SCIENTIFIC AMERICAN ARABIC مجلة العلوم النسخة العربية - المجلد_26 العددان 3\4

Page 1

‫املجلد ‪ 26‬ـــ العددان‬

‫املجلد ‪ 26‬ـــ العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل‬

‫‪4/3‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪4/3‬‬

‫‪March / April 2010‬‬

‫العددان ‪ 264/263‬ــــ السعر‪ 1.500 :‬دينار كويتي‬

‫مــــــجــــــــــــــلة الـعـــــــــــــــــــــــــــــــــلــوم‬

‫شركات التقانة احليوية‬ ‫تخطط لتحقيق زراعة مستدامة‬

‫اإلنسان النياندرتالي‬

‫عاش قبل نحو ‪ 28‬ألف سنة واستوطن أراضي‬ ‫جبل طارق على البحر األبيض املتوسط‬

‫مارس‪ /‬إبريل‬ ‫‪2010‬‬

‫احملافظة على خاليا الدماغ اجلديدة‬

‫معاجلة مشكلة النتروجني العاملية‬

‫متهمون جدد في إحداث اآلالم املزمنة‬

‫خطة للتغلب على األمراض‬ ‫املدارية املهملة‬


‫املجلد ‪ 26‬ـ ـ العددان‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪264/263‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫علي عبـداهلل ال�شـمالن‬ ‫رئ ـيـس الهيـئـ ــة‬

‫‪20856‬‬ ‫‪oloom@kfas.org.kw‬‬ ‫‪(+965) 22428186‬‬

‫عبداهلل �سليمـان الفهيد‬

‫‪13069‬‬

‫‪www.kfas.org‬‬ ‫‪(+965) 22403895‬‬

‫نائب رئيس الهيئة‬

‫عـدنـان احلـموي‬

‫‪Advertising correspondence from outside the Arab World should be addressed to‬‬ ‫‪SCIENTIFIC AMERICAN 415, Madison Avenue, New York, NY 10017 - 1111‬‬ ‫‪Or to MAJALLAT AL-OLOOM, P.O. Box 20856 Safat, Kuwait 13069 - Fax. (+965) 22403895‬‬

‫عضو الهيئة ـ رئيس التحرير‬

‫شارك في هذا العدد‬

‫‪1.800‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪1.800‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫❊‬ ‫❊‬ ‫‪20‬‬

‫علي األمير أحمد‬ ‫كمال الدين البتانوني‬ ‫ابتسام حمد‬

‫‪1.500‬‬ ‫❊‬ ‫❊‬ ‫‪7‬‬ ‫‪30‬‬ ‫❊‬ ‫‪250‬‬

‫❊‬ ‫‪100‬‬ ‫❊‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1.25‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪$‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪£‬‬ ‫‪Cl‬‬

‫‪$‬‬

‫‪Britain‬‬ ‫‪Cyprus‬‬ ‫‪France‬‬ ‫‪Greece‬‬ ‫‪Italy‬‬ ‫‪U.S.A.‬‬ ‫‪Germany‬‬

‫)‪(USA $ 1.5‬‬

‫❊‬

‫عدنان احلموي‬ ‫جان خوري‬ ‫حمزة روماني‬

‫‪12‬‬

‫‪45‬‬

‫غدير زيزفون‬

‫‪16‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪56‬‬ ‫‪112‬‬

‫قاسم السارة‬ ‫سمير شمعون‬ ‫عبدالقادر عابد‬ ‫فؤاد العجل‬ ‫إياد غامن‬ ‫عصام قاسم‬ ‫أحمد الكفراوي‬ ‫سعيد محفوظ‬ ‫خليل املعري‬ ‫حامت النجدي‬

‫‪CD‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪Settings‬‬

‫‪-2‬‬

‫‪Regional and Language Options‬‬

‫‪-3‬‬

‫‪Arabic‬‬

‫‪start‬‬

‫‪Control Panel‬‬

‫‪Standards and formats‬‬

‫‪www.kfas.org‬‬

‫‪OK‬‬

‫‪1986‬‬


‫املجلد ‪ 26‬ـــ العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2010‬‬

‫‪4/3‬‬

‫‪4‬‬

‫بيولوجيا‬

‫أصل احلياة على األرض‬ ‫>‪ .A‬ريكاردو< ـ ـ >‪ .W .J‬زوستاك<‬

‫إياد غامن ـ عدنان احلموي‬

‫أدلة جديدة تل ّمح إلى كيفية نشوء أولى املتعضيات (الكائنات احلية) من مادة غير حية‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫تطور البشر‬

‫أفول اإلنسان النياندرتالي‬ ‫>‪ .K‬وونگ>‬

‫فؤاد العجل ـ جان خوري‬

‫عاش اإلنسان احلديث مع اإلنسان النياندرتالي خالل آالف السنني‪ .‬فما الذي أدى إلى‬ ‫انقراض أقربائنا من البشر؟ تقترح أحدث األبحاث عدة عوامل محددة‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫علوم عصبية‬

‫احملافظة على خاليا الدماغ اجلديدة‬ ‫>‪ .J .T‬شورز<‬

‫علي األمير أحمد‬ ‫&‬

‫عصام قاسم‬

‫ـ عدنان احلموي‬

‫تظهر كل يوم نورونات جديدة في أدمغة البالغني‪ .‬ولك ْن يقترح بحث جديد أنه ما لم يتم حت ّدي‬ ‫هذه اخلاليا كما ينبغي وباألمناط الصحيحة من املهام التعليمية املع ّقدة‪ ،‬فإنها متوت‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫تطلعات الصناعة الزراعية‬

‫شركات التقانة احليوية‬ ‫تخطط لتحقيق زراعة مستدامة‬ ‫حوار أجرته ساينتفيك أمريكان‬

‫خليل املعري ـ‬

‫التحرير‬

‫قد تدعو احلركات الشعبية إلى مزيد من استخدام الطرائق العضوية في اإلنتاج‪ ،‬ولكن‬ ‫الصناعة الزراعية ترى أن التقانة احليوية جزء حاسم من الزراعة املستقبلية‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫علوم عصبية‬

‫م ّتهمون ُجدد في إحداث اآلالم املزمنة‬ ‫<‪ .D. R‬فيلدز>‬

‫سمير شمعون ـ‬

‫أحمد الكفراوي‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫إن اخلاليا الدبقية هي مبثابة ق ِّيم على اجلهاز العصبي الذي ميكن لرعايته أن تتجاوز‬ ‫ذلك بكثير‪ .‬وتطويع هذه اخلاليا يحمل آماال واعدة بالقدرة على تسكني اآلالم التي تعجز‬ ‫األدوية احلالية عن تخفيفها‪.‬‬


‫«مجـلـة العـلوم» تصــدر شهر ًيا فــي الكـويـت مـنذ عـام ‪ 1986‬عـن «مؤسسـة الكـويـت للتقـدم العلمـي» وهـي مؤسسـة أهليـة ذات نفـع عـام‪ ،‬يـرأس مجلـس إدارتهـا صاحـب السمـو أمــير دولــة الكـويــت‪ ،‬وقـد أنشــئت عــام‬ ‫بهـدف املعاونـة فـي التطــور العلمـي واحلضـاري فـي دولـة الكويـت والوطـن العـربـي‪ ،‬وذلـك مــن خـالل دعــم األنشطــة العلمــية واالجتماعـيـة والثقـافيـة‪ .‬و«مجلة العلوم» هـي فـي ثلثي محتوياتهــا ترجمـة لـ«ساينتفيك أمريكان»‬ ‫التـي تعتبر مـن أهـم املجـالت العلمـيـة فــي عالـم اليــوم‪ .‬وتسعـى هـذه املج ـلـة مـنذ نشأتهـا عــام ‪ 1845‬إلـى متكـني القـارىء غــير املتخصــص مــن متـابعـة تطــورات معـارف عصـره العلميــة والتقانيــة‪ ،‬وتوفير معـرفـة شموليـة للقــارىء‬ ‫املتخصص حول موضوع تخصصه‪ .‬تصدر «ساينتفيك أمريكان» بثماني عشرة لغة عاملية‪ ،‬وتتميز بعرضها الشيق للمواد العلمية املتقدمة وباستخدامها الق ّيم للصور والرسوم امللونــة واجلداول‪.‬‬

‫‪1976‬‬

‫‪48‬‬

‫حواسيب‬

‫الشيپات امليكروية خالل العشرين سنة القادمة‬ ‫مح ِّررو ساينتفيك أمريكان‬

‫حامت النجدي ـ حمزة روماني‬

‫يبذل املص ِّممون قصارى جهودهم جلعل الدارات املتكاملة أصغر وأسرع وأرخص‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫جيولوجيا‬

‫تطور املعادن‬ ‫ّ‬

‫عبدالقادر عابد ـ سعيد محفوظ‬

‫>‪ .M .R‬هازين<‬

‫عند النظر إلى اململكة املعدنية عبر الزمن الطويل تتب ّدى لنا نتيجة مذهلة‪ ,‬وهي أن معظم‬ ‫أنواع املعادن َمدي َن ٌة بوجودها للحياة‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫بي ــئة‬

‫معاجلة مشكلة النتروجني العاملية‬ ‫>‪ .R .A‬تاونسند< ـ ـ >‪ .W .R‬هوارث<‬

‫غدير زيزفون ـ فؤاد العجل‬

‫يزداد عامليا استعمال النتروجني في تسميد األراضي املزروعة باحملاصيل‪ ،‬لكنه قد يؤدي‬ ‫إلى تخريب البيئة وتهديد صحة البشر‪ .‬فهل نستطيع رسم مسار أكثر استدامة؟‬ ‫‪76‬‬

‫طب‬

‫خطة للتغلب على األمراض املدارية املُهْ َم َلة‬

‫< ‪ .J .P‬هوتِز>‬

‫قاسم السارة ـ سمير شمعون‬

‫هناك مبادر ٌة عاملي ٌة جديد ٌة ميكن أن تكسر حلقة من الفقر املؤدي إلى املرض‪،‬‬ ‫ومن ث ّم إلى املزيد من الفقر‪.‬‬ ‫زراعة‬

‫‪84‬‬

‫الزراعة املستقبلية‪ :‬عودة إلى اجلذور؟‬

‫>‪ .D .J‬كلوڤر< ـ >‪ .C .M‬كوكس< ـ‬

‫>‪ .P .J‬رِ گانولد<‬

‫ابتسام حمد ـ كمال الدين البتانوني‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫قد تصبح الزراعة على نطاق واسع أكثر استدامة إذا عاشت نباتات احملاصيل الرئيسية‬ ‫لسنوات وابتنت جذو ًرا عميقة‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫أخبار علمية‬ ‫ْ‬ ‫فطر سحري‪.‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2010‬‬

‫‪4/3‬‬

‫أصل احلياة على األرض‬

‫( )‬

‫أدلة جديدة تل ّمح إلى كيفية نشوء أولى‬ ‫املتعضيات (الكائنات احلية) من مادة غير حية‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .A‬ريكاردو< ــ >‪ .W .J‬زوستاك<‬

‫إن كل خلية حية‪ ،‬مبا فيها أبس� � ��ط أنواع‬ ‫البكتيريا‪ ،‬تزخر بآالت جزيئية غريبة يحسدها‬ ‫عليها أي عالم تقانات نانوية‪ .‬ومع اهتزازها‬ ‫أو التفافها أو زحفه� � ��ا املتواصل في أرجاء‬ ‫اخللية‪ ،‬تقطع هذه اآلالت‪ ،‬وتلصق وتنس� � ��خ‬ ‫جزيئات جيني� � ��ة‪ ،‬وتقوم بنق� � ��ل املغ ّذيات من‬ ‫مكان إلى آخ� � ��ر أو حتولها إلى طاقة‪ ،‬وتبني‬ ‫أو تصلح األغش� � ��ية اخللوية‪ ،‬وتنقل الرسائل‬ ‫امليكانيكية والكيميائية والكهربائية ‪ -‬والقائمة‬ ‫تط� � ��ول وتط� � ��ول؛ كما أن اكتش� � ��افات جديدة‬ ‫تضاف دائما إلى هذه القائمة‪.‬‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫وجد الباحثون طريقة قد يكون‬ ‫اجلزيء اجليني الرنا(‪ RNA )2‬تشكل‬ ‫من خاللها ابتدا ًء من كيماويات‬ ‫وجدت على األرض املتشكلة‬ ‫حديثا‪.‬‬

‫>‬

‫دعمت دراسات أخرى النظرية‬ ‫التي تقول إنه ميكن خلاليا بدائية‬ ‫حتوي جزيئات تشبه الرنا أن‬ ‫تتكون تلقائيا وأن تتكاثر وتتطور‬ ‫معطية بذلك للحياة نشأة‪.‬‬

‫>‬

‫يهدف العلماء اآلن إلى تكوين‬

‫متعضيات صنعية ذاتية‬

‫(‪)3‬‬

‫التضاعف في املختبر ‪ -‬وبشكل‬ ‫أساسي يهدفون إلى إعطاء احلياة‬ ‫بداية جديدة من أجل فهم اآللية‬ ‫التي ميكن أن تكون قد نشأت عنها‬ ‫ألول مرة‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪4‬‬

‫إنه ملن املستحيل تقريبا فهم الكيفية التي‬ ‫ميكن آلالت اخللية‪ ،‬وهي في الغالب حفازات‬ ‫‪ catalysts‬أساسها پروتيني تدعى اإلنزميات‬ ‫‪ ،enzymes‬أن تكون قد نش� � ��أت تلقائيا عندما‬ ‫نشأت احلياة للمرة األولى من مادة غير حية‪,‬‬ ‫وذل� � ��ك منذ نح� � ��و ‪ 3.7‬بليون س� � ��نة‪ .‬وللتأكيد‪،‬‬ ‫فإنه حت� � ��ت الش� � ��روط الصحيحة‪ ،‬تتش� � ��كل‬ ‫بعض قوالب ‪ blocks‬بن� � ��اء الپروتينات‪ ،‬وهي‬ ‫األحماض األمينية(‪ ،)4‬بس� � ��هولة انطالقا من‬ ‫كيماويات أبس� � ��ط‪ ،‬وذلك كما اكتش� � ��ف >‪.L .S‬‬ ‫ميلر< و >‪ .C .H‬يوري< [من جامعة ش� � ��يكاغو]‬ ‫ف� � ��ي جتاربه� � ��م الرائ� � ��دة الت� � ��ي أجرياها في‬ ‫خمس� � ��ينات القرن املاضي‪ .‬وم� � ��ع هذا‪ ،‬فإن‬ ‫االنتق� � ��ال من األحماض األمينية إلى تش� � ��كل‬ ‫الپروتينات واإلنزميات مسألة مختلفة متاما‪.‬‬ ‫إن العملية اخللوية التي تؤدي إلى صناعة‬ ‫الپروتني تستخدم إنزميات معقدة تقوم بفصل‬ ‫جديلتي حلزون الدنا ‪ DNA‬املضاعف‪ ،‬وذلك من‬

‫أجل استخالص املعلومات احملتواة في اجلينات‬ ‫(وهي البصمة اخلاصة بالپروتينات) وترجمتها‬ ‫لتعطي املنتج النهائي‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن شرحا لكيفية‬ ‫بدء احلياة يس� � ��تلزم التعام� � ��ل مع مفارقة جدية‬ ‫وهي‪ :‬إنه من أجل تصني� � ��ع الپروتينات يتطلب‬ ‫األمر وج� � ��ود الپروتينات نفس� � ��ها إضافة إلى‬ ‫املعلومات املخزنة في الدنا‪.‬‬ ‫وم� � ��ن جهة أخ� � ��رى‪ ،‬ف� � ��إن ه� � ��ذه املفارقة‬ ‫س� � ��تختفي في ح� � ��ال أن املتعضيات األولى لم‬ ‫تتطلب پروتينات على اإلطالق‪ .‬وتوحي جتارب‬ ‫حديثة أنه كان ممكنا جلزيئات جينية ش� � ��بيهة‬ ‫بالدنا أو باجلزيء الشديد القرابة له وهو الرنا‬ ‫أن تتشكل تلقائيا‪ .‬وألنه ميكن لهذه اجلزيئات‬ ‫أن تلتف على نفس� � ��ها لتأخذ أش� � ��كاال مختلفة‬ ‫وأن تق� � ��وم بدور حف� � ��ازات بدائية‪ ،‬فمن املمكن‬ ‫أنها كانت قد أصبحت قادرة على أن تنس� � ��خ‬ ‫ذواته� � ��ا ‪ -‬أن تتكاثر ‪ -‬م� � ��ن دون احلاجة إلى‬ ‫وجود الپروتينات‪ .‬ومن املمكن أن أكثر أشكال‬ ‫احلياة بدائية كانت عبارة عن أغش� � ��ية بسيطة‬ ‫بنى‬ ‫مؤلفة من أحماض دس� � ��مة ‪ -‬وهي أيضا ً‬ ‫مع� � � ٌ‬ ‫�روف عنها أنها تش� � ��كلت تلقائيا ‪ -‬ضمت‬ ‫في داخلها املاء‪ ،‬وهذه اجلزيئات اجلينية ذاتية‬ ‫التضاعف‪ .‬وهذه املادة اجلينية تك ّود السمات‬ ‫الت� � ��ي ينقلها ٌ‬ ‫جيل إلى اجليل الذي يليه‪ ،‬متاما‬ ‫كما يفعل الدنا لدى جميع األش� � ��ياء احلية في‬ ‫يومنا هذا‪ .‬وإن ظهور طفرات بالصدفة وبشكل‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪ORIGIN OF Life on Earth‬‬ ‫‪organisms‬‬ ‫‪the genetic molecule RNA‬‬ ‫‪self-replicating artificial organisms‬‬ ‫‪the amino acids‬‬


‫عش� � ��وائي أثناء عملية التضاعف سوف يدفع‬ ‫عملية التطور ُق ُدما‪ ،‬مم� � ��ا ميكن هذه اخلاليا‬ ‫املبك���رة ‪ early cells‬من التأقلم مع بيئتها‪ ،‬وأن‬ ‫تتنافس فيم� � ��ا بينها‪ ،‬لتصل ف� � ��ي النهاية إلى‬ ‫أشكال احلياة التي نعرفها‪.‬‬ ‫رمب� � ��ا يكون العلم قد فق� � ��د وإلى األبد أية‬ ‫معلومات حول الطبيعة احلقيقية للمتعضيات‬ ‫األولى والظروف الدقيقة لنشوء احلياة‪ .‬ولكن‬ ‫باس� � ��تطاعة البحث العلمي أن يساعدنا على‬ ‫فه� � ��م ما هو ممكن ح� � ��ول املتعضيات األولى‬ ‫ونش� � ��أة احلياة‪ .‬والتحدي األساسي هو في‬ ‫بناء متعضية صنعية ميكن لها أن تتكاثر وأن‬ ‫تتطور‪ .‬إن تكوين حياة من جديد سيساعدنا‪،‬‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬على فهم كيف ميكن أن تبدأ احلياة‪،‬‬ ‫وما هو احتم� � ��ال أن توجد في عوالم أخرى‪،‬‬ ‫وفي نهاية املطاف‪ ،‬معرفة ماهية احلياة‪.‬‬ ‫كان ال بد أن تبدأ في مكان ما‬

‫( )‬

‫إن واح� � ��دا م� � ��ن أكثر األس� � ��راراحمليطة‬ ‫بنشأة احلياة صعوبة وإثارة هو الكيفية التي‬ ‫ميك� � ��ن للمادة اجلينية أن تكون قد تش� � ��كلت‬ ‫فيها ابتدا ًء من جزيئات أبسط كانت موجودة‬ ‫على األرض احلديثة التشكل‪ .‬وإذا ما أخذنا‬ ‫في االعتبار األدوار التي يتمتع بها الرنا في‬ ‫اخلالي� � ��ا احلالية؛ يبدو على األرجح أن الرنا‬ ‫ظهر قبل الدنا‪ .‬وعندما تصنع اخلاليا احلالية‬ ‫الپروتين� � ��ات‪ ،‬فإنها تنس� � ��خ اجلينات أوال من‬ ‫الدنا لتصنع منها الرنا وتستخدمه بعد ذلك‬ ‫كبصمة ‪ blueprint‬من أجل صنع الپروتينات‪.‬‬ ‫ومن املمكن أن تكون املرحلة األخيرة هذه قد‬ ‫وجدت في البداية بش� � ��كل مستقل‪ ،‬وأن الدنا‬ ‫كان قد ظهر الحقا كش� � ��كل أكثر دميومة من‬ ‫أج� � ��ل تخزين املعلومات‪ ،‬وذلك بفضل ثباتيته‬ ‫الكيميائية املتفوقة‪.‬‬ ‫ول� � ��دى الباحثني س� � ��بب إضاف� � ��ي لالعتقاد‬ ‫أن الرن� � ��ا ظهر قب� � ��ل الدنا‪ .‬إن الش� � ��كل الرنوي‬ ‫لإلنزمي� � ��ات‪ ،‬ويدع� � ��ى اإلنزمي���ات الريبي���ة‬ ‫(ريبوزمي���ات)(‪ ،ribozymes )1‬ي� � ��ؤدي أيض� � ��ا‬ ‫دورا محوري� � ��ا في اخلالي� � ��ا احلديثة‪ .‬إن البنى‬

‫‪ structures‬الت� � ��ي تترجم الرنا إل� � ��ى پروتني هي‬ ‫آالت هجينة رنوية‪ ،‬وإن الرنا فيها هو الذي يقوم‬ ‫بالعم���ل التحفي���زي(‪ .)2‬وبذلك‪ ،‬يبدو أن كال من‬ ‫خاليانا حتم� � ��ل في ريبوزوماتها دليال أحفوريا‬ ‫‪ fossil‬على وجود عا َلم رنوي بدائي(‪.)3‬‬ ‫لذل� � ��ك‪ ،‬رك� � ��ز الكثير م� � ��ن األبحاث على‬ ‫فهم املنش� � ��أ احملتمل للرن� � ��ا‪ .‬إن اجلزيئات‬ ‫اجليني� � ��ة كالدن� � ��ا والرنا ه� � ��ي پوليميرات‬ ‫‪ )4( polymers‬مصنوع� � ��ة من قوالب بناء تدعى‬ ‫النيوكليوتي���دات ‪ .nucleotides‬وبدوره� � ��ا‪،‬‬ ‫متتل� � ��ك النيوكليوتي� � ��دات مكونات رئيس� � ��ية‬ ‫ثالثة‪ :‬س� � ��كر وفوس� � ��فات وأس� � ��اس نووي‪.‬‬ ‫وتأت� � ��ي األس� � ��س النووي� � ��ة بأش� � ��كال أربعة‬ ‫وتش� � ��كل األبجدية التي يك � � � ّود من خاللها‬ ‫الپوليمر املعلومات‪ .‬وف� � ��ي نيوكليوتيد الدنا‬ ‫ميك� � ��ن لألس � � �ــاس الن� � ��ووي ‪ nucleobase‬أن‬ ‫يكـــ� � ��ون‪ C ، G ، A :‬أو ‪ ،T‬وهي للداللة على‬ ‫األدنني والگوانني والس� � ��يتوزين والثاميني؛‬ ‫( ) ‪Got to start Somewhere‬‬

‫(‪ )1‬ج‪ :‬ريبوزمي ‪ :ribozyme‬شدفة رنا لها القدرة الذاتية على‬ ‫االنكسار من اجلزيء الكبير وتكوين روابط مشتركة عند‬ ‫نهايتيها لتكوين حلقة‪.‬‬ ‫(‪catalytic work )2‬‬ ‫(‪a primordial RNA world )3‬‬

‫(‪ )4‬لدائن؛ أي صفوف من جزيئات أصغر‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫(التحرير)‬ ‫‪5‬‬


‫[قوالب البناء]‬

‫وفي أبجدية الرنا يحل احلرف ‪ U‬داللة على‬ ‫اليوراسيل‪ ،‬محل احلرف ‪( T‬انظر املؤطر في‬ ‫إن الكينون���ات األول���ى على س���طح‬ ‫هاتني الصفحتني)‪ .‬إن األسس النووية هي‬ ‫األرض والق���ادرة عل���ى التط���ور‬ ‫والتكاثر حملت معلوماتها اجلينية‬ ‫مركبات غني������ة بالنتروجني يرتبط بعضها‬ ‫عل���ى األغلب في هيئة جزيء ش���بيه‬ ‫ببعض وفقا لقانون بسيط‪ A :‬تقترن بـ ‪( U‬أو‬ ‫بالرن���ا‪ ،‬وه���و قريب جدا م���ن الدنا‪.‬‬ ‫وإن كال من الدنا والرنا هي سالسل‬ ‫‪ ،)T‬و‪ G‬تقترن بـ ‪ .C‬تشكل هذه األزواج القاعدية‬ ‫من وحدات تدع���ى النيوكليوتيدات‬ ‫درجات ُس َّلم الدنا املفتول ‪ -‬احللزون املزدوج‬ ‫(مش���ار إليه���ا ف���ي اليم�ي�ن)‪ ،‬لذل���ك‬ ‫فالس���ؤال الرئيس���ي هو كيف أمكن‬ ‫املألوف ‪ -‬وازدواجها املميز هذا أساس� � � ٌ�ي‬ ‫للنيوكليوتي���دات أن تنش���أ للم���رة‬ ‫من أجل نسخ صحيح وأمني للمعلومات مما‬ ‫األولى من كيميائيات أبسط‪ .‬وميكن‬ ‫ل���كل م���ن مكون���ات النيوكليوتي���د‬ ‫يس� � ��مح بتكاثر اخللية‪ .‬وفي الوقت نفس� � ��ه‪،‬‬ ‫الث�ل�اث ‪ -‬األس���اس الن���ووي‬ ‫تش� � ��كل جزيئات السكر والفوسفات الهيكل‬ ‫والفوس���فات والس���كر ‪ -‬أن يتش���كل‬ ‫تلقائي���ا‪ .‬ولكنه���ا ال ترتب���ط تلقائيا‬ ‫األساسي لكل جديلة من الدنا أو الرنا‪.‬‬ ‫ببعضه���ا بعضا بالش���كل الصحيح‬ ‫ميكن لألسس النووية أن تتجمع تلقائيا‪،‬‬ ‫(انظ���ر املركز)‪ .‬ولكن جتارب جديدة‬ ‫أظه���رت أن طرازي���ن عل���ى األقل من‬ ‫وذلك في سلس� � ��لة من اخلطوات‪ ،‬ابتدا ًء من‬ ‫نيوكليوتي���دات الرن���ا‪ ،‬تل���ك الت���ي‬ ‫السيانيد واألسيتيلني واملاء ‪ -‬وهي جزيئات‬ ‫حت���وي ُأسس� � ��ا نووية ‪nucleobases‬‬ ‫تدع���ى ‪ C‬و ‪ ،U‬ميك���ن أن تك���ون ق���د‬ ‫كانت بالتأكيد موجودة في املزيج الكيميائي‬ ‫نش���أت م���ن خ�ل�ال طري���ق مختل���ف‬ ‫البدائي‪ .‬كذلك من السهل تشكل السكريات‬ ‫(أقصى اليس���ار)‪( .‬ف���ي املتعضيات‬ ‫احلديث���ة‪ ،‬تتك���ون األس���س النووية‬ ‫ابتداء م� � ��ن مواد ابتدائية‪ .‬ومن املعروف منذ‬ ‫للرن���ا م���ن أربعـة أنواع ه���ي ‪ A‬و ‪C‬‬ ‫و ‪ G‬و ‪ ،U‬وه���ي األح���رف األبجدي���ة‬ ‫أكثر من ‪ 100‬ع� � ��ام أنه ميكن احلصول على‬ ‫اجلينية)‪.‬‬ ‫خالئط من طرز متعددة من جزيئات السكر‬ ‫عن طريق تسخني محلول قلوي (قاعدي) من‬ ‫الفورمالدهاي����د ‪ ،formaldehyde‬وهو أيضا‬ ‫ال ب� � ��د أنه كان متوافرا على س� � ��طح الكوكب‬ ‫( )‬ ‫احلديث التشكل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن املشكلة هي ما هي احلياة?‬ ‫كيف ميكن احلصول على النوع «الصحيح»‬ ‫لقد جهد الباحثون طويال إليجاد‬ ‫تعريف «للحياة» بطريقة شاملة مبا‬ ‫من الس� � ��كر‪-‬الريبوز‪ ،‬في حال� � ��ة الرنا ‪ -‬من‬ ‫يكفي لتضم األشكال غير املكتشفة‬ ‫منها بعد‪ .‬ونورد هنا بعضا من‬ ‫أجل تصنيع النيوكليوتيدات‪ .‬ميكن للريبوز‪،‬‬ ‫العديد من التعاريف املقترحة‪:‬‬ ‫إضافة إلى ثالثة أنواع من السكر الشديدة‬ ‫‪ -1‬اقترح الفيزيائي >‪ .E‬شرودنگر< أن‬ ‫القرابـــــــة‪ ،‬أن تتش � � �ــكل م� � ��ن تفــاعــل نوعني‬ ‫صفة مع ِّرفة لألنظمة احلية هي أنها‬ ‫تتجمع ذاتيا مخالفة بذلك نزوع‬ ‫أكثر بس� � ��اطة من الس� � ��كر يضم� � ��ان ‪ -‬على‬ ‫الطبيعة إلى الفوضى‪ ،‬أو ما يدعى‬ ‫التتالي ‪ -‬ذرتني وث� �ل��اث ذرات كربون‪ .‬ومع‬ ‫اإلنتروپية ‪.entropy‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن مقدرة سكر الريبوز على التشكل‬ ‫‪ -2‬إن التعريف الذي صاغه الكيميائي‬ ‫>‪ .G‬جويس< والذي تبنته وكالة‬ ‫بهذه الطريقة ال حتل مسألة الكيفية التي أدت‬ ‫الفضاء األمريكية ناسا‪ ،‬هو أن‬ ‫احلياة هي «نظام كيميائي قادر‬ ‫إلى توفره بكثرة على سطح األرض احلديثة‬ ‫على االستمرار ذاتيا وعلى التطور‬ ‫التش� � ��كل‪ ،‬حيث يتبني أن الريبوز غير ثابت‬ ‫وفقا للتطور الدارويني ‪Darwinian‬‬ ‫‪».evolution‬‬ ‫ويتحطم بسرعة وذلك حتى في محلول قلوي‬ ‫‪ -3‬إن التعريف السيبراني ‪cybernetic‬‬ ‫خفيف‪ .‬وفي املاض� � ��ي‪ ،‬قادت هذه املالحظة‬ ‫الذي صاغه >‪ .B‬كورزينيوسكي<‬ ‫العديد من الباحثني إلى االس� � ��تنتاج أنه من‬ ‫ينص على أن احلياة هي شبكة من‬ ‫آليات التغذية الراجعة ‪feedback‬‬ ‫غير املمكن أن تكون اجلزيئات اجلينية ا ُألولى‬ ‫‪.mechanisms‬‬

‫اجلزيئات اجلينية األولى‬

‫‪6‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫( )‬

‫رنا مزدوج اجلديلة‬ ‫‪A‬‬ ‫‪U‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪U‬‬

‫‪G‬‬ ‫‪C‬‬

‫سكر‬

‫أساس نووي‬ ‫‪C‬‬

‫فوسفات‬

‫هيكل كيميائي‬ ‫مكون من‬ ‫السكر‬ ‫والفوسفات‬

‫‪G‬‬

‫زوج من أساس‬ ‫نووي متكامل‬

‫قد ضم� � ��ت الريبوز كجزء من تركيبها‪ .‬ولكن‬ ‫أحدنا (>ري� � ��كاردو<) مع آخرين اكتش� � ��فوا‬ ‫طرائق ميكن من خاللها جعل سكر الريبوز‬ ‫ثابتا ومستقرا‪.‬‬ ‫إن جزء الفوس� � ��فات من النيوكليوتيدات‬ ‫يق� � ��دم أحجي� � ��ة أخ� � ��رى مثي� � ��رة للفض� � ��ول‬ ‫واالهتمام‪ .‬فالفوس� � ��فور ‪ -‬وه� � ��و العنصر‬ ‫املركزي في مجموعة الفوس� � ��فات ‪ -‬متوافر‬ ‫بغزارة في قشرة األرض‪ ،‬حيث يفترض أن‬ ‫احلياة كانت قد نش� � ��أت‪ .‬لذا‪ ،‬فإنه من غير‬ ‫الواض� � ��ح كيف ميكن أن تكون الفوس� � ��فات‬ ‫قد وصلت إلى املزيج ما قبل احليوي الذي‬ ‫ه ّيأ لنشوء احلياة‪ .‬وميكن لدرجات احلرارة‬ ‫العالي� � ��ة لفوهات البراك� �ي��ن أن حت ّول مواد‬ ‫معدنية محتوية على الفوسفات إلى أشكال‬ ‫من الفوسفات املنحلة‪ ،‬ولكن الكميات التي‬ ‫تتشكل‪ ،‬على األقل قرب البراكني احلديثة‪،‬‬ ‫( ) ‪First Genetic Molecules‬‬ ‫( ) ?‪What is Life‬‬


‫بعض التركيب مطلوب‬

‫( )‬

‫نيوكليوتيدات فاشلة‬

‫كان الكيميائيون لفترة طويلة غير قادرين على إيجاد‬ ‫طريق أمكن من خالله لألسس النووية والفوسفات‬ ‫والريبوز (السكر الذي يدخل في تكوين الرنا) أن تتحد‬ ‫بشكل طبيعي لتشكل كميات من نيوكليوتيدات الرنا‪.‬‬ ‫كيماويات وجدت قبل اخلاليا احلية األولى‬

‫طريق جديد‬

‫بوجود الفوسفات‪ ،‬فإن املواد األولية لألسس النووية وسكر‬ ‫الريبوز تشكل أوال مركب «‪-2‬أمينوأوكزازول»‪ ،‬وهو جزيء يحوي‬ ‫جزءا من السكر وجزءا من أحد األسس النووية ‪ C‬أو ‪ .U‬وتعطي‬ ‫التفاعالت الالحقة وحدة كاملة من الريبوز‪-‬األساس ‪ribose-‬‬ ‫‪ base‬وبعد ذلك نيوكليوتيد كامل‪ .‬كما تنتج التفاعالت ائتالفات‬ ‫«خاطئة» للجزيئات األصلية‪ ،‬ولكن بعد التعرض لألشعة فوق‬ ‫البنفسجية تنجو فقط األشكال الصحيحة من هذه االئتالفات‬ ‫وهي النيوكليوتيدات‪.‬‬ ‫كيماويات وجدت قبل اخلاليا احلية األولى‬

‫سكر‬

‫أساس نووي‬ ‫‪C‬‬

‫فوسفات‬

‫‪-2‬أمينوأوكزازول‬

‫‪Х‬‬

‫فوسفات‬

‫أرابينو‬ ‫أوكزازولني‬

‫سكر‬

‫‪C‬‬

‫أكسجني‬ ‫كربون‬ ‫نتروجني‬ ‫فسفور‬

‫فوسفات‬ ‫نيوكليوتيد رنا‬

‫صغي� � ��رة‪ .‬وهن� � ��اك إمكانية توف� � ��ر مصدر‬ ‫مختل� � ��ف ملركبات الفوس� � ��فور يتمثل مبادة‬ ‫شريبرس����يت(‪ ،schreibersite )1‬وهي معدن‬ ‫يوجد عموما في نيازك معينة‪.‬‬ ‫في عام ‪ 2005‬اكتشف كل من >‪ .D‬لوريتا<‬ ‫و >‪ .M‬پاس� � ��يك< [من جامعة أريزونا] أن تآكل‬ ‫(صدأ) الشريبرس� � ��يت في امل� � ��اء يحرر جزأه‬ ‫الفوسفوري‪ .‬وهذا املس� � ��ار يبدو واعدا؛ ألنه‬ ‫يحرر الفوسفور في شكل أكثر انحالال بكثير‬ ‫في املاء من الفوس� � ��فات‪ ،‬وأكث� � ��ر تفاعلية مع‬ ‫املركبات العضوية (ذات األساس الكربوني)‪.‬‬

‫‪ ‬فـــي الشـــــهـــر ‪ 2009/5‬أجــــــــاب‬ ‫>‪ .J‬سذرالند< ومعاونوه [من جامعة‬ ‫مانشستر في إنكلترا] عن سؤال‬ ‫في مجال الكيمياء السابقة لنشوء‬ ‫احلياة بقي من دون إجابة لفترة‬ ‫طويلة‪ ،‬وذلك من خالل إثباتهم أنه‬ ‫بإمكان النيوكليوتيدات أن تتشكل‬ ‫من تفاعالت كيميائية تلقائية‬ ‫(يبدو >سذرالند< في الصورة في‬ ‫األسفل (الثاني من اليسار) مع أفراد‬ ‫من مختبره)‪.‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫إذا اعتبرن� � ��ا أن لدينا على األقل مخططا‬ ‫ملس� � ��ارات محتملة تقود إلى تشكيل األسس‬ ‫النووية والسكريات والفوسفات‪ ,‬فإن اخلطوة‬ ‫املنطقية التالية س� � ��تكون رب� � ��ط هذه املكونات‬ ‫فيم� � ��ا بينها بالش� � ��كل املناس� � ��ب‪ .‬ولكن هذه‬ ‫اخلطوة كانت الس� � ��بب في أشد اإلحباطات‬ ‫التي واجهتها أبحاث كيمياء ما قبل احلياة‬ ‫‪ prebiotic chemistry‬خ� �ل��ال العق� � ��ود القليلة‬ ‫املاضية‪ .‬فمجرد مزج املكونات الثالثة باملاء‬ ‫ال يقود إلى التش� � ��كل التلقائي للنيوكليوتيد‪،‬‬ ‫وهذا يعود بشكل أساسي إلى أن كل تفاعل‬ ‫رب� � ��ط يتضمن أيضا إطالق جزيء ماء‪ ،‬وهذا‬ ‫ما ال يحصل غالبا بشكل تلقائي في محلول‬ ‫مائي‪ .‬ومن أجل تش� � ��كل الرابطة الكيميائية‬ ‫الالزمة الرتباط ه� � ��ذه اجلزيئات يجب تأمني‬ ‫طاقة‪ ،‬على س� � ��بيل املثال‪ ،‬عن طريق إضافة‬ ‫مركب� � ��ات غنية بالطاقة لتس� � ��اعد على حدوث‬ ‫التفاع� � ��ل‪ .‬وم� � ��ن املمكن أن العدي� � ��د من هذه‬ ‫املركب� � ��ات كان قد ُو ِجد على س� � ��طح األرض‬ ‫احلديثة التش� � ��كل‪ .‬ولكن ف� � ��ي املختبر‪ ،‬كانت‬ ‫التفاع� �ل��ات التي غذتها مث� � ��ل هذه اجلزيئات‬ ‫بالطاقة غير فعالة في أحس� � ��ن أحوالها‪ ،‬كما‬ ‫لم تكن ناجحة البتة في معظم األحوال‪.‬‬ ‫في ربي� � ��ع عام ‪ ،2009‬وفي عم� � ��ل و ّلد إثارة‬ ‫كبيرة بني العاملني في هذا املجال من األبحاث‪،‬‬ ‫أعل� � ��ن >‪ .J‬س� � ��ذرالند< ومس� � ��اعدوه [من جامعة‬ ‫مانشستر في إنكلترا] أنهم وجدوا طريقة أكثر‬ ‫مصداقية توضح كيفية تشكل النيوكليوتيدات‪،‬‬ ‫وهذه الطريقة تتجاوز موضوع عدم اس� � ��تقرار‬ ‫( ) ‪Some Assembly Required‬‬

‫(‪ )1‬هي مادة معدنية منش� � ��ؤها الرئيس� � ��ي نيزك� � ��ي ومكونة من‬ ‫(التحرير)‬ ‫فوسفيد احلديد والنيكل [‪.])Fe,Ni)3P‬‬

‫‪7‬‬


‫بدائل لنظرية‬ ‫( )‬ ‫«الرنا أوال»‬

‫‪ PNA‬أوال‪ :‬إن پپتيد احلمض النووي‬ ‫(پنا) ‪ )1(PNA‬هو جزيء ترتبط فيه أسس‬ ‫نووية بهيكل أساسي شبيه بالپروتني‪.‬‬ ‫وبسبب كون پپتيد الپنا ‪ PNA‬أبسط‬ ‫وأكثر ثباتا كيميائيا من الرنا ‪ ،RNA‬يعتقد‬ ‫بعض الباحثني أنه قد يكون الپوليمير‬ ‫اجليني ألشكال احلياة األولى على االرض‪.‬‬

‫‪.............................................................‬‬

‫األيض أوال‪ :‬إن الصعوبات في شرح‬ ‫الكيفية التي تشكل فيها الرنا ابتدا ًء من‬ ‫مادة غير حية قادت بعض الباحثني إلى‬ ‫التنظير بأن احلياة نشأت في البداية‬ ‫كشبكات من محفزات تعالج الطاقة‪.‬‬

‫‪.............................................................‬‬

‫پانسپيرميا ‪ :Panspermia‬نظرا إلى‬ ‫أن عددا قليال من مئات ماليني السنني‬ ‫تفصل تشكل األرض عن ظهور أول أشكال‬ ‫احلياة عليها‪ ،‬فقد اقترح بعض العلماء أن‬ ‫املتعضيات األولى على سطح األرض قد‬ ‫كانت زائرة أتت من عوالم أخرى‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫س� � ��كر الريبوز‪ .‬لقد تخلى ه� � ��ؤالء الكيميائيون‬ ‫املبدعون ع� � ��ن التقليد املتبع في محاولة تصنيع‬ ‫النيوكليوتي� � ��دات بربط أس� � ��اس نووي وس� � ��كر‬ ‫وفوسفات بعضها ببعض‪ .‬تعتمد مقاربتهم على‬ ‫املواد االبتدائية البس� � ��يطة نفس� � ��ها التي ُو ّظفت‬ ‫س� � ��ابقا‪ ،‬مثل مشتقات الس� � ��يانيد واألسيتيلني‬ ‫والفورمالدهاي� � ��د‪ .‬ولك� � ��ن ب� � ��دال من تش� � ��كيل‬ ‫األس� � ��س النووية وس� � ��كر الريبوز بش� � ��كل‬ ‫منفص� � ��ل ومن ثم محاولة ربطهما معا‪ ،‬مزج‬ ‫فريق البحث املكونات االبتدائية مع بعضها‬ ‫بعضا‪ ،‬بوجود الفوس� � ��فات‪ .‬أنتجت سلسلة‬ ‫معق� � ��دة من التفاعالت ‪ -‬أدى فيها الفوس� � ��فات‬ ‫دور ح ّفاز أساس� � ��يا في العدي� � ��د من خطواتها ‪-‬‬ ‫جزيئ� � ��ا صغيرا يدع� � ��ى «‪-2‬أمينو أوك���زازول»‬ ‫‪ ،2-aminooxazole‬والذي ميك� � ��ن اعتباره جزءا‬ ‫من س� � ��كر مرتبط بقطعة من أساس نووي [انظر‬ ‫املؤطر في الصفحتني ‪ 6‬و ‪.]7‬‬ ‫إن سمة حاسمة من صفات هذا اجلزيء‬ ‫الصغير واملس� � ��تقر هي أنه ش� � ��ديد التطاير‬ ‫‪ .volatile‬ومن احملتمل أن كميات صغيرة من‬ ‫«‪-2‬أمينو أوكزازول» تش� � ��كلت مع مزيج من‬ ‫كيماويات أخرى في بركة صغيرة على سطح‬ ‫األرض احلديثة التشكل؛ وعندما تبخر املاء‪،‬‬ ‫تطايرت جزيئات «‪-2‬أمينو أوكزازول» لتتكثف‬ ‫في مكان آخر بش� � ��كل من ّقى‪ .‬وهناك في ذلك‬ ‫املكان ستتجمع لتشكل خزانا من هذه املادة‪،‬‬ ‫جاهزة للدخول في تفاعالت كيميائية إضافية‬ ‫تؤدي إلى تشكل سكر مكتمل وأساس نووي‬ ‫مرتبطني معا‪.‬‬ ‫�رض لهذه‬ ‫هن� � ��اك وجه آخ� � ��ر مهم وم� � � ٍ‬ ‫السلسلة من التفاعالت‪ ،‬وهو أنّ بعضا‬ ‫من الن������واجت الثانوية التي تنش������أ في‬ ‫مرحلة مبكرة تسهل التحوالت التي‬ ‫تطرأ على العملية ف� � ��ي املراحل املتأخرة‬ ‫منها‪ .‬ومع أن املس� � ��ار أني� � ��ق‪ ،‬إال أنه في‬ ‫بعض احلاالت ال يولد حصريا الشكل‬ ‫«الصحي������ح» م������ن النيوكليوتيدات‪ :‬ففي‬ ‫بع� � ��ض احلاالت ال يعطي ارتباط الس� � ��كر‬ ‫باألساس النووي التركيب احل ّيزي ‪spatial‬‬ ‫املناس� � ��ب‪ .‬ولكن من املدهش‪ ،‬أن التعرض‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫[من اجلزيئات إلى املتعضيات]‬

‫على الطريق إلى احلياة‬

‫( )‬

‫بع���د أن خلقت التفاعالت الكيميائي���ة أولى وحدات البناء‬ ‫اجليني���ة واجلزيئ���ات العضوي���ة األخرى‪ ،‬قام���ت عمليات‬ ‫جيوفيزيائية بجلبها إل���ى بيئات جديدة وقامت بتكثيفها‬ ‫(بتركيزه���ا)‪ .‬وجتمع���ت هذه الكيماوي���ات معطية جزيئات‬ ‫معق���دة تالها تش���كيل خاليا بدائية‪ .‬ومن���ذ نحو ‪ 3.7‬بليون‬ ‫س���نة ق���د تك���ون اجليوفيزياء ه���ي أيضا الت���ي دفعت هذه‬ ‫اخلاليا األولية إلى التكاثر‪.‬‬

‫طبقات ميكروية‬ ‫من الغضار‬

‫نيوكليوتيدات‬ ‫متر بعملية بلمرة‬

‫مناطق تكاثر الرنا‬

‫في احملاليل املائية‪ ،‬كانت لدى النيوكليوتيدات‪ ،‬التي تشكلت ضمنها‪،‬‬ ‫فرصة قليلة لتنضم مُ شكِ ل ًة جدائل طويلة قادرة على تخزين املعلومات‬ ‫اجلينية‪ .‬ولكن حتت الشروط الصحيحة ‪ -‬فمثال‪ ،‬إذا جلبتها قوى‬ ‫االلتصاق اجلزيئية بالقرب من بعضها بني طبقتني ميكرويتني من‬ ‫الغضار (الصورة أعاله) ‪ -‬فإنه ميكن للنيوكليوتيدات أن تنضم إلى‬ ‫بعضها مشكلة جدائل منفردة شبيهة بالرنا الذي نعرفه اليوم‪.‬‬

‫لألش� � ��عة ف� � ��وق البنفس� � ��جية ‪ -‬وقد كانت‬ ‫إشعاعات فوق بنفس� � ��جية شديدة تسقط‬ ‫من الشمس على املياه الضحلة املتشكلة‬ ‫على س� � ��طح األرض احلديثة التش� � ��كل ‪-‬‬ ‫يخرب األش� � ��كال «غي� � ��ر الصحيحة» من‬ ‫النيوكليوتي� � ��دات ويبق� � ��ي على األش� � ��كال‬ ‫«الصحيحة»‪ .‬والنتيجة النهائية هي طريق‬ ‫نظيف بصورة فائقة لتشكيل نيوكليوتيدات‬ ‫السيتوزين ‪ C‬واليوراس� � ��يل ‪ .U‬وبالطبع‪،‬‬ ‫نحن ما زلنا بحاج� � ��ة إلى طريق من أجل‬ ‫تش� � ��كيل الگوانني ‪ G‬واألدينني ‪ ،A‬وهكذا‬ ‫تبقى أمامنا بع� � ��ض التحديات‪ .‬ولكن‪ ،‬ما‬ ‫يقوم به فريق >سذرالند< البحثي هو خطوة‬ ‫أساسية باجتاه توضيح الكيفية التي أمكن‬ ‫من خاللها جلزيء بتعقيد الرنا أن يتكون‬ ‫على الكرة األرضية احلديثة التشكل‪.‬‬ ‫( ) »‪Alternatives To «RNA FIRST‬‬ ‫( ) ‪On The Way To Life‬‬ ‫(‪Peptide nucleic acid )1‬‬


‫اجلانب الدافئ من الب ْركة‬

‫اجلانب البارد من البركة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫التكاثر باملساعدة‬

‫مبجرد حتررها من الغضار‪ ،‬قد تغدو الپوليميرات‬ ‫احلديثة التشكل محاطة بأكياس مملوءة باملاء حيث‬ ‫تصطف األحماض الدهنية تلقائيا لتشكل أغشي ًة‪ .‬وفي‬ ‫الغالب‪ ،‬احتاجت اخلاليا األولية تلك إلى بعض التحفيز‬ ‫اخلارجي لكي تبدأ مبضاعفة مادتها اجلينية‪ ،‬ومن َث ّم‬ ‫واحد من السيناريوهات احملتملة‬ ‫البدء بالتكاثر‪ .‬وفي‬ ‫ٍ‬ ‫(في اليسار) دارت هذه اخلاليا األولية بني األنحاء الباردة‬ ‫والساخنة لبركة ما‪ ،‬والتي قد تكون متجمدة جزئيا على‬ ‫أحد جوانبها (كانت األرض احلديثة التشكل في غالبها‬ ‫باردة) وذائبة على جانبها اآلخر بفعل حرارة بركان‪.‬‬ ‫وعلى اجلهة الباردة من البركة‪ ،‬أدت جدائل‬ ‫منفردة من الرنا ‪ ‬دور مرصافات شكلت عليها‬ ‫النيوكليوتيدات اجلديدة أزواجا قاعدي ًة (حيث شكلت‬ ‫األسس ‪ As‬أزواجا مع األسس ‪ ،Us‬وكذلك ‪ Cs‬مع ‪)Gs‬‬ ‫مما نتج منه جدائل مزدوجة ‪ .‬واحلرارة‪ ،‬على‬ ‫اجلهة احلارة من ب ْركة املاء‪ ،‬ستؤدي إلى فصل اجلدائل‬ ‫املزدوجة عن بعضها بعضا ‪ .‬وميكن لألغشية أيضا‬ ‫أن تنمو ببطء ‪ ‬إلى أن تنقسم اخلاليا األولية إلى‬ ‫خاليا أولية «بنات» للخاليا األصلية ‪ ،‬والتي سيكون‬ ‫بإمكانها بدء هذه الدورة من جديد‪.‬‬ ‫مبجرد انطالق دورات التكاثر‪ ،‬أقلعت آلة التطور ‪-‬‬ ‫تقودها طفرات عشوائية ‪ -‬وفي نقطة ما من العملية‬ ‫حصلت اخلاليا األولية على القدرة الذاتية على‬ ‫التكاثر‪ .‬وولدت احلياة‪.‬‬

‫ا‬

‫األغشية تضم‬ ‫جزيئات أحماض‬ ‫دهنية جديدة‬ ‫وتنمو‪.‬‬ ‫قال‬ ‫النت‬ ‫ها‬ ‫جتا‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫خاليا أولية تنقسم‪،‬‬ ‫وتكرر اخلاليا‬ ‫البنات‬ ‫الدور َة‪.‬‬

‫اخلاليا البنات‬ ‫جزيئات دهنية‬

‫نيوكليوتيدات‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫احلرارة‬ ‫تفصل‬ ‫اجلدائل عن‬ ‫بعضها بعضا‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫جديلة رنا‬ ‫مضاعفة‬ ‫(مزدوجة)‪.‬‬

‫خاليا أولية‬ ‫تصل إلى‬ ‫مرحلة‬ ‫النضج‪.‬‬

‫قارورة صغيرة دافئة‬

‫( )‬

‫ومبجرد أن تتشكل لدينا النيوكليوتيدات‪،‬‬ ‫فإن اخلطوة األخيرة في عملية تشكل الرنا هي‬ ‫البلمرة ‪ :polymerization‬حيث يشكل السكر‬ ‫في أحد النيوكليوتي� � ��دات رابطة مع مجموعة‬ ‫الفوس� � ��فات في النيوكليوتيد الذي يليه بحيث‬ ‫تش� � ��كل النيوكليوتيدات سلسلة متصلة‪ .‬مرة‬ ‫ثانية‪ ،‬ال ميكن تشكل مثل هذه الروابط تلقائيا‬ ‫في املاء‪ ،‬وهي‪ ،‬بدال من ذلك‪ ،‬حتتاج إلى بعض‬ ‫الطاقة اخلارجية‪ .‬ومن خالل إضافة كيماويات‬ ‫متنوعة إلى محلول يضم أشكاال فعالة كيميائيا‬ ‫من النيوكليوتيدات‪ ،‬متكن الباحثون من إنتاج‬ ‫سالسل قصيرة من الرنا‪ ،‬يتراوح طولها بني‬ ‫‪ 2‬و ‪ 40‬نيوكليوتي� � ��د‪ .‬وف� � ��ي أواخر تس� � ��عينات‬ ‫القرن العش� � ��رين َبينَّ َ >‪ .J‬فيريس< ومساعدوه‬ ‫[من معهد رينس� � ��لير للتقان� � ��ات املتعددة] أن‬ ‫املع� � ��ادن الغضارية(‪ )1‬تعزز م� � ��ن هذه العملية‪،‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫تدخل‬ ‫النيوكليوتيدات‬ ‫و ُتشكل جدايل‬ ‫متممة‪.‬‬

‫مؤدية إلى إنتاج سالسل من الرنا تصل حتى‬ ‫‪ 50‬من النيوكليوتيدات أو ما يقاربها (علما بأن‬ ‫جين� � ��ا منوذجيا في عصرنا احلالي يبلغ طوله‬ ‫ما ب� �ي��ن آالف ومالي� �ي��ن النيوكليوتيدات)‪ .‬إن‬ ‫املقدرة املتأصلة في املعادن الغضارية على‬ ‫‪ ‬تتشكل األغشية ذاتيا من جزيئات‬ ‫أحماض دهنية منحلة في املاء‪ .‬وتبدأ‬ ‫االرتباط بالنيوكليوتيدات مت ّكنها من وضع‬ ‫األغشية على شكل كروي‪ ،‬بعد ذلك‬ ‫جزيئ� � ��ات نش� � ��طة كيميائيا قراب� � ��ة بعضها‬ ‫تنمو منها استطاالت بواسطة أحماض‬ ‫دهنية جديدة (الصورة امليكروية في‬ ‫بعضا‪ ،‬مم� � ��ا مي ّك� � ��ن بالتالي من تش� � ��كيل‬ ‫األسفل)‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تصبح على شكل‬ ‫أنابيب طويلة ورفيعة وتتكسر معطية‬ ‫الروابط الكيميائية فيما بينها [انظر املؤطر‬ ‫العديد من الكرات‪ .‬قد تكون أولى‬ ‫في هاتني الصفحتني]‪.‬‬ ‫اخلاليا األولية انقسمت بهذه الطريقة‪.‬‬ ‫لقد عزز هذا االكتشاف االقتراح الذي تقدم‬ ‫به بعض الباحثني ب� � ��أن احلياة ميكن أن تكون‬ ‫ق� � ��د بدأت على س� � ��طوح معدني� � ��ة‪ ،‬وغالبا في‬ ‫استطالة نامية‬ ‫الطني الغني بالغضار في أس� � ��فل أحواض‬ ‫غشاء‬ ‫املاء التي شكلتها الينابيع احلارة(‪.)2‬‬ ‫ومن املؤكد أن اكتشاف الطريقة التي‬ ‫( ) ‪Some Warm, Little Vial‬‬ ‫(‪clay minerals )1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪«Life’s Rocky Start,» by Robert M. Hazen; :‬‬ ‫‪Scientific American, April 2001‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪9‬‬


‫[من عالم الرنا إلى البكتيريا]‬

‫رحلة إلى اخللية‬ ‫( )‬ ‫احلديثة‬

‫اخلاليا األولية‬

‫(‪)1‬‬

‫‪protocells‬‬

‫األولى إلى اخلاليا التي‬ ‫تعتمد الدنا كالبكتيريا‪.‬‬

‫معضلة بناء‬ ‫متعضية من مواد‬ ‫( )‬ ‫غير حية‬ ‫يتطلع العلماء الذين يدرسون نشوء‬ ‫احلياة إلى بناء متعضية ذاتية‬ ‫التضاعف وذلك انطالقا من مواد‬ ‫غير حية متاما‪ .‬والتحدي األكبر‬ ‫في هذا املضمار هو إيجاد جزيء‬ ‫جيني ‪ genetic molecule‬قادر على‬ ‫التضاعف الذاتي تلقائيا‪ .‬ويقوم‬ ‫املؤلفان واملتعاونون معهما بتصميم‬ ‫وتركيب صيغ معدلة من الرنا والدنا‬ ‫بحثا عن هذه اخلاصية احمليرة‪ .‬ورمبا‬ ‫ال يكون الرنا بذاته هو احلل‪ :‬فضفائره‬ ‫املضاعفة ال تنفصل بسهولة لتصير‬ ‫جاهزة للتنسخ (للتضاعف)‪ ،‬إال إذا‬ ‫كانت قصيرة جدا‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫ف‬

‫‪ - ribozymes‬وهي جزيئات رنا‬ ‫مثنيّة مشابهة لإلنزميات ذات‬ ‫األساس الپروتيني ‪ -‬و َت َوليها مهام‬ ‫مثل تسريع التكاثر وتقوية الغشاء‬ ‫اخللوي‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬تبدأ اخلاليا‬ ‫بالتكاثر اعتمادا على ذاتها‪.‬‬

‫ضالت‬

‫رنا‬ ‫مزدوج‬ ‫اجلديلة‬

‫غشاء‬ ‫ليبيدي‬

‫طاقة‬

‫إنزمي ريبي‬ ‫(ريبوزمي)‬

‫ذيات‬ ‫مغ‬

‫بعد بدء احلياة‪ ،‬دفع التنافس‬ ‫بني أشكال احلياة باجتاه‬ ‫استمرار ظهور متعضيات‬ ‫أكثر تعقيدا‪ .‬وقد ال نعرف‬ ‫أبدا التفاصيل الدقيقة لعملية‬ ‫التطور التي حدثت بعد بداية‬ ‫احلياة‪ ،‬ولكن إليكم تسلسال‬ ‫معقوال لبعض األحداث‬ ‫األساسية التي قادت من‬

‫‪‬‬

‫‪ ‬حتفيز رنوي ‪‬‬

‫ظهور اإلنزميات الريبية (ريبوزميات)‬

‫تضاعف‬ ‫الرنا‬

‫‪‬‬

‫جديلة جديدة‬

‫‪ ‬التطور يبدأ ‪‬‬

‫اخللية األولية األولى هي عبارة عن‬ ‫كيس من املاء ورنا ويحتاج إلى محفز‬ ‫خارجي (كأن تكون هناك دورات من الدفء‬ ‫والبرودة) من أجل التكاثر‪ .‬ولكنها بعد‬ ‫فترة قصيرة ستكتسب صفات جديدة‪.‬‬

‫نش� � ��أت فيها الپوليمي� � ��رات اجلينية ألول مرة‬ ‫لن ّ‬ ‫يحل مش� � ��كلة أصل احلي� � ��اة‪ .‬ولكي تكون‬ ‫املتعضيات حية يج� � ��ب أن تكون قادرة على‬ ‫املضي في التكاثر‪ ،‬وهي عملية تتضمن نسخ‬ ‫املعلوم� � ��ات اجلينية‪ .‬فف� � ��ي اخللية املعاصرة‬ ‫تق� � ��وم اإلنزميات‪ ،‬وهي جزيئ� � ��ات ذات طبيعة‬ ‫پروتينية‪ ،‬بوظيفة النسخ هذه‪.‬‬ ‫ولكن ميكن للپوليميرات اجلينية إذا ُق ّدر‬ ‫ُصنع من التسلسالت النيوكليوتيدية‬ ‫لها أن ت ْ‬ ‫الصحيح� � ��ة‪ ،‬أن تنثني عل� � ��ى بعضها لتأخذ‬ ‫أشكاال معقدة وميكن لها أن حتفز تفاعالت‬ ‫كيميائية‪ ،‬متاما كما تفعل اإلنزميات املعروفة‬ ‫ف� � ��ي عصرنا احلال� � ��ي‪ .‬لذلك‪ ،‬يب� � ��دو معقوال‬ ‫أن� � ��ه كان بإمكان الرنا ال� � ��ذي وجد في أولى‬ ‫املتعضي� � ��ات التحكم في تضاعف� � ��ه الذاتي‪.‬‬ ‫وقد ألهمت ه� � ��ذه الفكرة جتارب عدة في كل‬ ‫م� � ��ن مختبرنا ومختبر >‪ .D‬بارتيل< في املعهد‬ ‫‪ ،MIT‬حي� � ��ث «طورن� � ��ا» في ه� � ��ذه التجارب‬ ‫إنزميات ريبية جديدة‪.‬‬ ‫لقد بدأنا بتريليونات من تسلسالت رنوية‬ ‫عشوائية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬اخترنا منها التسلسالت‬ ‫التي امتلكت خصائ� � ��ص حتفيزية‪ ،‬وصنعنا‬ ‫نس� � ��خ رنا‬ ‫نس� � ��خا منه� � ��ا‪ .‬وف� � ��ي كل جولة ْ‬ ‫ُأخْ ِضع� � ��ت بعض جدائ� � ��ل الرنا اجلديدة إلى‬ ‫طف� � ��رات حولتها إلى محف� � ��زات أكثر فاعلية‪،‬‬ ‫ومرة أخرى اخترنا تلك التي امتلكت الفعالية‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫إنزمي ريبي‬ ‫(ريبوزمي)‬

‫‪‬‬ ‫حتفز إنزميات ريبية أخرى عملية‬

‫‪ ‬األيض يبدأ ‪‬‬

‫األيض ‪ -‬وهي سلسلة من التفاعالت‬ ‫الكيميائية َ‬ ‫مت ِّكن اخلاليا األولية من‬ ‫التزود باملغذيات من البيئة‪.‬‬

‫التحفيزية األعلى من أجل إخضاعها للجولة‬ ‫الثاني� � ��ة من النس� � ��خ‪ .‬وقد متكن� � ��ا عن طريق‬ ‫هذا التط� � ��ور امل َو َّجه من إنتاج إنزميات ريبية‬ ‫ميكنها حتفيز نس� � ��خ جدائل قصيرة نسبيا‬ ‫من جزيئات رنا أخرى‪ ،‬مع أن هذه اإلنزميات‬ ‫الريبية لم تكن قادرة على نس� � ��خ پوليميرات‬ ‫باالعتم� � ��اد على تسلس� �ل��اتها النيوكليوتيدية‬ ‫بحيث تعطي تسلسالت رنا وليدة‪.‬‬ ‫مؤخرا‪ ،‬حصل مب� � ��دأ التضاعف الذاتي‬ ‫للرن� � ��ا عل� � ��ى دعم م� � ��ن >‪ .T‬لينكول� � ��ن< و >‪.G‬‬ ‫جويس< [م� � ��ن معهد س� � ��كريپس لألبحاث]‬ ‫حي� � ��ث قاما بتطوير اثنني م� � ��ن إنزميات الرنا‬ ‫الريبية‪ ،‬ميكن لكل منهما أن يصنع نس� � ��خا‬ ‫من اآلخر وذلك عن طريق وصل جديلتي رنا‬ ‫أقصر إحداهما مع األخرى‪ .‬ولس� � ��وء احلظ‪،‬‬ ‫تطلب جناح ه� � ��ذه التجارب توف� � ��ر قطع رنا‬ ‫كانت موجودة أساس� � ��ا‪ ،‬وه� � ��ي أطول وأكثر‬ ‫تعقي� � ��دا من أن تك� � ��ون قد تش� � ��كلت تلقائيا‪.‬‬ ‫وم� � ��ع ذلك‪ ،‬فإن النتائج توحي أن الرنا ميتلك‬ ‫الق� � ��درة التحفيزية الص ْرف� � ��ة التي متكنه من‬ ‫حتفيز تضاعفه الذاتي‪.‬‬ ‫هل هناك بديل أبسط؟ نستكشف اآلن مع‬ ‫آخرين طرقا كيميائية لنس� � ��خ جزيئات جينية‬ ‫م� � ��ن دون مس� � ��اعدة احملف� � ��زات‪ .‬ففي جتارب‬ ‫( ) ‪Journey to the Modern Cell‬‬ ‫( ) ‪Life, Redux‬‬

‫(‪ )1‬أو بادئات اخلاليا‪ ،‬أو اخلاليا البدائية‪.‬‬

‫(التحرير)‬


‫‪‬‬

‫‪ ‬استيالء الپروتينات ‪‬‬

‫إنزميات‬ ‫ريبية‬

‫تتولى الپروتينات مهام واسعة داخل‬ ‫اخللية‪ .‬وتدريجيا حتل محفزات ذات‬ ‫أساس پروتيني‪ ،‬أو اإلنزميات‪ ،‬محل‬ ‫معظم اإلنزميات الريبية‪.‬‬

‫طاقة‬

‫‪ ‬ظهور الپروتينات ‪‬‬

‫إنزميات‬

‫پروتني‬ ‫غشائي‬

‫ذيات‬ ‫مغ‬

‫‪‬‬

‫ريبوزمي‬ ‫إنزمي‬ ‫پروتني‬ ‫مثني‬

‫پروتني‬ ‫مثني‬

‫تبدأ أنظمة معقدة من محفزات الرنا‬ ‫بترجمة خيوط من أحرف الرنا ‪RNA‬‬ ‫(جينات) إلى سالسل من األحماض‬ ‫األمينية (پروتينات)‪ .‬وتثبت الپروتينات‬ ‫الحقا أنها محفزات أكثر فاعلية وقادرة‬ ‫على تنفيذ مهام متنوعة‪.‬‬

‫‪DNA‬‬

‫نف‬ ‫ايات‬

‫سلسلة‬ ‫أحماض أمينية‬

‫دنا‬

‫‪‬‬

‫‪ ‬والدة الدنا ‪‬‬

‫تبدأ إنزميات أخرى بصناعة‬ ‫الدنا‪ .‬وبفضل ثباتيته املتفوقة‪،‬‬ ‫يتولى الدنا دور اجلزيء اجليني‬ ‫األساسي‪ .‬وتصبح اآلن املهمة‬ ‫الرئيسية للرنا هي أن يقوم الرنا‬ ‫بدور جسر بني الدنا والپروتينات‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫متعضيات شبيهة بالبكتيريا‬

‫‪ ‬عالم البكتيريا ‪‬‬

‫احلديثة‪ ،‬تتكيف للعيش‬ ‫عمليا في أي مكان على‬ ‫األرض‪ ،‬وتسيطر من دون أي‬ ‫منازع لباليني السنني‪ ،‬إلى‬ ‫أن يبدأ بعضها بالتطور إلى‬ ‫متعضيات أكثر تعقيدا‪.‬‬

‫حديثة‪ ،‬بدأنا باستخدام «مرصاف» ‪ template‬والفوس� � ��فور ب� � ��دال م� � ��ن روابط األكس� � ��جني‬ ‫من جدائل مفردة من الدنا؛ (استخدمنا الدنا والفوسفور العادية‪.‬‬ ‫ألنه أقل تكلفة وأس� � ��هل في العمل‪ ،‬ولكن كان‬ ‫( )‬ ‫قضايا حدودية‬ ‫بإمكاننا اس� � ��تخدام الرنا بالفاعلية نفس� � ��ها‬ ‫أيضا)‪ .‬لقد مزجنا املرصافات مبحلول يحوي‬ ‫إذا افترضنا للحظة بأنه س� � ��يجري في يوم‬ ‫نيوكليوتيدات معزولة‪ ،‬وذل� � ��ك لنرى إن كانت ما م� � ��لء الثغرات املوجودة ف� � ��ي فهمنا لكيمياء‬ ‫النيوكليوتيدات سترتبط باملرصاف وذلك من أص� � ��ل احلياة‪ ،‬فإنه ميكن لنا البدء بالتفكير في‬ ‫خالل مزاوجة أسس متممة(‪ )1‬بعضها ببعض الكيفية التي أمكن فيه� � ��ا للجزيئات أن تتفاعل‬ ‫بنى ش� � ��بيهة‬ ‫(‪ A‬ترتبط بـ ‪ T‬و ‪ C‬ترتبط بـ ‪ ،)G‬وبعد ذلك تتبلمر فيم� � ��ا بينها بحيث جتمعت لتأخذ ً‬ ‫معطية بذلك جديلة مضاعفة كاملة‪ .‬وسيكون باخلاليا أو ما يعرف بـ «اخلاليا األولية»‪.‬‬ ‫إن األغش� � ��ية التي حتي� � ��ط بجميع اخلاليا‬ ‫ذلك اخلطوة األولى باجتاه التضاعف الكامل‪:‬‬ ‫مبجرد تش� � ��كل جديلة مضاعفة‪ ،‬فإن انفصال احلديثة تتكون أساس� � ��ا من طبقة مزدوجة من‬ ‫هذه اجلدائل عن بعضها سيسمح لكل جديلة الليپي� � ��دات‪ :‬غطاء مضاعف من جزيئات زيتية‬ ‫متممة أن تقوم بدور املرصاف من أجل نسخ كالفوس� � ��فوليپيدات والكوليستيرول‪ .‬وحتافظ‬ ‫اجلديل� � ��ة األصلية‪ .‬وه� � ��ذه العملية هي بطيئة األغش� � ��ية على مكونات اخلالي� � ��ا مجتمعة مع‬ ‫جدا في حالة الدنا والرنا النموذجيني‪ .‬ولكن بعضها في حيز فراغي واحد‪ ،‬كما أنها تشكل‬ ‫إج� � ��راء تغييرات طفيفة على البنية الكيميائية حاجزا أمام املرور غي� � ��ر املنضبط للجزيئات‬ ‫ملكون السكر في النيوكليوتيد ‪ -‬استبدال زوج الضخمة‪ .‬وتتصرف پروتينات معقدة التركيب‬ ‫واحد من األكس� � ��جني‪ /‬هيدروجني مبجموعة منغرسة في هذه األغش� � ��ية كحراس بوابات‪،‬‬ ‫أمين� � ��و (مكونة من نتروج� �ي��ن وهدروجني) ‪ -‬كما تقوم بضخ اجلزيئ� � ��ات من وإلى اخللية‪،‬‬ ‫جعل عملية الپلمرة أس� � ��رع مبئ� � ��ات املرات‪ ،‬في حني تس� � ��اعد پروتينات أخ� � ��رى على بناء‬ ‫ساعات وإصالح الغش� � ��اء اخللوي‪ .‬ولكن‪ ،‬كيف ميكن‬ ‫بحيث تشكلت اجلدائل املتممة خالل‬ ‫ٍ‬ ‫بدال من أس� � ��ابيع‪ .‬وس� � ��لك الپوليمير اجلديد خللية أولية غير متط� � ��ورة‪ ،‬تفتقر إلى اآلليات‬ ‫مسلكا ش� � ��بيها بالرنا النموذجي وذلك على الپروتينية‪ ،‬أن تقوم بهذه املهام؟‬ ‫( ) ‪Boundary Issues‬‬ ‫الرغم من احتوائه على روابط بني النتروجني‬ ‫(‪complementary base pairing )1‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪11‬‬


‫وعلى األغلب‪ ،‬فإن األغشية املخاطية كانت‬ ‫قد صنعت من جزيئات أبس� � ��ط‪ ،‬كاألحماض‬ ‫الدسمة (وهي أحد مكونات الفوسفوليپيدات‬ ‫األكثر تعقيدا)‪ .‬وقد بينت دراس� � ��ات أجريت‬ ‫في أواخر الس� � ��بعينات أنه بإمكان األغشية‬ ‫اخللوي� � ��ة بالفعل أن تتجمع تلقائيا ابتدا ًء من‬ ‫أحماض دس� � ��مة ص ْرفة‪ ،‬ولكن الشعور العام‬ ‫كان أن ه� � ��ذه األغش� � ��ية قد تش� � ��كل حاجزا‬ ‫صعبا أمام عب� � ��ور النيوكليوتيدات واملغذيات‬ ‫األخرى املعق� � ��دة التركيب إلى داخل اخللية‪.‬‬ ‫وقد أوح� � ��ت هذه الفك� � ��رة أنه م� � ��ن أجل أن‬ ‫تتمكن اخلاليا من تصني� � ��ع النيوكليوتيدات‬ ‫اخلاص� � ��ة به� � ��ا كان ال بد م� � ��ن تطور األيض‬ ‫(االس� � ��تقالب) اخلل� � ��وي أوال‪ .‬ولك� � ��ن‪ ،‬أظهر‬ ‫عم� � ��ل ُن ِّفذ في مختبرنا أنه في احلقيقة ميكن‬ ‫جلزيئات بضخامة النيوكليوتيدات أن تنسل‬ ‫عبر الغشاء اخللوي شريطة أن يكون كل من‬ ‫األغشية والنيوكليوتيدات ذات أشكال أبسط‬ ‫وأكثر بدائية من نظائرها املوجودة حاليا‪.‬‬ ‫لقد أتاح لنا هذا االكتشاف إجراء جتربة‬ ‫بس� � ��يطة تنمذج مقدرة اخلالي� � ��ا البدائية على‬ ‫نس� � ��خ املعلومات اجلينية باستخدام مكونات‬ ‫غذائي� � ��ة ذات مصدر بيئ� � ��ي‪ .‬وقمنا بتحضير‬ ‫حـــويصــالت غش���ائيـــــة‬

‫املؤلفان‬

‫‪Alonso Ricardo‬‬

‫‪Jack W. Szostak‬‬

‫>ريكاردو< ولد في كولومبيا‪ ،‬وهو باحث‬ ‫زميل في معهد هاوارد هيوز الطبي‬ ‫بجامعة هارڤرد‪ .‬لديه اهتمام كبير بأصل‬ ‫احلياة وهو يدرس اآلن األنظمة الكيميائية‬ ‫الذاتية التضاعف‪> .‬زوستاك< هو أستاذ‬ ‫علم الوراثة في جامعة هارڤرد‪ .‬واهتمامه‬ ‫باإلنشاء املختبري للبنى البيولوجية‬ ‫كوسيلة الختبار فهمنا حول كيف‬ ‫تعمل عمل البيولوجيا‪ ،‬يعود إلى إنشاء‬ ‫الكروموسومات الصنعية‪ ،‬التي كان قد‬ ‫وصفها في العدد ‪ 1987/11‬من مجلة‬ ‫ساينتفيك أمريكان‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪membrane vesicles‬‬

‫أساسها األحماض الدسمة وحتتوي بداخلها‬ ‫عل� � ��ى قطعة قصيرة من الدنا الوحيد اجلديلة‪.‬‬ ‫وكم� � ��ا في الس� � ��ابق‪ ،‬يق� � ��وم الدنا هن� � ��ا بدور‬ ‫مرصاف من أجل إنشاء جديلة جديدة متممة‪.‬‬ ‫وبعد ذلك‪ ،‬قمن� � ��ا بتعريض هذه احلويصالت‬ ‫ألش� � ��كال فعالة كيميائيا من النيوكليوتيدات‪.‬‬ ‫وقد عب� � ��رت النيوكليوتيدات الغش� � ��اء تلقائيا‪،‬‬ ‫وما أن أصبحت داخل ما ميثل اخللية األولية‬ ‫(احلويصلة) حت� � ��ى انتظمت على جديلة الدنا‬ ‫املوج� � ��ودة داخل اخللي� � ��ة وتفاعلت كل واحدة‬ ‫منها مع األخرى مش ِّكلة جديلة جديدة متممة‪.‬‬ ‫وتدعم هذه التجرب� � ��ة فكرة أن اخلاليا األولية‬ ‫األول� � ��ى احتوت الرنا (أو على ش� � ��بيه له) وال‬ ‫شيء آخر غيره‪ ،‬وأنها كانت تضاعف (تنسخ)‬ ‫مادتها اجلينية من دون وجود ألية إنزميات‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫ليكن هناك انقسام‬

‫( )‬

‫حتى تتمك� � ��ن اخلاليا األولية من التكاثر‪،‬‬ ‫عليها أن تكون قادرة على النمو وأن تضاعف‬ ‫محتواها اجليني‪ ،‬ومن ثم تنقسم إلى خاليا‬ ‫بنات للخلية األم املتس� � ��اوية في احلجم‪ .‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫أظهرت التج� � ��ارب أن احلويصالت البدائية‬ ‫ميكنها النم� � ��و على األقل بطريقتني مميزتني‪.‬‬ ‫وفي إطار عمل رائد أجري في التس� � ��عينات‪،‬‬ ‫ق� � ��ام >‪ .L .P‬لوي� � ��زي< وزم� �ل��اؤه [م� � ��ن املعهد‬ ‫الفيدرال� � ��ي السويس� � ��ري للتقانة في زيورخ]‬ ‫بإضاف� � ��ة أحم� � ��اض دهنية جدي� � ��دة إلى املاء‬ ‫احملي� � ��ط بهذه احلويصالت‪ .‬وقد اس� � ��تجابت‬ ‫أغشية احلويصالت بالس� � ��ماح بدخول هذه‬ ‫األحم� � ��اض الدهني� � ��ة عبر أغش� � ��يتها‪ ،‬ومنت‬ ‫مس� � ��احتها الس� � ��طحية نتيج� � ��ة لذل� � ��ك‪ .‬ومع‬ ‫استمرار الدخول البطيء للماء واملواد املنحلة‬ ‫فيه إلى داخل اخلاليا ازداد أيضا حجمها‪.‬‬ ‫وفي مقارب� � ��ة ثانية‪ ،‬جرى استكش� � ��افها‬ ‫في مختبرنا من قبل طالبة الدراس� � ��ات العليا‬ ‫حينذاك >‪ .I‬تش� �ي��ن<‪ ،‬تضمن� � ��ت التنافس بني‬ ‫خالي� � ��ا أولي� � ��ة؛ حيث أصبحت خالي� � ��ا أولية‬ ‫منوذجية منتفخة نتيجة ملئها بالرنا أو مبادة‬ ‫شبيهة‪ ،‬وهو تأثير حلولي ‪ osmotic‬ناجت من‬ ‫محاولة جزيئات املاء دخول اخلاليا ومعادلة‬ ‫تركيزها داخل وخارج هذه اخلاليا‪ .‬وبذلك‪,‬‬ ‫فإن غش� � ��اء مثل ه� � ��ذه احلويصالت املنتفخة‬ ‫تع ّرض لتوتر‪ ،‬وه� � ��ذا التوتر أدى إلى النمو‪،‬‬ ‫وذلك ألن إضاف� � ��ة جزيئات جديدة تُهدئ من‬ ‫التوتر احلاصل على األغشية‪ ،‬مخفضة بذلك‬ ‫طاقة املنظومة‪ .‬في احلقيقة‪ ،‬إن احلويصالت‬ ‫املنتفخ� � ��ة منت عن طريق س� � ��رقة األحماض‬ ‫الدهنية من احلويصالت املسترخية املجاورة‪،‬‬ ‫والتي انكمشت نتيجة لذلك‪.‬‬ ‫ف� � ��ي ع� � ��ام ‪ ،2008‬الحظ >‪ .T‬زه� � ��و< [وهو‬ ‫طالب دراسات عليا في مختبرنا] منو خاليا‬ ‫أولية منوذجية إث� � ��ر تغذيتها بأحماض دهنية‬ ‫أضيفت حديثا‪ .‬ولدهشتنا‪ ،‬فإن احلويصالت‬ ‫التي كانت أساسا كروية الشكل لم تن ُم بحيث‬ ‫( ) ‪Let There Be Division‬‬


