العدد 98
2013-12-29
الرباميل املتفجرة وي�أ�س الأ�سد
يف العنف الثوري نفط دير الزور
ً �صحفيا معاناة �أن تكون براميل حلب �أم �أحمد �صانعة التمائيل اعالم الثورة ملثموا داع�ش
ماك�س في�شر ـــــــــــــ ترجمة رمي من ق�سم ترجمة �شرارة �آذار ال تختلف الرباميل املتفجرة والتي هي �أح��دث �أ�سلحة النظام ال�سوري املدمرة عن غريها من الأدوات الإرهابية .ولكن الرباميل النفطية التي مُتلأ باملتفجرات وال�شظايا املعدنية ال�شبيهة بامل�سامري ، والتي ُتلقى على املناطق التي ي�سيطر عليها الثوار تختلف عن القنابل التقليدية يف �أنها �أ�شد ق�سوة بكثري .وال ميكن حتديد ما �إذا كانت الرباميل املتفجرة �أكرث فتكا �أو �أكرث تدمريا من القنابل التقليدية �أو �أقل منها. وبح�سب حتليل اخلبري احلربي ريت�شارد لويد ف�إن فعالية الرباميل املتفجرة % 25يف كل مرة ،وحتى �آنذاك ف�إنها م�صممة بطريقة رديئة حيث �أن �شخ�ص ًا يقف على بعد 40قدما منها لديه فر�صة %3فقط �أن ي�صاب .وقد انتقد �إليوت هيغنز ،وهو �أول مراقب للأ�سلحة امل�ستخدمة يف �سوريا والذي ال يعمل لدى وكالة اال�ستخبارات الرئي�سية ،انتقد ال�ضجة الإعالمية املُثارة حول الرباميل املتفجرة وكتب على تويرت: (�إن ت�سميتها "براميل متفجرة" يعطيها فعالية قوية ،يف حني �أنها �أ�سا�سا ال �شيء). ولكن املخيف حقا هي �أخالقيات �صنع الأ�سلحة يدويا وا�ستخدامها املمنهج �ضد �أحياء حلب .فهي تتوجه �إىل العقول املفردة يف النظام التي تركز على �إيجاد طرق جديدة للقتل ،وال�سعي احلثيث والهو�س بالفو�ضى والدمار ك�إ�سرتاتيجية ر�سمية على ما يبدو يف ال�صراع الذي ي�ستمر منذ قرابة ثالث �سنوات حتى الآن. الرباميل املتفجرة تبعث على القلق لأنها ت�ؤكد ما كان جلي ًا ب�شكل متزايد طوال فرتة احلرب ال�سورية وهو �أن نظام ب�شار الأ�سد ال يهتم ب�أي �شيء بخالف القتل ،وعدم خ�سارة احلرب ،ولكن رمبا لي�س للفوز ب�شكل معلن .قد يبدو افتقار نظام الأ�سد للمهارة يف احلرب �شيئا �سيئا باعتبارها اجلانب ال�سلبي ،وهو ما �ساعد على حتويل ال�صراع الذي بد�أ باحتجاجات �شعبية �إىل طريق م�سدود ،معركة طويلة وطويلة ميكن �أن ت�ستمر ع�شر �سنوات �أخرى .ا�ستخدام الرباميل املتفجرة تعني ب�شكل �صريح عدم قدرة الأ�سد على ك�سب املعركة ،ف�ضال عن عدم رغبته يف النظر يف �أي �إ�سرتاتيجية �أخرى غري القتل الع�شوائي ،وهو ما ي�شري �إىل �سنوات عديدة �أخرى من ال�صراع املروع يف البالد والتي �شهدت بالفعل مبا فيه الكفاية ليبقى كعالمة فارقة لأجيال.
العدد 98
�صرب دروي�ش
2013-12-29
يف العنف الثوري وانحرافات الثورة
ال ميكن تف�سري ال�صراع الدائر يف �سوريا واالجتاهات الذي اتخذه هذا ال�صراع باال�ستناد �إىل نظريات ثقافوية ت�سارع �إىل �إطالق �أحكام قيمة �أكرث مما ت�سعى �إىل تف�سري الوقائع وحتليل معطيات ال�صراع و�شروطه التاريخية. �إذ من االبتذال مبكان القول �أن �أيديولوجيا اال�سالم ال�سيا�سي كانت حا�ضرة على طول اخلط يف "ال �شعور" قوى املجتمع ال�سوري املنتف�ضة ،و�أنه كانت امل�س�ألة حتتاج �إىل فر�صة تاريخية حمددة كي تظهر �إىل العلن وتتبلور تعبرياتها ،وال يقل اب��ت��ذا ًال عن ذلك احلديث عن الطبيعة املعتدلة للثقافة ال�سائدة يف املجتمع ال�سوري؛ فالتحديد بحدّ ذاته فا�سد� ،إذ هل من املمكن احلديث عن ثقافة واحدة �سائدة يف املجتمع ال�سوري؟ والأهم من ذلك، هل نتعامل هنا مع "الثقافة" باعتبارها جوهر ًا ثابت ًا ال يتغري؟. يف احلقيقة على �أر�ض ال�صراعات االجتماعية كل �شيء يف تغري، بينما الثابت هنا هو �أن ال �شيء ثابت!. ب��د�أت ث��ورة ال�سوريني �سلمية كما ينبغي عليها �أن تكون، و�صمدت لأ�شهر رغم كل العنف الذي مار�سته ال�سطلة احلاكمة منذ �أول حلظة خل��روج املنتف�ضني �إىل ال�شارع ،وت�سلل العنف الثوري مع بداية الطور الثاين للثورة �إىل �صفوف الثوار ،ملاذا حدث ذلك وكيف؟ وهل تكمن امل�شكلة يف العنف الثوري ذاته كمقولة �أم يف مكان �آخر. هناك حد فا�صل علينا �أن ال نغيبه على االطالق بني العنف الثوري من جهة ،وانحرافات الثورة من جهة اخرى� .إذ لي�س كل عنف ث��وري يقود �إىل انحراف يف الثورة بال�ضرورة ،مبعنى �أن انحراف الثورة �إذا حدث ،فهو غري م�شروط بالعنف الثوري� ،إذ ال ترابط �سببي بني احلدين؛ وهي مغالطة وخلط للأوراق غالب ًا ما يعتمدها �أ�صحاب مقولة�" :أمل نقل لكم؟!". �أغلب الثورات يف العامل تخللها العنف� ،إذ مل تقم �سلطة عرب التاريخ احلديث بالتنازل عن مواقعها خل�صمها الطبقي هكذا وبكل دميوقراطية ،على الرغم من وجود بع�ض اال�ستثناءات والتي ت�ؤكد القاعدة ال تنفيها. ويف الو�ضع ال�سوري ،ال �شيء ا�ستثنائي ،فاالنتفا�ضة ال�شعبية كانت قد �صمدت لأ�شهر وهي تدافع عن �سلمية خيارها يف ا�سقاط حكم الأ�سد ،ومل تتحول �إىل الكفاح امل�سلح �إال بعد ارتفاع معدالت القتل وحجم العنف الذي ارتكبته قوات الأ�سد .بيد �أن ذلك ال يكفي لتف�سري اال�سباب التي وقفت خلف خيار الكفاح امل�سلح. ال خالف ان �سنوات حكم الأ�سد كان قد متخ�ض عنها تدين كبري يف م�ستوى الوعي ال�سيا�سي لدى قطاعات وا�سعة من املجتمع ال�سوري ،ومل تكن الثورة فع ًال �سحري ًا ينتج عنه ب�شكل اتوماتيكي تغيري ًا لهذه املعادلة ،ما جرى �أنه مت ا�ستغالل هذه الظاهرة من
�أحمد العقدة
قبل اطراف كثرية ،وطبع ًا يف مقدمتها نظام الأ�سد ذاته؛ ورغم كل اجلهد الذي بذل� ،إال �أن قوى الثورة مل تتمكن من حت�صني نف�سها وبلورة قواها بدرجة كافية ،مما جعلها عر�ضة للتالعب من اطراف عدة ،ويف مقدمتها املعار�ضة ال�سورية ذاتها. جزء كبري ًا من م�س�ؤولية حمل ال�سالح �إذ �أال تتحمل املعار�ضة ً يف الثورة ال�سورية؟ �أمل ي�شجع املجل�س الوطني على حمل ال�سالح يف منا�سبات عدة؟ و�أمل يدعم ت�شجيعه هذا ،بوعود راح يقطعها للثائرين حول التدخل الع�سكري اخلارجي والدعم املرافق له؟ لقد �ساهمت بع�ض قوى املعار�ضة وعلى ر�أ�سها املجل�س الوطني بقيادة الإخوان امل�سلمني ،بالت�شجيع ب�شكل �أو ب�أخر على ت�سليح ثورة ال�سوريني ،ويف الوقت نف�سه ف�شلت هذه املعار�ضة يف بلورة قطب �سيا�سي قادر على �أن يتمف�صل مع هذا اجلناح امل�سلح للثورة، كي يكون ذراع�� ًا له على �صعيد ال�صراع .ما حدث فيما بعد� ،أن املعار�ضة ال�سيا�سية كانت مبكان والت�شكيالت الع�سكرية للثوار مبكان �آخر .وهو واحد من �أهم العوامل التي �ستف�ضي فيما بعد �إىل انحراف الثورة عن �شعاراتها الأوىل. ً من جهة �أخ��رى ،لعب املال ال�سيا�سي دورا ال يقل �أهمية عن �سابقه ،فغذى تلك امليول نحو الت�سليح ،وعمد �إىل تبني ت�شكيالت كانت منذ البدء تابعة له اكرث مما هي تابعة لثورة ال�سوريني ،ولنا يف لواء اال�سالم املمول �سعودي ًا خري مثال على ذلك. وت��ك��ف��ي ال���ي���وم ن���ظ���رة م��ت��ف��ح�����ص��ة ل��ط��ب��ي��ع��ة ال�����ص��راع
الع�سكري الدائر على الأر�ض ال�سورية ،كي ندرك �أنه �صراع بني دول ت�صفي ح�ساباته هنا� ،إذ �أغلب الأط��راف الكربى املتقاتلة اليوم ال ميت �إىل ثورة ال�سوريني و�شعاراتها ب�صلة ،ال داع�ش وال الن�صرة وال حتى اجلبهة ،وه�ؤالء جميعهم لي�سوا الثورة ال�سورية، كما �أنهم لي�سوا املمثل عن ال�سوريني. مل حتتج ق��وى املعار�ضة امل�شجعة خليار الت�سليح ،وامل��ال ال�سيا�سي املرتقب لأي فر�صة منا�سبة� ،سوى توفر املناخ املنا�سب لالنطالق ،وهو فع ًال ما حققه نظام الأ�سد عرب كل ممار�سته التي انتهجها منذ الأ�شهر االوىل للثورة. من ال�صحيح ان ال�سوريني �أجربوا على حمل ال�سالح ،وخ�صو�ص ًا مع تزايد عدد وحجم املجازر املرتكبة ،بيد �أن العوامل الأخرى التي حاولنا مقاربتها ،كانت �أ�سا�سية يف تكري�س ه��ذا اخليار وتعميمه؛ بينما انحراف الثورة عن منطلقاتها الأوىل في�أتي كنتيجة لغياب تبلور قطب معار�ض يرتقي �إىل م�ستوى احلراك الثوري ،ويتمكن من متثيله متثي ًال حقيقي ًا ال وهمي ًا كما هو احلال اليوم ،من جهة ،ومن جهة �أخرى ،تبقى قوى الثورة املدنية حتى اللحظة من دون �أي متثيل �سيا�سي �أو حتى ع�سكري يتيح لنا معرفة �إن كانت هذه القوى قد انحرفت عن �شعاراتها الأوىل �أم ال .فاملتقاتلون على الأر�ض وخ�صو�ص ًا �أوالءك املتطرفني من كل الأ�شكال ،ميثلون "الداعمني واملمولني لهم" ،وال ميثلون قوى الثورة ال�سورية التي انطلقت يف �شهر �آذار من عام .2011
حلب :النظام ي�صعد انتقامه من املدنيني
اليكا ُد يفر ُغ امل�سعفون من انت�شال جثث ال�ضحايا من حتت الأنقا�ض يف حلب حتى ي�سقط برميل متفجر جديد .هو ٌ حدث بات حا�ضر ًا يف يوميات احللبيني لليوم التا�سع على التوايلُ . يقول امل�سعفون �إن �سقوط الرباميل زاد حد ًة وعدد ًا مع �سقوط م�شفى الكندي بيد املعار�ضة امل�سلحة. الإح�صاءات الدقيقة غائبة عن امل�شهد يف ظل �أعداد القتلى واجلرحى التي تزداد ب�شكل متوا�صل على امتداد 150كيلومرت ًا من �أول نقطة ت�سيطر عليها املعار�ضة امل�سلحة وحتى احلدود ال�سورية الرتكية. عدد الرباميل التي �سقطت على حلب بلغ �أكرث من 200برميل متفجر خالل الأ�سبوع املا�ضي .وح�صدت الرباميل �أرواح نحو 1000قتيل وفق تقديرات طبية و�إعالمية غري نهائية ،معظمهم من الن�ساء والأطفال. �سقوط م�شفى الكندي من يد النظام ،ال�سبت املا�ضي ،وحما�صرة املعار�ضة امل�سلحة ل�سجن حلب املركزي الذي �أ�صبح �آي ًال لل�سقوط يف �أي حلظة ،يدل على عدم قوة النظام على حماية ثكناته احلالية التي تت�ساقط تباع ًا ،الأمر الذي يُبعد فكرة �أن يكون الق�صف بالرباميل متهيد ًا القتحام ما يف �أي حمور من حماور حلب. ي�ؤكد قائد ع�سكري من لواء التوحيد �صحة تلك الفر�ضية التي ال تربط بني ت�صعيد النظام الأخري وخ�سارته ملقراته .ويقول مف� ً ضال عدم الك�شف عن ا�سمه ،يف حديث� ،إن "الهجمة ال تتعلق ب�أي خطة ع�سكرية للنظام من �أجل اقتحام املدينة" .وي�ضيف "هي فقط من �أجل جنيف ،"2م�شري ًا �إىل �أن النظام "يريد �أن يوهم العامل انه موجود يف كل مكان من �سوريا ،وي�ستخدم قتل املدنيني كورقة �ضغط يف جنيف ال �أكرث". ق�صف النظام يرتكز على الأحياء ال�شرقية من مدينة حلب ،وهي �أحياءٌ خا�ضعة ل�سيطرة املعار�ضة ،يف م�ساكن هنانو وال�صاخور وبعيدين� ،إ�ضافة �إىل ا�ستهداف يومي لأحياء القاطرجي وقا�ضي ع�سكر ،التي تتواجد فيها �أهم املقرات الع�سكرية للمعار�ضة امل�سلحة والف�صائل الإ�سالمية مبا فيها الهيئة ال�شرعية و مقر "الدولة اال�سالمية يف العراق وال�شام".
