جريدة شرارة آذار العدد 93

Page 1

‫العدد ‪93‬‬

‫‪2013-11-24‬‬

‫افتتاحية �شرارة‬ ‫العقالنية ال�سيا�سية‬

‫غوطة دم�شق‪..‬‬ ‫رو�سيا املنت�صرة �أم املهزومة؟‬ ‫يف نقد اال�سالم ال�سيا�سي‬ ‫الرواية وهذا الواقع‬ ‫حمطة تل كوجر‪..‬‬

‫من الوا�ضح �أن املفاو�ضات اجلاري التح�ضري‬ ‫لها يف جنيف‪ 2‬تعد البوابة التي على كل القوى‬ ‫ال�سيا�سية ال�سورية العبور منها‪ ،‬ال لأن جنيف ‪2‬‬ ‫اجلاري احلديث عنه هو احلل للأزمة ال�سورية‪،‬‬ ‫بل لأنه من املمكن �أن يفتح �إمكانية حل �سيا�سي‬ ‫ق��د ي�ضع ح��د ًا للحرب االهلية ال��دائ��رة منذ‬ ‫�أكرث من عام ون�صف‪ ،‬وينقله من حيز ال�صراع‬ ‫العنفي �إىل حيز ال�صراع ال�سيا�سي‪ ،‬وهو ما قد‬ ‫يكون ال�ضمانة الوحيدة لوقف نزيف دم ال�شعب‬ ‫ال�سوري‪.‬‬ ‫لقد طويت �أحداث ال�صراع الدامي الكثري من‬ ‫املقوالت التي كانت رائجة بني او�ساط ال�سوريني‪،‬‬ ‫فاليوم ال �أحد ي�ستطيع �أن يتكلم حول "معركة‬ ‫احل�سم" فهذه املعركة كان قد ح�سم �أمرها‪ ،‬ال‬ ‫النظام احلاكم يف �سوريا وال املعار�ضة متكنت من‬ ‫احل�سم‪ ،‬وهو ما يجعل من فكرة احل�سم الع�سكري‬ ‫بالن�سبة �إىل كافة الأط��راف �شيئ ًا �أق��رب �إىل‬ ‫الوهم منه �إىل الواقع‪.‬‬ ‫ومن جهة �أخرى ف�إن احلديث عن بقاء النظام‬ ‫وعلى ر�أ�سه الأ�سد الأب��ن‪ ،‬هو �أ�شبه باال�سفاف‬ ‫ال�سيا�سي‪� ،‬إذ من غري املمكن �أن تعود �سوريا‬ ‫�إىل ما كانت عليه قبل منت�صف مار�س �آذار من‬ ‫العام ‪ ،2011‬وه��و ما يجعل من �شرط رحيل‬ ‫الأ�سد وعائلته احلاكمة �شرط ًا لأي حل �سيا�سي‬ ‫ي�ستحق ا�سمه‪.‬‬ ‫�إن املع�ضلة التي تواجه ال�سوريني اليوم تدور‬ ‫حول القدرة على التوفيق بني امل�ستحيالت؛ وهو‬ ‫ما يجعل من العقالنية ال�سيا�سية مطلب ًا ملح ًا‬ ‫لكافة �أطراف ال�صراع‪.‬‬ ‫ي�شري م�صطلح العقالنية ال�سيا�سية �إىل‬ ‫القدرة على و�ضع حد فا�صل بني الطموح ال�سائد‬ ‫والأحالم املرافقة له من جهة‪ ،‬وبني الواقع وما‬ ‫يفرزه من معطيات ت�صبح هي احلكم الأخري يف‬ ‫نهاية التحليل منم جهة �أخرى‪.‬‬ ‫منذ عامني ون�صف ونظام الأ�سد يقاتل بكل ما‬ ‫ميلك من و�سائل يف �سبيل احلفاظ على ا�ستمرار‬ ‫�سيطرته ال�سيا�سية‪ ،‬ويف املقابل عملت قوى‬ ‫املجتمع ال�سوري كل ما ميكن ب��د�أ من الن�ضال‬ ‫ال�سلمي وحتى الكفاح امل�سلح يف �سبيل تقوي�ض‬ ‫هذه ال�سيطرة ال�سيا�سية‪ ،‬بينما الوقائع فت�شري‬ ‫�إىل عجز كال الطرفني لي�س يف ح�سم املعركة‬ ‫و�إمنا اال�ستمرار فيها �أبعد من ذلك‪.‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫‪2013-11-24‬‬

‫رو�سيا املنت�صرة �أم املهزومة؟‬

‫�سالم ال�سعدي‬ ‫�أبانت رو�سيا عن وجه خمتلف بعد �سقوط‬ ‫نظام معمر ال��ق��ذايف‪ .‬فرو�سيا امل�سايرة التي‬ ‫متتنع عن الت�صويت يف جميع الق�ضايا الدولية‬ ‫اخلالفية‪ ،‬باتت ت�ست�سهل ا�ستخدام حق النق�ض‬ ‫«الفيتو» يف مواجهة ال�سيا�سات الغربية‪ .‬وتبدو‬ ‫اليوم ع ّرابة الت�سوية ال�سورية املفرت�ضة يف‬ ‫«جنيف‪ ،»2‬فهل بد�أت جتني ثمار عنادها و�صلفها‬ ‫امل�ستجد؟‬ ‫نحو ‪� 32‬شهرا من عمر ال��ث��ورة ال�سورية‪،‬‬ ‫غيرّ ت وجه رو�سيا االحتادية‪ .‬فالأخرية والتي‬ ‫كانت على هام�ش ال�صراعات الدولية الكربى‪،‬‬ ‫ب��ات��ت ت�صنف كقطب ج��دي��د مقابل لأم�يرك��ا‬ ‫و�أوروب���ا معا‪ .‬قطب حقيقي م�ستعد للمجابهة‬ ‫ال�سيا�سية والع�سكرية �إن اقت�ضى الأمر حماية‬ ‫مل�صاحله ونفوذه الذي يعمل على تو�سيعه‪ .‬هذا‬ ‫ما يعلنه �أن�صار رو�سيا يف املنطقة‪ ،‬بل وحتى بع�ض‬ ‫�أع��داءه��ا ومنتقديها امل�شدوهني من انت�صابها‬ ‫املفاجئ كعقبة‪ ،‬ك ��أداء وقاتلة �أم��ام طموحات‬ ‫التغيري الدميقراطي لديهم‪.‬‬ ‫وقد تبدّ ى �شيء من هذا ال�صلف الإمربيايل‬ ‫الرو�سي يف �سوريا‪� .‬إذ رف�ضت رو�سيا بعناد الفت‬ ‫ال�ضغط على نظام الأ�سد لإحداث تغيري ملمو�س‬ ‫يف�ضي �إىل انتقال دميقراطي �سلمي لل�سلطة‪ .‬بل‬ ‫وقدمت كل �أ�شكال الدعم للنظام‪ ،‬وذهبت بعيد ًا‬ ‫�إىل حد �ساد معه االعتقاد‪ ،‬يف مرحلة ت�صاعد‬ ‫العمل الثوري وتراجع النظام‪ ،‬ب�أنها تورطت‬ ‫ب�صورة لن تدع لها مهرب ًا �أو منفذ ًا من دون هزمية‬ ‫�ساحقة �أو خ�سائر فادحة‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬وبعد عام على هذا االعتقاد‪ ،‬ي�سود‬ ‫اليوم اعتقاد معكو�س‪ ،‬يُق ُّر بح�سر ٍة قا�سية‪،‬‬ ‫بانت�صار «اخليار الرو�سي»‪ ،‬مبا هو �صلف وعناد يف‬ ‫دعم نظام الأ�سد رغم كل املجازر التي ارتكبها‪،‬‬ ‫وجلو�س جميع الأطراف على طاولة احلوار «من‬ ‫دون �شروط»‪ ،‬وك�أن �شيئا مل يكن‪.‬‬ ‫واحل����ال �أن م��ن��اخ الت�سليم ب���دور رو�سيا‬ ‫يف ���س��وري��ا‪ ،‬حيث ال مفر م��ن ق��ب��ول خياراتها‬ ‫التفاو�ضية‪ ،‬قد فتح الباب وا�سعا �أم��ام غرور‬

‫كاترين ناي‬

‫وادعاءات ال تنتهي من جانب رو�سيا نف�سها وعدد‬ ‫من حلفاءها‪ ،‬فهي منا�سبة نادرة لإ�سباغ كلمات‬ ‫املديح على «احلكمة» الرو�سية‪ ،‬وعلى ثبات‬ ‫مواقف رو�سيا و�صواب خياراتها‪.‬‬ ‫ال يبدو �أن تلك التقلبات يف املزاج ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫ب�ين تبخي�س رو���س��ي��ا يف ال��ب��داي��ة والت�سليم‬ ‫بانت�صارها اليوم‪ ،‬تلحظ امل�سار العام لل�صراع‬ ‫لتج�س بو�ضوح م��دى �صالبة‬ ‫وللدورالرو�سي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الأر���ض التي ينت�صب عليها «القطب اجلديد»‪،‬‬ ‫وتخترب ذاك «الن�صر» الرو�سي املزعوم‪.‬‬ ‫فرو�سيا وقفت يف وجه التدخالت الغربية‬ ‫يف �سوريا‪ ،‬ل�سبب واحد وحيد‪ ،‬فهي «قطب جديد»‬ ‫ح�سب هذا املع�سكر من املحللني‪ .‬قد ي�ضيفون �إليه‬ ‫تراجع �أمريكا و»هزميتها» يف كل �أ�صقاع الأر�ض‬ ‫وانهيارها الو�شيك‪ .‬وال يقدم هذا الرهط من‬ ‫املحليني تف�سريا لعجز رو�سيا عن منع التدخل‬ ‫ال��غ��رب��ي يف ليبيا‪ ،‬وق��د ك��ان ت��دخ�لا ع�سكريا‬ ‫مبا�شرا و�صريحا‪ ،‬يف حني منعت حتى �صدور‬ ‫ق��رارات تت�صل بتعزيز العقوبات االقت�صادية‬ ‫على نظام الأ�سد‪.‬‬ ‫ال���ش��ك �أن ت��غ�ّيارّ ات ك�برى ق��د ط���ر�أت على‬ ‫التوازنات الدولية‪ ،‬كان منها ن�شاط رو�سي الفتا‬ ‫لتو�سيع مناطق النفوذ‪ ،‬ما ا�ضطرها لدخول‬ ‫جمابهات خمتلفة‪ .‬وتبدو الق�ضية ال�سورية‬ ‫�أكرثها �سخونة‪ .‬لكن رو�سيا بقيت عاجزة عن‬ ‫دخول جمابهات يف امل�سائل الكربى التي تعني‬ ‫ال��والي��ات امل��ت��ح��دة‪ .‬ولي�س امتناع رو�سيا عن‬ ‫الت�صويت يف جمل�س الأمن ل�شن عمل ع�سكري يف‬ ‫ليبيا هو الوحيد الذي يعزز من فر�ضية �أن رو�سيا‬ ‫هي قطب غري مكتمل النمو وعاجز عن املواجهة‬ ‫يف الق�ضايا الكربى‪ .‬فق�ضية الكيماوي ال�سوري‬ ‫ُتظهر كذلك هذا الأمر‪.‬‬ ‫يف ق�ضية الكيماوي بان وجه �أمريكا كقطب‬ ‫وحيد‪ ،‬وبانت رو�سيا كقطب غري مكتمل‪ ،‬فما‬ ‫�أرادت���ه �أم�يرك��ا ح�صلت عليه يف �ساعات فقط‬ ‫ب�صورة �أولية‪ ،‬ويف �أيام قليلة ب�صورة تف�صيلية‪.‬‬ ‫هكذا يبدو العناد الرو�سي‪ ،‬يف جزء منه‪ ،‬هو نتاج‬

‫الالمباالة الأمريكية �أي�ضا‪ ،‬من دون �إ�سقاط‬ ‫ات�ساع نفوذ ودور رو�سيا‪.‬‬ ‫ك��م��ا مي��ك��ن امل��ج��ادل��ة مب��ا يخ�ص انت�صار‬ ‫خيارات رو�سيا ال�سيا�سية‪ ،‬التي دعت �إىل جمع‬ ‫النظام واملعار�ضة على طاولة املفاو�ضات «من‬ ‫دون ���ش��روط»‪ .‬هنا ميكن �أن نتذكر امل��ب��ادرة‬ ‫العربية الثانية يف مطلع ع��ام ‪ ،2012‬التي‬ ‫ن�صت على حكومة وحدة وطنية ت�شارك فيها‬ ‫ال�سلطة واملعار�ضة‪ .‬املبادرة تب ّنت حال �سيا�سيا‬ ‫ي�شارك فيه النظام القائم‪ ،‬ومل تطرح فكرة‬ ‫تنحي الأ�سد ب�شكل م�سبق لل�شروع يف التفاو�ض‪،‬‬ ‫واق�ترح��ت كما يقرتح جنيف متاما‪»:‬حكومة‬ ‫وح��دة وطنية كاملة ال�صالحيات»‪ .‬هنا كانت‬ ‫تقف الثورة ال�سورية وحلفاءها‪ ،‬عند عتبة‬ ‫احلل ال�سيا�سي دون �شروط‪.‬‬ ‫يف ‪� 4‬شباط ‪ ،2012‬ا�ستخدمت رو�سيا حق‬ ‫النق�ض «الفيتو» �ضد م�شروع ال��ق��رار العربي‬ ‫الذي يدعم تلك املبادرة العربية «دون �شروط»‬ ‫ملرحلة انتقالية يف �سوريا‪.‬‬

‫لقد دفع «الفيتو» الرو�سي قوى الثورة �إىل‬ ‫الت�صعيد الع�سكري‪ ،‬والتمو�ضع يف خانة احلل‬ ‫الع�سكري �أو تنحي الأ�سد قبل بدء احلوار‪ .‬ومن‬ ‫�أجل ذلك خي�ضت معارك ع�سكرية كربى �شهدت‬ ‫�إح��راز قوى الثورة انت�صارات تاريخية غيرّ ت‬ ‫وجه �سوريا ودحرت النظام من مناطق �شا�سعة‬ ‫م��ن ال��ب�لاد‪ .‬كانت جولة �صاخبة م��ن ال�صراع‬ ‫املدمر دفعت رو�سيا للتقدم خطوة باجتاه احلل‬ ‫ال�سيا�سي لتقف على عتبة امل��ب��ادرة العربية‬ ‫التي كانت قد رف�ضتها دعما للأ�سد وخياراته‬ ‫العدمية قبل �أ�شهر فقط‪� .‬أي �أنها ويف «جنيف‪»1‬‬ ‫قبلت بنقل ال�سلطة �إىل حكومة انتقالية كاملة‬ ‫ال�صالحيات دون م�شاركة الأ�سد ومن دون تنحيه‬ ‫م�سبق ًا‪ .‬قبلت �إذن باملبادرة العربية الثانية التي‬ ‫رف�ضها النظام ورف�ضتها معه‪.‬‬ ‫بتطبيق ب��ن��ود «ج��ن��ي��ف‪ ،»1‬ت��ك��ون ال��ث��ورة‬ ‫ال�سورية ال�شعبية‪ ،‬مبكونيها ال�سلمي والع�سكري‬ ‫قد انت�صرت‪ .‬رمبا هذا ما مينع تطبيقها حتى‬ ‫الآن‪� .‬إذ مل ت�س ّلم رو�سيا بالهزمية بعد‪.‬‬

