مكتبة المبتدئ في طلب العلم الشرعي
شرح الورقات
كتبه خالد بن عبد هللا باحميد األنصاري
مكتبة المبتدئ
3
شرح الورقات
ﭑ ﭒﭓﭔ احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني. أما بعد:
فمما ذكرته يف "المدخل إلى دراسة المختصرات" ـ عن علم أصول الفقه ـ: أن أصول مجع مفرده :أصل ،واألصل لغة :ما يُبىن عليه غريه ،فقولك" :اجلذور أصل الساق" أي مبين عليها ،وعلم أصول الفقه إمجالا هو :معرفة قواعد فهم األدلة. ففائدة هذا العلم أنه يساعد على فهم الكتاب والسنة. ومما ذكرته يف املدخل :أن من أشهر املختصرات املؤلفة يف علم أصول الفقه كتاب
"الورقات" تأليف إمام احلرمني أيب املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف اجلويين، املولود يف بشتقان ،قرية قريبة من نيسابور ،سنة (914هـ) املتوىف هبا سنة (974هـ). وقد يسر اهلل عز وجل يل مبنه وكرمه إمتام شرح "الورقات" ،فأسأله سبحانه أن
ينفع به كما نفع بأصله.
مكتبة المبتدئ
4
وصلى اهلل على نبينا حممد ،وعلى آله ،وصحبه ،وسلم.
شرح الورقات
5
مكتبة المبتدئ
شرح الورقات
قبل الشروع يف شرح الكتاب
قبل الشروع في شرح الكتاب سيكون الكالم عن أمرين: األول :عنوان الكتاب. الثاني :حمتويات الكتاب. أما عنوان الكتاب ،فهو "الورقات". وُسِّ َي الكتاب بالورقات لقلة عددها؛ إشارة إىل قلة ما والورقات :مجع ورقةُ ، ُكتِب فيها ،وذلك تسهيالا وتنشيطاا للمبتدئني. وأما محتويات الكتاب ،فهو يحتوي على قسمين: القسم األول :متهيد. القسم الثاني :الكالم عن املوضوع الذي من أجله ألف املؤلف هذا الكتاب، ويتضمن ذكر أبواب أصول الفقه إمجالا وتفصيالا.
مكتبة المبتدئ
6
شرح الورقات
[]
ُصول الف ْقه(.)1 َه َذهَ :وَرقَ ٌ ات تَ ْشتَم ُل َعلَى َم ْعرفَة فُ ُ صول م ْن أ ُ ف م ْن ُج ْزأَيْن ُم ْف َر َديْن. كُ :م َؤلَّ ٌ َوذَل َ َص ُلَ :ما بُن َي َعلَْيه غَْي ُرهُ. فَاأل ْ َوال َف ْرعَُ :ما يُ ْب نَى َعلَى غَْيره. َح َكام َّ اد(.)2 االجت َه ُ الش ْرعيَّة الَّتي طَري ُق َها ْ َوالف ْقهَُ :م ْعرفَةُ األ ْ ( )1ابتدأ املؤلف ـ التمهيد ـ بالتعريف مبا تشتمل عليه الورقات. قوله( :هذه) اسم إشارة( ،ورقات) مشار إليه. وليس املقصود من اإلشارةِ اإلشارَة إىل الورقات نفسها ،بل إىل ما كتب فيها. قوله( :تشتمل) أي هذه الورقات ،ومعىن تشتمل :حتتوي. (على معرفة فصول) الفصول :مجع فصل ،واملراد به :النوع. (من أصول الفقه) (من) مبعىن بعض. يعين أن هذه الورقات حتتوي على معرفة بعض أنواع أصول الفقه. ( )2لَ َّما ذكر املؤلف أن هذه الورقات حتتوي على معرفة بعض أنواع أصول الفقه، ناسب أن يـُ َعِّرف لفظ "أصول الفقه" باعتبار مفرديه ،لفظ "األصل" مبفرده، ولفظ "الفقه" مبفرده.
مكتبة المبتدئ
7
شرح الورقات
قوله( :وذلك) أي لفظ "أصول الفقه". (مؤلف) أي مكون( ،من جزأين) أي لفظني( ،مفردين) أي منفردين. قوله( :فاألصل) أي لفظ "األصل" مبفرده. (ما يبنى عليه غيره) أي معناه :الشيء الذي يبىن عليه غريه. مثال ذلك :جذور الشجرة بالنسبة للساق أصل؛ ألن الساق مبين عليها، والساق بالنسبة لألغصان أصل؛ ألن األغصان مبنية عليه. قوله( :والفرع) لَ َّما عرف األصل ناسب أن يعرف ضده ،وجه املناسبة أن من متام معرفة الشيء معرفة ضده. (ما يبنى على غيره) أي معناه :الشيء الذي يبىن على غريه. مثال ذلك :ساق الشجرة بالنسبة للجذور فرع؛ ألنه مبين عليها ،وأغصان الشجرة بالنسبة للساق فرع؛ ألهنا مبنية عليه. قوله( :والفقه) أي لفظ "الفقه" مبفرده. (معرفة األحكام الشرعية) أي هو :معرفة األحكام اليت شرعها اهلل تعاىل، وهي :املستخرجة من الكتاب والسنة. (التي طريقها االجتهاد) أي طريق هذه املعرفة. مراده أن معرفة األحكام املستخرجة من الكتاب والسنة هلا طريقان: الطريق األوىل :املعرفة من غري اجتهاد ،وهذه تتعلق باألحكام اليت اخلرب هبا واضح يف الكتاب والسنة. الطريق الثانية :املعرفة بالجتهاد ،وهذه تتعلق باألحكام اليت اخلرب هبا غري واضح يف الكتاب والسنة بل حمتمل ،أو ليس فيها خرب بل معرفتها بالقياس على
مكتبة المبتدئ
8
شرح الورقات
ام َس ْب َعةٌ: َواأل ْ َح َك ُ يحَ ،وال َفاس ُد. الم ْك ُروهَُ ،و َّ الم ْن ُد ُ الصح ُ الم ْحظُ ُ المبُ ُ ورَ ،و ُ احَ ،و ُ وبَ ،و ُ بَ ،و َ الواج ُ َ ب َعلَى تَ ْركه. بَ :ما يُثَ ُ اب َعلَى ف ْعله َويُ َعاقَ ُ الواج ُ فَ َ ب َعلَى تَ ْركه. وبَ :ما يُثَ ُ َوال ُْم ْن ُد ُ اب َعلَى ف ْعله َوالَ يُ َعاقَ ُ ب َعلَى تَ ْركه. احَ :ما ال يُثَ ُ َوال ُْمبَ ُ اب َعلَى ف ْعله َوالَ يُ َعاقَ ُ ب َعلَى ف ْعله. ورَ :ما يُثَ ُ الم ْحظُ ُ َو َ اب َعلَى تَ ْركه َويُ َعاقَ ُ ب َعلَى ف ْعله. َوال َْم ْك ُروهَُ :ما يُثَ ُ اب َعلَى تَ ْركه َوالَ يُ َعاقَ ُ الصحي ُحَ :ما يَتَ َعلَّ ُق به النُّ ُفوذُ َويُ ْعتَ ُّد به. َو َّ َوال َفاس ُدَ :ما الَ يَتَ َعلَّ ُق به النُّ ُفوذُ َوالَ يُ ْعتَ ُّد به(.)1 ما يف الكتاب والسنة. فاملعرفة بالطريق األوىل ل تسمى فق اها؛ ألهنا ل حتتاج إىل بذل جهد بالبحث فقها؛ ألهنا حتتاج إىل بذل جهد والتأمل ،واملعرفة بالطريق الثانية تسمى ا بالبحث والتأمل. اصطالحا :له معنيان :خاص ،وعام. تنبيه :الفقه ا فهو باملعىن اخلاص كما ذكر املؤلف :معرفة األحكام الشرعية اليت طريقها الجتهاد. وهو باملعىن العام :معرفة األحكام الشرعية ،سواء اليت طريقها الجتهاد ،أو ليست طريقها الجتهاد ،ولعل ذلك من باب التغليب؛ ألن غالب مسائل األحكام طريق معرفتها الجتهاد. ( )1لَ َّما ذكر املؤلف يف تعريف الفقه أنه معرفة األحكام الشرعية ،ناسب أن يتكلم عن املعرفة ،وعن األحكام ،وابتدأ بالكالم عن األحكام.
مكتبة المبتدئ
9
شرح الورقات
قوله( :واألحكام) أي الشرعية. (سبعة) أي أنواعها. قوله( :الواجب ،والمندوب ،والمباح ،والمحظور ،والمكروه ،والصحيح، والفاسد) هذه األحكام السبعة تنقسم إىل قسمني: القسم األول :أحكام تتعلق بالفعل قبل حدوثه. وهي مخسة أحكام :الواجب ،واملندوب ،واملباح ،واحملظور ،واملكروه. القسم الثاين :أحكام تتعلق بالفعل بعد حدوثه. ومها حكمان :الصحيح ،والفاسد. مباحا ،أو وعلى هذا فالفعل قبل حدوثه؛ إما أن يكون واجباا ،أو مندوباا ،أو ا مكروها. حمظورا ،أو ا ا فاسدا. وبعد حدوثه؛ إما أن يكون صحيحا ،أو ا ا مثال ذلك" :صالة الفرض يف وقتها ،وقبل وقتها". فحكم الصالة قبل حدوثها يؤخذ من األحكام اخلمسة؛ فيقال :الصالة يف وقتها واجبة ،وقبل وقتها حمظورة. وحكم الصالة بعد حدوثها يؤخذ من احلكمني؛ فيقال :الصالة يف وقتها صحيحة ،وقبل وقتها فاسدة. مثال آخر" :شراء السلعة من مالكها ،ومن ِ مغتصبها". فحكم الشراء قبل حدوثه يؤخذ من األحكام اخلمسة؛ فيقال :الشراء من املالك مباح ،ومن ِ املغتصب حمظور.
مكتبة المبتدئ
11
شرح الورقات
وحكم الشراء بعد حدوثه يؤخذ من احلكمني؛ فيقال :الشراء من املالك صحيح ،ومن ِ املغتصب فاسد.
قوله( :فالواجب) أي تعريفه.
(ما يثاب على فعله ،ويعاقب على تركه) أي هو الشيء الذي يثاب فاعله على فعله ،ويعاقب تاركه على تركه. مثال ذلك :الصلوات اخلمس ،حكمها :واجبة. يعين الذي يفعلها يثاب على فعلها ،والذي يرتكها يعاقب على تركها. (والمندوب) أي تعريفه.
(ما يثاب على فعله ،وال يعاقب على تركه) أي هو الشيء الذي يثاب فاعله على فعله ،ول يعاقب تاركه على تركه. مثال ذلك :املناولة باليد اليمىن ،حكمها :مندوب. يعين الذي يفعلها يثاب على فعلها ،والذي يرتكها ل يعاقب على تركها. وللمندوب أُساء أخرى ،منها :املستحب. (والمباح) أي تعريفه.
(ما ال يثاب على فعله ،وال يعاقب على تركه) أي هو الشيء الذي ل يثاب فاعله على فعله ،ول يعاقب تاركه على تركه. مثال ذلك :السفر ،حكمه :مباح. يعين الذي يسافر ل يثاب على سفره ،والذي ل يسافر ل يعاقب على عدم سفره.
مكتبة المبتدئ
11
شرح الورقات
وهذا حكم املباح من حيث األصل ،ولكن إذا كان وسيلة ملا يثاب به ،أو يعاقب عليه؛ فحكمه حكم ما كان وسيلة له. مثال ذلك :من سافر يريد طلب العلم ،فإنه يثاب على سفره. مثال آخر :من سافر يريد الزنا أو شرب اخلمر ،فإنه يعاقب على سفره. (والمحظور) أي تعريفه.
(ما يثاب على تركه ،ويعاقب على فعله) أي هو الشيء الذي يثاب تاركه على تركه ،ويعاقب فاعله على فعله. مثال ذلك :شرب اخلمر ،حكمه :حمظور. يعين الذي يرتكه يثاب على تركه ،والذي يفعله يعاقب على فعله. وللمحظور أُساء أخرى ،منها :احلرام. (والمكروه) أي تعريفه.
(ما يثاب على تركه ،وال يعاقب على فعله) أي هو الشيء الذي يثاب تاركه على تركه ،ول يعاقب فاعله على فعله. مثال ذلك :املناولة باليد اليسرى ،حكمها :مكروه. يعين الذي يرتكها يثاب على تركها ،والذي يفعلها ل يعاقب على فعلها. (والصحيح) أي تعريفه.
(ما يتعلق به النفوذ) أي يكون ناف اذا. (ويعتد به) أي يؤخذ به. (والفاسد) أي تعريفه.
مكتبة المبتدئ
12
شرح الورقات
(ما ال يتعلق به النفوذ) أي ل يكون ناف اذا. (وال يعتد به) أي ل يؤخذ به.
تنبيهات: التنبيه األول :أن حمل الثواب والعقاب املذكورين يف تعريف األحكام اخلمسة إمنا هو يف اآلخرة. التنبيه الثاين :أن املكلف يثاب على فعل الواجب واملندوب ،وترك احملظور واملكروه ،واملراد :أنه يثاب إذا حقق شرطي اإلثابة ،اللذين مها :إخالص النية، وموافقة الشرع؛ ألن أي عمل خال من اإلخالص ،أو غري موافق للشرع ،فإنه ل ثواب عليه. مثال الفعل :لو صلى رياءا أو ُسعة ،فإنه ل يثاب على صالته؛ لعدم إخالص النية فيها. خملصا هلل تعاىل ،ولكن بكيفية غري موافقة للشرع ،كأن مثال آخر :لو صلى ا عمدا ،فإنه ل يثاب عليها؛ لعدم موافقتها للشرع. يصلي الظهر مخس ركعات ا مخرا ،ولكنه تركه خوفاا من أن يقام عليه احلد، مثال الرتك :لو أراد أن يشرب ا فإنه ل يثاب على ذلك. التنبيه الثالث :أن املكلف يعاقب على ترك الواجب ،وفعل احملظور ،واملراد :أنه ي ذنب دون الشرك قد يُغفر. يستحق أن يعاقب؛ ألن أ َّ التنبيه الرابع :أن حمل النفوذ والعتداد املذكورين يف تعريف الصحيح والفاسد إمنا هو يف الدنيا ل يف اآلخرة.
مكتبة المبتدئ
13
شرح الورقات
التنبيه اخلامس :أن النفوذ والعتداد خيتلفان حبسب نوع الفعل ،ألن الفعل قد يكون من العبادات ،وقد يكون من املعامالت. فإذا كان الفعل من العبادات: فاملراد بكونه ناف اذا يعتد به :أنه ل يُطالَب بأداء الفعل مرة أخرى. واملراد بكونه غري نافذ ول يعتد به :أنه يطالب بأداء الفعل مرة أخرى. مثال ذلك :رجل صلى صالة الظهر ،وأمت شروطها وأركاهنا. حكم هذه الصالة :صحيحة ،أي نافذة ،يعتد هبا ،واملراد :أنه ل يطالب بإعادهتا. مثال آخر :رجل صلى الظهر ،ومل يتم شروطها أو أركاهنا. حكم هذه الصالة :فاسدة ،أي غري نافذة ،ل يعتد هبا ،واملراد :أنه يطالب بإعادهتا. وإذا كان الفعل من املعامالت: فاملراد بكونه ناف اذا ،يعتد به :أنه حيل له التصرف. واملراد بكونه غري نافذ ،ل يعتد به :أنه ل حيل له التصرف. مثال ذلك :رجل اشرتى بيتاا ،ومتت شروط الشراء. حكم هذا الشراء :صحيح ،أي نافذ ،يعتد به ،واملراد :أنه حيل له التصرف يف البيت ،من سكىن ،وتأجري ،وغري ذلك. مثال آخر :رجل اشرتى بيتاا ،ومل تتم شروط الشراء. حكم هذا الشراء :فاسد ،أي غري نافذ ،ل يعتد به ،واملراد :أنه ل َحيل له التصرف يف البيت.
مكتبة المبتدئ
14
شرح الورقات
ص م َن العلْم. َخ ُّ َوالف ْقهُ :أ َ
الواقع. ْمَ :م ْعرفَةُ َ الم ْعلُوم َعلَى َما ُه َو به في َ َوالعل ُ ص ُّوُر َّ الواقع. الج ْه ُل :تَ َ َو َ الش ْيء َعلَى خالَف َما ُه َو به في َ است ْدالل. َّرور ُّ يَ :ما الَ يَ َق ُع َع ْن نَظَر َو ْ ْم الض ُ َوالعل ُ
االست ْدالل. الم ْوقُ ُ وف َعلَى النَّظَر َو ْ ب :فَ ُه َو َ ْم ُ سُ الم ْكتَ َ َوأ ََّما العل ُ
الم ْنظُور فيه. َوالنَّظَُرُ :ه َو الف ْك ُر في َحال َ
ب َّ الدليل. االست ْد ُ َو ْ الل :طَلَ ُ َو َّ المطْلُوب. الم ْرش ُد إلى َ يلُ :ه َو ُ الدل ُ اآلخر. َح ُد ُه َما أَظ َْه ُر م َن َ َوالظَّ ُّن :تَ ْجو ُيز أ َْم َريْن أ َ َو َّ الش ُّ اآلخر(.)1 َحده َما َعلَى َ ك :تَ ْجو ُيز أ َْم َريْن ال م ْزيَةَ أل َ ( )1تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر يف تعريف الفقه أنه معرفة األحكام الشرعية ،ناسب أن يتكلم عن املعرفة ،وعن األحكام ،وابتدأ بالكالم عن األحكام. ولَ َّما انتهى من الكالم عن األحكام ثـَ َّىن بالكالم عن املعرفة ،فذكر أقسامها وعرف كل قسم. الثالثة؛ اليت هي :العلم ،والظن ،والشكَّ ، قوله( :والفقه أخص من العلم ،والعلم :معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع) هذا تعريف القسم األول؛ الذي هو :العلم.
(والفقه أخص من العلم) أي أن العلم أعم من الفقه ،والفقه يوافق بعض
معىن العلم.
مكتبة المبتدئ
15
شرح الورقات
وسأوضح هذا إن شاء اهلل تعاىل بعد الفراغ من الكالم عن العلم. (والعلم) أي تعريفه. (معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع) أي هو معرفة الشيء معرفةا موافقة لِما هو عليه يف الواقع. ِ املسجد" ومن حيث الواقع ذهب زيد ذهب زيد إىل مثال ذلك :إذا قل َ تَ " : علما. إىل املسجد ،فهذه املعرفة منك تسمى ا قوله( :والجهل :تصور الشيء على خالف ما هو به في الواقع) لَ َّما َعَّرف العلم ناسب أن يعرف ضده؛ ليتضح معىن العلم َمتام التضاح، فتعريفه للجهل عارض ،وِهلذا بعد تعريفه للجهل سيعود للكالم عن العلم. (والجهل) أي تعريفه. (تصور الشيء على خالف ما هو به في الواقع) أي هو ختيل الشيء ختيالا خمال افا ملا هو عليه يف الواقع. ِ املسجد" وكان هذا التخيل منك خمال افا ذهب زيد إىل مثال ذلك :إذا قلتَ " : للواقع ،أي من حيث الواقع مل يذهب زيد إىل املسجد ،فهذا التخيل يسمى جهالا. ومل يقل املؤلف يف تعريف اجلهل أنه معرفة الشيء على خالف ما هو به ،بل قال :تصور الشيء ،وذلك ألن اجلهل ليس مبعرفة. تنبيه :أصل اجلهل :عدم املعرفة ،وهو نوعان: األول :جهل بسيط ،وهو :أن ل تعرف ،وتدري أنك ل تعرف. ذهب زيد". مثال ذلك :إذا قلت" :ل أدري أين َ
مكتبة المبتدئ
16
شرح الورقات
فأنت ل تعرف أين ذهب ،وتدري أنك ل تعرف ،فهذا يسمى جهالا بسيطاا. الثاين :جهل مركب ،وهو :أن ل تعرف ،ول تدري أنك ل تعرف. متصورا ذلك ،وهو يف الوقع مل ذهب زيد إىل املسجد" ا مثال ذلك :إذا قلتَ " : يذهب إىل املسجد. فأنت ل تعرف أنه مل يذهب إىل املسجد ،ول تدري أنك ل تعرف ،فهذا يسمى جهالا مركباا ،وهذا النوع هو الذي قصده املؤلف يف كالمه السابق حني عرف اجلهل. قوله( :والعلم الضروري :ما ال يقع عن نظر واستدالل ،وأما العلم المكتسب :فهو الموقوف على النظر واالستدالل) لَ َّما عرف العلم ذكر بعد ذلك نوعيه ،وعرف كل نوع. (والعلم الضروري) هذا النوع األول. (ما ال يقع) أي ل حيصل.
(عن نظر واستدالل) أي عن اجتهاد. أي هو العلم الذي حصوله مل حيتج إىل اجتهاد. مثال ذلك :معرفة أن الصلوات اخلمس واجبة. فمعرفة أن الصلوات اخلمس واجبة حصلت من غري اجتهاد؛ ألن األدلة عليها واضحة. علما ضرورياا؛ لضرورة التسليم هلا مباشرة ،من غري توقف وهذه املعرفة تسمى ا لالجتهاد.
مكتبة المبتدئ
17
شرح الورقات
(وأما العلم المكتسب) هذا النوع الثاين. (فهو الموقوف) أي الذي ُوقِف ،مبعىن حصل. (على النظر واالستدالل) أي الجتهاد. أي هو العلم الذي حصوله احتاج إىل اجتهاد. مثال ذلك :معرفة أن اجلماع من غري إنزال يوجب الغسل. فمعرفة ذلك حصلت بالجتهاد؛ ألن األدلة عليها غري متضحة ،وذلك لتعارضها ،فمنها ما يدل على وجوب الغسل ،ومنها ما يدل على عدم الوجوب ،مث ملا ُحبث يف األدلة كانت النتيجة التفاق على وجوب الغسل، و ُِ ُحلَت أدلة عدم الوجوب على أهنا منسوخة ،وأدلة الوجوب على أهنا ناسخة. علما مكتسباا؛ ألنه فمعرفة أن اجلماع من غري إنزال يوجب الغسل تسمى ا حصل بالكتساب أي بعد الجتهاد. قوله( :والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه ،واالستدالل طلب الدليل، والدليل هو المرشد إلى المطلوب) لَ َّما ذكر يف التعريفني السابقني :النظر ،والستدلل ،ناسب أن يعرف كل واحد أيضا. منهما ،ولَ َّما ذكر يف تعريف الستدلل :لفظ الدليل ،ناسب أن يعرفه ا (والنظر) أي تعريفه.
