العدد الثامن والتسعون من جريدة شرارة آذار

Page 1

‫العدد ‪98‬‬

‫‪2013-12-29‬‬

‫الرباميل املتفجرة‬ ‫وي�أ�س الأ�سد‬

‫يف العنف الثوري‬ ‫نفط دير الزور‬

‫ً‬ ‫�صحفيا‬ ‫معاناة �أن تكون‬ ‫براميل حلب‬ ‫�أم �أحمد �صانعة التمائيل‬ ‫اعالم الثورة‬ ‫ملثموا داع�ش‬

‫ماك�س في�شر ـــــــــــــ‬ ‫ترجمة رمي من ق�سم ترجمة �شرارة �آذار‬ ‫ال تختلف الرباميل املتفجرة والتي هي �أح��دث �أ�سلحة النظام‬ ‫ال�سوري املدمرة عن غريها من الأدوات الإرهابية‪ .‬ولكن الرباميل‬ ‫النفطية التي مُتلأ باملتفجرات وال�شظايا املعدنية ال�شبيهة بامل�سامري ‪،‬‬ ‫والتي ُتلقى على املناطق التي ي�سيطر عليها الثوار تختلف عن القنابل‬ ‫التقليدية يف �أنها �أ�شد ق�سوة بكثري ‪ .‬وال ميكن حتديد ما �إذا كانت‬ ‫الرباميل املتفجرة �أكرث فتكا �أو �أكرث تدمريا من القنابل التقليدية‬ ‫�أو �أقل منها‪.‬‬ ‫وبح�سب حتليل اخلبري احلربي ريت�شارد لويد ف�إن فعالية الرباميل‬ ‫املتفجرة ‪% 25‬يف كل مرة ‪ ،‬وحتى �آنذاك ف�إنها م�صممة بطريقة رديئة‬ ‫حيث �أن �شخ�ص ًا يقف على بعد ‪ 40‬قدما منها لديه فر�صة ‪ %3‬فقط �أن‬ ‫ي�صاب‪ .‬وقد انتقد �إليوت هيغنز‪ ،‬وهو �أول مراقب للأ�سلحة امل�ستخدمة‬ ‫يف �سوريا والذي ال يعمل لدى وكالة اال�ستخبارات الرئي�سية‪ ،‬انتقد‬ ‫ال�ضجة الإعالمية املُثارة حول الرباميل املتفجرة وكتب على تويرت‪:‬‬ ‫(�إن ت�سميتها "براميل متفجرة" يعطيها فعالية قوية‪ ،‬يف حني �أنها‬ ‫�أ�سا�سا ال �شيء)‪.‬‬ ‫ولكن املخيف حقا هي �أخالقيات �صنع الأ�سلحة يدويا وا�ستخدامها‬ ‫املمنهج �ضد �أحياء حلب‪ .‬فهي تتوجه �إىل العقول املفردة يف النظام‬ ‫التي تركز على �إيجاد طرق جديدة للقتل‪ ،‬وال�سعي احلثيث والهو�س‬ ‫بالفو�ضى والدمار ك�إ�سرتاتيجية ر�سمية على ما يبدو يف ال�صراع الذي‬ ‫ي�ستمر منذ قرابة ثالث �سنوات حتى الآن‪.‬‬ ‫الرباميل املتفجرة تبعث على القلق لأنها ت�ؤكد ما كان جلي ًا ب�شكل‬ ‫متزايد طوال فرتة احلرب ال�سورية وهو �أن نظام ب�شار الأ�سد ال يهتم‬ ‫ب�أي �شيء بخالف القتل‪ ،‬وعدم خ�سارة احلرب‪ ،‬ولكن رمبا لي�س للفوز‬ ‫ب�شكل معلن‪ .‬قد يبدو افتقار نظام الأ�سد للمهارة يف احلرب �شيئا �سيئا‬ ‫باعتبارها اجلانب ال�سلبي‪ ،‬وهو ما �ساعد على حتويل ال�صراع الذي بد�أ‬ ‫باحتجاجات �شعبية �إىل طريق م�سدود‪ ،‬معركة طويلة وطويلة ميكن‬ ‫�أن ت�ستمر ع�شر �سنوات �أخرى ‪ .‬ا�ستخدام الرباميل املتفجرة تعني‬ ‫ب�شكل �صريح عدم قدرة الأ�سد على ك�سب املعركة ‪ ،‬ف�ضال عن عدم‬ ‫رغبته يف النظر يف �أي �إ�سرتاتيجية �أخرى غري القتل الع�شوائي‪ ،‬وهو‬ ‫ما ي�شري �إىل �سنوات عديدة �أخرى من ال�صراع املروع يف البالد والتي‬ ‫�شهدت بالفعل مبا فيه الكفاية ليبقى كعالمة فارقة لأجيال‪.‬‬


‫العدد ‪98‬‬

‫�صرب دروي�ش‬

‫‪2013-12-29‬‬

‫يف العنف الثوري وانحرافات الثورة‬

‫ال ميكن تف�سري ال�صراع الدائر يف �سوريا واالجتاهات الذي‬ ‫اتخذه هذا ال�صراع باال�ستناد �إىل نظريات ثقافوية ت�سارع �إىل‬ ‫�إطالق �أحكام قيمة �أكرث مما ت�سعى �إىل تف�سري الوقائع وحتليل‬ ‫معطيات ال�صراع و�شروطه التاريخية‪.‬‬ ‫�إذ من االبتذال مبكان القول �أن �أيديولوجيا اال�سالم ال�سيا�سي‬ ‫كانت حا�ضرة على طول اخلط يف "ال �شعور" قوى املجتمع ال�سوري‬ ‫املنتف�ضة‪ ،‬و�أنه كانت امل�س�ألة حتتاج �إىل فر�صة تاريخية حمددة‬ ‫كي تظهر �إىل العلن وتتبلور تعبرياتها‪ ،‬وال يقل اب��ت��ذا ًال عن‬ ‫ذلك احلديث عن الطبيعة املعتدلة للثقافة ال�سائدة يف املجتمع‬ ‫ال�سوري؛ فالتحديد بحدّ ذاته فا�سد‪� ،‬إذ هل من املمكن احلديث‬ ‫عن ثقافة واحدة �سائدة يف املجتمع ال�سوري؟ والأهم من ذلك‪،‬‬ ‫هل نتعامل هنا مع "الثقافة" باعتبارها جوهر ًا ثابت ًا ال يتغري؟‪.‬‬ ‫يف احلقيقة على �أر�ض ال�صراعات االجتماعية كل �شيء يف تغري‪،‬‬ ‫بينما الثابت هنا هو �أن ال �شيء ثابت!‪.‬‬ ‫ب��د�أت ث��ورة ال�سوريني �سلمية كما ينبغي عليها �أن تكون‪،‬‬ ‫و�صمدت لأ�شهر رغم كل العنف الذي مار�سته ال�سطلة احلاكمة‬ ‫منذ �أول حلظة خل��روج املنتف�ضني �إىل ال�شارع‪ ،‬وت�سلل العنف‬ ‫الثوري مع بداية الطور الثاين للثورة �إىل �صفوف الثوار‪ ،‬ملاذا‬ ‫حدث ذلك وكيف؟ وهل تكمن امل�شكلة يف العنف الثوري ذاته‬ ‫كمقولة �أم يف مكان �آخر‪.‬‬ ‫هناك حد فا�صل علينا �أن ال نغيبه على االطالق بني العنف‬ ‫الثوري من جهة‪ ،‬وانحرافات الثورة من جهة اخرى‪� .‬إذ لي�س كل‬ ‫عنف ث��وري يقود �إىل انحراف يف الثورة بال�ضرورة‪ ،‬مبعنى �أن‬ ‫انحراف الثورة �إذا حدث‪ ،‬فهو غري م�شروط بالعنف الثوري‪� ،‬إذ ال‬ ‫ترابط �سببي بني احلدين؛ وهي مغالطة وخلط للأوراق غالب ًا ما‬ ‫يعتمدها �أ�صحاب مقولة‪�" :‬أمل نقل لكم؟!"‪.‬‬ ‫�أغلب الثورات يف العامل تخللها العنف‪� ،‬إذ مل تقم �سلطة عرب‬ ‫التاريخ احلديث بالتنازل عن مواقعها خل�صمها الطبقي هكذا وبكل‬ ‫دميوقراطية‪ ،‬على الرغم من وجود بع�ض اال�ستثناءات والتي‬ ‫ت�ؤكد القاعدة ال تنفيها‪.‬‬ ‫ويف الو�ضع ال�سوري‪ ،‬ال �شيء ا�ستثنائي‪ ،‬فاالنتفا�ضة ال�شعبية‬ ‫كانت قد �صمدت لأ�شهر وهي تدافع عن �سلمية خيارها يف ا�سقاط‬ ‫حكم الأ�سد‪ ،‬ومل تتحول �إىل الكفاح امل�سلح �إال بعد ارتفاع معدالت‬ ‫القتل وحجم العنف الذي ارتكبته قوات الأ�سد‪ .‬بيد �أن ذلك ال‬ ‫يكفي لتف�سري اال�سباب التي وقفت خلف خيار الكفاح امل�سلح‪.‬‬ ‫ال خالف ان �سنوات حكم الأ�سد كان قد متخ�ض عنها تدين‬ ‫كبري يف م�ستوى الوعي ال�سيا�سي لدى قطاعات وا�سعة من املجتمع‬ ‫ال�سوري‪ ،‬ومل تكن الثورة فع ًال �سحري ًا ينتج عنه ب�شكل اتوماتيكي‬ ‫تغيري ًا لهذه املعادلة‪ ،‬ما جرى �أنه مت ا�ستغالل هذه الظاهرة من‬

‫�أحمد العقدة‬

‫قبل اطراف كثرية‪ ،‬وطبع ًا يف مقدمتها نظام الأ�سد ذاته؛ ورغم‬ ‫كل اجلهد الذي بذل‪� ،‬إال �أن قوى الثورة مل تتمكن من حت�صني‬ ‫نف�سها وبلورة قواها بدرجة كافية‪ ،‬مما جعلها عر�ضة للتالعب من‬ ‫اطراف عدة‪ ،‬ويف مقدمتها املعار�ضة ال�سورية ذاتها‪.‬‬ ‫جزء كبري ًا من م�س�ؤولية حمل ال�سالح‬ ‫�إذ �أال تتحمل املعار�ضة ً‬ ‫يف الثورة ال�سورية؟ �أمل ي�شجع املجل�س الوطني على حمل ال�سالح‬ ‫يف منا�سبات عدة؟ و�أمل يدعم ت�شجيعه هذا‪ ،‬بوعود راح يقطعها‬ ‫للثائرين حول التدخل الع�سكري اخلارجي والدعم املرافق له؟‬ ‫لقد �ساهمت بع�ض قوى املعار�ضة وعلى ر�أ�سها املجل�س الوطني‬ ‫بقيادة الإخوان امل�سلمني‪ ،‬بالت�شجيع ب�شكل �أو ب�أخر على ت�سليح‬ ‫ثورة ال�سوريني‪ ،‬ويف الوقت نف�سه ف�شلت هذه املعار�ضة يف بلورة‬ ‫قطب �سيا�سي قادر على �أن يتمف�صل مع هذا اجلناح امل�سلح للثورة‪،‬‬ ‫كي يكون ذراع�� ًا له على �صعيد ال�صراع‪ .‬ما حدث فيما بعد‪� ،‬أن‬ ‫املعار�ضة ال�سيا�سية كانت مبكان والت�شكيالت الع�سكرية للثوار‬ ‫مبكان �آخر‪ .‬وهو واحد من �أهم العوامل التي �ستف�ضي فيما بعد‬ ‫�إىل انحراف الثورة عن �شعاراتها الأوىل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من جهة �أخ��رى‪ ،‬لعب املال ال�سيا�سي دورا ال يقل �أهمية عن‬ ‫�سابقه‪ ،‬فغذى تلك امليول نحو الت�سليح‪ ،‬وعمد �إىل تبني ت�شكيالت‬ ‫كانت منذ البدء تابعة له اكرث مما هي تابعة لثورة ال�سوريني‪ ،‬ولنا‬ ‫يف لواء اال�سالم املمول �سعودي ًا خري مثال على ذلك‪.‬‬ ‫وت��ك��ف��ي ال���ي���وم ن���ظ���رة م��ت��ف��ح�����ص��ة ل��ط��ب��ي��ع��ة ال�����ص��راع‬

‫الع�سكري الدائر على الأر�ض ال�سورية‪ ،‬كي ندرك �أنه �صراع بني‬ ‫دول ت�صفي ح�ساباته هنا‪� ،‬إذ �أغلب الأط��راف الكربى املتقاتلة‬ ‫اليوم ال ميت �إىل ثورة ال�سوريني و�شعاراتها ب�صلة‪ ،‬ال داع�ش وال‬ ‫الن�صرة وال حتى اجلبهة‪ ،‬وه�ؤالء جميعهم لي�سوا الثورة ال�سورية‪،‬‬ ‫كما �أنهم لي�سوا املمثل عن ال�سوريني‪.‬‬ ‫مل حتتج ق��وى املعار�ضة امل�شجعة خليار الت�سليح‪ ،‬وامل��ال‬ ‫ال�سيا�سي املرتقب لأي فر�صة منا�سبة‪� ،‬سوى توفر املناخ املنا�سب‬ ‫لالنطالق‪ ،‬وهو فع ًال ما حققه نظام الأ�سد عرب كل ممار�سته التي‬ ‫انتهجها منذ الأ�شهر االوىل للثورة‪.‬‬ ‫من ال�صحيح ان ال�سوريني �أجربوا على حمل ال�سالح‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫مع تزايد عدد وحجم املجازر املرتكبة‪ ،‬بيد �أن العوامل الأخرى‬ ‫التي حاولنا مقاربتها‪ ،‬كانت �أ�سا�سية يف تكري�س ه��ذا اخليار‬ ‫وتعميمه؛ بينما انحراف الثورة عن منطلقاتها الأوىل في�أتي‬ ‫كنتيجة لغياب تبلور قطب معار�ض يرتقي �إىل م�ستوى احلراك‬ ‫الثوري‪ ،‬ويتمكن من متثيله متثي ًال حقيقي ًا ال وهمي ًا كما هو احلال‬ ‫اليوم‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن جهة �أخرى‪ ،‬تبقى قوى الثورة املدنية حتى‬ ‫اللحظة من دون �أي متثيل �سيا�سي �أو حتى ع�سكري يتيح لنا‬ ‫معرفة �إن كانت هذه القوى قد انحرفت عن �شعاراتها الأوىل �أم‬ ‫ال‪ .‬فاملتقاتلون على الأر�ض وخ�صو�ص ًا �أوالءك املتطرفني من كل‬ ‫الأ�شكال‪ ،‬ميثلون "الداعمني واملمولني لهم"‪ ،‬وال ميثلون قوى الثورة‬ ‫ال�سورية التي انطلقت يف �شهر �آذار من عام ‪.2011‬‬

‫حلب‪ :‬النظام ي�صعد انتقامه من املدنيني‬

‫اليكا ُد يفر ُغ امل�سعفون من انت�شال جثث ال�ضحايا من حتت الأنقا�ض يف حلب حتى ي�سقط برميل متفجر‬ ‫جديد‪ .‬هو ٌ‬ ‫حدث بات حا�ضر ًا يف يوميات احللبيني لليوم التا�سع على التوايل‪ُ .‬‬ ‫يقول امل�سعفون �إن �سقوط الرباميل‬ ‫زاد حد ًة وعدد ًا مع �سقوط م�شفى الكندي بيد املعار�ضة امل�سلحة‪.‬‬ ‫الإح�صاءات الدقيقة غائبة عن امل�شهد يف ظل �أعداد القتلى واجلرحى التي تزداد ب�شكل متوا�صل على‬ ‫امتداد ‪ 150‬كيلومرت ًا من �أول نقطة ت�سيطر عليها املعار�ضة امل�سلحة وحتى احلدود ال�سورية الرتكية‪.‬‬ ‫عدد الرباميل التي �سقطت على حلب بلغ �أكرث من ‪ 200‬برميل متفجر خالل الأ�سبوع املا�ضي‪ .‬وح�صدت‬ ‫الرباميل �أرواح نحو ‪ 1000‬قتيل وفق تقديرات طبية و�إعالمية غري نهائية‪ ،‬معظمهم من الن�ساء والأطفال‪.‬‬ ‫�سقوط م�شفى الكندي من يد النظام‪ ،‬ال�سبت املا�ضي‪ ،‬وحما�صرة املعار�ضة امل�سلحة ل�سجن حلب املركزي‬ ‫الذي �أ�صبح �آي ًال لل�سقوط يف �أي حلظة‪ ،‬يدل على عدم قوة النظام على حماية ثكناته احلالية التي تت�ساقط‬ ‫تباع ًا‪ ،‬الأمر الذي يُبعد فكرة �أن يكون الق�صف بالرباميل متهيد ًا القتحام ما يف �أي حمور من حماور حلب‪.‬‬ ‫ي�ؤكد قائد ع�سكري من لواء التوحيد �صحة تلك الفر�ضية التي ال تربط بني ت�صعيد النظام الأخري‬ ‫وخ�سارته ملقراته‪ .‬ويقول مف� ً‬ ‫ضال عدم الك�شف عن ا�سمه‪ ،‬يف حديث‪� ،‬إن "الهجمة ال تتعلق ب�أي خطة ع�سكرية‬ ‫للنظام من �أجل اقتحام املدينة"‪ .‬وي�ضيف "هي فقط من �أجل جنيف‪ ،"2‬م�شري ًا �إىل �أن النظام "يريد �أن يوهم‬ ‫العامل انه موجود يف كل مكان من �سوريا‪ ،‬وي�ستخدم قتل املدنيني كورقة �ضغط يف جنيف ال �أكرث"‪.‬‬ ‫ق�صف النظام يرتكز على الأحياء ال�شرقية من مدينة حلب‪ ،‬وهي �أحياءٌ خا�ضعة ل�سيطرة املعار�ضة‪ ،‬يف‬ ‫م�ساكن هنانو وال�صاخور وبعيدين‪� ،‬إ�ضافة �إىل ا�ستهداف يومي لأحياء القاطرجي وقا�ضي ع�سكر‪ ،‬التي تتواجد‬ ‫فيها �أهم املقرات الع�سكرية للمعار�ضة امل�سلحة والف�صائل الإ�سالمية مبا فيها الهيئة ال�شرعية و مقر "الدولة‬ ‫اال�سالمية يف العراق وال�شام"‪.‬‬

