العدد 99 من جريدة شرارة آذار

Page 1

‫العدد ‪99‬‬

‫‪2014-1-5‬‬

‫للمرا�سلة‪infoshrara@gmail.com :‬‬

‫العدد ‪2014/1/11 -1/5 99‬‬

‫ما يتوجب على املعار�ضة فعله يف جنيف‬

‫ــــــــــــــ فردريك �س‪ .‬هوف‬ ‫ـــــــــــــــــــــ ترجمة‪� :‬أحفاد الكواكبي‬

‫�إذا قدمت املعار�ضة ال�سورية مل�ؤمتر جنيف الثاين املحدد عقده يف ‪ ٢٢‬يناير ‪٢٠١٤‬‬ ‫اقرتاح ًا معقو ًال عن حكومة انتقالية بديلة عن نظام الأ�سد‪ ،‬ميكن عندها �أن‬ ‫ي�ساهم امل�ؤمتر يف �إنهاء حكم العائلة الفا�شية الوح�شية ل�سورية‪.‬‬

‫�إذا قدمت املعار�ضة ال�سورية مل�ؤمتر جنيف الثاين املحدد‬ ‫عقده يف ‪ ٢٢‬يناير ‪ ٢٠١٤‬اقرتاح ًا معقو ًال عن حكومة انتقالية‬ ‫بديلة عن نظام الأ�سد‪ ،‬ميكن عندها �أن ي�ساهم امل�ؤمتر يف �إنهاء‬ ‫حكم العائلة الفا�شية الوح�شية ل�سورية‪.‬‬ ‫و�إن تقدمت املعار�ضة بالئحة وح��دة وطنية تت�ضمن‬ ‫�أ�سماء ب��ارزه تت�ضمن علويني خدموا بكفاءة و�إخ�لا���ص يف‬ ‫مراتب مدنية وع�سكرية عالية‪ ،‬لرمبا تطلق بذلك تفكيك ًا‬ ‫�سريع ًا لنظام د ّمر �سورية ومل يجلب �سوى امل�آ�سي والأحزان‬ ‫والآالم لكل ال�سوريني‪ ،‬مبا فيهم املجموعة التي ينحدر منها‪.‬‬ ‫حالي ًا ميتطي نظام الأ�سد امليلي�شيات امل�شكلة واملدعومة‬ ‫من قبل �إيران �إىل �سل�سلة من االنت�صارات التكتيكية �شمايل‬ ‫دم�شق‪ .‬فقد تكبدت القوات ال�سورية املوالية للنظام –والتي‬ ‫تتكون غالبيتها من العلوييني– خ�سائر فادحة خالل العامني‬ ‫املا�ضيني‪ ،‬و�أنهكت بع�ض وحداتها‪.‬‬ ‫وحتتاج طهران �إىل ع�شرية الأ�سد‪-‬خملوف للحفاظ على‬ ‫خيار ردع ا�سرتاتيجي يف لبنان �ضد �إ�سرائيل (حزب اهلل)‪.‬‬ ‫ولكن �ضمن �صفوف الطائفة العلوية هناك ت�سا�ؤالت‬ ‫مكروبة عن حجم الت�ضحيات التي قدمتها وعن املعاناة التي‬

‫حممد اخلطيب‬

‫ال تزال تطلب منها للحفاظ على العائلة احلاكمة وموظفيها‪.‬‬ ‫�إن ع��دم وج��ود بديل ج� ّ�ذاب وذي م�صداقية هو كل ما‬ ‫يربط هذا املجتمع (وبع�ض الأقليات الأخرى) بالنظام‪.‬‬ ‫ويف جنيف ميكن للمعار�ضة ال�سورية �أن تخفف وط�أة تلك‬ ‫القيود‪ .‬فهل �ستفعل ذلك؟‬ ‫لي�ست هناك �أر�ضية للتفا�ؤل‪ .‬االئتالف الوطني ال�سوري‬ ‫ميتلك جذور ًا يف الداخل هي �ضحلة يف �أح�سن الأحول‪ ،‬وقد‬ ‫ُ�س ّمي هذا االئتالف ممث ًال �شرعيا لل�شعب ال�سوري‪ ،‬ويعترب من‬ ‫قبل �أولئك الذين يدعون �أنف�سهم �أ�صدقاء ال�شعب ال�سوري‬ ‫قائد ًا مركزي ًا للوفد ال�سوري �إىل جنيف‪ ،‬دون �أن يتلقى الدعم‬ ‫الذي يحتاجه لإقامة بديل للحكومة داخل �سورية‪.‬‬ ‫و ميكن تفهم �أن االئتالف‪ ،‬وبح�سا�سيته التهامات بعدم‬ ‫اجل��دوى والتق�صري واخللل وعدم احرتامه من قبل الغرب‪،‬‬ ‫غري راغب يف املخاطرة بطرح قائمة حكومة انتقالية قد تثري‬ ‫غ�ضب النا�شطني داخل �سورية والذين حتملوا العبء الأكرب‬ ‫من وح�شية النظام‪.‬‬ ‫التتمة �صفحة‪..2 ..‬‬

‫حلب‪ :‬جي�ش املجاهدين‪ ..‬موعد مع ال�صحوة‬

‫يف ظ� ّ�ل التحالفات الع�سكرية وتباينات‬ ‫امل��واق��ف التي ت�شهدها املعار�ضة امل�سلحة يف‬ ‫�سوريا‪� ،‬إ�ضافة �إىل التقهقر الذي ت�شهده جبهات‬ ‫حلب وحالة املد واجلزر بني الف�صائل امل�سلحة‬ ‫وقوات النظام‪� ،‬أعلنت كتائب وف�صائل ع�سكرية‬ ‫معار�ضة يف حلب م�ساء اخلمي�س عن ت�شكيل‬

‫حتالف ع�سكري جديد‪ ،‬ي�ضم ع��دد ًا من �أب��رز‬ ‫الت�شكيالت املقاتلة يف حلب وريفها الغربي‪،‬‬ ‫وذلك حتت م�سمى "جي�ش املجاهدين"‪.‬‬ ‫التحالف اجلديد ي�ضم ثمانية ف�صائل تعمل‬ ‫يف حمافظة حلب‪� ،‬أبرزها جتمع �ألوية "فا�ستقم‬ ‫كما �أمرت" وهي جمموعة من الكتائب تنت�شر‬

‫يف اجلزء الغربي من مدينة حلب‪ً � ،‬‬ ‫إ�ضافة �إىل‬ ‫كتائب "نور الدين الزنكي الإ�سالمية" املتواجدة‬ ‫يف الريف الغربي حللب والتي كان لها دور بارز يف‬ ‫معركة خان الع�سل‪ .‬كما ي�ضم ف�صائل �أخرى مثل‬ ‫حركة النور الإ�سالمية ول��واء الأن�صار ولواء‬ ‫�أجم��اد الإ���س�لام‪ .‬وتغلب ال�صفة "الإ�سالمية‬ ‫املعتدلة" على معظم الف�صائل املن�ضوية حتت‬ ‫الت�شكيل اجلديد‪ ،‬والذي �أ�صبح القوة الع�سكرية‬ ‫الأكرب يف حلب بعد "اجلبهة الإ�سالمية"‪.‬‬ ‫ي����أت���ي الإع���ل��ان ع���ن ت�����ش��ك��ي��ل "جي�ش‬ ‫املجاهدين"‪ ،‬ب��ع��د اح��ت��ق��ان ���ش��ه��دت��ه ب��ل��دة‬ ‫"الأتارب" يف ريف حلب الغربي‪ ،‬بني الكتائب‬ ‫والف�صائل املعار�ضة يف البلدة من جهة و"الدولة‬ ‫الإ�سالمية يف العراق وال�شام" من جهة �أخرى‪،‬‬ ‫وك��ذل��ك ب��ع��د اخ��ت��ط��اف ق��ائ��د ل���واء "�شهداء‬ ‫الأتارب" ومعه قائد كتيبة "�أحرار الأتارب"‬ ‫والعثور على جثة (علي عبيد) قائد �أح��دى‬ ‫جمموعات اجلي�ش احلر‪ ،‬بالقرب من البلدة‪.‬‬ ‫يف �صبيحة اليوم التايل لإع�لان ت�شكيل‬ ‫"جي�ش املجاهدين"‪ ،‬انفجر الو�ضع متام ًا بعد‬ ‫���ص�بر ط��وي��ل ل��ه��ذه الف�صائل ع��ل��ى مم��ار���س��ات‬ ‫"الدولة الإ�سالمية"‪� ،‬إذ متكنت من طرد مقاتلي‬

‫التنظيم من بلدة "الأتارب" و�أ�سرت ‪ 15‬عن�صر ًا‬ ‫منهم‪ ،‬بينهم �أمري التنظيم يف الأت��ارب‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ال�سيطرة على مناطق عديدة يف ريف حلب‬ ‫الغربي‪ ،‬بالتزامن مع اندالع ا�شتباكات يف مناطق‬ ‫�أخرى من حلب وريف �إدلب‪.‬‬ ‫الت�صعيد بدا وا�ضح ًا �أو على الأرج��ح كان‬ ‫هو الهدف بعد الإع�لان عن الت�شكيل‪� ،‬إذ اتهم‬ ‫"جي�ش املجاهدين" يف �أول بيان له "الدولة‬ ‫الإ�سالمية" با�ستغاللها "ان�شغال املجاهدين‬ ‫ال�����ص��ادق�ين ع��ل��ى ج��ب��ه��ات القتال" م��ن �أج��ل‬ ‫"الإف�ساد يف الأر�ض ون�شر الفنت وزعزعة الأمن‬ ‫واال�ستقرار يف املناطق املحررة"‪.‬‬ ‫كما اتهمها ب�سرقة املعامل و�سيارات املدنيني‬ ‫و�أرزاق���ه���م بحجج "تافهة" وخ��ط��ف ال��ق��ادة‬ ‫الع�سكريني والإع�لام��ي�ين وقتلهم وتعذيبهم‬ ‫ورف�ضهم "االحتكام ل�شرع اهلل"‪ ،‬معلن ًا البدء‬ ‫يف ق��ت��ال "الدولة" حتى تعلن ّ‬ ‫"حل نف�سها‬ ‫واالنخراط يف �صفوف الت�شكيالت الع�سكرية‬ ‫الأخرى" �أو" تركهم �أ�سلحتهم واخل���روج من‬ ‫�سوريا"‪.‬‬ ‫التتمة يف ال�صفحة ‪...2 ..‬‬


‫العدد ‪99‬‬

‫حممد اخلطيب‬

‫‪2014-1-5‬‬

‫تتمة‪:‬جي�ش املجاهدين‪ ..‬موعد مع ال�صحوة‬

‫ٌ‬ ‫القيادي يف "جي�ش املجاهدين" طلب‬ ‫يقول‬ ‫عدم الك�شف عن ا�سمه �أو الف�صيل الذي يتبع له‪،‬‬ ‫�إن الهدف من ت�شكيل جي�ش املجاهدين يف الوقت‬ ‫احلايل هو "و�ضع حد لتدهور الأو�ضاع الذي و�صل‬ ‫له احل��راك الع�سكري يف حلب"‪ ،‬م�ضيف ًا �أن �أول‬ ‫عملية ع�سكرية له �ستكون "حترير حلب وباقي‬ ‫حمافظات �سوريا من تنظيم "الدولة الإ�سالمية"‬ ‫الذي اعتدى على احلرمات‪ ،‬وقام بفتح معارك مع‬ ‫اجلي�ش احلر بد ًال عن حماربة النظام"‪.‬‬ ‫لي�ست "الدولة" ه��ي وح��ده��ا ال�سبب يف‬ ‫تراجع العمل الع�سكري يف حلب‪� ،‬إذ �أن هناك‬ ‫العديد من الف�صائل امتهنت ما يطلق عليه يف‬ ‫حلب و�سوريا عموم ًا "الت�شويل"‪� ،‬أي ال�سطو‬ ‫امل�سلح‪ ،‬ويف هذا اخل�صو�ص �أو�ضح القيادي قائ ًال‬ ‫�إن��ه "�ستتم حما�سبة جميع الف�صائل امل�سيئة‬ ‫للثوار"‪.‬‬ ‫وعن م�س�ألة املحاكم ال�شرعية التي امتلأت‬ ‫بها ح��ل��ب‪ ،‬ق��ال ال��ق��ي��ادي �إن���ه �سيجري العمل‬ ‫على تنظيم املحاكم من جديد‪ ،‬باال�شرتاك مع‬ ‫الف�صائل الع�سكرية الأخرى‪.‬‬ ‫التوقعات عن تبعية "جي�ش املجاهدين"‬ ‫رجحت �أن تكون لهيئة �أرك��ان اجلي�ش ال�سوري‬ ‫احل��ر‪ ،‬وال �س ّيما �أن��ه مل ين�ضم مث ًال لـ"اجلبهة‬

‫الإ�سالمية"‪ .‬ينفي القيادي �أن تكون هناك‬ ‫عالقة بني "جي�ش املجاهدين" وهيئة الأركان‬ ‫يف الوقت احلايل‪ ،‬ملمح ًا �إىل �أنه يجري العمل‬ ‫مع ف�صائل �أخرى‪ ،‬لت�شكيل ج�سم ع�سكري موحد‬ ‫يف �سوريا وبقيادة واحدة‪.‬‬ ‫و�إ�ضافة �إىل التوقعات ب��رزت ت�سا�ؤالت‬ ‫عديدة‪� ،‬أكرثها �إحلاح ًا كان ما هو ال�سبب وراء‬ ‫عدم ان�ضمام الت�شكيل �إىل اجلبهة الإ�سالمية‬ ‫التي تعد قوة كربى يف حلب‪ .‬ويف هذا اخل�صو�ص‬ ‫يذهب مراقبون للو�ضع يف حلب للقول �إن خالف ًا‪،‬‬ ‫على م��ا ي��ب��دو‪ ،‬يف وج��ه��ات النظر ب�ين "جي�ش‬ ‫املجاهدين" و"اجلبهة الإ�سالمية" منع الف�صائل‬ ‫املن�ضوية حتت "جي�ش املجاهدين" من االن�ضمام‬ ‫�إىل "اجلبهة الإ�سالمية"‪.‬‬ ‫وت��ذه��ب �آراء �أخ���رى �إىل �أن ع��دم قيام‬ ‫"اجلبهة الإ�سالمية" باحل�سم يف م��ا يخ�ص‬ ‫�اف‬ ‫مو�ضوع "الدولة الإ�سالمية" ه��و �سبب ك� ٍ‬ ‫لعدم ان�ضمام ف�صائل الت�شكيل اجل��دي��د �إىل‬ ‫"اجلبهة" التي ي�ؤخذ عليها ت�صرفها بحذر مع‬ ‫تلك اخلالفات "حقن ًا للدماء" كما كانت احلجة‬ ‫أحيان كثرية كانت حتاول التو�صل �إىل‬ ‫دوم ًا ويف � ٍ‬ ‫امل�صاحلة مع "الدولة الإ�سالمية"‪.‬‬ ‫ويظهر ه��ذا اخل�لاف يف وجهات النظر من‬

‫خ�لال ب��ي��ان "جي�ش املوحدين" احل��ا���س��م وما‬ ‫حلقه من بيانات لت�شكيالت �أخ��رى �أبرزها كان‬ ‫"جبهة ثوار �سوريا"‪ ،‬الذي قال املتحدث با�سمها‬ ‫يف ت�صريحات �إعالمية �إنهم تن�سق مع "جي�ش‬ ‫املجاهدين" ملحاربة "الدولة الإ�سالمية" التي‬ ‫و�صفها "باخلنجر يف خا�صرة الثورة ال�سورية"‪.‬‬

‫�إذ ًا تبدو حلب على موعد مع �أحداث كثرية‬ ‫ه��ذا ال��ع��ام‪ ،‬ل��ن يكون الت�صعيد �ضد "الدولة‬ ‫الإ�سالمية" ���س��وى �أوىل ب���وادره���ا‪ ،‬فهناك‬ ‫جولة للنظام حتم ًا‪ ،‬كما �أن احلادثة الأخرية‬ ‫وال�صحوة �ضد "الدولة" قد تعيد خلط الأوراق‬ ‫على ال�صعيد ال�سيا�سي‪.‬‬

