شرح الورقات

Page 1

‫مكتبة المبتدئ في طلب العلم الشرعي‬

‫شرح الورقات‬

‫كتبه‬ ‫خالد بن عبد هللا باحميد األنصاري‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪3‬‬

‫شرح الورقات‬

‫‪‬‬ ‫ﭑ ﭒﭓﭔ‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه‬ ‫أمجعني‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬

‫فمما ذكرته يف "المدخل إلى دراسة المختصرات" ـ عن علم أصول الفقه ـ‪:‬‬ ‫أن أصول مجع مفرده‪ :‬أصل‪ ،‬واألصل لغة‪ :‬ما يُبىن عليه غريه‪ ،‬فقولك‪" :‬اجلذور‬ ‫أصل الساق" أي مبين عليها‪ ،‬وعلم أصول الفقه إمجالا هو‪ :‬معرفة قواعد فهم‬ ‫األدلة‪.‬‬ ‫ففائدة هذا العلم أنه يساعد على فهم الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫ومما ذكرته يف املدخل‪ :‬أن من أشهر املختصرات املؤلفة يف علم أصول الفقه كتاب‬

‫"الورقات" تأليف إمام احلرمني أيب املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف اجلويين‪،‬‬ ‫املولود يف بشتقان‪ ،‬قرية قريبة من نيسابور‪ ،‬سنة (‪914‬هـ) املتوىف هبا سنة (‪974‬هـ)‪.‬‬ ‫وقد يسر اهلل عز وجل يل مبنه وكرمه إمتام شرح "الورقات"‪ ،‬فأسأله سبحانه أن‬

‫ينفع به كما نفع بأصله‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪4‬‬

‫وصلى اهلل على نبينا حممد‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وصحبه‪ ،‬وسلم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫شرح الورقات‬


‫‪5‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح الورقات‬

‫قبل الشروع يف شرح الكتاب‬

‫قبل الشروع في شرح الكتاب سيكون الكالم عن أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬عنوان الكتاب‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬حمتويات الكتاب‪.‬‬ ‫أما عنوان الكتاب‪ ،‬فهو "الورقات"‪.‬‬ ‫وُسِّ َي الكتاب بالورقات لقلة عددها؛ إشارة إىل قلة ما‬ ‫والورقات‪ :‬مجع ورقة‪ُ ،‬‬ ‫ُكتِب فيها‪ ،‬وذلك تسهيالا وتنشيطاا للمبتدئني‪.‬‬ ‫وأما محتويات الكتاب‪ ،‬فهو يحتوي على قسمين‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬متهيد‪.‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬الكالم عن املوضوع الذي من أجله ألف املؤلف هذا الكتاب‪،‬‬ ‫ويتضمن ذكر أبواب أصول الفقه إمجالا وتفصيالا‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪6‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[‪] ‬‬

‫ُصول الف ْقه(‪.)1‬‬ ‫َه َذه‪َ :‬وَرقَ ٌ‬ ‫ات تَ ْشتَم ُل َعلَى َم ْعرفَة فُ ُ‬ ‫صول م ْن أ ُ‬ ‫ف م ْن ُج ْزأَيْن ُم ْف َر َديْن‪.‬‬ ‫ك‪ُ :‬م َؤلَّ ٌ‬ ‫َوذَل َ‬ ‫َص ُل‪َ :‬ما بُن َي َعلَْيه غَْي ُرهُ‪.‬‬ ‫فَاأل ْ‬ ‫َوال َف ْرعُ‪َ :‬ما يُ ْب نَى َعلَى غَْيره‪.‬‬ ‫َح َكام َّ‬ ‫اد(‪.)2‬‬ ‫االجت َه ُ‬ ‫الش ْرعيَّة الَّتي طَري ُق َها ْ‬ ‫َوالف ْقهُ‪َ :‬م ْعرفَةُ األ ْ‬ ‫(‪ )1‬ابتدأ املؤلف ـ التمهيد ـ بالتعريف مبا تشتمل عليه الورقات‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬هذه) اسم إشارة‪( ،‬ورقات) مشار إليه‪.‬‬ ‫وليس املقصود من اإلشارةِ اإلشارَة إىل الورقات نفسها‪ ،‬بل إىل ما كتب فيها‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬تشتمل) أي هذه الورقات‪ ،‬ومعىن تشتمل‪ :‬حتتوي‪.‬‬ ‫(على معرفة فصول) الفصول‪ :‬مجع فصل‪ ،‬واملراد به‪ :‬النوع‪.‬‬ ‫(من أصول الفقه) (من) مبعىن بعض‪.‬‬ ‫يعين أن هذه الورقات حتتوي على معرفة بعض أنواع أصول الفقه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬لَ َّما ذكر املؤلف أن هذه الورقات حتتوي على معرفة بعض أنواع أصول الفقه‪،‬‬ ‫ناسب أن يـُ َعِّرف لفظ "أصول الفقه" باعتبار مفرديه‪ ،‬لفظ "األصل" مبفرده‪،‬‬ ‫ولفظ "الفقه" مبفرده‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪7‬‬

‫شرح الورقات‬

‫قوله‪( :‬وذلك) أي لفظ "أصول الفقه"‪.‬‬ ‫(مؤلف) أي مكون‪( ،‬من جزأين) أي لفظني‪( ،‬مفردين) أي منفردين‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فاألصل) أي لفظ "األصل" مبفرده‪.‬‬ ‫(ما يبنى عليه غيره) أي معناه‪ :‬الشيء الذي يبىن عليه غريه‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬جذور الشجرة بالنسبة للساق أصل؛ ألن الساق مبين عليها‪،‬‬ ‫والساق بالنسبة لألغصان أصل؛ ألن األغصان مبنية عليه‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والفرع) لَ َّما عرف األصل ناسب أن يعرف ضده‪ ،‬وجه املناسبة أن من‬ ‫متام معرفة الشيء معرفة ضده‪.‬‬ ‫(ما يبنى على غيره) أي معناه‪ :‬الشيء الذي يبىن على غريه‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬ساق الشجرة بالنسبة للجذور فرع؛ ألنه مبين عليها‪ ،‬وأغصان‬ ‫الشجرة بالنسبة للساق فرع؛ ألهنا مبنية عليه‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والفقه) أي لفظ "الفقه" مبفرده‪.‬‬ ‫(معرفة األحكام الشرعية) أي هو‪ :‬معرفة األحكام اليت شرعها اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫وهي‪ :‬املستخرجة من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(التي طريقها االجتهاد) أي طريق هذه املعرفة‪.‬‬ ‫مراده أن معرفة األحكام املستخرجة من الكتاب والسنة هلا طريقان‪:‬‬ ‫الطريق األوىل‪ :‬املعرفة من غري اجتهاد‪ ،‬وهذه تتعلق باألحكام اليت اخلرب هبا‬ ‫واضح يف الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫الطريق الثانية‪ :‬املعرفة بالجتهاد‪ ،‬وهذه تتعلق باألحكام اليت اخلرب هبا غري‬ ‫واضح يف الكتاب والسنة بل حمتمل‪ ،‬أو ليس فيها خرب بل معرفتها بالقياس على‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪8‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ام َس ْب َعةٌ‪:‬‬ ‫َواأل ْ‬ ‫َح َك ُ‬ ‫يح‪َ ،‬وال َفاس ُد‪.‬‬ ‫الم ْك ُروهُ‪َ ،‬و َّ‬ ‫الم ْن ُد ُ‬ ‫الصح ُ‬ ‫الم ْحظُ ُ‬ ‫المبُ ُ‬ ‫ور‪َ ،‬و ُ‬ ‫اح‪َ ،‬و ُ‬ ‫وب‪َ ،‬و ُ‬ ‫ب‪َ ،‬و َ‬ ‫الواج ُ‬ ‫َ‬ ‫ب َعلَى تَ ْركه‪.‬‬ ‫ب‪َ :‬ما يُثَ ُ‬ ‫اب َعلَى ف ْعله َويُ َعاقَ ُ‬ ‫الواج ُ‬ ‫فَ َ‬ ‫ب َعلَى تَ ْركه‪.‬‬ ‫وب‪َ :‬ما يُثَ ُ‬ ‫َوال ُْم ْن ُد ُ‬ ‫اب َعلَى ف ْعله َوالَ يُ َعاقَ ُ‬ ‫ب َعلَى تَ ْركه‪.‬‬ ‫اح‪َ :‬ما ال يُثَ ُ‬ ‫َوال ُْمبَ ُ‬ ‫اب َعلَى ف ْعله َوالَ يُ َعاقَ ُ‬ ‫ب َعلَى ف ْعله‪.‬‬ ‫ور‪َ :‬ما يُثَ ُ‬ ‫الم ْحظُ ُ‬ ‫َو َ‬ ‫اب َعلَى تَ ْركه َويُ َعاقَ ُ‬ ‫ب َعلَى ف ْعله‪.‬‬ ‫َوال َْم ْك ُروهُ‪َ :‬ما يُثَ ُ‬ ‫اب َعلَى تَ ْركه َوالَ يُ َعاقَ ُ‬ ‫الصحي ُح‪َ :‬ما يَتَ َعلَّ ُق به النُّ ُفوذُ َويُ ْعتَ ُّد به‪.‬‬ ‫َو َّ‬ ‫َوال َفاس ُد‪َ :‬ما الَ يَتَ َعلَّ ُق به النُّ ُفوذُ َوالَ يُ ْعتَ ُّد به(‪.)1‬‬ ‫ما يف الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫فاملعرفة بالطريق األوىل ل تسمى فق اها؛ ألهنا ل حتتاج إىل بذل جهد بالبحث‬ ‫فقها؛ ألهنا حتتاج إىل بذل جهد‬ ‫والتأمل‪ ،‬واملعرفة بالطريق الثانية تسمى ا‬ ‫بالبحث والتأمل‪.‬‬ ‫اصطالحا‪ :‬له معنيان‪ :‬خاص‪ ،‬وعام‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬الفقه‬ ‫ا‬ ‫فهو باملعىن اخلاص كما ذكر املؤلف‪ :‬معرفة األحكام الشرعية اليت طريقها الجتهاد‪.‬‬ ‫وهو باملعىن العام‪ :‬معرفة األحكام الشرعية‪ ،‬سواء اليت طريقها الجتهاد‪ ،‬أو‬ ‫ليست طريقها الجتهاد‪ ،‬ولعل ذلك من باب التغليب؛ ألن غالب مسائل‬ ‫األحكام طريق معرفتها الجتهاد‪.‬‬ ‫(‪ )1‬لَ َّما ذكر املؤلف يف تعريف الفقه أنه معرفة األحكام الشرعية‪ ،‬ناسب أن يتكلم‬ ‫عن املعرفة‪ ،‬وعن األحكام‪ ،‬وابتدأ بالكالم عن األحكام‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪9‬‬

‫شرح الورقات‬

‫قوله‪( :‬واألحكام) أي الشرعية‪.‬‬ ‫(سبعة) أي أنواعها‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬الواجب‪ ،‬والمندوب‪ ،‬والمباح‪ ،‬والمحظور‪ ،‬والمكروه‪ ،‬والصحيح‪،‬‬ ‫والفاسد)‬ ‫هذه األحكام السبعة تنقسم إىل قسمني‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬أحكام تتعلق بالفعل قبل حدوثه‪.‬‬ ‫وهي مخسة أحكام‪ :‬الواجب‪ ،‬واملندوب‪ ،‬واملباح‪ ،‬واحملظور‪ ،‬واملكروه‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪ :‬أحكام تتعلق بالفعل بعد حدوثه‪.‬‬ ‫ومها حكمان‪ :‬الصحيح‪ ،‬والفاسد‪.‬‬ ‫مباحا‪ ،‬أو‬ ‫وعلى هذا فالفعل قبل حدوثه؛ إما أن يكون واجباا‪ ،‬أو مندوباا‪ ،‬أو ا‬ ‫مكروها‪.‬‬ ‫حمظورا‪ ،‬أو‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫فاسدا‪.‬‬ ‫وبعد حدوثه؛ إما أن يكون‬ ‫صحيحا‪ ،‬أو ا‬ ‫ا‬ ‫مثال ذلك‪" :‬صالة الفرض يف وقتها‪ ،‬وقبل وقتها"‪.‬‬ ‫فحكم الصالة قبل حدوثها يؤخذ من األحكام اخلمسة؛ فيقال‪ :‬الصالة يف‬ ‫وقتها واجبة‪ ،‬وقبل وقتها حمظورة‪.‬‬ ‫وحكم الصالة بعد حدوثها يؤخذ من احلكمني؛ فيقال‪ :‬الصالة يف وقتها‬ ‫صحيحة‪ ،‬وقبل وقتها فاسدة‪.‬‬ ‫مثال آخر‪" :‬شراء السلعة من مالكها‪ ،‬ومن ِ‬ ‫مغتصبها"‪.‬‬ ‫فحكم الشراء قبل حدوثه يؤخذ من األحكام اخلمسة؛ فيقال‪ :‬الشراء من‬ ‫املالك مباح‪ ،‬ومن ِ‬ ‫املغتصب حمظور‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪11‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وحكم الشراء بعد حدوثه يؤخذ من احلكمني؛ فيقال‪ :‬الشراء من املالك‬ ‫صحيح‪ ،‬ومن ِ‬ ‫املغتصب فاسد‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فالواجب) أي تعريفه‪.‬‬

‫(ما يثاب على فعله‪ ،‬ويعاقب على تركه)‬ ‫أي هو الشيء الذي يثاب فاعله على فعله‪ ،‬ويعاقب تاركه على تركه‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬الصلوات اخلمس‪ ،‬حكمها‪ :‬واجبة‪.‬‬ ‫يعين الذي يفعلها يثاب على فعلها‪ ،‬والذي يرتكها يعاقب على تركها‪.‬‬ ‫(والمندوب) أي تعريفه‪.‬‬

‫(ما يثاب على فعله‪ ،‬وال يعاقب على تركه)‬ ‫أي هو الشيء الذي يثاب فاعله على فعله‪ ،‬ول يعاقب تاركه على تركه‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬املناولة باليد اليمىن‪ ،‬حكمها‪ :‬مندوب‪.‬‬ ‫يعين الذي يفعلها يثاب على فعلها‪ ،‬والذي يرتكها ل يعاقب على تركها‪.‬‬ ‫وللمندوب أُساء أخرى‪ ،‬منها‪ :‬املستحب‪.‬‬ ‫(والمباح) أي تعريفه‪.‬‬

‫(ما ال يثاب على فعله‪ ،‬وال يعاقب على تركه)‬ ‫أي هو الشيء الذي ل يثاب فاعله على فعله‪ ،‬ول يعاقب تاركه على تركه‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬السفر‪ ،‬حكمه‪ :‬مباح‪.‬‬ ‫يعين الذي يسافر ل يثاب على سفره‪ ،‬والذي ل يسافر ل يعاقب على عدم‬ ‫سفره‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪11‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وهذا حكم املباح من حيث األصل‪ ،‬ولكن إذا كان وسيلة ملا يثاب به‪ ،‬أو‬ ‫يعاقب عليه؛ فحكمه حكم ما كان وسيلة له‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬من سافر يريد طلب العلم‪ ،‬فإنه يثاب على سفره‪.‬‬ ‫مثال آخر‪ :‬من سافر يريد الزنا أو شرب اخلمر‪ ،‬فإنه يعاقب على سفره‪.‬‬ ‫(والمحظور) أي تعريفه‪.‬‬

‫(ما يثاب على تركه‪ ،‬ويعاقب على فعله)‬ ‫أي هو الشيء الذي يثاب تاركه على تركه‪ ،‬ويعاقب فاعله على فعله‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬شرب اخلمر‪ ،‬حكمه‪ :‬حمظور‪.‬‬ ‫يعين الذي يرتكه يثاب على تركه‪ ،‬والذي يفعله يعاقب على فعله‪.‬‬ ‫وللمحظور أُساء أخرى‪ ،‬منها‪ :‬احلرام‪.‬‬ ‫(والمكروه) أي تعريفه‪.‬‬

‫(ما يثاب على تركه‪ ،‬وال يعاقب على فعله)‬ ‫أي هو الشيء الذي يثاب تاركه على تركه‪ ،‬ول يعاقب فاعله على فعله‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬املناولة باليد اليسرى‪ ،‬حكمها‪ :‬مكروه‪.‬‬ ‫يعين الذي يرتكها يثاب على تركها‪ ،‬والذي يفعلها ل يعاقب على فعلها‪.‬‬ ‫(والصحيح) أي تعريفه‪.‬‬

‫(ما يتعلق به النفوذ) أي يكون ناف اذا‪.‬‬ ‫(ويعتد به) أي يؤخذ به‪.‬‬ ‫(والفاسد) أي تعريفه‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪12‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(ما ال يتعلق به النفوذ) أي ل يكون ناف اذا‪.‬‬ ‫(وال يعتد به) أي ل يؤخذ به‪.‬‬

‫تنبيهات‪:‬‬ ‫التنبيه األول‪ :‬أن حمل الثواب والعقاب املذكورين يف تعريف األحكام اخلمسة‬ ‫إمنا هو يف اآلخرة‪.‬‬ ‫التنبيه الثاين‪ :‬أن املكلف يثاب على فعل الواجب واملندوب‪ ،‬وترك احملظور‬ ‫واملكروه‪ ،‬واملراد‪ :‬أنه يثاب إذا حقق شرطي اإلثابة‪ ،‬اللذين مها‪ :‬إخالص النية‪،‬‬ ‫وموافقة الشرع؛ ألن أي عمل خال من اإلخالص‪ ،‬أو غري موافق للشرع‪ ،‬فإنه‬ ‫ل ثواب عليه‪.‬‬ ‫مثال الفعل‪ :‬لو صلى رياءا أو ُسعة‪ ،‬فإنه ل يثاب على صالته؛ لعدم إخالص‬ ‫النية فيها‪.‬‬ ‫خملصا هلل تعاىل‪ ،‬ولكن بكيفية غري موافقة للشرع‪ ،‬كأن‬ ‫مثال آخر‪ :‬لو صلى ا‬ ‫عمدا‪ ،‬فإنه ل يثاب عليها؛ لعدم موافقتها للشرع‪.‬‬ ‫يصلي الظهر مخس ركعات ا‬ ‫مخرا‪ ،‬ولكنه تركه خوفاا من أن يقام عليه احلد‪،‬‬ ‫مثال الرتك‪ :‬لو أراد أن يشرب ا‬ ‫فإنه ل يثاب على ذلك‪.‬‬ ‫التنبيه الثالث‪ :‬أن املكلف يعاقب على ترك الواجب‪ ،‬وفعل احملظور‪ ،‬واملراد‪ :‬أنه‬ ‫ي ذنب دون الشرك قد يُغفر‪.‬‬ ‫يستحق أن يعاقب؛ ألن أ َّ‬ ‫التنبيه الرابع‪ :‬أن حمل النفوذ والعتداد املذكورين يف تعريف الصحيح والفاسد‬ ‫إمنا هو يف الدنيا ل يف اآلخرة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪13‬‬

‫شرح الورقات‬

‫التنبيه اخلامس‪ :‬أن النفوذ والعتداد خيتلفان حبسب نوع الفعل‪ ،‬ألن الفعل قد‬ ‫يكون من العبادات‪ ،‬وقد يكون من املعامالت‪.‬‬ ‫فإذا كان الفعل من العبادات‪:‬‬ ‫فاملراد بكونه ناف اذا يعتد به‪ :‬أنه ل يُطالَب بأداء الفعل مرة أخرى‪.‬‬ ‫واملراد بكونه غري نافذ ول يعتد به‪ :‬أنه يطالب بأداء الفعل مرة أخرى‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬رجل صلى صالة الظهر‪ ،‬وأمت شروطها وأركاهنا‪.‬‬ ‫حكم هذه الصالة‪ :‬صحيحة‪ ،‬أي نافذة‪ ،‬يعتد هبا‪ ،‬واملراد‪ :‬أنه ل يطالب‬ ‫بإعادهتا‪.‬‬ ‫مثال آخر‪ :‬رجل صلى الظهر‪ ،‬ومل يتم شروطها أو أركاهنا‪.‬‬ ‫حكم هذه الصالة‪ :‬فاسدة‪ ،‬أي غري نافذة‪ ،‬ل يعتد هبا‪ ،‬واملراد‪ :‬أنه يطالب‬ ‫بإعادهتا‪.‬‬ ‫وإذا كان الفعل من املعامالت‪:‬‬ ‫فاملراد بكونه ناف اذا‪ ،‬يعتد به‪ :‬أنه حيل له التصرف‪.‬‬ ‫واملراد بكونه غري نافذ‪ ،‬ل يعتد به‪ :‬أنه ل حيل له التصرف‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬رجل اشرتى بيتاا‪ ،‬ومتت شروط الشراء‪.‬‬ ‫حكم هذا الشراء‪ :‬صحيح‪ ،‬أي نافذ‪ ،‬يعتد به‪ ،‬واملراد‪ :‬أنه حيل له التصرف يف‬ ‫البيت‪ ،‬من سكىن‪ ،‬وتأجري‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫مثال آخر‪ :‬رجل اشرتى بيتاا‪ ،‬ومل تتم شروط الشراء‪.‬‬ ‫حكم هذا الشراء‪ :‬فاسد‪ ،‬أي غري نافذ‪ ،‬ل يعتد به‪ ،‬واملراد‪ :‬أنه ل َحيل له‬ ‫التصرف يف البيت‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪14‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ص م َن العلْم‪.‬‬ ‫َخ ُّ‬ ‫َوالف ْقهُ‪ :‬أ َ‬

‫الواقع‪.‬‬ ‫ْم‪َ :‬م ْعرفَةُ َ‬ ‫الم ْعلُوم َعلَى َما ُه َو به في َ‬ ‫َوالعل ُ‬ ‫ص ُّوُر َّ‬ ‫الواقع‪.‬‬ ‫الج ْه ُل‪ :‬تَ َ‬ ‫َو َ‬ ‫الش ْيء َعلَى خالَف َما ُه َو به في َ‬ ‫است ْدالل‪.‬‬ ‫َّرور ُّ‬ ‫ي‪َ :‬ما الَ يَ َق ُع َع ْن نَظَر َو ْ‬ ‫ْم الض ُ‬ ‫َوالعل ُ‬

‫االست ْدالل‪.‬‬ ‫الم ْوقُ ُ‬ ‫وف َعلَى النَّظَر َو ْ‬ ‫ب‪ :‬فَ ُه َو َ‬ ‫ْم ُ‬ ‫سُ‬ ‫الم ْكتَ َ‬ ‫َوأ ََّما العل ُ‬

‫الم ْنظُور فيه‪.‬‬ ‫َوالنَّظَُر‪ُ :‬ه َو الف ْك ُر في َحال َ‬

‫ب َّ‬ ‫الدليل‪.‬‬ ‫االست ْد ُ‬ ‫َو ْ‬ ‫الل‪ :‬طَلَ ُ‬ ‫َو َّ‬ ‫المطْلُوب‪.‬‬ ‫الم ْرش ُد إلى َ‬ ‫يل‪ُ :‬ه َو ُ‬ ‫الدل ُ‬ ‫اآلخر‪.‬‬ ‫َح ُد ُه َما أَظ َْه ُر م َن َ‬ ‫َوالظَّ ُّن‪ :‬تَ ْجو ُيز أ َْم َريْن أ َ‬ ‫َو َّ‬ ‫الش ُّ‬ ‫اآلخر(‪.)1‬‬ ‫َحده َما َعلَى َ‬ ‫ك‪ :‬تَ ْجو ُيز أ َْم َريْن ال م ْزيَةَ أل َ‬ ‫(‪ )1‬تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر يف تعريف الفقه أنه معرفة األحكام الشرعية‪ ،‬ناسب‬ ‫أن يتكلم عن املعرفة‪ ،‬وعن األحكام‪ ،‬وابتدأ بالكالم عن األحكام‪.‬‬ ‫ولَ َّما انتهى من الكالم عن األحكام ثـَ َّىن بالكالم عن املعرفة‪ ،‬فذكر أقسامها‬ ‫وعرف كل قسم‪.‬‬ ‫الثالثة؛ اليت هي‪ :‬العلم‪ ،‬والظن‪ ،‬والشك‪َّ ،‬‬ ‫قوله‪( :‬والفقه أخص من العلم‪ ،‬والعلم‪ :‬معرفة المعلوم على ما هو به في‬ ‫الواقع)‬ ‫هذا تعريف القسم األول؛ الذي هو‪ :‬العلم‪.‬‬

‫(والفقه أخص من العلم) أي أن العلم أعم من الفقه‪ ،‬والفقه يوافق بعض‬

‫معىن العلم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪15‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وسأوضح هذا إن شاء اهلل تعاىل بعد الفراغ من الكالم عن العلم‪.‬‬ ‫(والعلم) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع)‬ ‫أي هو معرفة الشيء معرفةا موافقة لِما هو عليه يف الواقع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املسجد" ومن حيث الواقع ذهب زيد‬ ‫ذهب زيد إىل‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قل َ‬ ‫ت‪َ " :‬‬ ‫علما‪.‬‬ ‫إىل املسجد‪ ،‬فهذه املعرفة منك تسمى ا‬ ‫قوله‪( :‬والجهل‪ :‬تصور الشيء على خالف ما هو به في الواقع)‬ ‫لَ َّما َعَّرف العلم ناسب أن يعرف ضده؛ ليتضح معىن العلم َمتام التضاح‪،‬‬ ‫فتعريفه للجهل عارض‪ ،‬وِهلذا بعد تعريفه للجهل سيعود للكالم عن العلم‪.‬‬ ‫(والجهل) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(تصور الشيء على خالف ما هو به في الواقع)‬ ‫أي هو ختيل الشيء ختيالا خمال افا ملا هو عليه يف الواقع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املسجد" وكان هذا التخيل منك خمال افا‬ ‫ذهب زيد إىل‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قلت‪َ " :‬‬ ‫للواقع‪ ،‬أي من حيث الواقع مل يذهب زيد إىل املسجد‪ ،‬فهذا التخيل يسمى‬ ‫جهالا‪.‬‬ ‫ومل يقل املؤلف يف تعريف اجلهل أنه معرفة الشيء على خالف ما هو به‪ ،‬بل‬ ‫قال‪ :‬تصور الشيء‪ ،‬وذلك ألن اجلهل ليس مبعرفة‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬أصل اجلهل‪ :‬عدم املعرفة‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬جهل بسيط‪ ،‬وهو‪ :‬أن ل تعرف‪ ،‬وتدري أنك ل تعرف‪.‬‬ ‫ذهب زيد"‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قلت‪" :‬ل أدري أين َ‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪16‬‬

‫شرح الورقات‬

‫فأنت ل تعرف أين ذهب‪ ،‬وتدري أنك ل تعرف‪ ،‬فهذا يسمى جهالا بسيطاا‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬جهل مركب‪ ،‬وهو‪ :‬أن ل تعرف‪ ،‬ول تدري أنك ل تعرف‪.‬‬ ‫متصورا ذلك‪ ،‬وهو يف الوقع مل‬ ‫ذهب زيد إىل املسجد"‬ ‫ا‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قلت‪َ " :‬‬ ‫يذهب إىل املسجد‪.‬‬ ‫فأنت ل تعرف أنه مل يذهب إىل املسجد‪ ،‬ول تدري أنك ل تعرف‪ ،‬فهذا‬ ‫يسمى جهالا مركباا‪ ،‬وهذا النوع هو الذي قصده املؤلف يف كالمه السابق حني‬ ‫عرف اجلهل‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والعلم الضروري‪ :‬ما ال يقع عن نظر واستدالل‪ ،‬وأما العلم‬ ‫المكتسب‪ :‬فهو الموقوف على النظر واالستدالل)‬ ‫لَ َّما عرف العلم ذكر بعد ذلك نوعيه‪ ،‬وعرف كل نوع‪.‬‬ ‫(والعلم الضروري) هذا النوع األول‪.‬‬ ‫(ما ال يقع) أي ل حيصل‪.‬‬