(هو الفكر في حال المنظور فيه) أي هو التفكر يف حال الشيء الذي نُ ِظر
فيه. واملراد به :املسألة اليت يراد معرفة حكمها.
مكتبة المبتدئ
18
شرح الورقات
(واالستدالل) أي تعريفه. (طلب الدليل) أي هو البحث عن الدليل ،يعين املتعلق باملسألة. (والدليل) أي تعريفه. (هو المرشد إلى المطلوب) أي هو املوصل إىل الشيء الذي يُطلب يعين احلكم.
مثال ذلك :مسألة "اجلماع من غري إنزال ،هل يوجب الغسل أو ل"؟ نظرا. فالتفكر يف املسألة ملعرفة حكمها يسمى ا والبحث عن الدليل املتعلق هبا يسمى استدللا. وقوله " :إذا جلس بني شعبها األربع ،ومس اخلتان اخلتان ،فقد وجب الغسل" أخرجه مسلم ( )449من حديث عائشة ،هذا احلديث أوصلنا إىل الشيء الذي نطلبه ،وهو احلكم ،فهذا احلديث يسمى دليالا. تتمة :تقدم أن املؤلف قال( :الفقه أخص من العلم)
ووجه ذلك :أن الفقه هو املعرفة احلاصلة بالجتهاد ،والعلم هو املعرفة اجملزوم هبا ،وهو يشمل نوعني :أحدمها :املعرفة اجملزوم ِهبا احلاصلة من غري اجتهاد، والثاين :املعرفة اجملزوم هبا احلاصلة بالجتهاد ،وهلذا فالعلم أعم ألنه يشمل النوعني ،والفقه أخص ألنه يوافق الثاين منهما فقط. قوله( :والظن :تجويز أمرين ،أحدهما أظهر من اآلخر) هذا القسم الثاين من أقسام املعرفة. (والظن) أي تعريفه. (تجويز أمرين ،أحدهما أظهر من اآلخر)
مكتبة المبتدئ
19
شرح الورقات
االست ْدالَل ب َها(.)1 ُصول الف ْقه :طُُرقُهُ َعلَى َسبيل اإل ْج َمال َوَك ْيفيَّةُ ْ ْم أ ُ َوعل ُ أي احتمال أمرين ،أحدمها أقوى احتمالا من اآلخر. مثال ذلك :إذا قلت" :ذهب زيد إىل املسجد ،وقد يكو ُن ذهب إىل ِ السوق". َ َ يدا ذهب إىل املسجد ،وحيتمل أنه فهذا يسمى ظناا ،ألنه حيتمل عندك أن ز ا ذهب إىل السوق ،لكن الحتمال األول عندك أقوى. قوله( :والشك :تجويز أمرين ،ال مزية ألحدهما على اآلخر) هذا القسم الثالث من أقسام املعرفة.
(والشك) أي تعريفه.
(تَجويز أمرين ،ال مزية ألحدهما على اآلخر)
()1
أي احتمال أمرين متساويني يف الحتمال ،ليس أحدمها أقوى من اآلخر. ِ املسجد أو إىل ِ السوق". ذهب زيد إىل مثال ذلك :إذا قلتَ " : يدا ذهب إىل املسجد ،وحيتمل أنه فهذا يسمى ش اكا ،ألنه حيتمل عندك أن ز ا ذهب إىل السوق ،والحتمالن عندك متساويان ،ليس أحدمها أقوى من اآلخر. لَ َّما انتهى املؤلف من تعريف "أصول الفقه" باعتبار مفرديه ،ناسب أن َخيتم التمهيد بتعريف علم أصول الفقه. قوله( :وعلم أصول الفقه) أي تعريفه.
(طرقه على سبيل اإلجمال ،وكيفية االستدالل بها) بناءا على هذا التعريف فإن علم أصول الفقه يتضمن ركنني:
مكتبة المبتدئ
21
شرح الورقات
الركن األول :طرق الفقه على سبيل اإلمجال ،واملراد :معرفة القواعد اليت هبا ينضبط استخراج األحكام من األدلة. الركن الثاين :كيفية الستدلل هبا ،واملراد :معرفة كيفية تطبيق القواعد يف األدلة. وكالم املؤلف الذي سيأيت إمنا هو شرح هلذين الركنني. مثال معرفة القواعد اليت هبا ينضبط استخراج األحكام من األدلة :قال اهلل تعاىل :ﮋﮛ ﮜﮊ [البقرة.]43: فهذا دليل من القرآن على األمر بالصالة. وقال األصوليون" :األصل يف األمر الوجوب ،إل لصارف". فهذه قاعدة هبا ينضبط استخراج احلكم من الدليل. فالدليل السابق يدل على األمر بفعل الصالة ،وليس فيه بيان نوع األمر هل هو للوجوب ،أو للندب ،أو غري ذلك. مل على والقاعدة األصولية تدل على أن أ َّ ي أمر يف الكتاب والسنة فإنه ُحي ُ صارف الوجوب ،إل إذا ُوجد صارف يصرفه إىل غري ذلك ،ولكونه مل يُوجد َ عن الوجوب يف األمر بالصالة ُِ ُحل على الوجوب. فبهذه القاعدة انضبط استخراج احلكم من الدليل. وسأذكر يف شرح الفقرة التالية ـ إن شاء اهلل تعاىل ـ فائدة معرفة كيفية تطبيق القواعد يف األدلة.
مكتبة المبتدئ
21
شرح الورقات
ا [أبواب أصول الفقه إمجال]
ُصول الف ْقه: اب أ ُ َوأَبْ َو ُ اصَ ،وال ُْم ْج َم ُل َوال ُْمبَ يَّ ُن، الع ُّ ْخ ُّ ام َوال َ ام ال َكالَمَ ،واأل َْم ُر ُوالن ْ َّه ُيَ ،و َ ْس ُ أَق َ َّ الم ْستَ ْفتي(.)1 َواألَفْ َع ُ س ُ الم ْفتي َو ُ يب األَدلةَ ،وص َفةُ ُ وخَ ،وتَ ْرت ُ الَ ،والنَّاس ُخ َوال َْمنْ ُ ()1
لَ َّما انتهى املؤلف من القسم األول؛ الذي هو :التمهيد ،انتقل إىل القسم الثاين؛ الذي هو :الكالم عن املوضوع الذي من أجله ألف هذا الكتاب، وهو :ذكر أبواب أصول الفقه إمجالا وتفصيالا. فبدأ بذكر هذه األبواب إمجالا ،مث سيشرع يف ذكرها تفصيالا حبسب الرتتيب اإلمجايل. قوله( :وأبواب أصول الفقه) أبواب :مجع باب ،واملراد به النوع. يعين األنواع اليت تشملها أصول الفقه. تنبيه :قال املؤلف يف أول الكتاب( :فصول من أصول الفقه) وقال هنا: (وأبواب أصول الفقه) ومراده بالفصول هناك نفس مراده باألبواب هنا. وعادة املؤلفني أن املواضيع إذا تنوعت فإهنم يقسموهنا إىل كتب ،أو أبواب ،أو فصول ،والذي استقر عليه عمل املتأخرين أن الكتب أعم من األبواب ،واألبواب أعم من الفصول ،وعلى هذا فإهنم قد يقسمون املواضيع إىل كتب ،وقد يقسمون الكتاب الواحد إىل أبواب ،وقد يقسمون الباب الواحد إىل فصول.
مكتبة المبتدئ
22
شرح الورقات
قوله( :أقسام الكالم ،واألمر والنهي ،والعام والخاص ،والمجمل والمبين، واألفعال) هذه األبواب اخلمسة تتعلق بالقواعد ،اليت هي الركن األول من ركين أصول الفقه. وكيفية تقسيم هذه األبواب إىل قواعد تكون كالتايل: الباب األول :أقسام الكالم ،وهو يتضمن قاعدتني. الباب الثاين :األمر والنهي ،وهو فرع عن القاعدة األوىل. الباب الثالث :العام واخلاص ،وهو يتضمن القاعدة الثالثة. الباب الرابع :اجململ واملبني ،وهو يتضمن القاعدة الرابعة. الباب اخلامس :األفعال ،وهو يتضمن القاعدة اخلامسة. قوله( :والناسخ والمنسوخ ،وترتيب األدلة ،وصفة المفتي والمستفتي) هذه
األبواب الثالثة تتعلق بكيفية تطبيق القواعد ،اليت هي :الركن الثاين من ركين أصول الفقه. ففائدة معرفة الناسخ واملنسوخ أن القواعد تطبق يف الناسخ دون املنسوخ. وفائدة معرفة ترتيب األدلة ـ أي الرتجيح بينها ـ أن القواعد تطبق يف الراجح دون املرجوح. عرف َمن هو املفيت املؤهل لتطبيق هذه وفائدة معرفة صفة املفيت واملستفيت :يُ ُ القواعد ،واملستفيت غري املؤهل للتطبيق ،بل فرضه التقليد ل غري. اخلالصة :أن أبواب أصول الفقه حبسب ما ذكر املؤلف مثانية أبواب.
مكتبة المبتدئ
23
شرح الورقات
[أقسام الكالم]
ام ال َكالم(:)1 ْس ُ فَأ ََّما أَق َ ب م ْنهُ ال َكالَ ُم: فَأَقَ ُّل َما يَتَ َرَّك ُ ف(.)2 اس ٌم َو َح ْر ٌ اس ٌم َوف ْع ٌل ،أ َْو ف ْع ٌل َو َح ْر ٌ ف ،أ َْو ْ اس َمان ،أ َْو ْ ْ ( )1هذا الباب األول ،وهو أقسام الكالم. ويتضمن هذا الباب قاعدتني من أقسام الكالم ،وألن تقسيم الشيء فرع عن معرفته ،بدأ املؤلف بذكر تعريف الكالم قبل تقسيمه. ( )2هذا تعريف الكالم ،وذكره املؤلف باعتبار أقل ما يرتكب منه. قوله( :فأقل ما يتركب منه الكالم) أي أقل عدد للكلمات الذي يتكون منه الكالم. (اسمان) أي يتكون من اُسني ،مثاله" :زيد قائم". قام". قام زيد" و"زيد َ (أو اسم وفعل) أي أو يتكون من اسم وفعل ،مثالهَ " : (أو فعل وحرف) أي أو يتكون من فعل وحرف ،مثاله" :مل يقم". يد". (أو اسم وحرف) أي أو يتكون من اسم وحرف ،مثاله" :يا ز ُ فائدة :هذه الصورة ـ أعين السم واحلرف ـ حمصورة يف النداء فقط. اخلالصة :أن الكالم باعتبار أقل ما يرتكب منه هو :ما تركب من كلمتني ،وله أربع صور.
مكتبة المبتدئ
24
شرح الورقات
َوال َكالَ ُم يَ ْن َقس ُم إلى:
است ْخبَار(.)1 أ َْمر َونَ ْهيَ ،و َخبَر َو ْ
تنبيه :ما ذكره املؤلف يف أقل ما يرتكب منه الكالم اعتَبَـَر فيه الظاهر دون َّ املقدر. فقلت" :مل يقم" فقولك" :مل يقم" هذه قام زيد"؟ َ فمثالا إذا قيل لك" :هل َ الصورة من حيث الظاهر تتضمن كلمتني؛ حرف وفعل ،ولو اعتربنا فيها التقدير لكانت متضمنة ثالث كلمات ،ألن "مل يقم" فيه فاعل مقدر، والتقدير "مل يقم زيد". ( )1هذه القاعدة األوىل. وهي أقسام الكالم باعتبار دللة اللفظ على املعىن. قوله( :والكالم ينقسم) أي باعتبار دللة اللفظ على املعىن. (إلى أمر) األمر معناه :طلب الفعل. مثاله" :اذهب". (ونهي) النهي معناه :طلب الرتك. مثاله" :ل تذهب". وسيذكر املؤلف فيما بعد تعريف األمر والنهي أدق من هذا التعريف. (وخبر) اخلرب معناه :احلكاية. ِ املسجد". ذهب زيد إىل مثالهَ " : أيضا فيما بعد تعريف اخلرب. وسيذكر املؤلف ا (واستخبار) الستخبار معناه :طلب اخلرب.
مكتبة المبتدئ
25
شرح الورقات
َويَ ْن َقس ُم أَيْضا ال َكالَ ُم إلى:
سم(.)1 تَ َم ٍّن َو َع ْرض َوقَ َ
أيضا الستفهام. ويسمى ا ذهب زيد؟". أين َ مثالهَ " : ( )1يشري إىل أن ِمن األصوليني َمن مل حيصر تقسيم الكالم هبذا العتبار على أربعة أقسام ،بل زادوا عليها ،ومما زادوه هذه األقسام الثالثة. ائدا على األقسام األربعة املتقدمة. قوله( :وينقسم أيضا الكالم) أي تقسيما ز ا ا (إلى تمن) التمين معناه :طلب املستحيل ،أو ما فيه عسر. يعود". ليت الشباب ُ فمثال طلب املستحيلَ " : َ ينجح". ليت َ ومثال طلب ما فيه عسرَ " : البليد ُ (وعرض) العرض معناه :الطلب برفق. فنكرمك". مثاله" :أل تأتينا َ (وقسم) القسم معناه :احلَلِف ،واليمني. مثاله" :واهللِ". اخلالصة :أن أقسام الكالم باعتبار دللة اللفظ على املعىن ،فيه قولن: القول األول :أنه أربعة أقسام. القول الثاين :أنه أكثر من أربعة أقسام. وظاهر تصرف املؤلف يدل على أنه خيتار القول األول؛ لكونه قدمه بالذكر. وعلى هذا القول تكون بقية األقسام داخلة يف هذه األقسام األربعة ،فالتمين والقسم يدخالن يف اخلرب ،والعرض يدخل يف الستخبار.
مكتبة المبتدئ
26
شرح الورقات
آخ َر يَ ْن َقس ُم إلى: َوم ْن َو ْجه َ َحقي َقة َوَم َجاز(.)1 ضوعه. االست ْع َمال َعلَى َم ْو ُ الحقي َقةَُ :ما بَق َي في ْ فَ َ الم َخاطَبَة. يما ْ َوقي َلَ :ما ْ اصطُل َح َعلَْيه م َن ُ استُ ْعم َل ف َ ضوعه(.)2 ازَ :ما تُ ُج ِّوَز َع ْن َم ْو ُ الم َج ُ َو َ ( )1هذه القاعدة الثانية. وهي أقسام الكالم باعتبار استعمال اللفظ يف املعىن الذي دل عليه. قوله( :ومن وجه آخر) أي باعتبار آخر ،غري العتبار األول. (ينقسم) أي الكالم. (إلى حقيقة ومجاز) أي إىل هذين القسمني. وسيذكر املؤلف عنهما مبحثني: املبحث األول :التعريف. املبحث الثاين :األنواع. ( )2هذا املبحث األول؛ وهو :تعريف احلقيقة واجملاز. قوله( :فالحقيقة) أي تعريفها. (ما بقي في االستعمال على موضوعه) أي هو اللفظ الذي استُـع ِمل يف املعىن الذي ُو ِضع له ابتداءا. مثال ذلك :كلمة "أسد". أسدا يف أيت ا فهذه الكلمة يف اللغة تطلق على احليوان املعروف ،كقولك" :ر ُ ِ يقاتل يف أيت ا القفص" ،وتطلق ا أيضا على الرجل الشجاع ،كقولك" :ر ُ أسدا ُ
مكتبة المبتدئ
27
شرح الورقات
ِ أيضا باملعىن املعركة" ،لكن هي ِوضعت ابتداءا باملعىن األول ،مث صارت تطلق ا الثاين ،فعلى هذا التعريف تكون كلمة "أسد" باملعىن األول حقيقة ،وباملعىن الثاين جماز. (وقيل) أي يف تعريف آخر للحقيقة. (ما استعمل فيما اصطلح عليه) أي اتُِفق عليه. (من المخاطبة) أي من قِبَ ِل املتخاطبني. يعين هو اللفظ الذي استعمل يف املعىن الذي اتفق عليه املتخاطبون. مثال ذلك :كلمة "أسد". أيضا فهذه الكلمة ـ كما تقدم ـ يف اللغة تطلق على احليوان املعروف ،وتطلق ا على الرجل الشجاع ،وعلى هذا التعريف تكون كلمة "أسد" بكال املعنيني حقيقة؛ ألن أهل اللغة اتفقوا باملخاطبة بكال املعنيني. اخلالصة :أن تعريف احلقيقة فيه قولن ،وظاهر تصرف املؤلف أنه خيتار القول األول؛ لكونه قدمه بالذكر ،وكذلك تعريفه للمجاز يدل على ذلك. (والمجاز) أي تعريفه. (ما تُ ُج ِّوز عن موضوعه) (تُ ُج ِّوز) بضم التاء واجليم ،وتشديد الواو وكسرها :أي تُعدي به. يعين هو اللفظ الذي استعمل يف غري املعىن الذي وضع له ابتداءا. مثال ذلك :كلمة "أسد". فهذه الكلمة إذا أريد ِهبا الرجل الشجاع فهي جماز؛ أل َّهنا استعملت يف غري املعىن الذي وضعت له ابتداءا ،وهو احليوان املعروف.
مكتبة المبتدئ
28
شرح الورقات
الحقي َقةُ :إ َّما لُغَويَّةٌ وإ َّما َش ْرعيَّةٌ َوإ َّما عُ ْرفيَّةٌ. َو َ ارة. الم َج ُ از :إ َّما أَ ْن يَ ُكو َن بزيَ َ صان أ َْو نَ ْقل أ َْو ْ ادة أ َْو نُ ْق َ است َع َ َو َ ادة مثْ ُل قَ ْوله تَ َعالَى :ﮋ ﭡ ﭢﭣ ﮊ [الشورى.]11 : از ب ِّ الم َج ُ الزيَ َ فَ َ صان مثْ ُل قَ ْوله تَ َعالَى :ﮋﮚ ﮛ ﮊ [يوسف.]82 : الم َج ُ از بالنُّ ْق َ َو َ سان. الم َج ُ يما يَ ْخ ُر ُ از بالنَّ ْقل َكالغَائط ف َ َو َ ج م َن اإلنْ َ ارة َك َق ْوله تَ َعالَى :ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ [الكهف.)1(]77 : الم َج ُ از ب ْ االست َع َ َو َ ( )1هذا املبحث الثاين؛ وهو :أنواع احلقيقة واجملاز. قوله( :والحقيقة إما لغوية ،وإما شرعية ،وإما عرفية) أي احلقيقة ثالثة أنواع، وهذا التنويع مبين على التعريف الثاين للحقيقة ل التعريف األول: األول :احلقيقة اللغوية؛ وهي :اللفظ املستعمل فيما وضعه أهل اللغة ابتداءا. مثال ذلك :كلمة "أسد" فهذه الكلمة وضعها أهل اللغة ابتداءا للدللة على احليوان املعروف ،فهي هبذا املعىن حقيقة لغوية. الثاين :احلقيقة الشرعية؛ وهي :اللفظ املستعمل فيما وضعه الشارع ابتداءا. مثال ذلك :كلمة "صالة" فهذه الكلمة وضعها الشارع ابتداءا للدللة على العبادة املعروفة ،وهي يف اللغة معناها :الدعاء. فإذا استعملت كلمة "صالة" للدللة على العبادة املعروفة فهي حقيقة شرعية. وإذا استعملت مبعىن الدعاء فهي حقيقة لغوية. الثالث :احلقيقة العرفية؛ وهي :اللفظ املستعمل يف املعىن الذي تعارف عليه الناس. مثال ذلك :كلمة "سيارة" فهذه الكلمة تعارف الناس على استعماهلا للدللة على وسيلة النقل املعروفة ،فهي هبذا املعىن حقيقة عرفية.
مكتبة المبتدئ
29
شرح الورقات
(والمجاز إما أن يكون بزيادة ،أو نقصان ،أو نقل ،أو استعارة) أي اجملاز أربعة أنواع. األول :اجملاز بالزيادة ،وهو :أن تُزاد لفظة يف الكالم ،حبيث لو ُح ِذفت لصح الكالم بدوهنا. الثاين :اجملاز بالنقصان ،وهو :أن ُحتذف لفظة من الكالم ،حبيث لو مل تُـ َق َّدر لَما صح الكالم بدوهنا. الثالث :اجملاز بالنقل ،وهو :أن تُنقل لفظة عن معناها األصلي إىل معىن آخر. الرابع :اجملاز بالستعارة ،وهو :أن تستعار لفظة عن معناها األصلي إىل معىن آخر. (فالمجاز بالزيادة ،مثل قوله تعالى :ﮋ ﭡ ﭢﭣ ﮊ) وجه الزيادة :هو زيادة الكاف يف قوله :ﮋ ﭢﮊ حبيث لو ُح ِذفت لصح الكالم بدوهنا؛ فيقال :ليس مثله شيء ،ووجه اجملاز يف هذه الزيادة :أن الكاف تدل على التمثيل؛ واستعملت هنا يف غري معناها حيث استعملت كيدا للنفي. تو ا (والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى :ﮋﮚ ﮛﮊ) وجه النقص :هو حذف كلمة "أهل" ِحبيث لو مل تـُ َقدَّر لَ َما صح الكالم بدوِهنا؛ فالتقدير :واسأل أهل القرية ،ووجه اجملاز يف هذا النقص أن قوله: ﮋﮚ ﮛﮊ معناه الظاهر اسأل نفس القرية؛ ولكن استعمل يف غري معناه الظاهر ،فصار معناه :اسأل أهل القرية. (والمجاز بالنقل كالغائط فيما يخرج من اإلنسان)
مكتبة المبتدئ
31
شرح الورقات
وجه النقل :أن الغائط معناه احلقيقي :املكان املنخفض من األرض ،مث نقل إىل معىن آخر ،وهو اخلارج من اإلنسان ،ووجه اجملاز يف هذا النقل أن لفظة "الغائط" استعملت يف غري معناها املوضوع هلا ابتداءا. (والمجاز باالستعارة كقوله تعالى :ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ) وجه الستعارة :أن لفظة "يريد" معناها احلقيقي :يقصد ،والقصد صفة للحي ل للجماد ،فاستعريت هذه اللفظة ملعىن آخر ،وهو مييل. جدارا مييل. فمعىن ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ أي ا تنبيه :الفرق بني النقل والستعارة: أن اجملاز بالنقل توجد عالقة بني املعىن األصلي واملعىن الثاين الذي نقل اللفظ إليه ،ول شبه بني املعنيني. مثال ذلك :كلمة "الغائط". فهذه الكلمة معناها األصلي املكان املنخفض ،ونقلت إىل معىن آخر وهو اخلارج من اإلنسان ،ويوجد بني املعنيني عالقة؛ حيث إن املكان املنخفض صد لقضاء احلاجة فيه ،فصار يطلق هذا السم على نفس احلاجة اليت يـُق َ تقضى فيه ،وليس بني املعنيني شبه ،فاملكان املنخفض ل يشبه الشيء اخلارج. وأما اجملاز بالستعارة فيوجد شبه بني املعىن األصلي واملعىن الثاين الذي استعري اللفظ له ،ول عالقة بني املعنيني. مثال ذلك :كلمة "يريد" يف قوله تعاىل :ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ. فهذه الكلمة معناها األصلي يقصد ،فاستعريت ملعىن آخر ،وهو مييل ،ويوجد بني املعنيني شبه؛ حيث إن ميل اجلدار للسقوط يشبه إرادة احلي للسقوط.
