العدد الـ 91 من جريدة شرارة آذار

Page 1

‫العدد ‪91‬‬

‫‪2013-11-10‬‬

‫هل ت�ســقط‬ ‫اجلبهة اجلنوبية؟‬

‫�صرب دروي�ش ــــــــــــــــــــ‬

‫القوى التي تدافع عن النظام‬ ‫جنيف ال�سخرية‬ ‫العمل من خارج الثورة‬ ‫عن حال الفل�سطينيني‬ ‫الطوفان‪..‬‬

‫ال ي�ستطيع ال�سوريون حتى اللحظة معرفة‬ ‫الأ�سباب احلقيقية الكامنة وراء خ�سارة قوات‬ ‫املعار�ضة ملواقعها الهامة واحلا�سمة يف حميط‬ ‫العا�صمة دم�شق؛ فمنذ منت�صف �آذار من العام‬ ‫اجلاري راحت اجلبهات ت�سقط الواحدة تلو‬ ‫الأخرى‪ ،‬بد�أً بجبهة لعتيبة ومرور ًا بالذيابية‬ ‫ال اليوم �إىل بلدة‬ ‫وجارتها بلدة �شبعا‪ ،‬و�صو ً‬ ‫ال�سبينة الواقعة جنوب العا�صمة دم�شق‪،‬‬ ‫والتي متكنت قوات الأ�سد من ال�سيطرة عليها‬ ‫�صباح ال�سابع من ت�شرين الثاين اجلاري‪.‬‬ ‫ومل ت��ك��ن عملية ال�����س��ي��ط��رة ع��ل��ى بلدة‬ ‫ال�سبينة عملية ع�سكرية مفاج�أة‪ ،‬فقد كان‬ ‫وا�ضح ًا التح�ضريات التي تقوم بها قوات الأ�سد‬ ‫مدعمة بقوات حزب اهلل و�أبو ف�ضل العبا�س‪،‬‬ ‫قبل عدة �أ�سابيع‪ ،‬كما �أن �سيطرة هذه القوات‬ ‫على بلدة الذيابية كان م�ؤ�شر ًا وا�ضح ًا لل�سمت‬ ‫الذي تتحرك عربه قوات الأ�سد‪ ،‬وهو اطباق‬ ‫احل�صار على املنطقة اجلنوبية بالكامل‪،‬‬ ‫وفر�ض ح�صار ال مفر منه على املنطقة‪ ،‬وهو‬ ‫ما بداته قوات الأ�سد ب�إعادة �سيطرتها على‬ ‫�أغلب املدن والبلدات املحيطة بطريق مطار‬ ‫دم�شق الدويل‪.‬‬ ‫تكمن �أهمية بلدة �سبينة كما يخربنا �أبو‬ ‫غالب قائد لواء حذيفة بن اليمان‪ ،‬املتواجد يف‬ ‫ال قريبة من فرع املخابرات‬ ‫املنطقة يف كونها "�أو ً‬ ‫اجلوية التابع لقوات الأ�سد‪ ،‬وثاني ًا قربها من‬ ‫املطاحن والتي حتوي اكرب خمزون للدقيق يف‬ ‫دم�شق‪ ،‬وثالثاً‪ :‬قربها من بلدة ال�ست زينب والتي‬ ‫مازالت حتت �سيطرة قوات النظام حيث جتري‬ ‫فيها ومنذ �أ�شهر �أ�شد اال�شتباكات على االطالق"‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل كل ذلك تقع بلدة �سبينة على طريق‬ ‫درع��ا ال��دويل القدمي وه��و خط ا�سرتاتيجي‪،‬‬ ‫�شكلت خ�سارته �ضربة فادحة بالن�سبة للثوار‪.‬‬ ‫من اجل كل هذا عمدت قوات الأ�سد على مدار‬ ‫�سبعة �أيام من القتال ال�شر�س على دك البلدة‬ ‫بكل �أنواع ال�سالح الذي بحوزتها‪ ،‬وذلك يف �سبيل‬ ‫ال�سيطرة على البلدة وهو ما حدث فعالً‪.‬‬

‫التتمة �صفحة‪..2 ..‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫‪2013-11-10‬‬

‫جنيف ال�سخرية الباذخة‬

‫غازي دحمان‬ ‫ت�شري قائمة املدعوين �إىل جنيف‪ ،‬وك��ذا الظروف‬ ‫املحيطة بامل�ؤمتر املزمع عقده‪� ،‬إىل �سخرية‪ ،‬باذخة‪،‬‬ ‫ميار�سها املجتمع ال��دويل على �ضفاف نهر الدم ال�سوري‬ ‫املتدفق‪ .‬هل ميكن مقاربة احلدث بغري هذه الأو�صاف؟‬ ‫رفعت الأ�سد بطل جمزرة حماة‪ ،‬وقاتل ال�سوريني‪،‬‬ ‫يدخل على قائمة ح�ضور م���ؤمت��ر جنيف‪ ،‬وبوا�سطة‬ ‫ال��ع�� ّراب فالدميري بوتني‪ ،‬امل��ورد الأك�بر للأ�سلحة التي‬ ‫ت�شكل �آلة قتل ال�سوريني اليومية‪ ،‬بعنا�صرها املختلفة‪،‬‬ ‫من طائرات ودبابات وخطط حربية جرى تطبيقها يف‬ ‫غروزين‪ ،‬ويتوقع �إعادتها �إذا جنحت تعديالتها ال�سورية‪.‬‬ ‫قبل رفعت الأ�سد‪ ،‬كان قدري جميل معار�ض ًا �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫ومل متنعه �صفته كنائب لرئي�س الوزراء من �إدعاء �صفة‬ ‫املعار�ض‪ ،‬والأم���ر نف�سه ينطبق على علي حيدر وزير‬ ‫امل�صاحلة الوطنية‪ ،‬املعار�ض ال�شر�س‪ ،‬الذي حظي بلقاء‬ ‫علي الكيالين بطل جمزرة بانيا�س والداعي لتطهريها‪،‬‬ ‫حيث تك ّرم هذا الأخري على الوزير املعار�ض ب�أن منحه‬ ‫فر�صة للإ�شادة ببطوالته الوطنية بقتل �أهل بانيا�س‬ ‫و�إغت�صاب ن�سائها وهو القادم من تركيا!‬ ‫لي�ست امل�شكلة يف دع��وة ه���ؤالء مل�ؤمتر جنيف‪ ،‬طاملا‬ ‫�ستجري دع��وة �إي���ران ال�شريك املبا�شر لنظام الأ�سد‬ ‫يف قتل ال�سوريني‪ ،‬ورعاية رو�سيا‪ ،‬لي�س بو�صفها ع�ضو ًا‬ ‫�أ�سا�سي ًا يف جمل�س الأم��ن‪ ،‬ولكن ب�صفتها راعية للنظام‬ ‫وحامية للأقليات املظلومة يف �سوريا‪� .‬إذ ًا ال م�شكلة يف‬ ‫ذلك‪ ،‬لكن لي�س ب�صفتهم ممثلني لأهايل القتلى يف �سوريا‬ ‫وللنازحني واملعتقلني وامل�شردين‪ .‬هذا كثري على اجلرح‬ ‫ال�سوري‪ ،‬ومبالغة يف اال�ستهتار بالعقول الآدمية‪ ،‬بل �أكرث‬ ‫من ذلك‪ ،‬هو نوع من الت�سخيف مل�أ�ساة جرى ت�صنيفها على‬ ‫�أنها الأخطر يف التاريخ املعا�صر‪.‬‬ ‫و�إذا كان هذا الأم��ر يح�صل على م�ستوى املدعوين‪،‬‬ ‫ترى ما الذي �ستتفتق عنه ذهنية املجتمع الدويل فيما‬ ‫خ�ص الق�ضايا التي �سيجري بحثها على طاولة م�ؤمتر‬ ‫جنيف؟ ثمة �إرها�صات ت�شري �إىل احتمال التوافق على‬ ‫ق�ضايا تخ�ص الأطراف الدولية‪� ،‬أكرث من تركيزها على‬ ‫م�شكلة ال�شعب ال�سوري‪ .‬ويف هذا ال�سياق‪� ،‬سيتم الرتكيز‬ ‫على االطمئنان على م�سار الكيماوي وتعزيزه‪ .‬ويف هذا‬ ‫ال�سياق‪ ،‬ف�إن م�صري ب�شار الأ�سد ي�صبح خارج �إطار البحث‪،‬‬ ‫بل رمبا يجري الت�أكيد على تدعيم ا�ستمراره حتى �إكمال‬ ‫املهمة‪ ،‬دون تقييدها بربنامج زمني حمدد‪ ،‬الت�سريبات‬ ‫تقول �أن الأوروبيني ذاهبون يف هذا االجتاه‪ ،‬بعد �أن وافق‬ ‫الأمريكيون �ضمن ًا على هذا الأمر يف �إطار اتفاق الكيماوي‬ ‫مع الرو�س‪.‬‬ ‫ثمة ق�ضية �أخ��رى يتوقع �أن تكون �أ�سا�سية على‬