‫ص� � ��ارت أكبر حجما؛ وإمن� � ��ا قامت‪ ،‬بدال من‬ ‫ذلك‪ ،‬مبد اس� � ��تطاالت رفيعة استمرت بالنمو‬ ‫ط� � ��وال وازدادت ثخانته� � ��ا‪ ،‬محولة احلويصلة‬ ‫برمتها تدريجيا إلى أنبوب طويل ورفيع‪ .‬وقد‬ ‫كانت هذه البنية حساسة‪ ،‬بحيث إن اهتزازا‬ ‫خفيف� � ��ا (كذلك الذي ميك� � ��ن أن يحدث عندما‬ ‫تو ّلد ري� � ��ح خفيفة موجات على س� � ��طح بركة‬ ‫ماء) تس� � ��بب في تفت� � ��ت احلويصلة إلى عدد‬ ‫من اخلاليا البنات البدائية الصغيرة احلجم‬ ‫والكروية الشكل‪ ،‬والتي منت بدورها لتصبح‬ ‫أضخم وتعيد تكرار الدورة الس� � ��ابقة نفسها‬ ‫[انظر الصورة امليكروية في الصفحة ‪.]9‬‬ ‫إذن‪ ،‬عند توفر قوالب البناء املناسبة‪ ،‬فإن‬ ‫تش� � ��كل اخلاليا األولية ال يبدو أمرا صعبا‪:‬‬ ‫فاألغشية تتشكل ذاتيا والپوليميرات اجلينية‬ ‫تتش� � ��كل ذاتي� � ��ا أيضا‪ ،‬وميك� � ��ن جمع هذين‬ ‫املكون� �ي��ن مع� � ��ا بطرائق متنوع� � ��ة‪ ،‬مثال‪ ،‬كأن‬ ‫تتش� � ��كل األغش� � ��ية حول پوليميرات موجودة‬ ‫أصال‪ .‬كذل� � ��ك‪ ،‬فإن هذه األكي� � ��اس من املاء‬ ‫والرنا س� � ��تنمو أيض� � ��ا‪ ،‬ومتت� � ��ص جزيئات‬ ‫جدي� � ��دة‪ ،‬وتتناف� � ��س على الغذاء‪ ،‬وتنقس� � ��م‪.‬‬ ‫ولكنها‪ ،‬من أجل أن تغدو حي ًة فإنها ستحتاج‬ ‫أيضا إلى أن تتكاثر وتتطور‪ .‬وعلى األخص‪،‬‬ ‫فإنه� � ��ا حتت� � ��اج إلى فص� � ��ل جديلت� � ��ي الرنا‬ ‫املوجودتني في داخلها إحداهما عن األخرى‬ ‫بحيث تتمكن كل جديلة منفرد ًة من أداء دور‬ ‫مرصاف لتشكيل جديلة جديدة ميكن توريثها‬ ‫إلى خلية ابنة للخلية األم‪.‬‬ ‫ال ميكن أن تكون ه� � ��ذه العملية قد بدأت‬ ‫م� � ��ن تلقائها‪ ،‬ولكن ميك� � ��ن أن تكون قد جرت‬ ‫بقلي� � ��ل من املس� � ��اعدة‪ .‬تخيل‪ ،‬مث� �ل��ا‪ ،‬منطقة‬ ‫بركانية على سطح األرض احلديثة التشكل‬ ‫ال� � ��ذي ت ُع ُّمه البرودة (ف� � ��ي ذلك الوقت‪ ،‬كانت‬ ‫قوة الشمس اإلش� � ��عاعية على سطح األرض‬ ‫تعادل ‪ %70‬من قوتها اإلش� � ��عاعية احلالية)‪.‬‬ ‫لق� � ��د كان من املمك� � ��ن حينذاك وج� � ��ود برك‬ ‫صغيرة من املاء البارد‪ ،‬ورمبا املغطى جزئيا‬ ‫باجللي� � ��د وبقي معظمه في ش� � ��كله الس� � ��ائل‬ ‫بتأثي� � ��ر متاس� � ��ه م� � ��ع الصخور الس� � ��اخنة‪.‬‬

‫والفروقات احلرارية ستتس� � ��بب في تشكيل‬ ‫تيارات حمل ح� � ��راري‪ ،‬بحيث إنه بني احلني‬ ‫واآلخر س� � ��تتعرض اخلاليا األولية املوجودة‬ ‫ف� � ��ي املاء إلى دفقة من احلرارة أثناء مرورها‬ ‫بالقرب من الصخور احلارة‪ ،‬ولكنها ستعود‬ ‫وتبرد حلظيا مرة أخرى نتيجة الختالط املاء‬ ‫الس� � ��اخن بالكتلة األكبر من املاء البارد‪ .‬كما‬ ‫أن التسخني املفاجئ سيتسبب في انفصال‬ ‫احلل� � ��زون املزدوج إلى جديلت� �ي��ن منفردتني‪.‬‬ ‫ول� � ��دى عودتها إلى املنطق� � ��ة الباردة‪ ،‬ونتيجة‬ ‫لقيام اجلدائل املنفردة بدور مرصافات ميكن‬ ‫أن تتش� � ��كل جدائل مزدوج� � ��ة جديدة ‪ -‬هي‬ ‫نسخ من اجلدائل األصلية [انظر املؤطر في‬ ‫الصفحتني ‪ 8‬و ‪.]9‬‬ ‫وما أن دفعت البيئة اخلاليا األولية نحو‬ ‫التكاث� � ��ر‪ ،‬انطل� � ��ق التطور‪ .‬وعل� � ��ى األخص‪،‬‬ ‫حدث� � ��ت في حلظة م� � ��ا طف� � ��رات على بعض‬ ‫تسلس� �ل��ات الرنا‪ ،‬محولة إياها إلى إنزميات‬ ‫ريبية س ّرعت عملية نسخ الرنا مضيفة بذلك‬ ‫مي� � ��زة تنافس� � ��ية‪ .‬مما أدى ف� � ��ي النهاية إلى‬ ‫بدء اإلنزميات الريبية بنس� � ��خ الرنا من دون‬ ‫احلاجة إلى أي مساعدة خارجية‪.‬‬ ‫ومن الس� � ��هل نس� � ��بيا تخيل الكيفية التي‬ ‫تطورت م� � ��ن خاللها خاليا أولية أساس� � ��ها‬ ‫الرن� � ��ا [انظر املؤطر في الصفحتني ‪ 10‬و ‪.]11‬‬ ‫ميكن أن يكون األيض قد نش� � ��أ تدريجيا‪ ،‬مع‬ ‫متكني اإلنزميات الريبية للخاليا من تصنيع‬ ‫امل� � ��واد املغذية داخليا ابت� � ��دا ًء من مواد أولية‬ ‫أبسط وأكثر وفر ًة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ميكن أن تكون‬ ‫املتعضيات قد أضافت صناعة الپروتني إلى‬ ‫جعبة اخلدع الكيميائية التي متتلكها‪.‬‬ ‫ونتيج� � ��ة ملقدراته� � ��ا املدهش� � ��ة؛ فالبد أن‬ ‫الپروتينات كانت قد استولت على دور الرنا‬ ‫في املس� � ��اعدة على النسخ اجليني واأليض‪.‬‬ ‫وفيما بع� � ��د‪« ،‬تعلم� � ��ت» املتعضي� � ��ات كيفية‬ ‫صناعة الدنا مكتس� � ��بة بذلك مي� � ��زة امتالك‬ ‫حامل للمعلومات اجلينية أكثر صالبة وقوة‪.‬‬ ‫في تلك اللحظة‪ ،‬أصبح عال ُم الرنا عاملا للدنا‪،‬‬ ‫>‬ ‫وبدأت معه احلياة كما نعرفها اآلن‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, September 2009‬‬

‫‪13‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2010‬‬

‫‪4/3‬‬

‫ُ‬ ‫أفول اإلنسان النياندرتالي‬

‫(٭)‬

‫يعلم علماء اإلنسان القدمي عن اإلنسان النياندرتالي أكثر من أي إنسان‬ ‫منقرض آخر‪ .‬غير أن انقراضه يبقى لغزا تزداد غرابته أكثر فأكثر‪.‬‬ ‫>‪ .K‬وونگ<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫>‬

‫ساد النياندرتاليون‪ ،‬أقرب أقربائنا‬ ‫من البشر‪ ،‬أوروبا وغرب آسيا‬ ‫ألكثر من ‪ 200 000‬سنة‪ .‬ولكنهم‬ ‫اختفوا قبل نحو ‪ 28 000‬سنة‪.‬‬ ‫ملدة طويلة‪ ،‬ش ّكك العلماء فيما‬ ‫قاد إلى اختفائهم‪ .‬فنظريات‬ ‫انقراضهم األخيرة تُر ّكز‬ ‫على التغ ّيرات املناخية وعلى‬ ‫االختالفات الصغيرة في السلوك‬ ‫ربا م ّكنت‬ ‫والبيولوجيا التي مّ‬ ‫ّ‬ ‫أفراد اإلنسان احلديث من التغلب‬ ‫على النياندرتاليني‪.‬‬

‫محررو سيانتفيك أمريكان‬ ‫‪14‬‬

‫قب� � ��ل نحو ‪ 28 000‬س� � ��نة‪ ،‬تابعت مجموعة‬ ‫من أفراد اإلنس� � ��ان النياندرتالي العيش في‬ ‫أراض� � ��ي جبل ط� � ��ارق البريطاني� � ��ة على طول‬ ‫شاطئ البحر األبيض املتوسط الصخري‪ .‬لقد‬ ‫كانوا على ما يبدو املجموعة املتبقية األخيرة‬ ‫من الن� � ��وع النياندرتال� � ��ي‪ .‬أ ّما ف� � ��ي املناطق‬ ‫األخرى من أوروبا وغربي آسيا‪ ،‬فقد اختفوا‬ ‫قب� � ��ل ذلك بآالف الس� � ��نني‪ ،‬بعد أن س� � ��يطروا‬ ‫على ه� � ��ذه املناطق أكثر مــن ‪ 200 000‬س� � ��نة‪.‬‬ ‫ويبدو أن شبه اجلزيرة اإليبيرية‪ ،‬الذي يتميز‬ ‫مبناخ لطيف نس� � ��بيا وبغناه وتنوع حيواناته‬ ‫ونباتاته‪ ،‬كان معقلهم األخير‪ .‬بيد أنه سرعان‬

‫ما اختفت مجموعة جبل طارق مخلفة وراءها‬ ‫فقط ع� � ��ددا قليال من أدواتها احلجرية وبقايا‬ ‫مواقدها املتفحمة‪.‬‬ ‫ومن� � ��ذ اكتش� � ��اف أول أحفورة لإلنس� � ��ان‬ ‫النياندرتال� � ��ي ف� � ��ي ع� � ��ام ‪ ،1856‬ب� � ��دأ العلماء‬ ‫مبناقش� � ��ة م� � ��كان ه� � ��ؤالء األفراد من البش� � ��ر‬ ‫القدم� � ��اء في ش� � ��جرة نس� � ��ب فصيلة البش� � ��ر‬ ‫وم� � ��اذا حصل لهم‪ .‬فقد هيمن� � ��ت على النقاش‬ ‫نظريتان متنافستان عشرات السنني‪ .‬األولى‪،‬‬ ‫تعتق� � ��د أنّ النياندرتالي� �ي��ن كان� � ��وا نوعا قدميا‬ ‫من جنس� � ��نا البشري احلديث‪ ،‬اإلنس���ان العاقل‬ ‫(٭) ‪Twilight of the Neandertals‬‬


‫‪ ،Homo sapiens‬وتط � � � ّوروا إلى أفراد البش� � ��ر‬ ‫األوروبي� �ي��ن احلديث� �ي��ن أو اندمج� � ��وا فيه� � ��م‬ ‫تش� � ��ريحيا‪ .‬أ ّما النظري� � ��ة الثانية‪ ،‬فتفترض أنّ‬ ‫النياندرتاليني كانوا يش� � ��كلون نوعا منفصال‪،‬‬ ‫اإلنسان النياندرتالينسس ‪،H. neanderthalensis‬‬ ‫قض� � ��ى عليه بس� � ��رعة اإلنس� � ��انُ احلديث لدى‬ ‫دخوله معاقل أفراد اإلنسان القدمي‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬خالل الس� � ��نوات العش� � ��ر املاضية‪،‬‬ ‫غيرت نتيجتان علميتان محور املناقشة بعيدا‬ ‫عن السؤال‪ :‬هل كان احلدث بني النياندرتاليني‬ ‫واحلديثني هو الت� � ��زاوج أم احلرب؟ إحداهما‬ ‫تتوق� � ��ع أن تعطي نتائ� � ��ج حتاليل الدن���ا ‪DNA‬‬ ‫إشارات عن عمليات تهجني بني النياندرتاليني‬ ‫وأفراد اإلنس� � ��ان احلدي� � ��ث توقعها العديد من‬ ‫الباحث� �ي��ن في حالة ح� � ��دوث اختالط كبير بني‬ ‫املجموعتني‪ .‬أما النتيجة األخرى‪ ،‬فهي تستند‬ ‫إلى حتس� �ي��ن طرائق حتديد العم� � ��ر لتبني أنه‬ ‫عوضا عن اختفاء النياندرتاليني مباشرة بعد‬ ‫أن غزا اإلنس� � ��ان احلدي� � ��ث أوروبا قبل‪40 000‬‬ ‫سنة‪ ،‬استمر وجودهم ملدة ‪ 15 000‬سنة تقريبا‬ ‫بعد استقرار اإلنسان احلديث ــ خالفا لنظرية‬ ‫اإلحالل السريع التي يتصورها مؤيدو نظرية‬ ‫بليتزكريگ ‪. blitzkrieg theory‬‬ ‫وه� � ��ذه االكتش� � ��افات ش� � ��جعت ع� � ��ددا من‬ ‫الباحث� �ي��ن عل� � ��ى أن يتفحصوا باهتم� � ��ام أكبر‪،‬‬ ‫عوامل أخرى ميكن أن تكون قادت إلى انقراض‬ ‫النياندرتاليني‪ .‬ويدل ما وجدوه على أنّ اجلواب‬ ‫يشير إلى تفاعل عدد كبير من اإلجهادات‪.‬‬ ‫عالم متقلب‬

‫(٭)‬

‫إن أحد خطوط األدلة اجلديدة القاطعة املتعلقة‬ ‫بانق� � ��راض النياندرتاليني هو بيانات املناخ القدمي‪.‬‬ ‫فقد كان العلماء عل� � ��ى دراية منذ بعض الوقت أن‬ ‫النياندرتاليني ش� � ��هدوا الظروف الباردة اجلليدية‬ ‫والظروف ب� �ي��ن اجلليدي� � ��ة األكثر اعت� � ��داال خالل‬ ‫كونهم أس� � ��ياد مناطقهم لفت� � ��رة طويلة‪ .‬ومن ناحية‬ ‫ثانية‪ ،‬اس� � ��تطاع الباحثون في السنوات األخيرة ‪-‬‬ ‫اس� � ��تنادا إلى نتائج حتاليل النظائر احملتبسة في‬ ‫اجلليد القدمي والرواس� � ��ب البحرية وحبوب اللقاح‬ ‫املس� � ��تخرجة من موق� � ��ع مثل گرينالن� � ��د وڤنزويال‬

‫[االفتراض األول]‬

‫هل تغير املناخ هو الذي أهلك النياندرتاليني؟‬

‫(٭٭)‬

‫قب���ل ‪ 55 000‬س���نة تقريب���ا‪ ،‬بدأ املناخ ف���ي قارة ‪ Eurasia‬بالتقلب بش���دة‪ ،‬من مناخ بارد إل���ى مناخ معتدل‬ ‫والع���ودة ثاني���ة إلى ما كان عليه على مدى عش���رات الس���نني‪ .‬وخ�ل�ال الفترات الب���اردة‪ ،‬تقدّمت األغطية‬ ‫ّ‬ ‫محل البيئات الغابية سهول «التوندرا» اخلالية من األشجار على معظم األراضي التي‬ ‫اجلليدية وحلت‬ ‫س���كنها النياندرتالي���ون‪ .‬رافقت هذه التغ ّيرات تغ ّيرا ف���ي حيوانات الفرائس املتاحة‪ .‬فالفترات الزمنية‬ ‫الطويل���ة ب�ي�ن التقلبات املناخي���ة املاضية أتاحت ألف���راد النياندرتاليني املتناقصة في الع���دد وقتا كافيا‬ ‫لتعويض ما خسرته والتك ّيف مع الظروف اجلديدة‪.‬‬ ‫وم���ع ذل���ك‪ ،‬وف���ي ه���ذا الوق���ت‪ ،‬ميك���ن أن تك���ون س���رعة تغ ّير املن���اخ جعل���ت تعويض ما خس���ره‬ ‫جيوب‬ ‫النياندرتالي���ون مس���تحيال‪ .‬فقب���ل ‪ 30 000‬س���نة لم يب���ق على قيد احلي���اة من النياندرتالي�ي�ن إ ّال‬ ‫ٌ‬ ‫قليلة‪ ،‬اس���تم ّر وجودهم في ش���به اجلزيرة اإليبيرية‪ ،‬مع مناخها املعتدل نسبيا ومواردها الغنية‪ .‬وهذه‬ ‫ومقسمة لتوفير احتياجات حياتهم‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فقد اختفت في آخر األمر‪.‬‬ ‫املجموعات كانت صغيرة جدا‬ ‫ّ‬ ‫يبينّ املصوّ ر في األس���فل الش���روط املترافقة مع احلدود القصوى الباردة ( اجلليدية) األخيرة قبل نحو‬ ‫‪ 20 000‬سنة التي زودتنا بتقريب عن الشروط احلدية التي رمبا يكون النياندرتاليون قد حتملوها عند‬ ‫نهاية فترة سيطرتهم‪.‬‬

‫صحراء‬ ‫بحار وبحيرات (بعضها‬ ‫محتجز بأغطية جليدية)‪.‬‬ ‫امتداد األراضي التي‬ ‫سكنها النياندرتاليون‪.‬‬ ‫آخر مواقع النياندرتاليني‪.‬‬

‫سهول التوندرا (توندرا سهبية‪،‬‬ ‫توندرا ألپية‪ ،‬توندرا قطبية شمالية)‪.‬‬ ‫سهوب‪ ،‬ساڤانا‪ ،‬غابات‬ ‫غطاء جليدي أو أرض تعرضت‬ ‫لزحف املجلدات أو االثنني معا‪ ,‬أو‬ ‫أرض فوق مستوى ‪ 1000‬متر‪.‬‬

‫زافرايا‬ ‫جبل طارق (كهف گورهام‬ ‫وكهوف أخرى)‬ ‫فيكويرا براڤا‬

‫وإيطاليا ‪ -‬إعادة بناء ص� � ��ورة أكثر دقة بكثير عن‬ ‫التغي� � ��رات املناخية التي حدثت خ� �ل��ال فترة تُعرف‬ ‫مبرحلة نظير األكسجني ‪ .(OIS-3) 3‬ومن خالل تقصي‬ ‫ما جرى خالل الفترة املمتدة ما بني ‪ 65 000‬و ‪25 000‬‬ ‫خلت‪ ،‬جند أن املرحلة ‪ OIS-3‬بدأت بش� � ��روط مناخية‬ ‫معتدلة وانتهت بجليديات غطت أوروبا الشمالية‪.‬‬ ‫إذا أخذن� � ��ا باحلس� � ��بان أنّ النياندرتالي� �ي��ن‬ ‫كانوا الوحيدين من البش� � ��ر في أوروبا في بداية‬ ‫املرحلة ‪ OIS-3‬وأنّ أفراد اإلنسان احلديث كانوا‬ ‫الوحيدين هناك في نهايتها‪ ،‬فقد ش ّكك اخلبراء‬ ‫(٭) ‪A World in flux‬‬ ‫(٭٭) ?‪Did Climate Change Doom the Neandertals‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪15‬‬


‫فيم� � ��ا إذا كان التناق� � ��ص الش� � ��ديد املفاج� � ��ئ‬ ‫ف� � ��ي درجات احل� � ��رارة هو الذي س � � � ّبب موت‬ ‫وربا كان ذلك بس� � ��بب أنّهم لم‬ ‫النياندرتاليني‪ ،‬مّ‬ ‫كاف‪ .‬ومع‬ ‫يجدوا طعاما كافيا أو دفئا إلى حد ٍ‬ ‫ذلك‪ ،‬فإنّه من مناقشة هذا السيناريو يتبينّ أنّه‬ ‫سيناريو مض ّلل لسبب أساسي واحد‪ :‬وهو أنّ‬ ‫النياندرتاليني كانوا قد واجهوا شروطا جليدية‬ ‫باردة من قبل وبقوا مع ذلك على قيد احلياة‪.‬‬ ‫وف� � ��ي الواقع‪ ،‬تش� � ��ير مظاه� � ��ر بيولوجية‬ ‫وسلوكية متع ّددة للنياندرتاليني إلى أنّهم كانوا‬ ‫متك ّيفني متاما مع املن� � ��اخ البارد‪ .‬فصدورهم‬ ‫الضخمة وأطرافه� � ��م القوية رمبا كانت حتفظ‬ ‫حرارة أجس� � ��امهم‪ ،‬على الرغ� � ��م من أنهم كان‬ ‫لديه� � ��م ثي� � ��اب إضافي� � ��ة مصنوعة م� � ��ن جلود‬ ‫احليوانات جتنّبهم البرد القارس‪ .‬ويبدو أنّ بناء‬ ‫أجس� � ��امهم العضلي تك ّيف مع صيد الثدييات‬ ‫الكبي� � ��رة التي تعيش بنمط التوحد النس� � ��بي ــ‬ ‫مثل وحيد القرن الصوفي ــ والتي كانت جتول‬ ‫في وسط أوروبا وشمالها خالل فترات البرد‬ ‫القارس‪( .‬وميكن أن تكون سمات أخرى مم ّيزة‬ ‫للنياندرتاليني‪ ،‬مثل ش� � ��كل احلواجب البارزة‪،‬‬ ‫س� � ��مات حيادية تكيفية أصبحت متوطدة عبر‬ ‫تغ ّير وراثي تدريجي‪ ،‬وليس اصطفائيا‪).‬‬ ‫غي� � ��ر أنّ البيان� � ��ات النظائرية تكش� � ��ف أنه‬ ‫عوضا عن تغي� � ��ر املناخ بص� � ��ورة مطردة من‬ ‫معتدل إلى قارس‪ ،‬أصبح غير مستقر بصورة‬ ‫متزاي� � ��دة ووصل إل� � ��ى ذروة العصر اجلليدي‬ ‫األخير متقلبا بش� � ��دة وبص� � ��ورة مفاجئة‪ .‬ومن‬ ‫ج� � ��راء ذلك التقلب‪ ،‬حدث تغ ّير بيئي كبير‪ :‬فقد‬ ‫حت ّولت الغابات إلى أراض عشبية مجردة من‬ ‫األشجار‪ ،‬وح ّلت األيائل محل وحيدات القرن‪.‬‬ ‫لقد حصلت هذه التقلبات بسرعة كبيرة لدرجة‬ ‫أنه� � ��ا أدت خالل مدى حياة الفرد الواحد إلى‬ ‫هالك كافة النبات� � ��ات واحليوانات التي ألفها‪،‬‬ ‫وح ّل� � ��ت مح ّلها مجموعات حيوانية ونباتية غير‬ ‫مألوفة له‪ .‬وعندئذ‪ ،‬تغ ّيرت البيئة ثانية بسرعة‬ ‫وعادت إلى ما كانت عليه‪.‬‬ ‫إنّ هذه الش� � ��روط البيئية املتق ّلبة ــ ليست‬ ‫بالضرورة املناخ البارد بحد ذاته ــ هي التي‬ ‫دفعت شيئا فش� � ��يئا جماعات النياندرتاليني‬ ‫‪16‬‬

‫بعث‬ ‫النياندرتاليني‬

‫(٭)‬

‫من املتوقع في نهاية عام ‪ 2009‬أن يقوم‬ ‫الباحثون بقيادة >‪ .S‬پآبو< [من معهد‬ ‫ماكس پالنك لعلم اإلنسان التطوري في‬ ‫ليپزيگ بأملانيا] بنشر مخطط متهيدي‬ ‫عن جينوم اإلنسان النياندرتالي‪.‬‬ ‫فقد حثّ هذا العمل على التخمني أنّ‬ ‫العلماء سيكونون يوما ما قادرين على‬ ‫استعادة هذا اإلنسان املنقرض‪ .‬ومثل‬ ‫هذا العمل البطولي‪ ،‬إذا كان من املمكن‬ ‫حصوله تقانيا‪ ،‬سوف يطرح جميع أنواع‬ ‫املآزق األخالقية‪ :‬فما هي احلقوق التي‬ ‫سيحصل عليها اإلنسان النياندرتالي؟‬ ‫وهل سيعيش هذا اإلنسان في مختبر أم‬ ‫في حديقة حيوان أم ضمن أسرة؟‬ ‫إذا وضعنا جانبا ما يقلق‬ ‫أخالقيا‪ ،‬فماذا ميكن أن يكتشف‬ ‫الباحثون من بعث اإلنسان‬ ‫مما‬ ‫النياندرتالي؟ واجلواب هو‪ :‬أقل ّ‬ ‫ميكن أن تتوقع‪ .‬فاإلنسان النياندرتالي‬ ‫الذي يولد ويتربى في ظروف معاصرة‬ ‫ال ميكن أن يحوز على معرفة العصر‬ ‫اجلليدي املوروثة لينقلها إلينا‪ ،‬مثل‬ ‫كيفية تصنيع األدوات احلجرية‬ ‫املوستيرية ‪ Mousterian‬أو قتل وحيد‬ ‫القرن الصوفي‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬لن يكون‬ ‫قادرا على إخبار العلماء بأي شيء‬ ‫عن ثقافة شعبه‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬من املمكن‪،‬‬ ‫أن تكشف دراسة بيولوجية ومعرفة‬ ‫اإلنسان النياندرتالي عن الفروق‬ ‫املجهولة بني هذه األقوام البشرية‬ ‫القدمية واألقوام احلديثة‪ ،‬والتي ميكن‬ ‫أن تكون قد أعطت األقوام احلديثة‬ ‫مزية البقاء على قيد احلياة‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫إلى نقطة الالّعودة(‪ ،)1‬وفقا للس� � ��يناريوهات‬ ‫الت� � ��ي وضعها اخلبراء مثل >‪ .C‬فينليس� � ��ون<‬ ‫[عالم البيئة التطورية في متحف جبل طارق]‬ ‫الذي يدي� � ��ر احلفريات في مواقع متعددة من‬ ‫الكهوف في جب� � ��ل طارق‪ .‬وه� � ��ذه التغ ّيرات‬ ‫اقتضت م� � ��ن النياندرتاليني أن يتبنوا طريقة‬ ‫جدي� � ��دة من احلي� � ��اة في وق� � ��ت قصير جدا‪.‬‬ ‫وعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬كما يزعم >فينليسون<‪،‬‬ ‫فإن إحالل األراضي العشبية املفتوحة محل‬ ‫املس� � ��احات الغابية (املشجرة) ترك صيادي‬ ‫الكمائ� � ��ن من دون أش� � ��جار لالختباء خلفها‪.‬‬ ‫وحتى يبقى النياندرتاليون على قيد احلياة‪،‬‬ ‫كان عليه� � ��م أن يغ ّيروا الطريق� � ��ة التي كانوا‬ ‫يصطادون بها‪.‬‬ ‫إنّ بعض النياندرتاليني تكيفوا بالفعل مع‬ ‫عاملهم املتغ ّير‪ ،‬كما يشهد على ذلك التغ ّير في‬ ‫منط أدواتهم وحيوانات صيدهم‪ .‬غير أنّ الكثير‬ ‫منه� � ��م ماتوا على األرجح خالل هذه التقلبات‪،‬‬ ‫تارك� �ي��ن خلفه� � ��م جماعات أكثر تش� � ��تتا‪ .‬وفي‬ ‫الظ� � ��روف العادية‪ ،‬كان ه� � ��ؤالء النياندرتاليون‬ ‫قادرين على العودة إلى حيويتهم ونش� � ��اطهم‪،‬‬ ‫مثلما قاموا بذلك من قبل‪ ،‬عندما كانت التقلبات‬ ‫أقل ع� � ��ددا وأكثر تباعدا‪ .‬وفي هذا الوقت‪ ،‬مع‬ ‫ذلك‪ ،‬لم تترك س� � ��رعة التغ ّي� � ��رات البيئية وقتا‬ ‫كافيا للع� � ��ودة إلى حياتهم الس� � ��ابقة‪ .‬وي ّدعي‬ ‫>فينليس� � ��ون< أنّ الظ� � ��روف املناخية الس� � ��يئة‬ ‫املتك ّررة جعل� � ��ت أعداد أف� � ��راد النياندرتاليني‬ ‫في آخر األمر تتناقص إلى درجة لم يصبحوا‬ ‫معها قادرين على مساندة بعضهم بعضا‪.‬‬ ‫ويتاب� � ��ع >فينليس� � ��ون< الق� � ��ول إنّ نتائ� � ��ج‬ ‫الـــدراس � � �ـــات اجلـــيـــنـــيــــــة التــي نش � � �ــرتهـــــــا‬ ‫>‪ .V‬فاب� � ��ر< وزمالؤها [م� � ��ن جامعة مديترانيان‬ ‫‪ Mediterranean‬مبرس� � ��يليا ف� � ��ي «پل� � ��وس وان‬ ‫‪ ]»PLoS One‬في الش� � ��هر‪ ، 2009/4‬تدعم الرأي‬ ‫أنّ أف� � ��راد النياندرتاليني كانوا مش� � ��تتني‪ .‬فقد‬ ‫كش� � ��ف حتليل الدن���ا املتق���دّري ‪mitochondrial‬‬ ‫‪ DNA‬لإلنسان النياندرتالي عن إمكان تقسيم‬ ‫النياندرتالي� �ي��ن إلى ثالث مجموع� � ��ات ثانوية ــ‬ ‫مجموعــ� � ��ة أوروبا الغربي� � ��ة ومجموعة أوروبا‬ ‫(٭) ‪Resurrecting the Neandertal‬‬ ‫(‪the point of no return )1‬‬


‫اجلنوبية وثالثة في آسيا الغربية ــ وكان حجم‬ ‫املجموعة يزيد وينقص‪.‬‬ ‫نوع اجتياحي‬

‫(٭)‬

‫أ ّما بالنس� � ��بة إلى الباحثني اآلخرين‪ ،‬فإنّ‬ ‫حقيقة أنّ النياندرتاليني اختفوا متاما فقط بعد‬ ‫دخول أفراد اإلنس� � ��ان احلديث أوروبا تشير‪،‬‬ ‫مع ذلك بكل وضوح‪ ،‬إلى أن الغزاة لهم ضلع‬ ‫في االنق� � ��راض‪ ،‬حتى ولو ل� � ��م يقتل القادمون‬ ‫اجلدد املس� � ��توطنني األقدم‪ .‬ومن احملتمل‪ ،‬كما‬ ‫يق� � ��ول أولئك الذين يدعمون ه� � ��ذه النظرة‪ ،‬أن‬ ‫يكون انقراض النياندرتاليني نتيجة لتنافسهم‬ ‫مع القادمني من أفراد اإلنس� � ��ان احلديث على‬

‫سكني‬

‫[االفتراض الثاني]‬

‫هل كان أفراد اإلنسان احلديث أكثر‬ ‫ذكا ًء من أفراد اإلنسان النياندرتالي؟‬

‫(٭٭)‬

‫تس���تمر نظرية انقراض النياندرتاليني القدمية باالعتقاد أنّ أفراد اإلنسان‬ ‫احلدي���ث نافس���وا النياندرتاليني بذكائه���م األعلى‪ .‬غي���ر أنّ الدليل املتزايد‬ ‫يش���ير إلى أنّ النياندرتاليني ش���اركوا ف���ي الكثير من الس���لوكيات املع ّقدة‬ ‫نفس���ها‪ ،‬والتي كانت تنسب س���ابقا إلى أفراد اإلنسان احلديث فقط (انظر‬ ‫اجلدول)‪ .‬إذ تكش���ف النتائ���ج العلمية أنّ بع���ض النياندرتاليني على األقل‬ ‫كان���وا قادري���ن عل���ى التفكير الرم���زي ــ بلغ���ة‪ .‬وأنهم كانوا يح���وزون على‬ ‫األدوات ويعرف���ون كيف يكافحون من أجل احلصول على تنوع واس���ع من‬ ‫األطعمة‪ .‬ويبدو أن هذه املمارسات ال تزال أكثر رسوخا في ثقافة اإلنسان‬ ‫مما ه���ي عليه في ثقاف���ة النياندرتاليني وهذا م���ا أعطى الهيمنة‬ ‫احلدي���ث ّ‬ ‫ألفراد اإلنسان احلديث‪.‬‬

‫سن‬ ‫من قالدة‬ ‫متدلية‬

‫أدلة سلوك اإلنسان احلديث‬ ‫بني أفراد اإلنسان النياندرتالي‬ ‫مخرز‬ ‫عظمي‬

‫فك فقمة‬

‫ميّزة‬ ‫فن‬ ‫استخدام األصبغة‬ ‫مجوهرات‬ ‫دفن رمزي للميت‬ ‫مقايضة بني األماكن البعيدة‬ ‫أدوات حجرية‬ ‫رؤوس حادة شائكة‬ ‫أدوات عظمية‬ ‫شفرات‬ ‫إبر‬ ‫استثمار املوارد البحرية‬ ‫صيد الطيور‬ ‫تقسيم العمل‬

‫شائع‬

‫‪‬‬

‫عارضي غير موجود غير ّ‬ ‫مؤكد‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫القوت وتدريجي� � ��ا على األرض املهجورة‪ .‬ومع‬ ‫ذل� � ��ك‪ ،‬يبقى ما جعل أفراد اإلنس� � ��ان احلديث‬ ‫الط� � ��رف الراب� � ��ح ف� � ��ي آخر األم� � ��ر‪ ،‬موضوع‬ ‫اختالف كبير في الرأي‪.‬‬ ‫ثمة احتمال بأنّ أفراد اإلنس� � ��ان احلديث‬ ‫يتيسر لهم من طعام‪.‬‬ ‫كانوا يقتاتون على ما كان ّ‬ ‫إذ يش� � ��ير التحليل الكيميائي لعظام اإلنسان‬ ‫النياندرتالي الذي أجراه >‪ .H‬بوش� � ��يرانز< [من‬ ‫جامعة توبنگن في أملانيا] إلى أنّ البعض‪ ,‬على‬ ‫األقل من هؤالء النياندرتاليني‪ ,‬كانوا يفضلون‬ ‫أكل حلم الثدييات الكبيرة‪ ،‬مثل وحيدات القرن‬ ‫الصوفية‪ ،‬التي كانت نادرة نسبيا‪ .‬بينما‪ ,‬في‬ ‫املقابل كان أفراد اإلنس� � ��ان احلديث املبكرون‬ ‫يأكلون جمي� � ��ع أنواع احليوان� � ��ات والنباتات‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬عندما اجتاح أفراد اإلنس� � ��ان احلديث‬ ‫معاق� � ��ل النياندرتاليني وش� � ��رعوا في اصطياد‬ ‫بعض هذه احليوان� � ��ات الكبيرة لطعامهم‪ ،‬كما‬ ‫يحاول البع� � ��ض أن يظهر‪ ،‬كان النياندرتاليون‬ ‫يواجهون املش� � ��اكل‪ .‬وفي غضون ذلك‪ ،‬متكن‬ ‫أف� � ��راد اإلنس� � ��ان احلديث من تكمل� � ��ة وجبات‬ ‫غذائهم املكونة من حل� � ��وم احليوانات الكبيرة‬ ‫بتن� � ��اول حلوم حيوانات أكث� � ��ر صغرا‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى قوت نباتي‪.‬‬ ‫وي� � ��رى عالم اآلث� � ��ار >‪ .W .C‬ماري� � ��ان< [من‬ ‫جامعة والية أريزونا]‪« :‬أنّه كان للنياندرتاليني‬ ‫أس� � ��اليبهم اخلاصة للقيام بعم� � ��ل ما‪ ،‬وكانت‬ ‫أس� � ��اليب جيدة طاملا لم يكونوا يتنافسون مع‬ ‫أفراد اإلنس� � ��ان احلديث‪ ».‬وفي املقابل‪ ،‬يذكر‬ ‫>ماري� � ��ان< أنّ احلديثني الذي� � ��ن تطوروا حتت‬ ‫شروط مدارية في إفريقيا‪ ،‬كانوا قادرين على‬ ‫الت� �ل��اؤم مع بيئات مختلفة وتوصلوا بس� � ��رعة‬ ‫إلى أس� � ��اليب مبتك� � ��رة للتعامل م� � ��ع الظروف‬ ‫اجلديدة الت� � ��ي تصادفهم‪ .‬ويؤ ّك� � ��د >ماريان<‪:‬‬ ‫«أنّ االختالف األساسي هو أنّ النياندرتاليني‬ ‫ل� � ��م يكونوا متاما في مس� � ��توى التق ّدم الفكري‬ ‫واملعرفي ألفراد اإلنسان احلديث‪».‬‬ ‫لم يكن >ماريان< الوحي� � ��د الذي يعتقد أن‬ ‫النياندرتالي� �ي��ن كانوا أقل ذكاء‪ .‬ثمة دراس� � ��ة‬ ‫طويلة األمد تدع� � ��م الرأي أنّ احلديثني تف ّوقوا‬ ‫(٭) ‪Invasive Species‬‬

‫(٭٭)?‪Were the Neandertals Outsmarted by Modern Humans‬‬

‫‪17‬‬


‫أميال‬ ‫‪20‬‬

‫إسپانيا‬

‫في الذكاء على النياندرتاليني‪ ،‬ليس فقط بتقانة‬ ‫أدواته� � ��م األفضل ونهجهم في البقاء على قيد‬ ‫احلي� � ��اة‪ ،‬وإمنا أيضا في موهب� � ��ة الكالم التي‬ ‫ساعدتهم على تشكيل شبكات اجتماعية أقوى‪.‬‬ ‫ووفقا لهذا الرأي‪ ،‬لم يس� � ��تطع النياندرتاليون‬ ‫األغبياء أن يصمدوا أمام القادمني اجلدد‪.‬‬ ‫غير أن زي� � ��ادة حجم األدلة تش� � ��ير إلى أنّ‬ ‫مما د ّل� � ��ت عليه‬ ‫النياندرتالي� �ي��ن كان� � ��وا أذك� � ��ى ّ‬ ‫سمعتهم‪ .‬فقد شاركوا على ما يبدو في الكثير من‬ ‫السلوكيات التي كان ُيعتقد أنّها سلوكيات أفراد‬ ‫اإلنس� � ��ان احلديث‪« .‬فاحلدود بني النياندرتاليني‬ ‫واحلديثني‪ ،‬كما يضعها >‪ .B .C‬س� � ��ترنگر< [عالم‬ ‫اإلنس� � ��ان القدمي في متح� � ��ف التاريخ الطبيعي‬ ‫بلندن]‪ ،‬أصبحت أكثر غموضا‪».‬‬ ‫وفرت مواقع جبل طارق بعض املكتشفات‬ ‫األكث� � ��ر حداثة الت� � ��ي تضف� � ��ي غموضا حول‬ ‫احل� � ��دود ب� �ي��ن املجموعتني البش� � ��ريتني‪ .‬ففي‬ ‫الشهر ‪ ،2008/9‬أشار >سترنگر< وزمالؤه إلى‬ ‫أنّ النياندرتالي� �ي��ن في كهف گوره���ام ‪Gorham's‬‬ ‫‪ Cave‬وكه���ف ڤانگارد ‪ Cave Vanguard‬املجاور‪،‬‬ ‫كانوا يصطادون الدالف� �ي��ن والفقمات‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى احملار‪ .‬وإضاف� � ��ة إلى ذلك‪ ،‬فقد بينّ بحث‬ ‫غير منشور أنّهم كانوا يأكلون الطيور واألرانب‬ ‫أيضا‪ .‬وقد قلبت االكتشافات في جبل طارق‪،‬‬ ‫إضافة إلى نتائج األبحاث من عدد من املواقع‬ ‫األخ� � ��رى‪ ،‬االعتقاد الس� � ��ائد أن احلديثني هم‬ ‫الوحيدون الذين اس� � ��تثمروا امل� � ��وارد البحرية‬ ‫‪18‬‬

‫مضيق جبل‬ ‫طارق‬

‫جبل طارق‬

‫املغرب‬ ‫ميكن أن يكون آخر معقل ألفراد‬ ‫اإلنسان النياندرتالي مجموعة من‬ ‫الكهوف الشاطئية في أراضي جبل‬ ‫طارق البريطانية‪ ،‬حيث عاشت األقوام‬ ‫البشرية القدمية حتى قبل ‪28 000‬‬ ‫سنة‪ .‬كان ملنطقة جبل طارق وباقي‬ ‫شبه اجلزيرة اإليبيرية مناخ لطيف‬ ‫نسبي وموارد غذائية غزيرة مقارنة‬ ‫بالكثير من مناطق أوروبا خالل‬ ‫العصر اجلليدي‪.‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫واحليوانات الصغيرة والطيور‪.‬‬ ‫ثم� � ��ة دليل جديد‪ ،‬جاء م� � ��ن موقع «هول فلز‬ ‫‪ »Hohle Fels‬في جنوب غرب أملانيا‪ ،‬حول احلدود‬ ‫الغامضة بني س� � ��لوك اإلنس� � ��ان النياندرتالي‬ ‫وسلوك اإلنس� � ��ان احلـديـــث‪ .‬فهنــاك اسـتطاع‬ ‫عالم اإلنســـان القـديــم >‪ .B‬هاردي< [من كينيون‬ ‫كولي� � ��ج ‪ ]College Kenyon‬مقارن� � ��ة األدوات‬ ‫الصوانية ــ التي صنّعها النياندرتاليون الذين‬ ‫كانــوا يقيم� � ��ون في الكهوف في الفترة املمتدة‬ ‫ب� �ي��ن ما قبل ‪ 36 000‬و ‪ 40 000‬س� � ��نة ــ باألدوات‬ ‫الصوانية التي صنّعها أفراد اإلنسان احلديث‬ ‫الذين كانوا يقطن� � ��ون هناك بني ما قبل ‪33 000‬‬ ‫و ‪ 36 000‬س� � ��نة حتت ش� � ��روط مناخي� � ��ة وبيئية‬ ‫متماثل� � ��ة‪ .‬وفي محاضرة ألقاه� � ��ا >هاردي< في‬ ‫الش� � ��هر ‪ 2009/4‬في جمعية علم اإلنسان القدمي‬ ‫في ش� � ��يكاگو‪ ،‬ذكر أنّ حتليله لش� � ��كل االهتراء‬ ‫على األدوات الصوانية والبقايا من املواد التي‬ ‫كانت بتماس معها‪ ،‬كش� � ��ف أنّه ‪ -‬على الرغـــم‬ ‫من أنّ أفراد اإلنسان احلديث قد صنّعوا تنوعا‬ ‫مم� � ��ا صنّع النياندرتاليون ‪-‬‬ ‫كبيرا من األدوات أكثر ّ‬ ‫فإنّ املجموعتني تش� � ��اركتا‪ ،‬عل� � ��ى األغلب‪ ،‬في‬ ‫النشاطات نفسها في موقع «هول فلز‪».‬‬ ‫وهذه النشاطات تتض ّمن ممارسات مع ّقدة‬ ‫مثل استخدام صموغ األشجار في ربط رؤوس‬ ‫األحجار مبماس� � ��ك خشبية واستخدام رؤوس‬ ‫األحجار كأس� � ��لحة طعن أو ق� � ��ذف وتصنيع‬ ‫أدوات من العظام أو من اخلش� � ��ب‪ .‬ولإلجابة‬ ‫عن السؤال ملاذا صنع نياندرتاليو «هول فلز»‬ ‫أمناط� � ��ا م� � ��ن األدوات ّ‬ ‫مم� � ��ا صنعه أفراد‬ ‫أقل ّ‬ ‫اإلنس� � ��ان احلديث‪ ،‬والذين عاشوا هناك فيما‬ ‫بعد‪ ،‬استنتج >هاردي< أنّهم كانوا قادرين على‬ ‫إجناز العمل من دونهم‪ .‬ويذكر‪« :‬إنّنا لس� � ��نا‬ ‫بحاجة إلى ملعقة گريب فروت لنأكل ثمرة من‬ ‫ثمار الگريب فروت‪».‬‬ ‫يب� � ��دو أنّ االدع� � ��اء أنّ النياندرتاليني كانوا‬ ‫يفتقرون إل� � ��ى اللغة أيضا ه� � ��و افتراض غير‬ ‫محتم� � ��ل ف� � ��ي ض� � ��وء االكتش� � ��افات احلديثة‪.‬‬ ‫فالباحثون يعرفون اآلن أن بعضهم على األقل‬ ‫َز َّينوا أجس� � ��امهم باملجوهرات‪ ،‬وعلى األرجح‬ ‫باألصبغ� � ��ة‪ .‬ومثل هذه املظاه� � ��ر الطبيعية من‬


‫عــام ‪ ,2006‬افتـــرض كـــل مــــن عــــاملــــي اآلثـــار‬ ‫>‪ .L .S‬كوه� � ��ن< و >‪ .C .M‬س� � ��تينر< [م� � ��ن جامع� � ��ة‬ ‫أريزونا] أنّ النظام الغذائي املختلف لألوروبيني‬ ‫احلديث� �ي��ن األوائل يدعم تقس� � ��يم العمل‪ ،‬حيث‬ ‫كان الرج� � ��ال يقوم� � ��ون بصي� � ��د احليوانـــات‬ ‫الكبيــ� � ��رة‪ ,‬والنس� � ��اء يقمن بجم� � ��ع وحتضير‬ ‫اجلوز والبذور وت� � ��وت العليق‪ .‬وعلى النقيض‬ ‫من ذلك‪ ،‬ف� � ��إن تركيز النياندرتاليني على صيد‬ ‫احليوانات الكبيرة يش� � ��ير عل� � ��ى األرجح إلى‬ ‫انضمام نس� � ��ائهم وأطفالهم إليهم في الصيد‪،‬‬ ‫ربا ليس� � ��اعدوهم على َس ْو ِق احليوانات نحو‬ ‫مّ‬ ‫الرجال املنتظرين ف� � ��ي كمائنهم‪ .‬وإنّه بإحداث‬ ‫إم� � ��دادات إضافية أكثر وثوق� � ��ا من الطعام مع‬ ‫بيئة أكث� � ��ر أمانا لتربية األوالد‪ ،‬ميكن أن يكون‬ ‫تقسيم للعمل قد سمح ألفراد اإلنسان احلديث‬ ‫بالتكاثر على حساب النياندرتاليني‪.‬‬ ‫وم� � ��ع ذل� � ��ك‪ ،‬كان النياندرتاليون يحصلون‬ ‫على طعامه� � ��م‪ ،‬وكانوا يحتاج� � ��ون إلى الكثير‬ ‫منه‪« .‬كان النياندرتاليون رجال املهام الصعبة‬ ‫في عالم البش� � ��ر»‪ ،‬هذا م� � ��ا ذكرته الباحثة في‬ ‫علم اإلنس� � ��ان القدمي >‪ .L‬أ ّيلو< [من مؤسس� � ��ة‬ ‫«وينر‪-‬گرين» في مدينة نيويورك]‪ .‬فاس� � ��تنادا‬ ‫إلى عدد من الدراس� � ��ات التي كانت تهدف إلى‬ ‫تقدير معدالت االستقالب لدى النياندرتاليني‪,‬‬ ‫مت التوصل إل� � ��ى النتيجة ب� � ��أن أولئك األفراد‬ ‫من البش� � ��ر القدماء كان� � ��وا يحتاجون إلى عدد‬ ‫من الس� � ��عرات احلراري� � ��ة (الكالوريات) للبقاء‬ ‫مم� � ��ا كان يتط ّلبه أفراد‬ ‫على قيد احلياة أكثر ّ‬ ‫اإلنسان احلديث‪.‬‬ ‫لق� � ��د ح � � � ّددت اخلبيرة ف� � ��ي عل���م الطاقة‬ ‫البشرية(‪ .K> )1‬س� � ��تيودل‪ -‬نامبرز< [من جامعة‬ ‫ويسكونس� �ي��ن‪ -‬ماديس� � ��ون]‪ ،‬مثال‪ ،‬أنّ التكلفة‬ ‫الطاقية للتح ّرك كانت لدى النياندرتاليني أعلى‬ ‫بنسبة ‪ %32‬من الناحية التشريحية ع ّما كانت‬ ‫عليها لدى أفراد اإلنسان احلديث‪ ،‬بسبب ُبنية‬ ‫أجسام هؤالء البشر القدماء الضخمة وقصر‬ ‫ربا‬ ‫عظم الظنبوب (عظم الساق األطول) الذي مّ‬ ‫قصر مدى خطواتهم‪ .‬وتعبيرا عن احتياجاتهم‬ ‫ّ‬ ‫رب� � ��ا كان� � ��ت احتياجات‬ ‫الطاقي� � ��ة اليومي� � ��ة‪ ،‬مّ‬

‫الس� � ��لوك الرمزي كانت تستخدم في الغالب‬ ‫كتعوي���ض ‪ proxy‬ع� � ��ن اللغة‪ ،‬عندم� � ��ا يعاد بناء‬ ‫الس� � ��لوك من السجل اآلثاري (األركيولوجي)‪.‬‬ ‫وف� � ��ي ع� � ��ام ‪ ،2007‬روى البـــاحث� � ��ون بقيـــــــادة‬ ‫>‪ .J‬ك� � ��راوس< [من معه� � ��د «ماكس پالنك» لعلم‬ ‫اإلنس� � ��ان التطوري في اليپزي� � ��گ بأملانيا] أنّ‬ ‫حتاليل الدنا النياندرتال� � ��ي قد ب ّينت أنّ هؤالء‬ ‫األف� � ��راد من البش� � ��ر كانت لهم النس� � ��خة من‬ ‫اجلينة ‪ FOXP2‬الداعمة لل� � ��كالم (اللغة) التي‬ ‫يحملها أفراد اإلنسان احلديث‪.‬‬ ‫مباريات فاصلة‬

‫(٭)‬

‫مع تضييق التفاوت بني س� � ��لوك اإلنسان‬ ‫احلدي� � ��ث والنياندرتال� � ��ي‪ ،‬ي� � ��درس الكثير من‬ ‫الباحثـــــ� �ي��ن اآلن االختــالفــ� � ��ات الصغيـــــ� � ��رة‬ ‫بيــنهــمـــــ� � ��ا ف� � ��ي املعـــــرفــــ� � ��ة والبيـــــولوجـيـــــــــا‬ ‫لتفــسير س � � �ـبب انـقــراض النيــــاندرتـــالـــيني‪.‬‬ ‫وتعتبــــ� � ��ر >‪ .K‬هارڤات� � ��ي< [املتخصص� � ��ة بعلم‬ ‫اإلنس� � ��ان القدمي ف� � ��ي معهد «ماك� � ��س پالنك»‬ ‫أيضا] «أنّ عدم اس� � ��تقرار الشروط املناخية‬ ‫إلى أبعد احلدود وحت ّولها إلى درجة أس� � ��وأ‪،‬‬ ‫ربا جعل التنافس بني مجموعات البشر على‬ ‫مّ‬ ‫أش� � ��ده‪ ،‬ففي هذا الصدد‪ ،‬تصبح حتى املزايا‬ ‫الصغي� � ��رة مهمة جدا وميك� � ��ن أن ترجح أحد‬ ‫احتمالني‪ :‬البقاء على قيد احلياة أو املوت»‪.‬‬ ‫يطرح >سترنگر< من جهته نظرية مفادها‬ ‫بأنّ التك ّيف الثقافي األوس� � ��ع نوعا ما لإلنسان‬ ‫احلدي� � ��ث زوده بحماي� � ��ة مخفف� � ��ة قلي� �ل��ا ضد‬ ‫األوق� � ��ات العصيب� � ��ة‪ .‬وعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬فإنّ‬ ‫اإلبر التي تركها أفراد اإلنسان احلديث تعطي‬ ‫إشارة إلى أنهم كانوا يستخدمونها في خياطة‬ ‫الثياب واخلي� � ��ام؛ وذلك حلمايته� � ��م من البرد‪.‬‬ ‫بينما لم يخ ّلف النياندرتاليون وراءهم مثل هذه‬ ‫اإلشارات التي تدل على أنهم كانوا يستخدمون‬ ‫اخلياط� � ��ة؛ وكما يعتقد بع� � ��ض الباحثني‪ ،‬كانت‬ ‫لديهم مالبس ومالجىء أكثر بساطة‪.‬‬ ‫وميك� � ��ن أن يختل� � ��ف النياندرتالي� � ��ون‬ ‫واحلديثون أيضا في األسلوب الذي كان أفراد‬ ‫مجموعاتهما يتقاسمون به املهام‪ .‬وفي بحث‬ ‫نش � � �ـــــر فــي مجــلــــــة كارنــت أنتــروپـــولــوجـــي‬

‫(٭) ‪Tiebreakers‬‬ ‫(‪Hominid energetics )1‬‬

‫التتمة في‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫الصفحة ‪37‬‬

‫‪19‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل‬

‫‪4/3‬‬

‫‪2010‬‬

‫احملافظة على خاليا الدماغ اجلديدة‬

‫(٭)‬

‫تظهر كل يوم نورونات جديدة في أدمغة البالغني‪.‬‬ ‫وتشير موجة جديدة من األبحاث إلى أن هذه اخلاليا ُتعزّز ـ‬ ‫في آخر املطاف ـ عملية التعلم املتعلقة بأداء مهام معقدة‪،‬‬ ‫وأنها تزداد منوا ونشاطا بقدر ما تتعرض له من حتديات‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .J .T‬شورز<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫>‬

‫>‬

‫يتم توليد آالف اخلاليا النورونية‬ ‫في دماغ البالغني كل يوم‪،‬‬ ‫وبصورة خاصة في منطقة‬ ‫احلصني «الهيپوكامپوس» املعروفة‬ ‫بتدخلها في عملية التعلم ووظيفة‬ ‫الذاكرة‪.‬‬ ‫إ ّال أن معظم هذه اخلاليا متوت‬ ‫في غضون أسبوعني‪ ,‬ما لم‬ ‫يتعرض احليوان لتح ّديات تدفعه‬ ‫إلى تع ّلم أمور جديدة‪ .‬فالتع ُّلم ـ‬ ‫وخاصة عندما يتطلب بذل جهد‬ ‫كبير ـ مُيكنه أن يضمن بقاء‬ ‫هذه النورونات اجلديدة على قيد‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫ومع أن النورونات ال تبدو‬ ‫ضرورية في معظم حاالت التعلم‪،‬‬ ‫إال أنها تؤدي دورا مهما في‬ ‫عمليات التنبؤ باملستقبل بنا ًء على‬ ‫اخلبرات السابقة‪ .‬ولذا‪ ،‬فإن تعزيز‬ ‫عملية تشكل نورونات جديدة من‬ ‫شأنه أن يساعد على إبطاء تراجع‬ ‫القدرات االستعرافية ويحافظ على‬ ‫بقاء األدمغة الطبيعية سليمة‪.‬‬ ‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪20‬‬

‫لعلك قد صادفت أثناء مشاهدتك التلفاز‪،‬‬ ‫أو قراءت������ك إح������دى املج���ل��ات أو تصفح������ك‬ ‫اإلنترن������ت‪ ،‬إعالنات حت ّثك على تدريب عقلك‪.‬‬ ‫وهن������اك العديد م������ن البرام������ج املتخصصة‬ ‫بتمري������ن الدم������اغ التي تش������جع الناس على‬ ‫احملافظة على رش������اقتهم الذهنية‪ ،‬وذلك من‬ ‫خ���ل��ال تدري������ب أدمغتهم يوميا عل������ى القيام‬ ‫بنشاطات ش������تى؛ بدءا من استذكار القوائم‬ ‫وحل األحجيات إلى تقدير عدد األشجار في‬ ‫حديقة عامة كبيرة‪.‬‬ ‫وقد يتراءى لنا في هذا املش������هد ش������يء من‬ ‫االحتي������ال‪ ،‬إ ّال أن مثل ه������ذه البرامج قد يكون‬ ‫لها أساس صحيح في البيولوجيا العصبية‬ ‫‪ ،neurobiology‬حيث يش������ير عمل بحثي جديد‪،‬‬ ‫وإن كان معظمه عل������ى اجلرذان‪ ،‬إلى أن عملية‬ ‫التع ّلم تعزز بقاء النورونات التي تنش������أ حديثا‬ ‫في دماغ البالغني‪ ،‬وأنه كلما كانت املعضلة التي‬ ‫تعترض هذه النورون������ات أكثر حت ّديا وجاذبية‪،‬‬ ‫ازداد عدد ما يتبقى منها على قيد احلياة‪.‬‬ ‫ولع������ل الغاية من وجود ه������ذه النورونات‬ ‫حت������ت تصرفنا‪ ،‬ه������ي تقدمي الدع������م لنا في‬ ‫احلاالت الت������ي تتعرض عقولن������ا فيها ألكبر‬ ‫األعب������اء‪ .‬ولهذا‪ ،‬فإن التدري������ب الذهني يبدو‬ ‫وكأنه يقوم بصق������ل الدماغ‪ ،‬متاما كما تفعل‬ ‫التمارين الرياضية بعضالت اجلس������م‪ .‬وما‬ ‫يثير االهتم������ام أكثر من ذلك‪ ،‬ه������و أن نتائج‬

‫العمل البحثي املذكور أتت لتقدم دعما لفكرة‬ ‫أن األشخاص الذين هم في املراحل املبكرة‬ ‫من مرض ألزهامي���ر(‪ Alzheimer )2‬أو الذين‬ ‫يعانون أشكاال أخرى من اخلرف ‪dementia‬‬ ‫يس������تطيعون إبطاء عملية تراج������ع قدراتهم‬ ‫االس���تعرافية(‪ ،)3‬إذا م������ا اس������تمرت عقولهم‬ ‫تعمل بصورة ف ّعالة‪.‬‬ ‫إنه نورون جديد!‬

‫( )‬

‫في تس������عينات القرن املاضي‪َ ،‬ه ّز العلماء‬ ‫حق������ل البيولوجيا العصبية بأنباء مفاجئة تفيد‬ ‫بأن الدماغ عن������د الثديي������ات الناضجة‪ ،‬قادر‬ ‫على «تشكيل نورونات جديدة‪ )4(».‬لقد اعتقد‬ ‫علماء البيولوجيا ومل������دة طويلة أن هذه القدرة‬ ‫على «توليد النورونات» مقتصرة على األدمغة‬ ‫(٭) ‪SAVING NEW BRAIN CELLS‬‬ ‫(٭٭) !‪It’s a New Neuron‬‬

‫(‪ )1‬يضم اجلهاز العصبي املركزي نوعني من اخلاليا العصبية‬ ‫(العصبون������ات)‪ :‬النورون������ات ومفرده������ا ن������ورون‬ ‫واخلالي������ا الدبقي������ة ‪ .glia‬تنقل األول������ى املعلومات وتعاجلها‬ ‫وتكودها وحتفظها وتتذكرها‪ .‬وهي عمليات تشكل األساس‬ ‫اجلزئ������ي اخلل������وي لوظائف الدم������اغ احلس������ية واحلركية‬ ‫والذهنية‪ .‬أما اخلاليا الدبقية‪ ،‬فهي خاليا داعمة للنورونات‬ ‫وتؤدي وظائف استقالبية ومناعية وليس لها عالقة مباشرة‬ ‫بالوظائف الدماغية املذك������ورة‪ .‬عندما يرد مصطلح «اخللية‬ ‫العصبي������ة أو اخللية الدماغية» أو العصبون في النص‪ ،‬فإن‬ ‫املقصود بذلك هو النورون )‪.(neuron‬‬ ‫(‪ )2‬يعود اس������م املرض إلى األكادمي������ي والطبيب األملاني ‪(Alois‬‬ ‫)‪ Alzheimer‬الذي اكتشفه عام ‪ .1906‬وتُلفظ كلمة )‪(Alzheimer‬‬ ‫باألملانية (ألتسهامير)‪.‬‬ ‫)‪(neuron‬‬

‫(‪cognitive abilities )3‬‬

‫(‪ : neurogenesis )4‬أو التشكل النوروني‪.‬‬

‫(التحرير)‬


‫الفتية النامية‪ ،‬وأنها ُت ْف َقد مع التقدم في السن‪.‬‬ ‫إ ّال أن >‪ .E‬گول������د< اس������تطاعت أن تُبرهن‪ ،‬في‬ ‫مستهل تس������عينات القرن العشرين وقد كانت‬ ‫عندئذ في جامعة روكفي ّلر‪ ،‬على ظهور نورونات‬ ‫جديدة في دم������اغ البالغني أيض������ا؛ وبصورة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫خاصة في املنطقة املعروفة باسم احلصني‬ ‫(هيپوكامپ���وس) ‪ hippocampus‬والت������ي تؤثر‬ ‫ف������ي عملية التع ّلم ووظيفة الذاكرة‪ .‬وس������رعان‬ ‫م������ا ظهرت تقارير مماثلة ع������ن جتارب الحقة‪،‬‬ ‫تابعت هذا االكتش������اف و ُأجري������ت على أنواع‬ ‫أخرى من احليوانات‪ ،‬بدءا من الفئران وحتى‬ ‫قردة القشة ‪ .marmosets‬وفي عام ‪ ،1998‬أثبت‬ ‫علماء اجلهاز العصبي ف������ي الواليات املتحدة‬ ‫والس������ويد أن عملية تش������كل نورونات جديدة‬ ‫مُيك������ن أن تظهر عند اإلنس������ان أيضا [انظر‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫«خاليا عصبية جدي������دة ألدمغة البالغني»‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،(2000) 6/5‬ص ‪.]30‬‬ ‫ع������ادة م������ا تتضم������ن الدراس������ات املتعلقة‬ ‫بظاه������رة «تش������كل نورون������ات جدي������دة» عند‬ ‫القوارض حقن ه������ذه احليوانات بعقار يدعى‬ ‫«بروموديوكس������يوريدين» ‪ ،)2(BrdU‬والذي يقوم‬ ‫بوس������م اخلاليا النورونية اجلدي������دة‪ ،‬ويجعلنا‬ ‫حينئذ‪ ،‬على متييزها جيدا بواس������طة‬ ‫قادرين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫امليكروسكوب (املجهر)‪ .‬وتشير هذه الدراسات‬ ‫إلى أن النورونات اجلديدة التي تنشأ يوميا في‬ ‫منطقة احلصني عند القوارض يتراوح عددها‬ ‫ب���ي��ن ‪ 5000‬و ‪ 10 000‬خلي������ة (ومع أن احلصني‬ ‫عند اإلنسان‪ ،‬يستقبل أيضا نورونات جديدة‪،‬‬ ‫لكننا ال نعرف عددها حتى اآلن)‪.‬‬ ‫إ ّال أن ه������ذه اخلالي������ا ال تتول������د بش������كل‬ ‫روتيني‪ ،‬ب������ل ميكن أن يتأث������ر إنتاجها بعدد‬ ‫من العوامل البيئي������ة املختلفة‪ .‬فقد تبني على‬ ‫س������بيل املثال‪ ,‬أن اس������تهالك الكحول ُيبطئ‬ ‫عملية توليده������ا‪ ،‬وأن التدريب ميكن أن يرفع‬ ‫من مع������دل والدتها‪ .‬فاجلرذان والفئران التي‬ ‫متض������ي وقتا على عجلة الركض‪ ،‬مثال‪ ،‬تُنتج‬ ‫ضع������ف عدد اخلالي������ا التي تُنتجه������ا فئران‬ ‫تعي������ش حياة خاملة‪ .‬حت������ى إن تناول التوت‬ ‫الب���ري األزرق ‪ blueberries‬يبدو أنه ُيح ّرض‬

‫على توليد النورونات في حصني اجلرذان‪.‬‬ ‫استخدمها وإال ستفقدها‬

‫( )‬

‫ميكن أن يس������اعد التدري������ب وفعاليات‬ ‫أخرى على إنتاج خاليا دماغية إضافية‪ .‬إال‬ ‫أن استمرار هذه اخلاليا بالبقاء ليس أمرا‬ ‫حتمي������ا‪ .‬فالعديد منها‪ ،‬إن لم يكن معظمها‪،‬‬ ‫يختفي في غضون عدة أسابيع من ظهوره‪.‬‬ ‫وغني عن القول‪ ،‬إن معظم خاليا اجلس������م‬ ‫ال تستمر بالبقاء لفترة غير محدودة‪ .‬ولذا‪،‬‬ ‫ف������إن فكرة موت ه������ذه اخلالي������ا النورونية‬ ‫بحد ذاتها ليس������ت مستغربة‪ .‬إال أن زوالها‬ ‫(٭) ‪Use It or Lose It‬‬

‫(‪ُ )1‬يفضل استخدام الكلمة املعربة «هيپوكامپوس» على الترجمة‬ ‫العربية «حصني البحر» لقربها من املصطلح العاملي‪.‬‬ ‫(‪bromodeoxyuridine )2‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪21‬‬


‫إن املهام التي‬ ‫ُتنقِ ذ أكبر عدد من‬ ‫النورونات الوليدة‬ ‫هي املهام األصعب‬ ‫تعلما‪.‬‬

‫[األساسيات]‬

‫أين تتشكل النورونات الوليدة اجلديدة‬

‫( )‬

‫تنش���أ في دم���اغ البالغني نورونات جديدة ف���ي منطقة احلصني‪،‬‬ ‫وه���ي بنية تتدخل ف���ي التعلم والذاكرة‪ .‬ومع أن هذا االكتش���اف‬ ‫كان أصال عند القوارض‪ ،‬إ ّال أنه مت بعد ذلك اكتش���اف نورونات‬ ‫ولي���دة عند اإلنس���ان البالغ أيضا‪ .‬وبتحدي���د أكثر‪ ،‬فإن مجموعة‬ ‫النورون���ات الولي���دة تظه���ر ف���ي‬ ‫التلفيف املسنن ‪،dentate gyrus‬‬ ‫وه���و ج���زء م���ن منطقة‬ ‫احلص�ي�ن ُمع ّل���م ف���ي‬ ‫مقاط���ع الدماغ في‬ ‫أيسر الصورة‪.‬‬

‫دماغ اإلنسان‬

‫مقطع‬ ‫عرضي للحصني‬

‫احلصني‬

‫التلفيف‬ ‫املسنن‬

‫املؤلفة‬

‫‪Tracey J.Shors‬‬

‫أستاذة في قسم علم النفس ومركز‬ ‫العلوم العصبية املشترك في جامعة‬ ‫روتگرز‪ ,‬تهتم منذ زمن طويل بدراسة‬ ‫األساس البيولوجي العصبي للتعلم‬ ‫والذاكرة‪ ،‬وتعمل مع >‪ .E‬گولد< [من‬ ‫جامعة پرنستون] مكتشفة ظاهرة‬ ‫«نشوء نورونات جديدة» عند البالغني‪.‬‬ ‫لقد بينت >شورز< أن التعلم يعزز بقاء‬ ‫النورونات اجلديدة في احلصني‪ ،‬وأن‬ ‫هذه النورونات تتدخل‪ ،‬على ما يبدو‪،‬‬ ‫في بعض نواحي التعلم‪ .‬وبعد نحو‬ ‫عشر سنوات‪ ،‬ما زالت >شورز< تفكر‬ ‫مل ّيا في السؤال التالي‪ :‬ما هي عالقة‬ ‫التعلم بظاهرة «نشوء نورونات جديدة؟»‬ ‫‪22‬‬

‫السريع هو ما ُيعتبر ُمح ِّيرا‪ .‬فلماذا يتك ّبد‬ ‫الدماغ عناء إنتاج خاليا جديدة ثم يتركها‬ ‫تختفي بهذه البساطة؟‬ ‫وكنتيج������ة لعملنا على اجلرذان‪ ،‬أصبحنا‬ ‫نعتقد أن تلك اخلاليا يتم توليدها لتُستخدم‬ ‫عند احلاج������ة فقط‪ .‬فإذا تعرضت احليوانات‬ ‫لتحديات اس������تعرافية‪ ،‬فإن اخلاليا تس������تمر‬ ‫بالبقاء‪ ،‬وإذا لم تتعرض لذلك فإنها تتالشى‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1999‬اكتش������فت مع >گولد< [تعمل‬ ‫حالي������ا في جامعة پرنس������تون] هذه الظاهرة‬ ‫عندما كنا جنري سلسلة من التجارب لدراسة‬ ‫تأثي������ر التعلم في بقاء النورونات اجلديدة في‬ ‫ُحصني أدمغة اجلرذان‪.‬‬ ‫ُتس������مى مهمة التعلم التي اس������تخدمناها‬ ‫تتبع طَ رْف العني الش���رطي(‪( )1‬انظر املؤطر‬ ‫ف������ي الصفحة ‪ ،)24‬وهي ش������بيهة في بعض‬ ‫جوانبها بالتج������ارب التي أجراه������ا پاڤلوڤ‬ ‫عل������ى كالبه التي كانت تق������وم بإفراز اللعاب‬ ‫عند سماعها الصوت املرتبط بتقدمي الطعام‪.‬‬ ‫وفي جتربة َ‬ ‫«ط ْرف العني الش������رطي»‪ ،‬يسمع‬ ‫احليوان صوت������ا‪ ،‬ثم يتلقى بع������د مدة زمنية‬ ‫محددة (ع������ادة ‪ 500‬مي ّلي ثاني������ة أي نصف‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫ثانية) تنبيه������ا لطيفا جلفن العني‪ ،‬نفخة هواء‬ ‫مثال‪ ،‬مما يجعله َي ْطرف بعينه‪.‬‬ ‫كاف من احملاوالت ـ عدة مئات‬ ‫وبعد عدد ٍ‬ ‫عادة ـ يق������وم احليوان بإجراء ربط ذهني بني‬ ‫الصوت وتنبيه العني‪ :‬فهو يتعلم مهارة التنبؤ‬ ‫بوق������ت وصول املنبه والقيام بطرف عينه ُقبيل‬ ‫حدوث التنبيه‪ .‬هذه االس������تجابة املش������روطة‬ ‫ت������دل على أن احليوان قد تعلم أن يربط زمنيا‬ ‫احلدثني معا‪ .‬قد تبدو هذه املهارة التي تعلمتها‬ ‫اجلرذان عدمية األهمية‪ ،‬إال أن إعداد التجربة‬ ‫به������ذا الترتيب يزودنا بوس������يلة جيدة لقياس‬ ‫التعلم االس���تباقي(‪ )2‬عن������د احليوانات؛ وهو‬ ‫القدرة على توقع ما س������يحدث في املستقبل‬ ‫بناء على ما حدث في املاضي‪.‬‬ ‫لدراس������ة الصل������ة ب���ي��ن التعلم و«نش������وء‬ ‫نورونات جدي������دة»‪ُ ،‬حقِ نت جميع احليوانات‬ ‫بالعق������ار ‪ BrdU‬ف������ي بداية التج������ارب‪ .‬وبعد‬ ‫أس������بوع مت إدخال نصف عدد اجلرذان في‬ ‫البرنامج التدريبي املتعلق بطرف العني‪ ،‬أما‬ ‫النصف اآلخر فبقي يس������تريح في أقفاصه‪.‬‬ ‫(٭) ‪WHERE NEW NEURONS FORM‬‬ ‫(‪trace eyeblink conditioning )1‬‬ ‫(‪anticipatory learning )2‬‬


‫دماغ أحد‬ ‫القوارض‬

‫التلفيف‬ ‫املسنن‬

‫إن الصورة‬

‫امليكروية (في‬ ‫اليسار) تظهر‬

‫احلصني لفأر‬

‫قزحي الدماغ‬

‫‪ Brainbow‬متت‬ ‫هندسته لينتج‬ ‫پروتينات ذات‬ ‫ألوان مختلفة‬ ‫في نوروناته‪.‬‬

‫وبعد أربعة أو خمسة أيام من التدريب وجدنا‬ ‫أن اجلرذان التي تعلمت توقيت طرف عينها‬ ‫كما ينبغ������ي احتفظت بعدد م������ن نوروناتها‬ ‫املوس������ومة بالعقار ‪ BrdU‬في احلصني أكبر‬ ‫من العدد الذي احتفظت به احليوانات التي‬ ‫بقيت بحالة خمول في أقفاصها األمر الذي‬ ‫اس������تنتجنا منه أن تعلم ه������ذه املهارة كان‬ ‫س������ببا في إنقاذ تلك خاليا‪ ،‬ولواله ملا بقيت‬ ‫عل������ى قيد احلياة‪ .‬أ ّما ل������دى احليوانات غير‬ ‫املدربة‪ ،‬فلم نتمكن‪ ،‬في النهاية‪ ،‬إ ّال من رؤية‬ ‫عدد ضئيل م������ن اخلاليا احلديثة النش������وء‬ ‫واملوس������ومة بالعقار ‪ .BrdU‬وقد اس������تنتجنا‬ ‫أيضا أنه كلما تعلم احليوان بصورة أفضل‬ ‫ازداد ع������دد النورونات اجلدي������دة التي تبقى‬ ‫على قيد احلي������اة في دماغ������ه‪ .‬وتنطبق هذه‬ ‫القاع������دة أيضا على احليوانات التي جنحت‬ ‫في تعلم اجتياز متاهة‪.‬‬ ‫لق������د بدأنا اختباراتنا ح������ول طرف العني‬ ‫في أواخر تسعينات القرن املاضي‪ ،‬فدرسنا‬ ‫آث������ار التدري������ب عند احليوان������ات التي كانت‬ ‫تعلمت بصورة جيدة؛ وه������ي جرذان تعلمت‬ ‫القيام بطرف عينها‪ ،‬لنقل‪ ،‬على سبيل املثال‪،‬‬

‫منظر نورونات‬ ‫( )‬ ‫وليدة‬ ‫توسم املادة الكيميائية ‪ BrdU‬اخلاليا‬ ‫املولودة بعد حقن احليوان بهذه‬ ‫املادة‪ .‬و ُتبرز الصورة في األسفل‬ ‫خلية وليدة وحيدة حمراء اللون‬ ‫بفعل املادة ‪ ،BrdU‬وتدل النقاط‬ ‫اخلضر في داخلها على أنها خلية‬ ‫نورون ّية‪ .‬ويحيط باخللية الوليدة‬ ‫نورونات ناضجة‪.‬‬

‫خ���ل��ال ‪ 50‬مي ّلي ثانية م������ن تنبيه جفن العني‪،‬‬ ‫وجنحت في تكرار ذلك‪ ،‬كما ينبغي‪ ،‬في أكثر‬ ‫من ‪ 60‬في املئة من احملاوالت‪ .‬وقد تس������اءلنا‬ ‫مؤخ������را ع ّم������ا إذا متكنت احليوان������ات التي‬ ‫فش������لت في التعلم‪ ،‬أو الت������ي تعلمت بصورة‬ ‫رديئة‪ ،‬من االحتفاظ بنوروناتها اجلديدة بعد‬ ‫التدريب؟ إنه������ا لم تنجح في ذلك‪ ،‬فقد أثبتت‬ ‫مجموعة من الدراسات التي نُشرت في عام‬ ‫‪ 2007‬أن اجلرذان التي مرت مبا يقارب ‪800‬‬ ‫محاولة‪ ،‬ول������م تتعلم مهارة التنبؤ بتنبيه جفن‬ ‫الع���ي��ن‪ ،‬لم تتمكن من االحتفاظ إ ّال بعدد قليل‬ ‫م������ن النورون������ات اجلديدة ال يتج������اوز العدد‬ ‫الذي حافظت عليه احليوانات التي لم تغادر‬ ‫أقفاصها على اإلطالق‪.‬‬ ‫وفي جتارب أخرى مماثلة‪ ،‬قمنا بتحديد‬ ‫فترة تعل������م احليوانات مه������ارة التنبؤ بتنبيه‬ ‫جف������ن العني‪ .‬فدربناها ليوم واحد فقط‪ ،‬حيث‬ ‫قامت بتنفي������ذ ‪ 200‬محاولة ألداء مهمتها كما‬ ‫ينبغي‪ .‬وقد كانت النتيجة هي أن بعض هذه‬ ‫احليوان������ات جنحت في تعلم مه������ارة التنبؤ‪،‬‬ ‫وبعضه������ا اآلخر ل������م ينجح في ذل������ك‪ .‬وكما‬ ‫ذكرنا س������ابقا‪ ،‬فإن اجل������رذان‪ ،‬التي تعلمت‪،‬‬ ‫احتفظت بع������دد من نوروناتها اجلديدة يفوق‬ ‫العدد الذي حافظت علي������ه اجلرذان التي لم‬ ‫تتعلم‪ ،‬وذلك على الرغم من أنها م ّرت جميعا‬ ‫بالتدريب نفسه‪ .‬وتُشير هذه البيانات إلى أن‬ ‫عملية التعلم هي املس������ؤولة عن بقاء عدد من‬ ‫النورونات اجلدي������دة على قيد احلياة‪ ،‬وليس‬ ‫مجرد القي������ام بالتدريب أو وضع احليوانات‬ ‫في قف������ص آخر مختل������ف أو تغيي������ر روتني‬ ‫حياتها اليومية‪.‬‬ ‫ال ربح بال مجهود‬

‫( )‬

‫مع أن التعلم يشكل شرطا أساسيا لبقاء‬ ‫النورون������ات الوليدة في منطقة احلصني على‬ ‫قيد احلياة‪ ،‬فإن بعض مناذجه ليس له تأثير‬ ‫ُيذكر في مصير تلك النورونات‪ .‬ومن الدالئل‬ ‫عل������ى ذلك‪ ،‬ه������و أن تدري������ب احليوانات على‬ ‫(٭) ‪VIEWING NEW NEURONS‬‬ ‫(٭٭) ‪No Pain, No Gain‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪23‬‬


‫يبدو أن هناك‬ ‫مجاال زمنيا حاسما‬ ‫يستطيع التعلم‬ ‫فيه احلفاظ على‬ ‫النورونات اجلديدة‪.‬‬

