫عن واسمات بيولوجية لألمراض‪ ،‬وعن‬ ‫تطوير منصات للسوائل امليكروية‪،‬‬ ‫وللتقانات النانوية‪ ،‬لتحويل تلك‬ ‫الواسمات البيولوجية إلى أدوات‬ ‫تشخيصية‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫في حني اليجول الكامپتوثيس� �ي��ن نفس� � ��ه في‬ ‫الدم أكثر من دقائق قليلة فقط‪ .‬ومدة الدوران‬ ‫الطويلة هذه تتيح الوقت الالزم لكي يتسرب‬ ‫اجلسيم ‪ IT-101‬داخل الورم ويتراكم هناك‪،‬‬ ‫وبعد ذلك تدخل ا ُ‬ ‫جل َس ْيمات إلى خاليا الورم‪،‬‬ ‫وحترر الكامپتوثيس� �ي��ن ببطء لتعزيز فعاليته‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي ينطل� � ��ق فيه العقار‪ ،‬تتفكك‬ ‫بقية ا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيمات النانوية‪ ،‬وتخرج جزيئات‬ ‫الپوليم� � ��ر املنف� � ��ردة عن طري� � ��ق الكليتني من‬ ‫اجلسم من دون إحلاق الضرر به‪.‬‬ ‫وفي التجارب الس� � ��ريرية‪ ،‬أمكن الوصول‬ ‫إلى جرع� � ��ات من العقار توفر جودة عالية من‬ ‫احلي� � ��اة من دون اآلثار اجلانبي� � ��ة‪ ،‬مثل القيء‬ ‫واإلسهال وفقدان الشعر‪ ،‬والتي تعتبر منطية‬ ‫في املعاجل� � ��ات الكيميائية‪ ،‬ومن دون أعراض‬ ‫جانبية جديدة‪ .‬وتعتبر اجلودة العالية للحياة‬ ‫العامة أثن� � ��اء تل ِّقي العالج أم� � ��را مثيرا‪ ،‬ومع‬ ‫أن جتارب املرحلة األولى تر ِّكز على ترس� � ��يخ‬ ‫الس� �ل��امة‪ ،‬فإن االختبارات قد قدمت الب ِّينات‬ ‫على أن العقار كان ف ّعاال لدى املرضى [انظر‬ ‫م� � ��ا هو مؤط� � ��ر في الصفح� � ��ة ‪ .]23‬وهذا أمر‬ ‫مش� � � ِّ�جع‪ ،‬ألن مرضى الس� � ��رطان في املرحلة‬ ‫األول� � ��ى التجريبية كانوا ق� � ��د تلقوا العديد من‬ ‫ال� � ��دورات العالجية املعيارية‪ ،‬والتي فش� � ��لت‬ ‫قبل دخولهم التجربة‪ ،‬وبعد استكمال التجربة‬ ‫التي استغرقت ‪ 6‬أش� � ��هر‪ ،‬استمر العديد من‬ ‫هؤالء املرضى بتناول العقار‪ ،‬على أساس من‬ ‫التعاطف‪ .‬وكان من بني الذين جنوا ملدة طويلة‬ ‫تصل إلى الع� � ��ام مرضى لديهم س� � ��رطانات‬ ‫متقدمة في الرئة والكلية والپنكرياس‪.‬‬ ‫ونظرا ألن ملف اآلثار اجلانبية لهذا العقار‬ ‫ضئيل جدا‪ ،‬فإنه س� � ��يتم اختباره في املرحلة‬ ‫التجريبي� � ��ة الثانية‪ ،‬وه� � ��ي مرحلة الفاعلية أو‬ ‫النجاعة‪ ،‬في نساء مت تشخيص أورام املبيض‬ ‫خضعن ملعاجلة‬ ‫لديهن‪ ،‬وقد س� � ��بق له� � � ّ�ن أن‬ ‫َ‬ ‫كيميائية‪ .‬وب� � ��دال من مجرد «انتظار ومراقبة»‬ ‫الس� � ��رطان وهو يتفاقم‪ ،‬فإن اجلسيم ‪IT-101‬‬ ‫لهن كعالج مداومة‪ ،‬أمال في منع‬ ‫س � � � ُيعطى ّ‬ ‫تقدم املرض‪ .‬وهذه املالحظات املس� � ��تمدة من‬ ‫اختبار اجلس� � ��يم ‪ ،IT-101‬إلى جانب األخبار‬ ‫املش� � ��جعة عن جتارب أجريت على عالجات‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫أخرى مرتكزة على ا ُ‬ ‫جل َس ْيمات النانوية‪ ،‬بدأت‬ ‫بتقدمي صورة ملا قد يكون ممكنا مع العالجات‬ ‫النانوية اجليدة التصميم‪ ،‬وبالفعل فإن اجليل‬ ‫التالي من ا ُ‬ ‫جل َس ْيمات النانوية املُ َخ َّلقة‪ ،‬والتي‬ ‫هي أكثر تعقيدا من غيرها بكثير‪ ،‬تقدم حملة‬ ‫عن اإلمكانات احلقيقية له� � ��ذه التقانة‪ ،‬وعن‬ ‫أهمية ما تقدمه تل� � ��ك األدوية للرؤية املرتكزة‬ ‫على الن ُ​ُّظم لألمراض وللمعاجلات‪.‬‬ ‫وف� � ��ي ع� � ��ام ‪ ،2008‬بدأت ش� � ��ركة كاالندو‬ ‫‪ Calando‬للمس� � ��تحضرات الصيدالني� � ��ة‪ ،‬في‬ ‫پاس� � ��ادينا بوالية كاليفورنيا بإجراء جتارب‬ ‫ح� � ��ول نظام لتوصيل الطيق� � ��ان ‪ ،siRNA‬وهو‬ ‫نظام ابتكره واحد منا (وهو >ديڤيز<)‪ ،‬ويعطي‬ ‫مثاال عن األس� � ��لوب األح� � ��دث‪ .‬فالپروتينات‬ ‫املوجودة على س� � ��طح ا ُ‬ ‫جل َس ْيمات تستهدف‬ ‫مستقبالت نوعية توجد بتركيزات عالية على‬ ‫س� � ��طح اخلاليا الس� � ��رطانية‪ ،‬وما أن تدخل‬ ‫ا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيمات إلى اخللية حتى حترر جزيئات‬ ‫ص ِّم َمت لتالئم جينا‬ ‫الطيق� � ��ان ‪ siRNA‬والتي ُ‬ ‫َ‬ ‫نوعي� � ��ا يس� � ��تأثر باالهتمام‪ ،‬ف ُتث ِّب� � ��ط تصنيع‬ ‫الپروتني الذي يك ّوده هذا اجلني‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن املعاجل� � ��ة النانوية املتعددة‬ ‫الوظائ� � ��ف ما هي إال بداي� � ��ة القصة‪ ،‬فبمجرد‬ ‫توطيد مبادئ وظيفة ا ُ‬ ‫جل َس � � � ْيمات النانوية في‬ ‫البش� � ��ر توطيدا تاما‪ ،‬فإن ه� � ��ذا املفهوم ميكن‬ ‫تطبيق� � ��ه إليجاد نظام عالجي يس� � ��تطيع حمل‬ ‫توليفات م� � ��ن العقاقير‪ ،‬ول� � ��كل منها معدالت‬ ‫إطالق مع َّدل� � ��ة لتالئم االحتياجات‪ .‬فمثال‪ ،‬إذا‬ ‫أراد أح� � ��د أن يث ِّبط پروتينا ي� � ��ؤدي إلى إزالة‬ ‫الفعالي� � ��ة من عقار ما‪ ،‬ف� � ��إن أحد االختيارات‬ ‫س� � ��يكون إيج� � ��اد ُج َس � � � ْيم نان� � ��وي ُي ْطلِق أوال‬ ‫الطيقان ‪ siRNA‬والتي تث ِّبط اجلني املك ّود لهذا‬ ‫َ‬ ‫الپروت� �ي��ن‪ ،‬قبل إطالق جزيئ� � ��ات العقار‪ .‬ومع‬ ‫ازدياد اكتسابنا لفهم التح ُّوالت اجلزيئية من‬ ‫الصحة إلى املرض‪ ،‬ومن املرض إلى الصحة‪،‬‬ ‫يصبح من احملتمل أن يؤدي أسلوب اجلزيئات‬ ‫النانوية دورا متنامي� � ��ا في معاجلة األمراض‬ ‫على املستوى اجلزيئي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هي اسم مدينة رشيد املصرية واشتهرت بسبب حجر‬ ‫رشيد ‪.Rosetta Stone‬‬


‫الصورة الكبيرة‬

‫( )‬

‫يعتمد األس� � ��لوب املرتكز عل� � ��ى الن ُ​ُّظم في‬ ‫التصدي لألمراض على الفك� � ��رة القائلة إن‬ ‫حتليل ديناميكية الش� � ��بكات التي اضطربت‬ ‫بفعل املرض‪ ،‬ومـا يؤدي إليه من فهم تفصيلي‬ ‫آللي� � ��ات املرض‪ ،‬قد يب ِّدل جميع جوانب كيفية‬ ‫ممارس� � ��تنا للطب؛ من وس� � ��ائل تشخيصية‬ ‫أفضل‪ ،‬وأس� � ��اليب جديدة وفعال� � ��ة للعالج‪،‬‬ ‫األسلوب البيولوجي‬ ‫وحتى للمكافحة‪ .‬ويقود‬ ‫ُ‬ ‫املرتكِ ز عل� � ��ى الن ُ​ُّظم في التصدي لألمراض‪،‬‬ ‫مسيرة التطوير لكثير من التقانات اجلديدة‪،‬‬ ‫مبا في ذلك علم السوائل امليكروية‪ ،‬والتقانات‬ ‫النانوية‪ ،‬والقياس� � ��ات اجلديدة‪ ،‬واس� � ��تخدام‬ ‫آالت تصوي� � ��ر جديدة‪ ،‬وتطورات حاس� � ��وبية‬ ‫تس� � ��تطيع حتليل ودمج وعمل مناذج لكميات‬ ‫كبيرة من املعلومات البيولوجية‪.‬‬ ‫وف� � ��ي الس� � ��نوات العش� � ��ر أو العش� � ��رين‬ ‫القادمة‪ ،‬س� � ��تحدث في الطب التنبئي والطب‬ ‫املع َّدل ليالئم االحتياجات الش� � ��خصية لكل‬ ‫فرد على حدة‪ ،‬ثور ٌة باتباع أسلوبني جديدين‬ ‫عل� � ��ى األقل‪ ،‬هما َسلْ َس � � �لَة اجلينوم لكل فرد‬ ‫على حدة‪ ،‬وهو أمر س� � ��وف يتيح لنا تعرف‪،‬‬ ‫وبدقة متزايدة‪ ،‬احلالة الصحية احملتملة لفرد‬ ‫ما؛ وقياسات زهيدة التكلفة لپروتينات الدم‪،‬‬ ‫مما سيسمح لنا بأن نق ّيم‪ ،‬بانتظام وبشمولية‪،‬‬ ‫كيف تتطور صحة هذا الفرد‪.‬‬ ‫ويب� � ��دأ الطب الوقائي بتع � � � ّرف الپروتينات‬ ‫ضمن ش� � ��بكة مريضة‪ ،‬إذا كان� � ��ت مضطربة‪،‬‬ ‫وهو بذلك سيعيد س� � ��لوك الشبكة إلى احلالة‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وف� � ��ي نهاية املطاف س� � ��يقودنا إلى‬ ‫أدوية وقائية تقي من املرض‪ .‬فمثال‪ ،‬إذا كانت‬ ‫امرأة معرضة خلطر اإلصابة بسرطان املبيض‬ ‫قد بدأت في س� � ��ن الثالثني بتناول أحد األدوية‬ ‫النانوية املصممة خصيصا الستبعاد املصدر‬ ‫اجلزيئي للخطـ� � ��ر‪ ،‬فإنهــا قد تخ ِّفض احتمـــال‬ ‫تطور س� � ��رطان املبيض لديها في أي فترة من‬ ‫حياتها من ‪ 40‬في املئة إلى ‪ 2‬في املئة‪.‬‬ ‫وبوج� � ��ود ه� � ��ذه النوعية م� � ��ن املعلومات عن‬ ‫أسباب الصحة واملرض‪ ،‬سيكون بإمكان الناس‬ ‫أن يشاركوا بكفاءة أكبر في قراراتهم الصحية‬

‫اخلاص� � ��ة‪ ،‬بص� � ��ورة تش� � ��به كثيرا م� � ��ا ميتلكه‬ ‫السكريون اليوم من أدوات ومعلومات تساعدهم‬ ‫على التحكم في صحتهم اجليدة بأنفسهم‪.‬‬ ‫إن حتقيق ص� � ��ورة للطب تتميز بالقدرة على‬ ‫التنب� � ��ؤ‪ ،‬وبإمكانية التعدي� � ��ل ليالئم االحتياجات‬ ‫الش� � ��خصية لكل فرد على ح� � ��دة‪ ،‬وبالقدرة على‬ ‫الوقاية‪ ،‬وباملشاركة‪ ،‬سيكون له آثار واسعة املدى‬ ‫في املجتمع‪ .‬إذ س� � ��يتعني عل� � ��ى صناعة الرعاية‬ ‫الصحي� � ��ة أن تغ ِّي� � ��ر خطط العمل لديه� � ��ا تغييرا‬ ‫جوهريا‪ ،‬وهي خطط العمل التي تفشل حاليا في‬ ‫توفير األدوية امليسورة التكلفة‪ ،‬والعالية الكفاءة‪.‬‬ ‫كما ستؤدي التقانات املستجدة إلى َر ْق َم َنة الطب‬ ‫‪ ،digitization of medicine‬وم� � ��ا يعني� � ��ه ذلك من‬ ‫إمكانية اس� � ��تخالص املعلومات املتعلقة باملرض‬ ‫من جزيئات منفردة‪ ،‬أو من خاليا منفردة‪ ،‬أو من‬ ‫أش� � ��خاص منفردين‪ ،‬وهو أمر يشبه متاما كيف‬ ‫متت َر ْق َمنَة تقانات املعلومات واالتصاالت خالل‬ ‫السنوات اخلمس عشرة املاضية‪ .‬ونتيجة لكمية‬ ‫املعلومات الهائلة اجلدي� � ��دة املتدفقة‪ ،‬والتقانات‬ ‫الرخيص� � ��ة الثمن‪ ،‬فإن تكلف� � ��ة الرعاية الصحية‬ ‫ينبغي أن تنخفض بصورة حادة‪ ،‬بحيث يتيسر‬ ‫احلصول عليها حتى في العالم النامي‪.‬‬ ‫وبالنس� � ��بة إلى الس� � ��رطان‪ ،‬ف� � ��إن أكثر‬ ‫الوع� � ��ود إثارة‪ ،‬هي الوع� � ��ود التي ينبغي أن‬ ‫تتحقق خالل السنوات العشر القادمة وهي‪:‬‬ ‫أوال‪ ،‬إن التش� � ��خيص عن طري� � ��ق اختبارات‬ ‫تجُ � � ��رى على ال� � ��دم قبل ظهور أي� � ��ة أعراض‬ ‫س� � ��تمكن من اكتشاف السرطانات في بداية‬ ‫نش� � ��أتها‪ ،‬وقبل اس� � ��تفحالها‪ ،‬مما يجعل من‬ ‫املمكن الشفاء منها بالعالج املعهود‪ .‬وثانيا‪،‬‬ ‫إن س� � ��رطانات بعض النسج‪ ،‬مثل الثدي أو‬ ‫ُقسم ضمن أمناط متميزة‪ ،‬ثم‬ ‫الپنكرياس‪ ،‬ست َ‬ ‫ُي ْجرى توافق بينها وبني العقاقير التي حتقق‬ ‫معدالت عالية من الش� � ��فاء‪ .‬وثالثا‪ ،‬سيسمح‬ ‫تعرف الشبكات التي اضطربت بفعل املرض‬ ‫بتطوير أس� � ��رع وتيرة للعقاقير التي ستكون‬ ‫أرخص ثمن� � ��ا وأكثر فعالية‪ .‬وم� � ��ن َث َّم‪ ،‬فإن‬ ‫هذا األسلوب اجلديد في الطب ينطوي على‬ ‫إمكان حتويل الرعاية الصحية بحيث يحظى‬ ‫>‬ ‫بها تقريبا كل إنسان يعيش اليوم‪.‬‬ ‫( ) ‪The Big Picture‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, February 2009‬‬

‫‪27‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫فجر االندماج الكاذب‬

‫(٭)‬

‫لقد حلم العلماء طويال بالتحكم في طاقة االندماج‬ ‫النووي ‪ -‬مولد الطاقة النجمية ‪ -‬من أجل احلصول على‬ ‫طاقة آمنة‪ ،‬نظيفة والمتناهية‪ .‬وحتى مع اقتراب هذا احلدث‬ ‫التاريخي املهم‪ ،‬فما زال هناك من يشكك في إمكان حتقيق مفاعل‬ ‫الطاقة االندماجي عمليا في أي وقت في املستقبل‪ ،‬املفاعل‬ ‫الذي باستطاعته تأمني طاقة المتناهية ونظيفة‪.‬‬ ‫>‪ .M‬موير<‬

‫‪28‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬


‫حجرة االنفجار‪ :‬في داخل حجرة الهدف للمنشأة‬ ‫الوطنية لإلشغال (‪ )1()NIF‬توجد ‪ 192‬حزمة ليزرية تتركز‬ ‫ُصدِ ر االنفجار‬ ‫على هدف من وقود الهدروجني‪ .‬سي ْ‬ ‫الناجت طاق ًة أكبر من طاقة أشعة الليزر املستخدمة‪،‬‬ ‫وميثل ذلك نقطة البداية ألبحاث االندماج‪.‬‬ ‫( ) ‪FUSION’S FALSE Dawn‬‬ ‫(‪the National Ignition Facility )1‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪29‬‬


‫[آلية العمل]‬

‫اندماج بواسطة الليزرات‬

‫( )‬

‫قنوات احلزم‬ ‫الليزرية‬

‫نقطة انطالق نبضة الليزر‬ ‫حجرة الهدف‬

‫يق���ول >‪ .MB‬ڤ���ان وينترجي���م< [مدير‬ ‫تش���غيل املنش���أة )‪« :](NIF‬إن املنش���أة‬ ‫ليس���ت س���وى مضخم ليزري هائل‪ ».‬فاجلزء األكبر‬ ‫م���ن املنش���أة مملو ٌء ب���ـ‪ 192‬قناة ليزري���ة منفصلة حيث تأخذ‪ ،‬ه���ذه القنوات‪،‬‬ ‫نبض���ة اللي���زر الضعيف���ة وتضاعفه���ا أضعافا كثي���رة‪ .‬بعد ذلك يت���م تركيز‬ ‫األش���عة الليزري���ة داخل حج���رة الهدف ثم توجيهها إل���ى جتويف مكون من‬ ‫أسطوانة ذهبية حتتوي على الهدف ديتيريوم وتريتيوم‪.‬‬ ‫‪NIF‬‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫من املتوقع أن يصدر عن‬ ‫اندماج نظائر الهدروجني‪،‬‬ ‫وبشكل مباشر‪ ،‬مقدار أكبر‬ ‫من الطاقة مقارنة بتلك الالزمة‬ ‫لدمج اجلسيمات معا ‪ -‬وهذا‬ ‫هو احلدث احملوري للحصول‬ ‫على الطاقة االندماجية‪.‬‬

‫>‬

‫إذا ما مت التحكم في هذه‬ ‫الطاقة‪ ،‬فمن املمكن أن يشكل‬ ‫ذلك أساسا حملطات طاقة‬ ‫ثورية‪.‬‬

‫>‬

‫إال أن العلماء‪ ،‬في الوقت‬ ‫الراهن‪ ،‬ما زالوا يكتشفون‬ ‫حتديات هندسية مهمة قد‬ ‫تعيق بناء محطات الطاقة‬ ‫االندماجية لعدة سنوات‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪30‬‬

‫في الوقت الراهن‪ ،‬إن اإلشعال(‪ )1‬متوقف‪.‬‬ ‫وخالل سنة أو سنتني‪ ،‬فإن املنظومة الليزرية‬ ‫التي تتكون من ‪ 192‬حزمة ليزرية في املنشأة‬ ‫‪ - NIF‬وه� � ��ي املنظوم� � ��ة الليزري� � ��ة األضخم‬ ‫واألعل� � ��ى قدر ًة ف� � ��ي العالم‪ ،‬والتي اس� � ��تغرق‬ ‫بناؤهــ� � ��ا ‪ 13‬عـاما وبلغ� � ��ت تكلفتـها ‪ 4‬باليني‬ ‫دوالر ‪ -‬ستقوم بتركيز طاقات احلزم الليزرية‬ ‫على كرية بحجم ال يزيد على حجم حبة فلفل‪،‬‬ ‫حيث ستسحق الطاقة الليزرية لب الكرية بقوة‬ ‫هائلة تؤدي إل� � ��ى دمج نظائر الهدروجني معا‬ ‫في داخل الكرية وتطل� � ��ق بالتالي طاقة مثيلة‬ ‫بتلك الناجمة عن قنبلة هدروجينية مصغرة‪.‬‬ ‫لقد سبق القيام بنجاح بهذا العمل البارع‪.‬‬ ‫إال أن الطاقة الناجمة عن االندماج كانت دائما‬ ‫أقل بكثير من طاقة الليزر املستنفدة‪ .‬ولكن في‬ ‫هذه احملاولة‪ ،‬س� � ��ينعكس الس� � ��جل احلسابي‪،‬‬ ‫حيث س� � ��تكون الطاقة املتولدة في مركز الكرية‬ ‫أكبر من الطاقة املس� � ��تنفدة م� � ��ن الليزر‪ .‬ولهذا‬ ‫التغيي� � ��ر أهمية أكب� � ��ر مما متليه احلس� � ��ابات‬ ‫املجردة‪ .‬ومن حيث املبدأ‪ ،‬فإن باإلمكان جتميع‬ ‫فائض الطاقة واس� � ��تثماره في تش� � ��غيل محطة‬ ‫الطاقة الكهربائية‪ .‬أما وقود احملطة‪ ،‬فهو عبارة‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫عن مواد موجودة ف� � ��ي مياه البحر االعتيادية؛‬ ‫وستكون انبعاثات احملطة ‪ -‬النووية واجلوية ‪-‬‬ ‫معدومة‪ .‬وسيشبه ذلك عملية أسر جنم لتشغيل‬ ‫اآلالت على سطح األرض مما يؤدي إلى إرواء‬ ‫ظمأ بني اإلنسان الالمتناهي للطاقة ممتدا إلى‬ ‫آماد ال محدودة‪.‬‬ ‫لقد مَ َّ‬ ‫ت البدء ببناء منش� � ��أة اندماج رئيسية‬ ‫أخ� � ��رى في العال� � ��م‪ ،‬بتكلفة قدره� � ��ا ‪ 14‬بليون‬ ‫دوالر‪ ،‬في موقع خارج قرية كاداراش بجنوب‬ ‫فرنسا‪ .‬إن جهاز املفاعل التجريبي احلراري‬ ‫الن���ووي الدول���ي )‪ - (ITER‬ال يعتم� � ��د عل� � ��ى‬ ‫منظوم� � ��ة ليزرية‪ ،‬وإمنا هو عب� � ��ارة عن مغانط‬ ‫فائقة املوصلية تقوم بحصر نظائر الهدروجني‬ ‫معا وتس� � ��خينها إلى درجة ح� � ��رارة تبلغ ‪150‬‬ ‫ملي� � ��ون درجة مئوية ‪ -‬وهي أكبر بـ‪ 25 000‬مرة‬ ‫من درجة حرارة سطح الشمس‪ .‬وتتنبأ هذه‬ ‫التجرب� � ��ة بإمكانية تولي� � ��د فائض من الطاقة‬ ‫احملصلة‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬وبش� � ��كل مغاير‬ ‫ملنظومة الدفقات الليزرية املتقطعة‪ ،‬ستكون‬ ‫املغان� � ��ط قادرة عل� � ��ى حص� � ��ر الپالزما مع‬ ‫بعضها بعضا لعش� � ��رات ورمب� � ��ا مئات من‬ ‫( ) ‪FUSION FROM LASERS‬‬ ‫(‪ignition )1‬‬


‫لوح زجاجي‬ ‫للمضخم‬

‫مصباح ومضي‬

‫➊ املضخم الليزري‬

‫أشعة فوق‬ ‫بنفسجية‬

‫بعد أن تنشق النبضة الليزرية وبعد انتقالها خالل‬ ‫املضخمات األولية‪ ،‬فإنها متر من خالل األلواح‬ ‫الزجاجية ملضخمة اإلشعاع الرئيسية‪ .‬تقوم‬ ‫مصابيح الزينون الومضية بتهييج ذرات النيوديوم‬ ‫في الزجاج‪ .‬وعندما يعبر الشعاع الليزري من‬ ‫خالله‪ ،‬يعيد الزجاج الطاقة مر ًة ثانية إلى شعاع‬ ‫الليزر‪ .‬وتتكرر هذه العملية في أكثر من ‪ 52‬ممرا‪،‬‬ ‫حيث تعزز طاقة الليزر في كل ممر مبقدار ‪.%25‬‬

‫جتويف‬ ‫كرية الهدف‬ ‫أشعة سينية‬

‫➋ نحو الهدف‬

‫عندما تدخل أشعة الليزر حجرة‬ ‫الهدف التي يبلغ عرضها ‪ 10‬أمتار‪،‬‬ ‫فإن البلورات تقوم بإنقاص طول‬ ‫موجة الضوء إلى النصف وحتوله‬ ‫من اللون األحمر ‪ -‬اآلمن بالنسبة‬ ‫إلى التجهيزات البصرية الليزرية ‪-‬‬ ‫إلى أشعة فوق بنفسجية أكثر فاعلية‬ ‫في إحداث االندماج‪.‬‬

‫‪ ‬اإلشعال‬

‫في مركز حجرة الهدف تتركز أشعة الليزر على‬ ‫اجلدران اجلانبية للتجويف الذهبي مما يجعلها‬ ‫تصدر أشع ًة سينية ذات طاقة عالية‪ .‬تقوم هذه‬ ‫األشعة بحرق الطبقة اخلارجية لكرية الهدف‬ ‫مما يؤدي إلى زيادة الضغط داخل الكرية بحيث‬ ‫تصبح كثافتها أكبر بـ‪ 100‬ضعف من كثافة‬ ‫الرصاص وترتفع درجة حرارتها إلى ‪ 100‬مليون‬ ‫درجة مئوية‪ .‬وهذا االرتفاع املفاجئ في الضغط‬ ‫ودرجة احلرارة يؤدي إلى إشعال االندماج‪.‬‬

‫حجرة‬ ‫الهدف‬

‫الثواني وتولد توهجا مستمرا من الطاقة‪.‬‬ ‫وهذه اإلجنازات ستكون َم ْعلما بارزا في‬ ‫الس� � ��بيل إلى الهدف الذي كان األكثر إثار ًة‬ ‫منذ فجر العص� � ��ر النووي واملتمثل بترويض‬ ‫العملي� � ��ات الت� � ��ي جُترى في مراك� � ��ز النجوم‬ ‫واالستفادة منها في أغراضنا‪ .‬إال أن وميض‬ ‫اإلش� � ��عال (أي حصول االندماج) هو اجلزء‬ ‫األس� � ��هل في هذا الس� � ��بيل‪ ،‬حي� � ��ث إن هناك‬ ‫إدراكا متناميا بني اخلب� � ��راء من العلماء في‬ ‫االندماج النووي بأن حتديات بناء وتش� � ��غيل‬ ‫محطة طاقة االندماج قد تكون أصعب بكثير‬ ‫من التحدي الفيزيائي املتمثل بإنتاج الكريات‬ ‫امللتهبة في البداية‪ .‬وهناك بعض الفيزيائيني‪،‬‬ ‫من غير املعنيني مباش� � ��رة بأبحاث االندماج‬ ‫يش� � ��ككون في قابلية هذا املشروع للتحقيق‬ ‫حتى نظريا‪ .‬فينبغ� � ��ي أن تتحمل مواد البناء‬ ‫املس� � ��تخدمة في بناء املفاعل درجات حرارة‬ ‫عالي� � ��ة جدا تصل إلى بضع� � ��ة ماليني درجة‬ ‫مئوية ولسنوات عديدة‪ .‬فاملواد املكونة ملفاعل‬ ‫االندماج ستكون معرضة لتصادم جسيمات‬ ‫نووي� � ��ة ذات طاقة عالية ج� � ��دا مما يحيل هذه‬ ‫املواد إلى مواد هش� � ��ة قابلة للتصدع‪ ،‬وكذلك‬

‫تصبح ذات نش� � ��اط‬ ‫إشعاعي كبير‪ .‬وكذلك ينبغي أن تقوم محطة‬ ‫االندماج بإنتاج وقوده� � ��ا النووي عن طريق‬ ‫عملي� � ��ات توليد معق� � ��دة‪ .‬وحتى تكون مصدر‬ ‫طاق� � ��ة مفيدا ومهما في الش� � ��بكة الكهربائية‪،‬‬ ‫فإنه يجب أن تس� � ��تمر بتوليد الوقود بش� � ��كل‬ ‫ممتاز ومن دون انقطاع أو إعاقة أو حوادث‬ ‫كارثية مؤسفة لعقود عدة من الزمن‪.‬‬ ‫يق� � ��ول >‪ .R‬هازلتاي� � ��ن< [رئي� � ��س معه� � ��د‬ ‫الدراس� � ��ات االندماجية في جامعة تكساس‬ ‫بأوس� �ت��ن]‪« :‬الفك� � ��رة جيدة‪ ،‬وهناك مس� � ��ائل‬ ‫صعبة ولكنها قابلة للحل‪ ،‬ودعونا نركز على‬ ‫لب االندماج ذاته‪ .‬وقد يكون ذلك خطأ‪».‬‬ ‫َو ْعد الطبيعة‬

‫( )‬

‫لق� � ��د بق� � ��ي االندم� � ��اج ‪ -‬أو باألح� � ��رى‬ ‫ع� � ��دم معرفت� � ��ه ‪ -‬مصدر حي� � ��رة للعلماء منذ‬ ‫س� � ��تينات القرن التاسـع عــش� � ��ر على األقـل‪.‬‬ ‫فنظرية >‪ .Ch‬داروي� � ��ن< في التطور عن طريق‬ ‫االنتخاب (االنتقاء) الطبيعي تس� � ��تلزم باليني‬ ‫( ) ‪Nature’s Promise‬‬ ‫( ) ‪THE D-T REACTION‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫تفاعل الديتيريوم‬ ‫( )‬ ‫والتريتيوم‬ ‫عندما يتم تقريب نظيري الهدروجني‪:‬‬ ‫الديتيريوم والتريتيوم قسريا أحدهما‬ ‫من اآلخر بواسطة الضغوط ودرجات‬ ‫احلرارة العالية جدا؛ فإن هذين‬ ‫النظيرين يتغلبان على قوة التنافر‬ ‫الكهربائي بينهما‪ ،‬ويتم بالتالي‬ ‫اندماجهما‪ .‬وينتج من هذا التفاعل‬ ‫االندماجي‪ :‬هيليوم ونيوترون وطاقة‬ ‫فائضة كبيرة‪.‬‬ ‫نواة تريتيوم‬

‫نواة ديتريوم‬

‫‪n‬‬ ‫‪n p‬‬

‫نيوترون‬

‫‪n‬‬

‫‪p‬‬

‫طاقة‬

‫‪n‬‬

‫‪p‬‬ ‫‪n‬‬ ‫‪n‬‬ ‫‪p‬‬

‫نواة‬ ‫هيليوم‬

‫‪31‬‬


‫[منظر داخلي]‬

‫اندماج نووي باستخدام مغانط‬

‫( )‬

‫يسعى املفاعل ‪ ITER‬في جنوب فرنسا إلى حتقيق االندماج بواسطة تسخني الپالزما املكونة من‬ ‫الديتيريوم والتريتيوم‪ .‬ويتم احتواء الپالزما بواسطة مغانط فائقة املوصلية وذات قدرة عالية‬ ‫جدا‪ ،‬وتس���تخدم أش���ع ًة ميكروية لتس���خني الپالزما إلى ‪ 150‬مليون درجة مئوية‪ .‬وهذه العملية‬ ‫ليس���ت متقطعة مثل االندماج الليزري في املنش���أة ‪ ،NIF‬حيث ميكن لالندماج أن يستمر عشرات‬ ‫الثواني أو حتى مئاتها‪.‬‬

‫پالزما‬

‫مغانط فائقة املوصلية‬

‫الس� � ��نني حلدوث التنوع الهائ� � ��ل في احلياة‬ ‫عل� � ��ى األرض‪ .‬بي� � ��د أن أفض� � ��ل تقدير لعمر‬ ‫الش� � ��مس آن� � ��ذاك ‪ -‬وال� � ��ذي كان ق� � ��د قدمه‬ ‫الفيزيائي البريطاني الشهير >‪ .W‬ثومپسون<‬ ‫(واملعروف أكثر باس� � ��م اللورد كلڤن) ‪ -‬كان‬ ‫ال يتعدى بضع عش� � ��رات من ماليني السنني‪.‬‬ ‫وكم� � ��ا يذكر >‪ .Ch‬س� � ��يف< في كتاب� � ��ه الرائع‬ ‫شمس في زجاجة» (ڤايكنگ ‪،)2008‬‬ ‫بعنوان « ٌ‬ ‫فإن >داروين< اعتبر انتقاد ثومپس� � ��ون أحد‬ ‫أخطر االنتق� � ��ادات عصفا بنظري� � ��ة التطور‪.‬‬ ‫وقد كانت حجة داروين الضعيفة قائمة على‬ ‫افت� � ��راض أن العلماء س� � ��يتوقفون عن اجلزم‬ ‫بعمر الش� � ��مس لعدم كفاية القوانني املتعلقة‬ ‫بالكون آنذاك‪.‬‬ ‫وق� � ��د كان >داروين< على ص� � ��واب‪ .‬فقد‬ ‫مضت س� � ��بعة عقود قب� � ��ل أن يتمكن العلماء‬ ‫من تطوير اآللية الالزمة لفهم مصدر إشعاع‬ ‫الش� � ��مس‪ .‬فخالل فترة الثالثينات من القرن‬ ‫املنص� � ��رم عرف العلماء أن املواد كافة مكونة‬ ‫م� � ��ن ذرات‪ ,‬وأن لهذه الذرات نوى مكونة من‬ ‫پروتونات ذات ش� � ��حنة موجب� � ��ة ونيوترونات‬ ‫متعادلة الش� � ��حنة‪( .‬الهدروجني عنصر فريد‬ ‫‪32‬‬

‫موجات ميكروية‬

‫إن الليزرات‬ ‫ستسحق الهدف‬ ‫بنبضة تفوق في‬ ‫طاقتها مجمل ما‬ ‫يستهلكه مواطنو‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫كافة‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫واس� � ��تثنائي؛ لكون نوات� � ��ه مكونة من پروتون‬ ‫وبي >آينش� � ��تاين< من خالل عالقته‬ ‫فقط)‪ .‬نّ‬ ‫‪2‬‬ ‫الش���هيرة ‪ E = mc‬أن من املمكن أن تتحول‬ ‫الكتلة إلى طاقة‪ .‬وأظهرت الدراسات الطيفية‬ ‫أن الش� � ��مس ليس� � ��ت مكون� � ��ة م� � ��ن صخور‬ ‫منصهرة كما افترض >ثومپس� � ��ون<‪ ،‬وإمنا‬ ‫مكونة من الهدروجني بشكل أساسي إضاف ًة‬ ‫إلى كمية قليلة من الهيليوم‪.‬‬ ‫ف� � ��ي عــام ‪ 1938‬أدرك العــالــم الفيزيـــــائي‬ ‫>‪ .H‬بي ِت� � ��ه< أن الضغ� � ��ط في مركز الش� � ��مس‬ ‫سيكون من الكبر بحيث إن نوى الهدروجني‬ ‫املفردة س� � ��تنضغط مع بعضه� � ��ا بعضا بقوة‬ ‫هائل� � ��ة متكنها من التغلب على ق� � ��وة التنافر‬ ‫الكهربائي وجتعل األيونات املتماثلة الشحنة‬ ‫تبتعد عن بعضها في الظ� � ��روف االعتيادية‪.‬‬ ‫وقد ر ّت� � ��ب >بيتِه< اخلط� � ��وات األربع للتفاعل‬ ‫املتسلس� � ��ل‪ ،‬والتي من خاللها تندمج أيونات‬ ‫الهدروج� �ي��ن في بعضه� � ��ا بعض� � ��ا‪ .‬وتكون‬ ‫النواجت النهائية للتفاعل أخف قليال من كتل‬ ‫العناصر الداخلة ف� � ��ي التفاعل‪ ،‬والفرق في‬ ‫الكتلة يتحول مبوج� � ��ب العالقة ‪ E = mc2‬إلى‬ ‫طاقة هي مصدر طاقة الشمس‪.‬‬ ‫إن ه� � ��ذا التفاع� � ��ل املتسلس� � ��ل واملعق� � ��د‬ ‫يس� � ��تلزم مقادير هائلة م� � ��ن الضغط تتوافر‬ ‫فقط ف� � ��ي مراكز النجوم‪ .‬والطريقة الس� � ��هلة‬ ‫نس� � ��بيا إلحداث االندماج هي البدء بنظيرين‬ ‫للهدروجني ‪ -‬ديتيريوم‪ ،‬ال� � ��ذي تتكون نواته‬ ‫من پروتون ونيوترون‪ ،‬وتريتيوم الذي حتتوي‬ ‫نوات� � ��ه پروتون� � ��ا ونيوترونني‪ .‬وعن� � ��د تقريب‬ ‫الديتيري� � ��وم والتريتيوم أحدهم� � ��ا من اآلخر‬ ‫كفاي� � ��ة يندمجان ويش� � ��كالن ن� � ��واة الهيليوم‬ ‫(پروتونني ونيوترونني)‪ ،‬إضافة إلى نيوترون‬ ‫ودفقة م� � ��ن الطاقة‪ .‬ويتطل� � ��ب التفاعل درجة‬ ‫حرارة وضغطا أقل نس� � ��بيا مما عليه احلال‬ ‫في باطن النجم‪ ،‬مع أن� � ��ه يولد مقدارا هائال‬ ‫من الطاقة مييز تفاعالت االندماج‪.‬‬ ‫وإذا استطاع العلماء حتفيز االندماج في‬ ‫وس� � ��ط ميكن التحكم فيه‪ ،‬فإن مشكلة الطاقة‬ ‫ف� � ��ي العالم س� � ��تنتهي متاما‪ .‬فالوق� � ��ود وافر‬ ‫جدا‪ ،‬لكون الديتيريوم موجودا في ماء البحر‬ ‫ومن املمكن توليد التريتي� � ��وم داخل املفاعل‪.‬‬ ‫( ) ‪FUSION FROM MAGNETS‬‬


‫واالندم� � ��اج النووي‪ ،‬على خ� �ل��اف املفاعالت‬ ‫النووي� � ��ة املعتادة‪ ،‬ال يولد ن� � ��واجت نووية ذات‬ ‫نش� � ��اط إش� � ��عاعي وعم� � ��ر وس� � ��طي كبيرين‬ ‫واملعروفة باس� � ��م النفاي� � ��ات النووية‪ .‬ونظريا‪،‬‬ ‫ف� � ��إن بإمكان گال� � ��ون واحد من املاء املش� � ��بع‬ ‫بالديتيري� � ��وم إنت� � ��اج قدر م� � ��ن الطاقة يكافئ‬ ‫ما حتمل� � ��ه ناقِ ل� � ��ة ضخمة ممل� � ��وءة بالبترول‬ ‫وبنس� � ��مات من الهيليوم فقــ� � ��ط كعــوادم مــن‬ ‫املفـاعــل‪ .‬يقول >‪ .I .E‬موسيس< [مدير املنشأة‬ ‫‪« :]NIF‬ومن ثم‪ ،‬فال توجد ضغوط سياس� � ��ية‬ ‫عل� � ��ى هذه التقنية وطاق� � ��ة االندماج هي طاقة‬ ‫المتناه‪ ،‬إنه أمر‬ ‫نظيفة‪ ،‬ومصدر الوقود موفور‬ ‫ٍ‬ ‫أكثر جودة من أن يصدق‪».‬‬ ‫وفي الواقع هذا ما حصل‪ ،‬فقد جاء أول‬ ‫تصميــم ملـفــاعــــــ� � ��ل انـــدمــــاجـي عـــلـى يــــــد‬ ‫>‪ .L‬سپيتزر< [األستاذ في جامعة پرينستون]‬ ‫وق� � ��در أن مقدار الطاقة التي س� � ��يؤمنها هذا‬ ‫املفاعل‪ ،‬والذي أطلق عليه اسم ستيالراتور‬ ‫‪ ،stellarator‬ه� � ��و ‪ 150‬مليون واط والتي تكفي‬ ‫لتزوي� � ��د ‪ 150‬ألف من� � ��زل بالطاقة الكهربائية‪.‬‬ ‫واعتم� � ��د >المي� � ��ان< ف� � ��ي تصميم� � ��ه على أن‬ ‫اإللكترونات ستنسلخ عن ذراتها عند درجات‬ ‫احلرارة الهائلة الالزمة لالندماج‪ .‬ويؤدي ذلك‬ ‫إلى تكوين حس� � ��اء من اجلسيمات املشحونة‬ ‫يس� � ��مى پالزم� � ��ا‪ ,‬وميكن احتواؤه بواس� � ��طة‬ ‫املج� � ��ال املغنطيس� � ��ي‪ .‬ويتكون س� � ��تيالراتور‬ ‫>سپيتزر< في جوهره من زجاجة مغنطيسية‬ ‫تقوم باحتواء الپالزما في موضعها حتى مع‬ ‫تسخينها إلى درجات حرارة عالية تصل إلى‬ ‫ماليني الدرجات املئوية‪.‬‬ ‫بيد أن >سپيتزر< وعلماء آخرين اتبعوا نهجه‬ ‫ل� � ��م يكونوا على دراية عميقة بس� � ��لوك الپالزما‪.‬‬ ‫والذي عرفوه الحق� � ��ا كان مخيبا لتوقعاتهم‪ ،‬إذ‬ ‫تبني أن سلوك الپالزما لم يكن حسنا‪.‬‬ ‫تخيل أنك متسك بالونا مرنا وأنك تضغطه‬ ‫إلى أصغر حجم ممك� � ��ن‪ .‬وبغض النظر عن‬ ‫مدى انتظام الضغط واس� � ��توائه‪ ,‬فإن البالون‬ ‫س� � ��ينفلت من بني أصابعك‪ .‬إن الشيء نفسه‬ ‫ينطبق على الپالزما‪ .‬ففي كل مرة حاول فيها‬ ‫العلماء احتواء الپالزما وتقييدها داخل كرة‬ ‫محكمة متاما لدرجة كافية حلدوث االندماج‬ ‫كانت الپالزما جتد طريقا لتتس� � ��رب خارجا‬

‫التاريخ املوجز‬ ‫( )‬ ‫لالندماج‬ ‫‪ :1950‬قام العالم السوڤييتي‬ ‫>‪ .A‬سخاروڤ< بتصميم زجاجة‬ ‫مغنطيسية‪ ،‬أطلق عليها اسم توكاماك‪،‬‬ ‫تستطيع احتواء الپالزما‪ ،‬غير أن عمل‬ ‫>سخاروڤ< في مجال األسلحة النووية‬ ‫أبعده عن املشروع‪.‬‬ ‫‪ :1951‬قدم العالم >‪ .L‬سپيتزر< [من‬ ‫جامعة پرنستون] مشروع ستيالراوتر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫اندماجي آخر يعتمد‬ ‫مفاعل‬ ‫الذي هو‬ ‫ٌ‬ ‫على املجاالت املغنطيسية‪.‬‬ ‫‪ :1952‬قامت الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫بتفجير إيڤي مايك‪ ،‬وهي القنبلة‬ ‫الهدروجينية األولى في العالم‪.‬‬ ‫‪ :1969‬سافر علماء غربيون إلى‬ ‫موسكو للتحقق من تصميم سخاروڤ‬ ‫(للتوكاماك)‪ ،‬حيث وجدوا أنه ينتج‬ ‫پالزما أكثر سخون ًة وأكبر كثاف ًة من‬ ‫املفاعل ستيالراوتر‪ .‬ولذلك؛ أصبحت‬ ‫الزجاجات املغنطيسية (التوكاماكات)‬ ‫هي السائدة في األبحاث االندماجية‬ ‫املستندة إلى املجاالت املغنطيسية‪.‬‬ ‫‪ :1977‬استُخدم ليزر شيڤا في حث‬ ‫االندماج بالسفعات الليزرية‪.‬‬ ‫‪ :2010‬يتعني على املنشأة ‪ NIF‬مباشرة‬ ‫إجراء جتارب االندماج للديتيريوم‬ ‫والتريتيوم في وقت متأخر من هذا‬ ‫العام‪.‬‬ ‫‪( 2018‬تقريبا)‪ :‬ينتهي بناء املفاعل‬ ‫‪ ITER‬كما هو مبرمج له‪ .‬ومن املخطط‬ ‫ألولى اختبارات اندماج الديتيريوم‬ ‫والتريتيوم أن تتم في عام ‪.2026‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫من اجلوانب‪ .‬وهذا أمر محير وله صلة وثيقة‬ ‫بكافة أنواع مفاعالت االندماج ‪ -‬فكلما جعلت‬ ‫الپالزما أكثر سخونة وأكثر انضغاطا‪ ,‬كانت‬ ‫مقاومتها جلهودك في احتوائها أكبر‪.‬‬ ‫وطيل� � ��ة العق� � ��ود الس� � ��تة التي تل� � ��ت ذلك‬ ‫بذل العلماء جهودا كبي� � ��رة لتطويع الپالزما‬ ‫باس� � ��تخدام زجاج� � ��ات مغنطيس� � ��ية أضخم‬ ‫وأضخ� � ��م‪ .‬وف� � ��ي كل محاول� � ��ة كان علم� � ��اء‬ ‫الفيزياء يكش� � ��فون القناع ع� � ��ن جهاز مطور‬ ‫ومصمم للتخلص من املشكالت التي واجهت‬ ‫األجهزة التي س� � ��بقته‪ ،‬وقد أظهرت الطاقات‬ ‫األعلى تنوعات جديدة من املشكالت‪ .‬ويقول‬ ‫>‪ .Ch‬بيكر< [املدير الس� � ��ابق لبرامج االندماج‬ ‫في مختب� � ��رات آرگون وأوك ري� � ��دج الوطنية‬ ‫والرئيس احلالي للجنة االستشارية للمفاعل‬ ‫‪ ITER‬في الواليات املتحدة األمريكية]‪« :‬بغض‬ ‫النظر ع� � ��ن كيفية التعامل معه� � ��ا‪ ،‬فالپالزما‬ ‫دائما قليلة االستقرار‪».‬‬ ‫وقد ش� � ��هدت أزمة الطاقة في س� � ��بعينات‬ ‫الق� � ��رن املنصرم والدة برنام� � ��ج بحثي مواز‬ ‫للحص� � ��ول على االندماج‪ ،‬يهدف إلى محاولة‬ ‫جتنب بعض املش� � ��كالت املتعلق� � ��ة بالپالزما‬ ‫احملت� � ��واة مغنطيس� � ��يا‪ .‬وتعتم� � ��د التقني� � ��ات‬ ‫املس� � ��تخدمة في هذا البرنامج على منظومة‬ ‫ليزرية تعمل على تس� � ��خني وعصر كرية من‬ ‫الديتيريوم والتريتيوم‪ .‬لق� � ��د بدأ هذا البحث‬ ‫ال� � ��ذي ُأجري ف� � ��ي مختبر لورن� � ��س ليڤرمور‬ ‫الوطني باس� � ��تخدام منصة جتريبية بسيطة‬ ‫تتكون من ش� � ��عاعني ليزريني‪ .‬وفي عام ‪1977‬‬ ‫أدت التط� � ��ورات التي حصل� � ��ت على القدرة‬ ‫الليزرية إل� � ��ى التوصل إلى آلة ش���يڤا ‪shiva‬‬ ‫(اسم إله اخللق والفناء لدى الهندوس)‪ ،‬وبعد‬ ‫ذل� � ��ك بناء آلة نوڤ���ا ‪ nova‬عام ‪ .1984‬والطاقة‬ ‫الليزرية لكل برنامج م� � ��ن هذين البرنامجني‬ ‫فاق� � ��ت مقدار الطاقة األعلى التي كان مختبر‬ ‫ليڤرمور ذاته قد س� � ��جلها سابقا‪ .‬ولكن‪ ،‬كما‬ ‫في البرامج املغنطيس� � ��ية‪ ،‬ل� � ��م يتمكن هذان‬ ‫البرنامجان م� � ��ن الوصول إلى نقطة التعادل‬ ‫أي النقطة التي تتساوى فيها الطاقة الناجمة‬ ‫ع� � ��ن االندماج م� � ��ع طاقة الليزر املس� � ��تنفدة‪.‬‬ ‫ولتحقيق ذلك‪ ،‬فإن مختب� � ��ر ليڤرمور يحتاج‬ ‫( ) ‪THE SHORT HISTORY OF FUSION‬‬

‫‪33‬‬


‫إل� � ��ى ليزر بقدرة أكبر ‪ 70‬ضعفا من قدرة أي‬ ‫من الليزرات التي ظهرت حتى اآلن‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ 1997‬بدأ العمل ببناء املنشأة ‪.NIF‬‬ ‫السفعات الصغيرة‬

