مكتبة المبتدئ في طلب العلم الشرعي
شرح العقيدة الواسطية
كتبه خالد بن عبد هللا باحميد األنصاري
مكتبة المبتدئ
3
شرح العقيدة الواسطية
ﭑ ﭒﭓﭔ احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني.
أما بعد:
فمما ذكرته يف "المدخل إلى دراسة المختصرات" ـ عن علم االعتقاد ـ :أن االعتقاد :اجلزم ،فقولك" :اعتقد بأن اهلل حق" معناه :أجزم بأنه حق ،وعلم االعتقاد إجماالا :هو معرفة قول علماء السلف يف املسائل اليت حدث فيها أقوال ضالة من قبل املنتسبني لإلسالم. األْسَاء والصفات ،وقليل وأغلب هذه املسائل تتعلق باألخبار؛ مثل مسائل م منها يتعلق باألحكام؛ مثل مسائل األمر باملعروف والنهي عن املنكر. ولعل هذا العلم مْسِّ َي باالعتقاد ألن قول علماء السلف زجزوم به؛ لكونه مل خيالف قوهلم إال املبتدعة.
ومما ذكرته يف املدخل :أن من أشهر املختصرات املؤلفة يف علم االعتقاد كتاب
"العقيدة الواسطية" تأليف شيخ اإلسالم أيب العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد
مكتبة المبتدئ
4
شرح العقيدة الواسطية
السالم ابن تيمية احلراين ،املولود حبران من أرض الشام سنة (666ه) ،املتوىف سنة (827ه). وقد يسر اهلل عز وجل يل مبنه وكرمه إمتام شرح "العقيدة الواسطية" فأسأله سبحانه أن ينفع به كما نفع بأصله. وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم.
5
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
قبل الشروع يف شرح الكتاب
قبل الشروع في شرح الكتاب سيكون الكالم عن أمرين: األول :عنوان الكتاب.
الثاني :حمتويات الكتاب. أما عنوان الكتاب ،فهو "العقيدة الواسطية". وكلمة "العقيدة" سبق الكالم عنها يف املقدمة. وكلمة "الواسطية" وصف للعقيدة ،مو ِصفت بذلك نسبة إىل بلد واسط ،حيث كتب املؤلف هذه العقيدة إجابة لطلب أحد قضاهتا. وأما محتويات الكتاب ،فهو يحتوي على قسمين:
القسم األول :اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألخبار. القسم الثاني :اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألحكام.
مكتبة المبتدئ
6
شرح العقيدة الواسطية
[مقدمة املؤلف]
ﭑ ﭒﭓﭔ لل الَّ هذي أَرسل رسولَه بهاله َدى ه الْحم ُد ه الحق لهيُظْ ه َرهُ َعلَى الدِّي هن ُكلِّ هه ودي هن ِّ ُ َ َْ َ ُ وَك َفى به ه يك لَهُ إهق َْر اارا بههه الل َش ه ي اداَ ،وأَ ْش َه ُد أَ ْن الَ إهلَهَ إهالَّ اللُ َو ْح َده الَ َش هر َ َ هه ه َوتَ ْو هحي اداَ ،وأَ ْش َه ُد أ َّ وص ْحبه هه صلَّى اللُ َعلَْيه َو َعلَى آله َ َن ُم َح َّم ادا َع ْب ُده َوَر ُسولُه َ ه يما َم هزي ادا(.)1 َو َسلَّ َم تَ ْسل ا ()2 أ ََّما بَ ْع ُد: ( )6افتتح املؤلف كتابه هذا ِمب ٍ قدمة تضمنت ثالثة أمور: وهي :البسملة واحلمدلة والشهادتان. ( )2هذه كلمة يمؤتَى هبا للداللة على أمرين: األول :االنتهاء من املقدمة. الثاين :االبتداء يف املقصود.
مكتبة المبتدئ
7
شرح العقيدة الواسطية
[اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل التي تتعلق باألخبار]
فَ ه َذا ا ْعته ُ ه ه ه ه ورةه إهلَى قهيَ هام َ قاد الف ْرقة النَّاجيَة الم ْن ُ صَ اعة ،و ُهو :ا هإليما ُن به ه الل َوَمالَئه َكته هه َوُكتُبه هه َوُر ُسله هه َو َ َ الج َم َ َ َ يما ُن بهال َق َد هر َخ ْي هرهه َو َش ِّرهه(.)1 َوا هإل َ ()6
السنَّ هة اع هة؛ أ َْه هل ُّ َّ الس َ ث ب ْع َد المو ه ه ت، َْ َوالبَ ْع َ
هذا القسم األول من الكتاب؛ الذي هو :اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألخبار. قوله( :فهذا) هذا اسم إشارة ،واملشار إليه الكتاب نفسه. (اعتقاد الفرقة) أي ما تعتقده. ومعىن تعتقده :جتزم به ،والفرقة :بكسر الفاء الطائفة من الناس. وذلك أن املسلمني بعد الصحابة حدث بينهم اختالف يف فهم بعض مسائل يف الدين؛ اختالفا نتج عنه وجود فَِرٍق. واملؤلف يف هذا الكتاب يقتصر على ذكر اعتقاد فرقة واحدة. ه ه ورةه إهلَى قه ه اع هة) يام َّ الس َ قوله( :النَّاجيَة الم ْن ُ صَ أي الفرقة اليت يذكر اعتقادها متصفة هبذه الصفات. (الناجية) أي الساملة من النار يف اآلخرة. (المنصورة) أي املنتصرة على من خالفها يف الدنيا.
مكتبة المبتدئ
8
شرح العقيدة الواسطية
خيلو وقت من (إلى قيام الساعة) أي بقاؤها مستمر إىل أن تقوم الساعة ،فلن َ وجودها. وإمنا ذكر املؤلف ذلك إشارة إىل أن اتصاف هذه الفرقة هبذه الصفات يدل على أهنا هي اليت على احلق دون غريها من الفرق. فالفرقة املعرضة للدخول يف النار بسبب اعتقادها ال تكون على احلق ،والفرقة اليت تنهزم أمام احلجج الواضحة من الكتاب والسنة ليست على احلق ،والفرقة اليت ال يستمر بقاؤها ال تكون على احلق؛ إذ احلق باق إىل قيام الساعة. ويف ذكر املؤلف لصفات هذه الفرقة ترغيب لالنضمام إليها. قوله( :أ َْه هل ُّ ه اعة) الج َم َ السنَّة َو َ أي الفرقة اليت يذكر اعتقادها تمسمى هبذا االسم. (أهل السنة) أي أصحاب الطريقة اليت كان عليها النيب . (والجماعة) أي وأصحاب االجتماع على هذه الطريقة. ويف ذكر املؤلف السم هذه الفرقة ترغيب لالنتساب إليها. وذكر يف آخر الكتاب سبب تسميتها هبذا االسم. قوله( :وهو) أي اعتقاد هذه الفرقة. (اإليمان بالل ومالئكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت واإليمان بالقدر خيره وشره) أي اعتقادها إمجاال يف املسائل اليت تتعلق باألخبار هو اإلميان هبذه األصول الستة. ويف ذكر املؤلف العتقاد هذه الفرقة دعوة لتحقيق االنضمام واالنتساب إليها، وذلك يكون مبوافقتها يف اعتقادها.
9
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[اإلميان باهلل]
وهمن ا هإليم ه ان ه بالل: َ َ
()1
( )6لَ َّما ذكر اعتقاد الفرقة إمجاال شرع يف ذكر اعتقادها تفصيال. فبدأ باألصل األول الذي هو اإلميان باهلل.
(ومن اإليمان بالل) (من) مبعىن بعض ،أي بعض ما يدخل يف اإلميان باهلل.
مراده :أن اإلميان باهلل يتضمن أمورا ،وأنه إمنا يتكلم عن بعض هذه األمور ال كلها. مسألة :ما هي األمور اليت يتضمنها اإلميان باهلل؟ اجلواب :اإلميان باهلل يتضمن ثالثة أمور: األول :اإلميان بربوبيته. الثاين :اإلميان بإهليته. الثالث :اإلميان بأْسائه وصفاته. فإذا قيل :ما هو الذي يتكلم عنه املؤلف من هذه األمور؟ فاجلواب :يتكلم عن اإلميان بالصفات فقط. وذكر املؤلف فيما يتعلق بباب الصفات مبحثني: املبحث األول :بيان مصادر الصفات اليت يؤمن هبا أهل السنة واجلماعة. املبحث الثاين :بيان كيفية وصف اهلل لنفسه.
مكتبة المبتدئ
11
شرح العقيدة الواسطية
ف به هه نَ ْف ه ه ه ص َفهُ به هه َر ُسولُهُ ُم َح َّم ٌد .)1( ص َ سهُ في كتَابههَ ،وبه َما َو َ يما ُن به َما َو َ ا هإل َ َ ه ه يل ،وهم ْن غَْي هر تَ ْكيه ٍ ٍ يف َوالَ تَ ْمثه ٍ يل(.)2 م ْن غَْي هر تَ ْح هريف َوالَ تَ ْعط ٍ َ ()6
هذا املبحث األول ،وهو :بيان مصادر الصفات اليت يؤمن هبا أهل السنة واجلماعة.
(اإليمان بما وصف به نفسه في كتابه) أي يف القرآن. (وبما وصفه به رسوله محمد )أي يف السنة.
واخلالصة :أهنم يؤمنون بالصفات اليت مصدرها القرآن والسنة. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ
()2
فأهل السنة واجلماعة يؤمنون بأن من صفاته تعاىل أنه استوى على العرش بداللة هذه اآلية ،ومعىن استوى :عال وارتفع. لَ َّما ذكر أن مصادر الصفات اليت يؤمن هبا أهل السنة واجلماعة مها القرآن والسنة ناسب أن يذكر أن إمياهنم بالصفات خال من التعامل معها هبذه الطرق األربعة ،وإمنا ناسب أن يذكر ذلك ألن ِ الفَرق األخرى تتعامل مع الصفات هبذه الطرق. فأما الطريقة األوىل ،فهي :التحريف. وهو :نفي املعىن املراد مع إبداله مبعىن آخر.
مثاله :يف قوله تعاىل :ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ قال بعضهم :استوى معناه استوىل ،فنفى املعىن املراد الذي هو عال وارتفع ،وأبدله مبعىن آخر الذي هو استوىل. وأما الطريقة الثانية ،فهي :التعطيل.
مكتبة المبتدئ
11
شرح العقيدة الواسطية
بَ ْل يُ ْؤهمنُو َن بهأ َّ َن اللَ :ﮋﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﮊ
[الشورى](.)1
وهو :نفي املعىن املراد مع عدم إبداله مبعىن آخر. مثاله :يف اآلية السابقة :ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ قال بعضهم :اهلل مل يستو على العرش ،فنفى املعىن املراد ومل يبدله مبعىن آخر. وأما الطريقة الثالثة ،فهي :التكييف. وهو :تعيني كيفية الصفة مع عدم ذكر مماثل هلا. مثاله :يف اآلية السابقة :ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ إذا قال قائل :كيفية فعني كيفية الصفة من تلقاء نفسه ،ومل مميثلها استواء اهلل على عرشه كذا وكذاَّ ، بصفة املخلوقني. تنبيه :مل يمن َقل ـ فيما أحسب ـ أن أحدا ادعى معرفة الكيفية ،لكن الذي نمِقل أن بعضهم كان يسأل عن الكيفية ،ففي نفي معرفة الكيفية إغالق لباب السؤال عنها. وأما الطريقة الرابعة ،فهي :التمثيل. وهو :تعيني كيفية الصفة مع ذكر مماثل هلا. مثاله :يف اآلية السابقة :ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ قال بعضهم :اهلل فعني كيفية الصفة، استوى على العرش ،كما يستوي أحدنا على الكرسيَّ ، ومثلها بصفة املخلوقني. ( )6لَ َّما ذكر املؤلف أن إميان أهل السنة واجلماعة بالصفات خال من التعامل معها
مكتبة المبتدئ
12
فَالَ ي ْن ُفو َن َع ْنهُ ما وص َ ه ه سهَُ ،والَ يُ َح ِّرفُو َن َ َ َ َ ف به ن ْف َ ْح ُدو َن فهي أَسم هاء الل وآي ه يل ه اتهَ ،والَ يُ َكيِّ ُفو َنَ ،وال ََ ُ َْ ه ه () 1 َخلْقه .
شرح العقيدة الواسطية
ال َكلهم َعن موا ه ض هع ههَ ،والَ َ ْ ََ ص َف ه ص َفاتههه به ه يمثِّلو َن ه ات َُ
بتلك الطرق؛ ناسب أن يذكر طريقتهم يف التعامل مع الصفات.
كلمة (بل) تدل على االنتقال.
فأوال نفى تعاملهم بتلك الطرق ،مث انتقل إىل إثبات الطريقة اليت يتعاملون هبا. (يؤمنون بأن الل ﮋ ﭡ ﭢﭣﮊ) فيه نفي املماثلة. (ﮋﭥ ﭦ ﭧﮊ) فيه إثبات صفتني من الصفات. مراده :أن طريقتهم يف التعامل مع الصفات اليت يؤمنون هبا هي نفي املماثلة عنها. مثال ذلك :قوله تعاىل :ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮊ
فأهل السنة واجلماعة يؤمنون بأن من صفاته تعاىل أنه استوى على العرش بداللة هذه اآلية ،ويؤمنون بأن استواءه على العرش استواء يليق جبالله ،ليس مثل استواء املخلوقني؛ ألنه ليس كمثله شيء. ( )6لَ َّما ذكر طريقة أهل السنة واجلماعة يف التعامل مع الصفات؛ ناسب أن يذكر ما يتفرع عن هذه الطريقة أي ينتج عنها. (ف ) الفاء تدل على التفريع.
يعين كون طريقتهم يف التعامل مع الصفات هي نفي املماثلة عنها ،يتفرع عن ذلك أهنم ال يتعاملون مع الصفات بالطرق األخرى.
مكتبة المبتدئ
13
شرح العقيدة الواسطية
فأوال( :ال ينفون عنه ما وصف به نفسه) أي ال يعطلون. ثانيا( :ال يحرفون الكلم عن مواضعه) أي ال يصرفون اللفظ عن املعىن الذي مو ِضع له. وقوله( :ال يلحدون في أسماء الل وآياته) اإلحلاد يف األْساء واآليات هو: امليل عما جيب فيها ،ومن امليل :عدم إثبات ما دلت عليه من الصفات، وكيفية عدم اإلثبات تكون بأحد أمرين؛ إما بالتعطيل ،وإما بالتحريف ،وعلى هذا فاإلحلاد ليس هو طريقة مستقلة ،بل هو يتضمن هاتني الطريقتني ،وهلذا ذكره املؤلف بعدمها.
ثالثا( :ال يكيفون) أي ال يـم َعيَّـنمون كيفية ما وصف اهلل به نفسه.
رابعا( :ال يُمثلون صفاته بصفات خلقه) أي ال يقولون :إن صفات اهلل مثل
صفات املخلوقني. فائدة :يشري املؤلف هبذا التفريع إىل أن ِ الفَر َق األخرى اعتقدوا ابتداء يف الصفات اليت مصدرها القرآن والسنة أهنا ممتاثل صفات املخلوقني ،فنتج عن هذا االعتقاد التعامل مع الصفات بطريقة من هذه الطرق ،فمنهم من عطَّل، حرف ،ومنهم من كيَّف؛ قصدا للهروب من الوقوع يف التمثيل، ومنهم من َّ ومنهم من مثَّل؛ قصدا للتسليم لظاهر القرآن والسنة ،وأما أهل السنة واجلماعة ِ فلكوهنم اعتقدوا ابتداء أن الصفات يف القرآن والسنة ال متاثل صفات املخلوقني؛ نتج عن ذلك عدم التعامل مع الصفات بطريقة من هذه الطرق.
مكتبة المبتدئ
14
شرح العقيدة الواسطية
ه ألَنَّهُ ُس ْب َحانَهُ الَ َس هم َّي لَهَُ ،والَ ُك ْ اس به َخل هْق هه ُس ْب َحانَهُ ف َء لَهَُ ،والَ ن َّد لَهَُ ،والَ يُ َق ُ َوتَ َعالَى(.)1 ()6
لَ َّما ذكر ما يتفرع عن طريقة أهل السنة واجلماعة يف التعامل مع الصفات ناسب أن يذكر التعليل أي السبب على صحة هذه الطريقة. (ألنه سبحانه) الالم سببية؛ أي السبب يف نفي املماثلة عن صفات اهلل ما يلي: (ال سمي له ،وال كفوء له ،وال ند له) هذه األلفاظ معناها متقارب ،كلها مبعىن ال مثيل له يف ذاته. (وال يقاس بخلقه) ال يقاس :أي ال ميمَثَّلِِ ،بلقه :أي يف الصفات ،يعين ال ممتَثَّل صفاته بصفات خلقه. مراده :أن أهل السنة واجلماعة ينفون املماثلة عن صفات اهلل تعاىل ،والسبب يف ذلك أن اهلل تعاىل ال مثيل له يف ذاته؛ فيلزم من ذلك أن يكون ال مثيل له يف صفاته. مثال تَـ مق ِريمِيب :اإلنسان ذات له صفات ،واحليوان ذات له صفات ،وألن ذات اإلنسان ليست كذات احليوان؛ يلزم من ذلك أن تكون صفات اإلنسان ليست كصفات احليوان ،فعني اإلنسان ليست كعني احليوان ،وقوة اإلنسان ليست كقوة احليوان ،ورجل اإلنسان ليست كرجل احليوان ،وإذا كانت ذات اهلل تعاىل ليست كذات اإلنسان فيلزم من ذلك أن تكون صفات اهلل تعاىل ليست مثل صفات اإلنسان ،وإذا ثبت اختالف الصفات بني اإلنسان واحليوان ومها خملوقان ،فمن باب أوىل أن ختتلف الصفات بني اخلالق واملخلوق.
مكتبة المبتدئ
15
شرح العقيدة الواسطية
ه فَهإنَّهُ أَ ْعلَم بهنَ ْف هس هه وبهغَي هرهه ،وأ ْ ه من َخل هْق هه ،ثُ َّم ُر ُسلُهُ َص َد ُق قيالا َوأ ْ س ُن َحديثاا ْ َ ْ َ َح َ ُ ه ه ه َّ ه صه ال: ين يَ ُقولُو َن َعلَْي هه َما الَ يَ ْعلَمو َن ،وله َه َذا قَ َ ادقُو َن َم ْ َ ص ُدوقُو َن ،بخالَف الذ َ ﮋﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ
للر ُس هل، ص َفهُ به هه الْ ُمخالهفو َن ُّ سهُ َع َّما َو َ سبَّح نَ ْف َ ﰈ ﰉ ﮊ [الصافات] ،فَ َ وسلَّم َعلَى المرسلهين؛ لهس ه الع ْي ه المة َما قَالُوهُ همن الن ه ب(.)1 َّقص َو َ ََ ُْ َ َ َ ()6
ذكر املؤلف يف املبحث األول مصادر الصفات اليت يؤمن هبا أهل السنة واجلماعة ،مث بعد أن استطرد يف الكالم عاد إلمتام الكالم عن أصل هذا املبحث؛ فذكر التعليل على صحة هذه املصادر. (فإنه) الفاء سببية؛ أي السبب يف إمياهنم بالصفات اليت وصف اهلل هبا نفسه ووصفه هبا رسوله ما يلي:
(أعلم بنفسه وبغيره ،وأصدق قيالا ،وأحسن حديثاا من خلقه) مراده :أن أهل السنة واجلماعة يؤمنون بالصفات اليت وصف اهلل هبا نفسه ،والسبب يف ذلك أن اهلل تعاىل اجتمع يف حقه ثالثة أمور توجب التسليم لوصفه كما هو: األول :أنه أعلم بنفسه وبغريه. الثاين :أنه أصدق قيال. الثالث :أنه أحسن حديثا من خلقه. فائدة :احلسن يف احلديث يتضمن أمرين :احلسن اللفظي الذي هو الفصاحة، واحلسن املعنوي الذي هو اإليضاح ،فكالم اهلل تعاىل أفصح الكالم وأوضحه. (ثم رسله صادقون مصدوقون) مراده أن أهل السنة واجلماعة يؤمنون بصفات
مكتبة المبتدئ
16
شرح العقيدة الواسطية
اهلل تعاىل اليت وصفه هبا رسوله حممد ،والسبب يف ذلك أن الرسول اجتمع فيه أمران يوجبان التسليم لوصفه: األول :أنه صادق أي يف قوله. الثاين :أنه مصدوق أي فيما يموحى إليه. يعين أن اهلل تعاىل أوحى إليه صدقا ،وهو بلغ نفس ما أوحاه اهلل إليه. (بخالف الذين يقولون عليه ماال يعلمون) َمن هم الذين يقولون ما ال يعلمون؟ هم الذين يتكلمون عن صفات اهلل بغري وحي من اهلل. ِ ف ِحلال الرسل ،فالرسل صادقون مراد املؤلف :أن هؤالء حاهلم يف القول مخمَال ٌ مصدوقون ،وهؤالء كاذبون مكذوبون. كاذبون أي يف قوهلم؛ ألهنم قالوا خالف ما قاله الرسل ،مكذوبون أي فيما يوحى إليهم؛ ألن الشيطان أوحى إليهم خالف ما أوحاه اهلل إىل الرسل. (ولههذا قال :ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل ،وسلم على المرسلين لسالمة ما قالوه من النقص والعيب) مراد املؤلف :أن اهلل تعاىل سلم على املرسلني لسالمة ما قالوه من النقص والعيب، والسبب يف أن قوهلم عنه سامل من النقص والعيب هو أهنم صادقون مصدوقون ،وأنه تعاىل نزه نفسه عما وصفه به املخالفون للرسل ،والسبب يف ذلك هو أنه إذا كان وصف الرسل سالِما من النقص والعيب؛ فال بد أن يكون وصف من خالفهم فيه نقص وعيب.
مكتبة المبتدئ
17
شرح العقيدة الواسطية
ه ف وس َّمى به هه نَ ْفسهُ ب ْين الن هَّفي وا هإلثْ ب ه ات(.)1 يما َو َ َ َ ص َ ََ َ َ َ َو ُه َو ُس ْب َحانَهُ قَ ْد َج َم َع ف َ اع هة َع َّما ج ه ه ول أل َْه هل ُّ ه الم ْر َسلو َن(.)2 فَالَ عُ ُد َ ْج َم َ السنَّة َوال َ اء به ُ ََ ( )6هذا املبحث الثاين ،وهو :كيفية وصف اهلل لنفسه. (وهو سبحانه قد جمع) أي يف القرآن. (فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي واإلثبات) أي أن صفات اهلل تعاىل حبسب ما وصف به نفسه يف القرآن نوعان :صفات مثبتة ،وصفات منفية. مسألة :هل أْساء اهلل كذلك نوعان مثبتة ومنفية ،كما هو ظاهر كالم املؤلف؟ اجلواب :نعم أْساء اهلل نوعان مثبتة ومنفية ،لكن من حيث املعىن ال من حيث اللفظ. فأْساء اهلل من حيث اللفظ كلها مثبتة؛ أي ليس منها شيء مسبوق بأداة نفي. وأما من حيث املعىن فنوعان: النوع األول :أْساء مثبتة ،وهي :اليت تدل على معىن مثبت. مثاله" :العليم" اسم يدل على معىن مثبت ،وهو العلم. النوع الثاين :أْساء منفية ،وهي :اليت تدل على معىن منفي. مثاله" :السالم" اسم يدل على معىن منفي وهو النقص ،ألن "السالم" معناه: السامل من النقص ،وضابط هذا النوع :أن يكون املقصود من االسم هو التَّـمن ِزيمه. ( )2لَ َّما ذكر كيفية وصف اهلل لنفسه؛ ناسب أن يذكر ما يتفرع عن ذلك. (ف ) الفاء للتفريع ،أي كون اهلل تعاىل وصف نفسه باإلثبات والنفي تفرع عن
ذلك ما يلي:
مكتبة المبتدئ
18
شرح العقيدة الواسطية
ه صرا ُ َّ ه ه ه ه ين الص َرا ُ فَهإنَّهُ ِّ ين أَنْ َع َم اللُ َعلَْيهم م َن النَّبيِّ َ ط الذ َ يم؛ َ ط ال ُْم ْستَق ُ الش ه هداء و َّ ه ه و ِّ ه ين َو ُّ ين(.)1 الصالح َ َ الصدِّيق َ َ (ال عدول ألهل السنة والجماعة) أي ال ميل هلم. (عما جاء به المرسلون) أي عن الوصف الذي بلغه املرسلون عن رهبم.
()6
مراده :أن اهلل تعاىل وصف نفسه باإلثبات والنفي ،وأن املرسلني بلغوا عن رِّهبم هذا الوصف ،فتفرع عن ذلك :أنه ال ميل ألهل السنة واجلماعة عن وصف اهلل تعاىل باإلثبات والنفي؛ اتباعا للوصف الذي بلغه املرسلون عن رهبم. ملا ذكر أن أهل السنة واجلماعة يصفون اهلل تعاىل باإلثبات والنفي اتباعا للوصف الذي بلغه املرسلون عن رِّهبم؛ ناسب أن يذكر السبب يف اتباعهم هلذا الوصف. (ف ) الفاء سببية ،أي أن أهل السنة واجلماعة يصفون اهلل تعاىل باإلثبات والنفي اتباعا للوصف الذي بلغه املرسلون ،والسبب يف ذلك ما يلي:
(إنه) أي هذا الوصف.
(الصراط المستقيم) أي الطريق الذي ال اعوجاج فيه. (صراط الذين أنعم الل عليهم) أي هذا الصراط املستقيم هو الصراط الذي سلكه من أنعم اهلل عليهم بسلوكه.
(من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) أي الذين أنعم اهلل عليهم بسلوكه ،هم هؤالء األصناف األربعة.
مكتبة المبتدئ
19
شرح العقيدة الواسطية
[شواهد من القرآن تدل على أن اهلل وصف نفسه باإلثبات والنفي]
[سورة تشتمل على صفات مثبتة ومنفية]
ف الل به هه نَ ْف ه وقَ ْد َد َخل فهي َه هذهه ال ه ورةه ا هإل ْخالَ ه ص؛ الَّتهي ص َ ُ ْج ْملَةَ :ما َو َ ُ سهُ في ُس َ َ َ َ تَ ه ث ال ُق ه ول :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ث يَ ُق ُ رآنَ ،ح ْي ُ عد ُل ثُلُ َ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [اإلخالص](.)1 ( )6ذكر املؤلف يف املبحث الثاين أن اهلل وصف نفسه باإلثبات والنفي ،مث بعد أن استطرد يف الكالم عاد إلمتام الكالم عن أصل هذا املبحث؛ فذكر شواهد من القرآن تدل على أن اهلل وصف نفسه باإلثبات والنفي. وهذه الشواهد اليت ذكرها على مخسة أنواع: النوع األول :سورة تشتمل على صفات مثبتة ومنفية. النوع الثاين :آية تشتمل على صفات مثبتة ومنفية. النوع الثالث :آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط. النوع الرابع :آيات تشتمل على صفات منفية فقط. النوع اخلامس :آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط.
مكتبة المبتدئ
21
شرح العقيدة الواسطية
مسألة :ملاذا أخر املؤلف النوع اخلامس ،ومل يدرجه مع النوع الثالث ،مع أن النوعني كليهما آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط؟ اجلواب :إمنا أخر هذا النوع ألن اآليات اليت فيه تشتمل على صفات سيوجه إليها مزيد اعتناء ،وذلك لكون اختالف الناس فيها أكثر من غريها. فإذا قيل :كيف سيوجه املؤلف إىل هذه الصفات مزيد اعتناء؟ فاجلواب :بتخصيص فصول لشرحها. وبدأ املؤلف بالنوع األول من الشواهد؛ اليت هي سورة تشتمل على صفات مثبتة ومنفية. قوله( :وقد دخل في هذه الجملة :ما وصف الل به نفسه في سورة اإلخالص) املراد باجلملة ما قاله قبل ذلك( :وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي واإلثبات) يعين أن اهلل وصف نفسه يف سورة اإلخالص باإلثبات والنفي ،فتكون هذه السورة داخلة فيما قرره يف هذه اجلملة. (التي تعدل ثلث القرآن) أي سورة اإلخالص تساوي ثلث القرآن. فإذا قيل :بأي اعتبار تعدل ثلث القرآن؟ فاجلواب :أن املختار عند املؤلف أهنا تعدل ثلث القرآن باعتبار املعىن ،وذلك أن معاين القرآن ثالثة أنواع :أخبار عن اهلل ،وأخبار عن املخلوق ،وأحكام من اهلل للمخلوق ،وهذه السورة كلها اختصت باخلرب عن اهلل تعاىل ،فعدلت ثلث القرآن.
مكتبة المبتدئ
21
شرح العقيدة الواسطية
(حيث يقول :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ .ﭖ ﭗ ﮊ) هاتان اآليتان تضمنتا ثالث صفات مثبتة ،وهي :اإلهلية ،واألحدية ،والصمدية. (ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ .ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ) هاتان اآليتان تضمنتا ثالث صفات منفية؛ نفي الولد ،ونفي الوالد ،ونفي الكفوء يعين املثيل. معىن الصمد: للسلف يف تفسري الصمد أقوال ،واملشهور منها قوالن: أحدمها :أن الصمد هو الذي ال جوف له. صمد إليه يف احلوائج. الثاين :أنه السيد الذي يم َ فاألول قول أكثر السلف ،وطائفة من أهل اللغة ،والثاين قول طائفة من السلف ،ومجهور اللمغويني. ذكر املؤلف هذا مبعناه يف غري هذا الكتاب. فائدة :ابتدأ املؤلف من الشواهد بسورة اإلخالص لسببني: األول :لكوهنا سورة ،وهلذا فالشواهد اليت بعدها كلها آيات. الثاين :لكوهنا تشتمل على صفات مثبتة ومنفية ،وهلذا فالشواهد اليت بعدها كلها تشتمل على صفات مثبتة فقط ،أو منفية فقط ،ما عدا النوع الذي سيأيت.
مكتبة المبتدئ
22
شرح العقيدة الواسطية
[آية تشتمل على صفات مثبتة ومنفية]
ف به هه نَ ْفسهُ فهي أَ ْعظَ هم آي ٍة فهي كهتَ ه ول :ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ يث يَ ُق ُ ابه؛ َح ُ ص َ وما َو َ َ َ َ
ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ
[البقرة ،]255 :وله َه َذا َكا َن من قَ رأَ َه هذهه اآليةَ فهي لَْي لَ ٍة لَم ي ز ْل َعلَْي هه همن ه الل ْ ََ َ َ ْ َ ه ()1 صب َح . َحافهظٌَ ،والَ يَ ْق َربُهُ َش ْيطَا ٌن َحتَّى يُ ْ ( )6هذا النوع الثاين من الشواهد؛ اليت هي آية تشتمل على صفات مثبتة ومنفية.
قوله( :وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه) املراد باآلية هنا آية الكرسي ،يعين أن اهلل وصف نفسه يف هذه اآلية باإلثبات والنفي كما هو احلال يف سورة اإلخالص. (حيث يقول :ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ) هذه اجلملة تضمنت ثالث صفات مثبتة ،وهي :اإلهلية ،واحلياة ،والقيومية.
(ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮊ) هذه اجلملة تضمنت صفتني منفيتني ومها: السنة ،والنوم ،والسنة معناها :النعاس.
مكتبة المبتدئ
23
شرح العقيدة الواسطية
(ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﮊ) هذه اجلملة تضمنت صفة واحدة مثبتة، وهي :امللك. (ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ) هذه اجلملة تضمنت صفة واحدة مثبتة ،وهي :اإلذن بالشفاعة. (ﮋ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﮊ) هذه اجلملة تضمنت صفتني مثبتتني ومها :العلم ،واملشيئة. (ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﮊ) هذه اجلملة تضمنت ثالث صفات مثبتة ،وصفة واحدة منفية ،أما الصفات املثبتة فهي :احلفظ ،والعلو ،والعظمة ،وأما املنفية فهي :األود ،ومعناه :التعب.
قوله( :ولهذا كان من قرأ هذه اآلية في ليلة لم يزل عليه من الل حافظ، وال يقربه شيطان حتى يصبح) الالم يف قوله( :ولهذا) الم السببية.
مراد املؤلف :أن الوصف الذي وصف به نفسه يف هذه اآلية هو السبب يف أن من قرأها يكون حمفوظا ،وال يقربه شيطان. فائدة :أخر املؤلف ذكر آية الكرسي عن سورة اإلخالص؛ ألن تلك سورة، وهذه آية ،وقدمها على ما بعدها من اآليات؛ لكوهنا تشتمل على صفات مثبتة ومنفية ،وهلذا فالشواهد اليت بعدها كلها تشتمل على صفات مثبتة فقط، أو منفية فقط.
24
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط]
[إثبات صفات األولية ،واآلخرية ،والظهور ،والباطنية]
حانَهُ :ﮋ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ َوقَ ْولُهُ ُس ْب َ
[الحديد](.)1
[إثبات صفة احلياة]
َوقَ ْولُهُ ُس ْب َحانَهُ :ﮋﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﮊ [الفرقان.)2( ]58 : ( )6النوع الثالث من الشواهد آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط. وبدأ املؤلف هبذه اآلية اليت قصد هبا إثبات أربع صفات ،وهي :األولية، واآلخرية ،والظهور ،والباطنية. تنبيه :ال يقصد املؤلف هبذه اآلية إثبات صفة العلم؛ ألنه خصص هلا موضعا مجع فيه بعض اآليات املتعلقة هبا. معاين األْساء األربعة اليت تضمنتها اآلية: األول :معناه املوجود الذي ال بداية لوجوده ،اآلخر :معناه الباقي الذي ال هناية لبقائه ،الظاهر :معناه العايل بذاته ،الباطن :معناه القريب بعلمه. ( )2قصد املؤلف هبذه اآلية إثبات صفة احلياة.
