a

Page 1

‫سلسلة دارس (‪)7‬‬

‫اختالف املفتني‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫‪2‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫تصدير‬ ‫يقول اإلمام ابن قتيبة‪:‬‬

‫الناس ال يتساوون مجيعا يف املعرفة والفضل‪ ،‬وليس صنف من الناس إال وله‬ ‫حشو وشوب‪...‬‬ ‫عىل أن املنفرد بفن من الفنون‪:‬‬

‫ال يعاب بالزلل يف غريه‪ ،‬وليس عىل املحدث عيب أن يزل يف اإلعهراب‪ ،‬وال‬ ‫عىل الفقي أن يزل يف الشعر‪ ،‬وإنام جيب عىل لل ي عمهأ أن يهتقن فنه إيا احتها‬ ‫الناس إلي في ‪ ،‬وانعقدت ل الرئاسة ب ‪ ،‬وقد جيتمع لمواحد عموم لثرية‪ ،‬واهلل يؤيت‬ ‫الفضل من يشاء‪....‬‬ ‫وال أعلم أحدا من أهل العلم واألدب‪:‬‬

‫إال وقد أسقط يف عممه ‪ ،‬لاألصهمع ‪ ،‬وأيب زيهد‪ ،‬وأيب عبيهدة‪ ،‬وسهيبوي ‪،‬‬ ‫واألخفش‪ ،‬والكسائ ‪ ،‬والفراء‪ ،‬وأيب عمرو الشيباين‪ ،‬ولاألئمة من قراء القهرنن‪،‬‬ ‫واألئمة من املفرسين‪ ،‬وقد أخذ الناس عىل الشعراء يف اجلاهمية واإلسهمم اطأه‬ ‫يف املعاين ويف اإلعراب‪ ،‬وهأ أهل المغة‪ ،‬وهبهأ يقهع االحتجها ؛ فههل أصهحاب‬

‫احلديث يف سقأهأ إال لصنف من الناس؟ ‪.‬‬ ‫( ‪)1‬‬

‫(‪ )1‬تأويل خمتلف احلديث ص ‪.78- 87‬‬

‫‪3‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫قصارى القصة‬ ‫ما يأخذه املؤلف عىل املتكلمني يف احلديث‬ ‫نأخذه عليه يف الفقه واألصول‬

‫‪4‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫إشارات عىل الطريق‬ ‫آخذ عىل قراءيت ما ييل‪:‬‬

‫‪ ‬التكرار‪:‬‬ ‫يتّربم الناظر بذلك‪ ،‬فام من لمم يكرر في إال وهو مشتمل فائدة زائدة أو فوائد" ‪.‬‬ ‫"فم َ‬ ‫( ‪)1‬‬

‫‪ ‬االستطراد‪:‬‬ ‫وأعتذر بمحاولة املشارلة مع املؤلف يف مهو م معاجلت لممس لة الت تصدى هلا‪ ،‬والبناء عميها‪.‬‬

‫‪ ‬االستغراق يف الرد‪:‬‬ ‫ال أستبعد أن يكون قد وقع يف ثنايا لمم ‪ :‬مبالغة يف االستغراق يف الهر عهىل املؤلهف‪ ،‬وقهد‬ ‫ونقمت لمم بنص تارة‪ ،‬ووثقت يلهك‬ ‫حاولت طاقت أن يكون الر يف حدو لمم املؤلف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫غنى لقارئ ههذا‬ ‫يف اإلحاالت تارة‪ ،‬ولكن طول الر مظنة لتحميل لمم ألثر مما حيتمل‪ ،‬فم ً‬ ‫الر من الرجوع إىل نص لمم املؤلف‪ ،‬غفر اهلل يل ول ولمقارئ وجلميع املسممني واملسمامت‪.‬‬

‫(‪ )1‬املحقق من عمأ األصول ص ‪.87‬‬

‫‪5‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫اهليكل العظمي للرد‬ ‫‪ .1‬بني يدي الوقفات‪.‬‬ ‫‪ .2‬املالحظات الرئيسة عىل الكتاب‪.‬‬ ‫‪ .3‬الوقفات التفصيلية عىل مباحث الكتاب (سبع وعرشون وقفة)‪.‬‬ ‫‪ .4‬النتائج (ثالث وأربعون نتيجة)‪.‬‬ ‫‪ ‬الوقفات التفصيلية عىل مباحث الكتاب‪ ،‬وهي تنتظم يف مخسة مباحث‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫الطليعة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫من ال يستحق اإلفتاء‪.‬‬

‫‪‬‬

‫مسائل اخلالف‪.‬‬

‫‪‬‬

‫رشوط تسويغ اخلالف‪.‬‬

‫‪‬‬

‫املنهج املقرتح‪.‬‬

‫‪ ‬طليعة الوقفات‪:‬‬ ‫الوقفة األوىل‪ :‬املواقع املنهجية لمت صيل من أ لة الوحيني‪.‬‬ ‫الوقفة الثانية‪ :‬ترليبة الكتاب وحجأ املشكمة‪.‬‬ ‫الوقفة الثالثة‪ :‬ترشيع اختمف العمامء‪ ،‬وحتريأ اطمف غري السائغ‪.‬‬ ‫الوقفة الرابعة‪ :‬فق مقالة الشافع ‪.‬‬ ‫الوقفة اخلامسة‪ :‬عدم التزام البناء األصويل‪.‬‬ ‫‪ ‬الوقفات املتعلقة بمن ال يستحق اإلفتاء‪:‬‬ ‫الوقفة السادسة‪ :‬صفات َم ْن ال يستحق اإلفتاء‪.‬‬ ‫الوقفة السابعة‪ :‬تفاصيل املنهج الكيل البدع ‪.‬‬ ‫الوقفة الثامنةة‪ :‬إ را خمف الظاهرية يف اإلمجاع السكويت‪ ،‬وأقهوال الصهحايب نهمن‬ ‫اطمف املنهج ‪.‬‬ ‫الوقفة التاسعة‪ :‬نابط اجلاهل الذ ال يستحق اإلفتاء‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة العارشة‪ :‬خمف املبتدعة‪.‬‬ ‫الوقفة احلادية عرشة‪ :‬التحذير من أهل األهواء إيا تشبهوا ب هل العمأ‪.‬‬ ‫‪ ‬الوقفات املتعلقة بمسائل اخلالف‪.‬‬ ‫الوقفة الثانية عرشة‪ :‬أسباب خمف أهل العمأ‪.‬‬ ‫الوقفة الثالثة عرشة‪ :‬تفنن املؤلف وم زق التخصص‪.‬‬ ‫الوقفة الرابعة عرشة‪ :‬قمة اطمف حمم وسبب ‪.‬‬ ‫الوقفة اخلامسة عرشة‪ :‬نف اطمف يف مصا ر التمق أو االستدالل‪.‬‬ ‫‪ ‬الوقفات املتعلقة برشوط تسويغ اخلالف‪:‬‬ ‫الوقفة السادسة عرشة‪ :‬رشوط تسويغ اطمف‪.‬‬ ‫الوقفة السابعة عرشة‪ :‬وزن مس لة إحداث قول ثالث‪.‬‬ ‫الوقفة الثامنة عرشةة‪ :‬أثهر "عمهوم البمهوى" عهىل إحهداث األقهوال السهيام أقهوال‬ ‫الصحابة‪.‬‬ ‫الوقفة التاسعة عرشة‪ :‬توسيع ائرة اإلمجاع القأع ‪.‬‬ ‫الوقفة العرشون‪ :‬غمبة األثر احلديث عىل األثر األصويل يف وزن الرشوط‪.‬‬ ‫الوقفة احلادية والعرشون‪ :‬رشوط املنازعة يف ثبوت الدليل‪.‬‬ ‫الوقفة الثانية والعرشون‪ :‬غزوة املتكممني‪.‬‬ ‫الوقفة الثالثة والعرشون‪ :‬إعا ة ترليبة رشط "األصل غري املعتّرب"‪.‬‬ ‫الوقفة الرابعة والعرشون‪ :‬مراجعات املؤلف لرتليبة رشوط ‪.‬‬ ‫‪ ‬الوقفات املتعلقة باملنهج املقرتح‪:‬‬ ‫ومسوغات ‪.‬‬ ‫الوقفة اخلامسة والعرشون‪ :‬عرض املنهج املقرتح‬ ‫ِ‬ ‫مسوغات املنهج املقرتح‪.‬‬ ‫الوقفة السادسة والعرشون‪ :‬نقد ِ‬ ‫الوقفة السابعة والعرشون‪ :‬نقد ترليبة املنهج املقرتح‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫بني يدي هذه الورقات‬ ‫أمحده سبحان محدا طيبا لثري مبارلا في ‪ ،‬وأثن عميه بهام ههو أهمه ‪ ،‬وأصهيل‬ ‫وأسمأ عىل النب حممد وعىل نل وصحب أمجعني‪.‬‬ ‫أما بعد‪ ،‬فإن من لامل صفات املناظِر أن حيهب ألخيه أن يو َفهق‪ ،‬وأن يسهد ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أبهني اهلل‬ ‫وأن يعان‪ ،‬وأن يكون عمي رعاي ٌة من اهلل وحفظ‪ ،‬وغايتها النبيمة أال يبهايل َ‬ ‫احلق عىل لسان ‪ ،‬أو عىل لسان مناظره‪ ،‬فرحأ اهلل الشهافع صهاحب ههذه املقالهة‪،‬‬ ‫وغفر لنا‪.‬‬ ‫انأمق ًا من هذا املبدأ‪ ،‬فإين أقدِ م هذا البحث املتع ِمق بمعاجلة بعه‬

‫جوانهب‬

‫القصور الت أزعأ أهنا ظهرت يل يف ههذا الكتهاب‪ :‬لتهاب "اخهتمف املفتهني"‬ ‫لمرشيف ‪ .‬حاتأ بن عارف العوين‪.‬‬

‫وقد فعن إىل معاجلة ههذا املونهوع عهدة أسهباب أمجمهها يف الرغبهة عهىل‬ ‫املحافظة عىل قيمة الكتاب العممية‪ ،‬والتشوف إىل زيا ة إحكام وجتويده‪.‬‬

‫أمهر‬ ‫عىل أن قد انتابتن حرسة يف لون ممشا يف تناول هذا الكتاب لان عهىل ِ‬ ‫االختيارين؛ وياك أن الكتاب احتوى عىل أمرين اثنني‪:‬‬ ‫‪ -‬نفاسة وحسن ومجال‪..‬‬

‫‪ -‬بع‬

‫جوانب القصور‪..‬‬

‫وجعمت أعتذر لنفيس وملَ ْن لهان عهىل مثهل‬ ‫اخرتت الثاين‪،‬‬ ‫ولعا ة الباحثني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪8‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫خأو بالقول‪:‬‬ ‫إن حجب الثغرات الواقعهة يف الكتهاب مهن شه ن أن جيهيل مهواطن احلسهن‬ ‫واجلامل‪ ،‬وأن يزيده هباء وصفاء؛ فإن إبانة الصفاء بم لدر‪ ،‬هو أحسن يف املظهر‪،‬‬ ‫وهو أنفع يف املخّرب‪.‬‬

‫حرر صاحب مج ً‬ ‫م من العمأ يف هذا الكتاب ويف غريه‪ ،‬بمغت‬ ‫ولئن ُ‬ ‫قمت‪ ،‬فمقد َ‬ ‫في أحرف مبمغ ًا يف احلسن والبهاء أن ل َمت عني البصري عن ملء حماجره ب ‪ ،‬وما‬ ‫ع ّ املت ِهمني عن اإلحاطة بجوانب حسن بمغنية عن اللة سعة يلك؛ فكيف‬ ‫بالقارصين! فكيف باملعدَ مني!‬ ‫لكن حسب أن أشري هنا إىل بع‬

‫أوج اجلامل الت بهدت يف ههذا الكتهاب‪،‬‬

‫ف قول وباهلل التوفيق‪:‬‬

‫‪-1‬استمدَ الكتاب حسن ِم ْن عدة مصا ر‪[ :‬اجلامل الصها ر مهن املؤلهف‪ ،‬اجلهامل‬ ‫الصا ر من املونوع‪ ،‬اجلامل الصا ر من املا ة‪ ،‬اجلامل الصا ر من النتائج]‪.‬‬

‫‪ -2‬فكرة الكتاب تدل عىل تو ّقد قمب الشيخ حاتأ العوين‪ ،‬وحيوية أفكاره‪،‬‬ ‫وحرص عىل إفا ة أمت بام ينفعهأ‪ ،‬وبام يدفع عنهأ ما يرضهأ‪ ،‬فاختار مس لة‬ ‫ابتيل هبا الناس اليوم؛ فمقد لان االبتمء هبا شديد ًا‪ ،‬فانتدب هلا املؤلف مو َفقا‪.‬‬ ‫‪ -3‬جدية الشيخ ظاهرة يف الكتاب‪.‬‬ ‫‪ -4‬استعمل الشيخ يف لتاب المغة السهمة‪ ،‬وه املناسبة ملونوع الكتاب‪ ،‬سهوى‬ ‫أحرف يسرية‪ ،‬ومع يلك مل تغمظ ُع َقدُ ها‪.‬‬ ‫‪- 5‬متيز الكتاب بنقوالت نفيسة‪ ،‬وقد ويلر اإلمام ابن حزم مرارا‪ ،‬السيام ما لهان‬ ‫‪9‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫يف رسالت "مراتهب اخهتمف العمهوم"‪ ،‬لهام اشهتمل بحثه عهىل مجمهة مهن‬ ‫النقوالت عن اإلمام العهز بهن عبهد السهمم‪ ،‬واإلمهام ابهن تيميهة‪ ،‬واإلمهام‬ ‫الشاطب ‪.‬‬ ‫‪ -6‬متيز الكتاب بكثرة النقل عن اإلمام الشافع ‪ ،‬وظهر في استفا ت من أطهراف‬ ‫لمم ‪ ،‬وهذا حيسب لمشيخ حاتأ‪ ،‬فكتب الشافع ؛ فض ً‬ ‫م عن غنائها فه يف‬ ‫املدون ملن أرا أن يبني عهىل وجهه ؛ ويصهعد‬ ‫أوائل رجات الرتالأ العمم‬ ‫َ‬ ‫أس ‪ ،‬ناهيك عن منزلة اإلمام الشافع ‪ ،‬وسعة لممه ‪ ،‬ثهأ غفمهة غالهب‬ ‫من ِ‬ ‫املت خرين عن يلك!‬ ‫وإىل الساعة مل أعقل السبب يف يلك‪ ،‬ولو بمغنا أن أحد األئمة األربعة لان ل‬ ‫احلسا ‪ ،‬أو أتمف الكفار‪ ،‬لبكينا عىل يلهك‪،‬‬ ‫مؤ َلف يف عدة جم َمدات‪ ،‬غري أن أحرق‬ ‫َ‬ ‫وأسفنا إىل ما هنالك‪ ،‬وقمنا‪ :‬لو أهنأ – لفى اهلل رشورههأ ‪ -‬أبقهوا منه ورقه ًة أو‬ ‫وريقات حتى ننعأ النظر يف تراليب مجم ‪ ،‬ونرم البرص إىل نظأ أحرف !‪.‬‬ ‫حمررة‪.‬‬ ‫‪ -7‬تضمن‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب نتائج َ‬ ‫تعظيأ ظاهر ألهل العمأ‪ ،‬وحر ٌ بمن ع َظأ اهلل أن يع َظأ‪ ،‬وجهدير‬ ‫‪ -8‬يف الكتاب‬ ‫ٌ‬ ‫بمن َ‬ ‫ويكرم‪.‬‬ ‫أجل أولئك الكرام أن يقدَ ر‬ ‫َ‬ ‫‪ -9‬نغبط املؤلف عىل ما أو ع اهلل في من اهلمة العالية‪ ،‬فكام أثنينا عمي يف استفا ت‬ ‫من لتاب األم لمشافع يف حني غفمة الناس عن منذ هر الدهارير‪ ،‬فإنا نجده‬ ‫اليوم وهو يف عام املعاصري‪ :‬يف صدارة من حييهل إىل لتهاب "هنايهة املأمهب"‬ ‫‪01‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫أليب املعهايل اجلههوين ‪ ،‬والهذ رأى النههور قريبه ًا‪ ،‬بهل وحييههل إليه يف أعههامق‬ ‫وقمهت يف نفيسه‪ :‬ههل قهرأ‬ ‫صفحات ‪ ،‬ويف جممدات األخرية‪ ،‬فغمبتنه الغَهرية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫املؤلف الكتاب بكامل ومتام ؟! يف حني لنت أعدّ أين أفضهل أتهرايب باقتنهائ‬ ‫الكتاب؛ حتى لتبت يف فائدت مونوع ًا برأس ‪ ،‬ثأ عرفت أن من النهاس مهن‬ ‫فرص يف جمموع لتب ‪ ،‬ومنهأ من اقتناه فخزَن يف يالرة ماغه ‪،‬‬ ‫اقتنى الكتاب َ‬ ‫أو صنَف يف أ را براعت ‪ ،‬وبني الصنفني من الفرق ما بني العمأ والورق!‪.‬‬ ‫ويف ختام هذه اإلطاللة أن ِبه‪:‬‬

‫أن ثراء الكتاب النقيل‪ ،‬وجهد الباحث املضن ‪ ،‬ونتائج املتعد ة‪ ،‬وابهتمء‬ ‫إىل َ‬ ‫الناس هبذه النازلة بصورهتا اآلنية‪ :‬لل يلك عاين يف خضأ هذا الهر إىل حماولهة‬ ‫البناء عىل ما يلره املؤلف‪ ،‬أو إعا ة البناء عمي بحسب املوا املرتالمهة يف صهمب‬ ‫الكتاب‪ ،‬أو املتناثرة عىل أطراف ‪ ،‬فمأ يمنعن ما أنا في من الهر عميه أن أسهتثمر‬ ‫رت لذلك ساعد اجلد‪ ،‬وإنام املؤمنون إخوة‪ ،‬لكن قهد يكهون‬ ‫فشم ُ‬ ‫جهده‪ ،‬وموا ه‪َ ،‬‬ ‫البناء ب وات ربام تكون خمتمفة بع‬

‫اليشء عن األ وات الت يستعممها املؤلف‪.‬‬

‫‪00‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املالحظات الرئيسة عىل الكتاب‪:‬‬ ‫زعمت أنه‬ ‫قبل الرشوع يف املقصو حيسن أن أشري إىل أصول ما أرم إلي مما‬ ‫ُ‬ ‫يعالج أوج القصور يف الكتاب‪ ،‬بام ظهر يل أثناء قراءة هذا الكتاب املهأ يف بابه ‪،‬‬ ‫أو عرنت أثناء لتابة هذه املمحظات من خمل فهرز حمهول الشهيخ يف معاجلهة‬ ‫املس لة‪.‬‬ ‫وذلك يتلخص يف أمور ‪:‬‬

‫‪ )1‬ترليبة بع‬

‫مباحث الكتاب من جهة الصنعة‪.‬‬

‫‪ )2‬حتميل مجمة من القضايا‪.‬‬ ‫‪ )3‬جماوزة املدرسة األصولية والفقهية نظر ًا أو تأبيق ًا‪.‬‬ ‫‪ )4‬املنهج الذ اختأ املؤلف يف معاجلة اختمف املفتني‪.‬‬ ‫التصور‪.‬‬ ‫‪ )5‬إغفال التجريد عند‬ ‫ّ‬ ‫‪ )6‬أثر الثراء املعريف لممؤلف يف احليد عن معاجلة صمب مونوع الكتاب‪.‬‬ ‫‪ )7‬توسيع ائرة اطمف من زوايا لثرية‪ ،‬مما يناق‬

‫أحد مقاصد الكتاب‪ ،‬وهو‬

‫السع إىل تقميص هوة اطمف بقدر املستأاع‪.‬‬ ‫‪)8‬‬

‫إ ارة تسويغ اطمف عىل مجمة من قائق املسائل مما ترجح لممؤلف‪.‬‬

‫‪02‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وال يكونَن لك يف حمل استغراب‪:‬‬

‫رجعت من حيهث أتيهت‪ ،‬فبالغهت يف‬ ‫بالغت يف مدح وأطنبت‪ ،‬ثأ بعدُ ‪،‬‬ ‫أين‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫التع ّقب عمي ؛ فإن حمل الثناء غري حمل االستدراك‪ ،‬فام أثنيت إال عىل ٍ‬ ‫حمل أعتقدُ ما‬ ‫قمت في ‪ ،‬وما استدرلت إال عىل ٍ‬ ‫قمت في ‪.‬‬ ‫حمل أعتقد ما ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأخريا ‪:‬‬

‫فقد ال ألون مصيبا يف بع‬

‫يلرت؛ لكن يكفينه يف ههذه الورقهات أين‬ ‫ما‬ ‫ُ‬

‫اجتهدت–مستعينا باهلل ‪ -‬يف حتصيل مها سهمحت له حهدو معرفته ‪ ،‬فرشهفت‬ ‫بمزامحة الشيخ املحدث الرشيف حاتأ العوين يف معاجلهة ههذه املسه لة املعتاصهة‪،‬‬ ‫وعكسهت له قهراءة‬ ‫رت ل بع اإلشكاالت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ولر ُ‬ ‫وأثر ُت ل بع السؤاالت‪َ ،‬‬ ‫يكون يلك ِمنْ عىل بال‪،‬‬ ‫بع الناس ملا لتب‪ ،‬حتى الرشحية القارصة منهأ‪ ،‬حتى‬ ‫َ‬ ‫واهلل يوفقن والشيخ حامت ًا ملا حيب ويرىض‪ ،‬وباهلل نستعني‪ ،‬وعميه نتولهل‪ ،‬وإليه‬ ‫ننيب‪.‬‬

‫وكتب‬ ‫فؤاد بن حييى بن عبد اهلل اهلاشمي‬

‫‪03‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫طليعة الوقفات‪:‬‬ ‫الوقفة األوىل‪ :‬املواقع املنهجية لمت صيل من أ لة الوحيني‪.‬‬ ‫الوقفة الثانية‪ :‬ترليبة الكتاب وحجأ املشكمة‪.‬‬ ‫الوقفة الثالثة‪ :‬ترشيع اختمف العمامء‪ ،‬وحتريأ اطمف غري السائغ‪.‬‬ ‫الوقفة الرابعة‪ :‬فق مقالة الشافع ‪.‬‬ ‫الوقفة اخلامسة‪ :‬عدم التزام البناء األصويل‪.‬‬

‫‪04‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة األوىل‪ :‬املواقع املنهجية للتأصيل من أدلة الوحيني‪:‬‬ ‫مؤصم من أ لة الوحيني"‪ ،‬وهذا تكرر يف‬ ‫ي َيل املؤلف عنوان لتاب به عبارة " َ‬ ‫لتب ‪ ،‬وهذا يف احلقيقة غري ظاهر‪ ،‬وإنام الذ يغمب عىل لتب نقهل تقريهرات أههل‬ ‫العمأ‪ ،‬ثأ حماولة تفسريها‪ ،‬وتقع ل حماوالت يف تفسهري النصهوص لكهن بحسهب‬ ‫تقريرات أهل العمأ‪ ،‬وهذه مرحمة تشب من وج مرحمة جمتهد املهذهب‪ ،‬إال أن‬ ‫الشيخ حامت ًا مل يمتزم مذهبا بعين ‪ ،‬وال أثر يذلر يف جريان يف مدارس الفقهاء‪ ،‬وإنام‬ ‫غمب عمي النقل من بعه‬

‫األئمهة الكبهار‪ ،‬السهيام الشهافع ‪ ،‬ومهن بعهده ابهن‬

‫الصمح‪ ،‬والعز بن عبهد السهمم‪ ،‬وابهن تيميهة‪ ،‬والشهاطب ‪ ،‬ولهذا فمه أن يقهول‬ ‫مؤص ً‬ ‫م بتقريرات األئمة"‪ ،‬وهذه مرتبهة عاليهة‪ ،‬أجهد الرشهيف حهاتأ العهوين‬ ‫" َ‬ ‫ومّربزا فيها‪ ،‬إن لان يف سعة اطمع ‪ ،‬وإن لان يف براعة تفسريه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مؤهم هلا‪َ ،‬‬ ‫إنام يدَ ع الت صيل من أ لة الوحيني َمن التزم هذه الأريقة‪ ،‬لهام هه طريقهة‬ ‫أفرا من األئمة الكبار‪ ،‬السيام املتقدمني منهأ؛ فإنه يقهع مهنهأ ت صهيل املسهائل‬ ‫انتزاعا من األ لة‪ ،‬ثأ يسوقون ما يسوقون من نقوالت أهل العمأ تقريهرا لد لهة‪،‬‬ ‫أو بيان انتظامها يف اعتبار معناها‪ ،‬أو اجلواب عام ظههر خمالفته هلها‪ ،‬فهه صهنعة‬ ‫ٍ‬ ‫رجال ِمن الناس‪ ،‬بل قد قال ابن رجب يف أمثاهلأ‪ :‬وال يكا يوجد! ‪.‬‬ ‫وتصح هذه الدعوى أيضا من أهل الظاهر لام هو صميأ مذهبهأ‪ ،‬ومن غهري‬ ‫جر حتصيل األحكام من األ لة‪ ،‬سواء لان مائم إىل ظاهر النص‬ ‫أهل الظاهر ممن َ‬ ‫لام ه طريقة األلباين مثم‪ ،‬أو إىل معناه لام ه طريقة القرناو وغهريه‪ ،‬وهه‬ ‫‪05‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫عموم ًا طريقة شائعة بني املعارصين وو َلدت خبأه ًا عريضه ًا نتيجهة عهدم الت ههل‬ ‫املناسب يف الغالب األعأ‪.‬‬ ‫ومما حيسب لمشيخ الرشيف العوين حفظ اهلل أن متن ِب لوجوب إعامل املسائل‬ ‫عىل النصوص‪ ،‬وبنائها عمي ‪ ،‬وأن االستدالل بمواقف أهل العمأ إنام هو لمتقرير‪،‬‬ ‫ويف يلك يقول حفظ اهلل‪:‬‬ ‫"‪...‬أول ما نبدأ ب هو أن نتذلر ب ننا استدلمنا لمموقف الرشع ب لة الرشع؛‬ ‫ألهنا املرجع عنهد التنهازع‪ :‬ﭽﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ‬ ‫ﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﭼ [النساء ‪.]59 :‬‬ ‫وأما ما نذلره من مواقف أهل العمأ فإنام نستدل هبا عىل أن العمامء قبمنها قهد‬ ‫فهموا من النصوص الرشعية ما فهمناه منها‪ .‬فعىل املعرتض أوال أن يستدل لقول‬ ‫ب لة الرشع‪ ،‬ثأ حيق ل بعدها أن يور من أقوال العمامء ما يؤيد ب فهم "(‪.)1‬‬ ‫وإن لنا نتفق مع عىل رق ّ هذا املنهج إال أن مل يكن منهجا عاما يف الكتهاب؛‬ ‫ولذا ملا أرا املؤلف أن يؤلد عىل التزام هبذه الأريقة أحال إىل مونهع واحهد (‪،)2‬‬ ‫لكن يا ترى لو أنه أرا أن يثبهت نقوالته يف تقريهرات األئمهة لممسهائل‪ ،‬فكهأ‬ ‫ستمتمئ احلاشية باإلحاالت؟!‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.191‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪ ،191‬واإلحالة إىل ص ‪.189‬‬

‫‪06‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الثانية‪ :‬تركيبة الكتاب وحجم املشكلة‪:‬‬ ‫الكتاب معقود يف ستة فصول‪:‬‬

‫أربعة منها‪ :‬يف اختمف املفتني‪ ،‬وه يف احلقيقة اختمف العمهامء والفقههاء‪،‬‬ ‫سواء أفتوا أو مل يفتوا‪ ،‬وال تشهمل طوائهف مهن املق ِمهدة ولهو أفتهوا عهىل طرائهق‬ ‫عمامئهأ‪ ،‬فالدائرة اتسعت من جهة لتشمل غري املفتني‪ ،‬وناقت من جههة أخهرى‬ ‫عن استيعاب مجاعة من املفتني‪.‬‬ ‫وفصل أخري ويتيم‪ :‬يف منهج تعامهل املسهممني مهع اخهتمف العمهامء‪ ،‬وههو‬ ‫املقصو من الكتاب باألصالة‪.‬‬ ‫وفصل َق ْبلةه‪َ :‬ع َقدَ ه يف صفات َم ْن ال يستحق اإلفتاء‪ ،‬وهو ما يمكن أن يكون‬ ‫شفيع ًا لمفصل األخري‪.‬‬ ‫إن إشكالية املس لة الت تصدَ ى املؤلف ملعاجلتها تعهرض اليهوم عهىل مجههور‬ ‫املسممني‪ ،‬ولان من املفرتض أن تعالج ههذه اإلشهكالية يف ههذا القالهب املعهني‪،‬‬ ‫فيكون الكمم منصبا عىل أمرين اثنني‪ ،‬مها مجمة أحرف عنوان لتاب ابن الصمح‪،‬‬ ‫وبع‬ ‫‪-0‬‬

‫َم ْن لتب يف هذا الباب‪:‬‬ ‫املفت ‪.‬‬

‫‪ -2‬املستفت ‪.‬‬

‫وثمة أمر ثالث‪ :‬وهو الفتوى نفسها‪.‬‬

‫‪07‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫لكن الذ حصل هو أن املؤلف التفت إىل اختمف العمهامء والفقههاء‪ ،‬ال إىل‬ ‫فصوب ألولئك نظره‪ ،‬وجعل هلأ النصيب األوفر مهن‬ ‫خصوص املفتني أنفسهأ‪َ ،‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬وراح يرسأ هلأ بع‬

‫الزوايا املحد ة لتكون مرت َبعا هلأ‪ ،‬حتهى اسهتغرق‬

‫جهده هذا غالب ما لتب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خاف أن لن يرنخ عمهامء املسهممني لمتقوقهع يف الزوايها الته اجتههد‬ ‫وغري‬ ‫املؤلف يف رسمها‪ ،‬حتى يف املدرسة الت ينتم إليهها‪ ،‬أوالً لدصهول الته نمنهوا‬ ‫باعتبارها‪ ،‬وثاني ًا ألن االنأراب الواقع اليوم هو انهأراب سهمول ألثهر مهن‬ ‫لون انأراب عمم حيو إىل مراجعة معايري اطمف‪.‬‬ ‫وقد أ َثر ههذا اطمهل يف حتييهد املسهار الصهحيح حلهل اإلشهكالية األساسهية‬ ‫لمكتاب‪ ،‬وهو بيان املوقف املأموب من عموم املسممني جتاه اختمف املفتني‪ ،‬فقد‬ ‫اتسعت ائرة املشكمة لتستوعب مناهج العمامء أنفسهأ‪ ،‬وما حصل من األسهباب‬ ‫املوجبة الختمفهأ‪ ،‬وأقسام االختمف وأحكام ‪ ،‬مع أن هذه أمور حتمية قد ُف ِر َغ‬ ‫منها‪ ،‬ال جمال بحال ملجاوزهتا‪ ،‬فاطمف أمهره قهديأ‪ ،‬ومل يهزل‪ ،‬وال جمهال لرفعه ‪،‬‬ ‫وغاية الأاقة حسن استعامل ‪ ،‬و فع شواب ‪ ،‬وإصمح مساره‪ ،‬وفرز املعتّرب من مهن‬ ‫اطأ املح‬

‫‪.‬‬

‫إن املتغري الذ حصل يف اطمف اليوم هو ظهوره وييوع ألثر من ي قبل‪،‬‬ ‫مع فوات انضباط الناس الذ لان واقعه ًا فهيام سهبق بسهبب انتسهاب النهاس إىل‬ ‫مذاهب بمداهنأ‪.‬‬ ‫وبالتههايل يتضههح أن غالههب فصههول الكتههاب ال اههدم أصههال ًة مونههوع يف‬ ‫‪08‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫"اخههتمف املفتههني"‪ ،‬ويف "املوقههف املأمههوب مههن عمههوم املسههممني جتههاه هههذا‬ ‫االختمف"‪ ،‬وأن ترليبت ال تتناسب مع حجأ املشكمة وأسباهبا‪ ،‬فاجلزء األلهّرب‬ ‫من الكتاب قد ُ ِ‬ ‫ف إىل أمور حتمية‪ ،‬بل أزيد وأقول‪ :‬إن الشيخ قد وقعهت منه‬ ‫رص َ‬ ‫بع‬

‫املحدِ ات َو ْفق تصورات معينة حتد من حتميهات ههذه املسهائل‪ ،‬وجتعمهها‬

‫ترتاجع إىل مسائل حيوجها اصأمح متعذر بني املفتني‪ ،‬لام سي يت يف طريقة تناوله‬ ‫ملس لة اإلمجاع‪ ،‬وهبذا يكون تناول الختمف العمامء بام يلر من قيو ‪ :‬قد أ َثر سهمبا‬ ‫يف مقصو ه من احلتمية الت اجتهد أن يفرغ منها لتكون حمهد ات لعهم مشهكمة‬ ‫اختمف املفتني بالنسبة لممستفتني‪.‬‬ ‫فيمههد بفصهل يسهوق فيه التقريهرات‬ ‫ليت الشيخ التزم الأريقة املعههو ة‪ِ ،‬‬ ‫تصوراهتأ املتفق عميهها‪ ،‬ال بحسهب خصهوص‬ ‫املس َممة عند أهل العمأ‪ ،‬بحسب ّ‬ ‫تصوره‪ ،‬ثأ خيوض بعد يلك يف بقية الكتاب‪ ،‬ويف صمب املشكمة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ول أن يصنع مؤ َلف ًا نخر بعنوان مناسب‪ ،‬حياول في أن يقنع العمامء املجتهدين‬ ‫ببع‬

‫املحدِ ات‪ ،‬فإيا س َمموا ل ‪ ،‬أو حتى مجمتهأ ساغ ل حينئذ أن ينأمق من هذا‬

‫االتفاق اجلميل إىل ما لتب من املحد ات يف هذا الكتاب؛ وإال فكيف يصنع لتاب ًا‬ ‫يقصد من خمل أن حيل في مشكمة اختمف املفتني‪ ،‬فيعقد صمحا بينهأ‪ ،‬ثهأ ههو‬ ‫يف صمب هذا الصمح خيتمف عميهأ ب ؟!‪.‬‬ ‫واألوىل بنظري يف طريقة صنع الكتاب هو النظر إىل ما ييل‪:‬‬

‫‪-0‬‬

‫حمد ات يف‪ :‬صفة املفت ‪ ،‬صفة املستفت ‪ ،‬صفة الفتوى‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫بيان موقف املفت املفرتض بإزاء هذا االختمف‪.‬‬ ‫‪09‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫بيان موقف املستفت املفرتض بإزاء هذا االختمف‪.‬‬

‫‪-3‬‬

‫بينام الذي حصل هو‪:‬‬

‫معاجلة صعبة ألسباب اطمف بني العمامء وامتدا ات األوىل‪ ،‬وبيان أصناف ‪،‬‬ ‫سابق لعممية الفتوى؛ بل إن من أصناف املفتني َم ْن يكون مق ِمدا‪ ،‬لام هو‬ ‫وهو مقا ٌم ٌ‬ ‫حال لثري من املتصدرين اليوم‪ ،‬وإنام ش هنأ يف الغالب حفظ نتائج العمأ‬ ‫وخمصات ‪ ،‬هذا يف املحسن منهأ‪.‬‬ ‫ومن تتبع لمم املؤلف يعمأ متاما أن يريد الكتابهة يف اخهتمف العمهامء‪ ،‬وأنه‬ ‫يروم أن يصل إىل نتائج حمد ة يف بيان اطمف املعتّرب الذ ال يسوغ اإلنكهار عهىل‬ ‫صاحب ‪ ،‬وبيان اطمف غري املعتّرب الذ يسوغ اإلنكار عىل صاحب ‪ ،‬فمههذا األمهر‬ ‫توسع يف تناول هذه املسائل‪ ،‬ولان يلك عىل حساب مس لة الكتاب‪ ،‬ال التصهاهلا‬ ‫الوثيق باختمف املفتني‪.‬‬ ‫وإال فإن مشكمة اختمف الفتوى واخهتمف املفتهني ال تهزال قائمهة حتهى يف‬ ‫أمر من الونوح بمكان‪ ،‬وب نعرف أن جهد املؤلهف يف متييهز‬ ‫اطمف املعتّرب؛ هذا ٌ‬ ‫اطمف املعتّرب من غريه‪ ،‬لن حيل ال ُع َقد الشائكة يف املس لة‪ ،‬وإن لان اطهمف غهري‬ ‫السائغ أحد أسباب اتساع املشكمة‪ ،‬فه مشكمة عرنية يف حجهأ املشهكمة‪ ،‬ال يف‬ ‫أصمها‪.‬‬ ‫ويؤلد هذا أن املؤلف ملا اختط يف فصم األخري املنهج الرشع الذ اقرتحه‬ ‫‪21‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫يدر في ما يفيد متييز اطمف املعتّرب من غريه‪ ،‬وإنهام‬ ‫يف معاجلة اختمف املفتني‪ :‬مل ِ‬ ‫سار في باعتبارات خمتصة بنظر املستفت ؛ أليس لهذلك؟ إين فهام قيمهة األبهواب‬ ‫األربعة األوىل يف فرز اطمف املعتّرب بالنسبة لنازلة املستفت يف اختمف املفتني؟‪.‬‬ ‫وقد شاع يف األبحاث املعارصة عدم االنضباط يف قانون صناعة الت ليف نتيجة‬ ‫استغراق الباحثني يف حل بع‬

‫املشالل الت تعرتنهأ‪.‬‬

‫وقد ظهر بتتبع مسائل الكتاب أن الشهيخ حفظه اهلل أقحهأ لتابه مجمهة مهن‬ ‫جره إليها اعتبارات معينة‪ ،‬ليس بالرضورة أن تكون مرتبأة بصهمب‬ ‫املسائل الت‬ ‫َ‬ ‫مونوع الكتاب‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الثالثة‪ :‬ترشيع اختالف العلامء‪ ،‬وحتريم اخلالف غري السائغ‪:‬‬ ‫وفي مبحثان‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬ترشيع خالف العلامء‪:‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الفصل األول يف بيان مرشوعية اختمف العمامء‪.‬‬ ‫املؤلف‬ ‫عقد‬ ‫وهذا التعبري من يف مونع اإلشكال‪ ،‬السيام وهو يف ٍ‬ ‫حمل ظاهر‪ ،‬يف صهدر عنهوان‬ ‫اطمف املحرم! وهو من‬ ‫اطمف املرشوع‪:‬‬ ‫الفصل‪ ،‬والسؤال املتبا ر‪ :‬ليف ينتظأ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مجمة أنواع اطمف عند املؤلف‪ ،‬لام سي يت يف الفقرة الثانية‪.‬‬ ‫يمهد هلذا الفصل بام يرم إليه‬ ‫وقد شعر الشيخ بإشكالية هذا العبارة‪ ،‬فراح ِ‬ ‫وبني يف احلاشية معنى املرشوع‪ ،‬وأن هو املأمق فعم يف الرشع‪ ،‬وأن‬ ‫من املرشوعية‪َ ،‬‬ ‫أقل رجات الندب‪ ،‬أو اإلباحة‪ ،‬وأحال إىل لتاب القواطع أليب املظفر السهمعاين‪،‬‬ ‫ولتاب التعريفات لمجرجاين‪.‬‬ ‫وأقةول‪ :‬إن بشق األنفس يكا يقتنهع خهواص طمبهة العمهأ بصهحة إطهمق‬ ‫املرشوعية عىل ما هو من املباح‪ ،‬ويف بع‬

‫الصور‪ ،‬وليس يف لمها‪.‬‬

‫فكيف بإطمق عىل رأس عنوان يف مرشوعية اختمف العمامء! أال حيهدث‬ ‫هذا ومها‪ ،‬وإشكاالً؟! أليست النصهوص متضهافرة عهىل يم االخهتمف؛ فكيهف‬ ‫يصهح منها أن نضهيف إليههها املرشهوعية؟ ثهأ نههذهب فنتك َمهف ببيهان مقصههو نا‬ ‫باملرشوعية‪ ،‬ومقصو نا باختمف العمامء‪ ،‬السيام أن قس ًام من عند املؤلف ههو مهن‬ ‫‪22‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املحرم!‪.‬‬ ‫النوع َ‬ ‫ما الداع الذ حيوجنا إىل استعامل هذا االصأمح البعيد يف إطمقه بهني‬ ‫خواص أهل العمأ‪ ،‬والذ ال يستعمل يف العا ة‪.‬‬ ‫التعبري بم شك حيدث ربكة وانحة‪ ،‬ويوهأ أن املقصو من أن الشارع حيث‬ ‫عىل اختمف العمامء‪ ،‬فيكهون مظنهة لمصهأيا يف املهاء العكهر؛ فهإن مجاعهة مهن‬ ‫املعارصين ينزعون إىل تّربير بع‬

‫ٌ‬ ‫قائهل‬ ‫بمجهر أن فمنه ًا‬ ‫ما أحدثوه من األقوال‬ ‫َ‬

‫هبذا القول‪ ،‬أو أن يف املسه لة اختمفها؛ وقهديام قهد نبه عهىل يلهك ابهن عبهد الهّرب‬ ‫ِ‬ ‫هن‬ ‫والشاطب وغريهأ؛ فكأ ه سعا ة هؤالء إيا طهرق أسهامعهأ أن اطهمف م ْ‬ ‫ستترشب منها فتتض ّمع!‬ ‫أصم مرشوع؟ َأما إن حجتُهأ‬ ‫َ‬ ‫وال ُي ْع ِ‬ ‫ب أحد ًا أن بذهب بع ُ النهاس فيتكهئ يف متييهع الفتهوى إىل ههذه‬ ‫ج ُ‬ ‫العبارة املومهة‪ ،‬فمونوع الكتاب هو َ‬ ‫احل َل؛ فم يصح أن تكون بع‬

‫موا ه سهببا‬

‫لتفاقأ املشكمة‪.‬‬ ‫غنى عن هذه العبارة‬ ‫أال تشعر أهيا الشيخ الكريأ أنَا – بسعة المغة ‪ -‬لنا يف ً‬ ‫و الالهتا‪ ،‬أال يمكن أن تكون هذه اجلممة طارحة الزيت يف النار جتاه املشكمة الت‬ ‫تك َمفت هبذا الكتاب معاجلتها؟‪.‬‬ ‫أال اشهى أن يقههول النههاس‪ -‬وهههاهأ قههائمون ‪ :-‬إن الشههيخ حامته ًا قائه ٌ‬ ‫هل‬ ‫بمرشوعية اختمف العمامء‪ ،‬ثأ ت يت حينها لتفرس هلأ مقصو ك ومرا ك‪ ،‬وتكشف‬

‫‪23‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫هلأ قمبك وصدرك‪.‬‬ ‫يبدو أن سبب هذا الوهأ أن الشيخ – حفظ اهلل ‪ -‬يرمه إىل معاجلهة مسه لة‬ ‫أخرى‪ ،‬وه استحامض بع‬

‫الناس ألصناف من االختمف‪ ،‬وعهدم اعتبهارهأ‬

‫ٍ‬ ‫حتجر بع‬ ‫لكثري من مسائم ‪ ،‬فوقعت من املبالغة يف إطمق هذا التعبري‪ ،‬نعأ‪ ،‬يقع َ‬ ‫االجتاهات يف نراء معينة‪ ،‬ثأ حمالمة الناس عىل َو ْفقها‪ ،‬وههذا وإن لهان صهحيحا‬ ‫أن التعرض ملعاجلت نعيف االرتباط هاهنا‪ ،‬وال يّربر مبالغت يف تقريهر‬ ‫وواقعا إال َ‬ ‫َ‬ ‫احلهث‬ ‫اطمف حتى استعمل يف التعبري ل لفظ املرشوعية‪ ،‬الذ يفيهد يف الغالهب‬ ‫والأمب‪.‬‬ ‫وسبقت اإلشارة إىل أن من مميهزات ههذا الكتهاب أنه مو َطه المفهظ‪ ،‬سههل‬ ‫العبارة‪ ،‬وأن هذا هو املناسب ملونوع الكتاب‪ ،‬خصوصا أن عوام املسهممني ههأ‬ ‫إحدى الرشحيتني املستهدفتني من الكتاب‪.‬‬ ‫ولذا فقد شعر الشيخ مرة أخرى بربكة هذا اإلطمق‪ ،‬فبهني أن إطمقه لهه‬ ‫"مرشو عية وقوع اختمف بني العمامء‪ ،‬ال يعارض استحباب حماولة تقميص قهدر‬ ‫املستأاع باألوج الصحيحة لذلك"(‪. )1‬‬ ‫قلت‪ :‬أما ما يقع ِم ْن إطمق لفظة املرشوعية عهىل بعه‬