‫( )‬

‫ال تب� � ��دو املنش� � ��أة ‪ NIF‬ذات أهمي� � ��ة من‬ ‫اخل� � ��ارج‪ .‬فهي عبارة عن بناء من دون نوافذ‬ ‫وحجمه يقارب حج� � ��م حظيرة طائرات‪ ،‬وهو‬ ‫مطلي بلون بني ف� � ��احت بحيث ال يبدو مغايرا‬ ‫ٌ‬ ‫ألي مكتب في متنزه ضاحية من الضواحي‪.‬‬ ‫ولكن مثل معظم املشاريع العلمية الكبيرة ‪-‬‬ ‫كاملصادم الهادروني الضخم الذي يخطر على‬ ‫البال فورا ‪ -‬إن ما يثير الرعب هو األش� � ��ياء‬ ‫املدفونة عميقا في داخل� � ��ه‪ .‬توجد في داخل‬ ‫هذه املنشأة دستات من أنابيب عرضها متر‬ ‫ممدودة عبر املنش� � ��أة‪ .‬وتنتهي األنابيب إلى‬ ‫حجرة الهدف التي هي عبارة عن ثالثة أدوار‬ ‫مزودة بفتحات لتمك� �ي��ن الليزرات من العبور‬ ‫من خاللها‪ .‬وفي مرك� � ��ز هذه احلجرة يوجد‬ ‫هدف الديتيري� � ��وم والتريتيوم مس� � ��تقرا في‬ ‫مكانه بواسطة ما يبدو كرأس قلم الرصاص‪.‬‬ ‫وس� � ��تتركز الليزرات إلى ما يقرب من بضعة‬ ‫ميل ِّيمترات من النقطة املركزية حيث ستسحق‬ ‫الهدف مولد ًة ق� � ��درا من الطاقة ‪ -‬على األقل‬ ‫جلزء قليل من الثانية ‪ -‬يلبي احتياجات األمة‬ ‫جميعها من الطاقة الكهربائية‪.‬‬ ‫ومع أن املنشأة ‪ NIF‬قد صممت من أجل‬ ‫الوصول إلى نقطة التعادل‪ ،‬إال أن رس� � ��التها‬ ‫الرئيسية ذات عالقة باألمن القومي‪ .‬ففي عام‬ ‫‪َ 1996‬و َّق � � � َع الرئيس األمريكي األس� � ��بق >بيل‬ ‫كلينت� � ��ون< معاهدة حظر االختبار الش� � ��امل‪،‬‬ ‫وج ّرم اختبارات األسلحة النووية في الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية‪ .‬وللتأكد من أن األس� � ��لحة‬ ‫باملخازن ستستمر بصالحيتها لالستخدام‬ ‫كما هو مخطط لها ‪ -‬أي إن الرؤوس احلربية‬ ‫جميعه� � ��ا لن يتم اللج� � ��وء إليها إال إذا أعطى‬ ‫الرئيس أوامره بالضربة العس� � ��كرية ‪ -‬فقد‬ ‫قامت مختبرات األسلحة النووية الوطنية في‬ ‫لوس أالم� � ��وس وليڤرمور بتأس� � ��يس برنامج‬ ‫لإلشراف على مخازن األسلحة‪ ،‬وهو عبارة‬ ‫عن نظ� � ��ام صيانة واختبار مصمم للتأكد من‬ ‫موثوقية ما يقدر بـ‪ 5200‬رأس حربي موجودة‬ ‫‪34‬‬

‫نيوترون من‬ ‫لب املفاعل‬ ‫ليثيوم ‪7‬‬

‫تريتيوم‬ ‫نيوترون‬

‫هيليوم‬ ‫ليثيوم ‪6‬‬

‫تريتيوم‬ ‫هيليوم‬

‫الطريقة البارعة‬ ‫للحصول على‬ ‫( )‬ ‫التريتيوم‬ ‫ينبغي على مفاعالت االندماج أن‬ ‫تنتج وقودها من التريتيوم عن‬ ‫طريق سلسلة تفاعالت معقدة‪.‬‬ ‫حيث يبدأ ذلك بأن يقوم نيوترون‬ ‫بصدم أيون ليثيوم‪ 7-‬املثبت في‬ ‫منطقة محيطة باملفاعل تعرف‬ ‫بالبطانة‪ .‬يولد هذا التفاعل الهيليوم‬ ‫والتريتيوم والنيوترون‪ .‬يتابع هذا‬ ‫النيوترون الثانوي مساره حيث‬ ‫يصطدم بأيون الليثيوم‪ ،6-‬واملثبت‬ ‫كذلك في البطانة منتجا أيون‬ ‫هيليوم وأيون تريتيوم‪.‬‬

‫حاليا في املخازن‪.‬‬ ‫إن معظم أعمال الصيانة لألسلحة النووية‬ ‫هي أعمال روتينية بس� � ��يطة تتمثل باإلشراف‬ ‫على وتبديل أجزاء األسلحة‪ ،‬إضاف ًة إلى مهمة‬ ‫أساسية وهي النمذجة احلاسوبية لالنفجارات‬ ‫النووية‪ .‬وه� � ��ذه النماذج مفرطة احلساس� � ��ية‬ ‫للش� � ��روط األولية؛ ومن ثم فإن املنش� � ��أة ‪NIF‬‬ ‫مصمم� � ��ة لتزوي� � ��د النم� � ��اذج ببيان� � ��ات تتعلق‬ ‫بانفجارات مصغرة للديتيري� � ��وم والتريتيوم‪.‬‬ ‫(واملنشأة ستس� � ��تخدم أيضا ألغراض علمية‬ ‫أساس� � ��ية ‪ -‬وأحد أول هذه االس� � ��تخدامات‬ ‫دراسة املوجات الصدمية الناجمة عن النجوم‬ ‫املستعرة األعظمية ‪.)Supernova‬‬ ‫وعندم� � ��ا بدأت املنش� � ��أة ‪ NIF‬بالعمل في‬ ‫الش� � ��هر ‪ ،2009/5‬حظي� � ��ت قدرتها على توليد‬ ‫الطاقة باهتمام محرري الصحف‪ .‬فمثال نشر‬ ‫>‪ .Th‬فريدم� � ��ان< عمودا في صحيفة نيويورك‬ ‫تاميز بعنوان «التوليد البارد للطاقة احلقيقي‬ ‫اآلتي» كتب فيه‪« :‬كل كرية يتم سحقها تطلق‬ ‫دفقة م� � ��ن الطاق� � ��ة ميكن اس� � ��تخدامها في‬ ‫تسخني ملح سائل يستثمر في إنتاج كميات‬ ‫هائل� � ��ة م� � ��ن البخار احلار ال� � ��ذي يعمل على‬ ‫تش� � ��غيل العنف����ات (التوربين����ات) ‪،turbine‬‬ ‫ومن ثم توليد كهرباء املنازل متاما مثل عمل‬ ‫الفحم حاليا‪».‬‬ ‫نظري� � ��ا‪ ،‬إن ما يقوله >فريدمان< صحيح‪ .‬إال‬ ‫أن املنش� � ��أة ‪ NIF‬ل� � ��م تُعد قط لتك� � ��ون آلة توليد‬ ‫للطاقة القابلة لالس� � ��تخدام‪ .‬فاملنشأة‪ ،‬في خطة‬ ‫العمل احلالية‪ ،‬ستبدأ بتجارب اندماج الديتيريوم‬ ‫والتريتي� � ��وم في نهاي� � ��ة هذا الع� � ��ام‪ ،‬وبعدئذ يتم‬ ‫التوصل إلى نقطة التعادل بعد سنة أو أكثر من‬ ‫ذلك التاريخ‪ ،‬فيما إذا كان كل شيء يعمل بالشكل‬ ‫الصحيح‪ .‬وللعلم‪ ،‬فإن ذلك ال يعني تعادل محطة‬ ‫طاقة وإمنا يعني‪ ،‬كما يوضح >موسيس<‪ ،‬مجرد‬ ‫احلص� � ��ول على طاقة منطلقة من الكرية أكبر من‬ ‫طاقة الليزر املستنفدة في االندماج‪(.‬وللعلم‪ ،‬فإن‬ ‫الطاقة الالزم� � ��ة إلنتاج ليزر بطاق� � ��ة قدرها ‪4.2‬‬ ‫مليون جول‪ ،‬وتلك الطاقة الضائعة قبل الوصول‬ ‫إلى اله� � ��دف لم تؤخذ باالعتبار)‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه‬ ‫من احملتمل حتقيق ه� � ��ذا املعلم البارز بعد أكثر‬ ‫من ‪ 15‬عاما وقبل تشغيل املفاعل ‪.ITER‬‬ ‫( ) ‪Little Blasts‬‬ ‫( ) ‪THE T TRICK‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬


‫عقبات في طريق املفاعل‬

‫( )‬

‫وبغ� � ��ض النظر ع� � ��ن كيفية‬ ‫حتق� � ��ق االندماج‪ ،‬س� � ��واء كان‬ ‫ذلك باستخدام طاقة ليزرية في‬ ‫حدود امليگاجول أو بواس� � ��طة‬ ‫السحق املغنطيسي‪ ،‬فإن الطاقة‬ ‫الناجتة س� � ��تكون م� � ��ن نصيب‬ ‫النيوترونــ� � ��ات املتولدة م� � ��ن االنـدمــاج والتي‬ ‫توهج حار‪ :‬منظر الپالزما داخل مشروع‬ ‫ٌ‬ ‫األبحاث املتقدمة للتوكوماك الفائق‬ ‫ال تتأثر باملجاالت الكهربائية أو املغنطيس� � ��ية‬ ‫املوصلية الكوري‪ ،‬الذي بدأ العمل في‬ ‫لكونها متعادلة الش� � ��حنة‪ .‬وإضافة إلى ذلك‪,‬‬ ‫عام ‪.2008‬‬ ‫فإن ه� � ��ذه النيوترونات تخت� � ��رق معظم املواد‬ ‫الصلبة في خطوط مستقيمة‪.‬‬ ‫والطريق� � ��ة الوحيدة إليق� � ��اف النيوترونات‬ ‫ه� � ��ي جعلها تصطدم بش� � ��كل مباش� � ��ر بنواة‬ ‫ال� � ��ذرة‪ .‬وعادة ما تك� � ��ون ه� � ��ذه التصادمات‬ ‫مخربة‪ .‬فطاقة ه� � ��ذه النيوترونات تكون عالية‬ ‫جدا بحيث إنها تستطيع إزاحة ذرات املعادن‬ ‫املتينة كاحلديد مثال من مواضعها‪ .‬لذلك‪ ,‬فإن‬ ‫هذه التصادمات الشديدة تضعف بنية املفاعل‬ ‫وحت ِّول مادته إلى بنية هشة قابلة للكسر‪.‬‬ ‫وفي حاالت أخرى حتول هذه النيوترونات‬ ‫املواد املعت� � ��ادة (املكونة للمفاع� � ��ل) إلى مواد‬ ‫مش� � ��عة‪ .‬فعملية اصط� � ��دام النيوت� � ��رون بنواة‬ ‫الذرة قد تؤدي إلى امتصاصه من قبل النواة‬ ‫فتصبح غير مس� � ��تقرة‪ .‬لذل� � ��ك‪ ,‬فإن حزمة من التحديات‬ ‫النيوترون� � ��ات ‪ -‬حت� � ��ى ولو كان� � ��ت ناجتة من على العلماء أن يتغلبوا على عدد من‬ ‫تفاع� � ��ل نظيف مثل االندم� � ��اج ‪ -‬قد جتعل أي الصعوبات قبل أن يبزغ فجر الطاقة‬ ‫االندماجية‪.‬‬ ‫وعاء عادي خطيرا إش� � ��عاعيا‪ ،‬يقول >بيكر<‪:‬‬ ‫«إذا أراد أح� � ��د أن يبيعك أي نوع من األنظمة احلرارة ‪ :‬ينبغي أن تكون املواد‬ ‫النووي� � ��ة قائال إنها خالية من اإلش� � ��عاع؛ فال املالمسة للتفاعالت قادرة على حتمل‬ ‫درجات حرارة عالية جدا لسنوات‬ ‫تلتفت إليه واحتفظ بنقودك‪».‬‬ ‫طويلة‪.‬‬ ‫إضاف� � ��ة إل� � ��ى حتقيق االندم� � ��اج‪ ،‬فإن على‬ ‫احملطات االندماجية أن حتول طاقة النيوترونات البنية ‪ :‬النيوترونات ذات الطاقة‬ ‫إلى ح� � ��رارة ُتش � � � ِّغل العنف� � ��ات‪ .‬إن التصاميم العالية حتيل املواد إلى مواد هشة‪.‬‬ ‫املستقبلية ملثل هذه احملطات تقوم بعملية التحويل‬ ‫الوقود ‪ :‬على مفاعل االندماج أن‬ ‫هذه في منطقة محيط� � ��ة مبركز االندماج يدعى‬ ‫يغذي ذاته بالتريتيوم الذي ينتجه من‬ ‫بالبطانة‪ .‬وم� � ��ع أن احتمال تصادم نيوترون ما خالل سلسلة معقدة من التفاعالت‪.‬‬ ‫بنواة أي ذرة ضعيف في البطانة‪ ،‬إال أن بطانة‬ ‫س� � ��ميكة ومصنوعة من مادة مالئمة ‪ -‬بس� � ��مك املوثوقية ‪ :‬املفاعالت االندماجية‬ ‫الليزرية تولد انفجارات متقطعة‬ ‫بضعة أمتار من الرصاص مثال ‪ -‬س� � ��تمتص فقط‪ ،‬في حني ينبغي على املفاعالت‬ ‫جميع النيوترون� � ��ات التي متر بها تقريبا‪ .‬وهذا االندماجية املغنطيسية أن حتتوي‬ ‫ثوان‪.‬‬ ‫يؤدي إلى تس� � ��خني البطانة‪ ،‬ويقوم سائل تبريد الپالزما ألسابيع وليس ملدة ٍ‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫مثل ملح منصه� � ��ر بنقل احلرارة‬ ‫خ� � ��ارج املفاعل‪ .‬ويس� � ��تخدم هذا‬ ‫امللح احلار ف� � ��ي غلي املاء وإنتاج‬ ‫البخار الذي يدي� � ��ر العنفات كما‬ ‫في أي مولد كهربائي‪.‬‬ ‫وعل� � ��ى الرغم من أن البطانة‬ ‫ليس� � ��ت بتلك البس� � ��اطة‪ ،‬فإنها‬ ‫تقوم مبهم� � ��ة أخ� � ��رى بالدرجة‬ ‫ذاتها من األهمية كتلك املتعلقة باستخالص‬ ‫الطاق� � ��ة‪ .‬فالبطانة تقوم بإنت� � ��اج الوقود الذي‬ ‫يغذي املفاعل‪.‬‬ ‫ومع أن الديتيريوم موجود بوفرة ورخيص‬ ‫الثم� � ��ن‪ ،‬إال أن التريتي� � ��وم نادر ج� � ��دا ويجب‬ ‫احلصول عليه م� � ��ن التفاع� �ل��ات النووية‪ .‬إن‬ ‫بإم� � ��كان محطة طاقة نووية معتادة أن تنتج ما‬ ‫بني ‪ 2‬إلى ‪ 3‬كيلوغرامات من التريتيوم سنويا‪،‬‬ ‫وبتكلف� � ��ة تقريبية تتراوح م� � ��ا بني ‪ 80‬إلى ‪120‬‬ ‫مليون دوالر لكل كيلوغرام‪ .‬ولسوء احلظ‪ ،‬فإن‬ ‫مفاعل االندماج املغنطيسي سوف يستهلك ما‬ ‫يقرب من كيلوغرام من التريتيوم كل أسبوع‪،‬‬ ‫يق� � ��ول >محمد عب� � ��ده< [مدير مرك� � ��ز العلوم‬ ‫والتقان� � ��ة االندماجية في جامع� � ��ة كاليفورنيا‬ ‫بلوس أجنلوس]‪« :‬إن ما يحتاج إليه االندماج‬ ‫أكثر بكثير مما يستطيع تزويده االنشطار‪».‬‬ ‫وحتى تتمكن احملطة االندماجية من إنتاج‬ ‫التريتيوم الالزم لها ذاتيا‪ ،‬عليها أن تس� � ��تثمر‬ ‫بعض النيوترونات التي كانت ستستخدم في‬ ‫توليد الطاقة‪ .‬ويوجد في داخل البطانة قنوات‬ ‫من الليثيوم‪ ،‬وهو معدن لني ونشط تفاعليا مما‬ ‫يجعله قادرا على َأ ْس� � ��ر النيوترونات السريعة‬ ‫ليشكل الهيليوم والتريتيوم‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬يتسرب‬ ‫التريتيوم الناجت عبر القنوات املش� � ��ار إليها‪،‬‬ ‫ويتم أس� � ��ره بواس� � ��طة املفاع� � ��ل وإعادته إلى‬ ‫الپالزما مجددا‪.‬‬ ‫إال أن الصورة تصب� � ��ح مزعزعة عندما‬ ‫ندخل في التفاصي� � ��ل الدقيقة‪ .‬فكل تفاعل‬ ‫اندم� � ��اج يلتهم أيون تريتي� � ��وم واحدا وينتج‬ ‫نيوترون� � ��ا واح� � ��دا أيضا‪ .‬لذل� � ��ك‪ ،‬على كل‬ ‫نيوت� � ��رون ينت� � ��ج من املفاع� � ��ل أن يولد أيون‬ ‫تريتيوم على األقل‪ ،‬وإال فإن املفاعل سيعاني‬ ‫نق� � ��ص التريتيوم لكونه يس� � ��تهلك تريتيو ًما‬ ‫أكثر مما ينتج‪ .‬ومن املمكن التغلب على هذه‬ ‫( ) ‪Reactor Roadblocks‬‬

‫‪35‬‬


‫الصعوبة في حال قيام العلماء باستحداث‬ ‫تفاعالت متسلس� � ��لة ومعقدة‪ .‬فأوال يصدم‬ ‫النيوترون نظير ليثيوم ‪ ،7‬والذي على الرغم‬ ‫من كونه تفاعال مستهلكا للطاقة‪ ،‬فإنه ُي ْنت ُِج‬ ‫أيونا من التريتي� � ��وم ونيوترونا‪ .‬بعدئذ هذا‬ ‫النيوت� � ��رون الثاني يصدم نظي� � ��ر ليثيوم‪6-‬‬ ‫منتجا نيوترونا آخر‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذل� � ��ك‪ ،‬فإنه يجب جتميع هذه‬ ‫النيوترون� � ��ات كافة وإدخالها إل� � ��ى الپالزما‬ ‫بكف� � ��اءة ‪ %100‬تقريب� � ��ا‪ .‬يق� � ��ول >‪ .M‬ديتمار<‬ ‫[فيزيائ� � ��ي اجلس� � ��يمات األولية ف� � ��ي املعهد‬ ‫الفيدرالي السويسري للتقانة بزيورخ]‪« :‬في‬ ‫هذا التفاعل املتسلس� � ��ل ال نس� � ��تطيع فقدان‬ ‫نيوترون واحد‪ ،‬وإال فإن التفاعل س� � ��يتوقف‪.‬‬ ‫وأول شيء ينبغي القيام به (قبل بناء املفاعل)‬ ‫هو أن نبني أن إنتاج التريتيوم سيتحقق‪ ،‬ومن‬ ‫الواضح أن هذا أم ٌر محال‪».‬‬ ‫يق� � ��ول >هازيلتاي� � ��ن<‪« :‬إن ه� � ��ذه البطانة‬ ‫االندماجية ألة رائعة حقا‪ ،‬فهي متتص حرارة‬ ‫كبيرة وتتعام� � ��ل معها بعناي� � ��ة فائقة دون أن‬ ‫تس� � ��خن أكثر من ال� �ل��ازم‪ ،‬أيضا فهي متتص‬ ‫النيوترونات وهي مصنعة من مواد بعمر حياة‬ ‫كبير نسبيا على الرغم من تعرضها لتصادم‬ ‫هذه النيوترونات‪ ،‬وأخيرا تستثمر النيوترونات‬ ‫في حتويل الليثيوم إلى تريتيوم»‪.‬‬ ‫ولكـن لس� � ��وء احل� � ��ظ‪ ،‬ف� � ��إن املفاعـل ‪ITER‬‬ ‫ال يق� � ��وم باختبار تصامي� � ��م البطانة مما يجعل‬ ‫العديد م� � ��ن العلماء ‪ -‬وخاص ًة ف� � ��ي الواليات‬ ‫املتح� � ��دة األمريكي� � ��ة التي ليس له� � ��ا دور كبير‬ ‫في تصميم‪ ،‬أو بناء أو تش� � ��غيل هذا املفاعل ‪-‬‬ ‫يرون ضرورة وجود منش� � ��أة منفصلة لتصميم‬ ‫وبناء ه� � ��ذه البطانة‪ .‬يقول >محم� � ��د عبده< في‬ ‫هذا اخلص� � ��وص‪« :‬عليك أن تبره� � ��ن على أن‬ ‫بإمكانك القي� � ��ام بذلك في نظ� � ��ام عملي‪ ،‬وإننا‬ ‫لم نقم ببن� � ��اء أو اختبار البطانة أبدا‪ ».‬وإذا ما‬ ‫خصصت امليزانية الالزمة ملثل هذه املنش� � ��أة‬ ‫غ� � ��دا‪ ،‬فإن فهمنا للقضايا املتعلقة بها بش� � ��كل‬ ‫جيد سيس� � ��تغرق ما بني ‪ 30‬إلى ‪ 75‬سنة وذلك‬ ‫قبل بناء وتشغيل املنشأة حسب تقدير >عبده<‪.‬‬ ‫يضيف >عب� � ��ده< قائال‪« :‬إنن� � ��ي أعتقد بإمكان‬ ‫إجناز ذلك ولكنه يتطلب عمال كبيرا جدا‪».‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫الكذبة الكبرى‬

‫( )‬

‫لنق� � ��ل إن ذلك قد حتقق ف� � ��ي عام ‪.2050‬‬ ‫ولنقل إن كال من املنشأة ‪ NIF‬واملفاعل ‪ITER‬‬ ‫ق� � ��د حققا جناحا متواضعا في حتقيق هدف‬ ‫احلص� � ��ول على الطاقة في الوقت املناس� � ��ب‬ ‫وضم� � ��ن امليزاني� � ��ة املخصص� � ��ة‪ .‬ولنقل إن‬ ‫الطبيع� � ��ة لم حتمل في ثناياها مفاجآت خالل‬ ‫تدرج الفيزيائيني في زيادة الطاقة لكل نظام؛‬ ‫وإن الپالزما الفوضوية السلوك سلكت كما‬ ‫هو متوق� � ��ع‪ .‬لقد أوضحت منش� � ��أة منفصلة‬ ‫للم� � ��واد كيفية بن� � ��اء بطانة تس� � ��تطيع إنتاج‬ ‫التريتي� � ��وم وحتويل طاق� � ��ة النيوترونات إلى‬ ‫طاقة كهربائية‪ ،‬إضافة إلى استقرار البطانة‬ ‫على الرغم من تعرضها املستمر لتصادمات‬ ‫اجلسيمات دون الذرية خالل العمل اليومي‬ ‫للمحط� � ��ة‪ .‬ولنفت� � ��رض أن التكلف� � ��ة التقديرية‬ ‫النهائية حملط� � ��ة االندماج هي فقط ‪ 10‬باليني‬ ‫دوالر‪ .‬فهل سيكون هذا خيارا مفيدا؟‬ ‫إن من الصعب اإلجابة عن هذا الس� � ��ؤال‬ ‫حت� � ��ى من قِ َب� � ��لِ الذين أمض� � ��وا حياتهم في‬ ‫متابعة حل� � ��م الطاقة االندماجية‪ .‬واملش� � ��كلة‬ ‫هي أن احملطات االندماجية ‪ -‬مثلها في ذلك‬ ‫مثل احملطات االنشطارية ‪ -‬تهدف إلى توليد‬ ‫الطاقة بصورة متكن من اس� � ��ترداد تكلفتها‬ ‫األولية الباهظة‪ ،‬األمر الذي يستلزم تشغيلها‬ ‫املستمر‪ .‬يقول >بيكر<‪« :‬كلما كان لديك نظام‬ ‫ذو رأس� � ��مال كبير‪ ,‬فمن الضروري تشغيله‬ ‫باستمرار ألنك ال تدفع تكلفة الوقود‪».‬‬ ‫ولس� � ��وء احلظ‪ ،‬ف� � ��إن م� � ��ن الصعب جدا‬ ‫احملافظة على استمرار الپالزما في حالة عمل‬ ‫ألي فترة زمنية ملموس� � ��ة‪ .‬حتى اآلن متكنت‬ ‫املفاعالت من االحتفاظ بالپالزما االندماجية‬ ‫ألقل من ثانية واحدة فق� � ��ط‪ .‬ويهدف املفاعل‬ ‫‪ ITER‬إل� � ��ى االحتف� � ��اظ بالپالزما املش� � ��تعلة‬ ‫لعشرات من الثواني‪ .‬ويعد االنتقال من هذه‬ ‫الفت� � ��رة إلى اس� � ��تمرارية االحتفاظ بالپالزما‬ ‫دون توقف قفزة كبيرة نحو األمام لم تتحقق‬ ‫بعد‪ .‬يق� � ��ول >بيكر<‪« :‬يحت� � ��اج االندماج إلى‬ ‫حتقيق ‪ %90‬من األش� � ��ياء املتاحة‪ ،‬ويتضمن‬ ‫ذلك األمور املتعلقة بالصيانة املنتظمة‪ .‬وهذا‬ ‫ميث� � ��ل أعظم ارتي� � ��اب في قص� � ��ور املوثوقية‬ ‫( ) ‪The Big Lie‬‬


‫االقتصادية لنظم االندماج النووي‪».‬‬ ‫وي� � ��رى >موس� � ��يس< [مدير املنش� � ��أة ‪]NIF‬‬ ‫أنه ميتلك اإلجابة‪ .‬فق� � ��د تقدم باقتراح تصميم‬ ‫ملفاعل اندماجي انش� � ��طاري هجني ‪ -‬تستخدم‬ ‫في� � ��ه النيوترون� � ��ات من التفاع� �ل��ات االندماجية‬ ‫احملف� � ��زة بالليزر إلحداث تفاعالت انش� � ��طارية‬ ‫ف� � ��ي بطانة تتكون من النفايات النووية املعتادة‪.‬‬ ‫وأطلق على نظامه اس� � ��م ‪ - LIFE‬االسم عبارة‬ ‫ع� � ��ن األحرف األولى من اجلملة ‪laser inertial‬‬ ‫‪ - fusion engine‬ويقول إن بإمكانه حتقيق ذلك‬ ‫وربط النظام بالش� � ��بكة الكهربائية في غضون‬ ‫‪ 20‬عاما‪.‬‬ ‫ويعتمد هذا النظام على حقيقة أن ‪ %5‬من‬ ‫اليورانيوم فقط يس� � ��تخدم قبل أن يتم سحبه‬ ‫وتخزينه في مستودعات النفايات النووية‪ .‬في‬ ‫النظام ‪ LIFE‬يتم قذف نفايات الوقود النووي‬ ‫بالنيوترونات مما يؤدي إلى تسريع تفكك هذه‬ ‫النفايات إلى عناصر أخف وأقل إش� � ��عاعية‪،‬‬ ‫ويكون ذل� � ��ك مصاحبا إلنت� � ��اج احلرارة التي‬ ‫ميكن استخدامها في توليد الطاقة الكهربائية‪.‬‬ ‫يقول >موس� � ��يس<‪« :‬تبني دراساتنا أن النظام‬ ‫‪ LIFE‬سيكون منافسا جلميع مصادر الطاقة‬ ‫املعروفة حاليا وأقل تكلفة منها‪».‬‬ ‫وم� � ��ن الطبيعي أن ال يخل� � ��و النظام ‪LIFE‬‬ ‫من أوجه قصور‪ .‬يقول >‪ .E‬مورس< [أس� � ��تاذ‬ ‫الهندس� � ��ة النووي� � ��ة ف� � ��ي جامع� � ��ة كاليفورنيا‬ ‫ببيركلي]‪« :‬ينبغي النظ� � ��ر إلى الكذبة الكبرى‬ ‫في كل برنامج‪ ،‬والكذبة الكبرى في االندماج‬ ‫الن� � ��ووي اللي� � ��زري ه� � ��ي أن باإلم� � ��كان صنع‬ ‫كبس� � ��والت الهدف بتكلفة خمس� � ��ة س� � ��نتات‬ ‫للكبس� � ��ولة»‪ .‬إن كبس� � ��والت الهدف عبارة عن‬ ‫كري� � ��ات بحجم حبة الفلف� � ��ل ومؤلفة من وقود‬ ‫الديتيري� � ��وم والتريتيوم مصنوع� � ��ة بدقة بالغة‬ ‫وكروية الشكل متاما للتأكد من أنها تنضغط‬ ‫بالتس� � ��اوي من كافة اجلوان� � ��ب؛ ألن أي نتوء‬ ‫ف� � ��ي الكريات يبطل قابليته� � ��ا لالنفجار‪ .‬وهذا‬ ‫يجعل إنتاج الكري� � ��ات باهظ التكلفة‪ .‬ومع أن‬ ‫مركز ليڤرمور الذي يخطط لصنع كرياته في‬ ‫املوقع لم يفصح عن التكلفة املتوقعة إلنتاجها‪،‬‬ ‫ف� � ��إن مختبر ليزرات الطاقة العالية في جامعة‬ ‫روتشيس� � ��تر يقوم بصنع كري� � ��ات مماثلة من‬ ‫الديتيريوم والتريتيوم‪ .‬يق� � ��ول >مورس<‪« :‬إن‬

‫امليزانية الس� � ��نوية املخصص� � ��ة لصنع كريات‬ ‫الهدف املس� � ��تخدمة في روتشيستر تبلغ عدة‬ ‫ماليني م� � ��ن الدوالرات‪ ،‬وهم يصنعون س� � ��ت‬ ‫كبس� � ��والت س� � ��نويا‪ ،‬ومن ثم ميكن القول إن‬ ‫تكلفة القطعة الواحدة تبلغ مليون دوالر‪».‬‬ ‫وعل� � ��ى خالف ما يجري في املنش� � ��أة ‪NIF‬‬ ‫والت� � ��ي مبقدوره� � ��ا أن تس� � ��فع كري� � ��ة كل عدة‬ ‫ساعات‪ ،‬فإن تدوير الكريات إلى حجرة الهدف‬ ‫في النظام ‪ ،LIFE‬سيتم بسرعة بندقية گاتلنگ‪.‬‬ ‫يقول >موس� � ��يس<‪« :‬وهي آلة تدور مبعدل ‪600‬‬ ‫دورة في الدقيقة‪ ،‬إنها تش� � ��به ماكينة س� � ��يارة‬ ‫بق� � ��درة مليون حص���ان ‪ - horsepower‬مع عدم‬ ‫انبعاث كربون� � ��ي‪ ».‬إن محطة من صنف ‪LIFE‬‬ ‫ستستنفد تقريبا ‪ 90 000‬كرية يوميا‪.‬‬ ‫ويستحيل‪ ،‬بطبيعة احلال التنبؤ مبا سيؤول‬ ‫إليه الوضع العاملي للطاقة بعد ‪ 20‬سنة‪ .‬رمبا‬ ‫س� � ��تكون احلاجة إلى الطاقة االندماجية أكبر‬ ‫م� � ��ن أي وقت مضى‪ ،‬أو على النقيض من ذلك‬ ‫من املمكن أن يحدث اكتش� � ��اف رئيس� � ��ي في‬ ‫الطاقة الشمس� � ��ية‪ ،‬أو طاقة الري� � ��اح أو طاقة‬ ‫بديلة ليس� � ��ت في احلسبان بحيث تبدو الطاقة‬ ‫االندماجي� � ��ة غالية الثمن وليس من اليس� � ��ير‬ ‫احلصول عليه� � ��ا مقارنة بتلك املصادر‪ .‬يقول‬ ‫>هازلتاي� � ��ن<‪« :‬عندئ� � ��ذ‪ ،‬من املمك� � ��ن أن يقول‬ ‫الن� � ��اس‪ :‬نعم‪ ،‬إنها تعمل وهذا ش� � ��يء عظيم‪،‬‬ ‫ولكننا لسنا بحاجة إليها اآلن ألن لدينا قائمة‬ ‫مبصادر أخرى‪».‬‬ ‫لق� � ��د كان االندم� � ��اج ف� � ��ي منأى ع� � ��ن هذه‬ ‫االعتبارات‪ ،‬حيث كان ينظر إليه على أنه يختلف‬ ‫جذريا عن الوقود األحفوري ذي التأثير امللوث‬ ‫للبيئ� � ��ة أو اليوراني� � ��وم اخلط� � ��ر‪ .‬وكانت الطاقة‬ ‫االندماجي� � ��ة تبدو نقي� � ��ة ورائعة ‪ -‬مبنزلة عالج‬ ‫دائم ونهاية عطشنا إلى الطاقة‪ .‬وكانت القضية‬ ‫تبدو قريبة من الكون املثالي الذي يطمح البشر‬ ‫دائما في الوصول إليه‪.‬‬ ‫وف� � ��ي الوقت احلالي‪ ،‬ف� � ��إن هذه الرؤى‬ ‫تتراجع‪ .‬فاالندماج ليس سوى أحد البدائل‬ ‫اإلضافية وقد يس� � ��تغرق األمر عقودا حتى‬ ‫يؤتي ثماره‪ .‬إن عملية اإلش� � ��عال قد تكون‬ ‫قريبة‪ ،‬ولك� � ��ن عصر الطاق� � ��ة الالمحدودة‬ ‫>‬ ‫ليس كذلك‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, March 2010‬‬

‫‪37‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫صعود جنم البكتيريا النانوية وأفوله‬

‫(٭)‬

‫لقد كان ُيعتقد أن البكتيريا النانوية هي أصغر الكائنات املُ ْم ِر َضة املعروفة‪،‬‬ ‫وقد برهنت اليوم على أنها أشياء غريبة بالقدر نفسه تقريبا؛ ولها بالفعل‬ ‫دور مرتبط بالصحة‪ ،‬ولكنه ليس ذات الدور الذي اق ُترح لها في البداية‪.‬‬ ‫>‪ .D .J‬يونگ< ‪ .J> -‬مارتل<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫إن االكتشافات التي يفهم منها أن‬ ‫هناك بكتيريا ذات حجم نانوي‪ ،‬قد‬ ‫تسببت في إحداث صدمة وإثارة؛‬ ‫ذلك أنها صغيرة جدا ألن تكون حية‪.‬‬

‫>‬

‫فاقت االدعاءات بوجود هذه‬ ‫الكائنات املمرضة املتناهية الصغر‬ ‫ما مت القيام به من إجناز علمي‬ ‫إلثبات وجودها‪ ،‬إلى أن أوضح‬ ‫املؤلفان وغيرهما من العلماء أنه‬ ‫على الرغم من أن هذه اجلسيمات‬ ‫قد بدت وكأنها حية‪ ،‬إال أنها‬ ‫في الواقع ليست سوى بلورات‬ ‫شاذة مكونة من احتاد املعادن مع‬ ‫جزيئات عضوية‪.‬‬

‫>‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن تفاعالت الپروتني‬ ‫مع املعادن‪ ،‬والتي تؤدي إلى إنتاج‬ ‫تلك اجلسيمات النانوية‪ ،‬تظهر لنا‬ ‫تفاصيل لعمليات ميكن لها أن تقي‬ ‫صحة اإلنسان أو تضعفها‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪38‬‬

‫إن ظه� � ��ور دلي� � ��ل على وج� � ��ود حياة على‬ ‫املريخ‪ ،‬حتى ولو كانت تلك احلياة قد حدثت‬ ‫فقط ف� � ��ي املاضي البعيد‪ ،‬س� � ��وف يؤدي في‬ ‫النهاية إلى اإلجابة عن السؤال األزلي حول‬ ‫م� � ��ا إذا كانت الكائنات احلي� � ��ة على األرض‬ ‫ه� � ��ي فقط املوجودة في ه� � ��ذا الكون‪ .‬وجتلت‬ ‫أهمية مثل هذا االكتشاف في إعالن الرئيس‬ ‫األس� � ��بق >بيل كلينتون< ف� � ��ي مؤمتر عقد في‬ ‫عام ‪ 1996‬أنه قد مت التوصل أخيرا إلى هذا‬ ‫الدليل‪ ،‬حيث اتضح أن حجرا نيزكيا نتج من‬ ‫(‪)1‬‬ ‫حدوث تكسر في س� � ��طح الكوك���ب األحمر‬ ‫قبل نحو ‪ 15‬مليون عام قد احتوى على بقايا‬ ‫أحفوري� � ��ة لكائنات حي� � ��ة متناهية في الصغر‬ ‫مما دل على أن احلي� � ��اة قد ُوجدت في وقت‬ ‫ما على املريخ‪.‬‬ ‫وتوضح الدراسات اجليولوجية أن هناك‬ ‫كائن� � ��ات مش� � ��ابهة ‪ ,‬ولكنها أصغ� � ��ر من أي‬ ‫كائنات س� � ��بق لنا معرفتها أو حتى ميكن لنا‬ ‫أن نتخيلها ‪ ,‬قد أدت دورا في تشكيل األرض‬ ‫في العصور املبكرة‪ ،‬وتقترح هذه الدراسات‬ ‫أن تلك العين� � ��ات األحفورية رمبا كانت بقايا‬ ‫من العص� � ��ور املبكرة جدا في تاريخ احلياة‪.‬‬ ‫ولكن النبأ الذي ميكن أن يأتي في املقدمة هو‪:‬‬ ‫ظهور دليل على أن ه� � ��ذه الكائنات القدمية‪،‬‬ ‫والتي صارت تعرف بالبكتيريا النانوية(‪،)2‬‬ ‫مازال� � ��ت موجودة بيننا بل إنها حقيقة تعيش‬ ‫في أجسادنا ومن املمكن أن تكون سببا لعدد‬ ‫من األمراض‪.‬‬

‫عندما ظهرت هذه االكتش� � ��افات مجتمعة‬ ‫ألول م� � ��رة‪ ،‬ش� � ��كك الكثير م� � ��ن العلماء في‬ ‫صحته� � ��ا كما أملح بعضهم إل� � ��ى إمكانية أن‬ ‫تكون مجرد حماسة واس� � ��تثارة ممن قاموا‬ ‫بهذه االكتشافات والتي تفوقت على ما قاموا‬ ‫ب� � ��ه للتحقق من صحة ما حصل� � ��وا عليه من‬ ‫بيانات على أس� � ��س علمية‪ .‬وقد بقيت بعض‬ ‫األس� � ��ئلة حول ما تتميز به البكتيريا النانوية‬ ‫ف� � ��ي الواق� � ��ع وم� � ��ا ال تتميز ب� � ��ه‪ .‬وبعد مرور‬ ‫أكثر من عق� � ��د من الزمن‪ ،‬ف� � ��إن فهمنا لهذه‬ ‫اجلس� � ��يمات املتناهية الصغر ولسلوكها غير‬ ‫املعتاد واملشابه لس� � ��لوك الكائنات احلية قد‬ ‫تقدم بش� � ��كل كبير‪ .‬وقد اتضح أن البكتيريا‬ ‫م ِرضة ‪pathogens‬‬ ‫النانوية ليس� � ��ت كائنات مُ ْ‬ ‫جديدة وغير معت� � ��ادة ‪ -‬وفي احلقيقــــة‪ ،‬إنها‬ ‫ليست كــائنـــات حيـــــة على اإلطالق‪ .‬ولكنهــا‪،‬‬ ‫ومع ذلـــك‪ ،‬ال تقل أهمية عن الكائنات املمرضة‬ ‫فيما يتعلق بصحة اإلنس� � ��ان‪ ،‬ومن املمكن أن‬ ‫تك� � ��ون قد أدت دورا في تط� � ��ور احلياة ولكنه‬ ‫ليس الدور نفسه الذي افتُرض لها‪.‬‬ ‫إن تط� � ��ور ملحمة البكتيريا النانوية يقدم‬ ‫لنا درسا حول الكيفية التي يعمل بها البحث‬ ‫العلم� � ��ي وكيف أنه قد يس� � ��ير في اجتاه غير‬ ‫متوق� � ��ع‪ .‬وكأي قص� � ��ة جي� � ��دة‪ ،‬فإننا جند أن‬ ‫النهاي� � ��ة احلقيقية لقصة البكتيري� � ��ا النانوية‬ ‫كانت أكثر تش� � ��ويقا من نهايته� � ��ا التخيلية‪.‬‬ ‫( ) ‪The Rise and Fall of Nanobacteria‬‬ ‫(‪ :Mars =The Red Planet )1‬املريخ‪.‬‬ ‫(‪nanobacteria )2‬‬


‫ويستطيع الباحثون اآلن أن ميضوا ُق ُدما إلى‬ ‫األمام مستخدمني ما نعرفه عن هذه الكائنات‬ ‫النانوية في إحداث تقدم في األبحاث املتعلقة‬ ‫بصحة اإلنسان واملواد النانوية‪.‬‬ ‫صغيرة جدا لكي تكون حية؟‬

‫( )‬

‫في ع� � ��ام ‪ 1993‬وعند قي� � ��ام <‪ .R.L‬ڤولك‬ ‫[وكان يعم� � ��ل آنذاك جيولوجي� � ��ا في جامعة‬ ‫تكس� � ��اس] بفحص عينات م� � ��ن الصخور مت‬ ‫جمعها من الينابيع اإليطالية احلارة مبنطقة‬ ‫ڤيتربو‪ ،‬فإنه س� � ��جل ما أطلق عليه وألول مرة‬ ‫«البكتيري� � ��ا النانوي� � ��ة»‪ .‬ولقد الح� � ��ظ >ڤولك<‬ ‫أثن� � ��اء فحص� � ��ه للعينات باس� � ��تخدام املجهر‬ ‫اإللكتروني(‪ )1‬وجود كريات صغيرة ش� � ��بيهة‬ ‫بالبقاي� � ��ا األحفوري� � ��ة للبكتيري� � ��ا‪ .‬وق� � ��د بدت‬ ‫هذه الفقاعات الصغيرة مث� � ��ل البكتيريا في‬ ‫امتالكه� � ��ا جدرانا خلوية وزوائد خيطية على‬ ‫س� � ��طحها‪ .‬وقد كانت كريات >ڤولك< صغيرة‬ ‫متاما‪ ،‬ولكنها أصغر بفارق مهم من أي نوع‬ ‫معروف من البكتيريا‪.‬‬ ‫وع� � ��اد ًة ما يتم قياس البكتيريا نفس� � ��ها‬ ‫بامليكرونات ‪ - microns‬وامليكرون يس� � ��اوي‬ ‫ج� � ��زءا واحدا في املليون م� � ��ن املتر‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعادل ‪ 1/100‬تقريبا من عرض ش� � ��عرة رأس‬ ‫منوذجية‪ .‬وق� � ��د كانت البقايا األحفورية التي‬ ‫اكتشفها >ڤولك< أصغر نحو ‪ 5‬إلى ‪ 100‬مرة‬ ‫م� � ��ن البكتيري� � ��ا املعهودة‪ ،‬حي� � ��ث إن حجمها‬ ‫تراوح ما بني ‪ 10‬إلى ‪ 200‬نانومتر (النانومتر‬ ‫الواحد يس� � ��اوي ‪ 1/100‬م� � ��ن امليكرون)‪ .‬وقد‬ ‫حصل >ڤولك< على هذه الكائنات النانوية من‬ ‫بقايا الطبق� � ��ات اجليولوجية القدمية‪ ،‬مبا في‬ ‫ذلك الطبقات اخلاصة بفترات الپاليوزويك‬ ‫‪ Paleozoic‬وامليزوزوي���ك ‪ ،Mesozoic‬والت� � ��ي‬ ‫يعتقد أنها س� � ��بقت احلقبة التي ظهرت فيها‬ ‫احلي� � ��اة عل� � ��ى األرض‪ .‬ومن ثم فق� � ��د اقترح‬ ‫>ڤول� � ��ك< أن قيام هذه الكائنات باس� � ��تخدام‬ ‫وتدوير املواد العضوية وغير العضوية رمبا‬ ‫يكون قد أدی إلى تكوين الطبقات اجليولوجية‬ ‫التي ُوجدت بها هذه الكائنات‪.‬‬ ‫مرت اكتشافات >ڤولك< من دون أن تلقى‬

‫<‬

‫اهتماما كافيا حتى حلول عام ‪ ،1996‬حني قام‬ ‫>‪ .D .S‬ماكاي< [من مركز ليندون ‪ B‬جونسون‬ ‫ألبح� � ��اث الفض� � ��اء والتاب� � ��ع لوكال� � ��ة الفضاء‬ ‫األمريكية (ناس� � ��ا) بهوس� �ت��ن] بنشر ما يثبت‬ ‫أن حج���را نيزكيا من كوكب املريخ ‪Martain‬‬ ‫‪ meteorite‬مت اكتش� � ��افه ف� � ��ي الق� � ��ارة القطبية‬ ‫املتجم� � ��دة اجلنوبية أنتاركتي���كا ‪،Antarctica‬‬ ‫ويع� � ��رف اختص� � ��ارا باس� � ��م ‪ ،ALH84001‬قد‬ ‫احتوى على أحفوريات نانوية مشابهة‪ .‬وحيث‬ ‫إنه من املعتقد أن هذا احلجر قد نتج من مادة‬ ‫منصهرة منذ ‪ 4.5‬بليون سنة‪ ،‬فإنه ُيعد من أقدم‬ ‫األجزاء في النظام الشمس���ي ‪.solar system‬‬ ‫وإلى جانب اكتشاف كريات كربونية مشابهة‬ ‫للبكتيريا النانوية التي اكتش� � ��فها >ڤولك< في‬ ‫عينة احلجر النيزكي‪ ،‬فإن >ماكاي< وزمالءه‬ ‫متكنوا أيضا من إيجاد جسيمات حتتوي على‬ ‫كبريتيد وأكسيد احلديد‪ ،‬وبها هدروكربونات‬ ‫عطرية عديدة احللقات‬

‫إن اجلسيمات النانوية الناجتة‬ ‫من ارتباط الپروتينات باأليونات‬ ‫املعدنية املتبلورة‪ ،‬تشبه اخلاليا‬ ‫البكتيرية املتبرعمة وذلك حتت املجهر‬ ‫(امليكروسكوب) اإللكتروني‪.‬‬

‫‪polycyclic aromatic‬‬

‫‪ hydrocarbons‬وجميعها مواد خام أساس� � ��ية‬ ‫تدخ� � ��ل ف� � ��ي العملي� � ��ات البيولوجي� � ��ة‪ .‬وقد مت‬ ‫الترويج واإلشادة بهذه االكتشافات على أنها‬ ‫متثل دليال جديدا ومختلفا متاما على إمكانية‬ ‫وجود حياة في عصور سابقة على املريخ وفي‬ ‫أماكن أخرى في النظام الشمسي‪.‬‬ ‫وق� � ��د ُقوبل تقرير >م� � ��اكاي<‪ ،‬ومن ثم ما‬ ‫قام به >ڤولك< من دراس� � ��ات سابقة‪ ،‬باحتفاء‬ ‫إعالمي كبير وبكثير من الش� � ��ك واجلدل في‬ ‫الدوائر العلمية‪ .‬حيث أوضح املنتقدون أنه قد‬ ‫مت بناء جميع الفرضيات حول هذه الكائنات‬ ‫املتناهية الصغرعلى أس� � ��اس ش� � ��كلها‪ ،‬ولم‬ ‫يك� � ��ن هناك مطلقا ثمة دلي� � ��ل على أنها حية‪.‬‬ ‫واألكثر م� � ��ن ذلك‪ ،‬فإن هذه الكائنات النانوية‬ ‫قد أثارت جدال ح� � ��ول أصغر حجم يجب أن‬ ‫يكون عليه الكائن احلي ليكون حيا‪ .‬فبمعرفة‬ ‫أن قطر جزيء الدنا ‪ DNA‬املزدوج السلسلة‬ ‫يبلغ أكثر من ‪ 2‬نانومتر‪ ،‬وأن الريبوسومات‬ ‫‪ ribosomes‬املُصنع� � ��ة للپروت� �ي��ن ف� � ��ي اخللية‬ ‫يبل� � ��غ قطرها نحو ‪ 20‬نانومترا‪ ،‬فإن املنتقدين‬ ‫ش� � ��ككوا في إمكانية أن حتتوي اخلاليا ذات‬ ‫( ) ?‪Too Tiny for Life‬‬ ‫(‪electron microscope )1‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪39‬‬


‫[االدعاء]‬

‫أصغر صور احلياة‬

‫( )‬

‫بكتيريا نانوية مت اكتشافها‬ ‫في دم اإلنسان (‪ 50‬نانومترا)‬

‫أحفوريات «بكتيريا نانوية»‬ ‫(‪ 200 - 10‬نانومتر)‬

‫أصغر صور احلياة‬

‫املعروفة‪ :‬امليكوپالزما‬ ‫(‪ 200‬نانومتر)‬

‫حلزون دنا‬ ‫(عرضه ‪ 2.6‬نانومتر)‬

‫ريبوسوم‬ ‫(‪ 20‬نانومترا)‬

‫بريون‬ ‫(‪ 13‬نانومترا)‬ ‫أصغر ڤيروس معروف‪:‬‬ ‫بارڤوڤيروس‬ ‫(‪ 23‬نانومترا)‬

‫جسيمات نانوية قام‬ ‫بإنتاجها املؤلفان‬ ‫(‪ 500- 20‬نانومتر)‬

‫املسافة بني األعمدة في الرسم = (‪ 10‬نانومترات)‬

‫احلجم النانوني على ما يلزمها من عضيات‬ ‫وجزيئات لتكون حية‪.‬‬ ‫وف� � ��ي قمة ه� � ��ذا اخلالف ج� � ��اء عاملان من‬ ‫جامعة كيوپيو بفنلندا‪ ،‬وهما >‪ .E .O‬كاجاندر<‬ ‫و>‪ .N‬سفتسيوجلو< ليشعال نيران جدل أوسع‪.‬‬ ‫حيث قام هذا الفريق الفنلندي بتقدمي أول ما‬ ‫اعتبر دلي� �ل��ا على أن البكتيري� � ��ا النانوية هي‬ ‫كائن� � ��ات حية وذلك في عام ‪ .1998‬حيث الحظ‬ ‫الباحثان وجود ملوث� � ��ات صغيرة احلجم في‬ ‫املزارع اخللوي� � ��ة التي كانوا يقومون بتنميتها‬ ‫مع مقاومة هذه امللوث� � ��ات جلميع الطرق التي‬