مكتبة المبتدئ
31
شرح الورقات
[األمر والنهي]
الو ُجوب(.)1 َواأل َْم ُرْ : است ْد َعاءُ الف ْعل بال َق ْول م َّم ْن ُه َو ُدونَهُ َعلَى َسبيل ُ ( )1هذا الباب فرع عن القاعدة األوىل؛ ألن القاعدة األوىل هي أقسام الكالم باعتبار دللة اللفظ على املعىن ،ومن تلك األقسام األمر والنهي. وذكر املؤلف فيما يتعلق باألمر والنهي عشرة مباحث: املبحث األول :تعريف األمر. املبحث الثاين :صيغة األمر. دائما؟ املبحث الثالث :هل صيغة األمر حتمل على الوجوب ا املبحث الرابع :هل األمر يقتضي التكرار والفور؟ املبحث اخلامس :حكم ما ل يتم األمر إل به. املبحث السادس :مىت خيرج املأمور عن عهدة األمر؟ املبحث السابع :من يدخل يف التكليف ،ومن ل يدخل. املبحث الثامن :هل األمر بالشيء هني عن ضده ،وكذلك العكس؟ املبحث التاسع :تعريف النهي. املبحث العاشر :املعاين اليت ترد على صيغة األمر ،ول يراد به الوجوب. وابتدأ باملبحث األول؛ الذي هو :تعريف األمر. قوله( :واألمر) أي تعريفه.
مكتبة المبتدئ
32
شرح الورقات
َوصيغَتُهُ :افْ َع ْل(.)1 (استدعاء الفعل) أي طلب الفعل. (بالقول) أي بواسطة القول. (ممن هو دونه) أي من الذي هو أقل منه رتبة. (على سبيل الوجوب) أي على سبيل اإللزام. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋﮛ ﮜ ﮊ. فهذا طلب فعل ،وهو :الصالة. والطلب حاصل بواسطة القول. واملطلوب منه أقل رتبة من الطالب ،فاملطلوب منه هو العبد ،والطالب هو اهلل تعاىل. والطلب حصل على سبيل اإللزام. أمرا". النتيجة :أن هذا الطلب يسمى " ا ( )1هذا املبحث الثاين؛ وهو :صيغة األمر. قوله( :وصيغته) أي لفظه. يعين اللفظ الدال على األمر. (افعل) أي ما كان على وزن افعل مثل "اذهب". تنبيهان: متاما حبيث يكون الفعل مبدوءاا التنبيه األول :ليس مراد املؤلف نفس الوزن ا هبمزة ،واهلمزة كذلك تكون مكسورة ،بل مراده أي فعل دال على األمر كـ "افعل"؛ وقد يكون مبدوءاا بغري اهلمزة مثل "تَ َذ َّكر" ،وقد يكون مبدوءاا هبمزة غري مكسورة مثل "اكتب".
مكتبة المبتدئ
33
شرح الورقات
يل َعلَى أ َّ َّج ُّرد َعن ال َقرينَة تُ ْح َم ُل َعلَْيه ،إالَّ َما َد َّل َّ َن ع ْن َد اإلطْالَق َوالت َ الدل ُ
احةُ فيُ ْح َم ُل َعلَْيه(.)1 الم َر َ اد م ْنهُ النَّ ْد ُ ب أَو اإلبَ َ ُ
أيضا أن الفعل الدال على األمر هو الصيغة الوحيدة التنبيه الثاين :ليس مراده ا لألمر ،ولعل مراده أن هذه الصيغة هي الصيغة األصلية ،وهلذا فإن غالب األوامر الشرعية جاءت هبذه الصيغة. فمثال األمر الذي جاء بغري هذه الصيغة قوله تعاىل :ﮋ ﮈ ﮉﮊ [النور]22:؛ فاللفظ الدال على األمر هنا الالم ،وهي :حرف. وقوله تعاىل :ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﮊ [البقرة]183:؛ فاللفظ الدال على األمر هنا هو لفظ ﮋﭦﮊ ،وهو :فعل ماض. وقوله تعاىل :ﮋ ﭮ ﭯﮊ [المائدة ]115:أي الَزُموا أنفسكم ،فاللفظ الدال على األمر هنا ﮋﭮﮊ ،وهو :اسم فعل أمر. اخلالصة :أن األصل يف صيغة األمر هو فعل األمر ،وقد تأيت صيغة األمر حرفاا ،أو فعالا ليس بفعل أمر ،أو اُساا. ()1 دائما؟ هذا املبحث الثالث؛ وهو :هل صيغة األمر حتمل على الوجوب ا قوله( :عند اإلطالق) أي يف األصل. (والتجرد عن القرينة) أي وعند التجرد عن القرينة. والتجرد :هو عدم الوجود. والقرينة :هي الشيء املقا ِرن؛ أي املصاحب الذي يَص ِرف عن األصل. (تحمل) أي صيغة األمر. (عليه) أي على الوجوب.
مكتبة المبتدئ
34
شرح الورقات
(إال ما دل الدليل على أن المراد به الندب أو اإلباحة) املراد بالدليل هنا :القرينة. يعين إل األمر الذي دلت القرينة على أن املراد منه غري الوجوب ،بل الندب أو اإلباحة. (فيحمل) أي األمر.
(عليه) أي ما دل عليه الدليل. اخلالصة :أن األصل يف صيغة األمر ُحلها على الوجوب ،إل إذا دلت القرينة على أن املراد منه غري الوجوب ،بل الندب أو اإلباحة. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋﮛ ﮜ ﮊ. فقوله :ﮋﮛﮊ صيغة أمر. واألصل أن صيغة األمر حتمل على الوجوب. واألمر هنا جمرد عن القرينة الصارفة له عن األصل. النتيجة :أن صيغة األمر هنا حتمل على الوجوب. مثال آخر :قول النيب " :صلوا قبل صالة املغرب" ،قال يف الثالثة" :ملن شاء" ،أخرجه البخاري )1144( :من حديث عبد اهلل بن مغفل. فقوله" :صلوا" صيغة أمر. واألصل أن صيغة األمر حتمل على الوجوب. ولكن األمر هنا اقرتنت به قرينةُ صارفةُ له عن األصل ،وهي قوله" :ملن شاء". النتيجة :أن األمر هنا حيمل إما على الندب ،وإما على اإلباحة.
مكتبة المبتدئ
35
شرح الورقات
الصحيح ،إالَّ َما َد َّل َّ صد التَّ ْك َرار، َوالَ يَ ْقتَضي التَّ ْك َر َار َعلَى َّ يل َعلَى قَ ْ الدل ُ
َوالَ يَ ْقتَضي ال َف ْوَر(.)1
تنبيه :ظاهر كالم املؤلف أن لفظ األمر إذا أُريد به غري الوجوب فإمنا يراد به الندب أو اإلباحة فقط ،وذكر يف املبحث األخري أن األمر قد يراد به غري الندب واإلباحة ،وسأذكر هناك ـ إن شاء اهلل تعاىل ـ الفرق بني هذين املبحثني. ( )1هذا املبحث الرابع؛ وهو :هل األمر يقتضي التكرار والفور؟ قوله( :وال يقتضي) أي ل ي ِ وجب. ُ (التكرار) أي تكرار الفعل من املكلف. (على الصحيح) أي على القول الصحيح. (إال ما دل الدليل على قصد التكرار) أي إل األمر الذي دل الدليل على أن التكرار مراد. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ [آل عمران.]97: فقوله :ﮋﮬ ﮭ ﮮﮊ معناه :وهلل فرض على الناس. فهذا أمر باحلج. واألصل أن األمر ل يقتضي تكرار الفعل. واألمر هنا جمرد عن الدليل الدال على قصد التكرار. النتيجة :أن احلج مأمور به مرة واحدة فقط يف العمر. السنة يف صحيح مسلم ( )1447ما يوافق ذلك. وثبت يف ُ مثال آخر :قوله تعاىل :ﮋﮛ ﮜ ﮊ.
مكتبة المبتدئ
36
شرح الورقات
فهذا أمر بإقامة الصالة. واألصل أن األمر ل يقتضي تكرار الفعل. ولكن دل الدليل على قصد التكرار ،وأن الصالة مرادة كل يوم مخس مرات، كما يف حديث املعراج الذي أخرجه البخاري ( )494ومسلم (.)162 (وال يقتضي) أي ل يوجب. (الفور) أي املبادرة إىل الفعل يف أول أوقات اإلمكان. ومراد املؤلف :إل ما دل الدليل على قصد الفور. يعين األصل أن األمر ل يقتضي الفور ،إل ما دل الدليل على أن الفور مراد. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ. فهذا أمر باحلج. واألصل أن األمر ل يقتضي الفور. واألمر هنا جمرد عن الدليل الدال على قصد الفور. النتيجة :أن احلج مأمور به ،ول َيب أن يؤديه يف أول سنة ُميكن أن حيج فيها ،بل يوز تأخريه إىل سنة أخرى. مثال آخر :قول النيب للصحابة بعد أن َمتَّ الصلح بينهم وبني املشركني ،قال" :قوموا فاحنروا مث احلقوا" ،قال الراوي :فواهلل ما قام منهم رجل، حىت قال ذلك ثالث مرات ،فلما مل يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر ما لقي من الناس ،أخرجه البخاري (.)1649 فقوله" :قوموا فاحنروا مث احلقوا" ،هذا أمر. واألصل أن األمر ل يقتضي الفور.
مكتبة المبتدئ
37
شرح الورقات
الصالَة أ َْم ٌر َواأل َْم ُر بإيْ َجاد الف ْعل أ َْم ٌر به َوب َما الَ يَت ُّم الف ْع ُل إالَّ به؛ َكاأل َْمر ب َّ الم َؤدِّيَة إلَْي َها(.)1 بالطَّ َه َ ارة ُ ور َعن العُ ْه َدة(.)2 المأ ُْم ُ َوإذَا فُع َل يَ ْخ ُر ُ ج َ ولكن دل الدليل على قصد الفور ،والدليل الذي دل على ذلك هو قرينة احلال ،فقرينة احلال أي حال النيب دالة على أن األمر مطلوب تنفيذه بعد صدوره مباشرة ،وهلذا لَ َّما مل يستجيبوا كره النيب منهم ذلك. ( )1هذا املبحث اخلامس؛ وهو :حكم ما ل يتم األمر إل به. قوله( :واألمر بإيجاد الفعل) أي األمر بتنفيذ الفعل يف الواقع. (أمر به ،وبما ال يتم الفعل إال به) يعين األمر بالفعل يستفاد منه شيئان: األول :األمر بإياد الفعل نفسه. الثاين :األمر بإياد ما ل حيصل الفعل إل به. (كاألمر بالصالة أمر بالطهارة المؤدية إليها) يعين األمر بفعل الصالة استفيد منه زيادة على األمر بالصالة نفسها؛ األمر بالطهارة لكوهنا موصلة إليها. اخلالصة :أن ما ل يتم األمر إل به فهو مأمور به. ( )2هذا املبحث السادس؛ وهو :مىت خيرج املأمور عن عهدة األمر؟ قوله( :وإذا فُعل) أي الفعل املأمور به. (يخرج المأمور عن العهدة) أي املطالبة بالفعل. يعين أن املأمور مطالب بفعل ما أُمر به. عل األمر كما أُمر به نتج عن ذلك أنه ل يُطالب بفعل األمر مراة أخرى. فإذا فَ َ ومفهومه أنه إذا مل يفعل األمر فال يزال مطالباا بفعله.
مكتبة المبتدئ
38
شرح الورقات
الصب ُّي َوال َْم ْجنُو ُن غَْي ُر الساهي َو َّ يَ ْد ُخ ُل في خطَاب اهلل تَ َعالَى ال ُْم ْؤمنُو َنَ ،و َّ ار ُم َخاطَبُو َن ب ُف ُروع َّ الش َرائع َوب َما الَ تَص ُّح إالَّ به، ين في الْخطَابَ ،وال ُك َّف ُ َداخل َ
َو ُه َو اإل ْسالَ ُم(.)1
مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋﮛ ﮜ ﮊ. فإذا أدى صالة الوقت بشروطها وأركاهنا مل يُطالب بفعلها مرة أخرى ،وإذا مل يؤدها حىت خرج وقتها فال يزال مطالباا بفعلها. ( )1هذا املبحث السابع؛ وهو :من يدخل يف التكليف ،ومن ل يدخل ،سواء كان التكليف باألمر أو النهي. قوله( :يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون) أي يدخل يف تكليفه املؤمنون كلهم. (والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب) أي هؤلء األصناف الثالثة مستثنون من عموم املؤمنني ،فاملؤمنون كلهم مكلفون إل هؤلء الثالثة. واملراد أن الساهي أي الناسي يف حال نسيانه ،والصيب يف حال صغره ،واجملنون يف حال جنونه؛ ل يأمثون برتك األمر ،أو فعل النهي. (والكفار مخاطبون بفروع الشرائع ،وبما ال تصح إال به ،وهو اإلسالم) يعين أن الكفار مكلفون بأمرين: األول :فروع الشرائع ،واملراد هبا :األحكام. الثاين :الدخول يف اإلسالم. ويشري املؤلف بقوله( :بما ال تصح إال به) يشري إىل أن الكفار ،وإن كانوا مكلفني باألحكام ،إل أهنم لو فعلوها مل تصح منهم من غري الدخول يف اإلسالم.
مكتبة المبتدئ
39
شرح الورقات
َّه ُي َعن َّ َواأل َْم ُر ب َّ الش ْيء أ َْم ٌر بضدِّه(.)1 الش ْيء نَ ْه ٌي َع ْن ضدِّهَ ،والن ْ
الو ُجوب(.)2 َوالن ْ َّه ُيْ : است ْد َعاءُ الت َّْرك بال َق ْول م َّم ْن ُه َو ُدونَهُ َعلَى َسبيل ُ تنبيه :فائدة هذه املسألة يف الدنيا فيها تفصيل ليس هذا حمله ،وفائدهتا يف اآلخرة أهنم يعاقبون على عدم امتثال األحكام ،زيادة على عقاهبم بعدم الدخول يف اإلسالم. ( )1هذا املبحث الثامن؛ وهو :هل األمر بالشيء هني عن ضده ،وكذلك العكس؟ قوله( :واألمر بالشيء نهي عن ضده) يعين لفظ األمر بالشيء يدل من جهة املعىن على األمر بذلك الشيء وعلى النهي عن ضده. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋﮛ ﮜ ﮊ. فهذا لفظ األمر بإقامة الصالة ،يدل من جهة املعىن على األمر بإقامة الصالة وعلى النهي عن إضاعتها. (والنهي عن الشيء أمر بضده) يعين لفظ النهي عن الشيء يدل من جهة املعىن على النهي ذلك الشيء وعلى األمر بضده. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [األنفال]. فهذا لفظ هني عن خيانة األمانة يدل من جهة املعىن على النهي عن خيانة األمانة وعلى األمر باحملافظة عليها. ( )2هذا املبحث التاسع؛ وهو :تعريف النهي. قوله( :والنهي) أي تعريفه. (استدعاء الترك) أي طلب الرتك.
مكتبة المبتدئ
41
شرح الورقات
ين(.)1 احةُ أَو الت ْ الم َر ُ اد به اإلبَ َ َّهدي ُد أَو الت ْ َّسويَةُ أَو التَّ ْكو ُ َوتَر ُد صيغَةُ األ َْمر َو ُ (بالقول) أي بواسطة القول. (ممن هو دونه) أي من الذي هو أقل منه رتبة. (على سبيل الوجوب) أي على سبيل اإللزام. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ. فهذا طلب ترك ،وهو :اخليانة. والطلب حاصل بواسطة القول. واملطلوب منه أقل رتبة من الطالب ،فاملطلوب منه هو العبد ،والطالب هو اهلل تعاىل. والطلب حصل على سبيل اإللزام. النتيجة :أن هذا الطلب يسمى "هنياا". تتمة :ذكر املؤلف تعريف النهي مشاهباا لتعريف األمر. والفرق بينهما أن األمر فعل ،والنهي ترك. وكأنه يشري بذلك إىل أن مباحث النهي هي نفسها مباحث األمر. فمثالا :صيغة األمر "افعل"؛ فيفهم من ذلك أن صيغة النهي "ل تفعل". وكذلك :صيغة األمر يف األصل ُحتمل على الوجوب؛ فيفهم من ذلك أن صيغة النهي يف األصل حتمل على التحرمي. أيضا :األمر ل يقتضي الفور ول التكرار؛ فيفهم من ذلك أن النهي يقتضي و ا الفور والدوام ،وهكذا. ( )1هذا املبحث العاشر؛ وهو :بيان املعاين اليت ترد على صيغة األمر ،ول يراد به الوجوب.
مكتبة المبتدئ
41
شرح الورقات
قوله( :ترد) أي تأيت. (صيغة األمر) أي اللفظ الدال على األمر. (والمراد به) أي واملقصود باألمر. (اإلباحة ،أو التهديد ،أو التسوية ،أو التكوين) أمرا لكن يراد به أحد هذه املعاين األربعة: يعين قد يكون اللفظ ا األول :اإلباحة.
مثاله :قوله تعاىل :ﮋﯝ ﯞ ﯟﮊ [المائدة.]2: وجه الدللة :أن كلمة ﮋ ﯟﮊ أمر ،لكن معناه :مباح لكم أن تصطادوا. الثاين :التهديد. مثاله :قوله تعاىل :ﮋﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮊ [فصلت.]41: وجه الدللة :أن كلمة ﮋﭿ ﮊ أمر ،لكن معناها :أهددكم على نتيجة أعمالكم. الثالث :التسوية.
مثاله :قوله تعاىل :ﮋﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﮊ [الطور]. وجه الدللة :أن كلمة ﮋ ﭙﮊ أمر ،لكن معناها :أن صربكم مساو لعدم صربكم. الرابع :التكوين. مثاله :قوله تعاىل :ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [البقرة].
مكتبة المبتدئ
42
شرح الورقات
وجه الدللة :أن كلمة ﮋﮒﮊ أمر ،لكن معناها :أن يتكونوا إىل قردة. تنبيهان: التنبيه األول :ذكر املؤلف يف املبحث الثالث أن األمر قد يراد به غري الوجوب، بل الندب أو اإلباحة ،وذكر يف هذا املبحث ـ أعين العاشر ـ أنه قد يراد به اإلباحة ،أو التهديد ،أو التسوية ،أو التكوين. والفرق بني املبحثني: حكما. أن ذاك املبحث هو يف األمر إذا أُريد به غري الوجوب مما يكون ا فاألحكام مخسة :الوجوب ،والندب ،واإلباحة ،واحلظر ،والكراهة. حكما إمنا يراد به :الندب ،أو اإلباحة، واألمر إذا أريد به غري الوجوب ويكون ا دون احلظر ،والكراهة. وأما هذا املبحث فهو يف األمر إذا أريد به غري الوجوب مما ليس فيه طلب. فاألمر إذا أريد به غري الوجوب مما ليس فيه طلب: خيرج الندب لكونه طلباا. وتبقى اإلباحة ،وتزاد عليها التهديد ،والتسوية ،والتكوين؛ ألن هذه املعاين األربعة ليس فيها طلب. التنبيه الثاين :ليس مراد املؤلف أن األمر إذا أريد به غري الوجوب مما ليس فيه طلب أنه يراد به أحد هذه املعاين األربعة فقط ،بل هناك معان أخرى معروفة عند األصوليني.
مكتبة المبتدئ
43
شرح الورقات
[العام واخلاص]
صاعدا(.)1 الع ُّ ام :فَ ُه َو َما َع َّم َش ْيئَ ْين فَ َ َوأ ََّما َ ()1
هذا الباب الثالث ،وهو يتضمن القاعدة الثالثة ،اليت هي :أقسام الكالم باعتبار مشول املعىن الذي دل عليه ،وعدم مشوله. فالكالم هبذا العتبار قسمان :عام وخاص. وذكر املؤلف فيما يتعلق هبما ستة مباحث: املبحث األول :تعريف العام. املبحث الثاين :ألفاظ العام. املبحث الثالث :هل غري اللفظ يدل على العموم؟ املبحث الرابع :تعريف اخلاص. املبحث اخلامس :تعريف التخصيص. املبحث السادس :أقسام التخصيص ،وأنواع كل قسم. وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو :تعريف العام. قوله( :وأما العام) أي تعريفه. عم شيئين فصاعدا) أي هو اللفظ الذي يدل على اثنني فأكثر. (فهو ما َّ مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮊ [االنفطار]. فكلمة ﮋ ﮋﮊ لفظ يدل على أكثر من اثنني فهو عام.