‫مها ال جيهب ومها ال‬

‫يستحب من العبا ات؛ فإن باب ما تقرر أن األصل يف العبا ات أن تكون واجبة أو‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.24‬‬

‫‪24‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫مستحبة‪ ،‬لكن قد تقع بع العبا ات أن جييز الشارع فعمها‪ ،‬وإن مل يقع من احلث‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ سبب فع البدعية عنها‪ ،‬ال طمهب الشهارع‬ ‫عميها‪ ،‬فإطمق املرشوعية عميها‬ ‫هلا ‪ ،‬وهذا مثل قراءة سورة اإلخمص يف لل رلعهة‪ ،‬ومثهل الوصهال يف الصهيام‪،‬‬ ‫ومثل النذر ابتداء‪ ،‬وغري يلك‪.‬‬ ‫ومعموم أن "اختمف العمامء" ليس من هذا الباب‪ ،‬ولهو مل يكهن يف ههذا إال‬ ‫خمالفة تعبري النصوص لكان سببا لافيا يف اإلحجام عن ‪ ،‬وإنام جاءت النصوص يف‬ ‫إعذار املخأئ بعد اجتها ه‪ ،‬وأن حممو م جور عىل اجتها ه‪ ،‬ال عىل خمف ؛ فتن َب ‪،‬‬ ‫أو أن أمر قدر فم تبتئس من ‪.‬‬ ‫" قال الشافع ومن قال بقول ‪ :‬يؤجر ولكن ال يهؤجر عهىل اطأه ؛ ألن اطأه يف‬ ‫الدين مل يؤمر ب أحد‪ ،‬وإنام يؤجر إلرا ت احلق الذ أخأ ه‪.‬‬ ‫قال املزين‪ :‬فقد أثبت الشافع يف قول هذا أن املجتهد املخأئ أحدث يف الدين مها‬ ‫مل يؤمر ب ‪ ،‬ومل يكمف ‪ ،‬وإنام أجر يف نيت ال يف خأئ " ‪.‬‬ ‫( ‪)1‬‬

‫(‪ )1‬جامع بيان العلم وفضله (‪.)147/2‬‬

‫‪25‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املبحث الثاين‪ :‬حتريم اخلالف غري السائغ‪:‬‬ ‫اعتّرب املؤلف رعاه اهلل أن اطمف غري السائغ حكم يف الرشيعة هو التحريأ‪:‬‬ ‫ويلر أن هذا هو معنى وصف بعدم السواغ‪ ،‬فإن املباح سائغ طيب‪ ،‬واملحهرم نكهد‬ ‫خبيث‪.‬‬ ‫وقال يف مونع نخر‪" :‬أما املوقف من صاحب اطهمف غهري السهائغ‪ :‬فههو‬ ‫املوقف من املسمأ إيا ارتكب أمرا حمرما يغمب عهىل الظهن ت وله فيه ‪ .‬فنصهيحت‬ ‫واجبة‪ ،‬ما أمكن يلك"(‪.)1‬‬ ‫فرس سبب جتنب ألثر العمامء الترصيح بمفظ التحريأ‪ ،‬ومل يذلر أحد ًا مهن‬ ‫ثأ ِ‬ ‫أهل العمأ وافق إىل ما يلر‪ ،‬وإنام َن َق َل نصني‪ :‬أحدمها عن الشافع ‪ ،‬واآلخهر عهن‬ ‫ابن مفمح‪ ،‬أبني اآلن بمقتىض لممهأ أن مقصو هأ غري ما نحن فيه مهن الكهمم‬ ‫عن اطمف السائغ وغري السائغ‪.‬‬ ‫أما الشافع فإن قال‪" :‬االختمف من وجهني‪ :‬أحدمها حمرم‪ ،‬وال أقول يلك‬ ‫يف اآلخر‪"...‬‬ ‫وهذا تقسيم بنظر آخةر‪ :‬وهو باعتبار احلكهأ الرشهع لممختمفهني يف حهال‬ ‫بهني اإلمهام الشهافع رمحه اهلل أن اطهمف املحهرم يكهون إيا عمهأ‬ ‫خاصة‪ ،‬فقد ّ‬ ‫املخالف احلجة فخالفها‪ ،‬ومقتىض هذا أن احلجة لو مل يعممها فإن خمف ال يكهون‬ ‫حمرما‪ ،‬وإنام هو خمف م جور عمي ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.187‬‬

‫‪26‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املحرم ؟‬ ‫وقد سئل الشافع رمح اهلل‪ :‬ما االختمف ّ‬ ‫فقال "لل ما أقام اهلل ب احلجة يف لتاب ‪ ،‬أو عىل لسان نب ِيه منصوصه ًا ب ّينه ًا مل‬ ‫َ‬ ‫حيل االختمف في ملن عمم ") (‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فهذا يدل رصاحة عىل أن العهّربة يف وصهف اطهمف املحهرم أن جيتمهع فيه‬ ‫أمران‪:‬‬

‫‪-1‬‬

‫املبني‪.‬‬ ‫وقوع النص َ‬

‫‪-2‬‬

‫أن يعمم املجتهد‪ ،‬ثأ خيالف ‪.‬‬ ‫ويؤ ِلد هذا‪ :‬استدالل الشافع بنصوص النه عهن االخهتمف‪ ،‬ويلهك يف‬

‫تتمة النقل عن ‪.‬‬ ‫أما تقسيأ العمامء لمخمف إىل سائغ وغري سائغ‪ :‬فهإنام ههو باعتبهار اطهمف‬ ‫نفس ‪ ،‬أما املخالف‪ ،‬فقد يكون جمتهدا م جورا‪ ،‬وقد يكون خمأئ ًا م زورا‪.‬‬ ‫أما النقل الثاين الذي نقله املؤلف عن ابن مفلح احلنبيل‪ :‬ومونع الشاهد من‬ ‫قول ‪" :‬مسائل اطمف ال يمحق فيها الوعيد"(‪.)2‬‬ ‫وبمراجعة كالم ابن مفلح يف الفروع تبني‪:‬‬

‫اجلواب عن القايض أيب يعىل احلنبيل حني محهل لهمم اإلمهام أمحهد‬ ‫أن يقصد‬ ‫َ‬ ‫فيمن فعل ِ‬ ‫العينْة أن ‪" :‬ال يعجب أن يكتب عنه احلهديث"‪ :‬أن اإلمهام قاله عهىل‬

‫(‪ )1‬الرسالة (ص‪.)168‬‬ ‫(‪ )2‬الفروع (‪.)316 /6‬‬

‫‪27‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫سبيل الورع؛ ألن مما يسوغ في االجتها ‪.‬‬ ‫فاستشكل ابن مفمح عىل القايض هذا اجلواب‪ ،‬وسبب يلك أن املنقهول عهن‬ ‫اإلمام أمحد إنام هو يف يلر الوعيد يف العينة‪ ،‬فعن عائشة ريض اهلل عنهها‪( :‬إن زيهد‬ ‫بن أرقأ أبأل جها ه) (‪ ،)1‬ف وعدت عمي ‪ ،‬و لو لانت من مسائل اطمف ملا يلرت‬ ‫الوعيد‪ ،‬فمس لة العينة ليست ه من املسائل االجتها ية الت يسوغ فيها اطمف‪،‬‬ ‫لورو الوعيد اطاص هبا‪ ،‬وهذا من أشد ما يكون‪ ،‬أما عا ة املسائل اطمفيهة فإنه‬ ‫ال يقع فيها الوعيد‪ ،‬وإيا لان األمر لذلك فإن ما ُن ِقل عن اإلمام أمحد أن ال يعجب‬ ‫أن يكتب عمن يفعل العينة‪ :‬هو عىل وجه ؛ ألن مس لة العينة وإن لان قد اختمف‬ ‫فيها إال أن ورو الوعيد فيها جيعل هلا حك ًام خمتص ًا بني مسائل اطمف‪.‬‬ ‫والذي هيمنةا‪ :‬أن ليس يف لمم ابن مفمح أن اطمف غري السائغ ههو خهمف‬ ‫حمرم؛ ألن إنام يتكمأ عن صورة حمد ة‪ ،‬وه مسه لة خمفيهة قهد ور فيهها وعيهد‬ ‫خاص‪ ،‬ومعموم أن ال يستدل باطاص عىل العام‪.‬‬ ‫نخلص من هذا املبحث‪:‬‬

‫أن ال يصمح إطمق التحريأ عىل اطمف غري السائغ‪ ،‬ويلهك الشهتامل عهىل‬ ‫بع‬

‫(‪)1‬‬

‫صور االجتها امل جور عميها‪ ،‬وإنام يكف أن يقال‪ :‬إن خمف غهري سهائغ‪،‬‬

‫ن أهل العلم إلى مسند اإلمام أحمدد سسداه ه سنسدناده سلدي ادم بالم‪ ،‬د خب سأ جد‬ ‫عزاه جماع ٌة ِم ْ‬ ‫ع د ال زاق الصنعانم (‪ 181 /8‬رهم‪ )11811‬سالداره‪،‬نم ادم سدنن (‪ )21/3‬سال يهقدم ادم السدنن‬ ‫ن َدعَح ا تنقدي ال قيد‬ ‫ن ع دد الهدادإ إسدنا َد اإلمدام أحمدد س َر َد علدى مَد ْ‬ ‫ج َد اس ُ‬ ‫الك ى (‪ )333/2‬س َ‬ ‫(‪)96/1‬ا‬

‫‪28‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وليسعنا يف اإلطمق ما وسع أهل العمأ‪ ،‬وإن إنافة وصف التحهريأ ال يبعهد أن‬ ‫يكون من املبالغة يف احلكأ‪.‬‬ ‫وما نقم املؤلف عن الشافع فإنام هو تقسيأ اعتبار نخر‪ ،‬وهو النظر إىل فعهل‬ ‫املختمفني إيا عمموا احلق فخالفوه‪ ،‬وما نقم عن ابن مفمح فإنام هو باعتبار صهورة‬ ‫خاصة من صور اطمف وهو ما ور فيها وعيد خاص‪.‬‬ ‫وهلذا – واهلل أعمأ – فإن التفسري الصحيح إلغفال ألثر أههل العمهأ إطهمق‬ ‫التحريأ عىل اطمف غري السائغ‪ :‬هو اشتامل اطمف غري السائغ عىل ما ال يكهون‬ ‫حمرم ًا‪ ،‬بل يكون االجتها في م جور ًا‪ ،‬وهو الغالب يف أهل العمأ‪.‬‬ ‫خير سبب جتنب ألثهر العمهامء إطهمق التحهريأ عهىل‬ ‫أقر املؤلف وهو ِ‬ ‫وقد َ‬ ‫وقوع مجمهة مهن املفاسهد الته قهد تنشه مهن إطهمق ههذا‬ ‫اطمف غري السائغ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫الوصف‪ ،‬ونقول ل ‪ :‬فمِ َأ ال تمزم غرزهأ فتحرتز لام احرتزوا؟‪.‬‬ ‫ويبدو أن املؤلف – وفق اهلل ‪ -‬قد هال ُجرأة لثري من املته خرين يف اسهتباحة‬ ‫حرم الرشيعة‪ ،‬فغمب عمي النظر إىل عظيأ جرمهأ‪ ،‬وقد جتد نخر قد غمهب عميه‬ ‫النظر إىل خمف العمامء فيأمق احلكأ باالجتها امل جور عهىل املخهالف‪ ،‬ويأمهق‬ ‫يلك مرس ً‬ ‫املصهوبة الهذين يعتهّربون لهل‬ ‫م ولو مل يسمك مسالك ‪ ،‬لام ه طريقهة‬ ‫ِ‬ ‫اجتها فهو صواب‪.‬‬ ‫وأقههول‪ :‬ال حاجههة إىل هههذا وال إىل ياك‪ ،‬ويكفه يف اطههمف إطههمق حكههأ‬ ‫السواغ أو عدم ‪ ،‬أما احلكأ عهىل املخهالف فهم يستحسهن إطمقه هكهذا‪ ،‬وإنهام‬ ‫يتوقف في عىل لل مس لة بعينها أو أن يفصل يف يلر أنواع ‪ ،‬وصدق اإلمام أمحهد‬

‫‪29‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫حينام قال‪ :‬إن ألثر خأ الناس هو من اإلمجال والت ويل‪.‬‬ ‫وأتعجب‪ :‬ليف حتمس املؤلف يف بداية الكتاب العتبار اطمف حتى جعم‬ ‫مرشوع ًا‪ ،‬ثأ حتمس هاهنا يف فع ‪ ،‬حتى جعهل غهري السهائغ منه حمرمه ًا‪ ،‬فصهار‬ ‫نوع حمرم!‬ ‫اطمف مرشوعا‪ ،‬ومن ٌ‬

‫ٍ‬ ‫طرف‪ ،‬واحلق بينهام‪.‬‬ ‫ونقول‪ :‬لل إطمق منهام يف‬

‫‪31‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الرابعة‪ :‬فقه مقالة الشافعي‬ ‫يتعرض املؤلف يف قضية تسويغ اطهمف إىل مسه لة رشب‬ ‫ما لنت أحب أن َ‬ ‫النبيذ؛ فإن حرص عىل ت ليد وقوع اطمف فيها‪.‬‬ ‫ولذا يف مس لة نكاح املتعة! فإن بعد أن نقل عهن بعه‬

‫أههل العمهأ حكايهة‬

‫اإلمجاع عىل حتريمها رجع لينقل عن العز بن عبد السهمم أنه رصح ب هنها مسهالة‬ ‫تتقارب فيها األ لة‪ ،‬وأن ال يبعد أن يكون احلق فيها مع املبيح! (‪.)1‬‬ ‫ويف معرض تفريق بني القائل واملقالة‪ :‬ساق بع‬

‫النصوص عن السهمف يف‬

‫إباحة سامع املمه ‪ ،‬وما لان عمي بعضهأ من الثقة والدين‪ ،‬وأن أحدهأ لان من‬ ‫املغنّني املوسيقيني املشاهري! وقال‪ :‬ههب أن عاملها أ َ اه اجتهها ه إىل القهول بإباحهة‬ ‫الغناء‪.)2(...‬‬ ‫ثأ يلر ثمث مسائل عن الشافع يف عدم اإلنكار عىل القائل‪ ،‬وه ‪:‬‬ ‫‪ -1‬إتيان النساء يف أ بارهن‪.‬‬ ‫‪ -2‬ربا الفضل‪.‬‬ ‫‪ -3‬نكاح املتعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ‪.129‬‬ ‫(‪ )2‬ص‪.192‬‬

‫‪30‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ونص ما نقم عن الشافع يف األم‪:‬‬ ‫"واملستحل لنكاح املتعة واملفت هبا والعامل هبا ممن ال تر شها ت ‪ ،‬ولهذلك‬ ‫لو لا ن مورسا فنكح أمة مستحم لنكاحها مسممة أو مرشلة؛ ألنا نجد من مفته‬ ‫الناس وأعممهأ من يستحل هذا‪ ،‬وهكذا املستحل الدينار بالهدينارين والهدرهأ‬ ‫بالدرمهني يدا بيد والعامل ب ؛ ألنا نجد من أعمم الناس من يفت به ويعمهل به‬ ‫ويروي ‪ ،‬ولذلك املستحل إلتيان النساء يف أ بارهن‪ ،‬فهذا لم عندنا مكروه حمهرم‬ ‫وإن خالفنا الناس في ‪ ،‬فرغبنا عن قوهلأ‪ ،‬ومل يدعنا هذا إىل أن نجهرحهأ‪ ،‬ونقهول‬ ‫هلأ‪ :‬إنكأ حممتأ ما حرم اهلل وأخأ تأ؛ ألهنأ يدعون عمينا اطأ لام ندعي عميهأ‬ ‫وينسبون من قال قولنا إىل أن حرم ما أحل اهلل عز وجل"(‪.)1‬‬ ‫فعلَق املؤلف‪:‬‬

‫"عىل لل خائ‬

‫يف مسائل االختمف من أهل عرصنا (عمامء وطمبة عمهأ)‬

‫أن يتنبهوا لدمثمة الت يلرها اإلمام الشافع ‪ ،‬خاصة يف لمم األول‪ :‬من إباحهة‬ ‫ربا الفضل‪ ،‬ونكاح املتعة‪ ،‬وإتيان النسهاء يف أ بهارهن؛ فمهو أن فقههاء معهارصين‬ ‫معروفني بالعمأ والفضل أوصمهأ اجتهها هأ إىل ءء مهن يلهك‪ ،‬ههل سهيقول‬ ‫املعارنون هلأ لام قال اإلمام الشافع ‪" :‬مل يدعنا ههذا إىل أن نجهرحهأ‪ ،‬ونقهول‬ ‫هلأ‪ :‬إنكأ أحممتأ ما حرم اهلل‪ ،‬وأخأ تأ؛ ألهنأ يهدّ عون عمينها اطأه لهام ندَ عيه‬ ‫عميهأ‪ ،‬وينسبون َم ْن قال قولنا إىل أن حرم ما أحل اهلل‪ ".‬أم من املحتمل أن يكون‬

‫(‪ )1‬األم (‪.)223 ،222/ 6‬‬

‫‪32‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫أحدنا يف زماننا أغري عىل الدين من أئمة السمف (لالشافع ) ؟!! أم أن أعرف من‬ ‫أولئك األئمة"‪.‬‬ ‫قلةت‪ :‬يف املوقع العمم "املمتقهى الفقهه " يف قسهأ ن اب اجلهدل وقهوانني‬ ‫النظر‪ :‬تأ التعميق عىل مقالة الشافع اآلنفة بام ييل‪:‬‬ ‫"من أوج فق هذه املقالة النفيسهة‪ :‬أن الشهافع رمحه اهلل إنهام بب ههذه‬ ‫األمثمة الثمثة‪ :‬املتعة‪ ،‬وربا الفضل‪ ،‬وإتيان النساء يف أ بارهن؛ ألهنا مهن أشهد مها‬ ‫قيل‪ ،‬فالشافع هو أعرف الناس باطمف‪ ،‬ولكن إنام اري هذه املسائل الثمثة من‬ ‫بني نالف املسائل لظهور الهنص فيهها‪ ،‬واسهتقباح النهاس هلها‪ ،‬وإنكهارهأ عهىل‬ ‫منتحمها‪ ،‬لام أن ال يقول هبا سوى أفرا قمئل من بني الناس‪.‬‬ ‫فمام اجتمع هبا لل يلك ساقها الشافع جمتمعة‪ ،‬وأن حتى هذه املسائل وقهد‬ ‫بمغ من ش هنا ما مر إال أهنا مع يلك ال تر شها ة مستحمها؛ ألن وجد من أعهمم‬ ‫الناس ومفتيهأ من يستحمها‪.‬‬ ‫فالشافع رمح اهلل وإن حرمها‪ ،‬ولرهها‪ ،‬ورغب عنها‪ ،‬ش ن ش ن غالب أهل‬ ‫العمأ إال أن مع يلك ال يستجيز جرح من استحمها‪ ،‬وأفتى هبا‪ ،‬وأنه ال جيهوز أن‬ ‫يقال هلأ‪ :‬إنكأ أحممتأ ما حرم اهلل؛ ألن لو قال يلك مل يعهدم خمهالفهأ أن يقولهوا‬ ‫نظري يلك‪ :‬وأنتأ أيضا حترمون أيضا ما أحم اهلل!‪.‬‬ ‫إال أن مع لل ما سبق فإن ينبغ أن تفهأ هذه الفائدة نمن سياقها اطهاص‬ ‫هبا‪ ،‬فاملقصو هو‪ :‬فق األئمة لمخمف‪ ،‬وعذرهأ لممخالف املجتهد ‪ ،‬بغ‬

‫‪33‬‬

‫النظر‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫عن أعيان هذه املسائل وصورها‪ ،‬فيجوز مثم أن ينتحل بع‬

‫الدخمء أحرفا من‬

‫هذه املسائل وأشباهها‪ ،‬وال يقبم من ُ‬ ‫أهل العمأ‪ :‬إما لعدم أهميته ‪ ،‬وإمها لضهعف‬ ‫برصه بالعمأ‪ ،‬وإما طأئ يف استعامل الّربهان‪ ،‬أو استخرا احلكأ‪ ،‬وإما الستقرار‬ ‫اإلمجاع عىل حكأ هذه املسائل بعد أن لانت حمل خمف وتر ‪ ،‬فيكون مها أمجهع‬ ‫عمي مت خروهأ قاني ًا عىل ما تنازع في متقدموهأ‪ ،‬فيسكن الكمم بعهد أن لهان‬ ‫متحرلا‪ ،‬والذ لان سبب عدم تبني املس لة واتضاحها جلممة أمور معروفة‪.‬‬ ‫وقد شاع بني املعارصين خاصة إحياء اطمف القديأ‪ ،‬ولو لان ما أحيوه حق ًا‬ ‫ملا أمجعت األمة أو عامتهأ عىل خمف قرون ًا متوالية؛ فإن ال جيوز عىل ههذه األمهة‬ ‫أال يظهر فيها احلق‪ ،‬فم تزال طائفة منهأ عىل احلق ظاهرين‪ ،‬ومن مجمة ظههورهأ‬ ‫ُ‬ ‫احلافظ ابن رجب يف موانع من لتب ‪.‬‬ ‫ظهور حججهأ وبيناهتأ‪ ،‬قرر هذا‬ ‫فاملقصو من هذا النقل أن اإلمام الشافع رمح اهلل يرضب أروع األمثمهة يف‬ ‫فق اطمف‪ ،‬وأن النظر إىل هذه الفائدة قارص عىل هذه اجلهة من غهري التفهات إىل‬ ‫تفاصيل هذه املسائل وإشكاالهتا‪ ،‬وهبذا يكهون لهمم اإلمهام الشهافع يف حممه ‪،‬‬ ‫وجيوز أن تنكر هذه املسائل اليوم الختمف ِ‬ ‫موجب اطمف‪ ،‬وبهذلك نكهون قهد‬ ‫استفدنا من منهج الشافع يف تناول اطمف ال يف التمسك ب عيهان ههذه الصهور‬ ‫الت يلرها‪.‬‬ ‫وهبذا يكون متثيل املؤلف هبذه املسهائل ب هنها لوقهع القهول بجوازهها يف ههذا‬ ‫العرص فإن املفهرتض أن نقهف منهها موقهف الشهافع غهري صهحيح الخهتمف‬ ‫ِ‬ ‫املوجب‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ولكن الغريب هنا‪ :‬أن املؤلف يرضب بعيد ًا يف تسويغ اطمف‪ ،‬وأن يمكن يف‬ ‫مثل هذه املسائل الت أ ى إليها اجتها جمتههد أن يكهون قوله سهائغا ولهو لهان‬ ‫خالف اجلامعة وقد شاع يم قول وياع‪.‬‬ ‫مع أنه يف رشوطه لتسويغ اخلالف‪ :‬قد شدَ الغاية يف أوصاف اطمف املعتّرب‪،‬‬ ‫ولثري من هذه املسائل يمكن إ راجها فيام يلره من اطمف غري السائغ ب لثر مهن‬ ‫طريق‪ ،‬إما عن طريق اإلمجاع الذ حتقق واستقر‪ ،‬وإما عن طريهق الهنص الثابهت‬ ‫الوانح الداللة‪.‬‬ ‫فاملؤلف نظريا حريص عىل التمسك بمحهد ات اإلمجهاع الدقيقهة بيهنام ههو‬ ‫عممي ًا يرضب بعيد ًا يف تسويغ اجتها ات املجتهدين ما اموا أهل عمأ وفضل‪.‬‬ ‫وهنا يظهر املةأقق‪ :‬م زق االستغراق يف تفاصيل احلدو الدقيقة الت رسهمها‬ ‫املؤلف‪ ،‬وأن مهام اجتهد يف تفاصيمها فإن إيا نزل إىل الواقع العميل واجه الكثهري‬ ‫من اإلشكاالت‪ ،‬ومنها إشكاالت تصأدم مع أصهول املؤلهف اطاصهة؛ فكيهف‬ ‫بغريه؟‬ ‫ال مناص من راسة لل مس لة عىل حدة‪ ،‬نعأ هناك مسائل ال ينبغ أن يكون‬ ‫فيها خمف‪ ،‬ولو اختمف فيها مل يمتفت إليها فهه مسهائل يف حكهأ القأعه ‪ ،‬أو‬ ‫قريب من ‪ ،‬فهذه ه الت يمكن أن حتد نظري ًا أما سوى يلك من املسهائل‪ ،‬فكهل‬ ‫مس لة لوحدها ه مرشوع متكامل يف تصنيفها من جهة االعتبار وعدم ‪.‬‬ ‫أرضب مثاال قريبا مما نحن فيةه‪ :‬ثمة طائفة من املسائل املعارصة يدَ عى فيها‬

‫‪35‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫اإلمجاع القديأ‪ ،‬ويرتَب عىل يلك اإلنكار وعدم االعتدا باملخالفة‪ ،‬بينام املخهالف‬ ‫ِ‬ ‫املوجب قد تغري‪ ،‬أو أن الواقعة استجدَ فيها مها يهؤ ِثر يف صهحة انأبهاق‬ ‫يدَ ع أن‬ ‫احلكأ القديأ‪ ،‬واآلخر ينف ‪.‬‬ ‫هاهنا من نصدِ ق ؟ مدَ ع اإلمجاع‪ ،‬أم منكر اإلمجاع يف هذه املس لة!‪.‬‬ ‫اجلةواب‪ :‬لل مس لة تدرس عىل حدة‪ ،‬والواقع التأبيق لدراسة هذه املسهائل‬ ‫احلا ثة يفيد أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن ثمة مسائل وقع فيها فع ً‬ ‫م خرق اإلمجاع املحقق فيها‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن ثمة مسائل ا ع فيها اإلمجاع‪ ،‬وهو متقاعد عنها‪.‬‬ ‫وما ام أن الواقع يفيد غمو ًا يف الأرفني فإن عهىل املتصهدِ هلهذه املسهائل أن‬ ‫يكون متنبها من خرق اإلمجاع‪ ،‬ومتنبها أيض ًا من توسيع ائرة اإلمجاع‪.‬‬ ‫هذا عممي ًا‪ ،‬أما نظري ًا‪ :‬فإن عىل َم ْن رام الت صيل هلا أن يكون حمرتز ًا الغايهة أن‬ ‫تتسع اللهة ألفاظه يف حتجهري األ وات االجتها يهة‪ ،‬وأن يكهون لهذلك منتبهها‬ ‫لمعمميات االخرتاقية املحسوبة عىل املجتهدين والت تقأع وائر اإلمجاع املبتوتة‪،‬‬ ‫إما عىل عمأ وبصرية‪ ،‬وإما عىل جهل وعامية‪.‬‬ ‫وقد لان املؤلف عىل قدر من التوازن حينام عا إىل فهتح بهاب االجتهها مهع‬ ‫حرص الشديد عىل التمسهك بمعاقهد اإلمجهاع‪ ،‬والتخهوف مهن جمهاوزة حهدو‬ ‫اتفاقاهتأ‪ ،‬وهذا يف احلقيقة حسن جد ًا‪ ،‬وسبب حسهن ههو مها اشهتمل عميه مهن‬ ‫الدعوة إىل االجتها من املت همني ل مع احلرص عىل نبط هذا الباب من الهتام‬ ‫‪36‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫يف االجتها إىل رجة خرق اإلمجاعات املحققهة‪ ،‬فهه بهذلك عهوة إىل اجتهها‬ ‫منضبط‪ ،‬وسبب إشارتنا إىل توازن الشيخ حاتأ من ههذا اجلانهب ههو أن الواقهع‬ ‫حيك لثرة الصدام بني هاتني الدعوتني لام سبق‪ ،‬فمن قام باالجتها و عا إىل فتح‬ ‫باب ‪ :‬تراه ينب إىل نعف لثري من اإلمجاعات املحكية وأهنا ليسهت لهذلك‪ ،‬ثهأ ال‬ ‫يمق هلا باال‪ ،‬ويف املقابل فإنك جتد لثريا ممن يدعون إىل التمسك بمعاقد اإلمجاع‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫عهال قهد‬ ‫شديد احلذر والتوجس من إطمق الدعوة إىل االجتها ‪ ،‬وأهنا يف مقام‬ ‫يرتقي َم ْن ال يأول ‪ ،‬فيكون هذا عائق ًا أمام مسار االجتها الواجب‪.‬‬ ‫و املقصو هنا اإلشا ة بالتوازن احلسن الذ بدا يف لتابهة املؤلهف‪ ،‬وإن لهان‬ ‫تفصيل هذا التوازن ال يزال بحاجة إىل مزيد بيان؛ فإن املؤلهف وإن بهدا منه ههذا‬ ‫التوازن النظر إال أن عا ف خفق حني رشع يف تفصيم ‪ ،‬حتى نل هذا التهوازن إىل‬ ‫ءء من التناق‬

‫‪ ،‬بني املبالغة يف التقرير النظهر حلهدو اطهمف املعتهّرب‪ ،‬وبهني‬

‫املبالغة يف تسويغ اجتها ات املجتهدين‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة اخلامسة‪ :‬عدم التزام البناء األصويل‪:‬‬ ‫منش الغمط عند الشيخ حاتأ العوين يف مجمة عريضة من مسائل الكتاب أن مل‬ ‫يمتزم البناء األصويل يف ترتيب املسائل‪ ،‬فض ً‬ ‫م عهن عمقهة "الفهرع الفقهه " بهه‬ ‫"جذره األصويل"‪ ،‬وإنام تبدأ املس لة عنده من الشافع ‪ ،‬ومتهر به يب املظفهر وابهن‬ ‫تيمية‪ ،‬وتنته بقأب سانو‪ ،‬وتنته القصة!‪.‬‬ ‫ومع قة املسائل الت تناوهلا فإنك ال جتده اعتهّرب الهرتالأ األصهويل‪ ،‬السهيام‬ ‫املرحمة الثانية‪ ،‬والثالثة يف التدوين األصويل‪ ،‬ولعل موقف من املتكممهني فعه إىل‬ ‫جتاوزها مجم ًة واحدة! فمأ يعب هبا‪ ،‬وهلذا فمنا أن نقول‪ :‬إن الهرتالأ األصهويل ههو‬ ‫حشو يف التكوين العممه لممسهائل األصهولية الته تعهرض هلها الشهيخ حهاتأ‬ ‫الرشيف‪ ،‬وهذا منهج خأري ال يقل خأورة بحال عن ر بعه‬

‫أخبهار اآلحها ‪،‬‬

‫فهذا يف الثبوت‪ ،‬وياك يف الداللة‪ ،‬وست يت عدة إشارات إىل اهتامم املؤلهف بقضهية‬ ‫الثبوت (وه قضية تتعمهق بعمهأ احلهديث بامتيهاز)‪ ،‬واسهتغراق يف التفاصهيل‪،‬‬ ‫واعتبار الثبوت لافي ًا يف فع اطمف في ‪ ،‬بينام ال جتد عنده هذا الهنفس املأهول يف‬ ‫الدالالت واألقيسة (ومها أبرز سبب لمخمف الفرع )‪ ،‬ومل يتعهرض لمهدالالت‬ ‫الباطمة باإلمجاع أو عند عامة األصوليني‪ ،‬أو حماولة فرز الصحيح منها من الغمط‪،‬‬ ‫ل نواع قياس الشب مثم‪ ،‬ولك أن تتصور املساحات الشاسعة ملسهائل القيهاس يف‬ ‫لتب األصوليني والفقهاء بام مل ينعكس يف لتابات املؤلف إال ملاما‪ ،‬وقهارن يلهك‬ ‫بمساحة "خّرب الواحد" يف الكتاب؛ فإممءات املؤلف هلهذه املسهائل مل تكتسهب‬ ‫‪38‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫حّربها املوزون من الواقع الفقه واألصويل‪.‬‬ ‫ناهيك عن إخراج مجمة من املسائل األصولية عن سياقها األصويل إىل النزاع‬ ‫املنهج مع أهل األهواء‪ ،‬لبع‬

‫أنهواع اإلمجهاع‪ ،‬وقهول الصهاحب‪ ،‬والقيهاس‬

‫مفص ً‬ ‫م إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫الصحيح‪ ،‬وسي يت لل يلك َ‬ ‫حق ًا‪ ،‬لقد لان ملوقف املؤلف من صنَاع أصول الفق الكبار من املتكممني أثهر‬ ‫سمب يف بعده عن لثري من قائق هذا العمأ‪ ،‬بام ظههرت نثهاره يف تعثهر مجمهة مهن‬ ‫مسائل الكتاب‪ ،‬وإنام غاية مباحث عمأ األصول عنده‪ :‬اإلمجاع والقياس ونحومها‬ ‫من املسائل الكبار‪ ،‬ويف احلقيقة إنام هذه بع‬

‫العنهاوين الكهّربى ألصهول الفقه ‪،‬‬

‫وليست ه أصول الفق ‪" ،‬ومن تع َمأ عمام فميدقق في ")‪(1‬؛ فكيهف بمهن تصهدى‬ ‫لفرز اطمف الفقه واألصويل مع ًا!‪.‬‬ ‫توسع الشيخ حاتأ يف تفصيل رشط اإلمجاع برس بعه‬ ‫لام قد َ‬

‫األوصهاف‬

‫الدقيقة الت يؤمن هبا‪ ،‬وش َكل أقسام بحسب اآلراء الته توصهل هلها‪ ،‬وربهام ال‬ ‫يس ِمأ هبا مجاعات من أهل العمأ‪ ،‬إما زيها ة‪ ،‬وإمها نقصهان ًا‪ ،‬وههذا ال يتناسهب يف‬ ‫لتاب يريد صاحب أن حيل مشكمة عويصة يف اختمف األئمة‪ ،‬ولبار املجتههدين‪،‬‬ ‫ومجاعات املفتني!‪.‬‬ ‫فهل سيس ِمأ لل هؤالء يف خضأ اصصاهتأ الدقيقة السيام األصوليني منهأ‬ ‫لممحدث فيام استبدَ ب وهنأ‪ ،‬ويف عقر ارهأ؟!‪.‬مع ما و َلد عمهيهأ املسهائل‪ ،‬ثهأ‬

‫(‪ )1‬رواه عن الشافع ‪ :‬البيهق بإسنا ه يف لتاب "مناقب الشافع " (‪.)142/2‬‬

‫‪39‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ينكر عميهأ تقحمهأ يف الكمم عىل مسائل احلديث وعموم !‪.‬‬ ‫الذي يمكن اجلزم بةه‪ :‬أن املؤلف يف جمموع ما انتهى إليه غهري مسهبوق يف‬ ‫حتديد ما يسوغ في اطمف‪ ،‬وهذا خيالف العمو الفقر الذ أقهام عميه لتابه ‪،‬‬ ‫وهو اإلمجاع بتفاصيم ‪.‬‬ ‫وعىل كل‪ :‬فإن لمم املؤلف يف لثري من مسائل الكتاب ه يف رجات يمكن‬ ‫حمهررا‪،‬‬ ‫احتامهلا‪ ،‬وال يبعد أن يكون أصاب فيها احلق‪ ،‬ومنها ما لهان لممه فيهها َ‬ ‫أمر جمل‪ ،‬وهو السهبب الهرئيس واألول يف‬ ‫لكن لوهنا حد ًا لتسويغ اطمف فهذا ٌ‬ ‫تكمف لتابة هذه األوراق‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفات املتعلقة بمن ال يستحق اإلفتاء‪:‬‬ ‫الوقفة السادسة‪ :‬صفات َم ْن ال يستحق اإلفتاء‪.‬‬ ‫الوقفة السابعة‪ :‬تفاصيل املنهج الكيل البدع ‪.‬‬ ‫الوقفة الثامنةة‪ :‬إ را خهمف الظاهريهة يف اإلمجهاع السهكويت وأقهوال‬ ‫الصحايب نمن اطمف املنهج ‪.‬‬ ‫الوقفة التاسعة‪ :‬نابط اجلاهل الذ ال يستحق اإلفتاء‪.‬‬ ‫الوقفة العارشة‪ :‬خمف املبتدعة‪.‬‬ ‫الوقفة احلادية عرشة‪ :‬التحذير من أهل األهواء إيا تشبهوا ب هل العمأ‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة السادسة‪ :‬صفات َم ْن ال يستحق اإلفتاء‬ ‫يلر الشيخ حاتأ – حفظ اهلل ‪ -‬أن ال يستحق اإلفتاء َم ْن توفرت في إحهدى‬ ‫الصفات التالية‪:‬‬ ‫‪-0‬‬

‫أن يكون غري عامل‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫أن يكون غري عدل‪ ،‬نعيف التدين‪ ،‬وهو الذ ل ِقب يف الرشع بالفاسق‪.‬‬

‫‪-3‬‬

‫أن يكون ل منهج ليل يف االستدالل أو االستنباط خيالف مهنهج السهمف‬ ‫(وهو اطمف البدع )‪ ،‬برشط أن يكون منهج الكيل هذا حييد ب حكامه‬ ‫غالب ًا عن الصواب‪ ،‬فيجعل خأ ه فيهها ألثهر مهن صهواب ؛ ألنه سهاوى‬ ‫اجلاهل يف لون احتامل اطأ من ألهّرب مهن احهتامل الصهواب‪ ،‬فاسهتحق‬ ‫التحذير من لذلك)‪. (1‬‬

‫قلت‪ :‬يشرتط يف اطمف املعتّرب – يف نظر ‪ -‬رشطان اثنان فقط‪ ،‬ومها‪:‬‬ ‫‪-0‬‬

‫أن يكون صا ر ًا عن أهم ‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫أن يكون مستنده الرشع اطاص مما حيتمم الدليل‪.‬‬ ‫يقول الشافع رمح اهلل‪" :‬ما لان من يلك حيتمل الت ويهل‪ ،‬ويهدرك قياسها‪،‬‬

‫فذهب املت ِول أو القايس إىل معنى حيتمم اطّرب أو القياس وإن خالف في غهريه‪ :‬مل‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني‪ :‬ص‪.218 ،212 ،287‬‬

‫‪42‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫أقل أن يضيق اطمف يف املنصوص")‪. (1‬‬ ‫وباشرتاط األهليةة‪ :‬نستغن عن يلر الرشطني األولني يف صفة َم ْن ال يستحق‬ ‫يؤهم‬ ‫الفتوى؛ ألن األهمية يشرتط يف صاحبها أن يكون عاملا ورع ًا‪ ،‬فيكون ل عمأ ِ‬ ‫إلصابة احلق‪ ،‬ويكون عنده ين يمنع من قول الباطل‪ ،‬أو التمكؤ يف بيان ‪.‬‬ ‫وحينئذ يكون هذان الوصفان فيمن ال يسهتحق الفتهوى‪ ،‬مهها بيهان وتفسهري‬ ‫لمرشط األول لمخمف املعتّرب‪ ،‬فيقال هكذا‪:‬‬ ‫يشرتط يف اطمف املعتّرب أن يكون صا ر ًا عن أهمية‪ ،‬واألهمية تتحقق بهالعمأ‬ ‫والدين‪.‬‬ ‫بني ليس استدرال ًا‪ ،‬وإنام هو ترتيب وتنظيأ لصورة املسه لة مهن‬ ‫وهذا لام هو ِ ٌ‬ ‫معقدها الرئيس يف اطمف املعتّرب‪.‬‬ ‫أما الوصف الثالث املانع من استحقاق الفتوى عند املؤلف‪:‬‬ ‫فهو يتكون من أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬أن يكون لممفت منهج ليل يف االستدالل خيالف منهج السمف‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن يكون هذا املنهج حييد ب حكام غالبا عن الصواب‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬نعأ‪ ،‬املنهج الكيل البدع يشكل خأر ًا عىل عممية الفتوى‪ ،‬لكنه لوصهف‬ ‫هو ألصق بصفات اطمف غري السائغ‪ ،‬من إىل صهفات املفته الهذ ال يسهتحق‬

‫(‪ )1‬الرسالة ص‪.168‬‬

‫‪43‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫اإلفتاء‪ ،‬فإن لان ال بد من بيان فمعل األفضل إ راجه نهمن األوصهاف املنافيهة‬ ‫لمعمأ؛ ألن املقصو بالعمأ هو العمأ الرشع املعتّرب‪.‬‬ ‫ثم إنه ال بد من التنبه – وهو املهم يف احلقيقة‪: -‬‬

‫إىل أن هناك تفاوت ًا وانح ًا يف بع‬

‫األصول املنهجية بني املدارس الفقهيهة‪،‬‬

‫ولل يدَ ع سممة منهج ‪ ،‬وخأ املنهج اآلخر‪ ،‬فمذهب أهل الرأ خيتمف لثريا‬ ‫عن مهذهب أههل احلهديث‪ ،‬ومهذهب فقههاء احلهديث أ ق مهن عمهوم مهذهب‬ ‫املحدثني‪ ،‬والظاهريهة يقولهون‪ :‬إهنهأ اهريوا مهذاهبهأ مهن مجمهة مهذاهب أههل‬ ‫احلديث‪ ،‬ثأ إن مذهب أهل املدينة (املالكية) خيتمف يف بناء لثري من األصول عهن‬ ‫منهج الشافعية واحلنابمة‪ ،‬أما املعهارصون فالتفهاوت بيهنهأ لبهري يف االسهتدالل‪،‬‬ ‫فهناك طرق تقميدية متيش عىل قواعد املدارس القديمة‪ ،‬وهناك طريقة يغمب عميها‬ ‫النزعة الظاهرية‪ ،‬وهناك طريقة يغمب عميها االعتبار املقاصد ‪ ،‬وهناك اجتاههات‬ ‫أخرى يف وائر معينة‪ ،‬لاالجتاه الذ يمثهل خأهوط ابهن تيميهة اخهل املدرسهة‬ ‫احلنبمية‪ ،‬أو يمثل مدرسة القول الراجح بحسب مدَ عي ‪.‬‬ ‫واملقصود‪:‬‬

‫أن قد يقع بني مجمة هذه االجتاههات عهاوى إسهقاط إحهدى االجتاههات‬ ‫األصهول الكبهار‪ ،‬أو أن خأ هها‬

‫األخرى‪ ،‬ووصفها ب هنا خمالفة لمسمف يف بع‬ ‫ِ‬ ‫صوبنا النظر تمقاء أقهدم مدرسهتني‪ ،‬ومهها‪ :‬مدرسهة أههل‬ ‫ألثر م ْن صواهبا‪ ،‬فإيا َ‬ ‫احلديث‪ ،‬ومدرسة أهل الرأ ‪ ،‬فإن يتضح لنا أن بينهام مها يفيهد رصاحه ًة إسهقاط‬ ‫اآلخر نمن أحد األصول الت تدَ عى أهنا لمية‪ .‬وبم شك فهه منهاهج متباينهة‪،‬‬ ‫‪44‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وما أبعد مدرسة أهل الرأ ببحبوحتها‪ ،‬عن مدرسة أهل احلديث برصامتها‪ ،‬عن‬ ‫مدرسة أهل الظاهر بمضائقها‪.‬‬ ‫وإىل اليوم ال تزال جتد من يسقط اآلخر بجممة اعتبارات أبرزها استعامل‬ ‫هذه القاعدة بمخالفة اآلخر لممنهج الكيل لمسمف يف االستدالل!‬ ‫راجع إىل تصحيح املنهج املنتخب‪ ،‬وإسقاط غريه‪ ،‬فميتنب أن‬ ‫وهذا يف حقيقت‬ ‫ٌ‬ ‫يستأيل مستأيل من خمل هذه القاعدة املرنة إىل إسقاط بع‬

‫املذاهب املعتهّربة‪،‬‬

‫لام هو حاصل قديام وحديث ًا‪.‬‬ ‫لام أن هناك عموما حا ثة استتبعت مناهج خمتمفة يف التعامل معهها‪ ،‬وقهد‬ ‫يدرجها بع‬