‫�أما يف الريف فيرتكز الق�صف على مدن كربى يف الريف ال�شمايل من حمافظة حلب تعترب احلا�ضنة‬ ‫ال�شعبية الأكرب للمعار�ضة امل�سلحة‪ ،‬يف مارع و�أعزاز وعندان وحيان والقرى املجاورة‪� ،‬إ�ضافة �إىل مدينتي منبج‬ ‫والباب يف الريف ال�شرقي من حلب‪.‬‬ ‫يقول النا�شطون �إن املقرات الع�سكرية للمعار�ضة امل�سلحة مل ي�صلها �أي برميل حتى الآن ب�شكل مبا�شر‪،‬‬ ‫ومعظم �ضحايا الرباميل املتفجرة هم من املدنيني الذين ا�ضطروا للنزوح ب�شكل جماعي �إىل القرى القريبة من‬ ‫احلدود ال�سورية الرتكية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫�أما قوات املعار�ضة فال متلك ما تفعله �إزاء الطريان الذي يلقي الرباميل املتفجرة‪ ،‬فيقت�صر الرد على‬ ‫الرباميل بق�صف متقطع ب�صواريخ حملية ال�صنع على اجلزء اخلا�ضع ل�سيطرة قوات النظام من حلب‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ا�ستهداف يومي لقريتي نبل والزهراء املواليتني‪ ،‬فيما ترد املعار�ضة ال�سيا�سية ممثلة باالئتالف ال�سوري‬ ‫املعار�ض بالتلويح �أنها لن ت�شارك يف جنيف ‪ ،2‬ما مل يتوقف �سقوط الرباميل املتفجرة على حلب والذي �أدانه‬ ‫الأمني العام للأمم املتحدة‪ ،‬بان كي مون‪.‬‬ ‫ونتيجة للهجمة غري امل�سبوقة بالرباميل املتفجرة ‪ ،‬كما ي�صفها نا�شطون‪ ،‬غ�صت امل�شايف امليدانية يف حلب‬ ‫وريفها مبئات اجلرحى‪ ،‬حالة معظمهم خطرية‪ ،‬ما �أدى �إىل نقل مئات امل�صابني �إىل م�شايف ك ّل�س وغازي عنتاب يف‬ ‫اجلانب الرتكي‪.‬‬ ‫وتوجه امل�شايف واالحتادات واملجال�س الطبية يف حلب وريفها نداءات يومية للمواطنني من �أجل التربع‬ ‫بالدم وامل�ساعدة يف �إنقاذ اجلرحى من حتت الأنقا�ض‪ .‬كما ع ّلقت "مديرية التعليم احلرة يف حمافظة حلب"‬ ‫الدوام يف جميع مدار�س حلب وريفها بعد تكرر ا�ستهداف املدار�س‪ ،‬حيث �أدى ا�ستهداف املدار�س �إىل جرح نحو ‪40‬‬ ‫طف ًال �إثر �سقوط برميلني متفجرين على مدر�ستني متجاورتني يف مدينة مارع ‪ 30‬كيلومرت ًا �شمال مدينة حلب‪.‬‬


‫العدد ‪98‬‬

‫ل�ؤي �صايف‬

‫‪2013-12-29‬‬

‫�آفاق احلل ال�سيا�سي يف ال�صراع ال�سوري‬

‫يكرث احلديث اليوم عن حل �سيا�سي لل�صراع‬ ‫الدموي يف �سورية والذي راح �ضحيته �أكرث من مئة‬ ‫وع�شرين �أل��ف قتيل من املدنيني و�أك�ثر من �أربعني‬ ‫�ألف ًا من مرتبات اجلي�ش‪ .‬احلل ال�سيا�سي الذي يحقق‬ ‫�أه��داف الثورة يف االنتقال �إىل نظام دميوقراطي‬ ‫وينهي نزيف الدم ال�سوري امل�ستمر منذ قرابة ثالث‬ ‫�سنوات هو احلل الأمثل لهذا ال�صراع‪ .‬ال�س�ؤال الذي‬ ‫ي��دور يف الأذه���ان وي�ت�ردد على الأل�سن ه��و �س�ؤال‬ ‫الإمكان‪ :‬هل احلل ال�سيا�سي لل�صراع الع�سكري يف‬ ‫�سورية ممكن؟‬ ‫من املفيد قبل النظر يف �إمكان الو�صول �إىل حل‬ ‫�سيا�سي �أن نتحدث عن معنى احلل ال�سيا�سي الذي‬ ‫ميكن �أن يخرج البالد من حالة اال�ستقطاب ال�شديد‬ ‫بني مكونات املجتمع ال�سوري وي�ضعها على بداية‬ ‫طريق امل�صاحلة الوطنية‪ ،‬وي�سمح بتجاوز حالة‬ ‫اال�ستبداد وما رافقها من ا�ستقطاب طائفي والتي‬ ‫ولدتها ممار�سات نظام الأ�سد منذ مطلع �سبعينات‬ ‫القرن املا�ضي‪.‬‬ ‫الإط����ار ال��ن��ظ��ري للحل ال�سيا�سي يف �سورية‬ ‫يعني �إن��ه��اء االقتتال بني ق��وات النظام وحلفائه‬ ‫م��ن جهة‪ ،‬والكتائب املقاتلة لإ�سقاطه مبختلف‬ ‫�أ�صنافها وا�صطفافاتها‪ ،‬والو�صول �إىل بنية �سيا�سية‬ ‫و�آليات عمل م�شرتكة ت�سمح بحل اخلالفات القائمة‬ ‫بني الأط���راف �سلمي ًا وم��ن دون اللجوء �إىل القوة‬ ‫وا�ستخدام العنف لفر�ض ر�أي �أو ر�ؤية يحملها طرف‬ ‫من �أطراف ال�صراع على الآخر‪ .‬وهذا يعني بطبيعة‬ ‫احلال نقل القرار ال�سيا�سي من الع�سكريني واملقاتلني‬ ‫�إىل ال�سيا�سيني وال�شخ�صيات الوطنية التي متثل‬ ‫ال��ق��وى املت�صارعة‪ .‬البنية ال�سيا�سية املطلوبة‬ ‫للو�صول �إىل احلل ال�سيا�سي يجب �أن تعطي مكونات‬ ‫ال�شعب ال�سوري املختلفة حيز ًا كافي ًا من احلريات‬ ‫ي�ضمن عدم حتكم �أي مكون يف املمار�سات االجتماعية‬ ‫والثقافية والدينية للمكونات الأخ���رى‪ ،‬و�آليات‬ ‫العمل امل�شرتك ه��ي �آل��ي��ات ال��ق��رار الدميوقراطي‬ ‫عرب �صناديق االق�تراع وامل�شاركة احلرة يف احلياة‬ ‫ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫ثمة تقاطعات كبرية ب�ين ال��ق��وى ال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعية املت�صارعة على الإط��ار العام للحل‬ ‫ال�سيا�سي‪ .‬فالنظام و�أعوانه يتحدثون عن االحتكام‬ ‫�إىل �صناديق االقرتاع الختيار القيادة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وهم لذلك يطالبون املعار�ضة بقبول م�س�ألة حتديد‬ ‫م�صري ب�شار الأ���س��د م��ن خ�لال �صناديق االق�ت�راع‪.‬‬ ‫امل�شكلة هنا �أن النظام ال�سوري برتكيبته احلالية‬ ‫غري ق��ادر على �إج��راء انتخابات ح��رة ونزيهة من‬ ‫جهة‪ ،‬و�أن اختيار النظام لطريق احل�سم الع�سكري‬ ‫للتعامل م��ع ال��دع��وات الإ�صالحية يجعل م�س�ألة‬ ‫القبول بالأ�سد على ر�أ�س دولة �ساهم بتدمريها �أمر ًا‬ ‫م�ستحي ًال‪.‬‬ ‫ق��وى املعار�ضة دع��ت نظام الأ���س��د منذ بداية‬ ‫ال�صراع ال�سيا�سي وقبل حتوله �إىل �صراع ع�سكري‬ ‫�إىل �إدخ��ال �إ�صالحات �سيا�سية ود�ستورية وبدء‬ ‫حياة دميوقراطية ت�سمح بامل�شاركة ال�سيا�سية‬ ‫الوا�سعة و�إنهاء نظام احلزب الواحد وحكم القائد‬ ‫الرمز املتعايل فوق احلياة ال�سيا�سية الذي بد�أ مع‬ ‫تويل الأ�سد الأب مقاليد ال�سلطة يف القرن املا�ضي‪.‬‬ ‫وبطريقة م�شابهة‪ ،‬ولكنها بالت�أكيد غري مطابقة‪،‬‬ ‫حتدثت القوى املقاتلة ذات النزعة الإ�سالمية عن‬ ‫نظام يقوم على ال�شورى واالنتخابات التي تفرز‬ ‫القيادة ال�سيا�سية‪ ،‬ولكنها تختلف يف فهمها ملعنى‬ ‫ال�شورى و�آليات االنتخاب و�صالحيات ممثلي ال�شعب‬ ‫(وفق مفهوم �أهل احلل والعقد التاريخي) وفق طرح‬

‫ف�ضفا�ض لتحكيم ال�شريعة يف احلياة العامة‪.‬‬ ‫وعلى رغم ت�سليمنا بوجود �صعوبات عدة ومهمة‬ ‫يف التوافق على �إطار نظري حلل الأزم��ة‪ ،‬ف�إن بذور‬ ‫التوافق النظري موجودة‪ ،‬على الأقل على م�ستوى‬ ‫القيم الأ�سا�سية‪ ،‬مثل امل�ساواة وامل�شاركة وامل�ساءلة‬ ‫واحلريات والعدالة الإجرائية واالجتماعية‪ .‬هذا‬ ‫الت�شارك القيمي يحتاج بطبيعة احلال �إىل تف�سري‬ ‫بنيوي وتنظيمي‪ ،‬مما يتطلب دخ��ول الأط���راف يف‬ ‫ح��وار وا�سع ومتعدد امل�ستويات لتو�ضيح املفاهيم‬ ‫وال��ت�����ص��ورات والتعاطي م��ع امل��خ��اوف والتحفظات‬ ‫والو�صول �إىل لغة �سيا�سية م�شرتكة ت�سمح ببدء‬ ‫حياة �سيا�سية يف املجتمع ال�سوري بعد انقطاع دام‬ ‫ن�صف ق��رن مذ �أن ت��وىل ح��زب البعث ال�سلطة يف‬ ‫البالد‪.‬‬ ‫ال�صعوبة الأ�سا�سية اليوم يف الو�صول �إىل حل‬ ‫�سيا�سي هي غياب القوى ال�سيا�سية امل�ؤثرة التي ت�ؤمن‬ ‫باحلل ال�سيا�سي والقادرة يف الوقت نف�سه على توفري‬ ‫الأجواء ال�سيا�سية والأمنية‪ ،‬وت�سهيل �سبل احلوار‬ ‫بني الأط��راف املتنازعة للو�صول �إىل �إط��ار �سيا�سي‬ ‫م�شرتك ولغة �سيا�سية م�شرتكة‪ .‬فالقوى الإقليمية‬ ‫والدولية القادرة على ممار�سة هذا ال��دور تنق�سم‬ ‫�إىل ق�سمني‪ :‬من ي�سعى �إىل حل ع�سكري وي��رى يف‬ ‫احلديث عن حل �سيا�سي و�سيلة لإطالة �أمد ال�صراع‬ ‫واالختباء خلف موقف �أخالقي لرفع اللوم عنه وعن‬ ‫خياره الدموي‪ ،‬ومن ي�ؤمن باحلل ال�سيا�سي ولكنه ال‬ ‫ي�سعى بال�ضرورة �إىل حتقيق حتول دميوقراطي‪.‬‬ ‫فرو�سيا و�إيران تنظران �إىل �سورية من منظار‬ ‫جيو�سيا�سي باعتبارها منطقة نفوذ ونقطة ارتكاز‬ ‫متقدمة يف ال�صراع مع الواليات املتحدة وحلفائها‪.‬‬ ‫التدمري الكبري يف البنية التحتية ل�سورية واخل�سائر‬ ‫الب�شرية الهائلة واحل��ال��ة الإن�سانية املتدهورة‬ ‫يف البالد �أم��ور ال حتتل موقع ًا متقدم ًا على قائمة‬ ‫�أولويات رو�سيا و�إيران‪ .‬رو�سيا ترى يف �سورية قاعدة‬ ‫متقدمة ملواجهة النفوذ الأمريكي وحليف ًا مهم ًا �ضد‬ ‫التعاطف ال�س ّني مع اجلمهوريات الإ�سالمية الغنية‬ ‫بالنفط والراغبة يف حتقيق مزيد من اال�ستقالل‬ ‫عن الهيمنة الرو�سية‪ .‬وعلى رغم �أن هذا التعاطف‬ ‫م��وه��وم ومبالغ ب��ه �إىل ح��د بعيد‪� ،‬إال �أن��ه ي�شكل‬ ‫جزء ًا من املخاوف الرو�سية من التيارات الإ�سالمية‬ ‫النا�شطة يف املنطقة العربية التي تفهم ع��ادة يف‬ ‫رو�سيا من خالل جتربة حرب ال�شي�شان‪ .‬يف حني ترى‬ ‫�إيران يف �سورية ممر ًا مهم ًا لل�سالح �إىل جنوب لبنان‪،‬‬ ‫ويف النظام ال�سوري �شريك ًا لت�سهيل تو�سع النفوذ‬ ‫الإيراين من خالل التو�سع ال�شيعي ودعم الأقليات‬ ‫ال�شيعية يف �سورية وامل�شرق العربي‪.‬‬ ‫ال��غ��رب بقيادة ال��والي��ات املتحدة حمكوم من‬ ‫جهة �أخرى يف تعاطيه مع ال�ش�أن ال�سوري بالتزاماته‬ ‫بحفظ �أمن �إ�سرائيل من جهة وال�صراع مع املنظمات‬ ‫الإ���س�لام��ي��ة امل��ت��ط��رف��ة وامل��ت��ح��ال��ف��ة م��ع تنظيم‬ ‫«القاعدة»‪� .‬إ�ضعاف نظام الأ�سد واحتواء الربنامج‬ ‫النووي الإيراين كانا يف مقدم العوامل التي وجهت‬ ‫�سيا�سة �أوباما يف ال�سنتني الأوليني من الثورة‪ .‬يف‬ ‫حني �أ�صبح هاج�س «القاعدة» وحلفائها يف �سورية‬ ‫العن�صر الأ�سا�سي يف حتركات ال��والي��ات املتحدة‬ ‫الأخرية يف ما يتعلق بامللف ال�سوري‪ ،‬كما كان تزايد‬ ‫ت�أثري احلركات الإ�سالمية الدافع الرئي�سي لتحركها‬ ‫لإنهاء احلرب يف البلقان يف منت�صف الت�سعينات‪.‬‬ ‫املوقف الأمريكي من ال�صراع ال�سوري �أ�ضعف‬ ‫م��واق��ف ح��ل��ف��اء ال���والي���ات امل��ت��ح��دة يف املنطقة‬ ‫املتعاطفني مع الثورة ال�سورية‪ ،‬وب�شكل خا�ص موقف‬ ‫تركيا وقطر (حليف تركيا الرئي�سي) يف التعاطي‬

‫م��ع ث���ورات الربيع العربي م��ن جهة‪ ،‬وال�سعودية‬ ‫ودولة الإم��ارات من جهة �أخ��رى‪ .‬املوقف الأمريكي‬ ‫دعا ال�سعودية �إىل اتخاذ موقف متمرد على املوقف‬ ‫الأمريكي والذي برز يف رف�ض توليها مقعد الع�ضو غري‬ ‫الدائم يف جمل�س الأمن‪ ،‬وذلك عقب تراجع �أوباما‬ ‫عن �ضرب نظام الأ�سد ودخوله يف �صفقة مع �إيران‪.‬‬ ‫من جهة �أخ��رى ك��ان للتغيريات يف التحالفات‬ ‫الع�سكرية �أثرها على الأر���ض‪ .‬فقد انف�صلت �أكرب‬ ‫املجموعات الع�سكرية التابعة لـ «اجلي�ش ال�سوري‬ ‫احلر»‪ ،‬ويف مقدمها لواء التوحيد ولواء الإ�سالم‪ ،‬عن‬ ‫هذا اجلي�ش وقررت االلتحاق بـ «اجلبهة الإ�سالمية»‬ ‫التي ت�شكلت �أ�سا�س ًا من لواء �صقور ال�شام ولواء �أحرار‬ ‫ال�شام والتي �أخذت موقف ًا راف�ض ًا لالئتالف الوطني‬ ‫ال�سوري‪.‬‬ ‫�أما االئتالف الوطني‪ ،‬اجلبهة الأو�سع يف �صفوف‬ ‫املعار�ضة ال�سيا�سية‪ ،‬فلم يتمكن من حتقيق م�ستوى‬ ‫�أدنى من التن�سيق مع القوى الع�سكرية الرئي�سية يف‬ ‫الداخل‪ .‬بل �إن العالقة بني االئتالف وهيئة الأركان‬ ‫م��ن جهة‪ ،‬وق��ي��ادات الكتائب الإ�سالمية املقاتلة‬ ‫ازدادت توتر ًا خالل الأ�شهر القليلة املا�ضية‪ ،‬بعد �أن‬ ‫عجز االئتالف عن �إيجاد �آليات للتوا�صل والت�شاور‬ ‫مع هذه القوى نتيجة اال�ستقطاب ال�سيا�سي احلاد‬ ‫داخل االئتالف والذي عك�س اال�ستقطاب ال�سيا�سي‬ ‫الإقليمي ب�ين ال��ق��وى الإقليمية امل���ؤي��دة للثورة‬ ‫ال�سورية‪.‬‬ ‫ت��راج��ع دور ال��ق��وى الع�سكرية وال�سيا�سية‬ ‫ال�سورية نتيجة حتالفات مع دول �إقليمية مت�صارعة‬ ‫على ال�ساحة ال�سورية‪ ،‬يجعل الو�صول �إىل حل‬ ‫�سيا�سي �أم��ر ًا بالغ التعقيد‪ .‬ويبدو �أن �أوراق احلل‬ ‫ال�سيا�سي انتقلت من �أي��دي ال�سوريني‪� ،‬سواء كانوا‬ ‫يف املعار�ضة �أو النظام‪� ،‬إىل �أيدي القوى الإقليمية‬ ‫والدولية التي مل تكن منذ البداية معنية بالتحول‬ ‫الدميوقراطي �أو احلل ال�سيا�سي‪ ،‬بل ب�صراعاتها‬ ‫اجليو�سيا�سية والأي��دي��ول��وج��ي��ة‪� .‬أع��م��ال القتل‬ ‫والتدمري امل��ت��زاي��دة يف �سورية م��ع اق�ت�راب م�ؤمتر‬ ‫جنيف تظهر �أن احل��ل ال�سيا�سي لي�س ه��و الهم‬ ‫الرئي�سي للقوى املت�صارعة‪ ،‬بل خو�ض حرب بالوكالة‬ ‫للدفع بامل�شاريع الإقليمية والدولية‪.‬‬ ‫الهوة الكبرية واملتزايدة بني قيادات االئتالف‬ ‫الوطني واجلبهة الإ�سالمية ت�ضعف موقف املعار�ضة‬ ‫ال�سورية وتنقل الثقل يف مفاو�ضات جنيف �إىل‬ ‫الدولتني الراعيتني لهذا امل�ؤمتر‪ .‬اتفاق الدولتني‬