‫تتمة‪:‬ما يتوجب على املعار�ضة فعله يف جنيف‬

‫و كمثله من الأح��زاب ال�سيا�سية يف كل مكان‪ ،‬يجب �أن يهتم‬ ‫االئتالف بقاعدته‪ ،‬ولكن للأ�سف ولأ�سباب لي�ست كلها من �صنع‬ ‫يديه ال يتمتع االئتالف الوطني ال�سوري ب�أية قاعدة �شعبية‪.‬‬ ‫وقد �أب��رزت الأح��داث الأخ�يرة مدى تهمي�ش التيار الوطني‬ ‫ال�سوري اجلدير ب��االح�ترام يف املعار�ضة‪ ،‬وي�شهد بذلك قيام‬ ‫الواليات املتحدة بتعليق امل�ساعدات غري الف ّتاكة للجي�ش ال�سوري‬ ‫احل��ر‪ ،‬فهناك مقاتلون تابعون جلبهة �إ�سالمية‪ ،‬وه��ذه ت�شكلت‬ ‫م ��ؤخ��ر ًا من جمموعات �إ�سالمية معار�ضة لنظام الأ���س��د وغري‬ ‫مرتبطة بتنظيم القاعدة‪ ،‬كانوا قد �سيطروا على بع�ض املعدّ ات‬ ‫غري الفتاكة التي زودت بها الواليات املتحدة اجلي�ش ال�سوري‬ ‫احل��ر‪ ،‬وه��ذا يعني �أن �أف��راد اجلبهة الإ�سالمية يتناولون الآن‬ ‫وجبات طعام جاهزة ويتوا�صلون مع بع�ضهم البع�ض با�ستخدام‬ ‫معدات دفع ثمنها دافعو ال�ضرائب يف الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫كما �أن اللواء القدير �سليم �إدري�س‪ ،‬والذي �أرادت الواليات املتحدة‬ ‫�أن مير عربه كل الدعم من �أ�سلحة ومعدات للمعار�ضة ال�سورية امل�سلحة‪،‬‬ ‫�شهد القوات التي كان ي�أمل بقيادتها تغادر اجلي�ش احلر �إىل الت�شكيالت‬ ‫الإ�سالمية التي يغدق عليها داعموها الأ�سلحة والذخرية واملال والطعام‬ ‫واملعدات الطبية و�أجهزة الراديو وال�شاحنات ال�صغرية‪.‬‬ ‫لقد انتهى عملي ًا املجل�س الع�سكري التابع لالئتالف‪ ،‬ومل يعد هناك‬ ‫دور فعلي للوحدات املختلفة من اجلي�ش ال�سوري احلر املرتبطة ب�شكل‬ ‫ف�ضفا�ض مع ذلك املجل�س‪.‬‬ ‫يف جوهره‪ ،‬يعني هذا الو�ضع �أن �إدارة �أوباما قد متيل الآن للتخلي‬ ‫عن تظاهرها الأخرق بدعم املجل�س الع�سكري الأعلى‪ ،‬هذا الدعم الذي‬ ‫مل ي� َ‬ ‫�رق �إىل �أي��ة درج��ة مهمة‪ ،‬على الرغم من النوايا احل�سنة لوزير‬ ‫اخلارجية جون كريي ومن العمل ال�شاق لبع�ض عنا�صر الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وحتى �إن ر�أت الإدارة الأمريكية الآن �أن ا�ستمرار نظام الأ�سد و�صعود‬ ‫الإ�سالميني يف املعار�ضة امل�سلحة هي تطورات تهدد اال�ستقرار الإقليمي‪،‬‬ ‫وبالتايل م�صالح الواليات املتحدة‪ ،‬ف�إن كيان ًا خ�ضع لتجويع تدريجي حتى‬ ‫املوت –ولكن مع جرعات دوري��ة �إنقاذية غري فعالة– �سيكون �إحيا�ؤه‬ ‫حتدي ًا عملياتي ًا من املرتبة الأوىل‪ ،‬ورمبا يكون هذا جهد ًا جيد ًا ي�ستحق‬ ‫الأخذ به ولو كان ال�سبب الوحيد �ضعف الت�أييد ال�شعبي لأ�شكال الإ�سالم‬ ‫ال�سيا�سي الواقعة خارج نطاق الإخوان امل�سلمني‪.‬‬ ‫ولكن القيام مبا كان ينبغي القيام به عام ‪� 2012‬أ�صعب بكثري الآن‬ ‫عام ‪ .2013‬وي�أتي كل ذلك على ح�ساب الفئات ال�ضعيفة من ال�سكان يف‬ ‫�سورية‪.‬‬

‫لن ت�أرق �إدارة �أوباما لتهمي�ش العنا�صر امل�سلحة التي دعمتها‪ ،‬ب�شكل‬ ‫غري فعال على �أي حال‪ .‬ولكن ما الذي يجب القيام به حيال جنيف؟ منذ‬ ‫�أيار ‪ ،2013‬كانت الواليات املتحدة هي القوة الدافعة لعقد جنيف‪2‬؛ وقد‬ ‫ت�سارع دفعها يف �أعقاب اتفاق الأ�سلحة الكيميائية‪ ،‬الذي �أعطى نظام‬ ‫الأ�سد وم�ؤيديه اخلارجيني يد ًا حرة تفعل ما تريد باملدنيني ال�سوريني‪،‬‬ ‫طاملا �أنها لن ت�ستخدم ال�سالح الكيميائي‪ .‬بالطبع تعرت�ض الإدارة‬ ‫الأمريكية على هذا التو�صيف‪.‬‬ ‫ولكن �أين �أختفى التهديد احلقيقي بالقوة الع�سكرية الذي وعدت‬ ‫الإدارة الأمريكية ب�إبقائه خالل عملية نزع ال�سالح الكيميائي؟ من‬ ‫وجهة النظر الأمريكية الر�سمية‪ ،‬جنيف هو املكان ال��ذي �سيتم فيه‬ ‫تفعيل االنتقال ال�سيا�سي يف �سورية‪ ،‬من حكم العائلة الفا�سدة الوح�شية‬ ‫�إىل �شيء �أف�ضل؛ ومبعنى �آخر‪ ،‬جنيف هو املكان الذي �ستنت�صر فيه ورقة‬ ‫الكيمياء الدبلوما�سية على ما يحدث على �أر�ض الواقع‪.‬‬ ‫ويبدو �أن هناك �أمر ًا بارز ًا يعرقل بعناد تلك الكيمياء الديبلوما�سية‪:‬‬ ‫�إيران ورو�سيا تدعمان وبقوة ذلك النظام‪ ،‬والذي حر�ضت ا�سرتاتيجيته‬ ‫الطائفية الفا�ضحة على النمو ال�سرطاين ملعار�ضة �إ�سالمية م�سلحة‬ ‫عنيفة‪.‬‬ ‫هذه املعار�ضة‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬تدفع من �ساحة املعركة وت�سقط الأهمية‬ ‫ال�سيا�سية لأي �شيء تفوح منه رائحة االعتدال والوطنية الالطائفية‬ ‫وقيم املجتمع امل��دين‪ ،‬وهي قيم يريد معظم ال�سوريني �أن تنعك�س يف‬ ‫حكمهم‪� .‬إذا كان الهدف يف جنيف تقوي�ض ال�سبب امل�سبّب لدمار �سورية –‬ ‫وهو نظام الأ�سد– من خالل تقدمي بديل يقبله الذين ي�صونون ويدعمون‬ ‫ذلك النظام‪ ،‬فقط لأن الإ�سالم املتطرف يبدو �أنه البديل الآخر‪ ،‬فمن هو‬ ‫الذي �سيقدم هذا البديل؟‬ ‫هل هم ذوو امليول ال�سيا�سية املعتدلة‪ ،‬الذين جعلهم ف�شلهم يف ح�شد‬ ‫الدعم الفعال من الغرب ويف التجذر داخل �سورية يهيمون للأ�سف على‬ ‫غري هدى ويفقدون امل�صداقية؟‬ ‫�أم �أولئك الذين قرروا حماربة النظام با�سم الإ�سالم دون انتظار‬ ‫�إ�شارة من وا�شنطن؟‬ ‫تلك هي املع�ضلة التي �أوقعت �إدارة �أوباما نف�سها فيها‪ ،‬فهي ترى الآن‬ ‫�أنه كي يقوم م�ؤمتر جنيف‪ ٢‬بوظيفة االنتقال ال�سيا�سي املطلوب ف�إن على‬ ‫الإ�سالميني غري املرتبطني بالقاعدة �إما �أن ي�أتوا ب�أنف�سهم �إىل �سوي�سرا‬ ‫�أو �أن يفوّ�ضوا الآخرين للقيام بذلك ولو�ضع الئحة ت�ضم �أ�سماء �أع�ضاء‬ ‫هيئة احلكم االنتقايل الذي دعا �إليه البيان اخلتامي جلنيف‪( ١‬حزيران‬ ‫‪ )٢٠١٢‬على طاولة املفاو�ضات يف جنيف‪.‬‬

‫ــــــــــــــ فردريك �س‪ .‬هوف‬ ‫ـــــــــــــــــــــ ترجمة‪� :‬أحفاد الكواكبي‬

‫وهذا يحتم على اجلبهة الإ�سالمية �أن توافق على �إقناع العلويني‬ ‫وامل�سيحيني وغ�يره��م (وخا�صة �أول�ئ��ك ال��ذي��ن تقاتلهم يف الأج�ه��زة‬ ‫الأمنية) ب�أن االنتقال ال�سيا�سي يف البالد لن يُقاد من قبل الإ�سالميني‪ ،‬وال‬ ‫من قبل االئتالف الوطني‪ ،‬وبالت�أكيد وال من قبل تنظيم القاعدة‪ ،‬ولكن‬ ‫من قبل الذين جنحوا يف خدمة �سورية ب�شكل الئق دون �أن يلوّثوا �أنف�سهم‬ ‫بالدماء‪ ،‬ودون �أن يرثوا �أنف�سهم بالف�ساد �أو يحطوا منها بالإجرام‪.‬‬ ‫بالن�سبة لإدارة �أوباما‪ ،‬هذا تطور غري مريح للأمور‪ ،‬وهي ترى �أن‬ ‫النهاية املثلى هي مغادرة العائلة اجل�شعة احلكم‪ ،‬ثم ان�ضمام القوات‬ ‫امل�سلحة احلكومية واملعار�ضة مع ًا للق�ضاء على وجود تنظيم القاعدة يف‬ ‫�سورية‪.‬‬ ‫الإدارة الأمريكية ت��رى الو�ضع احل��ايل للنظام على درج��ة من‬ ‫اله�شا�شة مت ّكن من جلبه �إىل نقطة االنهيار‪ ،‬ولكن فقط �إذا ك��ان من‬ ‫�ش�أن املعار�ضة �أن تتوحد يف جنيف حول اقرتاحات معقولة لالنتقال‬ ‫ال�سيا�سي‪ .‬غري �أن على �إدارة �أوباما �أن تعتمد الآن على قيام حتالف‬ ‫الإ�سالميني بطرح‪� ،‬أو ب�إعطاء التفوي�ض لآخرين من �أجل طرح‪ ،‬جدول‬ ‫للحكم االنتقايل من �ش�أنه �أن يطمئن �أل� ّد �أع��داء الإ�سالم ال�سيا�سي يف‬ ‫�سورية‪.‬‬ ‫لي�س هذا بالأمر الذي ت�ستطيع الإدارة الأمريكية متريره ب�سهولة‪.‬‬ ‫فالإدارة التي تخلت عن املعار�ضة الوطنية ال�سورية قد تكون قليلة �أو‬ ‫معدومة الرغبة بالتوا�صل والتحاور مع الإ�سالميني‪.‬‬ ‫وكالعادة‪ ،‬يف ال�سياق ال�سوري‪ ،‬لي�س هناك �إجابات �سهلة �أو حلول‬ ‫�سحرية‪ :‬ال�سعي �إىل احل��وار مع الإ�سالميني غري املرتبطني بتنظيم‬ ‫القاعدة؟‬ ‫ً‬ ‫تقبل ا�ستمرار حكم �سورية من قبل ع�صابة القتل الغارقة عميقا يف‬ ‫جرائم حرب وجرائم �ضد الإن�سانية؟ تهنئة الذات بتطهري �سورية من‬ ‫ال�سالح الكيماوي‪ ،‬مع الوقوف جانب ًا بينما حترتق �سورية وي�صرخ �أبنا�ؤها‬ ‫رعب ًا؟‬ ‫�إن بقاء النظام ي�ضمن ان�ع��دام �أي م�ستقبل متح�ضر ل�سورية‪.‬‬ ‫فالع�صابة احلاكمة لي�ست بدي ًال عن الإ�سالم ال�سيا�سي يف �سورية‪ ،‬بل‬ ‫هي حمفز التمزق الطائفي و�سبب وجود تنظيم القاعدة مبا ي�ضمه من‬ ‫مقاتلني �أجانب‪ .‬نهج الإدارة الأمريكية لتغيري هذا النظام عرب جنيف‬ ‫مقامرة �صعبة‪ ،‬ومع ذلك فال يوجد لديها خيار �آخر �سوى اللعب بالأوراق‬ ‫التي قطعتها لنف�سها‪.‬‬


‫العدد ‪99‬‬

‫جاد الكرمي جباعي‬ ‫ال �ق��ادرون على ال��ر�ؤي��ة م��ن ال�سوريني ي��رون‬ ‫وطنهم يتال�شى‪ ،‬مدنهم وبلداتهم وقراهم ومزارعهم‬ ‫تدمر‪ ،‬بكل �صنوف الأ�سلحة املحللة «دولي ًا» واملحرمة‬ ‫«دول�ي� ًا»‪ ،‬وال حول لهم وال ط��ول‪ .‬كل �سورية‪ ،‬ممن‬ ‫تبقني‪ ،‬م�شروع قتيلة �أو معتقلة �أو نازحة �أو مهجرة‬ ‫�أو‪ ...‬وكل �سوري‪ ،‬ممن تبقوا‪ ،‬م�شروع قتيل �أو معتقل‬ ‫�أو نازح �أو مهجر‪� ،‬أو ‪ ...‬الفراغ لي�س الذي ال يقال‪،‬‬ ‫ب��ل �سدمي وع�م��اء‪ ،‬يبتلع ك��ل م��ا ه��و حم��دد ومعني‪،‬‬ ‫كل ما له معنى‪ ،‬وكل ما له قيمة‪ ،‬وكل ما هو حي‪.‬‬ ‫الفراغ موت املوت‪� ،‬أو حياة ت�شبه املوت‪ .‬ما جريرة‬ ‫من ع َّرفوا �أنف�سهم ب�أنهم �سوريون غري �أنهم ثاروا على‬ ‫«نظام معمول للبهائم»‪ ،‬وخمتوم بختم املن�ش�أ‪ ،‬الذي‬ ‫�أنتجه؟!‬ ‫هذا النظام عزيز جد ًا على الرو�س والإيرانيني‬ ‫وباعة املقاومة‪ ،‬وعلى دول ثورية بعيدة‪ .‬وعزيز‬ ‫على الأمريكيني والأوروب�ي�ين و�إ�سرائيل خ�صو�ص ًا‪،‬‬ ‫وع�ل��ى ب��اع��ة احل��داث��ة وال��دمي��وق��راط�ي��ة وحقوق‬ ‫الإن�سان وحماية الأقليات‪ .‬كلهم يعملون لإنقاذه‪.‬‬ ‫«�أ�صدقاء ال�شعب ال�سوري» ميدون «املعار�ضة»‬ ‫ببع�ض ال�سالح‪ ،‬و�أ�صدقاء ال�سلطة ال�سورية ميدونها‬ ‫بكثري من ال�سالح‪ .‬لقليل ال�سالح وك�ث�يره‪ ،‬قدميه‬ ‫وحديثه‪ ،‬النتيجة ذات�ه��ا‪ :‬قتل �سوريني وتدمري‬ ‫م ��دن وب��ل��دات وق ��رى وم � ��زارع‪ ،‬م��دار���س ومعاهد‬ ‫وم�شاف وم�ستو�صفات و�آث ��ار ومتاحف‬ ‫وجامعات‬ ‫ٍ‬ ‫ومتاجر وم�صانع وبنى حتتية وم�ؤ�س�سات‪ ...‬كلها‬ ‫�سورية‪ ،‬القليل يكمل الكثري وبالعك�س‪ ،‬القليل مثل‬ ‫الكثري وظيفة‪�« .‬أ�صدقاء ال�شعب ال�سوري»‪ ،‬من هذه‬ ‫ال��زاوي��ة‪ ،‬ك��أع��دائ��ه‪ .‬يف نظر ك�ثرة من ال�سوريني‪،‬‬ ‫االحتاد الرو�سي كالواليات املتحدة �أو بريطانيا �أو‬ ‫فرن�سا‪ ،‬و�إيران ك�إ�سرائيل‪ ،‬و «حزب اهلل» كـ «جبهة‬ ‫الن�صرة»‪ ،‬ولواء �أبو الف�ضل العبا�س كلواء التوحيد‪،‬‬ ‫و «اجلي�ش احل��ر» كاجلي�ش النظامي‪ ،‬واملعار�ضة‬ ‫(ال��دمي��وق��راط �ي��ة) كال�سلطة (اال��س�ت�ب��دادي��ة)‪،‬‬ ‫و�شبيحة املعار�ضة ك�شبيحة ال�سلطة‪ ،‬والعرب كغري‬ ‫العرب وامل�سلمون كغري امل�سلمني‪ ...‬كل �شيء مثل‬ ‫كل �شيء‪ ،‬ما دام يقوم بالوظيفة ذاتها وي�ؤدي �إىل‬ ‫النتيجة ذاتها!‬