�أما يف الريف فيرتكز الق�صف على مدن كربى يف الريف ال�شمايل من حمافظة حلب تعترب احلا�ضنة ال�شعبية الأكرب للمعار�ضة امل�سلحة ،يف مارع و�أعزاز وعندان وحيان والقرى املجاورة� ،إ�ضافة �إىل مدينتي منبج والباب يف الريف ال�شرقي من حلب. يقول النا�شطون �إن املقرات الع�سكرية للمعار�ضة امل�سلحة مل ي�صلها �أي برميل حتى الآن ب�شكل مبا�شر، ومعظم �ضحايا الرباميل املتفجرة هم من املدنيني الذين ا�ضطروا للنزوح ب�شكل جماعي �إىل القرى القريبة من احلدود ال�سورية الرتكية. ُ �أما قوات املعار�ضة فال متلك ما تفعله �إزاء الطريان الذي يلقي الرباميل املتفجرة ،فيقت�صر الرد على الرباميل بق�صف متقطع ب�صواريخ حملية ال�صنع على اجلزء اخلا�ضع ل�سيطرة قوات النظام من حلب� ،إ�ضافة �إىل ا�ستهداف يومي لقريتي نبل والزهراء املواليتني ،فيما ترد املعار�ضة ال�سيا�سية ممثلة باالئتالف ال�سوري املعار�ض بالتلويح �أنها لن ت�شارك يف جنيف ،2ما مل يتوقف �سقوط الرباميل املتفجرة على حلب والذي �أدانه الأمني العام للأمم املتحدة ،بان كي مون. ونتيجة للهجمة غري امل�سبوقة بالرباميل املتفجرة ،كما ي�صفها نا�شطون ،غ�صت امل�شايف امليدانية يف حلب وريفها مبئات اجلرحى ،حالة معظمهم خطرية ،ما �أدى �إىل نقل مئات امل�صابني �إىل م�شايف ك ّل�س وغازي عنتاب يف اجلانب الرتكي. وتوجه امل�شايف واالحتادات واملجال�س الطبية يف حلب وريفها نداءات يومية للمواطنني من �أجل التربع بالدم وامل�ساعدة يف �إنقاذ اجلرحى من حتت الأنقا�ض .كما ع ّلقت "مديرية التعليم احلرة يف حمافظة حلب" الدوام يف جميع مدار�س حلب وريفها بعد تكرر ا�ستهداف املدار�س ،حيث �أدى ا�ستهداف املدار�س �إىل جرح نحو 40 طف ًال �إثر �سقوط برميلني متفجرين على مدر�ستني متجاورتني يف مدينة مارع 30كيلومرت ًا �شمال مدينة حلب.
العدد 98
ل�ؤي �صايف
2013-12-29
�آفاق احلل ال�سيا�سي يف ال�صراع ال�سوري
يكرث احلديث اليوم عن حل �سيا�سي لل�صراع الدموي يف �سورية والذي راح �ضحيته �أكرث من مئة وع�شرين �أل��ف قتيل من املدنيني و�أك�ثر من �أربعني �ألف ًا من مرتبات اجلي�ش .احلل ال�سيا�سي الذي يحقق �أه��داف الثورة يف االنتقال �إىل نظام دميوقراطي وينهي نزيف الدم ال�سوري امل�ستمر منذ قرابة ثالث �سنوات هو احلل الأمثل لهذا ال�صراع .ال�س�ؤال الذي ي��دور يف الأذه���ان وي�ت�ردد على الأل�سن ه��و �س�ؤال الإمكان :هل احلل ال�سيا�سي لل�صراع الع�سكري يف �سورية ممكن؟ من املفيد قبل النظر يف �إمكان الو�صول �إىل حل �سيا�سي �أن نتحدث عن معنى احلل ال�سيا�سي الذي ميكن �أن يخرج البالد من حالة اال�ستقطاب ال�شديد بني مكونات املجتمع ال�سوري وي�ضعها على بداية طريق امل�صاحلة الوطنية ،وي�سمح بتجاوز حالة اال�ستبداد وما رافقها من ا�ستقطاب طائفي والتي ولدتها ممار�سات نظام الأ�سد منذ مطلع �سبعينات القرن املا�ضي. الإط����ار ال��ن��ظ��ري للحل ال�سيا�سي يف �سورية يعني �إن��ه��اء االقتتال بني ق��وات النظام وحلفائه م��ن جهة ،والكتائب املقاتلة لإ�سقاطه مبختلف �أ�صنافها وا�صطفافاتها ،والو�صول �إىل بنية �سيا�سية و�آليات عمل م�شرتكة ت�سمح بحل اخلالفات القائمة بني الأط���راف �سلمي ًا وم��ن دون اللجوء �إىل القوة وا�ستخدام العنف لفر�ض ر�أي �أو ر�ؤية يحملها طرف من �أطراف ال�صراع على الآخر .وهذا يعني بطبيعة احلال نقل القرار ال�سيا�سي من الع�سكريني واملقاتلني �إىل ال�سيا�سيني وال�شخ�صيات الوطنية التي متثل ال��ق��وى املت�صارعة .البنية ال�سيا�سية املطلوبة للو�صول �إىل احلل ال�سيا�سي يجب �أن تعطي مكونات ال�شعب ال�سوري املختلفة حيز ًا كافي ًا من احلريات ي�ضمن عدم حتكم �أي مكون يف املمار�سات االجتماعية والثقافية والدينية للمكونات الأخ���رى ،و�آليات العمل امل�شرتك ه��ي �آل��ي��ات ال��ق��رار الدميوقراطي عرب �صناديق االق�تراع وامل�شاركة احلرة يف احلياة ال�سيا�سية. ثمة تقاطعات كبرية ب�ين ال��ق��وى ال�سيا�سية واالجتماعية املت�صارعة على الإط��ار العام للحل ال�سيا�سي .فالنظام و�أعوانه يتحدثون عن االحتكام �إىل �صناديق االقرتاع الختيار القيادة ال�سيا�سية، وهم لذلك يطالبون املعار�ضة بقبول م�س�ألة حتديد م�صري ب�شار الأ���س��د م��ن خ�لال �صناديق االق�ت�راع. امل�شكلة هنا �أن النظام ال�سوري برتكيبته احلالية غري ق��ادر على �إج��راء انتخابات ح��رة ونزيهة من جهة ،و�أن اختيار النظام لطريق احل�سم الع�سكري للتعامل م��ع ال��دع��وات الإ�صالحية يجعل م�س�ألة القبول بالأ�سد على ر�أ�س دولة �ساهم بتدمريها �أمر ًا م�ستحي ًال. ق��وى املعار�ضة دع��ت نظام الأ���س��د منذ بداية ال�صراع ال�سيا�سي وقبل حتوله �إىل �صراع ع�سكري �إىل �إدخ��ال �إ�صالحات �سيا�سية ود�ستورية وبدء حياة دميوقراطية ت�سمح بامل�شاركة ال�سيا�سية الوا�سعة و�إنهاء نظام احلزب الواحد وحكم القائد الرمز املتعايل فوق احلياة ال�سيا�سية الذي بد�أ مع تويل الأ�سد الأب مقاليد ال�سلطة يف القرن املا�ضي. وبطريقة م�شابهة ،ولكنها بالت�أكيد غري مطابقة، حتدثت القوى املقاتلة ذات النزعة الإ�سالمية عن نظام يقوم على ال�شورى واالنتخابات التي تفرز القيادة ال�سيا�سية ،ولكنها تختلف يف فهمها ملعنى ال�شورى و�آليات االنتخاب و�صالحيات ممثلي ال�شعب (وفق مفهوم �أهل احلل والعقد التاريخي) وفق طرح
ف�ضفا�ض لتحكيم ال�شريعة يف احلياة العامة. وعلى رغم ت�سليمنا بوجود �صعوبات عدة ومهمة يف التوافق على �إطار نظري حلل الأزم��ة ،ف�إن بذور التوافق النظري موجودة ،على الأقل على م�ستوى القيم الأ�سا�سية ،مثل امل�ساواة وامل�شاركة وامل�ساءلة واحلريات والعدالة الإجرائية واالجتماعية .هذا الت�شارك القيمي يحتاج بطبيعة احلال �إىل تف�سري بنيوي وتنظيمي ،مما يتطلب دخ��ول الأط���راف يف ح��وار وا�سع ومتعدد امل�ستويات لتو�ضيح املفاهيم وال��ت�����ص��ورات والتعاطي م��ع امل��خ��اوف والتحفظات والو�صول �إىل لغة �سيا�سية م�شرتكة ت�سمح ببدء حياة �سيا�سية يف املجتمع ال�سوري بعد انقطاع دام ن�صف ق��رن مذ �أن ت��وىل ح��زب البعث ال�سلطة يف البالد. ال�صعوبة الأ�سا�سية اليوم يف الو�صول �إىل حل �سيا�سي هي غياب القوى ال�سيا�سية امل�ؤثرة التي ت�ؤمن باحلل ال�سيا�سي والقادرة يف الوقت نف�سه على توفري الأجواء ال�سيا�سية والأمنية ،وت�سهيل �سبل احلوار بني الأط��راف املتنازعة للو�صول �إىل �إط��ار �سيا�سي م�شرتك ولغة �سيا�سية م�شرتكة .فالقوى الإقليمية والدولية القادرة على ممار�سة هذا ال��دور تنق�سم �إىل ق�سمني :من ي�سعى �إىل حل ع�سكري وي��رى يف احلديث عن حل �سيا�سي و�سيلة لإطالة �أمد ال�صراع واالختباء خلف موقف �أخالقي لرفع اللوم عنه وعن خياره الدموي ،ومن ي�ؤمن باحلل ال�سيا�سي ولكنه ال ي�سعى بال�ضرورة �إىل حتقيق حتول دميوقراطي. فرو�سيا و�إيران تنظران �إىل �سورية من منظار جيو�سيا�سي باعتبارها منطقة نفوذ ونقطة ارتكاز متقدمة يف ال�صراع مع الواليات املتحدة وحلفائها. التدمري الكبري يف البنية التحتية ل�سورية واخل�سائر الب�شرية الهائلة واحل��ال��ة الإن�سانية املتدهورة يف البالد �أم��ور ال حتتل موقع ًا متقدم ًا على قائمة �أولويات رو�سيا و�إيران .رو�سيا ترى يف �سورية قاعدة متقدمة ملواجهة النفوذ الأمريكي وحليف ًا مهم ًا �ضد التعاطف ال�س ّني مع اجلمهوريات الإ�سالمية الغنية بالنفط والراغبة يف حتقيق مزيد من اال�ستقالل عن الهيمنة الرو�سية .وعلى رغم �أن هذا التعاطف م��وه��وم ومبالغ ب��ه �إىل ح��د بعيد� ،إال �أن��ه ي�شكل جزء ًا من املخاوف الرو�سية من التيارات الإ�سالمية النا�شطة يف املنطقة العربية التي تفهم ع��ادة يف رو�سيا من خالل جتربة حرب ال�شي�شان .يف حني ترى �إيران يف �سورية ممر ًا مهم ًا لل�سالح �إىل جنوب لبنان، ويف النظام ال�سوري �شريك ًا لت�سهيل تو�سع النفوذ الإيراين من خالل التو�سع ال�شيعي ودعم الأقليات ال�شيعية يف �سورية وامل�شرق العربي. ال��غ��رب بقيادة ال��والي��ات املتحدة حمكوم من جهة �أخرى يف تعاطيه مع ال�ش�أن ال�سوري بالتزاماته بحفظ �أمن �إ�سرائيل من جهة وال�صراع مع املنظمات الإ���س�لام��ي��ة امل��ت��ط��رف��ة وامل��ت��ح��ال��ف��ة م��ع تنظيم «القاعدة»� .إ�ضعاف نظام الأ�سد واحتواء الربنامج النووي الإيراين كانا يف مقدم العوامل التي وجهت �سيا�سة �أوباما يف ال�سنتني الأوليني من الثورة .يف حني �أ�صبح هاج�س «القاعدة» وحلفائها يف �سورية العن�صر الأ�سا�سي يف حتركات ال��والي��ات املتحدة الأخرية يف ما يتعلق بامللف ال�سوري ،كما كان تزايد ت�أثري احلركات الإ�سالمية الدافع الرئي�سي لتحركها لإنهاء احلرب يف البلقان يف منت�صف الت�سعينات. املوقف الأمريكي من ال�صراع ال�سوري �أ�ضعف م��واق��ف ح��ل��ف��اء ال���والي���ات امل��ت��ح��دة يف املنطقة املتعاطفني مع الثورة ال�سورية ،وب�شكل خا�ص موقف تركيا وقطر (حليف تركيا الرئي�سي) يف التعاطي