‫على عقد املفاو�ضات ال يعني وجود تفاهم تف�صيلي‬ ‫ح��ول �أه��داف امل���ؤمت��ر‪ .‬ففي حني ت�صر رو�سيا على‬ ‫�أن املفاو�ضات غري م�شروطة و�أن كل اخلالفات بني‬ ‫النظام واملعار�ضة قابلة للنقا�ش‪ ،‬ت�ؤكد الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬نزو ًال عند رغبة االئتالف‪� ،‬أن املفاو�ضات‬ ‫ت��ه��دف �إىل ق��ي��ام ه��ي��ئ��ة ح��ك��م ان��ت��ق��ال��ي��ة بكامل‬ ‫ال�صالحيات التنفيذية‪.‬‬ ‫امل��وق��ف الأم�ي�رك���ي ال ي���زال يلفه ال��ك��ث�ير من‬ ‫الغمو�ض‪ .‬فوزير اخلارجية ج��ون ك�يري وال�سفري‬ ‫الأمريكي يف �سورية‪ ،‬روبرت فورد‪ ،‬يدعمان مطالب‬ ‫االئ��ت�لاف‪ ،‬وي��دع��وان �إىل ا�ستبدال ب�شار الأ�سد‬ ‫والدخول يف عملية انتقالية نحو نظام دميوقراطي‪.‬‬ ‫ولكن موقف املبعوث الأمم��ي الأخ�ضر الإبراهيمي‬ ‫املتماهي مع املوقف الرو�سي‪ ،‬وامل�صر على الدخول‬ ‫يف حم��ادث��ات غري م�شروطة وعلى م�شاركة �إي��ران‬ ‫يف حم��ادث��ات جنيف‪ ،‬ورف�ضه ان��ف��راد االئ��ت�لاف يف‬ ‫متثيل املعار�ضة ال�سورية‪ ،‬يزيد من �ضبابية املوقف‬ ‫الأم�يرك��ي‪ .‬ذل��ك �أن ق��درة ال��والي��ات املتحدة على‬ ‫الت�أثري يف مواقف م�س�ؤويل الأمم املتحدة‪ ،‬وجميع‬ ‫امل��ب��ع��وث�ين الأمم��ي�ين خ��ا���ص��ة يف ق�ضايا ح�سا�سة‬ ‫بالن�سبة للواليات املتحدة‪ ،‬معروفة لدى اجلميع‪،‬‬ ‫ومن امل�ستبعد �أن ي�ستطيع الإبراهيمي االحتفاظ‬ ‫مبوقعه كل هذه الفرتة من دون موافقة �أمريكية‬ ‫�ضمنية‪.‬‬ ‫ه��ذا يعنى �أن ق��درة املعار�ضة ال�سورية على‬ ‫ا���س�ترداد زم��ام امل��ب��ادرة‪ ،‬واال�ستفادة من اخلالفات‬ ‫الدولية والإقليمية‪ ،‬تتوقف على قدرتها على العمل‬ ‫كجبهة واح��دة‪ .‬وم��ع الأ�سف ال ي��زال ه��ذا امل�شهد‬ ‫بعيد االحتمال نتيجة اال�ستقطابات احلادة داخل‬ ‫�أروق��ة املعار�ضة ال�سيا�سية والع�سكرية‪ ،‬وا�ستمرار‬ ‫اال�صطفاف الإقليمي وغياب الراعي الدويل امللتزم‬ ‫بالتحول الدميوقراطي يف �سورية‪.‬‬ ‫توحيد �صفوف املعار�ضة ال�سيا�سية والع�سكرية‬ ‫ميثل الأمل الوحيد املتبقي لتغيري احلراك احلايل‬ ‫وفر�ض واقع �سيا�سي وع�سكري جديد يدفع بالقوى‬ ‫الدولية �إىل قبول عملية التحول الدميوقراطي‪،‬‬ ‫وممار�سة ال�ضغوط الالزمة على نظام الأ�سد للو�صول‬ ‫�إىل حل �سيا�سي ينهي اال�ستبداد ويعلن بداية احلياة‬ ‫ال�سيا�سية احلرة والكرمية يف �سورية‪.‬‬ ‫فهل يرتفع ال�سيا�سيون والثوار ال�سوريون �إىل‬ ‫م�ستوى امل�س�ؤولية الوطنية والتاريخية؟‬


‫العدد ‪98‬‬

‫‪2013-12-29‬‬

‫نفط دير الزور عر�ضة للنهب‬

‫انت�شرت يف الآونة الأخرية يف ريف مدينة‬ ‫دي��ر ال��زور ظاهرة �سرقة النفط اخل��ام‪ ،‬حيث‬ ‫يقوم جت��ار الأزم���ات والل�صو�ص بثقب �أنابيب‬ ‫النفط ال�ستخراجه وبيعه‪ ،‬فتجارة النفط‬ ‫�أ�صبحت عمل من ال عمل له‪ ،‬واجلميع يعمل بها‬ ‫ب�شكل كبري ويف العلن‪.‬‬ ‫حقول النفط يف هذه املنطقة كانت ت�ساهم‬ ‫مبا يزيد على مئتي �ألف برميل من جممل الإنتاج‬ ‫النفطي ال�سوري الذي كان يبلغ ‪� 350‬ألف برميل‬ ‫يومي ًا‪ ،‬قبل ب��داي��ة احل���رب‪ .‬ويعترب النا�شط‬ ‫امليداين الإعالمي عبد الكرمي ( ‪ 35‬عام ًا) “�إن‬ ‫�سيطرة بع�ض الكتائب وال�سما�سرة على املنابع‬ ‫النفطية مل يعد بالنفع على الأه���ايل‪ ،‬الذين‬ ‫ينظرون للأمر على انه ا�ستمرار ل�سيا�سة �سرقة‬ ‫عائدات النفط التي قام بها النظام طيلة �أربعني‬ ‫عام ًا”‪.‬‬ ‫ي�ضيف عبد الكرمي “�سحب الدخان التي‬ ‫تغطي �سماء ريف دير ال��زور لي�ست ناجمة عن‬ ‫ق�صف لقوات النظام ولي�ست ل�سقوط طائرة‬ ‫حربية‪ ،‬بل هي ناجتة عن عملية تكرير النفط‬ ‫اخلام‪ ،‬بطريقة بدائية”‪ .‬ت�شمل هذه العملية‬

‫و�ضع برميل على النار ومتديد �أنبوبني �إليه ويتم‬ ‫زي��ادة ح��رارة النار تدريجي ًا لت�صل �إىل درجة‬ ‫معينة‪ ،‬على �أثرها ير�شح البنزين وامل��ازوت كل‬ ‫واح��د يف �أنبوب‪ ،‬فكل م�شتق من النفط يحتاج‬ ‫لدرجة حرارة معينة لكي يتم عزله عن ال�سائل‬ ‫الأ���س��ا���س��ي‪ .‬ويختم عبد ال��ك��رمي “�أي �شخ�ص‬ ‫ب�إمكانه ممار�سة مهنة “احل ّراقات” هذه وهي‬ ‫جتد انت�شار ًا يف ريف دير الزور والرقة واحل�سكة‬ ‫وحلب و�إدل���ب و���ص��و ًال �إىل �أط���راف الالذقية‪،‬‬ ‫فنق�ص امل���وارد �أج�بر ال�سكان على �شراء هذه‬ ‫امل�شتقات غري ال�صاحلة لال�ستعمال يف التدفئة‬ ‫والطبخ‪ ،‬لرخ�ص ثمنها وتوفرها‪”.‬‬ ‫العائدات املالية لعمليات بيع النفط اخلام‬ ‫واملكرر يدوي ًا‪ ،‬جعلت من ي�سيطر على الآبار من‬ ‫جتار و�سما�سرة يتغا�ضون عن الأ�ضرار ال�صحية‬ ‫الناجمة ع��ن التكرير ال��ي��دوي‪ ،‬وال��ت��ي تهدد‬ ‫بكوارث �إن�سانية وبيئية ب��د�أت بالظهور ب�شكل‬ ‫كبري يف هذه املناطق على �شكل �أمرا�ض معدية‬ ‫وحاالت حروق واختناق كثرية‪.‬‬ ‫�أحد الأطباء الذي رف�ض الك�شف عن ا�سمه‬ ‫حت��دث ق��ائ ً‬ ‫�لا‪“ :‬قام بع�ض ال�سكان ب��اخ�تراع‬

‫عماد مفرح م�صطفى‬ ‫ِبوجوههم امللثمة خلف راياتهم ال�سوداء‪ ،‬و�إخفاء �أ�سمائهم احلقيقية‪،‬‬ ‫خلف �أ�سماء وكنايات �إ�سالمية قدمية‪ ،‬يُثري عنا�صر تنظيم دولة الإ�سالم يف‬ ‫العراق وال�شام «داع�ش«‪ ،‬الكثري من الأ�سئلة يف البيئة ال�سورية الثائرة‪ ،‬تلك‬ ‫البيئة التي قطعت كل عالقة تربطها باخلوف والتخفي‪� ،‬أو باملواربة وعدم‬ ‫الو�ضوح يف ك�شف �أ�سماء القادة احلقيقيني حلراكهم الثوري‪.‬‬ ‫و�إذ تركز كل التحليالت التي تتناول هذا التنظيم الغام�ض‪ ،‬بكونه‬ ‫�أحد �أوجوه الدولة الأمنية «العميقة» يف �سوريا‪ ،‬والذراع اخلفية لأحابيل‬ ‫و�أالعيب املخابرات الأقليمية والدولية‪� ،‬إال �أن معظم تلك التحليالت‪ ،‬مل‬ ‫تبحث يف العوامل وامل�سببات ال�سورية اخلا�صة‪ ،‬املرتبطة بالو�ضع الداخلي‬ ‫املركب‪ ،‬وما خ ّلفه العنف ال�سيا�سي للدولة والنظام على مدى عقود‪ ،‬يف جعل‬ ‫البع�ض‪ ،‬يتطلع �إىل «داع�ش» كم�شروع خال�ص من «دولة البعث العلمانية»‪،‬‬ ‫حيث ميكن و�صف ما «يعتمل» داخل وعي «الأغلبية ال�سنية»‪ ،‬و�إن ب�سويات‬ ‫خمتلفة‪« ،‬بالغنب التاريخي» من خماذلة «العروبة» وتنظيماتها لهم‪ ،‬مع‬ ‫حتول ال�سلطة �إىل ممار�سة نوع من «الفا�شية الطائفية» حتت غطاء �شعارات‬ ‫رومان�سية‪ ،‬ت�ستدل �إىل وطنية مفقودة‪.‬‬ ‫ترافق ذلك الغنب مع الفقر االقت�صادي وال�سيا�سي يف البيئة الريفية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وخ�صو�صا يف �أرياف حلب ودير الزور والرقة‪ ،‬حيث تنت�شر «داع�ش» حاليا‪،‬‬ ‫مع توح�ش منظومة احلكم‪ ،‬وتبنيها ملنظومة «اقت�صاد ال�سوق االجتماعي»‬ ‫وتهمي�ش الأرياف‪ ،‬و�إرتفاع معدالت الهجرة باجتاه املدن الرئي�سية وال�سكن يف‬ ‫الع�شوائيات‪ ،‬كل ذلك مهد الطريق «للع�صبوية ال�سنية» لتتغلغل يف النفو�س‪،‬‬

‫�آالت تكرير ي��دوي��ة‪ ،‬ينتج ع��ن ه��ذه العملية‬ ‫م�شتقات نفطية �سيئة اجل��ودة وخطرية على‬ ‫ال�����ص��ح��ة‪ ،‬وق���د ت�سببت ب��ح��وادث ك��ث�يرة راح‬ ‫�ضحيتها ع�شرات املدنيني مابني املوت واحلروق‬ ‫وال�سرطانات‪ ،‬هناك انبعاثات غازية تنتج عن‬ ‫عملية اح�ت�راق النفط اخل��ام يكون ت�أثريها‬ ‫مبا�شر يف بع�ض احل��االت‪ ،‬وتراكمي يف حاالت‬ ‫�أخرى‪ ،‬ت�ؤدي �إىل جمموعة من امل�شاكل ال�صحية‬ ‫على م�ستوى اجلهاز اله�ضمي واجلهاز التنف�سي‬ ‫والأوعية الدموية”‪.‬‬ ‫وي���ق���ول ه��ي��ث��م وه����و ن��ا���ش��ط �إع�ل�ام���ي‬ ‫“امل�ستفيدون من هذا الو�ضع فئات حمدودة‬ ‫تقوم با�ستخراج النفط وبيعه‪ ،‬فالكتائب التي‬ ‫ت�سيطر على الآبار تقوم ببيع ق�سم من النفط‬ ‫للنظام ب���أ���س��ع��ار متفق عليها‪ ،‬وق�سم لرتكيا‬ ‫وق�سم للداخل‪ ،‬وهناك حرا�سة م�شددة على‬ ‫ك��ل بئر تتكون م��ن ع��دة عنا�صر بالإ�ضافة‬ ‫لدبابة وم�����ض��ادات للطريان”‪ .‬وب���د�أت حملة‬ ‫�إع�لام��ي��ة م��ع ب��داي��ة جت��ارة النفط منذ �ستة‬ ‫�أ�شهر وما زالت م�ستمرة‪ ،‬وت�شارك فيها فعاليات‬ ‫كثرية‪ ،‬وخ�ص�صت قناة اجلزيرة مبا�شر نافذة‬ ‫تفاعلية ملدة �ساعة للحديث عن هذا املو�ضوع‪.‬‬ ‫ويرف�ض هيثم �أن تكون ثروات البالد بيد فئة‬ ‫معينة و�أن ت�ستثمره ب�شكل �شخ�صي‪“ ،‬كل كتيبة‬ ‫�سيطرت على �آبار معينة‪ ،‬والتزمت باقي الكتائب‬ ‫ب��اح�ترام �سيطرتها كما قامت تلك الكتائب‬ ‫بت�أمني احلماية لهذه الآبار‪ ،‬ومنعت �أي �شخ�ص‬ ‫من االقرتاب من مناطق �سيطرتهم”‪.‬‬ ‫ي��ب��دو احل��دي��ث ع��ن الأ����ض���رار ال�صحية‬ ‫والبيئية اخلطرية جراء ما يح�صل �أمر ًا ثانوي ًا‬ ‫هنا‪ .‬فاملواجهات على خلفية ال�سيطرة على‬ ‫منابع النفط وعائداته ال�ضخمة تنتهي بقتلى‬ ‫وجرحى‪ ،‬ويف �آخر ف�صول هذه املعارك النفطية‬ ‫ا�شتباكات بني عنا�صر من “جبهة الن�صرة”‬ ‫ورج��ال القبائل يف بلدة امل�سرب عند احلدود‬ ‫مع العراق‪ ،‬على خلفية نزاع على �شاحنة نفط‬ ‫م�سروقة‪ ،‬ما �أ�سفر عن وقوع ‪ 37‬قتي ًال وتدمري‬ ‫نحو ‪ 30‬منز ًال يف البلدة‪ .‬ومل يقت�صر الأم��ر‬