‫فواز طرابل�سي‬

‫‪2014-1-5‬‬

‫�سورية‪ :‬حني تت�شابه الأ�شياء‬

‫الأ� �س �ل �ح��ة امل�ح�ل�ل��ة دول��ي�� ًا ف�ت��اك��ة وم��دم��رة‪،‬‬ ‫كالأ�سلحة املحــــرمة‪ ،‬ووظيفتهــــا ال تتعــــني‬ ‫ب�شهادة املـــن�ش�أ‪ .‬احلـــــالل واحلـــرام مت�شابهـــان‪،‬‬ ‫ودول املن�ش�أ مت�شابهة‪ ،‬كلــــها ت�صدر �أدوات وو�سائل‬ ‫للقتل والتدمري‪ ،‬وت�صدر خ�براء ومقاتلني‪ ،‬وحتلل‬ ‫�صناعة ال�سالح وجتارة ال�سالح‪ .‬والق�صف الع�شوائي‪،‬‬ ‫كالق�صف املركز‪ ،‬هدفهما واحد‪ ،‬وغايتهما واحدة‪،‬‬ ‫ونتائجهما مت�شابهة‪ .‬كل �شيء ي�شبه كل �شيء!‬ ‫انت�صرت «قوى الثورة واملعار�ضة» على ال�سلطة‬ ‫يف بع�ض حم�ص وحماة وحلب و�إدلب والرقة ودرعا‬ ‫وريف دم�شـــق وغريها‪ ،‬وانت�صرت ال�سلطة يف بع�ضها‬ ‫الآخر‪ ،‬الن�صر كالهزمية �سواء ب�سواء‪ ،‬واملنت�صر هو‬ ‫املهزوم‪ ،‬والقـــاتل هـــــو القتيــــل‪ ،‬والــــوطن علـــــى‬ ‫املحك‪ ،‬واملجتمع على املحك‪ ،‬والدولة على املحك‪ .‬كل‬ ‫�شيء ي�شبه كل �شيء‪.‬‬ ‫اجلي�ش النظامي يق�صف من بعيد ثم يتوغل‪،‬‬ ‫وي�ع��دم م��ن يقعون يف قب�ضته �أو يعتقلهم‪ ،‬ومعه‬ ‫�شبيحة من «جي�ش الدفاع الوطني» ينهبون البيوت‬ ‫واملخازن واملتاجر ثم يحرقونها‪ ،‬و «اجلي�ش احلر»‬ ‫يفعل ال�شيء ذات��ه‪ ،‬يق�صف من بعيد ثم يتوغل‪،‬‬ ‫ويعدم من يقعون يف قب�ضته �أو يعتقلهم‪ ،‬والكتائب‬ ‫امل�سلحة بالإميان تعدم من يقع يف قب�ضتها �أو تخفيه‬ ‫وت�ساوم على حياته‪ ،‬وتنهب وحترق‪ .‬ه�ؤالء ك�أولئك‬ ‫و�أولئك كه�ؤالء‪ ،‬وكل �شيء مثل كل �شيء‪.‬‬ ‫ح�ين تت�شابه الأ� �ش �ي��اء‪ ،‬على ه��ذا النحو‪ ،‬ال‬ ‫يكون �سوى ال�ع��دم‪ ،‬ه��ذا النوع من الت�شابه �شاهد‬ ‫�صدق على وج��ود العدم‪ .‬العدم القائم فينا وبني‬ ‫ظهرانينا هو دوم ًا عدم �شيء ما‪ ،‬عدم �أ�شياء معينة‬ ‫وحمددة ومعروفة‪ :‬عدم الأخالق‪ ،‬عدم العقل وعدم‬ ‫ال�ضمري وعدم احلياة الإن�سانية‪ ،‬عدم احلرية‪ ،‬عدم‬ ‫امل�س�ؤولية‪ ،‬وعدم امل�ساواة وعدم الكرامة الإن�سانية‪،‬‬ ‫عدم الوطن وعدم الدولة‪.‬‬ ‫�سورية يبتلعها العدم‪ ،‬وال�سوريون يتعادمون‪.‬‬ ‫وال��دول «املعنية بال�ش�أن ال�سوري» تعاير م�صاحلها‬ ‫ونفوذها ب��ال��دم��اء‪ .‬خم�سون �أل��ف قتيل الجتماع‬ ‫متهيدي يف جنيف‪ ،‬مئة �ألف �أو يزيد مل�ؤمتر جنيف‬ ‫الثاين‪ ،‬فالدميري بوتني قد ال يقبل ب�أقل من مليون‪،‬‬

‫للعودة �إىل املفاو�ضات بعد جنيف الثاين �أو الثالث �أو‬ ‫الرابع ع�شر‪ ،‬و�سيد البيت الأبي�ض قد يزيد‪ .‬الآالف‬ ‫وع�شرات الآالف ومئاتها ال تليق بالدول الكربى‪.‬‬ ‫اجلمهورية الإ�سالمية الإيرانية قد تتطلع �إىل‬ ‫تقلي�ص عدد ال�س ّنة يف �سورية ليعادل عدد ال�شيعة‬ ‫والعلويني‪� ،‬إذ ال ب��د م��ن وج��ود ال�س ّنة‪ ،‬قليل من‬ ‫ال�س ّنة‪ ،‬و�إال كيف يكمن �أن يوجد ال�شيعة �أو العلويون‬ ‫والإ�سماعيليون وال��دروز؟! الآخ��ر �ضروري لت�ش ُّكل‬ ‫ال��ذات‪ ،‬واختالفه عنها ��ض��روري لت�شكيل هويتها‬ ‫ومتايزها وامتيازها‪ ،‬لأنه الأ�سا�س املطمو�س للذات‪،‬‬ ‫وعليه �أن يظل مطمو�س ًا‪.‬‬ ‫حني تت�شابه الأ�شياء تت�شـــابه احلقيــــقة‬ ‫ـواملجاز‪ ،‬لأن املعنى يكون قد مـــات‪ ،‬وتبعته القيمة‪،‬‬ ‫وتكون اللغة جمــــرد �أ�صــــوات‪ ،‬ويت�شــــابه اخلـــري‬ ‫وال�شر‪ ،‬واحلق والباطل‪ ،‬والظلم والعـــدل‪ ،‬والعـقل‬ ‫والــجنون‪ ،‬واحلكمة والطي�ش‪ ،‬والر�شــــد والغي‪،‬‬ ‫واحلياة واملوت‪ ...‬هكذا هي �سورية اليوم‪.‬‬ ‫ح�ين تقع احل ��رب‪� ،‬أي ح��رب على الإط�ل�اق‪،‬‬ ‫وتطرح ما يف جوفها من ويالت‪ ،‬وتنجب ما يف رحمها‬ ‫من م�سوخ‪ ،‬ال يعود مهم ًا من الذي بد�أها‪ ،‬وما كانت‬ ‫�أ�سبابها‪ .‬فمن ال�ضالل ال��زع��م ب ��أن ه��ذا �ضروري‬ ‫لإح �ق��اق احل��ق‪ ،‬م��ا دام احل��ق ه��و ح��ق الأق���وى‪� ،‬أو‬ ‫ال�ستخال�ص العرب وتعلم الدرو�س‪ ،‬ما دامت جتارب‬

‫الب�شر ال تتكرر‪ ،‬واملجتمعات وال ��دول ال تطابق‬ ‫نف�سها يف كل ح�ين‪ .‬فلي�س مهم ًا اليوم �أن نقرر �أن‬ ‫ال�سلطة هي من ب��د�أ هذه احل��رب القذرة‪ ،‬وهي من‬ ‫ب��د�أه��ا بالفعل‪ ،‬م��ا دام ميكن للمقاومة واملمانعة‬ ‫والت�صدي للم�ؤامرة الكونية �أن تعفيها من م�س�ؤوليتها‬ ‫ال�سيا�سية والأخالقية عن اجلرائم التي ارتكبتها‬ ‫وترتكبها‪�( ،‬إذا انت�صرت)‪ ،‬وما دام ميكن ل�شعارات‬ ‫احلرية والكرامة ومزاعم «الدولة املدنية» �أن تعفي‬ ‫املعار�ضني من م�س�ؤوليتهم ال�سيا�سية والأخالقية عن‬ ‫جرائم مماثلة‪�( ،‬إذا انت�صروا)‪.‬‬ ‫ما يجري يف �سورية‪ ،‬على م�سمع وم��ر�أى عامل‬ ‫يفرت�ض �أنه متمدن‪ ،‬ولي�س له من «ث��أر بايت» عند‬ ‫ال�سوريني‪ ،‬هو نوع من �إدارة العدم و�سيا�سة املوت‪،‬‬ ‫هو �صيغة من �صيغ «�إدارة التوح�ش»‪ ،‬منهاج ال�سلفية‬ ‫اجلهادية يف ب�لاد املغرب‪ ،‬املرقون يف كتاب يحمل‬ ‫العنوان ذاته‪�« ،‬إدارة التوح�ش» من ت�أليف �أبو بكر‬ ‫ن��اج��ي‪ ،‬وه��و ن�سخة حمدثة م��ن كتاب �سيد قطب‬ ‫«معامل يف الطريق»‪ ،‬و�شبيه بكتاب لينني ال�شهري «ما‬ ‫العمل»‪ .‬لكن �إدارة التوح�ش يف �سورية �إدارة حديثة‬ ‫ومركبة‪ :‬دولية و�إقليمية وحملية‪ .‬وثمة قاع معريف‬ ‫و�أخالقي م�شرتك بني هذه وتلك وهاتيك‪ .‬فهنيئ ًا‬ ‫للمنت�صر‪ ،‬لأنه الأقوى والأمهر يف �إدارة التوح�ش‬

‫«عندما يكون الدفاع عن امل�ستبدين م�أثرة !‬

‫«مل �أفاج�أ �شخ�صي ًا من انحياز تنظيمات ي�سارية‬ ‫ب�شكل �صريح �أو موارب للنظام الأ�سدي‪ ،‬وال بدفاعها‬ ‫املعلن الر�سمي �أو �شبه الر�سمي عن النظام‪ ،‬وال برفع‬ ‫ون�شر �صور ب�شار الأ�سد‪ ،‬و�شعار ال��والء الأب��دي له‪،‬‬ ‫�إ�ضافة ل�صور ح�سن ن�صر اهلل‪..‬فاالنحياز لنظام الأ�سد‬ ‫االبن هو امتداد النحيازات �سابقة لنظام �صدام ح�سني‬ ‫ومعمر القذايف والأ�سد الأب وغريهم‪ .‬لكنني ما �أزال‬ ‫م�صدوم ًا من غياب �أي نوع من احل�سا�سية والت�ضامن مع‬ ‫معاناة ال�شعب ال�سوري‪ ،‬الذي تعر�ض لق�صف الطريان‬ ‫احلربي بال�صواريخ والرباميل املتفجرة‪ ،‬وتعر�ض‬ ‫ل�صواريخ �سكود املدمرة ولل�سالح الكيماوي‪..‬الغريب‬ ‫كل الغرابة ال�صمت على حمنة املخيمات الفل�سطينية‬ ‫يف �سورية‪ ،‬على ح�صار خميم الريموك الذي بد�أ �سكانه‬ ‫باملوت جوع ًا وب�أعداد مت�صاعدة‪ .‬ال يوجد احتجاج‬ ‫على موت ‪ 105‬فل�سطينيني حتت التعذيب كان �آخرهم‬ ‫الفنان ال�شاب ح�سان ح�سان‪ ،‬ال ���س��ؤال عن ‪2000‬‬ ‫مفقود فل�سطيني ال يعرف م�صريهم‪ ،‬وال �س�ؤال عن‬ ‫�إعادة ت�شريد �أكرث من ‪ %70‬من �سكان املخيمات داخل‬

‫�صنع الن�سبة العظمى من م�أ�ساة ال�سوريني والالجئني‬ ‫الفل�سطينيني‪ ،‬وع���دم حت�س�سكم ملحنة �أب��ن��اء‬ ‫جلدتكم يف املخيمات ومعهم �أبناء ال�شعب ال�سوري‬ ‫ال�شركاء الأكرب يف الثورة ويف احت�ضان الالجئني؟‬ ‫‪..‬مل يحتمل الرفيق تي�سري الهجوم على النظام‬ ‫وحلفائه‪ ،‬ما دفعه للرد ال�سريع‪ .‬لكنه �صمت طول‬ ‫الوقت ومل يوجه نقد ًا للنظام الذي يقتل وي�شرد‪،‬‬ ‫ومل يت�ضامن مع ال�ضحايا‪..‬امل�شكلة يف املوقف �أن له‬ ‫�صلة بحقيقة الفكر والثقافة ال�سائدين يف معظم‬ ‫تنظيمات ونخب الي�سار‪ .‬ثقافة �أدت �إىل التبا�س‬ ‫الهوية الي�سارية والثقافة التقدمية التنويرية‪،‬‬ ‫وقادت �إىل االختالط بالثقافة الرجعية ال�سائدة‪،‬‬ ‫وبالثقافة ال�شعبوية الرائجة‪ .‬بفعل ذلك ال ميكن‬ ‫التفريق بني ي�ساري وبعثي و�إ�سالموي وفتحاوي‪ .‬ال‬ ‫ت�ستطيع التمييز بني ه�ؤالء يف اخلطاب واملمار�سة‬ ‫ويف الق�ضايا االجتماعية‪ .‬كان مربر الي�سار هو ربط‬ ‫التحرر الوطني بالتحرر االجتماعي والتحرر من‬ ‫وخ��ارج �سورية‪ .‬كيف ميكن تف�سري ت�ضامنكم مع نظام‬ ‫اال�ستبداد‪.‬‬