م��ع ث���ورات الربيع العربي م��ن جهة ،وال�سعودية ودولة الإم��ارات من جهة �أخ��رى .املوقف الأمريكي دعا ال�سعودية �إىل اتخاذ موقف متمرد على املوقف الأمريكي والذي برز يف رف�ض توليها مقعد الع�ضو غري الدائم يف جمل�س الأمن ،وذلك عقب تراجع �أوباما عن �ضرب نظام الأ�سد ودخوله يف �صفقة مع �إيران. من جهة �أخ��رى ك��ان للتغيريات يف التحالفات الع�سكرية �أثرها على الأر���ض .فقد انف�صلت �أكرب املجموعات الع�سكرية التابعة لـ «اجلي�ش ال�سوري احلر» ،ويف مقدمها لواء التوحيد ولواء الإ�سالم ،عن هذا اجلي�ش وقررت االلتحاق بـ «اجلبهة الإ�سالمية» التي ت�شكلت �أ�سا�س ًا من لواء �صقور ال�شام ولواء �أحرار ال�شام والتي �أخذت موقف ًا راف�ض ًا لالئتالف الوطني ال�سوري. �أما االئتالف الوطني ،اجلبهة الأو�سع يف �صفوف املعار�ضة ال�سيا�سية ،فلم يتمكن من حتقيق م�ستوى �أدنى من التن�سيق مع القوى الع�سكرية الرئي�سية يف الداخل .بل �إن العالقة بني االئتالف وهيئة الأركان م��ن جهة ،وق��ي��ادات الكتائب الإ�سالمية املقاتلة ازدادت توتر ًا خالل الأ�شهر القليلة املا�ضية ،بعد �أن عجز االئتالف عن �إيجاد �آليات للتوا�صل والت�شاور مع هذه القوى نتيجة اال�ستقطاب ال�سيا�سي احلاد داخل االئتالف والذي عك�س اال�ستقطاب ال�سيا�سي الإقليمي ب�ين ال��ق��وى الإقليمية امل���ؤي��دة للثورة ال�سورية. ت��راج��ع دور ال��ق��وى الع�سكرية وال�سيا�سية ال�سورية نتيجة حتالفات مع دول �إقليمية مت�صارعة على ال�ساحة ال�سورية ،يجعل الو�صول �إىل حل �سيا�سي �أم��ر ًا بالغ التعقيد .ويبدو �أن �أوراق احلل ال�سيا�سي انتقلت من �أي��دي ال�سوريني� ،سواء كانوا يف املعار�ضة �أو النظام� ،إىل �أيدي القوى الإقليمية والدولية التي مل تكن منذ البداية معنية بالتحول الدميوقراطي �أو احلل ال�سيا�سي ،بل ب�صراعاتها اجليو�سيا�سية والأي��دي��ول��وج��ي��ة� .أع��م��ال القتل والتدمري امل��ت��زاي��دة يف �سورية م��ع اق�ت�راب م�ؤمتر جنيف تظهر �أن احل��ل ال�سيا�سي لي�س ه��و الهم الرئي�سي للقوى املت�صارعة ،بل خو�ض حرب بالوكالة للدفع بامل�شاريع الإقليمية والدولية. الهوة الكبرية واملتزايدة بني قيادات االئتالف الوطني واجلبهة الإ�سالمية ت�ضعف موقف املعار�ضة ال�سورية وتنقل الثقل يف مفاو�ضات جنيف �إىل الدولتني الراعيتني لهذا امل�ؤمتر .اتفاق الدولتني
على عقد املفاو�ضات ال يعني وجود تفاهم تف�صيلي ح��ول �أه��داف امل���ؤمت��ر .ففي حني ت�صر رو�سيا على �أن املفاو�ضات غري م�شروطة و�أن كل اخلالفات بني النظام واملعار�ضة قابلة للنقا�ش ،ت�ؤكد الواليات املتحدة ،نزو ًال عند رغبة االئتالف� ،أن املفاو�ضات ت��ه��دف �إىل ق��ي��ام ه��ي��ئ��ة ح��ك��م ان��ت��ق��ال��ي��ة بكامل ال�صالحيات التنفيذية. امل��وق��ف الأم�ي�رك���ي ال ي���زال يلفه ال��ك��ث�ير من الغمو�ض .فوزير اخلارجية ج��ون ك�يري وال�سفري الأمريكي يف �سورية ،روبرت فورد ،يدعمان مطالب االئ��ت�لاف ،وي��دع��وان �إىل ا�ستبدال ب�شار الأ�سد والدخول يف عملية انتقالية نحو نظام دميوقراطي. ولكن موقف املبعوث الأمم��ي الأخ�ضر الإبراهيمي املتماهي مع املوقف الرو�سي ،وامل�صر على الدخول يف حم��ادث��ات غري م�شروطة وعلى م�شاركة �إي��ران يف حم��ادث��ات جنيف ،ورف�ضه ان��ف��راد االئ��ت�لاف يف متثيل املعار�ضة ال�سورية ،يزيد من �ضبابية املوقف الأم�يرك��ي .ذل��ك �أن ق��درة ال��والي��ات املتحدة على الت�أثري يف مواقف م�س�ؤويل الأمم املتحدة ،وجميع امل��ب��ع��وث�ين الأمم��ي�ين خ��ا���ص��ة يف ق�ضايا ح�سا�سة بالن�سبة للواليات املتحدة ،معروفة لدى اجلميع، ومن امل�ستبعد �أن ي�ستطيع الإبراهيمي االحتفاظ مبوقعه كل هذه الفرتة من دون موافقة �أمريكية �ضمنية. ه��ذا يعنى �أن ق��درة املعار�ضة ال�سورية على ا���س�ترداد زم��ام امل��ب��ادرة ،واال�ستفادة من اخلالفات الدولية والإقليمية ،تتوقف على قدرتها على العمل كجبهة واح��دة .وم��ع الأ�سف ال ي��زال ه��ذا امل�شهد بعيد االحتمال نتيجة اال�ستقطابات احلادة داخل �أروق��ة املعار�ضة ال�سيا�سية والع�سكرية ،وا�ستمرار اال�صطفاف الإقليمي وغياب الراعي الدويل امللتزم بالتحول الدميوقراطي يف �سورية. توحيد �صفوف املعار�ضة ال�سيا�سية والع�سكرية ميثل الأمل الوحيد املتبقي لتغيري احلراك احلايل وفر�ض واقع �سيا�سي وع�سكري جديد يدفع بالقوى الدولية �إىل قبول عملية التحول الدميوقراطي، وممار�سة ال�ضغوط الالزمة على نظام الأ�سد للو�صول �إىل حل �سيا�سي ينهي اال�ستبداد ويعلن بداية احلياة ال�سيا�سية احلرة والكرمية يف �سورية. فهل يرتفع ال�سيا�سيون والثوار ال�سوريون �إىل م�ستوى امل�س�ؤولية الوطنية والتاريخية؟
العدد 98
2013-12-29
نفط دير الزور عر�ضة للنهب
انت�شرت يف الآونة الأخرية يف ريف مدينة دي��ر ال��زور ظاهرة �سرقة النفط اخل��ام ،حيث يقوم جت��ار الأزم���ات والل�صو�ص بثقب �أنابيب النفط ال�ستخراجه وبيعه ،فتجارة النفط �أ�صبحت عمل من ال عمل له ،واجلميع يعمل بها ب�شكل كبري ويف العلن. حقول النفط يف هذه املنطقة كانت ت�ساهم مبا يزيد على مئتي �ألف برميل من جممل الإنتاج النفطي ال�سوري الذي كان يبلغ � 350ألف برميل يومي ًا ،قبل ب��داي��ة احل���رب .ويعترب النا�شط امليداين الإعالمي عبد الكرمي ( 35عام ًا) “�إن �سيطرة بع�ض الكتائب وال�سما�سرة على املنابع النفطية مل يعد بالنفع على الأه���ايل ،الذين ينظرون للأمر على انه ا�ستمرار ل�سيا�سة �سرقة عائدات النفط التي قام بها النظام طيلة �أربعني عام ًا”. ي�ضيف عبد الكرمي “�سحب الدخان التي تغطي �سماء ريف دير ال��زور لي�ست ناجمة عن ق�صف لقوات النظام ولي�ست ل�سقوط طائرة حربية ،بل هي ناجتة عن عملية تكرير النفط اخلام ،بطريقة بدائية” .ت�شمل هذه العملية
و�ضع برميل على النار ومتديد �أنبوبني �إليه ويتم زي��ادة ح��رارة النار تدريجي ًا لت�صل �إىل درجة معينة ،على �أثرها ير�شح البنزين وامل��ازوت كل واح��د يف �أنبوب ،فكل م�شتق من النفط يحتاج لدرجة حرارة معينة لكي يتم عزله عن ال�سائل الأ���س��ا���س��ي .ويختم عبد ال��ك��رمي “�أي �شخ�ص ب�إمكانه ممار�سة مهنة “احل ّراقات” هذه وهي جتد انت�شار ًا يف ريف دير الزور والرقة واحل�سكة وحلب و�إدل���ب و���ص��و ًال �إىل �أط���راف الالذقية، فنق�ص امل���وارد �أج�بر ال�سكان على �شراء هذه امل�شتقات غري ال�صاحلة لال�ستعمال يف التدفئة والطبخ ،لرخ�ص ثمنها وتوفرها”. العائدات املالية لعمليات بيع النفط اخلام واملكرر يدوي ًا ،جعلت من ي�سيطر على الآبار من جتار و�سما�سرة يتغا�ضون عن الأ�ضرار ال�صحية الناجمة ع��ن التكرير ال��ي��دوي ،وال��ت��ي تهدد بكوارث �إن�سانية وبيئية ب��د�أت بالظهور ب�شكل كبري يف هذه املناطق على �شكل �أمرا�ض معدية وحاالت حروق واختناق كثرية. �أحد الأطباء الذي رف�ض الك�شف عن ا�سمه حت��دث ق��ائ ً �لا“ :قام بع�ض ال�سكان ب��اخ�تراع
عماد مفرح م�صطفى ِبوجوههم امللثمة خلف راياتهم ال�سوداء ،و�إخفاء �أ�سمائهم احلقيقية، خلف �أ�سماء وكنايات �إ�سالمية قدمية ،يُثري عنا�صر تنظيم دولة الإ�سالم يف العراق وال�شام «داع�ش« ،الكثري من الأ�سئلة يف البيئة ال�سورية الثائرة ،تلك البيئة التي قطعت كل عالقة تربطها باخلوف والتخفي� ،أو باملواربة وعدم الو�ضوح يف ك�شف �أ�سماء القادة احلقيقيني حلراكهم الثوري. و�إذ تركز كل التحليالت التي تتناول هذا التنظيم الغام�ض ،بكونه �أحد �أوجوه الدولة الأمنية «العميقة» يف �سوريا ،والذراع اخلفية لأحابيل و�أالعيب املخابرات الأقليمية والدولية� ،إال �أن معظم تلك التحليالت ،مل تبحث يف العوامل وامل�سببات ال�سورية اخلا�صة ،املرتبطة بالو�ضع الداخلي املركب ،وما خ ّلفه العنف ال�سيا�سي للدولة والنظام على مدى عقود ،يف جعل البع�ض ،يتطلع �إىل «داع�ش» كم�شروع خال�ص من «دولة البعث العلمانية»، حيث ميكن و�صف ما «يعتمل» داخل وعي «الأغلبية ال�سنية» ،و�إن ب�سويات خمتلفة« ،بالغنب التاريخي» من خماذلة «العروبة» وتنظيماتها لهم ،مع حتول ال�سلطة �إىل ممار�سة نوع من «الفا�شية الطائفية» حتت غطاء �شعارات رومان�سية ،ت�ستدل �إىل وطنية مفقودة. ترافق ذلك الغنب مع الفقر االقت�صادي وال�سيا�سي يف البيئة الريفية، ً وخ�صو�صا يف �أرياف حلب ودير الزور والرقة ،حيث تنت�شر «داع�ش» حاليا، مع توح�ش منظومة احلكم ،وتبنيها ملنظومة «اقت�صاد ال�سوق االجتماعي» وتهمي�ش الأرياف ،و�إرتفاع معدالت الهجرة باجتاه املدن الرئي�سية وال�سكن يف الع�شوائيات ،كل ذلك مهد الطريق «للع�صبوية ال�سنية» لتتغلغل يف النفو�س،
�آالت تكرير ي��دوي��ة ،ينتج ع��ن ه��ذه العملية م�شتقات نفطية �سيئة اجل��ودة وخطرية على ال�����ص��ح��ة ،وق���د ت�سببت ب��ح��وادث ك��ث�يرة راح �ضحيتها ع�شرات املدنيني مابني املوت واحلروق وال�سرطانات ،هناك انبعاثات غازية تنتج عن عملية اح�ت�راق النفط اخل��ام يكون ت�أثريها مبا�شر يف بع�ض احل��االت ،وتراكمي يف حاالت �أخرى ،ت�ؤدي �إىل جمموعة من امل�شاكل ال�صحية على م�ستوى اجلهاز اله�ضمي واجلهاز التنف�سي والأوعية الدموية”. وي���ق���ول ه��ي��ث��م وه����و ن��ا���ش��ط �إع�ل�ام���ي “امل�ستفيدون من هذا الو�ضع فئات حمدودة تقوم با�ستخراج النفط وبيعه ،فالكتائب التي ت�سيطر على الآبار تقوم ببيع ق�سم من النفط للنظام ب���أ���س��ع��ار متفق عليها ،وق�سم لرتكيا وق�سم للداخل ،وهناك حرا�سة م�شددة على ك��ل بئر تتكون م��ن ع��دة عنا�صر بالإ�ضافة لدبابة وم�����ض��ادات للطريان” .وب���د�أت حملة �إع�لام��ي��ة م��ع ب��داي��ة جت��ارة النفط منذ �ستة �أ�شهر وما زالت م�ستمرة ،وت�شارك فيها فعاليات كثرية ،وخ�ص�صت قناة اجلزيرة مبا�شر نافذة تفاعلية ملدة �ساعة للحديث عن هذا املو�ضوع. ويرف�ض هيثم �أن تكون ثروات البالد بيد فئة معينة و�أن ت�ستثمره ب�شكل �شخ�صي“ ،كل كتيبة �سيطرت على �آبار معينة ،والتزمت باقي الكتائب ب��اح�ترام �سيطرتها كما قامت تلك الكتائب بت�أمني احلماية لهذه الآبار ،ومنعت �أي �شخ�ص من االقرتاب من مناطق �سيطرتهم”. ي��ب��دو احل��دي��ث ع��ن الأ����ض���رار ال�صحية والبيئية اخلطرية جراء ما يح�صل �أمر ًا ثانوي ًا هنا .فاملواجهات على خلفية ال�سيطرة على منابع النفط وعائداته ال�ضخمة تنتهي بقتلى وجرحى ،ويف �آخر ف�صول هذه املعارك النفطية ا�شتباكات بني عنا�صر من “جبهة الن�صرة” ورج��ال القبائل يف بلدة امل�سرب عند احلدود مع العراق ،على خلفية نزاع على �شاحنة نفط م�سروقة ،ما �أ�سفر عن وقوع 37قتي ًال وتدمري نحو 30منز ًال يف البلدة .ومل يقت�صر الأم��ر