‫«داع�ش» ‪ ..‬الدولة امللثمة‬ ‫ك�آلية للدفاع عن النف�س‪ ،‬يف مواجهة نظام �أمني متعدد املخالب والأوجه‪،‬‬ ‫بعد انتحار «البعث» يف ال�سلطة‪ ،‬ون�سيانه «العمال والفالحني و�صغار الك�سبة»‬ ‫الذين حكم با�سمهم‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أن تلك «الع�صبوية» مل تظهر كتعبري �سيا�سي وا�ضح‪ ،‬خالل‬ ‫الفرتة الأوىل من عمر الثورة‪ ،‬خمافة تكرار �سيناريو الثمانينات‪ ،‬وانف�ضا�ض‬ ‫«الأقليات» من حولها‪ ،‬لكنه وجد طريقه مع ت�صاعد العنف املمنهج‪ ،‬الذي‬ ‫راهن عليه النظام يف تغيري املعطيات على الأر�ض ل�صاحله‪ ،‬ترافق ذلك‪ ،‬مع‬ ‫ال�سماح الن�صاره مبمار�سات ّمتت �إىل «الفا�شية الطائفية» ب�أق�صى �صورها �ضد‬ ‫املناطق «ال�سنية «دون غريها‪ ،‬ملعرفته‪� ،‬أن �صيغة رد العنف بالعنف‪ ،‬ال تتوافق‬ ‫�إال مع ثقافة القوى املنادية بالإ�سالم ال�سيا�سي‪ ،‬ذات ال�صبغة اجلهادية‪،‬‬ ‫والقدرة الإ�ستيعابية للإ�ستقطاب والتعبئة‪ ،‬و�إعطاء بعد مقد�س للت�ضيحة‬ ‫املقدمة‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬وم��ع ت��رك ال�سوريني مل�صريهم يف مواجهة �آل��ة امل��وت‪ ،‬و�إهانة‬ ‫و�إ�ستفزاز كل الأعراف و�أخالقيات الريف ال�سوري‪ ،‬توفرت الظروف النف�سية‬ ‫لدى ال�سوريني‪ ،‬ملالقاة وا�ستقبال ثقافة متجد املوت والإ�ست�شهاد‪ ،‬وجتعل‬ ‫من التنظيمات التي تو�سم نف�سها «بالطهارة»‪ ،‬الأكرث ح�ضورا وفاعلية على‬ ‫الأر���ض‪ .‬بناء على ذلك‪ ،‬بات من ال�ضرورة �إعادة النظر يف عالقة الثقافة‬ ‫ال�سورية بالعنف‪ ،‬وجعلها مو�ضع بحث وت�شكيك‪ ،‬بعد كل العنف والإجرام‬ ‫الذي تعر�ضت له‪ ،‬وحتول يف �إثرها «العنف والتفا�ؤل الثوري» �إىل نوع من‬ ‫«العدمية املفرطة«‪ ،‬دفعت الكثري من ال�سوريني �إىل تبني م�شروع «داع�ش»‪،‬‬

‫هيف غامن‬ ‫على مواجهات وقعت بني اجلبهة والقبائل بل‬ ‫�سجل �أي�ض ًا معارك طاحنة بني اجلبهة و”كتائب‬ ‫الفاروق” التي تعر�ض قائدها حممد ال�ضاهر‬ ‫امللقب ب�أبي عزام ملحاولة اغتيال عرب تفخيخ‬ ‫�سيارته بعبوة نا�سفة‪.‬‬ ‫“يدّ عي عدد من كتائب “اجلي�ش احلر”‬ ‫�أن جميع ال��ع��ائ��دات النفطية ال��ن��اجت��ة عن‬ ‫الآبار اخلا�ضعة ل�سيطرتها‪ ،‬ت�صرف على �شراء‬ ‫ال�سالح والذخائر”‪ ،‬يتندر حممد بهذه املقولة‬ ‫وينفيها وهو الع�ضو يف �أحد املجال�س املحلية يف‬ ‫ريف دير الزور “التي ال حول لها والقوة‪ ،‬فهي‬ ‫قامت ب�إ�صدار عدة ق��رارات ملنع هذه التجارة‬ ‫لكن عدم وجود قوة لديها لفر�ض قراراتها حال‬ ‫دون تنفيذها”‪ .‬كما �أ�صدرت الهيئات ال�شرعية‬ ‫عدد ًا من الفتاوى حترم التجارة بالنفط‪ ،‬دون‬ ‫�أن يكون لها �أثر ملمو�س‪.‬‬ ‫�أم���ا ق�صي‪� ،‬أح���د ق���ادة كتائب “اجلي�ش‬ ‫احلر”‪ ،‬فلديه رواية خمتلفة ملا يجري‪ ،‬ويقول‬ ‫�إن فرقته حتاول وقف التعدي على الآبار‪.‬‬ ‫��ف الل�صو�ص ب�سرقة‬ ‫وي�ضيف “مل ي��ك��ت ِ‬ ‫النفط‪ ،‬بل تعدّ ى ذلك �إىل �سرقة ونهب معدات‬ ‫و�أج��ه��زة اال�ستك�شاف واحلفر و�أنابيب النقل‬ ‫املمتدة ملئات الكيلومرتات”‪ .‬وي�ضيف ق�صي “لقد‬ ‫قمنا بن�صب حواجز على الطرقات يف املناطق‬ ‫املحررة ملنع عمليات تهريب النفط وعمليات‬ ‫�سرقة امل��ع��دات واحل��ف��ارات‪ ،‬التي تعدّ ث��روات‬ ‫للوطن وملك كافة ال�سوريني‪ ،‬ويجب املحافظة‬ ‫عليها لأهميتها يف عملية �إع��ادة اعمار الوطن‬ ‫بعد �إ�سقاط النظام”‪.‬‬ ‫يذكر انه انت�شرت يف الآونة الأخرية عدة‬ ‫فيديوهات تظهر عمليات نقل لأجهزة ومعدات‬ ‫ثقيلة خا�صة باحلفر تقدر قيمتها مباليني‬ ‫الدوالرات �إىل خارج احلدود ال�سورية‪ .‬وجتدر‬ ‫الإ�شارة �إىل �أن طريف النزاع يف �سوريا يعرتفان‬ ‫ب���أن حجم اخل�سائر التي حلقت بهذا القطاع‬ ‫من تدمري ونهب وتعطيل تقدّ ر مبئات ماليني‬ ‫الدوالرات وبع�شرات املليارات بالعملة املحلية‪.‬‬

‫املتجاوز «للدولة والكيانية ال�سورية» وعنفها‪ ،‬بكونه‪ ،‬يطمح �إىل �إقامة «دولة‬ ‫�إ�سالمية»‪ ،‬توفر الأر�ضية املنا�سبة للإن�ضمام والذوبان يف املحيط الأقليمي‬ ‫ذات «الأكرثية ال�سنية»‪.‬‬ ‫ومثلما دفع العنف احلالة ال�سورية �إىل التطرف وزي��ادة التنافر بني‬ ‫مكونات املعار�ضة‪ ،‬كذلك �أفقدها الإطار الوطني والثقة الالزمة للتن�سيق بني‬ ‫تلك املكونات‪ ،‬الأمر الذي ا�ستفادت منه دولة «داع�ش» امللثمة والتنظيمات‬ ‫املتفرعة عن «القاعدة»‪ ،‬باال�ستيالء على املناطق الريفية‪ ،‬م�ستغلة حالة‬ ‫املعار�ضة الواقعة يف الإ�ضطراب واالنفعالية‪ ،‬وعجزها عن بناء �أ�س�س ومعايري‬ ‫�شبه م�ؤ�س�ساتية‪ ،‬ت�ضمن العالقة ال�سليمة بني مكوناتها الع�سكرية وال�سيا�سية‬ ‫واملدنية‪ .‬ويف هذا االجتاه‪ ،‬تقع امل�س�ؤولية الكربى يف �صعود جماعة «داع�ش«‬ ‫و�أخواتها‪ ،‬على عاتق املعار�ضات ال�سيا�سية امل�شرذمة‪ ،‬وترددها وخ�شيتها‪ ،‬من‬ ‫بيان طبيعة عالقتها «باال�سالم ال�سيا�سي»‪ ،‬ومن عدم و�ضوح ر�ؤيتها لطبيعة‬ ‫الدولة امل�ستقبلية‪ .‬هو تردد �سهل على اجلماعات املت�شددة ا�ستغالل ال�شعور‬ ‫الديني املت�أجج يف ظل ال�صراع املتنامي‪ ،‬وتوجيهه وفق م�صاحلها‪.‬‬ ‫«داع�ش» اليوم‪ ،‬وبكل �شفافية‪ ،‬هي جزء من احلالة ال�سورية و�صنيعتها‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬بات من ال�ضروري �أن تقدم املعار�ضة وبكل تبايناتها‪ ،‬ال بالإكتفاء ب�إ�صدار‬ ‫بيان من هنا‪ ،‬و�إ�ستنكار حادثة من هناك‪ ،‬بل يتطلب الأمر‪� ،‬إعالن رف�ض هذه‬ ‫اجلماعة وممار�ساتها‪ ،‬وف�ضح مموليها‪ ،‬وحتجيم قواتها على الأر�ض‪ ،‬و ح�سم‬ ‫خيارها بني م�شروع تلك اجلماعة و م�شروع «الثورة ال�سورية»‪.‬‬


‫العدد ‪98‬‬

‫ابداعات حتفر يف الزمن لالحتفال بالثورة ال�سورية‬

‫�أحدثت الثورة ال�سوريّة منعطف ًا مه ّم ًا يف تاريخ الأدب ال�سوريّ‬ ‫احلديث‪ ،‬كما يف تاريخ البلد بر ّمته‪ ،‬و�أف��رزت �أدب ّياتها التي حاولت‬ ‫التغلغل يف جوانب منها �أو التقاط بع�ض امل�شهديات على هام�ش ما‬ ‫يجري‪� ،‬أو احلفر يف الزمن بالعودة �إىل ال��وراء ال�ستجالء ممهّداتها‬ ‫التي راكمت التفا�صيل لتفجريها‪ .‬وقد اجتهد الك ّتاب والباحثون‬ ‫والأدباء يف النب�ش يف الذاكرة ال�سوريّة؛ القريبة والبعيدة‪ ،‬للوقوف‬ ‫على �أ�سباب العنف الرهيب الذي مور�س ّ‬ ‫بحق ال�سوريّني‪ ،‬وما تاله من‬ ‫ت�ستثن منظومات ودو ًال‪.‬‬ ‫دوائر متعاظمة مل‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫كان ال�سوريّ ‪ ،‬قبل الثورة‪ ،‬ي�صادف �صورا من همومه ومعاناته‬ ‫واغرتابه يف جزء من الأدب�� ّي��ات التي حر�ص النظام على �إق�صائها‬ ‫طي التعتيم‪ ،‬وعمل على ت�صدير تلك التي ته ّلل‬ ‫وتهمي�شها و�إبقائها ّ‬ ‫ل�صورته وتك ّر�س حكمه‪ ،‬لذلك كانت الرغبة يف قراءة ما كان يُن َتج‬ ‫وي�ص َّدر‪� ،‬أ ّم��ا الثورة فقد فر�ضت واقع ًا خمتلف ًا‪ ،‬وه��ي التي خلخلت‬ ‫الرتكيبة ال�سيا�س ّية واالجتماع ّية واالقت�صاديّة وغ�ّيترّ ت معايري‬ ‫التل ّقي‪ ،‬و�إن كان ذلك قد فر�ض نوع ًا من التوجيه على الأدباء بحيث‬ ‫يكونون �أمام حت ٍّد جديد يتم ّثل يف �ضرورة تعبريهم عن واقع �شعبهم‪،‬‬ ‫بعيد ًا من االنزالق �إىل االرتهان لرغبات النا�س وما يريدون قراءته‬ ‫وم�صادفته يف ما يك َتب وي�ؤ ّلف حول الثورة وواقعها وتداعياتها التي‬ ‫ك�سرت حدود ًا جغراف ّية ومتخ ّيلة يف �آن‪.‬‬

‫ترميم جراح وطن‬

‫يف �إلقاء نظرة بانورام ّية على ما �صدر يف �سياق ما ميكن تو�صيفه‬ ‫ب�أدب ّيات الثورة ال�سوريّة‪ ،‬ميكن القول � ّإن الأدب��اء حاولوا ما �أمكنهم‬ ‫ترميم جراح وطن ينزف عرب كتاباتهم‪ ،‬فكان كتاب �سمر يزبك «تقاطع‬ ‫ن�يران» �شرارة الإي���ذان بنوع خمتلف من الأدب ال�صادم يف احلالة‬ ‫ال�سوريّة‪ ،‬فقد ر�صدت يزبك يف كتابها وقائع الثورة ويوم ّياتها يف‬ ‫الأ�شهر الأوىل منها‪ ،‬تلك الأ�شهر التي حافظت الثورة فيها على �سلم ّيتها‬ ‫وكيف تعامل النظام معها بوح�ش ّية و�إجرام وعنف فاق ّ‬ ‫كل تخ ّيل‪.‬‬ ‫التقطت يزبك كثري ًا من الق�ص�ص الإن�سان ّية التي كانت الثورة‬ ‫منبعها امل�ؤمل وخ ّزانها ال ّ‬ ‫رث‪ ،‬ومت ّكنت من التعبري عن الوجع ال�سوريّ‬ ‫ثم كان كتابها الذي ابتعد عن‬ ‫أهله‪،‬‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫البلد‬ ‫والنريان التي كانت حترق‬ ‫ّ‬ ‫أدبي‬ ‫التجني�س واقرتب من ال�سرية واليوم ّيات وجانب من التحليل ال ّ‬ ‫الذي حفر يف بنية الواقع وهياكله القائمة لي�ش ّكل �إن��ذار ًا مطلق ًا يف‬ ‫ف�ضاء امل�ستقبل القريب بوجوب ا�ستنفار القوى‪ ،‬ل ّأن ما يجري على‬ ‫الأر���ض ال�سوريّة لن يكون نريان ًا ّ‬ ‫تقطع �أو�صال وطن فح�سب‪ ،‬بل � ّإن‬ ‫تقاطع النريان لن يو ّفر �أر�ض ًا يف اجلوار وال �أحد ًا يف املنايف‪ ،‬والنريان‬ ‫ج��اءت ب�صيغتي ال��واق��ع وامل��ج��از م��ع�� ًا‪ .‬وال��واق��ع �أث��ب��ت ا�ست�شرافها‬ ‫«امل�ؤ�سف»‪.‬‬ ‫�أدب ال�سجون كان له ن�صيب الفت يف التعبري عن الأ�سى ال�سوريّ‬ ‫املرتاكم والعنف الذي ي�ش ّكل �إرث النظام وز ّوادته و�أداته الأكرث �إيذاء‬ ‫و�شيوع ًا يف حماولته قهر معار�ضيه‪ ،‬فكان كتاب «باخلال�ص يا �شباب»‬ ‫ليا�سني احل��اج �صالح ال��ذي جاء تعبري ًا عن مرحلة ها ّمة من تاريخ‬ ‫البلد انطالق ًا من جتربة �سجنه التي امتدّ ت �س ّتة ع�شر �سنة ون�صف‬ ‫ال�سنة‪ .‬وكذلك ك��ان كتاب «خيانات اللغة وال�صمت‪ -‬تغريبتي يف‬ ‫�سجون املخابرات ال�سوريّة» لفرج بريقدار الذي ن�شر �أخري ًا جمموعته‬

‫احمد بزون‬

‫‪2013-12-29‬‬

‫هيثم ح�سني‬

‫ال�شعريّة «ق�صيدة النهر»‪.‬‬ ‫يف جمال الرواية‪ ،‬كان هناك نوع من امل�سارعة �إىل رواية جوانب‬ ‫م��ن احل���دث امل��زل��زل‪ ،‬وع��ل��ى رغ��م م��ا حتتاجه ال��رواي��ة م��ن اختمار‬ ‫للأحداث وت� ٍأن يف املقاربة واملعاجلة واملعاينة‪� ،‬إال � ّأن جتارب لروائ ّيني‬ ‫�سوريّني حاولت �أن ت�ضع �أ�سبقية ما يف هذا املجال‪ ،‬مع ما تنطوي عليه‬ ‫الأ�سبقية يف مثل هذه احلاالت من خماطر الت�س ّرع والكتابة عن حدث‬ ‫احلب» ملها ح�سن بالتزامن‬ ‫راهن وم�ستجدّ ات �آنية‪ .‬جاءت رواية «طبول ّ‬ ‫مع رواية «�أيّام يف بابا عمرو» لعبداهلل مك�سور الذي ن�شر جزء ًا ثاني ًا‬ ‫ثم كانت روايات عدّ ة الحقة ا ّت�سمت بحر�ص‬ ‫بعنوان «عائد �إىل حلب»‪ّ ،‬‬ ‫على العودة �إىل بنية املجتمع املمهّدة للثورة‪ ،‬كرواية «ح ّمام زنوبيا»‬ ‫لريا�ض مع�سع�س الذي و ّثق بدوره �سجن البالد وقهر ال�سوريّ املزمن‪.‬‬ ‫وجاءت «ال �سكاكني يف مطابخ هذه املدينة» خلالد خليفة الذي نال‬ ‫عنها �أخري ًا جائزة جنيب حمفوظ للرواية‪ ،‬وقد �سعى خالد �إىل النب�ش‬ ‫يف التفا�صيل التي ه ّي�أت للثورة بطريقة �أو ب�أخرى‪ ،‬وت�أتي �أي�ض ًا رواية‬ ‫«مَن ال يعرف �سيمون؟» لعمر قدّ ور لتربز جانب ًا من الهيمنة على مقدّ رات‬ ‫البلد من جانب ث ّلة تتعامل مبنطق الع�صابة يف خمتلف جماالت احلياة‬ ‫االقت�صاديّة وال�سيا�س ّية والثقاف ّية والف ّن ّية والأدب ّية‪.‬‬