‫النهاس يف اطمفهات املنهجيهة‪ ،‬مثهل النظهر املقاصهد يف اهريج‬

‫األحكام الرشعية‪ ،‬وجدَ أيض ًا من املسائل الكبار مها تفاوتهت فيه طرائهق األئمهة‬ ‫املعارصين ومناهجهأ يف التعامل مع ‪.‬‬ ‫وقد كان يمكن‪ :‬أن يكون هذا الرشط يف نمن رشوط اطمف املُستساغ‪،‬‬ ‫وهو الرشط الذ ينص عىل أن يكون اطمف يف حيهز االعتبهار‪ ،‬وحينئهذ ُيهذلر‬ ‫هناك أن املستند الرشع يشرتط في أن يكون صا را عن أ لهة الهوحيني بحسهب‬ ‫أحد املناهج املعتّربة عند أئمة اإلسمم‪ ،‬وهبذا القيد يمكن حتصيل إمجا ٍع مفها ه أن‬ ‫أ منهج يتجاوز هذه املناهج املسمولة املعتّربة فهو منهج باطل بإمجاع املسممني‪.‬‬ ‫وهبذا تكون هذه الصفات الثمثة الت ساقها املؤلف يف مبحث َم ْن ال يستحق‬ ‫الفتوى (عدم العمأ ‪ -‬عدم الدين – منهج ليل بدع يف االستدالل) لمها مندرجة‬ ‫يف رشوط اطمف السائغ‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ومن جهة أخرى فإن هذه الرشهوط الثمثهة نيمهة إىل رشطهني اثنهني بحسهب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الرشط الثالث (أن يكون ل منهج لهيل بهدع )‬ ‫ملؤلف‬ ‫طريقة املؤلف‪ ،‬فقد أرجع ا‬ ‫إىل الرشط األول (أن يكون غري عامل)‪.‬‬ ‫ثأ ق َيد هذين الرشطني بقيد واحد وهو أن يكهون خأهؤه ألثهر مهن صهواب ؛‬ ‫فصار يلر هذين الرشطني حشوا بإزاء هذا الوصف‪.‬‬ ‫ولذا فحسب هذه الأريقة يمكن أن يقال‪:‬‬ ‫إن صفة من ال يستحق اإلفتاء تقترص عىل معنيني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن يكون خأؤه ألثر من صواب ‪.‬‬ ‫ومن أمثمة يلك‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أن يكون غري عامل‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن يكون ل منهج ليل بدع ‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أال يكون ِين ًا‪.‬‬ ‫وهذا بحسب مقتىض لمم املؤلف‪.‬‬ ‫وقد رأيت املؤلف يف بع‬

‫هن يوصهف ب نه ال يسهتحق‬ ‫حواشي يهذلر َ‬ ‫أن َم ْ‬

‫االستفتاء هو‪:‬‬ ‫‪ .1‬إما لنقص العمأ‪.‬‬ ‫‪ .2‬أو لضعف التدين‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وأعرض عن يلر الوصف الثالث وهو املنهج الكيل (‪.)1‬‬ ‫ويف ظن ‪ :‬أن هذا هو املناسب‪ ،‬وه طريقة غالب أههل العمهأ‪ ،‬فهنحن إنهام‬ ‫نتحدث عن تكوين املفت وت هم لمفتوى‪ ،‬أما منهج فتمك مس لة أخرى‪ ،‬عىل أن‬ ‫املؤلف نفس قد أرجع اشرتاط (أال يكون ل منهج ليل بدع ) إىل معنهى الرشهط‬ ‫األول‪ ،‬وأن نبط يلك حيصل بكون اطأ ألثر من الصواب‪ ،‬ونقول‪ :‬فميدرجهام‬ ‫إين معا!‪.‬‬ ‫وهذا من ليس تتبعا لتناقضات املؤلف‪ ،‬ومعاي اهلل أن أتتبع أخأاء مهن بهذل‬ ‫نفس لمعمأ‪ ،‬وإنام هو ءء من الرصامة يف البحث‪ ،‬بام يهدل عهىل أن ههذا الرشهط‬ ‫جر النظر‪ ،‬ولكنه يغمهب عميه‬ ‫الزائد ال يتوافق حتى مع طريقة املؤلف نفس إيا َ‬ ‫أحيان ًا استحضار بع األصول الت أوالها جهده وزمان حتى أرست تفكهريه‪،‬‬ ‫ومنها ما نحن في ؛ فإن ل – حفظ اهلل – عناية بالر عىل من يسهميهأ املتكممهني‪،‬‬ ‫وسيتضح يلك جميا يف حجأ معاجلت هلذه املشكمة يف هذا الكتاب مع اختصهاص‬ ‫مونوع الكتاب باختمف املفتني‪.‬‬ ‫و نلخص ما سبق بام ييل‪:‬‬ ‫‪-0‬‬

‫الرشوط املهذلورة يف صهفة مهن ال يسهتحق اإلفتهاء مهذلورة يف رشوط‬ ‫اطمف السائغ سواء لان يلك عىل طريقة املؤلف‪ ،‬أو عىل طريقة متع ِقب ‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫يكتفى يف يلر صفات َم ْن ال يستحق اإلفتهاء عهد ُم تهوافر أمهرين اثنهني‪،‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني‪ :‬ص‪213‬‬

‫‪47‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ومها‪:‬‬ ‫‪ .1‬العمأ‪.‬‬ ‫معنى زائد ًا‬ ‫بمعنى‪ ،‬وإن لان الورع قد يفيد‬ ‫‪ .2‬الدين أو الورع‪ :‬ولممها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال يشرتط حصول فيم ْن ت َهل إىل اإلفتاء‪ ،‬وإن لان يستحب حتقيق ‪.‬‬ ‫بقي سؤال ُ‬ ‫يطل برأسه‪ ،‬ومفةاده‪ :‬ما املعيار يف معرفة أن صواب الرجهل‬ ‫ألثر من خأئ ‪ ،‬حتى يسقط من ائرة الفتوى‪ ،‬مع أن املناهج املعتّربة متباينهة‪ ،‬وإىل‬ ‫مسافات بعيدة؟‬ ‫وسؤال أخر‪ :‬ما ه هذه األصول غري املعتّربة؟ وب‬

‫ميزان توزن؟ هل هو‬

‫بميزان أهل احلديث؟ أو بميهزان أههل الهرأ ؟ أو بميهزان النصهوص؟ فهرتجح‬ ‫املس لة إىل التفاوت واالختمف يف املكاييل نفسها‪ ،‬ويف املوازين نفسها‪ ،‬وبناء عهىل‬ ‫هذه الأريقة‪ ،‬فإن الفقهاء اليوم‪ ،‬بل والفقهاء باألمس قد تساقأوا بجممتهأ! نظر ًا‬ ‫إىل معيار اآلخرين‪.‬‬ ‫ومن خمل الت مل يف عنوان الكتاب‪ ،‬ومن خمل الت مل فيام يلهره فيبهدو‬ ‫أن مقصو املؤلف ههو باعتبهار النصهوص‪ ،‬أو باعتبهار تقريهرات أههل احلهديث‬ ‫وفقهائ هأ‪ ،‬وعمي فإن املؤلف نمن بصدق ههذه املدرسهة ولوهنها أمثهل املهدارس‬ ‫بحسب نظره‪ ،‬فساق منها تقريراهتأ املناسبة‪ ،‬ومل يكتف هبذا حتى جعمهها معيهار ًا‬ ‫لتسويغ اطمف‪ ،‬ووقع ل يف مونع أن جعمها معيار ًا لمعامل املعتّرب من غري املعتّرب‪.‬‬ ‫‪ ‬تنبيه‪ :‬أحلظ عىل املؤلف استعامل حرف "االستدالل" و"االستنباط" معه ًا‪،‬‬ ‫‪48‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ول هنام متغايران‪ ،‬وأحيان ًا يفر احلديث عن "االستنباط"‪ ،‬وقد رأيتن تبعته‬ ‫يف يلك‪ ،‬ومن خمل راسة أعد هتا تبني يل أن االستنباط ما هو إال االستدالل‬ ‫اطف ‪ ،‬وهبذا يكون الكمم عن االستدالل لايف‪ ،‬وال يغنه عنه الكهمم عهن‬ ‫االستنباط‪ ،‬واهلل أعمأ‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة السابعة‪ :‬تفاصيل املنهج الكيل البدعي‬ ‫يف غمرة تفصيل املؤلف لمرشط الثالث يف استحقاق اإلفتاء‪ :‬أن ال يكهون‬ ‫لممفت منهج ًا لمي ًا بدعي ًا خيالف منهج السمف‪ ،‬يلر أن اطمف املنهج ال خير‬ ‫عن أحد هذين القسمني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اختمف مصا ر التمق ‪ ،‬والثاين‪ :‬اختمف منهج االستنباط‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اختمف مصا ر تمقي عن مصها ر‬ ‫املخالف‬ ‫فاألول‪ :‬أن يكون م خذ اختمف‬ ‫َ‬ ‫السمف‪ :‬إما بالزيا ة‪ ،‬أو بالنقص(‪.)1‬‬ ‫ويلر أن النقص‪:‬‬ ‫‪ -0‬لر السنة ر ا لميا‪.‬‬ ‫‪ -2‬أو شب ليل (لر خّرب اآلحا مأمقا)‪.‬‬ ‫‪ -3‬أو ر ها ر ا جزئيا (عىل غري منهج املحدثني الذ ارتضاه الفقهاء)‪.‬‬ ‫‪ -4‬أو لر اإلمجاع املتحقق‪.‬‬ ‫‪ -5‬أو إنكار القياس برشط الصحيح‪.‬‬ ‫ونمحظ هنا‪:‬‬ ‫أن الوصف املانع من اإلفتاء هو أن يكون لممفت منهجها لميها بهدعيا‪ ،‬بيهنام‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.221‬‬

‫‪51‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫نجده يف تفصيل هذا الوصف يكتف يف حتصيل هذا املنهج الكيل البدع يف بع‬ ‫صوره ب ن يقع لممفت الر اجلزئ طّرب اآلحا بام خيالف منهج املحدثني‪ ،‬ومعموم‬ ‫أن الفقهاء السيام أهل الرأ واملالكيهة هلهأ تفصهيل يف ههذه املسه لة‪ ،‬مرجعه إىل‬ ‫التمسك باألصول‪ ،‬فهو من باب تقديأ بعه‬ ‫املتضافرة عىل بع‬

‫األصهول املقهررة مهن النصهوص‬

‫النصوص املشكمة من ناحية الداللة أو الثبوت‪ ،‬فهو من باب‬

‫مر بعدة أطهوار‬ ‫تقديأ النص األقوى عىل النص األنعف‪ ،‬وهذا الباب من العمأ َ‬ ‫ُ‬ ‫املؤلف قد أنزل املسه ل َة يف منهازل املهنهج‬ ‫بالنظر إىل التحقق من الثبوت‪ ،‬بينام نجد‬ ‫الكيل البدع املخالف ملنهج السهمف‪ ،‬وال أ ر مهن ههأ السهمف إن مل يكونهوا‬ ‫أولئك؛ فإن مدرست املدينهة والكوفهة مهها أقهدم مدرسهتني يف التقعيهد الفقهه‬ ‫واألصويل‪ ،‬فميت الشيخ التفت إىل التقعيدات اطاصهة لممهدارس األربعهة‪ ،‬فههو‬ ‫يتكمأ عام يسوغ في اطمف وما ال يسهوغ‪ ،‬فكيهف يتجهاوز التقريهرات اطاصهة‬ ‫ملدارس الفقهاء فض ً‬ ‫م عن إخرا مدرستني عريقتني من جمموع أربع مدارس من‬ ‫مجمة اطمف املعتّرب!! السيام أن املؤلف يتحدث عن رشوط استحقاق اإلفتاء‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الثامنة‪ :‬إدراج خالف الظاهرية يف اإلمجاع السكويت ويف‬ ‫أقوال الصحايب ضمن اخلالف املنهجي‪:‬‬ ‫تفريع ًا عىل ما سبق من اشرتاط املؤلف يف املفت أال يكون ل‬ ‫ٌ‬ ‫ليل بدع ٌ‬ ‫منهج ٌ‬ ‫يف االستدالل خيالف منهج السمف‪ :‬فقد اعتّرب بناء عىل يلك أن خمف الظاهريهة‬ ‫يف عدم إقامتهأ وزن ًا لإلمجاع السكويت وال ألقوال الصحابة‪ :‬هو خمف منهج ‪.‬‬ ‫ولذلك فإن ال يعتد ب قواهلأ الت لان م خذ خمفهأ فيها شيئا من هذه القواعد‬ ‫الباطمة‪.‬‬ ‫وألد هذا بنقم عن الشاطب ما يفيد عدم اعتبار أقوال الفهرق اطارجهة عهن‬ ‫السنة فيام نمت في ؛ ألهنا مل جتمع بني أطراف األ لة فتشاهبت عميها املآخذ (‪.)1‬‬ ‫وال أجد أن املقام يتسع ملناقشة صدق هذه الدعوى العريضهة‪ ،‬فمهيس هنهاك‬ ‫ت صيل من األ لة‪ ،‬وال تقرير من لمم األئمة‪ ،‬وال يعدو أن يكون ما يلهره تقريهر ًا‬ ‫من شخص الكريأ‪ ،‬ولكن أشري إىل أمور‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن القول بعدم االعتدا بخهمف الظاهريهة يف مسهائل اإلمجهاع القيهاس‪:‬‬ ‫معروف عند أهل العمأ؛ لكن أين قوهلأ‪ :‬بعدم اعتبارهأ يف أقوال الصحابة‬ ‫الثاين‪ :‬لمم أهل العمأ غايت عهدم االعتهدا ‪ ،‬وال أ ر ؛ ليهف جهاز لممؤلهف‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.217‬‬

‫‪52‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫إخرا هذه املسائل من السياق األصويل املح‬

‫‪ ،‬ثأ حرشها يف مجمة أصهول‬

‫أهل األهواء‪ ،‬وإحالتها إىل خمفات بدعية‪ ،‬مما يسهأ يف توسيع اهلوة بني أهل‬ ‫العمأ‪ ،‬وهذا ما يناق‬

‫أحد مقاصد الكتاب‪.‬‬

‫ثالثاَ​َ‪ :‬أن اطمف يف اإلمجاع وقول الصحايب ليس بقارص عىل الظاهرية حتهى يه يت‬ ‫املس لة ِم ْن هذا السبيل‪ ،‬ويأرقها من هذا الباب؛ فإن اطمف فيهام قائأ أيضه ًا‬ ‫مع مجاعة من أئمة الفقهاء‪ ،‬وجهابذة األصهوليني‪ ،‬وهه طريقهة لكثهري مهن‬ ‫املّربزين من املعارصين‪ ،‬ولمهأ ال يمت إىل الظاهرية بصمة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أما لمم مجاعة من أهل العمأ يف عدم االعتدا بخمف الظاهرية فيام انفهر وا‬ ‫ب وأحدثوه من األقوال‪ ،‬فهذا معروف‪ ،‬ووجه أن يف أعيان املسائل الته خهالف‬ ‫فيها ُ‬ ‫أهل الظاهر ما أمجعت عمي األمة من قبمهأ‪ ،‬وههذا ال اختصهاص فيه ب ههل‬ ‫ٍ‬ ‫أحد أحدث قوالً خالف اإلمجهاع املنعقهد قبمه ‪ ،‬ال‬ ‫الظاهر‪ ،‬فإن ال عّربة بقول أ‬ ‫الظاهرية وال غريهأ‪ ،‬ومثم ما لان ما يقأع ببأمن ؛ لإنكار القياس اجلهيل؛ فهإن‬ ‫االجتها الواقع عىل خمف الدليل القاطع ال يعتد ب ‪ ،‬لاجتها من ليس من أهل‬ ‫االجتها ‪ ،‬طروج عن مرسح النظر ومراح ‪.‬‬ ‫أما ما سوى يلك من خمف أهل الظاهر مما حيتمم الدليل؛ فإن يعتد ب لتوفر‬ ‫صفة االجتها لدهيأ‪ ،‬وهذا ما يهب إليه القهايض عبهد الوههاب البغهدا‬

‫مهن‬

‫املالكية‪ ،‬واألستاي أبو منصور‪ ،‬وقرره ابهن الصهمح‪ ،‬وحكهى أنه الصهحيح مهن‬ ‫مذهب الشافعية‪ ،‬واستقر عمي األمر نخرا فيام هو األغمهب األعهرف مهن صهفوة‬ ‫األئمة‪ ،‬ل يب حامد‪ ،‬واملاور ‪ ،‬والقهايض أبهى الأيهب وشهبههأ‪ ،‬واختهاره مهن‬ ‫‪53‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املت ه خرين‪ :‬النههوو ‪ ،‬وابههن قيههق العيههد‪ ،‬والههذهب ‪ ،‬و ابههن القههيأ‪ ،‬والسههبك ‪،‬‬ ‫والشولاين‪ ،‬وحكاه األمني الشنقيأ عن املحققني من عمامء األصول)‪. (1‬‬ ‫لان عىل املؤلف وهو يرسأ خأوط "تسويغ اطهمف" أال يربأهها بمهؤرش‬ ‫يمح‬ ‫الرتجيح لدي صعو ًا وهبوط ًا‪ ،‬وأن ِ‬

‫النظر إىل "السواغ" من عدم ‪.‬‬

‫أهل العمأ َ‬ ‫خص ُ‬ ‫أهل الظاهر بالذلر لكثرة شذويهأ فهيام أحهدثوه مهن‬ ‫وإنام َ‬ ‫يفرسهه اقتصهارهأ يف االعتهدا‬ ‫األقوال‪ ،‬وملوقفهأ مهن عهدم املبهاالة باملخالفهة‪ِ ،‬‬ ‫باإلمجاع عىل املستيقن من ‪ ،‬واقتصارهأ عىل اإلمجاع هو من جهة االعتبار أيضه ًا ال‬ ‫قارص عىل النص‪ ،‬واإلمجهاع املسهتيقن ال‬ ‫من جهة االستدالل‪ ،‬فإن الدليل عندهأ‬ ‫ٌ‬ ‫خير عن ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املؤلف في عدم االعتدا بمخالفة أهل‬ ‫أما اإلمجاع السكويت والذ أطمق‬ ‫الظاهر يف مجمة خمالفاهتأ الت مل يقأ أهل العمأ هلا وزنا‪ ،‬فهذا ال يتناغأ مع الواقهع‬ ‫الفعيل لممس لة‪ ،‬سواء لان يلك يف املدرسة األصهولية نفسهها‪ ،‬أو لهان واقعه ًا يف‬ ‫طرائق األئمة يف التعامل مع استدالال أو خمالفة‪.‬‬ ‫فإن هذه املسه لة هه مهن ُع َقهد األصهول‪ ،‬ولهمم الشهافع فيهها معهروف‬ ‫ٍ‬ ‫سالت قول"‪ُ ،‬ن ِق َمت عن يف عني‬ ‫ومفصل‪ ،‬ومن عبارات الرشيقة‪" :‬أال ينسب إىل‬ ‫هذه املس لة‪ ،‬ويبدو أن عدم التفات املؤلف إىل أطهراف املسه لة األصهولية‪ ،‬وال إىل‬ ‫(‪ ) 1‬فتاوى ابن الصالالح املسالألة ص ‪ ،93 ،92‬رشح اإلملالا (‪ ،)38/3‬نثالر الالوروع عالىل مراقالس السالعوع‬ ‫‪ ، 429 ،427\2‬االعتداع بخالف الظاهرية لعبد السال الشويعر جملة البحوث اإلسالمية العالدع‪68‬ص‬ ‫‪.323-293‬‬

‫‪54‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫تعمقاهتا الفقهية سمحت ل إطمق مثل هذه العبارة ‪.‬‬ ‫وأجد أن لدصوليني احلق الكامل أن يثريوا هاهنا‪ :‬ما أثاره عميهأ املؤلهف يف‬ ‫ٍ‬ ‫حهق‬ ‫بصهوت جههور أنه‬ ‫مس لة قبول ما هو من خّرب اآلحا ؛ فإن هناك أسمعهأ‬ ‫ٌ‬ ‫حم ألهل احلديث املختصني‪ ،‬وأن ليس من ش ن غريهأ‪.‬‬ ‫حابس يفوقان‬ ‫قمت‪ :‬ما أحد املونعني ب وىل من اآلخر‪" ،‬فام لان ِح ْص ٌن وال‬ ‫ٌ‬ ‫ِم ْر اس يف جممع"‪.‬‬ ‫وأسوق هنا بع‬

‫النقوالت القريبة‪ ،‬والت ه يف متناول اليد‪ ،‬املفيدة اعتبهار‬

‫ُ‬ ‫النزاع في ‪ ،‬ورسم يف وائر أهل السنة بإزاء أصول‬ ‫املؤلف‬ ‫النزاع يف أوسع مما منع‬ ‫َ‬ ‫أهل األهواء‪:‬‬ ‫قال ابن حبان البستي ‪:‬‬

‫(اإلمجاع عنهدنا إمجهاع الصهحابة الهذين شههدوا هبهوط الهوح والتنزيهل‪،‬‬ ‫وأعيذوا من التحريف والتبديل‪ ،‬حتى حفظ اهلل هبأ الدين عىل املسممني‪ ،‬وصهان‬ ‫عن ثمأ القا حني‪ ،‬ومل يرو عن أحد من الصحابة خمف هلؤالء)(‪. )1‬‬ ‫قمت‪ :‬من املعموم أن من أهل العمأ‪ :‬من يقرص اإلمجاع املنضبط املعمهوم عهىل‬ ‫إمجاع الصحابة لام ه رواية عن أمحد‪ ،‬قررها ابن تيمية‪ ،‬ويلر أن اإلمجهاع الهذ‬ ‫ينضبط هو ما لان عمي السمف الصالح‪ ،‬أما بعدهأ فقد لثر اطهمف‪ ،‬وانترشه يف‬ ‫األمة‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح ابن حبان ترتيب ابن بلبان (‪. )482 /1‬‬

‫‪55‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ويف مونع نخر اعتّرب ابن تيمية‪ :‬أن اإلمجاع متفق عمي بني عامة املسهممني يف‬ ‫اجلممة‪ ،‬ومل ينكره إال بع‬

‫أهل البدع مهن املعتزلهة‪ ،‬والشهيعة‪ ،‬إال أنه سه َمأ أن‬

‫املعموم من هو ما لان عمي الصحابة‪ ،‬وأما بعد يلك فتعذر العمأ ب غالب ًا (‪.)1‬‬ ‫وعىل هذه الأريقة أهل الظاهر‪ :‬او وأصحاب (‪ )2‬إال ابن حهزم‪ ،‬فهإن اعتبهاره‬ ‫إلمجاع الصحابة أنيق من اعتبار أصحاب الظاهريني‪ ،‬وهو من مجمة ما اسهتدرل‬ ‫عميهأ‪ ،‬وال يكا يثبت من إال ما شاع بينهأ‪ ،‬مما أثبت النص‪ ،‬ولان عمم بوري ًا‪،‬‬ ‫يعرف لل واحد منهأ يف زمن النب صىل اهلل عمي وسمأ‪ ،‬لقسمة غنائأ خيّرب‪.‬‬ ‫فمقتىض قول هؤالء‪ :‬أن إمجاع غري الصحابة ليس بحجة‪ ،‬فتحصل لنا خمف‬ ‫يف وائر واسعة من اإلمجاع الظنه الهذ مل يكتهف املؤلهف بحجيته حتهى منهع‬ ‫اطمف يف فر ٍ ِم ْن أفرا ه‪ ،‬وهو اإلمجاع السكويت‪.‬‬ ‫وقال أبو حامد الغزايل‪:‬‬

‫املحصمون أن السكوت مرت ‪،‬‬ ‫"مل يزل العمامء خمتمفني يف هذه املس لة‪ ،‬ويعمأ‬ ‫ِ‬ ‫وأن قول بع‬

‫األمة ال حجة في "(‪.)3‬‬

‫وقال الصنعاين‪:‬‬

‫"التحقيق أن مل يقأ الدليل إال عىل حجية اإلمجاع القهويل‪ ،‬وأمها ههذا الهذ‬ ‫أشار إلي ‪ ،‬وهو اإلمجاع السكويت‪ ،‬فميس بحجة لام يف عمأ األصول‪ .‬فإيا حققهت‬ ‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى (‪.)341/11‬‬ ‫(‪ )2‬البحر املحيط (‪)482/4‬‬ ‫(‪ )3‬املستصفى (عار الكتب العلمية ص ‪.)112‬‬

‫‪56‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫احلق أن عوى اإلمجاع طريقة القارصين‪ ،‬إيا أعيتهأ األ لة ا عوه عىل منهازعهأ‪،‬‬ ‫وال يميق يلك ب ئمة التحقيق"(‪.)1‬‬ ‫وهذا الرأ قد مال إلي مجاعة من املحققني املعارصين‪ ،‬يقول الشيخ أبو َزهرة‬ ‫(ت ‪ )1974‬رمح اهلل‪:‬‬ ‫" وعند أن احلجيهة لمهها لانهت يف إمجهاع الصهحابة ريض اهلل عهنهأ‪ ،‬ومل‬ ‫يكونوا قد تفرقوا يف األقاليأ‪ ،‬فإن اإلمجاع لان ممكنا‪ ،‬أمها يف عرصه التهابعني وقهد‬ ‫تفرقوا يف األقاليأ فإن اإلمجاع حينئذ مل يكن ميسورا‪ ،‬إن مل يكن متعذرا؛ ولذلك ال‬ ‫يكا الفقهاء يتفقون عىل مس لة من املسهائل‪ ،‬قهد أمجهع عميهها بعه‬

‫الصهحابة‪.‬‬

‫فيبد بعضهأ اإلمجاع فيها‪ ،‬وينكره عمي غريه"‪.‬‬ ‫ويقول األصويل الن َظار ‪ .‬يعقوب الباحسني يف لتاب "اإلمجاع"‪:‬‬ ‫"يظهر مما يلرناه من مذاهب العمامء واسهتدالالهتأ ومها قيهل فيهها‪ ،‬إنه ال‬ ‫يوجد ليل قاطع وحاسأ عىل أ منها"(‪. )2‬‬ ‫ويقول‪:‬‬

‫"اإلمجاع السكويت مما اختمف في العمامء‪ ،‬ورف‬ ‫عدم األخذ ب مما شدَ العمامء في ‪ ،‬ولفروا جاحده"(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬العدة حاشية الصنعاين عىل إحكا األحكا (‪.)187/1‬‬ ‫(‪ )2‬اإلمجاع للدكتور يعقوب الباحسني ص‪.178‬‬ ‫(‪ )3‬املصدر السابق‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫األخذ ب لثهريون‪ ،‬ولهيس‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وبناء عىل لل ما سبق‪ ،‬وبناء عىل قاعدة املؤلف يف الرجوع إىل املختصني‪:‬‬ ‫فإن يبدو بام يلره أهل العمأ وقهرروه أن مسه لة اإلمجهاع السهكويت هه ممها‬ ‫اختمف فيها العمامء‪ ،‬وأهنا لهيس ممها يشهد فيهها‪ ،‬وقهد رفه‬

‫األخهذ بحجيتهها‬

‫لثريون‪ ،‬ومال لثري من املحققني إىل عدم اعتبارها يف اجلممة‪.‬‬ ‫وهذه املسائل‪ ،‬فيها قة وخفاء‪ ،‬واستعامهلا متعارض إىل حهد لبهري‪ ،‬وسهي يت‬ ‫يلرها لدى املؤلف يف رشوط اطمف املعتّرب بقيو ال تهدفع مها يلرنهاه هنها؛ ألن‬ ‫اطمف الواقع بينهأ يف اعتباره ويف استعامل ويف تقييده يبقى حتى مع اعتبار ههذه‬ ‫الرشوط وال يكا يذهب أحد إىل إمهاهلها‪ ،‬ألهنها هه بنيهة أرلانه ‪ ،‬ثهأ إهنهأ قهد‬ ‫خيتمفون يف حتقق هذه القيو ‪.‬‬ ‫وسبقت اإلشارة إىل يلر قيد يتأ ب حتصهيل اإلمجاعهات الصهحيحة بجهنس‬ ‫أعأ‪ ،‬وهو أن يكون مستند املخالف اطاص يف حيز االعتبار‪ ،‬فإنه إيا حهرر عهىل‬ ‫وج يفيد أن قول املخالف فارق إمجاع العمامء املستيقن فإن مستند املخالف يكون‬ ‫حينئذ خار حيز االعتبار؛ ألن اإلمجاع ليل متفق عمي بني العمهامء يف اجلممهة ‪-‬‬ ‫وهذا ليس استدالال وإنام بيان ًا لمواقع ‪ -‬وإنهام يقهع النهزاع يف حتققه ويف وقوعه ‪،‬‬ ‫فالكل يسمأ حصول اإلمجاع يف مس لتني‪:‬‬ ‫‪ -0‬اإلمجاع القأع ‪.‬‬ ‫‪ -2‬مجمة لبرية من املسائل الظنية الت مل يقع فيها نزاع بهني أههل العمهأ‪ ،‬فهه يف‬ ‫حكأ اإلمجاع املستيقن الذ ال يتحرك في نزاع بني أهل العمهأ‪ ،‬فهابن حهزم‬ ‫الظاهر الذ هو أشهر من فع االحتجها باإلمجهاع الظنه صهنع مؤلفها‬ ‫‪58‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫لام ً‬ ‫م يف سياق املسائل الت مل يتنهازع فيهها أههل العمهأ‪ ،‬ووسهم بمراتهب‬ ‫اإلمجاع‪ ،‬وأرا في أن حيرر املسائل الت مل يقع فيها اطمف من أحد من أههل‬ ‫العمأ البتة‪.‬‬ ‫واخلالصة‪ :‬أن اإلمجاع حجة إيا حتقق‪ ،‬وهذا عند غالب أههل العمهأ‪ ،‬ويقهع‬ ‫اطمف لثري ًا يف حتقق ‪ ،‬وإيا لان األمر مناطا بتحقق ؛ فإن القدر املتفهق عميه مهن‬ ‫يلك ال يقع في خمف‪ ،‬وإنام يدفع ب بع‬

‫الدخمء من غري أههل العمهأ‪ ،‬أو مها‬

‫وقع عىل هيئة الفمتة‪.‬‬ ‫وال توجد إمجاعات متحققة ال ُينازع فيها إال والنص ظاهر فيها‪ ،‬فهإن خفه‬ ‫النص لان يلك سبب ًا يبعث الريبة والقمق من صحة اإلمجاع املدَ عى‪ ،‬وتز ا الريبة‬ ‫إيا ظهر من النص ما يعارض هذا اإلمجاع املدعى‪.‬‬ ‫وإيا وقع بني أهل العمأ نزاع يف حصول اإلمجاع‪ ،‬فهنا يضهعف االسهتنا إىل‬ ‫اإلمجاع‪ ،‬ويز ا نعف لمام قويت بينة عوى اطرق‪.‬‬ ‫إين القدر الذ ينازع يف حتقق اإلمجهاع فيه – أعنه اإلمجهاع السهكويت‪ -‬ال‬ ‫يصمح أن يكون معيار ًا لتسويغ اطمف‪ ،‬فبات هذا اإلمجاع غري مفيهد يف تسهويغ‬ ‫اطمف‪ ،‬السيام أن هناك من ينازع يف أصل حجيت ‪ ،‬ويبقى أنه يسهتفيد مهن ههذا‬ ‫اإلمجاع َم ْن حيتج ب يف أعيان املسائل‪ ،‬وما لل ما صمح االحتجها به يف الفهروع‬ ‫جاز اعتباره يف تسويغ اطمف يف األصول‪.‬‬ ‫ولذا فم أجتارس عىل إسقاط القول باعتبار اإلمجاع السكويت‪ ،‬اعتبار ًا لمخمف‬

‫‪59‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الواقع يف املس لة‪ ،‬وإ رال ًا إلشكاليتها نظرا وتأبيق ًا‪ ،‬حتى ُن ِقهل عهن الشهافع يف‬ ‫هذه املس لة‪ ،‬وفيام هو أعهأ منهها‪ ،‬وههو اإلمجهاع الظنه عهدة أقهوال مهن نفهس‬ ‫نصوص ‪ ،‬حتى استشكمها أصحاب ‪ ،‬بل جعل فخهر الهدين الهراز أن له قهولني‬ ‫حاولهت‬ ‫متناقضني (‪،)1‬ال يكف لدفعها إحدى إشارات املؤلف يف احلاشية (‪ ،)2‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫حل بع‬

‫عقد املس لة يف اجلواب عن إلزامات ابن حزم لمشافع يف باب اإلمجهاع‬

‫يف بحث يف إلزامات ابن حزم لمفقهاء‪.‬‬ ‫وإيا لان األمهر لهذلك مل جيهز أن نسهقط أحهد القهولني يف اعتبهار اإلمجهاع‬ ‫السكويت بناء عىل ترجيح القول اآلخر‪ ،‬فض ً‬ ‫م أن يكهون يف مجمهة املنهاهج الكميهة‬ ‫البدعية الت االف منهج السمف‪.‬‬ ‫ثأ إن إطمق القول ب ن أهل الظاهر ينكرون اإلمجاع السهكويت فيه مناقشهة‪،‬‬ ‫وإن لان هذا هو املوجهو يف لتهب األصهول‪ ،‬إنهافة إىل ترصهيح أههل الظهاهر‬ ‫أنفسهأ عىل عدم حجيت ‪.‬‬ ‫وسبب هذا هو أن أظهر ما يقع في اإلمجاع السكويت حتهى ا عه انحصهاره‬ ‫في ‪ :‬ما لان يف عرص الصحابة‪ ،‬وأهل الظاهر يف اجلممة يثبتهون إمجهاع الصهحابة‪،‬‬ ‫وإن لان يبقهى أهنهأ ال يكتفهون بتصهحيح عهىل الوصهف املهذلور يف اإلمجهاع‬ ‫بعضهأ ولو لان واحدا فتوى أو حك ًام‪ ،‬ثأ ينترشه قوله بهم‬ ‫السكويت‪ ،‬ب ن ُي ْص ِدر ُ‬ ‫نكري‪ ،‬بل يشرتطون يف إمجاع الصحابة أن جيمعوا لمهأ عىل يلك‪ ،‬وال خيفى تعهذر‬ ‫(‪ )1‬البحر املحيط (‪.)496 ،491/4‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.11 ،18‬‬

‫‪61‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫هذه الصورة حتى يف زمن الصحابة‪ ،‬ومن هنا ناقشهأ ابهن حهزم املؤسهس الثهاين‬ ‫ملذهب أهل الظاهر‪ ،‬وأثبت تعذر هذه الصورة‪.‬‬ ‫واملقصو أن إمجاع الصحابة الذ يثبته أههل الظهاهر ٌ‬ ‫نيهل إىل االلتقهاء مهع‬ ‫اإلمجاع السكويت؛ إي يتعذر العمأ بنأق مجيعهأ‪ ،‬وقد شهد هبذا عمهيهأ ابهن حهزم‬ ‫الظاهر ؛ فيمكن القول‪ :‬إهنأ يثبتون نوع ًا خاص ًا من أنواع اإلمجاع السكويت؛ بهل‬ ‫إن لل اإلمجاعات املدَ عاة حتى القأع منها‪ ،‬يصدق عميها يلهك؛ فهالعمأ بنأهق‬ ‫مجيعهأ حمال‪ ،‬وإن لانت ههذه الصهور لمهها ال تسهمى باإلمجهاع السهكويت؛ ألن‬ ‫"اإلمجاع السكويت" عند أهل العمأ خاص بصورة حمد ة‪.‬‬ ‫واحلقيقة أن املؤلف حفظ اهلل مل حيقق مس لة اإلمجهاع لهام ينبغه ‪ ،‬ومل حيسهن‬ ‫طريقة حتصيم ل ‪:‬‬ ‫نص يف مون ٍع من لمم عىل أن ال جيوز ألحد أن خيالف إمجاعا سكوتيا‬ ‫فقد َ‬ ‫صحيحا؛ ألن ليل متفق عمي (‪.)1‬‬ ‫وإيا جتاوزنا ما يف عهوى االتفهاق؛ فإنه يبقهى اسهتدالالً غريبه ًا أن يسهتدل‬ ‫باإلمجاع عىل صحة نفس اإلمجاع‪ ،‬لام مل يكشف لنا املؤلف عن طريقة حتصيم هلذا‬ ‫اإلمجاع املستدل ب حتى نعمأ أهو من أنواع اإلمجاع املتفق عميها أو املختمف فيها‪،‬‬ ‫أو أن بإمجا ٍع سكو ٍيت نخر‪ ،‬فتنحط رتبة االستدالل ب عن رجات الّرباهني‪.‬‬ ‫وال ندر أهيام ننق‬

‫‪ :‬أطريقت يف االحتجا بالدليل عهىل نفسه ‪ ،‬أم نهنق‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.91 ،79‬‬

‫‪60‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫اإلمجاع املدَ عى‪ ،‬وإيا لان املؤلف عىل سعة اطمع أخفق يف حتصيل ليل اإلمجهاع‬ ‫باالستدالل عمي بنفس هذا الدليل‪ ،‬وأخفق مرة أخرى يف حتصيل عوى االتفهاق‬ ‫عمي ؛ فكيف يصمح بعد يلك أن يكون مها يلهره معيهار ًا لممختمفهني يف تسهويغ‬ ‫اطمف؟(‪.)1‬‬ ‫وقد ق َيد املؤلف اإلمجاع الذ يسوغ في اطمف‪ :‬ببع‬

‫القيو الدقيقة الته‬

‫ترجحت لدي ‪ ،‬فمتى ما لان اإلمجاع حجة عنده مل جيز فيه اطهمف‪ ،‬ومتهى مها مل‬ ‫يكن حجة جاز اطمف في وساغ؛ ولذا فإن عىل املجتههدين أن يكونهوا متهابعني‬ ‫لرتجيحات املؤلف‪ ،‬وما قد يضيف من األوصاف يف الأبعات القا مة لمكتاب؛ إي‬ ‫معها يدور سواغ اطمف بني املجتهدين‪.‬‬ ‫لام أخفق املؤلف لكثري من املعارصين يف متييز مصأمح اإلمجهاع الظنه مهن‬ ‫السكويت‪:‬‬ ‫فهو يذلر اإلمجاع السكويت‪ ،‬ويعرف بحده املعروف عند أهل العمأ‪ :‬وههو أن‬ ‫َ‬ ‫يقول بع ُ جمتهد األمة بحكأ يف واقعة‪ ،‬وينترش يلك احلكأ بني املجتههدين يف‬ ‫يلك العرص‪ ،‬فم يعارن أحد منهأ (‪.)2‬‬ ‫وه مس لة خاصة من مسائل اإلمجاع‪ ،‬تذلر يف مجمة صور اإلمجاع املختمهف‬ ‫فيها‪ ،‬وسبق اإلشارة إىل يلك‪ ،‬لكهن املؤلهف – وبونهوح تهام‪ -‬يريهد به عمهوم‬ ‫اإلمجاع الظن ‪ ،‬بدليل أن أ ر في صور ًا ِمن اإلمجاع الظنه ‪ ،‬لاإلمجاعهات الته‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.91‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.11‬‬

‫‪62‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫يأمقها الفقهاء يف تفاريع املسهائل الفقهيهة‪ ،‬املسهمى اإلمجهاع التحصهييل‪ ،‬وألثهر‬ ‫املحصمة الت حيكيها الفقههاء إنهام هه مهن ههذه الأريهق‪ ،‬وإن لهان‬ ‫اإلمجاعات‬ ‫َ‬ ‫حيصل هذا اإلمجهاع غالبه ًا عهن طريهق‬ ‫اإلمجاع السكويت قد يقع يف أفرا ها‪ ،‬وإنام َ‬ ‫مجاعة من األئمة الكبار املأمعني‪ ،‬فيبحث عن املخالف يف املس لة فم جيد‪ ،‬فيحك‬ ‫بناء عىل يلك إمجاعا يف املس لة بحسب ظن أن لهيس يف املسه لة خهمف أو أنه ال‬ ‫يعمأ نزاعا بني أهل العمأ يف هذه املس لة‪.‬‬ ‫وه طريقة تشب عممية حترير حمل النزاع‪ ،‬فيجمع أقوال أهل العمأ يف املس لة‬ ‫وقيو هأ‪ ،‬ثأ ينظر يف املحل الذ مل يقع في خمف بني أحهد مهنهأ فيحكه فيه‬ ‫اإلمجاع بناء عىل هاتني املقدمتني الظنيتني‪:‬‬ ‫‪ -1‬حترير حمل النزاع‪.‬‬ ‫‪ -2‬عدم االطمع عىل املخالف‪.‬‬ ‫فهذا إمجاع استقرائ أو حتصييل‪ ،‬حيصم العهامل املأمهع عهن طريهق النظهر يف‬ ‫أقوال أهل العمأ‪ ،‬وقد يستغرق نظره عدة طبقات من أهل العمأ‪ ،‬يف عهدة قهرون‪،‬‬ ‫وال يكون غالب ًا عن طريق صورة اإلمجاع السكويت املعروفة لدى أهل العمأ‪.‬‬ ‫ويؤلد هذا‪ :‬أهنأ قد يلروا يف مجمة قيهو اإلمجهاع السهكويت‪ :‬أن يكهون قبهل‬ ‫استقرار املذاهب‪ ،‬ف ما بعد استقرارها فم أثر لمسكوت قأعا‪ ،‬وبناء عىل هذا القيد‬ ‫فإن حتصيل مجاعات من أهل العمأ لإلمجاع ممهن جهاءوا بعهد اسهتقرار املهذاهب‪،‬‬ ‫لالأّرب ‪ ،‬واملنذر ‪ ،‬والأحاو ‪ ،‬وابن عبد الّرب‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬وغريهأ‪ :‬ه خار‬ ‫ائرة اإلمجاع السكويت‪ ،‬إي أعمموا مجمهة عريضهة مهن األقهوال الته ياعهت بعهد‬ ‫‪63‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫استقرار املذاهب‪ ،‬ويقع القدح فيام حكوه من اإلمجاع لو مل يمتفتوا إليها‪ ،‬بيهنام هه‬ ‫ال تعتّرب يف حتصيل اإلمجاع السكويت(‪.)1‬‬ ‫ثأ إن اإلمجاع الظن متسع الدائرة‪ ،‬ومن حيتج باإلمجاع السهكويت فهم بهد أن‬ ‫وواقع أيض ًا أن يقول بع‬ ‫يكون قد فرغ من اعتبار اإلمجاع الظن ‪ ،‬وجائ ٌز‬ ‫ٌ‬

‫الناس‬

‫بحجية اإلمجاع الظن وال يس ِمأ بصحة اإلمجاع السكويت‪ ،‬عىل أن احلنفية ومجاعهة‬ ‫من الشافع ‪ ،‬ل يب إسحاق الشرياز ‪ ،‬وأيب املظفر السهمعاين يهذهبون إىل قأعيهة‬ ‫اإلمجاع السكويت‪ ،‬وم خذ احلنفية أن لل إمجاع فم بد أن يكون قأعي ًا‪.‬‬ ‫أما مسألة قول الصحايب‪:‬‬

‫والت جعمها املؤلف يف مجمة املسائل الباطمة الت قال هبا أهل الظاهر‪ ،‬وأن ال‬ ‫يعتد بخمفهأ فيها‪ ،‬فسبق أن القول بعدم االحتجا بقول الصحايب لهيس خمتصه ًا‬ ‫ب هل الظاهر‪ ،‬ومن الأريف يف سياق أقوال هذه املس لة‪ :‬أن قول مجهور الفقهاء يف‬ ‫االحتجا هبذا الدليل خيالف قول مجهور األصوليني يف عدم االحتجا ب ‪.‬‬ ‫وليس الغرض هنا الكشف والتدقيق عن نسبة هذه األقوال أو إقامة الهدالئل‬ ‫عميها‪ ،‬وإنام الغرض اجلواب عن لمم املؤلف – رعاه اهلل – يف إخرا هذه املس لة‬ ‫من حيز االعتبار الفقه واألصويل إىل أن تكون جنب ًا إىل جنب مهع أصهول أههل‬ ‫األهواء الت ال يستساغ فيها اطمف‪ ،‬وأقول‪:‬‬ ‫إيا لان املؤلف مأر ا يف عهدم اعتهدا ه باإلمجهاع السهكويت يف مجمهة أصهول‬ ‫(‪ )1‬البحر املحيط (‪.)181/4‬‬

‫‪64‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الظاهرية مع اشرتاط يف اطمف السائغ أن ال خيالف إمجاع ًا سكوتيا متحققا‪.‬‬ ‫فإن هنا ال يبدو لهذلك؛ فإنه مهع ترصهحي يف ههذا املونهع بعهدم اعتهدا ه‬ ‫باطمف يف حجية الصحابة فإنا مل نجده حيرتز يف رشوط ما يسوغ في اطهمف أال‬ ‫يكون القول خمالف ًا ملقتىض هذا الدليل (‪.)1‬‬ ‫وال يكف املؤلهف أن يثبهت أن قوله ههو الهراجح‪ ،‬وأن القهول اآلخهر ههو‬ ‫املرجوح؛ بل عمي أن يّربهن زيا ة عىل يلك أن قهول املخهالف خهار عهن حيهز‬ ‫االعتبار؛ ألن اطمف هنا قارص عىل االعتبار وعدم االعتبار ال عىل الهراجح مهن‬ ‫األقوال‪.‬‬ ‫وأشري إىل خمصة عن عاملني اثنني‪ ،‬مها من أمتن عمهامء األصهول والفهروع‪،‬‬ ‫ومن أخص الناس إرشاف ًا عىل أقوال عمامء األمصار‪ ،‬ومها الشافع ‪ ،‬وابهن حهزم‪،‬‬ ‫أن القول بحجية الصحابة ٌ‬ ‫قول مل يمتهزم االحتجها به‬ ‫فقد ألَدا يف موانع عىل‪َ :‬‬ ‫أحدٌ من أهل العمأ البتة‪ ،‬حسب أنيق الرشوط الت اعتّربها أهل العمأ‪ ،‬بل لهان‬ ‫أهل العمأ وال يزالون ي خذون ب قواهلأ مرة‪ ،‬ويرتلوهنها أخهرى‪ ،‬وسهت يت إشهارة‬ ‫أخرى لممس لة إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.226‬‬

