شرح العقيدة الواسطية

Page 1

‫مكتبة المبتدئ في طلب العلم الشرعي‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫كتبه‬ ‫خالد بن عبد هللا باحميد األنصاري‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪3‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫‪‬‬ ‫ﭑ ﭒﭓﭔ‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه‬ ‫أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فمما ذكرته يف "المدخل إلى دراسة المختصرات" ـ عن علم االعتقاد ـ‪ :‬أن‬ ‫االعتقاد‪ :‬اجلزم‪ ،‬فقولك‪" :‬اعتقد بأن اهلل حق" معناه‪ :‬أجزم بأنه حق‪ ،‬وعلم‬ ‫االعتقاد إجماالا‪ :‬هو معرفة قول علماء السلف يف املسائل اليت حدث فيها أقوال‬ ‫ضالة من قبل املنتسبني لإلسالم‪.‬‬ ‫األْسَاء والصفات‪ ،‬وقليل‬ ‫وأغلب هذه املسائل تتعلق باألخبار؛ مثل مسائل م‬ ‫منها يتعلق باألحكام؛ مثل مسائل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫ولعل هذا العلم مْسِّ َي باالعتقاد ألن قول علماء السلف زجزوم به؛ لكونه مل‬ ‫خيالف قوهلم إال املبتدعة‪.‬‬

‫ومما ذكرته يف املدخل‪ :‬أن من أشهر املختصرات املؤلفة يف علم االعتقاد كتاب‬

‫"العقيدة الواسطية" تأليف شيخ اإلسالم أيب العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪4‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫السالم ابن تيمية احلراين‪ ،‬املولود حبران من أرض الشام سنة (‪666‬ه)‪ ،‬املتوىف سنة‬ ‫(‪827‬ه)‪.‬‬ ‫وقد يسر اهلل عز وجل يل مبنه وكرمه إمتام شرح "العقيدة الواسطية" فأسأله‬ ‫سبحانه أن ينفع به كما نفع بأصله‪.‬‬ ‫وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫‪5‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫قبل الشروع يف شرح الكتاب‬

‫قبل الشروع في شرح الكتاب سيكون الكالم عن أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬عنوان الكتاب‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬حمتويات الكتاب‪.‬‬ ‫أما عنوان الكتاب‪ ،‬فهو "العقيدة الواسطية"‪.‬‬ ‫وكلمة "العقيدة" سبق الكالم عنها يف املقدمة‪.‬‬ ‫وكلمة "الواسطية" وصف للعقيدة‪ ،‬مو ِصفت بذلك نسبة إىل بلد واسط‪ ،‬حيث‬ ‫كتب املؤلف هذه العقيدة إجابة لطلب أحد قضاهتا‪.‬‬ ‫وأما محتويات الكتاب‪ ،‬فهو يحتوي على قسمين‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألخبار‪.‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألحكام‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪6‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[مقدمة املؤلف]‪‬‬

‫ﭑ ﭒﭓﭔ‬ ‫لل الَّ هذي أَرسل رسولَه بهاله َدى ه‬ ‫الْحم ُد ه‬ ‫الحق لهيُظْ ه َرهُ َعلَى الدِّي هن ُكلِّ هه‬ ‫ودي هن ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫وَك َفى به ه‬ ‫يك لَهُ إهق َْر اارا بههه‬ ‫الل َش ه ي ادا‪َ ،‬وأَ ْش َه ُد أَ ْن الَ إهلَهَ إهالَّ اللُ َو ْح َده الَ َش هر َ‬ ‫َ‬ ‫هه‬ ‫ه‬ ‫َوتَ ْو هحي ادا‪َ ،‬وأَ ْش َه ُد أ َّ‬ ‫وص ْحبه هه‬ ‫صلَّى اللُ َعلَْيه َو َعلَى آله َ‬ ‫َن ُم َح َّم ادا َع ْب ُده َوَر ُسولُه َ‬ ‫ه‬ ‫يما َم هزي ادا(‪.)1‬‬ ‫َو َسلَّ َم تَ ْسل ا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫أ ََّما بَ ْع ُد‪:‬‬ ‫(‪ )6‬افتتح املؤلف كتابه هذا ِمب ٍ‬ ‫قدمة تضمنت ثالثة أمور‪:‬‬ ‫وهي‪ :‬البسملة واحلمدلة والشهادتان‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذه كلمة يمؤتَى هبا للداللة على أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬االنتهاء من املقدمة‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬االبتداء يف املقصود‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪7‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل التي تتعلق باألخبار]‬

‫فَ ه َذا ا ْعته ُ ه ه ه ه‬ ‫ورةه إهلَى قهيَ هام‬ ‫َ‬ ‫قاد الف ْرقة النَّاجيَة الم ْن ُ‬ ‫صَ‬ ‫اعة‪ ،‬و ُهو‪ :‬ا هإليما ُن به ه‬ ‫الل َوَمالَئه َكته هه َوُكتُبه هه َوُر ُسله هه‬ ‫َو َ‬ ‫َ‬ ‫الج َم َ َ َ‬ ‫يما ُن بهال َق َد هر َخ ْي هرهه َو َش ِّرهه(‪.)1‬‬ ‫َوا هإل َ‬ ‫(‪)6‬‬

‫السنَّ هة‬ ‫اع هة؛ أ َْه هل ُّ‬ ‫َّ‬ ‫الس َ‬ ‫ث ب ْع َد المو ه‬ ‫ه‬ ‫ت‪،‬‬ ‫َْ‬ ‫َوالبَ ْع َ‬

‫هذا القسم األول من الكتاب؛ الذي هو‪ :‬اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف‬ ‫املسائل اليت تتعلق باألخبار‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فهذا) هذا اسم إشارة‪ ،‬واملشار إليه الكتاب نفسه‪.‬‬ ‫(اعتقاد الفرقة) أي ما تعتقده‪.‬‬ ‫ومعىن تعتقده‪ :‬جتزم به‪ ،‬والفرقة‪ :‬بكسر الفاء الطائفة من الناس‪.‬‬ ‫وذلك أن املسلمني بعد الصحابة ‪ ‬حدث بينهم اختالف يف فهم بعض‬ ‫مسائل يف الدين؛ اختالفا نتج عنه وجود فَِرٍق‪.‬‬ ‫واملؤلف يف هذا الكتاب يقتصر على ذكر اعتقاد فرقة واحدة‪.‬‬ ‫ه ه‬ ‫ورةه إهلَى قه ه‬ ‫اع هة)‬ ‫يام َّ‬ ‫الس َ‬ ‫قوله‪( :‬النَّاجيَة الم ْن ُ‬ ‫صَ‬ ‫أي الفرقة اليت يذكر اعتقادها متصفة هبذه الصفات‪.‬‬ ‫(الناجية) أي الساملة من النار يف اآلخرة‪.‬‬ ‫(المنصورة) أي املنتصرة على من خالفها يف الدنيا‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪8‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫خيلو وقت من‬ ‫(إلى قيام الساعة) أي بقاؤها مستمر إىل أن تقوم الساعة‪ ،‬فلن َ‬ ‫وجودها‪.‬‬ ‫وإمنا ذكر املؤلف ذلك إشارة إىل أن اتصاف هذه الفرقة هبذه الصفات يدل‬ ‫على أهنا هي اليت على احلق دون غريها من الفرق‪.‬‬ ‫فالفرقة املعرضة للدخول يف النار بسبب اعتقادها ال تكون على احلق‪ ،‬والفرقة‬ ‫اليت تنهزم أمام احلجج الواضحة من الكتاب والسنة ليست على احلق‪ ،‬والفرقة‬ ‫اليت ال يستمر بقاؤها ال تكون على احلق؛ إذ احلق باق إىل قيام الساعة‪.‬‬ ‫ويف ذكر املؤلف لصفات هذه الفرقة ترغيب لالنضمام إليها‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬أ َْه هل ُّ ه‬ ‫اعة)‬ ‫الج َم َ‬ ‫السنَّة َو َ‬ ‫أي الفرقة اليت يذكر اعتقادها تمسمى هبذا االسم‪.‬‬ ‫(أهل السنة) أي أصحاب الطريقة اليت كان عليها النيب ‪.‬‬ ‫(والجماعة) أي وأصحاب االجتماع على هذه الطريقة‪.‬‬ ‫ويف ذكر املؤلف السم هذه الفرقة ترغيب لالنتساب إليها‪.‬‬ ‫وذكر يف آخر الكتاب سبب تسميتها هبذا االسم‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وهو) أي اعتقاد هذه الفرقة‪.‬‬ ‫(اإليمان بالل ومالئكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت واإليمان بالقدر‬ ‫خيره وشره) أي اعتقادها إمجاال يف املسائل اليت تتعلق باألخبار هو اإلميان‬ ‫هبذه األصول الستة‪.‬‬ ‫ويف ذكر املؤلف العتقاد هذه الفرقة دعوة لتحقيق االنضمام واالنتساب إليها‪،‬‬ ‫وذلك يكون مبوافقتها يف اعتقادها‪.‬‬


‫‪9‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[اإلميان باهلل]‪‬‬

‫وهمن ا هإليم ه‬ ‫ان ه‬ ‫بالل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪)1‬‬

‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر اعتقاد الفرقة إمجاال شرع يف ذكر اعتقادها تفصيال‪.‬‬ ‫فبدأ باألصل األول الذي هو اإلميان باهلل‪.‬‬

‫(ومن اإليمان بالل) (من) مبعىن بعض‪ ،‬أي بعض ما يدخل يف اإلميان باهلل‪.‬‬

‫مراده‪ :‬أن اإلميان باهلل يتضمن أمورا‪ ،‬وأنه إمنا يتكلم عن بعض هذه األمور ال كلها‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬ما هي األمور اليت يتضمنها اإلميان باهلل؟‬ ‫اجلواب‪ :‬اإلميان باهلل يتضمن ثالثة أمور‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اإلميان بربوبيته‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬اإلميان بإهليته‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬اإلميان بأْسائه وصفاته‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما هو الذي يتكلم عنه املؤلف من هذه األمور؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬يتكلم عن اإلميان بالصفات فقط‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف فيما يتعلق بباب الصفات مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬بيان مصادر الصفات اليت يؤمن هبا أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬بيان كيفية وصف اهلل لنفسه‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪11‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ف به هه نَ ْف ه ه ه‬ ‫ص َفهُ به هه َر ُسولُهُ ُم َح َّم ٌد ‪.)1(‬‬ ‫ص َ‬ ‫سهُ في كتَابهه‪َ ،‬وبه َما َو َ‬ ‫يما ُن به َما َو َ‬ ‫ا هإل َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫يل‪ ،‬وهم ْن غَْي هر تَ ْكيه ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف َوالَ تَ ْمثه ٍ‬ ‫يل(‪.)2‬‬ ‫م ْن غَْي هر تَ ْح هريف َوالَ تَ ْعط ٍ َ‬ ‫(‪)6‬‬

‫هذا املبحث األول‪ ،‬وهو‪ :‬بيان مصادر الصفات اليت يؤمن هبا أهل السنة‬ ‫واجلماعة‪.‬‬

‫(اإليمان بما وصف به نفسه في كتابه) أي يف القرآن‪.‬‬ ‫(وبما وصفه به رسوله محمد ‪ )‬أي يف السنة‪.‬‬

‫واخلالصة‪ :‬أهنم يؤمنون بالصفات اليت مصدرها القرآن والسنة‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ‬

‫(‪)2‬‬

‫فأهل السنة واجلماعة يؤمنون بأن من صفاته تعاىل أنه استوى على العرش‬ ‫بداللة هذه اآلية‪ ،‬ومعىن استوى‪ :‬عال وارتفع‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر أن مصادر الصفات اليت يؤمن هبا أهل السنة واجلماعة مها القرآن‬ ‫والسنة ناسب أن يذكر أن إمياهنم بالصفات خال من التعامل معها هبذه‬ ‫الطرق األربعة‪ ،‬وإمنا ناسب أن يذكر ذلك ألن ِ‬ ‫الفَرق األخرى تتعامل مع‬ ‫الصفات هبذه الطرق‪.‬‬ ‫فأما الطريقة األوىل‪ ،‬فهي‪ :‬التحريف‪.‬‬ ‫وهو‪ :‬نفي املعىن املراد مع إبداله مبعىن آخر‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬يف قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ قال بعضهم‪ :‬استوى معناه‬ ‫استوىل‪ ،‬فنفى املعىن املراد الذي هو عال وارتفع‪ ،‬وأبدله مبعىن آخر الذي هو استوىل‪.‬‬ ‫وأما الطريقة الثانية‪ ،‬فهي‪ :‬التعطيل‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪11‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫بَ ْل يُ ْؤهمنُو َن بهأ َّ‬ ‫َن اللَ‪ :‬ﮋﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﮊ‬

‫[الشورى](‪.)1‬‬

‫وهو‪ :‬نفي املعىن املراد مع عدم إبداله مبعىن آخر‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬يف اآلية السابقة‪ :‬ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ قال بعضهم‪ :‬اهلل مل‬ ‫يستو على العرش‪ ،‬فنفى املعىن املراد ومل يبدله مبعىن آخر‪.‬‬ ‫وأما الطريقة الثالثة‪ ،‬فهي‪ :‬التكييف‪.‬‬ ‫وهو‪ :‬تعيني كيفية الصفة مع عدم ذكر مماثل هلا‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬يف اآلية السابقة‪ :‬ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ إذا قال قائل‪ :‬كيفية‬ ‫فعني كيفية الصفة من تلقاء نفسه‪ ،‬ومل مميثلها‬ ‫استواء اهلل على عرشه كذا وكذا‪َّ ،‬‬ ‫بصفة املخلوقني‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬مل يمن َقل ـ فيما أحسب ـ أن أحدا ادعى معرفة الكيفية‪ ،‬لكن الذي نمِقل‬ ‫أن بعضهم كان يسأل عن الكيفية‪ ،‬ففي نفي معرفة الكيفية إغالق لباب‬ ‫السؤال عنها‪.‬‬ ‫وأما الطريقة الرابعة‪ ،‬فهي‪ :‬التمثيل‪.‬‬ ‫وهو‪ :‬تعيني كيفية الصفة مع ذكر مماثل هلا‪.‬‬ ‫مثاله‪ :‬يف اآلية السابقة‪ :‬ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ قال بعضهم‪ :‬اهلل‬ ‫فعني كيفية الصفة‪،‬‬ ‫استوى على العرش‪ ،‬كما يستوي أحدنا على الكرسي‪َّ ،‬‬ ‫ومثلها بصفة املخلوقني‪.‬‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر املؤلف أن إميان أهل السنة واجلماعة بالصفات خال من التعامل معها‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪12‬‬

‫فَالَ ي ْن ُفو َن َع ْنهُ ما وص َ ه ه‬ ‫سهُ‪َ ،‬والَ يُ َح ِّرفُو َن‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ف به ن ْف َ‬ ‫ْح ُدو َن فهي أَسم هاء الل وآي ه‬ ‫يل ه‬ ‫اته‪َ ،‬والَ يُ َكيِّ ُفو َن‪َ ،‬وال‬ ‫َ​َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ه ه (‪) 1‬‬ ‫َخلْقه ‪.‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ال َكلهم َعن موا ه‬ ‫ض هع هه‪َ ،‬والَ‬ ‫َ ْ َ​َ‬ ‫ص َف ه‬ ‫ص َفاتههه به ه‬ ‫يمثِّلو َن ه‬ ‫ات‬ ‫َُ‬

‫بتلك الطرق؛ ناسب أن يذكر طريقتهم يف التعامل مع الصفات‪.‬‬

‫كلمة (بل) تدل على االنتقال‪.‬‬

‫فأوال نفى تعاملهم بتلك الطرق‪ ،‬مث انتقل إىل إثبات الطريقة اليت يتعاملون هبا‪.‬‬ ‫(يؤمنون بأن الل ﮋ ﭡ ﭢﭣﮊ) فيه نفي املماثلة‪.‬‬ ‫(ﮋﭥ ﭦ ﭧﮊ) فيه إثبات صفتني من الصفات‪.‬‬ ‫مراده‪ :‬أن طريقتهم يف التعامل مع الصفات اليت يؤمنون هبا هي نفي املماثلة‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ‬

‫فأهل السنة واجلماعة يؤمنون بأن من صفاته تعاىل أنه استوى على العرش‬ ‫بداللة هذه اآلية‪ ،‬ويؤمنون بأن استواءه على العرش استواء يليق جبالله‪ ،‬ليس‬ ‫مثل استواء املخلوقني؛ ألنه ليس كمثله شيء‪.‬‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر طريقة أهل السنة واجلماعة يف التعامل مع الصفات؛ ناسب أن يذكر‬ ‫ما يتفرع عن هذه الطريقة أي ينتج عنها‪.‬‬ ‫(ف ) الفاء تدل على التفريع‪.‬‬

‫يعين كون طريقتهم يف التعامل مع الصفات هي نفي املماثلة عنها‪ ،‬يتفرع عن‬ ‫ذلك أهنم ال يتعاملون مع الصفات بالطرق األخرى‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪13‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫فأوال‪( :‬ال ينفون عنه ما وصف به نفسه) أي ال يعطلون‪.‬‬ ‫ثانيا‪( :‬ال يحرفون الكلم عن مواضعه) أي ال يصرفون اللفظ عن املعىن الذي‬ ‫مو ِضع له‪.‬‬ ‫وقوله‪( :‬ال يلحدون في أسماء الل وآياته) اإلحلاد يف األْساء واآليات هو‪:‬‬ ‫امليل عما جيب فيها‪ ،‬ومن امليل‪ :‬عدم إثبات ما دلت عليه من الصفات‪،‬‬ ‫وكيفية عدم اإلثبات تكون بأحد أمرين؛ إما بالتعطيل‪ ،‬وإما بالتحريف‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا فاإلحلاد ليس هو طريقة مستقلة‪ ،‬بل هو يتضمن هاتني الطريقتني‪ ،‬وهلذا‬ ‫ذكره املؤلف بعدمها‪.‬‬

‫ثالثا‪( :‬ال يكيفون) أي ال يـم َعيَّـنمون كيفية ما وصف اهلل به نفسه‪.‬‬

‫رابعا‪( :‬ال يُمثلون صفاته بصفات خلقه) أي ال يقولون‪ :‬إن صفات اهلل مثل‬

‫صفات املخلوقني‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬يشري املؤلف هبذا التفريع إىل أن ِ‬ ‫الفَر َق األخرى اعتقدوا ابتداء يف‬ ‫الصفات اليت مصدرها القرآن والسنة أهنا ممتاثل صفات املخلوقني‪ ،‬فنتج عن‬ ‫هذا االعتقاد التعامل مع الصفات بطريقة من هذه الطرق‪ ،‬فمنهم من عطَّل‪،‬‬ ‫حرف‪ ،‬ومنهم من كيَّف؛ قصدا للهروب من الوقوع يف التمثيل‪،‬‬ ‫ومنهم من َّ‬ ‫ومنهم من مثَّل؛ قصدا للتسليم لظاهر القرآن والسنة‪ ،‬وأما أهل السنة واجلماعة‬ ‫ِ‬ ‫فلكوهنم اعتقدوا ابتداء أن الصفات يف القرآن والسنة ال متاثل صفات‬ ‫املخلوقني؛ نتج عن ذلك عدم التعامل مع الصفات بطريقة من هذه الطرق‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪14‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ألَنَّهُ ُس ْب َحانَهُ الَ َس هم َّي لَهُ‪َ ،‬والَ ُك ْ‬ ‫اس به َخل هْق هه ُس ْب َحانَهُ‬ ‫ف َء لَهُ‪َ ،‬والَ ن َّد لَهُ‪َ ،‬والَ يُ َق ُ‬ ‫َوتَ َعالَى(‪.)1‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫لَ َّما ذكر ما يتفرع عن طريقة أهل السنة واجلماعة يف التعامل مع الصفات‬ ‫ناسب أن يذكر التعليل أي السبب على صحة هذه الطريقة‪.‬‬ ‫(ألنه سبحانه) الالم سببية؛ أي السبب يف نفي املماثلة عن صفات اهلل ما‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫(ال سمي له‪ ،‬وال كفوء له‪ ،‬وال ند له) هذه األلفاظ معناها متقارب‪ ،‬كلها‬ ‫مبعىن ال مثيل له يف ذاته‪.‬‬ ‫(وال يقاس بخلقه) ال يقاس‪ :‬أي ال ميمَثَّل‪ِ​ِ ،‬بلقه‪ :‬أي يف الصفات‪ ،‬يعين ال‬ ‫ممتَثَّل صفاته بصفات خلقه‪.‬‬ ‫مراده‪ :‬أن أهل السنة واجلماعة ينفون املماثلة عن صفات اهلل تعاىل‪ ،‬والسبب‬ ‫يف ذلك أن اهلل تعاىل ال مثيل له يف ذاته؛ فيلزم من ذلك أن يكون ال مثيل له‬ ‫يف صفاته‪.‬‬ ‫مثال تَـ مق ِريمِيب‪ :‬اإلنسان ذات له صفات‪ ،‬واحليوان ذات له صفات‪ ،‬وألن ذات‬ ‫اإلنسان ليست كذات احليوان؛ يلزم من ذلك أن تكون صفات اإلنسان ليست‬ ‫كصفات احليوان‪ ،‬فعني اإلنسان ليست كعني احليوان‪ ،‬وقوة اإلنسان ليست‬ ‫كقوة احليوان‪ ،‬ورجل اإلنسان ليست كرجل احليوان‪ ،‬وإذا كانت ذات اهلل تعاىل‬ ‫ليست كذات اإلنسان فيلزم من ذلك أن تكون صفات اهلل تعاىل ليست مثل‬ ‫صفات اإلنسان‪ ،‬وإذا ثبت اختالف الصفات بني اإلنسان واحليوان ومها‬ ‫خملوقان‪ ،‬فمن باب أوىل أن ختتلف الصفات بني اخلالق واملخلوق‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪15‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫فَهإنَّهُ أَ ْعلَم بهنَ ْف هس هه وبهغَي هرهه‪ ،‬وأ ْ ه‬ ‫من َخل هْق هه‪ ،‬ثُ َّم ُر ُسلُهُ‬ ‫َص َد ُق قيالا َوأ ْ‬ ‫س ُن َحديثاا ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َح َ‬ ‫ُ‬ ‫ه ه ه َّ ه‬ ‫صه‬ ‫ال‪:‬‬ ‫ين يَ ُقولُو َن َعلَْي هه َما الَ يَ ْعلَمو َن‪ ،‬وله َه َذا قَ َ‬ ‫ادقُو َن َم ْ‬ ‫َ‬ ‫ص ُدوقُو َن‪ ،‬بخالَف الذ َ‬ ‫ﮋﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬

‫للر ُس هل‪،‬‬ ‫ص َفهُ به هه الْ ُمخالهفو َن ُّ‬ ‫سهُ َع َّما َو َ‬ ‫سبَّح نَ ْف َ‬ ‫ﰈ ﰉ ﮊ [الصافات]‪ ،‬فَ َ‬ ‫وسلَّم َعلَى المرسلهين؛ لهس ه‬ ‫الع ْي ه‬ ‫المة َما قَالُوهُ همن الن ه‬ ‫ب(‪.)1‬‬ ‫َّقص َو َ‬ ‫َ​َ‬ ‫ُْ َ َ َ‬ ‫(‪)6‬‬

‫ذكر املؤلف يف املبحث األول مصادر الصفات اليت يؤمن هبا أهل السنة‬ ‫واجلماعة‪ ،‬مث بعد أن استطرد يف الكالم عاد إلمتام الكالم عن أصل هذا‬ ‫املبحث؛ فذكر التعليل على صحة هذه املصادر‪.‬‬ ‫(فإنه) الفاء سببية؛ أي السبب يف إمياهنم بالصفات اليت وصف اهلل هبا نفسه‬ ‫ووصفه هبا رسوله ‪ ‬ما يلي‪:‬‬

‫(أعلم بنفسه وبغيره‪ ،‬وأصدق قيالا‪ ،‬وأحسن حديثاا من خلقه) مراده‪ :‬أن‬ ‫أهل السنة واجلماعة يؤمنون بالصفات اليت وصف اهلل هبا نفسه‪ ،‬والسبب يف‬ ‫ذلك أن اهلل تعاىل اجتمع يف حقه ثالثة أمور توجب التسليم لوصفه كما هو‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أنه أعلم بنفسه وبغريه‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أنه أصدق قيال‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أنه أحسن حديثا من خلقه‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬احلسن يف احلديث يتضمن أمرين‪ :‬احلسن اللفظي الذي هو الفصاحة‪،‬‬ ‫واحلسن املعنوي الذي هو اإليضاح‪ ،‬فكالم اهلل تعاىل أفصح الكالم وأوضحه‪.‬‬ ‫(ثم رسله صادقون مصدوقون) مراده أن أهل السنة واجلماعة يؤمنون بصفات‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪16‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫اهلل تعاىل اليت وصفه هبا رسوله حممد ‪ ،‬والسبب يف ذلك أن الرسول اجتمع‬ ‫فيه أمران يوجبان التسليم لوصفه‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أنه صادق أي يف قوله‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أنه مصدوق أي فيما يموحى إليه‪.‬‬ ‫يعين أن اهلل تعاىل أوحى إليه صدقا‪ ،‬وهو بلغ نفس ما أوحاه اهلل إليه‪.‬‬ ‫(بخالف الذين يقولون عليه ماال يعلمون)‬ ‫َمن هم الذين يقولون ما ال يعلمون؟‬ ‫هم الذين يتكلمون عن صفات اهلل بغري وحي من اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ف ِحلال الرسل‪ ،‬فالرسل صادقون‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أن هؤالء حاهلم يف القول مخمَال ٌ‬ ‫مصدوقون‪ ،‬وهؤالء كاذبون مكذوبون‪.‬‬ ‫كاذبون أي يف قوهلم؛ ألهنم قالوا خالف ما قاله الرسل‪ ،‬مكذوبون أي فيما‬ ‫يوحى إليهم؛ ألن الشيطان أوحى إليهم خالف ما أوحاه اهلل إىل الرسل‪.‬‬ ‫(ولههذا قال‪ :‬ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬ ‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون‬ ‫للرسل‪ ،‬وسلم على المرسلين لسالمة ما قالوه من النقص والعيب) مراد‬ ‫املؤلف‪ :‬أن اهلل تعاىل سلم على املرسلني لسالمة ما قالوه من النقص والعيب‪،‬‬ ‫والسبب يف أن قوهلم عنه سامل من النقص والعيب هو أهنم صادقون‬ ‫مصدوقون‪ ،‬وأنه تعاىل نزه نفسه عما وصفه به املخالفون للرسل‪ ،‬والسبب يف‬ ‫ذلك هو أنه إذا كان وصف الرسل سالِما من النقص والعيب؛ فال بد أن‬ ‫يكون وصف من خالفهم فيه نقص وعيب‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪17‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ف وس َّمى به هه نَ ْفسهُ ب ْين الن هَّفي وا هإلثْ ب ه‬ ‫ات(‪.)1‬‬ ‫يما َو َ‬ ‫َ َ‬ ‫ص َ َ​َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َو ُه َو ُس ْب َحانَهُ قَ ْد َج َم َع ف َ‬ ‫اع هة َع َّما ج ه ه‬ ‫ول أل َْه هل ُّ ه‬ ‫الم ْر َسلو َن(‪.)2‬‬ ‫فَالَ عُ ُد َ‬ ‫ْج َم َ‬ ‫السنَّة َوال َ‬ ‫اء به ُ‬ ‫َ​َ‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثاين‪ ،‬وهو‪ :‬كيفية وصف اهلل لنفسه‪.‬‬ ‫(وهو سبحانه قد جمع) أي يف القرآن‪.‬‬ ‫(فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي واإلثبات) أي أن صفات اهلل تعاىل‬ ‫حبسب ما وصف به نفسه يف القرآن نوعان‪ :‬صفات مثبتة‪ ،‬وصفات منفية‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬هل أْساء اهلل كذلك نوعان مثبتة ومنفية‪ ،‬كما هو ظاهر كالم املؤلف؟‬ ‫اجلواب‪ :‬نعم أْساء اهلل نوعان مثبتة ومنفية‪ ،‬لكن من حيث املعىن ال من حيث‬ ‫اللفظ‪.‬‬ ‫فأْساء اهلل من حيث اللفظ كلها مثبتة؛ أي ليس منها شيء مسبوق بأداة نفي‪.‬‬ ‫وأما من حيث املعىن فنوعان‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬أْساء مثبتة‪ ،‬وهي‪ :‬اليت تدل على معىن مثبت‪.‬‬ ‫مثاله‪" :‬العليم" اسم يدل على معىن مثبت‪ ،‬وهو العلم‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬أْساء منفية‪ ،‬وهي‪ :‬اليت تدل على معىن منفي‪.‬‬ ‫مثاله‪" :‬السالم" اسم يدل على معىن منفي وهو النقص‪ ،‬ألن "السالم" معناه‪:‬‬ ‫السامل من النقص‪ ،‬وضابط هذا النوع‪ :‬أن يكون املقصود من االسم هو التَّـمن ِزيمه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬لَ َّما ذكر كيفية وصف اهلل لنفسه؛ ناسب أن يذكر ما يتفرع عن ذلك‪.‬‬ ‫(ف ) الفاء للتفريع‪ ،‬أي كون اهلل تعاىل وصف نفسه باإلثبات والنفي تفرع عن‬

‫ذلك ما يلي‪:‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪18‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫صرا ُ َّ ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ين‬ ‫الص َرا ُ‬ ‫فَهإنَّهُ ِّ‬ ‫ين أَنْ َع َم اللُ َعلَْيهم م َن النَّبيِّ َ‬ ‫ط الذ َ‬ ‫يم؛ َ‬ ‫ط ال ُْم ْستَق ُ‬ ‫الش ه‬ ‫هداء و َّ ه ه‬ ‫و ِّ ه‬ ‫ين َو ُّ‬ ‫ين(‪.)1‬‬ ‫الصالح َ‬ ‫َ‬ ‫الصدِّيق َ‬ ‫َ‬ ‫(ال عدول ألهل السنة والجماعة) أي ال ميل هلم‪.‬‬ ‫(عما جاء به المرسلون) أي عن الوصف الذي بلغه املرسلون عن رهبم‪.‬‬

‫(‪)6‬‬

‫مراده‪ :‬أن اهلل تعاىل وصف نفسه باإلثبات والنفي‪ ،‬وأن املرسلني بلغوا عن رِّهبم‬ ‫هذا الوصف‪ ،‬فتفرع عن ذلك‪ :‬أنه ال ميل ألهل السنة واجلماعة عن وصف‬ ‫اهلل تعاىل باإلثبات والنفي؛ اتباعا للوصف الذي بلغه املرسلون عن رهبم‪.‬‬ ‫ملا ذكر أن أهل السنة واجلماعة يصفون اهلل تعاىل باإلثبات والنفي اتباعا‬ ‫للوصف الذي بلغه املرسلون عن رِّهبم؛ ناسب أن يذكر السبب يف اتباعهم‬ ‫هلذا الوصف‪.‬‬ ‫(ف ) الفاء سببية‪ ،‬أي أن أهل السنة واجلماعة يصفون اهلل تعاىل باإلثبات‬ ‫والنفي اتباعا للوصف الذي بلغه املرسلون‪ ،‬والسبب يف ذلك ما يلي‪:‬‬

‫(إنه) أي هذا الوصف‪.‬‬

‫(الصراط المستقيم) أي الطريق الذي ال اعوجاج فيه‪.‬‬ ‫(صراط الذين أنعم الل عليهم) أي هذا الصراط املستقيم هو الصراط الذي‬ ‫سلكه من أنعم اهلل عليهم بسلوكه‪.‬‬

‫(من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) أي الذين أنعم اهلل عليهم‬ ‫بسلوكه‪ ،‬هم هؤالء األصناف األربعة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪19‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[شواهد من القرآن تدل على أن اهلل وصف نفسه باإلثبات والنفي]‬

‫[سورة تشتمل على صفات مثبتة ومنفية]‬

‫ف الل به هه نَ ْف ه‬ ‫وقَ ْد َد َخل فهي َه هذهه ال ه‬ ‫ورةه ا هإل ْخالَ ه‬ ‫ص؛ الَّتهي‬ ‫ص َ ُ‬ ‫ْج ْملَة‪َ :‬ما َو َ‬ ‫ُ‬ ‫سهُ في ُس َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تَ ه‬ ‫ث ال ُق ه‬ ‫ول‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ث يَ ُق ُ‬ ‫رآن‪َ ،‬ح ْي ُ‬ ‫عد ُل ثُلُ َ‬ ‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [اإلخالص](‪.)1‬‬ ‫(‪ )6‬ذكر املؤلف يف املبحث الثاين أن اهلل وصف نفسه باإلثبات والنفي‪ ،‬مث بعد أن‬ ‫استطرد يف الكالم عاد إلمتام الكالم عن أصل هذا املبحث؛ فذكر شواهد من‬ ‫القرآن تدل على أن اهلل وصف نفسه باإلثبات والنفي‪.‬‬ ‫وهذه الشواهد اليت ذكرها على مخسة أنواع‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬سورة تشتمل على صفات مثبتة ومنفية‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬آية تشتمل على صفات مثبتة ومنفية‪.‬‬ ‫النوع الثالث‪ :‬آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط‪.‬‬ ‫النوع الرابع‪ :‬آيات تشتمل على صفات منفية فقط‪.‬‬ ‫النوع اخلامس‪ :‬آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪21‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫مسألة‪ :‬ملاذا أخر املؤلف النوع اخلامس‪ ،‬ومل يدرجه مع النوع الثالث‪ ،‬مع أن‬ ‫النوعني كليهما آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط؟‬ ‫اجلواب‪ :‬إمنا أخر هذا النوع ألن اآليات اليت فيه تشتمل على صفات سيوجه‬ ‫إليها مزيد اعتناء‪ ،‬وذلك لكون اختالف الناس فيها أكثر من غريها‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬كيف سيوجه املؤلف إىل هذه الصفات مزيد اعتناء؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬بتخصيص فصول لشرحها‪.‬‬ ‫وبدأ املؤلف بالنوع األول من الشواهد؛ اليت هي سورة تشتمل على صفات‬ ‫مثبتة ومنفية‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وقد دخل في هذه الجملة‪ :‬ما وصف الل به نفسه في سورة‬ ‫اإلخالص) املراد باجلملة ما قاله قبل ذلك‪( :‬وهو سبحانه قد جمع فيما‬ ‫وصف وسمى به نفسه بين النفي واإلثبات) يعين أن اهلل وصف نفسه يف‬ ‫سورة اإلخالص باإلثبات والنفي‪ ،‬فتكون هذه السورة داخلة فيما قرره يف هذه‬ ‫اجلملة‪.‬‬ ‫(التي تعدل ثلث القرآن) أي سورة اإلخالص تساوي ثلث القرآن‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬بأي اعتبار تعدل ثلث القرآن؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬أن املختار عند املؤلف أهنا تعدل ثلث القرآن باعتبار املعىن‪ ،‬وذلك‬ ‫أن معاين القرآن ثالثة أنواع‪ :‬أخبار عن اهلل‪ ،‬وأخبار عن املخلوق‪ ،‬وأحكام من‬ ‫اهلل للمخلوق‪ ،‬وهذه السورة كلها اختصت باخلرب عن اهلل تعاىل‪ ،‬فعدلت ثلث‬ ‫القرآن‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪21‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(حيث يقول‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‪ .‬ﭖ ﭗ ﮊ) هاتان اآليتان تضمنتا‬ ‫ثالث صفات مثبتة‪ ،‬وهي‪ :‬اإلهلية‪ ،‬واألحدية‪ ،‬والصمدية‪.‬‬ ‫(ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ‪ .‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ) هاتان اآليتان‬ ‫تضمنتا ثالث صفات منفية؛ نفي الولد‪ ،‬ونفي الوالد‪ ،‬ونفي الكفوء يعين‬ ‫املثيل‪.‬‬ ‫معىن الصمد‪:‬‬ ‫للسلف يف تفسري الصمد أقوال‪ ،‬واملشهور منها قوالن‪:‬‬ ‫أحدمها‪ :‬أن الصمد هو الذي ال جوف له‪.‬‬ ‫صمد إليه يف احلوائج‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أنه السيد الذي يم َ‬ ‫فاألول قول أكثر السلف‪ ،‬وطائفة من أهل اللغة‪ ،‬والثاين قول طائفة من‬ ‫السلف‪ ،‬ومجهور اللمغويني‪.‬‬ ‫ذكر املؤلف هذا مبعناه يف غري هذا الكتاب‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬ابتدأ املؤلف من الشواهد بسورة اإلخالص لسببني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬لكوهنا سورة‪ ،‬وهلذا فالشواهد اليت بعدها كلها آيات‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬لكوهنا تشتمل على صفات مثبتة ومنفية‪ ،‬وهلذا فالشواهد اليت بعدها‬ ‫كلها تشتمل على صفات مثبتة فقط‪ ،‬أو منفية فقط‪ ،‬ما عدا النوع الذي‬ ‫سيأيت‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪22‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[آية تشتمل على صفات مثبتة ومنفية]‬

‫ف به هه نَ ْفسهُ فهي أَ ْعظَ هم آي ٍة فهي كهتَ ه‬ ‫ول‪ :‬ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫يث يَ ُق ُ‬ ‫ابه؛ َح ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وما َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ‬

‫[البقرة‪ ،]255 :‬وله َه َذا َكا َن من قَ رأَ َه هذهه اآليةَ فهي لَْي لَ ٍة لَم ي ز ْل َعلَْي هه همن ه‬ ‫الل‬ ‫ْ َ​َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ه (‪)1‬‬ ‫صب َح ‪.‬‬ ‫َحافهظٌ‪َ ،‬والَ يَ ْق َربُهُ َش ْيطَا ٌن َحتَّى يُ ْ‬ ‫(‪ )6‬هذا النوع الثاين من الشواهد؛ اليت هي آية تشتمل على صفات مثبتة ومنفية‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه) املراد باآلية هنا آية‬ ‫الكرسي‪ ،‬يعين أن اهلل وصف نفسه يف هذه اآلية باإلثبات والنفي كما هو‬ ‫احلال يف سورة اإلخالص‪.‬‬ ‫(حيث يقول‪ :‬ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ) هذه اجلملة تضمنت ثالث‬ ‫صفات مثبتة‪ ،‬وهي‪ :‬اإلهلية‪ ،‬واحلياة‪ ،‬والقيومية‪.‬‬

‫(ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮊ) هذه اجلملة تضمنت صفتني منفيتني ومها‪:‬‬ ‫السنة‪ ،‬والنوم‪ ،‬والسنة معناها‪ :‬النعاس‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪23‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﮊ) هذه اجلملة تضمنت صفة واحدة مثبتة‪،‬‬ ‫وهي‪ :‬امللك‪.‬‬ ‫(ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ) هذه اجلملة تضمنت صفة واحدة‬ ‫مثبتة‪ ،‬وهي‪ :‬اإلذن بالشفاعة‪.‬‬ ‫(ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﮊ)‬ ‫هذه اجلملة تضمنت صفتني مثبتتني ومها‪ :‬العلم‪ ،‬واملشيئة‪.‬‬ ‫(ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﮊ) هذه‬ ‫اجلملة تضمنت ثالث صفات مثبتة‪ ،‬وصفة واحدة منفية‪ ،‬أما الصفات املثبتة‬ ‫فهي‪ :‬احلفظ‪ ،‬والعلو‪ ،‬والعظمة‪ ،‬وأما املنفية فهي‪ :‬األود‪ ،‬ومعناه‪ :‬التعب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولهذا كان من قرأ هذه اآلية في ليلة لم يزل عليه من الل حافظ‪،‬‬ ‫وال يقربه شيطان حتى يصبح) الالم يف قوله‪( :‬ولهذا) الم السببية‪.‬‬

‫مراد املؤلف‪ :‬أن الوصف الذي وصف به نفسه يف هذه اآلية هو السبب يف‬ ‫أن من قرأها يكون حمفوظا‪ ،‬وال يقربه شيطان‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬أخر املؤلف ذكر آية الكرسي عن سورة اإلخالص؛ ألن تلك سورة‪،‬‬ ‫وهذه آية‪ ،‬وقدمها على ما بعدها من اآليات؛ لكوهنا تشتمل على صفات‬ ‫مثبتة ومنفية‪ ،‬وهلذا فالشواهد اليت بعدها كلها تشتمل على صفات مثبتة فقط‪،‬‬ ‫أو منفية فقط‪.‬‬


‫‪24‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط]‬

‫[إثبات صفات األولية‪ ،‬واآلخرية‪ ،‬والظهور‪ ،‬والباطنية]‬

‫حانَهُ‪ :‬ﮋ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ‬ ‫َوقَ ْولُهُ ُس ْب َ‬

‫[الحديد](‪.)1‬‬

‫[إثبات صفة احلياة]‬

‫َوقَ ْولُهُ ُس ْب َحانَهُ‪ :‬ﮋﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﮊ [الفرقان‪.)2( ]58 :‬‬ ‫(‪ )6‬النوع الثالث من الشواهد آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط‪.‬‬ ‫وبدأ املؤلف هبذه اآلية اليت قصد هبا إثبات أربع صفات‪ ،‬وهي‪ :‬األولية‪،‬‬ ‫واآلخرية‪ ،‬والظهور‪ ،‬والباطنية‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬ال يقصد املؤلف هبذه اآلية إثبات صفة العلم؛ ألنه خصص هلا موضعا‬ ‫مجع فيه بعض اآليات املتعلقة هبا‪.‬‬ ‫معاين األْساء األربعة اليت تضمنتها اآلية‪:‬‬ ‫األول‪ :‬معناه املوجود الذي ال بداية لوجوده‪ ،‬اآلخر‪ :‬معناه الباقي الذي ال‬ ‫هناية لبقائه‪ ،‬الظاهر‪ :‬معناه العايل بذاته‪ ،‬الباطن‪ :‬معناه القريب بعلمه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قصد املؤلف هبذه اآلية إثبات صفة احلياة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪25‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة العلم]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [التحريم‪ ،]2 :‬ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ﭷ ﮊ [سبأ]‪ ،‬ﮋ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ‬