‫�صور االغتيال‬

‫كانت لل�شعر م�شاركته الالفتة يف التعبري عن حالة ال�سوريّ يف‬ ‫ثم يف ت�ش ّرده ونزوحه‪ ،‬فعاد بع�ض ال�شعراء �إىل الأ�سطورة‬ ‫ثورته ومن ّ‬ ‫لين�شد ق�صيدته املعبرّ ة عن هموم �أبناء بلده كال�سوريّ نوري اجل ّراح‬ ‫يف «يوم قابيل والأيّام ال�سبعة للوقت»‪ ،‬كما ا�ستقى �آخرون ق�صائدهم‬ ‫من كلمات عفويّة جاءت ك�صرخة م�ستغيث �أو �شكوى مفجوع‪ ،‬كما يف‬ ‫جمموعة «�أنا �إن�سان» ليا�سر الأطر�ش الذي ا�ستعان باجلزء الأ ّول من‬ ‫كلمة املواطن ال�سوريّ �أحمد حممد عبدالوهاب؛ الذي تع ّر�ض للإذالل‬ ‫على �أيدي ال�شبيحة و�أطلق �صرخته ال�شهرية «�أنا �إن�سان ماين حيوان»‬ ‫والتي د ّوت يف الآفاق و�أعلنت وجوب ا�سرتداد �إن�سان ّية ال�سوريّ امل�ستلبة‬ ‫منه لعقود‪ .‬كما كانت حل�سني حب�ش جتربة خمتلفة يف التعبري عن قلق‬ ‫خ�ص�صها عن الطفولة املغتالة‬ ‫الطفولة وهدرها يف «مالك طائر» التي ّ‬ ‫والأطفال ال�سوريّني الذين َ‬ ‫تهدر طفولتهم‪.‬‬ ‫ويف الأجنا�س الأدب ّية املختلفة واملفتوحة ظهرت جتارب تعاين‬ ‫الواقع ال�سوريّ �أثناء الثورة وقبلها‪ ،‬وت� ّؤ�س�س لأدب مت�صالح مع الإن�سان‬ ‫ومع ر�سالة الأدب بعيد ًا من التز ّلف للم�ستبدّ �أو جماملة الطاغية‬ ‫ن�ص‬ ‫واالرتهان اىل رغباته وت�سيريه‪ .‬يف جمال الكتابة امل�سرح ّية كان ّ‬ ‫الذهبي الذي مَ�سرح جزء ًا من الهموم‬ ‫«زفرة ال�سوريّ الأخرية» لفار�س‬ ‫ّ‬ ‫وق��ارب على طريقته امل�سرح ّية ما جرى وما يجري بنوع من ال�سرب‬ ‫واملحاكاة والإ�سقاط‪ .‬وكان كتاب «حكايات من الثورة ال�سوريّة» ل�سعاد‬ ‫�سوغندو احل ّالق التي جمعت ونقلت بع�ض ًا من ق�ص�ص الثورة خالل �سنة‬ ‫على انطالقتها‪ .‬وكذلك كتاب «غورنيكات �سوريّة» لنجاة عبدال�صمد‬ ‫التي �ص ّورت م�شاهد من الوجع املتعاظم‪ .‬وكتاب «ثورة وطن» لل�سوريّ‬ ‫جماهد الرفاعي الذي و ّثق ق�ص�ص ًا من الثورة مع اال�ستعانة بالت�أريخ‬ ‫وال�شخ�صيات الف ّعالة والبطوالت امل�ؤ ّثرة امل� ّؤ�س�سة‪.‬‬ ‫تعدّ دت الكتب التي قاربت الثورة ال�سوريّة و�أ ّرخ��ت لها وو ّثقت‬ ‫جلوانب منها‪� ،‬إن كانت ب�أقالم ك ّتاب �سوريّني �أو عرب منا�صرين للثورة‬

‫كنوز و�آثار�سوريا‬

‫من لبنان �إىل العراق �إىل �سوريا‪ ...‬تطري الآثار يف ظروف مت�شابهة وبالأ�سلوب نف�سه‪ .‬ومثلما �أبدى‬ ‫العامل احل�ضاري وم�ؤ�س�سات الأمم املتحدة تخوف ًا من تفاقم عمليات النهب يف البلدين الأول�ين‪ ،‬ف�إن‬ ‫ال�صرخات باتت مدوية اليوم يف اجتاه �سوريا‪.‬‬ ‫ت�شري الإح�صاءات �إىل نهب �أربعة �آالف قطعة �أثرية‪ ،‬قدرت قيمتها بع�شرين مليار دوالر �أمريكي‪ ،‬حتى‬ ‫الآن‪ ،‬والعمليات م�ستمرة‪ .‬وقد تعر�ض ‪ 16‬متحف ًا للنهب والتخريب من �أ�صل ‪ 36‬متحف ًا تنت�شر يف الأرا�ضي‬ ‫ال�سورية‪ .‬وكالعادة دائم ًا تن�شط فرق التهريب‪ ،‬التي يحمل عنا�صرها ال�سالح الذي يحمي تلك العمليات‬ ‫الد�سمة‪ ،‬فبع�ض املجموعات قد تربر النهب بتمويل العمليات الع�سكرية‪ ،‬من دون �أن يعود دوالر واحد‬ ‫بالطبع �إىل غري جيوب جتار احلرب الذين يتفننون يف خلق الأعذار‪ ،‬وير�سمون �أهداف ًا �سامية جلرائمهم‪.‬‬ ‫وعندما نتحدث عن �سوريا نكون �أمام رهبة كنوز �آثارها‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد �شهادة عامل الآثار الفرن�سي‬ ‫�أندريه بارو‪ ،‬مكت�شف مملكة ماري ال�سورية‪ ،‬الذي �صرح‪" :‬على كل �إن�سان متمدن يف العامل �أن يقول‪� :‬إن يل‬ ‫وطنني‪ ،‬وطني الذي �أعي�ش فيه و�سوريا"‪.‬‬ ‫وكانت رئي�سة منظمة الأمم املتحدة للرتبية والعلوم والثقافة (يون�سكو)‪� ،‬إيرينا بوكوفا‪ ،‬قد �أبدت‬ ‫قلقها �إزاء عمليات التنقيب غري القانونية عن الآثار يف �سوريا‪ ،‬قائلة "�إن املنظمة حذرت �صاالت املزادات‬ ‫واملتاحف من هذه امل�شكلة"‪ .‬على �أن التنقيب غري ال�شرعي عن الآثار يفتح م�شكلة �أخرى‪� ،‬أو جرمية قد‬ ‫تتحول �إىل ن�شاط �شعبي‪ ،‬بعد تفريغ عدد من املتاحف‪ .‬وهذا ما ح�صل يف لبنان‪ ،‬يف الثمانينيات‪ ،‬عندما‬

‫ال�سوريّة‪ ،‬من هذه الكتب‪« :‬ثورة �أ ّمة» للجزائريّ �أنور مالك الذي كان‬ ‫�أحد املراقبني العرب يف بعثة اجلامعة العربية �إىل �سورية وف�ضح‬ ‫للفل�سطيني‬ ‫�أالعيب النظام‪�« ،‬سورية‪ :‬درب الآالم نحو احل ّرية»‬ ‫ّ‬ ‫عزمي ب�شارة ال��ذي ح��اول الت�أريخ للراهن ال�سوريّ انطالق ًا من‬ ‫ت�ش ّعباته الكثرية وتفا�صيله العميقة‪« ،‬الثورة ال�سوريّة‪ :‬هدير‬ ‫ال�شعب يف «مملكة ال�صمت»» لعديل �صادق‪�« ،‬سورية مزرعة الأ�سد»‬ ‫لعبداهلل الدهام�شة‪« ،‬الثورة ال�سوريّة‪ ...‬واقعها‪� ،‬صريورتها و�آفاقها»‬ ‫للفل�سطيني‪ -‬ال�سوريّ �سالمة كيلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قد يكون من العبث القول � ّإن الثورة �أحدثت قطيعة كل ّية مع‬ ‫املا�ضي‪ ،‬لأ ّنه ي�ستحيل االن�سالخ عن زمن ي ّت�سم بامتداديّة وت�أثري‬ ‫واقع ّيني وم�ستم ّرين ومتف ّعلني ب� ّإطراد‪ ،‬لكنّ الواقع يثبت � ّأن الثورة‬ ‫�ش ّكلت قطيعة مع �إرث اال�ستبداد والطغيان الذي راكمه النظام طيلة‬ ‫عقود من حكمه‪ ،‬وكان قد ا�شتغل على ت�صدير نوع معينّ من ّ‬ ‫املوظفني‬ ‫يف ّ‬ ‫قطاع الثقافة على �أ ّنهم واجهة البلد الثقاف ّية‪ ،‬ووجوه الثقافة‬ ‫ً‬ ‫الأب��رز‪ ،‬يف حني � ّأن دوره��م كان مقت�صرا على تلميع �صورة النظام‬ ‫بطريقة �أو ب�أخرى‪ ،‬وح ّتى �إن ا�ضط ّر �أولئك �أحيان ًا �إىل متثيل نوع‬ ‫تن�صب يف خدمة النظام وتربزه على �أ ّنه‬ ‫من املعار�ضة ال�شكل ّية التي‬ ‫ّ‬ ‫يتق ّبل االنتـــقاد واالعـــرتا�ض‪ ،‬وقد غربلت الثورة هذه النوع ّية‪،‬‬ ‫ولعبت دور ًا ّ‬ ‫ك�شاف ًا ما‪� ،‬إذ نزعت عنها ما كان يفرت�ض �أ ّنها متتاز به من‬ ‫ت�أثري‪ ،‬و�أرجعتها �إىل ركنها املنزوي الذي تتمرت�س فيه‪.‬‬

‫بد�أت فرق منظمة وغري منظمة تنت�شر يف الأماكن التي يعتقد �أنها �أثرية‪ ،‬وفيها مقابر فينيقية يونانية‪،‬‬ ‫للبحث عن ثمني يباع ب�أ�سعار ت�سد حاجة النا�س ومتلأ جيوب بع�ض امل�س�ؤولني الر�سميني وامللي�شياويني وجتار‬ ‫الآثار واملهربني‪.‬‬ ‫م�سالك التهريب م�ؤمنة‪ ،‬عن طريق لبنان والعراق‪ ،‬ففيهما من هم من �أ�صحاب ال�سوابق يف هذا املجال‪،‬‬ ‫و�إذا �أ�ضيف الأردن �إليهما تكون الطريق �إىل �إ�سرائيل �أ�سهل و�أقل حذر ًا‪ ،‬بوجود �سفارة للدولة العربية يف‬ ‫العا�صمة عمان‪ ،‬ت�ستطيع �أن ت�ؤدي‪ ،‬بتهريب الكنوز العربية‪ ،‬مهمة ر�سمية طبيعية‪ ،‬ت�ستحق عليها ال�شكر‬ ‫والثناء من مراجعها العليا‪.‬‬ ‫ال �شك يف �أن نهب الآثار ال�سورية ونقل هذا الرتاث �إىل اخلارج لي�ستقر يف �أماكن مظلمة‪ ،‬قبل �أن ت�سلط‬ ‫عليه الأ�ضواء يف متاحف ي�صعب ا�سرتجاع الكنوز منها‪ ،‬هما جزء من م�آثر تدمري �سوريا الدولة‪ ،‬من دون‬ ‫متييز بني �سلطة ومعار�ضة‪� ،‬أو علويني و�سنة‪� ،‬أو �إ�سالم وم�سيحيني‪ .‬هما جزء من التدمري املنظم‪ ،‬الذي‬ ‫�ساهمت فيه‪� ،‬إىل جانب دول غربية وعربية‪� ،‬أط��راف احلرب الدائرة يف �سوريا‪ .‬ودائم ًا تكون �أهداف‬ ‫املعركة �أهم من احلفاظ على املناطق الأثرية‪� ،‬أو املتاحف‪� ،‬أو الرثوات الوطنية عموم ًا‪.‬‬ ‫يف كل احلاالت ال متر �أي عملية نهب �إال على �أيدي مواطنني �سوريني‪ ،‬كما �سبقتها �أيادي اللبنانيني‬ ‫والعراقيني من قبل‪ .‬ف�أبناء الوطن‪� ،‬أدوات النهب‪ ،‬يحرمون �أحفادهم من كنوز البالد‪.‬‬


‫العدد ‪98‬‬

‫العدد ‪83‬‬

‫‪2013-12-29‬‬

‫ثالث �سنوات �سور ّية‪ ..‬يف ثالث دقائق‬

‫انتقل من دم�شق �إىل بريوت‪ ،‬من ال�صورة الثابتة �إىل ال�صورة‬ ‫املتحركة‪ ،‬من م�شهد واح��د‪� ،‬إىل م�شاهد بعنوان واح��د ومفتوح‪،‬‬ ‫و�أخري ًا و�صل املخرج ال�شاب عروة كو�ستا �إىل لوحته املكثفة‪�« :‬صورة‬ ‫ذاتية»‪.‬‬ ‫ما �إن تقر�أ عنوان الفيلم (‪ 3.08‬دقيقة‪ ،‬بدعم من م�ؤ�س�سة‬ ‫بدايات) حتى تبد�أ بالتفكري‪ .‬ما هي ال�صورة؟ ومن هي ال�شخ�صية‬ ‫التي داخل ذلك الإطار؟ وما �إن تبد�أ بر�ؤية الفيلم حتى تظهر لك‬ ‫النافذة؛ �إطار ًا مفتوح ًا ب�إحكام على م�شهد احلدث ال�سوري برمزية‬ ‫عالية‪ ،‬لتعرف �أن ال�شخ�صية هي �سورية بحتة‪ ،‬وال�صورة هي �سردية‬ ‫خفيفة‪� .‬أم��ا النافذة فهي من يطل ويواكب‪ ،‬عني �أي م�شاهد‪ ،‬قد‬ ‫يكون �شاب ًا �أو عجوزا‪ ،‬ام��ر�أة �أو طفال‪ ،‬بائع ًا من خلف زجاج حمله‬ ‫�أو �سائق �سيارة �أجرة‪� ،‬أو �أي �أحد مي�شي يف هذا ال�شارع الذي ُ‬ ‫يحمل‬ ‫هذا الثقل‪ .‬يقول عروة‪« :‬اخرتت هذا العنوان لأين ر�أيت ال�صورة‬ ‫من داخل الثورة ولي�س �صورة عنها‪ ،‬وقت من حياتنا يحتاج للرت�سيخ‬ ‫عرب ال�صورة»‪.‬‬

‫الفا �سلو‬

‫تبدو عالقة عروة مع ال�صورة عالقة وثيقة وقدمية‪ ،‬تعود‬ ‫�إىل قبل ع�شر �سنوات‪ ،‬عندما �أ�س�س غرفة «دارك روم» للتحمي�ض‬ ‫والطباعة اليدوية داخل منزله‪ .‬ويف بداية الثورة ال�سورية‪� ،‬أ�س�س‬ ‫م�شروع «فوتوغراف» على «فاي�سبوك»‪� ،‬أطلق عليه ا�سم «�سرييالي�سم»‬ ‫�أو «‪ ،»syrrialism‬ليتمكن من امل�شاركة يف بع�ض الأف��ك��ار التي‬ ‫ت�ساعد على دعم روح الثورة‪ ،‬خا�صة �أن التمثيل الفوتوغرايف يف‬ ‫بدايتها كان معدوم ًا‪ .‬ومن ناحية �أخرى‪ ،‬كان عروة را�ضي ًا عما �أنتجه‬ ‫يف ذلك الوقت‪ ،‬كما يقول م�ؤكد�أ بكلمات ب�سيطة‪« :‬كنت �أجمع بني‬ ‫الثورة وال�صورة»‪.‬‬ ‫بعدها‪ ،‬قرر ال�شاب خو�ض التجربة يف االنتقال �إىل ال�صورة‬ ‫املتحركة‪ ،‬فكان �أول عمل له الفيلم الق�صري «ذكريات وهلو�سات‬ ‫من �سوريا ال�سوريالية»‪ ،‬عقب خروجه من �سوريا‪ .‬يقول عروة عن‬ ‫جتربته الأوىل‪« :‬كانت يف ر�أ�سي حاالت كثرية ع�شتها يف �سوريا �أو‬ ‫�سمعت عنها‪ ،‬و�أحببت �أن �أجمعها يف عمل يقع بني الفيلم الق�صري‬ ‫والفيديو �آرت»‪ ،‬وم��ا �ساعد ع���روة يف خ��و���ض التجربة‪� ،‬شغفه‬

‫‪2013-9-15‬‬

‫حممد بيطاري‬

‫واهتمامه بعد�سات الكامريا‪.‬‬ ‫اختزل عروة فيلمه حماو ًال �إيجاد �صيغة ومعادلة ب�صرية‪ ،‬تختلف عن الآخرين‬ ‫الذين ا�شتغلوا �أفالم ًا توثيقية عن الثورة واملعاناة ال�سورية واكتفوا بال�سرد‪ .‬عروة‬ ‫يطمح لتطوير اللغة الب�صرية يف احلكاية ال�سورية التي مل تنته‪ .‬الفيلم رواية‬ ‫�ضخمة‪ ،‬حملت كل ما م َّر به ال�سوريون خالل الفرتة املا�ضية‪ ،‬بدء ًا من الرجل البخاخ‬ ‫الذي يتخفى لي ًال‪ ،‬حماو ًال تلوين ال�شوارع بكلمات حتر�ض النا�س للنهو�ض يف وجه‬ ‫اجل�لاد‪ ،‬م��رور ًا باملظاهرات وهجوم ال�شبيحة على ال�شباب العزل‪ ،‬منهالني عليهم‬ ‫بال�ضرب الوح�شي‪� ،‬إىل �سقوط ال�شهداء خاللها دفاع ًا عن حقوقهم املدنية عرب‬ ‫ال�صراخ مبا حملوه �سنوات طويلة يف �صدورهم‪.‬‬ ‫ثم ينتقل عروة بكامريته �إىل م�شهد �شديد احل�سا�سية‪ :‬احلرب بني الكامريا‬ ‫والر�صا�صة‪ ،‬و�أهمية ذلك يف الثورة ال�سورية‪ .‬حتى �أن الإعالمي وامل�صور كان بالن�سبة‬ ‫للنظام �أخطر من �أي �شخ�ص �آخر فعال يف الثورة‪ .‬و�إىل الآن ما زال الإعالمي وامل�صور‬ ‫واقع ًا بني ميلي�شيات النظام وامللي�شيات الإ�سالمية‪ ،‬التي مل يختلف تعاملها مع الأداة‬ ‫التي تنقل احلقيقية‪.‬‬ ‫ثم ما يلبث �أن مُيرر عروة كامريته على م�شهد الهجرة والنزوح �إىل املجهول‪،‬‬ ‫وحالة التيه التي �شتتت ال�شعب ال�سوري ورمته يف �أ�صقاع الأر�ض‪� .‬أما خامتة الفيلم‪،‬‬ ‫فهي �أق�سى ما تعر�ض له ال�سوريون خالل الفرتة املا�ضية (حالة احل�صار والتجويع‬ ‫وا�ستخدام الغازات ال�سامة �ضد املدنيني)‪ ،‬مما جعل عروة يلعب على الرموز‪ ،‬من خالل‬ ‫وجوه اخلبز ال�ضاحكة التي ترمز �إىل �أطفال حرموا من �شروط هذه احلياة الب�سيطة‬ ‫(اخلبز)‪ ،‬واملر�أة التي ترتدي قناع الغازات ال�سامة الذي غيرّ ب�شكل �صادم من جمالها‪.‬‬ ‫عمد املخرج ال�شاب �إىل تكرار هذا يف عمليه‪� ،‬إال �أنه يف فيلم «�صورة ذاتية» �أخذ يجمع‬ ‫الرموز‪ ،‬لي�ضعها يف حالة مواجهة مع الكامريا‪ ،‬ناق ًال ال�س�ؤال يف هذه املواجهة �إىل ملعب‬ ‫املتلقي وامل�شاهد‪.‬‬ ‫ما قام به عروة مادة �ضخمة يف �صور �سريعة‪ ،‬ا�شتغلت على �أح��داث واقعية‪.‬‬ ‫يقول‪« :‬مل �أخرج عن حيّز العبثية»‪ .‬العبثية التي ال يعرف املخرج معناها ومرتكزها‬ ‫�إال �أنه يراها فاعلة داخله ووا�ضحة حتى يف �أوقات احلرب‪.‬‬ ‫�إال �أن ال�صدفة هي التي �سمحت لهذا العمل بالوالدة‪ .‬فالفكرة بد�أت من حمادثة‬ ‫بني املخرج و�صديق �أجنبي ال يعرف عن �سوريا غري �أنها واقعة يف �شباك احلرب‪ .‬ي�شرح‬ ‫عروة �سبب �إجنازه لهذا العمل‪ .‬يقول‪�« :‬أحببت �أن �أعمل على مادة فنية �سريعة قوية‪،‬‬ ‫قادرة على �إي�صال الأفكار الرئي�سية‪ .‬داخلي ًا �أي�ض ًا‪� ،‬أ�صبحنا بحاجة لأن نتذكر قلي ًال‬ ‫�شكل ثورتنا قبل �أن تطم�س احلرب معاملها»‪.‬‬