‫العبور س������باح ًة إلى منصة مرئية في حوض‬ ‫من املاء ال يحول دون زوال اخلاليا النورونية‬ ‫الوليدة في أدمغتها‪ .‬كما أن تدريبها بطريقة‬ ‫جتعله������ا تعرف أنها تتلقى اثنني من املنبهات‬ ‫بشكل متزامن تقريبا‪ ،‬كالصوت ومنبه جفن‬ ‫العني مثال‪ ،‬ال ُيطيل عمر تلك اخلاليا‪.‬‬ ‫والسبب في فشل مهام التعلم هذه في‬ ‫احلف������اظ على حياة النورونات الوليدة‪ ،‬هو‬ ‫أنها‪ ،‬على ما نظن‪ ،‬ال تتطلب تفكيرا عميقا‪.‬‬ ‫ففي جتارب تنبيه جفن العني التي يتداخل‬ ‫فيها زمنيا املنبهان (سماع الصوت‪/‬تنبيه‬ ‫جفن العني)‪ ،‬ال تُتيح عملية التعلم للحيوان‬ ‫فرص ًة لتش������غيل ذاكرت������ه بطريقة تضمن‬ ‫حفظ املعلومات املتعلقة بحدث سبق وقوعه‬ ‫(سماع صوت النغمة) وبالتالي ال تساعده‪،‬‬ ‫على التنبؤ بزمن وقوع حدث آخر يتداخل‬ ‫زمنيا مع احلدث األول (تنبيه جفن العني)‪.‬‬ ‫فاحليوانات تستجيب مباشرة ومن غير أن‬ ‫تفكر مليا‪ ،‬عندما تس������مع الصوت‪ .‬وعلى‬ ‫النحو ذاته‪ ،‬فإن الس������باحة إلى منصة‬ ‫مرئية هي مهم������ة تؤديها اجلرذان‬ ‫ب���ل��ا ت������ردد‪ ،‬ألنها ال تريد س������وى‬

‫[اختبارات التعلم]‬

‫النجاة من الغرق‪.‬‬ ‫ونح������ن نعتقد أن املهام الت������ي تنقذ أكبر‬ ‫قدر من اخلاليا العصبية النورونية اجلديدة‬ ‫هي تلك املهام األصعب تع ّلما‪ ،‬والتي يتطلب‬ ‫أداؤه������ا بذل مجهود ذهن������ي هائل‪ .‬والختبار‬ ‫ه������ذه الفرضي������ة‪ ،‬قمنا بتعديل مهمة س������هلة‬ ‫اإلجناز إلى حد م������ا‪ ،‬وجعلناها أكثر حتديا‬ ‫بقلي������ل‪ ،‬حيث بدأن������ا باختبار ط������رف العني‬ ‫بإحدى صيغه البس������يطة‪ ،‬وهي صيغة يسبق‬ ‫فيها الصوت تنبيه جفن العني‪ ،‬ولكنه يتداخل‬ ‫معه في الزمن قليال‪ .‬وكما ذكرنا سابقا‪ ،‬فإن‬ ‫عملية تعلم الربط بني هاتني الواقعتني ال تُنقذ‬ ‫عادة النورونات الوليدة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬جعلنا هذه‬ ‫املهم������ة أكثر حتديا وذلك بإطالة املدة الزمنية‬ ‫للنغمة الصوتية بقدر كبير‪ ،‬وكان تنبيه اجلفن‬ ‫يأتي في نهايتها‪.‬‬

‫ماذا كشفت الدراسات عن اجلرذان‬ ‫نورونات‬ ‫أنقذت‬

‫( )‬

‫جتربة «األثر» الشرطي املتعارفة‬

‫الصعوبة‬

‫ومضة‬ ‫الوقت‬

‫صعب‬

‫يبدو أن هناك‬ ‫مجاال زمنيا حاسما‬ ‫من‬ ‫يستطيع التعلمسهل‬ ‫خالله أن يحافظ‬ ‫على اخلاليا‬ ‫العصبية اجلديدة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫انتهاء النغمة بدء النغمة‬

‫منبه‬

‫ومضة‬

‫تأخير شرطي‬ ‫الوقت‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫منبه‬

‫ومضة‬

‫بدء النغمة‬

‫تأخير شرطي طويل‬

‫صعب جدا‬

‫الوقت‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫بدء النغمة‬

‫منبه‬

‫اعتم���دت املؤلف���ة وزمالؤه���ا عل���ى جت���ارب طرف العني‬ ‫الش������رطي ‪ eyeblink conditioning‬الكتشاف أن بذل جهد‬

‫كبير للتعلم من شأنه تعزيز بقاء النورونات اجلديدة على‬ ‫قي���د احلي���اة‪ .‬وقد ب���دأ الباحث���ون جتاربه���م بتجربة األثر‬ ‫الش���رطي املتعارف���ة (ف���ي األعل���ى)‪ ،‬حيث يس���مع احليوان‬ ‫ف���ي هذه التجرب���ة نغمة صوتية يتبعها بع���د نصف ثانية‬ ‫تنبي���ه يدفع احليوان إلى الطرف بعين���ه‪ .‬وبعد مئات عدة‬ ‫م���ن احملاوالت‪ ،‬تتعلم أغلبية احليوانات أن تطرف بعينها‬ ‫ُقبي���ل وص���ول املنب���ه‪ .‬وألن النغمة الصوتي���ة وتنبيه جفن‬ ‫الع�ي�ن حدث���ان منفص�ل�ان زمني���ا‪ ،‬فإن معرف���ة حلظة طرف‬ ‫العني هي مهمة صعبة‪ ،‬وألنها كذلك فقد أنقذت جزءا كبيرا‬ ‫من النورونات اجلديدة‪.‬‬ ‫لق���د أجنزت اجلرذان بس���هولة مهم���ة االختبار بإحدى‬ ‫بس���طة‪ ،‬حي���ث تتداخل فيه النغم���ة الصوتية مع‬ ‫ِص َيغِ ه املُ ّ‬ ‫منب���ه ط���رف العني زمنيا (في الوس���ط)‪ ،‬ولكن لم تعزز هذه‬ ‫املهم���ة بق���اء النورون���ات اجلدي���دة إال بعد تغيير ش���روط‬ ‫االختب���ار وجعل���ه أكثر حتديا‪ ،‬وذلك من خ�ل�ال إطالة فترة‬ ‫انتظ���ار اجلرذ كثيرا قبل وصول املنبه (في األس���فل)‪ .‬وقد‬ ‫أنق���ذت ه���ذه املهمة ج���زءا كبيرا م���ن النورون���ات الوليدة‪،‬‬ ‫وتفوقت حتى على مهمة االختبار الشرطي املتعارفة‪.‬‬ ‫(٭) ‪WHAT RAT STUDIES REVEALED‬‬

‫‪24‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬


‫[فرضية]‬

‫كيف يعزز التعلم بقاء النورونات الوليدة‬

‫( )‬

‫النورونات املوجودة ُمسبقا‪ ،‬فتقوم بدورها‪ِّ ،‬‬ ‫ببث إشارات داعمة لنضج اخلاليا الفتية‪.‬‬ ‫وفي غياب التعلم أثناء مرحلة النضوج (مرحلة نضج النورونات الوليدة)‪ ،‬فسيموت‬ ‫معظم اخلاليا اجلديدة في منطقة احلصني‪.‬‬

‫في أسبوعها األول‪ ،‬تهاجر النورونات الوليدة من حافة التلفيف املسنن‬ ‫إلى منطقة أعمق‪ ،‬حيث تنضج وتندمج في شبكة نورونية‪ .‬وعندما يحصل التعلم في‬ ‫األسبوعني األولني من عمر النورونات الوليدة‪ ،‬فإنه يُع ّزز بقاءها‪ ،‬رمبا من خالل حتريض‬

‫‪dentate gyrus‬‬

‫تغصن يستقبل اإلشارات من‬ ‫ّ‬ ‫كل مكان آخر في الدماغ‪.‬‬

‫فترة التعلم‬

‫إن التعلم الذي يحصل ما‬ ‫بني ‪ 7‬و ‪ 14‬يوما بعد والدة‬ ‫خلية يزيد من فرص بقياها‪.‬‬

‫املنطقة املكبرة‬

‫نورون جديد‬ ‫وظيفي‬

‫منطقة ‪CA3‬‬ ‫من احلصني‬

‫التلفيف املسنن‬

‫نورون جديد‬ ‫غير ناضج‬

‫اتصال باخلاليا‬ ‫في منطقة ‪CA3‬‬ ‫من احلصني‪.‬‬

‫اليوم الرابع‬

‫عشر‪ :‬نورون جديد‬ ‫نشيط ومرتبط‬ ‫بشبكة تعلم‪.‬‬

‫اليوم األول‪ :‬تعطي‬ ‫ناجت اخللية ‬ ‫اجلذعية (خلية اخلاليا اجلذعية خلية‬ ‫حديثة النشوء)‪ .‬مقدر لها أن تصبح‬ ‫نورونا‪.‬‬

‫اليوم السابع‪:‬‬

‫خلية حديثة النشوء‬ ‫تهاجر وتصبح نورونا‬ ‫غير ناضج‪.‬‬

‫إن تع ُّل������م توقي������ت حلظ������ة القي������ام بطرف‬ ‫الع���ي��ن في هذه املهمة ه������و أكثر صعوبة من‬ ‫االختبار البس������يط‪ ،‬فالقيام بطرف العني بعد‬ ‫بدء النغمة الصوتية بقليل‪ ،‬كانطالق الع ّدائني‬ ‫بعد س������ماعهم صوت رصاصة بدء السباق‪،‬‬ ‫ليس هو االستجابة الصحيحة‪ .‬كما أنه أكثر‬ ‫صعوبة م������ن االختبار النموذج������ي (اختبار‬ ‫أثر اخلمس������مئة ميلي ثاني������ة)؛ ألن احليوان‬ ‫ال يستطيع اس������تعمال نهاية النغمة الصوتية‬ ‫كإش������ارة لالس���تعداد(‪ ،)1‬ب������ل ينبغ������ي عليه‬ ‫االستمرار بتتبع النغمة الصوتية منذ بدايتها‬ ‫بدقة وتقدير متى سيحدث تنبيه جفن العني‪،‬‬ ‫األم������ر الذي يش������كل حتدي������ا حقيقيا جلميع‬ ‫احليوانات مبا فيها البش������ر‪ .‬وقد وجدنا أن‬ ‫هذا التحدي كفيل بإنقاذ عدد من النورونات‬ ‫الوليدة يس������اوي أو يرب������و أحيانا على العدد‬

‫خلية جذعية‬

‫الذي شاهدناه في االختبار النموذجي‪.‬‬ ‫ومم������ا أثار اهتمامنا بوجه خاص‪ ،‬هو أن‬ ‫احليوان������ات التي كانت أبطأ تعلما بقليل‪ ،‬أي‬ ‫إنها احتاجت إلى ع������دد أكبر من احملاوالت‬ ‫قبل أن تنجز مهمتها كما ينبغي‪ ،‬متكنت من‬ ‫إنقاذ عدد أكبر من النورونات الوليدة مقارنة‬ ‫بنظيراتها التي كانت أس������رع تعلما‪ .‬و ُيشير‬ ‫ذلك إل������ى أن النورونات الوليدة في احلصني‬ ‫تس������تجيب‪ ،‬على أفضل وجه‪ ،‬لعمليات التعلم‬ ‫التي تنطوي على جهود مك ّثفة‪.‬‬ ‫التوقيت يدخل في احلساب‬

‫( )‬

‫مل������اذا نعتبر عمليات التعل������م التي تنطوي‬ ‫على جهود مك ّثفة أمرا حاس������ما في احلفاظ‬ ‫على النورون������ات الوليدة هو أمر غير واضح‬ ‫(٭) ‪HOW LEARNING HELPS TO SAVE NEW NEURONS‬‬ ‫(٭٭) ‪Timing Counts‬‬ ‫(‪get ready )1‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪25‬‬


‫ماذا يفيد‬ ‫وماذا يضر‬

‫( )‬

‫تعزز عملية التعلم بقاء اخلاليا‬ ‫النورونية اجلديدة‪ ،‬ولكنها ال ُتؤثر‬ ‫في عدد ما يولد منها‪.‬‬ ‫وبعض الدراسات تشير إلى وجود‬ ‫مداخالت أخرى من شأنها أن تؤثر‬ ‫في توليد النورونات لدى القوارض‪.‬‬ ‫منشطات ‪BOOSTERS‬‬

‫التدريبات‬ ‫اجلسمانية والعقلية‬ ‫مضادات االكتئاب‬ ‫العنب الب ّري األزرق‬ ‫ُمعيقات ‪BLOCKERS‬‬

‫الكحول‬ ‫النيكوتني‬

‫هل يمُ كن استثمار‬ ‫التشكل النوروني‪،‬‬ ‫بطريقة أو بأخرى‪،‬‬ ‫للوقاية من‬ ‫االضطرابات املؤدية‬ ‫إلى تراجع القدرات‬ ‫االستعرافية أو‬ ‫معاجلتها؟‬ ‫‪26‬‬

‫حت������ى اآلن‪ .‬وهن������اك نظرية تق������ول إنّ املهام‬ ‫التي يتط ّل������ب تعلم أدائها تفكي������را عميقا أو‬ ‫زمنا أطول من التدريب تقوم بتنش������يط قوي‬ ‫لنورون������ات الش������بكات العصبية ف������ي منطقة‬ ‫احلصني‪ ،‬مبا فيه������ا النورونات الوليدة التي‬ ‫تش������كل جزءا من بنية هذه الش������بكات‪ .‬وهذا‬ ‫التنشيط القوي هو مفتاح احلفاظ على حياة‬ ‫ه������ذه اخلاليا الوليدة‪ .‬وإنني‪ ،‬أكثر ميال إلى‬ ‫ترجيح هذه النظرية على غيرها لسببني‪:‬‬ ‫يع������ود الس������بب األول إلى م������ا أثبته عدد‬ ‫م������ن الباحثني وفحواه أن امله������ام املبنية على‬ ‫التعل������م‪ ،‬مثل اختبار طرف العني الش������رطي‪،‬‬ ‫ترفع بصورة عامة درجة استثارة النورونات‬ ‫في احلصني وجتعله������ا أكثر فعالية‪ .‬إضافة‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬فإن هذا النش������اط السريع واملتعدد‬ ‫اجلوانب في منطقة احلصني يرافق باستمرار‬ ‫عمليات التعلم؛ فاحليوانات األكثر نشاطا هي‬ ‫التي تتعلم أداء مهمتها على الوجه األفضل‪.‬‬ ‫أما السبب الثاني؛ فيتعلق بوجود ما ُيدعى‬ ‫اإلطار الزمني احلاس���م(‪ )1‬وهو املدة الزمنية‬ ‫التي ميكن خاللها لعملي������ة التعلم أن حتافظ‬ ‫على بقاء النورونات الوليدة اعتبارا من حلظة‬ ‫ظهورها‪ ،‬وتُق ّدر بأس������بوع إلى أسبوعني عند‬ ‫القوارض‪ .‬وقد توصلت دراسة حديثة ُأجريت‬ ‫على اجل������رذان إل������ى نتائج مش������ابهة‪ ،‬حيث‬ ‫وجدت أن التعلم من ش������أنه إنق������اذ نورونات‬ ‫وليدة ال تتجاوز أعمارها س������بعة إلى عشرة‬ ‫أي������ام‪ .‬ولكن ال جدوى من التدريب بعد مضي‬ ‫ذل������ك الوقت حيث تكون النورونات الوليدة قد‬ ‫ب������دأت باالحتضار‪ .‬كما أن التدريب قبل ذلك‬ ‫الوقت لن يكون مفي������دا؛ ألن اخلاليا الوليدة‪،‬‬ ‫والت������ي تب������دأ حياتها على ش������كل خاليا غير‬ ‫متخصصة‪ ،‬لم تكن قد وصلت بعد إلى مرحلة‬ ‫التمايز لتتحول الحقا إلى خاليا نورونية ذات‬ ‫تغصنات تستكش������ف اإلش������ارات العصبية‬ ‫الواردة من مناطق أخرى من الدماغ وتستقبل‬ ‫دفعات منها‪ ،‬وذات محاوير تبعث رسائل إلى‬ ‫������اذ للحصني ُيدع������ى )‪ .(CA3‬وفي‬ ‫قطاع مح ٍ‬ ‫هذه املرحلة بالذات تب������دأ النورونات الوليدة‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫باالس������تجابة بطريقة مالئمة لبعض «النواقل‬ ‫العصبية» وهي م������واد كيميائية تؤدي وظيفة‬ ‫التواصل بني النورونات‪.‬‬ ‫ومما س������بق يتضح أن النورونات الوليدة‬ ‫ال ميكنه������ا أن تس������تجيب لعملي������ة التعلم إن‬ ‫ل������م تك������ن قد بلغت ح������دا أدنى م������ن النضج‬ ‫وك ّونت ارتباطات بالنورونات األخرى داخل‬ ‫الشبكات العصبية في الدماغ‪ .‬وعندما تكون‬ ‫عملية التعلم معقدة‪ ،‬فإن جميع النورونات في‬ ‫منطقة احلصني تكون منشغلة كل ّيا مبا فيها‬ ‫النورونات الوليدة‪ ،‬والتي يقيها نشاطها من‬ ‫املوت‪ .‬أما إذا لم يتعرض احليوان لتحد كاف‬ ‫أثناء عملية التعلم‪ ،‬فإن النورونات الوليدة ال‬ ‫حتصل على التحريض الذي حتتاج إليه من‬ ‫أجل بقياها‪ ،‬فتذبل ثم تتالشى متاما‪.‬‬ ‫ماذا يعملون؟‬

‫( )‬

‫تظه������ر آالف اخلالي������ا النورونية اجلديدة‬ ‫ف������ي منطقة احلصني كل يوم‪ ،‬ولكنها ال تبقى‬ ‫عل������ى قيد احلي������اة إ ّال إذا مت حتفيز احليوان‬ ‫لكي يتعلم‪ .‬فما هي الوظيفة التي تؤديها هذه‬ ‫اخلاليا؟ م������ن البديهي أنها ال تس������تطيع أن‬ ‫أي دعم لعملية التعلم في اللحظة التي‬ ‫تق������دم ّ‬ ‫ترى فيها النور‪ .‬فكثير من أشكال التعلم يتم‬ ‫بش������كل فوري تقريبا (خ���ل��ال زمن قصير ال‬ ‫يتجاوز ثواني معدودة‪ ،‬إن لم يكن أقصر من‬ ‫ذلك)‪ .‬وعندما يواج������ه الدماغ مهمة جديدة‪،‬‬ ‫فإنه ال يستطيع االنتظار ما يقارب األسبوع‬ ‫حت������ى تتش������كل نورونات جدي������دة ثم تنضج‬ ‫وتندمج في الش������بكات العصبي������ة الوظيفية؛‬ ‫لكي يبدأ احليوان بعملية التعلم بعد ذلك‪.‬‬ ‫وق������د تراءى ل������ي ولزمالئ������ي أن املخزون‬ ‫االحتياط������ي من اخلاليا ل������ه تأثير في بعض‬ ‫جوانب عملية التعلم بع������د حني‪ .‬وللتأكد من‬ ‫ه������ذه الفرضي������ة قررنا التخل������ص من خاليا‬ ‫الدم������اغ الولي������دة وذلك انطالقا م������ن الفكرة‬ ‫اآلتي������ة‪ :‬إذا صارت هذه اخلالي������ا ضرورية‬ ‫(٭) ‪WHAT HELPS, WHAT HURTS‬‬ ‫(٭٭) ?‪What Do They Do‬‬ ‫(‪Critical Window of Time )1‬‬


‫لعملي������ة التعلم‪ ،‬فإن احليوان������ات التي تفتقر‬ ‫إليها ق������د تكون تالميذ أق������ل جناحا‪ .‬ونظرا‬ ‫لوجود صعوبات تقنية حتول دون استئصال‬ ‫جميع تل������ك اخلاليا من دماغ احليوان قمنا‪،‬‬ ‫ب������دال من ذلك‪ ،‬مبنعها من ال������والدة وذلك من‬ ‫خالل إعطاء احليوانات عقارا ُيدعى «‪»MAM‬‬ ‫ألسابيع عدة‪ ،‬وهو عقار مك ّون من مادة توقف‬ ‫انقس������ام اخلاليا‪ .‬وبعد انقضاء مدة العالج‪،‬‬ ‫قمنا بإدخال احليوانات إلى حجر الدراسة‪.‬‬ ‫لق������د أظهرت جتربتن������ا أن اجلرذان التي‬ ‫ُأعطيت العقار ‪ MAM‬كانت تالميذ كس������الى‬ ‫في التجرب������ة النموذجية (مهم������ة تتبع طرف‬ ‫العني الش������رطي بزمن ‪ 500‬ميلي ثانية)‪ .‬لقد‬ ‫وجدوا مش������قة كبيرة في تعلم التنبؤ باملنبه‪.‬‬ ‫وم������ع ذلك‪ ،‬فإن هذه احليوان������ات قدمت أداء‬ ‫جيدا في العديد من املهام التعليمية األخرى‬ ‫التي تعتمد على احلصني مثل متاهة موريس‬ ‫املائية(‪ .)1‬في هذا االختبار مت إلقاء اجلرذان‬ ‫في ح������وض فيه س������ائل داكن الل������ون وغير‬ ‫ش������فاف وجدرانه مع ّلمة بإش������ارات فراغية‬ ‫‪ spatial‬تس������اعد احليوانات عل������ى االهتداء‪،‬‬ ‫حيث عليها الس������باحة ضمن������ه إلى أن جتد‬ ‫منصة مغمورة بالس������ائل‪ .‬وما لفت انتباهنا‬ ‫في هذا االختب������ار هو أن اجلرذان احملرومة‬ ‫من اخلاليا العصبية الوليدة تع ّلقت باملنصة‬ ‫بالسرعة نفس������ها التي تعلق بها رفاقها غير‬ ‫املعاجلني بالعقار‪.‬‬ ‫وق������د تبني لنا أيض������ا أن احليوانات التي‬ ‫أعطي������ت العق������ار ‪ MAM‬لم تتأث������ر ذاكرتها‬ ‫املكانية املرتبطة باخلبرات العاطفية‪ .‬وكمثال‬ ‫عل������ى ذلك‪ ،‬ه������و أن اجلرذان الت������ي نقلناها‬ ‫مؤقتا إل������ى قفص آخر ثم ع ّرضناها لصدمة‬ ‫كهربائية خفيفة في منطقة القدم جتمدت من‬ ‫اخلوف عندم������ا وضعناها مج������ددا في هذا‬ ‫القفص‪ .‬و ُيدعى هذا النمط من التعلم اخلوف‬ ‫الش���رطي املرتبط بالظرف(‪ ،)2‬وهو منط تعلم‬ ‫يعتمد على منطقة احلصني‪ .‬وكما رأينا‪ ،‬فإن‬ ‫احليوانات املعاجلة بالعقار املذكور لم تواجه‬ ‫أية صعوبات في هذا النمط من التعلم‪.‬‬

‫ماذا بعد؟‬

‫( )‬

‫ما زال هنالك الكثير مما نود أن‬ ‫يتم اكتشافه ملعرفة كيف يسهم‬ ‫التعلم في احلفاظ على النورونات‬ ‫الوليدة مبنطقة احلصني‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يتطلب إعطاء األولوية‬ ‫للكشف عن اآلليات اجلزيئية‬ ‫املسؤولة عن التعلم املترافق بتح ٍّد‬ ‫استعرافي كبير‪ ،‬والقادر على‬ ‫إنقاذ حياة اخلاليا النورونية‬ ‫الوليدة‪ .‬ومما نود أن نعرفه أيضا‪،‬‬ ‫هو التالي‪ :‬ماهي النواقل العصبية‬ ‫املنخرطة في ذلك؟ وما هي‬ ‫پروتينات املستقبالت املشاركة؟‬ ‫ومتى تقوم هذه اآلليات بالعمل‬ ‫على وجه التحديد؟ وهل يساعد‬ ‫التعلم النورونات الوليدة على‬ ‫االندماج في الشبكات العصبية‪،‬‬ ‫أم إنه يعزز بقاء النورونات‬ ‫املندمجة مسبقا؟ وكيف تسهم‬ ‫النورونات الوليدة في دماغ‬ ‫البالغ في تعزيز القدرة على‬ ‫حتصيل املعرفة؟‬ ‫ما زالت تلك النماذج من‬ ‫الدراسات تجُ رى على احليوانات‪.‬‬ ‫إال أننا نود أيضا معرفة املزيد عن‬ ‫التشكل النوروني (تشكل نورونات‬ ‫جديدة) عند اإلنسان‪ ،‬سواء أكان‬ ‫األمر يتعلق باألشخاص األصحاء‬ ‫أم بأولئك الذين يعانون أمراضا‪،‬‬ ‫كمرض ألزهامير على سبيل املثال‪.‬‬ ‫ولتحقيق هذه الغاية‪ ،‬سوف‬ ‫يكون علينا تطوير طرائق بحثية‬ ‫سليمة ملراقبة تو ّلد وموت اخلاليا‬ ‫النورونية اجلديدة في دماغ‬ ‫اإلنسان‪ .‬وبتوفر هذه اإلمكانات‬ ‫البحثية‪ ،‬نصبح قادرين على‬ ‫تسخير جهودنا للبدء مبعاجلة‬ ‫بعض النقاط اخلالفية املثيرة‬ ‫لالهتمام‪ :‬بأي قدر يستمر تشكل‬ ‫نورونات جديدة في دماغ إنسان‬ ‫سليم‪ ،‬مقارنة بدماغ مصاب مبرض‬ ‫ألزهامير؟ هل مُيكن ملداخالت‪،‬‬ ‫كاملعاجلة اجلينية مث ُ‬ ‫ال‪ ،‬أن ترفع‬ ‫عدد النورونات الوليدة في منطقة‬ ‫احلصني عند اإلنسان؟ وهل هناك‬ ‫تدريبات معينة للدماغ من شأنها‬ ‫أن تساعد على احلفاظ على بقاء‬ ‫النورونات الوليدة؟‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫ُيش������ير ما ذكرناه حت������ى اآلن إلى أن‬ ‫اجل������رذان الت������ي ليس لديها س������وى عدد‬ ‫ضئيل م������ن النورونات الولي������دة ال تعاني‬ ‫صعوب������ات تُذك������ر ف������ي عملي������ات التعلم‬ ‫العادي������ة‪ ،‬ولكنها جتد صعوب������ة في تعلم‬ ‫أداء مه������ام ترابطي������ة أكثر تعقي������دا‪ ،‬مثل‬ ‫تعرف أن س������ماع النغمة الصوتية يسبق‬ ‫تنبيه جفن العني دائما بنصف ثانية‪ .‬ومما‬ ‫سبق نخلص إلى أنه إذا كانت النورونات‬ ‫الولي������دة ضرورية فعال للتعل������م‪ ،‬فإنها ال‬ ‫ت������ؤدي دورها في عملي������ة التعلم إ ّال حتت‬ ‫مجموعة خاصة من الظروف التي تتط ّلب‬ ‫بذل جهد استعرافي‪.‬‬ ‫وبلغ������ة البيولوجيا‪ ،‬ميكنن������ا القول إن‬ ‫لذلك التخصص داللة واضحة‪ :‬فاحليوان‬ ‫ال يريد أن ينتظر حتى تنش������أ مجموعة من‬ ‫اخلاليا اجلديدة ليبدأ بعد ذلك بالتك ّيف مع‬ ‫ظروف محيطية لها أثر مباش������ر في بقائه‬ ‫حيا‪ .‬وميكن أن تُستخدم النورونات الوليدة‬ ‫بعد نضجه������ا لد ْو َزنَة أو تعزي������ز املهارات‬ ‫املوج������ودة املتخصصة بتذلي������ل مصاعب‬ ‫احلياة‪ .‬وتُسمى عملية تعزيز هذه املهارات‪،‬‬ ‫بلغة علم النفس‪ ،‬التعلم للتعلم(‪.)3‬‬ ‫ماذا عن دماغي؟‬

‫( )‬

‫إن جميع الدراس������ات التي ناقش������ناها‬ ‫حتى اآلن كانت قد ُأجري������ت على حيوانات‬ ‫املختب������رات؛ فئران أو ج������رذان‪ .‬ولكن‪ ،‬ماذا‬ ‫يح������دث لدى األش������خاص الذي������ن ليس في‬ ‫اس������تطاعتهم إنت������اج نورون������ات جديدة في‬ ‫منطق������ة احلصني؟ مي ّدنا الط������ب احلديث ‪-‬‬ ‫وهذا أم������ر محزن ‪ -‬مبجموع������ة تتكون من‬ ‫أشخاص مت حتضيرهم بعالج دوائي شامل‬ ‫التأثير بسبب إصابتهم بالسرطان‪ .‬و ُيدعى‬ ‫هذا الشكل من العالج «املعاجلة الكيميائية»‬ ‫وه������ي تؤثر في اخلاليا بطريقة مش������ابهة ملا‬ ‫(٭) ?‪What’s Next‬‬ ‫(٭٭) ?‪What about My Brain‬‬ ‫(‪Morris water maze )1‬‬

‫(‪contextual fear conditioning )2‬‬ ‫(‪Learning to learn )3‬‬

‫‪27‬‬


‫كلما كانت املهمة االستعرافية أكثر‬ ‫حتديا‪ ،‬زاد احتمال إنقاذ عدد أكبر من‬ ‫النورونات الوليدة شريطة أن تكون‬ ‫نتائج جتارب احليوان قابلة للتطبيق‬ ‫على اإلنسان‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫يفعل������ه العق������ار ‪ ،MAM‬أي إنها تق������وم بتثبيط‬ ‫انقس������امها‪ .‬وكما هو معروف‪ ،‬فإن االنقسام‬ ‫يشكل شرطا لتش ّكل اخلاليا اجلديدة‪ .‬و ُر مَّبا‬ ‫ال يك������ون األمر صدفة‪ ،‬حيث إن األش������خاص‬ ‫الذين يتلقون معاجلة كيميائية غالبا ما يشتكون‬ ‫من صعوبات في التعلم وتذكر األشياء‪ ،‬وهي‬ ‫مجموعة من األع������راض ‪ -‬أي «متالزمة» بلغة‬ ‫الطب ‪ُ -‬يطلق عليها في اللغة الدارجة أحيانا‬ ‫اسم الدماغ الكيميائي ‪.chemobrain‬‬ ‫وتتوافق هذه املتالزمة‪ ،‬في بعض جوانبها‪،‬‬ ‫م������ع نتائج جتاربنا عل������ى احليوانات‪ .‬فكما أن‬ ‫الق������وارض التي تلقت عالج������ا بالعقار ‪MAM‬‬ ‫ال تعان������ي اضطراب������ات عميقة أو واس������عة في‬ ‫الوظائف االس������تعرافية بل تعان������ي صعوبات‬ ‫طفيفة أو متوسطة الشدة فقط‪ ،‬فإن األشخاص‬ ‫الذي������ن يخضعون للمعاجل������ة الكيميائية أيضا‬ ‫يؤدون وظائفهم كما ينبغي في معظم األحوال‪.‬‬ ‫فيرتدون الثياب ويذهبون إلى العمل و ُيحضرون‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫الطعام ويختلطون بأفراد األس������رة واألصدقاء‬ ‫ويواصلون عيش حياتهم اليومية كما س������بق‪.‬‬ ‫وهذا أمر منطقي بالطبع‪ .‬فإذا ُعدنا مرة أخرى‬ ‫إلى نتائ������ج جتاربنا املختبرية على احليوانات‪،‬‬ ‫لوجدنا‪ ،‬كما ن ّوهنا س������ابقا‪ ،‬أن جرذاننا كانت‬ ‫ُصب‬ ‫قد أعطي������ت امل������ادة ‪ MAM‬ولكنها ل������م ت َ‬ ‫باضطرابات تنبث في الوظائف االس������تعرافية‪،‬‬ ‫ب������ل إنها عانت فق������ط خلال جزئي������ا في بعض‬ ‫عمليات التعلم املعقدة‪ ،‬عمليات متثل ّ‬ ‫لكل واحد‬ ‫منّا ضربا من التحدي‪ .‬كالقيام مبهام متعددة‬ ‫تقتضي االنخراط في مشاريع عدة وفي الوقت‬ ‫نفسه معاجلة معلومات جديدة‪.‬‬ ‫لكي نتمكن من إثبات أن تشكل نورونات‬ ‫جدي������دة له تأثي������ر في التعلم عند اإلنس������ان‪،‬‬ ‫ينبغ������ي عل������ى الباحثني تطوير وس������ائل غير‬ ‫ضارة(‪ )1‬ق������ادرة على استكش������اف نورونات‬ ‫جديدة في دماغ إنس������ان حي‪ ،‬وعليهم أيضا‬ ‫(‪noninvasive )1‬‬


‫اكتشاف طرائق اس������تقصائية قابلة للعكس‪،‬‬ ‫وذلك إليقاف نضج النورونات اجلديدة خالل‬ ‫عملية التعلم‪.‬‬ ‫لقد جرى تطوير الطرائق الس������ابقة‪ ،‬أما‬ ‫الطرائ������ق األخيرة فمن املرج������ح أنها حتتاج‬ ‫إلى بعض الوق������ت لتطويرها‪ .‬لنفترض اآلن‪،‬‬ ‫أن لدين������ا احتياطيا م������ن النورونات اجلديدة‬ ‫اجلاهزة للحفاظ على دماغ اإلنسان رشيقا‬ ‫م������ن الناحية الفكرية‪ .‬فه������ل ميكن عندئذ أن‬ ‫نستغل بشكل ما التشكل النوروني من أجل‬ ‫منع أو معاجلة االضطرابات التي تؤدي إلى‬ ‫تراجع استعرافي؟‬ ‫لندخل في اعتبارنا مرض ألزهامير‪ ،‬وهو‬ ‫مرض يترافق بتخرب عدد كبير من نورونات‬ ‫احلصني ي������ؤدي إلى فقدان مت������درج للذاكرة‬ ‫وتراجع في الق������درة على التعلم‪ .‬ولكن أدمغة‬ ‫مرضى ألزهامير ال تتوقف عن إنتاج نورونات‬ ‫جديدة‪ ،‬إال أن هذه النورونات متوت ‪ -‬على ما‬ ‫يبدو ‪ -‬قبل أن تنضج‪ .‬وقد يكون الس������بب في‬ ‫ذلك‪ ،‬هو أن املرض بحد ذاته َيحول دون نضج‬ ‫تلك اخلاليا من خالل عرقلته مهارة التعلم‪.‬‬ ‫وعل������ى الرغم من الص������ورة القامتة التي‬ ‫حتيط حاليا بأم������راض التعلم والذاكرة‪ ،‬فإن‬ ‫هناك بعض االكتش������افات الواعدة على األقل‬ ‫بالنس������بة إلى مرضى اخلرف ف������ي مراحله‬ ‫األول������ى‪ .‬إلى جان������ب ذلك‪ ،‬فإن الدراس������ات‬ ‫التي ُأجريت على احليوانات والبشر أ ّكدت‪،‬‬ ‫كما أشرنا س������ابقا‪ ،‬أن الرياض���ة الهوائية‬ ‫‪ aerobic‬ومجموع������ة من مض������ادات االكتئاب‬ ‫ُتع������ززان عملية تش������كل نورون������ات جديدة‪.‬‬ ‫ففي دراسة ُنش������رت عام ‪ 2007‬مت إثبات أن‬ ‫املعاجلة الطويلة األم������د مبضادات االكتئاب‬ ‫احلديث������ة ق������ادرة على حتس���ي��ن األداء العام‬ ‫وجودة احلي������اة عند مرضى ألزهامير‪ ،‬وذلك‬ ‫م������ن خالل تعزيزها تش������كل نورونات جديدة‬ ‫وإسهامها في احملافظة عليها‪.‬‬ ‫وهناك أيض������ا حكايات عن حاالت فردية‬ ‫تفيد بأن التعلم الذي يتطلب بذل جهد فكري‬ ‫كبير قد يساعد بعض مرضى ألزهامير‪ .‬وفي‬

‫مؤمتر حول مرض ألزهامير‪ُ ،‬قمت شخصيا‬ ‫بعرض بع������ض نتائج أبحاثنا عل������ى األطباء‬ ‫الس������ريريني والت������ي تفيد بأن تعلم األش������ياء‬ ‫الصعبة يس������هم في احملافظة على النورونات‬ ‫الوليدة‪ .‬وقد أبدى هؤالء اهتماما كبيرا بهذه‬ ‫النتائج ألنها تتوافق مع نتائج استقصاءاتهم‬ ‫الس������ريرية‪ ،‬والتي تشير إلى حتسن أعراض‬ ‫هذا املرض بفعل التعلم املجهد فكريا وخاصة‬ ‫عند املرضى الذين ّ‬ ‫سخروا أنفسهم لفعال ّيات‬ ‫تتطلب بذل مجهود استعرافي كبير‪ .‬ويعتقد‬ ‫بعض األطباء الس������ريريني أن تلك الفعاليات‬ ‫من ش������أنها إبطاء س������ير هذا امل������رض الذي‬ ‫«يسلب العقل‪».‬‬ ‫إ ّال أنه من الس������ذاجة مبكان أن نعتقد أن‬ ‫مجرد القيام مبجموعة من اإلجراءات كتناول‬ ‫مضادات االكتئاب وممارس������ة رياضة ذهنية‬ ‫واالنخ������راط في فعالي������ات تتضمن بذل جهد‬ ‫معرف������ي كبير‪ ،‬كفيل بإعادة حالة الدماغ إلى‬ ‫ما كانت عليه قب������ل اإلصابة مبرض كمرض‬ ‫ألزهامير ال������ذي يقتل كمية م������ن النورونات‬ ‫يتجاوز عددها ع������دد النورونات الوليدة‪ .‬أما‬ ‫إذا أردن������ا أن نك������ون واقعي���ي��ن‪ ،‬فيمكننا أن‬ ‫نتصور ‪ -‬بالطب������ع ‪ -‬أن مثل تلك اإلجراءات‬ ‫من ش������أنها أن تسهم في إبطاء سير املرض‪،‬‬ ‫وم������ا يعنيه ذلك من تخفيف لس������رعة تراجع‬ ‫القدرات االس������تعرافية لدى املرضى الذين‬ ‫يكافح������ون ضد األمراض التنكس������ية‪ ،‬ورمبا‬ ‫لدينا جميعا عندما تأخذ أدمغتنا بالهرم مع‬ ‫تقدمنا في ال ُعمر‪.‬‬ ‫وبحسب القول املأثور «ال ميكنك أن تُع ّلم‬ ‫كلبا كبير الس������ن حيال جديدة»‪ ،‬فإن أكثرنا‬ ‫يج������د صعوبة كبيرة في تعلم أش������ياء جديدة‬ ‫كل ّيا‪ .‬ولكن مع ذلك‪ ،‬إذا أردنا أن نحافظ على‬ ‫مرون������ة أدمغتنا‪ ،‬ففي أغلب الظن لن يضيرنا‬ ‫تعلم لغة جديدة أو ممارسة رقص إيقاعي أو‬ ‫ممارس������ة ألعاب حاسوبية سريعة بعد انتهاء‬ ‫برنامج متاريننا الرياضية ـ حتى إن ذلك قد‬ ‫>‬ ‫يكون مفيدا لنا‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, March 2009‬‬

‫‪29‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل‬

‫‪4/3‬‬

‫‪2010‬‬

‫شركات التقانة احليوية‬ ‫تخطط لتحقيق زراعة مستدامة‬

‫(٭)‬

‫املشـاركـون‬ ‫>‪ .C .J‬بوريل<‬

‫نائب رئيس مجموعة‬

‫‪DuPont‬‬

‫>‪ .V‬فيشر<‬

‫رئيس شركة ‪ Syngenta‬لوقاية‬ ‫احملاصيل في أمريكا الشمالية‬ ‫>‪ .A .D‬فيشوف<‬

‫نائب الرئيس للشؤون التقانية‬ ‫واالستراتيجية والتطوير‬ ‫في شركة ‪Monsanto‬‬ ‫>‪ .A‬گاليندس<‬

‫نائب رئيس وحدة إنتاج‬ ‫احملاصيل العاملية في شركة‬ ‫‪Dow AgroSciences‬‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫في عام ‪ 2050‬ستحتاج‬ ‫الزراعة إلى إنتاج‬ ‫زيادة من الغذاء على ما يتم‬ ‫إنتاجه حاليا بسبب زيادة‬ ‫تعداد سكان العالم‪ .‬وال‬ ‫تستطيع الزراعة التقليدية‬ ‫للمحاصيل ووسائل اإلنتاج‬ ‫املتاحة حتقيق تلك الزيادة‬ ‫واستدامتها‪.‬‬

‫>‬

‫ممثلون عن الشركات‬ ‫الزراعية يدافعون عن‬ ‫احملاصيل احملورة جينيا‬ ‫(التقانات احليوية الزراعية)‬ ‫كونها واحدة من الوسائل‬ ‫احلديثة التي تساعد مزارعي‬ ‫دول العالم الثالث على زيادة‬ ‫واستدامة اإلنتاج الزراعي‪.‬‬

‫‪%50‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪30‬‬

‫قد تدعو احلركات الشعبية إلى مزيد من استخدام‬ ‫الطرائق العضوية في اإلنتاج‪ ،‬ولكن الصناعة‬ ‫الزراعية ترى أن التقانة احليوية جزء‬ ‫حاسم من الزراعة املستقبلية‪.‬‬ ‫إذا كان� � ��ت التنمية البيئية واالقتصادية‬ ‫املس� � ��تدامة في نهاية املطاف هي مس� � ��ألة‬ ‫ت� � ��وازن بني اس� � ��تهالك اجلنس البش� � ��ري‬ ‫وإنتاجه‪ ،‬فعندئذ ال بد أن تعتمد الصناعة‬ ‫الزراعية بشدة على كال طرفي ذلك التوازن‪.‬‬ ‫إن استنزافها ملوارد الكرة األرضية هائل‪،‬‬ ‫فهي تس� � ��تهلك ‪ %70‬من املياه العذبة التي‬ ‫يستحوذ عليها جنسنا البشري‪ ،‬وما يزيد‬ ‫عل� � ��ى ‪ %40‬من س� � ��طح اليابس� � ��ة (تقريبا‪،‬‬ ‫جميع األراضي الصاحل� � ��ة للزراعة)‪ ،‬مع‬ ‫م� � ��ا يرافق ذلك من خس� � ��ارة ف� � ��ي التنوع‬ ‫احليوي‪ .‬تعد الزراعة احلديثة (التي تعتمد‬ ‫على الوسائل احلديثة في اإلنتاج) السبيل‬ ‫الوحي� � ��د إلنتاج الغ� � ��ذاء الكافي لس� � ��كان‬ ‫األرض الذين يتوقع زيادة عددهم من ‪6.8‬‬ ‫بليون إلى ‪ 9‬باليني نسمة في منتصف هذا‬ ‫القرن‪ .‬والطلب املتزاي� � ��د واملتواصل على‬ ‫الغذاء يش� � ��كل حتديا كبيرا ليس للزراعة‬ ‫املس� � ��تدامة فحس� � ��ب وإمنا أيضا للوجود‬ ‫البشري كله‪.‬‬ ‫والزراعة تعتمد عل� � ��ى كثير من التقانات‬ ‫احلديث� � ��ة‪ ،‬ولكن قد تك� � ��ون التقانات احليوية‬ ‫الزراعي� � ��ة م� � ��ن أكثره� � ��ا تأثيرا ف� � ��ي اإلنتاج‬ ‫الزراعي‪ .‬وهذه التقانات تسمح بزيادة معدل‬

‫إنت� � ��اج احملاصيل احلقلية واس� � ��تدامته على‬ ‫الصعيد العامل� � ��ي‪ .‬لقد قام رئي� � ��س التحرير‬ ‫الس� � ��ابق لس� � ��اينتفيك أمري� � ��كان >‪ .J‬ريني� � ��ه<‬ ‫بإجراء مقابلة حول هذا املوضوع مع ممثلني‬ ‫ألربع شركات عاملية رئيسة في مجال التقانة‬ ‫احليوي� � ��ة الزراعي� � ��ة‪ .‬وفيما يلي ن� � ��ورد نبذة‬ ‫مختصرة عن هذه املقابلة‪:‬‬ ‫س���اينتفيك أمري���كان (‪ :)SA‬كم من اجلهود‬ ‫املبذول� � ��ة من قبل الش� � ��ركات جلعل الزراعة‬ ‫والتقانة احليوية الزراعية قابلة لالس� � ��تدامة‬ ‫مُتثل اس� � ��تجابة لطلب في األسواق من أجل‬ ‫االس� � ��تدامة الي� � ��وم‪ ،‬مقابل إحس� � ��اس بأنه‬ ‫س� � ��تكون هناك فرصة س� � ��وقية مستقبلية أو‬ ‫إحلاح من أجلها؟‬ ‫>بوريل<‪ :‬يعد مبدأ االستدامة أمرا جوهريا‬ ‫لشركة ‪ ،DuPont‬وهو مبدأ معتمد ملئتي سنة‪.‬‬ ‫وتعد التقانة احليوية إحدى الوسائل الرئيسة‬ ‫التي تساعدنا على التقدم إلى األمام‪ .‬وأعتقد‬ ‫أن هذه التقانة ستساعدنا وتساعد املزارعني‬ ‫على إنتاج أكبر على األرض نفس� � ��ها أو على‬ ‫جزء منها وبطرق أكثر اس� � ��تدامة‪ .‬وس� � ��وف‬ ‫(٭) ‪BIOTECH'S PLANS TO SUSTAIN AGRICULTURE‬‬


‫تس� � ��اعدنا التقانة احليوية مع تقانات حديثة‬ ‫أخرى على إجناز مهام الشركة بنجاح‪.‬‬

‫>فيش���ر<‪ :‬م� � ��ع التحديات الت� � ��ي نواجهها‪،‬‬ ‫خاصة م� � ��ع منو وزيادة عدد س� � ��كان العالم‬ ‫وتغي� � ��رات النظ� � ��ام الغذائ� � ��ي املعروف� � ��ة منذ‬ ‫‪ 25‬أو ‪ 30‬س� � ��نة‪ ،‬يتعني علين� � ��ا أن ننتج ‪%50‬‬ ‫زي� � ��ادة في الغذاء على ما ننتج� � ��ه اليوم‪ .‬لذا‬ ‫يجب زي� � ��ادة اإلنت� � ��اج في وحدة املس� � ��احة‪.‬‬ ‫وتع� � ��د التقان� � ��ة احليوية الزراعي� � ��ة من وجهة‬ ‫نظرنا في ش� � ��ركة ‪ Syngenta‬إحدى الوسائل‬ ‫لتحقيق ذلك اله� � ��دف‪ .‬وإلدارة هذا التحدي‪،‬‬ ‫س� � ��يحتاج املزارعون إل� � ��ى الوصول ألفضل‬ ‫تقانة متاحة‪.‬‬

‫>فيش���وف<‪ :‬تنقس� � ��م احملاصي� � ��ل الزراعية‬ ‫ف� � ��ي العالم إلى قس� � ��مني‪ :‬قس� � ��م منها يأخذ‬ ‫ما يحتاجه م� � ��ن املياه من مص� � ��ادر كاملطر‬ ‫(الزراعة البعلية)‪ ،‬وقسم من احملاصيل مروي‬ ‫(الزراع� � ��ة املروية) يحتاج املزارعون فيه إلى‬ ‫البح� � ��ث عن مصادر مختلفة لتأمني املياه له‪.‬‬ ‫ولكن أعتقد أنه حتى في احلاالت التي تعتمد‬ ‫فيها احملاصيل على مياه األمطار‪ ،‬فهي في‬ ‫وقت م� � ��ا ال حتصل على حاجاته� � ��ا املثالية‬ ‫من املياه في فترة منوه� � ��ا‪ .‬وطرق التصدي‬ ‫لتلك املش � � �ــكلة من قبــل شـركتي ‪Monsanto‬‬ ‫و ‪ ،industrywide‬هي في واقع األمر قوام ما‬ ‫جنريه حاليا في الزراعة‪.‬‬ ‫وأحد احلل� � ��ول املطروحة من خالل تربية‬ ‫النب� � ��ات‪ ،‬حي� � ��ث ُت ْنت َ​َخب (تُنتق� � ��ى) نباتات أو‬ ‫محاصيل تتحمل اجلف� � ��اف وذلك باالعتماد‬ ‫عل� � ��ى التنوع احليوي الطبيع� � ��ي للمحاصيل‬ ‫بانتخاب س� �ل��االت ترفع مس� � ��تويات حتملها‬ ‫للجف� � ��اف‪ ،‬أي قدراته� � ��ا عل� � ��ى االس� � ��تخدام‬ ‫األفض� � ��ل للماء املت� � ��اح لل� � ��ري‪ .‬إضافة إلى‬ ‫ذلك‪ ،‬هناك حتفيز تل� � ��ك القدرات على حتمل‬ ‫احملاصيل للجفاف وذلك بتطبيق الهندس� � ��ة‬ ‫الوراثية‪ ،‬حيث يجري عزل جينات (مورثات)‬ ‫حت ّمل اجلفاف من مصادر مختلفة وإدخالها‬ ‫ف� � ��ي احملاصيل الرئيس� � ��ة مم� � ��ا يعطي هذه‬ ‫احملاصيل ق� � ��درة أكبر عل� � ��ى حتمل ظروف‬ ‫اجلفاف‪ .‬وأعتقد أن كلتا التقانتني السابقتني‬ ‫تظه� � ��ران نتائ� � ��ج واعدة‪ .‬ومش� � ��كلة اجلفاف‬ ‫قدمية العهد بالنسبة إلى الزراعة‪ ،‬وفي نهاية‬ ‫املطاف أعتقد أننا نش� � ��هد اليوم الذي ميكننا‬ ‫فيه باالعتماد عل� � ��ى التقانة احليوية النباتية‪،‬‬ ‫أن نتطل� � ��ع إلى إنتاج محاصيل تتمتع بكفاءة‬ ‫عالية في استعمال املياه‪.‬‬

‫‪ :SA‬إن أه� � ��م ما يقلق في مج� � ��ال احملافظة‬ ‫واالستدامة هو ما يتعلق باملياه العذبة والتربة‬ ‫الزراعي� � ��ة‪ .‬فما هي أفضل اخليارات التقانية‬ ‫ملعاجلة هذه املشكالت؟ ورمبا أيضا نستطيع‬ ‫التحدث عن خيارات غير تقانية؟‬

‫>بوري����ل<‪ :‬إن تطوي� � ��ر محاصي� � ��ل تتحمل‬ ‫اجلفاف وكذلك تطوير محاصيل ذات كفاءة‬ ‫عالية في اس� � ��تعمال النتروجني أمران بالغا‬ ‫األهمي� � ��ة‪ .‬وال نتوق� � ��ع حتققهما في الس� � ��نة‬ ‫القادم� � ��ة‪ ،‬لكن ذلك ليس بعي� � ��دا جدا‪ .‬وإذا‬

‫>فيش���وف<‪ :‬إن أحد أهداف التقانة احليوية‬ ‫بش� � ��كل عام هو إنتاج أكبر مبس� � ��احة أقل‪،‬‬ ‫وتخفيض تكاليف اإلنتاج عن طريق تخفيض‬ ‫استعمال املبيدات احلش� � ��رية‪ ،‬والتعامل مع‬ ‫القضايا البيئية مثل عدم كفاية املياه للري أو‬ ‫السعي إلى زيادة حتمل احملاصيل للجفاف‪.‬‬ ‫والبد من ذكر أن زيادة تعداد السكان والطلب‬ ‫املتزاي� � ��د على الغذاء مع التغي� � ��رات املناخية‬ ‫أدت إلى مضاعفة االهتمام بالتقانة احليوية‬ ‫الزراعية إليجاد احللول لهذه املشكالت‪.‬‬ ‫>گالين���دس<‪ :‬علين� � ��ا أيض� � ��ا أن نأخذ في‬ ‫احلس� � ��بان أننا كمنتجني بحاج� � ��ة إلى التنبؤ‬ ‫بأحوال السوق والقواعد الناظمة له‪ ،‬واملعايير‬ ‫التس� � ��ويقية في املستقبل بعد ‪ 10‬أو ‪ 15‬سنة‪،‬‬ ‫ألن كل منتج نكتشفه اليوم يحتاج إلى فترات‬ ‫بهذا الطول حتى يتم تسويقه‪ .‬ونعرف دائما‬ ‫أن تلك املعايي� � ��ر اخلاصة باملنتجات معروفة‬ ‫منذ خمسني سنة‪.‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪31‬‬


‫بعض احملاصي� � ��ل للحصول على محاصيل‬ ‫تتحمل اجلفاف‪ .‬ونتوقع أن يتم تسويق أول‬ ‫منتجاتنا املتحملة للجف� � ��اف بعد عام ‪.2011‬‬ ‫كما نعمل على تطوير بدائل أخرى‪ .‬خذ على‬ ‫سبيل املثال املنتج ‪ Invinsa‬املزمع عرضه هنا‬ ‫في الوالي� � ��ات املتحدة‪ .‬إنه يحمي احملاصيل‬ ‫ف� � ��ي فت� � ��رة النضج م� � ��ن درج� � ��ات احلرارة‬ ‫العالية‪ ،‬كم� � ��ا يحمي احملاصيل من اجلفاف‬ ‫اخلفي� � ��ف إلى املتوس� � ��ط وم� � ��ن اإلجهادات‬ ‫النباتية األخرى‪.‬‬

‫سالالت جديدة من احملاصيل لها سمات‬ ‫مرغوب فيها قيد التطوير باستخدام‬ ‫تقانتي التحوير اجليني (التعديل‬ ‫الوراثي) وتربية النبات؛ ولكن ثمة‬ ‫اختالفا في الرأي بني مؤيد ومعارض‬ ‫حول التأثيرات البيئية واألقتصادية‬ ‫لهذه احملاصيل مازال محتدا‪.‬‬

‫كن� � ��ت تفكر في القضايا األخرى التي جئت‬ ‫على ذكرها‪ ،‬فإن احل� � ��ل في أغلب األحيان‬ ‫س� � ��يكون باس� � ��تخدام مجموعة تقانات‪ ،‬أو‬ ‫ميك� � ��ن أن يكون احلل أحيان� � ��ا ال بالتقانات‬ ‫وإمن� � ��ا ب� � ��إدارة اخلدم� � ��ات الزراعية‪ .‬وعلى‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬قام بعض املزارعني بتخفيض‬ ‫عمليات حراثة األرض الزراعية‪ ،‬مما ساعد‬ ‫عل� � ��ى احل� � ��د من تعري� � ��ة الترب� � ��ة وتخفيض‬ ‫التأثي� � ��رات البيئي� � ��ة للزراع� � ��ة ‪ -‬وقد أمكن‬ ‫ذل� � ��ك جزئيا بفض� � ��ل التقدم ال� � ��ذي حتقق‬ ‫في عل����م الوراثة النباتي����ة ‪،crop genetics‬‬ ‫محس� � ��ن للمواد الكيميائية في‬ ‫وباستخدام‬ ‫ّ‬ ‫احملاصيل باس� � ��تخدام جتهي� � ��زات أفضل‬ ‫وهل ّم جرا‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن املنظومة كلها تسير‬ ‫ُق ُدما إلى األم� � ��ام‪ ،‬وفي أغلب األحيان جند‬ ‫املزارعني أكثر اهتماما باستدامة البيئة من‬ ‫أولئك الذين ال يعيشون في املزارع‪.‬‬ ‫>فيش���ر<‪ :‬بالنس� � ��بة إلى ش� � ��ركة ‪،Syngenta‬‬ ‫لدينا برام� � ��ج لتحديد االختالف� � ��ات اجلينية‬ ‫(الوراثي� � ��ة) والتغي� � ��رات الفيزيولوجي� � ��ة في‬ ‫النباتات التي تس� � ��اعدها عل� � ��ى التغلب على‬ ‫اجلف� � ��اف واإلجه� � ��ادات البيئي� � ��ة األخ� � ��رى‪،‬‬ ‫ونحاول إدخال جين� � ��ات (مورثات) اجلفاف‬ ‫املعزولة م� � ��ن خالل تقانة تربي� � ��ة النبات في‬

‫‪32‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫>فيشوف<‪ :‬إن عامة الناس قد ال تدرك أنه في‬ ‫بعض احلاالت ثمة منافع من نشر استخدام‬ ‫التقانة الزراعية احلديثة وتبني مبدأ احملافظة‬ ‫عل� � ��ى الترب� � ��ة الزراعية وتخفي� � ��ض عمليات‬ ‫احلراثة‪ .‬وقد ساعد على حماية التربة تطوير‬ ‫محاصي� � ��ل تتحمل مبيدات األعش� � ��اب‪ ،‬مثل‬ ‫منتجنا ‪( Roundup Ready‬محاصيل محورة‬ ‫جيني� � ��ا (وراثيا) تتحمل مبيدات األعش� � ��اب)‬ ‫ومنتجات أخرى تساعد املزارعني على اتباع‬ ‫طرائق احلراثة املخفف� � ��ة بكفاءة عالية‪ .‬وهذا‬ ‫ليس السبب الوحيد الذي يجعل تقانة حتمل‬ ‫مبيدات األعش� � ��اب جيدة وتساعد املزارعني‬ ‫على حتقيق الزراعة املس� � ��تدامة‪ ،‬ولكنه أحد‬ ‫العوائد اجلانبية التي كثيرا ما يغفل ذكرها‪.‬‬ ‫>گالين���دس<‪ :‬أعتق� � ��د أن جميع الش� � ��ركات‬ ‫املمثلة هنا اليوم سيكون لها استثمارات كبيرة‬ ‫في مجال التقانة احليوية الزراعية‪ ،‬وخاصة‬ ‫في مجال إنتاج احملاصيل املتحملة للجفاف‬ ‫وللفيض� � ��ان أو للزيادة املفرط� � ��ة في املياه أو‬ ‫لالنخفاض� � ��ات ف� � ��ي اس� � ��تخدام النتروجني‬ ‫بالتس� � ��ميد‪ .‬ولكن ثمة فوائد أخ� � ��رى للتقانة‬ ‫احليوية‪ .‬فمثال‪ ،‬نستفيد منها اليوم باحلصول‬ ‫على الزيوت الصحية‪ .‬إذا نظرت في برنامج‬ ‫ش� � ��ركة ‪ Dow AgroSciences‬للحصول على‬ ‫زيوت أوميگا ‪ ،9‬فسيتبني لك أننا في السنوات‬ ‫الثالث املاضية استطعنا إزالة نصف مليون‬ ‫پاوند من الدهون املتحولة والدهون املش� � ��بعة‬ ‫م� � ��ن النظام الغذائي األمريك� � ��ي‪ .‬وإذا نظرت‬


‫ف� � ��ي التأثيرات الثانوية لتلك الدالئل الصحية‬ ‫في البيئة كلها‪ ،‬فس� � ��تعرض لك ناحية يجهل‬ ‫الناس عادة أهميتها‪ ،‬أال وهي ماذا تستطيع‬ ‫الزراعة احلديثة أن توفر لهم‪.‬‬ ‫‪:SA‬‬

‫حتديد املواقع العاملي(‪ .)2‬وهذا يعني أن يزرع‬ ‫البذار الصحيح في املكان الصحيح باالعتماد‬ ‫على توفر الش� � ��روط احلقلية والتطبيق الدقيق‬ ‫الستخدام املبيدات والتسميد النتروجيني أو‬ ‫مدخالت أخرى‪ .‬إنه يس� � ��تفيد من التجهيزات‬ ‫اجلديدة في الري وتقان� � ��ات جديدة للزراعة‪،‬‬ ‫مثل الزراع� � ��ة التكثيفية التي تس� � ��مح بزيادة‬ ‫عدد النباتات في وحدة املساحة لزيادة إنتاج‬ ‫احملاصي� � ��ل املزروعة‪ .‬وال أعتق� � ��د أن واحدا‬ ‫من تل� � ��ك اجلهود مبفرده سيس� � ��مح بتحقيق‬ ‫األهداف املرجوة‪ ،‬وسنحتاج إلى تضافر هذه‬ ‫اجلهود الثالثة معا‪.‬‬

‫هل ثمة معاون� � ��ات تقانة البيولوجية‬

‫(‪)1‬‬

‫تعتمد صناع� � ��ة التقانة احليوية على ظهورها‬ ‫لتحقيق الزراعة املستدامة؟ فمثال‪ ،‬لقد سمعت‬ ‫نقاش� � ��ا متفائال حول حتس� �ي��ن تقانات الري‬ ‫وطرق اس� � ��تخدام تقان� � ��ة املعلومات إليصال‬ ‫املاء إلى احملاصيل بصورة أكثر حذرا‪ ،‬فإلى‬ ‫أي مدى تعتم� � ��د التقانة احليوية على تقانات‬ ‫مكملة في صناعات أخرى؟‬ ‫>فيشوف<‪ :‬في واقع األمر‪ ،‬إن كافة التقانات‬ ‫املذكورة تعمل معا يدا بيد‪ .‬فنحن في ش� � ��ركة‬ ‫‪ Monsanto‬التزمنا بالعمل ملضاعفة اإلنتاج‬ ‫في احملاصيل الزراعية الرئيسية التي نعمل‬ ‫عليها ‪ -‬الذرة وفول الصويا والقطن‪ ،‬بش� � ��كل‬ ‫خاص ‪ -‬وذلك بحلول عام ‪ .2030‬ونحن نرى‬ ‫أن تلك النتيجة س� � ��تتحقق من خالل امتالكنا‬ ‫لثالثة أمناط م� � ��ن اجلهود‪ .‬أولها هو بوضوح‬ ‫التقانة احليوية مبعنى إدخال جينات جديدة‬ ‫وصفات ممي� � ��زة‪ .‬والثاني هو التقانة احليوية‬ ‫أيضا في دعمها تربية احملاصيل وحتسينها‬ ‫وراثيا وذل� � ��ك بتطبيق تقان� � ��ة مرتبطة بالدنا‬ ‫‪ DNA‬ومتوفرة ملربي النبات لزيادة وحتسني‬ ‫إنتاجهم‪ .‬والثالث يتعلق بتحسني املمارسات‬ ‫الزراعية جميعها‪ ،‬وهذه تتضمن زراعة دقيقة‬ ‫باالعتم� � ��اد على االستش� � ��عار من بعد ونظام‬

‫‪:SA‬‬

‫تع� � ��د تقان����ات التحوي����ر اجلين����ي‬

‫(‪)3‬‬

‫للمحاصي� � ��ل واح� � ��دة من أفض� � ��ل التقانات‬ ‫املتاح� � ��ة واملقنعة لل� � ��رأي العام ف� � ��ي تطوير‬ ‫الكثير من املزايا التي ذكرمتوها‪.‬‬

‫فول صويا أخضر مزروع في تربة من دون‬ ‫حراثة وينمو في وسط بقايا محصول‬ ‫القمح‪ ،‬وبهذه الطريقة ميكن احلفاظ على‬ ‫التربة الزراعية الثمينة‪.‬‬

‫>فيش����ر<‪ :‬نحن في شركة ‪ Syngenta‬نعتقد‬ ‫أن تطبي� � ��ق مجموعة مؤتلفة م� � ��ن التقانات‬ ‫احلديثة املختلفة سيس� � ��مح لنا بزيادة إنتاج‬ ‫الغذاء بنس� � ��بة ‪ %50‬في اخلمس والعشرين‬ ‫س� � ��نة القادمة‪ ،‬وهذا مانحت� � ��اج إليه لتأمني‬ ‫الغذاء في مواجهة النمو السكاني العاملي‪.‬‬ ‫لذل� � ��ك‪ ،‬الميكن الق� � ��ول إن التقان� � ��ة احليوية‬ ‫لوحدها‪ ،‬أو البذار احملس� � ��ن وراثيا لوحده‬ ‫يفي بالغرض‪ ،‬فالبد من استخدام التقانات‬ ‫األخرى‪ ،‬مثل اس� � ��تخدام امل� � ��واد الكيميائية‬ ‫في وقاي� � ��ة النبات وتقانات الزراعة املتطورة‬ ‫جميعها لتحقي� � ��ق الزراعة احلديثة‪ .‬ونحن‪،‬‬ ‫بال ش� � ��ك‪ ،‬نعرف أن األغذية احملورة جينيا‬ ‫واملبي� � ��دات هي م� � ��ن أكثر األم� � ��ور املجربة‬ ‫واملدروس� � ��ة عل� � ��ى نطاق واس� � ��ع في قطاع‬ ‫إنتاج الغ� � ��ذاء‪ .‬ويتعني الوثوق بالش� � ��ركات‬ ‫املنتجة وخاصة عندما تصل منتجاتها إلى‬ ‫األسواق على أساس أنها آمنة وغير ضارة‬ ‫من الناحية الصحية إذا استخدمت بالشكل‬ ‫الصحيح حسب التعليمات‪.‬‬

‫(‪nonbiological )1‬‬ ‫(‪global positioning system )2‬‬ ‫(‪transgenic technologies )3‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪33‬‬


‫>فيشوف<‪ :‬اليزال هناك كثير من املناقشات‪،‬‬ ‫وخاص� � ��ة في بعض القطاع� � ��ات حول الغذاء‬ ‫واحملاصي� � ��ل احمل� � ��ورة جيني� � ��ا‪ .‬وأعتقد أن‬ ‫كافة زمالئ� � ��ي يوافقونني الرأي بأن البيانات‬ ‫املتوف� � ��رة توضح أهمي� � ��ة احملاصيل احملورة‬ ‫جينيا ومزاياه� � ��ا‪ ،‬من حيث تخفيض تكاليف‬ ‫اس� � ��تعمال مبيدات احلش� � ��رات‪ ،‬إل� � ��ى زيادة‬ ‫اإلنتاج في وحدة املس� � ��احة وزي� � ��ادة القيمة‬ ‫املضافة إلى املزارعني‪ .‬وقد الحظنا اعتمادا‬ ‫س� � ��ريعا لهذه التقانات من قبل املزارعني في‬ ‫بعض البلدان‪ ،‬عندم� � ��ا أتيحت الفرصة لهم‪.‬‬ ‫وقد رأينا ذل� � ��ك جليا في الوالي� � ��ات املتحدة‬ ‫األمريكية حيث تزرع عدة محاصيل محورة‬ ‫جينيا مثل الذرة وفول الصويا والقطن‪ ،‬وفي‬ ‫كندا يزرع نبات الكانيوال‪.‬‬ ‫وفي الهند‪ ،‬تبلغ املساحة املزروعة بالقطن‬ ‫املقاوم للحشرات‪ ،‬ضعف املساحة املزروعة‬ ‫بالقط� � ��ن احمل� � ��ور جينيا في أمري� � ��كا‪ ،‬مع أن‬ ‫زراعة القطن احمل� � ��ور جينيا قد اعتمدت في‬ ‫الهند بشكل متأخر مقارنة بالواليات املتحدة‬ ‫األمريكي� � ��ة‪ .‬وأعتق� � ��د أن كل بل� � ��د يصبح فيه‬

‫املزارعون قادرين على التصويت بحرية حول‬ ‫ماذا يفضلون‪ ،‬وخاصة بعد أن شهدوا فوائد‬ ‫زراعة القطن احملور جينيا‪ ،‬فإنهم س� � ��يتبنون‬ ‫ما تعرضه التقانة احليوية‪.‬‬ ‫‪ :SA‬إن ال� � ��ر ّد املعهود‪ ،‬كم� � ��ا تعلمون‪ ،‬هو أن‬ ‫فوائد احملاصيل احملورة جينيا تزداد بشكل‬ ‫ال متوازن لدى منتجي البذار واملزارع الكبيرة‬ ‫ولي� � ��س بالض� � ��رورة لدى امل� � ��زارع الصغيرة‬ ‫الشائعة أكثر في املناطق الفقيرة‪ .‬فما يزعج‬ ‫كثيرا م� � ��ن الناس هو اجلان� � ��ب االقتصادي‬ ‫لقضية االستدامة لهذه احملاصيل‪.‬‬

‫«من أكبر التحديات‬ ‫خالل األربعني سنة‬ ‫القادمة مواجهة‬ ‫احتياجات األعداد‬ ‫البشرية املتزايدة‪.‬‬ ‫إنك لن تستطيع ذلك‬ ‫من دون استدامة‬ ‫اإلنتاج الزراعي‪».‬‬ ‫>‪.A‬‬

‫گاليندس< من شركة‬

‫‪Dow AgroSciences‬‬

‫>فيش����وف<‪ :‬يوجد في الهند حاليا‪ ،‬حسب‬ ‫علمن� � ��ا‪ ،‬نحو أربعة مالي� �ي��ن مزارع يزرعون‬ ‫القط� � ��ن املق� � ��اوم للحش� � ��رات‪ ،‬وذل� � ��ك على‬ ‫مس� � ��احات صغيرة جدا‪ .‬وقد الحظنا تبني‬ ‫املبدأ نفس� � ��ه من قبل صغ� � ��ار املزارعني في‬ ‫الفلپ� �ي��ن‪ .‬وفي جن� � ��وب إفريقيا نرى ذلك في‬ ‫زراعة القطن املقاوم للحشرات‪ .‬ومن الواضح‬ ‫أن املزارعني في تلك البلدان يحصلون على‬

‫‪60‬‬

‫‪50‬‬

‫‪30‬‬

‫‪ 14‬دولة عمالقة في ريادتها للتقانة احليوية‬ ‫تتحكم في إنتاج احملاصيل احملورة جينيا‪ .‬والتحدي‬ ‫الكبير أمام الصناعة هو تطوير محاصيل تناسب أكبر‬ ‫عدد من الدول النامية حول العالم‪.‬‬

‫‪megabiotech‬‬

‫‪20‬‬

‫‪10‬‬

‫إس‬ ‫انيا‬ ‫پ‬

‫املك‬ ‫سيك‬

‫اليا‬ ‫ر‬

‫أست‬

‫ا‬ ‫لبني‬ ‫لف‬

‫بو‬ ‫يڤيا‬ ‫ل‬

‫أور‬ ‫غوي‬

‫نوب‬ ‫ج‬ ‫يقيا‬

‫إفر‬

‫غوي‬ ‫ا‬

‫بر‬

‫ا‬ ‫صني‬ ‫ل‬

‫كندا‬

‫هند‬

‫ال‬

‫ا‬ ‫لبرا‬ ‫زيل‬

‫نتني‬ ‫ألرج‬ ‫ا‬

‫يكية‬

‫ألمر‬ ‫دة ا‬

‫ملتح‬ ‫تا‬

‫واليا‬

‫ال‬

‫‪0‬‬

‫‪34‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫املساحة املزروعة بنباتات محورة جينيا (مليون هكتار)‬

‫‪40‬‬


‫محاصيل محورة جينيا (معدلة وراثيا)‬ ‫ُتستخدم في إنتاج الزيوت‪ ،‬وهي (من‬ ‫اليسار إلى اليمني) قطن‪ ،‬فول الصويا‪،‬‬ ‫ذرة‪ ،‬وكانيوال‪ .‬ومن مزايا التحوير‬ ‫اجليني لهذه احملاصيل أنها تتضمن‬ ‫صفة مقاومة ملبيدات احلشرات‪.‬‬

‫أسعار جيدة ملنتجاتهم‪ ،‬س� � ��واء كان املنتج‬ ‫الذي يح� � ��وي بذرة أو خ ّل���ة(‪ )1‬محورة جينيا‬ ‫أو م� � ��ادة كيميائية‪ .‬ويحصل املزارعون على‬ ‫حصة كبيرة من تلك القيمة الكلية‪ .‬وبالتأكيد‬ ‫نحن جميعا نحصل على الربح‪ ،‬فالشركات‬ ‫حتت� � ��اج إلى امل� � ��ال من أجل تغطي� � ��ة نفقات‬ ‫منتجاتها‪ ،‬ولكني ال أعتقد البتة أن الشراكة‬ ‫بني املنتج واملزارع غير متكافئة‪.‬‬ ‫>گالين���دس<‪ :‬إن التح� � ��دي الكبي� � ��ر أمامنا‬ ‫في األربعني س� � ��نة القادمة هو كيف ميكن أن‬ ‫نؤمن احتياجات األعداد الكبيرة من السكان‬ ‫املتزايدة باستمرار‪ .‬ولن نستطيع مواجهة هذا‬ ‫التحدي من دون أن يتم ذلك بشكل مستدام‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن في الوقت نفس� � ��ه‪ ،‬ال ميكن أن نحقق‬ ‫االس� � ��تدامة من دون تأمني حاجات س� � ��كان‬ ‫العالم على مدى األربعني سنة القادمة‪.‬‬ ‫وأعتق� � ��د أن ه� � ��ذا التحدي يحت� � ��اج إلى‬ ‫مناقشة جدية باهتمام كبير‪ .‬انظر إلى القيمة‬ ‫املضافة في العش� � ��ر السنوات املاضية التي‬ ‫حققتها التقانة احليوية ف� � ��ي تطوير الزراعة‬ ‫ومجتمع املزارعني‪ .‬فالتقانة احليوية ليس� � ��ت‬ ‫ه� � ��ي العنصر الوحيد ف� � ��ي املوضوع؛ وإنها‬ ‫ليس� � ��ت األداة الوحيدة الواعدة في جعبتنا‪.‬‬ ‫لكنن� � ��ي أعتقد أن ثمة حقائ� � ��ق تدلنا على أن‬

‫التقانة احليوية صارت إحدى أهم األدوات‪،‬‬ ‫إضاف� � ��ة إل� � ��ى اآلالت الزراعي� � ��ة وتقانة الري‬ ‫وتقان� � ��ة املعلومات‪ ،‬فهي تق� � ��دم احلل لتأمني‬ ‫الغذاء ولتحقيق االستدامة‪.‬‬ ‫>فيش ��ر<‪ :‬إن أهمي� � ��ة عملن� � ��ا‪ ،‬ال تكمن فقط في‬ ‫فوائ� � ��د التقانات التي نطوره� � ��ا‪ ،‬لكن أيضا في‬ ‫إمكانية املبادلة الت� � ��ي علينا اتخاذها‪ .‬وإذا كنا‬ ‫نحتاج إل� � ��ى إنتاج كمية غذاء أكب� � ��ر‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫ميك� � ��ن أن يتحقق إما بزيادة مس� � ��احة األرض‬ ‫املزروع� � ��ة‪ ،‬وه� � ��ذا له أثر ضار ف� � ��ي البيئة وفي‬ ‫املوارد الطبيعية‪ ،‬أو بزيادة الفعالية واإلنتاجية‬ ‫عل� � ��ى مس� � ��احة األرض املتوف� � ��رة‪ .‬وأعتقد أن‬ ‫اجلواب واضح‪ :‬يتعني العمل بك ّد حتى نحصل‬ ‫على أعل� � ��ى معدل إنتاج من املس� � ��احة احلالية‬ ‫املستثمرة مستخدمني أفضل التقانات املتاحة‪.‬‬ ‫‪ :SA‬إنن� � ��ي متأكد م� � ��ن أنكم جميع� � ��ا كثيرا‬ ‫م� � ��ا س� � ��معتم التعليق بأن الس� � ��بب احلقيقي‬ ‫للجوع في العالم لي� � ��س نقص الغذاء‪ ،‬وإمنا‬ ‫هو مش� � ��كلة الفقر‪ .‬وإذا أردن� � ��ا تقدمي الغذاء‬ ‫لشعوب األرض كافة‪ ،‬فسنحتاج إلى إصالح‬ ‫النظام السياسي واالقتصادي واالجتماعي‪.‬‬ ‫فه� � ��ل تخالفونني الرأي؟ هل تش� � ��عرون بأن‬ ‫(‪trait )1‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪35‬‬


‫التقانة احليوية له� � ��ا دور في إحداث التغيير‬ ‫املنش� � ��ود ــ لعله من األسهل تغيير التقانة من‬ ‫إحداث التغيير االجتماعي؟‬ ‫>بوري ��ل<‪ :‬ميك� � ��ن كمث� � ��ال أن نب� � ��دأ بالق� � ��ارة‬ ‫اإلفريقية‪ ،‬حيث توجد أعداد كبيرة من السكان‬ ‫تعاني الفقر وس� � ��وء التغذي� � ��ة‪ ،‬ففي هذه احلالة‬ ‫ميكن أن تساعد التقانات احلديثة‪ .‬لقد سمعنا‬ ‫ببعض القصص ح� � ��ول مزارعني اعتمدوا على‬ ‫التهجني في زراعة الذرة‪ ،‬فكانت النتيجة أن منط‬ ‫حياتهم قد تغير بش� � ��كل كبير ــ لقد استطاعوا‬ ‫تأم� �ي��ن الغذاء لهم ولعائالته� � ��م كما متكنوا من‬ ‫بيع منتجاتهم وكسب مال كاف إلحلاق أوالدهم‬ ‫باملدارس‪ .‬وثمة قصص حول التأثيرات املذهلة‬ ‫ف� � ��ي حياة الناس كما هي ‪ -‬بالنس� � ��بة إلينا في‬ ‫الواليات املتحدة ‪ -‬تقانة أساسية إلى حد ما‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن هذه التأثي� � ��رات ال تتأتى من مجرد‬ ‫اس� � ��تخدام التقانة احلديثة‪ ،‬وإمنا مما يتطلبه‬ ‫ه� � ��ذا االس� � ��تخدام‪ :‬متل� � ��ك األرض والتأم� �ي��ن‬ ‫والتعامل مع الس� � ��وق واالتصاالت وغير ذلك‪.‬‬ ‫وال ش� � ��ك أن في ذلك إدخاال للعلم في التعامل‬ ‫مع األسواق لتحقيق التغيير املنشود‪ .‬وأعتقد‬ ‫أنن� � ��ا ‪ -‬وكذل� � ��ك ش� � ��ركة ‪ - DuPont‬نعمل مع‬ ‫املنظم� � ��ات الدولية واحمللي� � ��ة ومراكز األبحاث‬ ‫لتطوير البني� � ��ة التحتية واإلمكان� � ��ات احمللية‪.‬‬ ‫وفي حالتنا‪ ،‬نحن نعمل مباشرة مع املزارعني‬ ‫في جميع البل� � ��دان تقريبا‪ .‬إضافة إلى التقانة‬ ‫التي تعرضها ش� � ��ركتنا‪ ،‬فإنها تساعدهم على‬ ‫احلصول على املنتج الصحيح في املس� � ��احة‬ ‫الصحيحة‪ ،‬س� � ��واء أكانت في مرك� � ��ز الوالية‬ ‫‪ Iowa‬أو في منطقة محلية بإثيوپيا‪.‬‬ ‫>فيش���وف<‪ :‬نح� � ��ن ال نس� � ��تطيع حل جميع‬ ‫مش� � ��كالت العال� � ��م املتعلقة بالفق� � ��ر وتوزيع‬ ‫الغ� � ��ذاء‪ ،‬لك� � ��ن الش� � ��يء الذي ميكنن� � ��ا فعله‬ ‫هو التأك� � ��د من أن تقاناتنا متوفرة وس� � ��هلة‬ ‫الوصول إلى املزارعني مهما كانت مقاييس‬ ‫مزارعهم أو بلدانهم‪.‬‬ ‫وأحد األمثلة ه� � ��و الطريقة التي ميكن أن‬ ‫نعمل وفقها مع املنظمات املختلفة األقدر على‬ ‫‪36‬‬