‫ﯺﯻ ﯼﯽ ﯾﯿ ﰀﰁ ﰂﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬ ‫قولُهُ‪ :‬ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﮊ‬ ‫ﰋ ﰌ ﰍ ﮊ [األنعام]‪َ ،‬و ْ‬

‫[فصلت‪[ ]47 :‬فاطر‪َ ،]11 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ‬ ‫ﰘ ﰙ ﰚ ﰛﮊ [الطالق‪.)1(]12:‬‬ ‫[إثبات صفات الرزق‪ ،‬والقوة‪ ،‬واملتانة]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ [الذاريات‪.)2(]58 :‬‬

‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة العلم‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬ذكر املؤلف أوال اآلية اليت فيها لفظ "العليم" باالسم‪ ،‬مث ذكر بقية‬ ‫اآليات بالفعل‪ ،‬مث بالوصف‪ ،‬فلعله يريد بقية اآليات كالشرح لآلية األوىل‪،‬‬ ‫فكأنه يقول‪ :‬عليم معناه‪ :‬يعلم ما يلج يف األرض إخل‪ ،‬ومعناه‪ :‬عنده مفاتح‬ ‫الغيب ال يعلمها إال هو‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫(‪ )2‬لعل املؤلف قصد هبذه اآلية إثبات مجيع الصفات اليت دلت عليها‪ ،‬وهي ثالث‬ ‫صفات‪ :‬الرزق‪ ،‬والقوة‪ ،‬واملتانة؛ أي الشدة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪26‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفتي السمع والبصر]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﮊ [الشورى‪َ ،]11:‬وقَ ْولُهُ‪:‬‬ ‫ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ [النساء‪.)1(]58 :‬‬ ‫[إثبات صفتي املشيئة واإلرادة]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ [الكهف‪،]39 :‬‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮊ [البقرة‪َ ،]253 :‬وقَ ْولُه‪:‬‬

‫ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬

‫ﮢﮊ [المائدة‪َ ،]1 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﭑﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ [األنعام‪.)2(]125 :‬‬

‫(‪ )6‬قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفيت السمع والبصر‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفيت املشيئة‪ ،‬واإلرادة‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬ذكر املؤلف أوال آية يف صفة املشيئة خاصة‪ ،‬مث ذكر آيتني يف صفة اإلرادة‬ ‫خاصة‪ ،‬وفصل بينهما أعين بني آية املشيئة وآييت اإلرادة بآية حتتوي على الصفتني‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪27‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة احملبة واملودة]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮊ [البقرة‪ ،]195 :‬ﮋﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬

‫ﯚﮊ [الحجرات‪ ،]9 :‬ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫ﭩ ﮊ [التوبة‪ ،]7 :‬ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮊ [البقرة‪:‬‬

‫‪َ ،]222‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﮊ [آل عمران‪،]31 :‬‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ [المائدة‪َ ،]54 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [الصف]‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪:‬‬ ‫ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ [البروج](‪.)1‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة احملبة واملودة‪.‬‬ ‫معىن املودة‪:‬‬ ‫املودة هي احملبة‪.‬‬ ‫قال ابن كثري يف تفسريه‪ :‬والودود‪-‬قال ابن عباس وغريه‪ :-‬هو احلبيب‪.‬‬


‫‪28‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة الرمحة]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﮊ ‪ ،‬ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ‬

‫[غافر‪ ،]7 :‬ﮋ ﰑ ﰒ ﰓ ﮊ [األحزاب‪ ،]43 :‬ﮋ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧ ﭨ ﮊ [األعراف‪ ،]156 :‬ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﮊ [األنعام‪،]54 :‬‬ ‫ﮋ ﮄ ﮅ ﮆﮊ [األحقاف‪[ ]8 :‬يونس‪ ،]117 :‬ﮋ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ‬

‫ﭣ ﮊ [يوسف‪.)1(]64 :‬‬

‫[إثبات صفة الرضى]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪:‬‬

‫ﮋ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﮊ [المائدة‪[ ]119 :‬التوبة‪[ ]111 :‬المجادلة‪]22 :‬‬

‫[البينة‪.)2( ]8 :‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة الرمحة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قصد املؤلف هبذه اآلية إثبات صفة الرضى‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪29‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة الغضب وما يف معناه]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ [النساء‪َ ،]93 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬

‫‪،‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﮨ ﮩ ﮪ‬ ‫ﯩﯪﯫ ﯬ ﮊ [محمد‪َ ]28 :‬‬

‫ﮋ ﮯﮰﮱﯓﯔ ﮊ [التوبة‪:‬‬

‫ﮫﮊ[الزخرف‪َ ،]55 :‬وقَ ْولُهُ‪:‬‬ ‫‪َ ،]46‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ [الصف](‪.)1‬‬ ‫[إثبات صفة اإلتيان واجمليء]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫ﯸﮊ [البقرة‪َ ،]211 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬

‫ﭛ ﭜﭝﭞﮊ [األنعم‪ ،]158 :‬ﮋﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬

‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ [الفجر]‪ ،‬ﮋﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬

‫ﮋ ﮊ [الفرقان](‪.)2‬‬

‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة الغضب‪ ،‬وما يف معناه؛ من السخط‪،‬‬ ‫واألسف‪ ،‬والكره‪ ،‬واملقت‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة اإلتيان واجمليء‪.‬‬


‫‪31‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة الوجه]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ [الرحمن]‪ ،‬ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ‬

‫ﮙ ﮚﮊ [القصص‪.)1(]88 :‬‬

‫[إثبات صفة اليدين]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ [ص‪َ ،]75 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﯣ ﯤ‬

‫ﯥﯦﯧﯩﯪﯫ ﯬﯭﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴﮊ [المائدة‪.)2(]64 :‬‬

‫مسألة‪ :‬ما وجه الداللة يف اآلية األخرية؟‬ ‫اجلواب‪ :‬وجه الداللة أن تشقق السماء بالغمام يكون مقدمة إلتيان اهلل تعاىل‬ ‫بدليل اآلية األوىل‪.‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفة الوجه‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬إثبات البقاء لصفة الوجه يدل على إثبات البقاء للموصوف الذي هو‬ ‫اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفة اليدين‪.‬‬


‫‪31‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة العينني]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﮊ [الطور‪ ،]48 :‬ﮋ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬

‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ [القمر]‪ ،‬ﮋ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬

‫ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [طه‪.)1(]39 :‬‬

‫[إثبات صفتي السمع والرؤيا]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬ ‫ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ [المجادلة]‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﮊ [آل عمران‪َ ،]181 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ [الزخرف]‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﯡ ﯢ‬

‫ﯣ ﯤ ﮊ [طه‪َ ،]46 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ [العلق]‪ ،‬ﮋ ﮗ ﮘ‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ [الشعراء]‪ ،‬ﮋﯟ‬

‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﮊ [التوبة‪.)2(]115 :‬‬

‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة العينني‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬املؤلف هنا يسوق اآليات دون األحاديث‪ ،‬ففي هذه اآليات دليل على‬ ‫إثبات صفة العني‪ ،‬وأما الدليل على عدد العني أهنما اثنتان فمأخوذ من السنة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفيت السمع والرؤيا‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪32‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة املكر وما يف معناه]‬

‫قولُهُ‪ :‬ﮋ ﭛ ﭜ‬ ‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﰂ ﰃ ﰄ ﮊ [الرعد‪َ ،]13 :‬و ْ‬

‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ [آل عمران]‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ [النمل]‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ‬

‫[الطارق](‪.)1‬‬

‫فائدة‪ :‬ذكر املؤلف هنا أوال آيات يف صفة السمع خاصة‪ ،‬مث ذكر آيات يف‬ ‫صفة الرؤية خاصة‪ ،‬وفصل بينهما بآية حتتوي على الصفتني‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬ذكر املؤلف صفيت السمع والرؤية من قبل‪ ،‬ولكن ذكرمها يف ذلك املوضع‬ ‫بلفظ االسم "ْسيع" "بصري"‪ ،‬ويف هذا املوضع بلفظ الفعل‪.‬‬ ‫(‪ )6‬قصد هبذه اآليات إثبات صفة املكر‪ ،‬وما يف معناه؛ من املماحلة والكيد‪.‬‬ ‫معىن املكر‪:‬‬ ‫املكر‪ :‬إيصال الضرر من حيث يمظن النفع‪ ،‬يعين أن يفعل فعال ظاهره النفع‬ ‫ولكن يريد به اإلضرار‪.‬‬ ‫وهو نوعان‪ :‬األول‪ :‬مكر مبن يستحق‪ ،‬والثاين‪ :‬مكر مبن ال يستحق‪.‬‬ ‫فالنوع األول صفة مدح‪ ،‬وهو الثابت هلل تعاىل‪ ،‬والنوع الثاين صفة ذم‪ ،‬وله‬ ‫اسم خاص وهو اخليانة‪ ،‬وهذا النوع منفي عن اهلل تعاىل ألنه من الظلم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪33‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفتي العفو واملغفرة]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﮊ‬

‫[النساء]‪ ،‬ﮋ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮊ [النور‪:‬‬

‫‪.)1(]22‬‬

‫[إثبات صفة العزة]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ [المنافقون‪َ ،]8 :‬وقَ ْولُهُ َع ْن‬ ‫إهبله‬ ‫يس‪ :‬ﮋ ﰗ ﰘ ﰙﮊ [ص‪.)2(]82 :‬‬ ‫َ‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفيت العفو‪ ،‬واملغفرة‪.‬‬ ‫معىن العفو واملغفرة‪:‬‬ ‫العفو واملغفرة معنامها متقارب‪ ،‬عفا الذنب‪ :‬أي أزاله‪ ،‬غفر الذنب‪ :‬أي سرته‪،‬‬ ‫وكالمها مبعىن جتاوز عن العقاب بالذنب‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفة العزة؛ أي الغلبة‪.‬‬


‫‪34‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات االسم هلل تعاىل]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ [الرحمن]‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭖ‬

‫ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ [مريم‪.)1(]65 :‬‬

‫(‪ )3‬قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات االسم هلل تعاىل‪.‬‬ ‫واملراد باالسم املثبت هلل تعاىل هي مجيع األْساء احلسىن‪.‬‬ ‫معىن ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ‪:‬‬ ‫قوله‪ :‬ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ هذا استفهام يراد به النفي؛ أي ليس له ْسي‪،‬‬ ‫يعين ال أحد يستحق أن يسمى مبثل اْسه‪.‬‬


‫‪35‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[آيات تشتمل على صفات منفية فقط]‬

‫ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [اإلخالص]‪ ،‬ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫ﯟ ﯠ ﮊ [البقرة‪َ ،]22 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮊ [البقرة‪َ ،]165 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬

‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [اإلسراء]‪،‬‬

‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ‬

‫[التغابن]‪َ ،‬وقَ ْولُه‪ :‬ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯫ ﯬﯭ‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﮊ [الفرقان]‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬

‫ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬

‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﮊ [المؤمنون]‪ ،‬ﮋﭡ ﭢ‬

‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ [النحل]‪ ،‬ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊﮋ ﮌ ﮍﮎﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [األعراف](‪.)1‬‬ ‫(‪ )6‬هذا النوع الرابع من الشواهد؛ اليت هي آيات تشتمل على صفات منفية فقط‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪36‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وتضمنت هذه اآليات من الصفات ما يلي‪:‬‬ ‫اآلية األوىل‪ :‬ﮋﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ‬

‫فيها نفي الكفء‪ ،‬يعين‪ :‬املثيل‪.‬‬ ‫اآلية الثانية‪ :‬ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ‬

‫فيها نفي األنداد‪ ،‬واألنداد‪ :‬مجع ند‪ ،‬ومعناه‪ :‬املثيل‪.‬‬

‫اآلية الثالثة‪ :‬ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮊ‬

‫فيها نفي األنداد أيضا‪.‬‬

‫اآلية الرابعة‪ :‬ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﮊ‬

‫فيها نفي اختاذ الولد‪ ،‬ونفي الشريك يف امللك‪ ،‬ونفي الويل من الذل‪ ،‬والويل‪:‬‬ ‫هو املقَّرب‪ ،‬والذل‪ :‬هو االحتياج‪ ،‬واملعىن‪ :‬أن اهلل ال يقرب أحدا الحتياجه‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫اآلية اخلامسة‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭡ ﭢﭣ ﮊ‬

‫فيها نفي النقص؛ ألن قوله‪ :‬ﮋ ﭑﮊ معناه‪ :‬يـمنَـِّزه‪ ،‬والتَّـمن ِزيمهم يكون عن‬ ‫النقص‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪37‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫اآليتان السادسة والسابعة‪ :‬ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﯜ ‪ .‬ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫ‬ ‫ﯬﯭﯮ ﯯ ﯰ ﮊ‬

‫يف هاتني اآليتني نفي النقص؛ ألن قوله‪ :‬ﮋ ﯔﮊ معناه‪ :‬تعاىل وتعاظم‪،‬‬ ‫والتعايل والتعاظم يكون عن النقص‪ ،‬وفيهما أيضا نفي الولد‪ ،‬ونفي الشريك يف‬ ‫امللك‪.‬‬ ‫اآليتان الثامنة والتاسعة‪ :‬ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‪ .‬ﭲ‬ ‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﮊ‬

‫فيهما نفي اختاذ الولد‪ ،‬ونفي الشريك يف اإلهلية‪ ،‬ونفي النقص‪.‬‬ ‫اآلية العاشرة‪ :‬ﮋﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﮊ‬

‫فيها نفي املثيل‪ ،‬ألن النهي عن ضرب األمثال يدل على انتفاء املثيل‪.‬‬

‫اآلية األخرية‪ :‬ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮊ‬

‫فيها نفي الشريك‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪38‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة العلو]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ [طه]‪ ،‬ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮊ فهي‬ ‫ستة مو ه‬ ‫اض َع [األعراف‪[ ]54 :‬يونس‪[ ]3 :‬الرعد‪[ ]3 :‬الفرقان‪[ ]59 :‬السجدة‪]4 :‬‬ ‫َ​َ‬ ‫[الحديد‪َ ،]4 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﮊ [آل عمران‪ ،]55 :‬ﮋ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙﮊ [النساء‪ ،]158 :‬ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬

‫ﯬﮊ [فاطر‪ ،]11 :‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ [غافر‪َ ،]37-36 :‬وقَ ْولُهُ‪:‬‬

‫ﮋﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬

‫ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ [الملك](‪.)1‬‬ ‫(‪ )6‬النوع اخلامس من الشواهد آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط‪.‬‬ ‫وتقدم التنبيه على أن املؤلف أخر ذكر هذه اآليات لكوهنا تشتمل على‬ ‫صفات سيوجه إليها مزيد اعتناء‪.‬‬ ‫وهذه اآليات اليت سيذكرها املؤلف كالتايل‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬آيات قصد هبا إثبات صفة العلو‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬آيات قصد هبا إثبات صفة املعية‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪39‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ثالثا‪ :‬آيات قصد هبا إثبات صفة الكالم‪ ،‬وأن القرآن كالم اهلل‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬آيات قصد هبا إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة‪.‬‬ ‫فبدأ هبذه اآليات اليت قصد هبا إثبات صفة العلو؛ أي أن اهلل عال على مجيع‬ ‫خملوقاته‪ ،‬ال يعلوه شيء‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬داللة القرآن على علو اهلل متنوعة‪ ،‬ذكر املؤلف منها ‪ -‬حبسب اآليات‬ ‫اليت ساقها ‪ -‬ثالثة أنواع‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اإلخبار بأنه استوى على العرش‪ ،‬ألن العرش أعلى املخلوقات‪ ،‬فإذا‬ ‫كان هو سبحانه استوى على العرش؛ فهو أعلى من مجيع املخلوقات‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬اإلخبار برفع األشياء وصعودها إليه؛ ألن اإلخبار بذلك يدل على‬ ‫علوه‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬اإلخبار بأنه يف السماء؛ ألن السماء يف اللغة معناها‪ :‬العلو‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬ما وجه الداللة يف قوله تعاىل عن فرعون‪ :‬ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮓ ﮔ‪ .‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬

‫ﮞﮊ؟‬ ‫اجلواب‪ :‬وجه الداللة أنه يمفهم من السياق أن موسى أخرب فرعون أن اهلل يف‬ ‫السماء‪ ،‬وهلذا طلب بناء الصرح لالطالع عليه‪.‬‬ ‫معىن استوى على العرش‪:‬‬ ‫فسر السلف كلمة "استوى" بأربعة ألفاظ متقاربة يف املعىن‪ ،‬وهي‪ :‬عال‪،‬‬ ‫وارتفع‪ ،‬وصعد‪ ،‬واستقر‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪41‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة املعية]‬

‫ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [الحديد]‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ‬

‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮊ [المجادلة‪ ،]7 :‬ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﯜ ﮊ [التوبة‪َ ،]41 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ [طه‪ ،]46 :‬ﮋ ﯿ‬

‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ [النحل]‪ ،‬ﮋ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬

‫ﭟ ﮊ [األنفال‪ ،]46 :‬ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬

‫ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮊ [البقرة‪.)1(]249 :‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة املعية؛ أي أن اهلل تعاىل مع خلقه‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬ذكر املؤلف صفة املعية بعد صفة العلو؛ إشارة إىل عدم جواز تفسري‬ ‫املعية مبعىن يناقض العلو‪ ،‬أي إذا ثبت أن اهلل تعاىل عال على خلقه‪ ،‬فال جيوز‬ ‫تفسري املعية بأنه خمتلط مع خلقه؛ ألن هذا التفسري يناقض إثبات صفة العلو‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪41‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫فائدة أخرى‪ :‬يستفاد من زجموع هذه اآليات أن معية اهلل خللقه نوعان‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬معية عامة‪ ،‬ومعىن عامة‪ :‬أنه مع مجيع الناس‪.‬‬ ‫وهذه املعية هي اليت مبعىن العلم‪ ،‬كقوله‪ :‬ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﮊ أي معكم‬ ‫بعلمه‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬معية خاصة‪ ،‬ومعىن خاصة‪ :‬أنه مع بعض الناس‪.‬‬ ‫وهذه املعية هي اليت مبعىن احلفظ والتأييد وحنو ذلك‪.‬‬ ‫مث هذه املعية أيضا أعين اخلاصة نوعان‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬معية مقيدة بشخص‪ ،‬كقوله عن خطاب النيب ‪ ‬أليب بكر‬ ‫‪ :‬ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬معية مقيدة بوصف‪ ،‬كقوله‪ :‬ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬

‫ﰆﮊ‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪42‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة الكالم]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﮊ [النساء‪ ،]87 :‬ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧﮊ [النساء‪ ،]122 :‬ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮊ [المائدة‪:‬‬

‫‪،]116‬‬

‫ﮋﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮊ [األنعام‪َ ،]115 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭹ ﭺ ﭻ‬

‫ﭼﮊ [النساء‪ ،]164 :‬ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﮊ [البقرة‪ ،]253 :‬ﮋ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ [األعراف‪ ،]143 :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ [مريم]‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮊ‬

‫[الشعراء]‪ ،‬ﮋ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﮊ [األعراف‪َ ،]22 :‬وقَ ْولُهُ‪:‬‬ ‫ﮋ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ [القصص]‪ ،‬ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ‬

‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ [القصص‪[ ]62 :‬القصص‪.)1( ]74 :‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة الكالم؛ أي أن اهلل تعاىل يتكلم‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬يستفاد من زجموع هذه اآليات أن صفة الكالم هلل تعاىل ثابتة بعدة‬ ‫ألفاظ؛ منها‪ :‬التحدث‪ ،‬والقول‪ ،‬والتكلم‪ ،‬والنداء‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪43‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات أن القرآن كالم اهلل]‬

‫ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﮊ [التوبة‪،]6 :‬‬

‫ﮋﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬ ‫ﯵ ﮊ [البقرة‪ ،]75 :‬ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﮊ [الفتح‪ ،]15 :‬ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬

‫ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﮊ [الكهف‪َ ،]27 :‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬ ‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﮊ [النمل]‪ ،‬ﮋﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮊ‬ ‫[األنعام‪ ،]92 :‬ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬

‫ﮔﮊ [الحشر‪ ،]21 :‬ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬

‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬ ‫ﯵﯶﯷ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑ‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬

‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ [النحل](‪.)1‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات أن القرآن كالم اهلل؛ أي أن القرآن كالم‪ ،‬وأن‬ ‫اهلل تعاىل هو الذي تكلم به‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪44‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫فائدة‪ :‬أثبت املؤلف أن القرآن كالم اهلل بعد أن أثبت أن اهلل يتكلم؛ إشارة إىل‬ ‫أنه يلزم من إثبات الكالم هلل إثبات أن القرآن كالمه؛ ألنه مما تكلم به‪ ،‬وهلذا‬ ‫فالذين قالوا إن القرآن ليس كالم اهلل‪ ،‬إمنا قالوا ذلك؛ ألهنم يقولون إن اهلل ال‬ ‫يتكلم‪.‬‬ ‫فائدة أخرى‪ :‬الداللة يف هذه اآليات على أن القرآن كالم اهلل نوعان‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬داللة منطوقة‪ ،‬حيث أخرب اهلل تعاىل أن القرآن كالمه‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬داللة مفهومة‪ ،‬حيث أخرب اهلل تعاىل أن القرآن ممنَـَّزٌل منه‪ ،‬فيمفهم‬ ‫من ذلك أنه هو الذي تكلم به‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬هل يريد املؤلف الكالم عن القرآن فقط‪ ،‬أو عن مجيع الكتب الم ممنَـَّزلة‬ ‫أهنا كالم اهلل تعاىل؟‬ ‫اجلواب‪ :‬يريد الكالم عن الكتب الم ممنَـَّزلة عموما‪ ،‬والقرآن خصوصا‪ ،‬وهلذا ذكر‬ ‫قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬

‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﮊ‪ ،‬واملراد بكالم اهلل هنا التوراة‪.‬‬ ‫مسألة أخرى‪ :‬ما وجه الداللة يف قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬ ‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﮊ؟‬ ‫اجلواب‪ :‬وجه الداللة‪ :‬أن اهلل تعاىل أخرب أن القرآن يقص‪ ،‬والقصص ال يكون‬ ‫إال قوال‪ ،‬والبد من قائل‪ ،‬وقال سبحانه يف موضع آخر‪ :‬ﮋ ﮰ ﮱ ﯓ‬ ‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [يوسف‪ ]3:‬فدل على أن‬ ‫القائل هو اهلل تعاىل‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪45‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة]‬

‫َوقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [القيامة]‪ ،‬ﮋ ﮯ ﮰ‬

‫ﮱﮊ [المطففين‪[ ]23 :‬المطففين‪ ،]35 :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ [يونس‪:‬‬

‫‪َ ،]26‬وقَ ْولُهُ‪ :‬ﮋ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﮊ [ق](‪.)1‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬ختم املؤلف آيات الصفات بالرؤية؛ إشارة إىل أن الذين آمنوا بصفات‬ ‫اهلل يف الدنيا هم الذين يستحقون رؤيته يف اآلخرة‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬وجه الداللة يف اآلية األوىل ظاهر‪ ،‬فما وجه الداللة يف بقية اآليات؟‬ ‫اجلواب‪ :‬أما قوله‪ :‬ﮋ ﮯ ﮰ ﮱﮊ فوجه الداللة أن املراد ينظرون إىل‬ ‫رهبم؛ ألنه قال قبل ذلك عن الفجار‪ :‬ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ‪،‬‬ ‫وأما قوله‪ :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ فوجه الداللة أن املراد بالزيادة النظر‬ ‫إىل اهلل تعاىل كما فسرها بذلك النيب ‪ ،‬وأما قوله‪ :‬ﮋ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ‬

‫ﰢ ﮊ فوجه الداللة يف هذه اآلية كوجه الداللة يف اآلية اليت قبلها‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪46‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه ه‬ ‫وه َذا الباب فهي كهتَ ه ه‬ ‫من تَ َدبَّ َر ال ُقرآ َن طَالباا لل ُْه َدى م ْنهُ تَبَ يَّ َن لَهُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كثير‪ْ ،‬‬ ‫اب الل ٌ‬ ‫ْح ِّق(‪.)1‬‬ ‫طَ هر ُ‬ ‫يق ال َ‬ ‫(‪)6‬‬

‫لَ َّما ذكر املؤلف شواهد من القرآن تدل على أن اهلل وصف نفسه باإلثبات‬ ‫والنفي‪ ،‬ناسب أن يذكر بعد ذلك تنبيهني‪:‬‬ ‫التنبيه األول‪ :‬قوله‪( :‬وهذا الباب) أي باب الصفات نفيا وإثباتا‪( ،‬في كتاب‬

‫الل كثير) يعين اآليات املتضمنة للصفات املثبتة واملنفية كثرية جدا‪.‬‬ ‫التنبيه الثاين‪ :‬قوله‪( :‬من تدبر القرآن) أي تأمل فيه ليفهم معناه‪( ،‬طالباا‬ ‫للهدى منه) أي يقصد بذلك التوصل للهدى منه‪( ،‬تبين له طريق الحق) أي‬ ‫اتضح له املنهج الصحيح يف باب الصفات؛ الذي هو‪ :‬إثبات ما أثبته اهلل‬ ‫لنفسه‪ ،‬ونفي ما نفاه عن نفسه‪.‬‬ ‫ويستفاد من هذا التنبيه أن طريق احلق يتبني بأمرين‪:‬‬ ‫أحدمها‪ :‬تدبر القرآن‪ ،‬والثاين‪ :‬النية يف طلب احلق‪.‬‬ ‫ويفهم من ذلك أن طريق احلق ال يتبني بأحد أمرين‪:‬‬ ‫إما بعدم تدبر القرآن‪ ،‬وإما بعدم النية يف طلب احلق؛ بل تكون نيته يف التدبر‬ ‫أن يأخذ ما يوافق رأيه ويرتك ما سواه‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪47‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[شواهد من السنة]‬

‫ول ه‬ ‫صل‪ :‬ثُ َّم فهي ُسن هَّة ر ُس ه‬ ‫الل ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فَ ْ ٌ‬ ‫س ُر ال ُق ْرآ َن َوتُبَ يِّ نُهُ‪َ ،‬وت ُد ُّل َعلَْي هه‪َ ،‬وتُ َعبِّ ُر َعنْهُ‪.‬‬ ‫فَ ُّ‬ ‫السنَّةُ تُ َف ِّ‬ ‫ول به هه ربَّهُ َع َّز وج َّل همن األَح ه‬ ‫اد ه‬ ‫اها‬ ‫الص َح ه‬ ‫يث ِّ‬ ‫ف َّ‬ ‫ص َ‬ ‫اح الَّتهي تلَ َّق َ‬ ‫َوَما َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫الر ُس ُ َ‬ ‫هه ه‬ ‫ك(‪.)1‬‬ ‫يما ُن بهها َك َذله َ‬ ‫ب ا هإل َ‬ ‫أ َْه ُل ال َْم ْع هرفة بالْ َقبُول َو َج َ‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر املؤلف شواهد من القرآن‪ ،‬أراد أن يذكر شواهد من السنة‪ ،‬ولكن ذكر‬ ‫قبل ذلك أمرين عن السنة‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬عالقة السنة بالقرآن (فالسنة تفسر القرآن‪ ،‬وتبينه‪ ،‬وتدل عليه‪،‬‬ ‫وتعبر عنه) أي أن عالقة السنة بالقرآن تتضمن ثالثة أشياء‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أهنا تفسر القرآن وتبينه؛ يعين توضح املعىن املراد منه‪ ،‬كما يف قوله‪:‬‬ ‫ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ فسر النيب ‪ ‬الزيادة بالنظر إىل اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أهنا تدل عليه‪ ،‬يعين تدل مبثل ما دل عليه القرآن‪ ،‬كالصفات اليت‬ ‫ذكرت يف القرآن ويف األحاديث‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬تعرب عنه‪ ،‬يعين تستقل بتعبري جديد عنه‪ ،‬كالصفات اليت ذكرت يف‬ ‫األحاديث‪ ،‬ومل تذكر يف القرآن‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬املوقِف من الصفات الواردة يف السنة (وما وصف الرسول به ربه‬ ‫عز وجل من األحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪48‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ُّ ُ ْ‬ ‫[إثبات صفة النزول]‬

‫ٍ ه‬ ‫ه‬ ‫س َم هاء ُّ‬ ‫ين‬ ‫فمن ذلك‪ :‬همثْ ُل قَ ْوله هه ‪" :‬يَ ْن هز ُل ربُّنا إهلَى ال َّ‬ ‫الدنيا ُك َّل لَْي لَة ح َ‬ ‫ه‬ ‫اآلخر‪ ،‬فَ ي ُقو ُل‪ :‬من ي ْدعُونهي فَأ ْ ه‬ ‫يب لَهُ؟ َم ْن يَ ْسألُنهي فَأُ ْع هطيَهُ؟‬ ‫يَ ْب َقى ثُلُ ُ‬ ‫ث اللَّْي هل ُ َ‬ ‫ََْ‬ ‫َستَج َ‬ ‫من يستَ ه‬ ‫غف ُرني فَأَ ْغ هف َر لَهُ؟" ُمتَّ َف ٌق َعلَْي هه [البخاري‪ ،1145 :‬ومسلم‪.)1(]758 :‬‬ ‫ْ َْ‬ ‫اإليمان بها كذلك) أي املوقف من الصفات الواردة يف السنة وجوب اإلميان‬ ‫هبا‪ ،‬بشرط أن تكون األحاديث اليت وردت هبا صحيحة‪.‬‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر املؤلف أمرين عن السنة شرع يف ذكر الشواهد من السنة‪.‬‬ ‫وهذه الشواهد على نوعني‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬أحاديث تتضمن صفات مل تمذ َكر يف القرآن‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬أحاديث تتضمن صفات ذمكِرت يف القرآن‪.‬‬ ‫وتقدم التنبيه على أن املؤلف أخر ذكر بعض اآليات لكوهنا تتضمن صفات‬ ‫سيوجه إليها مزيد اعتناء‪ ،‬وهكذا هنا أخر ذكر هذه األحاديث لكوهنا تتضمن‬ ‫نفس الصفات اليت سيوجه إليها مزيد اعتناء‪.‬‬ ‫واألحاديث اليت تتضمن صفات مل تمذ َكر يف القرآن؛ اختار منها ما يلي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬حديثا يف إثبات صفة النـ مُّزموِل‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حديثا يف إثبات صفة الفرح‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬حديثني يف إثبات صفة الضحك‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬حديثا يف إثبات صفة القدم والرجل‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪49‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة الفرح]‬

‫َّائب من أَح هد ُكم بهر ه‬ ‫ه ه هه ه‬ ‫َّ‬ ‫احلَته هه"‬ ‫َوقَ ْولُهُ ‪" :‬لَلهُ أَ َش ُّد فَ َر احا بتَ ْوبَة َع ْبده ال ُْم ْؤم هن الت ه ْ َ ْ َ‬ ‫ُمتَّ َف ٌق َعلَْي هه [البخاري‪ ،6319 :‬ومسلم‪.)1(]2657 :‬‬ ‫[إثبات صفة الضحك]‬

‫اآلخ َر كهالَ ُه َما يَ ْد ُخ ُل‬ ‫َوقَ ْولُهُ ‪" :‬يَ ْ‬ ‫َح ُد ُه َما َ‬ ‫ض َح ُ‬ ‫ك اللُ إهلَى َر ُجلَْي هن يَ ْقتُ ُل أ َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫من‬ ‫ب َربُّنا ْ‬ ‫الجنَّةَ" ُمتَّ َف ٌق َعلَْيه [البخاري‪ ،2826 :‬ومسلم‪َ ،]1891 :‬وقَ ْولُهُ‪َ " :‬عج َ‬ ‫قُنُ ه‬ ‫ادهه‪ ،‬وقُر ه ه‬ ‫وط هعب ه‬ ‫ك يَ ْعلَ ُم أ َّ‬ ‫َن‬ ‫َزلين قَنهطيه َن‪ ،‬فَ يَظَ ُّل يَ ْ‬ ‫ض َح ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب َخ ْي هره‪ ،‬يَ ْنظُ​ُر إهلَْي ُك ْم أ َ‬ ‫س ٌن [ابن ماجه‪.)2(]281 :‬‬ ‫قريب" َح هد ٌ‬ ‫فر َج ُك ْم ٌ‬ ‫يث َح َ‬ ‫َ‬ ‫فبدأ هبذا احلديث الذي قصد به إثبات صفة النـ مُّزموِل‪.‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذا احلديث إثبات صفة الفرح‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قصد املؤلف هبذين احلديثني إثبات صفة الضحك‪.‬‬ ‫ولفظ احلديث الثاين يف سنن ابن ماجه‪ :‬عن أَِيب رِزي ٍن قَ َال قَ َال رس م ِ‬ ‫صلَّى‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫َم‬ ‫َم َ‬ ‫وط ِعب ِادهِ وقمـر ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اللَّ ِه أ َ​َو‬ ‫ت يَا َر مس َ‬ ‫ض ِح َ‬ ‫اللَّهم َعلَميه َو َسلَّ َم َ‬ ‫ب غ َِريه قَ َال قمـ مل م‬ ‫ك َربـُّنَا م من قمـنم َ َ م‬ ‫ك َخميـرا‪.‬‬ ‫الر ُّ‬ ‫ت لَ من نـَ مع َد َم ِم من َر ٍّ‬ ‫ك َّ‬ ‫ب يَ م‬ ‫يَ م‬ ‫ض َح م‬ ‫ض َح م‬ ‫ب قَ َال نـَ َع مم قمـ مل م‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪51‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة القدم والرجل]‬

‫من‬ ‫َّم يُ ْل َقى فه َيها‪َ ،‬و هه َي تَ ُق ُ‬ ‫َوقَ ْولُهُ ‪" :‬الَ تَ َز ُ‬ ‫ول‪َ :‬ه ْل ْ‬ ‫ال َج َهن ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫ضع ر ُّ ه ه ه‬ ‫ي‬ ‫يَ َ َ َ‬ ‫ب الْع َّزة ف َيها هر ْجلَهُ َوفي هرَوايَة َعلَْي َها قَ َد َمهُ ؛ فَ يَ ْن َز هو َ‬ ‫بَ ْع ٍ‬ ‫ط" ُمتَّ َف ٌق َعلَْي هه [البخاري‪ ،4848 :‬ومسلم‪.)1(]2848 :‬‬ ‫ط قَ ْ‬ ‫ول‪ :‬قَ ْ‬ ‫ض‪ ،‬فَ تَ ُق ُ‬

‫م هز ٍ‬ ‫يد؟ َحتَّى‬ ‫َ‬ ‫ض َها إهلَى‬ ‫بَ ْع ُ‬

‫[إثبات صفة الكالم]‬

‫يك‪ ،‬فَ ي نَ ه‬ ‫ادي بهصو ٍ‬ ‫ت‪:‬‬ ‫آدم‪ ،‬فَ يَ ُق ُ‬ ‫َوقَ ْولُهُ‪" :‬يَ ُق ُ‬ ‫ول‪ :‬لَبَّ ْي َ‬ ‫ول تَ َعالَى‪ :‬يَا ُ‬ ‫ك َو َس ْع َد َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ق َعلَْي هه [البخاري‪،3348 :‬‬ ‫ك بَ ْعثاا إهلَى النَّا هر" ُمتَّ َف ٌ‬ ‫من ذُ ِّريَّته َ‬ ‫ج ْ‬ ‫إه َّن اللَ يَأ ُْم ُر َك أَ ْن تُ ْخ هر َ‬ ‫ومسلم‪َ ،]222 :‬وقَ ْولُهُ‪َ " :‬ما م ْن ُك ْم هم ْن أ َ ٍ ه‬ ‫ِّ‬ ‫س بَ ْي نَهُ َوبَ ْي نَه‬ ‫َحد إالَّ َسيُ َكل ُمهُ َربُّهُ‪َ ،‬ولَْي َ‬ ‫تُ ْر ُج َمان" [البخاري‪ ،1413 :‬ومسلم‪.)2(]1116 :‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذا احلديث إثبات صفة القدم والرجل‪.‬‬ ‫(‪ )2‬األحاديث اليت تتضمن صفات ذمكِرت يف القرآن؛ اختار املؤلف منها ما يلي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬حديثني يف إثبات صفة الكالم‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أحاديث يف إثبات صفة العلو‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪51‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة العلو]‬

‫يض‪" :‬ربَّنا الل الَّ هذي فهي َّ ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ك‪ ،‬أ َْم ُر َك‬ ‫اس ُم َ‬ ‫س ْ‬ ‫الم هر ه َ َ َ‬ ‫َوقَ ْولُهُ في ُرقْيَة َ‬ ‫الس َماء تَ َق َّد َ‬ ‫ك فهي َّ ه‬ ‫ه‬ ‫تك فهي األ َْر ه‬ ‫السم هاء َواأل َْر ه‬ ‫ض‪ ،‬ا ْغ هف ْر‬ ‫اج َع ْل َر ْح َم َ‬ ‫ض‪َ ،‬ك َما َر ْح َمتُ َ‬ ‫الس َماء‪ْ ،‬‬ ‫في َ‬ ‫ب الطَّيِّبهين‪ ،‬أَنْ هز ْل رحمةا همن رحمته َ ه‬ ‫اء هم ْن‬ ‫ت َر ُّ‬ ‫لَنَا ُحوبَنَا َو َخطَايَانَا‪ ،‬أَنْ َ‬ ‫َْ َ ْ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ك َوش َف ا‬ ‫ه‬ ‫ين‬ ‫هش َفائ َ‬ ‫الو َج هع" َرَواهُ أَبُو َد ُاو َد [‪َ ،]3892‬و ْ‬ ‫قولُهُ‪" :‬أَالَ تَأ َْمنُوني َوأَنَا أَم ُ‬ ‫ك َعلَى َه َذا َ‬ ‫يث ه‬ ‫همن فهي َّ ه ه‬ ‫ش‬ ‫يح [البخاري‪ ،3344 :‬ومسلم‪َ ،]1164 :‬وقَ ْولُهُ‪َ " :‬وال َْع ْر ُ‬ ‫الس َماء" َحد ٌ َ‬ ‫صح ٌ‬ ‫ْ‬ ‫فَ ْو َق ذلك‪َ ،‬واللُ فَ ْو َق ال َْع ْر ه‬ ‫ش‪َ ،‬و ُه َو يَ ْعلَ ُم َما أَنْ تُ ْم َعلَْي هه" َرَواهُ أَبُو َد ُاو َد والترمذي‬ ‫وغَي رُهما‪ ،‬وقَ ولُهُ للجارية‪" :‬أين الل؟" قَالَ ْ ه‬ ‫السم هاء‪ .‬قَال‪َ " :‬م ْن أَنَا؟"‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ت‪ :‬في َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ول ه‬ ‫ال‪" :‬أَ ْعته ْق َها؛ فَهإنَّ َها ُم ْؤهمنَةٌ" َرَواهُ ُم ْسله ٌم [‪.)1(]537‬‬ ‫الل‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت َر ُس ُ‬ ‫قَالَ ْ‬ ‫ت‪ :‬أَنْ َ‬ ‫ثالثا‪ :‬أحاديث يف إثبات صفة املعية والقرب‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬حديثا يف إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة‪.‬‬ ‫فبدأ هبذين احلديثني اللذين قصد هبما إثبات صفة الكالم‪.‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه األحاديث إثبات صفة العلو‪.‬‬ ‫ش فَـ مو َق ذلك‪َ ،‬واهللم فَـ مو َق الم َع مر ِش‪َ ،‬ومه َو يَـ معلَ مم َما أَنمـتم مم َعلَمي ِه" مل‬ ‫وحديث " َوالم َع مر م‬ ‫أجده يف أَيب َد ماوَد والرتمذي‪ ،‬وهو يف التوحيد البن خزمية موقوفا‪.641 :‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪52‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفتي املعية والقرب]‬