‫أكبر ڤيروس معروف‪:‬‬ ‫ميميڤيروس‬ ‫(‪ 400‬نانومتر)‬

‫أحفورة الصخر النيزكي‬ ‫‪ALH84001‬‬

‫(طولها = ‪ 380‬نانومترا)‬

‫الحظ املنتقدون أن‬ ‫جميع االدعاءات‬ ‫حول هذه الكائنات‬ ‫املتناهية الصغر قد‬ ‫مت تأسيسها على‬ ‫شكلها فقط‪.‬‬

‫اس � � �تُخدمت للتخلص منها‪ .‬ولم يقتصر دور‬ ‫هذه اجلس� � ��يمات امللوثة عل� � ��ى إحداث املرض‬ ‫للخاليا‪ ،‬ب� � ��ل إنهـــ� � ��ا قـــاومت ط� � ��رق التعقيم‬ ‫املعت� � ��ادة والتي ُتس� � ��تخدم فيه� � ��ا احلرارة أو‬ ‫املطهرات أو املض� � ��ادات احليوية‪ .‬ومبالحظة‬ ‫هذه اجلسيمات املســــتديرة املتنـــاهـية الصغر‬ ‫حتــت امليكروس� � ��كوب (املجهـــر) اإللكتــروني‪،‬‬ ‫وج� � ��د >كــاجــانــــدر< و >ســفتس� � ��يوجلو< أن‬ ‫حجمها تراوح مابني ‪ 50‬و ‪ 500‬نانومتر وأنها‬ ‫( ) ‪The Smallest LIFE-FORM‬‬ ‫( ) ‪Early Excitement‬‬

‫[التضمينات]‬

‫اإلثارة املبكرة‬

‫( )‬

‫آالن هيلز ‪( 84001‬الصورة في األعلى)‪ ،‬هو حجر‬ ‫نيزكي مت اكتشافه في القارة القطبية اجلنوبية‬ ‫املتجمدة أنتاركتيكا‪ ،‬ويحتوي على أجسام مستديرة‬ ‫وتكوينات عصوية ذات حجم نانوني (الصورة في‬ ‫اليمني) ومصنوعة من الكربون‪ ،‬كذلك فإنه يحتوي‬ ‫على عناصر ميكنها أن تعمل كمواد أولية للقيام‬ ‫بالعمليات احليوية‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫مت تس���جيل وج���ود تركيب���ات‬ ‫كربوني���ة م���ن املعتق���د أن تك���ون‬ ‫بقايا أحفورية للبكتيريا النانوية‬ ‫ألول مرة في عام ‪ .1993‬فقد اكتش���ف‬ ‫>‪ .R .L‬ڤولك< [الباحث في علوم األرض]‬ ‫أجس���اما مس���تديرة في عينات من الصخور‬ ‫بإيطالي���ا (الصورة في اليس���ار) بلغ عرضه���ا من ‪ 10‬إلى ‪200‬‬ ‫نانومتر‪ .‬ولكن هذه االكتش���افات ُقوبلت بالقليل من االهتمام‬ ‫وذلك حتى عام ‪ ،1996‬حني أعلن العلماء في الوكالة ناسا عن‬ ‫اكتش���افهم أحفوريات ش���بيهة في حجر نيزك���ي مصدره من‬ ‫املري���خ (الصورة في اليمني)‪ .‬وق���د حظيت إمكانية أن يحمل‬ ‫صخ���ر عمره أكثر من ‪ 4‬باليني س���نة دلي�ل�ا على وجود حياة‬ ‫خارج كوكب األرض باهتمام عاملي‪ .‬كما أن األهمية احملتملة‬ ‫لهذا االكتشاف جعلت الرئيس األسبق >بيل كلينتون< يعلق‬ ‫عل���ى ذلك بقوله‪« :‬اليوم يتحدث لنا احلجر ‪ 84001‬عبر جميع‬ ‫تلك الباليني من الس���نوات واملاليني من األميال‪ .‬إنه يتحدث‬ ‫ع���ن إمكانية وجود حياة‪ .‬ولو مت تأكيد هذا االكتش���اف‪ ،‬فإن‬ ‫هذا س���وف يك���ون بالتأكيد واح���دا من أهم الرؤى املدهش���ة‬ ‫التي استطاع العلم أن يكشف عنها في كوننا‪».‬‬


‫بكتيريا استافيلوكوكس أوريس‬ ‫(‪ 600‬نانومتر)‬

‫معني احلجم‪ :‬اع ُتبرت إمكانية وجود كائنات ذات حجم نانوني كقضية جوهرية وذلك عند طرحها بواسطة العديد من املجموعات البحثية‬ ‫في التس���عينات‪ ،‬حيث إن وجود كائنات فائقة الصغر بدا غير محتمل‪ ،‬وإن لم يكن مس���تحيال‪ .‬وقد تراوح حجم «البكتيريا النانوية» األحفورية‬ ‫والبكتيري���ا النانوي���ة «احلي���ة» ما بني ‪ 10‬إلى ‪ 500‬نانومتر‪ .‬ولكن أغلب هذه العينات بدت صغيرة جدا لكي حتتوي وتقوم بتش���غيل آليات كافية‬ ‫وضرورية حلياة اخللية‪ ،‬مثل الريبوسومات ‪ ribosomes‬التي تقوم بإنتاج الپروتني‪ ،‬والتي يصل قطرها إلى ‪ 20‬نانومترا‪ ،‬كما أن هذه العينات‬ ‫هي أدق من أصغر صور احلياة املعروفة ‪ -‬وهي بكتيريا امليكوپالزما ‪.Mycoplasma‬‬

‫استافيلوكوكس أوريس‬ ‫(قطرها = ‪ 600‬نانومتر)‬

‫شعرة إنسان (قطرها = ‪ 100 000‬نانومتر)‬

‫‪‬‬

‫كرية دم حمراء عند اإلنسان‬ ‫(قطرها = ‪ 7000‬نانومتر)‬

‫يوج� � ��د في كل مكان في الطبيعة‪ ،‬مبا في ذلك‬ ‫عظام الثدييات وأص� � ��داف الالفقاريات‪ .‬ولم‬ ‫تكن البكتيريا النانوية الصغيرة واملس� � ��تديرة‬ ‫مغطاة فقط بجدران من األپاتيت ولكنها غالبا‬ ‫م� � ��ا ُوجدت مس� � ��تترة فيما بني أجس� � ��ام أكبر‬ ‫تشبه «أكواخ األسكيمو» أو «األماكن املأهولة‬ ‫بالسكان»‪ ،‬وذلك على حد تعبير الباحثني‪.‬‬ ‫وفي محاولته� � ��م تع ُّرف مصدر البكتيريا‬ ‫النانوية‪ ،‬فوجئ الفريق الفنلندي عندما وجد‬ ‫أن هذه الكائنات موجودة في معظم السوائل‬ ‫في أجس� � ��ام احليوانات واإلنسان التي قاموا‬ ‫بفحصها‪ ,‬ومنها الدم واللعاب والبول وغيرها‪,‬‬ ‫واستنتج أن هذه امليكروبات املتناهية الصغر‬ ‫متث� � ��ل خط� � ��را لإلصابة باألم� � ��راض املرتبطة‬ ‫بح� � ��دوث جتمع� � ��ات معدنية غي� � ��ر طبيعية في‬ ‫اجلسم‪ ،‬مثل حصى الكلى ‪ .kidney stones‬وفي‬ ‫نهاية األمر‪ ،‬فإن األمراض التي قام الباحثون‬ ‫بالربط بينها وبني البكتيريا النانوية قد امتدت‬ ‫لتشمل أنواعا عديدة من السرطان‪ ،‬وتصلب‬ ‫الش���رايني ‪ ،atherosclerosis‬واألم� � ��راض‬ ‫التنكس� � ��ية مثل الته���اب املفاص���ل ‪،arthritis‬‬ ‫وتيب���س اجلل���د ‪ ،scleroderma‬والتصل� � ��ب‬ ‫املتع� � ��دد‪ ،‬والته���اب األعص���اب الطرفي���ة‬ ‫‪ ،peripheral neuropathy‬وألزهامي� � ��ر‪ ،‬وحت� � ��ى‬ ‫اإلصاب� � ��ات الڤيروس� � ��ية مثل اإلي���دز )‪.(HIV‬‬ ‫وقد أظهرت الدراس� � ��ات املبدئية التي قام بها‬ ‫الفري� � ��ق الفنلندي أن ‪ %14‬من األش� � ��خاص‬

‫كانت شبيهة بشكل مدهش بالبكتيريا النانوية‬ ‫التي اكتش� � ��فها >ڤولك<‪ ،‬مما يشير إلى أنهما‬ ‫شيء واحد أو متشابهان‪.‬‬ ‫أصغر الكائنات املُ ْم ِرضة‬

‫( )‬

‫وبالفح� � ��ص الدقي� � ��ق لتل� � ��ك اجلس� � ��يمات‬ ‫الصغي� � ��رة‪ ،‬وجد العامل� � ��ان الفنلندي� � ��ان أنها‬ ‫حتتوي عل� � ��ى األحماض النووي� � ��ة والپروتني‪،‬‬ ‫وهي مؤشرات إلى وجود حياة‪ .‬وتأسيسا على‬ ‫وج� � ��ود تتابعات معينة ف� � ��ي جزيئات الدنا في‬ ‫العينات املختبرة‪ ،‬فإن العاملني قاما بتصنيف‬ ‫م� � ��ا اكتش� � ��فوه‪ ،‬وأطلقوا علي� � ��ه نانوبكتيرمي‬ ‫س���انگوينيوم ‪،Nanobacterium sanguineum‬‬ ‫ليكون تابعا ملجموعة فرعية من البكتيريا تشمل‬ ‫ميكروبي البروس���يال ‪ Brucella‬والبارتونيال‬ ‫‪ ،Bartonella‬وكل منهم� � ��ا معروف بقدرته على‬ ‫اإلصابة باألمراض‪ .‬وقد الحظ أفراد املجموعة‬ ‫الفنلندي� � ��ة أيضا وجود صف� � ��ات غير معتادة‬ ‫للبكتيريا النانوية‪ ،‬ومنه� � ��ا قدرتها على تغيير‬ ‫أش� � ��كالها في املزارع املنماة بها‪ ،‬وهي صفة‬ ‫أطلقوا عليها «تعدد الش���كل» ‪،pleomorphism‬‬ ‫وهي نادرة احلدوث في الكائنات احلية‪ .‬حيث‬ ‫لوحظ أن البكتيريا النانوية تقوم بتغيير شكلها‬ ‫من جسيمات مس� � ��تديرة صغيرة إلى طبقات‬ ‫مس���توية ‪ films‬أو جتمعات من مادة معدنية‪.‬‬ ‫وتبني أن هذه املادة املعدنية هي هدروكس���ي‬ ‫األپاتي���ت ‪ hydroxyapatite‬أو أپاتيت ‪،apatite‬‬ ‫وهي تركيب بلوري من الكالسيوم والفوسفات‬

‫( ) ‪The Smallest Pathogens‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪41‬‬


‫البالغني االس� � ��كندينافيني قد احتوت دمائهم‬ ‫على أضداد (أجس���ام مض���ادة) ‪antibodies‬‬ ‫للبكتيريا النانوية‪ .‬كم� � ��ا جاء فيما بعد علماء‬ ‫آخرون مثل >‪ .A .P‬س� � ��ومر< [من جامعة أولم‬ ‫بأملانيا] ل ُيروج� � ��وا فكرة أن البكتيريا النانوية‬ ‫تس� � ��لك س� � ��لوك الكائنات املمرض� � ��ة املعدية‪،‬‬ ‫مش� � ��يرين بأصابع االتهام إلى تلك البكتيريا‬ ‫على أنها متثل خطرا صحيا عامليا‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تل� � ��ك املضامني املفزعة‪،‬‬ ‫فإن البكتيريا النانوية جاءت لتفي‪ ,‬في عديد‬ ‫من االجتاهات‪ ,‬مبا تتطلبه أكثر أحالم العلماء‬ ‫جرأ ًة‪ .‬فمن املمكن أن تساعد طبيعتها البدائية‬ ‫جدا وصفاتها غير املعتادة وانتش� � ��ارها في‬ ‫كافة أرجاء الطبيعة على تقدمي تفسير ألصل‬ ‫احلي� � ��اة ‪ ,‬ليس فقط عل� � ��ى األرض ولكن في‬ ‫جميع أرجاء الك� � ��ون‪ .‬واألكثر من ذلك‪ ،‬أنها‬ ‫ميك� � ��ن أن متثل أساس� � ��ا جدي� � ��دا وموحدا‬ ‫لإلصابة مبختلف األمراض بسبب ارتباطها‬ ‫عمليا بجمي� � ��ع العمليات املرضية التي ميكن‬ ‫تخيله� � ��ا‪ ،‬وهذا ما ميثل حدثا غير مس� � ��بوق‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن نتيجة جلميع الصف� � ��ات غير املعتادة‬ ‫للبكتيريا النانوي� � ��ة‪ ،‬فإن العديد من املنتقدين‬ ‫ظــلـــ� � ��وا غـيــــر مقتنعــ� �ي��ن بها‪ .‬ومن بني هؤالء‬ ‫>‪ .J‬مانيلوف< [من مركز روشس� � ��تر الطبي]‬ ‫الذي مازال يعتبر البكتيريا النانوية صغيرة‬ ‫ج� � ��دا لكي متثل كائنات حقيقية ويطلق عليها‬ ‫«االندماج البارد في البيولوجيا امليكروية‪».‬‬ ‫لق� � ��د أمدتنا الدراس� � ��ات البحثي� � ��ة التي‬ ‫قادها>‪ .J.O‬سيس� � ��ار< [م� � ��ن املعاهد القومية‬ ‫للصحة] بأول رؤية بديل� � ��ة للبكتيريا النانوية‬ ‫وذلك بحلول عام ‪ .2000‬حيث وجد >سيسار<‬ ‫أن الفوس� � ��فولپيدات‪ ,‬وه� � ��ي مركب ش� � ��ائع‬ ‫الوجود في األغش� � ��ية اخللوي� � ��ة‪ ,‬ميكنها أن‬ ‫ترتبط بكل من الكالس� � ��يوم والفوسفات‪ ،‬مبا‬ ‫يدعم تكوين بلورات فوس� � ��فات الكالس� � ��يوم‬ ‫(األپاتيت)‪ .‬وقد ُوجد أن هناك تشابها عجيبا‬ ‫ما بني الكت� � ��ل البلورية املتكونة بهذه الطريقة‬ ‫والبكتيريا النانوية كم� � ��ا وصفتها املجموعة‬ ‫البحثية الفنلندية‪ .‬والش� � ��يء املدهش هو رؤية‬ ‫ه� � ��ذه الكريات البلورية وهي تنمو وتتضاعف‬ ‫‪42‬‬

‫تبدو حية‬

‫( )‬

‫ف���ي عام ‪ ،1998‬أوض���ح العاملان الفنلنديان‬ ‫<‪ .O‬كاجاندر> و<‪ .N‬سفتسيوجلو> أنهما‬ ‫اكتش���فا بكتيري���ا نانوي���ة متتل���ك أغلف���ة‬ ‫من فوس���فات الكالس���يوم وميكنه���ا إنتاج‬ ‫تركيب���ات معدني���ة تعك���س التغي���رات في‬ ‫شكل وأنشطة هذه الكائنات أثناء منوها‪.‬‬

‫َبي من جتارب املجموعة البحثية‬ ‫ت نَّ َ‬ ‫الفنلندية أن اجلسيمات املعدنية قد‬ ‫تضاعفت في العدد مبعدل بطيء‪ ،‬وترافق‬ ‫ذلك مع منو في احلجم ليصل إلى قطر‬ ‫يتراوح بني ‪ 20‬إلى ‪ 500‬نانومتر وذلك في‬ ‫األطباق احملتوية على مزارع اخلاليا‪.‬‬

‫بدت تركيبات الهدروكسي أپاتيت‬ ‫الفارغة والتي مت مالحظتها في املزارع‬ ‫كأنها «مساكن» صنعتها البكتيريا‬ ‫النانوية باستخدام املعادن املتراكمة‪.‬‬

‫في أنبوب االختبار كما لو كانت حية‪ .‬وفيما‬ ‫يتعلق بوج� � ��ود تتابعات فريدة من األحماض‬ ‫النووي� � ��ة في البكتيري� � ��ا النانوية والتي ُعرفت‬ ‫بأنه� � ��ا أح� � ��د املعالم األساس� � ��ية املميزة لها‪،‬‬ ‫فقد أوضحت دراسة >سيسار< أن مثل هذه‬ ‫التتابعات ميكن أن تُوجد أيضا في التركيب‬ ‫اجليني للبكتيريا الش� � ��ائعة والت� � ��ي عاد ًة ما‬ ‫تلوث املواد واألدوات الزجاجية املس� � ��تخدمة‬ ‫في مختبرات البحث‪.‬‬ ‫وعلى ذلك‪ ،‬فقد بدأت احلماسة واالعتقاد‬ ‫الق� � ��وي بوجود البكتيري� � ��ا النانوية باخلمود‪.‬‬ ‫ولكـــن ف� � ��ي عـــــــام ‪ 2004‬وبش� � ��كل مفــــاجئ‪،‬‬ ‫أعلن فريــــق بحثي يعم� � ��ل بقيادة >‪ .V‬ميللر<‬ ‫و>‪ .J .C‬ليس� � ��ك< في مستشفى مايو عن متكنه‬ ‫من إيجاد جس� � ��يمات نانوي� � ��ة في عينات من‬ ‫أوعية دموية متكلس� � ��ة‪ ،‬وأن هذه اجلسيمات‬ ‫ل� � ��م حتتو فقط على الدن� � ��ا والپروتينات وإمنا‬ ‫أظهرت قدرة على تكوين جزيئات الرنا ‪RNA‬‬ ‫(احلم� � ��ض الريبي النووي)‪ ،‬وهي اجلزيئات‬ ‫الوسطية(‪ )1‬التي تستخدمها جميع الكائنات‬ ‫احلية لتحويل املعلوم� � ��ات الوراثية من الدنا‬ ‫إل� � ��ى پروتينات خلوية‪ .‬وبني ي� � ��وم وليلة‪ ،‬عاد‬ ‫اجلدل حول البكتيريا النانوية ليش� � ��تعل مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬ومع� � ��ه جميع املتناقض� � ��ات املعتادة‬ ‫واإلثارة من وسائل اإلعالم‪.‬‬ ‫ومع الترويج لفكرة أن البكتيريا النانوية‬ ‫متثل منوذج� � ��ا مليكانيكية جدي� � ��دة للمرض‪،‬‬ ‫رمبا تكون ش� � ��بيهة بالپريونات وهي جزيئات‬ ‫پروتيني� � ��ة مس� � ��ؤولة عن اإلصاب� � ��ة بأمراض‬ ‫مث� � ��ل جن���ون البق���ر ‪ ،mad cow disease‬فإن‬ ‫البكتيريا النانوية اعتُبرت خطرا على الصحة‬ ‫العامة‪ ،‬مما مهد الس� � ��بيل لظهور اهتمامات‬ ‫جتارية بتس� � ��ويق طرق للكشف والعالج من‬ ‫هذه الكائن� � ��ات املمرض� � ��ة املتناهية الصغر‪.‬‬ ‫وظه� � ��رت "‪ ،"Nanobac OY‬وهي ش� � ��ركة قام‬ ‫بتأسيس� � ��ها الباحث� � ��ون الفنلندي� � ��ون الذين‬ ‫كان لهم س� � ��بق اكتش� � ��اف البكتيريا النانوية‬ ‫احلي� � ��ة‪ ،‬وأصبحت املورد األساس� � ��ي للمواد‬ ‫التشخيصية‪ ،‬ومن ضمنها األضداد‪ ،‬والتي‬ ‫( ) ‪Looking Alive‬‬ ‫(‪the intermediate molecules )1‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬


‫[نظرة من قرب]‬

‫وصفة لتحضير البكتيريا النانوية‬

‫( )‬

‫أظه���رت التج���ارب الت���ي قام به���ا املؤلف���ان أن التفاعالت الت���ي حتدث بني‬ ‫املع���ادن‪ ،‬والپروتينات واجلزيئات اخلامل���ة األخرى‪ ،‬والتي توجد بانتظام‬ ‫ف���ي بيئ���ات املزارع اخللوية‪ ,‬ميكنها أن تنتج جس���يمات (الصور امليكروية‬ ‫في األسفل) تبدو وتسلك نفس سلوك البكتيريا النانوية املُعتقد وجودها‪.‬‬ ‫حي���ث تتداخ���ل الپروتينات م���ع عملية البلورة التي حتدث بش���كل طبيعي‬ ‫لأليون���ات املعدني���ة‪ ،‬بحيث تنتج فقاقيع معدنية غير بلورية ميكن أن تنمو‬ ‫وتغير شكلها كما تفعل الكائنات احلية‪.‬‬

‫‪ ‬ميكن خالل ساعات من‬ ‫إضافة األيونات إلى بيئة‬ ‫زرع اخلاليا مشاهدة‬ ‫جسيمات نانوية يتراوح‬ ‫قطرها بني ‪ 20‬إلى ‪50‬‬ ‫نانومترا وذلك باستخدام‬ ‫امليكروسكوب اإللكتروني‪.‬‬

‫‪ ‬تشبه هذه اجلسيمات‪،‬‬ ‫والتي يتراوح حجمها بني‬ ‫‪ 100‬إلى ‪ 500‬نانومتر‪،‬‬ ‫اخلاليا احلية بسبب‬ ‫أشكالها وأحجامها‬ ‫املوحدة‪ .‬وهي تشبه أيضا‬ ‫البكتيريا النانوية املُعتقد‬ ‫وجودها‪.‬‬

‫‪ ‬يحتوي الطبق املستخدم عادة في زراعة‬ ‫وتنمية اخلاليا على إضافات غنية باملغذيات‬ ‫مثل مصل دم أجنة األبقار‪ ،‬والذي يحتوي‬ ‫على پروتينات وجزيئات عضوية أخرى‪.‬‬ ‫وقد بدأ املؤلفان بإضافة أيونات معدنية‪،‬‬ ‫مثل الكالسيوم والفوسفات‪ ،‬بهدف تسريع‬ ‫تكوين اجلسيمات‪ ،‬مع أن األيونات املعدنية‬ ‫املوجودة من قبل في بيئة (وسط) ‪medium‬‬ ‫الزرع ميكن أن تحُ دث التأثير نفسه‪.‬‬ ‫➋ ترتبط أيونات الكالسيوم والفوسفات‬ ‫مع بعضها بعضا بصفة طبيعية‬ ‫ليكونا جسيمات معدنية من فوسفات‬ ‫الكالسيوم (هدروكسي أپاتيت)‪ :‬ولكن‬ ‫ميكن لبعض الپروتينات االرتباط بنهم‬ ‫بالكالسيوم متداخل ًة مع عملية البلورة‪.‬‬ ‫وبدال من احلصول على تركيب طبقي‬ ‫منظم من بلورات الهدروكسي أپاتيت‬ ‫النقية (أقصى يسار الصورة)‪ ،‬فإن‬ ‫جسيمات املعادن‪-‬الپروتينات الناجتة‬ ‫يكون لها تركيب جزيئي غير بلوري‬ ‫وشكل ميكن رؤيته‪.‬‬

‫فوسفات‬ ‫كالسيوم‬

‫پروتني‬

‫بلورة نقية‬

‫هدروكسي أپاتيت غير‬ ‫متبلور‬

‫‪ ‬وعند وصول اجلسيمات‬ ‫إلى قطر يقدر بالعديد من‬ ‫املئات من النانومترات‪،‬‬ ‫فإن اندماجها املستمر‬ ‫يؤدي إلى ظهور أشكال‬ ‫غير معتادة تبدو في بعض‬ ‫األحيان بشكل خاليا تقوم‬ ‫باالنقسام‪.‬‬

‫➌ ومع استمرار اجلسيمات بالنمو‬ ‫باكتسابها طبقات من مادة املعادن ‪-‬‬ ‫الپروتينات‪ ،‬والتي ميكنها أيضا‬ ‫أن تندمج لتكون جسيمات أكبر‬ ‫وتأخذ أشكاال متنوعة‪ .‬وإضافة إلى‬ ‫املعادن وپروتينات مصل الدم‪ ،‬فإن‬ ‫اجلسيمات تقوم بإدماج أي جزيئات‬ ‫متاحة لها في بيئة الزرع‪ .‬وتقوم هذه‬ ‫املواد العضوية بإمداد دعم تركيبي‬ ‫للجسيمات الستمرار منوها‪.‬‬

‫‪ ‬ويشيع حدوث البلورة في‬ ‫هذه اجلسيمات‪ ،‬والتي‬ ‫يصل عرض كل منها إلى‬ ‫‪ 600‬نانومتر‪ ،‬لتنتج زوائد‬ ‫معدنية ذات حواف حادة‪.‬‬

‫➍ وفي النهاية ومع نفاد كمية الپروتينات‬ ‫املتاحة في بيئة الزرع‪ ،‬فإن عملية البلورة‬ ‫تتسيد املوقف‪ ،‬وتعمل على إنتاج ما يشبه‬ ‫الشعيرات اإلبرية على سطح اجلسيمات‪.‬‬ ‫ومن ثم تنهار هذه التركيبات البلورية لتكون‬ ‫ما يشبه املغازل أو األوراق ذات الشكل‬ ‫املروحي والتي تكون أكبر في احلجم‪ .‬ومع‬ ‫تقدم البلورة‪ ،‬فإن اجلسيمات تصبح أقل‬ ‫متيزا وانفصاال وفي النهاية فإنها تندمج‬ ‫لتكون ما يشبه األوراق املعدنية املمزقة‪.‬‬

‫هدروكسي أپاتيت‬ ‫متبلور‬

‫طبقة عضوية‬ ‫طبقة معدنية‬ ‫دنا‬ ‫پروتني‬

‫رنا‬ ‫دهن‬ ‫كربوهيدرات‬

‫‪ ‬وفي النهاية‪ ،‬تنهار‬ ‫اجلسيمات املعدنية لتكون‬ ‫طبقة صلبة تغطي قاع‬ ‫طبق الزرع بكامله‬ ‫( ) ‪Recipe for Nanobacteria‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪43‬‬


‫مت تصميمها للكش� � ��ف عن البكتيريا النانوية‬ ‫في أنس� � ��جة اإلنس� � ��ان‪ .‬وبعد ذلك أصبحت‬ ‫شركة نانوباك للمس� � ��تحضرات الصيدالنية‬ ‫‪ ،Nanobac Pharmaceuticals‬وه� � ��ي ش� � ��ركة‬ ‫أنشئت في والية فلوريدا وقامت واستحوذت‬ ‫على الش� � ��ركة نانو باك ‪ OY‬ف� � ��ي عام ‪،2003‬‬ ‫م� � ��ور ًدا لعقاقير عالج اإلصاب� � ��ات املرضية‬ ‫الناجتة من البكتيريا النانوية‪.‬‬

‫تقوم اجلسيمات‬ ‫النانوية ببساطة‬ ‫باختطاف أي‬ ‫پروتينات تكون‬ ‫متاحة في الوسط‬ ‫(البيئة) احمليط بها‪.‬‬

‫بناء البكتيريا النانوية‬

‫( )‬

‫أثارت التصورات غير املعتادة وما قابلها‬ ‫من تصورات مضادة حول البكتيريا النانوية‬ ‫اهتمام مجموعتنا البحثية‪ ،‬وجعلتنا نعكف في‬ ‫[اآللية]‬

‫إدارة املعادن‬

‫( )‬

‫���ب الكلسي َة في أنسجة اإلنسان ألن‬ ‫تش����به اجلس����يمات التي تظهر مثل البكتيريا النانويةِ ‪ ،‬الرواس� َ‬ ‫كال منهما ينتج من تفاعالت حتدث بصفة طبيعية بني املعادن والپروتني وتكون مسؤولة عن إمداد‬ ‫األس����نان والعظ����ام باملعادن‪ .‬كم����ا أنها تعمل على تثبيط حدوث عملي����ة التكلس غير املرغوب فيها‪.‬‬ ‫وتعتبر التكلس����ات غير الطبيعية في األنس����جة عرضا مرضيا وليس����ت س����ببا في حدوث املرض‪،‬‬ ‫ولكن مع مراحل حدوثها املتقدمة فإنها قد تؤدي إلى حدوث أمراض مثل حصى الكلى‪.‬‬

‫املعدنة الطبيعية‬

‫يحتاج تكوين العظام إلى جسيمات مستديرة من‬ ‫هدروكسي األپاتيت قطرها ‪ 10‬نانومترات لكي‬ ‫تندمج في بعضها مكون ًة خيوطا من اخلرز املعدني‬ ‫والتي تكون متشابكة بني ألياف الكوالجني‪ .‬تندمج‬ ‫هذه الوحدات البنائية من األپاتيت تدريجيا لتكون‬ ‫أليافا ثم طبقات معدنية تغلف الدعامة الكوالجينية‬ ‫مما يعطي العظام القوة و املقاومة للشد والكسر‪.‬‬

‫قلوب متصلبة‬

‫تتكون الرواسب الكلسية (باللون األبيض) في القلب‬ ‫والشرايني وفق آلية كآلية املعدنة التي حتدث في العظام‪،‬‬ ‫وهي متثل عالمة على اإلصابة بأمراض القلب واألوعية‬ ‫الدموية‪ .‬ومن املعتقد أن الرواسب الكلسية حتدث نتيجة‬ ‫حلدوث جرح في األنسجة‪ ،‬وميكن أن يتوقف أو ينحسر‬ ‫تكوينها إذا متت معاجلة املرض املسبب لذلك‪.‬‬

‫سبب أم نتيجة؟‬

‫ميكن مالحظة التكلسات في أماكن أخرى من اجلسم‪ ،‬كما‬ ‫في هذه العينة من نسيج غير سرطاني في غدة درقية بشرية‬ ‫متأثرة بالسرطان‪ .‬وتعكس تركيبات الكالسيوم‪-‬الفوسفات فشل‬ ‫العمليات الطبيعية التي تعمل على إزالة املعادن في األنسجة‬ ‫املريضة‪ .‬وهناك احتمال آخر هو أن هذه املناطق املمعدنة ميكن‬ ‫أن تكون قد نتجت من جسيمات غريبة كامللوثات‪ ،‬غير أن هذه‬ ‫الفرضية مازالت غير مؤكدة‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫عام ‪ 2007‬على إج� � ��راء مجموعة من التجارب‬ ‫لتع ّرف الطبيعة الكيميائي� � ��ة والبيولوجية لتلك‬ ‫اجلس� � ��يمات‪ ،‬حيث اعتقدنا أنه قبل مناقش� � ��ة‬ ‫األدوار احملتمل� � ��ة لتلك اجلس� � ��يمات النانوية‪،‬‬ ‫فإنه يجب على العلماء أن يقوموا أوال بتحديد‬ ‫ماهية هذه اجلس� � ��يمات‪ ،‬وحتديد ما إذا كانت‬ ‫حي� � ��ة فعال‪ .‬وم� � ��ن ه� � ��ذا املنطلق‪ ،‬فق� � ��د بدأنا‬ ‫بدراس� � ��ة ما إذا كان للبكتيريا النانوية القدرة‬ ‫على التضاعف بوجود املواد غير احليوية‪.‬‬ ‫لقد قمن� � ��ا بإج� � ��راء أبحاث اس� � ��تخدمنا‬ ‫فيه� � ��ا مركبات حتتوي على الكالس� � ��يوم مثل‬ ‫كربون� � ��ات الكالس� � ��يوم (احلج� � ��ر اجليري)‬ ‫وفوسفات الكالسيوم‪ ،‬وذلك ملا نعرفه من أن‬ ‫لهذه املركبات مي� �ل��ا طبيعيا إلى التجمع في‬ ‫نسق جزيئي دقيق لتكون بلورات‪ ،‬والبلورات‬ ‫ه� � ��ي تركيبات على درجة عالي� � ��ة من التنظيم‬ ‫وذاتية التنوي(‪ )1‬وهي ش� � ��بيهة مبنشورات‬ ‫هندس���ية(‪ ،)2‬أس� � ��طحها مس� � ��توية وحوافها‬ ‫ح� � ��ادة‪ .‬ولك� � ��ن إذا ح� � ��دث تلف ف� � ��ي تركيب‬ ‫البلورات‪ ،‬فإن هذا يكس� � ��بها صفات مختلفة‬ ‫متام� � ��ا‪ .‬وق� � ��د افترضنا أن معاجل� � ��ة املعادن‬ ‫بالپروتينات وغيرها من املركبات غير املعدنية‬ ‫س� � ��وف يؤدي إل� � ��ى اختالل النظ� � ��ام الدقيق‬ ‫للطبق� � ��ات املتقاطع���ة ‪ lattices‬الالزم لتكوين‬ ‫الب ّل� � ��ورات‪ ،‬مما يؤدي إل� � ��ى جعل التجمعات‬ ‫املعدنية غير متبل���ورة ‪ ،amorphous‬أي إنها‬ ‫تنتظم بطريقة عش� � ��وائية أو غير منظمة على‬ ‫املستوى اجلزيئي‪.‬‬ ‫وق� � ��د اعتقدن� � ��ا أيضا أن ه� � ��ذا االختالل‬ ‫سوف يؤدي ببساطة إلى إجهاض عملية منو‬ ‫التجمعات املعدنية لتكون بلورات‪ .‬وما أدهشنا‬ ‫أن هذه التجمعات املعدنية استمرت في النمو‬ ‫والزيادة كجس� � ��يمات‪ ،‬أو بتعبي� � ��ر أكثر دقة‪،‬‬ ‫كجسيمات نانوية‪ .‬ولم نكن نتوقع بالتأكيد أن‬ ‫مثل هذه املركبات البس� � ��يطة ميكنها أن تأخذ‬ ‫أشكاال وتكوينات هندسية جتعلها تبدو عمليا‬ ‫مطابقة للبكتيريا النانوية‪ ،‬مكتس� � ��ب ًة ش� � ��كال‬ ‫( ) ‪Building Nanobacteria‬‬ ‫( ) ‪MINERAL MANAGEMENT‬‬ ‫(‪self-nucleating )1‬‬ ‫(‪geometric prisms )2‬‬


‫ميكن للبلورات النقية من كربونات‬ ‫الكالسيوم أن تأخذ أشكاال متباينة‪.‬‬ ‫وفهم اآللية التي تتكون بها‬ ‫اجلسيمات النانوية في الطبيعة وكيف‬ ‫ميكنها أن تؤثر في صحة اإلنسان‪،‬‬ ‫سوف يساعد العلماء على التحكم في‬ ‫صفات اجلسيمات النانوية التي يقوم‬ ‫اإلنسان بصنعها‪.‬‬

‫يش� � ��به جدران اخلاليا‪ ،‬وتظهر وهي تنقس� � ��م‬ ‫مث� � ��ل البكتيريا احلي� � ��ة متاما‪ .‬وباس� � ��تخدام‬ ‫ه� � ��ذه التركيبات البس� � ��يطة من اجلس� � ��يمات‬ ‫النانوية كنقطة لالنطالق‪ ،‬فقد قمنا مبواصلة‬ ‫محاوالتنا إلع� � ��ادة بناء بيولوجي� � ��ة البكتيريا‬ ‫النانوي� � ��ة بالكام� � ��ل‪ .‬وكان ذل� � ��ك مبحاولتن� � ��ا‬ ‫حتديد ما إذا كان� � ��ت جميع الصفات الغريبة‬ ‫وغي� � ��ر املعتادة للبكتيري� � ��ا النانوية والتي قام‬ ‫علماء آخرون بوصفه� � ��ا بالفعل ميكن أن يتم‬ ‫احلصول عليها مجددا من خالل التفاعل بني‬ ‫اجلزيئات العضوية البسيطة واملعادن‪.‬‬ ‫وق� � ��د ص� � ��ار واضحا بعد فترة بس� � ��يطة‬ ‫أن اجلس� � ��يمات النانوية الناجتة من خالئط‬ ‫كربونات وفوس� � ��فات الكالس� � ��يوم ذات قدرة‬ ‫على االلتصاق‪ .‬فهي ترتبط بنهم بأي جزيئات‬ ‫مشحونة‪ ،‬س� � ��واء كانت أيونات‪ ،‬أو مركبات‬ ‫عضوي� � ��ة صغيرة (مث� � ��ل الكربوهيدرات)‪ ،‬أو‬ ‫دهونًا‪ ،‬أو حتى دنا‪ ،‬أو غيرها من األحماض‬ ‫النووي� � ��ة‪ .‬وي� � ��ؤدي االرتب� � ��اط باملجموع� � ��ات‬ ‫الكيميائية املش� � ��حونة إلى تثبيت اجلسيمات‬ ‫النامي� � ��ة‪ ،‬مضيف ًة إليها متاس� � ��كا تركيبيا مع‬ ‫دفع اجلس� � ��يمات احملتوية على الكالس� � ��يوم‬ ‫لكي تس� � ��تمر بالنمو وأخذ أش� � ��كال معقدة‪.‬‬ ‫ولكن وف� � ��ي النهاي� � ��ة‪ ،‬فإن أح� � ��د منطني من‬ ‫األحداث سوف يتسيد املوقف‪ .‬فإذا توافرت‬ ‫كمي� � ��ة زائدة م� � ��ن املعادن‪ ،‬فإن اجلس� � ��يمات‬ ‫سوف تتبلور في النهاية إلى األپاتيت‪ .‬ولكن‬ ‫إذا جتاوز املتاح من املركبات العضوية كمية‬ ‫املعادن املوج� � ��ودة‪ ،‬فمن املمك� � ��ن أن تتوقف‬ ‫عملية التبلور متاما أو تستمر مبعدل بطيء‪،‬‬ ‫مع اس� � ��تمرار اجلس� � ��يمات بالتط� � ��ور لتكون‬ ‫أشكاال أكثر تعقيدا‪.‬‬ ‫ومن بني املجموعات الكيميائية املشحونة‬ ‫التي قمنا بدراستها‪ ،‬فإن الپروتينات أنتجت‬ ‫أكث� � ��ر التأثيرات تعقي� � ��دا وإث� � ��ار ًة لالهتمام‬ ‫وذلك عند اس� � ��تخدامها كعوام� � ��ل لالرتباط‪.‬‬ ‫فالپروتين� � ��ات تتجول بحرية داخل اجلس� � ��م‪.‬‬ ‫وبعض الپروتينات مثل األلبيومني ‪albumin‬‬ ‫والفيتيوين‪ )1(A-‬موجودة بكميات كبيرة في‬ ‫الدم‪ ،‬وهي أيضا قادرة على االرتباط بشراهة‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫بالكالسيوم‪ .‬ويعد األلبيومني مسؤوال مبفرده‬ ‫عن نصف قدرة مصل الدم ‪ blood serum‬على‬ ‫االرتبـــاط بالكالســيوم‪ .‬كما أن الفيتيوين‪A-‬‬ ‫ال يرتبط فقط بالكالس� � ��يوم ولكنه يس� � ��تطيع‬ ‫أيضا االرتباط وبقوة بفوس� � ��فات الكالسيوم‬ ‫بصورة أپاتيت غير ناضج‪.‬‬ ‫وم� � ��ن املع� � ��روف جي� � ��دا أن ق� � ��درة هذه‬ ‫الپروتينات على االرتب� � ��اط ببلورات األپاتيت‬ ‫غير الناضج� � ��ة تؤدي إلى إجه� � ��اض عملية‬ ‫التبل� � ��ور؛ مما يحم� � ��ي من ح� � ��دوث املعدنة‬ ‫‪ mineralization‬غير املرغوب فيها بأنس� � ��جة‬ ‫اجلس� � ��م‪ .‬وبالوضع في االعتب� � ��ار حقيقة أن‬ ‫جميع سوائل اجلسم‪ ،‬مبا فيها الدم‪ ،‬حتتوي‬ ‫على تراكيز عالية التش���بع ‪supersaturated‬‬ ‫من الكالس� � ��يوم والفوس� � ��فات‪ ،‬ومع ذلك فإنه‬ ‫ال يح� � ��دث به� � ��ا تكلس‪ ،‬فإن ه� � ��ذا يوضح أن‬ ‫احلماية التي متنحها تل� � ��ك الپروتينات ذات‬ ‫أهمية كبي� � ��رة‪ .‬فمن دونه� � ��ا‪ ،‬تصبح األوعية‬ ‫الدموية صلبة‪ ،‬كم� � ��ا أن التركيبات العظمية‬ ‫ميكن أن تظهر فجأة في كل مكان‪.‬‬ ‫وأثناء مواصلتنا لهذا االجتاه في البحث‪،‬‬ ‫فإن دراس� � ��ة منفصلة قادها >‪ .D‬راؤل< [من‬ ‫الكلية الطبية مبرس� � ��ليا في فرنس� � ��ا] برهنت‬ ‫عل� � ��ى أن الپروتني الرئيس� � ��ي الذي مت إثبات‬ ‫وجوده في البكتيريا النانوية هو الفيتيوين‪.A-‬‬ ‫وأظهرت جتاربن� � ��ا فيما بعد أن الفيتيوين‪A-‬‬ ‫هو مج� � ��رد واحد من عديد م� � ��ن الپروتينات‬ ‫الت� � ��ي مت الكش� � ��ف عنها ضمن جس� � ��يمات‬ ‫الكالس� � ��يوم النانوية‪ .‬وتتضم� � ��ن الپروتينات‬ ‫األخرى األلبيومني والپروتين���ات املرتبطة‬ ‫بالده���ون ‪ apolipoproteins‬والپـــــروتــيــن� � ��ات‬ ‫املكملة وعدي ًدا من الپروتينات املعتادة والتي‬ ‫ع� � ��ادة ما توجد بوف� � ��رة في ال� � ��دم وجميعها‬ ‫معروفة بقدرتها اجلي� � ��دة على االرتباط بنهم‬ ‫بالكالسيوم واألپاتيت‪ .‬وبشكل أساسي‪ ،‬فإن‬ ‫جتاربن� � ��ا دلت على أن البل� � ��ورات تقوم أثناء‬ ‫منوها باختط� � ��اف أي پروتينات تكون متاحة‬ ‫ف� � ��ي البيئة احمليطة بها ويك� � ��ون لديها القدرة‬ ‫على االرتباط بالكالسيوم واألپاتيت‪.‬‬ ‫(‪fetuin-A )1‬‬

‫‪45‬‬


‫لقد متكنا أيضا من إيضاح أن األضداد‬ ‫(األجس���ام املض���ادة) ‪ antibodies‬والت� � ��ي يتم‬

‫املؤلفان‬

‫‪John D. Young‬‬

‫‪Jan Martel‬‬

‫>يونگ< أستاذ كرسي بجامعة تشانگ‬ ‫جيونگ وجامعة مينجتشاي للتقانة‬ ‫بتايوان ويرأس معمل املواد النانوية‬ ‫‪ Nanomaterials‬بجامعة تشانگ جيونگ‪.‬‬ ‫يتركز اهتمامه البحثي بشكل أساسي‬ ‫على فهم التفاعالت بني املواد العضوية‬ ‫وغير العضوية وأثرها في صحة‬ ‫اإلنسان‪ .‬وقد شغل >يونگ< منصب‬ ‫رئيس مختبر املناعة والبيولوجيا اخللوية‬ ‫اجلزيئية في جامعة روكفيلر‪ ،‬التي يعمل‬ ‫بها كأستاذ مشارك‪> .‬مارتل< طالب‬ ‫دكتوراه مبعهد الدراسات العليا في‬ ‫العلوم الطبية احليوية بجامعة تشانگ‬ ‫يونگ‪ .‬وقد جاء من مدينة شيربروك‪،‬‬ ‫بإقليم كيوبك بكندا‪ ،‬لينضم إلى مجموعة‬ ‫>يونگ< بتايوان لدراسة امليكروبات‬ ‫املمرضة بالدم واألسس العلمية احملتملة‬ ‫ألساليب العالج البديلة‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫بيعه� � ��ا على أنها مواد للكش� � ��ف ع� � ��ن وجود‬ ‫البكتيريا النانوية بواسطة مجموعة الشركات‬ ‫التابع� � ��ة لنانوب� � ��اك هي في واق� � ��ع األمر مواد‬ ‫للكشف عن الفيتيوين‪ A-‬واأللبيومني‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫فإن الدراسات املبكرة التي مت فيها استخدام‬ ‫األض� � ��داد املنتجة بواس� � ��طة ش� � ��ركة نانوباك‬ ‫للكش� � ��ف عن وج� � ��ود البكتيري� � ��ا النانوية في‬ ‫مزارع أنسجة اإلنسان كانت تقوم في حقيقة‬ ‫األمر بالكش� � ��ف عن پروتينات الدم املعهودة‪.‬‬ ‫واألمر األكثر مدعا ًة للقلق‪ ،‬هو اكتش� � ��اف أن‬ ‫األضداد األخرى واملفت� � ��رض فيها أنها تقوم‬ ‫بالكشف عن الپروتينات غير املعهودة للبكتيريا‬ ‫النانوية في دم اإلنس� � ��ان كان� � ��ت في احلقيقة‬ ‫متخصصة بالكشف عن پروتينات دم األبقار‪.‬‬ ‫وبقدر غرابة هذا االكتش� � ��اف‪ ،‬بقدر ما ميكن‬ ‫تفسيره بس� � ��هولة‪ ،‬وذلك بحقيقة أن مختبرات‬ ‫األبح� � ��اث تق� � ��وم بصفة عام� � ��ة بإدخال مصل‬ ‫دم أجن� � ��ة األبقار‪ ،‬وهو مص� � ��در ممتاز للمواد‬ ‫املغذية‪ ،‬في بيئ� � ��ات املزارع اخللوية‪ .‬ولكن في‬ ‫حالة املزارع التي يتم فيها دراس� � ��ة البكتيريا‬ ‫النانوية‪ ،‬فإن ه� � ��ذا املصل يعد أيضا مصدرا‬ ‫أساس� � ��يا للپروتينات التي تقوم باالندماج في‬ ‫تلك اجلسيمات‪ ،‬تارك ًة في النهاية أثرا «بقريا»‬ ‫على اجلس� � ��يمات النانوية‪ .‬وبإعادة النظر إلى‬ ‫م� � ��ا مضى‪ ،‬فإن الدراس� � ��ات العدي� � ��دة والتي‬ ‫أدعت الكشف عن پروتينات البكتيريا النانوية‬ ‫باس� � ��تخدام مثل هذه األضداد ميكن أن ينظر‬ ‫إليها اآلن على أنها خاطئة أساسا‪.‬‬ ‫ما الذي يحدث حقا‬

‫( )‬

‫مع أنه قد اتضح اآلن وبش� � ��كل حاس� � ��م‬ ‫إيض� � ��اح أن البكتيري� � ��ا النانوي� � ��ة ما هي إال‬ ‫جس� � ��يمات نانوية غير حية تنت� � ��ج من بلورة‬ ‫املع� � ��ادن املعهودة مع غيرها م� � ��ن املواد في‬ ‫األوس� � ��اط احمليطة بها‪ ،‬فإن ه� � ��ذه الكائنات‬ ‫قد تظ� � ��ل ت� � ��ؤدي دورا مهم� � ��ا فيم� � ��ا يتعلق‬ ‫بصحة اإلنسان‪ .‬حيث نعتقد أن اجلسيمات‬ ‫الشبيهة بالبكتيريا النانوية تتكون من خالل‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫عملي� � ��ة طبيعية تعمل ف� � ��ي املعتاد على حماية‬ ‫اجلس� � ��م من حدوث التبلور غير املرغوب فيه‪،‬‬ ‫ولكن هذه العملية تش� � ��جع أيضا على تكوين‬ ‫جسيمات نانوية حتت ظروف معينة‪.‬‬ ‫وتس� � ��تطيع العديد من املع� � ��ادن أن تكون‬ ‫جتمعات بش� � ��كل تلقائي في الطبيعة‪ ،‬وميكن‬ ‫لتل� � ��ك املعادن أيضا أن تظهر ميال إلى تكوين‬ ‫بل� � ��ورات‪ .‬فالكالس� � ��يوم‪ ،‬على س� � ��بيل املثال‪،‬‬ ‫يرتب� � ��ط بنهم بالكربونات والفوس� � ��فات مكونا‬ ‫بل� � ��ورات الكالس���يت ‪ calcite‬واألپاتيت‪ .‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬ف� � ��إن أي جزيء يكون لدي� � ��ه قابلية عالية‬ ‫لالرتباط بالكالسيوم أو بلورات األپاتيت غير‬ ‫الناضجة‪ ،‬س� � ��واء كان هذا اجلزيء پروتينا‪،‬‬ ‫أو دهن� � ��ا أو أي جزيء آخر مش� � ��حون‪ ،‬فمن‬ ‫املمكن أن نعتبره مثبطا لعملية التكلس مبعنى‬ ‫أنه يستطيع أن يتداخل مع عملية التبلور عن‬ ‫طريق االرتباط باملعادن‪ .‬وفي داخل اجلسم‪،‬‬ ‫فإن ارتباط الپروتني بالكالس� � ��يوم والبلورات‬ ‫غير الناضجة سوف يكون الهدف منه هو إما‬ ‫تخزين تلك املركبات املعقدة أو إزالتها‪.‬‬ ‫تؤدي اإلزالة املنتظم� � ��ة للمعادن إلى منع‬ ‫الترس� � ��يب غير الطبيعي للكالس� � ��يوم والذي‬ ‫يس� � ��بب املرض‪ .‬ولكن‪ ،‬هناك حاجة مستمرة‬ ‫إلى الكثير من الپروتينات لكي تقوم باالرتباط‬ ‫باملعادن‪ ،‬وإذا ح� � ��دث أن فاقت كمية املعادن‬ ‫م� � ��ا هو متاح من پروتين� � ��ات ُمثبطة‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫ي� � ��ؤدي في النهاية إلى التغلب على ميكانيكية‬ ‫التثبي� � ��ط‪ .‬وعندما تتش� � ��بع مواق� � ��ع االرتباط‬ ‫بالپروتينات باملعادن‪ ،‬فإن الپروتينات املرتبطة‬ ‫باملعادن تعمل كب� � ��ذور لتكوين البلورات‪ ،‬مما‬ ‫يؤدي إل� � ��ى عملية ال ينتج منه� � ��ا فقط حدوث‬ ‫ظاهرة البكتيريا النانوية وإمنا تسبب حدوث‬ ‫عمليات تكلس غير طبيعية‪ ،‬مثل تكون احلصى‬ ‫وتكل� � ��س الش� � ��رايني‪ .‬وكمس� � ��ببات محتمل� � ��ة‬ ‫لألمراض‪ ،‬فإنه يج� � ��ب في املقام األول النظر‬ ‫إلى هذه اجلسيمات النانوية على أنها أجزاء‬ ‫من دورة أكبر للتنظيم الطبيعي للكالس� � ��يوم‪.‬‬ ‫فالس� � ��بل التي يتم من خاللها تكوين معقدات‬ ‫املعادن مع الپروت� �ي��ن والتي مت وصفها هنا‪،‬‬ ‫( ) ‪What´s Really Going On‬‬