‫�صرب دروي�ش‬

‫طاولة جنيف‪ ،‬وكان نوري املالكي قد مهد لها يف زيارته‬ ‫لوا�شنطن‪ ،‬والوا�ضح �أنها نتيجة اتفاق مدرو�س مع نظامي‬ ‫طهران ودم�شق‪ ،‬وهي ق�ضية حماربة الإرهاب‪ ،‬الذي يت�سع‬ ‫تعريفه هنا لي�شمل كل فعاليات الثورة ال�سورية‪ ،‬حيث‬ ‫ي�سعى نظام ب�شار الأ�سد‪ ،‬يف ظل هذه الرخاوة الدولية �إىل‬ ‫الت�أكيد على دمج جهوده يف قتل ال�سوريني يف �إطار احلملة‬ ‫العاملية على الإره��اب‪ .‬فبالن�سبة له‪ ،‬ال يختلف ق�صف‬ ‫طائراته لأحياء دم�شق وحلب وكامل املدن ال�سورية عن‬ ‫قيام الطائرات من دون طيار يف تعقب القاعديني يف اليمن‬ ‫وباك�ستان‪ ،‬بل �إنه يذهب �أكرث من ذلك �إىل حد الطلب من‬ ‫املجتمع الدويل �شكره على قيامه بهذه املهمة وحيد ًا‪ ،‬وما‬ ‫على املجتمع الدويل‪� ،‬إن �أراد ت�صحيح خط�أه جتاه احلدث‬ ‫ال�سوري‪� ،‬سوى ا�ستدراك الأمر وم�ساعدته بحربه على‬ ‫ال�سوريني وتقدمي الو�سائل التقنية والفنية الالزمة لهذا‬ ‫الأمر‪ ،‬وال ب�أ�س من م�ساعدة اجليو�ش �إن �أمكن!‬ ‫�أم��ا ق�ضية احلكومة االنتقالية‪ ،‬ودور الأ���س��د يف‬ ‫م�ستقبل �سوريا‪ ،‬فتلك ق�ضية �سيتم الإ���ص��رار على �أنها‬ ‫من حق ال�سوريني‪ ،‬فوحدهم من يقرر‪ .‬بالطبع‪ ،‬طيف‬ ‫ال�سوريني ذاك م��ن غ�ير امل�سموح �أن ي�شمل النازحني‬ ‫وامل�شردين واملحا�صرين وال�شهداء‪ ،‬وبالت�أكيد هو لن ي�شمل‬ ‫كائنات هالمية �أي�ض ًا‪ ،‬لكنه �سيقت�صر على امل�ؤيدين حلكم‬ ‫الأ�سد‪ ،‬يف حني يجري �ضم الفئة ال�صامتة‪ ،‬التي ال تتيح‬ ‫لها ظروفها التعبري عن رف�ض الأ�سد ب�شكل �صريح‪ ،‬كي ال‬ ‫تفقد وظائفها وم�ساكنها و�أ�سباب رزقها‪� ،‬إىل خانة �شعب‬ ‫ب�شار الأ�سد‪ ،‬ووفق ح�سبة النظام‪ ،‬وهي ح�سابات طاملا‬

‫يجري الت�صريح بها ب�شكل علني داخل �سوريا‪ ،‬ف�إن النظام‬ ‫ت�ؤيده جميع الأقليات من دون ا�ستثناء‪� ،‬إ�ضافة �إىل �سكان‬ ‫امل��دن الأ�سا�سية دم�شق وحلب‪ ،‬وه���ؤالء يتم تقديرهم‬ ‫العددي بحوايل ‪ 70‬يف املئة من جمموع �سكان �سوريا!‬ ‫هذه الأرق��ام �ستكون بجيب وليد املعلم و�سي�شهرها على‬ ‫طاولة مفاو�ضات جنيف‪ ،‬وبالفم امللآن �سيعلن للعامل عن‬ ‫«�شعب الأ�سد»‪ ،‬يف حني �سيحيل �سكان املخيمات والرباري‬ ‫والذين �أكلهم ال�سمك يف البحار �إىل منط �شعب هائم غرر‬ ‫به الإرهابيون‪ ،‬وقد يطالب العامل �إما بت�سليمهم ب�صفتهم‬ ‫مطلوبني للعدالة‪� ،‬أو التكفل باعتقالهم ب�صفتهم خطر ًا‬ ‫على الأمن العاملي!‬ ‫�إ���ض��اف��ة �إىل ذل���ك‪� ،‬سريكز ال��ن��ظ��ام على الوقائع‬ ‫امليدانية على الأر�ض‪ ،‬وما �سيحققه من هنا حتى تاريخ‬ ‫انعقاد امل�ؤمتر‪ ،‬وتلك ق�ضية ذات �أهمية خا�صة بالن�سبة‬ ‫للنظام‪ ،‬حيث ي�ستعجل حتقيق بع�ض التقدم يف مناطق‬ ‫معينة وبخا�صة يف �أرياف دم�شق وحلب مب�ساعدة حلفائه‪،‬‬ ‫بغ�ض النظر عن حجم الدمار‪ ،‬وكمية القتل التي تتطلبها‬ ‫حتقيق تلك الإجنازات‪.‬‬ ‫جنيف‪ ،‬وفق هذه املوا�صفات‪ ،‬لن يكون �سوى جتهيز‬ ‫ملرحلة تدمريية �أكرث ق�ساوة ورعب ًا لل�سوريني‪ ،‬وهو لن‬ ‫يكون �سوى موعد ملزيد من �إجنازات القتل واال�ستباحة‬ ‫بحق ال�سوريني‪� .‬أما بالن�سبة لأولئك‪ ،‬الذين يعانون نيابة‬ ‫عن الب�شرية كلها وبرعايتها‪ ،‬لن يكون جنيف �سوى مو�سم‬ ‫ملمار�سة �سخرية باذخة‪ ،‬ت�شرتك فيها جوقة املجتمع‬ ‫الدويل‪ ،‬لتنعق ب�أب�شع ن�شيد �سمعته الب�شرية يف تاريخها‪.‬‬

‫تتمة‪ :‬هل ت�سقط اجلبهة اجلنوبية؟‬

‫يقول ابو غالب بكثري من الأ�سى‪" :‬كان من املمكن �أن‬ ‫ال نخ�سر البلدة‪ ،‬ولكن ان�سحاب الفرقة الرابعة حر�س‬ ‫دم�شق وكتائب �أ�سود التوحيد‪ ،‬من دون ان يطلقوا طلقة‬ ‫واحدة‪ ،‬ت�سبب ب�إرباك قواتنا‪ ،‬وزاد من وط�أة املعركة‬ ‫علينا‪� ،‬إذ مل يبقى �سوى لواءنا و لواء �شام الر�سول‪ ،‬ولواء‬ ‫الأمة الواحدة‪ ،‬ولواء جماهدين ال�شام"‪.‬‬ ‫يف اليومني الأولني من اال�شتباكات‪ ،‬قام النا�شطون‬ ‫يف املدينة باتخاذ التدابري ال�لازم��ة‪ ،‬يقول �أن�س ابو‬ ‫حمزة وهو �أحد االعالميني يف املنطقة اجلنوبية‪" :‬ما‬ ‫�إن بد�أ الق�صف على البلدة‪ ،‬حتى �أدركنا خطورة الو�ضع‬ ‫فقمنا بت�أمني العوائل املدنية عرب نقلهم باجتاه خميم‬ ‫الريموك حيث مت ت�أمينهم يف جمموعة منازل �آمنة‪،‬‬ ‫فتجربة الذيابية ماتزال حا�ضرة يف �أذهاننا حول‬ ‫ما فعلته عنا�صر �أب��و الف�ضل العبا�س يف ذبح املدنيني‬

‫وارتكاب اجلرائم"‪.‬‬ ‫بينما �آثار خ�سارة البلدة باملعنى الع�سكري فيقول‬ ‫�أن�س‪�" :‬أدى خ�سارة البلدة �إىل انك�شاف جبهة حي القدم‬ ‫الدم�شقي املوازي لبلدة �سبينة‪ ،‬فب�سقوطها‪� ،‬أ�صبح على‬ ‫مقاتلي حي القدم القتال على ثالث جبهات وهي‪ :‬جبهة‬ ‫مبنى املخفر على طريق درعا القدمي‪ ،‬وجبهة بور �سعيد‪،‬‬ ‫وجبهة ال�سبينة‪ ،‬وكل هذا يهدد ب�سقوط مدن وبلدات‬ ‫حميط دم�شق الواحدة تلو الأخرى"‪.‬‬ ‫ويف كل احل��االت التي خ�سرت فيها قوات املعار�ضة‬ ‫مواقع كانت ت�سيطر عليها‪ ،‬اجتمعت الآراء حول �سبب‬ ‫رئي�سي �أال وهو اخلالفات ال�شخ�صية بني قادة الكتائب‬ ‫والألوية‪ ،‬وهو ال�شيء الذي متخ�ض عنه �سوء التن�سيق‬ ‫وان�سحابات غري مربرة‪ ،‬يف الغالب ما تكون كلفتها باهظة‬ ‫على كافة امل�ستويات‪ ،‬بينما �ضعف التذخري والدعم‬

‫الع�سكري بالن�سبة للكتائب الكرث متا�سك ًا فكفيل ب�إ�ضعاف‬ ‫هذه الكتائب واجبارها على االن�سحاب من مواقعها‪.‬‬ ‫ال �أحد ي�ستطيع �أن ينكر اليوم التقدم امللمو�س الذي‬ ‫باتت حتققه قوات الأ�سد يف حميط العا�صمة دم�شق‪،‬‬ ‫وعلى ال��رغ��م م��ن �أن االع�ل�ان ع��ن جتمعات ع�سكرية‬ ‫ج��دي��دة �أ�صبح مو�ضة ن�سمعها ك��ل ي��وم‪� ،‬إال �أن هذه‬ ‫التجمعات مل ي�ؤدي ت�شكيلها �إىل تغيري موازين القوى‬ ‫على الأر���ض‪ ،‬وهو ال�شيء الذي ي�شري �إىل تواجد هذه‬ ‫املجاميع الع�سكرية االعالمي فقط بينما على الأر�ض‬ ‫فهزائمها تعلن هزالتها‪ ،‬وهو غالب ًا ما يدفع �ضريبته‬ ‫املدنيون من الذين مازالوا مقيمني يف مدنهم من جهة‪،‬‬ ‫وبع�ض الت�شكيالت الع�سكرية التي ماتزال تقاتل وفق‬ ‫عقيدة الثورة وواجبها يف الدفاع عن مدنها و�أهلها من‬ ‫جهة �أخرى‪.‬‬