‫التصدي لتلك املشكالت‪ .‬ولشركة‬ ‫ش� � ��راكة مع بعض املعاه� � ��د الزراعية الدولية‬ ‫ومع مؤسسة گيتس ‪ ،Gates Foundation‬حيث‬ ‫نعم� � ��ل على توزيع تقان� � ��ة حت ّمل اجلفاف في‬ ‫أصناف وهجن ال� � ��ذرة املتأقلمة مع الظروف‬ ‫البيئية اإلفريقية بأسرع ما ميكن بعد توفرها‬ ‫للمزارعني في أمريكا‪.‬‬

‫‪Monsanto‬‬

‫>فيش���ر<‪ :‬إنه النهج نفس� � ��ه الذي نتبعه في‬ ‫ش� � ��ركة ‪ .Syngenta‬فنح� � ��ن نط� � ��ور تقاناتن� � ��ا‬ ‫ونحاول أقلمته� � ��ا بحيث يقوى املزارعون في‬ ‫جميع أنح� � ��اء العالم على احتم� � ��ال نفقاتها‪.‬‬ ‫كما نطبق سياس� � ��ة تزوي� � ��د تقاناتنا من دون‬ ‫حقوق ملكية‪ ،‬وذلك من أجل أن يستفيد منها‬ ‫مزارعو دول العالم الثالث‪.‬‬ ‫>فيش���وف<‪ :‬ونح� � ��ن أيضا ال نس� � ��تطيع أن‬ ‫نتجاه� � ��ل أننا حققنا اآلن إلى حد ما التوازن‬ ‫بني توفير الب� � ��ذار لهذه احملاصي� � ��ل وزيادة‬ ‫الطلب عليها في كل ع� � ��ام‪ .‬والبد من حتقيق‬ ‫الت� � ��وازن بني زيادة عدد الس� � ��كان واإلنتاج‪.‬‬ ‫وهذا ما يتطلب حتقيق زيادة في اإلنتاج كي‬ ‫ال يح� � ��دث نقص في تغذية بعض الس� � ��كان‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬فإنن� � ��ا نحتاج إلى احلف� � ��اظ على هذا‬ ‫الزخم(‪ )1‬في زيادة احملصول واإلنتاجية‪ ،‬وإال‬ ‫سنكون في وضع حرج أكثر‪.‬‬ ‫>بوري���ل<‪ :‬قد يتفاجأ البعض عندما يدركون‬ ‫أن� � ��ه في ع� � ��ام ‪ 2008‬قام أكثر م� � ��ن ‪ 13‬مليون‬ ‫مزارع في العال� � ��م بزراعة محاصيل محورة‬ ‫جيني� � ��ا واملفاج� � ��أة أكبر عندم� � ��ا نعلم أن ‪12‬‬ ‫مليونا منه� � ��م ميتلكون م� � ��زارع صغيرة في‬ ‫بل� � ��دان متعددة م� � ��ن العالم‪ .‬وحت� � ��ى اآلن لم‬ ‫تدخل التقانات املتقدمة عددا كبيرا من بلدان‬ ‫العالم؛ ولكن هن� � ��اك الكثير من اجلهود التي‬ ‫تقوم بها الصناعة‪ ،‬ونحن أيضا كشركة‪ ،‬من‬ ‫أجل توفير تلك التقانات حيث ميكنها إحداث‬ ‫تغيير حقيقي إلى األفضل‪ ،‬بغض النظر عن‬ ‫>‬ ‫حجم العملية الزراعية‪.‬‬ ‫(‪momentum )1‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬


‫تتمة الصفحة ‪( 19‬أفول اإلنسان النياندرتالي)‬

‫النياندرتاليني من الطاقة أكثر مبقدار يتراوح‬ ‫م� � ��ا بني ‪ 100‬و ‪ 350‬س� � ��عرا حراريا (كالوري)‬ ‫تقريبا من احتياجات أفراد اإلنس� � ��ان احلديث‬ ‫الذين كانوا يعيش� � ��ون في الظ� � ��روف املناخية‬ ‫نفس � � �ـــها‪ ،‬وذلــك انس� � ��جاما مــع منوذج ق ّدمه‬ ‫كل من >‪ .W .A‬فروهل< [من جامعة كاليفورنيا‪،‬‬ ‫س� � ��ان دييگو] و >‪ .E .S‬تشرش� � ��ل< [من جامعة‬ ‫ديوك]‪ .‬فأفراد اإلنسان احلديث‪ ،‬حينئذ‪ ،‬ميكن‬ ‫أن يكونوا قد نافسوا في الواقع النياندرتاليني‬ ‫مبزي� � ��ة كونه� � ��م أكثر توفي� � ��را للطاق� � ��ة ‪ :‬إنّهم‬ ‫باس� � ��تخدامهم طاقة أقل لنشاطاتهم املعتادة‬ ‫يعني أنّ أفراد اإلنس� � ��ان احلديث استطاعوا‬ ‫أن يك ّرس� � ��وا طاقة أكثر لتكاثرهم وتأمني بقاء‬ ‫صغارهم على قيد احلياة‪.‬‬ ‫وثم� � ��ة اخت� �ل��اف آخر ب� �ي��ن النياندرتاليني‬ ‫واحلديثني يس� � ��تحق الذكر‪ ،‬أال وهو االختالف‬ ‫ال� � ��ذي م ّكن من حتس� �ي��ن بق� � ��اء احلديثني على‬ ‫قي� � ��د احلياة بطرائ� � ��ق كثيرة‪ .‬فق� � ��د بينّ بحث‬ ‫أجرته >‪ .R‬كس� � ��پاري< [من جامعة متش� � ��يكان‬ ‫املركزية] أنّه قبل نحو ‪ 30 000‬س� � ��نة‪ ،‬بدأ عدد‬ ‫أفراد اإلنس� � ��ان احلديث الذين عاش� � ��وا حتى‬ ‫أعمار متقدمة بص� � ��ورة كافية ليصبحوا بعمر‬ ‫األجداد‪ ،‬بالزيادة بس� � ��رعة وبصورة مفاجئة‪.‬‬ ‫ول� � ��م يعرف متاما ما الذي س � � � ّرع هذه الزيادة‬ ‫ف� � ��ي طول العم� � ��ر‪ ،‬غير أنّه كان له� � ��ذه الزيادة‬ ‫نتيجت� � ��ان أساس� � ��يتان‪ :‬األولى‪ ،‬تَو ّف� � ��ر للناس‬ ‫سنوات أكثر للتكاثر‪ ،‬ومن ثم زيادة في قدرات‬ ‫خصوبته� � ��م‪ .‬والثانيـة‪ ،‬توف� � ��ر لديهم املزيد من‬ ‫الوقت الكتســـاب معارف متخصصـــة ونـقــلها‬ ‫إلى اجليـــل التالي ــــــ على سبيل املثال‪ ،‬معرفة‬ ‫أين توجد مياه الش� � ��رب ف� � ��ي أوقات اجلفاف‪.‬‬ ‫ويع ّلق >س� � ��ترنگر< على ذلك بالقول‪« :‬إنّ البقاء‬ ‫عل� � ��ى قيد احلياة ملدة طويلة يعطي فرصا أكبر‬ ‫لتوسيع الشبكات االجتماعية وتخزين معارف‬ ‫أوس� � ��ع‪ ».‬وفي املقابل‪ ،‬فهو يفت� � ��رض أنّ بقاء‬ ‫النياندرتاليني على قيد احلياة ملدة أقصر جعل‬ ‫معارفهم أكثر عرضة للضياع‪.‬‬ ‫وميك� � ��ن أن تتوفر أدل� � ��ة إضافية تدل على‬ ‫س� � ��بب ُأف� � ��ول النياندرتاليني وذل� � ��ك من حتليل‬ ‫تسلس� � ��ل جين���وم ‪ genome‬النياندرتاليني‪ .‬ومن‬

‫‪20‬‬

‫املتوقع نشر التسلس� � ��ل الكامل لهذا اجلينوم‬ ‫خالل ع� � ��ام ‪ .2009‬غي� � ��ر أنّه م� � ��ن احملتمل أن‬ ‫ّ‬ ‫يتأخر ظهور األجوب� � ��ة؛ ألن العلماء ال يعرفون‬ ‫الش� � ��يء الكثير عن ال� � ��دالالت الوظيفية ملعظم‬ ‫مناطق جينوم اإلنس� � ��ان احلدي� � ��ث‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫جينوم اإلنسان النياندرتالي‪« .‬إنّنا بعيدون كل‬ ‫البعد عن تفس� � ��ير ما يكش� � ��فه جينوم اإلنسان‬ ‫النياندرتال� � ��ي‪ ».‬ه� � ��ذا ما يذكره >س� � ��ترنگر<‪.‬‬ ‫إضاف� � ��ة إلى ذلك‪ ،‬ال ت� � ��زال هناك التحاليل في‬ ‫املس� � ��تقبل الت� � ��ي ربمّ ا س� � ��تم ّكننا من حتديد‬ ‫دقيق لالختالفات األيضية (االس� � ��تقالبية) أو‬ ‫االختالف� � ��ات في املعارف املكتس� � ��بة بني أفراد‬ ‫املجموعتني‪ .‬وعلى س� � ��بيل املث� � ��ال‪ ,‬ميكن لهذه‬ ‫االختالف� � ��ات أن تزودن� � ��ا أيضا بج� � ��واب أكثر‬ ‫دقة عن الس� � ��ؤال فيما إذا كان النياندرتاليون‬ ‫واحلديثون يتهجنون ‪ interbreed‬فيما بينهم‪.‬‬ ‫إن لغز العص� � ��ر احلجري احمل ّير حول من‬ ‫املسؤول عن أفول النياندرتاليني‪ ،‬اليزال خفيا‬ ‫متاما‪ .‬غي� � ��ر أنّ الباحثني يلتق� � ��ون عند نتيجة‬ ‫واح� � ��دة؛ وهي أ ّن� � ��ه بصرف النظ� � ��ر ع ّما إذا‬ ‫كان عامل املن� � ��اخ أو عامل التنافس مع أفراد‬ ‫اإلنس� � ��ان احلديث‪ ،‬أو كان العامالن معا‪ ،‬هما‬ ‫الس� � ��بب الرئيس� � ��ي في أف� � ��ول النياندرتاليني‪،‬‬ ‫ف� � ��إنّ العوامل احمل � � � ّددة املتح ّكمة في انقراض‬ ‫مجموع� � ��ات خاصة من هؤالء البش� � ��ر القدماء‬ ‫كانت تختلف بالتأكيد من مجموعة إلى أخرى‪.‬‬ ‫فبعض املجموعات ميك� � ��ن أن تكون قد هلكت‬ ‫من املرض وبعضها اآلخر من التهجني‪ .‬ويع ّلق‬ ‫واد‬ ‫>فينليسون< على ذلك بقوله‪« :‬قد تكون لكل ٍ‬ ‫قصته اخلاصة عن تاريخه‪».‬‬ ‫يؤ ّكد >فينليسون< أنّ آخر النياندرتاليني‬ ‫املعروف� �ي��ن الذين بقوا عل� � ��ى قيد احلياة‪ ،‬هم‬ ‫الذين عاشوا في كهوف شواطئ جبل طارق‬ ‫قبل نحو‪ 28 000‬سنة‪ ،‬وهؤالء لم يقضوا أيامهم‬ ‫في منافسة احلديثني؛ نظرا ألنّ احلديثني لم‬ ‫يس� � ��تقروا هناك على ما يب� � ��دو إ ّال بعد آالف‬ ‫السنني من انقراض النياندرتاليني‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫فإنّ البقي� � ��ة الباقية من قصتهم تتط ّلب املزيد‬ ‫>‬ ‫من البحث والتنقيب‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, August 2009‬‬

‫‪37‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل‬

‫‪4/3‬‬

‫‪2010‬‬

‫م ّتهمون ُجدد في إحداث اآلالم املزمنة‬

‫(٭)‬

‫إن اخلاليا الدبقية هي مبثابة قـ ِّيم على اجلهاز العصبي‬ ‫الذي ميكن لرعايته أن تتجاوز ذلك بكثير‪ .‬وتطويع هذه اخلاليا يحمل‬ ‫آماال واعدة بالقدرة على تسكني اآلالم التي تعجز األدوية احلالية عن تخفيفها‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫(‪)1‬‬

‫>‪ .D .R‬فيلدز>‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫إنّ األلم املزمن الذي يستمر‬ ‫بعد شفاء األذية‪ ،‬يكون‬ ‫ناجما في معظم األحيان عن‬ ‫استثارة زائدة للنورونات‬ ‫املسؤولة عن حس األلم‬ ‫والتي ترسل اإلشارات من‬ ‫دون وجود منبِّه خارجي‪.‬‬

‫>‬

‫ِّ‬ ‫املسكنة التقليدية‬ ‫إنّ األدوية‬ ‫التي تستهدف اخلاليا‬ ‫العصبية مباشر ًة‪ ،‬ال تفيد‬ ‫إ ّال نادرا في تهدئة هذه‬ ‫الرسائل األملية الشا ّذة‪ ،‬وذلك‬ ‫ألنّ احلساسية املرتفعة‬ ‫َّ‬ ‫يتحكم فيها‬ ‫للنورونات هنا‬ ‫منط مختلف من اخلاليا ُتدعى‬ ‫اخلاليا الدبقية ‪.glia cells‬‬

‫>‬

‫تقوم اخلاليا الدبقية مبراقبة‬ ‫نشاط النورونات وبضبطه‪،‬‬ ‫وحتاول أن حتافظ على هذه‬ ‫النورونات في حالة صحية‬ ‫جيدة تسمح لها مبمارسة‬ ‫وظائفها بشكل صحيح‬ ‫وفعّ ال‪ .‬ولكنّ ارتكاسات‬ ‫دبقية)‪ (3‬لأللم الشديد‪ ،‬ميكنها‬ ‫في بعض األحيان أن تطيل‬ ‫أمد هذا األلم‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪38‬‬

‫انزلقت قدم >هيلني< اليس������رى عن د ّواسة‬ ‫القاب������ض (الدوبرياج)‪ ،‬وه������ي حتاول الضغط‬ ‫عليه������ا‪ ،‬وأ ّدى هذا إل������ى الت������واء كاحلها عند‬ ‫اصطدامه بأرضية الس������يارة‪ .‬وحسبما تتذكر‪،‬‬ ‫حينئذ بحدوث وثي ‪ sprain‬بسيط‪،‬‬ ‫فقد شعرت‬ ‫ٍ‬ ‫لكن األلم ظل متواص���ل��ا ال يهمد‪ ،‬بل بالعكس‬ ‫ّ‬ ‫ازدادت شدته‪ .‬وفي نهاية األمر‪ ،‬صار اللمس‬ ‫اخلفي������ف ـ حت������ى التماس اللطي������ف مع غطاء‬ ‫الس������رير القماش������ي ـ يطلق بارقة تشبه التيار‬ ‫الكهربائي تنطلق صاعدة إلى ساقها‪« .‬لقد كان‬ ‫األلم شديدا جدا بحيث منعني حتى من الكالم‪،‬‬ ‫كنت في قرارة نفسي أصرخ‬ ‫وفي الوقت نفسه ُ‬ ‫بس������ببه‪ ».‬هذا ما كتبته تلك السيدة اإلنكليزية‬ ‫الشابة في إحدى الصحف اإللكترونية‪ ،‬تصف‬ ‫احلالة الغامضة التي ع َّذبتها ملدة ثالث سنوات‬ ‫تلت احلادثة األولية‪.‬‬ ‫إنّ األلم املزمن الذي يشكو منه األشخاص‬ ‫مثل >هيلني<‪ ،‬يختلف ع������ن الصفعة التحذيرية‬ ‫التي يسببها األلم احلا ّد‪ ،‬فاأللم احلا ّد هو أكثر‬ ‫األحاسيس الش������ديدة إنذارا للجسم‪ ،‬والهدف‬ ‫منه ه������و منعنا م������ن إحداث املزي������د من األذى‬ ‫ألنفسنا‪ .‬وهذا النمط من األلم ُيدعى أيضا األلم‬ ‫الپاثولوج���ي ‪ ،pathological pain‬ألنّ ما يس ّببه‬ ‫هو عامل خارجي (مثل حدوث تلَف نس������يجي)‬ ‫ُيطلِق اإلشارات التي تسير عبر اجلهاز العصبي‬ ‫إلى الدماغ‪ ،‬وهناك يتم إدراكها وتفسيرها على‬ ‫أنه������ا ألم‪ .‬ولكن تص َّور أنّ األلم املبرح بس������بب‬ ‫اعتصار األمع������اء الناجم عن أذي������ة حقيقية ال‬

‫يتو َّقف أبدا؛ حتى بعد ش������فاء اآلفة األساسية‪،‬‬ ‫أو تص ّور أنّ األحاس������يس العادية التي نشعر‬ ‫بها يوميا صارت موجع ًة بش������كل مفرط‪ :‬تتذكر‬ ‫>هيل���ي��ن< حالته������ا فتقول «لم أ ُك������ن قادرة على‬ ‫ّ‬ ‫االس������تحمام بواس������طة ال ُّدش‬ ‫(املرشة) ‪ ...‬ألنّ‬ ‫امل������اء كان يؤملني كأنه طعن������ات خناجر‪ .‬وكانت‬ ‫اهتزازات الس������يارة أو مشي األشخاص فوق‬ ‫أل������واح األرضية أو حت������ ّدث الناس مع بعضهم‬ ‫تفجر األلم الذي ال‬ ‫أو هبوب النسيم العليل ‪ِّ ...‬‬ ‫ميكن السيطرة عليه‪ .‬واألدوية املس ِّكنة الشائعة‬ ‫‪ ...‬حت������ى املورفني ‪ ،morphine‬ل������م يكن لها أي‬ ‫تأثير‪ ،‬لقد كان األمر يبدو وكأنّ عقلي يخدعني‬ ‫ويتالعب بي‪».‬‬ ‫ّ‬ ‫احلظ‪ ،‬كانت >هيلني< على صواب‬ ‫ولس������وء‬ ‫ف������ي رأيه������ا‪ ،‬فأملها املزمن كان منش������ؤه خلال‬ ‫وظيفيا في دارات اجلسم املتع ّلقة باأللم‪ ،‬أ ّدى‬ ‫إلى إطالقها املس������تمر إن������ذارا كاذبا‪ ،‬وهو ما‬ ‫ندعوه باالعت�ل�ال العصبي ‪neuropathic‬؛ ألنه‬ ‫ينجم عن س������لوك خاطئ لألعصاب نفس������ها‪.‬‬ ‫وعندما تصل اإلش������ارات الكاذبة إلى الدماغ‪،‬‬ ‫يكون الشعور باأللم املبرح الذي حتدثه حقيقيا‬ ‫مثله مثل أي أل ّم خطير مه ِّدد للحياة‪ ،‬لكنه هنا‬ ‫يبق������ى ثابتا ال يزول أبدا‪ ،‬ويك������ون األطباء في‬ ‫)٭( ‪NEW CULPRITS IN CHRONIC PAIN‬‬

‫)‪ (1‬يضم اجلهاز العصبي املركزي نوعني من اخلاليا العصبية‬ ‫(العصبون������ات) ‪ :neural cells‬اخلاليا النورونية (النورونات‬ ‫ومفرده������ا نورون ‪ )neuron‬واخلالي������ا الدبقية ‪( glial cells‬أو‬ ‫‪ )glia‬أو الدب������ق العصبي‪ .‬انظر في ه������ذا العدد‪« :‬احملافظة‬ ‫على خاليا الدماغ اجلديدة‪».‬‬ ‫)‪ (2‬ج‪ :‬ق ِّيم ‪caretakers‬‬ ‫(‪glial reactions )3‬‬


‫معظم األحيان عاجزين عن تهدئته‪.‬‬ ‫تفس������ر لن������ا األبحاث‬ ‫ف������ي نهاي������ة األمر‪ّ ،‬‬ ‫احلديثة س������بب فش������ل العقاقي������ر التقليدية ‪-‬‬ ‫ف������ي معظم األحيان ‪ -‬في الس������يطرة على ألم‬ ‫االعت���ل��ال العصب������ي‪ :‬ق������د تك������ون األدوية تلك‬ ‫تس������تهدف النورونات فقط‪ ،‬في حني ميكن أن‬ ‫يكون املصدر املس������تبطن لأللم ه������و خلل أداء‬ ‫خالي���ا ال نوروني���ة)‪ (1‬وهي اخلالي������ا الدبقية‬ ‫(خاليا الدب������ق العصبي)‪ ،‬وه������ي تتوضع في‬ ‫الدم������اغ وفي النخاع الش������وكي‪ .‬وتبزغ حاليا‬ ‫أفكار وآراء جديدة بشأن معاجلة األلم املزمن‪،‬‬ ‫نتيجة ملا حت َّقق مؤخرا من تن ّبه إلى أنّ اخلاليا‬ ‫الدبقي������ة ‪ -‬الت������ي تعم ــل أسـاس������ا على رعاية‬ ‫نشاط النورونات وفعاليتها ‪ -‬ميكن أن تُصاب‬ ‫هي نفس������ها باالضطراب واخللل‪ ،‬وأن تش ّوش‬ ‫وظيف������ة النورونات وهي نفس������ها فكرة مبتكرة‬ ‫لعالج األلم املزمن‪ .‬وتزودنا أيضا تلك األفكار‬ ‫بوجهة نظر مفاجئة تتع ّلق بالظاهرة املؤس������فة‬ ‫التي تالزم املعاجلة الراهنة لأللم الذي يصيب‬ ‫بعض األش������خاص‪ :‬وهي ظاهرة اإلدمان على‬ ‫املخدِّرات ‪.narcotic addiction‬‬

‫[أساسيات]‬

‫دارة األلم‬

‫(٭٭)‬

‫تسير األحاسيس من منطقة اإلصابة في اجلسم عبر ثالث مراحل من الدارة العصبية‪ ،‬قبل‬ ‫أن يت ّم إدراكها من قبل الدماغ وتفسيرها على أنها ألم‪ .‬وفي نقطة اإلبدال الواقعة في النخاع‬ ‫الشوكي حيث تنتقل الرسائل من املرحلة األولى إلى املرحلة التالية‪ ،‬تقوم خاليا داعمة ُتدعى‬ ‫اخلاليا الدبقية ‪ glia cells‬مبراقبة سلوك النورونات وتنظيمه لتسهيل نقل اإلشارات‪.‬‬ ‫محوار‬ ‫نورونات‬ ‫شوكية لأللم‬

‫النورونات‬

‫قرن ظهري‬

‫‪DRG‬‬

‫نورونات‬ ‫شوكية لأللم‬ ‫جسم خلية‬ ‫نورونية‬ ‫حسية‬ ‫ّ‬

‫النخاع‬ ‫الشوكي‬

‫محوار (ليف‬ ‫عصبي)‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫عصب‬ ‫حسي‬ ‫ّ‬

‫عصب‬

‫دارات األلم وفاصالتها‬

‫)٭( ‪Pain Circuits and Breakers‬‬ ‫)٭٭( ‪PAIN CIRCUITRY‬‬ ‫)‪nonneuronal cells (1‬‬ ‫)‪Dorsal root ganglion (2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫إشارة ألم‬

‫(٭)‬

‫إنّ فه������م املس������ ِّببات التي ميك������ن أن تؤدي‬ ‫إل������ى اس������تمرار األلم بع������د ش������فاء اإلصابة‬ ‫األصلية‪ ،‬يس������تلزم بعض املعرفة عن مس ِّببات‬ ‫األلم بش������كل عام‪ .‬فمع أنّ اإلحساس باألذية‬ ‫يت������ ّم إدراكه في نهاية األمر ف������ي الدماغ‪ ،‬فإنّ‬ ‫اخلاليا العصبية التي تولده ال تتوضع هناك؛‬ ‫ب������ل هي في واقع األم������ر تترتَّب ضمن النخاع‬ ‫احلسية من‬ ‫الش������وكي‪ ،‬حيث جتمع املعلومات‬ ‫ّ‬ ‫جميع أنحاء اجلس������م‪ .‬مت ِّث������ل نورونات عقدة‬ ‫اجل���ذر الظه���ري )‪ (2)(DRG‬املرحلة األولى من‬ ‫دارة اإلحساس باأللم املكونة من ثالثة أقسام‪،‬‬ ‫وحتتش������د أجس������ام خالياها مثل عناقيد من‬ ‫العنب في ش������قوق مناطق االتّصال بني فقرات‬ ‫العمود الفقري‪ ،‬فتش������به بذلك ‪ -‬وهي متت ّد من‬

‫قشرة املخ‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫أعصاب‬ ‫فقرة‬ ‫مكان اإلصابة‬

‫‪ ‬اإلحساس باأللم‬

‫حسية ‪ ‬مسؤولة عن التقاط‬ ‫بعد حدوث أذية ما ــ مثل كسر إصبع في القدم ــ تقوم أعصاب ّ‬ ‫التنبيهات الضا ّرة بحمل اإلشارات من القدم إلى القرن الظهري للنخاع الشوكي‪ .‬وفي داخل‬ ‫احلسية ّ‬ ‫مخصصة لنقل‬ ‫بث الرسائل إلى نورونات‬ ‫النخاع الشوكي تعيد تلك األلياف العصبية‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫حس األلم تقوم بدورها بحمل اإلشارات صعودا ضمن النخاع الشوكي إلى قاعدة الدماغ ‪.‬‬ ‫وعندما تصل اإلشارات إلى قشرة املخ ‪ ،‬يت ّم إدراكها وتفسيرها على أنها ألم‪.‬‬

‫املتنصتني‪‬‬ ‫توافق‬ ‫ِّ‬

‫تحُ اط النورونات بخاليا جنمية‬ ‫وخاليا دبيقية ميكروية‪ ،‬وهي خاليا‬ ‫مساعدة تو ِّفر لتلك النورونات‬ ‫التغذية واحلماية‪ .‬و ُتدعى هذه‬ ‫اخلاليا الداعمة بشكل إجمالي‬ ‫باخلاليا الدبقية‪ ،‬وهي تقوم أيضا‬ ‫مبراقبة الفعالية العصبية وتنظيمها‬ ‫عن طريق املشاركة في عوامل تزيد‬ ‫احلساسية أو تخمدها حسب‬ ‫احلاجة‪ ،‬بهدف احملافظة على إرسال‬ ‫اإلشارات العصبية‪.‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫خلية جنمية‬ ‫خلية دبيقية‬

‫‪microglia‬‬

‫عوامل‬ ‫دبقية‬

‫‪39‬‬


‫العصعص حتى اجلمجم������ة ‪ -‬ص ّفي األزرار‬ ‫اللذي������ن نراهما على س������ترة مزدوجة الصدر‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وكل نورون ‪ - DRG‬وكأنه ٌ‬ ‫باسط ذراعيه‬ ‫رجل‬ ‫مجس‬ ‫املفتوحتني إل������ى كال اجلانبني ‪ -‬ميتد‬ ‫ٌ‬ ‫‪ feeler‬نحي ٌـل ُيعـ َرف باحملوار ‪ axon‬أو الليف‬ ‫‪ fiber‬باجت������اه اخلارج ليمس������ح ناحية ضئيلة‬ ‫املس������افة من اجلسم في حني يصل في اجلهة‬ ‫املقابل������ة مح������واره اآلخر إلى داخ������ل النخاع‬ ‫الش������وكي ليالمس نورونا يعي������د بثّ الدفعات‬ ‫عب������ر املرحلة الثانية في مجموعة دارات األلم‪،‬‬ ‫وهي سلس������لة من نورونات النخاع الشوكي‪.‬‬ ‫وتتعاق������ب تلك اخلاليا الش������وكية الناقلة لأللم‬ ‫ف������ي مهمة إعادة بث الرس������ائل ضمن النخاع‬ ‫الشوكي انطالقا من النورونات ‪ DRG‬صعودا‬ ‫إل������ى املرحلة النهائية‪ ،‬حي������ث تصل إلى جذع‬ ‫الدماغ وفي نهاية املطاف إلى قشرة املخ‪ .‬وتعبر‬ ‫إشارات األلم داخل النخاع الشوكي الناشئة‬ ‫من اجلانب األيسر إلى اجلهة األخرى لتنتقل‬ ‫ُرس������ل إشارات‬ ‫إلى الدماغ األمين‪ ،‬في حني ت َ‬ ‫اجلانب األمين إلى الدماغ األيسر‪.‬‬ ‫أي‬ ‫وميك������ن ملقاطعة س������يل املعلومات في ّ‬ ‫نقط������ة على ط������ول دارة األل������م ذات املراحل‬ ‫الثالث‪ ،‬أن تؤدي إل������ى تخفيف األلم احلا ّد‪.‬‬ ‫وتقوم املب ِّنجات املوضعية ـ مثل النوڤوكايني‬ ‫‪ novocain‬الذي يس������تخدمـه أطبـاء األس������نان‬ ‫خللع األسنان من دون ألم ـ بتخدير نهــاي ـ ــات‬ ‫احملاوي������ر حول موضع احلق������ن‪ ،‬فتمنع بذلك‬ ‫اخلاليا املعنية من إطالق الدفعات العصبية‬ ‫الكهربائي������ة‪ .‬واإلحص���ار الش���وكي «‪spinal‬‬ ‫‪ - »block‬ال������ذي ُيس������تخدم ف������ي كثي������ر من‬ ‫األحيان إلزالة األلم خ���ل��ال الوالدة ‪ -‬يوقف‬ ‫دفعات األلم عند املرحلة الثانية للدارة‪ ،‬وذلك‬ ‫عندما تدخ������ل حزم محاوير النورونات ‪DRG‬‬ ‫إلى النخاع الش������وكي لتلتقي مع النورونات‬ ‫الشوكية‪ .‬وهذا اإلحصا ُر يبقي األ َّم في حالة‬ ‫وعي تا ّم كي تكتس������ب اخلب������رة وتتعاون في‬ ‫إجن������از والدتها البنها م������ن دون ألم‪ .‬وتعمل‬ ‫حقن������ة املورفني في املوضع نفس������ه‪ ،‬فتنقص‬ ‫نقل النورونات الش������وكية إلشارات األلم‪ ،‬في‬ ‫‪40‬‬

‫س َرد‬ ‫مَ ْ‬

‫ألم االعتالل العصبي‬

‫‪Neuropathic Pain‬‬

‫ألم مستم ّر يتط َّور بعد حدوث تلَف عصبي‬ ‫تال إلصابة مؤذية‪ ،‬وميكن أن يتض َّمن‬ ‫ٍ‬ ‫أحاسيس مزعجة والشعور بن َمل وحرق‬ ‫ودغدغة وحرارة وبرودة وتو ّرم‪ .‬واألسباب‬ ‫األخرى التي حتدث تلفا عصبيا يؤدي‬ ‫إلى ألم االعتالل العصبي تشتمل على‬ ‫إصابة األعصاب بخمج (عدوى) ڤيروسي‪،‬‬ ‫وأضرار األعصاب احمليطية الناجمة‬ ‫عن الداء السكري؛ وأذيات األعصاب‬ ‫التالية لعالج األورام اخلبيثة باجلراحة أو‬ ‫باملعاجلات الكيميائية؛ واآلفات الناجمة عن‬ ‫العوز الغذائي‪.‬‬

‫األلم املخالف‬

‫‪Allodynia‬‬

‫إدراك حسي مؤلم ملنبهات غير مؤملة‬ ‫كاللمس أو احلرارة‪.‬‬

‫فرط التأ ّلم‬

‫‪Hyperalgesia‬‬

‫زيادة في احلساسية جتاه املن ّبهات‬ ‫املؤملة‪.‬‬

‫احلس‬ ‫فرط‬ ‫ّ‬

‫‪Hyperesthesia‬‬

‫زيادة احلساسية جتاه التنبيه (أي إنه‬ ‫فرط تأ ّلم مع ألم مخالف)‪.‬‬

‫احلس)‬ ‫امل َذل (شواش‬ ‫ّ‬

‫‪Paresthesia‬‬

‫سوي‪ ،‬مثل اإلحساس‬ ‫حسي غير‬ ‫ّ‬ ‫شعو ٌر ّ‬ ‫بحرق استجاب ًة للمس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫حني تترك تع ّرف بقية األحاسيس غير املؤملة‬ ‫سليما دون أن تؤ ِّثر فيه‪ .‬وفي املقابل‪َّ ،‬‬ ‫يتدخل‬ ‫التخدير العا ّم الذي ُيس������تع َمل في العمليات‬ ‫اجلراحية الكبرى في طريقة معاملة القشرة‬ ‫الدماغية للمعلومات‪ ،‬فتحرم املريض بش������كل‬ ‫حس������ي يدخل عبر‬ ‫كامل من تع ّرف ّ‬ ‫أي من ّبه ّ‬ ‫الس ُبل العصبية خارج الدماغ‪.‬‬ ‫تعمل مس ِّكنات األلم الطبيعية الكائنة في‬ ‫أجسامنا على تلك الوصالت الثالث نفسها‬ ‫ضم������ن دارة األلم‪ .‬فيمك������ن أن يعاني جندي‬ ‫مش������حون باألدرينالني ـ خالل مشاركته في‬ ‫معرك������ة حامية ـ إصاب ًة خط������رة من دون أن‬ ‫يش������عر بجرحه‪ ،‬وذلك ألنّ القشرة الدماغية‬ ‫تتجاهل إش������ارات األلم عندم������ا تتعامل مع‬ ‫أوضاع ت ّتس������م باالنفعال الش������ديد بس������بب‬ ‫تهديده������ا للحياة‪ .‬وخالل ال������والدة الطبيعية‬ ‫لألطفال‪ ،‬يقوم جسم املرأة بإطالق پروتينات‬ ‫صغي������رة تُدعى اإلندورفين���ات ‪،endorphins‬‬ ‫تقوم بإضعاف نقل إش������ارات األلم في حني‬ ‫تدخل إلى النخاع الشوكي‪.‬‬ ‫وتس������تطيع أيضا الهرمون������ات واألوضاع‬ ‫االنفعالي������ة والعديد من العوام������ل األخرى أن‬ ‫تغ ّير بش������كل دراماتيكي من شعور الشخص‬ ‫باأللم عن طريق تعديل نقل الرسائل على طول‬ ‫مس������ارات األلم‪ .‬إضاف ًة إلى ذلك‪ ،‬فإنّ الكثير‬ ‫م������ن املواد والعمليات احليوي������ة التي تب ّدل في‬ ‫انس������ياب وانحس������ار اجلزيئات عبر القنوات‬ ‫األيونية في اخلاليا العصبية املنفردة‪ ،‬تس������هم‬ ‫جميعها في تنظيم مدى حساس������ية األعصاب‬ ‫نفسها‪ .‬وحني حدوث إصابة ما تستطيع هذه‬ ‫العوامل أن تس ّهل التح ّكم في إطالق النورونات‬ ‫ميسرا لعمل‬ ‫إلشاراتها‪ ،‬وبذلك متارس تأثيرا ِّ‬ ‫تلك النورونات املتع ّلق بنقل إشارات األلم‪.‬‬ ‫ولكن ميكن حلالة عدم التثبيط تلك أن تدوم‬ ‫أكثر من الالزم‪ ،‬وهذا ُيبقي اخلاليا ‪ DRG‬مفرط ًة‬ ‫في حساس������يتها‪ ،‬ويؤدي إلى إطالقها رسائل‬ ‫ألم من دون وجود من ِّبه خارجي‪ .‬وهذا الوضع‬ ‫هو املس������ ِّبب األولي أللم االعت���ل��ال العصبي‪.‬‬ ‫وتس������تطيع احلساسية العصبية الزائدة أيضا‬


‫[حلقة األلم]‬

‫اإلفراط في شيء ج ِّيد‬

‫(٭)‬

‫بعد حدوث أذية ما‪ ،‬ترتكس اخلاليا الدبقية التي تستشعر أنّ النورونات ذات اإلطالق املك َّثف للدفعات‬ ‫هي في ضائقة‪ ،‬وذلك كي تعيد التوازن وحتفز الش����فاء‪ .‬ولكنْ إذا طالت مدة هذه التبدّالت املفيدة‪ ،‬فإنه‬ ‫حتس����س عصبي مزمن يس���� ّبب بقاء األلم مس����تمرا حتى ما‬ ‫من املمكن أن تؤدي إلى حدوث فرط‬ ‫ّ‬ ‫بع����د ش����فاء األذية األصلي����ة‪ .‬وفي معظم األحيان‪ ،‬يبدأ ألم االعت��ل�ال العصبي بحدوث ت َلف في‬ ‫استجابات في اخلاليا الدبقية‪ ،‬ته ّيج بدورها النورونات إلى ح ٍّد أكبر‪.‬‬ ‫األعصاب يثير‬ ‫ٍ‬

‫إشارة‬ ‫ألم شديدة‬ ‫نورون‬ ‫ألم شوكي‬

‫‪‬تفعيل اخلاليا الدبقية‬

‫خلية جنمية‬

‫عوامل دبقية‬ ‫گلوتامات‪،ATP ،‬‬ ‫أكسيد النتريك‪،‬‬ ‫املادة ‪BDNF ،P‬‬

‫نواقل عصبية‬

‫خلية دبيقية‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫سيتوكينات‬ ‫التهابية‬

‫إشارات الضائقة‬

‫‪TNFα , IL-6, IL-1β‬‬

‫گلوتامات‪،ATP ،‬‬ ‫أكسيد النتريك‪،‬‬ ‫املادة ‪،P‬‬ ‫فراكتالكينات‪،‬‬ ‫أيونات الپوتاسيوم‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫وابل من اإلشارات‬ ‫تؤدي األذية التي تتلف األلياف العصبية إلى إنتاج ٍ‬ ‫األملية في القرن الظهري للنخاع الشوكي‪ ،‬حيث تلتقي األعصاب احلسية‬ ‫احلسي ذو‬ ‫احمليطية مع النورونات الشوكية لأللم‪ .‬ويو ِّلد النورون‬ ‫ّ‬ ‫كميات كبير ًة من النواقل العصبية إلى جانب‬ ‫اإلطالق املك َّثف للدفعات‬ ‫ٍ‬ ‫تفسرها اخلاليا الدبقية باعتبارها دالالت على وجود‬ ‫جزيئات أخرى‪ِّ ،‬‬ ‫ضائقة ‪ ،‬في ِ‬ ‫ُدخل اخلاليا املساعدة في حالة االستجابة االرتكاسية‪.‬‬ ‫وتتخ َّلص اخلاليا الدبقية في احلالة الطبيعية من فائض النواقل‬ ‫العصبية‪ ،‬ولكنّ اخلاليا الدبقية االرتكاسية تنقص من قبطها‬ ‫للنواقل العصبية‪ ،‬وتبدأ بإنتاج جزيئات غايتها إعادة االستقرار‬ ‫إما‬ ‫إلى النورونات وشفاؤها ‪ .‬وتقوم تلك العوامل الدبقية ّ‬ ‫بإنقاص القوى املثبّطة للنورونات أو بتنبيه هذه اخلاليا‪ ،‬وهذا‬ ‫يسمح لها بأن تطلق دفعاتها بشكل أكثر سهول ًة‪ .‬وتؤدي الضائقة‬ ‫العصبية أيضا إلى حترير اخلاليا الدبقية للسيتوكينات ‪ ،‬التي‬ ‫ّ‬ ‫حتث على حدوث االلتهاب باعتباره استجابة تساعد على الشفاء‬ ‫بدرجة أكبر‪.‬‬ ‫وااللتئام‪ ،‬لكنها تزيد أيضا حتسيس النورونات‬ ‫ٍ‬

‫خاليا دبقية تطيل أمد األلم‬

‫تستطيع اإلشارات اإلثارية ــ االلتهابية التي حتدثها اخلاليا الدبقية‬ ‫االرتكاسية أن تفعِّ ل النسيج الدبقي املجاور‪ ،‬وهذا يقود إلى إدامة فرط‬ ‫التحسس العصبي في النخاع الشوكي وانتشاره‪ .‬ويبدو الدبق النجمي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫املنشط مرئيا في الصورة السفلية (اللون‬ ‫اخلاليا ‪ astroglia‬الشوكي‬ ‫األخضر الساطع في الصورة اليسرى)‪ ،‬حيث جنده ميأل القرن الظهري‬ ‫األمين ــ في املوضع الذي تلتقي عنده النورونات ‪ DRG‬بالنورونات‬ ‫الشوكية ــ لدى جرذ أصيب قبل ‪ 10‬أيام من ذلك بأذية للعصب الوركي‬ ‫في الطرف السفلي األمين للحيوان‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬تبدو اخلاليا الدبقية‬ ‫هادئة في اجلهة اليسرى للحيوان (الصورة السفلية اليمنى)‪.‬‬

‫نورون‬ ‫حسي‬ ‫ّ‬ ‫إشارة ألم‬ ‫شديدة‬

‫املنظر في اجلهة اليسرى للحيوان‬

‫أن تس������ ِّبب إحساس������ات ش������ا ّذة مثل الشعور‬ ‫بالنخ������ز واحلرق والدغدغة والتن ُّمل (تش���وش‬ ‫احل���س ‪ ،)paresthesia‬أو ميكن ـ كما حدث في‬ ‫ّ‬ ‫(املرشة)‬ ‫شكوى >هيلني< من حت ّول ماء ال ّدش‬ ‫إلى ما يش������به طعنات اخلناجر ـ أن تؤدي إلى‬ ‫تضخيم اإلحساسات اخلفيفة باللمس أو بتغ ّير‬ ‫درجة احلرارة بحيث توصلها إلى مس������تويات‬ ‫مؤملة (األلم املُخالِف ‪.)allodynia‬‬ ‫إنّ اجلهود التي ُبذل������ت لفهم الكيفية التي‬ ‫تصي������ر وفقها النورونات في دارة األلم مفرطة‬ ‫احلساسية بعد حدوث اإلصابة‪ ،‬تر َّكزت لفترة‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫القرن الظهري األمين‬

‫طويلة على كش������ف اخللل في عمل النورونات‬ ‫ذاتها‪ ،‬وقد نت������ج من ذلك حصو ُلنا على بعض‬ ‫األدلة‪ ،‬وليس على صورة مكتملة‪ .‬وعلى سبيل‬ ‫قمت به بنفس������ي‪،‬‬ ‫املث������ال‪ ،‬بينَّ البح������ث الذي ُ‬ ‫وكذلك أبح������اث العديد من زمالئ������ي‪ ،‬أنّ فعل‬ ‫إطالق الدفعات من أجل إرسال إشارات األلم‬ ‫بذاته يب ِّدل في فعالية اجلينات داخل نورونات‬ ‫األل������م‪ .‬وإنّ بع������ض اجلين������ات الت������ي ِّ‬ ‫ينظمها‬ ‫اإلط���ل��اق النورون������ي للدفعات تك������ ِّود القنوات‬ ‫األيونية وكذلك موا َّد أخرى تقوم برفع س������وية‬ ‫)٭( ‪TOO MUCH OF A GOOD THING‬‬

‫‪41‬‬


‫حقائق عن األلم‬

‫(٭)‬

‫‪ %10‬إلى ‪%20‬‬

‫من سكان الواليات املتحدة وأوروبا‬ ‫يذكرون شكواهم من ألم مزمن‪.‬‬

‫‪%59‬‬

‫من الذين يعانون أملا مزمنا هم من اإلناث‪.‬‬

‫‪%18‬‬

‫من البالغني املصابني بألم مزمن يلجؤون‬ ‫إلى املعاجلني بالطب البديل‪.‬‬

‫‪ %15‬فقط‬

‫من أطباء العناية األولية ــ حسب‬ ‫استقصاء أجري حديثا ــ يشعرون بالراحة‬ ‫عندما يعاجلون مرضى لديهم ألم مزمن‪.‬‬

‫‪%41‬‬

‫من األطباء قالوا إنهم سوف ينتظرون‬ ‫بشكل واضح ومحدَّد‬ ‫حتى يطلب املرضى‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫مسكنات لأللم من النوع املخدِّر قبل‬ ‫تل ّقي‬ ‫أن يقوموا بوصفها لهم‪.‬‬

‫حساس������ية اخلاليا‪ .‬وهكذا‪ ،‬يستطيع التفعيل‬ ‫الش������ديد للخالي������ا ‪ DRG‬الذي يراف������ق تأ ّذي‬ ‫األنس������جة أن ُيحدِ ث تلك األمناط من التغ ّيرات‬ ‫التحسيس������ية في النورونات املعنية التي ميكن‬ ‫أن تؤدي فيم������ا بعد إلى نش������وء ألم االعتالل‬ ‫ولكن دراس������تَنا وكذل������ك األعمال‬ ‫العصب������ي‪ّ .‬‬ ‫الت������ي قامت به������ا مختبرات أخرى‪ ،‬كش������فت‬ ‫أيضا أنّ النورونات ليس������ت اخلاليا الوحيدة‬ ‫التي تس������تجيب لإلصابات املؤملة وتطلق املواد‬ ‫املعزِّزة للحساسية العصبية‪.‬‬ ‫تتفوق اخلالي������ا الدبقية عل������ى النورونات‬ ‫من الناحية العددي������ة مبقدار كبير في النخاع‬ ‫الش������وكي وف������ي الدم������اغ‪ .‬وال تق������وم اخلاليا‬ ‫الدبقية بإطالق الدفعات الكهربائية مثلما تفعل‬ ‫النورونات‪ ،‬لكنها تتمتّع ببعض امل ّيزات املهمة‬ ‫واملثيرة لالنتباه فيما يتع ّلق بالتأثير في إطالق‬ ‫النورون������ات لتلك الدفع������ات‪ .‬وحتافظ اخلاليا‬ ‫الدبقية عل������ى مواصفات الوس������ط الكيميائي‬ ‫الذي يحيط بالنورونات‪ :‬ففضال عن تأمني نقل‬ ‫الطاقة التي تدعم اخلاليا العصبية‪ ،‬يقوم هذا‬ ‫النس������يج بامتصاص النواق������ل العصبية التي‬ ‫حت ِّرره������ا النورونات عندما تطلق دفعاتها نحو‬ ‫النورونات املجاورة لها‪ .‬بل إنّ اخلاليا الدبقية‬ ‫تقوم أحيانا بتوزيع النواقل العصبية من أجل‬ ‫زي������ادة أو تعدي������ل نقل اإلش������ارات النورونية‪.‬‬ ‫وعندم������ا ُتص������اب النورونات باألذي������ة‪ ،‬حت ِّرر‬ ‫اخلاليا الدبقية عوام َل منو تساعد على شفاء‬ ‫النورونات وبقائها على قيد احلياة‪ ،‬كما حت ِّرر‬ ‫موا َّد تستدعي خاليا تابعة للجهاز املناعي كي‬ ‫تكافح العدوى (اخلمج) ‪ infection‬وتش������رع‬ ‫في عملية الشفاء وااللتئام‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تكشف‬ ‫األبح������اث احلديثة أنّ تلك الفعاليات التي تقوم‬ ‫بها اخلاليا الدبقي������ة بغرض رعاية النورونات‬ ‫وتسهيل نشاطاتها‪ ،‬ميكن لها أيضا أن تطيل‬ ‫أمد حالة التحسيس النوروني(‪.)1‬‬

‫اخلاليا الدبقية تصير مشتبها فيها‬

‫(٭٭)‬

‫قب������ل أكثر م������ن قرن م������ن الزمن‪ ،‬عرف‬ ‫العلم������اء أنّ الدب������ق العصب������ي يس������تجيب‬ ‫‪42‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫نيسل> عام‬ ‫لألذيات‪ .‬وفي أملانيا‪ ،‬الحظ <‪ِّ .F‬‬ ‫‪ 1894‬أن������ه بعد تع ّرض عص������ب ما للضرر‪،‬‬ ‫تبدي اخلاليا الدبقية تغ ّي������رات دراماتيكية‬ ‫في البقع املوافقة ألماك������ن اتّصال األلياف‬ ‫العصبية مع بعضها ضمن النخاع الشوكي‬ ‫أو الدم������اغ‪ .‬فاخلالي����ا الدبقي����ة امليكروية‬ ‫‪ microglia‬تصير أكثر غزار ًة‪ ،‬كما أنّ منطا‬ ‫أكب������ر حجما من اخلاليا ‪ -‬تُدعى باخلاليا‬ ‫النجمية ‪ astrocytes‬بسبب شكل أجسامها‬ ‫اخللوية الشبيه بالنجوم ‪ -‬يصير أكثر امتال ًء‬ ‫مع انتفاخ اخلاليا بحزم ثخينة من األلياف‬ ‫اخليطية التي تق ّوي هيكلها اخللوي‪.‬‬ ‫عموم������ا‪ ،‬كان فه������م االس������تجابات الدبقية‬ ‫املذكورة أع���ل��اه على أنها ته������دف إلى تعزيز‬ ‫إص���ل��اح األعصاب بعد تع ّرضه������ا لإلصابة‪،‬‬ ‫لكن الكيفية التي تقوم بواس������طتها بهذا األمر‬ ‫ّ‬ ‫كانت غير واضح������ة‪ .‬واألكثر من ذلك‪ ،‬أنه إذا‬ ‫كان موق������ع اإلصابة ‪ -‬كما هو احلال مثال في‬ ‫التواء الكاحل ‪ -‬بعيدا عن دارة األلم الشوكية‪،‬‬ ‫فإنّ اخلالي������ا النجمية في النخاع الش������وكي‬ ‫يجب أن تس������تجيب ليس لألذية املباشرة‪ ،‬بل‬ ‫باألحرى للتغ ّيرات في إرس������ال اإلشارات في‬ ‫نقط������ة اإلبدال بني اخلالي������ا ‪ DRG‬والنورونات‬ ‫الشوكية‪ .‬وتعني املالحظة السابقة أنّ اخلاليا‬ ‫النجمية واخلاليا الدبقية امليكروية كانت تراقب‬ ‫اخلصائص الفيزيولوجية لنورونات األلم‪.‬‬ ‫وعلى مدى العقدي������ن املاضيني َّ‬ ‫مت إظهار‬ ‫أنّ اخلالي������ا متتل������ك آليات عدة الكتش������اف‬ ‫النش������اط الكهربائ������ي في النورون������ات‪ ،‬ومن‬ ‫قنوات الستشعار الپوتاسيوم وغيره‬ ‫ضمنها‬ ‫ٌ‬ ‫من األيونات التي حت ِّررها النورونات عندما‬ ‫مستقبالت‬ ‫تطلق دفعاتها الكهربائية‪ ،‬وكذلك‬ ‫ٌ‬ ‫سطحية تستش������عر النواقل العصبية نفسها‬ ‫الت������ي تس������تخدمها النورون������ات لال ّتص������ال‬ ‫فيم������ا بينها عب������ر املش���ابك ‪ .synapses‬ومن‬ ‫ب���ي��ن النواقل العصبية امله ّم������ة التي حت ِّررها‬ ‫النورون������ات وتلتقطه������ا اخلاليـ ـ������ا الدبقيـ ـ ــة‪،‬‬ ‫جند الگلوتامات ‪ glutamate‬وثالثي ُفسفات‬ ‫)٭( ‪PAIN FACTS‬‬ ‫)٭٭( ‪Glia Become Suspect‬‬ ‫(‪neural sensitization )1‬‬


‫األدينوزي���ن‬

‫عوامل اخلطورة‬ ‫لأللم املزمن في‬ ‫(٭)‬ ‫العنق أو الظهر‬ ‫تقدّم العمر‬

‫عدم ممارسة الرياضة‬

‫القلق‬

‫البدانة‬

‫اجلنس املؤنث‬

‫عمل تكراري‬

‫االكتئاب‬

‫‪Repetitive work‬‬

‫رفع أشياء ثقيلة‬

‫الشدة (الك َرب)‬

‫السكَن بشكل منفرد‬

‫االستياء وعدم‬ ‫الرضا في العمل‬

‫استعمال النيكوتني‬ ‫(التدخني)‬

‫‪Stress‬‬

‫‪ATP‬‬

‫وأكس���يد النتري���ك‬

‫‪nitric‬‬

‫‪ ،oxide‬ولكن هناك نواقل أخرى عديدة‪ .‬وهذه‬ ‫املصفوفة من احملس���ات (املشعرات) ‪sensors‬‬ ‫تس������مح للخالي������ا الدبقية بأن تجُ ري مس������حا‬ ‫للنش������اط الكهربائ������ي في ال������دارات النورونية‬ ‫في كل مكان من اجلس������م ومن الدماغ‪ ،‬وبأن‬ ‫تستجيب وفقا لألوضاع الفيزيولوجية املتغ ّيرة‬ ‫‪،‬‬ ‫[انظ������ر‪« :‬النصف اآلخر من الدماغ»‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،(2004) 2/1‬ص ‪.]46‬‬ ‫وم������ا أن أدرك العلم������اء م������دى ا ّتس������اع‬ ‫استجابات اخلاليا الدبقية للفعالية العصبية‪،‬‬ ‫يوجهون انتباههم إلى الس������لوك‬ ‫حت������ى عادوا ِّ‬ ‫املشبوه للخاليا الداعمة عند نقاط ترحيل األلم‪.‬‬ ‫فإذا كانت اخلالي������ا الدبقية تراقب االنتقاالت‬ ‫العصبية لأللم‪ ،‬فهل كانت أيضا تؤثر في تلك‬ ‫االنتقاالت؟ وبعد مئة عام بالضبط من مالحظة‬ ‫نيسل> الستجابة اخلاليا الدبقية لإلصابات‬ ‫< ّ‬ ‫املؤذي������ة لألعصاب‪َّ ،‬‬ ‫مت إجراء جتربة بس������يطة‬ ‫الختب������ار فرضية أن اخلاليا الدبقية ميكن أن‬ ‫تس������هم في إحداث ألم مزمن‪ .‬ففي عام ‪1994‬‬ ‫حق������ن <‪ .T .S‬مي ّلر> [وزمالؤه في جامعة أيوا]‬ ‫بعض اجلرذان بذيفان يقتل بش������كل انتقائي‬ ‫اخلاليا النجمية‪ ،‬وقام������وا بعد ذلك بتقييم ما‬ ‫إذا كانت حساسية تلك احليوانات للتنبيهات‬ ‫املؤملة قد نقص������ت‪ .‬وفي النتيج������ة‪ ،‬تبينَّ عدم‬ ‫ح������دوث ذلك‪ ،‬وه������ذا ما َّ‬ ‫دل عل������ى أنّ اخلاليا‬ ‫النجمية لي������س لديها دور واض������ح في عملية‬ ‫انتقال األلم احلاد‪.‬‬ ‫بعد ذل������ك‪ ،‬قام العلماء بتعريض اجلرذان‬ ‫إلى مه ِّيج لأللياف العصبية‪ ،‬يس������ ِّبب تط ّورا‬ ‫تدريجيا أللم مزمن عند تلك احليوانات‪ ،‬وهذا‬ ‫يش������به إلى حد بعيد ما اختبرته >هيلني< بعد‬ ‫مدة طويلة م������ن حادث الس������يارة الذي ه َّيج‬ ‫األعصاب في كاحل قدمه������ا‪ .‬وقد لوحظ أنَّ‬ ‫احليوان������ات احملقونة بالس������ ّم القاتل للخاليا‬ ‫النجمي������ة‪ ،‬تطور عندها األل������م املزمن بدرجة‬ ‫ّ‬ ‫أقل‪ ،‬وهذا يبينّ أنّ اخلاليا النجمية مسؤولة‬ ‫بطريق������ة ما عن بدء األلم املزمن بعد إصابات‬ ‫مؤذية لألعصاب‪ .‬وقد أظهرت األبحاث التي‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫أجريت الحقا كيف يتم ذلك‪.‬‬ ‫حت������ ّرر اخلالي������ا الدبقية أمناط������ا عدة من‬ ‫اجلزيئات تستطيع أن تزيد حساسية اخلاليا‬ ‫‪ DRG‬والنورون������ات الش������وكية الت������ي تعيد بثّ‬ ‫إش������ارات األلم إلى الدم������اغ‪ ،‬وهذه اجلزيئات‬ ‫تتض َّم������ن عوام������ َل من������و وبعضا م������ن النواقل‬ ‫العصبية نفس������ها الت������ي تنتجه������ا النورونات‬ ‫وتوص������ل العلماء إل������ى إدراك حقيقة‬ ‫ذاته������ا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫تفس������ر اإلطالق الس������ريع‬ ‫أنّ اخلاليا الدبقية ِّ‬ ‫للدفعات العصبية والتب ّدالت العصبية الناجمة‬ ‫عن ذل������ك‪ ،‬باعتباره عالمة ت ّ‬ ‫������دل على ضائقة‬ ‫مت ّر بها النورونات‪ .‬واستجاب ًة ملا سبق‪ ،‬تطلق‬ ‫اخلالي������ا الدبقية اجلزيئات التحسيس������ية من‬ ‫أجل تخفيف الشدة املفروضة على النورونات‬ ‫عن طريق تس������هيل إرسالها إلشاراتها ولتبدأ‬ ‫عملية شفائها‪.‬‬ ‫وهن������اك فئ ٌة أخ������رى من اجلزيئ������ات ذات‬ ‫األهمي������ة القص������وى تو ِّلدها اخلالي������ا الدبقية‬ ‫اس������تجاب ًة لضائقة النورونات أو تلفها‪ ،‬وهي‬ ‫الس���يتوكينات ‪ cytokines‬الت������ي اس������تم َّدت‬ ‫اس������مها من اختصار كلمة «س���يتوكينيتيك»‬ ‫‪ cytokinetic‬التي تعني احلراك اخللوي‪ .‬وهذه‬ ‫السيتوكينات تعمل كمرشدات كيميائية قوية‪،‬‬ ‫تتبعها خاليا اجله������از املناعي كي تصل إلى‬ ‫موقع اإلصابة املؤذي������ة‪ .‬خذ في االعتبار مثال‬ ‫املشكلة اجلس������يمة ‪ -‬الش������بيهة بإيجاد إبرة‬ ‫ضم������ن كومة قش ‪ -‬الت������ي تواجهها خلية من‬ ‫جهازك املناع������ي‪ ،‬عندما تريد إيجاد ش������ظية‬ ‫ضئيل������ة مطمورة في نهاية إح������دى أصابعك‪.‬‬ ‫إنَّ اخلاليا التي أوقعت الش������ظية الضرر بها‬ ‫تقوم بتحرير س������يتوكينات قوية‪ ،‬ترشد خاليا‬ ‫اجله������از املناعي املوجودة ف������ي الدم واللمف‬ ‫‪ lymph‬كي تسرع إلى نهاية إصبعك من أجل‬ ‫مكافحة العدوى (اخلمج) والشروع في عملية‬ ‫الترميم واإلصالح‪ .‬وهذه السيتوكينات حتثّ‬ ‫أيضا على حدوث تب ّدالت في األنس������جة وفي‬ ‫األوعية الدموية املوضعية‪ ،‬بحيث تس ِّهل عمل‬ ‫اخلاليا املناعية وتعزِّز الشفاء وااللتئام‪ ،‬لكنها‬ ‫تس ِّبب كذلك احمرا َر املنطقة وتو ّرمها‪ .‬وتُدعى‬ ‫)٭( ‪RISK FACTORS FOR CHRONIC NECK OR BACK PAIN‬‬

‫‪43‬‬


‫[التحمل الدوائي]‬ ‫ّ‬

‫التأثيرات الناجمة عن إش������ارات السيتوكينات‬ ‫بشكل إجمالي باسم التهاب ‪.inflammation‬‬ ‫ِّ‬ ‫يوض������ح مث������ال الش������ظية م������دى فعالية‬ ‫السيتوكينات في توجيه اخلاليا املناعية نحو‬ ‫التعجب‬ ‫جرح ما‪ ،‬لك ْن ما يثير قدرا أكبر من‬ ‫ّ‬ ‫هو كيف تستطيع شظية صغيرة جدا أن تكون‬ ‫مؤملة إلى هذه الدرجة‪ :‬فاأللم الناجت بعيد متاما‬ ‫عن أن يتناسب مع املقدار الضئيل من التلف‬ ‫النس������يجي الذي يش������كو منه املصاب‪ .‬كذلك‬ ‫س������رعان ما تصير املنطقة احمليطة بالشظية‬ ‫وحساسة ومؤملة‪ ،‬مع أنّ هذه اخلاليا‬ ‫متو ّرمة‬ ‫ّ‬ ‫بأي‬ ‫ُص������ب هي بذاتها ّ‬ ‫اجللدية املجاورة لم ت َ‬ ‫أذى‪ .‬وينج������م األلم الذي يحيط باإلصابة عن‬ ‫فعل آخر للسيتوكينات االلتهابية‪ :‬إنه قيامها‬ ‫بالتضخيم الش������ديد حلساسية ألياف األلم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الكش������افات احلسية لأللم‬ ‫وفرط حتس������يس‬ ‫في املناطق املج������اورة إلصابة ما‪ ،‬هو طريقة‬ ‫اجلس������م في جعلنا ن َدع ذلك املوقع وش������أنه‪،‬‬

‫الدبق العصبي (اخلاليا الدبقية) يناوئ األفيونيات‬

‫(٭)‬

‫كان من االكتشافات املذهلة التي حصلت في السنوات األخيرة ظهو ُر أنّ الدبق العصبي يؤدي دورا‬ ‫ِّ‬ ‫مسكنات األلم األفيونية لفعاليتها‪ .‬فقد ب َّينت <‪ .R .L‬واتكينز> [من جامعة كولورادو‬ ‫مسبِّبا فقدان‬ ‫في بولدر] أنّ املورفني وامليثادون وأفيونيات أخرى على األرجح تفعِّ ل بشكل مباشر الدبق العصبي‬ ‫ِّ‬ ‫املسكنة لأللم‪.‬‬ ‫في النخاع الشوكي‪ ،‬فتؤدي إلى حدوث استجابات دبقية تعاكس تأثيرات تلك األدوية‬ ‫تبدأ اخلاليا املساعدة املفعَّ لة بالتصرف بشكل يشابه إلى ح ٍّد بعيد ما تقوم به بعد إصابة العصب‬ ‫باألذية‪ ،‬حيث تأخذ بلفظ السيتوكينات االلتهابية وغيرها من العوامل التي تفعل فعلها املتم ّثل‬ ‫بشكل مفرط‪ .‬وأظهرت <واتكينز> أنّ التأثير املذكور يبدأ خالل ّ‬ ‫أقل من خمس‬ ‫بتحسيس النورونات‬ ‫ٍ‬ ‫دقائق بعد اجلرعة الدوائية األولى‪.‬‬ ‫عبر جعل النورونات مفرطة القابلية لالستثارة‪ ،‬يتغلب فعل اخلاليا الدبقية على التأثيرات‬ ‫يفسر ملاذا يحتاج املرضى‬ ‫املُخمِ دة للنورونات التي تقوم بها تلك األدوية في احلالة العادية‪ ،‬وهذا ما ِّ‬ ‫ملحُ‬ ‫تمل أن تكون‬ ‫ا‬ ‫ومن‬ ‫في معظم األحيان إلى جرعات دوائية متزايدة بشكل متواصل لتفريج آالمهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اآللية نفسها مسؤولة أيضا عن الفشل املتكرر لألفيونيات في إزالة ألم االعتالل العصبي املزمن‪ ،‬عندما‬ ‫يكون الدبق العصبي االرتكاسي هو الذي يقف خلفه‪.‬‬

‫وهذا ما مينحه الفرصة للشفاء‪.‬‬ ‫وكقاع������دة عامة‪ ,‬ال تَصدر الس������يتوكينات‬ ‫في اجلهاز العصبي ع������ن نورونات‪ ،‬فاخلاليا‬ ‫الدبقية هي ذلك املصدر‪ .‬ومتاما كما تستطيع‬ ‫أن تقوم به السيتوكينات عندما جتعل نهايات‬ ‫األعصاب احمليطة بالشظية في طرف إصبعك‬ ‫مفرط������ة احلساس������ية‪ ،‬تتم َّكن الس������يتوكينات‬ ‫املتح������ ِّررة من اخلالي������ا الدبقية ف������ي النخاع‬ ‫الش������وكي استجاب ًة لإلفراط في إشارات األلم‬ ‫أن تنتش������ر إل������ى األلياف العصبي������ة احمليطة‪،‬‬ ‫فتجعله������ا ه������ي أيض������ا مفرطة احلساس������ية‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬ميكن أن تتش������ َّكل حلقة تبدأ بنورونات‬ ‫زائدة التحس������يس تطلق دفعاتها بشكل ُمبالَغ‬ ‫في������ه‪ ،‬حيث ينقل ذلك اخلاليا الدبقية إلى حالة‬ ‫االس������تجابة االرتكاس������ية‪ ،‬ومن َث������ ّم تقوم هذه‬ ‫بصب املزيد من العوامل التحسيسية‬ ‫اخلاليا‬ ‫ّ‬ ‫ومن الس������يتوكينات‪ ،‬محاوِ ل ًة ع������ن طريق ذلك‬ ‫أن تخ ّفف ضائق������ة النورونات‪ ،‬ولك������ن مؤ ِّدي ًة‬ ‫في النهاي������ة‪ ،‬بدال من ذلك‪ ،‬إلى زيادة مدة تلك‬ ‫الضائقة‪ ،‬وعندما يحدث األمر الس������ابق ميكن‬ ‫أن يتو َّلد األلم ضمن النخاع الشوكي من ألياف‬ ‫بشكل مباشر باألذية‪.‬‬ ‫ُصب‬ ‫ٍ‬ ‫عصبية لم ت َ‬ ‫إنّ االس������تجابات األولية للخاليا الدبقية‬ ‫مفيد ٌة من أجل الش������فاء عند حدوث إصابة‪،‬‬ ‫ولك������ن في حال كانت هذه اإلصابة ش������ديدة‬ ‫للغاي������ة أو دامت كثيرا‪ ،‬فإنّ نتيجة ذلك تكون‬ ‫نش������وء ألم مزمن ال يتو َّق������ف أبدا‪ .‬وقد أ َّكدت‬ ‫بش������كل مو َّثق مجموعات ع ّدة تقوم باألبحاث‬ ‫وجو َد حلق���ات ارجتاعية(‪،feedback loops )1‬‬ ‫ميكن أن تس������ ِّبب إطالة زمن حترير اخلاليا‬ ‫الدبقي������ة للعوامل التحسيس������ية وإش������ارات‬ ‫االلته������اب‪ ،‬وهذا م������ا يقود إلى ح������دوث ألم‬ ‫االعتالل العصبي‪ .‬ويج������ري العديد من تلك‬ ‫جتارب هدفها إيجاد الطرق‬ ‫املجموعات حاليا‬ ‫َ‬ ‫الكفيلة بعكس مس������ار تل������ك العمليات‪ .‬وقد‬ ‫قادت أبحاث هذه املجموعات إلى اكتش������اف‬ ‫طرق تفيد في جعل اس������تعمال املخ ِّدرات في‬ ‫معاجلة األلم احلا ّد أكثر كفاء ًة‪.‬‬

‫)٭( ‪Glia Oppose Opiates‬‬

‫)‪ (1‬أو‪ :‬حلقات تغذية راجعة‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬


‫إيقاف األلم عند مصدره‬

‫(٭)‬

‫في املاض������ي كانت جمي������ع عالجات األلم‬ ‫تتوجه نحو إخم������اد فعالية النورونات‪،‬‬ ‫املزمن َّ‬ ‫لكن لم ي ُكن باملس������تطاع التغ ّلب على األلم في‬ ‫حال استمرار اخلاليا الدبقية بتحريض خاليا‬ ‫األعصاب‪ .‬وتقودنا حاليا آراء بصيرة جديدة‬ ‫ح������ول كيفية دخول اخلاليا الدبقية في حلقتها‬ ‫احملسسة لألعصاب إلى مقاربات حديثة‬ ‫املعيبة‬ ‫ِّ‬ ‫تس������تهدف اخلاليا الدبقية املخت ّل������ة الوظيفة‪،‬‬ ‫وه������ي تأمل ب������أن تتم َّكن في ذلك م������ن إيقاف‬ ‫مصدر أساسي أللم االعتالل العصبي‪ .‬ولهذا‬ ‫ف������إن اجلهود التجريبية ملعاجل������ة ألم االعتالل‬ ‫العصبي عن طريق تعديل حالة اخلاليا الدبقية‬ ‫تتركز على تهدئة هذه اخلاليا‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫حصر اإلش������ارات واجلزيئات املثيرة لاللتهاب‬ ‫ونقل إشارات مضا ّدة لاللتهاب‪.‬‬ ‫وفي التجارب احليوانية‪ ,‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫قام������ت <‪ .A. J‬ديليو> وزمالؤها [من املدرس������ة‬ ‫الط ّبية في دارمتوث] بإظهار أنّ مادة كيميائية‬ ‫تُدع������ى پروپينتوفيلل�ي�ن ‪propentofylline‬‬ ‫تث ّب������ط تفعي������ل اخلالي������ا النجمي������ة‪ ،‬وم������ن ثم‬ ‫تخم������د األلم املزمن‪ .‬ومينع املض���اد احليوي‬ ‫(الص���اد) ‪ antibiotic‬املدع������و مينوس���يكلني‬ ‫‪ minocycline‬كال م������ن النورون������ات واخلاليا‬ ‫الدبقية من أن تصنع السيتوكينات االلتهابية‬ ‫وأكس������يد النتريك‪ ،‬كما ينقص هجرة اخلاليا‬ ‫الدبقي������ة امليكروية باتجّ������اه مواقع اإلصابات‪،‬‬ ‫وهذا يقترح إمكانية قيام الدواء املذكور مبنع‬ ‫حدوث فرط تنشيط اخلاليا الدبقية‪.‬‬ ‫تر ِّكز مقاربة مش������ابهة على مس������تقبالت‬ ‫ش������بيهة بق���رع الناق���وس )‪ ،)1((TLRs‬وه������ي‬ ‫پروتين������ات س������طحية موج������ودة عل������ى اخلاليا‬ ‫مؤش������رات مح َّددة ّ‬ ‫الدبقي������ة‪ ،‬تقوم بتع ّرف ِّ‬ ‫تدل‬ ‫على اخلاليا التي هي في حالة ضائقة‪ ،‬وحتثّ‬ ‫اخلاليا الدبقية على البدء بنفث السـ ــيتوكينات‪.‬‬ ‫وقـد أظه������رت <‪ .R .L‬واتكين������ز> وزمالؤها [من‬ ‫جامعة كولورادو في بولدر] أنه إذا اس������تعملنا‬ ‫ل������دى احليوانات مر َّكبا جتريبي������ا يحصر منطا‬ ‫خاص������ا من املس������تقبالت ‪TLR‬‬ ‫جزئي���ا ‪ّ subtype‬‬

‫[األدوية]‬

‫تهدئة الدبق العصبي (اخلاليا الدبقية) املفرط االرتكاس‬

‫(٭٭)‬

‫هناك العديد من املواد التي تب َّينت قدرتها على تعديل فعالية الدبق العصبي‪ ،‬و ُيجرى اختبارها‬ ‫حتمل األفيونيات ومتالزمة‬ ‫حاليا كمعاجلات ممكنة لتدبير ألم االعتالل العصبي أو إلنقاص‬ ‫ّ‬ ‫سحبها‪( .‬تدل العالمات النجمية على األدوية التي سبق تسويقها الستعماالت أخرى)‪.‬‬

‫املادة‬

‫اآللية‬

‫مرحلة االختبار‬

‫‪* AV411‬‬

‫يثبّط فعالية اخلاليا‬ ‫النجمية‪.‬‬

‫اختبارات على البشر تتع َّلق بالنجاعة في‬ ‫تعزيز فعل املورفني وإنقاص أعراض متالزمة‬ ‫السحب؛ اختبارات السالمة واألمان من أجل‬ ‫عالج األلم َّ‬ ‫مت اكتمالها‪.‬‬

‫إيتانيرسيپت* ‪Etanercept‬‬

‫إشارات مضادّة لاللتهاب‬ ‫تهدِّئ اخلاليا الدبقية‪.‬‬

‫اختبارات على البشر تتع َّلق بإنقاص ألم‬ ‫االعتالل العصبي بعد اجلراحة‪.‬‬

‫إنترلوكينات*‬ ‫(سيتوكينات)‬

‫إشارات مضادّة لاللتهاب‬ ‫تهدِّئ اخلاليا الدبقية‪.‬‬

‫اختبارات على اخلاليا وعلى احليوانات‬ ‫لعالج األلم‪.‬‬

‫‪JWH-015‬‬

‫يفعِّ ل مستقبالت الكانابينويد‬ ‫‪ CB2‬املُخمدة لأللم‪.‬‬

‫اختبارات على اخلاليا وعلى احليوانات‬ ‫لعالج األلم‪.‬‬

‫ميثيونني‬

‫سولفوكسيمني*‬

‫‪Methionine sulfoximine‬‬

‫مينوسيكلني* ‪Minocycline‬‬

‫يثبِّط عملية ُمعالجَ ة اخللية اختبارات على اخلاليا وعلى احليوانات‬ ‫النجمية للنواقل العصبية‪ .‬لعالج األلم‪.‬‬ ‫يثبِّط تفعيل اخلاليا‬ ‫الدبيقية‪.‬‬

‫اختبارات على اخلاليا وعلى احليوانات‬ ‫لعالج األلم‪.‬‬

‫يثبّط فعالية اخلاليا‬ ‫النجمية‪.‬‬

‫اختبارات السالمة واألمان على البشر من‬ ‫أجل عالج ألم َّ‬ ‫مت اكتمالها‪.‬‬

‫ساتيڤيكس* ‪Sativex‬‬

‫يفعِّ ل مستقبالت‬ ‫الكانابينويد‬

‫اختبارات على البشر تتع َّلق بالنجاعة في عالج‬ ‫ألم االعتالل العصبي املرتبط بالسرطان واملرتبط‬ ‫بڤيروس العوز املناعي البشري (اإليدز) ‪HIV-‬‬ ‫‪ related‬وعالج اعتالل األعصاب السكري‪.‬‬

‫‪SLC022‬‬

‫يثبّط فعالية اخلاليا‬ ‫النجمية‬

‫اختبارات على البشر تتع َّلق بالنجاعة في عالج‬ ‫ألم االعتالل العصبي املرتبط بڤيروس احلأل‪.‬‬

‫پروپينتوفيللني‬

‫‪Propentofylline‬‬

‫ُيدع������ى ‪ TLR-4‬على اخلالي������ا الدبقية في النخاع‬ ‫الش������وكي‪ ،‬فإنّ ذلك ُيبطِ ل ألم االعتالل العصبي‬ ‫الناش������ئ عن أذية العصب الورك������ي‪ .‬ومن املثير‬ ‫لالهتمام أنّ النالوكس���ون ‪ naloxone‬ـ وهو دواء‬ ‫ُيستع َمل لتخفيــف آثار األفيونيات ‪ opiates‬خالل‬ ‫معاجلة اإلدم������ان ـ يحصر أيضا االس������تجابات‬ ‫الدبقية لتفعيل املستقبالت ‪ .TLR-4‬وقد أوضحت‬ ‫<واتكينز> أنّ النالوكسون يستطيع لدى اجلرذان‬ ‫أن يبطل متاما ألم االعتالل العصبي املتط ِّور‪.‬‬ ‫وهناك دواء آخر موجود حاليا ـ هو في احلقيقة‬ ‫مادة اس������تُخدمت منذ عهود قدمي������ة للغاية من أجل‬ ‫تس������كني األلم حيث تنج������ح في ذلك عندما تفش������ل‬ ‫م������واد عدي ــدة أخــرى ـ وهو احلش ��يش ‪marijuana‬‬ ‫الذي صار اس������تعماله في األمور الطبية قانونيا في‬ ‫)٭( ‪Stopping Pain at Its Source‬‬ ‫)٭٭( ‪QUIETING OVERACTIVE GLIA‬‬ ‫)‪Toll-like receptors (1‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪45‬‬


‫بعض الواليات‪ .‬فاملواد املوجودة في احلشيش‬ ‫حتاك������ي مر ّكبات طبيعية موج������ودة في الدماغ‬ ‫تُدعى الكانابينوي ��دات ‪ ،cannabinoids‬وهذه‬ ‫املر ّكبات تف ِّعل مستقبالت مع ّينة على النورونات‬ ‫ِّ‬ ‫وتنظم انتقال اإلشارات العصبية‪.‬‬ ‫ولك������ن ال بد من االنتب������اه إلى أن هناك‬ ‫منط���ي��ن م������ن مس������تقبالت الكانابينويد في‬ ‫الدماغ واجله������از العصبي‪ :‬املس������تقبالت‬ ‫‪ CB1‬واملس������تقبالت ‪ ،CB2‬ول ٍّ‬ ‫������كل منهم������ا‬ ‫وظيف������ة مختلف������ة عن وظيف������ة النمط اآلخر‪.‬‬ ‫ويؤدي تفعيل املس������تقبالت ‪ CB2‬إلى إزالة‬ ‫األلم في ح���ي��ن ُيحدِ ث تفعيل املس������تقبالت‬ ‫‪ CB1‬التأثي������رات ذات املفع���ول النفس���ي‬ ‫‪ psychoactive‬للحش������يش‪ .‬وبش������كل الفت‬ ‫للنظ������ر‪ ،‬ال تظهر املس������تقبالت ‪ CB2‬املزيلة‬ ‫لألل������م عل������ى نورون������ات األلم‪ ،‬ب������ل جندها‬ ‫عل������ى اخلالي������ا الدبقي������ة‪ .‬وعندم������ا ترتبط‬ ‫الكانابينوي������دات باملس������تقبالت ‪ CB2‬على‬ ‫اخلاليا الدبيقية‪ ،‬تق ّلل هذه اخلاليا إرسالها‬ ‫إلش������ارات االلتهاب‪ .‬وقد وجدت الدراسات‬ ‫احلديثة أنه مع تط������ ّور األلم املزمن‪ ،‬يزداد‬ ‫عدد املستقبالت ‪ CB2‬على اخلاليا الدبقية‬ ‫امليكروي������ة‪ ،‬وهذه عالمة عل������ى أنّ اخلاليا‬ ‫حت������اول بإقدام أن تلتقط مق������دارا أكبر من‬ ‫الكانابينويدات من املناط������ق املجاورة لها‪،‬‬ ‫ك������ي تؤ ِّمن التفريج املس������ ِّكن لأللم‪ .‬وحاليا‬ ‫تسعى ش������ركات صناعة املس������تحضرات‬ ‫الدوائي������ة جاهدة من أج������ل احلصول على‬ ‫أدوية ميكن استعمالها للسيطرة على األلم‬ ‫عن طري������ق التأثير في املس������تقبالت ‪CB2‬‬ ‫الدبقية م������ن دون أن يؤدي ذل������ك إلى رفع‬ ‫مزاج من يستعملها من األشخاص‪.‬‬ ‫لقد أ ّدى أيضا حصر السيتوكينات‬ ‫االل ـت ـه ـ ــاب ـيـ ــة بـ ـ ــواس������ـط ـ ـ ــة األدوي ـ ـ ـ ــة‬ ‫املض������ادة لاللتهاب املوج������ودة حاليا ‪-‬‬ ‫مث������ل األناكين���را ‪( anakinra‬كينيريت‬ ‫‪ )Kineret‬واإليتانيرسيپت ‪etanercept‬‬ ‫(إينبري���ل ‪ - )Enbrel‬إل������ى تخفيف ألم‬ ‫االعتالل العصبي في النماذج احليوانية‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫وإلى جانب إيقافها إش������ارات االلتهاب‪،‬‬ ‫ب َّينت مجموعات عديدة من الباحثني أنّ‬ ‫إضافة س������يتوكينات مضادة لاللتهاب‬ ‫(مثل اإلنترلوك���ي��ن‪ 10-‬واإلنترلوكني‪)2-‬‬ ‫تستطيع أن تقمع ألم االعتالل العصبي‬ ‫عند احليوانات‪ .‬ويوجد حاليا دواءان ـ‬ ‫هما الپنتوكسيفيللني ‪pentoxyfilline‬‬ ‫و‪ AV411‬يث ّبط كالهما االلتهاب بواسطة‬ ‫حثّ اخلاليا على إنتاج اإلنترلوكني‪.10-‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬استطاعت مجموعات‬ ‫منس������قة أن تبطل ألم‬ ‫تق������وم بأبح������اث َّ‬ ‫االعت���ل��ال العصب������ي مل������دة وصلت إلى‬ ‫أربعة أس������ابيع‪ ،‬عن طريق نقل اجلينات‬ ‫املس������ؤولة ع������ن إنت������اج اإلنترلوكني‪10-‬‬ ‫واإلنترلوك���ي��ن‪ 2-‬إلى داخ������ل عضالت‬ ‫احليوانات أو نخاعاتها الشوكية‪.‬‬ ‫لم ُيس������تخ َدم س������وى ع������دد قليل من‬ ‫األدوية الس������ابقة في التجارب عن األلم‬ ‫التي أجريت على البش������ر [انظر اجلدول‬ ‫في الصفح������ة ‪ ،]45‬ومن بني هذه األدوية‬ ‫القليلة جند الدواء ‪ AV411‬الذي س������بق‬ ‫أن َّ‬ ‫مت إدخال������ه في اليابان كعالج مضاد‬ ‫لاللتهاب في تدبير الس������كتات الدماغية‪.‬‬ ‫وأظهرت جتربة أجريت في أستراليا أنّ‬ ‫املرضى املتأملني أنقصوا بش������كل طوعي‬ ‫مقدار جرعاتهم من املورفني خالل تل ّقيهم‬ ‫ذلك الدواء‪ ،‬وفي هذا داللة على أنّ الدواء‬ ‫‪ AV411‬يس������هم في تفريج آالمهم‪ .‬ولكن‬ ‫من املحُ ت َمل أن يكون الدواء ‪ AV411‬يقوم‬ ‫آليات تتجاوز مج َّرد‬ ‫بعمله هذا عن طريق ٍ‬ ‫تهدئة األلم الناجم عن االلتهاب‪ ،‬وهذا ما‬ ‫انعطاف مفاجئ في‬ ‫يس������ ِّلط الضوء على‬ ‫ٍ‬ ‫حكاية اخلاليا الدبقية واأللم‪.‬‬