‫لهذا قطعنا ‪ 300‬ميل لنخاطر بحياتنا يف حلب‬

‫ترجمة ‪ :‬ق�سم الرتجمة يف مركز ال�شرق العربي‬ ‫تقول منظمات �إغاثية �إن �أج��زاء من �سوريا �أ�صبحت خطرية جدا الآن‬ ‫بحيث يعي�ش املدنيون هناك دون �أي م�ساعدة‪ .‬على الرغم من هذه املخاطر‪,‬‬ ‫تقوم قوافل بريطانية �صغرية برحالت برية نحو هذه البالد لتقدمي امل�ساعدة‪.‬‬ ‫"بع�ض النا�س يقولون �إنه ال ميكن �سوى ال�صالة من �أجلهم‪ .‬ولكن ما ال‬ ‫يدركونه �أن ب�إمكانهم �صنع الفارق‪ .‬نحن بحاجة �إىل الوقوف والقيام ب�شيء‬ ‫ما‪ ,‬ب�إمكاننا جمع املال كما �أن ب�إمكاننا �إر�سال م�ساعدات طبية"‪.‬‬ ‫ماجد فرميان‪ ,‬الذي يبلغ من العمر ‪ 25‬عاما‪ ,‬وهو م�ست�شار �إئتماين من‬ ‫لي�سرت‪� ,‬سافر مع قافلة �إغاثة م�ؤخرا تتكون من خم�س �سيارات �إ�سعاف قطعت‬ ‫‪ 3200‬ميل من مان�ش�سرت عرب فرن�سا وبلجيكا و�أملانيا و�سوي�سرا ولوك�سمبورغ‬ ‫و�إيطاليا ومن ثم اليونان �إىل تركيا �إىل �سوريا‪.‬‬ ‫يقوم ه�ؤالء الأ�شخا�ص بقيادة ال�سيارات والنوم بني �صناديق امل�ساعدات‬ ‫الطبية وحليب الأط�ف��ال وامل��واد الغذائية املجففة امل��وج��ودة يف �صناديق‬ ‫�سيارات الإ�سعاف املوجودة يف مواقف ال�سيارات‪ ,‬وه�ؤالء ال ‪ 14‬م�سلما بريطانيا‬ ‫الذين رتبوا للرحلة يت�ضمنون طبيبا من مان�ش�سرت و�صيدالنيا من هاليفاك�س‬ ‫و�صاحب مطعم من باتلي غرب يورك�شري‪.‬‬ ‫�أربعة فقط من ال ‪ 14‬و�صلوا �إىل حلب‪� ,‬شمال البالد‪ ,‬وذل��ك لإي�صال‬ ‫امل�ساعدات �إىل امل�ست�شفيات التي يقولون �إنها مل تتلق �أي م�ساعدة منذ �أ�سابيع‪.‬‬ ‫جيمعهم عر�ضوا حياتهم للخطر ال�شديد ولكنهم قالوا ب�أنهم لو ماتوا يف �سوريا‪,‬‬ ‫ف�إن ذلك يعترب مبثابة �أمر مقدر خارج �سيطرتهم‪.‬‬

‫ي�صف ماجد �أ�صوات القنابل التي ت�سقط خارج امل�ست�شفى حيث كان يقيم‪,‬‬ ‫وهو �أمر ميكن االعتياد عليه �سريعا كما يقول‪ .‬ولكن الأم��ر ال ينطبق على‬ ‫مناظر اجلثث القادمة من اخلارج‪ .‬حيث يقول ‪":‬مل يكن هناك وقت للخوف‪,‬‬ ‫عليك ال�سيطرة على عواطفك‪ .‬ف�أنا ال زلت �إن�سانا‪ ,‬رغم �أن الأمر لي�س �سهال"‪.‬‬ ‫لإي�صال امل�ساعدات من م�ست�شفى �إىل �آخر‪ ,‬ت�سري املجموعة عرب ال�شوارع مع‬ ‫�سائق حملي‪ ,‬يقود ب�سرعة كبرية لتجنب القنا�صني الذين ميل�ؤون �شوارع حلب‪.‬‬ ‫الدكتورة �شاميال ذو الفقار‪ ,‬التي تركت خلفها ‪� 4‬أطفال يف مان�ش�سرت‬ ‫لالن�ضمام �إىل القافلة‪ ,‬تقول �إن اخلطر الذين كانوا يعي�شون فيه ي�صبح وا�ضحا‬ ‫بعد فوات الأوان‪.‬‬ ‫وت�ضيف ‪":‬لقد اقرتبنا كثريا من خطوط القتال حيث يتمركز القنا�صة‪.‬‬ ‫لقد كان الأمر �أقرب مما كنت �أريد‪ ,‬ولكن خالل ذلك الوقت ف�إن غريزة البقاء‬ ‫هي التي ت�سيطر على املوقف‪ .‬متكنا من �إي�صال امل�ساعدات �إىل امل�ست�شفيات‪ ,‬التي‬ ‫كانت ت�ستقبل الكثري من الإ�صابات القادمة من جبهات القتال‪ ,‬ولذلك بالن�سبة‬ ‫يل فقد متت املهمة"‪.‬‬ ‫تقول وك��االت الإغاثة �إن احلكومة ال�سورية تعيق تقدمي الت�أ�شريات‬ ‫وحتاول احلد من عدد املجموعات الإغاثية التي تعمل يف البالد‪.‬‬ ‫وفقا لهيومان رايت�س ووت����ش‪ ,‬التي زار ممثلوها املناطق التي تخ�ضع‬ ‫ل�سيطرة املعار�ضة م�ؤخرا‪ ,‬ف�إن امل�ساعدات –وخ�صو�صا امل�ساعدات الطبية‪ -‬يتم‬ ‫حظرها قدر الإمكان‪.‬‬ ‫هذه املجموعة من عمال الإغاثة �صورت جتربتها اخلا�صة يف حماولة‬

‫منهم لت�شجيع النا�س على التربع عند العودة �إىل الوطن‪.‬‬ ‫يقول ماجد ‪":‬نريد �أن يرى العامل ما يجري على الأر�ض‪ ,‬ولكن يف نف�س‬ ‫الوقت‪ ,‬مع احرتامي‪ ,‬ف�إنك ال ت�شعر �أنه من ال�صحيح جمرد �إخ��راج هاتفك‬ ‫وت�صوير النا�س فقط‪ .‬النا�س يقتلون بطلقات يف ر�ؤو�سهم وبع�ضهم يف قلوبهم‪,‬‬ ‫النا�س يحاولون احلفاظ على حياتهم‬ ‫"‪.‬‬ ‫ي�شري ماجد �إىل �صورة طفل يبلغ ال�سابعة من عمره ا�سمه حممد يجل�س‬ ‫على كر�سي وما تبقى من قدمه ملفوفة ب�ضمادات طبية‪.‬‬ ‫يقول ماجد ‪ ":‬دخلت دبابات النظام �إىل منزله‪ .‬وقتلت والدته و�أخوه‪.‬‬ ‫وقد ن�سفت قدماه‪ .‬ولكنه بقي على قيد احلياة كما جنا والده‪ .‬وهو يعي�ش يف‬ ‫امل�ست�شفى الآن‪ -‬عائلته اجلديدة هم الأطباء جميعهم"‪.‬‬ ‫�أع�ضاء القافلة جمرد ‪� 4‬أ�شخا�ص عاديني اختاروا املخاطرة بحياتهم‬ ‫للذهاب �إىل �أماكن ال يذهب �إليها �آخرون لتقدمي امل�ساعدة‪.‬‬ ‫وقد �أخربنا ماجد �أنه "عندما تركت منزيل يف بريطانيا‪ ,‬وعندما قلت‬ ‫وداع��ا لأم��ي‪ ,‬كنت عاطفيا وم�ضطربا جدا‪ ,‬لأنك ال تعرف ما الذي ميكن �أن‬ ‫يحدث عندما تذهب �إىل �سوريا‪ .‬حيث يبدو �أن الأمور ت�سري من �سيئ �إىل �أ�سو�أ"‪.‬‬ ‫وي�ضيف ‪":‬ولكن عندما غادرت �سوريا وجدت الأمر �أكرث �صعوبة مما كان‬ ‫عليه عندما تركت املنزل‪ .‬لأنني ع�شت مع ه�ؤالء النا�س‪ ,‬وقد كانوا �أخوتي‬ ‫و�أخ��وات��ي‪ ,‬و�شعرت تقريبا ب�أنني خائن لأنني تركتهم‪ .‬علينا �أن نقدم يد‬ ‫امل�ساعدة لهم"‪.‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫ماجد كيايل‬ ‫ان�صبّ النقد ال�سيا�سي طوال العقود املا�ضية على‬ ‫الإ�سالم ال�سيا�سي "ال�سني"‪ ،‬بكل تنويعاته املعتدلة‬ ‫واملتط ّرفة‪ ،‬ال�سلمية والعنفيّة‪ ،‬الدعوية واجلهادية‪،‬‬ ‫يف حني �أن الإ�سالم ال�سيا�سي "ال�شيعي"‪ ،‬ال�سيما ذلك‬ ‫الذي �ص ّدرته �إيران‪ ،‬ظل مبن�أى عن ذلك تقريب ًا‪ .‬ثمة‬ ‫تف�سر ذلك‪� ،‬أولها‪� ،‬أن الإ�سالم ال�سيا�سي‬ ‫�أ�سباب عديدة ّ‬ ‫ً‬ ‫"ال�شيعي" جاء حمموال على جناحي الثورة ال�شعبية‬ ‫الإيرانية‪ ،‬التي �أطاحت بنظام �شاه �إي��ران‪ ،‬احلليف‬ ‫لإ�سرائيل ولل�سيا�سة االمريكية يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫وبديهي �أن هذا خلق نوع ًا من الربط بني هذا التيار‬ ‫وبني "الهوت التحرير" يف �أمريكا الالتينية‪ ،‬ال�سيما‬ ‫مع "ال�شبهات" التي كانت حتوم حول معظم تيارات‬ ‫الإ�سالم ال�سيا�سي "ال�سني"‪ ،‬التي بدت يف اجتهاتها‬ ‫الرئي�سة مت�صاحلة �أو متهاودة م��ع �أنظمة احلكم‬ ‫ال�سائدة‪ .‬وثانيها‪� ،‬أن الثورة الإيرانية �ص ّدرت ق�ضية‬ ‫فل�سطني يف خطاباتها‪ ،‬ويف �سيا�ساتها اخلارجية‪ ،‬بعد‬ ‫�أن كانت �إيران تعترب مبثابة �أكرب حليفة لإ�سرائيل يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬ماع ّزز من �شعبيتها يف العامل العربي‪ .‬وثالثها‪،‬‬ ‫�أن �إي��ران‪ ،‬وتبع ًا ملا تقدم‪ ،‬ا�شتغلت على دعم املقاومة‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬و�أن�ش�أت "حزب اهلل" يف لبنان‪ ،‬الذي اطلع‬ ‫بدور كبري يف مقاومة احتالل ا�سرائيل جلنوب لبنان‪،‬‬ ‫و�إجبارها على االندحار منه (‪ ،)2000‬ما رفع ر�صيده‬ ‫عند اجلماهري العربية‪ .‬املعنى من ذلك �أن املجتمعات‬ ‫العربية‪� ،‬أو الأكرثية "ال�س ّنية"‪ ،‬مل تتعاط مع �إيران‬ ‫وف��ق نظرة طائفية �أو مذهبية‪ ،‬رغ��م �أن ه��ذه كانت‬ ‫ت�شتغل على خلق جماعات حزبية ذات طابع مذهبي‬ ‫يف تلك املجتمعات حيث �أمكنها ذلك‪� .‬أي�ض ًا‪ ،‬ف�إن هذه‬ ‫الأكرثية مل تتعاط مع "حزب اهلل"‪ ،‬الذي يفرت�ض �أنه‬ ‫حزب ًا للمقاومة الوطنية‪ ،‬على �أ�سا�س طابعه الطائفي‬ ‫املغلق‪ .‬وهذا وذاك دليل على �أن "ال�س ّنة" ال يع ّرفون‬ ‫�أنف�سهم باعتبارهم طائفة‪ ،‬فهم احتفوا بانت�صار‬ ‫الثورة الإيرانية يف حينه‪ ،‬واحت�ضنوا "حزب اهلل"‪،‬‬ ‫رغم طابعهما وخطاباتهما املذهبية‪.‬‬ ‫لكن �صورة �إي��ران يف املجتمعات العربية �أ�صيبت‬ ‫بالت�ص ّدع ب�سبب تواطئها مع الواليات املتحدة‪ ،‬التي‬ ‫يفرت�ض �أنها تعتربها "ال�شيطان الأكرب"‪ ،‬باحتالل‬ ‫العراق (‪ ،)2003‬وبعد ذلك ب�سبب هيمنتها عليه‪ ،‬من‬ ‫خالل امليلي�شيات الطائفية التي تدعمها‪ ،‬والتي فر�ضت‬ ‫نف�سها مبعيّة القوات الأمريكية‪ ،‬وك��ان ذل��ك �إيذانا‬

‫�سالفة جبور‬

‫‪2013-11-24‬‬

‫م�ساهمة يف نقد الإ�سالم ال�سيا�سي‬

‫بتفجّ ر النزاعات الطائفية يف امل�شرق العربي‪ ،‬بقدر‬ ‫ماكان جناح ًا لإي��ران يف ت�صدير الإ�سالم ال�سيا�سي‬ ‫"ال�شيعي"‪.‬‬ ‫ما كان لـ "حلزب اهلل" �أن ينجو من هذه العدوى‪،‬‬ ‫رغم ّ‬ ‫تغطيه باملقاومة‪ ،‬فهو �أعد �أي�ض ًا كي يكون ذراع ًا‬ ‫لإي��ران يف املنطقة‪ ،‬ومت احلفاظ عليه كحزب مغلق‬ ‫من الناحية الطائفية‪ ،‬لهذا الغر�ض‪ ،‬فهو مل يفتح‬ ‫ع�ضويته على اللبنانيني‪ ،‬حتى الداعمني ل��ه‪ ،‬رغم‬ ‫ممار�سته املقاومة الوطنية امل�سلحة منذ ثالثة عقود‪.‬‬ ‫هكذا بات هذا احلزب يف �أزم��ة‪ ،‬مع تغيرّ الأو�ضاع يف‬ ‫امل�شرق العربي باحتالل العراق‪ ،‬وا�ستيالء الإ�سالم‬ ‫ال�سيا�سي "ال�شيعي" على ال�سلطة ف�ي��ه‪ ،‬وهيمنة‬ ‫�إيران عليه‪ .‬وم�شكلة "حزب اهلل" �أن كل ذلك ح�صل‬ ‫بالرتافق مع وقف مقاومته �ضد �إ�سرائيل‪ ،‬منذ العام‬ ‫‪� ،2000‬أي منذ ‪ 13‬ع��ام��ا‪ ،‬با�ستثناء حلظة خطف‬ ‫اجلنديني الإ�سرائيليني ‪ ،2006‬واحلرب املدمرة التي‬ ‫نتجت عنها‪ .‬ويف ظل هذه الأو�ضاع بات هذا احلزب‬ ‫ين ّف�س عن طاقته املختزنة يف الداخل اللبناين‪ ،‬كحزب‬ ‫طائفي و�سلطوي‪ ،‬الأمر الذي ك�شفه �أمام اللبنانيني‪.‬‬ ‫هكذا ج��اءت ال�ث��ورة ال�سورية لتك�شف حقيقة‬ ‫�إي��ران وطموحها الإم�براط��وري يف امل�شرق العربي‪،‬‬ ‫وحقيقة حزب اهلل ك�أداة وظيفية يف هذا امل�شروع‪� ،‬إذ‬

‫بات الطرفان يدافعان عن نظام ا�ستبدادي‪ ،‬حكم البلد‬ ‫�أزيد من �أربعة عقود‪ ،‬وحولها �إىل جمهورية وراثية‪،‬‬ ‫على ال�ضد من �إرادة �أكرثية ال�سوريني‪ ،‬حينا با�سم‬ ‫الدفاع عن املقاومة املتوقفة منذ ‪ 13‬عاما‪ ،‬وحينا با�سم‬ ‫مواجهة امل�شروع الأمريكي‪ ،‬الذي باتت �إيران يف حالة‬ ‫م�ساومة معه‪ ،‬وحينا �آخر با�سم الدفاع عن "مقامات"‬ ‫ال�سيدة زينب وال�ست رقية‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫باملح�صلة فقد باتت �سوريا �ساحة للقتال بالن�سبة‬ ‫للحر�س الثوري الإيراين‪ ،‬وكتائب �أبو الف�ضل العبا�س‬ ‫م��ن ال �ع��راق‪ ،‬وح��زب اهلل م��ن لبنان‪ ،‬واحل��وث�ي�ين من‬ ‫اليمن‪ ،‬بح�سب ف�ت��اوى "الويل الفقيه"‪� ،‬أو املر�شد‬ ‫الأعلى للجمهورية الإ�سالمية يف �إيران‪ ،‬ووفق تغطيات‬ ‫وخطابات الإ�سالم ال�سيا�سي "ال�شيعي"‪ ،‬على مراوغته‬ ‫و�سلطويته‪.‬‬ ‫الق�صد م��ن ك��ل ذل��ك لفت االنتباه �إىل �أن نقد‬ ‫الإ�سالم ال�سيا�سي "ال�س ّني"‪ ،‬وهو �ضروري وم�شروع‪،‬‬ ‫الميكن �أن ي�ستقيم من دون نقد اال��س�لام ال�سيا�سي‬ ‫"ال�شيعي"‪ ،‬ب��د ًال من التغطية عليه وتربيره ورمبا‬ ‫مدحه‪ ،‬وهو ما ح�صل يف الأغلب طوال العقود ال�سابقة‪.‬‬ ‫ولنالحظ‪ ،‬مث ًال �أن الإ�سالم ال�سيا�سي "ال�سني"‪،‬‬ ‫كما يتمثل بجماعات الإخ��وان امل�سلمني‪ ،‬غري م�س ّلح‪،‬‬ ‫كحزب اهلل يف لبنان والعراق‪ ،‬وال يوجد له مرجعية‬