‫الرقة‪ :‬متاثيل �أم �أحمد‬

‫ً‬ ‫ل�ساعات مت�أخر ٍة‬ ‫طبيعية يف مدينة الرقة‪ ،‬فالأ�سواق تبقى مفتوحة‬ ‫تبدو احلياة للوهلة الأوىل‬ ‫ٍ‬ ‫من الليل‪ ،‬ويرتاد النا�س املقاهي واحلدائق العامة وهناك �أي�ض ًا الألعاب الرتفيهية التي ُتن�صب للأطفال‬ ‫يف ال�ساحات العامة حيث يجل�س �أفراد العائالت فوق الع�شب‪� .‬إال �أنه من املمكن �أن يبد�أ الق�صف يف �أية حلظة‬ ‫�أو حت�صل ا�شتباكات يف بع�ض الأحياء‪ .‬ي�سيطر على املدينة كتائب من املعار�ضة امل�سلحة مثل “�أحرار ال�شام”‬ ‫و”الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام ” وعدد من املجموعات التابعة للـ”جي�ش احلر” مثل “لواء �أحفاد‬ ‫الر�سول”‪ .‬وحتافظ القوات النظامية على ثالث نقاط ع�سكرية يف املحافظة وهي “الفرقة ‪ ″17‬و”اللواء‬ ‫‪ ″93‬ومطار الطبقة الع�سكري‪ ،‬الذي تنطلق منه الطائرات لق�صف مدينة الرقة من وقت لآخر‪ .‬الأهايل‬ ‫جتاوزات قد ترتكبها‬ ‫اخلائفون من ق�صف النظام يجدون انف�سهم م�ضطرين يف بع�ض الأحيان للتغا�ضي عن‬ ‫ٍ‬ ‫بع�ض كتائب املعار�ضة امل�سلحة يف الرقة‪ ،‬والتي تتمثل يف اال�ستيالءعلى ممتلكات عامة �أو خا�صة �أو االعتقال‬ ‫التع�سفي لبع�ض النا�شطني‪ .‬وهناك �أي�ض ًا حاالت االختطاف التي ي�صعب حتديد مرتكبيها‪.‬‬ ‫يف هذه البيئة غري امل�ستقرة بد�أ امل�شوار الفني لفاطمة �إبراهيم �أو �أم �أحمد‪ .‬هذه املر�أة الكردية التي‬ ‫جتاوزت اخلم�سني من العمر‪ ،‬ومل تتابع �سوى املرحلة الإبتدائية من التعليم‪ ،‬اختارت �صناعة متاثيل ال�صل�صال‬ ‫للتعبري عن ذاتها‪ .‬ت�ضع �أم �أحمد متاثيل ال�صل�صال التي �صنعتها بيديها على طاولة خ�شبية يف زاوية الغرفة‬ ‫ال�صغرية على �سطح منزلها‪ .‬لأم �أحمد ب�شرة �سمراء تتخللها بع�ض التجاعيد والو�شم البدوي‪ .‬وقد �أ�صرت على‬ ‫�أن تغري مالب�سها عندما طلبنا منها �أخذ �صورة لها فارتدت عباءتها ال�سوداء مع حجابها الأ�سود‪.‬‬ ‫يت�ألف بيت فاطمة �إبراهيم وعائلتها من غرفتني بفر�ش متوا�ضع وغرفة عمل �صغرية على ال�سطح‪.‬‬ ‫ابنة مدينة كوباين الكردية (عني العرب) تعي�ش على �أطراف مدينة الرقة يف منطقة ع�شوائيات تنت�شر يف‬ ‫�أرجائها �أكوام القمامة ويعاين �سكانها من �ش ّح يف املياه‪ ،‬هي وبناتها اخلم�س و�أبنا�ؤها الثالثة وزوجها املُقعد‪.‬‬ ‫انتقلت �أم �أحمد من كوباين �إىل الرقة قبل نحو ع�شر �سنوات‪ ،‬ابنها الذي يعمل يف لبنان ير�سل لها النقود من‬ ‫وقت لآخر‪.‬‬ ‫قادت ال�صدفة �أم �أحمد �إىل التجربة الفنية‪ .‬فقد �أخربتها ابنتها التي تدر�س يف كلية الفنون اجلميلة‬ ‫يف الرقة‪ ،‬ب�أنها ت�شارك يف درو�س عملية على الطني‪ ،‬فطلبت الأم من ابنتها �أن جتلب لها ال�صل�صال‪ .‬وبد�أت �أم‬ ‫�أحمد ب�صنع متاثيل منها‪ .‬بعربيّتها “الر ّقاوية” تقول �أم �أحمد‪“ :‬لقد �أعجبت بناتي بعملي وكن يقلن يل ب�أنه‬ ‫ال بد و�أن �أمنا قد در�ست الت�شريح”‪ .‬تثق �أم �أحمد بتقييم بناتها وتقول ب�أنها تعرف ب�أنهن �صريحات معها‪،‬‬ ‫وب�أنه لو كان عملها غري جيد ملا ترددن يف قول ذلك‪.‬‬ ‫حاالت �إن�سانية متعددة �شهدتها بنف�سها �أو ر�أتها من خالل‬ ‫تعبرّ �أم �أحمد من خالل متاثيلها ال�صغرية عن ٍ‬

‫مراقبتها للأحداث عرب التلفاز‪ .‬فلكل متثال ق�صة‪ .‬ت�شري �أم �أحمد �إىل �أحد التماثيل الن�سائية وتقول‪:‬‬ ‫“يف هذه الأيام جتد امر�أة على و�شك الوالدة م�ضطرة للجلو�س واالنتظار على احلدود‪ .‬لقد ُدمّر بيتها‬ ‫فخرجت منه وت�شردت‪ ،‬ماذا �ستفعل �إذا جاءها املخا�ض؟ �أين �ست�ضع مولودها؟” تعرب �أم �أحمد ع ّما متر به‬ ‫الن�ساء عندما ت�ضطررن �إىل اللجوء �إىل دول جماورة بتمثال على �شكل امر�أة حتمل ابنها وحبلها ال�سري مل‬ ‫يقطع بعد‪ .‬وتقول �إن هذه املر�أة ترفع مولودها �إىل ح�ضنها فهي جريئة وغري خائفة بالرغم من كل �شيء‪.‬‬ ‫وهناك متثال �آخر لأم خائفة و�أوالدها حولها وهي تود الرحيل ولكن �أقرباءها مينعونها من ذلك‪.‬‬ ‫ال تقت�صر متاثيل �أم �أحمد على الن�ساء فقط‪ ،‬فلها ٌ‬ ‫يج�سد رج ًال بارز الع�ضالت منحني ًا على ركبتيه‬ ‫عمل ّ‬ ‫وقد و�ضع يديه خلف ظهره‪ ،‬عاجزا ال حول له وال قوة بالرغم من قوته اجل�سديّة‪ .‬وهناك ٌ‬ ‫رجل �آخر يحمل‬ ‫جثة طفل �صغري قد يكون ابنه �أو ابن جار له‪ .‬وهناك �أهل احلي الفرحني بقدوم اجلي�ش احلر �إليه و قد‬ ‫خرجوا ال�ستقباله ب�أباريق ال�شاي‪ .‬و متثال ي�صور �إمر�أة ت�سميها “زوجة خلف”‪ ،‬التي تخرب زوجها‪ ،‬الذي ال‬ ‫ي�ؤيد النظام ال�سوري وال “اجلي�ش احلر” واجلال�س ال يفعل �شيئ�أ‪ ،‬ب�أن مزرعتهم قد �أُحرقت‪ .‬يف حتفة �أخرى‬ ‫تعرب �أم �أحمد عن هم كثري مما يراودها‪ .‬ت�صور نف�سها هي تطبخ وت�ضع يدها على خدها و تفكر متى �سيبعث‬ ‫لها ابنها امل�صروف‪.‬‬ ‫ت�صنع �أم �أحمد متاثيلها من ال�صل�صال بعد خلطه بالغراء‪ ،‬وت�ضعها على قاعدة خ�شبية لي�سهل حملها‪:‬‬ ‫“�أ�ضع لها الغراء و�ألوّنها‪ ،‬وبع�ض منها غري ملوّن‪� ،‬إنها بلون الدخان‪� ،‬أ�ستخدم الألوان التي تعرب عما ت�شهده‬ ‫الرقة”‪.‬‬ ‫�أم �أحمد الفنانة الفطرية التي اكت�سبت خربتها عن طريق العمل املتوا�صل ا�ستطاعت �أن تعرب عن مناذج‬ ‫�إن�سانية عميقة ومتنوعة من ن�ساء ورجال و�أطفال‪ .‬وهي ترغب يف �أن يتعرف النا�س على �أعمالها‪ ،‬وال تبخل‬ ‫بعيّنات جمانية لفنانني �أو ملنظمات كاالحتاد الن�سائي مث ًال وجمعية ال�صم والبكم �أو املراكز الثقافية يف الرقة‬ ‫التي ميكن �أن ت�ساعدها يف التعريف عنها والرتويج لأعمالها‪ ،‬كما ت�أمل �أن تتمكن من بيع حتفها الفنيّة ال�صغرية‬ ‫يف امل�ستقبل‪� .‬أما يف الوقت احلا�ضر ف�إن الأو�ضاع املعي�شية ال�صعبة يف الرقة حتول دون بيع متاثيلها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متفائلة “وعدين �أحد الر�سامني‬ ‫تتمنى �أم �أحمد �أن تتمكن من �إر�سال �أعمالها �إىل خارج �سوريا وتقول‬ ‫املعروفني يف الرقة ب�أن يكون لنا معر�ض م�شرتك لتماثيلي ور�سوماته”‪ .‬وا�شرتكت �أم �أحمد مع فنانني �سوريني‬ ‫�آخرين يف معر�ض م�شرتك بعنوان “بانوراما الثورة من املهد �إىل ال�شهادة” يف مدينة الريحانية الرتكية‬ ‫اجلنوبية‪.‬‬


‫العدد ‪98‬‬

‫�أمين ال�شويف‬

‫ثالثة �أعوام على "تن�سيقيات الثورة" ال�سورية‬ ‫كذلك ف�إن تنظيم احل��راك الطالبي والدعوة‬ ‫�إليه هو من املفا�صل الهامة يف عمل التن�سيقيات‪.‬‬ ‫هذه القراءة يعتمدها عماد �صدقي (‪� 28‬سنة) الذي‬ ‫يدر�س الأدب الإنكليزي يف جامعة حلب‪ ،‬وي�شرحها‬ ‫�أكرث‪« :‬التن�سيقيات هي املحرك الأ�سا�سي للحراك‬ ‫ال�سلمي‪ ،‬ولقد لعبت دور ًا هام ًا على �صعيد احلراك‬ ‫الطالبي يف اجلامعات ال�سورية جلهة ح�شد الطالب‪،‬‬ ‫ولكونها حتظى با�ستقطاب كبري‪� ،‬أعتقد ب�أنها �ستلعب‬ ‫دور ًا مهم ًا يف امل�ستقبل �سواء يف الن�شاط ال�سيا�سي �أم‬ ‫االجتماعي �أم الثقايف»‪.‬‬

‫‪ 80‬تن�سيق ّية‪ ...‬و�أكرث‬

‫�أ����ص���وات ال�����س��وري�ين املرتع�شة وه���ي تقــلل‬ ‫توجب ت�صديقها مرتني‪ .‬قبل‬ ‫ن�صيبــهم من اخلوف ّ‬ ‫َ‬ ‫�أن يختطفها الر�صا�ص بدهائه‪ ،‬وقبل �أن ت ِئدها‬ ‫ُ‬ ‫ثالثة‬ ‫ترتيبات «جنيف» بدهاء القوى الدولية‪.‬‬ ‫�أع���وام والنظام ال يقتنع ب���أن ث��ور ًة قامت �ضده‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ثالثة �أع���وام واملعار�ضة ال�سورية ال تقتنع ب�أن‬ ‫«�أ�صدقاء ال�شعب ال�سوري» يعنيهم فقط ت�أديب‬ ‫احل���راك العربي يف �آخ��ر معاقله وتق�سيم البلد‬ ‫و�إبقائه غارق ًا يف االقتتال الداخلي قدر امل�ستطاع‪.‬‬ ‫وحدها جتربة �شباب «التن�سيقيات» يف الداخل‬ ‫كانت الأكرث �صدق ًا يف توثيق حكاية الثورة‪ .‬حكاية‬ ‫الدم ال�سوري املراق يومي ًا‪� ،‬أو النازح باجتاه املجهول‪،‬‬ ‫�أو املعتقل‪� ،‬أو املنتهكة حقوقه‪.‬‬ ‫ثالثة �أع��وام تبدو كافية �إذ ًا لبحث مرونة‬ ‫«التن�سيقيات» وقدرتها على ابتكار �أدوا ٍر جديدة‬ ‫م�شهد ملتب�س معاد ح�سابه على �أ�سا�س معاندة‬ ‫لها يف ٍ‬ ‫املجتمع الدويل لرغبة ال�سوريني يف االنتقال �إىل‬ ‫نظا ٍم دميوقراطي مدين‪.‬‬

‫قبل اعرتاف الف�ضائيات‬

‫ال ت��زال �صفحات «التن�سيقيات» على مواقع‬ ‫�سجالت الكرتونية‬ ‫التوا�صل االجتماعي ت�شبه‬ ‫ٍ‬ ‫حتفظ تاريخ الثورة وتفا�صيله‪ .‬تن�سيقية طالب‬ ‫ال�����س��وي��داء واح���دة منها‪ ،‬ومب��ق��دوره��ا �أن تقيّم‬ ‫جتربتها بعد ثالث �سنوات‪« :‬جتربة التن�سيقيات‬ ‫جتربة فريدة من نوعها‪ ،‬و�شكل من �أ�شكال التنظيم‬ ‫اجلماهريي وال�سري املبتكر الذي ا�ستطاع تنظيم‬ ‫املتظاهرين وح�شدهم ونقل �أخ��ب��اره��م و�آرائ��ه��م‬

‫لينا احلكيم‬

‫‪2013-12-29‬‬

‫يتجاوز ع��دد التن�سيقيات يف �سوريا نحو ‪80‬‬ ‫تن�سيقية‪ .‬كما يرتاوح عدد النا�شطني يف كل واحدة‬ ‫منها ما بني ‪ 50‬نا�شطا �إىل ‪ 100‬نا�شط‪ .‬وبالتايل‬ ‫نتحدث ع��ن ‪� 8‬آالف نا�شط �أو �أق��ل ي��دي��رون عمل‬ ‫التن�سيقيات وي�شرفون عليه‪ .‬هذه املعطيات الرقمية‬ ‫يق ّدمها عماد بارود (‪� 25‬سنة)‪ ،‬وهو طالب يف كلية‬ ‫الفنون بجامعة دم�شق‪ ،‬وي�ضيف‪« :‬لقد كان حجم‬ ‫ً‬ ‫مقارنة‬ ‫العمل ال��ذي �أجن��زت��ه التن�سيقيات ك��ب�ير ًا‬ ‫مع مقدار معاناتها وقمع ن�شاطها امل�ستمر وظروف‬ ‫عملها الرديئة‪ ،‬جلهة انقطاع االنرتنت واالت�صاالت‬ ‫والكهرباء‪ ،‬وكذلك فقدت التن�سيقيات ع��دد ًا من‬ ‫نا�شطيها منذ ب��داي��ة ال��ث��ورة‪��� ،‬س��واء م��ن ا�ست�شهد‬ ‫بالق�صف �أو م��ن مت اع��ت��ق��ال��ه‪ ،‬وب��ت��ق��دي��ري كانت‬ ‫تن�سيقية امليدان يف العام املا�ضي مبثابة «الدينامو»‬ ‫الذي حرك باقي التن�سيقيات ال�سورية‪ .‬لقد كانت‬ ‫�أ�شبه بالتن�سيقية امل��رك��زي��ة ال��ت��ي جتمع ن�شاط‬ ‫البقية»‪.‬‬