‫(عن نظر واستدالل) أي عن اجتهاد‪.‬‬ ‫أي هو العلم الذي حصوله مل حيتج إىل اجتهاد‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬معرفة أن الصلوات اخلمس واجبة‪.‬‬ ‫فمعرفة أن الصلوات اخلمس واجبة حصلت من غري اجتهاد؛ ألن األدلة عليها‬ ‫واضحة‪.‬‬ ‫علما ضرورياا؛ لضرورة التسليم هلا مباشرة‪ ،‬من غري توقف‬ ‫وهذه املعرفة تسمى ا‬ ‫لالجتهاد‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪17‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(وأما العلم المكتسب) هذا النوع الثاين‪.‬‬ ‫(فهو الموقوف) أي الذي ُوقِف‪ ،‬مبعىن حصل‪.‬‬ ‫(على النظر واالستدالل) أي الجتهاد‪.‬‬ ‫أي هو العلم الذي حصوله احتاج إىل اجتهاد‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬معرفة أن اجلماع من غري إنزال يوجب الغسل‪.‬‬ ‫فمعرفة ذلك حصلت بالجتهاد؛ ألن األدلة عليها غري متضحة‪ ،‬وذلك‬ ‫لتعارضها‪ ،‬فمنها ما يدل على وجوب الغسل‪ ،‬ومنها ما يدل على عدم‬ ‫الوجوب‪ ،‬مث ملا ُحبث يف األدلة كانت النتيجة التفاق على وجوب الغسل‪،‬‬ ‫و ُِ‬ ‫ُحلَت أدلة عدم الوجوب على أهنا منسوخة‪ ،‬وأدلة الوجوب على أهنا ناسخة‪.‬‬ ‫علما مكتسباا؛ ألنه‬ ‫فمعرفة أن اجلماع من غري إنزال يوجب الغسل تسمى ا‬ ‫حصل بالكتساب أي بعد الجتهاد‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه‪ ،‬واالستدالل طلب الدليل‪،‬‬ ‫والدليل هو المرشد إلى المطلوب)‬ ‫لَ َّما ذكر يف التعريفني السابقني‪ :‬النظر‪ ،‬والستدلل‪ ،‬ناسب أن يعرف كل واحد‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫منهما‪ ،‬ولَ َّما ذكر يف تعريف الستدلل‪ :‬لفظ الدليل‪ ،‬ناسب أن يعرفه ا‬ ‫(والنظر) أي تعريفه‪.‬‬

‫(هو الفكر في حال المنظور فيه) أي هو التفكر يف حال الشيء الذي نُ ِظر‬

‫فيه‪.‬‬ ‫واملراد به‪ :‬املسألة اليت يراد معرفة حكمها‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪18‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(واالستدالل) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(طلب الدليل) أي هو البحث عن الدليل‪ ،‬يعين املتعلق باملسألة‪.‬‬ ‫(والدليل) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(هو المرشد إلى المطلوب) أي هو املوصل إىل الشيء الذي يُطلب يعين احلكم‪.‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬مسألة "اجلماع من غري إنزال‪ ،‬هل يوجب الغسل أو ل"؟‬ ‫نظرا‪.‬‬ ‫فالتفكر يف املسألة ملعرفة حكمها يسمى ا‬ ‫والبحث عن الدليل املتعلق هبا يسمى استدللا‪.‬‬ ‫وقوله ‪" :‬إذا جلس بني شعبها األربع‪ ،‬ومس اخلتان اخلتان‪ ،‬فقد وجب‬ ‫الغسل" أخرجه مسلم (‪ )449‬من حديث عائشة‪ ،‬هذا احلديث أوصلنا إىل‬ ‫الشيء الذي نطلبه‪ ،‬وهو احلكم‪ ،‬فهذا احلديث يسمى دليالا‪.‬‬ ‫تتمة‪ :‬تقدم أن املؤلف قال‪( :‬الفقه أخص من العلم)‬

‫ووجه ذلك‪ :‬أن الفقه هو املعرفة احلاصلة بالجتهاد‪ ،‬والعلم هو املعرفة اجملزوم‬ ‫هبا‪ ،‬وهو يشمل نوعني‪ :‬أحدمها‪ :‬املعرفة اجملزوم ِهبا احلاصلة من غري اجتهاد‪،‬‬ ‫والثاين‪ :‬املعرفة اجملزوم هبا احلاصلة بالجتهاد‪ ،‬وهلذا فالعلم أعم ألنه يشمل‬ ‫النوعني‪ ،‬والفقه أخص ألنه يوافق الثاين منهما فقط‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والظن‪ :‬تجويز أمرين‪ ،‬أحدهما أظهر من اآلخر) هذا القسم الثاين‬ ‫من أقسام املعرفة‪.‬‬ ‫(والظن) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(تجويز أمرين‪ ،‬أحدهما أظهر من اآلخر)‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪19‬‬

‫شرح الورقات‬

‫االست ْدالَل ب َها(‪.)1‬‬ ‫ُصول الف ْقه‪ :‬طُ​ُرقُهُ َعلَى َسبيل اإل ْج َمال َوَك ْيفيَّةُ ْ‬ ‫ْم أ ُ‬ ‫َوعل ُ‬ ‫أي احتمال أمرين‪ ،‬أحدمها أقوى احتمالا من اآلخر‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قلت‪" :‬ذهب زيد إىل املسجد‪ ،‬وقد يكو ُن ذهب إىل ِ‬ ‫السوق"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يدا ذهب إىل املسجد‪ ،‬وحيتمل أنه‬ ‫فهذا يسمى ظناا‪ ،‬ألنه حيتمل عندك أن ز ا‬ ‫ذهب إىل السوق‪ ،‬لكن الحتمال األول عندك أقوى‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والشك‪ :‬تجويز أمرين‪ ،‬ال مزية ألحدهما على اآلخر)‬ ‫هذا القسم الثالث من أقسام املعرفة‪.‬‬

‫(والشك) أي تعريفه‪.‬‬

‫(تَجويز أمرين‪ ،‬ال مزية ألحدهما على اآلخر)‬

‫(‪)1‬‬

‫أي احتمال أمرين متساويني يف الحتمال‪ ،‬ليس أحدمها أقوى من اآلخر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املسجد أو إىل ِ‬ ‫السوق"‪.‬‬ ‫ذهب زيد إىل‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قلت‪َ " :‬‬ ‫يدا ذهب إىل املسجد‪ ،‬وحيتمل أنه‬ ‫فهذا يسمى ش اكا‪ ،‬ألنه حيتمل عندك أن ز ا‬ ‫ذهب إىل السوق‪ ،‬والحتمالن عندك متساويان‪ ،‬ليس أحدمها أقوى من‬ ‫اآلخر‪.‬‬ ‫لَ َّما انتهى املؤلف من تعريف "أصول الفقه" باعتبار مفرديه‪ ،‬ناسب أن َخيتم‬ ‫التمهيد بتعريف علم أصول الفقه‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وعلم أصول الفقه) أي تعريفه‪.‬‬

‫(طرقه على سبيل اإلجمال‪ ،‬وكيفية االستدالل بها)‬ ‫بناءا على هذا التعريف فإن علم أصول الفقه يتضمن ركنني‪:‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪21‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الركن األول‪ :‬طرق الفقه على سبيل اإلمجال‪ ،‬واملراد‪ :‬معرفة القواعد اليت هبا‬ ‫ينضبط استخراج األحكام من األدلة‪.‬‬ ‫الركن الثاين‪ :‬كيفية الستدلل هبا‪ ،‬واملراد‪ :‬معرفة كيفية تطبيق القواعد يف‬ ‫األدلة‪.‬‬ ‫وكالم املؤلف الذي سيأيت إمنا هو شرح هلذين الركنني‪.‬‬ ‫مثال معرفة القواعد اليت هبا ينضبط استخراج األحكام من األدلة‪ :‬قال اهلل‬ ‫تعاىل‪ :‬ﮋﮛ ﮜﮊ [البقرة‪.]43:‬‬ ‫فهذا دليل من القرآن على األمر بالصالة‪.‬‬ ‫وقال األصوليون‪" :‬األصل يف األمر الوجوب‪ ،‬إل لصارف"‪.‬‬ ‫فهذه قاعدة هبا ينضبط استخراج احلكم من الدليل‪.‬‬ ‫فالدليل السابق يدل على األمر بفعل الصالة‪ ،‬وليس فيه بيان نوع األمر هل‬ ‫هو للوجوب‪ ،‬أو للندب‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬ ‫مل على‬ ‫والقاعدة األصولية تدل على أن أ َّ‬ ‫ي أمر يف الكتاب والسنة فإنه ُحي ُ‬ ‫صارف‬ ‫الوجوب‪ ،‬إل إذا ُوجد صارف يصرفه إىل غري ذلك‪ ،‬ولكونه مل يُوجد َ‬ ‫عن الوجوب يف األمر بالصالة ُِ‬ ‫ُحل على الوجوب‪.‬‬ ‫فبهذه القاعدة انضبط استخراج احلكم من الدليل‪.‬‬ ‫وسأذكر يف شرح الفقرة التالية ـ إن شاء اهلل تعاىل ـ فائدة معرفة كيفية تطبيق‬ ‫القواعد يف األدلة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪21‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ا‬ ‫[أبواب أصول الفقه إمجال]‬

‫ُصول الف ْقه‪:‬‬ ‫اب أ ُ‬ ‫َوأَبْ َو ُ‬ ‫اص‪َ ،‬وال ُْم ْج َم ُل َوال ُْمبَ يَّ ُن‪،‬‬ ‫الع ُّ‬ ‫ْخ ُّ‬ ‫ام َوال َ‬ ‫ام ال َكالَم‪َ ،‬واأل َْم ُر ُوالن ْ‬ ‫َّه ُي‪َ ،‬و َ‬ ‫ْس ُ‬ ‫أَق َ‬ ‫َّ‬ ‫الم ْستَ ْفتي(‪.)1‬‬ ‫َواألَفْ َع ُ‬ ‫س ُ‬ ‫الم ْفتي َو ُ‬ ‫يب األَدلة‪َ ،‬وص َفةُ ُ‬ ‫وخ‪َ ،‬وتَ ْرت ُ‬ ‫ال‪َ ،‬والنَّاس ُخ َوال َْمنْ ُ‬ ‫(‪)1‬‬

‫لَ َّما انتهى املؤلف من القسم األول؛ الذي هو‪ :‬التمهيد‪ ،‬انتقل إىل القسم‬ ‫الثاين؛ الذي هو‪ :‬الكالم عن املوضوع الذي من أجله ألف هذا الكتاب‪،‬‬ ‫وهو‪ :‬ذكر أبواب أصول الفقه إمجالا وتفصيالا‪.‬‬ ‫فبدأ بذكر هذه األبواب إمجالا‪ ،‬مث سيشرع يف ذكرها تفصيالا حبسب الرتتيب‬ ‫اإلمجايل‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وأبواب أصول الفقه) أبواب‪ :‬مجع باب‪ ،‬واملراد به النوع‪.‬‬ ‫يعين األنواع اليت تشملها أصول الفقه‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬قال املؤلف يف أول الكتاب‪( :‬فصول من أصول الفقه) وقال هنا‪:‬‬ ‫(وأبواب أصول الفقه) ومراده بالفصول هناك نفس مراده باألبواب هنا‪.‬‬ ‫وعادة املؤلفني أن املواضيع إذا تنوعت فإهنم يقسموهنا إىل كتب‪ ،‬أو أبواب‪ ،‬أو‬ ‫فصول‪ ،‬والذي استقر عليه عمل املتأخرين أن الكتب أعم من األبواب‪ ،‬واألبواب‬ ‫أعم من الفصول‪ ،‬وعلى هذا فإهنم قد يقسمون املواضيع إىل كتب‪ ،‬وقد‬ ‫يقسمون الكتاب الواحد إىل أبواب‪ ،‬وقد يقسمون الباب الواحد إىل فصول‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪22‬‬

‫شرح الورقات‬

‫قوله‪( :‬أقسام الكالم‪ ،‬واألمر والنهي‪ ،‬والعام والخاص‪ ،‬والمجمل والمبين‪،‬‬ ‫واألفعال) هذه األبواب اخلمسة تتعلق بالقواعد‪ ،‬اليت هي الركن األول من ركين‬ ‫أصول الفقه‪.‬‬ ‫وكيفية تقسيم هذه األبواب إىل قواعد تكون كالتايل‪:‬‬ ‫الباب األول‪ :‬أقسام الكالم‪ ،‬وهو يتضمن قاعدتني‪.‬‬ ‫الباب الثاين‪ :‬األمر والنهي‪ ،‬وهو فرع عن القاعدة األوىل‪.‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬العام واخلاص‪ ،‬وهو يتضمن القاعدة الثالثة‪.‬‬ ‫الباب الرابع‪ :‬اجململ واملبني‪ ،‬وهو يتضمن القاعدة الرابعة‪.‬‬ ‫الباب اخلامس‪ :‬األفعال‪ ،‬وهو يتضمن القاعدة اخلامسة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والناسخ والمنسوخ‪ ،‬وترتيب األدلة‪ ،‬وصفة المفتي والمستفتي) هذه‬

‫األبواب الثالثة تتعلق بكيفية تطبيق القواعد‪ ،‬اليت هي‪ :‬الركن الثاين من ركين‬ ‫أصول الفقه‪.‬‬ ‫ففائدة معرفة الناسخ واملنسوخ أن القواعد تطبق يف الناسخ دون املنسوخ‪.‬‬ ‫وفائدة معرفة ترتيب األدلة ـ أي الرتجيح بينها ـ أن القواعد تطبق يف الراجح‬ ‫دون املرجوح‪.‬‬ ‫عرف َمن هو املفيت املؤهل لتطبيق هذه‬ ‫وفائدة معرفة صفة املفيت واملستفيت‪ :‬يُ ُ‬ ‫القواعد‪ ،‬واملستفيت غري املؤهل للتطبيق‪ ،‬بل فرضه التقليد ل غري‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن أبواب أصول الفقه حبسب ما ذكر املؤلف مثانية أبواب‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪23‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[أقسام الكالم]‬

‫ام ال َكالم(‪:)1‬‬ ‫ْس ُ‬ ‫فَأ ََّما أَق َ‬ ‫ب م ْنهُ ال َكالَ ُم‪:‬‬ ‫فَأَقَ ُّل َما يَتَ َرَّك ُ‬ ‫ف(‪.)2‬‬ ‫اس ٌم َو َح ْر ٌ‬ ‫اس ٌم َوف ْع ٌل‪ ،‬أ َْو ف ْع ٌل َو َح ْر ٌ‬ ‫ف‪ ،‬أ َْو ْ‬ ‫اس َمان‪ ،‬أ َْو ْ‬ ‫ْ‬ ‫(‪ )1‬هذا الباب األول‪ ،‬وهو أقسام الكالم‪.‬‬ ‫ويتضمن هذا الباب قاعدتني من أقسام الكالم‪ ،‬وألن تقسيم الشيء فرع عن‬ ‫معرفته‪ ،‬بدأ املؤلف بذكر تعريف الكالم قبل تقسيمه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذا تعريف الكالم‪ ،‬وذكره املؤلف باعتبار أقل ما يرتكب منه‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فأقل ما يتركب منه الكالم) أي أقل عدد للكلمات الذي يتكون منه الكالم‪.‬‬ ‫(اسمان) أي يتكون من اُسني‪ ،‬مثاله‪" :‬زيد قائم"‪.‬‬ ‫قام"‪.‬‬ ‫قام زيد" و"زيد َ‬ ‫(أو اسم وفعل) أي أو يتكون من اسم وفعل‪ ،‬مثاله‪َ " :‬‬ ‫(أو فعل وحرف) أي أو يتكون من فعل وحرف‪ ،‬مثاله‪" :‬مل يقم"‪.‬‬ ‫يد"‪.‬‬ ‫(أو اسم وحرف) أي أو يتكون من اسم وحرف‪ ،‬مثاله‪" :‬يا ز ُ‬ ‫فائدة‪ :‬هذه الصورة ـ أعين السم واحلرف ـ حمصورة يف النداء فقط‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن الكالم باعتبار أقل ما يرتكب منه هو‪ :‬ما تركب من كلمتني‪ ،‬وله‬ ‫أربع صور‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪24‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َوال َكالَ ُم يَ ْن َقس ُم إلى‪:‬‬

‫است ْخبَار(‪.)1‬‬ ‫أ َْمر َونَ ْهي‪َ ،‬و َخبَر َو ْ‬

‫تنبيه‪ :‬ما ذكره املؤلف يف أقل ما يرتكب منه الكالم اعتَبَـَر فيه الظاهر دون‬ ‫َّ‬ ‫املقدر‪.‬‬ ‫فقلت‪" :‬مل يقم" فقولك‪" :‬مل يقم" هذه‬ ‫قام زيد"؟ َ‬ ‫فمثالا إذا قيل لك‪" :‬هل َ‬ ‫الصورة من حيث الظاهر تتضمن كلمتني؛ حرف وفعل‪ ،‬ولو اعتربنا فيها‬ ‫التقدير لكانت متضمنة ثالث كلمات‪ ،‬ألن "مل يقم" فيه فاعل مقدر‪،‬‬ ‫والتقدير "مل يقم زيد"‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذه القاعدة األوىل‪.‬‬ ‫وهي أقسام الكالم باعتبار دللة اللفظ على املعىن‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والكالم ينقسم) أي باعتبار دللة اللفظ على املعىن‪.‬‬ ‫(إلى أمر) األمر معناه‪ :‬طلب الفعل‪.‬‬ ‫مثاله‪" :‬اذهب"‪.‬‬ ‫(ونهي) النهي معناه‪ :‬طلب الرتك‪.‬‬ ‫مثاله‪" :‬ل تذهب"‪.‬‬ ‫وسيذكر املؤلف فيما بعد تعريف األمر والنهي أدق من هذا التعريف‪.‬‬ ‫(وخبر) اخلرب معناه‪ :‬احلكاية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املسجد"‪.‬‬ ‫ذهب زيد إىل‬ ‫مثاله‪َ " :‬‬ ‫أيضا فيما بعد تعريف اخلرب‪.‬‬ ‫وسيذكر املؤلف ا‬ ‫(واستخبار) الستخبار معناه‪ :‬طلب اخلرب‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪25‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َويَ ْن َقس ُم أَيْضا ال َكالَ ُم إلى‪:‬‬

‫سم(‪.)1‬‬ ‫تَ َم ٍّن َو َع ْرض َوقَ َ‬

‫أيضا الستفهام‪.‬‬ ‫ويسمى ا‬ ‫ذهب زيد؟"‪.‬‬ ‫أين َ‬ ‫مثاله‪َ " :‬‬ ‫(‪ )1‬يشري إىل أن ِمن األصوليني َمن مل حيصر تقسيم الكالم هبذا العتبار على أربعة‬ ‫أقسام‪ ،‬بل زادوا عليها‪ ،‬ومما زادوه هذه األقسام الثالثة‪.‬‬ ‫ائدا على األقسام األربعة املتقدمة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وينقسم أيضا الكالم) أي‬ ‫تقسيما ز ا‬ ‫ا‬ ‫(إلى تمن) التمين معناه‪ :‬طلب املستحيل‪ ،‬أو ما فيه عسر‪.‬‬ ‫يعود"‪.‬‬ ‫ليت‬ ‫الشباب ُ‬ ‫فمثال طلب املستحيل‪َ " :‬‬ ‫َ‬ ‫ينجح"‪.‬‬ ‫ليت َ‬ ‫ومثال طلب ما فيه عسر‪َ " :‬‬ ‫البليد ُ‬ ‫(وعرض) العرض معناه‪ :‬الطلب برفق‪.‬‬ ‫فنكرمك"‪.‬‬ ‫مثاله‪" :‬أل تأتينا َ‬ ‫(وقسم) القسم معناه‪ :‬احلَلِف‪ ،‬واليمني‪.‬‬ ‫مثاله‪" :‬واهللِ"‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن أقسام الكالم باعتبار دللة اللفظ على املعىن‪ ،‬فيه قولن‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬أنه أربعة أقسام‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬أنه أكثر من أربعة أقسام‪.‬‬ ‫وظاهر تصرف املؤلف يدل على أنه خيتار القول األول؛ لكونه قدمه بالذكر‪.‬‬ ‫وعلى هذا القول تكون بقية األقسام داخلة يف هذه األقسام األربعة‪ ،‬فالتمين‬ ‫والقسم يدخالن يف اخلرب‪ ،‬والعرض يدخل يف الستخبار‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪26‬‬

‫شرح الورقات‬

‫آخ َر يَ ْن َقس ُم إلى‪:‬‬ ‫َوم ْن َو ْجه َ‬ ‫َحقي َقة َوَم َجاز(‪.)1‬‬ ‫ضوعه‪.‬‬ ‫االست ْع َمال َعلَى َم ْو ُ‬ ‫الحقي َقةُ‪َ :‬ما بَق َي في ْ‬ ‫فَ َ‬ ‫الم َخاطَبَة‪.‬‬ ‫يما ْ‬ ‫َوقي َل‪َ :‬ما ْ‬ ‫اصطُل َح َعلَْيه م َن ُ‬ ‫استُ ْعم َل ف َ‬ ‫ضوعه(‪.)2‬‬ ‫از‪َ :‬ما تُ ُج ِّوَز َع ْن َم ْو ُ‬ ‫الم َج ُ‬ ‫َو َ‬ ‫(‪ )1‬هذه القاعدة الثانية‪.‬‬ ‫وهي أقسام الكالم باعتبار استعمال اللفظ يف املعىن الذي دل عليه‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ومن وجه آخر) أي باعتبار آخر‪ ،‬غري العتبار األول‪.‬‬ ‫(ينقسم) أي الكالم‪.‬‬ ‫(إلى حقيقة ومجاز) أي إىل هذين القسمني‪.‬‬ ‫وسيذكر املؤلف عنهما مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬التعريف‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬األنواع‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث األول؛ وهو‪ :‬تعريف احلقيقة واجملاز‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فالحقيقة) أي تعريفها‪.‬‬ ‫(ما بقي في االستعمال على موضوعه)‬ ‫أي هو اللفظ الذي استُـع ِمل يف املعىن الذي ُو ِضع له ابتداءا‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬كلمة "أسد"‪.‬‬ ‫أسدا يف‬ ‫أيت ا‬ ‫فهذه الكلمة يف اللغة تطلق على احليوان املعروف‪ ،‬كقولك‪" :‬ر ُ‬ ‫ِ‬ ‫يقاتل يف‬ ‫أيت ا‬ ‫القفص"‪ ،‬وتطلق ا‬ ‫أيضا على الرجل الشجاع‪ ،‬كقولك‪" :‬ر ُ‬ ‫أسدا ُ‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪27‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ِ‬ ‫أيضا باملعىن‬ ‫املعركة"‪ ،‬لكن هي ِوضعت ابتداءا باملعىن األول‪ ،‬مث صارت تطلق ا‬ ‫الثاين‪ ،‬فعلى هذا التعريف تكون كلمة "أسد" باملعىن األول حقيقة‪ ،‬وباملعىن‬ ‫الثاين جماز‪.‬‬ ‫(وقيل) أي يف تعريف آخر للحقيقة‪.‬‬ ‫(ما استعمل فيما اصطلح عليه) أي اتُِفق عليه‪.‬‬ ‫(من المخاطبة) أي من قِبَ ِل املتخاطبني‪.‬‬ ‫يعين هو اللفظ الذي استعمل يف املعىن الذي اتفق عليه املتخاطبون‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬كلمة "أسد"‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫فهذه الكلمة ـ كما تقدم ـ يف اللغة تطلق على احليوان املعروف‪ ،‬وتطلق ا‬ ‫على الرجل الشجاع‪ ،‬وعلى هذا التعريف تكون كلمة "أسد" بكال املعنيني‬ ‫حقيقة؛ ألن أهل اللغة اتفقوا باملخاطبة بكال املعنيني‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن تعريف احلقيقة فيه قولن‪ ،‬وظاهر تصرف املؤلف أنه خيتار القول‬ ‫األول؛ لكونه قدمه بالذكر‪ ،‬وكذلك تعريفه للمجاز يدل على ذلك‪.‬‬ ‫(والمجاز) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(ما تُ ُج ِّوز عن موضوعه)‬ ‫(تُ ُج ِّوز) بضم التاء واجليم‪ ،‬وتشديد الواو وكسرها‪ :‬أي تُعدي به‪.‬‬ ‫يعين هو اللفظ الذي استعمل يف غري املعىن الذي وضع له ابتداءا‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬كلمة "أسد"‪.‬‬ ‫فهذه الكلمة إذا أريد ِهبا الرجل الشجاع فهي جماز؛ أل َّهنا استعملت يف غري‬ ‫املعىن الذي وضعت له ابتداءا‪ ،‬وهو احليوان املعروف‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪28‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الحقي َقةُ‪ :‬إ َّما لُغَويَّةٌ وإ َّما َش ْرعيَّةٌ َوإ َّما عُ ْرفيَّةٌ‪.‬‬ ‫َو َ‬ ‫ارة‪.‬‬ ‫الم َج ُ‬ ‫از‪ :‬إ َّما أَ ْن يَ ُكو َن بزيَ َ‬ ‫صان أ َْو نَ ْقل أ َْو ْ‬ ‫ادة أ َْو نُ ْق َ‬ ‫است َع َ‬ ‫َو َ‬ ‫ادة مثْ ُل قَ ْوله تَ َعالَى‪ :‬ﮋ ﭡ ﭢﭣ ﮊ [الشورى‪.]11 :‬‬ ‫از ب ِّ‬ ‫الم َج ُ‬ ‫الزيَ َ‬ ‫فَ َ‬ ‫صان مثْ ُل قَ ْوله تَ َعالَى‪ :‬ﮋﮚ ﮛ ﮊ [يوسف‪.]82 :‬‬ ‫الم َج ُ‬ ‫از بالنُّ ْق َ‬ ‫َو َ‬ ‫سان‪.‬‬ ‫الم َج ُ‬ ‫يما يَ ْخ ُر ُ‬ ‫از بالنَّ ْقل َكالغَائط ف َ‬ ‫َو َ‬ ‫ج م َن اإلنْ َ‬ ‫ارة َك َق ْوله تَ َعالَى‪ :‬ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ [الكهف‪.)1(]77 :‬‬ ‫الم َج ُ‬ ‫از ب ْ‬ ‫االست َع َ‬ ‫َو َ‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬أنواع احلقيقة واجملاز‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والحقيقة إما لغوية‪ ،‬وإما شرعية‪ ،‬وإما عرفية) أي احلقيقة ثالثة أنواع‪،‬‬ ‫وهذا التنويع مبين على التعريف الثاين للحقيقة ل التعريف األول‪:‬‬ ‫األول‪ :‬احلقيقة اللغوية؛ وهي‪ :‬اللفظ املستعمل فيما وضعه أهل اللغة ابتداءا‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬كلمة "أسد" فهذه الكلمة وضعها أهل اللغة ابتداءا للدللة على‬ ‫احليوان املعروف‪ ،‬فهي هبذا املعىن حقيقة لغوية‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬احلقيقة الشرعية؛ وهي‪ :‬اللفظ املستعمل فيما وضعه الشارع ابتداءا‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬كلمة "صالة" فهذه الكلمة وضعها الشارع ابتداءا للدللة على‬ ‫العبادة املعروفة‪ ،‬وهي يف اللغة معناها‪ :‬الدعاء‪.‬‬ ‫فإذا استعملت كلمة "صالة" للدللة على العبادة املعروفة فهي حقيقة شرعية‪.‬‬ ‫وإذا استعملت مبعىن الدعاء فهي حقيقة لغوية‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬احلقيقة العرفية؛ وهي‪ :‬اللفظ املستعمل يف املعىن الذي تعارف عليه الناس‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬كلمة "سيارة" فهذه الكلمة تعارف الناس على استعماهلا للدللة‬ ‫على وسيلة النقل املعروفة‪ ،‬فهي هبذا املعىن حقيقة عرفية‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪29‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(والمجاز إما أن يكون بزيادة‪ ،‬أو نقصان‪ ،‬أو نقل‪ ،‬أو استعارة) أي اجملاز‬ ‫أربعة أنواع‪.‬‬ ‫األول‪ :‬اجملاز بالزيادة‪ ،‬وهو‪ :‬أن تُزاد لفظة يف الكالم‪ ،‬حبيث لو ُح ِذفت لصح‬ ‫الكالم بدوهنا‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬اجملاز بالنقصان‪ ،‬وهو‪ :‬أن ُحتذف لفظة من الكالم‪ ،‬حبيث لو مل تُـ َق َّدر‬ ‫لَما صح الكالم بدوهنا‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬اجملاز بالنقل‪ ،‬وهو‪ :‬أن تُنقل لفظة عن معناها األصلي إىل معىن آخر‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬اجملاز بالستعارة‪ ،‬وهو‪ :‬أن تستعار لفظة عن معناها األصلي إىل معىن‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫(فالمجاز بالزيادة‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭡ ﭢﭣ ﮊ)‬ ‫وجه الزيادة‪ :‬هو زيادة الكاف يف قوله‪ :‬ﮋ ﭢﮊ حبيث لو ُح ِذفت لصح‬ ‫الكالم بدوهنا؛ فيقال‪ :‬ليس مثله شيء‪ ،‬ووجه اجملاز يف هذه الزيادة‪ :‬أن‬ ‫الكاف تدل على التمثيل؛ واستعملت هنا يف غري معناها حيث استعملت‬ ‫كيدا للنفي‪.‬‬ ‫تو ا‬ ‫(والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى‪ :‬ﮋﮚ ﮛﮊ)‬ ‫وجه النقص‪ :‬هو حذف كلمة "أهل" ِحبيث لو مل تـُ َقدَّر لَ َما صح الكالم‬ ‫بدوِهنا؛ فالتقدير‪ :‬واسأل أهل القرية‪ ،‬ووجه اجملاز يف هذا النقص أن قوله‪:‬‬ ‫ﮋﮚ ﮛﮊ معناه الظاهر اسأل نفس القرية؛ ولكن استعمل يف غري‬ ‫معناه الظاهر‪ ،‬فصار معناه‪ :‬اسأل أهل القرية‪.‬‬ ‫(والمجاز بالنقل كالغائط فيما يخرج من اإلنسان)‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪31‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وجه النقل‪ :‬أن الغائط معناه احلقيقي‪ :‬املكان املنخفض من األرض‪ ،‬مث نقل‬ ‫إىل معىن آخر‪ ،‬وهو اخلارج من اإلنسان‪ ،‬ووجه اجملاز يف هذا النقل أن لفظة‬ ‫"الغائط" استعملت يف غري معناها املوضوع هلا ابتداءا‪.‬‬ ‫(والمجاز باالستعارة كقوله تعالى‪ :‬ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ)‬ ‫وجه الستعارة‪ :‬أن لفظة "يريد" معناها احلقيقي‪ :‬يقصد‪ ،‬والقصد صفة للحي‬ ‫ل للجماد‪ ،‬فاستعريت هذه اللفظة ملعىن آخر‪ ،‬وهو مييل‪.‬‬ ‫جدارا مييل‪.‬‬ ‫فمعىن ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ أي ا‬ ‫تنبيه‪ :‬الفرق بني النقل والستعارة‪:‬‬ ‫أن اجملاز بالنقل توجد عالقة بني املعىن األصلي واملعىن الثاين الذي نقل اللفظ‬ ‫إليه‪ ،‬ول شبه بني املعنيني‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬كلمة "الغائط"‪.‬‬ ‫فهذه الكلمة معناها األصلي املكان املنخفض‪ ،‬ونقلت إىل معىن آخر وهو‬ ‫اخلارج من اإلنسان‪ ،‬ويوجد بني املعنيني عالقة؛ حيث إن املكان املنخفض‬ ‫صد لقضاء احلاجة فيه‪ ،‬فصار يطلق هذا السم على نفس احلاجة اليت‬ ‫يـُق َ‬ ‫تقضى فيه‪ ،‬وليس بني املعنيني شبه‪ ،‬فاملكان املنخفض ل يشبه الشيء اخلارج‪.‬‬ ‫وأما اجملاز بالستعارة فيوجد شبه بني املعىن األصلي واملعىن الثاين الذي استعري‬ ‫اللفظ له‪ ،‬ول عالقة بني املعنيني‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬كلمة "يريد" يف قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ‪.‬‬ ‫فهذه الكلمة معناها األصلي يقصد‪ ،‬فاستعريت ملعىن آخر‪ ،‬وهو مييل‪ ،‬ويوجد‬ ‫بني املعنيني شبه؛ حيث إن ميل اجلدار للسقوط يشبه إرادة احلي للسقوط‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪31‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[األمر والنهي]‬