‫كـ"الويل الفقيه" يف �إيران‪ ،‬وهي دولة خارجية‪� ،‬سواء‬ ‫كانت ال�سعودية �أو تركيا‪ .‬والإ�سالم ال�سيا�سي "ال�س ّني"‬ ‫ال ي�شتغل كم�ؤ�س�سة مهيمنة يف طائفتة املفرت�ضة‪،‬‬ ‫على نحو الهيمنة امل�ؤ�س�سية لرجال الدين "ال�شيعة"‬ ‫يف طائفتهم‪ .‬وف��وق هذا وذاك ف��إن جمهور "ال�سنة"‬ ‫�أ� ً‬ ‫صال ال يع ّرف نف�سه كطائفة‪ ،‬رمبا لأنه ال يحتاج �إىل‬ ‫ذلك لكونه �أكرثية يف جمتمعه‪ .‬والأهم �أن �أي حزب‪،‬‬ ‫وال حتى "الإخوان"‪ ،‬ي�ستطيع احتكار متثيل هذا‬ ‫اجلمهور‪ ،‬املنفتح على كل التيارات القومية والليربالية‬ ‫والي�سارية والعلمانية والدينية‪ ،‬كما �أكدت التجربة‪،‬‬ ‫وكما ثبت يف م�صر وتون�س و�سوريا‪ .‬باملقابل حتر�ص‬ ‫�إيران على احتكار متثيل "ال�شيعة" مبا�شرة‪ ،‬بدعوى‬ ‫"الويل الفقيه"‪� ،‬أو من خالل حلفائها‪ ،‬بو�سائل الق�سر‬ ‫والإغ��راء وامل�صادرة والإخ�ف��اء‪ ،‬كما جرى يف لبنان‬ ‫والعراق‪ .‬وحتى يف �إيران جرى ذلك بالتخل�ص من �آية‬ ‫اهلل طالقاين و�آية اهلل منتظري و�أبو احل�سن بني �صدر‬ ‫وفدائيي خلق وجماهدي خلق‪� ،‬إىل مري ح�سن مو�سوي‬ ‫ومهدي كروبي وها�شمي رف�سنجاين‪ ،‬الأمر الذي ح�صل‬ ‫مثله يف لبنان والعراق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يف هذا الإطار‪ ،‬ثمة مالحظات مه ّمة جدا للباحث‬ ‫ال�شيعي �أو ُّل‬ ‫ط��ارق عزيزة يعترب فيها " � ّإن املذهب‬ ‫ّ‬ ‫ت�سيي�س الدين‪ ،‬وتدي ِني ال�سيا�سة‪ ،‬يف الإ�سالم"‪،‬‬ ‫مظاهر‬ ‫ِ‬ ‫لأن هذا الإن�شقاق مل يح�صل خلالف على مقولة فقهية‬ ‫�أو على ق�ضية دينية‪ ،‬و�إمنا ح�صل على خلفية �سيا�سية‪.‬‬ ‫التنظيمي‬ ‫وعنده فهم "كانت لهم �أ�سبقي ٌّة يف العمل‬ ‫ِّ‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا‪ .‬فقد اعتم َد �أئ ّمتهُم على وك�لاء مي ّثلونهم يف‬ ‫مناطق ان�ت���ش��ا ِر �أت�ب��اع�ه��م ي�ق��وم��ون ب��دور التوجيه‬ ‫تكري�س "ال ّتقيّة" �أ�سلوبًا‬ ‫والتعبئة ال�سيا�سيّة‪ .‬كما � ّأن‬ ‫َ‬ ‫بط�ش ال�سلطات التي عار�ضوها يُع ُّد‬ ‫فعّا ًال يف مواجهة ِ‬ ‫من الأ�شكال الأوىل للعمل‬ ‫ال�سيا�سي ال�س ّريّ "‪ .‬ويقول‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫"تختلف م� ّؤ�س ُ‬ ‫�سة الإفتاء ال�س ّنية عن االجتهاد لدى‬ ‫ال�شيعة‪ .‬فالفتوى لي�ست ن�صًّ ا �شرعيًّا ملزمًا باملطلق‪..‬‬ ‫ال�شيعي فمل ِز ٌ‬ ‫مة ملق ّلديه و�أتباعه‬ ‫�أما �أحكا ُم املجتهد‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مبمار�سة‬ ‫على اعتباره مم ّثال للإمام املع�صوم‪ ،‬وخم ّوال‬ ‫ِ‬ ‫�صالحيّته‪( ".‬ط��ارق عزيزة‪" :‬ال�شيعة بني العقيدة‬ ‫ال�سيا�سي‪� :‬إيران منوذجً ا"‪ ،‬جملة "الآداب"‪،‬‬ ‫والإ�سالم‬ ‫ّ‬ ‫ربيع ‪.)2012‬‬

‫غوطة دم�شق ال�شرقية‪ ..‬موت و�سجن كبري‬

‫مل يتبق ل�سكان غوطة دم�شق ال�شرقية �سوى الهواء لي�ستن�شقوه‬ ‫للبقاء �أحياء‪ ،‬هذه املدن والبلدات رازحة حتت وط�أة ح�صار خانق‬ ‫منذ �أكرث من عام‪ ،‬ممنوع دخول كافة املواد الغذائية والطبية‪ ،‬ممنوع‬ ‫دخول وخروج الأه��ايل‪ ،‬حتى دفع �سكانها ال�ستقبالنا بجملة "�أهال‬ ‫بكم مبعتقلنا الكبري"‪.‬‬ ‫يحا�صر النظام ال�سوري اليوم العديد من املناطق التي فقد‬ ‫ال�سيطرة عليها يف ريف دم�شق‪ ،‬وذلك بعد �أن عجز عن ا�ستعادتها‬ ‫و�إخ�ضاعها ع�سكري ًا‪ ،‬متبع ًا �سيا�سة جديدة يف حربه على املدن‬ ‫والبلدات الثائرة �أُطلق عليها ا�سم "اجلوع �أو الركوع"‪.‬‬ ‫فهنا �سعر ربطة اخلبز (�إن وج��دت) �ألف لرية �سورية (�سبعة‬ ‫دوالرات) بينما ال زالت تباع يف دم�شق ب�سعر ‪ 15‬لرية‪ ،‬وكذلك ارتفعت‬ ‫�أثمان الربغل وال�سكر والعد�س واملعكرونة‪ ،‬وبلغت �أرقاما قيا�سية‬ ‫ف�أ�صبح �سعر كل مادة منها �ألف لرية للكيلوغرام الواحد‪.‬‬ ‫ن��زور املنطقة لرن�صد ف�صول معاناتها‪ ،‬فنلم�س واق��ع��ا يفوق‬ ‫الو�صف‪ ،‬عائالت كثرية مل تعد تتناول �سوى وجبة واحدة يف اليوم‪،‬‬ ‫والأنكى من ذلك �أن الطبق الرئي�سي يف وجبتهم اليتيمة هو امللفوف �أو‬ ‫اخل�س �أو �أوراق ال�شجر عو�ض ُا عن اخلبز‪.‬‬ ‫كتاب املعاناة‬ ‫امل�أ�ساة ال تتوقف هنا‪ ،‬حيث يقول ال�شاب �أب��و �آدم‪� ،‬إن بع�ض‬

‫املدار�س طلبت من الأهايل عدم �إر�سال الأطعمة مع �أوالده��م‪ ،‬منع ًا‬ ‫لإثارة م�شاعر اخليبة لدى �أطفال �آخرين ال ميلكون طعام ًا يف منازلهم‪.‬‬ ‫من امل�أكل �إىل املوا�صالت‪ ،‬نفتح �صفحة جديدة بكتاب املعاناة‪،‬‬ ‫نق�ص حاد بالوقود‪ ،‬حتى و�صل �سعر ليرت البنزين نحو ثالثة �آالف‬ ‫لرية (ع�شرين دوالرا) هذا االرتفاع اجلنوين‪ -‬وفق و�صف �أبو �آدم‪-‬‬ ‫�أجرب الكثري من امل�شايف امليدانية على تعليق خدماتها للمر�ضى‪.‬‬ ‫ويتابع �أن الكثري من امل�صابني تعذر عليهم تلقي العالج املنا�سب‬ ‫و�إج��راء العمليات ال�ضرورية ب�سبب انقطاع التيار الكهربائي ملدة‬ ‫تزيد على ال�سنة‪ ،‬وعدم �إمكانية ت�شغيل مولدات الكهرباء فرتات‬ ‫طويلة قد حتتاجها بع�ض العمليات‪ ،‬ناهيك عن التكاليف الباهظة‬ ‫لذلك‪ ،‬وعدم توفر كافة املواد الطبية املطلوبة كاملواد املخدرة‪.‬‬ ‫ويختم �أن ذل��ك ي ��ؤدي يف بع�ض احل��االت �إىل ح�صول �إعاقات‬ ‫دائمة لدى امل�صابني ب�سبب عدم �إج��راء العمليات الالزمة بالوقت‬ ‫املنا�سب‪.‬‬ ‫ن�سري يف �شوارع الغوطة فال نرى �أي �سيارة‪ ،‬نقرتب �أكرث لن�س�أل‬ ‫ي�أتي الرد �أن �سكان الغوطة تخلوا جمربين عن ا�ستخدام ال�سيارة‬ ‫واحلافلة‪ ،‬وجل ��أوا �إىل الدراجات الهوائية �أو حتى "الطنرب" وهو‬ ‫عبارة عن عربة يجرها ح�صان �أو حمار يف تنقالتهم‪ ،‬كما �أن الكثري‬ ‫من ال�سكان باتوا يقطعون امل�سافات التي ت�صل البلدات املختلفة �سري ًا‬

‫على الأقدام لق�ضاء حاجياتهم‪.‬‬ ‫اجلوع واملر�ض‬ ‫ولكي تكتمل ف�صول املعاناة‪ ،‬كان ال بد من �أن تتوقف م�ضخات‬ ‫املياه عن تو�صيلها للمنازل‪ ،‬ليتجه الأه��ايل حلفر الآب��ار بحث ًا عن‬ ‫املياه اجلوفية‪ ،‬وكذلك �شراء املياه بكميات قليلة لق�ضاء احلاجات‬ ‫ال�ضرورية‪.‬‬ ‫وال يخفي بع�ض �سكان الغوطة اليوم خيبة �أملهم مبن يفرت�ض‬ ‫بهم حمايتهم �أو العمل على ت�أمني متطلباتهم‪ ،‬وذلك وفق النا�شط �أبو‬ ‫�أن�س املقيم يف مدينة دوما‪.‬‬ ‫ويقول �أبو �أن�س‪� ،‬إن النا�س اليوم �أ�صبحت حتت رحمة بع�ض التجار‬ ‫الذين �سارعوا ب�إخفاء خمزونهم من املواد الغذائية م�ستغلني احل�صار‬ ‫اخلانق على الغوطة‪ ،‬ومت�سببني بارتفاع كبري بالأ�سعار‪ ،‬متوقع ًا ردة‬ ‫فعل عنيفة من الأهايل جتاه "جتار احلروب" كما �أ�سماهم‪.‬‬ ‫كما �أن �سكان الغوطة اليوم يرتقبون "رد ًا حا�سم ًا على احل�صار"‬ ‫من �ألوية وكتائب اجلي�ش احلر العاملة بالغوطة‪ ،‬وفق �أب��و �أن�س‪.‬‬ ‫ويخل�ص �إىل �أن النا�س هنا بد�أت حت�س بال�ضيق‪ ،‬فهم ميوتون جوع ًا‬ ‫ومر�ض ًا‪ .‬وال ي��ري��دون اخل��روج �أو ال��ن��زوح �إىل دم�شق‪ ،‬و�إمن��ا فقط‬ ‫يريدون احل�صول على �أدنى متطلبات احلياة‪.‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫‪2013-11-24‬‬

‫املعار�ضة تذبح الثورة ال�سورية‬

‫�سمري احلجاوي ــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ي�صعب �أن جتد ثورة يف العامل ابتليت مبمثلني �أ�سو�أ من املعار�ضة ال�سورية‪ ،‬لأنها مفككة ومتناحرة ومتنافرة‬ ‫وخمتلفة بال �أولويات وا�ضحة‪ ..‬معار�ضة حتول بع�ضها �إىل "دكاكني" لهذه الدولة �أو تلك‪ ،‬حتولت �إىل وبال على ال�شعب‬ ‫ال�سوري الذي قدم الغايل والنفي�س من �أجل �إ�سقاط نظام الأ�سد الإرهابي‪.‬‬ ‫لقد ثبت �أن املعار�ضة ال�سورية تهتم بكل �شيء �إال بانت�صار الثورة ال�سورية وحتقيق مطالب ال�سوريني باحلرية‬ ‫والكرامة والعدالة‪ ،‬ويزيد من الطني بلة دخول مقاتلي دولة البغدادي املارقة "داع�ش" على اخلط لتزيد من معاناة‬ ‫ال�سوريني وت�ؤخر �سقوط النظام الأ�سدي‪ ،‬ويزيد من امل�صيبة �أن "�أ�صدقاء �سوريا" لي�سوا �أكرث من �أكذوبة‪ ،‬تعمل �ضد‬ ‫ال�شعب ال�سوري �أكرث مما تعمل ل�صاحله‪ ،‬بل �إن الدول التي متول "الدكاكني الثورية يف �سوريا" ال هم لها �إال منع الثورة من‬ ‫االنت�صار‪ ،‬وحرف البو�صلة عن مطالب ال�شعب ال�سوري‪.‬‬ ‫حدثني بع�ض الأ�صدقاء ال�سوريني الذين ي�شاركون يف اجتماعات املعار�ضة عن ق�ص�ص يندى لها اجلبني‪ ،‬وعن‬ ‫�سيطرة املال على القرار‪ ،‬وعن حتكم بع�ض الدول العربية مبفاتيح "املعار�ضات ال�سورية"‪ ،‬وحتويلها �إىل �أدوات لأهداف‬ ‫غري �أهداف الثورة‪ ،‬ومتكني من ال ميلك مقاتال واحدا على الأر�ض من التحدث با�سم الثورة ال�سورية‪ ،‬وهم الذين مل‬ ‫يطلقوا يوما ر�صا�صة واحدة وال ذاقوا ويالت الت�شرد واحلرمان واملخيمات وغبار ال�صحراء �أو الثلوج التي هدمت اخليم‬ ‫فوق ر�ؤو�س �ساكنيها‪ ..‬فهذه املعار�ضة البائ�سة اليائ�سة ال هم لها �سوى "تفكيك الثورة" للو�صول �إىل معادلة "نظام ال‬ ‫يهزم وثورة ال تنت�صر" من �أجل �إقرار مبد�أ تقا�سم ال�سلطة واملحا�ص�صة الطائفية‪.‬‬