‫لها بالطبع دور في تكوين العظام أيضا‪ .‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬فإنه بدال من أن تكون الترسبات الكلسية‬ ‫س� � ��ببا حلدوث أمراض تتضمن التكلس غير‬ ‫الطبيع� � ��ي‪ ،‬فإنها قد متثل النتيج� � ��ة النهائية‬ ‫لعي� � ��وب اس� � ��تقالبية تؤثر في عملي� � ��ة تثبيط‬ ‫املعادن وإزالتها‪.‬‬ ‫ومن الس� � ��ابق ألوانه اآلن أن نعرف كيفية‬ ‫ترجمة مثل هذه الرؤى إلى أساليب عالجية‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن‪ ،‬م� � ��ن احملتم� � ��ل أن يتم تفس� � ��ير كافة‬ ‫االكتشافات السابقة حول البكتيريا النانوية‬ ‫اعتم� � ��ادا عل� � ��ى مفه���وم التثبيط‪/‬التب���ذر‬ ‫‪ .inhibition/seeding concept‬فع� � ��ن طري� � ��ق‬ ‫زيادة احلجم من خالل االندماج‪ ،‬على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬فإن هذه الكريات املعدنية‪-‬الپروتينية‬ ‫ميكنه� � ��ا أن تتطور وتلتحم مع بعضها لتكون‬ ‫مغازل ‪ ،spindles‬ثم طبقات رقيقة في النهاية‪.‬‬ ‫ومن املمكن اآلن توثيق وتفسير هذه التغيرات‬ ‫الشكلية على أنها نتيجة التفاعل البسيط بني‬ ‫الپروتين� � ��ات واملعادن‪ ،‬م� � ��ع جناح املعدنة في‬ ‫احلدوث في النهاي� � ��ة‪ .‬ووفقا لفرضيتنا‪ ،‬فإن‬ ‫اجلسيمات الشبيهة بالبكتيريا النانوية تظهر‬ ‫في أطباق الزرع ‪ culture dishes‬نتيجة لغياب‬ ‫ط� � ��رق فعال� � ��ة إلزالتها داخل اجلس� � ��م‪ .‬ومن‬ ‫املمكن النظر اآلن إلى البكتيريا النانوية التي‬ ‫مت وص� � ��ف وجودها في املزارع اخللوية على‬ ‫أنها ن� � ��واجت ثانوية بس� � ��يطة لعمليات طبيعية‬ ‫الستقالب الكالسيوم حتت ظروف ثابتة‪.‬‬ ‫وق� � ��د أظهرت جميع جس� � ��يمات البكتيريا‬ ‫النانوي� � ��ة التي اس� � ��تطعنا جتميعها من الدم‬ ‫ومن سوائل اجلسم األخرى تركيبا كيميائيا‬ ‫بسيطا من املمكن توقعه‪ ،‬وهو تركيب يعكس‬ ‫طبيع� � ��ة وح���دات البن���اء ‪building blocks‬‬ ‫املتوفرة في الوس� � ��ط احمليط بها‪ .‬فعن طريق‬ ‫تغيي� � ��ر تركي� � ��ب هذا الوس� � ��ط‪ ،‬نس� � ��تطيع أن‬ ‫نغير وبسهولة تكوين اجلس� � ��يمات النانوية‪،‬‬ ‫وميكننا اليوم أن نقوم بهندس� � ��ة جس� � ��يمات‬ ‫ش� � ��بيهة بالبكتيري� � ��ا النانوية ليك� � ��ون لها أي‬ ‫تركيب يتم حتديده‪ .‬وعن طريق االس� � ��تفادة‬ ‫من هذه العملية‪ ،‬أمكن لنا إنتاج عائلة كاملة‬ ‫م� � ��ن املركبات األيوني� � ��ة املرتبط� � ��ة بيولوجيا‬

‫واملتش� � ��ابهة تركيبا وأطلقن� � ��ا عليها بيونات‬

‫‪ .bions‬وتظهر البيونات في مختلف األحجام‬ ‫واألشكال وهي حتاكي أشكاال بيولوجية تبدو‬ ‫غير حية ميكن اس� � ��تخدامها لتفسير الطبيعة‬ ‫غير احلية للجس� � ��يمات النانوية‪ ،‬ومن املأمول‬ ‫منها أن توضح كيفية تصنيع واندماج مواد‬ ‫البناء املكونة من وحدات متناهية الصغر في‬ ‫الطبيعة‪.‬‬ ‫إن فهم كيفية تكوين مثل هذه اجلسيمات‬ ‫الصغي� � ��رة واملكونة من معق� � ��دات من املعادن‬ ‫م� � ��ع جزيئات عضوية ف� � ��ي الطبيعة ميكن أن‬ ‫يس� � ��اعد على فه� � ��م آلية ظه� � ��ور احلياة على‬ ‫األرض من� � ��ذ باليني الس� � ��نني‪ .‬فم� � ��ن املمكن‬ ‫أن نتص� � ��ور أن املعادن املكون� � ��ة ملعقدات مع‬ ‫اجلزيئات العضوية الصغيرة قد أمكنها من‬ ‫خالل عملية تضاع���ف ذاتي ‪self-replication‬‬ ‫تشبه عملية منو اجلزيئات النانوية‪ ،‬أن تكون‬ ‫وحدات البناء األولى في احلياة وأن تتمكن من‬ ‫الوجود بش� � ��كل مستدمي‪ .‬فمثل هذه املعقدات‬ ‫املعدنية ‪ -‬العضوية ميكن أن تكون قد قامت‬ ‫بحماية العمليات املرتبطة باحلياة وس� � ��اعدت‬ ‫على تقسيمها إلى مجموعات ورمبا تكون قد‬ ‫عملت بنفسها كمراكز لتحفيز هذه العمليات‬ ‫احليوية‪ .‬ويظل ذل� � ��ك إمكانية محتملة‪ ،‬نعكف‬ ‫حاليا على دراستها‪.‬‬ ‫إن التوصل أخيرا إلى أن مجاال واسعا‬ ‫من عملي� � ��ات التكلس التي يتم مالحظتها في‬ ‫الطبيعة وف� � ��ي العديد من األم� � ��راض املزمنة‬ ‫ميكن فهمه في س� � ��ياق التفاع� �ل��ات اجلزيئية‬ ‫بني الپروتينات والدهون واملعادن وغيرها من‬ ‫املواد األخرى هو أم� � ��ر مثير جدا لالهتمام‪.‬‬ ‫وخالفا لفرضيات البكتيري� � ��ا النانوية والتي‬ ‫ج� � ��رى الدفاع عنها في املاض� � ��ي‪ ،‬فإن الفهم‬ ‫(‪)1‬‬ ‫احلالي للجس���يمات املعدنية ‪ -‬العضوية‬ ‫املوجودة في الطبيعة س� � ��وف يسمح للعلماء‬ ‫ب� � ��أن يتقدموا إل� � ��ى األمام في الكش� � ��ف عن‬ ‫الكيفية التي ميكن م� � ��ن خاللها أن تفيد هذه‬ ‫الكائن� � ��ات املتناهية الصغر احلياة‪ ،‬حتى وإن‬ ‫>‬ ‫لم تكن هي بالذات حية‪.‬‬ ‫(‪mineral-organic particles )1‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, January 2010‬‬

‫‪47‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫ّ‬ ‫متحكم فيها‬ ‫التغير املناخي‪ :‬جتربة‬

‫(٭)‬

‫درس العلماء بعناية األراضي العشبية والغابات ملعرفة كيف أن التغيرات‬ ‫كل من الهطول املطري وثاني أكسيد الكربون ودرجة احلرارة ستؤثر‬ ‫في ٍ‬ ‫في البيوسفير (الغالف احليوي)‪ ،‬كي يتمكنوا من التنبؤ مبستقبله‪.‬‬ ‫>‪ .D.S‬ولسشليكر<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫يقوم الباحثون حاليا بتغيير‬ ‫مستويات درجات احلرارة‬ ‫وثاني أكسيد الكربون‬ ‫والهطوالت املطرية في مواقع‬ ‫معينة من الغابات واألراضي‬ ‫العشبية وأراضي احملاصيل‬ ‫الزراعية ملعرفة الكيفية التي‬ ‫تستجيب لها حياة النباتات‪.‬‬

‫>‬

‫إن ارتفاع درجات احلرارة‬ ‫وتركيزات ثاني أكسيد‬ ‫الكربون إلى مستويات‬ ‫أعلى‪ ،‬يفضي إلى زيادة‬ ‫في النمو الورقي أو في‬ ‫مردود احملصول‪ ،‬غير أنّ‬ ‫هذين العاملني قد يعمالن‬ ‫أيضا على تكاثر احلشرات‬ ‫ويضعفان قدرة النباتات‬ ‫على درء األوبئة واألمراض‪.‬‬

‫>‬

‫سوف تقود التجارب‬ ‫امليدانية املقبلة والتي‬ ‫ميكنها مواجهة الظروف‬ ‫البيئية الثالثة في آن واحد‬ ‫إلى أفضل النماذج لكيفية‬ ‫تأثير تغيرات املناخ على‬ ‫املدى الطويل في املنظومات‬ ‫البيئية العاملية‪.‬‬

‫محررو ساينتيفيك أمريكان‬

‫‪48‬‬

‫ــ‬

‫>‪ .M‬ستراهل<‬

‫قبل نحو ثالثني سنة‪ ،‬كتب >‪ .F .Ch‬بايس‪،‬‬ ‫جوني������ر< [الكيميائي في مختب������ر أوك‪-‬ريدج‬ ‫الوطن������ي التابع ل������وزارة الطاقة في الواليات‬ ‫املتحدة] أن الك������رة األرضية تخضع لتجربة‬ ‫عظيمة «غير متح ّكم فيها» س������رعان ما سوف‬ ‫يتب ّدى للمرء عواقبها العاملية املتمثلة بارتفاع‬ ‫تركيز غ������ازات الدفيئ������ة (الغازات املس������ببة‬ ‫لالحتباس احلراري)‪ .‬وي������درك العلماء اليوم‬ ‫أن إزال������ة الغاب������ات واس������تخدام األراض������ي‬ ‫الزراعي������ة اجلائر وحرق الوق������ود األحفوري‬ ‫تؤدي إلى تس������خني كوكب األرض‪ .‬ولكن ما‬ ‫ال يدركونه على وجه التأكيد هو كيف سيؤثر‬ ‫التغير املناخي في تبديل الغابات واألراضي‬ ‫العشبية‪ ،‬وكذلك في تبديل السلع واخلدمات‬ ‫التي توفرها هذه املنظومات البيئية للمجتمع‪.‬‬ ‫فالكثير من األنباء‪ ،‬التي تتحدث عن التغير‬ ‫املناخي وتُر ّوج لها وس������ائل اإلعالم‪ ،‬تأتي من‬ ‫املراقبات وليس من التجارب‪ .‬فالعلماء يراقبون‬ ‫جلي������د احمليط املتجمد الش������مالي واجلليديات‬ ‫واألحداث الطبيعية‪ ،‬مثل تس������جيل زمن بزوغ‬ ‫أوراق األش������جار‪ ،‬ويعلنون ذلك عندما تصبح‬ ‫التغيرات خارج نطاق التوقعات الطبيعية‪ .‬ومن‬ ‫املهم طبعا تس������جيل هذا النوع من املعلومات‬ ‫ولكن األم������ر األكثر أهمية هو أن‬ ‫تبعا للزمن‪ّ .‬‬ ‫يقوم بيولوجيو التغير املناخي بإجراء جتارب‬ ‫حقلية واس������عة النطاق ملعرفة كيف تس������تجيب‬ ‫املنظوم������ات البيئية لتزاي������د الهطول املطري أو‬ ‫لتناقصه‪ ،‬وكيف تستجيب لزيادة تركيز ثاني‬

‫أكس���يد الكرب���ون )‪ (CO2‬ف������ي اجلو والرتفاع‬ ‫درجات احل������رارة‪ ،‬بدال من انتظار مش������اهدة‬ ‫كيف أن تطور املناخ البطيء يغير البيوس������فير‬ ‫أو (الغالف احليوي)‪ .‬فالبيانات التجريبية هي‬ ‫الوحي������دة القادرة على التنب������ؤ بإمكانية تأثير‬ ‫التغيرات السابقة الذكر في املنظومات البيئية‬ ‫ومبدى هذا التأثير خالل العشر أو اخلمسني‬ ‫أو املئة س������نة القادمة‪ ،‬إضافة إلى معرفة كيف‬ ‫ميكن للتغذية املرتدة ‪ feed back‬لهذه التغيرات‬ ‫أن ت������ؤدي إلى ح������دوث مزيد م������ن التغيرات‬ ‫املتقدم������ة‪ .‬وهذه البيان������ات التجريبية ميكن أن‬ ‫تس������اعد على التفريق بني الوه������م والواقع في‬ ‫اجلدل املناخي املشحون بالعواطف‪.‬‬ ‫ومن������ذ س������نني يق������وم الباحث������ون بدراس������ة‬ ‫اس������تجابات نباتات مح ّددة ‪ -‬من������ت على نحو‬ ‫منوذجي ملدة عدة أشهر ضمن حجرات ُمتحكـم‬ ‫في مناخها ‪ -‬لعدد متنوع من الظروف‪ .‬إنّه من‬ ‫الض������روري فهم اآلليات الت������ي حتدث على هذا‬ ‫املس������توى‪ .‬وكذلك يجب أيضا دراسة النباتات‬ ‫في بيئاته������ا الفعلية أي ف������ي املنظومات البيئية‬ ‫احلقيقي������ة‪ .‬وق������د ال يعلم عدد كبي������ر من الناس‬ ‫بوجود الكثير من التج������ارب احلقلية املتضمنة‬ ‫هطوالت مطرية متغيرة وتراكيز مختلفة من ثاني‬ ‫أكسيد الكربون‪ ،‬والتي يجري تطبيقها منذ عقد‬ ‫من الزمن ومازالت مس������تمرة حتى اليوم – مثل‬ ‫التج������ارب املذكورة ف������ي املؤط������رات املبينة في‬ ‫الصفح������ات التالية‪ ،‬إضافة إل������ى البدء بإجراء‬ ‫( ) ‪Climate Change: A controlled Experiment‬‬


‫جتارب تتناول درج������ات احلرارة‪ .‬وتتوفر اليوم‬ ‫بيانات كافي������ة لتطوير مناذج تتنب������أ بالتغيرات‬ ‫املناخية والنباتية ترسم صورة أكثر دقة لكيفية‬ ‫تغير الغابات والبراري واحملاصيل الزراعية في‬ ‫عالم تتزايد سخونته باستمرار ويتعرض ألمناط‬ ‫هطوالت مطرية مختلف������ة ومحاط بغالف يحوي‬ ‫كميات متزايدة من ثاني أكسيد الكربون‪.‬‬ ‫نتائج من أرجاء العالم‬

‫( )‬

‫تبني التجارب املنجزة في أنحاء مختلفة من‬ ‫العال������م أن النباتات واملنظومات البيئية متتلك‬ ‫قدرة كبيرة على التكيف مع الظروف اجلديدة‪.‬‬ ‫ولكن العلماء يتوقعون وجود عتبات(‪ )1‬إذا ما‬ ‫جرى جتاوزها س������تحدث استجابات محتملة‬ ‫مهمة وكارثية‪ .‬ولدى استكشاف هذه احلدود‬ ‫ستُصادف مفاجآت ‪ ،‬ومع ذلك فإنه من املمكن‬ ‫استخالص بعض االس������تنتاجات التالية من‬ ‫بيانات التجارب احلقلية‪:‬‬ ‫> ميكن أن تؤدي زيادة تركيز ثاني أكس������يد‬ ‫الكربون إلى تعزيز محاصيل الس������لع مثل‬ ‫القم������ح واألرز والش������عير وف������ول الصويا‬ ‫والقطن‪ ،‬ولكن س������خونة متزامنة مع تلوث‬ ‫باألوزون في بع������ض األماكن قد تؤدي إلى‬ ‫انخف������اض التأثي������ر التعزيزي لغ������از ثاني‬ ‫أكس������يد الكربون أو إلغائه نهائيا‪ .‬وكذلك‪،‬‬ ‫ف������إن التغيرات املناخية س������تب ّدل التآثرات‬ ‫الكائنة بني احملاصيل واألعش������اب الضارة‬ ‫واحلش������رات واملُ ْم ِرضات ‪ ،pathogens‬حيث‬ ‫تكون الغلبة لألوبئة كما لم يحدث من قبل‪.‬‬ ‫> إن غابات األشجار املتساقطة األوراق في‬ ‫ش������رق الواليات املتح������دة – أي التي تفقد‬ ‫أوراقها موس������ميا – قليلة التأثر باجلفاف‬ ‫نسبيا‪ .‬وحتتفظ الترب العميقة بالكثير من‬ ‫املاء الكافي لدعم اس������تمرار منو األشجار‬ ‫الكبي������رة طوال معظم الع������ام‪ .‬ولكن التربة‬ ‫الس������طحية ال حتتفظ إال بالقليل من املاء؛‬ ‫ولذلك جتف بسرعة مسببة ارتفاعا كبيرا‬ ‫في معدالت موت النبتات الصغيرة الفتية‬ ‫والشجيرات– أي غابات املستقبل‪.‬‬ ‫> يؤدي غالف جوي غني بغاز ثاني أكسيد‬

‫>‬

‫الكربون إلى زيادة منو اجلذور التي توفر‬ ‫املزيد م������ن املغذيات مما يع������زز اإلنتاجية‬ ‫في الغابات التي ف������ي طور النماء‪ ،‬وكذلك‬ ‫فإن زي������ادة منو اجلذور ف������ي األعماق قد‬ ‫تفيد أيضا النباتات في املنظومات البيئية‬ ‫اجلاف������ة أو القاحلة وذلك بزي������ادة إمكانية‬ ‫الوصول إلى مياه التربة العميقة‪.‬‬ ‫ميك������ن لالحترار العاملي وارتفاع تراكيز‬ ‫ثاني أكس������يد الكربون أن ُيعزّزا انتش������ار‬ ‫العديد من األعشاب الزراعية الضارة مبا‬ ‫فيها الشوكيات الكندية ‪،Canadian thistle‬‬ ‫كما ميكن أن ُيخفـّضا إنتاج احملاصيل أو‬ ‫يزيدا احلاجة إلى مبيدات األعشاب‪ .‬وكذلك‬ ‫قد تسبب األنواع الدخيلة بعض املتاعب‪.‬‬

‫( ) ‪Findings around the Globe‬‬ ‫(‪thresholds )1‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫التتمة في الصفحة‬

‫‪ 52‬‬ ‫‪49‬‬


‫[املاء]‬

‫الهطوالت املطرية ‪ :‬تضبيط الوقت هو كل شيء‬

‫( )‬

‫املوضوع ‪ :‬على الرغم من أن مس���تويات درجة احلرارة وثاني أكسيد الكربون ‪ CO2‬في عالم يتجه نحو السخونة‪.‬‬ ‫س���ترتفع عموم���ا ف���ي جميع أرج���اء العالم‪ ،‬فإن النم���اذج املناخية تتنب���أ بأن تزايد‬ ‫أما في الغابات املعتدلة املناخ مثل الغابة التي درسها >‪ .P‬هانسون< في‬ ‫وتناقص الهطوالت املطرية سيتغيران كثيرا من مكان آلخر في العقود القادمة‪.‬‬ ‫مشروعه ‪ :‬جتربة إزاحة الهطول املطري الذي يتخ ّلل عبر األغصان واألوراق‪،‬‬ ‫التجرب���ة ‪َ :‬ش��� َّي َد العلم���اء ع���ددا متنوعا م���ن البن���ى لتخفيض أو رف���ع كمية املاء والذي اس���تغرق ‪ 13‬س���نة؛ فقد وجد أن األشجار البالغة ذات اجلذور العميقة‬ ‫الت���ي تص���ل إل���ى النباتات ف���ي األراضي العش���بية والغابات وحق���ول احملاصيل اس���تطاعت حتم���ل النقص الدائ���م في الهط���والت املطري���ة‪ ،‬إال أن العديد من‬ ‫وكذلك إلى أراضي س���هول القطب الش���مالي (التوندرا) اخلالية من األش���جار في الش���جيرات والنبتات الصغيرة ذات اجلذور الس���طحية لم تس���تطع املقاومة‬ ‫املناطق الواقعة عند خطوط العرض الش���مالية‪ .‬فقد‬ ‫فماتت‪ .‬وبينت هذه التجربة أيضا أن األش���جار‬ ‫اس���تعملت عل���ى األغل���ب أغطية على ش���كل قباب أو‬ ‫ق���د ازداد تضرره���ا عن���د ح���دوث فت���رات جفاف‬ ‫ميزاب������ات(‪ ،troughs )1‬بحي���ث ميك���ن حج���ز امل���اء عن‬ ‫ش���ديدة في بعض املواس���م احملددة ؛ فانخفاض‬ ‫أح���د املواقع وإع���ادة توزيعه على موقع آخر مجاور‬ ‫هط���ول املط���ر في فت���رة النمو النش���يط لس���وق‬ ‫النبات���ات ف���ي أوائ���ل الربيع ّ‬ ‫الختبار الزيادة في الهطول املطري هناك‪ .‬وميكن أن‬ ‫أخ���ر النمو مبقدار‬ ‫تكون بعض هذه األغطية قابلة للتحريك أو لتصغير‬ ‫أكبر بكثير مما يحدثه الهطول املطري املخفـّض‬ ‫حجمه���ا‪ .‬وميك���ن أن تش��� ّيد حواج���ز أو خن���ادق في‬ ‫ف���ي أوق���ات أخ���رى‪ .‬إنّ فت���رات اجلف���اف الت���ي‬ ‫التربة ملنع املياه الس���طحية من التس���رب إلى مواقع‬ ‫حتدث في نهاية املوس���م عندما تكون األش���جار‬ ‫الدراس���ة وملنع جذور النبات من الوصول إلى املياه‬ ‫ق���د توقف���ت عن النمو‪ ،‬ال تكون له���ا عواقب تذكر‬ ‫الزائدة خارج مواقع الدراسة‪.‬‬ ‫طامل���ا أن مخزون امل���اء في التربة يتج���دّد متاما‬ ‫تستخدم مشاريع‪ ،‬مثل جتربة إزاحة الهطول‬ ‫قبل حلول موس���م النم���و الالحق‪ .‬وعلى العكس‬ ‫املط������ري(‪ (TDE) )2‬ال���ذي يتخ ّل���ل عب���ر األغص���ان‬ ‫من ذلك‪ ،‬فإن بعض األش���جار الكبيرة في غابات‬ ‫ميزابات(‪ )1‬في جتربة إزاحة الهطول املطري الذي‬ ‫واألوراق بالق���رب م���ن مختب���ر أوك‪-‬ري���دج ف���ي‬ ‫األمازون املطرية في البرازيل ماتت خالل السنة‬ ‫يتخ ّلل عبر األغصان واألوراق حملاكاة اجلفاف مبنع‬ ‫ومزاريب‬ ‫تنيس���ي‪ ،‬منظوم���ات مؤلفة من قن������وات‬ ‫الرابع���ة من اجلفاف الذي أحدث���ه الباحثون في‬ ‫ماء املطر من الوصول إلى األرض‪.‬‬ ‫‪ trough and gutter‬متقن���ة تث ّب���ت حت���ت مس���توى‬ ‫مركز أبحاث هول وودز في ماساتشوستس‪ ،‬في‬ ‫األش���جار ف���ي الغابة لتكوين ش���روط جف���اف أو رطوبة في الترب���ة (الصورة حني كانت الش���جيرات الصغيرة واألشجار التي أقطار جذوعها صغيرة أقل‬ ‫والشكل التوضيحي)‪ .‬وميكن توزيع ما قدره نحو ‪ 1900‬قناة في مناطق تبلغ تأث���را‪ .‬ي���ؤدي حجز نحو ‪ 60‬في املئة من الهاط���ل املطري إلى جتفاف التربة‬ ‫مساحة كل منها مساحة ملعب كرة القدم‪ .‬وميكن وضع تصاميم مشابهة بني العميق���ة‪ ،‬ف���ي حني تبق���ى التربة الس���طحية ذات رطوبة كافي���ة وذلك بعكس‬ ‫األشجار التي تتباعد عن بعضها كثيرا كما في غابات پينيون‪ -‬جونيپر في م���ا تبينه نتائ���ج التجربة ‪ TDE‬التي تتخ ّلل عبر األغص���ان واألوراق‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫نيومكس���يكو حيث يدرس >‪ .N‬ماكدويل< [من مختبر لوس أالموس الوطني] يتضح أنه يجب فهم التآثرات ‪ interactions‬املعقدة قبل أن تس���تطيع النماذج‬ ‫دور اجلفاف واحلشرات في موت األشجار‪.‬‬ ‫متثيل التغيرات املناخية بصورة صحيحة‪.‬‬ ‫پراري‬ ‫في‬ ‫احلكومية‬ ‫كنس���اس‬ ‫جامعة‬ ‫النتائج ‪ :‬بينت التجربة التي أجرتها‬ ‫( ) ‪precipitation: Timing Is Everything‬‬ ‫كون���زا أن بعض األعش���اب اس���تطاعت حتم���ل التغ ّير في الهط���والت املطرية )‪ (1‬ج‪ :‬ميزاب ‪ trough‬حوض مستطيل ضيق مفتوح ُيبعد ماء املطر املتجمع فيه عن‬ ‫بصورة أفضل من غيرها‪ ،‬وأن الصراع على موارد املياه يزداد بني النباتات‬ ‫موقع الهطول‪.‬‬

‫جتربة إزاحة الهطول املطري الذي يتخ ّلل عبر األغصان واألوراق‬

‫أراض جافة ( ‪ 80 × 80‬مترا)‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬ميزابات تعترض ماء املطر‬ ‫‪‬‬ ‫فوق ثلث مساحة األرض‬

‫‪50‬‬

‫)‪Throughfall Displacement Experiment (2‬‬

‫أشجار بلوط ( طولها ‪ 25‬مترا)‬

‫أراض مجاورة (للمقارنة)‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬ميزابات متأل مزراب‬

‫‪‬‬

‫(التحرير)‬

‫‪‬‬

‫‪ ‬مزراب يغذي أنبوبا ‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫أراض رطبة‬ ‫ٍ‬ ‫➍ ماء يجري هابطا‬ ‫‪‬‬ ‫في أنبوب مائل‬

‫➎ ثقوب األنبوب‬ ‫‪‬‬ ‫تزود مباء إضافي‬


‫[الهواء]‬

‫ثاني أكسيد الكربون‪ :‬البعض ينمو منوا أفضل‬

‫( )‬

‫املوض���وع ‪ُ :‬يقدَر العلماء أن احمليط���ات واملنظومات البيئية األرضية متتص‬ ‫م���ا ال يق���ل عن نصف كمية ثاني أكس���يد الكربون الصادرة ع���ن حرق الوقود‬ ‫األحفوري‪ .‬ومتتص النباتات هذا الغاز الستخدامه في إنتاج الكربوهيدرات‬ ‫ف���ي عملية التركيب الضوئي ‪ .photosynthesis‬ولكن هل يس���تمر هذا التحويل‬ ‫في نس���ب تركيز أعلى لثاني أكس���يد الكربون؟ وهل الزيادة في تركيزه ُتغ ّير‬ ‫السكريات والكربوهيدرات ومركبات الوقاية في النباتات‪ ،‬ومن ثم تساعد أو‬ ‫متنع إصابة هذه النباتات باحلشرات واملُ ْم ِرضات؟‬ ‫التجربة ‪ :‬أجريت جتربة إغناء الهواء الطلق بـغاز ثاني أكس���يد الكربون في‬ ‫مختبر أوك‪-‬ريدج الوطني ملدة أكثر من عش���ر س���نوات بإشراف >‪ .R‬نوربي<‪.‬‬ ‫تتك���ون التجرب���ة م���ن أربع مناطق للدراس���ة محاطة بأنابي���ب تنفيس متدلية‬ ‫م���ن أبراج (الصورة والش���كل التوضيحي)‪ .‬حترر األنابيب غاز ثاني أكس���يد‬ ‫الكربون بحيث حتصل جميع األشجار على كمية محدّدة‪ .‬كما جترى جتارب‬ ‫مش���ابهة لتجربة إغناء الهواء الطلق بـغاز ثاني أكس���يد الكربون فيما يقارب‬ ‫‪ 35‬منظوم���ة بيئي���ة طبيعي���ة أخ���رى ومتحكـم فيه���ا في جميع أرج���اء العالم‪،‬‬ ‫تتفاوت ما بني بقع من املس���تنقعات يبلغ قطرها مترا واحدا وبقع من حقول‬ ‫احملاصيل قطرها ‪ 23‬مترا وبقع من املزارع احلرجية قطرها ‪ 30‬مترا‪.‬‬ ‫النتائ���ج ‪ :‬تؤك���د البيان���ات أن املس���تويات املرتفعة من ثاني أكس���يد الكربون‬ ‫حتفـِّز التركيب الضوئي والذي ُيدخل املزيد من الكربون في النسج النباتية‪.‬‬ ‫وه���ذا اإلنت������اج األول������ي الصاف������ي ‪ net primary production‬يس���تمر ملواس���م‬ ‫من���و متع���دّدة ‪ .‬لق���د ازداد اإلنت���اج األولي الصاف���ي في جت���ارب الغابات في‬ ‫ويسكونس���ن وكاروالينا الش���مالية وتينيس���ي وإيطاليا مبقدار ‪ %23‬س���نويا‬ ‫عندم���ا ارتفع مس���توى ثاني أكس���يد الكرب���ون في بيئة ه���ذه املناطق من ‪388‬‬ ‫جزءا من املليون إلى ‪ 550‬جزءا من املليون‪ .‬وهو املستوى الذي قد يصل إليه‬ ‫ف���ي مئ���ة عام إذا لم تقم األمم بأي إجراء للحد م���ن إصداراته‪ .‬وتوحي نتائج‬

‫جتربة إغناء الهواء الطلق بـغاز ثاني أكسيد الكربون‬

‫النمذجة احلديثة أن النباتات سوف تستجيب إيجابيا للمستويات املرتفعة‬ ‫م���ن ثان���ي أكس���يد الكربون على الرغم من أن هذه املكاس���ب ميكن أن تقل في‬ ‫الترب التي ال حتتوي على كمية كافية من املغذيات مثل النتروجني‪.‬‬ ‫لق���د كان اإلنت���اج األولي الصاف���ي املتزايد ثابتا في جمي���ع بقع جتارب‬ ‫إغن���اء اله���واء الطلق بـغاز ثاني أكس���يد الكرب���ون في جميع أنح���اء العالم‪،‬‬ ‫ولك���ن اإلنت���اج األولي الصافي يش���ير فقط إلى كمية الكرب���ون التي اختزنت‬ ‫ضم���ن النب���ات‪ ،‬وال يعك���س مصي���ر ه���ذا الكربون عل���ى املدى الطوي���ل‪ ،‬ففي‬ ‫غابات الصنوبر الكثيفة في نورث كاروالينا يخزن الكربون املضاف بصورة‬ ‫أساس���ية في الس���وق واألغصان حيث ميكن أن يبقى فيها عقودا طويلة من‬ ‫الزم���ن‪ ،‬ف���ي حني جن���د في غابات الصم������غ احللو ‪ sweetgum‬في تينيس���ي أنّ‬ ‫الكربون ظهر في املقام األول في اجلذور الصغيرة احلديثة‪.‬‬ ‫تك���ون ه���ذه اجلذور مفيدة طبع���ا ولكنها ال تعيش س���ـوى مدد قصيـرة‬ ‫ال تتع���دى أس���ابيع قليلة أو س���نة‪ ،‬والكثي���ر من الكربون يع���ود إلى الغالف‬ ‫اجل���وي حاملا تق���وم البكتيريا بتفكيك اجل���ذور‪ .‬ويحاول العلم���اء معرفة ما‬ ‫الذي يقود الكربون إلى مكان من النبات دون اآلخر‪ ،‬وس���نحصل على الكثير‬ ‫من املعرفة عندما ُتقطع األش���جار وحتفر التربة في مختلف مواقع الدراس���ة‬ ‫في األشهر القادمة‪.‬‬ ‫وميكن القول إن جتارب إغناء الهواء الطلق بغاز ثاني أكسيد الكربون‬ ‫ق���د أعط���ت ثمارها حالي���ا‪ .‬إذ قام >‪ .J‬رانديرس���ون< [من جامع���ة كاليفورنيا‬ ‫ف���ي إرڤ�ي�ن] مع علم���اء مختبر أوك‪-‬ري���دج [في املركز الوطن���ي ألبحاث اجلو‬ ‫في بولدر‪ ،‬كولورادو‪ ،‬ومعاهد أخرى] باس���تعمال البيانات لتقييم وحتس�ي�ن‬ ‫منوذج منظومة املناخ احمللية الذي يحاكي العمليات الفيزيائية والكيميائية‬ ‫والبيولوجية التي حترك منظومة مناخ الكرة األرضية‪.‬‬ ‫( ) ‪CO2: Greater Growth For Some‬‬

‫‪ ‬مقياس الريح لقياس سرعة الرياح وتعيني اجتاهها‬ ‫➎‬

‫برج تدعيم‬ ‫(ارتفاعه ‪ 20‬مترا)‬ ‫أشجار‬ ‫الصمغ‬ ‫احللو‬

‫حلقات من أنابيب ‪ pipes‬في جتربة إغناء الهواء الطلق‬ ‫بـغاز ثاني أكسيد الكربون حتاكي اإلصدارات املرتفعة‬ ‫وذلك بضخ الغاز بني األشجار‪.‬‬ ‫‪ ‬أنبوب للحصول على عينة من‬ ‫➏‬ ‫هواء بيئة احمليط املجاور للمراقبة‬ ‫صهريج ثاني‬ ‫أكسيد الكربون‬

‫مضخة‬ ‫➊ وحدة حتكم تحُ ّرر و ُتراقب‬ ‫‪‬‬ ‫غاز ثاني أكسيد الكربون‬

‫‪ ‬صمامات تتحكم في تدفق ثاني‬ ‫‪‬‬ ‫أكسيد الكربون كل بضع ثوان‬

‫‪ ‬أنابيب التهوية مفتوحة‬ ‫➌‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪ ‬غاز ثاني أكسيد الكربون مدفوع بالرياح‬ ‫➍‬

‫‪51‬‬


‫[احلرارة]‬

‫درجة احلرارة ‪ :‬ارتفاعا وانخفاضا‬

‫( )‬

‫املوض���وع ‪ :‬س���يختلف االحت���رار في املس���تقبل باخت�ل�اف املوق���ع اجلغرافي‪ .‬ب��ي�ن درج����ة إلى ث��ل�اث درجات س����يلزية تزيد ف����ي تعزيز منو الغط����اء األرضي من‬ ‫وستكون درجة احلرارة في أمريكا الشمالية في عام ‪ 2100‬أعلى مبقدار يقع ما الش����جيرات املتس����اقطة األوراق واألعش����اب مقارنة بالطحالب واألشنيات‪ .‬وتدعم‬ ‫بني ‪ 3.8‬إلى ‪ 5.9‬درجة س���ي ّلزية ش���تاء وبني ‪ 2.8‬إلى ‪ 3.3‬درجة صيفا‪ .‬وس���تؤثر هذه االستجابة التفريقية(‪ )1‬الفرضية القائلة إنّ االحترار سيسبب ترديا (انخفاضا)‬ ‫ه���ذه التغيرات في األي������ض ‪ metabolism‬النباتي وكذلك في توف���ر املاء واملواد في التنوع البيولوجي في املنظومات البيئية في مناطق خطوط العرض املرتفعة‪.‬‬ ‫الغذائي���ة في التربة‪ ،‬وفي صراع النباتات على املوارد وفي ش���ره احليوانات وكذلك‪ ،‬فإن التحول من غطاء نباتي عشبي إلى غطاء من الغابات ميكنه أن يؤدي‬ ‫إل����ى زي����ادة الطاقة التي متتصها األرض في مقابل تلك املنعكس����ة منها والراجعة‬ ‫العاشبة واحلشرات واملُ ْم ِرضات‪.‬‬ ‫التجرب���ة ‪ :‬ج���رب الباحثون ع���ددا مختلفا من الطرائق لتس���خني بقع صغيرة إلى الفضاء مؤدية إلى زيادة إضافية في درجة حرارة العالم‪.‬‬ ‫قدّم���ت التج���ارب التي أجري���ت في خطوط عرض أخ���رى أدلة حول حدوث‬ ‫جدا‪ ،‬واستعملوا املصابيح املصدرة لألشعة حتت احلمراء وأشرطة التسخني‬ ‫انقراض���ات محلي���ة وهج���رات متع���ددة وتغيي���رات‬ ‫الكهربائي���ة الت���ي توض���ع في الترب���ة‪ ،‬واحلجرات‬ ‫ف���ي تركي���ب األنواع‪ .‬فق���د قامت >‪ .C‬كاندرس���ون< [من‬ ‫املفتوحة السقف – وهي أقفاص أسطوانية الشكل‬ ‫مختب���ر أوك‪-‬ري���دج الوطن���ي] بتعريض أربع���ة أنواع‬ ‫مغلف���ة ببالس���تيك ش���فاف ومجهزة بجه���از ينفخ‬ ‫م���ن األش���جار املتس���اقطة األوراق إلى درج���ات حرارة‬ ‫الهواء الساخن‪ .‬وقد تبني أن جميع هذه املقاربات‬ ‫أعلى بأربع درجات س���ي ّلزية م���ن درجة حرارة احمليط‬ ‫مفي���دة ولكنه���ا ال تخل���و م���ن العي���وب‪ :‬فمعظمه���ا‬ ‫ّ‬ ‫اخلارجي (الصورة والشكل التوضيحي)‪ ،‬فوجدت أن‬ ‫يس���خن س���وى منطق���ة صغي���رة والعدي���د منها‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫النبت���ات الصغيرة والش���جيرات تتأقل���م فيزيولوجيا‬ ‫يس���خن بعض أج���زاء املنظومة البيئي���ة فقط‪ ،‬كما‬ ‫أنّ أش���رطة التس���خني ُت ّ‬ ‫و ُتظه���ر ف���ي الكثير من األحيان من���وا معززا‪ .‬إذ تظهر‬ ‫س���خن بقعا حارة تسخينا‬ ‫أوراق األشجار في فصل الربيع مبكرة مدة تتراوح ما‬ ‫غي���ر طبيعي ف���ي التربة‪ .‬أما احلجرات املس���خنة‬ ‫بني س���تة أيام إلى أربعة عش���ر يوما‪ ،‬وتبقى محافظة‬ ‫بالهواء الس���اخن‪ ،‬فتعتمد على الفترة الزمنية من‬ ‫عل���ى أوراقه���ا اخلض���راء مدة أطول بع���د دخول فصل‬ ‫اليوم والفصل من الس���نة‪ ،‬وتتأ ّثر بالهطل املطري‬ ‫االستجابة‬ ‫جتربة‬ ‫في‬ ‫السقف‬ ‫مفتوحة‬ ‫حجرات‬ ‫اخلريف مطيلة بذلك موسم النمو حتى ثالثة أسابيع‪.‬‬ ‫والري���اح وض���وء الش���مس بطريق���ة تعقد تفس���ير‬ ‫وضبط درجات احلرارة لتدفئة النبتات‬ ‫وم���ع ذل���ك تبني أدل���ة قليل���ة أن النمو الربيع���ي املبكر‬ ‫النتائج‪.‬‬ ‫الصغيرة والشجيرات باستمرار‪.‬‬ ‫كثيرا ما يعرض النباتات للصقيع املتأخر املهلك‪.‬‬ ‫النتائ����ج ‪ :‬إن املنظوم����ات البيئية القطبية الش����مالية‬ ‫وعلى الرغم من النتائج املفيدة‪ ،‬فإنه من الصعب‬ ‫واملناط����ق الش����مالية الواقع����ة إلى جنوبها مباش����رة‪،‬‬ ‫تكون بشكل خاص معرضة للتأثر في تغيرات درجات احلرارة‪ .‬لقد استعملت في تعمي���م بيانات البقع الصغيرة على املنظوم���ات البيئية‪ .‬ولذلك البد من إيجاد‬ ‫جترب����ة التون����درا العاملية التي قادهــا >‪ .G‬هنري< [م����ن جامعة بريتش كولومبيا] طرائق جديدة لتس���خني مس���احات أوس���ع‪ .‬وتعتمد معظم التقني���ات املقترحة‬ ‫احلجرات املس� ّ‬ ‫���خنة لتس����خني بقع صغيرة ف����ي نحو اثني عش����ر موقعا في بلدان عل���ى الكهرباء للتس���خني‪ ،‬ولكن ق���د يكون الغاز الطبيع���ي أو الطاقة احلرارية‬ ‫مختلف����ة‪ .‬وتب��ي�ن النتائ����ج التي مت احلص����ول عليها حتى اآلن أن زي����ادة قدرها ما األرضية أفضل اخليارات للمواقع النائية‪.‬‬

‫تتمة الصفحة‬

‫‪ 49‬‬

‫املؤلفان‬

‫‪Stan Wullschleger‬‬

‫‪Maya Strahl‬‬

‫متخصص بتغير‬ ‫>ولسش���ليكر< بيولوجي‬ ‫ّ‬ ‫املناخ وقائ������د مجموعة بيولوجيا املنظومات‬ ‫النباتبة ف������ي مختبر أوك‪-‬ريدج الوطني في‬ ‫تينيسي‪ .‬أجرى جتارب الستكشاف تأثيرات‬ ‫اإلغن������اء بثاني أكس������يد الكربون واالحترار‬ ‫واجلف������اف في الغاب������ات الطبيعية واملزارع‬ ‫واحلق������ول القدمي������ة‪ .‬يقوم حالي������ا بتصميم‬ ‫واختبار تقانة التسخني على توندرا القطب‬ ‫الشمالي والغابات الشمالية‪.‬‬ ‫>س���تراهل< بيولوجية نباتي������ة في مختبر‬ ‫كولد س������پرينگ هاربر ف������ي نيويورك‪ ،‬وهي‬ ‫مشاركة سابقة في برنامج اخلبرات البحثية‬ ‫في التعليم العالي مبختبر أوك‪-‬ريدج‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫>‬

‫>‬

‫فعلى س������بـ ــيل املثـال‪ ،‬بينت جتارب حديثة‬ ‫أجراها >‪ .S‬سميث< [من جامعة نيڤادا في‬ ‫الس ڤيگاس] أن زيادة تركيز ثاني أكسيد‬ ‫الكرب������ون في إحدى الس������نني التي كانت‬ ‫األمطار فيها أكث������ر من املعتاد قد حفـزت‬ ‫انتشار نبات بروموس تكتوروم ‪Bromus‬‬ ‫‪ tectorum‬أو الش����يتگراس ‪cheatgrass‬‬ ‫الذي يخفض تنوع األنواع النباتية ويعدل‬ ‫السلس������لة الغذائي������ة ويزيد م������ن احتمال‬ ‫حدوث حرائق‪.‬‬ ‫وم������ع أن غزو النبات������ات الغابية ألراضي‬ ‫األعش������اب في العالم خالل املئتي س������نة‬ ‫املاضية قد حصل بس������بب الرعي اجلائر‬ ‫وإخم������اد احلرائ������ق‪ ،‬إال أن ارتفاع تركيز‬ ‫ثاني أكس������يد الكربون في اجلو قد يسهم‬ ‫في زحف األش������جار والش������جيرات إلى‬ ‫الواليات املتحدة الغربية‪.‬‬ ‫في املستقبل ستؤثر تراكيز ثاني أكسيد‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫الكربون في النباتات بطرائق قد ت ّؤثـر في‬ ‫صحة اإلنس������ان العامة مثل إنتاج كميات‬ ‫كبي������رة م������ن غبار الطل������ع الت������ي تثير فيه‬ ‫تفاعالت حتسس������ية‪ ،‬وزيادة منو وس������ ّمية‬ ‫نبات اللبالب ‪ ivy‬السام واألنواع األخرى‬ ‫الغازية املعادية‪.‬‬ ‫مسائل معقدة‬

‫( )‬

‫إن نتائ������ج التج������ارب الكبي������رة احلقلي������ة‬ ‫معب������رة‪ ،‬غي������ر أن معظم التحري������ات املنجزة‬ ‫ف������ي خطوط عرض متوس������طة انحصرت في‬ ‫الغالب في الواليات املتحدة وأوروبا‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫نحن بحاجة إلى جت������ارب جديدة في مواقع‬ ‫تغطي مجاال أوس������ع من خطوط العرض لكي‬ ‫نس������تطيع التنبؤ بدقة باس������تجابات نباتات‬ ‫املناطق الشمالية والتوندرا واملدارية‪ ،‬إضافة‬ ‫( ) ‪Temperature: Highs and Lows‬‬ ‫( ) ‪Complex Questions‬‬ ‫(‪differential response )1‬‬


‫كيف يتصرف‬ ‫( )‬ ‫فول الصويا‬

‫جتربة االستجابة لدرجة احلرارة وضبطها‬

‫املوقع‪ :‬منشأة إغناء الهواء الطلق بغاز‬ ‫ثاني أكسيد الكربون‪ ،‬جامعة إلينوي في‬ ‫أوربانا – شامپني‬

‫‪ ‬معدات تقيس درجة حرارة الهواء‬ ‫➋‬ ‫والتربة والرطوبة النسبية‬

‫نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون املرتفعة‪:‬‬ ‫حجرة مفتوحة السقف‬ ‫(ارتفاعها ‪ 3‬م وقطرها ‪ 2‬م)‬

‫‪ 550‬جزءا من املليون‬ ‫نسبة األوزون املرتفعة‪ 1.2 :‬مرة من قيمة‬ ‫احمليط اخلارجي‬ ‫البقع‪ :‬حلقات قطرها ‪ 20‬مترا‬ ‫التوقع‪ :‬مستويات أعلى من األوزون وغاز ثاني‬ ‫أكسيد الكربون متوقعة في منتصف القرن‬ ‫النتائج‪ :‬منت نباتات فول الصويا مبقدار‬ ‫أكبر من الطبيعي‪ ،‬ولكنها كانت أكثر عرضة‬ ‫للتلف بسبب اخلنافس اليابانية ( في األسفل)‬

‫سخانة كهربائية‬ ‫خليط من أنواع‬ ‫النبتات الصغيرة‬ ‫جدار صلب‬ ‫نافخة هواء‬ ‫بطانة مثقبة ‬

‫‪ ‬هواء ساخن يتدفق نحو الداخل‬ ‫‪‬‬ ‫هواء ساخن‬

‫إلى املنظومات البيئية‪ .‬وس������يتطلب التحضير‬ ‫ملث������ل هذه التج������ارب بضع س������نني؛ ألنها قد‬ ‫تكون معقدة علميا وتجُ رى في مناطق نائية‪.‬‬ ‫وقد تتطلب مقدارا كبيرا من العمل الهندسي‬ ‫للتأكد من أن الش������روط املعدلة تنطبق بشكل‬ ‫موحد وأن البنية التحتية متينة بصورة تكفي‬ ‫للعمل بها سنني طويلة‪.‬‬ ‫ويج������ب عل������ى البيولوجيني أيض������ا بناء‬ ‫منش������آت تكون قادرة لي������س فقط على تغيير‬ ‫كل من تركيز ثاني أكس������يد الكربون ودرجة‬ ‫احلرارة وأمناط الهطل املطري‪ ،‬وإنمّ ا تكون‬ ‫ق������ادرة عل������ى تغيير ه������ذه العوام������ل الثالثة‬ ‫مجتمعة‪ .‬ونحن لم نقم حتى اآلن إال بتلمس‬ ‫املش������كلة‪ .‬ويجري حاليا تقييم جتربة جديدة‬ ‫بالقرب من شيني(‪ )1‬في والية وايومينگ تتعلق‬ ‫بالكيفية التي ستتصرف فيها نباتات البراري‬ ‫الشمالية املكونة من خليط من احلشائش في‬ ‫تغييرات مفترضة ومتزامنة في تركيز ثاني‬