‫ضل اإليم ه‬ ‫ان أَ ْن تَ ْعلَ َم أ َّ‬ ‫س ٌن‪،‬‬ ‫ت" َح هد ٌ‬ ‫َن الل َم َع َ‬ ‫ك َح ْيثُ َما ُك ْن َ‬ ‫َوقَ ْولُهُ‪" :‬أَفْ َ ُ َ‬ ‫يث َح َ‬ ‫وقَ ولُه‪" :‬إهذَا قَام أَح ُد ُكم إهلَى َّ ه‬ ‫ص َق َّن قهبَ َل َو ْج ه هه َوالَ َع ْن يَمينه هه؛ فَهإ َّن‬ ‫َ ُْ‬ ‫الصالَة فَالَ يَ ْب ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ق َعلَْي هه [البخاري‪،416 :‬‬ ‫ت قَ َد هم هه" ُمتَّ َف ٌ‬ ‫سا هرهه أ َْو تَ ْح َ‬ ‫اللَ قبَ َل َو ْجهه‪َ ،‬ولَك ْن َع ْن يَ َ‬ ‫السماو ه‬ ‫الع هظ ه‬ ‫الع ْر ه‬ ‫يم‪،‬‬ ‫الس ْب هع َوَر َّ‬ ‫ومسلم‪َ ،]547 :‬وقَ ْولُهُ ‪" :‬اللَّ ُه َّم َر َّ‬ ‫ات َّ‬ ‫ش َ‬ ‫ب َ‬ ‫ب َّ َ َ‬ ‫ٍ ه‬ ‫ه‬ ‫يل وال ُقر ه‬ ‫ه‬ ‫آن‪،‬‬ ‫َربَّنَا َوَر َّ‬ ‫الح ِّ‬ ‫ب ُك ِّل َش ْيء‪ ،‬فَال َق َ‬ ‫َّوى‪ُ ،‬م ْن هز َل الت َّْوَراة َوا هإلنْج ه َ ْ‬ ‫ب َوالن َ‬ ‫ت ه‬ ‫آخ ٌذ بهنَ ه‬ ‫س قَ ْب لَ َ‬ ‫أَعُوذُ به َ‬ ‫اصيَتهها‪ ،‬أَنْ َ‬ ‫ك هم ْن َش ِّر ُك ِّل َدابٍَّة أَنْ َ‬ ‫ك َش ْيءٌ‬ ‫ت األ ََّو ُل فَ لَْي َ‬ ‫ت ه‬ ‫اآلخر فَ لَيس ب ع َد َك َشيء وأَنْ َ َّ ه‬ ‫ت‬ ‫س فَ ْوقَ َ‬ ‫ك َش ْيءٌ َوأَنْ َ‬ ‫َوأَنْ َ‬ ‫ُ ْ َ َْ‬ ‫ٌْ َ‬ ‫ت الظاه ُر فَ لَْي َ‬ ‫ه‬ ‫ك َش ْيءٌ‪ ،‬اق ه‬ ‫ْض َعنِّي َّ‬ ‫الديْ َن َوأَ ْغنهنهي همن ال َف ْق هر" َرَواهُ ُم ْسله ٌم‬ ‫س ُدونَ َ‬ ‫البَاط ُن فَ لَْي َ‬ ‫َص َواتهم هبا ِّ‬ ‫َّاس‪ْ ،‬اربهعُوا‬ ‫َص َحابُهُ أ ْ‬ ‫[‪َ ،]2713‬وقَ ْولُهُ ‪ ‬لما َرفَ َع أ ْ‬ ‫لذ ْك هر‪" :‬أَيُّ َها الن ُ‬ ‫ه‬ ‫َص َّم َوالَ غَائهباا‪ ،‬إهنَّ َما تَ ْدعُو َن َس هم ايعا قَ هريباا‪ ،‬إه َّن‬ ‫َعلَى أَنْ ُفس ُكم؛ فَهإنَّ ُك ْم الَ تَ ْدعُو َن أ َ‬ ‫الَّ هذي تَ ْدعونَه أَقْرب إهلَى أَح هد ُكم همن عن هق ر ه‬ ‫ق َعلَْي هه [البخاري‪،2992 :‬‬ ‫احلَته هه" ُمتَّ َف ٌ‬ ‫ُ ُ َُ‬ ‫َ ْ ْ ُ​ُ َ‬ ‫ومسلم‪.)1(]2714 :‬‬

‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذه األحاديث إثبات صفيت املعية والقرب‪.‬‬ ‫واحلديث األول رواه البيهقي يف األْساء والصفات (‪.)108‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪53‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة]‬

‫ض ُامو َن فهي‬ ‫َوقَ ْولُهُ ‪" :‬إنَّ ُك ْم َستَ َرْو َن َربَّ ُك ْم َك َما تَ َرْو َن الْ َق َم َر لَْي لَةَ الْبَ ْد هر الَ تُ َ‬ ‫ه‬ ‫الش ْم ه‬ ‫وع َّ‬ ‫صالَةٍ قَ ْب َل‬ ‫صالةٍ قَ ْب َل طُلُ ه‬ ‫ُرؤيَتهه‪ ،‬فَهإن ْ‬ ‫س‪َ ،‬و َ‬ ‫استَطَ ْعتُم أَ ْن ال تُغْلَبُوا َعلَى َ‬ ‫غُ ُروبه َها فَافْ َعلُوا" ُمتَّ َف ٌق َعلَْي هه [البخاري‪ ،554 :‬ومسلم‪.)1(]633 :‬‬ ‫مسألة‪ :‬وجه الداللة ظاهر يف احلديثني األول والرابع‪ ،‬فما وجه الداللة يف‬ ‫احلديثني الثاين والثالث؟‬ ‫اجلواب‪ :‬أما احلديث الثاين؛ فالشاهد فيه قوله‪" :‬فإن الل قبل وجهه" أي‬ ‫أمامه‪ ،‬وهذا يدل على معيته سبحانه وقربه من املصلي‪.‬‬ ‫وأما احلديث الثالث؛ فالشاهد فيه قوله‪" :‬وأنت الباطن فليس دونك شيء"‬

‫املراد بالدون‪ :‬القرب‪ ،‬واملعىن‪ :‬ليس أقرب منك شيء‪ ،‬وهذا يدل على معيته‬ ‫سبحانه وقربه من خلقه‪.‬‬ ‫(‪ )6‬قصد املؤلف هبذا احلديث إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬قوله‪" :‬كما ترون القمر ليلة البدر" هذا تشبيه الرؤية بالرؤية‪ ،‬ال تشبيه‬ ‫املرئي باملرئي‪ ،‬يعين‪ :‬ليس املراد تشبيه اهلل تعاىل بالقمر‪ ،‬بل املراد تشبيه رؤية‬ ‫املؤمنني هلل برؤيتهم للقمر من حيث اتضاح الرؤية‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬كما أن املؤلف ختم آيات الصفات بالرؤية‪ ،‬كذلك ختم األحاديث‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪54‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ال َه هذهه األَح ه‬ ‫ول ه‬ ‫اد ه‬ ‫إهلَى أ َْمثَ ه‬ ‫الل ‪ ‬عن َربِّهه بما يُ ْخبه ُر‬ ‫يث الَّتهي يُ ْخبه ُر فه َيها َر ُس ُ‬ ‫َ‬ ‫َّاجيةَ أ َْهل ُّ ه‬ ‫هه ه ه‬ ‫ه‬ ‫ك؛ َك َما يُ ْؤهمنُو َن بما‬ ‫اع هة يُ ْؤهمنُو َن به َذله َ‬ ‫ْج َم َ‬ ‫السنَّة َوال َ‬ ‫به‪ ،‬فَإ َّن الف ْرقةَ الن َ َ‬ ‫هه ه ه هه ه‬ ‫طيل‪ ،‬وهم ْن غَْي هر تَ ْكيه ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف َوالَ‬ ‫أَ ْخبَ َر اللُ به في كتَابه‪ ،‬م ْن غَْي هر تَ ْح هريف َوالَ تَ ْع ٍ َ‬ ‫تَ ْمثه ٍ‬ ‫يل(‪.)1‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫لَ َّما ذكر املؤلف بعض األحاديث يف الصفات؛ ذكر بعد ذلك موقف أهل‬ ‫السنة واجلماعة من الصفات عموما الواردة يف األحاديث‪.‬‬ ‫فموقفهم من هذه الصفات كموقفهم من الصفات الواردة يف اآليات متاما‪،‬‬ ‫وهو‪ :‬اإلميان هبا مع عدم التعامل معها بالطرق الباطلة‪ ،‬فهم ال يفرقون بني ما‬ ‫جاء يف القرآن‪ ،‬وما جاء يف السنة‪.‬‬


‫‪55‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[موقف أهل السنة واجلماعة يف عامة أبواب الدين]‬

‫ه‬ ‫ط فهي فه َر هق األ َُّم هة‪َ ،‬ك َما أ َّ‬ ‫ط فهي األ َُم هم(‪.)1‬‬ ‫الو َس ُ‬ ‫الو َس ُ‬ ‫َن األ َُّمةَ ه َي َ‬ ‫بَل ُهم َ‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر املؤلف موقف أهل السنة واجلماعة يف باب الصفات ـ سواء الواردة يف‬ ‫اآليات أو األحاديث ـ ناسب أن يذكر موقفهم يف عامة أبواب الدين‪.‬‬

‫قوله‪( :‬بل هم الوسط في فرق األمة) أي هم الوسط بالنسبة للفرق األخرى‬ ‫يف هذه األمة‪.‬‬

‫(كما أن األمة هي الوسط في األمم) أي كما أن هذه األمة هي الوسط‬

‫بالنسبة لألمم األخرى‪.‬‬ ‫مراده‪ :‬أن هذه األمة أفضل من بقية األمم بالوسطية‪ ،‬لكن فضيلة الوسطية ال‬ ‫تناهلا مجيع فرق هذه األمة‪ ،‬بل تناهلا فرقة واحدة فقط؛ اليت هي فرقة أهل‬ ‫السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬ما معىن الوسط والوسطية؟‬ ‫اجلواب‪ :‬معناها االعتدال‪ ،‬وضابط هذا االعتدال‪ :‬تطبيق الدين كما هو من‬ ‫غري إفراط وال تفريط‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ملاذا هذه الفرقة هي اليت تنال فضيلة الوسطية دون بقية الفرق؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬ألهنا هي الفرقة املعتدلة اليت طبقت الدين كما هو‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪56‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ات ه‬ ‫ص َف ه‬ ‫اب ه‬ ‫ط فهي بَ ه‬ ‫َّع هط ه‬ ‫ْج ْه هميَّ هة‬ ‫فَ ُه ْم َو َس ٌ‬ ‫الل ُس ْب َحانَهُ َوتَ َعالَى بَ ْي َن أ َْه هل الت ْ‬ ‫يل ال َ‬ ‫شبِّ ه‬ ‫ال ه‬ ‫اب أَفْ َع ه‬ ‫ط فهي بَ ه‬ ‫َوأ َْه هل الت َّْمثه ه‬ ‫الل بَ ْين الْ َج ْب هريَّهة َوال َق َد هريَّهة‪،‬‬ ‫هة‪َ ،‬و ُه ْم َو َس ٌ‬ ‫يل ال ُْم َ‬ ‫الل بين المرهج هئة والو هع ه‬ ‫اب و هع ه‬ ‫ه‬ ‫يد ه‬ ‫يديَّهة همن ال َق َد هريَّهة َوغَْي هرهه ْم‪َ ،‬وفهي بَ ه‬ ‫اب‬ ‫َوفي بَ ه َ‬ ‫َ َ ُْ َ َ‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫َص َح ه‬ ‫اب‬ ‫ْج ْه هميَّ هة‪َ ،‬وفهي أ ْ‬ ‫الم ْعت هزلَة َوبَ ْي َن ال ُم ْرجئَة َوال َ‬ ‫يمان َوالدِّي هن بَ ْي َن ال َ‬ ‫ْح ُروهريَّة َو ُ‬ ‫ا هإل َ‬ ‫ول ه‬ ‫ر ُس ه‬ ‫الروافه ه‬ ‫هج(‪.)1‬‬ ‫الخ َوار ه‬ ‫الل ‪ ‬بَ ْي َن َّ‬ ‫ض َو َ‬ ‫َ‬ ‫(‪)6‬‬

‫لَ َّما ذكر املؤلف أن أهل السنة واجلماعة هم الوسط يف عامة أبواب الدين‪،‬‬ ‫مثل بعد ذلك ِبمسة أبواب من أبواب الدين تدل على وسطيتهم فيها‪،‬‬ ‫واحنراف الفرق األخرى عن هذه الوسطية‪.‬‬ ‫وإمنا مثل هبذه األبواب؛ ألن منها ما قد فصل فيها‪ ،‬ومنها ما سيفصل فيها‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فهم وسط في باب صفات الل سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل‬ ‫الجهمية وأهل التمثيل المشبهة)‬ ‫هذا الباب األول‪ :‬باب الصفات‪.‬‬ ‫وموضوع هذا الباب‪ :‬هل الصفات الواردة يف القرآن والسنة تمثبت هلل أو تنفى عنه؟‬ ‫وِ‬ ‫الفَر مق املنحرفة يف هذا الباب قسمان‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬أهل التعطيل‪.‬‬ ‫وهم الذين نفوا الصفات عن اهلل‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪ :‬أهل التمثيل‪.‬‬ ‫وهم الذين أثبتوا الصفات هلل‪ ،‬لكن شبهوها بصفات املخلوقني‪.‬‬ ‫وقد تقدم ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وخالصته‪ :‬إثبات الصفات مع‬ ‫نفي املماثلة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪57‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫فائدة‪ :‬نص املؤلف على "التعطيل" دون "التحريف"؛ إشارة إىل أن لفظ "التعطيل"‬ ‫إذا ذمكِر غري مقرتن بلفظ "التحريف" فإنه يشمل "التعطيل" و"التحريف"‪،‬‬ ‫وعلى هذا فالتعطيل هنا معناه‪ :‬النفي؛ بإبدال معىن‪ ،‬أو من غري إبدال‪.‬‬ ‫ونص على فرقة "اجلهمية" ألهنا هي أول من اشتهر عنها القول بالنفي‪.‬‬ ‫ومل يذكر "أهل التكييف" وقد يكون ذلك ألجل قلتهم‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وهم وسط في باب أفعال اللّه بين الجبرية والقدرية)‬ ‫هذا الباب الثاين‪ :‬باب أفعال اهلل‪.‬‬ ‫وموضوع هذا الباب‪ :‬هل أفعال العباد تنسب إليهم‪ ،‬أو تنسب إىل اهلل؟‬ ‫والفرق املنحرفة يف هذا الباب قسمان‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬اجلربية‪.‬‬ ‫وهم الذين نسبوا أفعال العباد إىل اهلل‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن اهلل خلق أفعال العباد‪ ،‬وهو‬ ‫الفاعل ألفعاهلم حقيقة‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪ :‬القدرية‪.‬‬ ‫وهم الذين نسبوا أفعال العباد إليهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن العباد خلقوا أفعاهلم‪ ،‬وهم‬ ‫الفاعلون ألفعاهلم حقيقة‪.‬‬ ‫وسيأيت ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(وفي باب وعيد اللّه بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم)‬ ‫هذا الباب الثالث؛ باب وعيد اهلل‪.‬‬ ‫واملراد بالوعيد‪ :‬ما توعد اهلل به الفاسق‪.‬‬ ‫والفاسق هو‪ :‬املسلم الذي يرتكب الكبرية غري املكفرة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪58‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وموضوع هذا الباب‪ :‬ما حكم الفاسق يف اآلخرة؟‬ ‫وهذا يتضمن مسألتني‪:‬‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬هل الفاسق يستحق الدخول يف النار؟‬ ‫املسألة الثانية‪ :‬إذا دخل النار هل خيلد فيها؟‬ ‫والفرق املنحرفة يف هذا الباب قسمان‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬املرجئة‪.‬‬ ‫واملراد هبم الغالة الذين هم اجلهمية‪.‬‬ ‫وهم الذين قالوا‪ :‬إن الفاسق إذا مات ولو من غري توبة فإنه ال يستحق دخول‬ ‫النار مطلقا‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪ :‬الوعيدية‪.‬‬ ‫وهم الذين قالوا‪ :‬إن الفاسق إذا مات من غري توبة فإنه يدخل النار خملدا فيها‪.‬‬ ‫وسيأيت ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(وفي باب اإليمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية)‬ ‫هذا الباب الرابع باب اإلميان والدين‪.‬‬ ‫وموضوع هذا الباب‪ :‬ما حكم الفاسق يف الدنيا؟‬ ‫وهذا يتضمن مسألتني‪:‬‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬هل يقال إن الفاسق مسلم أو يقال إنه كافر؟‬ ‫املسألة الثانية‪ :‬هل يقال إنه مؤمن أو يقال إنه ليس مبؤمن؟‬ ‫والفرق املنحرفة يف هذا الباب قسمان‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬احلرورية واملعتزلة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪59‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وهم الذين قالوا‪ :‬إن الفاسق ليس مبسلم وال مؤمن‪.‬‬ ‫ولكن اختلفوا هل هو كافر أو ال؟‬ ‫فقالت احلرورية‪ :‬كافر‪.‬‬ ‫وقالت املعتزلة‪ :‬ليس بكافر‪ ،‬بل هو يف َممن ِزلة بني الم َممن ِزلتني‪ ،‬بني الكفر واإلسالم‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬احلرورية هم اخلوارج‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪ :‬املرجئة واجلهمية‪.‬‬ ‫وهم الذين قالوا‪ :‬إنه ليس بكافر‪ ،‬بل هو مسلم ومؤمن كامل اإلميان‪.‬‬ ‫وسيأيت ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(وفي أصحاب رسول اللّه ‪ ‬بين الروافض والخوارج)‬

‫هذا الباب اخلامس باب أصحاب رسول اهلل ‪.‬‬ ‫وموضوع هذا الباب‪ :‬ما هو املوقف من أصحاب رسول اهلل ‪ ‬من حيث‬ ‫احملبة والبغض وغري ذلك؟‬ ‫والفرق املنحرفة يف مسألة احملبة والبغض قسمان‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬الروافض‪.‬‬ ‫وهم الذين غلوا يف حمبة علي ‪ ‬وآل البيت‪ ،‬وأبغضوا أكثر من سواهم من‬ ‫الصحابة ‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪ :‬اخلوارج‪.‬‬ ‫وهم الذين أبغضوا أكثر الصحابة‪ ،‬ومنهم علي ‪.‬‬ ‫وسيأيت ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪61‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[الكالم عن صفتي العلو واملعية]‬

‫صل‪ :‬وقَ ْد َد َخل فهيما ذَ​َكرنَاهُ همن اإليم ه‬ ‫ان به ه‬ ‫الل‪:‬‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫فَ ْ ٌ َ‬ ‫هه‬ ‫هه ه ه هه‬ ‫ف‬ ‫َجم َع َعلَ هيه َسلَ ُ‬ ‫اإليما ُن بما أَ ْخبَ َر اللُ به في كتَابه َوتَ َواتَ َر َع ْن َر ُسوله َوأ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫األَُّم هة؛ همن أَنَّهُ سبحانَهُ فَ و َق سماو ه‬ ‫اته َعلَى َع ْر هش هه‪َ ،‬عل ٌّي َعلَى َخل هْق هه‪َ ،‬و ُه َو ُس ْب َحانَهُ‬ ‫ْ ُْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ك فهي قَ ْوله‪ :‬ﮋ ﭑ‬ ‫لم َما ُه ْم َع هاملُو َن‪َ ،‬ك َما َج َم َع بَ ْي َن ذَله َ‬ ‫َم َع ُه ْم أَيْ نَ َما َكانُوا يَ ْع ُ‬

‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬

‫الخل هْق؛ فَهإ َّن‬ ‫س َم ْعنَى قَ ْوله هه‪ :‬ﮋ ﭮ ﭯﮊ أَنَّهُ م ْختَله ٌ‬ ‫ط به َ‬ ‫ﭸ ﮊ [الحديد]‪َ ،‬ولَْي َ‬ ‫َه َذا الَ تُ ه‬ ‫ف َما فَطَر‬ ‫ف األ َُّم هة‪َ ،‬و هخالَ ُ‬ ‫وجبُهُ اللُّغَةُ‪َ ،‬و ُه َو هخالَ ُ‬ ‫َج َم َع َعلَْي هه َسلَ ُ‬ ‫ف َما أ ْ‬ ‫ات ه ه‬ ‫ه‬ ‫ْق‪ ،‬بل الْ َقمر آيةٌ همن آي ه‬ ‫َصغَ هر َم ْخلُوقَاتههه‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫الل م ْن أ ْ‬ ‫َُ َ ْ َ‬ ‫اللُ َعلَْيه الْخل َ َ‬ ‫السم هاء‪ ،‬و ُهو مع الْم ه‬ ‫مو ُ ه‬ ‫سافه هر أَيْ نَ َما َكا َن‪.‬‬ ‫َْ‬ ‫ساف هر َوغَْي هر ال ُْم َ‬ ‫ضوعٌ في َّ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫من َعلَْي ه ْم‪ُ ،‬مطَّله ٌع إلَْي ه ْم‪،‬‬ ‫يب َعلَى َخلْقه‪ُ ،‬م َه ْي ٌ‬ ‫َو ُه َو ُس ْب َحانَهُ فَ ْو َق َع ْرشه‪َ ،‬رق ٌ‬ ‫ك هم ْن َم َعانهي ُربُوبهيَّته هه‪.‬‬ ‫إهلَى غَْي هر ذَله َ‬ ‫َوُك ُّل َه َذا الْ َكالَهم الَّ هذي ذَ َك َرهُ اللُ هم ْن أَنَّهُ فَ ْو َق ال َْع ْر ه‬ ‫ش َوأَنَّهُ َم َعنَا َح ٌّق َعلَى‬ ‫ح هقي َقته هه الَ ي ْحتَاج إهلَى تَ ْح هر ٍ‬ ‫يف‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪61‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ون ال َك ه‬ ‫ولَ هكن يصا ُن َع هن الظُّنُ ه‬ ‫اذبَهة‪.‬‬ ‫َ َُْ‬ ‫َن ظَ ه‬ ‫اه َر قَ ْوله هه‪ :‬ﮋ ﮠ ﮡﮊ أ َّ‬ ‫همثْ َل أَ ْن يُظَ َّن أ َّ‬ ‫اء تُ هظلُّهُ أ َْو تُهقلُّهُ‪َ ،‬و َه َذا‬ ‫َن َّ‬ ‫الس َم َ‬ ‫ه‬ ‫اطل بههإجم هاع أ َْه هل ه‬ ‫العل هْم وا هإليم ه‬ ‫ان؛ فَهإ َّن اللَ قَ ْد ﮋﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ‬ ‫َ َ‬ ‫بَ ٌ ْ َ‬

‫[البقرة‪َ ،]255:‬و ُه َو ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ [فاطر‪ ،]41:‬ﮋﭟ‬

‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﮊ [الحج‪ ،]65:‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫ﭖ ﭗﮊ [الروم‪.)1(]25:‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫تقدم التنبيه على أن املؤلف أخر ذكر بعض اآليات لكوهنا تتضمن صفات‬ ‫سيوجه إليها مزيد اعتناء‪ ،‬وكذلك أخر ذكر بعض األحاديث لكوهنا تتضمن‬ ‫نفس هذه الصفات‪.‬‬ ‫وتقدم التنبيه أيضا على أن كيفية االعتناء هبذه الصفات؛ هو‪ :‬بتخصيص‬ ‫فصول لشرحها‪.‬‬ ‫وهذه الفصول اليت خصصها املؤلف لشرح بعض الصفات كالتايل‪:‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬خصصه للكالم عن صفيت العلو واملعية‪.‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬خصصه للكالم عن صفيت القرب واإلجابة‪.‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬خصصه للكالم عن القرآن‪.‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬خصصه للكالم عن رؤية املؤمنني لرهبم يوم القيامة‪.‬‬ ‫وبدأ بالفصل األول الذي خصصه للكالم عن صفيت العلو واملعية‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وقد دخل فيما ذكرناه من اإليمان باللّه) الذي ذكره املؤلف من اإلميان‬ ‫باهلل هو‪ :‬اإلميان بالصفات‪ ،‬ومراده‪ :‬أن الشيء الذي سيذكره اآلن يدخل يف‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪62‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫اإلميان بالصفات‪.‬‬ ‫(اإليمان بما أخبر اللّه به في كتابه‪ ،‬وتواتر عن رسوله ‪ ،‬وأجمع عليه‬ ‫سلف األمة) أي الشيء الذي سيذكره‪ ،‬دل على اإلميان به أنواع األدلة‬ ‫الثالثة؛ الكتاب والسنة واإلمجاع‪.‬‬ ‫(من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه علي على خلقه وهو سبحانه‬ ‫معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون) أي الشيء الذي سيذكره‪ ،‬وهو يدخل‬

‫يف اإلميان بالصفات‪ ،‬ودل على اإلميان به أنواع األدلة الثالثة؛ مها‪ :‬صفتا العلو‬ ‫واملعية‪.‬‬ ‫(كما جمع بين ذلك في قوله ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬

‫ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﮊ) أي أن اهلل تعاىل مجع لنفسه‬ ‫يف هذه اآلية بني صفيت العلو واملعية‪ ،‬فقوله‪ :‬ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﮊ دال على‬ ‫العلو‪ ،‬وقوله‪ :‬ﮋ ﭮ ﭯﮊ دال على املعية‪.‬‬ ‫(وليس معنى قوله‪ :‬ﮋ ﭮ ﭯ ﮊ أنه مختلط بالخلق) أي هذه الكلمة‬ ‫اليت يف اآلية ال تدل على االختالط‪.‬‬ ‫(فإن هذا ال توجبه اللغة‪ ،‬وهو خالف ما أجمع عليه سلف األمة‪ ،‬وخالف‬ ‫ما فطر الل عليه الخلق) الفاء يف قوله‪( :‬فإن هذا) فاء السببية‪ ،‬أي والسبب‬ ‫يف أن هذه الكلمة ال تدل على االختالط هو هذه األوجه الثالثة‪:‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪63‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫الوجه األول‪ :‬أن هذا املعىن ال توجبه اللغة‪ ،‬يعين أن كلمة "مع" يف اللغة‬ ‫ليست واجبا أن تكون مبعىن االختالط‪ ،‬ويمفهم من كالم املؤلف أن هذه‬ ‫الكلمة جيوز أن تكون مبعىن االختالط‪ ،‬والفرق بني الوجوب واجلواز‪ :‬أهنا لو‬ ‫كانت واجبا فنجزم يف أي موضع أهنا مبعىن االختالط‪ ،‬ولو كانت جائزا فال‬ ‫جنزم أهنا مبعىن االختالط‪ ،‬بل يمنظر يف موضعها من الكالم‪ ،‬هل هي مبعىن‬ ‫االختالط أو ال؟‪.‬‬ ‫الوجه الثاين‪ :‬أنه خالف ما أمجع عليه سلف األمة‪ ،‬أي أن السلف أمجعوا‬ ‫على عدم خمالطة اهلل تعاىل خللقه‪ ،‬ويستفاد من هذا اإلمجاع‪ :‬اجلزم بأن كلمة‬ ‫"مع" يف هذه اآلية ليست مبعىن االختالط‪.‬‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أنه خالف ما فطر اهلل عليه اخللق‪ ،‬يعين أن الناس مخلِ مقوا‪ ،‬وهم‬ ‫مقرون يف أنفسهم أن اهلل عال غري خمالط للخلق‪ ،‬ويستفاد من هذا الوجه‬ ‫أيضا نفس ما يستفاد من الوجه الذي قبله‪.‬‬ ‫(بل القمر آية من آيات اللّه‪ ،‬من أصغر مخلوقاته‪ ،‬وهو موضوع في‬ ‫السماء‪ ،‬وهو مع المسافر‪ ،‬وغير المسافر‪ ،‬أينما كان) أي أن القمر عال‪،‬‬ ‫ومع ذلك هو مع الناس‪ ،‬فاجتمعت فيه صفتا العلو واملعية‪.‬‬ ‫مراده‪ :‬أن يضرب مثال يدل على أن كلمة "مع" ال توجب االختالط‪.‬‬ ‫(وهو سبحانه فوق عرشه‪ ،‬رقيب على خلقه‪ ،‬مهيمن عليهم‪ ،‬مطلع إليهم‪،‬‬ ‫إلى غير ذلك من معاني ربوبيته) أي يلزم من كونه الرب أن يكون عاليا على‬ ‫خلقه‪ ،‬ال يعلوه شيء من خملوقاته‪ ،‬وأن يكون معهم‪ ،‬ال خيفى عليه شيء من‬ ‫أعماهلم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪64‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫مراده‪ :‬أنه إذا كانت صفتا العلو واملعية قد جتتمعان يف خملوق صغري كالقمر‪،‬‬ ‫فمن باب أوىل أن جتتمعا يف اخلالق؛ ألن اجتماعهما فيه من لوازم ربوبيته‪.‬‬

‫(وكل هذا الكالم الذي ذكره الل من أنه فوق العرش‪ ،‬وأنه معنا؛ حق‬

‫على حقيقته) أي هو فوق العرش حقيقة‪ ،‬وهو معنا حقيقة‪.‬‬ ‫(ال يحتاج إلى تحريف) أي الكالم بأنه فوق العرش‪ ،‬وأنه معنا ال حيتاج إىل‬ ‫حتريف‪.‬‬ ‫فأما التحريف فهو أن يقال‪ :‬إنه فوق العرش‪ ،‬ولكن ليس فوق العرش حقيقة‪،‬‬ ‫ويقال‪ :‬إنه معنا‪ ،‬ولكن ليس معنا حقيقة‪.‬‬ ‫فسر الفوقية واملعية مبعىن آخر غري املعىن املراد‪.‬‬ ‫مث تم َّ‬ ‫احملرفني من التحريف‪ :‬تَـمنزيه اهلل تعاىل عن النقص‪ ،‬فينفون الصفة اليت‬ ‫ص مد ِّ‬ ‫وقَ م‬ ‫يظنون أن إثباهتا يوجب نقصا‪ ،‬ويفسروهنا بصفة أخرى يظنون أن إثباهتا ال‬ ‫يوجب نقصا‪.‬‬ ‫وأما السبب يف عدم احتياج هذا الكالم إىل التحريف فهو‪ :‬أن إثبات الفوقية‬ ‫كمال وليس بنقص‪ ،‬وأن إثبات املعية ليس معناه إثبات االختالط‪ ،‬بل معناه‬ ‫إثبات اإلحاطة بالعلم‪ ،‬وهذا أيضا كمال ليس بنقص‪ ،‬فال حاجة للتحريف‪.‬‬ ‫(ولكن يصان عن الظنون الكاذبة) أي هذا الكالم بأن اهلل فوق العرش‬

‫حقيقة‪ ،‬وأنه معنا حقيقة؛ جيب أن محيمى من األوهام املخالفة للواقع‪.‬‬

‫(مثل أن يظن أن ظاهر قوله‪ :‬ﮋﮠ ﮡﮊ أن السماء تظله أو تقله)‬ ‫هذا ضرب مثل لظن من الظنون الكاذبة اليت قد ترد يف ذهن اإلنسان‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪65‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ومعىن تظله‪ :‬أي تعلوه‪ ،‬ومعىن تقله‪ :‬أي حتمله‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما هو الشيء الفاسد الذي يقتضيه هذا الظن؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬أما الظن بأن السماء تعلوه فإنه يقتضي وجود شيء من خملوقاته‬ ‫أعلى منه‪ ،‬وأما الظن بأن السماء حتمله فإنه يقتضي أن اهلل حمتاج إىل السماء‬ ‫حبيث لو مل حتمله لسقط؛ تعاىل اهلل عن ذلك‪.‬‬ ‫(وهذا باطل بإجماع أهل العلم واإليمان) أي هذا الظن باطل باإلمجاع‪.‬‬

‫(فَهإ َّن اللَ قَ ْد ﮋﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ َو ُه َو ﮋ ﮓ ﮔ‬

‫ﮕ ﮖ ﮗﮊ ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﮊ ﮋ ﭑ‬

‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ) الفاء يف قوله‪( :‬فإن الل) فاء السببية؛‬ ‫أي والسبب يف اإلمجاع على بطالن هذا الظن هو وجود األدلة املخالفة له‪.‬‬ ‫أما اآلية األوىل فهي دليل على امتناع أن السماء تعلوه‪ ،‬ووجه الداللة‪ :‬أن‬ ‫كرسيه وسع السماوات واألرض‪ ،‬وهذا يدل على أن الكرسي أكرب من‬ ‫السماوات واألرض‪ ،‬وأعلى منهما‪ ،‬فإذا كان الكرسي أعلى من السماوات‪،‬‬ ‫وهو سبحانه أعلى من الكرسي‪ ،‬فكيف تكون السماء أعلى منه؟!‬ ‫وأما بقية اآليات فهي دليل على امتناع احتياجه للسماء أن حتمله‪ ،‬ووجه‬ ‫الداللة‪ :‬أن السماوات واألرض حمتاجة إليه لبقائها‪ ،‬فكيف يكون هو حمتاجا‬ ‫إىل شيء منها؟!‬


‫‪66‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[الكالم عن صفتي القرب واإلجابة]‬

‫ك‪:‬‬ ‫ص ٌل‪ :‬وقَ ْد َد َخ َل فهي ذَله َ‬ ‫فَ ْ‬ ‫ا هإليما ُن بهأَنَّه قَ هر ه‬ ‫هه ه‬ ‫ك فهي قَ ْوله هه‪:‬‬ ‫يب؛ َك َما َج َم َع بَ ْي َن ذَله َ‬ ‫ُ‬ ‫يب م ْن َخلْقه ُمج ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﮊ اآلية [البقرة‪َ ،]186:‬وقَ ْولُهُ ‪" ‬إه َّن‬ ‫الَّ هذي تَ ْدعونَه أَقْرب إهلَى أَح هد ُكم همن عن هق ر ه‬ ‫احلَته هه" [البخاري‪ ،2992 :‬ومسلم‪:‬‬ ‫ُ ُ َُ‬ ‫َ ْ ْ ُ​ُ َ‬ ‫‪.]2714‬‬ ‫السن هَّة همن قُربه هه وم هعيَّته هه الَ ي نَافهي ما ذُكهر همن عُلُِّوهه‬ ‫وما ذُكهر فهي ه‬ ‫الكتَ ه‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫اب َو ُّ ْ ْ َ َ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫َوفَ ْوقهيَّتهه؛ فَهإنَّهُ ُس ْب َحانَهُ ﮋ ﭡ ﭢﭣﮊ فهي َج همي هع نُعوتههه‪َ ،‬و ُه َو َعله ٌّي فهي‬ ‫ه‬ ‫يب فهي عُلُِّوهه(‪.)1‬‬ ‫ُدنُ ِّوه قَ هر ٌ‬ ‫(‪ )6‬هذا الفصل الثاين الذي خصصه املؤلف للكالم عن صفيت القرب واإلجابة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وقد دخل في ذلك) أي يف اإلميان بالصفات‪.‬‬

‫(اإليمان بأنه قريب من خلقه مجيب) مراد املؤلف‪ :‬أن اإلميان بقربه وإجابته‬ ‫داخل يف اإلميان بصفاته‪.‬‬ ‫(كما جمع بين ذلك في قوله ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﮊ‬

‫اآلية وقوله ‪" :‬إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته") أي‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪67‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫أن اهلل تعاىل مجع لنفسه يف هذه اآلية بني صفيت القرب واإلجابة‪ ،‬وكذلك‬ ‫النيب ‪ ‬وصف اهلل تعاىل يف هذا احلديث هباتني الصفتني‪.‬‬ ‫فقوله يف اآلية‪ :‬ﮋ ﯭ ﯮﮊ دال على القرب‪ ،‬وقوله‪ :‬ﮋ ﯰ ﯱ‬

‫ﯲﮊ دال على اإلجابة‪.‬‬ ‫وقوله يف احلديث‪" :‬أقرب" دال على القرب باملنطوق‪ ،‬وعلى اإلجابة باملفهوم؛‬ ‫ألن اإلخبار بأنه قريب من الداعي يفهم منه أنه جييبه‪.‬‬ ‫(وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته‪ ،‬ال ينافي ما ذكر من علوه‬ ‫وفوقيته) ال ينايف‪ :‬أي ال يعارض‪ ،‬يعين كونه تعاىل قريبا‪ ،‬ال يعارض كونه‬ ‫عاليا‪ ،‬وفوق العرش‪.‬‬ ‫(فإنه سبحانه ﮋ ﭡ ﭢﭣﮊ في جميع نعوته) الفاء يف قوله‪( :‬فإنه‬

‫سبحانه) فاء السببية؛ أي والسبب يف عدم هذا التنايف هو‪ :‬أنه سبحانه ليس‬

‫كمثله شيء يف مجيع صفاته‪.‬‬ ‫ض تنايف اجتماع هاتني الصفتني يف املخلوق‪ ،‬فال يلزم من‬ ‫يشري إىل أنه لو افمـ مِرت َ‬ ‫ذلك تنايف اجتماعهما يف اخلالق؛ ألنه ليس مثل املخلوق‪.‬‬

‫(وهو علي في دنوه‪ ،‬قريب في علوه) أي نتيجة لعدم وجود التنايف؛ فهو‪:‬‬ ‫عال مع كونه قريبا‪ ،‬وقريب مع كونه عاليا‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪68‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[الكالم عن القرآن]‬

‫وهمن ا هإليم ه‬ ‫ان به ه‬ ‫الل َوُكتُبه هه‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ ه‬ ‫َن ال ُقرآ َن َكالَم ه‬ ‫ود‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫َن‬ ‫الل ُمنَ َّز ٌل غَْي ُر‬ ‫مخلوق‪ ،‬م ْنهُ بَ َدأَ َوإهلَْي هه يَعُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫يما ُن بهأ َّ ْ‬ ‫ا هإل َ‬ ‫َن َه َذا ال ُقرآ َن الَّ هذي أَنْ زلَهُ َعلَى مح َّم ٍد ‪ُ ‬هو َكالَم ه‬ ‫اللَ تَ َكلَّ َم به هه َح هقي َقةا‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫وز إهطْالَ ُق ال َقوهل بهأَنَّهُ هح َكايةٌ َعن َكالَهم ه‬ ‫الل أ َْو‬ ‫َح هقي َقةا الَ َكالَ ُم غَْي هرهه‪َ ،‬والَ يَ ُج ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫هعبارةٌ‪ ،‬بل إه َذا قَ رأَه النَّاس أَو َكتبوه فهي المص ه‬ ‫اح ه‬ ‫ك َع ْن أَ ْن‬ ‫رج به َذله َ‬ ‫َ ُ ُ ْ َُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ف لم يَ ْخ ْ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ي ُكو َن َكالَم ه‬ ‫ض ُ‬ ‫الل تَ َعالَى َح هقي َقةا؛ فههإ َّن ال َكالَ َم إهنَّ َما يُ َ‬ ‫اف َح هقي َقةا إهلَى َم ْن قَالَهُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُم ْبتَ هدئا الَ إهلَى َم ْن قَالَهُ ُمبَ لِّغا ُم َؤدِّياا‪.‬‬ ‫هه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الح ُر َ‬ ‫الم َعانهي‪َ ،‬والَ‬ ‫س َكالَ ُم الل ُ‬ ‫وف ُدو َن َ‬ ‫َو ُه َو َكالَ ُم الل ُح ُروفُهُ َوَم َعانيه‪ ،‬لَْي َ‬ ‫الْمعانهي ُدو َن الْحر ه‬ ‫وف(‪.)1‬‬ ‫َ​َ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫(‪ )6‬هذا الفصل الثالث الذي خصصه املؤلف للكالم عن القرآن‪.‬‬ ‫إال أنه مل يذكر كلمة "فصل"‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ومن اإليمان باللّه وكتبه) مراده‪ :‬أن اإلميان بالقرآن داخل يف اإلميان‬ ‫باهلل وكتبه‪ ،‬وجه ذلك‪ :‬أن القرآن كالم اهلل‪ ،‬فهو داخل يف اإلميان باهلل‪ ،‬وأنه‬ ‫كتاب من كتبه‪ ،‬فهو داخل يف اإلميان بكتبه‪.‬‬ ‫(اإليمان بأن القرآن كالم اللّه ُمنَ َّز ٌل غير مخلوق‪ ،‬منه بدأ‪ ،‬وإليه يعود) أي‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪69‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫أن اإلميان بالقرآن يتضمن مخسة أشياء‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اإلميان بأنه كالم اهلل‪ ،‬يعين هو الذي تكلم به‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬اإلميان بأنه ممنَـَّزٌل‪ ،‬يعين من عنده‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬اإلميان بأنه غري خملوق‪ ،‬يعين لكونه كالمه‪.‬‬ ‫فالكالم صفة‪ ،‬والصفة تتبع املوصوف‪ ،‬فكما أن اهلل تعاىل غري خملوق‪،‬‬ ‫فكذلك صفته‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬اإلميان بأنه منه بدأ‪ ،‬يعين هو الذي تكلم به ابتداء‪.‬‬ ‫اخلامس‪ :‬اإلميان بأنه إليه يعود‪ ،‬يعين يرجع‪.‬‬ ‫وذلك بأن يرفع يف آخر الزمان‪ ،‬فال يبقى منه شيء يف الصدور‪ ،‬وال يف‬ ‫الصحف‪.‬‬ ‫(وأن اللّه تكلم به حقيقة‪ ،‬وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد ‪ ‬هو‬

‫كالم اللّه حقيقة‪ ،‬ال كالم غيره‪ ،‬وال يجوز إطالق القول بأنه حكاية عن‬ ‫كالم اللّه‪ ،‬أو عبارة) هذا الذي قاله املؤلف مفهوم مما قاله قبل ذلك‪ ،‬لكن‬

‫نص عليه قصدا ملخالفة من قال بالقول املضاد له‪.‬‬ ‫فأما القول املضاد فهو‪ :‬إن القرآن ليس كالم اهلل حقيقة‪ ،‬بل كالم غريه‪ .‬أي‬ ‫أن اهلل تعاىل مل يتكلم بالقرآن‪ ،‬بل خلق القرآن‪ ،‬وغريه تكلم به‪ ،‬وما جاء من‬ ‫األدلة يف أن اهلل تعاىل تكلم بالقرآن فعلى سبيل اجملاز‪.‬‬ ‫وأما القائلون هبذا القول فهم ثالث فرق‪:‬‬ ‫الفرقة األوىل‪ :‬الذين قالوا‪ " :‬إن القرآن خملوق"‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪71‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫الفرقة الثانية‪ :‬الذين قالوا‪" :‬إن القرآن حكاية عن كالم اهلل"‪.‬‬ ‫الفرقة الثالثة‪ :‬الذين قالوا‪" :‬إن القرآن عبارة عن كالم اهلل"‪.‬‬ ‫ومراد هاتني الفرقتني الثانية والثالثة‪ :‬أن اهلل تعاىل يف نفسه كالم‪ ،‬مل يتكلم به‪ ،‬وغريه‬ ‫تكلم به‪ ،‬حيكي بذلك كالم اهلل‪ ،‬أو يعرب بذلك عما يف نفس اهلل من الكالم‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن الفرق الثالثة متفقون على أن القرآن خملوق‪ ،‬واالختالف بينهم‬ ‫لفظي‪ ،‬فالفرقة األوىل يقولون‪ :‬القرآن خملوق‪ ،‬والفرقتان الثانية والثالثة يقولون‪:‬‬ ‫القرآن غري خملوق ويقصدون املعىن‪ ،‬وأما من حيث اللفظ فهو عندهم خملوق‪،‬‬ ‫وهذا هو نفسه مراد الفرقة األوىل‪.‬‬ ‫(بل إذا قرأه الناس‪ ،‬أو كتبوه في المصاحف؛ لم يَخرج بذلك عن أن‬ ‫يكون كالم الل تعالى حقيقة؛ فإن الكالم إنما يضاف حقيقة إلى من قاله‬