مكتبة المبتدئ
25
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة العلم]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [التحريم ،]2 :ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ [سبأ] ،ﮋ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ
ﯺﯻ ﯼﯽ ﯾﯿ ﰀﰁ ﰂﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ قولُهُ :ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﮊ ﰋ ﰌ ﰍ ﮊ [األنعام]َ ،و ْ
[فصلت[ ]47 :فاطرَ ،]11 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛﮊ [الطالق.)1(]12: [إثبات صفات الرزق ،والقوة ،واملتانة]
َوقَ ْولُهُ :ﮋﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ [الذاريات.)2(]58 :
( )6قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة العلم. فائدة :ذكر املؤلف أوال اآلية اليت فيها لفظ "العليم" باالسم ،مث ذكر بقية اآليات بالفعل ،مث بالوصف ،فلعله يريد بقية اآليات كالشرح لآلية األوىل، فكأنه يقول :عليم معناه :يعلم ما يلج يف األرض إخل ،ومعناه :عنده مفاتح الغيب ال يعلمها إال هو ،وهكذا. ( )2لعل املؤلف قصد هبذه اآلية إثبات مجيع الصفات اليت دلت عليها ،وهي ثالث صفات :الرزق ،والقوة ،واملتانة؛ أي الشدة.
مكتبة المبتدئ
26
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفتي السمع والبصر]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﮊ [الشورىَ ،]11:وقَ ْولُهُ: ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ [النساء.)1(]58 : [إثبات صفتي املشيئة واإلرادة]
َوقَ ْولُهُ :ﮋﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ [الكهف،]39 :
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮊ [البقرةَ ،]253 :وقَ ْولُه:
ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢﮊ [المائدةَ ،]1 :وقَ ْولُهُ :ﮋﭑﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ [األنعام.)2(]125 :
( )6قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفيت السمع والبصر. ( )2قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفيت املشيئة ،واإلرادة. فائدة :ذكر املؤلف أوال آية يف صفة املشيئة خاصة ،مث ذكر آيتني يف صفة اإلرادة خاصة ،وفصل بينهما أعين بني آية املشيئة وآييت اإلرادة بآية حتتوي على الصفتني.
مكتبة المبتدئ
27
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة احملبة واملودة]
َوقَ ْولُهُ :ﮋﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮊ [البقرة ،]195 :ﮋﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚﮊ [الحجرات ،]9 :ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ [التوبة ،]7 :ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮊ [البقرة:
َ ،]222وقَ ْولُهُ :ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﮊ [آل عمران،]31 :
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ [المائدةَ ،]54 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [الصف]َ ،وقَ ْولُهُ: ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ [البروج](.)1 ( )6قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة احملبة واملودة. معىن املودة: املودة هي احملبة. قال ابن كثري يف تفسريه :والودود-قال ابن عباس وغريه :-هو احلبيب.
28
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة الرمحة]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﮊ ،ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﮊ
[غافر ،]7 :ﮋ ﰑ ﰒ ﰓ ﮊ [األحزاب ،]43 :ﮋ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﮊ [األعراف ،]156 :ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﮊ [األنعام،]54 : ﮋ ﮄ ﮅ ﮆﮊ [األحقاف[ ]8 :يونس ،]117 :ﮋ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﮊ [يوسف.)1(]64 :
[إثبات صفة الرضى]
َوقَ ْولُهُ:
ﮋ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﮊ [المائدة[ ]119 :التوبة[ ]111 :المجادلة]22 :
[البينة.)2( ]8 : ( )6قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة الرمحة. ( )2قصد املؤلف هبذه اآلية إثبات صفة الرضى.
مكتبة المبتدئ
29
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة الغضب وما يف معناه]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ [النساءَ ،]93 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ
،وقَ ْولُهُ :ﮋﮨ ﮩ ﮪ ﯩﯪﯫ ﯬ ﮊ [محمدَ ]28 :
ﮋ ﮯﮰﮱﯓﯔ ﮊ [التوبة:
ﮫﮊ[الزخرفَ ،]55 :وقَ ْولُهُ: َ ،]46وقَ ْولُهُ :ﮋﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ [الصف](.)1 [إثبات صفة اإلتيان واجمليء]
َوقَ ْولُهُ :ﮋﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ
ﯸﮊ [البقرةَ ،]211 :وقَ ْولُهُ :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜﭝﭞﮊ [األنعم ،]158 :ﮋﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ [الفجر] ،ﮋﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮋ ﮊ [الفرقان](.)2
( )6قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة الغضب ،وما يف معناه؛ من السخط، واألسف ،والكره ،واملقت. ( )2قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة اإلتيان واجمليء.
31
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة الوجه]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ [الرحمن] ،ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚﮊ [القصص.)1(]88 :
[إثبات صفة اليدين]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ [صَ ،]75 :وقَ ْولُهُ :ﮋﯣ ﯤ
ﯥﯦﯧﯩﯪﯫ ﯬﯭﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴﮊ [المائدة.)2(]64 :
مسألة :ما وجه الداللة يف اآلية األخرية؟ اجلواب :وجه الداللة أن تشقق السماء بالغمام يكون مقدمة إلتيان اهلل تعاىل بدليل اآلية األوىل. ( )6قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفة الوجه. فائدة :إثبات البقاء لصفة الوجه يدل على إثبات البقاء للموصوف الذي هو اهلل عز وجل. ( )2قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفة اليدين.
31
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة العينني]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﮊ [الطور ،]48 :ﮋ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ [القمر] ،ﮋ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [طه.)1(]39 :
[إثبات صفتي السمع والرؤيا]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ [المجادلة]َ ،وقَ ْولُهُ :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﮊ [آل عمرانَ ،]181 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ [الزخرف]َ ،وقَ ْولُهُ :ﮋ ﯡ ﯢ
ﯣ ﯤ ﮊ [طهَ ،]46 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﮊ [العلق] ،ﮋ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ [الشعراء] ،ﮋﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﮊ [التوبة.)2(]115 :
( )6قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة العينني. تنبيه :املؤلف هنا يسوق اآليات دون األحاديث ،ففي هذه اآليات دليل على إثبات صفة العني ،وأما الدليل على عدد العني أهنما اثنتان فمأخوذ من السنة. ( )2قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفيت السمع والرؤيا.
مكتبة المبتدئ
32
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة املكر وما يف معناه]
قولُهُ :ﮋ ﭛ ﭜ َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﰂ ﰃ ﰄ ﮊ [الرعدَ ،]13 :و ْ
ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ [آل عمران]َ ،وقَ ْولُهُ :ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ [النمل]َ ،وقَ ْولُهُ :ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ
[الطارق](.)1
فائدة :ذكر املؤلف هنا أوال آيات يف صفة السمع خاصة ،مث ذكر آيات يف صفة الرؤية خاصة ،وفصل بينهما بآية حتتوي على الصفتني. تنبيه :ذكر املؤلف صفيت السمع والرؤية من قبل ،ولكن ذكرمها يف ذلك املوضع بلفظ االسم "ْسيع" "بصري" ،ويف هذا املوضع بلفظ الفعل. ( )6قصد هبذه اآليات إثبات صفة املكر ،وما يف معناه؛ من املماحلة والكيد. معىن املكر: املكر :إيصال الضرر من حيث يمظن النفع ،يعين أن يفعل فعال ظاهره النفع ولكن يريد به اإلضرار. وهو نوعان :األول :مكر مبن يستحق ،والثاين :مكر مبن ال يستحق. فالنوع األول صفة مدح ،وهو الثابت هلل تعاىل ،والنوع الثاين صفة ذم ،وله اسم خاص وهو اخليانة ،وهذا النوع منفي عن اهلل تعاىل ألنه من الظلم.
مكتبة المبتدئ
33
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفتي العفو واملغفرة]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﮊ
[النساء] ،ﮋ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮊ [النور:
.)1(]22
[إثبات صفة العزة]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ [المنافقونَ ،]8 :وقَ ْولُهُ َع ْن إهبله يس :ﮋ ﰗ ﰘ ﰙﮊ [ص.)2(]82 : َ ( )6قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفيت العفو ،واملغفرة. معىن العفو واملغفرة: العفو واملغفرة معنامها متقارب ،عفا الذنب :أي أزاله ،غفر الذنب :أي سرته، وكالمها مبعىن جتاوز عن العقاب بالذنب. ( )2قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات صفة العزة؛ أي الغلبة.
34
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات االسم هلل تعاىل]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ [الرحمن]َ ،وقَ ْولُهُ :ﮋ ﭖ
ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ [مريم.)1(]65 :
( )3قصد املؤلف هباتني اآليتني إثبات االسم هلل تعاىل. واملراد باالسم املثبت هلل تعاىل هي مجيع األْساء احلسىن. معىن ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ: قوله :ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﮊ هذا استفهام يراد به النفي؛ أي ليس له ْسي، يعين ال أحد يستحق أن يسمى مبثل اْسه.
35
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[آيات تشتمل على صفات منفية فقط]
ﮋ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [اإلخالص] ،ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﮊ [البقرةَ ،]22 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮊ [البقرةَ ،]165 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [اإلسراء]،
ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ
[التغابن]َ ،وقَ ْولُه :ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﮊ [الفرقان]َ ،وقَ ْولُهُ :ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﮊ [المؤمنون] ،ﮋﭡ ﭢ
ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ [النحل] ،ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊﮋ ﮌ ﮍﮎﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [األعراف](.)1 ( )6هذا النوع الرابع من الشواهد؛ اليت هي آيات تشتمل على صفات منفية فقط.
مكتبة المبتدئ
36
شرح العقيدة الواسطية
وتضمنت هذه اآليات من الصفات ما يلي: اآلية األوىل :ﮋﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ
فيها نفي الكفء ،يعين :املثيل. اآلية الثانية :ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ
فيها نفي األنداد ،واألنداد :مجع ند ،ومعناه :املثيل.
اآلية الثالثة :ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮊ
فيها نفي األنداد أيضا.
اآلية الرابعة :ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﮊ
فيها نفي اختاذ الولد ،ونفي الشريك يف امللك ،ونفي الويل من الذل ،والويل: هو املقَّرب ،والذل :هو االحتياج ،واملعىن :أن اهلل ال يقرب أحدا الحتياجه إليه. اآلية اخلامسة :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﮊ
فيها نفي النقص؛ ألن قوله :ﮋ ﭑﮊ معناه :يـمنَـِّزه ،والتَّـمن ِزيمهم يكون عن النقص.
مكتبة المبتدئ
37
شرح العقيدة الواسطية
اآليتان السادسة والسابعة :ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ .ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭﯮ ﯯ ﯰ ﮊ
يف هاتني اآليتني نفي النقص؛ ألن قوله :ﮋ ﯔﮊ معناه :تعاىل وتعاظم، والتعايل والتعاظم يكون عن النقص ،وفيهما أيضا نفي الولد ،ونفي الشريك يف امللك. اآليتان الثامنة والتاسعة :ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ .ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﮊ
فيهما نفي اختاذ الولد ،ونفي الشريك يف اإلهلية ،ونفي النقص. اآلية العاشرة :ﮋﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﮊ
فيها نفي املثيل ،ألن النهي عن ضرب األمثال يدل على انتفاء املثيل.
اآلية األخرية :ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮊ
فيها نفي الشريك.
مكتبة المبتدئ
38
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة العلو]
َوقَ ْولُهُ :ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ [طه] ،ﮋ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮊ فهي ستة مو ه اض َع [األعراف[ ]54 :يونس[ ]3 :الرعد[ ]3 :الفرقان[ ]59 :السجدة]4 : ََ [الحديدَ ،]4 :وقَ ْولُهُ :ﮋﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﮊ [آل عمران ،]55 :ﮋ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙﮊ [النساء ،]158 :ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬﮊ [فاطر ،]11 :ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ [غافرَ ،]37-36 :وقَ ْولُهُ:
ﮋﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ [الملك](.)1 ( )6النوع اخلامس من الشواهد آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط. وتقدم التنبيه على أن املؤلف أخر ذكر هذه اآليات لكوهنا تشتمل على صفات سيوجه إليها مزيد اعتناء. وهذه اآليات اليت سيذكرها املؤلف كالتايل: أوال :آيات قصد هبا إثبات صفة العلو. ثانيا :آيات قصد هبا إثبات صفة املعية.
مكتبة المبتدئ
39
شرح العقيدة الواسطية
ثالثا :آيات قصد هبا إثبات صفة الكالم ،وأن القرآن كالم اهلل. رابعا :آيات قصد هبا إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة. فبدأ هبذه اآليات اليت قصد هبا إثبات صفة العلو؛ أي أن اهلل عال على مجيع خملوقاته ،ال يعلوه شيء. فائدة :داللة القرآن على علو اهلل متنوعة ،ذكر املؤلف منها -حبسب اآليات اليت ساقها -ثالثة أنواع: األول :اإلخبار بأنه استوى على العرش ،ألن العرش أعلى املخلوقات ،فإذا كان هو سبحانه استوى على العرش؛ فهو أعلى من مجيع املخلوقات. الثاين :اإلخبار برفع األشياء وصعودها إليه؛ ألن اإلخبار بذلك يدل على علوه. الثالث :اإلخبار بأنه يف السماء؛ ألن السماء يف اللغة معناها :العلو. مسألة :ما وجه الداللة يف قوله تعاىل عن فرعون :ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ .ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ
ﮞﮊ؟ اجلواب :وجه الداللة أنه يمفهم من السياق أن موسى أخرب فرعون أن اهلل يف السماء ،وهلذا طلب بناء الصرح لالطالع عليه. معىن استوى على العرش: فسر السلف كلمة "استوى" بأربعة ألفاظ متقاربة يف املعىن ،وهي :عال، وارتفع ،وصعد ،واستقر.
مكتبة المبتدئ
41
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة املعية]
ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [الحديد]َ ،وقَ ْولُهُ :ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮊ [المجادلة ،]7 :ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ [التوبةَ ،]41 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ [طه ،]46 :ﮋ ﯿ
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ [النحل] ،ﮋ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﮊ [األنفال ،]46 :ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮊ [البقرة.)1(]249 : ( )6قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة املعية؛ أي أن اهلل تعاىل مع خلقه. فائدة :ذكر املؤلف صفة املعية بعد صفة العلو؛ إشارة إىل عدم جواز تفسري املعية مبعىن يناقض العلو ،أي إذا ثبت أن اهلل تعاىل عال على خلقه ،فال جيوز تفسري املعية بأنه خمتلط مع خلقه؛ ألن هذا التفسري يناقض إثبات صفة العلو.
مكتبة المبتدئ
41
شرح العقيدة الواسطية
فائدة أخرى :يستفاد من زجموع هذه اآليات أن معية اهلل خللقه نوعان: النوع األول :معية عامة ،ومعىن عامة :أنه مع مجيع الناس. وهذه املعية هي اليت مبعىن العلم ،كقوله :ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﮊ أي معكم بعلمه. النوع الثاين :معية خاصة ،ومعىن خاصة :أنه مع بعض الناس. وهذه املعية هي اليت مبعىن احلفظ والتأييد وحنو ذلك. مث هذه املعية أيضا أعين اخلاصة نوعان: النوع األول :معية مقيدة بشخص ،كقوله عن خطاب النيب أليب بكر :ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ. النوع الثاين :معية مقيدة بوصف ،كقوله :ﮋ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ
ﰆﮊ.
مكتبة المبتدئ
42
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة الكالم]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﮊ [النساء ،]87 :ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧﮊ [النساء ،]122 :ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮊ [المائدة:
،]116
ﮋﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮊ [األنعامَ ،]115 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼﮊ [النساء ،]164 :ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﮊ [البقرة ،]253 :ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ [األعراف ،]143 :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ [مريم]َ ،وقَ ْولُهُ :ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮊ
[الشعراء] ،ﮋ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﮊ [األعرافَ ،]22 :وقَ ْولُهُ: ﮋ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ [القصص] ،ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ [القصص[ ]62 :القصص.)1( ]74 : ( )6قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات صفة الكالم؛ أي أن اهلل تعاىل يتكلم. فائدة :يستفاد من زجموع هذه اآليات أن صفة الكالم هلل تعاىل ثابتة بعدة ألفاظ؛ منها :التحدث ،والقول ،والتكلم ،والنداء.
مكتبة المبتدئ
43
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات أن القرآن كالم اهلل]
ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﮊ [التوبة،]6 :
ﮋﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ [البقرة ،]75 :ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﮊ [الفتح ،]15 :ﮋ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ
ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﮊ [الكهفَ ،]27 :وقَ ْولُهُ :ﮋ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﮊ [النمل] ،ﮋﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮊ [األنعام ،]92 :ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔﮊ [الحشر ،]21 :ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶﯷ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ [النحل](.)1 ( )6قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات أن القرآن كالم اهلل؛ أي أن القرآن كالم ،وأن اهلل تعاىل هو الذي تكلم به.
مكتبة المبتدئ
44
شرح العقيدة الواسطية
فائدة :أثبت املؤلف أن القرآن كالم اهلل بعد أن أثبت أن اهلل يتكلم؛ إشارة إىل أنه يلزم من إثبات الكالم هلل إثبات أن القرآن كالمه؛ ألنه مما تكلم به ،وهلذا فالذين قالوا إن القرآن ليس كالم اهلل ،إمنا قالوا ذلك؛ ألهنم يقولون إن اهلل ال يتكلم. فائدة أخرى :الداللة يف هذه اآليات على أن القرآن كالم اهلل نوعان: النوع األول :داللة منطوقة ،حيث أخرب اهلل تعاىل أن القرآن كالمه. النوع الثاين :داللة مفهومة ،حيث أخرب اهلل تعاىل أن القرآن ممنَـَّزٌل منه ،فيمفهم من ذلك أنه هو الذي تكلم به. مسألة :هل يريد املؤلف الكالم عن القرآن فقط ،أو عن مجيع الكتب الم ممنَـَّزلة أهنا كالم اهلل تعاىل؟ اجلواب :يريد الكالم عن الكتب الم ممنَـَّزلة عموما ،والقرآن خصوصا ،وهلذا ذكر قوله تعاىل :ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﮊ ،واملراد بكالم اهلل هنا التوراة. مسألة أخرى :ما وجه الداللة يف قوله تعاىل :ﮋ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﮊ؟ اجلواب :وجه الداللة :أن اهلل تعاىل أخرب أن القرآن يقص ،والقصص ال يكون إال قوال ،والبد من قائل ،وقال سبحانه يف موضع آخر :ﮋ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [يوسف ]3:فدل على أن القائل هو اهلل تعاىل.
مكتبة المبتدئ
45
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة]
َوقَ ْولُهُ :ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [القيامة] ،ﮋ ﮯ ﮰ
ﮱﮊ [المطففين[ ]23 :المطففين ،]35 :ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ [يونس:
َ ،]26وقَ ْولُهُ :ﮋ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﮊ [ق](.)1 ( )6قصد املؤلف هبذه اآليات إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة. فائدة :ختم املؤلف آيات الصفات بالرؤية؛ إشارة إىل أن الذين آمنوا بصفات اهلل يف الدنيا هم الذين يستحقون رؤيته يف اآلخرة. مسألة :وجه الداللة يف اآلية األوىل ظاهر ،فما وجه الداللة يف بقية اآليات؟ اجلواب :أما قوله :ﮋ ﮯ ﮰ ﮱﮊ فوجه الداللة أن املراد ينظرون إىل رهبم؛ ألنه قال قبل ذلك عن الفجار :ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ، وأما قوله :ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ فوجه الداللة أن املراد بالزيادة النظر إىل اهلل تعاىل كما فسرها بذلك النيب ،وأما قوله :ﮋ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ
ﰢ ﮊ فوجه الداللة يف هذه اآلية كوجه الداللة يف اآلية اليت قبلها.
مكتبة المبتدئ
46
شرح العقيدة الواسطية
ه ه وه َذا الباب فهي كهتَ ه ه من تَ َدبَّ َر ال ُقرآ َن طَالباا لل ُْه َدى م ْنهُ تَبَ يَّ َن لَهُ َ ُ كثيرْ ، اب الل ٌ ْح ِّق(.)1 طَ هر ُ يق ال َ ()6
لَ َّما ذكر املؤلف شواهد من القرآن تدل على أن اهلل وصف نفسه باإلثبات والنفي ،ناسب أن يذكر بعد ذلك تنبيهني: التنبيه األول :قوله( :وهذا الباب) أي باب الصفات نفيا وإثباتا( ،في كتاب
الل كثير) يعين اآليات املتضمنة للصفات املثبتة واملنفية كثرية جدا. التنبيه الثاين :قوله( :من تدبر القرآن) أي تأمل فيه ليفهم معناه( ،طالباا للهدى منه) أي يقصد بذلك التوصل للهدى منه( ،تبين له طريق الحق) أي اتضح له املنهج الصحيح يف باب الصفات؛ الذي هو :إثبات ما أثبته اهلل لنفسه ،ونفي ما نفاه عن نفسه. ويستفاد من هذا التنبيه أن طريق احلق يتبني بأمرين: أحدمها :تدبر القرآن ،والثاين :النية يف طلب احلق. ويفهم من ذلك أن طريق احلق ال يتبني بأحد أمرين: إما بعدم تدبر القرآن ،وإما بعدم النية يف طلب احلق؛ بل تكون نيته يف التدبر أن يأخذ ما يوافق رأيه ويرتك ما سواه.
مكتبة المبتدئ
47
شرح العقيدة الواسطية
[شواهد من السنة]
ول ه صل :ثُ َّم فهي ُسن هَّة ر ُس ه الل . َ فَ ْ ٌ س ُر ال ُق ْرآ َن َوتُبَ يِّ نُهَُ ،وت ُد ُّل َعلَْي ههَ ،وتُ َعبِّ ُر َعنْهُ. فَ ُّ السنَّةُ تُ َف ِّ ول به هه ربَّهُ َع َّز وج َّل همن األَح ه اد ه اها الص َح ه يث ِّ ف َّ ص َ اح الَّتهي تلَ َّق َ َوَما َو َ َ ََ الر ُس ُ َ هه ه ك(.)1 يما ُن بهها َك َذله َ ب ا هإل َ أ َْه ُل ال َْم ْع هرفة بالْ َقبُول َو َج َ ( )6لَ َّما ذكر املؤلف شواهد من القرآن ،أراد أن يذكر شواهد من السنة ،ولكن ذكر قبل ذلك أمرين عن السنة: األمر األول :عالقة السنة بالقرآن (فالسنة تفسر القرآن ،وتبينه ،وتدل عليه، وتعبر عنه) أي أن عالقة السنة بالقرآن تتضمن ثالثة أشياء: األول :أهنا تفسر القرآن وتبينه؛ يعين توضح املعىن املراد منه ،كما يف قوله: ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ فسر النيب الزيادة بالنظر إىل اهلل تعاىل. الثاين :أهنا تدل عليه ،يعين تدل مبثل ما دل عليه القرآن ،كالصفات اليت ذكرت يف القرآن ويف األحاديث. الثالث :تعرب عنه ،يعين تستقل بتعبري جديد عنه ،كالصفات اليت ذكرت يف األحاديث ،ومل تذكر يف القرآن. األمر الثاين :املوقِف من الصفات الواردة يف السنة (وما وصف الرسول به ربه عز وجل من األحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب
مكتبة المبتدئ
48
شرح العقيدة الواسطية
ُّ ُ ْ [إثبات صفة النزول]
ٍ ه ه س َم هاء ُّ ين فمن ذلك :همثْ ُل قَ ْوله هه " :يَ ْن هز ُل ربُّنا إهلَى ال َّ الدنيا ُك َّل لَْي لَة ح َ ه اآلخر ،فَ ي ُقو ُل :من ي ْدعُونهي فَأ ْ ه يب لَهُ؟ َم ْن يَ ْسألُنهي فَأُ ْع هطيَهُ؟ يَ ْب َقى ثُلُ ُ ث اللَّْي هل ُ َ ََْ َستَج َ من يستَ ه غف ُرني فَأَ ْغ هف َر لَهُ؟" ُمتَّ َف ٌق َعلَْي هه [البخاري ،1145 :ومسلم.)1(]758 : ْ َْ اإليمان بها كذلك) أي املوقف من الصفات الواردة يف السنة وجوب اإلميان هبا ،بشرط أن تكون األحاديث اليت وردت هبا صحيحة. ( )6لَ َّما ذكر املؤلف أمرين عن السنة شرع يف ذكر الشواهد من السنة. وهذه الشواهد على نوعني: النوع األول :أحاديث تتضمن صفات مل تمذ َكر يف القرآن. النوع الثاين :أحاديث تتضمن صفات ذمكِرت يف القرآن. وتقدم التنبيه على أن املؤلف أخر ذكر بعض اآليات لكوهنا تتضمن صفات سيوجه إليها مزيد اعتناء ،وهكذا هنا أخر ذكر هذه األحاديث لكوهنا تتضمن نفس الصفات اليت سيوجه إليها مزيد اعتناء. واألحاديث اليت تتضمن صفات مل تمذ َكر يف القرآن؛ اختار منها ما يلي: أوال :حديثا يف إثبات صفة النـ مُّزموِل. ثانيا :حديثا يف إثبات صفة الفرح. ثالثا :حديثني يف إثبات صفة الضحك. رابعا :حديثا يف إثبات صفة القدم والرجل.
مكتبة المبتدئ
49
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة الفرح]
َّائب من أَح هد ُكم بهر ه ه ه هه ه َّ احلَته هه" َوقَ ْولُهُ " :لَلهُ أَ َش ُّد فَ َر احا بتَ ْوبَة َع ْبده ال ُْم ْؤم هن الت ه ْ َ ْ َ ُمتَّ َف ٌق َعلَْي هه [البخاري ،6319 :ومسلم.)1(]2657 : [إثبات صفة الضحك]
اآلخ َر كهالَ ُه َما يَ ْد ُخ ُل َوقَ ْولُهُ " :يَ ْ َح ُد ُه َما َ ض َح ُ ك اللُ إهلَى َر ُجلَْي هن يَ ْقتُ ُل أ َ ه ه من ب َربُّنا ْ الجنَّةَ" ُمتَّ َف ٌق َعلَْيه [البخاري ،2826 :ومسلمَ ،]1891 :وقَ ْولُهَُ " :عج َ قُنُ ه ادهه ،وقُر ه ه وط هعب ه ك يَ ْعلَ ُم أ َّ َن َزلين قَنهطيه َن ،فَ يَظَ ُّل يَ ْ ض َح ُ َ ْ ب َخ ْي هره ،يَ ْنظُُر إهلَْي ُك ْم أ َ س ٌن [ابن ماجه.)2(]281 : قريب" َح هد ٌ فر َج ُك ْم ٌ يث َح َ َ فبدأ هبذا احلديث الذي قصد به إثبات صفة النـ مُّزموِل. ( )6قصد املؤلف هبذا احلديث إثبات صفة الفرح. ( )2قصد املؤلف هبذين احلديثني إثبات صفة الضحك. ولفظ احلديث الثاين يف سنن ابن ماجه :عن أَِيب رِزي ٍن قَ َال قَ َال رس م ِ صلَّى ول اللَّه َ َم َم َ وط ِعب ِادهِ وقمـر ِ ِ ِ ِ ِ ِ ول اللَّ ِه أ ََو ت يَا َر مس َ ض ِح َ اللَّهم َعلَميه َو َسلَّ َم َ ب غ َِريه قَ َال قمـ مل م ك َربـُّنَا م من قمـنم َ َ م ك َخميـرا. الر ُّ ت لَ من نـَ مع َد َم ِم من َر ٍّ ك َّ ب يَ م يَ م ض َح م ض َح م ب قَ َال نـَ َع مم قمـ مل م
مكتبة المبتدئ
51
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة القدم والرجل]
من َّم يُ ْل َقى فه َيهاَ ،و هه َي تَ ُق ُ َوقَ ْولُهُ " :الَ تَ َز ُ ولَ :ه ْل ْ ال َج َهن ُ ٍ ه ضع ر ُّ ه ه ه ي يَ َ َ َ ب الْع َّزة ف َيها هر ْجلَهُ َوفي هرَوايَة َعلَْي َها قَ َد َمهُ ؛ فَ يَ ْن َز هو َ بَ ْع ٍ ط" ُمتَّ َف ٌق َعلَْي هه [البخاري ،4848 :ومسلم.)1(]2848 : ط قَ ْ ول :قَ ْ ض ،فَ تَ ُق ُ
م هز ٍ يد؟ َحتَّى َ ض َها إهلَى بَ ْع ُ
[إثبات صفة الكالم]
يك ،فَ ي نَ ه ادي بهصو ٍ ت: آدم ،فَ يَ ُق ُ َوقَ ْولُهُ" :يَ ُق ُ ول :لَبَّ ْي َ ول تَ َعالَى :يَا ُ ك َو َس ْع َد َ ُ َْ ق َعلَْي هه [البخاري،3348 : ك بَ ْعثاا إهلَى النَّا هر" ُمتَّ َف ٌ من ذُ ِّريَّته َ ج ْ إه َّن اللَ يَأ ُْم ُر َك أَ ْن تُ ْخ هر َ ومسلمَ ،]222 :وقَ ْولُهَُ " :ما م ْن ُك ْم هم ْن أ َ ٍ ه ِّ س بَ ْي نَهُ َوبَ ْي نَه َحد إالَّ َسيُ َكل ُمهُ َربُّهَُ ،ولَْي َ تُ ْر ُج َمان" [البخاري ،1413 :ومسلم.)2(]1116 : ( )6قصد املؤلف هبذا احلديث إثبات صفة القدم والرجل. ( )2األحاديث اليت تتضمن صفات ذمكِرت يف القرآن؛ اختار املؤلف منها ما يلي: أوال :حديثني يف إثبات صفة الكالم. ثانيا :أحاديث يف إثبات صفة العلو.