‫‪65‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة التاسعة‪ :‬ضابط اجلاهل الذي ال يستحق اإلفتاء‬ ‫َبني املؤلف يف الفصل اطهامس يف صهفة مهن ال يسهتحق اإلفتهاء‪ :‬أن نهابط‬ ‫اجلاهل الذ ال يستفتى هو َم ْن لان خأؤه يف مسهائل العمهأ الرشهع ألثهر مهن‬ ‫صواب ‪.‬‬ ‫وعلل ذلك ‪ :‬أن مفسدة إفتائ أعظأ من مصمحت ‪ .‬بخمف ما لو لان الغالب‬ ‫عمي يف إفتائ بالصواب‪ ،‬حيث ستكون مصمحة إفتائ ألّرب ِم ْن مفسدت (‪.)1‬‬ ‫وأقول‪ :‬األ ق واهلل أعمأ يف نابط َم ْن ال يستفتى باعتبار اطأ والصهواب‪:‬‬ ‫هو َم ْن لان خأؤه لثري ًا‪.‬‬ ‫والسبب يف ما ذكرت‪:‬‬ ‫أن اطأ الكثري هو الذ يدفعنا إىل التحذير ممن صدر من هذا اطأ ‪ ،‬ولهو مل‬ ‫يكن هو الغالب‪ ،‬فمسنا ننتظر أن تصل نسبة أخأهاء املفتهى إىل ‪ %51‬حتهى نجيهز‬ ‫اإلنكار عمي ‪.‬‬ ‫بل يكف أن أجد من خأ لثري ًا فمو لان خأؤه ‪ %30‬لرأيهت أن ههذا لثهريا‬ ‫جد ًا‪ ،‬فهو يضل واحدا مهن لهل ثمثهة أشهخاص يسهتفتون ‪ ،‬وأجهد أن مصهمحة‬ ‫التحذير من لمحفاظ عىل هذه النسبة الكبرية الذين نعتقد أنه يفتهيهأ خأه ‪ ،‬ههو‬ ‫أحسن من السكوت عىل يلك‪ ،‬ف نا أقدر بهني مصهمحة إفتهاء ههذا الرجهل وبهني‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.286‬‬

‫‪66‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫مفسدة إفتائ ‪.‬‬ ‫وال خمف يف أن فع املفسدة واجب رشع ‪ ،‬وهنا يمكننا صهنع ههذا‪ ،‬ولهن‬ ‫تفوتنا بذلك املصمحة ألننا لن نسقط هذا من مقام الفتوى إال وقد لمنا الناس عىل‬ ‫أهمها املتصدرين هلا‪ ،‬واملفسدة إيا تع َينت فإهنا تدرأ‪.‬‬ ‫لكن املؤلف نظر من زاوية أخرى وهو مقدار صهواب مهن خأئه ‪ ،‬وههذا فه‬ ‫نظر إىل أن مصمحت ألثر من مفسدت ‪ ،‬وهذا إنام يكون عند التعهارض‪،‬‬ ‫ءء؛ ألن ٌ‬ ‫أما إيا استأعنا حتصيل املصالح فإنا نعممها مأمقا ولو لانت قميمة‪ ،‬وإيا اسهتأعنا‬ ‫رء املفاسد فإنا ندفعها مأمق ًا ولو لانت قميمة‪.‬‬ ‫ويمكن التوسع يف قبول أخأاء املفت بحسب املصمحة ل ن يكون هذا املفت‬ ‫يف بمد يقل في العمامء‪ ،‬فرتك هذا املفت ليفيدهأ ب حكام ينهأ هو خري من ترلهأ‬ ‫عىل عامية‪ ،‬ولو لان خأؤه لثريا‪ ،‬ما مل يكن بره ألثر من نفع ‪ ،‬فهنا يصح إعامل‬ ‫لمم املؤلف يف املوازنة بني بره ونفع ‪.‬‬ ‫لام ينبغ أن يكون متييز الصواب من اطأ ليس هو بحسب رأ هذا الشيخ‬ ‫أو ياك فإن هذا مؤين بإسقاط املدارس الفقهية لبعضها‪ ،‬فضم عن املفتهني الهذين‬ ‫سيتتابعون بحسب هذه الأريقة تساقأا‪.‬‬ ‫وإنام يكون بحسب اطمف غري السائغ فمثم من أفتى بجهواز لشهف املهرأة‬ ‫لوجهها فإن هذا ال يعد خأ فضم أن يكون موجب ًا إلسهقاط لصهاحب ‪ ،‬لكهن إن‬ ‫وقع من مغاالة يف تقرير قول ‪ ،‬أو يف إسقاط القول اآلخر‪ ،‬فإن حينئذ يكون غمأه‬

‫‪67‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫حمسوب ًا عمي من هذا الوج ‪.‬‬ ‫قمت‪ ،‬عىل أين ال أميل إىل يلر هذه الرسوم واحلدو ألنه يف األخهري‬ ‫قمت ما ُ‬ ‫ُ‬ ‫لن يعممها إال العمهامء الراسهخون‪ ،‬وههؤالء إنهام يقهع يف قمهب أحهدهأ مبهارشة‬ ‫مصمحة إفتاء هؤالء أو فسا يلك من غري تعميق نظر؛ ملها نل إليه حهال أولئهك‬ ‫العمامء من رسوخ عمأ وجتذر ممكة‪ ،‬حتى إن الصواب يسهبق إىل لسهاهنأ وله نام‬ ‫يمهمون إهلاما‪.‬‬ ‫وأشيد باملؤلف فيام أشار إلي مرارا من تبعة إسقاط أهل العمأ بمجهر تتبهع‬ ‫بع‬

‫أعيان أهل العمأ والفتوى‪ ،‬ويكون هذا‬

‫أخأائهأ‪ ،‬فتجد من حيذر من بع‬

‫التحذير من مرفقا بقائمة طويمة من أخأائ ‪ ،‬فيفزعك وحيزنك مها نل إليه حهال‬ ‫هؤالء من اطأ ‪ ،‬لكنك إيا تتبعهت بعه‬

‫ههؤالء يف لتهبهأ‪ ،‬ويف بهراجمهأ‪ ،‬ويف‬

‫حماباهتأ‪ ،‬ال تكا جتد ما تنكره عميهأ إال ما يكون من تفاوت وجهات النظر أو‬ ‫اطمف الدائر املعتّرب‪ ،‬ونحهو يلهك‪ ،‬فههؤالء إين أههل صهمح وههأ – ثبهت اهلل‬ ‫ِ‬ ‫أقدامهأ – أتباع َم ْن ُأمر بقول‪ :‬ﭽﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﭼ [يوسف‪.]٨٠١ :‬‬ ‫وما وقع من األخأاء والعثرات مل يكن ليعرف إال بالتكمف الشديد والتتبهع‬ ‫املضن ‪ ،‬وهو مرت بني أن يكون قميم أو أقل القميل‪.‬‬ ‫وهذا هو ما قال العز بن عبد السمم‪« :‬فإن لان خأؤه بعيهدا نها را جهاز له‬ ‫الفتوى واحلكأ‪ ،‬وإال ‪...‬فم» (‪.)1‬‬ ‫وقد استفا من املؤلف يف أصل صناعة هذا الضابط حيث قال العز‪:‬‬ ‫(‪ )1‬الفتاوى للعز بن عبد السال (‪ ،)91،98‬اختالف املفتني ‪.218‬‬

‫‪68‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫مع أين ال أعتقد أن أحد ًا منهأ انفر بالصواب يف لهل مها خولهف فيه ‪ ،‬بهل‬ ‫أسعدهأ وأقرهبأ إىل احلق من لان صواب فيام خولف في ألثر من خأئ ‪ ،‬بالنسبة‬ ‫إىل لل من خالف ‪...‬‬ ‫ثأ قال‪ :‬فالغالب عىل جمتهد أههل اإلسهمم الصهواب‪ ،‬وههأ متقهاربون يف‬ ‫مقدار اطأ ‪ :‬فخريهأ أقمهأ خأ ‪ ،‬ويمي املتوسط يف اطأ ‪ ،‬ويمي ألثهرهأ خأه ‪،‬‬ ‫واهلل خيتص برمحت من يشاء")‪. (1‬‬ ‫قمت‪ :‬ليس فيام يلره العز بن عبد السمم ما يفيد حدو الضابط الهذ يلهره‬ ‫املؤلف وإن لانت صورة عبارت توهأ هذا‪ ،‬وإليك السبب‪:‬‬ ‫إن العز بن عبد السمم ال يتحدث ما حا عمن لان صواب ألثهر مهن خأئه‬ ‫بإطمق‪ ،‬وإنام قيده باملسائل الت خولف فيها‪ ،‬فهو –رمحه اهلل – يريهد أن ههؤالء‬ ‫العمامء الذين وقعت هلأ بع‬

‫اآلراء الت خولفوا فيها‪ ،‬فإن ينظر إىل ههذه اآلراء‬

‫املع َينة املخالفة ‪ ،‬فإن لانت هذه اآلراء‪ :‬الصواب فيها ألثر من اطأه فهإن ههؤالء‬ ‫أسعد العمامء وأقرهبأ إىل احلق‪ ،‬حيث وفقوا إىل أن يكون صواهبأ يف املسائل الته‬ ‫خولفوا فيها ألثر من خأئهأ‪.‬‬ ‫ويؤلد أن هذا مرا ه قول بعد يلك‪ :‬إن الغالب عىل جمتههد أههل اإلسهمم‬ ‫الصواب‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ‪.218‬‬

‫‪69‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة العارشة‪ :‬خالف املبتدعة‬ ‫الشيخ ل عناية بقضية البدعة‪ ،‬ظهر هذا من جهتني‪:‬‬ ‫‪-0‬‬

‫املحافظة عىل حقوقهأ لام ه فكرة لتاب التعامل مع املبتدع‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫نصب اطمف معهأ لام يف مس لة خّرب اآلحا ‪.‬‬ ‫فتجده تارة إيا يلر أهل األهواء أالن يف لمم حمافظ ًة هلأ عىل حقوقهأ الته‬

‫لفمها اإلسمم هلأ‪ ،‬وجتده تارة إيا تعمقت املس لة باملنهج احلديث املخهتص أغمهظ‬ ‫العبارة‪ ،‬لام هو احلال يف مباحث الت أفر ها يف هذه الرسهالة الصهغرية لمهر عهىل‬ ‫املتكممني‪ ،‬ومل يكتف بذلك حتى تتبع نثارهأ‪ ،‬ف فر لذلك ممحق ًا خاص ًا يف هنايهة‬ ‫رسالت ‪" :‬اختمف املفتني"!‬ ‫وهلذه العناية البالغة بتقرير مس لة البدعة وأهمها نجده يقحأ هذه املس لة فهيام‬ ‫ال حاجة في إىل استدعائها‪ ،‬يدرك هذا لل من قرأ لتاب اطاص باختمف املفتني‪،‬‬ ‫ولك أن تبحث عن عد إحاالت إىل لتاب "معاممة املبتدع"‪ ،‬وعد مها أشهار إىل‬ ‫هذه املس لة (‪.)1‬‬ ‫فمثم نجده يأرح خمف املبتدعة‪ ،‬وهو يقصد بذلك الفقهاء املنتسبني مهنهأ‬ ‫إىل احلنفية‪ ،‬أو املالكية‪ ،‬أو الشهافعية‪ ،‬أو احلنابمهة‪ ،‬وينهاقش مسه لة اعتبهار قهوهلأ‬ ‫الفقه !‬ ‫(‪ )1‬انظر مثال‪ :‬ص ‪.224 -218‬‬

‫‪71‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫فتمحظ أن يزن أقواهلأ الفقهية الت تؤول إىل أحد املذاهب املتبوعة ب صوهلأ‬ ‫البدعية‪ ،‬وهل يقبل قوهلأ أو ال؟‬ ‫لام لان هذا األثر با ي ًا يف طريقة صياغت لرشوط اطمف السهائغ‪ ،‬وصهفات‬ ‫من ال يستحق الفتوى‪.‬‬ ‫لقد أقحأ الشيخ فكرة لتاب يف التعامل مع املبتدع يف صمب مس لة "اختمف‬ ‫فهرغ فكهرة‬ ‫املفتني"‪ ،‬ف ثرت يف خصوصية هذا البحث‪ ،‬بل لو ُ‬ ‫قمت‪ :‬إن الشيخ قد َ‬ ‫لتاب "املعاممة مع املبتدع" بتاممها يف لتاب "اختمف املفتني" مل ألن مبالغ ًا‪ ،‬بهل‬ ‫قد وقع ل هذا يف صفحة لاممة يف إحدى حواشي ‪.‬‬ ‫ومرة أخرى فقد أقحأ املؤلف خمف أهل الظاهر مع خمف أهل األههواء‪،‬‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫" ال فرق بني نفاة القياس اجليل وأمثال من األصول وأهل البدع واألهواء يف‬ ‫هذا الباب ألهنأ اجتمعوا يف أصم ‪ :‬وهو أهنأ خالفوا يف مصا ر التمقه أو مهنهج‬ ‫االستنباط(‪.")1‬‬ ‫فم فرق لدي يف هذا الباب بني أهل الظاهر وبني أهل البدع‪ ،‬مهع أن خهمف‬ ‫األولني يف أبواب الفق وأصول وخمف أهل األهواء يف املعتقد ومسهائل أصهول‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫ولو قمنا تنزالً‪ :‬إن أهل الظاهر إنام خالفوا السمف يف مهن مصها ر التمقه أو‬ ‫(‪ )1‬األعق التعبري بال باالستداللب كام سبق‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫االستدالل ملنازعتهأ يف بع‬

‫األ لة‪ ،‬ف ين خمف الفقههاء املبتهدعني يف مصها ر‬

‫التمق أو االستدالل؟‬ ‫مل يبني هذا املؤلف‪ ،‬ألن إنام يقصد األصوليني الذين يسهميهأ املتكممهني‪ ،‬أو‬ ‫الفقهاء الذين انتسبوا إىل بع‬

‫املدارس الكممية‪ ،‬ومعموم أن ههؤالء إنهام لهانوا‬

‫ينتمون إىل إحدى املدارس الفقهية املتبوعة‪ ،‬فهأ إما حنفيهة‪ ،‬وإمها شهافعية‪ ،‬وإمها‬ ‫مالكية‪ ،‬وإما حنابمة‪.‬‬ ‫ثأ ما قول يف مجاعة من أئمة اإلسمم الذين اندرجوا تقميد ًا يف بع‬

‫مدارس‬

‫ُ‬ ‫املؤلهف لثهري ًا مهن‬ ‫املتكممني‪ ،‬وعىل رأسهأ العز ابن عبهد السهمم الهذ اسهتفا‬ ‫تقريرات ‪.‬‬ ‫هل خمفهأ معتّرب أو غري معتّرب؟! وهل التممت فيهأ األوصاف املأموبة؟!‬ ‫وحيتمل لمم إ را طريقة احلنفية واملالكية يف بع‬

‫ما اشرتطوه يف أخبهار‬

‫اآلحا فإن اعتّرب أن خمف هؤالء مندر ٌ يف مجمة اطهمف الكهيل البهدع الهذ‬ ‫يسقط اعتبار صاحب مفتيا إال إيا لان صواب ألثر من خأئ ‪ ،‬يدل عىل يلك قول ‪:‬‬ ‫فإن بمغت خمالفتهأ يف األصول إىل أن يكون خأ التفريع عميها ألثر من صهواب ‪،‬‬ ‫فهأ أهل لإلسقاط‪"...‬‬

‫( ‪)1‬‬

‫لان من املمكن أن يكون تناول املس لة قارصا عىل املناهج الكمية البدعيهة‪ ،‬ال‬ ‫إىل لون الرجل مبتدع ًا أو ال‪ ،‬وإال فقد يكون الرجل موصوف ًا باالبتهداع لكنه يف‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.219‬‬

‫‪72‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الفتوى والتفريع عىل أصول الشافع مصهدرا واسهتدالال‪ ،‬فهم حيهذر منه إال يف‬ ‫معتقده‪ ،‬وهذا هو الذ تمتق عنده لممة أهل العمأ‪.‬‬ ‫وقد طص املؤلف لمم ‪ :‬ب ن ال يكون اطمف يف أصل غري معتّرب وههذا مها‬ ‫سبقت اإلشارة إىل االلتفاء ب مع يلر بع‬

‫القيو ‪ ،‬وأن ب يقهع نهبط املسه لة‪،‬‬

‫وجتاوز املسائل الشائكة‪ ،‬لكن الشيخ خهل يف معمعهة االختمفهات‪ ،‬وحهد هلها‬ ‫رسوما معينة‪ ،‬وجعمها نابأا فيام يسوغ في اطمف وما ال يسوغ‪ ،‬ونابأا فيمن‬ ‫يستحق اإلفتاء ومن ال يستحق اإلفتاء‪ ،‬لكن هنا ملا أنعأ النظر يف املس لة وجهد أن‬ ‫تمخيصها يرجع إىل قضية األصل املعتّرب من غري املعتّرب‪.‬‬ ‫لذا فنتمنى من فضيمة الشيخ الكريأ إعا ة النظر يف نبط ههذه املسهائل‪ ،‬وأن‬ ‫يقترص فيها عىل م خذ االعتبار من عدم ‪ ،‬ال عهىل مها تهرجح لديه مهن أوصهاف‬ ‫وقيو ؛ فإن هذه الأريقة لن تنت ؛ ألن الكمم هنا يف حتصيل نابط لمخمف املعتّرب‬ ‫بني أهل العمأ ولو يهب لل أحد يسوق ما ترجح لدي مل نستفد شيئا‪ ،‬وإنام عمينها‬ ‫أن نبحث عن اطأوط العريضة لمخمف املعتّرب من غري أ خهوض يف تفاصهيل‬ ‫املسائل الشائكة‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة احلادية عرشة‪ :‬التحذير من أهل األهواء إذا تشبهوا بأهل العلم‬ ‫نقل املؤلف عن احلافظ ابن رجب رمح اهلل قول يف النصيحة والتعبري‪:‬‬ ‫"أهل البدع والضملة‪ ،‬ومن تشب بالعمامء وليس منهأ فيجوز بيان جهمههأ‪،‬‬ ‫وإظهار عيوهبأ‪ ،‬حتذيرا من االقتداء هبأ‪ .‬وليس لممنها اآلن يف ههذا القبيهل واهلل‬ ‫أعمأ"(‪.)1‬‬ ‫علق املؤلف عىل قول ابن رجب السابق‪:‬‬

‫مع أن قال (جيوز) ومل يقل (جيب) وهذا بحهد ياته خهمف مها يظنه بعه‬ ‫الناس‪ .‬فإن لقائل أن يقول‪ :‬وقد ال جيوز أيضا؛ ألن حرمة املسمأ تقتيض أن عقوبت‬ ‫خمف األصل في ‪ .‬فإن متت مصمحة الر عىل املقالهة‪ ،‬ون احتيها لمتشههري به ‪،‬‬ ‫وإن تأ ت يب عىل خأئ ب نى عقوبة حققت الت يب مل يكن من اجلائز تعد هذا‬ ‫احلد إىل ما هو فوق ‪ ،‬مراعاة حلق اإلسمم الواجب‪ ،‬الذ مل يزل حمهم لوجهوب‬ ‫إيفائ ل وإعأائ إياه‪ ،‬بثبات حكهأ اإلسهمم له و خوله يف األخهوة اإلسهممية‬ ‫العامة‪ .‬وقد قال العز بن عبهد السهمم يف القواعهد الكهّربى (‪" :)157/2‬ومههام‬ ‫حصل الت يب باألخف من األفعال واألقهوال واحلهبس واالعتقهال مل يعهدل إىل‬ ‫األغمظ؛ إي هو مفسدة ال فائدة في ‪ ،‬حلصول الغرض بدون ")‪.(2‬‬ ‫قلت‪ :‬تعميق املؤلف جيد من حيث اجلممة‪ ،‬لكن يبدو أن ال حاجة ماسة ل ‪،‬‬ ‫(‪ )1‬رسائل ابن رجب ‪ ،488 ،486/2‬اختالف املفتني ص‪176‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص ‪.178 ،176‬‬

‫‪74‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫فتعبري ابن رجب باجلواز يكف يف فع الوهأ الذ خياف ‪ ،‬أما قوله ‪ :‬إنه ال جيهوز‬ ‫ألن حرمة املسمأ تقتيض أن عقوبت خمف األصل في ‪.‬‬ ‫فهذا نوع من املبالغة يف تقرير املعنى الذ قصده يف رسالت األخرى يف حقوق‬ ‫املبتدع‪ ،‬وإال فإن املبتدع الضال املتشب بالعمامء‪ ،‬فينبغ حتذير الناس من ‪ ،‬وإظههار‬ ‫عيب ‪ ،‬والتحذير من االقتداء ب ‪ ،‬لام هو نص لمم ابن رجب‪ ،‬وال يكف جمر بيان‬ ‫خأ املقالة ون احتيا لمتشهري ب ؛ فإن هذا ال يقول من عهايش النهاس اليهوم أو‬ ‫قرأ تارخيهأ باألمس‪ ،‬إنام ه حال لأيفة بالغة يف الرقة‪ ،‬فرنتها املبالغهة يف تقريهر‬ ‫ما ة لتاب اآلنف الذلر‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفات املتعلقة بمسائل اخلالف‪:‬‬ ‫الوقفة الثانية عرشة‪ :‬أسباب خمف أهل العمأ‪.‬‬ ‫الوقفة الثالثة عرشة‪ :‬تفنن املؤلف وم زق التخصص‪.‬‬ ‫الوقفة الرابعة عرشة‪ :‬قمة اطمف حمم وسبب ‪.‬‬ ‫الوقفة اخلامسة عشةرة‪ :‬نف اطمف يف مصا ر التمق أو االستدالل‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الثانية عرشة‪ :‬أسباب خالف أهل العلم‬ ‫أرجع املؤلف أسباب وقوع االختالف بني أهل العلم‪ :‬إىل ثالثة أسةباب فقةط‪،‬‬ ‫وهي‪:‬‬

‫‪-0‬‬

‫عمق عموم الرشيعة ولثرة اصصاهتا‪ ،‬وترابط ما بني ههذه التخصصهات‬ ‫وشدة تعمقها ببع‬

‫‪-2‬‬

‫)‪. (1‬‬

‫التفههاوت الأبيعهه بههني النههاس يف العقههول واملههدارك والتخصصههات‬ ‫واالهتاممات والشخصيات ‪ ،‬مما ل أثر لبري يف اختمفهأ)‪. (2‬‬

‫‪-3‬‬

‫االختمف الناشئ عن اختمف تصهور الفقههاء عهن الوقهائع واألعيهان‪،‬‬ ‫فينش عن اختمفهأ يف احلكأ‪ ،‬فاالختمف حينها لهيس يف حكهأ املسه لة‬ ‫النظر ‪ ،‬ولكن يف طريقة تأبيق وتنزيم عىل الوقائع)‪. (3‬‬

‫قلت‪ :‬أسباب اختمف أهل العمأ لثرية‪ ،‬ويعرس عدَ ها‪ ،‬ويبدو أن حرصها نمن‬ ‫أجناس حارصة هو أنبط هلا وأونح يف الرؤية‪ ،‬ولذا ف قول لوجهة نظر أخرى‪:‬‬ ‫إن الرتتيب املنطقي ألسباب اخلالف هو كام ييل‪:‬‬

‫‪ -0‬أسباب تعو إىل حكأ الشارع‪.‬‬ ‫‪ -2‬أسباب تعو إىل الواقعة املختمف فيها‪.‬‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.26‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.32‬‬ ‫(‪ )3‬اختالف املفتني ص‪.31‬‬

‫‪77‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫‪ -3‬أسباب تعو إىل املختمفني‪.‬‬ ‫أما األسباب التي تعود إىل حكم الشارع نفسه‪ ،‬فمنها‪:‬‬ ‫‪.0‬‬

‫شمول أحكام الرشيعة جلميع شؤون الناس الدينية والدنيويهة تفصهيم‬ ‫أو إمجاال‪ ،‬مما جيعل وقوع اطمف أمر ًا وار ًا ال مناص عن ‪.‬‬

‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬

‫مرونة أحكام الرشيعة‪ ،‬وعدم احلسأ يف لثري من املسائل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫معهان وصهفات حمهد ة‬ ‫تعميق أحكام الرشيعة يف مجمة من املسائل عهىل‬ ‫حيدث هبا الوجو والعدم‪ ،‬وحيدث هبا التفاوت واالنأراب‪ ،‬أبرزهها‬ ‫معنى املصمحة‪.‬‬

‫‪.4‬‬

‫النصوص من جهة الثبوت أو الداللة‪.‬‬

‫ظنية بع‬

‫أما األسباب التي تعود إىل الواقعة املختلف فيها‪ ،‬فمنها‪:‬‬ ‫‪ -0‬سعة األحداث بسعة الناس وسعة أفعاهلأ‪.‬‬ ‫‪ -2‬جتد الوقائع‪.‬‬ ‫‪ -3‬تعقد بع‬ ‫‪ -4‬ترلّب بع‬

‫احلوا ث من جهة التصور‪.‬‬ ‫احلوا ث من مجمة من املعاين املتضا ة يف االعتبار الرشع ‪.‬‬

‫‪ -5‬غموض الواقعة واستغمقها‪ ،‬أو تر ها وانأراهبا‪.‬‬ ‫أما األسباب التي تعود إىل املختلفني أنفسهم‪ ،‬فمنها‪:‬‬ ‫‪ -0‬التباين يف طرائق حتصيمهأ لمحكهأ الرشهع سهواء لانهت ههذه البينيهة‬ ‫مستمدة من جهة األصول النظرية‪ ،‬أو من جهة الفروع العينية‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫‪ -2‬التباين يف سعة اطمعهأ‪ ،‬ويف رجات إ رالهأ‪ ،‬ويف قوة عزائمهأ‪.‬‬ ‫‪ -3‬التفاوت يف مقدار التجر املح‬

‫لمحق وأهم ‪.‬‬

‫وأرجو أال أكون وامها إن قلت‪ :‬إن التخصص ليس سبب ًا بنفسه يف اطهمف‪،‬‬ ‫فأائفة من العموم فيها من التخصص الدقيق إىل الدرجة الت ال يمكهن ألحهد أن‬ ‫يتعدى التخصص الذ هو في ‪ ،‬لام هو احلال اليوم يف العموم التجريبية‪ ،‬ومع هذا‬ ‫فإن اطمف قد يكون متضائم جد ًا؛ بسبب تممس النتائج‪ ،‬ثأ احلكأ عىل نهوئها‬ ‫بالنجاح أو الفشل‪.‬‬ ‫واألمر كذلك أيضا يف عمق علوم الرشيعة‪ :‬فمثم هناك عمق وانح يف ِ‬ ‫احل َكأ‬ ‫واألمثال والعّرب‪ ،‬وليست ه من مثارات اطمف املشهورة‪.‬‬ ‫فكل هذه املعاين‪ :‬ليست أسبابا افعة لمخمف‪ ،‬وإنهام ينشه اطهمف هاهنها‬ ‫بسبب التكوين العممه لممفته ‪ ،‬ومهدى إ راله ألغهوار الرشهيعة وأرسارهها‪،‬‬ ‫و قائقها‪ ،‬ولذا فمعل التسمسل املنأق يقتيض أن يقال ما ييل‪:‬‬ ‫إن من أسباب اطمف بني أهل العمهأ ههو اطهمف يف التكوينهات العمميهة‬ ‫لدهيأ‪ ،‬تفاوت ًا متسع ًا خيتمف بسبب مقدار اإلحاطهة بعمهوم الرشهيعة ومهدى إ راك‬ ‫أعامقها‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الثالثة عرشة‪ :‬تفنن املؤلف ومأقق التخصص‬ ‫التخصهص يف السهبب األول مهن‬ ‫لفت انتباه أن املؤلف حفظ اهلل يلر‬ ‫ّ‬ ‫أسباب اطمف‪ ،‬وأعا يلره يف السبب الثهاين‪ ،‬نهمن أسهباب اتسهاع اطهمف‪،‬‬ ‫األول لتعمق بعموم الرشيعة‪ ،‬والثاين لتعمق بتفاوت الناس‪ ،‬ومهوطن االسهتدراك‬ ‫هنا من جنس االستدراك السابق فم اع لتكرير الكمم‪ ،‬فالتخصص ليس بذات‬ ‫من أسباب اطمف‪ ،‬وهذا معموم‪.‬‬ ‫لكن أشري إىل أن التخصص حيتل مرتبة متميزة يف قمب الشيخ حاتأ‪ ،‬وهو‬ ‫لثري التكرار ل ‪ ،‬شغوف بالتعريج عمي ‪ ،‬وقد َقرره يف بع‬

‫لتب ‪ ،‬وأبم النار به‬

‫عىل املتكممني لتناوهلأ مسائل من عمأ "املصأمح"‪ ،‬ومع هذا فهو يواجه مه زق‬ ‫حقيق حيث إن مع موقف الصههريح جتهاه التخصهص إال أنه واىل لتابهة ثمثهة‬ ‫مصنفات يف غري اصص ‪ ،‬يف لتابة غري م لوفهة لهدى املتخصصهني أنفسههأ‪ ،‬ويف‬ ‫أ ق املسائل‪ ،‬منها هذا الكتاب‪ ،‬والقارئ يتممس أن الشيخ حيهس هبهذا االز وا ‪،‬‬ ‫فحاول أن يفرسه‪ ،‬فقال مرة وهو يذلر رشوط اطمف السائع‪:‬‬ ‫أن يكون قول املخالف صها را عهن عهامل بتفاصهيل املسه لة بنهاء عهىل جتهزؤ‬ ‫االجتها ‪.‬‬ ‫ثأ مد احلاشية بالكثري من املراجع(‪ ،)1‬مع أن املقهام يسهتغن عهن يلهر ههذه‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.48‬‬

‫‪81‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫اجلممة فضم عن تكمف يلر مراجعها‪ ،‬بل إن الشيخ نفس بعد عدة أسأر ألد أن‬ ‫هذا الرشط أمره ظاهر‪ ،‬وال حيتا إىل استدالل! (‪.)1‬‬ ‫وإنام مقصو ه واهلل أعمأ‪ :‬أن ال تناق‬

‫بهني عهائ املتكهرر إىل التخصهص‪،‬‬

‫وإنكار عهىل الهدخمء مهن غهري املتخصصهني‪ ،‬وبهني لتابهايت املتواليهة يف غهري‬ ‫اصيص‪ ،‬والسبب يف يلك أن جيوز جتزؤ االجتها ‪ ،‬وأنا مل أ خل هذه املسهائل إال‬ ‫عن عمأ ومعرفة وإحاطة‪ ،‬فتنب ‪.‬‬ ‫ويف احلقيقة‪ :‬إن الشيخ هو الذ فتح النار عىل نفس ‪ ،‬وأ خل عميها ما أ خل؛‬ ‫فهو يدعو بإحلاح إىل أمهية قضية التخصص‪ ،‬يدعم يف يلك اصصه ‪ ،‬و روسه ‪،‬‬ ‫ومؤلفات املختصة بفن "عمأ احلديث"‪ ،‬ويبالغ يف اعتبهار التخصهص؛ فيشهرتط‬ ‫ملزاولة التصحيح والتضعيف أقىص رجات التمرس واالحهرتاف‪ ،‬وأزاح بكمتها‬ ‫يدي املتكممني ملا خانوا يف ويرت ‪ ،‬وبمغ من اعتباره لمتخصص أن وسأ منهجه‬ ‫بمنهج املتقدمني؛ فم يتعدى أحدٌ أئمة هذا الفن يف احلكأ عىل احلديث؛ فهأ أههل‬ ‫االختصاص‪ ،‬وهأ أهل الفن‪ ،‬وأهل البيت أ رى بهام فيه ‪ ،‬ثهأ بعهد يلهك نجهده‬ ‫َ‬ ‫اسهتهل‬ ‫سائح ًا يف تناول أعقد املسائل يف غري فن ‪ ،‬فف هذا الكتاب – لمثال ‪ -‬قد‬ ‫مصنفات الفقهية‪ :‬ب ن تر َقى مبارشة إىل أسهتايية الفقه يف أعهىل رجاهتها‪ ،‬فتنهاول‬ ‫مس لة فرز اطمف املعتّرب من اطمف غري املعتّرب‪ ،‬بام يعن حسأ لثري من املسهائل‬ ‫الت اصأدم فيها لبار الفقهاء املتقدمني منهأ واملعارصين‪ ،‬مع تناول جلممة مهن‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.47‬‬

‫‪80‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫عقد املسائل األصولية‪ ،‬لقضهية اإلمجهاع مهث ً‬ ‫م‪ ،‬ورسهأ بعه‬ ‫وإرسال أللثر من قضية أصولية إىل ائرة اطأ املح‬

‫القيهو الدقيقهة‪،‬‬

‫‪ ،‬وإ راجها نهمن أفهرا‬

‫املنهج الكيل البدع املخالف ملنهج السمف‪.‬‬ ‫ليت الشيخ متهل‪ ،‬فاندر راشد ًا يف فصهول الفقههاء تدريسه ًا وتصهنيفا‪ ،‬ثهأ‬ ‫انأمق إىل حل بع‬

‫القضايا الفقهية املعقدة‪ ،‬لبع‬

‫النهاس‬ ‫املسائل الته تنهازع‬ ‫ُ‬

‫اإلمجاع‪ ،‬أو تكييف طائفة من املسائل املستجدة؛ فربام أثبهت بهذلك حذقه يف‬ ‫فيها‬ ‫َ‬ ‫هذه الصنعة‪ ،‬أما ونع الضوابط والقيو العامهة واطاصهة هبهذه الأريقهة فإنه ال‬ ‫يساو حل عقدة واحدة من عقد املسائل الفقهية‪.‬‬ ‫ثأ السؤال الذ يور نفس ‪ :‬هل الشيخ متخصص أو متفنن؟‬ ‫لان من املس َمأ ب يف السابق أن متخصص يف عمأ احلديث‪ ،‬لكهن مشهارلات‬ ‫املتتالية يف غري فن أورثت شك ًا يف انتقال إىل حمبة التفنن‪.‬‬ ‫أي ًا لان‪ ،‬سواء ألان متخصصا يف احلديث‪ ،‬وشارك يف العموم الباقيهة‪ ،‬أم أنه‬ ‫أصبح متفننا؛ فإن السؤال الذ يور نفسه ‪ :‬ههل جيهوز ملهن لهان ههذا حاله أن‬ ‫يتجاوز أهل التخصص يف إممء رشوط االعتبار املختصة يف هذا الفن؟!‪.‬‬ ‫وهل جييز الشيخ لهبع‬

‫الفقههاء أو األصهوليني أن يمهيل له يف فنه "عمهأ‬

‫احلديث" رشوط التصحيح‪ ،‬أو التضعيف‪ ،‬أو معايري التجريح أو التعديل؟!‪ .‬مع‬ ‫معايريه التخصصية البالغة يف الدقة!‪.‬‬ ‫لأ لنت أمتنى أن تكون نقوالت املأولهة عهن أيب املظفهر السهمعاين يف إفها ة‬ ‫اختصاص عمأ أهل احلديث عىل أهل احلديث أنفسهأ مفيدة هذا املعنهى ياته يف‬ ‫‪82‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫بقية العموم‪ ،‬وعىل رأسها عمأ الفق وأصول ‪ ،‬لام وقع يف بع‬

‫أحرف أيب املظفهر‬

‫نفس ‪.‬‬ ‫فمام نقله عنه قوله‪" :‬وقد اتفق أهل احلديث‪ :‬أن نقد األحا يث مقصور‬ ‫عىل قوم خمصوصني فام قبموه‪ ..‬فهو املقبول‪ ،‬وما ر وه‪ ..‬فهو املر و ‪.)1("...‬‬ ‫وقولةه‪" :‬فهؤالء وأشباههأ‪ :‬أهل نقد األحا يث‪ ،‬وصيارفة الرجال‪ ،‬وههأ‬ ‫املرجوع إليهأ يف هذا الفن‪ ،‬وإليهأ انتهت رئاسة العمأ يف ههذا النهوع‪ .‬فهرحأ اهلل‬ ‫امرأ عرف قدر نفس ‪ ،‬وقدر بضاعت من العمأ فيأمب الربح عىل قدره"(‪.)2‬‬ ‫وقولةه‪" :‬هذا الذ قمناه ال ينال أحهد إال أن يكهون معظهأ أوقاته وأيامه‬ ‫مشتغم بعمأ احلديث والبحث عن سرية النقمة والرواة ليقهف عهىل رسهوخهأ يف‬ ‫هذا العمأ ولن معرفتهأ ب ‪.....‬فكام يرجهع يف معرفهة مهذاهب الفقههاء (الهذين‬ ‫صاروا قدوة يف هذه األمة) إىل أهل الفق ‪ ،‬ويرجع يف معرفة المغة إىل أههل المغهة‪،‬‬ ‫ويرجع يف معرفة النحو إىل النحو فكذلك جيب أن يرجع يف معرفة مها لهان عميه‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عمي وسمأ وأصحاب إىل أهل النقل والرواية‪.)3("....‬‬ ‫ومن هذا الباب ما نقله عن أيب قيد الدبويس‪" :‬فكان األوىل ب (عفا اهلل‬ ‫عن ) أن يرتك اطوض يف هذا الفن‪ ،‬وحييم إىل أهم ؛ فإن من خاض فيام لهيس مهن‬ ‫ش ن ‪ ،‬ف قل ما يصيب افتضاح عند أهم ‪ .‬وليست العّربة بقبول اجلهمة‪ ،‬فهإن لكهل‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.112‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.113‬‬ ‫(‪ )3‬اختالف املفتني ص‪.111 ،114‬‬

‫‪83‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ساقأة القأة‪ ،‬ولكل نالة ناشدا‪ ،‬ولكن العّربة يف لل عمأ ب هم األ نني‪ .‬ولكهل‬ ‫عمل رجال‪ ،‬فينبغ أن يس َمأ‪ ،‬هلأ يلك"(‪.)1‬‬ ‫والسةؤال‪ :‬أما شعر املؤلف وهو ينقل لمم أيب املظفر السمعاين‪ ،‬ثأ الدبويس‬ ‫أن يمكن أن يكون هو يات أحد املستهدفني بكمم !‪.‬‬ ‫عجبا‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫املهّربزين فيه !!‬ ‫وقهف عهىل‬ ‫‪ ‬أعمأ احلديث حرم مقدس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫املتخصصهني َ‬ ‫وعمأ األصول يف مدارس الفقهاء حمل مستباح لممتفنني!!‪.‬‬ ‫‪ ‬أحرا ٌم عىل بمبمهأ الدوح ون بمبم !!‪.‬‬ ‫‪ِ ‬مل َ باؤنا ال جتر‪ ،‬وباؤه جتر ؟!‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.113‬‬

‫‪84‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الرابعة عرشة‪ :‬قلة اخلالف حمله وسببه‬ ‫نقل املؤلف عن الشافعي قوله‪:‬‬

‫"فإن ور أمر مشتب حيتمهل حكمهني خمتمفهني‪ ،‬فاجتههد فخهالف اجتهها ه‬ ‫اجتها غريه‪ ،‬وسع أن يقول بيشء وغريه بخمف ‪ ،‬وهذا قميل‪...‬إيا نظر في "‪.‬‬ ‫علق املؤلف يف احلاشية(‪:)1‬‬

‫نعأ هو قميل إيا استحرضنا تفاصيل األصول املتفق عميها‪ ،‬والته غالبها مها‬ ‫تغيب عن األيهان بسبب زمحة االختمف‪ ،‬حتى تكا تنسى‪...‬فم تذلر‪ ،‬وع َفاهها‬ ‫اإللف يف لثري من األيهان‪...‬حتى أصبح تقرير لثرهتا وغمبتها أمر ًا منكرا!"‬ ‫قلت‪:‬‬

‫ما يلره من قمة اطمف صحيح لكن باعتبار معني‪ ،‬وقد أشار إليه املؤلهف‪،‬‬ ‫فالرشيعة جاءت وانحة بينة فاحلمل بني‪ ،‬واحلرام بني وبينهام أمور مشهتبهات ال‬ ‫يعممهن لثري من الناس‪.‬‬ ‫فالغالب يف أحكام الرشيعة هو الونوح والبيان‪ ،‬إال أن ينب إىل أمر وهو‪:‬‬ ‫أن عدم الونوح وإن لان قميم بالنسبة إىل الوانحات فإن يبقى أن اطمف‬ ‫يف نفس يعدّ لثريا جد ًا‪ ،‬خاصة إيا نظرنا إىل جتد احلوا ث وتعقدها‪ ،‬وإىل تفاوت‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.41‬‬

‫‪85‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ٍ‬ ‫بسهبب مهن الشهارع‪ ،‬وإنهام‬ ‫املفتني اطمعا وإ رالا‪ ،‬فيكون وقوع اطمف هنها ال‬ ‫بسبب خار وهو الواقعة نفسها‪ ،‬أو تفهاوت النهاس يف حتصهيل أحكامهها‪ ،‬فمهو‬ ‫فرننا أن اطمف حاصل يف ‪ %20‬لكانت ههذه النسهبة لبهرية جهدا‪ ،‬وإن لانهت‬ ‫بالنسبة إىل الوانحات قميمة‪ ،‬فالغالب هو الونوح والبيان‪ ،‬والقميل هو املشكل‪،‬‬ ‫لكن هذا املشكل إيا نظرت إىل حجم وإىل تعد ه تبني أن لثري جهد ًا‪ ،‬وإنهام لهان‬ ‫قميم بالنظر إىل الوانح البني‪ ،‬وهذه املس لة من األمهية مكان‪ ،‬نّربزها ألهنا حتل ما‬ ‫أشكل عىل بع‬

‫الناس من لثرة هذا اطمف مع ونوح الرشيعة وبياهنا‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ :‬إن اطمف يف الفروع الفقهية لثري‪ ،‬وظهاهر جهدا‪ ،‬حتهى‬ ‫أصبح هذا اطمف ههو أوسهع عمهوم اإلسهمم اليهوم‪ ،‬متمهثم بكتهب املهذاهب‬ ‫وتفريعاهتا‪ ،‬ولتب اطمف‪ ،‬وقواعدها‪ ،‬وأصوهلا‪ ،‬مضافا إىل هذا وياك ما جد من‬ ‫املسائل‪ ،‬وال يزال الناظرون يف الفق يتعجبون من قائق مسائم فيام ال يكا خيأر‬ ‫عىل بال ٍ‬ ‫إنس أو جان‪.‬‬ ‫وهذا اطمف الكثري إنام هو بالنظر إىل نالف املسائل املختمف فيهها‪ ،‬لكهن إيا‬ ‫نظرنا إليها باعتبار املسائل الوانحات‬ ‫فإهنا تكون هبذا االعتبار قميمة ‪.‬قال الغزايل‪ :‬ليس لل لثري غالب؛ فإن املرض‬ ‫لثري وليس بنها ر وال غالهب‪ ،‬بهل الغالهب الصهحة‪ ،‬واجلهذام نها ر ال لثهري وال‬ ‫غالب(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الوسيط يف املذهب (‪.)216/6‬‬