‫أكس������يد الكربون ودرجة احلرارة‪ .‬لقد وجد‬ ‫>‪ .J‬مورگان< [الذي يعمل في مركز األبحاث‬ ‫الزراعية التابع ل������وزارة الزراعة األمريكية‪،‬‬ ‫في الس������نة األولى لتجربة تسخني البراري‬ ‫(األراضي العش������بية) وإغنائه������ا بغاز ثاني‬ ‫أكس������يد الكربون] دالئل على أن التس������خني‬ ‫املترافق بزيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون‬ ‫قد يعزز من غزارة أعش������اب املوسم الدافئ‬ ‫في الگريت پلينز ‪ Great Plains‬على حساب‬ ‫أعشاب املوسم البارد‪.‬‬ ‫فما ه������ي الطريقة األفض������ل للتعامل مع‬ ‫نفس������ر تركيبات هذه‬ ‫عوامل متع������ ّددة وكيف ّ‬ ‫العوامل‪ ،‬وبقدر اإلمكان تغذياتها املرتدة‪ ،‬في‬ ‫مناذج من األسئلة املعقدة‪ .‬وعاجال ما سنكون‬ ‫بحاجة إلى بيانات مس������تمدة من التجربة إذا‬ ‫أردنا أن نقدم العون إلى مجتمع يتوقع ويخطط‬ ‫>‬ ‫ويتكيـف مع مناخ يتغير بسرعة‪.‬‬ ‫( ) ‪How Soybeans Fare‬‬ ‫(‪Cheyenne )1‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, March 2010‬‬

‫‪53‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫احلقيقـة الناصعة‬

‫(٭)‬

‫توضح االكتشافات احلديثة أصول غياب الشعر لدى البشر –‬ ‫وتشير إلى الدور املفتاحي للجلد العاري في بزوغ سمات بشرية أخرى‪.‬‬ ‫>‪ .G .N‬جابلونسكي<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫اإلنســـان هـو النـوع الوحيد‬ ‫املنتمي إلى الرئيسيات والذي‬ ‫عار‪.‬‬ ‫جلده شبه ٍ‬

‫>‬

‫انعدام الفرو كان استجابة‬ ‫للظروف البيئية املتغيرة‪ ،‬والتي‬ ‫أجبرت أسالفنا على الترحال‬ ‫ملسافات أطول بحثا عن الكأل‬ ‫واملاء‪.‬‬

‫>‬

‫تشير حتاليل األحافير واجلينات‬ ‫(املورثات) ‪ genes‬إلى متى حصل‬ ‫هذا التحول‪.‬‬

‫>‬

‫أسهم تطور غياب الشعر في بناء‬ ‫اإلطار الالزم لبزوغ األدمغة الكبيرة‬ ‫والتفكير الرمزي‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫ ‬

‫‪54‬‬

‫من ب� �ي��ن جمي� � ��ع الرئيس���يات(‪ ،)1‬ينفرد في ارتقاء السمات البشرية املميزة األخرى‪،‬‬ ‫اإلنس� � ��ان بامتالكه جلدا عاريا من الش� � ��عر كأدمغتنا الكبيرة واعتمادنا على اللغة‪.‬‬ ‫تقريبا‪ .‬فلكل عضو آخر من أعضاء فصيلتنا‬ ‫( )‬ ‫للشعر مهام‬ ‫املمت� � ��دة غطاء كثي� � ��ف من الف� � ��رو – يتراوح‬ ‫م� � ��ن الفرو القصير األس� � ��ود اخلاص بالقرد‬ ‫كي نفهم الس� � ��بب الذي جعل أس� �ل��افنا‬ ‫الع� � ��واء ذي الذيل إلى ف� � ��رو األورانگ أوتان يفقدون ش� � ��عر جلودهم‪ ،‬علين� � ��ا في البدء أن‬ ‫النحاس� � ��ي املنس� � ��اب‪ -‬وهذا هو احلال لدى منعن التفكير في الس� � ��بب الذي جعل لبعض‬ ‫معظم الثدييات‪ .‬نعم‪ ،‬نحن البشر لدينا شعر األنواع األخرى جلودا فرائية‪ .‬فالش� � ��عر هو‬ ‫على أيدينا‪ ،‬وفي أماكن أخرى من أجسامنا‪ ،‬منط من غطاء اجلسم تنفرد به الثدييات‪ .‬إنه‬ ‫ولكن حتى أكثرنا شعرا يعتبر من حيث املبدأ ف� � ��ي الواقع ميثل العالم� � ��ة الفارقة للفصيلة‪:‬‬ ‫عاريا قياسا بأقاربنا‪.‬‬ ‫فم� � ��ا من ثديي� � ��ات إال ومتتلك بعض الش� � ��عر‬ ‫ولكن كيف اس� � ��تقر بن� � ��ا املطاف في حال عل� � ��ى األق� � ��ل‪ ،‬وإن كان معظمه� � ��ا يزخر به‪.‬‬ ‫التعري من الش� � ��عر؟ هذا ما ش� � ��غل العلماء وهو يوفر ع� � ��زال وحماية من الرطوبة وضرر‬ ‫لق� � ��رون عدة‪ .‬فقد كان العث� � ��ور على إجابات أشعة الش� � ��مس‪ ،‬ومن الطفيليات واجلراثيم‬ ‫أمرا صعبا‪ :‬إن معظم التحوالت التي طرأت املمرض� � ��ة‪ .‬كما أن� � ��ه يخدم أيضا كوس� � ��يلة‬ ‫عبر مس� � ��يرة االرتقاء البش� � ��ري ‪ -‬كاملش� � ��ي للتمويه إذ يضلل املفترس� �ي��ن‪ ،‬وتسمح طرزه‬ ‫بقامة منتصبة ‪ -‬مسجلة مباشرة في أحافير املميزة ألعض� � ��اء النوع الواح� � ��د بالتعارف‪.‬‬ ‫أس� �ل��افنا‪ ،‬فيما لم حتتفظ أي� � ��ة بقايا معروفة كما ميكن للثدييات أن تس� � ��تعمل فراءها في‬ ‫بآثار للجلد البش� � ��ري‪ .‬إال أنه تبني للباحثني عروض اجتماعية للدالل� � ��ة على العدوانية أو‬ ‫ف� � ��ي الس� � ��نوات القليلة املاضية‪ ،‬أن س� � ��جل الغضب‪ :‬فعندما يرفع كلب ما شعر عنقه أو‬ ‫األحافير يعطي تلميحات غير مباش� � ��رة عن ظهره‪ ،‬على نحو ال إرادي ‪ ،‬فهو يرسل رسالة‬ ‫التحول من كثيفي شعر إلى قليليه‪ .‬وبفضل واضحة إلى متحديه بوجوب االبتعاد عنه‪.‬‬ ‫ه� � ��ذه األدل� � ��ة والفهم العميق اللذين تكش� � ��فا‬ ‫ومع أن الفرو يخدم هذه األهداف العديدة‬ ‫بفضل علماء الوراثة ووظائف األعضاء إبان املهمة‪ ،‬إال أن هناك عددا من سالالت الثدييات‬ ‫العقد املاضي‪ ،‬متكنت مع باحثني آخرين من ط َّور ش� � ��عرا دقيقا ومتناثرا حتى أمسى بال‬ ‫صياغة تفسير مقنع ملسببات وتوقيت فقدان نفع‪ .‬والعديد من هذه املخلوقات يعيش حتت‬ ‫الفراء لدى البشر‪ .‬وإضافة إلى تفسير سمة األرض‪ ،‬أو يسكن املاء حصرا‪ .‬ولدى بعض‬ ‫غريبة من سمات اإلنسان‪ ،‬يعطي هذا الطرح‬ ‫( ) ‪THE NAKED TRUTH‬‬ ‫( ) ‪Hairy Situations‬‬ ‫لسمة اجللد العاري من الشعر دورا حاسما‬ ‫(‪primates )1‬‬


‫الثديي� � ��ات التي تعيش حتت س� � ��طح األرض‪،‬‬ ‫كالف� � ��أر عدمي الذي� � ��ل‪ ،‬حدث الصل� � ��ع نتيجة‬ ‫للعيش في مس� � ��تعمرات كبيرة حتت س� � ��طح‬ ‫األرض‪ ،‬حيث يفقد الش� � ��عر أهميته؛ ذلك أنه‬ ‫ليس مبقدور هذه احليوان� � ��ات رؤية بعضها‬ ‫بعضا ف� � ��ي ظلمة هذه األنف� � ��اق‪ ،‬وألن بنيتها‬ ‫االجتماعي� � ��ة حتت األرض تتي� � ��ح لها التجمع‬ ‫عن� � ��د احلاجة إلى الدفء‪ .‬أما بالنس� � ��بة إلى‬ ‫الثدييات البحرية الت� � ��ي ال تخاطر باخلروج‬ ‫إلى اليابس� � ��ة‪ ،‬كاحليتان‪ ،‬فإن جلدها العاري‬ ‫من الش� � ��عر يس� � ��هل لها الغطس والسباحة‬ ‫ملس� � ��افات طويلة‪ ،‬وذلك كونه يقلل من مقاومة‬ ‫املاء‪ .‬ولكي تعوض ه� � ��ذه احليوانات النقص‬ ‫في العزل الناجم عن غياب الش� � ��عر‪ ،‬تتراكم‬ ‫شحوم س� � ��ميكة حتت جلودها‪ .‬وعلى خالف‬ ‫الثدييات البحرية‪ ،‬ف� � ��إن الثدييات التي تألف‬ ‫العيـ� � ��ش في كل من اليابس� � ��ة واملاء ‪ -‬كلب‬ ‫امل���اء ‪ Otter‬عل� � ��ى س� � ��بيل املث� � ��ال ‪ -‬لها فرو‬ ‫س� � ��ميك عازل للماء يحتج� � ��ز بداخله الهواء‬ ‫مما يساعد على الطفو‪ ،‬األمر الذي يقلل من‬ ‫اجلهد املفروض بذله في العوم؛ عدا عن كونه‬ ‫يحمي جلودها في اليابسة‪.‬‬ ‫لقد طورت أضخم الثدييات األرضية ‪ -‬وهي‬ ‫الفيلة ووحي� � ��دات القرن‪ ،‬وأف� � ��راس النهر ‪-‬‬ ‫أيضا جلودا عارية من الشعر ويعود ذلك إلى‬ ‫اخلطر املالزم الذي يعرضها للزيادة املفرطة‬ ‫في احلرارة‪ .‬فكلما كان احليوان أكبر وكلما‬ ‫كانت نس� � ��بة مس� � ��احة س� � ��طحه إلى مجمل‬ ‫كتلة جس� � ��مه أقل‪ ،‬ازدادت صعوبة التخلص‬ ‫من فائ� � ��ض حرارة اجلس� � ��د‪ .‬وباملقابل‪ ،‬فإن‬ ‫الفئران واحليوانات األصغ� � ��ر حجما‪ ،‬التي‬ ‫تكون نس� � ��بة مساحة س� � ��طحها إلى حجمها‬ ‫كبي� � ��رة‪ ،‬غالبا م� � ��ا جتاهد للحف� � ��اظ على ما‬ ‫يكفيها من احلرارة‪ .‬وخالل العصر اجلليدي‬ ‫األعظم (الپليستوسني)‪ ،‬الذي امتد منذ نحو‬ ‫مليوني س� � ��نة وحتى ‪ 10 000‬سنة خلت‪ ،‬فإن‬ ‫فيل� � ��ة املاموث وأقرباءه� � ��ا اآلخرين من الفيلة‬ ‫احلديث� � ��ة ووحيدات القرن كانت ذات ش� � ��عر‬ ‫«صوفي»‪ ،‬ألنها عاش� � ��ت في بيئ� � ��ات باردة؛‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫حيث ساعدها العزل عن اخلارج‪ ،‬الذي وفره‬ ‫هذا الشعر‪ ،‬على االحتفاظ بحرارة أجسامها‬ ‫ومن ث� � ��م إنقاص حاجتها إل� � ��ى الطعام‪ .‬أما‬ ‫في عصرنا احلالي‪ ،‬ف� � ��إن جميع احليوانات‬ ‫العاش� � ��بة املفرطة ف� � ��ي الضخامة تعيش في‬ ‫بيئات حارة جدا‪ ،‬ومن ثم سيؤدي احتفاظها‬ ‫بجلد فرائي إلى قتلها‪.‬‬ ‫إن غي� � ��اب الش� � ��عر ل� � ��دى البش� � ��ر ليس‬ ‫تط� � ��ورا تكيفيا للعيش حت� � ��ت األرض أو في‬ ‫املاء – عل� � ��ى الرغم من االعتناق الش� � ��عبي‬ ‫مل� � ��ا يدعى بفرضية الق����رد املائ����ي ‪aquatic‬‬ ‫‪[ ape hypothesis‬انظ� � ��ر اإلطار الس� � ��فلي في‬ ‫الصفح� � ��ة ‪ .]57‬كما أن غياب الش� � ��عر ليس‬ ‫وليد ضخامة حجم اجلسم‪ .‬بل إن هذا اجللد‬ ‫املتعري من الشعر هو نتيجة ضرورة تبريد‬ ‫اجلسم؛ هذه الضرورة التي طاملا انسجمت‬ ‫مع قدراتنا الفائقة على التعرق‪.‬‬ ‫طرح احلرارة خارج اجلسم بالتعرق‬

‫( )‬

‫ال تقتص� � ��ر مش� � ��كلة االحتفاظ باجلس� � ��م‬ ‫باردا عل� � ��ى الثدييات العمالق� � ��ة‪ ،‬بل تتعدى‬ ‫إل� � ��ى العديد من الثديي� � ��ات‪ ،‬خاصة تلك التي‬ ‫تعيش في أماكن حارة وتو ّلد قدرا كبيرا من‬ ‫احلرارة نتيجة املش� � ��ي ملس� � ��افات طويلة‪ ،‬أو‬ ‫نتيجة الرك� � ��ض‪ .‬ويتعني على تلك احليوانات‬ ‫أن تضبط بدقة حرارة جسمها الداخلية‪ ،‬ألن‬ ‫فرط احلرارة قد يضر بأنسجتها وأعضائها‪،‬‬ ‫خاصة الدماغ منها‪.‬‬ ‫تستخدم الثدييات مجموعة من األساليب‬ ‫املتباين� � ��ة لتجنب االحت� � ��رار‪ :‬فالكالب تلهث‬ ‫بفواصل زمنية قصي� � ��رة‪ ،‬والعديد من أنواع‬ ‫القطط تنش� � ��ط أكثر خالل س� � ��اعات املس� � ��اء‬ ‫األب� � ��رد‪ ،‬كم� � ��ا وميك� � ��ن للكثير م� � ��ن الوعول‬ ‫أن تف � � � ّرغ حرارة دم ش� � ��رايينها إلى دم في‬ ‫أوردة دموي� � ��ة صغيرة س� � ��بق له أن تبرد عبر‬ ‫تنفس الوع� � ��ل من خالل أنفه‪ .‬أما بالنس� � ��بة‬ ‫إلى الرئيس� � ��يات‪ ،‬مبا في ذلك البش� � ��ر‪ ،‬فإن‬ ‫التعرق هو االستراتيجية الرئيسية للتخلص‬ ‫( ) ‪Sweating It Out‬‬

‫‪55‬‬


‫[فوائد انعدام الشعر]‬

‫الفراء مقابل التعري‬

‫( )‬

‫يتفوق اجللد البشري العاري من الشعر في التخلص‬ ‫من حرارة اجلسم الزائدة على اجللد املغطى بالفرو‪.‬‬ ‫ولدى الثدييات ثالثة أنواع من الغدد املخصصة‬ ‫لهذه الغاية‪ :‬غدد العرق الدهني‪ ،‬وغدد العرق املائي‪،‬‬ ‫والغدد الدهنية‪ .‬وفي معظم الثدييات حتتوي طبقة‬ ‫اجللد اخلارجية املعروفة بالبشرة الكثير من غدد‬ ‫العرق الدهني‪ .‬وتتجمع هذه الغدد حول جريبات‬ ‫الشعر وتغلف شعر الفرو برغوة من العرق املدهن‪.‬‬ ‫ويتبخر هذا العرق فوق سطح اجللد مبردا احليوان‬ ‫بسحبه احلرارة من جلده‪ .‬ولكن مبقدار ما يزداد تعرق‬ ‫احليوان‪ ،‬مبقدار ما تقل فاعليته في إبعاد احلرارة ألن‬ ‫الفرو يصبح أكثر تشابكا‪ ،‬ومن ثم أكثر منعا للتعرق‪.‬‬ ‫أما في البشرة البشرية‪ ،‬فتسود غدد العرق املائي‪ .‬وتقع‬ ‫هذه الغدد قريبا من سطح اجللد‪ ،‬وتفرغ عرقها املائي‬ ‫الرقيق عبر املسامات اجللدية‪ .‬وإضافة إلى تبخر هذا‬ ‫العرق املائي مباشرة من على سطح اجللد‪ ،‬فإنه يتبخر‬ ‫بسهولة أكبر من تبخر العرق الدهني‪ ،‬األمر الذي يؤدي‬ ‫إلى حتسني عملية التبريد‪.‬‬

‫ثديي ذو جلد فرائي ‪‬‬

‫العرق الدهني‬

‫غدة عرق مائي‬

‫غدة عرق دهني‬

‫من احلرارة الزائدة‪ .‬فالتعرق يبرد اجلس� � ��م‬ ‫عبر إنتاج سائل على سطح اجللد يزيل عقب‬ ‫تبخره الطاق � � � َة احلرارية الزائدة‪ .‬وتعمل آلية‬ ‫تبريد مجمل اجلس� � ��د ه� � ��ذه وفقا للمبدأ ذاته‬ ‫الذي يعمل به جه� � ��از التبريد بالتبخر (الذي‬ ‫يعرف أيضا باملبرد الرطب)‪ ،‬وهي آلية فعالة‬ ‫جدا ف� � ��ي منع االحت� � ��رار الزائد اخلطر على‬ ‫الدماغ وبقية أعضاء اجلسم‪.‬‬ ‫تتنوع طبيعة العرق‪ .‬فجلد الثدييات يحتوي‬ ‫ثالث� � ��ة أنواع م� � ��ن الغدد‪ ،‬تنتج معا الس� � ��ائل‬ ‫املعروف بالعرق‪ :‬الغدد الدهنية ‪،sebaceous‬‬ ‫غدد الع���رق الدهن���ي ‪ ،apocrine‬غدد العرق‬ ‫املائي (غدد زُهمية) ‪ .eccrine‬فالغدد الدهنية‬ ‫وغدد العرق الدهني هي السائدة لدى معظم‬ ‫األنواع وتوجد قرب قاعدة جريبات الش� � ��عر‪.‬‬ ‫وتلتئم مفرزات هذه الغدد لتغلف الش� � ��عيرات‬ ‫بخليط زيتي‪ ،‬يكون في بعض األحيان رغوي‬ ‫الش� � ��كل ( لنتذك� � ��ر الرغوة الت� � ��ي تصدر عن‬ ‫حص� � ��ان الس� � ��باق‪ ،‬حينما يجري)‪ .‬يس� � ��اعد‬ ‫ه� � ��ذا النوع من العرق عل� � ��ى تبريد احليوان‪،‬‬ ‫بيد أن قدرته على تبدي� � ��د احلرارة محدودة‪.‬‬ ‫فقبل نحو عقدين من الزم� � ��ن بينّ >‪ .E .G‬فولك‬ ‫جونير< وزمالؤه [من جامعة أيوا] أن فاعلية‬ ‫‪56‬‬

‫غدة دهنية‬

‫جريب الشعرة‬

‫التبريد تنق� � ��ص حاملا يصبح ف� � ��رو احليوان‬ ‫مبلال ومش� � ��بعا بهذا العرق الدهني السميك‪.‬‬ ‫وتنجم عدم فاعلية التبريد هذه عن أن التبخر‬ ‫يحصل عند س� � ��طح الفرو‪ ،‬وليس عند سطح‬ ‫اجللد ذاته‪ ،‬األمر الذي يعيق انتقال احلرارة‪.‬‬ ‫وفي ظ� � ��روف جفاف الطق� � ��س يصبح حتويل‬ ‫احلرارة غي� � ��ر كاف‪ ،‬مما يتعني على احليوان‬ ‫ش� � ��رب مقادير كبيرة من املاء‪ ،‬رمبا ال يكون‬ ‫متاحا في حينه‪ .‬إن الثدييات املغطاة بالفراء‬ ‫والتي جتبر على ممارس� � ��ة عمل شاق أو ملدة‬ ‫طويل� � ��ة في جو النهار احلار س� � ��تنهار نتيجة‬ ‫اإلجهاد احلراري‪.‬‬ ‫إضافة إلى افتقار اإلنس� � ��ان إلى الفرو‪،‬‬ ‫لديه عدد هائ� � ��ل من غدد العرق املائي ‪ -‬بني‬ ‫مليونني وخمس� � ��ة ماليني غ� � ��دة ‪ -‬التي ميكن‬ ‫أن يرق� � ��ى إنتاجها اليوم� � ��ي من العرق املائي‬ ‫اخلفي� � ��ف إلى نحو ‪ 12‬لت� � ��را‪ .‬وال تتركز غدد‬ ‫الع� � ��رق املائي ق� � ��رب جريبات الش� � ��عر؛ إمنا‬ ‫تتوض� � ��ع قريبا من س� � ��طح اجللد إلى حد ما‬ ‫وتفرغ العرق عبر مس� � ��امات دقيقة‪ .‬إن هذه‬ ‫التوليفة املكونة من اجللد العاري من الشعر‬ ‫والعرق املائي والذي ينصب مباش� � ��رة فوقه‬ ‫( ) ‪FURRY VS. NAKED‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬


‫إظهار بعض من اجللد‬

‫( )‬

‫إنسان ‪‬‬

‫[أفكار بديلة]‬

‫إن البش� � ��ر هم الرئيسيات الوحيدة التي‬ ‫تفتق� � ��ر إلى الفراء ومتتلك في الوقت نفس� � ��ه‬ ‫عرق مائي‬ ‫ق� � ��درا كبيرا من غدد التع� � ��رق‪ ،‬البد إذن من‬ ‫أم� � ��ر ما قد ط� � ��رأ منذ أن افترقت س� �ل��التنا‬ ‫الشبيهة بالبش� � ��ر عن الساللة التي أفضت‬ ‫إلى أقرب أقاربنا الذين ال يزالون أحياء‪ ،‬أي‬ ‫الش� � ��مپانزيات؛ هذا األمر الذي رجح ظهور‬ ‫اجللد املتعرق؛ وقد يكون من غير املستغرب‬ ‫أن يبدأ حتول كهذا بتبدل املناخ‪.‬‬ ‫غدة عرق مائي‬ ‫تبني للعلماء‪ ،‬الذين اس� � ��تخدموا أحافير‬ ‫احليوانات والنباتات في إعادة بناء الشروط‬ ‫غدة دهنية‬ ‫غدة عرق دهني‬ ‫جريب الشعرة‬ ‫البيئية (إيكولوجية) القدمية‪ ،‬أنه بدءا من نحو‬ ‫ثالثة ماليني س� � ��نة خلت دخل املناخ في طور‬ ‫بدال من التجمع في الفرو‪ ،‬تس� � ��مح للبش� � ��ر برودة ش� � ��ملت جميع كوكبنا؛ طور أدى إلى‬ ‫بالتخلص من احلرارة الزائدة على نحو فعال جفاف نسبي في شرق ووسط إفريقيا‪ ،‬حيث‬ ‫( ) ‪Showing Some Skin‬‬ ‫جدا‪ .‬ووفقا لبحث نش� � ��ر لـ>‪ .E .D‬ليبرمان<‬ ‫( ) ‪Why the Aquatic Ape Theory Doesn’t Hold Water‬‬ ‫(‪the aquatic ape theory )1‬‬ ‫[من جامعة هارڤارد] و>‪ .M .D‬برامبل< [من (‪ )2‬يعرف هذا الغور بوادي الغور اإلفريقي ‪ -‬العربي العظيم‪،‬‬ ‫الذي يبدأ بوادي نهر العاصي في سورية وينتهي في احمليط‬ ‫جامعة يوتا] في العام ‪ 2007‬في مجلة ‪Sports‬‬ ‫الهندي في جمهورية موزمپيق‪ ،‬مرور ًا بوادي البقاع‪ ،‬فوادي‬ ‫اليرم� � ��وك األردن ‪ ،‬فنه� � ��ر األردن فالبحر امليت فوادي َع َربة‬ ‫‪ ،Medicine‬تص� � ��ل كفاءة نظ� � ��ام التبريد عند‬ ‫األردني ‪ ،‬فخليج العقبة‪ ،‬فالبحر األحمر ‪ ،‬فسهل الدناقيل‬ ‫اإلنسان إلى درجة جتعله يتفوق على حصان‬ ‫اإلثيوبي فبحيرة توركانا وس� � ��واها من البحيرات في كينيا‪،‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫فتنزانيا‪ ،‬فموزمپيق‪.‬‬ ‫في سباق ماراثون ُيجرى في يوم حار‪.‬‬

‫ملاذا نظرية القرد املائي غير واقعية‬

‫( )‬

‫من بني العديد من النظريات التي حتاول تفسير تطور اجللد العاري من الشعر لدى البشر‪ ،‬جذبت إحداها معظم انتباه ودعم الرأي العام‪ :‬إنها نظرية القرد‬ ‫املائ� � ��ي الع� � ��دمي الذيل )‪ )1((AAT‬والتي تذهب إلى أن البش���ر قد مروا عب���ر تطورهم بطور مائي‪ .‬وأول من طرح هذه النظرية هو عالم احليوان اإلنكليزي الس���ير‬ ‫>‪ .A‬هاردي< في مقالة علمية ش���عبية نش���رت في عام ‪ ،1960‬كما وجدت هذه النظرية فيما بعد نصيرا لها في الكاتبة >‪ .E‬مورگن< التي واصلت ترويجها في‬ ‫محاضراتها وكتاباتها‪ .‬واملشكلة تكمن في أن هذه النظرية خاطئة جتريبيا ‪.‬‬ ‫تتبنى هذه النظرية فكرة أن اضطرابات جيولوجية تكتونية (بنائية) ‪ ،tectonic‬س���بق أن حصلت قبل ما يتراوح بني نحو ‪ 5‬إلى ‪ 7‬ماليني س���نة في وادي‬ ‫َ‬ ‫الغ ْور الكبير(‪ Rift Valley )2‬في شرق إفريقيا‪ ،‬قد فصلت األسالف املبكرين للبشر عن بيئاتهم االستوائية املفضلة‪ .‬ونتيجة لذلك تعني على هؤالء األسالف أن‬ ‫يتبنوا أسلوب حياة نصف مائي في املستنقعات‪ ،‬على طول الشواطئ وفي السهول الفيضية‪ ،‬حيث عاشوا هنالك نحو مليون سنة أخرى‪ .‬وجتادل >مورگن<‬ ‫في أن الدليل على هذا الطور املائي يعتمد على بضع س���مات تش���ريحية يش���ترك فيها البش���ر مع الثدييات املائية ونصف املائية‪ ،‬وهي الس���مات الغائبة عن‬ ‫ثدييات س���هوب الس���اڤانا‪ .‬وتشتمل هذه الس���مات على جلدنا العاري من الشعر‪ ،‬والعدد القليل من غدد العرق الدهني‪ ،‬والتوضعات الدهنية املوجودة حتت‬ ‫اجللد مباشرة‪.‬‬ ‫وال ميكن اعتماد هذه النظرية لألس���باب الرئيس���ية الثالثة التالية ‪ :‬فأوال ‪ ،‬تختلف الثدييات املائية ذاتها اختالفا جوهريا في درجة امتالكها للس���مات‬ ‫املائية التي حددتها >مورگن<؛ ومن ثم فليس هناك أدنى ارتباط بس���يط بني ‪ِ ،‬ل َن ْ‬ ‫قل‪ ،‬مقدار ش���عر حيوان ما والبيئة التي يعيش فيها‪ .‬ثانيا‪ُ ،‬يظهر الس���جل‬ ‫األحفوري أن املواطن املائية كانت تعج بالتماسيح اجلائعة‪ ،‬وبأفراس النهر العدوانية املزاج‪ .‬ومن ثم ما من فرصة ألسالفنا صغار القامة العدميي احليلة‬ ‫من مجابهة مخلوقات كهذه‪ .‬ثالثا‪ ،‬النظرية مفرطة في التعقيد‪ .‬إنها تدعي بأن أس�ل�افنا قد انتقلوا من أس���لوب حياة على اليابس���ة إلى أس���لوب حياة نصف‬ ‫مائي‪ ،‬ثم عادوا ثانية إلى العيش على اليابسة‪ .‬وكما بني >‪ .HG‬النگدون< [من جامعة إنديانا پولِس] هناك تفسير أكثر سهولة للسجل األحفوري يستند إلى‬ ‫عيش البشر على الدوام على اليابسة‪ ،‬فالقوة احملركة لتطور اجللد العاري من الشعر يعود إلى التبدل املناخي والذي ح َّبذ العيش في سهوب الساڤانا على‬ ‫>جابلونسكي<‬ ‫العيش في الغابات‪ .‬ومن منظور علمي‪ ،‬يعد التفسير األبسط هو التفسير األصح‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪57‬‬


‫[متى نشأ التعري عن شعر اجللد]‬

‫أسالف متحركون‬

‫( )‬

‫عل���ى الرغ���م من ع���دم احتفاظ الس���جل‬ ‫األحف���وري بأي دليل مباش���ر عن اجللد‬ ‫البش���ري القدمي‪ ،‬فإنه مبق���دور العلماء‬ ‫تقدي���ر الزم���ن ال���ذي ظه���ر في���ه تع���ري‬ ‫اجلل���د من الش���عر‪ ،‬وذلك اعتم���ادا على‬ ‫أدلة أحفورية‪ .‬فأس�ل�اف البشر كالقردة‬ ‫اجلنوبي���ة العدمية الذي���ل (في اليمني)‬ ‫كان���ت غالب���ا تعي���ش حي���اة مس���تقرة‬ ‫نس���بيا‪ ،‬على نحو حال القردة العدمية‬ ‫الذيل في أيامنا؛ ألنها قد عاشت في أو‬ ‫بالق���رب م���ن بيئة غابات غني���ة بالغذاء‬ ‫النبات���ي وامل���اء الع���ذب‪ .‬ولك���ن‪ ،‬وم���ع‬ ‫تقل���ص أراض���ي الغاب���ات وتزايد رقعة‬ ‫السهوب العش���بية‪ ،‬تعني على أسالفنا‬ ‫الالحق�ي�ن‪ ،‬مثل اإلنس� � ��ي العامل ‪Homo‬‬ ‫‪( ergaster‬ف���ي اليس���ار) أن يرحتل���وا‬ ‫باس���تمرار ملس���افات أبع���د بحث���ا ع���ن‬ ‫امل���وارد املعيش���ية؛ مبا في ذل���ك اللحم‪.‬‬ ‫ورمب���ا كان هذا النوع البش���ري‪ ،‬والذي‬ ‫ظه���ر قب���ل نح���و ‪ 1.6‬مليون س���نة‪ ،‬أول‬ ‫م���ن َم َل َك جلدا عاريا من الش���عر‪ ،‬وعرقا‬ ‫مائي���ا عدّل من حرارة اجلس���م الناجتة‬ ‫من هكذا مستويات عالية من النشاط‪.‬‬

‫عاش أسالف البش� � ��ر‪ .‬ومع تضاؤل هطالن‬ ‫املط� � ��ر‪ ،‬تبدلت بيئات الغابات التي كان أوائل‬ ‫أشباه البشر(‪ )2‬يحبذونها وحتولت إلى أراض‬ ‫مفتوحة انتش� � ��رت فيها أعشاب الساڤانا(‪،)3‬‬ ‫وم� � ��ن ثم َن َدر الطعام ال� � ��ذي كان يعتمد عليه‬ ‫(‪)4‬‬ ‫أس� �ل��افنا املعروفون بالق���ردة اجلنوبيني‬ ‫‪ - australopithecines‬الـثــمـــــ� � ��ار‪ ،‬واألوراق‪،‬‬ ‫واجل� � ��ذور الدرنية والب� � ��ذور ‪ -‬وغدا وجوده‬ ‫أكث� � ��ر تناثرا وتآث� � ��را بفصول الس� � ��نة‪ ،‬على‬ ‫نح� � ��و ما حصل ملوارد امل� � ��اء العذب الدائمة‪.‬‬ ‫ونتيجة لهذا التضاؤل في املوارد‪ ،‬تعني على‬ ‫أس� �ل��افنا أن يتخلوا عن ع� � ��ادة جمع الطعام‬ ‫السهلة نس� � ��بيا لصالح أس� � ��لوب حياة أكثر‬ ‫انس� � ��جاما ودميومة‪ .‬وك� � ��ي يتجنبوا العطش‬ ‫ويتوفر لديهم ما يكفيهم من سعرات حرارية‪،‬‬ ‫كان عليهم أن يرحلوا ملس� � ��افات أبعد فأبعد‬ ‫بحثا عن املاء والطعام النباتي‪.‬‬ ‫لقد ش� � ��رع أشباه البش� � ��ر في ذلك الطور‬ ‫بإدخ� � ��ال اللح� � ��م في نظامه� � ��م الغذائي‪ .‬وقد‬ ‫كش� � ��ف عن ذل� � ��ك ش� � ��كل األدوات احلجرية‬ ‫‪58‬‬

‫‪ ‬كان القرد اجلنوبي‬ ‫العفاري(‪ ،)1‬املمثل‬ ‫هنا بالبقايا‬ ‫األحفورية لألنثى‬ ‫«لوسي» التي يعود‬ ‫تاريخها إلى نحو‬ ‫‪ 3.2‬مليون سنة‪،‬‬ ‫قردا عدمي الذيل‬ ‫بأطراف سفلية‬ ‫قصيرة غير مالئمة‬ ‫للترحال إلى‬ ‫مسافات طويلة‪.‬‬

‫قهر احلرارة‬

‫( )‬

‫لم يكن اجللد العاري من الشعر‬ ‫التكيف الوحيد الذي تطور لدى‬ ‫البشر في البقاع االستوائية احلارة‬ ‫للمحافظة على درجة حرارة اجلسم‬ ‫املالئمة‪ .‬فقد تطورت أيضا أطرافهم‬ ‫إلى أطراف أطول‪ ،‬مما زاد من نسبة‬ ‫سطح اجلسم إلى حجمه‪ ،‬األمر الذي‬ ‫سهَّ ل بدوره التخلص من احلرارة‬ ‫الزائدة‪ .‬ويبدو أن هذا التوجه مازال‬ ‫ساريا في أيامنا الراهنة‪ .‬ويأتي‬ ‫أفضل دليل على استمرارية هذا‬ ‫التكيف من سكان شرق إفريقيا‪،‬‬ ‫كقبائل الدينكا ‪ Dinka‬في جنوب‬ ‫السودان‪ .‬ومن املؤكد‪ ،‬أنه ليس من‬ ‫باب الصدفة أن ميتلك هؤالء القوم‪،‬‬ ‫الذين يعيشون في واحدة من أكثر‬ ‫بقاع أرضنا حرارة‪ ،‬أطرافا مفرطة‬ ‫الطول‪ .‬ولكن ملاذا يبدي البشر‬ ‫احلديثون تنوعا كبيرا في تناسب‬ ‫األطراف؟ واجلواب يتمثل بأنه حاملا‬ ‫هاجر أسالفنا من إفريقيا االستوائية‪،‬‬ ‫إلى أصقاع أبرد‪ ،‬تبدلت الضغوط‬ ‫االنتخابية (االصطفائية) ‪selection‬‬ ‫‪ ،pressures‬األمر الذي سمح بظهور‬ ‫تشكيلة من القامات البشرية‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫وعظ� � ��ام احليوانات املجزورة التي وجدت في‬ ‫السجل األحفوري قبل نحو ‪ 2.6‬مليون سنة‪.‬‬ ‫فاألغذية احليوانية أغنى كثيرا بالس� � ��عرات‬ ‫احلرارية من األغذية النباتية‪ ،‬إال أنها نادرة‬ ‫الوجود ف� � ��ي بيئة الس� � ��اڤانا‪ .‬وقد تعني على‬ ‫احليوانات الالحمة في بحثها عما يكفي من‬ ‫الغذاء أن ترحل ملس� � ��افات أبعد وأوسع من‬ ‫تلك التي تقطعها احليوانات العاش� � ��بة‪ .‬وملا‬ ‫كانت الفرائ� � ��س احليوانية أهدافا متحركة‪،‬‬ ‫باس� � ��تثناء اجليف التي ميك� � ��ن العثور عليها‬ ‫( ) ‪ANCESTORS ON THE MOVE‬‬ ‫( ) ‪beating the heat‬‬

‫(‪ )1‬عف���ار هي منطقة قاحلة تقع إلى الش� � ��مال من وادي أواش‬ ‫األوس� � ��ط الواقع إلى ش� � ��مال ش� � ��رق أدي� � ��س أپاپا عاصمة‬ ‫إثيوپيا‪ ،‬وإلى جنوب غ� � ��رب جمهورية جيبوتي الواقعة على‬ ‫خليج عدن‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ش���بيه البش���ر ‪ Hominid‬هو من الرئيس� � ��يات‪ ،‬وينتمي إلى‬ ‫فصيلة تعرف بفصيلة البشريات وهي تضم أجناسا عديدة‬ ‫انقرضت جميعها ما عدا جنسنا البشري‪ ،‬املعروف بجنس‬ ‫اإلنسان العاقل احلديث‪.‬‬ ‫(‪ )3‬عبارة عن سهول منبسطة معشوشبة في إفريقيا االستوائية‬ ‫واملدارية‪ ،‬تتخللها في بعض األحيان األشجار املتناثرة‪.‬‬ ‫(‪ )4‬رئيس� � ��يات منقرضة من شبيهات البش� � ��ر كانت توجد في‬ ‫جنوب وشرق إفريقيا‪ ،‬ووصفت باجلنوبية؛ ألنه قد عثر على‬ ‫(التحرير)‬ ‫أحافيرها األولى في جنوب إفريقيا‪.‬‬


‫‪ ‬لقد كان اإلنسي‬ ‫العامل أول شبيه‬ ‫بالبشر له أطراف‬ ‫سفلية طويلة‬ ‫وقوية‪ .‬وهو يتمثل‬ ‫هنا بهيكل طفل‬

‫بحيرة توركانا‬

‫(‪)1‬‬

‫العظمي الذي‬ ‫يعود تاريخه إلى‬ ‫نحو ‪ 1.6‬مليون‬ ‫سنة‪ .‬وقد ساعدت‬ ‫أطرافه املتطاولة‬ ‫على املشي‬ ‫واجلري‪.‬‬

‫م� � ��ن حني آلخ� � ��ر‪ ،‬تعني أن تب� � ��ذل احليوانات‬ ‫املفترس� � ��ة طاقة أكبر بكثي� � ��ر للحصول على‬ ‫وجبته� � ��ا من اللح� � ��م‪ .‬ففي حال� � ��ة الصيادين‬ ‫والكناس�ي�ن(‪ scavengers )2‬البش� � ��ريني‪ ،‬ح ّور‬ ‫االنتخ� � ��اب (االصطف� � ��اء) الطبيعي تناس� � � َ�ب‬ ‫أعضاء أجس� � ��اد أش� � ��باه القردة اجلنوبية‬ ‫العدمي���ة الذيل(‪ )3‬والتي كانت تقضي بعضا‬ ‫من أوقاتها فوق األشجار‪ ،‬إلى أجساد طويلة‬ ‫الس� � ��يقان‪ ،‬مصممة للمشي بخطوات واسعة‬ ‫واجلري أيضا‪( .‬وال شك في أن هذا الشكل‬ ‫احلديث قد س� � ��اعد أس� �ل��افنا على جتنب أن‬ ‫يصبحوا هم بالذات فريسة في العراء)‪.‬‬ ‫بي� � ��د أن ه� � ��ذه املس� � ��تويات العالية من‬ ‫النش� � ��اط لم تكن من دون ثم� � ��ن‪ :‬إذ تزايد‬ ‫خطر االحترار تزاي� � ��دا كبيرا‪ .‬ففي بدايات‬ ‫ثمانينات القرن العشرين‪ ،‬نشر >‪ .P‬ويلر<‬ ‫[من جامعة جون موورز في إنكلترا] سلسلة‬ ‫من األبحاث العلمية حاك� � ��ى فيها احلرارة‬ ‫التي بلغها أس� �ل��افنا البشريون في سهوب‬ ‫الساڤانا‪ .‬وأظهرت أبحاث >ويلر< واألبحاث‬

‫لم يكن التطور‬ ‫إلى جلد عار من‬ ‫الشعر مجرد وسيلة‬ ‫للوصول إلى هدف‬ ‫معني؛ بل كانت له‬ ‫نتائج عميقة أثرت‬ ‫في األطوار الالحقة‬ ‫من االرتقاء البشري‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫التي أجريتها وزمالئي التي نشرت في عام‬ ‫‪ ،1994‬أن جتنب ف� � ��رط احلرارة الناجت من‬ ‫املشي واجلري املتزايد‪ ،‬أي إبان ما يتحرر‬ ‫من النش� � ��اط العضلي داخل اجلس� � ��م من‬ ‫طاقة حراري� � ��ة‪ ،‬اقتضى تعزيز القدرة على‬ ‫التعرق املائي وفقدان ش� � ��عر اجلس� � ��م لدى‬ ‫أشباه البشر‪.‬‬ ‫متى حصل هذا التحول؟ مع أن السجل‬ ‫األحف� � ��وري ال يحف� � ��ظ اجلل� � ��د‪ ،‬إال أن هناك‬ ‫تص� � ��ورا تقريبيا ح� � ��ول الزمن الذي ش� � ��رع‬ ‫فيه أس� �ل��افنا في االنخ� � ��راط بأمناط التحرك‬ ‫احلديثة‪ .‬بينت األبحاث التي أجراها بش� � ��كل‬ ‫مس� � ��تقل كل من >ليبرم� � ��ان< و >‪َ .C‬رف< [من‬ ‫جامعة جون� � ��ز هوپكنز] أن عضوا مبكرا من‬ ‫جنس� � ��نا‪ ،‬يعرف «باإلنس���ي العامل» ‪Homo‬‬ ‫‪ ergaster‬قد ط ّور قبل نحو ‪ 1.6‬مليون س� � ��نة‬ ‫التناسب األساسي في أعضاء جسده الذي‬ ‫(‪ )1‬بحيرة ضحلة العمق تقع في كينيا في شرق إفريقيا ‪ ،‬وهي‬ ‫جزء من الغور اإلفريقي العربي الكبير‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ه� � ��و احليوان الذي يقتات على بقايا احليوانات التي يقتلها‬ ‫حيوان آخر‪ ،‬ومن أمثلته الضبع‪.‬‬

‫(‪australopithecines )3‬‬

‫‪59‬‬


‫اإلشارة االجتماعية‬ ‫وظيفة مهمة للفرو‪-‬‬ ‫ابتداء من شعر الرقبة‬ ‫املنتصب الدال على‬ ‫موقف عدواني حتى‬ ‫أمناط الفرو التي‬ ‫تساعد على تعرف‬ ‫أفراد النوع ذاته‬ ‫بعضهم ببعض‪.‬‬ ‫وقد عوضنا ‪ -‬نحن‬ ‫البشر ‪ -‬عن نقص‬ ‫الفرو بتزيني أجسادنا‬ ‫بالوشم‪ ،‬واملجوهرات‪،‬‬ ‫واحللي األخرى‪ .‬كما‬ ‫نتسم أيضا بامتالكنا‬ ‫تعابير معقدة في‬ ‫الوجه‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫القدرة على نقل‬ ‫االنفعاالت عبر اللغة‪.‬‬

‫م ّكن� � ��ه من املش� � ��ي واجلري ملس� � ��افات طويلة‬ ‫أيضا‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن تفاصيل سطوح‬ ‫مفاصل الكعب والركبة وعظم الورك توضح‬ ‫أن أش� � ��باه البشر هؤالء كانوا بالفعل يبذلون‬ ‫جهودا كبيرة في هذين املجالني‪ .‬إذن‪ ،‬ووفقا‬ ‫للدلي� � ��ل األحفوري‪ ،‬ف� � ��إن االنتقال إلى اجللد‬ ‫العاري من الش� � ��عر وإلى نظام تعرق أساسه‬ ‫غدد العرق املائي‪ ،‬حص� � ��ل بالفعل قبل نحو‬ ‫‪ 1.6‬ملي� � ��ون س� � ��نة وذلك ك� � ��ي يزيل األحمال‬ ‫احلراري� � ��ة الزائدة والتي رافقت األس� � ��لوب‬ ‫اجلديد حلياة أسالفنا املفعم باحليوية‪.‬‬ ‫جاء دليل آخر عن الزم� � ��ن الذي ط ّور فيه‬ ‫أش� � ��باه البش� � ��ر اجللد العاري من الشعر من‬ ‫حتري� � ��ات متت في مج� � ��ال علم جين� � ��ات لون‬ ‫اجللد‪ .‬ففي دراس� � ��ة ماهرة نشرت في العام‬ ‫‪ ،2004‬فح� � ��ص >‪ .R .A‬روجرز< وزمالؤه [من‬ ‫جامعة يوتا] تسلسالت اجلني البشري الذي‬ ‫يحمل الرمز “‪ ،“MC1R‬وهو من جملة اجلينات‬ ‫املسؤولة عن إنتاج املواد امللون ِة للجلد‪ .‬وقد بينّ‬ ‫الفريق أن نسخة محددة من اجلني‪ ،‬موجودة‬ ‫باس� � ��تمرار لدى األفارقة ذوي اجللد الداكن‬ ‫اللون‪ ،‬ظهرت إلى الوجود قبل نحو ‪ 1.2‬مليون‬ ‫س� � ��نة‪ .‬ويظن بأن جلود أسالفنا البشريني قد‬ ‫كان� � ��ت أكثر ميال إلى الل� � ��ون الزهري ومغطاة‬ ‫‪60‬‬

‫بفرو أس� � ��ود‪ ،‬عل� � ��ى نحو ما علي� � ��ه حال جلد‬ ‫الش� � ��مپانزي في أيامنا؛ ويفت� � ��رض أن تطور‬ ‫اجلل� � ��د الدائم الدكن� � ��ة كان عاقبة تطورية البد‬ ‫منها تلت فقدان ش� � ��عر جس� � ��دنا الواقي من‬ ‫الشمس‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن تقدير >روجرز< يعطينا‬ ‫العمر األدنى لفجر التعري من الشعر‪.‬‬ ‫بعمق اجللد‬

‫( )‬

‫والقضية األقل يقينا من‪ :‬ملاذا ومتى صرنا‬ ‫عراة من الش� � ��عر‪ ،‬هي قضية كيف طور أشباه‬ ‫البش� � ��ر جلدا عاريا من الشعر‪ .‬فمن الصعب‬ ‫حتديد الدليل اجليني عل� � ��ى تطور التعري من‬ ‫الش� � ��عر‪ ،‬ألن العديد من اجلينات تس� � ��هم في‬ ‫صياغة مظه� � ��ر ووظيفة جلودنا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫هناك دالئل نتجت من املقارنات الواسعة النطاق‬ ‫بني «أحرف تكويد» الدنا ”‪،“code DNA letters‬‬ ‫أو النكليوتيدات (النووي���دات)(‪nucleotides)1‬‬ ‫في كامل اجلينوم املورثي ملختلف املتعضيات‬ ‫‪ .organisms‬وتكش� � ��ف مقارنة اجلينوم املورثي‬ ‫لإلنسان بالشمپانزي عن أن أكثر االختالفات‬ ‫داللة ب� �ي��ن حمضنا الن� � ��ووي (الدنا) وحمض‬ ‫( ) ‪Skin Deep‬‬

‫(‪ )1‬ه� � ��ي الوح� � ��دات األساس� � ��ية املكونة جلزيئ� � ��ات احلمضني‬ ‫النوويني (الدنا) و ( الرنا)‪ ،‬وتتكون من ثالثة أجزاء‪ :‬قاعدة‬ ‫(التحرير)‬ ‫نتروجينية وجزيء فوسفاتي وجزيء سكر‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬


‫الشمپانزي النووي (الدنا) هو االختالف الكامن‬ ‫في اجلينات التي تكود للپروتينات التي تتحكم‬ ‫( )‬ ‫في سمات اجللد‪ .‬فالنسخ اخلاصة بالبشر من من القمل والبشر‬ ‫هذه اجلينات تكود للپروتينات التي تساعد على‬ ‫في السنوات القليلة املاضية التفت‬ ‫الباحثون إلى القمل بحثا عن أدلة‬ ‫جعل جلودنا‪ ،‬بش� � ��كل خاص‪ ،‬غير نفوذة للماء‬ ‫تبني السبب وراء فقدان البشر شع َر‬ ‫ومقاومة للتآكل‪ ،‬وهي س� � ��مات حاسمة في ظل‬ ‫جلودهـم‪ .‬ففي العــام ‪ 2003‬اقتـــرح‬ ‫>‪ .M‬پاگل< [من جامعة ِريدن في‬ ‫غياب الفرو الواقي‪ .‬ويدل هذا االكتشاف على‬ ‫إنكلترا] و>‪ .W‬بودمِ ر< [من مستشفى‬ ‫أن ظهور هذه النس� � ��خ من اجلينات قد شارك‬ ‫رادكليف ‪ Radcliffe‬في أكسفورد] أن‬ ‫البشر قد تخلصوا من فراء جلودهم‬ ‫في نشوء التعري من الشعر بتقليله من عواقب‬ ‫لتجنب القمل الذي ينشر األمراض‬ ‫هذا التعري‪.‬‬ ‫والطفيليات األخرى التي تستقر‬ ‫في الفرو‪ ،‬وكذلك لإلعالم عن صحة‬ ‫لق� � ��د انبثقت قدرات جلدن� � ��ا املتميزة على‬ ‫جلودهم‪ .‬كما درس باحثون آخرون‬ ‫الص� � ��د من بنية ومكون� � ��ات طبقته اخلارجية‪،‬‬ ‫قمل الرأس واجلسم ملعرفة توقيت‬ ‫بدء أسالفنا بتغطية أجسامهم‬ ‫الطبقة املتقرنة ‪ stratum corneum‬من قس� � ��م‬ ‫باملالبس بعد أن أصبحوا ذوي جلود‬ ‫اجللد املعروف بالبش���رة ‪ .epidermis‬متتلك‬ ‫عارية من الشعر‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫أن قمل اجلسم يتغذى بالدم‪ ،‬فإنه‬ ‫الطبق� � ��ة املتقرنة ما ِ‬ ‫وصف مبرك� � ��ب اللبنات‬ ‫يعيش في املالبس‪ .‬وبناء عليه‪،‬‬ ‫واملالط‪ .‬وفي هذا التركيب‪ ،‬تتكون اللبنات من‬ ‫فإن معرفة أصل قمل اجلسم يعطينا‬ ‫تقديرا أدنى لفجر ارتداء أشباه‬ ‫طبقات متعددة من اخلاليا املنبس� � ��طة امليتة‪،‬‬ ‫البشر للمالبس‪ .‬ومبقارنة جينات‬ ‫والتي تدعى باخلالي� � ��ا املتقرنة‪ ،‬التي حتوي‬ ‫املتعضيات ميكن للباحثني أن يقدروا‬ ‫التوقيت التقريبي الذي ظهر فيه‬ ‫پروتني ال َقرْنِ ني (الكيراتني)(‪ keratin )1‬ومواد‬ ‫نوع هذه املتعضيات‪ .‬وتشير هكذا‬ ‫أخ� � ��رى؛ وأم� � ��ا املالط الذي يحي� � ��ط باخلاليا‬ ‫حتليالت مطبقة على القمل إلى أنه‬ ‫بينما تطفل قمل الرأس على البشر‬ ‫املتقرن� � ��ة‪ ،‬فهو مك ّون من طبقات مفرطة الرقة‬ ‫منذ البداية‪ ،‬فإن قمل اجلسم قد نشأ‬ ‫من املواد الدهنية (الليپيدات)(‪.lipids )2‬‬ ‫الحقا‪ .‬ويستدل من زمن ظهور منطي‬ ‫القمل هذين أن تعري البشر من شعر‬ ‫إن معظ� � ��م اجلين� � ��ات التي توج� � ��ه تطور‬ ‫جلودهم سبق ارتداءهم للمالبس‬ ‫اخلاليا املتقرنة القدمية النش� � ��أة‪ ،‬وتسلسلها‬ ‫بأكثر من مليون سنة‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫محفوظ حفظا جيدا لدى الفقاريات‪ .‬كما أن‬ ‫متي� � ��ز اجلينات التي جتع� � ��ل اخلاليا القرنية‬ ‫قوية لدى البشر إلى هذا احلد يعني أن ظهور‬ ‫هذه اجلينات كان مهما للبقيا‪ .‬وهذه اجلينات‬ ‫تكود إنتاج توليفة فريدة من الپروتينات التي‬ ‫ال توجد إال في البش� � ��رة‪ ،‬مبا في ذلك أمناط‬ ‫(‪)3‬‬ ‫متفردة من پروتيني ال َق ْرنِني واإلنڤولوكرين‬ ‫‪ .involucrin‬يحاول في الوقت الراهن العديد‬ ‫من املختبرات فهم اآلليات املسؤولة عن تنظيم‬ ‫تصنيع هذه الپروتينات‪.‬‬ ‫ويتفح� � ��ص اآلن باحثون آخ� � ��رون تطور‬ ‫پروتينات ال َق ِرنني في ش� � ��عر اجلسد‪ ،‬بهدف‬ ‫حتديد اآلليات املس� � ��ؤولة عن ن� � ��درة ونعومة‬ ‫الش� � ��عر على سطح اجلس� � ��م البشري‪ .‬وفي‬ ‫هذا الس� � ��ياق أظهر >‪ .R‬مول< وزمالؤه [من‬ ‫جامعة فيليپس في مدينة ماربورگ األملانية]‬ ‫أن پروتين� � ��ات ال َق ْر ِن� �ي��ن املوجودة في ش� � ��عر‬ ‫( ) ‪OF LIce and men‬‬

‫(‪ )1‬هو پروتني مش� � ��تق من كلمة قرن ‪ Kerat‬اإلغريقية القدمية‪,‬‬ ‫وه� � ��و پروتني ليفي غير قابل للذوب� � ��ان في املاء‪ ،‬وهو املكون‬ ‫األساسي لكل من القرون واحلوافر واألظافر والشعر‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ش� � ��حوم غي� � ��ر قابلة للذوبان في املاء تش� � ��تمل على الزيوت‬ ‫والشحوم والشمع وسواها من املركبات احليوية؛ والتسمية‬ ‫مشتقة من كلمة « ليپوس» اإلغريقية التي تعني شحما‪.‬‬ ‫(‪ )3‬پروتني بنيوي يتش� � ��كل في الطبقة الش� � ��وكية من البش� � ��رة‪،‬‬ ‫ويوفر للخلية التي حتويه القدرة على مقاومة اجلراثيم‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫‪61‬‬


‫املؤلفة‬

‫‪Nina G. Jablonski‬‬

‫رئيسة دائرة علم اإلنسان‬ ‫(األنثروپولوجيا) في جامعة والية‬ ‫پنسلڤينيا‪ .‬يركز بحثها على التاريخ‬ ‫الطبيعي للجلد البشري‪ ،‬وعلى أصل‬ ‫املشية املنتصبة‪ ،‬وعلى تطور اجلغرافية‬ ‫احليوية لقردة العالم القدمي ‪ ،‬وعلى‬ ‫دراسة البيئة القدمية (اإليكولوجيا‬ ‫القدمية) للثدييات التي عاشت طوال‬ ‫املليوني سنة املاضية‪ .‬قامت بأبحاث‬ ‫ميدانية في الصني وكينيا ونيپال‪ .‬وهذا‬ ‫املقال هو مقالها الثاني ملجلة ساينتفيك‬ ‫أمريكان‪ .‬وتصف مقالتها األولى «قتامة‬ ‫اجللد البشري»‪ ،‬وقد ألفتها مشاركة‬ ‫‪،‬‬ ‫مع >‪ .G‬شاپلن< ونشرت في‬ ‫العددين ‪ ،(2003) 7/6‬صفحة ‪.16‬‬ ‫‪62‬‬

‫اجلسد البشري ضعيفة إلى حد كبير‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يفسر السهولة الكبيرة في تقصف هذه‬ ‫األشعار مقارنة بشعور احليوانات األخرى‪.‬‬ ‫وتوحي هذه النتيجة املفصلة في بحث >مول<‬ ‫املنش� � ��ور في العام ‪ 2008‬أن پروتينات َق ْرنِني‬ ‫الشعر البشري لم تكن لبقاء البشر على ذات‬ ‫القدر من األهمية ال� � ��ذي كان ملثيالتها لدى‬ ‫بقية الرئيس� � ��يات؛ مما جعل هذه الپروتينات‬ ‫ضعيفة في شعر البشر‪ .‬‬ ‫مسألة أخرى يتوق علماء الوراثة إلى أن‬ ‫يج� � ��دوا لها جوابا‪ ،‬وه� � ��ي الكيفية التي أدت‬ ‫باجللد البش� � ��ري إلى أن يحتوي هذه الكثرة‬ ‫من غدد الع� � ��رق املائي‪ .‬وم� � ��ن املؤكد تقريبا‬ ‫أن ه� � ��ذا التراكم قد حص� � ��ل عبر تبدالت في‬ ‫اجلينات التي حتدد مصير اخلاليا اجلذعية‬ ‫البش���روية ‪ epidermal stem cells‬في اجلنني؛‬ ‫وهي خالي� � ��ا غير متخصص� � ��ة‪ .‬ففي مرحلة‬ ‫مبكرة من تطور اجلنني‪ ،‬تتآثر مجموعات من‬ ‫اخلاليا اجلذعية البشروية املوجودة في أماكن‬ ‫مح� � ��ددة في خاليا اجلزء من اجللد املعروف‬ ‫باألدم���ة ‪ dermis‬الواقع حتت البش� � ��رة‪ ،‬ومن‬ ‫ثم تعمل إش� � ��ارات كيميائية موجودة في هذه‬ ‫املواض� � ��ع‪ ،‬تتحكم فيها اجلينات‪ ،‬على توجيه‬ ‫متايز اخلاليا اجلذعية إلى جريبات ش� � ��عر‪،‬‬ ‫وغدد عرق مائي‪ ،‬وغ� � ��دد عرق دهني‪ ،‬وغدد‬ ‫دهنية‪ ،‬أو مجرد بش� � ��رة‪ .‬ويبحث العديد من‬ ‫فرق الباحثني حاليا في كيفية نشوء اجليوب‬ ‫ع� � ��ن اخلاليا اجلذعية البش� � ��روية وفي كيفية‬ ‫بقائها؛ ومن ثم البد أن توضح هذه األبحاث‬ ‫ما ال� � ��ذي يوجه مصير هذه اخلاليا اجلنينية‬ ‫البش� � ��روية‪ ،‬وكيفية حتول العديد منها‪ ،‬لدى‬ ‫البشر‪ ،‬إلى غدد عرق مائي‪.‬‬ ‫ليس عاريا متاما من الشعر‬

‫( )‬

‫بغ� � ��ض النظر عن كيفي� � ��ة تطورنا إلى قردة‬ ‫عاري� � ��ة من ش� � ��عر اجلل� � ��د‪ ،‬فإن التط� � ��ور ترك‬ ‫أجزاء قليلة من جس� � ��منا مغطاة بالشعر‪ .‬ومن‬ ‫ثم يتعني على أي تفس� � ��ير لفقدان البشر لفرو‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫جلودهم أيضا توضيح س� � ��بب احتفاظهم بهذا‬ ‫الفرو في بع� � ��ض األماكن‪ .‬فالش� � ��عر املوجود‬ ‫حت� � ��ت اإلبطني وحول األعضاء التناس� � ��لية مبا‬ ‫في ذلك اخلصيتني يس� � ��تخدم لغايتني‪ :‬نش� � ��ر‬ ‫الفيرومونات ‪( pheromones‬مركبات كيميائية‬ ‫تس� � ��تخدم الستثارة اس� � ��تجابات سلوكية لدى‬ ‫أشخاص آخرين)‪ ،‬وللمساعدة على تزييت هذه‬ ‫املناطق اتقاء من االحتكاك أثناء احلركة‪ .‬وأما‬ ‫بالنس� � ��بة إلى الش� � ��عر الذي على الرأس‪ ،‬فمن‬ ‫املرجح جدا أنه بقي للمساعدة على تشكيل واق‬ ‫ضد احلرارة الزائ� � ��دة في قمة الرأس‪ .‬ورمبا‬ ‫يبدو هذا الرأي مثار جدل‪ ،‬إال أن وجود شعر‬ ‫كثيف على الرأس يخلق طبقة هواء حاجزة بني‬ ‫جلد الرأس املتعرق وسطح الشعر احلار‪ .‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬فإن الش� � ��عر في يوم حار مش� � ��مس ميتص‬ ‫احلرارة بينما تبقى طبقة الهواء احلاجزة أبرد‪،‬‬ ‫األمر الذي يس� � ��مح لعرق جلد الرأس بالتبخر‬ ‫باجت� � ��اه طبقة اله� � ��واء احلاجزة تل� � ��ك‪ .‬ويعتبر‬ ‫الش� � ��عر األجعد غطاء ال� � ��رأس املثالي في هذا‬ ‫السياق؛ ألنه يزيد من سمك الفضاء الذي بني‬ ‫سطح الشعر وجلد الرأس‪ ،‬مما يسمح للهواء‬ ‫بالتحرك عب� � ��ره‪ .‬بيد أن هن� � ��اك الكثير مما لم‬ ‫يكتشف بعد حول تطور شعر الرأس البشري‪،‬‬ ‫ومن احملتمل أن الش� � ��عر احملك� � ��م التجعد كان‬ ‫أصل شعر البشر احلديثني‪ ،‬وأن أمناط الشعر‬ ‫األخرى قد تطورت عنه عند خروج البش� � ��ر من‬ ‫إفريقيا االستوائية‪.‬‬ ‫والقضي� � ��ة املرتبط� � ��ة بش� � ��عر أجس� � ��ادنا‬ ‫ه� � ��ي تلك املتمثلة بالس� � ��بب الكامن وراء هذا‬ ‫القدر الكبير م� � ��ن التنوع‪ .‬فهنالك العديد من‬ ‫املجموعات البش� � ��رية التي ن� � ��ادرا ما تظهر‬ ‫أجس� � ��اد أفرادها أي ش� � ��عر‪ ،‬بينم� � ��ا تعتبر‬ ‫مجموعات أخرى ش� � ��عوبا ُم ْش� � ��عِ رة‪ .‬وعادة‬ ‫م� � ��ا متيل مجموع� � ��ات األفراد األقل ش� � ��عرا‬ ‫إلى العي� � ��ش في املناطق االس� � ��توائية‪ ،‬بينما‬ ‫تنحو مجموعات األفراد األكثر ش� � ��عرا إلى‬ ‫العيش خ� � ��ارج ه� � ��ذه املناطق االس� � ��توائية؛‬ ‫علم� � ��ا بأن ش� � ��عر البش� � ��ر الذين يعيش� � ��ون‬ ‫( ) ‪Not Entirely Nude‬‬


‫خ� � ��ارج ه� � ��ذه املناطق االس� � ��توائية اليزودهم‬ ‫بدفء يذك� � ��ر‪ .‬ومن الواضح أن التباينات في‬ ‫مقدار الشعر س� � ��ببها إلى حد كبير هرمون‬ ‫التيستوس���تيرون(‪ .testosterone )1‬ذلك ألن‬ ‫الذكور ف� � ��ي جميع مجموعات البش� � ��ر أكثر‬ ‫ش� � ��عرا من اإلناث‪ .‬وفي محاولة لتفسير هذا‬ ‫االختالف‪ ،‬تعزو بعض النظريات السبب إلى‬ ‫االنتخ���اب (االصطف���اء) اجلنس���ي‬

‫‪sexual‬‬

‫‪ .selection‬فعلى س� � ��بيل املث� � ��ال‪ ،‬ترى إحدى‬ ‫هذه النظريات أن اإلناث يفضلن ذكورا بلحية‬ ‫مكتملة وشعر جسد كثيف ألن هذه السمات‬ ‫تأت� � ��ي مع تل� � ��ك املرتبطة بالذك� � ��ور املتصفني‬ ‫باخلصوبة والقوة‪ ،‬وتفت� � ��رض نظرية أخرى‬ ‫أن الذكور يفضلون اإلن� � ��اث اللواتي يظهرن‬ ‫س� � ��مات أكثر طفولي� � ��ة‪ .‬وهات� � ��ان النظريتان‬ ‫االفتراضيتان مثيرتان‪ .‬ولكن ما من أحد قد‬ ‫اختبر صحتهما فعليا لدى مجموعات البشر‬ ‫احلديث� �ي��ن؛ ومن ث� � ��م فنحن ال نع� � ��رف‪ ،‬على‬ ‫س� � ��بيل املثال‪ ،‬ما إذا كان الرجال املُشعرون‬ ‫هم بالفعل أكثر حيوية أو خصوبة جنس� � ��ية‬ ‫من أقرانهم األقل ش� � ��عرا‪ .‬وفي ظل غياب أي‬ ‫دليل جتريبي‪ ،‬فإن باب التخمني حول س� � ��بب‬ ‫تباين شعر اجلسد البشري يظل مفتوحا‪.‬‬ ‫طموحات ناصعة‬

‫( )‬

‫لم يكن التحول إلى جلد عار من الش� � ��عر‬ ‫مجرد وسيلة للوصول إلى هدف؛ فقد كانت‬ ‫ل� � ��ه نتائج عميقة أثرت ف� � ��ي األطوار الالحقة‬ ‫من التطور البش� � ��ري‪ .‬إن فقدان معظم شعر‬ ‫أجسادنا والقدرة على تبديد حرارة اجلسد‬ ‫الزائدة عبر الع� � ��رق الصادر عن غدد العرق‬ ‫املائي قد س� � ��محا بالتوس� � ��ع الهائ� � ��ل ألكثر‬ ‫أعضائنا حتسس� � ��ا للحرارة‪ :‬الدماغ‪ .‬فبينما‬ ‫بلغ متوس� � ��ط حجم أدمغة الق� � ��ردة اجلنوبية‬ ‫نحو ‪ 400‬س� � ��نتمتر مكع� � ��ب ‪ -‬وهو ما يقارب‬ ‫حج� � ��م دم� � ��اغ الش� � ��مپانزي ‪ -‬وصل دماغ‬ ‫اإلنس� � ��ي العامل إلى ضعفي ه� � ��ذا احلجم‪,‬‬ ‫وتضخم حجم الدماغ البشري ‪ 400‬سنتمتر‬

‫مكع� � ��ب أخرى في بحر مليون س� � ��نة أخرى‪،‬‬ ‫ليبلغ بذلك حجمه احلديث‪ .‬ومما ال ش� � ��ك فيه‬ ‫أن عوام� � ��ل أخرى قد أثرت في توس� � ��ع مادة‬ ‫الدماغ الرمادي� � ��ة؛ كتبني غذاء ينتج منه قدر‬ ‫كاف من الس� � ��عرات احلرارية الالزمة لتغذية‬ ‫هذا النس� � ��يج بالطاق� � ��ة‪ .‬إال أن تخلصنا من‬ ‫ش� � ��عر أجسادنا كان بالتأكيد خطوة حاسمة‬ ‫في طريق صيرورتنا مفرطي ذكاء‪.‬‬ ‫كان لقلة شعر أجسادنا عواقب اجتماعية‬ ‫أيض� � ��ا‪ .‬وعل� � ��ى الرغم من أن� � ��ه مبقدورنا من‬ ‫منظ� � ��ور تقن� � ��ي أن نرفع ش� � ��عر رقابنا عندما‬ ‫تتقل� � ��ص العض� �ل��ات املوج� � ��ودة ف� � ��ي قاعدة‬ ‫جريب� � ��ات الش� � ��عر وتنبس� � ��ط‪ ،‬إال أن ش� � ��عر‬ ‫أجسادنا الرفيع جدا واخلفيف ال يمُ َ كِ ننا من‬ ‫أداء استعراض كالذي تؤديه قططنا وكالبنا‪،‬‬ ‫أو أقاربنا الش� � ��مپانزيات‪ .‬كم� � ��ا أننا ال منلك‬ ‫القدرة ذاتها على إعالم الغير ‪ -‬أو التمويه ‪-‬‬ ‫التي لدى حيوانات أخرى‪ ،‬ممثلة بخطوط جلد‬ ‫حمار الوحش‪ ،‬أو بقع الفهد‪ ،‬أو س� � ��وى ذلك‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬ميكن للمرء أن يخمن أن الس� � ��مات‬ ‫اإلنس� � ��انية العامة كاخلج� � ��ل وتعابير الوجه‬ ‫املعقدة قد تطورت للتعويض عن فقدان قدرتنا‬ ‫على التواصل عبر فرائنا‪ .‬وعلى نحو مماثل‪،‬‬ ‫فإن الرس� � ��م على اجلس� � ��د‪ ،‬ومستحضرات‬ ‫التجميل‪ ،‬واألوش� � ��ام‪ ،‬واألمن� � ��اط األخرى من‬ ‫تزيني اجللد املوجودة في جميع احلضارات‬ ‫في ش� � ��كل توليف� � ��ات متباين� � ��ة‪ ،‬والتي تنم عن‬ ‫االنتماء إلى جماعة‪ ،‬وعن املركز االجتماعي‪،‬‬ ‫وع� � ��ن معلوم� � ��ات اجتماعية حيوي� � ��ة أخرى‪،‬‬ ‫كان الف� � ��رو يرمز إليها فيما س� � ��بق‪ .‬كما أننا‬ ‫نستخدم أيضا األوضاع والهيئات اجلسدية‬ ‫للتعبيرعن حالتنا العاطفية ونوايانا‪ .‬نستخدم‬ ‫أيضا اللغة للتعبير عم� � ��ا في أدمغتنا تعبيرا‬ ‫مفصال‪ .‬واجلل� � ��د العاري من الش� � ��عر ــــ إن‬ ‫توجهنا إليه من هذا املنظور ــــ لم يقتصر فقط‬ ‫>‬ ‫على تبريدنا‪ ،‬بل جعل منا بشرا‪.‬‬ ‫( ) ‪Naked Ambitions‬‬

‫(‪ )1‬هرمون ذكوري تنتجه اخلصيتان‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫(التحرير)‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, February 2010‬‬

‫‪63‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫طاقة الدماغ اخلفية‬

‫(٭)‬

‫عندما تهيم عقولنا‪ ،‬لعلنا جند في مناطق الدماغ الناشطة‬ ‫مفتاحا لفهم االضطرابات العصبية‪ ،‬ال بل حتى الوعي نفسه‪.‬‬ ‫>‪ .E .M‬ريتشيل<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫لقد ظل علماء اجلهاز العصبي‬ ‫يعتقدون طويال أن دارات‬ ‫الدماغ تتوقف عن العمل‬ ‫عندما يكون الشخص في‬ ‫حالة الراحة‪.‬‬

‫>‬

‫ولكن جتارب تقنيات التصوير‬ ‫أظهرت وجود مستوى دائم‬ ‫من النشاط خلف الكواليس‪.‬‬

‫>‬

‫قد يكون عمل الدماغ الال ُمركز‬ ‫على مهمة واعية )‪ ،)1((DM‬كما‬

‫>‬

‫قد يؤدي اخللل في الوصالت‬ ‫ما بني مناطق الدماغ املشاركة‬ ‫في العمل ‪ DM‬إلى طيف واسع‬ ‫من االضطرابات مبا فيها‬ ‫ألزهامير والفصام‪.‬‬

‫ُيسمى‪ ،‬ذا أهمية قصوى في‬ ‫التخطيط لألفعال املستقبلية‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪64‬‬

‫تخيل أنك جتلس متكاس� �ل��ا على كرس� � ��ي‬ ‫اس� � ��تراحة في الهواء الطل� � ��ق يغالبك النعاس‬ ‫وفي ِح ْج� � � ِ�رك مجلة‪ .‬وفجأة حت� � ��ط ذبابة على‬ ‫ذراعك‪ ،‬فتمس� � ��ك باملجلة وتضرب بها الذبابة‬ ‫ضرب� � ��ة عنيفة‪ .‬ماذا حدث ف� � ��ي دماغك بعد ما‬ ‫المس� � ��ت الذبابة جلدك؟ وماذا كان يحدث فيه‬ ‫قبل ذلك مباش� � ��رة؟ لقد ظ� � ��ل العديد من علماء‬ ‫اجلهاز العصبي يعتقدون ألمد طويل أن معظم‬ ‫النشاط العصبي داخل رأس� � ��ك أثناء الراحة‬ ‫يتوافق مع حالة الوسن والتراخي التي تكون‬ ‫أس� � ��يرا لها‪ .‬وتبعا لهذا التصور‪ ،‬فإن نش� � ��اط‬ ‫الدماغ املس� � ��تريح ال ميثل أكث� � ��ر من صخب‬ ‫عشوائي يش� � ��به وشيش شاش� � ��ة التلفاز عند‬ ‫انقطاع الب� � ��ث عنه‪ .‬فعندما حت� � ��ط ذبابة على‬ ‫س� � ��اعدك‪ ،‬فإن دماغك يركز على مهمة واعية‬ ‫هي س� � ��حق الذباب� � ��ة‪ .‬إ ّال أن الدراس� � ��ات التي‬ ‫تستخدم تقنيات التصوير العصبي قد كشفت‬ ‫لنا مؤخرا عن أمر ملفت لالنتباه فعال‪ ،‬وهو أن‬ ‫الدماغ‪ ،‬أثناء خلود صاحبه إلى الراحة وتوقفه‬ ‫عن القيام بأي فعل كان‪ ،‬ال يستكني‪ ،‬بل يبقى‬ ‫ف ّعاال ويؤدي أعماال هادفة وذات أهمية بالغة‪.‬‬ ‫لقد تبني أخي� � ��را‪ ،‬أن املناطق املتباعدة في‬ ‫الدماغ ‪ -‬أثناء استرخاء عقلك عندما تكون مثال‬ ‫جالسا على كرسي مريح ومستغرقا في أحالم‬ ‫اليقظة‪ ،‬أو مستلقيا على الفراش‪ ،‬أو ُم َخ ّدرا في‬ ‫غرفة العمليات اجلراحية ‪ -‬ال تتوقف عن عملها‬ ‫بل تستمر بتبادل الرسائل فيما بينها‪ ،‬وهو ما‬ ‫اعتبر إحدى خصائص الدماغ واصطلح على‬ ‫الالم َركز‬ ‫تس� � ��مية هذه احلالة‪« :‬عمل الدم���اغ‬ ‫ُ‬

‫عل���ى مهمة واعية» (‪ .)1()DM‬ويستهلك الدماغ‬ ‫في هذه احلالة التي ال تعرف االستكانة‪ ،‬طاقة‬ ‫تتجاوز بكثير نظيرتها في احلالة املقابلة (حالة‬ ‫الدم� � ��اغ املُ َركز على مهمة معين� � ��ة)؛ فهي أكبر‬ ‫بعش� � ��رين مرة تقريبا من الطاق� � ��ة التي يحتاج‬ ‫إليها الدماغ عندما يرتكس بطريقة واعية على‬ ‫ذبابة مزعجة أو غيرها من املنبهات اخلارجية‪.‬‬ ‫وإن معظم النش� � ��اطات التي نقوم بها بصورة‬ ‫واعية‪ ،‬كاجللوس لتناول طعام العشاء أو إلقاء‬ ‫محاضرة‪ ،‬متثل خروج� � ��ا عن العمل القاعدي‬ ‫األساسي(‪ )2‬للدماغ في العمل ‪.DM‬‬ ‫لقد كان املفتاح لفهم العمل ‪ DM‬لعمل الدماغ‬ ‫هو اكتشاف إحدى منظومات الدماغ التي لم تكن‬ ‫معروفة حتى ذلك احلني‪ ،‬وقد ُ‬ ‫اصطلح على تسمية‬ ‫هذه املنظومة‪ :‬شبكة عمل الدماغ الالمركز على‬ ‫مهمة واعي���ة (‪ .)3()DMN‬ومع أن الدور احلقيقي‬ ‫ال� � ��ذي تؤديه هذه الش� � ��بكة في تنظيم النش� � ��اط‬ ‫العصب� � ��ي ال يزال قيد البح� � ��ث‪ ،‬فهناك من يعتقد‬ ‫اليوم أن هذه الش� � ��بكة تقوم بتنس� � ��يق األسلوب‬ ‫الذي يس� � ��تخدمه الدماغ لتنظيم منظومة وظائف‬ ‫الذاك� � ��رة وعدد آخر م� � ��ن املنظومات التي حتتاج‬ ‫إل� � ��ى حتضير ك� � ��ي تكون على أهبة االس� � ��تعداد‬ ‫للتعاطي مع أحداث املستقبل‪ :‬فاملنظومة احلركية‬ ‫للدماغ ‪ -‬مثال ‪ -‬يجب أن يزداد معدل نش� � ��اطها‬ ‫لتكون مستعدة للرد على اإلحساس بلدغة ذبابة‬ ‫حطت على ذراعك‪ .‬كما أن الش� � ��بكة ‪ DMN‬ميكن‬ ‫أن تؤدي دورا حيويا في عملية مزامنة األنش� � ��طة‬ ‫( ) ‪THE BRAIN’S DARK ENERGY‬‬ ‫(‪the brain’s default mode )1‬‬ ‫(‪baseline )2‬‬ ‫(‪the brain’s default mode network )3‬‬

‫لعمل الدماغ‪.‬‬

‫أو الــوتـيــــــ� � ��رة الطبـيـعـيـــــــة‬ ‫(التحرير)‬


‫املختلفة التي حتصل ف� � ��ي جميع أنحاء الدماغ‪،‬‬ ‫بحي� � ��ث تصطف جميعا في نس� � ��ق واحد وتكون‬ ‫على أهبة االستعداد بطريقة تشبه حالة الع ّدائني‬ ‫في حلبة الس� � ��باق حلظة إطالق رصاصة البدء‪.‬‬ ‫فإذا كانت الش� � ��بكة ‪ - DMN‬فعال ‪ -‬تقوم بتهيئة‬ ‫الدم� � ��اغ ألداء فعال ّي� � ��ات واعية‪ ،‬فإن اس� � ��تقصاء‬ ‫س� � ��لوكها ميكن أن ميدنا بدالئل مهمة تساعدنا‬ ‫على فهم طبيع� � ��ة خبراتنا عل� � ��ى صعيد الوعي‪.‬‬ ‫وفض� �ل��ا عن ذلك‪ ،‬لدى علم� � ��اء اجلهاز العصبي‬ ‫مبررات كافية لالش� � ��تباه بأن أعطال هذه الشبكة‬ ‫ميك� � ��ن أن تكون مس� � ��ؤولة عن األخط� � ��اء الذهنية‬ ‫البس� � ��يطة وكذلك االضطرابات الدماغية املركبة؛‬ ‫من مرض ألزهامير إلى االكتئاب‪.‬‬ ‫سبر أغوار الطاقة اخلفية‬

‫( )‬

‫إن الفكـ� � ��رة القائل� � ��ة إن الدمــاغ ميكن أن‬ ‫يكــون ناش� � ��طا باس� � ��تمرار ليس� � ��ت بالفكــرة‬ ‫اجلديــــدة‪ .‬فقـــد كــ� � ��ان >‪ .H‬بيرگر< [مخترع‬ ‫طريق� � ��ة تخطي� � ��ط الدمــ� � ��اغ الكهربائي (وهي‬ ‫الطريق� � ��ة الت� � ��ي يتم فيها تس� � ��جيل نش� � ��اط‬ ‫الدماغ الكهربائي عل� � ��ى هيئة مجموعة مـــن‬ ‫اخلطوط املتموجة والتي تظهر على شاش� � ��ة‬ ‫جهاز التخطيط وميكن طباعتها على الورق)]‬ ‫مـــ� � ��ن الداعمني األوائـل لهــ� � ��ذه الفكــرة‪ .‬وقد‬ ‫أشار >بيرگر< في مقاالته التأسيسية والتي‬ ‫نش� � ��رها عام ‪ 1929‬وناقش فيها نتائج أبحاثه‬ ‫املتعلقة بتخطي� � ��ط الدماغ الكهربائي‪ ،‬إلى أن‬ ‫الذبذبات الكهربائية الصادرة عن الدماغ ال‬ ‫تتوقف وميكن تسجيلها دائما بواسطة جهاز‬ ‫التخطيط‪ ،‬وإلى أنه (أي >بيرگر<) اس� � ��تنتج‬ ‫بناء على ذلك «أن� � ��ه علينا االنطالق من فكرة‬ ‫أن اجلهاز العصبي املركزي يبقى على درجة‬ ‫عالية من النش� � ��اط بصورة مس� � ��تمرة‪ ،‬وليس‬ ‫أثناء اليقظة وحسب‪».‬‬ ‫إ ّال أن أف� � ��كار >بيرگر< ح� � ��ول كيفية أداء‬ ‫الدم� � ��اغ لوظائف� � ��ه مت جتاهلها عل� � ��ى نطاق‬ ‫واسع‪ ،‬حتى بعدما أصبحت طرق التصوير‬ ‫غير الباضعة ‪ noninvasive‬تش� � ��كل عنصرا‬ ‫راسخا في مختبرات العلوم العصبية‪ .‬وأقدم‬

‫هذه الطرق هو التصوي���ر الطبقي بإطالق‬ ‫الپوزيترون���ات )‪ )1((PET‬ال� � ��ذي أصبح قيد‬

‫التداول في أواخر سبعينات القرن العشرين‪،‬‬ ‫وال� � ��ذي تتم فيه معايرة اس� � ��تقالب الگلوكوز‬ ‫وجريان الدم وامتصاص األكس� � ��جني كناية‬ ‫عن النشاط النوروني‪ .‬وبعد عام ‪ 1992‬ظهرت‬ ‫طريق� � ��ة التصوي���ر باملرن���ان املغنطيس���ي‬ ‫الوظيف���ي )‪ )2((fMRI‬الت� � ��ي تق� � ��وم على مبدأ‬ ‫قياس درجة أكس� � ��جة الدماغ للغرض نفسه‪.‬‬ ‫ومتتل� � ��ك هذه التقانات قدرة فائقة على قياس‬ ‫النش� � ��اط البؤري وغير الب� � ��ؤري في الدماغ‪،‬‬ ‫ولكن معظم األبحاث التي اس� � ��تخدمت هذه‬ ‫التقانات حتى اآلن مت تصميمها بطريقة و ّلدت‬ ‫انطباعا ‪ -‬من دون قصد ‪ -‬بأن معظم مناطق‬ ‫( ) ‪Probing Dark Energy‬‬ ‫(‪positron-emission tomography )1‬‬ ‫(‪functional magnetic resonance imaging )2‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪65‬‬


‫[نظريات متنافسة]‬

‫األدمغة في حالة الراحة‬

‫( )‬

‫إن طرق التصوير غير الباضعة‬ ‫مث���ل التصوي���ر الطبق���ي‬ ‫والتصوي���ر باملرن���ان الوظيفي‬ ‫‪ fMRI‬ل���م تلتقط ف���ي بداية األمر‬ ‫إش���عارات النشاط الذي يحدث‬ ‫ف���ي الدم���اغ خل���ف الكوالي���س‬ ‫عندم���ا يك���ون املفح���وص‬ ‫مس���تريحا وال يفع���ل ش���يئا‪،‬‬ ‫فأعط���ت صورة غي���ر دقيقة عن‬ ‫النشاط العصبي‪.‬‬

‫‪PET‬‬

‫نشاط مُ ركز كما هي‬ ‫احلال أثناء القراءة‬

‫ال نشاط كما في‬ ‫أحالم اليقظة‬

‫عال من‬ ‫مستوى ٍ‬ ‫النشاط في الدماغ‬

‫ال نشاط في الدماغ‬

‫نشاط أعلى في الدماغ‬

‫نشاط عال في الدماغ‬

‫‪ ‬النظرة القدمية‬

‫في بداية األمر‪ ,‬كانت تقنيات املسح‬ ‫الدماغي تترك انطباعا يوحي أن معظم‬ ‫النورونات تبقى في حالة هجوع‬ ‫إلى أن يتم حتريضها ‪ -‬عن طريق‬ ‫القراءة مثال ‪ -‬فيتوهج الدماغ عندئذ‬ ‫ويبدأ باستهالك الطاقة الالزمة لبث‬ ‫اإلشعارات الضرورية ألداء املهمة‪.‬‬

‫‪ ‬النظرة اجلديدة‬

‫أظهرت جتارب أخرى من التصوير‬ ‫العصبي في السنوات األخيرة أن الدماغ‬ ‫عال من النشاط حتى‬ ‫يحتفظ مبستوى ٍ‬ ‫عندما يكون اسميا في حالة راحة‪ .‬في‬ ‫احلقيقة‪ ،‬تسبب القراءة وغيرها من‬ ‫املهام الروتينية ‪ -‬فعليا ‪ -‬زيادة ضئيلة‬ ‫في الطاقة ال تتجاوز ‪ %5‬من مقدار‬ ‫الطاقة التي يتم استهالكها أثناء هذه‬ ‫احلالة القاعدية العالية النشاط‪.‬‬

‫الدماغ تكون في حالة من الهجوع حتى يتم‬ ‫حتريضها من خالل قيام الشخص اخلاضع‬ ‫لالختبار بتنفيذ املهام املطلوبة منه‪.‬‬ ‫ويحاول عــلماء اجلهاز العصبي ‪ -‬عـــــادة ‪ -‬أثناء‬ ‫إج� � ��راء جتاربهم بطرائ� � ��ق التصوير املذكورة‬ ‫حتديد مناطق الدماغ املس� � ��ؤولة عن تس� � ��يير‬ ‫عمليات إدراكية أو سلوكية معينة‪ .‬وإن أفضل‬ ‫التصامي� � ��م البحثية لتع ُّرف ه� � ��ذه املناطق هي‬ ‫تلك التي تقوم مبقارنة بسيطة بني حالتني من‬ ‫أنش� � ��طة الدماغ يربط بينهما قاسم مشترك‪.‬‬ ‫فعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬إذا أراد الباحثون تعرف‬ ‫مناطق الدماغ املس� � ��ؤولة عن ق� � ��راءة الكلمات‬ ‫بصوت مسموع (حالة االختبار) مقارنة بتلك‬ ‫املسؤولة عن قراءة الكلمات ذاتها بصمت (حالة‬ ‫‪66‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫املراقبة)‪ ،‬فإنهم سوف يبحثون عن الفروق بني‬ ‫صور هاتني احلالتني‪ .‬ولكي يتمكنوا من رؤية‬ ‫هذه الف� � ��روق بوضوح‪ ،‬فس� � ��وف يكون عليهم‬ ‫القيام بطرح وحدات العنصورة(‪ pixel )1‬في‬ ‫صور القراءة الصامتة من وحدات العنصورة‬ ‫ف� � ��ي صور القراءة املس� � ��موعة‪ ،‬ومن ثم القيام‬ ‫بتحديد املناطق التي تس� � ��تمر بالتألق بس� � ��بب‬ ‫نش� � ��اط نوروناتها التي يفترض أن تكون هي‬ ‫املسؤولة عن القراءة بصوت مسموع‪ .‬أما ما‬ ‫يسمى بالنشاط الداخلي املنشأ‪ ،‬وهو النشاط‬ ‫الدائ� � ��م والذي ميثل خلفية جميع النش� � ��اطات‬ ‫األخرى‪ ،‬فيت� � ��م حذفه في غرفة تقطيع الصور‬ ‫ومعاجلته� � ��ا‪ .‬وعرض البيان� � ��ات بهذه الطريقة‬ ‫يس� � ��مح برؤية مناطق الدماغ التي تنشط أثناء‬ ‫أداء منط معني من أمناط السلوك‪ ،‬كما لو كانت‬ ‫هذه املناطق في حالة من الهجوع قبل أن يتم‬ ‫تفعيلها وقت احلاجة ألداء مهمة معينة‪.‬‬ ‫ومع مرور الزمن‪ ،‬ص� � ��ار فريقنا البحثي ‪-‬‬ ‫وغيره من الفرق ‪ -‬محبا ملعرفة ما يحدث عندما‬ ‫يك� � ��ون املرء في حالة م� � ��ن الراحة التي ال يفعل‬ ‫فيها ش� � ��يئا سوى أن يترك عقله يهيم‪ .‬وقد نشأ‬ ‫ه� � ��ذا االهتمام بتحريض م� � ��ن مجموعة أبحاث‬ ‫متنوعة أش� � ��ارت إلى مدى اتساع هذا النشاط‬ ‫الذي يحدث خلف كواليس مسرح الدماغ‪.‬‬ ‫لقد أتتنا إحدى الدالالت من أبحاث تناولت‬ ‫مسألة املعاينة البصرية املجردة للصور وأثبتت‬ ‫أن ه� � ��ذه املعاينة البصرية تترافق بزيادة جلية‬ ‫في نش� � ��اط مناطق كثيرة من الدماغ في حالة‬ ‫االختبار وحالة املراقبة على حد س� � ��واء‪ .‬وقد‬ ‫اتضح أن س� � ��بب استمرار ظهور هذا النشاط‬ ‫في كلتا احلالتني يعود إلى وجود خلفية مشتركة‬ ‫هي أش� � ��به ما تكون بصخب أو وشيش يبقى‬ ‫في حالة نش� � ��اط دائم خلف الكواليس‪ .‬و ُيعتبر‬ ‫هذا الوش� � ��يش ‪ -‬جزئيا على األقل ‪ -‬سببا في‬ ‫صعوبة ‪ -‬وإن لم يكن اس� � ��تحالة ‪ -‬التمييز بني‬ ‫الصور اخلام للحالتني (حالة االختبار أو حالة‬ ‫أداء املهم� � ��ة‪ ،‬وحالة املراقبة)‪ .‬وال ميكن حتقيق‬ ‫هذا الغرض إال باس� � ��تخدام طرائق حاسوبية‬ ‫( ) ‪BRAINS AT REST‬‬

‫(‪ )1‬عنصورة (بيكسل)؛ نحت من عنصر صورة‪.‬‬

‫(التحرير)‬


‫معقدة لتحليل الصور‪.‬‬ ‫لقد أش� � ��ارت أبحاث أخرى إلى أن أداء‬ ‫مهمة معينة يزيد من استهالك الدماغ للطاقة‬ ‫بنسبة ال تزيد على ‪ %5‬من الطاقة التي يحتاج‬ ‫إليها النش� � ��اط القاعدي األساسي‪ ،‬وإلى أن‬ ‫قسطا كبيرا من النشاط الكلي للدماغ يحدث‬ ‫ف� � ��ي دارات عصبي� � ��ة ال عالقة له� � ��ا بأحداث‬ ‫العالم اخلارجي ويستهلك من ‪ %60‬إلى ‪%80‬‬ ‫م� � ��ن الطاقة اإلجمالية الت� � ��ي ينفقها الدماغ‪.‬‬ ‫لقد أطلق فريقنا البحثي على هذا النش� � ��اط‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الداخلي املنش� � ��أ مصطلح الطاقة اخلفية‬ ‫تي ُّمنا بتعبير الطاق� � ��ة غير املرئية والتي متثل‬ ‫اجلزء األكبر من كتل� � ��ة الكون الكلية‪ ،‬وحتية‬ ‫إجالل وتقدير إلى زمالئنا الفلكيني‪.‬‬ ‫ومما أسهم أيضا بدفعنا لالهتمام مبسألة‬ ‫وجود طاق� � ��ة عصبية خفية هو أننا الحظنا كم‬ ‫هو ضئيل حجم املعلومات الذي يصل فعليا من‬ ‫احلواس إلى مناطق الدماغ الداخلية املسؤولة‬ ‫عن معاجلة هذه املعلوم� � ��ات‪ .‬وخير مثال على‬ ‫ذلك هو التناقص الكبي� � ��ر في كمية املعلومات‬ ‫البصرية الذي يصيب ه� � ��ذه املعلومات خالل‬ ‫رحلتها من العني إلى قشرة الدماغ البصرية‪.‬‬ ‫وال يصل إلى الش� � ��بكية في مؤخرة العني‬ ‫من املعلومات املتوفرة في عاملنا اخلارجي ‪-‬‬ ‫وكميتها االفتراضية غير احملدودة ‪ -‬س� � ��وى‬ ‫ما يعادل ‪ 10‬باليني بتة ‪ bit‬في الثانية‪ .‬ومبا‬ ‫أن عدد وصالت العصب البصري بالشبكية‬ ‫ال يتج� � ��اوز مليون وصل���ة ُمص���دِّرة ‪output‬‬ ‫‪ ،connection‬فإن كمية املعلومات التي تتمكن‬ ‫من مغــــــادرة الشبكية متوجهـــــة إلى الـــدماغ‬ ‫ال تتج� � ��اوز ‪ 6‬ماليني بتة في الثانية وال ينجح‬ ‫منه� � ��ا في الوص� � ��ول إلى القش� � ��رة البصرية‬ ‫سوى ‪ 10‬آالف بتة في الثانية فقط‪.‬‬ ‫وبعد خضوع ه� � ��ذه املعلومات البصرية‬ ‫إلى مزيد من عمليات املعاجلة‪ ،‬يتم نقلها إلى‬ ‫مناطق الدماغ املسؤولة عن تشكيل إدراكنا‬ ‫البص� � ��ري عل� � ��ى صعيد الوع� � ��ي‪ .‬ومن املثير‬ ‫للدهشة أن كمية املعلومات التي تو ّلد إدراكنا‬ ‫الواع� � ��ي ال تزي� � ��د على ‪ 100‬بتة ف� � ��ي الثانية‪.‬‬ ‫ومن املس� � ��تبعد أن يكتف� � ��ي الدماغ مبثل هذا‬

‫( )‬

‫النظرة اجلديدة‬

‫لقد أدرك الباحثون قبل وقت قصير‬ ‫أن املعلومات املتوفرة في عاملنا‬ ‫اخلارجي ‪ -‬وكميتها االفتراضية‬ ‫غير احملدودة ‪ -‬ال يصل منها إلى‬ ‫مراكز الدماغ املسؤولة عن معاجلة‬ ‫مثل هذه املعلومات سوى جزء‬ ‫يسير‪ .‬وعلى الرغم من انتقال ‪6‬‬ ‫ماليني وحدة بتة عبر العصب‬ ‫البصري‪ ،‬فإن ماينجح منها في‬ ‫املعالة‬ ‫بلوغ القشرة البصرية‬ ‫جِ‬ ‫للمعلومات ال يتجاوز ‪10 000‬‬ ‫بتة‪ .‬أما ما يتبقى للدماغ من هذه‬ ‫املعلومات‪ ،‬الستخدامها في صناعة‬ ‫اإلدراك الواعي‪ ،‬فال يتجاوز بضع‬ ‫مئات من البتات‪ ،‬وهو قدر ضئيل‬ ‫جدا ال يكفي وحده لتوليد إدراك‬ ‫ذي معنى؛ األمر الذي أشارت إليه‬ ‫النتائج البحثية ورأت أن الدماغ ‪-‬‬ ‫على األرجح ‪ -‬يتنبأ باستمرار مبا‬ ‫ميكن أن يقع في احمليط اخلارجي‬ ‫مستبقا املعلومات الهزيلة والتي‬ ‫سترد إليه عبر احلواس من العالم‬ ‫اخلارجي‪.‬‬

‫الس� � ��يل الضئيل من املعلومات وحده ليتمكن‬ ‫من صن� � ��ع اإلدراك‪ ،‬بل من األرجح أن يأخذ‬ ‫أيضا عوامل أخرى في احلسبان‪ ،‬كالنشاط‬ ‫الداخلي املنشأ ‪ -‬مثال ‪ -‬الذي يجب أن يكون‬ ‫له دور ما في هذه العملية‪.‬‬ ‫إضاف� � ��ة عل� � ��ى ذل� � ��ك‪ ،‬فإن تقني� � ��ة تعداد‬ ‫املشابك العصبية(‪( )2‬وهي نقاط االتصال بني‬ ‫النورونات) تزودن� � ��ا بداللة أخرى على القدرة‬ ‫الداخلية العالية للدماغ في معاجلة املعلومات‪.‬‬ ‫إذ إن عدد املش� � ��ابك املخصص� � ��ة للمعلومات‬ ‫البصرية ال� � ��واردة من اخلارج إلى القش� � ��رة‬ ‫البصرية‪ ،‬ال يتجاوز ‪ %10‬من العدد اإلجمالي‬ ‫ملشابك القشرة البصرية‪ .‬أما النسبة العظمى‬ ‫من هذا العدد‪ ،‬فمخصصة للوصالت الداخلية‬ ‫التي ترب� � ��ط النورونات بعضها مع ببعض في‬ ‫هذه املنطقة من الدماغ‪.‬‬ ‫اكتشاف العمل‬

‫‪DM‬‬

‫( )‬

‫ومع أن الدالالت على وجود حياة داخلية‬ ‫للدماغ قد مت التحقق منها‪ ،‬فإن بعض جوانب‬ ‫النش� � ��اط الداخلي للدماغ كانت تتطلب فهما‬ ‫أعمق‪ ،‬كاجلوان� � ��ب الفيزيولوجية واجلوانب‬ ‫املتعلقة بالكيفية التي ميكن أن يؤثر بها هذا‬ ‫النشاط في اإلدراك والس� � ��لوك‪ .‬وقد حالفنا‬ ‫احلظ ف� � ��ي اغتنام إحدى الفرص عندما قمنا‬ ‫مبراقبة أم� � ��ر ُمح ّير أثناء إجراء دراس� � ��اتنا‬ ‫بالـتصوير ‪ PET‬الت� � ��ي مت تدعيمها فيما بعد‬ ‫بدراسات التصوير باملرنان الوظيفي ‪،fMRI‬‬ ‫حيث نقلتنا تلك املالحظة إلى املس� � ��ار الذي‬ ‫أدى بنا في نهاية األمر إلى اكتشاف الشبكة‬ ‫‪ DMN‬لعمل الدماغ‪.‬‬ ‫لقد الحظنا في أواس� � ��ط تس� � ��عينات القرن‬ ‫املاض� � ��ي مبح� � ��ض الصدف� � ��ة وبص� � ��ورة تثير‬ ‫الدهشة‪ ،‬أن مناطق معينة من الدماغ ينخفض‬ ‫مس� � ��توى نش� � ��اطها عن القيم���ة القاعدية في‬ ‫حال���ة الراح���ة ‪ the baseline resting state‬كلما‬ ‫قام األشخاص املفحوصون بأداء بعض املهام‪.‬‬ ‫( ) ‪A CLUE TO THE NEW VIEW‬‬

‫( ) ‪ ،Descovering the Default Mode‬أو اكتش� � ��اف عم� � ��ل الدماغ‬ ‫الال ُمركز على مهمة واعية‪.‬‬ ‫(‪dark energy )1‬‬ ‫(‪synapses )2‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪67‬‬


‫[ناظم الدماغ]‬

‫الشبكة‬

‫‪DMN‬‬

‫( )‬

‫مجموعة متآزرة من مناطق الدماغ املختلفة‪ ،‬معروفة باسم شبكة العمل ‪( DM‬أو شبكة الوتيرة‬ ‫الطبيعي���ة) لعم���ل الدم���اغ‪ ،‬ميكن أن تكون هي املس���ؤولة عن كثير من أمناط النش���اط العصبي‬ ‫املرافقة حلالة عدم التركيز الذهني‪ ،‬وهي التي ميكن أن تؤدي دورا رئيسيا في أداء الوظائف‬ ‫الذهنية أيضا‪.‬‬