‫مبتدئ ا‪ ،‬ال إلى من قاله مبلغ ا مؤدي ا) قصد املؤلف هبذا القول الرد على أولئك‬ ‫الفرق القائلني‪" :‬إن القرآن كالم اهلل‪ ،‬لكن ليس كالمه حقيقة" َّ‬ ‫ويدعون أن‬ ‫وحيتجون بقوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ‬ ‫الذي تكلم به جربيل‪َ ،‬‬

‫[التكوير]‪ ،‬ووجه الرد عليهم‪ :‬أن الناس إذا قرؤوا القرآن مل خيرج بذلك عن أن‬ ‫يكون كالم اهلل حقيقة‪ ،‬وكذلك لو كتبوه يف املصاحف مل خيرج بذلك عن أن‬ ‫يكون كالم اهلل حقيقة‪ ،‬والفاء يف قوله‪( :‬فإن الكالم) فاء السببية؛ أي وسبب‬

‫عدم خروجه بذلك عن أن يكون كالم اهلل حقيقة هو‪ :‬أن الكالم يف احلقيقة‬ ‫كالم املب ِ‬ ‫تدئ به‪ ،‬فإذا تكلم به غريه فإمنا هو مبل ٌغ ٍ‬ ‫مؤد فقط‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫فإضافة القول بالقرآن إىل جربيل ليس ألنه تكلم به ابتداء؛ ألن الذي تكلم به‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪71‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ابتداء هو اهلل تعاىل‪ ،‬وإمنا أضيف إىل جربيل ألنه أداه وبلغه بعد ما ْسعه من‬ ‫اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وهو كالم الل؛ حروفه ومعانيه) أي أن اإلميان بأن القرآن كالم اهلل‬ ‫يشمل احلروف واملعاين‪ ،‬يعين احلروف من كالم اهلل‪ ،‬واملعاين من كالم اهلل‪.‬‬ ‫واملراد باحلروف‪ :‬ألفاظ القرآن‪ ،‬واملعاين‪ :‬ما دلت عليه هذه األلفاظ‪.‬‬ ‫(ليس كالم اللّه الحروف‪ ،‬دون المعاني‪ ،‬وال المعاني‪ ،‬دون الحروف) هذا‬ ‫الذي قاله مفهوم مما قاله قبل ذلك‪ ،‬لكن نص عليه قصدا لِمخالفة من قال‬ ‫بغري هذا القول‪ ،‬أعين خمالفة فرقتني‪:‬‬ ‫الفرقة األوىل‪ :‬الذين قالوا‪" :‬إن القرآن كالم اهلل احلروف‪ ،‬دون املعاين"‪.‬‬ ‫وقول هذه الفرقة متفرع عن القول بأن تعريف الكالم ـ سواء كالم اهلل أو كالم‬ ‫غريه ـ هو‪ :‬اللفظ دون املعىن‪.‬‬ ‫الفرقة الثانية‪ :‬الذين قالوا‪" :‬إن القرآن كالم اهلل املعاين دون احلروف"‪.‬‬ ‫وقول هذه الفرقة متفرع عن القول بـ "أن القرآن كالم اهلل‪ ،‬لكن ليس كالمه‬ ‫حقيقة"‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬مل يَـ مرُّد املؤلف على هاتني الفرقتني‪:‬‬ ‫أما الفرقة األوىل‪ :‬فلم يرد عليها التضاح خطئها‪ ،‬ألن الكالم عند العرب‬ ‫والعجم يتضمن اللفظ واملعىن‪.‬‬ ‫وأما الفرقة الثانية‪ :‬فلم يرد عليها ألن قوهلا متفرع عن أصل باطل‪ ،‬وهو أن اهلل‬ ‫تعاىل مل يتكلم بالقرآن‪ ،‬وقد سبق الرد على هذا األصل‪ ،‬وإذا بطل األصل‬ ‫بطل الفرع‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪72‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[الكالم عن رؤية املؤمنني لربهم يوم القيامة]‬

‫ضا فهيما ذَ​َكرنَاهُ همن ا هإليم ه‬ ‫ان به هه َوبه ُكتُبه هه َوبه َمالئه َكته هه َوبه ُر ُسله هه‪:‬‬ ‫وقَ ْد َد َخ َل أَيْ ا َ ْ‬ ‫َ‬ ‫القيام هة َعياناا بهأَبصا هره‬ ‫َن الْم ْؤهمنهين ي رونَهُ ي وم ه‬ ‫َّ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫الش‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يما ُن بهأ َّ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ا هإل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض ُامو َن فهي ُرْؤيَته هه‪،‬‬ ‫كما يَ َرْو َن ال َق َم َر لَْي لَةَ البَ ْد هر الَ يُ َ‬ ‫ص ْح اوا لَْيس ُدونَ َها َس َح ٌ‬ ‫َ‬ ‫اب َو َ‬ ‫ي رونَهُ سبحانَهُ و ُهم فهي عَر ه ه ه‬ ‫رونَهُ بَ ْع َد ُد ُخ ه‬ ‫الجن هَّة َك َما يَ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫ول َ‬ ‫صات القيَ َامة‪ ،‬ثُ َّم يَ ْ‬ ‫َ​َْ ُْ َ َ ْ‬ ‫شاءُ‬ ‫اللُ تَ َعالَى(‪.)1‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫هذا الفصل الرابع الذي خصصه املؤلف للكالم عن رؤية املؤمنني لرهبم يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫إال أنه أيضا مل يذكر كلمة "فصل"‪.‬‬ ‫أيضا فيما ذكرناه من اإليمان به وبكتبه وبمالئكته وبرسله)‬ ‫(وقد دخل ا‬ ‫مراده‪ :‬أن اإلميان برؤية املؤمنني لرهبم داخل يف أربعة أصول من أصول اإلميان الستة‪.‬‬ ‫وجه ذلك‪ :‬أن املرئي هو اهلل تعاىل‪ ،‬فاإلميان برؤيته داخل يف اإلميان باهلل‪ ،‬وأن‬ ‫الكتب أخربت بذلك‪ ،‬فاإلميان برؤيته داخل يف اإلميان بالكتب‪ ،‬وأن املالئكة‬ ‫أنزلت الكتب إىل الرسل‪ ،‬فاإلميان برؤيته داخل يف اإلميان باملالئكة‪ ،‬وأن‬ ‫الرسل بلغوا ذلك للناس‪ ،‬فاإلميان برؤيته داخل يف اإلميان بالرسل‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬أدخل املؤلف اإلميان بالرؤية يف اإلميان باملالئكة والكتب والرسل؛ لكونه‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪73‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫لن يتكلم عن هذه األصول الثالثة‪ ،‬فاكتفى بذكر أن اإلميان بالرؤية داخل‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬لِماذا مل ي ِ‬ ‫دخل اإلميان بالرؤية يف اإلميان باليوم اآلخر‪ ،‬مع أن الرؤية‬ ‫م‬ ‫تكون يف ذلك اليوم؟‬ ‫اجلواب‪ :‬ألنه سيتكلم عن هذا األصل‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬اإليمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عياناا بأبصارهم)‬ ‫(عياناا) أي معاينة ومشاهدة‪.‬‬

‫(بأبصارهم) أي بواسطة أبصارهم‪.‬‬ ‫فيستفاد من ذلك أن رؤيتهم لرهبم رؤية حقيقية‪.‬‬

‫صحوا ليس دونها سحاب‪ ،‬وكما يرون القمر ليلة‬ ‫(كما يرون الشمس‬ ‫ا‬ ‫البدر‪ ،‬ال يضامون في رؤيته)‬ ‫(ال يضامون في رؤيته) أي ال يصيبهم ضيم‪ ،‬والضيم هو‪ :‬احلسرة‪ ،‬يعين ال‬ ‫تصيبهم حسرة لو مل تتضح رؤيته لبعضهم‪.‬‬ ‫فيستفاد من ذلك أن رؤيتهم لرهبم رؤية واضحة جدا‪.‬‬

‫(يرونه سبحانه‪ ،‬وهم في عرصات القيامة‪ ،‬ثم يرونه بعد دخول الجنة) أي‬ ‫رؤيتهم لرهبم تكون يف موضعني‪:‬‬ ‫املوضع األول‪ :‬يف عرصات القيامة‪ ،‬يعين يف ساحات القيامة‪.‬‬ ‫املوضع الثاين‪ :‬بعد دخول اجلنة‪.‬‬ ‫(كما يشاء اللّه تعالى) أي كيفية الرؤية كما يشاء اهلل تعاىل‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪74‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[اإلميان باليوم اآلخر]‬

‫فَصل‪ :‬وهمن ا هإليمان بهالي ه‬ ‫وم ه‬ ‫اآلخ هر‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌْ َ‬ ‫َّبي ‪ ‬هم َّما ي ُكو ُن ب ْع َد الْمو ه‬ ‫ت (‪. ) 1‬‬ ‫اإليما ُن به ُك ِّل َما أَ ْخبَ َر به هه الن ُّ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما انتهى املؤلف من التفصيل يف األصل األول‪ ،‬شرع يف التفصيل يف‬ ‫األصل اخلامس؛ الذي هو‪ :‬اإلميان باليوم اآلخر‪.‬‬ ‫وتقدم التنبيه على أنه لن يتكلم عن األصل الثاين والثالث والرابع‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ومن اإليمان باليوم اآلخر)‬ ‫(من) ِمبعىن بعض؛ أي وبعض ما يدخل يف اإلميان باليوم اآلخر‪.‬‬ ‫(اإليمان بكل ما أخبر به النبي ‪)‬‬

‫هذا يشمل ما أخرب به مباشرة‪ ،‬وما أخرب به بواسطة القرآن‪.‬‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أن اإلميان باليوم اآلخر يتضمن أمورا‪ ،‬وأنه إمنا سيتكلم عن بعض‬ ‫هذه األمور ال كلها‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬ما هي األمور اليت يتضمنها اإلميان باليوم اآلخر؟‬ ‫اجلواب‪ :‬ظاهر كالم املؤلف أن اإلميان باليوم اآلخر يتضمن أمرين‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬اإلميان مبا يكون يف املوت‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬اإلميان مبا يكون بعد املوت‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪75‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫اب ال َق ْب هر ونَ هع ه‬ ‫فَ يُ ْؤهمنُو َن بههف ْت نَ هة ال َق ْب هر‪َ ،‬وبه َع َذ ه‬ ‫يم هه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ه ه‬ ‫ك؟ َوَما‬ ‫َّاس يُ ْفتَ نُو َن فهي قُبُوهرهه ْم؛ فَ يُ َق ُ‬ ‫ال له َّ‬ ‫لر ُجل‪َ :‬م ْن َربُّ َ‬ ‫فَأ ََّما الف ْت نَةُ فَإ َّن الن َ‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ْحيَاةه ُّ‬ ‫الدنيا‬ ‫ك؟ َوَم ْن نَبهيُّ َ‬ ‫هدينُ َ‬ ‫ك؟ فَيثَبِّ ُ‬ ‫آمنُوا بهال َق ْوهل الثَّابهت في ال َ‬ ‫ت اللُ الَّذين َ‬ ‫وفهي ه‬ ‫الم ْؤهمن‪ :‬اللُ َربِّي‪َ ،‬وا هإل ْسالَ ُم هدينهي‪َ ،‬وُم َح َّم ٌد ‪ ‬نَبهيِّي‪َ ،‬وأ ََّما‬ ‫اآلخ َرةه‪ ،‬فَ يَ ُق ُ‬ ‫ول ُ‬ ‫َ‬ ‫اس يَ ُقولُو َن َش ْيئاا فَ ُقلْتُهُ‪،‬‬ ‫اب فَ يَ ُق ُ‬ ‫ول‪َ :‬ها ْه َها ْه‪ ،‬الَ أَ ْد هري‪َ ،‬س هم ْع ُ‬ ‫الم ْرتَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت النّ َ‬ ‫ضر ه ٍ ه ه ٍ‬ ‫ه‬ ‫ٍه‬ ‫سا َن َولَْو‬ ‫يح َ‬ ‫فَ يُ ْ َ ُ‬ ‫ب ب َم ْرَزبَة م ْن َحديد‪ ،‬فَ يَص ُ‬ ‫ص ْي َحةا يَ ْس َمعُ َها ُك ُّل َش ْيء إالَّ ا هإلنْ َ‬ ‫هه ه ه‬ ‫ه‬ ‫س همعها ا هإلنْسا ُن لَ ه‬ ‫وم‬ ‫يم َوإه َّما َع َذ ٌ‬ ‫َ َ​َ‬ ‫َ‬ ‫اب إهلَى أَ ْن تَ ُق َ‬ ‫صع َق‪ ،‬ثُ َّم بَ ْع َد َهذه الف ْت نَة‪َّ :‬إما نَع ٌ‬ ‫َ‬ ‫عاد األَرواح إهلَى األَجس ه‬ ‫ه‬ ‫اد(‪.)1‬‬ ‫القيَ َامةُ ال ُك ْب َرى‪ ،‬فَ تُ ُ ْ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما هو األمر الذي سيتكلم عنه املؤلف من هذين األمرين؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬سيتكلم عن اإلميان مبا يكون بعد املوت‪ ،‬كما نص هو على ذلك‪.‬‬ ‫وسيذكر فيما يتعلق باإلميان مبا يكون بعد املوت أمرين‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬اإلميان مبا يكون يف القرب‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬اإلميان بالقيامة الكربى‪ ،‬وما يكون فيها‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا األمر األول‪ ،‬الذي هو اإلميان مبا يكون يف القرب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فيؤمنون بفتنة القبر) الفتنة‪ :‬االختبار‪ ،‬يعين يؤمنون بأن يف القرب اختبارا‪.‬‬ ‫(وبعذاب القبر ونعيمه) يعين يؤمنون بأن يف القرب نعيما وعذابا‪ ،‬وأن امليت‬ ‫فيه إما منعم‪ ،‬وإما معذب‪.‬‬

‫(فأما الفتنة … إلخ) أي كيفية الفتنة يف القرب هي‪ :‬أن يسأل امليت هذه‬ ‫األسئلة الثالثة‪ ،‬مث هو إما أن جييب‪ ،‬وإما أن ال جييب‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪76‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫هه‬ ‫وتَ ُق ه‬ ‫القيامةُ الَّتهي أَ ْخب ر الل به َها فهي كهتَابه هه‪ ،‬و َعلَى لهس ه‬ ‫َج َم َع‬ ‫ان َر ُسوله‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫َ​َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫وم َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫َعلَْي َها ال ُْم ْسله ُمو َن ‪.‬‬ ‫(ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب‪ ،‬إلى أن تقوم القيامة الكبرى‪،‬‬ ‫فتعاد األرواح إلى األجساد) هذه اجلملة تضمنت ثالثة أمور‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن النعيم والعذاب يكونان بعد الفتنة‪.‬‬ ‫ويستفاد من ذلك أن النعيم والعذاب يتعني أحدمها حبسب نتيجة الفتنة‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن النعيم والعذاب يستمران إىل وقت القيامة الكربى‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن األرواح تعاد إىل األجساد‪ ،‬يعين هتيُّئا للقيام‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬القول بأن النعيم والعذاب يستمران إىل وقت القيامة الكربى‪ ،‬هل املراد‬ ‫به أن كل من ابتم ِدئ به النعيم أو العذاب يستمر به الشيء الذي ابتم ِدئ به إىل‬ ‫وقت القيامة؟‬ ‫اجلواب‪ :‬ليس هذا هو املراد‪ ،‬بل املراد أن امليت ال خيلو من أحدمها‪ ،‬بأن يكون‬ ‫ال منعما وال معذبا‪.‬‬ ‫فأما من ابتم ِدئ به النعيم فيستمر منعما إىل وقت القيامة‪.‬‬ ‫وأما من ابتم ِدئ به العذاب‪ ،‬فال خيلو من حالتني‪:‬‬ ‫احلالة األوىل‪ :‬أن يستمر به العذاب إىل وقت القيامة‪.‬‬ ‫احلالة الثانية‪ :‬أن ينقطع عنه العذاب لسبب‪ ،‬كأن يكون هذا الذي يستحقه فقط‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا األمر الثاين الذي هو اإلميان بالقيامة الكربى‪ ،‬وما يكون فيها‪.‬‬ ‫وسيذكر املؤلف عن هذا األمر سبعة مباحث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬بيان أنواع األدلة على القيامة الكربى‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪77‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ين؛ ُح َفا اة ُع َرا اة غُ ْرالا‪َ ،‬وتَ ْدنُو هم ْن ُهم‬ ‫َّاس هم ْن قُبُوهرهه ْم لهَر ِّ‬ ‫فَ يَ ُق ُ‬ ‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫وم الن ُ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬ ‫الع َر ُق(‪.)1‬‬ ‫س‪َ ،‬ويُلْج ُم ُهم َ‬ ‫الش ْم ُ‬

‫(‪)6‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬بيان حال الناس عند قيامهم من القبور‪ ،‬وعند انتظارهم‬ ‫للحساب‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬بيان مشهدين من املشاهد اليت تكون بعد اإلذن باحلساب‪.‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬بيان كيفية احلساب‪.‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬بيان مشاهد تكون بعد االنتهاء من احلساب‪.‬‬ ‫املبحث السادس‪ :‬بيان الشفاعات اليت يقوم هبا النيب ‪ ‬يف ذلك اليوم‪.‬‬ ‫املبحث السابع‪ :‬بيان املصادر اليت تمعرف هبا أنواع ما جيري يف الدار اآلخرة‪،‬‬ ‫وتفاصيل ذلك‪.‬‬ ‫وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬بيان أنواع األدلة على القيامة الكربى‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وتقوم القيامة) أي قيام مجيع الناس من قبورهم أحياء‪.‬‬ ‫(التي أخبر الل بها في كتابه) أي يف القرآن‪.‬‬ ‫(وعلى لسان رسوله) أي يف السنة‪.‬‬ ‫(وأجمع عليها المسلمون) أي العلماء وغريهم‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن أنواع األدلة على القيامة الكربى هي‪ :‬القرآن والسنة واإلمجاع‪.‬‬ ‫هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬بيان حال الناس عند قيامهم من القبور‪ ،‬وعند‬ ‫انتظارهم للحساب‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين‪ ،‬حفاةا‪ ،‬عراةا‪ ،‬غرالا) هذا هو‬ ‫حاهلم عند القيام‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪78‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫العب ه‬ ‫وز ُن بها أَ ْعم ُ ه‬ ‫اد ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬ ‫ين‪ ،‬فَ تُ َ‬ ‫فَ تُ ْن َ‬ ‫ال َ‬ ‫َ‬ ‫الم َوا هز ُ‬ ‫ب َ‬ ‫صُ‬

‫ﯶﯷﯸ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ‬

‫ال‪ ،‬فَ ه‬ ‫ه‬ ‫ف األَ ْعم ه‬ ‫ش ُر َّ‬ ‫آخ ٌذ‬ ‫ص َحائه ُ‬ ‫ﰁ ﰂ ﮊ [المؤمنون]‪َ ،‬وتُ ْن َ‬ ‫ين‪َ ،‬وه َي َ‬ ‫َ‬ ‫الد َوا هو ُ‬ ‫كهتابه بهي همينه هه و ه‬ ‫ال ُس ْب َحانَهُ وتَ َعالَى‪:‬‬ ‫آخ ٌذ كهتَابَهُ به هش َماله هه أ َْو هم ْن َوَر هاء ظَ ْه هرهه؛ َك َما قَ َ‬ ‫َ َُ َ َ‬

‫ﮋ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬

‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ [اإلسراء](‪.)1‬‬

‫(‪)6‬‬

‫(حفاة) أي من غري أحذية‪.‬‬ ‫(عراة) أي من غري ثياب‪.‬‬ ‫(غرالا) أي غري خمتونني‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وتدنو منهم الشمس‪ ،‬ويلجمهم العرق) هذا هو حاهلم عند انتظارهم‬ ‫للحساب‪.‬‬ ‫(تدنو منهم الشمس) أي تقرب منهم‪.‬‬ ‫(ويلجمهم العرق) أي يصل العرق إىل أفواههم‪ ،‬فيصري كاللجام الذي يوضع‬ ‫يف فم الفرس؛ وذلك نتيجة القرتاب الشمس منهم‪ ،‬واملراد بوصول العرق إىل‬ ‫أفواههم هو أن العرق يتصبب منهم حىت يصل إىل األرض‪ ،‬مث يرتفع حىت‬ ‫يصل إىل أفواههم‪.‬‬ ‫هذا املبحث الثالث؛ وهو‪ :‬بيان مشهدين من املشاهد اليت تكون بعد اإلذن‬ ‫باحلساب‪.‬‬ ‫املشهد األول‪ :‬نصب املوازين‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪79‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫املشهد الثاين‪ :‬نشر الدواوين‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فتنصب الموازين) أي توضع‪.‬‬ ‫(فتوزن بها أعمال العباد) أي األعمال احلسنة يف كفة‪ ،‬واألعمال السيئة يف‬ ‫كفة‪.‬‬ ‫(ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ‪ .‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬

‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ) املراد باملوازين يف اآلية األعمال‬ ‫احلسنة‪.‬‬ ‫ﮋﯱ ﯲ ﯳ ﮊ أي رجحت أعماله احلسنة‪.‬‬ ‫ﮋﯸ ﯹ ﯺﮊ أي خفت أعماله احلسنة‪.‬‬ ‫والشاهد من اآلية‪ :‬إثبات الوزن لألعمال يف ذلك اليوم‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وتنشر الدواوين) أي تفتح‪.‬‬

‫(وهي صحائف األعمال) هذا تفسري للدواوين‪.‬‬ ‫أي هي الصحائف اليت مكتِبت فيها أعمال العباد‪.‬‬

‫(فآخذ كتابه بيمينه‪ ،‬وآخذ كتابه بشماله‪ ،‬أو من وراء ظهره)‬

‫أي الناس عند أخذهم لصحائفهم على نوعني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬من يأخذ كتابه بيمينه‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬من يأخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬ظاهر كالم املؤلف أن النوع الثاين صنفان‪:‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪81‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ب اللُ الخالئه َق‪:‬‬ ‫ويُحاس ُ‬ ‫بعبده ال ه‬ ‫ف ذلك فهي ه‬ ‫ويخلُو ه‬ ‫مؤم هن فهيقرره بذنوبه كما و ه‬ ‫والس هنة‪.‬‬ ‫الكتَاب ُّ‬ ‫ص َ‬ ‫َ ُ‬ ‫الكفار فال يُحاسبو َن ُمحاسبةَ َمن تُوَز ُن حسناتهُ وسيئاته؛ فإنَّهُ ال‬ ‫وأما‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫أعمالُهم فتُحصى فهيوقفون عليها َويُ َق َّرُرو َن بها‬ ‫حسنات لهم‪ ،‬ولكن تُ َع ُّد َ‬ ‫َويُ ْج َزْو َن به َها(‪.)1‬‬ ‫منهم من يأخذ كتابه بشماله‪.‬‬ ‫ومنهم من يأخذه من وراء ظهره‪.‬‬ ‫واملعروف عن السلف أن الذي يأخذ كتابه بشماله هو نفسه يأخذه من وراء‬ ‫ظهره‪.‬‬ ‫(كما قال سبحانه وتعالى‪ :‬ﮋﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬

‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ‪.‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ)‬ ‫الشاهد من اآلية‪ :‬إثبات نشر الدواوين يف ذلك اليوم‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الرابع‪ ،‬وهو‪ :‬بيان كيفية احلساب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ويحاسب الل الخالئق) أي يكلمهم بنفسه‪ ،‬فيذكرهم بأعماهلم اليت‬ ‫قدموها يف الدنيا‪.‬‬

‫(ويخلو بعبده المؤمن‪ ،‬فيقرره بذنوبه‪ ،‬كما وصف ذلك في الكتاب‬ ‫والسنة)‬ ‫أي كيفية حماسبته للمؤمن تتضمن أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أنه خيلو به‪ ،‬يعين ينفرد به‪ ،‬فال جيعل أحدا يسمع ما يكلمه به؛ وذلك‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪81‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫سرتا عليه‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬يقرره بذنوبه‪ ،‬يعين يعرض عليه ذنوبه‪ ،‬فيجعله يعرتف هبا؛ وذلك إظهارا‬ ‫ملنته عليه‪ ،‬حيث سرتها عليه يف الدنيا‪ ،‬ويغفرها له يف ذلك اليوم‪.‬‬ ‫(وأما الكفار فال يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيآته فإنه ال‬

‫حسنات لهم)‬ ‫أي حماسبته تعاىل للكفار ليست كمحاسبته للمسلمني‪.‬‬

‫والفاء يف قوله‪( :‬فإنه) فاء السببية؛ أي والسبب يف ذلك أن الكفار ال‬ ‫حسنات هلم‪ ،‬يعين ألن هلم سيآت وليست هلم حسنات ال يكون حساهبم‬ ‫مثل الذين هلم سيآت وحسنات‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ملاذا الكفار ليست هلم حسنات؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬ألن الكفر حيبط مجيع احلسنات‪.‬‬ ‫(ولكن تعد أعمالهم‪ ،‬وتحصى‪ ،‬فيوقفون عليها‪ ،‬ويقررون بها‪ ،‬ويجزون‬

‫بها)‬

‫أي كيفية حماسبته للكفار تتضمن مخسة أمور‪:‬‬ ‫األول‪ :‬تعد أعماهلم‪ ،‬يعين تعدد عليهم؛ فتذكر السيئة بعد السيئة‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬حتصى‪ ،‬يعين جتمع كلها‪ ،‬فال يرتك شيء منها‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬يوقفون عليها‪ ،‬يعين يستمعون إليها كلها‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬يقررون هبا‪ ،‬يعين يطلب منهم االعرتاف هبا‪.‬‬ ‫اخلامس‪ :‬جيزون هبا‪ ،‬يعين يعاقبون بسببها‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪82‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وفهي َعر ه ه ه‬ ‫اضا همن اللَّب هن‬ ‫ود لهلنَّبه ِّي ‪َ ،‬ما ُؤهُ أَ َش ُّد بَيَ ا‬ ‫الم ْوُر ُ‬ ‫الح ْو ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫صة القيَ َامة َ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ضهُ َش ْه ٌر‪َ ،‬من‬ ‫س هل‪ ،‬آنهيَتُهُ َع َد ُد نُ ُجوم َّ‬ ‫الس َم هاء‪ ،‬طُولُهُ َش ْه ٌر‪َ ،‬و َع ْر ُ‬ ‫َوأ ْ‬ ‫َحلَى من ال َْع َ‬ ‫ب هم ْنهُ َش ْربَةا الَ يَظْمأُ بَ ْع َد َها أَبَ ادا‪.‬‬ ‫يَ ْش َر ُ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫الجن هَّة َوالنَّا هر‪،‬‬ ‫الص َرا ُ‬ ‫َو ِّ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ط َم ْن ُ‬ ‫َّم‪َ ،‬و ُه َو الج ْس ُر الَّذي بَ ْي َن َ‬ ‫وب َعلَى َم ْت هن َج َهن َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ص هر‪َ ،‬وهم ْن ُه ْم َم ْن‬ ‫َّاس َعلَْيه َعلَى قَ ْد هر أَ ْع َمال ه ْم‪ ،‬فَ هم ْن ُه ْم َم ْن يَ ُم ُّر َكلَ ْم هح البَ َ‬ ‫يَ ُم ُّر الن ُ‬ ‫يح‪َ ،‬وهم ْن ُه ْم َم ْن يَ ُم ُّر َكالْ َف َر ه‬ ‫الج َو هاد‪َ ،‬وهم ْن ُه ْم‬ ‫الر ه‬ ‫يَ ُم ُّر َكالْبَ ْر هق‪َ ،‬وهم ْن ُه ْم َم ْن يَ ُم ُّر َك ِّ‬ ‫س َ‬ ‫َم ْن يَ ُم ُّر َك هرَك ه‬ ‫اب ا هإلبه هل‪َ ،‬وهم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْع ُدو َع ْد اوا‪َ ،‬وهم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْم هشي َم ْشياا‪َ ،‬وهم ْن ُه ْم‬ ‫ف َخطْ َفا وي ْل َقى فهي ج َهنَّم؛ فَهإ َّن ه‬ ‫الج ْس َر‬ ‫ف َز ْح افا‪َ ،‬وهم ْن ُه ْم َم ْن يُ ْخطَ ُ‬ ‫َم ْن يَ ْز َح ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ف النَّاس بهأَ ْعماله ه م‪ ،‬فَمن م َّر َعلَى ِّ ه‬ ‫ه ه‬ ‫ْجنَّةَ‪.‬‬ ‫يب تَ ْخطَ ُ‬ ‫الص َراط َد َخ َل ال َ‬ ‫َ َ ْ َْ َ‬ ‫َعلَْيه َكالَل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ه ه‬ ‫لبع ه‬ ‫ضه ْم هم ْن‬ ‫ْجن هَّة َوالنَّا هر‪ ،‬فَ يُ ْقتَ ُّ‬ ‫ص ْ‬ ‫فَهإ َذا َعبَ ُروا َعلَْيه ُوق ُفوا َعلَى قَ ْنطَ​َرة بَ ْي َن ال َ‬ ‫ض‪ ،‬فَهإذَا ُه ِّذبُوا ونُ ُّقوا أ هُذ َن لَ ُه ْم فهي ُد ُخ ه‬ ‫بَ ْع ٍ‬ ‫ْجن هَّة‪.‬‬ ‫ول ال َ‬ ‫َ‬ ‫وأ ََّو ُل من يستَ ْفتهح باب ال ه‬ ‫ْجنَّةَ همن األ َُم هم‬ ‫ْجنَّة ُم َح َّم ٌد ‪َ ،‬وأ ََّو ُل َم ْن يَ ْد ُخ ُل ال َ‬ ‫َ َْ َْ ُ َ َ َ‬ ‫أ َُّمتُهُ(‪.)1‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث اخلامس؛ وهو‪ :‬بيان مشاهد تكون بعد االنتهاء من احلساب‪.‬‬ ‫فذكر املؤلف أربعة مشاهد‪:‬‬ ‫املشهد األول‪ :‬ورود احلوض‪.‬‬ ‫املشهد الثاين‪ :‬املرور على الصراط‪.‬‬ ‫املشهد الثالث‪ :‬الوقوف على القنطرة‪.‬‬ ‫املشهد الرابع‪ :‬دخول اجلنة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وفي عرصة القيامة) أي يف ساحة اجتماع الناس يوم القيامة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪83‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(الحوض) أي زجمع املاء‪ ،‬يعين الشيء الذي مجيمع فيه املاء‪.‬‬ ‫(المورود) أي الذي يورد‪ ،‬يعين يؤتى للشرب منه‪.‬‬ ‫(للنبي ‪ )‬أي الذي أعطاه اهلل عز وجل النيب ‪ ‬إكراما له‪.‬‬ ‫مث ذكر املؤلف فيما يتعلق هبذا احلوض أربعة أمور‪:‬‬ ‫بياضا من‬ ‫األول‪ :‬صفة مائه من حيث اللون والطعم‪ ،‬فقال‪( :‬ماؤه أشد ا‬ ‫اللبن‪ ،‬وأحلى من العسل)‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬عدد آنيته اليت يشرب هبا‪ ،‬فقال‪( :‬آنيته عدد نجوم السماء)‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬مساحته طوال وعرضا‪ ،‬فقال‪( :‬طوله شهر‪ ،‬وعرضه شهر)‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬أثر الشرب منه فقال‪( :‬من يشرب منه شربة‪ ،‬ال يظمأ بعدها أب ادا)‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬والصراط) أي الطريق الذي مير الناس عليه بعد االنتهاء من احلساب‪.‬‬ ‫(منصوب على متن جهنم) أي موضوع على ظهر جهنم‪.‬‬ ‫فهو باألعلى وجهنم أسفل منه‪.‬‬ ‫(وهو الجسر الذي بين الجنة والنار) أي مممَّتد وفاصل بني اجلنة والنار‪.‬‬ ‫وكيفية هذا الفصل أن النار أسفل منه واجلنة هنايته‪.‬‬ ‫(يمر الناس عليه على قدر أعمالهم) أي صفة مرور الناس عليه من حيث‬ ‫السرعة حبسب أعماهلم اليت قدموها يف الدنيا‪.‬‬ ‫لم مح حملة بالبصر‪ ،‬مث‬ ‫(فمنهم من يمر كلمح البصر) أي مير سريعا جدا‪ ،‬يم َ‬ ‫خيتفي من شدة سرعته‪.‬‬ ‫(ومنهم من يمر كالبرق) أي أبطأ من الذي قبله؛ ألن مدة مشاهدة الربق‬ ‫أكثر من مدة ملح البصر‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪84‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(ومنهم من يمر كالريح) أي كاهلواء‪ ،‬واملراد يف شدة سرعته‪.‬‬ ‫(ومنهم من يمر كالفرس الجواد) أي كالفرس اجليد‪.‬‬ ‫(ومنهم من يمر كركاب اإلبل) وهي دون الفرس اجلواد بكثري‪.‬‬ ‫عدوا) أي يركض ركضا سريعا‪.‬‬ ‫(ومنهم من يعدو ا‬ ‫(ومنهم من يمشي مشياا) أي مشيا عاديا بال إسراع‪.‬‬ ‫(ومهم من يزحف زح افا) أي ميشي على مقعدته بدل رجليه‪.‬‬ ‫(ومنهم من يخطف خط افا‪ ،‬فيلقى في جهنم؛ فإن الجسر عليه كالليب‪،‬‬ ‫تخطف الناس بأعمالهم) اخلطف‪ :‬هو أخذ الشيء بسرعة‪ ،‬يعين منهم من ال‬ ‫يستطيع املرور حىت بالزحف‪ ،‬بل يؤخذ بسرعة‪ ،‬ويلقى يف جهنم‪.‬‬ ‫والفاء يف قوله‪( :‬فإن الجسر) فاء السببية؛ أي والسبب يف ذلك أن اجلسر‬ ‫عليه كالليب ختطف الناس بسبب أعماهلم السيئة اليت قدموها يف الدنيا‪.‬‬ ‫والكالليب‪ :‬مجع كلوب‪ ،‬وهي حديدة معكوفة الرأس‪.‬‬ ‫(فمن مر على الصراط دخل الجنة) أي من انتهى من املرور على الصراط‬ ‫وسلِم من السقوط يف جهنم فمصريه اجلنة‪ ،‬وليس املراد أنه يدخل اجلنة مباشرة‬ ‫ألنه بقي مشهد آخر‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فإذا عبروا عليه) أي على الصراط‪.‬‬ ‫(وقفوا) أي أمروا بالوقوف‪.‬‬ ‫(على قنطرة بين الجنة والنار) أي على جسر صغري‪ ،‬مكانه بني اجلنة والنار‪.‬‬ ‫(فيقتص لبعضهم من بعض) أي يأخذ املظلوم حقه من الظامل‪.‬‬ ‫(فإذا هذبوا ونقوا) أي طمِّهروا من املظامل‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪85‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫اع ٍ‬ ‫ات‪:‬‬ ‫َولَه ‪ ‬فهي القيَ َام هة ثَالَ ُ‬ ‫ث َش َف َ‬ ‫اعةُ األُولَى‪ :‬فَ يَ ْش َفع فهي أ َْه هل الْموقه ه‬ ‫أ ََّما َّ‬ ‫ضى بَ ْي نَ ُه ْم بَ ْع َد أَ ْن‬ ‫ف َحتَّى يُ ْق َ‬ ‫الش َف َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫آدم ونُ ه ه‬ ‫يم َعن َّ‬ ‫اع هة‬ ‫الش َف َ‬ ‫اج َع األَنْبهيَاءُ َ ُ َ ٌ‬ ‫يم َوُم َ‬ ‫يَتَ َر َ‬ ‫يسى ابْ ُن َم ْر َ‬ ‫وسى َوع َ‬ ‫وح َوإبْ َراه ُ‬ ‫َحتَّى تَ ْنتَ ه َي إهلَْي هه‪.‬‬ ‫اعةُ الثَّانهيةُ‪ :‬فَ ي ْش َفع فهي أ َْه هل الْجن هَّة أَ ْن ي ْد ُخلُوا الْجنَّةَ‪ ،‬و َهاتَ ه‬ ‫َوأ ََّما َّ‬ ‫ان‬ ‫الش َف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫اصتَ ه‬ ‫اعتَ ه‬ ‫َّ‬ ‫ان لَهُ‪.‬‬ ‫ان َخ َّ‬ ‫الش َف َ‬ ‫ه‬ ‫الش َف َ ه‬ ‫ه‬ ‫َّار‪َ ،‬و َه هذهه َّ‬ ‫َوأ ََّما َّ‬ ‫سائه هر‬ ‫الش َف َ‬ ‫يم ْن ْ‬ ‫استَ َح َّق الن َ‬ ‫اعةُ الثَّالثَةُ‪ :‬فَ يَ ْش َف ُع ف َ‬ ‫اعةُ لَهُ َول َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫النَّبهيِّين و ِّ ه‬ ‫َّار أَ ْن الَ يَ ْد ُخلَ َها‪َ ،‬ويَ ْش َف ُع‬ ‫يم ْن ْ‬ ‫استَ َح َّق الن َ‬ ‫ين َوغَْي هره ْم‪ ،‬فَ يَ ْش َف ُع ف َ‬ ‫الص ِّديهق َ‬ ‫َ َ‬ ‫ه (‪) 1‬‬ ‫ه‬ ‫ج م ْن َها ‪.‬‬ ‫يم ْن َد َخلَها أَ ْن يَ ْخ ُر َ‬ ‫فَ‬ ‫(أذن لهم في دخول الجنة) أي ْسح هلم بالدخول‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬هذا القصاص الذي يكون على القنطرة‪ ،‬غري القصاص الذي يكون يف‬ ‫احلشر‪ ،‬فالقصاص الذي يكون يف احلشر فيه استنفاد احلسنات‪ ،‬فتؤخذ من‬ ‫حسنات الظامل‪ ،‬وتوضع يف حسنات املظلوم‪ ،‬وأما القصاص الذي يكون على‬ ‫القنطرة‪ ،‬فليس فيه استنفاد احلسنات‪ ،‬واملقصود منه‪ :‬أن الصدور تطهر من‬ ‫الغل‪ ،‬فيدخلون اجلنة‪ ،‬وليس يف صدر أحد غل على أحد‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وأول من يستفتح باب الجنة محمد ‪ )‬يستفتح‪ :‬أي يطلب فتح الباب‪.‬‬

‫(وأول من يدخل الجنة من األمم أمته) أي بعد دخول الرسل‪ ،‬يعين كما أن‬ ‫حممدا ‪ ‬أول من يدخل اجلنة من الرسل‪ ،‬فأمته أول من يدخل اجلنة من األمم‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث السادس؛ وهو‪ :‬بيان الشفاعات اليت يقوم هبا النيب ‪ ‬يف ذلك اليوم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪86‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫قوله‪( :‬وله ‪ ‬في القيامة ثالث شفاعات) الشفاعات‪ :‬مجع شفاعة‪،‬‬ ‫ومعناها‪ :‬التوسط للغري‪ ،‬شفع لفالن‪ :‬أي توسط له‪ ،‬فاملعىن‪ :‬أن النيب ‪ ‬يف‬ ‫ذلك اليوم يتوسط للناس عند ربه تعاىل ثالث وساطات‪.‬‬ ‫(أما الشفاعة األولى فيشفع في أهل الموقف) أي الذين يشفع هلم النيب‬ ‫‪ ‬هبذه الشفاعة هم مجيع أهل املوقف‪.‬‬

‫(حتى يقضي بينهم) أي املقصود من هذه الشفاعة‪ :‬أن يبدأ اهلل تعاىل‬ ‫بالقضاء بينهم‪ ،‬يعين الفصل واحلساب‪.‬‬

‫(بعد أن يتراجع األنبياء؛ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريَم عن‬ ‫الشفاعة‪ ،‬حتى تنتهي إليه) أي أن أهل املوقف يطالبون أوال هؤالء األنبياء أن‬

‫يشفعوا هلم‪ ،‬فيرتاجع األنبياء يعين يعتذرون‪ ،‬مث يطلب أهل املوقف الشفاعة من‬ ‫حممد ‪ ‬فهو الذي يقوم هبا‪.‬‬

‫(وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة) أي الذين يشفع هلم النيب ‪‬‬ ‫هبذه الشفاعة هم‪ :‬الذين استحقوا دخول اجلنة‪.‬‬

‫(أن يدخلوا الجنة) أي املقصود من الشفاعة هلم‪ :‬أن يدخلوا اجلنة‪ ،‬وذلك ألهنم‬ ‫بعد االنتهاء من الوقوف على القنطرة يؤذن هلم بدخول اجلنة‪ ،‬ولكن َجيدون‬ ‫األبواب مغلقة‪ ،‬حىت يأيت النيب ‪ ‬فيشفع هلم‪ ،‬فتفتح األبواب‪ ،‬مث يدخلون‪.‬‬ ‫(وهاتان الشفاعتان خاصتان له) أي ال يقوم هباتني الشفاعتني غريه‪.‬‬