‫العدد ‪99‬‬

‫‪2014-1-5‬‬

‫�سوريا‪ ..‬ميدان الأ�صولية‬

‫ي�ستقبل ال�سوريون العام اجلديد وقد انتقلت ثورتهم من‬ ‫حال �إىل �آخ��ر‪ .‬فالثورة ال�شعبية الدميقراطية املدنية التي‬ ‫اندلعت يف منت�صف مار�س ‪ 2011‬ال تبدو على ما ي��رام‪ .‬ففي‬ ‫حني �أثقلها يف عامها الثاين اخلطاب الديني الأ�صويل‪ ،‬تكاد‬ ‫التنظيمات الأ�صولية املح�سوبة على الثورة وعلى النظام‪ ،‬جتهز‬ ‫عليها متام ًا يف عامها الثالث‪.‬‬ ‫ميكن ربط تط ّور اخلطاب الديني يف �صفوف قوى الثورة‬ ‫ال�سورية‪ ،‬بتطور م�ستويات العنف الذي فجره النظام يف وجه‬ ‫املحتجني ال�سلميني‪� .‬إذ انتقل اخلطاب الديني التقليدي الذي‬ ‫يعبرّ عن ثقافة �إ�سالمية عامة وعن غياب احلياة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫�إىل خطاب �أيديولوجي �أ�صويل غريب عن ال�سوريني‪ ،‬وذلك مع‬ ‫انتقال همجية النظام وعنفه �إىل حدود رهيبة ومفزعة‪ ،‬حتى‬ ‫يكاد تاريخ ال�صراع بني الأنظمة وال�شعوب مل يعرف مثلها قط‪.‬‬ ‫يف ظل منو اخلطاب الأ�صويل يف �صفوف املقاتلني‪ ،‬ويف ظل‬ ‫�أكاذيب النظام وجرعات اخل��وف والتحري�ض الطائفي التي‬ ‫يبثها يف �إعالمه ومنذ بداية الثورة‪ ،‬كان �شعور اخلوف يزداد‬ ‫لدى الطائفة العلوية مع كل تقدم للثورة وتراجع للنظام‪.‬‬ ‫واحلديث يف هذا ال�سياق ال يخ�ص الفئات التي تورطت ب�أعمال‬ ‫القتل وتطوعت كـ”�شبيحة”‪ ،‬و�إمنا ال�شرائح املدنية الوا�سعة‬ ‫التي مل تقاتل �إىل جانب النظام‪ ،‬لكنها تهج�س مب�صريها وتتوقع‬ ‫�أن تدفع ثمن ًا باهظ ًا �إذا جنحت الثورة يف �إ�سقاط النظام‪.‬‬

‫مروان �أبو خالد‬

‫هكذا‪ ،‬عجزت الثورة‪ ،‬حتى يف طورها ال�سلمي وخطابها‬ ‫الوطني‪ ،‬عن اجتذاب العلويني �إىل �صفوفها‪� .‬إذ �ساد اعتقاد‬ ‫را�سخ ب�أن الثورة ال�سورية‪ ،‬ويف �أحد وجوهها‪� ،‬سوف جت ّردهم‬ ‫من كل “املكا�سب” التي حظوا بها يف عهد النظام‪ .‬وحقيقة‬ ‫الأمر �أن ال مكا�سب حقيقية تخ�ص الطائفة العلوية ك�شريحة‬ ‫�سكانية خالل فرتة حكم الأ�سد‪� ،‬إذ اقت�صرت املكا�سب على دائرة‬ ‫�ض ّيقة‪ ،‬خدمت النظام وكانت عون ًا له يف �سيا�ساته الإجرامية‬ ‫على كل امل�ستويات‪� .‬أما املناطق التي تقطنها الطائفة العلوية‬ ‫فهي مناطق مهم�شة وفقرية‪ ،‬و�أبناء هذه الطائفة‪ -‬كما �أبناء‬ ‫كل �سوريا‪ -‬يعانون من الب�ؤ�س واحلرمان‪ ،‬وال�شك يف �أن النظام‬ ‫ال�سوري تع ّمد الإبقاء على حالة الفقر واحلرمان تلك‪ ،‬حتى‬ ‫يت�سنى له ا�ستغالل املعاناة و�إدخال الطائفة يف �سيا�سته الأمنية‬ ‫لإحكام قب�ضته على الدولة‪.‬‬ ‫النظام جنح �إىل حد كبري يف ذلك‪ ،‬وهو يقاتل منذ عامني‬ ‫كميلي�شيا متالحمة �أك�ثر منه كجي�ش‪ ،‬ويظن معظم �أف��راده‬ ‫املقاتلني يف العمق‪� ،‬أنهم يخو�ضون �صراع ًا من �أج��ل البقاء‬ ‫اجلماعي‪ .‬ا�ستغل النظام حالة الذعر التي تعي�شها الطائفة‬ ‫العلوية‪ ،‬و�أبرز يف خطابه الداخلي كل �أخطاء الثورة و�أخطاء‬ ‫املعار�ضة‪ ،‬خ�صو�ص ًا تلك الأخطاء التي تعزز من رعب الأقليات‪،‬‬ ‫وتظهر الأ�صولية الدينية يف �أب�شع �صورها‪ ،‬ومل يخل الأمر من‬ ‫الكذب والتلفيق واملبالغة يف كثري من الأحيان‪ .‬ومع ت�صاعد‬

‫االن�شقاقات ال�سيا�سية والع�سكرية والأمنية عن النظام‪ ،‬ازدادت‬ ‫الروابط الطائفية فيه‪ ،‬والتي باتت ت�شكل �سالح الأم��ان والثقة يف‬ ‫بيئة عامة معادية للنظام‪ ،‬وهو ما �أطال ال�صراع ورفع من اخل�سائر‬ ‫والت�ضحيات‪.‬‬ ‫كانت تلك اللوحة التي ت�صور الرتكيب الداخلي للنظام كفيلة‬ ‫مبنع احتماالت �أن تنهار ال�سلطة ب�شكل مفاجئ ودراماتيكي‪ ،‬كما‬ ‫حدث يف م�صر وتون�س‪� .‬إذ جعلت الرابطة الأهلية من النظام ال�سوري‬ ‫�شديد التما�سك واملرونة‪ ،‬هذا بالإ�ضافة �إىل الدعم الدويل والإقليمي‬ ‫والطائفي من دول خمتلفة‪ ،‬وه��و ما جعل النظام يوا�صل احلرب‬ ‫ويت�أقلم معها‪.‬‬ ‫لقد عزز اخلطاب الأ�صويل الذي اجتذبه الدمار والقتل املجاين‬ ‫ال��وا���س��ع ال��ن��ط��اق‪ ،‬م��ن ق��وة النظام ال�����س��وري و�أ���س��ب��غ عليه نوعا من‬ ‫“ال�شرعية” التي كان يبحث عنها‪� .‬إذ نقل هذا اخلطاب عامل االنق�سام‬ ‫الأهلي الذي وجد منذ اليوم الأول الندالع الثورة‪� ،‬إىل موقع �شديد‬ ‫الت�أثري يف جمريات الواقع‪ .‬ف�أ�ضفى االنق�سام الأهلي على النظام‬ ‫ال�سوري قوة ومتا�سكا �أكرب‪ ،‬ودعما دوليا و�إقليميا �شديد الإخال�ص‬ ‫حتى الرمق الأخ�ير‪ .‬هكذا‪ ،‬فمن جتاهل وجود هذا االنق�سام وغرق‬ ‫يف �أدجلة الوطنية‪ ،‬توقع �سقوط النظام بعد �أ�شهر فقط من اندالع‬ ‫الثورة‪ ،‬وتوقع انف�ضا�ض املوالني من حوله وهو ما مل يح�صل‪ ،‬بل تعزز‪.‬‬ ‫ويبدو �أن االلتفاف “الأقلوي” حول النظام قد حتول هو الآخر‪،‬‬ ‫يف العام الفائت‪� ،‬إىل نوع من الأ�صولية القاتلة‪ .‬فتقاطرت امللي�شيات‬ ‫الطائفية‪ ،‬حزب اهلل وملي�شيات �إي��ران والعراق‪ ،‬التي �شكلت الوجه‬ ‫الآخر لتنظيم القاعدة بفرعيه يف �سوريا‪ ،‬داع�ش وجبهة الن�صرة‪.‬‬ ‫وقد نقل تف�شي الأ�صوليني يف �صفوف النظام ال�سوري‪ ،‬ق�سما من املوالني‬ ‫له �إىل مركب الأ�صولية الذي مل يعد حكر ًا على الثوار الذين تعر�ضوا‬ ‫�إىل �أق�سى حمالت التنكيل والإجرام‪ ،‬فبات كل ال�سوريني يف الأ�صولية‬ ‫�سواء‪.‬‬ ‫لقد ح��اف��ظ النظام ال�����س��وري على وج���وده‪ ،‬بعد �أن زرع ب��ذور‬ ‫الأ�صولية يف املع�سكرين‪ ،‬و�أ�شرف على رعايتها حتى �ش ّبت وتطاولت‬ ‫حتت ناظريه‪ .‬وها هي �سوريا اليوم‪ ،‬وقد باتت ميدان ًا وا�سع ًا للأ�صولية‬ ‫الدينية املد ّمرة‪ ،‬التي ال ت�شبه �أي ًا من ال�سوريني‪ .‬ال ت�شبه �إال النظام‪،‬‬ ‫بعقله الإق�صائي‪ ،‬و�سلوكه الإجرامي املد ّمر‪.‬‬

‫ال�سوق ال�سوداء حتتكر الغاز ال�سوري‬

‫ّ‬ ‫ي�ستهل ال�سوريون عامهم اجلديد ب�أمنية واح��دة تتمثل‬ ‫بالقدرة على حت�صيل حد الكفاف للعي�ش لي�س �أكرث‪ ،‬بعدما حولت‬ ‫حكومة احلرب‪ ،‬ب�سيا�ساتها الفا�سدة‪ ،‬حياة ال�سوريني �إىل �سل�سلة‬ ‫من الأزمات املعي�شية التي ال تنتهي‪ ،‬كان �آخرها �أزمة الغاز التي‬ ‫ع��اودت الظهور جم��دد ًا يف دم�شق وريفها‪ ،‬بعد انخفا�ض كميات‬ ‫ا�سطوانات الغاز يف مراكز التوزيع احلكومية‪ .‬ما دفع املواطنني‬ ‫�إىل التوجه لل�سوق ال�سوداء التي ا�ستجابت حلاجات النا�س برفع‬ ‫�سعر �إ�سطوانة الغاز لأكرث من �ضعف �سعرها الر�سمي‪ .‬فقد بلغ �سعر‬ ‫�إ�سطوانة الغاز يف ال�سوق ال�سوداء ‪ 2500‬لرية يف �أقل تقدير‪ ،‬على‬ ‫الرغم من �أن �سعرها الر�سمي ‪ 1100‬لرية‪ .‬وارتفع �سعر تعبئة الغاز‬ ‫ال�صغري املنزيل �إىل ‪ 1000‬لرية‪.‬‬ ‫وبح�سب الت�صريحات احلكومية‪ ،‬ف�إن نق�ص املعرو�ض يعود‬ ‫لتوقف ا�ستجرار ال��غ��از م��ن م�ستودعات منطقة ع���درا‪ ،‬نظر ًا‬ ‫لإ�شتعال العمليات الع�سكرية فيها‪ ،‬والنق�ص امل�ؤقت الذي ح�صل‬ ‫من ا�ستجرار الغاز من وحدة جمرايا والذي ت�ضاربت الت�صريحات‬ ‫حول �أ�سبابه‪ .‬فبينما �أ�شار مدير امل�ؤ�س�سة العامة للخزن والت�سويق‬ ‫�إىل �أن �سبب ذلك يعود خلالف حا�صل بني وزارة النفط وال�شركة‬ ‫امل�ستثمرة لوحدة غاز جمرايا‪ ،‬ما انعك�س يف خف�ض كميات الإنتاج‪،‬‬ ‫نفت وزارة النفط هذا الكالم م�ؤكدة �أن �أي خالف �سيحل ب�شكل‬ ‫ودي و�أن ال�شركة كانت جتري �أغرا�ض ال�صيانة وعاودت من جديد‬

‫�سالم ال�سعدي‬

‫لإنتاجها الطبيعي‪ .‬وبالطبع ف�إن هذا الت�ضارب يف الت�صريحات‬ ‫اعتاد عليه ال�سوريون من حكومة تفتقد لأدنى مقومات التخطيط‬ ‫والتن�سيق امل�ؤ�س�ساتي‪ ،‬وقد يكون الهدف من هذا الت�ضارب هو‬ ‫ت�شوي�ش املواطنني عرب �أ�سباب وهمية لتغييب ال�سبب الرئي�سي‬ ‫الذي يقف وراء الأزمة‪ .‬كذلك ر�أى بع�ض احلري�صني على تلميع‬ ‫�صورة احلكومة �أن �سبب الأزم��ة هو الإ�ستجرار الزائد من قبل‬ ‫املواطنني‪ ،‬نظر ًا العتمادهم على الغاز للتدفئة‪.‬‬ ‫امل�ستغرب يف هذه الت�صريحات يتمثل بر ّد الأزمة �إىل نق�ص يف‬ ‫املعرو�ض‪ ،‬فلو كان هناك نق�ص �أو توقف يف �إمداد بع�ض وحدات‬ ‫الإنتاج ي�ستدعي حق ًا ح�صول �أزمة‪ ،‬فمن �أين ت�أتي الإ�سطوانات‬ ‫التي تباع يف ال�سوق ال�سوداء؟ وهذا ما يعيد اجلواب �إىل احللقة‬ ‫الأوىل املعروفة‪� ،‬أي ان امل�س�ؤولني عن نق�ص مادة الغاز يف املراكز‬ ‫احلكومية هم �أنف�سهم من ي�ؤمنونه لل�سوق ال�سوداء التي ّ‬ ‫يف�ضل‬ ‫ت�سميتها �سوق الف�ساد احلكومي‪ .‬علم ًا �أن اال�سطوانات املباعة‬ ‫يف ال�سوق ال�سوداء مغ�شو�شة وغري خمتومة ر�سمي ًا‪� .‬إذ يالحظ‬ ‫امل�ستهلكون �أن �إ�سطوانة الغاز التي من املفرت�ض �أن تخدم قرابة‬ ‫ال�شهر‪ ،‬ولكن تلك املباعة لهم يف ال�سوق ال�سوداء ال تكفي عملي ًا‬ ‫لأكرث من ع�شرة �أيام �أو �أ�سبوعني على الأك�ثر‪ .‬وتتنوع �أ�ساليب‬ ‫الغ�ش‪ ،‬حيث يجري تفريغ كميات ب�سيطة من جمموعة ا�سطوانات‬ ‫لإ�ستخدامها يف تعبئة اال�سطوانات ال�صغرية‪� ،‬أو تفريغ كميات‬

‫كبرية من الإ�سطوانة وتعبئتها باملاء‪ ،‬حتى ال ي�شعر املواطن عند‬ ‫ال�شراء بفرق يف الوزن‪ .‬هذا ف�ض ًال عن الكثري من �أ�ساليب االحتيال‬ ‫املبتكرة‪� .‬إىل ذلك‪ ،‬يبدو عزو الأزمة �إىل ا�ستخدام الغاز للتدفئة‬ ‫غري مقنع‪ .‬ذاك انه �إذا كان ال�سوريون عاجزين عن ت�أمني نفقات‬ ‫التدفئة الأرخ�ص من الغاز‪ ،‬فكيف ميكنهم حتمل تكاليف التدفئة‬ ‫على الغاز املرتفعة‪ ،‬ال�سيما �أن ارتفاع �أ�سعار مدافئ الغاز �إىل ما بني‬ ‫‪� 25-15‬ألف لرية‪ ،‬حرمت ال�سوريني من جمرد التفكري يف اقتنائها‪.‬‬ ‫ويرى الكثري من ال�سوريني ان الأزمة احلالية مقدمة لفر�ض‬ ‫زيادة جديدة على �سعر �إ�سطوانة الغاز‪ ،‬وعلى الرغم من نفي وزارة‬ ‫النفط لنيتها رفع الأ�سعار يف الفرتة املقبلة‪� ،‬إال �أن التجربة معها‬ ‫غري م�شجعة‪ ،‬فالزيادات ال�سابقة كانت ت�سبقها �أزمات يف العر�ض‬ ‫مبراكز التوزيع احلكومية‪ ،‬يعقبها ارتفاع جنوين يف �أ�سعار الغاز‬ ‫بال�سوق ال�سوداء‪ ،‬ومن ثم �إنت�شار �شائعات حول رفع ال�سعر الر�سمي‬ ‫ي�صاحبه نفي حكومي‪ ،‬وخالل ذلك يتم �إخ�ضاع املواطنني لأ�سعار‬ ‫ال�سوق ال�سوداء اجلنونية‪ ،‬لتعلن احلكومة فج�أة بعدها �أنها رفعت‬ ‫ال�سعر الر�سمي‪ ،‬ولكن بن�سبة �أقل من ال�سوق ال�سوداء‪ ،‬فتوهم‬ ‫امل�ستهلكني ب�أنها حري�صة كل احلر�ص على توفري الغاز لهم وب�أف�ضل‬ ‫الأ�سعار!‬