‫‪ ‬مركز القيادة‬

‫تتألف الشبكة ‪ DMN‬من عدة مناطق دماغية متباعدة تتضمن األجزاء املصورة أدناه‪:‬‬

‫الناحية اخلارجية لنصف الكرة األيسر‬ ‫القشرة اجلدارية‬ ‫الوحشية‬

‫القشرة الصدغية‬ ‫الوحشية‬

‫الناحية الداخلية لنصف الكرة األمين‬ ‫القشرة‬ ‫اجلدارية‬ ‫اإلنسية‬

‫القشرة ماقبل‬ ‫اجلبهية اإلنسية‬

‫القشرة ماقبل‬ ‫اجلبهية اإلنسية‬ ‫الشبكة‬ ‫لعمل الدماغ‬ ‫‪DMN‬‬

‫‪ ‬قائد أوركسترا الذات‬

‫يعتقد أن الشبكة ‪ DMN‬حتذو حذو قائد‬ ‫األوركسترا بصورة ما‪ ،‬فهي تبث إشعارات‬ ‫توقيت مشابهة حلركات عصا قائد‬ ‫األوركسترا‪ ،‬وذلك لتنسيق النشاط بني‬ ‫مناطق الدماغ املختلفة‪ .‬إن هذا التأشير‬ ‫ألجزاء من القشرتني البصرية والسمعية‪ ،‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬يضمن ‪ -‬فيما يبدو ‪ -‬أن تكون‬ ‫جميع مناطق الدماغ على أهبة االستعداد‬ ‫لالستجابة للمحرضات بصورة مالئمة‪.‬‬

‫وكانت هذه املناطق ‪ -‬وعلى نحو‬ ‫خاص قطاع من القش� � ��رة الدماغية اجلدارية‬ ‫اإلنس� � ��ية (وهو ج� � ��زء قريب من خ� � ��ط الدماغ‬ ‫املتوسط يشارك ‪ -‬إلى جانب وظائفه األخرى ‪-‬‬ ‫في عملية استدعاء الذكريات املتعلقة بأحداث‬ ‫احلياة الشخصية) ينخفض مستوى نشاطها‬ ‫في كل مرة تكون فيها مناطق الدماغ األخرى‬ ‫منهمكة بتنفيذ إحدى املهام احملددة‪ ،‬كالقراءة‬ ‫املس� � ��موعة مثال‪ .‬وعلى الرغم من احليرة التي‬ ‫أصابتنا‪ ،‬فقد قررنا إطالق مصطلح «املنطقة‬ ‫اجلداري���ة اإلنس���ية الغامض���ة»‬

‫)‪(MMPA‬‬

‫(‪)1‬‬

‫على القطاع الذي انخفض مس� � ��توى نش� � ��اطه‬ ‫الوظيفي إلى أقصى حد‪.‬‬ ‫وقد أكدت سلس� � ��لة من جت� � ��ارب التصوير‬ ‫‪ PET‬الت� � ��ي أجريناه� � ��ا الحق� � ��ا أن الدماغ ال‬

‫‪68‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫تطرأ علي� � ��ه حالة من العطال� � ��ة عندما ال يكون‬ ‫منش� � ��غال بنش� � ��اط واع‪ .‬إذ إن املنطقة ‪MMPA‬‬ ‫وكذلك معظ� � ��م املناطق األخرى تظل ناش� � ��طة‬ ‫بصورة مس� � ��تمرة إلى أن يرك� � ��ز الدماغ على‬ ‫عندئذ وتيرة‬ ‫إحدى املهام اجلديدة‪ ،‬فتنخفض‬ ‫ٍ‬ ‫عمل بع� � ��ض املناطق نتيجة لتراجع نش� � ��اطها‬ ‫داخلي املنش� � ��أ‪ .‬لقد قوبل� � ��ت أبحاثنا في بداية‬ ‫األم� � ��ر ببعض الش� � ��كوك‪ ،‬ال بل حت� � ��ى أحيانا‬ ‫بالرف� � ��ض‪ .‬فقد ُرفضت إح� � ��دى أوراقنا املُ َعدة‬ ‫للنشر واملتضمنة نتائج أبحاثنا املذكورة فيما‬ ‫س� � ��بق س� � ��نة ‪ 1998‬ألن أحد احملكمني زعم أن‬ ‫انخفاض النشاط ‪ -‬الذي أشرنا إليه سابقا ‪-‬‬ ‫ه� � ��و نتيجة خلطأ في بياناتنا‪ ،‬علما بأن املحُ ّكم‬ ‫املُراجع أكد أن الدارات العصبية مت تشغيلها‬ ‫بالفعل عند الراحة وإيقافها أثناء أداء املهمة‪.‬‬ ‫وعلى أية حال‪ ،‬فقد قام باحثون آخرون بتأكيد‬ ‫نتائجنا املتعلقة بـالقش� � ��رة اجلدارية اإلنس� � ��ية‬ ‫والقشرة ماقبل اجلبهية اإلنسية (التي تشارك‬ ‫في عملية تخي� � ��ل ما يفكر فيه اآلخرون وكذلك‬ ‫في العملي� � ��ة املرتبطة ببع� � ��ض جوانب حياتنا‬ ‫االنفعالية)‪ .‬وهناك إجماع حاليا على أن هاتني‬ ‫املنطقتني تش� � ��كالن ما يشبه محطات الوصل‬ ‫الرئيسية في الشبكة ‪.DMN‬‬ ‫لقد زودنا اكتشاف الشبكة ‪ DMN‬بطريقة‬ ‫جديدة للتفكر في النش� � ��اط الداخلي املنش� � ��أ‬ ‫للدماغ‪ .‬فحتى تاريخ نشر أوراقنا البحثية التي‬ ‫أشرنا إليها سابقا‪ ،‬لم يكن علماء الفيزيولوجيا‬ ‫العصبية ينظرون إلى ه� � ��ذه املناطق ‪ -‬أبدا ‪-‬‬ ‫كمنظومة قائم� � ��ة بذاتها على غ� � ��رار ما نفعله‬ ‫حيال املنظومة البصرية أو املنظومة احلركية؛‬ ‫أي كمجموع� � ��ة م� � ��ن املناطق املتباين� � ��ة والتي‬ ‫يتواصل بعضها مع بعض ألداء عمل ما‪ .‬لقد‬ ‫فاتت مرجعيات التصوير الشعاعي العصبي‬ ‫الرس� � ��مية فك� � ��رة أن الدماغ ميك� � ��ن أن ُيبدي‬ ‫نشاطا كالنش� � ��اط الداخلي املنشأ في العديد‬ ‫م� � ��ن مناطقه عندم� � ��ا يكون في حال� � ��ة الراحة‪.‬‬ ‫والسؤال هنا‪ :‬هل تقتصر هذه اخلاصية على‬ ‫الش� � ��بكة ‪ DMN‬وحدها‪ ،‬أم إنها أكثر عمومية‬ ‫( ) ‪THE DEFAULT MODE NETWORK‬‬ ‫(‪medial mystery parietal area )1‬‬


‫وتشمل جميع أنحاء الدماغ؟ لقد حصلنا على‬ ‫نتيجة بحثية مدهش� � ��ة من خالل الطريقة التي‬ ‫ندرك ونحلل بها التصوي� � ��ر باملرنان الوظيفي‬ ‫‪ ،fMRI‬وتص ُل� � ��ح هذه النتيجة ألن تكون مدخال‬ ‫مناسبا لإلجابة عن مثل تلك األسئلة‪.‬‬ ‫تش � � �يــــــــــر إش���ـعـــارة ‪ signal‬التـــصـــويـــــر‬ ‫باملرن� � ��ان الوظيفي ‪ fMRI‬عادة إلى إش� � ��عارة‬ ‫ما تُسمى املُع َتمد على نس ��بة تركيز أكسجني‬ ‫الدم )‪)1((BOLD‬؛ نظرا ألن طريقة التصوير هذه‬ ‫تعمل على أس� � ��اس تقلبات مستوى األكسجني‬ ‫في الدماغ البش� � ��ري التي تنشأ عن التبدالت‬ ‫في جريان الدم‪ .‬تتغير اإلش� � ��عارة ‪ BOLD‬في‬ ‫أي منطق� � ��ة من الدماغ ‪ -‬عندما نرصدها لدى‬ ‫شخص في حالة اس� � ��ترخاء ‪ -‬ببطء وبصورة‬ ‫دورية كل ‪ 10‬ثوان تقريبا‪ .‬وكان ُينظر إلى هذه‬ ‫التقلبات الدورية البطيئة على أنها ليست سوى‬ ‫ضرب م� � ��ن الصخب‪ ،‬فيتم ح� � ��ذف املعلومات‬ ‫التي ق� � ��ام املرنان بتجميعها عنها من البيانات‬ ‫اإلجمالية في سبيل احلصول على صور أكثر‬ ‫دقة ملناطق الدماغ الناشطة أثناء تنفيذ املهمة‬ ‫التي يتم استقصاؤها باملرنان‪.‬‬ ‫وفي ع� � ��ام ‪ 1995‬بدأت احلكم� � ��ة التي قام‬ ‫عليها مبدأ نبذ اإلش� � ��ارات املنخفضة التردد‬ ‫تتزعزع وتصبح موضع ش� � ��ك وتساؤل‪ ،‬وذلك‬ ‫بع� � ��د أن الحظ >‪ .B‬بيس� � ��وال< وزم� �ل��اؤه [من‬ ‫كلي� � ��ة الطب ف� � ��ي ويسكونس� �ي��ن] أن الصخب‬ ‫ف� � ��ي منطقة الدماغ الناظمة حلركة اليد اليمنى‬ ‫للشخص املفحوص املس� � ��ترخي بصورة كل ّية‬ ‫يتقل� � ��ب بتناغم تام مع اجلان� � ��ب املقابل الناظم‬ ‫حلركة اليد اليسرى‪ .‬كما أن >‪ .M‬گريسيوس<‬ ‫وزمالؤه [من جامعة ستانفورد] كشفوا ‪ -‬في‬ ‫مستهل القرن احلالي ‪ -‬عن التقلبات املتزامنة‬ ‫ذاتها في الش� � ��بكة ‪ DMN‬ل� � ��دى مفحوص في‬ ‫حالة من االسترخاء الك ّلي‪.‬‬ ‫وعل� � ��ى خلفي� � ��ة االهتمام املتس� � ��ارع بالدور‬ ‫الذي تؤديه الش� � ��بكة ‪ DMN‬في وظيفة الدماغ‪،‬‬ ‫فقد أدت نتائج أبحاث فريق >گريس� � ��يوس< إلى‬ ‫فورة من النشاط في مختبرات البحث في جميع‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬مبا فيها مختبرنا‪ ،‬حيث مت وضع‬ ‫خرائ� � ��ط لكافة أش� � ��كال الصخب‪ ،‬أي للنش� � ��اط‬

‫[خلل في ارتباطات الدارات العصبية]‬

‫املرض والشبكة‬

‫( )‬

‫هناك تقاطعات بني الشبكة ‪ DMN‬وبعض‬ ‫املناطق املس����تهدفة من قبل اضطرابات‬ ‫الدماغ الرئيسية‪ ،‬األمر الذي يشير إلى‬ ‫أن حدوث خلل في هذه الشبكة ميكن أن‬ ‫يؤدي دورا في نشوء تلك االضطرابات‪.‬‬ ‫إن الكش����ف عن جوان����ب اخللل في هذه‬ ‫الشبكة لدى مرضى ألزهامير واالكتئاب‬ ‫وغيرهم����ا م����ن االضطراب����ات ميكن أن‬ ‫يس����اعد على تطوير طرائق تشخيصية‬ ‫وأساليب عالجات جديدة‪.‬‬

‫مرض ألزهامير‬

‫تتقاط���ع مناط���ق الدم���اغ الت���ي يصيبه���ا‬ ‫الضم���ور ف���ي م���رض ألزهامي���ر بوضوح مع‬ ‫املراكز الرئيسية للشبكة ‪.DMN‬‬

‫االكتئاب‬

‫يظه���ر مرض���ى االكتئ���اب تراجع���ا ف���ي ع���دد‬ ‫الوص�ل�ات التي تربط إحدى مناطق الش���بكة‬ ‫‪ DMN‬مبناطق مشاركة في نظم االنفعاالت‪.‬‬

‫الفصام‬

‫تظه���ر مناط���ق كثي���رة تابعة للش���بكة ‪،DMN‬‬ ‫مس���تويات مرتفعة من بث اإلشعارات‪ .‬إال أن‬ ‫أهمية هذا األمر ال تزال قيد الدرس‪.‬‬

‫الداخلي املنشأ ملنظومات الدماغ الرئيسية‪ .‬وقد‬ ‫مت رصد هذه األمناط املذهلة من النش� � ��اط حتى‬ ‫حت� � ��ت التخدير العام وأثناء النوم اخلفيف‪ ،‬مما‬ ‫يدل على أنها متثل جانبا أساسيا من اجلوانب‬ ‫الوظيفية للدماغ‪ ،‬وليس مجرد صخب وحسب‪.‬‬ ‫لقد ص� � ��ار واضحا من ه� � ��ذا البحث أن‬ ‫الش� � ��بكة ‪ DMN‬مس� � ��ؤولة عن جزء فقط‪ ،‬وإن‬ ‫يكن جزءا حيويا‪ ،‬من النشاط الداخلي املنشأ‬ ‫اإلجمالي‪ ،‬كما صار واضحا أيضا أن فكرة‬ ‫العمل ‪ DM‬م� � ��ن عمل الدم� � ��اغ تصلح لكافة‬ ‫منظوماته‪ .‬لقد مت اكتش� � ��اف الوتيرة الطبيعية‬ ‫املُ َع ّم َمة ف� � ��ي مختبرنا عل� � ��ى أرضية أبحاثنا‬ ‫األولى املتعلقة بنش� � ��اط الدم� � ��اغ الكهربائي‬ ‫والذي ُيدع� � ��ى اجله���ود القش���رية البطيئة‬ ‫)‪ ،)2((SCPs‬والتي تطل� � ��ق فيها مجموعات من‬ ‫ثوان أو‬ ‫النورون� � ��ات زخات كهربائي� � ��ة كل ‪ٍ 10‬‬ ‫( ) ‪DISEASE AND THE NETWORK‬‬ ‫(‪the blood oxygen level-dependent )1‬‬ ‫(‪slow cortical potentials )2‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪69‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Marcus E. Raichle‬‬

‫هو أستاذ في الطب الشعاعي وطب‬ ‫اجلهاز العصبي في كلية الطب بجامعة‬ ‫واشنطن ‪ -‬سانت لويس‪ .‬ترأس‬ ‫>ريتشيل< لسنوات عدة فريقا مختصا‬ ‫باستقصاء وظائف الدماغ البشري عن‬ ‫طريق التصوير ‪ PET‬والتصوير باملرنان‬ ‫الوظيفي ‪ .fMRI‬وقد مت اختياره ملعهد‬ ‫الطب في عام ‪ 1992‬ولألكادميية القومية‬ ‫للعلوم عام ‪.1996‬‬ ‫‪70‬‬

‫نحو ذلك‪ .‬وقد قمنا في أبحاثنا بالكشف عن‬ ‫أن التقلب� � ��ات التلقائية والتي نش� � ��اهدها في‬ ‫صور اإلش� � ��عارة ‪ BOLD‬تتطابق مع اجلهود‬ ‫‪ ،SCPs‬األم� � ��ر ال� � ��ذي يعني أننا اس� � ��تقصينا‬ ‫النشاط نفسه بطرائق استشعار مختلفة‪.‬‬ ‫وقد انتقلنا بعد ذلك إلى دراس� � ��ة الغرض‬ ‫م� � ��ن اجلهود ‪ SCPs‬من املنظ� � ��ور الذي يرصد‬ ‫عالقته� � ��ا بنم� � ��اذج أخ� � ��رى من اإلش� � ��عارات‬ ‫الكهربائي� � ��ة العصبية‪ .‬وكما بني >بيرگر< ألول‬ ‫م� � ��رة‪ ،‬ومت تأكيد نتائج أبحاثه منذ ذلك احلني‬ ‫على يد كثير من غيره من العلماء من خالل عدد‬ ‫ال ُيحصى من األبحاث‪ ،‬فإن الدماغ يبث طيفا‬ ‫واسعا من الذبذبات الكهربائية والتي يتراوح‬ ‫ترددها ب� �ي��ن البطيء (اجلهود ‪ )SCPs‬والعالي‬ ‫(نش� � ��اطات أخرى يتجاوز ترددها ‪ 100‬دورة‬ ‫في الثانية)‪ .‬إ ّال أن آلية تآثر تلك اإلش� � ��عارات‬ ‫بتردداتها املختلفة لم تُكتش� � ��ف بعد‪ ،‬ومازال‬ ‫فهمها يش� � ��كل أحد أهم التحدي� � ��ات الكبرى‬ ‫والتي تواجه العلوم العصبية احلديثة‪.‬‬ ‫لقد تبينّ أخيرا أن اجلهود ‪ SCPs‬لها دور‬ ‫مؤث� � ��ر‪ ،‬إذ إن أبحاثنا ‪ -‬إل� � ��ى جانب أبحاث‬ ‫أخ� � ��رى ‪ -‬أك� � ��دت أن النش� � ��اط الكهربائ� � ��ي‬ ‫بت� � ��رددات أعلى من ت� � ��رددات اجلهود ‪SCPs‬‬ ‫يتزامن مع تذبذبات هذه اجلهود أو أطوارها‪.‬‬ ‫وكما الح� � ��ظ مؤخرا >‪ .M‬پالڤا< وزمالؤه [من‬ ‫جامع� � ��ة هلس� � ��ينكي]‪ ،‬فإن الط� � ��ور الصاعد‬ ‫لهذا اجلهد ‪ SCPs‬يترافق بزيادة في نش� � ��اط‬ ‫إشعارات أخرى ذات تردد مختلف‪.‬‬ ‫وميكنن� � ��ا أن ننهل من مفهوم األوركس� � ��ترا‬ ‫الس� � ��يمفونية ‪ -‬الذي ُيشير إلى نسيج مزخرف‬ ‫من النغمات الصادرة عن آالت موسيقية متنوعة‬ ‫تعزف بأس� � ��لوب متكامل وف� � ��ق إيقاع واحد ‪-‬‬ ‫استعارات مالئمة‪ ،‬حيث متثل إشعارات اجلهود‬ ‫‪ SCPs‬عصا قائد األوركسترا؛ ولكن بدال من أن‬ ‫يكون همها األساسي هو احملافظة على اإليقاع‬ ‫الزمني لعزف مجموعة من اآلالت املوس� � ��يقية‪،‬‬ ‫فإنها تقوم بتنس� � ��يق العملية التي حتتاج إليها‬ ‫كل واحدة م� � ��ن منظومات الدم� � ��اغ كي تتمكن‬ ‫من الدخول إلى املس� � ��تودع الفسيح للذكريات‬ ‫وغيرها من املعلومات األخ� � ��رى الالزمة للبقاء‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫على قيد احلياة في عالم مركب ومعقد ومتغير‬ ‫بصورة مس� � ��تمرة‪ .‬وبكلمة أخرى‪ ،‬فإن اجلهود‬ ‫‪ SCPs‬تضمن ظهور احلسابات السليمة بطريقة‬ ‫مالئمة وفي اللحظة املناسبة متاما‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن الدماغ ‪ -‬كما هو معروف ‪ -‬أش � � � ّد‬ ‫تعقيدا بكثير من األوركسترا السيمفونية‪ .‬فكل‬ ‫واح� � ��دة من منظومات الدم� � ��اغ املتخصصة ‪-‬‬ ‫كاملنظومة املُس ّيرة للنشاط البصري أو املنظومة‬ ‫املحُ رك� � ��ة للعضالت ‪ُ -‬تب� � ��دي منطها اخلاص‬ ‫من اجله� � ��ود ‪ .SCPs‬وبحك� � ��م التكوين املتباين‬ ‫له� � ��ذه املنظومات؛ فإن ذل� � ��ك ال يترافق بظهور‬ ‫الفوضى‪ .‬أما بث اإلش� � ��عارات الكهربائية فيتم‬ ‫تنظيمه على نحو يعطي األسبقية لبعض مناطق‬ ‫الدماغ على غيرها م� � ��ن املناطق‪ ،‬بحيث يكون‬ ‫هناك تسلس� � ��ل هرمي تتصدره الشبكة ‪DMN‬‬ ‫كقائد أعلى لألوركسترا لضمان عدم حصول‬ ‫تداخل فيما بني اإلشعارات املتسابقة الصادرة‬ ‫ع� � ��ن هذه املنظومة أو تلك‪ ،‬ومن ثم ضمان عدم‬ ‫ظهور نش� � ��از في املوسيقى‪ .‬ال تدعو هذه البنية‬ ‫التنظيمية إلى االس� � ��تغراب أبدا‪ ،‬فالدماغ ليس‬ ‫مكانا للمشاجرة العامة بني منظومات مستقلة‪،‬‬ ‫بل هو احت� � ��اد فدرالي ملك ِّونات يعتمد ّ‬ ‫كل منها‬ ‫على اآلخر‪.‬‬ ‫ومن جانب آخر‪ ،‬فإن هذا النشاط الداخلي‬ ‫املعقد عليه أن يترك أحيانا الباب مفتوحا أمام‬ ‫متطلبات العالم اخلارج� � ��ي‪ .‬وتلبية لضرورة‬ ‫هذا التكيف‪ ،‬فإنّ اجلهود ‪ SCPs‬في الش� � ��بكة‬ ‫‪ DMN‬ينخف� � ��ض مس� � ��تواها عندما يقتضي‬ ‫األم� � ��ر أن ترتفع درجة اليقظة بس� � ��بب ورود‬ ‫مدركات حواس ّية جديدة أو غير متوقعة‪ ،‬كأن‬ ‫تدرك فجأة ‪ -‬وأنت تقود السيارة راجعا من‬ ‫عملك إلى البي� � ��ت ‪ -‬أنك قد وعدت بإحضار‬ ‫صندوق م� � ��ن احلليب‪ .‬وما أن تنعدم احلاجة‬ ‫إلى االنتباه البؤري ‪ ،focused attention‬فإنه‬ ‫سرعان ما ينتعش البث الداخلي إلشعارات‬ ‫اجلهود ‪ SCPs‬مج� � ��ددا‪ .‬إن الدماغ في حالة‬ ‫صراع دائمة بني ضرورة احلفاظ على توازن‬ ‫استجاباته املرسومة ولزوم تلبية احتياجات‬ ‫اللحظة الفورية بصورة مباشرة‪.‬‬


‫الوعي واملرض‬

‫( )‬

‫إن تعاق� � ��ب ارتف� � ��اع وانخفاض مس� � ��توى‬ ‫نشاط الشبكة ‪ DMN‬ميكن أن ُيغني بصيرتنا‬ ‫بتأ ّم� � ��ل بعض ألغاز الدماغ األكثر عمقا‪ ،‬ولقد‬ ‫زودن� � ��ا العلماء ‪ -‬فعال ‪ -‬بكثي� � ��ر من األفكار‬ ‫العميقة املثي� � ��رة حول طبيعة االنتباه من حيث‬ ‫إنه يشكل عنصرا جوهريا من عناصر النشاط‬ ‫ال� � ��ذي يتم على صعيد الوعي‪ .‬ففي عام ‪2008‬‬ ‫أبلغ فريق بحثي متعدد اجلنس� � ��يات أنه مت ّكن‬ ‫أثناء مراقبته الش� � ��بكة ‪ DMN‬م� � ��ن التنبؤ بأن‬ ‫الش� � ��خص املفحوص باملرن� � ��ان الوظيفي على‬ ‫وش� � ��ك ارتكاب خطأ ‪ -‬في اختبار حاس� � ��وبي‬ ‫مبرم� � ��ج لهذا الغرض ‪ -‬قبل حدوث ذلك بزمن‬ ‫قد يص� � ��ل إلى ‪ 30‬ثانية‪ .‬وأش� � ��ار هذا الفريق‬ ‫أيض� � ��ا إلى أن ذاك اخلط� � ��أ ميكن أن يقع إذا‬ ‫ما بدأت ‪ -‬أثناء املج� � ��ال الزمني املذكور (‪30‬‬ ‫ثاني� � ��ة) ‪ -‬الش� � ��بكة ‪ DMN‬باالرتفاع وأخذت‬ ‫درجة نشاط املناطق املشاركة في نظم وظيفة‬ ‫التركيز البؤري باالنخفاض‪.‬‬ ‫وميكن لطاقة الدماغ اخلفية أن متدنا في‬ ‫الس� � ��نوات القادمة ب� � ��دالالت مهمة عن طبيعة‬ ‫الوع� � ��ي‪ .‬وكما يعترف معظ� � ��م علماء اجلهاز‬ ‫العصب� � ��ي‪ ،‬ف� � ��إن تفاعلنا الواعي م� � ��ع العالم‬ ‫اخلارجي ال يش� � ��كل س� � ��وى جزء يس� � ��ير من‬ ‫نش� � ��اط الدم� � ��اغ‪ .‬وما يحدث حتت مس� � ��توى‬ ‫اإلدراك الواع� � ��ي‪ ،‬مب� � ��ا في ذلك م� � ��ا تقوم به‬ ‫طاق� � ��ة الدماغ اخلفية‪ ،‬هو أم� � ��ر بالغ األهمية‬ ‫ملس� � ��اعينا البحثي� � ��ة الرامية إلى اكتش� � ��اف‬ ‫اخللفي� � ��ة الغامضة لتجاربن� � ��ا احلياتية التي‬ ‫نعيش� � ��ها ضمن ذلك احليز الزمني الضئيل‬ ‫من اإلدراك الواعي‪.‬‬ ‫ومبع� � ��زل عن اللمح� � ��ة الت� � ��ي تقدمها لنا‬ ‫دراسة طاقة الدماغ اخلفية بشأن ما يقع من‬ ‫أح� � ��داث خلف كواليس جتاربنا اليومية‪ ،‬فإن‬ ‫دراس� � ��ة هذه الطاقة ميكن أن تزودنا بدالئل‬ ‫إرش� � ��ادية جديدة لفهم األم� � ��راض العصبية‬ ‫الرئيس� � ��ية‪ .‬ولن تك� � ��ون هناك ض� � ��رورة إلى‬ ‫ممارسة الرياضة الذهنية أو القيام بحركات‬

‫معقدة إلمتام التمرين‪ .‬فالشخص املفحوص‬ ‫لن يكون عليه س� � ��وى أن يبقى مس� � ��تلقيا بال‬ ‫حراك داخل جهاز املرنان‪ ،‬مصغيا إلى أزيز‬ ‫الش� � ��بكة ‪ DMN‬وغيرها من محطات اتصال‬ ‫الطاقة اخلفية وإلى وقع خطواتها الهادئة‪.‬‬ ‫لقــ� � ��د أخـذ ه� � ��ذا النوع م� � ��ن األبحاث ‪-‬‬ ‫بالفعل ‪ُ -‬يس � � � ّلط ضوءا جدي� � ��دا على مجال‬ ‫األمراض‪ ،‬إذ إن دراسات الدماغ التصويرية‬ ‫كش� � ��فت عن وج� � ��ود تبدالت ف� � ��ي الوصالت‬ ‫مابني اخلاليا الدماغية في مناطق الش� � ��بكة‬ ‫‪ DMN‬عن� � ��د مرض� � ��ى ألزهامي� � ��ر واالكتئاب‬ ‫والتوحد وحتى الفص� � ��ام‪ .‬وقد يتم تصنيف‬ ‫مرض ألزهامير ‪ -‬يوما ما ‪ -‬بالفعل كمرض‬ ‫من أمراض الش� � ��بكة ‪ .DMN‬إذ إن مس� � ��قط‬ ‫املناطق املصاب� � ��ة في دماغ مريض ألزهامير‬ ‫ينطبق بدقة عالية على خارطة املناطق املكونة‬ ‫للشبكة ‪ .DMN‬وميكن لهذه النماذج أن تكون‬ ‫صاحلة ليس كواسمات بيولوجية في مجال‬ ‫التش� � ��خيص وحس� � ��ب‪ ،‬وإمنا أيض� � ��ا كأداة‬ ‫تس� � ��اعد على التفكير العميق بأس� � ��باب هذا‬ ‫املرض وباستراتيجياته العالجية‪.‬‬ ‫على الباحثني ‪ -‬وه� � ��م يتطلعون في هذه‬ ‫األيام إلى املس� � ��تقبل ‪ -‬أن يحاولوا التوصل‬ ‫إل� � ��ى معرفة آلية عمل تنس� � ��يق النش� � ��اط بني‬ ‫منظومات الدماغ املختلفة وداخل كل واحدة‬ ‫منها على املس� � ��توى اخللوي‪ ،‬كما أن عليهم‬ ‫التوصل إلى معرفة اآللية التي تس� � ��تخدمها‬ ‫الشبكة ‪ DMN‬في دفع اإلشعارات الكيميائية‬ ‫والكهربائي� � ��ة لالنتق� � ��ال عب� � ��ر دارات الدماغ‬ ‫املختلفة‪ .‬وس� � ��وف نكون عندئ� � � ٍ�ذ بحاجة إلى‬ ‫نظريات جدي� � ��دة قادرة على دم� � ��ج البيانات‬ ‫املتوفرة عن اخلاليا وال� � ��دارات واملنظومات‬ ‫العصبية بكاملها إلعطاء صورة أش� � ��مل عن‬ ‫اآللية الوظيفية والتي تس� � ��تخدمها الش� � ��بكة‬ ‫‪ DMN‬في أداء مهمتها كمدير عام مس� � ��ؤول‬ ‫عن تنظي� � ��م طاقته اخلفية‪ .‬وميك� � ��ن أن يتبني‬ ‫لن� � ��ا أخيرا مبرور الزمن‪ ،‬أن الطاقة العصبية‬ ‫>‬ ‫اخلفية هي األساس الفعلي ملا يحركنا‪.‬‬ ‫( ) ‪Consciousness and Disease‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, March 2010‬‬

‫‪71‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫األعاجيب الثماني‬ ‫للمنظومة الشمسية‬

‫(٭)‬

‫ف���ي ه���ذا املقال‪ ،‬يح ّلق بنا الف ّنان >‪ .R‬مي ّلر< في أجواء ثمانية من أكثر املش���اهد حبس���ا‬ ‫لألنفاس التي تنتظر املستكشفني الشجعان ملنظومتنا الشمسية‪ .‬ورمبا تكفي ضخامة هذه‬ ‫األعاجي���ب الطبيعي���ة لتقزمي جميع ما ميكن ل�ل�أرض أن تبديه من ظواهر‪ .‬فما الذي ميكننا‬ ‫أن نش���اهده أو نستش���عره لو كتب لنا الس���فر إلى تلك األصقاع البعيدة؟ لقد متكنت «عني‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الفنان» من إحكام الربط بني البيانات التي أرس���لتها املس���ابر الفضائية‪ ،‬مثل >كاسيني<‬ ‫الذي أطلقته الوكالة «ناسا» الستكشاف نظام زحل‪ ،‬و>ميسينجير<(‪ )2‬الذي متكن من الطواف‬ ‫ح���ول «عط���ارد» ثالث مرات‪ ،‬وهو يس���تعد التخاذ مدار دائم حوله في الش���هر ‪ ،2011/3‬وهذا‬ ‫يتيح لنا فرصة القيام بزيارة ّ‬ ‫مبكرة لهذه األصقاع النائية التي ال ُتنسى‪.‬‬ ‫>‪ِ .E‬ب ْ‬ ‫ل<‬

‫‪1‬‬

‫حلقات زحل‬

‫( )‬

‫أن���ت تخت���رق اآلن الطبقة الس� � ��فلية(‪ )3‬جل���و زحل‪ ،‬وحت ّل���ق حتت أضخم بني���ة حلقية في‬ ‫ثمة إال القليل من املشاهد التي ميكنها أن تكون أكثر منه إثارة‬ ‫املنظومة الشمسية‪ .‬وليس ّ‬ ‫للدهش���ة والذه���ول‪ .‬وهذه احللقات البيضاء اجلليدية‪ ،‬حت ّل���ق على ارتفاع ‪ 75‬ألف كيلومتر‬ ‫وتش���ع احللقة ضوءها لتضيء به جميع ما ينتش���ر حولك‪ .‬وس���وف ترى ستة‬ ‫فوق رأس���ك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أقم���ار هاللي���ة على األقل وهي تش���رق في الس���ماء‪ .‬وعن���د غياب الش���مس‪ ،‬يتناثر ضوؤها‬ ‫ويتشتت عند اصطدامه بسدمي من بلورات األمونيا بشكل قوس قزح صغير‪ .‬وسوف حتيط‬ ‫ب���ك غي���وم األموني���ا التي تتهادى قريبا منك بس���رعة ‪ 1500‬كيلومتر في الس���اعة‪ .‬وهي تعد‬ ‫واحدة من أسرع السحب اندفاعا في املنظومة الشمسية برمتها‪ .‬وعلى مسافة حتتك ُتقدر‬ ‫بأكثر من ‪ 30‬ألف كيلو متر‪ ،‬ال ميكن ألي شيء من صنع البشر أن يصمد في الضغوط التي‬ ‫تسودها‪ ،‬ينتشر محيط كوكبي من الهدروجني املعدني السائل‪ .‬وال شك في أن الهبوط فوق‬ ‫هذا الكوكب لن يتحقق أبدا‪.‬‬ ‫( ) ‪EIGHT WONDERS OF THE SOLAR SYSTEM‬‬ ‫( ) ‪THE RINGS OF SATURN‬‬ ‫(‪Cassini )1‬‬ ‫(‪MESSENGER )2‬‬ ‫(‪the troposphere )3‬‬

‫‪72‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬


73

(2010) 6/5


‫‪2‬‬

‫البقعة احلمراء للمشتري‬

‫( )‬

‫رمب���ا يك���ون م���ن العس���ير عل���ى املس���افر أن‬ ‫يتص���ور املقياس الدقيق ألضخ���م إعصار التفافي‬ ‫في املنظومة الشمسية‪ .‬ومن هذه النقطة املتم ّيزة‪،‬‬ ‫ال ميكن مش���اهدة أكثر من مج ّرد قطاع صغير من‬ ‫البقعة احلمراء العظمى (إلى اليسار في الصفحة‬ ‫املقابلة)‪ .‬وهي ترتفع نحو ثمانية كيلومترات على‬ ‫األق���ل فوق الس���حب املجاورة‪ .‬وميك���ن للصواعق‬ ‫املضيئ���ة الت���ي تنش���أ أس���فل الغي���وم أن تس���حق‬ ‫وحتولها إلى حطام‪ .‬وتندفع الرياح‬ ‫مدينة كامل���ة‬ ‫ّ‬ ‫التي تنشأ على تخوم احلافة اخلارجية لإلعصار‬ ‫االلتفاف���ي بس���رعة تزي���د عل���ى ‪ 400‬كيلومت���ر ف���ي‬ ‫الس���اعة‪ .‬وتت���م البقعة دورة كامل���ة بعكس اجتاه‬ ‫دوران عق���ارب الس���اعة كل س���بعة أي���ام‪ .‬وتك���ون‬ ‫االضطرابات الناجتة م���ن هذه العاصفة الهوجاء‬ ‫هائل���ة‪ ،‬وتكفي املوجات الصوتي���ة الصادرة عنها‬ ‫لإلصابة بالطرش‪ .‬وميكن لكوكبني على أقل تقدير‪،‬‬ ‫مياث���ل حج���م كل منهم���ا حج���م األرض‪ ،‬أن َي ْغ َرقا‬ ‫متام���ا في لجُ َّ ���ة هذه العاصفة الهوج���اء والتي ما‬ ‫تهب على النصف اجلنوبي لكوكب املشتري‬ ‫فتئت ّ‬ ‫قبل ‪ 400‬سنة على األقل‪.‬‬ ‫( ) ‪JUPITER’S RED SPOT‬‬

‫‪74‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬


‫‪3‬‬

‫الوديان املريخية ‪ -‬امل ّريخ‬

‫( )‬

‫طاملا مت ّلكت الناس مش���اعر الدهشة والذهول‬ ‫عندم���ا ي���زورون «أخدود أريزون� � ��ا الكبير»(‪ ،)1‬وهو‬ ‫إح���دى األعاجيب الت���ي س���يصادفها الزائر األول‬ ‫لوادي امل ّري� � ��خ(‪ )2‬عندما ميعن النظر ف���ي أخدوده‪.‬‬ ‫يبلغ عمق هذا األخدود س���تة كيلومترات ونصف‪،‬‬ ‫ويص���ل عرضه إلى قيم���ة مماثلة‪ ،‬وهذا يجعل من‬ ‫العسير عليك رؤية طرفه اآلخر من بعض األماكن‪.‬‬ ‫وميكن لهذا الصدع التكتوني ‪ tectonic crack‬الهائل‬ ‫أن ميت���د في الوالي���ات املتحدة م���ن نيويورك إلى‬ ‫كاليفورني���ا‪ ،‬وه���ذه مس���افة تع���ادل رب���ع محي���ط‬ ‫األرض‪ .‬ولهذا الس���بب يتأخر شروق الشمس في‬ ‫أح���د طرفيه نحو س���ت س���اعات عن ش���روقها في‬ ‫طرفه اآلخر‪ .‬وكان املاء ذات م ّرة يجري عبر أجزاء‬ ‫كبي���رة م���ن هذا األخدود‪ .‬وفي هذا املش���هد‪ ،‬ميكن‬ ‫للمسافر أن يرى غشاوة جليدية متأل الوادي عند‬ ‫غياب الشمس فوق تخوم احلافة الشمالية‪.‬‬ ‫( ) ‪VALLES MARINERIS, MARS‬‬ ‫(‪Arizona’s Grand Canyon )1‬‬ ‫(‪the Mariner Valley )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪75‬‬


‫‪4‬‬

‫الفوارة إلنسيالدوس‬ ‫الينابيع ّ‬

‫( )‬

‫ه���ذه واح���دة من الظواهر التي ميكنك أن تستش���عرها قبل أن تراها‪ :‬إنه���ا قعقعة خافتة تتردد عميقا في‬ ‫ص���درك وحت���دث حت���ت قدميك‪ ،‬م���ن دون أن تكون مصحوبة بالص���وت‪ .‬وال يلبث الث���وران البركاني أن يظهر‬ ‫عندما تنفجر نافورتان جليديتان هائلتان عبر سطح إنسيالدوس وهما تقذفان ببلورات اجلليد في الفضاء‬ ‫بس���رعة تزيد على ‪ 1600‬كيلومتر في الس���اعة‪ .‬وشمس���نا البعيدة هي التي تضيء هذا االضطراب الصامت‪.‬‬ ‫وإنس���يالدوس‪ ،‬الذي يع ّد س���ادس أضخم أقمار زحل‪ ،‬والذي ال تزيد قوة جاذبيته على ‪ 16/1‬من قوة جاذبية‬ ‫قمرن���ا‪ ،‬لن يكون عاملا يس���هل املش���ي فوقه؛ وقد يحتاج املتن ّزهون هناك إلى رب���ط األحزمة املجهّ زة مبحركات‬ ‫ن ّفاثة‪ ،‬وأن يحرصوا على جت ّنب االقتراب من الوديان التي تنشأ فيها النوافير العنيفة‪.‬‬ ‫( ) ‪THE GEYSERS OF ENCELADUS‬‬

‫‪76‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬


‫‪5‬‬

‫الفوارة‬ ‫ينابيع تريتون ّ‬

‫( )‬

‫زوار تريت���ون‪ ،‬وه���و األضخم ف���ي مجموعة أقمار‬ ‫وس���وف ينده���ش ّ‬ ‫الكوكب نپتون‪ ،‬عند رؤيتهم صفيفا من النوافير الشديدة البرودة والتي‬ ‫تتك���ون من عنص���ر جليد النتروج�ي�ن وبعض املركب���ات العضوية‬ ‫رمب���ا‬ ‫ّ‬ ‫الداكنة‪ .‬وميكن سماع أصوات النوافير ذات املظهر الدخاني من مواقع‬ ‫تبع���د عنها بضعة كيلومترات أثن���اء اندفاعها إلى ارتفاع يتجاوز ‪8000‬‬ ‫مت���ر ضمن الغ�ل�اف اجلوي الرقي���ق لتريت���ون قبل أن تكس���حها الرياح‬ ‫العاتية‪ .‬ويغطي امليثان والنتروجني اجلليدي هذا العالم الذي تنخفض‬ ‫فيه درجة احلرارة إلى ما دون ‪ 200‬درجة مئوية حتت الصفر‪.‬‬ ‫( ) ‪THE GEYSERS OF TRITON‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪77‬‬


‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫فوهة هرشل على ميماس‬

‫قمم الضوء السرمدي‬

‫( )‬

‫ثمة ظاهرة فريدة (في األسفل)‪ .‬ليس بعيدًا عن أرضنا‪،‬‬ ‫وبالتحديد فوق قمرنا‪ ،‬ففي عام ‪ 1994‬اكتشفت «قمم الضوء‬ ‫الس���رمدي» على «فوهة بيري»(‪ )1‬املتاخمة للقطب الشمالي‪،‬‬ ‫وهي متثل القطاع الوحيد والذي ال تغيب عنه الشمس في‬ ‫املنظومة الشمس���ية (ميكن أن تكون هناك قطاعات مماثلة‬ ‫ف���وق عط���ارد إال أنها لم تش���اهد حتى اآلن)‪ .‬وتنش���أ هذه‬ ‫الظاه���رة غير العادية ألن محور دوران القمر حول نفس���ه‬ ‫ال ينح���رف إال قليال عن املس���توي املش���ترك مل���داره ومدار‬ ‫األرض ح���ول الش���مس‪ .‬وهذا املوقع الذي س���يتحول دون‬ ‫ش���ك إلى عامل جذب للسائح الفضائي‪ ،‬سوف يستضيف‬ ‫أيض���ا أول قاع���دة قمري���ة‪ .‬واختالف درج���ات احلرارة في‬ ‫هذه املنطقة طفيف‪ ،‬رمبا ال يتعدى ‪ 20‬درجة مئوية‪ ،‬وهذا‬ ‫يجع���ل منه���ا مكانا مثاليا لإلقامة‪ .‬وميث���ل احتمال وجود‬ ‫جليد املاء هناك ميزة إضافية‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫ميماس‬

‫ل���و أن متس��� ّلقي اجلبال املغامري���ن صعدوا إل���ى القمة في‬ ‫مرك���ز فوه���ة هرش���ل الواقع���ة على س���طح قم���ر زحل‬ ‫ميم���اس (ف���ي اليم�ي�ن)‪ ،‬لوج���دوا أنفس���هم عل���ى‬ ‫ارتف���اع ‪ 6000‬متر فوق أرضية احلوض‪ .‬وعند‬ ‫النظ���ر إل���ى حاف���ات الفوهة الت���ي ترتفع إلى‬ ‫نح���و ‪ 5000‬متر‪ ،‬ومبش���اهدة مغيب زحل في‬ ‫خلفية املشهد (في اليسار)‪ ،‬فسوف يستغرب‬ ‫املسافرون إلى هذا املكان كيف َّ‬ ‫متكن ميماس‬ ‫من الصمود أمام هذا االصطدام الذي أدى إلى‬ ‫تش���كيل منخفض يبلغ عرضه ‪ 13‬كيلومترا أو ما‬ ‫يقارب ثلث قطر القمر ذاته‪.‬‬ ‫( ) ‪PEAKS OF ETERNAL LIGHT‬‬ ‫( ) ‪HERSCHEL CRATER ON MIMAS‬‬ ‫(‪Peary crater )1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫( )‬


‫‪8‬‬

‫شروق الشمس على عطارد‬

‫( )‬

‫يع ّد شروق الشمس وغروبها على كوكب عطارد من املشاهد اجلديرة باملتابعة‪ .‬والشمس‬ ‫الت���ي ت���رى في الس���ماء من عط���ارد أكبر بنحو مرة ونص���ف من حجمها عن���د النظر إليها من‬ ‫األرض‪ ،‬تبدو وهي تشرق وتغرب مرتني خالل يوم عطارد‪ .‬وهي تشرق ثم تسير في السماء‪،‬‬ ‫ث���م تتوق���ف‪ ،‬وتعود إلى الوراء باجتاه األفق الذي أش���رقت منه‪ ،‬ث���م تتوقف مرة أخرى‪ ،‬لتبدأ‬ ‫رحلتها من جديد نحو أفق املغيب‪ .‬يحدث هذا املش���هد الفضائي ألن عطارد يدور حول نفس���ه‬ ‫ثالث دورات خالل كل دورتني له حول الشمس‪ ،‬وأيضا ألن مداره حول الشمس مفلطح جدا‪.‬‬

‫[مصمم الرسوم]‬ ‫>‪ .R‬مي ّلر< مؤلف ومصمم رسوم أكثر من ‪ 40‬كتابا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫مبا فيها «الرحلة العظمى»(‪ )1‬و«دورات النار»‬ ‫وكالهــما من تأليــف عالــم الكواكــب والفـنـان‬ ‫>‪ .W‬كارمتان<‪ .‬وهو أيضا من الك ّتاب السابقني‬ ‫ملجلة ساينتفيك أمريكان(‪ ،)3‬وقد حاز على جائزة‬ ‫هوگو(‪ )4‬لكتاباته في أدب اخليال العلمي‪ ،‬وأيضا‬ ‫على جائزة رودو ميموريال(‪ )5‬من الرابطة الدولية‬ ‫للف ّنانني الفلكيني‪.‬‬

‫[املؤلف]‬ ‫‪Edward Bell‬‬

‫هو املدير الف ّني ملجلة ساينتفيك أمريكان‪.‬‬ ‫) ( ‪SUNRISE ON MERCURY‬‬

‫(‪The Grand Tour )1‬‬ ‫(‪Cycles of Fire )2‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‪"Jules Verne, Misunderstood :‬‬ ‫‪Visionary," Scientific American, April 1997‬‬ ‫(‪Hugo Award )4‬‬ ‫(‪the Rudaux Memorial Award )5‬‬

‫[مراجع لالستزادة]‬ ‫‪Cassini Virtual Tour. The Cassini at‬‬ ‫)‪Saturn Interactive Explorer (CASSIE‬‬ ‫‪lets you fly around Saturn and its‬‬ ‫‪moons in 3-D. You can locate the‬‬ ‫‪satellite at any point in its mission.‬‬ ‫‪http://saturn.jpl.nasa.gov/video/‬‬ ‫‪cassinivirtualtour/‬‬ ‫‪Scientific American, April 2010‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪79‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫يوليو‪ /‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫‪8/7‬‬

‫توسيع حدود احلياة‬

‫(٭)‬

‫حتليل نظام بيئي ميثل منطا من الفتحات الساخنة املكتشفة‬ ‫حديثا في قاع البحر‪ ،‬يوفر احتماالت جديدة لكيفية تطور احلياة‪.‬‬ ‫>‪ .A‬برادلي<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫في عام ‪ 2000‬اكتشف‬ ‫الباحثون منطا جديدا من‬ ‫أنظمة الفتحات املائية‬ ‫احلرارية في قاع البحر‪،‬‬ ‫سميت باملدينة املفقودة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫>‬

‫وقد تبني في السنوات‬ ‫األخيرة املاضية عبر حتليل‬ ‫عينات مأخوذة من هذا املوقع‬ ‫التكوين الفريد الكيميائي‬ ‫للموقع وطبيعة الكائنات‬ ‫احلية الدقيقة املستفيدة منها‪.‬‬

‫>‬

‫كما بينت نتائج تلك األبحاث‬ ‫إمكانية نشوء حياة في محيط‬ ‫شبيه باملدينة املفقودة‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪80‬‬

‫اكتش� � ��اف س� � ��ابق في ذلك ما اش� � ��تهر الحقا‬ ‫باملدخنات السوداء ‪.black smokers‬‬ ‫لقد أثار التقرير األول حول تفاصيل هذا‬ ‫االكتشاف‪ ،‬والذي نشر في مجلة ‪ Nature‬في‬ ‫الش� � ��هر ‪ ،2001/7‬موجات م� � ��ن احلماس في‬ ‫اجلماعة العلمية‪ .‬كما أثارت مؤلفته الرئيسية‬ ‫اجليولوجية >‪ .D‬كيلي< [من جامعة واشنطن]‬ ‫وزمالؤها تس� � ��اؤالت أساس� � ��ية‪ :‬كيف تشكل‬ ‫احلق� � ��ل املائي احلراري؟ وم� � ��ا نوع الكائنات‬ ‫املوجودة هناك وكيف باستطاعتها البقاء على‬ ‫قي� � ��د احلياة؟ وفي ع� � ��ام ‪ ،2007‬قادت >كيلي<‬ ‫بعثة استكشافية إلى املدينة املفقودة استمرت‬ ‫س� � ��تة أس� � ��ابيع‪ ،‬وبعد س� � ��نني م� � ��ن التحاليل‬ ‫املضني� � ��ة للعينات املأخوذة إب� � ��ان هذه البعثة‬ ‫متكن املختصون من تش� � ��كيل إجابات مثيرة‬ ‫عن التساؤالت املطروحة في هذا الشأن‪.‬‬ ‫واكتشافات املدينة املفقودة أعادت النظر‬ ‫ف� � ��ي املفاهيم القدمي� � ��ة حول الكيمي� � ��اء التي‬ ‫مه� � ��دت لظهور احلياة عل� � ��ى األرض‪ .‬وعملت‬ ‫نتائج البحث على توسيع طيف األفكار التي‬ ‫تناولت أماكن وجود حياة خارج نطاق كوكبنا‬ ‫األزرق‪ ،‬كما حت ّدت بع� � ��ض األفكار الرائجة‬ ‫حول كيفية البحث عن تلك احلياة ‪.‬‬