مكتبة المبتدئ
44
شرح الورقات
الم َع َّر ُ الم َع َّر ُ ف بالالَّمَ .واأل ْ ف بالالَّمَ .و ْ َوأَلْ َفاظُهُ أ َْربَ َعةٌْ : اس ُم َ الج ْمع ُ االس ُم ُ َس َماءُ الم َكان، يما الَ يَ ْعق ُلَ ،وأَي في َ الجميعَ ،وأَيْ َن في َ يم ْن يَ ْعق ُلَ ،وَما ف َ ال ُْم ْب َه َمةُ؛ َك َم َن ف َ الج َزاء َوغَْيرهَ .والَ في النَّك َرات(.)1 َوَمتَى في َّ الزَمانَ ،وَما في ْ االست ْف َهام َو َ
( )1هذا املبحث الثاين؛ وهو :ألفاظ العام. قوله( :وألفاظه) أي ألفاظ العام ،واملراد هبا :األلفاظ اليت تدل على أن املعىن عام. (أربعة) أي عددها. (االسم المعرف بالالم) أي السم املفرد الذي صار معرفة بسبب الالم. مثاله :قوله تعاىل :ﮋﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ [العصر]. فكلمة ﮋ ﭔﮊ أصلها :إنسان ،اسم مفرد نكرة ،وصار معرفة بسبب دخول الالم عليه ،لذلك فهو عام. وعلى هذا فمعىن اآلية :إن كل إنسان لفي خسر ،ل إنسان واحد بعينه. (واسم الجمع المعرف بالالم) أي الذي صار معرفة بسبب الالم. مثاله :قوله تعاىل :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﮊ [النور.]59: فكلمة ﮋ ﭓﮊ أصلها :أطفال :اسم مجع نكرة ،وصار معرفة بسبب دخول الالم عليه ،لذلك فهو عام. وعلى هذا فمعىن اآلية :إذا بلغ كل األطفال منكم احللم ،ل أطفال دون أطفال. معني (واألسماء المبهمة) األُساء املبهمة ُُسِّيَت بذلك؛ لكوِهنا تدل على َّ بغريها ،ل بنفسها. وِمن ذلك :كلمة " َمن".
مكتبة المبتدئ
45
شرح الورقات
معني بغريه ،ل بنفسه ،أي أنه يدل على فـ " َمن" اسم مبهم؛ لكونه يدل على َّ املعني. معني ،لكن حيتاج إىل غريه ليتضح َمن هذا َّ َّ مثال ذلك :قولك" :أك ِرم َمن جاءَك". وسكت ،ما عُ ِرف من هذا الذي تأمر بإكرامه. قلت" :أك ِرم َمن" َّ فلو َ قلت" :أك ِرم َمن جاءك" عُ ِرف من هذا الذي تأمر بإكرامه. وحينما َ ل بكلمة " َمن" بل بقولك" :جاءك". يمن يعقل) (ك " َم ْن" ف َ
أي من األُساء املبهمة الدالة على العموم كلمة " َمن" اليت تطلق على العاقل. مثال ذلك :قولك" :أكرم من جاءك". فـ" َمن" هنا اسم مبهم أُطلق على العاقل ،لذلك فهو عام. وعلى هذا فمعىن اجلملة :أكرم كل من جاءك. (و"ما" فيما ال يعقل) أي كلمة "ما" اليت تُطلق على غري العاقل.
مثاله :قولك" :ائيت مبا عندك". فـ"ما" هنا اسم مبهم أطلق على غري العاقل ،لذلك فهو عام. وعلى هذا فمعىن اجلملة :ائيت بكل ما عندك.
(و"أي" في الجميع) يعىن كلمة "أي" اليت تطلق على العاقل ،وعلى غري العاقل. ي رجل جاءك". مثال العاقل" :أك ِرم أ َّ
ي ثوب اشرتيت". مثال غري العاقل" :ائيت بأ ِّ فـ"أي" اسم مبهم أطلق على العاقل ،وعلى غري العاقل ،لذلك فهو عام.
مكتبة المبتدئ
46
كل رجل جاءك. وعلى هذا فمعىن اجلملة األوىل :أك ِرم َّ بكل ثوب اشرتيت. ومعىن اجلملة الثانية :ائيت ِّ
(و"أين" في المكان) يعين كلمة "أين" اليت تطلق على املكان. مثاله :قولك" :أينما تذهب جتد رزقاا". فـ"أين" اسم مبهم أطلق على املكان ،لذلك فهو عام. وعلى هذا فمعىن اجلملة :كل مكان تذهب جتد رزقاا.
(و"متى" في الزمان) يعين كلمة "مىت" اليت تطلق على الزمان. مثاله :قولك" :مىت تسعى جتد رزقا". فـ "مىت" اسم مبهم أُطلق على الزمان ،لذلك فهو عام. وعلى هذا فمعىن اجلملة :كل وقت تسعى جتد رزقاا. (وما في االستفهام ،والجزاء ،وغيره)
أي وكلمة "ما" اليت تستعمل يف هذه املعاين الثالثة. أولا :الستفهام ،مثاله :قولك" :ما عندك؟". معىن اجلملة :ما كل ما عندك؟ ثانيا :اجلزاء ،مثاله :قولك" :ما عندك ِ فائت به". ا معىن اجلملة :كل ما عندك ِ فائت به. ثالثاا :غريه ،أي غري املذكور ،واملراد به الصلة والنفي. فمثال الصلة :قولك" :ا ِ ئت مبا عندك". معىن اجلملة :ائيت بكل الذي عندك.
شرح الورقات
مكتبة المبتدئ
47
شرح الورقات
ومثال النفي :قولك" :ما عندك شيء". معىن اجلملة :ل شيء عندك ،وهذا نفي يعم مجيع األشياء. تنبيه :ذكر املؤلف "ما" من قبل ،لكن ذكرها يف املوضع األول لبيان وجه من وجهي استعماهلا ،ويف هذا املوضع لبيان الوجه الثاين. يعين هي من وجه تستعمل لغري العاقل. ومن وجه آخر تستعمل يف الستفهام ،واجلزاء ،والصلة ،والنفي. فائدةَ " :من" و"أي" تستعمالن يف الستفهام واجلزاء والصلة ،دون النفي. و"أين" و"مىت" تستعمالن يف الستفهام واجلزاء ،دون الصلة والنفي. مثال "من" املستعملة يف الستفهامَ " :من جاءك"؟ ويف اجلزاءَ " :من جاءك فأكرمه". ويف الصلة" :أكرم َمن جاءك". (وال في النكرات) أي ومن األلفاظ اليت تدل على أن املعىن عام كلمة "ل"
النافية اليت تدخل على األُساء النكرة. رجل يف الدار". مثاهلا :قولك" :ل َ ومعىن اجلملة :ل أي رجل يف الدار ،وهذا نفي يعم مجيع الرجال. اخلالصة :أن ألفاظ العموم أربعة :السم املفرد املعرف بالالم ،واسم اجلمع املعرف بالالم ،والسم املبهم ،ول يف النكرات. تنبيه :ليس مراد املؤلف حصر ألفاظ العموم على هذه األربعة فقط ،بل هناك ألفاظ أخرى معروفة عند األصوليني.
مكتبة المبتدئ
48
شرح الورقات
وز َد ْع َوى العُ ُموم في غَْيره م َن الف ْعل وم م ْن ص َفات النُّطْقَ ،والَ يَ ُج ُ َوالعُ ُم ُ َوَما يَ ْجري َم ْج َراهُ(.)1 ( )1هذا املبحث الثالث؛ وهو :هل غري اللفظ يدل على العموم؟ قوله( :والعموم) أي الدللة على أن املعىن عام. (من صفات النطق) أي ِمن خواص اللفظ. (وال يَجوز دعوى العموم في غيره) أي ل ُميكن القول بأن غري النطق يدل على العموم. (من الفعل وما يجري مجراه) أي غري النطق الذي ل يدل على العموم نوعان: األول :الفعل. الثاين :ما يري جمرى الفعل. واملراد به القضايا العينية اليت رواها الصحابة عن النيب ،ومعىن قوله: يري جمرى الفعل أي حكمه حكم الفعل من حيث إنه ل يدل على العموم. فمثال الفعل :حديث أن النيب " صلى داخل الكعبة". أخرجه البخاري ( ،)447ومسلم (.)1424 الصالة فعل فال ُحتمل على العموم ،فال يُقال إن النيب صلى كل أنواع الصالة يف الكعبة من الفرائض والنوافل ،بل يقال إنه صلى صالة واحدة فقط. ومثال القضايا العينية :ما أخرجه مسلم ( )1712أن النيب " قضى بشاهد وميني". اعتمادا على ميينه ،وشاهد واحد معه. أي أنه حكم للمدعي ا فهذا ل ُحيمل على العموم ،أي ل يقال :إنه يف مجيع القضايا َحيكم للمدعي بشاهد وميني ،بل يف بعض القضايا دون بعض ،فبعض القضايا ل يكفي فيها شاهد وميني.
مكتبة المبتدئ
49
شرح الورقات
ام(.)1 الع َّ الخ ُّ َو َ اص :يُ َقاب ُل َ
الج ْملَة(.)2 يص :تَ ْمي ُيز بَ ْعض ُ َوالتَّ ْخص ُ
( )1هذا املبحث الرابع؛ وهو :تعريف اخلاص. قوله( :والخاص) أي تعريفه.
(يقابل العام) أي تعريفه ضد تعريف العام.
فصاعدا. عم شيئني فالعام كما تقدم هو :ما َّ ا
احدا. فيكون اخلاص هو :اللفظ الذي خيص شيئاا و ا مثال ذلك :األعالم ،كمحمد ،وزيد ،ومكة. احدا ،وهو :املسمى به. فالعلم لفظ خيص شيئاا و ا ( )2هذا املبحث اخلامس؛ وهو :تعريف التخصيص. قوله( :والتخصيص) أي تعريفه.
(تمييز بعض الجملة) أي إخراج بعض ما دلت عليه اجلملة. يعين أن اجلملة يف ظاهرها تدل على العموم ،والتخصيص أخرج بعض هذا الظاهر. يدا". القوم إل ز ا مثال ذلك :قولك" :ذهب ُ يدا" خمصص. فقولك" :ذهب القوم" عام ،وقولك" :إل ز ا فظاهر قولك" :ذهب القوم" يدل على العموم. أي يدل على أن القوم كلهم ذهبوا ،ومنهم زيد. يدا" أخرج بعض هذا الظاهر. وقولك" :إل ز ا يدا من القوم ،فهو مل يذهب. أي أخرج ز ا
مكتبة المبتدئ
51
شرح الورقات
َو ُه َو يَ ْن َقس ُم إلىُ :متَّصل َوُم ْن َفصل(.)1 االستثْ نَاءَُّ ، الص َفة(.)2 والش ْر ُ طَ ،والتَّ ْقيي ُد ب ِّ المتَّص ُلْ : فَ ُ ( )1هذا املبحث السادس؛ وهو :قسما التخصيص ،وأنواع كل قسم. فاملراد باملتصل :أن يتمع املخصص والعام يف نص واحد. يدا". مثال ذلك :قولك" :ذهب القوم إل ز ا يدا" خمصص. فقولك" :ذهب القوم" عام ،وقولك" :إل ز ا ختصيصا متصالا؛ لجتماع العام واملخصص يف نص واحد. فهذا يسمى ا واملراد باملنفصل :أن ل يتمع املخصص والعام يف نص واحد. مثال ذلك :لو قلت" :ذهب القوم" ،وقلت يف وقت آخر" :مل يذهب زيد". ختصيصا منفصالا؛ ألن العام مل َيتمع مع املخصص يف نص فهذا يسمى ا واحد ،بل مها نصان مستقالن. ( )2هذه أنواع التخصيص املتصل. أما الستثناء فاملراد به :اإلخراج بـ"إل" أو إحدى أخواهتا. يدا. يدا" فلول الستثناء لعم اإلكرام ز ا مثاله :قولك" :أَك ِرم الطالب إل ز ا وأما الشرط فاملراد به :اإلخراج بـ"إن" أو إحدى أخواهتا. مثاله :قولك" :إن اجتهد الطالب فأكرمهم". فلول الشرط لعم اإلكرام الطالب ،سواء اجتهدوا أو ل. وأما التقييد بالصفة فاملراد به :اإلخراج بالصفة. مثاله" :أكرم الطالب اجملتهدين". فلو ل الصفة لعم اإلكرام كل الطالب اجملتهدين وغريهم.
مكتبة المبتدئ
51
شرح الورقات
اج َما لَ ْوالَهُ لَ َد َخ َل في ال َكالَم. َو ْ االستثْ نَاءُ :إ ْخ َر ُ الم ْستَثْ نَى م ْنهُ َش ْيءٌ. َوإنَّ َما يَص ُّح ب َ ش ْرط أَ ْن يَ ْب َقى م َن ُ َوم َن َش ْرطه :أَ ْن يَ ُكو َن ُمتَّصال بال َكالَم.
الم ْستَثْ نَى م ْنهُ. َويَ ُج ُ الم ْستَثْ نَى َعلَى ُ يم ُ وز تَ ْقد ُ االستثْ نَاءُ م َن الج ْنس َوم ْن غَْيره. َويَ ُج ُ وز ْ يمان في بَ ْعض الم َقيَّ ُد ب ِّ المطْلَ ُقَ ،ك َّ الرقَ بَة قُيِّ َدت باإل َ الص َفة يُ ْح َم ُل َعلَْيه ُ َو ُ الم َقيَّد(.)1 المطْلَ ُق َعلَى ُ الم َواضع فَ يُ ْح َم ُل ُ الم َواضع َوأُطْل َقت في بَ ْعض َ َ ( )1هذا شيء من التفصيل ذكره املؤلف عن الستثناء والتقييد. قوله( :االستثناء :إخراج ما لواله لدخل في الكالم)
مراده :اإلخراج بـ "إل" أو إحدى أخواهتا. مثال ذلك :قولك" :جاء القوم إل زيدا". يدا" من الكالم الذي هو "جاء القوم". ففي هذه اجلملة إخراج "ز ا فلول اإلخراج بـ "إل" لدخل "زيد" يف الكالم.
(وإنما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء ،ومن شرطه :أن
صحيحا إل بشروط ،منها يكون متصال بالكالم) أي الستثناء ل يكون ا هذان الشرطان: األول :أن يبقى شيء من املستثىن منه. يعين ل ينتهي املستثىن منه بالستثناء. الثاين :أن يكون الستثناء متصالا بالكالم.
مكتبة المبتدئ
52
شرح الورقات
يعين ل يكون بني املستثىن واملستثىن منه فاصل زمين. يدا". مثال ذلك :قولك" :جاء القوم إل ز ا فهذا استثناء صحيح؛ لتحقق الشرطني: فأولا :بقي من املستثىن منه شيء. ألن املستثىن منه "القوم" وبقي منه ما سوى زيد. ثانياا :الستثناء متصل بالكالم.
ألن الستثناء هو "إل زيدا" متصل بـ "جاء القوم". مثال آخر :قولك" :جاء القوم إل القوم". فهذا استثناء غري صحيح؛ ألنه مل يبق من املستثىن منه شيء. يدا". مثال آخر :لو قلت" :جاء القوم" ،وبعد يوم قلت" :إل ز ا فهذا استثناء غري صحيح؛ ألنه غري متصل باملستثىن منه. (ويجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه ،ويجوز االستثناء من الجنس، ومن غيره)
أي من األشياء اليت جتوز يف الستثناء هذان األمران: األول :يوز تقدمي املستثىن على املستثىن منه. يعين يذكر املستثىن أولا ،مث يذكر املستثىن منه بعده. يدا أحد". مثاله :قولك" :ما قام إل ز ا يدا" أصل الكالم" :ما قام أحد إل ز ا فـ "أحد" مستثىن منه ،و"زيد" مستثىن.
مكتبة المبتدئ
53
شرح الورقات
ولكن يوز تقدمي املستثىن على املستثىن منه. الثاين :يوز الستثناء من اجلنس ،ومن غريه. يعين يوز أن يكون املستثىن من جنس املستثىن منه. مثاله :قولك" :جاء القوم إل زيدا" ،فـ "زيد" من جنس القوم. ويوز أن يكون املستثىن من غري جنس املستثىن منه. ُحارا" ،فـ "احلمار" ليس من جنس القوم. مثاله :قولك" :جاء القوم إل ا قوله( :والمقيد بالصفة يُحمل عليه المطلق) جعل أي اللفظ إذا كان يف موضع ا مقيدا بالصفة ،ويف موضع آخر مطل اقا فيُ ُ مقيدا. املطلق ا ُ (كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع ،وأطلقت في بعض المواضع، فيحمل المطلق على المقيد) مراده بالرقبة املقيدة باإلميان هي املذكورة يف كفارة القتل: يف قوله تعاىل :ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﮊ [النساء.]92: ومراده بالرقبة املطلقة هي املذكورة يف كفارة الظهار: يف قوله تعاىل :ﮋﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮊ [المجادلة.]3: فكون الرقبة ذكرت يف موضع مقيدة باإلميان ،وذكرت يف موضع مطلقه فتُجعل املطلقة مقيدة. وعلى هذا فقوله تعاىل :ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮊ يكون معناه: فتحرير رقبة مؤمنة من قبل أن يتماسا.
54
مكتبة المبتدئ
شرح الورقات
وز: َويَ ُج ُ
يص الكتَاب بالكتَاب. تَ ْخص ُ السنَّة. يص الكتَاب ب ُّ َوتَ ْخص ُ السنَّة بالكتَاب. يص ُّ َوتَ ْخص ُ
السنَّة. السنَّة ب ُّ يص ُّ َوتَ ْخص ُ
يص النُّطْق بالقيَاس. َوتَ ْخص ُ
الر ُسول .)1( َونَ ْعني بالنُّطْق قَ ْو َل اهلل تَ َعالَى َوقَ ْو َل َّ
( )1هذه أنواع التخصيص املنفصل.
قوله( :ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب) أيضا من القرآن. أي يوز أن يكون العام من القرآن ،واملخصص ا
ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﮊ [البقرة]228:
مثاله :قوله تعاىل: فهذه اآلية عامة يف كل مطلقة أن عليها عدة.
وقوله تعاىل :ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮊ [األحزاب ]49:فهذه اآلية خمصصة لآلية األوىل ،حيث أخرجت املطلقة اليت مل يُدخل عليها ،فإهنا ليست عليها عدة. فيكون املعىن من جمموع اآليتني :أن املطلقة عليها عدة ،إل اليت مل يُدخل عليها ،فال عدة عليها.
مكتبة المبتدئ
55
شرح الورقات
(وتخصيص الكتاب بالسنة) أي َيوز أن يكون العام من القرآن ،واملخصص من احلديث.
مثاله :قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﭟﭠ
ﭡﮊ [المائدة]6:؛ فهذه اآلية عامة يف كل من أراد القيام للصالة ،أنه يب عليه الوضوء. وقول النيب " :ل يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حىت يتوضأ". أخرجه البخاري ( ،)141ومسلم ( )221من حديث أيب هريرة. فهذا احلديث خمصص لآلية ،حيث أخرج من مل حيدث ،فال يب عليه الوضوء. فيكون املعىن ِمبجموع اآلية واحلديث :كل من أراد القيام للصالة َيب عليه أن يتوضأ إذا كان حمدثاا. (وتخصيص السنة بالكتاب)
أي يوز أن يكون العام من احلديث ،واملخصص من القرآن. مثاله :صلح احلديبية الذي وقع بني النيب وبني كفار قريش ،فكان فيه "على أن ل يأتيك منا أحد ،وإن كان على دينك ،إل رددته إلينا" ،فكلمة "أحد" تشمل الرجال والنساء. وقوله تعاىل :ﮋﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﮊ [الممتحنة]11:
فهذه اآلية
مكتبة المبتدئ
56
شرح الورقات
خمصصة للحديث ،حيث أخرجت النساء إذا تبني إمياهنن ،بأن ل يُرجعن إىل الكفار. فيكون املعىن ِمبجموع احلديث واآلية :إذا أتى أحد من الكفار ،بغري إذن وليه، إىل املسلمني؛ ُفريد ،إل إذا كانت امرأة قد تبني إمياهنا ،فال ترد. (وتخصيص السنة بالسنة)
أيضا من احلديث. أي وَيوز أن يكون العام من احلديث ،واملخصص له ا مثاله :قول النيب " :فيما سقت السماء العُش ُر". أخرجه البخاري ( )1944عن ابن عمر ،ومسلم )441(:عن جابر. فهذا حديث عام يف َّ كثريا كان أو قليالا؛ جتب فيه أن َّ أي مقدار من النبات ،ا الزكاة. وقول النيب " :ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة". أخرجه البخاري ( ،)1949ومسلم (.)474 فهذا احلديث خمصص للحديث األول ،حيث أخرج ما دون مخسة أوسق ،أنه ل جتب فيه الزكاة. فيكون املعىن مبجموع احلديثنيَّ : أن أي مقدار من النبات َجتب فيه الزكاة ،إل إذا كان أقل من مخسة أوسق ،فال جتب فيه الزكاة ،واخلمسة أوسق :ثالمثائة صاع. (وتخصيص النطق بالقياس ،ونعني بالنطق قول اهلل تعالى ،وقول الرسول )
مكتبة المبتدئ
57
شرح الورقات
أي يوز أن يكون العام من القرآن واحلديث ،واملخصص له القياس. ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﮊ [النور]2:
مثال ذلك :قوله تعاىل: فهذه اآلية عامة يف كل زان وزانية ،واملراد هبما :البكران؛ أهنما يلدان مائة جلدة. وكذلك قول النيب " :البكر بالبكر جلد مائة ،ونفي سنة". أخرجه مسلم (.)1641 فهذا احلديث عام يف البكرين أهنما يلدان مائة جلدة. والبكر هو :الذي مل يامع يف نكاح صحيح. وقول اهلل تعاىل عن اإلماء :ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﮊ [النساء ]25:احملصنات هنا :احلرائر األبكار. فهذه اآلية خمصصة لآلية السابقة واحلديث ،حيث أخرجت األمة البكر؛ بكوهنا ُجتلد نصف ما ُجتلد به احلرة غري املتزوجة ،يعين ُجتلد مخسني جلدة. أيضا، ويُقاس العبد على األمة ،فيكون القياس خمصصا لآلية األوىل وللحديث ا ا حيث أخرج العبد؛ بكونه يلد نصف ما يلد به احلر. فيكون املعىن ِمبجموع اآليتني واحلديث والقياس :أن الزاين والزانية البكرين يلد عبدا وأمة؛ فيجلد كل واحد منهما كل واحد منهما مائة جلدة ،إل إذا كانا ا مخسني جلدة. اخلالصة :أن أنواع التخصيص املنفصل مخسة.