‫العدد ‪91‬‬

‫العمــل مــن خــارج الثــورة ال�سوريــة‬

‫�سالم ال�سعدي‬ ‫يف �سوريا‪ ،‬تبدو الأنظار م�شدودة اليوم �إىل‬ ‫ال�صراع ال�سيا�سي يف �أروقة الدبلوما�سية الدولية‬ ‫والإقليمية‪� ،‬أكرث منها �إىل ال�صراع املدمر املتوا�صل‬ ‫على الأر���ض‪ .‬ثمة ما ي�شي ب���أن الثورة‪ ،‬كن�شاط‬ ‫�شعبي �سلمي �أو ع�سكري ي��ه��دف �إىل �إ�سقاط‬ ‫النظام‪ ،‬قد باتت من املا�ضي الغابر لقوى املعار�ضة‬ ‫والكتائب امل�سلحة‪ .‬فالعمل‪ ،‬ويا لهول ذلك‪ ،‬يجري‬ ‫خارج الثورة‪.‬‬ ‫يف الزمان الأول للثورة‪ ،‬كانت تلك الأخرية‬ ‫�أ�شبه ب�شم�س الهبة‪ ،‬ال ميكن جلميع الأج��رام‬ ‫�إال �أن تدور يف فلكها‪ .‬و�شمل ذلك خمتلف �شرائح‬ ‫ال�شعب ال�سوري‪ ،‬والقوى الثورية وقوى املعار�ضة‬ ‫وحتى القوى الدولية والإقليمية‪.‬‬ ‫ال�شعب ال�سوري‪ ،‬ويف جميع املناطق الثائرة‪،‬‬ ‫تعامل يف ذلك الزمان‪ ،‬مع كل املبادرات ال�سيا�سية‬ ‫التي طرحت يف حينها بالمباالة الفتة‪ .‬فال يلدغ‬ ‫امل�ؤمن من جحره مرتني‪ ،‬وما من �أحد كان قد َخرب‬ ‫طبيعة النظام ال�سوري النافرة من �أي ت�سوية‬ ‫�سيا�سية �أكرث من ال�شعب ال�سوري نف�سه‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬وعلى مدار عامني من الثورة‪ ،‬بدا الثوار‬ ‫من�شدين للعمل يف داخلها‪ ،‬ال خارجها �أو على‬ ‫الهام�ش‪ .‬كان ثمة يقني قاطع �سكن قلب وعقل‬ ‫أيد‬ ‫ك��ل ���س��وري‪ ،‬يقول ب���أن احل��ل ل��ن يكون �إال ب� ٍ‬ ‫�سورية‪ ،‬ومن الداخل‪ .‬فاملجتمع الدويل مل يبا�شر‬ ‫حراكه ومل يعقد م�ؤمتراته �إال على �إيقاع الثورة‪.‬‬ ‫و�إن ال�شعب ليذكر جيدا كيف خر�س «العامل‬ ‫احلر» و�صم �آذان��ه عندما كانت الثورة يف طورها‬ ‫اجلنيني‪ ،‬وكيف �أخرج مئات �آالف املتظاهرين يف‬ ‫�ساحة العا�صي‪ ،‬الدبلوما�سيني من جحورهم‪ ،‬لتبد�أ‬ ‫�ضغوطهم ال�سيا�سية واالقت�صادية على النظام‪.‬‬ ‫كانت فتوحات ال��ث��ورة على الأر����ض هي الدافع‬ ‫الأبرز لكل ن�شاط دبلوما�سي جرى يف ذلك احلني‪.‬‬ ‫وكان تركيز قوى الثورة املدنية والع�سكرية على‬ ‫�إيجاد �آليات للتطور الدائم‪ ،‬والت�أقلم مع الت�صعيد‬ ‫الأمني والع�سكري من قبل النظام‪ ،‬الت�صدي له‬ ‫والتغلب عليه‪ .‬وجنحت قوى الثورة يف ذلك‪ ،‬طاملا‬ ‫�أنها �أبقت قيم الثورة و�أهدافها �شم�سا دارت يف‬ ‫فلكها من دون تردد‪.‬‬

‫رزان زيتونة‬

‫‪2013-11-10‬‬

‫�أدى تقدم الثورة يف العام الثاين‪ ،‬وحما�صرتها‬ ‫للعا�صمة عرب الريف وعرب الأحياء الداخلية‪،‬‬ ‫ف�ضال عن �سقوط متتال ملع�سكرات وقالع النظام‬ ‫يف خمتلف �أن��ح��اء البالد �إىل انفتاح �أف��ق احلل‬ ‫ال�سيا�سي‪ .‬فواقع انح�سار قوى النظام كان باديا‬ ‫للعيان‪ ،‬وهو ما �أطلق العنان لدبلوما�سية «ت�ضييق‬ ‫دائرة اخلالفات» بني رو�سيا و�أمريكا‪.‬‬ ‫تلك الدبلوما�سية «امل��ح��دودة»‪ ،‬انتهت �إىل‬ ‫�إ�صدار بيان جنيف‪ ،1‬الذي ت�ضمن موافقة رو�سيا‬ ‫على حكومة انتقالية كاملة ال�صالحيات‪ ،‬والعمل‬ ‫على مبادئ و�شروط جديدة �ضاغطة على النظام‪.‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر �أن بنود جنيف‪ 1‬هي ذاتها‬ ‫بنود امل��ب��ادرة العربية الثانية التي ا�ستخدمت‬ ‫رو�سيا �ضدها حق النق�ض الفيتو يف جمل�س الأمن‬ ‫يف �أعقاب طرحها للت�صويت عليها‪ .‬وعليه‪ ،‬كان‬ ‫ذلك �إيذانا بفتح باب احلل ال�سيا�سي الذي كان‬ ‫ال��دب الرو�سي واحلليف الإي���راين يقفان عقبة‬ ‫ك�أداء يف طريقه‪.‬‬ ‫لكنّ النظام وحلفاءه الأ�شداء‪ ،‬مل ي�سلموا‪،‬‬ ‫على م��ا ظهر فيما بعد و�إىل ال��ي��وم‪ ،‬بالعملية‬ ‫ال�سيا�سية التي �ستكون‪ ،‬وعلى نحو حتمي‪ ،‬يف �صالح‬ ‫قوى الثورة ال�سورية‪ .‬من هنا �ش ّرع هذا التحالف‬ ‫الفا�شي الأب��واب �أم��ام القوى الطائفية لدخول‬ ‫�سوريا‪ .‬ومع دخ��ول ق��وات حزب اهلل وامللي�شيات‬ ‫الإيرانية والعراقية من جهة‪ ،‬وجبهة الن�صرة‬ ‫وداع�ش من جهة �أخ��رى‪� ،‬ستتغري املجريات على‬ ‫الأر�ض‪ ،‬و�ستذهب قوى الثورة �إىل تفكك متوا�صل‪،‬‬ ‫وي�صبح العمل م��ن خ���ارج ال��ث��ورة‪ ،‬وب��ع��ي��دا عن‬ ‫�أهدافها‪.‬‬ ‫َن�ص ّب اجلهد احلثيث لكافة الالعبني اليوم‪،‬‬ ‫ي َ‬ ‫على تقا�سم تركة نحو ثالثة �أع��وام من الثورة‬ ‫وال�����ص��راع ال��دام��ي‪ .‬فتكاثرت االج��ت��م��اع��ات يف‬ ‫جنيف و�إ�سطنبول وامتدت لأ�سابيع‪ ،‬فيما املعارك‬ ‫ال�شر�سة ب�ين اجلي�ش احل��ر م��ن جهة‪ ،‬والنظام‬ ‫ال�سوري وداع�ش من جهة �أخرى‪ ،‬تت�صاعد حدتها‬ ‫يف كل مكان‪.‬‬ ‫هكذا‪� ،‬أمكن �أن تندلع �إحدى �أهم املعارك يف‬ ‫مدينة ال�سفرية الإ�سرتاتيجية‪ ،‬التي تقع على‬

‫الطريق الرئي�سي امل����ؤدي من و�سط البالد �إىل‬ ‫مدينة حلب‪ ،‬فيما ق��ادة الأل��وي��ة الكربى خارج‬ ‫�سوريا يتقا�سمون املنا�صب يف �إ�سطنبول‪.‬‬ ‫ق��راب��ة ال�شهر‪� ،‬صمد املقاتلون ب�أ�سلحتهم‬ ‫امل��ح��دودة و�أع��داده��م املتوا�ضعة‪ ،‬فيما «�أم���راء‬ ‫احلرب»‪ ،‬كما و�صفهم العقيد عبداجلبار العقيدي‬ ‫يف بيان ا�ستقالته‪ ،‬يجتمعون يف �إ�سطنبول مع �أمري‬ ‫قطر ل�ضمان تق�سيم جديد لكعكة اجلي�ش احلر‪.‬‬ ‫لت�سقط ال�سفرية من دون �أن يرف لهم جفن‪.‬‬ ‫ومب��ا ي�شبه النعي ل��زم��ان العمل م��ن داخ��ل‬ ‫هواج�س وهموم ال��ث��ورة‪ ،‬وج��ه العقيد العقيدي‬ ‫كالمه لهم‪« :‬كفاكم تناحرا وت�سابقا على الزعامة‬ ‫والإم��ارة‪ ،‬وحر�صا على ال�شهرة والت�صوير‪ ،‬ولهثا‬ ‫وراء ���س��راب اخل���ارج و�أج��ن��دات��ه واجتماعاته‬ ‫الواهنة التي ال ت�سمن وال تغني من جوع»‪.‬‬ ‫النظام ي�ستغل «الو�ضعية العدمية» التي ت�سري‬ ‫�إليها كتائب اجلي�ش احلر يوما بعد �آخر‪ ،‬فالقيادة‬ ‫م�شتتة �أو غري موجودة على الإطالق على امل�ستوى‬ ‫العام‪ .‬الأده��ى هو �ضياع �أه��داف الثورة والقيم‬ ‫الوطنية الكربى مع حتول عدد كبري من الكتائب‬ ‫على الأر�ض �إىل ميلي�شيات م�سلحة هاج�سها الأول‬