«داع�ش» ..الدولة امللثمة ك�آلية للدفاع عن النف�س ،يف مواجهة نظام �أمني متعدد املخالب والأوجه، بعد انتحار «البعث» يف ال�سلطة ،ون�سيانه «العمال والفالحني و�صغار الك�سبة» الذين حكم با�سمهم. واحلقيقة �أن تلك «الع�صبوية» مل تظهر كتعبري �سيا�سي وا�ضح ،خالل الفرتة الأوىل من عمر الثورة ،خمافة تكرار �سيناريو الثمانينات ،وانف�ضا�ض «الأقليات» من حولها ،لكنه وجد طريقه مع ت�صاعد العنف املمنهج ،الذي راهن عليه النظام يف تغيري املعطيات على الأر�ض ل�صاحله ،ترافق ذلك ،مع ال�سماح الن�صاره مبمار�سات ّمتت �إىل «الفا�شية الطائفية» ب�أق�صى �صورها �ضد املناطق «ال�سنية «دون غريها ،ملعرفته� ،أن �صيغة رد العنف بالعنف ،ال تتوافق �إال مع ثقافة القوى املنادية بالإ�سالم ال�سيا�سي ،ذات ال�صبغة اجلهادية، والقدرة الإ�ستيعابية للإ�ستقطاب والتعبئة ،و�إعطاء بعد مقد�س للت�ضيحة املقدمة. هكذا ،وم��ع ت��رك ال�سوريني مل�صريهم يف مواجهة �آل��ة امل��وت ،و�إهانة و�إ�ستفزاز كل الأعراف و�أخالقيات الريف ال�سوري ،توفرت الظروف النف�سية لدى ال�سوريني ،ملالقاة وا�ستقبال ثقافة متجد املوت والإ�ست�شهاد ،وجتعل من التنظيمات التي تو�سم نف�سها «بالطهارة» ،الأكرث ح�ضورا وفاعلية على الأر���ض .بناء على ذلك ،بات من ال�ضرورة �إعادة النظر يف عالقة الثقافة ال�سورية بالعنف ،وجعلها مو�ضع بحث وت�شكيك ،بعد كل العنف والإجرام الذي تعر�ضت له ،وحتول يف �إثرها «العنف والتفا�ؤل الثوري» �إىل نوع من «العدمية املفرطة« ،دفعت الكثري من ال�سوريني �إىل تبني م�شروع «داع�ش»،
هيف غامن على مواجهات وقعت بني اجلبهة والقبائل بل �سجل �أي�ض ًا معارك طاحنة بني اجلبهة و”كتائب الفاروق” التي تعر�ض قائدها حممد ال�ضاهر امللقب ب�أبي عزام ملحاولة اغتيال عرب تفخيخ �سيارته بعبوة نا�سفة. “يدّ عي عدد من كتائب “اجلي�ش احلر” �أن جميع ال��ع��ائ��دات النفطية ال��ن��اجت��ة عن الآبار اخلا�ضعة ل�سيطرتها ،ت�صرف على �شراء ال�سالح والذخائر” ،يتندر حممد بهذه املقولة وينفيها وهو الع�ضو يف �أحد املجال�س املحلية يف ريف دير الزور “التي ال حول لها والقوة ،فهي قامت ب�إ�صدار عدة ق��رارات ملنع هذه التجارة لكن عدم وجود قوة لديها لفر�ض قراراتها حال دون تنفيذها” .كما �أ�صدرت الهيئات ال�شرعية عدد ًا من الفتاوى حترم التجارة بالنفط ،دون �أن يكون لها �أثر ملمو�س. �أم���ا ق�صي� ،أح���د ق���ادة كتائب “اجلي�ش احلر” ،فلديه رواية خمتلفة ملا يجري ،ويقول �إن فرقته حتاول وقف التعدي على الآبار. ��ف الل�صو�ص ب�سرقة وي�ضيف “مل ي��ك��ت ِ النفط ،بل تعدّ ى ذلك �إىل �سرقة ونهب معدات و�أج��ه��زة اال�ستك�شاف واحلفر و�أنابيب النقل املمتدة ملئات الكيلومرتات” .وي�ضيف ق�صي “لقد قمنا بن�صب حواجز على الطرقات يف املناطق املحررة ملنع عمليات تهريب النفط وعمليات �سرقة امل��ع��دات واحل��ف��ارات ،التي تعدّ ث��روات للوطن وملك كافة ال�سوريني ،ويجب املحافظة عليها لأهميتها يف عملية �إع��ادة اعمار الوطن بعد �إ�سقاط النظام”. يذكر انه انت�شرت يف الآونة الأخرية عدة فيديوهات تظهر عمليات نقل لأجهزة ومعدات ثقيلة خا�صة باحلفر تقدر قيمتها مباليني الدوالرات �إىل خارج احلدود ال�سورية .وجتدر الإ�شارة �إىل �أن طريف النزاع يف �سوريا يعرتفان ب���أن حجم اخل�سائر التي حلقت بهذا القطاع من تدمري ونهب وتعطيل تقدّ ر مبئات ماليني الدوالرات وبع�شرات املليارات بالعملة املحلية.
املتجاوز «للدولة والكيانية ال�سورية» وعنفها ،بكونه ،يطمح �إىل �إقامة «دولة �إ�سالمية» ،توفر الأر�ضية املنا�سبة للإن�ضمام والذوبان يف املحيط الأقليمي ذات «الأكرثية ال�سنية». ومثلما دفع العنف احلالة ال�سورية �إىل التطرف وزي��ادة التنافر بني مكونات املعار�ضة ،كذلك �أفقدها الإطار الوطني والثقة الالزمة للتن�سيق بني تلك املكونات ،الأمر الذي ا�ستفادت منه دولة «داع�ش» امللثمة والتنظيمات املتفرعة عن «القاعدة» ،باال�ستيالء على املناطق الريفية ،م�ستغلة حالة املعار�ضة الواقعة يف الإ�ضطراب واالنفعالية ،وعجزها عن بناء �أ�س�س ومعايري �شبه م�ؤ�س�ساتية ،ت�ضمن العالقة ال�سليمة بني مكوناتها الع�سكرية وال�سيا�سية واملدنية .ويف هذا االجتاه ،تقع امل�س�ؤولية الكربى يف �صعود جماعة «داع�ش« و�أخواتها ،على عاتق املعار�ضات ال�سيا�سية امل�شرذمة ،وترددها وخ�شيتها ،من بيان طبيعة عالقتها «باال�سالم ال�سيا�سي» ،ومن عدم و�ضوح ر�ؤيتها لطبيعة الدولة امل�ستقبلية .هو تردد �سهل على اجلماعات املت�شددة ا�ستغالل ال�شعور الديني املت�أجج يف ظل ال�صراع املتنامي ،وتوجيهه وفق م�صاحلها. «داع�ش» اليوم ،وبكل �شفافية ،هي جزء من احلالة ال�سورية و�صنيعتها. لذا ،بات من ال�ضروري �أن تقدم املعار�ضة وبكل تبايناتها ،ال بالإكتفاء ب�إ�صدار بيان من هنا ،و�إ�ستنكار حادثة من هناك ،بل يتطلب الأمر� ،إعالن رف�ض هذه اجلماعة وممار�ساتها ،وف�ضح مموليها ،وحتجيم قواتها على الأر�ض ،و ح�سم خيارها بني م�شروع تلك اجلماعة و م�شروع «الثورة ال�سورية».
العدد 98
ابداعات حتفر يف الزمن لالحتفال بالثورة ال�سورية
�أحدثت الثورة ال�سوريّة منعطف ًا مه ّم ًا يف تاريخ الأدب ال�سوريّ احلديث ،كما يف تاريخ البلد بر ّمته ،و�أف��رزت �أدب ّياتها التي حاولت التغلغل يف جوانب منها �أو التقاط بع�ض امل�شهديات على هام�ش ما يجري� ،أو احلفر يف الزمن بالعودة �إىل ال��وراء ال�ستجالء ممهّداتها التي راكمت التفا�صيل لتفجريها .وقد اجتهد الك ّتاب والباحثون والأدباء يف النب�ش يف الذاكرة ال�سوريّة؛ القريبة والبعيدة ،للوقوف على �أ�سباب العنف الرهيب الذي مور�س ّ بحق ال�سوريّني ،وما تاله من ت�ستثن منظومات ودو ًال. دوائر متعاظمة مل ِ ً كان ال�سوريّ ،قبل الثورة ،ي�صادف �صورا من همومه ومعاناته واغرتابه يف جزء من الأدب�� ّي��ات التي حر�ص النظام على �إق�صائها طي التعتيم ،وعمل على ت�صدير تلك التي ته ّلل وتهمي�شها و�إبقائها ّ ل�صورته وتك ّر�س حكمه ،لذلك كانت الرغبة يف قراءة ما كان يُن َتج وي�ص َّدر� ،أ ّم��ا الثورة فقد فر�ضت واقع ًا خمتلف ًا ،وه��ي التي خلخلت الرتكيبة ال�سيا�س ّية واالجتماع ّية واالقت�صاديّة وغ�ّيترّ ت معايري التل ّقي ،و�إن كان ذلك قد فر�ض نوع ًا من التوجيه على الأدباء بحيث يكونون �أمام حت ٍّد جديد يتم ّثل يف �ضرورة تعبريهم عن واقع �شعبهم، بعيد ًا من االنزالق �إىل االرتهان لرغبات النا�س وما يريدون قراءته وم�صادفته يف ما يك َتب وي�ؤ ّلف حول الثورة وواقعها وتداعياتها التي ك�سرت حدود ًا جغراف ّية ومتخ ّيلة يف �آن.
ترميم جراح وطن
يف �إلقاء نظرة بانورام ّية على ما �صدر يف �سياق ما ميكن تو�صيفه ب�أدب ّيات الثورة ال�سوريّة ،ميكن القول � ّإن الأدب��اء حاولوا ما �أمكنهم ترميم جراح وطن ينزف عرب كتاباتهم ،فكان كتاب �سمر يزبك «تقاطع ن�يران» �شرارة الإي���ذان بنوع خمتلف من الأدب ال�صادم يف احلالة ال�سوريّة ،فقد ر�صدت يزبك يف كتابها وقائع الثورة ويوم ّياتها يف الأ�شهر الأوىل منها ،تلك الأ�شهر التي حافظت الثورة فيها على �سلم ّيتها وكيف تعامل النظام معها بوح�ش ّية و�إجرام وعنف فاق ّ كل تخ ّيل. التقطت يزبك كثري ًا من الق�ص�ص الإن�سان ّية التي كانت الثورة منبعها امل�ؤمل وخ ّزانها ال ّ رث ،ومت ّكنت من التعبري عن الوجع ال�سوريّ ثم كان كتابها الذي ابتعد عن أهله، � و البلد والنريان التي كانت حترق ّ أدبي التجني�س واقرتب من ال�سرية واليوم ّيات وجانب من التحليل ال ّ الذي حفر يف بنية الواقع وهياكله القائمة لي�ش ّكل �إن��ذار ًا مطلق ًا يف ف�ضاء امل�ستقبل القريب بوجوب ا�ستنفار القوى ،ل ّأن ما يجري على الأر���ض ال�سوريّة لن يكون نريان ًا ّ تقطع �أو�صال وطن فح�سب ،بل � ّإن تقاطع النريان لن يو ّفر �أر�ض ًا يف اجلوار وال �أحد ًا يف املنايف ،والنريان ج��اءت ب�صيغتي ال��واق��ع وامل��ج��از م��ع�� ًا .وال��واق��ع �أث��ب��ت ا�ست�شرافها «امل�ؤ�سف». �أدب ال�سجون كان له ن�صيب الفت يف التعبري عن الأ�سى ال�سوريّ املرتاكم والعنف الذي ي�ش ّكل �إرث النظام وز ّوادته و�أداته الأكرث �إيذاء و�شيوع ًا يف حماولته قهر معار�ضيه ،فكان كتاب «باخلال�ص يا �شباب» ليا�سني احل��اج �صالح ال��ذي جاء تعبري ًا عن مرحلة ها ّمة من تاريخ البلد انطالق ًا من جتربة �سجنه التي امتدّ ت �س ّتة ع�شر �سنة ون�صف ال�سنة .وكذلك ك��ان كتاب «خيانات اللغة وال�صمت -تغريبتي يف �سجون املخابرات ال�سوريّة» لفرج بريقدار الذي ن�شر �أخري ًا جمموعته
احمد بزون
2013-12-29
هيثم ح�سني
ال�شعريّة «ق�صيدة النهر». يف جمال الرواية ،كان هناك نوع من امل�سارعة �إىل رواية جوانب م��ن احل���دث امل��زل��زل ،وع��ل��ى رغ��م م��ا حتتاجه ال��رواي��ة م��ن اختمار للأحداث وت� ٍأن يف املقاربة واملعاجلة واملعاينة� ،إال � ّأن جتارب لروائ ّيني �سوريّني حاولت �أن ت�ضع �أ�سبقية ما يف هذا املجال ،مع ما تنطوي عليه الأ�سبقية يف مثل هذه احلاالت من خماطر الت�س ّرع والكتابة عن حدث احلب» ملها ح�سن بالتزامن راهن وم�ستجدّ ات �آنية .جاءت رواية «طبول ّ مع رواية «�أيّام يف بابا عمرو» لعبداهلل مك�سور الذي ن�شر جزء ًا ثاني ًا ثم كانت روايات عدّ ة الحقة ا ّت�سمت بحر�ص بعنوان «عائد �إىل حلب»ّ ، على العودة �إىل بنية املجتمع املمهّدة للثورة ،كرواية «ح ّمام زنوبيا» لريا�ض مع�سع�س الذي و ّثق بدوره �سجن البالد وقهر ال�سوريّ املزمن. وجاءت «ال �سكاكني يف مطابخ هذه املدينة» خلالد خليفة الذي نال عنها �أخري ًا جائزة جنيب حمفوظ للرواية ،وقد �سعى خالد �إىل النب�ش يف التفا�صيل التي ه ّي�أت للثورة بطريقة �أو ب�أخرى ،وت�أتي �أي�ض ًا رواية «مَن ال يعرف �سيمون؟» لعمر قدّ ور لتربز جانب ًا من الهيمنة على مقدّ رات البلد من جانب ث ّلة تتعامل مبنطق الع�صابة يف خمتلف جماالت احلياة االقت�صاديّة وال�سيا�س ّية والثقاف ّية والف ّن ّية والأدب ّية.