مكتبة المبتدئ
58
شرح الورقات
[اجململ واملبني]
الم ْج َم ُلَ :ما يَ ْفتَق ُر إلى البَ يَان(.)1 َو ُ اج َّ َّجلِّي(.)2 الش ْيء م ْن َحيِّز اإل ْش َكال إلى َحيِّز الت َ َوالبَ يَا ُن :إ ْخ َر ُ ( )1هذا الباب الرابع؛ وهو يتضمن القاعدة الرابعة ،اليت هي :أقسام الكالم باعتبار إهبام املعىن الذي دل عليه وإيضاحه. جململ واملبَـ َّني. فالكالم هبذا العتبار قسمان :ا َ وذكر املؤلف فيما يتعلق هبما مبحثني: املبحث األول :تعريف اجململ. املبحث الثاين :تعريف البيان. وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو :تعريف اجململ. قوله( :والمجمل) أي تعريفه. (ما يفتقر إلى البيان) أي هو اللفظ املبهم الذي حيتاج إىل اإليضاح؛ ليعقل معناه. مثاله :قوله تعاىل :ﮋﮛ ﮜ ﮊ. فهذا لفظ جممل من حيث الكيفية؛ ألن كيفية إقامة الصالة حتتاج إىل اإليضاح. ( )2هذا املبحث الثاين؛ وهو :تعريف البيان. والبيان نوعان:
مكتبة المبتدئ
59
شرح الورقات
َّصَ :ما الَ يَ ْحتَم ُل إالَّ َم ْعنى َواحدا. َوالن ُّ يلَ :ما تَأْويلُهُ تَ ْنزيلُهُ. َوق َ الع ُروس َو ُه َو ال ُك ْرس ُّي. َو ُه َو ُم ْشتَق م ْن منَ َّ صة َ اآلخر. َح ُد ُه َما أَظ َْه ُر م َن َ َوالظَّاه ُرَ :ما ْ احتَ َم َل أ َْم َريْن أ َ س َّمى الظَّاه َر ب َّ َويُ َؤَّو ُل الظَّاه ُر ب َّ الدليل(.)1 الدليلَ ،ويُ َ
()1
النوع األول :الواضح بنفسه. ض ُح لغريه ،وهذا النوع هو الذي عناه املؤلف بالتعريف. النوع الثاين :ال ُم َو ِّ قوله( :والبيان) أي تعريفه. (إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي) أي إخراج الشيء من موضع اخلفاء إىل موضع التضاح. وبعبارة أخرى هو :تفصيل اجململ. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋﮛ ﮜ ﮊ. فهذه اآلية: من حيث األمر بإقامة الصالة بينة واضحة بنفسها. ومن حيث كيفية إقامة الصالة جمملة حتتاج إىل بيان. وما ورد يف السنة من بيان الكيفية إيضاح وتفصيل هلذا اإلمجال. لَ َّما تكلم عن اجململ واملبني ،ناسب أن يتكلم عن النص والظاهر؛ ألهنما صنفان للنوع األول من البيان أي الواضح بنفسه. قوله( :والنص) أي تعريفه. (ما ال يحتمل إال معنى واحدا)
مكتبة المبتدئ
61
شرح الورقات
أي هو اللفظ الذي ل حيتمل أكثر من معىن. مثاله :قوله تعاىل :ﮋ ﰏ ﰐ ﰑ ﮊ [البقرة.]196: نصا. فهذا البيان ل حيتمل إل معىن و ا احدا ،فيكون ا (وقيل) أي يف تعريف آخر للنص. (ما تأويله) أي معناه. (تَنْزيلُه) أي اللفظ الذي نزل به. يعين أن اللفظ نفسه واضح ،فال حيتاج إىل تفسري خارج عنه. وعلى هذا فالتعريفان متقاربان. (وهو) أي لفظ النص. (مشتق) أي مأخوذ. (من منصة العروس) أي من لفظ "منصة" اليت توضع للعروس. (وهو الكرسي) أي منصة العروس املراد هبا :الكرسي الذي تُرفع عليه. يشري إىل أن "النص" ُسي هبذا السم؛ لتضاح دللته. (والظاهر) أي تعريفه. (ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر) أي هو اللفظ الذي حيتمل معنيني؛ أحد املعنيني أرجح من املعىن اآلخر. أسدا" ،فهذا الكالم حيتمل معنيني: مثال ذلك :قولك" :رأيت ا األول :أنك رأيت احليوان املعروف. شجاعا. الثاين :أنك رأيت رجالا ا وهو باملعىن األول أرجح؛ ألن استعمال لفظ "أسد" يف احليوان حقيقة ،واستعماله
مكتبة المبتدئ
61
شرح الورقات
يف الرجل الشجاع جماز ،واحلقيقة مقدم على اجملاز. (ويُؤَّول) أي يفسر. (الظاهر) أي الراجح. (بالدليل) أي بسبب الدليل. (ويسمى) أي هذا الظاهر. (الظاهر بالدليل) أي لكون ظهوره عُ ِرف بالدليل. اخلالصة :أن الظاهر بالدليل هو الذي عُ ِرف ظهوره بالدليل. أسدا يلوح بالسيف". أيت ا مثال ذلك :قولك" :ر ُ أسدا" هذا كالم حيتمل معنيني: أيت ا فقولك" :ر ُ أحدمها :أنك رأيت احليوان املعروف. شجاعا. الثاين :أنك رأيت رجالا ا فاستعمال لفظ "أسد" يف احليوان حقيقة ،واستعماله يف الرجل الشجاع جماز. واألصل تقدمي احلقيقة على اجملاز فيكون املعىن األول هبذا العتبار هو األرجح. لكن دل الدليل على أن املعىن الثاين هو األرجح ،وهو قولك" :يلوح بالسيف" فهذا وصف خاص بالرجل ،فصار هذا هو الظاهر بسبب الدليل. خالصة هذا الباب: أن الكالم باعتبار إهبام املعىن الذي دل عليه وإيضاحه قسمان :جممل ،ومبني. وأن املبني نوعان :واضح بنفسه ،وموضح لغريه. والواضح بنفسه صنفان :نص ،وظاهر. والظاهر شيئان :ظاهر بنفسه ،وظاهر بالدليل.
مكتبة المبتدئ
62
شرح الورقات
[األفعال]
صاحب َّ الشر َيعة: ف ْع ُل َ اعة أ َْو ال يَ ُكو َن(.)1 الَ يَ ْخلُو إ َّما أَ ْن يَ ُكو َن َعلَى َو ْجه ال ُق ْربَة َوالطَّ َ ( )1هذا الباب اخلامس؛ وهو يتضمن القاعدة اخلامسة ،اليت هي :األفعال. ولكن هذه القاعدة ل تتعلق بالكالم ،وذلك ألن القرآن كالم اهلل تعاىل، والسنة كالم النيب وفعله وإقراره .فلما انتهى املؤلف من القواعد األربعة املتعلقة بالكالم ،سواء كالم اهلل تعاىل أو كالم النيب ،شرع بعد ذلك يف ِذكر القاعدة اخلامسة املتعلقة بفعل النيب . وذكر فيما يتعلق بفعل النيب مبحثني: املبحث األول :أقسام فعل النيب . املبحث الثاين :حكم كل قسم. وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو :أقسام فعل . قوله( :فعل صاحب الشريعة) أي فعل النيب . (إما أن يكون على وجه القربة والطاعة) هذا القسم األول. (أو ال يكون) هذا القسم الثاين. يعين أو ل يكون فعله على وجه القربة والطاعة. ومعىن على وجه القربة والطاعة :أي على قصد التقرب إىل اهلل ،والطاعة له. اخلالصة :أن فعل النيب قسمان.
مكتبة المبتدئ
63
شرح الورقات
َّ صاص. صاص به ُحم َل َعلَى اال ْخت َ يل َعلَى اال ْخت َ فَإ ْن َدل َدل ٌ
َّ ص به أل َّ ول :ﮋﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ َن اهللَ تَ َعالَى يَ ُق ُ يل الَ يُ ْختَ ُّ َوإ ْن لَ ْم يَ ُدل َدل ٌ
َص َحابنَا، الو ُجوب ع ْن َد بَ ْعض أ ْ ﯴ ﯵ ﯶﮊ [األحزاب ،]21:فَ يُ ْح َم ُل َعلَى ُ ف ف ْيه. ال :يُ ْح َم ُل َعلَى النَّ ْدبَ ،وم ْن ُه ْم َم ْن قَ َ َص َحابنَا َم ْن قَ َ ال :يُتَ َوقَّ ُ َوم ْن أ ْ احة(.)1 فَإ ْن َكا َن َعلَى غَْير َو ْجه ال ُق ْربَة َوالطَّ َ اعة فَ يُ ْح َم ُل َعلَى اإلبَ َ ( )1هذا املبحث الثاين؛ وهو :حكم كل قسم من قسمي فعل النيب .
قوله( :فإن دل دليل على االختصاص به حمل على االختصاص) هذا بالنسبة للقسم األول. يعين إذا كان فعل النيب على وجه القربة والطاعة ،ودل دليل على أنه خاص عاما لألمة. فحك ُم هذا الفعل أنه حيمل على الختصاص به ،أي ل يكون ا به؛ ُ مثاله :حديث هني النيب عن الوصال يف الصوم ،مع كونه يواصل. والوصال :هو أن يصوم يومني فأكثر ،من غري أن يأكل أو يشرب يف الليل.
واحلديث أخرجه البخاري ( )1461ومسلم ( )1114عن أيب هريرة ، أيضا عن مجلة من الصحابة . وأخرجاه ا (وإن لم يدل دليل ال يختص به؛ ألن اهلل تعالى يقول :ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﮊ) يعين إذا كان فعل النيب على وجه القربة والطاعة ،ومل يدل دليل على أنه عاما لألمة. خاص به؛ فحكم هذا الفعل أنه ل خيتص به ،أي يكون ا والسبب يف ذلك هو قوله تعاىل :ﮋﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﮊ.
مكتبة المبتدئ
64
شرح الورقات
وجه الدللة :أن اهلل أخرب أن لنا يف رسول اهلل قدوة حسنة ،أي فعلينا أن نقتدي به. وعلى هذا فاألصل أن فعل النيب عام لألمة ،إل ما دل الدليل على أنه خاص به. (فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا ،ومن أصحابنا من قال :يحمل على الندب ،ومنهم من قال :يتوقف فيه) يعين إذا كان الفعل ل خيتص بالنيب ،بل هو عام لألمة؛ فحكم العمل به مشروع ،لكن اختلفوا يف نوع املشروعية على ثالثة أقوال: القول األول :إنه واجب. القول الثاين :إنه مندوب. القول الثالث :يتوقف فيه. أي ل يقال بالوجوب أو الندب حىت يدل الدليل على أحدمها. تنبيه :املراد بقوله (أصحابنا) أي الشافعية ،فهذه األقوال الثالثة كلها للشافعية. فائدة :سبب هذا الختالف أن من قال بالوجوب فعلى سبيل الحتياط ،ومن قال بالندب فألن األصل عدم العقاب على الرتك ،ومن قال بالتوقف فلعدم وجود الدليل على املراد هل الوجوب أو الندب ،ومل يقل أحد منهم إنه لإلباحة؛ ألن الفعل على وجه القربة والطاعة يكون مطلوباا ،إما وجوباا ،أو استحباباا. تنبيه :الفعل الذي هو عام للنيب ولألمة صنفان: الصنف األول :ما كان بياناا إلمجال. مثال ذلك :بيان كيفية الصالة. فاألمر بالصالة جاء يف قوله :ﮋﮛ ﮜ ﮊ ولكن كيفية إقامة الصالة يف هذه اآلية جمملة ،وما ورد عن النيب يف كيفية إقامته للصالة بيان هلذا اإلمجال.
مكتبة المبتدئ
65
شرح الورقات
فهذا الصنف حكمه حكم اجململ: فإذا كان اجململ واجباا فما ورد يف البيان واجب. وإذا كان اجململ مندوباا فما ورد يف البيان مندوب. الصنف الثاين :ما ليس بياناا إلمجال. وحكم هذا الصنف فيه األقوال الثالثة اليت ذكرها املؤلف. وعلى هذا فكالم املؤلف املتقدم إمنا هو عن هذا الصنف دون األول. (فإن كان على غير وجه القربة والطاعة فيحمل على اإلباحة) هذا بالنسبة للقسم الثاين. يعين إذا كان فعل النيب على غري وجه القربة فحكم فعله لألمة مباح ،سواء كان الفعل مبقتضى اجلبلة ـ أي الطبيعة ـ كاألكل ،والشرب ،والقيام ،والقعود، والنوم ،أو كان مبقتضى العادة كلبس العمامة ،والرداء ،واإلزار ،واختاذ الشعر. تنبيه :القول بأن فعل النيب على غري وجه القربة حكم فعله لألمة مباح، هذا احلكم يتعلق بأصل الفعل ،لكن كيفية الفعل قد تتعلق ِهبا األحكام اخلمسة من الوجوب ،والندب ،واحلظر ،والكراهة ،واإلباحة ،مثل كيفية األكل ،وكيفية اللبس. خالصة هذا الباب: أن فعل النيب قسمان: ما كان على وجه القربة ،وما كان على غري وجه القربة. وما كان على وجه القربة نوعان :خاص به ،وعام له ولألمة. والعام صنفان :بيان إلمجال ،وما ليس بياناا إلمجال.
مكتبة المبتدئ
66
شرح الورقات
صاحب َّ صاحب َّ الشر َيعةَ ،وإق َْر ُارهُ الشر َيعة على القول ُه َو قَ ْو ُل َ َوإق َْر ُار َ َعلَى الف ْعل َكف ْعله(.)1 ( )1لَ َّما تكلم املؤلف عن فعل النيب ناسب أن يتكلم عن إقراره. واإلقرار معناه :السكوت وعدم اإلنكار. وذكر عن إقرار النيب مبحثني: املبحث األول :حكم إقراره على ما يُقال ويُفعل يف حضوره. املبحث الثاين :حكم إقراره على ما يفعل يف وقته يف غري حضوره. وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو :حكم إقراره على ما يُقال ويُفعل يف حضوره. قوله( :وإقرار صاحب الشريعة) أي إقرار النيب . (على القول) أي الصادر من املكلَّف. (هو) أي هذا القول. (قول صاحب الشريعة) أي حكمه حكم قول صاحب الشريعة. يعين كأن الذي قاله هو النيب .
(وإقراره) أي إقرار النيب .
(على الفعل) أي الصادر من املكلَّف. (كفعله) أي حكمه حكم فعله. يعين كأن الذي فعله هو النيب . اخلالصة :أن املكلَّف إذا قال قولا أو فعل فعالا يف حضور النيب ،وسكت عنه النيب ؛ فحكم هذا الفعل أو القول نفس حكم قول وفعل النيب .
مكتبة المبتدئ
67
شرح الورقات
َوَما فُع َل في َوقْته في غَْير َم ْجلسه َو َعل َم به َولَ ْم يُ ْنك ْرهُ فَ ُح ْك ُمهُ ُح ْك ُم َما فُع َل في َم ْجلسه(.)1 ( )1هذا املبحث الثاين؛ وهو :حكم إقرار النيب على ما يفعل يف غري حضوره. قوله( :وما فُعل) أي من املكلَّف. (في وقته) أي يف زمان حياته.
(في غير مجلسه) أي يف غري حضوره. يعين أنه مل يشاهده. (وعلم به) أي أ ِ ُخرب به. (ولم ينكره) أي سكت عنه. (فحكمه) أي حكم هذا الفعل.
(حكم ما فُعل في مجلسه) أي حكم الفعل الذي فُعِ َل يف حضوره.
اخلالصة :أن املكلف إذا فعل فعالا يف وقت النيب يف غري حضوره ،وعلم به النيب ،وسكت عنه؛ فحكم هذا الفعل حكم الفعل الذي فُعِ َل يف حضوره.
مكتبة المبتدئ
68
شرح الورقات
[الناسخ واملنسوخ]
س َخت َّ س الظِّ َّل" إذا أزالَْتهُ". َّس ُخ فَ َم ْعنَاهُ :اإل َزالَةُ؛ يُ ُ َوأَ َّما الن ْ قال" :نَ َ الش ْم ُ س ْخ ُ ت َما في الكتَاب" إذا نَ َقلْتُهُ يل َم ْعنَاهُ :النَّ ْق ُل ،م ْن قَ ْولهم" :نَ َ َوق َ بأ ْش َكال كتَابَته(.)1 ( )1هذا الباب السادس من أبواب أصول الفقه؛ الذي هو :الناسخ ،واملنسوخ. وهذا الباب يتضمن الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد. وذكر املؤلف فيما يتعلق بالناسخ واملنسوخ أربعة مباحث: املبحث األول :تعريف النسخ لغة. اصطالحا. املبحث الثاين :تعريف النسخ ا املبحث الثالث :أقسام النسخ. املبحث الرابع :كيفية معرفة الناسخ واملنسوخ. وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو :تعريف النسخ لغة. قوله( :وأما النسخ فمعناه) أي تعريفه لغة. (اإلزالة) أي اإلعدام. (يقال" :نسخت الشمس الظل" إذا أزالته) أي أعدمته. (وقيل معناه) أي يف تعريفه لغة.
مكتبة المبتدئ
69
شرح الورقات
الد ُّ اب َّ المتَ َقدِّم َعلَى َو َح ُّدهُ :الخطَ ُ ال َعلَى َرفْع ا ُ لح ْكم الثَّابت بالخطَاب ُ َو ْجه لَ ْوالَهُ لَ َكا َن ثَابتا َم َع تَ َراخيه َع ْنهُ(.)1 (النقل) أي مع عدم اإلعدام. نسخت ما في الكتاب" إذا نقلته بأشكال كتابته) (من قولهم" : ُ يعين أن النقل إمنا حصل يف شكل الكتابة أي صورهتا مع بقاء املكتوب. واخلالصة :أن يف تعريف النسخ لغة قولني: األول :إنه اإلزالة. الثاين :إنه النقل. والفرق بني التعريفني: أن األول يقتضي ذهاب املنسوخ. والثاين يقتضي بقاء املنسوخ. وظاهر تصرف املؤلف أنه خيتار القول األول ،وذلك لكونه قدمه بالذكر، اصطالحا يدل على ذلك. وكذلك تعريفه للنسخ ا اصطالحا. ( )1هذا املبحث الثاين ،وهو :تعريف النسخ ا اصطالحا. قوله( :وحده) أي تعريفه ا (الخطاب) أي القول من الكتاب والسنة. (الدال على رفع الحكم) أي على زواله. (الثابت بالخطاب المتقدم) أي احلكم الذي ُرفِع ثابت قبل ذلك خبطاب متقدم. (على وجه) أي على حال.
مكتبة المبتدئ
71
شرح الورقات
(لواله) أي لول اخلطاب املتأخر. (لكان) أي احلكم الذي ُرفِع. مستمرا. (ثابتا) أي ا (مع تراخيه عنه) أي مع تأخره عنه بزمن. واملراد به تأخر اخلطاب الثاين عن اخلطاب األول. هذا التعريف تضمن ثالثة قيود: القيد األول :أن يكون احلكم املرفوع ثابتاا خبطاب. متأخرا عن اخلطاب الدال القيد الثاين :أن يكون اخلطاب الدال على الرفع ا على احلكم املرفوع. القيد الثالث :أن يكون بني اخلطابني زمن. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮊ [األنفال.]65: هذا خرب يراد به األمر. ومعناه :إذا كان املقاتلون املؤمنون منهم عشرون صابرون ،فيجب أن يقاتلوا كثريا ،ما مل يتجاوز عشرة أضعافهم. األعداء ،ولو كان عددهم ا حكما. فهذا خطاب أثبت ا
وقوله تعاىل :ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ
[األنفال.]66:
مكتبة المبتدئ
71
شرح الورقات
وز: َويَ ُج ُ
الح ْكم. نَ ْس ُخ َّ الر ْسم َوبَ َقاءُ ُ
الر ْسم. الح ْكم َوبَ َقاءُ َّ َونَ ْس ُخ ُ ونَ ْس ُخ األ َْم َريْن.
َّس ُخ إلى بَ َدل َوإلى غَْير بَ َدل. َوالن ْ
َخ ُّ ف(.)1 َوإلى َما ُه َو أَ ْغلَ ُ ظ َوإلى َما ُه َو أ َ حكما فهذا خطاب متأخر عن اخلطاب األول ،رفع احلكم األول ،وأثبت ا جديدا. ا واحلكم اجلديد هو :أن املؤمنني يب أن يقاتلوا األعداء ،ولو كان عددهم كثريا ،ما مل يتجاوز ضعفهم. ا ( )1املبحث الثالث هو :أقسام النسخ. وذكر املؤلف أقسام النسخ باعتبارين: األول :باعتبار نوع املنسوخ. الثاين :باعتبار دليل النسخ. وبدأ بأقسام النسخ بالعتبار األول ،الذي هو :نوع املنسوخ. قوله( :ويجوز نسخ الرسم ،وبقاء الحكم)
الرسم املراد به :اللفظ. أي يوز نسخ اللفظ ،دون احلكم. مثال ذلك :آية الرجم.