‫(وأما الشفاعة الثالثة‪ :‬فيشفع فيمن استحق النار) أي الذين يشفع هلم النيب ‪‬‬ ‫هبذه الشفاعة هم الذين استحقوا النار‪ ،‬واملراد هبم‪ :‬املسلمون أصحاب الكبائر‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪87‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ضله هه َوَر ْح َمته هه(‪.)1‬‬ ‫اعة‪ ،‬بَ ْل بهَف ْ‬ ‫ج اللُ من النَّا هر أَق َْو ااما بهغَْي هر َش َف َ‬ ‫َويُ ْخ هر ُ‬ ‫ه‬ ‫ض ٌل َع َّم ْن َد َخلَها هم ْن أ َْه هل ُّ‬ ‫الدنْ يَا‪ ،‬فَ يُ ْن هش ُئ اللُ لَ َها أَق َْو ااما‬ ‫ْجن هَّة فَ ْ‬ ‫َويَ ْبقى في ال َ‬ ‫ه‬ ‫ْجنَّةَ(‪.)2‬‬ ‫فَ يُ ْدخلُ ُه ُم ال َ‬ ‫(وهذه الشفاعة له‪ ،‬ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم) أي هذه الشفاعة‬ ‫عامة يقوم هبا النيب ‪ ‬وغريه ممن هم أهل للشفاعة‪.‬‬ ‫(فيشفع فيمن استحق النار أن ال يد خلها ويشفع فيمن دخلها أن يخرج‬ ‫منها) أي املقصود من هذه الشفاعة‪ :‬أن من مل يدخل النار يشفع له بأن ال‬ ‫يدخلها‪ ،‬وأن من دخلها يشفع له بأن خيرج منها‪.‬‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر املؤلف أن من الشفاعة العامة أن يشفع الشافع فيمن دخل النار بأن‬ ‫خيرج منها‪ ،‬ناسب أن يذكر أن اخلروج من النار له سبب آخر غري الشفاعة‪.‬‬ ‫أقواما) أي مسلمني‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويخرج الل من النار ا‬ ‫(بغير شفاعة) أي ليس بسبب الشفاعة‪.‬‬ ‫(بل بفضله ورحمته) أي بل السبب هو زجرد فضل اهلل ورمحته‪ ،‬من غري واسطة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬لَ َّما ذكر املؤلف أن اهلل خيرج من النار أقواما بغري شفاعة بل بفضله ورمحته‪،‬‬ ‫كان من املعلوم أن هؤالء هم آخر أهل الدنيا دخوال اجلنة‪ ،‬فناسب أن يذكر‬ ‫بعد ذلك أن دخول اجلنة ليس ألهل الدنيا فقط‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويبقى في الجنة فضل) أي متسع‪.‬‬ ‫(عمن دخلها من أهل الدنيا) أي بعد أن يدخلها سكاهنا من أهل الدنيا‪.‬‬ ‫أقواما) أي خيلقهم يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫(فينشئ الل لها ا‬ ‫(فيدخلهم الجنة) أي من غري عمل سابق منهم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪88‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫الدار ه‬ ‫اآلخرةُ همن ه‬ ‫اب و ه‬ ‫الع َق ه‬ ‫الحس ه‬ ‫الجن هَّة‬ ‫َصنَ ُ‬ ‫اف َما تَ َ‬ ‫َوأ ْ‬ ‫اب َو َ‬ ‫ض َّمنَْتهُ َّ ُ‬ ‫اب َوالث َ​َّو ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ورةٌ فهي ال ُكتُ ه‬ ‫الس َم هاء َواآلثَا هر همن ال هْعل هْم‬ ‫المنَ َّز هلة همن َّ‬ ‫يل َذله َ‬ ‫ك َم ْذ ُك َ‬ ‫ب ُ‬ ‫َوالنَّا هر َوتَ َفاص ُ‬ ‫الْمأْثُوهر َعن األَنْبهي هاء‪ ،‬وفهي ال هْعل هْم الْمور ه‬ ‫ك َما يَ ْش هفي‬ ‫وث َع ْن ُم َح َّم ٍد ‪ ‬هم ْن َذله َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫َويَ ْك هفي فَ َمن ابْ تَ غَاهُ َو َج َده ‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث السابع؛ وهو‪ :‬بيان املصادر اليت تمعرف هبا أنواع ما جيري يف الدار‬ ‫اآلخرة‪ ،‬وتفاصيل ذلك‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وأصناف ما تضمنته الدار اآلخرة‪ ،‬من الحساب والثواب والعقاب‬ ‫والجنة والنار)‬ ‫أصناف‪ :‬أي أنواع‪ ،‬يعين أنواع ما جيري يف الدار اآلخرة‪.‬‬ ‫(وتفاصيل ذلك) أي تفاصيل ما جيري من هذه األنواع‪.‬‬ ‫(مذكورة في الكتب ال ُْمنَ َّزلَة من السماء‪ ،‬واآلثار من العلم المأثور عن األنبياء)‬ ‫أي تعرف بطريقني‪:‬‬ ‫الطريق األوىل‪ :‬الكتب الم ممنَـَّزلَة من السماء‪ ،‬يعين كالم اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫الطريق الثانية‪ :‬اآلثار املنقولة عن األنبياء‪ ،‬يعين كالم األنبياء صلوات اهلل‬ ‫وسالمه عليهم‪.‬‬ ‫(وفى العلم الموروث عن محمد ‪ )‬أي املنقول عنه‪.‬‬ ‫(من ذلك) أي مما جيري يف الدار اآلخرة‪.‬‬ ‫(ما يَشفي ويكفي) يَشفي‪ :‬أي يمريح‪ ،‬ويكفي‪ :‬أي يمغين عن غريه‪.‬‬ ‫(فمن ابتغاه وجده) ابتغاه‪ :‬أي أراده‪ ،‬واملراد به العلم املنقول عن حممد ‪،‬‬ ‫وجده‪ :‬أي أدركه‪ ،‬يعين أنه قريب ليس ببعيد؛ ألنه يف الكتاب والسنة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪89‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[اإليـمان بالقدر]‪‬‬

‫َّاجيةُ همن أ َْه هل ُّ ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫اع هة بهالْ َق َد هر َخ ْي هرهه َو َش ِّرهه‪.‬‬ ‫ْج َم َ‬ ‫السنَّة َوال َ‬ ‫َوتُ ْؤم ُن الف ْرقَةُ الن َ ْ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ض َّم ُن َش ْيئَ ْي هن‪:‬‬ ‫يما ُن بهال َق َد هر َعلَى َد َر َجتَ ْي هن؛ ُك ُّل َد َر َج ٍة تَ تَ َ‬ ‫َوا هإل َ‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما انتهى املؤلف من التفصيل يف األصل اخلامس‪ ،‬شرع يف التفصيل يف األصل‬ ‫السادس؛ الذي هو‪ :‬اإلميان بالقدر‪.‬‬ ‫فذكر فيما يتعلق باإلميان بالقدر أمرين‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬اعتقاد أهل السنة واجلماعة بالقدر إمجاال‪.‬‬ ‫األمر الثاين‪ :‬اعتقاد أهل السنة واجلماعة بالقدر تفصيال‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وتؤمن الفرقة الناجية) أي الطائفة الساملة من النار يف اآلخرة‪.‬‬ ‫(من أهل السنة والجماعة)‬ ‫(من) هنا لبيان اجلنس‪ ،‬أي الفرقة الناجية الذين هم أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(بالقدر خيره وشره) هذا هو اعتقادهم بالقدر إمجاال‪.‬‬ ‫يعين اعتقادهم بالقدر إمجاال هو‪ :‬اإلميان بأن تقدير اهلل تعاىل ملا حيدث يف‬ ‫الكون يشمل اخلري والشر‪.‬‬ ‫(واإليمان بالقدر على درجتين‪ ،‬كل درجة تتضمن شيئين)‬ ‫هذا هو اعتقادهم بالقدر تفصيال‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪91‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫يما ُن بهأ َّ‬ ‫فَ َّ‬ ‫ْق َع هاملُو َن به هعل هْم هه‬ ‫َن اللَ تَ َعالَى َعله َم َما َ‬ ‫الخل ُ‬ ‫الد َر َجةُ األُولَى‪ :‬ا هإل َ‬ ‫ه‬ ‫ال َق هديم‪ ،‬الَّ هذي ُهو موص ٌ ه‬ ‫اع ه‬ ‫ه ه‬ ‫ات‬ ‫َح َوالهه ْم م َن الطَّ َ‬ ‫يع أ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫وف بهه أ َ​َزالا َوأَبَ ادا‪َ ،‬و َعل َم َجم َ‬ ‫ه‬ ‫وظ م َق ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْخل هْق‪،‬‬ ‫اد َير ال َ‬ ‫ب اللُ في اللّ ْو هح ال َْم ْح ُف َ‬ ‫الم َعاصي َواأل َْرَزاق َو َ‬ ‫َو َ‬ ‫اآلجال‪ ،‬ثُ ّم َكتَ َ‬ ‫ب َما ُه َو‬ ‫ب؟ قَ َ‬ ‫ب‪ ،‬قَ َ‬ ‫فَأ ََّو ُل َما َخلَ َق اللُ الْ َقلَ ُم قَ َ‬ ‫ال‪ :‬اُ ْكتُ ْ‬ ‫ال لَهُ‪ :‬اُ ْكتُ ْ‬ ‫ال‪َ :‬ما أَكتُ ُ‬ ‫َكائهن إهلَى ي وهم ال هْقيام ه‬ ‫ه‬ ‫سا َن لَ ْم يَ ُك ْن لهيُ ْخ هطئَهُ‪َ ،‬وَما أَ ْخطَأَهُ لَ ْم‬ ‫ن‬ ‫إل‬ ‫ا‬ ‫اب‬ ‫َص‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ه‬ ‫ت األَقْالَم‪ ،‬وطُ هوي ه‬ ‫صيبهُ‪ ،‬ج َّف ه‬ ‫ال تَ َعالَى‪ :‬ﮋ ﮡ ﮢ‬ ‫ف؛ َك َما قَ َ‬ ‫ت ُّ‬ ‫الص ُح ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫يَ ُك ْن ليُ َ َ‬

‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ‬

‫[الحج]‪ ،‬وقال‪ :‬ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬

‫ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ [الحديد](‪.)1‬‬ ‫يعين أن اعتقادهم بالقدر تفصيال هو‪ :‬أن اإلميان بالقدر ينقسم إىل درجتني‪،‬‬ ‫وممن ِزلَتَني‪ ،‬وكل درجة ال تتحقق إال بتحقيق شيئني‪.‬‬ ‫يعين مرتبتني َ‬ ‫وسيذكر فيما يتعلق بالدرجة األوىل من اإلميان بالقدر ثالثة مباحث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬بيان الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬بيان أنواع التقدير يف هذه الدرجة‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬بيان املنكرين هلذه الدرجة‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث األول؛ وهو‪ :‬بيان الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬اإليمان بأن اللّه تعالى علم ما الخلق عاملون‪ ،‬بعلمه القديم)‬ ‫هذا الشيء األول‪ ،‬وخالصته‪ :‬أن اهلل علم بالعمل قبل حدوثه‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪91‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(علم ما الخلق عاملون) أي علم بعملهم‪.‬‬ ‫(بعلمه القديم) أي بعلمه السابق على العمل‪.‬‬ ‫(الذي هو موصوف به أزالا وأب ادا)‬

‫هذا فيه بيان نوع العلم الذي هو سبحانه موصوف به‪.‬‬

‫(أزالا) أي ال بداية له‪ ،‬يعين ليس جاهال بالشيء مث علمه‪.‬‬ ‫(أب ادا) أي ال هناية له‪ ،‬يعين الشيء الذي علمه ال ينساه‪.‬‬

‫(وعلم جميع أحوالَهم‪ ،‬من الطاعات والمعاصي واألرزاق واآلجال)‬ ‫هذا فيه بيان نوع العمل الذي علمه سبحانه‪.‬‬ ‫(وعلم جميع أحوالهم) أي أعماهلم‪.‬‬ ‫(من الطاعات والمعاصي واألرزاق واآلجال) أي سواء ما يصدر منهم‬ ‫كالطاعات واملعاصي‪ ،‬أو ما حيدث هلم كاألرزاق واآلجال‪.‬‬ ‫(ثم كتب اللّه في اللوح المحفوظ مقادير الخلق)‬

‫هذا الشيء الثاين‪ ،‬وخالصته‪ :‬أن اهلل كتب العمل قبل حدوثه‪.‬‬

‫وسجل‪.‬‬ ‫دون َّ‬ ‫(ثم كتب الل) أي َّ‬

‫(في اللوح المحفوظ) اللوح‪ :‬هو الشيء الذي يمكتَب فيه‪ ،‬واهلل أعلم بنوع‬ ‫هذا اللوح الذي كتب اهلل فيه‪ ،‬واحملفوظ‪ :‬أي املصان من التغيري‪.‬‬ ‫(مقادير الخلق) أي ما قدره عليهم من األعمال‪.‬‬

‫(فأول ما خلق اللّه القلم قال له‪ :‬اكتب‪ ،‬قال‪ :‬ما أكتب؟ قال‪ :‬اكتب ما‬ ‫هو كائن إلي يوم القيامة) هذا فيه بيان كيفية حصول الكتابة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪92‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫فكيفية حصوهلا أن اهلل تعاىل عندما أمت خلق القلم أمره أن يباشر الكتابة‪.‬‬

‫(فما أصاب اإلنسان لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ جفت‬ ‫األقالم وطويت الصحف) هذا فيه بيان نتيجة حصول الكتابة‪.‬‬ ‫(فما أصاب اإلنسان لم يكن ليخطئه) أي ما وقع لإلنسان ال سبيل لعدم‬ ‫وقوعه‪.‬‬

‫(وما أخطأه لم يكن ليصيبه) أي ما مل يقع فيه فال سبيل لوقوعه فيه‪.‬‬ ‫غ من الكتابة فلن يقع شيء‬ ‫(جفت األقالم‪ ،‬وطويت الصحف) يعين قد فم ِر َ‬ ‫خالف املكتوب‪.‬‬ ‫(كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬ ‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ‪ ،‬وقال‪ :‬ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬

‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ)‬ ‫لَ َّما ذكر الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة ذكر بعد ذلك الدليل عليهما‪.‬‬

‫فقوله يف اآلية األوىل‪ :‬ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ دليل‬ ‫على العلم‪.‬‬ ‫وقوله‪ :‬ﮋ ﮬ ﮭ ﮮﮊ دليل على الكتابة‪.‬‬ ‫وقوله يف اآلية الثانية‪ :‬ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬

‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮊ دليل على الكتابة باملنطوق‪ ،‬وعلى العلم‬ ‫باملفهوم‪ ،‬فكونه كتب الشيء الذي سيقع‪ ،‬يفهم منه أنه قد علم ما سيقع‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪93‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ه هه ه ه‬ ‫ه‬ ‫اضع جملَةا وتَ ْف ه‬ ‫ه‬ ‫صيالا‪:‬‬ ‫َو َه َذا التَّ ْقد ُير التَّاب ُع لعلْمه ُس ْب َحانَهُ يَ ُكو ُن في َم َو َ ُ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫فَ َق ْد َكتَ ه‬ ‫اء‪.‬‬ ‫ب في اللَّ ْو هح ال َْم ْح ُفوظ َما َش َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ث إهلهْي هه َملَ اكا‪ ،‬فَ يُ ْؤَم ُر بهأ َْربَ هع‬ ‫الر ه‬ ‫الجنهي هن قَ ْب َل نَ ْف هخ ُّ‬ ‫وح فه هيه بَ َع َ‬ ‫س َد َ‬ ‫َوإ َذا َخلَ َق َج َ‬ ‫ه‬ ‫َكلهم ٍ‬ ‫ك(‪.)1‬‬ ‫ات؛ فَ يُ َق ُ‬ ‫نح َو ذَله َ‬ ‫َجلَهُ َو َع َملَهُ َو َشق ٌّي أَ ْم َس هعي ٌد‪َ ،‬و ْ‬ ‫ب هرْزقَهُ َوأ َ‬ ‫ال لَهُ‪ :‬اُ ْكتُ ْ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬بيان أنواع التقدير يف هذه الدرجة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وهذا التقدير) أي التقدير بالكتابة‪.‬‬ ‫(التابع لعلمه) أي التقدير بالكتابة تابع للعلم؛ ألنه سبحانه كتب ما سيقع‬ ‫وقد علم قبل ذلك ما سيقع‪.‬‬ ‫(يكون في مواضع جملة وتفصيالا) أي التقدير بالكتابة له مواضع زجموعة‬ ‫يف نوعني‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬التقدير اإلمجايل‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬التقدير التفصيلي‪.‬‬ ‫(فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء) هذا التقدير اإلمجايل‪ ،‬وهو‪ :‬الكتابة‬ ‫يف اللوح احملفوظ‪ ،‬وْسي بالتقدير اإلمجايل ألنه شامل لكل شيء‪.‬‬ ‫(وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه‪ ،‬بعث إليه ملكا‪ ،‬فيؤمر بأربع‬ ‫كلمات‪ ،‬فيقال له‪ :‬اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد) هذا التقدير‬ ‫التفصيلي‪ ،‬وهو كتابة ما يتعلق بالفرد يف عمره‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ب يف اللوح احملفوظ‪.‬‬ ‫وْسي بالتقدير التفصيلي ألن فيه تفصيال لبعض ما مكت َ‬ ‫(ونحو ذلك) يشري املؤلف إىل أن التقدير التفصيلي أنواع‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما هي أنواع التقدير التفصيلي؟‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪94‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫يل(‪.)1‬‬ ‫فَ َه َذا التَّ ْقد ُير قَ ْد َكا َن يُ ْنك ُرهُ غُالَةُ ال َق َد هريَّة قَد ا‬ ‫يما َوُم ْنكروهُ اليَ ْوَم قَل ٌ‬ ‫لدرجةُ الثَّانهيةُ‪ :‬فَهي م هشيئَةُ ه‬ ‫الل النَّافه َذةُ‪َ ،‬وقُ ْد َرتُهُ َّ‬ ‫الش هاملَةُ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َوأ ََّما ا َّ َ َ‬ ‫يما ُن بهأ َّ‬ ‫شأْ لم يَ ُك ْن‪َ ،‬وأَنَّهُ َما فهي‬ ‫اء اللُ َكا َن َوَما لم يَ َ‬ ‫َو ُه َو‪ :‬ا هإل َ‬ ‫َن َما َش َ‬ ‫ه‬ ‫ض همن حرَك ٍة والَ س ُك ٍ‬ ‫ون إهالَّ بهم هشيئَ هة ه‬ ‫َّ ه‬ ‫الل ُس ْب َحانَهُ‪ ،‬الَ‬ ‫َ‬ ‫الس َم َاوات َوَما في األ َْر ه ْ َ َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫ي ُكو ُن فهي مل ه‬ ‫ود ه‬ ‫ات‬ ‫ْك هه إال َما يُ هري ُد‪َ ،‬وأَنَّهُ ُس ْب َحانَهُ َعلَى ُك ِّل َش ْيء قَ هد ٌير من ال َْم ْو ُج َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ض والَ فهي َّ ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ٍ ه‬ ‫والْم ْع ُد ه‬ ‫الس َماء إهالَّ اللُ َخال ُقهُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ومات‪ ،‬فَ َما م ْن َم ْخلُوق في األ َْر ه َ‬ ‫ه (‪)2‬‬ ‫ب س َواهُ ‪.‬‬ ‫ُس ْب َحانَهُ‪ ،‬الَ َخاله َق غَيَ ُرهُ‪َ ،‬والَ َر َّ‬ ‫فاجلواب‪ :‬التقدير التفصيلي ثالثة أنواع‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬التقدير العم ممري‪ ،‬وهو‪ :‬كتابة ما يتعلق بالفرد يف عمره‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬التقدير السنوي‪ ،‬وهو‪ :‬كتابة ما يتعلق حبوادث السنة‪ ،‬وهذه‬ ‫الكتابة تكون يف ليلة القدر‪.‬‬ ‫النوع الثالث‪ :‬التقدير اليومي‪ ،‬وهو‪ :‬كتابة ما يتعلق حبوادث اليوم‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثالث؛ وهو‪ :‬بيان املنكرين هلذه الدرجة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فهذا التقدير) أي بالعلم والكتابة‪.‬‬ ‫(قد كان ينكره) أي يكذب به‪.‬‬ ‫(غالة القدرية) أي املبالغون يف التكذيب بالقدر‪.‬‬ ‫قديما) أي يف وقت أواخر عصر الصحابة ‪.‬‬ ‫( ا‬ ‫(ومنكروه اليوم قليل) أي يف وقت املؤلف‪.‬‬ ‫وقد نص غري واحد من أهل العلم على أهنم قد انقرضوا‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ذكر املؤلف فيما يتعلق بالدرجة الثانية من اإلميان بالقدر ثالثة مباحث‪:‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪95‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫املبحث األول‪ :‬بيان الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬بيان هل أفعال العباد تنسب إليهم أو إىل اهلل؟‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬بيان املنكرين هلذه الدرجة‪.‬‬ ‫وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو‪ :‬بيان الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فهي مشيئة الل النافذة) هذا الشيء األول‪.‬‬ ‫ومعىن (النافذة) أي الواقعة اليت ال راد هلا‪.‬‬ ‫(وقدرته الشاملة) هذا الشيء الثاين‪.‬‬ ‫(وقدرته) أي يف اخللق واإلجياد‪.‬‬ ‫(الشاملة) أي العامة لكل شيء‪.‬‬

‫اخلالصة‪ :‬أن هذه الدرجة من القدر تتضمن شيئني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن اهلل شاء كل شيء قبل حدوثه‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن اهلل خلق كل شيء كما شاءه‪.‬‬

‫(وهو‪ :‬اإليمان بأن ما شاء الل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأنه ما في‬ ‫السماوات وما األرض من حركة وال سكون إال بمشيئة الل سبحانه‪ ،‬ال‬ ‫يكون في ملكه إال ما يريد)‬

‫هذا فيه بيان كيفية االعتقاد بالشيء األول‪.‬‬ ‫واخلالصة‪ :‬أن كيفية االعتقاد مبشيئة اهلل النافذة هو‪ :‬باإلميان بأن وقوع األشياء‬ ‫تابع ملشيئته سبحانه‪ ،‬فجميع األشياء اليت تقع إمنا وقعت بعد مشيئته‪.‬‬ ‫ويشري املؤلف بقوله‪( :‬وال يكون في ملكه إال ما يريد) يشري إىل السبب الذي‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪96‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫اعته هه وطَ َ ه ه ه‬ ‫ك فَ َق ْد أَمر ه‬ ‫اهم َعن م ْع ه‬ ‫العبَ َ ه‬ ‫صيَته هه‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫َوَم َع َذله َ‬ ‫اعة ُر ُسله َونَ َه ُ ْ ْ َ‬ ‫اد بطَ َ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫ب الْمت هَّقين والمح هسنهين و ه ه‬ ‫َّ ه‬ ‫ه‬ ‫آمنُوا‬ ‫ين َويَ ْر َ‬ ‫ين َ‬ ‫ضى َعن الذ َ‬ ‫الم ْقسط َ‬ ‫ُس ْب َحانَهُ يُح ُّ ُ َ َ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫اس ه‬ ‫ضى َعن الْ َقوهم ال َف ه‬ ‫ه‬ ‫الصالهح ه‬ ‫ه‬ ‫ق‬ ‫ات َوالَ يُ هح ُّ‬ ‫ين‪َ ،‬والَ‬ ‫ين َوالَ يَ ْر َ‬ ‫َو َعملُوا َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب ال َكاف هر َ‬ ‫يأْمر بهالْ َفح َ ه‬ ‫ضى له هعب ه‬ ‫اد(‪.)1‬‬ ‫ادهه ال ُك ْف َر َوالَ يُ هح ُّ‬ ‫سَ‬ ‫َ ُ​ُ ْ‬ ‫شاء َوالَ يَ ْر َ َ‬ ‫ب ال َف َ‬ ‫من أجله وقوع األشياء تابع ملشيئته‪ ،‬وهو‪ :‬أن الكون ملكه‪ ،‬فال يقع يف ملكه‬ ‫إال ما يريد‪.‬‬

‫(وأنه سبحانه على كل شيء قدير‪ ،‬من الموجودات والمعدومات‪ ،‬فما من‬ ‫مخلوق في األرض وال في السماء إال الل خالقه سبحانه‪ ،‬ال خالق غيره‪،‬‬ ‫وال رب سواه)‬ ‫هذا فيه بيان كيفية االعتقاد بالشيء الثاين‪.‬‬ ‫واخلالصة‪ :‬أن كيفية االعتقاد بقدرة اهلل الشاملة هو‪ :‬باإلميان بأنه سبحانه قدير‬ ‫على خلق املوجودات واملعدومات‪ ،‬وأن مجيع املوجودات هو خالقها وحده‪.‬‬

‫ويشري بقوله‪( :‬من الموجودات والمعدومات) يشري إىل أن املوجودات خلقها‬

‫(‪)6‬‬

‫بقدرته‪ ،‬وأن املعدومات أي األشياء اليت مل توجد قدير على خلقها‪ ،‬وليس السبب‬ ‫يف عدم خلقها أنه ال يقدر على خلقها‪ ،‬بل السبب أنه مل يشأ خلقها‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر املؤلف الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة من القدر‪ ،‬وكيفية‬ ‫االعتقاد هبا‪ ،‬ناسب أن يذكر الفرق بني القدر والشرع من حيث احملبة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ومع ذلك‪ ،‬فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله‪ ،‬ونهاهم عن‬ ‫معصيته)‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪97‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وال هْعباد فَ ه‬ ‫اعلُو َن َح هقي َقةا‪َ ،‬واللُ َخاله ُق أَفْ َعالهه ْم‪َ ،‬وال َْع ْب ُد ُه َو ال ُْم ْؤهم ُن َوالْ َكافه ُر‬ ‫َ َُ‬ ‫الصائهم‪ ،‬ولهل هْعب ه‬ ‫اد قُ ْدرةٌ َعلَى أَ ْعمالههم وإهر َ ه‬ ‫ه‬ ‫َوالْبَ ُّر َوالْ َفاج ُر َوال ُْم َ‬ ‫ادته ْم َواللُ‬ ‫صلِّي َو َّ ُ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ال تَ َعالَى‪ :‬ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬ ‫ادته ه ْم؛ َك َما قَ َ‬ ‫َخاله ُق ُه ْم َو َخاله ُق قُ ْد َرت ه ْم َوإه َر َ‬

‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [التكوير](‪.)1‬‬

‫أي مع كون اهلل تعاىل ق َّدر أفعال العباد من الطاعات واملعاصي‪ ،‬فقد أمرهم‬ ‫بالطاعات‪ ،‬وهناهم عن املعاصي‪.‬‬ ‫(وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين‪ ،‬ويرضى عن الذين‬

‫آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬وال يحب الكافرين‪ ،‬وال يرضى عن القوم‬ ‫الفاسقين) أي أن اهلل تعاىل حيب من امتثل الشرع‪ ،‬ويرضى عنه‪ ،‬وال حيب من‬ ‫خالف الشرع‪ ،‬وال يرضى عنه‪.‬‬

‫(وال يأمر بالفحشاء‪ ،‬وال يرضى لعباده الكفر‪ ،‬وال يحب الفساد) أي أن‬ ‫اهلل تعاىل ال حيب األفعال اليت هنى عنها‪ ،‬وال يرضاها‪ ،‬ويمفهم من ذلك أنه‬ ‫حيب األفعال اليت أمر هبا‪ ،‬ويرضاها‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬الفرق بني هذه اجلملة واليت قبلها‪ :‬أن اليت قبلها تتعلق بالذين فعلوا‬ ‫األفعال‪ ،‬وأن هذه اجلملة تتعلق بنفس األفعال‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن القدر يشمل ما محيبه اهلل تعاىل وما ال محيبه‪ ،‬وأن الشرع خيتص مبا‬ ‫حيبه‪ ،‬فالطاعات حيبها اهلل تعاىل‪ ،‬واملعاصي ال حيبها‪ ،‬وكلها مقدرة‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬بيان هل أفعال العباد تنسب إليهم أو إىل اهلل؟‬ ‫قوله‪( :‬والعباد فاعلون حقيقة‪ ،‬والل خالق أفعالهم)‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪98‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫أي أفعال العباد‪:‬‬ ‫من جهة الفعل تنسب إليهم‪ ،‬فهم الفاعلون ألفعاهلم حقيقة‪.‬‬ ‫ومن جهة اخللق تنسب إىل اهلل‪ ،‬فهو خالق أفعاهلم‪.‬‬ ‫(والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلى والصائم) أي العبد‬ ‫هو الذي يوصف بالفعل الذي صدر منه‪ ،‬فمن آمن فهو املؤمن‪ ،‬ومن كفر‬ ‫فهو الكافر‪.‬‬ ‫(وللعباد قدرة على أعمالهم وإرادتهم) أي العباد هلم قدرة على األمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬األعمال‪ ،‬فلهم قدرة على صدور األعمال منهم‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬اإلرادة‪ ،‬فلهم قدرة على إرادة ما سيعملون‪.‬‬ ‫يشري املؤلف إىل أن السبب يف أن األفعال تنسب إىل العباد حقيقة‪ :‬كوهنا‬ ‫صدرت منهم عن قدرة على األعمال واإلرادة‪.‬‬ ‫(والل خالقهم وخالق قدرتههم وإرادتههم) أي اهلل خالق العباد أنفسهم‪ ،‬وخالق‬

‫قدرهتم على األعمال وإرادهتم هلا‪.‬‬

‫يشري املؤلف إىل أن السبب يف أن أفعال العباد تنسب إىل اهلل من جهة اخللق‪:‬‬ ‫كونه تعاىل هو خالقهم‪ ،‬وخالق قدرهتم وإرادهتم‪.‬‬ ‫(كما قال تعالى‪ :‬ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ‪ .‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬

‫ﯵ ﮊ) لَ َّما ذكر املؤلف أن العباد هم الفاعلون ألفعاهلم حقيقة‪ ،‬وأن اهلل‬ ‫خالق أفعاهلم‪ ،‬وأشار إىل السبب‪ ،‬ذكر بعد ذلك الدليل‪.‬‬ ‫فقوله‪ :‬ﮋﯨ ﯩ ﯪﮊ فيه إثبات القدرة على املشيئة للعباد‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪99‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫هه‬ ‫ه َّ ه‬ ‫الدر َجةُ همن ال َق َد هر يُ َك ِّذ ُ ه‬ ‫اهم النَّبهي ‪:‬‬ ‫ين َس َّم ُ‬ ‫َ‬ ‫وهذه َّ َ‬ ‫ب ب َها َع َّامةُ ال َق َد هريَّة الذ َ‬ ‫"مجوس َه هذهه األ َُّم هة" [أبو داود‪ ،]4691 :‬وي ْغلُو فه َيها قَ وٌم همن أ َْه هل ا هإلثْ ب ه‬ ‫ات َحتَّى‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ​َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ال ه‬ ‫َسلَبُوا ال َْع ْب َد قُ ْدرتَهُ وا ْختهيَارهُ‪ ،‬ويُ ْخ هر ُجو َن َع ْن أَفْ َع ه‬ ‫َح َك هام هه هح َك َم َها‬ ‫الل َوأ ْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫صاله َح َها(‪.)1‬‬ ‫َوَم َ‬ ‫وقوله‪ :‬ﮋ ﯫ ﯬ ﮊ فيه إثبات القدرة هلم على العمل ألن االستقامة عمل‪.‬‬ ‫وقوله‪ :‬ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ فيه إثبات أن هذه املشيئة‬ ‫تابعة ملشيئة اهلل‪.‬‬ ‫فإثبات القدرة للعباد على املشيئة والعمل يدل على أهنم هم الفاعلون ألفعاهلم‬ ‫حقيقة‪ ،‬وإثبات أن مشيئة العباد تابعة ملشيئة اهلل سبحانه يدل على أن اهلل هو‬ ‫خالق أفعاهلم‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن أفعال العباد من جهة الفعل تنسب إليهم‪ ،‬فهم الفاعلون هلا‬ ‫حقيقة‪ ،‬ومن جهة اخللق تنسب إىل اهلل‪ ،‬فهو خالقها‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثالث‪ ،‬وهو‪ :‬بيان املنكرين هلذه الدرجة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وهذه الدرجة من القدر) أي املتضمنة للمشيئة واخللق‪.‬‬ ‫(يكذب بها عامة القدرية) أي مجيعهم‪.‬‬ ‫يعين يقولون‪ :‬إن اهلل مل يشأ‪ ،‬ومل خيلق أفعال العباد‪.‬‬

‫(الذين سماهم النبي ‪ ‬مجوس هذه األمة) سبب هذه التسمية‪ :‬أن‬ ‫اعتقادهم مشابه العتقاد اجملوس؛ ألن اجملوس يعتقدون أن للحوادث خالقني‬ ‫النور والظالم؛ فالنور خالق اخلري‪ ،‬والظالم خالق الشر‪ ،‬والقدرية يعتقدون أن‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪111‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ألفعال العباد خالقني اهلل والعباد‪ ،‬فاهلل خالق الطاعات‪ ،‬والعباد خالقوا‬ ‫املعاصي‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن القدرية ينسبون أفعال العباد إليهم من جهة اخللق‪ ،‬ومن جهة‬ ‫الفعل‪ ،‬فيقولون‪ :‬إن العباد خلقوا أفعاهلم‪ ،‬وفعلوا أفعاهلم حقيقة‪.‬‬ ‫(ويغلو فيها قوم من أهل اإلثبات) أي يبالغون يف إثبات هذه الدرجة من‬

‫القدر‪.‬‬ ‫واملراد هبم اجلربية‪.‬‬ ‫يعين يثبتون أن اهلل شاء وخلق أفعال العباد‪ ،‬ولكنهم يبالغون يف هذا اإلثبات‪.‬‬

‫(حتى سلبوا العبد قدرته واختياره) أي وجه املبالغة يف هذا اإلثبات‪ :‬أهنم‬ ‫نفوا عن العبد قدرته واختياره ملا يفعل‪.‬‬ ‫يعين يقولون‪ :‬إن العبد زجبور على فعله‪ ،‬أي يصدر منه الفعل بال قدرة وال‬ ‫اختيار‪.‬‬

‫(ويخرجون عن أفعال الل وأحكامه حكمها ومصالحها) أي مذهب هؤالء‬ ‫يلزم منه نفي احلِ َك ِم والم َمصالِح عن أفعال اهلل وأحكامه‪ ،‬وجه ذلك‪ :‬أنه إذا‬ ‫كان العبد ليس له قدرة وال اختيار على ما يفعل‪ ،‬فال حكمة وال مصلحة من‬ ‫األوامر والنواهي‪ ،‬ومن الثواب والعقاب‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن اجلربية ينسبون أفعال العباد إىل اهلل من جهة اخللق‪ ،‬ومن جهة‬ ‫الفعل‪ ،‬فيقولون‪ :‬إن اهلل خلق أفعال العباد‪ ،‬وفعل أفعاهلم حقيقة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪111‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[الدين واإلميان ووعيد اهلل]‪‬‬

‫ه‬ ‫ول ال هْفرقَ هة الن ه‬ ‫َّاجيَ هة‪:‬‬ ‫فصل‪َ :‬وم ْن أ ُ‬ ‫ُص ه ْ‬ ‫ْب واللِّس ه‬ ‫ان‪َ ،‬و َع َم ُل الْ َقل ه‬ ‫أ َّ‬ ‫ْب‬ ‫َن الد َ‬ ‫ِّين َوا هإليْ َما َن قَ ْو ٌل َو َع َم ٌل؛ قَ ْو ُل الْ َقل ه َ َ‬ ‫واللِّ ه‬ ‫هح(‪.)2‬‬ ‫ْج َوار ه‬ ‫سان َوال َ‬ ‫َ َ‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪ )6‬لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن بعض األصول الستة‪ ،‬شرع يف الكالم عن‬ ‫بعض األصول املتفرعة عن األصول الستة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ومن أصول الفرقة الناجية)‬ ‫(من) مبعىن بعض‪ ،‬أي بعض أصول الفرقة الناجية‪.‬‬ ‫واملراد باألصول هنا األصول املتفرعة عن األصول الستة‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما هو األصل الذي سيبدأ املؤلف بالكالم عنه؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬سيبدأ بالكالم عن أصلني؛ باب الدين واإلميان‪ ،‬وباب وعيد اهلل‪.‬‬ ‫وسيذكر فيما يتعلق هبذين البابني ثالثة مباحث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬بيان اعتقاد أهل السنة واجلماعة فيما يتضمنه اْسا الدين واإلميان‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬بيان اعتقادهم يف زيادة اإلميان ونقصانه‪.‬‬ ‫البحث الثالث‪ :‬بيان اعتقادهم يف حكم الفاسق يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث األول؛ وهو‪ :‬بيان اعتقادهم فيما يتضمنه اْسا الدين واإلميان‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬أن الدين واإليمان قول وعمل) أي الدين يتضمن القول والعمل‪،‬‬ ‫وكذلك اإلميان يتضمن القول والعمل؛ ألنه إسم للدين‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪112‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫اع هة‪ ،‬وي ْن ُقص بهالْم ْع ه‬ ‫ه‬ ‫َوأ َّ‬ ‫صيَ هة(‪.)1‬‬ ‫يما َن يَ هزي ُد بالطَّ َ َ َ ُ َ‬ ‫َن اإل َ‬ ‫ه‬ ‫ك الَ ي َك ِّفرو َن أ َْهل ال هْق ْب لَ هة بهمطْلَ هق الْمع ه‬ ‫اصي َوالْ َكبَائه هر‪َ ،‬ك َما يَ ْف َعلُهُ‬ ‫َ​َ‬ ‫ُ‬ ‫َو ُه ْم َم َع َذل َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْخوارهج‪ ،‬بل األُ ُخ َّوةُ ا هإليْمانهيَّةُ ثَابهتَةٌ مع الْمع ه‬ ‫ال ُس ْب َحانَهُ فهي آيَهة‬ ‫اصي؛ َك َما قَ َ‬ ‫َ َ َ​َ‬ ‫ال َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ص ه‬ ‫ال‪:‬‬ ‫اص‪ :‬ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮊ [البقرة‪َ ،]178:‬وقَ َ‬ ‫الق َ‬

‫ﮋﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ‬

‫ﯙﯚ ‪.‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﮊ [الحجرات‪.)2(]11-9:‬‬ ‫(قول القلب واللسان) أي القول الذي يدخل يف الدين واإلميان يتضمن‬ ‫شيئني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬قول القلب‪ ،‬واملراد به‪ :‬التصديق‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬قول اللسان‪ ،‬واملراد به‪ :‬التلفظ بالتصديق؛ الذي هو‪ :‬الشهادتان‪.‬‬ ‫(وعمل القلب واللسان والجوارح) أي أن العمل الذي يدخل يف الدين‬ ‫واإلميان يتضمن ثالثة أشياء‪:‬‬ ‫األول‪ :‬عمل القلب‪ ،‬وذلك كالنية‪ ،‬واحملبة‪ ،‬واخلوف‪ ،‬والرجاء‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬عمل اللسان‪ ،‬وذلك كالذكر‪ ،‬والتالوة‪ ،‬والدعاء‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬عمل اجلوارح‪ ،‬وذلك كالصالة‪ ،‬واحلج‪ ،‬واجلهاد‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬بيان اعتقادهم يف زيادة اإلميان ونقصانه‪.‬‬ ‫الباء يف قوله‪( :‬بالطاعة) وكذلك يف قوله‪( :‬بالمعصية) باء السببية‪ ،‬يعين أن‬ ‫اإلميان يزيد بسبب فعل الطاعة‪ ،‬وينقص بسبب فعل املعصية‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث الثالث؛ وهو‪ :‬بيان اعتقادهم يف حكم الفاسق يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪113‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وذكر املؤلف فيما يتعلق حبكم الفاسق يف الدنيا مسألتني‪:‬‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬هل يقولون‪ :‬إنه كافر؟‬ ‫املسألة الثانية‪ :‬هل يقولون‪ :‬إنه ليس مبؤمن؟‬ ‫وبدأ باملسألة األوىل اليت هي هل يقولون إن الفاسق كافر؟‬

‫قوله‪( :‬وهم مع ذلك) أي مع كوهنم يقولون‪ :‬إن الدين قول وعمل‪.‬‬ ‫(ال يكفرون أهل القبلة) أهل القبلة املراد هبم املسلمون؛ أي ال يقولون‪ :‬إن‬ ‫املسلمني كفار‪.‬‬

‫(بمطلق المعاصي والكبائر) الباء باء السببية؛ أي ال يقولون‪ :‬إهنم كفار‬ ‫أي معصية وكبرية‪.‬‬ ‫بسبب فعلهم ِّ‬

‫(كما يفعله الخوارج) أي أن اخلوارج يكفرون مبطلق املعاصي والكبائر‪.‬‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أن أهل السنة واجلماعة مع كوهنم يقولون‪ :‬إن الدين قول وعمل‪،‬‬ ‫أي معصية وكبرية؛‬ ‫فإهنم ال يقولون‪ :‬إن املسلم إذا َّ‬ ‫قصر يف العمل‪ ،‬فصدر منه ُّ‬ ‫أنه كافر‪.‬‬ ‫ويشري املؤلف بقوله‪( :‬بمطلق المعاصي والكبائر) يشري إىل أن املعاصي‬ ‫والكبائر نوعان‪ :‬مكفرة وغري مكفرة‪ ،‬فاخلوارج يكفرون مبطلق املعاصي والكبائر‬ ‫يعين ال يفرقون بني املكفرة وغري املكفرة‪ ،‬وأهل السنة واجلماعة ال يكفرون‬ ‫مبطلق املعاصي والكبائر يعين يفرقون بني املكفرة وغري املكفرة؛ فيكفرون من‬ ‫فعل كبرية مكفرة‪ ،‬وال يكفرون من فعل كبرية غري مكفرة‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن أهل السنة واجلماعة يقولون‪ :‬إن الفاسق ليس بكافر‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪114‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫تنبيه‪ :‬تقدم أن اخلوارج واملعتزلة متفقون على أن الفاسق ليس مبسلم‪ ،‬ولكن‬ ‫اختلفوا هل هو كافر أو ال؟ فقالت اخلوارج‪ :‬كافر‪ ،‬وقالت املعتزلة‪ :‬ليس مبسلم‬ ‫وال كافر بل هو يف َممن ِزلَة بني الم َممن ِزلتني‪ ،‬وذكر املؤلف يف هذا املوضع اخلوارج دون‬ ‫املعتزلة؛ ألن الكالم هاهنا عمن قال‪ :‬إن الفاسق كافر؛ واملعتزلة مل تقل ذلك‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬بل األخوة اإليمانية) أي بني املسلمني‪.‬‬ ‫(ثابتة) أي باقية‪.‬‬