‫حممد ال�سلمي‬

‫�أ�شعر بالأ�سف والأ�سى �أن �أحتدث عن هذه احلقائق املرة‪ ،‬ولكننا يجب �أن ن�صارح �أنف�سنا‬ ‫و�أن نكون �صادقني مع اجلميع يف تبيان "ب�ؤ�س" هذه املعار�ضة التي ركبت "عنوة" فوق �أكتاف‬ ‫ال�شعب ال�سوري بقوة املال والنفوذ والتقاطعات الدولية والإقليمية‪ ،‬و�أ�شعر باحلزن عندما‬ ‫�أقول �إن هذه املعار�ضة غري �أمينة على الثورة ال�سوية‪ ،‬لأن �ضررها �أكرث من نفعها‪.‬‬ ‫هذا الأداء البائ�س للمعار�ضة يدفع باجتاه امل�شاركة يف م�ؤمتر اغتيال الثورة ب�سكاكني‬ ‫عديدة ومنها �سكاكني "املعار�ضات" التي تزعم �أنها متثل الثورة‪ ،‬وهو "م�ؤمتر جنيف" الذي‬ ‫حتول �إىل م�سل�سل مك�سيكي �أو فلم هندي‪ ..‬جنيف‪ . .1‬جنيف‪ ،2‬مع وج��ود ف��ارق كبري‬ ‫بني امل�سل�سالت املك�سيكية والأفالم الهندية �أال وهو �أن النهاية فيها �سعيدة" بينما نهاية‬ ‫"م�سل�سل جنيف" تعي�سة كما ت�شري كل الدالئل وامل�ؤ�شرات‪ ،‬نهاية تعني بقاء نظام الأ�سد‬ ‫وتقا�سم ال�سلطة معه واالعرتاف بدور �إيران وحزب اهلل ونوري املالكي ورو�سيا‪ ،‬وحقهم‬ ‫يف ر�سم م�ستقبل �سوريان الأمر الذي يعني الإطاحة بكل مطالب ال�شعب ال�سوري الذي ثار‬ ‫من �أجل التخل�ص من ب�شار الأ�سد ونظامه وم�ؤ�س�ساته الأمنية و�شبيحته وحكم الأقلية‬ ‫الطائفية الدموية‪.‬‬ ‫املعار�ضة ال�سورية "تنا�ضل باملفاو�ضات وامل�ؤمترات والفنادق" بينما يقاتل �آالف من‬ ‫عنا�صر ملي�شيا حزب اهلل و�أبي الف�ضل العبا�س العراقية وملي�شيات الدفاع العلوية واحلر�س‬ ‫الثوري الإيراين ب�شرا�سة و�ضراوة على الأر�ض‪ ،‬ويذهب ح�سن ن�صر اهلل زعيم ملي�شيا حزب‬ ‫اهلل �إىل اعتبار �أن املعركة �ضد الثورة ال�سورية "معركة وجودية" ملواجهة "كل الأخطار‬ ‫التي ت�شكلها الهجمة الدولية الإقليمية التكفريية" مهددا �أن احلزب لن ين�سحب من �سوريا‬ ‫"ما دامت الأ�سباب قائمة"‪ ،‬معتربا �أن ال�شيعة يواجهون "�أخطارا �إ�سرتاتيجية ووجودية"‪.‬‬ ‫هذه هي �إ�سرتاتيجية "�أ�صدقاء ب�شار الأ�سد احلقيقيني"‪ ،‬التي مكنت الأ�سد ونظامه‬ ‫الإرهابي من ال�صمود يف وجه الثورة ال�سورية‪ ،‬وهو ما عرب عنه �أحد قياديي حزب اهلل يف‬ ‫حديث جلريدة تاميز الربيطانية بقوله‪":‬لوال وقوف حزب اهلل مع نظام الأ�سد ل�سقط يف‬ ‫غ�ضون �ساعتني" م�ؤكد ًا �أنه "من غري املقبول �أن ي�سقط نظام الأ�سد‪ ،‬لأن حزب اهلل �سيكون‬ ‫حما�صر ًا بالأعداء يف �سوريا"‪ ،‬وهذا التفكري ي�ضع ال�شعب ال�سوري يف خانة الأعداء �ضد‬ ‫م�شروع حزب اهلل و�إيران ومن خلفهما رو�سيا بالطبع‪.‬‬ ‫البد من االع�تراف �أن تدخل امللي�شيات ال�شيعية "حزب اهلل و�أب��ي الف�ضل العبا�س‬ ‫واحلر�س الثوري" قد غري من موازين القوى على الأر�ض‪ ،‬وخلق حالة من "التوازن امليداين"‬ ‫�إىل حد ما‪ ،‬وهذا من �ش�أنه �أن يرتجم على طاولة املفاو�ضات يف جنيف �إىل قرارات ت�ؤدي‬ ‫�إىل تقا�سم لل�سلطة مع نظام الأ�سد‪ ،‬وحتويل الثورة �إىل "ق�ضية حما�ص�صة طائفية" كما هو‬ ‫احلال يف لبنان والعراق‪ ،‬وهو ما ت�سعى �إليه �إيران وحزب اهلل والواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫و�أوروبا ورو�سيا التي كانت �أول من حذر من �أن �سقوط الأ�سد يعني �إقامة نظام "حكم �سني‬ ‫متطرف"‪ ،‬ولهذا يت�سابق اجلميع من �أجل طرح �سيناريوهات لت�شكيل حكومة توزع فيها‬ ‫احلقائب طائفيا‪ ،‬ويت�سابق اجلميع على رفع �شعار "حماية الأقليات" يف الوقت الذي تبيد‬ ‫فيه �إحدى هذه الأقليات الأكرثية‪ ،‬وقتلت ما يزيد على ‪� 150‬ألف �سوري حتى الآن‪.‬‬ ‫هكذا يت�صرف �أ�صدقاء الأ�سد احلقيقيون‪ ،‬وهكذا تت�صرف املعار�ضة ال�سورية و�أ�صدقاء‬ ‫ال�شعب ال�سوري"غري احلقيقيني"‪ ،‬وال�ضحية هو ال�شعب ال�سوري والثورة ال�سورية وم�ستقبل‬ ‫�سوريا والعرب بل وم�ستقبل الإ�سالم نف�سه‪.‬‬

‫الثورة ال�سورية وبو�صلة م�ستقبل املنطقة‬

‫�أ�صبحت الأرا�ضي ال�سورية م�سرحا لل�صراعات ال�سيا�سية الدولية‪،‬‬ ‫وال نبالغ �إن قلنا �إنها حرب عاملية م�صغرة تدور رحاها حاليا يف �أر�ض‬ ‫ال�شام‪ .‬جتاوز النظام ال�سوري لهذه املرحلة الع�صيبة التي مير بها يعد‬ ‫انت�صارا �إيرانيا بالدرجة الأوىل‪ ،‬و�سوف ي�ؤدي‪ ،‬وال �شك‪� ،‬إىل مزيد من‬ ‫التوغل الإيراين يف املنطقة العربية‪.‬‬ ‫ترمي �إيران بكامل ثقلها على الأرا�ضي ال�سورية ممثلة يف احلر�س‬ ‫الثوري وفيلق القد�س‪ ،‬اللذين يقودان املعركة �ضد الثوار ال�سوريني‪،‬‬ ‫و�أ�صبح اجلي�ش ال�سوري حتت �إمرة هذه القوة التي جهزتها �إيران بكل‬ ‫ما حتتاجه من عتاد ع�سكري وا�ستخباراتي‪ ،‬وبتواط�ؤ �صريح من قبل‬ ‫احلكومة العراقية‪ ،‬كما ك�شفت بع�ض التقارير �أخ�يرا‪ ،‬عن ت�سهيل كل‬ ‫ال�سبل لعبور الدعم الإيراين �إىل �سوريا عرب العراق‪.‬‬ ‫فيما يتعلق بالوجود الع�سكري الإي��راين على الأرا�ضي ال�سورية‪،‬‬ ‫فهو حقيقة ال ي�ساورها ال�شك‪ ،‬فلقد ك�شفت ت�سجيالت الفيديو الأخرية‬ ‫التي ن�شرها الثوار ال�سوريون على مواقع التوا�صل االجتماعي‪ ،‬وقامت‬ ‫قناة الـ«بي بي �سي» الربيطانية (الناطقة بالفار�سية) بتفح�ص هذه‬ ‫املقاطع وعر�ضها على خمت�صني ع�سكريني و�إعالميني‪� ،‬أكدوا بدورهم عدم‬ ‫تعر�ض هذه الت�سجيالت لأي فربكة �أو حماوالت للتالعب مبحتواها‪.‬‬ ‫الت�سجيل امل�صور يظهر منتجا �سينمائيا �إيرانيا �شهريا يدعى هادي‬ ‫باغباين‪ ،‬قام احلر�س الثوري الإيراين ب�إر�ساله من العا�صمة الإيرانية‬ ‫طهران �إىل �سوريا بهدف تغطية العمليات التي يقوم بها �أفراد احلر�س‬ ‫الثوري على الأرا�ضي ال�سورية وطريقة عملهم هناك‪ ،‬ومن ثم يجري‬ ‫�إر�سال ما ي�سجّ ل �إىل قيادة احلر�س الثوري يف طهران لتكون على اطالع‬ ‫كامل مبا يدور على الأر�ضي ال�سورية‪ .‬ولقد �شاهدنا يف الت�سجيل‪ ،‬قيام‬ ‫�ضباط من احلر�س الثوري بتفقد القرى يف ريف حلب وتوجيه الأوامر‬

‫للجي�ش ال�سوري وكذلك توجيه انتقادات حادة لطريقة عملهم‪ ،‬خا�صة‬ ‫فيما يتعلق باحلواجز التي يقيمها اجلي�ش النظامي يف تلك املناطق‪ .‬كما‬ ‫قام املنتج الإي��راين ب�إجراء مقابالت مع بع�ض �ضباط احلر�س الثوري‬ ‫الإي��راين املوجودين يف القاعدة الع�سكرية الإيرانية هناك‪ ،‬وتوثيق‬ ‫ن�شاطهم اليومي داخل القاعدة وخارجها‪ .‬ول�سوء حظ �إيران‪ ،‬فقد قرر‬ ‫هذا املنتج ال�سينمائي مرافقة وحدة �إيرانية تقوم با�ستطالع وم�سح‬ ‫للمنطقة‪ ،‬ولكنهم وقعوا يف فخ حمكم خطط له الثوار ال�سوريون بعناية‬ ‫فائقة‪ .‬ملحت الفرقة الإيرانية �شيئا ما حترك يف �إحدى مناطق ريف‬ ‫حلب و�أرادت الت�أكد منه‪ ،‬ولكن تفاج�أت بعد حلظات �أنها قد وقعت يف فخ‬ ‫مل تتوقعه ودارت معركة �شر�سة بني اجلانبني انتهت مبقتل معظم �أفراد‬ ‫هذه الوحدة الإيرانية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل امل�صور املرافق‪ ،‬وبالتايل و�صل‬ ‫الثوار ال�سوريون �إىل الكامريا ووجدوا هذه التف�صيل كاملة‪ .‬ولقد �أقيم‬ ‫يف �إيران �أخريا مرا�سم ت�شييع ملن قتل من �أفراد احلر�س الثوري يف �سوريا‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل هذه الوحدة فقد طالعنا الإعالم الإيراين قبل ب�ضعة �أيام‬ ‫بخرب مقتل �أحد �أهم قياديي احلر�س الثوري يف �سوريا ويدعى حممد‬ ‫جمايل زاده‪ ،‬وهو ع�ضو يف احلر�س الثوري وكان يعمل قبل توجهه �إىل‬ ‫�سوريا يف مع�سكر «ثار اهلل» التابع للقوات الربية يف احلر�س الثوري يف‬ ‫مدينة كرمان الإيرانية‪.‬‬ ‫الك�شف عن وج��ود القوات الإيرانية على الأرا��ض��ي ال�سورية مل‬ ‫يتوقف عن هذا احلد‪ ،‬بل و�صل �إىل �أبعد من ذلك فقد ك�شف ع�ضو جلنة‬ ‫الأمن القومي وال�سيا�سة اخلارجية يف الربملان الإي��راين جواد كرميي‬ ‫قدو�سي‪� ،‬أخ�يرا‪ ،‬عن وج��ود مئات الكتائب الع�سكرية التابعة لإي��ران‬ ‫التي تقاتل �إىل جانب ق��وات ب�شار الأ�سد‪ ،‬م�ؤكدا وق��وف �إي��ران خلف‬ ‫«االنت�صارات» التي حققها اجلي�ش ال�سوري �أخ�يرا‪ ،‬على حد تعبريه‪..‬‬

‫و�أ�ضاف قدو�سي‪« :‬توجد مئات الكتائب الإيرانية على الأرا�ضي ال�سورية‪،‬‬ ‫وقد ت�سمعون �أنباء عن انت�صارات على ل�سان قائد ع�سكري �سوري‪� ،‬إال �أن‬ ‫القوات الإيرانية هي التي تقف خلف تلك االنت�صارات»‪ .‬هذا االعرتاف‬ ‫ال�صريح ت�سبب يف كثري من االنتقادات لقدو�سي‪ ،‬كما خرج املتحدث با�سم‬ ‫احلر�س الثوري للإعالم وينفي ذلك جملة وتف�صيال‪.‬‬ ‫هذا الت�سجيل وغريه من الت�سجيالت التي جرى ت�سريبها �أخريا‪،‬‬ ‫وكذلك ت�صريحات بع�ض امل�س�ؤولني الإيرانيني‪ ،‬ال ي�ضيف �إىل احلقيقة‬ ‫التي يدركها اجلميع الكثري‪ ،‬بل �إن ذل��ك مزيد من التوثيق للوجود‬ ‫الع�سكري الإي��راين على الأرا�ضي ال�سورية والقتال �إىل جانب النظام‬ ‫�ضد ال�شعب ال�سوري‪ ،‬ويظهر بجالء �أن املعركة يف �سوريا وتعقيداتها �أكرب‬ ‫من النظام ال�سوري وقدراته مبراحل كبرية‪.‬‬ ‫هذا التكتل الكبري خلف النظام احلاكم يف �سوريا من قبل حلفائه‬ ‫خا�صة رو�سيا و�إيران‪ ،‬يقابله ت�شرذم واختالف يف وجهات النظر للقوى‬ ‫العربية والإ�سالمية الأخ��رى يف املنطقة‪ .‬يالحظ املتابع ملا ي��دور يف‬ ‫املنطقة من م�ستجدات تراجعا كبريا يف مواقف بع�ض الدول العربية‬ ‫والإ�سالمية الأخرى‪ ،‬خا�صة فيما يتعلق باملوقف الرتكي الذي تغري كثريا‬ ‫يف الأ�شهر القليلة املا�ضية �سيما بعد عزل الرئي�س امل�صري حممد مر�سي‪.‬‬ ‫ختاما‪ ،‬م�ؤ�شر بو�صلة م�ستقبل املنطقة ي�شري نحو �سوريا‪ ،‬فدعم‬ ‫الثورة ال�سورية ميثل اخليار اال�سرتاتيجي وال�سيا�سي الوحيد لدول‬ ‫املنطقة‪ ،‬متى ما �أرادت كبح جماح مطامع �إي��ران التو�سعية‪ .‬لذا فعلى‬ ‫دول املنطقة االلتفاف حول بع�ضها يف هذا اجلانب وتوحيد موقفها �إزاء‬ ‫ما يدور على الأرا�ضي ال�سورية بعيدا عن �أي مواقف حزبية وخالفات‬ ‫�آيديولوجية وحماوالت للمقاي�ضة فيما يتعلق ببع�ض الق�ضايا ال�صغرية‬ ‫هنا وهناك‪ ،‬فكل ذلك لن يزيد هذه الدول �إال ت�شرذما وفرقة و�ضعفا‪.‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫امل�سرحية ال�سورية �أمل عمران‪ ..‬جنمة بني زمنني‬ ‫على عك�س مرحلة ال�ستينات وال�سبعينات‪ ،‬املرحلة التي عرف‬ ‫فيها امل�سرح ال�سوري جنوما من �أمثال “عبد اللطيف فتحي‪� ،‬أديب‬ ‫قدورة‪ ،‬خالد تاجا‪ ،‬مها ال�صالح‪� ..‬إلخ”‪ ،‬وهم املمثلون الذين اكت�سبوا‬ ‫�شهرتهم من خالل عملهم يف امل�سرح بالدرجة الأوىل‪ ،‬كانت العقود‬ ‫الأخرية من حال فن التمثيل يف �سوريا‪.‬‬ ‫مع مطلع الألفية اجلديدة‪ ،‬باتت الأ�سماء تندر يوما بعد �آخر‪،‬‬ ‫فالذاكرة ال�سورية مازالت حتتفظ ببع�ض الأ�سماء التي بد�أت عملها‬ ‫يف امل�سرح منذ العقود الأخرية من القرن املا�ضي‪ ،‬وال �سيما جتربة رائد‬ ‫امل�سرح ال�سوري فواز ال�ساجر ومن عمل معه‪ ،‬الفرتة التي تعدّ �آخر‬ ‫املحطات التي قدمت ممثلني بارزين يف عامل التمثيل امل�سرحي‪ ،‬لكن‬ ‫ذلك كان قبل �أن يلتهمهم الإنتاج التلفزيوين وي�ضيعوا يف متاهاته‪.‬‬ ‫ويف ف�ترة معا�صرة لفرتة جنومية معا�صري ال�ساجر ظهرت‬ ‫موهبة متثيلية ا�ستطاعت �أن تقدم موهبتها يف وقت الح��ق‪� ،‬أمل‬ ‫عمران (‪ ،)1968‬الفتاة التي طرقت باب التمثيل م�صادفة‪ ،‬مل تخف‬ ‫منذ اللحظات الأوىل طاقاتها الهائلة وعفويتها غري املحدودة‪ ،‬فمن‬ ‫حلم الطفولة ‪�-‬أن جتتاز بحر املان�ش �سباحة‪� ،-‬إىل درا�ستها للقانون‪،‬‬ ‫ثم بدء حكاية جديدة‪ ،‬حكاية ت��روي عالقة �أم��ل بامل�سرح‪،‬‬ ‫ومن ّ‬ ‫فعند كل �شخ�صية تقدمها املمثلة ال�سورية‪ ،‬يف�ضح �صمتها الكثري من‬ ‫احلقائق‪ ،‬لعل �أهمها هو الإميان ب�أن امل�سرح هو مكان للأمل‪.‬‬ ‫فرادة الأداء‬ ‫عند دخولها املعهد العايل للفنون امل�سرحية عام ‪ ،1985‬مل تكن‬ ‫عمران قد اطلعت على كال�سيكيات امل�سرح العاملي‪ ،‬لذلك واظبت خالل‬ ‫�سني درا�ستها على بذل جهود م�ضاعفة‪ ،‬لتجد مكانا لها يف زمن �شهد‬ ‫ّ‬ ‫حراكا م�سرحيا متميزا‪.‬‬ ‫كما برزت �أمل كموهبة ا�ستثنائية يف م�شروع تخرجها من املعهد‬ ‫العايل للفنون امل�سرحية (م�سرحية الدب عام ‪ ،)1989‬ثم لت�سافر‬ ‫خارج بلدها ملتابعة حت�صيلها الأكادميي يف معهد للرق�ص التعبريي يف‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫مل ت�ستكن �أمل ل�شروط مهنة التمثيل امل�سرحي التي تبخ�س عمل‬ ‫الفنان وجتعل خياراته �أقل نوعية‪ ،‬فعُرفت دائما برف�ضها للمنظومة‬ ‫ال�سائدة التي حتط من قيمة املمثلني امل�سرحيني ال�سوريني‪ ،‬ف�صوتها‬ ‫كان عاليا دائما لإعادة االعتبار لهذه املهنة والت�أكيد على �أهمية‬ ‫�ضمان حقوق امل�شتغلني يف امل�سرح‪ .‬الأم��ر ذات��ه ك��ان يف خياراتها‬ ‫الفنية‪ ،‬فكانت تختار �أدوارها بعناية فائقة‪ ،‬فاالختالف هو ما كان‬ ‫يجمع بينها‪ ،‬فمجمل ال�شخ�صيات التي تقم�صتها كانت ت�شي مب�ضمون‬