‫وم��واق��ف��ه��م‪ ،‬والتن�سيق بينهم وب�ي�ن امل��ع��ار���ض��ة‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬وهي جتربة ناجحة‪ .‬لكن رمبا يُح�سب‬ ‫ع��ل��ى ب��ع�����ض التن�سيقيات جت��ي�ير ذل���ك احل�شد‬ ‫اجلماهريي مل�صلحة فئة �أو جهة حزبية معينة»‪.‬‬ ‫مثل هذا التو�صيف لظهور التن�سيقيات ي�ؤ�س�س‬ ‫حلديث زهري عطية (‪� 26‬سنة) الذي �أوقف درا�سته‬ ‫يف كلية احلقوق بجامعة دم�شق منذ العام ‪،2012‬‬ ‫حيث يقول‪�« :‬صلتي مع التن�سيقيات منذ بداياتــها‬ ‫كانــت جتربــة مــ�شرقة‪ ،‬لأنهـا ذاتية اجلهود‪ ،‬فقد‬ ‫�أ���ض��اءت على حقيقة احل��راك ال�سلمي يف �سوريا‬ ‫مبكر ًا‪ ،‬وقبل �أن تقتنع به معــظم الفــ�ضائيات‬ ‫املراقبة والر�أي العام‬ ‫وتخ�ص�ص له زمن ًا من ب ّثها اليومي‪ .‬حينها كانت‬ ‫لعل احتماالت «جنيف ‪ »2‬املفتوحة على تبلور‬ ‫التن�سيقيات توثق كل �شيء‪ ،‬وكانت مبثابة مـ�صدر‬ ‫املعلومــات �شبــه الوحيد عما يحدث يف الداخل ال�صفقة الدولية حول م�ستقبل �سوريا من عدمها‬ ‫ال تغيب عن ذه��ن القائمني على التن�سيقيات‪ .‬بل‬ ‫ال�سوري‪ ،‬وال�ضمري احلي لل�سوريني»‪.‬‬ ‫حت�� ّر���ض البحث ع��ن �أدوات عمل ج��دي��دة‪ ،‬وتالي ًا‬ ‫احتاد تن�سيقيات �سوريا‬ ‫ما �أن انق�ضى �شهران على بداية احلراك‪ ،‬حتى البحث ع��ن دور خمتلف‪ ،‬وت��ط��رح يف �آن �إ�شكالية‬ ‫ظهر «احت��اد تن�سيقيات �سوريا»‪ ،‬وهو ب��ر�أي ميالد قدرة التن�سيقيات على التكيف مع امل�ستجدات‪ ،‬وهنا‬ ‫ّ‬ ‫تو�ضح تن�سيقية ط�لاب ال�سويداء‪« :‬يف ح��ال بقي‬ ‫كريمّ (‪� 25‬سنة) املجاز من ق�سم التاريخ يف كلية‬ ‫الآداب بجامعة دم�شق‪ ،‬ترجمة حقيقية النعدام النظام‪� ،‬ست�ستمر التن�سيقيات مبمار�سة دورها املعتاد‬ ‫تغطية و�سائل الإع�لام العربية �أو الأجنبية ملا بالإ�ضافة �إىل تو�سيع قاعدتها ال�شعبية والبحث عن‬ ‫يحدث يف �سوريا‪ .‬ي�ضيف‪« :‬هدف االحتاد هو نقل �أ�ساليب جديدة لك�شف ف�ساد وا�ستبداد النظام من‬ ‫حقيقة ما يحدث يف الداخل ال�سوري �إىل العامل‪ ،‬جهة‪ ،‬وف�ضح ف�ساد وتطرف بع�ض اجلهات املعار�ضة‬ ‫وهو عبارة عن تن�سيقيات موجودة يف املحافظات‪ ،‬من جهة �أخ��رى‪� .‬أم��ا يف ح��ال مل َ‬ ‫يبق النظام‪ ،‬ف�إن‬ ‫والتن�سيقية بالأ�صل تتكون من عدد من النا�شطني للتن�سيقيات �أدوارا عديدة تقوم بها‪ ،‬ك�أن تعيد �إنتاج‬ ‫يعملون على توثيق جمريات الأح���داث وم��ن ثم نف�سها مبا يف ّعل دور ال�شارع كرقيب خالل املرحلة‬ ‫االنتقالية‪ ،‬وال�سعي لإعطاء دور لل�شباب يف �إدارة‬ ‫�إي�صالها �إىل النا�شطني يف اخلارج»‪.‬‬

‫�ش�ؤون البلد‪ ،‬وامل�شاركة يف ال�ش�أن العام مبا يخدم‬ ‫�أهداف الثورة»‪.‬‬ ‫ك��ذل��ك‪ ،‬تعتقد ه�لا حمرة (‪� 29‬سنــة)‪ ،‬وهي‬ ‫كاتــبة �ســورية‪ ،‬ب����أن التن�سيقيات ه��ي م��ن �أه��م‬ ‫�إجنازات الثورة‪ .‬وت�ضيف‪�« :‬سيكون للتن�سيقيات دور‬ ‫مهم يف امل�ستقبل‪ ،‬و�أنا اعتربها رديفا مهما لو�سائل‬ ‫الإع�ل�ام املعـروفة‪� .‬إذ �إن معظم و�سائل الإع�لام‬ ‫حت�صل على �أخبارها من التن�سيقيات ومن املمكن �أن‬ ‫جمال حيوي يف امل�ستقبل‪،‬‬ ‫ت�ساهم هذه الأخرية يف �أي ٍ‬ ‫لكونها تتمتع بامل�صداقية»‪� .‬أم��ا يف الوقت الراهن‬ ‫ف��دوره��ا وا�ضح يف اال�ستمرار بنقل �أخ��ب��ار الثورة‬ ‫وت�سليط ال�ضوء على �أهم الأحداث‪� .‬أما بعد �سقوط‬ ‫النظام ف�سيكون لها دور �أكرب يف توجيه الر�أي العام‬ ‫�أو انتقاد �أداء احلكومة‪ .‬كما �أن القائمني عليها لي�سوا‬ ‫معروفني ب�أ�سمائهم احلقيقية‪ ،‬وهذا يتيح لهم هام�ش‬ ‫حترك �أو�سع‪ ،‬والعمل مبرونة �أكرب‪ ،‬وكذلك ف�إن �أي‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تن�سيقية �شذت عن م�سار الثورة قام باقي املعار�ضني‬ ‫ً‬ ‫خا�صة التن�سيقيات التي بات‬ ‫مبحاربتها على الفور‪،‬‬ ‫ي�شوبها َن َف ٌ�س طائفي �أو مذهبي‪.‬‬

‫م��ن ال�����ض��روري �أي�ض ًا التوقف عند ر�أي هيثم‬ ‫حرجلي (‪� 19‬سنة) الطالب يف املعهد الطبي بجامعة‬ ‫دم�شق‪ ،‬حول الأدوار املحتملة للتن�سيقيات يف املرحلة‬ ‫القادمة‪ .‬يقول‪« :‬معظمها تنقل الأخبار يف الوقت‬ ‫احلقيقي لوقوع احل��دث وك�أنها �شبكة �إعالمية �أو‬ ‫وكالة �أنباء‪ .‬لذا �أرى من الطبيعي �أن يكون لها دور‬ ‫هام يف امل�ستقبل كامتداد لدورها الإعالمي الراهن‪،‬‬ ‫مثل العمل يف جمال التوعية ال�صحية واملجتمعية‪،‬‬ ‫وه��ذا ال يك ّلف �سوى االت�صال ب�شبكة االن�ترن��ت‪،‬‬ ‫و�أعتقد �أنه يف حال �سقوط النظام �سيكون ح�ضورها‬ ‫يف العمل الإن�ساين»‪.‬‬ ‫لكن �أح��م��د الكركي (‪� 27‬سنة)‪ ،‬الطالب يف‬ ‫هند�سة امليكانيك بجامعة دي��ر ال���زور يرتيث يف‬ ‫تقييم جتربة التن�سيقيات وم�ستقبلها‪ .‬يختلف مع‬ ‫الآراء ال�سابقة‪� ،‬إذ يقول‪�« :‬أعتقد �أن التن�سيقيات‬ ‫ك ّلها كالم فارغ مل تق ّدم �أو ت�ؤخر �شيئ ًا عما يحدث‬ ‫فعلي ًا على الأر����ض‪ .‬ال �أعتقد ب�أنه �سيكون لها �أي‬ ‫دور يف امل�ستقبل‪ ،‬والآن عملها منكب على جمع املال‬ ‫با�سم الثورة‪ ،‬وامل�ؤ�سف �أن الإ�سالميني �سيطروا على‬ ‫الثورة لأن ال�سوريني تركوها واعتمدوا على غريهم‬ ‫يف �إمتامها»‪.‬‬

‫معاناة �أن تكون �صحفي ًا يف حلب‬

‫ممار�سة العمل ال�صحفي من �أ�صعب املهن؛ هي مهنة البحث عن احلقيقة‪ ،‬التي‬ ‫تت�ضاعف ال�صعوبة واخلطر يف �إيجادها يف حاالت النزاع امل�سلح كما يحدث يف‬ ‫�سوريا‪.‬‬ ‫ك�صحفية من حلب‪ ،‬لي�س الأمر ً‬ ‫�سهال على الإطالق‪� .‬أقيم يف املناطق اخلا�ضعة‬ ‫ل�سيطرة النظام ال�سوري غربي حلب‪ ،‬و�أح���اول �أن �أنقل ممار�ساته والأو���ض��اع‬ ‫الإن�سانية يف هذا اجلزء من املدينة‪ ،‬وهذا ما يتطلب مني خلق دائرة معارف كبرية‬ ‫للح�صول على الأخبار والظروف املعي�شية ب�أكرث قدر ممكن من الدقة‪ ،‬مع احلفاظ‬ ‫على �س ّر ّية عملي‪� ،‬إذ تن�شط حمالت االعتقال ب�شكل دوري‪ ،‬وهي ت�ستهدف ال�شابات‬ ‫كما ال�شباب‪.‬‬ ‫قبل �أن �أكون �صحفية‪� ،‬أنا مواطنة‪ ،‬تعاين امل�أ�ساة ذاتها كما جميع املواطنني‪.‬‬ ‫ف�إ�ضافة �إىل اخلوف من االعتقال‪ ،‬تواجه ال�صحفية الظروف املعي�شية العادية‪،‬‬ ‫من انقطاع املياه والكهرباء والغالء والفقدان املتوايل للمواد الغذائية الأ�سا�سية‬ ‫حت�صيال ً‬ ‫ً‬ ‫حا�صال يف جزء �آخر من‬ ‫واملحروقات‪ .‬ت�أمني �ضرورات احلياة التي قد تعد‬

‫العامل‪ ،‬تعد هنا ً‬ ‫حتديا بالن�سبة �إىل عائلتي‪ ،‬كما هو حال معظم النا�س‪ :‬التدفئة‬ ‫يف هذا ال�شتاء الأق�سى على املدينة‪ ،‬اال�ستحمام يف ظل انقطاع املياه‪ ،‬ت�سخني املياه‬ ‫(عندما ال تكون مقطوعة) وتنظيف املالب�س ً‬ ‫يدويا يف ظل الو�ضع ال�سيئ للكهرباء‪،‬‬ ‫وت�أمني الغاز الذي ال ينفك �سعره يرتفع‪.‬‬ ‫ولكن يحتل ر�أ���س قائمة الهواج�س اخل��وف من امل��وت بقذيفة �أو ر�صا�صة‬ ‫ق�صفا � ً‬ ‫طائ�شة �أو مق�صودة‪ ،‬حيث ي�شهد هذا اجل��زء من املدينة ً‬ ‫أي�ضا من طرف‬ ‫املعار�ضة امل�سلحة ب�شكل �شبه يومي‪ ،‬مما يوقع العديد من الإ�صابات الب�شرية �إ�ضافة‬ ‫للأ�ضرار املادية‪ .‬حتى �أ�سماء الأحياء والطرقات تعر�ضت للحرب والتخريب‪ ،‬فغيرّ‬ ‫ال�سكان �أ�سماءها لتتنا�سب مع ما تتعر�ض له‪ :‬بات جزء من حي ال�سليمانية يدعى‬ ‫“مربع الهاون” لكرثة تعر�ضه ل�سقوط قذائف‪� .‬أما حي اجلميلية‪ ،‬فهو �أكرث املناطق‬ ‫عر�ضة لهطول “جرّات الغاز” عرب ما يعرف بـ “مدفع جهنم”‪� ،‬إذ يطلق مقاتلو‬ ‫املعار�ضة �صواريخ حملية ال�صنع تثبت على ر�ؤو�سها عبوات غاز‪.‬‬ ‫البحث عن احلقيقة‪ ،‬والإ�صرار على نقل الواقع ب�أ�شمل �صورة‪ ،‬يتطلب �إجراء‬

‫انعدام الدور‬

‫مقابالت مع مواطنني وج��دوا �أنف�سهم بني ف ّكي كمّا�شة النزاع‪ ،‬ويتحفظون على‬ ‫�إجراء مقابالت م�صورة ً‬ ‫خوفا من املالحقة الأمنية‪ .‬يتبع ذلك العودة �إىل املنزل‬ ‫لإفراغ كل هذا الأمل �ضمن تقارير مكتوبة‪ ،‬يف ظل انقطاع التيار الكهربائي الذي‬ ‫قد ي�ستمر لأيام �أو تغذية ل�ساعات قليلة يف اليوم (بحدود ‪� 4‬إىل ‪� 8‬ساعات ً‬ ‫يوميا‬ ‫ب�شكل متقطع ب�أح�سن الأح���وال)‪ .‬ي�ضاف �إىل ذلك االنقطاع املتكرر لالنرتنت‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل �صعوبة �إجراء املكاملات اخلليوية �ضمن املدينة نف�سها نتيجة �ضعف‬ ‫ال�شبكة‪ ،‬مما يجعل من ال�صعب الو�صول �إىل املعلومات املراد احل�صول عليها‪ ،‬ونقلها‬ ‫�إىل العامل‪.‬‬ ‫هنا كل �شيء مبهم وغام�ض‪ ،‬فال�شائعات تنت�شر كالنار يف اله�شيم‪ ،‬حتى لو‬ ‫كنت بقلب احلدث جتد نف�سك غري مدرك ً‬ ‫متاما ملا يح�صل‪ .‬قد تكون �ضمن منطقة‬ ‫حمددة حني �سقوط قذيفة فيها‪ ،‬لكن لكل �شخ�ص روايته عمّا حدث ً‬ ‫حقا‪ ،‬وعن عدد‬ ‫الإ�صابات‪ ،‬فال وجود مل�صادر ر�سمية ميكن التحدث �إليها �أو �أخذ املعلومات منها‪.‬‬ ‫ال�شارع اليوم هو م�صدر كل الأخبار‪.‬‬


‫العدد ‪98‬‬

‫ماجد كيّايل‬

‫‪2013-12-29‬‬

‫قراءة �أوليّة يف الإعالم ال�سوري اجلديد‬

‫�أث��ار اختطاف رزان زيتونة و �سمرية اخلليل‬ ‫ووائ���ل ح��م��ادة ون��اظ��م احل��م��ادي جم���� ّدد ًا م�س�ألة‬ ‫العالقة التكاملية �أو التناف�سية �أو التعار�ضية بني‬ ‫الوجه ال�شعبي‪� ،‬أي املدين وال�سيا�سي والدميوقراطي‪،‬‬ ‫لهذه الثورة‪ ،‬ووجهها الع�سكري‪� ،‬أي امل�سلح والعنفي‬ ‫واملتط ّرف‪.‬‬ ‫رمبا يجدر بنا هنا �أن ن�أخذ يف االعتبار �أن هذا‬ ‫الت�أ ّزم‪ ،‬بح ّد ذاته‪ ،‬لي�س جوهراني ًا‪ ،‬وال ثابت ًا‪� ،‬إذ هو‬ ‫ناجم يف الأ�صل‪ ،‬عن ت�أ ّزم الثورة واملجتمع ال�سوريني‪،‬‬ ‫مبعنى �أنه نتاج عديد الأ�سباب‪ ،‬داخلية وخارجية‪،‬‬ ‫�ضمنها العنف التدمريي الذي انتهجه النظام �ضد‬ ‫ال�سوريني‪ ،‬وح ّثه على �إ�ضفاء طابع طائفي عليها‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ط��ول �أم��د ال��ث��ورة‪ ،‬و ت�ص ّدع اجماعات‬ ‫ال�سوريني‪ ،‬وغ��ي��اب غالبية املجتمع ع��ن معادالت‬ ‫ال�صراع‪ ،‬وخذالن املجتمع الدويل‪.‬‬ ‫يتفق كثريون ب���أن رزان باتت مبثابة الوجه‬ ‫الأبرز الذي بات يعبرّ عن الوجه املدين لهذه الثورة‪،‬‬ ‫يف طورها الأول‪ ،‬لي�س لأن رزان حقوقية وكاتبة‬ ‫ونا�شطة �سيا�سية‪ ،‬فقط‪ ،‬بل ولأنها �أ�ص ّرت‪� ،‬أي�ض ًا‪ ،‬على‬ ‫البقاء يف �سوريا‪ ،‬ومل تخرج‪ ،‬رغم كل التهديدات التي‬ ‫تع ّر�ضت لها‪� « .‬أنا هنا لأنني هنا يف �سوريا بلدي»‪،‬‬ ‫هكذا �أجابت رزان‪ ،‬التي كانت � ّأ�س�ست «جلان التن�سيق‬ ‫املحلية»‪ ،‬و�أن�ش�أت «مركز توثيق االنتهاكات يف �سوريا»‪،‬‬ ‫و�سهرت على ا�صدار جملة «طلعنا عاحلرية»‪.‬‬ ‫عموم ًا‪ ،‬لي�س الق�صد هنا احلديث عن رزان‪ ،‬و‬ ‫�إمنا عن الوجه املغيّب لهذه الثورة‪ ،‬الذي متثله رزان‬ ‫و�أمثالها‪ ،‬وال��ذي تدين له ه��ذه الثورة بوجودها‪،‬‬ ‫وب�شرعيتها‪.‬‬ ‫ف��ه���ؤالء ال�شبان ال�شجعان ه��م ال��ذي��ن ك�سروا‬ ‫حاجز اخل��وف‪ ،‬وحت�� ّدوا ج�بروت النظام‪ ،‬و�أجهزة‬ ‫امل��خ��اب��رات وع�����ص��اب��ات ال�شبيحة‪ ،‬وخ��رج��وا �إىل‬ ‫�ساحات املدن‪ ،‬يهتفون‪« :‬ال�شعب ال�سوري ما بينذل»‬ ‫و «�سوريا بدها ح��ري��ة»‪ ،‬م��ع �أن �سالحهم الوحيد‬ ‫كان يتم ّثل باملتظاهرات والتجمعات ال�شعبية‪ ،‬التي‬ ‫كانوا ي�صدحون فيها بحناجرهم ب�أنا�شيد احلرية‪،‬‬ ‫ويلوحون فيها بقب�ضاتهم‪.‬‬ ‫طبعا‪ ،‬لي�ست هذه مفا�ضلة بني الوجه ال�شعبي‬ ‫واملدين للثورة وبني وجهها الع�سكري وامل�سلح‪ ،‬فمن‬ ‫ال�سذاجة االعتقاد ب�إمكان �إ�سقاط هكذا نظام‬ ‫مبتظاهرات واعت�صامات و�شعارات‪ ،‬و�إمن��ا الغر�ض‬ ‫هنا يتعلق بالتنويه �إىل خماطر تغليب وجه على‬ ‫�آخر‪ ،‬وخماطر �إزاحة البعد ال�شعبي للثورة وتهمي�شه‬ ‫ل�صالح البعد املتع ّلق بالع�سكرة واجلماعات امل�سلحة‪.‬‬ ‫ويف مراجعة مل�سارات الثورة ميكننا بب�ساطة‬ ‫مالحظة �أن النظام ا�شتغل بحر�ص ود�أب �شديدين‪،‬‬ ‫منذ البداية‪ ،‬على �إزاح���ة البعد ال�شعبي‪ ،‬املدين‬ ‫وال�سلمي والدميوقراطي للثورة‪.‬‬