‫الو ُجوب(‪.)1‬‬ ‫َواأل َْم ُر‪ْ :‬‬ ‫است ْد َعاءُ الف ْعل بال َق ْول م َّم ْن ُه َو ُدونَهُ َعلَى َسبيل ُ‬ ‫(‪ )1‬هذا الباب فرع عن القاعدة األوىل؛ ألن القاعدة األوىل هي أقسام الكالم‬ ‫باعتبار دللة اللفظ على املعىن‪ ،‬ومن تلك األقسام األمر والنهي‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف فيما يتعلق باألمر والنهي عشرة مباحث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬تعريف األمر‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬صيغة األمر‪.‬‬ ‫دائما؟‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬هل صيغة األمر حتمل على الوجوب ا‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬هل األمر يقتضي التكرار والفور؟‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬حكم ما ل يتم األمر إل به‪.‬‬ ‫املبحث السادس‪ :‬مىت خيرج املأمور عن عهدة األمر؟‬ ‫املبحث السابع‪ :‬من يدخل يف التكليف‪ ،‬ومن ل يدخل‪.‬‬ ‫املبحث الثامن‪ :‬هل األمر بالشيء هني عن ضده‪ ،‬وكذلك العكس؟‬ ‫املبحث التاسع‪ :‬تعريف النهي‪.‬‬ ‫املبحث العاشر‪ :‬املعاين اليت ترد على صيغة األمر‪ ،‬ول يراد به الوجوب‪.‬‬ ‫وابتدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬تعريف األمر‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬واألمر) أي تعريفه‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪32‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َوصيغَتُهُ‪ :‬افْ َع ْل(‪.)1‬‬ ‫(استدعاء الفعل) أي طلب الفعل‪.‬‬ ‫(بالقول) أي بواسطة القول‪.‬‬ ‫(ممن هو دونه) أي من الذي هو أقل منه رتبة‪.‬‬ ‫(على سبيل الوجوب) أي على سبيل اإللزام‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮊ‪.‬‬ ‫فهذا طلب فعل‪ ،‬وهو‪ :‬الصالة‪.‬‬ ‫والطلب حاصل بواسطة القول‪.‬‬ ‫واملطلوب منه أقل رتبة من الطالب‪ ،‬فاملطلوب منه هو العبد‪ ،‬والطالب هو اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫والطلب حصل على سبيل اإللزام‪.‬‬ ‫أمرا"‪.‬‬ ‫النتيجة‪ :‬أن هذا الطلب يسمى " ا‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬صيغة األمر‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وصيغته) أي لفظه‪.‬‬ ‫يعين اللفظ الدال على األمر‪.‬‬ ‫(افعل) أي ما كان على وزن افعل مثل "اذهب"‪.‬‬ ‫تنبيهان‪:‬‬ ‫متاما حبيث يكون الفعل مبدوءاا‬ ‫التنبيه األول‪ :‬ليس مراد املؤلف نفس الوزن ا‬ ‫هبمزة‪ ،‬واهلمزة كذلك تكون مكسورة‪ ،‬بل مراده أي فعل دال على األمر كـ‬ ‫"افعل"؛ وقد يكون مبدوءاا بغري اهلمزة مثل "تَ َذ َّكر"‪ ،‬وقد يكون مبدوءاا هبمزة‬ ‫غري مكسورة مثل "اكتب"‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪33‬‬

‫شرح الورقات‬

‫يل َعلَى أ َّ‬ ‫َّج ُّرد َعن ال َقرينَة تُ ْح َم ُل َعلَْيه‪ ،‬إالَّ َما َد َّل َّ‬ ‫َن‬ ‫ع ْن َد اإلطْالَق َوالت َ‬ ‫الدل ُ‬

‫احةُ فيُ ْح َم ُل َعلَْيه(‪.)1‬‬ ‫الم َر َ‬ ‫اد م ْنهُ النَّ ْد ُ‬ ‫ب أَو اإلبَ َ‬ ‫ُ‬

‫أيضا أن الفعل الدال على األمر هو الصيغة الوحيدة‬ ‫التنبيه الثاين‪ :‬ليس مراده ا‬ ‫لألمر‪ ،‬ولعل مراده أن هذه الصيغة هي الصيغة األصلية‪ ،‬وهلذا فإن غالب‬ ‫األوامر الشرعية جاءت هبذه الصيغة‪.‬‬ ‫فمثال األمر الذي جاء بغري هذه الصيغة قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮈ ﮉﮊ‬ ‫[النور‪]22:‬؛ فاللفظ الدال على األمر هنا الالم‪ ،‬وهي‪ :‬حرف‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﮊ [البقرة‪]183:‬؛ فاللفظ الدال على‬ ‫األمر هنا هو لفظ ﮋﭦﮊ ‪ ،‬وهو‪ :‬فعل ماض‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﭮ ﭯﮊ [المائدة‪ ]115:‬أي الَزُموا أنفسكم‪ ،‬فاللفظ‬ ‫الدال على األمر هنا ﮋﭮﮊ ‪ ،‬وهو‪ :‬اسم فعل أمر‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن األصل يف صيغة األمر هو فعل األمر‪ ،‬وقد تأيت صيغة األمر‬ ‫حرفاا‪ ،‬أو فعالا ليس بفعل أمر‪ ،‬أو اُساا‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫دائما؟‬ ‫هذا املبحث الثالث؛ وهو‪ :‬هل صيغة األمر حتمل على الوجوب ا‬ ‫قوله‪( :‬عند اإلطالق) أي يف األصل‪.‬‬ ‫(والتجرد عن القرينة) أي وعند التجرد عن القرينة‪.‬‬ ‫والتجرد‪ :‬هو عدم الوجود‪.‬‬ ‫والقرينة‪ :‬هي الشيء املقا ِرن؛ أي املصاحب الذي يَص ِرف عن األصل‪.‬‬ ‫(تحمل) أي صيغة األمر‪.‬‬ ‫(عليه) أي على الوجوب‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪34‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(إال ما دل الدليل على أن المراد به الندب أو اإلباحة)‬ ‫املراد بالدليل هنا‪ :‬القرينة‪.‬‬ ‫يعين إل األمر الذي دلت القرينة على أن املراد منه غري الوجوب‪ ،‬بل الندب أو‬ ‫اإلباحة‪.‬‬ ‫(فيحمل) أي األمر‪.‬‬

‫(عليه) أي ما دل عليه الدليل‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن األصل يف صيغة األمر ُحلها على الوجوب‪ ،‬إل إذا دلت القرينة‬ ‫على أن املراد منه غري الوجوب‪ ،‬بل الندب أو اإلباحة‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮊ‪.‬‬ ‫فقوله‪ :‬ﮋﮛﮊ صيغة أمر‪.‬‬ ‫واألصل أن صيغة األمر حتمل على الوجوب‪.‬‬ ‫واألمر هنا جمرد عن القرينة الصارفة له عن األصل‪.‬‬ ‫النتيجة‪ :‬أن صيغة األمر هنا حتمل على الوجوب‪.‬‬ ‫مثال آخر‪ :‬قول النيب ‪" :‬صلوا قبل صالة املغرب"‪ ،‬قال يف الثالثة‪" :‬ملن‬ ‫شاء"‪ ،‬أخرجه البخاري‪ )1144( :‬من حديث عبد اهلل بن مغفل‪.‬‬ ‫فقوله‪" :‬صلوا" صيغة أمر‪.‬‬ ‫واألصل أن صيغة األمر حتمل على الوجوب‪.‬‬ ‫ولكن األمر هنا اقرتنت به قرينةُ صارفةُ له عن األصل‪ ،‬وهي قوله‪" :‬ملن شاء"‪.‬‬ ‫النتيجة‪ :‬أن األمر هنا حيمل إما على الندب‪ ،‬وإما على اإلباحة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪35‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الصحيح‪ ،‬إالَّ َما َد َّل َّ‬ ‫صد التَّ ْك َرار‪،‬‬ ‫َوالَ يَ ْقتَضي التَّ ْك َر َار َعلَى َّ‬ ‫يل َعلَى قَ ْ‬ ‫الدل ُ‬

‫َوالَ يَ ْقتَضي ال َف ْوَر(‪.)1‬‬

‫تنبيه‪ :‬ظاهر كالم املؤلف أن لفظ األمر إذا أُريد به غري الوجوب فإمنا يراد به‬ ‫الندب أو اإلباحة فقط‪ ،‬وذكر يف املبحث األخري أن األمر قد يراد به غري الندب‬ ‫واإلباحة‪ ،‬وسأذكر هناك ـ إن شاء اهلل تعاىل ـ الفرق بني هذين املبحثني‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الرابع؛ وهو‪ :‬هل األمر يقتضي التكرار والفور؟‬ ‫قوله‪( :‬وال يقتضي) أي ل ي ِ‬ ‫وجب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫(التكرار) أي تكرار الفعل من املكلف‪.‬‬ ‫(على الصحيح) أي على القول الصحيح‪.‬‬ ‫(إال ما دل الدليل على قصد التكرار)‬ ‫أي إل األمر الذي دل الدليل على أن التكرار مراد‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ‬ ‫[آل عمران‪.]97:‬‬ ‫فقوله‪ :‬ﮋﮬ ﮭ ﮮﮊ معناه‪ :‬وهلل فرض على الناس‪.‬‬ ‫فهذا أمر باحلج‪.‬‬ ‫واألصل أن األمر ل يقتضي تكرار الفعل‪.‬‬ ‫واألمر هنا جمرد عن الدليل الدال على قصد التكرار‪.‬‬ ‫النتيجة‪ :‬أن احلج مأمور به مرة واحدة فقط يف العمر‪.‬‬ ‫السنة يف صحيح مسلم (‪ )1447‬ما يوافق ذلك‪.‬‬ ‫وثبت يف ُ‬ ‫مثال آخر‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮊ‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪36‬‬

‫شرح الورقات‬

‫فهذا أمر بإقامة الصالة‪.‬‬ ‫واألصل أن األمر ل يقتضي تكرار الفعل‪.‬‬ ‫ولكن دل الدليل على قصد التكرار‪ ،‬وأن الصالة مرادة كل يوم مخس مرات‪،‬‬ ‫كما يف حديث املعراج الذي أخرجه البخاري (‪ )494‬ومسلم (‪.)162‬‬ ‫(وال يقتضي) أي ل يوجب‪.‬‬ ‫(الفور) أي املبادرة إىل الفعل يف أول أوقات اإلمكان‪.‬‬ ‫ومراد املؤلف‪ :‬إل ما دل الدليل على قصد الفور‪.‬‬ ‫يعين األصل أن األمر ل يقتضي الفور‪ ،‬إل ما دل الدليل على أن الفور مراد‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ‪.‬‬ ‫فهذا أمر باحلج‪.‬‬ ‫واألصل أن األمر ل يقتضي الفور‪.‬‬ ‫واألمر هنا جمرد عن الدليل الدال على قصد الفور‪.‬‬ ‫النتيجة‪ :‬أن احلج مأمور به‪ ،‬ول َيب أن يؤديه يف أول سنة ُميكن أن حيج‬ ‫فيها‪ ،‬بل يوز تأخريه إىل سنة أخرى‪.‬‬ ‫مثال آخر‪ :‬قول النيب ‪ ‬للصحابة ‪ ‬بعد أن َمتَّ الصلح بينهم وبني‬ ‫املشركني‪ ،‬قال‪" :‬قوموا فاحنروا مث احلقوا"‪ ،‬قال الراوي‪ :‬فواهلل ما قام منهم رجل‪،‬‬ ‫حىت قال ذلك ثالث مرات‪ ،‬فلما مل يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر‬ ‫ما لقي من الناس‪ ،‬أخرجه البخاري (‪.)1649‬‬ ‫فقوله‪" :‬قوموا فاحنروا مث احلقوا"‪ ،‬هذا أمر‪.‬‬ ‫واألصل أن األمر ل يقتضي الفور‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪37‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الصالَة أ َْم ٌر‬ ‫َواأل َْم ُر بإيْ َجاد الف ْعل أ َْم ٌر به َوب َما الَ يَت ُّم الف ْع ُل إالَّ به؛ َكاأل َْمر ب َّ‬ ‫الم َؤدِّيَة إلَْي َها(‪.)1‬‬ ‫بالطَّ َه َ‬ ‫ارة ُ‬ ‫ور َعن العُ ْه َدة(‪.)2‬‬ ‫المأ ُْم ُ‬ ‫َوإذَا فُع َل يَ ْخ ُر ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ولكن دل الدليل على قصد الفور‪ ،‬والدليل الذي دل على ذلك هو قرينة‬ ‫احلال‪ ،‬فقرينة احلال أي حال النيب ‪ ‬دالة على أن األمر مطلوب تنفيذه بعد‬ ‫صدوره مباشرة‪ ،‬وهلذا لَ َّما مل يستجيبوا كره النيب ‪ ‬منهم ذلك‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث اخلامس؛ وهو‪ :‬حكم ما ل يتم األمر إل به‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬واألمر بإيجاد الفعل) أي األمر بتنفيذ الفعل يف الواقع‪.‬‬ ‫(أمر به‪ ،‬وبما ال يتم الفعل إال به) يعين األمر بالفعل يستفاد منه شيئان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬األمر بإياد الفعل نفسه‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬األمر بإياد ما ل حيصل الفعل إل به‪.‬‬ ‫(كاألمر بالصالة أمر بالطهارة المؤدية إليها) يعين األمر بفعل الصالة استفيد‬ ‫منه زيادة على األمر بالصالة نفسها؛ األمر بالطهارة لكوهنا موصلة إليها‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن ما ل يتم األمر إل به فهو مأمور به‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث السادس؛ وهو‪ :‬مىت خيرج املأمور عن عهدة األمر؟‬ ‫قوله‪( :‬وإذا فُعل) أي الفعل املأمور به‪.‬‬ ‫(يخرج المأمور عن العهدة) أي املطالبة بالفعل‪.‬‬ ‫يعين أن املأمور مطالب بفعل ما أُمر به‪.‬‬ ‫عل األمر كما أُمر به نتج عن ذلك أنه ل يُطالب بفعل األمر مراة أخرى‪.‬‬ ‫فإذا فَ َ‬ ‫ومفهومه أنه إذا مل يفعل األمر فال يزال مطالباا بفعله‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪38‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الصب ُّي َوال َْم ْجنُو ُن غَْي ُر‬ ‫الساهي َو َّ‬ ‫يَ ْد ُخ ُل في خطَاب اهلل تَ َعالَى ال ُْم ْؤمنُو َن‪َ ،‬و َّ‬ ‫ار ُم َخاطَبُو َن ب ُف ُروع َّ‬ ‫الش َرائع َوب َما الَ تَص ُّح إالَّ به‪،‬‬ ‫ين في الْخطَاب‪َ ،‬وال ُك َّف ُ‬ ‫َداخل َ‬

‫َو ُه َو اإل ْسالَ ُم(‪.)1‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮊ‪.‬‬ ‫فإذا أدى صالة الوقت بشروطها وأركاهنا مل يُطالب بفعلها مرة أخرى‪ ،‬وإذا مل‬ ‫يؤدها حىت خرج وقتها فال يزال مطالباا بفعلها‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث السابع؛ وهو‪ :‬من يدخل يف التكليف‪ ،‬ومن ل يدخل‪ ،‬سواء كان‬ ‫التكليف باألمر أو النهي‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون) أي يدخل يف تكليفه املؤمنون‬ ‫كلهم‪.‬‬ ‫(والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب) أي هؤلء األصناف‬ ‫الثالثة مستثنون من عموم املؤمنني‪ ،‬فاملؤمنون كلهم مكلفون إل هؤلء الثالثة‪.‬‬ ‫واملراد أن الساهي أي الناسي يف حال نسيانه‪ ،‬والصيب يف حال صغره‪ ،‬واجملنون‬ ‫يف حال جنونه؛ ل يأمثون برتك األمر‪ ،‬أو فعل النهي‪.‬‬ ‫(والكفار مخاطبون بفروع الشرائع‪ ،‬وبما ال تصح إال به‪ ،‬وهو اإلسالم)‬ ‫يعين أن الكفار مكلفون بأمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬فروع الشرائع‪ ،‬واملراد هبا‪ :‬األحكام‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬الدخول يف اإلسالم‪.‬‬ ‫ويشري املؤلف بقوله‪( :‬بما ال تصح إال به) يشري إىل أن الكفار‪ ،‬وإن كانوا‬ ‫مكلفني باألحكام‪ ،‬إل أهنم لو فعلوها مل تصح منهم من غري الدخول يف اإلسالم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪39‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َّه ُي َعن َّ‬ ‫َواأل َْم ُر ب َّ‬ ‫الش ْيء أ َْم ٌر بضدِّه(‪.)1‬‬ ‫الش ْيء نَ ْه ٌي َع ْن ضدِّه‪َ ،‬والن ْ‬

‫الو ُجوب(‪.)2‬‬ ‫َوالن ْ‬ ‫َّه ُي‪ْ :‬‬ ‫است ْد َعاءُ الت َّْرك بال َق ْول م َّم ْن ُه َو ُدونَهُ َعلَى َسبيل ُ‬ ‫تنبيه‪ :‬فائدة هذه املسألة يف الدنيا فيها تفصيل ليس هذا حمله‪ ،‬وفائدهتا يف‬ ‫اآلخرة أهنم يعاقبون على عدم امتثال األحكام‪ ،‬زيادة على عقاهبم بعدم‬ ‫الدخول يف اإلسالم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثامن؛ وهو‪ :‬هل األمر بالشيء هني عن ضده‪ ،‬وكذلك العكس؟‬ ‫قوله‪( :‬واألمر بالشيء نهي عن ضده) يعين لفظ األمر بالشيء يدل من جهة‬ ‫املعىن على األمر بذلك الشيء وعلى النهي عن ضده‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮊ‪.‬‬ ‫فهذا لفظ األمر بإقامة الصالة‪ ،‬يدل من جهة املعىن على األمر بإقامة الصالة‬ ‫وعلى النهي عن إضاعتها‪.‬‬ ‫(والنهي عن الشيء أمر بضده) يعين لفظ النهي عن الشيء يدل من جهة‬ ‫املعىن على النهي ذلك الشيء وعلى األمر بضده‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [األنفال]‪.‬‬ ‫فهذا لفظ هني عن خيانة األمانة يدل من جهة املعىن على النهي عن خيانة‬ ‫األمانة وعلى األمر باحملافظة عليها‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث التاسع؛ وهو‪ :‬تعريف النهي‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والنهي) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(استدعاء الترك) أي طلب الرتك‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪41‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ين(‪.)1‬‬ ‫احةُ أَو الت ْ‬ ‫الم َر ُ‬ ‫اد به اإلبَ َ‬ ‫َّهدي ُد أَو الت ْ‬ ‫َّسويَةُ أَو التَّ ْكو ُ‬ ‫َوتَر ُد صيغَةُ األ َْمر َو ُ‬ ‫(بالقول) أي بواسطة القول‪.‬‬ ‫(ممن هو دونه) أي من الذي هو أقل منه رتبة‪.‬‬ ‫(على سبيل الوجوب) أي على سبيل اإللزام‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ‪.‬‬ ‫فهذا طلب ترك‪ ،‬وهو‪ :‬اخليانة‪.‬‬ ‫والطلب حاصل بواسطة القول‪.‬‬ ‫واملطلوب منه أقل رتبة من الطالب‪ ،‬فاملطلوب منه هو العبد‪ ،‬والطالب هو اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫والطلب حصل على سبيل اإللزام‪.‬‬ ‫النتيجة‪ :‬أن هذا الطلب يسمى "هنياا"‪.‬‬ ‫تتمة‪ :‬ذكر املؤلف تعريف النهي مشاهباا لتعريف األمر‪.‬‬ ‫والفرق بينهما أن األمر فعل‪ ،‬والنهي ترك‪.‬‬ ‫وكأنه يشري بذلك إىل أن مباحث النهي هي نفسها مباحث األمر‪.‬‬ ‫فمثالا‪ :‬صيغة األمر "افعل"؛ فيفهم من ذلك أن صيغة النهي "ل تفعل"‪.‬‬ ‫وكذلك‪ :‬صيغة األمر يف األصل ُحتمل على الوجوب؛ فيفهم من ذلك أن‬ ‫صيغة النهي يف األصل حتمل على التحرمي‪.‬‬ ‫أيضا‪ :‬األمر ل يقتضي الفور ول التكرار؛ فيفهم من ذلك أن النهي يقتضي‬ ‫و ا‬ ‫الفور والدوام‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث العاشر؛ وهو‪ :‬بيان املعاين اليت ترد على صيغة األمر‪ ،‬ول يراد به الوجوب‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪41‬‬

‫شرح الورقات‬

‫قوله‪( :‬ترد) أي تأيت‪.‬‬ ‫(صيغة األمر) أي اللفظ الدال على األمر‪.‬‬ ‫(والمراد به) أي واملقصود باألمر‪.‬‬ ‫(اإلباحة‪ ،‬أو التهديد‪ ،‬أو التسوية‪ ،‬أو التكوين)‬ ‫أمرا لكن يراد به أحد هذه املعاين األربعة‪:‬‬ ‫يعين قد يكون اللفظ ا‬ ‫األول‪ :‬اإلباحة‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﯝ ﯞ ﯟﮊ [المائدة‪.]2:‬‬ ‫وجه الدللة‪ :‬أن كلمة ﮋ ﯟﮊ أمر‪ ،‬لكن معناه‪ :‬مباح لكم أن تصطادوا‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬التهديد‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮊ [فصلت‪.]41:‬‬ ‫وجه الدللة‪ :‬أن كلمة ﮋﭿ ﮊ أمر‪ ،‬لكن معناها‪ :‬أهددكم على نتيجة أعمالكم‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬التسوية‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬

‫ﭤ ﭥ ﮊ [الطور]‪.‬‬ ‫وجه الدللة‪ :‬أن كلمة ﮋ ﭙﮊ أمر‪ ،‬لكن معناها‪ :‬أن صربكم مساو لعدم‬ ‫صربكم‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬التكوين‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [البقرة]‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪42‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وجه الدللة‪ :‬أن كلمة ﮋﮒﮊ أمر‪ ،‬لكن معناها‪ :‬أن يتكونوا إىل قردة‪.‬‬ ‫تنبيهان‪:‬‬ ‫التنبيه األول‪ :‬ذكر املؤلف يف املبحث الثالث أن األمر قد يراد به غري الوجوب‪،‬‬ ‫بل الندب أو اإلباحة‪ ،‬وذكر يف هذا املبحث ـ أعين العاشر ـ أنه قد يراد به‬ ‫اإلباحة‪ ،‬أو التهديد‪ ،‬أو التسوية‪ ،‬أو التكوين‪.‬‬ ‫والفرق بني املبحثني‪:‬‬ ‫حكما‪.‬‬ ‫أن ذاك املبحث هو يف األمر إذا أُريد به غري الوجوب مما يكون ا‬ ‫فاألحكام مخسة‪ :‬الوجوب‪ ،‬والندب‪ ،‬واإلباحة‪ ،‬واحلظر‪ ،‬والكراهة‪.‬‬ ‫حكما إمنا يراد به‪ :‬الندب‪ ،‬أو اإلباحة‪،‬‬ ‫واألمر إذا أريد به غري الوجوب ويكون ا‬ ‫دون احلظر‪ ،‬والكراهة‪.‬‬ ‫وأما هذا املبحث فهو يف األمر إذا أريد به غري الوجوب مما ليس فيه طلب‪.‬‬ ‫فاألمر إذا أريد به غري الوجوب مما ليس فيه طلب‪:‬‬ ‫خيرج الندب لكونه طلباا‪.‬‬ ‫وتبقى اإلباحة‪ ،‬وتزاد عليها التهديد‪ ،‬والتسوية‪ ،‬والتكوين؛ ألن هذه املعاين‬ ‫األربعة ليس فيها طلب‪.‬‬ ‫التنبيه الثاين‪ :‬ليس مراد املؤلف أن األمر إذا أريد به غري الوجوب مما ليس فيه‬ ‫طلب أنه يراد به أحد هذه املعاين األربعة فقط‪ ،‬بل هناك معان أخرى معروفة‬ ‫عند األصوليني‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪43‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[العام واخلاص]‬

‫صاعدا(‪.)1‬‬ ‫الع ُّ‬ ‫ام‪ :‬فَ ُه َو َما َع َّم َش ْيئَ ْين فَ َ‬ ‫َوأ ََّما َ‬ ‫(‪)1‬‬

‫هذا الباب الثالث‪ ،‬وهو يتضمن القاعدة الثالثة‪ ،‬اليت هي‪ :‬أقسام الكالم‬ ‫باعتبار مشول املعىن الذي دل عليه‪ ،‬وعدم مشوله‪.‬‬ ‫فالكالم هبذا العتبار قسمان‪ :‬عام وخاص‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف فيما يتعلق هبما ستة مباحث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬تعريف العام‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬ألفاظ العام‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬هل غري اللفظ يدل على العموم؟‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬تعريف اخلاص‪.‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬تعريف التخصيص‪.‬‬ ‫املبحث السادس‪ :‬أقسام التخصيص‪ ،‬وأنواع كل قسم‪.‬‬ ‫وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬تعريف العام‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وأما العام) أي تعريفه‪.‬‬ ‫عم شيئين فصاعدا) أي هو اللفظ الذي يدل على اثنني فأكثر‪.‬‬ ‫(فهو ما َّ‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮊ [االنفطار]‪.‬‬ ‫فكلمة ﮋ ﮋﮊ لفظ يدل على أكثر من اثنني فهو عام‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪44‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الم َع َّر ُ‬ ‫الم َع َّر ُ‬ ‫ف بالالَّم‪َ .‬واأل ْ‬ ‫ف بالالَّم‪َ .‬و ْ‬ ‫َوأَلْ َفاظُهُ أ َْربَ َعةٌ‪ْ :‬‬ ‫اس ُم َ‬ ‫الج ْمع ُ‬ ‫االس ُم ُ‬ ‫َس َماءُ‬ ‫الم َكان‪،‬‬ ‫يما الَ يَ ْعق ُل‪َ ،‬وأَي في َ‬ ‫الجميع‪َ ،‬وأَيْ َن في َ‬ ‫يم ْن يَ ْعق ُل‪َ ،‬وَما ف َ‬ ‫ال ُْم ْب َه َمةُ؛ َك َم َن ف َ‬ ‫الج َزاء َوغَْيره‪َ .‬والَ في النَّك َرات(‪.)1‬‬ ‫َوَمتَى في َّ‬ ‫الزَمان‪َ ،‬وَما في ْ‬ ‫االست ْف َهام َو َ‬