‫عالقة ندية بني �أمل وبني ال�شخ�صية املكتوبة على ال��ورق‪ ،‬لذلك‬ ‫كانت �سيدة اخليارات ال�صعبة‪ ،‬حيث تت�سم جممل الأدوار التي لعبتها‬ ‫بالفرادة �أوال وقبل كل �شيء‪.‬‬ ‫عرفها اجلمهور امل�سرحي ال�سوري كممثلة متميزة بعد جتربتها‬ ‫مع املخرج العراقي جواد الأ�سدي يف م�سرحية (تقا�سيم على العنرب‬ ‫ع��ام ‪ ،)1994‬ثم تتالت جناحات عمران على اخل�شبة‪ ،‬ففي كل‬ ‫جتربة الحقة �أكدت على �أنها جهد ا�ستثنائي لطاقة متجددة‪ ،‬وك�أنها‬ ‫يف كل مرة تدخل يف حتدّ مع ذاتها ومع ال�شخ�صية املكتوبة‪ .‬هكذا‬ ‫جاء عملها على ن�ص جان جييه (اخلادمات)‪ ،‬مع املخرج نادر قا�سم‪،‬‬ ‫كذلك‪ ،‬يف حمطة هامة لعبت بطلة (تقا�سيم على العنرب) �شخ�صية‬ ‫“فيدر” (‪ )2004‬مع املخرج الفرن�سي فران�سوا بيزانتي‪.‬‬ ‫م�سرح وحياة‬ ‫يف ال�سنوات الأخرية‪ ،‬تركت عمران ب�صمة هامة يف حركة امل�سرح‬ ‫ال�سوري والعربي‪ ،‬عندما متيزت مع املخرج الكويتي �سليمان الب�سام يف‬ ‫�أداء �شخ�صية امللكة مارغريت يف “ريت�شارد الثالث” (عام ‪،)2008‬‬ ‫العمل الذي عر�ض على �أهم خ�شبات امل�سرح يف العامل‪ .‬ومل تتوقف‬

‫‪2013-11-24‬‬

‫�أحمد با�شا‬

‫جناحاتها بعدها‪ ،‬فقدمت “حدث ذلك غدا” (عام ‪ )2010‬للمخرج‬ ‫ال�سوري �أ�سامة غنم‪ ،‬ف�سلبت �أمل حينها �أنظار امل�شاهدين و�سحرتهم‪،‬‬ ‫يف �أداء �صامت قارب ال�ساعتني‪ .‬بحركة ج�سدها وبنظراتها املتمردة‬ ‫داخل حمم�صة قدمية (مكان العر�ض)‪� ،‬أكدت عمران ب�أنها واحدة‬ ‫من عمالقة التمثيل امل�سرحي يف عا�صمة الأمويني‪.‬‬ ‫�ضمن جدلية امل�سرح‪ -‬احلياة‪ ،‬كانت �أمل عمران‪ ،‬وال تزال‪ ،‬تت�سم‬ ‫باجلر�أة واحليوية يف احلياة‪ ،‬كما على اخل�شبة‪ ،‬فكانت تقيم ور�شات‬ ‫العمل والدورات التدريبية يف خمتلف املحافظات ال�سورية‪ ،‬فالت�صقت‬ ‫بامل�سارح الفقرية‪ ،‬ودافعت عن �أحقية �أحالم الهواة يف امل�سرح‪ ،‬فكانت‬ ‫قريبة منهم دائما‪ ،‬تعطيهم الكثري من وقتها وم��ن جهدها‪ .‬على‬ ‫عادتها‪ ،‬كانت ابنة ال�ساد�سة والأربعني عاما بحجم ا�سمها‪ ،‬فعملت‬ ‫على دعم الثورة ال�سورية بعيدا عن ال�شعارات والعناوين ال�سيا�سية‬ ‫العري�ضة‪ ،‬هي طاقة خالقة على اخل�شبة وخارجها يف بريوت (مكان‬ ‫�إقامتها)‪ ،‬فقدمت عمل “يوم للثورة ال�سورية” (عام ‪ .)2012‬ومازالت‬ ‫م�ستمرة يف عملها مع الأطفال مبخيمات الالجئني ال�سوريني يف لبنان‪،‬‬ ‫علها تعيد لهم �شيئا من الأمل ال�سوري املهدور‪.‬‬

‫الرواية وهذا الواقع‪ /‬فواز حداد‬ ‫يجرتح الروائي مفهوم ًا خمتلف ًا للرواية‪ ،‬هكذا يظن‪ ،‬ي�ستقيه من واقع جتربته‪ ،‬ال من كتابات‬ ‫النقاد‪ ،‬العمل النقدي �أو�سع و�أ�شمل وافرتا�ضي‪ .‬جتربة الروائي �أبعد ما تكون عن التنظري‪� ،‬إذ هي‬ ‫تعنيه وحده‪ ،‬ومن دون اخل�شية من ارتكاب �أخطاء نقدية ج�سيمة‪ ،‬الإح�سا�س باجلهل‪ ،‬ال مينعه عن‬ ‫امل�ضي قدم ًا نحو املجهول‪ ،‬وهو ما يحدث غالب ًا‪ ،‬هناك يجد بغيته‪ .‬ال يعتدي على املناهج النقدية‬ ‫املعتمدة‪ ،‬بل يدعها للنقاد‪ ،‬وما حماوالته‪ ،‬يف حال كانت مثرية‪� ،‬سوى �أنه ي�ضع نف�سه حمل الناقد‬ ‫واملنقود يف �آن‪ ،‬ويف هذا ميزة يفتقد �إليها بع�ض الروائيني‪.‬‬ ‫ال��رواي��ة بحكم طبيعتها تتخذ من املكان ف�ضاء لها‪ ،‬تتطلبه حركة الأح���داث‪ ،‬وتنقالت‬ ‫ال�شخ�صيات من غرفة النوم �إىل املقهى‪ ،‬والتجوال يف ال�شوارع… لي�س ب�شكل اعتباطي‪� ،‬إذ ال ي�صح‬ ‫تواجدهم بال مربر يف مكان دون �آخر‪ ،‬كما �أن جغرافية املكان‪ ،‬عدا عن دالالتها‪ ،‬تقود �أبطال‬ ‫الرواية �إىل م�صائرهم املحتومة‪ ،‬فت�أخذهم �إىل حيث النهاية‪ ،‬فتقودهم �إىل ج�سر‪� ،‬أو �سكة‬ ‫احلديد‪� ،‬أو �إىل الطابق العا�شر‪� ،‬أو مفرتق طرق… ما يحيلنا �إىل القول‪ :‬املكان هو البطل‪� .‬أما‬ ‫حتديد الزمن‪� ،‬أو حترير الرواية منه‪ ،‬فال ينفيه‪ ،‬بقدر ما ي�ؤكد عليه يف احلالني‪ ،‬فالتهرب منه‪ ،‬ما‬ ‫هو �إال �صدى لفقدانه املزعوم‪.‬‬ ‫يواجه الروائي عندما يتطرق �إىل التاريخ‪ ،‬امل�سافة الزمنية التي تف�صله عن احلدث‪ ،‬ما قد‬ ‫ي�ضعه �أمام مكان‪ ،‬اختفت معامله‪ ،‬وتربعت �أخرى‪� ،‬أومل يتبق منه رمبا‪� ،‬إال �أطالله املوح�شة‪� ،‬أو �أر�ض‬ ‫منب�سطة خاوية على عرو�شها‪ ،‬تفتقد �إىل عنا�صر م�شهد كان يعرفه‪ ،‬وبات يجهله‪ ،‬كما يحدث الآن‬ ‫يف دم�شق‪ ،‬فهي مل تعد كما كانت لكرثة احلواجز وال�شبيحة‪ ،‬و�أي�ض ًا على املنوال نف�سه‪ ،‬لكن على نحو‬ ‫مروع يف املدن والبلدات الأخرى‪ ،‬حيث الدمار �شامل‪ .‬ف�إذا �أراد الكاتب الكتابة عن حم�ص‪ ،‬عليه‬ ‫ا�ستعادة مالحمها من الذاكرة وال�صور‪.‬‬ ‫حتيلنا متغريات الربيع العربي امل�أ�ساوية �إىل ثورات مهدورة‪ ،‬وم�شاهد خاوية‪� ،‬إال من احلطام‬ ‫والركام وجثث القتلى والكالب ال�شاردة‪ .‬ما ي�ضطر الروائي �إىل العمل على روايته‪ ،‬كما لو �أنه يعمل‬

‫على رواية تاريخية‪ ،‬مبعنى �إحياء املكان وا�ستعادة الزمان‪.‬‬ ‫ي�سارع بع�ض الكتاب اليوم �إىل الكتابة عن حدث مل تنته ف�صوله على الأر�ض‪ ،‬وما بقي منه‬ ‫يف علم الغيب‪ ،‬فال الفرقاء يعرفون‪ ،‬وال الذي يحركون الأزمة من بعيد يدركون �إىل �أين �ستودي‬ ‫الأحداث بها‪ ،‬و�إن كانوا يتحكمون مبفا�صلها الكربى‪ ،‬وال �ضمانة يف بقائها حبي�سة احلدود املر�سومة‬ ‫لها‪ ،‬الواقع يختزن املفاج�آت‪ ،‬وما يجري على الأر�ض يجري �أغلبه يف اخلفاء‪ ،‬ال نعلم عنه �سوى‬ ‫القليل‪ .‬يف التاريخ القريب �أكرث من دليل‪ ،‬فالأمريكان مل يخططوا عند غزوهم العراق ت�سليمه‬ ‫اليران‪ ،‬وال الثورة التي اندلعت يف م�صر‪� ،‬أن ينق�ض عليها الع�سكر‪ ،‬بعد انعطافات متوالية �أودت‬ ‫بالثورة �إىل ال�ضياع‪ ،‬و�أن يخونها رعاتها‪ ،‬وتلتب�س بالأ�سلحة واخلاكي‪ ،‬و�أن تنحو الدميقراطية‬ ‫�إىل الدكتاتورية‪ .‬الثورات كلها‪ ،‬ذهبت �إىل حيث مل يرد لها الذين �أطلقوها؛ م�ساراتها �أفرطت يف‬ ‫التقلبات‪.‬‬ ‫�سدنة الرواية يف حرية من �أمرهم‪ ،‬اذ ال ميكن جتاهل مثل هكذا حدث م�صريي ي�شط وميط‪،‬‬ ‫عالق على الأر�ض‪ ،‬بينما التاريخ ومعه الرواية يرتقبان وجهته‪ .‬ال ي�ستطيع الكاتب �إغفال ثورة‬ ‫اعتقد �أنها �ستغري وجه تاريخ املنطقة‪ ،‬ويفكر �أنه باخليال يدركها‪ ،‬ال يجوز تغييب الواقع ل�صالح‬ ‫التنب�ؤ‪� ،‬أو تعوي�ض هذا بذاك‪ .‬الواقع عقبة لي�س ل�صالبته‪ ،‬بل لأنه موجود بقوة‪.‬‬ ‫من املبكر الذهاب �إىل اخليال‪ ،‬وجتاوز واقع غام�ض‪ ،‬الكتابة �ضرورة لأنها الكا�شف عنه‪� ،‬إذ هي‬ ‫�أكرث من فعل كتابة‪� ،‬إنها فعل تب�صر‪ .‬وللخيال دور يف ر�أب ال�صدع بني تالفيفه و�سد ثغراته‪ .‬اخليال‬ ‫احلقيقي هو الذي يقف فوق �أر�ض را�سخة ت�ساعده على ترميم م�شهد يخفي �أكرث مما يف�ضح‪ ،‬لي�س‬ ‫�سواه مهيئ ًا وقادرا على عبور الهوة بينهما‪.‬‬ ‫يف الرواية �سوف يعود الأدب �إىل تعيني املكان وحتديد الزمان‪� .‬إذ ال ميكن ابتكار مكان متخيل‪،‬‬ ‫وال ابتداع زمان وهمي… طاملا القتلى واقع حقيقي‪ ،‬هناك زمان عا�شوا فيه‪ ،‬و�أر�ض م�شوا فوقها‪،‬‬ ‫وتراب دفنوا حتته‪.‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫فادي �سعد‬

‫العدد ‪83‬‬

‫‪2013-11-24‬‬

‫‪2013-9-15‬‬

‫“مالك طائر”‬ ‫حل�سني حب�ش‪ :‬تاريخ �شعري للم�أ�ساة ال�سورية‬

‫�أدرك ال�شاعر ال�سوري ح�سني حب�ش‪ ،‬يف جمموعته‬ ‫ٌ‬ ‫‘مالك طائر’ (ن�صو�ص عن �أطفال �سوريا)‪( ،‬دار‬ ‫اجلديدة‬ ‫‘مومنت’‪ ،‬لندن‪� ،)2013 ،‬أنه ال ميكن الكتابة عن امل�أ�ساة‬ ‫ال�سورية الوا�سعة بعديد �ضحاياها وتفا�صيلها‪ ،‬يف جمموعة‬ ‫�شعرية واح���دة‪ .‬ك��ان ال ب��دّ م��ن اختيار �شهود هُ ��م �أي�ض ًا‬ ‫ال�ضحايا الأكرث �صدق ًا‪ ،‬واخلا�صرة الأكرث �إيالم ًا للم�أ�ساة‪.‬‬ ‫و�إذا كان �أطفال �سوريا هم �أبطال هذه املجموعة و�شهودها‪،‬‬ ‫فلم يفتْ ال�شاعر االعتذار من الذين مل ي�ستطع الكتابة‬ ‫عنهم‪ .‬املجموعة ت�أْ ٌ‬ ‫ريخ �شعري مل�أ�ساة �سوريا‪ ،‬واالعتذار يف‬ ‫مقدّ مة املجموعة‪ ،‬ت�أْريخ ُم َك ِّمل‪.‬‬ ‫ي�ستهل ح�سني حب�ش جمموعته باعتذا ٍر ّ‬ ‫ّ‬ ‫‘لكل‬ ‫هكذا‬ ‫ّ‬ ‫عنهم…لكل �أولئك‬ ‫الأط��ف��ال الذين مل �أ�ستطع الكتابة‬ ‫الذين ُا�ست�شهدوا ُ‬ ‫وقتلوا وق�ضوا حتت الأنقا�ض‪ ،‬الذين‬ ‫ّ‬ ‫�أ ْردتهم ر�صا�صات القنا�صة… ُعذبوا بوح�شية ال مثيل لها‪،‬‬ ‫و�سجنوا‪ ،‬وهُ جروا و�ش ّردوا و ُي ّتموا وفقدوا مدار�سهم‬ ‫و�أُذ ّلوا ُ‬ ‫وج��رح��وا‬ ‫ومالعبهم… وال��ذي��ن يعي�شون يف املخيمات‪ُ ،‬‬ ‫و�أُ���ص��ي��ب��وا بعاهات و�إعاقات… ال��ذي��ن غ��رق��وا و ُف��ق��دوا‬ ‫ُ‬ ‫وغ ّيبوا…’‪ .‬االعتذار ميتدّ ل ُيكمِل مع املجموعة ال�سرد‬ ‫الكامل لهو ّيات وحكايات �ضحايا �سوريا الأكرث براءة‪.‬‬ ‫منذ الق�صائد الثالث الأوىل‪ ،‬يحدّ د ال�شاعر‪ ،‬ثالوث‬ ‫امل�صائر ال�سوري الذي �سيتك ّرر الحق ًا يف �صفحات املجموعة‬ ‫ب�أ�شكال �شعرية خمتلفة‪ .‬الثالوث الذي �سريقد بني �أ�ضالعه‬ ‫�أطفال �سوريا‪ :‬امل��وت؛ الرعب والندوب النف�سية؛ ال ُيتم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫�ستحتل‬ ‫هذا الثالوث تقف على ر�أ�سه ثيمة ‘املوت’ التي‬ ‫الن�صيب الأكرب من ق�صائد الكتاب‪ .‬لذلك ربمّ ا‪ ،‬يفتتح حب�ش‬ ‫جمموعته بق�صيدة ي�س ّميها ‘�صعود’‪ ،‬الق�صيدة التي �ستكون‬ ‫�أوىل النبوءات عن ال�صعودات ال�سماوية التي �سنقر�ؤها‬ ‫رب اجلريان‪ /‬مبجيء‬ ‫تباع ًا‪:‬‬ ‫ال�سلم‪ /‬ليخ َ‬ ‫‘ال�صبي الذي �صعد ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ال�سماء!’‪.‬‬ ‫الطائرات‪ /‬وبدء الق�صف‪� /‬أكمل �صعوده �إىل ّ‬ ‫الق�صيدة (الثيمة) الثانية ‘جناة’‪ ،‬ي�ضعها حب�ش �أمام وجهنا‬ ‫�سريع ًا‪ .‬الناجون‪ ،‬لن مت ّر عليهم املذبحة من دون �آثار طاحنة‬ ‫ق�صته َ‬ ‫بيدين مرجتفتني‪،‬‬ ‫ناج �سيحكي ّ‬ ‫على �أرواحهم‪ .‬جيل ٍ‬ ‫ون��دوب �أبد ّية‪‘ :‬من ال ّرعب وه��ول املذبحة‪ /‬انعقد ل�سان‬ ‫ق�صة جناته العجيبة‪/‬‬ ‫الطفل‪ /‬بيديه املرجتفتني‪ /‬روى ّ‬ ‫ً‬ ‫كاملة’‪ .‬ثيمة ‘الـ ُيتم’ التي تكمل ثالوث املجموعة‪ ،‬تظهر يف‬ ‫الق�صيدة الثالثة ‘تمَ ويه’‪َ :‬‬ ‫‘قبل �أن تلفظ �أنفا�سها الأخرية‪/‬‬ ‫َ�صبغت الأ ّم بدمها ال ّنازف‪َ /‬ج�سد طفلها!‪ /‬جنا الطفل من‬ ‫املذبحة!’‪ .‬جناة �أخرى‪ ،‬من دون الأ ّم هذه املرة‪.‬‬ ‫ال ُبعدان املتوازيان اللذان يحر�ص حب�ش على ّ‬ ‫خطهما‬ ‫بطريقة متناغمة يف جمموعته‪ ،‬هما البعد ال�شعري‪ ،‬والبعد‬ ‫ني وا�سعة على‬ ‫الـت�أريخي الأر�شيفي‪ .‬ال�شاعر يكتب‪ ،‬بع ٍ‬ ‫اجلمالية ال�شعرية‪ ،‬والعني الأخرى على التاريخ‪ .‬التاريخ‬