‫‪86‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة اخلامسة عرشة‪ :‬نفي اخلالف يف مصادر التلقي أو االستدالل‬ ‫نفى املؤلف يف تقدمة الفصل الذ عقده يف أسباب وقوع االختمف بني أهل‬ ‫العمأ أن يكون من مجمة أسباب اطمف‪ :‬اطهمف يف األصهول املتعمقهة بمصها ر‬ ‫التمق أو منهج االستدالل‪.‬‬ ‫وهذا غريب يف لتاب أحد مونوعات الرئيسة‪ :‬اعتبار خهمف العمهامء‪ ،‬بهل‬ ‫بالغ يف اعتباره حتى وصف باملرشوعية‪.‬‬ ‫إن أبرز سبب يف خمف العمامء هو اطمف اآليت من تباين أصوهلأ سواء لان‬ ‫يلك يف مصا ر التمق أم يف منها االستدالل‪.‬‬ ‫يف مصادر التلقي‪ :‬هل هو النص فقط أو أن يستمد أيض ًا من إمجاع العمهامء‬ ‫بمستند أو بدون مستند‪ ،‬أو أن يستمد لذلك فيام وقع عمي عامتهأ وإن مل جيمعهوا‬ ‫عمي ؛ ألن ال جيوز الغمط والسهو عىل مثمهأ؟ ولذا يقال خمفههأ يف االحتجها‬ ‫بقول الصاحب؟‬ ‫ويف خّرب اآلحا هل يقبل مأمقا أو أن يشرتط في أال يكهون خمالفه ًا ملها عميه‬ ‫عمل أهل املدينة‪ ،‬أو أال يكون مما يعأ ب البموى‪ ،‬ونحو يلك‪.‬‬ ‫ويف القياس خمف عري‬

‫قديأ من جهة اعتباره ومن جههة حمهل اسهتعامل ‪،‬‬

‫ومن جهة مدى إعامل ‪.‬‬ ‫أما منهج االسةتدالل‪ :‬فاطمف في أظهر من أن يستشهد له ‪ ،‬وحممه لتهب‬ ‫األصول‪.‬‬ ‫ال بد من استيعاب قضية جوهرية‪ ،‬وهه أننها اآلن يف معهرض الكهمم عهىل‬ ‫‪87‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املسائل الفقهية ال مسائل أصول الدين‪ ،‬فهم يصهح أن نتجهاوز أههأ سهبب مهن‬ ‫أسباب خمف العمامء والذ من تفاوت متايزت املدارس املعمورة يف أمصار املدينة‬ ‫ومكة والكوفة وغريها‪.‬‬ ‫وبسبب تفاوهتا يف اعتبار هذا السبب اتسعت املدارس الفقهية‪ ،‬وتشققت منها‬ ‫االجتاهات املذهبية والنزعات الفقهية‪ ،‬وال تزال إىل اليوم تتسع وتتباين‪.‬‬ ‫يبدو من خمل نف املؤلف الرصيح أن ل موقفا من بع‬ ‫العتبارها بع‬

‫املهدارس الفقهيهة‬

‫األصول‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مدرسة احلنفية‪ ،‬ومدرسة املالكية‪:‬‬ ‫ويلك الشرتاطهأ بع‬

‫الرشوط يف قبول خّرب اآلحا ‪ ،‬وهو عند الشيخ من مجمهة‬

‫اطمف الكيل املنهج البدع املخالف ملنهج السمف‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬مدرسة أهل الظةاهر‪ :‬وه مدرسة مهن حيهث النزعهة قديمهة إىل زمهن‬ ‫أصحاب النب صىل اهلل عمي وسمأ وهو بعد يف احلياة مل ارتم منيت ‪.‬‬ ‫وقد أرشلهأ املؤلف مع أهل األهواء يف اطمف املنهجه ‪ ،‬مستشههد ًا بإنكهارهأ‬ ‫القياس اجليل‪ ،‬وعدم النظر إىل عمل األحكام ومقاصدها‪ ،‬وعهدم اعتبهار اإلمجهاع‬ ‫السكويت‪ ،‬وأقوال الصحابة‪ ،‬غري أن نص عىل أن اإلنصاف اعتبار خمفهأ الفقه‬ ‫فيام مل خيالفوا في األ لة املعتّربة (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.217‬‬

‫‪88‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وهبذا نعمأ‪ :‬أن الشيخ لان مأهر ًا يف تقريهره أنه لهيس ثمهة خهمف يتعمهق‬ ‫بمصا ر التمق واالستدالل‪ ،‬فهو قد عمل ألجهل يلهك عهىل إخهرا اطمفهات‬ ‫وسمِ َأ ل بذلك إطمقه ُ ‪ ،‬ويبقهى النقهام معه يف‬ ‫الواقعة فيهام من ائرة االعتبار‪َ ،‬‬ ‫صحة هذا اإلخرا ‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفات املتعلقة برشوط تسويغ اخلالف‪:‬‬ ‫الوقفة السادسة عرشة‪ :‬رشوط تسويغ اطمف‪.‬‬ ‫الوقفة السابعة عرشة‪ :‬وزن مس لة إحداث قول ثالث‪.‬‬ ‫الوقفة الثامنة عرشة‪ :‬أثر "عموم البموى" عىل إحداث األقوال السيام أقوال الصحابة‪.‬‬ ‫الوقفة التاسعة عرشة‪ :‬توسيع ائرة اإلمجاع القأع ‪.‬‬ ‫الوقفة العرشون‪ :‬غمبة األثر احلديث عىل األثر األصويل يف وزن الرشوط‪.‬‬ ‫الوقفة احلادية والعرشون‪ :‬رشوط املنازعة يف ثبوت الدليل‪.‬‬ ‫الوقفة الثانية والعرشون‪ :‬غزوة املتكممني‪.‬‬ ‫الوقفة الثالثة والعرشون‪ :‬إعا ة ترليبة رشط "األصل غري املعتّرب"‪.‬‬ ‫الوقفة الرابعة والعرشون‪ :‬مراجعات املؤلف لرتليبة رشوط ‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة السادسة عرشة‪ :‬رشوط تسويغ اخلالف‬ ‫أقر املؤلف أن َم ْن كَ َت َب يف رشوط تسويغ اخلالف فإنام يكتفي بذكر رشطني اثنني‪:‬‬ ‫َ‬

‫‪ )0‬عدم خمالفة اإلمجاع‪.‬‬ ‫‪ )2‬عدم خمالفة ليل قأع ‪.‬‬ ‫ثأ يلر أسباب تكمف إنافة بقية الرشوط (‪.)1‬‬ ‫والرشوط اخلمسة التي ذكرها املؤلف لتسويغ االختالف هي كام ييل‪:‬‬

‫ُ‬ ‫القول املخالِ ُ‬ ‫ف صا را ِمن عامل‪.‬‬ ‫‪ .1‬أن يكون‬ ‫‪ .2‬أن ال يكون القول خمالفا لإلمجاع القأع الصحيح‪.‬‬ ‫‪ .3‬أن ال خير هذا القول عن جمموع أقوال السمف وأئمة الدين املتبوعني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫القول املخالِ ُ‬ ‫ف صا ر ًا عن أصل غري معتهّرب؛ ألن األصهل إيا‬ ‫‪ .4‬أن ال يكون‬ ‫لان غري معتّرب ف وىل بالفرع املبن عمي أن يكون غري معتّرب أيض ًا‪.‬‬ ‫‪ .5‬أن ال يكههون القههول خمالفهها لههدليل ثابههت وانههح القأعيههة يف اللتهه ‪،‬‬ ‫لالنصوص الثابتة يات الداللة القأعية الوانحة يف قأعيتها‪ ،‬ولاإلمجهاع‬ ‫السكويت الظن غري املتحقق غري املنقوض باطمف املعتّرب(‪.)2‬‬ ‫بالتأمل يف هذه الرشوط‪ :‬نجد أهنا حتتو عىل رشط وجو‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.122‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.48‬‬

‫‪90‬‬

‫وهو األول‪ ،‬والبقيهة‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫لمها رشوط عدمية بمعنى أن يشرتط عدمها ال وجو ها‪.‬‬ ‫وأطرح رأيا آخر يف صياغة هذه الرشوط‪ ،‬فأقول وباهلل التوفيق‪:‬‬ ‫يشرتط يف تسويغ اخلالف أمران‪ ،‬ومها‪:‬‬

‫‪-0‬‬

‫أن يكون ُ‬ ‫قول املخالِ ُ‬ ‫ف صا ر ًا ِع ْن أهم ‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫أن يكون مستندُ ه اطاص يف حيز االعتبار‪.‬‬

‫وهذان الشهرطان لافيان بنظر ‪ ،‬ويفسهَر الشهرط الثاين بجممة أمهور‪ ،‬عهىل‬ ‫رأسها أال خيالف ليم قأعيا نصا لهان‪ ،‬أو إمجاعها‪ ،‬فيقهال‪ :‬يشهرتط يف اطهمف‬ ‫السائغ أن يكون مستند املخالف اطاص يف حيز االعتبار‪ ،‬ومهن يلهك أال خيهالف‬ ‫ليم قأعيا نصا لان أو إمجاعا‪.‬‬

‫‪92‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة السابعة عرشة‪ :‬وقن مسألة إحداث قول ثالث‬ ‫ُ‬ ‫قهول‬ ‫الرشط الثالث الذ يلره املؤلهف يف تسهويغ اطهمف ههو‪ :‬أال خيهر‬ ‫املخالِف عن جمموع أقوال السمف وأئمة الدين املتبعني‪.‬‬ ‫وقد ضبطه املؤلف بعدة قيود‪:‬‬

‫القيد األول‪ :‬ليس من اطرو املمنوع من جمموع أقاويل السمف‪ :‬اإلتيهان بقهول‬ ‫ٌ‬ ‫وإبأال ملجمهوع‬ ‫رفع‬ ‫جيمع بني أقواهلأ؛ برشط أال يكون يف هذا القول ٌ‬ ‫أقواهلأ)‪. (1‬‬ ‫القيد الثةاين‪ :‬ليس من اطرو عن جمموع أقاويل السمف‪ :‬إيا لانت املس لة الت‬ ‫وقع فيها االختمف بني املت خر والسمف من املسائل الته ال تعهأ هبها‬ ‫البموى‪ ،‬وال تكثر حاجة الناس إليها‪ ،‬فهم تتهوافر واعه النقمهة عهىل‬ ‫حفظها ونقمها؛ ولذلك فيتصور أن ال حتفظ لنا مجيهع أقاويهل السهمف‬ ‫فيها (‪.)2‬‬ ‫القيد الثالةث‪ :‬ليس من اطرو عن جمموع أقاويل السمف‪ :‬املسهائل الته لهيس‬ ‫لمسابقني فيها لم ٌم أصم؛ لكوهنا من النوازل واملسائل املستحدثة الت‬ ‫تكن موجو ة يف السابق (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.16‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.18‬‬ ‫(‪ )3‬اختالف املفتني ص‪.19‬‬

‫‪93‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫قلةت‪ :‬هذا الرشط مما متيز املؤلف يف عرن ‪ ،‬لكهن يبقهى أن عميه مجمهة مهن‬ ‫املمحظات‪ ،‬وه لام ييل‪:‬‬ ‫املالحظة األوىل‪ :‬تكراره‪.‬‬ ‫املالحظة الثانية‪ :‬طريقة التدليل عمي ‪.‬‬ ‫املالحظة الثالثة‪ :‬طريقة نسبة هذا القول إىل األئمة‪.‬‬ ‫املالحظة الرابعة‪ :‬مناقشة لون رشط ًا يف تسويغ اطمف‪.‬‬ ‫واآلن إليك تفصيل هذه املالحظات‪:‬‬ ‫املالحظة األوىل‪ :‬تكراره لرشط اإلمجاع‪:‬‬

‫لرر املؤلف قضية اإلمجاع يف أربعة رشوط من مجمهة سسهة رشوط‪ ،‬وههذا ال‬ ‫َ‬ ‫يستساغ أبد ًا يف صناعة الرشط‪ ،‬فالرشوط اطمسة يف تسويغ اطهمف أربعهة منهها‬ ‫يتعمق باإلمجاع‪:‬‬ ‫فاألول‪ :‬أال يكون القول خمالفا لإلمجاع القأع ‪.‬‬ ‫والثاين‪ :‬أال خير هذا القول عن جمموع أقوال السمف‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬أال يكون القول خمالفها لهدليل ثابهت وانهح القأعيهة يف الالته‬ ‫لالنصوص‪ ...‬ولاإلمجاع السكويت‪...‬‬ ‫والرابةع‪ :‬أال خيالف أصم معتّربا‪ ،‬وعهىل رأس ههذه األصهول ههو اإلمجهاع‬

‫‪94‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫بنوعي ! ‪.‬‬ ‫وانح‪ ،‬ال يميق بصناعة الرشط‪ ،‬بل تبهني بعهد يلهك أن الرشهط‬ ‫وهذا حشو‬ ‫ٌ‬ ‫الوحيد الذ خم من اإلمجاع‪ ،‬وهو األهمية‪ ،‬فإن املؤلف قد بهني يف مهوطن نخهر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فصل خاص أن رشط هذه األهمية أال يكون ل منهج لهيل خمهالف لإلمجهاع‪،‬‬ ‫ويف‬ ‫وهبذا يكون املؤلف قد بب رقام قياسيا يف اشرتاط اإلمجاع يف تسهويغ اطهمف‪،‬‬ ‫فقد مدَ ه ليستوعب الرشوط اطمسة لمها‪.‬‬ ‫كرر ذكرها‪:‬‬ ‫والفرق بني صور اإلمجاع التي َ‬

‫هي من جهة الدرجة‪ :‬قأع أو ظن ‪.‬‬ ‫أو من جهة الصورة‪ :‬لإحداث قول ثالث فإن حمدث خمالف لإلمجهاع قبمه يف‬ ‫قرص الرت بني قولني فقط (‪.)1‬‬ ‫املالحظة الثانية‪ :‬طريقة التدليل عليه‪ :‬االستدالل باإلمجاع عىل اإلمجاع‪:‬‬

‫ُ‬ ‫قهول املخهالِف عهن جممهوع أقهوال‬ ‫حيتج املؤلف عهىل اشهرتاط "أال خيهر‬ ‫السمف" باإلمجاع!‬ ‫وفرق بني طريقة املؤلف وبني الأريقة الدارجة‪ ،‬ف هل العمأ إنهام يكفهيهأ أن‬ ‫يدرجوا صورة هذه املس لة نمن صور اإلمجاع‪ ،‬وهلأ يف اإلمجهاع أ لهتهأ املعينهة‪،‬‬ ‫بينام املؤلف رتَب لمم لام ييل‪:‬‬ ‫‪-0‬‬

‫جعم رشطا مستقم عن اإلمجاع‪.‬‬

‫(‪ )1‬ذكر القولني مثال‪ ،‬فالثالثة وأكثر كذلك‪ .‬البحر املحيط ‪. 143/4‬‬

‫‪95‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫‪-2‬‬

‫اعتّربه إمجاع ًا‪.‬‬

‫‪-3‬‬

‫استدل عمي ب لة اإلمجاع‪( :‬ال جتتمع أمت عىل نملة)‪.‬‬

‫‪-4‬‬

‫استدل عمي باتفاق العمامء عمي ‪.‬‬

‫‪-5‬‬

‫اعتّرب أن اطمف يف هذه املس لة هو خمف شاي ‪.‬‬

‫املالحظة الثالثة‪:‬‬

‫ُ‬ ‫قول املخالِف عن جمموع‬ ‫أوالً‪ :‬مل يكن املؤلف قيقا حينام نسب اشرتاط "أال خير‬ ‫أقوال السمف" إىل اإلمام أيب حنيفة بحسب إحالت إىل تاريخ ابن معني برواية‬ ‫الدراور ‪.‬‬ ‫فبالرجوع إىل املصدر تبني أن يقصد الرواية املشههور عهن أيب حنيفهة‪ :‬أنه‬ ‫ي خذ بكتاب اهلل‪ ،‬فإن مل جيد فبسنة رسول اهلل صىل اهلل عمي وسمأ‪ ،‬فإن مل جيد اهري‬ ‫من أقوال أصحاب رسول اهلل صىل اهلل وعمي وسمأ‪ ،‬ومل خير عنهأ‪ ،‬فهإن انتههى‬ ‫األمر إىل التابعني اجتهد لاجتها هأ‪.‬‬ ‫وهذا ليس في إال بقاؤه يف حيز أقهوال أصهحاب رسهول اهلل صهىل اهلل عميه‬ ‫وسمأ‪ ،‬وهذه املس لة يعرتنها ألثر من موجب‪ ،‬السيام أهنا أقوال الصحابة‪ ،‬وه‬ ‫يف نفسها حجة عنده وعند مجهور الفقهاء برشوط معينة‪.‬‬ ‫وهلذا يقول ابن عبد الرب‪" :‬جعل لمصحابة يف يلك ما مل جيعل لغريهأ‪ ...‬وإىل‬ ‫نحو هذا لان أمحد بن حنبل يذهب" (‪.)1‬‬ ‫(‪ ) 1‬جامع بيان العلم وفضله (مؤسسة الريان ‪.)161 / 2‬‬

‫‪96‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫بل قد استدل بع ُ أهل العمأ هبذه القصة عىل أن اإلمام أبا حنيفة يذهب إىل‬ ‫جواز إحداث قول ثالث إيا انتهى األمر إىل غري الصحابة‪.‬‬ ‫ونوزعوا ب ن هؤالء هأ التابعون‪ ،‬وهو واحد منهأ حيث قيل‪ :‬إن رأى أنسها‬ ‫وهو صغري‪.‬‬ ‫وال خيفى ما يف هذه املنازَعة؛ فإنا لو فرننا أن أبا حنيفهة مهن طبقهة التهابعني‬ ‫تنزال بحسب االصأمح الرشع ‪ ،‬فإن يبقى يف طبقة مسبوقة بعهدة طبقهات مهن‬ ‫فقهاء التابعني‪ ،‬فمو لان يمتنع من إحداث األقوال مأمقا‪ ،‬فكهان عميه أن يمتهزم‬ ‫ب قواهلأ وال خير عنها‪ ،‬ف بو حنيفة ار من مدرسة محا بن أيب سهميامن‪ ،‬ومحها‬ ‫نفس قد اهر مهن مدرسهة إبهراهيأ النخعه ‪ ،‬فههام طبقتهان مهن التهابعني بعهد‬ ‫الصحابة‪ ،‬وأبو حنيفة يقع بعدهأ‪.‬‬ ‫وبام سبق‪:‬‬

‫ُ‬ ‫قهول املخهالِف عهن جممهوع أقهوال‬ ‫فإن يظهر خأ نسبة اشرتاط "أال خير‬ ‫السمف" إىل اإلمام أيب حنيفة بحسب هذا النقل املعني ‪ ،‬بل إن هذا النقل يدل عىل‬ ‫عدم اعتبار أيب حنيفة لمخمف السابق حاشا الصحابة ألثهر مهن لونه اال عهىل‬ ‫اعتباره‪.‬‬ ‫وهذه الرواية الت نقمناها عن اإلمام أيب حنيفة من لتهاب تهاريخ ابهن معهني‬ ‫تتفق مضمونا مع الرواية األخرى الت ساقها اإلمام ابن حزم يف لتابه اإلعهراب‪،‬‬ ‫وأحال عميها املؤلف‪.‬‬ ‫لكن اإلمام ابن عبد الّرب يف االنتقاء ‪ -‬وه اإلحالة الثالثهة لممؤلهف ‪ -‬يلهر‬ ‫‪97‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫عدة روايات‪ ،‬وه تنقسأ يف مضموهنا إىل روايتني اثنتني‪:‬‬ ‫‪ -0‬رواية تتفق مع الرواية السابقة الت حكيناها عن أيب حنيفة‪ ،‬ونقمها عن ابن‬ ‫معههني وابههن حههزم‪ ،‬ومفا ههها أن األمههر إيا صههار إىل التههابعني اجتهههد‬ ‫لاجتها هأ‪.‬‬ ‫‪ -2‬رواية اتمف قميم عن هذه الرواية‪ ،‬وحمل االختمف هو قهول أيب حنيفهة‪:‬‬ ‫"وإن جاء عن التابعني زامحناهأ‪ ،‬ومل نخر عن أقواهلأ"‪.‬‬ ‫وال بد من ترجيح إحهدى الهروايتني؛ ألن القصهة واحهدة‪ ،‬ومهدلول ههاتني‬ ‫الروايتني متعد ‪ ،‬والذ يبدو يل والعمأ عند اهلل هو قة الرواية األوىل؛ ويلهك ملها‬ ‫ييل‪:‬‬ ‫‪ -0‬أهنا ه الرواية املشهورة‪ ،‬وقد جزم اب ُن حزم بصحتها يف لتاب "اإلعراب"‪.‬‬ ‫‪ -2‬أهنا ه الرواية الت اتفق عىل سياقها ابن معني وابن حزم وابن عبد الّرب‪ ،‬بينام‬ ‫الرواية األوىل اقترص عىل يلرها ابن عبد الّرب ملا عدَ يلر ألفاظ القصهة‪ ،‬لهل‬ ‫هذا بحسب اإلحاالت الثمثة الت اقترص عميها املؤلف‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن لو لان املقصو أن اإلمام أبا حنيفة يتخري من أقوال التابعني وال خير عن‬ ‫أقواهلأ مل يكن هناك فرق بني اعتباره ألقوال الصحابة وبهني اعتبهاره ألقهوال‬ ‫التابعني‪ ،‬مع أن الروايات لمها تنص عىل تفريق أيب حنيفة بني اعتباره ألقوال‬ ‫الصحابة وبني اعتباره ألقوال التابعني‪.‬‬ ‫‪ -4‬أن اإلمام أبا حنيفة هو أول من شقق الفروع لام يقول الشافع ‪ ،‬وله يف ههذه‬ ‫املقامات منازل مش َيدة‪ ،‬ومقامات مشهورة‪ ،‬قد لان ِم ْن أظهر ما أخهذه ُ‬ ‫أههل‬ ‫احلديث عىل أيب حنيفة‪ :‬إحداث األقوال‪ ،‬بسبب استقمل يف البناء عىل أصول‬ ‫‪98‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫أهل الكوفة‪ ،‬وقد لان من أجوبة ابن حزم الظاهر عهىل منتقديه مهن أههل‬ ‫الرأ حينام أخذوا عمي شذويه عن أقوال اجلمهور‪ :‬أن ما يقال فيه يقهال يف‬ ‫إمامهأ أيب حنيفة حرف ًا بحرف‪ ،‬ثأ ال جتد ابن حزم إال وهو يستغرق يف تعدا‬ ‫ٍ‬ ‫ألحد ِم ْن خمق اهلل قبم ‪.‬‬ ‫ما انفر ب أبو حنيفة مما ال يعرف‬ ‫ثاني ًا‪ :‬نفس الوهأ الذ وقع في الشيخ حاتأ العوين يف فهأ لمم أيب حنيفهة وقهع‬ ‫ل أيضا يف فهأ لمم الشافع ‪ ،‬فقد أحال إىل لمم الشهافع يف تقريهره عهدم‬ ‫خروج من أقوال الصحابة ليجعل من هذه الأريقة لهي ً‬ ‫م عهىل عهدم جهواز‬ ‫إحداث قول ثالث‪ ،‬وبني املس لتني فرق لام سبق‪ ،‬فكل من منع مهن إحهداث‬ ‫قول ثالث فإن يمنهع مهن بهاب أوىل مهن إحهداث قهول ثالهث عهىل أقهوال‬ ‫الصحابة‪ ،‬لكن ليس لل من منع من إحداث قول ثالث عىل أقوال الصهحابة‬ ‫يقف املوقف نفس يف أقوال غريهأ‪ ،‬ويلك ألن أقوال الصحابة عند طوائهف‬ ‫لثرية من الفقهاء ه حجة و ليل بنفسها‪.‬‬ ‫وهبذين االستدرالني يظهر عدم قة إطمق املؤلف أن هذا الرشهط ههو مهن‬ ‫أصح مها نسهب إىل األئمهة األربعهة أنفسههأ مهن القواعهد األصهولية‪ ،‬بحسهب‬ ‫التوثيقات الت يلرها (‪.)1‬‬ ‫املالحظة الرابعة‪ :‬مناقشة كون هذا الدليل املختلف فيه رشطا يف تسويغ اخلالف‪:‬‬

‫لو عرض الشهيخ حهاتأ ههذا القهول عهىل مهن يشهد ون يف قضهايا اإلمجهاع‬ ‫الستحسنوه جد ًا‪ ،‬ورأوا أن هذا الرشط من حماسن الكتاب‪ ،‬وال أستبعد أن يبهدوا‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.16‬‬

‫‪99‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫بع‬

‫املمحظات عىل بع‬

‫ما يلره من القيو ‪.‬‬

‫بينام لو عرن عىل مجاعة أخرى من الفقهاء السيام املعارصين‪ ،‬سهواء لهانوا‬ ‫من املدرسة احلديثية النصية أو من املدرسهة املقاصهدية املعنويهة لهرأوا أن يف ههذا‬ ‫الرشط إخراجهأ برصاحة من حيهز االعتبهار ليسهت أقهواهلأ فحسهب بهل ههأ‬ ‫أنفسهأ‪ ،‬فقد اعتّرب املؤلف أن العامل املعتهّرب إنهام ههو الهذ ال خيهر عهن أقاويهل‬ ‫السمف‪ ،‬وألد أن هذا األصهل لهان متحققها يف عمهامء األمهة السهابقني‪ ،‬بيهنام ال‬ ‫يستأيع أن يأمق عىل لثري من املعارصين ألهنأ ال يمتزمون ‪ ،‬فههذا يهدل رصاحهة‬ ‫عىل أن اطار عن جمموع أقاويل السمف هو عند املؤلف عامل غهري معتهّرب‪ ،‬وههأ‬ ‫لثري من املعارصين‪.‬‬ ‫فاملعارصون عند املؤلف عىل قسمني‪:‬‬ ‫‪-0‬عامل معتّرب باالتفاق‪ ،‬فهذا ال بدَ أن يكون حمققا هلذا الرشط‪.‬‬ ‫‪ -2‬عامل غري معتّرب‪ ،‬أو عامل معتّرب من غهري اتفهاق‪ ،‬فههؤالء قهد حيققهون ههذا‬ ‫الرشط وقد ال حيققون ‪.‬‬ ‫وأجد أن املجامع العممية بمجموعها عاجزة عن اطرو بإحصهاءات قيقهة‬ ‫ومن هذا العامل الذ اتفهق عهىل اعتبهاره؟ وليهف يكهون ههذا‬ ‫ملثل هذه النتائج‪َ ،‬‬ ‫الرشط املتنازع في معيار ًا لتمييز العامل املعتّرب؟ السيام أن املؤلف قد قأع حلمة مهن‬ ‫لتاب يف بيان التفريق بني القول والقائل!‪.‬‬ ‫أال يعمأ أن هناك منهجا نخر يقرص حتصيل األحكام الرشهعية عهىل الهنص‪،‬‬

‫‪011‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫والنص فقط‪ ،‬وهذا املنهج ل مدرست الظاهرية بامتدا اهتا القديمة‪ ،‬ول رجال من‬ ‫املتقدمني ومن املحدَ ثني‪ ،‬وقد يلروا أن ما من أحد إال ول مفر ات عمن قبم مهع‬ ‫عمم بتفر ه‪ ،‬ويلروا أن لل الأوائف تعتّرب من املسائل ما هو من هذا الباب‪.‬‬ ‫وهذه االجتاهات ليست قارصة عىل أعيان املدرسة الظاهرية‪ ،‬بل من أصحاب‬ ‫هذا االجتاه من هأ من رجاالت املعاين واملقاصد‪.‬‬ ‫ثأ إن هذه املس لة وه إحداث قول ثالث يف املس لة ليست ه حمل إمجاع لام‬ ‫صوره املؤلف بل فيها خمف قديأ سواء لان يلك من جهة األصهوليني‪ ،‬أو مهن‬ ‫جهة الفقهاء‪.‬‬ ‫ف ما األصوليون فههو مسهأر يف مهدوناهتأ العتيقهة‪ ،‬وهلهأ يف يلهك مسهالك‬ ‫متعد ة‪.‬‬ ‫أما الفقهاء فإن املذاهب األربعة القائمة‪ ،‬إنافة إىل املذهب الظهاهر ‪ ،‬لمهها‬ ‫قد اختأت هلا من األقوال ما هو حمدث خمتص هبا‪ ،‬إما من جهة أصل القول‪ ،‬وإما‬ ‫من جهة التفصيل‪.‬‬ ‫واملس لة فيها وعورة السيام من لان معاجلا ملسائل الفق ‪ ،‬والنظر يف الرتجهيح‬ ‫فإن يستشكمها جد ًا‪ ،‬وجيد من نفس صعوبة االطرا عىل أحد املسهالك املحهد ة‪،‬‬ ‫فام من مس لة شائكة يعاجلها املجتهد إال وتراه قهد أحهدث فيهها قيهدا أو وصهفا‪،‬‬ ‫ومنهأ املؤلف نفس يف لثري من أقوال يف هذا الكتاب وغريه‪.‬‬ ‫وفرق‪:‬‬ ‫‪010‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ين اإلمجاع عىل اطأ والضملة‪ ،‬فهذا ال يقع من األمة البتة‪ ،‬وال جيوز عمهيهأ‬ ‫فوات الصواب‪.‬‬ ‫وبني حترير األقوال‪ ،‬فقد ال يكون القول حمرر ًا‪ ،‬فيه يت املته خر وحيهرره‪ ،‬وقهد‬ ‫ا عى هذا فعمي ًا ألثر األئمة واملجتهدون‪ ،‬ومع يلك فقهد يضهاف ههذا القهول إىل‬ ‫الشذوي‪.‬‬ ‫عىل أن ما يلره املؤلف من قيو جيعل املس لة ترا قمي ً‬ ‫م‪ ،‬وقد نقل الزرليش‬ ‫عن الصرييف أن صور هذه املس لة يف حمل حمد وهو اطمف املسهتفي‬ ‫حك من فتوى واحد ومل يستف‬

‫‪ ،‬ف مها مها‬

‫قول ‪ ،‬فيجوز اطرو عن إىل ما أيده ليل (‪.)1‬‬

‫ونخمص إىل أن هذا الرشط الذ يلره املؤلف وإن لان ل قوت واعتباره مهن‬ ‫حيث الرتجيح السيام مع القيو الت يلرها إال أن يلره يف نمن رشوط تسهويغ‬ ‫اطمف في ءء‪ ،‬فهو حي ِيد مجاعات لبرية من املتقدمني واملت خرين‪ ،‬وحيسأ مجمهة‬ ‫لبرية من املسائل الت مل يزل النزاع فيها متحرل ًا‪ ،‬و لان أحد الفريقني قهد احهتج‬ ‫عىل اآلخر بحدوث قول ‪.‬‬ ‫لام ينب إىل أن اطمف يف هذه املس لة أنعف من اطمف يف مس لة االحتجا‬ ‫باإلمجاع الظن ؛ فإن هذه الصورة مبنية عىل حجية اإلمجاع الظن ‪ ،‬فإيا سقط ليل‬ ‫اإلمجاع الظن سقط اعتبار هذه املس لة‪ ،‬لكن قد يصح اإلمجاع الظن عنهد بعه‬ ‫الناس‪ ،‬وينازع يف صحة اعتبار هذه املس لة‪ ،‬وهه إحهداث قهول ثالهث‪ ،‬ويلهك‬

‫(‪ )1‬البحر املحيط (‪.)143/4‬‬

‫‪012‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫العتبار خار عن مس لة االعتبار الظن ‪ ،‬ويتمخص يلك يف أمرين‪:‬‬ ‫‪ -0‬أن تسويغ اطمف يف املس لة بني عدة أقوال يدل عىل تسويغ االجتها يف ههذه‬ ‫املس لة‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن مل يزل الناس حيدثون األقوال يف املسائل االجتها ية‪ ،‬ويأمقون مقيدها‪ ،‬أو‬ ‫يقيدون مأمقها‪ ،‬ويذلرون التفاصيل والرشوط‪.‬‬ ‫وبام سبق؛ فإن يبدو– والعمأ عند اهلل – أن املؤلف قد شد يف مس لة إحهداث‬ ‫قول ثالث إىل ما ال يوافق عمي ؛ إال أن يسهتيقن خهرق اإلمجهاع؛ فتخهر املسه لة‬ ‫حينئذ من حيز اطمف السائغ‪.‬‬ ‫ويف هناية هذه الوقفة أخلِص موقفي يف النقاط التالية‪:‬‬ ‫معنهى متكهرر يف صهياغة‬ ‫‪ -0‬أن غاية هذا الرشهط حتصهيل إمجهاع معهني‪ ،‬وههو‬ ‫ً‬ ‫رشوط ‪.‬‬ ‫‪ -2‬مل حيسن املؤلف االستدالل هلذا الرشط باأل لة املناسبة‪.‬‬ ‫‪ -3‬مل يكن املؤلف قيق ًا يف نسبة هذا القول إىل األئمة‪.‬‬ ‫‪ -4‬لان املؤلف موفقا حينام نبط املس لة برشوط حمد ة‪ ،‬مما يق صمص إىل حهد لبهري‬ ‫الرسعان من أهل الفتوى‪.‬‬ ‫النزاع الواقع يف اعتباره‪ ،‬وهو يفيد يف لبح مجاح َ َ‬ ‫‪ -5‬القيو الت اعتّربها املؤلف يف هذا الرشط وإن لانت وجيههة إال أن النهزاع ال‬ ‫ينفك من الدوران يف اعتبارها‪.‬‬ ‫‪ -6‬ثمة فريق من املتقدمني ومن املت خرين ال حيصمون األحكام الرشهعية إال مهن‬

‫‪013‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الرصف‪ ،‬سواء لان يلك من أعيان املدرسة الظاهرية‪ ،‬أو لان يلك من‬ ‫النص ِ‬ ‫جهة طوائف لثرية من املنتسهبني إىل احلهديث‪ ،‬وقهد تبنهاه مجاعهة مهن لبهار‬ ‫الفقهاء املعارصين‪.‬‬ ‫‪ -7‬اعتبار هذا الرشط املحد يف هذه الصورة املعينة من اإلمجهاع‪ ،‬وجعمهها أحهد‬ ‫املعايري الدقيقة يف تسويغ اطمف‪ :‬يكتنف الكثري من اإلشكال لمزوم إسقاط‬ ‫هؤالء اجلمة من الفقهاء‪ ،‬وعدم اعتبار خمفهأ؛ السيام مهع انتشهار أوصهاف‬ ‫هذه املس لة‪ ،‬وقد حكى املؤلف اتفاق أهل العمأ عمي ‪ ،‬وأن ال يبهايل بخهمف‬ ‫املعارصين هلذا الرشط لو وقع منهأ يلك‪ ،‬وهذه مصا رة غري مقبولهة‪ ،‬وهه‬ ‫تستمزم أيض ًا مصا رة مجمة عريضة من أقوال املؤلهف نفسه ‪ ،‬وههو معهروف‬ ‫باإلغراب والتفهر ‪ ،‬وجمهاوزة املهدارس الفقهيهة بكاممهها ال األقهوال فقهط‪،‬‬ ‫وشاهدنا القريب‪ :‬ما وقع يف منهج الذ اقرتح يف الفصل األخري من ههذا‬ ‫الكتاب (‪.)1‬‬ ‫‪ -8‬يستعمل هذا الرشط ونحوه أصناف من املق ِمدة يف إعاقة احلرلة االجتها يهة‬ ‫فيام جدَ من احلوا ث‪ ،‬وال ينفع معهأ القيو املهذلورة السهتغمق نياهنهأ يف‬ ‫ترصفها يف غميظ أيهاهنأ‪.‬‬ ‫الغالب عن سامع أعذار املجتهدين فضم عن ّ‬ ‫ولرتدد هذا الرشط بني مصالح االعتبار ومفاسد اإلمهال أقرتح ما ييل‪:‬‬

‫‪ -0‬أن يعا أوالً هذا الرشط إىل حمم يف رشط اإلمجاع‪ ،‬وأن يهذلر ل حهد صهوره‬ ‫املختمف فيها‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.61‬‬

‫‪014‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫‪ -2‬أن تكون صياغة هذا الشههرط لهام يهيل ‪ :‬يكهون القهول خهار االعتبهار إيا‬ ‫استيقنت خمالفت لإلمجاع‪.‬‬ ‫وهبذا االستيقان‪ :‬نستأيع نبط الباب‪ ،‬وأال يدر فيه مها اختمهف يف حتقهق‬ ‫اإلمجاع في ‪.‬‬ ‫ولعل الصياغة هبذه الأريقة تقع يف مونع مقبول عند عامهة الفقههاء حتهى‬ ‫الذين هلأ موقف معني من اإلمجاع الظن ‪ ،‬فالغالب عىل من يعهرتض عميه لهيس‬ ‫العرتان عىل حجيت ‪ ،‬فاملخالف يف أصل حجيت نها ٌر‪ ،‬وإنهام مهن جههة وقوعه‬ ‫وحتقق ‪ ،‬وصياغة الرشط هبذه الأريقة تبد خماوف من أن يكون هذا الرشط سهبيم‬ ‫لتحجر احلوا ث املتجد ة نمن القوالب املتقا مة‪.‬‬ ‫وال أحسب أن أحد ًا من أهل الفق والنظر يس ِمأ بحصول اإلمجاع عىل مس لة‬ ‫ما ثأ ينازع من جهة حجية اإلمجاع إال أن يكون الن َظام وليس من أهل هذا الش ن‪.‬‬ ‫ولذا فعىل من تصدى لقول ا ع عمي خمالفت لإلمجاع أن يبهد عهذره فيه ‪،‬‬ ‫وبيان وج عدم خمالفت لإلمجاع‪ ،‬ل ن يبني افرتاق حمل اإلمجاع القديأ عن الصورة‬ ‫احلا ثة‪ ،‬أو أن الصورة احلا ثة قد استجد فيها من الوصف ما أخرجها عهن ائهرة‬ ‫اإلمجاع القديأ‪ ،‬وأن يستوجب استئناف عممية اجتها جديدة‪.‬‬

‫‪015‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الثامنة عرشة‪ :‬أثر "عموم البلوى" عىل إحداث األقوال‬ ‫ن َب املؤلف حفظ اهلل عىل صورتني يلر أهنام ليستا من اطهرو املمنهوع عهن‬ ‫أقاويل السمف‪:‬‬ ‫الصورة األوىل‪ :‬أال يكون يف هذا القول املحدث رفع وإبأال ملجموع أقواهلأ(‪.)1‬‬ ‫الصورة الثانية‪ :‬إيا لانت املس لة الت وقع فيها االختمف بني املت خر والسمف من‬ ‫املسائل الت ال تعأ هبا البموى‪ ،‬وال تكثر هبا حاجة الناس إليهها؛ ألن ههذا‬ ‫ال تتوافر واع النقمة عىل حفظها ونقمها فيتصور حينئذ أن ال حتفهظ لنها‬ ‫مجيع أقاويل السمف فيها‪.‬‬ ‫قمت‪ :‬هذا لمم حمرر‪ ،‬وحمل التنبي هو يف الصورة الثانية يف بع‬

‫ما ع َمق عىل‬

‫حواشي ‪:‬‬ ‫التنبيه األول‪:‬‬

‫بني املؤلف أن عموم البموى فيها طرفان وانحان من جهة حتقق الوصهف أو‬ ‫عدم ‪ ،‬وبينهام طرف مرت ‪ ،‬وهذا وإن لان صحيحا إال أن يؤلد صهعوبة نهبط‬ ‫تسويغ اطمف ب النتشاره‪ ،‬وعدم نبأ ‪ ،‬وإنام يصمح أن يدقق فيها عنهد بحهث‬ ‫أفرا املسائل‪ ،‬أما أن تكون نابأ ًا لتسويغ اطمف؛ فإن النقام فيها سيؤول بهني‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.16‬‬

‫‪016‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املتنازعني إىل بحث عني املس لة‪ ،‬وهذا تسميأ بتسويغ اطمف فيها‪.‬‬ ‫التنبيه الثاين‪:‬‬

‫اعتّرب املؤلف أن فق قيد "عموم البموى" يبني سبب خمالفة األئمة األربعة يف‬ ‫األحيان أقواال لمصحابة ال يعمأ فيها خمالف‪.‬‬

‫بع‬

‫ويقول‪ :‬إن بذلك يتحرر هذا الباب ٍ‬ ‫بقيد جيعم ألثر انضباطا‪ ،‬وأبعد عن عهوى‬ ‫التناق‬

‫يف عمل الفقهاء مع ‪ ،‬ويقوى اجلواب به عهىل منتقهدهأ يف يلهك‬

‫لاإلمام أيب حممد ابن حزم يف املحىل (‪.)1‬‬ ‫قلت‪:‬‬

‫يقصد املؤلف أن أقوال الصحابة الت ال يعهأ هبها البمهوى ال تكهون حجهة‪،‬‬ ‫وهبذه الأريقة ُا َر لثري من املسائل الت خالف فيها األئمة األربعهة جمتمعهني أو‬ ‫منفر ين أقواالً لمصحابة رنوان اهلل عميهأ‪ ،‬فيقال‪ :‬إن هذه األقوال ه مما ال تعأ‬ ‫هبا البموى‪.‬‬ ‫وهذا قيدٌ حسن‪ ،‬وهو مستشف ِمن ت مل املؤلف لآلثار الواقعة عن الصهحابة‬ ‫رنوان اهلل عميهأ‪ ،‬ومل ي خذ هبا األئمة‪ ،‬فوجد أن لثري ًا منها مسهائل سه لوا عنهها‬ ‫ف فتوا بمقتىض عممهأ‪ ،‬وحيتمل احتامال قويا أن بقية الصحابة مل يأمعوا عهىل ههذه‬ ‫الفتوى‪ ،‬وربام لو اطمعوا عميها طالفوا فتواه‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.17‬‬

‫‪017‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫لكن بقي أن يقال‪ :‬إن هذا القيد يعوقه أمور‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن هذا من املؤلف بناء عىل أن االحتجا بقول الصحابة إنام يكون إيا انترشه‬ ‫ومل خيالف‪.‬‬ ‫ونقةول‪ :‬إن ِمن الفقهاء من يأمق االحتجا بقول الصحابة ولو مل تتحقق في هذه‬ ‫الصورة‪ ،‬وحينئذ ال فرق عند هؤالء يف اعتبار قول الصحابة بني أن يكون مما يعهأ‬ ‫ب البموى أو مما ال يعأ؛ ألن اشرتاط االحتجا ب قوال الصحابة ب ن يكون مما يعأ‬ ‫هبا البموى إنام هو حتى يغمب عهىل الظهن أن قهول الصهحايب قهد بمهغ غهريه مهن‬ ‫الصحابة ومل ينكر عمي ‪ ،‬وإيا مل نشرتط االنتشار وبموغ غريه؛ وإنام يكف أنه قهول‬ ‫صاحب‪ ،‬وهو حجة بنفس ‪ ،‬فم اع حينئذ لتقييد االحتجا بقول الصهحايب أن‬ ‫يكون مما يعأ هبا البموى‪ ،‬وحينئذ يصهح إلهزام أيب حممهد الظهاهر عهىل ههؤالء‬ ‫الفقهاء‪.‬‬ ‫وإنام تصح مدافعة املؤلف عن أولئك فقهط الهذين يشهرتطون يف االحتجها‬ ‫بقول الصاحب أن ينترشه وال خيهالف‪ ،‬فمممؤلهف حينئهذ أن يقيهد احتجاجهاهتأ‬ ‫ب قوال الصحابة أن يكون مما يعأ هبا البموى حتى حيصل ولو بع‬

‫الظهن ببمهوغ‬

‫قوهلأ غريهأ من الصحابة‪.‬‬ ‫ومن املفيةد هنةا القةول‪ :‬إن إطهمق االحتجها به قوال الصهحابة ههو قهول‬ ‫اجلمهور‪ ،‬وعمي فإن انتقا ابن حزم ٌ‬ ‫نازل عىل قول اجلمههور‪ ،‬وتقييهد االحتجها‬ ‫بقول الصحايب إيا لان القول مما يعأ هبا البموى هو خمف قهول اجلمههور‪ ،‬ههذا‬ ‫بحسب التقرير األصويل النظر ‪.‬‬ ‫‪018‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ثانيا‪ :‬أن هذا القيد إنام يصمح أن يكون تفسريا لسهبب عهدم أخهذ األئمهة بالبع‬ ‫أقو ال الصحابة‪ ،‬وإال فإن ترك األئمة ألقوال الصحابة لان أوسع بكثهري مهن‬ ‫حدو هذه الصورة‪ ،‬املحد ة‪.‬‬ ‫وقد استقرى اإلمام الشافع األ لة يف االحتجا بقول الصحايب إيا مل حيفهظ‬ ‫لغريه منهأ موافقة أو خمالفة‪ ،‬فمأ جيد فيها حجة من الكتاب أو السنة أو اإلمجهاع‪،‬‬ ‫ثأ استقرى طرائق أهل العمأ باالحتجا بقول الصحابة فوجدهأ ي خذون بقول‬ ‫واحدهأ تارة ويرتلون أخرى ويتفرقون يف بع‬