مكتبة المبتدئ
51
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة العلو]
يض" :ربَّنا الل الَّ هذي فهي َّ ه ه ه ك ،أ َْم ُر َك اس ُم َ س ْ الم هر ه َ َ َ َوقَ ْولُهُ في ُرقْيَة َ الس َماء تَ َق َّد َ ك فهي َّ ه ه تك فهي األ َْر ه السم هاء َواأل َْر ه ض ،ا ْغ هف ْر اج َع ْل َر ْح َم َ ضَ ،ك َما َر ْح َمتُ َ الس َماءْ ، في َ ب الطَّيِّبهين ،أَنْ هز ْل رحمةا همن رحمته َ ه اء هم ْن ت َر ُّ لَنَا ُحوبَنَا َو َخطَايَانَا ،أَنْ َ َْ َ ْ َْ َ َ ك َوش َف ا ه ين هش َفائ َ الو َج هع" َرَواهُ أَبُو َد ُاو َد [َ ،]3892و ْ قولُهُ" :أَالَ تَأ َْمنُوني َوأَنَا أَم ُ ك َعلَى َه َذا َ يث ه همن فهي َّ ه ه ش يح [البخاري ،3344 :ومسلمَ ،]1164 :وقَ ْولُهَُ " :وال َْع ْر ُ الس َماء" َحد ٌ َ صح ٌ ْ فَ ْو َق ذلكَ ،واللُ فَ ْو َق ال َْع ْر ه شَ ،و ُه َو يَ ْعلَ ُم َما أَنْ تُ ْم َعلَْي هه" َرَواهُ أَبُو َد ُاو َد والترمذي وغَي رُهما ،وقَ ولُهُ للجارية" :أين الل؟" قَالَ ْ ه السم هاء .قَالَ " :م ْن أَنَا؟" َ ُ َ ْ ت :في َ َ ُْ ول ه ال" :أَ ْعته ْق َها؛ فَهإنَّ َها ُم ْؤهمنَةٌ" َرَواهُ ُم ْسله ٌم [.)1(]537 الل ،قَ َ ت َر ُس ُ قَالَ ْ ت :أَنْ َ ثالثا :أحاديث يف إثبات صفة املعية والقرب. رابعا :حديثا يف إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة. فبدأ هبذين احلديثني اللذين قصد هبما إثبات صفة الكالم. ( )6قصد املؤلف هبذه األحاديث إثبات صفة العلو. ش فَـ مو َق ذلكَ ،واهللم فَـ مو َق الم َع مر ِشَ ،ومه َو يَـ معلَ مم َما أَنمـتم مم َعلَمي ِه" مل وحديث " َوالم َع مر م أجده يف أَيب َد ماوَد والرتمذي ،وهو يف التوحيد البن خزمية موقوفا.641 :
مكتبة المبتدئ
52
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفتي املعية والقرب]
ضل اإليم ه ان أَ ْن تَ ْعلَ َم أ َّ س ٌن، ت" َح هد ٌ َن الل َم َع َ ك َح ْيثُ َما ُك ْن َ َوقَ ْولُهُ" :أَفْ َ ُ َ يث َح َ وقَ ولُه" :إهذَا قَام أَح ُد ُكم إهلَى َّ ه ص َق َّن قهبَ َل َو ْج ه هه َوالَ َع ْن يَمينه هه؛ فَهإ َّن َ ُْ الصالَة فَالَ يَ ْب ُ َ َ ْ ه ه ه ق َعلَْي هه [البخاري،416 : ت قَ َد هم هه" ُمتَّ َف ٌ سا هرهه أ َْو تَ ْح َ اللَ قبَ َل َو ْجههَ ،ولَك ْن َع ْن يَ َ السماو ه الع هظ ه الع ْر ه يم، الس ْب هع َوَر َّ ومسلمَ ،]547 :وقَ ْولُهُ " :اللَّ ُه َّم َر َّ ات َّ ش َ ب َ ب َّ َ َ ٍ ه ه يل وال ُقر ه ه آن، َربَّنَا َوَر َّ الح ِّ ب ُك ِّل َش ْيء ،فَال َق َ َّوىُ ،م ْن هز َل الت َّْوَراة َوا هإلنْج ه َ ْ ب َوالن َ ت ه آخ ٌذ بهنَ ه س قَ ْب لَ َ أَعُوذُ به َ اصيَتهها ،أَنْ َ ك هم ْن َش ِّر ُك ِّل َدابٍَّة أَنْ َ ك َش ْيءٌ ت األ ََّو ُل فَ لَْي َ ت ه اآلخر فَ لَيس ب ع َد َك َشيء وأَنْ َ َّ ه ت س فَ ْوقَ َ ك َش ْيءٌ َوأَنْ َ َوأَنْ َ ُ ْ َ َْ ٌْ َ ت الظاه ُر فَ لَْي َ ه ك َش ْيءٌ ،اق ه ْض َعنِّي َّ الديْ َن َوأَ ْغنهنهي همن ال َف ْق هر" َرَواهُ ُم ْسله ٌم س ُدونَ َ البَاط ُن فَ لَْي َ َص َواتهم هبا ِّ َّاسْ ،اربهعُوا َص َحابُهُ أ ْ [َ ،]2713وقَ ْولُهُ لما َرفَ َع أ ْ لذ ْك هر" :أَيُّ َها الن ُ ه َص َّم َوالَ غَائهباا ،إهنَّ َما تَ ْدعُو َن َس هم ايعا قَ هريباا ،إه َّن َعلَى أَنْ ُفس ُكم؛ فَهإنَّ ُك ْم الَ تَ ْدعُو َن أ َ الَّ هذي تَ ْدعونَه أَقْرب إهلَى أَح هد ُكم همن عن هق ر ه ق َعلَْي هه [البخاري،2992 : احلَته هه" ُمتَّ َف ٌ ُ ُ َُ َ ْ ْ ُُ َ ومسلم.)1(]2714 :
( )6قصد املؤلف هبذه األحاديث إثبات صفيت املعية والقرب. واحلديث األول رواه البيهقي يف األْساء والصفات (.)108
مكتبة المبتدئ
53
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة]
ض ُامو َن فهي َوقَ ْولُهُ " :إنَّ ُك ْم َستَ َرْو َن َربَّ ُك ْم َك َما تَ َرْو َن الْ َق َم َر لَْي لَةَ الْبَ ْد هر الَ تُ َ ه الش ْم ه وع َّ صالَةٍ قَ ْب َل صالةٍ قَ ْب َل طُلُ ه ُرؤيَتهه ،فَهإن ْ سَ ،و َ استَطَ ْعتُم أَ ْن ال تُغْلَبُوا َعلَى َ غُ ُروبه َها فَافْ َعلُوا" ُمتَّ َف ٌق َعلَْي هه [البخاري ،554 :ومسلم.)1(]633 : مسألة :وجه الداللة ظاهر يف احلديثني األول والرابع ،فما وجه الداللة يف احلديثني الثاين والثالث؟ اجلواب :أما احلديث الثاين؛ فالشاهد فيه قوله" :فإن الل قبل وجهه" أي أمامه ،وهذا يدل على معيته سبحانه وقربه من املصلي. وأما احلديث الثالث؛ فالشاهد فيه قوله" :وأنت الباطن فليس دونك شيء"
املراد بالدون :القرب ،واملعىن :ليس أقرب منك شيء ،وهذا يدل على معيته سبحانه وقربه من خلقه. ( )6قصد املؤلف هبذا احلديث إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة. تنبيه :قوله" :كما ترون القمر ليلة البدر" هذا تشبيه الرؤية بالرؤية ،ال تشبيه املرئي باملرئي ،يعين :ليس املراد تشبيه اهلل تعاىل بالقمر ،بل املراد تشبيه رؤية املؤمنني هلل برؤيتهم للقمر من حيث اتضاح الرؤية. فائدة :كما أن املؤلف ختم آيات الصفات بالرؤية ،كذلك ختم األحاديث.
مكتبة المبتدئ
54
شرح العقيدة الواسطية
ال َه هذهه األَح ه ول ه اد ه إهلَى أ َْمثَ ه الل عن َربِّهه بما يُ ْخبه ُر يث الَّتهي يُ ْخبه ُر فه َيها َر ُس ُ َ َّاجيةَ أ َْهل ُّ ه هه ه ه ه ك؛ َك َما يُ ْؤهمنُو َن بما اع هة يُ ْؤهمنُو َن به َذله َ ْج َم َ السنَّة َوال َ به ،فَإ َّن الف ْرقةَ الن َ َ هه ه ه هه ه طيل ،وهم ْن غَْي هر تَ ْكيه ٍ ٍ يف َوالَ أَ ْخبَ َر اللُ به في كتَابه ،م ْن غَْي هر تَ ْح هريف َوالَ تَ ْع ٍ َ تَ ْمثه ٍ يل(.)1 ()6
لَ َّما ذكر املؤلف بعض األحاديث يف الصفات؛ ذكر بعد ذلك موقف أهل السنة واجلماعة من الصفات عموما الواردة يف األحاديث. فموقفهم من هذه الصفات كموقفهم من الصفات الواردة يف اآليات متاما، وهو :اإلميان هبا مع عدم التعامل معها بالطرق الباطلة ،فهم ال يفرقون بني ما جاء يف القرآن ،وما جاء يف السنة.
55
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[موقف أهل السنة واجلماعة يف عامة أبواب الدين]
ه ط فهي فه َر هق األ َُّم هةَ ،ك َما أ َّ ط فهي األ َُم هم(.)1 الو َس ُ الو َس ُ َن األ َُّمةَ ه َي َ بَل ُهم َ ( )6لَ َّما ذكر املؤلف موقف أهل السنة واجلماعة يف باب الصفات ـ سواء الواردة يف اآليات أو األحاديث ـ ناسب أن يذكر موقفهم يف عامة أبواب الدين.
قوله( :بل هم الوسط في فرق األمة) أي هم الوسط بالنسبة للفرق األخرى يف هذه األمة.
(كما أن األمة هي الوسط في األمم) أي كما أن هذه األمة هي الوسط
بالنسبة لألمم األخرى. مراده :أن هذه األمة أفضل من بقية األمم بالوسطية ،لكن فضيلة الوسطية ال تناهلا مجيع فرق هذه األمة ،بل تناهلا فرقة واحدة فقط؛ اليت هي فرقة أهل السنة واجلماعة. مسألة :ما معىن الوسط والوسطية؟ اجلواب :معناها االعتدال ،وضابط هذا االعتدال :تطبيق الدين كما هو من غري إفراط وال تفريط. فإذا قيل :ملاذا هذه الفرقة هي اليت تنال فضيلة الوسطية دون بقية الفرق؟ فاجلواب :ألهنا هي الفرقة املعتدلة اليت طبقت الدين كما هو.
مكتبة المبتدئ
56
شرح العقيدة الواسطية
ات ه ص َف ه اب ه ط فهي بَ ه َّع هط ه ْج ْه هميَّ هة فَ ُه ْم َو َس ٌ الل ُس ْب َحانَهُ َوتَ َعالَى بَ ْي َن أ َْه هل الت ْ يل ال َ شبِّ ه ال ه اب أَفْ َع ه ط فهي بَ ه َوأ َْه هل الت َّْمثه ه الل بَ ْين الْ َج ْب هريَّهة َوال َق َد هريَّهة، هةَ ،و ُه ْم َو َس ٌ يل ال ُْم َ الل بين المرهج هئة والو هع ه اب و هع ه ه يد ه يديَّهة همن ال َق َد هريَّهة َوغَْي هرهه ْمَ ،وفهي بَ ه اب َوفي بَ ه َ َ َ ُْ َ َ ه ه ه ه َص َح ه اب ْج ْه هميَّ هةَ ،وفهي أ ْ الم ْعت هزلَة َوبَ ْي َن ال ُم ْرجئَة َوال َ يمان َوالدِّي هن بَ ْي َن ال َ ْح ُروهريَّة َو ُ ا هإل َ ول ه ر ُس ه الروافه ه هج(.)1 الخ َوار ه الل بَ ْي َن َّ ض َو َ َ ()6
لَ َّما ذكر املؤلف أن أهل السنة واجلماعة هم الوسط يف عامة أبواب الدين، مثل بعد ذلك ِبمسة أبواب من أبواب الدين تدل على وسطيتهم فيها، واحنراف الفرق األخرى عن هذه الوسطية. وإمنا مثل هبذه األبواب؛ ألن منها ما قد فصل فيها ،ومنها ما سيفصل فيها. قوله( :فهم وسط في باب صفات الل سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة) هذا الباب األول :باب الصفات. وموضوع هذا الباب :هل الصفات الواردة يف القرآن والسنة تمثبت هلل أو تنفى عنه؟ وِ الفَر مق املنحرفة يف هذا الباب قسمان: القسم األول :أهل التعطيل. وهم الذين نفوا الصفات عن اهلل. القسم الثاين :أهل التمثيل. وهم الذين أثبتوا الصفات هلل ،لكن شبهوها بصفات املخلوقني. وقد تقدم ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة ،وخالصته :إثبات الصفات مع نفي املماثلة.
مكتبة المبتدئ
57
شرح العقيدة الواسطية
فائدة :نص املؤلف على "التعطيل" دون "التحريف"؛ إشارة إىل أن لفظ "التعطيل" إذا ذمكِر غري مقرتن بلفظ "التحريف" فإنه يشمل "التعطيل" و"التحريف"، وعلى هذا فالتعطيل هنا معناه :النفي؛ بإبدال معىن ،أو من غري إبدال. ونص على فرقة "اجلهمية" ألهنا هي أول من اشتهر عنها القول بالنفي. ومل يذكر "أهل التكييف" وقد يكون ذلك ألجل قلتهم. قوله( :وهم وسط في باب أفعال اللّه بين الجبرية والقدرية) هذا الباب الثاين :باب أفعال اهلل. وموضوع هذا الباب :هل أفعال العباد تنسب إليهم ،أو تنسب إىل اهلل؟ والفرق املنحرفة يف هذا الباب قسمان: القسم األول :اجلربية. وهم الذين نسبوا أفعال العباد إىل اهلل ،فقالوا :إن اهلل خلق أفعال العباد ،وهو الفاعل ألفعاهلم حقيقة. القسم الثاين :القدرية. وهم الذين نسبوا أفعال العباد إليهم ،فقالوا :إن العباد خلقوا أفعاهلم ،وهم الفاعلون ألفعاهلم حقيقة. وسيأيت ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة. (وفي باب وعيد اللّه بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم) هذا الباب الثالث؛ باب وعيد اهلل. واملراد بالوعيد :ما توعد اهلل به الفاسق. والفاسق هو :املسلم الذي يرتكب الكبرية غري املكفرة.
مكتبة المبتدئ
58
شرح العقيدة الواسطية
وموضوع هذا الباب :ما حكم الفاسق يف اآلخرة؟ وهذا يتضمن مسألتني: املسألة األوىل :هل الفاسق يستحق الدخول يف النار؟ املسألة الثانية :إذا دخل النار هل خيلد فيها؟ والفرق املنحرفة يف هذا الباب قسمان: القسم األول :املرجئة. واملراد هبم الغالة الذين هم اجلهمية. وهم الذين قالوا :إن الفاسق إذا مات ولو من غري توبة فإنه ال يستحق دخول النار مطلقا. القسم الثاين :الوعيدية. وهم الذين قالوا :إن الفاسق إذا مات من غري توبة فإنه يدخل النار خملدا فيها. وسيأيت ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة. (وفي باب اإليمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية) هذا الباب الرابع باب اإلميان والدين. وموضوع هذا الباب :ما حكم الفاسق يف الدنيا؟ وهذا يتضمن مسألتني: املسألة األوىل :هل يقال إن الفاسق مسلم أو يقال إنه كافر؟ املسألة الثانية :هل يقال إنه مؤمن أو يقال إنه ليس مبؤمن؟ والفرق املنحرفة يف هذا الباب قسمان: القسم األول :احلرورية واملعتزلة.
مكتبة المبتدئ
59
شرح العقيدة الواسطية
وهم الذين قالوا :إن الفاسق ليس مبسلم وال مؤمن. ولكن اختلفوا هل هو كافر أو ال؟ فقالت احلرورية :كافر. وقالت املعتزلة :ليس بكافر ،بل هو يف َممن ِزلة بني الم َممن ِزلتني ،بني الكفر واإلسالم. تنبيه :احلرورية هم اخلوارج. القسم الثاين :املرجئة واجلهمية. وهم الذين قالوا :إنه ليس بكافر ،بل هو مسلم ومؤمن كامل اإلميان. وسيأيت ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة. (وفي أصحاب رسول اللّه بين الروافض والخوارج)
هذا الباب اخلامس باب أصحاب رسول اهلل . وموضوع هذا الباب :ما هو املوقف من أصحاب رسول اهلل من حيث احملبة والبغض وغري ذلك؟ والفرق املنحرفة يف مسألة احملبة والبغض قسمان: القسم األول :الروافض. وهم الذين غلوا يف حمبة علي وآل البيت ،وأبغضوا أكثر من سواهم من الصحابة . القسم الثاين :اخلوارج. وهم الذين أبغضوا أكثر الصحابة ،ومنهم علي . وسيأيت ذكر مذهب أهل السنة واجلماعة.
مكتبة المبتدئ
61
شرح العقيدة الواسطية
[الكالم عن صفتي العلو واملعية]
صل :وقَ ْد َد َخل فهيما ذََكرنَاهُ همن اإليم ه ان به ه الل: َ َ ْ َ فَ ْ ٌ َ هه هه ه ه هه ف َجم َع َعلَ هيه َسلَ ُ اإليما ُن بما أَ ْخبَ َر اللُ به في كتَابه َوتَ َواتَ َر َع ْن َر ُسوله َوأ َ َ ه األَُّم هة؛ همن أَنَّهُ سبحانَهُ فَ و َق سماو ه اته َعلَى َع ْر هش ههَ ،عل ٌّي َعلَى َخل هْق ههَ ،و ُه َو ُس ْب َحانَهُ ْ ُْ َ ْ َ َ َ ك فهي قَ ْوله :ﮋ ﭑ لم َما ُه ْم َع هاملُو َنَ ،ك َما َج َم َع بَ ْي َن ذَله َ َم َع ُه ْم أَيْ نَ َما َكانُوا يَ ْع ُ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
الخل هْق؛ فَهإ َّن س َم ْعنَى قَ ْوله هه :ﮋ ﭮ ﭯﮊ أَنَّهُ م ْختَله ٌ ط به َ ﭸ ﮊ [الحديد]َ ،ولَْي َ َه َذا الَ تُ ه ف َما فَطَر ف األ َُّم هةَ ،و هخالَ ُ وجبُهُ اللُّغَةَُ ،و ُه َو هخالَ ُ َج َم َع َعلَْي هه َسلَ ُ ف َما أ ْ ات ه ه ه ْق ،بل الْ َقمر آيةٌ همن آي ه َصغَ هر َم ْخلُوقَاتهههَ ،و ُه َو الل م ْن أ ْ َُ َ ْ َ اللُ َعلَْيه الْخل َ َ السم هاء ،و ُهو مع الْم ه مو ُ ه سافه هر أَيْ نَ َما َكا َن. َْ ساف هر َوغَْي هر ال ُْم َ ضوعٌ في َّ َ َ َ َ َ ُ َ ه ه ه من َعلَْي ه ْمُ ،مطَّله ٌع إلَْي ه ْم، يب َعلَى َخلْقهُ ،م َه ْي ٌ َو ُه َو ُس ْب َحانَهُ فَ ْو َق َع ْرشهَ ،رق ٌ ك هم ْن َم َعانهي ُربُوبهيَّته هه. إهلَى غَْي هر ذَله َ َوُك ُّل َه َذا الْ َكالَهم الَّ هذي ذَ َك َرهُ اللُ هم ْن أَنَّهُ فَ ْو َق ال َْع ْر ه ش َوأَنَّهُ َم َعنَا َح ٌّق َعلَى ح هقي َقته هه الَ ي ْحتَاج إهلَى تَ ْح هر ٍ يف. َ َ ُ
مكتبة المبتدئ
61
شرح العقيدة الواسطية
ون ال َك ه ولَ هكن يصا ُن َع هن الظُّنُ ه اذبَهة. َ َُْ َن ظَ ه اه َر قَ ْوله هه :ﮋ ﮠ ﮡﮊ أ َّ همثْ َل أَ ْن يُظَ َّن أ َّ اء تُ هظلُّهُ أ َْو تُهقلُّهَُ ،و َه َذا َن َّ الس َم َ ه اطل بههإجم هاع أ َْه هل ه العل هْم وا هإليم ه ان؛ فَهإ َّن اللَ قَ ْد ﮋﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ َ َ بَ ٌ ْ َ
[البقرةَ ،]255:و ُه َو ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ [فاطر ،]41:ﮋﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﮊ [الحج ،]65:ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗﮊ [الروم.)1(]25: ()6
تقدم التنبيه على أن املؤلف أخر ذكر بعض اآليات لكوهنا تتضمن صفات سيوجه إليها مزيد اعتناء ،وكذلك أخر ذكر بعض األحاديث لكوهنا تتضمن نفس هذه الصفات. وتقدم التنبيه أيضا على أن كيفية االعتناء هبذه الصفات؛ هو :بتخصيص فصول لشرحها. وهذه الفصول اليت خصصها املؤلف لشرح بعض الصفات كالتايل: الفصل األول :خصصه للكالم عن صفيت العلو واملعية. الفصل الثاين :خصصه للكالم عن صفيت القرب واإلجابة. الفصل الثالث :خصصه للكالم عن القرآن. الفصل الرابع :خصصه للكالم عن رؤية املؤمنني لرهبم يوم القيامة. وبدأ بالفصل األول الذي خصصه للكالم عن صفيت العلو واملعية. قوله( :وقد دخل فيما ذكرناه من اإليمان باللّه) الذي ذكره املؤلف من اإلميان باهلل هو :اإلميان بالصفات ،ومراده :أن الشيء الذي سيذكره اآلن يدخل يف
مكتبة المبتدئ
62
شرح العقيدة الواسطية
اإلميان بالصفات. (اإليمان بما أخبر اللّه به في كتابه ،وتواتر عن رسوله ،وأجمع عليه سلف األمة) أي الشيء الذي سيذكره ،دل على اإلميان به أنواع األدلة الثالثة؛ الكتاب والسنة واإلمجاع. (من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه علي على خلقه وهو سبحانه معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون) أي الشيء الذي سيذكره ،وهو يدخل
يف اإلميان بالصفات ،ودل على اإلميان به أنواع األدلة الثالثة؛ مها :صفتا العلو واملعية. (كما جمع بين ذلك في قوله ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﮊ) أي أن اهلل تعاىل مجع لنفسه يف هذه اآلية بني صفيت العلو واملعية ،فقوله :ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﮊ دال على العلو ،وقوله :ﮋ ﭮ ﭯﮊ دال على املعية. (وليس معنى قوله :ﮋ ﭮ ﭯ ﮊ أنه مختلط بالخلق) أي هذه الكلمة اليت يف اآلية ال تدل على االختالط. (فإن هذا ال توجبه اللغة ،وهو خالف ما أجمع عليه سلف األمة ،وخالف ما فطر الل عليه الخلق) الفاء يف قوله( :فإن هذا) فاء السببية ،أي والسبب يف أن هذه الكلمة ال تدل على االختالط هو هذه األوجه الثالثة:
مكتبة المبتدئ
63
شرح العقيدة الواسطية
الوجه األول :أن هذا املعىن ال توجبه اللغة ،يعين أن كلمة "مع" يف اللغة ليست واجبا أن تكون مبعىن االختالط ،ويمفهم من كالم املؤلف أن هذه الكلمة جيوز أن تكون مبعىن االختالط ،والفرق بني الوجوب واجلواز :أهنا لو كانت واجبا فنجزم يف أي موضع أهنا مبعىن االختالط ،ولو كانت جائزا فال جنزم أهنا مبعىن االختالط ،بل يمنظر يف موضعها من الكالم ،هل هي مبعىن االختالط أو ال؟. الوجه الثاين :أنه خالف ما أمجع عليه سلف األمة ،أي أن السلف أمجعوا على عدم خمالطة اهلل تعاىل خللقه ،ويستفاد من هذا اإلمجاع :اجلزم بأن كلمة "مع" يف هذه اآلية ليست مبعىن االختالط. الوجه الثالث :أنه خالف ما فطر اهلل عليه اخللق ،يعين أن الناس مخلِ مقوا ،وهم مقرون يف أنفسهم أن اهلل عال غري خمالط للخلق ،ويستفاد من هذا الوجه أيضا نفس ما يستفاد من الوجه الذي قبله. (بل القمر آية من آيات اللّه ،من أصغر مخلوقاته ،وهو موضوع في السماء ،وهو مع المسافر ،وغير المسافر ،أينما كان) أي أن القمر عال، ومع ذلك هو مع الناس ،فاجتمعت فيه صفتا العلو واملعية. مراده :أن يضرب مثال يدل على أن كلمة "مع" ال توجب االختالط. (وهو سبحانه فوق عرشه ،رقيب على خلقه ،مهيمن عليهم ،مطلع إليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته) أي يلزم من كونه الرب أن يكون عاليا على خلقه ،ال يعلوه شيء من خملوقاته ،وأن يكون معهم ،ال خيفى عليه شيء من أعماهلم.
مكتبة المبتدئ
64
شرح العقيدة الواسطية
مراده :أنه إذا كانت صفتا العلو واملعية قد جتتمعان يف خملوق صغري كالقمر، فمن باب أوىل أن جتتمعا يف اخلالق؛ ألن اجتماعهما فيه من لوازم ربوبيته.
(وكل هذا الكالم الذي ذكره الل من أنه فوق العرش ،وأنه معنا؛ حق
على حقيقته) أي هو فوق العرش حقيقة ،وهو معنا حقيقة. (ال يحتاج إلى تحريف) أي الكالم بأنه فوق العرش ،وأنه معنا ال حيتاج إىل حتريف. فأما التحريف فهو أن يقال :إنه فوق العرش ،ولكن ليس فوق العرش حقيقة، ويقال :إنه معنا ،ولكن ليس معنا حقيقة. فسر الفوقية واملعية مبعىن آخر غري املعىن املراد. مث تم َّ احملرفني من التحريف :تَـمنزيه اهلل تعاىل عن النقص ،فينفون الصفة اليت ص مد ِّ وقَ م يظنون أن إثباهتا يوجب نقصا ،ويفسروهنا بصفة أخرى يظنون أن إثباهتا ال يوجب نقصا. وأما السبب يف عدم احتياج هذا الكالم إىل التحريف فهو :أن إثبات الفوقية كمال وليس بنقص ،وأن إثبات املعية ليس معناه إثبات االختالط ،بل معناه إثبات اإلحاطة بالعلم ،وهذا أيضا كمال ليس بنقص ،فال حاجة للتحريف. (ولكن يصان عن الظنون الكاذبة) أي هذا الكالم بأن اهلل فوق العرش
حقيقة ،وأنه معنا حقيقة؛ جيب أن محيمى من األوهام املخالفة للواقع.
(مثل أن يظن أن ظاهر قوله :ﮋﮠ ﮡﮊ أن السماء تظله أو تقله) هذا ضرب مثل لظن من الظنون الكاذبة اليت قد ترد يف ذهن اإلنسان.
مكتبة المبتدئ
65
شرح العقيدة الواسطية
ومعىن تظله :أي تعلوه ،ومعىن تقله :أي حتمله. فإذا قيل :ما هو الشيء الفاسد الذي يقتضيه هذا الظن؟ فاجلواب :أما الظن بأن السماء تعلوه فإنه يقتضي وجود شيء من خملوقاته أعلى منه ،وأما الظن بأن السماء حتمله فإنه يقتضي أن اهلل حمتاج إىل السماء حبيث لو مل حتمله لسقط؛ تعاىل اهلل عن ذلك. (وهذا باطل بإجماع أهل العلم واإليمان) أي هذا الظن باطل باإلمجاع.
(فَهإ َّن اللَ قَ ْد ﮋﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ َو ُه َو ﮋ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗﮊ ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﮊ ﮋ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ) الفاء يف قوله( :فإن الل) فاء السببية؛ أي والسبب يف اإلمجاع على بطالن هذا الظن هو وجود األدلة املخالفة له. أما اآلية األوىل فهي دليل على امتناع أن السماء تعلوه ،ووجه الداللة :أن كرسيه وسع السماوات واألرض ،وهذا يدل على أن الكرسي أكرب من السماوات واألرض ،وأعلى منهما ،فإذا كان الكرسي أعلى من السماوات، وهو سبحانه أعلى من الكرسي ،فكيف تكون السماء أعلى منه؟! وأما بقية اآليات فهي دليل على امتناع احتياجه للسماء أن حتمله ،ووجه الداللة :أن السماوات واألرض حمتاجة إليه لبقائها ،فكيف يكون هو حمتاجا إىل شيء منها؟!
66
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[الكالم عن صفتي القرب واإلجابة]
ك: ص ٌل :وقَ ْد َد َخ َل فهي ذَله َ فَ ْ ا هإليما ُن بهأَنَّه قَ هر ه هه ه ك فهي قَ ْوله هه: يب؛ َك َما َج َم َع بَ ْي َن ذَله َ ُ يب م ْن َخلْقه ُمج ٌ ٌ َ ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﮊ اآلية [البقرةَ ،]186:وقَ ْولُهُ " إه َّن الَّ هذي تَ ْدعونَه أَقْرب إهلَى أَح هد ُكم همن عن هق ر ه احلَته هه" [البخاري ،2992 :ومسلم: ُ ُ َُ َ ْ ْ ُُ َ .]2714 السن هَّة همن قُربه هه وم هعيَّته هه الَ ي نَافهي ما ذُكهر همن عُلُِّوهه وما ذُكهر فهي ه الكتَ ه َ َ ْ ُ اب َو ُّ ْ ْ َ َ ََ َ َوفَ ْوقهيَّتهه؛ فَهإنَّهُ ُس ْب َحانَهُ ﮋ ﭡ ﭢﭣﮊ فهي َج همي هع نُعوتهههَ ،و ُه َو َعله ٌّي فهي ه يب فهي عُلُِّوهه(.)1 ُدنُ ِّوه قَ هر ٌ ( )6هذا الفصل الثاين الذي خصصه املؤلف للكالم عن صفيت القرب واإلجابة. قوله( :وقد دخل في ذلك) أي يف اإلميان بالصفات.
(اإليمان بأنه قريب من خلقه مجيب) مراد املؤلف :أن اإلميان بقربه وإجابته داخل يف اإلميان بصفاته. (كما جمع بين ذلك في قوله ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﮊ
اآلية وقوله " :إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته") أي
مكتبة المبتدئ
67
شرح العقيدة الواسطية
أن اهلل تعاىل مجع لنفسه يف هذه اآلية بني صفيت القرب واإلجابة ،وكذلك النيب وصف اهلل تعاىل يف هذا احلديث هباتني الصفتني. فقوله يف اآلية :ﮋ ﯭ ﯮﮊ دال على القرب ،وقوله :ﮋ ﯰ ﯱ
ﯲﮊ دال على اإلجابة. وقوله يف احلديث" :أقرب" دال على القرب باملنطوق ،وعلى اإلجابة باملفهوم؛ ألن اإلخبار بأنه قريب من الداعي يفهم منه أنه جييبه. (وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته ،ال ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته) ال ينايف :أي ال يعارض ،يعين كونه تعاىل قريبا ،ال يعارض كونه عاليا ،وفوق العرش. (فإنه سبحانه ﮋ ﭡ ﭢﭣﮊ في جميع نعوته) الفاء يف قوله( :فإنه
سبحانه) فاء السببية؛ أي والسبب يف عدم هذا التنايف هو :أنه سبحانه ليس
كمثله شيء يف مجيع صفاته. ض تنايف اجتماع هاتني الصفتني يف املخلوق ،فال يلزم من يشري إىل أنه لو افمـ مِرت َ ذلك تنايف اجتماعهما يف اخلالق؛ ألنه ليس مثل املخلوق.
(وهو علي في دنوه ،قريب في علوه) أي نتيجة لعدم وجود التنايف؛ فهو: عال مع كونه قريبا ،وقريب مع كونه عاليا.
مكتبة المبتدئ
68
شرح العقيدة الواسطية
[الكالم عن القرآن]
وهمن ا هإليم ه ان به ه الل َوُكتُبه هه: َ َ ٍ ه َن ال ُقرآ َن َكالَم ه ودَ ،وأ َّ َن الل ُمنَ َّز ٌل غَْي ُر مخلوق ،م ْنهُ بَ َدأَ َوإهلَْي هه يَعُ ُ ُ يما ُن بهأ َّ ْ ا هإل َ َن َه َذا ال ُقرآ َن الَّ هذي أَنْ زلَهُ َعلَى مح َّم ٍد ُ هو َكالَم ه اللَ تَ َكلَّ َم به هه َح هقي َقةاَ ،وأ َّ الل َ َ ُ َُ ْ وز إهطْالَ ُق ال َقوهل بهأَنَّهُ هح َكايةٌ َعن َكالَهم ه الل أ َْو َح هقي َقةا الَ َكالَ ُم غَْي هرههَ ،والَ يَ ُج ُ َ ْ ْ هعبارةٌ ،بل إه َذا قَ رأَه النَّاس أَو َكتبوه فهي المص ه اح ه ك َع ْن أَ ْن رج به َذله َ َ ُ ُ ْ َُ ُ َ َ ف لم يَ ْخ ْ َ َ َْ ي ُكو َن َكالَم ه ض ُ الل تَ َعالَى َح هقي َقةا؛ فههإ َّن ال َكالَ َم إهنَّ َما يُ َ اف َح هقي َقةا إهلَى َم ْن قَالَهُ َ َ ُم ْبتَ هدئا الَ إهلَى َم ْن قَالَهُ ُمبَ لِّغا ُم َؤدِّياا. هه ه ه الح ُر َ الم َعانهيَ ،والَ س َكالَ ُم الل ُ وف ُدو َن َ َو ُه َو َكالَ ُم الل ُح ُروفُهُ َوَم َعانيه ،لَْي َ الْمعانهي ُدو َن الْحر ه وف(.)1 ََ ُُ ( )6هذا الفصل الثالث الذي خصصه املؤلف للكالم عن القرآن. إال أنه مل يذكر كلمة "فصل". قوله( :ومن اإليمان باللّه وكتبه) مراده :أن اإلميان بالقرآن داخل يف اإلميان باهلل وكتبه ،وجه ذلك :أن القرآن كالم اهلل ،فهو داخل يف اإلميان باهلل ،وأنه كتاب من كتبه ،فهو داخل يف اإلميان بكتبه. (اإليمان بأن القرآن كالم اللّه ُمنَ َّز ٌل غير مخلوق ،منه بدأ ،وإليه يعود) أي
مكتبة المبتدئ
69
شرح العقيدة الواسطية
أن اإلميان بالقرآن يتضمن مخسة أشياء: األول :اإلميان بأنه كالم اهلل ،يعين هو الذي تكلم به. الثاين :اإلميان بأنه ممنَـَّزٌل ،يعين من عنده. الثالث :اإلميان بأنه غري خملوق ،يعين لكونه كالمه. فالكالم صفة ،والصفة تتبع املوصوف ،فكما أن اهلل تعاىل غري خملوق، فكذلك صفته. الرابع :اإلميان بأنه منه بدأ ،يعين هو الذي تكلم به ابتداء. اخلامس :اإلميان بأنه إليه يعود ،يعين يرجع. وذلك بأن يرفع يف آخر الزمان ،فال يبقى منه شيء يف الصدور ،وال يف الصحف. (وأن اللّه تكلم به حقيقة ،وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد هو
كالم اللّه حقيقة ،ال كالم غيره ،وال يجوز إطالق القول بأنه حكاية عن كالم اللّه ،أو عبارة) هذا الذي قاله املؤلف مفهوم مما قاله قبل ذلك ،لكن
نص عليه قصدا ملخالفة من قال بالقول املضاد له. فأما القول املضاد فهو :إن القرآن ليس كالم اهلل حقيقة ،بل كالم غريه .أي أن اهلل تعاىل مل يتكلم بالقرآن ،بل خلق القرآن ،وغريه تكلم به ،وما جاء من األدلة يف أن اهلل تعاىل تكلم بالقرآن فعلى سبيل اجملاز. وأما القائلون هبذا القول فهم ثالث فرق: الفرقة األوىل :الذين قالوا " :إن القرآن خملوق".