‫هنا لي�س مبعناه املج ّرد املطلق‪ ،‬بل تاريخ الثورة ال�سورية‬ ‫حتديد ًا عرب �ضحاياها الأطفال‪ .‬برباعة وجن��اج‪ُ ،‬تر�صد‬ ‫و ُتل َتقط بع�ض املنعطفات امل�أ�ساوية التاريخية للثورة‪،‬‬ ‫ب�شخو�صها و�أماكن حدوثها‪ ،‬و ُتو َّثق �شعري ًا يف الق�صائد‪.‬‬ ‫اخلط الأفقي للتاريخ‪ ،‬مي�سك به ال�شاعر يف بع�ض نقاطه‪،‬‬ ‫وميدّ من هذه النقاط خطوط ًا عمودية �شعرية‪ ،‬ميتدّ طرفاها‬ ‫يف املخ ّيلة والتقنية الكتابية اخلبرية‪ .‬الأحداث التاريخية‬ ‫التي اختارها ال�شاعر‪ ،‬كانت بالت�أكيد تلك التي ح ّركتْ‬ ‫بعنفها وم�أ�ساو ّيتها الرغبة يف كتابتها‪ ،‬وت�أبيدها �شعري ًا‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬ي�أخذنا اخل� ّ‬ ‫�ط التاريخي يف ق�صائد املجموعة من‬ ‫جمازر بابا عمر (‘ع�صافري بابا عمر’)‪ ،‬وا ُ‬ ‫حلولة (‘غ�ضب’)‪،‬‬ ‫والرتمي�سة (‘�أطفال الرتمي�سة’)‪� ،‬إىل �أطفال �ضحايا حفروا‬ ‫�أ�سماءهم يف الوعي ال�سوري اجلديد امل�صدوم‪ ،‬فنقر�أ ق�صائد‬ ‫عن حمزة اخلطيب (‘حمزة اخلطيب’)‪ ،‬و�شانتال ع� ّواد‬ ‫(‘جنمة’)‪ ،‬وناتايل اخلطيب (‘ال ّلهاية’)‪ ،‬وفاطمة املغالج‬ ‫(‘الطفلة فاطمة املغالج’)‪ ،‬و�أديل زعرتي (‘�أديل يا طفلتي‬ ‫اجلميلة!’)‪.‬‬ ‫احلوا�شي التو�ضيحية يف نهاية بع�ض الق�صائد ت�ؤكدّ‬ ‫الهم التوثيقي للمجموعة‪ ،‬ال��ذي ح��اول �أن يكون �شام ًال‬ ‫ّ‬ ‫قدر الإمكان لأوجه امل�أ�ساة العديدة‪ ،‬حيث نقر�أ عن ق�صف‬ ‫الطائرات والقن�ص وال�سيارات ّ‬ ‫املفخخة و�سكاكني املذابح‬ ‫الهم التوثيقي الذي مل ين�س �أن مي ّر على‬ ‫و�أهوال النزوح‪ّ .‬‬ ‫اللحظة الأكرث م�صريية يف م�سار التاريخ ال�سوري اجلديد‬ ‫يف ق�صيدة ‘�أطفال درعا’‪‘ :‬تذ ّكر‪ ،‬و�أنت مت ّر من درعا‪� /‬أن‬ ‫قر�س قزح‪ /‬وتقول لهم‬ ‫ُتهدي �أطفالها َطبا�شري ًا‪ /‬ب�ألوان ٍ‬ ‫ب�أنّ �أ�صابعهم‪ /‬ما زالت من ذهب’‪ .‬هذه الق�صيدة (واحلا�شية‬ ‫املرافقة لها) تطفو على وجهها‪� ،‬أعلى من غريها‪ ،‬الر�ؤية‬ ‫ال�سيا�سية‪ .‬ف�أحد �إجنازات املجموعة‪� ،‬أنّ حب�ش يتكلم على‬ ‫تداعيات حدث تاريخي �سيا�سي بامتياز‪ ،‬من دون �أن يرتك‬ ‫تف�سد ال�شعر‪� ،‬أو تتقدّ مه‪ .‬كما �أنّ هذه الق�صيدة‬ ‫ال�سيا�سة ِ‬ ‫ٌ‬ ‫(‘�أطفال درعا’)‪ ،‬وق�صيدة �أخ��رى بعنوان ‘مالك طائر’‪،‬‬ ‫خل�صتا من ثالوث‬ ‫هما الق�صيدتان الوحيدتان تقريب ًا اللتان َ‬ ‫امل�صائر امل�أ�ساوي‪ .‬يف ‘مالك طائر’‪ٌ � ،‬‬ ‫ً‬ ‫أمل ُم ّ‬ ‫ب�شر يربز فارقا بني‬ ‫ق�صائد املجموعة‪‘ :‬الطفلة التي َربطوا يديها املك�سور َتني‪/‬‬ ‫بال�شا�ش الأبي�ض‪� /‬أ ّ‬ ‫حلت على �أمها �أن تعرف‪ /‬ملاذا يداها‬ ‫مربوطتان هكذا؟’‪ ،‬ويُنهي ال�شاعر الق�صيدة‪�‘ :‬إ ّنها تتعافى‬ ‫كجناحني‪ /‬وحتاول الطريان’‪.‬‬ ‫ر َويد ًا رويد ًا‪ /‬حت ّرك يديها‬ ‫َ‬ ‫اختار ال�شاعر هذه الق�صيدة عنوان ًا ملجموعته‪ .‬ق�صيدة‬ ‫الأمل �أ�صبحتْ هي العنوان‪ .‬ربمّ ا �أراد ح�سني حب�ش‪ ،‬و�سط‬ ‫هذا اخلراب‪� ،‬أن يخربنا نبوء ًة ما بهذا االختيار‪.‬‬ ‫ق�صيدة ال��ن�ثر ال��ت��ي كت َبها حب�ش يف ‘مالك طائر’‪،‬‬ ‫ا�ستطاعتْ ‪ ،‬عرب �ش�ساعة املخ ّيلة ون�ضج نقدي يف الكتابة‬

‫ال�شعرية‪ ،‬اجتيا َز �أحد االختبارات الأك�ثر د ّقة وخطورة‬ ‫بر�أيي لكتابة ال�شعر ن�ثر ًا‪ :‬اختبار عدم الوقوع يف النرث‪.‬‬ ‫اختبار تك�سري النرث‪ .‬ذلك املفهوم الذي �شك ّلته مارغريت‬ ‫ٌ‬ ‫‘تقليد من الهدْ م’‪.‬‬ ‫موريف‪ ،‬و�أفرد َْت له بحث ًا مط ّو ًال يف كتابها‬ ‫النرث مبا يعنيه من ان�سياب منطقي �أفقي‪ ،‬و�إحاالت ُمتو َّقعة‪،‬‬ ‫واحرتام للإ�سقاطات التقليدية‪ .‬ف�إذا كان ال�شعر احلديث‪،‬‬ ‫الذي يعبرّ عن جن�سه بالق�صد وال�شكل والإحالة‪ ،‬يريد �أن‬ ‫يُكتب بوا�سطة النرث‪ ،‬يبقى عليه مه ّمة االف�تراق عن هذا‬ ‫النرث بطريقة ما‪ .‬مه ّم َة �أن ال ي�صبح وجه ًا �آخر فقط للنرث‪ .‬قد‬ ‫يرى البع�ض يف تب ّني مفهوم كهذا تعريف ًا فيه بع�ض ال�سلب ّية‪،‬‬ ‫وهو بالفعل كذلك‪ .‬لكنه باملقارنة‪ ،‬تعريف �أكرث و�ضوح ًا‬ ‫و�أقل جتريد ًا‪ .‬كما �أنه كما ذكرنا‪ ،‬واحد من االختبارات‪،‬‬ ‫وال ينفي �ضرورة وجود تعريف �إيجابي لل�شعرية (الغام�ضة‬ ‫التعريف نقدي ًا)‪ .‬تك�سري النرث بالتحديد ال�سابق الذكر‪ ،‬ثم‬ ‫ن�صب ال�شعر على �أنقا�ضه‪ٌ ،‬‬ ‫عمل قام به حب�ش يف جمموعته‬ ‫ْ‬ ‫باحتـراف‪ ،‬وجمالية �إدها�شية مثرية للإعجاب‪.‬‬ ‫ف َعل حب�ش ذل��ك ب�آليات �شعرية يف الدرجة الأوىل‪:‬‬ ‫تغريب الواقع وخلق واقع �شعري بديل؛ اللعب مع املرجعيات‬ ‫اللغوية الـ ُمتعارف عليها؛ حتطيم املنطق ونق�ض التو ّقعات؛‬ ‫�شدّ ال�سرد وتوتريه �إىل �أبعد ح��دوده املمكنة‪ .‬ففي هذه‬ ‫املجموعة‪ ،‬اختار ال�شاعر ال�سرد ب�شكل �أ�سا�سي‪ ،‬معتمد ًا على‬ ‫َ‬ ‫احلدث واحل��وار‪ ،‬كقالب لق�صيدته النرثية‪ .‬اختيا ٌر مالئم‬ ‫عني بالإخبار عن تفا�صيل م�أ�ساة‪.‬‬ ‫ج��د ًا لهذا الديوان املـ َ ّ‬ ‫جزء من ر�ؤية‬ ‫وال ندري �إذا كان هذا االختيار ظرف ّي ًا‪� ،‬أو ٌ‬ ‫�شعرية نقدية �أك�بر‪ .‬فق�صيدة النرث ال�سرد ّية باتتْ �أحد‬ ‫ْ‬ ‫وغدت هذه‬ ‫الأنواع الأكرث ر�سوخ ًا بني �أ�صناف ق�صيدة النرث‪،‬‬ ‫والق�صة الق�صرية بقدر مديونتها‬ ‫الق�صيدة َمدينة للرواية‬ ‫ّ‬ ‫للرتاث ال�شعري‪.‬‬ ‫ينجح ح�سني حب�ش يف توجيه ال�سرد وتكثيفه �شعريا‪ً.‬‬ ‫يقول يف ق�صيدة ‘ابت�سامة’‪‘ :‬الطفل ال�شهيد ال��ذي كان‬ ‫يبت�سم‪ /‬مل يكن يبت�سم لأجل االبت�سام فقط!‪/‬كان بذلك‬ ‫ُي��ه��دّ ئ من ر ْوع �أ ّم���ه‪ /‬ويخ ّفف من حزنها ّ‬ ‫ال�شديد عليه’‪.‬‬ ‫الت�شييء �أي�ض ًا‪ ،‬ي�ستخدمه ال�شاعر لتطعيم �سرده بالده�شة‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬وكتابة ما يُ�س ّمى بـ’ق�صيدة ال�شيء’‪‘ :‬الكامريا‬ ‫التي كانت ُت�ص ّور‪ /‬جثث الأط��ف��ال‪ /‬ارتعبتْ من امل�شاهد‬ ‫خطوات مرتبكة �إىل الوراء‪ /‬وانهمرت‬ ‫املر ّوعة‪ /‬تراجعت‬ ‫ٍ‬ ‫دموع ًا عزيزة‪ /‬من العد�سة’‪(،‬ق�صيدة ‘كامريا’)‪.‬‬ ‫من الوا�ضح �أن حب�ش مل يرغب يف �أن ُت�شغلنا �أ�شياء �أخرى‬ ‫عن �شعرية الق�صائد وكثافتها‪ .‬اللغة التي ي�ستعملها ت�شبه‬ ‫وجه ًا �صافي ًا ينظر �إليك حلظة اال�ستيقاظ‪ :‬لغة خالية‬ ‫من مكياجات البالغة والأ�ساطري‪ .‬لغة ال تريد �أن نن�شغل‬ ‫بحمرة �شفاهها‪ ،‬بل �أن ن�صل فقط من خاللها‪� ،‬إىل قلب الواقع‬ ‫قت�صدة‪ ،‬مع الآليات‬ ‫وجمالية ال�صورة ال�شعرية‪ .‬هذه اللغة املـُ ِ‬ ‫ال�سابقة الذكر‪ ،‬تقوم بدورها املطلوب متام ًا يف ت�شعري ال�سرد‪.‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬جند يف املجموعة ق�صائد قليلة‪ ،‬يقرتب فيها حب�ش‬ ‫ب�شكل خطر من ا�سرتخاء نرثي‪ ،‬على ح�ساب العمق ال�شعري‪.‬‬ ‫يح�صل هذا خ�صو�ص ًا يف الق�صائد الطويلة مثل‪‘ :‬ال ترتكني‬ ‫وحيد ًا يا �أبي’ و’يف رثاء البيوت اجلميلة’‪ .‬ربمّ ا كان هذا‬ ‫اقرتاب ًا مق�صود ًا من ال�شاعر‪ ،‬لغايات توثيقية كما ذكرنا‪،‬‬ ‫نافر يف املجموعة‪ ،‬بالن�سبة �إىل غالبية الق�صائد‪.‬‬ ‫لكنه ٌ‬ ‫قيمة هذه املجموعة (اخلام�سة لل�شاعر)‪ ،‬لي�ست فقط‬ ‫يف املو�ضوع الذي تطرقه‪ .‬ذاك الأمل امل�أ�ساوي الرهيب الذي‬ ‫يخرتق قلب �شعب ب�أكمله‪ ،‬وتلك امللحمة التي ب��د� ْأت من‬ ‫�أ�صابع من ذهب‪ .‬بل تكمن قيمتها �أي�ض ًا‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‪ ،‬يف ال�شكل‬ ‫الذي تكتب به هذا الأمل‪ .‬ال ن�ستطيع دائم ًا‪ ،‬قراءة ق�صيدة‬ ‫نرث بهذا ال�صفاء واجلمال‪.‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫حمطة "تل كوجر" يف م�سار امل�س�ألة ال�سورية‬