‫العدد ‪99‬‬

‫‪2014-1-5‬‬

‫ح�سان وابراهيم ابو دية‬ ‫ح�سان ّ‬ ‫عن ّ‬

‫كتب زياد خدا�ش (رام اهلل)‪:‬‬

‫ر�سالة حب �إىل بط َلي ليلتي‬ ‫ح�سان و�إبراهيم‬ ‫ح�سان ّ‬ ‫لي�س هناك من عالقة مبا�شرة بني ّ‬ ‫�أب��و دي��ة‪ ،‬فهما من زمنني متباعدين ج��د ًا‪ ،‬رمبا ق��ر�أ ح�سان �شيئ ًا‬ ‫عن بطوالت �إبراهيم‪ ،‬لكن �إبراهيم بالطبع مل يعرف بطوالت‬ ‫ح�سان‪ ،‬فحني مات �إبراهيم يف بريوت يف �أوائل اخلم�سينيات مل يكن‬ ‫والد ح�سان قد ولد بعد‪ ،‬ال�شيء الوحيد الذي يربطهما بع�ضهما‬

‫( بابا نويل يلقي خطاب ًا جماهريي ًا بلهجة هادئة‬ ‫حزينة)‬ ‫يف ظ��ل ه��ذه ال��ظ��روف الع�صيبة التي منر‬ ‫بها والنك�سات والهزائم املتعددة التي حلقت بنا‬ ‫واملعاناة الكبرية؛ لقد اتخذت قرار ًا �أريدكم �أن‬ ‫ت�ساعدوين على تنفيذه‪:‬‬ ‫لقد ق��ررت �أن �أتنحى عن جميع منا�صبي‬ ‫النويلية و�أن �أعود �إىل �صفوف اجلماهري‬ ‫(اجلماهري منده�شة وم�ستغربة وم�صدرة‬ ‫لتعابري غري مفهومة من مثل ‪ :‬بئ تئ لئ حئ بئ‬ ‫ماع ماع)‪.‬‬ ‫بابا نويل يقوم بحركة واحدة بيده تهد�أ‬ ‫من انفعال اجلماهري و يتابع خطابه‬ ‫لقد قررت التنحي لعدم قدرتي على تنفيذ‬ ‫طلبات و�أمنيات ال�شعب ال�سوري وذلك للأ�سباب‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫(وه��ن��ا تتغري لهجة ب��اب��ا ن��وي��ل م��ن لهجة‬ ‫هادئة حزينة �إىل لهجة غا�ضبة متوترة)‬ ‫�أو ًال‪ :‬بحب قول لل�شعب ال�سوري �أنا بابا نويل‬ ‫ماين عتال‪ ،‬انك�سر �ضهري و�صار معي دي�سك و�أنا‬

‫ببع�ض هو كونهما فل�سطينيني‪ ،‬عا�شا بطلني يحلمان باحلرية وماتا‬ ‫بطلني‪ ،‬من �أجل احلرية‪ ،‬ولكن ما الذي يجعلني �أجمع بني ح�سان‬ ‫و�إبراهيم يف ن�ص واح��د‪ ،‬وعلى �أب��واب عام جديد؟ كانت حم�ض‬ ‫�صدفة‪� ،‬إذ بعد قراءتي ل�سرية �إبراهيم �أبو دية للمنا�ضلة نهيل‬ ‫عادل عوي�ضة وفيما �أنا (�أت�صفح الفي�س بوك) قر� ُأت نعي ًا حل�سان‬ ‫يف �صفحة ال�صديق الكاتب الفل�سطيني املغرتب هاين عبا�س ابن‬ ‫خميم الريموك‪ ،‬و�صديق ال�شهيد ح�سان‪ ،‬كتب هاين (مبا معناه)‬

‫كالم ًا م�ؤثر ًا‪ ،‬حتت �صورة حل�سان وهو يبت�سم ب�سخرية‪( :‬حتما‬ ‫َ‬ ‫�سخرت منهم بهذه االبت�سامة وهم ي�أخذونك �إىل موتك يا ح�سان)‪.‬‬ ‫ا�ست�شهد الفنان الفل�سطيني الكوميدي ال�شاب ح�سان ح�سان‬ ‫يف �سجون �سورية قبل �أقل من �شهر‪ ،‬وكان �أمري الكفاح الفل�سطيني‬ ‫�إبراهيم �أبو دية قد ا�ست�شهد يف بريوت �أوائل اخلم�سينيات‪ ،‬مت�أثر ًا‬ ‫بحزمة من اجلراحات �أ�صيب بها يف �أكرث من معركة يف فل�سطني‪.‬‬ ‫كانت ليلتي غريبة‪ ،‬زاخ��رة ب�سري َتي بطلني ال يُحتمل �صفا�ؤُهما‬ ‫وال يُ�صدق كرمُهما‪ ،‬وهذا ما مل �أ�ستطع حتمله‪ ،‬وكنت �أعرف �أنني‬ ‫�س�أُجَ نّ لو بقيت يف البيت‪ ،‬وطاملا �أ�صابني هذا ال�شعور حني يرحل‬ ‫�شخ�ص �شجاع ال يو�صف ُ‬ ‫ُ‬ ‫خرجت م�سرعً ا �أك��اد ال �ألتقط‬ ‫�صدقه‪،‬‬ ‫�أنفا�سي‪ُ ،‬‬ ‫م�شيت كثري ًا‪ ،‬و�أنا �أُفكر‪ ،‬يف معنى وحقيقة وواقعية ال�شعار‬ ‫الذي نردده كثري ًا عند الأزم��ات‪ :‬دمُهما لن يذهب هدر ًا‪ ،‬هل حقاً‬ ‫�أن دم ح�سان و�إبراهيم لن يذهب هدر ًا؟ كم مرة قلنا هذا الكالم؟‬ ‫وكم مرة �سنقوله؟ وكم مرة هُ درت دماء كثرية وذهبت يف الواقع‬ ‫ه��در ًا؟‪ .‬اكت�شايف املفاجئ خل��واء هذا ال�شعار �أط��ار �صواب قلبي‪،‬‬ ‫�شعرت بخطواتي ت�سرع‪ ،‬ويتعرث ُ‬ ‫بع�ضها ببع�ض‪ ،‬و�أنفا�سي تتالحق‪،‬‬ ‫ور�أي� ُ�ت قطار ال�شهداء الفل�سطينيني على مدى عقود طويلة من‬ ‫الغناء واحلب والفداء وهو يهوي يف حفرة عميقة جد ًا‪ ،‬ذاهب ًا �إىل‬ ‫خ�سارته الكربى دون �أن يغني له �أحد‪ ،‬و�سمعت �أ�صوا َتهم املحروقة‬ ‫وهي تنفجر انفجار َتها الأخرية ‪ :‬ليتنا مل نفعلها‪ ،‬ليتنا مل نفعلها‪،‬‬ ‫لكن ورد ًا يانع ًا �أزرق‪ ،‬ر�أيته فج�أ ًة ينت�صب من حمرقة ال�شهداء‪ ،‬كان‬ ‫يغني � ً‬ ‫أغنية ناعمة وقوية بلغة غام�ضة‪� ،‬أما يدي املعتوهة فلم‬ ‫�أ�صدقها وهي تطرق باب �أول بيت يف حي (بطن الهوى)‪� :‬سيدي‪،‬‬ ‫ح�سان و�إبراهيم؟‪.‬‬ ‫هل تعرف �أين ي�سكن ّ‬

‫بابا نويل وخطاب التنحي‬

‫عم و�صل جرة غاز لهاد وبرميل مازوت لهداك‪.‬‬ ‫ثاني ًا ‪� :‬أطفال �سورية �صايرين قليلني �أدب‪،‬‬ ‫تخيلوا و�أن��ا طاير بعز ال�برد ب�شوف الأطفال‬ ‫بال�شوارع بحن علني وبزتلن الهدايا‪ ،‬ب��دل ما‬ ‫ي�شكروين بينبطحوا على الأر����ض وب�صريوا‬ ‫ي�صرخوا برميل برميل‪ ،‬هو �أن��ا بعرف حايل‬ ‫�سمني ���ش��وي ب�����س م��و ع��ي��ب ي���ن���ادويل برميل‬ ‫برميل؟!‪ .‬و ياريت ب�س هيك‪ ،‬بينادوا برميل‬ ‫برميل تكبري اهلل �أك�بر‪ ،‬وان��ظ��روا �أيها العرب‬ ‫انظروا �أيها امل�سلمون‬ ‫�شو �أنا فرجة للعرب وللم�سلمني‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪� :‬أنا بحياتي ما فرقت بني امل�سيحيني‬ ‫و امل�سلمني‪ ،‬مو عيب على داع�ش تخطف غزالين‬ ‫وت�أخذهم �إىل غابة الذئاب وتهدد بذبحن و�سلخ‬ ‫جلدن �إذا ما �سلمنت ر�أ�س ال�سنة م�شان يقطعوه؟!‬ ‫راب��ع � ًا‪ :‬كلو ك��وم وق���دري جميل ك��وم اهلل‬ ‫وكيلكن �صار معي انف�صام بال�شخ�صية و�صرت‬ ‫عم هلو�س من حتت طلباتو‪ ،‬بدو يكون بحكومة‬ ‫النظام وبنف�س الوقت بدو مني �أقنع ال�سوريني‬ ‫والعامل �أنو معار�ض‪.‬‬

‫واحلرية‬ ‫عن اخلوف‬ ‫ّ‬

‫فرج بريقدار‬

‫ولذلك ( يعود بابا نويل ليخاطب اجلماهري‬ ‫بلهجة هادئة وحزينة) ولأ�سباب �أخرى قررت‬ ‫التنحي‪.‬‬ ‫وبعد انتهاء بابا نويل من خطابه فج�أة‬ ‫ي��ن��د���س ف��ي��ه ال��ع��رق ال��ع��رب��ي وحت���دي���د ًا ع��رق‬ ‫الزعماء وامل�س�ؤولني العرب كون العرق د�سا�س‪،‬‬

‫راقبت وخ ُ‬ ‫�برت‪ ،‬لعقود طويلة‪ ،‬معنى اخل��وف مبعناه ال�شامل ّ‬ ‫لقد ُ‬ ‫املتف�شي‪� .‬أعني اخل��وف كمنظومة‬ ‫بيولوجية‪ ،‬نف�سية‪� ،‬سيا�سية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬اقت�صادية‪ ،‬اجتماعية وحتى �أق�صى تفا�صيل احلياة يف القول والفعل‪.‬‬ ‫اخلوف هو البوَّابة ال�شيطانية للأَ�سْ ر وبالتايل العبودية الطوعية‪ .‬اال�ستعباد الق�سري �أمر خمتلف‪ .‬ال‬ ‫ميكن ملن يرف�ضه �أن يكون عبد ًا �أو �أ�سري ًا �إال باملعنى ال�شكلي َّ‬ ‫واملوقت‪� ،‬أي خارج منظومة اخلوف واال�ست�سالم‪.‬‬ ‫ي�صعب على َم ْن يتملَّكه اخلوف‪� ،‬أن ينتج معنى ً‬ ‫مهما‪� ،‬أو �أن يبدع يف جمال مهم‪ .‬لي�س يف العبودية �أي قيم‬ ‫نبيلة �أو �إن�سانية راقية‪ .‬الأكل وال�شراب من �أجل احلياة فقط ال عالقة له مبنظومة القيم بل بالغرائز‪ .‬لقد‬ ‫حيا ً‬ ‫�أدرك نظام الطاغية الأب ذلك‪ ،‬وحاول جاهد ًا فر�ضه من �أجل تخليده ً‬ ‫وميتا عرب التوريث‪ ،‬ولهذا جرى‬ ‫تخويف ال�سوريني لزمن طويل ومرهق‪ ،‬بل �إن الأ�سد الأب ق َّدم �أمثوالت رعب يف حماة وحي امل�شارقة يف حلب‪،‬‬ ‫كما يف �إدلب وج�سر ال�شغور و�سجن تدمر وغريه‪� ،‬إىل �أن ا�ست�سلمت ن�سبة كبرية من ال�سوريني للخوف كمنظومة‪.‬‬ ‫�أتذ َّكر كيف بد�أت �أخالق جمتمعنا تتغيرَّ يف �أواخر ال�سبعينيات من القرن الع�شرين‪ .‬لقد تربَّيت يف الأ�سرة‬ ‫واملجال�س وامل�ساجد على �أخالق ومفاهيم و�أقوال من مثل«كلمة املرء هي �شرفه» �أو «�إن من �أف�ضل اجلهاد كلمة‬

‫ريزان حدو‬

‫ويكفهر وجهه غ�ضب ًا وخوف ًا و ندم ًا وي�ستدعي‬ ‫ابنه نويل وي�أمره ب�أن ي�صطحب مرافقة ويذهب‬ ‫للجماهري ليطلب منهم اخل���روج يف م�سريات‬ ‫عفوية تطالب بعودة بابا نويل �إىل منا�صبه‬ ‫والتخلي عن قراره بالتنحي ‪.‬‬ ‫حتى �أنت يا بابا نويل‬

‫حق عند �سلطان جائر» �أو «�إذا كان الكذب يُنجي فال�صدق �أجنى» �أو «ال ي�ص ّح �إال ال�صحيح» �أو «حلم احل ّر‬ ‫مرّ» وغري ذلك من الأق��وال احلافظة لتوازن �أخالق املجتمع‪ .‬كنت �أقر�أ من �أمثال هذه الأق��وال على �أوراق‬ ‫الروزنامات‪ .‬بعد ذلك انح�سرت ثم تال�شت �أمثال تلك الأقوال والقيم‪.‬‬ ‫لذلك �أعترب �أن ك�سر حاجز اخلوف يف �آذار ‪ 2011‬هو �أ�شبه بالفاحتة يف قر�آن احلرّية‪.‬‬ ‫لقد بد�أ ال�شعب ال�سوري ي�ستعيد ح�ضوره وقيمه و�إبداعاته بالأقوال والأفعال‪� .‬إبداعات يف التظاهرات‪،‬‬ ‫يف التغطيات الإعالمية‪ ،‬يف ال�شعارات والأغاين والأفالم واملجالت واملواقع االلكرتونية‪ ،‬يف الإغاثة والت�ضامن‬ ‫الوطني رغم كل املحاوالت احلثيثة للطاغية الوريث يف تفتيت الوحدة الوطنية‪ ،‬وبالطبع ال �أن�سى بطوالت‬ ‫الثوار وت�ضحياتهم رغم �ش ّح الدعم‪ ،‬ورغم �إرباكاتهم مبا متثله «جبهة الن�صرة» و«الدولة الإ�سالمية يف العراق‬ ‫وال�شام» من �ألغام وطوابري خام�سة‪.‬‬ ‫رمبا لأول مرة �أعرف �سوريا على حقيقتها الأخالقية والثقافية وحتى اجلغرافية‪.‬‬ ‫ال �أ�شك �أبد ًا يف �أهمية �إبداعات الآداب والفنون على اختالفها‪ ،‬ولكني �أعتقد �أن �إبداع احلرّية هو الإبداع‬ ‫الأق�صى يف تاريخ ال�شعوب‪ ،‬وها هو �شعبنا يبدع الآن حرّيته‪.‬‬