مكتبة المبتدئ
72
شرح الورقات
فعن عمر بن اخلطاب قال" :كان فيما أُنزل آية الرجم ،فقرأناها ووعيناها، وعقلناها ،ورجم رسول اهلل ورمجنا بعده ،فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :واهلل ما جند الرجم يف كتاب اهلل ،فيضلوا برتك فريضة أنزهلا اهلل". أخرجه البخاري ( ،)6424ومسلم (.)1641 (ونسخ الحكم وبقاء الرسم) أي ويوز نسخ احلكم ،دون اللفظ. مثال ذلك :اآليتان املتقدمتان املعروفتان بآييت املصابرة. (ونسخ األمرين) مجيعا. أي يوز نسخ اللفظ واحلكم ا مثال ذلك :آية الرضاعة. فعن عائشة رضي اهلل عنها قالت" :كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات حيرمن ،مث نسخن خبمس معلومات". أخرجه مسلم (.)1912 قلت :فكانت العشر منسوخة اللفظ واحلكم. اخلالصة :أن أقسام النسخ باعتبار نوع املنسوخ ثالثة. وقوعا هو :فيما نُ ِسخ حكمه دون لفظه. فائدة :أكثر هذه األقسام ا قوله( :والنسخ إلى بدل ،وإلى غير بدل) هذا تقسيم تابع للتقسيم الذي قبله. ألنه متعلق بنسخ احلكم ،سواء كان مع اللفظ ،أو من غري اللفظ. يعين احلكم املنسوخ ينقسم إىل قسمني:
مكتبة المبتدئ
73
شرح الورقات
األول :احلكم املنسوخ مع إبداله حبكم آخر. الثاين :احلكم املنسوخ مع عدم إبداله حبكم آخر. مثال األول :ما تقدم من آييت املصابرة ،وغريمها. مثال الثاين :قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ [المجادلة]. فهذا اخلطاب يدل على وجوب تقدمي الصدقة قبل مناجاة الرسول . مث نُ ِسخ بقوله :ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ
[المجادلة] ،فهذا اخلطاب دل على نسخ وجوب تقدمي الصدقة قبل املناجاة، من غري إبداله بوجوب شيء آخر غري تقدمي الصدقة. قوله( :وإلى ما هو أغلظ ،وإلى ما هو أخف) هذا تقسيم تابع للتقسيم الذي قبله؛ ألنه متعلق بنسخ احلكم إىل بدل. يعين احلكم املنسوخ إىل بدل ينقسم إىل قسمني: األول :احلكم املنسوخ إىل بدل أغلظ ،أي أشق. الثاين :احلكم املنسوخ إىل بدل أخف ،أي أهون. مثال األول :قوله تعاىل :ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮊ [البقرة.]184: فهذا خطاب يدل على أن من يستطيع الصيام يف شهر رمضان ،فله أن يفطر ويقدم فداءا ،وهو :إطعام مسكني عن كل يوم يفطر فيه. مث نُسخ بقوله :ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ [البقرة.]185:
مكتبة المبتدئ
74
شرح الورقات
وز: َويَ ُج ُ
نَ ْس ُخ الكتَاب بالكتَاب. السنَّة بالكتَاب. َونَ ْس ُخ ُّ
اآلحاد وبالمتواتر. َويَ ُج ُ اآلحاد ب َ المتَ َواترَ ،ونَ ْس ُخ َ المتَ َواتر ب ُ وز نَ ْس ُخ ُ
اآلحاد(.)1 َوالَ يَ ُج ُ وز نَ ْس ُخ ال ُمتَ َواتر ب َ
فهذا خطاب نَ َس َخ التخيري بني الصوم والفدية ،وأوجب الصوم فقط ،والصوم فقط أشق من التخيري بينه وبني الفدية. ومثال الثاين :ما تقدم ،كآييت املصابرة. ( )1هذه أقسام النسخ بالعتبار الثاين؛ الذي هو :دليل النسخ. قوله( :ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب) أي يوز أن يكون الناسخ واملنسوخ كالمها من القرآن. مثاله :آيتا املصابرة ،وآيتا الصوم. (ونسخ السنة بالكتاب) أي يوز أن يكون الناسخ من القرآن واملنسوخ من احلديث. مثاله :حتويل القبلة من بيت املقدس إىل الكعبة. فالقبلة إىل بيت املقدس ثابتة بالسنة. وحتويلها إىل الكعبة ثابت بقوله تعاىل :ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮊ [البقرة.]149: تنبيه :مل يذكر املؤلف نسخ الكتاب بالسنة إشارة إىل عدم جوازها.
مكتبة المبتدئ
75
شرح الورقات
ض نُطْ َقان فَالَ يَ ْخلُو: ار َ إذَا تَ َع َ إ َّما أَ ْن يَ ُكونَا َع َّام ْين. اص ْين. أ َْو َخ َّ َح ُد ُه َما َخاصا. أ َْو أ َ أ َْو ُك ُّل َواحد م ْن ُه َما َخاصا م ْن َو ْجه(.)1 قوله( :ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر ،ونسخ اآلحاد باآلحاد وبالمتواتر) أي ويوز نسخ السنة بالسنة. ونسخ السنة بالسنة نوعان: اترا. األول :أن يكون الناسخ واملنسوخ كالمها متو ا اترا. آحادا ،والناسخ ا الثاين :أن يكون املنسوخ ا آحادا أو متو ا (وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد) آحادا. اترا ،والناسخ ا أي ل يوز أن يكون املنسوخ متو ا وعللوا ذلك بأن املتواتر يقني ،واآلحاد ظن ،والظن ل يرفع اليقني. اخلالصة :أن أقسام النسخ باعتبار دليل النسخ ثالثة: نسخ الكتاب بالكتاب ،ونسخ السنة بالكتاب ،ونسخ السنة بالسنة. ونسخ السنة بالسنة نوعان. ( )1املبحث الرابع هو :بيان كيفية معرفة الناسخ واملنسوخ. وبدأ ـ هذا املبحث ـ بذكر أقسام تعارض النطقني. والنطقان املراد هبما :القولن من الكتاب والسنة. واملراد بالتعارض :أن ظاهرمها الختالف.
مكتبة المبتدئ
76
شرح الورقات
فَإ َن َكانَا َع َّام ْين:
الج ْم ُع بَ ْي نَ ُه َما ُجم َع. فَإ ْن أ َْم َك َن َ
يخ. الج ْم ُع بَ ْي نَ ُه َما يُتَ َوقَّ ُ ف فيه َما إ ْن لَ ْم يُ ْعلَم التَّار ُ َوإ ْن لَ ْم يُ ْمك ُن َ ِّر. فَإ ْن عُل َم التَّار ُ المتَ َقد ُ ِّم ب ُ يخ نُس َخ ُ المتَأَخ ُ
اص ْين. َوَك َذلك إ ْن َكانَا َخ َّ
اص. الع ُّ اآلخ ُر َخاصا فَ يُ َخ ُّ الخ ِّ ام ب َ َح ُد ُه َما َعاما َو َ ص َ َوإ ْن َكا َن أ َ
وم ُك ٍّل َوإ ْن َكا َن ُكل م ْن ُه َما َعاما م ْن َو ْجه َو َخاصا م ْن َو ْجه فَ يُ َخ ُّ ص عُ ُم ُ اآلخر(.)1 صوص َ م ْن ُه َما ب ُخ ُ قوله( :إذا تعارض) أي اختلف. (نطقان) أي قولن من الكتاب والسنة. (فال يخلو) أي هذا األمر.
(إما أن يكونا عامين) أي متساويني يف العموم. (أو خاصين) أي متساويني يف اخلصوص. عاما. (أو أحدهما خاصا) أي واآلخر ا
وعاما من وجه. (أو كل واحد منهما خاصا من وجه) أي ا
اخلالصة :أن أقسام تعارض النطقني أربعة. ( )1لَ َّما ذكر أقسام تعارض النطقني ذكر طرق دفع التعارض يف كل قسم؛ ليتضح بذلك كيفية معرفة الناسخ واملنسوخ. قوله( :فإن كانا عامين؛ فإن أمكن الجمع بينهما ُجمع ،وإن لم يمكن الجمع
مكتبة المبتدئ
77
شرح الورقات
بينهما يتوقف فيهما ،إن لَ ْم يُعلَم التاريخ ،فإن عُلم التاريخ نُسخ المتقدم بالمتأخر) يعين إذا كان النطقان املتعارضان عامني ،فلدفع التعارض بينهما طريقان: األول :اجلمع بينهما ،وذلك بشرط اإلمكان. تفسريا ينتفي به التعارض بينهما. واملراد باجلمع هو :أن يُ َّ فسر القولن ا منسوخا. ناسخا واآلخر الثاين :أن ُيعل ُ ا أحدمها ا وذلك بشرطني :عند عدم إمكان اجلمع ،وعند معرفة التاريخ. فيكون املتقدم منهما هو املنسوخ ،واملتأخر هو الناسخ. وإن مل ميكن دفع التعارض باجلمع أو النسخ فالتوقف. واملراد بالتوقف :أن ل يُعمل بأحد املتعارضني. مثال اجلمع: حديث":أل أخربكم خبري الشهداء الذي يأيت بشهادته قبل أن يُسأهلا". أخرجه مسلم (.)1714 وحديثَّ " : ستشهدون". شهدون ول يُ َ قوما خيونون ،ول يُؤَمتَنون ،ويَ َ إن بعدكم ا أخرجه البخاري ( ،)2161ومسلم (.)2141 فاحلديث األول عام يف مدح من يبادر إىل الشهادة قبل أن تطلب منه. واحلديث الثاين عام يف ذم من يبادر إىل الشهادة قبل أن تطلب منه. فجمع أهل العلم بينهما ،ومن أوجه اجلمع: أن احلديث األول َحم ُمول على من عنده شهادة إلنسان ،ول يعلم ذلك اإلنسان أن هذا شاهد ،فيأيت إليه خيربه بأنه شاهد له.
مكتبة المبتدئ
78
شرح الورقات
زورا. واحلديث الثاين حممول على من يشهد لغريه ا تنبيه :التوقف إمنا يكون بالنسبة للمجتهد الذي مل يستطع أن يدفع التعارض بأحد هذين الطريقني ،وأما غريه من اجملتهدين فقد يُوفَّق إىل دفع التعارض. (وكذلك إن كانا خاصين) أي إذا كان النطقان املتعارضان خاصني: فدفع التعارض بينهما مثل دفع التعارض بني النطقني العامني. يعين لدفع التعارض بينهما طريقان: األول :اجلمع بينهما. منسوخا. ناسخا ،واآلخر الثاين :أن ُيعل ُ ا أحدمها ا (وإن كان أحدهما عاما ،واآلخر خاصا؛ فيخص العام بالخاص) خاصا: عاما ،واآلخر ا أي إذا كان النطقان املتعارضان أحدمها ا خمصصا للعام. فلدفع التعارض بينهما طريق واحد ،وهو :أن يعل اخلاص ِّ مثال ذلك :ما تقدم يف مسألة عدة الطالق. خص عموم كل (وإن كان كل منهما عاما من وجه ،وخاصا من وجه؛ فيُ ُّ منهما بخصوص اآلخر) أي إذا كان النطقان املتعارضان كل منهما له وجهان؛ عام ،وخاص: فلدفع التعارض بينهما طريق واحد ،وهو :أن ُيعل اخلاص من كل واحد خمصصا للعام يف كل منهما. منهما ا غري طعمه أو رحيه أو لونه". مثال ذلك :حديث" :املاء طهور ل ينجسه إل ما َّ أخرجه ابن ماجه ( ،)121وقال يف الزوائد :إسناده ضعيف.
مكتبة المبتدئ
79
شرح الورقات
وحديث" :إذا كان املاء قلتني مل حيمل اخلبث". أخرجه أبو داود ( ،)64وابن ماجه (.)117 فاحلديث األول عام من جهة أن املاء ل ينجس مبجرد وقوع النجاسة فيه، كثريا أو قليالا ،وخاص من جهة أنه إذا حصل فيه التغري سواء كان املاء ا بالنجاسة فإنه ينجس. واحلديث الثاين عام من جهة أن املاء إذا كان قلتني فإنه ل ينجس سواء تغري أم مل يتغري ،وخاص من جهة أنه إذا كان أقل من قلتني فإنه ينجس مبجرد وقوع النجاسة. فعموم األول خيص خبصوص الثاين ،وعموم الثاين خيص خبصوص األول. فيكون املعىن باجملموع: أن املاء إذا كان أقل من قلتني فإنه ينجس مبجرد وقوع النجاسة فيه. وإذا كان أكثر من قلتني فإنه ل ينجس إل إذا تغري. اخلالصة :أن الناسخ واملنسوخ يُعرفان بثالثة شروط: األول :إذا تعارض نطقان عامان أو خاصان. الثاين :إذا مل ميكن اجلمع بينهما. منسوخا ،واملتأخر الثالث :إذا عُرف املتقدم واملتأخر منهما ،فيكون املتقدم ا ناسخا. ا
مكتبة المبتدئ
81
شرح الورقات
[اإلمجاع]
الحادثَة. الع ْ َوأ ََّما اإل ْج َماعُ :فَ ُه َو اتِّ َفا ُق عُلَ َماء َ صر َعلَى َ الحادثَةَ َّ الش ْرعيَّةَ(.)1 الحادثَةَ : اءَ ،ونَ ْعني ب َ َونَ ْعني بالعُلَ َماء :ال ُف َق َه َ ()1
لَ َّما ذكر املؤلف الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد ،اليت هي :معرفة الناسخ واملنسوخ ،ناسب أن يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور: األمر األول :اإلمجاع. ووجه املناسبة للكالم عن اإلمجاع :أن له تعل اقا بالطريقة الثانية يف كيفية تطبيق القواعد ،فالكالم عن اإلمجاع هنا إمنا هو متهيد للكالم عن الطريقة الثانية. وذكر املؤلف فيما يتعلق باإلمجاع ثالثة مباحث: اصطالحا. املبحث األول :تعريف اإلمجاع ا املبحث الثاين :حجية اإلمجاع. املبحث الثالث :كيفية انعقاد اإلمجاع. اصطالحا. وبدأ باملبحث األول ،الذي هو :تعريف اإلمجاع ا
اصطالحا. قوله( :وأما اإلجماع) أي تعريفه ا
(فهو اتفاق علماء العصر) أي اتفاق علماء الوقت ،واملراد :اتفاقهم يف احلكم.
مكتبة المبتدئ
81
شرح الورقات
َوإ ْج َماعُ َهذه األ َُّمة ُح َّجةٌ ُدو َن غَْيرَها ل َق ْوله " الَ تَ ْجتَم ُع أ َُّمتي َعلَى ضالَلَة" [أبو داود 4253 :عن أبي مالك األشعري ،والترمذي 1267 :عن ابن عمر ،وابن ماجه: َ 395عن أنس]َ ،و َّ ص َمة َهذه األ َُّمة. الش ْرعُ َوَر َد ب ْع َ صر َكا َن. صر الثَّاني في أ ِّ َي َع ْ الع ْ َواإل ْج َماعُ ُح َّجةٌ َعلَى َ
صر. َوالَ يُ ْشتَ َر ُ الع ْ ط في ُح ِّجيَته انْق َر ُ اض َ
صر َش ْرطٌ؛ يُ ْعتَبَ ْر قَ ْو ُل َم ْن ُول َد في َحيَاتهم َوتَ َف َّقهَ الع ْ فَإ ْن قُلْنَا :انْق َر ُ اض َ الح ْكم(.)1 االجت َهادَ ،ولَ ُهم أَ ْن يَ ْرجعُوا َع ْن ذَل َ ار م ْن أ َْهل ْ َو َ ك ُ صَ (على الحادثة) أي على املسألة اليت حتدث. (ونعني بالعلماء الفقهاء) أي املراد بالعلماء الذين يعتد بقوهلم هم :علماء الفقه خاصة. فلو خالف مثالا أحد من علماء اللغة فال يعتد بقوله. (ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية)
أي املراد باملسألة اليت يمع الفقهاء على حكمها هي :املسألة املتعلقة بالشرع. فاملسألة اللغوية مثالا ليست حمالا لنظر الفقهاء ،ل بإمجاع ،ول خبالف. ( )1هذا املبحث الثاين ،وهو :حجية اإلمجاع. وتضمن هذا املبحث ثالث مسائل: املسألة األوىل :هل حجية اإلمجاع خاصة هلذه األمة أو عامة جلميع األمم؟ قوله( :وإجماع هذه األمة حجة دون غيرها)
معىن أن اإلمجاع حجة هو :أنه دليل حيتج به ،ول يوز خمالفته.
مكتبة المبتدئ
82
شرح الورقات
يعين أن إمجاع هذه األمة على شيء دليل ُحيتج به ،ول يوز خمالفته ،خبالف إمجاع غريها من األمم فإنه ليس حبجة. (لقوله" :ال تجتمع أمتي على ضاللة") الالم :سببية ،أي السبب يف أن إمجاع هذه األمة حجة دون غريها هو :قوله " :ل جتتمع أميت على ضاللة". وجه الدللة على أن إمجاع هذه األمة حجة :أن النيب نفى اجتماع أمته على ضاللة ،وهذا يدل على أن اجتماعها سيكون على هدى ،وإن كان اجتماعها على هدى فيجب أن يكون حجة؛ ألنه ل جتوز خمالفة اهلدى. ووجه الدللة على أن إمجاع غريها من األمم ليس حبجة :أن النيب نفى اجتماع هذه األمة خاصة على ضاللة ،وهذا يدل على أن غريها من األمم ميكن أن جتتمع على ضاللة ،وعلى هذا فال يوز أن يكون إمجاعها على شيء حجة؛ ألنه ل يوز متابعة الضاللة. (والشرع) أي الدين الذي شرعه اهلل. وهو :املستخرج من الكتاب والسنة. (ورد) أي بدللة احلديث املتقدم وغريه. (بعصمة هذه األمة) أي بكوهنا حممية من الجتماع على الضاللة. املسألة الثانية :هل اإلمجاع حجة على غري عصره؟ قوله( :واإلجماع) أي اتفاق العلماء. (حجة) أي حيتج به ،ول يوز خمالفته. (على العصر الثاني) أي على علماء العصر الذي بعده.
مكتبة المبتدئ
83
شرح الورقات
(في أي عصر كان) أي يف أي عصر وقع اإلمجاع. يعين إذا وقع اإلمجاع يف عصر من العصور فهو حجة على العصر الذي بعده. مثال ذلك :أمجع الصحابة على أن نزول املين يوجب الغسل. فهذا اإلمجاع حجة على من بعدهم ،فال يوز ملن بعدهم أن خيالفوا. مثال آخر :اختلف الصحابة والتابعون هل اجلماع من غري إنزال يوجب الغسل أو الوضوء؟ وأمجع تابعوا التابعني على أنه يوجب الغسل. فهذا اإلمجاع حجة على من بعدهم ،فال يوز ملن بعدهم أن خيالفوا. املسألة الثالثة :هل يشرتط يف حجية اإلمجاع انقراض العصر؟ قوله( :وال يشترط في حجيته انقراض العصر) أي إذا أمجع العلماء يف زمان ما؛ صار إمجاعهم حجة ،فال يشرتط أن ميوت اجملمعون ،مث يكون اإلمجاع حجة بعد ذلك. (فإن قلنا انقراض العصر شرط) اضا أن انقراض العصر شرط يف حجية اإلمجاع. أي لو قلنا افرت ا (يُعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل االجتهاد ،ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم) مراده :أنه إذا وقع اإلمجاع صار حجة ،ول يعترب ِمبخالفة أحد بعد ذلك ،ولو كان من نفس اجملمعني. ولو قلنا باعتبار خمالفة أحد من اجملمعني ،لقلنا :إنه إذا ُولِد شخص يف حياة فقيها فلهم أن يرتاجعوا عما أمجعوا عليه؛ ألنه ل عربة اجملمعني مث صار ا بإمجاعهم بسبب وجود فقيه يف حياهتم مل يقل رأيه بعد.
مكتبة المبتدئ
84
شرح الورقات
َواإل ْج َماعُ يَص ُّح :ب َق ْولهم َوبف ْعلهم.
ين(.)1 َوب َق ْول البَ ْعض َوبف ْعل البَ ْعض َوانْت َ شار ذَل َ ك ال َق ْول أو الف ْعل َو ُس ُكوت البَاق َ كأن املؤلف يشري إىل استبعاد القول باشرتاط انقراض العصر؛ ألن ذلك يؤدي إىل تعسر وقوع اإلمجاع. ( )1هذا املبحث الثالث ،وهو :كيفية انعقاد اإلمجاع. فذكر املؤلف أن اإلمجاع الذي يصح انعقاده له صورتان: قوله( :يصح بقولهم وبفعلهم) هذه الصورة األوىل.
أي يصح حتقق اإلمجاع بقول اجملمعني أو بفعلهم. مثال القول :أن يقولوا كلهم :هذا الشيء حرام. فهذا إمجاع صحيح على التحرمي. نوعا من الطعام. مثال الفعل :أن يأكلوا كلهم ا فهذا إمجاع صحيح على إباحة هذا الطعام.
(وبقول البعض ،وبفعل البعض ،وانتشار ذلك القول أو الفعل ،وسكوت الباقين)
هذه الصورة الثانية. احدا. احدا ،أو فعل بعضهم فعالا و ا أي إذا قال بعضهم قولا و ا فهذا إمجاع صحيح بشرطني: األول :أن ينتشر ذلك القول أو الفعل. الثاين :أن يسكت بقية الفقهاء يعين ل ينكرون ذلك القول أو الفعل.
مكتبة المبتدئ
85
شرح الورقات
الجديد(.)1 الواحد م َن َّ س ب ُح َّجة َعلَى غَْيره؛ َعلَى ال َق ْول َ َوقَ ْو ُل َ الص َحابَة لَْي َ ()1
تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد ،ناسب أن يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور: األمر األول :اإلمجاع. وقد تقدم ذكر وجه املناسبة. األمر الثاين :قول الصحايب. ووجه املناسبة للكالم عن قول الصحايب :أن له تعل اقا بالطريقة الثانية يف كيفية تطبيق القواعد لو كان حجة ،وهلذا ذكر املؤلف عن قول الصحايب مسألة واحدة فقط ،وهي :هل قوله حجة أو ل؟ قوله( :وقول الواحد من الصحابة)
أي يف املسألة اليت ليس فيها دليل من الكتاب ،أو السنة ،أو اإلمجاع.
(ليس بحجة) أي ليس دليالا ميتنع خمالفته.
(على غيره) أي من الصحابة ،والتابعني ،ومن بعدهم. (على القول الجديد) أي على آخر القولني للشافعي. يعين أن الشافعي كان يقول حبجية قول الصحايب ،مث تراجع عن ذلك.