‫�أجنزت املانيا عام ‪ 1912‬بالتعاون مع ال�سلطة العثمانية خط قطار‬ ‫ال�شرق ال�سريع‪ ،‬لربط ا�ستانبول مع بغداد‪ ،‬وبالتايل �أوروب��ا مع الهند‪.‬‬ ‫وذلك كرتجمة �سيا�سية لتحالف الدولتني‪ ،‬وتعبري ًا عن طموحات املانيا‬ ‫للتواجد يف ال�شرق الأدنى‪ .‬هذا وقد �شكلت الرغبة الربيطانية ‪ -‬الفرن�سية‬ ‫الحقا للم�شاركة يف اال�ستثمار والتحكم بهذا اخل��ط �أح��د �أ�سباب قيام‬ ‫احلرب العاملية الأوىل‪ .‬هذا اخلط القائم م��ازال يربط نظريا حلب مع‬ ‫املو�صل فبغداد‪ ،‬عرب حمطة تل كوجر‪ ،‬لكن حركة القطارات عليه كانت‬ ‫تتوقف �أو تزداد ح�سب الأو�ضاع ال�سيا�سية والأمنية و�سوية العالقات بني‬ ‫الدول الثالث‪ :‬تركيا‪� ،‬سوريا‪ ،‬العراق‪ .‬احتفظ خط قطار ال�شرق ال�سريع‬ ‫بخلفيته ال�سيا�سية‪ ،‬بل ظل م�ؤ�شرا فيزيائيا على درجة حرارة العالقات‬ ‫احلكومية العراقية ‪ -‬ال�سورية على وجه اخل�صو�ص‪ .‬فقد اغلق اخلط مع‬ ‫بوابة "تل كوجر" متاما ملدة تقارب الع�شرين �سنة‪ ،‬ابان حكم البعث يف‬ ‫كل من �سوريا والعراق‪ ،‬حتى كادت البلدة �أن تندثر‪ .‬ما هو مثري لالنتباه‬ ‫ان هذه البلدة ال�صغرية التي ت�أ�س�ست حول حمطة على خط قطار ال�شرق‬ ‫ال�سريع‪ ،‬تت�صف بح�سا�سية �سيا�سية عالية‪ ،‬وتعاود لتحتل واجهة الأحداث‬ ‫الأمنية والع�سكرية يف منعطفات حادة من تاريخ املنطقة ال�سيا�سي‪ ،‬منذ‬ ‫احلرب العاملية الثانية‪ .‬كانت �سهولها اخل�صبة � ً‬ ‫أ�صال مراعي ملا�شية القبائل‬ ‫الكردية الرحل (كوجر) طوال قرون عديدة‪ ،‬حتى ا�ستقرت فيها بطون‬ ‫من قبيلة �شمر البدوية العربية‪ ،‬ابان احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وا�ستقرت‬ ‫يف املنطقة بت�شجيع من ال�سلطتني الربيطانية والفرن�سية‪ ،‬لتحقيق توازنات‬ ‫دميوغرافية وتثبيت احلدود ال�سورية ‪ -‬العراقية‪ ،‬وت�أمينها‪ .‬لذلك مت � ً‬ ‫أوال‬ ‫�إزاحة �سكانها الكوجر نحو ع�شرة كيلومرتات �شماال‪ .‬ثم اعتمدت املحطة‬ ‫معلم ًا حدودي ًا يف�صل كل من �سوريا والعراق‪.‬‬

‫انتع�شت املحطة ‪ -‬البوابة اقت�صاديا‪ ،‬وارتقت اداري��ا‪ ،‬لتلعب دور ًا‬ ‫�سيا�سي ًا وقبلي ًا �أكرب من حجمها العمراين اجلديد‪ .‬حتقق ذلك �أي�ضا بدعم‬ ‫من �سلطات دم�شق التي ترجمت دعمها وتوجهها ال�سيا�سي بتعريب ا�سم‬ ‫املحطة �إىل (اليعربية)‪ ،‬كما مت نقل املركز الإداري للناحية من بلدة‬ ‫(ديرون �آغا) احلدودية �إليها‪� ،‬أوا�سط القرن الع�شرين‪ ،‬بهدف ال�سيطرة‬ ‫على الريف الكردي ال�شمايل وربطه مع هذه البلدة‪ ،‬املت�شكلة حول حمطة‬ ‫القطار‪.‬‬ ‫الغاية من هذا ال�سرد الوجيز هو التذكري ب�أن هذه البلدة احلدودية‬ ‫الهام�شية‪ ،‬والتي اليتجاوز عدد �سكانها �سبعة �آالف ن�سمة‪ ،‬كانت ومازالت‬ ‫تت�سم ب�سمات جيو�سيا�سية رمزية‪ ،‬منذ ت�أ�سي�سها مطلع القرن املا�ضي وحتى‬ ‫االنتفا�ضة ال�سورية الراهنة‪ .‬ففي �أوا�سط عام ‪ 2012‬وبعد ان�سحاب قوات‬ ‫النظام من املناطق الكردية‪� ،‬سيطرت جمموعات ا�سالمية م�سلحة على هذه‬ ‫البلدة‪ ،‬فاغلق النظام �إحدى عينيه على وجودها حتى �أواخر ت�شرين الأول‬ ‫‪ .2013‬وبهذا تكون قد �سيطرت "كتائب من املعار�ضة ال�سورية امل�سلحة"‬ ‫عليها مل��دة تقارب ال�سنة‪ ،‬من دون ان تبذل ق��وات النظام املتواجدة يف‬ ‫مدينتي القام�شلي واحل�سكة‪� ،‬أي حركة جدية لإخراجها‪ .‬فقد كان وجودها‬ ‫�إ�شكالي ًا يف الأ�سا�س‪ ،‬ويثري �أكرث من ت�سا�ؤل‪ ،‬لأنه من ال�صعب ا�ستقرار قوات‬ ‫املعار�ضة فيها‪� ،‬أيا كانت قدراتها‪ ،‬ملدة طويلة من دون حماية جوية‪.‬‬ ‫عملي ًا‪ ،‬تبقى تل كوجر ث��اين �أه��م معرب ح��دودي ر�سمي بني �سوريا‬ ‫والعراق‪ ،‬وتت�صف البلدة بقيمة ا�سرتاتيجية م�ضافة تزداد اليوم بالتوازي‬ ‫مع ارت�سام م�سار الت�سوية ال�سيا�سية املرتقبة للم�س�ألة ال�سورية‪ .‬لذلك مل‬ ‫يكن م�ستغربا ان املعارك التي دارت فيها �أواخر �شهر ت�شرين الأول ‪2013‬‬ ‫قد نالت اهتماما غري م�سبوق من جهات ا�سرتاتيجية واعالمية‪ .‬ففي‬

‫�آزاد �أحمد علي‬

‫الوقت الذي �أكدت قوات حماية ال�شعب الكردية التابعة حلزب ‪P.Y.D‬‬ ‫�سيطرتها على املعرب واملنطقة احلرة ومعظم �أطراف البلدة‪ ،‬مل تتمكن قوات‬ ‫املعار�ضة ال�سورية امل�سلحة االحتفاظ مبواقعها‪ ،‬وبالتايل �ضمت ادارة هذه‬ ‫البلدة �إىل املناطق الكردية املجاورة‪.‬‬ ‫ما هو مثري لالهتمام �أي�ض ًا �أن منطقة تل كوجر وحميطها القريب مل‬ ‫تكن �ضمن �أجندات احلركة الكردية ال�سورية‪ ،‬حيث انها منطقة مت تعريبها‬ ‫منذ �سنوات عديدة وت�سكنها غالبية عربية من قبيلة �شمر‪ ،‬ذات العالقات‬ ‫الطيبة مع جريانهم الكورد (رئي�س ائتالف قوى املعار�ضة ال�سورية هو‬ ‫�أحد �أبنائها)‪ .‬وبالتايل لي�س لتوجه قوات‪ Y.P.G‬اليها يف هذه املرحلة‬ ‫�سوى معنى �سيا�سي ذات عمق اقليمي‪ ،‬وال ميكن ان تفهم اال يف �سياق ترتيب‬ ‫الو�ضع الع�سكري واجليو�سيا�سي على احلدود ال�سورية ‪ -‬العراقية‪ ،‬ومع‬ ‫اقليم كورد�ستان العراق‪ ،‬مبا يتوافق مع اجندات املرحلة ال�سيا�سية املقبلة‪.‬‬ ‫مبعنى انه مت ترتيب الو�ضع ع�سكريا على الأر���ض بحيث يخدم م�شروع‬ ‫الت�سوية ال�سيا�سية املرتقبة للم�س�ألة ال�سورية‪ ،‬وي�ساهم يف ترجيحها‪ .‬ويف‬ ‫جانب �آخر �أكرث ح�سا�سية‪ ،‬ميكن لالحتفاظ بتل كوجر �أن ي�ؤمن لوج�ستيا‬ ‫ً‬ ‫وتوا�صال جغرافي ًا بني ق��وات ‪ Y.P.G‬الكردية والقوات‬ ‫حركة م��رور‬ ‫العراقية التابعة حلكومة املالكي‪ ،‬وبالتايل ت�أمني طريق جغرايف �آمن بني‬ ‫طهران ودم�شق عرب معرب تل كوجر ومطار قام�شلي الدويل‪.‬‬ ‫اذا كتب لهذه الواقع الع�سكري اجلديد اال�ستقرار والثبات‪ ،‬رغم‬ ‫�صعوبته‪ ،‬فيمكن خلط �سكة قطار ال�شرق ال�سريع ان يعمل من جديد‪ ،‬بعد‬ ‫ت�أ�سي�سه مبائة عام‪ ،‬ولكن وعلى الأرج��ح لي�س لنقل الب�ضائع‪� ،‬إذ �سيكون‬ ‫عمله �سيا�سيا �صرفا‪ ،‬ورمبا �سينطلق يف احلالة هذه من طهران باجتاه بغداد‪،‬‬ ‫ف�إىل �أوروبا‪ .‬ان فر�ص حتقق هذا الت�صور تزداد ح�سب درجة جناح زيارة‬ ‫املالكي الأخرية �إىل وا�شنطن‪ ،‬والنتائج العملية للقائه مع �أوباما يف ‪1/1‬‬ ‫‪ ،1‬وما تت�ضمن من تفا�صيل فرعية حتت عنوان اعالنهما التعاون ملكافحة‬ ‫االرهاب‪ .‬ف�شكوك املراقبني حتوم حول �سر ترافق هذه الزيارة مع �سيطرة‬ ‫قوات ‪ Y.P.G‬على معرب تل كوجر احل��دودي‪ .‬مهما يكن‪ ،‬فعلى الأرجح‬ ‫�أن مالمح م�شروع �سيا�سي جديد يتبلور يف املنطقة‪ ،‬هذا امل�شروع الذي بات‬ ‫يحدد احداثيات حزب ‪ P.Y.D‬وقواته الع�سكرية بدقة وو�ضوح �أكرث‪،‬‬ ‫على ال�ساحة ال�سورية واالقليمية‪ ،‬فلم يعد انخراطه يف خدمة حمور‬ ‫طهران ‪ -‬بغداد ‪ -‬دم�شق تكهنا‪ ،‬وال قراءة نظرية‪ ،‬وامنا انخراط عملياتي‪،‬‬ ‫�صريح ولوج�ستي‪� ،‬أ�سوة بنظريه حزب اهلل اللبناين‪ .‬ويظل امللمح الآخر‬ ‫لهذا امل�شروع هو االرتفاع املطرد لدور حكومة بغداد‪.‬‬ ‫ان حمطة تل كوجر تبدو اليوم على الرغم من �صغرها‪� ،‬أح��د �أهم‬ ‫املحطات ال�سيا�سية و�أخطرها يف م�سار الت�سوية ال�سورية‪ ،‬ورمبا تكون �أول‬ ‫حمطة لي�س لنقل الركاب غري املرغوب بهم �إىل جنيف وح�سب‪ ،‬وامنا‬ ‫انطالقة مل�شروع هدنة وت�سوية �سيا�سية كبرية تفعل دور حكومة املالكي‪،‬‬ ‫وتر�سخ نفوذ طهران‪ ،‬وجتمد كثريا من مفاعيل الزلزال ال�سوري‪ ،‬ورمبا‬ ‫تعطي فر�صة للإدارة الأمريكية‪ ،‬احلائرة واملنهكة‪ ،‬لرتتاح ولو قليال يف هذه‬ ‫املرحلة‪.‬‬

‫حزب الله يخاف ال�سخرية‬

‫غ�ضبت الأ�سبوع املا�ضي يف لبنان جموع �شعبية (�أو ا�ستغ�ضبت!!) لأن برناجما �ساخرا تناول‬ ‫�شخ�صية الأمني العام للحزب ح�سن ن�صر اهلل‪ .‬ترجم الغ�ضب اعت�صامات وقطعا للطرقات يف‬ ‫ا�ستعادة لـ«غ�ضب �شعبي» مماثل حدث عام ‪ 2006‬حني جرى تقدمي ن�صر اهلل ب�شكل �ساخر �أي�ضا‪.‬‬ ‫لكن وبعد املظاهرات و�أحداث ال�شغب الأوىل عمد مقدمو الربامج ال�ساخرة �إىل جتنب تناول ن�صر‬ ‫اهلل واالكتفاء بتقليد �شخ�صيات �أخرى من حزب اهلل و�إبقاء ن�صر اهلل �شخ�صيا بعيدا عن التناول‪.‬‬ ‫جرى حينها تعميم �أن ن�صر اهلل رجل دين وال جتوز ال�سخرية منه‪.‬‬ ‫كان ذلك قبل الثورات العربية وقبل �أن جتد ال�سخرية طريقا �أكرث جر�أة لها‪ ،‬بحيث بات‬ ‫رجال الدين وال�سيا�سة والزعماء مادة ال�سخرية وعمادها الأول‪� ،‬سواء عرب ر�سوم الغرافيتي �أو‬ ‫ا�سكت�شات تلفزيونية‪� ،‬أو عرب الإنرتنت الذي قد ي�صبح ال�ساحة الوحيدة لهذا النوع من ال�سخرية‬ ‫مع االنتكا�سة التي تعر�ض لها العربي الأهم يف هذا املجال‪ ،‬امل�صري با�سم يو�سف‪.‬‬ ‫وال�سخرية يف لبنان خا�ضعة حل�سابات االنق�سام ال�سيا�سي يف البلد وانق�سام �إعالمه �أي�ضا‪.‬‬ ‫ومعادلة تناول ن�صر اهلل هي يف قلب هذا االنق�سام‪ .‬والنقا�ش هنا لي�س ب�ش�أن امل�ستوى الفني �أو‬ ‫الفكرة التي جرى تقدمي ن�صر اهلل وغريه بها؛ ففي لبنان متيل الربامج ال�ساخرة لأن تكون‬ ‫تهريجا وتقليدا لل�شخ�صيات ولعبا على وتر اجلن�س بابتذال غالب‪� ،‬أكرث مما هي فكرة ملاحة �أو‬ ‫عر�ض لتناق�ض يف�ضي �إىل ال�ضحك‪.‬‬

‫‪2013-11-24‬‬

‫ديانا مقلد‬

‫والربنامج الأخري مل يكن عايل النربة �ضد ن�صر اهلل‪ ،‬بل �إن خمرج الفقرة غالبا ما عرب عن‬ ‫�إعجابه بزعيم حزب اهلل‪ ،‬لكن التظاهر وال�شغب كان مبثابة ر�سالة �إنذار جديدة ملحاولة و�ضع‬ ‫ن�صر اهلل يف اخلانة التي يفرت�ض حمازبوه‪ ،‬رمبا‪� ،‬أن عليه �أن يبقى فيها‪� ،‬أي خانة «الإلهي»‪ ،‬وهي‬ ‫ال�صفة التي حر�ص احلزب على �إحلاقها بنتائج حرب عام ‪ ،2006‬وباتت �شعارا يل�صق بكل ما‬ ‫يفعله‪ ،‬حتى جرت �إحاطة م�شاركة احلزب يف القتال �إىل جانب النظام ال�سوري بالهالة نف�سها‪.‬‬ ‫حزب اهلل الذي بات يت�ضخم على نحو هائل بحيث يقود لبنان وجمهوره نحو حرب انتحارية‬ ‫يف �سوريا هو حزب يكره ال�سخرية؛ فال�سخرية تنزع الهالة التي حتيط بكل املواقف املبنية على‬ ‫الدغمائية �أو اجلمود الفكري والتع�صب لفكرة معينة‪ ،‬كما هو حال احلزب‪ .‬وال�سخرية حت�صننا‬ ‫�ضد عبادة الأ�شخا�ص وهذا ال ين�سجم مع كل جهود تقدي�س ن�صر اهلل‪.‬‬ ‫حزب اهلل يجيد تطويق نف�سه بالغمو�ض وال�سرية لأ�سباب كثرية‪ ،‬ويف قلب ذلك الطوق تخنق‬ ‫ال�سخرية التي غالبا ما تولد جراء االمتعا�ض من اخلطاب الر�سمي الذي ي�ست�شعر متلقيه �أنه‬ ‫يخفي ما هو جوهري‪ ،‬وهذا هو احلال مع خطابات الأمني العام حلزب اهلل‪.‬‬ ‫لكن جمال ال�سخرية احلرة واللماحة ال يزال غري متبلور بعد يف لبنان؛ لذا لي�س م�ستغربا‬ ‫�أن يرتافق رف�ض ال�سخرية مع عنف ما من �أطراف تخ�شى من ت�آكل �أ�سطورتها من ا�سكت�ش هزيل‪.‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫‪2013-11-24‬‬