‫(‪ )1‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬ألفاظ العام‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وألفاظه) أي ألفاظ العام‪ ،‬واملراد هبا‪ :‬األلفاظ اليت تدل على أن املعىن عام‪.‬‬ ‫(أربعة) أي عددها‪.‬‬ ‫(االسم المعرف بالالم) أي السم املفرد الذي صار معرفة بسبب الالم‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ [العصر]‪.‬‬ ‫فكلمة ﮋ ﭔﮊ أصلها‪ :‬إنسان‪ ،‬اسم مفرد نكرة‪ ،‬وصار معرفة بسبب‬ ‫دخول الالم عليه‪ ،‬لذلك فهو عام‪.‬‬ ‫وعلى هذا فمعىن اآلية‪ :‬إن كل إنسان لفي خسر‪ ،‬ل إنسان واحد بعينه‪.‬‬ ‫(واسم الجمع المعرف بالالم) أي الذي صار معرفة بسبب الالم‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﮊ [النور‪.]59:‬‬ ‫فكلمة ﮋ ﭓﮊ أصلها‪ :‬أطفال‪ :‬اسم مجع نكرة‪ ،‬وصار معرفة بسبب‬ ‫دخول الالم عليه‪ ،‬لذلك فهو عام‪.‬‬ ‫وعلى هذا فمعىن اآلية‪ :‬إذا بلغ كل األطفال منكم احللم‪ ،‬ل أطفال دون أطفال‪.‬‬ ‫معني‬ ‫(واألسماء المبهمة) األُساء املبهمة ُ​ُسِّيَت بذلك؛ لكوِهنا تدل على َّ‬ ‫بغريها‪ ،‬ل بنفسها‪.‬‬ ‫وِمن ذلك‪ :‬كلمة " َمن"‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪45‬‬

‫شرح الورقات‬

‫معني بغريه‪ ،‬ل بنفسه‪ ،‬أي أنه يدل على‬ ‫فـ " َمن" اسم مبهم؛ لكونه يدل على َّ‬ ‫املعني‪.‬‬ ‫معني‪ ،‬لكن حيتاج إىل غريه ليتضح َمن هذا َّ‬ ‫َّ‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قولك‪" :‬أك ِرم َمن جاءَك"‪.‬‬ ‫وسكت‪ ،‬ما عُ ِرف من هذا الذي تأمر بإكرامه‪.‬‬ ‫قلت‪" :‬أك ِرم َمن"‬ ‫َّ‬ ‫فلو َ‬ ‫قلت‪" :‬أك ِرم َمن جاءك" عُ ِرف من هذا الذي تأمر بإكرامه‪.‬‬ ‫وحينما َ‬ ‫ل بكلمة " َمن" بل بقولك‪" :‬جاءك"‪.‬‬ ‫يمن يعقل)‬ ‫(ك " َم ْن" ف َ‬

‫أي من األُساء املبهمة الدالة على العموم كلمة " َمن" اليت تطلق على العاقل‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قولك‪" :‬أكرم من جاءك"‪.‬‬ ‫فـ" َمن" هنا اسم مبهم أُطلق على العاقل‪ ،‬لذلك فهو عام‪.‬‬ ‫وعلى هذا فمعىن اجلملة‪ :‬أكرم كل من جاءك‪.‬‬ ‫(و"ما" فيما ال يعقل) أي كلمة "ما" اليت تُطلق على غري العاقل‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬قولك‪" :‬ائيت مبا عندك"‪.‬‬ ‫فـ"ما" هنا اسم مبهم أطلق على غري العاقل‪ ،‬لذلك فهو عام‪.‬‬ ‫وعلى هذا فمعىن اجلملة‪ :‬ائيت بكل ما عندك‪.‬‬

‫(و"أي" في الجميع) يعىن كلمة "أي" اليت تطلق على العاقل‪ ،‬وعلى غري العاقل‪.‬‬ ‫ي رجل جاءك"‪.‬‬ ‫مثال العاقل‪" :‬أك ِرم أ َّ‬

‫ي ثوب اشرتيت"‪.‬‬ ‫مثال غري العاقل‪" :‬ائيت بأ ِّ‬ ‫فـ"أي" اسم مبهم أطلق على العاقل‪ ،‬وعلى غري العاقل‪ ،‬لذلك فهو عام‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪46‬‬

‫كل رجل جاءك‪.‬‬ ‫وعلى هذا فمعىن اجلملة األوىل‪ :‬أك ِرم َّ‬ ‫بكل ثوب اشرتيت‪.‬‬ ‫ومعىن اجلملة الثانية‪ :‬ائيت ِّ‬

‫(و"أين" في المكان) يعين كلمة "أين" اليت تطلق على املكان‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قولك‪" :‬أينما تذهب جتد رزقاا"‪.‬‬ ‫فـ"أين" اسم مبهم أطلق على املكان‪ ،‬لذلك فهو عام‪.‬‬ ‫وعلى هذا فمعىن اجلملة‪ :‬كل مكان تذهب جتد رزقاا‪.‬‬

‫(و"متى" في الزمان) يعين كلمة "مىت" اليت تطلق على الزمان‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قولك‪" :‬مىت تسعى جتد رزقا"‪.‬‬ ‫فـ "مىت" اسم مبهم أُطلق على الزمان‪ ،‬لذلك فهو عام‪.‬‬ ‫وعلى هذا فمعىن اجلملة‪ :‬كل وقت تسعى جتد رزقاا‪.‬‬ ‫(وما في االستفهام‪ ،‬والجزاء‪ ،‬وغيره)‬

‫أي وكلمة "ما" اليت تستعمل يف هذه املعاين الثالثة‪.‬‬ ‫أولا‪ :‬الستفهام‪ ،‬مثاله‪ :‬قولك‪" :‬ما عندك؟"‪.‬‬ ‫معىن اجلملة‪ :‬ما كل ما عندك؟‬ ‫ثانيا‪ :‬اجلزاء‪ ،‬مثاله‪ :‬قولك‪" :‬ما عندك ِ‬ ‫فائت به"‪.‬‬ ‫ا‬ ‫معىن اجلملة‪ :‬كل ما عندك ِ‬ ‫فائت به‪.‬‬ ‫ثالثاا‪ :‬غريه‪ ،‬أي غري املذكور‪ ،‬واملراد به الصلة والنفي‪.‬‬ ‫فمثال الصلة‪ :‬قولك‪" :‬ا ِ‬ ‫ئت مبا عندك"‪.‬‬ ‫معىن اجلملة‪ :‬ائيت بكل الذي عندك‪.‬‬

‫شرح الورقات‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪47‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ومثال النفي‪ :‬قولك‪" :‬ما عندك شيء"‪.‬‬ ‫معىن اجلملة‪ :‬ل شيء عندك‪ ،‬وهذا نفي يعم مجيع األشياء‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬ذكر املؤلف "ما" من قبل‪ ،‬لكن ذكرها يف املوضع األول لبيان وجه من‬ ‫وجهي استعماهلا‪ ،‬ويف هذا املوضع لبيان الوجه الثاين‪.‬‬ ‫يعين هي من وجه تستعمل لغري العاقل‪.‬‬ ‫ومن وجه آخر تستعمل يف الستفهام‪ ،‬واجلزاء‪ ،‬والصلة‪ ،‬والنفي‪.‬‬ ‫فائدة‪َ " :‬من" و"أي" تستعمالن يف الستفهام واجلزاء والصلة‪ ،‬دون النفي‪.‬‬ ‫و"أين" و"مىت" تستعمالن يف الستفهام واجلزاء‪ ،‬دون الصلة والنفي‪.‬‬ ‫مثال "من" املستعملة يف الستفهام‪َ " :‬من جاءك"؟‬ ‫ويف اجلزاء‪َ " :‬من جاءك فأكرمه"‪.‬‬ ‫ويف الصلة‪" :‬أكرم َمن جاءك"‪.‬‬ ‫(وال في النكرات) أي ومن األلفاظ اليت تدل على أن املعىن عام كلمة "ل"‬

‫النافية اليت تدخل على األُساء النكرة‪.‬‬ ‫رجل يف الدار"‪.‬‬ ‫مثاهلا‪ :‬قولك‪" :‬ل َ‬ ‫ومعىن اجلملة‪ :‬ل أي رجل يف الدار‪ ،‬وهذا نفي يعم مجيع الرجال‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن ألفاظ العموم أربعة‪ :‬السم املفرد املعرف بالالم‪ ،‬واسم اجلمع‬ ‫املعرف بالالم‪ ،‬والسم املبهم‪ ،‬ول يف النكرات‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬ليس مراد املؤلف حصر ألفاظ العموم على هذه األربعة فقط‪ ،‬بل هناك‬ ‫ألفاظ أخرى معروفة عند األصوليني‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪48‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وز َد ْع َوى العُ ُموم في غَْيره م َن الف ْعل‬ ‫وم م ْن ص َفات النُّطْق‪َ ،‬والَ يَ ُج ُ‬ ‫َوالعُ ُم ُ‬ ‫َوَما يَ ْجري َم ْج َراهُ(‪.)1‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثالث؛ وهو‪ :‬هل غري اللفظ يدل على العموم؟‬ ‫قوله‪( :‬والعموم) أي الدللة على أن املعىن عام‪.‬‬ ‫(من صفات النطق) أي ِمن خواص اللفظ‪.‬‬ ‫(وال يَجوز دعوى العموم في غيره)‬ ‫أي ل ُميكن القول بأن غري النطق يدل على العموم‪.‬‬ ‫(من الفعل وما يجري مجراه)‬ ‫أي غري النطق الذي ل يدل على العموم نوعان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬الفعل‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬ما يري جمرى الفعل‪.‬‬ ‫واملراد به القضايا العينية اليت رواها الصحابة ‪ ‬عن النيب ‪ ،‬ومعىن قوله‪:‬‬ ‫يري جمرى الفعل أي حكمه حكم الفعل من حيث إنه ل يدل على العموم‪.‬‬ ‫فمثال الفعل‪ :‬حديث أن النيب ‪" ‬صلى داخل الكعبة"‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)447‬ومسلم (‪.)1424‬‬ ‫الصالة فعل فال ُحتمل على العموم‪ ،‬فال يُقال إن النيب ‪ ‬صلى كل أنواع‬ ‫الصالة يف الكعبة من الفرائض والنوافل‪ ،‬بل يقال إنه صلى صالة واحدة فقط‪.‬‬ ‫ومثال القضايا العينية‪ :‬ما أخرجه مسلم (‪ )1712‬أن النيب ‪" ‬قضى بشاهد وميني"‪.‬‬ ‫اعتمادا على ميينه‪ ،‬وشاهد واحد معه‪.‬‬ ‫أي أنه حكم للمدعي‬ ‫ا‬ ‫فهذا ل ُحيمل على العموم‪ ،‬أي ل يقال‪ :‬إنه يف مجيع القضايا َحيكم للمدعي بشاهد‬ ‫وميني‪ ،‬بل يف بعض القضايا دون بعض‪ ،‬فبعض القضايا ل يكفي فيها شاهد وميني‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪49‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ام(‪.)1‬‬ ‫الع َّ‬ ‫الخ ُّ‬ ‫َو َ‬ ‫اص‪ :‬يُ َقاب ُل َ‬

‫الج ْملَة(‪.)2‬‬ ‫يص‪ :‬تَ ْمي ُيز بَ ْعض ُ‬ ‫َوالتَّ ْخص ُ‬

‫(‪ )1‬هذا املبحث الرابع؛ وهو‪ :‬تعريف اخلاص‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والخاص) أي تعريفه‪.‬‬

‫(يقابل العام) أي تعريفه ضد تعريف العام‪.‬‬

‫فصاعدا‪.‬‬ ‫عم شيئني‬ ‫فالعام كما تقدم هو‪ :‬ما َّ‬ ‫ا‬

‫احدا‪.‬‬ ‫فيكون اخلاص هو‪ :‬اللفظ الذي خيص شيئاا و ا‬ ‫مثال ذلك‪ :‬األعالم‪ ،‬كمحمد‪ ،‬وزيد‪ ،‬ومكة‪.‬‬ ‫احدا‪ ،‬وهو‪ :‬املسمى به‪.‬‬ ‫فالعلم لفظ خيص شيئاا و ا‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث اخلامس؛ وهو‪ :‬تعريف التخصيص‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والتخصيص) أي تعريفه‪.‬‬

‫(تمييز بعض الجملة) أي إخراج بعض ما دلت عليه اجلملة‪.‬‬ ‫يعين أن اجلملة يف ظاهرها تدل على العموم‪ ،‬والتخصيص أخرج بعض هذا الظاهر‪.‬‬ ‫يدا"‪.‬‬ ‫القوم إل ز ا‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قولك‪" :‬ذهب ُ‬ ‫يدا" خمصص‪.‬‬ ‫فقولك‪" :‬ذهب القوم" عام‪ ،‬وقولك‪" :‬إل ز ا‬ ‫فظاهر قولك‪" :‬ذهب القوم" يدل على العموم‪.‬‬ ‫أي يدل على أن القوم كلهم ذهبوا‪ ،‬ومنهم زيد‪.‬‬ ‫يدا" أخرج بعض هذا الظاهر‪.‬‬ ‫وقولك‪" :‬إل ز ا‬ ‫يدا من القوم‪ ،‬فهو مل يذهب‪.‬‬ ‫أي أخرج ز ا‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪51‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َو ُه َو يَ ْن َقس ُم إلى‪ُ :‬متَّصل َوُم ْن َفصل(‪.)1‬‬ ‫االستثْ نَاءُ‪َّ ،‬‬ ‫الص َفة(‪.)2‬‬ ‫والش ْر ُ‬ ‫ط‪َ ،‬والتَّ ْقيي ُد ب ِّ‬ ‫المتَّص ُل‪ْ :‬‬ ‫فَ ُ‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث السادس؛ وهو‪ :‬قسما التخصيص‪ ،‬وأنواع كل قسم‪.‬‬ ‫فاملراد باملتصل‪ :‬أن يتمع املخصص والعام يف نص واحد‪.‬‬ ‫يدا"‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قولك‪" :‬ذهب القوم إل ز ا‬ ‫يدا" خمصص‪.‬‬ ‫فقولك‪" :‬ذهب القوم" عام‪ ،‬وقولك‪" :‬إل ز ا‬ ‫ختصيصا متصالا؛ لجتماع العام واملخصص يف نص واحد‪.‬‬ ‫فهذا يسمى‬ ‫ا‬ ‫واملراد باملنفصل‪ :‬أن ل يتمع املخصص والعام يف نص واحد‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬لو قلت‪" :‬ذهب القوم"‪ ،‬وقلت يف وقت آخر‪" :‬مل يذهب زيد"‪.‬‬ ‫ختصيصا منفصالا؛ ألن العام مل َيتمع مع املخصص يف نص‬ ‫فهذا يسمى‬ ‫ا‬ ‫واحد‪ ،‬بل مها نصان مستقالن‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذه أنواع التخصيص املتصل‪.‬‬ ‫أما الستثناء فاملراد به‪ :‬اإلخراج بـ"إل" أو إحدى أخواهتا‪.‬‬ ‫يدا‪.‬‬ ‫يدا" فلول الستثناء لعم اإلكرام ز ا‬ ‫مثاله‪ :‬قولك‪" :‬أَك ِرم الطالب إل ز ا‬ ‫وأما الشرط فاملراد به‪ :‬اإلخراج بـ"إن" أو إحدى أخواهتا‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قولك‪" :‬إن اجتهد الطالب فأكرمهم"‪.‬‬ ‫فلول الشرط لعم اإلكرام الطالب‪ ،‬سواء اجتهدوا أو ل‪.‬‬ ‫وأما التقييد بالصفة فاملراد به‪ :‬اإلخراج بالصفة‪.‬‬ ‫مثاله‪" :‬أكرم الطالب اجملتهدين"‪.‬‬ ‫فلو ل الصفة لعم اإلكرام كل الطالب اجملتهدين وغريهم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪51‬‬

‫شرح الورقات‬

‫اج َما لَ ْوالَهُ لَ َد َخ َل في ال َكالَم‪.‬‬ ‫َو ْ‬ ‫االستثْ نَاءُ‪ :‬إ ْخ َر ُ‬ ‫الم ْستَثْ نَى م ْنهُ َش ْيءٌ‪.‬‬ ‫َوإنَّ َما يَص ُّح ب َ‬ ‫ش ْرط أَ ْن يَ ْب َقى م َن ُ‬ ‫َوم َن َش ْرطه‪ :‬أَ ْن يَ ُكو َن ُمتَّصال بال َكالَم‪.‬‬

‫الم ْستَثْ نَى م ْنهُ‪.‬‬ ‫َويَ ُج ُ‬ ‫الم ْستَثْ نَى َعلَى ُ‬ ‫يم ُ‬ ‫وز تَ ْقد ُ‬ ‫االستثْ نَاءُ م َن الج ْنس َوم ْن غَْيره‪.‬‬ ‫َويَ ُج ُ‬ ‫وز ْ‬ ‫يمان في بَ ْعض‬ ‫الم َقيَّ ُد ب ِّ‬ ‫المطْلَ ُق‪َ ،‬ك َّ‬ ‫الرقَ بَة قُيِّ َدت باإل َ‬ ‫الص َفة يُ ْح َم ُل َعلَْيه ُ‬ ‫َو ُ‬ ‫الم َقيَّد(‪.)1‬‬ ‫المطْلَ ُق َعلَى ُ‬ ‫الم َواضع فَ يُ ْح َم ُل ُ‬ ‫الم َواضع َوأُطْل َقت في بَ ْعض َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬هذا شيء من التفصيل ذكره املؤلف عن الستثناء والتقييد‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬االستثناء‪ :‬إخراج ما لواله لدخل في الكالم)‬

‫مراده‪ :‬اإلخراج بـ "إل" أو إحدى أخواهتا‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قولك‪" :‬جاء القوم إل زيدا"‪.‬‬ ‫يدا" من الكالم الذي هو "جاء القوم"‪.‬‬ ‫ففي هذه اجلملة إخراج "ز ا‬ ‫فلول اإلخراج بـ "إل" لدخل "زيد" يف الكالم‪.‬‬

‫(وإنما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء‪ ،‬ومن شرطه‪ :‬أن‬

‫صحيحا إل بشروط‪ ،‬منها‬ ‫يكون متصال بالكالم) أي الستثناء ل يكون‬ ‫ا‬ ‫هذان الشرطان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن يبقى شيء من املستثىن منه‪.‬‬ ‫يعين ل ينتهي املستثىن منه بالستثناء‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن يكون الستثناء متصالا بالكالم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪52‬‬

‫شرح الورقات‬

‫يعين ل يكون بني املستثىن واملستثىن منه فاصل زمين‪.‬‬ ‫يدا"‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قولك‪" :‬جاء القوم إل ز ا‬ ‫فهذا استثناء صحيح؛ لتحقق الشرطني‪:‬‬ ‫فأولا‪ :‬بقي من املستثىن منه شيء‪.‬‬ ‫ألن املستثىن منه "القوم" وبقي منه ما سوى زيد‪.‬‬ ‫ثانياا‪ :‬الستثناء متصل بالكالم‪.‬‬

‫ألن الستثناء هو "إل زيدا" متصل بـ "جاء القوم"‪.‬‬ ‫مثال آخر‪ :‬قولك‪" :‬جاء القوم إل القوم"‪.‬‬ ‫فهذا استثناء غري صحيح؛ ألنه مل يبق من املستثىن منه شيء‪.‬‬ ‫يدا"‪.‬‬ ‫مثال آخر‪ :‬لو قلت‪" :‬جاء القوم"‪ ،‬وبعد يوم قلت‪" :‬إل ز ا‬ ‫فهذا استثناء غري صحيح؛ ألنه غري متصل باملستثىن منه‪.‬‬ ‫(ويجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه‪ ،‬ويجوز االستثناء من الجنس‪،‬‬ ‫ومن غيره)‬

‫أي من األشياء اليت جتوز يف الستثناء هذان األمران‪:‬‬ ‫األول‪ :‬يوز تقدمي املستثىن على املستثىن منه‪.‬‬ ‫يعين يذكر املستثىن أولا‪ ،‬مث يذكر املستثىن منه بعده‪.‬‬ ‫يدا أحد"‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قولك‪" :‬ما قام إل ز ا‬ ‫يدا"‬ ‫أصل الكالم‪" :‬ما قام أحد إل ز ا‬ ‫فـ "أحد" مستثىن منه‪ ،‬و"زيد" مستثىن‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪53‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ولكن يوز تقدمي املستثىن على املستثىن منه‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬يوز الستثناء من اجلنس‪ ،‬ومن غريه‪.‬‬ ‫يعين يوز أن يكون املستثىن من جنس املستثىن منه‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قولك‪" :‬جاء القوم إل زيدا"‪ ،‬فـ "زيد" من جنس القوم‪.‬‬ ‫ويوز أن يكون املستثىن من غري جنس املستثىن منه‪.‬‬ ‫ُحارا"‪ ،‬فـ "احلمار" ليس من جنس القوم‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قولك‪" :‬جاء القوم إل ا‬ ‫قوله‪( :‬والمقيد بالصفة يُحمل عليه المطلق)‬ ‫جعل‬ ‫أي اللفظ إذا كان يف موضع ا‬ ‫مقيدا بالصفة‪ ،‬ويف موضع آخر مطل اقا فيُ ُ‬ ‫مقيدا‪.‬‬ ‫املطلق ا‬ ‫ُ‬ ‫(كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع‪ ،‬وأطلقت في بعض المواضع‪،‬‬ ‫فيحمل المطلق على المقيد)‬ ‫مراده بالرقبة املقيدة باإلميان هي املذكورة يف كفارة القتل‪:‬‬ ‫يف قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﮊ [النساء‪.]92:‬‬ ‫ومراده بالرقبة املطلقة هي املذكورة يف كفارة الظهار‪:‬‬ ‫يف قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﮌ ﮍﮊ [المجادلة‪.]3:‬‬ ‫فكون الرقبة ذكرت يف موضع مقيدة باإلميان‪ ،‬وذكرت يف موضع مطلقه‬ ‫فتُجعل املطلقة مقيدة‪.‬‬ ‫وعلى هذا فقوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮊ يكون معناه‪:‬‬ ‫فتحرير رقبة مؤمنة من قبل أن يتماسا‪.‬‬


‫‪54‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح الورقات‬

‫وز‪:‬‬ ‫َويَ ُج ُ‬

‫يص الكتَاب بالكتَاب‪.‬‬ ‫تَ ْخص ُ‬ ‫السنَّة‪.‬‬ ‫يص الكتَاب ب ُّ‬ ‫َوتَ ْخص ُ‬ ‫السنَّة بالكتَاب‪.‬‬ ‫يص ُّ‬ ‫َوتَ ْخص ُ‬

‫السنَّة‪.‬‬ ‫السنَّة ب ُّ‬ ‫يص ُّ‬ ‫َوتَ ْخص ُ‬

‫يص النُّطْق بالقيَاس‪.‬‬ ‫َوتَ ْخص ُ‬

‫الر ُسول ‪.)1(‬‬ ‫َونَ ْعني بالنُّطْق قَ ْو َل اهلل تَ َعالَى َوقَ ْو َل َّ‬

‫(‪ )1‬هذه أنواع التخصيص املنفصل‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب)‬ ‫أيضا من القرآن‪.‬‬ ‫أي يوز أن يكون العام من القرآن‪ ،‬واملخصص ا‬

‫ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﮊ [البقرة‪]228:‬‬

‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪:‬‬ ‫فهذه اآلية عامة يف كل مطلقة أن عليها عدة‪.‬‬

‫وقوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬

‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮊ [األحزاب‪ ]49:‬فهذه اآلية خمصصة‬ ‫لآلية األوىل‪ ،‬حيث أخرجت املطلقة اليت مل يُدخل عليها‪ ،‬فإهنا ليست عليها‬ ‫عدة‪.‬‬ ‫فيكون املعىن من جمموع اآليتني‪ :‬أن املطلقة عليها عدة‪ ،‬إل اليت مل يُدخل‬ ‫عليها‪ ،‬فال عدة عليها‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪55‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(وتخصيص الكتاب بالسنة)‬ ‫أي َيوز أن يكون العام من القرآن‪ ،‬واملخصص من احلديث‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬

‫ﭟﭠ‬

‫ﭡﮊ [المائدة‪]6:‬؛ فهذه اآلية عامة يف كل من أراد القيام للصالة‪ ،‬أنه‬ ‫يب عليه الوضوء‪.‬‬ ‫وقول النيب ‪" :‬ل يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حىت يتوضأ"‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)141‬ومسلم (‪ )221‬من حديث أيب هريرة‪.‬‬ ‫فهذا احلديث خمصص لآلية‪ ،‬حيث أخرج من مل حيدث‪ ،‬فال يب عليه الوضوء‪.‬‬ ‫فيكون املعىن ِمبجموع اآلية واحلديث‪ :‬كل من أراد القيام للصالة َيب عليه‬ ‫أن يتوضأ إذا كان حمدثاا‪.‬‬ ‫(وتخصيص السنة بالكتاب)‬

‫أي يوز أن يكون العام من احلديث‪ ،‬واملخصص من القرآن‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬صلح احلديبية الذي وقع بني النيب ‪ ‬وبني كفار قريش‪ ،‬فكان فيه‬ ‫"على أن ل يأتيك منا أحد‪ ،‬وإن كان على دينك‪ ،‬إل رددته إلينا"‪ ،‬فكلمة‬ ‫"أحد" تشمل الرجال والنساء‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬ﮋﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ‬ ‫ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﮊ [الممتحنة‪]11:‬‬

‫فهذه اآلية‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪56‬‬

‫شرح الورقات‬

‫خمصصة للحديث‪ ،‬حيث أخرجت النساء إذا تبني إمياهنن‪ ،‬بأن ل يُرجعن إىل‬ ‫الكفار‪.‬‬ ‫فيكون املعىن ِمبجموع احلديث واآلية‪ :‬إذا أتى أحد من الكفار‪ ،‬بغري إذن وليه‪،‬‬ ‫إىل املسلمني؛ ُفريد‪ ،‬إل إذا كانت امرأة قد تبني إمياهنا‪ ،‬فال ترد‪.‬‬ ‫(وتخصيص السنة بالسنة)‬

‫أيضا من احلديث‪.‬‬ ‫أي وَيوز أن يكون العام من احلديث‪ ،‬واملخصص له ا‬ ‫مثاله‪ :‬قول النيب ‪" :‬فيما سقت السماء العُش ُر"‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري (‪ )1944‬عن ابن عمر‪ ،‬ومسلم‪ )441(:‬عن جابر‪.‬‬ ‫فهذا حديث عام يف َّ‬ ‫كثريا كان أو قليالا؛ جتب فيه‬ ‫أن َّ‬ ‫أي مقدار من النبات‪ ،‬ا‬ ‫الزكاة‪.‬‬ ‫وقول النيب ‪" :‬ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة"‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)1949‬ومسلم (‪.)474‬‬ ‫فهذا احلديث خمصص للحديث األول‪ ،‬حيث أخرج ما دون مخسة أوسق‪ ،‬أنه‬ ‫ل جتب فيه الزكاة‪.‬‬ ‫فيكون املعىن مبجموع احلديثني‪َّ :‬‬ ‫أن أي مقدار من النبات َجتب فيه الزكاة‪ ،‬إل‬ ‫إذا كان أقل من مخسة أوسق‪ ،‬فال جتب فيه الزكاة‪ ،‬واخلمسة أوسق‪ :‬ثالمثائة‬ ‫صاع‪.‬‬ ‫(وتخصيص النطق بالقياس‪ ،‬ونعني بالنطق قول اهلل تعالى‪ ،‬وقول الرسول‬ ‫‪)‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪57‬‬

‫شرح الورقات‬

‫أي يوز أن يكون العام من القرآن واحلديث‪ ،‬واملخصص له القياس‪.‬‬ ‫ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﮊ [النور‪]2:‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪:‬‬ ‫فهذه اآلية عامة يف كل زان وزانية‪ ،‬واملراد هبما‪ :‬البكران؛ أهنما يلدان مائة‬ ‫جلدة‪.‬‬ ‫وكذلك قول النيب ‪" :‬البكر بالبكر جلد مائة‪ ،‬ونفي سنة"‪.‬‬ ‫أخرجه مسلم (‪.)1641‬‬ ‫فهذا احلديث عام يف البكرين أهنما يلدان مائة جلدة‪.‬‬ ‫والبكر هو‪ :‬الذي مل يامع يف نكاح صحيح‪.‬‬ ‫وقول اهلل تعاىل عن اإلماء‪ :‬ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫ﮱ ﯓ ﯔﮊ [النساء‪ ]25:‬احملصنات هنا‪ :‬احلرائر األبكار‪.‬‬ ‫فهذه اآلية خمصصة لآلية السابقة واحلديث‪ ،‬حيث أخرجت األمة البكر؛‬ ‫بكوهنا ُجتلد نصف ما ُجتلد به احلرة غري املتزوجة‪ ،‬يعين ُجتلد مخسني جلدة‪.‬‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫ويُقاس العبد على األمة‪ ،‬فيكون القياس‬ ‫خمصصا لآلية األوىل وللحديث ا‬ ‫ا‬ ‫حيث أخرج العبد؛ بكونه يلد نصف ما يلد به احلر‪.‬‬ ‫فيكون املعىن ِمبجموع اآليتني واحلديث والقياس‪ :‬أن الزاين والزانية البكرين يلد‬ ‫عبدا وأمة؛ فيجلد كل واحد منهما‬ ‫كل واحد منهما مائة جلدة‪ ،‬إل إذا كانا ا‬ ‫مخسني جلدة‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن أنواع التخصيص املنفصل مخسة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪58‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[اجململ واملبني]‬