‫استعادة التوازن‬

‫(٭)‬

‫ُيعت َبر املورفني من بني أكثر مس ِّكنات‬ ‫������ن األطباء‬ ‫األل������م املعروف������ة ق������و ًة‪ ،‬ولك ّ‬ ‫يحذرون من اس������تعماله بسبب خواصه‬ ‫الش������يطانية‪ ،‬إلى درجة أنّ العديد منهم‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫س������وف يس������تخدمونه بش������كل ّ‬ ‫أقل من‬ ‫ال���ل��ازم حتى ملعاجلة املرضى املصابني‬ ‫بأورام س������رطانية في مراحلها النهائية‪.‬‬ ‫يش������به املورف���ي��ن الهيروي���ن ‪heroin‬‬ ‫واألفي���ون ‪ opium‬واملخ������ ِّدرات احلديثة‬ ‫مث������ل األوكس���ي كونت�ي�ن ‪OxyContin‬‬ ‫في أنه يخ ِّفف األلم عن طريق إضعاف‬ ‫االتصال بني نورونات النخاع الشوكي‪،‬‬ ‫وبذلك يق ِّلل انتقال إشارات األلم‪.‬‬ ‫ولسوء احلظ‪ ،‬سرعان ما تتالشى قدرة‬ ‫املورفني وبقية املخ ِّدرات على إحصار األلم‬ ‫مع االس������تعمال املتكرر‪ ،‬وه������ذه الظاهرة‬ ‫التحم���ل الدوائ���ي ‪.tolerance‬‬ ‫ُتس������ ّمى‬ ‫ّ‬ ‫وهكذا‪ ،‬نحت������اج إلى جرعات مبقدار أعلى‬ ‫وتواتر أكثر من أجل حتقيق األثر نفس������ه‪.‬‬ ‫وميك������ن أن يصي������ر املرض������ى املصابون‬ ‫بألم مزمن مدمنني عل������ى املخدر‪ ،‬فيتفاقم‬ ‫وضعهم البائس بسبب هذا االعتماد على‬ ‫املخدر ‪ .drug dependency‬ونتيجة خوف‬ ‫األطباء من أن ُيشت َبه في كونهم ال يصفون‬ ‫للعالج تلك الكميات الكبيرة من املخ ِّدرات‬ ‫بل يتاجرون بها‪ ،‬فإنهم في معظم األحيان‬ ‫ُيج َبرون على حتديد جرعات املرضى وفق‬ ‫مس������تويات لم َت ُعد ف ّعال������ة في إزالة آالمهم‬ ‫املبرحة‪ .‬ويلجأ بعض املرضى إلى اجلرمية‬ ‫للحصول على وصفات غير شرعية من أجل‬ ‫تخفيف أملهم غير املحُ ت َمل؛ بل يصل األمر‬ ‫بق ّل������ة منهم إلى االنتح������ار إلنهاء معاناتهم‬ ‫الهائلة‪ .‬وب َّينت األبح������اث التي تدور حول‬ ‫تقاطع تفريج األلم مع عمل اخلاليا الدبقية‬ ‫دليل‬ ‫وم������ع اإلدمان على املخ������درات ظهو َر ٍ‬ ‫������ث على أنّ اخلاليا الدبقية مس������ؤولة‬ ‫حدي ٍ‬ ‫عن توليد ظاهرة التح ّمل الدوائي في حالة‬ ‫الهيروين واملورفني‪.‬‬ ‫وقد بدأت الشكوك حول تو ّرط اخلاليا‬ ‫الدبقي������ة في ظاه������رة حت ّم������ل املخ ِّدرات‬ ‫بالظه������ور ألول م������رة‪ ،‬عندم������ا لوحظ أنّ‬ ‫املرضى املعتمدين على مس ِّكنات األلم من‬ ‫النوع املخ ِّدر يعانون ـ متاما مثلما يحدث‬ ‫)٭( ‪Restoring Balance‬‬


‫عندما ينقطع شخص مدمن على الهيروين عن‬ ‫تعاطيه بشكل فوري غير تدريجي ‪ cold turkey‬ـ‬ ‫األعراض املؤملة ملتالزمة االمتناع (الس���حب)‬ ‫‪ withdrawal‬املعه������ودة‪ ،‬إذا تو َّقف������وا فجأ ًة عن‬ ‫تل ّق������ي أدويته������م‪ .‬فأولئ������ك املرض������ى (وكذلك‬ ‫املدمن������ون على الهيروين) يصي������رون مفرطي‬ ‫احلساس������ية إلى درجة كبيرة‪ ،‬بحيث إنه حتى‬ ‫الضوء أو الصوت العادي يصيران بالنس������بة‬ ‫وموج َعني للغاية‪.‬‬ ‫إلى أولئك املرضى مؤمل���ي��ن‬ ‫ِ‬ ‫احلس‬ ‫والتش������ابه بني هذه األعراض وف���رط‬ ‫ّ‬ ‫‪ hyperesthesia‬ال������ذي يالحظ في ألم االعتالل‬ ‫العصبي‪ ،‬أوحى باحتمال وجود سبب مشترك‬ ‫لكلتا احلالتني‪.‬‬ ‫ف������ي عام ‪ 2001‬اختبر <‪ .P‬س������ونگ> و<‪.Q. Z‬‬ ‫تزهاو> [من معهد ش������انگهاي للفيزيولوجيا] ما‬ ‫إذا كانت اخلاليا الدبقية َّ‬ ‫تتدخل في تط ّور حت ّمل‬ ‫املورفني‪ .‬وق������د الحظ الباحثان أن������ه عند إعطاء‬ ‫جرعات متكررة من املورفني‪ ،‬فإنّ عدد‬ ‫اجلرذان‬ ‫ٍ‬ ‫اخلاليا النجمية االرتكاسية في النخاع الشوكي‬ ‫يزداد‪ .‬وكانت تب ّدالت اخلاليا الدبقية الناجمة عن‬ ‫حقن املورفني املتك������رر مماثلة للتبدالت امللحوظة‬ ‫في النخاع الش������وكي بعد اإلصاب������ة باألذية أو‬ ‫لدى تط ّور ألم االعتالل العصبي‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬قام‬ ‫العاملان بالتخ ّلص من اخلاليا النجمية باستخدام‬ ‫الس ّم نفسه الذي استعمله <مي ّلر> إلخماد تط ّور‬ ‫األل������م املزمن عند اجلرذان‪ .‬فكان������ت النتيجة أنّ‬ ‫حت ّمل املورفني في تلك احليوانات نقص بسرعة‬ ‫ووضوح‪ ،‬وهذا ما يش������ير إلى إس������هام اخلاليا‬ ‫بطريقة أو بأخرى في حدوثه‪.‬‬ ‫الدبقية‬ ‫ٍ‬ ‫ومنذ ذلك احلني‪ ،‬حاولت مجموعات عديدة‬ ‫م������ن الباحثني أن حتص������ر إش������ارات متن ّوعة‬ ‫بني النورونات واخلاليا الدبقية (على س������بيل‬ ‫املث������ال عن طري������ق تعطيل مس������تقبالت نوعية‬ ‫للسيتوكينات على اخلاليا الدبقية)‪ ،‬وأن تختبر‬ ‫ما إذا كان حت ّمل املورفني يتأ ّثر بذلك‪ .‬وأظهرت‬ ‫ه������ذه األبحاث أنّ إحصار إش������ارات االلتهاب‬ ‫اآلتية إلى اخلالي������ا الدبقية أو املنطلقة منها ال‬ ‫أي ش������يء في اإلحس������اس‬ ‫يغ ّير على اإلطالق ّ‬ ‫الطبيع������ي باألل������م احلا ّد‪ ،‬ولك������ن عندما ُحقنت‬

‫احلاصرات س������وي ًة مع املورفني‪ ،‬فإنّ جرعات‬ ‫ّ‬ ‫أقل من املورف���ي��ن َّ‬ ‫مت االحتياج إليها للحصول‬ ‫على تفريج األلم نفس������ه وكذلك كانت مدة هذا‬ ‫التفريج مضاعفة‪ .‬ود َّلت هذه االكتشافات بقوة‬ ‫على أنّ اخلاليا الدبقية متارس فعال معاكسا‬ ‫لتأثير املورفني املزيل لأللم‪.‬‬ ‫إنّ أعمال اخلالي������ا الدبقية املق ِّوضة لفعالية‬ ‫املورفني تتواف������ق مع الوظيفة األساس������ية لهذه‬ ‫اخلاليا في احملافظة على النش������اط املتوازن في‬ ‫ال������دارات العصبية‪ .‬فعندما تخ ِّف������ف املخ ِّدرات‬ ‫حساسية دارات األلم‪ ،‬تستجيب اخلاليا الدبقية‬ ‫لذلك بإط���ل��اق موا ّد ف ّعالة عصبي������ا تزيد قابلية‬ ‫استثارة النورونات‪ ،‬كي تعيد املستويات الطبيعية‬ ‫للفعالية في الدارات العصبية‪ .‬ومع مرور الوقت‬ ‫ي������ؤدي تأثير اخلالي������ا الدبقية إل������ى رفع درجة‬ ‫احلساس������ية في نورونات األل������م‪ ،‬وعندما يزول‬ ‫التأثي������ر املخ ِّفف الذي يط ّبق������ه فجأة على دارات‬ ‫األلم الهيروين أو األدوية األخرى املخ ِّدرة لأللم‪،‬‬ ‫في حال التوقف الس������ريع عن تلقي الدواء‪ ،‬فإنّ‬ ‫بشكل مك َّثف‪ ،‬وهذا ما‬ ‫النورونات تطلق دفعاتها‬ ‫ٍ‬ ‫يس ِّبب أعراض احلساس������ية الفائقة واألعراض‬ ‫املؤمل������ة ملتالزمة الس������حب‪ .‬وف������ي التجارب على‬ ‫احليوان������ات مت َّكن الباحثون م������ن إنقاص مثير‬ ‫لألل������م الناجم عن الس������حب في حال������ة اإلدمان‬ ‫على املورفني وذلك بواس������طة األدوية احلاصرة‬ ‫الستجابات اخلاليا الدبقية‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن إثبات أنّ تعديل فعالية اخلاليا‬ ‫الدبقية هو مفتاح رئيسي ليس في تسكني األلم‬ ‫املزمن فحسب‪ ،‬بل أيضا في تقليل احتمال حت ّول‬ ‫األشخاص املعاجلني باملخ ِّدرات املس ِّكنة لأللم‬ ‫إلى مدمنني عليها‪ .‬فما أعظم الهبة التي سوف‬ ‫متنحها األدوية التي تس������تهدف اخلاليا الدبقية‬ ‫إلى أولئك الذين س������عوا منذ فت������رة طويلة إلى‬ ‫السيطرة على هذين املصدرين الكبيرين (اآلالم‬ ‫املزمنة وإدمان املخدرات) للبؤس والتعاسة لدى‬ ‫البش������ر‪ .‬ففي املاضي‪ ،‬فات������ت العلماء مالحظة‬ ‫الصالت بني النورون������ات واأللم واإلدمان وذلك‬ ‫بسبب جتاهلهم الشريك األساسي للنورونات‪،‬‬ ‫>‬ ‫أال وهو اخلاليا الدبقية‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫املؤلف‬

‫‪R. Douglas Fields‬‬

‫رئيس حترير مجلة بيولوجيا اخلاليا‬ ‫النورونية واخلاليا الدبقية ‪Neuron‬‬

‫‪ ،Glia Biology‬وقد كتب مقاالت عدة‬ ‫في مواضيع العلوم العصبية ملجلة‬ ‫ساينتفيك أمريكان‪ ،‬كان آخرها في‬ ‫الشهر ‪ 2008/3‬عن دور املادة البيضاء‬ ‫في الدماغ‪ .‬وفي كتابه املُز َمع صدوره‬ ‫قريبا «الدماغ اآلخر» ‪The Other Brain‬‬ ‫(الناشر ‪ )Simon & Schuster‬جند وصفا‬ ‫آلراء بصيرة جديدة عن كيفية قيام‬ ‫اخلاليا الدبقية بتنظيم وظائف الدماغ‬ ‫في حالتي الصحة واملرض‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, November 2009‬‬

‫‪47‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2010‬‬

‫‪4/3‬‬

‫الشيپات امليكروية خالل العشرين سنة القادمة‬

‫(٭)‬

‫املصممون قصارى جهودهم جلعل الدارات املتكاملة أصغر وأسرع وأرخص‪.‬‬ ‫يبذل‬ ‫ِّ‬ ‫مح ِّررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪48‬‬


‫‪‬أبعاد الشيپة الفعلية‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ترانزستور‪.‬‬ ‫‪‬حتوي كل شيپة معالج من الطراز ‪( Phenom X4‬الصفيفة في اليسار)‪ ،‬التي تصنعها الشركة ‪ 758 ،AMD‬مليون‬

‫في عام ‪ ،1975‬أعلن رائد اإللكترونيات >‪ .G‬مور< تن ُّبؤه الش� � ��هير بأن تعقيد مفاهيم مفتاحية‬

‫شيپات الدارات املتكاملة سوف يتضاعف كل سنتني‪ ،‬وأن تطورات التصنيع‬ ‫س� � ��وف ِّ‬ ‫متكن من جعل ترانزس� � ��تورات الش� � ��يپة أصغر فأصغ� � ��ر‪ ،‬بحيث إن‬ ‫اإلشارات الكهربائية سوف تع ُبر مسافات أقصر ملعاجلة املعلومات‪ .‬وقد عنى‬ ‫>مور< مبا أصبح ُيعرف بقانون مور(‪ )1‬أن التجهيزات احلاس� � ��وبية س� � ��وف‬ ‫تُصبح أصغر وأس� � ��رع وأرخص‪ .‬وبفضل االبتكارات املتواصلة في تصميم‬ ‫أشباه املوصالت وتصنيعها‪ ،‬اتبعت الشيپات‪ ،‬على نحو مدهش‪ ،‬مسارا قريبا‬ ‫مما توقعه >مور< قبل ‪ 35‬عاما‪.‬‬ ‫إال أن املهندس� �ي��ن عرفوا أنهم س� � ��وف يصطدمون باحلائط يوما ما‪ .‬فس� � ��ماكة‬ ‫الترانزس� � ��تورات س� � ��وف تصبح مساوية حلجم بضع عش� � ��رات من الذرات فقط‪،‬‬ ‫وس� � ��وف تفرض قوانني الفيزياء األساس� � ��ية في س ُّلم املقاس� � ��ات ذاك قيودا على‬ ‫التصغي� � ��ر‪ .‬وحتى قبل االصطدام باحلائط‪ ،‬ثمة مش� � ��كلتان مرش� � ��حتان للظهور‪.‬‬ ‫فوضع ترانزس� � ��تورات بالغة الصغر‪ ،‬على مسافات من بعضها بالغة القصر‪ ،‬مع‬ ‫االستمرار بتحقيق إنتاجية عالية (أي نسبة شيپات سليمة إلى شيپات مرفوضة)‬ ‫ميكن أن ُيصبح باهظ التكاليف‪ .‬واملشكلة األخرى‪ ،‬هي أن احلرارة املتولدة من غابة‬ ‫الترانزستورات الكثيفة تلك ميكن أن ترتفع حتى تبدأ بطبخ العناصر نفسها‪.‬‬ ‫وفعال ظهرت هاتان العقبتان قبل س� � ��نوات عدة‪ .‬فالس� � ��بب الرئيس� � ��ي الحتواء‬ ‫احلواس� � ��يب الشخصية الشائعة اليوم على ش� � ��يپات «ثنائية النوى»(‪ ،)2‬أي على‬ ‫معاجلينْ صغير ْين بدال من معالج واحد‪ ،‬والتي تس َّوق بضجيج ترويجي كبير‪ ،‬هو‬ ‫أن وضع العدد املطلوب من الترانزستورات على شيپة واحدة وتبريدها قد أصبح‬ ‫صعبا للغاية‪ .‬لذا‪ ،‬ق َّرر مص ِّممو احلاس� � ��وب وضع ش� � ��يپتني أو أكثر معا جنبا إلى‬ ‫جنب وبرمجتهما لتعمال بالتوازي على معاجلة املعلومات‪.‬‬ ‫ويبدو أنه في نهاية املطاف لن يبقى ثمة متس� � ��ع في قانون مور‪ .‬فكيف سيتابع‬ ‫املهندسون جعل الش� � ��يپات أكثر مقدرة؟ ثمة خياران لفعل ذلك‪ ،‬هما االنتقال إلى‬ ‫ِبنى حاسوبية بديلة‪ ،‬واستمثال املواد النانوية التي ميكن جتميعها ذرة تلو أخرى‪.‬‬ ‫وثمة خيار آخر هو استمثال طرائق جديدة ملعاجلة املعلومات‪ ،‬من قبيل احلوسبة‬ ‫الكمومية والبيولوجية(‪ .)3‬وفي الصفحات التالية‪ ،‬س� � ��وف نلقي نظرة على طيف‬ ‫من التطورات التي مازال كثير منها في مرحلة النموذج املختبري‪ ،‬والتي ميكن أن‬ ‫تُبقي‪ ،‬خالل العقدين التاليني‪ ،‬املنتجات احلاسوبية على املسار «األصغر واألسرع‬ ‫واألرخص» الذي خدمنا جيدا حتى اآلن‪.‬‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫>‬

‫قد يصبح من املستحيل قريبا‬ ‫حتقيق مزيد من التصغير في‬ ‫ترانزستورات شيپات الدارات‬ ‫املتكاملة‪ .‬لذا‪ ،‬ثمة حاجة إلى مواد‬ ‫وتصاميم بديلة كي يستمر أداء‬ ‫بالتحسن‪.‬‬ ‫الشيپات‬ ‫ُّ‬

‫>‬

‫ميكن لألسالك النانوية والگرافني‬ ‫واجلسيمات الكمومية واجلزيئات‬ ‫احليوية جميعا أن تف ِّرخ أجياال‬ ‫جديدة من الشيپات أقوى بكثير من‬ ‫أفضل شيپات اليوم‪.‬‬ ‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪The Next 20 Years of microchips‬‬ ‫‪Moore′s Law‬‬ ‫‪dual-core‬‬ ‫‪quantum and biological computing‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪49‬‬


‫احلجم ‪ :‬عبور احلاجز‬

‫( )‬

‫يبل� � ��غ عرض أصغر الترانزس� � ��تورات التي‬ ‫تُصن� � ��ع اليوم ‪ 32‬نانومترا فقط‪ ،‬أي عرض نحو‬ ‫‪ 96‬ذرة سليكون مصطفة جنبا إلى جنب‪ .‬ولكن‬ ‫صناعة أش� � ��باه املوصالت (أنصاف النواقبل)‬ ‫ُتق � � � ُّر بأنه قد يك� � ��ون من الصع� � ��ب جدا صنع‬ ‫ترانزستورات أصغر من ‪ 22‬نانومترا باستخدام‬ ‫تقني���ات الطباع���ة الضوئي���ة(‪ )1‬احلالية التي‬ ‫تط َّورت على مدى عقود من السنوات‪.‬‬ ‫إال أن أحد اخليارات التي تسمح ألشكال‬ ‫ال� � ��دارات أن تأخذ احلجم نفس� � ��ه مع حتقيق‬ ‫طاقة حاسوبية أكبر‪ ،‬هو ما ُيعرف بتصميم‬ ‫القضب���ان املتصالب���ة(‪ .)2‬فعوضا عن صنع‬ ‫الترانزس� � ��تورات جميع� � ��ا في مس� � � ٍ�تو واحد‬ ‫(كالس� � ��يارات املصطف� � ��ة في مس� � ��الك طريق‬ ‫س� � ��ريع ش� � ��ديد االزدحام)‪ ،‬تتضم� � ��ن طريقة‬ ‫القضب� � ��ان املتصالبة مجموعة من األس� �ل��اك‬ ‫النانوي� � ��ة املتوازي� � ��ة املوج� � ��ودة في مس� � � ٍ�تو‬ ‫أول‪ ،‬ومجموع� � ��ة أخرى متعام� � ��دة معها في‬ ‫مس� � � ٍ�تو آخر حتت املس� � ��توي األول (طريقني‬ ‫س� � ��ريعني متعامدين)‪ .‬وتوضع طبقة فاصلة‬ ‫بني املجموعتني س� � ��ماكتها تس� � ��اوي سماكة‬ ‫ج� � ��زيء واحد‪ .‬وتعم� � ��ل التقاطع� � ��ات الكثيرة‬

‫املوجودة بني مجموعتي األس� �ل��اك كمفاتيح‬ ‫وصل وفصل تس� � ��مى املقاوم���ات املتغيرة‬ ‫بالش���حنة(‪ ،)3‬ومت ِّثل هذه املقاومات الوحدان‬ ‫واألصفار (األرق� � ��ام الثنائية أو البتات) على‬ ‫غرار ما تفعله الترانزس� � ��تورات‪ .‬وتس� � ��تطيع‬ ‫ه� � ��ذه املقاوم� � ��ات خ� � ��زن املعلوم� � ��ات أيضا‪.‬‬ ‫وميكن لهذه اإلمكانات مجتمعة أداء عدد من‬ ‫مهام احلوسبة‪ ،‬وتس� � ��تطيع املقاومة املتغيرة‬ ‫بالش� � ��حنة القيام بعمل ‪ 10‬أو ‪ 15‬ترانزستورا‬ ‫من حيث املبدأ‪.‬‬ ‫ولت پا َّكرد ‪Hewlett -‬‬ ‫صنعت مختبرات هِ ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ Packard‬منوذج� � ��ا مختبري� � ��ا م� � ��ن القضبان‬ ‫املتصالب� � ��ة املك َّونة م� � ��ن أس� �ل��اك التيتانيوم‬ ‫والپالتني الت� � ��ي يبلغ قطر الواح� � ��د منها ‪30‬‬ ‫نانومترا‪ ،‬وذلك باس� � ��تخدام مواد وسيرورات‬ ‫(‪)4‬‬ ‫تصنيع مشابهة لتلك س� � ��بق أن استُمثلت‬ ‫عمليا لصناعة أش� � ��باه املوص� �ل��ات‪ .‬ويعتقد‬ ‫باحثو الش� � ��ركة أن� � ��ه ميكن تصغي� � ��ر أقطار‬ ‫األس� �ل��اك لتس� � ��اوي ‪ 8‬نانومترات فقط‪ .‬وثمة‬ ‫مجموع� � ��ات بح� � ��ث تصنع أيض� � ��ا جتهيزات‬ ‫قضبان متصالبة من الس� � ��ليكون والتيتانيوم‬ ‫وكبريتيد الفضة‪.‬‬

‫تبديد احلرارة ‪ :‬بالبراد (بالثالجة) أم بالهواء‬

‫( )‬

‫بوجود ما يقارب البليون ترانزستور على‬ ‫الش� � ��يپة‪ ،‬مي ِّثل التخلص من احلرارة الناجمة‬ ‫عن فصل ووصل الترانزس� � ��تورات مش� � ��كلة‬ ‫رئيس� � ��ية‪ .‬وفي احلواسيب الشخصية احلالية‬ ‫ثمة حيز لوضع مروحة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن أقصى‬ ‫ما تس� � ��تطيــــع تلــك املــ� � ��راوح تـبـــديـــده ال يزيد‬ ‫على نح� � ��و ‪ 100‬واط للش� � ��يپة الواح� � ��دة‪ .‬لذا‪،‬‬ ‫يعم� � ��ل املص ِّممون على ابت� � ��كار بدائل جديدة‪،‬‬ ‫وم� � ��ن أمثلته� � ��ا علب� � ��ة صقيل� � ��ة مصنوعة من‬ ‫األملنيوم الناقل حراري� � ��ا تعمل كمبدد حراري‬ ‫في احلاس� � ��وب احملمول ‪ .MacBook Air‬وفي‬ ‫احلاسوب الشخصي ‪،Apple Power Mac G5‬‬ ‫يمُ َّرر س� � ��ائل عبر قنوات ميكروية محفورة في‬ ‫‪50‬‬

‫اجلانب األسفل من شيپة املعالج لتبريدها‪.‬‬ ‫إال أن مزج السوائل باإللكترونيات ينطوي‬ ‫على مجازف� � ��ة‪ ،‬إضافة إل� � ��ى أن التجهيزات‬ ‫الصغيرة من قبيل أجه� � ��زة الهاتف اخللوية‬ ‫الذكي� � ��ة ال تتس� � ��ع لألنابيب وامل� � ��راوح‪ .‬لذا‪،‬‬ ‫وضعت مجموعة بحث‪ ،‬تقودها شركة إنتل‪،‬‬ ‫شبكة فائقة مك َّونة من غشاء رقيق من ت ُّلريد‬ ‫( ) ‪Size : Crossing the Bar‬؛ استخدام تقانة القضبان املتصالبة‪،‬‬ ‫وقـــد اقتبس � � �ــــوا العبـــارة من آخر قصيـــــدة كتبهــا الشـــــاعر‬ ‫>‪ .L .A‬ت ِّنس� � ��ون< في عام ‪ 1889‬الذي ُيعتقد أنه قد قصد بها‬ ‫اختراق حاجز الرمل بني شاطئ احلياة ومحيط املوت‪.‬‬

‫( ) ‪Heat : Refrigerators or Wind‬‬ ‫(‪lithography techniques )1‬‬ ‫(‪crossbar design )2‬‬

‫(‪ : memristor )3‬نوع من املقاومة التي تتغير لدى مرور شحنة‬ ‫كهربائية فيها‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪optimized )4‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫ُتعتبر املقاومة املتغيرة بالشحنة التي‬ ‫هولت پا َّكرد نوعا جديدا‬ ‫صنعتها الشركة ْ‬ ‫من عناصر الدارات التي تكوَّ نت عند كل‬ ‫تقاطع ناتئ لألسالك النانوية املتراكبة‪.‬‬


‫البيس���موث ‪ bismuth telluride‬ف� � ��ي العلب� � ��ة‬ ‫التي تغلف الشيپة (في اليسار)‪ .‬وحت ِّول هذه‬ ‫امل� � ��ادة الكهرحرارية الت� � ��د ُّرج احلراري إلى‬ ‫كهرباء‪ ،‬مب ِّردة بذلك الشيپة نفسها‪.‬‬ ‫وبن� � ��اء على عمل ُأجري في جامعة پوردو‪،‬‬ ‫تصنع الش� � ��ركة اجلدي� � ��دة ‪« Ventiva‬مروحة»‬ ‫ضئيلة من أش� � ��باه املوصالت ال حتوي أجزاء‬ ‫متحركة‪ ،‬بل تو ِّلد نسمة هواء باستغالل مفعول‬ ‫ريح الهالة(‪ ،)1‬وهي اخلاصية نفسها املستخدمة‬ ‫في مكيفات الهواء املنزلية الصامتة‪ .‬ويحتوي‬ ‫(‪)2‬‬ ‫حاجز شبكي قليل التق ُّعر على أسالك حية‬

‫تو ِّلد پالزما ميكروية املقاس‪ .‬وتدفع‬ ‫شوارد هذه الپالزما الشبيهة بالغاز‬ ‫جزيئ� � ��ات الهواء من األس� �ل��اك إلى‬ ‫صفيح� � ��ة مجاورة مو ِّلدة ريحا أقوى‬ ‫من تلك التي تو ِّلدها مروحة ميكانيكية‬ ‫عادية‪ ،‬م� � ��ع أنها أصغر منها كثيرا‪.‬‬ ‫وثم� � ��ة مبتكرون آخرون يصنعون مراوح ذات‬ ‫محركات س���ترلينگ(‪ ،)3‬ولكن هذه املراوح ما‬ ‫زال� � ��ت كبيرة احلجم إلى حد م� � ��ا‪ ،‬وهي تو ِّلد‬ ‫ريحا دون أن تس� � ��تهلك طاقة كهربائية؛ ألنها‬ ‫تستمد طاقتها من الفرق احلراري بني املناطق‬ ‫الباردة والساخنة في الشيپة‪.‬‬

‫ميكن لقطعة تبريد (اللون الذهبي في‬ ‫املركز) مصنوعة من ت ُّلريد البيسموث‬ ‫أن تنقل احلرارة بعيدا عن شيپة أكبر‬ ‫منها كثيرا مثبتة فوقها إلى طبقة‬ ‫تبديد رقيقة (البرتقالي)‪ .‬حتتل القطعة‬ ‫والطبقة حيزا وطاقة أقل مما تستخدمه‬ ‫مبددات احلرارة احلالية‪.‬‬

‫بنيان ‪ :‬متعدد النوى‬

‫( )‬

‫كلم� � ��ا كان� � ��ت الترانزس� � ��تورات أصغر‪،‬‬ ‫استطاعت الفصل والوصل لتمثيل األصفار‬ ‫والوحدان على نحو أس� � ��رع‪ ،‬وهذا ما يجعل‬ ‫الش� � ��يپات أس� � ��رع‪ .‬ولكن تردد الساعة‪ ،‬أي‬ ‫عدد التعليمات التي تستطيع الشيپة تنفيذها‬ ‫في الثانية‪ ،‬وصل إلى س� � ��قفه‪ ،‬أي إلى نحو‬ ‫‪ 4-3‬ميگاهرتس‪ ،‬مع بلوغ الش� � ��يپات سقف‬ ‫السخونة املس� � ��موح بها‪ .‬لذا‪ ،‬دفعت الرغبة‬ ‫ف� � ��ي أداء أس� � ��رع‪ ،‬ضم� � ��ن ق ْي � � � َدي احلرارة‬ ‫وتردد الس� � ��اعة املذكورين‪ ،‬باملص ِّممني إلى‬ ‫وض� � ��ع معاجل� �ْي��نْ ‪ ،‬أو نواتينْ ‪ ،‬على الش� � ��يپة‬ ‫نفس� � ��ها‪ .‬وعمل� � ��ت كل ن� � ��واة بنفس س� � ��رعة‬ ‫الشيپة الس� � ��ابقة‪ ،‬لكن نظرا إلى أن النواتني‬ ‫تعمالن معا بالتوازي‪ ،‬فمن املمكن أن تعاجلا‬ ‫بيان� � ��ات أكثر مما تعاجله ش� � ��يپة واحدة في‬ ‫املدة نفس� � ��ها‪ ،‬وتس� � ��تهلكا طاقة أق� � ��ل‪ ،‬ولذا‬ ‫تو ِّل� � ��دان حرارة أقل‪ .‬إن أحدث احلواس� � ��يب‬ ‫الش� � ��خصية يحوي اآلن أربع نوى من قبيل‬ ‫املعاجلني ‪ Intel i7‬أو ‪.AMD Phenom X4‬‬ ‫حتوي أقوى احلواسيب الفائقة في العالم‬ ‫آالف الن� � ��وى‪ ،‬أما في املنتجات االس� � ��تهالكية‪،‬‬ ‫فإن اس� � ��تخدام حتى بضع نوى اس� � ��تخداما‬ ‫ف َّع� � ��اال يتط َّلب تقنيات برمجة جديدة قادرة على‬ ‫جتزئة البيان� � ��ات وتوزيع املعاجلة والتنس� � ��يق‬ ‫فيما بني النوى‪ .‬لقد ُوضعت أس� � ��س البرمجة‬

‫املتوازي� � ��ة للحواس� � ��يب الفائقة ف� � ��ي ثمانينات‬ ‫وتس� � ��عينات القرن العش� � ��رين‪ ،‬لك� � ��ن التحدي‬ ‫اآلن هو إيجاد لغ� � ��ات وأدوات ميكن‬ ‫ملط ِّوري البرمجيات اس� � ��تخدامها في‬ ‫التطبيقات االس� � ��تهالكية‪ .‬لقد أطلقت‬ ‫ش� � ��ركة أبحاث مايكروس� � ��وفت‪ ،‬على‬ ‫س� � ��بيل املثال‪ ،‬لغة البرمجة ‪ .F#‬وقد‬ ‫أوح� � ��ت لغ� � ��ة برمجة أق� � ��دم‪،Erlang ،‬‬ ‫ط َّورتها الشركة السويدية إريكسون‪،‬‬ ‫لغات أحدث من قبيل كلوجور ‪Clojure‬‬ ‫وس� � ��كاال ‪ .Scala‬وتس� � ��عى هيئات من‬ ‫قبيل جامعة إ ِّلينوي أيضا إلى تطوير‬ ‫لغة برمجة متوازية للشيپات املتعددة النوى‪.‬‬ ‫إذا أمكن اس� � ��تمثال ه� � ��ذه الطرائق‪ ،‬أمكن‬ ‫حلواس� � ��يب املكتب والتجهي� � ��زات احملمولة أن‬ ‫حتوي عشرات املعاجلات املتوازية التي ميكن‬ ‫أن يتك َّون كل منها من عدد من الترانزستورات‬ ‫أقل مما حتويه الش� � ��يپات احلالية‪ ،‬لكنها تعمل‬ ‫بسرعة أكبر بوصفها مجموعة متكاملة‪.‬‬ ‫( )‬

‫يتكوَّ ن املعالج ‪ Intel i7‬من أربع نوى‬ ‫(في أسفل الشكل) تعمل معا بالتوازي‬ ‫لتسريع احلوسبة ‪.computation‬‬

‫‪cores‬‬

‫‪Architecture : Multiple Cores‬‬

‫(‪ : corona wind effect )1‬ريح الهالة هي تيار شوارد يو ِّلده حقل‬ ‫كهربائي شديد‪.‬‬ ‫(‪ : live wire )2‬السلك احلي هو السلك احلامل للتيار الكهربائي‬ ‫املتناوب‪ ،‬ومتث� � ��ل األرض حينئذ اخلط الراجع الذي تكتمل‬ ‫ال� � ��دارة به‪ .‬وفي اللغة الدارجة‪ ،‬هذي� � ��ن اخلطني يطلق على‬ ‫احلامي والبارد‪.‬‬ ‫(‪ : Stirling engine )3‬آلة حت ِّول الطاقة احلرارية إلى ميكانيكية‬ ‫بضغط ومتديد كمية محددة من الهواء أو الغاز على نحو‬ ‫(التحرير)‬ ‫متناوب‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪51‬‬


‫مواد دقيقة ‪ :‬أنابيب نانوية وجتميع ذاتي‬

‫( )‬

‫دارة سيموس عادية‬

‫ركيزة‬ ‫أنبوب‬ ‫نانوي‬

‫دارة مهتز حلقي(‪ )1‬مبنية على‬ ‫أنبوب نانوي واحد يصل فيما بني‬ ‫عناصر الدارة‪.‬‬

‫مختصون‪,‬‬ ‫ط� � ��وال عقد من الس� � ��نني‪ ،‬دعا‬ ‫ُّ‬ ‫التوجه نحو التقانة النانوية بوصفها حال‬ ‫إلى‬ ‫ُّ‬ ‫جلميع أنواع املش� � ��اكل في الط� � ��ب والطاقة‪،‬‬ ‫وف� � ��ي ال� � ��دارات املتكامل� � ��ة أيض� � ��ا‪.‬‬ ‫ويجادل بعض املتحمسني لتلك‬ ‫التقان� � ��ة ف� � ��ي أن صناع� � ��ة‬ ‫أش� � ��باه املوصالت‪ ،‬التي‬ ‫تصن� � ��ع الش� � ��يپات‪،‬‬ ‫هي التي أ ْوج َدت‬ ‫تَــخــــــصـــُّ� � ��ص‬ ‫التقانة النانوية‬ ‫بــــا بـتـكــــار هـــــــا‬ ‫للترانزستورات‬ ‫الشيپة‬ ‫قاعدة‬ ‫املضطردة التضاؤل‪.‬‬ ‫إال أن التو ُّق� � ��ع األكبر ه� � ��و أن التقنيات‬ ‫النانوي� � ��ة ق� � ��د مت ِّكن املهندس� �ي��ن من تصميم‬ ‫جزيئات حس� � ��ب الطلب‪ .‬فالترانزس� � ��تورات‬ ‫املج َّمعة من أنابيب كربون نانوية‪ ،‬على سبيل‬ ‫املث� � ��ال‪ ،‬ميك� � ��ن أن تكون صغي� � ��رة جدا‪ .‬لقد‬ ‫صنع املهندس� � ��ون لدى الش� � ��ركة ‪ IBM‬فعال‬ ‫دارة س� � ��يموس عادية باستخدام ركيزة ناقلة‬

‫من أنابيب الكرب� � ��ون النانوية بدال من ركيزة‬ ‫الس� � ��ليكون (في اليمني)‪ .‬ويق� � ��وم >‪ .J‬أ ِّپنز َّلر<‬ ‫[عض� � ��و فري� � ��ق ‪ IBM‬واملوج� � ��ود حالي� � ��ا في‬ ‫جامعة پوردو] بابتكار ترانزستورات جديدة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫أصغر كثيرا من ترانزستورات السيموس‬ ‫املذكورة‪ ،‬وميكن أن تس� � ��تغل ركيزة األنابيب‬ ‫النانوية الضئيلة على نحو أفضل‪.‬‬ ‫إن ترتيب اجلزيئات والذرات أيضا‪ ،‬قد يكون‬ ‫عويصا‪ ،‬خاصة بوجود احلاجة إلى جتميعها‬ ‫بكمي� � ��ات كبي� � ��رة أثناء إنتاج الش� � ��يپات‪ .‬ولكن‬ ‫أحد حلول هذه املش� � ��كلة يكمن في اجلزيئات‬ ‫ْ‬ ‫اخلطها معا‪ ،‬ثم ع ِّر ْ‬ ‫ضها‬ ‫التي تتج َّمع ذاتي� � ��ا‪:‬‬ ‫للحرارة أو للضوء‪ ،‬لقوى طرد مركزية‪ ،‬فتُر ِّتب‬ ‫نفسها في أمناط ميكن حتديدها سلفا‪.‬‬ ‫لقد استعرضت الشركة ‪ IBM‬طريقة لصنع‬ ‫دارات ذاكرة باس� � ��تخدام پوليم� � ��رات مترابطة‬ ‫كيميائيا‪ .‬ح� �ي��ن تدومي اجلزيئات على س� � ��طح‬ ‫ركيزة سليكونية وتسخينها‪ ،‬متتط وتش ِّكل بنية‬ ‫كبنية خلية نحل ال تزيد أقطار مس� � ��اماتها على‬ ‫‪ 20‬نانومترا‪ .‬بعدئذ‪ ،‬ميكن حفر شكل الدارة في‬ ‫السليكون لتكوين شيپة ذاكرة بذاك احلجم‪.‬‬

‫ترانزستورات أسرع ‪ :‬الگرافني الفائق الرقة‬

‫( )‬

‫تهدف فكرة التقليص املضطرد ألحجام الترانزس� � ��تورات مادة نانوية معينة‪ ،‬هي الگرافني‪ ،‬ميكن أن تعمل بسرعة كبرى‬ ‫إل� � ��ى تقصير املس� � ��افات التي يج� � ��ب أن تقطعها اإلش� � ��ارات بسبب طبيعة بنيتها‪.‬‬ ‫يتك َّون معظم الش� � ��يپات املنطقي� � ��ة التي تعالج املعلومات‬ ‫الكهربائية ضمن الشيپة بغية تسريع معاجلة املعلومات‪ .‬وثمة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫من ترانزس� � ��تورات املفع���ول احلقل���ي املصنوعة بتقانة‬ ‫قط‬ ‫الس� � ��يموس‪ .‬تخ َّيل هذا الترانزس� � ��تور على ش� � ��كل قطعة‬ ‫ب البوابة‬ ‫مصرف‬ ‫بس� � ��كويت مكونة من طبقة مس� � ��تطيلة ضيقة‪ ،‬مع طبقة من‬ ‫إلكترون‬

‫ن‬

‫منبع‬

‫قطة ك‬

‫مومية‬ ‫گرافني‬

‫صنع في جامعة مانشستر بإنكلترا تساوي سماكته قطر‬ ‫ترانزستور من الگرافني ُ‬ ‫ذرة واحدة‪ .‬تسمح نقطة كمومية(‪ )3‬إللكترون واحد فقط باالنتقال من املنبع إلى‬ ‫املص َرف‪ ،‬مسجلة تغيرا من ‪ 1‬إلى ‪.0‬‬

‫‪52‬‬

‫( ) ‪Slimmer Materials: Nanotubes and Self-Assembly‬‬ ‫( ) ‪Faster Transistors: Ultrathin Graphene‬‬

‫(‪ : ring oscillator )1‬املهتز احللقي هو سلس� � ��لة مغلقة مكونة من عدد فردي من بوابات‬ ‫النف� � ��ي املنطقي ‪ .NOT‬ونتيجة لهذه التش� � ��كيلة‪ ،‬تهتز مخ� � ��ارج البوابات بني قيمتني‬ ‫للجه� � ��د (للڤولطي� � ��ة) الكهربائي متثالن الصف� � ��ر والواحد‪ ،‬ويتح� � ��دد دور االهتزاز‬ ‫مبجموع التأخيرات الزمنية التي تسببها البوابات بني دخلها وخرجها‪.‬‬ ‫(‪ : complementary metal-oxide-semiconductor (CMOS) )2‬نص� � ��ف ناق� � ��ل م� � ��ن متمم‬ ‫أكسيد املعدن‪.‬‬ ‫(‪ : quantum dot )3‬النقطة الكمومية هي نصف ناقل أزواج إلكتروناته‪ ،‬وثقوبه املترابطة‬ ‫محتواة ضمن جميع األبعاد املكانية الثالثة‪.‬‬ ‫(‪ : field-effect transistor )4‬هو ترانزس� � ��تور مير معظم تياره عبر قناة ميكن التحكم في‬ ‫(التحرير)‬ ‫مقاومتها بواسطة حقل كهربائي مستعرض متغير‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬


‫أخ� � ��رى عند درجة ح� � ��رارة الغرفة‪ ،‬ومنها ترانزس� � ��تورات‬ ‫املفعول احلقلي‪ .‬وال تفقد حوامل الشحنات فيه إال مقدارا‬ ‫ضئيال ج� � ��دا من الطاقة نتيجة التبعث� � ��ر والتصادم بذرات‬ ‫الشبكة‪ ،‬ولذا تكون احلرارة املهدورة املتو ِّلدة فيه أقل‪ .‬لقد‬ ‫عزل العلماء الگرافني بوصفه مادة مستقلة في عام ‪،2004‬‬ ‫أي إن العمل به ما زال في بداياته‪ ،‬ولكن الباحثني متيقنون‬ ‫َّ‬ ‫يتمكنون من صنع ترانزستورات گرافني‬ ‫من أنهم س� � ��وف‬ ‫عرضها يس� � ��اوي ‪ 10‬نانومترات فقط‪ ،‬وارتفاعها يس� � ��اوي‬ ‫ارتف� � ��اع ذرة واحدة‪ .‬وقد يكون من املمكن حفر العديد من‬ ‫الدارات في صفيحة گرافني ضئيلة واحدة‪.‬‬

‫األملني� � ��وم (أو مؤخرا من الپولي س� � ��ليكون) فوقها‪ ،‬وطبقة‬ ‫أكسيد عازل في الوسط‪ ،‬وطبقة سليكون شبه موصلة في‬ ‫األس� � ��فل‪ .‬إن الگرافني‪ ،‬الذي يحل محل طبقة األكسيد‪ ،‬هو‬ ‫ش� � ��كل جديد من جزيئات الكربون‪ ،‬وهو صفيحة مستوية‬ ‫ذات أشكال سداسية متكررة تشابه أشكال شبكة أسالك‬ ‫خم الدجاج‪ ،‬ولكن س� � ��ماكتها تس� � ��اوي طبقة ذرية واحدة‬ ‫فق� � ��ط‪ .‬وبتكديس صفائ� � ��ح الگرافني بعضه� � ��ا فوق بعض‪،‬‬ ‫يتك � � � َّون الگرافيت املعدن� � ��ي املعروف لدينا ب � � �ـ «رصاص»‬ ‫قل� � ��م الرصاص‪َ .‬ين ُقل الگرافني‪ ،‬بصيغت� � ��ه البلورية النقية‪،‬‬ ‫اإللكترونات بس� � ��رعة تفوق تلك الت� � ��ي تنقلها بها أي مادة‬ ‫حوسبة ضوئية ‪ :‬بسرعة الضوء‬

‫( )‬

‫ما زالت بدائل شيپات السليكون‪ ،‬املختلفة‬ ‫عنها كليا‪ ،‬بدائية إلى درجة أن ظهورها بشكل‬ ‫جت� � ��اري يحتاج إلى عقد من الس� � ��نني‪ .‬ولكن‬ ‫قانون مور رمبا يكون قد اس� � ��تنفد أغراضه‬ ‫حينئذ‪ ،‬لذا فإن العمل جار على قدم وس� � ��اق‬ ‫لتطوير طرائق حوسبة مختلفة كليا‪.‬‬ ‫في احلوسبة الضوئية‪ ،‬ال تحُ مل املعلومات‬ ‫عل� � ��ى اإللكترونات‪ ،‬بل عل� � ��ى الفوتونات التي‬ ‫تنقلها بسرعة أكبر كثيرا‪ ،‬أي بسرعة الضوء‪.‬‬ ‫لك� � ��ن التح ُّكم في الض� � ��وء أصعب كثيرا من‬ ‫التح ُّكم في اإللكترونات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد ساعد‬ ‫التق ُّدم احلاصل في صنع البداالت الضوئية‪،‬‬ ‫التي توضع مع كِ ب� � ��ال األلياف الضوئية في‬ ‫خطوط االتصاالت‪ ،‬على احلوس� � ��بة الضوئية‬ ‫أيض� � ��ا‪ .‬وأغرب م� � ��ن ذلك ه� � ��و أن أحد أكثر‬ ‫التطورات تق ُّدما ف� � ��ي هذا املجال يهدف إلى‬ ‫إيجاد وصالت ضوئية بني املعاجلات ضمن‬ ‫الشيپة املتعددة النوى‪ .‬فثمة مقادير هائلة من‬ ‫البيانات التي يج� � ��ب أن تُن َقل‪ ،‬إيابا وذهابا‪،‬‬ ‫بني النوى التي تعال� � ��ج املعلومات بالتوازي‪،‬‬ ‫وقد تش � � � ِّكل األس� �ل��اك اإللكترونية الواصلة‬ ‫بينه� � ��ا عنق زجاجة‪ .‬أما الوصالت الضوئية‪،‬‬ ‫حتس� � ��ن تدف� � ��ق املعلوم� � ��ات بني‬ ‫فيمك� � ��ن أن ِّ‬ ‫املعاجلات‪ ،‬والباحثون في مختبرات ش� � ��ركة‬ ‫هول� � ��ت پا َّكرد يق ِّيمون تصاميم ميكن أن تزيد‬ ‫كمية املعلومات املنقولة مئات املرات‪.‬‬

‫فوسفات اإلنديوم‬

‫قطب‬

‫ثقب‬

‫إلكترون‬ ‫ضوء‬ ‫ليزر‬

‫جة سليكوني‬

‫دليل مو‬

‫ية سليكونية‬

‫شيپة ضوئ‬

‫طبقة لصق‬ ‫زجاجية‬

‫وتعمل مجموعات أخ� � ��رى على وصالت‬ ‫ضوئي� � ��ة ميك� � ��ن أن حت� � ��ل محل األس� �ل��اك‬ ‫النحاسية البطيئة التي تصل اليوم بني شيپة‬ ‫املعالج واملك ِّونات األخرى ضمن احلواسيب‪،‬‬ ‫من قبيل ش� � ��يپات الذاكرة وسواقات أقراص‬ ‫الڤيدي� � ��و الرقمية‪ .‬لقد بنى املهندس� � ��ون لدى‬ ‫ش� � ��ركة إنتل وجامعة كاليفورنيا في س� � ��انتا‬ ‫باربرا «أنابيب بيانات» ضوئية من فوسفات‬ ‫اإلنديوم والسليكون باس� � ��تخدام سيرورات‬ ‫تصني� � ��ع أش� � ��باه املوصالت الش� � ��ائعة (في‬ ‫األعلى)‪ .‬إال أن ش� � ��يپات احلوسبة الضوئية‬ ‫الصرفة حتتاج إلى بعض االبتكارات العلمية‬ ‫والتقانية اجلوهرية لتحقيقها‪.‬‬ ‫( )‬

‫تستطيع الشيپة الضوئية أن تقوم‬ ‫بحوسبة سريعة إذا كانت حتوي منبعا‬ ‫ضوئيا داخليا قابال للتحكم فيه‪ .‬تعود‬ ‫اإللكترونات والثقوب في طبقة فوسفات‬ ‫اإلنديوم إلى االحتاد ثانية في املركز‬ ‫لتوليد ضوء ينتشر على طول دليل‬ ‫موجة سليكوني وعبر طبقة زجاجية‪.‬‬

‫‪Optical Computing : Quick as Light‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪53‬‬


‫احلوسبة اجلزيئية ‪ :‬واملنطق العضوي‬

‫( )‬

‫في احلوس� � ��بة اجلزيئية‪ ،‬تحُ َم� � ��ل الوحدان واألصفار على‬ ‫اجلزيئ� � ��ات‪ ،‬بدال من الترانزس� � ��تورات‪ .‬وعندما يكون اجلزيء‬ ‫حيوي� � ��ا‪ ،‬من قبيل الدنا ‪ ،DNA‬يس� � ��مى نوع احلوس� � ��بة هذا‬ ‫باحلوس� � ��بة البيولوجي� � ��ة [انظ� � ��ر املؤطر املعنون «احلوس� � ��بة‬ ‫البيولوجي� � ��ة» في الصفح� � ��ة املقابلة]‪ .‬لإليضاح‪ ،‬قد يس� � ��مي‬ ‫املهندس� � ��ون حوسبة اجلزيئات الالحيوية باملنطق اجلزيئي أو‬ ‫اإللكترونيات اجلزيئية(‪.)1‬‬ ‫ميتلك الترانزستور العادي ثالثة أطراف (كاحلرف ‪ :)Y‬املنبع‪،‬‬ ‫والبوابة‪ ،‬واملصرَف(‪ .)2‬ويجعل تطبيق جهد كهربائي على البوابة‬ ‫(أي عل� � ��ى جذع الـ ‪ )Y‬اإللكترون� � ��ات تتدفق بني املنبع واملصرف‪،‬‬ ‫وه� � ��ذا يح ِّق� � ��ق الـ ‪ 1‬أو ال � � �ـ ‪ .0‬على غرار ذلك‪ ،‬تس� � ��تطيع جزيئات‬

‫أسالك نانوية رفيعة‬ ‫من الزنك والكادميوم‬ ‫تتجمع ذاتيا‬ ‫والكبريت‬ ‫َّ‬ ‫في أسالك نانوية وقوقعة‬ ‫أسمك (أقصى اليمني)‬ ‫مالئمة لتكوين دارة حني‬ ‫تعريضها لنبضة بخار‬ ‫زنك الدمييثيل مدتها‬ ‫نصف ثانية‪.‬‬

‫سلك نانوي‬

‫لها أشكال متش� � ��عبة أن جتعل إشارة كهربائية تنساب بالطريقة‬ ‫نفس� � ��ها نظريا‪ .‬وقد صنع باحثون‪ ،‬لدى جامعتي يال ورايس قبل‬ ‫‪ 10‬سنوات‪ ،‬مفاتيح جزيئية باستخدام البنزن(‪ )3‬كلبنة بناء‪.‬‬ ‫ميكن للجزيئات أن تكون ضئيلة‪ ،‬لذا ميكن للدارات املبنية‬ ‫منها أن تك� � ��ون أصغر كثيرا من تلك املبنية من الس� � ��ليكون‪.‬‬ ‫إال أن إح� � ��دى الصعوب� � ��ات هي إيجاد طرائ� � ��ق لصنع دارات‬ ‫معقدة‪ .‬ل� � ��ذا‪ ،‬يأمل الباحثون بأن يك� � ��ون التجميع الذاتي هو‬ ‫احلل‪ .‬وفي الشهر ‪ ،2009/10‬ح َّول فريق في جامعة پنسلڤانيا‬ ‫الزن� � ��ك وكبريتيد الكادميوم املتبلور إلى دارات ش� � ��بكية فائقة‬ ‫من املعدن ونصف الناقل باس� � ��تخدام تفاعالت كيميائية فقط‬ ‫ح َّفزت التجميع الذاتي (أدناه)‪.‬‬

‫كبريت‬

‫كادميوم‬

‫زنك‬

‫احلوسبة الكمومية ‪ :‬تراكب الوحدان واألصفار‬

‫( )‬

‫تُع ُّد عناص� � ��ر الدارات املك َّون� � ��ة من ذرات‬ ‫أو إلكترونات‪ ،‬أو حتى م� � ��ن فوتونات‪ ،‬أصغر‬ ‫املك ِّونات املمكنة‪ .‬في سلم املقاسات هذا‪ ،‬يح ُكم‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫التآثرات بني العناصر‪ ،‬أي‬ ‫امليكانيك الكمومي‬ ‫القوانني التي تفس� � ��ر الس� � ��لوك الذري‪ .‬ميكن‬ ‫للحواس� � ��يب الكمومية أن تكون كثيفة وسريعة‬ ‫إل� � ��ى درجة يصعب تصورها‪ ،‬إال أن تصنيعها‬ ‫عملي� � ��ا والتح ُّكم في التآث� � � ِ‬ ‫�رات الكمومية التي‬ ‫حتصل فيها ميثالن حتديني مثبطني للهمم‪.‬‬ ‫تتص� � ��ف الذرات واإللكترونات ِ‬ ‫بس� � ��مات‬ ‫مم ِّيزة ميكن أن توجد ف� � ��ي حاالت مختلفة‪،‬‬ ‫وأن تك � � � ِّون بت� � ��ة كمومي� � ��ة‪ ،‬أو م� � ��ا يس� � ��مى‬ ‫‪54‬‬

‫مناح‬ ‫كيوبت����ة ‪ .qubit‬ثمة اس� � ��تقصاءات في ٍ‬ ‫عدة لتداول الكيوبتات‪ ،‬وإحداها ما ُيس� � ��مى‬ ‫باإللكترونيات الس����پينية(‪ ،)4‬حـيــــث تُـــــد ِّوم‬ ‫( ) ‪Molecular Computing : organic Logic‬‬ ‫( ) ‪Quantum Computing : Superposition of 0 and 1‬‬ ‫(‪molectronics )1‬‬ ‫(‪source, gate and drain )2‬‬

‫(‪ : benzene )3‬املر َّك� � ��ب ‪ ،C6H6‬ال البنزي� � ��ن املس� � ��تخدم وقودا‬ ‫للسيارات‪.‬‬ ‫(‪ : spintronics )4‬اإللكترونيات الس� � ��پينيـــة تقانـــة بازغــة حلمل‬ ‫املعلومات تستغل بعض خواص اإللكترون من قبيل الشحنة‬ ‫والسپني (التدومي) ‪ spin‬والعزم املغنطيسي‪( .‬التحرير)‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫سلسلة سابحة من شوارد الكالسيوم‬ ‫في حجرة مخ َّ‬ ‫الة تستطيع القيام‬ ‫بحسابات كمومية‪.‬‬


‫عزوم اإللكترونات املغنطيس� � ��ية في واحد من اجتاهني‪ .‬تخ َّيل‬ ‫كرة تد ِّوم في اجت� � ��اه ما (ممثلة ‪ 1‬أو ‪ .)0‬خالفا للكرة‪ ،‬ميكن‬ ‫لإللكترون أن ُيد ِّوم باالجتاهني في الوقت نفس� � ��ه‪ ،‬مو ِّلدا حالة‬ ‫كمومية فريدة تُعرف بتراكب الـ ‪ 1‬والـ ‪ .0‬وباستخدام حاالت‬ ‫التراكب‪ ،‬ميكن لسلس� � ��لة من اإللكترون� � ��ات أن متثل مقادير‬ ‫م� � ��ن املعلوم� � ��ات تفوق‪ ،‬بتزايد أس� � ��ي‪ ،‬ما متثله سلس� � ��لة من‬ ‫الترانزس� � ��تورات السليكونية التي متتلك حاالت البتة العادية‬ ‫فق� � ��ط‪ .‬لقد صنع علماء في جامعة كاليفورنيا بس� � ��انتا باربرا‬ ‫ع� � ��ددا من البواب� � ��ات املنطقية املختلفة باحتج� � ��از إلكترونات‬ ‫ضمن حجرات ُحفرت في األملاس‪.‬‬

‫وفي طريقة أخرى اس� � ��تخدمتها جامعة ماريالند والهيئة‬ ‫القومية األمريكية للمقاييس والتقانة (‪ُ ،)1()NIST‬ع ِّلقت سلسلة‬ ‫من الشوارد بني صفيحتني مشحونتني‪ ،‬حيث يقوم ليزر بقلب‬ ‫االجتاه املغنطيسي لكل شاردة (أي كيوبتتها)‪ .‬واخليار اآلخر‬ ‫هو كش� � ��ف أنواع الفوتونات املختلفة التي تصدرها الشاردة‬ ‫اعتمادا على االجتاه التي هي فيه‪.‬‬ ‫إضافة إلى إمكان تراك� � ��ب احلاالت الكمومية‪ ،‬ميكن لتلك‬ ‫احلاالت أن تتش� � ��ابك أيضا‪ ،‬حيث تتراب� � ��ط حاالت املعلومات‬ ‫عبر كثير م� � ��ن الكيوبتات‪ ،‬معطية أداة قوية ملعاجلة املعلومات‬ ‫ولنقلها من مكان إلى آخر‪.‬‬

‫احلوسبة البيولوجية ‪ :‬الشيپات احلية‬

‫( )‬

‫معا لتعط� � ��ي احلل‪ .‬إن الش� � ��يپة‬ ‫احليوية‪ ،‬باحتوائها على عناصر‬ ‫يفوق عددها ع� � ��دد تلك التي في‬ ‫شيپات أش� � ��باه املوصالت بعدة‬ ‫مرات� � ��ب كبر(‪ ،)2‬ميك� � ��ن أن حتقق‬ ‫معاجلة متوازية شديدة الكثافة‪.‬‬ ‫لقد عاجلت الدارات احليوية‬ ‫في أيامه� � ��ا األول� � ��ى املعلومات‬ ‫بتكوي� � ��ن روابط بني الش� � ��رائط‬ ‫وتفكيكها‪ .‬ويقوم الباحثون اآلن‬ ‫بتطوير «برامج حاسوب جينية»‬ ‫ميكن أن تعي� � ��ش وتتكاثر داخل‬ ‫اخللية‪ ،‬ولكن الصعوبة تكمن في‬ ‫ميكن أن حتصل احلوسبة حينما يقدِّم جزيء دنا (األخضر في اليمني)‬ ‫إيجاد طرائ� � ��ق لبرمجة مجموعة‬ ‫بيانات إلى جزيئات دنا برمجية (األحمر في املركز) يستطيع إنزمي فوكل‬ ‫‪( Fokl‬الشريط امللون) معاجلتها‪.‬‬ ‫من العناصر احليوية للتصرف‬ ‫في احلوس� � ��بة البيولوجية ُيس� � ��تعاض عن بطريقة معينة‪ .‬ميكن للحواس� � ��يب البيولوجية‬ ‫الترانزستورات ببنى توجد عادة في املتعضيات أن تنتهي لتس� � ��تقر في دم اجلس� � ��م بدال من‬ ‫احلية‪ .‬وأهم تلك البنى هما جزيئا الدنا والرنا سطح املكتب‪ ،‬وقد صنع الباحثون فعال في‬ ‫‪ RNA‬الل� � ��ذان يخزنان فع� �ل��ا «البرنامج» الذي معه� � ��د وايزمان للعلوم معاجلا بس� � ��يطا من‬ ‫يوج� � ��ه حياة خاليانا‪ .‬املدهش هو أن الش� � ��يپة الدنــــا (ف� � ��ي األعلى)‪ ،‬وه� � ��م يحـاولـون اآلن‬ ‫ِّ‬ ‫جعله يعمل ضمن خلي� � ��ة حية ويتواصل مع‬ ‫التي ه� � ��ي بحجم ظفر اإلصب� � ��ع‪ ،‬والتي ميكن‬ ‫>‬ ‫البيئة التي حتيط بتلك اخللية‪.‬‬ ‫أن حتوي بليون ترانزس� � ��تور‪ ،‬ميكن أن حتوي‬ ‫( ) ‪Biological computing : Chips that live‬‬ ‫ترليونات من ش� � ��رائط الدنا‪ .‬وميكن لش� � ��رائط‬ ‫(‪the National Institute of Standards and Technology )1‬‬ ‫الدن� � ��ا أن تعالج أج� � ��زاء مختلفة‪ ،‬م� � ��ن عملية (‪ : orders of magnitude )2‬إذا كان مقدار أكبر من مقدار آخر‬ ‫بثالث مراتب كِ َبر مثال‪ ،‬كان أكبر منه بألف مرة؛ أي إن عدد‬ ‫حوس� � ��بة واحدة‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬وأن جتتمع‬ ‫(التحرير)‬ ‫مراتب الكِ بر هو أس العشرة‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, January 2010‬‬

‫‪55‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2010‬‬

‫‪4/3‬‬

‫تطور املعادن‬ ‫ّ‬

‫(٭)‬

‫عند النظر إلى اململكة املعدنية عبر الزمن الطويل‪ ،‬تتب ّدى لنا‬ ‫نتيجة مذهلة‪ :‬وهي أن معظم أنواع املعادن َمدي َن ٌة بوجودها للحياة‪.‬‬ ‫>‪ .M .R‬هازين<‬

‫مفاهيم أساسية‬ ‫>‬

‫>‬

‫>‬

‫توجد دستة من املعادن (مركبات‬ ‫متبلورة) فقط بني مك ّونات النظام‬ ‫الشمسي قبل ‪ 4.6‬بليون سنة‪ ،‬أما‬ ‫اليوم‪ ،‬فاألرض حتوي أكثر من ‪4400‬‬ ‫نوع من املعادن‪.‬‬ ‫لقد تطور التنوع في معدنية األرض‬ ‫عبر الدهور‪ ،‬وذلك من خالل ّ‬ ‫تدخل‬ ‫عمليات جديدة مكونة للمعادن‪.‬‬ ‫ومن املثير حقا‪ ،‬أن أكثر من نصف‬ ‫معادن األرض َمدي َن ٌة بوجودها‬ ‫للحياة التي بدأت بتحويل أو تشكيل‬ ‫جيولوج ّية األرض قبل أكثر من‬ ‫بليوني سنة مضت‪.‬‬ ‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪56‬‬

‫في املاضي الس� � ��حيق‪ ،‬لم يكن هناك أي‬ ‫معدن ‪ mineral‬في الكون‪ .‬ولم تتكون أي مادة‬ ‫صلبة في الفترة الس� � ��اخنة جدا التي أعقبت‬ ‫االنفج���ار األعظ���م ‪ .the big bang‬وقد احتاج‬ ‫الكون إلى نصف مليون س� � ��نة منذ بدء خلقه‬ ‫حتى تنشأ أولى ذرات الهدروجني والهيليوم‬ ‫والقليل من الليثيوم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬انقضت ماليني‬ ‫أخرى من الس� � ��نني‪ ،‬ح ّولت الثقال���ة ‪gravity‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الس���دُم‬ ‫فيها ه� � ��ذه الغ� � ��ازات البدائية إلى ُّ‬ ‫األولى التي بدورها انه� � ��ارت مكونة النجوم‬ ‫األولى الساخنة الكثيفة املتوهجة‪.‬‬ ‫ولم تتك ّون العناص� � ��ر الكيميائية األخرى‬ ‫إال عندم� � ��ا انفجرت بعض النج� � ��وم العمالقة‬ ‫متحول� � ��ة إلى أول� � ��ى املس���تعرات األعظمية‬ ‫‪ supernovas‬الت� � ��ي بعثرت ه� � ��ذه العناصر في‬ ‫الفض� � ��اء‪ .‬ولم تتك � � � ّون أولى القط� � ��ع املعدنية‬ ‫الصلب� � ��ة إال ف� � ��ي األغلف� � ��ة النجمي� � ��ة الغازية‬ ‫الب� � ��اردة املتم� � ��ددة‪ .‬وحتى في ه� � ��ذه األثناء‪،‬‬ ‫كانت معظم العناص� � ��ر و ُمركباتها نادرة جدا‬ ‫ومبعثرة أو ش� � ��ديدة التطاي� � ��ر‪ ،‬األمر الذي ال‬ ‫يؤدي إل� � ��ى إمكانية وجودها إال على ش� � ��كل‬ ‫ذرات أو جزيئ� � ��ات متفرقة ف� � ��ي الغاز والغبار‬ ‫املتك ّون حديثا‪ .‬وبس� � ��بب ع� � ��دم تك ّون بلورات‪،‬‬ ‫ذات تركي� � ��ب كيميائي ممي� � ��ز وذرات منتظمة‬ ‫في وحدات متكررة بانتظام‪ ،‬فقد فش� � ��لت هذه‬ ‫املادة في التأهل على شكل معادن‪.‬‬ ‫وق� � ��د كان أول املعادن الت� � ��ي ُيحتمل أنها‬ ‫تكون� � ��ت‪ ،‬بلورات ميكروية من معدني األملاس‬ ‫والگرافيت‪ ،‬وهما ش� � ��كالن نقيان من أشكال‬

‫عنص� � ��ر الكربون املوجود بكث� � ��رة‪ .‬ثم انضم‬ ‫إليهما بس� � ��رعة دس� � ��تة أو أكثر م� � ��ن بلورات‬ ‫ميكروية تتضمن معادن موس� � ��انيت (كربيد‬ ‫السليكون) وأس� � ��بورنيت (نتريد التيتانيوم)‬ ‫وبعض األكاسيد والسليكات‪ .‬وقد ظلت هذه‬ ‫األنواع القليلة من املعادن ‪ -‬املعادن الكونية‬ ‫األولى‪ -‬لعش� � ��رات ماليني السنني‪ ،‬البلورات‬ ‫الوحيدة في الكون‪.‬‬ ‫وعلى النقيض م� � ��ن ذلك‪ ،‬فاليوم يوجد في‬ ‫األرض أكث� � ��ر من ‪ 4400‬معدن معروف والكثير‬ ‫الذي ُينتظر اكتشافه‪ .‬فما الذي تسبب في هذا‬ ‫التنوع الالفت‪ ،‬من دس� � ��تة إلى آالف األشكال‬ ‫املتبلورة؟ لإلجابة عن هذا السؤال ُقمت حديثا‬ ‫مع سبعة من زمالئي‪ ،‬بعرض مخطط هيكلي‬ ‫جديد «لتط� � ��ور املعادن» يختل� � ��ف عن التفكير‬ ‫التقلي� � ��دي القدمي لعلم املعادن‪ ،‬حيث ينظر إلى‬ ‫املعادن على أنها أجس� � ��ام ق ّيم� � ��ة ذات تركيب‬ ‫كيميائي وصفات فيزيائية محددة‪ ،‬ولكنها غير‬ ‫مرتبط� � ��ة بالزمن ‪ -‬وهو البع� � ��د الرابع احلرج‬ ‫في اجليولوجيا‪ .‬وكبديل لذلك‪ ،‬فإن أس� � ��لوبنا‬ ‫يعتمد التاريخ اجليولوجي كإطار لفهم املعادن‬ ‫والعمليات التي أدت إلى نشأتها‪.‬‬ ‫وقد بدا لنا بسرعة أن قصة تطور املعادن‬ ‫قد بدأت بنش� � ��وء الكواك� � ��ب الصخرية؛ ألن‬ ‫الكواكب هي آالت تصنيع املعادن‪ .‬نرى ذلك‬ ‫عبر ‪ 4.5‬بليون سنة (عمر األرض) حيث مرت‬ ‫األرض مبجموعة من املراحل‪ ،‬في كل مرحلة‬ ‫منه� � ��ا ظواهر جديدة أدت إلى تغيير أو إغناء‬ ‫( ) ‪Evolution of Minerals‬‬

‫(‪ )1‬ج ‪ :‬سدمي‬

‫؛ ‪nebula‬‬


‫مثير ملعدنية سطح كوكبنا‪.‬‬ ‫وتعد بعض تفاصيل هذه القصة موضع‬ ‫اختالف شديد‪ ،‬غير أنه مما ال شك فيه أنها‬ ‫س� � ��تتغير مع االكتشافات املس� � ��تقبلية‪ ،‬ولكن‬ ‫النصر الس� � ��احق لتطور املعادن جعله علما‬ ‫راس� � ��خ البني� � ��ان‪ .‬ال ُأق ّدم وزمالئ� � ��ي بيانات‬ ‫جديدة خالفية أو نظريات جديدة ثورية حول‬ ‫ما حدث في كل مرحل� � ��ة من تاريخ األرض‪.‬‬ ‫ولكنن� � ��ا‪ ،‬باألح� � ��رى‪ ،‬نعيد صياغ� � ��ة القصة‬ ‫الكبرى لهذا التاريخ في ضوء تطور املعادن‬ ‫كمفهوم مرشد‪.‬‬ ‫وعل� � ��ى أي ح� � ��ال‪ ،‬فإنن� � ��ي أري� � ��د تأكيد‬

‫بصي� � ��رة مثي� � ��رة لالهتم� � ��ام‪ :‬فمعظ� � ��م آالف‬ ‫املع� � ��ادن األرضي� � ��ة َمدي َن � � � ٌة بوجودها لتطور‬ ‫احلياة عل� � ��ى كوكبنا‪ .‬فإن تص� � ��ورت جميع‬ ‫عالم اجلم� � ��ادات مرحل� � ��ة أدت فيها احلياة‬ ‫مس� � ��رحيتها التطورية‪ ،‬فلتفك� � ��ر مرة أخرى‪.‬‬ ‫فقد ج� � ��دد املمثل� � ��ون مس� � ��رحهم على طول‬ ‫الطريق‪ .‬ولهذه املالحظة أيضا مضامني في‬ ‫السعي إلى إيجاد إشارات للحياة في عوالم‬ ‫أخرى‪ .‬فاملعادن القوية الثابتة وليس البقايا‬ ‫العضوية الهش� � ��ة هي التي ميك� � ��ن أن تقدم‬ ‫للحياة أقوى اإلشارات وأكثرها استدامة‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪57‬‬


‫[سياق زمني]‬

‫لقطات في نشوء‬ ‫املعادن‬ ‫(٭)‬

‫في أثناء ‪ 4.6‬بليون سنة انقضت‬ ‫منذ نشأة النظام الشمسي‪،‬‬ ‫تطورت مجموعة املعادن املوجودة‬ ‫من بدايات متواضعة ‪ -‬دستة‬ ‫معادن تقريبا في السدمي السابق‬ ‫للشمس‪ -‬إلى أكثر من ‪4400‬‬ ‫معدن موجودة في األرض اآلن‪.‬‬ ‫لقد م ّر كوكبنا عبر سلسلة من‬ ‫املراحل (موضحة في اليسار‬ ‫وفي الصفحات اآلتية) على شكل‬ ‫لقطات متضمنة عمليات متنوعة‬ ‫مو ّلدة للمعادن‪ .‬وقد و ّلد بعض‬ ‫هذه العمليات معادن جديدة كلية‪،‬‬ ‫بينما حولت بعض العمليات‬ ‫األخرى وجه كوكبنا من خالل‬ ‫حتويل النادر منها إلى شائع‪.‬‬

‫نشأة األرض‬

‫زركون‪‬‬

‫قبل ‪ 4.6‬بليون سنة‪ ،‬تكوّ نت ماليني الكويكبات الصغيرة في قرص الغبار والغاز حيث بقيت حول الشمس املشتعلة‬ ‫حديثا (في اخللفية) وتصادمت لتنشأ عن ذلك األرض (األرض املتوهجة)‪ .‬وقد تطور أكثر من ‪ 200‬معدن في مرحلة‬ ‫الكويكبات الصغيرة من ضمنها معدنا األوليڤني والزركون‪ ،‬وذلك بسبب انصهار موادها وتصادمها‬ ‫وتفاعلها مع املاء‪ .‬وقد وُ جد الكثير من هذه املعادن في النيازك الكوندريتية‪.‬‬ ‫‪‬بلورات معدن األوليڤني في الپاالسيت ‪( pallasite‬نوع من النيازك)‬

‫نشأة األرض‬

‫( )‬

‫تنشأ الكواكب في سدم كونية بها بذور املادة‬ ‫الت� � ��ي نتجت من انفجارات النجوم املس� � ��تعرة‪.‬‬ ‫تنج� � ��ذب معظم كتلة الس� � ��دمي إلى داخله مكونة‬ ‫جنما مركزيا‪ ،‬بينما تش� � ��كل املواد املتبقية من‬ ‫السدمي قرصا عظيما يدور حول النجم‪ .‬تتجمع‬ ‫هذه املواد املتبقية باطراد في كتل أكبر وأكبر‪:‬‬ ‫مث� � ��ل حبات الرم� � ��ل واحلصى وك� � ��رات بحجم‬ ‫قبضة اليد مكونة من الغبار األولي الذي يحوي‬ ‫دس� � ��تة تقريبا من املعادن القدمية مع مجموعة‬ ‫من الذرات واجلزيئات املختلفة‪.‬‬ ‫وم� � ��ن ثم‪ ،‬حت� � ��دث تغيرات مثي� � ��رة عندما‬ ‫يش� � ��تعل النجم الوليد ويغمر جتمعات الغبار‬ ‫والغ� � ��از القريب� � ��ة بنار صاقلة‪ .‬وف� � ��ي نظامنا‬ ‫الشمس� � ��ي‪ ،‬ح� � ��دث االش� � ��تعال النجمي قبل‬ ‫‪ 4.6‬بليون س� � ��نة تقريبا‪ .‬وقد صهرت نبضات‬ ‫احلرارة اآلتية من الشمس الوليدة العناصر‬ ‫وخلطتها وأنتجت بلورات متثل مجموعة من‬ ‫املعادن اجلديدة‪ .‬ومن بني البلورات اجلديدة‬ ‫التي تكونت في هذه املرحلة األكثر قدما في‬ ‫‪58‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫كوندريت (نوع من النيازك)‪‬‬

‫مراحل التطور املعدني أولى سبائك احلديد‬ ‫والنيكل‪ ،‬والكبريتيدات والفوس� � ��فيدات‬ ‫مع حشد من األكاسيد والسليكات‪.‬‬ ‫وقد وجدت هذه املعادن في النيازك‬ ‫األكثر بدائية على شكل «كريات‬ ‫كوندريولي���ة» ‪ :chondrules‬وه� � ��ي قطيرات‬ ‫ُمب � � � ّردة بس� � ��رعة من صخ� � ��ر كان مصهورا‪.‬‬ ‫(تق � � � ّدم هذه النيازك الكوندريتية ‪chondritic‬‬ ‫أيضا الدليل على املعادن الكونية األولى التي‬ ‫س� � ��بقت في تكونها الكري� � ��ات الكوندريولية‪.‬‬ ‫يجد علماء املعادن تلك املعادن الكونية األولى‬ ‫على ش� � ��كل حبيبات نانوية ‪ nanoscopic‬أو‬ ‫ميكروية في النيازك)‪.‬‬ ‫وفي النظام الشمس� � ��ي الق� � ��دمي‪ ،‬تتجمع‬ ‫الكري� � ��ات الكوندريولية في كويكبات صغيرة‬ ‫ج� � ��دا‪ ،‬قد ينمو قطر بعضه� � ��ا إلى ‪ 100‬ميل‪،‬‬ ‫وهو حج� � ��م كاف ألن تنصهر جزئيا وتتمايز‬ ‫ف� � ��ي طبقات عل� � ��ى هيئة البصل� � ��ة مكونة من‬ ‫مع� � ��ادن ممي� � ��زة متضمن� � ��ة ُلبا كثيف� � ��ا غنيا‬ ‫بالفلزات‪ .‬وفي جوار الشمس املزدحم‪ ،‬أدت‬ ‫التصادمات الكثيرة إلى صدمات قوية ومزيد‬ ‫( ) ‪Snapshots of Mineral Genesis‬‬ ‫( ) ‪Making Earth‬‬


‫أرض سوداء‬

‫لپيدوليت‪‬‬

‫‪ 4.4‬بليون سنة‪ :‬في عصر الهاديان‪ ،‬كان سطح األرض بال حياة ويتكون أساسا من بازلت أسود‪ ،‬وهو صخر تكوّ ن من‬ ‫الصهارة واحلمم ‪ lava‬أوالالبة‪ .‬وفي بليوني سنة التي أعقبت ذلك‪ُ ،‬أنتج ما يقارب ‪ 1500‬معدن‪ .‬وقد أدت عملية االنصهار‬ ‫اجلزئي للصخور إلى تركيز عناصر نادرة ومتفرقة من مثل عنصر الليثيوم (في معدن لپيدوليت) والبرليوم (في معدن البريل)‬ ‫والبورون ( في معدن التورمالني)‪ .‬كما تسهم في ذلك أيضا التفاعالت الكيميائية والتجوية للمحيطات األولية وجو عدم التأكسد ‪anoxic‬‬ ‫‪ .atmosphere‬أما املعادن التي تنشأ حتت الضغط العالي مثل معدن اجلاديت؛ فقد وصلت إلى سطح األرض بتكتونية الصفائح‪.‬‬