مكتبة المبتدئ
71
شرح العقيدة الواسطية
الفرقة الثانية :الذين قالوا" :إن القرآن حكاية عن كالم اهلل". الفرقة الثالثة :الذين قالوا" :إن القرآن عبارة عن كالم اهلل". ومراد هاتني الفرقتني الثانية والثالثة :أن اهلل تعاىل يف نفسه كالم ،مل يتكلم به ،وغريه تكلم به ،حيكي بذلك كالم اهلل ،أو يعرب بذلك عما يف نفس اهلل من الكالم. اخلالصة :أن الفرق الثالثة متفقون على أن القرآن خملوق ،واالختالف بينهم لفظي ،فالفرقة األوىل يقولون :القرآن خملوق ،والفرقتان الثانية والثالثة يقولون: القرآن غري خملوق ويقصدون املعىن ،وأما من حيث اللفظ فهو عندهم خملوق، وهذا هو نفسه مراد الفرقة األوىل. (بل إذا قرأه الناس ،أو كتبوه في المصاحف؛ لم يَخرج بذلك عن أن يكون كالم الل تعالى حقيقة؛ فإن الكالم إنما يضاف حقيقة إلى من قاله
مبتدئ ا ،ال إلى من قاله مبلغ ا مؤدي ا) قصد املؤلف هبذا القول الرد على أولئك الفرق القائلني" :إن القرآن كالم اهلل ،لكن ليس كالمه حقيقة" َّ ويدعون أن وحيتجون بقوله تعاىل :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ الذي تكلم به جربيلَ ،
[التكوير] ،ووجه الرد عليهم :أن الناس إذا قرؤوا القرآن مل خيرج بذلك عن أن يكون كالم اهلل حقيقة ،وكذلك لو كتبوه يف املصاحف مل خيرج بذلك عن أن يكون كالم اهلل حقيقة ،والفاء يف قوله( :فإن الكالم) فاء السببية؛ أي وسبب
عدم خروجه بذلك عن أن يكون كالم اهلل حقيقة هو :أن الكالم يف احلقيقة كالم املب ِ تدئ به ،فإذا تكلم به غريه فإمنا هو مبل ٌغ ٍ مؤد فقط ،وعلى هذا فإضافة القول بالقرآن إىل جربيل ليس ألنه تكلم به ابتداء؛ ألن الذي تكلم به
مكتبة المبتدئ
71
شرح العقيدة الواسطية
ابتداء هو اهلل تعاىل ،وإمنا أضيف إىل جربيل ألنه أداه وبلغه بعد ما ْسعه من اهلل تعاىل. قوله( :وهو كالم الل؛ حروفه ومعانيه) أي أن اإلميان بأن القرآن كالم اهلل يشمل احلروف واملعاين ،يعين احلروف من كالم اهلل ،واملعاين من كالم اهلل. واملراد باحلروف :ألفاظ القرآن ،واملعاين :ما دلت عليه هذه األلفاظ. (ليس كالم اللّه الحروف ،دون المعاني ،وال المعاني ،دون الحروف) هذا الذي قاله مفهوم مما قاله قبل ذلك ،لكن نص عليه قصدا لِمخالفة من قال بغري هذا القول ،أعين خمالفة فرقتني: الفرقة األوىل :الذين قالوا" :إن القرآن كالم اهلل احلروف ،دون املعاين". وقول هذه الفرقة متفرع عن القول بأن تعريف الكالم ـ سواء كالم اهلل أو كالم غريه ـ هو :اللفظ دون املعىن. الفرقة الثانية :الذين قالوا" :إن القرآن كالم اهلل املعاين دون احلروف". وقول هذه الفرقة متفرع عن القول بـ "أن القرآن كالم اهلل ،لكن ليس كالمه حقيقة". تنبيه :مل يَـ مرُّد املؤلف على هاتني الفرقتني: أما الفرقة األوىل :فلم يرد عليها التضاح خطئها ،ألن الكالم عند العرب والعجم يتضمن اللفظ واملعىن. وأما الفرقة الثانية :فلم يرد عليها ألن قوهلا متفرع عن أصل باطل ،وهو أن اهلل تعاىل مل يتكلم بالقرآن ،وقد سبق الرد على هذا األصل ،وإذا بطل األصل بطل الفرع.
مكتبة المبتدئ
72
شرح العقيدة الواسطية
[الكالم عن رؤية املؤمنني لربهم يوم القيامة]
ضا فهيما ذََكرنَاهُ همن ا هإليم ه ان به هه َوبه ُكتُبه هه َوبه َمالئه َكته هه َوبه ُر ُسله هه: وقَ ْد َد َخ َل أَيْ ا َ ْ َ القيام هة َعياناا بهأَبصا هره َن الْم ْؤهمنهين ي رونَهُ ي وم ه َّ س م الش ن و ر ي ا م ك ، م ه َ َ ْ َ يما ُن بهأ َّ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ ا هإل َ َ َ ض ُامو َن فهي ُرْؤيَته هه، كما يَ َرْو َن ال َق َم َر لَْي لَةَ البَ ْد هر الَ يُ َ ص ْح اوا لَْيس ُدونَ َها َس َح ٌ َ اب َو َ ي رونَهُ سبحانَهُ و ُهم فهي عَر ه ه ه رونَهُ بَ ْع َد ُد ُخ ه الجن هَّة َك َما يَ َ ََ ول َ صات القيَ َامة ،ثُ َّم يَ ْ ََْ ُْ َ َ ْ شاءُ اللُ تَ َعالَى(.)1 ()6
هذا الفصل الرابع الذي خصصه املؤلف للكالم عن رؤية املؤمنني لرهبم يوم القيامة. إال أنه أيضا مل يذكر كلمة "فصل". أيضا فيما ذكرناه من اإليمان به وبكتبه وبمالئكته وبرسله) (وقد دخل ا مراده :أن اإلميان برؤية املؤمنني لرهبم داخل يف أربعة أصول من أصول اإلميان الستة. وجه ذلك :أن املرئي هو اهلل تعاىل ،فاإلميان برؤيته داخل يف اإلميان باهلل ،وأن الكتب أخربت بذلك ،فاإلميان برؤيته داخل يف اإلميان بالكتب ،وأن املالئكة أنزلت الكتب إىل الرسل ،فاإلميان برؤيته داخل يف اإلميان باملالئكة ،وأن الرسل بلغوا ذلك للناس ،فاإلميان برؤيته داخل يف اإلميان بالرسل. فائدة :أدخل املؤلف اإلميان بالرؤية يف اإلميان باملالئكة والكتب والرسل؛ لكونه
مكتبة المبتدئ
73
شرح العقيدة الواسطية
لن يتكلم عن هذه األصول الثالثة ،فاكتفى بذكر أن اإلميان بالرؤية داخل فيها. مسألة :لِماذا مل ي ِ دخل اإلميان بالرؤية يف اإلميان باليوم اآلخر ،مع أن الرؤية م تكون يف ذلك اليوم؟ اجلواب :ألنه سيتكلم عن هذا األصل. قوله( :اإليمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عياناا بأبصارهم) (عياناا) أي معاينة ومشاهدة.
(بأبصارهم) أي بواسطة أبصارهم. فيستفاد من ذلك أن رؤيتهم لرهبم رؤية حقيقية.
صحوا ليس دونها سحاب ،وكما يرون القمر ليلة (كما يرون الشمس ا البدر ،ال يضامون في رؤيته) (ال يضامون في رؤيته) أي ال يصيبهم ضيم ،والضيم هو :احلسرة ،يعين ال تصيبهم حسرة لو مل تتضح رؤيته لبعضهم. فيستفاد من ذلك أن رؤيتهم لرهبم رؤية واضحة جدا.
(يرونه سبحانه ،وهم في عرصات القيامة ،ثم يرونه بعد دخول الجنة) أي رؤيتهم لرهبم تكون يف موضعني: املوضع األول :يف عرصات القيامة ،يعين يف ساحات القيامة. املوضع الثاين :بعد دخول اجلنة. (كما يشاء اللّه تعالى) أي كيفية الرؤية كما يشاء اهلل تعاىل.
مكتبة المبتدئ
74
شرح العقيدة الواسطية
[اإلميان باليوم اآلخر]
فَصل :وهمن ا هإليمان بهالي ه وم ه اآلخ هر: َ َ ٌْ َ َّبي هم َّما ي ُكو ُن ب ْع َد الْمو ه ت (. ) 1 اإليما ُن به ُك ِّل َما أَ ْخبَ َر به هه الن ُّ َ َ َْ َ ( )6لَ َّما انتهى املؤلف من التفصيل يف األصل األول ،شرع يف التفصيل يف األصل اخلامس؛ الذي هو :اإلميان باليوم اآلخر. وتقدم التنبيه على أنه لن يتكلم عن األصل الثاين والثالث والرابع. قوله( :ومن اإليمان باليوم اآلخر) (من) ِمبعىن بعض؛ أي وبعض ما يدخل يف اإلميان باليوم اآلخر. (اإليمان بكل ما أخبر به النبي )
هذا يشمل ما أخرب به مباشرة ،وما أخرب به بواسطة القرآن. مراد املؤلف :أن اإلميان باليوم اآلخر يتضمن أمورا ،وأنه إمنا سيتكلم عن بعض هذه األمور ال كلها. مسألة :ما هي األمور اليت يتضمنها اإلميان باليوم اآلخر؟ اجلواب :ظاهر كالم املؤلف أن اإلميان باليوم اآلخر يتضمن أمرين: األمر األول :اإلميان مبا يكون يف املوت. األمر الثاين :اإلميان مبا يكون بعد املوت.
مكتبة المبتدئ
75
شرح العقيدة الواسطية
اب ال َق ْب هر ونَ هع ه فَ يُ ْؤهمنُو َن بههف ْت نَ هة ال َق ْب هرَ ،وبه َع َذ ه يم هه. َ ه ه ك؟ َوَما َّاس يُ ْفتَ نُو َن فهي قُبُوهرهه ْم؛ فَ يُ َق ُ ال له َّ لر ُجلَ :م ْن َربُّ َ فَأ ََّما الف ْت نَةُ فَإ َّن الن َ ه ه ه ْحيَاةه ُّ الدنيا ك؟ َوَم ْن نَبهيُّ َ هدينُ َ ك؟ فَيثَبِّ ُ آمنُوا بهال َق ْوهل الثَّابهت في ال َ ت اللُ الَّذين َ وفهي ه الم ْؤهمن :اللُ َربِّيَ ،وا هإل ْسالَ ُم هدينهيَ ،وُم َح َّم ٌد نَبهيِّيَ ،وأ ََّما اآلخ َرةه ،فَ يَ ُق ُ ول ُ َ اس يَ ُقولُو َن َش ْيئاا فَ ُقلْتُهُ، اب فَ يَ ُق ُ ولَ :ها ْه َها ْه ،الَ أَ ْد هريَ ،س هم ْع ُ الم ْرتَ ُ ُ ت النّ َ ضر ه ٍ ه ه ٍ ه ٍه سا َن َولَْو يح َ فَ يُ ْ َ ُ ب ب َم ْرَزبَة م ْن َحديد ،فَ يَص ُ ص ْي َحةا يَ ْس َمعُ َها ُك ُّل َش ْيء إالَّ ا هإلنْ َ هه ه ه ه س همعها ا هإلنْسا ُن لَ ه وم يم َوإه َّما َع َذ ٌ َ ََ َ اب إهلَى أَ ْن تَ ُق َ صع َق ،ثُ َّم بَ ْع َد َهذه الف ْت نَةَّ :إما نَع ٌ َ عاد األَرواح إهلَى األَجس ه ه اد(.)1 القيَ َامةُ ال ُك ْب َرى ،فَ تُ ُ ْ َ ُ َْ فإذا قيل :ما هو األمر الذي سيتكلم عنه املؤلف من هذين األمرين؟ فاجلواب :سيتكلم عن اإلميان مبا يكون بعد املوت ،كما نص هو على ذلك. وسيذكر فيما يتعلق باإلميان مبا يكون بعد املوت أمرين: األمر األول :اإلميان مبا يكون يف القرب. األمر الثاين :اإلميان بالقيامة الكربى ،وما يكون فيها. ( )6هذا األمر األول ،الذي هو اإلميان مبا يكون يف القرب.
قوله( :فيؤمنون بفتنة القبر) الفتنة :االختبار ،يعين يؤمنون بأن يف القرب اختبارا. (وبعذاب القبر ونعيمه) يعين يؤمنون بأن يف القرب نعيما وعذابا ،وأن امليت فيه إما منعم ،وإما معذب.
(فأما الفتنة … إلخ) أي كيفية الفتنة يف القرب هي :أن يسأل امليت هذه األسئلة الثالثة ،مث هو إما أن جييب ،وإما أن ال جييب.
مكتبة المبتدئ
76
شرح العقيدة الواسطية
هه وتَ ُق ه القيامةُ الَّتهي أَ ْخب ر الل به َها فهي كهتَابه هه ،و َعلَى لهس ه َج َم َع ان َر ُسولهَ ،وأ ْ ََ ُ َ ُ وم َ َ َ َ ()1 َعلَْي َها ال ُْم ْسله ُمو َن . (ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب ،إلى أن تقوم القيامة الكبرى، فتعاد األرواح إلى األجساد) هذه اجلملة تضمنت ثالثة أمور: األول :أن النعيم والعذاب يكونان بعد الفتنة. ويستفاد من ذلك أن النعيم والعذاب يتعني أحدمها حبسب نتيجة الفتنة. الثاين :أن النعيم والعذاب يستمران إىل وقت القيامة الكربى. الثالث :أن األرواح تعاد إىل األجساد ،يعين هتيُّئا للقيام. مسألة :القول بأن النعيم والعذاب يستمران إىل وقت القيامة الكربى ،هل املراد به أن كل من ابتم ِدئ به النعيم أو العذاب يستمر به الشيء الذي ابتم ِدئ به إىل وقت القيامة؟ اجلواب :ليس هذا هو املراد ،بل املراد أن امليت ال خيلو من أحدمها ،بأن يكون ال منعما وال معذبا. فأما من ابتم ِدئ به النعيم فيستمر منعما إىل وقت القيامة. وأما من ابتم ِدئ به العذاب ،فال خيلو من حالتني: احلالة األوىل :أن يستمر به العذاب إىل وقت القيامة. احلالة الثانية :أن ينقطع عنه العذاب لسبب ،كأن يكون هذا الذي يستحقه فقط. ( )6هذا األمر الثاين الذي هو اإلميان بالقيامة الكربى ،وما يكون فيها. وسيذكر املؤلف عن هذا األمر سبعة مباحث: املبحث األول :بيان أنواع األدلة على القيامة الكربى.
مكتبة المبتدئ
77
شرح العقيدة الواسطية
ه ين؛ ُح َفا اة ُع َرا اة غُ ْرالاَ ،وتَ ْدنُو هم ْن ُهم َّاس هم ْن قُبُوهرهه ْم لهَر ِّ فَ يَ ُق ُ ب ال َْعالَم َ وم الن ُ ه َّ الع َر ُق(.)1 سَ ،ويُلْج ُم ُهم َ الش ْم ُ
()6
املبحث الثاين :بيان حال الناس عند قيامهم من القبور ،وعند انتظارهم للحساب. املبحث الثالث :بيان مشهدين من املشاهد اليت تكون بعد اإلذن باحلساب. املبحث الرابع :بيان كيفية احلساب. املبحث اخلامس :بيان مشاهد تكون بعد االنتهاء من احلساب. املبحث السادس :بيان الشفاعات اليت يقوم هبا النيب يف ذلك اليوم. املبحث السابع :بيان املصادر اليت تمعرف هبا أنواع ما جيري يف الدار اآلخرة، وتفاصيل ذلك. وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو :بيان أنواع األدلة على القيامة الكربى. قوله( :وتقوم القيامة) أي قيام مجيع الناس من قبورهم أحياء. (التي أخبر الل بها في كتابه) أي يف القرآن. (وعلى لسان رسوله) أي يف السنة. (وأجمع عليها المسلمون) أي العلماء وغريهم. اخلالصة :أن أنواع األدلة على القيامة الكربى هي :القرآن والسنة واإلمجاع. هذا املبحث الثاين؛ وهو :بيان حال الناس عند قيامهم من القبور ،وعند انتظارهم للحساب. قوله( :فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين ،حفاةا ،عراةا ،غرالا) هذا هو حاهلم عند القيام.
مكتبة المبتدئ
78
شرح العقيدة الواسطية
العب ه وز ُن بها أَ ْعم ُ ه اد ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ين ،فَ تُ َ فَ تُ ْن َ ال َ َ الم َوا هز ُ ب َ صُ
ﯶﯷﯸ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ال ،فَ ه ه ف األَ ْعم ه ش ُر َّ آخ ٌذ ص َحائه ُ ﰁ ﰂ ﮊ [المؤمنون]َ ،وتُ ْن َ ينَ ،وه َي َ َ الد َوا هو ُ كهتابه بهي همينه هه و ه ال ُس ْب َحانَهُ وتَ َعالَى: آخ ٌذ كهتَابَهُ به هش َماله هه أ َْو هم ْن َوَر هاء ظَ ْه هرهه؛ َك َما قَ َ َ َُ َ َ
ﮋ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ [اإلسراء](.)1
()6
(حفاة) أي من غري أحذية. (عراة) أي من غري ثياب. (غرالا) أي غري خمتونني. قوله( :وتدنو منهم الشمس ،ويلجمهم العرق) هذا هو حاهلم عند انتظارهم للحساب. (تدنو منهم الشمس) أي تقرب منهم. (ويلجمهم العرق) أي يصل العرق إىل أفواههم ،فيصري كاللجام الذي يوضع يف فم الفرس؛ وذلك نتيجة القرتاب الشمس منهم ،واملراد بوصول العرق إىل أفواههم هو أن العرق يتصبب منهم حىت يصل إىل األرض ،مث يرتفع حىت يصل إىل أفواههم. هذا املبحث الثالث؛ وهو :بيان مشهدين من املشاهد اليت تكون بعد اإلذن باحلساب. املشهد األول :نصب املوازين.
مكتبة المبتدئ
79
شرح العقيدة الواسطية
املشهد الثاين :نشر الدواوين.
قوله( :فتنصب الموازين) أي توضع. (فتوزن بها أعمال العباد) أي األعمال احلسنة يف كفة ،واألعمال السيئة يف كفة. (ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ .ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ) املراد باملوازين يف اآلية األعمال احلسنة. ﮋﯱ ﯲ ﯳ ﮊ أي رجحت أعماله احلسنة. ﮋﯸ ﯹ ﯺﮊ أي خفت أعماله احلسنة. والشاهد من اآلية :إثبات الوزن لألعمال يف ذلك اليوم. قوله( :وتنشر الدواوين) أي تفتح.
(وهي صحائف األعمال) هذا تفسري للدواوين. أي هي الصحائف اليت مكتِبت فيها أعمال العباد.
(فآخذ كتابه بيمينه ،وآخذ كتابه بشماله ،أو من وراء ظهره)
أي الناس عند أخذهم لصحائفهم على نوعني: األول :من يأخذ كتابه بيمينه. الثاين :من يأخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره. تنبيه :ظاهر كالم املؤلف أن النوع الثاين صنفان:
مكتبة المبتدئ
81
شرح العقيدة الواسطية
ه ب اللُ الخالئه َق: ويُحاس ُ بعبده ال ه ف ذلك فهي ه ويخلُو ه مؤم هن فهيقرره بذنوبه كما و ه والس هنة. الكتَاب ُّ ص َ َ ُ الكفار فال يُحاسبو َن ُمحاسبةَ َمن تُوَز ُن حسناتهُ وسيئاته؛ فإنَّهُ ال وأما َّ ُ ه أعمالُهم فتُحصى فهيوقفون عليها َويُ َق َّرُرو َن بها حسنات لهم ،ولكن تُ َع ُّد َ َويُ ْج َزْو َن به َها(.)1 منهم من يأخذ كتابه بشماله. ومنهم من يأخذه من وراء ظهره. واملعروف عن السلف أن الذي يأخذ كتابه بشماله هو نفسه يأخذه من وراء ظهره. (كما قال سبحانه وتعالى :ﮋﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ .ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ) الشاهد من اآلية :إثبات نشر الدواوين يف ذلك اليوم. ( )6هذا املبحث الرابع ،وهو :بيان كيفية احلساب.
قوله( :ويحاسب الل الخالئق) أي يكلمهم بنفسه ،فيذكرهم بأعماهلم اليت قدموها يف الدنيا.
(ويخلو بعبده المؤمن ،فيقرره بذنوبه ،كما وصف ذلك في الكتاب والسنة) أي كيفية حماسبته للمؤمن تتضمن أمرين: األول :أنه خيلو به ،يعين ينفرد به ،فال جيعل أحدا يسمع ما يكلمه به؛ وذلك
مكتبة المبتدئ
81
شرح العقيدة الواسطية
سرتا عليه. الثاين :يقرره بذنوبه ،يعين يعرض عليه ذنوبه ،فيجعله يعرتف هبا؛ وذلك إظهارا ملنته عليه ،حيث سرتها عليه يف الدنيا ،ويغفرها له يف ذلك اليوم. (وأما الكفار فال يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيآته فإنه ال
حسنات لهم) أي حماسبته تعاىل للكفار ليست كمحاسبته للمسلمني.
والفاء يف قوله( :فإنه) فاء السببية؛ أي والسبب يف ذلك أن الكفار ال حسنات هلم ،يعين ألن هلم سيآت وليست هلم حسنات ال يكون حساهبم مثل الذين هلم سيآت وحسنات. فإذا قيل :ملاذا الكفار ليست هلم حسنات؟ فاجلواب :ألن الكفر حيبط مجيع احلسنات. (ولكن تعد أعمالهم ،وتحصى ،فيوقفون عليها ،ويقررون بها ،ويجزون
بها)
أي كيفية حماسبته للكفار تتضمن مخسة أمور: األول :تعد أعماهلم ،يعين تعدد عليهم؛ فتذكر السيئة بعد السيئة. الثاين :حتصى ،يعين جتمع كلها ،فال يرتك شيء منها. الثالث :يوقفون عليها ،يعين يستمعون إليها كلها. الرابع :يقررون هبا ،يعين يطلب منهم االعرتاف هبا. اخلامس :جيزون هبا ،يعين يعاقبون بسببها.
مكتبة المبتدئ
82
شرح العقيدة الواسطية
وفهي َعر ه ه ه اضا همن اللَّب هن ود لهلنَّبه ِّي َ ،ما ُؤهُ أَ َش ُّد بَيَ ا الم ْوُر ُ الح ْو ُ ْ َ صة القيَ َامة َ ض َ َ ه ه ضهُ َش ْه ٌرَ ،من س هل ،آنهيَتُهُ َع َد ُد نُ ُجوم َّ الس َم هاء ،طُولُهُ َش ْه ٌرَ ،و َع ْر ُ َوأ ْ َحلَى من ال َْع َ ب هم ْنهُ َش ْربَةا الَ يَظْمأُ بَ ْع َد َها أَبَ ادا. يَ ْش َر ُ ه ه الجن هَّة َوالنَّا هر، الص َرا ُ َو ِّ ص ٌ ط َم ْن ُ َّمَ ،و ُه َو الج ْس ُر الَّذي بَ ْي َن َ وب َعلَى َم ْت هن َج َهن َ ه ه ص هرَ ،وهم ْن ُه ْم َم ْن َّاس َعلَْيه َعلَى قَ ْد هر أَ ْع َمال ه ْم ،فَ هم ْن ُه ْم َم ْن يَ ُم ُّر َكلَ ْم هح البَ َ يَ ُم ُّر الن ُ يحَ ،وهم ْن ُه ْم َم ْن يَ ُم ُّر َكالْ َف َر ه الج َو هادَ ،وهم ْن ُه ْم الر ه يَ ُم ُّر َكالْبَ ْر هقَ ،وهم ْن ُه ْم َم ْن يَ ُم ُّر َك ِّ س َ َم ْن يَ ُم ُّر َك هرَك ه اب ا هإلبه هلَ ،وهم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْع ُدو َع ْد اواَ ،وهم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْم هشي َم ْشيااَ ،وهم ْن ُه ْم ف َخطْ َفا وي ْل َقى فهي ج َهنَّم؛ فَهإ َّن ه الج ْس َر ف َز ْح افاَ ،وهم ْن ُه ْم َم ْن يُ ْخطَ ُ َم ْن يَ ْز َح ُ َُ َ َ ف النَّاس بهأَ ْعماله ه م ،فَمن م َّر َعلَى ِّ ه ه ه ْجنَّةَ. يب تَ ْخطَ ُ الص َراط َد َخ َل ال َ َ َ ْ َْ َ َعلَْيه َكالَل ُ ٍ ه ه لبع ه ضه ْم هم ْن ْجن هَّة َوالنَّا هر ،فَ يُ ْقتَ ُّ ص ْ فَهإ َذا َعبَ ُروا َعلَْيه ُوق ُفوا َعلَى قَ ْنطََرة بَ ْي َن ال َ ض ،فَهإذَا ُه ِّذبُوا ونُ ُّقوا أ هُذ َن لَ ُه ْم فهي ُد ُخ ه بَ ْع ٍ ْجن هَّة. ول ال َ َ وأ ََّو ُل من يستَ ْفتهح باب ال ه ْجنَّةَ همن األ َُم هم ْجنَّة ُم َح َّم ٌد َ ،وأ ََّو ُل َم ْن يَ ْد ُخ ُل ال َ َ َْ َْ ُ َ َ َ أ َُّمتُهُ(.)1 ( )6هذا املبحث اخلامس؛ وهو :بيان مشاهد تكون بعد االنتهاء من احلساب. فذكر املؤلف أربعة مشاهد: املشهد األول :ورود احلوض. املشهد الثاين :املرور على الصراط. املشهد الثالث :الوقوف على القنطرة. املشهد الرابع :دخول اجلنة. قوله( :وفي عرصة القيامة) أي يف ساحة اجتماع الناس يوم القيامة.
مكتبة المبتدئ
83
شرح العقيدة الواسطية
(الحوض) أي زجمع املاء ،يعين الشيء الذي مجيمع فيه املاء. (المورود) أي الذي يورد ،يعين يؤتى للشرب منه. (للنبي )أي الذي أعطاه اهلل عز وجل النيب إكراما له. مث ذكر املؤلف فيما يتعلق هبذا احلوض أربعة أمور: بياضا من األول :صفة مائه من حيث اللون والطعم ،فقال( :ماؤه أشد ا اللبن ،وأحلى من العسل). الثاين :عدد آنيته اليت يشرب هبا ،فقال( :آنيته عدد نجوم السماء). الثالث :مساحته طوال وعرضا ،فقال( :طوله شهر ،وعرضه شهر). الرابع :أثر الشرب منه فقال( :من يشرب منه شربة ،ال يظمأ بعدها أب ادا). قوله( :والصراط) أي الطريق الذي مير الناس عليه بعد االنتهاء من احلساب. (منصوب على متن جهنم) أي موضوع على ظهر جهنم. فهو باألعلى وجهنم أسفل منه. (وهو الجسر الذي بين الجنة والنار) أي مممَّتد وفاصل بني اجلنة والنار. وكيفية هذا الفصل أن النار أسفل منه واجلنة هنايته. (يمر الناس عليه على قدر أعمالهم) أي صفة مرور الناس عليه من حيث السرعة حبسب أعماهلم اليت قدموها يف الدنيا. لم مح حملة بالبصر ،مث (فمنهم من يمر كلمح البصر) أي مير سريعا جدا ،يم َ خيتفي من شدة سرعته. (ومنهم من يمر كالبرق) أي أبطأ من الذي قبله؛ ألن مدة مشاهدة الربق أكثر من مدة ملح البصر.
مكتبة المبتدئ
84
شرح العقيدة الواسطية
(ومنهم من يمر كالريح) أي كاهلواء ،واملراد يف شدة سرعته. (ومنهم من يمر كالفرس الجواد) أي كالفرس اجليد. (ومنهم من يمر كركاب اإلبل) وهي دون الفرس اجلواد بكثري. عدوا) أي يركض ركضا سريعا. (ومنهم من يعدو ا (ومنهم من يمشي مشياا) أي مشيا عاديا بال إسراع. (ومهم من يزحف زح افا) أي ميشي على مقعدته بدل رجليه. (ومنهم من يخطف خط افا ،فيلقى في جهنم؛ فإن الجسر عليه كالليب، تخطف الناس بأعمالهم) اخلطف :هو أخذ الشيء بسرعة ،يعين منهم من ال يستطيع املرور حىت بالزحف ،بل يؤخذ بسرعة ،ويلقى يف جهنم. والفاء يف قوله( :فإن الجسر) فاء السببية؛ أي والسبب يف ذلك أن اجلسر عليه كالليب ختطف الناس بسبب أعماهلم السيئة اليت قدموها يف الدنيا. والكالليب :مجع كلوب ،وهي حديدة معكوفة الرأس. (فمن مر على الصراط دخل الجنة) أي من انتهى من املرور على الصراط وسلِم من السقوط يف جهنم فمصريه اجلنة ،وليس املراد أنه يدخل اجلنة مباشرة ألنه بقي مشهد آخر. قوله( :فإذا عبروا عليه) أي على الصراط. (وقفوا) أي أمروا بالوقوف. (على قنطرة بين الجنة والنار) أي على جسر صغري ،مكانه بني اجلنة والنار. (فيقتص لبعضهم من بعض) أي يأخذ املظلوم حقه من الظامل. (فإذا هذبوا ونقوا) أي طمِّهروا من املظامل.
مكتبة المبتدئ
85
شرح العقيدة الواسطية
اع ٍ ات: َولَه فهي القيَ َام هة ثَالَ ُ ث َش َف َ اعةُ األُولَى :فَ يَ ْش َفع فهي أ َْه هل الْموقه ه أ ََّما َّ ضى بَ ْي نَ ُه ْم بَ ْع َد أَ ْن ف َحتَّى يُ ْق َ الش َف َ َْ ُ ه آدم ونُ ه ه يم َعن َّ اع هة الش َف َ اج َع األَنْبهيَاءُ َ ُ َ ٌ يم َوُم َ يَتَ َر َ يسى ابْ ُن َم ْر َ وسى َوع َ وح َوإبْ َراه ُ َحتَّى تَ ْنتَ ه َي إهلَْي هه. اعةُ الثَّانهيةُ :فَ ي ْش َفع فهي أ َْه هل الْجن هَّة أَ ْن ي ْد ُخلُوا الْجنَّةَ ،و َهاتَ ه َوأ ََّما َّ ان الش َف َ َ َ َ َ ُ َ َ اصتَ ه اعتَ ه َّ ان لَهُ. ان َخ َّ الش َف َ ه الش َف َ ه ه َّارَ ،و َه هذهه َّ َوأ ََّما َّ سائه هر الش َف َ يم ْن ْ استَ َح َّق الن َ اعةُ الثَّالثَةُ :فَ يَ ْش َف ُع ف َ اعةُ لَهُ َول َ ه ه النَّبهيِّين و ِّ ه َّار أَ ْن الَ يَ ْد ُخلَ َهاَ ،ويَ ْش َف ُع يم ْن ْ استَ َح َّق الن َ ين َوغَْي هره ْم ،فَ يَ ْش َف ُع ف َ الص ِّديهق َ َ َ ه () 1 ه ج م ْن َها . يم ْن َد َخلَها أَ ْن يَ ْخ ُر َ فَ (أذن لهم في دخول الجنة) أي ْسح هلم بالدخول. تنبيه :هذا القصاص الذي يكون على القنطرة ،غري القصاص الذي يكون يف احلشر ،فالقصاص الذي يكون يف احلشر فيه استنفاد احلسنات ،فتؤخذ من حسنات الظامل ،وتوضع يف حسنات املظلوم ،وأما القصاص الذي يكون على القنطرة ،فليس فيه استنفاد احلسنات ،واملقصود منه :أن الصدور تطهر من الغل ،فيدخلون اجلنة ،وليس يف صدر أحد غل على أحد. قوله( :وأول من يستفتح باب الجنة محمد )يستفتح :أي يطلب فتح الباب.
(وأول من يدخل الجنة من األمم أمته) أي بعد دخول الرسل ،يعين كما أن حممدا أول من يدخل اجلنة من الرسل ،فأمته أول من يدخل اجلنة من األمم. ( )6هذا املبحث السادس؛ وهو :بيان الشفاعات اليت يقوم هبا النيب يف ذلك اليوم.
مكتبة المبتدئ
86
شرح العقيدة الواسطية
قوله( :وله في القيامة ثالث شفاعات) الشفاعات :مجع شفاعة، ومعناها :التوسط للغري ،شفع لفالن :أي توسط له ،فاملعىن :أن النيب يف ذلك اليوم يتوسط للناس عند ربه تعاىل ثالث وساطات. (أما الشفاعة األولى فيشفع في أهل الموقف) أي الذين يشفع هلم النيب هبذه الشفاعة هم مجيع أهل املوقف.
(حتى يقضي بينهم) أي املقصود من هذه الشفاعة :أن يبدأ اهلل تعاىل بالقضاء بينهم ،يعين الفصل واحلساب.
(بعد أن يتراجع األنبياء؛ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريَم عن الشفاعة ،حتى تنتهي إليه) أي أن أهل املوقف يطالبون أوال هؤالء األنبياء أن
يشفعوا هلم ،فيرتاجع األنبياء يعين يعتذرون ،مث يطلب أهل املوقف الشفاعة من حممد فهو الذي يقوم هبا.
(وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة) أي الذين يشفع هلم النيب هبذه الشفاعة هم :الذين استحقوا دخول اجلنة.
(أن يدخلوا الجنة) أي املقصود من الشفاعة هلم :أن يدخلوا اجلنة ،وذلك ألهنم بعد االنتهاء من الوقوف على القنطرة يؤذن هلم بدخول اجلنة ،ولكن َجيدون األبواب مغلقة ،حىت يأيت النيب فيشفع هلم ،فتفتح األبواب ،مث يدخلون. (وهاتان الشفاعتان خاصتان له) أي ال يقوم هباتني الشفاعتني غريه.
(وأما الشفاعة الثالثة :فيشفع فيمن استحق النار) أي الذين يشفع هلم النيب هبذه الشفاعة هم الذين استحقوا النار ،واملراد هبم :املسلمون أصحاب الكبائر.