‫هن� � ��اك القلي� � ��ل م� � ��ن األماكن مم� � ��ا تبقى‬ ‫لالستكش� � ��اف على قارات األرض‪ ,‬ومن غير‬ ‫املتوق� � ��ع وجود أعاجي� � ��ب طبيعية ف� � ��ي زوايا‬ ‫منس� � ��ية من هذا العالم لم تكتش� � ��ف بعد‪ .‬وما‬ ‫نعلمه عن املريخ يفوق ما نعلمه عن ‪ 75‬في املئة‬ ‫من س� � ��طح كوكبنا الواقع حتت سطح البحر‪.‬‬ ‫وهناك تنتظرنا مفاجآت ال تعد وال حتصى‪.‬‬ ‫وقعت إح� � ��دى تلك املفاجآت في الش� � ��هر‬ ‫‪ ،2000/12‬عندم� � ��ا عمل� � ��ت بعثة استكش� � ��افية‬ ‫على س� � ��بر جبال قاع البحر املعروفة باس� � ��م‬ ‫مس���يف أطلنطس ‪ )1(Atlantis Massif‬الواقعة‬ ‫ف� � ��ي منتص� � ��ف املس� � ��افة بني برم� � ��ودا وجزر‬ ‫الكن� � ��اري على عمق نصف ميل حتت س� � ��طح‬ ‫احمليط األطلسي الش� � ��مالي‪ .‬فقد وجدت هذه‬ ‫البعثة أعمدة من احلجارة البيضاء بلغ طولها‬ ‫ارتفاع بناء من عش� � ��رين طابق� � ��ا انطالقا من‬ ‫قاع احمليط‪ .‬اس� � ��تخدم العلماء كال من املركبة‬ ‫أرگ� � ��و ‪ ArgoII‬التي يت� � ��م التحكم فيها من بعد‬ ‫والغواص� � ��ة ألڤني ‪ Alvin‬الت� � ��ي يقودها طاقم‬ ‫خاص بها لدراسة هذه التشكيالت الغامضة‬ ‫وأخذ عينات مناس� � ��بة‪ .‬ومع أن القيود الزمنية‬ ‫التي واجهتها البعثة والتي قصرت استخدام‬ ‫الغواصة ملرة واحدة فقط‪ ,‬متكن الباحثون من‬ ‫جمع ما يكفي من معلومات لتبيان أن العمود‬ ‫( )‬ ‫األبيض كان ميثل مجرد واحد من عدة أعمدة‬ ‫كيمياء غريبة‬ ‫ف� � ��ي املنطقة عمل� � ��ت على إطالق م� � ��اء البحر‬ ‫لق� � ��د ُعرفت الفتح� � ��ات املائي� � ��ة احلرارية‬ ‫املس� � ��خن‪ .‬لقد اكتش� � ��فوا بالفعل حقال مليئا‬ ‫بالينابيع احلارة حتت س� � ��طح البحر س � � �مي في قاع البحار منذ عقد الس� � ��بعينات‪ ،‬وتعد‬ ‫ُ ّ‬ ‫( ) ‪EXPANDING the Limits of Life‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫باحلقل املائي احلراري للمدينة املفقودة ‪.‬‬ ‫( ) ‪Strange Chemistry‬‬ ‫(‪ )1‬أو صخر أطلنطس‪.‬‬ ‫وكان هذا اكتش� � ��افا فريدا من نوعه ال مياثله‬ ‫(‪the Lost City Hydrothermal Field )2‬‬


‫األنظمة املس� � ��ماة باملدخنات السوداء أكثرها‬ ‫إلف� � ��ا‪ .‬وتقع هذه الفتحات على حيود وس���ط‬ ‫احملي���ط(‪ - )1‬سلس� � ��لة البراكني التي تتداخل‬ ‫م� � ��ع املواق� � ��ع الت� � ��ي تتباعد فيه� � ��ا الصفائح‬ ‫التكتونية عن بعضها بعضا‪ .‬وقد تبلغ درجة‬ ‫حرارة ماء هذه الفتحات أربعمئة درجة مئوية‬ ‫نتيجة قربها من الصخ� � ��ور املنصهرة‪ .‬ففي‬ ‫وسط تبلغ حموضته حموضة عصيرالليمون‪،‬‬ ‫يتس� � ��رب إلى املاء احلارق السلفيد واحلديد‬ ‫والنحاس والزنك أثناء ترش� � ��ح هذا املاء عبر‬ ‫الصخور البركانية أسفل قاع البحر‪ .‬ويعود‬ ‫هذا السائل احلمضي احلار إلى قاع البحر‪،‬‬ ‫فيلتقي من خالل الفتحات مباء البحر البارد‪.‬‬ ‫تبرد الكبريت���ات الفلزي���ة(‪ )2‬املنحلة الكبيرة‬ ‫وتترس� � ��ب مشكلة سحبا خليطة تبدو كدخان‬ ‫متالطم أس� � ��ود‪ .‬وتتجم� � ��ع الكبريتات الفلزية‬ ‫أعلى الفتحات فيما يش� � ��به املداخن‪ ،‬ويزداد‬ ‫ارتفاعها باطراد‪ .‬وعلى الرغم من كيميائيتها‬ ‫املعادية‪ ،‬فإن هذه املناطق احمليطة بالفتحات‬ ‫تعج بحيوان� � ��ات غريبة مثل الديدان األنبوبية‬ ‫الضخمة احلمراء الرأس التي تفتقر إلى كل‬ ‫م� � ��ن الفم واجلوف املع� � ��وي وحتيا من خالل‬ ‫رابطة تعايشها مع بكتيريا توجد في داخلها‪،‬‬ ‫تس� � ��تهلك غاز كبري� � ��ت الهدروجني الس� � ��ام‬ ‫الصادر عن هذه الفتحات‪.‬‬ ‫تبدو املدينة املفقودة هادئة مقارنة بالبيئة‬ ‫املتوحشة للمدخنات السوداء‪ ،‬وهي على بعد‬ ‫‪ 15‬كيلومترا غرب حدود الصفائح التكتونية‬ ‫في حيد وس� � ��ط األطلس� � ��ي‪ .‬ويبعد حقل هذه‬ ‫الفتحات فوق سطح مسيف األطلسي(‪ )3‬بعدا‬ ‫يحول دون تسخني احلمم للسوائل إلى درجة‬ ‫احلرارة احلارقة التي في املدخنات السوداء‪،‬‬ ‫وعوضا عن ذلك ُيس� � ��خن املاء مبجرد دورانه‬ ‫عبر الصخور الدافئة السفلية‪ ،‬وال تزيد درجة‬ ‫حرارة املاء املقاسة على التسعني درجة مئوية‪.‬‬ ‫كذلك تتميز س� � ��وائل املدينة املفقودة بكونها‬ ‫قلوية ال حمضية‪ ،‬وتبدو هذه السوائل‪ ،‬وهي‬ ‫ف� � ��ي احلموضة ما ب� �ي��ن ‪ 9‬و ‪ 11‬درجة مئوية‪،‬‬ ‫كحليب املغنيزيا أو محلول األمونيا املنزلي‪.‬‬ ‫وبس� � ��بب عج� � ��ز مثل هذه الس� � ��وائل عن حل‬

‫تراكيز مرتفعة من الفلزات كاحلديد والزنك‪،‬‬ ‫فال تس� � ��تطيع املدينة املفق� � ��ودة بناء األعمدة‬ ‫الطويلة املكونة م� � ��ن الكبريتات الفلزية والتي‬ ‫متيز املدخنات الس� � ��وداء‪ .‬فيم� � ��ا تزخر مياه‬ ‫فتحة املدينة املفقودة بالكالسيوم الذي تنجم‬ ‫عنه كربونات الكالس� � ��يوم (حجر اجلير) لدى‬ ‫اختالطه مبياه احمليط‪ .‬ويش� � ��كل حجر اجلير‬ ‫مداخن بيضاء عمالقة تصل أطولها إلى ‪60‬‬ ‫مترا فوق مس� � ��توى ق� � ��اع احمليط‪ ،‬وهو أطول‬ ‫بذلك من أي ٍ من املدخنات السوداء‪.‬‬ ‫تنشأ كيمياء املدينة املفقودة الغريبة نتيجة‬ ‫للتكوي� � ��ن اجليولوجي الفري� � ��د املرتبط ببنية‬ ‫الكوكب ذاته‪ .‬وميكننا تصور األرض كثمرة‬ ‫الدراق حيث قش� � ��رتها متثل قش� � ��رة األرض‬ ‫وميثل حل� � ��م الثمرة املكاف� � ��ئ طبقة الغالف‪.‬‬ ‫فيما ميثل لب الثمرة نواة األرض احلديدية‪.‬‬ ‫وتبتع� � ��د كل م� � ��ن الصفيحت� �ي��ن األمريكي� � ��ة‬ ‫الش� � ��مالية واإلفريقية في املرتفع بينهما ببطء‬ ‫بس� � ��رعة تبلغ ‪ 25‬مليمترا سنويا‪ .‬وبرز بفعل‬

‫قد يبدو النظام البيئي املمثل في‬ ‫الفتحات املائية في املدينة املفقودة‬ ‫قاحال‪ ،‬إال أنه يحوي طيفا واسعا من‬ ‫امليكروبات التي ال يعتمد كثير منها‬ ‫على طاقة أشعة الشمس‪.‬‬

‫(‪ ،mid-ocean ridges )1‬حيود = ج‪َ :‬ح ْيد ‪.ridge‬‬ ‫(‪metal sulfides )2‬‬

‫(‪Atlantis Massif )3‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪81‬‬


‫حرك� � ��ة الصفائح تلك جزء من غالف األرض‬ ‫في قاع احمليط فتشكل املسيف األطلسي من‬ ‫خالل دفع غالف األرض هذا نحو األعلى‪.‬‬ ‫يتكون غالف األرض ‪ mantle‬رئيسيا من‬ ‫صخور تدعى پريدوتيت ‪ )1(peridotite‬؛ وقد‬ ‫تبني أن ه� � ��ذه الصخور ه� � ��ي مبنزلة املفتاح‬ ‫للكيمياء املتميزة في املدينة املفقودة‪ .‬وعندما‬ ‫يحتك الپريدوتيت باملاء يحدث تفاعل كيميائي‬ ‫يدعى الس���رپنتينية ‪ .serpentinization‬ويتم‬ ‫ذلك مبجرد تس� � ��رب ماء احمليط إلى املسيف‬ ‫‪ )2(massif‬حيث يصير املاء املرش� � ��ح من خالل‬ ‫هذا التفاعل أكث� � ��ر قلوية‪ ،‬ويكون عند عودته‬ ‫واختالط� � ��ه مبياه احمليط‪ ،‬غنيا بالكالس� � ��يوم‬ ‫احملرر إبان العملية السرپنتينية‪ .‬وباألخص‬ ‫يكون السائل مخفض التأكسد ‪)3(reduced‬؛‬ ‫إلى حد كبير‪ .‬أي إنه يخسر جميع األكسجني‬ ‫فيه واس� � ��تبدلت به غازات ذات طاقات عالية‬ ‫جدا كالهدروج� �ي��ن وامليث� � ��ان والكبريت‪ :‬إن‬ ‫تركيز الهدروجني في هذا السائل هو األعلى‬ ‫املقاس في بيئ� � ��ات طبيعية حتى اآلن‪ .‬وهكذا‬ ‫يصبح املوضوع أكثر إثارة لالهتمام‪.‬‬ ‫في البداية‬

‫( )‬

‫إن الهدروج� �ي��ن غن� � ��ي بالطاق� � ��ة نتيج� � ��ة‬ ‫لقدرت� � ��ه عل� � ��ى نق� � ��ل اإللكترونات إل� � ��ى مواد‬ ‫أخرى كاألكس� � ��جني وحترير طاقة في خضم‬ ‫هذه العملي� � ��ة‪ .‬وتوصف املواد التي متيل إلى‬ ‫إعطاء ف� � ��وري إللكترونات بأنها مواد مختزلة‬ ‫( ُمرجعة) كيميائيا وهي تس� � ��مية محيرة‪ .‬وقد‬ ‫بعيد بدور مهم للغازات‬ ‫زمن ٍ‬ ‫خمن العلماء منذ ٍ‬ ‫املختزلة (املخفضة) التأكسد في نشوء احلياة‬ ‫عل� � ��ى األرض‪ ،‬واقت� � ��رح كل م� � ��ن الكيميائي‬ ‫احليوي الروسي >‪ .A‬أوپارين< وعالم األحياء‬ ‫التطوري البريطاني >‪ .S.B.J‬هالدين< عام ‪1920‬‬ ‫إمكانية وجود غزير للغازات املختزلة كامليثان‬ ‫والنشادر والهدروجني في جو األرض املبكر‪.‬‬ ‫وافترضا أن التركيز املرتفع للغازات املختزلة‬ ‫سيعمل على تشكل مكونات احلياة الكيميائية‬ ‫بطريقة عفوية‪.‬‬ ‫لقــــــد جنـــــــم عـــــن التجــــــربــــــــة الشـــــهيـــرة‬ ‫‪82‬‬

‫[اكتشافات]‬

‫مهد احلياة؟‬

‫( )‬

‫تقبع فتحات املدينة املفقودة على قمة حتت سطح املاء تعرف باسم «مسيف أطلنطس» على بعد‬ ‫‪ 15‬كيلومترا غرب حدود الصفيحة التكتونية في االرتفاعات وسط األطلسي‪ .‬والدراسات التي‬ ‫أجريت حول هذه الفتحات بينت كيفية تشكل املداخن‪ ،‬وأشارت إلى أن الكيمياء السائدة فيها‬ ‫هي من النوع الذي ولد احلياة املبكرة في األرض‪.‬‬ ‫يتكون «املسيف» من صخر معظمه مركب من الپريدوتيت‪ .‬يتفاعل ماء البحر مع هذا‬ ‫الصخر إبان ترشحه عبر انشقاقات «املسيف» فيتحول إلى السرپنتينيت‪ .‬وتقود عملية‬ ‫التحول السرپنتيني عدة عمليات ذات أهمية في حتديد كيمياء املدينة املفقودة‪ .‬فهي تعطي‬ ‫املاء الدافئ املترشح درجة حموضة قلوية ومتده بالكالسيوم‪ .‬وعندما يظهر املاء في الفتحات‬ ‫ويختلط مع ماء البحر تتشكل‬ ‫كربونات الكالسيوم وتترسب فوق‬ ‫الفتحات مكونة مداخن بيضاء‪.‬‬ ‫كذلك يشحن التفاعل سائل‬ ‫حيد وسط األطلسي‬ ‫الفتحات بغازات غنية بالطاقة‬ ‫كالهدروجني‪ ،‬مما يسمح ألحياء‬ ‫املدخنات السوداء‬ ‫دقيقة مثل امليثانوجينات بالنمو‬ ‫املدينة املفقودة‬ ‫حول وفي داخل جدار املدخنة‪،‬‬ ‫وذلك مبعزل عن طاقة الشمس‪.‬‬ ‫وأخيرا يوفر التحول السرپنتيني‬ ‫شروطا كيميائية تسمح بتركيب‬ ‫مواد عضوية من مواد العضوية‬ ‫وهي أحد املتطلبات الرئيسية‬ ‫لتطور احلياة‪.‬‬ ‫قارة‬ ‫‪‬‬

‫لـ >‪ .S‬ميلر< و>‪ .H‬يوري< [من جامعة شيكاغو] املدينة املفقودة ‪...‬‬ ‫والت� � ��ي أجري� � ��ت ع� � ��ام ‪ ،1953‬اقتن� � ��اع العديد كل من املدينة املفقودة واملداخن‬ ‫م� � ��ن العلماء به� � ��ذه الفرضي� � ��ة‪ .‬إذ متكنا عبر السوداء عبارة عن ينابيع‬ ‫تس� � ��خني غازات مختزلة (مرجعة) وتعريضها حارة‪ .‬وفيما عدا ذلك فهما‬ ‫مختلفان جدا‪ .‬وترد في األسفل‬ ‫لش���رارات ‪ sparks‬كهربائية من إنتاج طيف من بعض الصفات التي متيز‬ ‫املركبات العضوي� � ��ة (معظمها يحوي الكربون املدينة املفقودة‪.‬‬ ‫والهدروجني) اشتملت على األحماض األمينية؛ > تتوضع ‪ 15‬كيلومترا غرب البراكني‬ ‫في ارتفاعات وسط األطلسي‬ ‫وهي الوحدات األساس� � ��ية املؤلفة للپروتينات‬ ‫املستخدمة لدى جميع األحياء على األرض‪.‬‬ ‫> تبلغ درجة حرارة املاء ‪ 90‬درجة‬ ‫مئوية‬ ‫إال أن� � ��ه بع� � ��د مضي س� � ��نوات من جتربة‬ ‫>ميلر ـــ يوري< تب� �ي��ن للجيولوجيني أن اجلو > درجة احلموضة شديدة القلوية‬ ‫الذي ساد على األرض لم يكن مختزال بالقدر‬ ‫> تشكل كربونات الكالسيوم املداخن‬ ‫الذي توقعه الباحث� � ��ان‪ .‬ويعتقد العلماء اآلن‬ ‫البيضاء‬ ‫أن ش� � ��روط التجرب� � ��ة التي س� � ��محت بتكوين‬ ‫> بعض أشكال احلياة تعمل مستقلة‬ ‫األحم� � ��اض األميني� � ��ة واملركب� � ��ات العضوية‬ ‫عن طاقة الشمس‬ ‫األخرى رمبا لم تتحقق َق ُّط في جو األرض‪.‬‬ ‫في املقاب� � ��ل جند أن مثل ه� � ��ذه الغازات‬ ‫( )‬

‫( ) ?‪Cradle of Life‬‬ ‫( ) ‪In the Beginning‬‬ ‫( ) ‪Lost City ...‬‬

‫(‪ )1‬صخر ناري زبرجدي خشن ا ُ‬ ‫حلبيبات‪.‬‬ ‫(‪ )2‬كتلة صخرية‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أو مختزل أو ُمرجع‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬


‫مقطع من «مسيف أطلنطس» في‬ ‫موقع فتحات املدينة املفقودة‬

‫ماء معدل‬ ‫مدخنة‬

‫سرپنتينيت‬

‫املدينة املفقودة‬

‫سيل ماء‬

‫‪‬‬

‫صدع‬

‫پريدوتيت‬

‫‪-0‬‬

‫مسيف أطلنطس‬

‫العمق باألمتار‬ ‫‪-5.300‬‬

‫‪ ...‬في مقابل‬ ‫املدخنات السوداء‬

‫( )‬

‫إن قرب املدخنات السوداء من‬ ‫املگما ‪ magma‬املتصاعدة يسهم‬ ‫بشكل ملحوظ في السمات‬ ‫املميزة لهذه الفتحات والتي‬ ‫تختلف بها عن املدينة املفقودة‪.‬‬ ‫>‬

‫موضعها في وسط ارتفاعات‬ ‫األطلسي حيث البراكني‬

‫>‬

‫تبلغ درجة حرارة املاء ‪ 400‬درجة‬ ‫مئوية‬

‫>‬

‫درجة احلموضة شديدة‬

‫>‬

‫تعطي فلزات الكبريت دخانا أسود‬ ‫وتشكل املدخنات‬

‫>‬

‫ترتبط أشكال احلياة بطريقة غير‬ ‫مباشرة بطاقة الشمس‬

‫املختزلة ش� � ��ائعة في بيئة الفتحات احلرارية‬ ‫املائية للمدينة املفقودة‪ .‬فهل يحتمل أن تكون‬ ‫مث� � ��ل هذه الفتحات قد وف� � ��رت املواد الالزمة‬ ‫للحي� � ��اة منذ بالي� �ي��ن الس� � ��نني؟ مييل بعض‬ ‫اجليوكيميائيني الذين يتحرون هذا االحتمال‬ ‫إلى االعتقاد بصحة ذلك‪ .‬وقد بينت دراسات‬ ‫عدة حول التفاعالت التي تتم في إطار التحول‬ ‫الس� � ��رپنتيني قدرة هذا التح� � ��ول على إنتاج‬ ‫مركبات عضوية انطالقا من غاز ثاني أكسيد‬ ‫الكربون‪ .‬ويحتمل أن تكون منظومات حرارية‬ ‫مائية كالتي رصدت ف� � ��ي املدينة املفقودة قد‬ ‫عملت كمصانع بدائية فأنتجت امليثان املزبد‬ ‫ومركبات عضوية بس� � ��يطة أو حتى أحماض‬ ‫دسمة معقدة‪ ،‬وهي مكونات ضرورية ألغشية‬ ‫جميع األحياء اخللوية‪ .‬وقد يكون باستطاعة‬ ‫تلك الفتحات توليد ه� � ��ذه املركبات العضوية‬ ‫من دون مساندة من الكائنات احلية‪.‬‬ ‫متث� � ��ل املدينة املفق� � ��ودة مختب� � ��را طبيعيا‬ ‫الختبار تلك الفرضيات‪ .‬وقد نشر الكيميائي‬ ‫>‪ .G‬پروسكوروس� � ��كي< [م� � ��ن معهد دراس� � ��ة‬ ‫احمليط� � ��ات وودز ه� � ��ول] وزم� �ل��اؤه عام ‪2008‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫دراسة في مجلة ‪ Science‬أظهرت أن السوائل‬ ‫املائي� � ��ة احلرارية في املدين� � ��ة املفقودة حتوي‬ ‫بالفعل مركبات عضوية بس� � ��يطة مثل امليثان‬ ‫وتبي من خالل دراسات‬ ‫واإليتان والپروپان‪ .‬نَّ‬ ‫أخرى أن التفاعالت في املدينة املفقودة تنتج‬ ‫مواد عضوية حمضية بسيطة مثل الفورمات‬ ‫واألسيتات (اخلالت)‪ .‬وتؤكد هذه املكتشفات‬ ‫أن الوس� � ��ط املخت� � ��زل (املرج� � ��ع) ف� � ��ي املدينة‬ ‫املفقودة قد يدعم من� � ��ط التفاعالت الكيميائية‬ ‫الضروري لتكوين مركبات عضوية من مركبات‬ ‫العضوية ‪ -‬وهي خطوة بسيطة‪ ،‬إال أنها حرجة‬ ‫في الكيمياء السابقة لنشوء احلياة‪.‬‬ ‫ويؤس� � ��س ه� � ��ذا العمل اجلدي� � ��د إلمكانية‬ ‫إنت� � ��اج مركبات عضوية بس� � ��يطة؛ على األقل‬ ‫كمكون� � ��ات محتمل� � ��ة للحياة؛ وذل� � ��ك في بيئة‬ ‫الفتح� � ��ات املائي� � ��ة احلراري� � ��ة‪ .‬إال أن املدينة‬ ‫املفقودة ال متثل الترتيب املثالي الختبار هكذا‬ ‫فرضيات‪ ،‬ذلك ألن األبراج الكربونية ليس� � ��ت‬ ‫مفاع� �ل��ات كيميائية عقيمة‪ ،‬بل هي في الواقع‬ ‫تعج بكائنات ميكروية حية؛ مما يولد احتمالية‬ ‫( ) ‪... VS. BLACK SMOKERS‬‬

‫‪83‬‬


‫[إثبات الدعم]‬

‫البعض يفضل احلرارة املرتفعة‬

‫( )‬

‫يدعم حتليل املكونات اجلينية لكائنات متباعدة فرضية نشوء احلياة في نظام بيئي مكون‬ ‫من الينابيع احلارة‪ .‬ويحتمل أن يكون هذا النظام شبيها باملدينة املفقودة‪ .‬وقد مت بناء‬ ‫شجرة عائلة اعتماد ًا على تسلسل أسس الرنا توضح عالقة القرابة بني جميع أشكال‬ ‫احلياة على األرض‪ .‬وكما هي حال امليثانوجينات في املدينة املفقودة والتي تنتمي إلى‬ ‫عائلة ‪ Methanosarcinales‬تعيش الكثير من األحياء القريبة من جذر الشجرة في ينابيع حارة‬ ‫إما على اليابسة أو في قاع البحر‪ ،‬ومبقدورها العيش من الهدروجني (وهي املجموعات‬ ‫املوضحة باللون األصفر)‪ .‬ويفيد الطراز املتشكل بأن السلف جلميع أشكال احلياة في‬ ‫األرض سكن في بيئة كهذه‪.‬‬ ‫ايگلينو‬

‫احليوانات‬

‫النباتات‬ ‫الفطور‬

‫حقيقات النوى‬

‫الهدبيات‬

‫ديبلوموناد‬

‫ميكروسپوريديا‬

‫الفطر الغروي‬

‫بكتيريا خضراء كبريتية‬

‫البدائية‬

‫سولفولوبوس‬ ‫ترموفيلوم‬ ‫ترموپروتيوس‬

‫ترموتوگا‬

‫پيروديكتيوم‬

‫الپروتيوبكتيريا‬ ‫فالڤوبكتيريا‬

‫بكتيريا خضراء كبريتية‬

‫جيوگلوبوس‬

‫ميكروبات امليثانو‬

‫إيجابية الغرام‬ ‫سيانوبكتيريا‬

‫املكورات احلرارية‬ ‫امليثانوبكتيريا‬ ‫الهالوفيليات‬ ‫(أليفة امللوحة)‬

‫البكتيريا‬

‫ميثانوپيروس‬ ‫مكورات امليثانو‬ ‫ميثانوسارسينا‬

‫املؤلف‬

‫األصل األولي املشترك‬

‫أكويفكس‬ ‫هيدروجينوبكتر‬

‫تش� � ��كل املركبات العضوية في الفتحات عبر‬ ‫مس� � ��اهمة امليكروبات‪ .‬وهكذا تط َّلب حل هذه‬ ‫اإلشكالية دراسة امليكروبات ذاتها‪ .‬‬ ‫ال حاجة إلى شمس‬

‫( )‬

‫‪Alexander S. Bradley‬‬

‫حصل على الدكتوراه في الكيمياء‬ ‫اجليولوجية في املعهد ‪ MIT‬عام ‪،2008‬‬ ‫وتناولت أطروحته بشكل رئيسي‬ ‫موضوع اختبار املركبات العضوية‬ ‫في األنظمة املائية احلرارية في‬ ‫املدينة املفقودة وفي احملمية الطبيعية‬ ‫‪ .Yellowstone‬يعمل برادلي حاليا‬ ‫في جامعة هارڤرد كزميل ملعهد‬ ‫‪ Agouron‬حيث يجري أبحاثا تصل‬ ‫حقلي البيولوجيا امليكروية والكيمياء‬ ‫اجليولوجية‪ ،‬كما يعمل من أجل‬ ‫تطوير تقنيات تسهم في فهمنا لتاريخ‬ ‫األرض والبيئة‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫ط � � � ّورت العديد م� � ��ن األحي� � ��اء امليكروية‬ ‫املق� � ��درة عل� � ��ى اس� � ��تهالك الطاق� � ��ة الوفيرة‬ ‫م� � ��ن الهدروج� �ي��ن‪ ،‬ومتث� � ��ل امليثانوجينات‬ ‫‪ Methanogens‬منوذج� � ��ا من تل� � ��ك املجموعة‪.‬‬ ‫وكما يش� � ��ير االس� � ��م فإن امليثانوجينات تولد‬ ‫امليثان‪ ،‬وهو الغاز الطبيعي والذي يستخدمه‬ ‫الكثي� � ��رون منا في التدفئة وفي طهي الطعام‪.‬‬ ‫وقد تب� �ي��ن أن ثل� � ��ث امليكروبات ف� � ��ي املدينة‬ ‫املفقودة هي ميثانوجينات تنتمي إلى العائلة‬ ‫ميثانوسارس���ينالس ‪.Methanosarcinales‬‬ ‫وال يستغرب وجودها نظرا لشيوع الهدروجني‬ ‫في سوائل الفتحات‪ .‬واجلدير بالذكر هنا هو‬ ‫أن ه� � ��ذه امليثانوجينات ف� � ��ي املدينة املفقودة‬ ‫تعمل بشكل مستقل عن الشمس‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫ترتبط جميع أش� � ��كال احلي� � ��اة األرضية‬ ‫تقريبا بالطاقة الشمس� � ��ية‪ ،‬سواء كانت هذه‬ ‫األش� � ��كال بش� � ��رية تعتمد على كائنات تقوم‬ ‫بالتركي� � ��ب الضوئي إلنتاج الغ� � ��ذاء‪ ،‬أو هي‬ ‫نباتات وطحالب تعتمد على التركيب الضوئي‪.‬‬ ‫وحتى ف� � ��ي املدخنات الس� � ��وداء ف� � ��ي أحلك‬ ‫أعم� � ��اق احمليطات ترتبط احلياة بالش� � ��مس‪.‬‬ ‫فامليكروبات التي تدعم منو الديدان األنبوبية‬ ‫الضخمة‪ ،‬على س� � ��بيل املثال‪ ،‬حتتاج إلى كل‬ ‫من الكبريت واألكس� � ��جني‪ .‬واملصدر النهائي‬ ‫لألكس� � ��جني هي الكائن� � ��ات ذات املقدرة على‬ ‫التركيب الضوئي في املناطق األعلى البعيدة‪.‬‬ ‫أما امليثانوجينات فجميع ما حتتاجه من أجل‬ ‫بقياها في املدينة املفقودة هو ثاني أكس� � ��يد‬ ‫الكرب� � ��ون وماء س� � ��ائل والپريدوتي� � ��ت‪ ،‬التي‬ ‫تتفاعل لتشكل املكونات الفجة الضرورية‪.‬‬ ‫لق� � ��د تب� �ي��ن للباحث� �ي��ن أن جمي� � ��ع‬ ‫ ‬ ‫التفاعالت الكيميائية اجليولوجية الناجمة عن‬ ‫السرپنتينية ونش� � ��اط امليثانوجينات احليوي‬ ‫تس� � ��هم في تولي� � ��د امليثان ل� � ��دى بيئة املدينة‬ ‫املفقودة‪ .‬ورُبمّ ا ال يكون هذا التوليد املتزامن‬ ‫للميثان مجرد صدفة‪ .‬ففي إطار مجموعة من‬ ‫الدراسات متت في السنوات القليلة املاضية‪،‬‬ ‫أجرى كل من الباحث� �ي��ن الكيميائي احليوي‬ ‫>‪ .W‬مارت� �ي��ن< [من جامعة هايزي� � ��خ هـــاين]‬ ‫واجليوكيميائي >‪َ .M‬ر ِس َل< [من مختبر الدفع‬ ‫النفاث التابع لناسا في پاسادينا] اختبارات‬ ‫للمراحل الكيميائية الدقيق� � ��ة والتي يتطلبها‬ ‫إنتاج امليثان الالحيوي‪ .‬أي الذي يتم مبعزل‬ ‫عن نشاط املتعضيات في بيئة املدينة املفقودة‪.‬‬ ‫وتبني أن كل مرحلة الحيوية لصنع امليثان مت‬ ‫استنساخها في املسار احليوي للمتعضيات‬ ‫الت� � ��ي تولد امليثان‪ .‬اقت� � ��رح كل من >مارتني<‬ ‫و> َر ِس َل< من خالل هذا العمل أن مواقع مثل‬ ‫املدينة املفق� � ��ودة‪ ،‬أنتجت في مراحل األرض‬ ‫املبك� � ��رة امليثان كيميائيا جيولوجيا(‪ )1‬وأن‬ ‫األش� � ��كال احلية األولية تبنت لنفس� � ��ها هذه‬ ‫املراحل الكيميائية مما أدى إلى نش� � ��وء أول‬ ‫( ) ‪Some Like it Hot‬‬ ‫( ) ‪No Sun Needed‬‬ ‫(‪geochemically )1‬‬


‫مسار كيميائي حيوي استقالبي‪.‬‬ ‫ل� � ��م يكن كل من >مارتني< و> َر ِس � � � َل< أول‬ ‫العلماء الذين اقترحوا إمكانية نشوء احلياة‬ ‫في الفتحات املائية احلرارية‪ .‬بل وجدت هذه‬ ‫الفكرة منذ سنوات عدة‪ ،‬وال تدعمها الكيمياء‬ ‫املناس� � ��بة في األنظمة املائية احلرارية وإمنا‬ ‫يدعمها السجل التطوري املوجود في جينات‬ ‫(مورثات) ‪ genes‬جميع املتعضيات احلية‪.‬‬ ‫وق� � ��د وف� � ��رت دراس� � ��ة الريبوزوم���ات‬ ‫‪ - ribosomes‬وهي اآلالت احليوية املستخدمة‬ ‫من قبل اخلاليا لترجم� � ��ة املعلومات املكودة‬ ‫‪ encoded‬ف� � ��ي األحماض النووية الرنا ‪RNA‬‬ ‫والدن���ا ‪ - DNA‬إضاءات فيما يخص عملية‬ ‫نشوء احلياة هذه‪ .‬تتكون الريبوزومات ذاتها‬ ‫من الرنا والپروتني‪ .‬ومن خالل مقارنة تسلسل‬ ‫مكونات الرنا من النكليوتيدات متكن العلماء‬ ‫من بناء ش� � ��جرة عائلة تظهر أوج� � ��ه القرابة‬ ‫بني جميع املتعضيات‪ .‬وتس� � ��تهلك العديد من‬ ‫املتعضيات الواقعة في األغصان القريبة من‬ ‫جذر الش� � ��جرة ‪ ،consume hydrogen‬وتعيش‬ ‫في الينابيع احلارة في اليابس� � ��ة أو في قاع‬ ‫البحر‪ ،‬مما يدل على أن الس� � ��لف املش� � ��ترك‬ ‫األقدم جلميع الكائن� � ��ات احلية على األرض‬ ‫ينتم� � ��ي إلى تل� � ��ك البيئة أيض� � ��ا‪ .‬ويحتمل أن‬ ‫يكون من بيئة مشابهة لتلك في احلقل املائي‬ ‫احلراري لدى املدينة املفقودة‪.‬‬ ‫لدى اجليولوجيني من األس� � ��باب ما‬ ‫ ‬ ‫يبرر لهم ترجيح ش� � ��يوع أمن� � ��اط بيئات كتلك‬ ‫التي في املدينة املفقودة‪ .‬ويعد الپريدوتيت من‬ ‫أكثر الصخور شيوعا في املنظومة الشمسية‪.‬‬ ‫وهو ميثل اجلزء األعظم في القشرة األرضية‬ ‫العلوية‪ .‬وعلى الرغم من ندرة تشكل پريدوتيت‬ ‫جديد في سطح األرض احلالي إال أن ذلك كان‬ ‫شائعا قبل أربعة باليني سنة‪ .‬ففي تلك احلقبة‬ ‫كانت األرض أسخن كثيرا مما هي عليه اآلن‪،‬‬ ‫وعملت فعاليات البراك� �ي��ن املتزايدة على نقل‬ ‫املزيد من غالف األرض املنصهر إلى السطح‪.‬‬ ‫وفي الواقع شكل پريدوتيت معظم صخور قاع‬ ‫بح� � ��ر األرض الفتية‪ .‬وهذا الصخر تفاعل مع‬ ‫املاء كما يح� � ��دث اآلن‪ .‬ومن احملتمل أن يكون‬

‫الترتيب الدافئ القلوي للس� � ��وائل‪ ،‬الشبيه مبا‬ ‫ه� � ��و متوفر في املدينة املفقودة‪ ،‬قد رعى عملية‬ ‫إطالق األش� � ��كال األولى للحي� � ��اة‪ .‬فيما كانت‬ ‫الظروف احلارقة واحلمضية املشابهة لتلك‬ ‫في املدخنات الس� � ��وداء معادية إلى حد‬ ‫كبير لنشوء حياة‪.‬‬ ‫وق� � ��د جنم عن هذه املكتش� � ��فات‬ ‫فرضيات حول احتماالت نش� � ��وء‬ ‫احلي� � ��اة احلال� � ��ي أو املاض� � ��ي‬ ‫م� � ��ن أماك� � ��ن أخرى ف� � ��ي النظام‬ ‫الشمس� � ��ي – فأي كوكب يحوي‬ ‫كال م� � ��ن الپريدوتي� � ��ت وامل� � ��اء‬ ‫الس� � ��ائل‪ ،‬وهي املكونات الالزمة‬ ‫لعملي� � ��ة الس� � ��رپنتينية – ميكن أن‬ ‫يدعم أش� � ��كاال من احلياة ش� � ��بيهة‬ ‫مبيكروب� � ��ات املدينة املفقودة‪ .‬وتش� � ��ير‬ ‫أقوى الدالئل إلى وجود هذه املكونات في‬ ‫املريخ وقمر املشتري املسمى أوروپا ‪.Europa‬‬ ‫وبالفعل كشف الباحثون عن وجود امليثان في‬ ‫ج� � ��و املريخ‪ ،‬إال أنه لم يتضح بعد فيما إذا كان‬ ‫منشأ هذا امليثان تفاعالت كيميائية في صخور‬ ‫الكوكب أو نشاطا ميكروبيا أو كليهما‪.‬‬ ‫البحث عن امليثان‬

‫( )‬

‫إن حتدي� � ��د وجود امليثان قد يكون أصعب‬ ‫مما توقعه العلماء‪ .‬فمعظ� � ��م املتعضيات على‬ ‫ش� � ��جرة احلياة هي ميكروب� � ��ات‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من إمكانية دراسة سالسل الدنا والرنا لهذه‬ ‫الكائنات إ ّال أن م� � ��ن الصعوبة مبكان العثور‬ ‫على س� � ��جل أحفوري ملتعضيات ذات أشكال‬ ‫غامض� � ��ة‪ .‬ولهذا الغرض ط� � ��ور الباحثون في‬ ‫العقود القليلة املاضية تقنيات تتيح التحري عن‬ ‫التاريخ التطوري للميكروبات الدقيقة وذلك من‬ ‫خالل الس� � ��جل اجليولوجي الكيميائي عوضا‬ ‫عن األحفوري الفيزيائي (البنيوي)‪ .‬فاألحافير‬ ‫الكيميائية هي جزيئ� � ��ات ميكن تتبع أصولها‬ ‫إلى متعضيات حية وه� � ��ي تدوم كأحافير في‬ ‫الصخور ملاليني ال بل حتى باليني الس� � ��نني‪.‬‬ ‫ومعظم املواد الكيميائية األحفورية تتكون من‬

‫احلياة في املريخ؟‬

‫( )‬

‫تهدف إحدى مهام مختبر العلوم الذي‬ ‫تنوي الوكالة ناسا إرساله إلى املريخ‬ ‫في عام ‪ 2011‬إلى حتديد فيما إذا كان‬ ‫امليثان في الكوكب األحمر ناجما عن‬ ‫نشاط حيوي‪ ،‬وذلك من خالل دراسة‬ ‫نسبة الكربون ‪ 12‬إلى الكربون ‪ 13‬في‬ ‫الغاز‪ .‬إال أن دراسة املدينة املفقودة‬ ‫بينت أنه في ظروف معينة ال ميكن‬ ‫متييز املنشأ احليوي من املنشأ‬ ‫اجليولوجي باستخدام نسبة نظائر‬ ‫الكربون؛ أي أن اإلشارة السلبية‬ ‫لنسبة نظائر الكربون لن تنفي إمكانية‬ ‫وجود حياة على املريخ‪.‬‬

‫( ) ‪Sourcing Methane‬‬ ‫( ) ?‪Life on Mars‬‬

‫‪(2010) 8/7‬‬

‫‪85‬‬


‫مشتقات الدهون التي تشكل الغشاء اخللوي‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من عدم احتواء هذه الدهون على‬ ‫كم املعلومات املتوافر ف� � ��ي الدنا أو األحافير‬ ‫الفيزيائي� � ��ة إال أنه� � ��ا مؤش� � ��رات حيوية ميكن‬ ‫بنى تشخص‬ ‫االعتماد عليها‪ ،‬وقد حتتوي على ً‬ ‫هوية الكائن الذي أنتجها‪.‬‬ ‫كما أن عنصر الكرب� � ��ون املكون للدهون‬ ‫ذات� � ��ه يح� � ��وي معلوم� � ��ات‪ ،‬ألن فيه مؤش���را‬ ‫‪ Marker‬يوضح كيفية اس� � ��تخالص الكائنات‬ ‫للكربون من البيئة‪ .‬وهذا املؤشر هو الكربون‬ ‫‪ ،13‬وهو ش� � ��كل نادر م� � ��ن العناصر ال يتغير‬ ‫مع الزمن‪ .‬والكربــون املوجــــود في األحيــــاء‬ ‫يحـــ� � ��وي ب� �ي��ن ‪ 1‬و ‪ 3.5‬في املئ� � ��ة كربون ‪،13‬‬ ‫وهو يقل عن ذلك املوجود في ثاني أكس� � ��يد‬ ‫الكربون احمللول في م� � ��اء البحر‪ .‬وبنا ًء على‬ ‫ذلك‪ ،‬افترض العلماء أن الكربون الذي يفتقر‬ ‫إل� � ��ى هذا الق� � ��در من الكرب� � ��ون ‪ 13‬ناجم عن‬ ‫كائنات حية‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬يكون الكربون غير‬ ‫املفتق� � ��ر إلى الكربون ‪ 13‬املوجود في حجارة‬ ‫قدمية ذا منشأ الحيوي‪.‬‬ ‫إال أن املدين� � ��ة املفق� � ��ودة ت ّ‬ ‫ُخط� � ��ئ ه� � ��ذا‬ ‫االفتراض‪ .‬فقد تبني من خالل عملي في املعهد‬ ‫‪ MIT‬أن منشأ إحدى أكثر املواد الكربونية في‬ ‫املدينة املفقودة هو امليثانوجينات‪ .‬ومع ذلك‬ ‫ف� � ��إن هذه املواد الدهني� � ��ة ال تظهر أي افتقار‬ ‫إلى الكربون ‪ .13‬وبدال من ذلك‪ ،‬فإن الكربون‬ ‫‪ 13‬لتلك امل� � ��واد الدهنية مماثل ملا هو متوقع‬ ‫في املواد غير الناجمة عن متعضيات حية‪.‬‬ ‫كيف ميكن أن يكون ذلك؟ إن اس� � ��تخدام‬ ‫الكرب� � ��ون ‪ 13‬كمتتب� � ��ع للحي� � ��اة يس� � ��تند إلى‬ ‫افت� � ��راض أن توفر ثاني أكس� � ��يد كربون في‬ ‫البيئ� � ��ة يتجاوز ما ميكن اس� � ��تخدامه‪ .‬وطاملا‬ ‫هناك فائض من ثاني أكسيد الكربون‪ ،‬تثبت‬ ‫املتعضي� � ��ات الكرب� � ��ون ‪ 12‬األخ� � ��ف املفضل‬ ‫وتنبذ الكرب� � ��ون ‪ 13‬األثقل‪ .‬أما إذا كان ثاني‬ ‫أكس� � ��يد الكربون قليال إلى ح� � ��د ما‪ ،‬فيكون‬ ‫سعي املتعضيات موجها نحو التقاط كل ما‬ ‫توفر من جزيئ� � ��ات الكربون بغض النظر عن‬ ‫ثقله‪ .‬وفي حال حدوث ذلك‪ ،‬لن تختلف نسبة‬ ‫الكربون ‪ 13‬في املتعضية عما هي في الوسط‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫ولن يك� � ��ون بإمكاننا اعتماد هذا الكربون في‬ ‫تعقب كيميائي لنشأة احلياة ‪.‬‬ ‫وهذا ما يح� � ��دث بالفعل في فتحات املدينة‬ ‫جار في جميع‬ ‫املفق� � ��ودة‪ .‬وعلى عكس ما ه� � ��و ٍ‬ ‫البيئات األخرى على كوكب األرض حيث يتوافر‬ ‫على الدوام الكثير من ثاني أكس� � ��يد الكربون‪،‬‬ ‫يس� � ��يطر الهدروجني في املدينة املفقودة ويندر‬ ‫وجود ثاني أكس� � ��يد الكرب� � ��ون‪ .‬وهذا ما يدفع‬ ‫املتعضيات إلى نحو استخدام نظائر الكربون‬ ‫‪ carbon isotopes‬من دون متييز‪.‬‬ ‫وإش� � ��كالية االختفاء تنطب� � ��ق أيضا على‬ ‫امليثان‪ .‬فامليثان الناجم عن املتعضيات يظهر‬ ‫افتقارا كبيرا في الكربون ‪ ،13‬بعكس امليثان‬ ‫الناجم عن التفاعالت الكيميائية اجليولوجية‪.‬‬ ‫إال أن ه� � ��ذا ال يظه� � ��ر دائما ف� � ��ي املنظومات‬ ‫الس� � ��رپنتينية‪ .‬فامليثان ف� � ��ي الفتحات املائية‬ ‫لدى املدينة املفقودة ال يظهر االفتقار املعهود‬ ‫إلى الكربون ‪ .13‬ويعرف الباحثون من خالل‬ ‫مشاهداتهم بأن هذا امليثان هو خليط منشؤه‬ ‫حيوي وجيولوجي‪ ،‬وب� � ��أن النظائر الكربونية‬ ‫لوحدها غير قادرة على متييزها‪.‬‬ ‫وفي حال تط� � ��ورت احلياة في مكان آخر‬ ‫في املنظومة الشمس� � ��ية فاألغلب أنها تتكون‬ ‫من ميكروبات ميثانوجينات تقبع في صخور‬ ‫عرضة للس� � ��رپنتينية‪ .‬ونحن نعلم أن امليثان‬ ‫ينتج في كوكب املريخ‪ .‬وتخطط الوكالة ناسا‬ ‫إلطالق مختبر املري� � ��خ العلمي في عام ‪2011‬‬ ‫الذي تتمثل إح� � ��دى مهماته بتحديد نس� � ��بة‬ ‫نظائر الكربون للميثان؛ فافتقار ش� � ��ديد إلى‬ ‫الكربون ‪ 13‬سيكون مبنزلة مؤشر إلى وجود‬ ‫متعضيات على هذا الكوكب األحمر‪.‬‬ ‫إال أن م� � ��ا أظهرته األبحاث حول املدينة‬ ‫املفقودة يوضح جليا أن الفشل في احلصول‬ ‫على هذه اإلشارة ال يعني بالضرورة غياب‬ ‫هذه املتعضيات‪ .‬وميثل اكتشاف ميكروبات‬ ‫تترعرع في ه� � ��ذا النمط من األنظمة البيئية‬ ‫بالفع� � ��ل حافزا آخ� � ��ر نحو توق� � ��ع أرجحية‬ ‫اكتش� � ��اف إش� � ��ارات حيوية في كوكب آخر‬ ‫>‬ ‫في املستقبل‪.‬‬ ‫‪(2010) 8/7‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, December 2009‬‬


July / August - 2010

4

Volume 26

Number 7/8

ASTRONOMY

Cloudy with a Chance of Stars By Erick T. Young

Making a star is no easy thing. Astronomers are filling in gaps in the standard view of how stars arise.

14

MEDICINE

Regaining Balance with Bionic Ears By Charles C. Della Santina

Electronic implants in the inner ear may one day help patients suffering from disabling unsteadiness.

18

Medicine

Nanomedicine Targets Cancer

By James R. Heath, Mark E. Davis and Leroy Hood

By viewing the body as a system of molecular networks, future physicians will be able to target disruptions in that system with nanoscale technologies and thereby transform the diagnosis and treatment of malignancies and other diseases.

28

ENERGY

Fusion’s False Dawn By Michael Moyer

As a historic milestone nears, skeptics question whether it will ever be possible to build a working fusion reactor that could supply virtually unlimited clean energy.

38

BIOLOGY

The Rise and Fall of Nanobacteria By John D. Young and Jan Martel

Once believed to be the smallest pathogens known, nano­bac­ter­ia have now proved to be something almost as strange.


48

ENVIRONMENT

Climate Change: A Controlled Experiment

By Stan D. Wullschleger and Maya Strahl

Scientists have manipulated grasslands and forests to see how precipitation, carbon dioxide and temper­ature changes will affect the future of the biosphere.

54

CONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert, Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs, Marguerite Holloway, Christie Nicholson, Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer, Sarah Simpson

EVOLUTION

The Naked Truth By Nina G. Jablonski

ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello, Larry Greenemeier news Reporter, ONLINE: John Matson ART DIRECTOR, online: Ryan Reid

Recent findings lay bare the origins of human hairlessness—and hint that naked skin was a key factor in the emergence of other human traits.

64

NEUROSCIENCE

ART DIRECTOR: Edward Bell ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley

By Marcus E. Raichle

COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller

The Brain’s Dark Energy

Editorial Administrator: Avonelle Wing SENIOR SECRETARY: Maya Harty

Brain regions active when we allow our minds to wander may hold a key to understanding neurological disorders and even consciousness itself.

72

astronomy

Eight Wonders of the Solar System By Edward Bell, illustrations by Ron Miller

Tour some of the most breathtaking views that await intrepid explorers of our solar system.

80

EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam SEnIor writeR: Gary Stix EDITORS: Davide Castelvecchi, Graham P. Collins, Mark Fischetti, Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser, Christine Soares, Kate Wong

ORIGIN OF LIFE

Expanding the Limits of Life By Alexander S. Bradley

How did life evolve? Analyses of a recently discovered type of hot vent ecosystem in the seafloor suggest new possibilities.

COPY and PRODUCTION, nature publishing group: Senior COPY editor, npg: Daniel C. Schlenoff COPY editor, npg: Michael Battaglia editorial assistant, npg: Ann Chin managing pRODUCTION EDITOR, npg:  Richard Hunt senior pRODUCTION EDITOR, npg: Michelle Wright PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:  Carl Cherebin PREPRESS AND QUALITY MANAGER:  Silvia De Santis CUSTOM PUBLISHING MANAGER:  Madelyn Keyes-Milch pRESIDENT: Steven Inchcoombe VICE PRESIDENT, operations and Administration: Frances Newburg Vice president, finance and BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek BUSINESS MANAGER: Marie Maher

Letters to the Editor Scientific American 75 Varick Street, 9th Floor, New York, NY 10013-1917 or editors@SciAm.com

ADVISORY BOARD

Ali A. Al-Shamlan (Chairman)

Abdullah S. Al-Fuhaid (Deputy)

Adnan Hamoui (Editor - In Chief)

Letters may be edited for length and clarity. We regret that we cannot answer each one. Post a comment on any article instantly at

www.ScientificAmerican.com/ sciammag


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.