‫من احلرارة‪ ،‬مما أدى إلى تغيير املعادن في‬ ‫الكويكب� � ��ات األكبر حجما‪ .‬وق� � ��د كان للمياه‬ ‫أيضا دوره� � ��ا‪ ،‬فقد كان امل� � ��اء موجودا منذ‬ ‫البداية على شكل حبيبات جليد في السدمي‬ ‫الس� � ��ابق للشمس‪ ،‬وفي الكويكبات الصغيرة‬ ‫انصهر امل� � ��اء املتجمد وجتمع في الش� � ��قوق‬ ‫والكس� � ��ور‪ .‬وق� � ��د نتجت مع� � ��ادن جديدة من‬ ‫التفاعالت الكيميائية مع هذه املياه‪.‬‬ ‫وكنتيج� � ��ة له� � ��ذه العملي� � ��ات الدينامية‪،‬‬ ‫فلرمبا تش� � ��كل ‪ 250‬معدنا‪ .‬تعد هذه املعادن‬ ‫الــ ‪ 250‬املواد اخلام الت� � ��ي ك ّونت الكواكب‬ ‫الصخري� � ��ة‪ ،‬وجميع هذه املع� � ��ادن ما زالت‬ ‫موج� � ��ودة في املجموع� � ��ات املتباينة للنيازك‬ ‫التي تسقط على األرض‪.‬‬ ‫أرض سوداء‬

‫تورمالني‪‬‬

‫( )‬

‫من� � ��ت األرض البدائية أكب� � ��ر وأكبر‪ .‬فقد‬ ‫ابتلعت الكويكبات الكبي� � ��رة آالف الكويكبات‬ ‫الصغي� � ��رة حتى بق� � ��ي متنافس� � ��ان اثنان في‬ ‫املنطقة‪ :‬األرض األولية واملريخ األصغر كثيرا‬

‫أدى تكرار عملية‬ ‫االنصهار اجلزئي‬ ‫للگرانيت إلى تركيز‬ ‫عناصر نادرة متنافية‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫بريل‪‬‬

‫(يعرف أحيانا باسم «ثِيا» وهو أم إلهة القمر‬ ‫عند اإلغريق)‪ .‬وفي عملية عنيفة ونهائية غير‬ ‫متخيل� � ��ة‪ ،‬صدم «ثي� � ��ا» األرض األولية جانبيا‬ ‫فبخر طبقاتها العليا وفجر ‪ 100‬مليون تريليون‬ ‫طن من أبخرة صخري� � ��ة ملتهبة إلى الفضاء‬ ‫ليتش� � ��كل منها القمر‪ .‬ويفسر هذا السيناريو‬ ‫الزخم الزاوي العالي لنظام األرض ‪ -‬القمر‪،‬‬ ‫كما يفس� � ��ر الكثير من املظاه� � ��ر غير العادية‬ ‫على القمر التي منها أن التركيب (الكيميائي)‬ ‫الكلي للقمر يشبه تركيب ستار األرض(‪( )1‬وهو‬ ‫طبقة يبلغ س� � ��مكها نحو ‪ 2000‬ميل وتنحصر‬ ‫ب� �ي��ن لب األرض املكون م� � ��ن احلديد والنيكل‬ ‫وقش � � �ــــرة األرض التــي يتــــــراوح ســـــمكهــــا‬ ‫بني ‪ 3‬و ‪ 30‬ميال)‪.‬‬ ‫عقب هذا التصادم الذي أنتج القمر قبل‬ ‫‪ 4.5‬بليون س� � ��نة تقريب� � ��ا‪ ،‬دخلت األرض في‬ ‫عملية تبريد ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫ومع أن سطح األرض قد حوى مجموعة من‬ ‫عناصر نادرة ‪ -‬مث� � ��ل اليورانيوم والبريليوم‬ ‫( ) ‪Black Earth‬‬

‫(‪ Earth's mantle )1‬؛ أو وشاح األرض‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫أرض حمراء‬ ‫‪ 2‬بليون سنة‪ :‬أعطت الكائنات احلية القادرة على التركيب (التمثيل) الضوئي غالف األرض اجلوي نسبة‬ ‫قليلة من األكسجني‪ ،‬مغيرة بشكل مثير دوره الكيميائي‪ .‬فتأكسدت معادن احلديد الثنائي التكافؤ )‪(Fe2+‬‬ ‫الشائعة في البازلت األسود إلى مركبات احلديد الثالثي التكافؤ )‪ ( Fe3+‬بحمرة الصدأ‪ .‬وقد مهدت «ظاهرة‬ ‫األكسدة العظيمة» الطريق لظهور أكثر من ‪ 2500‬معدن جديد منها معدن الرودونيت (الذي يوجد في‬ ‫ُ‬ ‫الكائنات الدقيقة (اللون األخضر) طبقات رقيقة من املادة تدعى‬ ‫رسبت‬ ‫مناجم املنغنيز) والتوركواز‪ .‬وقد ّ‬ ‫ستروماتوليت مكونة من معادن مثل كربونات الكالسيوم‪.‬‬

‫رودونيت‪‬‬

‫في مرحلة‬ ‫جيولوجية‪ ،‬أدى‬ ‫التمثيل الضوئي‪,‬‬ ‫الذي قامت به أنواع‬ ‫جديدة من الطحالب‪،‬‬ ‫إلى حدوث األكسدة‬ ‫العظيمة‪.‬‬ ‫‪60‬‬

‫والذه� � ��ب والزرني� � ��خ والرص� � ��اص والكثير‬ ‫غيرها ‪ -‬كانت قادرة عل� � ��ى تكوين مجموعة‬ ‫متنوع� � ��ة من املع� � ��ادن‪ ،‬إال أن تص� � ��ادم «ثيا»‬ ‫كحادثة كونية خل� � ��ط األوراق‪ .‬فقد خلطت‬ ‫طبق� � ��ات األرض اخلارجية خلطا جيدا‪،‬‬ ‫أدى إلى بعثرة ش� � ��ديدة لتلك العناصر‬ ‫األقل شيوعا بحيث أصبحت غير قادرة‬ ‫على تكوين بلورات معادن مس� � ��تقلة‪ .‬وقد‬ ‫كان كوكبنا معزوال وعدائيا ُيقذف بش� � ��كل‬ ‫متواصل ببقايا السدمي ومغطى بشكل كبير‬ ‫بطبقة رقيقة من البازلت األس� � ��ود‪ ،‬وهو نوع‬ ‫من الصخور يتك ّون حتى اآلن عندما تتصلب‬ ‫احلمم (الالبة ــ ‪.)Lava‬‬ ‫وق� � ��د ازداد التن� � ��وع املعدني لألرض في‬ ‫أثناء دهر الهاديان ذي االسم املناسب (قبل‬ ‫‪ 4‬باليني سنة تقريبا)‪ ،‬وذلك من خالل تعاقب‬ ‫االنصهار والتصلب لقشرة األرض الصلبة‬ ‫ومن خالل تفاع� �ل��ات التجوية مع احمليطات‬ ‫املبكرة والغالف اجلوي‪ .‬وعبر عدد ال يحصى‬ ‫من الدورات؛ فإن االنصهار اجلزئي وإعادة‬ ‫التصلب حلجوم م� � ��ن الصخور والتفاعالت‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪‬مقطع في ستروماتوليت‬ ‫أحفوري‬

‫توركواز‪‬‬

‫املتبادلة ب� �ي��ن الصخور واملاء مثل‬ ‫إذابة مركبات مخت� � ��ارة‪ ،‬جميع ذلك‬ ‫أدى تدريجيا إلى تركيز عناصر غير شائعة‬ ‫بقدر كاف لنش� � ��أة جيل جدي� � ��د من املعادن‬ ‫الدخيلة أو الشاذة ‪.exotic minerals‬‬ ‫ال ميتلك كل كوك� � ��ب هذا اإلمكان العظيم‬ ‫لتكوين املعادن‪ .‬فعط� � ��ارد الصغير الالمائي‬ ‫وقمر األرض اجل� � ��اف جتمدا قبل أن يحدث‬ ‫انصه� � ��ار مهم فيهما‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإننا نُق ّدر أن‬ ‫ع� � ��دد املعادن في هذين اجلرمني ال يزيد على‬ ‫‪ 350‬معدنا‪ .‬أما املريخ‪ ،‬مبيزانيته املتواضعة‬ ‫م� � ��ن املياه‪ ،‬فقد القى بع� � ��ض النجاح كنتيجة‬ ‫ألن� � ��واع املع� � ��ادن املائية مثل مع� � ��ادن الطني‬ ‫والتبخريات التي تتشكل عند تبخر احمليطات‬ ‫كلية‪ .‬ونقدر أن مس� � ��ابير «ناس� � ��ا» قد تكون‬ ‫قادرة ف� � ��ي النهاية على حتدي� � ��د ‪ 500‬معدن‬ ‫مختلف على هذا الكوكب األحمر‪.‬‬ ‫إن األرض أكبر وأس� � ��خن وأكثر رطوبة‪،‬‬ ‫وم� � ��ن ثم‪ ،‬فإن لديها حي� �ل��ا أخرى في تكوين‬ ‫املع� � ��ادن‪ .‬وق� � ��د ش� � ��هدت جمي� � ��ع الكواك� � ��ب‬ ‫صب البازلت فوق‬ ‫الصخرية نشاطا بركانيا ّ‬


‫أرض بيضاء‬ ‫‪ 700‬مليون سنة‪ :‬أدى التغير املناخي إلى تغطية سطح األرض جميعه ماليني السنني مبعدن‬ ‫واحد هو اجلليد‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬أحدث غاز ثاني أكسيد الكربون املنطلق من البراكني احترارا‬ ‫عامليا‪ ،‬وأصبح كوكبنا يدور بني املناخ احلار (البيت احلار) واملناخ اجلليدي (كرة اجلليد)‪ .‬ففي‬ ‫املناخ احلار‪ ،‬أضافت عملية التجوية إلى سطح األرض كميات كبيرة من املعادن الطينية الدقيقة‬ ‫التحبب مثل الكاولينني‪ .‬وترسبت‪ ،‬في احمليطات الضحلة الدافئة‪« ،‬كربونات الغطاء» التي بها‬ ‫بلورات طولها ‪ 6‬أقدام‪.‬‬

‫س� � ��طوحها‪ ،‬غي� � ��ر أن األرض (ورمبا الزهرة‬ ‫التي لها حجم مس� � ��او تقريبا) لديها حرارة‬ ‫باطني� � ��ة كافية إلع� � ��ادة صهر ه� � ��ذا البازلت‬ ‫لتك ّون مجموعة م� � ��ن الصخور النارية تدعى‬ ‫گرانيتوي� � ��د (عائلة الگراني� � ��ت الكبرى) التي‬ ‫تتضمن الگراني� � ��ت املألوف كحجارة جوانب‬ ‫الطرق وأس� � ��طح املناضد ذات اللون اللحمي‬ ‫أو الرمادي‪ .‬والگرانيت صخر خشن احلبات‬ ‫مكون م� � ��ن خليط من املع� � ��ادن التي تتضمن‬ ‫الكوارتز (حبات الرمل األكثر وضوحا على‬ ‫الش� � ��اطئ) والفلس� � ��پار (األكثر شيوعا بني‬ ‫املع� � ��ادن في قش� � ��رة األرض) وامليكا (الذي‬ ‫يك ّون رقائق معدنية ملّاعة)‪ .‬وقد ُأنتجت جميع‬ ‫هذه املعادن في وقت س� � ��ابق في الكويكبات‬ ‫الكبي� � ��رة ولكن بكميات صغي� � ��رة‪ ،‬ولكن أول‬ ‫ظه� � ��ور له� � ��ا‪ ،‬بكمي� � ��ات كبيرة في الس� � ��جل‬ ‫اجليولوجي لألرض‪ ،‬كان مصاحبا للعمليات‬ ‫األرضية املكونة للگرانيت‪.‬‬ ‫عل� � ��ى األرض‪ ،‬أدى االنصه� � ��ار اجلزئي‬ ‫املتكرر للگرانيت إل� � ��ى تركيز عناصر نادرة‬

‫كاولني‪‬‬

‫جليد‪‬‬

‫غير ق� � ��ادرة على إيجاد م� � ��كان مالئم بلوريا‬ ‫ف� � ��ي بني� � ��ة املعادن الش� � ��ائعة‪ .‬وقد ش� � ��هدت‬ ‫الصخور الناجتة وجود أكثر من ‪ 500‬معدن‬ ‫تتضمن بلورات عمالق� � ��ة ألنواع من املعادن‬ ‫غنية بعناصر الليثي� � ��وم والبريليوم والبورون‬ ‫والس� � ��يزيوم والتنتاليوم واليورانيوم ودستة‬ ‫أخرى م� � ��ن عناصر نادرة‪ .‬وقد أخذت بعض‬ ‫ه� � ��ذه العناصر وقت� � ��ا طوي� �ل��ا للوصول إلى‬ ‫تركيزات مكونة للمعادن ‪ -‬يقدر بعض العلماء‬ ‫ذلك بأكثر من بليون س� � ��نة‪ .‬قد تكون الزهرة‪،‬‬ ‫توأم األرض‪ ،‬بقيت نش� � ��طة وقتا طويال كافيا‬ ‫لتصل إلى ما وصل� � ��ت إليه األرض‪ ،‬غير أن‬ ‫املريخ وعطارد لم ت ُْظهِ ر سطوحهما إشارات‬ ‫مهمة إلى حدوث عملية تك ّون الگرانيت‪.‬‬ ‫وقد كس� � ��بت األرض املزيد م� � ��ن التنوع‬ ‫املعدن� � ��ي من خ� �ل��ال عملية ش� � ��ملت األرض‬ ‫جميعها‪ ،‬وهي عملية تكتونية الصفائح التي‬ ‫تو ّلد قش� � ��رة جديدة على طول سلس� � ��لة من‬ ‫البراكني بينم� � ��ا تُبتلع القش� � ��رة القدمية في‬ ‫مناطق الغوص‪ ،‬حي� � ��ث تنزلق صفيحة حتت‬

‫‪ ‬كربونات الغطاء‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪61‬‬


‫أرض خضراء‬ ‫‪ 400‬مليون سنة‪ :‬ظهرت الكائنات العديدة اخلاليا‪ ،‬واستعمرت النباتات اليابسة تبعتها‬ ‫بعد ذلك احليوانات‪ .‬وقد أدى التحلل الذي قامت به النباتات والفطريات إلى تزايد جتوية‬ ‫الصخور وإنتاج املعادن الطينية (خليط من معادن مائية) مرات عدة‪ .‬وألول مرة‪ ،‬أخذ سطح‬ ‫األرض مظهره احلالي ‪ -‬والتوزيع احلديث للمعادن‪ُ .‬تنتج احلياة مباشرة أنواعا من املعادن‬ ‫مثل األراگونيت والكالسيت (توجد في كل شيء من الترايلوبيت حتى هياكل البشر)‪ ،‬وكذلك‬ ‫بعض املعادن الشديدة الندرة مثل معدن هيزنيت الذي ترسب بفعل امليكروبات‪.‬‬

‫أخ� � ��رى وتع� � ��اد إلى س� � ��تار األرض‪ .‬تغوص‬ ‫كمي� � ��ات هائلة من الصخ� � ��ور الرطبة املتنوعة‬ ‫كيميائيا من القش� � ��رة حي� � ��ث تنصهر جزئيا‬ ‫متس� � ��ببة في تركي� � ��ز آخر لعناص� � ��ر نادرة‪.‬‬ ‫وق� � ��د ُأنتجت املئات من املعادن في رواس� � ��ب‬ ‫الكبريتي� � ��دات الضخمة الت� � ��ي تزودنا اليوم‬ ‫ببعض أغنى خامات العناصر على األرض‪.‬‬ ‫وقد ظهرت مئات أنواع املعادن األخرى أول‬ ‫مرة على س� � ��طح األرض عندما رفعت القوى‬ ‫التكتونية مناطق من صخور عميقة وكشفتها‬ ‫وم� � ��ا حتويه من معادن ممي� � ��زة تك ّونت حتت‬ ‫ضغط عال من مثل معدن جاديت ( واحد من‬ ‫معدنني يعرفان بش� � ��كل أفضل باسم احلجر‬ ‫الكرمي «جاد» ‪.)jade‬‬ ‫حصيلة كل ذلك‪ ،‬فإن ‪ 1500‬معدن ُوجدت‬ ‫على س� � ��طح األرض أو قريبا منه‪ ،‬رمبا تكون‬ ‫تو ّلدت بعملية دينامية قشرة األرض وستارها‬ ‫في أول بليوني سنة من عمر األرض‪ .‬غير أن‬ ‫علماء املعادن قد رصدوا أكثر من ‪ 4400‬نوع‬ ‫معدن� � ��ي‪ .‬فما الذي ح� � ��دث ل ُيضاعف التنوع‬ ‫‪62‬‬

‫‪‬أراگونيت‬ ‫ترايلوبيت أحفوري‪‬‬

‫املعدني ثالث مرات؟‬ ‫أرض حمراء‬

‫( )‬

‫ُ‬ ‫الغالف احليوي‬ ‫اجلواب هو احلياة‪ .‬يمُ ّي ُز‬ ‫األرض من جميع الكواكب واألقمار املعروفة‪،‬‬ ‫وق� � ��د ح ّول الغ� �ل��اف احليوي بش� � ��كل نهائي‬ ‫بيئة ما حول س� � ��طح األرض ـــ وبشكل أكثر‬ ‫وضوح� � ��ا احمليطات والغ� �ل��اف اجلوي ولكن‬ ‫أيضا الصخور واملعادن‪.‬‬ ‫ال ميكن ألق� � ��دم جت ّليات احلياة ‪ -‬كائنات‬ ‫بدائية وحيدة اخللية تغ ّذت بالطاقة الكيميائية‬ ‫من الصخ� � ��ور ‪ -‬أن يكون لها دور مهم في‬ ‫التن� � ��وع املعدني ل� �ل��أرض‪ .‬وم� � ��ن املؤكد أن‬ ‫اجليولوجي� �ي��ن قد وج� � ��دوا تكوينات صخرية‬ ‫تك ّونت بوس� � ��اطة عملي� � ��ات حيوية عمرها ‪3.5‬‬ ‫بليون سنة‪ ،‬من ضمنها شعاب من كربونات‬ ‫الكالس� � ��يوم وتكاوين احلديد املخططة (حيث‬ ‫احتبس� � ��ت أكاس� � ��يد احلديد‪ ،‬على ما يبدو‪،‬‬ ‫أول أكس� � ��جني و ّلدته احلياة)‪ .‬ولكن األرض‬

‫‪ ‬هيزنيت‬

‫( ) ‪Red Earth‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬


‫ما زالت ج� � ��رداء‪ ،‬فالغالف اجل� � ��وي ما زال‬ ‫يفتقد األكسجني‪ ،‬والتجوية السطحية بطيئة‪،‬‬ ‫وأش� � ��كال احلياة األولى لم تقدم شيئا يذكر‬ ‫في عدد املعادن املوجودة أو في توزيعها‪.‬‬ ‫وقد تغير هذا الوضع في حلظة جيولوجية‬ ‫مع التزايد الس� � ��ريع لألكسجني في الغالف‬ ‫اجلوي بالظه� � ��ور اجلديد لنوع من الطحالب‬ ‫ق� � ��ادرة عل� � ��ى التمثي� � ��ل الضوئ� � ��ي‪ .‬وما زال‬ ‫النق� � ��اش دائرا حول هذه املرحل� � ��ة االنتقالية‬ ‫التي تدعى حادثة األكس� � ��دة العظيمة‪ .‬وعلى‬ ‫وجه اخلص� � ��وص‪ ،‬لم يتف� � ��ق الباحثون على‬ ‫بدايتها الزمنية وسرعة حدوثها بشكل دقيق‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬وعند ‪ 2.2‬بليون س� � ��نة مضت‪ ،‬ارتفعت‬ ‫نسبة األكسجني اجلوي أكثر من ‪ %1‬مقارنة‬ ‫بنس� � ��بته احلالية ـــ وهي كمية صغيرة ولكنها‬ ‫كان� � ��ت كافية لتحويل معدنية س� � ��طح األرض‬ ‫بشكل نهائي‪.‬‬ ‫وقد دلت النمذج� � ��ة الكيميائية التي قمت‬ ‫بها مع زمالئي أن حادثة األكس� � ��دة العظيمة‬ ‫ق� � ��د مهدت الطري� � ��ق لظهور أكث� � ��ر من ‪2500‬‬ ‫معدن جديد أكثرها منتجات جتوية بالتميه‬ ‫‪ hydraction‬واألكس� � ��دة ملع� � ��ادن أخ� � ��رى‪ .‬ال‬ ‫يحتمل تك ّون بلورات هذه األنواع املعدنية في‬ ‫بيئة مختزلة‪ ،‬ومن ث� � ��م‪ ،‬فإن عمليات األرض‬ ‫البيوكيميائي� � ��ة هي املس� � ��ؤولة‪ ،‬على ما يبدو‪،‬‬ ‫بش� � ��كل مباش� � ��ر أو غير مباش� � ��ر عن أنواع‬ ‫املعادن الـ ‪ 4400‬املعروفة‪.‬‬ ‫وقد ُوجدت معظم ه� � ��ذه املعادن اجلديدة‬ ‫على ش� � ��كل أغلفة رقيقة أو قش� � ��رة من مادة‬ ‫متغي� � ��رة على س� � ��طح الصخ� � ��ور‪ .‬ولم ُيعرف‬ ‫الكثير من أنواع املعادن النادرة إال من خالل‬ ‫ع� � ��دد محدود من بلورات ق ّيمة وزنها أقل من‬ ‫غرام واحد‪ .‬غير أن حادثة األكسدة العظيمة‬ ‫له� � ��ا نتائ� � ��ج معدنية عاملية كذل� � ��ك‪ .‬ومن أبرز‬ ‫ذل� � ��ك‪ ،‬أن األرض قد ص� � ��دأت ‪ -‬فعبر الكرة‬ ‫األرضية‪ ،‬انقلب البازلت األس� � ��ود الذي ساد‬ ‫س� � ��طح األرض في فترة س� � ��ابقة إلى األحمر‬ ‫عندما تأكسد احلديد الثنائي التكافؤ )‪(Fe2+‬‬ ‫املوج� � ��ود في مع� � ��ادن البازلت الش� � ��ائع إلى‬

‫مركبات احلديد الثالث� � ��ي التكافؤ )‪ .(Fe3+‬قد‬ ‫تب� � ��دو األرض من الفضاء قبل بليوني س� � ��نة‬ ‫حمراء كاملريخ‪ ،‬مع احمليطات الزرقاء والغيوم‬ ‫البيضاء‪ ،‬معطية تباينا لونيا مثيرا‪.‬‬ ‫كانت األكسدة سبب حمرة املريخ أيضا‪،‬‬ ‫غير أن أكس� � ��جني املريخ قد نت� � ��ج من تفكك‬ ‫املياه بأش� � ��عة الش� � ��مس في أعل� � ��ى الغالف‬ ‫اجل� � ��وي وإف� �ل��ات الهدروجني إل� � ��ى الفضاء‬ ‫اخلارج� � ��ي‪ .‬وق� � ��د ك ّونت ه� � ��ذه العملية كمية‬ ‫كافية من األكس� � ��جني ليصدأ سطح الكوكب‬ ‫الصغي� � ��ر نوعا ما‪ ،‬ولكنه� � ��ا غير كافية خللق‬ ‫آالف املعادن التي نشأت على األرض العالية‬ ‫األكسدة واألكثر نشاطا جيولوجيا‪.‬‬ ‫أرض بيضاء‬

‫( )‬

‫بعد باليني الس� � ��نني الت� � ��ي انقضت منذ‬ ‫حادثة األكس� � ��دة العظيمة‪ ،‬حدث القليل مما‬ ‫يهمنا معدنيا‪ ،‬على ما يبدو‪ .‬هذه الفترة التي‬ ‫تدعى «احمليط األوس� � ��ط»‪ ،‬أو باالسم الغريب‬ ‫«البلي���ون املم���ل» ‪ ،the boring billion‬تبدو‬ ‫كفترة ركود نس� � ��بي حيويا ومعدنيا‪ .‬ويشير‬ ‫لفظ «األوسط» في االسم أعاله إلى مستويات‬ ‫األكس� � ��جني‪ :‬مياه احمليطات حول السطحية‬ ‫كانت مؤكس� � ��دة‪ ،‬غير أن املياه العميقة بقيت‬ ‫مختزل� � ��ة‪ .‬وقد ازداد عمق الس� � ��طح الفاصل‬ ‫بني ال ُكتلتني املائيتني تدريجيا‪ ،‬ولكن لم تظهر‬ ‫أش� � ��كال رئيس� � ��ية جديدة للحياة‪ ،‬وال ظهرت‬ ‫أنواع معادن جديدة كذلك‪.‬‬ ‫وعلى النقيض من البلي� � ��ون اململ‪ ،‬أظهر‬ ‫بض� � ��ع مئات ماليني الس� � ��نني الت� � ��ي أعقبته‬ ‫تغيرات بارزة على سطح األرض‪ .‬وعند ‪800‬‬ ‫مليون س� � ��نة مضت تقريب� � ��ا‪ ،‬جتمعت معظم‬ ‫قارات األرض في عنقود (قا ّري) ضخم قرب‬ ‫خط االستواء يدعى رودينيا ‪ .Rodinia‬قامت‬ ‫قوى تكتونية الصفائح بتكس� � ��ير هذه الكتلة‬ ‫القاري� � ��ة الكبي� � ��رة منتجة املزي� � ��د من خطوط‬ ‫الشواطئ وأمطارا أكثر وحتا صخريا أسرع‬ ‫ وهي عمليات امتصت ثاني أكسيد الكربون‬‫( ) ‪White Earth‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪63‬‬


‫اجلوي احملت ِبس للحرارة‪ .‬ومع ضعف تأثير‬ ‫ظاه���رة الدفيئ���ة ‪ greenhouse effect‬وتبريد‬

‫املؤلف‬

‫‪Robert M. Hazen‬‬

‫أحد العلماء األقدم في مختبرات‬ ‫اجليوفيزياء في معهد كارنيگي‬ ‫وأستاذ علم األرض في جامعة‬ ‫جورج ماسون‪ ،‬حصل على الدكتوراه‬ ‫في علم األرض من جامعة هارڤرد‬ ‫عام ‪ .1975‬وللمؤلف أكثر من ‪350‬‬ ‫بحثا علميا و‪ 20‬كتابا منها كتابه‬ ‫النشوء‪ :‬البحث العلمي عن أصل‬ ‫احلياة‪ ،‬وكثيرا ما يقدم العلم لغير‬

‫العلميني من خالل الراديو والتلفاز‬ ‫واحملاضرات العامة والڤيديو‪ .‬أما‬ ‫اهتمامه البحثي احلالي فيتركز‬ ‫على دور املعادن في أصل احلياة‪.‬‬ ‫وقد ُس ّمي معدن هيزنيت‪ ،‬الذي‬ ‫ترسب بواسطة امليكروبات من مياه‬ ‫شديدة القلوية جدا في بحيرة مونو‬ ‫بكاليفورنيا‪ ،‬على اسمه‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫املناخ اتسع جليد األقطاب‪.‬‬ ‫عكس� � ��ت املس� � ��احات النامية م� � ��ن اجلليد‬ ‫والثلج املزيد من ضوء الش� � ��مس إلى الفضاء‪،‬‬ ‫مقللة بذلك من تأثير التسخني الشمسي‪ .‬وكلما‬ ‫ازدادت مس� � ��احة اجللي� � ��د أصبحت األش� � ��ياء‬ ‫أبرد‪ .‬وملدة ‪ 10‬ماليني أو أكثر‪ ،‬حتولت األرض‬ ‫إلى كرة جليد عمالقة باستثناء بعض البراكني‬ ‫النش� � ��طة من خالل الغطاء األبي� � ��ض الرقيق‪.‬‬ ‫وتش� � ��ير بعض التقديرات إلى أن معدل درجة‬ ‫حرارة األرض نزل إلى ‪ 50-‬درجة سيلزية‪.‬‬ ‫غير أن األرض ال ميكن أن تبقى حبيس� � ��ة‬ ‫اجلليد إلى األبد‪ .‬فقد استمرت البراكني بقذف‬ ‫غاز ثاني أكس� � ��يد الكرب� � ��ون‪ ،‬ومع عدم وجود‬ ‫املطر والقليل من التجوية اللذين يعمالن على‬ ‫إزالة غازات الدفيئة ازدادت مستوياتها (غازات‬ ‫الدفيئة) باس� � ��تمرار وببطء فبلغت مئات املرات‬ ‫ما هي عليه اآلن‪ ،‬مما أحدث في النهاية دورة‬ ‫احترار دفيئية‪ .‬فانصهر اجلليد االس� � ��توائي‪،‬‬ ‫ورمب� � ��ا ال تكون فترة االحترار هذه دامت أكثر‬ ‫من بض� � ��ع مئات من الس� � ��نني حتولت األرض‬ ‫فيها من صندوق جليد إلى بيت دافئ‪.‬‬ ‫وفي م� � ��دى الـ ‪ 200‬مليون س� � ��نة التالية‪،‬‬ ‫دارت األرض بني هذين الوضعني املتطرفني‬ ‫رمبا دورتني إلى أربع دورات‪ .‬ويبدو أن ظهور‬ ‫بعض املعادن اجلديدة أمر قليل التوقع‪ ،‬في‬ ‫أثناء هذه الفترة املضطربة‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد حدث تغير جذري في توزيع املعادن‬ ‫السطحية في كل دورة جليدية جديدة‪ .‬وفي‬ ‫أثناء فت� � ��رات البيت الدافئ‪ ،‬ازداد بش� � ��كل‬ ‫حاد إنتاج املع� � ��ادن الطينية الدقيقة التحبب‬ ‫إضافة إلى نتاج عمليات التجوية من سطح‬ ‫األرض الصخ� � ��ري الع� � ��اري املنحوت‪ .‬وفي‬ ‫املناط� � ��ق الضحلة من احمليطات املس� � ��خنة‪،‬‬ ‫ترسبت معادن الكربونات على شكل مراوح‬ ‫بلورات عمالقة‪.‬‬ ‫وقد كان لدورات كرة اجلليد‪/‬البيت الدافئ‬ ‫آثار عميقة ف� � ��ي احلياة‪ .‬فقد أغلقت العصور‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫اجلليدية جمي� � ��ع األنظمة البيئية تقريبا‪ ،‬بينما‬ ‫ش� � ��هدت الفترات الدافئة زيادات مفاجئة في‬ ‫اإلنتاج احليوي‪ .‬ومع نهاية آخر عصر جليدي‬ ‫كبير‪ ،‬على وجه اخلصوص‪ ،‬ازداد األكسجني‬ ‫اجلوي من مجرد بضع نسب مئوية إلى‪%15‬‬ ‫تقريب� � ��ا‪ُ ،‬أنتج� � ��ت جزئيا من خ� �ل��ال ازدهار‬ ‫طحلبي ساحلي واسع االنتشار‪ .‬يعتقد كثير‬ ‫من علماء احلياة أن هذه املس� � ��تويات املرتفعة‬ ‫من األكس� � ��جني كانت مقدمة ضرورية لنشأة‬ ‫احليوانات الكبرى وتطورها بس� � ��بب ارتفاع‬ ‫متطلباتها األيضية‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فإن أول ظهور‬ ‫للكائنات احلية العديدة اخلاليا في الس� � ��جل‬ ‫األحفوري حدث بعد ‪ 5‬ماليني سنة من نهاية‬ ‫آخر فترة جليدية عاملية كبرى‪.‬‬ ‫اس� � ��تمر الغالف� � ��ان األرض� � ��ي واحليوي‬ ‫بالتط� � ��ور س� � ��وية‪ ،‬خاص� � ��ة بع� � ��د أن عرفت‬ ‫امليكروبات واحليوان� � ��ات املتنوعة كيف تبني‬ ‫أصدافها أو قواقعه� � ��ا املعدنية الواقية‪ .‬وقد‬ ‫قادت عملية إبداع صنع الهياكل الكربوناتية‬ ‫إلى ترسيب شعاب عظيمة من احلجر اجليري‬ ‫املوج� � ��ودة في مواقع ال حتصى في اجلروف‬ ‫واألنهار‪ .‬ول� � ��م تكن هذه املعادن جديدة‪ ،‬لكن‬ ‫سيادتها لم تكن مسبوقة‪.‬‬ ‫أرض خضراء‬

‫( )‬

‫كانت اليابس� � ��ة غير مأهولة طوال معظم‬ ‫تاريخ األرض‪ .‬فاألش� � ��عة فوق البنفس� � ��جية‬ ‫الص� � ��ادرة عن الش� � ��مس تدم� � ��ر اجلزيئات‬ ‫احليوية األساس� � ��ية وتقت� � ��ل معظم اخلاليا‪.‬‬ ‫ومع ارتفاع مس� � ��توى األكس� � ��جني اجلوي‪،‬‬ ‫تطورت طبقة واقية من األوزون عملت كدرع‬ ‫لليابس� � ��ة حتتها حتميها من األش� � ��عة فوق‬ ‫البنفس� � ��جية‪ ،‬ما يكفي جلعلها مالذا لغالف‬ ‫اليابسة احليوي‪.‬‬ ‫لق� � ��د اس� � ��تغرقت احلي� � ��اة وقت� � ��ا حت� � ��ى‬ ‫ازدهرت على اليابسة‪ .‬رمبا تكون الفرشات‬ ‫الطحلبية ‪ algal mats‬قد عاش� � ��ت في مناطق‬ ‫مس� � ��تنقعية عقب مرحلة ك� � ��رة اجلليد‪ ،‬وكان‬ ‫( ) ‪Green Earth‬‬


‫على التحول الق� � ��اري األكبر أن ينتظر حتى‬ ‫تط ّور احلزازيات ‪ - mosses‬أول نبات قاري‬ ‫حقيقي ‪ -‬قبل ‪ 460‬مليون س� � ��نة تقريبا‪ .‬ومن‬ ‫ثم استغرق االس� � ��تعمار الواسع لليابسة ‪10‬‬ ‫ماليني س� � ��نة أخرى حتى ظه� � ��رت النباتات‬ ‫الوعائية الت� � ��ي تخترق جذوره� � ��ا األراضي‬ ‫الصخرية للتثبت وجمع املاء‪.‬‬ ‫وقد ج� � ��اءت النبات� � ��ات والفطريات بطرق‬ ‫بيوكيميائية س� � ��ريعة لتفتي� � ��ت الصخور‪ ،‬ما‬ ‫أدى إلى تس� � ��ريع مع� � ��دالت جتوية الصخور‬ ‫الس� � ��طحية كالبازل� � ��ت والگراني� � ��ت واحلجر‬ ‫اجلي� � ��ري بنس� � ��بة أعلى‪ .‬وق� � ��د ازدادت كمية‬ ‫املعادن الطينية ومعدل تكون التربة بش� � ��كل‬ ‫كبير‪ ،‬ما زود النبات� � ��ات والفطريات املتنامية‬ ‫مبوطن يتسع باستمرار‪.‬‬ ‫ورمبا قبل ‪ 400‬مليون سنة أي في العصر‬ ‫الديڤوني‪ ,‬تطور س� � ��طح األرض ليصبح ألول‬ ‫مــــرة وبشــكل الفــت شــــبيها مبا هـــو عليه اآلن‬ ‫ حي� � ��ث ازدهرت الغابات اخلضراء املأهولة‬‫بأن� � ��واع متنامية باضطراد من احلش� � ��رات‬ ‫ورباعيات األقدام ومخلوقات أخرى‪ .‬وبفضل‬ ‫التأثير القوي للحياة‪ ،‬ف� � ��إن معدنية ما حول‬ ‫س� � ��طح األرض أيضا قد وصلت إلى مرحلة‬ ‫التنوع والتوزيع احلديث‪.‬‬ ‫مستقبل تطور املعادن‬

‫( )‬

‫إن النظر إلى معدني� � ��ة األرض كقصة‬ ‫دينامية متغيرة‪ ،‬يش� � ��ير إلى فرص بحثية‬ ‫مثي� � ��رة‪ .‬وكمثال‪ ،‬فإن كواك� � ��ب مختلفة قد‬ ‫أجنزت مراحل مختلفة من التطور املعدني‪.‬‬ ‫فالعوالم الصغيرة اجلافة كعطارد وقمرنا‬ ‫لهما س� � ��طحان بس� � ��يطان بتن� � ��وع معدني‬ ‫منخفض‪ .‬أما املريخ الصغير الرطب؛ فقد‬ ‫تق ّدم أفضل قليال‪ .‬غير أن الكواكب األكبر‬ ‫كاألرض والزهرة ومبس� � ��تودعاتها األكبر‬ ‫م� � ��ن املواد الطي� � ��ارة واحل� � ��رارة الباطنية‪،‬‬ ‫ميك� � ��ن أن تتقدم أبعد م� � ��ن ذلك من خالل‬ ‫تك ّون صخور الگرانيتويد‪.‬‬ ‫ولكن أصل احلياة والتطور الناجت املتوازي‬

‫للحياة واملعادن‪ ،‬يضع األرض وحيدة‪ .‬وكما‬ ‫الحظت سابقا‪ ،‬قد يكون للمعادن قيمة مساوية‬ ‫لقيمة البقايا العضوية ‪ organic remains‬في‬ ‫تع ُّرف احلياة ف� � ��ي عوالم أخرى‪ .‬فمثال‪ ،‬تلك‬ ‫العوال� � ��م التي بها حياة هي فقط التي يحتمل‬ ‫كسدة على نطاق واسع‪.‬‬ ‫أن تكون م َؤ َ‬ ‫قد تخضع العوالم املختلفة التركيب هي‬ ‫أيضا لتطورات معدني� � ��ة مختلفة جدا‪ .‬فقمر‬ ‫املشتري أيو ‪ ، Io‬الغني بالكبريت‪ ,‬وقمر زحل‬ ‫تيتان املتجمد املفعم باملواد الهيدروكربونية‪،‬‬ ‫ال ب� � ��د أن يك� � ��ون بهما حصيل� � ��ة مختلفة من‬ ‫املع� � ��ادن‪ .‬ويحتمل أن يك� � ��ون كذلك صحيحا‬ ‫بالنس� � ��بة إلى قمري يوروپا وإنس� � ��يالدوس‬ ‫(قمري املشتري وزحل على الترتيب)‪ ،‬حيث‬ ‫يعتق� � ��د أنهم� � ��ا يحتويان عل� � ��ى محيطات من‬ ‫املاء الس� � ��ائل حتت سطحيهما اجلليديني‪ ،‬ما‬ ‫يجعلهما من املواقع الرئيس� � ��ية لوجود حياة‬ ‫غير أرضية عليهما‪.‬‬ ‫كما أن النظ� � ��رة إلى املعادن في س� � ��ياق‬ ‫تطوري توضح أيضا موضوعا أكثر عمومية‬ ‫في تطور األنظمة في الكون جميعه‪ .‬فاحلاالت‬ ‫البس� � ��يطة تتطور إلى حاالت أكثر تعقيدا في‬ ‫س� � ��ياقات كثيرة‪ :‬تطور العناص� � ��ر الكيميائية‬ ‫في النج� � ��وم‪ ،‬وتطور املعادن ف� � ��ي الكواكب‪،‬‬ ‫وتط� � ��ور اجلزيئ� � ��ات الت� � ��ي قادت إلى نش� � ��أة‬ ‫احلياة‪ ،‬والتطور احليوي املألوف عبر االنتقاء‬ ‫(االنتخاب) الطبيعي الدارويني‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فنحن نعيش في كون مؤس� � ��س‬ ‫على التعقيد(‪ :)1‬فذرات الهدروجني ُتش � � � ّك ُل‬ ‫أو تُك ّونُ النجوم‪ ،‬والنجوم ُتش � � � ّك ُل أو تُك ّونُ‬ ‫عناص� � ��ر اجلدول الدوري وه� � ��ذه العناصر‬ ‫ُتش � � � ّك ُل أو ُتك � � � ّونُ الكواك� � ��ب‪ ،‬وهي بدورها‬ ‫ُتش � � � ّك ُل أو ُتك � � � ّونُ املعادن بكثرة‪ .‬تتوس� � ��ط‬ ‫املعادن في تكوين اجلزيئات احليوية‪ ،‬والتي‬ ‫أدت إلى نش� � ��أة احلياة على األرض‪ .‬ومتثل‬ ‫املعادن‪ ،‬في هذا السيناريو الكاسح‪ ،‬خطوة‬ ‫ال رجعة عنها ف� � ��ي تطور الكون الذي يتعلم‬ ‫>‬ ‫كيف يفهم ذاته‪.‬‬ ‫( ) ‪The Future of Mineral Evolution‬‬ ‫(‪ complexification )1‬؛ أو التركيب‪.‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫قد يكون للمعادن‬ ‫قيمة مساوية لقيمة‬ ‫البقايا العضوية من‬ ‫أجل تعرف بصمة‬ ‫احلياة على عوالم‬ ‫أخرى‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, March 2010‬‬

‫‪65‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2010‬‬

‫‪4/3‬‬

‫معاجلة مشـكلة النتروجني العاملـية‬

‫(٭)‬

‫تعتمد البشرية على النتروجني لتسميد األراضي املزروعة باحملاصيل‪،‬‬ ‫ولكن تزايد االستخدام عامليا يخرب البيئة ويهدد صحة البشر‪.‬‬ ‫فكيف نستطيع رسم مسار أكثر استدامة؟‬ ‫>‪ .R .A‬تاونسيند<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫>‬

‫>‬

‫يبرز التلوث بالنتروجني‪ ،‬الصادر‬ ‫عن املداخن وأنابيب عوادم‬ ‫احملركات وحقول احملاصيل‬ ‫الزراعية املسمدة بوفرة‪ ،‬حشدا من‬ ‫التحديات للبيئة ولصحة اإلنسان‪.‬‬ ‫تتراكم هذه العلل؛ ألن بعض‬ ‫البلدان تزيد من حرقها للوقود‬ ‫األحفوري وتسعى إلى تطبيق‬ ‫التسميد الكثيف لتحقيق أهداف‬ ‫مثل إنتاج الوقود البيولوجي‪.‬‬ ‫األسمدة االصطناعية باقية وال‬ ‫ميكن االستغناء عنها ملواجهة‬ ‫الطلب املتزايد على الغذاء في‬ ‫العالم‪ ،‬لكن العالم يستطيع ‪ -‬بل‬ ‫يجب عليه ‪ -‬أن يحصل على املزيد‬ ‫باستعمال القليل‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪66‬‬

‫‪-‬‬

‫>‪ .W .R‬هوارث<‬

‫باليني البش� � ��ر يدينون الي� � ��وم بحياتهم‬ ‫الكتش� � ��اف متم ّيز ّ‬ ‫مت منذ ق� � ��رن من الزمن‪.‬‬ ‫ففي عـــــام ‪ 1909‬وض� � ��ع العـــــالم األملــــــاني‬ ‫>‪ .F‬هاب� � ��ر< [من جامعة كارلس� � ��وه] طريقة‬ ‫لتحويل غاز النتروجني ‪ -‬املتوافر بكثرة في‬ ‫اجلو والعدمي النش� � ��اط‪ ،‬ومن ثم غير املتاح‬ ‫ملعظم الكائنات احلي� � ��ة ‪ -‬إلى أمونيا‪ ،‬وهي‬ ‫املك� � ��ون الف ّعال ف� � ��ي الس���ماد االصطناعي‬ ‫‪ .synthetic fertilizer‬وبعد ذلك بعشرين سنة‪،‬‬ ‫تفج� � ��رت قدرة العالـَم على إنتاج الغذاء؛ ألن‬ ‫عاملا أملانيا آخر ه� � ��و >‪ .C‬بوش< طور خطة‬ ‫الستثمار فكرة >هابر< صناعيا‪.‬‬ ‫وقامت املصانع اجلديدة التي تأسس� � ��ت‬ ‫في عشرات السنوات التالية بتحويل طن بعد‬ ‫طن من األمونيا الصناعية إلى سماد‪ ،‬وينال‬ ‫الي� � ��وم اختراع «هابر‪ -‬ب� � ��وش» تقديرا كبيرا‬ ‫بوصفه إح� � ��دى أكثر الهب� � ��ات أهمية لصحة‬ ‫اإلنسان في تاريخ البشر‪ .‬لقد مكنت األسمدة‬ ‫االصطناعي� � ��ة‪ ،‬بوصفه� � ��ا إح� � ��دى الدعامات‬ ‫األساسية في الثورة اخلضراء‪ ،‬املزارعني من‬ ‫حتويل األراضي القاحلة إلى حقول خصيبة‬ ‫ومتكينهم من زراعة احملصول تلو احملصول‬ ‫في التربة نفسها دون انتظار جتدد مغ ّذياتها‬ ‫طبيعي� � ��ا‪ .‬ونتيج� � ��ة لذلك‪ ،‬ازداد عدد س� � ��كان‬ ‫األرض بس� � ��رعة هائلة من ‪ 1.6‬بليون إلى ستة‬ ‫باليني نسمة في القرن العشرين‪.‬‬ ‫ولكن البش� � ��رية دفع� � ��ت ثمن ه� � ��ذه األخبار‬ ‫الطيبة غاليا‪ .‬إذ إن معظم النتروجني التفاعلي‬

‫‪ reactive nitrogen‬ال������ذي نصنعه ــ بغية‬ ‫حتويله إلى س� � ��ماد‪ ،‬وبدرج� � ��ة أقل النتروجني‬ ‫ال� � ��ذي ينت� � ��ج ثانويا بس� � ��بب ح� � ��رق الوقود‬ ‫األحف� � ��وري لتزوي� � ��د الس� � ��يارات واملصانع‬ ‫بالطاقة ــ ال ينتهي ف� � ��ي الغذاء الذي يتناوله‬ ‫البش� � ��ر‪ ،‬ب� � ��ل يهاجر إل� � ��ى اجل� � ��و واألنهار‬ ‫واحمليطات حيث يقوم فيها بتحوالت تتراوح‬ ‫طبيعتها بني اخلير والش� � ��ر‪ ،‬فهو مفيد حينا‬ ‫وملوث ال ُيك َب ُح جماحه حينا آخر‪ .‬وقد ألقى‬ ‫العلماء‪ ،‬من� � ��ذ زمن‪ ،‬على عات� � ��ق النتروجني‬ ‫التفاعلي مسؤولية ازدهار الطحالب الضارة‬ ‫وتش� � ��كيل مناطق س� � ��احلية قاحل� � ��ة وتلويث‬ ‫البيئة باألوزون‪ .‬وأضافت األبحاث احلديثة‬ ‫إلى صفحة اتهام النتروجني مس� � ��ألة فقدان‬ ‫التنوع البيولوجي ومسألة االحترار العاملي‬ ‫‪ global warming‬وكذل� � ��ك مؤش� � ��رات ت� � ��دل‬ ‫على مس� � ��ؤوليته عن زيادة ح� � ��دوث عدد من‬ ‫األمراض الفتاكة بالبشر‪.‬‬ ‫ويقوم الن� � ��اس اليوم بتولي� � ��د النتروجني‬ ‫التفاعلي وحقنه في البيئة بوتيرة متسارعة‪.‬‬ ‫ويع� � ��ود ذلك جزئيا إل� � ��ى أنّ العديد من األمم‬ ‫بدأت تلتحق بالركب الشغوف بالسعي وراء‬ ‫االس� � ��تعمال املكثف للس� � ��ماد في اصطناع‬ ‫الوقود البيولوجي وف� � ��ي إنتاج اللحوم (نظم‬ ‫اللح� � ��وم الغذائية املكثفة املعتمدة على زراعة‬ ‫احلبوب العلفية على نطاق واسع )‪ .‬وكذلك‪،‬‬ ‫فقد س� � ��اد في بع� � ��ض املناطق مث� � ��ل جنوبي‬ ‫( ) ‪Fixing the Global Nitrogen Problem‬‬


‫أمريكا وآسيا‪ ،‬استعمال السماد بكثافة في‬ ‫إنتاج احملاصي� � ��ل الغذائية وحرق غير منظم‬ ‫للوقود األحف� � ��وري‪ .‬ولذلك‪ ،‬ال يوجد ما يدعو‬ ‫إلى الدهشة عندما نصادف املناطق القاحلة‬ ‫وبع� � ��ض املش� � ��كالت األخ� � ��رى ذات العالقة‬ ‫بالنتروجني في كل مكان بعد أن كان وجودها‬ ‫محصورا في أمريكا الشمالية وأوروبا‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬فإن السماد يجب‬ ‫أن يك� � ��ون األداة الرائ� � ��دة في تطوير مصادر‬ ‫غذائي� � ��ة موثوق بها في مناطق إفريقيا ش� � ��به‬ ‫الصحراوية وفي املناطق األخرى التي تعاني‬ ‫وحد‬ ‫نقص الغذاء‪ .‬وعلى املجتمع الدولي أن ُي ّ‬ ‫اجلهود إليجاد طرائق أفضل إلدارة استعمال‬ ‫األسمدة وملواجهة عواقب هذا االستعمال في‬ ‫جميع أنحاء العال� � ��م‪ .‬ومن املؤكد أن احللول‬ ‫لن تكون في أي حال بس� � ��يطة‪ ،‬ولكنها ليست‬ ‫بعيدة املنال‪.‬‬ ‫إفراط في املزايا‬

‫( )‬

‫يتطل� � ��ب حل مش� � ��كلة النتروج� �ي��ن فهما‬ ‫واسعا لكيمياء هذا العنصر وإدراكا دقيقا‬ ‫لكيفي� � ��ة رعايته املش� � ��كالت البيئية‪ .‬تنش� � ��أ‬ ‫عل� � ��ل ‪ -‬وفوائد ‪ -‬النتروج� �ي��ن عندما تتفكك‬ ‫جزيئ� � ��ات النتروجني الغ� � ��ازي ‪ N2‬وتتحول‬ ‫إل� � ��ى ذرات متباع� � ��دة‪ .‬إن جمي� � ��ع أش� � ��كال‬ ‫احلياة حتتاج إل� � ��ى النتروجني‪ ،‬ولكن العدد‬ ‫األعظ� � ��م من الكائنات احلية ليس قادرا على‬ ‫االستفادة من خزان النتروجني األكبر وهو‬ ‫اجلو‪ .‬يؤلف النتروجني نحو ‪ %78‬من اجلو‪،‬‬ ‫وهو غاز خامل‪ .‬تعتمد الطريقة التي تتبعها‬ ‫الطبيعة في جع� � ��ل النتروجني متاحا للحياة‬ ‫على فع� � ��ل مجموعة صغيرة م� � ��ن البكتيريا‬ ‫تستطيع تفكيك الرابطة الثالثية الكائنة بني‬ ‫الذرتني املؤ ِّلفتني جل� � ��زيء النتروجني‪ ،‬وهي‬ ‫عملي� � ��ة تدعى تثبيت النتروج�ي�ن ‪nitrogen‬‬ ‫‪ .fixation‬توجد ه� � ��ذه البكتيريا املتخصصة‬ ‫في حالة حية حرة على اليابسة وفي كل من‬ ‫املياه العذبة واملاحلة‪ ،‬كما توجد متعايش� � ��ة‬ ‫مع جذور البقوليات الت� � ��ي تؤلف أحد أكثر‬

‫احملاصي� � ��ل أهمية ف� � ��ي العالم‬ ‫وتتف ّكك كمية صغيرة أخرى من‬ ‫غاز النتروج� �ي��ن عندما يضربه‬ ‫ّ‬ ‫وتسخنه ثورات البراكني‪.‬‬ ‫البرق‬ ‫كان� � ��ت كمي� � ��ة النتروج� �ي��ن‬ ‫التفاعلي املنتجة في العالم‪ ،‬قبل‬ ‫أن يبدأ البش� � ��ر باستثمار تقنية‬ ‫«هابر‪ -‬ب� � ��وش» وتقنيات تثبيت‬ ‫النتروج� �ي��ن األخ� � ��رى‪ ،‬متوازنة‬ ‫بفضل نش� � ��اط مجموعة صغيرة‬ ‫أخ� � ��رى م� � ��ن البكتيري� � ��ا تق� � ��وم‬ ‫بتحويل النتروجني التفاعلي إلى‬ ‫نتروج� �ي��ن غ� � ��ازي بعملية تدعى‬ ‫ن���زع النترج���ة ‪.denitrification‬‬ ‫وفي غضون جيل بشري واحد‬ ‫تغير هذا الت� � ��وازن الهش كليا‪.‬‬ ‫ففي عام ‪ 2005‬أصبح البش� � ��ر ينتجون أكثر‬ ‫م� � ��ن ‪ 400‬بليون پاون� � ��د (الپاوند = ‪ 0.37‬كغ)‬ ‫من النتروجني التفاعلي كل عام‪ ،‬وهي كمية‬ ‫تعادل على األقل ضعف الكمية التي تنتجها‬ ‫جميع العمليات الطبيعية على سطح األرض‬ ‫[انظر الشكل في أعلى الصفحة ‪.]70‬‬ ‫وعندما يتح� � ��رر النتروجني‪ ،‬الذي يوصف‬ ‫أحيانا بأنه أكثر عناص� � ��ر الطبيعة اضطرابا‪،‬‬ ‫م� � ��ن حالته غي� � ��ر التفاعلي� � ��ة‪ ،‬أي اخلاملة‪ ،‬فإنه‬ ‫يتس� � ��بب في عدد كبير من املش� � ��كالت البيئية؛‬ ‫ألن� � ��ه قادر على االحتاد م� � ��ع الكثير من املواد‬ ‫الكيميائية وعلى االنتش� � ��ار مبتعدا في جميع‬ ‫االجتاه� � ��ات‪ .‬وعندم� � ��ا تدخ� � ��ل ذرة جديدة من‬ ‫النتروج� �ي��ن التفاعل� � ��ي في اجل� � ��و أو في أحد‬ ‫األنهار فإنها قد تتوضع على ُبعد عش� � ��رات أو‬ ‫مئات األميال من مكان مصدرها ‪ ،‬وحتى إنّها‬ ‫ّ‬ ‫تتوضع على بع� � ��ض أكثر أصقاع األرض‬ ‫ق� � ��د‬ ‫ُبعدا ويشهد على ذلك اليوم املستويات املرتفعة‬ ‫من النتروجني بس� � ��بب نش� � ��اطات البشر‪ .‬وقد‬ ‫تك� � ��ون أكثر الصفات خط� � ��ورة‪ ،‬هي قدرة ذرة‬ ‫جدي� � ��دة واحدة من النتروج� �ي��ن التفاعلي على‬ ‫الوثب شاقة طريقها حول هذه البيئات الواسعة‬ ‫االنتشار مثل ُمجرم في فورة ارتكابه جرميته‪.‬‬ ‫( ) ‪Too Much of a Good Thing‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪67‬‬


‫[يجب أن ندرك]‬

‫الوجه املظلم للنتروجني‬

‫( )‬

‫النتروجني ‪ N2‬غاز مؤلف من تضاعف ذرتني‪ ،‬وهو أكثر مكونات جو األرض وفرة‪ ،‬غير أنه غاز عدمي الضرر‪ .‬ولكن عندما يتحول إلى شكله التفاعلي‬ ‫الذي ينبعث من املزارع واملصانع واملَ ْركبات التي حترق الوقود األحفوري يصبح مسؤوال عن عدد كبير من املشكالت املتع ّلقة بالبيئة وصحة البشر‪.‬‬ ‫تلوث هواء‬

‫‪ ‬يستطيع النتروجني الناجت من حرق الوقود األحفوري أن يسبّب‬ ‫تلويثا شديدا للهواء‪.‬‬ ‫‪ ‬قبل أن يتحد مع املاء منتجا حمض النتريك الذي ينحل في ماء املطر ‪...‬‬

‫معمل طاقة‬

‫مطر حمضي‬

‫‪ ‬وينضم مع النتروجني املتسرب من احلقول املسمدة‪ ،‬روث حيوانات‬ ‫املزارع ومياه الصرف الصحي واحملاصيل البقولية‪.‬‬ ‫‪ ‬عندما يدخل الكثيرمن النتروجني في املنظومة البيئية األرضية‪ ،‬ميكنه أن يسهم‬ ‫في تدهور التنوع البيولوجي ورمبا في زيادة مخاطر العديد من أمراض البشر‪.‬‬

‫مياه الصرف الصحي‬

‫َم ْركبات‬

‫‪ ‬ميكن لذرة مفردة من النتروجني صادرة عن مصنع أو مزرعة أو م ْركبة‬ ‫أن حتمض التربة وتلوث مياه الشرب قبل أن تدخل األنهار‪.‬‬

‫مزرعة حيوانات‬ ‫سماد‬ ‫محاصيل بقولية‬

‫حصاد العواقب‬

‫( )‬

‫العالم قادر على‬ ‫إنتاج غذاء أكثر‬ ‫بسماد أقل‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫عندم� � ��ا يض� � ��اف النتروج� �ي��ن إل� � ��ى حق� � ��ل‬ ‫من نب� � ��ات ال� � ��ذرة أو إلى م� � ��رج أخضر تكون‬ ‫النتيجة معروفة وبس� � ��يطة‪ ،‬وه� � ��ي أن النباتات‬ ‫ستنمو بش� � ��كل أفضل‪ .‬ولكن االستجابات في‬ ‫املنظومات البيئي� � ��ة الطبيعية تكون أكثر تعقيدا‬ ‫وغالب� � ��ا ما تدعو إلى القلق‪ .‬فعندما تصب مياه‬ ‫األنهار احململة باألسمدة في البحر مثال‪ ،‬ت ّ‬ ‫ُنشط‬ ‫ازدهار نباتات مجهرية تستهلك األكسجني لدى‬ ‫حتللها مؤدية ف� � ��ي مرحلة الحقة إلى تكوين ما‬ ‫يسمى باملناطق القاحلة‪ .‬وحتى على اليابسة‪ ،‬ال‬ ‫تستجيب جميع النباتات املوجودة في منظومة‬ ‫بيئية معقدة بالتس� � ��اوي إلى موارد النتروجني‪،‬‬ ‫فهناك العديد منها غير مؤهل الس� � ��تقبال وفرة‬ ‫املوارد املفاجئ� � ��ة‪ ،‬ولذلك تخس� � ��ر في مواجهة‬ ‫أنواع جديدة أقدر على املنافسة في عالم غني‬ ‫باملغذيات‪ .‬وغالبا ما تكون النتيجة النهائية هي‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫فقدان التنوع البيولوج� � ��ي‪ .‬ولذا‪ ،‬جند مثال أن‬ ‫األراضي العش� � ��بية في معظم أرج� � ��اء أوروبا‬ ‫ق� � ��د فقدت رب� � ��ع أنواعها النباتي� � ��ة أو أكثر بعد‬ ‫انقض� � ��اء عقود من الزمن على قدرة اإلنس� � ��ان‬ ‫على حتويل النتروجني املوجود في اجلو‪ .‬وهذه‬ ‫املش� � ��كلة منتش� � ��رة إلى أبعد احلدود لدرجة أنّ‬ ‫دراسة علمية حديثة صنفت التلوث بالنتروجني‬ ‫واحدا من األمور الثالثة األولى امله ِّددة للتنوع‬ ‫البيولوج� � ��ي في العالم‪ .‬ولذل� � ��ك‪ ،‬تعتبر معاهدة‬ ‫برنام� � ��ج األمم املتح� � ��دة للبيئ� � ��ة ح� � ��ول التنوع‬ ‫البيولوج� � ��ي‪ ،‬أن تخفي� � ��ض كمي� � ��ات النتروجني‬ ‫املأخوذة من اجلو هو املؤشر األساسي لنجاح‬ ‫مسألة احملافظة على التنوع‪.‬‬ ‫إنّ فق� � ��دان نبات ن� � ��ادر ال يثير عادة أي‬ ‫قلق لدى عامة الن� � ��اس‪ ،‬وكذلك لدى من بيده‬ ‫صياغة السياس� � ��ات‪ .‬ولكن زيادة النتروجني‬ ‫( ) ‪Nitrogen's Dark Side‬‬ ‫( ) ‪Reaping the Consequences‬‬


‫‪ ‬وميكن للبكتيريا في أي موقع على امتداد هذه السلسلة‬ ‫أن حتول تلك الذ ّرة املؤذية إلى أكسيد النتروز‪ ،‬وهو غاز‬ ‫دفيئة فعّ ال يُحدث االحتباس احلراري وميكنه أيضا أن‬ ‫يسرع عملية فقدان طبقة أوزون الستراتوسفير الواقية‪.‬‬ ‫والبكتيريا هي الوحيدة القادرة على إعادة الذرة ‪ N2‬إلى‬ ‫غاز النتروجني غير الضار وعلى إيقاف تأثيرها املمرض‪.‬‬ ‫‪ ‬وعندئذ‪ ،‬ميكنها االنتقال إلى احمليطات فتساعد على تعــزيز‬ ‫ازدهار الطحالب السامة وإحداث املناطق الساحلية القاحلة‪.‬‬

‫ازدهار الطحالب‬

‫مناطق قاحلة‬

‫ال يقتص� � ��ر ضررها على األنواع األخرى‬ ‫فقط ‪ -‬بل ق� � ��د تهددنا نحن البش� � ��ر أيضا‪.‬‬ ‫وتب� �ي��ن مقال� � ��ة مرجعية ص� � ��ادرة عن معاهد‬ ‫الصحة الوطنية أنّ ارتفاع تركيز النترات‬ ‫في ماء الش� � ��رب ‪ -‬غالبا م� � ��ا يعود ذلك إلى‬ ‫تلوث املياه الناجت من ارتفاع سويات النترات‬ ‫في األسمدة العامة ــ قد يسهم في العديد من‬ ‫املشكالت الصحية املتضمنة عددا من أنواع‬ ‫الس� � ��رطان‪ .‬وتتأثر مئات املاليني من البشر‬ ‫بتلوث الهواء مبلوثات ذات عالقة بالنتروجني‬ ‫مثل اجلسيمات املعلقة في الهواء ومستوى‬ ‫(‪)1‬‬

‫األوزون عن���د س���طح األرض‬

‫‪ground-level‬‬

‫‪ ،ozone‬فت� � ��زداد ف� � ��رص ح� � ��دوث االعتالالت‬ ‫القلبي� � ��ة الرئوي� � ��ة وترتفع إجم� � ��اال تبعا لذلك‬ ‫معدالت الوفيات‪.‬‬ ‫ومن املتوقع أن تـُوجه أيضا االستجابات‬ ‫البيئية الناجت� � ��ة من زي� � ��ادة النتروجني (مع‬

‫األس� � ��مدة الكيميائية األخرى املنتش� � ��رة في حقائق سريعة‬ ‫كل مكان واألس� � ��مدة الفسفورية) فيضا من أكثر من نصف السماد االصطناعي‬ ‫التهديدات الصحية األخرى للبش� � ��ر‪ .‬وليس املنتج من بدء اإلنتاج‪ ،‬استعمل في‬ ‫علينا س� � ��وى االنتظ� � ��ار لنرى م� � ��ا هو مدى العشرين سنة املاضية‪.‬‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫ضخامة االستجابات وتنوعها‪ .‬ولكن العلماء ازدادت سرعة إنتاج النتروجني‬ ‫االصطناعي بنسبة ‪ %80‬منذ عام ‪1960‬‬ ‫يدرك� � ��ون من اآلن أنّ إغناء املنظومات البيئية‬ ‫مصغّرا نسبة الزيادة ‪ %25‬من ثاني‬ ‫بالنتروج� �ي��ن ُيغ ّير البيئ� � ��ة وفق عدد هائل من أكسيد الكربون في اجلو خالل املرحلة‬ ‫األس� � ��اليب‪ .‬ويبني دليل مكتش� � ��ف حديثا أن السابقة نفسها‪.‬‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫زيادة النتروجني قد تزيد في فرص اإلصابة‬ ‫إذا ما حتول األمريكيون إلى النظام‬ ‫مب� � ��رض األلزهامير ومرض س� � ��كر الدم إذا الغذائي لسكان منطقة البحر األبيض‬ ‫ما وصل� � ��ت النترات إلى جه� � ��از الهضم عن املتوسط؛ فقد ينخفض استخدامهم‬ ‫للسماد إلى النصف‪.‬‬ ‫طريق ماء الشرب‪ .‬وكذلك‪ ،‬قد تؤدي الزيادة‬ ‫إلى رفع مس� � ��توى إطالق اجلسيمات املثيرة‬ ‫للحساسية املعلقة في الهواء وتعزيز انتشار‬ ‫بعض األمراض املعدية األخرى‪ .‬فقد يؤدي‪،‬‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬تسميد أعشاب «الراگويد»‬ ‫‪ ragweed‬إلى زيادة إنتاج غبار الطلع الناجم‬ ‫عن ذلك العش� � ��ب الضار‪ .‬وت� � ��زداد إمكانية‬ ‫إصابة نسبة أكبر من البشر ببعض األمراض‬ ‫مثل املالريا والكوليرا والبلهارسيا وڤيروس‬ ‫غرب النيل عندما يكون النتروجني غزيرا‪.‬‬ ‫وتتحكم في األمراض الس� � ��ابقة الذكر‬ ‫وغيره� � ��ا من األمراض س� � ��لوكيات األنواع‬ ‫األخ� � ��رى املوج� � ��ودة في البيئ� � ��ة‪ ،‬وبخاصة‬ ‫األن� � ��واع التي حتم� � ��ل العام� � ��ل املمرض ــ‬ ‫فمث� �ل��ا‪ ،‬ينش� � ��ر البعوض طفيل� � ��ي املالريا‪،‬‬ ‫وحت � � � ّرر احلالزين البلهارس� � ��يا ف� � ��ي املاء‪.‬‬ ‫ويعد احللزون أفضل مثال على كيفية قيام‬ ‫النتروجني بإطالق عنان تفاعل متسلس� � ��ل‪:‬‬ ‫ي� � ��ؤدي فيه النتروجني والفس� � ��فور الفائض‬ ‫واملتس� � ��رب إلى البيئة إلى زيادة كبيرة في‬ ‫منو النباتات في املس� � ��طحات املائية‪ ،‬وهذه‬ ‫بدورها تقوم بتقدمي غ� � ��ذاء أوفر للحالزين‬ ‫التي تتكاثر عندئذ بس� � ��رعة فينتج مجتمع‬ ‫كبير متسارع النمو من احلالزين احلاملة‬ ‫للعام� � ��ل املمرض‪ .‬وكذلك‪ ،‬ت� � ��ؤدي املغذيات‬ ‫اإلضافية إلى زي� � ��ادة كبيرة جدا في قدرة‬ ‫احللزون على إنتاج العوامل املمرضة‪ .‬ولكن‬ ‫ما زال من املبكر القول إن التلوث باملغذيات‬ ‫(‪National Institutes of Health )1‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪69‬‬


‫يؤدي عموما إلى زيادة مخاطر األمراض ــ‬ ‫التغيرات‬ ‫ففي بعض احلاالت‪ ،‬قد تخفض‬ ‫ُ‬ ‫البيئي ُة الناجت� � ��ة املخاط َر الصحية التي‬ ‫نواجهه� � ��ا‪ .‬غي� � ��ر أن إمكاني� � ��ة حدوث‬ ‫التغيير وم� � ��ن ثم حاجتن� � ��ا إلى معرفة‬ ‫الدور الذي س� � ��يؤديه‪ ،‬تزداد بس� � ��رعة‬ ‫مع انتشار اس� � ��تعمال األسمدة املتنامي‬ ‫إلى املناطق املدارية الكثيرة األمراض في‬ ‫العقود القادمة ‪.‬‬ ‫وتلق� � ��ي األدل� � ��ة املتزاي� � ��دة الل� � ��وم على‬ ‫النتروج� �ي��ن التفاعلي لدوره املتزايد األهمية‬ ‫في مسألة التغير املناخي‪ .‬يقود النتروجني‬ ‫التفاعلي ــ عندما يوجد في اجلو على شكل‬ ‫أكس� � ��يد النتريك )‪ (NO‬أو على ش� � ��كل ثاني‬ ‫أكسيد النتروجني )‪ (NO2‬اللذين يرمز لهما‬ ‫مجتمع� �ي��ن بالرمز ‪ - NOx‬إلى أحد منتجاته‬

‫النشاطات البشرية نحو‬

‫‪400‬‬

‫بليون پاوند سنويا‬

‫املصادر الطبيعية نحو‬

‫‪200‬‬

‫بليون پاوند سنويا‬

‫(الپاوند=‬

‫‪0.37‬‬

‫كغ)‬

‫أسمدة اصطناعية‪ ،‬استهالك وقود‬ ‫أحفوري‪ ،‬استعماالت صناعية لألمونيا‬ ‫(بالستيك‪ ،‬متفجرات‪ )....‬زراعة فول‬ ‫الصويا واحملاصيل البقولية األخرى‪.‬‬ ‫بكتيريا مثبتة للنتروجني في التربة‪،‬‬ ‫برق‪ ،‬براكني‪.‬‬

‫ضاعفت النشاطات البشريـة كميــة‬ ‫النتروجيـن التفاعلي املنطلق في‬ ‫البيئات األرضية وسواحل احمليطات‬ ‫ثالث مرات في كل عام‪.‬‬

‫الثانوية الرئيس� � ��ية غير املرغ� � ��وب فيها ‪-‬‬ ‫أوزون مستوى سطح األرض‪ .‬يعد تشكل‬ ‫هذا النوع من األوزون سيئا‪ ،‬ليس فقط‬ ‫ألنه ضار بصحة اإلنسان بل ألنّه عند‬ ‫مستوى س� � ��طح األرض يكون األوزون‬ ‫أيض� � ��ا م� � ��ن غ� � ��ازات الدفيئ� � ��ة املهمة‪.‬‬ ‫وإضافة إلى ذلك‪ ،‬ي� � ��ؤدي هذا األوزون‬ ‫إلى تلف النس� � ��ج النباتية مس� � ��ببا خسارة‬ ‫في إنتاج احملاصيل تبلغ باليني الدوالرات‬ ‫س� � ��نويا‪ .‬أضف إلى ذلك‪ ،‬أنه عندما يتثبط‬ ‫النمو فإن ذل� � ��ك يحد من قدرة النبات على‬ ‫امتصاص ثاني أكسيد الكربون )‪ (CO2‬من‬ ‫مما يؤ ّدي إلى االحترار العاملي‪.‬‬ ‫اجلو ّ‬ ‫إن النتروج� �ي��ن التفاعل� � ��ي ه� � ��و فع� �ل��ا‬ ‫تهديد مقلق ملس� � ��ألة التغي� � ��ر املناخي عندما‬ ‫( ) ‪Shifting Hotspots‬‬

‫[وجهات نظر عاملية]‬

‫انزياح البقع الساخنة‬

‫( )‬

‫كانت املناطق ذات االستعمال األعظمي للنتروجني (باللون األحمر) مقصورة أساسا فيما مضى على أوروبا وأمريكا الشمالية‪ .‬ولكن بسبب ظهور‬ ‫اقتصادات جديدة وانزياح التوجهات الزراعية تغيرت أمناط توزع النتروجني بسرعة‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن معدالت النمو احلديثة في استعمال النتروجني هي‬ ‫اآلن أعلى كثيرا في آسيا وفي أمريكا الالتينية‪ ،‬في حني أن مناطق أخرى ‪ -‬متضمنة معظم إفريقيا ‪ -‬تعاني نقص األسمدة‪.‬‬

‫جنوب البرازيل‪ :‬إن التزايد السريع‬ ‫في السكان وانتشار الصناعات حول‬ ‫سان پاولو‪ ،‬وضعف معاجلة مياه‬ ‫الصرف الصحي املدنية‪ ،‬وتذبذب إنتاج‬ ‫سكر من قصب السكر‪ ،‬جميعها‪ ،‬تسهم‬ ‫في خلق بقعة نتروجني ساخنة جديدة‬ ‫في أمريكا اجلنوبية‪.‬‬

‫سهل الصني الشمالي‪ :‬أدت‬ ‫االستعماالت اإلضافية الكثيفة لألسمدة‬ ‫إلى زيادة مدهشة في إنتاج الذرة‬ ‫والقمح‪ ،‬ولكن أصبحت الصني بذلك متتلك‬ ‫أعلى استهالك لألسمدة في العالم‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬


‫منها والفقيرة‪.‬‬ ‫يوجد على ش� � ��كل أكسيد‬ ‫فتح� � ��ت ال� � ��دول الغنية‬ ‫النت� � ��روز )‪ (N2O‬ــ وهو أحد‬ ‫الطريق إل� � ��ى نظام زراعي‬ ‫أق� � ��وى غ� � ��ازات الـدفـيــئ���ة‬ ‫يتصف غالبا بكونه يعتمد‬ ‫‪ .greenhouse‬ميتلـك جزيء‬ ‫بص� � ��ورة اس� � ��تثنائية على‬ ‫واحد من أكس� � ��يد النتروز‬ ‫اس � � �ــتخـدام النـتــروجـ� �ي��ن‬ ‫قدرة عل� � ��ى زيادة االحترار‬ ‫بكثافة وفي عدم فعالية هذا‬ ‫العامل� � ��ي أكثر بنح� � ��و ‪300‬‬ ‫املورد الرئيسي‪ .‬وغالبا ما‬ ‫مرة من ق� � ��درة جزيء ثاني‬ ‫يكون استعمال هذه الدول‬ ‫أكس� � ��يد الكرب� � ��ون‪ .‬وعلى‬ ‫للنتروجني ش� � ��بيها بفورة‬ ‫الرغ� � ��م م� � ��ن أن أكس� � ��يد‬ ‫على‬ ‫املعتمد‬ ‫البيولوجي‬ ‫الوقود‬ ‫إنتاج‬ ‫يسهم‬ ‫أن‬ ‫ميكن‬ ‫البيولوجي‪:‬‬ ‫الوقود‬ ‫صرعة‬ ‫إنفاق ذات عائد قليل على‬ ‫النتروز أقل وفرة بكثير من‬ ‫نبات ال ُّذرة مع نظام تسميده املكثف بالنتروجني في زيادة االحترار العاملي أكثر مما يقلله‬ ‫االقتصاد في استعمال الوقود األحفوري‪.‬‬ ‫االس� � ��تثمار‪ ،‬وعدم مباالة‬ ‫ثاني أكس� � ��يد الكربون في‬ ‫بالتكلفة احلقيقية‪ ،‬في حني‬ ‫اجل� � ��و‪ ،‬إال أن تركي� � ��زه في‬ ‫جند في مناطق أخرى من العالم باليني البشر‬ ‫اجلو في الوقت احلاضر يعد مس� � ��ؤوال عن‬ ‫غارقني في دورات من الفقر وس� � ��وء التغذية‪.‬‬ ‫نحو ‪ 10‬في املئة من االحترار العاملي بنسبة‬ ‫وقد تكون مناطق إفريقيا شبه الصحراوية أو‬ ‫تعادل ‪ %10‬من إس� � ��هام غاز ثاني أكس� � ��يد‬ ‫املجاورة للصح� � ��راء أفضل مثال ‪ ،‬ففي هذه‬ ‫الكرب� � ��ون‪ .‬وم� � ��ن اجلدير بالذك� � ��ر‪ ،‬أن زيادة‬ ‫املناطق غالبا ما يفش� � ��ل اإلنتاج الزراعي في‬ ‫النتروجني ق� � ��د تؤدي أحيانا إلى معاكس� � ��ة‬ ‫توفير احتياجات السعرات احلرارية ‪caloric‬‬ ‫االحت� � ��رار ‪ -‬وذلك عندم� � ��ا يتحد مع مركبات‬ ‫‪ needs‬األساس� � ��ية ‪ ،‬ويلغي أن يكون مصدرا‬ ‫أخ� � ��رى معلقة ف� � ��ي الهواء مش� � ��كال حالالت‬ ‫للدخل‪ .‬إن إدخال األس� � ��مدة النتروجينية في‬ ‫هوائية ‪ aerosols‬تعكس األشعة الواردة إلى‬ ‫تلك املناطق س� � ��يؤدي بالتأكيد إلى حتس� �ي��ن‬ ‫سطح األرض مثال‪ ،‬أو عندما ُيحفز النباتات‪،‬‬ ‫أحوال البش� � ��ر‪ .‬إذ أدت سياسة اتبعت حديثا‬ ‫في الغابات احملدودة املوارد من النتروجني‪،‬‬ ‫ــ إلمداد املزارع� �ي��ن الفقراء في ماالوي‪ ،‬على‬ ‫عل� � ��ى النمو وبذلك متتص مق� � ��دارا أكبر من‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬بأسمدة رخيصة الثمن وأصناف‬ ‫ثاني أكسيد الكربون من اجلو‪ .‬ولكن‪ ،‬وعلى‬ ‫محس� � ��نة من البذار ــ إلى زي� � ��ادة كبيرة في‬ ‫الرغم من الش� � ��كوك في مس� � ��ألة التوازن في‬ ‫ّ‬ ‫احملصول وتخفيض واضح للمجاعة‪.‬‬ ‫تأثيرات النتروجني التس� � ��خينية والتبريدية‪،‬‬ ‫ولك� � ��ن ال يج� � ��وز أن ُين َفقَ هذا الس� � ��ماد‬ ‫فإن األمر املؤكد هو أن جميع الدالئل تش� � ��ير‬ ‫بإس� � ��راف وم� � ��ن دون حكم� � ��ة ‪ .‬والدليل على‬ ‫إلى أن استمرار اإلنسان بتصنيع املزيد من‬ ‫صدق ه� � ��ذه املقول� � ��ة ماثل أم� � ��ام أعيننا‪ ،‬إذ‬ ‫النتروجني سيسرع االحترار املناخي‪.‬‬ ‫رهن اختياركم‬ ‫تبني الدراس� � ��ات التي تناول� � ��ت حزام حقول‬ ‫إن تبني خيارات شخصية معينة‬ ‫في‬ ‫والنتروجني‬ ‫سينقص أثر الكربون‬ ‫ما هو احلل‬ ‫الذرة‪ ،‬املمتد من الغرب األوسط في الواليات‬ ‫آن واحد‪.‬‬ ‫املتح� � ��دة ‪ U.S. Midwest‬إل� � ��ى حق� � ��ول القمح‬ ‫ومع أنّ إنتاج السماد هو املسؤول إلى حد‬ ‫> ادعم طاقة الرياح واملركبات‬ ‫املكس� � ��يكية‪ ،‬أن اإلف� � ��راط في التس� � ��ميد هو‬ ‫بعيد ع� � ��ن النتروجني الذي يؤذي اآلن كوكب‬ ‫الهجينة والسياسات‬ ‫األخرىالوقود اإلجراء العادي املتبع فيما يس� � ��مى مبناطق‬ ‫األرض ‪ُ -‬يث ّبت البشر نحو ثلثي الكمية املنتجة ‪-‬‬ ‫املصممة لتخفيف استهالك‬ ‫زراعة احلبوب ف� � ��ي العالم ‪ -‬ومن املؤكد أن‬ ‫األحفوري‪.‬‬ ‫إال أن إيقاف إنتاج السماد ليس قطعا احلل‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫اس� � ��تعمال كمية أقل من الس� � ��ماد لن يؤدي‬ ‫املناسب‪ .‬فالس� � ��ماد مهم جدا لتوفير الغذاء‬ ‫> اختر حلوم احليوانات التي تتغذى‬ ‫إلى إنتاج كمية أقل من احملصول‪ .‬واحلقيقة‬ ‫على الصعيد العاملي‪ .‬ولكن‪ ،‬وبالتأكيد‪ ،‬يجب‬ ‫باألعشاب‪ ،‬وقلل من أكل اللحوم‬ ‫البسيطة هي أن العالم قادر على إنتاج غذاء‬ ‫عموما‪.‬‬ ‫أن يكون التش� � ��ديد على االس� � ��تعمال الف ّعال‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫( ) ‪What to Do‬‬ ‫جزءا من احل� � ��ل في جميع البل� � ��دان‪ ،‬الغنية > اشترِ املنتجات احمللية‪.‬‬ ‫( ) ‪It′s Up To You‬‬ ‫( )‬