‫(مع المعاصي) أي مع صدور املعاصي منهم‪.‬‬ ‫يشري إىل أن السبب يف عدم القول بأن املسلمني كفار مبطلق املعاصي والكبائر‬ ‫هو‪ :‬أهنم ال يزالون إخوة يف اإلميان‪ ،‬مع صدور املعاصي منهم‪ ،‬يعين إذا كان‬ ‫الفاسق ال يزال أخا لنا يف اإلميان‪ ،‬فهذا مانع من احلكم عليه بالكفر‪.‬‬ ‫(كما قال سبحانه في آية القصاص‪ :‬ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ال‪ :‬ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ‬ ‫ﮠﮊ‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬

‫ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ‪ .‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬

‫ﯡﮊ) لَ َّما أشار املؤلف إىل أن السبب يف عدم القول بأن املسلمني كفار‬ ‫مبطلق املعاصي والكبائر هو أهنم ال يزالون إخوة يف اإلميان مع صدور املعاصي‬ ‫منهم‪ ،‬ذكر بعد ذلك الدليل على أن األخوة اإلميانية ثابتة مع املعاصي‪.‬‬ ‫فقوله‪ :‬ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮊ يف هذه اآلية أثبت اهلل‬ ‫تعاىل األخوة اإلميانية بني القاتل وويل املقتول مع أن القتل معصية‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪115‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫اسم ا هإليْم ه‬ ‫ه ه‬ ‫ان بهالْ ُكلِّيَّ هة‪َ ،‬والَ يُ َخلِّ ُدونَهُ فهي النَّا هر‪،‬‬ ‫َوالَ يَ ْسلبُو َن الْ َفاس َق الْملِّ َّي ْ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫اس هم ا هإليم ه‬ ‫ان؛ َك َما فهي قَ ْولههه‪:‬‬ ‫الم ْعت َزلةُ‪ ،‬بَل الْ َفاس ُق يَ ْد ُخ ُل في ْ‬ ‫َ‬ ‫َك َما تَ ُقولُهُ ُ‬ ‫ه‬ ‫اس هم ا هإليْم ه‬ ‫ان الْ ُمطْلَ هق؛‬ ‫ﮋﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [النساء‪َ ،]92:‬وقَ ْد ال يَ ْد ُخ ُل في ْ‬ ‫َ‬ ‫َك َما فهي قَ ْوله هه تَ َعالَى‪ :‬ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﮊ [األنفال‪ ،]2:‬وقَ ولُه ‪" :‬الَ ي زنهي َّ ه‬ ‫ين يَ ْزني‬ ‫َْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫الزاني ح َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْخ ْم َر‬ ‫َو ُه َو ُم ْؤهم ٌن‪َ ،‬والَ يَ ْس هر ُق َّ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ين يَ ْس هر ُق وهو مؤم ٌن‪َ ،‬والَ يَ ْش َر ُ‬ ‫السا هر ُق ح َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ٍ‬ ‫َّاس إهلهْي هه فه َيها‬ ‫ب نُ ْهبَةا َذ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ين يَ ْش َربُها َو ُه َو ُم ْؤم ٌن‪َ ،‬والَ يَ ْنتَه ُ‬ ‫ات َش َرف يَ ْرفَ ُع الن ُ‬ ‫ه‬ ‫ول‪ُ :‬ه َو‬ ‫ين يَ ْنتَهبُ َها َو ُه َو ُم ْؤهم ٌن" [البخاري‪ ،2475 :‬ومسلم‪َ ،]57 :‬ونَ ُق ُ‬ ‫أَبْ َ‬ ‫صَ‬ ‫ارُه ْم ح َ‬ ‫هه‬ ‫ان‪ ،‬أَو م ْؤهمن بههإ ه ه‬ ‫م ْؤهمن نَاقهص ا هإليم ه‬ ‫االس َم‬ ‫يمانهه فَاس ٌق به َكبه َيرته‪ ،‬فَالَ يُ ْعطَى ْ‬ ‫ُ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫االس هم(‪.)1‬‬ ‫ب ُمطْلَ َق ْ‬ ‫ال ُْمطْلَ َق‪َ ،‬والَ يُ ْسلَ ُ‬ ‫وقوله‪ :‬ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬

‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ‪ .‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﮊ يف‬ ‫هاتني اآليتني أثبت اهلل تعاىل األخوة اإلميانية بني الطائفتني املقتتلتني‪ ،‬وأثبت‬ ‫أيضا هذه األخوة بني هاتني الطائفتني وبني املصلحني‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذه املسألة الثانية‪ ،‬وهي هل يقولون‪ :‬إن الفاسق ليس مبؤمن؟‬ ‫وأدرج يف هذه املسألة حكم الفاسق يف اآلخرة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وال يسلبون الفاسق الملي اسم اإليمان بالكلية) الفاسق امللي املراد به‪:‬‬ ‫الفاسق الذي ال يزال على ملة اإلسالم‪ ،‬وذلك لكونه فعل كبرية‪ ،‬لكن غري مكفرة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪116‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(ال يسلبون) أي ال ينفون عنه‪.‬‬ ‫(اسم اإليمان بالكلية) أي يقولون‪ :‬إنه ليس مبؤمن؛ لكن ال يريدون بذلك‬ ‫النفي الكلي لإلميان‪.‬‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أن أهل السنة واجلماعة مع كوهنم يقولون‪ :‬إن اإلميان قول‬ ‫وعمل‪ ،‬فإهنم ال يقولون‪ :‬إن املسلم إذا قصر يف العمل‪ ،‬فصدرت منه معصية‬ ‫غري مكفرة؛ أنه ليس مبؤمن كليا‪.‬‬ ‫(وال يخلدونه في النار) أي ال يقولون‪ :‬إن الفاسق يف اآلخرة خملد يف النار‪.‬‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أن أهل السنة واجلماعة لكوهنم ال ينفون عن الفاسق اسم اإلميان‬ ‫بالكلية‪ ،‬فيلزم من ذلك أهنم ال خيلدونه يف النار‪.‬‬ ‫(كما تقوله المعتزلة) أي املعتزلة يقولون‪ :‬إن الفاسق خملد يف النار‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬اخلوارج واملعتزلة كلهم يقولون‪ :‬إن الفاسق خملد يف النار‪ ،‬ومل يذكر املؤلف‬ ‫اخلوارج هنا ألنه ذكر من قبل أن اخلوارج يكفرون الفاسق؛ فيمفهم من ذلك‬ ‫أهنم حيكمون عليه باخللود يف النار‪ ،‬وهلذا مل يذكرهم هنا‪.‬‬

‫(بل الفاسق يدخل في اسم اإليمان‪...‬إلخ) لَ َّما ذكر أن أهل السنة واجلماعة‬

‫ينفون عن الفاسق اسم اإلميان‪ ،‬لكن ال ينفون عنه اسم اإلميان بالكلية؛ ذكر‬ ‫بعد ذلك السبب‪.‬‬ ‫(بل الفاسق يدخل في اسم اإليمان) أي الفاسق يسمى مؤمنا‪.‬‬ ‫يعين يف الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(كما في قوله‪ :‬ﮋﭞ ﭟ ﭠﮊ) أي هذه اآلية دلت على أن الفاسق‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪117‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫يسمى مؤمنا‪ ،‬ووجه الداللة‪ :‬أن املراد بالرقبة املؤمنة هنا باإلمجاع هو‪ :‬العبد‬ ‫املسلم؛ مطيعا كان‪ ،‬أو فاسقا‪.‬‬ ‫(وقد ال يدخل في اسم اإليمان المطلق) أي وقد ال يسمى الفاسق مؤمنا‪.‬‬

‫(كما في قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﮊ وقوله ‪" :‬ال يزنى الزاني حين يزنى‬ ‫وهو مؤمن"‪...‬إلخ) أي اآلية واحلديث دال على أن الفاسق قد ال يسمى‬

‫مؤمنا‪.‬‬ ‫فأما اآلية فوجه الداللة فيها‪ :‬أن اهلل تعاىل حصر صفات أهل اإلميان بصفات‬ ‫معينة‪ ،‬وهذا يدل على أن من مل يتصف هبذه الصفات فليس مبؤمن‪ ،‬فاملسلم‬ ‫الذي ال جيل قلبه إذا ذكر اهلل ليس مبؤمن مع كونه مسلما‪ ،‬فخالصة املراد من‬ ‫هذه اآلية‪ :‬أن املسلم قد ال يسمى مؤمنا‪.‬‬ ‫وأما احلديث فوجه الداللة فيه‪ :‬أن النيب ‪ ‬أخرب عن الفاسق كالزاين والسارق‬ ‫وشارب اخلمر واملنتهب أنه ليس مؤمنا‪.‬‬ ‫(ويقولون‪ :‬هو مؤمن ناقص اإليمان‪ ،‬أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته‪ ،‬فال‬ ‫يعطى االسم المطلق‪ ،‬وال يسلب مطلق االسم) أي نتيجة لكون الفاسق‬ ‫يف الكتاب والسنة يسمى مؤمنا‪ ،‬وقد ال يسمى مؤمنا؛ فأهل السنة واجلماعة‬ ‫يعربون عنه بأحد تعبريين‪:‬‬ ‫التعبري األول‪( :‬مؤمن ناقص اإليمان) فقوهلم‪( :‬مؤمن) فيه إثبات أصل اإلميان‬ ‫له‪ ،‬وقوهلم‪( :‬ناقص اإليمان) فيه نفي كمال اإلميان عنه‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪118‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫التعبري الثاين‪( :‬مؤمن بإيمانه‪ ،‬فاسق بكبيرته) (مؤمن بإيمانه) أي مؤمن‬ ‫بسبب ما عنده من اإلميان‪( ،‬فاسق بكبيرته) أي فاسق بسبب ما عنده من‬ ‫الكبائر‪.‬‬

‫(فال يعطى االسم المطلق) أي ال يثبت له اسم اإلميان باإلطالق‪ ،‬يعين ال‬

‫يقال‪ :‬هو مؤمن؛ هكذا باإلطالق من غري تقييد‪ ،‬والسبب أن اسم "مؤمن"‬ ‫باإلطالق يراد به كامل اإلميان‪ ،‬والفاسق ليس كامل اإلميان‪.‬‬ ‫(وال يسلب مطلق االسم) أي ال ينفى عنه مجيع االسم‪ ،‬يعين ال يقال‪ :‬ليس‬

‫مبؤمن كليا‪ ،‬ألن نفي اإلميان بالكلية إمنا يكون للكافر‪ ،‬والفاسق ليس بكافر‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪119‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[أصحاب النبي ‪]‬‬

‫ه‬ ‫ول أ َْه هل ُّ ه‬ ‫ُص ه‬ ‫اع هة‪:‬‬ ‫ْج َم َ‬ ‫فَ ْ‬ ‫ص ٌل‪َ :‬وم ْن أ ُ‬ ‫السنَّة َوال َ‬ ‫(‪)6‬‬

‫(‪) 1‬‬

‫لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن أصلني من األصول املتفرعة عن األصول‬ ‫الستة؛ شرع يف الكالم عن أصل آخر‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما هو األصل الذي سيتكلم عنه املؤلف هنا؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬سيتكلم عن باب أصحاب النيب ‪.‬‬ ‫وسيذكر فيما يتعلق هبذا الباب مثانية مباحث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬بيان موقف أهل السنة واجلماعة من بغض وسب الصحابة ‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬بيان موقفهم من فضائل ومراتب الصحابة ‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬بيان موقفهم من الشهادة باجلنة للصحابة ‪.‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬بيان موقفهم من اخللفاء األربعة ‪‬؛ من حيث التفضيل‪ ،‬ومن‬ ‫حيث اخلالفة‪.‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬بيان موقفهم من أهل البيت‪.‬‬ ‫املبحث السادس‪ :‬بيان موقفهم من أزواج النيب ‪.‬‬ ‫املبحث السابع‪ :‬بيان موقفهم من طريقة الروافض مع الصحابة ‪ ،‬ومن‬ ‫طريقة النواصب مع أهل البيت‪.‬‬ ‫املبحث الثامن‪ :‬بيان موقفهم عما شجر بني الصحابة ‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪111‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫سالَمةُ قُلُوبههم وأَل ه‬ ‫اب رس ه ه‬ ‫ص َف ُهم اللُ به هه فهي‬ ‫ْسنَتههم أل ْ‬ ‫ول الل ‪‬؛ َك َما َو َ‬ ‫َص َح ه َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫قَ ْوله هه تَ َعالَى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚﭛﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧﭨﮊ‬

‫اعةَ النَّبه ِّي ‪ ‬فهي قَ وله هه‪" :‬الَ تَسبُّوا أَصحابهي؛ فَوالَّ هذي نَ ْف هسي بهي هدهه‬ ‫[الحشر]‪َ ،‬وطَ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َن أَح َد ُكم أَنْ َف َق همثْل أُح ٍد ذَ َهبا ما ب لَ َغ م َّد أَح هد ههم والَ نَ ه‬ ‫صي َفهُ" [البخاري‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫لَ ْو أ َّ َ ْ‬ ‫ا َ َ ُ َ ْ َ‬ ‫‪ ،3673‬ومسلم‪.)1(]2541 :‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث األول؛ وهو‪ :‬بيان موقفهم من بغض وسب الصحابة ‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬سالمة قلوبهم) أي من البغض‪.‬‬ ‫(وألسنتهم) أي من السب‪.‬‬ ‫(كما وصفهم الل به) أي كما وصف اهلل أهل السنة هبذا املوقف‪.‬‬ ‫(في قوله تعالى ﮋ ﭑ ﭒﮊ) املراد هبم التابعون بإحسان‪( ،‬ﮋ ﭓ‬ ‫ﭔﮊ) أي بعد الصحابة ‪( ،‬ﮋ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜﮊ) فيه سالمة ألسنتهم للصحابة حيث إهنم يدعون‬ ‫هلم ال يسبوهنم‪( ،‬ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ) فيه سالمة ِ‬ ‫قلوهبم‬ ‫من الغل‪ ،‬يعين البغض للمؤمنني‪ ،‬ويدخل يف ذلك الصحابة من باب أوىل‬ ‫ألهنم خري املؤمنني‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬ملاذا ذكر املؤلف أن اهلل وصف أهل السنة هبذا الوصف مع أن اهلل‬ ‫تعاىل إمنا وصف به الذين اتبعوا الصحابة بإحسان؟‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪111‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وي ْقب لُو َن ما ج ه ه‬ ‫ضائهلهه ْم َوَم َراتهبهه ْم(‪.)1‬‬ ‫اب َو ُّ‬ ‫السنةُ َوا هإل ْج َماعُ هم ْن فَ َ‬ ‫اء بهه الكتَ ُ‬ ‫َ​َ َ َ َ َ‬ ‫اجلواب‪ :‬ألن أهل السنة هم الذين اتبعوا الصحابة بإحسان‪.‬‬ ‫(وطاعة النبي ‪ ‬في قوله) أي مبوقفهم هذا حققوا طاعة الرسول ‪ ‬يف‬ ‫قوله الذي قاله يف هذا احلديث‪.‬‬ ‫(ال تسبوا أصحابي) فيه النهي عن سب الصحابة باملنطوق‪ ،‬وعن بغضهم‬ ‫باملفهوم؛ ألن السب إمنا يكون عن بغض‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬هذا النهي من النيب ‪ ‬كان موجها لبعض الصحابة الذين تأخر‬ ‫إسالمهم‪ ،‬ولكن يوجه لغري الصحابة من باب أوىل‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬بيان موقفهم من فضائل ومراتب الصحابة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويقبلون) أي ال يردون‪.‬‬ ‫(ما جاء به الكتاب والسنة واإلجماع) أي ما دلت عليه هذه األدلة‪.‬‬ ‫(من فضائلهم ومراتبهم) أي فيما يتعلق بفضائل ومراتب الصحابة‪.‬‬ ‫والفضائل‪ :‬مجع فضيلة‪ ،‬وهي اخلصلة احلميدة اليت يفضل هبا صاحبها على‬ ‫غريه‪ .‬واملراتب‪ :‬مجع مرتبة‪ ،‬وهي الم َممن ِزلة اليت يعلو هبا صاحبها على غريه‪،‬‬ ‫فاملعىن بني اللفظني متقارب‪.‬‬ ‫وسيذكر املؤلف فيما يتعلق بالتفضيل بني الصحابة أربعة أنواع‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬التفضيل بينهم من حيث زمن اإلنفاق واملقاتلة‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬التفضيل بينهم من حيث اهلجرة والنصرة‪.‬‬ ‫النوع الثالث‪ :‬التفضيل بينهم من حيث املشاركة يف غزوة بدر‪.‬‬ ‫النوع الرابع‪ :‬التفضيل بينهم من حيث البيعة حتت الشجرة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪112‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫َويُ َف ِّ‬ ‫ْح َديْبهيَ هة َوقَاتَل َعلَى َم ْن‬ ‫ضلُو َن َم ْن أَنْ َف َق م ْن قَ ْب هل ال َف ْت هح َو ُه َو ُ‬ ‫ْح ال ُ‬ ‫صل ُ‬ ‫أَنْ َف َق هم ْن بَ ْع هدهه َوقَاتَ َل(‪.)1‬‬ ‫ه‬ ‫صا هر(‪.)2‬‬ ‫ين َعلَى األَنْ َ‬ ‫َويُ َقد ُ‬ ‫ِّمو َن ال ُْم َهاج هر َ‬ ‫َويُ ْؤهمنُو َن بهأ َّ‬ ‫ش َر ‪" :‬ا ْع َملُوا َما‬ ‫َن اللَ قَ َ‬ ‫ال أل َْه هل بَ ْد ٍر َوَكانُوا ثَالَثَ همائَ ٍة َوبه ْ‬ ‫ض َعةَ َع َ‬ ‫رت لَ ُك ْم" [البخاري‪ ،3117 :‬ومسلم‪.)3(]2494 :‬‬ ‫هش ْئتُ ْم فَ َق ْد غَ َف ُ‬ ‫(‪ )6‬هذا النوع األول؛ وهو‪ :‬التفضيل بينهم من حيث زمن اإلنفاق واملقاتلة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويفضلون من أنفق) أي من ماله‪.‬‬ ‫(من قبل الفتح) أي قبل زمن الفتح‪.‬‬ ‫(وهو صلح الحديبية) هذا تفسري للمراد بالفتح‪ ،‬واملراد بصلح احلديبية‪:‬‬ ‫الصلح الذي مت بني النيب ‪ ‬وأصحابه وبني املشركني يف مكان يسمى‬ ‫احلديبية‪.‬‬ ‫(وقاتل) أي بنفسه‪.‬‬

‫(على من أنفق من بعد وقاتل) أي بعد الفتح‪.‬‬

‫(‪ )2‬هذا النوع الثاين؛ وهو‪ :‬التفضيل بينهم من حيث اهلجرة والنصرة‪.‬‬

‫(ويقدمون المهاجرين) املراد هبم‪ :‬الذين تركوا بلدهم مكة‪ ،‬وانتقلوا مع النيب‬

‫‪ ‬إىل املدينة‪.‬‬

‫(على األنصار) املراد هبم‪ :‬الذين ناصروا النيب ‪ ‬ومن هاجر معه يف بلدهم‬

‫املدينة‪ ،‬وهم‪ :‬األوس واخلزرج‪.‬‬ ‫(‪ )3‬هذا النوع الثالث؛ وهو‪ :‬التفضيل بينهم من حيث املشاركة يف غزوة بدر‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪113‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ت َّ‬ ‫الش َج َرةه؛ َك َما أَ ْخبَ َر به هه النَّبه ُّي ‪‬‬ ‫َح ٌد بَايَ َع تَ ْح َ‬ ‫َّار أ َ‬ ‫َوبأَنَّهُ الَ يَ ْد ُخ ُل الن َ‬

‫[مسلم‪ ،]2496 :‬بل قَ ْد ر ه‬ ‫ضوا َع ْنهُ‪ ،‬وَكانُوا أَ ْكثَ ر هم ْن أَل ٍ‬ ‫ْف‬ ‫ض َي اللُ َع ْن ُه ْم َوَر ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوأ َْربَ هع همائَ ٍة(‪.)1‬‬

‫قوله‪( :‬ويؤمنون بأن الل قال ألهل بدر) أي للصحابة الذين شاركوا يف غزوة‬ ‫بدر‪.‬‬

‫(وكانوا ثالثمائة وبضعة عشر) أي عددهم يف تلك الغزوة‪.‬‬ ‫(اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) أي مهما عملتم فقد غفرت لكم‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬ال يستفاد من هذا القول إباحة ارتكاب احملرمات‪ ،‬إمنا يستفاد منه‬ ‫البشارة حبسن اخلامتة‪ ،‬حبيث لو صدر منهم حمرم؛ فإهنم يوفقون إىل اختاذ‬ ‫أسباب املغفرة‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا النوع الرابع؛ وهو‪ :‬التفضيل بينهم من حيث البيعة حتت الشجرة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وبأنه) أي ويؤمنون بأنه‪.‬‬

‫(ال يدخل النار) أي ال مؤبدا‪ ،‬وال مؤقتا‪.‬‬

‫(أحد بايع تَحت الشجرة) أي شارك يف البيعة اليت َمتَّت َحتت الشجرة‪ ،‬اليت‬ ‫تسمى بيعة الرضوان‪.‬‬

‫(كما أخبر به النبي ‪ )‬أي بعدم دخوله النار‪.‬‬ ‫(بل قد رضي الل عنهم) أي بسبب هذه البيعة‪.‬‬ ‫(ورضوا عنه) أي مبا أعطاهم من الفضل والثواب‪.‬‬ ‫(وكانوا أكثر من ألف وأربع مائة) أي عددهم يف تلك البيعة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪114‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ول ه‬ ‫ش َرةه [الترمذي‪،]3747 :‬‬ ‫الجن هَّة له َم ْن َشه َد لَهُ َر ُس ُ‬ ‫الل ‪َ ‬كال َْع َ‬ ‫َويَ ْش َه ُدو َن به َ‬ ‫وثَابه ه‬ ‫س بْ هن َش َّم ٍ‬ ‫ت بْ هن قَ ْي ه‬ ‫الص َحابَهة(‪.)1‬‬ ‫اس [مسلم‪َ ،]119 :‬وغَْي هرهه ْم همن َّ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثالث؛ وهو‪ :‬بيان موقفهم من الشهادة باجلنة للصحابة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويشهدون بالجنة) أي بدخوهلا‪.‬‬

‫(لمن شهد له رسول الل ‪ )‬أي شهد له بعينه‪.‬‬ ‫(كالعشرة) أي العشرة املبشرون باجلنة‪.‬‬

‫وهم‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬والزبري بن العوام‪ ،‬وسعد بن أيب‬ ‫وقاص‪ ،‬وسعيد بن زيد‪ ،‬وطلحة بن عبيد اهلل‪ ،‬وعبد الرمحن بن عوف‪ ،‬وأبو‬ ‫عبيدة بن اجلراح‪. ،‬‬ ‫مسألة‪ :‬ملاذا ْسي هؤالء بالعشرة املبشرين باجلنة؟‬ ‫اجلواب‪ :‬ألن النيب ‪ ‬ذكرهم يف زجلس واحد بشرهم فيه باجلنة‪.‬‬ ‫(وثابت بن قيس بن شماس‪ ،‬وغيرهم من الصحابة) أي ممن شهد له النيب‬

‫‪ ‬بذلك‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬الشهادة للصحابة باجلنة نوعان‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬شهادة عامة‪ ،‬فأهل السنة يشهدون باجلنة لعموم الصحابة‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬شهادة خاصة‪ ،‬فأهل السنة يشهدون باجلنة لبعض الصحابة‬ ‫بأعياهنم الذين شهد هلم النيب ‪ ‬بذلك‪.‬‬ ‫وكالم املؤلف يف هذا املبحث يتعلق بالنوع الثاين‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪115‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وي هق ُّرو َن بما تَ واتَر به هه النَّ ْقل َعن أ هَمي هر ه ه‬ ‫ين َعله ِّي بْ هن أَبهي طَاله ٍ‬ ‫ب‪‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫َُ‬ ‫الم ْؤمن َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬

‫َوغَْيرهه؛ هم ْن أ َّ‬ ‫َن َخ ْي َر َه هذهه األ َُّم هة بَ ْع َد نَبهيِّ َها أَبُو بَ ْك ٍر ثُ َّم عُ َم ُر‪َ ،‬ويُثَلِّثُو َن بهعُثْ َما َن‬ ‫وي ربِّعو َن بهعله ٍّي ‪َ ‬كما َدلَّ ْ ه‬ ‫الص َحابَةُ َعلَى تَ ْق هديم‬ ‫َج َم َع َّ‬ ‫ار‪َ ،‬وَك َما أ ْ‬ ‫ََُ ُ َ‬ ‫ت َعلَْيه اآلثَ ُ‬ ‫َ‬ ‫عُثْ َما َن فهي البَ ْي َع هة‪.‬‬ ‫ه‬ ‫َن ب ْعض أ َْه هل ُّ ه‬ ‫ه ه‬ ‫َم َع أ َّ َ َ‬ ‫السنَّة َكانُوا قَد ا ْختَ لَ ُفوا في عُثْ َما َن َو َعل ٍّي َرض َي اللُ‬ ‫ض ُل؟ فَ َق َّد َم قَ ْوٌم‬ ‫َع ْن ُه َما بَ ْع َد اتِّ َفاقه ه ْم َعلَى تَ ْق هديْم أَبهي بَ ْك ٍر َوعُ َم َر أَيُّ ُه َما أَفْ َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫استَ َق َّر أ َْم ُر‬ ‫عُثْ َما َن َو َس َكتُوا أو َربَّعُوا به َعل ٍّي‪َ ،‬وقَ َّدم قَ ْوٌم َعليًّا‪َ ،‬وقَ ْوٌم تَ َوقَّ ُفوا‪ ،‬لَكن ْ‬ ‫السن هَّة َعلَى تَ ْق هد هيم عُثْ َما َن ثُ َّم َعله ٍّي‪.‬‬ ‫أ َْه هل ُّ‬ ‫ت ه هذهه الْمسأَلَةُ مسأَلَةُ عثْما َن وعلهي لَيس ْ ه‬ ‫ُص ه‬ ‫ول الَّتهي‬ ‫َوإه ْن َكانَ ْ َ‬ ‫ت من األ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ ٍّ ْ َ‬ ‫السن هَّة‪.‬‬ ‫ف فه َيها هع ْن َد ُج ْم ُهوهر أ َْه هل ُّ‬ ‫يُضلَّ ُل ال ُْم َخاله ُ‬ ‫ك أَنَّ ُه ْم يُ ْؤهمنُو َن أ َّ‬ ‫َن‬ ‫لَ هك َّن ال َم ْسأَلَةَ الَّتهي يُضلَّ ُل فهيها الْ ُم َخاله ُ‬ ‫ف الْ هخالَفَ هة؛ َو َذله َ‬ ‫ول ه‬ ‫الخلهي َفةَ بَ ْع َد ر ُس ه‬ ‫الل ‪ ‬أَبُو بَ ْك ٍر ثُ َّم عُ َم ُر ثُ َّم عُثْ َما ُن ثُ َّم َعله ٌّي‪َ ،‬وَم ْن طَ َع َن فهي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ه‬ ‫َض ُّل هم ْن هح َما هر أ َْهله هه(‪.)1‬‬ ‫َح ٍد هم ْن َه ُؤالَهء فَ ُه َو أ َ‬ ‫خالَفَة أ َ‬ ‫(‪)6‬‬

‫هذا املبحث الرابع؛ وهو‪ :‬بيان موقفهم من اخللفاء األربعة ‪‬؛ من حيث‬ ‫التفضيل‪ ،‬ومن حيث اخلالفة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويقرون) أي يعرتفون‪.‬‬

‫(بما تواتر به النقل) أي باخلرب الذي نمقل بالتواتر‪ ،‬وهو‪ :‬الذي نقله مجع عن‬ ‫مجع‪.‬‬

‫(عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الل عنه‪ ،‬وغيره) أي اخلرب نمقل‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪116‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫عن علي‪ ،‬وعن غريه من الصحابة‪.‬‬ ‫(من أن خير هذه األمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر) هذا هو اخلرب‪.‬‬ ‫(ويثلثون بعثمان) أي جيعلونه يف املرتبة الثالثة‪.‬‬ ‫(ويربعون بعلي) أي جيعلونه يف املرتبة الرابعة‪.‬‬ ‫(كما دلت عليه) أي على التثليث بعثمان والرتبيع بعلي‪.‬‬ ‫(اآلثار) يعين أن األخبار املنقولة عن النيب ‪ ‬تدل على أن عثمان أفضل من‬ ‫علي‪.‬‬

‫(وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة) أي وكذلك إمجاع‬

‫الصحابة على تقدمي عثمان على علي يف البيعة باخلالفة يدل على أنه أفضل‬ ‫منه‪.‬‬ ‫(مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الل‬ ‫عنهما بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل) يعين أن أهل‬

‫السنة مل خيتلفوا يف تقدمي أيب بكر وعمر‪ ،‬إمنا اختلف بعض أهل السنة ال‬ ‫كلهم قدميا يف عثمان وعلي فقط‪ ،‬واختالف هؤالء من حيث األفضلية فقط‪.‬‬ ‫(فقدم قوم عثمان وسكتوا‪ ،‬أو ربعوا بعلي‪ ،‬وقدم قوم علياا‪ ،‬وقوم توقفوا)‬

‫أي كيفية االختالف يف عثمان وعلي هو أهنم انقسموا على ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬قدموا عثمان‪ ،‬وهؤالء صنفان‪ ،‬صنف سكتوا يعين مل يعينوا‬ ‫رابعا‪ ،‬وصنف ربعوا بعلي‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪ :‬قدموا عليا‪ ،‬أي جعلوه الثالث‪ ،‬وعثمان الرابع‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪117‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫القسم الثالث‪ :‬توقفوا‪ ،‬أي مل يفضلوا بني عثمان وعلي‪.‬‬ ‫(لكن استقر أمر أهل السنة) أي بعد هذا االختالف‪.‬‬

‫(على تقديم عثمان ثم علي) أي على االتفاق بالتثليث بعثمان‪ ،‬والرتبيع‬ ‫بعلي‪.‬‬

‫(وإن كانت هذه المسألة مسألة عثمان وعلي) أي من حيث التفضيل‬ ‫بينهما‪.‬‬

‫(ليست من األصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة)‬ ‫أي ال يقال ملن خالف يف ذلك‪ :‬إنه ضال‪.‬‬ ‫ويشري إىل أن السبب يف عدم التضليل هو وجود اخلالف بني أهل السنة‪.‬‬

‫(لكن المسألة التي يضلل فيها المخالف الخالفة) أي املسألة اليت يقال‬ ‫فيها ملن خالف‪ :‬إنه ضال؛ هي‪ :‬مسألة اخلالفة‪.‬‬

‫(وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول اللّه ‪ ‬أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪،‬‬

‫ثم عثمان‪ ،‬ثم على) مراد املؤلف‪ :‬أن السبب يف تضليل املخالف يف مسألة‬ ‫اخلالفة هو اتفاق أهل السنة يف هذه املسألة‪.‬‬

‫(ومن طعن) أي قدح‪.‬‬

‫(في خالفة أحد هؤالء) أي كأن يقول‪ :‬خالفة أحد هؤالء باطلة‪ ،‬أو يقول‪:‬‬ ‫أحد هؤالء أحق أن يقدم على من قمدِّم عليه‪.‬‬

‫(فهو أضل من حمار أهله) أي حكمه‪ :‬أنه ضال‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪118‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫صيَّةَ ر ُس ه‬ ‫َّ‬ ‫ول‬ ‫َويُحبُّو َن أ َْه َل بَ ْيت َر ُسول الله ‪َ ‬ويَتَ َول ْونَهم‪َ ،‬ويَ ْح َفظُو َن في ه ْم َو َ‬ ‫ه‬ ‫ال يَ ْوَم غَ هدي هر ُخ ٍّم‪" :‬أ ِّ‬ ‫ُذك ُرُك ُم اللَ فهي أ َْه هل بَ ْيتهي" [مسلم‪،]2418 :‬‬ ‫ث قَ َ‬ ‫الل ‪َ ‬ح ْي ُ‬ ‫ش يج ُفو بنهي َه ه‬ ‫اس َع ِّم هه َوقَد ا ْشتَ َكى إهلَْي هه أ َّ‬ ‫ضا لهل َْعبَّ ه‬ ‫اش ٍم‬ ‫َوقَ َ‬ ‫ال أَيْ ا‬ ‫َن بَ ْع َ‬ ‫ض قُ َريْ ٍ َ ْ َ‬ ‫ال‪" :‬والَّ هذي نَ ْف هسي بهي هدهه ال ي ه‬ ‫ك ْم لهلَّ هه َولهَق َرابَتهي" [الترمذي‪:‬‬ ‫ؤمنُو َن َحتَّى يُ هحبُّوُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فَ َق َ َ‬ ‫ه ه ه ه‬ ‫ه ه ه‬ ‫يل‬ ‫‪َ ،]3758‬وقَ َ‬ ‫يل‪َ ،‬و ْ‬ ‫ال‪" :‬إه َّن اللَ ْ‬ ‫اصطَ​َفى م ْن بَني إ ْس َماع َ‬ ‫اصطَ​َفى بَني إ ْس َماع َ‬ ‫ه‬ ‫ش بنهي َه ه‬ ‫اصطَ​َفانهي‬ ‫اصطَ​َفى هم ْن كهنَانَةَ قُ َريْ ا‬ ‫اش ٍم‪َ ،‬و ْ‬ ‫شا‪َ ،‬و ْ‬ ‫كهنَانَةَ‪َ ،‬و ْ‬ ‫اصطَ​َفى م ْن قُ َريْ ٍ َ‬ ‫همن بنهي َه ه‬ ‫اش ٍم" [مسلم‪.)1(]2276 :‬‬ ‫َْ‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث اخلامس؛ وهو‪ :‬بيان موقفهم من أهل البيت‪.‬‬ ‫(ويحبون أهل بيت رسول الل ‪ )‬أي قرابته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الوالية بفتح الواو؛ وهي‪ :‬احملبة‪.‬‬ ‫(ويتولونهم) أي حيبوهنم‪ ،‬من َ‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أن ألهل البيت حقا ليس لغريهم‪ ،‬وهو حمبتهم حمبة زائدة‪.‬‬ ‫(ويحفظون) أي يصونون‪.‬‬ ‫(فيهم) أي يف أهل البيت‪.‬‬ ‫(وصية رسول الل ‪ )‬أي ما أوصى به أمته يف شأن أهل البيت‪.‬‬ ‫وحفظ الوصية معناه‪ :‬تنفيذ حمتواها‪.‬‬ ‫(حيث قال يوم غدير خم) أي يوم وصل مع أصحابه إىل الغدير الذي‬ ‫يسمى مخا‪ ،‬وذلك عند عودته من حجة الوداع‪.‬‬ ‫(أذكركم الل في أهل بيتي) أي أذكركم ما أمر اهلل به يف حق أهل البيت‪.‬‬ ‫الشاهد من احلديث‪ :‬أن النيب ‪ ‬أثبت ألهل البيت حقا ليس لغريهم‪.‬‬ ‫أيضا للعباس عمه‪ ،‬وقد اشتكى إليه) أي أخربه مبا يكره‪.‬‬ ‫(وقال ا‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪119‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫هه‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫َّ‬ ‫اجهُ فهي‬ ‫ين‪َ ،‬ويُ ْؤمنُو َن بهأَنَّ ُه َّن أَ ْزَو ُ‬ ‫َويَتَ َول ْو َن أَ ْزَو َ‬ ‫اج َر ُسول الل ‪ ‬أ َُّم َهات ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫هه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫آم َن بههه‬ ‫اآلخ َرة‪ُ ،‬خ ُ‬ ‫ص ا‬ ‫وصا َخديْ َجةَ َرض َي اللُ َع ْن َها أ ُُّم أَ ْكثَ هر أ َْوالَده َوأ ََّو ُل َم ْن َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّيق ر ه‬ ‫ضي‬ ‫ت ِّ‬ ‫الم ْن هزلَةُ ال َْعالهيَةُ‪َ ،‬و ِّ‬ ‫َو َع َ‬ ‫الصدِّي َقةُ بهْن ُ‬ ‫الصد ه َ‬ ‫اض َدهُ َعلَى أ َْم هره َوَكا َن لَ َها م ْنه َ‬ ‫ض هل الثَّ هر ه‬ ‫يد‬ ‫الل َع ْن ُهما الَّتهي قَ َ‬ ‫ِّس هاء َك َف ْ‬ ‫ال فهيها النَّبه ُّي ‪" :‬فَ ْ‬ ‫ض ُل َعائه َ‬ ‫شةَ َعلَى الن َ‬ ‫َعلَى َسائ هر الطَّ َع هام" [البخاري‪ ،3411 :‬ومسلم‪.)1(]2431 :‬‬ ‫(إن بعض قريش يجفو بني هاشم) أي يتعامل معهم باجلفاء‪ ،‬يعين الغلظة‪.‬‬ ‫(فقال‪ :‬والذي نفسي بيده ال يؤمنون حتى يحبوكم لل ولقرابتي) أي ال‬ ‫يكمل إميا مهنم‪ ،‬حىت محيبوكم ألمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬هلل‪ ،‬يعين لكونكم مؤمنني‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬لقرابيت‪ ،‬يعين لقرابتكم مين‪.‬‬ ‫الشاهد من احلديث أن النيب ‪َّ ‬بني ما هو حق أهل البيت‪ ،‬وسبب هذا احلق‪.‬‬ ‫فأما حقهم فهو‪ :‬حمبتهم حمبة زائدة‪ ،‬وأما السبب فألنه اجتمع فيهم أمران‬ ‫يوجبان ذلك‪ :‬اإلميان‪ ،‬والقرابة من النيب ‪.‬‬ ‫(وقال‪" :‬إن الل اصطفى بني إسماعيل‪ ،‬واصطفى من بني إسماعيل كنانة‪،‬‬ ‫واصطفى من كنانة قريشا‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم‪ ،‬واصطفاني من‬ ‫بني هاشم")‬ ‫الشاهد من احلديث‪ :‬أن النيب ‪ ‬أثبت أن أهل البيت هم‪ :‬بنو هاشم؛‬ ‫لقرابتهم منه‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث السادس؛ وهو‪ :‬بيان موقفهم من أزواج النيب ‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويتولون) أي حيبون‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪121‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(أزواج رسول الل ‪ )‬أي مجيع زوجاته‪.‬‬ ‫فيحبوهنن كمحبة األم‬ ‫(أمهات المؤمنين) أي أمهاهتم يف املقام ال يف النسب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫من النسب؛ احملبة اليت توجب االحرتام واإلكرام‪.‬‬ ‫(ويؤمنون بأنهن أزواجه في اآلخرة) أي كما أهنن أزواجه يف الدنيا‪.‬‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أن ألزواج النيب ‪ ‬حقا ليس لغريهن‪ ،‬وهو حمبتهن حمبة زائدة‬ ‫على غريهن‪.‬‬ ‫والسبب أنه اجتمع فيهن ثالثة أمور توجب ذلك‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اإلميان‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬صلتهن بالنيب ‪ ‬لكوهنن زوجاته يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أهنن أمهات املؤمنني‪.‬‬ ‫وخصوصا خديجة رضي الل عنها) أي محيبون مجيع أزواج النيب ‪‬‬ ‫(‬ ‫ا‬ ‫وخصوصا خدجية‪.‬‬ ‫(أم أكثر أوالده‪ ،‬وأول من آمن به‪ ،‬وعاضده على أمره‪ ،‬وكان لها منه ال َْم ْن هزلة‬ ‫العالية) أي السبب يف ختصيص خدجية باحملبة‪ :‬أهنا متيزت بأمور‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫األول‪( :‬أم أكثر أوالده) فكل أوالده من خدجية‪ ،‬ماعدا إبراهيم فمن مارية‪.‬‬ ‫الثاين‪( :‬وأول من آمن به) أي على أنه رسول‪( ،‬وعاضده على أمره) أي‬ ‫أعانه على أعباء الرسالة؛ وذلك باملال‪ ،‬والتشجيع‪ ،‬وحتمل األذى معه‪.‬‬ ‫الثالث‪( :‬وكان لها منه ال َْم ْن هزلة العالية) أي كان هلا يف نفسه املكانة الرفيعة‪.‬‬ ‫(والصديقة بنت الصديق رضي الل عنهما) أي محيبون مجيع أزواج النيب ‪‬؛‬ ‫وخصوصا خدجية‪ ،‬وعائشة بنت أيب بكر رضي اهلل عنهم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪121‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫الروافه ه َّ ه‬ ‫ه‬ ‫سبُّونَ ُه ْم‪َ ،‬وطَ هري َق هة‬ ‫ضو َن َّ‬ ‫ين يُ ْب هغ ُ‬ ‫ض الذ َ‬ ‫َويَتَبَ َّرءُو َن م ْن طَ هريقة َّ َ‬ ‫الص َحابَةَ َويَ ُ‬ ‫النَّو ه‬ ‫ب الَّ هذين ي ْؤذُو َن أ َْهل الب ْي ه‬ ‫اص ه‬ ‫ت بهَق ْوٍل و َع َم ٍل(‪.)1‬‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫(التي قال فيها النبي ‪" :‬فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على‬ ‫سائر الطعام") أي السبب يف ختصيص عائشة باحملبة‪ :‬أهنا متيزت بأمور‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫أن النيب ‪ ‬نص على أهنا أفضل النساء‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬عدد أزواج النيب ‪ ‬إحدى عشرة‪ ،‬اثنتان توفيتا قبله‪ ،‬ومها‪ :‬خدجية‪،‬‬ ‫وزينب بنت خزمية اهلاللية‪ ،‬وتسع توفني بعده‪ ،‬وهن‪ :‬عائشة بنت أيب بكر‪،‬‬ ‫وحفصة بنت عمر‪ ،‬وجويرية‪ ،‬وزينب بنت جحش‪ ،‬وسودة‪ ،‬وصفية‪ ،‬وميمونة‪،‬‬ ‫وأم حبيبة‪ ،‬وأم سلمة‪.‬‬ ‫فائدة أخرى‪ :‬عدد أوالد النيب ‪ ‬سبعة‪ ،‬ثالثة بنني وأربع بنات‪ ،‬أما البنون‬ ‫فهم‪ :‬القاسم‪ ،‬وعبد اهلل‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وأما البنات فهن‪ :‬رقية‪ ،‬وزينب‪ ،‬وفاطمة‪،‬‬ ‫وأم كلثوم‪ ،‬وكلهم ماتوا قبله إال فاطمة فإهنا ماتت بعده‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬أيهما أفضل خدجية أم عائشة؟‬ ‫اجلواب‪ :‬هذه املسألة فيها خالف‪ ،‬وظاهر تصرف املؤلف التوقف‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث السابع؛ وهو‪ :‬بيان موقفهم من طريقة الروافض مع الصحابة‪ ،‬ومن‬ ‫طريقة النواصب مع أهل البيت‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويتبرءون من طريقة الروافض؛ الذين يبغضون الصحابة‪ ،‬ويسبونهم)‬ ‫املراد يبغضون ويسبون أكثر الصحابة‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬ملاذا الروافض يبغضون ويسبون أكثر الصحابة؟‬ ‫اجلواب‪ :‬اعتقدوا بال برهان أن علي رضي اهلل عنه أوىل باخلالفة من غريه‪ ،‬وأن‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪122‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫الص َحابَهة(‪.)1‬‬ ‫َويُ ْم هس ُكو َن َع َّما َش َج َر بَ ْي َن َّ‬ ‫النيب ‪ ‬أوصى باخلالفة له‪ ،‬وأن أوالد علي أوىل باخلالفة بعده‪ ،‬وأن أكثر‬ ‫الصحابة مل ينفذوا الوصية بعد موت النيب ‪ ،‬فيكونون بذلك قد ارتدوا‪،‬‬ ‫وماتوا على الكفر‪ ،‬وظلموا آل البيت‪ ،‬وعلى هذا فبالغض والسب من األدلة‬ ‫على والئهم آلل البيت‪.‬‬ ‫(وطريقة النواصب) أي ويتربءون من طريقة النواصب‪.‬‬ ‫(الذين يؤذون أهل البيت) أي يعتدون عليهم‪.‬‬ ‫(بقول وعمل) (قول) مثل السب‪ ،‬و(عمل) مثل القتل‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬ملاذا هؤالء نصبوا العداء ألهل البيت؟‬ ‫اجلواب‪ :‬ألغراض سياسية يف ذلك الوقت‪ ،‬وهلذا ليس هلم وجود اآلن‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬مل يذكر املؤلف موقف اخلوارج مع الصحابة‪ ،‬مع أهنم يبغضون الصحابة‬ ‫ويكفروهنم‪ ،‬والسبب يف عدم ذكره إياهم‪ :‬أن بغضهم وتكفريهم للصحابة مبين‬ ‫على أن الصحابة فعلوا كبائر‪ ،‬فأصل مذهبهم هو‪ :‬التكفري بالكبرية‪ ،‬فاكتفى‬ ‫املؤلف بذكرهم يف املوضع الالئق هبم‪ ،‬وهو‪ :‬باب الدين واإلميان‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثامن؛ وهو‪ :‬بيان موقفهم عما شجر بني الصحابة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويمسكون) أي يسكتون‪ ،‬وال يتكلمون‪.‬‬ ‫(عما شجر بين الصحابة) أي عما وقع بينهم من الشجار‪ ،‬يعين االختالف‪.‬‬ ‫فالصحابة ‪ ‬وقع بينهم اختالف بعد مقتل عمر بن اخلطاب‪ ،‬واشتد بعد‬ ‫مقتل عثمان بن عفان‪ ،‬حىت وصل إىل حد القتال‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬ما هو السبب يف اإلمساك عما وقع بني الصحابة من االختالف؟‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪123‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫هه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ب‪َ ،‬وهم ْن َها َما‬ ‫سا هويه ْم م ْن َها َما ُه َو َكذ ٌ‬ ‫َويَ ُقولُو َن‪ :‬إه َّن َهذه اآلثَ َ‬ ‫ار الْ َم ْر هويَّةَ في َم َ‬ ‫الص هح ه‬ ‫هه‬ ‫ه‬ ‫هه ه‬ ‫ورو َن؛ إه َّما‬ ‫قَ ْد هزي َد فيه َونُق َ‬ ‫يح م ْنهُ ُه ْم فيه َم ْع ُذ ُ‬ ‫ص َوغُيِّ َر َع ْن َو ْجهه‪َ ،‬و َّ ُ‬ ‫م ْجتَه ُدو َن م ه‬ ‫صيبُو َن‪َ ،‬و َّإما ُم ْجتَه ُدو َن ُم ْخ هطئُون(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫(‪)6‬‬