‫العدد ‪99‬‬

‫العدد ‪83‬‬

‫‪2014-1-5‬‬

‫ن�صو�ص الغوطة‪� ..‬إىل ال�شهيد م�أمون نوفل‬

‫ال �أريد �أن �أحتفظ بعقلي‪ ،‬خذوه م ّني‪ ،‬مل يعد ينفعني‪ ،‬ورغم‬ ‫�أين تعبت عليه‪� ،‬أقرتح عليكم �أن تبيعوه لأقرب خمترب‪ ،‬وقولوا لهم‬ ‫ل�ستم بحاجة �أن ت�ضعوه يف قطرميز ّ‬ ‫وتغطوه ب�سوائل حافظة‪ ،‬عقلي‬ ‫تف�سَّ خ وهو يف ر�أ�سي‪ ،‬ولن ينفعه �أي �شيء‪...‬‬ ‫ال �أريد �أن �أحتفظ باللغة‪ّ ،‬نخلوا كل كالمي‪ ،‬ودعوه �أمام الريح‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ي�ستحق الإبقاء‬ ‫وما �سيبقى‪� ،‬أُطرقوه باحلجارة‪ ،...‬ال �شيء مما قلته‬ ‫عليه‪� ..‬أريد �أن �أحتوّل �إىل كائن بال عقل وبال لغة‪ ..‬حينها �أ�ستطيع‬ ‫علي‬ ‫�أن �أح��ذر من الكائنات التي ُت�سمَّى بالب�شر‪ ،‬وبينما �سيحنو َّ‬ ‫علي النار‪ ..‬ال‬ ‫الب�شريون منهم‪� ،‬سيُطلق ذوو الأ�صول البهيمية منهم َّ‬ ‫�أريد‪ ...‬وفقط‪ ...‬ال �أريد‪...‬‬ ‫قلت له‪ :‬عليك �أن تغادر طاملا �أنهم يالحقون خطواتك‪ ،‬ابت�سم‬ ‫�ساخر ًا من الفكرة‪ ،‬وم�ضى ي�شرح يل الأ�سباب التي جتعله يرتوَّى‬ ‫قلي ًال قبل �أن ي�أخذ القرار‪� ،‬صديقي الذي تركك مل�شاريعه كي يعمل‬ ‫يف �إغاثة الالجئني‪ ،‬كنت �أتهمه باملبالغة‪� ،‬إذ ال يُعقل �أن يعمل طيلة‬ ‫الليل والنهار دون �أن يرتاح قلي ًال‪ ،‬و�أذكر �أن الجئة يف مدر�سة قريبة‬ ‫كانت تعاين من نوبة ع�صبية‪ ،‬وحتتاج �إىل دواء منا�سب‪ ،‬كيف قام يف‬ ‫ذلك الوقت املت� ّأخر بتو�صيل الدواء �إىل املدر�سة متخطي ًا احلاجز‬ ‫البغي�ض‪.‬‬

‫عي�سى ال�شيخ ح�سن‬

‫كان ب�إمكانه �أن ي�سافر ولكنه قرَّر البقاء متجاه ًال التحذيرات‬ ‫والتهديدات التي كانت ت�صله‪ ،‬م�أمون نوفل‪ ،‬ال�شهيد ابن ال�شهيد‪ ،‬مل‬ ‫ت�ستمع �سوى لقلبك وروحك‪ ،‬وها �أنا �أكتب عنك بعد �أن م�ضيت‪...‬‬ ‫يف حلظة مل � َّ‬ ‫أتوقع �أن �أ�صل �إليها‪...‬‬ ‫ماذا �س�أقول يا م�أمون‪� ...‬أعرف تكرهك لهذا الكالم‪ ،‬و�أدري �أنك‬ ‫ت�ضحك الآن يف عليائك على �سجَّ انيك‪ ،‬وتهم�س لأرواحنا ال�صاخبة‬ ‫�أن ا�صربوا قلي ًال‪ ،‬فبعد قليل �سنزرع الأر���ض ب��أرواح من رحلوا كي‬ ‫تنبت م�ستقب ًال حر ًا ل�سوريا‪...‬‬ ‫م�أمون‪� ،‬أعتذر منك‪ ،‬مل �أ�ستطع �أن �أبقى‪ ،‬و�أنت تدري �أنها رحلة‬ ‫ال�سرب الطويلة‪ ،‬يف هجرتنا املديدة نحو ال�سماء‪ ..‬حمبَّتي لك‪...‬‬ ‫ماذا ترتكون لنا �سوى احلقد‪...‬؟‬ ‫‪� 1600‬شجرة نبتت‪ ،‬وا�ستطالت ثم برعمت و�أزهرت و�أثمرت‪...‬‬ ‫يف مثل هذا الوقت‪ ،‬كنا من�ضي �شرق ًا‪� ،‬إىل الغوطة‪ ،‬لنبا�شر‬ ‫�سريان اجلمعة‪ ،‬واليوم ما زلنا على عادتنا‪ ،‬من�ضي �شرق ًا لنبا�شر‬ ‫م�أمتنا الكبري‪ ،‬يف ظالل هذه الأ�شجار‪...‬‬ ‫جمعة للأرواح امل�شجرة يف �سماء هذا العامل البغي�ض‪...‬‬ ‫الرثثرة حتا�صر ال�سوريني‪ ،‬وحدها املقابر �صامتة‪...‬‬ ‫ف��راغ��ات‪ ،‬ك��ل م��ن غ��ادر ت��رك ف��راغ��ه‪ ،‬البع�ض ج��اء الغبار‬

‫‪2013-9-15‬‬

‫علي �سفر‬

‫والقاذورات لي�س ّدوا فراغه‪ ،‬والبع�ض ما زال هنا كمن ّ‬ ‫ينظف فراغه‪� ،‬إذ ال ميكن للم�شهد‬ ‫�أن ي�ستقيم دونه‪...‬‬ ‫دم�شق مدينة تحُ َ‬ ‫ت�ضر‪...‬‬ ‫ما يتو ّفر يف الغوطة الآن‪� :‬آالف الأمتار من القما�ش الأبي�ض‪ ...‬تكفي ملليون‬ ‫ون�صف مليون �سوري‪...‬‬ ‫قما�ش �أبي�ض �سيبقى � َ‬ ‫أبي�ض حتى و�إن غطاه الرتاب‪...‬‬ ‫وكنت �أعي�ش على مبعدة ‪ 1500‬مرت عن مكان ق�صفوه بالكيماوي‪...‬‬ ‫�أكتب لكم من عامل �آخر‬ ‫�أنا ميّت منذ �ساعات الفجر‪...‬‬ ‫�أنا ل�ست �شهيد ًا‪...‬‬ ‫�أنا جمرَّد كائن‪ ...‬مات لأ�سباب �إن�سانية‪.‬‬ ‫حم�ض ج َّثة‬ ‫ت�شرق عليها ال�شم�س‪...‬‬ ‫�صور �أطفال الغوطة �س ُتزعج �إدارة الـ«في�س بوك»‪ ،‬كما �س ُنزعج ُ‬ ‫نحن �أ�صدقاءنا‬ ‫العرب والأجانب ونحن نتح َّدث عن املذبحة‪...‬‬ ‫�سيتربَّمون ويهم�سون‪ :‬ها هم ال�سوريون مرَّة ثانية‪!...‬‬ ‫نحن القطعة الوحيدة الباقية من العامل القدمي‪...‬‬ ‫�سن�سقط قريب ًا‪ ...‬كلنا �سن�سقط‪ ،‬ق�صف ًا حرق ًا اختناق ًا ذبح ًا قهر ًا وت�سرطناً‬ ‫وجت ُّلط ًا‪...‬‬ ‫قريب ًا �سرتتاحون م َّنا‪ ،‬ولن تزعج �صور قتالنا �صفحاتكم البهيَّة الزرقاء هنا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نظيفة من الدم‪...‬‬ ‫و�ستعود �إليكم ن�شرات الأخبار‬ ‫و�إذا نظرمت �إىل اخلريطة �ستجدون بلدنا جمرَّد ثقب �أ�سود خامد‪ ...‬ثقب �صغري‬ ‫ابتلع معه كل �صفات الب�شر‪...‬‬ ‫طيبوا عي�ش ًا‪ ...‬وال تن�سوا �أن حتتفلوا باخلال�ص من امل�أزق‪...‬‬ ‫ويف ال�ساعة الثانية والربع من فجر هذا اليوم‪ ،‬وبعدما نام اجلميع فرحني‬ ‫بانت�صاراتهم يف م�صر ويف �إ�سطنبول‪ ،‬وبعدما غفا حرا�س العامل‪...‬‬ ‫تب َّدل الهواء يف غوطة دم�شق‪ ...‬وحتوَّلت �أحالم ال�صغار النائمني من فرح عابر‬ ‫�إىل زرقة وبيا�ض دائمَني‪...‬‬ ‫الغوطة لي�ست جم ّرد خرب‪ ،‬وهي لي�ست م�شروع تنديد جديد‪ ،‬الغوطة �أرواحنا‬ ‫املغروزة بالأ�شجار‪...‬‬ ‫الرحمة لل�شهداء‪...‬‬ ‫ال يوجد قطع غيار للإن�سانية‪...‬‬

‫يا �أول ال�صفو‪ ..‬هذا �آخر الكدر‬

‫مب��رور ال��ع��ام ‪ 2013‬يكون ال��ع��رب قد‬ ‫�أم�ضوا ثالثة �أعوام يف تقليب ربيعهم على‬ ‫ن��ار الأم��ل واالنتظار‪ ،‬ومناو�شة عقابيله‪،‬‬ ‫وال��دف��ع ع��ن �شبهة ان��ح��راف��ه وانكفائه‪،‬‬ ‫وا�ستمطار ال��وع��ود والآم����ال والأم����اين‪،‬‬ ‫والتو�سم خري ًا مبا بعد تبعرث احلجر‪ ،‬وتعثرّ‬ ‫ّ‬ ‫الب�شر‪.‬‬ ‫لي�ست متاهة بورخي�س‪ ،‬وال متاهة‬ ‫الأعرابي‪ ،‬فر ّد الفعل ال�شعبي امل� ّؤجل فاق‬ ‫ّ‬ ‫كل ت� ّصور‪ ،‬وارتدادات الغ�ضب العربي طالت‬ ‫اجلميع‪ ،‬مب��ن فيهم جنودها املجهولون‪،‬‬ ‫وحرا�س انت�صارها‪ ،‬ولي�ست نبوءة‬ ‫و�سدنتها‪ّ ،‬‬ ‫نو�سرتادامو�س وال �أحاديث العرافني الذين‬ ‫ت�ست�ضيفهم الف�ضائيات التافهة‪ ،‬فاهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل مل ي�شرك يف علمه �أحد ًا‪.‬‬ ‫يقف ال��ع��رب� ّ�ي على قمة تف�صل بني‬ ‫همة حتتاج ب�صرية‪،‬‬ ‫هاويتني‪ ،‬ح�سري ًا �إ ّال من ٍ‬ ‫كلي ًال �إ ّال من �صرخات عب�س وذبيان تعا�ضده‬ ‫يف دفع التعب �إلىّ‬ ‫ن�شاط له م�ساراته‪ ،‬علي ًال‬ ‫ٍ‬ ‫�إ ّال من عافية تدفع ب�ساقيه �إىل طلب الرزق‪،‬‬ ‫ويديه �إىل طلب الدعاء‪ .‬يقف العربي بني‬ ‫ونتيجة �أ ّك��دت ي�أ�سه‪،‬‬ ‫حلم داع��ب ب� َؤ�سه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رائي ًا بعني واح��دة‪ ،‬و�سامع ًا ب��أذن واح��دة‪،‬‬

‫و���ص��ارخ � ًا ب��ن�برة واح����دة‪ .‬ي��ق��ف العربي‬ ‫�إىل املا�ضي واحل��ا���ض��ر ويقنع نف�سه �أن��ه‬ ‫دميقراطي (�سكر زيادة) وليربايل بدرجة‬ ‫امتياز‪ ،‬و�أن فائ�ض حكمته وذكائه يجب �أن‬ ‫ي��وزّع على العامل بالق�سطا�س‪ ،‬و�أن احلظ‬ ‫وامل�ؤامرة و�أحابيل �أعداء الداخل هي التي‬ ‫�أخذته �إىل موقع مل يكن ي�ستحقه‪.‬‬ ‫العربي وقد (فرمتَ ) حا�سوبه‪،‬‬ ‫يقف‬ ‫ّ‬ ‫ليجد �أن قدرات اجلهاز عاجزة عن ت�شغيل‬

‫برنامج حديث‪ ،‬لأن بناه املتهالكة الحتتمل‬ ‫غ�ير ب��رن��اجم��ه ال��ق��دمي ال���ذي فقد عمره‬ ‫االف�ترا���ض��ي �أي�����ض � ًا‪ ،‬يكت�شف ال��ع��رب� ّ�ي �أن‬ ‫حداثته كانت ق�شرة ّ‬ ‫ه�شة مز ّيفة‪ ،‬مل تكن‬ ‫غري ب��دالت �أنيقة‪ ،‬وربطات عنق فاخرة‪،‬‬ ‫وحفظ �أ�سماء العوا�صم الأوروبية‪ ،‬يكت�شف‬ ‫�أن الدولة عميقة‪ ،‬و�أن التنظيمات عميقة‪،‬‬ ‫و�أن الطوائف عميقة‪ ،‬و�أنّ القبائل عميقة‪،‬‬ ‫و�أنّ عنا�صر جي�شنا الوطني لي�سوا غري‬

‫(جندرمة) القرن الثامن ع�شر‪ ،‬و�أن جي�ش‬ ‫املوظفني الوطني لي�س غري كتيبة �أفندية‬ ‫ا�ستبدلوا بحديث املقهى �أحاديث الفي�سبوك‬ ‫والتويرت‪ ،‬و�أن التليفزيون الوطني حماكاة‬ ‫للحكواتي يف مقهى احل���ارة‪ ،‬ويكت�شف �أن‬ ‫ثمة نظام عمره قرون ال متحوه ف�ضيلة وال‬ ‫توقفه �إيديولوجيا‪ ،‬نظام يقول‪� ":‬أطعم‬ ‫ت�ستح العني‪ ،‬ور�شر�ش حبك يا جميل‪،‬‬ ‫الفم‬ ‫ِ‬ ‫ويجب �أن تطاطئ كي تعلو"‪.‬‬ ‫يقف العربي على تخوم ال�سنني الثالث‪،‬‬ ‫�أم ًال يف انت�صار �إرادة ال�شعب‪ ،‬و�أم ًال يف ّ‬ ‫توقف‬ ‫حمام الدم‪ ،‬ففي بالدي عجزت كل القوى يف‬ ‫العامل �أن ت�سكت �صوت الر�صا�ص ولو ليوم‬ ‫رب العاملني مالذنا‬ ‫واح���د‪ ،‬ومل يبق غ�ير ّ‬ ‫الأول والأخ��ي�ر‪ ،‬ويف ب�ل�ادي ب��ات رغيف‬ ‫اخل��ب��ز حكاية‪ ،‬فعلى ك� ّ�ل رغ��ي��ف يجتمع‬ ‫الطاغية وال�ضحية‪ ،‬والقنّا�ص والهدف‪،‬‬ ‫والدم واجلوع‪.‬‬ ‫ولأن ال�شم�س ت�شرق ّ‬ ‫كل يوم‪ ،‬والزهور‬ ‫تطلع ّ‬ ‫كل ربيع‪ ،‬ف�إن لنا يف ‪� 2014‬أم ًال ي�ستمدّ‬ ‫م�شروعيته من �إمياننا بقدرة اهلل على ّ‬ ‫كل‬ ‫�شيء‪.‬‬


‫العدد ‪99‬‬

‫ما�سة ب�شار املو�صلي‬

‫�أي حميط من اجلماد غارق يف �أعماقه عقلنا العربي؟‬

‫�إن كتبنا عن تاريخ الأنظمة يف م�ساحة من‬ ‫الوطن العربي جند �أن �أغلبها �أنظمة حكمها‬ ‫الع�سكر‪� ،‬أنظمة ديكتاتورية ذات �أيديولوجيات‬ ‫جامدة مل ت�سع لتطوير ذاتها‪ ،‬بل �أكرث من ذلك‬ ‫عملت على و�ضع �سقف لعقل املواطن وتفكريه‪،‬‬ ‫فح�صرت �إب��داع��ه يف م��دح ال�سلطة و���ص��و ًال‬ ‫للك�سب‪ ،‬وهذا على جميع ال�صعد‪� ،‬سواء الثقافية‬ ‫�أو االقت�صادية املهنية وطبع ًا ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وك��ذا الأم���ر جن��ده ب��ذات املنطق �إن حتدثنا‬ ‫عن الأحزاب �أو الأنظمة الدينية مع اختالف‬