‫الم ْج َم ُل‪َ :‬ما يَ ْفتَق ُر إلى البَ يَان(‪.)1‬‬ ‫َو ُ‬ ‫اج َّ‬ ‫َّجلِّي(‪.)2‬‬ ‫الش ْيء م ْن َحيِّز اإل ْش َكال إلى َحيِّز الت َ‬ ‫َوالبَ يَا ُن‪ :‬إ ْخ َر ُ‬ ‫(‪ )1‬هذا الباب الرابع؛ وهو يتضمن القاعدة الرابعة‪ ،‬اليت هي‪ :‬أقسام الكالم‬ ‫باعتبار إهبام املعىن الذي دل عليه وإيضاحه‪.‬‬ ‫جململ واملبَـ َّني‪.‬‬ ‫فالكالم هبذا العتبار قسمان‪ :‬ا َ‬ ‫وذكر املؤلف فيما يتعلق هبما مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬تعريف اجململ‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬تعريف البيان‪.‬‬ ‫وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬تعريف اجململ‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والمجمل) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(ما يفتقر إلى البيان)‬ ‫أي هو اللفظ املبهم الذي حيتاج إىل اإليضاح؛ ليعقل معناه‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮊ‪.‬‬ ‫فهذا لفظ جممل من حيث الكيفية؛ ألن كيفية إقامة الصالة حتتاج إىل اإليضاح‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬تعريف البيان‪.‬‬ ‫والبيان نوعان‪:‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪59‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َّص‪َ :‬ما الَ يَ ْحتَم ُل إالَّ َم ْعنى َواحدا‪.‬‬ ‫َوالن ُّ‬ ‫يل‪َ :‬ما تَأْويلُهُ تَ ْنزيلُهُ‪.‬‬ ‫َوق َ‬ ‫الع ُروس َو ُه َو ال ُك ْرس ُّي‪.‬‬ ‫َو ُه َو ُم ْشتَق م ْن منَ َّ‬ ‫صة َ‬ ‫اآلخر‪.‬‬ ‫َح ُد ُه َما أَظ َْه ُر م َن َ‬ ‫َوالظَّاه ُر‪َ :‬ما ْ‬ ‫احتَ َم َل أ َْم َريْن أ َ‬ ‫س َّمى الظَّاه َر ب َّ‬ ‫َويُ َؤَّو ُل الظَّاه ُر ب َّ‬ ‫الدليل(‪.)1‬‬ ‫الدليل‪َ ،‬ويُ َ‬

‫(‪)1‬‬

‫النوع األول‪ :‬الواضح بنفسه‪.‬‬ ‫ض ُح لغريه‪ ،‬وهذا النوع هو الذي عناه املؤلف بالتعريف‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬ال ُم َو ِّ‬ ‫قوله‪( :‬والبيان) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي)‬ ‫أي إخراج الشيء من موضع اخلفاء إىل موضع التضاح‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى هو‪ :‬تفصيل اجململ‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮊ‪.‬‬ ‫فهذه اآلية‪:‬‬ ‫من حيث األمر بإقامة الصالة بينة واضحة بنفسها‪.‬‬ ‫ومن حيث كيفية إقامة الصالة جمملة حتتاج إىل بيان‪.‬‬ ‫وما ورد يف السنة من بيان الكيفية إيضاح وتفصيل هلذا اإلمجال‪.‬‬ ‫لَ َّما تكلم عن اجململ واملبني‪ ،‬ناسب أن يتكلم عن النص والظاهر؛ ألهنما‬ ‫صنفان للنوع األول من البيان أي الواضح بنفسه‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والنص) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(ما ال يحتمل إال معنى واحدا)‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪61‬‬

‫شرح الورقات‬

‫أي هو اللفظ الذي ل حيتمل أكثر من معىن‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﰏ ﰐ ﰑ ﮊ [البقرة‪.]196:‬‬ ‫نصا‪.‬‬ ‫فهذا البيان ل حيتمل إل معىن و ا‬ ‫احدا‪ ،‬فيكون ا‬ ‫(وقيل) أي يف تعريف آخر للنص‪.‬‬ ‫(ما تأويله) أي معناه‪.‬‬ ‫(تَنْزيلُه) أي اللفظ الذي نزل به‪.‬‬ ‫يعين أن اللفظ نفسه واضح‪ ،‬فال حيتاج إىل تفسري خارج عنه‪.‬‬ ‫وعلى هذا فالتعريفان متقاربان‪.‬‬ ‫(وهو) أي لفظ النص‪.‬‬ ‫(مشتق) أي مأخوذ‪.‬‬ ‫(من منصة العروس) أي من لفظ "منصة" اليت توضع للعروس‪.‬‬ ‫(وهو الكرسي) أي منصة العروس املراد هبا‪ :‬الكرسي الذي تُرفع عليه‪.‬‬ ‫يشري إىل أن "النص" ُسي هبذا السم؛ لتضاح دللته‪.‬‬ ‫(والظاهر) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر)‬ ‫أي هو اللفظ الذي حيتمل معنيني؛ أحد املعنيني أرجح من املعىن اآلخر‪.‬‬ ‫أسدا"‪ ،‬فهذا الكالم حيتمل معنيني‪:‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قولك‪" :‬رأيت ا‬ ‫األول‪ :‬أنك رأيت احليوان املعروف‪.‬‬ ‫شجاعا‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أنك رأيت رجالا‬ ‫ا‬ ‫وهو باملعىن األول أرجح؛ ألن استعمال لفظ "أسد" يف احليوان حقيقة‪ ،‬واستعماله‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪61‬‬

‫شرح الورقات‬

‫يف الرجل الشجاع جماز‪ ،‬واحلقيقة مقدم على اجملاز‪.‬‬ ‫(ويُؤَّول) أي يفسر‪.‬‬ ‫(الظاهر) أي الراجح‪.‬‬ ‫(بالدليل) أي بسبب الدليل‪.‬‬ ‫(ويسمى) أي هذا الظاهر‪.‬‬ ‫(الظاهر بالدليل) أي لكون ظهوره عُ ِرف بالدليل‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن الظاهر بالدليل هو الذي عُ ِرف ظهوره بالدليل‪.‬‬ ‫أسدا يلوح بالسيف"‪.‬‬ ‫أيت ا‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قولك‪" :‬ر ُ‬ ‫أسدا" هذا كالم حيتمل معنيني‪:‬‬ ‫أيت ا‬ ‫فقولك‪" :‬ر ُ‬ ‫أحدمها‪ :‬أنك رأيت احليوان املعروف‪.‬‬ ‫شجاعا‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أنك رأيت رجالا‬ ‫ا‬ ‫فاستعمال لفظ "أسد" يف احليوان حقيقة‪ ،‬واستعماله يف الرجل الشجاع جماز‪.‬‬ ‫واألصل تقدمي احلقيقة على اجملاز فيكون املعىن األول هبذا العتبار هو األرجح‪.‬‬ ‫لكن دل الدليل على أن املعىن الثاين هو األرجح‪ ،‬وهو قولك‪" :‬يلوح بالسيف"‬ ‫فهذا وصف خاص بالرجل‪ ،‬فصار هذا هو الظاهر بسبب الدليل‪.‬‬ ‫خالصة هذا الباب‪:‬‬ ‫أن الكالم باعتبار إهبام املعىن الذي دل عليه وإيضاحه قسمان‪ :‬جممل‪ ،‬ومبني‪.‬‬ ‫وأن املبني نوعان‪ :‬واضح بنفسه‪ ،‬وموضح لغريه‪.‬‬ ‫والواضح بنفسه صنفان‪ :‬نص‪ ،‬وظاهر‪.‬‬ ‫والظاهر شيئان‪ :‬ظاهر بنفسه‪ ،‬وظاهر بالدليل‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪62‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[األفعال]‬

‫صاحب َّ‬ ‫الشر َيعة‪:‬‬ ‫ف ْع ُل َ‬ ‫اعة أ َْو ال يَ ُكو َن(‪.)1‬‬ ‫الَ يَ ْخلُو إ َّما أَ ْن يَ ُكو َن َعلَى َو ْجه ال ُق ْربَة َوالطَّ َ‬ ‫(‪ )1‬هذا الباب اخلامس؛ وهو يتضمن القاعدة اخلامسة‪ ،‬اليت هي‪ :‬األفعال‪.‬‬ ‫ولكن هذه القاعدة ل تتعلق بالكالم‪ ،‬وذلك ألن القرآن كالم اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫والسنة كالم النيب ‪ ‬وفعله وإقراره‪ .‬فلما انتهى املؤلف من القواعد األربعة‬ ‫املتعلقة بالكالم‪ ،‬سواء كالم اهلل تعاىل أو كالم النيب ‪ ،‬شرع بعد ذلك يف‬ ‫ِذكر القاعدة اخلامسة املتعلقة بفعل النيب ‪.‬‬ ‫وذكر فيما يتعلق بفعل النيب ‪ ‬مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬أقسام فعل النيب ‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬حكم كل قسم‪.‬‬ ‫وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬أقسام فعل ‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فعل صاحب الشريعة) أي فعل النيب ‪.‬‬ ‫(إما أن يكون على وجه القربة والطاعة) هذا القسم األول‪.‬‬ ‫(أو ال يكون) هذا القسم الثاين‪.‬‬ ‫يعين أو ل يكون فعله على وجه القربة والطاعة‪.‬‬ ‫ومعىن على وجه القربة والطاعة‪ :‬أي على قصد التقرب إىل اهلل‪ ،‬والطاعة له‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن فعل النيب ‪ ‬قسمان‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪63‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َّ‬ ‫صاص‪.‬‬ ‫صاص به ُحم َل َعلَى اال ْخت َ‬ ‫يل َعلَى اال ْخت َ‬ ‫فَإ ْن َدل َدل ٌ‬

‫َّ‬ ‫ص به أل َّ‬ ‫ول‪ :‬ﮋﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ‬ ‫َن اهللَ تَ َعالَى يَ ُق ُ‬ ‫يل الَ يُ ْختَ ُّ‬ ‫َوإ ْن لَ ْم يَ ُدل َدل ٌ‬

‫َص َحابنَا‪،‬‬ ‫الو ُجوب ع ْن َد بَ ْعض أ ْ‬ ‫ﯴ ﯵ ﯶﮊ [األحزاب‪ ،]21:‬فَ يُ ْح َم ُل َعلَى ُ‬ ‫ف ف ْيه‪.‬‬ ‫ال‪ :‬يُ ْح َم ُل َعلَى النَّ ْدب‪َ ،‬وم ْن ُه ْم َم ْن قَ َ‬ ‫َص َحابنَا َم ْن قَ َ‬ ‫ال‪ :‬يُتَ َوقَّ ُ‬ ‫َوم ْن أ ْ‬ ‫احة(‪.)1‬‬ ‫فَإ ْن َكا َن َعلَى غَْير َو ْجه ال ُق ْربَة َوالطَّ َ‬ ‫اعة فَ يُ ْح َم ُل َعلَى اإلبَ َ‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬حكم كل قسم من قسمي فعل النيب ‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فإن دل دليل على االختصاص به حمل على االختصاص)‬ ‫هذا بالنسبة للقسم األول‪.‬‬ ‫يعين إذا كان فعل النيب ‪ ‬على وجه القربة والطاعة‪ ،‬ودل دليل على أنه خاص‬ ‫عاما لألمة‪.‬‬ ‫فحك ُم هذا الفعل أنه حيمل على الختصاص به‪ ،‬أي ل يكون ا‬ ‫به؛ ُ‬ ‫مثاله‪ :‬حديث هني النيب ‪ ‬عن الوصال يف الصوم‪ ،‬مع كونه يواصل‪.‬‬ ‫والوصال‪ :‬هو أن يصوم يومني فأكثر‪ ،‬من غري أن يأكل أو يشرب يف الليل‪.‬‬

‫واحلديث أخرجه البخاري (‪ )1461‬ومسلم (‪ )1114‬عن أيب هريرة ‪،‬‬ ‫أيضا عن مجلة من الصحابة ‪.‬‬ ‫وأخرجاه ا‬ ‫(وإن لم يدل دليل ال يختص به؛ ألن اهلل تعالى يقول‪ :‬ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬ ‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﮊ)‬ ‫يعين إذا كان فعل النيب ‪ ‬على وجه القربة والطاعة‪ ،‬ومل يدل دليل على أنه‬ ‫عاما لألمة‪.‬‬ ‫خاص به؛ فحكم هذا الفعل أنه ل خيتص به‪ ،‬أي يكون ا‬ ‫والسبب يف ذلك هو قوله تعاىل‪ :‬ﮋﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﮊ‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪64‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وجه الدللة‪ :‬أن اهلل أخرب أن لنا يف رسول اهلل قدوة حسنة‪ ،‬أي فعلينا أن نقتدي به‪.‬‬ ‫وعلى هذا فاألصل أن فعل النيب ‪ ‬عام لألمة‪ ،‬إل ما دل الدليل على أنه خاص به‪.‬‬ ‫(فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا‪ ،‬ومن أصحابنا من قال‪ :‬يحمل‬ ‫على الندب‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬يتوقف فيه)‬ ‫يعين إذا كان الفعل ل خيتص بالنيب ‪ ،‬بل هو عام لألمة؛ فحكم العمل به‬ ‫مشروع‪ ،‬لكن اختلفوا يف نوع املشروعية على ثالثة أقوال‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬إنه واجب‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬إنه مندوب‪.‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬يتوقف فيه‪.‬‬ ‫أي ل يقال بالوجوب أو الندب حىت يدل الدليل على أحدمها‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬املراد بقوله (أصحابنا) أي الشافعية‪ ،‬فهذه األقوال الثالثة كلها للشافعية‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬سبب هذا الختالف أن من قال بالوجوب فعلى سبيل الحتياط‪ ،‬ومن‬ ‫قال بالندب فألن األصل عدم العقاب على الرتك‪ ،‬ومن قال بالتوقف فلعدم وجود‬ ‫الدليل على املراد هل الوجوب أو الندب‪ ،‬ومل يقل أحد منهم إنه لإلباحة؛ ألن‬ ‫الفعل على وجه القربة والطاعة يكون مطلوباا‪ ،‬إما وجوباا‪ ،‬أو استحباباا‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬الفعل الذي هو عام للنيب ‪ ‬ولألمة صنفان‪:‬‬ ‫الصنف األول‪ :‬ما كان بياناا إلمجال‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬بيان كيفية الصالة‪.‬‬ ‫فاألمر بالصالة جاء يف قوله‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮊ ولكن كيفية إقامة الصالة يف‬ ‫هذه اآلية جمملة‪ ،‬وما ورد عن النيب ‪ ‬يف كيفية إقامته للصالة بيان هلذا اإلمجال‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪65‬‬

‫شرح الورقات‬

‫فهذا الصنف حكمه حكم اجململ‪:‬‬ ‫فإذا كان اجململ واجباا فما ورد يف البيان واجب‪.‬‬ ‫وإذا كان اجململ مندوباا فما ورد يف البيان مندوب‪.‬‬ ‫الصنف الثاين‪ :‬ما ليس بياناا إلمجال‪.‬‬ ‫وحكم هذا الصنف فيه األقوال الثالثة اليت ذكرها املؤلف‪.‬‬ ‫وعلى هذا فكالم املؤلف املتقدم إمنا هو عن هذا الصنف دون األول‪.‬‬ ‫(فإن كان على غير وجه القربة والطاعة فيحمل على اإلباحة)‬ ‫هذا بالنسبة للقسم الثاين‪.‬‬ ‫يعين إذا كان فعل النيب ‪ ‬على غري وجه القربة فحكم فعله لألمة مباح‪ ،‬سواء‬ ‫كان الفعل مبقتضى اجلبلة ـ أي الطبيعة ـ كاألكل‪ ،‬والشرب‪ ،‬والقيام‪ ،‬والقعود‪،‬‬ ‫والنوم‪ ،‬أو كان مبقتضى العادة كلبس العمامة‪ ،‬والرداء‪ ،‬واإلزار‪ ،‬واختاذ الشعر‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬القول بأن فعل النيب ‪ ‬على غري وجه القربة حكم فعله لألمة مباح‪،‬‬ ‫هذا احلكم يتعلق بأصل الفعل‪ ،‬لكن كيفية الفعل قد تتعلق ِهبا األحكام‬ ‫اخلمسة من الوجوب‪ ،‬والندب‪ ،‬واحلظر‪ ،‬والكراهة‪ ،‬واإلباحة‪ ،‬مثل كيفية‬ ‫األكل‪ ،‬وكيفية اللبس‪.‬‬ ‫خالصة هذا الباب‪:‬‬ ‫أن فعل النيب ‪ ‬قسمان‪:‬‬ ‫ما كان على وجه القربة‪ ،‬وما كان على غري وجه القربة‪.‬‬ ‫وما كان على وجه القربة نوعان‪ :‬خاص به‪ ،‬وعام له ولألمة‪.‬‬ ‫والعام صنفان‪ :‬بيان إلمجال‪ ،‬وما ليس بياناا إلمجال‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪66‬‬

‫شرح الورقات‬

‫صاحب َّ‬ ‫صاحب َّ‬ ‫الشر َيعة‪َ ،‬وإق َْر ُارهُ‬ ‫الشر َيعة على القول ُه َو قَ ْو ُل َ‬ ‫َوإق َْر ُار َ‬ ‫َعلَى الف ْعل َكف ْعله(‪.)1‬‬ ‫(‪ )1‬لَ َّما تكلم املؤلف عن فعل النيب ‪ ‬ناسب أن يتكلم عن إقراره‪.‬‬ ‫واإلقرار معناه‪ :‬السكوت وعدم اإلنكار‪.‬‬ ‫وذكر عن إقرار النيب ‪ ‬مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬حكم إقراره على ما يُقال ويُفعل يف حضوره‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬حكم إقراره على ما يفعل يف وقته يف غري حضوره‪.‬‬ ‫وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬حكم إقراره على ما يُقال ويُفعل يف حضوره‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وإقرار صاحب الشريعة) أي إقرار النيب ‪.‬‬ ‫(على القول) أي الصادر من املكلَّف‪.‬‬ ‫(هو) أي هذا القول‪.‬‬ ‫(قول صاحب الشريعة) أي حكمه حكم قول صاحب الشريعة‪.‬‬ ‫يعين كأن الذي قاله هو النيب ‪.‬‬

‫(وإقراره) أي إقرار النيب ‪.‬‬

‫(على الفعل) أي الصادر من املكلَّف‪.‬‬ ‫(كفعله) أي حكمه حكم فعله‪.‬‬ ‫يعين كأن الذي فعله هو النيب ‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن املكلَّف إذا قال قولا أو فعل فعالا يف حضور النيب ‪ ،‬وسكت‬ ‫عنه النيب ‪‬؛ فحكم هذا الفعل أو القول نفس حكم قول وفعل النيب ‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪67‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َوَما فُع َل في َوقْته في غَْير َم ْجلسه َو َعل َم به َولَ ْم يُ ْنك ْرهُ فَ ُح ْك ُمهُ ُح ْك ُم َما‬ ‫فُع َل في َم ْجلسه(‪.)1‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬حكم إقرار النيب ‪ ‬على ما يفعل يف غري حضوره‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وما فُعل) أي من املكلَّف‪.‬‬ ‫(في وقته) أي يف زمان حياته‪.‬‬

‫(في غير مجلسه) أي يف غري حضوره‪.‬‬ ‫يعين أنه مل يشاهده‪.‬‬ ‫(وعلم به) أي أ ِ‬ ‫ُخرب به‪.‬‬ ‫(ولم ينكره) أي سكت عنه‪.‬‬ ‫(فحكمه) أي حكم هذا الفعل‪.‬‬

‫(حكم ما فُعل في مجلسه) أي حكم الفعل الذي فُعِ َل يف حضوره‪.‬‬

‫اخلالصة‪ :‬أن املكلف إذا فعل فعالا يف وقت النيب ‪ ‬يف غري حضوره‪ ،‬وعلم‬ ‫به النيب ‪ ،‬وسكت عنه؛ فحكم هذا الفعل حكم الفعل الذي فُعِ َل يف‬ ‫حضوره‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪68‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[الناسخ واملنسوخ]‬

‫س َخت َّ‬ ‫س الظِّ َّل" إذا أزالَْتهُ"‪.‬‬ ‫َّس ُخ فَ َم ْعنَاهُ‪ :‬اإل َزالَةُ؛ يُ ُ‬ ‫َوأَ َّما الن ْ‬ ‫قال‪" :‬نَ َ‬ ‫الش ْم ُ‬ ‫س ْخ ُ‬ ‫ت َما في الكتَاب" إذا نَ َقلْتُهُ‬ ‫يل َم ْعنَاهُ‪ :‬النَّ ْق ُل‪ ،‬م ْن قَ ْولهم‪" :‬نَ َ‬ ‫َوق َ‬ ‫بأ ْش َكال كتَابَته(‪.)1‬‬ ‫(‪ )1‬هذا الباب السادس من أبواب أصول الفقه؛ الذي هو‪ :‬الناسخ‪ ،‬واملنسوخ‪.‬‬ ‫وهذا الباب يتضمن الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف فيما يتعلق بالناسخ واملنسوخ أربعة مباحث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬تعريف النسخ لغة‪.‬‬ ‫اصطالحا‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬تعريف النسخ‬ ‫ا‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أقسام النسخ‪.‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬كيفية معرفة الناسخ واملنسوخ‪.‬‬ ‫وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬تعريف النسخ لغة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وأما النسخ فمعناه) أي تعريفه لغة‪.‬‬ ‫(اإلزالة) أي اإلعدام‪.‬‬ ‫(يقال‪" :‬نسخت الشمس الظل" إذا أزالته) أي أعدمته‪.‬‬ ‫(وقيل معناه) أي يف تعريفه لغة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪69‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الد ُّ‬ ‫اب َّ‬ ‫المتَ َقدِّم َعلَى‬ ‫َو َح ُّدهُ‪ :‬الخطَ ُ‬ ‫ال َعلَى َرفْع ا ُ‬ ‫لح ْكم الثَّابت بالخطَاب ُ‬ ‫َو ْجه لَ ْوالَهُ لَ َكا َن ثَابتا َم َع تَ َراخيه َع ْنهُ(‪.)1‬‬ ‫(النقل) أي مع عدم اإلعدام‪.‬‬ ‫نسخت ما في الكتاب" إذا نقلته بأشكال كتابته)‬ ‫(من قولهم‪" :‬‬ ‫ُ‬ ‫يعين أن النقل إمنا حصل يف شكل الكتابة أي صورهتا مع بقاء املكتوب‪.‬‬ ‫واخلالصة‪ :‬أن يف تعريف النسخ لغة قولني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬إنه اإلزالة‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬إنه النقل‪.‬‬ ‫والفرق بني التعريفني‪:‬‬ ‫أن األول يقتضي ذهاب املنسوخ‪.‬‬ ‫والثاين يقتضي بقاء املنسوخ‪.‬‬ ‫وظاهر تصرف املؤلف أنه خيتار القول األول‪ ،‬وذلك لكونه قدمه بالذكر‪،‬‬ ‫اصطالحا يدل على ذلك‪.‬‬ ‫وكذلك تعريفه للنسخ‬ ‫ا‬ ‫اصطالحا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثاين‪ ،‬وهو‪ :‬تعريف النسخ‬ ‫ا‬ ‫اصطالحا‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وحده) أي تعريفه‬ ‫ا‬ ‫(الخطاب) أي القول من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(الدال على رفع الحكم) أي على زواله‪.‬‬ ‫(الثابت بالخطاب المتقدم)‬ ‫أي احلكم الذي ُرفِع ثابت قبل ذلك خبطاب متقدم‪.‬‬ ‫(على وجه) أي على حال‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪71‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(لواله) أي لول اخلطاب املتأخر‪.‬‬ ‫(لكان) أي احلكم الذي ُرفِع‪.‬‬ ‫مستمرا‪.‬‬ ‫(ثابتا) أي‬ ‫ا‬ ‫(مع تراخيه عنه) أي مع تأخره عنه بزمن‪.‬‬ ‫واملراد به تأخر اخلطاب الثاين عن اخلطاب األول‪.‬‬ ‫هذا التعريف تضمن ثالثة قيود‪:‬‬ ‫القيد األول‪ :‬أن يكون احلكم املرفوع ثابتاا خبطاب‪.‬‬ ‫متأخرا عن اخلطاب الدال‬ ‫القيد الثاين‪ :‬أن يكون اخلطاب الدال على الرفع‬ ‫ا‬ ‫على احلكم املرفوع‪.‬‬ ‫القيد الثالث‪ :‬أن يكون بني اخلطابني زمن‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮊ [األنفال‪.]65:‬‬ ‫هذا خرب يراد به األمر‪.‬‬ ‫ومعناه‪ :‬إذا كان املقاتلون املؤمنون منهم عشرون صابرون‪ ،‬فيجب أن يقاتلوا‬ ‫كثريا‪ ،‬ما مل يتجاوز عشرة أضعافهم‪.‬‬ ‫األعداء‪ ،‬ولو كان عددهم ا‬ ‫حكما‪.‬‬ ‫فهذا خطاب أثبت ا‬

‫وقوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬

‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ‬

‫[األنفال‪.]66:‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪71‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وز‪:‬‬ ‫َويَ ُج ُ‬

‫الح ْكم‪.‬‬ ‫نَ ْس ُخ َّ‬ ‫الر ْسم َوبَ َقاءُ ُ‬

‫الر ْسم‪.‬‬ ‫الح ْكم َوبَ َقاءُ َّ‬ ‫َونَ ْس ُخ ُ‬ ‫ونَ ْس ُخ األ َْم َريْن‪.‬‬

‫َّس ُخ إلى بَ َدل َوإلى غَْير بَ َدل‪.‬‬ ‫َوالن ْ‬

‫َخ ُّ‬ ‫ف(‪.)1‬‬ ‫َوإلى َما ُه َو أَ ْغلَ ُ‬ ‫ظ َوإلى َما ُه َو أ َ‬ ‫حكما‬ ‫فهذا خطاب متأخر عن اخلطاب األول‪ ،‬رفع احلكم األول‪ ،‬وأثبت ا‬ ‫جديدا‪.‬‬ ‫ا‬ ‫واحلكم اجلديد هو‪ :‬أن املؤمنني يب أن يقاتلوا األعداء‪ ،‬ولو كان عددهم‬ ‫كثريا‪ ،‬ما مل يتجاوز ضعفهم‪.‬‬ ‫ا‬ ‫(‪ )1‬املبحث الثالث هو‪ :‬أقسام النسخ‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف أقسام النسخ باعتبارين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬باعتبار نوع املنسوخ‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬باعتبار دليل النسخ‪.‬‬ ‫وبدأ بأقسام النسخ بالعتبار األول‪ ،‬الذي هو‪ :‬نوع املنسوخ‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويجوز نسخ الرسم‪ ،‬وبقاء الحكم)‬

‫الرسم املراد به‪ :‬اللفظ‪.‬‬ ‫أي يوز نسخ اللفظ‪ ،‬دون احلكم‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬آية الرجم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪72‬‬

‫شرح الورقات‬

‫فعن عمر بن اخلطاب ‪ ‬قال‪" :‬كان فيما أُنزل آية الرجم‪ ،‬فقرأناها ووعيناها‪،‬‬ ‫وعقلناها‪ ،‬ورجم رسول اهلل ‪ ‬ورمجنا بعده‪ ،‬فأخشى إن طال بالناس زمان أن‬ ‫يقول قائل‪ :‬واهلل ما جند الرجم يف كتاب اهلل‪ ،‬فيضلوا برتك فريضة أنزهلا اهلل"‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)6424‬ومسلم (‪.)1641‬‬ ‫(ونسخ الحكم وبقاء الرسم)‬ ‫أي ويوز نسخ احلكم‪ ،‬دون اللفظ‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬اآليتان املتقدمتان املعروفتان بآييت املصابرة‪.‬‬ ‫(ونسخ األمرين)‬ ‫مجيعا‪.‬‬ ‫أي يوز نسخ اللفظ واحلكم ا‬ ‫مثال ذلك‪ :‬آية الرضاعة‪.‬‬ ‫فعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪" :‬كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات‬ ‫معلومات حيرمن‪ ،‬مث نسخن خبمس معلومات"‪.‬‬ ‫أخرجه مسلم (‪.)1912‬‬ ‫قلت‪ :‬فكانت العشر منسوخة اللفظ واحلكم‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن أقسام النسخ باعتبار نوع املنسوخ ثالثة‪.‬‬ ‫وقوعا هو‪ :‬فيما نُ ِسخ حكمه دون لفظه‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬أكثر هذه األقسام ا‬ ‫قوله‪( :‬والنسخ إلى بدل‪ ،‬وإلى غير بدل)‬ ‫هذا تقسيم تابع للتقسيم الذي قبله‪.‬‬ ‫ألنه متعلق بنسخ احلكم‪ ،‬سواء كان مع اللفظ‪ ،‬أو من غري اللفظ‪.‬‬ ‫يعين احلكم املنسوخ ينقسم إىل قسمني‪:‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪73‬‬