�صور االغتيال
كانت لل�شعر م�شاركته الالفتة يف التعبري عن حالة ال�سوريّ يف ثم يف ت�ش ّرده ونزوحه ،فعاد بع�ض ال�شعراء �إىل الأ�سطورة ثورته ومن ّ لين�شد ق�صيدته املعبرّ ة عن هموم �أبناء بلده كال�سوريّ نوري اجل ّراح يف «يوم قابيل والأيّام ال�سبعة للوقت» ،كما ا�ستقى �آخرون ق�صائدهم من كلمات عفويّة جاءت ك�صرخة م�ستغيث �أو �شكوى مفجوع ،كما يف جمموعة «�أنا �إن�سان» ليا�سر الأطر�ش الذي ا�ستعان باجلزء الأ ّول من كلمة املواطن ال�سوريّ �أحمد حممد عبدالوهاب؛ الذي تع ّر�ض للإذالل على �أيدي ال�شبيحة و�أطلق �صرخته ال�شهرية «�أنا �إن�سان ماين حيوان» والتي د ّوت يف الآفاق و�أعلنت وجوب ا�سرتداد �إن�سان ّية ال�سوريّ امل�ستلبة منه لعقود .كما كانت حل�سني حب�ش جتربة خمتلفة يف التعبري عن قلق خ�ص�صها عن الطفولة املغتالة الطفولة وهدرها يف «مالك طائر» التي ّ والأطفال ال�سوريّني الذين َ تهدر طفولتهم. ويف الأجنا�س الأدب ّية املختلفة واملفتوحة ظهرت جتارب تعاين الواقع ال�سوريّ �أثناء الثورة وقبلها ،وت� ّؤ�س�س لأدب مت�صالح مع الإن�سان ومع ر�سالة الأدب بعيد ًا من التز ّلف للم�ستبدّ �أو جماملة الطاغية ن�ص واالرتهان اىل رغباته وت�سيريه .يف جمال الكتابة امل�سرح ّية كان ّ الذهبي الذي مَ�سرح جزء ًا من الهموم «زفرة ال�سوريّ الأخرية» لفار�س ّ وق��ارب على طريقته امل�سرح ّية ما جرى وما يجري بنوع من ال�سرب واملحاكاة والإ�سقاط .وكان كتاب «حكايات من الثورة ال�سوريّة» ل�سعاد �سوغندو احل ّالق التي جمعت ونقلت بع�ض ًا من ق�ص�ص الثورة خالل �سنة على انطالقتها .وكذلك كتاب «غورنيكات �سوريّة» لنجاة عبدال�صمد التي �ص ّورت م�شاهد من الوجع املتعاظم .وكتاب «ثورة وطن» لل�سوريّ جماهد الرفاعي الذي و ّثق ق�ص�ص ًا من الثورة مع اال�ستعانة بالت�أريخ وال�شخ�صيات الف ّعالة والبطوالت امل�ؤ ّثرة امل� ّؤ�س�سة. تعدّ دت الكتب التي قاربت الثورة ال�سوريّة و�أ ّرخ��ت لها وو ّثقت جلوانب منها� ،إن كانت ب�أقالم ك ّتاب �سوريّني �أو عرب منا�صرين للثورة
كنوز و�آثار�سوريا
من لبنان �إىل العراق �إىل �سوريا ...تطري الآثار يف ظروف مت�شابهة وبالأ�سلوب نف�سه .ومثلما �أبدى العامل احل�ضاري وم�ؤ�س�سات الأمم املتحدة تخوف ًا من تفاقم عمليات النهب يف البلدين الأول�ين ،ف�إن ال�صرخات باتت مدوية اليوم يف اجتاه �سوريا. ت�شري الإح�صاءات �إىل نهب �أربعة �آالف قطعة �أثرية ،قدرت قيمتها بع�شرين مليار دوالر �أمريكي ،حتى الآن ،والعمليات م�ستمرة .وقد تعر�ض 16متحف ًا للنهب والتخريب من �أ�صل 36متحف ًا تنت�شر يف الأرا�ضي ال�سورية .وكالعادة دائم ًا تن�شط فرق التهريب ،التي يحمل عنا�صرها ال�سالح الذي يحمي تلك العمليات الد�سمة ،فبع�ض املجموعات قد تربر النهب بتمويل العمليات الع�سكرية ،من دون �أن يعود دوالر واحد بالطبع �إىل غري جيوب جتار احلرب الذين يتفننون يف خلق الأعذار ،وير�سمون �أهداف ًا �سامية جلرائمهم. وعندما نتحدث عن �سوريا نكون �أمام رهبة كنوز �آثارها ،خ�صو�ص ًا بعد �شهادة عامل الآثار الفرن�سي �أندريه بارو ،مكت�شف مملكة ماري ال�سورية ،الذي �صرح" :على كل �إن�سان متمدن يف العامل �أن يقول� :إن يل وطنني ،وطني الذي �أعي�ش فيه و�سوريا". وكانت رئي�سة منظمة الأمم املتحدة للرتبية والعلوم والثقافة (يون�سكو)� ،إيرينا بوكوفا ،قد �أبدت قلقها �إزاء عمليات التنقيب غري القانونية عن الآثار يف �سوريا ،قائلة "�إن املنظمة حذرت �صاالت املزادات واملتاحف من هذه امل�شكلة" .على �أن التنقيب غري ال�شرعي عن الآثار يفتح م�شكلة �أخرى� ،أو جرمية قد تتحول �إىل ن�شاط �شعبي ،بعد تفريغ عدد من املتاحف .وهذا ما ح�صل يف لبنان ،يف الثمانينيات ،عندما
ال�سوريّة ،من هذه الكتب« :ثورة �أ ّمة» للجزائريّ �أنور مالك الذي كان �أحد املراقبني العرب يف بعثة اجلامعة العربية �إىل �سورية وف�ضح للفل�سطيني �أالعيب النظام�« ،سورية :درب الآالم نحو احل ّرية» ّ عزمي ب�شارة ال��ذي ح��اول الت�أريخ للراهن ال�سوريّ انطالق ًا من ت�ش ّعباته الكثرية وتفا�صيله العميقة« ،الثورة ال�سوريّة :هدير ال�شعب يف «مملكة ال�صمت»» لعديل �صادق�« ،سورية مزرعة الأ�سد» لعبداهلل الدهام�شة« ،الثورة ال�سوريّة ...واقعها� ،صريورتها و�آفاقها» للفل�سطيني -ال�سوريّ �سالمة كيلة. ّ ّ قد يكون من العبث القول � ّإن الثورة �أحدثت قطيعة كل ّية مع املا�ضي ،لأ ّنه ي�ستحيل االن�سالخ عن زمن ي ّت�سم بامتداديّة وت�أثري واقع ّيني وم�ستم ّرين ومتف ّعلني ب� ّإطراد ،لكنّ الواقع يثبت � ّأن الثورة �ش ّكلت قطيعة مع �إرث اال�ستبداد والطغيان الذي راكمه النظام طيلة عقود من حكمه ،وكان قد ا�شتغل على ت�صدير نوع معينّ من ّ املوظفني يف ّ قطاع الثقافة على �أ ّنهم واجهة البلد الثقاف ّية ،ووجوه الثقافة ً الأب��رز ،يف حني � ّأن دوره��م كان مقت�صرا على تلميع �صورة النظام بطريقة �أو ب�أخرى ،وح ّتى �إن ا�ضط ّر �أولئك �أحيان ًا �إىل متثيل نوع تن�صب يف خدمة النظام وتربزه على �أ ّنه من املعار�ضة ال�شكل ّية التي ّ يتق ّبل االنتـــقاد واالعـــرتا�ض ،وقد غربلت الثورة هذه النوع ّية، ولعبت دور ًا ّ ك�شاف ًا ما� ،إذ نزعت عنها ما كان يفرت�ض �أ ّنها متتاز به من ت�أثري ،و�أرجعتها �إىل ركنها املنزوي الذي تتمرت�س فيه.
بد�أت فرق منظمة وغري منظمة تنت�شر يف الأماكن التي يعتقد �أنها �أثرية ،وفيها مقابر فينيقية يونانية، للبحث عن ثمني يباع ب�أ�سعار ت�سد حاجة النا�س ومتلأ جيوب بع�ض امل�س�ؤولني الر�سميني وامللي�شياويني وجتار الآثار واملهربني. م�سالك التهريب م�ؤمنة ،عن طريق لبنان والعراق ،ففيهما من هم من �أ�صحاب ال�سوابق يف هذا املجال، و�إذا �أ�ضيف الأردن �إليهما تكون الطريق �إىل �إ�سرائيل �أ�سهل و�أقل حذر ًا ،بوجود �سفارة للدولة العربية يف العا�صمة عمان ،ت�ستطيع �أن ت�ؤدي ،بتهريب الكنوز العربية ،مهمة ر�سمية طبيعية ،ت�ستحق عليها ال�شكر والثناء من مراجعها العليا. ال �شك يف �أن نهب الآثار ال�سورية ونقل هذا الرتاث �إىل اخلارج لي�ستقر يف �أماكن مظلمة ،قبل �أن ت�سلط عليه الأ�ضواء يف متاحف ي�صعب ا�سرتجاع الكنوز منها ،هما جزء من م�آثر تدمري �سوريا الدولة ،من دون متييز بني �سلطة ومعار�ضة� ،أو علويني و�سنة� ،أو �إ�سالم وم�سيحيني .هما جزء من التدمري املنظم ،الذي �ساهمت فيه� ،إىل جانب دول غربية وعربية� ،أط��راف احلرب الدائرة يف �سوريا .ودائم ًا تكون �أهداف املعركة �أهم من احلفاظ على املناطق الأثرية� ،أو املتاحف� ،أو الرثوات الوطنية عموم ًا. يف كل احلاالت ال متر �أي عملية نهب �إال على �أيدي مواطنني �سوريني ،كما �سبقتها �أيادي اللبنانيني والعراقيني من قبل .ف�أبناء الوطن� ،أدوات النهب ،يحرمون �أحفادهم من كنوز البالد.
العدد 98
العدد 83
2013-12-29
ثالث �سنوات �سور ّية ..يف ثالث دقائق
انتقل من دم�شق �إىل بريوت ،من ال�صورة الثابتة �إىل ال�صورة املتحركة ،من م�شهد واح��د� ،إىل م�شاهد بعنوان واح��د ومفتوح، و�أخري ًا و�صل املخرج ال�شاب عروة كو�ستا �إىل لوحته املكثفة�« :صورة ذاتية». ما �إن تقر�أ عنوان الفيلم ( 3.08دقيقة ،بدعم من م�ؤ�س�سة بدايات) حتى تبد�أ بالتفكري .ما هي ال�صورة؟ ومن هي ال�شخ�صية التي داخل ذلك الإطار؟ وما �إن تبد�أ بر�ؤية الفيلم حتى تظهر لك النافذة؛ �إطار ًا مفتوح ًا ب�إحكام على م�شهد احلدث ال�سوري برمزية عالية ،لتعرف �أن ال�شخ�صية هي �سورية بحتة ،وال�صورة هي �سردية خفيفة� .أم��ا النافذة فهي من يطل ويواكب ،عني �أي م�شاهد ،قد يكون �شاب ًا �أو عجوزا ،ام��ر�أة �أو طفال ،بائع ًا من خلف زجاج حمله �أو �سائق �سيارة �أجرة� ،أو �أي �أحد مي�شي يف هذا ال�شارع الذي ُ يحمل هذا الثقل .يقول عروة« :اخرتت هذا العنوان لأين ر�أيت ال�صورة من داخل الثورة ولي�س �صورة عنها ،وقت من حياتنا يحتاج للرت�سيخ عرب ال�صورة».
الفا �سلو
تبدو عالقة عروة مع ال�صورة عالقة وثيقة وقدمية ،تعود �إىل قبل ع�شر �سنوات ،عندما �أ�س�س غرفة «دارك روم» للتحمي�ض والطباعة اليدوية داخل منزله .ويف بداية الثورة ال�سورية� ،أ�س�س م�شروع «فوتوغراف» على «فاي�سبوك»� ،أطلق عليه ا�سم «�سرييالي�سم» �أو « ،»syrrialismليتمكن من امل�شاركة يف بع�ض الأف��ك��ار التي ت�ساعد على دعم روح الثورة ،خا�صة �أن التمثيل الفوتوغرايف يف بدايتها كان معدوم ًا .ومن ناحية �أخرى ،كان عروة را�ضي ًا عما �أنتجه يف ذلك الوقت ،كما يقول م�ؤكد�أ بكلمات ب�سيطة« :كنت �أجمع بني الثورة وال�صورة». بعدها ،قرر ال�شاب خو�ض التجربة يف االنتقال �إىل ال�صورة املتحركة ،فكان �أول عمل له الفيلم الق�صري «ذكريات وهلو�سات من �سوريا ال�سوريالية» ،عقب خروجه من �سوريا .يقول عروة عن جتربته الأوىل« :كانت يف ر�أ�سي حاالت كثرية ع�شتها يف �سوريا �أو �سمعت عنها ،و�أحببت �أن �أجمعها يف عمل يقع بني الفيلم الق�صري والفيديو �آرت» ،وم��ا �ساعد ع���روة يف خ��و���ض التجربة� ،شغفه
2013-9-15
حممد بيطاري
واهتمامه بعد�سات الكامريا. اختزل عروة فيلمه حماو ًال �إيجاد �صيغة ومعادلة ب�صرية ،تختلف عن الآخرين الذين ا�شتغلوا �أفالم ًا توثيقية عن الثورة واملعاناة ال�سورية واكتفوا بال�سرد .عروة يطمح لتطوير اللغة الب�صرية يف احلكاية ال�سورية التي مل تنته .الفيلم رواية �ضخمة ،حملت كل ما م َّر به ال�سوريون خالل الفرتة املا�ضية ،بدء ًا من الرجل البخاخ الذي يتخفى لي ًال ،حماو ًال تلوين ال�شوارع بكلمات حتر�ض النا�س للنهو�ض يف وجه اجل�لاد ،م��رور ًا باملظاهرات وهجوم ال�شبيحة على ال�شباب العزل ،منهالني عليهم بال�ضرب الوح�شي� ،إىل �سقوط ال�شهداء خاللها دفاع ًا عن حقوقهم املدنية عرب ال�صراخ مبا حملوه �سنوات طويلة يف �صدورهم. ثم ينتقل عروة بكامريته �إىل م�شهد �شديد احل�سا�سية :احلرب بني الكامريا والر�صا�صة ،و�أهمية ذلك يف الثورة ال�سورية .حتى �أن الإعالمي وامل�صور كان بالن�سبة للنظام �أخطر من �أي �شخ�ص �آخر فعال يف الثورة .و�إىل الآن ما زال الإعالمي وامل�صور واقع ًا بني ميلي�شيات النظام وامللي�شيات الإ�سالمية ،التي مل يختلف تعاملها مع الأداة التي تنقل احلقيقية. ثم ما يلبث �أن مُيرر عروة كامريته على م�شهد الهجرة والنزوح �إىل املجهول، وحالة التيه التي �شتتت ال�شعب ال�سوري ورمته يف �أ�صقاع الأر�ض� .أما خامتة الفيلم، فهي �أق�سى ما تعر�ض له ال�سوريون خالل الفرتة املا�ضية (حالة احل�صار والتجويع وا�ستخدام الغازات ال�سامة �ضد املدنيني) ،مما جعل عروة يلعب على الرموز ،من خالل وجوه اخلبز ال�ضاحكة التي ترمز �إىل �أطفال حرموا من �شروط هذه احلياة الب�سيطة (اخلبز) ،واملر�أة التي ترتدي قناع الغازات ال�سامة الذي غيرّ ب�شكل �صادم من جمالها. عمد املخرج ال�شاب �إىل تكرار هذا يف عمليه� ،إال �أنه يف فيلم «�صورة ذاتية» �أخذ يجمع الرموز ،لي�ضعها يف حالة مواجهة مع الكامريا ،ناق ًال ال�س�ؤال يف هذه املواجهة �إىل ملعب املتلقي وامل�شاهد. ما قام به عروة مادة �ضخمة يف �صور �سريعة ،ا�شتغلت على �أح��داث واقعية. يقول« :مل �أخرج عن حيّز العبثية» .العبثية التي ال يعرف املخرج معناها ومرتكزها �إال �أنه يراها فاعلة داخله ووا�ضحة حتى يف �أوقات احلرب. �إال �أن ال�صدفة هي التي �سمحت لهذا العمل بالوالدة .فالفكرة بد�أت من حمادثة بني املخرج و�صديق �أجنبي ال يعرف عن �سوريا غري �أنها واقعة يف �شباك احلرب .ي�شرح عروة �سبب �إجنازه لهذا العمل .يقول�« :أحببت �أن �أعمل على مادة فنية �سريعة قوية، قادرة على �إي�صال الأفكار الرئي�سية .داخلي ًا �أي�ض ًا� ،أ�صبحنا بحاجة لأن نتذكر قلي ًال �شكل ثورتنا قبل �أن تطم�س احلرب معاملها».