‫( )‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪71‬‬


‫أكثر بسماد أقل بتغيير املمارسات الزراعية‬ ‫التي اكتس� � ��بت صفة العادة في احلقبة التي‬ ‫كان فيها السماد زهيد الثمن وكثير الوفرة‪،‬‬ ‫ولم يكن أحد يعير مسألة عواقب االستعمال‬ ‫املفرط املس� � ��تمر للس� � ��ماد أي انتباه‪ .‬وميكن‬ ‫القول إن خفض الكمية الكلية املستعملة في‬ ‫ع� � ��دد كبير من احملاصيل هو ببس� � ��اطة نقطة‬ ‫البداية الصحيحة‪ ،‬إذ في الكثير من احلاالت‬ ‫تكون كميات الس� � ��ماد املستعملة أعلى بكثير‬ ‫من املستوى الالزم إلنتاج محصول أعظمي‬ ‫في معظم الس� � ��نني‪ ،‬مما يؤدي إلى تس� � ��رب‬ ‫كميات متفاوتة املقدار إلى البيئة‪ .‬فالناس في‬ ‫الواليات املتحدة يستهلكون أكثر من ‪ 10‬في‬ ‫املئة مما يستخدمه املزارعون في حقولهم في‬ ‫كل عام‪ ،‬وفي نهاية املطاف تنتهي الزيادة من‬ ‫السماد إلى البيئة‪ .‬وهذه التقديرات متغيرة‪،‬‬ ‫ففي حال� � ��ة العديد م� � ��ن محاصيلنا العامة‬ ‫يغسل املطر ربع إلى نصف ما يستخدم‬ ‫من السماد فيذهب إلى األنهار أو يجد‬ ‫وسيلة لالنتقال إلى اجلو‪.‬‬ ‫وميكن احلصول على املساعدة من‬

‫حلول في متناول‬ ‫اليد‬ ‫( )‬

‫التقنيات الزراعية الدقيقة ‪precision‬‬

‫‪ .techniques farming‬إذ تع� � ��د إضاف� � ��ة‬ ‫السماد بالقرب من جذور النبات عندما‬ ‫يكون النبات في أش ّد احلاجة إليه‪ ،‬أحد‬ ‫األمثل� � ��ة على الطرائق الت� � ��ي تُنجز حاليا في‬ ‫بعض املناطق األكثر غنى في العالم‪ .‬وميكن‬ ‫للمزارع� �ي��ن أن يعي� � ��دوا بدقة حس� � ��اب كمية‬ ‫الس� � ��ماد الالزم حلقولهم وموعد إضافة هذا‬ ‫الس� � ��ماد‪ ،‬وذلك باالعتماد على نظام حتديد‬ ‫املوق���ع العامل���ي‬

‫‪Global Positioning System‬‬

‫الذي يرسم لهم خريطة حقولهم ويحسب لهم‬ ‫مس� � ��توى الغذاء املتوفر في التربة عن طريق‬ ‫االستش���عار من بعد ‪ .remote sensing‬ولكن‬ ‫ارتف� � ��اع تكلفة مثل ه� � ��ذه املعدات يحول دون‬ ‫االستفادة منها من قِ بل الكثير من املزارعني‬ ‫الفرادى‪ ،‬لذلك فإن ه� � ��ذه التقنيات الزراعية‬ ‫الدقيقة ال ميكن أن تُع ّد حال من احللول‪.‬‬ ‫ولكن احللول ليس� � ��ت جميعها ذات تقنية‬ ‫عالي� � ��ة‪ .‬وتتضمن بع� � ��ض االس� � ��تراتيجيات‬ ‫‪72‬‬

‫> ميكن للصناعة أن تستعمل عددا‬ ‫أكبر من تقانات غسل أكاسيد‬ ‫النتروجني )‪ُ (NOx‬تنشأ على‬ ‫املداخن ومصادر التلوث األخرى‪.‬‬ ‫> ميكن للمزارعني التوجه نحو‬ ‫استعمال سماد أقل‪ .‬إن إضافة‬ ‫سماد أقل ال تؤدي إلى فقدان‬ ‫احملصول‪.‬‬ ‫> ميكن للمسؤولني عن املجتمع أن‬ ‫يتأكدوا من فصل حقول احملاصيل‬ ‫عن بعضها بأراض ٍ رطبة تقوم‬ ‫بامتصاص التسربات احململة‬ ‫بالنتروجني قبل دخولها األنهار‬ ‫والبحيرات‪.‬‬ ‫> ميكن لألمم إنشاء مؤسسات تقدم‬ ‫إعانات مالية ملكافأة القائمني على‬ ‫رعاية شؤون البيئة‪.‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫الفعالة والرخيصة زراعة محاصيل ش� � ��توية‬ ‫تغط� � ��ي التربة‪ ،‬وهذا م� � ��ا يحتجز النتروجني‬ ‫ف� � ��ي احلقل بدال من ترك احلق� � ��ل عاريا عدة‬ ‫أش� � ��هر‪ ،‬ومن احللول أيضا اللجوء إلى ترك‬ ‫ن� � ��وع ما من الغطاء النباتي ينمو بني صفوف‬ ‫نباتات احملصول املرتفع القيمة كالذرة مثال‪.‬‬ ‫وكذلك‪ ،‬ميكن حتقيق فارق كبير إذا ما قمنا‬ ‫ببس� � ��اطة بإضافة الس� � ��ماد في بداية الربيع‬ ‫بدال من االنتظار إلى اخلريف‪.‬‬ ‫وميكن أيضا للعالم أن يستفيد من تغييرات‬ ‫في إنت� � ��اج اللحوم‪ .‬يذهب معظ� � ��م النتروجني‬ ‫الذي يتحول إلى محاصي� � ��ل نباتية إلى أفواه‬ ‫اخلنازي� � ��ر واألبقار والدجاج ‪ -‬وتنتهي معظم‬ ‫كتلة هذه احملاصيل على ش� � ��كل غازات ناجتة‬ ‫من التجشؤ والتبول والتغوط‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫أن تخفيض االس� � ��تهالك العاملي من اللحم قد‬ ‫يشكل خطوة قيمة‪ ،‬لكن پروتني اللحم سيبقى‬ ‫جزءا مهما من معظ� � ��م األنظمة الغذائية‬ ‫عند البش� � ��ر‪ ،‬لذلك يجب حتسني كفاءة‬ ‫إنت� � ��اج اللحوم‪ .‬وميكن احلصول على‬ ‫بعض املس� � ��اعدة احملدودة عند تغيير‬ ‫نوعية الوجب� � ��ة الغذائية للحيوانات ‪-‬‬ ‫كأن نطعم األبقار الكثير من العش� � ��ب‬ ‫وكمي� � ��ة أقل م� � ��ن ال� � ��ذرة ‪ -‬وكذلك من‬ ‫املجدي إج� � ��راء معاجلة أفضل لفضالت‬ ‫احليوانات التي من شأنها‪ ،‬كما في منشآت‬ ‫معاجلة الصرف الصحي للبش� � ��ر‪ ،‬حتويل‬ ‫الكثير من النتروجني التفاعلي إلى ش� � ��كله‬ ‫الغازي اخلامل قبل إطالقه في البيئة ‪.‬‬ ‫ومن ناحي� � ��ة الطاقة الت� � ��ي متثل نحو ‪20‬‬ ‫في املئة من النتروج� �ي��ن الفائض في العالم‪،‬‬ ‫ميكن إزالة الكثير م� � ��ن النتروجني التفاعلي‬ ‫من اإلصدارات احلالي� � ��ة املنبعثة من الوقود‬ ‫األحفوري بنش� � ��ر اس� � ��تعمال تقانات غسل‬ ‫أكاس� � ��يد النتروج� �ي��ن )‪ (NOx‬ف� � ��ي املداخن‬ ‫ومصادر التلوث الصناعي األخرى‪ .‬إضافة‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬يجب استمرار بذل اجلهود العاملية‬ ‫لتحس� �ي��ن الكفاءة في قطاع الطاقة والتحرك‬ ‫(‪)1‬‬

‫( ) ‪Solutions Are Within Reach‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‪»The Greenhouse Hamburger,« :‬‬

‫‪by Nathan Fiala; Scientific American, February 2009‬‬


‫نحو مص� � ��ادر متجددة أنظ� � ��ف‪ ،‬األمر الذي‬ ‫س� � ��يؤدي إلى خفض إص� � ��دارات النتروجني‬ ‫بالترافق م� � ��ع إصدارات الكرب� � ��ون‪ .‬وميكن‬ ‫حتقيق فرق كبير عند إيقاف تش� � ��غيل معامل‬ ‫الطاقة القدمية والقليل� � ��ة الكفاءة من اإلنتاج‬ ‫وزيادة صرامة معايير اإلصدار في املركبات‪،‬‬ ‫وإذا أمكن االنتقال في توليد القدرة ‪power‬‬ ‫‪ generation‬من طريقة االحتراق التقليدية إلى‬ ‫خاليا الوقود ‪. fuel cells‬‬ ‫وجتدر اإلش� � ��ارة إلى أن أح� � ��د مصادر‬ ‫الطاق� � ��ة املتج� � ��ددة ‪ -‬الوق� � ��ود البيولوج� � ��ي‬ ‫املصن� � ��وع من نبات الذرة ‪ -‬يولد طلبا جديدا‬ ‫على األس� � ��مدة‪ .‬وفي الواليات املتحدة‪ ،‬تؤدي‬ ‫الزيادة غي� � ��ر املعقولة في إنتاج اإليثانول من‬ ‫الذرة ‪ -‬ارتفع اإلنت� � ��اج نحو أربعة أضعاف‬ ‫منذ عام ‪ - 2000‬إلى تأثير واضح يتجلى في‬ ‫زيادة تدفق النتروجني إلى نهر امليسيس� � ��پي‬ ‫ال� � ��ذي ينقل األس� � ��مدة الفائض� � ��ة إلى خليج‬ ‫املكسيك حيث تحُ ّرض األسمدة هذه ازدهار‬ ‫الطحالب و ُتش � � � ّكل املناط� � ��ق القاحلة‪ .‬ويبني‬ ‫تقرير نش� � ��رته اللجنة العلمية ملشكالت البيئة‬ ‫في الش� � ��هر ‪( 2009/4‬كانت ف� � ��ي ذلك الوقت‬ ‫ج� � ��زءا م� � ��ن املجلس العامل� � ��ي للعل� � ��وم ) أن‬ ‫اس� � ��تمرار األعمال بإنتاج الوقود البيولوجي‬ ‫كما هو جار اليوم‪ ،‬ميكن أن يزيد من مشكلة‬ ‫االحترار العاملي ومن تهديدات األمن الغذائي‬ ‫ومن العلل التنفس� � ��ية لدى البشر إضافة إلى‬ ‫املشكالت البيئية املألوفة‪.‬‬ ‫كيف ننجز ذلك‬

‫( )‬

‫متتلك املجتمعات حاليا عددا متنوعا من‬ ‫الوس� � ��ائل التقنية ملعاجلة مشكلة النتروجني‬ ‫بفعالية أكبر‪ ،‬محتفظة بالكثير من فوائده وفي‬ ‫الوقت ذاته تقلل إلى حد كبير من مخاطره‪ .‬أما‬ ‫بالنس� � ��بة إلى التحديات املتعلقة بالطاقة‪ ،‬فإن‬ ‫التحول إلى املزيد من االس� � ��تعمال املستدام‬ ‫للنتروجني لن يكون سهال كما أنه لن يتوافر‬ ‫لنا ُّ‬ ‫�حري‪ .‬أضف إلى ذلك أن معرفة‬ ‫حل س� � � ٌ‬ ‫التقانات ليست كافية‪ :‬فمن دون وجود حوافز‬ ‫اقتصادية وحت ّول في السياس� � ��ات سوف لن‬

‫يكون من احملتمل ألي من هذه احللول قدرة‬ ‫على معاجلة املشكلة‪.‬‬ ‫تبني الس� � ��رعة الت� � ��ي يزداد به� � ��ا التلوث‬ ‫بالنتروج� �ي��ن في العال� � ��م‪ ،‬احلاجة إلى وضع‬ ‫قواعد ضبط وحتكم‪ .‬فقد يكون من الضروري‬ ‫وضع معايير بيئي� � ��ة أو تقوية املوجود منها‪،‬‬ ‫مثل حتديد احلموالت األعظمية الكلية اليومية‬ ‫املس� � ��موح بدخولها إل� � ��ى املياه الس� � ��طحية‬ ‫وحتديد تراكيز النتروجني التفاعلي املسموح‬ ‫بها في إصدارات الوقود األحفوري‪ .‬وحتظى‬ ‫اليوم‪ ،‬في الواليات املتحدة ولدى بعض األمم‬ ‫األخرى‪ ،‬متابعة تطبيق السياسات التنظيمية‬ ‫عل� � ��ى املس� � ��تويني القومي واحملل� � ��ي ببعض‬ ‫‪،‬‬ ‫النجاح [انظر‪« :‬إنعاش مناطق ميتة»‪،‬‬ ‫الع� � ��ددان ‪ ،(2007)3/2‬ص ‪ .]36‬ومهم� � ��ا كان‬ ‫مقدار التغيي� � ��رات في السياس� � ��ات الالزمة‬ ‫إلدخ� � ��ال األس� � ��مدة إلى بل� � ��دان العالم التي‬ ‫جتاوزته� � ��ا الثورة اخلض� � ��راء‪ ،‬فإن عليها أن‬ ‫تطبق حلوال مس� � ��تدامة من البداية ‪ -‬لتجنب‬ ‫تك� � ��رار األخطاء التي ارتكب� � ��ت في الواليات‬ ‫املتحدة وفي غيرها من الدول‪.‬‬ ‫وميك� � ��ن حتقي� � ��ق التحس� � ��ينات الواعدة‬ ‫حتى في غياب القوان� �ي��ن التي تتوعد بفرض‬ ‫غرامات مالية على الذي� � ��ن يتجاوزون معايير‬ ‫اإلصدارات‪ .‬وميكن أن تكون أيضا الوسائل‬ ‫ذات العالقة بالسوق‪ ،‬مثل اإلجازات التجارية‪،‬‬ ‫مفي� � ��دة‪ .‬وقد ثبت جناح هذه املقاربة على نحو‬ ‫الف� � ��ت للنظر في مس� � ��ألة إصدارات املصانع‬ ‫م� � ��ن ثان� � ��ي أكس� � ��يد الكبري� � ��ت ‪ .SO2‬ويجري‬ ‫حاليا تبني مقاربات مماثلة للتلوث بأكاس� � ��يد‬ ‫النتروج� �ي��ن‪ ،‬إضافة إل� � ��ى البرنامج التجاري‬ ‫ملجموعة أكاس� � ��يد النتروج� �ي��ن التابع لوكالة‬ ‫حماي� � ��ة البيئة في الوالي� � ��ات املتحدة الذي بدأ‬ ‫في عام ‪ .2003‬وميكن بس� � ��هولة توس� � ��يع هذه‬ ‫السياسات لتشمل األسمدة في املياه اجلارية‬ ‫وإصدارات املاشية أيضا ‪ -‬على الرغم من أن‬ ‫مراقبة هذه األخيرة أصعب بكثير من مراقبة‬ ‫مداخن مصنع للطاقة يعمل بحرق الفحم‪.‬‬ ‫وقد أخذت مقاربات أخرى حلل املشكلة‬ ‫( ) ‪How to Get It Done‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫املؤلفان‬

‫‪Robert W. Howarth Alan R. Townsend‬‬

‫>تاونسيند< مدير اإليرادات لبرنامج‬ ‫دراسات البيئة بجامعة كولورادو في‬ ‫مدينة بولدر‪ .‬وهو أستاذ في املعهد‬ ‫اجلامعي ألبحاث القطب الشمالي‬ ‫وجبال األلب‪ ،‬وفي قسم البيولوجيا‬ ‫البيئية والتطورية ‪ .‬يدرس حاليا كيف‬ ‫تؤثـر تغيرات املناخ واستغالل األراضي‬ ‫ودورات التغذية العاملية في األداء‬ ‫الوظيفي األساسي للمنظومات البيئية‬ ‫األرضية‪> .‬هوارث< هو أستاذ في‬ ‫مؤسسة «ديڤيد ‪ .R‬أتكينسون» للبيئة‬ ‫والبيولوجيا البيئية في جامعة كورنيل‪.‬‬ ‫يدرس حاليا كيف تغير األنشطة البشرية‬ ‫املنظومات البيئية مع التأكيد على مواقع‬ ‫املياه العذبة والبحرية (احمللية)‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫[النقيض]‬

‫(‪)1‬‬

‫أين يشكل نقص السماد مشكلة‬

‫( )‬

‫يشكل السماد االصطناعي‪ ،‬ومازال‪ ،‬ضرورة حاسمة في مواجهة زيادة الطلب العاملي على الغذاء‪ ،‬وبخاصة في املناطق السيئة التغ ّذي ‪ ،‬مثل املناطق‬ ‫ّ‬ ‫يشكل استعمال األسمدة املفرط إحدى االستراتيجيات الرائدة لتطوير متوين غذائي موثوق به‪.‬‬ ‫اإلفريقية شبه الصحراوية أو املجاورة للصحراء‪ ،‬حيث‬ ‫ينتج البشر حاليا أكثر مما يلزم من األسمدة لتوفير الغذاء للعالم بأسره‪،‬‬ ‫ولكن التوزيع املتصف بعدم اإلنصاف وقلة الكفاءة يعني أن استعمال‬ ‫األسمدة املفرط ّيس ّبب مشكالت في بعض األماكن‪ ،‬في حني تتخبط املناطق‬ ‫التي ضربها الفقر في مستنقع دورة سوء التغذية‪ .‬إن توفير السماد‬ ‫االصطناعي لهؤالء الذين ال يقدرون على شرائه أدى بوضوح دورا مهما‬ ‫في حتسني أمنهم الغذائي ووضعهم اإلنساني والسيما في املناطق الريفية‬ ‫اإلفريقية املجاورة للصحراء‪ ،‬حيث يعود سوء التغذية الواسع االنتشار‬ ‫مباشرة إلى نضوب الغذاء وتعرية التربة‪.‬‬ ‫يشكل تقدمي إعانات السماد إحدى الركائز األساسية ملشروع القرى الريفية‬ ‫اإلفريقية في األلفية احلالية‪ ،‬وهو خطة طموحة ملشروع يفترض أن تتضافر‬ ‫فيه اجلهود لتحسني الصحة والتعليم واإلنتاج الزراعي في سلسلة من القرى‬ ‫الريفية في جميع إفريقيا‪ .‬ومنذ بدء العمل بهذا املشروع عام ‪ 2004‬جرى‬ ‫تبنيه على املستوى الوطني في ماالوي‪ .‬وقامت ماالوي‪ ،‬بعد عقود من نقص‬ ‫متكرر في الغذاء ومجاعات عديدة‪ ،‬بتقدمي إعانات للمزارعني الفقراء متكنهم‬ ‫من احلصول على السماد االصطناعي وأنواع البذار احملسنة‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من أن األحوال اجلوية اجليدة قد أدت دورا مهما‪ ،‬ولكن املقاربة أعطت ثمارها‬ ‫بوضوح‪ .‬فقد انتقلت ماالوي من دولة تعاني نقصا في الغذاء قدره ‪ %43‬في‬ ‫عام ‪ 2005‬إلى دولة لديها فائض قدره ‪ %53‬في عام ‪.2007‬‬

‫ال تزال األسمدة االصطناعية حيوية في موانداما مباالوي‪.‬‬

‫طريقه� � ��ا إل� � ��ى التطبي� � ��ق‪ ،‬مثل االس� � ��تعمال‬ ‫األفضل لتصمي� � ��م األراض� � ��ي الطبيعية في‬ ‫املناط� � ��ق الزراعية‪ ،‬وبخاص� � ��ة التأكد من أن‬ ‫احلق� � ��ول املزروعة باحملاصي� � ��ل والقريبة من‬ ‫مس� � ��طحات مائية س� � ��تفصلها عنها أراض‬ ‫رطبة تس� � ��تطيع تخفيض النتروجني املتسرب‬ ‫إلى املياه الس� � ��طحية وإلى احمليطات بدرجة‬ ‫كبي� � ��رة‪ .‬وتس� � ��تطيع املناط� � ��ق احملمي� � ��ة على‬ ‫ضفاف األنهار‪ ،‬كتل� � ��ك التي يرعاها برنامج‬ ‫احلف� � ��اظ االحتياط� � ��ي األمريك� � ��ي(‪ ،)2‬القيام‬ ‫بواج� � ��ب مضاع� � ��ف‪ :‬فهي لن تق� � ��وم بخفض‬ ‫التلوث بالنتروجني فحسب‪ ،‬بل ستقوم أيضا‬ ‫بتوفير مواطن مهمة للطيور املهاجرة والعديد‬ ‫من األنواع األخرى‪.‬‬ ‫وقد يتطلب حتقيق جناح كبير إعادة النظر‬ ‫في مس� � ��ألة اإلعانات الزراعية‪ ،‬السيما وأن‬ ‫اإلعانات التي يقصد بها مكافأة املش� � ��رفني‬ ‫البيئيني تس� � ��تطيع أن حتدث تغييرات سريعة‬ ‫ف� � ��ي املمارس� � ��ات املعياري� � ��ة‪ .‬وق� � ��د أظهرت‬ ‫جتربة حديث� � ��ة غير ربحية أجراها الصندوق‬ ‫األمريكي لألراضي الزراعية إمكانية واعدة‬ ‫‪74‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫لتحقي� � ��ق النجاح‪ .‬إذ واف� � ��ق املزارعون على‬ ‫تخفيض استعمال األسمدة وتوجيه جزء من‬ ‫التكلفة التي جرى توفيرها جراء شراء سماد‬ ‫أقل إلى صندوق متويل خاص‪ .‬وهكذا‪ ،‬يقوم‬ ‫املزارعون اآلن بتس� � ��ميد جمي� � ��ع مزروعاتهم‬ ‫تقريب� � ��ا وفق مع� � ��دالت مخفض� � ��ة‪ ،‬في حني‬ ‫يقومون بتس� � ��ميد بقع صغي� � ��رة بكثافة على‬ ‫س� � ��بيل التجربة واملقارنة‪ .‬فإذا تبني فيما بعد‬ ‫أن محص� � ��ول تلك البقع قد جتاوز متوس� � ��ط‬ ‫محصول احلقل كله؛ ُيدف� � ��ع للمزارع الفرق‬ ‫من صندوق التمويل اخلاص‪.‬‬ ‫وف� � ��ي تقريره عن تقدي� � ��رات النظم البيئية‬ ‫األلفي� � ��ة املنش� � ��ور ع� � ��ام ‪ 2005‬بيـ� ّ� ��ن أحدنا‬ ‫>هوارث< أن مثل تل� � ��ك الدفعات للمزارعني‬ ‫نادرا ما تُطلب‪ ،‬مش� � ��يرا إلى التوجه السائد‬ ‫حالي� � ��ا وهو املي� � ��ل إلى اإلفراط في تس� � ��ميد‬ ‫العديد من احملاصيل‪ .‬إذ يس� � ��تعمل املزارع‬ ‫املتوس� � ��ط في منطقة زراعة احلبوب الواقعة‬ ‫في أعالي وسط غرب الواليات املتحدة ( هذه‬ ‫املنطقة هي مصدر معظم التلوث بالنتروجني‬ ‫( ) ‪Where Fertilizer Shortage Is the Problem‬‬ ‫(‪ counterpoint )1‬؛ أو العكس‪.‬‬ ‫(‪the U.S. Conservation Reserve Program )2‬‬


‫ال� � ��ذي يس� � ��بب املناط� � ��ق القاحلة ف� � ��ي خليج‬ ‫املكس� � ��يك ) كمية من األس� � ��مدة النتروجينية‬ ‫تزيد بنحو ‪ 20‬إلى ‪ 30‬في املئة على ما يوصي‬ ‫به موظفو وكاالت التوسع الزراعي‪ .‬وكما كان‬ ‫متوقعا‪ ،‬اس� � ��تعمل املزارعون املشاركون في‬ ‫هذه التجربة وغيرها من التجارب املش� � ��ابهة‬ ‫كمي� � ��ات أقل من الس� � ��ماد دون أن يؤدي ذلك‬ ‫إل� � ��ى أي نقص في احملص� � ��ول‪ ،‬فوفروا بذلك‬ ‫املال؛ ألن ما دفعوه إلى صندوق التمويل أقل‬ ‫من الوفر الذي حققوه نتيجة شرائهم كميات‬ ‫أقل من السماد‪ .‬ولذلك‪ ،‬منت تلك الصناديق‬ ‫دون احلاجة إلى دعم من دافعي الضرائب‪.‬‬ ‫وف� � ��ي نهاي� � ��ة األمر‪ ،‬ف� � ��إن التعلي� � ��م العام‬ ‫األفضل واخليار الش� � ��خصي ُيؤديان أدوارا‬ ‫حاسمة‪ .‬فكما بدأ العديد من األفراد بتخفيض‬ ‫اس� � ��تهالكهم من الطاقة‪ ،‬ميكن للناس املنتمني‬ ‫إلى مختلف مسالك احلياة تعلم كيف يختارون‬ ‫منطا حياتيا أقل تكثيفا بالنتروجني‪.‬‬ ‫إن التحس� � ��ن الكبي� � ��ر ال� � ��ذي قد يحصل‬ ‫لألمريكيني هو جعلهم يأكلون كميات أقل من‬ ‫اللحوم‪ .‬فإذا ُق ّدر لألمريكيني أن يتحولوا إلى‬ ‫النظام الغذائي لسكان منطقة البحر األبيض‬ ‫املتوس� � ��ط‪ ،‬الذي يكون فيه معدل اس� � ��تهالك‬ ‫اللح� � ��م نحو س� � ��دس املع� � ��دالت املعروفة في‬ ‫الوالي� � ��ات املتح� � ��دة ف� � ��ي الوق� � ��ت احلاضر‪،‬‬ ‫س� � ��يؤدي ذل� � ��ك ليس إلى حتس� �ي��ن صحتهم‬ ‫فحس� � ��ب وإمنا أيضا إلى تخفيض استهالك‬ ‫البالد من األس� � ��مدة إلى النصف‪ .‬وميكن أن‬ ‫يؤدي ه� � ��ذان التحوالن في النظ� � ��ام الغذائي‬ ‫واملمارس� � ��ات الزراعية إل� � ��ى تخفيض تلوث‬ ‫البيئة بالنتروجني وإلى حتسني صحة الناس؛‬ ‫ألن املمارس� � ��ات الزراعية الغنية بالنتروجني‬ ‫في البالد الغنية تسهم في زيادة الپروتني في‬ ‫األنظم� � ��ة الغذائية غير املتوازنة على األرجح‪،‬‬ ‫وه� � ��ذه بدورها ترتبط مبخاطر صحية تتعلق‬ ‫بأم� � ��راض القلب ومرض ارتفاع س� � ��كر الدم‬ ‫والبدانة عند األطفال‪.‬‬ ‫وكذلك يقدم بعض العون اتخاذ القرارات‬ ‫الش� � ��خصية القائم� � ��ة على اجله� � ��د الفردي‬ ‫لتخفي� � ��ض أث� � ��ر الكرب� � ��ون ‪ -‬لي� � ��س فقط من‬

‫الناحية الصناعية‪ ،‬كما في دعم طاقة الرياح‬ ‫واملركب���ات الهجين���ة ‪ ،hybrid cars‬بل ومن‬ ‫الناحية الزراعية أيضا‪ .‬إن أكل كمية أقل من‬ ‫اللح� � ��م وتناول الغذاء املنتج محليا وأكل حلم‬ ‫العجول التي تتغذى بالعشب األخضر وليس‬ ‫بالذرة تس� � ��هم جميعها في معاجلة مشكلتي‬ ‫الكربون والنتروجني في آن واحد‪ .‬وقد ال حتل‬ ‫اخليارات الفردية وحدها املش� � ��كالت‪ ،‬ولكن‬ ‫التاري� � ��خ يبني قدرتها على ح� � ��ث املجتمعات‬ ‫على التحرك في دروب جديدة‪ .‬إن التأثيرات‬ ‫املتبادل� � ��ة واملعروفة جيدا ب� �ي��ن إنتاج الطاقة‬ ‫واملناخ والتي جرى جتاهلها من حيث املبدأ‬ ‫مدة طويلة تظهر اآلن في كل مكان‪ ،‬من خطب‬ ‫الرؤس� � ��اء إلى لوحات اإلعالنات على جوانب‬ ‫الطرق التي حتض على إقرار مشاريع خطط‬ ‫لوضع نواظم قانونية‪.‬‬ ‫ولس� � ��وء الطالع‪ ،‬فإن مش� � ��كلة النتروجني‬ ‫أعس� � ��ر على احلل من مشكلة الكربون‪ .‬فعند‬ ‫التفكير في حل املش� � ��كلة األخيرة من املمكن‬ ‫التوجه نحو العمل باجتاه مس� � ��تقبل قد تنتج‬ ‫فيه الطاقة دون اس� � ��تعمال الوقود األحفوري‬ ‫املُصدر لغاز ثاني أكسيد الكربون‪ .‬ولكن من‬ ‫املس� � ��تحيل تصور عالم حترر من حاجته إلى‬ ‫إنتاج كمي� � ��ات وفيرة من النتروجني التفاعلي‪.‬‬ ‫لقد كانت األس� � ��مدة االصطناعية‪ ،‬وس� � ��تبقى‬ ‫دائم� � ��ا‪ ،‬القضية احلاس� � ��مة ملواجه� � ��ة زيادة‬ ‫الطل� � ��ب العاملي عل� � ��ى الغذاء‪ .‬ولك� � ��ن‪ ،‬إذا ما‬ ‫حافظنا على مسارنا احلالي نفسه في العمل‬ ‫املؤدي إلى زيادة إنتاج النتروجني‪ ،‬فس� � ��وف‬ ‫نواجه مستقبال ستُحجب فيه الفائدة العظيمة‬ ‫الكتشاف >هابر< بتداعياته الكثيرة‪.‬‬ ‫ومع ذل� � ��ك‪ ،‬وكما ب ّينا في هذا املقال‪ ،‬فإن‬ ‫مش� � ��كالت دورة النتروج� �ي��ن ميكن تخفيفها‬ ‫كثيرا باللجوء إلى التقانة املعاصرة وبتكلفة‬ ‫ميكن حتملها نس� � ��بيا‪ .‬إننا قادرون على فعل‬ ‫األفضل‪ ،‬بل يج� � ��ب علينا فعله‪ ،‬وكذلك علينا‬ ‫فورا بذل اجلهود واالس� � ��تمرار ببذلها‪ ،‬لكي‬ ‫نتمكن من حتقيق مس� � ��تقبل يكون فيه إنتاج‬ ‫>‬ ‫النتروجني متصفا باالستدامة‪.‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, February 2010‬‬

‫‪75‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2010‬‬

‫‪4/3‬‬

‫خطة للتغلب على‬ ‫األمراض املدارية املهملة‬

‫(٭)‬

‫ال تقتصر معاناة الفقراء على الفقر وحده‪ ،‬فهم إلى جانب فقرهم‬ ‫يعانون األمراض املزمنة؛ مما يجعل تخ ّلصهم من الفقر أكثر صعوبة‪.‬‬ ‫وث ّمة مبادرة عاملية جديدة ميكن أن تكسر احللقة املعيبة للفقر واملرض‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫<‪ .J .P‬هوتِز>‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫تصيب مجموعة مؤ َّلفة من سبعة‬ ‫أمراض مدارية ـ معظمها تس ِّببه‬ ‫ديدان طفيلية ـ بليون شخص‬ ‫من املُن َهكني بسبب الفقر على‬ ‫امتداد العالم‪ .‬ويندر أن تقتل هذه‬ ‫األمراض ضحاياها بشكل مباشر‪،‬‬ ‫ولكنها تس ِّبب لهم البؤس الذي‬ ‫يستمر طيلة حياتهم‪ ،‬حيث تعيق‬ ‫منو األطفال‪ ،‬وحتول بني البالغني‬ ‫وبني أداء وظائفهم على الوجه‬ ‫األكمل‪ ،‬وتزيد من خطر إصابتهم‬ ‫باألمراض األخرى‪.‬‬

‫>‬

‫حلسن احلظ‪ ،‬من السهل معاجلة‬ ‫هذه األمراض السبعة‪ ،‬وذلك بحبة‬ ‫واحدة في معظم األحيان‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫على الرغم من تعاون وكاالت‬ ‫ومؤسسات مختلفة لتوفير هذه‬ ‫األدوية‪ ،‬فإنها لم تصل حتى اآلن إ ّال‬ ‫إلى نحو ‪ %10‬فقط من املرضى‪.‬‬

‫>‬

‫تعاني الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫حصتها من األمراض الطفيلية‬ ‫املُه َملة‪ ،‬حيث ُيصاب بها ماليني‬ ‫الفقراء في املدن واألرياف‪.‬‬ ‫مح ِّررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪76‬‬

‫تقع مدينة كومبري في ش������مال بوركينا‬ ‫فاس������و‪ ،‬على مس������افة قريبة ش������رق أحد‬ ‫للرحال���ي��ن املتج ِّولني‬ ‫املقاص������د الش������هيرة ّ‬ ‫في غرب إفريقيا‪ ،‬وهو ج������رف باندياگارا‬ ‫ف������ي مالي‪ .‬وكانت ه������ذه املدينة واحدة من‬ ‫األمكنة التي بدأت فيها وزارة الصحة في‬ ‫بوركينا قبل خمس س������نوات حملة شاملة‬ ‫ملعاجلة الدي������دان الطفيلية‪ .‬وقد أخبر أحد‬ ‫املس������تفيدين من تلك احلمل������ة ـ وهو صبي‬ ‫ُيدع������ى أبا بكر كان ف������ي الثامنة من عمره‬ ‫حينذاك ـ العاملني الصحيني أنه كان يعاني‬ ‫اإلعياء والسقم بشكل متواصل مع مالحظة‬ ‫وجود ال������دم في بوله‪ ،‬وبعد أن تناول عددا‬ ‫بالتحسن‪،‬‬ ‫قليال من احلبوب الدوائية شعر‬ ‫ُّ‬ ‫وعاود لعب كرة القدم‪ ،‬وبدأ بالتركيز على‬ ‫واجباته املدرس������ية فصار أداؤه الدراسي‬ ‫أفضل من السابق‪.‬‬ ‫كان البرنامج الذي ُن ِّفذ في بوركينا فاسو‪،‬‬ ‫والذي عالج ما يزيد على مليوني طفل‪ ،‬مبثابة‬ ‫جناح يس������تحق التنويه وفي الوقت نفسه داللة‬ ‫على الواقع املأس������اوي لوض������ع األمراض في‬ ‫الدول النامية‪ .‬فبس������بب االفتقار إلى معاجلات‬ ‫بس������يطة للغاية‪ ،‬يس������تيقظ بليون شخص في‬ ‫العال������م صباح كل يوم من أي������ام حياتهم وهم‬ ‫يشعرون باملرض‪ ،‬ونتيجة لذلك ال يستطيعون‬ ‫التع ُّلم في املدارس وال العمل على نحو ف ّعال‪.‬‬

‫يعتب������ر معظم الناس في البل������دان الغنية‬ ‫أنّ األمراض املدارية تعني األمراض الثالثة‬ ‫الكبي������رة التي تش������مل‪ :‬الع������دوى بڤيروس‬ ‫الع������وز املناع������ي البش������ري ‪( HIV‬متالزمة‬ ‫الع َوز املناعي املكتس������ب (اإلي���دز) ‪،)AIDS‬‬ ‫والس����ل ‪ ،tuberculosis‬واملالري����ا ‪،malaria‬‬ ‫ويت ّم تخصيص ما تق ِّدم������ه الوكاالت املم ِّولة‬ ‫من مس������اعدات وفق������ا لذلك‪ .‬وف������ي املقابل‪،‬‬ ‫هناك مجموعة من احلاالت تعرف على وجه‬ ‫اإلجمال بتعبير األم����راض املدارية املُهمَ لة‬ ‫)‪ (NTDs‬له������ا أث������ر أكثر انتش������ارا من تلك‬ ‫األمراض الثالثة الكبيرة‪ .‬فمع أنّ األمراض‬ ‫‪ NTDs‬ال تقت������ل املصاب���ي��ن به������ا ف������ي معظم‬ ‫األحي������ان‪ ،‬إال أنها تس������بب له������م العجز مبا‬ ‫حتدثه عندهم من فقر دم شديد وسوء تغذية‬ ‫وتأخر في التط ّور الفكري واملعرفي وفقدان‬ ‫البصر‪ .‬وميك������ن لهذه األم������راض أن تؤدي‬ ‫إلى تش������ ّوه مرعب في األط������راف واألعضاء‬ ‫عاهات جلدية‪ ،‬كما‬ ‫التناسلية الظاهرة‪ ،‬وإلى‬ ‫ٍ‬ ‫ميكن أن تزيد خط َر اإلصابة بالڤيروس ‪HIV‬‬ ‫وخط َر التع������ ّرض للمضاعفات أثناء احلمل‪.‬‬ ‫واألمراض ‪ NTDs‬ال تنجم عن الفقر فحسب‬ ‫فهي أيض������ا تعمل على دميومت������ه‪ .‬إذ تعيق‬ ‫تط ّور األطفال للوص������ول إلى كامل قدراتهم‬ ‫(‪)2‬‬

‫( ) ‪A PLAN TO DEFEAT Neglected tropical diseases‬‬ ‫(‪ vicious cycle )1‬؛ أو احللقة املفرغة‪.‬‬ ‫)‪neglected tropical diseases (2‬‬


‫الكامنة‪ ،‬كما يتعذر على البالغني بسببها أن‬ ‫يكونوا منتجني في عملهم بالقدر الذي ميكن‬ ‫أن يبلغوه‪.‬‬ ‫وال تقتص������ر اإلصابات به������ذه األمراض‬ ‫على الدول النامي������ة‪ ،‬فوفقا لتقديراتي هنالك‬ ‫املالي���ي��ن م������ن األمريكي���ي��ن الذين يعيش������ون‬ ‫حت������ت خط الفق������ر ويعانون أيض������ا أخماجا‬ ‫(أمراضا معدية) ش������بيهة باألمراض ‪.NTDs‬‬ ‫فث ّم������ة أمراض طفيلي������ة مثل داء الكيس���ات‬ ‫املُ َذنَّبة ‪ cysticercosis‬وداء ش���اگاس ‪Chagas‬‬ ‫‪ disease‬وداء امل َُشعَّ رات ‪ trichomoniasis‬وداء‬ ‫الس���هميَّات ‪ ،toxocariasis‬حت������دث بتوات������ر‬ ‫مرتفع في مدننا األكثر داخلية‪ ،‬وفي القس������م‬ ‫الذي يل������ي كاترينا من والي������ة لويزيانا‪ ،‬وفي‬ ‫أج������زاء أخرى م������ن دلتا امليسيس������پي‪ ،‬وفي‬ ‫منطقة احلدود مع املكسيك‪ ،‬وفي أ ّپاالتشيا‪.‬‬ ‫[انظر اإلطار في الصفحة ‪.]80‬‬ ‫لق������د اب ُت ِل َيت البش������رية باألمراض ‪NTDs‬‬

‫من������ذ آالف الس������نني‪ ،‬فق������د وج������د املؤرخون‬ ‫أوصافا دقيق������ة للعديد من ه������ذه األمراض‬ ‫ف������ي نصوص قدمي������ة كثيرة التن ّوع تش������مل‬ ‫الت���وراة ‪ the Bible‬والتلم���ود ‪the Talmud‬‬ ‫وكت������ب الڤي���دا ‪ the Vedas‬وكتابات أپُقراط‬ ‫‪ Hippocrates‬وأوراق البردي املصرية‪ .‬إ ّال أنّ‬ ‫اجلدي������د في األمر هو أنّ املتب ِّرعني وصانعي‬ ‫األدوي������ة ووزارات الصحة ف������ي البلدان ذات‬ ‫الدخل املنخفض واملتوس������ط ومنظمة الصحة‬ ‫ومؤسسات تش������اركية بني القطاع‬ ‫العاملية‬ ‫َّ‬ ‫الع������ام والقط������اع اخلاص‪ ،‬جت ِّم������ع جهودها‬ ‫س������وية كي تكافح األم������راض ‪ NTDs‬بطريقة‬ ‫أكثر تنس������يقا وأكثر منهجية‪ .‬ففي السنوات‬ ‫اخلم������س املاضية‪ ،‬تع ّهدت كل من مؤسس������ة‬ ‫بي���ل وميلين���دا گيتس وصن���دوق متويل‬ ‫التنمية املس���تدامة في دب���ي ‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫(‪)1‬‬

‫يكفي تناول حبة واحدة من دواء‬ ‫إيڤرمكتني ‪ ivermectin‬مرة كل سنة‬ ‫للوقاية من داء العمى النهري‪.‬‬ ‫الصحي‬ ‫ويخوض العاملون في املجال‬ ‫ّ‬ ‫بساحل العاج اآلن صراع ًا ضد انبعاث‬ ‫حديث لهذا املرض‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫(‪)3‬‬

‫(‪)4‬‬

‫(‪ )1‬أربعة كتب مقدسة لدى الهندوس‪.‬‬

‫(‪the World Health Organization (WHO) )2‬‬ ‫(‪the Bill & Melinda Gates Foundation )3‬‬ ‫(‪the Dubai-based sustainable development fund Legatum )4‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪77‬‬


‫[إحصائيات مرضية]‬

‫األمراض السبعة املُريعة‬

‫(٭)‬

‫شائعة في مناطق املُنهكني بسبب الفقر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ناجمة عن طفيليات أو جراثيم‬ ‫ٍ‬ ‫إنّ األمراض ‪ NTDs‬تشتمل على سبعة أخماج‬ ‫املرض‬

‫عدد‬ ‫احلاالت‬

‫الديدان املدوَّ رة‬ ‫الصفر)‬ ‫(داء َّ‬

‫‪800‬‬

‫مليون‬

‫وسيلة‬ ‫االنتقال‬

‫العامل املسبِّب‬ ‫الصفَر (األسكاريس) ‪ Ascaris‬التي طولها‬ ‫ديدان َّ‬ ‫‪ 14-5‬بوصة وتعيش في املعى الدقيق (حجمها‬ ‫احلقيقي ظاهر في الصورة)‬

‫التربة‬

‫> سوء التغذية وانسداد األمعاء لدى صغار األطفال‬ ‫> إعاقة منو األطفال‬ ‫> ضعف اإلدراك‬

‫التربة‬

‫> التهاب القولون ومرض األمعاء االلتهابي‬ ‫> إعاقة منو األطفال وضعف إدراكهم‬ ‫> فقر دم شديد بعوز احلديد وسوء تغذية بنقص الپروتني‬ ‫> «الداء األصفر» (فقر دم)‬ ‫> إعاقة منو األطفال وضعف تطوّ رهم الفكري واإلدراكي‬ ‫> ارتفاع نسبة الوفيات واملراضة عند األمهات خالل احلمل‬ ‫> تخ ِّرب البيوض ذات األشواك املثانة أو األمعاء أو الكبد‪.‬‬ ‫> ألم مزمن وفقر دم وسوء تغذية وإعاقة منو‬ ‫(‪)3‬‬ ‫> تليّف كبدي ومعوي (بالنسبة إلى املُ َ‬ ‫نش َّقات املنسونية(‪ )2‬واليابانية)‬ ‫> ظهور الدم في البول‪ ،‬مرض كلوي‪ ،‬إصابة األعضاء التناسلية األنثوية‪.‬‬

‫الديدان السوطاء‬ ‫(داء املُ َس َّلكات)‬

‫مليون‬

‫‪600‬‬

‫ديدان املُ َس َّلكات ‪ Trichuris‬التي طولها‬ ‫بوصة وتعيش في القولون (املعى الغليظ)‬

‫الشصية‬ ‫الديدان‬ ‫ِّ‬

‫مليون‬

‫‪600‬‬

‫الديدان الفتّاكة ‪ Necator‬التي طولها ‪ 0.5‬بوصة‬ ‫وتعيش في املعى الدقيق‬

‫التربة‬

‫َ‬ ‫املنش َّقات‬ ‫داء‬

‫مليون‬

‫‪200‬‬

‫ديدان مثقوبات ‪ flukes‬دموية طولها ‪ 1-0.5‬بوصة‬ ‫تعيش في أوردة األمعاء أو املثانة‬

‫املاء العذب‬

‫(البلهارسيا)‬ ‫داء اخليطيات‬ ‫(الفيالريا)‬ ‫(‪)1‬‬ ‫اللمفية (داء الفيل) (‪)LF‬‬

‫‪120‬‬

‫مليونا‬

‫داء ُكلاَّ ِب َّية ال َّذ َنب‬

‫‪40-30‬‬

‫احل َثر‬ ‫(التراخوما)‬

‫‪80-60‬‬

‫مليونا‬

‫مليونا‬

‫‪2-1‬‬

‫آثار املرض ونتائجه‬

‫ديدان الفُخَ رية ‪ Wuchereria‬طولها ‪ 4-2‬بوصات‬ ‫وتعيش في األطراف واألثداء واألعضاء‬ ‫التناسلية‬

‫البعوض‬

‫> تو ّرم الساق املصابة‬ ‫ّ‬ ‫تضخم الصفن‬ ‫>‬ ‫> تشوّ هات‬

‫ديدان كُلاَّ ِب َّية ال َّذنَب ‪ Onchocerca‬التي طولها‬ ‫‪ 20-1‬بوصة وتعيش في عقيدات حتت اجللد‬

‫الذباب األسود‬

‫> ظهور ا ُ‬ ‫خلييط َّيات ‪( Microfilariae‬اليرقات) على اجللد والعينني‬ ‫> مرض جلدي بكُلاَّ ِبيَّة ال َّذ َنب‬ ‫> عمى‬

‫جراثيم املُ َت َد ِّثرات (الكالميديا) داخل اخلاليا‬

‫التصحح‬ ‫ضعف‬ ‫ّ‬ ‫(وسائل النظافة‬ ‫العامة)‪ ،‬الذباب املنزلي‬

‫(‪)4‬‬

‫احلكومت���ي��ن األمريكي������ة والبريطانية‪ ،‬بتقدمي‬ ‫مبالغ كبيرة من األم������وال لهذا الغرض‪ ،‬كما‬ ‫تبرعت ش������ركات كبرى ف������ي مجال الصناعة‬ ‫الدوائي������ة باألدوية ذات الض������رورة العاجلة‬ ‫ملكافحة األمراض ‪ ،NTDs‬وليس ذلك كله إال‬ ‫بداية املعركة‪.‬‬ ‫ما يشبه الع َلق في أمعائك‬

‫(٭٭)‬

‫يصعب اس������تيعاب مدى ا ّتس������اع نطاق‬ ‫مشكلة األمراض ‪ NTDs‬ودرجة أهميتها على‬ ‫الصعيد العاملي‪ ،‬فتقريبا ّ‬ ‫كل ش������خص معوز‬ ‫يعيش ف������ي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى‬ ‫أو في جنوب ش������رق آس������يا أو ف������ي أمريكا‬ ‫مخموج بواحد أو أكثر من هذه‬ ‫الالتينية هو‬ ‫ٌ‬ ‫األمراض‪ .‬وهذه االعتالالت تستمر سنوات‬ ‫وعق������ودا من الزمن‪ ،‬بل ف������ي معظم األحيان‬ ‫‪78‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫> عمى‬

‫طيل������ة احلي������اة‪ .‬وتحُ دِ ث األمراض الس������بعة‬ ‫األكثر ش������يوعا بني األمراض ‪ NTDs‬اجلزء‬ ‫األعظم من تأثيراتها املد ِّمرة‪.‬‬ ‫وتنجم ثالث ٌة من تلك األمراض السبعة‬ ‫ع������ن طفيلي������ات دودية تعيش ف������ي األمعاء‬ ‫وتُدع������ى أيض������ا بالدي���دان ‪.helminths‬‬ ‫فتصي������ب الدي���دان امل���دوَّ رة ‪roundworm‬‬ ‫الش ـ ــائعـ ـ ــة بش������ ــكل واســع التي تسـ ـ ِّبب‬ ‫الصفَر (األس���كاريـس)‬ ‫داء َّ‬

‫‪800 ascariasis‬‬

‫مليون ش������خص‪ ،‬في حني تصيب الديدان‬ ‫الس���وطاء ‪ whipworm‬الت������ي تس������بب داء‬ ‫امل َُسلَّكات ‪ 600 trichuriasis‬مليون شخص‪،‬‬

‫وتس������رق هذه الديدان امل������واد املغ ِّذية من‬

‫( ) ‪THE GRISLY SEVEN‬‬ ‫( ) ‪Like Leeches in Your Gut‬‬ ‫(‪Lymphatic filariasis )1‬‬ ‫(‪Schistosoma mansoni )2‬‬ ‫(‪S. japonicum )3‬‬ ‫(‪ :hygiene )4‬احملافظة على الصحة‬

‫باتباع القواعد الصحية‪.‬‬


‫مناطق التوطّ ن‬

‫املعاجلة‬

‫آسيا وإفريقيا وأمريكا‬

‫ألبِندازول ‪،Albendazole‬‬

‫آسيا وإفريقيا وأمريكا‬

‫ميبندازول‬ ‫ألبندازول‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬

‫منظمة الصحة العاملية‪ ،‬برنامج أطفال من‬ ‫دون ديدان‪ ،‬برنامج تخليص العالم من‬ ‫الديدان‬

‫آسيا وإفريقيا وأمريكا‬

‫ميبندازول‬ ‫ألبندازول‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬

‫منظمة الصحة العاملية‪ ،‬برنامج أطفال من‬ ‫دون ديدان‪ ،‬برنامج تخليص العالم من‬ ‫الديدان‪ ،‬معهد سابني للقاحات‬

‫معظم احلاالت في إفريقيا‪،‬‬ ‫بقايا منها في البرازيل‬ ‫وشرق آسيا والشرق األوسط‬

‫پرازيكوانتيل‬

‫آسيا وإفريقيا وأمريكا‬

‫إيڤرمكتني أو ثاني إيثيل‬ ‫وألبندازول‬ ‫كاربامازين ِ‬

‫البرنامج العاملي للقضاء على الداء ‪،LF‬‬ ‫مركز مساندة املصابني بالداء ‪ ،LF‬مركز‬ ‫كارتر‬

‫معظم احلاالت في إفريقيا‪،‬‬ ‫وبعضها في بلدان أمريكا‬ ‫الالتينية‬

‫إيڤرمكتني‬

‫البرنامج األفريقي للسيطرة على داء كلاّ بيّة‬

‫آسيا وإفريقيا وأمريكا‬

‫ميبِندازول‬

‫البرامج الرئيسية للسيطرة على املرض‬ ‫‪mebendazole‬‬

‫‪Praziquantel‬‬

‫منظمة الصحة العاملية‪ ،‬برنامج أطفال من‬ ‫دون ديدان‪ ،‬برنامج تخليص العالم من‬ ‫الديدان‬

‫مبادرة السيطرة على داء املُ َ‬ ‫نش َّقات‬

‫الذنب‪ ،‬مركز كارتر‪ ،‬برنامج التبّرع باملِكتيزان‬ ‫‪Mectizan‬‬

‫آزيثرومايسني؛ تطبيق استراتيجية ‪:SAFE‬‬ ‫جراحة بسيطة‪ ،‬إعطاء مضادات حيوية‪،‬‬ ‫غسل الوجه‪ ،‬تصحيح أوضاع البيئة‬

‫األطفال فتعيق منوهم‪ .‬واألسوأ من ذلك هو‬ ‫الش���صية ‪hookworms‬‬ ‫ِّ‬ ‫اإلصابة بالديدان‬ ‫التي نصادفها عند ‪ 600‬مليون ش������خص‪،‬‬

‫املبادرة الدولية ملكافحة التراخوما‪ ،‬مركز كارتر‪،‬‬ ‫منظمة هيلني كيلر الدولية‪ ،‬برنامج منقذي‬ ‫النظر‪ ،‬برنامج اإلرسالية املسيحية للمكفوفني‬

‫إذ تلتص������ق هذه الدي������دان الت������ي ال يزيد‬ ‫ط������ول الواحدة منها عل������ى نصف البوصة‬ ‫الواح������دة بالوجه الداخل������ي لبطانة األمعاء‬ ‫ومتتص منه������ا الدم كما لو كانت‬ ‫الدقيقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫علَ َقة موجودة داخل جسم اإلنسان‪ .‬وبعد‬ ‫مضي فترة من الزمن قد متت ّد إلى ش������هور‬ ‫أو سنوات‪ ،‬تؤدي هذه الديدان إلى حدوث‬ ‫درجة ش������ديدة من فقر الدم بعوز احلديد‬ ‫ومن سوء التغذية بنقص الپروتني‪ .‬ويكون‬ ‫لدى األطفال املصابني بفقر دم مزمن ناجم‬ ‫������صية بشر ٌة شاحب ُة اللون‬ ‫عن الديدان الش ِّ‬ ‫توح������ي بامل������رض‪ ،‬كما يعان������ون صعوبات‬ ‫في التعلم باملدرس������ة‪ .‬ويصاب كذلك أكثر‬ ‫من ‪ 40‬مليون ام������رأة حامل بخمج الديدان‬ ‫الشصية التي جتعلهن مع َّرضات للخطر‬ ‫ِّ‬ ‫في حال معاناتهن أيضا مرض املالريا أو حني‬ ‫فقدان كمي������ات إضافية من الدم أثناء الوالدة‪.‬‬ ‫أ ّم������ا أطفالهن‪ ،‬فيولدون ب������أوزان منخفضة‬ ‫‪،‬‬ ‫������صية»‪،‬‬ ‫[انظــر‪« :‬خمج الدودة الش ِّ‬ ‫العدد ‪ ،)1996(2‬ص ‪.]29‬‬ ‫املنش����ـــقَّات (البــ ِلهــارس����ـــيــا)‬ ‫َ‬ ‫ي ـ ــلي دا ُء‬ ‫‪ - Schistosomiasis‬م������ن حي������ث الش������يوع ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫األمراض ‪ NTDs‬التي سبق ذكرها‪ .‬وهو ينجم‬

‫داء الفيل ‪( elephantiasis‬الصورة‬ ‫في األسفل إلى اليمني من هاييتي)‪،‬‬ ‫والعمى (الصورة في اليسار من‬ ‫إثيوپيا) هما من أكثر عواقب‬ ‫األمراض ‪ NTDs‬مشاهد ًة‪.‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪79‬‬


‫[األخماج الطفيلية في الواليات املتحدة األمريكية]‬

‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫البق املق ِّبل‬ ‫مرعب تثيره حشرة‬ ‫خوف‬ ‫ٌ‬

‫(٭)‬

‫تعاني الواليات املتحدة األمريكية أيضا معدالت مرتفعة حلدوث األمراض الطفيلية التي ُيطلَق عليها‬ ‫هنا اسم األمراض اخلمجية املهملة الناجمة عن الفقر‪ ،‬وهي تشبه إلى ح ٍّد بعيد األمراض ‪ ،NTDs‬وتُصا َدف‬ ‫بشكل رئيسي في مناطق تعاني الفقر املدقع‪ .‬وهذه األمراض تصيب األمريكيني من أصل إفريقي واألمريكيني‬ ‫ٍ‬ ‫من أصل التيني مبع َّدل أعلى من بقية السكان‪ ،‬بسبب ارتفاع نسبة الفقراء و َمن يعيشون حتت وطأة ظروف‬ ‫بالغة القسوة ضمن هذه املجموعات السكانية‪.‬‬ ‫وفي دلتا امليسيسيپي والقسم الذي يلي كاترينا من والية لويزيانا ومناطق أخرى من اجلنوب األمريكي‬ ‫إضافة إلى املدن األكثر داخلي ًة‪ُ ،‬يق َّدر أنّ ثالثة ماليني أمريكي من أصل إفريقي مصابون في الوقت‬ ‫احلاضر أو أصيبوا سابق ًا بخمج تس ِّببه الديدان ُيع َرف باسم داء السهميات‪ .‬وتوجد بيوض هذه الديدان‬ ‫في التربة أو في الرمال املختلطة ببراز الكالب‪ ،‬حيث ميكنها أن تل ِّوث األطعمة‪ .‬وما أن تفقس بيوض الديدان‬ ‫في السبيل الهضمي‪ ،‬حتى تهاجر اليرقات املتحررة من البيوض عبر الرئتني والكبد والدماغ‪ ،‬فتؤدي بسبب‬ ‫ذلك إلى حدوث الوزيز والنوبات الصرعية وإعاقة النمو والتط ّور‪ .‬وبني األمراض الطفيلية السابقة هناك‬ ‫خمج آخر ُيدعى داء املُ َش َّعرات‪ ،‬وهو مرض ينتقل جنسي ًا تسببه طفيليات من األوالي ‪،protozoan parasites‬‬ ‫ونزوف منه‪ .‬وهذا املرض يزيد من خطر اإلصابة بأمراض إضافية‬ ‫ويؤدي إلى حدوث التهاب في عنق الرحم‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫اخلمج بالڤيروس ‪( HIV‬اإليدز)‪.‬‬ ‫تنتقل جنسي ًا‪ ،‬ومن املمكن أن تتض َّمن هذه األمراض اإلضافية‬ ‫َ‬ ‫وينتشر بني األمريكيني من أصل التيني مرضان خمجيان مه ّمان ناجمان عن الفقر‪ ،‬وهما‪ :‬داء شاگاس‬ ‫وداء الكيسات املُ َذنَّبة‪ .‬ينجم داء شاگاس عن طفيلي من األوالي املثقبية ‪ trypanosome protozoan‬يصيب‬ ‫البق املقبِّل ‪ ،kissing bug‬وهذه احلشرة هي منط من ّ‬ ‫ّ‬ ‫بق احلشاشني‬ ‫الناس إثر تعرضهم للسعات حشرة‬ ‫‪ assassin bug‬أو الفِ سفِ س‪ ،‬وهي حشرة تشبه الصرصور (الصورة في األعلى) يغلب أن تعيش في املنازل‬ ‫توسع ًا شديد ًا في القلب‪،‬‬ ‫املتهدمة التي ترتع فيها اجلرذان‪ .‬وميكن أن يحدث الطفيلي املس ِّبب لداء شاگاس ّ‬ ‫ومن َث َّم ميكن أن يكون قاتال‪ .‬و ُيق َّدر عدد املصابني بهذا الداء في الواليات املتحدة األمريكية بـ ‪300 000‬‬ ‫شخص‪ .‬أ ّما داء الكيسات امل ُ َذنَّبة‪ ،‬فهو مرض خمجي ينجم عن دودة طفيلية تصيب ما يقرب من ‪170 000‬‬ ‫شخص‪ ،‬وهو يأتي على رأس قائمة أسباب النوبات الصرعية في املدن القريبة من احلدود املكسيكية‪.‬‬ ‫إنّ معظم األمراض اخلمجية السابقة لم تدخل إلى الواليات املتحدة األمريكية من خالل الهجرة‪ ،‬بل هي‬ ‫في غالبيتها أمراض مستمرة بسبب انتقال العدوى ضمن املناطق املوجودة داخل حدود الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من االنتشار الواسع لهذه األمراض‪ ،‬فإنّ األبحاث التي تجُ رى على حاالت اإلصابة بها محدودة‬ ‫الصحي العدد الدقيق لألشخاص املصابني بهذه األخماج؛ وال‬ ‫حد كبير‪ ،‬وال يعرف املسؤولون في املجال‬ ‫إلى ٍ‬ ‫ّ‬ ‫السبب الذي يجعل الفقر من عوامل اخلطورة فيها‪ .‬إضاف ًة إلى ذلك‪ ،‬ال تزال الوسائل التشخيصية والطرق‬ ‫<‪ .J. P‬هوتِ ز>‬ ‫العالجية هنا بدائية وغير متط ِّورة بشكل ملحوظ‪.‬‬

‫پويرتو‬ ‫ريكو‬

‫توزع املتبرعني بالدم الذين تبينت إيجابية داء شاگاس لديهم بني عامي ‪ 2009-2007‬حسب الواليات‪.‬‬ ‫‪2-1‬‬

‫‪10-5‬‬

‫‪4-3‬‬

‫‪69-11‬‬

‫‪375-70‬‬

‫البيانات غير متوفرة‬

‫مواقع احلاالت املؤكدة‬

‫املصدر‪ :‬احتاد بنوك الدم‬

‫األمريكية (‪)AABB‬‬

‫يصيب داء شاگاس عددا يقدر بـ‪ 300 000‬شخص في الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وقد أظهرت نتائج املسح‬ ‫التي أجريت على املتبرعني بالدم اعتبارا من ‪ ،2007‬أن احلاالت تتركز في املناطق التي حتوي أعدادا كبيرة من‬ ‫املهاجرين من أمريكا الالتينية الذين يعيشون في مساكن ال تتوفر فيها الشروط املعيارية للمنازل‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫ع������ن طفيليات من جنس الدي������دان املثقوبات‬ ‫تُع َرف باملُن َْش����قَّات ‪ ،schistosomes‬تعيش في‬ ‫األوردة التي تنزح الدم من األمعاء أو املثانة‪.‬‬ ‫وحتدث أكثر م������ن ‪ %90‬من حاالت اإلصابة‬ ‫بداء َ‬ ‫املنش������ َّقات التي يبلغ عددها ‪ 200‬مليون‬ ‫حالة في البل������دان الواقعة جنوب الصحراء‬ ‫الكب������رى اإلفريقية‪ ،‬إلى جانب بضعة ماليني‬ ‫من احل������االت في البرازيل وف������ي عدة بلدان‬ ‫أخرى‪ .‬تُطلِق املُن َْش َّقات اإلناث بيوضا ُمز َّودة‬ ‫برماح دقيقة تغزو األعضاء املجاورة وتؤدي‬ ‫إلى تخريبها‪ ،‬وتش������مل ه������ذه األعضاء إ ّما‬ ‫األمعاء والكب������د أو املثانة والكليتني‪ ،‬وذلك‬ ‫حسب نوع الطفيلي‪ .‬ونتيجة لألمر السابق‪،‬‬ ‫يطرح نحو مئة مليون من األطفال في سن‬ ‫املدرسة ومن صغار البالغني الدم مع البول‬ ‫أو مع البراز بشكل يومي‪ ،‬ويؤدي االلتهاب‬ ‫املرافق إلى األلم وسوء التغذية وإعاقة النمو‬ ‫وفقر الدم‪ .‬ولدى النس������اء تتوضع بيوض‬ ‫املُن َْش������ َّقات في عنق الرحم واملهبل‪ ،‬لتس ِّبب‬ ‫لهن أملا رهيبا أثنـ ــاء املمـ ــارسات اجلنسية‬ ‫مـ ـ ـ������ع مضاعفـ ـ ــة خطر الع������دوى بالڤيروس‬ ‫‪ HIV‬ث���ل��اث م ـ ـ ـ ــرات [انظر‪« :‬البلهارس������يا‬ ‫‪ ،‬العددان‬ ‫ومكافح������ة ديدانها القاتلة»‪،‬‬ ‫‪ ،(2008)11/10‬ص ‪.]64‬‬ ‫هن������اك دودت������ان أخري������ان ُيعت َب������ر اخلمج‬ ‫بهم������ا مهم������ا‪ ،‬هم������ا‪ :‬داء اخليطي���ات (داء‬ ‫الفيالري���ا) اللمفي���ة ‪ LF‬وداء ُكالَّبِ يَّ���ة ال َّذنَ���ب‬ ‫‪ .onchocerciasis‬تعي������ش الديدان التي تس������بب‬ ‫الداء ‪ LF‬ف������ي األطراف أو ف������ي الثديني أو في‬ ‫األعضاء التناس������لية الظاه������رة لدى ‪ 120‬مليون‬ ‫ش������خص في آس������يا وإفريقي������ا وهاييتي؛ حيث‬ ‫تؤدي إلى إصابتهم بداء الفيل ‪،elephantiasis‬‬ ‫وهو حالة من التشوه اجلسيم متنع البالغني من‬ ‫العمل‪ ،‬وحتول بني النس������اء ‪ -‬بشكل خاص ‪-‬‬ ‫وبني الزواج أو تدفع أزواجهن إلى هجرهن‪.‬‬ ‫أ ّما داء كُلاَّ ِب َّية الذنب أو العمى النهري ‪river‬‬ ‫‪ blindness‬فيسبب‪ ،‬لدى البالغني في منتصف‬ ‫العمر‪ ،‬مرض������ا جلديا رهيبا ي ّتس������م باحل ّكة‬ ‫والتش������ ّوه إلى جانب العم������ى‪ ،‬وحتدث جميع‬ ‫( ) ‪Horrors of the Kissing Bug‬‬


‫‪ 30‬و‪40‬‬

‫حاالته تقريبا والتي يتراوح عددها بني‬ ‫مليونا في إفريقيا‪ ،‬و ُيس������تثنى من ذلك مواقع‬ ‫محدودة جندها في األمريكتني وفي اليمن‪.‬‬ ‫واملرض السابع املهم من األمراض ‪NTDs‬‬ ‫هو احلَ ثَر (التراخوما) ‪ ،trachoma‬وهو داء ال‬ ‫خمج جرثومي‬ ‫ينج������م عن ديدان طفيلية بل عن ٍ‬ ‫تس������ ّببه كائنات حية مجهرية تُدعى املُ َت َدثِّرات‬ ‫(الكالميديا) ‪ .Chlamydia‬ونظرا لكونه يصيب‬ ‫‪ 60‬إلى ‪ 80‬مليون ش������خص‪ ،‬فهو يحتل املرتبة‬ ‫األولى بني األس������باب اخلمجية للعمى [انظر‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫«ه������ل ميك������ن إيق������اف الكالميدي������ا؟»‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،(2005)8/7‬ص ‪.]30‬‬ ‫وف������ي سلس������لة م������ن األبح������اث ح������ول‬ ‫درست مع زمالئي آثار‬ ‫السياس������ات العامة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫األمراض ‪ NTDs‬الس������بعة وتبعاتها‪ ،‬فوجدنا‬ ‫أنّ األض������رار الصحي������ة اإلجمالية لها على‬ ‫املس������توى العاملي ـ إذا قيست بعدد سنوات‬ ‫العمر الضائعة بس������بب العج������ز الناجم عن‬ ‫فقدان الصحة ـ تعادل تقريبا ما يسببه خمج‬ ‫الڤي������روس ‪ HIV‬أو مرض املالري������ا‪ .‬ونتيجة‬ ‫للحصيلة املفجعة من اخلس������ائر التي تخ ِّلفها‬ ‫في مجاالت تعليم األطفال وتط ّورهم واحلمل‬ ‫لدى النساء واملردودية اإلنتاجية لدى العمال‬ ‫الزراعيني‪ ،‬فإنّ ه������ذه األمراض ‪ NTDs‬تُعتَبر‬ ‫من األس������باب الرئيس������ية للفقر‪ .‬وقد وجدت‬ ‫إحدى الدراسات اجلديرة بالتحليل والتم ّعن‬ ‫ق������ام بها <‪ .H‬بليكلي< [وه������و عالم اقتصادي‬ ‫يهت������م بالتنمية] أنّ اخلمج املزم������ن بالديدان‬ ‫الشصية في مرحلة الطفولة ينقص من قدرة‬ ‫ِّ‬ ‫الشخص على كسب الرزق على امتداد فترة‬ ‫حياته مبقدار يزيد على ‪ .%40‬كذلك ق َّدر <‪.K .D‬‬ ‫راماي������ا< وباحثون آخرون في الهند‪ ،‬أنّ أكثر‬ ‫من ‪ 800‬مليون دوالر تضيع س������نويا بس������بب‬ ‫نقص إنتاجية العم������ال الناجم عن الداء ‪.LF‬‬ ‫تأثيرات مشابهة‬ ‫دراسات أخرى‬ ‫بينما وجدت‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يحدثها داء كال ِب َّية ال َّذنَب واحل َثر‪.‬‬

‫كيف تقدم‬ ‫املساعدة‬ ‫(٭٭)‬

‫مت ِّثل األمراض ‪ NTDs‬حتديا ضخما‪،‬‬ ‫لكن ّملا كانت تكاليف املعاجلة زهيدة‬ ‫للغاية‪ ،‬فإن ّه مبقدور املجهودات‬ ‫مهمة‪.‬‬ ‫الفردية أن حتدث تأثيرات‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫طيف واسع من املشاهير‬ ‫تطوع‬ ‫وقد‬ ‫َّ‬ ‫امت ّد من الرئيس األمريكي السابق‬ ‫>بيل كلينتون< إلى املمثلة >أليسا‬ ‫ميالنو< لتقدمي الوقت واملساندة‬ ‫إلى الشبكة العاملية ملكافحة‬ ‫األمراض ‪.NTDs‬‬ ‫إحدى اخلطوات التي ميكنك اتخاذها هي‬ ‫االنضمام إلى حملة الـ ‪50‬‬ ‫سنت ًا فقط‪ ،‬وهي حملة‬ ‫موجهة إلى عامة‬ ‫َّ‬ ‫الناس تقودها الشبكة‬

‫العاملية ملكافحة‬ ‫األمراض‬

‫‪NTDs‬‬

‫<أليسا‬

‫(‪)1‬‬

‫بغرض جمع التب ّرعات‬ ‫ورفع سوية الوعي‪.‬‬ ‫فالتب ّرع مببلغ زهيد مقداره‬ ‫‪ 50‬سنت ًا فقط ميكن أن يو ِّفر ألحد األشخاص‬ ‫األدوي َة الالزم َة لعالج األمراض ‪NTDs‬‬ ‫السبعة األكثر شيوع ًا ملدة سنة كاملة‪.‬‬ ‫ملزيد من املعلومات ميكنك زيارة املوقع التالي‪:‬‬ ‫‪www.globalnetwork.org/just50cents‬‬

‫شفاء املرضى بواسطة امللح‬

‫(٭)‬

‫يخص األمراض‬ ‫إنّ األنباء اجليدة فيما‬ ‫ّ‬ ‫‪ NTDs‬هي أنه من املمكن معاجلتها ـ وحتى‬

‫ميالنو>‬

‫اتّقاء اإلصابة بها ـ ببساطة وبتكلفة زهيدة‬ ‫[انظر اجلدول ف������ي الصفحتني ‪ 78‬و ‪،]79‬‬ ‫كثير‬ ‫إذ يكفي لذل������ك تناول حبة واحدة في ٍ‬ ‫م������ن احل������االت‪ .‬وتتمتع األدوي������ة املتوافرة‬ ‫بسجل ممتاز من ناحية السالمة واألمان‪،‬‬ ‫كم������ا أنّ ّ‬ ‫كل صنف منها إ ّم������ا ُي َق َّدم مجانا‬ ‫من قبل ش������ركات متعددة اجلنس������يات‪ ،‬أو‬ ‫يتو َّفر حتت االس������م الع������ام األصلي (ليس‬ ‫مسجل كعالمة جتارية)؛ وهذا‬ ‫حتت اس������م‬ ‫َّ‬ ‫يجعله رخيصا يك ِّلف َّ‬ ‫أقل من ‪ 10‬س������نتات‬ ‫لكل حبة‪.‬‬ ‫وفي مطلع الق ــرن العشرين‪ ،‬تك َّفــل‬ ‫<‪ .D .J‬روكفلر> برعاية برنامج شامل لتقدمي‬ ‫األدوية بش������كل جماعي بغرض السيطرة‬ ‫على اخلم������ج بالديدان في جنوب أمريكا‪،‬‬ ‫كما انطلقت حينها مش������اريع مشابهة في‬ ‫منطقة البحر الكاريبي‪ .‬وخالل خمسينات‬ ‫وستينات القرن العشرين بدأ العديد من‬ ‫املتخصصني بط������ب األم������راض املدارية‬ ‫بالعمل في برام������ج تتع َّلق بأخماج أخرى‬ ‫وفي أماكن مغــاي ـ ـ������رة‪ ،‬وكــان مــن بينهــم‬ ‫<‪ .F‬هوكِ ن������گ> [وال������د العالِ������م الفيزيائي‬ ‫( ) ‪Curing the Sick with Salt‬‬ ‫( ) ‪HOW TO HELP‬‬ ‫(‪the Global Network for NTDs )1‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪81‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Peter Jay Hotez‬‬

‫بدأ االهتمام بالطب منذ سن الطفولة‪،‬‬ ‫وذلك ُمذ قرأ كتاب <‪ .P‬دي كريف>‬ ‫الكالسيكي «صائدو املكروبات»‬ ‫«‪ ،»Microbe Hunters‬وطلب إلى والديه‬ ‫حينئذ شراء مجهر (ميكروسكوب)‬ ‫ٍ‬ ‫له‪ .‬وقد واصل سعيه بعد ذلك حتى‬ ‫حصل على دكتوراه في الفلسفة‬ ‫مختص بعلم‬ ‫ودكتوراه في الطب‬ ‫ّ‬ ‫الطفيليات‪ ،‬وهو يرأس في الوقت‬ ‫احلاضر قسم امليكروبيولوجيا (علم‬ ‫األحياء امليكروية) وعلم املناعة والطب‬ ‫املداري في جامعة جورج واشنطن‪،‬‬ ‫كما أنه رئيس معهد سابني ل ّلقاحات‬ ‫وعضو في املعهد الطبي لألكادمييات‬ ‫الوطنية للعلوم وأحد املشاركني في‬ ‫تأسيس الشبكة العاملية ملكافحة‬ ‫األمراض ‪.NTDs‬‬ ‫‪82‬‬

‫الش������هير <‪ .S‬هوكِ نگ>] الذي نش������ر عام‬ ‫‪ 1967‬نتائج دراس������ة أجريت في البرازيل‬ ‫عال������ج فيها ال������داء ‪ LF‬بإضافة مادة ثاني‬ ‫إيثيل كاربامازي������ن إلى ملح الطعام‪ .‬وفي‬ ‫عام ‪ ،1988‬أطلقت شركة ميرك ومرافقاتها‬ ‫‪ Merk & Co.‬واحدة من أولى املؤسسات‬ ‫القطاعني العام واخلاص‪،‬‬ ‫التشاركية بني‬ ‫َ‬ ‫وكان������ت تهدف إل������ى املعاجلة الش������املة‬ ‫اجلماعية ل������داء العمى النهري‪ .‬ومنذ ذلك‬ ‫احلني َّ‬ ‫مؤسس������ات تش������اركية‬ ‫مت إنش������اء ّ‬ ‫عدي������دة من هذا النوع‪ ،‬وصارت خدماتها‬ ‫تصل ف������ي وقتنا احلاضر إلى عش������رات‬ ‫املاليني من الناس كل عام‪.‬‬ ‫م������ن خ���ل��ال تأم���ي��ن وص������ول عالجات‬ ‫زهيدة الثمن إلى املرضى‪ ،‬اس������تطاعت هذه‬ ‫املؤسسات التشاركية ـ بالتعاون مع منظمة‬ ‫الصحة العاملية ووزارات الصحة في البلدان‬ ‫ذات الدخل املنخفض وعدة شركات متعددة‬ ‫اجلنس������يات لصناعة األدوية ـ أن تس������يطر‬ ‫على انتش������ار داء العمى النه������ري أو تزيله‬ ‫متاما في أحد عش������ر بلدا إفريقيا‪ ،‬وسمح‬ ‫ه������ذا للفالحني بأن يع������ودوا إلى أراضيهم‬ ‫الصاحل������ة للزراعة التي هجروها بس������بب‬ ‫ارتفاع معدل العمى في أوساطهم‪ .‬وبشكل‬ ‫مشابه قضت برامج املعاجلة على الداء ‪LF‬‬ ‫ِّ‬ ‫متوطنا‬ ‫في أكثر من اثني عش������ر بل������دا كان‬ ‫فيها س������ابقا‪ ،‬وأنقصت مع ّدل انتش������ار داء‬ ‫َ‬ ‫املنش َّقات مبقدار وصل إلى ‪ %80‬في ثمانية‬ ‫بلدان إفريقي������ة‪ .‬وإذا أخذنا بعني االعتبار‬ ‫وجه������ة النظر املالية البحت������ة‪ ،‬فإنّ معدالت‬ ‫العائدات الذاتية لهذه البرامج كانت مرتفعة‬ ‫إلى درجة وصلت حتى ‪.%30‬‬ ‫حبة واحدة تشفيهم جميعا‬