‫لينا احلكيم‬

‫فقبل بروز ظاهرة الع�سكرة‪ ،‬وال�صراع امل�سلح‪،‬‬ ‫كان معدل ال�شهداء بر�صا�ص رجال الأمن وال�شبيحة‬ ‫يبلغ نحو ‪� 600‬شخ�ص �شهري ًا‪ .‬وك��ان النظام �أنكر‬ ‫الثورة‪ ،‬حتى �أنه اعترب التظاهرات العارمة‪ ،‬التي‬ ‫�شهدتها �ساحات مدينتي حم�ص وح��م��اه‪ ،‬جمرد‬ ‫ف�برك��ات تلفزيونية‪ ،‬قبل �أن ّ‬ ‫يف�ضها بالر�صا�ص‬ ‫والدبابات‪ ،‬علم ًا �أنه حال دون متكني جماهري حلب‬ ‫ودم�شق و درعا والالذقية من �إيجاد �ساحة لهم‪.‬‬ ‫و�إىل هذا وذاك فقد �سعى النظام لدفع ال�سوريني‬ ‫يف املناطق احلا�ضنة للثورة �إىل ت��رك �أحيائهم‪،‬‬ ‫وحتى تهجريهم خ��ارج البلد‪� ،‬ضمن ا�سرتاتيجيته‬ ‫الرامية لإف��راغ الثورة‪ ،‬بتقوي�ض طابعها ال�شعبي‪،‬‬ ‫وذلك بتعم ّده تدمري الأحياء ال�شعبية‪ ،‬وحما�صرتها‪،‬‬ ‫وتعري�ضها للق�صف امل�ستمر‪.‬‬ ‫ما يلفت االنتباه‪� ،‬أي�ض ًا‪� ،‬أن النظام الذي �أطلق‬ ‫من معتقالته بع�ض منت�سبي �أو منا�صري تنظيم‬ ‫«القاعدة»‪ ،‬و اجلماعات الدينية العنيفة واملتطرفة‪،‬‬ ‫يف الأ�شهر الأوىل للثورة‪ ،‬ا�شتغل يف املقابل على‬ ‫�إخفاء النا�شطني الثوريني ال�سلميني‪ ،‬الذين كانوا‬ ‫يقودون املتظاهرات‪ ،‬ويلهمون النا�س بال�شعارات‪،‬‬ ‫املتعلقة باحلرية والكرامة و الدميوقراطية‪.‬‬ ‫هكذا كان ن�صيب مئات النا�شطني القتل بر�صا�ص‬ ‫القنا�صة �أو بهراوات ال�شبيحة �أو التعر�ض لالعتقال‪،‬‬ ‫�أو دفعهم �إىل اخلروج من البلد‪ ،‬و هو ما ح�صل بقتل‬ ‫النا�شط م��ن داري���ا غ��ي��اث مطر و ع��دي��د م��ن ق��ادة‬ ‫املتظاهرات يف دم�شق وحلب وحم�ص وحماه ودرعا‬ ‫والالذقية والر�سنت‪ ،‬وباعتقال كرث من �أمثال مازن‬ ‫دروي�����ش (رئي�س املركز ال�سوري ل�ل�إع�لام وحرية‬ ‫التعبري)‪ ،‬والكاتب علي ال�شهابي‪ ،‬وب�إجبار مئات من‬ ‫الن�شطاء للخروج �إىل املنايف‪.‬‬ ‫يف ه���ذا الإط������ار‪ ،‬ف��ق��د ا���ض��ط��ل��ع��ت الأن�����ش��ط��ة‬ ‫الإعالمية بدور متميّز‪� ،‬إن يف مواجهتها حال االنكار‪،‬‬ ‫و احل��ج��ب‪ ،‬و الت�شويه‪ ،‬ال��ت��ي ح���اول فيها النظام‬ ‫حماربة الثورة‪� ،‬أو يف �سعيها لك�سر حاجز اخلوف‪،‬‬ ‫و �إ�شاعة مظاهر التمرد و الع�صيان‪ ،‬بغر�ض حترير‬ ‫الوعي ال�شعبي‪ ،‬و املجال العام‪ ،‬من احتالل النظام‪.‬‬ ‫و يف هذين احلالني ا�ستطاعت الثورة‪ ،‬لأول مرة‪،‬‬ ‫فتح الف�ضاء العام �أم��ام ال�سوريني‪ ،‬من خالل مناخ‬ ‫احلرية الذي اتاحته‪ ،‬و�أي�ض ًا من خالل هذه الور�شة‬ ‫الهائلة واملده�شة للأن�شطة الإعالمية التي حفلت‬ ‫بها‪ ،‬والتي انخرط فيها كتاب وفنانون وم�صورون‪،‬‬ ‫مع �أخذنا يف االعتبار الظروف ال�صعبة التي ا�شتغلوا‬ ‫فيها‪ ،‬يف و�ضع كان فيه فيلم الفيديو على موبايل‪،‬‬ ‫يعر�ض �صاحبه للقتل �أو للإعتقال‪ ،‬ويف و�ضع كان فيه‬ ‫�أي �شخ�ص يلتقط �صورة‪� ،‬أو ير�سل بريدا الكرتونيا‪،‬‬ ‫ك�أنه يقوم بعملية انتحارية‪.‬‬ ‫باملح�صلة‪ ،‬فقد ا�ضطلعت جمموعة من ال�شباب‬

‫ال�شجعان و الرائعني‪ ،‬الذين يتوقون للخال�ص و‬ ‫احلرية‪ ،‬يف �سوريا مغايرة‪ ،‬بدور هو يف غاية الأهمية‪،‬‬ ‫يتمثل بخلق التوا�صل بني ال�سوريني‪ ،‬و فيما بينهم و‬ ‫بني العامل‪ ،‬يف حتد لكل حواجز النظام الع�سكرية‬ ‫و �أجهزته اال�ستخباراتية‪ ،‬و خرباته يف القمع و‬ ‫احلجب و التورية و التزييف و التلفيق‪.‬‬ ‫و احل���ال‪ ،‬ففي معمعان ال��ث��ورة‪ ،‬ن�شط ه���ؤالء‬ ‫ال�شباب على �شبكات التوا�صل االجتماعي ل�سد‬ ‫الفراغ املتعلق بغياب الت�شكيالت ال�سيا�سية‪ ،‬و ب�إن�شاء‬ ‫التن�سيقيات‪ ،‬و امل��واق��ع الإع�لام��ي��ة على ال�شبكة‬ ‫العنكبوتية‪ ،‬و ّ‬ ‫مت ان�شاء بع�ض اذاعات ‪ ،FM‬و ثمة‬ ‫جتارب �أقل ملحطات تلفزيونية‪.‬‬ ‫و لعل التجربة الأك�ثر متايز ًا و �إده��ا���ش�� ًا‪ ،‬من‬ ‫وجهة نظري‪ ،‬متثلت يف �إ�صدار ال�صحف و املجالت‪،‬‬ ‫التي عرفت ال�سوريني على كتابات جديدة‪ ،‬لكتاب‬ ‫�شباب مل يكونوا معروفني من قبل‪ ،‬يطرحون �أ�سئلة‬ ‫من خارج ال�صناديق املعروفة و املعهودة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و ك��ان��ت ت��ل��ك م��ف��ارق��ة الف��ت��ة ح��ق��ا‪ ،‬ف�سوريا‬ ‫التي كانت فقرية يف ال�صحافة‪ ،‬و التي ظلت لعقود‬ ‫مقت�صرة على ثالثة �صحف ت�شبه بع�ضها البع�ض‬ ‫(ت�شرين و البعث و ال��ث��ورة)‪ ،‬م��ع �صحف حملية‬ ‫لبع�ض املدن‪ ،‬و التي كان كتابها‪ ،‬غري املح�سوبني على‬ ‫النظام‪ ،‬يجدون متنف�س ًا لهم يف ال�صحافة اللبنانية و‬

‫اخلليجية‪ ،‬باتت فج�أة تع ّج باحلياة ال�صحفية و‬ ‫مليئة بال�صحف و املجالت‪.‬‬ ‫و لعل املقارنة يف العمل ال�صحايف ما قبل و ما بعد‬ ‫الثورة تبينّ الفارق الكمي و النوعي بني احلالني‪ ،‬و‬ ‫تبينّ كم كان ال�سوريون يفتقدون حلرية التعبري‪ ،‬و‬ ‫للر�أي الآخر‪ ،‬و تبني كم مت ت�ضييع مواهب و طاقات‬ ‫لأجيال من ال�شباب يف العقود املا�ضية‪ ،‬ب�سب نظام‬ ‫اال�ستبداد‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬ففي غ�ضون ه��ذه ال��ث��ورة‪ ،‬تع ّرفنا على‬ ‫�إع�ل�ام �آخ���ر‪ ،‬ي�ض ّج ب��احل��ري��ة‪ ،‬و على �شباب مليء‬ ‫باحلما�سة‪ ،‬و بالن�ضج ال�سيا�سي‪ ،‬و بالأ�سئلة الفكرية‪،‬‬ ‫حتى عناوين هذه املجالت و ال�صحف بدت الفتة‬ ‫وجميلة ومعبرّ ة‪.‬‬ ‫ففي غ�ضون هذه الفرتة‪ ،‬من عمر الثورة‪ ،‬بتنا‬ ‫�أمام �صحف و جمالت من مثل‪« :‬طلعنا عاحلرية»‪ ،‬و‬ ‫«�سوريا بدها حرية» و «�شرارة �آذار»‪ ،‬و «�أوك�سجني»‪،‬‬ ‫و «ج�سر» و «البديل»‪ ،‬و «ثوري �أنا»‪� ،‬أو مثل «حنطة»‪،‬‬ ‫و «زيتون»‪ ،‬و «عنب بلدي»‪ ،‬و «يا�سمني»‪ ،‬ثمة �أي�ضا‬ ‫«�شام» و «�سوريتنا»‪ ،‬و «دم�شق»‪ ،‬و «زم��ان الو�صل»‪،‬‬ ‫و «توا�صل»‪ ،‬و «عهد ال�شام» و «�ضو�ضاء»‪ ،‬و «عني‬ ‫املدينة»‪ ،‬و «الغربال»‪ ،‬و «�صدى ال�شام»‪ ،‬و «متدن»‪ ،‬و‬ ‫«امل�سار احلر»‪ ،‬و «والت»‪ ،‬و «�صور»‪ ،‬و «بناة امل�ستقبل»‪،‬‬ ‫و «طيارة ورق» (للأطفال)‪.‬‬

‫تتمة‪:‬معاناة �أن تكون �صحفي ًا يف حلب‬

‫هنا كل �شيء مبهم وغام�ض‪ ،‬فال�شائعات تنت�شر كالنار يف اله�شيم‪ ،‬حتى لو كنت بقلب احلدث جتد نف�سك غري مدرك ً‬ ‫متاما ملا يح�صل‪ .‬قد‬ ‫تكون �ضمن منطقة حمددة حني �سقوط قذيفة فيها‪ ،‬لكن لكل �شخ�ص روايته عمّا حدث ً‬ ‫حقا‪ ،‬وعن عدد الإ�صابات‪ ،‬فال وجود مل�صادر ر�سمية‬ ‫ميكن التحدث �إليها �أو �أخذ املعلومات منها‪ .‬ال�شارع اليوم هو م�صدر كل الأخبار‪.‬‬ ‫الطرقات يف هذا اجلزء من املدينة مغلقة بال�سواتر الرتابية‪� ،‬أو مق�سمة بحواجز تابعة للجي�ش و”كتائب البعث”‪ .‬ي�سبب ذلك‬ ‫ازدحاما ً‬ ‫ً‬ ‫دائما يف الطرقات‪ ،‬والتواجد الأمني يف كل مكان يجعل من �شبه امل�ستحيل حمل كامريا والت�صوير العلني يف حال مل يكن ال�صحفي‬ ‫ً‬ ‫تابعا جلهة �إعالمية موالية للنظام‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يقوم احلاجز الفا�صل بني ق�سمي املدينة بالتفتي�ش والتدقيق يف هويات املارة‪ ،‬مما يعرقل تنقل الن�شطاء والإعالميني املقيمني يف‬ ‫الق�سم الغربي من املدينة �إىل الق�سم الآخر ونقل ما يحدث فيه‪ ،‬مثل عمليات الق�صف املتتالية من طائرات النظام‪ ،‬التي �أوقعت يف اال�سبوعني‬ ‫عددا ً‬ ‫املا�ضيني ً‬ ‫كبريا من ال�ضحايا املدنيني‪� .‬أما �صعوبة العمل يف الق�سم ال�شرقي من حلب‪ ،‬فهي ناجتة ب�شكل رئي�س عن اختطاف الإعالميني‬ ‫املتكرر من جهات �إ�سالمية متعددة �أبرزها “الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام”‪ ،‬وهي �صعوبات تقف يف وجه �أولئك الذين يقطنون الأحياء‬ ‫غري اخلا�ضعة للنظام‪ ،‬مثل النا�شط الإعالمي عبد الوهاب املال‪ ،‬الذي اختطف يف �شهر ت�شرين الثاين‪ /‬نوفمرب وال يزال م�صريه ً‬ ‫جمهوال‪.‬‬

‫يف �أحياء حلب الغربية‪ ،‬تنت�شر ق�ص�ص اخلطف و”الت�شليح” �أي ال�سرقات‪ ،‬التي تبد�أ من الأموال والهواتف اخلليوية‪ً ،‬‬ ‫و�صوال �إىل‬ ‫�سرقة ال�سيارات يف و�ضح النهار بقوة ال�سالح‪� .‬أو قد حتدث خالل الليل‪ ،‬لي�ستقيظ �أحدهم دون �أن يجد �سيارته �أمام منزله‪ .‬كما يجري‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا العديد من عمليات االختطاف لأجل طلب فدية مالية مرتفعة من ذوي ال�ضحية‪ ،‬دون �أن يدري �أحد ملن تتبع هذه الع�صابات‪ :‬هل هم‬ ‫�شبيحة‪� ،‬أم ل�صو�ص ي�ستغلون الفو�ضى املتف�شية يف البالد؟‬ ‫جميع هذه الأخطار الأمنية تزيد ال�ضغط علينا ك�شباب و�شابات من قبل ذوينا‪ ،‬الذين باتوا يقلقون من خروجنا اليومي من املنازل‬ ‫ّ‬ ‫ويتحفظون على الت�أخري‪ .‬رقابة الأهل وقلقهم‪ ،‬ولو املربر‪ ،‬يزيد ال�صعوبات‪ ،‬فخالل وقت قليل ّ‬ ‫يتوجب على ال�صحفية �أن تخرج لتح�صل على‬ ‫�أكرب قدر ممكن من املعلومات حول التقرير الذي تعمل عليه‪ .‬فغالب الن�شطاء الإعالميني ال علم لذويهم بن�شاطهم‪ ،‬ب�سبب خوف الأهل من‬ ‫اعتقال �أبنائهم وجلب “البالء” على العائلة‪ ،‬فمن املعروف �أن الأمن ال�سوري ميار�س ال�ضغط على العائلة كاملة ولي�س فقط على النا�شط‬ ‫املعتقل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يف ظل هذه التحديات جميعها‪ ،‬يبقى الأمل كبريا �أن يرى الإن�سان مدينته ووطنه يتعر�ضان للهدم والدمار �أمام ناظريه‪ ،‬دون �أن يتمكن‬ ‫يف �أحيان كثرية من �إي�صال �صوته‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.