الرقة :متاثيل �أم �أحمد
ً ل�ساعات مت�أخر ٍة طبيعية يف مدينة الرقة ،فالأ�سواق تبقى مفتوحة تبدو احلياة للوهلة الأوىل ٍ من الليل ،ويرتاد النا�س املقاهي واحلدائق العامة وهناك �أي�ض ًا الألعاب الرتفيهية التي ُتن�صب للأطفال يف ال�ساحات العامة حيث يجل�س �أفراد العائالت فوق الع�شب� .إال �أنه من املمكن �أن يبد�أ الق�صف يف �أية حلظة �أو حت�صل ا�شتباكات يف بع�ض الأحياء .ي�سيطر على املدينة كتائب من املعار�ضة امل�سلحة مثل “�أحرار ال�شام” و”الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام ” وعدد من املجموعات التابعة للـ”جي�ش احلر” مثل “لواء �أحفاد الر�سول” .وحتافظ القوات النظامية على ثالث نقاط ع�سكرية يف املحافظة وهي “الفرقة ″17و”اللواء ″93ومطار الطبقة الع�سكري ،الذي تنطلق منه الطائرات لق�صف مدينة الرقة من وقت لآخر .الأهايل جتاوزات قد ترتكبها اخلائفون من ق�صف النظام يجدون انف�سهم م�ضطرين يف بع�ض الأحيان للتغا�ضي عن ٍ بع�ض كتائب املعار�ضة امل�سلحة يف الرقة ،والتي تتمثل يف اال�ستيالءعلى ممتلكات عامة �أو خا�صة �أو االعتقال التع�سفي لبع�ض النا�شطني .وهناك �أي�ض ًا حاالت االختطاف التي ي�صعب حتديد مرتكبيها. يف هذه البيئة غري امل�ستقرة بد�أ امل�شوار الفني لفاطمة �إبراهيم �أو �أم �أحمد .هذه املر�أة الكردية التي جتاوزت اخلم�سني من العمر ،ومل تتابع �سوى املرحلة الإبتدائية من التعليم ،اختارت �صناعة متاثيل ال�صل�صال للتعبري عن ذاتها .ت�ضع �أم �أحمد متاثيل ال�صل�صال التي �صنعتها بيديها على طاولة خ�شبية يف زاوية الغرفة ال�صغرية على �سطح منزلها .لأم �أحمد ب�شرة �سمراء تتخللها بع�ض التجاعيد والو�شم البدوي .وقد �أ�صرت على �أن تغري مالب�سها عندما طلبنا منها �أخذ �صورة لها فارتدت عباءتها ال�سوداء مع حجابها الأ�سود. يت�ألف بيت فاطمة �إبراهيم وعائلتها من غرفتني بفر�ش متوا�ضع وغرفة عمل �صغرية على ال�سطح. ابنة مدينة كوباين الكردية (عني العرب) تعي�ش على �أطراف مدينة الرقة يف منطقة ع�شوائيات تنت�شر يف �أرجائها �أكوام القمامة ويعاين �سكانها من �ش ّح يف املياه ،هي وبناتها اخلم�س و�أبنا�ؤها الثالثة وزوجها املُقعد. انتقلت �أم �أحمد من كوباين �إىل الرقة قبل نحو ع�شر �سنوات ،ابنها الذي يعمل يف لبنان ير�سل لها النقود من وقت لآخر. قادت ال�صدفة �أم �أحمد �إىل التجربة الفنية .فقد �أخربتها ابنتها التي تدر�س يف كلية الفنون اجلميلة يف الرقة ،ب�أنها ت�شارك يف درو�س عملية على الطني ،فطلبت الأم من ابنتها �أن جتلب لها ال�صل�صال .وبد�أت �أم �أحمد ب�صنع متاثيل منها .بعربيّتها “الر ّقاوية” تقول �أم �أحمد“ :لقد �أعجبت بناتي بعملي وكن يقلن يل ب�أنه ال بد و�أن �أمنا قد در�ست الت�شريح” .تثق �أم �أحمد بتقييم بناتها وتقول ب�أنها تعرف ب�أنهن �صريحات معها، وب�أنه لو كان عملها غري جيد ملا ترددن يف قول ذلك. حاالت �إن�سانية متعددة �شهدتها بنف�سها �أو ر�أتها من خالل تعبرّ �أم �أحمد من خالل متاثيلها ال�صغرية عن ٍ
مراقبتها للأحداث عرب التلفاز .فلكل متثال ق�صة .ت�شري �أم �أحمد �إىل �أحد التماثيل الن�سائية وتقول: “يف هذه الأيام جتد امر�أة على و�شك الوالدة م�ضطرة للجلو�س واالنتظار على احلدود .لقد ُدمّر بيتها فخرجت منه وت�شردت ،ماذا �ستفعل �إذا جاءها املخا�ض؟ �أين �ست�ضع مولودها؟” تعرب �أم �أحمد ع ّما متر به الن�ساء عندما ت�ضطررن �إىل اللجوء �إىل دول جماورة بتمثال على �شكل امر�أة حتمل ابنها وحبلها ال�سري مل يقطع بعد .وتقول �إن هذه املر�أة ترفع مولودها �إىل ح�ضنها فهي جريئة وغري خائفة بالرغم من كل �شيء. وهناك متثال �آخر لأم خائفة و�أوالدها حولها وهي تود الرحيل ولكن �أقرباءها مينعونها من ذلك. ال تقت�صر متاثيل �أم �أحمد على الن�ساء فقط ،فلها ٌ يج�سد رج ًال بارز الع�ضالت منحني ًا على ركبتيه عمل ّ وقد و�ضع يديه خلف ظهره ،عاجزا ال حول له وال قوة بالرغم من قوته اجل�سديّة .وهناك ٌ رجل �آخر يحمل جثة طفل �صغري قد يكون ابنه �أو ابن جار له .وهناك �أهل احلي الفرحني بقدوم اجلي�ش احلر �إليه و قد خرجوا ال�ستقباله ب�أباريق ال�شاي .و متثال ي�صور �إمر�أة ت�سميها “زوجة خلف” ،التي تخرب زوجها ،الذي ال ي�ؤيد النظام ال�سوري وال “اجلي�ش احلر” واجلال�س ال يفعل �شيئ�أ ،ب�أن مزرعتهم قد �أُحرقت .يف حتفة �أخرى تعرب �أم �أحمد عن هم كثري مما يراودها .ت�صور نف�سها هي تطبخ وت�ضع يدها على خدها و تفكر متى �سيبعث لها ابنها امل�صروف. ت�صنع �أم �أحمد متاثيلها من ال�صل�صال بعد خلطه بالغراء ،وت�ضعها على قاعدة خ�شبية لي�سهل حملها: “�أ�ضع لها الغراء و�ألوّنها ،وبع�ض منها غري ملوّن� ،إنها بلون الدخان� ،أ�ستخدم الألوان التي تعرب عما ت�شهده الرقة”. �أم �أحمد الفنانة الفطرية التي اكت�سبت خربتها عن طريق العمل املتوا�صل ا�ستطاعت �أن تعرب عن مناذج �إن�سانية عميقة ومتنوعة من ن�ساء ورجال و�أطفال .وهي ترغب يف �أن يتعرف النا�س على �أعمالها ،وال تبخل بعيّنات جمانية لفنانني �أو ملنظمات كاالحتاد الن�سائي مث ًال وجمعية ال�صم والبكم �أو املراكز الثقافية يف الرقة التي ميكن �أن ت�ساعدها يف التعريف عنها والرتويج لأعمالها ،كما ت�أمل �أن تتمكن من بيع حتفها الفنيّة ال�صغرية يف امل�ستقبل� .أما يف الوقت احلا�ضر ف�إن الأو�ضاع املعي�شية ال�صعبة يف الرقة حتول دون بيع متاثيلها. ً متفائلة “وعدين �أحد الر�سامني تتمنى �أم �أحمد �أن تتمكن من �إر�سال �أعمالها �إىل خارج �سوريا وتقول املعروفني يف الرقة ب�أن يكون لنا معر�ض م�شرتك لتماثيلي ور�سوماته” .وا�شرتكت �أم �أحمد مع فنانني �سوريني �آخرين يف معر�ض م�شرتك بعنوان “بانوراما الثورة من املهد �إىل ال�شهادة” يف مدينة الريحانية الرتكية اجلنوبية.
العدد 98
�أمين ال�شويف
ثالثة �أعوام على "تن�سيقيات الثورة" ال�سورية كذلك ف�إن تنظيم احل��راك الطالبي والدعوة �إليه هو من املفا�صل الهامة يف عمل التن�سيقيات. هذه القراءة يعتمدها عماد �صدقي (� 28سنة) الذي يدر�س الأدب الإنكليزي يف جامعة حلب ،وي�شرحها �أكرث« :التن�سيقيات هي املحرك الأ�سا�سي للحراك ال�سلمي ،ولقد لعبت دور ًا هام ًا على �صعيد احلراك الطالبي يف اجلامعات ال�سورية جلهة ح�شد الطالب، ولكونها حتظى با�ستقطاب كبري� ،أعتقد ب�أنها �ستلعب دور ًا مهم ًا يف امل�ستقبل �سواء يف الن�شاط ال�سيا�سي �أم االجتماعي �أم الثقايف».
80تن�سيق ّية ...و�أكرث
�أ����ص���وات ال�����س��وري�ين املرتع�شة وه���ي تقــلل توجب ت�صديقها مرتني .قبل ن�صيبــهم من اخلوف ّ َ �أن يختطفها الر�صا�ص بدهائه ،وقبل �أن ت ِئدها ُ ثالثة ترتيبات «جنيف» بدهاء القوى الدولية. �أع���وام والنظام ال يقتنع ب���أن ث��ور ًة قامت �ضده. ُ ثالثة �أع���وام واملعار�ضة ال�سورية ال تقتنع ب�أن «�أ�صدقاء ال�شعب ال�سوري» يعنيهم فقط ت�أديب احل���راك العربي يف �آخ��ر معاقله وتق�سيم البلد و�إبقائه غارق ًا يف االقتتال الداخلي قدر امل�ستطاع. وحدها جتربة �شباب «التن�سيقيات» يف الداخل كانت الأكرث �صدق ًا يف توثيق حكاية الثورة .حكاية الدم ال�سوري املراق يومي ًا� ،أو النازح باجتاه املجهول، �أو املعتقل� ،أو املنتهكة حقوقه. ثالثة �أع��وام تبدو كافية �إذ ًا لبحث مرونة «التن�سيقيات» وقدرتها على ابتكار �أدوا ٍر جديدة م�شهد ملتب�س معاد ح�سابه على �أ�سا�س معاندة لها يف ٍ املجتمع الدويل لرغبة ال�سوريني يف االنتقال �إىل نظا ٍم دميوقراطي مدين.