‫فاطمة العي�ساوي‬

‫‪2014-1-5‬‬

‫الأيديولوجيا‪ .‬لقد �أ�ضحى جن��اح �أي ف��رد يف‬ ‫هذه املجتمعات يعود يف �أ�سا�سه ل�سيادة ال�سلطة‬ ‫احلاكمة‪ ،‬ال للعقل املبدع له‪ ،‬وهذا ما يعول عليه‬ ‫الإعالم التابع للنظام يف جناحه‪.‬‬ ‫وباملقابل جند �أن كثري ًا من الطرق املو�صلة‬ ‫للنجاح ب�شكل عام قد ُح�صرت يف عقلية ال�شعوب‬ ‫عند طرق �أب��واب الف�ساد بتغطية من م�س�ؤول‬ ‫نافذ يف الدولة‪ ،‬وما ذلك �إال لأن ف�ساد الأنظمة‬ ‫احلاكمة والقب�ضة الأمنية املخابراتية لها‬ ‫ارتفعت بقوتها احلاكمية على ق��وة �إعمال‬

‫القانون‪ ،‬و�أ�صبح العدل ق�صة من�سية وكذا احلق‬ ‫والأمانة وال�شرف والكرامة الإن�سانية‪ .‬يف ظل‬ ‫�أنظمة كهذه ال ميكن �أبدا �أن ن�ضع �أ�سباب تخلف‬ ‫املجتمع كام ًال على الأف��راد‪ ،‬فنقول �إن الدولة‬ ‫الفالنية متخلفة لتخلف �أفرادها‪ ،‬لأن النظام‬ ‫الذي ال يحرتم �شعبه وال ميده ب�أ�سباب النجاح‪،‬‬ ‫ال ب��د �أن جن��د �شعبه يعي�ش حت��ت خ��ط الفقر‬ ‫الفكري‪ ..‬ومهما عمل الفرد على تطوير ذاته‬ ‫فكري ًا وثقافي ًا وحاول عرب وعيه امللتزم بحدود‬ ‫مقررات ال�سلطة احلاكمة ا�ستخدام حريته يف‬ ‫التعبري‪ ،‬ف�إنه يبقى حم��دود ًا كثري ًا �ضمن هذا‬ ‫القدر امل�سموح له به‪.‬‬ ‫هذا ما هدفت له غالبية الأنظمة احلاكمة‬ ‫يف وطننا العربي‪ ،‬عرب ن�صف ق��رن من الزمن‪،‬‬ ‫ت ��أط�ير �إب����داع امل��واط��ن وح�����ص��ره يف قوقعتها‬ ‫حفاظ ًا على موقعها يف احلكم‪ ،‬حتت �شعارات‬ ‫ما ع��ادت جت��دي يف القرن ال��واح��د والع�شرين‬ ‫ع�صر التكنولوجيا واالت�����ص��االت‪ ،‬ال���ذي فتح‬ ‫�أعني ال�شعوب لتطلعات �أكرب بكثري من تطلعات‬ ‫الأنظمة‪ ،‬فكان �أن انتف�ضت مطالبة بحقوقها يف‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫ويف خ�ضم ما و�صلت له هذه الثورات اليوم‬ ‫من نتائج ميكننا �أن ن�ستقر�أ العقل العربي وكيفية‬ ‫تكوينه خالل املرحلة املا�ضية‪ ،‬لنجده منق�سم ًا‬ ‫�ضمن خ��ي��اري��ن ال ث��ال��ث لهما‪ ،‬الأول‪ :‬التابع‬ ‫لل�سلطة واخليار الع�سكري‪� .‬أما الثاين فهو اخليار‬ ‫الديني حتت منظومة قيادة الإخوان امل�سلمني‪،‬‬ ‫علم ًا ب�أنه يف بع�ض البلدان التي تقدمت فيها‬ ‫الثورات عن مرحلة �إ�سقاط النظام‪ ،‬كان الهدف‬ ‫خاللها م�شرتك ًا بني كال الطرفني‪.‬‬

‫وم��ا ه��ذا التخبط ال��ذي وقعت به �شعوبنا‬ ‫اليوم �إال �سيا�سة ممنهجة ال�ستبداد حاربته‬ ‫ع�ب�ر ث��ورات��ه��ا وحت���ارب���ه ب�����ش��ع��ارات امل���ن���اداة‬ ‫بالدميقراطية والتعددية‪ ،‬ولكنها بنف�س الوقت‬ ‫ن�ش�أت عليه وما ا�ستطاعت فكري ًا جت��اوزه بعد‪،‬‬ ‫ا�ستبداد طرف بال�سلطة دون م�شاركة الطرف‬ ‫الآخ���ر‪ ،‬بينما العقل احل � ّر و�أمنيات امل�ستقبل‬ ‫لفكر بعيدا كل‬ ‫املن�شود تتطلب خلق ًا ج��دي��د ًا ٍ‬ ‫البعد عن تلك الأفكار البالية التي ما عاد لها‬ ‫وجود يف املجتمعات املتح�ضرة واملتقدمة فكري ًا‪.‬‬ ‫ق��د ي��ق��ول ق��ائ��ل ان��ن��ي �أح���اج���ي الأوه����ام‬ ‫واخليال مبا �أدعو له من ال�سعي خللق فكر جديد‬ ‫يكون لنا قدوة مل�ستقبل ن�أمله‪ ،‬و�أنه لي�س مبقدور‬ ‫ال�شعوب الوقوف مبواجهة هذين التيارين اللذين‬ ‫ميلكان كل �أ�سباب القوة و�أهمها امل��ال وال�سالح‬ ‫والت�أييد ال��دويل‪ ..‬ولكنني �أرى �أن هذا �صوت‬ ‫الالعقل‪ ،‬فمن �سعى حلريته ع�بر ث���ورات �ضد‬ ‫�أنظمة م�ستبدة ظاملة‪ ،‬ودفع يف �سبيل ذلك �أثمانا‬ ‫باهظة‪ ،‬ال بدّ �أن ي�سعى لي�صل �إليها كاملة‪ ،‬فال‬ ‫ي�ستبدل م�ستبد ًا ب�آخر‪ ،‬بل �إن اخليارات التي‬ ‫تفتح �أب��واب امل�ستقبل كثرية وال �شك �أنها �أنبل‬ ‫و�أرقى و�أ�سمى من خيارين عانت عقودنا املا�ضية‬ ‫من تخلفهما الفكري‪ ،‬الكثري‪.‬‬ ‫فلنعلنها ال هذا وال ذاك‪ ،‬ولنتبع نوافذ النور‬ ‫املنبثقة من العقل ولنمنحها الفر�صة لإب��داع‬ ‫�أفكا ٍر ت�صحح م�سارنا عرب تعا�ضد وطني م�شرتك‬ ‫من �أجل �إيجاد مفتاح امل�ستقبل لبالدنا‪.‬‬ ‫تعالوا لن�صنع خياراتنا ب�أنف�سنا فال نتناول‬ ‫البايل منها واجلاهز حد التخمة‪.‬‬

‫لن يعودوا �إىل عائالتهم يف العيد‬

‫�أف���ادت ر�سالة م��ن منظمة "هيومان رايت�س ووت�ش"‬ ‫احلقوقية ب���أن امل��را���س��ل الإ���س��ب��اين املخطوف يف �سوريا‪،‬‬ ‫خافيري �أ�سبينوزا‪ ،‬لن يعود �إىل بيته ليم�ضي الأعياد مع‬ ‫عائلته‪ .‬وكان ال�صحايف اخلبري يف ال�ش�ؤون ال�سورية‪ ،‬ورفيقه‬ ‫امل�صور ال�صحايف ري��ك��اردو غار�سيا فيالنوفا‪ُ ،‬فقدا وهما‬ ‫ينقالن �أحداث الثورة ال�سورية و ُيعتقد �أنهما معتقالن لدى‬ ‫اجلماعات الإ�سالمية املتطرفة‪.‬‬ ‫خافيري ورفيقه لي�سا وحيدين يف حمنة تغطية ال�ش�أن‬ ‫ال�سوري‪� ،‬إذ �سجلت جلنة حماية ال�صحافيني �إختفاء ثالثني‬ ‫�صحافي ًا على الأقل يف �سوريا ومقتل ‪� 61‬آخرين منذ ‪1992‬‬ ‫يف ظروف ال تزال يف بع�ض احلاالت غام�ضة‪ .‬ه�ؤالء جميعا‬ ‫لن يعودوا �إىل بيوتهم مل�شاركة عائالتهم و�أحبائهم فرحة‬ ‫العيد‪.‬‬ ‫قائمة "�أبطال" تغطية ال�ش�أن ال�سوري الذي بات ميثل‬ ‫منطقة النزاع الأك�ثر دموية طويلة تت�صدرها مرا�سلة‬ ‫�صحيفة "�صنداي تاميز"‪ ،‬م��اري كولفن‪ ،‬التي قتلت العام‬ ‫‪ 2012‬يف ق�صف لقوات النظام ال�سوري يف حم�ص وباتت رمز ًا‬ ‫لل�شغف ال�صحايف يف تغطية النزاعات وهي تغطية �أتقنتها‬ ‫من �سريالنكا �إىل ال�شي�شان‪.‬‬ ‫واذا ك��ان مرا�سلو الإع�لام العاملي يحظون بالتغطية‬ ‫الأك�بر لدى اختفائهم �أو مقتلهم �إال �أن العدد الأك�بر من‬ ‫ال�ضحايا هم من املرا�سلني بالقطعة الذين باتوا العمود‬ ‫الفقري لتغطية التطورات الدرامية لل�ش�أن ال�سوري ميدانيا‬ ‫بعدما بات �إر�سال طواقم �صحافية كاملة �أمرا فائق الكلفة‬ ‫واخلطر للم�ؤ�س�سات االعالمية‪ ،‬وبات رواده قلة قليلة بني‬ ‫ال�صحافيني املحرتفني‪ .‬ه�ؤالء ال�صحافيون ال�شبان‪ ،‬الذين‬

‫ارمت��وا يف نريان احلدث ال�سوري من دون �أي حماية تذكر‬ ‫�أو حتى حقوق‪ ،‬مقابل �شغف دخول مهنة املخاطر من بابها‬ ‫الوا�سع‪ ،‬باتوا املزود الرئي�سي لنا بالأخبار يف هذا امل�شهد‬ ‫املعقد‪ .‬لن تعود غالبية ه�ؤالء �إىل بيوتهم �أي�ضا هذا العام‬ ‫ولعل غيابهم لن يكون ملحوظا لبعدهم عن �أ�ضواء الإعالم‪.‬‬ ‫يف معظم دول ما ي�سمى بالربيع العربي‪ ،‬حتول عمل‬

‫املرا�سلني امليدانيني �إىل خماطرة حقيقية‪ .‬يف م�صر ما بعد‬ ‫الإنقالب‪ ،‬بات ه�ؤالء املرا�سلون "�أعداء" الدولة والهدف‬ ‫امل�ستمر للإعتقاالت وامل�ضايقات‪ .‬البع�ض منهم �سقط يف‬ ‫عملية ف�ض �إعت�صام "رابعة" لأن�صار "الأخوان" وما تالها‬ ‫من �أح��داث عنف متوا�صلة‪ .‬يف ليبيا‪� ،‬سقط العديد منهم‬ ‫�ضحية الر�صا�ص املجهول وانكف�أ البع�ض االخر عن التغطية‬ ‫امليدانية بفعل التهديدات املجهولة من "الأ�شباح" الذين‬ ‫باتوا احلكام الفعليني لليبيا ما بعد القذايف‪ ،‬كما قال يل �أحد‬ ‫ال�صحافيني يف طرابل�س يف و�صفه لغلو �سطوة امليلي�شيات‪.‬‬ ‫يف املنطق التب�سيطي للأنظمة و�أبواقها الإعالمية‪ ،‬لي�س‬ ‫رواد التغطية امليدانية ملناطق ال��ن��زاع��ات �سوى عمالء‬ ‫لأجندات بالدهم �أو اجلماعات التي حتركهم‪ .‬وقد باتت‬ ‫وقائع تغطيتهم امليدانية التحدي الأبرز للرواية الر�سمية‬ ‫للأحداث التي تروج لها �أبواق الدعاية االعالمية النافذة‪.‬‬ ‫يف زم��ن و�سائط الإع�ل�ام احلديث التي باتت م�صدرا‬ ‫رئي�سيا للأخبار و�ساهمت اىل حد كبري يف اخللط ما بني‬ ‫ال�شائعة واخلرب‪ ،‬ي�شكل رواد التغطية امليدانية يف مناطق‬ ‫ال��ن��زاع��ات م��ن جم���ازيف ال��ول��ع باملهنة عيوننا احلقيقية‬ ‫على احلدث مبا يتجاوز بكثري �سطحية ما تقدمه و�سائط‬ ‫التوا�صل الألكرتونية‪ .‬من دون هذه التغطية املعمقة التي‬ ‫يقدمها ه�ؤالء وثمنها يف بع�ض احلاالت �أرواحهم‪ ،‬كنا اليوم‬ ‫نغرق يف ظلمة اجلهل �أو غباء �أبواق الدعاية الر�سمية‪.‬‬ ‫لن يعود على الأرجح عدد كبري من ه�ؤالء �إىل بيوتهم‬ ‫هذا العيد �أو الذي �سيليه‪� .‬إال �أن نتاجهم ال�صحايف �سيبقى‬ ‫�شاهدا على ظالمية الأنظمة وعلى �شغف �صحايف بات عملة‬ ‫نادرة‪.‬‬


‫العدد ‪99‬‬

‫‪2014-1-5‬‬

‫الثورة ّ‬ ‫تولد �أعداءها‪..‬‬ ‫حوار مع النحات ال�سوري عا�صم البا�شا‪.‬‬ ‫�صرب دروي�ش‬ ‫مل ي�ت�ردد النحات ال���س��وري عا�صم البا�شا يف‬ ‫االن�ضمام �إىل ثورة �شعبه منت�صف �آذار مار�س ‪،2011‬‬ ‫ودعمها بكل ال�سبل املمكنة‪ ،‬بخالف الكثري من املثقفني‬ ‫والفنانني ال�سوريني الذين ما زال��وا يت�ساجلون حتى‬ ‫الآن حول تو�صيف ما يجري يف بلدهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقد يكون من الغريب �أن نخو�ض حوار ًا �سيا�سيا مع‬ ‫فنان ارتقى �إىل م�ستوى العاملية كحال البا�شا‪ ،‬ونبتعد‬ ‫ٍ‬ ‫عن احلديث حول الفن والنحت‪� ،..‬إال �أن ما يحدث يف‬ ‫�سوريا اليوم يجعل من كل �شيء �سيا�سي بامتياز‪.‬‬ ‫مبكر ًا غادر البا�شا �سوريا‪ ،‬واختار املنفى الطوعي‪،‬‬ ‫كان يحلم ب�سوريا الوطن عندما �أنهى درا�سته وعاد �إىل‬ ‫"البلد"‪ ،‬ليفاجئ ب�سوريا الأ�سد‪ ،‬حيث كانت متاثيل‬ ‫الأ�سد الأب جت�سم على كل خلية من روح ال�سوريني؛‬ ‫يقول البا�شا‪ " :‬جاءت مالحقة الق�صر اجلمهوري يل‬ ‫لإجن��از متاثيل "القائد �إىل الأبد"! تلك هي الكوة‬ ‫الوحيدة التي ُفتحت �أمامي كنحّ ات‪ .‬كانت املالحقة‬ ‫ملحاحة (حملت التهديد ال�ضمني التقليدي يف نظام‬ ‫كهذا) وحملت ً‬ ‫عرو�ضا مالية مغرية للغاية‪ .‬ق ّررت مع‬ ‫زوجي �ضرورة الرحيل‪ .‬كان ذلك �سنة ‪ ..1987‬وما‬ ‫زلت حتى الآن يف املنفى االختياري"‪.‬‬ ‫�أغلقت عقود حكم الأ��س��د كل �أف��ق ل�ل�إب��داع يف‬ ‫املجتمع ال�سوري‪ ،‬فانحطت الثقافة ومعها الفنون‪،‬‬ ‫ودخل املجتمع يف مرحلة تخلف قد ال ت�شبهها �شيء‬ ‫�سوى �سنوات احلكم العثماين رمب��ا؛ الفرد ب�صفته‬ ‫ف��اع� ً‬ ‫لا اجتماعي ًا �سي�ضمحل حت��ت وق��ع الطغيان‪،‬‬ ‫و�سي�ضمحل معه القدرة على الإبداع واخللق‪ ،‬و�سيحل‬ ‫عو�ض ًا عن ذلك دم��ار ثقايف و�أخالقي وحتى جمايل‬ ‫على �صعيد املجتمع ككل‪ ،‬ومن رف�ض االن�صياع �إىل هذه‬ ‫املعادلة‪ -‬اجلرمية‪ ،‬ف�ضل الرحيل خارج حدود الوطن‪،‬‬ ‫يقول البا�شا‪ " :‬رمبا حاول حزب البعث احلكم قبل‬ ‫�سنة ‪ ،1970‬فما جاء بعد هذا الت�أريخ كان حكم عائلة‬ ‫عاثت يف البالد ف�سادًا و�إف�سادًا‪ ..‬وطغيا ًنا‪ .‬انحدرت‬