‫اجلواب‪ :‬ألن الكالم عما وقع بينهم من االختالف وسيلة لبغضهم وسبهم‪،‬‬ ‫وبغضهم وسبهم حمرم‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر املؤلف موقف أهل السنة واجلماعة عما وقع بني الصحابة من‬ ‫االختالف؛ ناسب أن يذكر موقفهم من اآلثار املروية يف مساويهم‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويقولون) أي أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(إن هذه اآلثار) أي األخبار‪.‬‬ ‫(المروية) أي املنقولة‪.‬‬ ‫(في مساويهم) أي يف األعمال اليت ظاهرها سوء منهم‪.‬‬ ‫واملراد‪ :‬ما وقع بينهم من اختالف‪.‬‬ ‫(منها ما هو كذب) هذا هو القسم األول‪.‬‬ ‫(منها) أي من هذه األخبار‪.‬‬ ‫(ما هو كذب) أي ليس بصحيح‪ ،‬بل هو من صنع الراوي‪.‬‬ ‫(ومنها ما قد زيد فيه‪ ،‬ونقص‪ ،‬وغير عن وجهه) هذا هو القسم الثاين‪.‬‬ ‫(ومنها) أي من هذه األخبار‪.‬‬ ‫(ما قد زيد فيه ونقص) أي أصله صحيح‪ ،‬ولكن الراوي قد زاد فيه ونقص‪.‬‬ ‫(وغير عن وجهه) أي بسبب الزيادة والنقصان تغري‪ ،‬فخرج عن معناه الصحيح‪.‬‬ ‫(والصحيح منه؛ هم فيه معذورون‪ ،‬إما مجتهدون مصيبون‪ ،‬وإما مجتهدون‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪124‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫مخطئون) هذا هو القسم الثالث‪.‬‬ ‫(والصحيح منه) أي وما صح من اخلرب يف اختالفهم‪.‬‬ ‫(هم) أي الصحابة‪.‬‬ ‫(فيه) أي فيما صح من هذا اخلرب‪.‬‬ ‫(معذورون) أي ال يعاقبون‪.‬‬ ‫(إما مجتهدون مصيبون‪ ،‬وإما مجتهدون مخطئون) أي السبب يف أهنم‬ ‫معذورون هو‪ :‬أهنم زجتهدون يعين قصدوا احلق‪ ،‬واجملتهد الذي يقصد احلق قد‬ ‫يصيب وقد خيطئ‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن األخبار اليت تنقل يف اختالف الصحابة ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اخلرب املكذوب‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬اخلرب احملرف‪.‬‬ ‫وهذان حكمهما الرد‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬اخلرب الصحيح‪ ،‬وهذا حكمه القبول‪ ،‬لكن املوقف من نفس املخرب‬ ‫عنهم أعين الصحابة هو‪ :‬اعتقاد أهنم معذورون؛ والسبب‪ :‬أن اختالفهم واقع‬ ‫عن اجتهاد منهم‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬ملاذا يقال إن ما صح من اختالف الصحابة واقع عن اجتهاد منهم؟‬ ‫اجلواب‪ :‬ألنه تعارض لدينا يقني واحتمال‪ ،‬أما اليقني فهو‪ :‬أن الصحابة خري‬ ‫الناس بداللة الكتاب والسنة‪ ،‬وأما االحتمال فهو‪ :‬أن اختالفهم إما أن يكون‬ ‫عن اجتهاد منهم‪ ،‬وإما أن يكون عن تعمد‪ ،‬وكوننا ال نعلم أنه وقع عن تعمد‬ ‫قدمنا االجتهاد؛ ألنه هو املوافق ملا حنن متيقنون به من أهنم خري الناس‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪125‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫َن ُك َّل و ه‬ ‫اح ٍد همن َّ ه‬ ‫ه‬ ‫وم َع ْن َكبَائه هر‬ ‫َو ُه ْم َم َع َذله َ‬ ‫صٌ‬ ‫الص َحابَة َم ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫ك الَ يَ ْعتَق ُدو َن أ َّ َ‬ ‫الذنُ ه‬ ‫ْج ْملَة(‪.)1‬‬ ‫صغَائه هره‪ ،‬بَ ْل يَ ُج ُ‬ ‫وز َعلَْيهم ُّ ُ‬ ‫ا هإلثْ هم َو َ‬ ‫وب في ال ُ‬ ‫(‪)6‬‬

‫لَ َّما ذكر املؤلف أن أهل السنة واجلماعة يعتقدون أن ما صح من اختالف‬ ‫الصحابة واقع عن اجتهاد منهم؛ ناسب أن يذكر موقفهم من اعتقاد العصمة‬ ‫للصحابة‪ ،‬أعين هل يعتقدون أن الصحابة ال يذنبون؟‬ ‫قوله‪( :‬وهم) أي أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(مع ذلك) أي مع كوهنم يقولون‪ :‬إن ما صح من اختالف الصحابة واقع‬ ‫منهم عن اجتهاد‪.‬‬ ‫(ال يعتقدون) أي ليس يف اعتقادهم‪.‬‬ ‫(أن كل واحد من الصحابة) أي كل فرد منهم‪.‬‬ ‫(معصوم) أي حممي‪.‬‬ ‫(من كبائر اإلثم وصغائره) أي من الوقوع يف اإلمث صغائر وكبائر‪.‬‬ ‫(بل يجوز) أي ميكن‪.‬‬ ‫(عليهم) أي على الصحابة بأفرادهم‪.‬‬ ‫(الذنوب) أي وقوع الذنوب منهم‪.‬‬ ‫(في الجملة) أي من حيث اإلمجال‪.‬‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أهنم من حيث اإلمجال هم يف الذنوب كسائر البشر يذنبون‪،‬‬ ‫وأما من حيث التفصيل فالذنوب اليت تقع منهم ليست كالذنوب اليت تقع من‬ ‫غريهم؛ فهم أهون من غريهم من حيث عظم الذنب وصغره‪ ،‬ومن حيث كثرة‬ ‫الذنوب وقلتها‪ ،‬ومن حيث االستمرار يف الذنب واإلقالع عنه‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪126‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫السوابه هق وال َف َ ه‬ ‫ص َد َر‪ ،‬على‬ ‫ب َم ْغ هف َرَة َما يَ ْ‬ ‫ص ُد ُر م ْن ُه ْم إه ْن َ‬ ‫َولَ ُه ْم من َّ َ َ‬ ‫ضائ هل َما يُوج ُ‬ ‫ات ما الَ ي ه‬ ‫َن لَ ُهم همن الحسنَ ه‬ ‫أنَّهُ ي ْغ َفر لَ ُهم همن َّ ه‬ ‫ات‬ ‫غفر ل َم ْن بَ ْع َد ُه ْم؛ أل َّ ْ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫َ​َ‬ ‫السيِّئَ َ ُ ُ‬ ‫ول ه‬ ‫الَّتهي تَمحو َّ ه‬ ‫ت بهَق ْوهل ر ُس ه‬ ‫الل ‪ ‬أَنَّ ُه ْم‬ ‫س له َم ْن بَ ْع َد ُه ْم‪َ ،‬وقَ ْد ثَبَ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫السيِّئَات َما لَْي َ‬ ‫َن الم َّد همن أَح هد ههم إهذَا تَص َّد َق به هه َكا َن أَفْ َ ه‬ ‫ه‬ ‫ُح ٍد‬ ‫َ‬ ‫ض َل م ْن َجبَ هل أ ُ‬ ‫َخ ْي ُر ال ُق ُرون‪َ ،‬وأ َّ ُ ْ َ ْ‬ ‫ذَهبا هم َّمن ب ع َدهم‪ ،‬ثُ َّم إهذَا َكا َن قَ ْد ص َدر همن أ ه ه‬ ‫اب‬ ‫ب؛ فَ يَ ُكو ُن قَ ْد تَ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َحده ْم ذَنْ ٌ‬ ‫َا ْ َ ْ ُ ْ‬ ‫هم ْنهُ‪ ،‬أَو أَتَى بهحسنَ ٍ‬ ‫اع هة ُم َح َّم ٍد‬ ‫ات تَ ْم ُحوهُ‪ ،‬أ َْو غُ هف َر لَهُ؛ بهَف ْ‬ ‫ض هل َسابهَقتهه‪ ،‬أ َْو به َ‬ ‫ش َف َ‬ ‫ْ‬ ‫َ​َ‬ ‫ه‬ ‫َح ُّق الن ه‬ ‫اعته هه‪ ،‬أَو ابْ تُله َي بهبَالٍَء فهي ُّ‬ ‫الدنْ يَا ُك ِّف َر به هه َع ْنهُ(‪.)1‬‬ ‫َّاس به َ‬ ‫ش َف َ‬ ‫‪ ‬الَّذي ُه ْم أ َ‬

‫(‪)6‬‬

‫اخلالصة‪ :‬أن أهل السنة واجلماعة يعتقدون أن الفرد من الصحابة غري معصوم‬ ‫من الوقوع يف الذنوب‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر املؤلف أن أهل السنة واجلماعة يعتقدون أن الفرد من الصحابة غري‬ ‫معصوم من الوقوع يف الذنوب‪ ،‬ناسب أن يذكر موقفهم من الذنوب اليت‬ ‫صدرت منهم‪ ،‬أعين هل يعتقدون أهنا مغفورة أو ال؟‬ ‫قوله‪( :‬ولهم) أي للصحابة خصوصا‪.‬‬

‫(من السوابق والفضائل) السوابق‪ :‬أي األعمال الصاحلة اليت سابقوا إليها‪،‬‬ ‫ضلوا هبا على غريهم‪.‬‬ ‫والفضائل‪ :‬أي اخلصال احلميدة اليت فم ِّ‬

‫(ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر) مراد املؤلف أنه لو صدر من‬ ‫الصحابة ذنب‪ ،‬مهما كانت عظمته؛ فلهم سوابق وفضائل عظيمة توجب‬ ‫مغفرة ذلك‪.‬‬ ‫(على أنه) أي زيادة على ما تقدم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪127‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(يغفر لهم) أي خصوصا هلم‪.‬‬ ‫(من السيئات ما ال يغفر لمن بعدهم؛ ألن لهم من الحسنات التي تمحو‬ ‫السيئات ما ليس لمن بعدهم) مراد املؤلف‪ :‬أنه لو كان غري الصحابة يستحقون‬ ‫أن تمغفر هلم سيآهتم الكثرية‪ ،‬مبا عندهم من احلسنات الكثرية‪ ،‬فالصحابة أوىل‬ ‫أن تغفر هلم سيآهتم‪ ،‬مهما كانت كثرهتا؛ ألهنم أكثر حسنات من غريهم‪.‬‬ ‫(وقد ثبت) أي فيما يدل على عظم سوابقهم وفضائلهم وكثرة حسناهتم‪.‬‬ ‫(بقول النبي ‪" ‬أنَّهم خير القرون") هذا دليل على عظم سوابقهم‬

‫وفضائلهم‪ ،‬ووجه الداللة على ذلك‪ :‬أن اإلخبار بأهنم خري الناس‪ ،‬يدل على‬ ‫أهنم أعظم الناس سوابق وفضائل‪.‬‬

‫("وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن‬ ‫ِ‬ ‫حسناهتم‪ ،‬ووجه الداللة على ذلك‪ :‬أن اإلخبار‬ ‫بعدهم") هذا دليل على كثرة‬ ‫بأن الصدقة القليلة منهم‪ ،‬أعظم أجرا من الصدقة الكثرية ممن بعدهم‪ ،‬يدل‬ ‫على أهنم أكثر حسنات ممن بعدهم‪.‬‬ ‫(ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب) أي من أحد الصحابة‪.‬‬ ‫(فيكون قد تاب منه) أي طلب التوبة منه‪.‬‬ ‫(أو أتى بحسنات تمحوه) أي لو افرتض أنه مل يتب فإنه قد يأيت بعد هذا‬ ‫الذنب حبسنات تزيله‪.‬‬

‫(أو غفر له بفضل سابقته) أي لو افرتض أنه مل يأت بعد الذنب حبسنات؛‬ ‫كأن يكون عاجله املوت‪ ،‬فإنه يغفر له بسبب ما قدمه سابقا قبل فعل الذنب‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪128‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫من األعمال الصاحلة‪.‬‬ ‫(أو بشفاعة محمد ‪ ‬الذي هم أحق الناس بشفاعته) أي لو افرتض أنه‬ ‫مل يغفر له بفضل سابقته فإنه يغفر له بشفاعة حممد ‪ ‬يوم القيامة‪ ،‬ألن‬ ‫الصحابة أوىل من يشفع هلم النيب ‪‬؛ لكوهنم حتملوا معه أعباء الرسالة‪.‬‬

‫(أو ابتلي ببالء في الدنيا كفر به عنه) أي وقد ال حيتاج أن يشفع له يوم‬ ‫القيامة ـ يعين بعدم دخوله النار ـ ألنه قد ابتلي يف الدنيا ببالء مكفِّر هبذا البالء‬ ‫عن ذنبه‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن ذنوب الصحابة مغفورة؛ ألن أسباب املغفرة متوفرة هلم‪.‬‬ ‫وأسباب املغفرة املتوفرة هلم نوعان‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬أسباب خاصة ال يشاركهم فيها غريهم‪ ،‬ومها سببان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ما هلم من السوابق والفضائل العظيمة‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬ما هلم من احلسنات الكثرية‪.‬‬ ‫النوع الثاين‪ :‬أسباب عامة‪ ،‬وهي اليت يشاركهم فيها غريهم‪ ،‬وهي مخسة‬ ‫أسباب‪:‬‬ ‫األول‪ :‬التوبة من الذنب‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬احلسنات بعد الذنب‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬األعمال الصاحلة قبل الذنب‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬شفاعة حممد ‪ ‬هلم يوم القيامة‪.‬‬ ‫اخلامس‪ :‬االبتالء يف الدنيا‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪129‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫الذنُ ه‬ ‫فَهإ َذا َكا َن َه َذا فهي ُّ‬ ‫ف في األ ُ​ُموهر الَّتهي َكانُوا فه َيها‬ ‫وب الْ ُم َح َّق َق هة؛ فَ َك ْي َ‬ ‫ان‪ ،‬وإه ْن أَ ْخطَئوا؛ فَ لَهم أَجر و ه‬ ‫م ْجتَه هدين‪ :‬إه ْن أَصابوا؛ فَلَ ُهم أ ْ ه‬ ‫ْخطَأُ‬ ‫اح ٌد‪َ ،‬وال َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ٌْ َ‬ ‫َج َر َ‬ ‫َ‬ ‫ور(‪.)1‬‬ ‫َم ْغ ُف ٌ‬

‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر املؤلف أن أهل السنة واجلماعة يعتقدون أن ذنوب الصحابة مغفورة؛‬ ‫ناسب أن يذكر موقفهم من االختالف الذي صدر منهم عن اجتهاد‪.‬‬ ‫أعين هل يعتقدون أن هذا االختالف مغفور هلم أيضا أو ال؟‬ ‫قوله‪( :‬فإذا كان هذا) أي احلكم باملغفرة‪.‬‬

‫(في الذنوب المحققة) أي يف الذنوب اليت صدرت منهم مع معرفتهم هلا أهنا‬ ‫ذنوب‪.‬‬

‫(فكيف في األمور) أي يف االختالفات‪.‬‬ ‫(التي كانوا فيها مجتهدين) أي اليت صدرت منهم عن اجتهاد‪.‬‬ ‫(إن أصابوا فلهم أجران) أي أجر على حسن النية‪ ،‬وأجر على اإلصابة يف‬

‫العمل‪.‬‬

‫(وإن أخطئوا فلهم أجر واحد‪ ،‬والخطأ مغفور) أي هلم أجر واحد على‬ ‫حسن النية‪ ،‬واخلطأ يف العمل ال يؤجرون عليه ألنه خطأ‪ ،‬ولكن يغفر هلم فيه؛‬ ‫ألنه صدر منهم عن اجتهاد‪ ،‬ال عن تعمد‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن االختالف الذي صدر من الصحابة عن اجتهاد‪ ،‬زيادة على أنه‬ ‫مغفور هلم؛ هم فيه مأجورون‪ ،‬إما أجرين‪ ،‬وإما أجرا واحدا‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪131‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫َّ ه‬ ‫ه‬ ‫ور فهي َج ْن ه‬ ‫ثم َّ‬ ‫ب‬ ‫يل نَ ْزٌر َم ْغ ُم ٌ‬ ‫إن ال َق ْد َر الذي يُ ْن َك ُر م ْن ف ْع هل بَ ْعضه ْم قَل ٌ‬ ‫الل ورسوله هه‪ ،‬والْجه ه‬ ‫ضائه هل ال َقوهم ومح ه‬ ‫اسنههم؛ همن ا هإليْم ه‬ ‫ان به ه‬ ‫اد فهي َسبيهلهه‪،‬‬ ‫فَ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ​َ ُ‬ ‫ْ َ​َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫والْه ْجرةه‪ ،‬والن ْ ه ه‬ ‫الصاله هح(‪.)1‬‬ ‫الع َم هل َّ‬ ‫ُّصرة‪َ ،‬والْعل هْم النَّاف هع‪َ ،‬و َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ومن نَظَر فهي هسيرةه الْ َقوم به هعل ٍْم وب ه‬ ‫ضائه هل؛‬ ‫ص َيرةٍ‪َ ،‬وَما َم َّن اللُ َعلَْي ه ْم به هه همن ال َف َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ​َ ْ َ‬ ‫الخل هْق بَ ْع َد األَنْبهيَ هاء‪ ،‬الَ َكا َن َوالَ يَ ُكو ُن همثْ لُ ُه ْم‪َ ،‬وأَنهم‬ ‫َعله َم يَهقيناا أَنهم َخ ْي ُر َ‬ ‫الص ْفوةُ همن قُر ه‬ ‫ون َه هذهه األ َُّم هة الَّتهي هه َي َخ ْي ُر األ َُم هم َوأَ ْك َرُم َها َعلَى الل(‪.)2‬‬ ‫َّ َ ْ ُ‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر املؤلف موقف أهل السنة واجلماعة من ذنوب واختالف الصحابة‪ ،‬ناسب‬ ‫أن يذكر القدر الذي ينكر من فعل بعضهم من تلك الذنوب وذلك االختالف‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ثم القدر) أي الكمية‪.‬‬

‫(الذي ينكر من فعل بعضهم) أي بعض الصحابة‪.‬‬ ‫(قليل نزر) نزر‪ :‬أي قليل جدا‪.‬‬ ‫(مغمور) أي مغطى وخمفي‪.‬‬ ‫(في جنب فضائل القوم ومحاسنهم) أي ما هلم من الفضائل واحملاسن‪.‬‬ ‫(من اإليمان بالل ورسوله‪ ،‬والجهاد في سبيله‪ ،‬والهجرة والنصرة‪ ،‬والعلم‬ ‫النافع والعمل الصالح) هذا تفسري ملا هلم من الفضائل واحملاسن‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫اخلالصة‪ :‬أن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل جدا‪ ،‬وهو يف جنب‬ ‫فضائلهم وحماسنهم ال يعد شيئا‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر املؤلف القدر الذي ينكر من فعل بعض الصحابة؛ ناسب أن خيتم‬ ‫الكالم عنهم بذكر َممن ِزلَتِهم‪ ،‬بالنظر يف سريهتم وفضائلهم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪131‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫قوله‪( :‬ومن نظر) أي تأمل‪.‬‬ ‫(في سيرة القوم) أي يف أحواهلم وقصصهم‪.‬‬ ‫(بعلم وبصيرة) أي مبعرفة صحيحة‪.‬‬ ‫(وما من الل عليهم به) أي وما أختصهم به‪.‬‬ ‫(من الفضائل) أي من اخلصال اليت فضلوا هبا على غريهم‪.‬‬ ‫(علم يقيناا) أي عرف من غري شك‪.‬‬

‫(أنهم خير الخلق بعد األنبياء) أي أهنم خري‪ ،‬حىت على من قبلهم‪ ،‬إال‬ ‫األنبياء‪.‬‬ ‫(ما كان) أي فيمن قبلهم‪.‬‬ ‫(وال يكون) أي فيمن بعدهم‪.‬‬ ‫(مثلهم) أي يف اخلريية‪.‬‬

‫(وأنهم) أي وعلم يقينا أهنم‪.‬‬ ‫(الصفوة) أي املختارة‪.‬‬ ‫(من قرون) أي من أجيال‪.‬‬ ‫(هذه األمة) أي أمة حممد ‪.‬‬ ‫(التي هي خير األمم وأكرمها على الل) مراد املؤلف‪ :‬كما أن هذه األمة خري‬ ‫األمم وأكرمها على اهلل‪ ،‬فقرن الصحابة خري قرون هذه األمة وأكرمها على‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن سريهتم وفضائلهم تدل على أهنم خري الناس بعد األنبياء‪.‬‬


‫‪132‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[كرامات األولياء]‪‬‬

‫ه‬ ‫ُص ه‬ ‫السن هَّة‪:‬‬ ‫ول أ َْه هل ُّ‬ ‫َوم ْن أ ُ‬ ‫الت ْ ه‬ ‫يق به َكرام ه‬ ‫ات األ َْولهيَ هاء‪َ ،‬وَما يُ ْج هري اللُ َعلَى أَيْ هدي ه ْم؛ هم ْن َخ َوا هر هق‬ ‫َّصد ُ َ َ‬ ‫ه‬ ‫الْع َ ه ه‬ ‫ات‪ ،‬وأَنْ و هاع ال ُق ْدرةه والتَّأْثهير ه‬ ‫وم والْم َكا َش َف ه‬ ‫ات(‪.)2‬‬ ‫َ‬ ‫ادات‪ ،‬في أَنْ َو هاع الْعُلُ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫(‪) 1‬‬

‫(‪)6‬‬

‫لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن أصل من األصول املتفرعة عن األصول‬ ‫الستة‪ ،‬شرع يف الكالم عن أصل آخر‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما هو األصل الذي سيتكلم عنه املؤلف هنا؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬سيتكلم عن باب كرامات األولياء‪.‬‬ ‫واألولياء هم‪ :‬أهل اإلميان والتقوى؛ كما قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛﭜ ﭝﭞﭟ ﭠ ﮊ‬

‫[يونس]‪.‬‬ ‫وعالمة اإلميان والتقوى‪ :‬التقيد بالكتاب والسنة‪ ،‬يف الفعل والرتك‪.‬‬ ‫وسيذكر املؤلف فيما يتعلق هبذا الباب مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬بيان موقف أهل السنة واجلماعة من كرامات األولياء‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬بيان زمن وجود هذه الكرامات‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث األول؛ وهو‪ :‬بيان موقف أهل السنة واجلماعة من كرامات األولياء‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪133‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫قوله‪( :‬التصديق بكرامات األولياء) أي مبا يكرم اهلل به األولياء‪.‬‬ ‫(وما يُجري الل على أيديهم من خوارق العادات) هذه اجلملة معطوفة على‬ ‫ما قبلها‪ ،‬واملراد هبا تفسري الكرامات‪.‬‬ ‫(وما يجري الل) أي ما يسريه‪.‬‬ ‫(على أيديهم) أي على أيدي األولياء‪.‬‬ ‫(من خوارق العادات) أي مما هو خالف املعتاد‪.‬‬

‫اخلالصة‪ :‬أن الكرامة تتضمن قيدين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن تكون أمرا خارقا للعادة‪ ،‬فأما ما كان موافقا للعادة‪ ،‬فليس بكرامة‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن َجتري على يد الويل‪ ،‬وأما ما َجيري على يد من ليس بويل؛ كالساحر‬ ‫واملشعوذ‪ ،‬فليس بكرامة‪.‬‬ ‫(في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات) املراد هبذه اجلملة‬

‫ذكر أقسام الكرامات‪.‬‬

‫(في أنواع العلوم والمكاشفات) هذا هو القسم األول‪.‬‬ ‫(أنواع) مجع نوع‪( ،‬العلوم) مجع علم‪( ،‬المكاشفات) مجع مكاشفة‪ ،‬وهي‬

‫مبعىن العلم‪.‬‬ ‫خالصة هذا القسم‪ :‬أن يعلم الويل شيئا ال يستطيع أن يعلمه اإلنسان عادة‪.‬‬ ‫(وأنواع القدرة والتأثيرات) هذا هو القسم الثاين‪.‬‬

‫(أنواع) مجع نوع‪( ،‬التأثيرات) مجع تأثري‪ ،‬وهو مبعىن القدرة‪.‬‬ ‫خالصة هذا القسم‪ :‬أن يقدر الويل على شيء ال يقدر عليه اإلنسان عادة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪134‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ف األُم هم فهي سورةه ال َك ْه ه‬ ‫َكالْمأْثُوهر َع ْن ساله ه‬ ‫ص ْد هر َه هذهه األ َُّم هة؛‬ ‫ف‪َ ،‬وغَْي هرَها‪َ ،‬و َع ْن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ه ه (‪)1‬‬ ‫ه‬ ‫الصحاب هة والتَّابه هعين وسائه هر ه‬ ‫ودةٌ فه َيها إهلَى يَ ْوم القيَ َامة ‪.‬‬ ‫قرون األ َُّم هة‪َ ،‬و هه َي َم ْو ُج َ‬ ‫َ​َ​َ‬ ‫م َن َّ َ َ َ‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬بيان زمن وجود الكرامات‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬كالمأثور) أي املنقول‪.‬‬ ‫(عن سالف األمم) أي عن األمم السابقة‪.‬‬ ‫(في سورة الكهف) أي من الكرامات املذكورة فيها؛ كما يف قصة أصحاب‬ ‫الكهف‪ ،‬وقصة صاحب موسى‪.‬‬ ‫ووجه الكرامة يف قصة أصحاب الكهف‪ :‬أن اهلل تعاىل أبقاهم نياما‪ ،‬مدة‬ ‫طويلة جدا‪ ،‬ومل حيصل هلم أي آفة‪ .‬وهذه الكرامة تدخل يف قسم القدرة‪.‬‬ ‫ووجه الكرامة يف قصة صاحب موسى‪ :‬أن اهلل عز وجل أطلعه على حال‬ ‫امللك مع السفن‪ ،‬ومستقبل الصيب‪ ،‬وقصة ال َكمن ِز الذي حتت اجلدار‪ .‬وهذه‬ ‫الكرامة تدخل يف قسم العلم‪.‬‬ ‫(وغيرها) أي غري سورة الكهف من السور اليت ذكرت فيها كرامات األولياء‪.‬‬ ‫(وعن صدر هذه األمة) أي واملنقول عن أول هذه األمة‪.‬‬ ‫(من الصحابة والتابعين) هذا تفسري للمراد بصدر هذه األمة‪.‬‬ ‫(وسائر قرون األمة) أي وباقي أجيال األمة‪.‬‬ ‫(وهي موجودة) أي الكرامات‪( .‬فيها) أي يف هذه األمة‪.‬‬ ‫(إلى يوم القيامة) أي مستمر وجودها إىل أن تقوم القيامة‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن كرامات األولياء كانت موجودة يف األمم السابقة‪ ،‬ووجدت يف‬ ‫أول هذه األمة وبعده‪ ،‬وستبقى موجودة إىل يوم القيامة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪135‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[طريقة أهل السنة واجلماعة يف الدين]‪‬‬

‫صل‪ :‬ثُ َّم همن طَ هري َق هة أ َْه هل ُّ ه‬ ‫اع هة‪:‬‬ ‫ْج َم َ‬ ‫السنَّة َوال َ‬ ‫ْ‬ ‫فَ ْ ٌ‬ ‫(‪)6‬‬

‫(‪)1‬‬

‫لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن القسم األول من الكتاب؛ الذي هو‪ :‬قول‬ ‫أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألخبار‪ ،‬ناسب أن خيتم الكالم‬ ‫عن هذا القسم؛ بذكر طريقتهم يف الدين‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ثم من طريقة أهل السنة والجماعة)‬

‫(من) مبعىن بعض‪ ،‬أي بعض طريقة أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫مراده‪ :‬أن طريقة أهل السنة واجلماعة تتضمن أمورا‪ ،‬وهو إمنا سيتكلم عن‬ ‫بعض هذه األمور ال كلها‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما هي األمور اليت تتضمنها طريقتهم؟‬ ‫فاجلواب‪ :‬طريقتهم تتضمن أمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬طريقتهم يف ما هية الدين‪ ،‬أي ما هو دينهم؟‬ ‫الثاين‪ :‬طريقتهم يف كيفية معرفة الدين‪ ،‬أي كيف يعرفون دينهم؟‬ ‫أما ما هي طريقتهم يف ما هية الدين؟ فدينهم أخبار وأحكام‪ ،‬فاألخبار تكلم‬ ‫عنها قبل هذه ِ‬ ‫اخلامتة‪ ،‬واألحكام سيتكلم عنها بعد اخلامتة‪ .‬وأما ما هي‬ ‫طريقتهم يف كيفية معرفة الدين فهي اليت سيتكلم عنها يف هذه اخلامتة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪136‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫الل ‪ ‬ب ه‬ ‫ول ه‬ ‫اتِّ بَاعُ آثَا هر ر ُس ه‬ ‫اطناا َوظَا هه ارا(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫السابههقين األ ََّوله ه‬ ‫اج هرين واألَنْصا هر‪ ،‬واتِّ باعُ و ه‬ ‫ه‬ ‫َواتِّ بَاعُ َسبه ه‬ ‫صيَّ هة‬ ‫يل َّ َ‬ ‫ين؛ من ال ُْم َه َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ال‪" :‬علَي ُكم بهسنَّتهي وسن هَّة الْ ُخ ه‬ ‫ه‬ ‫ول ه‬ ‫ر ُس ه‬ ‫ين‬ ‫لفاء َّ‬ ‫الل ‪َ ‬ح ْي ُ‬ ‫ث قَ َ َ ْ ْ ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫اشدين الْ َم ْهديِّ َ‬ ‫الر َ‬ ‫َّواج هذ‪ ،‬وإهيا ُكم وم ْح َد ه‬ ‫س ُكوا به َها‪ ،‬و َعضُّوا َعلَْيها بهالن ه‬ ‫ثات األُموهر‪،‬‬ ‫هم ْن بَ ْع هدي‪ ،‬تَ َم َّ‬ ‫ّ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫اللة" [أبو داود‪ ،4617 :‬والترمذي‪ ،2676 :‬وابن‬ ‫فَإ ّن ُك َّل ُم ْح َدثٍَة به ْد َع ٍة وُك َّل به ْد َع ٍة َ‬ ‫ماجة‪.)2(]42 :‬‬ ‫وسيذكر فيما يتعلق هبا مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة للمصادر‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة لفهم املصادر‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث األول؛ وهو‪ :‬طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة للمصادر‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬اتباع) أي سلوك‪.‬‬ ‫(آثار النبي ‪ )‬أي ما أمثِر عنه‪ ،‬يعين ما نقل عنه من القرآن والسنة‪.‬‬ ‫(باطناا) أي فيما يتعلق بأعمال القلوب‪.‬‬ ‫وظاهرا) أي فيما يتعلق بأعمال اجلوارح‪.‬‬ ‫( ا‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن طريقتهم كيفية يف معرفة الدين بالنسبة للمصادر هو‪ :‬الرجوع إىل‬ ‫الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة لفهم املصادر‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬واتباع سبيل) أي سلوك طريق‪.‬‬ ‫(السابقين) أي إىل اإلسالم‪.‬‬ ‫(األولين) أي قبل غريهم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪137‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫َويَ ْعلَ ُمو َن أ َّ‬ ‫ي ُم َح َّم ٍد ‪.)1(‬‬ ‫َن أ ْ‬ ‫َص َد َق ال َكالَهم َك ُ‬ ‫الم الل‪َ ،‬و َخ ْي َر ال َْه ْد هي َه ْد ُ‬ ‫الل َعلَى غَي هرهه همن َكالَهم أَصنَ ه‬ ‫وي ْؤثهرو َن َكالَم ه‬ ‫اف الن ه‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َّاس‪َ ،‬ويُ َقد ُ‬ ‫ِّمو َن َه ْد َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ٍ (‪)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫َحد ‪.‬‬ ‫ُم َح َّمد ‪َ ‬علَى َه ْد هي ُك ِّل أ َ‬ ‫(من المهاجرين واألنصار) هذا تفسري للمراد بالسابقني األولني‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬واتباع وصية رسول الل ‪ )‬أي ما أوصى به أمته‪.‬‬ ‫(حيث قال‪" :‬عليكم بسنتي‪ ،‬وسنة الخلفاء الراشدين …إلخ") مراد‬

‫(‪)6‬‬

‫املؤلف أن النيب ‪ ‬أوصى‪ ،‬مع التمسك بسنته؛ التمسك بسنة اخللفاء‬ ‫الراشدين‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة لفهم املصادر هو‪ :‬الرجوع‬ ‫إىل الصحابة عموما‪ ،‬واخللفاء الراشدين خصوصا‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر املؤلف طريقة أهل السنة واجلماعة يف كيفية معرفة الدين بالنسبة‬ ‫للمصادر‪ ،‬وبالنسبة لفهم املصادر‪ ،‬ناسب أن يذكر علمهم ِمبَمن ِزلَة املصادر‬ ‫اللذين مها الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويعلمون) أي يعرفون‪.‬‬

‫(أن أصدق الكالم كالم الل) أي القرآن‪.‬‬ ‫(وخير الهدي) أي خري الطرق‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫(هدي محمد ‪ )‬أي طريق حممد ‪.‬‬

‫لَ َّما ذكر املؤلف علم أهل السنة واجلماعة ِمبَمن ِزلَة الكتاب والسنة‪ ،‬ناسب أن‬ ‫يذكر مثرة هذا العلم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪138‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ولهه َذا س ُّموا أ َْهل ه‬ ‫الكتَ ه‬ ‫السن هَّة(‪.)1‬‬ ‫اب َو ُّ‬ ‫َ​َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َن الْجم َ ه‬ ‫وس ُّموا أ َْهل الْجم َ ه‬ ‫االجتهماعُ و ه‬ ‫ض ُّد َها ال ُف ْرقةُ‪َ ،‬وإه ْن َكا َن‬ ‫َُ‬ ‫اعةَ ه َي ْ َ َ‬ ‫اعة؛ أل َّ َ َ‬ ‫َ َ​َ‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫ه‬ ‫ظ الْجم َ ه‬ ‫ه‬ ‫اس اما لهنَ ْف ه‬ ‫عين ‪.‬‬ ‫ار ْ‬ ‫اعة قَ ْد َ‬ ‫صَ‬ ‫الم ْجتَم َ‬ ‫س الْ َق ْوم ُ‬ ‫لَْف ُ َ َ‬ ‫قوله‪( :‬ويؤثرون) أي يقدمون‪.‬‬ ‫(كالم الل) أي القرآن‪.‬‬ ‫(على غيره من كالم أصناف الناس) أي إذا تعارض معه‪.‬‬ ‫(ويقدمون هدي محمد ‪ )‬أي طريقه‪.‬‬ ‫(على هدي كل أحد) أي على طريق أي أحد‪ ،‬وذلك إذا تعارض معه أيضا‪.‬‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أنه لكون أهل السنة واجلماعة يعلمون أن أصدق الكالم كالم‬ ‫اهلل‪ ،‬وأن خري اهلدي هدي حممد ‪ ،‬أمَمثَ​َر هذا العلم عندهم إيثار كالم اهلل‬ ‫على كالم غريه‪ ،‬وتقدمي هدي حممد ‪ ‬على هدي أي أحد‪.‬‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر مثرة علم أهل السنة واجلماعة ِمبَمن ِزلَة الكتاب والسنة‪ ،‬ناسب أن يذكر‬ ‫سبب تسميتهم بأهل الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ولهذا) أي لكوهنم يؤثرون كالم اهلل تعاىل ويقدمون هدي حممد ‪.‬‬

‫(سموا أهل الكتاب والسنة) أي ْسوا أهل الكتاب؛ لكوهنم يؤثرون كالم اهلل‬

‫(‪)2‬‬

‫على كالم غريه‪ ،‬وْسوا أهل السنة؛ لكوهنم يقدمون هدي حممد ‪ ‬على هدي‬ ‫أي أحد‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر سبب تسميتهم بأهل الكتاب والسنة‪ ،‬ناسب أن يذكر سبب‬ ‫تسميتهم بأهل اجلماعة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪139‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫َصل الثَّاله ُ َّ ه‬ ‫تم ُد َعلَْي هه فهي ال هْعل هْم َوالدِّي هن(‪.)1‬‬ ‫ث الذي يُ ْع َ‬ ‫َوا هإل ْج َماعُ ُه َو األ ْ ُ‬ ‫قوله‪( :‬وسموا أهل الجماعة) أي زيادة على تسميتهم بأهل الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(ألن) أي السبب‪.‬‬ ‫(الجماعة هي االجتماع) أي يف لغة العرب‪.‬‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أهنم ْسوا أهل اجلماعة الجتماعهم على منهج واحد‪ ،‬الذي هو‪:‬‬ ‫التلقي من الكتاب والسنة‪ ،‬وعدم تفرقهم إىل مناهج حمدثة‪.‬‬