قبل اعرتاف الف�ضائيات
ال ت��زال �صفحات «التن�سيقيات» على مواقع �سجالت الكرتونية التوا�صل االجتماعي ت�شبه ٍ حتفظ تاريخ الثورة وتفا�صيله .تن�سيقية طالب ال�����س��وي��داء واح���دة منها ،ومب��ق��دوره��ا �أن تقيّم جتربتها بعد ثالث �سنوات« :جتربة التن�سيقيات جتربة فريدة من نوعها ،و�شكل من �أ�شكال التنظيم اجلماهريي وال�سري املبتكر الذي ا�ستطاع تنظيم املتظاهرين وح�شدهم ونقل �أخ��ب��اره��م و�آرائ��ه��م
لينا احلكيم
2013-12-29
يتجاوز ع��دد التن�سيقيات يف �سوريا نحو 80 تن�سيقية .كما يرتاوح عدد النا�شطني يف كل واحدة منها ما بني 50نا�شطا �إىل 100نا�شط .وبالتايل نتحدث ع��ن � 8آالف نا�شط �أو �أق��ل ي��دي��رون عمل التن�سيقيات وي�شرفون عليه .هذه املعطيات الرقمية يق ّدمها عماد بارود (� 25سنة) ،وهو طالب يف كلية الفنون بجامعة دم�شق ،وي�ضيف« :لقد كان حجم ً مقارنة العمل ال��ذي �أجن��زت��ه التن�سيقيات ك��ب�ير ًا مع مقدار معاناتها وقمع ن�شاطها امل�ستمر وظروف عملها الرديئة ،جلهة انقطاع االنرتنت واالت�صاالت والكهرباء ،وكذلك فقدت التن�سيقيات ع��دد ًا من نا�شطيها منذ ب��داي��ة ال��ث��ورة��� ،س��واء م��ن ا�ست�شهد بالق�صف �أو م��ن مت اع��ت��ق��ال��ه ،وب��ت��ق��دي��ري كانت تن�سيقية امليدان يف العام املا�ضي مبثابة «الدينامو» الذي حرك باقي التن�سيقيات ال�سورية .لقد كانت �أ�شبه بالتن�سيقية امل��رك��زي��ة ال��ت��ي جتمع ن�شاط البقية».
وم��واق��ف��ه��م ،والتن�سيق بينهم وب�ي�ن امل��ع��ار���ض��ة ال�سيا�سية ،وهي جتربة ناجحة .لكن رمبا يُح�سب ع��ل��ى ب��ع�����ض التن�سيقيات جت��ي�ير ذل���ك احل�شد اجلماهريي مل�صلحة فئة �أو جهة حزبية معينة». مثل هذا التو�صيف لظهور التن�سيقيات ي�ؤ�س�س حلديث زهري عطية (� 26سنة) الذي �أوقف درا�سته يف كلية احلقوق بجامعة دم�شق منذ العام ،2012 حيث يقول�« :صلتي مع التن�سيقيات منذ بداياتــها كانــت جتربــة مــ�شرقة ،لأنهـا ذاتية اجلهود ،فقد �أ���ض��اءت على حقيقة احل��راك ال�سلمي يف �سوريا مبكر ًا ،وقبل �أن تقتنع به معــظم الفــ�ضائيات املراقبة والر�أي العام وتخ�ص�ص له زمن ًا من ب ّثها اليومي .حينها كانت لعل احتماالت «جنيف »2املفتوحة على تبلور التن�سيقيات توثق كل �شيء ،وكانت مبثابة مـ�صدر املعلومــات �شبــه الوحيد عما يحدث يف الداخل ال�صفقة الدولية حول م�ستقبل �سوريا من عدمها ال تغيب عن ذه��ن القائمني على التن�سيقيات .بل ال�سوري ،وال�ضمري احلي لل�سوريني». حت�� ّر���ض البحث ع��ن �أدوات عمل ج��دي��دة ،وتالي ًا احتاد تن�سيقيات �سوريا ما �أن انق�ضى �شهران على بداية احلراك ،حتى البحث ع��ن دور خمتلف ،وت��ط��رح يف �آن �إ�شكالية ظهر «احت��اد تن�سيقيات �سوريا» ،وهو ب��ر�أي ميالد قدرة التن�سيقيات على التكيف مع امل�ستجدات ،وهنا ّ تو�ضح تن�سيقية ط�لاب ال�سويداء« :يف ح��ال بقي كريمّ (� 25سنة) املجاز من ق�سم التاريخ يف كلية الآداب بجامعة دم�شق ،ترجمة حقيقية النعدام النظام� ،ست�ستمر التن�سيقيات مبمار�سة دورها املعتاد تغطية و�سائل الإع�لام العربية �أو الأجنبية ملا بالإ�ضافة �إىل تو�سيع قاعدتها ال�شعبية والبحث عن يحدث يف �سوريا .ي�ضيف« :هدف االحتاد هو نقل �أ�ساليب جديدة لك�شف ف�ساد وا�ستبداد النظام من حقيقة ما يحدث يف الداخل ال�سوري �إىل العامل ،جهة ،وف�ضح ف�ساد وتطرف بع�ض اجلهات املعار�ضة وهو عبارة عن تن�سيقيات موجودة يف املحافظات ،من جهة �أخ��رى� .أم��ا يف ح��ال مل َ يبق النظام ،ف�إن والتن�سيقية بالأ�صل تتكون من عدد من النا�شطني للتن�سيقيات �أدوارا عديدة تقوم بها ،ك�أن تعيد �إنتاج يعملون على توثيق جمريات الأح���داث وم��ن ثم نف�سها مبا يف ّعل دور ال�شارع كرقيب خالل املرحلة االنتقالية ،وال�سعي لإعطاء دور لل�شباب يف �إدارة �إي�صالها �إىل النا�شطني يف اخلارج».
�ش�ؤون البلد ،وامل�شاركة يف ال�ش�أن العام مبا يخدم �أهداف الثورة». ك��ذل��ك ،تعتقد ه�لا حمرة (� 29سنــة) ،وهي كاتــبة �ســورية ،ب����أن التن�سيقيات ه��ي م��ن �أه��م �إجنازات الثورة .وت�ضيف�« :سيكون للتن�سيقيات دور مهم يف امل�ستقبل ،و�أنا اعتربها رديفا مهما لو�سائل الإع�ل�ام املعـروفة� .إذ �إن معظم و�سائل الإع�لام حت�صل على �أخبارها من التن�سيقيات ومن املمكن �أن جمال حيوي يف امل�ستقبل، ت�ساهم هذه الأخرية يف �أي ٍ لكونها تتمتع بامل�صداقية»� .أم��ا يف الوقت الراهن ف��دوره��ا وا�ضح يف اال�ستمرار بنقل �أخ��ب��ار الثورة وت�سليط ال�ضوء على �أهم الأحداث� .أما بعد �سقوط النظام ف�سيكون لها دور �أكرب يف توجيه الر�أي العام �أو انتقاد �أداء احلكومة .كما �أن القائمني عليها لي�سوا معروفني ب�أ�سمائهم احلقيقية ،وهذا يتيح لهم هام�ش حترك �أو�سع ،والعمل مبرونة �أكرب ،وكذلك ف�إن �أي ٍ ّ تن�سيقية �شذت عن م�سار الثورة قام باقي املعار�ضني ً خا�صة التن�سيقيات التي بات مبحاربتها على الفور، ي�شوبها َن َف ٌ�س طائفي �أو مذهبي.
م��ن ال�����ض��روري �أي�ض ًا التوقف عند ر�أي هيثم حرجلي (� 19سنة) الطالب يف املعهد الطبي بجامعة دم�شق ،حول الأدوار املحتملة للتن�سيقيات يف املرحلة القادمة .يقول« :معظمها تنقل الأخبار يف الوقت احلقيقي لوقوع احل��دث وك�أنها �شبكة �إعالمية �أو وكالة �أنباء .لذا �أرى من الطبيعي �أن يكون لها دور هام يف امل�ستقبل كامتداد لدورها الإعالمي الراهن، مثل العمل يف جمال التوعية ال�صحية واملجتمعية، وه��ذا ال يك ّلف �سوى االت�صال ب�شبكة االن�ترن��ت، و�أعتقد �أنه يف حال �سقوط النظام �سيكون ح�ضورها يف العمل الإن�ساين». لكن �أح��م��د الكركي (� 27سنة) ،الطالب يف هند�سة امليكانيك بجامعة دي��ر ال���زور يرتيث يف تقييم جتربة التن�سيقيات وم�ستقبلها .يختلف مع الآراء ال�سابقة� ،إذ يقول�« :أعتقد �أن التن�سيقيات ك ّلها كالم فارغ مل تق ّدم �أو ت�ؤخر �شيئ ًا عما يحدث فعلي ًا على الأر����ض .ال �أعتقد ب�أنه �سيكون لها �أي دور يف امل�ستقبل ،والآن عملها منكب على جمع املال با�سم الثورة ،وامل�ؤ�سف �أن الإ�سالميني �سيطروا على الثورة لأن ال�سوريني تركوها واعتمدوا على غريهم يف �إمتامها».
معاناة �أن تكون �صحفي ًا يف حلب
ممار�سة العمل ال�صحفي من �أ�صعب املهن؛ هي مهنة البحث عن احلقيقة ،التي تت�ضاعف ال�صعوبة واخلطر يف �إيجادها يف حاالت النزاع امل�سلح كما يحدث يف �سوريا. ك�صحفية من حلب ،لي�س الأمر ً �سهال على الإطالق� .أقيم يف املناطق اخلا�ضعة ل�سيطرة النظام ال�سوري غربي حلب ،و�أح���اول �أن �أنقل ممار�ساته والأو���ض��اع الإن�سانية يف هذا اجلزء من املدينة ،وهذا ما يتطلب مني خلق دائرة معارف كبرية للح�صول على الأخبار والظروف املعي�شية ب�أكرث قدر ممكن من الدقة ،مع احلفاظ على �س ّر ّية عملي� ،إذ تن�شط حمالت االعتقال ب�شكل دوري ،وهي ت�ستهدف ال�شابات كما ال�شباب. قبل �أن �أكون �صحفية� ،أنا مواطنة ،تعاين امل�أ�ساة ذاتها كما جميع املواطنني. ف�إ�ضافة �إىل اخلوف من االعتقال ،تواجه ال�صحفية الظروف املعي�شية العادية، من انقطاع املياه والكهرباء والغالء والفقدان املتوايل للمواد الغذائية الأ�سا�سية حت�صيال ً ً حا�صال يف جزء �آخر من واملحروقات .ت�أمني �ضرورات احلياة التي قد تعد
العامل ،تعد هنا ً حتديا بالن�سبة �إىل عائلتي ،كما هو حال معظم النا�س :التدفئة يف هذا ال�شتاء الأق�سى على املدينة ،اال�ستحمام يف ظل انقطاع املياه ،ت�سخني املياه (عندما ال تكون مقطوعة) وتنظيف املالب�س ً يدويا يف ظل الو�ضع ال�سيئ للكهرباء، وت�أمني الغاز الذي ال ينفك �سعره يرتفع. ولكن يحتل ر�أ���س قائمة الهواج�س اخل��وف من امل��وت بقذيفة �أو ر�صا�صة ق�صفا � ً طائ�شة �أو مق�صودة ،حيث ي�شهد هذا اجل��زء من املدينة ً أي�ضا من طرف املعار�ضة امل�سلحة ب�شكل �شبه يومي ،مما يوقع العديد من الإ�صابات الب�شرية �إ�ضافة للأ�ضرار املادية .حتى �أ�سماء الأحياء والطرقات تعر�ضت للحرب والتخريب ،فغيرّ ال�سكان �أ�سماءها لتتنا�سب مع ما تتعر�ض له :بات جزء من حي ال�سليمانية يدعى “مربع الهاون” لكرثة تعر�ضه ل�سقوط قذائف� .أما حي اجلميلية ،فهو �أكرث املناطق عر�ضة لهطول “جرّات الغاز” عرب ما يعرف بـ “مدفع جهنم”� ،إذ يطلق مقاتلو املعار�ضة �صواريخ حملية ال�صنع تثبت على ر�ؤو�سها عبوات غاز. البحث عن احلقيقة ،والإ�صرار على نقل الواقع ب�أ�شمل �صورة ،يتطلب �إجراء
انعدام الدور
مقابالت مع مواطنني وج��دوا �أنف�سهم بني ف ّكي كمّا�شة النزاع ،ويتحفظون على �إجراء مقابالت م�صورة ً خوفا من املالحقة الأمنية .يتبع ذلك العودة �إىل املنزل لإفراغ كل هذا الأمل �ضمن تقارير مكتوبة ،يف ظل انقطاع التيار الكهربائي الذي قد ي�ستمر لأيام �أو تغذية ل�ساعات قليلة يف اليوم (بحدود � 4إىل � 8ساعات ً يوميا ب�شكل متقطع ب�أح�سن الأح���وال) .ي�ضاف �إىل ذلك االنقطاع املتكرر لالنرتنت، بالإ�ضافة �إىل �صعوبة �إجراء املكاملات اخلليوية �ضمن املدينة نف�سها نتيجة �ضعف ال�شبكة ،مما يجعل من ال�صعب الو�صول �إىل املعلومات املراد احل�صول عليها ،ونقلها �إىل العامل. هنا كل �شيء مبهم وغام�ض ،فال�شائعات تنت�شر كالنار يف اله�شيم ،حتى لو كنت بقلب احلدث جتد نف�سك غري مدرك ً متاما ملا يح�صل .قد تكون �ضمن منطقة حمددة حني �سقوط قذيفة فيها ،لكن لكل �شخ�ص روايته عمّا حدث ً حقا ،وعن عدد الإ�صابات ،فال وجود مل�صادر ر�سمية ميكن التحدث �إليها �أو �أخذ املعلومات منها. ال�شارع اليوم هو م�صدر كل الأخبار.