‫ه��و احل��ف��اظ على وج��وده��ا يف مناطق حم��دودة‬ ‫لتربير ا�ستمرار متويلها‪.‬‬ ‫هكذا ينت�شي النظام ب�إعالن «حترير» مدينة‬ ‫تلو بلدة تلو قرية‪ ،‬وتكاد تكون جميعها مواقع‬ ‫�إ�سرتاتيجية يتوجب الدفاع عنها ب�صورة تختلف‬ ‫متاما عن حالة الهزال الع�سكري والتنظيمي الذي‬ ‫�صبغت عمليات الت�صدي الجتياح ق��وات النظام‬ ‫لها‪ .‬ما يطرح �أ�سئلة عن مدى ال�ضعف والتفكك‬ ‫ال��ذي راك��م��ه اجلي�ش احل��ر يف الأ���ش��ه��ر القليلة‬ ‫املا�ضية‪.‬‬ ‫واحلال �أن النظام‪ ،‬ومهما ا�ستعان بامللي�شيات‬ ‫الطائفية‪ ،‬لن يتمكن يف ظل الظروف القائمة من‬ ‫حتقيق �أي تقدم «حا�سم»‪ .‬لكن احلل ال�سيا�سي‬ ‫«احلا�سم»‪ ،‬والذي ي�صب يف م�صلحة الثورة‪� ،‬سوف‬ ‫يت�أثر بتهتك وتفكك اجلي�ش احل��ر‪ ،‬وبالتقدم‬ ‫التكتيكي للنظام‪ .‬فالعمل من خارج الثورة يف حال‬ ‫ا�ستمراره‪� ،‬سوف يحيل «احل�سم ال�سيا�سي» احلتمي‬ ‫ل�صالح ال�شعب‪� ،‬إىل «ت�سوية �سيا�سية» حتمية هي‬ ‫الأخرى‪ ،‬لكنها ل�صالح النظام‪.‬‬

‫امل�ساعدات الدول ّية‪� :‬أرقام جوفاء و �سل ٌع يبيعها النظام‬

‫ي��روي ن�شطاء و مواطنون يف مناطق توجد فيها‬ ‫مراكز �إغاثية تابعة للهالل الأحمر ال�سوري و ال�صليب‬ ‫الأحمر و �سواها من املنظمات الإن�سانية الدولية‪،‬‬ ‫الكثري عن طريقة تعامل النظام ال�سوري مع توزيع‬ ‫امل�ساعدات التي يفرت�ض و�صولها عرب تلك املنظمات‬ ‫�إىل املحتاجني يف الداخل ال�سوري‪.‬‬ ‫يتّ�صل �أح��د امل�س�ؤولني يف النظام ب�شعبة الهالل‬ ‫الأح��م��ر م��ث ً‬ ‫�لا لطلب وج��ب��ات غ��ذائ��ي��ة م��ن ح�ص�ص‬ ‫الأه����ايل‪ .‬و ال ميلك القائمون على ال�شعبة خيار‬ ‫الرف�ض �أو القبول‪ ،‬و لي�س لديهم �إال االمتثال للأوامر‬ ‫حتت طائلة "تقرير �أمني" قد يودي بحريتهم و رمبا‬ ‫بحياتهم‪.‬‬ ‫�أما القوائم ب�أ�سماء امل�ستفيدين من تلك الإعانات‪،‬‬ ‫ف ُت�س ّلم بالكامل للأجهزة الأمنية �إنْ مل يكن ر�ضاء‬ ‫فق�سر ًا‪ ،‬و حتت التهديد و الوعيد‪.‬‬ ‫و يف حاالت عديدة تقوم �أجهزة الأم��ن بال�ضغط‬ ‫ً‬ ‫خا�صة من النازحني من‬ ‫على العائالت امل�ستفيدة‪،‬‬ ‫املناطق الثائرة �إىل مناطق حتت �سيطرة النظام‪،‬‬ ‫للإدالء مبعلومات عن ثوار و ن�شطاء يف مناطقهم التي‬

‫نزحوا منها مقابل ا�ستمرار احل�صول على املعونة‪.‬‬ ‫و ب��ات �أم���ر ًا م��ت��ك��رر ًا �أن يجري بيع املخ�ص�صات‬ ‫الإغاثية لأ�شخا�ص حم�سوبني على النظام ب�أ�سعار‬ ‫بخ�سة‪.‬‬ ‫بل �إن حوادث ُ�س ِّجلت جرى فيها م�صادرة ق�سم من‬ ‫حمتويات �سيارات الإغ��اث��ة التابعة للهالل من قبل‬ ‫متعاونني مع حواجز النظام‪ ،‬لت�شاهد املواد فيما بعد‬ ‫على تلك احلواجز و هي معرو�ضة للبيع‪.‬‬ ‫هذا عدا الف�ساد و املح�سوبيات التي حتكم عملية‬ ‫التوزيع الإغاثي‪ ،‬حيث �أن ج��زء ًا لي�س بب�سيط ممن‬ ‫يجري توزيع املعونات عليهم لي�سوا من ذوي احلاجة‪،‬‬ ‫بل �أدرج��ت �أ�سما�ؤهم لأنهم �أقرباء فالن �أو علاّ ن‪� ،‬أو‬ ‫ل�صالتهم الأمنية و الع�سكرية‪.‬‬ ‫يتحجج القائمون على العملية �أنهم بذلك يتجنبون‬ ‫"�شر" الأجهزة الأمنية مقابل تو�صيل جزء من الإغاثة‬ ‫ّ‬ ‫للمحتاجني �إليها‪.‬‬ ‫لكن هل يدخل ذلك بح�سابات املنظمات الدولية‬ ‫التي تقدم تلك الأموال؟‬ ‫هل عندما تطالعنا ب�أرقامها اخليالية بع�شرات‬

‫ماليني الدوالرات التي �صرفت و ت�صرف على الإغاثة‬ ‫يف �سوريا‪ ،‬تكون مدركة كم يذهب منها �إىل جيوب‬ ‫النظام و مرتزقته من غري ح�سيب �أو رقيب؟‬ ‫و �إذا �أخذنا باالعتبار املناطق املحررة و املحا�صرة‬ ‫التي مينع النظام دخ��ول املنظمات االن�سانية �إليها‪،‬‬ ‫لعرفنا الن�سبة احلقيقية من املعونات التي تذهب فعال‬ ‫للمحتاجني بوا�سطة مكاتب تلك املنظمات يف املناطق‬ ‫اخلا�ضعة ل�سيطرة النظام‪.‬‬ ‫ال يفيد يف كل مرة يجري احلديث فيها عن الو�ضع‬ ‫االن�ساين امل��زري لل�سوريني يف ال��داخ��ل‪� ،‬أن ت�برز لنا‬ ‫احلكومات و املنظمات الدولية �أرقام ًا جوفاء حول ما‬ ‫تقوم به للم�ساعدة‪ .‬و �أن ت�ستمر بالتعامل مع نظام‬ ‫متّهم بارتكاب جرائم حرب و جرائم �ضد االن�سانية‬ ‫يف الوقت الذي ترف�ض فيه التعامل مع جهات ممثلة‬ ‫بحجة احلياد‪ ،‬هو �أمر يدعو لل�سخرية فع ًال‪.‬‬ ‫للثورة ّ‬

‫يتبع يف ال�صفحة ‪..4‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫‪2013-11-10‬‬

‫عن حال الفل�سطينيني يف �سوريا‬

‫دفع فل�سطينيو �سوريا ثمن ًا باهظ ًا جراء‬ ‫ان��دالع الثورة ال�سورية‪ ،‬فقد تع ّر�ضوا للقتل‪،‬‬ ‫واالع��ت��ق��ال والتنكيل‪ ،‬كما تع ّر�ضت بيوتهم‬ ‫وممتلكاتهم يف عديد م��ن املخيمات للق�صف‬ ‫الأعمى والتدمري الوح�شي‪ ،‬من قبل النظام‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن مكابداتهم ويالت احل�صار والتجويع‬ ‫وال��ت�����ش��ري��د‪ ،‬م��ث��ل��ه��م يف ذل���ك م��ث��ل غالبية‬ ‫ال�سوريني‪ ،‬الذين بتنا ن�شاهدهم يف خميمات‬ ‫اللجوء يف تركيا �أو الأردن‪� ،‬أو يف �شوارع مدن‬ ‫لبنان وم�صر والعراق‪ ،‬كما بتنا ن�شاهد م�آ�سيهم‬ ‫وهم يركبون عباب البحر‪� ،‬سعي ًا وراء الآمان‬ ‫وال�سالم يف عامل �آخر‪ .‬ال بل �إن �أحد خميماتهم‬ ‫(الريموك)‪ ،‬والذي �أخ�ضع حل�صار م�شدّ د منذ‬ ‫عام تقريب ًا‪ ،‬بات له �أكرث من مئة يوم يف ح�صار‬ ‫و�إغ�لاق حمكمني‪ ،‬بحيث بات من بقي فيه من‬ ‫�سكانه يعي�شون حتت طائلة املوت من اجلوع �أو‬ ‫من الق�صف‪.‬‬ ‫يف العام الأول للثورة ال�سورية كان متو�سط‬ ‫عدد ال�ضحايا من الفل�سطينيني ال يتجاوز �سبعة‬ ‫�شهداء يف ال�شهر‪ ،‬لكنه بات منذ العام الثاين‪،‬‬ ‫وحتديد ًا منذ حزيران‪/‬يونيو (‪ )2012‬يقدر‬ ‫بحواىل ‪� 70‬شهيد ًا‪� ،‬أي �أنه ارتفع بقدر ع�شرة‬ ‫�سجل �شهر ايلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬من‬ ‫ا�ضعاف‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ذات العام‪ ،‬باعتباره ال�شهر ال��ذي �سقط فيه‬ ‫العدد الأكرب‪ ،‬مع ‪� 128‬شهيد ًا منهم‪.‬‬ ‫وب�����ش��ك��ل �أك�ث�ر حت���دي���د ًا‪ ،‬ف��ق��د ب��ل��غ ع��دد‬ ‫الفل�سطينيني الذين لقوا م�صرعهم‪� ،‬إب��ان ‪30‬‬