‫ما أخذوا ب منهأ (‪.)1‬‬

‫أورد املؤلف سؤاال عىل هذا الرشط مفاده‪:‬‬

‫ما هو احلد الزمن الذ ال بد أن يكون العامل مسبوقا في إىل قول ؟‬ ‫واستغرق يف جواب ‪ ،‬وطص ب ن يلك بتأ بالنظر إىل املس لة نفسها فإن لانت‬ ‫املس لة مما تتوافر الدعاو فيها عىل نقهل مجيهع أقهوال املختمفهني فهم يقبهل فيهها‬ ‫إحداث قول جديد‪ ،‬وإن لانت عىل خمف يلك جاز فيها إحداث قول جديد‪.‬‬ ‫قلةت‪ :‬هذا جيد يف اجلممة لكن معاجلة املسهائل الفقهيهة تظههر أن الفقيه قهد‬ ‫يضأر إىل إحداث قو ٍل ثالث فيام ههو خهار ههذه الصهورة‪ ،‬ومهن يلهك مسه لة‬ ‫التمفيق بني القولني‪ ،‬فه يف احلقيقة ٌ‬ ‫قول ثالث غري مسبوق يف نفس ‪ ،‬لام قد يمجه‬ ‫ٍ‬ ‫وصف يف حكأ املس لة مما جيعل قوله متميهزا عهام قبمه ‪ ،‬وثمهة‬ ‫الفقي إىل إحداث‬ ‫أقوال حمدثة من جهة الرتتيب الفقه لممس لة‪ ،‬ويدعى حمد ُثها فوات اإلفصاح هبا‬

‫(‪ )1‬الرسالة ص‪.198‬‬

‫‪019‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ال االعتبار‪ ،‬ويدندن عىل هذا لثري مهن املجتههدين ملها يصهك يف وجهوههأ أهنهأ‬ ‫أحدثوا بع‬

‫األقوال‪.‬‬

‫إن النظر واالجتها ال ينقأع‪ ،‬وإنام املمنوع هو اطرو عن اإلمجاع املسهتيقن‬ ‫السابق‪ ،‬السيام أن لممنا يف االعتبار وعدم ال جمر استخرا الرأ الراجح‪.‬‬ ‫وبنظر أن األ ق أن يقال‪ :‬إن املدار عىل االستقرار؛ فإيا استقرت املس لة وأخذت‬ ‫حظها‪ ،‬وحصهر اطمف فيها‪ ،‬فيمنهع حينئهذ اطهرو عهن أطرافهها‪ ،‬برشهط أال‬ ‫يستجد وصف جديد يستدع استئناف عمميهة االجتهها ‪ ،‬وهبهذا االعتبهار يهتأ‬ ‫النظر إىل املس لة نفسها ويتأ النظر أيض ًا إىل طريقة تناوهلا‪.‬‬

‫‪001‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة التاسعة عرشة‪ :‬توسيع دائرة اإلمجاع القطعي‬ ‫سبقت اإلشارة إىل أن املؤلهف يشهرتط يف تسهويغ اطهمف‪ :‬أن يكهون قهول‬ ‫املخالف ال خيالف إمجاعا قأعيا‪ ،‬وهذا معنى يس ِمأ ب سائر أهل العمأ‪ ،‬حتى أهل‬ ‫الظاهر منهأ‪ ،‬وليست هنا املشكمة‪ ،‬وإنام تكمن يف توسيع املؤلهف ائهرة اإلمجهاع‬ ‫القأع الذ ال جيوز خمف ‪ ،‬حتى أ ر في نوع ًا نخر من اإلمجاع‪ ،‬وهو اإلمجهاع‬ ‫السكويت(‪ )1‬إيا احتفت ب قرائن تدل عىل قأعيت ‪.‬‬ ‫وبناء عىل هذا فقد اعتّرب أن اإلمجاع السكويت نوعان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬قأع ‪ ،‬وهو ما احتفت ب قرائن تدل عىل قأعيت ‪.‬‬ ‫وظن ‪ :‬وهو ما مل حتتف ب قرائن القني‪ ،‬فذلر أن هذا اإلمجاع لخّرب اآلحا ‪.‬‬ ‫ثم قال‪:‬‬

‫ولو قيل‪ :‬إن اإلمجهاع السهكويت القأعه الهذ ال يسهوغ خمفه ههو البهني‬ ‫القأعية‪ ،‬لظهور قرائن الدالة عىل القأهع‪ :‬لكهان أوىل يف اجتهها ؛ ألن القأعيهة‬ ‫املستفا ة من قرائن خفية لالقأعية اطفية املسهتفا ة مهن اللهة الهنص‪ ،‬ال يمكهن‬ ‫مؤاخذة العامل عىل عدم بموغها عنده (‪.)2‬‬ ‫وألَد املؤلف هذه الأريقة‪ ،‬فقال يف سياق تفصيم لمرشهط اطهامس لتسهويغ‬

‫(‪ )1‬يقصد املؤلف به اإلمجاع الظنس كام سبق‪.‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.11‬‬

‫‪000‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫اطمف‪:‬‬ ‫الرشط اطامس‪ :‬أن ال يكون القول خمالفا لهدليل ثابهت وانهح القأعيهة يف‬ ‫اللت ‪ ،‬لالنصوص الثابتة يات الداللة القأعية الوانحة يف قأعيتها‪ ،‬ولاإلمجهاع‬ ‫السكويت الظن املتحقق غري املنقوض باالختمف املعتّرب‪.‬‬ ‫ثأ فرس قيد ونوح القأعية الذ وقع يف لمم ب ن املقصو من ‪:‬‬ ‫أال يكون قد وصل في إىل القأعيهة بعهد طهول بحهث وعميهق نظهر‪ ...‬ألن‬ ‫الوصول إىل القأع ب لة فيها خفاء‪ ،‬وظهورها ألحد املجتهدين عىل سبيل القأهع‬ ‫ال خيرجها عن لوهنا مس لة خفية األ لة؛ ألن القأعيهة إنهام حتصهمت عهن طريهق‬ ‫البحث والنظر‪ ،‬فتبق املس لة يف ائرة املسائل الت يسوغ فيها اطمف (‪.)1‬‬ ‫قلت‪ :‬هاهنا أمور‪:‬‬

‫‪-0‬‬

‫أن حصول القأع‪ :‬إنام لان بهالقرائن ال بمجهر اإلمجهاع‪ ،‬فيبقهى‬ ‫اإلمجاع لام هو ظن ‪ ،‬وإنام حيصل القأع بجممة أمور مهن مجمتهها‬ ‫اإلمجاع‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫هذه الأريقة أحوجت املؤلف إىل عممية تصعيد وعممية تنزيل‪:‬‬

‫عممية تصعيد‪ :‬ب ن ص َعد هذا اإلمجاع إىل رجة اإلمجاع القأع ‪ ،‬وسبق أن مل‬ ‫يصل إلي بمفر ه وإنام بقرائن ‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص ‪.77 ،78‬‬

‫‪002‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وعممية تنزيل‪ :‬ب ن أنزل هذا اإلمجاع الذ يقول إن قأع من ائرة املنع مهن‬ ‫تسويغ اطمف في ‪ ،‬ف جاز أن يقع في اطمف السائغ؛ ألن وإن لان قأعيا إال أنه‬ ‫ليس وانح القأعية‪.‬‬ ‫ثأ إن ثمة اختمالً يف رجة تسويغ اطمف؛ إي جعل هذا اإلمجاع القأعه ال‬ ‫يمنع من تسويغ اطمف‪ ،‬بينام جعل اإلمجاع السكويت الظن املتحقهق مانعها ً مهن‬ ‫تسويغ اطمف! ‪.‬‬ ‫وال ظاهر أن اشتغال الشيخ بالر عىل املتكممني يف أخبار اآلحا ‪ ،‬وأن منه مها‬ ‫يصل إىل اليقني‪ :‬ل أثر يف هذه املس لة‪ ،‬وإال فام ما الذ أوصم إىل اليقني؟‬ ‫القرائن املحتفة ه الت أوصمت إىل اليقني ‪ ،‬وبذلك يكون اإلمجاع السهكويت‬ ‫ال يزال إمجاعا ظنيا لام ههو‪ ،‬وإنهام صهعد إىل اليقهني بغهريه‪ ،‬ال بأريقه اطهاص‪،‬‬ ‫فالقأع هو لمحكأ لدخري‪ ،‬ال هلذا الأريق اطاص‪.‬‬ ‫وهلذا فإن القول بقأعية هذه الصورة املحتفة بهالقرائن ال ينهايف القهول بظنيهة‬ ‫اإلمجاع السكويت‪ ،‬لام أن القول بظنية خّرب اآلحا ال يمنع القول بإفا ت لمعمهأ إيا‬ ‫قام ِ‬ ‫موجب من القرائن املحتفة باطّرب‪ ،‬ولأ قد تعدَ ت األقوال يف املسائل بحسهب‬ ‫بع‬

‫التفاصيل‪ ،‬وه يف حقيقتها مندرجة يف أحضان األقوال الرئيسة يف املس لة‪.‬‬ ‫وال يقههال‪ :‬إنه اصههأمح‪ ،‬ألنه ال جيههوز أن يههدخل عههىل العمههوم الفانههمة‪،‬‬

‫بالتشويش عىل اصأمحاهتا الصحيحة‪ ،‬وما تعارفوا عمي ‪ ،‬فيقع الوهأ‪ ،‬ويتشهت‬

‫‪003‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ب اجلهد‪ ،‬وتتبد الأاقات‪ ،‬ثأ ملا ينف‬

‫النزاع يقال‪ :‬اصأمح! ‪. 1‬‬ ‫) (‬

‫إيا تقرر ما سبق فإن يظهر أن ال حاجة إىل رفع بع األ لة الظنية إىل رجهة‬ ‫اليقني بسبب ما حيصل لبع املجتهدين من بموغ رجة اليقني فيها بوج ٍ ما‪ ،‬ممها‬ ‫يستدع ‪ -‬بحسب املؤلف ‪ -‬استثناءها من القأع الذ ال جيوز خمفه ‪ ،‬فهه‬ ‫عند املؤلف من القأع لكن جيوز خمف ‪.‬‬ ‫مالحظة‪:‬‬

‫مل يكن املؤلف قيقا حينام اعتّرب أن منهج الظاهرية قائأ عىل عدم االحتجها‬ ‫إال بالقأع (‪)2‬؛ فإن نصوصهأ وإن لانت متضافرة عىل اعتبار اليقني إال أن أوسع‬ ‫ائرة عندهأ من القأعه ؛ إي يشهمل التمسهك بهالّرباءة األصهمية واستصهحاب‬ ‫األصل‪ ،‬وعدم اطرو من ليل إال بدليل‪ ،‬وإال فيجوز عندهأ أن يكذب الشاهد‬ ‫لكن هذا ال ينايف اليقني‪ ،‬ومثم التصحيح والتضعيف والرجوع من قول إىل قول‪،‬‬ ‫وقد بحثت هذه املس لة بيشء من التوسع يف الرتمجة العممية البن حهزم الظهاهر‬ ‫من بحث يف إلزامات ابن حزم‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص ‪133 ،132‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.98‬‬

‫‪004‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة العرشون‪ :‬غلبة األثر احلديثي عىل األثر األصويل يف وقن الرشوط‬ ‫يقول املؤلف حفظه اهلل‪:‬‬

‫"الرشط اطامس‪ :‬أال يكون القول خمالفها لهدليل ثابهت وانهح القأعيهة يف‬ ‫اللت ‪ ،‬لالنصوص الثابتة يات الداللة القأعية الوانحة يف قأعيتها‪ ،‬ولاإلمجهاع‬ ‫السكويت الظن املتحقق غري املنقوض باالختمف املعتّرب"‪.‬‬ ‫سبق مرارا التنبي عىل إشكالية التكرار يف الرشوط الت ساقها املؤلف‪ ،‬لكن يف‬ ‫هذا الرشط أمر نخر غري التكرار‪ ،‬فإليك ما في ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يشرتط املؤلف يف اطمف السائغ‪ :‬أن ال يكون ُ‬ ‫املخهالف خمالفها لهدليل‬ ‫قهول‬ ‫ثابت وانح القأعية يف اللت ‪.‬‬ ‫ومثل لذلك ب مرين‪:‬‬ ‫‪ )1‬أن يكههون خمالفهها لمنصههوص الثابتههة يات الداللههة القأعيههة الوانههحة يف‬ ‫قأعيتها‪.‬‬ ‫‪ )1‬أن يكون خمالف ًا لإلمجاع السكويت الظن املتحقق غهري املنقهوض بهاطمف‬ ‫املعتّرب‪.‬‬ ‫فهو يف صياغت األوىل لمرشط يشرتط لعهدم تسهويغ اطهمف أمهرين اثنهني‪،‬‬ ‫ومها‪:‬‬ ‫‪ ‬الثبوت ولو لان ظني ًا سواء لان نصا أو إمجاع ًا‪[ .‬لقولاله‪ :‬بلالدليل ثابال ب‬ ‫‪005‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ورش رح هذا بأنه يكتفس فيه بمجرع الثبوتب]‪.‬‬ ‫ر ر‬ ‫‪ ‬أن يكون وانح القأعية يف اللت ‪.‬‬ ‫فهو إين يشرتط القأعية يف الداللة ال يف املستند‪ ،‬وجييز بناء عىل ههذا تسهويغ‬ ‫اطمف فيام لان ظن الداللة‪ ،‬وال يسوغ اطمف فيام لان ظن الثبوت‪.‬‬ ‫فمهأ صهح إنكهار‬ ‫وهذا تفريق حيتا إىل وقفة‪ ،‬فعندنا‪ ،‬سهند‪ ،‬وعنهدنا مهتن‪َ ،‬‬ ‫اطمف فيام لان ظن الثبهوت ون مها لهان ظنه الداللهة؟ وقهل مثهل يلهك يف‬ ‫اإلمجاع‪ :‬يف اشرتاط القأعية يف اللت ون ثبوت ‪ ،‬فتجهد أن الثبهوت املتعمهق بفنه‬ ‫"مصأمح احلديث" ل أثر وحضور وحجهأ خيهالف "الداللهة" املتعمقهة بعمهأ‬ ‫"أصهول الفقه "‪ ،‬فنتهائج عمهأ املصهأمح تكفه فيهها "الظنيهة" ملنهع تسهويغ‬ ‫اطمف"‪ ،‬أما نتائج أصول الفق فم تكون مانعة من تسويغ اطمف إال أن ترتفع‬ ‫إىل رجة القأعية!‬ ‫فعناية املؤلف بتفاصيل عمأ املصأمح ظهر أثرها يف قائق البحث‪ ،‬بيهنام جتهد‬ ‫" الالت األلفاظ واملعاين" املتعمقة به "عمأ أصول الفقه " يف غيهاب ممحهوظ‬ ‫عن ترليبة الكتاب‪ ،‬ومعموم أن ألثر اطمل الواقع اليوم ليس هو بالدرجهة األوىل‬ ‫من قبل إشكاالت تصحيح احلديث وتضعيف ‪ ،‬وإنام مهن جههة فقهه ‪ ،‬والنظهر يف‬ ‫مسمك اعتباره‪.‬‬ ‫أرشت خاض املؤلف يف تفاصيل ما يمكن االستغناء عن ‪ ،‬وقد ال‬ ‫وبسبب ما‬ ‫ُ‬ ‫يكون شديد الصمة بمونوع ‪ ،‬معرن ًا عام هو أشد لصوق ًا وارتباطا‪.‬‬

‫‪006‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫فالصور عند املؤلف – يف مس لتنا احلابة ‪ -‬أربعة‪:‬‬ ‫‪ )0‬ما لان قأع الثبوت قأع الداللة‪ :‬ال يقبل اطمف‪.‬‬ ‫‪ )2‬ما لان قأع الثبوت ظن الداللة‪ :‬يقبل اطمف‪.‬‬ ‫‪ )3‬ما لان ظن الثبوت قأع الداللة‪ :‬ال يقبل اطمف‪.‬‬ ‫‪ )4‬ما لان ظن الثبوت ظن الداللة‪ :‬يقبل اطمف‪.‬‬ ‫فمجرد الثبوت الظني‪ :‬لايف يف فع اطمف‪.‬‬ ‫لكن الداللة‪ :‬تفتقر إىل أن تكون قأعية حتى نمنع وقوع اطمف فيها‪.‬‬ ‫وهبذا يتضح جليا‪ :‬أن اإلشكال يقع فيام لان ظن الثبوت‪ ،‬فنقول‪َ :‬ملِ مل ْ تكن ظنيته‬ ‫مسوغة لمخمف‪ ،‬لام لانت ظنية الداللة مسوغة لمخمف؟‬ ‫والذي يبدو والعلم عنةد اهلل‪ :‬أن لون النص ظن الثبهوت أو ظنه الداللهة ال‬ ‫يمنع من تسويغ اطمف‪.‬‬ ‫وأ رك متام ًا أن مستند املؤلف هو اإلمجاع عىل قبول خّرب اآلحا وههو ظنه ‪،‬‬ ‫وأن املحدِ ث قد يصل إىل رجة القأع بهذلك‪ ،‬ونقهول‪ :‬واألصهويل والفقيه قهد‬ ‫يصل بالداللة إىل يلك!‪.‬‬ ‫أمل يقرر املؤلف أن املرء قد يدرك القأع ببحث واجتهها ه‪ ،‬لكنه مهع يلهك ال‬ ‫جيوز ل أن ينكر عىل غريه؛ ألن وصول إىل القأع إنام لان ب لهة فيهها خفهاء؛ فهم‬ ‫خيرجها ظهورها ألحد املجتهدين إىل حد القأع عن لوهنا مس لة خفية األ لة (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.77‬‬

‫‪007‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫يضاف إىل يلك‪ :‬أن حتصيل القأع عن طريق االجتها والنظر هو حمهل نهزاع‬ ‫بني أهل النظر‪.‬‬ ‫ثأ إن اجلميع يس ِمأ‪ :‬أن حصول القأع خيتمف‪ ،‬فقد خيأهئ املهرء يف ظنه حصهول‬ ‫القأع‪ ،‬لام هو مشاهد ومعموم‪.‬‬ ‫يقال هذا يف القأع ‪ ،‬فكيف بالظن ؟!‪.‬‬ ‫ثأ إن املؤلف قد قرر يف لتاب ‪:‬‬ ‫أن االختمف غري السائغ‪ :‬ههو اطهمف املقأهوع ببأمنه ب لهة ثابتهة وانهحة‬ ‫القأعية يف اللتها (‪.)1‬‬ ‫والسؤال‪ :‬ليف يقأع املؤلف ببأمن ‪ ،‬وقد أ ر يف اطمف غري السائغ مجمة مهن‬ ‫املسههائل الظنيههة‪ ،‬لاإلمجههاع الظنهه ‪ ،‬واطههّرب الثابههت!‪ .‬أجيههوز أن يقأههع‬ ‫بالظن؟!‪.‬السيام أن حكأ عمي هنا باملقأوع املتضح بأمن ‪ ،‬ثمة انأراب!‪.‬‬ ‫وهذا من الشواهد الت نسوقها عىل املؤلف‪ ،‬وأن ما صهاغ مهن الرشهوط ال‬ ‫ينتظأ واألحكام املذلورة يف الكتاب نفس ‪.‬‬ ‫حصمها املؤلف من خمل أبحاث املتكررة‬ ‫ويبدو – واهلل أعمأ ‪ -‬أن هذه فائدة َ‬ ‫عىل إبأال أ منهج سوى منهج املحدثني‪ ،‬وأن خّرب اآلحا وإن لان ظنيا إال أنه‬ ‫قد يصل إىل العمأ اليقين ‪ ،‬فه فائدة متجهذرة عنهد املؤلهف مل يسهتأع فعهها يف‬ ‫صياغة هذا الرشط‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.131‬‬

‫‪008‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وقد لان هذا سبب ًا رئيس ًا يف تعثر بع‬ ‫مباحث الكتاب وهو ٌ‬ ‫مثقل ببع‬

‫مباحهث الكتهاب‪ ،‬فهاملؤلف أتهى إىل‬

‫املسائل الت أوالها الكثري من البحث والنظهر‪،‬‬

‫فحصل أن َفرغها تفريغ ًا تام ًا يف صناعة هذا الكتاب‪.‬‬ ‫ثأ إن ما سبق يلره ال خيدم يف طريقة املحدثني يف تصهحيح األخبهار؛ ألنها‬ ‫نعتّرب طريقة املحدثني يف إعهامل ههذه الظنيهة صهحة ونهعفا‪ ،‬فبإمجهاع املحهدثني‬ ‫وغريهأ أن من األحا يث الظنيهة مها ههو خمتمهف الثبهوت‪ ،‬وأن منهها الصهحيح‬ ‫والضعيف‪ ،‬فثبوت احلديث عند املحدث الفمين ال يرفع النزاع يف صحة احلديث‪،‬‬ ‫وال يكون تصحيح ل مانعا من تسويغ اطمف يف املس لة‪.‬‬ ‫يقول اإلمام الشهافع رمحه اهلل‪ " :‬ونحكهأ بالسهنة قهد رويهت مهن طريهق‬ ‫االنفرا ال جيتمع الناس عميها فنقول حكمنا باحلق يف الظاهر ألن قد يمكن الغمط‬ ‫فيمن روى احلديث"(‪.)1‬‬ ‫وهذا أمر وانح جدا وال ينازع في الرشيف حاتأ‪ ،‬وال غريه مهن العمهامء‬ ‫جر الشيخ حاتأ إىل ما يلر ليس هو غفمت عن هذا املعنهى‪،‬‬ ‫املعتّربين‪ ،‬ولكن الذ‬ ‫َ‬ ‫فإن فن وخصيصت ‪ ،‬ولكن رام أن ير عىل مجاعة ممن ر وا أخبهار اآلحها بجممهة‬ ‫مهد لذلك ب ن يكفه يف عهدم تسهويغ‬ ‫من الأرق‪ ،‬فاستغرق يف الر عميهأ حتى َ‬ ‫اطمف معهأ حصول مأمق الظنية يف الثبوت‪ ،‬و َي َه َل متاما عن أمر نخر‪ ،‬وههو أن‬ ‫حيصم ‪.‬‬ ‫حصول هذا الظن ليس بامنع من رفع اطمف عند َم ْن مل ِ‬

‫(‪ )1‬الرسالة ص‪.199‬‬

‫‪009‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ثم إن حاصل هذا الرشط املؤلف يفيد‪:‬‬

‫‪ o‬صورتني قأعيتني‪ :‬يسوغ يف إحدامها االختالف‪ ،‬وال يسوغ يف األخرى‪.‬‬ ‫‪ o‬صورة ظنية‪ :‬ال يستساغ فيها اخلالف‪.‬‬ ‫تفصيل ذلك كام ييل‪:‬‬

‫‪‬‬

‫عليل ثاب واضح القطعية يف عاللته [ال يستساغ فيه اخلالف] ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫عليل ثاب غري واضح القطعية يف عاللته [يستساغ فيه اخلالف] ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫اإلمجاع السكويت الظنس املتحقق غري املنقوض باالختالف املعتالر [ال‬ ‫يستساغ فيه اخلالف] ‪.‬‬

‫ونتساءل؛ ليف لانت إحدى صور القأع ال متنع من استساغة اطمف‪ ،‬بينام‬ ‫يعتّرب ما هو من صور الظن مانع ًا من استساغة اطمف؟!‪.‬‬ ‫وال نريد هبذا إال أن نقول‪ :‬إن تسويغ اطمف يف الظنه املهتمح‬

‫أوىل مهن‬

‫تسويغ من الظن الذ يصل إىل رجة القأع؛ فكيهف سهاغ لممؤلهف أن جيعهل‬ ‫األقوى ون األنعف يف تسويغ اطمف؟‬

‫‪021‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة احلادية و العرشون‪ :‬رشوط املناقعة يف ثبوت الدليل‬ ‫بعد تقرير املؤلف أن ال يستثن من هذا الرشط ءء‪ ،‬تنب يف غضون ر ه‪:‬‬ ‫إىل أن يمكن أن حيصل اطمف فيام لان ظن الثبوت – وهو حمل استدرالنا‬ ‫عمي ‪ -‬فقال‪" :‬إال إيا لان خمف املخالف مبنيا عىل نزاع يف ثبوت الدليل‪"...‬‬ ‫فقيده بثالثة رشوط من الوقن الثقيل‪:‬‬

‫‪-0‬‬

‫أن يكون املخالف يف الثبوت عاملا من عمامء احلديث متخصصا يف عمأ‬ ‫نقد السنة؛ ألن هذا رشط اطوض يف العمهوم لمهها‪ ،‬وخاصهة يف قهائق‬ ‫العموم وعويص مسائمها‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫أن يكون الدليل مما جيوز االختمف يف ثبوت أصم (لالسنة غري قأعية‬ ‫الثبوت)‪.‬‬

‫‪-3‬‬

‫أن يكون خمف يف الثبوت مبنيا عىل منهج أئمة السنة يف النقد والتمييز‬ ‫ون منهج من ال عمأ ل بالسهنة (مهن غهري أههل االختصهاص بالسهنة‬ ‫وعمومها) ويلك ألن منهج أئمهة السهنة يف نقهدها ههو املهنهج العممه‬ ‫الوحيد لمنقد والتمييز وألن هو املنهج الذ أمجعت األمة صحت ‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.96 ،91‬‬

‫‪020‬‬

‫)‪(1‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وهاهنا تنبيهات‪:‬‬ ‫التنبيه األول‪:‬‬

‫ٌ‬ ‫وانح يف صهياغة الرشهط األول والثالهث‪ ،‬فالرشهط األول أن‬ ‫تداخل‬ ‫هناك‬ ‫ٌ‬ ‫يكون املخالف عاملا من عمامء احلديث متخصصا‪ ...‬ويف الرشط الثالث‪ :‬أن يكون‬ ‫اطمف مبنيا عىل منهج أئمة السنة يف النقد‪ ،‬ولممها يدور يف فمك واحد‪ ،‬فإن لان‬ ‫املخالف عاملا من عمامء احلديث متخصصا متعمقا في فإن ال مناص أن يسهتعمل‬ ‫منهج أئمة احلديث؛ ألن حسب املؤلف ال يوجد سواه مهنهج مقهرتح بهديل عنه‬ ‫أصم حتى يمكن التخيري‪.‬‬ ‫ولئن استعمل املخالف يف النقد منهج أئمة السنة فاميا يريد بعهد يلهك؟ فهإن‬ ‫هذا ال يكون إال من العارف املتخصص‪ ،‬السيام أن املنهج الوحيد الهذ أمجعهت‬ ‫األمة عمي ‪ ،‬حسب املؤلف‪.‬‬ ‫التنبيه الثاين‪:‬‬

‫جيهوز أن يبهارش‬ ‫لممؤلف مبالغة يف تقرير منهج املنهج املحدثني حتهى إنه ال ِ‬ ‫التصحيح والتضعيف إال العامل املتخصص من عمامء احلديث‪ ،‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل‬ ‫ال يكف يلك حتى يكون متخصصا يف نقد السنة‪.‬‬ ‫ويكف يف إبأال هذه الأريقة وقوع اإلمجهاع عهىل ممارسهة أههل العمهأ مهن‬ ‫التصحيح والتضعيف‪ ،‬ممن هأ ون هذا الوصهف بمراحهل‪ ،‬ومل‬ ‫الفقهاء وغريهأ‬ ‫َ‬ ‫نسمع بمثل هذا النكري‪ ،‬وإنام الذ حيصل هو اإلنكار عىل من تصدى له ‪ ،‬ولهان‬ ‫‪022‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫غري عارف ب ‪ ،‬أو أن خالف طريقة أهل الفهن يف احلكهأ عهىل احلهديث‪ ،‬ال أنه ال‬ ‫يتكمأ في إال املتخصص‪.‬‬ ‫وعموما فاحلديث عىل ثالث درجات‪:‬‬

‫‪ ‬ما يدرل عامة أهل العمأ صح ًة أو نعف ًا‪.‬‬ ‫‪ ‬املرت ‪ ،‬فهذا يقع النزاع في بني أهل العمأ‪ :‬أهل احلديث وغريهأ‪.‬‬ ‫غريهأ‪.‬‬ ‫‪ ‬اطف ‪ :‬وهذا ما خيتص بإ رال أهل احلديث‪ ،‬ويفوت َ‬ ‫ويف مونع نخر لان املؤلف ألثر هدوءا فهالتفى باشهرتاط أن يكهون النقهد‬ ‫صا را من املت هل لمكمم يف عمأ احلديث من العمامء ب ون غري املت ههل فيه وإن‬ ‫لان إماما من األئمة يف عمأ نخر (‪.)1‬‬ ‫وهذا تقرير حسن ومتوازن‪.‬‬ ‫التنبيه الثالث‪:‬‬

‫أشار املؤلف إىل أن ثمة عمقة تكاممية بني الفقهاء واملحدثني‪ ،‬وقرر أن أههل‬ ‫احلديث هأ َم ْن جيب التسميأ هلأ يف احلكأ عهىل األحا يهث‪ ،‬ههذا مها ألهد عميه‬ ‫وأبدى في وأعا ‪ ،‬غري أن ال أثر يف لمم عىل تسهميأ املحهدثني لفقه األحا يهث‬ ‫لمفقهاء‪ ،‬ف ين العمقة التكاممية؟‬ ‫املعروف بداه ًة أن الفقهاء أ رى بنقد املهتن مهن املحهدثني‪ ،‬لهام أن املحهدثني‬ ‫أ رى بنقد السند من الفقهاء‪ ،‬وإنام جيتمع األمران لدى ٍ‬ ‫نفر قميل‪ ،‬وال تعويل عهىل‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.111‬‬

‫‪023‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫فق املحدثني من حيث هأ لذلك‪ ،‬لام أن ال تعويل عىل حديث الفقهاء من حيث‬ ‫هأ لذلك‪ ،‬حسب تعبري نجأ الدين الأويف‪ ،‬أحد فحول األصول الكبار‪.‬‬ ‫التنبيه الرابع‪:‬‬

‫أن هذا االستثناء يفسد عىل املؤلف صياغت لمرشهط؛ ألنه هنهاك أطمهق أنه‬ ‫يكف يف عدم تسويغ اطمف أن يثبهت الهدليل بمأمهق الثبهوت إيا لهان قأعه‬ ‫الداللة‪َ ،‬يل َ​َر هذا الرشط يف صدر الفصل حال سياق ملجمل الرشوط(‪ ،)1‬ثأ أعها ه‬ ‫ملا تصدَ ى لرشح واالستدالل ل ‪ ،‬ومل يستثن شهيئا(‪ ،)2‬ومل يتنبه له إال بعهد حهني‪،‬‬ ‫فذهب يعد ثمثة رشوط ملن خالف يف مأمق الثبوت‪.‬‬ ‫ونقول‪ :‬أيهن ههذا االسهتثناء يف صهياغة الرشهط يف مهرتني متفهرقتني؟ أم أن‬ ‫االستثناء جيوز أن يكون منفص ً‬ ‫م ولو طال!‪.‬‬ ‫ومع أن هذا يعتّرب تعقبا من املؤلف عىل نفس ‪ ،‬فإن يدل لذلك عهىل جتهر ه يف‬ ‫االستدراك والتحرير‪ ،‬وقد وقع ل هذا يف ألثهر مهن مونهع‪ ،‬لكهن أمل يكهن مهن‬ ‫املفرتض أن يقوم بإعا ة ترليبة الرشط؟‬ ‫ربام أعاق عن يلك لمفة يلك‪ ،‬وما يسبب من تشويش البحث بعهد متامه ‪ ،‬أو‬ ‫أهنا إنافات مت خرة عىل البحث‪ ،‬أو أن مل يتضح ل وج التعارض‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص ‪.48‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.76‬‬

‫‪024‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الثانية والعرشون‪ :‬غزوة املتكلمني!‬ ‫انتقل املؤلف بعد يلك بعدت وعتا ه يف غارة قد بيتت بميل‪ ،‬وبذل من أجمهها‬ ‫صياغة هذا الرشط عبار ًة ومضمون ًا‪ :‬إىل ٍ‬ ‫حمل ب مجاعة مهن الفقههاء واألصهوليني‬ ‫واملتكممني‪ ،‬الذين وقع منهأ ر بع‬

‫أخبار اآلحا ‪ ،‬فاسهتغرق املؤلهف يف الهر‬

‫عىل هؤالء حتى مال ب يلك إىل يلر رشط لان يمكن االستغناء عن ‪ ،‬ثأ صياغت‬ ‫بأريقة تسمح ل إبأال أصول هؤالء‪ ،‬ثأ تقرأ ل يف نحو ثمثني صفحة بام يساو‬ ‫ٌ‬ ‫هأ إال‬ ‫عرش الكتاب بكامم ‪ ،‬وهو‬ ‫منشغل متام ًا بإبأال مذهب هؤالء‪ ،‬وأن لهيس َث َ‬ ‫منهج املحدثني‪ ،‬ويأمق لذلك التحد ‪ ،‬وال شك أن هذا البحهث مقحهأ‪ ،‬ولهان‬ ‫ينبغ عىل َم ْن أرا أن يتصدَ ى لمر عىل الدخمء يف فن املختص ب أال يقحهأ ر ه‬ ‫هذا يف فن نخر‪ ،‬ليس هو فن ‪ ،‬وليس هو فن أولئك!‪.‬‬ ‫لئن لان املؤلف حمقا فيام يهب إلي ‪ ،‬ولئن لان مصيبا مسد ا فيام انتههى إليه ‪،‬‬ ‫إال أن مل يكن موفقا حني أقحأ موقف هنا يف إبأال مذهب هؤالء‪ ،‬واسهتغراق يف‬ ‫الر عىل املخالفني إىل أن فقد السيأرة عن إحكام قمم يف صياغة أصل رشط مهن‬ ‫رشوط تسويغ اطمف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مأ بعيد إىل حد ما‬ ‫هذا‪ ،‬واحلال أن املؤلف متخصص يف عمأ احلديث‪ ،‬وهو ع ٌ‬ ‫عن الرصاع مع املتكممني؛ أجل‪ ،‬ليف لو صنع هذا الكتاب أحد املتخصصهني يف‬ ‫العقيدة! ثأ التزم طريقة املؤلف يف تصفية احلسابات مع َم ْن افرتنههأ متباعهدين‬ ‫عن أئمة السنة واحلديث؟!‪.‬‬ ‫‪025‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫لقد لان هلذا أثر ًا يف جميه ًا يف صهياغة البحهث‪ ،‬وبهدهي ًا‪ :‬لهن نسهتغرق يف‬ ‫تفاصيل ر ه عىل الأائفة الت أطال يف الر عميها؛ ألهنا خار مونهوع البحهث‪،‬‬ ‫لام هو عنوان الكتاب " اختمف املفتهني واملوقهف املأمهوب جتاهه مهن عمهوم‬ ‫املسممني"‪.‬‬

‫‪026‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الثالثة و العرشون‪ :‬إعادة تركيبة رشط "األصل غري املعترب"‬ ‫يقول املؤلف نفع اهلل به‪:‬‬

‫ُ‬ ‫املخالف صها را عهن أصهل غهري معتهّرب‬ ‫"الرشط الرابع‪ :‬أن ال يكون القول‬ ‫ُ‬ ‫سمف هذه األمة قبل إحداث تمك األصول‪ ،‬أو بالدليل‬ ‫باإلمجاع الذ مىض عمي‬ ‫القاطع عىل عدم اعتباره؛ ألن األصل إيا لان غري معتّرب ف وىل بالفرع املبنه عميه‬ ‫أن ال يكون غري معتّرب أيض ًا‪".‬‬ ‫حتليل هذا الرشط‪:‬‬

‫يشرتط املؤلف لتسويغ اطمف‪ :‬أن ال يكون القول املخالف صا را عن أصل‬ ‫غري معتّرب‪.‬‬ ‫وضبط عدم اعتبار هذا األصل بأمرين اثنني‪:‬‬

‫‪ -0‬أن يكون هذا األصل مسبوقا باإلمجاع عىل خمف ‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن خيالف هذا األصل ليم ثابت ًا قأع الداللة‪.‬‬ ‫التعليق‪:‬‬

‫يبدو والعمأ عند اهلل صحة هذا الرشط يف تسويغ اطمف من حيث األصهل‪،‬‬ ‫وأقرتح إعا ة صياغت من اطمف‪ ،‬ليكون رشطه ًا وجو يه ًا ال عهدمي ًا‪ ،‬وخاصه ًا ال‬ ‫عام ًا‪ ،‬ويكون لالتايل‪:‬‬ ‫‪027‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫يشرتط يف تسويغ اخلالف‪ :‬أن يكون مستند املخالف اطاص يف حيز االعتبار‪.‬‬ ‫سبب اختيار هذه الصيغة أمران‪:‬‬ ‫‪ o‬كون الرشةط فيهةا وجوديةا‪ :‬وههو أليهق بالصهناعة الرشهطية‪ ،‬وههو يفيهد يف‬ ‫التحديد‪ ،‬بينام الذ يلره املؤلف هو رشط عدم ‪ ،‬عىل أن األمر في يرس‪.‬‬ ‫‪ o‬العموم‪ :‬فالصيغة التس ذكرتا ال تقترص يف املنع من تسويغ اخلالف‪ :‬أن يكهون‬ ‫صا ر ًا عن أصل غري معتّرب‪ ،‬بل يقع هبا املنع من تسويغ اطمف حتى لو لهان‬ ‫ُ‬ ‫القول صا ر ًا عن أصل معتّرب‪ ،‬لكن ُأ ْ ِر يف الدليل غمأا أو ومها‪ ،‬ل ن يستدل‬ ‫بدليل من الكتاب عىل ما ال يقتضي معناه البتة‪ ،‬فهذا استند إىل أصل معتّرب‪ ،‬و‬ ‫مع يلك فإن استدالل غري معتّرب‪ ،‬ومعموم أن االستدالل أخص مهن الهدليل‪،‬‬ ‫فمههو التفينهها باشههرتاط الههدليل املعتههّرب لكههان في ه قصههور؛ إي لههن يسههتوعب‬ ‫االستدالالت غري املعتّربة‪ ،‬فكيف بنا لهو نهيقنا ائهرة االعتبهار يف األصهول‬ ‫فقط‪ ،‬لكان يلك مؤين ًا بتسويغ الدليل غري املعتهّرب لكونه صها ر ًا عهن أصهل‬ ‫مسوغ ًا لمستدالالت غري املعتّربة‪.‬‬ ‫معتّرب‪ ،‬ولكان يلك من باب أوىل ِ‬ ‫فالصيغة املقرتحة‪:‬‬

‫ت سمح بإخراج‪:‬‬ ‫‪ .1‬االستدالالت غري املعتّربة‪.‬‬ ‫‪ .2‬واأل لة غري املعتّربة‪.‬‬ ‫‪ .3‬واألصول غري املعتّربة‪.‬‬ ‫وصياغة املؤلف‪ :‬تقترص عىل اشرتاط االعتبار يف األصول فقط‪ ،‬وهذا بدوره يسمح‬ ‫ب تمرير لثري من األقهوال الباطمهة الته أنهيفت بأريقهة أو أخهرى إىل األصهول‬ ‫‪028‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫واقع بام يعز عىل احلرص‪.‬‬ ‫املعتّربة‪ ،‬لام هو ٌ‬ ‫وقد شعر املؤلف‪ :‬أن وقع من ءء من التقصري يف اشرتاط لتسويغ اطهمف‬ ‫تفرع من هذه األصهول ممها ال‬ ‫أن يكون صا را عن أصل معتّرب‪ ،‬ون التفات إىل ما َ‬ ‫يعتّرب‪ :‬فاعتذر ب ن األقوال والفروع ال تنحرص (‪.)1‬‬ ‫ونقةول‪ :‬سبب هذا ه طريقة املؤلف يف صناعة الرشط ببنائهها عهىل األمهور‬ ‫حصل الرشط بالأريقة الوجو ية لكان يكفي أن يشرتط االعتبهار‬ ‫العدمية‪ ،‬أما لو َ‬ ‫اطاص‪ ،‬عىل أن يمكن حتى يف الأريقة العدمية اشرتاط أال يكون قهول املخهالف‬ ‫صا را عن مستند غري معتّرب أو يقال‪ :‬عن أصل أو ليل أو استدالل غهري معتهّرب‪،‬‬ ‫إال أن طويل‪ ،‬والأول معيب عند أهل ا حلدو ما ام يمكن االستغناء عن ب قرص‬ ‫من ‪.‬‬ ‫إضافة‪:‬‬

‫يبدو وجاهة ما نقم املؤلف عن الشاطب يف معيهار اعتبهار اطهمف السهائغ‪:‬‬ ‫وهو أن يكون اطمف صا ر ًا عن أ لة معتّربة يف الرشهع لانهت ممها يقهوى أو ممها‬ ‫يضعف‪.‬‬ ‫وأن اطمف غري السائغ هو‪ :‬ما مل يصدر يف احلقيقة عن اجتهها وال هه مهن‬ ‫مسائل االجتها ‪ ،‬وإن حصل من صهاحبها اجتهها ‪ ،‬فههو مل يصها ف فيهها حمهم‪،‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.63‬‬

‫‪029‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫فصارت يف نسبتها إىل الرشع‪ ،‬ل قوال غري املجتهد (‪.)1‬‬ ‫املالحظة الثانية عىل هذا الرشط‪:‬‬

‫لرر في رشط اإلمجاع‪ ،‬فقد يلر هنا أن األصل غري املعتهّرب يميهز به مرين‪:‬‬ ‫أن َ‬ ‫أحدمها‪ :‬أن ال يكون يلك األصل مسبوقا باإلمجاع عىل خمف (‪.)2‬‬ ‫أقر املؤلف وهو يف معرض استدالل عىل هذا األمر أن ههذا املعنهى ههو‬ ‫وقد َ‬ ‫أوىل من الرشط الثالث يف أال يكهون قهول املخهالف خارجه ًا عهن جممهوع أقهوال‬ ‫السمف‪ ،‬وقال‪ :‬إن اطمف الكيل ملنهج السمف أوىل بالر من االختمف اجلزئ ‪.‬‬ ‫أما لان األوىل أن خيتار جنس ًا بعيدا‪ ،‬ثهأ يهدرجهام يف رشط واحهد؟ أمها مها‬ ‫صنع هنا فم يصمح بحال؛ ألن يلر رشطا لميا‪ ،‬ثأ يلر رشطا جزئيا‪ ،‬ثأ استدل‬ ‫عىل الكيل ب ن أوىل من اجلزئ ! ‪.‬‬ ‫ليت املؤلف التفى باشرتاط الكيل‪ ،‬ثأ نب يف تفسريه عىل هذا اجلزئ املعني‪.‬‬ ‫إضافة أخرى‪:‬‬

‫يلر املؤلف نامي من األصول غري املعتّربة‪ ،‬ويلر أن بعضها ال يصهح نسهبت‬ ‫إىل األئمة‪:‬‬ ‫‪ o‬ر القياس اجليل‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.131‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.62‬‬

‫‪031‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫‪ o‬صورة االستحسان الباطمة‪.‬‬ ‫‪ o‬احليل‪.‬‬ ‫‪ o‬ر خّرب اآلحا إيا خالف القياس مأمقا‪.‬‬ ‫‪ o‬ر خّرب اآلحا إيا لان راوي غري فقي وخالف األصول مأمقا‪.‬‬ ‫‪ o‬ر السنة املخصصة لظاهر القرنن مأمقا‪.‬‬ ‫وحكى عن بع‬

‫املعارصين‪:‬‬

‫توسعوا يف األخذ باألصول غري املعتّربة‪ :‬لاالحتجا لتسهويغ اطهمف‬ ‫أهنأ َ‬ ‫مسوغا األخذ ب‬ ‫بالقول الشاي املحجو بالنص القأع ‪ ،‬أو عدّ جمر وجو القول ِ‬ ‫ٍ‬ ‫استدالل معتّرب ل (‪.)1‬‬ ‫ون‬ ‫قمت‪ :‬قد لان املؤلف حفظ اهلل مو َفقا حينام تن َفس يف يلر بع‬

‫هذه السهبل‪،‬‬

‫وأنيف إليها‪:‬‬ ‫‪ o‬توسع بع‬

‫املعارصين يف استعامل املصمحة إىل رجة إسقاط النص‪.‬‬

‫‪ o‬قرص األ لة الرشعية عىل أمور العبا ات‪ ،‬وبنهاء غريهها عهىل مها يناسهب‬ ‫الناس ويمئمهأ‪.‬‬ ‫‪ o‬إفراغ حمتوى النص الرشهع عهن طريهق ترشهحي بالسهياقات التارخييهة‪،‬‬ ‫والظروف االجتامعية‪ ،‬واملمبسات الواقعية‪.‬‬ ‫‪ o‬اعتبار األصول املتناقضة‪ ،‬ولمثال عهىل ههذا ‪ :‬التوسهع يف اعتبهار معنهى‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.88‬‬