مكتبة المبتدئ
87
شرح العقيدة الواسطية
ه ضله هه َوَر ْح َمته هه(.)1 اعة ،بَ ْل بهَف ْ ج اللُ من النَّا هر أَق َْو ااما بهغَْي هر َش َف َ َويُ ْخ هر ُ ه ض ٌل َع َّم ْن َد َخلَها هم ْن أ َْه هل ُّ الدنْ يَا ،فَ يُ ْن هش ُئ اللُ لَ َها أَق َْو ااما ْجن هَّة فَ ْ َويَ ْبقى في ال َ ه ْجنَّةَ(.)2 فَ يُ ْدخلُ ُه ُم ال َ (وهذه الشفاعة له ،ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم) أي هذه الشفاعة عامة يقوم هبا النيب وغريه ممن هم أهل للشفاعة. (فيشفع فيمن استحق النار أن ال يد خلها ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها) أي املقصود من هذه الشفاعة :أن من مل يدخل النار يشفع له بأن ال يدخلها ،وأن من دخلها يشفع له بأن خيرج منها. ( )6لَ َّما ذكر املؤلف أن من الشفاعة العامة أن يشفع الشافع فيمن دخل النار بأن خيرج منها ،ناسب أن يذكر أن اخلروج من النار له سبب آخر غري الشفاعة. أقواما) أي مسلمني. قوله( :ويخرج الل من النار ا (بغير شفاعة) أي ليس بسبب الشفاعة. (بل بفضله ورحمته) أي بل السبب هو زجرد فضل اهلل ورمحته ،من غري واسطة. ( )2لَ َّما ذكر املؤلف أن اهلل خيرج من النار أقواما بغري شفاعة بل بفضله ورمحته، كان من املعلوم أن هؤالء هم آخر أهل الدنيا دخوال اجلنة ،فناسب أن يذكر بعد ذلك أن دخول اجلنة ليس ألهل الدنيا فقط. قوله( :ويبقى في الجنة فضل) أي متسع. (عمن دخلها من أهل الدنيا) أي بعد أن يدخلها سكاهنا من أهل الدنيا. أقواما) أي خيلقهم يف ذلك الوقت. (فينشئ الل لها ا (فيدخلهم الجنة) أي من غري عمل سابق منهم.
مكتبة المبتدئ
88
شرح العقيدة الواسطية
الدار ه اآلخرةُ همن ه اب و ه الع َق ه الحس ه الجن هَّة َصنَ ُ اف َما تَ َ َوأ ْ اب َو َ ض َّمنَْتهُ َّ ُ اب َوالث ََّو ه َ َ َ ه ورةٌ فهي ال ُكتُ ه الس َم هاء َواآلثَا هر همن ال هْعل هْم المنَ َّز هلة همن َّ يل َذله َ ك َم ْذ ُك َ ب ُ َوالنَّا هر َوتَ َفاص ُ الْمأْثُوهر َعن األَنْبهي هاء ،وفهي ال هْعل هْم الْمور ه ك َما يَ ْش هفي وث َع ْن ُم َح َّم ٍد هم ْن َذله َ َْ ُ َ َ َ () 1 َويَ ْك هفي فَ َمن ابْ تَ غَاهُ َو َج َده . ( )6هذا املبحث السابع؛ وهو :بيان املصادر اليت تمعرف هبا أنواع ما جيري يف الدار اآلخرة ،وتفاصيل ذلك. قوله( :وأصناف ما تضمنته الدار اآلخرة ،من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار) أصناف :أي أنواع ،يعين أنواع ما جيري يف الدار اآلخرة. (وتفاصيل ذلك) أي تفاصيل ما جيري من هذه األنواع. (مذكورة في الكتب ال ُْمنَ َّزلَة من السماء ،واآلثار من العلم المأثور عن األنبياء) أي تعرف بطريقني: الطريق األوىل :الكتب الم ممنَـَّزلَة من السماء ،يعين كالم اهلل تعاىل. الطريق الثانية :اآلثار املنقولة عن األنبياء ،يعين كالم األنبياء صلوات اهلل وسالمه عليهم. (وفى العلم الموروث عن محمد )أي املنقول عنه. (من ذلك) أي مما جيري يف الدار اآلخرة. (ما يَشفي ويكفي) يَشفي :أي يمريح ،ويكفي :أي يمغين عن غريه. (فمن ابتغاه وجده) ابتغاه :أي أراده ،واملراد به العلم املنقول عن حممد ، وجده :أي أدركه ،يعين أنه قريب ليس ببعيد؛ ألنه يف الكتاب والسنة.
مكتبة المبتدئ
89
شرح العقيدة الواسطية
[اإليـمان بالقدر]
َّاجيةُ همن أ َْه هل ُّ ه ه ه ه اع هة بهالْ َق َد هر َخ ْي هرهه َو َش ِّرهه. ْج َم َ السنَّة َوال َ َوتُ ْؤم ُن الف ْرقَةُ الن َ ْ ()1 ض َّم ُن َش ْيئَ ْي هن: يما ُن بهال َق َد هر َعلَى َد َر َجتَ ْي هن؛ ُك ُّل َد َر َج ٍة تَ تَ َ َوا هإل َ ( )6لَ َّما انتهى املؤلف من التفصيل يف األصل اخلامس ،شرع يف التفصيل يف األصل السادس؛ الذي هو :اإلميان بالقدر. فذكر فيما يتعلق باإلميان بالقدر أمرين: األمر األول :اعتقاد أهل السنة واجلماعة بالقدر إمجاال. األمر الثاين :اعتقاد أهل السنة واجلماعة بالقدر تفصيال. قوله( :وتؤمن الفرقة الناجية) أي الطائفة الساملة من النار يف اآلخرة. (من أهل السنة والجماعة) (من) هنا لبيان اجلنس ،أي الفرقة الناجية الذين هم أهل السنة واجلماعة. (بالقدر خيره وشره) هذا هو اعتقادهم بالقدر إمجاال. يعين اعتقادهم بالقدر إمجاال هو :اإلميان بأن تقدير اهلل تعاىل ملا حيدث يف الكون يشمل اخلري والشر. (واإليمان بالقدر على درجتين ،كل درجة تتضمن شيئين) هذا هو اعتقادهم بالقدر تفصيال.
مكتبة المبتدئ
91
شرح العقيدة الواسطية
يما ُن بهأ َّ فَ َّ ْق َع هاملُو َن به هعل هْم هه َن اللَ تَ َعالَى َعله َم َما َ الخل ُ الد َر َجةُ األُولَى :ا هإل َ ه ال َق هديم ،الَّ هذي ُهو موص ٌ ه اع ه ه ه ات َح َوالهه ْم م َن الطَّ َ يع أ ْ َ َ ُ وف بهه أ ََزالا َوأَبَ اداَ ،و َعل َم َجم َ ه وظ م َق ه ه ه ه ْخل هْق، اد َير ال َ ب اللُ في اللّ ْو هح ال َْم ْح ُف َ الم َعاصي َواأل َْرَزاق َو َ َو َ اآلجال ،ثُ ّم َكتَ َ ب َما ُه َو ب؟ قَ َ ب ،قَ َ فَأ ََّو ُل َما َخلَ َق اللُ الْ َقلَ ُم قَ َ ال :اُ ْكتُ ْ ال لَهُ :اُ ْكتُ ْ الَ :ما أَكتُ ُ َكائهن إهلَى ي وهم ال هْقيام ه ه سا َن لَ ْم يَ ُك ْن لهيُ ْخ هطئَهَُ ،وَما أَ ْخطَأَهُ لَ ْم ن إل ا اب َص أ ا م ف ، ة َ ْ َ َ َْ َ َ ٌ َ َ ه ه ت األَقْالَم ،وطُ هوي ه صيبهُ ،ج َّف ه ال تَ َعالَى :ﮋ ﮡ ﮢ ف؛ َك َما قَ َ ت ُّ الص ُح ُ ُ َ َ يَ ُك ْن ليُ َ َ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ
[الحج] ،وقال :ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ [الحديد](.)1 يعين أن اعتقادهم بالقدر تفصيال هو :أن اإلميان بالقدر ينقسم إىل درجتني، وممن ِزلَتَني ،وكل درجة ال تتحقق إال بتحقيق شيئني. يعين مرتبتني َ وسيذكر فيما يتعلق بالدرجة األوىل من اإلميان بالقدر ثالثة مباحث: املبحث األول :بيان الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة. املبحث الثاين :بيان أنواع التقدير يف هذه الدرجة. املبحث الثالث :بيان املنكرين هلذه الدرجة. ( )6هذا املبحث األول؛ وهو :بيان الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة. قوله( :اإليمان بأن اللّه تعالى علم ما الخلق عاملون ،بعلمه القديم) هذا الشيء األول ،وخالصته :أن اهلل علم بالعمل قبل حدوثه.
مكتبة المبتدئ
91
شرح العقيدة الواسطية
(علم ما الخلق عاملون) أي علم بعملهم. (بعلمه القديم) أي بعلمه السابق على العمل. (الذي هو موصوف به أزالا وأب ادا)
هذا فيه بيان نوع العلم الذي هو سبحانه موصوف به.
(أزالا) أي ال بداية له ،يعين ليس جاهال بالشيء مث علمه. (أب ادا) أي ال هناية له ،يعين الشيء الذي علمه ال ينساه.
(وعلم جميع أحوالَهم ،من الطاعات والمعاصي واألرزاق واآلجال) هذا فيه بيان نوع العمل الذي علمه سبحانه. (وعلم جميع أحوالهم) أي أعماهلم. (من الطاعات والمعاصي واألرزاق واآلجال) أي سواء ما يصدر منهم كالطاعات واملعاصي ،أو ما حيدث هلم كاألرزاق واآلجال. (ثم كتب اللّه في اللوح المحفوظ مقادير الخلق)
هذا الشيء الثاين ،وخالصته :أن اهلل كتب العمل قبل حدوثه.
وسجل. دون َّ (ثم كتب الل) أي َّ
(في اللوح المحفوظ) اللوح :هو الشيء الذي يمكتَب فيه ،واهلل أعلم بنوع هذا اللوح الذي كتب اهلل فيه ،واحملفوظ :أي املصان من التغيري. (مقادير الخلق) أي ما قدره عليهم من األعمال.
(فأول ما خلق اللّه القلم قال له :اكتب ،قال :ما أكتب؟ قال :اكتب ما هو كائن إلي يوم القيامة) هذا فيه بيان كيفية حصول الكتابة.
مكتبة المبتدئ
92
شرح العقيدة الواسطية
فكيفية حصوهلا أن اهلل تعاىل عندما أمت خلق القلم أمره أن يباشر الكتابة.
(فما أصاب اإلنسان لم يكن ليخطئه ،وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ جفت األقالم وطويت الصحف) هذا فيه بيان نتيجة حصول الكتابة. (فما أصاب اإلنسان لم يكن ليخطئه) أي ما وقع لإلنسان ال سبيل لعدم وقوعه.
(وما أخطأه لم يكن ليصيبه) أي ما مل يقع فيه فال سبيل لوقوعه فيه. غ من الكتابة فلن يقع شيء (جفت األقالم ،وطويت الصحف) يعين قد فم ِر َ خالف املكتوب. (كما قال تعالى :ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﮊ ،وقال :ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ) لَ َّما ذكر الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة ذكر بعد ذلك الدليل عليهما.
فقوله يف اآلية األوىل :ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮊ دليل على العلم. وقوله :ﮋ ﮬ ﮭ ﮮﮊ دليل على الكتابة. وقوله يف اآلية الثانية :ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮊ دليل على الكتابة باملنطوق ،وعلى العلم باملفهوم ،فكونه كتب الشيء الذي سيقع ،يفهم منه أنه قد علم ما سيقع.
مكتبة المبتدئ
93
شرح العقيدة الواسطية
ه ه هه ه ه ه اضع جملَةا وتَ ْف ه ه صيالا: َو َه َذا التَّ ْقد ُير التَّاب ُع لعلْمه ُس ْب َحانَهُ يَ ُكو ُن في َم َو َ ُ ْ َ ه فَ َق ْد َكتَ ه اء. ب في اللَّ ْو هح ال َْم ْح ُفوظ َما َش َ َ ه ث إهلهْي هه َملَ اكا ،فَ يُ ْؤَم ُر بهأ َْربَ هع الر ه الجنهي هن قَ ْب َل نَ ْف هخ ُّ وح فه هيه بَ َع َ س َد َ َوإ َذا َخلَ َق َج َ ه َكلهم ٍ ك(.)1 ات؛ فَ يُ َق ُ نح َو ذَله َ َجلَهُ َو َع َملَهُ َو َشق ٌّي أَ ْم َس هعي ٌدَ ،و ْ ب هرْزقَهُ َوأ َ ال لَهُ :اُ ْكتُ ْ َ ( )6هذا املبحث الثاين؛ وهو :بيان أنواع التقدير يف هذه الدرجة. قوله( :وهذا التقدير) أي التقدير بالكتابة. (التابع لعلمه) أي التقدير بالكتابة تابع للعلم؛ ألنه سبحانه كتب ما سيقع وقد علم قبل ذلك ما سيقع. (يكون في مواضع جملة وتفصيالا) أي التقدير بالكتابة له مواضع زجموعة يف نوعني: النوع األول :التقدير اإلمجايل. النوع الثاين :التقدير التفصيلي. (فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء) هذا التقدير اإلمجايل ،وهو :الكتابة يف اللوح احملفوظ ،وْسي بالتقدير اإلمجايل ألنه شامل لكل شيء. (وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه ،بعث إليه ملكا ،فيؤمر بأربع كلمات ،فيقال له :اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد) هذا التقدير التفصيلي ،وهو كتابة ما يتعلق بالفرد يف عمره. ِ ب يف اللوح احملفوظ. وْسي بالتقدير التفصيلي ألن فيه تفصيال لبعض ما مكت َ (ونحو ذلك) يشري املؤلف إىل أن التقدير التفصيلي أنواع. فإذا قيل :ما هي أنواع التقدير التفصيلي؟
مكتبة المبتدئ
94
شرح العقيدة الواسطية
ه ه ه ه ه ه يل(.)1 فَ َه َذا التَّ ْقد ُير قَ ْد َكا َن يُ ْنك ُرهُ غُالَةُ ال َق َد هريَّة قَد ا يما َوُم ْنكروهُ اليَ ْوَم قَل ٌ لدرجةُ الثَّانهيةُ :فَهي م هشيئَةُ ه الل النَّافه َذةَُ ،وقُ ْد َرتُهُ َّ الش هاملَةُ. َ ََ َوأ ََّما ا َّ َ َ يما ُن بهأ َّ شأْ لم يَ ُك ْنَ ،وأَنَّهُ َما فهي اء اللُ َكا َن َوَما لم يَ َ َو ُه َو :ا هإل َ َن َما َش َ ه ض همن حرَك ٍة والَ س ُك ٍ ون إهالَّ بهم هشيئَ هة ه َّ ه الل ُس ْب َحانَهُ ،الَ َ الس َم َاوات َوَما في األ َْر ه ْ َ َ َ ٍ ه ي ُكو ُن فهي مل ه ود ه ات ْك هه إال َما يُ هري ُدَ ،وأَنَّهُ ُس ْب َحانَهُ َعلَى ُك ِّل َش ْيء قَ هد ٌير من ال َْم ْو ُج َ ُ َ ض والَ فهي َّ ه ه ه ٍ ه والْم ْع ُد ه الس َماء إهالَّ اللُ َخال ُقهُ َ َ َ ومات ،فَ َما م ْن َم ْخلُوق في األ َْر ه َ ه ()2 ب س َواهُ . ُس ْب َحانَهُ ،الَ َخاله َق غَيَ ُرهَُ ،والَ َر َّ فاجلواب :التقدير التفصيلي ثالثة أنواع: النوع األول :التقدير العم ممري ،وهو :كتابة ما يتعلق بالفرد يف عمره. النوع الثاين :التقدير السنوي ،وهو :كتابة ما يتعلق حبوادث السنة ،وهذه الكتابة تكون يف ليلة القدر. النوع الثالث :التقدير اليومي ،وهو :كتابة ما يتعلق حبوادث اليوم. ( )6هذا املبحث الثالث؛ وهو :بيان املنكرين هلذه الدرجة. قوله( :فهذا التقدير) أي بالعلم والكتابة. (قد كان ينكره) أي يكذب به. (غالة القدرية) أي املبالغون يف التكذيب بالقدر. قديما) أي يف وقت أواخر عصر الصحابة . ( ا (ومنكروه اليوم قليل) أي يف وقت املؤلف. وقد نص غري واحد من أهل العلم على أهنم قد انقرضوا. ( )2ذكر املؤلف فيما يتعلق بالدرجة الثانية من اإلميان بالقدر ثالثة مباحث:
مكتبة المبتدئ
95
شرح العقيدة الواسطية
املبحث األول :بيان الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة. املبحث الثاين :بيان هل أفعال العباد تنسب إليهم أو إىل اهلل؟ املبحث الثالث :بيان املنكرين هلذه الدرجة. وبدأ باملبحث األول؛ الذي هو :بيان الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة.
قوله( :فهي مشيئة الل النافذة) هذا الشيء األول. ومعىن (النافذة) أي الواقعة اليت ال راد هلا. (وقدرته الشاملة) هذا الشيء الثاين. (وقدرته) أي يف اخللق واإلجياد. (الشاملة) أي العامة لكل شيء.
اخلالصة :أن هذه الدرجة من القدر تتضمن شيئني: األول :أن اهلل شاء كل شيء قبل حدوثه. الثاين :أن اهلل خلق كل شيء كما شاءه.
(وهو :اإليمان بأن ما شاء الل كان ،وما لم يشأ لم يكن ،وأنه ما في السماوات وما األرض من حركة وال سكون إال بمشيئة الل سبحانه ،ال يكون في ملكه إال ما يريد)
هذا فيه بيان كيفية االعتقاد بالشيء األول. واخلالصة :أن كيفية االعتقاد مبشيئة اهلل النافذة هو :باإلميان بأن وقوع األشياء تابع ملشيئته سبحانه ،فجميع األشياء اليت تقع إمنا وقعت بعد مشيئته. ويشري املؤلف بقوله( :وال يكون في ملكه إال ما يريد) يشري إىل السبب الذي
مكتبة المبتدئ
96
شرح العقيدة الواسطية
اعته هه وطَ َ ه ه ه ك فَ َق ْد أَمر ه اهم َعن م ْع ه العبَ َ ه صيَته ههَ ،و ُه َو َوَم َع َذله َ اعة ُر ُسله َونَ َه ُ ْ ْ َ اد بطَ َ َ ََ ب الْمت هَّقين والمح هسنهين و ه ه َّ ه ه آمنُوا ين َويَ ْر َ ين َ ضى َعن الذ َ الم ْقسط َ ُس ْب َحانَهُ يُح ُّ ُ َ َ ُ ْ َ َ ُ اس ه ضى َعن الْ َقوهم ال َف ه ه الصالهح ه ه ق ات َوالَ يُ هح ُّ ينَ ،والَ ين َوالَ يَ ْر َ َو َعملُوا َّ َ ْ َ ب ال َكاف هر َ يأْمر بهالْ َفح َ ه ضى له هعب ه اد(.)1 ادهه ال ُك ْف َر َوالَ يُ هح ُّ سَ َ ُُ ْ شاء َوالَ يَ ْر َ َ ب ال َف َ من أجله وقوع األشياء تابع ملشيئته ،وهو :أن الكون ملكه ،فال يقع يف ملكه إال ما يريد.
(وأنه سبحانه على كل شيء قدير ،من الموجودات والمعدومات ،فما من مخلوق في األرض وال في السماء إال الل خالقه سبحانه ،ال خالق غيره، وال رب سواه) هذا فيه بيان كيفية االعتقاد بالشيء الثاين. واخلالصة :أن كيفية االعتقاد بقدرة اهلل الشاملة هو :باإلميان بأنه سبحانه قدير على خلق املوجودات واملعدومات ،وأن مجيع املوجودات هو خالقها وحده.
ويشري بقوله( :من الموجودات والمعدومات) يشري إىل أن املوجودات خلقها
()6
بقدرته ،وأن املعدومات أي األشياء اليت مل توجد قدير على خلقها ،وليس السبب يف عدم خلقها أنه ال يقدر على خلقها ،بل السبب أنه مل يشأ خلقها. لَ َّما ذكر املؤلف الشيئني اللذين تتضمنهما هذه الدرجة من القدر ،وكيفية االعتقاد هبا ،ناسب أن يذكر الفرق بني القدر والشرع من حيث احملبة. قوله( :ومع ذلك ،فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ،ونهاهم عن معصيته)
مكتبة المبتدئ
97
شرح العقيدة الواسطية
وال هْعباد فَ ه اعلُو َن َح هقي َقةاَ ،واللُ َخاله ُق أَفْ َعالهه ْمَ ،وال َْع ْب ُد ُه َو ال ُْم ْؤهم ُن َوالْ َكافه ُر َ َُ الصائهم ،ولهل هْعب ه اد قُ ْدرةٌ َعلَى أَ ْعمالههم وإهر َ ه ه َوالْبَ ُّر َوالْ َفاج ُر َوال ُْم َ ادته ْم َواللُ صلِّي َو َّ ُ َ َ َ ْ َ َ ه ال تَ َعالَى :ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ادته ه ْم؛ َك َما قَ َ َخاله ُق ُه ْم َو َخاله ُق قُ ْد َرت ه ْم َوإه َر َ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [التكوير](.)1
أي مع كون اهلل تعاىل ق َّدر أفعال العباد من الطاعات واملعاصي ،فقد أمرهم بالطاعات ،وهناهم عن املعاصي. (وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ،ويرضى عن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات ،وال يحب الكافرين ،وال يرضى عن القوم الفاسقين) أي أن اهلل تعاىل حيب من امتثل الشرع ،ويرضى عنه ،وال حيب من خالف الشرع ،وال يرضى عنه.
(وال يأمر بالفحشاء ،وال يرضى لعباده الكفر ،وال يحب الفساد) أي أن اهلل تعاىل ال حيب األفعال اليت هنى عنها ،وال يرضاها ،ويمفهم من ذلك أنه حيب األفعال اليت أمر هبا ،ويرضاها. تنبيه :الفرق بني هذه اجلملة واليت قبلها :أن اليت قبلها تتعلق بالذين فعلوا األفعال ،وأن هذه اجلملة تتعلق بنفس األفعال. اخلالصة :أن القدر يشمل ما محيبه اهلل تعاىل وما ال محيبه ،وأن الشرع خيتص مبا حيبه ،فالطاعات حيبها اهلل تعاىل ،واملعاصي ال حيبها ،وكلها مقدرة. ( )6هذا املبحث الثاين؛ وهو :بيان هل أفعال العباد تنسب إليهم أو إىل اهلل؟ قوله( :والعباد فاعلون حقيقة ،والل خالق أفعالهم)
مكتبة المبتدئ
98
شرح العقيدة الواسطية
أي أفعال العباد: من جهة الفعل تنسب إليهم ،فهم الفاعلون ألفعاهلم حقيقة. ومن جهة اخللق تنسب إىل اهلل ،فهو خالق أفعاهلم. (والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلى والصائم) أي العبد هو الذي يوصف بالفعل الذي صدر منه ،فمن آمن فهو املؤمن ،ومن كفر فهو الكافر. (وللعباد قدرة على أعمالهم وإرادتهم) أي العباد هلم قدرة على األمرين:
األول :األعمال ،فلهم قدرة على صدور األعمال منهم. الثاين :اإلرادة ،فلهم قدرة على إرادة ما سيعملون. يشري املؤلف إىل أن السبب يف أن األفعال تنسب إىل العباد حقيقة :كوهنا صدرت منهم عن قدرة على األعمال واإلرادة. (والل خالقهم وخالق قدرتههم وإرادتههم) أي اهلل خالق العباد أنفسهم ،وخالق
قدرهتم على األعمال وإرادهتم هلا.
يشري املؤلف إىل أن السبب يف أن أفعال العباد تنسب إىل اهلل من جهة اخللق: كونه تعاىل هو خالقهم ،وخالق قدرهتم وإرادهتم. (كما قال تعالى :ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ .ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﮊ) لَ َّما ذكر املؤلف أن العباد هم الفاعلون ألفعاهلم حقيقة ،وأن اهلل خالق أفعاهلم ،وأشار إىل السبب ،ذكر بعد ذلك الدليل. فقوله :ﮋﯨ ﯩ ﯪﮊ فيه إثبات القدرة على املشيئة للعباد.
مكتبة المبتدئ
99
شرح العقيدة الواسطية
هه ه َّ ه الدر َجةُ همن ال َق َد هر يُ َك ِّذ ُ ه اهم النَّبهي : ين َس َّم ُ َ وهذه َّ َ ب ب َها َع َّامةُ ال َق َد هريَّة الذ َ "مجوس َه هذهه األ َُّم هة" [أبو داود ،]4691 :وي ْغلُو فه َيها قَ وٌم همن أ َْه هل ا هإلثْ ب ه ات َحتَّى َ ْ ْ ََ َُ َ ال ه َسلَبُوا ال َْع ْب َد قُ ْدرتَهُ وا ْختهيَارهُ ،ويُ ْخ هر ُجو َن َع ْن أَفْ َع ه َح َك هام هه هح َك َم َها الل َوأ ْ َ َ َ َ صاله َح َها(.)1 َوَم َ وقوله :ﮋ ﯫ ﯬ ﮊ فيه إثبات القدرة هلم على العمل ألن االستقامة عمل. وقوله :ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ فيه إثبات أن هذه املشيئة تابعة ملشيئة اهلل. فإثبات القدرة للعباد على املشيئة والعمل يدل على أهنم هم الفاعلون ألفعاهلم حقيقة ،وإثبات أن مشيئة العباد تابعة ملشيئة اهلل سبحانه يدل على أن اهلل هو خالق أفعاهلم. اخلالصة :أن أفعال العباد من جهة الفعل تنسب إليهم ،فهم الفاعلون هلا حقيقة ،ومن جهة اخللق تنسب إىل اهلل ،فهو خالقها. ( )6هذا املبحث الثالث ،وهو :بيان املنكرين هلذه الدرجة. قوله( :وهذه الدرجة من القدر) أي املتضمنة للمشيئة واخللق. (يكذب بها عامة القدرية) أي مجيعهم. يعين يقولون :إن اهلل مل يشأ ،ومل خيلق أفعال العباد.
(الذين سماهم النبي مجوس هذه األمة) سبب هذه التسمية :أن اعتقادهم مشابه العتقاد اجملوس؛ ألن اجملوس يعتقدون أن للحوادث خالقني النور والظالم؛ فالنور خالق اخلري ،والظالم خالق الشر ،والقدرية يعتقدون أن
مكتبة المبتدئ
111
شرح العقيدة الواسطية
ألفعال العباد خالقني اهلل والعباد ،فاهلل خالق الطاعات ،والعباد خالقوا املعاصي. اخلالصة :أن القدرية ينسبون أفعال العباد إليهم من جهة اخللق ،ومن جهة الفعل ،فيقولون :إن العباد خلقوا أفعاهلم ،وفعلوا أفعاهلم حقيقة. (ويغلو فيها قوم من أهل اإلثبات) أي يبالغون يف إثبات هذه الدرجة من
القدر. واملراد هبم اجلربية. يعين يثبتون أن اهلل شاء وخلق أفعال العباد ،ولكنهم يبالغون يف هذا اإلثبات.
(حتى سلبوا العبد قدرته واختياره) أي وجه املبالغة يف هذا اإلثبات :أهنم نفوا عن العبد قدرته واختياره ملا يفعل. يعين يقولون :إن العبد زجبور على فعله ،أي يصدر منه الفعل بال قدرة وال اختيار.
(ويخرجون عن أفعال الل وأحكامه حكمها ومصالحها) أي مذهب هؤالء يلزم منه نفي احلِ َك ِم والم َمصالِح عن أفعال اهلل وأحكامه ،وجه ذلك :أنه إذا كان العبد ليس له قدرة وال اختيار على ما يفعل ،فال حكمة وال مصلحة من األوامر والنواهي ،ومن الثواب والعقاب. اخلالصة :أن اجلربية ينسبون أفعال العباد إىل اهلل من جهة اخللق ،ومن جهة الفعل ،فيقولون :إن اهلل خلق أفعال العباد ،وفعل أفعاهلم حقيقة.
مكتبة المبتدئ
111
شرح العقيدة الواسطية
[الدين واإلميان ووعيد اهلل]
ه ول ال هْفرقَ هة الن ه َّاجيَ هة: فصلَ :وم ْن أ ُ ُص ه ْ ْب واللِّس ه انَ ،و َع َم ُل الْ َقل ه أ َّ ْب َن الد َ ِّين َوا هإليْ َما َن قَ ْو ٌل َو َع َم ٌل؛ قَ ْو ُل الْ َقل ه َ َ واللِّ ه هح(.)2 ْج َوار ه سان َوال َ َ َ ()1
( )6لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن بعض األصول الستة ،شرع يف الكالم عن بعض األصول املتفرعة عن األصول الستة. قوله( :ومن أصول الفرقة الناجية) (من) مبعىن بعض ،أي بعض أصول الفرقة الناجية. واملراد باألصول هنا األصول املتفرعة عن األصول الستة. فإذا قيل :ما هو األصل الذي سيبدأ املؤلف بالكالم عنه؟ فاجلواب :سيبدأ بالكالم عن أصلني؛ باب الدين واإلميان ،وباب وعيد اهلل. وسيذكر فيما يتعلق هبذين البابني ثالثة مباحث: املبحث األول :بيان اعتقاد أهل السنة واجلماعة فيما يتضمنه اْسا الدين واإلميان. املبحث الثاين :بيان اعتقادهم يف زيادة اإلميان ونقصانه. البحث الثالث :بيان اعتقادهم يف حكم الفاسق يف الدنيا واآلخرة. ( )2هذا املبحث األول؛ وهو :بيان اعتقادهم فيما يتضمنه اْسا الدين واإلميان. قوله( :أن الدين واإليمان قول وعمل) أي الدين يتضمن القول والعمل، وكذلك اإلميان يتضمن القول والعمل؛ ألنه إسم للدين.
مكتبة المبتدئ
112
شرح العقيدة الواسطية
اع هة ،وي ْن ُقص بهالْم ْع ه ه َوأ َّ صيَ هة(.)1 يما َن يَ هزي ُد بالطَّ َ َ َ ُ َ َن اإل َ ه ك الَ ي َك ِّفرو َن أ َْهل ال هْق ْب لَ هة بهمطْلَ هق الْمع ه اصي َوالْ َكبَائه هرَ ،ك َما يَ ْف َعلُهُ ََ ُ َو ُه ْم َم َع َذل َ ُ ُ َ ْخوارهج ،بل األُ ُخ َّوةُ ا هإليْمانهيَّةُ ثَابهتَةٌ مع الْمع ه ال ُس ْب َحانَهُ فهي آيَهة اصي؛ َك َما قَ َ َ َ ََ ال َ َ ُ َ َ ه ص ه ال: اص :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮊ [البقرةَ ،]178:وقَ َ الق َ
ﮋﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ
ﯙﯚ .ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﮊ [الحجرات.)2(]11-9: (قول القلب واللسان) أي القول الذي يدخل يف الدين واإلميان يتضمن شيئني: األول :قول القلب ،واملراد به :التصديق. الثاين :قول اللسان ،واملراد به :التلفظ بالتصديق؛ الذي هو :الشهادتان. (وعمل القلب واللسان والجوارح) أي أن العمل الذي يدخل يف الدين واإلميان يتضمن ثالثة أشياء: األول :عمل القلب ،وذلك كالنية ،واحملبة ،واخلوف ،والرجاء. الثاين :عمل اللسان ،وذلك كالذكر ،والتالوة ،والدعاء. الثالث :عمل اجلوارح ،وذلك كالصالة ،واحلج ،واجلهاد. ( )6هذا املبحث الثاين؛ وهو :بيان اعتقادهم يف زيادة اإلميان ونقصانه. الباء يف قوله( :بالطاعة) وكذلك يف قوله( :بالمعصية) باء السببية ،يعين أن اإلميان يزيد بسبب فعل الطاعة ،وينقص بسبب فعل املعصية. ( )2هذا املبحث الثالث؛ وهو :بيان اعتقادهم يف حكم الفاسق يف الدنيا واآلخرة.
مكتبة المبتدئ
113
شرح العقيدة الواسطية
وذكر املؤلف فيما يتعلق حبكم الفاسق يف الدنيا مسألتني: املسألة األوىل :هل يقولون :إنه كافر؟ املسألة الثانية :هل يقولون :إنه ليس مبؤمن؟ وبدأ باملسألة األوىل اليت هي هل يقولون إن الفاسق كافر؟
قوله( :وهم مع ذلك) أي مع كوهنم يقولون :إن الدين قول وعمل. (ال يكفرون أهل القبلة) أهل القبلة املراد هبم املسلمون؛ أي ال يقولون :إن املسلمني كفار.
(بمطلق المعاصي والكبائر) الباء باء السببية؛ أي ال يقولون :إهنم كفار أي معصية وكبرية. بسبب فعلهم ِّ
(كما يفعله الخوارج) أي أن اخلوارج يكفرون مبطلق املعاصي والكبائر. مراد املؤلف :أن أهل السنة واجلماعة مع كوهنم يقولون :إن الدين قول وعمل، أي معصية وكبرية؛ فإهنم ال يقولون :إن املسلم إذا َّ قصر يف العمل ،فصدر منه ُّ أنه كافر. ويشري املؤلف بقوله( :بمطلق المعاصي والكبائر) يشري إىل أن املعاصي والكبائر نوعان :مكفرة وغري مكفرة ،فاخلوارج يكفرون مبطلق املعاصي والكبائر يعين ال يفرقون بني املكفرة وغري املكفرة ،وأهل السنة واجلماعة ال يكفرون مبطلق املعاصي والكبائر يعين يفرقون بني املكفرة وغري املكفرة؛ فيكفرون من فعل كبرية مكفرة ،وال يكفرون من فعل كبرية غري مكفرة. اخلالصة :أن أهل السنة واجلماعة يقولون :إن الفاسق ليس بكافر.