‫رزان زيتونة‬

‫�شهر ًا من عمر الثورة ال�سورية‪ ،‬حواىل ‪1600‬‬ ‫�شهيد‪ ،‬ن�صفهم ق�ضوا يف خميم الريموك وجواره‬ ‫(احلجر الأ�سود والتقدم والت�ضامن)‪ ،‬وربعهم‬ ‫ق�ضى يف دم�شق وريفها (ب���رزة وامل���زة ودوم��ا‬ ‫وخ��ان ال�شيح واحل�سينية وداري��ا واملع�ضمية‬ ‫وال�ست زي���ن���ب‪ .)...‬وت��ب�ين االح�����ص��اءات �أن‬ ‫�أكرث من ‪ 65‬يف املئة من ه�ؤالء ال�شهداء ق�ضوا‬ ‫داخ��ل خميماتهم‪ ،‬على النحو التايل‪ :‬خميم‬ ‫الريموك (‪ ،)556‬خميم درعا (‪ ،)107‬وخميم‬ ‫احل�سينية (‪ ،)74‬خميم العائدين يف حم�ص‬ ‫(‪ ،)52‬خم��ي��م خ���ان ال�شيح (‪ ،)45‬وخميم‬ ‫ال�سيدة زينب (‪ ،)25‬وخميم ال�سبينة (‪،)25‬‬ ‫وخميمي النريب وحندرات قرب حلب (‪،)55‬‬ ‫وخميم حماة (‪ ،)17‬وخميم الرمل يف الالذقية‬ ‫(‪ ،)11‬وخميم جرمانا (‪ .)11‬وق��د اختلفت‬ ‫الأ�شكال التي �أودت بحياة ه�ؤالء‪� ،‬إذ ثمة ‪822‬‬ ‫فل�سطيني ًا ا�ست�شهدوا نتيجة عمليات الق�صف‪،‬‬ ‫و‪ 195‬بر�صا�ص القنا�صة‪ ،‬و‪ 150‬بر�صا�ص رجال‬ ‫الأم��ن واجلي�ش‪ ،‬و‪ 118‬مت �إعدامهم ميداني ًا‪،‬‬ ‫‪ 69‬ا�ست�شهدوا حتت التعذيب‪ ،‬و‪ 33‬يف جمزرة‬ ‫الكيماوي‪ .‬وثمة‪� ،‬أي�ض ًا‪� ،‬إىل جانب ال�شهداء‬ ‫مئات اجلرحى واملعوقني واملعتقلني واملالحقني‪،‬‬ ‫كما ثمة ع�شرات الأل���وف من النازحني �إىل‬ ‫مناطق �أخ���رى داخ���ل ���س��وري��ا‪ ،‬وال�لاج��ئ�ين يف‬ ‫البلدان املجاورة‪ ،‬ال �سيما من خميمات الريموك‬ ‫وخان ال�شيح وال�سبينة ودرعا واحل�سينية‪ ،‬هذا‬ ‫ف�ض ًال ع��ن تدمري مئات البيوت يف عديد من‬

‫املخيمات‪.‬‬ ‫وف��ي��م��ا ك���ان و����س���ام ال���غ���ول �أول �شهيد‬ ‫فل�سطيني‪ ،)2011/3/25( ،‬م��ن خميم‬ ‫درع��ا‪ ،‬وه��و �أول خميم �شهد ت���أث�يرات الثورة‬ ‫ال�����س��وري��ة‪ ،‬وال���رد الوح�شي عليها م��ن قبل‬ ‫ال��ن��ظ��ام‪ ،‬ف����إن ال��ت���أث�يرات الأك�ب�ر‪ ،‬والأث��م��ان‬ ‫الأكرب‪ ،‬كانت يف خميم الريموك قرب دم�شق‪،‬‬ ‫وهو �أكرب املخيمات الفل�سطينية قاطبة‪ ،‬فهو‬ ‫املخيم ال���ذي دف��ع ن�صف ع��دد ال�شهداء من‬ ‫الفل�سطينيني ال�سوريني‪ ،‬والذي �شهد املواجهات‬ ‫الأعنف‪ ،‬وال��ذي تعر�ضت �أج��زاء كبرية منه‬ ‫للتدمري‪ ،‬ف�ض ًال عن �أنه املخيم الذي �شهد نزوح‬ ‫ن�سبة كبرية من �سكانه‪ ،‬الذي كان يبلغ عددهم‬ ‫حواىل ربع مليون‪.‬‬ ‫وك��ان��ت �أوىل امل��واج��ه��ات يف ه��ذا املخيم‬ ‫ج��رت ي��وم ‪ ،2012/7/13‬حيث ق��ام رج��ال‬ ‫الأمن ب�إطالق الر�صا�ص على تظاهرة �سلمية‬ ‫خ��رج��ت يف املخيم ت��ن��دي��د ًا ب��امل��ج��زرة التي‬ ‫وقعت يف الرتمي�سة‪ ،‬ما �أدى �إىل م�صرع �ستة‬ ‫من املتظاهرين‪ .‬وبعدها بات املخيم يتعر�ض‬ ‫لوجبات من الق�صف املدفعي‪ ،‬ق�ضى فيها ت�سعة‬ ‫فل�سطينيني (‪ ،)7/18‬و‪ ،)8/2( 18‬و‪ 70‬يف‬ ‫�شهر �أيلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬و‪.)12/5( 13‬‬ ‫وق��د واج��ه ه��ذا املخيم كل ذل��ك لثالثة‬ ‫�أ�سباب‪� ،‬أولها‪ ،‬احت�ضانه للنازحني من ال�سوريني‬ ‫م��ن �أه���ايل املناطق امل��ج��اورة‪ .‬وثانيها‪ ،‬عدم‬ ‫خ�ضوعه ملحاوالت ما ي�سمى اللجان ال�شعبية‬ ‫(املدعومة من قبل «اجلبهة ال�شعبية القيادة‬ ‫العامة») الهيمنة عليه‪ .‬وثالثها‪� ،‬أنه الأكرث‬ ‫متثي ًال للوطنية الفل�سطينية‪ ،‬و�أخ��ذه يف هذا‬ ‫االجتاه �أو يف هذا االجتاه �سيكون له دالالته‪.‬‬ ‫وال��واق��ع �أن تطور املواجهة بني النظام‬ ‫وال��ث��ورة‪ ،‬وم��ع التحول �إىل ال��ث��ورة امل�سلحة‪،‬‬ ‫و�ضع خميم الريموك يف و�ضع حرج‪ ،‬فهو جزء‬ ‫م��ن ال��ب��واب��ة اجلنوبية لدم�شق‪ ،‬وه��و �أي�ض ًا‬ ‫يف ح��ال��ة ت��داخ��ل ج��غ��رايف‪ ،‬وجم��ت��م��ع��ي‪ ،‬مع‬ ‫الأحياء ال�سورية املجاورة (احلجر الأ�سود‬ ‫والتقدم والت�ضامن ويلدا)‪ ،‬وهي �أحياء م�ساندة‬ ‫للثورة‪ ،‬وف��وق ه��ذا وذاك ف���إن �سعي �أط��راف‬ ‫فل�سطينية لإقحام املخيم يف ال�صراع اجلاري‪،‬‬ ‫ف�� ّوت حم��اوالت حتييد املخيم‪ ،‬وجتنيبه دفع‬ ‫الأث��م��ان الباهظة‪ ،‬وجعله يف قلب ال�صراع‬ ‫اجل��اري على كل �شرب يف �سوريا‪ ،‬بني النظام‬ ‫و»اجلي�ش احلر»‪ .‬هكذا و�صل الو�ضع �إىل حد‬