‫اسما لنفس القوم المجتمعين) أي يف‬ ‫(وإن كان لفظ الجماعة قد صار ا‬ ‫عر ِ‬ ‫ف الناس‪.‬‬ ‫مم‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬إزالة إشكال‪ ،‬ألنه قد يقال‪ :‬هذه التعبري فيه إشكال‪ ،‬وذلك أن‬ ‫لفظ اجلماعة معناه‪ :‬اجملتمعون‪ ،‬وعلى هذا فيكون أهل اجلماعة معناه‪ :‬أهل‬ ‫اجملتمعني‪ ،‬فاألوىل حذف كلمة أهل‪ .‬ويزال هذا اإلشكال بأن يقال‪ :‬لفظ‬ ‫اجلماعة يف لغة العرب معناه‪ :‬االجتماع‪ ،‬وعلى هذا فيكون أهل اجلماعة‬ ‫معناه‪ :‬أهل االجتماع‪ ،‬مث صار لفظ اجلماعة يف عرف الناس القوم اجملتمعني‪،‬‬ ‫والتسمية بأهل اجلماعة بناء على املعىن اللغوي ال املعىن العريف‪.‬‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر َممن ِزلَة الكتاب والسنة عند أهل السنة واجلماعة ناسب أن يذكر َممن ِزلَة‬ ‫اإلمجاع عندهم‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬واإلجماع) أي اتفاق العلماء‪.‬‬

‫(هو األصل الثالث) أي مع الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫(الذي يعتمد عليه) أي يرجع إليه وحيتج به‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪141‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫هه‬ ‫ه ه‬ ‫يع َما َعلَْي هه النَّاس هم ْن أَقْو ٍال وأَ ْعم ٍ‬ ‫ُص ه‬ ‫ال‬ ‫َو ُه ْم يَ هزنُو َن َبهذه األ ُ‬ ‫ول الثَّالثَة َجم َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫اطنَ ٍة أَو ظَ ه‬ ‫به‬ ‫اه َرةٍ هم َّما لَهُ تَ َعلُّ ٌق بهالدِّي هن(‪.)1‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫(‪)6‬‬

‫(في العلم) أي يف املعرفة‪.‬‬ ‫(والدين) أي والعمل‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬تتفق هذه األصول الثالثة من حيث احلجية‪ ،‬فكلها حجة ال جيوز خمالفة‬ ‫أصل منها‪ ،‬وختتلف من حيث إن األصلني األول والثاين أعين الكتاب والسنة‬ ‫مها مصادر الدين استقالال‪ ،‬واألصل الثالث أعين اإلمجاع تابع هلما؛ ألنه ال‬ ‫ينعقد إمجاع إال على ما دل عليه الكتاب أو السنة‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر األصول الثالثة اليت يعتمد عليها يف العلم والدين‪ ،‬ناسب أن يذكر‬ ‫كيفية معرفتهم لِما عليه الناس من صواب وخطأ‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وهم) أي أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(يَ هزنون) أي يعرفون‪.‬‬ ‫(بهذه األصول الثالثة) أي بالكتاب والسنة واإلمجاع‪.‬‬ ‫(جميع ما عليه الناس) أي من حيث الصواب واخلطأ‪.‬‬ ‫(من أقوال وأعمال ظاهرة أو باطنة) هذا تفسري للمراد جبميع ما عليه الناس‪.‬‬ ‫(مما له تعلق بالدين) هذا قيد‪.‬‬ ‫أي األقوال واألعمال اليت تعرض على هذه األصول؛ إمنا هي املتعلقة بالدين‪،‬‬ ‫وأما األمور الدنيوية فاألصل فيها اإلباحة‪ ،‬كاخرتاع اآلالت الصناعية بأنواعها‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أهنم يعرفون ما عليه الناس من صواب وخطأ بعرض أقواهلم وأعماهلم‬ ‫على نفس هذه األصول الثالثة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪141‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫الصاله ُح‪ ،‬إذ بَ ْع َد ُه ْم َكثُ َر‬ ‫ف َّ‬ ‫ضبه ُ‬ ‫ط ُه َو َما َكاَن َعلَْي هه َّ‬ ‫السلَ ُ‬ ‫َوا هإل ْج َماعُ الَّ هذي يَ ْن َ‬ ‫ش َرت األ َُّمةُ(‪.)1‬‬ ‫اال ْختهالَ ُ‬ ‫ف َوانْ تَ َ‬ ‫(‪)2‬‬

‫لَ َّما ذكر من قبل َممن ِزلَة اإلمجاع عند أهل السنة واجلماعة‪ ،‬ناسب أن خيتم‬ ‫الكالم هنا بذكر اإلمجاع الذي ينضبط‪.‬‬

‫قوله‪( :‬واإلجماع الذي ينضبط) أي الذي جيزم بوقوعه‪ ،‬ووصوله إلينا‪.‬‬

‫(هو ما كان عليه السلف الصالح) أي هو اإلمجاع الذي كان عليه السلف‬ ‫الصاحل‪ ،‬واملراد به‪ :‬إمجاع الصحابة ‪.‬‬ ‫(إذ بعدهم) أي بعد السلف الصاحل‪.‬‬

‫(كثر االختالف‪ ،‬وانتشرت األمة) مراد املؤلف‪ :‬أن اإلمجاع بعد السلف‬ ‫الصاحل ال ينضبط هلذين السببني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬كثرة االختالف‪ ،‬يعين بني العلماء‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬انتشار األمة‪ ،‬يعين تباعد أفرادها يف أقطار األرض‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪142‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل التي تتعلق باألحكام]‬

‫هه‬ ‫ُص ه‬ ‫ول‪:‬‬ ‫فَ ْ‬ ‫ص ٌل‪ :‬ثُ َّم ُه ْم َم َع َهذه األ ُ‬ ‫ه‬ ‫وف وي ْن َهو َن َعن الْم ْن َك هر‪َ ،‬علَى ما تُ ه‬ ‫وجبُهُ َّ‬ ‫الش هر َيعةُ(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫يَأ ُْم ُرو َن بهال َْم ْع ُر َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن القسم األول من الكتاب‪ ،‬مع خامتته‪ ،‬شرع‬ ‫يف الكالم عن القسم الثاين؛ الذي هو‪ :‬اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل‬ ‫اليت تتعلق باألحكام‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ثم هم) أي أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(مع هذه األصول) أي املسائل اليت تتعلق باألخبار‪.‬‬ ‫(يأمرون بالمعروف‪ ،‬وينهون عن المنكر)‬ ‫األمر معناه‪ :‬طلب الفعل‪.‬‬ ‫واملعروف ضابطه‪ :‬ما أمر اهلل به يف القرآن أو السنة‪.‬‬ ‫والنهي معناه‪ :‬طلب الرتك‪.‬‬ ‫واملنكر ضابطه‪ :‬ما هنى اهلل عنه يف القرآن أو السنة‪.‬‬ ‫(على) أي حبسب‪.‬‬ ‫(ما توجبه الشريعة) أي الطريقة املوافقة ملا توجبه الشريعة‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أهنم يأمرون مبا أمر اهلل به وينهون عما هنى اهلل عنه‪ ،‬وأن طريقتهم يف‬ ‫األمر والنهي موافقة ملا توجبه الشريعة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪143‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫اد‪ ،‬والجم هع‪ ،‬واألَ ْعي ه‬ ‫ه ه‬ ‫اد َم َع األ َُم َر هاء أَبْ َر اارا َكانُوا أ َْو‬ ‫ْح ِّج‪َ ،‬والج َه َ ُ َ َ َ‬ ‫َويَ َرْو َن إهقَ َامةَ ال َ‬ ‫ارا(‪.)1‬‬ ‫فُ َّج ا‬ ‫ه‬ ‫اع ه‬ ‫ات(‪.)2‬‬ ‫ْج َم َ‬ ‫َويُ َحافظُو َن َعلَى ال َ‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر أن طريقة أهل السنة واجلماعة يف األمر والنهي موافقة ملا توجبه الشريعة‪،‬‬ ‫ناسب أن يذكر رأيهم يف إقامة الشعائر مع األمراء؛ ألن ِمن الناس َمن ال يرى‬ ‫إقامة الشعائر مع األمراء الفجار‪ ،‬وجيعل ذلك طريقة للنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويرون) أي أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(إقامة الحج‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والجمع‪ ،‬واألعياد‪ ،‬مع األمراء) أي وجوب إقامة‬ ‫الشعائر مع األمراء‪.‬‬ ‫فجارا) أي سواء كان األمراء أصحاب طاعة‪ ،‬أو أصحاب معصية‪.‬‬ ‫(أبر اارا كانوا أو ا‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أن أهل السنة واجلماعة يَـعمدُّون فجور األمراء منكرا‪ ،‬لكن ال يرون‬ ‫ترك إقامة الشعائر معهم طريقة صحيحة للنهي عما هم فيه من املنكر؛ ألن‬ ‫هذه الطريقة غري موافقة ملا توجبه الشريعة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬لَ َّما ذكر رأي أهل السنة واجلماعة يف إقامة الشعائر مع األمراء‪ ،‬ناسب أن‬ ‫يذكر موقفهم من أداء الصالة مع اجلماعة؛ ألن بعض الناس ال يرى أداء‬ ‫الصالة خلف اإلمام الفاجر‪ ،‬ويفوت اجلماعة هلذا السبب‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويحافظون) أي يواظبون‪.‬‬ ‫(على الجماعات) أي على أداء الصالة مع اجلماعة‪.‬‬ ‫مراد املؤلف‪ :‬أن أهل السنة واجلماعة كما أهنم ال يرون تفويت الشعائر لكون‬ ‫األمراء فجارا‪ ،‬كذلك ال يرون تفويت اجلماعة لكون اإلمام فاجرا‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪144‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫َّصيح هة لهأل َُّم هة‪ ،‬وي عت هق ُدو َن معنَى قَ وله هه ‪" :‬الْم ْؤ ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْم ْؤم هن‬ ‫َْ‬ ‫َ​َ َْ‬ ‫َويَدينُو َن بهالن َ‬ ‫ْ‬ ‫من لل ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ص ه‬ ‫َصابه هع هه [البخاري‪،481 :‬‬ ‫وص يَ ُ‬ ‫ضا" َو َشبَّ َ‬ ‫ضهُ بَ ْع ا‬ ‫ش ُّد بَ ْع ُ‬ ‫ك بَ ْي َن أ َ‬ ‫َكالبُ ْنيان ال َْم ْر ُ‬ ‫ومسلم‪ ،]2585 :‬وقَ وله هه ‪" :‬مثَل ه‬ ‫ه‬ ‫المؤمنه ه‬ ‫اح همهم وتَ َعاطُهفهم‬ ‫ين في تَوادِّه ْم َوتَ َر ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫اعى لَهُ سائر الج ه‬ ‫والس َه هر"‬ ‫الح ّمى َّ‬ ‫س هد إهذَا ا ْشتَ َكى هم ْنهُ عُ ْ‬ ‫ض ٌو تَ َد َ‬ ‫سد به ُ‬ ‫َك َمثَ هل َ‬ ‫َ ُ َ​َ‬ ‫الج َ‬ ‫[البخاري‪ ،6111 :‬ومسلم‪.)1(]2586 :‬‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر من قبل أن أهل السنة واجلماعة يأمرون باملعروف وينهون عن املنكر‪،‬‬ ‫ناسب أن يذكر َممن ِزلَة النصيحة عندهم؛ ألن النصيحة هي مبعىن األمر‬ ‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬إال أهنا أعم‪.‬‬ ‫فالنصيحة هي‪ :‬إرادة اخلري للمنصوح‪ ،‬وإرشاده إىل ما فيه مصلحته الدينية‬ ‫والدنيوية‪ ،‬واألمر باملعروف والنهي عن املنكر هو‪ :‬إرادة اخلري للمأمور واملنهي‪،‬‬ ‫وإرشاده إىل ما فيه مصلحته الدينية‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويدينون بالنصيحة) أي يروهنا من الدين يتقربون هبا إىل اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫(لألمة) أي جلميع أفراد األمة‪.‬‬

‫(ويعتقدون معنى قوله ‪" :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد‬ ‫بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه‪ ،‬وقوله ‪" :‬مثل المؤمنين في توادهم‬ ‫وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر‬ ‫الجسد بالحمى والسهر")‬ ‫أي يؤمنون باملعىن الذي دل عليه هذان احلديثان‪.‬‬ ‫أما احلديث األول فدل على وجوب الرتابط بني املؤمنني‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪145‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫الص ْب هر هع ْن َد البَالَهء‪َ ،‬و ُّ‬ ‫ض هاء(‪.)1‬‬ ‫َويَأ ُْم ُرو َن به َّ‬ ‫الش ْك هر هع ْن َد َّ‬ ‫الر َخ هاء‪ِّ ،‬‬ ‫ضى به ُم ِّر ال َق َ‬ ‫والر َ‬

‫(‪)6‬‬

‫وأما احلديث الثاين ـ وهو كالتفسري للحديث األول ـ فدل على وجوب التواد‪،‬‬ ‫والرتاحم‪ ،‬والتعاطف بني املؤمنني‪ ،‬وما ينتج عن ذلك؛ كالتأمل آلالمهم‪.‬‬ ‫يشري املؤلف بذكره هلذين احلديثني إىل أن اإلميان بالرتابط بني املؤمنني من‬ ‫الدوافع إىل بذل النصح لألمة‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر املؤلف َممن ِزلَة النصيحة لكوهنا أعم من األمر باملعروف والنهي عن‬ ‫يفصل بعد ذلك يف نفس األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫املنكر‪ ،‬ناسب أن ِّ‬ ‫وسيذكر فيما يتعلق بذلك مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬التفصيل يف املعروف الذي يأمر به أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬التفصيل يف املنكر الذي ينهى عنه أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫وابتدأ ـ املبحث األول ـ بذكر بعض اخلصال املتعلقة باملعاملة مع اهلل‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويأمرون بالصبر عند البالء) هذه هي اخلصلة األوىل‪.‬‬ ‫الصرب معناه‪ :‬التحمل‪ ،‬والبالء معناه‪ :‬املصيبة‪.‬‬ ‫أي يأمرون بالتحمل عند املصيبة‪.‬‬ ‫(والشكر عند الرخاء) هذه هي اخلصلة الثانية‪.‬‬ ‫الشكر معناه‪ :‬املقابلة باإلحسان‪ ،‬والرخاء معناه‪ :‬النعمة‪.‬‬ ‫أي يأمرون مبقابلة النعمة باإلحسان‪.‬‬ ‫(والرضا بمر القضاء) هذه هي اخلصلة الثالثة‪.‬‬ ‫الرضا‪ :‬ضد الغضب‪ ،‬ومر القضاء معناه‪ :‬ما قدره اهلل من األذى كاملرض‬ ‫والفقر‪ ،‬أي يأمرون بعدم الغضب فيما قدره اهلل من األذى‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪146‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وي ْدعُو َن إهلَى م َكا هرهم األَ ْخالَ هق‪ ،‬ومح ه‬ ‫اس هن األَ ْعم ه‬ ‫ال‪َ ،‬ويَ ْعتَ هق ُدو َن َم ْعنَى قَ ْوله هه ‪:‬‬ ‫َ​َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫هه‬ ‫سنُ ُه ْم ُخلُاقا" [أبو داود‪ ،4682 :‬والترمذي‪. ]1162 :‬‬ ‫يماناا أ ْ‬ ‫ين إه َ‬ ‫"أَ ْك َم ُل ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫َح َ‬ ‫(‪ )6‬لَ َّما ذكر بعض اخلصال اليت يأمر هبا أهل السنة واجلماعة‪ ،‬واملتعلقة باملعاملة مع‬ ‫اهلل‪ ،‬ناسب أن يذكر بعد ذلك بعض اخلصال اليت يدعون إليها‪ ،‬واملتعلقة‬ ‫باملعاملة مع عباد اهلل‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويدعون إلى مكارم األخالق) هذه هي اخلصلة األوىل‪.‬‬ ‫مكرمة بضم الراء‪ ،‬وهي‪ :‬الشيء الطيب‪.‬‬ ‫مكارم‪ :‬مجع م‬ ‫واألخالق‪ :‬مجع مخلمق بضم اخلاء والالم‪ ،‬وهو الطبيعة‪ ،‬أي الشيء الراسخ يف‬ ‫النفس‪.‬‬ ‫يعين يدعون إىل الطبائع الطيبة‪.‬‬ ‫(ومحاسن األعمال) هذه هي اخلصلة الثانية‪.‬‬ ‫األعمال‪ :‬مجع عمل‪ ،‬واملراد به هنا‪ :‬املعاملة‪.‬‬ ‫أي يدعون إىل املعاملة احلسنة مع اآلخرين‪.‬‬ ‫عرب عن كلتا اخلصلتني جبملة خمتصرة‪ :‬وهي‪" :‬حسن اخللق"‬ ‫فائدة‪ :‬الغالب يم َّ‬ ‫واملراد هبا‪ :‬املعاملة احلسنة‪ ،‬الناجتة عن األخالق الكرمية‪.‬‬ ‫(ويعتقدون معنى قوله ‪" :‬أكمل المؤمنين إيماناا أحسنهم خل اقا") أي‬ ‫يؤمنون باملعىن الذي دل عليه هذا احلديث‪.‬‬ ‫فهذا احلديث دل على أن من عالمات كمال اإلميان‪ :‬حسن اخللق‪.‬‬ ‫ويشري املؤلف بذكره هلذا احلديث إىل أن اإلميان مبا دل عليه هذا احلديث من‬ ‫الدوافع إىل حسن اخللق‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪147‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وي ْن ُدبو َن إهلَى أَ ْن تَ ه‬ ‫ك(‪.)1‬‬ ‫ك‪َ ،‬وتَ ْع ُف َو َع َّم ْن ظَلَ َم َ‬ ‫ك‪َ ،‬وتُ ْع هطي َم ْن َح َرَم َ‬ ‫ص َل َم ْن قَطَ َع َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ويأْمرو َن بهبه ِّر ه‬ ‫ه ه‬ ‫الجوا هر‪ ،‬وا هإل ْحس ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ان إهلَى‬ ‫َ‬ ‫الوال َديْ هن‪َ ،‬وصلَة األ َْر َحام‪َ ،‬و ُح ْس هن َ َ َ‬ ‫َ​َ ُ​ُ‬ ‫ه (‪) 2‬‬ ‫الر ه‬ ‫السبه ه‬ ‫فق هبال َْم ْملُوك ‪.‬‬ ‫ساكهي هن َوابْ هن َّ‬ ‫يل‪َ ،‬و ِّ‬ ‫اليَتَ َامى َوال َْم َ‬ ‫(‪)6‬‬

‫(‪)2‬‬

‫لَ َّما ذكر أن أهل السنة واجلماعة يدعون إىل حسن اخللق‪ ،‬ناسب أن يذكر‬ ‫بعض اخلصال اليت يندبون إليها‪ ،‬والدالة على كمال حسن اخللق‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويندبون) أي حيثون‪ ،‬ويرغبون‪.‬‬ ‫(إلى أن تصل من قطعك) هذه هي اخلصلة األوىل‪.‬‬ ‫(تصل) أي تواصل‪.‬‬ ‫(من قطعك) أي الذي قطعك فلم يواصلك‪.‬‬ ‫واملواصلة تكون بالسؤال‪ ،‬والزيارة‪ ،‬واملساعدة‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬ ‫(وتعطي من حرمك) هذه هي اخلصلة الثانية‪.‬‬ ‫(تعطي) أي تبذل‪.‬‬ ‫(من حرمك) أي الذي حرمك فلم يعطك‪.‬‬ ‫والعطاء يشمل بذل املال‪ ،‬والنصح‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫(وتعفو عمن ظلمك) هذه هي اخلصلة الثالثة‪.‬‬ ‫(تعفو) أي تسامح‪.‬‬ ‫(عمن ظلمك) أي عن الذي ظلمك‪ ،‬سواء اعتدى عليك‪ ،‬أو منعك ما جيب‬ ‫لك عليه‪.‬‬ ‫لَ َّما ذكر أن أهل السنة واجلماعة يندبون إىل كمال حسن اخللق‪ ،‬ناسب أن‬ ‫يذكر بعض اخلصال اليت يأمرون هبا‪ ،‬والدالة على أصل حسن اخللق‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪148‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫قوله‪( :‬ويأمرون ببر الوالدين) هذه هي اخلصلة األوىل‪.‬‬ ‫الرب‪ :‬بكسر الباء معناه التوسع يف فعل اخلري‪.‬‬ ‫والوالدان مها‪ :‬األب‪ ،‬واألم‪.‬‬ ‫أي يأمرون بالتوسع يف فعل اخلري لألب واألم‪.‬‬ ‫(وصلة األرحام) هذه هي اخلصلة الثانية‪.‬‬ ‫الصلة معناها‪ :‬املواصلة‪.‬‬ ‫واألرحام‪ :‬مجع رحم‪ ،‬ومعناه‪ :‬القرابة‪.‬‬ ‫أي يأمرون مبواصلة األقارب‪.‬‬ ‫(وحسن الجوار) هذه هي اخلصلة الثالثة‪.‬‬ ‫احلسن‪ :‬معناه اجلمال‪.‬‬ ‫واجلوار‪ :‬معناه القرب‪ ،‬واجلار‪ :‬هو الساكن بالقرب‪.‬‬ ‫أي يأمرون مبعاملة اجلار معاملة مجيلة‪.‬‬ ‫(واإلحسان إلى اليتامى‪ ،‬والمساكين‪ ،‬وابن السبيل) هذه هي اخلصلة الرابعة‪.‬‬ ‫وهي اإلحسان إىل هؤالء األصناف من الناس‪.‬‬ ‫واإلحسان‪ :‬معناه املعاملة باليت هي أحسن‪.‬‬ ‫واليتامى‪ :‬مجع يتيم‪ ،‬وهو‪ :‬الذي مات أبوه قبل بلوغه‪.‬‬ ‫واملساكني‪ :‬مجع مسكني‪ ،‬وهو‪ :‬احملتاج‪.‬‬ ‫وابن السبيل هو‪ :‬املسافر‪.‬‬ ‫(والرفق بالمملوك) هذه هي اخلصلة اخلامسة‪.‬‬ ‫الرفق‪ :‬بكسر الراء وسكون الفاء معناه اللني‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪149‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫وي ْن هو َن ع هن ال َف ْخ هر و ُ ه‬ ‫الخلْق به َح ٍّق أ َْو بهغَْي هر‬ ‫االستهطَالَ هة َعلَى َ‬ ‫الخيَالء‪َ ،‬والْبَ ْغ هي َو ْ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫َ‬ ‫َح ٍّق(‪.)1‬‬ ‫أي يأمرون باللني يف معاملة اإلنسان اململوك‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هذا املبحث الثاين؛ وهو‪ :‬التفصيل يف املنكر الذي ينهى عنه أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫وذكر املؤلف يف هذا التفصيل بعض اخلصال املتعلقة باملعاملة مع عباد اهلل‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وينهون عن الفخر) هذه هي اخلصلة األوىل‪.‬‬ ‫والفخر‪ :‬معناه االفتخار‪ ،‬وهو‪ :‬أن يقول قوال‪ ،‬يعظم به نفسه‪ ،‬ويقصد به احتقار‬ ‫غريه‪ ،‬كأن يقول‪ :‬أنا يل من املال مقدار كذا‪ ،‬وأنا نسيب كذا‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬ ‫(والخيالء) هذه هي اخلصلة الثانية‪.‬‬ ‫واخليالء‪ :‬بضم اخلاء معناه االختيال‪ ،‬وهو‪ :‬أن يفعل فعال‪ ،‬يعظم به نفسه‪،‬‬ ‫ويقصد به احتقار غريه‪ ،‬كأن ميشي رافعا رأسه‪ ،‬أو متبخرتا يف مشيته‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬ ‫والفرق بني الفخر واخليالء‪ :‬أن األول يكون بالقول‪ ،‬والثاين يكون بالفعل‪.‬‬ ‫(والبغي) هذه هي اخلصلة الثالثة‪.‬‬ ‫والبغي هو‪ :‬االعتداء‪ ،‬إما بالقول كالسب‪ ،‬أو بالفعل كالضرب‪.‬‬ ‫(واالستطالة على الخلق‪ ،‬بحق أو بغير حق) هذه هي اخلصلة الرابعة‪.‬‬ ‫وهي شاملة للخصال الثالث املتقدمة‪.‬‬ ‫(بحق أو بغير حق) أي هذا التطاول قد يكون حبق‪ ،‬وقد يكون بغري حق‪.‬‬ ‫أما التطاول حبق فاملراد به‪ :‬أنه من حيث الواقع هو أفضل منهم باملال أو‬ ‫النسب أو غري ذلك‪ ،‬لكن هذا ليس مربرا له أن حيتقر غريه‪.‬‬ ‫فإذا صدر منه هذا التطاول بالقول فيسمى فخرا‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪151‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه ه‬ ‫ه‬ ‫سافه َها(‪.)1‬‬ ‫َويَأ ُْم ُرو َن ب َم َعالي األَ ْخالَق‪َ ،‬ويَ ْن َه ْو َن َع ْن َس ْف َ‬ ‫وُك ُّل ما ي ُقولُونَهُ وي ْفعلُونَهُ همن َه َذا وغَي هرهه؛ فَهإنَّما ُهم فه هيه متَّبهعو َن لهل ه‬ ‫ْكتَ ه‬ ‫اب‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫السن هَّة(‪.)2‬‬ ‫َو ُّ‬

‫(‪)6‬‬

‫وإذا صدر منه بالفعل فيسمى خيالء‪.‬‬ ‫وأما التطاول بغري حق فاملراد به‪ :‬االعتداء بالقول أو الفعل‪ ،‬ويسمى البغي‪.‬‬ ‫فصل املؤلف يف املعروف الذي يأمر به أهل السنة واجلماعة‪ ،‬ويف املنكر‬ ‫لَ َّما َّ‬ ‫الذي ينهون عنه‪ ،‬ناسب أن يذكر بعد ذلك خالصة ما يأمرون به وما ينهون‬ ‫عنه‪ِ ،‬ممَّا يتعلق باألخالق‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ويأمرون بمعالي األخالق) أي األخالق العالية‪.‬‬ ‫(وينهون عن سفسافها) أي عن األخالق الرديئة‪.‬‬

‫(‪ )2‬لَ َّما ذكر خالصة ما يأمر به أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وما ينهون عنه‪ ،‬ناسب أن‬ ‫يذكر مصادرهم يف تلقي هذه األوامر والنواهي‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وكل ما يقولونه ويفعلونه) أي تطبيقهم يف كل أقواهلم وأفعاهلم‪.‬‬ ‫(من هذا) أي الذي تقدم ذكره‪ ،‬من األوامر والنواهي‪.‬‬ ‫(وغيره) أي مما مل يذكر‪.‬‬ ‫(فإنما هم فيه) أي يف كل أقواهلم وأفعاهلم‪.‬‬ ‫(متبعون) أي مطبقون‪.‬‬ ‫(للكتاب والسنة) أي لألوامر والنواهي املتلقاة من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫اخلالصة‪ :‬أن مصادرهم يف تلقي األوامر والنواهي مها الكتاب والسنة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪151‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[فضل أهل السنة واجلماعة على بقية الفرق]‬

‫ه ه‬ ‫ين ا هإل ْس ه‬ ‫ث اللُ به هه ُم َح َّم ادا ‪.‬‬ ‫الم الَّ هذي بَ َع َ‬ ‫َوطَ هري َقتُ ُه ْم ه َي د ُ‬ ‫َن أ َُّمتَهُ ستَ ْفتَ هر ُق َعلَى ثَالَ ٍ‬ ‫لَ هك ْن لَ َّما أَ ْخبَ َر النَّبه ُّي ‪ ‬أ َّ‬ ‫ث َو َس ْب هعيَن فه ْرقَةا ُكلُّها فهي‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫اعةُ [أبو داود‪ ،]4597 :‬وفهي ح هد ٍ‬ ‫ال‪ُ " :‬ه ْم‬ ‫يث َع ْنهُ أَنَّهُ قَ َ‬ ‫ْج َم َ‬ ‫النَّا هر إهالَّ َواح َد اة‪َ ،‬وه َي ال َ‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫س ُكو َن‬ ‫ار ال ُْمتَ َم ِّ‬ ‫َم ْن َكا َن َعلَى مثْ هل َما أَنَا َعلَْي هه الْيَ ْوَم َوأ ْ‬ ‫َص َحابهي" [الترمذي‪]2641 :‬؛ َ‬ ‫صَ‬ ‫ب ُهم أ َْهل ُّ ه‬ ‫ص َعن َّ ه‬ ‫ْخاله ه‬ ‫بها هإل ْسالَهم ال َْم ْح ه‬ ‫اع هة‪.‬‬ ‫ض ال َ‬ ‫ْج َم َ‬ ‫السنة َوال َ‬ ‫الش ْو ْ ُ‬ ‫ه‬ ‫الشه َداء و َّ ه‬ ‫اله َدى وَم َ ه‬ ‫يح‬ ‫َوفهي ه م ِّ‬ ‫صاب ُ‬ ‫الصال ُحو َن‪َ ،‬وم ْن ُه ْم أَ ْعالَ ُم ُ َ‬ ‫الصدِّي ُقو َن َو ُّ َ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ب الْمأثُورةه وال َف َ ه‬ ‫ُّ‬ ‫ال‪َ ،‬وفهي ه ْم‬ ‫ورةه‪َ ،‬وفهي ه م األَبْ َد ُ‬ ‫ضائ هل ال َْم ْذ ُك َ‬ ‫الد َجى أُولُو ال َْمنَاق ه َ َ َ‬ ‫األَئهمةُ الَّ هذين أَجمع الْمسلهمو َن َعلَى هه َدايته ه م ه‬ ‫ود َرايَته ه ْم‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َْ​َ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ال طَائهَفةٌ هم ْن أ ُّمتهي‬ ‫ال فهي ه م النَّبه ُّي ‪" :‬الَ تَ َز ُ‬ ‫ورةُ الَّ هذين قَ َ‬ ‫َو ُهم الطَّائفةُ الم ْن ُ‬ ‫صَ‬ ‫ه‬ ‫اعةُ"‬ ‫وم َّ‬ ‫ين الَ يَ ُ‬ ‫الس َ‬ ‫ض ُّرُهم َم ْن َخ َذلَ ُه ْم َوالَ َم ْن َخالَ​َف ُه ْم َحتَّى تَ ُق َ‬ ‫َعلَى ال َ‬ ‫ْح ِّق ظَاه هر َ‬ ‫[البخاري‪ ،)3641( :‬ومسلم‪.)1(])1921( :‬‬

‫(‪)6‬‬

‫لَ َّما انتهى املؤلف من بيان اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق‬ ‫باألخبار واألحكام‪ ،‬ناسب أن خيتم الكالم بذكر فضلهم على بقية الفرق‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وطريقتهم) أي يف األخبار واألحكام‪.‬‬ ‫(هي دين اإلسالم) أي هي نفسها دين اإلسالم‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪152‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(الذي بعث الل به محم ادا ‪ )‬أي هذا الدين هو نفسه الذي بعث اهلل به‬

‫حممدا ‪.‬‬

‫(لكن) هذا حرف استدراك للتفريق بينهم وبني بقية الفرق اليت تدعي أن‬ ‫طريقتها هي دين اإلسالم‪.‬‬ ‫(لَ َّما أخبر النبي ‪ ‬أن أمته ستفترق على ثالث وسبعين فرقة كلها في‬ ‫النار إال واحدة‪ ،‬وفى حديث عنه أنه قال‪" :‬هم من كان على مثل ما أنا‬

‫عليه اليوم وأصحابي" صار المتمسكون باإلسالم المحض الخالص عن‬

‫الشوب هم أهل السنة والجماعة) خالصة مراد املؤلف‪ :‬أنه لَ َّما أخرب النيب‬ ‫‪ ‬بوجود االفرتاق يف األمة‪ ،‬وبصفة الفرقة الناجية‪ ،‬صار أهل السنة واجلماعة‬ ‫هم الفرقة الناجية‪ ،‬وذلك ألهنم هم املتصفون بالصفة اليت أخرب هبا النيب ‪‬‬ ‫عن الفرقة الناجية‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وفيهم) أي يف أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(الصديقون والشهداء والصالحون)‬ ‫الصديقون‪ :‬مجع صديق‪ ،‬وهو‪ :‬الذي بلغ الغاية يف التصديق‪.‬‬ ‫والشهداء‪ :‬مجع شهيد‪ ،‬وهو‪ :‬الذي قتل يف سبيل اهلل‪.‬‬ ‫والصاحلون‪ :‬مجع صاحل‪ ،‬وهو‪ :‬الذي الزم األعمال الصاحلة‪.‬‬ ‫تنبيه‪ :‬الصديقون والشهداء كذلك مالزمون لألعمال الصاحلة‪ ،‬لكن َمتيزوا عن‬ ‫عموم الصاحلني بصفات خاصة‪.‬‬ ‫(ومنهم) أي من أهل السنة واجلماعة‪.‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪153‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫(أعالم الهدى) األعالم‪ :‬مجع علم‪ ،‬وهو‪ :‬اجلبل‪ ،‬وأعالم اهلدى‪ :‬هي اجلبال‬ ‫اليت يهتدى هبا فيعرف هبا الطريق‪ ،‬واملراد هبا هنا‪ :‬العلماء الذين يهتدى‬ ‫بعلمهم‪.‬‬ ‫(ومصابيح الدجى) املصابيح‪ :‬مجع مصباح‪ ،‬وهو‪ :‬الذي يستضاء به‪،‬‬

‫والدجى‪ :‬مجع دجية‪ ،‬وهي‪ :‬الظلمة‪ ،‬واملراد مبصابيح الدجى هنا‪ :‬العلماء‬ ‫الذين يستضاء بعلمهم‪.‬‬ ‫(أولوا) أي أصحاب‪.‬‬

‫(المناقب) مجع منقبة‪ ،‬وهي‪ :‬اخلصلة اليت ميدح هبا اإلنسان‪.‬‬ ‫(المأثورة) أي املنقولة‪.‬‬ ‫(والفضائل) مجع فضيلة‪ ،‬وهي‪ :‬اخلصلة اليت يفضل هبا اإلنسان على غريه‪.‬‬ ‫(المذكورة) أي اليت تذكرها األلسنة باستمرار‪.‬‬ ‫(وفيهم) أي يف أهل السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫(األبدال) األبدال‪ :‬مجع بدل‪ ،‬واملراد هبم‪ :‬أهل العلم والعمل‪ ،‬وْسوا أبداال ألنه‬ ‫إذا مات بعضهم يسر اهلل بدال عنهم‪ ،‬فال تنتفي األرض من وجودهم‪.‬‬ ‫(وفيهم) أي يف أهل السنة واجلماعة‪.‬‬

‫(األئمة) مجع إمام‪ ،‬وهو الذي يقتدى به‪.‬‬ ‫(الذين أجمع المسلمون) أي كلهم‪.‬‬ ‫(على هدايتهم) أي على أهنم يف أنفسهم مهتدون‪ ،‬وغريهم يهتدي هبم‪.‬‬ ‫(ودرايتهم) أي قوة فهمهم وفقههم يف الدين‪.‬‬


‫‪154‬‬

‫مكتبة المبتدئ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫ه‬ ‫ب لَنَا‬ ‫نَ ْسأ ُ‬ ‫َل اللَ أَ ْن يَ ْج َعلَنَا م ْن ُه ْم‪َ ،‬وأَ ْن الَ يُ هزي َغ قُلُوبَنَا بَ ْع َد إه ْذ َه َدانَا‪َ ،‬وأَ ْن يَ َه َ‬ ‫ه‬ ‫صلَّى اللُ َعلَى ُم َح َّم ٍد َوآله هه‬ ‫َّاب‪َ ،‬والل أَ ْعلَ ُم‪َ ،‬و َ‬ ‫الوه ُ‬ ‫م ْن لَ ُدنْهُ َر ْح َمةا إهنَّهُ ُه َو َ‬ ‫ه‬ ‫و هه‬ ‫يما َكثه ايرا(‪.)1‬‬ ‫َ َ‬ ‫ص ْحبه َو َسلَّ َم تَ ْسل ا‬ ‫واملراد هبم‪ :‬العلماء العاملون الذين اشتهروا يف الناس اشتهارا عظيما‪ ،‬ومنهم‬ ‫األئمة األربعة‪ :‬أبو حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد‪.‬‬ ‫(وهم) أي أهل السنة واجلماعة‪.‬‬

‫(الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي ‪" :‬ال تزال طائفة من أمتي‬ ‫على الحق ظاهرين ال يضرهم من خذلهم وال من خالفهم حتى تقوم‬ ‫الساعة") أي هم الفرقة املنتصرة على من خالفها يف الدنيا‪ ،‬الذين قال فيهم‬ ‫النيب ‪ ‬هذا احلديث‪.‬‬ ‫(‪ )6‬ختم املؤلف كتابه هذا بثالثة أمور‪:‬‬ ‫األول‪ :‬الدعاء‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬تفويض كمال العلم هلل تعاىل‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬الصالة والسالم على النيب وآله وصحبه‪.‬‬ ‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪155‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫احملتويات‬

‫املقدمة ‪3.................................................................‬‬ ‫قبل الشروع يف شرح الكتاب‪5..............................................‬‬ ‫[مقدمة املؤلف] ‪6.........................................................‬‬ ‫[اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألخبار] ‪8.................‬‬ ‫[اإلميان باهلل] ‪1...........................................................‬‬ ‫[شواهد من القرآن تدل على أن اهلل وصف نفسه باإلثبات والنفي] ‪61 .........‬‬ ‫[سورة تشتمل على صفات مثبتة ومنفية] ‪61 ................................‬‬ ‫[آية تشتمل على صفات مثبتة ومنفية] ‪22 ..................................‬‬ ‫[آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط] ‪24 ..................................‬‬ ‫[إثبات صفات األولية‪ ،‬واآلخرية‪ ،‬والظهور‪ ،‬والباطنية] ‪24 .....................‬‬ ‫[إثبات صفة احلياة] ‪24 ...................................................‬‬ ‫[إثبات صفة العلم] ‪25 ...................................................‬‬ ‫[إثبات صفات الرزق‪ ،‬والقوة‪ ،‬واملتانة] ‪25 ...................................‬‬ ‫[إثبات صفيت السمع والبصر] ‪26 ..........................................‬‬ ‫[إثبات صفيت املشيئة واإلرادة] ‪26 ..........................................‬‬ ‫[إثبات صفة احملبة واملودة] ‪28 ..............................................‬‬ ‫[إثبات صفة الرمحة] ‪27 ...................................................‬‬ ‫[إثبات صفة الرضى] ‪27 ..................................................‬‬ ‫[إثبات صفة الغضب وما يف معناه] ‪21 .....................................‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪156‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة اإلتيان واجمليء] ‪21 ...........................................‬‬ ‫[إثبات صفة الوجه] ‪30 ...................................................‬‬ ‫[إثبات صفة اليدين] ‪30 ..................................................‬‬ ‫[إثبات صفة العينني] ‪36 ..................................................‬‬ ‫[إثبات صفيت السمع والرؤيا] ‪36 ...........................................‬‬ ‫[إثبات صفة املكر وما يف معناه] ‪32 ........................................‬‬ ‫[إثبات صفيت العفو واملغفرة] ‪33 ...........................................‬‬ ‫[إثبات صفة العزة] ‪33 ....................................................‬‬ ‫[إثبات االسم هلل تعاىل] ‪34 ...............................................‬‬ ‫[آيات تشتمل على صفات منفية فقط] ‪35 .................................‬‬ ‫[إثبات صفة العلو] ‪37 ....................................................‬‬ ‫[إثبات صفة املعية] ‪40 ....................................................‬‬ ‫[إثبات صفة الكالم] ‪42 ..................................................‬‬ ‫[إثبات أن القرآن كالم اهلل] ‪43 ............................................‬‬ ‫[إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة] ‪45 ..................................‬‬ ‫[شواهد من السنة] ‪48 ....................................................‬‬ ‫[إثبات صفة النـ مُّزموِل] ‪47 ..................................................‬‬ ‫[إثبات صفة الفرح] ‪41 ...................................................‬‬ ‫[إثبات صفة الضحك] ‪41 ................................................‬‬ ‫[إثبات صفة القدم والرجل] ‪50 ............................................‬‬


‫مكتبة المبتدئ‬

‫‪157‬‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬

‫[إثبات صفة الكالم] ‪50 ..................................................‬‬ ‫[إثبات صفة العلو] ‪56 ....................................................‬‬ ‫[إثبات صفيت املعية والقرب] ‪52 ............................................‬‬ ‫[إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة] ‪53 ..................................‬‬ ‫[موقف أهل السنة واجلماعة يف عامة أبواب الدين]‪55 ........................‬‬ ‫[الكالم عن صفيت العلو واملعية] ‪60 ........................................‬‬ ‫[الكالم عن صفيت القرب واإلجابة] ‪66 .....................................‬‬ ‫[الكالم عن القرآن] ‪67 ...................................................‬‬ ‫[الكالم عن رؤية املؤمنني لرهبم يوم القيامة]‪82 ...............................‬‬ ‫[اإلميان باليوم اآلخر] ‪84 ..................................................‬‬ ‫[اإليـمان بالقدر]‪71 ......................................................‬‬ ‫[الدين واإلميان ووعيد اهلل] ‪606 ...........................................‬‬ ‫[أصحاب النيب ‪601 .................................................]‬‬ ‫[كرامات األولياء]‪632 ...................................................‬‬ ‫[طريقة أهل السنة واجلماعة يف الدين] ‪635 .................................‬‬ ‫[اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألحكام] ‪642 ............‬‬ ‫[فضل أهل السنة واجلماعة على بقية الفرق] ‪656 ...........................‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.