‫شرح الورقات‬

‫األول‪ :‬احلكم املنسوخ مع إبداله حبكم آخر‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬احلكم املنسوخ مع عدم إبداله حبكم آخر‪.‬‬ ‫مثال األول‪ :‬ما تقدم من آييت املصابرة‪ ،‬وغريمها‪.‬‬ ‫مثال الثاين‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ [المجادلة]‪.‬‬ ‫فهذا اخلطاب يدل على وجوب تقدمي الصدقة قبل مناجاة الرسول ‪.‬‬ ‫مث نُ ِسخ بقوله‪ :‬ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ‬

‫[المجادلة]‪ ،‬فهذا اخلطاب دل على نسخ وجوب تقدمي الصدقة قبل املناجاة‪،‬‬ ‫من غري إبداله بوجوب شيء آخر غري تقدمي الصدقة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وإلى ما هو أغلظ‪ ،‬وإلى ما هو أخف)‬ ‫هذا تقسيم تابع للتقسيم الذي قبله؛ ألنه متعلق بنسخ احلكم إىل بدل‪.‬‬ ‫يعين احلكم املنسوخ إىل بدل ينقسم إىل قسمني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬احلكم املنسوخ إىل بدل أغلظ‪ ،‬أي أشق‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬احلكم املنسوخ إىل بدل أخف‪ ،‬أي أهون‪.‬‬ ‫مثال األول‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮊ‬ ‫[البقرة‪.]184:‬‬ ‫فهذا خطاب يدل على أن من يستطيع الصيام يف شهر رمضان‪ ،‬فله أن يفطر‬ ‫ويقدم فداءا‪ ،‬وهو‪ :‬إطعام مسكني عن كل يوم يفطر فيه‪.‬‬ ‫مث نُسخ بقوله‪ :‬ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ [البقرة‪.]185:‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪74‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وز‪:‬‬ ‫َويَ ُج ُ‬

‫نَ ْس ُخ الكتَاب بالكتَاب‪.‬‬ ‫السنَّة بالكتَاب‪.‬‬ ‫َونَ ْس ُخ ُّ‬

‫اآلحاد وبالمتواتر‪.‬‬ ‫َويَ ُج ُ‬ ‫اآلحاد ب َ‬ ‫المتَ َواتر‪َ ،‬ونَ ْس ُخ َ‬ ‫المتَ َواتر ب ُ‬ ‫وز نَ ْس ُخ ُ‬

‫اآلحاد(‪.)1‬‬ ‫َوالَ يَ ُج ُ‬ ‫وز نَ ْس ُخ ال ُمتَ َواتر ب َ‬

‫فهذا خطاب نَ َس َخ التخيري بني الصوم والفدية‪ ،‬وأوجب الصوم فقط‪ ،‬والصوم‬ ‫فقط أشق من التخيري بينه وبني الفدية‪.‬‬ ‫ومثال الثاين‪ :‬ما تقدم‪ ،‬كآييت املصابرة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذه أقسام النسخ بالعتبار الثاين؛ الذي هو‪ :‬دليل النسخ‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب)‬ ‫أي يوز أن يكون الناسخ واملنسوخ كالمها من القرآن‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬آيتا املصابرة‪ ،‬وآيتا الصوم‪.‬‬ ‫(ونسخ السنة بالكتاب)‬ ‫أي يوز أن يكون الناسخ من القرآن واملنسوخ من احلديث‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬حتويل القبلة من بيت املقدس إىل الكعبة‪.‬‬ ‫فالقبلة إىل بيت املقدس ثابتة بالسنة‪.‬‬ ‫وحتويلها إىل الكعبة ثابت بقوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈﮊ [البقرة‪.]149:‬‬ ‫تنبيه‪ :‬مل يذكر املؤلف نسخ الكتاب بالسنة إشارة إىل عدم جوازها‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪75‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ض نُطْ َقان فَالَ يَ ْخلُو‪:‬‬ ‫ار َ‬ ‫إذَا تَ َع َ‬ ‫إ َّما أَ ْن يَ ُكونَا َع َّام ْين‪.‬‬ ‫اص ْين‪.‬‬ ‫أ َْو َخ َّ‬ ‫َح ُد ُه َما َخاصا‪.‬‬ ‫أ َْو أ َ‬ ‫أ َْو ُك ُّل َواحد م ْن ُه َما َخاصا م ْن َو ْجه(‪.)1‬‬ ‫قوله‪( :‬ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر‪ ،‬ونسخ اآلحاد باآلحاد وبالمتواتر)‬ ‫أي ويوز نسخ السنة بالسنة‪.‬‬ ‫ونسخ السنة بالسنة نوعان‪:‬‬ ‫اترا‪.‬‬ ‫األول‪ :‬أن يكون الناسخ واملنسوخ كالمها متو ا‬ ‫اترا‪.‬‬ ‫آحادا‪ ،‬والناسخ ا‬ ‫الثاين‪ :‬أن يكون املنسوخ ا‬ ‫آحادا أو متو ا‬ ‫(وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد)‬ ‫آحادا‪.‬‬ ‫اترا‪ ،‬والناسخ ا‬ ‫أي ل يوز أن يكون املنسوخ متو ا‬ ‫وعللوا ذلك بأن املتواتر يقني‪ ،‬واآلحاد ظن‪ ،‬والظن ل يرفع اليقني‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن أقسام النسخ باعتبار دليل النسخ ثالثة‪:‬‬ ‫نسخ الكتاب بالكتاب‪ ،‬ونسخ السنة بالكتاب‪ ،‬ونسخ السنة بالسنة‪.‬‬ ‫ونسخ السنة بالسنة نوعان‪.‬‬ ‫(‪ )1‬املبحث الرابع هو‪ :‬بيان كيفية معرفة الناسخ واملنسوخ‪.‬‬ ‫وبدأ ـ هذا املبحث ـ بذكر أقسام تعارض النطقني‪.‬‬ ‫والنطقان املراد هبما‪ :‬القولن من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫واملراد بالتعارض‪ :‬أن ظاهرمها الختالف‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪76‬‬

‫شرح الورقات‬

‫فَإ َن َكانَا َع َّام ْين‪:‬‬

‫الج ْم ُع بَ ْي نَ ُه َما ُجم َع‪.‬‬ ‫فَإ ْن أ َْم َك َن َ‬

‫يخ‪.‬‬ ‫الج ْم ُع بَ ْي نَ ُه َما يُتَ َوقَّ ُ‬ ‫ف فيه َما إ ْن لَ ْم يُ ْعلَم التَّار ُ‬ ‫َوإ ْن لَ ْم يُ ْمك ُن َ‬ ‫ِّر‪.‬‬ ‫فَإ ْن عُل َم التَّار ُ‬ ‫المتَ َقد ُ‬ ‫ِّم ب ُ‬ ‫يخ نُس َخ ُ‬ ‫المتَأَخ ُ‬

‫اص ْين‪.‬‬ ‫َوَك َذلك إ ْن َكانَا َخ َّ‬

‫اص‪.‬‬ ‫الع ُّ‬ ‫اآلخ ُر َخاصا فَ يُ َخ ُّ‬ ‫الخ ِّ‬ ‫ام ب َ‬ ‫َح ُد ُه َما َعاما َو َ‬ ‫ص َ‬ ‫َوإ ْن َكا َن أ َ‬

‫وم ُك ٍّل‬ ‫َوإ ْن َكا َن ُكل م ْن ُه َما َعاما م ْن َو ْجه َو َخاصا م ْن َو ْجه فَ يُ َخ ُّ‬ ‫ص عُ ُم ُ‬ ‫اآلخر(‪.)1‬‬ ‫صوص َ‬ ‫م ْن ُه َما ب ُخ ُ‬ ‫قوله‪( :‬إذا تعارض) أي اختلف‪.‬‬ ‫(نطقان) أي قولن من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(فال يخلو) أي هذا األمر‪.‬‬

‫(إما أن يكونا عامين) أي متساويني يف العموم‪.‬‬ ‫(أو خاصين) أي متساويني يف اخلصوص‪.‬‬ ‫عاما‪.‬‬ ‫(أو أحدهما خاصا) أي واآلخر ا‬

‫وعاما من وجه‪.‬‬ ‫(أو كل واحد منهما خاصا من وجه) أي ا‬

‫اخلالصة‪ :‬أن أقسام تعارض النطقني أربعة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬لَ َّما ذكر أقسام تعارض النطقني ذكر طرق دفع التعارض يف كل قسم؛ ليتضح‬ ‫بذلك كيفية معرفة الناسخ واملنسوخ‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فإن كانا عامين؛ فإن أمكن الجمع بينهما ُجمع‪ ،‬وإن لم يمكن الجمع‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪77‬‬

‫شرح الورقات‬

‫بينهما يتوقف فيهما‪ ،‬إن لَ ْم يُعلَم التاريخ‪ ،‬فإن عُلم التاريخ نُسخ المتقدم‬ ‫بالمتأخر)‬ ‫يعين إذا كان النطقان املتعارضان عامني‪ ،‬فلدفع التعارض بينهما طريقان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اجلمع بينهما‪ ،‬وذلك بشرط اإلمكان‪.‬‬ ‫تفسريا ينتفي به التعارض بينهما‪.‬‬ ‫واملراد باجلمع هو‪ :‬أن يُ َّ‬ ‫فسر القولن ا‬ ‫منسوخا‪.‬‬ ‫ناسخا واآلخر‬ ‫الثاين‪ :‬أن ُيعل ُ‬ ‫ا‬ ‫أحدمها ا‬ ‫وذلك بشرطني‪ :‬عند عدم إمكان اجلمع‪ ،‬وعند معرفة التاريخ‪.‬‬ ‫فيكون املتقدم منهما هو املنسوخ‪ ،‬واملتأخر هو الناسخ‪.‬‬ ‫وإن مل ميكن دفع التعارض باجلمع أو النسخ فالتوقف‪.‬‬ ‫واملراد بالتوقف‪ :‬أن ل يُعمل بأحد املتعارضني‪.‬‬ ‫مثال اجلمع‪:‬‬ ‫حديث‪":‬أل أخربكم خبري الشهداء الذي يأيت بشهادته قبل أن يُسأهلا"‪.‬‬ ‫أخرجه مسلم (‪.)1714‬‬ ‫وحديث‪َّ " :‬‬ ‫ستشهدون"‪.‬‬ ‫شهدون ول يُ َ‬ ‫قوما خيونون‪ ،‬ول يُؤَمتَنون‪ ،‬ويَ َ‬ ‫إن بعدكم ا‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)2161‬ومسلم (‪.)2141‬‬ ‫فاحلديث األول عام يف مدح من يبادر إىل الشهادة قبل أن تطلب منه‪.‬‬ ‫واحلديث الثاين عام يف ذم من يبادر إىل الشهادة قبل أن تطلب منه‪.‬‬ ‫فجمع أهل العلم بينهما‪ ،‬ومن أوجه اجلمع‪:‬‬ ‫أن احلديث األول َحم ُمول على من عنده شهادة إلنسان‪ ،‬ول يعلم ذلك‬ ‫اإلنسان أن هذا شاهد‪ ،‬فيأيت إليه خيربه بأنه شاهد له‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪78‬‬

‫شرح الورقات‬

‫زورا‪.‬‬ ‫واحلديث الثاين حممول على من يشهد لغريه ا‬ ‫تنبيه‪ :‬التوقف إمنا يكون بالنسبة للمجتهد الذي مل يستطع أن يدفع التعارض‬ ‫بأحد هذين الطريقني‪ ،‬وأما غريه من اجملتهدين فقد يُوفَّق إىل دفع التعارض‪.‬‬ ‫(وكذلك إن كانا خاصين)‬ ‫أي إذا كان النطقان املتعارضان خاصني‪:‬‬ ‫فدفع التعارض بينهما مثل دفع التعارض بني النطقني العامني‪.‬‬ ‫يعين لدفع التعارض بينهما طريقان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اجلمع بينهما‪.‬‬ ‫منسوخا‪.‬‬ ‫ناسخا‪ ،‬واآلخر‬ ‫الثاين‪ :‬أن ُيعل ُ‬ ‫ا‬ ‫أحدمها ا‬ ‫(وإن كان أحدهما عاما‪ ،‬واآلخر خاصا؛ فيخص العام بالخاص)‬ ‫خاصا‪:‬‬ ‫عاما‪ ،‬واآلخر ا‬ ‫أي إذا كان النطقان املتعارضان أحدمها ا‬ ‫خمصصا للعام‪.‬‬ ‫فلدفع التعارض بينهما طريق واحد‪ ،‬وهو‪ :‬أن يعل اخلاص ِّ‬ ‫مثال ذلك‪ :‬ما تقدم يف مسألة عدة الطالق‪.‬‬ ‫خص عموم كل‬ ‫(وإن كان كل منهما عاما من وجه‪ ،‬وخاصا من وجه؛ فيُ ُّ‬ ‫منهما بخصوص اآلخر)‬ ‫أي إذا كان النطقان املتعارضان كل منهما له وجهان؛ عام‪ ،‬وخاص‪:‬‬ ‫فلدفع التعارض بينهما طريق واحد‪ ،‬وهو‪ :‬أن ُيعل اخلاص من كل واحد‬ ‫خمصصا للعام يف كل منهما‪.‬‬ ‫منهما‬ ‫ا‬ ‫غري طعمه أو رحيه أو لونه"‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬حديث‪" :‬املاء طهور ل ينجسه إل ما َّ‬ ‫أخرجه ابن ماجه (‪ ،)121‬وقال يف الزوائد‪ :‬إسناده ضعيف‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪79‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وحديث‪" :‬إذا كان املاء قلتني مل حيمل اخلبث"‪.‬‬ ‫أخرجه أبو داود (‪ ،)64‬وابن ماجه (‪.)117‬‬ ‫فاحلديث األول عام من جهة أن املاء ل ينجس مبجرد وقوع النجاسة فيه‪،‬‬ ‫كثريا أو قليالا‪ ،‬وخاص من جهة أنه إذا حصل فيه التغري‬ ‫سواء كان املاء ا‬ ‫بالنجاسة فإنه ينجس‪.‬‬ ‫واحلديث الثاين عام من جهة أن املاء إذا كان قلتني فإنه ل ينجس سواء تغري‬ ‫أم مل يتغري‪ ،‬وخاص من جهة أنه إذا كان أقل من قلتني فإنه ينجس مبجرد‬ ‫وقوع النجاسة‪.‬‬ ‫فعموم األول خيص خبصوص الثاين‪ ،‬وعموم الثاين خيص خبصوص األول‪.‬‬ ‫فيكون املعىن باجملموع‪:‬‬ ‫أن املاء إذا كان أقل من قلتني فإنه ينجس مبجرد وقوع النجاسة فيه‪.‬‬ ‫وإذا كان أكثر من قلتني فإنه ل ينجس إل إذا تغري‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن الناسخ واملنسوخ يُعرفان بثالثة شروط‪:‬‬ ‫األول‪ :‬إذا تعارض نطقان عامان أو خاصان‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬إذا مل ميكن اجلمع بينهما‪.‬‬ ‫منسوخا‪ ،‬واملتأخر‬ ‫الثالث‪ :‬إذا عُرف املتقدم واملتأخر منهما‪ ،‬فيكون املتقدم‬ ‫ا‬ ‫ناسخا‪.‬‬ ‫ا‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪81‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[اإلمجاع]‬

‫الحادثَة‪.‬‬ ‫الع ْ‬ ‫َوأ ََّما اإل ْج َماعُ‪ :‬فَ ُه َو اتِّ َفا ُق عُلَ َماء َ‬ ‫صر َعلَى َ‬ ‫الحادثَةَ َّ‬ ‫الش ْرعيَّةَ(‪.)1‬‬ ‫الحادثَة‪َ :‬‬ ‫اء‪َ ،‬ونَ ْعني ب َ‬ ‫َونَ ْعني بالعُلَ َماء‪ :‬ال ُف َق َه َ‬ ‫(‪)1‬‬

‫لَ َّما ذكر املؤلف الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد‪ ،‬اليت هي‪ :‬معرفة‬ ‫الناسخ واملنسوخ‪ ،‬ناسب أن يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬اإلمجاع‪.‬‬ ‫ووجه املناسبة للكالم عن اإلمجاع‪ :‬أن له تعل اقا بالطريقة الثانية يف كيفية تطبيق‬ ‫القواعد‪ ،‬فالكالم عن اإلمجاع هنا إمنا هو متهيد للكالم عن الطريقة الثانية‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف فيما يتعلق باإلمجاع ثالثة مباحث‪:‬‬ ‫اصطالحا‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬تعريف اإلمجاع‬ ‫ا‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬حجية اإلمجاع‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬كيفية انعقاد اإلمجاع‪.‬‬ ‫اصطالحا‪.‬‬ ‫وبدأ باملبحث األول‪ ،‬الذي هو‪ :‬تعريف اإلمجاع‬ ‫ا‬

‫اصطالحا‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وأما اإلجماع) أي تعريفه‬ ‫ا‬

‫(فهو اتفاق علماء العصر) أي اتفاق علماء الوقت‪ ،‬واملراد‪ :‬اتفاقهم يف احلكم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪81‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َوإ ْج َماعُ َهذه األ َُّمة ُح َّجةٌ ُدو َن غَْيرَها ل َق ْوله ‪" ‬الَ تَ ْجتَم ُع أ َُّمتي َعلَى‬ ‫ضالَلَة" [أبو داود‪ 4253 :‬عن أبي مالك األشعري‪ ،‬والترمذي‪ 1267 :‬عن ابن عمر‪ ،‬وابن ماجه‪:‬‬ ‫َ‬ ‫‪ 395‬عن أنس]‪َ ،‬و َّ‬ ‫ص َمة َهذه األ َُّمة‪.‬‬ ‫الش ْرعُ َوَر َد ب ْع َ‬ ‫صر َكا َن‪.‬‬ ‫صر الثَّاني في أ ِّ‬ ‫َي َع ْ‬ ‫الع ْ‬ ‫َواإل ْج َماعُ ُح َّجةٌ َعلَى َ‬

‫صر‪.‬‬ ‫َوالَ يُ ْشتَ َر ُ‬ ‫الع ْ‬ ‫ط في ُح ِّجيَته انْق َر ُ‬ ‫اض َ‬

‫صر َش ْرطٌ؛ يُ ْعتَبَ ْر قَ ْو ُل َم ْن ُول َد في َحيَاتهم َوتَ َف َّقهَ‬ ‫الع ْ‬ ‫فَإ ْن قُلْنَا‪ :‬انْق َر ُ‬ ‫اض َ‬ ‫الح ْكم(‪.)1‬‬ ‫االجت َهاد‪َ ،‬ولَ ُهم أَ ْن يَ ْرجعُوا َع ْن ذَل َ‬ ‫ار م ْن أ َْهل ْ‬ ‫َو َ‬ ‫ك ُ‬ ‫صَ‬ ‫(على الحادثة) أي على املسألة اليت حتدث‪.‬‬ ‫(ونعني بالعلماء الفقهاء)‬ ‫أي املراد بالعلماء الذين يعتد بقوهلم هم‪ :‬علماء الفقه خاصة‪.‬‬ ‫فلو خالف مثالا أحد من علماء اللغة فال يعتد بقوله‪.‬‬ ‫(ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية)‬

‫أي املراد باملسألة اليت يمع الفقهاء على حكمها هي‪ :‬املسألة املتعلقة بالشرع‪.‬‬ ‫فاملسألة اللغوية مثالا ليست حمالا لنظر الفقهاء‪ ،‬ل بإمجاع‪ ،‬ول خبالف‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثاين‪ ،‬وهو‪ :‬حجية اإلمجاع‪.‬‬ ‫وتضمن هذا املبحث ثالث مسائل‪:‬‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬هل حجية اإلمجاع خاصة هلذه األمة أو عامة جلميع األمم؟‬ ‫قوله‪( :‬وإجماع هذه األمة حجة دون غيرها)‬

‫معىن أن اإلمجاع حجة هو‪ :‬أنه دليل حيتج به‪ ،‬ول يوز خمالفته‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪82‬‬

‫شرح الورقات‬

‫يعين أن إمجاع هذه األمة على شيء دليل ُحيتج به‪ ،‬ول يوز خمالفته‪ ،‬خبالف‬ ‫إمجاع غريها من األمم فإنه ليس حبجة‪.‬‬ ‫(لقوله‪"  :‬ال تجتمع أمتي على ضاللة")‬ ‫الالم‪ :‬سببية‪ ،‬أي السبب يف أن إمجاع هذه األمة حجة دون غريها هو‪ :‬قوله‬ ‫‪" :‬ل جتتمع أميت على ضاللة"‪.‬‬ ‫وجه الدللة على أن إمجاع هذه األمة حجة‪ :‬أن النيب ‪ ‬نفى اجتماع أمته‬ ‫على ضاللة‪ ،‬وهذا يدل على أن اجتماعها سيكون على هدى‪ ،‬وإن كان‬ ‫اجتماعها على هدى فيجب أن يكون حجة؛ ألنه ل جتوز خمالفة اهلدى‪.‬‬ ‫ووجه الدللة على أن إمجاع غريها من األمم ليس حبجة‪ :‬أن النيب ‪ ‬نفى‬ ‫اجتماع هذه األمة خاصة على ضاللة‪ ،‬وهذا يدل على أن غريها من األمم‬ ‫ميكن أن جتتمع على ضاللة‪ ،‬وعلى هذا فال يوز أن يكون إمجاعها على شيء‬ ‫حجة؛ ألنه ل يوز متابعة الضاللة‪.‬‬ ‫(والشرع) أي الدين الذي شرعه اهلل‪.‬‬ ‫وهو‪ :‬املستخرج من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(ورد) أي بدللة احلديث املتقدم وغريه‪.‬‬ ‫(بعصمة هذه األمة) أي بكوهنا حممية من الجتماع على الضاللة‪.‬‬ ‫املسألة الثانية‪ :‬هل اإلمجاع حجة على غري عصره؟‬ ‫قوله‪( :‬واإلجماع) أي اتفاق العلماء‪.‬‬ ‫(حجة) أي حيتج به‪ ،‬ول يوز خمالفته‪.‬‬ ‫(على العصر الثاني) أي على علماء العصر الذي بعده‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪83‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(في أي عصر كان) أي يف أي عصر وقع اإلمجاع‪.‬‬ ‫يعين إذا وقع اإلمجاع يف عصر من العصور فهو حجة على العصر الذي بعده‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬أمجع الصحابة على أن نزول املين يوجب الغسل‪.‬‬ ‫فهذا اإلمجاع حجة على من بعدهم‪ ،‬فال يوز ملن بعدهم أن خيالفوا‪.‬‬ ‫مثال آخر‪ :‬اختلف الصحابة والتابعون هل اجلماع من غري إنزال يوجب الغسل‬ ‫أو الوضوء؟ وأمجع تابعوا التابعني على أنه يوجب الغسل‪.‬‬ ‫فهذا اإلمجاع حجة على من بعدهم‪ ،‬فال يوز ملن بعدهم أن خيالفوا‪.‬‬ ‫املسألة الثالثة‪ :‬هل يشرتط يف حجية اإلمجاع انقراض العصر؟‬ ‫قوله‪( :‬وال يشترط في حجيته انقراض العصر)‬ ‫أي إذا أمجع العلماء يف زمان ما؛ صار إمجاعهم حجة‪ ،‬فال يشرتط أن ميوت‬ ‫اجملمعون‪ ،‬مث يكون اإلمجاع حجة بعد ذلك‪.‬‬ ‫(فإن قلنا انقراض العصر شرط)‬ ‫اضا أن انقراض العصر شرط يف حجية اإلمجاع‪.‬‬ ‫أي لو قلنا افرت ا‬ ‫(يُعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل االجتهاد‪ ،‬ولهم أن‬ ‫يرجعوا عن ذلك الحكم)‬ ‫مراده‪ :‬أنه إذا وقع اإلمجاع صار حجة‪ ،‬ول يعترب ِمبخالفة أحد بعد ذلك‪ ،‬ولو‬ ‫كان من نفس اجملمعني‪.‬‬ ‫ولو قلنا باعتبار خمالفة أحد من اجملمعني‪ ،‬لقلنا‪ :‬إنه إذا ُولِد شخص يف حياة‬ ‫فقيها فلهم أن يرتاجعوا عما أمجعوا عليه؛ ألنه ل عربة‬ ‫اجملمعني مث صار ا‬ ‫بإمجاعهم بسبب وجود فقيه يف حياهتم مل يقل رأيه بعد‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪84‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َواإل ْج َماعُ يَص ُّح‪ :‬ب َق ْولهم َوبف ْعلهم‪.‬‬

‫ين(‪.)1‬‬ ‫َوب َق ْول البَ ْعض َوبف ْعل البَ ْعض َوانْت َ‬ ‫شار ذَل َ‬ ‫ك ال َق ْول أو الف ْعل َو ُس ُكوت البَاق َ‬ ‫كأن املؤلف يشري إىل استبعاد القول باشرتاط انقراض العصر؛ ألن ذلك يؤدي‬ ‫إىل تعسر وقوع اإلمجاع‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثالث‪ ،‬وهو‪ :‬كيفية انعقاد اإلمجاع‪.‬‬ ‫فذكر املؤلف أن اإلمجاع الذي يصح انعقاده له صورتان‪:‬‬ ‫قوله‪( :‬يصح بقولهم وبفعلهم) هذه الصورة األوىل‪.‬‬

‫أي يصح حتقق اإلمجاع بقول اجملمعني أو بفعلهم‪.‬‬ ‫مثال القول‪ :‬أن يقولوا كلهم‪ :‬هذا الشيء حرام‪.‬‬ ‫فهذا إمجاع صحيح على التحرمي‪.‬‬ ‫نوعا من الطعام‪.‬‬ ‫مثال الفعل‪ :‬أن يأكلوا كلهم ا‬ ‫فهذا إمجاع صحيح على إباحة هذا الطعام‪.‬‬

‫(وبقول البعض‪ ،‬وبفعل البعض‪ ،‬وانتشار ذلك القول أو الفعل‪ ،‬وسكوت‬ ‫الباقين)‬

‫هذه الصورة الثانية‪.‬‬ ‫احدا‪.‬‬ ‫احدا‪ ،‬أو فعل بعضهم فعالا و ا‬ ‫أي إذا قال بعضهم قولا و ا‬ ‫فهذا إمجاع صحيح بشرطني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن ينتشر ذلك القول أو الفعل‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن يسكت بقية الفقهاء يعين ل ينكرون ذلك القول أو الفعل‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪85‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الجديد(‪.)1‬‬ ‫الواحد م َن َّ‬ ‫س ب ُح َّجة َعلَى غَْيره؛ َعلَى ال َق ْول َ‬ ‫َوقَ ْو ُل َ‬ ‫الص َحابَة لَْي َ‬ ‫(‪)1‬‬

‫تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد‪ ،‬ناسب أن‬ ‫يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬اإلمجاع‪.‬‬ ‫وقد تقدم ذكر وجه املناسبة‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬قول الصحايب‪.‬‬ ‫ووجه املناسبة للكالم عن قول الصحايب‪ :‬أن له تعل اقا بالطريقة الثانية يف كيفية‬ ‫تطبيق القواعد لو كان حجة‪ ،‬وهلذا ذكر املؤلف عن قول الصحايب مسألة‬ ‫واحدة فقط‪ ،‬وهي‪ :‬هل قوله حجة أو ل؟‬ ‫قوله‪( :‬وقول الواحد من الصحابة)‬

‫أي يف املسألة اليت ليس فيها دليل من الكتاب‪ ،‬أو السنة‪ ،‬أو اإلمجاع‪.‬‬

‫(ليس بحجة) أي ليس دليالا ميتنع خمالفته‪.‬‬

‫(على غيره) أي من الصحابة‪ ،‬والتابعني‪ ،‬ومن بعدهم‪.‬‬ ‫(على القول الجديد) أي على آخر القولني للشافعي‪.‬‬ ‫يعين أن الشافعي كان يقول حبجية قول الصحايب‪ ،‬مث تراجع عن ذلك‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬قول املؤلف‪( :‬قول الواحد من الصحابة) ليس مراده الواحد الذي ليس‬ ‫إمجاعا‪.‬‬ ‫معه آخر‪ ،‬بل مراده‪ :‬الواحد أو األكثر الذين مل يُعد قوهلم ا‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪86‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[األخبار]‬