العدد 98
ماجد كيّايل
2013-12-29
قراءة �أوليّة يف الإعالم ال�سوري اجلديد
�أث��ار اختطاف رزان زيتونة و �سمرية اخلليل ووائ���ل ح��م��ادة ون��اظ��م احل��م��ادي جم���� ّدد ًا م�س�ألة العالقة التكاملية �أو التناف�سية �أو التعار�ضية بني الوجه ال�شعبي� ،أي املدين وال�سيا�سي والدميوقراطي، لهذه الثورة ،ووجهها الع�سكري� ،أي امل�سلح والعنفي واملتط ّرف. رمبا يجدر بنا هنا �أن ن�أخذ يف االعتبار �أن هذا الت�أ ّزم ،بح ّد ذاته ،لي�س جوهراني ًا ،وال ثابت ًا� ،إذ هو ناجم يف الأ�صل ،عن ت�أ ّزم الثورة واملجتمع ال�سوريني، مبعنى �أنه نتاج عديد الأ�سباب ،داخلية وخارجية، �ضمنها العنف التدمريي الذي انتهجه النظام �ضد ال�سوريني ،وح ّثه على �إ�ضفاء طابع طائفي عليها، �إ�ضافة �إىل ط��ول �أم��د ال��ث��ورة ،و ت�ص ّدع اجماعات ال�سوريني ،وغ��ي��اب غالبية املجتمع ع��ن معادالت ال�صراع ،وخذالن املجتمع الدويل. يتفق كثريون ب���أن رزان باتت مبثابة الوجه الأبرز الذي بات يعبرّ عن الوجه املدين لهذه الثورة، يف طورها الأول ،لي�س لأن رزان حقوقية وكاتبة ونا�شطة �سيا�سية ،فقط ،بل ولأنها �أ�ص ّرت� ،أي�ض ًا ،على البقاء يف �سوريا ،ومل تخرج ،رغم كل التهديدات التي تع ّر�ضت لها� « .أنا هنا لأنني هنا يف �سوريا بلدي»، هكذا �أجابت رزان ،التي كانت � ّأ�س�ست «جلان التن�سيق املحلية» ،و�أن�ش�أت «مركز توثيق االنتهاكات يف �سوريا»، و�سهرت على ا�صدار جملة «طلعنا عاحلرية». عموم ًا ،لي�س الق�صد هنا احلديث عن رزان ،و �إمنا عن الوجه املغيّب لهذه الثورة ،الذي متثله رزان و�أمثالها ،وال��ذي تدين له ه��ذه الثورة بوجودها، وب�شرعيتها. ف��ه���ؤالء ال�شبان ال�شجعان ه��م ال��ذي��ن ك�سروا حاجز اخل��وف ،وحت�� ّدوا ج�بروت النظام ،و�أجهزة امل��خ��اب��رات وع�����ص��اب��ات ال�شبيحة ،وخ��رج��وا �إىل �ساحات املدن ،يهتفون« :ال�شعب ال�سوري ما بينذل» و «�سوريا بدها ح��ري��ة» ،م��ع �أن �سالحهم الوحيد كان يتم ّثل باملتظاهرات والتجمعات ال�شعبية ،التي كانوا ي�صدحون فيها بحناجرهم ب�أنا�شيد احلرية، ويلوحون فيها بقب�ضاتهم. طبعا ،لي�ست هذه مفا�ضلة بني الوجه ال�شعبي واملدين للثورة وبني وجهها الع�سكري وامل�سلح ،فمن ال�سذاجة االعتقاد ب�إمكان �إ�سقاط هكذا نظام مبتظاهرات واعت�صامات و�شعارات ،و�إمن��ا الغر�ض هنا يتعلق بالتنويه �إىل خماطر تغليب وجه على �آخر ،وخماطر �إزاحة البعد ال�شعبي للثورة وتهمي�شه ل�صالح البعد املتع ّلق بالع�سكرة واجلماعات امل�سلحة. ويف مراجعة مل�سارات الثورة ميكننا بب�ساطة مالحظة �أن النظام ا�شتغل بحر�ص ود�أب �شديدين، منذ البداية ،على �إزاح���ة البعد ال�شعبي ،املدين وال�سلمي والدميوقراطي للثورة.
لينا احلكيم
فقبل بروز ظاهرة الع�سكرة ،وال�صراع امل�سلح، كان معدل ال�شهداء بر�صا�ص رجال الأمن وال�شبيحة يبلغ نحو � 600شخ�ص �شهري ًا .وك��ان النظام �أنكر الثورة ،حتى �أنه اعترب التظاهرات العارمة ،التي �شهدتها �ساحات مدينتي حم�ص وح��م��اه ،جمرد ف�برك��ات تلفزيونية ،قبل �أن ّ يف�ضها بالر�صا�ص والدبابات ،علم ًا �أنه حال دون متكني جماهري حلب ودم�شق و درعا والالذقية من �إيجاد �ساحة لهم. و�إىل هذا وذاك فقد �سعى النظام لدفع ال�سوريني يف املناطق احلا�ضنة للثورة �إىل ت��رك �أحيائهم، وحتى تهجريهم خ��ارج البلد� ،ضمن ا�سرتاتيجيته الرامية لإف��راغ الثورة ،بتقوي�ض طابعها ال�شعبي، وذلك بتعم ّده تدمري الأحياء ال�شعبية ،وحما�صرتها، وتعري�ضها للق�صف امل�ستمر. ما يلفت االنتباه� ،أي�ض ًا� ،أن النظام الذي �أطلق من معتقالته بع�ض منت�سبي �أو منا�صري تنظيم «القاعدة» ،و اجلماعات الدينية العنيفة واملتطرفة، يف الأ�شهر الأوىل للثورة ،ا�شتغل يف املقابل على �إخفاء النا�شطني الثوريني ال�سلميني ،الذين كانوا يقودون املتظاهرات ،ويلهمون النا�س بال�شعارات، املتعلقة باحلرية والكرامة و الدميوقراطية. هكذا كان ن�صيب مئات النا�شطني القتل بر�صا�ص القنا�صة �أو بهراوات ال�شبيحة �أو التعر�ض لالعتقال، �أو دفعهم �إىل اخلروج من البلد ،و هو ما ح�صل بقتل النا�شط م��ن داري���ا غ��ي��اث مطر و ع��دي��د م��ن ق��ادة املتظاهرات يف دم�شق وحلب وحم�ص وحماه ودرعا والالذقية والر�سنت ،وباعتقال كرث من �أمثال مازن دروي�����ش (رئي�س املركز ال�سوري ل�ل�إع�لام وحرية التعبري) ،والكاتب علي ال�شهابي ،وب�إجبار مئات من الن�شطاء للخروج �إىل املنايف. يف ه���ذا الإط������ار ،ف��ق��د ا���ض��ط��ل��ع��ت الأن�����ش��ط��ة الإعالمية بدور متميّز� ،إن يف مواجهتها حال االنكار، و احل��ج��ب ،و الت�شويه ،ال��ت��ي ح���اول فيها النظام حماربة الثورة� ،أو يف �سعيها لك�سر حاجز اخلوف، و �إ�شاعة مظاهر التمرد و الع�صيان ،بغر�ض حترير الوعي ال�شعبي ،و املجال العام ،من احتالل النظام. و يف هذين احلالني ا�ستطاعت الثورة ،لأول مرة، فتح الف�ضاء العام �أم��ام ال�سوريني ،من خالل مناخ احلرية الذي اتاحته ،و�أي�ض ًا من خالل هذه الور�شة الهائلة واملده�شة للأن�شطة الإعالمية التي حفلت بها ،والتي انخرط فيها كتاب وفنانون وم�صورون، مع �أخذنا يف االعتبار الظروف ال�صعبة التي ا�شتغلوا فيها ،يف و�ضع كان فيه فيلم الفيديو على موبايل، يعر�ض �صاحبه للقتل �أو للإعتقال ،ويف و�ضع كان فيه �أي �شخ�ص يلتقط �صورة� ،أو ير�سل بريدا الكرتونيا، ك�أنه يقوم بعملية انتحارية. باملح�صلة ،فقد ا�ضطلعت جمموعة من ال�شباب
ال�شجعان و الرائعني ،الذين يتوقون للخال�ص و احلرية ،يف �سوريا مغايرة ،بدور هو يف غاية الأهمية، يتمثل بخلق التوا�صل بني ال�سوريني ،و فيما بينهم و بني العامل ،يف حتد لكل حواجز النظام الع�سكرية و �أجهزته اال�ستخباراتية ،و خرباته يف القمع و احلجب و التورية و التزييف و التلفيق. و احل���ال ،ففي معمعان ال��ث��ورة ،ن�شط ه���ؤالء ال�شباب على �شبكات التوا�صل االجتماعي ل�سد الفراغ املتعلق بغياب الت�شكيالت ال�سيا�سية ،و ب�إن�شاء التن�سيقيات ،و امل��واق��ع الإع�لام��ي��ة على ال�شبكة العنكبوتية ،و ّ مت ان�شاء بع�ض اذاعات ،FMو ثمة جتارب �أقل ملحطات تلفزيونية. و لعل التجربة الأك�ثر متايز ًا و �إده��ا���ش�� ًا ،من وجهة نظري ،متثلت يف �إ�صدار ال�صحف و املجالت، التي عرفت ال�سوريني على كتابات جديدة ،لكتاب �شباب مل يكونوا معروفني من قبل ،يطرحون �أ�سئلة من خارج ال�صناديق املعروفة و املعهودة. ً و ك��ان��ت ت��ل��ك م��ف��ارق��ة الف��ت��ة ح��ق��ا ،ف�سوريا التي كانت فقرية يف ال�صحافة ،و التي ظلت لعقود مقت�صرة على ثالثة �صحف ت�شبه بع�ضها البع�ض (ت�شرين و البعث و ال��ث��ورة) ،م��ع �صحف حملية لبع�ض املدن ،و التي كان كتابها ،غري املح�سوبني على النظام ،يجدون متنف�س ًا لهم يف ال�صحافة اللبنانية و
اخلليجية ،باتت فج�أة تع ّج باحلياة ال�صحفية و مليئة بال�صحف و املجالت. و لعل املقارنة يف العمل ال�صحايف ما قبل و ما بعد الثورة تبينّ الفارق الكمي و النوعي بني احلالني ،و تبينّ كم كان ال�سوريون يفتقدون حلرية التعبري ،و للر�أي الآخر ،و تبني كم مت ت�ضييع مواهب و طاقات لأجيال من ال�شباب يف العقود املا�ضية ،ب�سب نظام اال�ستبداد. هكذا ،ففي غ�ضون ه��ذه ال��ث��ورة ،تع ّرفنا على �إع�ل�ام �آخ���ر ،ي�ض ّج ب��احل��ري��ة ،و على �شباب مليء باحلما�سة ،و بالن�ضج ال�سيا�سي ،و بالأ�سئلة الفكرية، حتى عناوين هذه املجالت و ال�صحف بدت الفتة وجميلة ومعبرّ ة. ففي غ�ضون هذه الفرتة ،من عمر الثورة ،بتنا �أمام �صحف و جمالت من مثل« :طلعنا عاحلرية» ،و «�سوريا بدها حرية» و «�شرارة �آذار» ،و «�أوك�سجني»، و «ج�سر» و «البديل» ،و «ثوري �أنا»� ،أو مثل «حنطة»، و «زيتون» ،و «عنب بلدي» ،و «يا�سمني» ،ثمة �أي�ضا «�شام» و «�سوريتنا» ،و «دم�شق» ،و «زم��ان الو�صل»، و «توا�صل» ،و «عهد ال�شام» و «�ضو�ضاء» ،و «عني املدينة» ،و «الغربال» ،و «�صدى ال�شام» ،و «متدن» ،و «امل�سار احلر» ،و «والت» ،و «�صور» ،و «بناة امل�ستقبل»، و «طيارة ورق» (للأطفال).
تتمة:معاناة �أن تكون �صحفي ًا يف حلب
هنا كل �شيء مبهم وغام�ض ،فال�شائعات تنت�شر كالنار يف اله�شيم ،حتى لو كنت بقلب احلدث جتد نف�سك غري مدرك ً متاما ملا يح�صل .قد تكون �ضمن منطقة حمددة حني �سقوط قذيفة فيها ،لكن لكل �شخ�ص روايته عمّا حدث ً حقا ،وعن عدد الإ�صابات ،فال وجود مل�صادر ر�سمية ميكن التحدث �إليها �أو �أخذ املعلومات منها .ال�شارع اليوم هو م�صدر كل الأخبار. الطرقات يف هذا اجلزء من املدينة مغلقة بال�سواتر الرتابية� ،أو مق�سمة بحواجز تابعة للجي�ش و”كتائب البعث” .ي�سبب ذلك ازدحاما ً ً دائما يف الطرقات ،والتواجد الأمني يف كل مكان يجعل من �شبه امل�ستحيل حمل كامريا والت�صوير العلني يف حال مل يكن ال�صحفي ً تابعا جلهة �إعالمية موالية للنظام. ّ يقوم احلاجز الفا�صل بني ق�سمي املدينة بالتفتي�ش والتدقيق يف هويات املارة ،مما يعرقل تنقل الن�شطاء والإعالميني املقيمني يف الق�سم الغربي من املدينة �إىل الق�سم الآخر ونقل ما يحدث فيه ،مثل عمليات الق�صف املتتالية من طائرات النظام ،التي �أوقعت يف اال�سبوعني عددا ً املا�ضيني ً كبريا من ال�ضحايا املدنيني� .أما �صعوبة العمل يف الق�سم ال�شرقي من حلب ،فهي ناجتة ب�شكل رئي�س عن اختطاف الإعالميني املتكرر من جهات �إ�سالمية متعددة �أبرزها “الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام” ،وهي �صعوبات تقف يف وجه �أولئك الذين يقطنون الأحياء غري اخلا�ضعة للنظام ،مثل النا�شط الإعالمي عبد الوهاب املال ،الذي اختطف يف �شهر ت�شرين الثاين /نوفمرب وال يزال م�صريه ً جمهوال.
يف �أحياء حلب الغربية ،تنت�شر ق�ص�ص اخلطف و”الت�شليح” �أي ال�سرقات ،التي تبد�أ من الأموال والهواتف اخلليويةً ، و�صوال �إىل �سرقة ال�سيارات يف و�ضح النهار بقوة ال�سالح� .أو قد حتدث خالل الليل ،لي�ستقيظ �أحدهم دون �أن يجد �سيارته �أمام منزله .كما يجري � ً أي�ضا العديد من عمليات االختطاف لأجل طلب فدية مالية مرتفعة من ذوي ال�ضحية ،دون �أن يدري �أحد ملن تتبع هذه الع�صابات :هل هم �شبيحة� ،أم ل�صو�ص ي�ستغلون الفو�ضى املتف�شية يف البالد؟ جميع هذه الأخطار الأمنية تزيد ال�ضغط علينا ك�شباب و�شابات من قبل ذوينا ،الذين باتوا يقلقون من خروجنا اليومي من املنازل ّ ويتحفظون على الت�أخري .رقابة الأهل وقلقهم ،ولو املربر ،يزيد ال�صعوبات ،فخالل وقت قليل ّ يتوجب على ال�صحفية �أن تخرج لتح�صل على �أكرب قدر ممكن من املعلومات حول التقرير الذي تعمل عليه .فغالب الن�شطاء الإعالميني ال علم لذويهم بن�شاطهم ،ب�سبب خوف الأهل من اعتقال �أبنائهم وجلب “البالء” على العائلة ،فمن املعروف �أن الأمن ال�سوري ميار�س ال�ضغط على العائلة كاملة ولي�س فقط على النا�شط املعتقل. ً يف ظل هذه التحديات جميعها ،يبقى الأمل كبريا �أن يرى الإن�سان مدينته ووطنه يتعر�ضان للهدم والدمار �أمام ناظريه ،دون �أن يتمكن يف �أحيان كثرية من �إي�صال �صوته.