‫ماجد كيايل‬ ‫قيام طائرات النظام ب�شنّ غ��ارة جوية على‬ ‫املخيم راح �ضحيتها الع�شرات‪ ،‬لأنها ا�ستهدفت‬ ‫�أم��اك��ن جتمع للنازحني (مدر�سة الفالوجة‬ ‫وم�سجد عبد ال��ق��ادر احل�سيني)‪ ،‬وذل��ك يوم‬ ‫(‪ ،)2012/12/16‬وه��و ال��ي��وم ال���ذي �شهد‬ ‫حم��اول��ة ج��م��اع��ات «اجل��ي�����ش احل���ر» اقتحام‬ ‫بع�ض املناطق يف املخيم لإنهاء و�ضع «اللجان‬ ‫ال�شعبية»‪ ،‬وهي التطورات التي �أدت �إىل نزوح‬ ‫‪ 70‬باملئة من �سكانه‪.‬‬ ‫عموم ًا ولأجل مطالعة مزيد من التفا�صيل‬ ‫عن الأح��داث والإح�صاءات والوثائق‪ ،‬التي‬ ‫عر�ضنا بع�ضها هنا‪ ،‬ميكن االط�لاع على كتاب‬ ‫يو�سف فخر الدين ويو�سف زيدان‪« :‬الالجئون‬ ‫الفل�سطينيون يف املحنة ال�سورية‪ ،‬من الرابط‪:‬‬ ‫(‪)https://db.tt/TZVrOgdE‬‬ ‫هذه هي التطورات التي �أدت �إىل معاناة‬ ‫الفل�سطينيني يف خميم ال�يرم��وك م��ن نكبة‬ ‫ثانية‪ ،‬رمبا هي �أق�سى من الأوىل‪ ،‬وهي نكبة‬ ‫يتحمل م�س�ؤوليتها النظام‪ ،‬لأنه هو الذي ميلك‬ ‫قوة النريان‪ ،‬والقدرة على الق�صف والقن�ص‬ ‫واحل�صار‪ ،‬متام ًا مثلما يتحمل م�س�ؤولية كل‬ ‫ما يجري يف �سوريا‪ .‬لكن هذا الو�ضع ال يعني‬ ‫�أن الأطراف الأخرى الفل�سطينية وال�سورية‬ ‫(«اجل��ي�����ش احل����ر») ال تتحمل م�س�ؤوليتها‬ ‫عن ه��ذه امل�أ�ساة‪ ،‬الأوىل يف حماولة البع�ض‬ ‫اقحام املخيم بدعوى �صد امل�ؤامرة على �سوريا‬ ‫وت�شكيل جماعات م�سلحة لـ»الدفاع الذاتي»‪،‬‬ ‫با�سم «اللجان ال�شعبية»‪ .‬والثانية‪ ،‬بت�سرعها‬ ‫القتحام املخيم‪ ،‬وال �سيما بفر�ضها ال�سيطرة‬ ‫عليه‪ ،‬الأم���ر ال���ذي ك��ان ميكن جتنبه‪ ،‬لأن��ه‬ ‫مل ي���ؤد �إال اىل ت�شريد �سكانه‪ ،‬من ال�سوريني‬ ‫والفل�سطينيني‪ ،‬م��ن دون �أي ج��دوى تذكر‪،‬‬ ‫ال �سيما �أن املخيم بات حتت دائ��رة احل�صار‪،‬‬ ‫والق�صف‪ ،‬والإغالق؛ وهي من املالحظات التي‬ ‫ت�ؤخذ على «اجلي�ش احلر»‪.‬‬ ‫ولعل ما ينبغي الت�أكيد عليه هنا هو �أن‬ ‫ح��ال الفل�سطينيني امل�أ�سوية ه��ذه ه��ي ذات‬ ‫حال ال�سوريني يف معظم مناطقهم‪ ،‬ما ي�ؤكد‬ ‫ارتباط م�صريهم مب�صري ه�ؤالء‪ ،‬مبعزل عن �أي‬ ‫اعتبارات �أخرى‪.‬‬

‫امل�ساعدات الدول ّية‪� :‬أرقام جوفاء و �سل ٌع يبيعها النظام‬

‫ت�صر معظم احلكومات الغربية على تخ�صي�ص �أموال الإغاثة لل�سوريني يف‬ ‫ّ‬ ‫الداخل عن طريق تلك املنظمات ح�صر ًا‪ .‬و هي تعلم جميع املثالب �سابقة الذكر‬ ‫و لي�ست خافية عليها‪ .‬و هو ما يعني ب�شكل من الأ�شكال‪� ،‬أن تلعب تلك املنظمات‬ ‫دور ًا غري مبا�شر يف االعرتاف ب�شرعية نظام جمرم‪ ،‬و عدم االعرتاف ب�شرعية‬ ‫املعار�ضة و متثيلها للمناطق املحررة‪ .‬و هو ما يزيح عن كاهل النظام عبئ ًا يف‬ ‫املناطق اخلا�ضعة ل�سيطرته و يرمي مبقابله عبئ ًا �أكرب على املعار�ضة يف املناطق‬ ‫املحررة‪..‬‬ ‫و ماذا يعني ذلك �سوى الإمعان يف �إ�ضعاف الثورة و تقوية النظام حتى يف‬ ‫اجلانب الإغاثي؟‪.‬‬

‫كما �أن اقت�صار املعونات على العينية منها مع اعرتاف تلك املنظمات بالعجز‬ ‫الكامل عن دخول املناطق املحررة املحا�صرة من قبل النظام‪� ،‬أمر يدعوها لإعادة‬ ‫النظر ب�آليات عملها حيث �إن الأغلبية العظمى من املحتاجني لتلك املعونات‬ ‫يتمركزون يف تلك املناطق‪.‬‬ ‫من امل�ؤ�سف �أنه حتى اجلانب الإن�ساين البحت يتم التعامل معه من منطلق‬ ‫ال�سيا�سة الدولية و توازناتها و م�صاحلها بعيد ًا عن االعتبارات الإن�سانية التي‬ ‫يفرت�ض �أن حتكم عمل تلك املنظمات و مموليها‪..‬‬ ‫م�ؤ�سف و لكنه يتّ�سق متام ًا مع �سيا�سة املجتمع الدويل جتاه الثورة ال�سورية‬ ‫منذ بداياتها و حتى اللحظة‪.‬‬


‫العدد ‪91‬‬

‫�سوي�سرا ح�ضن دافئ لل�سوريني‬ ‫ع ّمت �صور الالجئني ال�سوريني يف ع��راء لبنان وخميمات‬ ‫االردن وتركيا االعالم العربي والعاملي‪ ،‬ومل ترتك للخيال �صورة‬ ‫بي�ضاء وحيدة ي�سرح فيها يف واقع وم�ستقبل ه���ؤالء‪� ،‬أمثالهم‬ ‫ا�ستطاعوا ب�صعوبة‪ ،‬الو�صول اىل وجهات بعيدة يف العامل‪،‬‬ ‫منها كندا والدول اال�سكندنافية وفرن�سا وغريها‪ ،‬فكيف يعي�ش‬ ‫امثالهم يف بلد ك�سوي�سرا مث ًال؟‬ ‫ال �شيء يوحي ب�أن مقرات الالجئني يف �سوي�سرا خم�ص�صة‬ ‫لهم‪ ،‬قد تظنها مراكز ا�ستجمام وك�شافة او مدار�س او نواد‬ ‫ريا�ضية‪" .‬املخيمات" ا�ستعا�ضت عنها �سوي�سرا مبقرات دائمة‬ ‫ت�ستقبل الالجئني منذ ع�شرات ال�سنني‪ ،‬مر عليها الجئون كرث‪،‬‬ ‫من بينهم لبنانيون خالل فرتة احلرب ا‬ ‫لأهلية‪ ،‬وب��ات ي�شغلها اليوم عدد كبري من ال�سوريني اىل‬ ‫جانب جن�سيات كثرية افريقية و�آ�سيوية و�شرق �أوروبية اختارت‬ ‫�سوي�سرا ملا عرفت به من توجه ان�ساين يف التعامل مع ق�ضايا‬ ‫حقوق االن�سان‪.‬‬ ‫وتكفي مقارنة ب�سيطة مع ما يجري من انتهاكات و�إهمال‬ ‫وعن�صرية ممنهجة وجت��وي��ع و���س��وء معاملة بحق الالجئني‬ ‫ال�سوريني يف دول اجلوار‪ ،‬ليظهر الفارق الهائل يف التعاطي مع‬ ‫هذا امللف من منطق حقوقي ان�ساين بحت ا�شتهرت �سوي�سرا‬ ‫بتبنيه تاريخي ًا وبح�سن تطبيقه‪.‬‬ ‫وي�سجل ل�سوي�سرا كم هائل من ح�سن املعاملة لالجئ‪،‬‬ ‫وال�س ّيما �أن الالجئ ي�شعر �أن��ه حم��اط بكل و�سائل احلماية‬ ‫واال�ستقرار‪ ،‬والتي تبد�أ بالت�أمني ال�صحي ال�شامل وتغطية‬ ‫م�ستحقات الإقامة ال�شاملة والتعليم املجاين‪ ،‬مبا فيه من عقبات‬ ‫لناحية فارق اللغة واملناهج التعليمية‪ ،‬و�صو ًال اىل دفع نفقات‬ ‫ال�سفر يف بع�ض احلاالت اخلا�صة‪.‬‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬ميتع�ض طالبو اللجوء ال�سيا�سي من "�ضبابية"‬ ‫و�ضع �إقاماتهم‪ ،‬وحتديد ًا يف ما يتعلق يف احل�صول على �أذونات‬ ‫عمل‪ ،‬وينتقدون بقاء بع�ضهم لأك�ثر م��ن �سنتني يف امل�ساكن‬ ‫اجلماعية املخ�ص�صة لالجئني‪ .‬وي�ستندون يف مطالبهم هذه اىل‬ ‫منظمات وجمعيات �أهلية ت�ساند الالجئني تاريخي ًا وتطالب‬ ‫ال�سلطات دائم ًا باملزيد من التقدميات‪ .‬كما �أن اجلمعيات تتابع‬ ‫هذا امل�سعى اعالمي ًا وقانوني ًا لتحقيق املكا�سب‪.‬‬ ‫ع�صام العَمر‪ ،‬الجئ كردي �سوري يف جنيف يقول يف حديث‬ ‫لـ"املدن"‪� ،‬إنه بعد نحو �سنتني على وجوده يف‬ ‫�سوي�سرا‪ ،‬ا�ضطر مع نحو ‪� 350‬آخرين اىل تنظيم اعت�صام‬ ‫دام ‪ 12‬يوم ًا ام��ام مقر املحكمة الفدرالية يف العا�صمة برن‪،‬‬ ‫للمطالبة بتح�سني او�ضاعهم‪ .‬ويلفت العَمر‪� ،‬إىل �أنهم وُعدوا‬ ‫على �إثر االعت�صام بالنظر يف �ش�أنهم قبل نهاية العام احلايل‪.‬‬ ‫ويعترب العَمر �أن امل�شكلة الأ�سا�سية تكمن يف �أن نوع الإقامة‬ ‫التي يحملها هي الجئ‪ ،"permis F" ،‬وهي �إقامة م�ؤقتة ال‬