‫ار(‪:)1‬‬ ‫َوأ ََّما األَ ْخبَ ُ‬ ‫(‪)1‬‬

‫تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد‪ ،‬ناسب أن‬ ‫يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬اإلمجاع‪ ،‬وقد تقدم ذكر وجه املناسبة‪.‬‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬قول الصحايب‪ ،‬وقد تقدم ذكر وجه املناسبة ا‬ ‫األمر الثالث‪ :‬األخبار‪ ،‬ووجه املناسبة للكالم عن األخبار‪ :‬أن املؤلف ذكر يف‬ ‫الطريقة األوىل املتواتر واآلحاد‪ ،‬فكان من املناسب بعد انتهائه من الكالم عن‬ ‫ويعرف املتواتر واآلحاد‪ ،‬وكان من املناسب‬ ‫هذه الطريقة أن ِّ‬ ‫يفصل يف األخبار ِّ‬ ‫أن ل يكون التفصيل بعد النتهاء من الطريقة األوىل مباشرة‪ ،‬بل بعد النتهاء‬ ‫من الكالم عن اإلمجاع وقول الصحايب؛ ألن الكالم عن املتواتر واآلحاد يشمل‬ ‫أيضا اإلمجاع وقول الصحايب‪ ،‬فكما أن األخبار املروية عن النيب ‪ ‬تُنقل‬ ‫ا‬ ‫بالتواتر واآلحاد‪ ،‬فكذلك اإلمجاع وقول الصحايب يُنقالن بالتواتر واآلحاد‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف فيما يتعلق باألخبار ثالثة مباحث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬تعريف اخلرب لغة‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬قسما اخلرب‪ ،‬وحكم كل قسم‪ ،‬وتعريفه‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬كيفية صيغ أداء اخلرب‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪87‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ب (‪. ) 1‬‬ ‫الخبَ ُر‪َ :‬ما يَ ْد ُخلُهُ ِّ‬ ‫فَ َ‬ ‫الص ْد ُق َوال َكذ ُ‬ ‫الخبَ ُر يَ ْن َقس ُم إلى‪ :‬آ َحاد‪َ ،‬وُمتَ َواتر‪.‬‬ ‫َو َ‬ ‫ْم‪.‬‬ ‫فَ ُ‬ ‫المتَ َوات ُر‪َ :‬ما يُوج ُ‬ ‫ب العل َ‬ ‫َّواطُ​ُؤ َعلَى ال َكذب َع ْن مثْلهم وهكذا إلى أَ ْن‬ ‫َو ُه َو أَ ْن يَ ْروي َج َماعُةٌ ال يَ َق ُع الت َ‬ ‫اجت َهاد‪.‬‬ ‫َصل َع ْن ُم َ‬ ‫شَ‬ ‫الم ْخبَر َع ْنهُ‪ ،‬فَ يَ ُكو ُن في األ ْ‬ ‫اه َدة أ َْو َس َماع الَ َعن ْ‬ ‫يَ ْنتَه َي إلى ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْم؛ الحتمال الخطأ فيه‪.‬‬ ‫اآلح ُ‬ ‫ب َ‬ ‫َو َ‬ ‫الع َم َل َوال يُوج ُ‬ ‫اد‪ُ :‬ه َو الذي يُوج ُ‬ ‫ب العل َ‬ ‫َويَ ْن َقس ُم إلى ق ْس َم ْين‪ُ :‬م ْر َسل َوُم ْسنَد‪.‬‬ ‫ادهُ‪.‬‬ ‫ص َل إ ْسنَ ُ‬ ‫الم ْسنَ ُد‪َ :‬ما اتَّ َ‬ ‫فَ ُ‬ ‫ادهُ‪.‬‬ ‫الم ْر َس ُل‪َ :‬ما لَ ْم يَتَّص ْل إ ْسنَ ُ‬ ‫َو ُ‬ ‫يل َسعيد بْن‬ ‫فَإ ْن َكا َن م ْن َم َراسيل غَْير َّ‬ ‫س ب ُح َّجة إالَّ َم َراس َ‬ ‫الص َحابَة فَ لَْي َ‬ ‫ت مساني َد‪.‬‬ ‫ت فَ ُوج َد ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫سيَّب فَإنَّ َها فُتِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫الم َ‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫الع ْن َعنَةُ تَ ْد ُخ ُل َعلَى اإل ْسنَاد ‪.‬‬ ‫َو َ‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث األول؛ وهو‪ :‬تعريف اخلرب لغة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فالخبر) أي تعريفه لغة‪.‬‬ ‫(ما يدخله الصدق والكذب) أي القول الذي حيتمل أن يكون صدقاا أو كذباا‪.‬‬ ‫والصدق هو‪ :‬القول املطابق للواقع‪ ،‬والكذب هو‪ :‬القول غري املطابق للواقع‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قال قائل‪" :‬قدم زيد من السفر"‪ .‬فهذا القول حيتمل أن يكون‬ ‫صدقاا أو كذباا‪ ،‬فإذا كان زيد قدم من السفر‪ ،‬فالقول صدق؛ ألنه طابق‬ ‫الواقع‪ ،‬وإذا كان زيد مل يقدم من السفر‪ ،‬فالقول كذب؛ ألنه مل يطابق الواقع‪.‬‬ ‫خربا‪.‬‬ ‫النتيجة‪ :‬أن هذا القول يسمى ا‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬قسما اخلرب‪ ،‬وحكم كل قسم‪ ،‬وتعريفه‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪88‬‬

‫شرح الورقات‬

‫واملراد باخلرب هنا اخلرب املنسوب للنيب ‪ ‬خاصة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر)‬ ‫آحادا‪.‬‬ ‫اترا‪ ،‬وقسم يسمى ا‬ ‫أي اخلرب قسمان؛ قسم يسمى متو ا‬ ‫(فالمتواتر ما يوجب العلم‪ ،‬وهو‪ :‬أن يروي جماعة ال يقع التواطؤ على‬ ‫الكذب عن مثلهم‪ ،‬وهكذا إلى أن ينتهي إلى ال ُْم ْخبَر عنه‪ ،‬فيكون في األصل‬ ‫عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد) هذا حكم القسم األول‪ ،‬وتعريفه‪.‬‬ ‫(فالمتواتر) أي حكمه‪.‬‬ ‫(ما يوجب العلم) أي هو الذي يوجب اجلزم بصدقه‪ ،‬وأنه مطابق للواقع‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬لو نُِقل خرب بالتواتر أن فالناا من الناس صار عالِ اما‪ ،‬فلكون هذا‬ ‫اخلرب نُِقل بالتواتر ُيزم بأنه صدق‪ ،‬وأنه مطابق للواقع‪.‬‬ ‫(وهو) أي املتواتر‪ ،‬واملراد‪ :‬تعريفه‪.‬‬ ‫(أن يروي جماعة ال يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم‪ ،‬وهكذا إلى أن‬ ‫ينتهي إلى ال ُْم ْخبَر عنه‪ ،‬فيكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد)‬ ‫تضمن هذا التعريف أربعة شروط‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن الذي يرويه مجاعة‪ ،‬أي كثريون‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬ل يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم‪.‬‬ ‫أي ل ميكن أن يتفقوا على الكذب عن مثلهم من حيث الكثرة‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬هكذا إىل أن ينتهي إىل ال ُمخ َرب عنه‪.‬‬ ‫أي يكون شيوخ هؤلء مثلهم من حيث الكثرة وعدم إمكان التواطؤ‪ ،‬وهكذا‬ ‫خرب عنه أي الذي نُِقل عنه اخلرب‪.‬‬ ‫شيوخ شيوخهم‪ ،‬إىل ال ُم َ‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪89‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الرابع‪ :‬يكون يف األصل عن مشاهدة أو ُساع ل عن اجتهاد‪ ،‬يعين أن يكون‬ ‫ُساع َمن نُِقل عنه‪ ،‬ل عن اجتهاد من الناقل‪.‬‬ ‫ابتداءُ اخل ِرب منقولا عن مشاهدةِ أو ِ‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قال الصحايب‪ُ :‬سعت النيب ‪ ‬قال‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬أو فعل كذا‬ ‫وكذا‪ ،‬وحضر معه مجاعة كثرية من الصحابة فنقلوا هذا اخلرب عن النيب ‪،‬‬ ‫فصار املخربون عنه كثريين‪ ،‬مث نقله عن هؤلء الصحابة كثريون ممن بعدهم‪،‬‬ ‫وهكذا إىل أن ُد ِّون احلديث‪.‬‬ ‫اترا‪.‬‬ ‫النتيجة‪ :‬أن هذا احلديث يسمى متو ا‬ ‫(واآلحاد هو‪ :‬الذي يوجب العمل‪ ،‬وال يوجب العلم؛ الحتمال الخطأ فيه)‬ ‫هذا حكم اآلحاد‪ ،‬ومل يذكر تعريفه‪ ،‬ولعله مل يذكره اكتفاءا بتعريف املتواتر‪.‬‬ ‫يعين أن اآلحاد هو‪ :‬ما ليس مبتواتر‪.‬‬ ‫(واآلحاد) أي حكمه‪.‬‬ ‫(هو الذي يوجب العمل) أي يب أن يُعمل به‪.‬‬ ‫(وال يوجب العلم) أي ل ُيزم بصدقه‪ ،‬ومطابقته للواقع‪.‬‬ ‫(الحتمال الخطأ فيه) أي السبب يف عدم اجلزم بصدقه ومطابقته للواقع هو‪:‬‬ ‫الحتمال بأن بعض الرواة أخطأ يف نقله‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قال الصحايب‪ُ :‬سعت النيب ‪ ‬قال‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬أو فعل كذا‬ ‫وكذا‪ ،‬فنَـ َقل هذا اخلرب عن النيب ‪ ‬وحده‪ ،‬وهكذا نقله عنه أفراد من الناس‬ ‫حىت ُد ِّون احلديث‪.‬‬ ‫آحادا‪.‬‬ ‫النتيجة‪ :‬أن هذا احلديث يسمى ا‬ ‫قسم اآلحاد إىل هذين القسمني‬ ‫(وينقسم إلى قسمين مرسل ومسند) إمنا َّ‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪91‬‬

‫شرح الورقات‬

‫بسبب اختالف حكم كل قسم من حيث احلجية‪.‬‬ ‫(فالمسند) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(ما اتصل سنده) أي هو اخلرب الذي ثبت فيه ُساع كل راو ممن روى عنه‪.‬‬ ‫ومل يذكر حكمه أنه حجة؛ ألنه مفهوم من قوله‪( :‬هو الذي يوجب العمل)‪.‬‬ ‫(والمرسل) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(ما لم يتصل إسناده)‬ ‫أي هو اخلرب الذي ثبت فيه عدم ُساع بعض الرواة ممن روى عنه‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬املرسل يف اصطالح األصوليني هو‪ :‬كل خرب إسناده ليس مبتصل‪ ،‬ويف‬ ‫اصطالح احملدثني أخص منه‪ ،‬وهو‪ :‬كل خرب رواه التابعي عن النيب ‪.‬‬ ‫(فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة‪ ،‬إال مراسيل سعيد بن‬ ‫فوجدت مسانيد)‬ ‫المسيب؛ فإنها فُتِّشت ُ‬ ‫أي املراسيل من حيث حجيتها تنقسم إىل قسمني‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬مراسيل الصحابة‪ ،‬وهي حجة‪.‬‬ ‫واملراد مبراسيل الصحابة‪ :‬األحاديث اليت يرويها الصحابة ‪ ‬عن النيب ‪،‬‬ ‫ولكن مل يسمعوها منه‪ ،‬بل ُسعوها من صحابة آخرين‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪ :‬مراسيل غري الصحابة‪ ،‬وهي ليست حبجة‪ ،‬إل مراسيل سعيد بن‬ ‫املسيب خاصة‪ ،‬والسبب أنه ُِحبث فيها ُفوِجدت مروية بأسانيد أخرى متصلة‪.‬‬ ‫واملراد مبراسيل غري الصحابة‪ :‬األحاديث اليت يرويها التابعي أو من دونه عن النيب ‪.‬‬ ‫(والعنعنة) أي أداء الراوي احلديث بصيغة "عن" بأن يقول‪" :‬عن فالن"‪.‬‬ ‫(تدخل على اإلسناد) أي ُحتمل على التصال‪ ،‬ل اإلرسال‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪91‬‬

‫شرح الورقات‬

‫َوإ َذا قَ َرأَ َّ‬ ‫ول‪َ :‬ح َّدثَني أ َْو أَ ْخبَ َرني‪.‬‬ ‫لراوي أَ ْن يَ ُق َ‬ ‫وز ل َّ‬ ‫الش ْي ُخ يَ ُج ُ‬ ‫َوإ ْن قَ َرأَ ُه َو َعلَى َّ‬ ‫ول‪ :‬أَ ْخبَ َرني َوالَ يَ ُق ْل َح َّدثَنِّي‪.‬‬ ‫الش ْيخ فَ يَ ُق ُ‬

‫ازهُ َّ‬ ‫ازة(‪.)1‬‬ ‫اءة فَ يَ ُق ُ‬ ‫ول َّ‬ ‫ازني أ َْو أَ ْخبَ َرني إ َج َ‬ ‫َج َ‬ ‫َج َ‬ ‫الراوي‪ :‬أ َ‬ ‫َوإ ْن أ َ‬ ‫الش ْي ُخ م ْن غَْير ق َر َ‬ ‫تنبيه‪ :‬العنعنة ُحتمل على التصال يف األصل‪ ،‬وقد ُحتمل على اإلرسال لسبب‬ ‫مدلسا‪ ،‬والتفصيل يف ذلك حمله كتب مصطلح احلديث‪.‬‬ ‫مثل أن يكون الراوي ا‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثالث؛ وهو‪ :‬كيفية صيغ األداء‪.‬‬ ‫فذكر صور حتمل احلديث من الشيخ‪ ،‬وكيفية صيغ األداء مع كل صورة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وإذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول‪ :‬حدثني أو أخبرني)‬ ‫أي إذا كانت صورة َحتَمل احلديث أن الطالب ُسعه من الشيخ‪ ،‬فيجوز‬ ‫للطالب أن يقول عند أداء احلديث لغريه‪ :‬حدثين أو أخربين‪.‬‬ ‫(وإن قرأ هو على الشيخ فيقول‪ :‬أخبرني وال يقل‪ :‬حدثني)‬ ‫أي إذا كانت صورة َحتَمل احلديث هي أن الطالب قرأ كتاب الشيخ عليه‪،‬‬ ‫فيجوز للطالب أن يقول عند أداء احلديث لغريه‪ :‬أخربين‪ ،‬ول يقول‪ :‬حدثين‪.‬‬ ‫(وإن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول الراوي‪ :‬أجازني أو أخبرني إجازة)‬ ‫أي إذا كانت صورة حتمل احلديث هي أن الشيخ أذن للطالب بأن يروي عنه‪،‬‬ ‫مع كونه مل يسمع من الشيخ‪ ،‬ومل يقرأ هو على الشيخ‪ ،‬فيجوز للطالب أن‬ ‫يقول عند أداء احلديث لغريه‪ :‬أجازين‪ ،‬أو أخربين إجازة‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن حتمل احلديث له ثالث صور‪:‬‬ ‫السماع من الشيخ‪ ،‬والقراءة على الشيخ‪ ،‬واإلجازة من الشيخ‪.‬‬ ‫ولكل صورة صيغة خاصة هبا عند األداء‪.‬‬


‫‪92‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح الورقات‬

‫[القياس]‬

‫الح ْكم(‪.)1‬‬ ‫اس‪ :‬فَ ُه َو َر ُّد ال َف ْرع إلى األ ْ‬ ‫َصل بعلَّة تَ ْج َمعُ ُه َما في ُ‬ ‫َوأ ََّما القيَ ُ‬ ‫(‪)1‬‬

‫تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد‪ ،‬ناسب أن‬ ‫يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬اإلمجاع‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬قول الصحايب‪.‬‬ ‫األمر الثالث‪ :‬األخبار‪.‬‬ ‫وقد تقدم ذكر وجه املناسبة للكالم عن هذه األمور الثالثة‪.‬‬ ‫األمر الرابع‪ :‬القياس‪.‬‬ ‫ووجه املناسبة للكالم عن القياس هو‪ :‬أن له تعل اقا بالطريقة الثانية‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف فيما يتعلق بالقياس ثالثة مباحث‪:‬‬ ‫اصطالحا‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬تعريف القياس‬ ‫ا‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬أقسام القياس‪ ،‬وتعريف كل قسم‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬شروط القياس‪.‬‬ ‫اصطالحا‪.‬‬ ‫فبدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬تعريف القياس‬ ‫ا‬ ‫قوله‪( :‬وأما القياس) أي تعريفه‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪93‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(فهو رد) أي إرجاع‪.‬‬ ‫(الفرع) املراد به‪ :‬املسألة اليت مل يرد فيها نص‪.‬‬ ‫(إلى األصل) أي إىل املسألة اليت ورد فيها نص‪.‬‬ ‫(بعلة) أي بسبب علة‪.‬‬ ‫(تجمعهما) أي جتمع األصل والفرع‪.‬‬ ‫(في الحكم) متعلق بـ رد‪ ،‬أي رد الفرع إىل األصل يف احلكم‪.‬‬ ‫فهذا التعريف تضمن أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬حقيقة القياس‪ ،‬وهو‪ :‬إحلاق املسألة اليت ليس فيها نص باملسألة اليت‬ ‫فيها نص‪ ،‬وذلك بإعطائها نفس احلكم‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬سبب القياس‪ ،‬وهو‪ :‬أن علة احلكم املوجودة يف املسألة اليت فيها نص‬ ‫ُوجدت يف املسألة اليت ليس فيها نص‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ‬ ‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ [الجمعة]‪.‬‬ ‫فالبيع بعد النداء الثاين لصالة اجلمعة؛ مسألة ورد فيها نص‪.‬‬ ‫فهذه املسألة تسمى "أصالا" لورود النص فيها‪.‬‬ ‫واحلكم الذي دل عليه النص يف هذه املسألة هو‪ :‬النهي عن البيع‪.‬‬ ‫والعلة اليت من أجلها ورد النص بالنهي عن البيع هي‪ :‬ما يف البيع من تأخري‬ ‫السعي للصالة‪ ،‬واحتمال تفويتها‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما حكم عقد النكاح بعد النداء الثاين لصالة اجلمعة؟‬ ‫فرعا"‪.‬‬ ‫فاجلواب‪ :‬هذه مسألة مل يرد فيها نص‪ ،‬فتسمى " ا‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪94‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ْسام‪:‬‬ ‫َو ُه َو يَ ْن َقس ُم إلى ثَالَثَة أَق َ‬ ‫إلى قيَاس علَّة‪َ ،‬وقيَاس َدالَلَة‪َ ،‬وقيَاس َشبَه‪.‬‬ ‫ْح ْكم‪.‬‬ ‫اس العلَّة‪َ :‬ما َكانَت العلَّةُ فيه ُموجبَة لل ُ‬ ‫فَقيَ ُ‬ ‫اس َّ‬ ‫اآلخر‪َ ،‬و ُه َو أَ ْن تَ ُكو َن‬ ‫َحد النَّظ َيريْن َعلَى َ‬ ‫الدالَلَة‪ُ :‬ه َو ْ‬ ‫االست ْدالَ ُل بأ َ‬ ‫َوقيَ ُ‬ ‫ْح ْكم‪.‬‬ ‫الح ْكم َوالَ تَ ُكو َن ُموجبَة لل ُ‬ ‫العلَّةُ َدالَّة َعلَى ُ‬ ‫اس َّ‬ ‫ْح ُق بأَ ْكثَره َما َشبَ ها(‪.)1‬‬ ‫الشبَه‪ُ :‬ه َو ال َف ْرعُ ال ُْم َرد ُ‬ ‫َّد بَ ْي َن أ ْ‬ ‫َصلَْين؛ فَ يُ ل َ‬ ‫َوقيَ ُ‬ ‫وحكم هذه املسألة هو‪ :‬النهي عن عقد النكاح‪ ،‬مثل النهي عن البيع‪.‬‬ ‫وسبب هذا احلكم‪ :‬أنه ُوجد يف هذه املسألة نفس العلة اليت من أجلها ثبت‬ ‫احلكم يف تلك املسألة املنصوص عليها‪ ،‬فأُحلِقت هذه املسألة هبا‪ ،‬وأُعطيت‬ ‫نفس حكمها‪.‬‬ ‫قياسا"‪.‬‬ ‫ويسمى هذا اإلحلاق " ا‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬أقسام القياس‪ ،‬وتعريف كل قسم‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وهو ينقسم إلى ثالثة أقسام‪ :‬إلى قياس علة‪ ،‬وقياس داللة‪ ،‬وقياس شبه)‬

‫هذه أقسام القياس‪.‬‬ ‫واختلف الشراح يف مراد املؤلف بقياس العلة‪ ،‬وقياس الدللة‪ ،‬وأنا سأذكر مراد‬ ‫املؤلف فيما يظهر يل‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فقياس العلة) أي تعريفه‪.‬‬

‫(ما كانت العلة) أي املوجودة يف األصل‪.‬‬ ‫(فيه) أي يف هذا القياس‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪95‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(موجبة) أي ملزمة‪.‬‬ ‫(للحكم) أي الثابت يف األصل‪.‬‬ ‫مراده‪ :‬أن قياس العلة هو‪ :‬املبين على أن العلة واضحة‪.‬‬ ‫منصوصا عليها‪ ،‬أو مستنبَطة ل خفاء يف استنباطها‪.‬‬ ‫وذلك لكوهنا‬ ‫ا‬ ‫فيُقطع بأن هذه العلة هي اليت من أجلها صدر احلكم‪.‬‬ ‫مثال العلة املنصوص عليها‪ :‬ما أخرجه مسلم (‪ )2116‬عن سهل بن سعد‬ ‫رضي اهلل عنهما أن رجالا اطلع يف جحر يف باب رسول اهلل ‪ ‬ومع رسول اهلل‬ ‫‪ِ ‬مدرى َحيك به رأسه‪ ،‬فلما رآه قال‪" :‬لو أعلم أنك تنظرين لطعنت به يف‬ ‫عينك‪َّ ،‬إمنا ُجعل اإلذن من أجل البصر" فنص على أن العلة من اإلذن هي النظر‪.‬‬ ‫فإذا قيس على هذا األصل فإنه يسمى "قياس علة"‪.‬‬ ‫مثال العلة املستنبطة‪ :‬قول النيب ‪" :‬ل يقضني َح َكم بني اثنني‪ ،‬وهو غضبان"‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)7114‬ومسلم (‪.)1717‬‬ ‫فليس يف هذا احلديث نص على العلة اليت من أجلها صدر النهي؛ ولكن استنبطها‬ ‫أهل العلم‪ ،‬ول خفاء يف استنباطها‪ ،‬وهلذا أمجعوا عليها‪ ،‬وهي أن ل يتشوش‬ ‫فكره‪ ،‬فيخطئ يف القضاء‪ .‬فإذا قيس على هذا األصل؛ فإنه يسمى "قياس علة"‪.‬‬ ‫(وقياس الداللة) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(هو االستدالل) أي اإلتيان بالدليل‪.‬‬ ‫(بأحد النظيرين) أي بأحد املتماثلني‪ ،‬واملراد به هنا‪ :‬األصل‪.‬‬ ‫(على اآلخر) أي الفرع‪.‬‬ ‫يعين هو اإلتيان بدليل األصل‪ ،‬ووضعه دليالا للفرع‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪96‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(وهو) أي الستدلل املذكور‪.‬‬ ‫(أن تكون العلة) أي املوجودة يف األصل‪.‬‬ ‫(دالة على الحكم) أي الثابت يف األصل‪ ،‬واملراد دللة استنباط ل نص‪.‬‬ ‫(وال تكون) أي العلة‪.‬‬ ‫(موجبة للحكم) أي ملزمة للحكم‪.‬‬ ‫مراده أن قياس الدللة هو‪ :‬املبين على أن العلة غري واضحة‪ ،‬بل حمتملة‪.‬‬ ‫وذلك لكوهنا مستنبَطة؛ يف استنباطها خفاء‪.‬‬ ‫فال يُقطع بأن هذه العلة هي اليت من أجلها صدر احلكم‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ‬ ‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ [الجمعة]‪.‬‬ ‫فليس يف اآلية نص على العلة اليت من أجلها صدر النهي؛ ولكن من أهل‬ ‫العلم من استنبطها‪ ،‬وقال‪ :‬العلة من النهي عن البيع هي ما يف البيع من تأخري‬ ‫السعي للصالة‪ ،‬واحتمال تفويتها‪ ،‬ويف استنباط هذه العلة خفاء‪ ،‬وهلذا اختلف‬ ‫أهل العلم فيها‪.‬‬ ‫فإذا قيس على هذا األصل فإنه يسمى "قياس دللة"‪.‬‬ ‫(وقياس الشبه) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(هو الفرع المردد بين أصلين‪ ،‬فيلحق بأكثرهما شبها)‬ ‫صورة هذا النوع‪ :‬أن تكون مسألة مل يرد فيها نص‪ ،‬حيتمل إحلاقها مبسألتني‬ ‫ورد فيهما نص مع اختالفهما يف احلكم‪.‬‬ ‫لحق بإحدى املسألتني اليت تشاهبها أكثر‪.‬‬ ‫فاحلل‪ :‬أن تُ َ‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪97‬‬

‫شرح الورقات‬

‫للح ْكم‪.‬‬ ‫َوم ْن َش ْرط ال َف ْرع‪ :‬أَ ْن يَ ُكو َن ُمنَاسبا لأل ْ‬ ‫َصل ف ْي َما يُ ْج َم ُع بينَ ُه َما ُ‬ ‫ص َم ْين‪.‬‬ ‫َصل‪ :‬أَ ْن يَ ُكو َن ثَابتا ب َدليل ُمتَّ َفق َعلَْيه بَ ْي َن َ‬ ‫الخ ْ‬ ‫َوم ْن َش ْرط األ ْ‬ ‫ض لَْفظا َوالَ َم ْعنَى‪.‬‬ ‫َوم ْن َش ْرط العلَّة‪ :‬أَ ْن تَطَّر َد في َم ْعلُوالَت َها‪ ،‬فَالَ تَ ْنتَق ُ‬ ‫الح ْكم‪ :‬أَ ْن يَ ُكو َن مثْ َل العلَّة في النَّ ْفي َواإلثْ بَات‪.‬‬ ‫َوم ْن َش ْرط ُ‬ ‫ْح ْكم‪.‬‬ ‫الجالبَةُ لل ُ‬ ‫َوالعلَّةُ‪ :‬ه َي َ‬ ‫وب للْعلَّة(‪.)1‬‬ ‫الم ْجلُ ُ‬ ‫َو ُ‬ ‫الح ْك ُم‪ُ :‬ه َو َ‬ ‫مثال ذلك‪ :‬العبد هل َميلك بالتمليك؟‬ ‫أي إذا ملَّكه سيده شيئاا‪ ،‬فهل يكون مال اكا لذلك الشيء‪ ،‬أو يبقى مل اكا لسيده؟‬ ‫فالعبد من وجه يشبه احلر لكونه إنساناا مكل افا‪.‬‬ ‫ومن وجه يشبه احليوان لكونه يباع ويُشرتى‪.‬‬ ‫فإذا أُحلِق باحلر فإنه ميلك بالتمليك‪ ،‬وإذا أُحلق باحليوان فإنه ل ميلك بالتمليك‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثالث؛ وهو‪ :‬شروط القياس‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ومن شرط الفرع) أي بعض ما يشرتط يف الفرع‪.‬‬ ‫(أن يكون) أي الفرع‪.‬‬ ‫(مناسبا لألصل) أي إلحلاقه باألصل‪.‬‬ ‫(فيما يجمع بينهما) أي يف العلة اجلامعة بينهما‪.‬‬ ‫(للحكم) أي ألجل أن يلحق به يف احلكم‪.‬‬ ‫يعين لكي يلحق الفرع باألصل يف احلكم يشرتط أن تكون العلة فيهما مناسبة‬ ‫هلذا اإلحلاق‪ ،‬وهذا الشرط مفهوم من تعريف القياس‪ ،‬ولعله نص عليه زيادة يف‬ ‫اإليضاح‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪98‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(ومن شرط األصل) أي بعض ما يشرتط يف األصل‪.‬‬ ‫(أن يكون) أي األصل‪.‬‬ ‫(ثابتا بدليل متفق عليه) أي من الكتاب أو السنة أو اإلمجاع‪.‬‬ ‫(بين الخصمين) أي بني املتنازعني يف إحلاق الفرع باألصل‪.‬‬ ‫يعين إذا تنازع اثنان يف مسألة مل يرد فيها نص؛ فقال أحدمها‪ :‬هذه املسألة‬ ‫تلحق بتلك املسألة اليت ورد فيها نص‪ ،‬وقال اآلخر‪ :‬ل تلحق بتلك املسألة‪.‬‬ ‫فعلى األول لكي يُل ِزم اآلخر باإلحلاق أن يكونا قبل ذلك متفقني على ثبوت‬ ‫دليل األصل من حيث الصحة‪ ،‬ومن حيث العلة؛ أي أن الدليل صحيح‪،‬‬ ‫والعلة واضحة‪.‬‬

‫(ومن شرط العلة) أي بعض ما يشرتط يف العلة‪.‬‬ ‫(أن تطرد) أي العلة‪ ،‬ومعىن تطرد تستمر‪.‬‬

‫(في معلوالتها) أي يف األحكام اليت كانت نتيجة هلا‪.‬‬ ‫(فال تنتقض) أي العلة‪ ،‬والنتقاض‪ :‬هو أن توجد العلة‪ ،‬ول يوجد احلكم‪.‬‬