تنبيه :قول املؤلف( :قول الواحد من الصحابة) ليس مراده الواحد الذي ليس إمجاعا. معه آخر ،بل مراده :الواحد أو األكثر الذين مل يُعد قوهلم ا
مكتبة المبتدئ
86
شرح الورقات
[األخبار]
ار(:)1 َوأ ََّما األَ ْخبَ ُ ()1
تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد ،ناسب أن يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور: األمر األول :اإلمجاع ،وقد تقدم ذكر وجه املناسبة. أيضا. األمر الثاين :قول الصحايب ،وقد تقدم ذكر وجه املناسبة ا األمر الثالث :األخبار ،ووجه املناسبة للكالم عن األخبار :أن املؤلف ذكر يف الطريقة األوىل املتواتر واآلحاد ،فكان من املناسب بعد انتهائه من الكالم عن ويعرف املتواتر واآلحاد ،وكان من املناسب هذه الطريقة أن ِّ يفصل يف األخبار ِّ أن ل يكون التفصيل بعد النتهاء من الطريقة األوىل مباشرة ،بل بعد النتهاء من الكالم عن اإلمجاع وقول الصحايب؛ ألن الكالم عن املتواتر واآلحاد يشمل أيضا اإلمجاع وقول الصحايب ،فكما أن األخبار املروية عن النيب تُنقل ا بالتواتر واآلحاد ،فكذلك اإلمجاع وقول الصحايب يُنقالن بالتواتر واآلحاد. وذكر املؤلف فيما يتعلق باألخبار ثالثة مباحث: املبحث األول :تعريف اخلرب لغة. املبحث الثاين :قسما اخلرب ،وحكم كل قسم ،وتعريفه. املبحث الثالث :كيفية صيغ أداء اخلرب.
مكتبة المبتدئ
87
شرح الورقات
ب (. ) 1 الخبَ ُرَ :ما يَ ْد ُخلُهُ ِّ فَ َ الص ْد ُق َوال َكذ ُ الخبَ ُر يَ ْن َقس ُم إلى :آ َحادَ ،وُمتَ َواتر. َو َ ْم. فَ ُ المتَ َوات ُرَ :ما يُوج ُ ب العل َ َّواطُُؤ َعلَى ال َكذب َع ْن مثْلهم وهكذا إلى أَ ْن َو ُه َو أَ ْن يَ ْروي َج َماعُةٌ ال يَ َق ُع الت َ اجت َهاد. َصل َع ْن ُم َ شَ الم ْخبَر َع ْنهُ ،فَ يَ ُكو ُن في األ ْ اه َدة أ َْو َس َماع الَ َعن ْ يَ ْنتَه َي إلى ُ َّ ْم؛ الحتمال الخطأ فيه. اآلح ُ ب َ َو َ الع َم َل َوال يُوج ُ ادُ :ه َو الذي يُوج ُ ب العل َ َويَ ْن َقس ُم إلى ق ْس َم ْينُ :م ْر َسل َوُم ْسنَد. ادهُ. ص َل إ ْسنَ ُ الم ْسنَ ُدَ :ما اتَّ َ فَ ُ ادهُ. الم ْر َس ُلَ :ما لَ ْم يَتَّص ْل إ ْسنَ ُ َو ُ يل َسعيد بْن فَإ ْن َكا َن م ْن َم َراسيل غَْير َّ س ب ُح َّجة إالَّ َم َراس َ الص َحابَة فَ لَْي َ ت مساني َد. ت فَ ُوج َد ْ ش ْ سيَّب فَإنَّ َها فُتِّ َ ُ الم َ () 2 الع ْن َعنَةُ تَ ْد ُخ ُل َعلَى اإل ْسنَاد . َو َ ( )1هذا املبحث األول؛ وهو :تعريف اخلرب لغة. قوله( :فالخبر) أي تعريفه لغة. (ما يدخله الصدق والكذب) أي القول الذي حيتمل أن يكون صدقاا أو كذباا. والصدق هو :القول املطابق للواقع ،والكذب هو :القول غري املطابق للواقع. مثال ذلك :إذا قال قائل" :قدم زيد من السفر" .فهذا القول حيتمل أن يكون صدقاا أو كذباا ،فإذا كان زيد قدم من السفر ،فالقول صدق؛ ألنه طابق الواقع ،وإذا كان زيد مل يقدم من السفر ،فالقول كذب؛ ألنه مل يطابق الواقع. خربا. النتيجة :أن هذا القول يسمى ا ( )2هذا املبحث الثاين؛ وهو :قسما اخلرب ،وحكم كل قسم ،وتعريفه.
مكتبة المبتدئ
88
شرح الورقات
واملراد باخلرب هنا اخلرب املنسوب للنيب خاصة. قوله( :والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر) آحادا. اترا ،وقسم يسمى ا أي اخلرب قسمان؛ قسم يسمى متو ا (فالمتواتر ما يوجب العلم ،وهو :أن يروي جماعة ال يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم ،وهكذا إلى أن ينتهي إلى ال ُْم ْخبَر عنه ،فيكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد) هذا حكم القسم األول ،وتعريفه. (فالمتواتر) أي حكمه. (ما يوجب العلم) أي هو الذي يوجب اجلزم بصدقه ،وأنه مطابق للواقع. مثال ذلك :لو نُِقل خرب بالتواتر أن فالناا من الناس صار عالِ اما ،فلكون هذا اخلرب نُِقل بالتواتر ُيزم بأنه صدق ،وأنه مطابق للواقع. (وهو) أي املتواتر ،واملراد :تعريفه. (أن يروي جماعة ال يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم ،وهكذا إلى أن ينتهي إلى ال ُْم ْخبَر عنه ،فيكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد) تضمن هذا التعريف أربعة شروط: األول :أن الذي يرويه مجاعة ،أي كثريون. الثاين :ل يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم. أي ل ميكن أن يتفقوا على الكذب عن مثلهم من حيث الكثرة. الثالث :هكذا إىل أن ينتهي إىل ال ُمخ َرب عنه. أي يكون شيوخ هؤلء مثلهم من حيث الكثرة وعدم إمكان التواطؤ ،وهكذا خرب عنه أي الذي نُِقل عنه اخلرب. شيوخ شيوخهم ،إىل ال ُم َ
مكتبة المبتدئ
89
شرح الورقات
الرابع :يكون يف األصل عن مشاهدة أو ُساع ل عن اجتهاد ،يعين أن يكون ُساع َمن نُِقل عنه ،ل عن اجتهاد من الناقل. ابتداءُ اخل ِرب منقولا عن مشاهدةِ أو ِ مثال ذلك :إذا قال الصحايبُ :سعت النيب قال :كذا وكذا ،أو فعل كذا وكذا ،وحضر معه مجاعة كثرية من الصحابة فنقلوا هذا اخلرب عن النيب ، فصار املخربون عنه كثريين ،مث نقله عن هؤلء الصحابة كثريون ممن بعدهم، وهكذا إىل أن ُد ِّون احلديث. اترا. النتيجة :أن هذا احلديث يسمى متو ا (واآلحاد هو :الذي يوجب العمل ،وال يوجب العلم؛ الحتمال الخطأ فيه) هذا حكم اآلحاد ،ومل يذكر تعريفه ،ولعله مل يذكره اكتفاءا بتعريف املتواتر. يعين أن اآلحاد هو :ما ليس مبتواتر. (واآلحاد) أي حكمه. (هو الذي يوجب العمل) أي يب أن يُعمل به. (وال يوجب العلم) أي ل ُيزم بصدقه ،ومطابقته للواقع. (الحتمال الخطأ فيه) أي السبب يف عدم اجلزم بصدقه ومطابقته للواقع هو: الحتمال بأن بعض الرواة أخطأ يف نقله. مثال ذلك :إذا قال الصحايبُ :سعت النيب قال :كذا وكذا ،أو فعل كذا وكذا ،فنَـ َقل هذا اخلرب عن النيب وحده ،وهكذا نقله عنه أفراد من الناس حىت ُد ِّون احلديث. آحادا. النتيجة :أن هذا احلديث يسمى ا قسم اآلحاد إىل هذين القسمني (وينقسم إلى قسمين مرسل ومسند) إمنا َّ
مكتبة المبتدئ
91
شرح الورقات
بسبب اختالف حكم كل قسم من حيث احلجية. (فالمسند) أي تعريفه. (ما اتصل سنده) أي هو اخلرب الذي ثبت فيه ُساع كل راو ممن روى عنه. ومل يذكر حكمه أنه حجة؛ ألنه مفهوم من قوله( :هو الذي يوجب العمل). (والمرسل) أي تعريفه. (ما لم يتصل إسناده) أي هو اخلرب الذي ثبت فيه عدم ُساع بعض الرواة ممن روى عنه. تنبيه :املرسل يف اصطالح األصوليني هو :كل خرب إسناده ليس مبتصل ،ويف اصطالح احملدثني أخص منه ،وهو :كل خرب رواه التابعي عن النيب . (فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة ،إال مراسيل سعيد بن فوجدت مسانيد) المسيب؛ فإنها فُتِّشت ُ أي املراسيل من حيث حجيتها تنقسم إىل قسمني: القسم األول :مراسيل الصحابة ،وهي حجة. واملراد مبراسيل الصحابة :األحاديث اليت يرويها الصحابة عن النيب ، ولكن مل يسمعوها منه ،بل ُسعوها من صحابة آخرين. القسم الثاين :مراسيل غري الصحابة ،وهي ليست حبجة ،إل مراسيل سعيد بن املسيب خاصة ،والسبب أنه ُِحبث فيها ُفوِجدت مروية بأسانيد أخرى متصلة. واملراد مبراسيل غري الصحابة :األحاديث اليت يرويها التابعي أو من دونه عن النيب . (والعنعنة) أي أداء الراوي احلديث بصيغة "عن" بأن يقول" :عن فالن". (تدخل على اإلسناد) أي ُحتمل على التصال ،ل اإلرسال.
مكتبة المبتدئ
91
شرح الورقات
َوإ َذا قَ َرأَ َّ ولَ :ح َّدثَني أ َْو أَ ْخبَ َرني. لراوي أَ ْن يَ ُق َ وز ل َّ الش ْي ُخ يَ ُج ُ َوإ ْن قَ َرأَ ُه َو َعلَى َّ ول :أَ ْخبَ َرني َوالَ يَ ُق ْل َح َّدثَنِّي. الش ْيخ فَ يَ ُق ُ
ازهُ َّ ازة(.)1 اءة فَ يَ ُق ُ ول َّ ازني أ َْو أَ ْخبَ َرني إ َج َ َج َ َج َ الراوي :أ َ َوإ ْن أ َ الش ْي ُخ م ْن غَْير ق َر َ تنبيه :العنعنة ُحتمل على التصال يف األصل ،وقد ُحتمل على اإلرسال لسبب مدلسا ،والتفصيل يف ذلك حمله كتب مصطلح احلديث. مثل أن يكون الراوي ا ( )1هذا املبحث الثالث؛ وهو :كيفية صيغ األداء. فذكر صور حتمل احلديث من الشيخ ،وكيفية صيغ األداء مع كل صورة. قوله( :وإذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول :حدثني أو أخبرني) أي إذا كانت صورة َحتَمل احلديث أن الطالب ُسعه من الشيخ ،فيجوز للطالب أن يقول عند أداء احلديث لغريه :حدثين أو أخربين. (وإن قرأ هو على الشيخ فيقول :أخبرني وال يقل :حدثني) أي إذا كانت صورة َحتَمل احلديث هي أن الطالب قرأ كتاب الشيخ عليه، فيجوز للطالب أن يقول عند أداء احلديث لغريه :أخربين ،ول يقول :حدثين. (وإن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول الراوي :أجازني أو أخبرني إجازة) أي إذا كانت صورة حتمل احلديث هي أن الشيخ أذن للطالب بأن يروي عنه، مع كونه مل يسمع من الشيخ ،ومل يقرأ هو على الشيخ ،فيجوز للطالب أن يقول عند أداء احلديث لغريه :أجازين ،أو أخربين إجازة. اخلالصة :أن حتمل احلديث له ثالث صور: السماع من الشيخ ،والقراءة على الشيخ ،واإلجازة من الشيخ. ولكل صورة صيغة خاصة هبا عند األداء.
92
مكتبة المبتدئ
شرح الورقات
[القياس]
الح ْكم(.)1 اس :فَ ُه َو َر ُّد ال َف ْرع إلى األ ْ َصل بعلَّة تَ ْج َمعُ ُه َما في ُ َوأ ََّما القيَ ُ ()1
تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد ،ناسب أن يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور: األمر األول :اإلمجاع. األمر الثاين :قول الصحايب. األمر الثالث :األخبار. وقد تقدم ذكر وجه املناسبة للكالم عن هذه األمور الثالثة. األمر الرابع :القياس. ووجه املناسبة للكالم عن القياس هو :أن له تعل اقا بالطريقة الثانية. وذكر املؤلف فيما يتعلق بالقياس ثالثة مباحث: اصطالحا. املبحث األول :تعريف القياس ا املبحث الثاين :أقسام القياس ،وتعريف كل قسم. املبحث الثالث :شروط القياس. اصطالحا. فبدأ باملبحث األول؛ الذي هو :تعريف القياس ا قوله( :وأما القياس) أي تعريفه.
مكتبة المبتدئ
93
شرح الورقات
(فهو رد) أي إرجاع. (الفرع) املراد به :املسألة اليت مل يرد فيها نص. (إلى األصل) أي إىل املسألة اليت ورد فيها نص. (بعلة) أي بسبب علة. (تجمعهما) أي جتمع األصل والفرع. (في الحكم) متعلق بـ رد ،أي رد الفرع إىل األصل يف احلكم. فهذا التعريف تضمن أمرين: األول :حقيقة القياس ،وهو :إحلاق املسألة اليت ليس فيها نص باملسألة اليت فيها نص ،وذلك بإعطائها نفس احلكم. الثاين :سبب القياس ،وهو :أن علة احلكم املوجودة يف املسألة اليت فيها نص ُوجدت يف املسألة اليت ليس فيها نص. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ [الجمعة]. فالبيع بعد النداء الثاين لصالة اجلمعة؛ مسألة ورد فيها نص. فهذه املسألة تسمى "أصالا" لورود النص فيها. واحلكم الذي دل عليه النص يف هذه املسألة هو :النهي عن البيع. والعلة اليت من أجلها ورد النص بالنهي عن البيع هي :ما يف البيع من تأخري السعي للصالة ،واحتمال تفويتها. فإذا قيل :ما حكم عقد النكاح بعد النداء الثاين لصالة اجلمعة؟ فرعا". فاجلواب :هذه مسألة مل يرد فيها نص ،فتسمى " ا
مكتبة المبتدئ
94
شرح الورقات
ْسام: َو ُه َو يَ ْن َقس ُم إلى ثَالَثَة أَق َ إلى قيَاس علَّةَ ،وقيَاس َدالَلَةَ ،وقيَاس َشبَه. ْح ْكم. اس العلَّةَ :ما َكانَت العلَّةُ فيه ُموجبَة لل ُ فَقيَ ُ اس َّ اآلخرَ ،و ُه َو أَ ْن تَ ُكو َن َحد النَّظ َيريْن َعلَى َ الدالَلَةُ :ه َو ْ االست ْدالَ ُل بأ َ َوقيَ ُ ْح ْكم. الح ْكم َوالَ تَ ُكو َن ُموجبَة لل ُ العلَّةُ َدالَّة َعلَى ُ اس َّ ْح ُق بأَ ْكثَره َما َشبَ ها(.)1 الشبَهُ :ه َو ال َف ْرعُ ال ُْم َرد ُ َّد بَ ْي َن أ ْ َصلَْين؛ فَ يُ ل َ َوقيَ ُ وحكم هذه املسألة هو :النهي عن عقد النكاح ،مثل النهي عن البيع. وسبب هذا احلكم :أنه ُوجد يف هذه املسألة نفس العلة اليت من أجلها ثبت احلكم يف تلك املسألة املنصوص عليها ،فأُحلِقت هذه املسألة هبا ،وأُعطيت نفس حكمها. قياسا". ويسمى هذا اإلحلاق " ا ( )1هذا املبحث الثاين؛ وهو :أقسام القياس ،وتعريف كل قسم. قوله( :وهو ينقسم إلى ثالثة أقسام :إلى قياس علة ،وقياس داللة ،وقياس شبه)
هذه أقسام القياس. واختلف الشراح يف مراد املؤلف بقياس العلة ،وقياس الدللة ،وأنا سأذكر مراد املؤلف فيما يظهر يل. قوله( :فقياس العلة) أي تعريفه.
(ما كانت العلة) أي املوجودة يف األصل. (فيه) أي يف هذا القياس.
مكتبة المبتدئ
95
شرح الورقات
(موجبة) أي ملزمة. (للحكم) أي الثابت يف األصل. مراده :أن قياس العلة هو :املبين على أن العلة واضحة. منصوصا عليها ،أو مستنبَطة ل خفاء يف استنباطها. وذلك لكوهنا ا فيُقطع بأن هذه العلة هي اليت من أجلها صدر احلكم. مثال العلة املنصوص عليها :ما أخرجه مسلم ( )2116عن سهل بن سعد رضي اهلل عنهما أن رجالا اطلع يف جحر يف باب رسول اهلل ومع رسول اهلل ِ مدرى َحيك به رأسه ،فلما رآه قال" :لو أعلم أنك تنظرين لطعنت به يف عينكَّ ،إمنا ُجعل اإلذن من أجل البصر" فنص على أن العلة من اإلذن هي النظر. فإذا قيس على هذا األصل فإنه يسمى "قياس علة". مثال العلة املستنبطة :قول النيب " :ل يقضني َح َكم بني اثنني ،وهو غضبان". أخرجه البخاري ( ،)7114ومسلم (.)1717 فليس يف هذا احلديث نص على العلة اليت من أجلها صدر النهي؛ ولكن استنبطها أهل العلم ،ول خفاء يف استنباطها ،وهلذا أمجعوا عليها ،وهي أن ل يتشوش فكره ،فيخطئ يف القضاء .فإذا قيس على هذا األصل؛ فإنه يسمى "قياس علة". (وقياس الداللة) أي تعريفه. (هو االستدالل) أي اإلتيان بالدليل. (بأحد النظيرين) أي بأحد املتماثلني ،واملراد به هنا :األصل. (على اآلخر) أي الفرع. يعين هو اإلتيان بدليل األصل ،ووضعه دليالا للفرع.
مكتبة المبتدئ
96
شرح الورقات
(وهو) أي الستدلل املذكور. (أن تكون العلة) أي املوجودة يف األصل. (دالة على الحكم) أي الثابت يف األصل ،واملراد دللة استنباط ل نص. (وال تكون) أي العلة. (موجبة للحكم) أي ملزمة للحكم. مراده أن قياس الدللة هو :املبين على أن العلة غري واضحة ،بل حمتملة. وذلك لكوهنا مستنبَطة؛ يف استنباطها خفاء. فال يُقطع بأن هذه العلة هي اليت من أجلها صدر احلكم. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ [الجمعة]. فليس يف اآلية نص على العلة اليت من أجلها صدر النهي؛ ولكن من أهل العلم من استنبطها ،وقال :العلة من النهي عن البيع هي ما يف البيع من تأخري السعي للصالة ،واحتمال تفويتها ،ويف استنباط هذه العلة خفاء ،وهلذا اختلف أهل العلم فيها. فإذا قيس على هذا األصل فإنه يسمى "قياس دللة". (وقياس الشبه) أي تعريفه. (هو الفرع المردد بين أصلين ،فيلحق بأكثرهما شبها) صورة هذا النوع :أن تكون مسألة مل يرد فيها نص ،حيتمل إحلاقها مبسألتني ورد فيهما نص مع اختالفهما يف احلكم. لحق بإحدى املسألتني اليت تشاهبها أكثر. فاحلل :أن تُ َ
مكتبة المبتدئ
97
شرح الورقات
للح ْكم. َوم ْن َش ْرط ال َف ْرع :أَ ْن يَ ُكو َن ُمنَاسبا لأل ْ َصل ف ْي َما يُ ْج َم ُع بينَ ُه َما ُ ص َم ْين. َصل :أَ ْن يَ ُكو َن ثَابتا ب َدليل ُمتَّ َفق َعلَْيه بَ ْي َن َ الخ ْ َوم ْن َش ْرط األ ْ ض لَْفظا َوالَ َم ْعنَى. َوم ْن َش ْرط العلَّة :أَ ْن تَطَّر َد في َم ْعلُوالَت َها ،فَالَ تَ ْنتَق ُ الح ْكم :أَ ْن يَ ُكو َن مثْ َل العلَّة في النَّ ْفي َواإلثْ بَات. َوم ْن َش ْرط ُ ْح ْكم. الجالبَةُ لل ُ َوالعلَّةُ :ه َي َ وب للْعلَّة(.)1 الم ْجلُ ُ َو ُ الح ْك ُمُ :ه َو َ مثال ذلك :العبد هل َميلك بالتمليك؟ أي إذا ملَّكه سيده شيئاا ،فهل يكون مال اكا لذلك الشيء ،أو يبقى مل اكا لسيده؟ فالعبد من وجه يشبه احلر لكونه إنساناا مكل افا. ومن وجه يشبه احليوان لكونه يباع ويُشرتى. فإذا أُحلِق باحلر فإنه ميلك بالتمليك ،وإذا أُحلق باحليوان فإنه ل ميلك بالتمليك. ( )1هذا املبحث الثالث؛ وهو :شروط القياس. قوله( :ومن شرط الفرع) أي بعض ما يشرتط يف الفرع. (أن يكون) أي الفرع. (مناسبا لألصل) أي إلحلاقه باألصل. (فيما يجمع بينهما) أي يف العلة اجلامعة بينهما. (للحكم) أي ألجل أن يلحق به يف احلكم. يعين لكي يلحق الفرع باألصل يف احلكم يشرتط أن تكون العلة فيهما مناسبة هلذا اإلحلاق ،وهذا الشرط مفهوم من تعريف القياس ،ولعله نص عليه زيادة يف اإليضاح.
مكتبة المبتدئ
98
شرح الورقات
(ومن شرط األصل) أي بعض ما يشرتط يف األصل. (أن يكون) أي األصل. (ثابتا بدليل متفق عليه) أي من الكتاب أو السنة أو اإلمجاع. (بين الخصمين) أي بني املتنازعني يف إحلاق الفرع باألصل. يعين إذا تنازع اثنان يف مسألة مل يرد فيها نص؛ فقال أحدمها :هذه املسألة تلحق بتلك املسألة اليت ورد فيها نص ،وقال اآلخر :ل تلحق بتلك املسألة. فعلى األول لكي يُل ِزم اآلخر باإلحلاق أن يكونا قبل ذلك متفقني على ثبوت دليل األصل من حيث الصحة ،ومن حيث العلة؛ أي أن الدليل صحيح، والعلة واضحة.