مكتبة المبتدئ
114
شرح العقيدة الواسطية
تنبيه :تقدم أن اخلوارج واملعتزلة متفقون على أن الفاسق ليس مبسلم ،ولكن اختلفوا هل هو كافر أو ال؟ فقالت اخلوارج :كافر ،وقالت املعتزلة :ليس مبسلم وال كافر بل هو يف َممن ِزلَة بني الم َممن ِزلتني ،وذكر املؤلف يف هذا املوضع اخلوارج دون املعتزلة؛ ألن الكالم هاهنا عمن قال :إن الفاسق كافر؛ واملعتزلة مل تقل ذلك. قوله( :بل األخوة اإليمانية) أي بني املسلمني. (ثابتة) أي باقية.
(مع المعاصي) أي مع صدور املعاصي منهم. يشري إىل أن السبب يف عدم القول بأن املسلمني كفار مبطلق املعاصي والكبائر هو :أهنم ال يزالون إخوة يف اإلميان ،مع صدور املعاصي منهم ،يعين إذا كان الفاسق ال يزال أخا لنا يف اإلميان ،فهذا مانع من احلكم عليه بالكفر. (كما قال سبحانه في آية القصاص :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ال :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮠﮊَ ،وقَ َ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ .ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯡﮊ) لَ َّما أشار املؤلف إىل أن السبب يف عدم القول بأن املسلمني كفار مبطلق املعاصي والكبائر هو أهنم ال يزالون إخوة يف اإلميان مع صدور املعاصي منهم ،ذكر بعد ذلك الدليل على أن األخوة اإلميانية ثابتة مع املعاصي. فقوله :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮊ يف هذه اآلية أثبت اهلل تعاىل األخوة اإلميانية بني القاتل وويل املقتول مع أن القتل معصية.
مكتبة المبتدئ
115
شرح العقيدة الواسطية
ه اسم ا هإليْم ه ه ه ان بهالْ ُكلِّيَّ هةَ ،والَ يُ َخلِّ ُدونَهُ فهي النَّا هر، َوالَ يَ ْسلبُو َن الْ َفاس َق الْملِّ َّي ْ َ َ ه ه ه اس هم ا هإليم ه ان؛ َك َما فهي قَ ْولههه: الم ْعت َزلةُ ،بَل الْ َفاس ُق يَ ْد ُخ ُل في ْ َ َك َما تَ ُقولُهُ ُ ه اس هم ا هإليْم ه ان الْ ُمطْلَ هق؛ ﮋﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [النساءَ ،]92:وقَ ْد ال يَ ْد ُخ ُل في ْ َ َك َما فهي قَ ْوله هه تَ َعالَى :ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﮊ [األنفال ،]2:وقَ ولُه " :الَ ي زنهي َّ ه ين يَ ْزني َْ َ ُْ الزاني ح َ ه ه ْخ ْم َر َو ُه َو ُم ْؤهم ٌنَ ،والَ يَ ْس هر ُق َّ ب ال َ ين يَ ْس هر ُق وهو مؤم ٌنَ ،والَ يَ ْش َر ُ السا هر ُق ح َ ه ه ٍ َّاس إهلهْي هه فه َيها ب نُ ْهبَةا َذ َ ح َ ين يَ ْش َربُها َو ُه َو ُم ْؤم ٌنَ ،والَ يَ ْنتَه ُ ات َش َرف يَ ْرفَ ُع الن ُ ه ولُ :ه َو ين يَ ْنتَهبُ َها َو ُه َو ُم ْؤهم ٌن" [البخاري ،2475 :ومسلمَ ،]57 :ونَ ُق ُ أَبْ َ صَ ارُه ْم ح َ هه ان ،أَو م ْؤهمن بههإ ه ه م ْؤهمن نَاقهص ا هإليم ه االس َم يمانهه فَاس ٌق به َكبه َيرته ،فَالَ يُ ْعطَى ْ ُ ٌ ُ ْ ُ ٌ َ َ االس هم(.)1 ب ُمطْلَ َق ْ ال ُْمطْلَ َقَ ،والَ يُ ْسلَ ُ وقوله :ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ .ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﮊ يف هاتني اآليتني أثبت اهلل تعاىل األخوة اإلميانية بني الطائفتني املقتتلتني ،وأثبت أيضا هذه األخوة بني هاتني الطائفتني وبني املصلحني. ( )6هذه املسألة الثانية ،وهي هل يقولون :إن الفاسق ليس مبؤمن؟ وأدرج يف هذه املسألة حكم الفاسق يف اآلخرة. قوله( :وال يسلبون الفاسق الملي اسم اإليمان بالكلية) الفاسق امللي املراد به: الفاسق الذي ال يزال على ملة اإلسالم ،وذلك لكونه فعل كبرية ،لكن غري مكفرة.
مكتبة المبتدئ
116
شرح العقيدة الواسطية
(ال يسلبون) أي ال ينفون عنه. (اسم اإليمان بالكلية) أي يقولون :إنه ليس مبؤمن؛ لكن ال يريدون بذلك النفي الكلي لإلميان. مراد املؤلف :أن أهل السنة واجلماعة مع كوهنم يقولون :إن اإلميان قول وعمل ،فإهنم ال يقولون :إن املسلم إذا قصر يف العمل ،فصدرت منه معصية غري مكفرة؛ أنه ليس مبؤمن كليا. (وال يخلدونه في النار) أي ال يقولون :إن الفاسق يف اآلخرة خملد يف النار. مراد املؤلف :أن أهل السنة واجلماعة لكوهنم ال ينفون عن الفاسق اسم اإلميان بالكلية ،فيلزم من ذلك أهنم ال خيلدونه يف النار. (كما تقوله المعتزلة) أي املعتزلة يقولون :إن الفاسق خملد يف النار.
تنبيه :اخلوارج واملعتزلة كلهم يقولون :إن الفاسق خملد يف النار ،ومل يذكر املؤلف اخلوارج هنا ألنه ذكر من قبل أن اخلوارج يكفرون الفاسق؛ فيمفهم من ذلك أهنم حيكمون عليه باخللود يف النار ،وهلذا مل يذكرهم هنا.
(بل الفاسق يدخل في اسم اإليمان...إلخ) لَ َّما ذكر أن أهل السنة واجلماعة
ينفون عن الفاسق اسم اإلميان ،لكن ال ينفون عنه اسم اإلميان بالكلية؛ ذكر بعد ذلك السبب. (بل الفاسق يدخل في اسم اإليمان) أي الفاسق يسمى مؤمنا. يعين يف الكتاب والسنة. (كما في قوله :ﮋﭞ ﭟ ﭠﮊ) أي هذه اآلية دلت على أن الفاسق
مكتبة المبتدئ
117
شرح العقيدة الواسطية
يسمى مؤمنا ،ووجه الداللة :أن املراد بالرقبة املؤمنة هنا باإلمجاع هو :العبد املسلم؛ مطيعا كان ،أو فاسقا. (وقد ال يدخل في اسم اإليمان المطلق) أي وقد ال يسمى الفاسق مؤمنا.
(كما في قوله تعالى :ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﮊ وقوله " :ال يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن"...إلخ) أي اآلية واحلديث دال على أن الفاسق قد ال يسمى
مؤمنا. فأما اآلية فوجه الداللة فيها :أن اهلل تعاىل حصر صفات أهل اإلميان بصفات معينة ،وهذا يدل على أن من مل يتصف هبذه الصفات فليس مبؤمن ،فاملسلم الذي ال جيل قلبه إذا ذكر اهلل ليس مبؤمن مع كونه مسلما ،فخالصة املراد من هذه اآلية :أن املسلم قد ال يسمى مؤمنا. وأما احلديث فوجه الداللة فيه :أن النيب أخرب عن الفاسق كالزاين والسارق وشارب اخلمر واملنتهب أنه ليس مؤمنا. (ويقولون :هو مؤمن ناقص اإليمان ،أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ،فال يعطى االسم المطلق ،وال يسلب مطلق االسم) أي نتيجة لكون الفاسق يف الكتاب والسنة يسمى مؤمنا ،وقد ال يسمى مؤمنا؛ فأهل السنة واجلماعة يعربون عنه بأحد تعبريين: التعبري األول( :مؤمن ناقص اإليمان) فقوهلم( :مؤمن) فيه إثبات أصل اإلميان له ،وقوهلم( :ناقص اإليمان) فيه نفي كمال اإلميان عنه.
مكتبة المبتدئ
118
شرح العقيدة الواسطية
التعبري الثاين( :مؤمن بإيمانه ،فاسق بكبيرته) (مؤمن بإيمانه) أي مؤمن بسبب ما عنده من اإلميان( ،فاسق بكبيرته) أي فاسق بسبب ما عنده من الكبائر.
(فال يعطى االسم المطلق) أي ال يثبت له اسم اإلميان باإلطالق ،يعين ال
يقال :هو مؤمن؛ هكذا باإلطالق من غري تقييد ،والسبب أن اسم "مؤمن" باإلطالق يراد به كامل اإلميان ،والفاسق ليس كامل اإلميان. (وال يسلب مطلق االسم) أي ال ينفى عنه مجيع االسم ،يعين ال يقال :ليس
مبؤمن كليا ،ألن نفي اإلميان بالكلية إمنا يكون للكافر ،والفاسق ليس بكافر.
مكتبة المبتدئ
119
شرح العقيدة الواسطية
[أصحاب النبي ]
ه ول أ َْه هل ُّ ه ُص ه اع هة: ْج َم َ فَ ْ ص ٌلَ :وم ْن أ ُ السنَّة َوال َ ()6
() 1
لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن أصلني من األصول املتفرعة عن األصول الستة؛ شرع يف الكالم عن أصل آخر. فإذا قيل :ما هو األصل الذي سيتكلم عنه املؤلف هنا؟ فاجلواب :سيتكلم عن باب أصحاب النيب . وسيذكر فيما يتعلق هبذا الباب مثانية مباحث: املبحث األول :بيان موقف أهل السنة واجلماعة من بغض وسب الصحابة . املبحث الثاين :بيان موقفهم من فضائل ومراتب الصحابة . املبحث الثالث :بيان موقفهم من الشهادة باجلنة للصحابة . املبحث الرابع :بيان موقفهم من اخللفاء األربعة ؛ من حيث التفضيل ،ومن حيث اخلالفة. املبحث اخلامس :بيان موقفهم من أهل البيت. املبحث السادس :بيان موقفهم من أزواج النيب . املبحث السابع :بيان موقفهم من طريقة الروافض مع الصحابة ،ومن طريقة النواصب مع أهل البيت. املبحث الثامن :بيان موقفهم عما شجر بني الصحابة .
مكتبة المبتدئ
111
شرح العقيدة الواسطية
سالَمةُ قُلُوبههم وأَل ه اب رس ه ه ص َف ُهم اللُ به هه فهي ْسنَتههم أل ْ ول الل ؛ َك َما َو َ َص َح ه َ ُ َ َ َ قَ ْوله هه تَ َعالَى :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭚﭛﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧﭨﮊ
اعةَ النَّبه ِّي فهي قَ وله هه" :الَ تَسبُّوا أَصحابهي؛ فَوالَّ هذي نَ ْف هسي بهي هدهه [الحشر]َ ،وطَ َ َ َْ ْ ُ َن أَح َد ُكم أَنْ َف َق همثْل أُح ٍد ذَ َهبا ما ب لَ َغ م َّد أَح هد ههم والَ نَ ه صي َفهُ" [البخاري: ُ لَ ْو أ َّ َ ْ ا َ َ ُ َ ْ َ ،3673ومسلم.)1(]2541 : ( )6هذا املبحث األول؛ وهو :بيان موقفهم من بغض وسب الصحابة . قوله( :سالمة قلوبهم) أي من البغض. (وألسنتهم) أي من السب. (كما وصفهم الل به) أي كما وصف اهلل أهل السنة هبذا املوقف. (في قوله تعالى ﮋ ﭑ ﭒﮊ) املراد هبم التابعون بإحسان( ،ﮋ ﭓ ﭔﮊ) أي بعد الصحابة ( ،ﮋ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭚ ﭛ ﭜﮊ) فيه سالمة ألسنتهم للصحابة حيث إهنم يدعون هلم ال يسبوهنم( ،ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ) فيه سالمة ِ قلوهبم من الغل ،يعين البغض للمؤمنني ،ويدخل يف ذلك الصحابة من باب أوىل ألهنم خري املؤمنني. مسألة :ملاذا ذكر املؤلف أن اهلل وصف أهل السنة هبذا الوصف مع أن اهلل تعاىل إمنا وصف به الذين اتبعوا الصحابة بإحسان؟
مكتبة المبتدئ
111
شرح العقيدة الواسطية
وي ْقب لُو َن ما ج ه ه ضائهلهه ْم َوَم َراتهبهه ْم(.)1 اب َو ُّ السنةُ َوا هإل ْج َماعُ هم ْن فَ َ اء بهه الكتَ ُ ََ َ َ َ َ اجلواب :ألن أهل السنة هم الذين اتبعوا الصحابة بإحسان. (وطاعة النبي في قوله) أي مبوقفهم هذا حققوا طاعة الرسول يف قوله الذي قاله يف هذا احلديث. (ال تسبوا أصحابي) فيه النهي عن سب الصحابة باملنطوق ،وعن بغضهم باملفهوم؛ ألن السب إمنا يكون عن بغض. تنبيه :هذا النهي من النيب كان موجها لبعض الصحابة الذين تأخر إسالمهم ،ولكن يوجه لغري الصحابة من باب أوىل. ( )6هذا املبحث الثاين؛ وهو :بيان موقفهم من فضائل ومراتب الصحابة. قوله( :ويقبلون) أي ال يردون. (ما جاء به الكتاب والسنة واإلجماع) أي ما دلت عليه هذه األدلة. (من فضائلهم ومراتبهم) أي فيما يتعلق بفضائل ومراتب الصحابة. والفضائل :مجع فضيلة ،وهي اخلصلة احلميدة اليت يفضل هبا صاحبها على غريه .واملراتب :مجع مرتبة ،وهي الم َممن ِزلة اليت يعلو هبا صاحبها على غريه، فاملعىن بني اللفظني متقارب. وسيذكر املؤلف فيما يتعلق بالتفضيل بني الصحابة أربعة أنواع: النوع األول :التفضيل بينهم من حيث زمن اإلنفاق واملقاتلة. النوع الثاين :التفضيل بينهم من حيث اهلجرة والنصرة. النوع الثالث :التفضيل بينهم من حيث املشاركة يف غزوة بدر. النوع الرابع :التفضيل بينهم من حيث البيعة حتت الشجرة.
مكتبة المبتدئ
112
شرح العقيدة الواسطية
ه َويُ َف ِّ ْح َديْبهيَ هة َوقَاتَل َعلَى َم ْن ضلُو َن َم ْن أَنْ َف َق م ْن قَ ْب هل ال َف ْت هح َو ُه َو ُ ْح ال ُ صل ُ أَنْ َف َق هم ْن بَ ْع هدهه َوقَاتَ َل(.)1 ه صا هر(.)2 ين َعلَى األَنْ َ َويُ َقد ُ ِّمو َن ال ُْم َهاج هر َ َويُ ْؤهمنُو َن بهأ َّ ش َر " :ا ْع َملُوا َما َن اللَ قَ َ ال أل َْه هل بَ ْد ٍر َوَكانُوا ثَالَثَ همائَ ٍة َوبه ْ ض َعةَ َع َ رت لَ ُك ْم" [البخاري ،3117 :ومسلم.)3(]2494 : هش ْئتُ ْم فَ َق ْد غَ َف ُ ( )6هذا النوع األول؛ وهو :التفضيل بينهم من حيث زمن اإلنفاق واملقاتلة. قوله( :ويفضلون من أنفق) أي من ماله. (من قبل الفتح) أي قبل زمن الفتح. (وهو صلح الحديبية) هذا تفسري للمراد بالفتح ،واملراد بصلح احلديبية: الصلح الذي مت بني النيب وأصحابه وبني املشركني يف مكان يسمى احلديبية. (وقاتل) أي بنفسه.
(على من أنفق من بعد وقاتل) أي بعد الفتح.
( )2هذا النوع الثاين؛ وهو :التفضيل بينهم من حيث اهلجرة والنصرة.
(ويقدمون المهاجرين) املراد هبم :الذين تركوا بلدهم مكة ،وانتقلوا مع النيب
إىل املدينة.
(على األنصار) املراد هبم :الذين ناصروا النيب ومن هاجر معه يف بلدهم
املدينة ،وهم :األوس واخلزرج. ( )3هذا النوع الثالث؛ وهو :التفضيل بينهم من حيث املشاركة يف غزوة بدر.
مكتبة المبتدئ
113
شرح العقيدة الواسطية
ه ت َّ الش َج َرةه؛ َك َما أَ ْخبَ َر به هه النَّبه ُّي َح ٌد بَايَ َع تَ ْح َ َّار أ َ َوبأَنَّهُ الَ يَ ْد ُخ ُل الن َ
[مسلم ،]2496 :بل قَ ْد ر ه ضوا َع ْنهُ ،وَكانُوا أَ ْكثَ ر هم ْن أَل ٍ ْف ض َي اللُ َع ْن ُه ْم َوَر ُ َ َْ َ َ َوأ َْربَ هع همائَ ٍة(.)1
قوله( :ويؤمنون بأن الل قال ألهل بدر) أي للصحابة الذين شاركوا يف غزوة بدر.
(وكانوا ثالثمائة وبضعة عشر) أي عددهم يف تلك الغزوة. (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) أي مهما عملتم فقد غفرت لكم. تنبيه :ال يستفاد من هذا القول إباحة ارتكاب احملرمات ،إمنا يستفاد منه البشارة حبسن اخلامتة ،حبيث لو صدر منهم حمرم؛ فإهنم يوفقون إىل اختاذ أسباب املغفرة. ( )6هذا النوع الرابع؛ وهو :التفضيل بينهم من حيث البيعة حتت الشجرة. قوله( :وبأنه) أي ويؤمنون بأنه.
(ال يدخل النار) أي ال مؤبدا ،وال مؤقتا.
(أحد بايع تَحت الشجرة) أي شارك يف البيعة اليت َمتَّت َحتت الشجرة ،اليت تسمى بيعة الرضوان.
(كما أخبر به النبي )أي بعدم دخوله النار. (بل قد رضي الل عنهم) أي بسبب هذه البيعة. (ورضوا عنه) أي مبا أعطاهم من الفضل والثواب. (وكانوا أكثر من ألف وأربع مائة) أي عددهم يف تلك البيعة.
مكتبة المبتدئ
114
شرح العقيدة الواسطية
ول ه ش َرةه [الترمذي،]3747 : الجن هَّة له َم ْن َشه َد لَهُ َر ُس ُ الل َ كال َْع َ َويَ ْش َه ُدو َن به َ وثَابه ه س بْ هن َش َّم ٍ ت بْ هن قَ ْي ه الص َحابَهة(.)1 اس [مسلمَ ،]119 :وغَْي هرهه ْم همن َّ َ ( )6هذا املبحث الثالث؛ وهو :بيان موقفهم من الشهادة باجلنة للصحابة. قوله( :ويشهدون بالجنة) أي بدخوهلا.
(لمن شهد له رسول الل )أي شهد له بعينه. (كالعشرة) أي العشرة املبشرون باجلنة.
وهم :أبو بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعلي ،والزبري بن العوام ،وسعد بن أيب وقاص ،وسعيد بن زيد ،وطلحة بن عبيد اهلل ،وعبد الرمحن بن عوف ،وأبو عبيدة بن اجلراح. ، مسألة :ملاذا ْسي هؤالء بالعشرة املبشرين باجلنة؟ اجلواب :ألن النيب ذكرهم يف زجلس واحد بشرهم فيه باجلنة. (وثابت بن قيس بن شماس ،وغيرهم من الصحابة) أي ممن شهد له النيب
بذلك. تنبيه :الشهادة للصحابة باجلنة نوعان: النوع األول :شهادة عامة ،فأهل السنة يشهدون باجلنة لعموم الصحابة. النوع الثاين :شهادة خاصة ،فأهل السنة يشهدون باجلنة لبعض الصحابة بأعياهنم الذين شهد هلم النيب بذلك. وكالم املؤلف يف هذا املبحث يتعلق بالنوع الثاين.
مكتبة المبتدئ
115
شرح العقيدة الواسطية
وي هق ُّرو َن بما تَ واتَر به هه النَّ ْقل َعن أ هَمي هر ه ه ين َعله ِّي بْ هن أَبهي طَاله ٍ ب ُ ْ َُ الم ْؤمن َ ُ َ َ
َوغَْيرهه؛ هم ْن أ َّ َن َخ ْي َر َه هذهه األ َُّم هة بَ ْع َد نَبهيِّ َها أَبُو بَ ْك ٍر ثُ َّم عُ َم ُرَ ،ويُثَلِّثُو َن بهعُثْ َما َن وي ربِّعو َن بهعله ٍّي َ كما َدلَّ ْ ه الص َحابَةُ َعلَى تَ ْق هديم َج َم َع َّ ارَ ،وَك َما أ ْ ََُ ُ َ ت َعلَْيه اآلثَ ُ َ عُثْ َما َن فهي البَ ْي َع هة. ه َن ب ْعض أ َْه هل ُّ ه ه ه َم َع أ َّ َ َ السنَّة َكانُوا قَد ا ْختَ لَ ُفوا في عُثْ َما َن َو َعل ٍّي َرض َي اللُ ض ُل؟ فَ َق َّد َم قَ ْوٌم َع ْن ُه َما بَ ْع َد اتِّ َفاقه ه ْم َعلَى تَ ْق هديْم أَبهي بَ ْك ٍر َوعُ َم َر أَيُّ ُه َما أَفْ َ ه ه ه استَ َق َّر أ َْم ُر عُثْ َما َن َو َس َكتُوا أو َربَّعُوا به َعل ٍّيَ ،وقَ َّدم قَ ْوٌم َعليًّاَ ،وقَ ْوٌم تَ َوقَّ ُفوا ،لَكن ْ السن هَّة َعلَى تَ ْق هد هيم عُثْ َما َن ثُ َّم َعله ٍّي. أ َْه هل ُّ ت ه هذهه الْمسأَلَةُ مسأَلَةُ عثْما َن وعلهي لَيس ْ ه ُص ه ول الَّتهي َوإه ْن َكانَ ْ َ ت من األ ُ َْ َ ْ ُ َ َ َ ٍّ ْ َ السن هَّة. ف فه َيها هع ْن َد ُج ْم ُهوهر أ َْه هل ُّ يُضلَّ ُل ال ُْم َخاله ُ ك أَنَّ ُه ْم يُ ْؤهمنُو َن أ َّ َن لَ هك َّن ال َم ْسأَلَةَ الَّتهي يُضلَّ ُل فهيها الْ ُم َخاله ُ ف الْ هخالَفَ هة؛ َو َذله َ ول ه الخلهي َفةَ بَ ْع َد ر ُس ه الل أَبُو بَ ْك ٍر ثُ َّم عُ َم ُر ثُ َّم عُثْ َما ُن ثُ َّم َعله ٌّيَ ،وَم ْن طَ َع َن فهي َ َ ه ه َض ُّل هم ْن هح َما هر أ َْهله هه(.)1 َح ٍد هم ْن َه ُؤالَهء فَ ُه َو أ َ خالَفَة أ َ ()6
هذا املبحث الرابع؛ وهو :بيان موقفهم من اخللفاء األربعة ؛ من حيث التفضيل ،ومن حيث اخلالفة. قوله( :ويقرون) أي يعرتفون.
(بما تواتر به النقل) أي باخلرب الذي نمقل بالتواتر ،وهو :الذي نقله مجع عن مجع.
(عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الل عنه ،وغيره) أي اخلرب نمقل
مكتبة المبتدئ
116
شرح العقيدة الواسطية
عن علي ،وعن غريه من الصحابة. (من أن خير هذه األمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر) هذا هو اخلرب. (ويثلثون بعثمان) أي جيعلونه يف املرتبة الثالثة. (ويربعون بعلي) أي جيعلونه يف املرتبة الرابعة. (كما دلت عليه) أي على التثليث بعثمان والرتبيع بعلي. (اآلثار) يعين أن األخبار املنقولة عن النيب تدل على أن عثمان أفضل من علي.
(وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة) أي وكذلك إمجاع
الصحابة على تقدمي عثمان على علي يف البيعة باخلالفة يدل على أنه أفضل منه. (مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الل عنهما بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل) يعين أن أهل
السنة مل خيتلفوا يف تقدمي أيب بكر وعمر ،إمنا اختلف بعض أهل السنة ال كلهم قدميا يف عثمان وعلي فقط ،واختالف هؤالء من حيث األفضلية فقط. (فقدم قوم عثمان وسكتوا ،أو ربعوا بعلي ،وقدم قوم علياا ،وقوم توقفوا)
أي كيفية االختالف يف عثمان وعلي هو أهنم انقسموا على ثالثة أقسام: القسم األول :قدموا عثمان ،وهؤالء صنفان ،صنف سكتوا يعين مل يعينوا رابعا ،وصنف ربعوا بعلي. القسم الثاين :قدموا عليا ،أي جعلوه الثالث ،وعثمان الرابع.
مكتبة المبتدئ
117
شرح العقيدة الواسطية
القسم الثالث :توقفوا ،أي مل يفضلوا بني عثمان وعلي. (لكن استقر أمر أهل السنة) أي بعد هذا االختالف.
(على تقديم عثمان ثم علي) أي على االتفاق بالتثليث بعثمان ،والرتبيع بعلي.
(وإن كانت هذه المسألة مسألة عثمان وعلي) أي من حيث التفضيل بينهما.
(ليست من األصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة) أي ال يقال ملن خالف يف ذلك :إنه ضال. ويشري إىل أن السبب يف عدم التضليل هو وجود اخلالف بني أهل السنة.
(لكن المسألة التي يضلل فيها المخالف الخالفة) أي املسألة اليت يقال فيها ملن خالف :إنه ضال؛ هي :مسألة اخلالفة.
(وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول اللّه أبو بكر ،ثم عمر،
ثم عثمان ،ثم على) مراد املؤلف :أن السبب يف تضليل املخالف يف مسألة اخلالفة هو اتفاق أهل السنة يف هذه املسألة.
(ومن طعن) أي قدح.
(في خالفة أحد هؤالء) أي كأن يقول :خالفة أحد هؤالء باطلة ،أو يقول: أحد هؤالء أحق أن يقدم على من قمدِّم عليه.
(فهو أضل من حمار أهله) أي حكمه :أنه ضال.
مكتبة المبتدئ
118
شرح العقيدة الواسطية
ه ه ه ه ه ه صيَّةَ ر ُس ه َّ ول َويُحبُّو َن أ َْه َل بَ ْيت َر ُسول الله َ ويَتَ َول ْونَهمَ ،ويَ ْح َفظُو َن في ه ْم َو َ ه ال يَ ْوَم غَ هدي هر ُخ ٍّم" :أ ِّ ُذك ُرُك ُم اللَ فهي أ َْه هل بَ ْيتهي" [مسلم،]2418 : ث قَ َ الل َ ح ْي ُ ش يج ُفو بنهي َه ه اس َع ِّم هه َوقَد ا ْشتَ َكى إهلَْي هه أ َّ ضا لهل َْعبَّ ه اش ٍم َوقَ َ ال أَيْ ا َن بَ ْع َ ض قُ َريْ ٍ َ ْ َ ال" :والَّ هذي نَ ْف هسي بهي هدهه ال ي ه ك ْم لهلَّ هه َولهَق َرابَتهي" [الترمذي: ؤمنُو َن َحتَّى يُ هحبُّوُ َ ُ فَ َق َ َ ه ه ه ه ه ه ه يل َ ،]3758وقَ َ يلَ ،و ْ ال" :إه َّن اللَ ْ اصطََفى م ْن بَني إ ْس َماع َ اصطََفى بَني إ ْس َماع َ ه ش بنهي َه ه اصطََفانهي اصطََفى هم ْن كهنَانَةَ قُ َريْ ا اش ٍمَ ،و ْ شاَ ،و ْ كهنَانَةََ ،و ْ اصطََفى م ْن قُ َريْ ٍ َ همن بنهي َه ه اش ٍم" [مسلم.)1(]2276 : َْ ( )6هذا املبحث اخلامس؛ وهو :بيان موقفهم من أهل البيت. (ويحبون أهل بيت رسول الل )أي قرابته. ِ الوالية بفتح الواو؛ وهي :احملبة. (ويتولونهم) أي حيبوهنم ،من َ مراد املؤلف :أن ألهل البيت حقا ليس لغريهم ،وهو حمبتهم حمبة زائدة. (ويحفظون) أي يصونون. (فيهم) أي يف أهل البيت. (وصية رسول الل )أي ما أوصى به أمته يف شأن أهل البيت. وحفظ الوصية معناه :تنفيذ حمتواها. (حيث قال يوم غدير خم) أي يوم وصل مع أصحابه إىل الغدير الذي يسمى مخا ،وذلك عند عودته من حجة الوداع. (أذكركم الل في أهل بيتي) أي أذكركم ما أمر اهلل به يف حق أهل البيت. الشاهد من احلديث :أن النيب أثبت ألهل البيت حقا ليس لغريهم. أيضا للعباس عمه ،وقد اشتكى إليه) أي أخربه مبا يكره. (وقال ا
مكتبة المبتدئ
119
شرح العقيدة الواسطية
ه هه ه ه ه َّ اجهُ فهي ينَ ،ويُ ْؤمنُو َن بهأَنَّ ُه َّن أَ ْزَو ُ َويَتَ َول ْو َن أَ ْزَو َ اج َر ُسول الل أ َُّم َهات ال ُْم ْؤمن َ هه ه ه ه ه آم َن بههه اآلخ َرةُ ،خ ُ ص ا وصا َخديْ َجةَ َرض َي اللُ َع ْن َها أ ُُّم أَ ْكثَ هر أ َْوالَده َوأ ََّو ُل َم ْن َ ه ه ِّيق ر ه ضي ت ِّ الم ْن هزلَةُ ال َْعالهيَةَُ ،و ِّ َو َع َ الصدِّي َقةُ بهْن ُ الصد ه َ اض َدهُ َعلَى أ َْم هره َوَكا َن لَ َها م ْنه َ ض هل الثَّ هر ه يد الل َع ْن ُهما الَّتهي قَ َ ِّس هاء َك َف ْ ال فهيها النَّبه ُّي " :فَ ْ ض ُل َعائه َ شةَ َعلَى الن َ َعلَى َسائ هر الطَّ َع هام" [البخاري ،3411 :ومسلم.)1(]2431 : (إن بعض قريش يجفو بني هاشم) أي يتعامل معهم باجلفاء ،يعين الغلظة. (فقال :والذي نفسي بيده ال يؤمنون حتى يحبوكم لل ولقرابتي) أي ال يكمل إميا مهنم ،حىت محيبوكم ألمرين: األول :هلل ،يعين لكونكم مؤمنني. الثاين :لقرابيت ،يعين لقرابتكم مين. الشاهد من احلديث أن النيب َّ بني ما هو حق أهل البيت ،وسبب هذا احلق. فأما حقهم فهو :حمبتهم حمبة زائدة ،وأما السبب فألنه اجتمع فيهم أمران يوجبان ذلك :اإلميان ،والقرابة من النيب . (وقال" :إن الل اصطفى بني إسماعيل ،واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا ،واصطفى من قريش بني هاشم ،واصطفاني من بني هاشم") الشاهد من احلديث :أن النيب أثبت أن أهل البيت هم :بنو هاشم؛ لقرابتهم منه. ( )6هذا املبحث السادس؛ وهو :بيان موقفهم من أزواج النيب . قوله( :ويتولون) أي حيبون.
مكتبة المبتدئ
121
شرح العقيدة الواسطية
(أزواج رسول الل )أي مجيع زوجاته. فيحبوهنن كمحبة األم (أمهات المؤمنين) أي أمهاهتم يف املقام ال يف النسب، َ من النسب؛ احملبة اليت توجب االحرتام واإلكرام. (ويؤمنون بأنهن أزواجه في اآلخرة) أي كما أهنن أزواجه يف الدنيا. مراد املؤلف :أن ألزواج النيب حقا ليس لغريهن ،وهو حمبتهن حمبة زائدة على غريهن. والسبب أنه اجتمع فيهن ثالثة أمور توجب ذلك: األول :اإلميان. الثاين :صلتهن بالنيب لكوهنن زوجاته يف الدنيا واآلخرة. الثالث :أهنن أمهات املؤمنني. وخصوصا خديجة رضي الل عنها) أي محيبون مجيع أزواج النيب ( ا وخصوصا خدجية. (أم أكثر أوالده ،وأول من آمن به ،وعاضده على أمره ،وكان لها منه ال َْم ْن هزلة العالية) أي السبب يف ختصيص خدجية باحملبة :أهنا متيزت بأمور ،منها: األول( :أم أكثر أوالده) فكل أوالده من خدجية ،ماعدا إبراهيم فمن مارية. الثاين( :وأول من آمن به) أي على أنه رسول( ،وعاضده على أمره) أي أعانه على أعباء الرسالة؛ وذلك باملال ،والتشجيع ،وحتمل األذى معه. الثالث( :وكان لها منه ال َْم ْن هزلة العالية) أي كان هلا يف نفسه املكانة الرفيعة. (والصديقة بنت الصديق رضي الل عنهما) أي محيبون مجيع أزواج النيب ؛ وخصوصا خدجية ،وعائشة بنت أيب بكر رضي اهلل عنهم.