‫(٭)‬

‫وعل������ى الرغم م������ن إح������راز جميع هذه‬ ‫النجاحات الهائل������ة‪ ،‬ال زال الطريق أمامنا‬ ‫طوي���ل��ا حتى يت������ ّم تأم���ي��ن كام������ل األدوية‬ ‫الالزمة لبليون ش������خص أو أكثر مصابني‬ ‫باألمراض ‪ .NTDs‬فحسب تقديرات منظمة‬ ‫البرامج احلالية‬ ‫الصح������ة العاملية ال توصل‬ ‫ُ‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫املعاجل َة املناس������بة إال إلى أقل من ‪ %10‬من‬ ‫األش������خاص الذين يعانون األخماج املعوية‬ ‫َ‬ ‫املنش َّقات‪.‬‬ ‫أو داء‬ ‫ّ‬ ‫احلل الضروري يكمن في‬ ‫إنّ جزءا من‬ ‫استخدام وسائل تقانية وأساليب تنظيمية‬ ‫أفضل من املس������تعملة حاليا‪ ،‬وقد درس������ت‬ ‫منظم������ة الصح������ة العاملية باالش������تراك مع‬ ‫منظمات أخرى اإلعطا َء املتزامن لعدة أدوية‬ ‫مضادة لألمراض ‪ NTDs‬معا‪ ،‬وهم يغ ّيرون‬ ‫طريقة عملهم بسرعة بحيث يت ّم تأمني هذه‬ ‫األدوية على شكل رزمة واحدة ( ُيشار إليها‬ ‫أحيانا باس������م رزمة التأثير السريع) ميكن‬ ‫أن يكون س������عرها زهيدا بحي������ث ال تك ِّلف‬ ‫أكثر من ‪ 50‬سنتا في السنة‪ ،‬وبدأت بعض‬ ‫البلدان اإلفريقية بالفعل بدمج برامج كانت‬ ‫تس������تهدف بش������كل منفرد أمراضا مدارية‬ ‫ُمهملة ضم������ن برنامج واح������د متكامل‪ .‬إنّ‬ ‫أس������لوب التجميع هذا ي������ؤدي إلى إنقاص‬ ‫التكاليف وإلى تخفيف احلمل عن منظمات‬ ‫تق������دمي اخلدمات الصحي������ة املثقلة باألعباء‬ ‫أصال‪ ،‬هذا إلى جانب توفير فرصة لتقدمي‬ ‫مس������اعدات أخرى مثل توزيع الناموسيات‬ ‫ملكافحة املالريا وإعطاء اللقاحات واملك ِّمالت‬ ‫الغذائية كالڤيتامني ‪ A‬لألطفال‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنّ دمج برامج السيطرة‬ ‫على األمراض ‪ NTDs‬وتوحيدها كان ناجحا‬ ‫إلى ح������د بعيد حتى اآلن‪ ،‬فقد واجهته بعض‬ ‫التحديات امليدانية التي ش������ملت فرض أعباء‬ ‫إضافية عل������ى العاملني في توزي������ع األدوية‪،‬‬ ‫ونقص الكمي������ة املتو ّفرة من بع������ض األدوية‬ ‫املض������ادة لألمراض ‪ NTDs‬في أماكن مع ّينة‪.‬‬ ‫كما كان على العاملني الصحيني أن يظهروا‬ ‫منتهى احلرص واالنتباه من أجل كشف أية‬ ‫عالمات دالة على حدوث مقاومة دوائية‪.‬‬ ‫ف������ي نهاي������ة املط������اف‪ ،‬س������تحتاج برامج‬ ‫الس������يطرة على األم������راض ‪ NTDs‬هذه إلى‬ ‫املزي������د من األم������وال‪ .‬وقد تع َّه������دت حكومتا‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا بتقدمي‬ ‫ما يزيد على ‪ 400‬مليون دوالر خالل السنوات‬ ‫( ) ‪One Pill to Cure Them All‬‬


‫القليلة القادمة بغرض دعم البرامج املتكاملة‬ ‫للسيطرة على األمراض ‪ ،NTDs‬بينما تشير‬ ‫التقديرات إلى أنّ الس������يطرة على األمراض‬ ‫‪ NTDs‬في الدول الس������ت واخلمس���ي��ن التي‬ ‫ِّ‬ ‫متوطنة فيها س������تحتاج م������ن بليونني‬ ‫تُع َتب������ر‬ ‫إلى ثالث������ة باليني من ال������دوالرات األمريكية‬ ‫خالل الس������نوات اخلمس أو السبع القادمة‪.‬‬ ‫ولضمان حتس���ي��ن وض������ع مس������ألة التمويل‬ ‫املؤسس������ات التش������اركية بني‬ ‫جت َّمعت بعض‬ ‫ّ‬ ‫القطا َع���ي��ن الع������ام واخلاص الرئيس������ية في‬ ‫عام ‪ 2006‬لتشكيل الش������بكة العاملية ملكافحة‬ ‫األمراض ‪ NTDs‬التي أخ������ذت تعمل بتعاون‬ ‫وثي������ق مع منظمة الصح������ة العاملية ومكاتبها‬ ‫اإلقليمية‪ .‬وتتل ّقى هذه الش������بكة التي اتّخذت‬ ‫مقرا لها في معهد س���ابني للّقاحات الدع َم‬ ‫من مؤسسة گيتس ومن متب ِّرعني آخرين في‬ ‫القطاع اخلاص‪ ،‬وتعمل على مساندة برامج‬ ‫معاجلة األمراض ‪ NTDs‬ف������ي جميع أرجاء‬ ‫العال������م من خالل تقدمي الع������ون في مجاالت‬ ‫احلمالت الدعائية ورسم السياسات العامة‬ ‫والتزويد باإلمدادات اللوجستية‪.‬‬ ‫وقد أنش������أ معه ُد س������ابني للقاحات كذلك‬ ‫مؤسس������ ًة تش������اركية دولية إلعداد املنتجات‬ ‫ّ‬ ‫وتطويرها م������ن أجل إنت������اج لقاحات جديدة‬ ‫������صية ولداء‬ ‫مض������ا ّدة للخم������ج بالديدان الش ِّ‬ ‫املنش������ َّقات‪ .‬ووص������ل تطوير اللق������اح املضا ّد‬ ‫������صية ف������ي الوقت احلاضر إلى‬ ‫للديدان الش ِّ‬ ‫مرحلة الدراسات الس������ريرية (اإلكلينيكية)‪،‬‬ ‫و ُيعت َبر ذلك من األنباء السارة نظرا للمخاوف‬ ‫الت������ي أثارته������ا مالحظ������ة أنَّ أح������د األدوية‬ ‫املستخدمة في الوقت احلاضر في املعاجلات‬ ‫اجلماعية الش������املة أخذ يبدي معدالت فشل‬ ‫مرتفع������ة‪ ،‬حيث ُي َع ُّد هذا األمر عالمة على أنّ‬ ‫الطفيل������ي قد صار مقاوم������ا لألدوية‪ .‬ويعمل‬ ‫معهد س������ابني بالتعاون مع طيف واس������ع من‬ ‫معاهد األبحاث والتطوير في البرازيل وكذلك‬ ‫مع احلكومة البرازيلية‪ ،‬حيث تعاني البرازيل‬ ‫أكبر عدد من حاالت اخلمج بهذه الديدان في‬ ‫األمريكتني؛ وقد انتقل هذا املرض من املناطق‬ ‫َِّ‬ ‫املتوطن فيه������ا والكائنة في غرب إفريقيا إلى‬ ‫(‪)1‬‬

‫البرازيل عبر جتارة الرقيق‪ ،‬وهذا يجعله أثرا‬ ‫ح ًّيا من بقايا عهد العبودية‪.‬‬ ‫ويبق������ى الس������ؤال‪ :‬إذا كان������ت ضرورة‬ ‫مكافحة األم������راض ‪ NTDs‬على هذا القدر‬ ‫م������ن الوض������وح وكان حتقيقه������ا رخيص‬ ‫التكاليف إلى ه������ذه الدرجة‪َ ،‬ف ِل َم لزم مرور‬ ‫كل ه������ذا الوق������ت الطويل قب������ل التصرف‬ ‫بطريقة منهجية َّ‬ ‫منظمة في هذا املجال؟ في‬ ‫احلقيقة تصعب اإلجابة عن هذا السؤال‪.‬‬ ‫فف������ي البرنام������ج ال������ذي أطلق ع������ام ‪2000‬‬ ‫باس������م أه���داف التنمي���ة ف���ي األلفية من‬ ‫بش���كل قابل للدوام‬ ‫ٍ‬ ‫أج���ل إنقاص الفقر‬

‫(‪)2‬‬

‫ُو ِض َعت األم������راض ‪ NTDs‬مبجملها ضمن‬ ‫بن������د «أم������راض أخ������رى‪ »،‬وم������ن الواضح‬ ‫أن������ه من الصعب أن جتع������ل الناس تكترث‬ ‫بش������يء يوصف بعبارة «أمراض أخرى‪».‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬ت������ؤ ّدي األمراض ‪NTDs‬‬ ‫مما تفضي إلى‬ ‫إل������ى حدوث العجز أكث������ر ّ‬ ‫املوت‪ ،‬لذلك اخت������ارت كبار البلدان املانحة‬ ‫للمس������اعدات التركي َز بشكل رئيسي على‬ ‫اخلمج بالڤيروس ‪ HIV‬والس������ل واملالريا‪،‬‬ ‫وه������ي أمراض متيت املصاب���ي��ن بها إذا لم‬ ‫برامج أخرى للتنمية‬ ‫ُيعاجلوا‪ .‬وقد اعتبرت‬ ‫ُ‬ ‫أنّ األم������راض ‪ NTDs‬ه������ي مبثابة أعراض‬ ‫ظاهري������ة أكثر منه������ا علل حقيقي������ة‪ ،‬لذلك‬ ‫َّ‬ ‫فضل������ت التركيز على ما رأته املش������كالت‬ ‫املس������تبطنة الكامنة خلف تل������ك األمراض‬ ‫مثل س������وء الصرف الصحي (اإلصحاح)‬ ‫ونقص مص������ادر املي������اه النظيف������ة والفقر‬ ‫على وجه اإلجم������ال‪ .‬وجميع هذه األهداف‬ ‫واملقاصد نبيل ٌة وتستحق الثناء والتشجيع‪،‬‬ ‫ولكن احلقيقة املستم ّدة من جتارب احلياة‬ ‫ّ‬ ‫الواقعية ِّ‬ ‫تؤك������د أنّ األدوية التي تُعالَج بها‬ ‫األمراض ‪ NTDs‬هي أفضل طريقة منفردة‬ ‫م������ن ناحية مقارن������ة امل������ردود بالتكلفة في‬ ‫الصحي والتعليمي‬ ‫مجال حتسني الوضع‬ ‫ّ‬ ‫وحتقيق الرفاهية واخلير لفقراء العالَم في‬ ‫>‬ ‫الوقت الراهن‪.‬‬ ‫)‪The Sabin Vaccine Institute (1‬‬ ‫(‪the Millennium Development Goals for sustainable )2‬‬ ‫‪reduction of poverty‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, January 2010‬‬

‫‪83‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2010‬‬

‫‪4/3‬‬

‫الزراعة في املستقبل‪ :‬عودة إلى اجلذور؟‬

‫(٭)‬

‫قد تصبح الزراعة على نطاق واسع أكثر استدامة إذا عاشت نباتات‬ ‫احملاصيل الرئيسية لسنوات وابتنت مجموعات جذرية عميقة‪.‬‬ ‫>‪ .D .J‬كلوڤر<‬

‫حقائق مفتاحية‬ ‫>‬

‫>‬

‫>‬

‫إن استخدام األراضي املكثف‬ ‫لصالح الزراعة يدمر التنوُّ ع‬ ‫احليوي الطبيعي والنظم‬ ‫البيئية‪ .‬وفي هذه األثناء‬ ‫سيزداد تعداد السكان في‬ ‫العالم إلى ما بني ثمانية‬ ‫وعشرة باليني في عقود السنني‬ ‫املقبلة‪ ،‬بحيث يتطلب األمر‬ ‫استصالح املزيد من األفدنة‪.‬‬ ‫إن استبدال محاصيل الفصل‬ ‫الواحد مبحاصيل معمِّ رة قد‬ ‫يؤدي إلى تكوين مجموعات‬ ‫جذرية كبيرة قادرة على حفظ‬ ‫التربة‪ ،‬وقد يسمح بالزراعة‬ ‫في املناطق التي تعتبر اليوم‬ ‫مناطق هامشية‪.‬‬ ‫صحيح أن التحدي هائل‪،‬‬ ‫ولكن إذا جنح العلماء‬ ‫فإن هذا اإلجناز سيضارع‬

‫التدجني (االستئناس)‬

‫‪ domestication‬البشري‬ ‫األصلي حملاصيل الغذاء‬ ‫على مدى عشرات آالف‬ ‫السنني املاضية‪ ،‬وسيكون‬ ‫ثوريا بالقدر نفسه‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪84‬‬

‫ـ >‪ .C .M‬كوكس< ـ‬

‫>‪ .P .J‬رِ گانولد<‬

‫تشير املوازين املنزلية‪ ،‬بالنسبة إلى العديد‬ ‫من������ا في مناطق البحبوبة‪ ،‬إلى أننا نحصل من‬ ‫الدخل عل������ى مايفوق حاجتنا إلى األكل ‪ ،‬مما‬ ‫يجع������ل البعض يعتقد أنه من اليس������ير‪ ،‬ورمبا‬ ‫اليس������ير جدا‪ ،‬على املزارعني إمن������اء طعامنا‪.‬‬ ‫وعل������ى النقي������ض من ذل������ك‪ ،‬تتطل������ب الزراعة‬ ‫احلديث������ة مس������احات شاس������عة م������ن األرض‪،‬‬ ‫إضاف������ة إلى اإلم������دادات املس������تمرة من املاء‬ ‫والطاق������ة واملواد الكيميائي������ة‪ .‬ومبالحظة هذه‬ ‫املتطلبات م������ن املوارد‪ ،‬أش������ار التقييم األلفي‬ ‫للمنظوم������ات البيئية في ع������ام ‪ ،2005‬واملدعوم‬ ‫م������ن قبل األمم املتحدة إل������ى إمكانية أن تكون‬ ‫الزراعة هي «التهدي������د األكبر للتنوع احليوي‬ ‫ووظيفة النظم البيئي���ة‬

‫‪ecosystem function‬‬

‫ألي نشاط بشري مبفرده‪».‬‬ ‫ف������ي الوق������ت احلاضر‪ ،‬يأت������ي معظم غذاء‬ ‫البشرية بشكل مباشر أو غير مباشر (كعلف‬ ‫اّ‬ ‫غ���ّل��ت احلب������وب والبقول‬ ‫احليوان������ات) م������ن‬ ‫والبذور الزيتية‪ .‬وتعد هذه املق ِّومات األساسية‬ ‫جذابة للمنتجني واملستهلكني ألنها سهلة النقل‬ ‫والتخزي������ن وطويلة البقاء نس������بيا وغنية بعض‬ ‫الش������يء بالپروتني والكالوريات (الس���عرات‬ ‫احلراري���ة) ‪ .calories‬ونتيجة لذلك‪ ،‬تشغل مثل‬ ‫هذه احملاصيل نحو ‪ 80‬في املئة من األراضي‬ ‫الزراعي������ة العاملي������ة‪ .‬بيد أنها جميع������ا نباتات‬ ‫حولي������ة‪ ،‬مبعنى أنها يجب أن تن ّمى مج َّددا من‬ ‫احلبوب في كل عام‪ ،‬وذلك باس������تخدام طرائق‬ ‫الفالح���ة املكثفة للموارد ‪resource-intensive‬‬ ‫‪ .cultivation‬واألكث������ر إزعاجا هو أن التدهور‬

‫‪ degradation‬البيئ������ي ال������ذي ُتس������ ِّببه الزراعة‬ ‫يحتمل أن يزداد س������وءا طاملا أن تعداد البشر‬ ‫اجلياع س������يزداد إلى ثمانية أو عشرة باليني‬ ‫نسمة في عقود السنوات القادمة‪.‬‬ ‫وهذا ه������و الس������بب وراء محاولة عدد من‬ ‫مر ّبي النبات وعلماء احملاصيل واإليكولوجيني‬ ‫تطوي������ر منظوم������ات حملاصيل احلب������وب يكون‬ ‫مبقدوره������ا أن تعمل على نحو أش������به مايكون‬ ‫بالنظ������م البيئي������ة الطبيعية التي حت������ل محلها‬ ‫الزراع������ات‪ .‬أما مفتاح جناحنا اجلماعي؛ فإنه‬ ‫يتم َّثل بتحويل محاصيل احلبوب الرئيسة إلى‬ ‫نباتات معمِّ رة ‪ perennials‬تس������تطيع أن تعيش‬ ‫س������نوات عديدة‪ .‬ونش������ير هنا إلى أن الفكرة‪،‬‬ ‫التي تعود إلى عقود من السنني‪ ،‬قد يستغرق‬ ‫حتقيقه������ا مزيدا م������ن العقود؛ بي������د أن تقدما‬ ‫ملموسا في علم تربية النباتات أخذ يقرب هذا‬ ‫الهدف ليجعله أخيرا في املدى املنظور‪.‬‬ ‫جذور املشكلة‬

‫( )‬

‫إن معظ������م املزارعني واملبتدع���ي��ن والعلماء‬ ‫الذي������ن مارس������وا العم������ل في حق������ول املزارع‬ ‫وه������م يتخيل������ون كيفية التغل������ب على مصاعب‬ ‫الفالحة رمبا رأوا الزراعة بعدس������ة جناحاتها‬ ‫وإخفاقاته������ا املعاص������رة‪ .‬أم������ا عالِ������م الوراثة‬ ‫النباتية في كنس������اس >‪ .W‬جاكسون<؛ فقد‬ ‫سلك في السبعينات من القرن املاضي خطوة‬ ‫عشرة آالف س������نة في أعماق املاضي ليقارن‬ ‫الزراعة بالنظم البيئية الطبيعية التي سبقتها‪.‬‬ ‫( ) ?‪Future Farming: A Return to Roots‬‬ ‫( ) ‪Roots of the Problem‬‬


‫فقب������ل قيام البش������ر بتعزي������ز وف������رة النباتات‬ ‫احلولية ‪ annuals‬من خالل تدجني احليوانات‬ ‫والزراعة‪ ،‬كانت خالئط النباتات املع ِّمرة تسود‬ ‫جميع املس ّ‬ ‫������طحات على كوكب األرض‪ ،‬وذلك‬ ‫على غرار ما هي علي������ه اآلن في املناطق غير‬ ‫املفلوح���ة ‪ uncultivated‬الباقي������ة حتى اليوم‪.‬‬ ‫فأكث������ر من ‪ 85‬ف������ي املئة من األن������واع النباتية‬ ‫األصلية في أمريكا الش������مالية‪ ،‬على س������بيل‬ ‫املثال‪ ،‬هي نباتات مع ِّمرة‪.‬‬ ‫الحظ >جاكس������ون< أن األعشاب املع ِّمرة‬ ‫وأزهار مروج األعشاب الطويلة في كنساس‬ ‫تزداد إنتاجا س������نة بعد أخرى ‪ ،‬وحتى أثناء‬ ‫ابتن������اء وص������ون الترب الغني������ة‪ .‬إنها لم تكن‬ ‫بحاج������ة إلى أس������مدة أو مبي������دات آفات أو‬ ‫مبيدات أعش������اب ضارة كي تزده������ر متَّقية‬ ‫اآلف���ات ‪ pests‬واألمراض‪ .‬لق������د كانت املياه‬ ‫اخلارج������ة أو اجلارية في ترب املروج صافية‬

‫وكانت احلياة الب ِّرية وافرة‪.‬‬ ‫وعلى العكس‪ ،‬فقد رأى >جاكس������ون< أن‬ ‫حقول احملاصيل احلولي������ة القريبة مثل الذرة‬ ‫الصفراء وال������ذرة البيضاء والقم������ح ونباتات‬ ‫دوار الشمس وفول الصويا كانت تتطلب رعاية‬ ‫كبيرة ومكلفة كي تبقى منتجة‪ .‬وبالنظر إلى أن‬ ‫احلوليات ذات جذور ضحلة (إذ إن معظم هذه‬ ‫اجلذور موجود في ثلث املت������ر األعلى للتربة)‬ ‫وألن تلك اجلذور ال تعيش إ ّال حتى احلصاد‪،‬‬ ‫ف������إن العديد م������ن املناطق املزروع������ة تتعرض‬ ‫ملشاكل من التعرية ‪ erosion‬ونضوب خصوبة‬ ‫الترب������ة وتلوث املياه‪ .‬وإضاف������ة إلى ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫احلقول املزروعة الهادئة بش������كل غريب كانت‬ ‫ف������ي معظمها جرداء تخلو م������ن احلياة الب ِّرية‪.‬‬ ‫وباختص������ار‪ ،‬فقد كانت املداومة س������نويا على‬ ‫زراعة نوع واحد من الزراعات ‪monocultures‬‬ ‫في العديد من األماكن هي املشكلة‪ ،‬وكان احلل‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫تعتمد احملاصيل الغذائية العصرية‬ ‫بشكل كبير على الري ومدخالت‬ ‫بشرية أخرى تستنزف األرض وتلوِّ ث‬ ‫البيئات احمليطة‪ .‬وميكن إلى ح ٍّد‬ ‫ما مواجهة ذلك بتطوير نسخ من‬ ‫نباتات معمِّ رة مثل الهجني التجريبي‬ ‫للعكرش ‪ wheatgrass‬االنتقالي واحلنطة‬ ‫املعروضة في الصفحة املقابلة‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫الشهر ‪6‬‬

‫‪3‬‬

‫‪12‬‬

‫‪9‬‬

‫‪1m‬‬

‫‪2m‬‬

‫تستطيع النباتات املعمِّ رة‪ ،‬مثل‬ ‫العكرش االنتقالي (في ميني الصور‬ ‫العليا) احلصول على املغ ِّذيات واملاء‪،‬‬ ‫بفضل جذورها اجليدة النمو بكميات‬ ‫أكبر مما تستطيعه النباتات احلولية‪،‬‬ ‫مثل احلنطة الشتوية (في يسار‬ ‫الصور العليا)‪ .‬وبدورها‪ ،‬تكفل اجلذور‬ ‫املعمِّ رة حياة األحياء الدقيقة واألنشطة‬ ‫البيولوجية األخرى التي تثري التربة‪.‬‬ ‫فالتربة ُ‬ ‫احل َبيب َّية السمراء الناجتة‬ ‫(الصورة اليمنى البعيدة)‪ ،‬املأخوذة‬ ‫من أسفل مرج معمِّ ر‪ ،‬حتتفظ مبياه‬ ‫ومغ ِّذيات وافرة‪ .‬أما التربة املأخوذة‬ ‫من حقل حولي مجاور (الصورة اليمنى‬ ‫القريبة)‪ ،‬فإنها أفتح لونا وذات بنية‬ ‫ضعيفة التماسك‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫بش������كل كبير‪ ،‬لذا فقد كانت تُستحس������ن بذور‬ ‫النبات������ات ذات الصفات املميزة (الس���جايا)‬ ‫‪ traits‬املرغ������وب فيها كتلك التي تتصف بالغ ّلة‬ ‫الوفيرة والدِّراس ‪ threshing‬الس������هل ومقاومة‬ ‫التكسر ‪ .shattering‬وهكذا‪ ،‬سرعان ما أنتجت‬ ‫ُّ‬ ‫الفالحة الفاعلة والتطبيق غير املقصود لضغط‬ ‫االصطفاء (االنتخاب) التط ُّوري نباتات حولية‬ ‫مدجن������ة ذات صف������ات مح َّببة تف������وق أقربا َءها‬ ‫احلولية الب ِّرية‪ .‬ومع أن بعض النباتات املع ِّمرة‬ ‫رمب������ا كانت متتلك بذورا جيدة الق ّد (احلجم)‬ ‫‪ ،good-size‬فل������م تكن هن������اك حاجة إلى إعادة‬ ‫استنباتها‪ ،‬ومن ثم فإنها لم تخضع أو تستفد‬ ‫من العملية االصطفائية ذاتها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كحل‬ ‫اجلذور‬

‫( )‬

‫يكمن ف������ي جعبة >جاكس������ون<‪ :‬أي املجموع‬ ‫اجلذري املتماسك املعمر املتنوع‪.‬‬ ‫لئن كان������ت احملاصيل احلولية إش������كالية‬ ‫وكان������ت النظم البيئية الطبيعي������ة تقدم امليزات؛‬ ‫ألي من محاصيل حبوبنا املهمة‬ ‫فلماذا ال يكون ٍّ‬ ‫جذور مع ِّم������رة؟ إن اإلجابة عن ذلك تكمن في‬ ‫أص���ول الزراع���ة ‪ .origins of farming‬فحينما‬ ‫بدأ أس���ل��افنا من العص������ر احلجري احلديث‬ ‫يحص������دون النباتات احلاملة للب������ذور بالقرب‬ ‫من مستوطناتهم‪ ،‬رمبا تكون بضعة عوامل قد‬ ‫ح ّددت سبب حتبيذهم النباتات احلولية‪.‬‬ ‫لقد كان أبك������ر احلوليات التي مت تدجينها‬ ‫(وهي احلنطة النش������وية والشعير البري) ذات‬ ‫حبوب كبيرة ّ‬ ‫مفضلة‪ .‬ولضمان حصاد موثوق‬ ‫به في كل عام‪ ،‬فقد كان على املزارعني األوائل‬ ‫أن يعيدوا استنبات بعض البذور التي جمعوها‪.‬‬ ‫ولكن خصائص النباتات الب ِّرية ميكن أن تختلف‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫وكذل������ك غدت الصفات املمي������زة للحوليات‬ ‫أكثر حتبي������ذا اليوم‪ .‬فبجذوره������ا التي تفوق‬ ‫املترين عمقا في العادة تقوم عشائر مجتمعات‬ ‫النبات������ات املع ِّم������رة ب������دور ِّ‬ ‫منظم حاس������م في‬ ‫وظائف النظم البيئية‪ ،‬مثل إدارة املياه وتدوير‬ ‫النتروج���ي��ن والكربون‪ .‬ومع أن عليها أن تبذل‬ ‫الطاق������ة للحفاظ على النس������ج حتت األرضية‬ ‫ح ّية أثناء الشتاء‪ ،‬فإن اجلذور املعمرة تباشر‬ ‫العم������ل عميقا داخل التربة حاملا تدفأ درجات‬ ‫كاف وتت������اح املغذيات واملاء‪.‬‬ ‫احلرارة بق������در ٍ‬ ‫فحالة اس������تعدادها املستمر تس������مح لها بأن‬ ‫تكون عالية اإلنتاج‪ ،‬إضافة إلى إمكان حتملها‬ ‫لإلجهادات البيئية‪.‬‬ ‫وفي دراس������ة للعوامل املؤث������رة في تعرية‬ ‫التربة دامت نحو قرن من الزمن أثبتت عش���بة‬ ‫تيموثي ‪ ،timothy grass‬وهي محصول عشبي‬ ‫مع ِّمر‪ ،‬أنها أكثر جناع������ة بنحو ‪ 54‬ضعف ًا في‬ ‫صون التربة العلوية من احملاصيل الس������نوية‪.‬‬ ‫وكذلك و َّثق العلماء تخفيض ًا مبقدار خمس������ة‬ ‫أضعاف ف������ي فقد امل������اء‪ ،‬وتخفيضا بنحو ‪35‬‬ ‫ضعفا ف������ي فقد النترات م������ن التربة املزروعة‬ ‫بنب���ات الفص���ة ‪ alfalfa‬وأعش������اب مع ِّم������رة‬ ‫مختلط������ة‪ ،‬مقارنة بتربة مزروع������ة بالذرة وفول‬ ‫الصوي������ا‪ .‬كم������ا أن األعماق اجلذري������ة األكبر‬ ‫( ) ‪Roots as Solution‬‬


‫وفصول النماء األطول جتعل النباتات املع ِّمرة‬ ‫تعزِّز احتج������از كربونها‪ ،‬ال������ذي ميثل املكون‬ ‫الرئيس������ي للمادة العضوية في التربة‪ ،‬مبقدار‬ ‫‪ 50‬في املئة ون ِّيف مقارن������ة بحقول احملاصيل‬ ‫احلولية‪ .‬وملّا كانت النباتات املع ِّمرة ال حتتاج‬ ‫إلى إعادة اس������تنبات كل عام‪ ،‬فإنها تتطلب ما‬ ‫هو أقل من املمرات ل���ل��آالت الزراعية وكذلك‬ ‫مدخالت أقل للمبيدات واألسمدة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يخ ِّفض اس������تخدام الوق������ود األحفوري‪ .‬فهذه‬ ‫النباتات تق ِّلل بذلك كمية ثاني أكسيد الكربون‬ ‫في الهواء‪ ،‬في حني تحُ ِّسن خصوبة التربة‪.‬‬ ‫ق������د تبلغ تكلفة مبيدات األعش������اب لصالح‬ ‫إنت������اج احملاصي������ل احلولية ما ب���ي��ن ‪ 4‬و‪8.5‬‬ ‫ضعف تكلفة مبيدات األعش������اب لصالح إنتاج‬ ‫احملاصيل املع ِّمرة‪ ،‬وبذلك فإن املدخالت األقل‬ ‫مقدارا ف������ي النظم املع ِّم������رة تعني مصروفات‬ ‫نقدي������ة أقل بالنس������بة إلى املزارع���ي��ن‪ .‬وكذلك‬ ‫تستفيد احلياة البرية‪ :‬فعلى سبيل املثال‪َ ،‬تبينَّ‬ ‫أن جماع������ات الطيور بلغت س������بعة أضعافها‬ ‫كثافة في حقول احملاصي������ل املع ِّمرة منها في‬ ‫حقول احملاصيل احلولية‪ .‬ولعل األكثر أهمية‬ ‫يخص العالم اجلائع‪ ،‬فالنباتات املع ِّمرة‬ ‫هو ما‬ ‫ّ‬ ‫أق������در على الفالحة املس������تدامة في األراضي‬ ‫الهامش������ية التي تتصف بفقر نوعية تربتها أو‬ ‫التي س������تنضب تربتها بسرعة خالل سنوات‬ ‫قليلة من الزراعة املكثفة للمحاصيل احلولية‪.‬‬ ‫وله������ذه األس������باب مجتمعة اس ّ‬ ‫������تهل مر ّبو‬ ‫النباتات في الوالي������ات املتحدة وأماكن أخرى‬ ‫������ص تربية النباتات‬ ‫برام������ج بحثية وأخرى تخ ّ‬ ‫طوال السنوات اخلمس املاضية لتطوير أنواع‬ ‫من القمح وال������ذرة البيضاء ودوار الش������مس‬ ‫والعكْرش ‪ wheatgrass‬االنتقالي وأنواع أخرى‬ ‫لتكون محاصيل حبوب مع ِّمرة‪ .‬ولدى املقارنة‬ ‫باألبحاث املك َّرس������ة للمحاصيل احلولية‪ ،‬فإن‬ ‫تنمية احلبوب املع ِّمرة التزال في مرحلة احلبو‪.‬‬ ‫ولكن أخذ النجاحات املهمة في تربية النباتات‬ ‫على م������دى العقدين أو العقود الثالثة املاضية‬ ‫بعني االعتبار‪ ،‬س������يجعل من التنمية الواسعة‬ ‫امل������دى حملاصيل احلبوب املع ِّم������رة ذات الغلة‬ ‫العالية أمرا مجديا خالل الس������نوات اخلمس‬

‫محاصيل حبوب‬ ‫القمة العشر‬

‫إن حبوب محاصيل احلبوب احلولية‬ ‫والبقوليات الغذائية ونباتات البذور‬ ‫الزيتية ش َّكلت ‪ 80‬في املئة من احلصاد‬ ‫العاملي ألراضي احملاصيل في عام‬ ‫‪ .2004‬وقد غطت أصناف احلبوب‬ ‫الثالثة املصورة أعاله أكثر من نصف‬ ‫تلك املساحة‪.‬‬ ‫النسبة املئوية‬ ‫ملساحة األرض‬

‫احملصول‬ ‫‪.1‬‬

‫حنطة‬

‫‪.2‬‬

‫أرز‬

‫‪.3‬‬

‫ذرة صفراء‬

‫‪.4‬‬

‫فول الصويا‬

‫‪.5‬‬

‫شعير‬

‫‪17.8‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪12.2‬‬

‫‪7.6‬‬ ‫‪4.7‬‬ ‫‪3.5‬‬

‫‪.6‬‬

‫ذرة بيضاء‬

‫‪.7‬‬

‫بذور القطن‬

‫‪2.9‬‬

‫‪.8‬‬

‫بقول جافة‬

‫‪2.9‬‬

‫‪.9‬‬

‫الد ْ‬ ‫ُّخن‬

‫‪.10‬‬

‫‪2.8‬‬

‫بذور اللفت واخلردل‬

‫‪2.2‬‬

‫والعشرين حتى اخلمسني القادمة‪.‬‬ ‫يس������تخدم مط������ ِّورو احملاصي������ل املع ِّم������رة‬ ‫اآلن وبش������كل أساس������ي الطريقتني نفسيهما‬ ‫اللتني يس������تخدمهما العديد من علماء الزراعة‬ ‫اآلخري������ن‪ :‬وهم������ا طريق������ة التدجني املباش������ر‬ ‫للنباتات البرية وطريقة تهجني ‪hybridization‬‬ ‫نباتات احملاصيل احلولية املوجودة مع أقاربها‬ ‫الب ِّرية‪ .‬وتعد هاتان التقن ّيتان متكاملتني‪ ،‬ولكن‬ ‫كل منهما تق ِّدم مجموعة متم ِّيزة من التح ِّديات‬ ‫واملميزات في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫التطور املدعوم‬

‫( )‬

‫ُي َع ُّد التدجني املباشر للنباتات املع ِّمرة الب ِّرية‬ ‫مقاربة أكثر تصويبا لتكوين محاصيل مع ِّمرة؛‬ ‫فاس������تنادا إلى طرائق املش������اهدة االختبارية‬ ‫الزمني������ة واصطف������اء نباتات س������امية إفرادية‬ ‫َخص‬ ‫يسعى املر ّبون إلى زيادة تواتر جينات ت ُّ‬ ‫صفات مرغوبا فيها مثل الفصل السهل للبذور‬ ‫عن الغالف ‪ husk‬والبذور ذات احلجم الكبير‬ ‫والنضوج املتزامن واالستس���اغة ‪palatability‬‬ ‫والس������وق القوية وغل������ة الب������ذور الوافرة‪ .‬وقد‬ ‫اس������تجابت محاصيل عدة قائم������ة‪ ،‬مثل الذرة‬ ‫ود َّوار الش������مس‪ ،‬للتدج���ي��ن به������ذه الطريق������ة‬ ‫بسهولة‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬ح ّول األمريكيون‬ ‫األصل ّيون د َّوار الش������مس الب������ري ذا الرؤوس‬ ‫والبذور الصغيرة إلى دوار الش������مس املألوف‬ ‫ذي الرؤوس والبذور الكبيرة [انظر ّ‬ ‫املؤطر في‬ ‫الصفحة ‪.]90‬‬ ‫تركز برامج تدجني احلبوب املع ِّمرة اهتمامها‬ ‫حالي ًا على العكرش االنتقالي الذي يحمل اسم‬ ‫‪ Thinopyrum intermedium‬ودوار الش������مس‬ ‫املاكس������يملياني الذي يحمل اسـم ‪Helianthus‬‬ ‫‪ ،maximiliani‬وكذل������ك على الذي يحمل اس������م‬ ‫‪ Desmanthus illinoensis‬والكت���ان ‪ flax‬ال������ذي‬ ‫ميثل نوع������ ًا مع ِّمر ًا من اجلن������س ‪ .Linum‬ومن‬ ‫بني هذه األنواع رمبا كان العكرش االنتقالي‬ ‫‪ ،intermediate wheatgrass‬وه������و قري������ب معمر‬ ‫للحنطة‪ ،‬في أكثر املراحل تق ُّدما‪.‬‬ ‫ومن أجل استخدام نبات محصول حولي‬ ‫( ) ‪Assisted Evolution‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪87‬‬


‫[مكاسب]‬

‫الزراعة املستدامة ‪ :‬اجلديد مقابل احلالي‬

‫حنطة جتريبية معمِّ رة‬

‫( )‬

‫ّ‬ ‫تتوضح اليوم املكاس������ب احملتملة لنباتات احملاصيل املع ِّمرة املس������تقبلية‪ ،‬وذلك عن طريق مقارنة العكرش املع ِّمر (في األسفل‬ ‫ميينا) الذي ينمو إلى جانب احلنطة احلولية املستأنس������ة (في األس������فل يسارا)‪ .‬فمع أن احلنطة املع ِّمرة قد ّ‬ ‫تغل في يوم ما ح ّب ًا‬ ‫يشبه حب احملصول احلولي‪ ،‬فإنها ميكن أن تعيش سنوات عديدة وتشبه إلى حد كبير قريبتها العكرشية حتت سطح األرض‪.‬‬ ‫وقد حتول احملاصيل املع ِّمرة عملية الفالحة وتأثيراتها البيئية وذلك من خالل اس������تخدام موارد أكثر جناعة‪ ،‬وبذلك تكون أقل‬ ‫اعتماد ًا على املدخالت البشرية وأكثر إنتاج ًا ملدة طويلة من الزمن‪ .‬وكذلك ت ْرسي النباتات املع ِّمرة وتدعم املنظومة البيئية التي‬ ‫تغ ّذيها‪ ،‬في حني أن النباتات احلولية القصيرة العمر واجلذور تسمح بفقد املاء واملغذيات والتربة‪.‬‬ ‫يستهلك البناء الضوئي‬ ‫كربونا جويا‪.‬‬

‫معمر‬ ‫نبات ِّ‬ ‫بعد حصاد البذور تستطيع‬ ‫املواشي رعي اخلضرة‪.‬‬

‫ال َ‬ ‫تش ِّجع اجلذور التنافسية‬ ‫األعشاب الضارة فيقل‬ ‫استخدام مبيدات األعشاب‪.‬‬

‫عامل كربوني‬

‫( )‬

‫إن قدرة االحترار العاملي الكامنة ـ‬ ‫غازات الدفيئة التي تنبعث في اجلو‬ ‫عبر مدخالت إنتاج احملاصيل مطروحا‬ ‫منها الكربون احملتجز في التربة ـ هي‬ ‫سالبة بالنسبة إلى احملاصيل املع ِّمرة‪.‬‬ ‫ومن املتوقع أن تكون النباتات املع ِّمرة‬ ‫األكثر قدرة على استعادة حالتها‬ ‫األصلية‪ ،‬أكثر صالحا من النباتات‬ ‫احلولية في املناخ الدافىء‪.‬‬

‫تزدهر احلياة الب ِّرية في مالذ نباتي‪.‬‬

‫إعادة النمو الفصلي من اجلذور أو‬ ‫الريزومات تطيل فترة اإلنتاج‪.‬‬

‫‪.............................................................‬‬

‫الكربون احملتجز في التربة‬ ‫(بالكيلوغرام لكل هكتار في السنة)‬

‫احملاصيل احلولية‬ ‫احملاصيل املعمِّ رة‬

‫‪ 0‬إلى‬ ‫‪ 320‬إلى‬

‫‪450‬‬ ‫‪1100‬‬

‫قدرة االحترار العاملي الكامنة‬

‫(كيلوغرامات ثاني أكسيد الكربون املكافئة‬ ‫لكل هكتار في السنة)‬

‫احملاصيل احلولية ‪ 140‬إلى ‪1140‬‬ ‫احملاصيل املعمِّ رة ‪ -1050‬إلى ‪-200‬‬

‫التأثير املقدَّر في احملصول لدى‬ ‫زيادة درجة احلرارة من ‪ 3‬درجات‬ ‫مئوية إلى ‪ 8‬درجات مئوية‬ ‫(ميگاغرامات‬

‫‪megagrams‬‬

‫تتصيد اجلذور وتستخدم‬ ‫مزيدا من مياه األمطار‪.‬‬

‫ميكن أن تتشارك أمناط محاصيل معمِّ رة متنوعة في احلقل‬ ‫نفسه عبر امتداد جذورها في طبقات مختلفة من التربة‪.‬‬

‫لكل هكتار)‬

‫احملاصيل احلولية ‪ -1.5‬إلى ‪- 0.5‬‬ ‫احملاصيل املعمرة ‪+5‬‬

‫تس ِّرب اجلذور النازلة مترين أو أكثر سكريات نباتية غنية‬ ‫بالكربون إلى داخل التربة بحيث تغذي كائنات حية تصنع وتؤمِّ ن‬ ‫مغذيات أخرى‪ ،‬ويتم احتجاز كربون إضافي داخل اجلذور‪.‬‬ ‫( ) ‪CARBON FACTOR‬‬ ‫( ) ‪sustainable farming: New‬‬ ‫‪vs. now‬‬

‫‪88‬‬


‫إن املرور املتعدّد لآلليات في الربيع واخلريف‪ ،‬لغرض‬ ‫حراثة املشاتل وتسميد التربة وغرس البذور‬ ‫واستخدام مبيدات األعشاب‪ ،‬يستخدم احملروقات‬ ‫األحفورية ويولِد غاز ثاني أكسيد الكربون‪.‬‬

‫نبات حولي‬

‫تقدِّم اجلذور الصغيرة فرصا أقل للحصول على‬ ‫املاء واملغ ّذيات وحتتجز القليل من الكربون‪.‬‬

‫تنجرف التربة العلوية والكيماويات‬ ‫املستخدمة إلى داخل املجاري املائية فتزداد‬ ‫الرسابة الطينية وتتلوث مياه الشرب‪.‬‬

‫تفقد مغذيات التربة مع ما يصل إلى‬ ‫‪ 45‬في املئة من ماء املطرالسنوي‪.‬‬

‫يع ِّزز النتروجني املتح ّرر في السبل‬ ‫املائية املناطق البحرية امليتة‪.‬‬

‫إن فصل النمو القصير ال مينح النباتات إ ّال‬ ‫القليل من الوقت لتصيد ضوء الشمس أو‬ ‫االشتراك في املنظومة البيئية‪ ،‬وميكن أن تبقى‬ ‫احلقول جرداء معظم السنة‪.‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫ما موجود في تهجني ُمع ِّمر واس������ع النطاق‪،‬‬ ‫ف������إنَّ التزاوج القس������ري بني نوع���ي��ن نباتيني‬ ‫مختلفني يستطيع اجلمع بني أحسن صفات‬ ‫النبات احلولي املدجن وقريبه املع ِّمر الب ّري‪.‬‬ ‫وق������د أصبحت احملاصي������ل املدجنة متتلك‬ ‫مزاي������ا مرغوبا فيها مث������ل الغلة الوافرة‪،‬‬ ‫في حني أن أقاربها من احملاصيل الب ّرية‬ ‫تس������تطيع اإلس������هام بتغييرات وراثية‬ ‫‪ genetic variations‬لصال������ح صفات مثل‬ ‫الس������لوك املُع ِّمر نفس������ه وكذل������ك مقاومة‬ ‫اآلفات واألمراض‪.‬‬ ‫ومن ب���ي��ن محاصي������ل الب������ذور الزيتية‬ ‫واحلبوب املنمّ اة ‪ grown‬على نطاق واس������ع‬ ‫يوجد عشرة أصناف قادرة على التهجني‬ ‫مع أقرباء مع ِّمرة حس������ب قول مربي النبات‬ ‫>‪ .T‬س������تان كوكس< [من معهد األراضي‬ ‫غير الربحي في كنس������اس والذي ش������ارك‬ ‫في تأسيسه >جاكس������ون< ملتابعة الزراعة‬ ‫املس������تدامة]‪ .‬وثمة حفنة م������ن برامج تربية‬ ‫النبات������ات على امت������داد الوالي������ات املتحدة‬ ‫تتاب������ع حاليا مثل هذه الهجن بني النوعية‬ ‫‪( interspecific‬أي ب���ي��ن األن������واع) وب���ي��ن‬ ‫اجلنس���ية ‪( intergeneric‬أي بني األجناس)‬ ‫من أجل إيجاد نباتات قمح وحنطة نش������وية‬ ‫وذرة وكت������ان وأزه������ار دوار ش������مس ذات‬ ‫بذور زيتي������ة‪ .‬وقد درس باحثون من جامعة‬ ‫مانيتوبا ألكثر من عقد من السنني استخدام‬ ‫موارد النظم املع ِّمرة‪ ،‬وكذلك اس������تهل اآلن‬ ‫عدد من املعاهد الكندية املش������وار الطويل‬ ‫لتطوير برامج حبوب مع ِّمرة‪ .‬أما جامعة‬ ‫أسست برنامجا‬ ‫أستراليا الغربية‪ ,‬فقد َّ‬ ‫للقمح املع ِّمر كجزء من مركز األبحاث‬ ‫التعاوني ف������ي ذلك البل������د للصناعات‬ ‫الزراعية املس������تقبلية‪ .‬ويضاف إلى ذلك‬ ‫أن العلم������اء في معهد أبح������اث احملاصيل‬ ‫الغذائية ف������ي ‪ Kunming‬بالصني يواصلون‬ ‫بحث������ا أقامه معهد أبحاث األَ ُر ّز العاملي في‬ ‫تسعينات القرن املنصرم بغية إيجاد هجن‬ ‫أر ّز مع ِّمرة في األراضي املرتفعة‪.‬‬ ‫يعمل املربّ������ون في معه������د األراضي على‬ ‫‪89‬‬


‫[اخلطوة الثانية]‬

‫تكون محصول جديد‬ ‫ُّ‬

‫( )‬

‫إليج������اد نباتات محاصي������ل مع ِّمرة عالي������ة احملصول‪ ،‬يس������تطيع العلماء‬ ‫واملر ّبون تدجني نبات مع ِّمر ب ِّري من أجل حتس���ي��ن صفاته‪ ،‬أو يستطيعون‬ ‫تهجني نبات محصول حولي مع قريب له مع ِّمر ب ِّري بغية جمع صفاتهما‬ ‫ّ‬ ‫املفضل������ة‪ .‬وتتطلب كل م������ن الطريقتني إجراء ت������زاوج نباتي وحتليل‪ .‬وقد‬ ‫قضى األمريكيون األصليون آالف السنني في تدجني نبات دوار الشمس‬ ‫‪a‬‬

‫‪b‬‬

‫دوار شمس‬ ‫حولي ب ّري‬

‫صبغيات نبات حنطة معمِّ ر هجني‬ ‫جتريبي جرى وسمها بواسطة ال َف ْلورة‬ ‫للكشف عما إذا كانت نشأت مع الوالد‬ ‫العكرشي الهجني (باألخضر) أم مع‬ ‫الوالد احلنطوي (باألحمر)‪ .‬وتساعد‬ ‫هذه التقنية على حتديد هوية التآلفة‬ ‫‪ combination‬الصبغية املرغوب‬ ‫فيها‪ ،‬وتلقي الضوء على الشذوذات‬ ‫كالصبغيات املندمجة (األسهم)‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫احلولي الب������ ِّري ذي البذور الصغيرة )‪ (a‬وحتويله إلى نبات حولي عصري‬ ‫)‪ ،(b‬وذلك عن طريق اصطفاء واس������تنبات نباتات ذات صفات مرغوب فيها‬ ‫مثل الب������ذور الكبيرة والغالل الوفيرة‪ .‬وحاليا تب������ذل جهود لتدجني أنواع‬ ‫مع ِّمرة ب ِّرية من نبات دوار الش������مس )‪ (c‬وذلك إلنتاج هجن للنباتات املع ِّمرة‬ ‫الب ِّرية والنباتات احلولية احلديثة )‪.(d‬‬ ‫‪c‬‬

‫دوار شمس‬ ‫حولي مدجن‬

‫تدج���ي��ن نوع العِ ْك������رش املع ِّم������ر املدجن وعلى‬ ‫تهج���ي��ن أن������واع العِ ْك������رش املعم������ر احلاصلة‬ ‫بالتصال������ب ‪( crossing assorted‬والس������ ــيمـ ـ ــا‬ ‫بـ ـ ـ ــ���ي��ن ‪ Th. intermedium‬و ‪ Th. ponticum‬و‬ ‫‪ Th. elongatum‬وب���ي��ن أنواع احلنطة احلولية)‪.‬‬ ‫تقصي ‪ 1500‬من‬ ‫وفي الوق������ت احلاضر يجري ِّ‬ ‫هذه الهجن وآالف من ذراريها ‪ progeny‬بحثا‬ ‫عن الصفات املميزة املع ِّمرة‪ .‬ونش������ير هنا إلى‬ ‫أن عملي������ة تكوين هذه الهج������ن هي بحد ذاتها‬ ‫عملية تتطلب جهدا مكثفا وزمنا طويال‪ .‬وحاملا‬ ‫يح ِّدد املر ّبون أنواعا مرش������حة للتهجني يكون‬ ‫م������ن واجبهم إج������راء تب���ادالت جيني���ة ‪gene‬‬ ‫‪ exchanges‬بني هذه األنواع املتباينة عبر تداول‬ ‫‪ Pollen‬حب������وب اللقاح بغية إنتاج عدد كبير من‬ ‫التصالب������ات بني النبات������ات واصطفاء الذراري‬ ‫ذات الصفات املنشودة وتكرار دورة التصالب‬ ‫هذه واالصطفاء ثانية ومج ّددا‪.‬‬ ‫ومع ذل������ك‪ ،‬يعتبر التهجني م������ن الناحية‬ ‫املمكنة وسيلة أسرع لتكوين نبات محصول‬ ‫مع ِّمر من التدجني على الرغم من كونه يتط ّلب‬ ‫عل������ى األغلب مزيد ًا م������ن التقانة للتغلب على‬ ‫عدم التوافق بني النبات���ات الوالدية ‪parent‬‬ ‫‪ .plants‬فالب������ذور املتو ِّلدة عبر تصالب نوعني‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪d‬‬

‫دوار شمس‬ ‫معمر بري‬ ‫ّ‬

‫هجني جتريبي‬ ‫لنبات دوار‬ ‫شمس حولي‬ ‫مع قريب له‬ ‫ب ِّري معمِّ ر‪.‬‬

‫بعيدي القرابة‪ ،‬على س������بيل املثال‪ ،‬كثير ًا ما‬ ‫متوت قب������ل اكتمال منائها‪ .‬وميكن إنقاذ مثل‬ ‫هذه الع ِّينة وهي في حالة اجلنني عبر إمنائها‬ ‫في وسط صنعي إلى أن تو ِّلد قلة من اجلذور‬ ‫واألوراق ثم نقل الش���تلة ‪ seedling‬إلى تربة‬ ‫تستطيع النمو فيها مثل أي نبات آخر‪ ،‬ولكن‬ ‫حني يبلغ هذا الهجني املرحلة التكاثرية‪ ،‬فإن‬ ‫شذوذاته الوراثية كثيرا ما تظهر على شكل‬ ‫عجز في إنتاج البذور‪.‬‬ ‫يتأتّى الهجني العقيم جزئيا أو كليا بوجه‬ ‫ع������ام من صبغي���ات والدّي���ة غي���ر متوافقة‬ ‫‪ incompatible parental chromosomes‬داخل‬ ‫خالي������اه‪ .‬فإنتاج البي������وض أو حبوب اللقاح‬ ‫يتطل������ب وجوب اصطف������اف الصبغيات أثناء‬ ‫االنقس������ام االنتصافي (وه������ي العملية التي‬ ‫تنصف به������ا اخلاليا اجلنس������ية صبغياتها‬ ‫ِّ‬ ‫اس������تعدادا للتزاوج مبش���يج ‪ gamete‬آخر)‬ ‫وتبادل املعلومات الوراثية بني املشيجني‪ .‬فإذا‬ ‫لم تس������تطع الصبغيات (الكروموسومات)‬ ‫‪ chromosomes‬العث������ور عل������ى نظائرها‪ ،‬ألن‬ ‫كل نس������خة والدية ‪ parental version‬تختلف‬ ‫كثي������را عن األخرى‪ ،‬أو ألنه������ا تختلف عددا‪،‬‬ ‫( ) ‪creating a new crop‬‬


‫فإن انس������جام مسار االنقس������ام االنتصافي‬ ‫يتش������وش‪ .‬وميكن التغ ُّلب على هذه املش������كلة‬ ‫بأس������اليب قليلة‪ .‬رمب������ا أن ال ُه ُج َن العقيمة ال‬ ‫تق������وى عادة عل������ى إنتاج أمش������اج ذكرية بل‬ ‫تكون خصبة جزئيا باألمش������اج األنثوية‪ ،‬فإن‬ ‫تأبيرها ‪ pollinating‬بأحد الوالدين األصليني‬ ‫(وهو ما يعرف بالتزاوج التبادلي أو التزاوج‬ ‫املتصال������ب الرجع������ي) ميك������ن أن يس������تعيد‬ ‫اخلصوبة‪ .‬وثمة اس������تراتيجية أخرى تتمثل‬ ‫مبضاعفة عدد الصبغيات إما تلقائيا أو عبر‬ ‫إضافة كيميائيات مثل الكولشيس���ي��ن‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن كلتا الطريقتني تسمح للصبغي‬ ‫ب���االزدواج ‪ ،pairing‬فإن إزال������ ًة للصبغيات‬ ‫حت������دث الحقا في كل جيل على األغلب وذلك‬ ‫في هجن القمح املع ِّمر‪ ،‬والسيما للصبغيات‬ ‫املوروثة من الوالدين املعمرين‪.‬‬ ‫وبس������بب التجمع���ات اجليني���ة ‪gene‬‬ ‫‪ pools‬املتح ِّدية التي يكونها التهجني الواسع‬ ‫حني حتديد الهجن������اء املع ِّمرة اخلصبة‪ ،‬فإن‬ ‫تقني������ات التقانة احليوية هي التي تس������تطيع‬ ‫أن تكش������ف أي الوالدين اللذين ق َّدما أجزاء‬ ‫جين���وم ‪genome‬الذرية يكون نافعا‪ .‬وإحدى‬ ‫هذه التقنيات‪ ،‬وهو جينوم���يّ في التهجني‬ ‫باملختبر ‪ genomic in situ hybridization‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬متيز صبغيات الوالد املع ِّمر من‬ ‫صبغيات الوال������د احلولي عن طريق ال َفلْورة‬ ‫‪ ،fluorescence‬كما تكش������ف عن الش������ذوذات‬

‫الصبغي������ة مثل إع���ادة االنتظ���ام البنيوي‬

‫‪ structural rearrangements‬ب���ي��ن الصبغي������ات‬ ‫غير ذات القرابة [انظر الش������كل في أس������فل‬ ‫الصفح������ة ‪. ]90‬وميك������ن ملثل ه������ذه األدوات‬ ‫التحليلية أن تس������اعد على تس������ريع برنامج‬ ‫التربية حاملا يكتشف املربون توليفات صبغية‬ ‫مرغوب������ا فيها أو غير مرغوب فيها‪ ،‬وذلك من‬ ‫دون تهديد إمكانية استخدام احلبوب املع ِّمرة‬ ‫ف������ي الزراعة العضوية حيث ال يس������مح فيها‬ ‫باستخدام احملاصيل املهندسة وراثيا‪.‬‬ ‫هناك طريقة أخرى ق ِّيمة لتسريع وحتسني‬ ‫تربية النباتات التقليدية تعرف باسم االصطفاء‬ ‫املدعوم بالواس���م ‪.marker- assisted selection‬‬ ‫فـــالتـتـــالـي���ات الــدنــــاويـــ���ة‬

‫قد تتط ّلب تربية نباتات هجينة‬ ‫استخراج جنني من املبيض (في‬ ‫اليسار)‪ .‬وفي هذه الصورة‪ ،‬يجمع‬ ‫أحد الباحثني رؤوس الذرة البيضاء‬ ‫‪ sorghum‬احلولية جلمع حبوب‬ ‫اللقاح‪ ،‬وفي خلفية هذه الصورة ذرة‬ ‫بيضاء معمِّ رة طويلة (في اليمني)‪.‬‬

‫‪DNA sequences‬‬

‫املصحوب������ة بصف������ات مميزة نوعي������ة ميكن أن‬ ‫تقصي‬ ‫تفيد كواس���مات ‪ markers‬تتيح للمربني ِّ‬ ‫التصــالبـ������ات التي تعطــي غــرس������ات من أجل‬ ‫ميـ ـ������زات مرغ ــوب فــيها مـ ـ������ن دون أن ي ـكــون‬ ‫عليه ـ������م انتظار منــو النبات������ات حتى النضح‬ ‫[انظ������ر‪« :‬ع������ودة إل������ى مس������تقبل محاصيل‬ ‫‪ ،‬الـ ـع ـ ـ������ددان ‪،(2005) 4/3‬‬ ‫احلب ـ������وب»‪،‬‬ ‫ص ‪ .]50‬وف������ي الوقت احلاضر‪ ،‬لم تنش������أ أي‬ ‫واس������مات نوعية لتربية نبات مع ِّمر على الرغم‬ ‫من ك������ون األمر هو مجرد عامل زمن‪ .‬فالعلماء‬ ‫ف������ي جامعة واش������نطن‪ ،‬عل������ى س������بيل املثال‪،‬‬ ‫حددوا أن الصبغي ‪ 4E‬في العِ كْرش املس���مى‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪91‬‬


‫‪ Th.elongatum‬ضروري لصفات مع ِّمرة مهمة‬ ‫إلعادة النمو التي تلي دورة التناسل اجلنسي‪.‬‬ ‫ولسوف يكشف تضييق املنطقة ‪ 4E‬إلى مستوى‬ ‫اجل���ي��ن أو اجلينات التي تو ِّل������د هذه الصفة عن‬ ‫الواسمات ذات الصلة التي ستو ِّفر على املربني‬ ‫سنة من زمن التربية في تقييم الهجن‪.‬‬ ‫يع ُّد تعمير النبات ‪ perennialism‬مسلكا‬ ‫ّ‬ ‫يتخطى الصفة الواحدة إذا جتاوزنا‬ ‫ش������ائكا‬ ‫ذكر اجلني الواحد‪ .‬وبس������بب ه������ذا التعقيد‪،‬‬ ‫فإن التحوي���ر املنق���ول اجل�ي�ن ‪transgenic‬‬ ‫(مبعنى إدخال دنا غريب) اليحتمل أن يكون‬ ‫مفيد ًا في تطوير حب������وب معمرة من الناحية‬ ‫املبدئي������ة على األقل‪ .‬وفي هذا الس������ياق‪ ،‬قد‬ ‫يكون للتقانة املنقول������ة اجلينية دور في تنقية‬ ‫الصف������ات املميزة املوروث������ة‪ .‬فمثال‪ ،‬إذا جنح‬ ‫تطوي������ر عكرش مع ِّمر مدجن مع بقائه مفتقرا‬ ‫إل������ى التوليف���ة ‪ combination‬الصحيح������ة‬ ‫جلينات پروتني الگلوتني الضروري لصناعة‬ ‫خب������ز عالي اجلودة‪ ،‬فإنه م������ن املمكن إدخال‬ ‫جين������ات گلوتني مأخوذة من حنطة حولية إلى‬ ‫داخل هذا النبات املع ِّمر‪.‬‬ ‫موازنات واستحقاقات‬

‫( )‬

‫املؤلفون‬ ‫ ‪Jerry D. Glover - Cindy M. cox‬‬‫‪John P. Reganold‬‬

‫>گلوڤر< إيكولوجي زراعي ومدير‬ ‫أبحاث اخلريجني في معهد األراضي‬ ‫في سالينا بوالية كنساس‪ ،‬وهذا‬ ‫املعهد مؤسسة غير ربحية مك َّرسة‬ ‫للتعليم والبحث في الزراعة املستدامة‪.‬‬ ‫>كوكس< اختصاصي بأمراض‬ ‫النبات وباحث في الوراثة في برنامج‬ ‫تربية النبات التابع ملعهد األراضي‪.‬‬ ‫>رگانولد< أستاذ كرسي ريگنت‬ ‫لعلوم التربة في جامعة واشنطن‪،‬‬ ‫متخصص بالزراعة املستدامة‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫على الرغم من توافر محاصيل مع ِّمرة مثل‬ ‫الفصة وقصب الس������كر‪ ،‬فليس منها واحد ذو‬ ‫إنتاج من البذور يضارع إنتاج بذور محاصيل‬ ‫احلبوب احلولية‪ .‬فأل ّول وهلة قد تبدو فكرة كون‬ ‫النباتات تس������تطيع في آن معا أن توجه موارد‬ ‫البل������د صوب بناء مجموع������ات جذرية مع ِّمرة‬ ‫واحلفاظ عليها من جه������ة‪ ،‬وكذلك إنتاج غالل‬ ‫واف������رة من حبوب مستس������اغة من جهة أخرى‬ ‫فكرة غير بدهي���ة ‪ ،counterintuitive‬فالكربون‬ ‫ال������ذي يتم احتجازه عبر عملية البناء الضوئي‬ ‫ُي َع ُّد لبنة البناء الرئيسية للنبات ويجب أن يوزَّع‬ ‫بني أجزاء النبات املختلفة‪.‬‬ ‫غالب������ا ماير ِّك������ز َم ْن ينتق������دون فكرة كون‬ ‫النبات������ات املع ِّمرة تس������تطيع أن ُت ْعطي غالال‬ ‫كبيرة من البذور على اس������تحقاقات تفترض‬ ‫أن كمية الكربون املتاحة للنبات تكون ثابتة‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫املخصص للبذور يأتي‬ ‫‪ ،fixed‬وأن الكرب������ون‬ ‫َّ‬ ‫لذلك على حساب أعضاء مع ِّمرة مثل اجلذور‬ ‫والريزوم������ات‪ ،‬وكذلك يغفل املش������ككون على‬ ‫األغلب فكرة كون آماد ‪ spans‬حياة النباتات‬ ‫املعم������رة متتد حس������ب طيف مع���َّي��نَّ ‪ .‬فبعض‬ ‫نباتات املروج املع ِّم������رة ميكن أن تدوم مابني‬ ‫‪ 60‬و ‪ 100‬س������نة‪ ،‬ف������ي حني التعي������ش نباتات‬ ‫أخرى إال سنوات قليلة‪ .‬وحلسن حظ املربني‪،‬‬ ‫تُعد النباتات كائنات حية مرنة نسبيا‪ ،‬مبعنى‬ ‫أنها تس������تجيب لضغ������وط االصطفاء بحيث‬ ‫تق������وى على تغيير حجوم مكتنزها اإلجمالي‬ ‫من الكربون حس������ب الظروف البيئية وتغيير‬ ‫حصص شرائح مكتنزها هذا‪.‬‬ ‫وق������د يعيش نوع ما ب ِّر ٌّي مع ِّمر افتراضي‬ ‫عشرين سنة في البيئة الطبيعية ذات املنافسة‬ ‫العالية‪ ،‬والينتج إال كم ّيات صغيرة من البذور‬ ‫في أي س������نة من السنني‪ .‬وهنا يكون مكتنزه‬ ‫الكربوني صغيرا ينصرف الكثير منه ملقاومة‬ ‫اآلف������ات واألمراض ‪ ،‬منافس������ا عل������ى موارد‬ ‫قليلة ليبقى في ظروف متباينة‪ .‬فعندما يأخذ‬ ‫املربون ه������ذه العينة الب ِّرية خ������ارج أجوائها‬ ‫الطبيعي������ة احمل������ددة امل������وارد ويضعونها في‬ ‫بيئة مه ّيأة لتالفي الس������لبيات‪ ،‬فإن مكتنزها‬ ‫اإلجمال������ي من الكربون ي������زداد فجأة بحيث‬ ‫يعطي نباتا أكبر‪.‬‬ ‫وكذلك يس������تطيع املربون مع مرور الزمن‬ ‫تغيير احلص������ص الكربونية داخل ذلك املكتنز‬ ‫ال������ذي تزايد كب������را‪ .‬فق������د ضاعف������ت الثور ُة‬ ‫اخلض������راء لتربية احلبوب ح���ي��ن تزامنت مع‬ ‫االستخدام املتزايد لألسمدة غال َل العديد من‬ ‫محاصيل احلب������وب احلولية إلى ما يزيد على‬ ‫الضعف‪ ،‬وحتققت تلك الزيادات في النباتات‬ ‫التي لم تكن متتلك بنى تعميرية ‪perennating‬‬ ‫تضحي بها‪ .‬وقد ظفر املربون بجزء‬ ‫‪structures‬‬ ‫ِّ‬ ‫التوسعات املهمة للغالل في احملاصيل‬ ‫من تلك‬ ‫ُّ‬ ‫احلولية عبر اصطفاء النباتات التي تُنتج كتلة‬ ‫من السوق واألوراق أقل مقدارا‪ ،‬وبذلك توجه‬ ‫حصصها من الكربون نحو إنتاج البذور‪.‬‬ ‫وعلى نحو مشابه ميكن زيادة احملصول‬ ‫( ) ‪trade-offs and payoffs‬‬


‫من دون إزالة األعضاء والبنى املطلوبة لتجاوز‬ ‫الشتاء في احملاصيل املع ِّمرة للحبوب‪ .‬وفي‬ ‫الواق������ع‪ ،‬يقدم العديد م������ن النباتات املع ِّمرة‪،‬‬ ‫التي تك������ون أكبر على العم������وم من النباتات‬ ‫احلولية‪ ،‬إمكانية أوف������ر تتيح للمربني توجيه‬ ‫النم������و اخلضري نحو إنت������اج البذور‪ .‬وأكثر‬ ‫من ذلك‪ ،‬فمن أجل جناح محصول معمر ما‬ ‫للحبوب في تلبية االحتياجات البش������رية فإن‬ ‫ذلك احملصول قد يحت������اج إلى أن يعيش ما‬ ‫بني خمس إلى عشر سنوات فقط‪.‬‬ ‫وبكلم������ات أخرى‪ ،‬فإن النبات املع ِّمر ليس‬ ‫من الضروري أن يه ّيأ لغرض اإلعداد بالذات‬ ‫ملوق������ع زراع������ي‪ ،‬إذ إن الكثير م������ن الكربون‬ ‫املخص������ص آلليات بق������اء النب������ات على قيد‬ ‫َّ‬ ‫املخصصة لتح ُّمل مواس������م‬ ‫احلياة‪ ،‬مثل تلك‬ ‫َّ‬ ‫اجلفاف املتكررة‪ ،‬ميكن أن يعاد تخصيصه‬ ‫حلساب إنتاج البذور (حفاظا على بقاء ذلك‬ ‫النبات حيا بسبب اجلفاف)‪.‬‬ ‫مزارع أكثر اخضرارا‬

‫( )‬

‫وهك������ذا‪ ،‬نس������تطيع البدء بتخ ُّي������ل يوم بعد‬ ‫خمس���ي��ن سنة من اآلن يس������ير فيه املزارعون‬ ‫للنزه������ة عب������ر حق������ول محاصيله������م املعمرة‬ ‫للحبوب‪ .‬وستعمل هذه األراضي على شاكلة‬ ‫مروج كنس������اس التي ُيتنزَّه فيها وتنتج الغذاء‬ ‫أيضا‪ .‬وحتت سطح األرض‪ ،‬ميكن أن تتعايش‬ ‫أمن������اط مختلفة من اجل������ذور املع ِّمرة‪ ،‬بعضها‬ ‫يش������به اجلذور الوتدية (اجلن���وث) ‪taproots‬‬ ‫اخلاص������ة بالفصة وغيرها كتلك التي تش������به‬ ‫التشابك الكيفي الثخني جلذور العكرش‪ ،‬بغية‬ ‫االس������تفادة من طبقات التربة املختلفة‪ .‬ونشير‬ ‫هن������ا إلى إمكانية زراع������ة احملاصيل التي لها‬ ‫عادات منو فصلي متعاقب‪ ،‬مع بعضها بعضا‬ ‫بغية توسيع فصل اإلمناء اإلجمالي‪ .‬هذا‪ ،‬وإن‬ ‫مدخالت أق������ل وتنوعا حيوي���ا ‪biodiversity‬‬ ‫أكب������ر ق������د يفي������دان بدورهما كال م������ن البيئة‬ ‫والنتيحة األخيرة ‪ bottom line‬للمزارع‪.‬‬ ‫تتغيّ������ر الش������روط العاملي������ة الزراعي������ة‬ ‫واإليكولوجي������ة واالقتصادي������ة‪ ،‬عل������ى نحو‬

‫س������ـ ــريع وبطرق ميكن أن تعزِّز مس������اعي‬ ‫تكوي������ن احملاصيل املع ِّمرة‪ .‬فمثال‪ ،‬في حني‬ ‫يزيد الضغط على الواليات املتحدة وأوروبا‬ ‫لقط������ع أو منع معونات امل������زارع التي تدعم‬ ‫بشكل أساس������ي نظم احملاصيل احلولية‪،‬‬ ‫فإنه من املمكن زيادة متويل أبحاث النباتات‬ ‫املع ِّمرة‪ .‬وفي حني ترتفـ ــع أس������ـعار الطاقة‬ ‫وتكاليف التده���ور البيئي ‪environmental‬‬ ‫‪ degradation‬بشكل متزايد‪ ،‬فإن تخصيص‬ ‫أموال عامة في املوازنة لصالح مش������اريع‬ ‫طويلة األجل تهدف إلى تخفيض استهالك‬ ‫املوارد واس������تنزاف األراضي يصبح أكثر‬ ‫شعبية من الناحية السياسية‪.‬‬ ‫وبالنظ������ر إلى كون امل������دة الزمنية الطويلة‬ ‫إلط���ل��اق احملاصي������ل املعم������رة للحب������وب ال‬ ‫������جع االس������تثمار املالي في ه������ذا الوقت‪،‬‬ ‫تش ِّ‬ ‫فهناك حاجة إلى متوي������ل حكومي أو خيري‬ ‫من القدر الكبي������ر لتجميع جماعة ح ِّد َّية من‬ ‫العلماء وبرامج األبحاث‪ .‬ومع أن الش������ركات‬ ‫التجاري������ة قد ال حت ِّقق مكاس������ب مالية كبيرة‬ ‫من خالل بيع األس������مدة ومبيدات احلشرات‬ ‫للمزارعني املنتجني للحبوب املع ِّمرة‪ ،‬فإن هذه‬ ‫الشركات يحتمل أن تتكيف على األغلب مع‬ ‫هذه احملاصي������ل اجلديدة من خالل منتجات‬ ‫وخدمات جديدة‪.‬‬ ‫ومما الشك فيه أن إنتاج احلبوب احلولية‬ ‫س ّ‬ ‫������يظل مهما للخمسني سنة القادمة‪ ،‬فبعض‬ ‫احملاصي������ل مثل فول الصوي������ا‪ ،‬رمبا يصعب‬ ‫تعميره������ا‪ ،‬والنباتات املع ِّمرة لن حتل بش������كل‬ ‫كام������ل مش������كالت مثل األمراض واألعش������اب‬ ‫الضارة و َف ْقد خصوبة التربة‪ .‬بيد أن اجلذور‬ ‫العميق������ة تعني املطاوعة والق������درة على العودة‬ ‫إلى الوضع الذي كانت عليه بعد زوال املانع‬ ‫‪ . resilience‬إن تأس������يس ج������ذور زراعة مبن ّية‬ ‫على محاصيل مع ِّمرة اآلن س������يمنح مزارعي‬ ‫املستقبل مزيدا من اخليارات حول ما ميكنهم‬ ‫إمنا َءه وفي أي مكان‪ ،‬في حني أنهم منخرطون‬ ‫في إنتاج الغذاء باستدامة من دون كلل لسكان‬ ‫>‬ ‫عالم يتزايدون بسرعة‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, August 2007‬‬

‫( ) ‪greener farms‬‬ ‫‪(2010) 4/3‬‬

‫‪93‬‬


‫أخبار علمية‬ ‫فـطْ ـر سـحري‬

‫(٭)‬

‫عرفت الفطريات املخدرة منذ آالف السنني‬ ‫بإطالقها العنان خلبرات ميستِ كية ‪.mystical‬‬ ‫وقد أثبت� � ��ت أكثر التج� � ��ارب العلمية دقة على‬ ‫املهلوسات ‪ ،hallucinogens‬واألولى من نوعها‬ ‫خالل أربعني عاما‪ ،‬إمكانية استحداث حاالت‬ ‫ميس� � ��تكية آمنة مختبريا‪ .‬فف� � ��ي جامعة جونز‬ ‫هوپكنز‪ ،‬اختار العلماء ‪ 36‬متطوعا من النشطاء‬ ‫الروحانيني ممن ميكنهم شرح وتفسير هذه‬ ‫اخلبرات بالصورة املثلى‪ ،‬واستبعدوا احلاالت‬ ‫التي يش � � � ّكل أصحابها خطرا ش� � ��خصيا أو‬ ‫عائليا (موروثا) لإلصابة باجلنون أو االعتالل‬ ‫العقلي‪ .‬وقد وصف ثلث عدد املتطوعني الذين‬ ‫أعطوا مادة الپسيلوساينب ‪ ،psilocybin‬وهي‬ ‫املادة الفعالة في الفطر‪ ،‬بأنها اخلبرة الروحية‬ ‫األكث� � ��ر تأثيرا ف� � ��ي حياته� � ��م؛ ووضعها ثلثا‬ ‫عدد املتطوعني ضم� � ��ن أفضل خمس خبرات‬ ‫في حياتهم‪ .‬ومــ� � ��ع ذلك‪ ،‬ظـــهرت بعض اآلثار‬ ‫اجلانبي� � ��ة‪ :‬أقر ثلث عدد املتطوعني بالش� � ��عور‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬

‫بخوف حقيقي خالل الس� � ��اعات األولى‬ ‫التي أعقبــــــت تناولهم اجلرعـــــة‪ ،‬وانتاب‬ ‫بعضهم اآلخر شعور بارانويا مؤقتا‪.‬‬ ‫وبعد مضي شهرين على تناول اجلرعة‪،‬‬ ‫أبلغ نحو ‪ %79‬من املتطوعــني عـن حــــدوث‬ ‫حتــســن معتـــدل أو كبير في شـــعورهم‬ ‫باالرتياح أو الرضـــا باحلياة مقــــارنـــــة‬ ‫بأولئ� � ��ك الـــذين أعطــوا دواء مهدئا‪ .‬وقد إن تناول الفطريات املناسبة من قبل الشخص‬ ‫املناسب قد مينحه خبرة ميستِ كية تؤدي إلى‬ ‫تؤدي األبح� � ��اث الالحقــــــــة إلى عـــالج شعور مستدمي بحسن احلال‪.‬‬ ‫األلم أو الكآبة أو اإلدمان باالعتماد على‬ ‫هذا الفطر‪ ،‬وذلك حس � � �ــــب تعليقــات اخلبـراء‬ ‫التي تلـقتها مجـــلــــة عقـــــاقـير العالج النفسي‬ ‫>‬ ‫‪.Psychopharmacology‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫>‪ .Q .Ch‬تشوي<‬

‫(٭) ‪Magical Mushroom Tour‬‬

‫(‪ )1‬تعريب ل ِـ ‪ ،mystical‬وهي صفــــــــة اخلبـــــرات الروحيــــــــة التي‬ ‫ال يدرك العقل كنهها‪.‬‬ ‫(‪spiritually active )2‬‬

‫(‪ )3‬تعريب ل ِـ‬

‫‪paranoia‬‬

‫أو‪ُ :‬ذهان ‪ -‬جنون االضطهاد أو العظمة‪.‬‬ ‫(التحرير)‬

‫يعـقـد‬

‫امل�ؤمتر العاملي اخلام�س ع�رش‬

‫للتغذية الإكلينيكية‬ ‫في‬

‫العني السخنة ‪ -‬مصر‬ ‫‪2010 / 9 / 22 - 19‬‬

‫‪15th World Congress on‬‬

‫‪Clinical Nutrition‬‬ ‫‪El-Sokhna Resort - EGYPT‬‬

‫سيشارك في هذا املؤمتر نخبة من العلماء والباحثني املرموقني‬ ‫على الصعيد العاملي‪.‬‬ ‫وستمنح جوائز لألبحاث املميزة التي ستُعرض في املؤمتر‬ ‫من قبل باحثني شباب‪.‬‬ ‫وس ُيخصص للمؤمتر معرض واسع لالستفادة منه في إطار اهتمامات املؤمتر‪ :‬الصناعات الغذائية ‪ -‬منتجو املكونات الغذائية ‪-‬‬ ‫املنظمات الدولية ‪ -‬اجلمعيات املهنية ‪ -‬ناشرو الكتب العلمية ‪ -‬معاهد األبحاث ‪ -‬اجلامعات ‪ -‬املعاهد‪.‬‬ ‫وبزيارة املوقع ‪ www.wccn2010.com‬ميكن احلصول على معلومات تفصيلية حول هذا املؤمتر‪.‬‬ ‫وملزيد من املعلومات‪ ،‬ميكن االتصال برئيس املؤمتر‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬ليلى عبا�س‬ ‫‪e.mail: secretarywccn2010@gmail.com‬‬

‫‪94‬‬

‫‪(2010) 4/3‬‬

‫ح�سني‬


March / April - 2010

4

Volume 26

Number 3/4

BIOLOGY

Origin of Life on Earth

By Alonso Ricardo - Jack W. Szostak

Fresh clues hint at how the first living organisms arose from inanimate matter.

14

HUMAN EVOLUTION

Twilight of the Neandertals By Kate Wong

For thousands of years, modern humans coexisted with Neandertals in Europe. What led to the demise of our hominid relatives? The latest research suggests several subtle factors.

20

NEUROSCIENCE

Saving New Brain Cells By Tracey J. Shors

Fresh neurons arise in the adult brain every day. But new research suggests that unless they are properly challenged with the right kinds of complex learning tasks, they perish.

30

INDUSTRY PERSPECTIVES

Biotech′s Plans to Sustain Agriculture A discussion hosted by Scientific American

Popular movements may call for more organic methods, but the agricultural industry sees biotechnology as a crucial part of farming′s future.

38

NEUROSCIENCE

New Culprits in Chronic Pain By R. Douglas Fields

Glia are nervous system caretakers whose nurturing can go too far. Taming them holds promise for alleviating pain that current medications cannot ease.


48

COMPUTERS

The Next 20 Years of Microchips By the Editors

Designers are pushing all the boundaries to make integrated circuits smaller, faster and cheaper.

56

GEOLOGY

Evolution of Minerals By Robert M. Hazen

Looking at the mineral kingdom through the lens of deep time leads to a startling conclusion: most mineral species owe their existence to life.

66

ENVIRONMENT

Fixing the Global Nitrogen Problem By Alan R. Townsend - Robert W. Howarth

Growing global use of nitrogen to fertilize croplands is damaging the environment and threatening human health. Can we chart a more sustainable path?

76

MEDICINE

A Plan to Defeat Neglected Tropical Diseases By Peter Jay Hotez

A new global initiative may break the cycle of poverty leading to sickness and more poverty.

84

AGRICULTURE

Future Farming: A Return to Roots? By Jerry D. Glover - Cindy M. Cox John P. Reganold

Agriculutre would become more sustainable if major crop plants built deep, lasting root systems.

94

News Scan

ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello, Larry Greenemeier news Reporter, ONLINE: John Matson ART DIRECTOR, online: Ryan Reid ART DIRECTOR: Edward Bell ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller Editorial Administrator: Avonelle Wing SENIOR SECRETARY: Maya Harty COPY and PRODUCTION, nature publishing group: Senior COPY editor, npg: Daniel C. Schlenoff COPY editor, npg: Michael Battaglia editorial assistant, npg: Ann Chin managing pRODUCTION EDITOR, npg:  Richard Hunt senior pRODUCTION EDITOR, npg: Michelle Wright PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:  Carl Cherebin PREPRESS AND QUALITY MANAGER:  Silvia De Santis CUSTOM PUBLISHING MANAGER:  Madelyn Keyes-Milch pRESIDENT: Steven Inchcoombe VICE PRESIDENT, operations and Administration: Frances Newburg Vice president, finance and BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek BUSINESS MANAGER: Marie Maher

Scientific American 75 Varick Street, 9th Floor, New York, NY 10013-1917 or editors@SciAm.com

ADVISORY BOARD

(Chairman)

CONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert, Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs, Marguerite Holloway, Christie Nicholson, Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer, Sarah Simpson

Letters to the Editor

Magical Mushroom Tour.

Ali A. Al-Shamlan

EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam SEnIor writeR: Gary Stix EDITORS: Davide Castelvecchi, Graham P. Collins, Mark Fischetti, Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser, Christine Soares, Kate Wong

Abdullah S. Al-Fuhaid (Deputy)

Adnan Hamoui (Editor - In Chief)

Letters may be edited for length and clarity. We regret that we cannot answer each one. Post a comment on any article instantly at

www.ScientificAmerican.com/ sciammag


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.