(ومن شرط العلة) أي بعض ما يشرتط يف العلة. (أن تطرد) أي العلة ،ومعىن تطرد تستمر.
(في معلوالتها) أي يف األحكام اليت كانت نتيجة هلا. (فال تنتقض) أي العلة ،والنتقاض :هو أن توجد العلة ،ول يوجد احلكم.
نصا أو استنباطاا. (لفظا وال معنى) أي سواء كانت العلة موجودة يف األصل ا اخلالصة :إذا ُوِجدت العلة يف مسألة ما؛ حبكم ،ووجدت يف مسألة أخرى حبكم آخر فال يوز القياس. (ومن شرط الحكم) أي بعض ما يشرتط يف احلكم. (أن يكون) أي احلكم. (مثل العلة) أي من حيث الطراد.
مكتبة المبتدئ
99
شرح الورقات
(في النفي واإلثبات) أي إذا انتفى وجود العلة انتفى وجود احلكم ،وإذا ثبت وجود العلة ثبت وجود احلكم. (والعلة :هي الجالبة للحكم ،والحكم :هو المجلوب للعلة) لَ َّما ذكر بعض ما يشرتط يف العلة واحلكم ناسب أن يعرف كالا منهما.
(والعلة) أي تعريفها.
(هي الجالبة للحكم) أي السبب يف حصول احلكم. (والحكم) أي تعريفه.
(هو المجلوب للعلة) أي احلاصل بسبب العلة.
مكتبة المبتدئ
111
شرح الورقات
[استصحاب احلال]
احةُ: َوأ ََّما َ الحظ ُْر َواإلبَ َ ول: فَم َن النَّاس َم ْن يَ ُق ُ وج ْد في َّ اح ْتهُ َّ الشر َيعة اء َعلَى َ الشر َيعةُ ،فَإ ْن لَ ْم يُ َ الحظْر إالَّ َما أَبَ َ إ َّن األَ ْشيَ َ الحظ ُْر. سُ ك باأل ْ َصل َو ُه َو َ َما يَ ُد ُّل َعلَى اإلبَ َ احة فيُ ْستَ َم َ ول :بض ِّده. َوم َن النَّاس َم ْن يَ ُق ُ َو ُه َو أ َّ احة إالَّ َما َحظََرهُ َّ الش ْرعُ(.)1 َن األ ْ َص َل في األَ ْشيَاء أنها َعلَى اإلبَ َ ()1
تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد ،ناسب أن يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور: األمر األول :اإلمجاع. األمر الثاين :قول الصحايب. األمر الثالث :األخبار. األمر الرابع :القياس. وقد تقدم ذكر وجه املناسبة للكالم عن هذه األمور األربعة. األمر اخلامس :استصحاب احلال. ووجه املناسبة للكالم عن استصحاب احلال هو :أن له تعل اقا بالطريقة الثانية يف
مكتبة المبتدئ
111
شرح الورقات
الحال: است ْ َوَم ْعنَى ْ ص َحاب َ
الدليل َّ َص َل ع ْن َد َع َدم َّ الش ْرع ِّي(.)1 أَ ْن يَ ْستَ ْ ب األ ْ صح َ
كيفية تطبيق القواعد. متهيدا وعلى هذا فصار الكالم عن اإلمجاع والقياس واستصحاب احلال ا للكالم عن هذه الطريقة. وذكر املؤلف فيما يتعلق باستصحاب احلال مبحثني: املبحث األول :األصل يف األشياء. املبحث الثاين :معىن استصحاب احلال. فبدأ باملبحث األول؛ الذي هو :األصل يف األشياء قبل ورود الشرع. واخلالصة :أن أهل العلم اختلفوا يف ذلك على قولني: القول األول :أن األصل هو :احلظر ،أي التحرمي. يعين األصل أن اإلنسان ل يقول ما شاء ،ول يفعل ما شاء؛ إل بدليل شرعي يبيح له ذلك. القول الثاين :أن األصل هو :اإلباحة ،أي اجلواز. يعين األصل أن اإلنسان يقول ما شاء ،ويفعل ما شاء ،إل بدليل شرعي ُحيرم عليه ذلك. وظاهر تصرف املؤلف أنه مل خيرت شيئاا من القولني. ( )1هذا املبحث الثاين؛ وهو :معىن استصحاب احلال. قوله( :ومعنى استصحاب الحال :أن يستصحب) أي الفقيه. (األصل) أي احلظر أو اإلباحة.
مكتبة المبتدئ
112
شرح الورقات
(عند عدم الدليل الشرعي) أي يف املسألة اليت مل يوجد فيها دليل شرعي. واملراد بالدليل الشرعي هنا :الكتاب ،والسنة ،واإلمجاع ،والقياس. تتمة :فائدةُ استصحاب احلال أن الذي يرى أن األصل يف األشياء اإلباحة؛ لو سئل :ملاذا أحبت هذا الشيء بال دليل شرعي؟ فيقول :طلبت دليالا شرعياا عن حكمه فلم أجد ،فتمسكت باألصل الذي هو اإلباحة ،وأن الذي يرى أن األصل يف األشياء احلظر؛ لو سئل :ملاذا حرمت هذا الشيء بال دليل شرعي؟ فيقول :طلبت دليالا شرعياا عن حكمه فلم أجد ،فتمسكت باألصل الذي هو التحرمي.
113
مكتبة المبتدئ
شرح الورقات
[ترتيب األدلة]
َوأ ََّما األَدلَّةُ: الخف ِّي. لجل ُّي م ْن َها َعلَى َ فَ يُ َق َّد ُم ا َ الموجب للظَّ ِّن. ب للْعلْم َعلَى ُ َو ُ الموج ُ ْق َعلَى القيَاس. َوالنُّط ُ
الخف ِّي. الجل ُّي َعلَى َ اس َ َوالقيَ ُ
ال(.)1 الح ُ َص َلَ ،وإالَّ فَ يُ ْستَ ْ فَإ ْن ُوج َد في النَّطْق َما يُغَيِّ ُر األ ْ ب َ ص َح ُ
( )1هذا الباب السابع من أبواب أصول الفقه؛ الذي هو :ترتيب األدلة. ويتضمن هذا الباب الطريقة الثانية يف معرفة كيفية تطبيق القواعد. واملراد باألدلة هنا :الكتاب ،والسنة ،واإلمجاع ،والقياس ،واستصحاب احلال. واملراد برتتيب األدلة :هو تقدمي بعضها على بعض ،عند التعارض ،مع عدم إمكان اجلمع ،والنسخ. واملراد بتقدمي بعضها على بعض هو :الرتجيح بينها؛ فيُعمل بالراجح ،ول يُعمل باملرجوح. قوله( :وأما األدلة) أي من حيث الرتتيب. (فيقدم الجلي منها على الخفي) هذا الرتتيب األول.
مكتبة المبتدئ
114
شرح الورقات
وهو خاص بالتعارض بني دللة الكتاب والسنة. (فيقدم الجلي منها) أي املبين على أن دللته واضحة بالنسبة لآلخر. (على الخفي) أي املبين على أن دللته غري واضحة بالنسبة لآلخر. يعين إذا تعارض دليل من الكتاب أو السنة ،مع دليل آخر من الكتاب أو السنة ،ومل ميكن اجلمع ول النسخ؛ إل أن أحد الدليلني أوضح يف الدللة من ظاهرا حيتمل اآلخر ،كأن يكون أحدمها ا نصا ل حيتمل أكثر من معىن ،واآلخر ا معنيني الراجح منهما خمالف للنص؛ فيُقدَّم النص. (والموجب للعلم على الموجب للظن) هذا الرتتيب الثاين. وهو خاص بالتعارض بني الكتاب أو احلديث املتواتر ،مع حديث اآلحاد. (والموجب للعلم) أي ويقدم املوجب للعلم ،يعين املفيد للجزم. واملراد به :الكتاب ،واحلديث املتواتر. (على الموجب للظن) أي على املفيد للظن. واملراد به :حديث اآلحاد. (والنطق على القياس) هذا الرتتيب الثالث. وهو خاص بالتعارض بني الكتاب أو السنة ،مع القياس. (والنطق) أي ويقدم النطق. واملراد به :الكتاب والسنة. (على القياس) أي على ال ُمل َح ِق بالنطق. يعين إذا تعارض دليل من الكتاب أو السنة ،مع القياس ،فيقدم الدليل من الكتاب أو السنة.
مكتبة المبتدئ
115
شرح الورقات
(والقياس الجلي على الخفي) هذا الرتتيب الرابع. وهو خاص بالتعارض بني القياسني.
(والقياس الجلي) أي املبين على أن العلة واضحة بالنسبة لآلخر. (على الخفي) أي على املبين على أن العلة غري واضحة بالنسبة لآلخر. يعين إذا تعارض قياسان؛ أحدمها أوضح من اآلخر؛ كأن يكون أحدمها قياس علة ،واآلخر قياس شبه؛ فيقدم قياس العلة. (فإن ُوجد في النطق ما يغير األصل ،وإال فيستصحب الحال)
هذا الرتتيب اخلامس. وهو خاص بالتعارض بني الكتاب أو السنة ،مع األصل.
قياسا. (فإن ُوجد في النطق) أي يف الكتاب أو السنة؛ ا نصا أو ا (ما يغير األصل) أي احلظر أو اإلباحة.
(وإال فيستصحب الحال) أي يصاحب احلال ،يعين يَأخذ باألصل.
اخلالصة :إذا تعارضت دللة الكتاب والسنة ،مع األصل؛ فيؤخذ بدللة قياسا. الكتاب والسنة ،سواء كانت الدللة ا نصا أو ا
116
مكتبة المبتدئ
شرح الورقات
[صفة املفتي واملستفتي]
الم ْفتي: َوم ْن َش ْرط ُ
َصال َوفَ ْرعا ،خالَفا َوَم ْذ َهبا. أَ ْن يَ ُكو َن َعالما بالف ْقه؛ أ ْ
َوأَ ْن يَ ُكو َن:
االجت َهاد. َكام َل اآللَة في ْ
َعارفا:
َّحو َواللُّغَة. َح َكام م َن الن ْ است ْنبَاط األ ْ اج إلَْيه في ْ ب َما يُ ْحتَ ُ
الراويْن. الر َجال َّ َوَم ْعرفَة ِّ
الوار َدة ف َيها. الوار َدة في األ ْ َح َكام َواألَ ْخبَار َ َوتَ ْفسير اآليَات َ
الم ْستَ ْفتي: َوم ْن َش ْرط ُ
الم ْفتي في ال ُف ْت يَا. أَ ْن يَ ُكو َن م ْن أ َْهل التَّ ْقليد فَ يُ َقلِّ َد ُ س لل َْعالم أَ ْن يُ َقلِّ َد(.)1 َولَْي َ
( )1هذا الباب الثامن من أبواب أصول الفقه؛ الذي هو :صفة املفيت واملستفيت. ويتضمن هذا الباب الطريقة الثالثة يف معرفة كيفية تطبيق القواعد. قوله( :ومن شرط المفتي) أي بعض ما يشرتط يف املفيت.
مكتبة المبتدئ
117
شرح الورقات
املبني للحكم الشرعي. واملفيت هوِّ : قوله( :أن يكون عالما بالفقه؛ أصال وفرعا ،خالفا ومذهبا) هذا الشرط األول. (أن يكون عالما بالفقه) أي باألحكام. (أصال) أي بأصوهلا ،وهي :األدلة. (وفرعا) أي بفروعها ،وهي :املسائل. (خالفا) أي عارفاا خبالف األئمة. (ومذهبا) أي عارفاا باملذهب الذي عليه إمامه. (وأن يكون كامل اآللة في االجتهاد ،عارفا بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال الراوين ،وتفسير اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها) هذا الشرط الثاين. (وأن يكون كامل) أي مستكمالا. (اآللة) أي الوسيلة. (في االجتهاد) أي اليت هبا يكون مؤهالا لالجتهاد. يعين أن يكون متقناا لعلم أصول الفقه. (عارفا) أي زيادة على أن يكون كامل اآللة يف الجتهاد؛ َيب أن يكون عارفاا بثالثة أشياء: األول( :بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة) يعين أن يعرف من النحو واللغة القدر الذي حيتاج إليه يف استنباط األحكام.
مكتبة المبتدئ
118
شرح الورقات
والسبب :أن الكتاب والسنة بالكالم العريب ،فال ُميكن الستنباط منهما إل بفهم كالم العرب ،وفهم كالم العرب إمنا هو بالنحو واللغة.
الثاين( :ومعرفة الرجال الراوين)
أي معرفة أحوال الرجال الذين رووا األحاديث. والسبب :أن األحاديث اليت يستنبط منها هي املقبولة دون املردودة ،ومعرفة املقبول متوقف على معرفة أحوال الرواة.
الثالث( :وتفسير اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها)
األخبار املراد هبا :األحاديث املروية عن النيب . والسبب يف معرفة تفسري اآليات واألحاديث املتعلقة باألحكام :أن مصادر األحكام هي اآليات واألحاديث ،ول ُميكن استنباط األحكام من اآليات واألحاديث إل بعد معرفة تفسريها.
(ومن شرط المستفتي)
أي بعض ما يشرتط يف املستفيت. واملستفيت هو :الذي يطلب ال ُفتيا ،يعين يسأل عن احلكم الشرعي.
(أن يكون) أي املستفيت.
(من أهل التقليد) أي ممن يوز له التقليد.
(فيقلد المفتي في الفتيا) أي فيما أفتاه به. (وليس للعالم أن يقلد) أي حيرم عليه التقليد.
مقلدا ل عالِ اما. اخلالصة :أنه يشرتط يف املستفيت أن يكون ا
مكتبة المبتدئ
119
شرح الورقات
ول قَ ْول ال َقائل بالَ ُح َّجة. َوالتَّ ْقلي ُد :قَ بُ ُ س َّمى تَ ْقليدا. فَ َعلَى َه َذا قَ بُ ُ ول قَ ْول النَّب ِّي يُ َ ت الَ تَ ْدري م ْن أَيْ َن قَالَهُ. ال التَّ ْقلي ُد :قَ بُ ُ َوم ْن ُهم َم ْن قَ َ ول قَ ْول ال َقائل َوأَنْ َ ول قَ ْوله س َّمى قَ بُ ُ فَإ ْن قُلْنَا :إ َّن النَّب َّي َ كا َن يَ ُق ُ ول بالقيَاس؛ فَ يَ ُج ُ وز أَ ْن يُ َ تَ ْقليدا(.)1 ( )1لَ َّما ذكر املؤلف أن من شرط املفيت أن يكون كامل اآللة يف الجتهاد ،وأن من مقلدا؛ ناسب أن يتكلم بعد ذلك عن الجتهاد شرط املستفيت أن يكون ا والتقليد ،وابتدأ بالكالم عن التقليد. قوله( :والتقليد) أي تعريفه. (قبول) أي امتثال. (قول القائل) أي كالم املتكلم. (بال حجة) أي بال دليل. (فعلى هذا) أي التعريف. (قبول قول النبي يسمى تقليدا) أي لكون هذا القبول مطاب اقا للتعريف؛ ألن النيب ل يُسأل عن احلجة. (ومنهم) أي من العلماء. (من قال) أي يف تعريف آخر. (التقليد قبول قول القائل ،وأنت ال تدري من أين قاله) أي ل تدري كيف استنبطه. (فإن قلنا :إن النبي كان يقول بالقياس) ِ وح إليه باملسألة اليت أُو ِحيت إليه. أي كان يـُلحق املسألة اليت مل تُ َ
مكتبة المبتدئ
111
شرح الورقات
الو ْسع في بُلُوغ الغَ َرض(.)1 االجت َه ُ َوأ ََّما ْ اد فَ ُه َو بَ ْذ ُل ُ (فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليدا) أي لِمطابقة هذا القبول للتعريف ،حيث ل ندري كيف استنبط. الفرق بني التعريفني: أن بالتعريف األول ل يذكر القائل الدليل على قوله. وبالتعريف الثاين يذكر القائل الدليل على قوله؛ لكن ل يُعرف كيف استنبط هذا القول من الدليل. تقليدا، ومراد املؤلف :أن بالتعريف األول يُسمى قبول قول النيب ا تقليدا إل إذا قلنا :إنه يقيس. وبالتعريف الثاين ل يسمى قبول قوله ا ( )1لَ َّما انتهى من الكالم عن التقليد تكلم عن الجتهاد. وذكر عن الجتهاد مسألتني: املسألة األوىل :تعريفه. املسألة الثانية :هل كل جمتهد يف الفروع مصيب؟ فبدأ باملسألة األوىل؛ اليت هي :تعريفه. قوله( :وأما االجتهاد) أي تعريفه. (فهو بذل) أي استفراغ. (الوسع) أي الستطاعة. (في بلوغ) أي وصول. (الغرض) أي الشيء املطلوب ،واملراد به :احلكم الشرعي. وعلى هذا فالجتهاد هو :استفراغ الستطاعة للوصول إىل احلكم الشرعي.
مكتبة المبتدئ
111
شرح الورقات
اجتَ َه َد في ال ُف ُروع االجت َهاد؛ فَإ ْن ْ الم ْجتَه ُد إ ْن َكا َن َكام َل اآللَة في ْ فَ ُ َج ٌر. اجتَ َه َد ف َيها َوأَ ْخطَأَ فَ لَهُ أ ْ َج َرانَ ،وإ ْن ْ اب فَ لَهُ أ ْ َص َ فَأ َ يب. َوم ْن ُهم َم ْن قَ َ الُ :ك ُّل ُم ْجتَهد في ال ُف ُروع ُمص ٌ يب أل َّ ك وز أَ ْن يُ َق َ َن َذل َ َوالَ يَ ُج ُ الُ :ك ُّل ُم ْجتَهد في األ ُ ُصول ال َكالَميَّة ُمص ٌ صويب أ َْهل َّ ين. يُ َؤدِّي إلى تَ ْ الضالَلَة م َن الن َ َّص َ الملْحد َ الم ُجوس َوال ُك َّفار َو ُ ارى َو َ اجتَ َه َد يل َم ْن قَ َ س ُك ُّل ُم ْجتَهد في ال ُف ُروع ُمصيبا قَ ْولُهُ َ " :من ْ َو َدل ُ ال :لَْي َ َج ٌر َواح ٌد" [البخاري ،7352 :ومسلم: اجتَ َه َد َوأَ ْخطَأَ فَ لَهُ أ ْ َج َران َوَمن ْ اب فَ لَهُ أ ْ َص َ َوأ َ الدليل :أ َّ َ ،]1716و ْجهُ َّ ص َّوبَهُ أُ ْخ َرى(.)1 الم ْجتَه َد تارة َو َ َن النَّب َّي َ خطَّأَ ُ ( )1هذه املسألة الثانية :هل كل جمتهد يف الفروع مصيب؟ قوله( :فالمجتهد إن كان كامل اآللة في االجتهاد) أي مؤهالا لالجتهاد. (فإن اجتهد في الفروع) أي يف األحكام. (فأصاب) أي وافق الصواب. (فله أجران) أي أجر على اجتهاده ،وأجر على إصابته. (وإن اجتهد فيها) أي يف الفروع. (وأخطأ) أي مل يوافق الصواب. (فله أجر) أي على اجتهاده. يعين ليس كل جمتهد يف الفروع مصيباا ،ولكن املؤهل إذا اجتهد فهو مأجور؛ احدا ،وإما أجرين. أجرا و ا إما ا ويشري بذلك إىل أن غري املؤهل إذا اجتهد فهو غري مأجور ،بل آمث. (ومنهم) أي من أهل العلم.
مكتبة المبتدئ
112
شرح الورقات
(من قال) أي يف اجتهاد املؤهل. (كل مجتهد في الفروع) أي يف األحكام. (مصيب) أي وافق الصواب. (وال يجوز) أي حيرم. (أن يقال :كل مجتهد في األصول الكالمية) أي يف العتقاد. (مصيب) أي وافق الصواب. يعين إذا قيل :كل جمتهد يف األحكام مصيب ،فال َيوز أن يقال :كل جمتهد يف العتقاد مصيب. (ألن ذلك) أي القول بأنه مصيب. (يؤدي إلى تصويب أهل الضاللة من النصارى والمجوس والكفار والملحدين) أي يَلزم من هذا القول أن يُقال إن هؤلء مصيبون يف اجتهادهم؛ مع علمنا يقيناا أهنم خمطئون. اخلالصة :أن هذه املسألة ـ هل كل جمتهد يف الفروع مصيب؟ ـ فيها قولن: القول األول :ليس كل جمتهد يف الفروع مصيباا. القول الثاين :كل جمتهد يف الفروع مصيب. (ودليل من قال ليس كل مجتهد في الفروع مصيبا قوله " :من اجتهد فأصاب فله أجران ،ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد" وجه الدليل :أن النبي خطأ المجتهد تارة ،وصوبه أخرى) ظاهر تصرف املؤلف أنه َخيتار القول األول؛ لكونه قدمه بالذكر ،ولكونه كذلك ذكر دليله. واهلل أعلم ،وصلى اهلل على نبينا حممد ،وعلى آله ،وصحبه ،وسلم.
مكتبة المبتدئ
113
شرح الورقات
احملتويات
املقدمة 4................................................................. قبل الشروع يف شرح الكتاب1.............................................. [متهيد] 6................................................................ [أبواب أصول الفقه إمجالا] 21 ............................................ [أقسام الكالم] 24 ....................................................... [األمر والنهي] 41 ........................................................ [العام واخلاص] 94 ....................................................... [اجململ واملبني] 14 ....................................................... [األفعال] 62 ............................................................ [الناسخ واملنسوخ] 64 .................................................... [اإلمجاع] 41 ............................................................ [األخبار] 46 ............................................................ [القياس] 42 ............................................................. [استصحاب احلال] 111 ................................................. [ترتيب األدلة] 114 ...................................................... [صفة املفيت واملستفيت] 116 ...............................................