مكتبة المبتدئ
121
شرح العقيدة الواسطية
ه الروافه ه َّ ه ه سبُّونَ ُه ْمَ ،وطَ هري َق هة ضو َن َّ ين يُ ْب هغ ُ ض الذ َ َويَتَبَ َّرءُو َن م ْن طَ هريقة َّ َ الص َحابَةَ َويَ ُ النَّو ه ب الَّ هذين ي ْؤذُو َن أ َْهل الب ْي ه اص ه ت بهَق ْوٍل و َع َم ٍل(.)1 َ َ َُ َ (التي قال فيها النبي " :فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام") أي السبب يف ختصيص عائشة باحملبة :أهنا متيزت بأمور ،منها: أن النيب نص على أهنا أفضل النساء. فائدة :عدد أزواج النيب إحدى عشرة ،اثنتان توفيتا قبله ،ومها :خدجية، وزينب بنت خزمية اهلاللية ،وتسع توفني بعده ،وهن :عائشة بنت أيب بكر، وحفصة بنت عمر ،وجويرية ،وزينب بنت جحش ،وسودة ،وصفية ،وميمونة، وأم حبيبة ،وأم سلمة. فائدة أخرى :عدد أوالد النيب سبعة ،ثالثة بنني وأربع بنات ،أما البنون فهم :القاسم ،وعبد اهلل ،وإبراهيم ،وأما البنات فهن :رقية ،وزينب ،وفاطمة، وأم كلثوم ،وكلهم ماتوا قبله إال فاطمة فإهنا ماتت بعده. مسألة :أيهما أفضل خدجية أم عائشة؟ اجلواب :هذه املسألة فيها خالف ،وظاهر تصرف املؤلف التوقف. ( )6هذا املبحث السابع؛ وهو :بيان موقفهم من طريقة الروافض مع الصحابة ،ومن طريقة النواصب مع أهل البيت. قوله( :ويتبرءون من طريقة الروافض؛ الذين يبغضون الصحابة ،ويسبونهم) املراد يبغضون ويسبون أكثر الصحابة. مسألة :ملاذا الروافض يبغضون ويسبون أكثر الصحابة؟ اجلواب :اعتقدوا بال برهان أن علي رضي اهلل عنه أوىل باخلالفة من غريه ،وأن
مكتبة المبتدئ
122
شرح العقيدة الواسطية
الص َحابَهة(.)1 َويُ ْم هس ُكو َن َع َّما َش َج َر بَ ْي َن َّ النيب أوصى باخلالفة له ،وأن أوالد علي أوىل باخلالفة بعده ،وأن أكثر الصحابة مل ينفذوا الوصية بعد موت النيب ،فيكونون بذلك قد ارتدوا، وماتوا على الكفر ،وظلموا آل البيت ،وعلى هذا فبالغض والسب من األدلة على والئهم آلل البيت. (وطريقة النواصب) أي ويتربءون من طريقة النواصب. (الذين يؤذون أهل البيت) أي يعتدون عليهم. (بقول وعمل) (قول) مثل السب ،و(عمل) مثل القتل. مسألة :ملاذا هؤالء نصبوا العداء ألهل البيت؟ اجلواب :ألغراض سياسية يف ذلك الوقت ،وهلذا ليس هلم وجود اآلن. تنبيه :مل يذكر املؤلف موقف اخلوارج مع الصحابة ،مع أهنم يبغضون الصحابة ويكفروهنم ،والسبب يف عدم ذكره إياهم :أن بغضهم وتكفريهم للصحابة مبين على أن الصحابة فعلوا كبائر ،فأصل مذهبهم هو :التكفري بالكبرية ،فاكتفى املؤلف بذكرهم يف املوضع الالئق هبم ،وهو :باب الدين واإلميان. ( )6هذا املبحث الثامن؛ وهو :بيان موقفهم عما شجر بني الصحابة. قوله( :ويمسكون) أي يسكتون ،وال يتكلمون. (عما شجر بين الصحابة) أي عما وقع بينهم من الشجار ،يعين االختالف. فالصحابة وقع بينهم اختالف بعد مقتل عمر بن اخلطاب ،واشتد بعد مقتل عثمان بن عفان ،حىت وصل إىل حد القتال. مسألة :ما هو السبب يف اإلمساك عما وقع بني الصحابة من االختالف؟
مكتبة المبتدئ
123
شرح العقيدة الواسطية
ه هه ه ه بَ ،وهم ْن َها َما سا هويه ْم م ْن َها َما ُه َو َكذ ٌ َويَ ُقولُو َن :إه َّن َهذه اآلثَ َ ار الْ َم ْر هويَّةَ في َم َ الص هح ه هه ه هه ه ورو َن؛ إه َّما قَ ْد هزي َد فيه َونُق َ يح م ْنهُ ُه ْم فيه َم ْع ُذ ُ ص َوغُيِّ َر َع ْن َو ْجههَ ،و َّ ُ م ْجتَه ُدو َن م ه صيبُو َنَ ،و َّإما ُم ْجتَه ُدو َن ُم ْخ هطئُون(.)1 ُ ُ
()6
اجلواب :ألن الكالم عما وقع بينهم من االختالف وسيلة لبغضهم وسبهم، وبغضهم وسبهم حمرم. لَ َّما ذكر املؤلف موقف أهل السنة واجلماعة عما وقع بني الصحابة من االختالف؛ ناسب أن يذكر موقفهم من اآلثار املروية يف مساويهم. قوله( :ويقولون) أي أهل السنة واجلماعة. (إن هذه اآلثار) أي األخبار. (المروية) أي املنقولة. (في مساويهم) أي يف األعمال اليت ظاهرها سوء منهم. واملراد :ما وقع بينهم من اختالف. (منها ما هو كذب) هذا هو القسم األول. (منها) أي من هذه األخبار. (ما هو كذب) أي ليس بصحيح ،بل هو من صنع الراوي. (ومنها ما قد زيد فيه ،ونقص ،وغير عن وجهه) هذا هو القسم الثاين. (ومنها) أي من هذه األخبار. (ما قد زيد فيه ونقص) أي أصله صحيح ،ولكن الراوي قد زاد فيه ونقص. (وغير عن وجهه) أي بسبب الزيادة والنقصان تغري ،فخرج عن معناه الصحيح. (والصحيح منه؛ هم فيه معذورون ،إما مجتهدون مصيبون ،وإما مجتهدون
مكتبة المبتدئ
124
شرح العقيدة الواسطية
مخطئون) هذا هو القسم الثالث. (والصحيح منه) أي وما صح من اخلرب يف اختالفهم. (هم) أي الصحابة. (فيه) أي فيما صح من هذا اخلرب. (معذورون) أي ال يعاقبون. (إما مجتهدون مصيبون ،وإما مجتهدون مخطئون) أي السبب يف أهنم معذورون هو :أهنم زجتهدون يعين قصدوا احلق ،واجملتهد الذي يقصد احلق قد يصيب وقد خيطئ. اخلالصة :أن األخبار اليت تنقل يف اختالف الصحابة ثالثة أقسام: األول :اخلرب املكذوب. الثاين :اخلرب احملرف. وهذان حكمهما الرد. الثالث :اخلرب الصحيح ،وهذا حكمه القبول ،لكن املوقف من نفس املخرب عنهم أعين الصحابة هو :اعتقاد أهنم معذورون؛ والسبب :أن اختالفهم واقع عن اجتهاد منهم. مسألة :ملاذا يقال إن ما صح من اختالف الصحابة واقع عن اجتهاد منهم؟ اجلواب :ألنه تعارض لدينا يقني واحتمال ،أما اليقني فهو :أن الصحابة خري الناس بداللة الكتاب والسنة ،وأما االحتمال فهو :أن اختالفهم إما أن يكون عن اجتهاد منهم ،وإما أن يكون عن تعمد ،وكوننا ال نعلم أنه وقع عن تعمد قدمنا االجتهاد؛ ألنه هو املوافق ملا حنن متيقنون به من أهنم خري الناس.
مكتبة المبتدئ
125
شرح العقيدة الواسطية
َن ُك َّل و ه اح ٍد همن َّ ه ه وم َع ْن َكبَائه هر َو ُه ْم َم َع َذله َ صٌ الص َحابَة َم ْع ُ َ ك الَ يَ ْعتَق ُدو َن أ َّ َ الذنُ ه ْج ْملَة(.)1 صغَائه هره ،بَ ْل يَ ُج ُ وز َعلَْيهم ُّ ُ ا هإلثْ هم َو َ وب في ال ُ ()6
لَ َّما ذكر املؤلف أن أهل السنة واجلماعة يعتقدون أن ما صح من اختالف الصحابة واقع عن اجتهاد منهم؛ ناسب أن يذكر موقفهم من اعتقاد العصمة للصحابة ،أعين هل يعتقدون أن الصحابة ال يذنبون؟ قوله( :وهم) أي أهل السنة واجلماعة. (مع ذلك) أي مع كوهنم يقولون :إن ما صح من اختالف الصحابة واقع منهم عن اجتهاد. (ال يعتقدون) أي ليس يف اعتقادهم. (أن كل واحد من الصحابة) أي كل فرد منهم. (معصوم) أي حممي. (من كبائر اإلثم وصغائره) أي من الوقوع يف اإلمث صغائر وكبائر. (بل يجوز) أي ميكن. (عليهم) أي على الصحابة بأفرادهم. (الذنوب) أي وقوع الذنوب منهم. (في الجملة) أي من حيث اإلمجال. مراد املؤلف :أهنم من حيث اإلمجال هم يف الذنوب كسائر البشر يذنبون، وأما من حيث التفصيل فالذنوب اليت تقع منهم ليست كالذنوب اليت تقع من غريهم؛ فهم أهون من غريهم من حيث عظم الذنب وصغره ،ومن حيث كثرة الذنوب وقلتها ،ومن حيث االستمرار يف الذنب واإلقالع عنه ،وحنو ذلك.
مكتبة المبتدئ
126
شرح العقيدة الواسطية
ه ه ه السوابه هق وال َف َ ه ص َد َر ،على ب َم ْغ هف َرَة َما يَ ْ ص ُد ُر م ْن ُه ْم إه ْن َ َولَ ُه ْم من َّ َ َ ضائ هل َما يُوج ُ ات ما الَ ي ه َن لَ ُهم همن الحسنَ ه أنَّهُ ي ْغ َفر لَ ُهم همن َّ ه ات غفر ل َم ْن بَ ْع َد ُه ْم؛ أل َّ ْ ُ ُ ْ ََ السيِّئَ َ ُ ُ ول ه الَّتهي تَمحو َّ ه ت بهَق ْوهل ر ُس ه الل أَنَّ ُه ْم س له َم ْن بَ ْع َد ُه ْمَ ،وقَ ْد ثَبَ َ ُْ َ السيِّئَات َما لَْي َ َن الم َّد همن أَح هد ههم إهذَا تَص َّد َق به هه َكا َن أَفْ َ ه ه ُح ٍد َ ض َل م ْن َجبَ هل أ ُ َخ ْي ُر ال ُق ُرونَ ،وأ َّ ُ ْ َ ْ ذَهبا هم َّمن ب ع َدهم ،ثُ َّم إهذَا َكا َن قَ ْد ص َدر همن أ ه ه اب ب؛ فَ يَ ُكو ُن قَ ْد تَ َ َ َ ْ َ َحده ْم ذَنْ ٌ َا ْ َ ْ ُ ْ هم ْنهُ ،أَو أَتَى بهحسنَ ٍ اع هة ُم َح َّم ٍد ات تَ ْم ُحوهُ ،أ َْو غُ هف َر لَهُ؛ بهَف ْ ض هل َسابهَقتهه ،أ َْو به َ ش َف َ ْ ََ ه َح ُّق الن ه اعته هه ،أَو ابْ تُله َي بهبَالٍَء فهي ُّ الدنْ يَا ُك ِّف َر به هه َع ْنهُ(.)1 َّاس به َ ش َف َ الَّذي ُه ْم أ َ
()6
اخلالصة :أن أهل السنة واجلماعة يعتقدون أن الفرد من الصحابة غري معصوم من الوقوع يف الذنوب. لَ َّما ذكر املؤلف أن أهل السنة واجلماعة يعتقدون أن الفرد من الصحابة غري معصوم من الوقوع يف الذنوب ،ناسب أن يذكر موقفهم من الذنوب اليت صدرت منهم ،أعين هل يعتقدون أهنا مغفورة أو ال؟ قوله( :ولهم) أي للصحابة خصوصا.
(من السوابق والفضائل) السوابق :أي األعمال الصاحلة اليت سابقوا إليها، ضلوا هبا على غريهم. والفضائل :أي اخلصال احلميدة اليت فم ِّ
(ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر) مراد املؤلف أنه لو صدر من الصحابة ذنب ،مهما كانت عظمته؛ فلهم سوابق وفضائل عظيمة توجب مغفرة ذلك. (على أنه) أي زيادة على ما تقدم.
مكتبة المبتدئ
127
شرح العقيدة الواسطية
(يغفر لهم) أي خصوصا هلم. (من السيئات ما ال يغفر لمن بعدهم؛ ألن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم) مراد املؤلف :أنه لو كان غري الصحابة يستحقون أن تمغفر هلم سيآهتم الكثرية ،مبا عندهم من احلسنات الكثرية ،فالصحابة أوىل أن تغفر هلم سيآهتم ،مهما كانت كثرهتا؛ ألهنم أكثر حسنات من غريهم. (وقد ثبت) أي فيما يدل على عظم سوابقهم وفضائلهم وكثرة حسناهتم. (بقول النبي " أنَّهم خير القرون") هذا دليل على عظم سوابقهم
وفضائلهم ،ووجه الداللة على ذلك :أن اإلخبار بأهنم خري الناس ،يدل على أهنم أعظم الناس سوابق وفضائل.
("وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن ِ حسناهتم ،ووجه الداللة على ذلك :أن اإلخبار بعدهم") هذا دليل على كثرة بأن الصدقة القليلة منهم ،أعظم أجرا من الصدقة الكثرية ممن بعدهم ،يدل على أهنم أكثر حسنات ممن بعدهم. (ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب) أي من أحد الصحابة. (فيكون قد تاب منه) أي طلب التوبة منه. (أو أتى بحسنات تمحوه) أي لو افرتض أنه مل يتب فإنه قد يأيت بعد هذا الذنب حبسنات تزيله.
(أو غفر له بفضل سابقته) أي لو افرتض أنه مل يأت بعد الذنب حبسنات؛ كأن يكون عاجله املوت ،فإنه يغفر له بسبب ما قدمه سابقا قبل فعل الذنب
مكتبة المبتدئ
128
شرح العقيدة الواسطية
من األعمال الصاحلة. (أو بشفاعة محمد الذي هم أحق الناس بشفاعته) أي لو افرتض أنه مل يغفر له بفضل سابقته فإنه يغفر له بشفاعة حممد يوم القيامة ،ألن الصحابة أوىل من يشفع هلم النيب ؛ لكوهنم حتملوا معه أعباء الرسالة.
(أو ابتلي ببالء في الدنيا كفر به عنه) أي وقد ال حيتاج أن يشفع له يوم القيامة ـ يعين بعدم دخوله النار ـ ألنه قد ابتلي يف الدنيا ببالء مكفِّر هبذا البالء عن ذنبه. اخلالصة :أن ذنوب الصحابة مغفورة؛ ألن أسباب املغفرة متوفرة هلم. وأسباب املغفرة املتوفرة هلم نوعان: النوع األول :أسباب خاصة ال يشاركهم فيها غريهم ،ومها سببان: األول :ما هلم من السوابق والفضائل العظيمة. الثاين :ما هلم من احلسنات الكثرية. النوع الثاين :أسباب عامة ،وهي اليت يشاركهم فيها غريهم ،وهي مخسة أسباب: األول :التوبة من الذنب. الثاين :احلسنات بعد الذنب. الثالث :األعمال الصاحلة قبل الذنب. الرابع :شفاعة حممد هلم يوم القيامة. اخلامس :االبتالء يف الدنيا.
مكتبة المبتدئ
129
شرح العقيدة الواسطية
الذنُ ه فَهإ َذا َكا َن َه َذا فهي ُّ ف في األ ُُموهر الَّتهي َكانُوا فه َيها وب الْ ُم َح َّق َق هة؛ فَ َك ْي َ ان ،وإه ْن أَ ْخطَئوا؛ فَ لَهم أَجر و ه م ْجتَه هدين :إه ْن أَصابوا؛ فَلَ ُهم أ ْ ه ْخطَأُ اح ٌدَ ،وال َ َُ ُ ْ ُ ْ ٌْ َ َج َر َ َ ور(.)1 َم ْغ ُف ٌ
( )6لَ َّما ذكر املؤلف أن أهل السنة واجلماعة يعتقدون أن ذنوب الصحابة مغفورة؛ ناسب أن يذكر موقفهم من االختالف الذي صدر منهم عن اجتهاد. أعين هل يعتقدون أن هذا االختالف مغفور هلم أيضا أو ال؟ قوله( :فإذا كان هذا) أي احلكم باملغفرة.
(في الذنوب المحققة) أي يف الذنوب اليت صدرت منهم مع معرفتهم هلا أهنا ذنوب.
(فكيف في األمور) أي يف االختالفات. (التي كانوا فيها مجتهدين) أي اليت صدرت منهم عن اجتهاد. (إن أصابوا فلهم أجران) أي أجر على حسن النية ،وأجر على اإلصابة يف
العمل.
(وإن أخطئوا فلهم أجر واحد ،والخطأ مغفور) أي هلم أجر واحد على حسن النية ،واخلطأ يف العمل ال يؤجرون عليه ألنه خطأ ،ولكن يغفر هلم فيه؛ ألنه صدر منهم عن اجتهاد ،ال عن تعمد. اخلالصة :أن االختالف الذي صدر من الصحابة عن اجتهاد ،زيادة على أنه مغفور هلم؛ هم فيه مأجورون ،إما أجرين ،وإما أجرا واحدا.
مكتبة المبتدئ
131
شرح العقيدة الواسطية
ه ه ه َّ ه ه ور فهي َج ْن ه ثم َّ ب يل نَ ْزٌر َم ْغ ُم ٌ إن ال َق ْد َر الذي يُ ْن َك ُر م ْن ف ْع هل بَ ْعضه ْم قَل ٌ الل ورسوله هه ،والْجه ه ضائه هل ال َقوهم ومح ه اسنههم؛ همن ا هإليْم ه ان به ه اد فهي َسبيهلهه، فَ َ َ َ ََ ُ ْ ََ َ ْ َ ه والْه ْجرةه ،والن ْ ه ه الصاله هح(.)1 الع َم هل َّ ُّصرةَ ،والْعل هْم النَّاف هعَ ،و َ َ َ َ ه ومن نَظَر فهي هسيرةه الْ َقوم به هعل ٍْم وب ه ضائه هل؛ ص َيرةٍَ ،وَما َم َّن اللُ َعلَْي ه ْم به هه همن ال َف َ ََ َ ْ ََ ْ َ الخل هْق بَ ْع َد األَنْبهيَ هاء ،الَ َكا َن َوالَ يَ ُكو ُن همثْ لُ ُه ْمَ ،وأَنهم َعله َم يَهقيناا أَنهم َخ ْي ُر َ الص ْفوةُ همن قُر ه ون َه هذهه األ َُّم هة الَّتهي هه َي َخ ْي ُر األ َُم هم َوأَ ْك َرُم َها َعلَى الل(.)2 َّ َ ْ ُ ( )6لَ َّما ذكر املؤلف موقف أهل السنة واجلماعة من ذنوب واختالف الصحابة ،ناسب أن يذكر القدر الذي ينكر من فعل بعضهم من تلك الذنوب وذلك االختالف. قوله( :ثم القدر) أي الكمية.
(الذي ينكر من فعل بعضهم) أي بعض الصحابة. (قليل نزر) نزر :أي قليل جدا. (مغمور) أي مغطى وخمفي. (في جنب فضائل القوم ومحاسنهم) أي ما هلم من الفضائل واحملاسن. (من اإليمان بالل ورسوله ،والجهاد في سبيله ،والهجرة والنصرة ،والعلم النافع والعمل الصالح) هذا تفسري ملا هلم من الفضائل واحملاسن.
()2
اخلالصة :أن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل جدا ،وهو يف جنب فضائلهم وحماسنهم ال يعد شيئا. لَ َّما ذكر املؤلف القدر الذي ينكر من فعل بعض الصحابة؛ ناسب أن خيتم الكالم عنهم بذكر َممن ِزلَتِهم ،بالنظر يف سريهتم وفضائلهم.
مكتبة المبتدئ
131
شرح العقيدة الواسطية
قوله( :ومن نظر) أي تأمل. (في سيرة القوم) أي يف أحواهلم وقصصهم. (بعلم وبصيرة) أي مبعرفة صحيحة. (وما من الل عليهم به) أي وما أختصهم به. (من الفضائل) أي من اخلصال اليت فضلوا هبا على غريهم. (علم يقيناا) أي عرف من غري شك.
(أنهم خير الخلق بعد األنبياء) أي أهنم خري ،حىت على من قبلهم ،إال األنبياء. (ما كان) أي فيمن قبلهم. (وال يكون) أي فيمن بعدهم. (مثلهم) أي يف اخلريية.
(وأنهم) أي وعلم يقينا أهنم. (الصفوة) أي املختارة. (من قرون) أي من أجيال. (هذه األمة) أي أمة حممد . (التي هي خير األمم وأكرمها على الل) مراد املؤلف :كما أن هذه األمة خري األمم وأكرمها على اهلل ،فقرن الصحابة خري قرون هذه األمة وأكرمها على اهلل. اخلالصة :أن سريهتم وفضائلهم تدل على أهنم خري الناس بعد األنبياء.
132
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
[كرامات األولياء]
ه ُص ه السن هَّة: ول أ َْه هل ُّ َوم ْن أ ُ الت ْ ه يق به َكرام ه ات األ َْولهيَ هاءَ ،وَما يُ ْج هري اللُ َعلَى أَيْ هدي ه ْم؛ هم ْن َخ َوا هر هق َّصد ُ َ َ ه الْع َ ه ه ات ،وأَنْ و هاع ال ُق ْدرةه والتَّأْثهير ه وم والْم َكا َش َف ه ات(.)2 َ ادات ،في أَنْ َو هاع الْعُلُ َ ُ َ َ َ َ َ () 1
()6
لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن أصل من األصول املتفرعة عن األصول الستة ،شرع يف الكالم عن أصل آخر. فإذا قيل :ما هو األصل الذي سيتكلم عنه املؤلف هنا؟ فاجلواب :سيتكلم عن باب كرامات األولياء. واألولياء هم :أهل اإلميان والتقوى؛ كما قال تعاىل :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛﭜ ﭝﭞﭟ ﭠ ﮊ
[يونس]. وعالمة اإلميان والتقوى :التقيد بالكتاب والسنة ،يف الفعل والرتك. وسيذكر املؤلف فيما يتعلق هبذا الباب مبحثني: املبحث األول :بيان موقف أهل السنة واجلماعة من كرامات األولياء. املبحث الثاين :بيان زمن وجود هذه الكرامات. ( )2هذا املبحث األول؛ وهو :بيان موقف أهل السنة واجلماعة من كرامات األولياء.
مكتبة المبتدئ
133
شرح العقيدة الواسطية
قوله( :التصديق بكرامات األولياء) أي مبا يكرم اهلل به األولياء. (وما يُجري الل على أيديهم من خوارق العادات) هذه اجلملة معطوفة على ما قبلها ،واملراد هبا تفسري الكرامات. (وما يجري الل) أي ما يسريه. (على أيديهم) أي على أيدي األولياء. (من خوارق العادات) أي مما هو خالف املعتاد.
اخلالصة :أن الكرامة تتضمن قيدين: األول :أن تكون أمرا خارقا للعادة ،فأما ما كان موافقا للعادة ،فليس بكرامة. الثاين :أن َجتري على يد الويل ،وأما ما َجيري على يد من ليس بويل؛ كالساحر واملشعوذ ،فليس بكرامة. (في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات) املراد هبذه اجلملة
ذكر أقسام الكرامات.
(في أنواع العلوم والمكاشفات) هذا هو القسم األول. (أنواع) مجع نوع( ،العلوم) مجع علم( ،المكاشفات) مجع مكاشفة ،وهي
مبعىن العلم. خالصة هذا القسم :أن يعلم الويل شيئا ال يستطيع أن يعلمه اإلنسان عادة. (وأنواع القدرة والتأثيرات) هذا هو القسم الثاين.
(أنواع) مجع نوع( ،التأثيرات) مجع تأثري ،وهو مبعىن القدرة. خالصة هذا القسم :أن يقدر الويل على شيء ال يقدر عليه اإلنسان عادة.
مكتبة المبتدئ
134
شرح العقيدة الواسطية
ف األُم هم فهي سورةه ال َك ْه ه َكالْمأْثُوهر َع ْن ساله ه ص ْد هر َه هذهه األ َُّم هة؛ فَ ،وغَْي هرَهاَ ،و َع ْن َ َ َ ُ َ َ ه ه ه ()1 ه الصحاب هة والتَّابه هعين وسائه هر ه ودةٌ فه َيها إهلَى يَ ْوم القيَ َامة . قرون األ َُّم هةَ ،و هه َي َم ْو ُج َ َََ م َن َّ َ َ َ ( )6هذا املبحث الثاين؛ وهو :بيان زمن وجود الكرامات. قوله( :كالمأثور) أي املنقول. (عن سالف األمم) أي عن األمم السابقة. (في سورة الكهف) أي من الكرامات املذكورة فيها؛ كما يف قصة أصحاب الكهف ،وقصة صاحب موسى. ووجه الكرامة يف قصة أصحاب الكهف :أن اهلل تعاىل أبقاهم نياما ،مدة طويلة جدا ،ومل حيصل هلم أي آفة .وهذه الكرامة تدخل يف قسم القدرة. ووجه الكرامة يف قصة صاحب موسى :أن اهلل عز وجل أطلعه على حال امللك مع السفن ،ومستقبل الصيب ،وقصة ال َكمن ِز الذي حتت اجلدار .وهذه الكرامة تدخل يف قسم العلم. (وغيرها) أي غري سورة الكهف من السور اليت ذكرت فيها كرامات األولياء. (وعن صدر هذه األمة) أي واملنقول عن أول هذه األمة. (من الصحابة والتابعين) هذا تفسري للمراد بصدر هذه األمة. (وسائر قرون األمة) أي وباقي أجيال األمة. (وهي موجودة) أي الكرامات( .فيها) أي يف هذه األمة. (إلى يوم القيامة) أي مستمر وجودها إىل أن تقوم القيامة. اخلالصة :أن كرامات األولياء كانت موجودة يف األمم السابقة ،ووجدت يف أول هذه األمة وبعده ،وستبقى موجودة إىل يوم القيامة.
مكتبة المبتدئ
135
شرح العقيدة الواسطية
[طريقة أهل السنة واجلماعة يف الدين]
صل :ثُ َّم همن طَ هري َق هة أ َْه هل ُّ ه اع هة: ْج َم َ السنَّة َوال َ ْ فَ ْ ٌ ()6
()1
لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن القسم األول من الكتاب؛ الذي هو :قول أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألخبار ،ناسب أن خيتم الكالم عن هذا القسم؛ بذكر طريقتهم يف الدين. قوله( :ثم من طريقة أهل السنة والجماعة)
(من) مبعىن بعض ،أي بعض طريقة أهل السنة واجلماعة. مراده :أن طريقة أهل السنة واجلماعة تتضمن أمورا ،وهو إمنا سيتكلم عن بعض هذه األمور ال كلها. فإذا قيل :ما هي األمور اليت تتضمنها طريقتهم؟ فاجلواب :طريقتهم تتضمن أمرين: األول :طريقتهم يف ما هية الدين ،أي ما هو دينهم؟ الثاين :طريقتهم يف كيفية معرفة الدين ،أي كيف يعرفون دينهم؟ أما ما هي طريقتهم يف ما هية الدين؟ فدينهم أخبار وأحكام ،فاألخبار تكلم عنها قبل هذه ِ اخلامتة ،واألحكام سيتكلم عنها بعد اخلامتة .وأما ما هي طريقتهم يف كيفية معرفة الدين فهي اليت سيتكلم عنها يف هذه اخلامتة.
مكتبة المبتدئ
136
شرح العقيدة الواسطية
الل ب ه ول ه اتِّ بَاعُ آثَا هر ر ُس ه اطناا َوظَا هه ارا(.)1 َ َ السابههقين األ ََّوله ه اج هرين واألَنْصا هر ،واتِّ باعُ و ه ه َواتِّ بَاعُ َسبه ه صيَّ هة يل َّ َ ين؛ من ال ُْم َه َ َ َ َ َ َ َ ال" :علَي ُكم بهسنَّتهي وسن هَّة الْ ُخ ه ه ول ه ر ُس ه ين لفاء َّ الل َ ح ْي ُ ث قَ َ َ ْ ْ ُ َ ُ َ اشدين الْ َم ْهديِّ َ الر َ َّواج هذ ،وإهيا ُكم وم ْح َد ه س ُكوا به َها ،و َعضُّوا َعلَْيها بهالن ه ثات األُموهر، هم ْن بَ ْع هدي ،تَ َم َّ ّ ْ ُ َ ض ٍ اللة" [أبو داود ،4617 :والترمذي ،2676 :وابن فَإ ّن ُك َّل ُم ْح َدثٍَة به ْد َع ٍة وُك َّل به ْد َع ٍة َ ماجة.)2(]42 : وسيذكر فيما يتعلق هبا مبحثني: املبحث األول :طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة للمصادر. املبحث الثاين :طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة لفهم املصادر. ( )6هذا املبحث األول؛ وهو :طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة للمصادر. قوله( :اتباع) أي سلوك. (آثار النبي )أي ما أمثِر عنه ،يعين ما نقل عنه من القرآن والسنة. (باطناا) أي فيما يتعلق بأعمال القلوب. وظاهرا) أي فيما يتعلق بأعمال اجلوارح. ( ا اخلالصة :أن طريقتهم كيفية يف معرفة الدين بالنسبة للمصادر هو :الرجوع إىل الكتاب والسنة. ( )2هذا املبحث الثاين؛ وهو :طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة لفهم املصادر. قوله( :واتباع سبيل) أي سلوك طريق. (السابقين) أي إىل اإلسالم. (األولين) أي قبل غريهم.
مكتبة المبتدئ
137
شرح العقيدة الواسطية
ه َويَ ْعلَ ُمو َن أ َّ ي ُم َح َّم ٍد .)1( َن أ ْ َص َد َق ال َكالَهم َك ُ الم اللَ ،و َخ ْي َر ال َْه ْد هي َه ْد ُ الل َعلَى غَي هرهه همن َكالَهم أَصنَ ه وي ْؤثهرو َن َكالَم ه اف الن ه ي ْ َ ْ ْ َّاسَ ،ويُ َقد ُ ِّمو َن َه ْد َ َُ ُ ٍ ()2 ٍ َحد . ُم َح َّمد َ علَى َه ْد هي ُك ِّل أ َ (من المهاجرين واألنصار) هذا تفسري للمراد بالسابقني األولني. قوله( :واتباع وصية رسول الل )أي ما أوصى به أمته. (حيث قال" :عليكم بسنتي ،وسنة الخلفاء الراشدين …إلخ") مراد
()6
املؤلف أن النيب أوصى ،مع التمسك بسنته؛ التمسك بسنة اخللفاء الراشدين. اخلالصة :أن طريقتهم يف كيفية معرفة الدين بالنسبة لفهم املصادر هو :الرجوع إىل الصحابة عموما ،واخللفاء الراشدين خصوصا. لَ َّما ذكر املؤلف طريقة أهل السنة واجلماعة يف كيفية معرفة الدين بالنسبة للمصادر ،وبالنسبة لفهم املصادر ،ناسب أن يذكر علمهم ِمبَمن ِزلَة املصادر اللذين مها الكتاب والسنة. قوله( :ويعلمون) أي يعرفون.
(أن أصدق الكالم كالم الل) أي القرآن. (وخير الهدي) أي خري الطرق. ()2
(هدي محمد )أي طريق حممد .
لَ َّما ذكر املؤلف علم أهل السنة واجلماعة ِمبَمن ِزلَة الكتاب والسنة ،ناسب أن يذكر مثرة هذا العلم.
مكتبة المبتدئ
138
شرح العقيدة الواسطية
ولهه َذا س ُّموا أ َْهل ه الكتَ ه السن هَّة(.)1 اب َو ُّ ََ ُ َ َن الْجم َ ه وس ُّموا أ َْهل الْجم َ ه االجتهماعُ و ه ض ُّد َها ال ُف ْرقةَُ ،وإه ْن َكا َن َُ اعةَ ه َي ْ َ َ اعة؛ أل َّ َ َ َ ََ () 2 ه ظ الْجم َ ه ه اس اما لهنَ ْف ه عين . ار ْ اعة قَ ْد َ صَ الم ْجتَم َ س الْ َق ْوم ُ لَْف ُ َ َ قوله( :ويؤثرون) أي يقدمون. (كالم الل) أي القرآن. (على غيره من كالم أصناف الناس) أي إذا تعارض معه. (ويقدمون هدي محمد )أي طريقه. (على هدي كل أحد) أي على طريق أي أحد ،وذلك إذا تعارض معه أيضا. مراد املؤلف :أنه لكون أهل السنة واجلماعة يعلمون أن أصدق الكالم كالم اهلل ،وأن خري اهلدي هدي حممد ،أمَمثََر هذا العلم عندهم إيثار كالم اهلل على كالم غريه ،وتقدمي هدي حممد على هدي أي أحد. ( )6لَ َّما ذكر مثرة علم أهل السنة واجلماعة ِمبَمن ِزلَة الكتاب والسنة ،ناسب أن يذكر سبب تسميتهم بأهل الكتاب والسنة. قوله( :ولهذا) أي لكوهنم يؤثرون كالم اهلل تعاىل ويقدمون هدي حممد .
(سموا أهل الكتاب والسنة) أي ْسوا أهل الكتاب؛ لكوهنم يؤثرون كالم اهلل
()2
على كالم غريه ،وْسوا أهل السنة؛ لكوهنم يقدمون هدي حممد على هدي أي أحد. لَ َّما ذكر سبب تسميتهم بأهل الكتاب والسنة ،ناسب أن يذكر سبب تسميتهم بأهل اجلماعة.