‫ت�سمح له بالعمل‪ ،‬لكنه يف املقابل يعتمد يف معي�شته كباقي‬ ‫الجئي العامل يف �سوي�سرا على معا�ش حم��دود توفره الدولة‬ ‫ال�سوي�سرية يكفي لإقامة الئقة‪� ،‬إىل جانب اخلدمات املبا�شرة‬ ‫كالطبابة واملدار�س وغريها‪.‬‬ ‫ويف حني �أن العَمر يعي�ش يف �شقة �سكنية �صغرية ملحقة مبقر‬ ‫الالجئني‪ ،‬يعي�ش �آخرون يف غرف م�شرتكة‪ ،‬ت�ضم كل منها اثنني‬ ‫اىل ثمانية ا�شخا�ص يف الغرفة من جن�سيات خمتلفة‪ .‬كما متنح‬ ‫العائالت ال�صغرية غرفة واحدة كبرية يف مقر اللجوء‪ ،‬ويت�شارك‬ ‫اجلميع يف مقرات اللجوء يف ا�ستخدام احلمامات واملطابخ ب�شكل‬ ‫جماعي‪ .‬اما الأ�سر الكبرية او التي تت�ضمن �أ�صحاب حاالت‬ ‫خا�صة فتقيم يف منزل خا�ص‪.‬‬ ‫معظم الالجئني ال�سوريني املوجودين يف �سوي�سرا دخلوا‬ ‫بطريقة غري �شرعية‪� ،‬أي عرب حدود الدول املحيطة كايطاليا‬ ‫او فرن�سا واملانيا‬ ‫والنم�سا‪ ،‬لكن �آخرين دخلوا بطريقة �شرعية‪ ،‬عرب تقدمي‬ ‫اللجوء يف ال�سفارات ال�سوي�سرية يف دول جوار �سوريا‪� ،‬أو عرب‬ ‫املنظمات الدولية‪ .‬وم�ؤخر ًا‪ ،‬مطلع �أيلول‪� /‬سبتمرب املا�ضي‪ ،‬قررت‬ ‫برن ت�سهيل احل�صول على ت�أ�شريات جديدة حتت خانة قانون‬ ‫"مل ّ ال�شمل"‪ ،‬لكن لعدد حددته ال�سلطات بخم�سمئة الجئ‬ ‫�سوري ممن يعي�شون يف ظروف حرجة‪.‬‬ ‫وب��ذل��ك‪� ،‬أ�صبح مب��ق��دور العائالت ال�سورية املجن�سة او‬ ‫املقيمة يف �سوي�سرا ب�شكل دائ��م ا�ستقدام ذويهم عرب الطرق‬ ‫الر�سمية‪ .‬ويف حني كان هذا القانون يطبق يف ا�ستقدام الزوج‬ ‫والزوجة واالطفال القا�صرين يف ال�سابق‪ ،‬ف�إنه اليوم بات ي�شمل‬

‫دينا �أبي �صعب‬

‫مروحة �أو���س��ع لي�ضم االب��وي��ن واجل��دي��ن واالوالد الرا�شدين‬ ‫واالحفاد‪ ،‬و�أي�ض ًا االخوة واالخوات‪.‬‬ ‫عدد قليل من ال�سوريني متكنوا حتى االن من دخول البالد‬ ‫تطبيق ًا لهذا القانون‪ ،‬لكن الكونفدرالية اعلنت م�ؤخر ًا عن‬ ‫منحها ت�أ�شريات لـ ‪� 850‬سوري ح�صلوا عليها من مقرات ال�سفارات‬ ‫ال�سوي�سرية يف دول اجلوار‪ .‬وي�ؤكد "املكتب الفدرايل للهجرة"‬ ‫ان عدد املقيمني ال�سوريني الدائمني غري الالجئني يف �سوي�سرا‬ ‫يقارب االلفني‪ ،‬اربعمئة منهم يحملون اجلن�سية ال�سوي�سرية‪.‬‬ ‫وعليه ف�إن رقم الالجئني ال�شرعيني امل�شمولني بقانون ملّ‬ ‫ال�شمل املنتظرين �سيت�ضاعف حكم ًا يف اال�شهر املقبلة‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫اىل الالجئني غري ال�شرعيني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ت�شري االرق��ام الر�سمية اىل ان ‪� 372‬سوريا ح�صلوا على‬ ‫اللجوء ال�سيا�سي يف الفرتة املمتدة ما بني �آذار ‪ ،2011‬تاريخ‬ ‫اندالع االزمة‬ ‫ال�سورية‪ ،‬حتى متوز ‪� ،2013‬إ�ضافة اىل ‪� 758‬آخرين ح�صلوا‬ ‫على اقامات جلوء م�ؤقت‪ ،‬فيما تنظر ال�سلطات املخت�صة بـ‪2825‬‬ ‫طلب‪ .‬ويدخل البالد بني ‪ 50‬اىل ‪ 100‬طالب جلوء �سوري �شهري ًا‪.‬‬ ‫وتفيد االح�صائيات االخرية التي ن�شرتها املفو�ضية العليا‬ ‫ل�ش�ؤون الالجئني‪� ،‬أن �أك�ثر من اربعة �آالف �سوري يفرون من‬ ‫بالدهم يومي ًا‪ ،‬وقد جتاوز العدد الكلي له�ؤالء ‪ 2,3‬مليون الجئ‪،‬‬ ‫توزعوا ما بني لبنان واالردن وتركيا والعراق وم�صر‪ .‬يف حني‬ ‫يواجه �أكرث من ‪ 4.5‬مليون �سوري عبء النزوح الداخلي طلب ًا‬ ‫للأمن‪ ،‬وذلك ح�سب مكتب �إدارة ال�ش�ؤون االن�سانية التابع للأمم‬ ‫املتحدة يف جنيف‪.‬‬

‫�أك�شاك العا�صمة ‪ ..‬فروع �أمنية م�صغرة‬

‫تعد ظاهرة الأك�شاك يف مدينة دم�شق واحدة من �أ�ساليب النظام املك�شوفة ملراقبة‬ ‫يف�سر الهجوم على بع�ض الأك�شاك من قبل‬ ‫�أي حترك مريب �أو جتمعات قريبة‪ ،‬وهو ما ّ‬ ‫اجلي�ش احلر‪.‬‬ ‫�أك�شاك للبيع ‪ ..‬و�سالح‬ ‫لي�ست مهمة الأك�شاك ر�صد التجمعات امل�شكوك فيها ومتابعة التحركات يف ال�شوارع‬ ‫املحيطة فقط‪ ،‬فكل ما يحتاجه ال�شباب يف طريقهم موجود من علب ال�سجائر وامل�شروبات‬ ‫املختلفة وحتى الأفالم و�إن كان �أ�سلوب بيعهم يت�سم عموما بالنزق والتعايل‪.‬‬ ‫لكن الك�شك ت�ش ّكل على �أنه فرع �أمني �صغري يكون هناك م�س�ؤول عنه وعن عدة‬ ‫�أك�شاك‪ ،‬ويتزود البائعون ومن معهم بال�سالح الفردي �إ�ضافة �إىل �أ�سلحة متو�سطة‬ ‫خمب�أة داخل الك�شك �أو يف مكان قريب جدا‪ .‬وهي تظهر وقت وجود م�شكلة �إذ ترى‬ ‫�أفراد الأمن وقوات النظام باللبا�س املدين وقد طوقوا املكان‪.‬‬ ‫يقول ال�شاب “م‪.‬د” �إن حادثة �إطالق النار على ج�سر الثورة منذ �أ�شهر عدة م�ضت‪:‬‬ ‫“فاج�أت اجلميع بالكمية الكبرية من الأ�سلحة ورجال الأمن حني طوقوا فندق �سمريا‬ ‫مي�س وما حوله”‪.‬‬ ‫�أك�شاك م�ستهدفة ‪ ..‬و�أبراج للمراقبة‬ ‫ب�سبب من و�ضوح عملها وم�شاركتها يف عمليات “الت�شبيح” فقد مت ا�ستهداف بع�ض‬

‫‪2013-11-10‬‬

‫الأك�شاك وخ�صو�صا ك�شك املزة ال�شهري الذي مت تفجريه و�سقط قتلى كرث من ال�شبيحة‬ ‫فيه‪� ،‬أو ك�شك منطقة الق�صور الذي انفجر بعبوة نا�سفة دون �سقوط قتلى‪.‬‬ ‫لكن الهدف الأمني يبقى هو الهاج�س الرئي�س لوجود هذه الأك�شاك على النقي�ض‬ ‫من �ضرورتها يف تقدمي اخلدمات خارج نطاق املتاجر امللتزمة ب�أوقات عمل حمددة كما‬ ‫يف دول العامل دون ا�ستثناء‪ .‬وهو ما يربر ارتباط �صاحب الك�شك بالأمن �سابق ًا ووجوده‬ ‫كعن�صر �أمن حالي ًا وخ�صو�صا من املنطقة ال�ساحلية‪.‬‬ ‫�أمن ‪ ..‬ولي�س �أمان‬ ‫ت�شكل املحال التجارية عموما مثل الأك�شاك هام�ش للأمان يف املنطقة املتواجدة‬ ‫فيها من حيث الإنارة الدائمة ووجود �أكرث من �شخ�ص يقوم باخلدمات املختلفة‪ ،‬لكنها‬ ‫هنا يف دم�شق هي جمرد مفارز �أمنية م�صغرة يلج�أ �إليها يف الليل العنا�صر الأمنية‬ ‫املختلفة �سواء على احلواجز �أو �أ�صحاب املهمات “الوطنية”‪.‬‬ ‫ويطل �صباح اليوم التايل حمم ًال برائحة علب وزجاجات اخلمر املرمية با�ستهتار‬ ‫بعد �أن يكون “�أمن الوطن” قد �أدى مهامه على �أكمل وجه يف تكري�س اخلوف لدى‬ ‫النا�س‪.‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫را�شد عي�سى‬