‫نصا أو استنباطاا‪.‬‬ ‫(لفظا وال معنى) أي سواء كانت العلة موجودة يف األصل ا‬ ‫اخلالصة‪ :‬إذا ُوِجدت العلة يف مسألة ما؛ حبكم‪ ،‬ووجدت يف مسألة أخرى‬ ‫حبكم آخر فال يوز القياس‪.‬‬ ‫(ومن شرط الحكم) أي بعض ما يشرتط يف احلكم‪.‬‬ ‫(أن يكون) أي احلكم‪.‬‬ ‫(مثل العلة) أي من حيث الطراد‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪99‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(في النفي واإلثبات) أي إذا انتفى وجود العلة انتفى وجود احلكم‪ ،‬وإذا ثبت‬ ‫وجود العلة ثبت وجود احلكم‪.‬‬ ‫(والعلة‪ :‬هي الجالبة للحكم‪ ،‬والحكم‪ :‬هو المجلوب للعلة)‬ ‫لَ َّما ذكر بعض ما يشرتط يف العلة واحلكم ناسب أن يعرف كالا منهما‪.‬‬

‫(والعلة) أي تعريفها‪.‬‬

‫(هي الجالبة للحكم) أي السبب يف حصول احلكم‪.‬‬ ‫(والحكم) أي تعريفه‪.‬‬

‫(هو المجلوب للعلة) أي احلاصل بسبب العلة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪111‬‬

‫شرح الورقات‬

‫[استصحاب احلال]‬

‫احةُ‪:‬‬ ‫َوأ ََّما َ‬ ‫الحظ ُْر َواإلبَ َ‬ ‫ول‪:‬‬ ‫فَم َن النَّاس َم ْن يَ ُق ُ‬ ‫وج ْد في َّ‬ ‫اح ْتهُ َّ‬ ‫الشر َيعة‬ ‫اء َعلَى َ‬ ‫الشر َيعةُ‪ ،‬فَإ ْن لَ ْم يُ َ‬ ‫الحظْر إالَّ َما أَبَ َ‬ ‫إ َّن األَ ْشيَ َ‬ ‫الحظ ُْر‪.‬‬ ‫سُ‬ ‫ك باأل ْ‬ ‫َصل َو ُه َو َ‬ ‫َما يَ ُد ُّل َعلَى اإلبَ َ‬ ‫احة فيُ ْستَ َم َ‬ ‫ول‪ :‬بض ِّده‪.‬‬ ‫َوم َن النَّاس َم ْن يَ ُق ُ‬ ‫َو ُه َو أ َّ‬ ‫احة إالَّ َما َحظَ​َرهُ َّ‬ ‫الش ْرعُ(‪.)1‬‬ ‫َن األ ْ‬ ‫َص َل في األَ ْشيَاء أنها َعلَى اإلبَ َ‬ ‫(‪)1‬‬

‫تقدم أن املؤلف لَ َّما ذكر الطريقة األوىل يف كيفية تطبيق القواعد‪ ،‬ناسب أن‬ ‫يتكلم بعد ذلك عن مخسة أمور‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬اإلمجاع‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬قول الصحايب‪.‬‬ ‫األمر الثالث‪ :‬األخبار‪.‬‬ ‫األمر الرابع‪ :‬القياس‪.‬‬ ‫وقد تقدم ذكر وجه املناسبة للكالم عن هذه األمور األربعة‪.‬‬ ‫األمر اخلامس‪ :‬استصحاب احلال‪.‬‬ ‫ووجه املناسبة للكالم عن استصحاب احلال هو‪ :‬أن له تعل اقا بالطريقة الثانية يف‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪111‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الحال‪:‬‬ ‫است ْ‬ ‫َوَم ْعنَى ْ‬ ‫ص َحاب َ‬

‫الدليل َّ‬ ‫َص َل ع ْن َد َع َدم َّ‬ ‫الش ْرع ِّي(‪.)1‬‬ ‫أَ ْن يَ ْستَ ْ‬ ‫ب األ ْ‬ ‫صح َ‬

‫كيفية تطبيق القواعد‪.‬‬ ‫متهيدا‬ ‫وعلى هذا فصار الكالم عن اإلمجاع والقياس واستصحاب احلال ا‬ ‫للكالم عن هذه الطريقة‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف فيما يتعلق باستصحاب احلال مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬األصل يف األشياء‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬معىن استصحاب احلال‪.‬‬ ‫فبدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬األصل يف األشياء قبل ورود الشرع‪.‬‬ ‫واخلالصة‪ :‬أن أهل العلم اختلفوا يف ذلك على قولني‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬أن األصل هو‪ :‬احلظر‪ ،‬أي التحرمي‪.‬‬ ‫يعين األصل أن اإلنسان ل يقول ما شاء‪ ،‬ول يفعل ما شاء؛ إل بدليل شرعي‬ ‫يبيح له ذلك‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬أن األصل هو‪ :‬اإلباحة‪ ،‬أي اجلواز‪.‬‬ ‫يعين األصل أن اإلنسان يقول ما شاء‪ ،‬ويفعل ما شاء‪ ،‬إل بدليل شرعي ُحيرم‬ ‫عليه ذلك‪.‬‬ ‫وظاهر تصرف املؤلف أنه مل خيرت شيئاا من القولني‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬معىن استصحاب احلال‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ومعنى استصحاب الحال‪ :‬أن يستصحب) أي الفقيه‪.‬‬ ‫(األصل) أي احلظر أو اإلباحة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪112‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(عند عدم الدليل الشرعي) أي يف املسألة اليت مل يوجد فيها دليل شرعي‪.‬‬ ‫واملراد بالدليل الشرعي هنا‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬والقياس‪.‬‬ ‫تتمة‪ :‬فائدةُ استصحاب احلال أن الذي يرى أن األصل يف األشياء اإلباحة؛‬ ‫لو سئل‪ :‬ملاذا أحبت هذا الشيء بال دليل شرعي؟ فيقول‪ :‬طلبت دليالا شرعياا‬ ‫عن حكمه فلم أجد‪ ،‬فتمسكت باألصل الذي هو اإلباحة‪ ،‬وأن الذي يرى‬ ‫أن األصل يف األشياء احلظر؛ لو سئل‪ :‬ملاذا حرمت هذا الشيء بال دليل‬ ‫شرعي؟ فيقول‪ :‬طلبت دليالا شرعياا عن حكمه فلم أجد‪ ،‬فتمسكت باألصل‬ ‫الذي هو التحرمي‪.‬‬


‫‪113‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح الورقات‬

‫[ترتيب األدلة]‬

‫َوأ ََّما األَدلَّةُ‪:‬‬ ‫الخف ِّي‪.‬‬ ‫لجل ُّي م ْن َها َعلَى َ‬ ‫فَ يُ َق َّد ُم ا َ‬ ‫الموجب للظَّ ِّن‪.‬‬ ‫ب للْعلْم َعلَى ُ‬ ‫َو ُ‬ ‫الموج ُ‬ ‫ْق َعلَى القيَاس‪.‬‬ ‫َوالنُّط ُ‬

‫الخف ِّي‪.‬‬ ‫الجل ُّي َعلَى َ‬ ‫اس َ‬ ‫َوالقيَ ُ‬

‫ال(‪.)1‬‬ ‫الح ُ‬ ‫َص َل‪َ ،‬وإالَّ فَ يُ ْستَ ْ‬ ‫فَإ ْن ُوج َد في النَّطْق َما يُغَيِّ ُر األ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ص َح ُ‬

‫(‪ )1‬هذا الباب السابع من أبواب أصول الفقه؛ الذي هو‪ :‬ترتيب األدلة‪.‬‬ ‫ويتضمن هذا الباب الطريقة الثانية يف معرفة كيفية تطبيق القواعد‪.‬‬ ‫واملراد باألدلة هنا‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬والقياس‪ ،‬واستصحاب احلال‪.‬‬ ‫واملراد برتتيب األدلة‪ :‬هو تقدمي بعضها على بعض‪ ،‬عند التعارض‪ ،‬مع عدم‬ ‫إمكان اجلمع‪ ،‬والنسخ‪.‬‬ ‫واملراد بتقدمي بعضها على بعض هو‪ :‬الرتجيح بينها؛ فيُعمل بالراجح‪ ،‬ول يُعمل‬ ‫باملرجوح‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وأما األدلة) أي من حيث الرتتيب‪.‬‬ ‫(فيقدم الجلي منها على الخفي) هذا الرتتيب األول‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪114‬‬

‫شرح الورقات‬

‫وهو خاص بالتعارض بني دللة الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(فيقدم الجلي منها) أي املبين على أن دللته واضحة بالنسبة لآلخر‪.‬‬ ‫(على الخفي) أي املبين على أن دللته غري واضحة بالنسبة لآلخر‪.‬‬ ‫يعين إذا تعارض دليل من الكتاب أو السنة‪ ،‬مع دليل آخر من الكتاب أو‬ ‫السنة‪ ،‬ومل ميكن اجلمع ول النسخ؛ إل أن أحد الدليلني أوضح يف الدللة من‬ ‫ظاهرا حيتمل‬ ‫اآلخر‪ ،‬كأن يكون أحدمها ا‬ ‫نصا ل حيتمل أكثر من معىن‪ ،‬واآلخر ا‬ ‫معنيني الراجح منهما خمالف للنص؛ فيُقدَّم النص‪.‬‬ ‫(والموجب للعلم على الموجب للظن) هذا الرتتيب الثاين‪.‬‬ ‫وهو خاص بالتعارض بني الكتاب أو احلديث املتواتر‪ ،‬مع حديث اآلحاد‪.‬‬ ‫(والموجب للعلم) أي ويقدم املوجب للعلم‪ ،‬يعين املفيد للجزم‪.‬‬ ‫واملراد به‪ :‬الكتاب‪ ،‬واحلديث املتواتر‪.‬‬ ‫(على الموجب للظن) أي على املفيد للظن‪.‬‬ ‫واملراد به‪ :‬حديث اآلحاد‪.‬‬ ‫(والنطق على القياس) هذا الرتتيب الثالث‪.‬‬ ‫وهو خاص بالتعارض بني الكتاب أو السنة‪ ،‬مع القياس‪.‬‬ ‫(والنطق) أي ويقدم النطق‪.‬‬ ‫واملراد به‪ :‬الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(على القياس) أي على ال ُمل َح ِق بالنطق‪.‬‬ ‫يعين إذا تعارض دليل من الكتاب أو السنة‪ ،‬مع القياس‪ ،‬فيقدم الدليل من‬ ‫الكتاب أو السنة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪115‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(والقياس الجلي على الخفي) هذا الرتتيب الرابع‪.‬‬ ‫وهو خاص بالتعارض بني القياسني‪.‬‬

‫(والقياس الجلي) أي املبين على أن العلة واضحة بالنسبة لآلخر‪.‬‬ ‫(على الخفي) أي على املبين على أن العلة غري واضحة بالنسبة لآلخر‪.‬‬ ‫يعين إذا تعارض قياسان؛ أحدمها أوضح من اآلخر؛ كأن يكون أحدمها قياس‬ ‫علة‪ ،‬واآلخر قياس شبه؛ فيقدم قياس العلة‪.‬‬ ‫(فإن ُوجد في النطق ما يغير األصل‪ ،‬وإال فيستصحب الحال)‬

‫هذا الرتتيب اخلامس‪.‬‬ ‫وهو خاص بالتعارض بني الكتاب أو السنة‪ ،‬مع األصل‪.‬‬

‫قياسا‪.‬‬ ‫(فإن ُوجد في النطق) أي يف الكتاب أو السنة؛ ا‬ ‫نصا أو ا‬ ‫(ما يغير األصل) أي احلظر أو اإلباحة‪.‬‬

‫(وإال فيستصحب الحال) أي يصاحب احلال‪ ،‬يعين يَأخذ باألصل‪.‬‬

‫اخلالصة‪ :‬إذا تعارضت دللة الكتاب والسنة‪ ،‬مع األصل؛ فيؤخذ بدللة‬ ‫قياسا‪.‬‬ ‫الكتاب والسنة‪ ،‬سواء كانت الدللة ا‬ ‫نصا أو ا‬


‫‪116‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح الورقات‬

‫[صفة املفتي واملستفتي]‬

‫الم ْفتي‪:‬‬ ‫َوم ْن َش ْرط ُ‬

‫َصال َوفَ ْرعا‪ ،‬خالَفا َوَم ْذ َهبا‪.‬‬ ‫أَ ْن يَ ُكو َن َعالما بالف ْقه؛ أ ْ‬

‫َوأَ ْن يَ ُكو َن‪:‬‬

‫االجت َهاد‪.‬‬ ‫َكام َل اآللَة في ْ‬

‫َعارفا‪:‬‬

‫َّحو َواللُّغَة‪.‬‬ ‫َح َكام م َن الن ْ‬ ‫است ْنبَاط األ ْ‬ ‫اج إلَْيه في ْ‬ ‫ب َما يُ ْحتَ ُ‬

‫الراويْن‪.‬‬ ‫الر َجال َّ‬ ‫َوَم ْعرفَة ِّ‬

‫الوار َدة ف َيها‪.‬‬ ‫الوار َدة في األ ْ‬ ‫َح َكام َواألَ ْخبَار َ‬ ‫َوتَ ْفسير اآليَات َ‬

‫الم ْستَ ْفتي‪:‬‬ ‫َوم ْن َش ْرط ُ‬

‫الم ْفتي في ال ُف ْت يَا‪.‬‬ ‫أَ ْن يَ ُكو َن م ْن أ َْهل التَّ ْقليد فَ يُ َقلِّ َد ُ‬ ‫س لل َْعالم أَ ْن يُ َقلِّ َد(‪.)1‬‬ ‫َولَْي َ‬

‫(‪ )1‬هذا الباب الثامن من أبواب أصول الفقه؛ الذي هو‪ :‬صفة املفيت واملستفيت‪.‬‬ ‫ويتضمن هذا الباب الطريقة الثالثة يف معرفة كيفية تطبيق القواعد‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ومن شرط المفتي)‬ ‫أي بعض ما يشرتط يف املفيت‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪117‬‬

‫شرح الورقات‬

‫املبني للحكم الشرعي‪.‬‬ ‫واملفيت هو‪ِّ :‬‬ ‫قوله‪( :‬أن يكون عالما بالفقه؛ أصال وفرعا‪ ،‬خالفا ومذهبا)‬ ‫هذا الشرط األول‪.‬‬ ‫(أن يكون عالما بالفقه) أي باألحكام‪.‬‬ ‫(أصال) أي بأصوهلا‪ ،‬وهي‪ :‬األدلة‪.‬‬ ‫(وفرعا) أي بفروعها‪ ،‬وهي‪ :‬املسائل‪.‬‬ ‫(خالفا) أي عارفاا خبالف األئمة‪.‬‬ ‫(ومذهبا) أي عارفاا باملذهب الذي عليه إمامه‪.‬‬ ‫(وأن يكون كامل اآللة في االجتهاد‪ ،‬عارفا بما يحتاج إليه في استنباط‬ ‫األحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال الراوين‪ ،‬وتفسير اآليات الواردة‬ ‫في األحكام واألخبار الواردة فيها)‬ ‫هذا الشرط الثاين‪.‬‬ ‫(وأن يكون كامل) أي مستكمالا‪.‬‬ ‫(اآللة) أي الوسيلة‪.‬‬ ‫(في االجتهاد) أي اليت هبا يكون مؤهالا لالجتهاد‪.‬‬ ‫يعين أن يكون متقناا لعلم أصول الفقه‪.‬‬ ‫(عارفا) أي زيادة على أن يكون كامل اآللة يف الجتهاد؛ َيب أن يكون‬ ‫عارفاا بثالثة أشياء‪:‬‬ ‫األول‪( :‬بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة)‬ ‫يعين أن يعرف من النحو واللغة القدر الذي حيتاج إليه يف استنباط األحكام‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪118‬‬

‫شرح الورقات‬

‫والسبب‪ :‬أن الكتاب والسنة بالكالم العريب‪ ،‬فال ُميكن الستنباط منهما إل‬ ‫بفهم كالم العرب‪ ،‬وفهم كالم العرب إمنا هو بالنحو واللغة‪.‬‬

‫الثاين‪( :‬ومعرفة الرجال الراوين)‬

‫أي معرفة أحوال الرجال الذين رووا األحاديث‪.‬‬ ‫والسبب‪ :‬أن األحاديث اليت يستنبط منها هي املقبولة دون املردودة‪ ،‬ومعرفة‬ ‫املقبول متوقف على معرفة أحوال الرواة‪.‬‬

‫الثالث‪( :‬وتفسير اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها)‬

‫األخبار املراد هبا‪ :‬األحاديث املروية عن النيب ‪.‬‬ ‫والسبب يف معرفة تفسري اآليات واألحاديث املتعلقة باألحكام‪ :‬أن مصادر‬ ‫األحكام هي اآليات واألحاديث‪ ،‬ول ُميكن استنباط األحكام من اآليات‬ ‫واألحاديث إل بعد معرفة تفسريها‪.‬‬

‫(ومن شرط المستفتي)‬

‫أي بعض ما يشرتط يف املستفيت‪.‬‬ ‫واملستفيت هو‪ :‬الذي يطلب ال ُفتيا‪ ،‬يعين يسأل عن احلكم الشرعي‪.‬‬

‫(أن يكون) أي املستفيت‪.‬‬

‫(من أهل التقليد) أي ممن يوز له التقليد‪.‬‬

‫(فيقلد المفتي في الفتيا) أي فيما أفتاه به‪.‬‬ ‫(وليس للعالم أن يقلد) أي حيرم عليه التقليد‪.‬‬

‫مقلدا ل عالِ اما‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أنه يشرتط يف املستفيت أن يكون ا‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪119‬‬

‫شرح الورقات‬

‫ول قَ ْول ال َقائل بالَ ُح َّجة‪.‬‬ ‫َوالتَّ ْقلي ُد‪ :‬قَ بُ ُ‬ ‫س َّمى تَ ْقليدا‪.‬‬ ‫فَ َعلَى َه َذا قَ بُ ُ‬ ‫ول قَ ْول النَّب ِّي ‪ ‬يُ َ‬ ‫ت الَ تَ ْدري م ْن أَيْ َن قَالَهُ‪.‬‬ ‫ال التَّ ْقلي ُد‪ :‬قَ بُ ُ‬ ‫َوم ْن ُهم َم ْن قَ َ‬ ‫ول قَ ْول ال َقائل َوأَنْ َ‬ ‫ول قَ ْوله‬ ‫س َّمى قَ بُ ُ‬ ‫فَإ ْن قُلْنَا‪ :‬إ َّن النَّب َّي ‪َ ‬كا َن يَ ُق ُ‬ ‫ول بالقيَاس؛ فَ يَ ُج ُ‬ ‫وز أَ ْن يُ َ‬ ‫تَ ْقليدا(‪.)1‬‬ ‫(‪ )1‬لَ َّما ذكر املؤلف أن من شرط املفيت أن يكون كامل اآللة يف الجتهاد‪ ،‬وأن من‬ ‫مقلدا؛ ناسب أن يتكلم بعد ذلك عن الجتهاد‬ ‫شرط املستفيت أن يكون ا‬ ‫والتقليد‪ ،‬وابتدأ بالكالم عن التقليد‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والتقليد) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(قبول) أي امتثال‪.‬‬ ‫(قول القائل) أي كالم املتكلم‪.‬‬ ‫(بال حجة) أي بال دليل‪.‬‬ ‫(فعلى هذا) أي التعريف‪.‬‬ ‫(قبول قول النبي ‪ ‬يسمى تقليدا)‬ ‫أي لكون هذا القبول مطاب اقا للتعريف؛ ألن النيب ‪ ‬ل يُسأل عن احلجة‪.‬‬ ‫(ومنهم) أي من العلماء‪.‬‬ ‫(من قال) أي يف تعريف آخر‪.‬‬ ‫(التقليد قبول قول القائل‪ ،‬وأنت ال تدري من أين قاله) أي ل تدري كيف استنبطه‪.‬‬ ‫(فإن قلنا‪ :‬إن النبي ‪ ‬كان يقول بالقياس)‬ ‫ِ‬ ‫وح إليه باملسألة اليت أُو ِحيت إليه‪.‬‬ ‫أي كان يـُلحق املسألة اليت مل تُ َ‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪111‬‬

‫شرح الورقات‬

‫الو ْسع في بُلُوغ الغَ َرض(‪.)1‬‬ ‫االجت َه ُ‬ ‫َوأ ََّما ْ‬ ‫اد فَ ُه َو بَ ْذ ُل ُ‬ ‫(فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليدا)‬ ‫أي لِمطابقة هذا القبول للتعريف‪ ،‬حيث ل ندري كيف استنبط‪.‬‬ ‫الفرق بني التعريفني‪:‬‬ ‫أن بالتعريف األول ل يذكر القائل الدليل على قوله‪.‬‬ ‫وبالتعريف الثاين يذكر القائل الدليل على قوله؛ لكن ل يُعرف كيف استنبط‬ ‫هذا القول من الدليل‪.‬‬ ‫تقليدا‪،‬‬ ‫ومراد املؤلف‪ :‬أن بالتعريف األول يُسمى قبول قول النيب ‪‬‬ ‫ا‬ ‫تقليدا إل إذا قلنا‪ :‬إنه يقيس‪.‬‬ ‫وبالتعريف الثاين ل يسمى قبول قوله ا‬ ‫(‪ )1‬لَ َّما انتهى من الكالم عن التقليد تكلم عن الجتهاد‪.‬‬ ‫وذكر عن الجتهاد مسألتني‪:‬‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬تعريفه‪.‬‬ ‫املسألة الثانية‪ :‬هل كل جمتهد يف الفروع مصيب؟‬ ‫فبدأ باملسألة األوىل؛ اليت هي‪ :‬تعريفه‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وأما االجتهاد) أي تعريفه‪.‬‬ ‫(فهو بذل) أي استفراغ‪.‬‬ ‫(الوسع) أي الستطاعة‪.‬‬ ‫(في بلوغ) أي وصول‪.‬‬ ‫(الغرض) أي الشيء املطلوب‪ ،‬واملراد به‪ :‬احلكم الشرعي‪.‬‬ ‫وعلى هذا فالجتهاد هو‪ :‬استفراغ الستطاعة للوصول إىل احلكم الشرعي‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪111‬‬

‫شرح الورقات‬

‫اجتَ َه َد في ال ُف ُروع‬ ‫االجت َهاد؛ فَإ ْن ْ‬ ‫الم ْجتَه ُد إ ْن َكا َن َكام َل اآللَة في ْ‬ ‫فَ ُ‬ ‫َج ٌر‪.‬‬ ‫اجتَ َه َد ف َيها َوأَ ْخطَأَ فَ لَهُ أ ْ‬ ‫َج َران‪َ ،‬وإ ْن ْ‬ ‫اب فَ لَهُ أ ْ‬ ‫َص َ‬ ‫فَأ َ‬ ‫يب‪.‬‬ ‫َوم ْن ُهم َم ْن قَ َ‬ ‫ال‪ُ :‬ك ُّل ُم ْجتَهد في ال ُف ُروع ُمص ٌ‬ ‫يب أل َّ‬ ‫ك‬ ‫وز أَ ْن يُ َق َ‬ ‫َن َذل َ‬ ‫َوالَ يَ ُج ُ‬ ‫ال‪ُ :‬ك ُّل ُم ْجتَهد في األ ُ‬ ‫ُصول ال َكالَميَّة ُمص ٌ‬ ‫صويب أ َْهل َّ‬ ‫ين‪.‬‬ ‫يُ َؤدِّي إلى تَ ْ‬ ‫الضالَلَة م َن الن َ‬ ‫َّص َ‬ ‫الملْحد َ‬ ‫الم ُجوس َوال ُك َّفار َو ُ‬ ‫ارى َو َ‬ ‫اجتَ َه َد‬ ‫يل َم ْن قَ َ‬ ‫س ُك ُّل ُم ْجتَهد في ال ُف ُروع ُمصيبا قَ ْولُهُ ‪َ " :‬من ْ‬ ‫َو َدل ُ‬ ‫ال‪ :‬لَْي َ‬ ‫َج ٌر َواح ٌد" [البخاري‪ ،7352 :‬ومسلم‪:‬‬ ‫اجتَ َه َد َوأَ ْخطَأَ فَ لَهُ أ ْ‬ ‫َج َران َوَمن ْ‬ ‫اب فَ لَهُ أ ْ‬ ‫َص َ‬ ‫َوأ َ‬ ‫الدليل‪ :‬أ َّ‬ ‫‪َ ،]1716‬و ْجهُ َّ‬ ‫ص َّوبَهُ أُ ْخ َرى(‪.)1‬‬ ‫الم ْجتَه َد تارة َو َ‬ ‫َن النَّب َّي ‪َ ‬خطَّأَ ُ‬ ‫(‪ )1‬هذه املسألة الثانية‪ :‬هل كل جمتهد يف الفروع مصيب؟‬ ‫قوله‪( :‬فالمجتهد إن كان كامل اآللة في االجتهاد) أي مؤهالا لالجتهاد‪.‬‬ ‫(فإن اجتهد في الفروع) أي يف األحكام‪.‬‬ ‫(فأصاب) أي وافق الصواب‪.‬‬ ‫(فله أجران) أي أجر على اجتهاده‪ ،‬وأجر على إصابته‪.‬‬ ‫(وإن اجتهد فيها) أي يف الفروع‪.‬‬ ‫(وأخطأ) أي مل يوافق الصواب‪.‬‬ ‫(فله أجر) أي على اجتهاده‪.‬‬ ‫يعين ليس كل جمتهد يف الفروع مصيباا‪ ،‬ولكن املؤهل إذا اجتهد فهو مأجور؛‬ ‫احدا‪ ،‬وإما أجرين‪.‬‬ ‫أجرا و ا‬ ‫إما ا‬ ‫ويشري بذلك إىل أن غري املؤهل إذا اجتهد فهو غري مأجور‪ ،‬بل آمث‪.‬‬ ‫(ومنهم) أي من أهل العلم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪112‬‬

‫شرح الورقات‬

‫(من قال) أي يف اجتهاد املؤهل‪.‬‬ ‫(كل مجتهد في الفروع) أي يف األحكام‪.‬‬ ‫(مصيب) أي وافق الصواب‪.‬‬ ‫(وال يجوز) أي حيرم‪.‬‬ ‫(أن يقال‪ :‬كل مجتهد في األصول الكالمية) أي يف العتقاد‪.‬‬ ‫(مصيب) أي وافق الصواب‪.‬‬ ‫يعين إذا قيل‪ :‬كل جمتهد يف األحكام مصيب‪ ،‬فال َيوز أن يقال‪ :‬كل جمتهد‬ ‫يف العتقاد مصيب‪.‬‬ ‫(ألن ذلك) أي القول بأنه مصيب‪.‬‬ ‫(يؤدي إلى تصويب أهل الضاللة من النصارى والمجوس والكفار والملحدين)‬ ‫أي يَلزم من هذا القول أن يُقال إن هؤلء مصيبون يف اجتهادهم؛ مع علمنا‬ ‫يقيناا أهنم خمطئون‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن هذه املسألة ـ هل كل جمتهد يف الفروع مصيب؟ ـ فيها قولن‪:‬‬ ‫القول األول‪ :‬ليس كل جمتهد يف الفروع مصيباا‪.‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬كل جمتهد يف الفروع مصيب‪.‬‬ ‫(ودليل من قال ليس كل مجتهد في الفروع مصيبا قوله ‪" :‬من اجتهد‬ ‫فأصاب فله أجران‪ ،‬ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد" وجه الدليل‪ :‬أن‬ ‫النبي ‪ ‬خطأ المجتهد تارة‪ ،‬وصوبه أخرى) ظاهر تصرف املؤلف أنه َخيتار‬ ‫القول األول؛ لكونه قدمه بالذكر‪ ،‬ولكونه كذلك ذكر دليله‪.‬‬ ‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وصحبه‪ ،‬وسلم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪113‬‬

‫شرح الورقات‬

‫احملتويات‬

‫املقدمة ‪4.................................................................‬‬ ‫قبل الشروع يف شرح الكتاب‪1..............................................‬‬ ‫[متهيد] ‪6................................................................‬‬ ‫[أبواب أصول الفقه إمجالا] ‪21 ............................................‬‬ ‫[أقسام الكالم] ‪24 .......................................................‬‬ ‫[األمر والنهي] ‪41 ........................................................‬‬ ‫[العام واخلاص] ‪94 .......................................................‬‬ ‫[اجململ واملبني] ‪14 .......................................................‬‬ ‫[األفعال] ‪62 ............................................................‬‬ ‫[الناسخ واملنسوخ] ‪64 ....................................................‬‬ ‫[اإلمجاع] ‪41 ............................................................‬‬ ‫[األخبار] ‪46 ............................................................‬‬ ‫[القياس] ‪42 .............................................................‬‬ ‫[استصحاب احلال] ‪111 .................................................‬‬ ‫[ترتيب األدلة] ‪114 ......................................................‬‬ ‫[صفة املفيت واملستفيت] ‪116 ...............................................‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.