‫‪030‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫احلديث ومقصده ما ام أن يهدفع إىل السهعة‪ ،‬فهإن لهان معنهاه يهدفع إىل‬ ‫العزيمة نزعوا إىل التمسك بظواهر النصوص‪ ،‬فهأ ينتسهبون إىل مهذاهب‬ ‫أهل املعاين واملقاصد لانتساب‪ ،‬لكن الدائرة األوسهع الته ينضهبأون يف‬ ‫فمكها ه‬

‫ائرة السعة‪.‬‬

‫‪ o‬التوسع يف اعتبهار الرضهوريات واحلاجيهات يف إباحهة املحظهورات ون‬ ‫التفات إىل قيو ها‪ ،‬والنظر إىل ما حتقق من أوصافها‪.‬‬ ‫‪ o‬اعتبار العرف ليم بنفس عىل حتصيل احلكأ الرشع ‪.‬‬ ‫مهدونات الكتهب ون النظهر يف تفاصهيل الوقهائع‪ ،‬ومها‬ ‫‪ o‬اإلفتاء بمقتىض َ‬ ‫استجد يف احلوا ث‪.‬‬ ‫يلرت ما ال يصح وصف باألصول غري املعتّربة‪ ،‬ملا سبقت اإلشارة إليه‬ ‫وفيام‬ ‫ُ‬ ‫من الصياغة املقرتحة‪ ،‬لام أن يف يلر هذه التفاصيل تنبيهها لملتفهات إىل القضهايا‬ ‫احلا ثة الت تو َلدت منها الكثري من الأرق العوجاء‪ ،‬ومتت إنافتها إىل األصهول‬ ‫املعتّربة‪.‬‬

‫‪032‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الرابعة والعرشون‪ :‬مراجعات املؤلف لرتكيبة رشوطه‬ ‫قرر املؤلف أن َم ْن لتب يف رشوط تسويغ اطمف فإنام يكتف بذلر رشطهني‬ ‫اثنني‪:‬‬ ‫‪ )0‬عدم خمالفة اإلمجاع‪.‬‬ ‫‪ )2‬عدم خمالفة ليل قأع ‪.‬‬ ‫ثأ يلر أسباب إنافت لبقية الرشوط (‪.)1‬‬ ‫وقرر أيض ًا أن هذه الرشالوط اخلمسالة عنالد إعالاعة النظالر يف التالدقيق فيهالا‪:‬‬ ‫مرجعها إىل أمور ثالثة‪:‬‬ ‫‪ )0‬أن يكون القول صا را ممن ل حق االجتها ‪.‬‬ ‫‪ )2‬أن يكون صا را عن أصل معتّرب‪.‬‬ ‫‪ )3‬أن ال يكون قول خمالفا لدليل ثابت وانح القأعية يف اللت ‪.‬‬

‫( ‪)2‬‬

‫لكن يبةدو‪ :‬أن تدقيق املؤلف جاء مت خر ًا فاستصعب أن يفكك اجلهد املبذول‬ ‫يف الرشوط السابقة‪ ،‬فرأى أن يبقيها لام ه ‪ ،‬ثأ يشري هنا إىل تداخل ثمثهة رشوط‬ ‫منها‪ ،‬وهذا سبق املرور بمثم ‪ ،‬وأن يف الكتاب تعقبات من املؤلف عىل لتاب ‪ ،‬وهذا‬ ‫تهأ تسهجيل املراجعهات عهىل‬ ‫تعهرض ملراجعهة جها ة‪ ،‬لكهن َ‬ ‫يفيد أن الكتاب قد َ‬ ‫الرتليب القديأ لمكتاب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.122‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.123‬‬

‫‪033‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫مالحظة أخرى‪:‬‬

‫قرر املؤلف أن تقدير وجو هذه الرشوط أو عدمها ليس يف قدرة لهل أحهد‪،‬‬ ‫وأن يعجز عن لثهري مهن طمبهة العمهأ‪ ،‬وقهد خيأهئ فيه العمهامء لعمقه الكبهري‬ ‫والحتياج إىل قدر من اإلنصاف عزيز الوجو ‪ ،‬ويلر أن معرفة الهدليل القأعه‬ ‫من غري القأع قميل من حيسن من املتوسمني بهالعمأ يف ههذه األزمهان؛ فكيهف‬ ‫بأمبة العمأ‪ ،‬لام ألد أن أهل العمهأ قهد خيتمفهون يف تسهويغ االخهتمف أو عهدم‬ ‫تسويغ (‪.)1‬‬ ‫وأرشد املؤلف إىل ترك احلكأ عىل القول ب ن من االخهتمف السهائغ أو غهري‬ ‫السائغ إىل أهل العمأ الراسخني ألن تقدير وجو رشوط االخهتمف السهائغ مهن‬ ‫عدم وجو ها ال يستأيع إال هؤالء العمامء وحدهأ (‪.)2‬‬ ‫والسؤال‪:‬‬

‫إيا لان ال يستأيع أن يقدر هذه الرشوط إال العمهامء الراسهخون فهام الفائهدة‬ ‫منها أصم‪ ،‬فمريجع األمر يف تقدير اطمف السائغ مهن غهري السهائغ إىل العمهامء‪،‬‬ ‫ولتنت القضية‪ ،‬فكيف وقد حدث اطمل يف صياغتها‪ ،‬بعدما رسمت بريشة رسهام‬ ‫ماهر حسب أ ق األوصاف املختصة برتجيحات املؤلف‪ ،‬فامل يمزم هؤالء العمامء‬ ‫الراسخني بدقائقها؟!‪.‬‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.138-127‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص ‪.121 ،124‬‬

‫‪034‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫أما اعتباره أن أهل العمأ أنفسهأ قد خيتمفون يف تسهويغ االخهتمف أو عهدم‬ ‫تسويغ (‪.)1‬‬ ‫فاألمر لذلك إيا أخذنا باالعتبار الرشوط الدقيقة الت ساقها املؤلهف؛ فإهنها‬ ‫أ عى إىل االختمف يف أصمها وأوصافها و قائقها‪.‬‬ ‫ولل ما َقررناه عن يف هذا املونع مضاف ًا إلي املمحظات الت يلرناها يف هذا‬ ‫األوراق جتعل رشوط املؤلف يف حمل مت خر بع‬

‫الهدرجات مهن جههة تسهويغ‬

‫اطمف؛ فإن األمور الدقيقة واطفية واملختمف فيها الت أثارها املؤلف يف الكتاب‬ ‫ال يناسب أن يكون مونعها‪ :‬املحل الذ يتأمع أن يكون منأمقا لتحديد اطمف‬ ‫السائغ من غري السائغ؛ ألن هذا جير إىل اطمف يف اعتبارها‪ ،‬لهام ههو حاصهل يف‬ ‫هذه الورقات‪ ،‬فعا ت هذه الرشوط نكدا عىل مقصو ها‪.‬‬ ‫وما ا ِ‬ ‫ب ألن يكون رأي يف هذه املس لة بهالقيو الته اجتههد يف ونهعها‬ ‫ملوج ُ‬ ‫مسار ًا لمعمامء األصوليني‪ ،‬ومنهجا لمجهابذة الفقهاء‪ ،‬واملؤلف نفس قد تكهررت‬ ‫من بع‬

‫اإلخفاقات يف الصياغة‪ ،‬ويف االستدالل‪.‬‬

‫إن تعمق املؤلف يف التفصيل وونع الضوابط وتعدا احلاالت أفقد البحهث‬ ‫أب بأمبة العمأ اليوم ما رسأ هلأ من احلهدو ومها ونهع‬ ‫لثري ًا من توازن ‪ ،‬ولأ َ‬ ‫هلأ من التفاصيل املتعمقة‪ ،‬والت غدت هلأ بعد حني قوانني حيالمون هبا الناس‪.‬‬ ‫مع أن املؤلف حفظ اهلل يف حمل مت هل يف استيعاب هذه األمهور‪ ،‬لكهن يبقهى‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.138-127‬‬

‫‪035‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫النقام مع يف التفاصيل‪ ،‬وقد يلر لتمميذه الشيخ يارس املأريف أنه حهرص عهىل‬ ‫تقييد هذه املسائل باحلقائق ال بالظواهر‪ ،‬وأن يضبأها باأل لة‪ ،‬ال بمجر القهرائن‬ ‫طأورهتا؛ ألهنا مس لة تتيح مصا رة الرأ اآلخر قبل مناقشهت أو العكهس‪ :‬به ن‬ ‫تفسح ل مكانا يف أن يزاحأ األقوال املعتّربة‪.‬‬ ‫ولذلك فميست هذه املس لة لغريها فميست مما حيتكأ إليهها ملهر تهرجيح‬ ‫قول عىل قول‪ .‬وهذا ما جعمهها مسه لة تسهتمزم التشهديد بهام يوجبه ح ّقهها‪...‬ال‬ ‫التسهيل والتضييق بام يستحق واج ُبها‪...‬ال التوسيع (‪.)1‬‬ ‫قلت‪:‬‬

‫هذا مع ما في مهن لأهف مناقشهة األسهتاي لتمميهذه؛ فإنه غايهة يف التقريهر‪،‬‬ ‫ويستحق أن يكتب بامء الذهب‪ ،‬بل ه من إرشاقات ‪ ،‬وليت جيعمها يف طرة لتاب ‪.‬‬ ‫لكن ليت التزم ؛ فإن الواقع أن املؤلف قد أغرق يف التفاصيل حتى هتك سرت‬ ‫رشوط ‪ ،‬بل قد عدَ ى هذه الرشوط لتكون رشطه ًا لمجتهها ‪ ،‬ورشطه ًا لمعتبهار‪،‬‬ ‫ولقد ارتقى مرتقى صعب ًا أن نلت رشوط هذه عىل مها فيهها مهن الهدقائق‪ :‬صهك ًا‬ ‫منشور ًا عىل الفقهاء واألصوليني يف مترير اجتها اهتأ السائغة‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.127‬‬

‫‪036‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفات املتعلقة باملنهج املقرتح‪:‬‬ ‫ومسوغات ‪.‬‬ ‫الوقفة اخلامسة والعرشون‪ :‬عرض املنهج املقرتح‬ ‫ِ‬ ‫مسوغات املنهج املقرتح‪.‬‬ ‫الوقفة السادسة والعرشون‪ :‬نقد ِ‬ ‫الوقفة السابعة والعرشون‪ :‬نقد ترليبة املنهج املقرتح‪.‬‬

‫‪037‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫ومسوغاته‬ ‫الوقفة اخلامسة والعرشون‪ :‬عرض املنهج املقرتح‬ ‫ِ‬ ‫ختأ الشيخ حاتأ العوين حفظ اهلل لتابه بالفصهل األخهري الهذ عقهده يف‬ ‫منهج تعامل عوام املسممني مع اختمف العمامء‪.‬‬ ‫وبني في وجوب ونع منهج رشع لمتعامهل مهع االخهتمف‪ ،‬وأن يكهون‬ ‫َ‬ ‫ونع هذا املنهج ونرشه وتعميم عموم املسممني من املهامت الته جيهب احلهرص‬ ‫عميها احلرص املحقق مقصو ه)‪. (1‬‬ ‫وبني أن سبب الوجوب أمور ثمثة استخمص ُتها ِم ْن جمموع لمم ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫‪ -1‬ظهور اخهتمف املفتهني‪ :‬فهاالختمف وإن لهان قهديام إال أن ظههوره زا‬ ‫وتضاعف (‪.)2‬‬ ‫‪ -2‬أن التخري من أقوال املفتني ون نوابط منهج خأري‪ ،‬ول مفاسد عظهيأ‪،‬‬ ‫ويلر وجوه ًا سديدة يف خأورة هذا املنهج (‪.)3‬‬ ‫‪ -3‬أن ال يوجهد اآلن مهنهج قهائأ يف اختيهار مها جيهده املسهتفت مهن أقهوال‬ ‫املختمفني‪ ،‬وأن هذا يشب رفع التكميف‪ ،‬وأن يعو لهل إنسهان إىل ههواه‪،‬‬ ‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.211‬‬ ‫(‪ )2‬اختالف املفتني ص‪.233‬‬ ‫(‪ )3‬اختالف املفتني ص‪.241‬‬

‫‪038‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وهو يؤ‬

‫إىل الشك يف الرشيعة (‪.)1‬‬

‫فخر املؤلف من هذه املقدمات الثمثة‪ :‬بوجوب ونع منهج رشع لمتعامهل‬ ‫مع اختمف املفتني‪.‬‬ ‫ثأ يلر الشيخ‪ :‬أن بعد استعران وت مم لكثري مما لتب عمامء األصول يف هذا‬ ‫املجال‪ ،‬وما أور ه العمامء يف لتب اإلفتاء ون اب خر باملنهج اآليت‪ ،‬وقد رتب عىل‬ ‫سس منازل ال حيق لممستفت أن ينتقل من منزلة منها إىل الت تميها إال إن مل يمكن‬ ‫الوقوف عند املنزلة األسبق‪.‬‬ ‫ومناقل هذا املنهج هي‪:‬‬

‫املنزلة األوىل‪ :‬إن ظهر ل رجحان قول عىل قول من أقوال العمامء املعتهّربين بنهاء‬ ‫عىل ليل لل قول فإن ي خذ بام رجح الدليل‪.‬‬ ‫املنزلة الثانية‪ :‬األخذ بقول األلثرين من أهل العمأ وترجيح ما عمي مجهورهأ‪.‬‬ ‫املنزلة الثالثة‪ :‬األخذ بقول من يظن األعمأ واألتقى من العمامء املختمفني‪.‬‬ ‫املنزلة الرابعة‪ :‬األخذ باألحوط من األقوال إن متيز ل األحوط منها‪.‬‬ ‫املنزلة اخلامسة‪ :‬األخذ باأليرس واألسهل عمي من أقوال أهل العمأ‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.218 ،243‬‬

‫‪039‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫مسوغات املنهج املقرتح‪:‬‬ ‫الوقفة السادسة والعرشون‪ :‬نقد‬ ‫ِ‬ ‫يبدو والعمأ عند اهلل أن الشيخ حفظ اهلل مل يو َفق يف حتصيل هذه النتيجهة مهن‬ ‫خمل هذه املقدمات الثمثة السابقة؛ إما طمل يف املقدمة نفسها‪ ،‬وإما لعدم استمزام‬ ‫املقدمة هلذه النتيجة‪ ،‬وإن لانت املقدمة يف نفسها صحيحة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تفصيل يلك‪:‬‬ ‫وإليك‬ ‫أما السبب األول‪ :‬وهو ظهور اختمف املفتني‪ ،‬فإن الظهور احلاصهل اآلن‬ ‫نسب ‪ ،‬ويف بع‬

‫املسائل‪ ،‬ولان بعد سكون األقوال واقتصار لهل بهم عهىل مها‬

‫اشتهر عند عمامئها‪ ،‬وقد وقع يف احلواب القديمة ما هو أظهر من هذه الصورة من‬ ‫االختمف‪ ،‬فف البم الت يشيع فيها ألثر من مهذهب لهان يعهرف لهل فريهق‬ ‫ب قوال ‪ ،‬فيعرف هؤالء مهث ً‬ ‫م بتغميسههأ يف صهمة الفجهر‪ ،‬وأولئهك بإسهفارهأ‪،‬‬ ‫وأحدهأ يقنت‪ ،‬واآلخر ال يقنهت‪ ،‬وبعضههأ إيا خهل املسهجد يف وقهت النهه‬ ‫جمس ومل يصل‪ ،‬واآلخرون يصمون‪ ،‬ومثل يلك لثري‪ ،‬وفي قصص يف لتب أههل‬ ‫العمأ‪ ،‬فاالختمف لان يف تمك البم ظهاهر ًا ومنترشه ًا بسهبب تعهد املهذاهب يف‬ ‫أثهر يا بهال عهىل سهموك النهاس‬ ‫البمد الواحد‪ ،‬ويف احل الواحد‪ ،‬لكن مل يكهن له ٌ‬ ‫اللتزامهأ بمذاهب متبوعة‪ ،‬وأقوال مرسومة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بمهذهب‬ ‫بينام الذ حصل اليوم هو ظهور االختمف مع عدم التهزام النهاس‬ ‫معني يف الغالب الكثري‪ ،‬وبناء عىل يلك فاجلديد اليوم ليس هو ظههور االخهتمف‬

‫‪041‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫وحده؛ فإن هذا قد حصل قديام‪ ،‬وإنام هو مع يلك‪ :‬عهدم التهزام النهاس بمهذهب‬ ‫معني‪ ،‬ولذا فإن فقهاء املذاهب ال بد أهنأ يرون أن احلل هو العهو ة إىل األصهل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مذهب من املهذاهب املتبوعهة‪ ،‬وأن يلهك أنهبط حلهال‬ ‫وهو التزام الناس برسوم‬ ‫الناس‪ ،‬وأن هذا هو حال املسممني يف زمن أصحاب النب صىل اهلل عميه وسهمأ‪،‬‬ ‫فكان الناس يف األمصار عىل مذهب عمامئهأ حتى تو َلدت بعد يلك من رحأ هذه‬ ‫األمصار هذه املذاهب املتبوعة‪ ،‬ومل يزالوا لذلك‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬هذا ٌ‬ ‫حل‪ ،‬وما يعاني املسممون اليوم من التف ّمت من األحكهام الرشهعية‬ ‫بتمقف الفتاوى هلو أحد ثمرات إعرانههأ عهن ههذه املنهجيهة الصهحيحة الته‬ ‫استأاعت خمل ألف سنة أن تفتِت الرضر الناشئ عن اختمف املفتني‪.‬‬ ‫متاح اآلن بالشكل املناسب؟‬ ‫لكن هل هذا احلل ٌ‬ ‫اجلواب يف نظري‪ :‬أن أحد احلمول‪ ،‬ولكن ليس بكايف؛ ويلك لرتاجهع عمهل‬ ‫هذه املدارس الفقهية وعدم لفايتها ‪ ،‬فهم تكها جتهد يف بهم لثهرية مهن يكفيهك‬ ‫بفتواك عىل قوانني هذه املذاهب إال فمن وفمن‪ ،‬وإيا وجهد يف مدينهة مل يوجهد يف‬ ‫أخرى‪ ،‬ناهيك عن ت خرها االسهتقميل يف تكييهف النهوازل املعهارصة‪ ،‬فالفقههاء‬ ‫املعارصون اشتغموا لثريا بتكييف املسائل املعارصة‪ ،‬ولكنك ال جتد أصحاب هذه‬ ‫املذاهب يقومون بنفس هذا الدور يف اخل مدارسههأ الفقهيهة‪ ،‬ويف مظاهنها مهن‬ ‫لتبهأ‪ ،‬فه ال تزال تكرر القديأ‪ ،‬وربام حتتا إىل جمد فحل إلجراء هذه العممية‪،‬‬ ‫ال التكييف‪ ،‬فقد فرغ من ألثره‪ ،‬بل إقحامها فقط يف صمب هذه الكتب‪ ،‬وترتيبهها‬ ‫يف مظاهنا الفقهية‪.‬‬ ‫‪040‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫واملقصود‪ :‬أن اختمف املفتني مل يكن ظهوره يف هذا العرص بدعة من األمر بل‬ ‫قد حدث هذا فيام سبق من األزمنة‪ ،‬ولكن اندفع بره بهالتزام النهاس باملهذاهب‬ ‫املتبوعة‪ ،‬مع حتذيرهأ من تتبع األقوال تشههيا‪ ،‬ويمكهن اليهوم إرجهاع النهاس إىل‬ ‫املذاهب املتبوعة ل حد احلمول لظاهرة اختمف املفتني لام ههو احلهال يف السهابق‪،‬‬ ‫ولكن يبقى حم ليس لافي ًا ملا سبق بيان ‪.‬‬ ‫و بام سبق يتبني‪ :‬أن هذا األمر الذ يلره املؤلف وهو ظهور اختمف املفتني‬ ‫صحيح وإن لنا قد ال نتفق مع يف حدوث ‪ ،‬وإنام الذ وقهع ههو تراجهع االلتهزام‬ ‫املذهب لمناس مما جعل من ظهور اختمف الفتوى سببا وانح ًا لمربكة‪.‬‬ ‫ومن كل ما سبق‪ :‬نجد أن لمشيخ أن جيتهد يف إثارة احلكأ هلذه النازلهة وهه‬ ‫اختمف الفتوى مع عدم التزام الناس بمذهب معني‪ ،‬أما احلهل القهديأ يف التهزام‬ ‫املذاهب الفقهية فمأ يعد فاع ً‬ ‫م اآلن بالشكل املفرتض أن يكون‪.‬‬ ‫ولكن أثري هنا استفهاما‪:‬‬

‫ِمل َ مل ْ يمتف املؤلف أ نى التفاتة إىل "حل املذاهب الفقهية املتبوعهة" يف نهبط‬

‫الناس فيها؟! السيام أن األمة قد جرت عميها يف قرون عديدة‪ُ ،‬‬ ‫ونهبِ َأت لتبهها‪،‬‬ ‫وال يزال أهمها متوافرون‪ ،‬وقد حك اإلمجاع عىل بورة انضهباط النهاس فيهها‪،‬‬ ‫وحكوا اطمف فيها عن املعتزلة وعن ابن حزم (‪.)1‬‬ ‫(‪ )1‬يقول إمام احلرمني يف الربهان (‪ :)744/ 2‬أمجع املحققهون عهىل أن العهوام لهيس هلهأ أن يتعمقهوا‬ ‫بمذاهب أعيان الصحابة ريض اهلل تعاىل عنهأ بل عميهأ أن يتبعوا مذاهب األئمة الهذين سهّربوا ونظهروا‬ ‫وبوبوا األبواب ويلروا أوناع املسائل وتعرنوا لمكمم عىل مهذاهب األولهني والسهبب فيه أن الهذين‬

‫‪042‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫واملؤلف شديد امليل إىل االنضباط فيام ون يلك من تفاصيل مسائل اإلمجاع‪،‬‬ ‫شديد النفور من خمفات أهل الظاهر وأهل األهواء‪ ،‬وخمفهام من مجمة اطمف‬ ‫غري السائغ لدي ‪.‬‬ ‫وإن لان الصحيح أن ال إمجاع يف املس لة عىل وجوب اتباع املذاهب الفقهيهة‪،‬‬ ‫لكن القول باإلمجاع عىل اجلواز من أقوى ما يمكن أن حيكى في اإلمجاع‪ ،‬فيعضده‬ ‫رجوا وإن لانوا قدوة يف الدين وأسوة لممسممني فإهنأ مل يفتنهوا بتههذيب مسهالك االجتهها وإيضهاح‬ ‫طرق النظر واجلدال ونبط املقال ومن خمفهأ من أئمة الفق لفوا من بعدهأ النظر يف مذاهب الصهحابة‬ ‫فكان العام م مورا باتباع مذاهب السابرين‪.‬‬ ‫وقال املاقري يف مسألة ختري األقوال‪ :‬إن هذا باب إن فتح حدث من خروق من الديانات وإين رأيت من‬ ‫الد ين اجلازم‪ ،‬واألمر احلاتأ أن أهنى عن اطرو عن مذهب مالك وأصحاب محايهة لمذريعهة‪ ،‬ولهو سهاغ‬ ‫هلههذا لقههال رجههل أن أبيههع ينههارا بدينارين‪...‬وهههذا عظههيأ املوقههع يف الرضههر وهههب أين أبحههت هههذا‬ ‫لمسائل‪...‬وقضاة بمده وفقهاؤهأ ال ي خذون بذلك ‪...‬وال تسمح أنفسهأ برتك مذهب مالك والشهافع‬ ‫وأيب حنيفة التفاق األمصار عىل تقميدهأ‪.‬‬ ‫وذك َر عنه‪ :‬أن بمغ رتبة االجتها وما أفتى بغري املشهور‪.‬‬ ‫وقال القرايف‪ :‬رأيت لمشيخ تق الدين ابن الصمح ما معناه أن التقميد يتعني هلذه األئمة األربعة ون غريهأ‬ ‫ألن مذاهبهأ انترشت وانبسأت حتى ظهر فيها تقييد مأمقها واصيص عامهها ورشوط فروعهها‪ ،‬فهإيا‬ ‫أطمقوا حكام يف مونع وجد مكمم يف مونع نخر‪ ،‬وأما غهريهأ فتنقهل عنه الفتهاوى جمهر ة فمعهل هلها‬ ‫مكمم أو مقيدا أو خمصصا لو انضبط لمم قائم لظهر فيصهري يف تقميهده عهىل غهري ثقهة بخهمف ههؤالء‬ ‫األربعة ‪.‬‬ ‫ويقول ويل اهلل الدهلوي‪ :‬إن هذه املذاهب املدونة املحررة قد اجتمعت األمة أو من يعتد ب منها عىل جهواز‬ ‫تقميدها إىل يومنا هذا‪ ،‬ويف يلك من املصالح ما ال خيفى السيام يف هذه األيام الت قرصت فيها اهلمأ جدا‪،‬‬ ‫وأرشبت النفوس اهلوى وأعجب لل ي رأ برأي ‪.‬‬ ‫مواهب اجلميل (‪ ،)31/1‬حجة اهلل البالغة ص‪ ،325‬التمذهب له عبد الفتاح بن صهالح الشهافع ص ‪-94‬‬ ‫‪.99‬‬

‫‪043‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫العمل املستمر من املسممني‪ ،‬وقد ظهر مصهمحة انضهباط النهاس فيهها‪ ،‬وخهمف‬ ‫بع‬

‫الناس يف بع‬

‫املتعاقبة‪ ،‬ون‬

‫بع‬

‫األعرص ال يؤثر يف يلك؛ ألن قدح يف بع‬

‫صور اإلمجهاع‬

‫املتقدمني عن يلك ال يؤثر أيض ًا ألن قبل استقرار املذاهب ‪،‬‬

‫وإنام ظهر النزاع بني أهل العمأ يف لزوم التمذهب أو عدم لزوم بعد يلك (‪.)1‬‬ ‫و التمذهب ال يعن التقميد وترك اتباع الهدليل‪ ،‬وإنهام ههو لضهبط النهاس يف‬ ‫ٍ‬ ‫أصول واحدة‪ ،‬وحتى ال يمعبن هبأ الشيأان بالرخص أو احلرية‪ ،‬لام أن في مراعاة‬ ‫لمرتالأ العمم املدون‪ ،‬فيبدأ اآلخر من حيهث انتههى األول فيبنه عميه وخيهر‬ ‫ويناقش ويستشكل‪ ،‬ولام هو ٌ‬ ‫فاعل يف نبط العمأ حتى يسهل عىل طالبه راسهة‬ ‫الفق من أول إىل نخره‪ ،‬وهلذا نجد أن ابن حزم نفس وهو أشد مهن قهاوم التقميهد‬ ‫يصنف متن ًا خيترص في أقوال الراجحة ليستعني ب من ال ربة له عهىل االحتكهاك‬ ‫ب قوال الرجال‪ ،‬ولو أن اإلنسان لمام أرا أن يرجح يف مسالة مرت عمي مهدّ عينه‬ ‫لمنظر يف مرتبتها‪ ،‬واستثار مهت لمطمع عىل أطرافها‪ ،‬وهو ال يزال يف ن نه ة أيامه‬ ‫ألوشك أن ينقأع؛ فكيف بالعام ؟‬ ‫وهذا ال يعن املبالغة يف التمذهب إىل حد التقميد األعمى‪ ،‬والتعصب املقيت‪،‬‬ ‫والكّرب عن احلق‪ ،‬ومنافرة خمالف املذهب‪ ،‬أو منهع االسهتفتاء املأمهق لغهري أههل‬ ‫املذهب ولو مع استدعاء احلاجة‪.‬‬ ‫وإنام هو التفات إىل حمل "التمهذهب" يف تهاريخ "الفقه اإلسهمم "‪ ،‬وأن‬ ‫األمة إن مل جتتمع عىل بورهتا لمضهبط‪ ،‬فقهد لها ت‪ ،‬والضهبط ههو مها ينشهده‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التقرير والتحبري (‪.)461/ 3‬‬

‫‪044‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املؤلف‪ ،‬وصنع ألجم لتاب ‪.‬‬ ‫وال يزال "التمذهب" نابأ ًا لكثري من رشائح املجتمهع‪ ،‬وال يهزال لهذلك‬ ‫مؤه ً‬ ‫م لقيا ة طبقات عديدة ‪ ،‬فإغفال لام صهنع املؤلهف لهيس بسهديد السهيام أن‬ ‫لثري ًا ممن عالج املس لة من املعارصين نب إىل بورة العو ة إىل االنضباط فيها حلل‬ ‫مشكمة التفمت والتحري‪ ،‬الت لان سببها االنحراف عن هذه املنهجية‪.‬‬ ‫وظاهر أن املؤلف ليس من املشتغمني بتفاريع املذاهب الفقهية‪ ،‬وهلذا السهبب‬ ‫ٌ‬ ‫مل تشكل حم ً‬ ‫م يا بال لدي ‪ ،‬وقد أ اه يلك إىل إغفال رسوم مدارسها العتيقة‪.‬‬ ‫لام أن طريقة املؤلف يف اتباع الراجح لام يف طميعة منهجه املقهرتح أشهب مها‬ ‫تكون بأريقة أهل الظاهر‪ ،‬الذين ال َيعتدّ املؤلف نفس بجوهر خمفهأ!‪.‬‬ ‫أما األمر الثاين‪:‬‬ ‫يف سبب وجوب ونع منهج رشع لمتعامل مع اختمف املفتني بحسب املؤلف‪:‬‬ ‫هو خأورة اري أقوال املفتني‪.‬‬ ‫صحيح يف نفس ‪ ،‬ويبقى النقام مع يف صحة‬ ‫أمر‬ ‫ٌ‬ ‫وخأورة اري أقوال املفتني ٌ‬ ‫استمزام لممنهج املقرتح‪.‬‬ ‫أما األمر الثالث‪:‬‬ ‫وهو أن ال يوجد اآلن منهج قائأ يف اختيار ما جيده املستفت من أقوال املختمفني‪.‬‬ ‫أمر نختمف في مع الشيخ جذري ًا‪ ،‬فهو حفظ اهلل يريد أن يصهل مهن عدميهة‬ ‫فهذا ٌ‬

‫‪045‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫هأ إال األمهر الثهاين وههو‬ ‫هذا املنهج إىل وجوب ونع منهج رشع وإال فمهيس َث َ‬ ‫التخري وهو ما يشب رفع التكميف‪ ،‬و َن َق َل في املؤلف لمم الشاطب وغريه يف بيهان‬ ‫خأورة هذا املنهج‪.‬‬ ‫فكأن الشيخ يقول‪ :‬فإما هذا املنهج وإال فالتشه والتخري‪.‬‬ ‫واجلواب‪ :‬أن بناء الشيخ مل يكهن سهميام؛ بهل يل أن أقهول‪ :‬إنه بحسهب األصهول‬ ‫والتفاصيل الت‬

‫رستُها يف هذا الكتاب من رشوط تسويغ اطمف وأمهية عنرصه‬

‫اإلمجاع في ‪ ،‬أجد أن الشيخ قد وقع يف خمالفة ما اجتهد يف طول لتاب أن يقرره وأن‬ ‫يفرغ من ‪ ،‬وهو اإلمجاع وحمد ات الدقيقة‪.‬‬ ‫فقد ا عى الشيخ حفظ اهلل أن ال يوجد اآلن منهج قائأ يف اختمف املفتني‪.‬‬ ‫بينام أدعةي‪ :‬أن هناك منهج ًا يف التعامل مع هذا االختمف‪ ،‬وأ ع لذلك أن هذا‬ ‫بإمجاع الفقهاء املعارصين بل وامليتني! وألنع يد يف يد الشيخ ولنسه ل أههل‬ ‫العمأ‪ :‬أال يوجد يف أحكام الرشيعة منهج ًا إيا اختمف املفتون؟ ولنقمب صفحات‬ ‫لتبهأ املختصة بالفتوى‪.‬‬ ‫بل أقول إن هذه املس لة من املسائل النانجة قهديام‪ ،‬فهإن ههذه النازلهة وهه‬ ‫ظهور اختمف املفتني ‪ ،‬ليست ه هذه النازلة املتغهرية‪ ،‬وإنهام هه نازلهة قديمهة‬ ‫زا ت رجتها فقط يف الظهور‪ ،‬وإال فاختمف الفتوى ظاهر بني أصحاب رسهول‬ ‫اهلل صىل اهلل عمي وسمأ‪ ،‬ولان يشتد ظهوره يف موسأ احلج‪.‬‬ ‫لام أن يف ا عاء عدمية هذا املنهج جتاوز لمشخصهية الفقهيهة املعهارصة‪ ،‬فإهنها‬

‫‪046‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫عىل قصورها ب النسبة لدولني إال أهنا أظهرت متانة عمميهة مل حيه‬

‫هبها أ عمهأ‬

‫رشع نخر يف هذا العرص‪.‬‬ ‫بل أقول‪ :‬وفي أيض ًا جتاوز لمشخصية الفقهية بعمومها ألن هذا األمر لام ههو‬ ‫بتسميأ الشيخ واقع من قديأ‪ ،‬وإنام الذ حدث هو الظهور؛ فكيف يغفمون عهن‬ ‫مثم ‪ ،‬وش هنأ املبالغة يف التفتيش عىل ما مل يقع‪ ،‬وفرض ما ال يتصور!‪.‬‬ ‫ثأ إن لتاب الشيخ نفس مشحون بالنقوالت عن أهل العمأ واملفيدة لتعامهل‬ ‫أهل العمأ مع هذه النازلة‪.‬‬ ‫وقد حدث هذا االختمف يف الفتوى يف زمن أصحاب النبه صهىل اهلل عميه‬ ‫وسمأ‪ ،‬فهذا أبو موسى األشعر ريض اهلل عن لان يفت باملتعة يف احلج‪ ،‬ثأ قيهل‬ ‫ل ‪ ( :‬إنك ال تدر ما أحدث أمري املؤمنني يف ش ن النسك‪ ،‬فقمت‪ :‬أهيا الناس مهن‬ ‫لنا أفتيناه بيشء فميتئد‪ ،‬فهذا أمري املؤمنني قائأ عميكأ‪ ،‬فب فائتموا‪ ،)...‬واحلديث‬ ‫يف الصحيح‪.‬‬ ‫وقصة ابن مسعو مع عثامن ريض اهلل عنه يف قرصه الصهمة بمنهى معروفهة‪،‬‬ ‫وصمت خمف ثأ قول ‪( :‬اطمف رش)‪.‬‬ ‫ومما وقع من اطمف املت زم ما وقع بني ابن عباس وابن الزبري‪ ،‬ريض اهلل عهن‬ ‫اجلميع يف قصة اإلفتاء باملتعة‪.‬‬ ‫ومع هذا فمأ يكن هذا االختمف مؤثر ًا يف سموك الناس؛ ألن اطمف يهدور‬ ‫بني صفوة الناس‪ ،‬وهأ أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عمي وسمأ‪.‬‬ ‫لكن منذ زمن التابعني وظههور اخهتمف املفتهني‪ ،‬وظههور التسهاهل ‪ ،‬فقهد‬ ‫اجتمعت نصيحة أهل العمأ عىل تقييد الناس ب ههل العمهأ الهذين اجتمهع فهيهأ‬ ‫‪047‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫هذان الوصفان‪ ،‬ومها‪ :‬العمأ والدين‪.‬‬ ‫وما زال أهل العمأ يكررون يلك إىل اليوم‪.‬‬ ‫ولل ما زا اطمل لمام زا أهل العمأ يف تفصيل هذين الوصهفني‪ ،‬فيهذلرون‬ ‫يف العمأ ما جيهب أن جيتمهع يف املفته منه ‪ ،‬وحيهذرون مهن القصهاص والوعهاظ‬ ‫وأصحاب العامئأ‪ ،‬ويذلرون يف الدين ما جيب أن جيتمع يف املفته مهن الصهفات‬ ‫السيام الورع‪ ،‬وقد َي ِق ّل عامل الورع فيحذرون من املتساهل‪.‬‬ ‫إين هناك إمجاع نظر وعميل قديأ مل ينق‬

‫‪ ،‬وهو اتباع العامل املتدين‪.‬‬

‫وهو يتفق متاما مع النصوص املفيدة بسؤال أهل الذلر ملن مل يكن عامل ًا‪ ،‬يقول‬ ‫اهلل عز وجل يف نيتني من لتابهة يف سهورة النحهل [ ‪ ،]43‬وسهورة األنبيهاء [‪: ]7‬‬ ‫ﭽﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﭼ‪.‬‬ ‫ويف لتب الفروع تفاصيل لثرية‪ :‬يف اتبهاع القهول األغمهظ‪ ،‬أو اتبهاع القهول‬ ‫األخف‪ ،‬أو سؤال ثالث‪ ،‬أو يتخري بني القولني‪ ،‬أو جيتهد يف األرجح منهام‪.‬‬ ‫وقد يلروا‪ :‬أن هذا ليس لمعام ‪ ،‬وأن العام إما أن جيتهد يف معرفة املفتني أو‬ ‫يس ل ثالث (‪.)1‬‬ ‫وهو ال يبعد عام سبق اإلشارة إلي ‪.‬‬ ‫لام قد يقع يف لممهأ‪ :‬احله‬

‫معنهى‬ ‫عهىل االحتيهاط جلانهب الهدين‪ ،‬وههو‬ ‫ً‬

‫(‪ )1‬أعب املفتس واملستفتس ص‪.299-293‬‬

‫‪048‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫صحيح وال يتعار ض مع الت صيل هلذه املنزلة‪ ،‬فهنهاك احلكهأ ‪ ،‬وقهد يقهارن ههذا‬ ‫احلكأ فضيمة‪ ،‬وه هاهنا االحتياط‪.‬‬ ‫ونخلص مما سبق‪:‬‬

‫وقوع إمجاعهأ عىل تسويغ انضباط الناس يف املذاهب الفقهية املتبوعهة‪ ،‬فهه‬ ‫مذاهب مقننة ومفصمة‪ ،‬وتسد حاجة الناس‪ ،‬وال زال عممههأ هبها إىل اليهوم‪ ،‬وأن‬ ‫مجاعة من أهل العمأ يهبوا إىل أبعد من يلك وهو وجوب التقيهد هبهذه املهذاهب‪،‬‬ ‫وحكوا اإلمجاع عىل يلك‪.‬‬ ‫ويبقى النقاش‪ :‬يف لفاية هذا احلل بعد تراجع ‪ ،‬وفيام يتصل مع مهن مراتهب‬ ‫الفضيمة الت تندر في ‪.‬‬ ‫وأقول‪ :‬إن َحل هذه النازلة اليوم وهو ظهور اختمف املفتني وعهدم انضهباط‬ ‫الناس بمذهب معني‪ :‬يكمن يف أمرين اثنني‪:‬‬ ‫األمةر األول‪ :‬الت ليد عىل وجوب سؤال الناس ألههل العمهأ ب وصهافهأ العمميهة‬ ‫والدينية‪ ،‬وحضهأ عىل لزوم اتباع من يرون أعمأ برشع اهلل وأتقى ل ‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬بورة نبط الناس يف حدو معروفة‪ ،‬والشارع ل تشهوف وانهح‬ ‫إىل نبط الناس‪ ،‬وهذا يكون هنا‪:‬‬ ‫أ‪ -‬إما بإحياء املدارس الفقهية القديمة إيا تهوافرت أسهباهبا‪ ،‬لت ههل املنتسهبني‬ ‫إليها‪ ،‬واز هار تناوهلا املعارص‪.‬‬ ‫املّربزين يف العمأ والتقوى‪ ،‬وههذا أقهرب إىل‬ ‫ب‪-‬وإما بإرجاع الناس إىل عمامئهأ َ‬ ‫‪049‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الواقع‪ ،‬وقد يكونهون أيضه ًا منتسهبني إىل إحهدى املهذاهب املتبوعهة‪ ،‬فههو ال‬ ‫يتناق‬

‫مع ‪.‬‬

‫وهذا الضبط بصورتي هو الذ جرى عمي عمل املسممني خمف ًا عن سهمف‪،‬‬ ‫وحيقق هلأ غاية االطمئنان‪ ،‬والتعبد هلل ب صول واحدة‪ ،‬ألن إيا عمل بفتهوى ههذا‬ ‫يف الصمة‪ ،‬وبفتوى هذا يف احلج وقع أن تعبد أحدهأ ببع‬

‫األصهول املختمفهة‪،‬‬

‫وجرت أمة حممد صىل اهلل عمي وسمأ من عهده بسؤال إىل عهد أصهحاب بسهؤال‬ ‫وم ْن تصدر لمفتوى مهنهأ‪ ،‬واسهتمر ههذا إىل‬ ‫اطمفاء الراشدين‪ ،‬ولبار الصحابة‪َ ،‬‬ ‫عهد مدارس األمصار‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬مدرسهة املدينهة‪ ،‬مدرسهة مكهة‪ ،‬مدرسهة‬ ‫الشام‪ ،‬مدرسة مرص‪ ،‬إىل عهد املدارس الفقهية األربعة باجتاهاهتها الداخميهة‪ ،‬لهل‬ ‫مرص‪ ،‬ولل مذهب عىل فتوى عمامئ ‪.‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬لكن أقوال هؤالء قد االف القول الراجح؟‬ ‫فةاجلواب‪ :‬نعأ وال بد‪ ،‬ولو اريت هلأ أنت األقوال الراجحة عندك‪ ،‬لكان من بني‬ ‫اوفت من واقع وال بد‪.‬‬ ‫أقوالك الراجحة ما هو مرجوح‪ ،‬فام َ‬ ‫ويبقى النظر‪ :‬يف أحظ أهل العمأ إصابة لمحق‪ ،‬وهنا اتمف األنظار‪.‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬احلل األول واحلل الثاين‪ :‬لمها حمن قديامن غري جمديني اليوم‪.‬‬ ‫فاجلواب‪ :‬أما القدم فنعأ وال يرض‪ ،‬وأما أن لون احلل بأرفيه مل يعهد نافعه ًا فهم‪،‬‬ ‫ويلك أن سبب عدم فاعميت ليس هو عدم لفاءت ‪ ،‬ولكهن عهدم تفعيمه بالشهكل‬ ‫املأموب‪.‬‬

‫‪051‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫فاملشكمة احلاصمة اليوم ليست ه بسبب قصور يف تناول هذه النازلة‪ ،‬ولكن‬ ‫بسبب قصور املشتغمني بالرشيعة يف القيام بهواجبهأ‪ ،‬وبسهبب قصهور النهاس يف‬ ‫االحتياط لدينهأ‪.‬‬

‫‪050‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة السابعة والعرشون‪:‬نقد تركيبة املنهج املقرتح‬ ‫هذه الوقفة تعالج طريقة املؤلف يف خط هذا املنهج املكون من سسهة منهازل‪،‬‬ ‫والذ يراه واجب ًا يف سد الفراغ الواقع اآلن‪.‬‬ ‫يقول الشيخ حفظه اهلل‪:‬‬

‫إن بعد استعران وت مم لكثري مما لتب عمامء األصول يف ههذا املجهال‪ ،‬ومها‬ ‫أور ه العمامء يف لتب اإلفتاء ون اب خر باملنهج اآليت ‪ ،‬وقد رتب عىل سس منازل‬ ‫ال حيق لممستفت أن ينتقل من منزلة منها إىل الت تميهها إال إن مل يمكنه الوقهوف‬ ‫عند املنزلة األسبق‪.‬‬ ‫ومناقل هذا املنهج هي‪:‬‬

‫املنزلة األوىل‪ :‬إن ظهر ل رجحان قول عىل قول من أقوال العمامء املعتّربين بناء عىل‬ ‫ليل لل قول فإن ي خذ بام رجح الدليل‪.‬‬ ‫املنزلة الثانية‪ :‬األخذ بقول األلثرين من أهل العمأ وترجيح ما عمي مجهورهأ‪.‬‬ ‫املنزلة الثالثة‪ :‬األخذ بقول من يظن األعمأ واألتقى من العمامء املختمفني‪.‬‬ ‫املنزلة الرابعة‪ :‬األخذ باألحوط من األقوال إن متيز ل األحوط منها‪.‬‬ ‫املنزلة اخلامسة‪ :‬األخذ باأليرس واألسهل عمي من أقوال أهل العمأ‪.‬‬