‫نبيل �سليمان‬

‫�سورية وتراجعت ع ّما كانت عليه يف ال�ستينات درجات‬ ‫كثرية ولي�س يف النحت فقط‪ ،‬بل يف ّ‬ ‫كل املجاالت‪ .‬يُق ّدر‬ ‫عدد املغرتبني املرغمني للبحث عن لقمة العي�ش يف‬ ‫عهد �آل الوح�ش باملاليني‪ .‬فهل تعترب بل ًدا يُجرب �أبناءه‬ ‫على الهجرة بح ًثا عن القوت بل ًدا قيد التطوّر؟ ثم �أن‬ ‫�أ�سباب االنهيار معروفة للجميع وميكن اخت�صارها‬ ‫بذكر الأجهزة الأمنية اخلادمة للنظام والع�صابة‬ ‫التي ا�ستولت على مق ّدرات البلد‪ .‬ما من جمتمع �أو �شعب‬ ‫خال من املواهب‪ ،‬فهي تلد مع جميع الأطفال‪ .‬ال�شرط‬ ‫االجتماعي واالقت�صادي وال�سيا�سي هو الذي ي�سمح‬ ‫بتطوير هذه املوهبة �أو تلك‪ .‬لكنّ النظام منع احللم!‬ ‫ف�ضمرت قدرات �أجيال بكاملها"‪.‬‬ ‫على هذا الواقع املرير انتف�ض ال�سوريون‪ ،‬وبا�شروا‬ ‫مرحلة التغيري خا�صتهم‪ ،‬بحراك ثوري �سلمي‪ ،‬ركز‬ ‫منذ اللحظة الأوىل على �شعارات الكرامة والوحدة‬ ‫الوطنية والدميوقراطية‪ ،‬بيد �أنه ووجه بع�سف وقمع‬ ‫قل نظريه‪ ،‬فانحرفت ثورة ال�سوريني‪� ،‬أو هذا ما بدى‬ ‫للكثريين‪ ،‬وراحت ت�أخذ منح ًا �آخر خمتلف ًا لي�س �أوله‬ ‫العنف اجلاري على الأر�ض ولي�س �آخره �شبح احلرب‬ ‫الأهلية املخيم على املنطقة‪ ،‬بيد �أن للبا�شا ت�صور �آخر‪،‬‬ ‫يقول‪" :‬هي مل تنحرف يف جذورها‪ .‬ما زالت الغالبية‬ ‫تطمح حل ّقني ب�سيطني وم�شروعني يف ك� ّ�ل الد�ساتري‬ ‫الب�شرية‪ :‬احلرية والكرامة! مواجهة هذا املطلب‬ ‫بالقتل واالعتقال والتعذيب حتى املوت (كما حدث‬ ‫لأخ��ي من�ير) هو ال��ذي جعل ال�شارع ي�ضيف �إ�سقاط‬ ‫النظام كمطلب �إ��ض��ايف يف �شعاراته ال�سلمية‪ .‬قلت‬ ‫باكرًا‪ ،‬رمبا منذ �سنتني �أن علينا �أ ّال ننتظر م�ساعدة من‬ ‫�أحد‪ ،‬فاجلهات الأربع ال تريد جناح ثورة ت�سعى �إىل‬ ‫الدميقراطية‪ّ ،‬‬ ‫وكل جهة لأ�سبابها الذاتية وا�ستجابة‬ ‫ت�صب‪ ،‬ب�شكل �أو ب�آخر‪ ،‬يف‬ ‫مل�صاحلها‪ .‬وكل تلك امل�صالح ّ‬ ‫خدمة �إ�سرائيل‪ .‬ل�ست �سيا�سيًا حمرت ًفا (كل �إن�سان‬ ‫�سيا�سي بال�ضرورة) وال حم ّل ًال �سيا�سيًا‪.‬‬ ‫يحمل ر�أ ًي��ا‬ ‫ّ‬

‫�أعتمد على قدر من احلد�س وعلى ما �أمكنني من‬ ‫العقل‪ .‬حتريف وت�شويه الثورة �صنيعة النظام‬ ‫وحلفائه مبباركة من الغرب واجلنوب‪ .‬هي �أ�سهل‬ ‫ال�سبل لإحباط ال�ث��ورة‪ .‬وم��ا �أك�ثر املرتزقة يف‬ ‫جمتمعات الفاقة واجلهالة!"‪.‬‬ ‫بيد ان ث��ورة ال�سوريني مل تتوقف بعد وملا‬ ‫ت�صل �إىل نهايتها‪ ،‬في�صعب التنب�ؤ و�إطالق الأحكام‬ ‫امل�سبقة ح��ول م�ستقبل ال�صراع ال��دائ��ر اليوم‪،‬‬ ‫فال�سوريون يقاتلون على عدة جبهات‪ ،‬وي�سعون‬ ‫�إىل �شق �أف��ق يعيد املعنى �إىل حياة �أجيالهم‬ ‫املقبلة‪ ،‬يقاتلون على جبهة نظام الأ�سد احلاكم‪،‬‬ ‫الذي و�ضع ال�سوريني �أمام خيارين‪� :‬إما بقائه و�إما‬ ‫فناء البلد!‪ ،‬ويقاتلون على جبهة التطرف ومن‬ ‫يقف خلفه وي�سعى �إىل فر�ض ا�ستبداد بديل عن‬ ‫اال�ستبداد القائم‪ ،‬ويقاتلون على جبهة الفا�سدين‬

‫الذين ت�سللوا �إىل �صفوف الثورة‪ ..‬ويحلمون –رغم‬ ‫بغد خمتلف‪ ،‬يقول البا�شا‪ّ " :‬‬ ‫كل التجارب‬ ‫ذلك‪ٍ -‬‬ ‫الثورية مت ّر مبراحل وحاالت كمون‪ .‬الفرن�سية‬ ‫احتاجت لأكرث من ‪� 70‬سنة حتى حت ّقق �شعارها‬ ‫الثالثي‪ .‬والثورة البل�شفية �سرعان ما �أحبطتها‬ ‫ال�ستالينية‪ ،‬فالثورة تو ّلد �أعداءها � ً‬ ‫أي�ضا! �أثمن ما‬ ‫يحدث بعد اندالع احلالة الثورية هو الإفراج عن‬ ‫القلق املطمور يف النفو�س‪� .‬شعب ي�ضط ّر �إىل العي�ش‬ ‫�ساك ًتا هو �شعب مقموع بطغيان م��ا‪ .‬ما من ّ‬ ‫�شك‬ ‫ل��ديّ من �أن املجتمع ال�سوري مبكوّناته املتع ّددة‬ ‫التي تعني ثراءه ومتيّزه لن يقبل ّ‬ ‫قط ا�ستبدال‬ ‫ا�ستبداد ب�آخر ولو تق ّنع ب�شعارات دينية‪� .‬أجدين‬ ‫بني املت�أملني املتفائلني‪ ،‬لأنني �أعي�ش مع الزمن‬ ‫ولأجله‪ ،‬والزمن ال يعرف العودة"‪.‬‬

‫"عائد �إىل حلب" رواية الأهوال‬

‫تنادي احلرب �أول ما تنادي املوت‪ .‬ويف �سوريا‪ ،‬كما يخاطب �أحدهم‬ ‫ال��راوي‪� ،‬صار املوت اعتيادي ًا بعد �آذار ‪� ،2011‬صار املوت ي�أتي على عجل‬ ‫ومي�ضي على عجل‪.‬‬ ‫�إنها احلرب‪ ،‬ت�ستنه�ض �أجمل و�أقبح ما فينا‪� .‬إنها احلرب حني يغدو‬ ‫الوطن جم ًال ت�صطف لتحكي ق�صة الوجع املكابر‪.‬‬ ‫بهذه العبارات ي�ص ّدر ال�سوري عبد اهلل مك�سور روايته (عائد �إىل‬ ‫حلب)‪� .‬أما احلرب التي يعنيها فهي هذه التي تدور يف �سوريا وعليها‪ ،‬والتي‬ ‫كان الكاتب قد �أوقف عليها روايته الأوىل (�أيام يف بابا عمرو)‪.‬‬ ‫تتقاذف احلرب ال��راوي �إىل �أن ترميه يف حي �سيف الدولة يف حلب‬ ‫حيث الهيمنة جلبهة الن�صرة‪ .‬وهنا‪ ،‬كما �سيلي يف غري مكان‪ ،‬جت�أر الرواية‬ ‫�أن الوقت هو وقت احلرب العمياء التي ت�أكل ال�سوريني‪ .‬ك�أنها حيوان بري‬ ‫يف �أدغال �إفريقيا‪� .‬إنها حرب دون جمتمع حرب‪ ،‬دون خطوط �أمامية �أو‬ ‫خلفية لإ�سعاف اجلرحى‪ ،‬حرب خمتلفة الأه��داف باختالف الأط��راف‬ ‫املتحاربة‪ .‬وباخت�صار‪: :‬هي �سقوط �ضحايا �أبرياء وتدمري الوطن”‪.‬‬ ‫يف موقع �آخر تخرب الرواية �أنه ال ميكن لك يف زمن احلرب ال�سورية‬ ‫�أن مت�ضي يف رحلة دون �أن ت�ؤمن على حياتك من طرف ما من الأط��راف‬ ‫املتحاربة‪ ،‬له ح�ضوره و�سطوته وارتباطاته على الأر�ض‪.‬‬ ‫وقد جت�سد ذلك يف رحلة الراوي مع ال�صحفي الفرن�سي من حلب �إىل‬ ‫اللطامنة‪ ،‬حيث يقعان يف فخ ع�سكري ر�سمي‪� ،‬سرعان ما �سيهاجمه امل�سلحون‬

‫فتنقلب الآية‪ ،‬ونقر�أ �أن كل �شيء ممكن يف احلرب على هذه الأر�ض‪ ،‬حتى‬ ‫انقالب الأعداء �إىل �أ�صدقاء‪ ،‬وتخ ّلي الأخ عن �أخيه‪ ،‬و�إنقاذ ع�سكري ملعتقل‬ ‫تربطهما قرابة الدم‪ ،‬وهذا ما �صادف الراوي حني ظهر ابن عمه الع�سكري‬ ‫يف اجلي�ش‪ ،‬ف�أنقذه‪ .‬وتتابع الرواية القول‪“ :‬يف هذه احلرب يعود ال�ضابط‬ ‫الذي كان قبل نومه ملك ًا ي�أمر وينهي �إىل معتقل مكان من كان يعذبهم‪ ،‬ومن‬ ‫كان معتق ًال مي�سك مبفاتيح ال�سجن‪ ،‬فتنقلب‪ ،‬املرايا وتتغري الألب�سة فقط”‪.‬‬ ‫تنادي احلرب �أول ما تنادي املوت‪ .‬ويف �سوريا‪ ،‬كما يخاطب �أحدهم‬ ‫ال��راوي‪� ،‬صار املوت اعتيادي ًا بعد �آذار ‪� ،2011‬صار املوت ي�أتي على عجل‬ ‫ومي�ضي على عجل‪ ،‬ليرتك على عجل �أثر ًا يذهب على عجل �أي�ض ًا‪ ،‬بعد �أن‬ ‫يحفر يف القلب مكان ًا‪ .‬ولأن املوت قد فقد هيبته و�سطوته يف هذه احلرب‪،‬‬ ‫ويف ه��ذه البالد‪ ،‬فلنم�ض �إىل ما دون��ه مما تناديه احل��رب‪ ،‬وه��و النزوح‬ ‫والتهجري والهجرة واللجوء واملخيمات‪ .‬فقبل �أن ي�صل الراوي �إىل حلب‪،‬‬ ‫حل يف (الريحانية) على احل��دود الرتكية‪ ،‬حيث عاين املخيم ال��ذي ال‬ ‫مقومات للحياة فيه‪ ،‬بل فيه انتظار املوت القادم‪ ،‬وحالة من العدم ترتامى‬ ‫من خميم ال��زع�تري يف الأردن �إىل خميّم كل�س يف تركيا‪ .‬ولأن املخيم‬ ‫والالجئني خزان من الق�ص�ص‪ ،‬فقد اختار الكاتب من هذا اخلزان ما �أ�سنده‬ ‫لأ�صحابه‪ ،‬مومئ ًا �إىل الوثائقية باكتفائه باحلرف الأول من ا�سم ال�شخ�صية‬ ‫التي تق�ص ق�صتها‪.‬‬ ‫ومن ذلك (�س‪ .‬ك) الالجئة من دير الزور‪ ،‬وكان زوجها قد ق�ضى يف‬

‫انهيار �سد زيزون عام ‪ ،2001‬كما ق�ضى ابنها الوحيد مع اجلي�ش احلر‪ ،‬لكن‬ ‫�أح��د ًا ممن كانوا معه مل يهتموا بها وبابنتيها اللتني تعر�ضتا لالغت�صاب‬ ‫�أمامها‪ .‬وتت�ضافر الق�ص�ص لتعزز ال�صور الإجمالية التي تقدمها رواية‬ ‫(عائد �إىل حلب) عن خميم اللجوء‪ .‬وم��ن ذل��ك �أوالء ال�شباب الذين‬ ‫ينتظرون امل�ساعدات التي �سمعوا بقدومها‪ ،‬وكذلك هم املراهقون الذين‬ ‫وقفوا يف منت�صف املخيم بانتظار فتاة تعرب “كي يف�صلوا ج�سدها ويقي�سوا‬ ‫طول �ساقيها وتدوير نهديها”‪ .‬ويحكم الراوي ب�أن هذا الأمر مقرف‪ ،‬و�أن‬ ‫�أوالء املراهقني عابثون‪ .‬و�إذا كان املخيم‪ ،‬بح�سب الراوي‪ ،‬هو �أكرث كيلو مرت‬ ‫مربع على الكرة الأر�ضية ينعم باحلرية‪ ،‬حيث بو�سعك �أن تقول ما تري‬ ‫دون اخلوف من �أحد “فاملوت قادم قادم”‪ ،‬ففي ال�صورة الكربى لالجئني ما‬ ‫عاد �أحد يخ�شى �أحد ًا‪� ،‬إال �أن يكون حام ًال لل�سالح‪ ،‬فحامل ال�سالح قد يخيف‬ ‫اجلميع‪ .‬والالجئون الذين يت�شاجرون �أمام امل�ساعدات “املغمو�سة بامل�صالح”‬ ‫يقيّمون يف جل�ساتهم الت�سليح‪ ،‬والعمليات‪ ،‬وم�ؤمترات املعار�ضة‪ ،‬والدعم‬ ‫الأجنبي‪ ،‬وير�سلون لعنتهم على كل �شيء‪ ،‬ويتذكرون كيف ا�ست�ضافوا‬ ‫العراقيني عام ‪ 2004‬واللبنانيني عام ‪“ 2006‬يتذكرون ويف قلوبهم غ�صة‬ ‫من بالد العرب التي ترف�ض �أن تعطي �أبناءهم فيزا لزيارتها والعمل بها”‬ ‫(عائد �إىل حلب) رواي��ة مغم�سة بالدم والوجع والقلق‪ ،‬وقبل ذلك‬ ‫وبعده هي رواية ال تخ�شى ً‬ ‫لومة يف نقد الذات وتعريتها‪ ،‬مما بات ـ رمبا ـ هو‬ ‫ال�ضرورة الق�صوى لهذا الذي �سنطوي �سنته الثالثة يف �سوريا عما قريب‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.