‫تقرير‪:‬‬ ‫امل�أ�ساة ال�سورية باالرقام التف�صيلية وح�سب املحافظات‬

‫لو انتهت الأزم��ة ال�سورية اليوم‪ ،‬ف�إن البالد حتتاج �إىل‬ ‫‪ 160‬بليون دوالر �أمريكي وع�شر �سنوات كي تعود �إىل ما كانت‬ ‫عليه يف العام ‪.2010‬‬ ‫�أما الآن‪ ،‬ف�إن الأرق��ام ت�شري �إىل اق�تراب «ال�صوملة» من‬ ‫�سورية و�إ�صابتها بـ «نكبة»‪� ،‬إذ �إن �أربعة ماليني �شخ�ص «مهددون‬ ‫باملجاعة» مع حتذيرات دولية من �أن املوجات اجلديدة من‬ ‫اللجوء والنزوح لن تكون لأ�سباب �أمنية �أو �سيا�سية فقط‪ ،‬بل‬ ‫�ستتجاوزها للبحث عن لقمة العي�ش‪� .‬إذ عرب يومي ًا يف الفرتة‬ ‫ال�سابقة �ستة �آالف �شخ�ص �إىل خارج البالد‪.‬‬ ‫وفيما ترتكز الأنظار على نحو ‪� 120‬ألف قتيل �سقطوا يف‬ ‫ال�صراع املبا�شر وعلى رقم مماثل من املعتقلني‪ ،‬فقد �أودى «القتل‬ ‫ال�صامت» بحياة ‪� 200‬ألف �شخ�ص ب�سبب الف�شل يف معاجلة‬ ‫�أمرا�ضهم املزمنة‪� ،‬إ�ضافة �إىل وجود ‪� 200‬ألف �شخ�ص ب�أطراف‬ ‫ا�صطناعية من �أ�صل ‪� 700‬ألف جريح‪ ،‬ما يعني ت�أثر �أكرث من‬ ‫مليون �أ�سرة من �أ�صل خم�سة ماليني بـ «كارثة» من �صنع ب�شري‪.‬‬ ‫هذا ما تو�صل �إليه خرباء �سوريون ودوليون يف تقوميهم‬ ‫للو�ضع ال�سوري بعد نحو ‪� 30‬شهر ًا من اندالع الثورة‪.‬‬ ‫وجاء يف تقرير �أع ّده خرباء مل�صلحة منظمة (ا�سكوا) �أن‬ ‫«حجم الدمار يف �سورية فاق ما ح�صل يف النزاعات واحلروب‬ ‫الأهلية بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬حيث جتاوزت اخل�سائر‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية حدود الأرقام‪ ،‬لت�ش ّكل خطر ًا يهدد‬ ‫الن�سيج االجتماعي وامل�ؤ�س�ساتي للدولة»‪.‬‬ ‫وتفيد الأرق��ام ب�أن الناجت املحلي انخف�ض بن�سبة ‪ 45‬يف‬ ‫املئة‪ ،‬حيث بلغت اخل�سائر يف الأ�صول الر�أ�سمالية ‪ 40‬يف املئة‬ ‫وهي «مدمرة يف �شكل كامل �أو جزئي»‪ .‬وجتاوزت قيمة اخل�سائر‬ ‫‪ 72‬بليون دوالر‪ ،‬علم ًا ان قيمة الناجت املحلي باال�سعار اجلارية‬ ‫يف العام ‪ 2010‬كانت نحو ‪ 59‬بليون دوالر‪.‬‬ ‫وحذر التقرير الذي ناق�شه عدد من اخلرباء ال�سوريني‬ ‫من معظم الأطياف ال�سيا�سية يف الأيام املا�ضية‪ ،‬من �أن البالد‬ ‫تواجه «احتماالت املجاعة للمرة االوىل يف التاريخ احلديث»‪.‬‬ ‫�إذ يعي�ش نحو �أربعة ماليني �شخ�ص حتت خط الفقر الغذائي‬ ‫مقارنة بنحو ‪� 200‬أل��ف �شخ�ص يف العام ‪ .2010‬كما �أن��ه و‬ ‫«للمرة الأوىل �سيكون هناك نحو ‪� 300‬ألف موظف يف القطاع‬ ‫العام يف عداد من هم حتت خط الفقر الغذائي‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫�سيفوق قدرة م�ؤ�س�سات الأمم املتحدة واجلهات املانحة»‪ .‬كما‬ ‫�أدى ارتفاع عدد الذي يرزحون حتت خط الفقر الأدنى (�أي‬ ‫دوالري�ين �أمريكيني يف اليوم) من مليوين �شخ�ص اىل ثمانية‬ ‫ماليني‪� ،‬إىل تفاقم «امل�أ�ساة ال�سورية»‪ .‬كما ارتفع عدد الذين‬ ‫يعي�شون حتت خط الفقر الأعلى من خم�سة ماليني اىل ‪18‬‬ ‫مليون ًا خ�لال العامني املا�ضيني‪ ،‬الأم��ر ال��ذي يهدد بـ «ت�شوه‬ ‫الن�سيج االجتماعي»‪ ،‬ما �سيتطلب �سنوات لـ «ت�صويبه»‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل �أنه يعزز عوامل ال�صراع يف الوقت الراهن‪.‬‬ ‫ح�صار والجئون‬ ‫ويعاين نحو ‪� 300‬ألف �شخ�ص من «ح�صار خانق» تفر�ضه‬ ‫القوات احلكومية‪ ،‬كما يعاين نحو ‪� 50‬ألف ًا من ح�صار مماثل‬ ‫تفر�ضه ق��وات املعار�ضة على بلدتني مواليتني للنظام يف‬ ‫�شمال ال�ب�لاد‪ .‬وقالت من�سقة ال�ش�ؤون االن�سانية يف االمم‬ ‫املتحدة فالريي �آمو�س �إن املناطق التي ي�صعب الو�صول �إليها �أو‬ ‫املحا�صرة ي�سكنها نحو ‪ 2.5‬مليون �شخ�ص وهم يف حاجة ما�سة‬ ‫�إىل «امل�ساعدات العاجلة»‪ .‬بني ه�ؤالء �أكرث من مليون �شخ�ص‬ ‫يتوزعون منا�صفة بني ريف دم�شق جنوب البالد وحلب �شما ًال‬ ‫ونحو ‪� ٣٢٠‬ألف ًا يف دم�شق و‪� ٣٠٠‬ألف يف احل�سكة (�شمال �شرق)‬ ‫و‪� ١٨٥‬ألف ًا يف درعا (جنوب) و‪� ١٥٠‬ألف ًا يف حم�ص يف و�سط‬ ‫البالد‪.‬‬ ‫و�أ�شارت اىل ارتفاع عدد املحتاجني �إىل م�ساعدات �إن�سانية‬ ‫من ‪ 8.6‬مليون اىل ‪ 9.3‬مليون يف الأ�شهر اخلم�سة املا�ضية‪.‬‬ ‫ويُ�شكل هذا الرقم ‪ 42‬يف املئة من ال�سوريني‪.‬‬ ‫ي�ضاف �إىل ذلك‪ ،‬هروب نحو �سبعة ماليني �سوري من مكان‬

‫اقامتهم �سواء بالنزوح �إىل املدن �أو املناطق الآمنة �أو املناطق‬ ‫اخلا�ضعة ل�سيطرة النظام‪ ،‬او باللجوء اىل اخل��ارج‪ ،‬وبينهم‬ ‫نحو ‪ 2.2‬مليون �شخ�ص ُ�سجلوا لدى «املفو�ضية ال�سامية ل�ش�ؤون‬ ‫الالجئني» يف دول اجل��وار‪� ،‬إ�ضافة �إىل ع��دد مماثل من غري‬ ‫امل�سجلني لدى «املفو�ضية»‪.‬‬ ‫وكانت الأمم املتحدة اعتربت �أن �أزمة الالجئني ال�سوريني‬ ‫هي «الأ�سو�أ التي ي�شهدها العامل بعد �أزمة الجئي حرب التطهري‬ ‫العرقي يف رواندا» قبل ع�شرين �سنة‪.‬‬ ‫وفيما ي�ست�ضيف الأردن ‪� 520‬ألف ًا وتركيا ‪� 464‬ألف ًا والعراق‬ ‫‪� 200‬ألف وم�صر ‪� 111‬ألف ًا م�سجلني لدى «املفو�ضية ال�سامية‬ ‫لالجئني» مع تقديرات بوجود ع��دد مماثل يف ه��ذه ال��دول‬ ‫وغريها غري م�سجلني كـ «الجئني»‪ ،‬ي�أتي لبنان يف مقدم الدول‬ ‫امل�ست�ضيفة لل�سوريني‪ .‬و�أفادت م�صادر «املفو�ضية» بوجود ‪790‬‬ ‫�ألف ًا م�سجلني لديها‪ ،‬ا�ضافة �إىل ‪� 45‬ألف فل�سطيني‪ ،‬من �أ�صل‬ ‫نحو ‪ 1.3‬مليون �سوري يف لبنان‪ .‬ومت ت�سجيل ‪� 40‬ألف طفل‬ ‫�سوري يف مدار�س لبنان التي ال ت�ستوعب �سوى ‪ 30‬يف املئة من‬ ‫التالميذ‪ .‬و�أ�ضاف التقرير‪.‬‬ ‫ويف �سورية‪ ،‬تتطابق خريطة �أماكن ن��زوح املهجرين مع‬ ‫خريطة الدمار يف امل�ساكن‪ ،‬حيث دمر نحو ‪ 1.5‬مليون منزل‪،‬‬ ‫الأم��ر ال��ذي يعني �أن البالد يف حاجة اىل ‪ 28‬بليون دوالر‬ ‫وع�شر �سنوات لإعادة بناء هذه امل�ساكن‪ ،‬وفق تقديرات �أولية‪.‬‬ ‫كما �أ�شار تقرير �آخر اىل �أن مليون �شخ�ص فقدوا منازلهم يف‬ ‫�شكل كامل‪ .‬و�إ�ضافة �إىل ذل��ك‪ ،‬تتجذر الأزم��ة االجتماعية‬ ‫بازدياد معدالت البطالة‪� ،‬إذ بلغ عدد العاطلني من العمل ثالثة‬ ‫ماليني �شخ�ص من �أ�صل قوة العمل البالغة نحو خم�سة ماليني‪،‬‬ ‫مقارنة بنحو ‪ 8‬يف املئة يف العام ‪.2010‬‬ ‫ولوحظ �أن اخل�سائر «حمدودة» يف البنية التحتية‪ ،‬مقابل‬ ‫ت�أثر كبري يف القطاع ال�صناعي‪ ،‬حيث قدرت قيمة اخل�سائر‬ ‫بنحو خم�سة باليني دوالر �أمريكي‪ .‬كما انخف�ض يف ال�سنتني‬ ‫املا�ضيتني‪ ،‬انتاج النفط من نحو ‪� 400‬ألف برميل يومي ًا اىل ‪20‬‬ ‫�ألف ًا والغاز من ‪ 30‬مليون مرت مكعب اىل ‪ 15‬مليون ًا يف اليوم‪.‬‬ ‫عودة امرا�ض منقر�ضة‬ ‫ً‬ ‫لكن اخلراب الذي حلق بالب�شر كان «كارثيا» تعززه عوامل‬ ‫تراجع اخلدمات ال�صحية‪ .‬حيث ت�ضرر ‪ 55‬يف املئة من ‪88‬‬ ‫م�ست�شفى منها ‪ 31‬يف املئة خارج اخلدمة‪ ،‬من �أ�صل ‪ 1919‬مركز ًا‬ ‫و�سجلت ‪� 141‬إ�صابة من الطواقم الطبية‪،‬‬ ‫�صحي ًا يف البالد‪ُ .‬‬ ‫ُقتل ‪� 52‬شخ�ص ًا منهم‪ .‬كما غادر عدد كبري من الأطباء‪ ،‬حيث‬ ‫هجر مدينة حم�ص يف و�سط البالد ‪ 50‬يف املئة من �أطبائها ومل‬ ‫يبق فيها �سوى ثالثة �أطباء جراحني‪ ،‬فيما بقي يف حلب ‪36‬‬

‫طبيب ًا من �أ�صل خم�سة �آالف قبل الأزمة‪ ،‬يف وقت بدا الأهايل‬ ‫يف �أ�شد احلاجة اىل الأطباء بفعل ال�صراع‪.‬‬ ‫وقال �أحد الأطباء ال�سوريني املتابعني للملف ال�صحي �إن‬ ‫�سورية التي كانت خالية من فريو�س �شلل الأطفال منذ ‪14‬‬ ‫�سنة‪� ،‬شهدت ت�سجيل ‪ 22‬حالة ا�شتباه بينها ‪ 12‬حالة مثبتة‪،‬‬ ‫فيما قال م�س�ؤول غربي �إن مقابل كل �إ�صابة م�سجلة هناك‬ ‫‪� 200‬إ�صابة غري م�سجلة‪ ،‬مع حتذيرات بانتقال املر�ض �إىل دول‬ ‫جماورة‪ .‬و�أ�ضاف الطبيب �أن منظمات دولية قالت �إنها ل ّقحت‬ ‫‪ 1.5‬مليون طفل «غري �أن الواقع يدل �إىل �أن ه�ؤالء يعي�شون‬ ‫يف مناطق خا�ضعة ل�سيطرة النظام»‪ .‬و�أ�ضاف‪« :‬ظهور �شلل‬ ‫الأطفال يعني فتح �صندوق الكوارث ويُعترب م�ؤ�شر ًا �إىل ف�شل‬ ‫النظام واملعار�ضة واملجتمع ال��دويل يف التعاطي مع الواقع‬ ‫ال�صحي»‪ ،‬ما دفع االمم املتحدة اىل بدء حملة لتلقيح ‪ 20‬مليون‬ ‫طفل يف الدول املجاورة‪.‬‬ ‫وحتدث الطبيب عن «القتل ال�صامت»‪ ،‬ذلك �أن التقديرات‬ ‫تفيد ب ��أن ع��دد الذين ماتوا ب�سبب الأم��را���ض املزمنة مثل‬ ‫ال�سرطان والأزمات القلبية و�أمرا�ض الكلى زاد عن ‪� 200‬ألف‬ ‫�شخ�ص خالل ال�سنتني املا�ضيتني‪ .‬وذكر بوجود ‪� 20‬ألف م�صاب‬ ‫بال�سرطان �سنوي ًا قبل الأزمة‪ ،‬من دون معرفة م�صريهم حالي ًا‪،‬‬ ‫م�شري ًا �إىل وجود ‪� 1500‬سوري م�صابني بال�سرطان يف لبنان‬ ‫وح��ده‪ .‬و�أ�شار �إىل وج��ود ‪� 700‬أل��ف جريح بينهم ‪� 120‬ألف ًا‬ ‫يعانون �إعاقة مبا�شرة‪.‬‬ ‫وكانت بيانات «املر�صد ال�سوري حلقوق االن�سان» ك�شفت يف‬ ‫نهاية ال�شهر املا�ضي عن ارتفاع عدد القتلى منذ بداية ‪2011‬‬ ‫اىل ‪� 120‬ألف ًا‪ ،‬بينهم ‪� 61‬ألف ًا من املدنيني وبينهم �أي�ض ًا ‪6300‬‬ ‫طفل و‪ 4300‬امر�أة‪ .‬و�أ�شار «املر�صد» اىل مقتل ‪� 18‬ألف مقاتل‬ ‫معار�ض و‪� 30‬ألف ًا من القوات النظامية و‪� 18‬ألف ًا من «ال�شبيحة»‬ ‫و «املخربين» املوالني للنظام‪ ،‬ا�ضافة اىل «خم�سة �آالف من‬ ‫الع�سكريني املن�شقني وجمهويل الهوية و ‪ 187‬من حزب اهلل‬ ‫اللبناين»‪ .‬وزاد يف بيان‪« :‬ال ت�شمل هذه الإح�صائية �أكرث من‬ ‫ع�شرة �آالف معتقل ال يُعرف م�صريهم داخل معتقالت النظام‪،‬‬ ‫وال ت�شمل كذلك �أكرث من ثالثة‬ ‫وعلى رغم قتامة ال�صورة‪ ،‬ف�إن اخلرباء قالوا �إن توقف‬ ‫ال�صراع مهم لإع��ادة الإع�م��ار‪ ،‬لتكون املهمة غري م�ستحيلة‪.‬‬ ‫و�أ�ضافوا ان ثمن كل يوم ت�أخري باهظ جد ًا لي�س ان�ساني ًا ومادي ًا‬ ‫فقط‪ ،‬بل يف ت�أثريه املبا�شر يف �إعادة الإعمار و «بقاء �سورية‬ ‫موحدة وع�صرية»‪ ،‬مع التحذير من �أن تعاظم دور اقت�صاد‬ ‫احل��رب يتيح املجال لالعتقاد ب ��أن االقت�صاد «وح��ده كفيل‬ ‫بتفتيت البالد يف حال ا�ستمر النزاع عام ًا �آخر»‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.