مكتبة المبتدئ
139
شرح العقيدة الواسطية
َصل الثَّاله ُ َّ ه تم ُد َعلَْي هه فهي ال هْعل هْم َوالدِّي هن(.)1 ث الذي يُ ْع َ َوا هإل ْج َماعُ ُه َو األ ْ ُ قوله( :وسموا أهل الجماعة) أي زيادة على تسميتهم بأهل الكتاب والسنة. (ألن) أي السبب. (الجماعة هي االجتماع) أي يف لغة العرب. مراد املؤلف :أهنم ْسوا أهل اجلماعة الجتماعهم على منهج واحد ،الذي هو: التلقي من الكتاب والسنة ،وعدم تفرقهم إىل مناهج حمدثة.
اسما لنفس القوم المجتمعين) أي يف (وإن كان لفظ الجماعة قد صار ا عر ِ ف الناس. مم مراد املؤلف :إزالة إشكال ،ألنه قد يقال :هذه التعبري فيه إشكال ،وذلك أن لفظ اجلماعة معناه :اجملتمعون ،وعلى هذا فيكون أهل اجلماعة معناه :أهل اجملتمعني ،فاألوىل حذف كلمة أهل .ويزال هذا اإلشكال بأن يقال :لفظ اجلماعة يف لغة العرب معناه :االجتماع ،وعلى هذا فيكون أهل اجلماعة معناه :أهل االجتماع ،مث صار لفظ اجلماعة يف عرف الناس القوم اجملتمعني، والتسمية بأهل اجلماعة بناء على املعىن اللغوي ال املعىن العريف. ( )6لَ َّما ذكر َممن ِزلَة الكتاب والسنة عند أهل السنة واجلماعة ناسب أن يذكر َممن ِزلَة اإلمجاع عندهم. قوله( :واإلجماع) أي اتفاق العلماء.
(هو األصل الثالث) أي مع الكتاب والسنة. (الذي يعتمد عليه) أي يرجع إليه وحيتج به.
مكتبة المبتدئ
141
شرح العقيدة الواسطية
هه ه ه يع َما َعلَْي هه النَّاس هم ْن أَقْو ٍال وأَ ْعم ٍ ُص ه ال َو ُه ْم يَ هزنُو َن َبهذه األ ُ ول الثَّالثَة َجم َ َ َ َ ُ اطنَ ٍة أَو ظَ ه به اه َرةٍ هم َّما لَهُ تَ َعلُّ ٌق بهالدِّي هن(.)1 ْ َ
()6
(في العلم) أي يف املعرفة. (والدين) أي والعمل. تنبيه :تتفق هذه األصول الثالثة من حيث احلجية ،فكلها حجة ال جيوز خمالفة أصل منها ،وختتلف من حيث إن األصلني األول والثاين أعين الكتاب والسنة مها مصادر الدين استقالال ،واألصل الثالث أعين اإلمجاع تابع هلما؛ ألنه ال ينعقد إمجاع إال على ما دل عليه الكتاب أو السنة. لَ َّما ذكر األصول الثالثة اليت يعتمد عليها يف العلم والدين ،ناسب أن يذكر كيفية معرفتهم لِما عليه الناس من صواب وخطأ. قوله( :وهم) أي أهل السنة واجلماعة. (يَ هزنون) أي يعرفون. (بهذه األصول الثالثة) أي بالكتاب والسنة واإلمجاع. (جميع ما عليه الناس) أي من حيث الصواب واخلطأ. (من أقوال وأعمال ظاهرة أو باطنة) هذا تفسري للمراد جبميع ما عليه الناس. (مما له تعلق بالدين) هذا قيد. أي األقوال واألعمال اليت تعرض على هذه األصول؛ إمنا هي املتعلقة بالدين، وأما األمور الدنيوية فاألصل فيها اإلباحة ،كاخرتاع اآلالت الصناعية بأنواعها. اخلالصة :أهنم يعرفون ما عليه الناس من صواب وخطأ بعرض أقواهلم وأعماهلم على نفس هذه األصول الثالثة.
مكتبة المبتدئ
141
شرح العقيدة الواسطية
الصاله ُح ،إذ بَ ْع َد ُه ْم َكثُ َر ف َّ ضبه ُ ط ُه َو َما َكاَن َعلَْي هه َّ السلَ ُ َوا هإل ْج َماعُ الَّ هذي يَ ْن َ ش َرت األ َُّمةُ(.)1 اال ْختهالَ ُ ف َوانْ تَ َ ()2
لَ َّما ذكر من قبل َممن ِزلَة اإلمجاع عند أهل السنة واجلماعة ،ناسب أن خيتم الكالم هنا بذكر اإلمجاع الذي ينضبط.
قوله( :واإلجماع الذي ينضبط) أي الذي جيزم بوقوعه ،ووصوله إلينا.
(هو ما كان عليه السلف الصالح) أي هو اإلمجاع الذي كان عليه السلف الصاحل ،واملراد به :إمجاع الصحابة . (إذ بعدهم) أي بعد السلف الصاحل.
(كثر االختالف ،وانتشرت األمة) مراد املؤلف :أن اإلمجاع بعد السلف الصاحل ال ينضبط هلذين السببني: األول :كثرة االختالف ،يعين بني العلماء. الثاين :انتشار األمة ،يعين تباعد أفرادها يف أقطار األرض.
مكتبة المبتدئ
142
شرح العقيدة الواسطية
[اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل التي تتعلق باألحكام]
هه ُص ه ول: فَ ْ ص ٌل :ثُ َّم ُه ْم َم َع َهذه األ ُ ه وف وي ْن َهو َن َعن الْم ْن َك هرَ ،علَى ما تُ ه وجبُهُ َّ الش هر َيعةُ(.)1 َ يَأ ُْم ُرو َن بهال َْم ْع ُر َ َ ْ ُ ( )6لَ َّما انتهى املؤلف من الكالم عن القسم األول من الكتاب ،مع خامتته ،شرع يف الكالم عن القسم الثاين؛ الذي هو :اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألحكام. قوله( :ثم هم) أي أهل السنة واجلماعة. (مع هذه األصول) أي املسائل اليت تتعلق باألخبار. (يأمرون بالمعروف ،وينهون عن المنكر) األمر معناه :طلب الفعل. واملعروف ضابطه :ما أمر اهلل به يف القرآن أو السنة. والنهي معناه :طلب الرتك. واملنكر ضابطه :ما هنى اهلل عنه يف القرآن أو السنة. (على) أي حبسب. (ما توجبه الشريعة) أي الطريقة املوافقة ملا توجبه الشريعة. اخلالصة :أهنم يأمرون مبا أمر اهلل به وينهون عما هنى اهلل عنه ،وأن طريقتهم يف األمر والنهي موافقة ملا توجبه الشريعة.
مكتبة المبتدئ
143
شرح العقيدة الواسطية
اد ،والجم هع ،واألَ ْعي ه ه ه اد َم َع األ َُم َر هاء أَبْ َر اارا َكانُوا أ َْو ْح ِّجَ ،والج َه َ ُ َ َ َ َويَ َرْو َن إهقَ َامةَ ال َ ارا(.)1 فُ َّج ا ه اع ه ات(.)2 ْج َم َ َويُ َحافظُو َن َعلَى ال َ ( )6لَ َّما ذكر أن طريقة أهل السنة واجلماعة يف األمر والنهي موافقة ملا توجبه الشريعة، ناسب أن يذكر رأيهم يف إقامة الشعائر مع األمراء؛ ألن ِمن الناس َمن ال يرى إقامة الشعائر مع األمراء الفجار ،وجيعل ذلك طريقة للنهي عن املنكر. قوله( :ويرون) أي أهل السنة واجلماعة. (إقامة الحج ،والجهاد ،والجمع ،واألعياد ،مع األمراء) أي وجوب إقامة الشعائر مع األمراء. فجارا) أي سواء كان األمراء أصحاب طاعة ،أو أصحاب معصية. (أبر اارا كانوا أو ا مراد املؤلف :أن أهل السنة واجلماعة يَـعمدُّون فجور األمراء منكرا ،لكن ال يرون ترك إقامة الشعائر معهم طريقة صحيحة للنهي عما هم فيه من املنكر؛ ألن هذه الطريقة غري موافقة ملا توجبه الشريعة. ( )2لَ َّما ذكر رأي أهل السنة واجلماعة يف إقامة الشعائر مع األمراء ،ناسب أن يذكر موقفهم من أداء الصالة مع اجلماعة؛ ألن بعض الناس ال يرى أداء الصالة خلف اإلمام الفاجر ،ويفوت اجلماعة هلذا السبب. قوله( :ويحافظون) أي يواظبون. (على الجماعات) أي على أداء الصالة مع اجلماعة. مراد املؤلف :أن أهل السنة واجلماعة كما أهنم ال يرون تفويت الشعائر لكون األمراء فجارا ،كذلك ال يرون تفويت اجلماعة لكون اإلمام فاجرا.
مكتبة المبتدئ
144
شرح العقيدة الواسطية
َّصيح هة لهأل َُّم هة ،وي عت هق ُدو َن معنَى قَ وله هه " :الْم ْؤ ه ه ه ْم ْؤم هن َْ ََ َْ َويَدينُو َن بهالن َ ْ من لل ُ ُ ُ ه ص ه َصابه هع هه [البخاري،481 : وص يَ ُ ضا" َو َشبَّ َ ضهُ بَ ْع ا ش ُّد بَ ْع ُ ك بَ ْي َن أ َ َكالبُ ْنيان ال َْم ْر ُ ومسلم ،]2585 :وقَ وله هه " :مثَل ه ه المؤمنه ه اح همهم وتَ َعاطُهفهم ين في تَوادِّه ْم َوتَ َر ُ َ ْ َ َ ُ اعى لَهُ سائر الج ه والس َه هر" الح ّمى َّ س هد إهذَا ا ْشتَ َكى هم ْنهُ عُ ْ ض ٌو تَ َد َ سد به ُ َك َمثَ هل َ َ ُ ََ الج َ [البخاري ،6111 :ومسلم.)1(]2586 : ( )6لَ َّما ذكر من قبل أن أهل السنة واجلماعة يأمرون باملعروف وينهون عن املنكر، ناسب أن يذكر َممن ِزلَة النصيحة عندهم؛ ألن النصيحة هي مبعىن األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،إال أهنا أعم. فالنصيحة هي :إرادة اخلري للمنصوح ،وإرشاده إىل ما فيه مصلحته الدينية والدنيوية ،واألمر باملعروف والنهي عن املنكر هو :إرادة اخلري للمأمور واملنهي، وإرشاده إىل ما فيه مصلحته الدينية. قوله( :ويدينون بالنصيحة) أي يروهنا من الدين يتقربون هبا إىل اهلل تعاىل. (لألمة) أي جلميع أفراد األمة.
(ويعتقدون معنى قوله " :المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه ،وقوله " :مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر") أي يؤمنون باملعىن الذي دل عليه هذان احلديثان. أما احلديث األول فدل على وجوب الرتابط بني املؤمنني.
مكتبة المبتدئ
145
شرح العقيدة الواسطية
الص ْب هر هع ْن َد البَالَهءَ ،و ُّ ض هاء(.)1 َويَأ ُْم ُرو َن به َّ الش ْك هر هع ْن َد َّ الر َخ هاءِّ ، ضى به ُم ِّر ال َق َ والر َ
()6
وأما احلديث الثاين ـ وهو كالتفسري للحديث األول ـ فدل على وجوب التواد، والرتاحم ،والتعاطف بني املؤمنني ،وما ينتج عن ذلك؛ كالتأمل آلالمهم. يشري املؤلف بذكره هلذين احلديثني إىل أن اإلميان بالرتابط بني املؤمنني من الدوافع إىل بذل النصح لألمة. لَ َّما ذكر املؤلف َممن ِزلَة النصيحة لكوهنا أعم من األمر باملعروف والنهي عن يفصل بعد ذلك يف نفس األمر باملعروف والنهي عن املنكر. املنكر ،ناسب أن ِّ وسيذكر فيما يتعلق بذلك مبحثني: املبحث األول :التفصيل يف املعروف الذي يأمر به أهل السنة واجلماعة. املبحث الثاين :التفصيل يف املنكر الذي ينهى عنه أهل السنة واجلماعة. وابتدأ ـ املبحث األول ـ بذكر بعض اخلصال املتعلقة باملعاملة مع اهلل. قوله( :ويأمرون بالصبر عند البالء) هذه هي اخلصلة األوىل. الصرب معناه :التحمل ،والبالء معناه :املصيبة. أي يأمرون بالتحمل عند املصيبة. (والشكر عند الرخاء) هذه هي اخلصلة الثانية. الشكر معناه :املقابلة باإلحسان ،والرخاء معناه :النعمة. أي يأمرون مبقابلة النعمة باإلحسان. (والرضا بمر القضاء) هذه هي اخلصلة الثالثة. الرضا :ضد الغضب ،ومر القضاء معناه :ما قدره اهلل من األذى كاملرض والفقر ،أي يأمرون بعدم الغضب فيما قدره اهلل من األذى.
مكتبة المبتدئ
146
شرح العقيدة الواسطية
وي ْدعُو َن إهلَى م َكا هرهم األَ ْخالَ هق ،ومح ه اس هن األَ ْعم ه الَ ،ويَ ْعتَ هق ُدو َن َم ْعنَى قَ ْوله هه : ََ َ َ ََ َ ()1 هه سنُ ُه ْم ُخلُاقا" [أبو داود ،4682 :والترمذي. ]1162 : يماناا أ ْ ين إه َ "أَ ْك َم ُل ال ُْم ْؤمن َ َح َ ( )6لَ َّما ذكر بعض اخلصال اليت يأمر هبا أهل السنة واجلماعة ،واملتعلقة باملعاملة مع اهلل ،ناسب أن يذكر بعد ذلك بعض اخلصال اليت يدعون إليها ،واملتعلقة باملعاملة مع عباد اهلل. قوله( :ويدعون إلى مكارم األخالق) هذه هي اخلصلة األوىل. مكرمة بضم الراء ،وهي :الشيء الطيب. مكارم :مجع م واألخالق :مجع مخلمق بضم اخلاء والالم ،وهو الطبيعة ،أي الشيء الراسخ يف النفس. يعين يدعون إىل الطبائع الطيبة. (ومحاسن األعمال) هذه هي اخلصلة الثانية. األعمال :مجع عمل ،واملراد به هنا :املعاملة. أي يدعون إىل املعاملة احلسنة مع اآلخرين. عرب عن كلتا اخلصلتني جبملة خمتصرة :وهي" :حسن اخللق" فائدة :الغالب يم َّ واملراد هبا :املعاملة احلسنة ،الناجتة عن األخالق الكرمية. (ويعتقدون معنى قوله " :أكمل المؤمنين إيماناا أحسنهم خل اقا") أي يؤمنون باملعىن الذي دل عليه هذا احلديث. فهذا احلديث دل على أن من عالمات كمال اإلميان :حسن اخللق. ويشري املؤلف بذكره هلذا احلديث إىل أن اإلميان مبا دل عليه هذا احلديث من الدوافع إىل حسن اخللق.
مكتبة المبتدئ
147
شرح العقيدة الواسطية
وي ْن ُدبو َن إهلَى أَ ْن تَ ه ك(.)1 كَ ،وتَ ْع ُف َو َع َّم ْن ظَلَ َم َ كَ ،وتُ ْع هطي َم ْن َح َرَم َ ص َل َم ْن قَطَ َع َ َ ُ ويأْمرو َن بهبه ِّر ه ه ه الجوا هر ،وا هإل ْحس ه ه ه ان إهلَى َ الوال َديْ هنَ ،وصلَة األ َْر َحامَ ،و ُح ْس هن َ َ َ ََ ُُ ه () 2 الر ه السبه ه فق هبال َْم ْملُوك . ساكهي هن َوابْ هن َّ يلَ ،و ِّ اليَتَ َامى َوال َْم َ ()6
()2
لَ َّما ذكر أن أهل السنة واجلماعة يدعون إىل حسن اخللق ،ناسب أن يذكر بعض اخلصال اليت يندبون إليها ،والدالة على كمال حسن اخللق. قوله( :ويندبون) أي حيثون ،ويرغبون. (إلى أن تصل من قطعك) هذه هي اخلصلة األوىل. (تصل) أي تواصل. (من قطعك) أي الذي قطعك فلم يواصلك. واملواصلة تكون بالسؤال ،والزيارة ،واملساعدة ،وحنو ذلك. (وتعطي من حرمك) هذه هي اخلصلة الثانية. (تعطي) أي تبذل. (من حرمك) أي الذي حرمك فلم يعطك. والعطاء يشمل بذل املال ،والنصح ،والتعليم ،وغري ذلك. (وتعفو عمن ظلمك) هذه هي اخلصلة الثالثة. (تعفو) أي تسامح. (عمن ظلمك) أي عن الذي ظلمك ،سواء اعتدى عليك ،أو منعك ما جيب لك عليه. لَ َّما ذكر أن أهل السنة واجلماعة يندبون إىل كمال حسن اخللق ،ناسب أن يذكر بعض اخلصال اليت يأمرون هبا ،والدالة على أصل حسن اخللق.
مكتبة المبتدئ
148
شرح العقيدة الواسطية
قوله( :ويأمرون ببر الوالدين) هذه هي اخلصلة األوىل. الرب :بكسر الباء معناه التوسع يف فعل اخلري. والوالدان مها :األب ،واألم. أي يأمرون بالتوسع يف فعل اخلري لألب واألم. (وصلة األرحام) هذه هي اخلصلة الثانية. الصلة معناها :املواصلة. واألرحام :مجع رحم ،ومعناه :القرابة. أي يأمرون مبواصلة األقارب. (وحسن الجوار) هذه هي اخلصلة الثالثة. احلسن :معناه اجلمال. واجلوار :معناه القرب ،واجلار :هو الساكن بالقرب. أي يأمرون مبعاملة اجلار معاملة مجيلة. (واإلحسان إلى اليتامى ،والمساكين ،وابن السبيل) هذه هي اخلصلة الرابعة. وهي اإلحسان إىل هؤالء األصناف من الناس. واإلحسان :معناه املعاملة باليت هي أحسن. واليتامى :مجع يتيم ،وهو :الذي مات أبوه قبل بلوغه. واملساكني :مجع مسكني ،وهو :احملتاج. وابن السبيل هو :املسافر. (والرفق بالمملوك) هذه هي اخلصلة اخلامسة. الرفق :بكسر الراء وسكون الفاء معناه اللني.
مكتبة المبتدئ
149
شرح العقيدة الواسطية
وي ْن هو َن ع هن ال َف ْخ هر و ُ ه الخلْق به َح ٍّق أ َْو بهغَْي هر االستهطَالَ هة َعلَى َ الخيَالءَ ،والْبَ ْغ هي َو ْ ََ َ َ َح ٍّق(.)1 أي يأمرون باللني يف معاملة اإلنسان اململوك. ( )6هذا املبحث الثاين؛ وهو :التفصيل يف املنكر الذي ينهى عنه أهل السنة واجلماعة. وذكر املؤلف يف هذا التفصيل بعض اخلصال املتعلقة باملعاملة مع عباد اهلل. قوله( :وينهون عن الفخر) هذه هي اخلصلة األوىل. والفخر :معناه االفتخار ،وهو :أن يقول قوال ،يعظم به نفسه ،ويقصد به احتقار غريه ،كأن يقول :أنا يل من املال مقدار كذا ،وأنا نسيب كذا ،وحنو ذلك. (والخيالء) هذه هي اخلصلة الثانية. واخليالء :بضم اخلاء معناه االختيال ،وهو :أن يفعل فعال ،يعظم به نفسه، ويقصد به احتقار غريه ،كأن ميشي رافعا رأسه ،أو متبخرتا يف مشيته ،وحنو ذلك. والفرق بني الفخر واخليالء :أن األول يكون بالقول ،والثاين يكون بالفعل. (والبغي) هذه هي اخلصلة الثالثة. والبغي هو :االعتداء ،إما بالقول كالسب ،أو بالفعل كالضرب. (واالستطالة على الخلق ،بحق أو بغير حق) هذه هي اخلصلة الرابعة. وهي شاملة للخصال الثالث املتقدمة. (بحق أو بغير حق) أي هذا التطاول قد يكون حبق ،وقد يكون بغري حق. أما التطاول حبق فاملراد به :أنه من حيث الواقع هو أفضل منهم باملال أو النسب أو غري ذلك ،لكن هذا ليس مربرا له أن حيتقر غريه. فإذا صدر منه هذا التطاول بالقول فيسمى فخرا.
مكتبة المبتدئ
151
شرح العقيدة الواسطية
ه ه ه سافه َها(.)1 َويَأ ُْم ُرو َن ب َم َعالي األَ ْخالَقَ ،ويَ ْن َه ْو َن َع ْن َس ْف َ وُك ُّل ما ي ُقولُونَهُ وي ْفعلُونَهُ همن َه َذا وغَي هرهه؛ فَهإنَّما ُهم فه هيه متَّبهعو َن لهل ه ْكتَ ه اب َ ْ ُ ُ ََ َ ْ َ َ َ َ ْ السن هَّة(.)2 َو ُّ
()6
وإذا صدر منه بالفعل فيسمى خيالء. وأما التطاول بغري حق فاملراد به :االعتداء بالقول أو الفعل ،ويسمى البغي. فصل املؤلف يف املعروف الذي يأمر به أهل السنة واجلماعة ،ويف املنكر لَ َّما َّ الذي ينهون عنه ،ناسب أن يذكر بعد ذلك خالصة ما يأمرون به وما ينهون عنهِ ،ممَّا يتعلق باألخالق. قوله( :ويأمرون بمعالي األخالق) أي األخالق العالية. (وينهون عن سفسافها) أي عن األخالق الرديئة.
( )2لَ َّما ذكر خالصة ما يأمر به أهل السنة واجلماعة ،وما ينهون عنه ،ناسب أن يذكر مصادرهم يف تلقي هذه األوامر والنواهي. قوله( :وكل ما يقولونه ويفعلونه) أي تطبيقهم يف كل أقواهلم وأفعاهلم. (من هذا) أي الذي تقدم ذكره ،من األوامر والنواهي. (وغيره) أي مما مل يذكر. (فإنما هم فيه) أي يف كل أقواهلم وأفعاهلم. (متبعون) أي مطبقون. (للكتاب والسنة) أي لألوامر والنواهي املتلقاة من الكتاب والسنة. اخلالصة :أن مصادرهم يف تلقي األوامر والنواهي مها الكتاب والسنة.
مكتبة المبتدئ
151
شرح العقيدة الواسطية
[فضل أهل السنة واجلماعة على بقية الفرق]
ه ه ين ا هإل ْس ه ث اللُ به هه ُم َح َّم ادا . الم الَّ هذي بَ َع َ َوطَ هري َقتُ ُه ْم ه َي د ُ َن أ َُّمتَهُ ستَ ْفتَ هر ُق َعلَى ثَالَ ٍ لَ هك ْن لَ َّما أَ ْخبَ َر النَّبه ُّي أ َّ ث َو َس ْب هعيَن فه ْرقَةا ُكلُّها فهي َ ه ه اعةُ [أبو داود ،]4597 :وفهي ح هد ٍ الُ " :ه ْم يث َع ْنهُ أَنَّهُ قَ َ ْج َم َ النَّا هر إهالَّ َواح َد اةَ ،وه َي ال َ َ َ ه س ُكو َن ار ال ُْمتَ َم ِّ َم ْن َكا َن َعلَى مثْ هل َما أَنَا َعلَْي هه الْيَ ْوَم َوأ ْ َص َحابهي" [الترمذي]2641 :؛ َ صَ ب ُهم أ َْهل ُّ ه ص َعن َّ ه ْخاله ه بها هإل ْسالَهم ال َْم ْح ه اع هة. ض ال َ ْج َم َ السنة َوال َ الش ْو ْ ُ ه الشه َداء و َّ ه اله َدى وَم َ ه يح َوفهي ه م ِّ صاب ُ الصال ُحو َنَ ،وم ْن ُه ْم أَ ْعالَ ُم ُ َ الصدِّي ُقو َن َو ُّ َ ُ َ ه ب الْمأثُورةه وال َف َ ه ُّ الَ ،وفهي ه ْم ورةهَ ،وفهي ه م األَبْ َد ُ ضائ هل ال َْم ْذ ُك َ الد َجى أُولُو ال َْمنَاق ه َ َ َ األَئهمةُ الَّ هذين أَجمع الْمسلهمو َن َعلَى هه َدايته ه م ه ود َرايَته ه ْم. َ ْ َ ََْ ُ ْ ُ َ ه ال طَائهَفةٌ هم ْن أ ُّمتهي ال فهي ه م النَّبه ُّي " :الَ تَ َز ُ ورةُ الَّ هذين قَ َ َو ُهم الطَّائفةُ الم ْن ُ صَ ه اعةُ" وم َّ ين الَ يَ ُ الس َ ض ُّرُهم َم ْن َخ َذلَ ُه ْم َوالَ َم ْن َخالََف ُه ْم َحتَّى تَ ُق َ َعلَى ال َ ْح ِّق ظَاه هر َ [البخاري ،)3641( :ومسلم.)1(])1921( :
()6
لَ َّما انتهى املؤلف من بيان اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألخبار واألحكام ،ناسب أن خيتم الكالم بذكر فضلهم على بقية الفرق. قوله( :وطريقتهم) أي يف األخبار واألحكام. (هي دين اإلسالم) أي هي نفسها دين اإلسالم.
مكتبة المبتدئ
152
شرح العقيدة الواسطية
(الذي بعث الل به محم ادا )أي هذا الدين هو نفسه الذي بعث اهلل به
حممدا .
(لكن) هذا حرف استدراك للتفريق بينهم وبني بقية الفرق اليت تدعي أن طريقتها هي دين اإلسالم. (لَ َّما أخبر النبي أن أمته ستفترق على ثالث وسبعين فرقة كلها في النار إال واحدة ،وفى حديث عنه أنه قال" :هم من كان على مثل ما أنا
عليه اليوم وأصحابي" صار المتمسكون باإلسالم المحض الخالص عن
الشوب هم أهل السنة والجماعة) خالصة مراد املؤلف :أنه لَ َّما أخرب النيب بوجود االفرتاق يف األمة ،وبصفة الفرقة الناجية ،صار أهل السنة واجلماعة هم الفرقة الناجية ،وذلك ألهنم هم املتصفون بالصفة اليت أخرب هبا النيب عن الفرقة الناجية. قوله( :وفيهم) أي يف أهل السنة واجلماعة. (الصديقون والشهداء والصالحون) الصديقون :مجع صديق ،وهو :الذي بلغ الغاية يف التصديق. والشهداء :مجع شهيد ،وهو :الذي قتل يف سبيل اهلل. والصاحلون :مجع صاحل ،وهو :الذي الزم األعمال الصاحلة. تنبيه :الصديقون والشهداء كذلك مالزمون لألعمال الصاحلة ،لكن َمتيزوا عن عموم الصاحلني بصفات خاصة. (ومنهم) أي من أهل السنة واجلماعة.
مكتبة المبتدئ
153
شرح العقيدة الواسطية
(أعالم الهدى) األعالم :مجع علم ،وهو :اجلبل ،وأعالم اهلدى :هي اجلبال اليت يهتدى هبا فيعرف هبا الطريق ،واملراد هبا هنا :العلماء الذين يهتدى بعلمهم. (ومصابيح الدجى) املصابيح :مجع مصباح ،وهو :الذي يستضاء به،
والدجى :مجع دجية ،وهي :الظلمة ،واملراد مبصابيح الدجى هنا :العلماء الذين يستضاء بعلمهم. (أولوا) أي أصحاب.
(المناقب) مجع منقبة ،وهي :اخلصلة اليت ميدح هبا اإلنسان. (المأثورة) أي املنقولة. (والفضائل) مجع فضيلة ،وهي :اخلصلة اليت يفضل هبا اإلنسان على غريه. (المذكورة) أي اليت تذكرها األلسنة باستمرار. (وفيهم) أي يف أهل السنة واجلماعة. (األبدال) األبدال :مجع بدل ،واملراد هبم :أهل العلم والعمل ،وْسوا أبداال ألنه إذا مات بعضهم يسر اهلل بدال عنهم ،فال تنتفي األرض من وجودهم. (وفيهم) أي يف أهل السنة واجلماعة.
(األئمة) مجع إمام ،وهو الذي يقتدى به. (الذين أجمع المسلمون) أي كلهم. (على هدايتهم) أي على أهنم يف أنفسهم مهتدون ،وغريهم يهتدي هبم. (ودرايتهم) أي قوة فهمهم وفقههم يف الدين.
154
مكتبة المبتدئ
شرح العقيدة الواسطية
ه ب لَنَا نَ ْسأ ُ َل اللَ أَ ْن يَ ْج َعلَنَا م ْن ُه ْمَ ،وأَ ْن الَ يُ هزي َغ قُلُوبَنَا بَ ْع َد إه ْذ َه َدانَاَ ،وأَ ْن يَ َه َ ه صلَّى اللُ َعلَى ُم َح َّم ٍد َوآله هه َّابَ ،والل أَ ْعلَ ُمَ ،و َ الوه ُ م ْن لَ ُدنْهُ َر ْح َمةا إهنَّهُ ُه َو َ ه و هه يما َكثه ايرا(.)1 َ َ ص ْحبه َو َسلَّ َم تَ ْسل ا واملراد هبم :العلماء العاملون الذين اشتهروا يف الناس اشتهارا عظيما ،ومنهم األئمة األربعة :أبو حنيفة ،ومالك ،والشافعي ،وأمحد. (وهم) أي أهل السنة واجلماعة.
(الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي " :ال تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ال يضرهم من خذلهم وال من خالفهم حتى تقوم الساعة") أي هم الفرقة املنتصرة على من خالفها يف الدنيا ،الذين قال فيهم النيب هذا احلديث. ( )6ختم املؤلف كتابه هذا بثالثة أمور: األول :الدعاء. الثاين :تفويض كمال العلم هلل تعاىل. الثالث :الصالة والسالم على النيب وآله وصحبه. واهلل أعلم ،وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم.
مكتبة المبتدئ
155
شرح العقيدة الواسطية
احملتويات
املقدمة 3................................................................. قبل الشروع يف شرح الكتاب5.............................................. [مقدمة املؤلف] 6......................................................... [اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألخبار] 8................. [اإلميان باهلل] 1........................................................... [شواهد من القرآن تدل على أن اهلل وصف نفسه باإلثبات والنفي] 61 ......... [سورة تشتمل على صفات مثبتة ومنفية] 61 ................................ [آية تشتمل على صفات مثبتة ومنفية] 22 .................................. [آيات تشتمل على صفات مثبتة فقط] 24 .................................. [إثبات صفات األولية ،واآلخرية ،والظهور ،والباطنية] 24 ..................... [إثبات صفة احلياة] 24 ................................................... [إثبات صفة العلم] 25 ................................................... [إثبات صفات الرزق ،والقوة ،واملتانة] 25 ................................... [إثبات صفيت السمع والبصر] 26 .......................................... [إثبات صفيت املشيئة واإلرادة] 26 .......................................... [إثبات صفة احملبة واملودة] 28 .............................................. [إثبات صفة الرمحة] 27 ................................................... [إثبات صفة الرضى] 27 .................................................. [إثبات صفة الغضب وما يف معناه] 21 .....................................
مكتبة المبتدئ
156
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة اإلتيان واجمليء] 21 ........................................... [إثبات صفة الوجه] 30 ................................................... [إثبات صفة اليدين] 30 .................................................. [إثبات صفة العينني] 36 .................................................. [إثبات صفيت السمع والرؤيا] 36 ........................................... [إثبات صفة املكر وما يف معناه] 32 ........................................ [إثبات صفيت العفو واملغفرة] 33 ........................................... [إثبات صفة العزة] 33 .................................................... [إثبات االسم هلل تعاىل] 34 ............................................... [آيات تشتمل على صفات منفية فقط] 35 ................................. [إثبات صفة العلو] 37 .................................................... [إثبات صفة املعية] 40 .................................................... [إثبات صفة الكالم] 42 .................................................. [إثبات أن القرآن كالم اهلل] 43 ............................................ [إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة] 45 .................................. [شواهد من السنة] 48 .................................................... [إثبات صفة النـ مُّزموِل] 47 .................................................. [إثبات صفة الفرح] 41 ................................................... [إثبات صفة الضحك] 41 ................................................ [إثبات صفة القدم والرجل] 50 ............................................
مكتبة المبتدئ
157
شرح العقيدة الواسطية
[إثبات صفة الكالم] 50 .................................................. [إثبات صفة العلو] 56 .................................................... [إثبات صفيت املعية والقرب] 52 ............................................ [إثبات أن املؤمنني يرون اهلل يف اآلخرة] 53 .................................. [موقف أهل السنة واجلماعة يف عامة أبواب الدين]55 ........................ [الكالم عن صفيت العلو واملعية] 60 ........................................ [الكالم عن صفيت القرب واإلجابة] 66 ..................................... [الكالم عن القرآن] 67 ................................................... [الكالم عن رؤية املؤمنني لرهبم يوم القيامة]82 ............................... [اإلميان باليوم اآلخر] 84 .................................................. [اإليـمان بالقدر]71 ...................................................... [الدين واإلميان ووعيد اهلل] 606 ........................................... [أصحاب النيب 601 .................................................] [كرامات األولياء]632 ................................................... [طريقة أهل السنة واجلماعة يف الدين] 635 ................................. [اعتقاد أهل السنة واجلماعة يف املسائل اليت تتعلق باألحكام] 642 ............ [فضل أهل السنة واجلماعة على بقية الفرق] 656 ...........................