‫‪052‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫قلةت‪ :‬تبني بام سبق أن ا عاء عدمية منهج قائأ يف اتباع الفتوى غري صهحيح‪،‬‬ ‫وب يتبني عدم االنأرار إىل منهج جديد لتميف منهج التشه املوصل إىل الشهك‬ ‫يف الرشيعة؛ ويلك ألن هناك منهج ًا قائام صحيحا لها النهاس أن جيمعهوا عميه ‪،‬‬ ‫وهناك تفاصيل أخرى ال االف يف اجلممة‪.‬‬ ‫وب يتبني عدم االنأرار إىل منهج جديد مقهرتح يكهون واجبه ًا عهىل النهاس‬ ‫التزام ‪.‬‬ ‫وأبدي هنا بعض املالحظات عىل هذه املناقل اخلمسة التةي يةرى الشةيخ أهنةا‬ ‫حتقق املنهج الرشعي الذي جيب وضعه للتعامل مع اختالف املفتني‪:‬‬

‫املالحظةة األول‪ :‬املنزلة األوىل ب ن إن ظهر ل رجحان قول عىل قول من أقوال‬ ‫العمامء املعتّربين بناء عىل ليل لل قول فإن ي خذ بام رجح الدليل‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬هذه املنزلة ال اع هلا؛ ألهنا خار مونع النزاع؛ فمن تهرجح لديه أحهد‬ ‫ٍ‬ ‫بنهاظر إىل اخهتمف املفتهني‪ ،‬وهه بحمهد اهلل‬ ‫القولني فهو مل يقع يف لبس وال ههو‬ ‫تشكل ألثر املسائل‪.‬‬ ‫وإن أرا الشيخ – ولمم حيتمم – أن املستفت أول ما يبدأ يف معاجلة نازلته‬ ‫الت اختمف فيها املفتون أن جيتهد يف الرتجهيح بهني القهولني‪ ،‬فهه طريقهة غهري‬ ‫مستساغة أن يؤمر العوام أن يرجحوا بني القولني‪ ،‬هذه نصيحة أجدها عرسة عهىل‬ ‫استفتاءات طمبة العمأ‪ ،‬ناهيك عن العوام‪.‬‬ ‫ثأ إن املذاهب الفقهية اجتمعت حتهى أههل الظهاهر مهنهأ عهىل أن اجلاههل‬ ‫‪053‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫باحلكأ فرن السؤال‪ ،‬فإ خال عممية االجتها بالنسبة لممستفت فيها غرابة‪ ،‬فم‬ ‫نلة لدي تسمح ل بذلك (‪.)1‬‬ ‫وهذا من مجمة املوانع الت جتاوز فيها املؤلف البناء الفقهه لممسه لة‪ ،‬وههو‬

‫(‪ )1‬يقول ابن عبد الرب يف جامع بيان العلم وفضله (‪ :)230/ 2‬مل اتمف العمامء أن العامة عميها تقميد‬ ‫عمامئها‪.‬‬ ‫وأبطل الغزايل يف املستصفى (‪ :)466/2‬التقميد‪ ،‬ومع يلك فقد قرر أن العام جيب عمي االستفتاء واتباع‬ ‫العمامء إلمجاع الصحابة عىل فتوى العوام وعدم أمرهأ بنيل رجة االجتها ‪ ،‬وهذا معموم عهىل الرضهورة‬ ‫والتواتر من عمامئهأ وعوامهأ‪ ،‬ولإلمجاع عىل أن العام مكمف باألحكام وتكميف طمهب رتبهة االجتهها‬ ‫حمال؛ ألن يؤ‬

‫إىل ينقأع احلرث والنسل‪ ،‬وتتعأل احلهرف والصهنائع‪ ،‬ويهؤ‬

‫إىل خهراب الهدنيا لهو‬

‫اشتغل الناس بجممتهأ بأمب العمأ‪ ،‬ويلك ير العمامء إىل طمب املعايش واندراس العمأ وهمك العمهامء‬ ‫وخراب العامل‪.‬أما التقميد فهو قبول القول بم حجة‪ ،‬وهؤالء وجهب عمهيهأ مها أفتهى به املفته بهدليل‬ ‫اإلمجاع‪.‬‬ ‫وذكر الزركيش يف البحر املحيط (‪ :)566/ 4‬أن اجلمهور عىل أن العام الرصهف جيهوز له االسهتفتاء‬ ‫وجيب عمي التقميد يف فروع الرشيعة مجيعها وال ينفع ما عنده من العموم [ألهنا] ال تؤ‬

‫إىل اجتها ‪.‬‬

‫و يقول ابن أمري حاج يف التقرير والتحبري (‪ :)459 / 3‬غري املجتهد املأمق يمزم عند اجلمهور التقميد‪.‬‬ ‫‪...‬مل يزل املستفتون يتبعون املفتني بم إبداء مستند هلأ يف يلك وشاع وياع وال نكري فكان إمجاعا سهكوتيا‬ ‫عىل جواز اتباع العامل املجتهد‪.‬‬ ‫ويقول احلطاب يف مواهب اجلليل (‪ :)30/1‬الذ عمي اجلمهور أن جيب عىل من ليس في أهمية االجتها‬ ‫أن يقمد أحد األئمة املحتهدين‬ ‫وقال الشيخ عليش يف فتح العيل املالةك (‪ :)90/1‬أمجع أهل السنة عىل وجوب التقميد عىل من لهيس فيه‬ ‫أهمية االجتها حسبام يف الديبا لإلمام ابن فرحون وعمدة املريد لمشيخ القاين وغريمها وشاع يلك حتى‬ ‫صار معموما من الدين بالرضورة‪.‬‬ ‫وينظر‪ :‬التمذهب له عبد الفتاح بن صالح الشافع ص ‪.99 -94‬‬

‫‪054‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫خيالف اطأوط العريضة الت رسمها لمخمف السائغ‪.‬‬ ‫واملؤلف قد استشهد عىل ما يلره بمقولة الشاطب أن املجتههدين بالنسهبة‬ ‫إىل العام لالدليمني بالنسبة إىل املجتهد‪.‬‬ ‫ونقول‪ :‬نعأ ‪ ،‬هذا هو املأموب فيام تقرر عن أههل العمهأ مهن اعتبهار العمهأ‬ ‫والدين ‪ ،‬فالعام هبذا االعتبار يف اختياره املجتهد العامل الورع هو جمتهد مهن ههذا‬ ‫الوج ‪ ،‬ال أن جيتهد يف اتباع القهول األرجهح باعتبهار النظهر إىل الهدليل الرشهع‬ ‫املفصل‪.‬‬ ‫وهبذا يتبني أن االستشها بمقالة الشاطب ليست يف صالح هذه املنزلة إنام ه‬ ‫يف صالح املنزلة الثالثة وهو اتباع األعمأ واألورع‪ ،‬وأن االجتها إن لان املقصهو‬ ‫ب التفتيش عن توافر هاتني الصفتني‪ ،‬فنعأ؛ ولذا قال الشاطب يف مونع نخر‪ :‬إن‬ ‫إيا تعارض عند املقمد قوال مفتيني فإن اتباع أحدمها بهاهلوى اتبهاع لمههوى فكهل‬ ‫واحد منهام متبع لدليل عنده يقتيض ند ما يقتضي ليل صاحب ‪ ،‬ثم قال‪ :‬فلالي‬ ‫إال الرتجيح باألعلمية (‪.)1‬‬ ‫واخلالصة أن الرتجيح‪:‬‬

‫ترجح لدي أحد األقوال يف املس لة ب‬ ‫‪ -1‬إن لان املقصو ب من َ‬

‫وج لهان‪:‬‬

‫فهذا خار مونع البحث‪.‬‬ ‫‪ -2‬وإن لان املقصو ب الرتجيح يف معرفة األوفر عمهام وورعه ًا لهدى املفتهني‬

‫(‪ )1‬اختالف املفتني ص‪.244‬‬

‫‪055‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املختمفني فنعأ‪ ،‬ولكن هذا يتعمق باملنزلة الثالثة لدى املؤلف‪ ،‬وههو اتبهاع‬ ‫األعمأ واألورع ال املنزلة األوىل‪.‬‬ ‫‪ -3‬وإن لان املقصو البحث عن القول األرجح من ناحية الهدليل‪ ،‬لهام ههو‬ ‫ظاهر لمم الشيخ‪ ،‬فهذا ما ال يممك العام ‪.‬‬ ‫املالحظة الثانية‪ :‬املنزلة الثانية هي اعتبار قول األكثر أو اجلمهور‪.‬‬

‫فالعام بناء عىل هذه املنزلة إيا مل يرتجح ل أحد األقوال يف املس لة فإن ينظر إىل‬ ‫قول األلثر‪ ،‬فإيا وقعت ب نازلة ورنهأ خمتمفني أجرى عممية حسابية يف األلثر‪.‬‬ ‫وبالنظر إىل واقع الناس اليوم؛ فإن عىل املسهتفت أن حيسهب فتهاوى الشهيوخ‬ ‫الههذين يظهههرون يف الرائ ه ( التمفههاز)‪ ،‬أو الههذين يفتههون يف الصههحف أو الههذين‬ ‫اجتمعت أرقام هواتفهأ عنده‪.‬‬ ‫وال أ ر بكأ نحسب قرارات اهليئات واملنظامت الرشعية من ناحية العهد ‪،‬‬ ‫حتى نونح هلأ طريقة عدِ اجلمهور أو األلثر‪.‬‬ ‫والغريب فع ً‬ ‫م أن الشيخ قد عمل تقديم هلذه املنزلة وه اعتبار األلثهر عهىل‬ ‫اعتبار األعمأ واألورع‪ :‬أن حسبة العهد أسههل مهن البحهث عهن حتقهق ههاتني‬ ‫الصفتني‪ :‬العمأ والدين!‪.‬‬ ‫والغريب أيض ًا أن الشيخ نفس مل يستأع نبط مصأمح اجلمهور! وال حتهى‬ ‫ب قوال القدماء الت حرصت ووزنت يف مدونات أهل العمأ‪ ،‬قال يلك حينام أشار‬ ‫عمي الشيخ يارس املأريف يف نبط اطمف املعتّرب ب قوال اجلمهور‪ ،‬فكان من مجمهة‬ ‫‪056‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫اعتذاره صعوبة نبأ ‪ ،‬يقول يلك وههو العهامل املأمهع‪ ،‬فهم أ ر مها ههو حهال‬ ‫العام !‪.‬‬ ‫وأقرتح هنا يف تسهيل هذه العممية املعقدة‪ :‬أن يتصل العام بمن يثق يف عمم‬ ‫و ين ليستخّربه عن قول األلثر‪ ،‬فإن هذا أ ق وأسهل‪ ،‬فهإن مل يعهرف اتبعه ؛ ألن‬ ‫اتباع األعمأ واألورع ه املنزلة الثالثة الت تميها!‪.‬‬ ‫و حينام انتهت النوبة يف املتأخرين‪ ،‬فساروا عكس السري القويم‪ ،‬بتكلف معرفة‬ ‫اتفاق الناس‪ ،‬قا ل ابن القيم وقتها‪:‬‬

‫"والذ‬

‫ل عمي الكتاب والسنة أسهل عمي بكثري من عمم باتفاق الناس يف‬

‫رشق األرض وغرهبا عىل احلكهأ ‪ ،‬وههذا إن مل يكهن متعهذرا فههو أصهعب ءء‬ ‫وأشق إال فيام هو من لوازم اإلسمم‪ ،‬فكيف حييمنا اهلل ورسول عىل مهاال وصهول‬ ‫لنا إلي ‪ ،‬ويرتك احلوالة عىل لتاب وسنة رسول المهذين ههدانا هبهام‪ ،‬ويرسهمها لنها‪،‬‬ ‫وجعل لنا إىل معرفتهام طريقة سهمة التناول من قرب‪".‬‬

‫( ‪)1‬‬

‫وأحب أن أنبه هنا ‪ :‬أن قول األلثر وهو القول الذ يكهون قريبه ًا مهن احلهق‬ ‫غالبا إنام يكون إيا حتقق هذا الوصف وههو قهول غالهب املفتهني‪ ،‬وأجهد أن ههذا‬ ‫املقدار يعجز عن العام يف العا ة‪ ،‬والذ يمكهن أن ينصهح به ههو حتهذيره مهن‬ ‫األقوال الغريبة والشاية فإن هذه األقوال ه الت يغمب عىل الظن غمأها‪.‬‬

‫(‪ )1‬إعال املوقعني (‪.)246 / 2‬‬

‫‪057‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املالحظة الثالثة‪:‬املنزلة الثالثة‪ :‬إن مل يعرف املستفتي قول األكثر‪:‬‬

‫فإن ينتقل إىل املنزلة الثالثة حسب منهج املؤلف‪ ،‬وهو سؤال َمن يظن األعمهأ‬ ‫أو األورع‪ ،‬وهذا ما سهبق تقريهره عهن أههل العمهأ‪ ،‬أنه ههو الأريهق الصهحيح‬ ‫واملخترص‪ ،‬وعمي تدل النصوص ‪ ،‬وب جرى عمل السمف‪ ،‬ولمم الفقهاء يهدور‬ ‫عمي ‪ ،‬وقد سبق يلر بع‬

‫النقوالت يف يلك‪.‬‬

‫املالحظة الرابعة‪ :‬االحتياط‪:‬‬

‫يلر املؤلف يف املنزلة الرابعة االحتياط‪ ،‬واالحتياط يف احلقيقة معنهى رشعه‬ ‫مأموب برشط ‪ ،‬ويتحقق ويت لد إيا مل جيهد املسهتفت مهن يسهتفتي ‪ ،‬ولهذا فمعهل‬ ‫طريقة املؤلف يف جعم منزل ًة عقب سؤال األعمأ واألورع هو أمهر مناسهب هبهذا‬ ‫االعتبار‪ ،‬لكن مع يلك فإن منزلت تبقى مت خرة – بحسب ترتيهب املؤلهف ‪ -‬ألن‬ ‫إعامل االحتياط متى ما توفر موجب مستحب حتى ولو ترجح ل أحد القولني‪ ،‬أو‬ ‫أن اتبع قول األلثر‪ ،‬أو أن اتبع األعمأ واألورع‪ ،‬فاالحتياط أمر ينبغه أن يكهون‬ ‫َ‬ ‫مستحرض ًا‬ ‫عىل بال املسمأ احلريص عىل ين ‪ ،‬واطائف عىل نفس ‪ ،‬وأن يكون ش ُن‬ ‫لدي ‪ ،‬ومن املقتضيات الت تدفع باملسمأ إىل إعامل االحتيهاط ههو مها إيا اختمهف‬ ‫املفتون يف مس لة ما‪ ،‬ومل يقنع بقبول الرخصة أو مل يأمئن قمب هلا ولو لان أفتاه هبها‬ ‫العامل الورع‪.‬‬ ‫وهبذا يمكن أن نقول إن هذه املنزلة ينبغ أن تكون منزلة تبعية يف منازل ههذا‬ ‫املنهج ال منزلة مستقمة‪ُ ،‬تقدَ م متى ما قام موجبها‪ ،‬وليس بالرضهورة أن تهؤخر إىل‬

‫‪058‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املنزلة الرابعة‪.‬‬ ‫املالحظة اخلامسة‪:‬يلر املؤلف أن املنزلة األخرية ه األخذ باأليرس من أقهوال‬ ‫أهل العمأ‪ ،‬ويف احلقيقة ليست هذه منزلة وإنام ه تفيد‪ :‬خذ بام شهئت فمهن‬ ‫أخذ باأليرس ي خذ بام فوق ‪ ،‬ولذا فم أن يقول‪ :‬املنازل أربعة‪ ،‬ثأ يقول‪ :‬فهإن مل‬ ‫يستأع معرفة احلق منها فمي خذ بام شاء‪.‬‬ ‫املالحظة السادسةة‪ :‬يلر الشيخ أن منزلهة االحتيهاط هه منزلهة اسهتحباب ال‬ ‫إجياب‪ ،‬وبام أن تأ االستدراك عهىل الشهيخ يف املنزلهة األخهرية وهه اعتبهار‬ ‫األسهل من حيث لوهنا منزلة إي ه بمثابة افعل ما شئت مهن األقهوال ولهو‬ ‫لان يلك القول هو األيرس لك‪.‬‬ ‫إيا تبني هذا وياك فيمكن لنا أن نعتّرب أن املنازل الت يلرها املؤلف تهؤول إىل‬ ‫ثمث منازل‪ ،‬وه ‪:‬‬ ‫‪ -1‬اتباع ما ترجح لدي ‪.‬‬ ‫‪ -2‬اتباع قول األلثر‪.‬‬ ‫‪ -3‬اتباع قول األعمأ واألورع‪.‬‬ ‫فإن مل يستأع إعامل هذه املنازل الثمثة فإن يستحب ل األخذ باالحتياط وله‬ ‫أن خيتار ما يشاء‪ ،‬ولو لان أيرسها‪.‬‬ ‫ثأ وجدت املؤلف اخترصها بأريقة أخرى‪:‬‬ ‫املنزلة األوىل‪ :‬الرتجيح بالدليل‪.‬‬ ‫املنزلة الثانية‪ :‬الرتجيح ب‬

‫مرجح نخر‪.‬‬ ‫‪059‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املنزلة الثالثة‪ :‬التخري بني األقوال‪ ،‬فإن أخذ باألحوط فهو أفضل‪.‬‬ ‫املالحظة السابعة‪ :‬لان املؤلهف حريصه ًا يف التهدليل عهىل ههذه املنهازل باأل لهة‬ ‫الرشعية املناسبة لكن مل يكن معتني ًا برتليبهة ههذه األمهور اطمسهة الدالليهة‪،‬‬ ‫وهلذا أجد أن تدليل الشيخ عىل هذه املنازل اطمسة في قصور‪ ،‬عىل أن الشيخ‬ ‫قد وقع ت من حماوالت يف تفسري تقديأ بع‬

‫هذه املنهازل عهىل بعه‬

‫‪ ،‬وال‬

‫أجدها لافية‪.‬‬ ‫املالحظة الثامنة‪ :‬بونع هذا املنهج يكون املؤلف قد أمهل متام ًا اعتبار املهدارس‬ ‫الفقهية الت فرغت بمجموعها من تقييد أصحاهبا يف حدو أقواهلها برسهوم‬ ‫خمف في َم ْن مل يمتزم مذهب ًا بعينة‪ ،‬هل يسوغ ل يلهك؟‬ ‫قيقة‪ ،‬وقد وقع بينهأ‬ ‫ٌ‬ ‫وقد جزم ابن الصمح بمزوم التزام العام ّ مذهب ًا معين ًا يتقيد به ‪ ،‬ورجهح له‬ ‫مذهب الشافع ‪ ،‬وأن ما سوى يلك يفهتح بهاب االختيهار والتشهه ‪ ،‬وجيهر‬ ‫خبأ ًا يف األعصار املت خرة‪ ،‬وقد قال هذه اجلممة األخرية يف معرض الر عهىل‬ ‫القول بعدم جواز تقميد امليت (‪.)1‬‬ ‫وسبقت اإلشارة إىل املس لة‪.‬‬ ‫املالحظة التاسةعة‪ :‬هذه املنازل اطمسة فيها صعوبة؛ من جههة النظهر إىل عمهوم‬ ‫الناس؛ فض ً‬ ‫م عن صعوبة تأبيقها العميل املفرتض‪ ،‬أما قهول الشهيخ‪ :‬إنه ال‬ ‫مانع من أن حتفظ هذه املنازل لحفظ أرلان اإلسمم‪ ،‬فه مبالغة غري مناسبة‬

‫(‪ )1‬انظر مثالً‪ :‬أعب املفتس واملستفتس ص‪.293-276‬‬

‫‪061‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫فع إليها حتمس لفكرت ‪ ،‬فإنا نريد شيئا سهم حيفظ بم مشقة‪ ،‬فهنحن نمقهن‬ ‫العوام‪ ،‬ولسنا نكررها عميهأ صباح مساء‪ ،‬وعىل ٍ‬ ‫لل فميسهت املشهكمة هنها‪،‬‬ ‫واملؤلف إنام انأمق من اعتبار بورهتا‪.‬‬ ‫املالحظة العارشة‪ :‬عىل التسميأ بصهحة ههذه املنهازل مهن ناحيهة البنهاء األويل‬ ‫فالسؤال‪ :‬هل ه قا رة عىل إزالة المهبس احلاصهل يف اخهتمف املفتهني؟ بهام‬ ‫حيقق مقصد املؤلف من ونعها؟‬ ‫يبدو يل من خمل ما ا َ عيت عمي يف هذه املمحظات مهن صهعوبة يلهك عهىل‬ ‫املستفتني سواء لان يلك يف حتقيق الهراجح أو األلثريهة‪ :‬فإهنها سهتزيد مهن ههذا‬ ‫المبس‪ ،‬وستخر الناس من وامة اختمف املفتهني وتمقهيهأ يف وامهة أخهرى يف‬ ‫تناول هذا االختمف بحسب املنازل اطمسة السيام الرتجيح واأللثرية‪.‬‬ ‫لام يبدو أن هذه املنازل مناسبة يف اجلممة لأائفة معينة من طمبة العمأ الذين مل‬ ‫تكتمل هلأ األ وات االجتها ية ومل يمتزموا بمهذهب معهني فهإن عهىل ههؤالء أن‬ ‫يتبعوا الدليل أوالً فإن مل يتبني هلأ‪ ،‬فقول اجلمهور ‪ ،‬وإال فقهول األعمهأ واألورع‪،‬‬ ‫وإال فاالحتياط هلأ أسمأ‪.‬‬ ‫و احلل يف نظري يف معاجلة اختالف املفتني هو يف مجلة من النقاط‪:‬‬

‫‪ -1‬االسهههتجابة ألمهههره سهههبحان يف قولههه ‪ :‬ﭽﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬ ‫ﮪﭼ (‪ )1‬فيؤمر الناس باستفتاء أهل الذلر فيام أشهكل عمهيهأ مهن‬ ‫مسائل الدين‬ ‫(‪ )1‬هذا من خمل االستفا ة من العموم المفظ لآلية‪ ،‬وإال فإن اآلية هلا سبب خاص يف النزول‪.‬‬

‫‪060‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫يقول احلافظ ابن عبد الرب رمحه اهلل‪:‬‬

‫" العامة ال بد هلا من تقميد عمامئها عند النازلة تنزل هبا ألهنها ال تتبهني موقهع‬ ‫احلجة وال تصل بعدم الفهأ إىل عمأ يلك ألن العمهأ رجهات ال سهبيل منهها إىل‬ ‫أعمها إال بنيل أسفمها وهذا هو احلائل بني العامة وبني طمب احلجة واهلل أعمهأ‪،‬‬ ‫ومل اتمف العمامء أن العامة عميها تقميد عمامئهها‪ ،‬وأهنهأ املهرا ون بقهول اهلل‪ ،‬عهز‬ ‫وجل‪ :‬ﭽﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﭼ [النحل‪.)1(" ]43 :‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن أهل الفتيا الذين تّربأ هبأ يمأ املستفتني أمام اهلل عهز وجهل ههأ أههل‬ ‫الذلر‪ ،‬لام يف اآلية الكريمة‪ ،‬وهؤالء هأ أهل العمأ وأهل الدين‪ ،‬ولمهام لهان‬ ‫املفت ألثر عمام وألثر ينا لان ألثر توفيق ًا إلصابة احلق‪.‬‬ ‫وحصول التقصري يف الناس اليوم‪ ،‬وتصدر غري املت همني‪ ،‬يدفع إىل االستيثاق‬ ‫يف حصول هذه األوصاف مع أن ابن الوزير اليامين حاول أن يكتف بهّرباءة الذمهة‬ ‫ٍ‬ ‫لاف يف لون من أهل العدل واالجتهها إلمجهاع‬ ‫بسؤال من انتصب لمفتوى وأن‬ ‫الناس عىل استفتاء من لان هذا حال ‪ ،‬وهأ يف العا ة ال جيتمعون إال إىل أولئك (‪.)2‬‬ ‫ولكن اليوم تغري احلال وانتصب لمفتوى من ليس ل ب هل‪ ،‬فم بد من االسهتيثاق‬ ‫يف الفتوى لغمبة اهلوى وقمة العمهأ والهدين‪ ،‬واهلل املسهتعان‪ ،‬لهذا فهيمكن أن‬ ‫تعكس القضية اليوم‪ ،‬فيقال‪ :‬إن ال جيهوز أخهذ الفتهوى مهن املفته بمجهر‬

‫(‪ )1‬جامع بيان العمأ وفضم (‪.)230 / 2‬‬ ‫(‪ )2‬العواصأ (‪ ،)316/1‬الروض الباسأ (‪.) 48/1‬‬

‫‪062‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫انتصاب يف مقامها‪ ،‬بسبب ما وقع هلا من االبتذال‪.‬‬ ‫‪ -3‬حتذير الناس ممن ال يستحق اإلفتاء‪ ،‬وقد عقد الشهيخ يف ههذا املعنهى الفصهل‬ ‫اطامس يف صفة من ال يستحق اإلفتاء‪ ،‬وأقرتح أن تقام بع‬

‫الهدعاوى عهن‬

‫طريق املحالأ الرشعية يف لل بمد بحسب ظرف بإزاء متأفيل اإلفتهاء الهذين‬ ‫اغتصبوا مواقع املفتني‪ ،‬فإن هذا مفيد ولو إعممي ًا‪ ،‬ولو اويف ًا ‪.‬‬ ‫‪ -4‬حماولة نبط الناس بمذاهبهأ الفقهية‪ ،‬وبام يفت ب عمامء بمداهنأ الثقات‪.‬‬ ‫‪ -5‬القيام بواجب الدعوة إىل اهلل عز وجل بنرش وإشاعة وإياعة مها يلهر يف ههذه‬ ‫النقاط‪ ،‬فإن ما سبق هو جانب نظر ‪ ،‬وههذا ههو اجلانهب التفعهييل له ‪ ،‬وإال‬ ‫يبقى ما لتب أورا ٌق مسو ة باألحبار‪ ،‬وسهبق أن اإلشهكالية اليهوم تعهو إىل‬ ‫القصور يف العمل ألثر من يف القصور يف العمأ‪ ،‬ويتحمل القصور يف العمل‪:‬‬ ‫املفت واملستفت ‪ ،‬وعىل الدعاة إيضاح السبل القويمة لمعوام يف حتصيل احلق‪.‬‬

‫‪063‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫النتائج‬ ‫‪-0‬‬

‫فكرة الكتاب تدل عىل تو ّقد قمب املصنف‪ ،‬وحيوية أفكاره‪ ،‬وحرص عىل‬ ‫إفا ة أمت بام ينفعهأ‪ ،‬وبام يدفع عنهأ ما يرضهأ‪ ،‬فاختار مس لة ابهتيل هبها‬ ‫الناس اليوم‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫جدية الشيخ ظاهرة يف الكتاب‪.‬‬

‫‪-3‬‬

‫استعمل املصنف يف لتاب المغة السهمة‪ ،‬وه املناسبة ملونوع الكتاب‪.‬‬

‫‪-4‬‬

‫متيز الكتاب بنقوالت نفيسة عن لبار األئمة واملحققني‪.‬‬

‫‪-5‬‬

‫حمررة‪.‬‬ ‫تضمن‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب نتائج َ‬

‫‪-6‬‬

‫تعظيأ ظاهر ألهل العمهأ‪ ،‬وحهر ٌ بمهن ع َظهأ اهلل أن يع َظهأ‪،‬‬ ‫يف الكتاب‬ ‫ٌ‬ ‫وجدير بمن َ‬ ‫ويكرم‪.‬‬ ‫أجل أولئك الكرام أن يقدَ ر‬ ‫َ‬

‫‪ -7‬بيان املواقع املنهجية لمت صيل من أ لة الوحيني‪ ،‬أو من تقريرات األئمة‪.‬‬ ‫‪ -8‬التنبي عىل اطمل احلاصل يف الكتاب من جهة البناء والتكوين‪.‬‬ ‫‪-9‬‬

‫عى املؤلف إىل التخصص‪ ،‬وبرز هذا من خمل تشديده يف رشوط ممارسهة‬ ‫فن املختص "املصأمح" إال أن مل يمتفت إلي حينام لتب يف أ ق املسهائل يف‬ ‫عمم ‪ :‬الفق وأصول ‪ ،‬ومسائل أصول الدين‪.‬‬

‫‪ -01‬جتاوز املؤلف لمرتالأ األصويل والفقه يف مجمة لثهرية مهن املسهائل‪ ،‬منهها‬ ‫‪064‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫مس لة الكتاب الرئيسة‪ ،‬سواء لان التجاوز من ناحية املعمومة‪ ،‬أومهن ناحيهة‬ ‫األ اة‪.‬‬ ‫جرهها إليه اعتبهارات معينهة‪ ،‬لهيس‬ ‫‪ -00‬الكتاب مقحأ بجممهة مهن املسهائل‪َ ،‬‬ ‫بالرضورة أن تكون مرتبأة بصمب مونوع الكتاب‪.‬‬ ‫‪ -02‬املؤلف ِ‬ ‫مؤم ٌن بتفاصيل مدرسة فقهاء احلديث‪ ،‬وبنى لتاب وفق ما يهراه مهن‬ ‫تقريراهتأ‪ ،‬وأ ار عميها مناطات التسويغ‪ ،‬وأ ر طائفة من خمفات احلنفيهة‬ ‫واملالكية والظاهرية يف مجمة اطمف الكيل البدع ‪.‬‬ ‫وسع املؤلهف ائهرة مشهكمة اخهتمف املفتهني لتسهتوعب منهاهج العمهامء‬ ‫‪َ -03‬‬ ‫أنفسهأ‪ ،‬وما حصل من األسباب املوجبة الختمفهأ‪.‬‬ ‫‪ -04‬انرصف غالب الكتاب يف متييز اطمف املعتّرب من غري املعتّرب‪ ،‬وهذا لن حيهل‬ ‫إشكالية اختمف املفتني؛ ألن اإلشكالية تبقى حتى يف حدو اطمف املعتّرب‪.‬‬ ‫‪ -05‬إشكالية تعبري املؤلف بهه "مرشهوعية اطهمف"‪ ،‬السهيام أن منه اطهمف‬ ‫املحرم‪ ،‬لام هو تقريره‪ ،‬وهو من مجمة مفر ات يف الكتهاب‪ ،‬فثمهة از وا بهني‬ ‫التوسع املبالغ يف اعتباره‪ ،‬وبني التشديد املبالغ يف رفض ‪.‬‬ ‫‪ -06‬ألثر تقريرات املؤلف ه يف حمل احهتامل‪ ،‬وإنهام أوجهب االسهتدراك عميه‬ ‫اعتبارها حدا يف اطمف السائغ من اطمف املحرم‪.‬‬ ‫‪ -07‬نفى املؤلف أن يكون من مجمة أسباب اطمف‪ :‬اطمف يف األصول املتعمقهة‬ ‫بمصا ر التمق أو منهج االستدالل‪ ،‬مما فع إىل مصا رة مجمة من اطمفهات‬ ‫‪065‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫املعتّربة‪.‬‬ ‫‪ -08‬اشرتط املؤلهف لممفته أال خيهالف منهجه ًا لميه ًا لمسهمف يف االسهتدالل‪،‬‬ ‫والنقام مع يف صحة إنافت هذا املعنهى إىل رشوط املفته ‪ ،‬ويف صهحة مها‬ ‫أ ر في من مسائل‪.‬‬ ‫‪ -09‬مل حيقق املؤلف اعتبار أقوال املبتدعة يف اطمف الفقهه ‪ ،‬وههو إنهام يقصهد‬ ‫األصوليني الذين يسميهأ املتكممهني‪ ،‬أو الفقههاء الهذين انتسهبوا إىل بعه‬ ‫املدارس الكممية‪ ،‬ومعموم أن هؤالء إنام لانوا ينتمهون إىل إحهدى املهدارس‬ ‫الفقهية املتبوعة‪ ،‬فهأ إما حنفية‪ ،‬وإما شافعية‪ ،‬وإما مالكية‪ ،‬وإما حنابمة‪.‬‬ ‫‪َ -21‬برر املؤلف إجراء اطمف مع أههل األههواء ب وصهاف معينهة‪ ،‬بيهنام أبعهد‬ ‫خمف أهل الظاهر يف طائفة من أصوهلأ إىل اطمف املنهج الكيل البهدع ‪،‬‬ ‫وهذا في ما في ‪.‬‬ ‫‪ -20‬الرشوط الت ساقها املؤلف يف اعتبار اطمف اعرتاها‪ :‬تداخمها‪ ،‬بناؤها عىل‬ ‫مسائل خمتمف فيها‪ ،‬بناؤها بحسب اختيارات املؤلف وإن أناف مجمتهها إىل‬ ‫إمجاع عمامء األمة‪.‬‬ ‫‪ -22‬مل يكن املؤلف قيق ًا يف نسبة بع‬

‫ٍ‬ ‫قهول‬ ‫األقوال إىل األئمة‪ ،‬لنسبت إحداث‬

‫ثالث إىل اإلمامني أيب حنيفة والشافع ‪.‬‬ ‫وسع املؤلف ائرة اإلمجاع القأع الذ ال جيهوز خمفه ‪ ،‬حتهى أ ر فيه‬ ‫‪َ -23‬‬ ‫نوع ًا نخر من اإلمجاع‪ ،‬وهو اإلمجاع السكويت إيا احتفت ب قرائن تهدل عهىل‬ ‫‪066‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫قأعيت ‪.‬‬ ‫‪ -24‬عدم اعتدا ه باطمف يف اإلمجاع السكويت ويف االحتجا أقوال الصهحابة‪،‬‬ ‫مما رتَب إ راجهام بجوار أقوال أهل األهواء‪.‬‬ ‫‪ -25‬شد املؤلف يف تفاصيل مسائل اإلمجاع إىل ما ال يوافق عميه ‪ ،‬السهيام وههو‬ ‫يور ه عىل سبيل فرز اطمف املعتّرب من اطأ املح‬

‫‪.‬‬

‫‪ -26‬مل يدرس املؤلف مسائل اإلمجاع الظن لام ينبغ ‪ ،‬ال من ناحية التدليل‪ ،‬وال‬ ‫لل هذا فقد وقعت ل في ٌ‬ ‫ناحية االستعامل‪ ،‬وال من ناحية التصوير‪ ،‬ومع ِ‬ ‫مجل‬ ‫حمررة‪.‬‬ ‫‪ -27‬ال يمنع املؤلف اطمف يف بع‬ ‫بع‬

‫ما يقول إن من صور القأع‪ ،‬بينام يمنع يف‬

‫صور الظن‪.‬‬

‫‪ -28‬اقترص املؤلف عىل إخرا األصل غري املعتّرب مهن اطهمف املعتهّرب‪ ،‬واألوىل‬ ‫تعديت إىل الدليل غري املعتّرب‪ ،‬وإىل االستدالل غري املعتّرب‪.‬‬ ‫‪ -29‬التزم املؤلف يف غالب صناعت لرشوط اطهمف السهائغ بهذلر األوصهاف‬ ‫العدمية‪ ،‬وهذا ال يتناسب مع أولويات صناعة الرشط ون اب ‪.‬‬ ‫‪ -31‬يرتجح لد ‪ :‬إ ارة اطمف السائغ عىل أمرين‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن يكون صا ر ًا عن أهمية‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يكون مستنده اطاص يف حيز االعتبار‪.‬‬

‫‪067‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫‪ -30‬شد املؤلف يف اطمف املعتّرب إيا تعمق ب خبار اآلحا ولهو مل تفهد إال جمهر‬ ‫الثبوت‪.‬‬ ‫‪ -32‬استغرق املؤلف يف الر عىل بع‬

‫من ر وا أخبار اآلحها ‪ ،‬فهاقتأع ألجهل‬

‫يلك جزءا لبريا من مونوع الكتهاب‪ ،‬ثهأ زا يف هنايهة الكتهاب ممحقه ًا يف‬ ‫تفصيل الر عميهأ‪.‬‬ ‫‪ -33‬لمشيخ مبالغة يف تقرير منهج املحدثني‪ ،‬ولان أثر يلهك وانهح ًا يف صهناعة‬ ‫رشوط اطمف املعتّرب‪ ،‬بينام ثمة إغفال ِبني لمدالالت األصولية الصحيح منها‬ ‫والضعيف‪.‬‬ ‫‪ -34‬من املفارقات مبالغة املؤلف يف حتديد األوصاف الدقيقة يف رشوط اطهمف‬ ‫السائغ‪ ،‬مع أن يف اجلانب التأبيق يرضب بعيد ًا يف تسويغ مجمة مهن املسهائل‬ ‫الكتاب بهبع‬ ‫الت شاع إنكار العمأ هلا‪ ،‬وبعضها مما يمد الفأ‪ ،‬وإن إقحام‬ ‫َ‬ ‫املسائل املشكمة‪ ،‬يف لتاب ينزع إىل تقميص نزاع املفتني هلو مثار استغراب‪.‬‬ ‫‪ -35‬من املفارقات التشديد يف اعتبار اإلمجاع إىل رجات عالية‪ ،‬مع ابتكار بع‬ ‫األقوال والشهروط مما ال يتناسهب مهع ههذه املدرسهة املتشهد ة يف التمسهك‬ ‫بتفاصيل و قائق اإلمجاع‪.‬‬ ‫‪ -36‬ستبقى بع ُ فصول الكتاب عائقا أمام حل مشكمة اختمف املفتني‪ ،‬ألهنها‬ ‫نيقت حمقات اطمف املعتّرب يف أوصاف حمد ة‪ ،‬ووسمت غريها بهاطمف‬ ‫املحرم‪.‬‬

‫‪068‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫‪ -37‬املؤلف مولع بذلر التفاصيل‪ ،‬وحتديد الرسوم‪ ،‬ومن أمثمة يلك بحث يف متى‬ ‫يعني املر و عمي يف الر ‪ ،‬ومتى ال يذلر‪.‬‬ ‫‪ -38‬مل يرش الشيخ إىل التمذهب مع أن األمر الذ حصل ب االنضباط يف عصور‬ ‫اإلسمم بدءا من مدرست املدينة والكوفة‪ ،‬ومرورا بمهذاهب األئمهة‪ ،‬وعهىل‬ ‫يلك مجهور األمة قرون ًا عديدة‪ ،‬وهذا جتاوز صارخ لممدرسة الفقهية شهك ً‬ ‫م‬ ‫ومضمون ًا ‪.‬‬ ‫‪ -39‬بنى املؤلف طريقت يف وجوب ونع منهج رشع لمتعامل مع املفتهني عهىل‬ ‫أساس أن ال يوجد منهج قائأ ملعاجلة املشكمة‪ ،‬فإما هذا املنهج وإال التشه ‪،‬‬ ‫وتأ بيان عدم صحة هذه املمزمة‪.‬‬ ‫‪ -41‬ليس اجلديد اليوم ظهور اختمف املفتني‪ ،‬وإنام اجلديد هو الظهور مهع عهدم‬ ‫انضباط الناس بمذهب معني‪.‬‬ ‫‪ -40‬املؤلف لان حريص ًا يف التدليل عىل املنازل اطمسة باأل لة الرشعية املناسبة‪،‬‬ ‫لكن مل يكن معتني ًا برتليبة هذه املنازل لدرجات‪.‬‬ ‫‪ -42‬احلل يف نظر يكمن يف أمور أربعة‪:‬‬ ‫‪ -1‬نبط النهاس بمهذاهب بمهداهنأ الفقهيهة‪ ،‬واالنضهباط بفتهاوى عمامئههأ‬ ‫املت همني لمفتوى‪.‬‬ ‫‪ -2‬إرشا هأ إىل سؤال أهل الذلر من أهل العمأ والدين‪ ،‬والت ليد عىل حتقق‬ ‫هذين الوصفني‪.‬‬ ‫‪ -3‬حتذير الناس ممن ال يستحق اإلفتاء‪.‬‬

‫‪069‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫‪ -4‬القيام بواجب الدعوة إىل اهلل عز وجل بنرش وإشاعة وإياعة ما يلر يف هذه‬ ‫النقاط‪.‬‬ ‫‪ -43‬ال يكف يف راسة لثري من املسائل الفقهية واألصولية وغريمهها‪ :‬االقتصهار‬ ‫عىل تناول املس لة بحدو ها‪ ،‬والتعويل عىل يلك بتجزؤ االجتها ‪ ،‬ويلكهأ أن‬ ‫تناول املس لة ينبغ أن يكون يف سياقها العام‪ ،‬منضبأ ًا مع أشهكال ونظهائره‪،‬‬ ‫منأمق ًا من أصول وقواعده‪ ،‬وقد جرى يف هذه األوراق الرتليهز عهىل قضهية‬ ‫بت أحكام من غري ٍ‬ ‫نظر إىل ما تقدم‪.‬‬ ‫اإلمجاع‪ ،‬وبيان سعة مسائم ‪ ،‬وصعوبة ِ‬ ‫واهلل أعمأ وصىل اهلل وسمأ عىل نبينا حممد وعىل نل وصحب أمجعني‪.‬‬

‫‪071‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الفهرس‬ ‫املوضوع‬

‫الصفحة‬

‫‪ ‬بني يدي الوقفات‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ ‬املالحظات الرئيسة عىل الكتاب‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫طليعة الوقفات‪:‬‬

‫‪14‬‬

‫الوقفة األوىل‪ :‬املواقع املنهجية لمت صيل من أ لة الوحيني‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫الوقفة الثانية‪ :‬ترليبة الكتاب وحجأ املشكمة‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫الوقفة الثالثة‪ :‬ترشيع اختمف العمامء‪ ،‬وحتريأ اطمف غري السائغ‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫الوقفة الرابعة‪ :‬فق مقالة الشافع ‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫الوقفة اخلامسة‪ :‬عدم التزام البناء األصويل‪.‬‬

‫‪37‬‬

‫الوقفات املتعلقة بمن ال يستحق اإلفتاء‪:‬‬

‫‪41‬‬

‫الوقفة السادسة‪ :‬صفات َم ْن ال يستحق اإلفتاء‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫الوقفة السابعة‪ :‬تفاصيل املنهج الكيل البدع ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫الوقفة الثامنة‪ :‬إ را خمف الظاهرية يف اإلمجاع السكويت وأقوال الصحايب‬ ‫نمن اطمف املنهج ‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫الوقفة التاسعة‪ :‬نابط اجلاهل الذ ال يستحق اإلفتاء‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫الوقفة العارشة‪ :‬خمف املبتدعة‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫الوقفة احلادية عرشة‪ :‬التحذير من أهل األهواء إيا تشبهوا ب هل العمأ‪.‬‬

‫‪84‬‬ ‫‪86‬‬

‫الوقفات املتعلقة بمسائل اخلالف‪.‬‬ ‫الوقفة الثانية عرشة‪ :‬أسباب خمف أهل العمأ‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫الوقفة الثالثة عرشة‪ :‬تفنن املؤلف وم زق التخصص‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫‪070‬‬


‫قراءة متأنية يف كتاب الرشيف حاتم العوين اختالف املفتني‬

‫الوقفة الرابعة عرشة‪ :‬قمة اطمف حمم وسبب ‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫الوقفة اخلامسة عرشة‪ :‬نف اطمف يف مصا ر التمق أو االستدالل‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫الوقفات املتعلقة برشوط تسويغ اخلالف‪:‬‬

‫‪98‬‬

‫الوقفة السادسة عرشة‪ :‬رشوط تسويغ اطمف‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫الوقفة السابعة عرشة‪ :‬وزن مس لة إحداث قول ثالث‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫الوقفة الثامنة عرشة‪ :‬أثر "عموم البموى" عىل إحداث األقوال السيام‬ ‫أقوال الصحابة‪.‬‬

‫‪186‬‬

‫الوقفة التاسعة عرشة‪ :‬توسيع ائرة اإلمجاع القأع ‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫الوقفة العرشون‪ :‬غلبة األثر احلديث عىل األثر األصويل يف وزن الرشوط‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫الوقفة احلادية والعرشون‪ :‬رشوط املنازعة يف ثبوت الدليل‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫الوقفة الثانية والعرشون‪ :‬غزوة املتكممني‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫الوقفة الثالثة والعرشون‪ :‬إعا ة ترليبة رشط "األصل غري املعتّرب"‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫الوقفة الرابعة والعرشون‪ :‬مراجعات املؤلف لرتليبة رشوط ‪.‬‬

‫‪133‬‬ ‫‪138‬‬

‫الوقفات املتعلقة باملنهج املقرتح‪:‬‬

‫‪137‬‬

‫ومسوغات ‪.‬‬ ‫الوقفة اخلامسة والعرشون‪ :‬عرض املنهج املقرتح‬ ‫ِ‬ ‫مسوغات املنهج املقرتح‪.‬‬ ‫الوقفة السادسة والعرشون‪ :‬نقد ِ‬

‫‪148‬‬

‫الوقفة السابعة والعرشون‪:‬نقد ترليبة املنهج املقرتح‪.‬‬

‫‪112‬‬ ‫‪164‬‬

‫النتائج‪:‬‬

‫‪072‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.