‫العدد ‪83‬‬

‫‪2013-11-10‬‬

‫"الطوفــان"‬

‫قد تكون الطريقة الأمثل ل�شرح الثورة ال�سورية للجمهور‬ ‫الأوروبي �أن نعر�ض �أ�سبابها‪ ،‬وقد ال جند �صورة متتلئ باملعنى‪،‬‬ ‫وبال�صور امل�ؤثرة كما يف فيلم "طوفان يف بالد البعث" للراحل‬ ‫عمر �أم�يراالي‪ .‬ميكن للأوروبي‪ ،‬وحتى لل�سوري‪� ،‬أن يرى �أي‬ ‫حال كان عليه ال�سوريون‪ ،‬وملاذا قاموا بثورتهم‪ .‬هذا ما ميكن‬ ‫�أن ينتاب املرء لدى م�شاهدته الأفالم ال�سورية التي عر�ضت‬ ‫يف باري�س �أخ�ي�ر ًا‪ ،‬يف �سينما "�إيتوال" برعاية ال�صحيفة‬ ‫الإلكرتونية الفرن�سية ‪.Rue89‬‬ ‫كثريون �شاهدوا من قبل فيلم �أم�يراالي‪ ،‬ال��ذي ا�ستحق‬ ‫الراحل عنه مراجعات عديدة لفروع الأمن ال�سورية‪ ،‬ومنع ًا‬ ‫من ال�سفر‪ ،‬وحمالت �إعالمية من "امل�ؤ�س�سة العامة لل�سينما"‬ ‫ومن الإع�لام الر�سمي‪ .‬لكن بال �شك‪� ،‬سي�صبح الفيلم وثيقة‬ ‫ب�صرية نادرة‪ ،‬و�س�ؤا ًال �شخ�صي ًا لكثري من ال�سوريني‪ :‬هل هكذا‬ ‫كنا نعي�ش فع ًال؟ وكيف حتملنا كل ذل��ك؟ لي�ست حياة نهر‬ ‫الفرات هنا هي الق�ضية‪ ،‬و�إن كان ي�ستحوذ طبع ًا على مو�ضوع‬ ‫الفيلم ومعناه وعنوانه‪� ،‬إنها الب�شر الذين ح�� ّول امل�ستبد‬ ‫حياتهم‪ ،‬متام ًا كما ا�ستبد بحياة النهر‪ ،‬فح ّوله �إىل بحرية‬ ‫خميفة‪ ،‬حمت حتتها بيوت ًا وب�شر ًا و�آثار ًا وذكريات‪ .‬النتيجة‬

‫عناية جابر‬ ‫حممد بدرة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫دولة ال‬ ‫ن�صف‬ ‫وتبني‬ ‫تنت�صر‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ن�صف ثور ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ت�سود‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫�سبات‬ ‫و�سط‬ ‫حلم‬ ‫حم�ض‬ ‫هو‬ ‫‪،‬‬ ‫واق��ع‬ ‫ن�صف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عميق‪..‬‬ ‫إن�سانية‪ ،‬لن حتي ْا‪ ،‬وتنجب ن�صفَ‬ ‫ون�صف �‬ ‫ٍ‬ ‫إن�سان ال يعي�ش‪..‬‬ ‫� ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رحم‪،‬‬ ‫ن�صف ٍ‬ ‫نطفة‪ ،‬تنبت ن�صف جن ٍ‬ ‫ني ببقايا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ليعي�ش‬ ‫و�سرتاه يرتك احلياة قبل والدته‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بن�صف وفاة‪..‬‬ ‫عمر ما َته‬ ‫ن�صف ٍ‬ ‫كلمة ما ُ�سمعت �أبد ًا‪..‬‬ ‫و�سينطق ن�صف ٍ‬ ‫َ‬ ‫�ين ال ت��رى‪ ،‬ن�صف وطنه‬ ‫و�سريى‬ ‫ِ‬ ‫بن�صف ع ٍ‬ ‫وكفنه‪..‬‬ ‫ن�صف بيتي‪ ..‬فدّ ٌان ف�سيحٌ وا�سعٌ لن ي�سعني‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ٌّ‬ ‫دقيقة‬ ‫وكل ما بالكون من �ساعات‪ ،‬لن ت�سع‬ ‫من حياتي‪..‬‬ ‫ن�����ص ُ‬ ‫ث���دي ال ي�شبع ح��ر اجل���وع و�سط‬ ‫��ف‬ ‫ٍ‬ ‫طفولتي‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ون�����ص��ف � ٍأب‪ ،‬ل��ن ي��وق��ظ في�ض ال��ر�أف��ة يف‬ ‫كهولتي‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫كلمة لن ت�سمعني‪..‬‬ ‫ن�صف ٍ‬ ‫ون�صف العينني ال تراين‪..‬‬

‫كانت �أن الأجيال اجلديدة باتت تخاف البحرية‪ ،‬ال تقرتب‬ ‫منها‪ ،‬ال يعرفون ال�سباحة وال تعني لهم البحرية �سوى هذا‬ ‫الكائن الغريب واملخيف‪.‬‬ ‫دجنوا يف املدر�سة‪،‬‬ ‫يكفي املرء هنا �أن يرى الأطفال كيف ّ‬ ‫كيف ح�شروا وراحوا يغنون ملء �أ�شداقهم �أغاين "البعث"‪،‬‬ ‫�أي مالب�س يرتدون‪� ،‬أي فقر يعتورهم‪ ،‬نظرات العيون املك�سورة‬ ‫واحلزينة‪ ،‬والأكتاف املحنية قلي ًال بفعل �سطوة ال�سلطة‪.‬‬ ‫و�أكرث من ذلك ميكن مالحظة �أ�ساتذتهم‪ ،‬لبا�سهم‪ ،‬ثقافتهم‪،‬‬ ‫جهلهم‪ .‬ومن ثم هذا البناء الواحد للمدر�سة الذي ن�سخ يف‬ ‫كل قرية وبلدة �سورية‪ ،‬اجلدران الرمادية‪ ،‬بوابات احلديد‬ ‫املعدنية الثقيلة‪ ،‬زينة ال�صفوف يف املنا�سبات "الوطنية" التي‬ ‫دفع التالميذ ثمنها من لقمة عي�شهم‪ .‬كل �شيء �سيقول لك يا‬ ‫لفظاعة ما كنا عليه‪ ،‬ويا لقوة �صرب ال�سوريني وذ ّلهم‪ ،‬كيف‬ ‫حتملوا كل ذلك‪.‬‬ ‫كذلك ال ميكن �أن يغفل امل��رء عن ذل��ك الن�ص املدر�سي‬ ‫الذي راح التالميذ يعيدونه (مل يذكر الفيلم �أن الن�ص هو‬ ‫لل�شاعر ال�سوري نزار قباين)‪ ،‬ن�ص كتب يف مديح �سد الفرات‬ ‫ومديح حافظ الأ�سد الذي بناه‪ ،‬هو ال�سد الذي د ّمر حياة‬

‫‪2013-9-15‬‬

‫�آالف ال�سكان على �ضفاف النهر‪" :‬يف بالدي يغيرّ ون تاريخ حياة نهر‪،‬‬ ‫نزع الرئي�س حافظ الأ�سد عن الفرات عباءته الطينية‪� ،‬أعطاه قلم ًا‬ ‫ّ‬ ‫متح�ضر‪� ،‬أعلن وهو يحول جمرى النهر‪� ،‬أن �سد‬ ‫ليكتب يومياته كنهر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الفرات لي�س عم ًال هند�سيا خا�صا ب�سورية‪ ،‬ولكنه عمل قومي من �أعمال‬ ‫التحرير"‪ .‬لكن املفارقة ال�سورية كانت �أن �سكان املنطقة غادروا قراهم‬ ‫وهجروا �أرا�ضيهم‪ ،‬ومن بقي منهم عا�ش فقر ًا مدقع ًا بال كهرباء‪ ،‬وال‬ ‫م�شايف‪� ،‬أو مدار�س الئقة‪.‬‬ ‫منظمو التظاهرة مل يكتفوا بفيلم �أمريالي‪ ،‬بل قدموا ثالثة �أفالم‬ ‫�أجنزت بعد الثورة ال�سورية‪ ،‬وكلها من �إنتاج بلدة كفرنبل التابعة ملدينة‬ ‫�إدلب �شمايل �سوريا‪ .‬الفيلم الأول بعنوان "د�ستور كفرنبل"‪ ،‬وهو يتابع‬ ‫�سعي �سكان البلدة �إىل االتفاق على د�ستور لها ي�ضمن الفرتة االنتقالية‬ ‫بعد �سقوط النظام‪ .‬كفرنبل �أجرت لهذا ال�سبب انتخابات دميقراطية‪،‬‬ ‫اختارت جلنة تكفلت ب�صياغة د�ستور‪.‬‬ ‫�أما الفيلم الثاين فحمل عنوان "املنطرة"‪ ،‬وهي �صحيفة ت�صدرها‬ ‫البلدة وتطبع ورقي ًا‪ .‬يتحدث �شباب البلدة عن قمع ال�صحافة يف �سوريا‬ ‫قبل الثورة‪ ،‬وكيف يرون ما يجب �أن يكون عليه دور ال�صحافة‪ .‬الفيلمان‬ ‫يعك�سان جانب ًا مما تقوم به البلدة ال�سورية الثائرة‪ ،‬وي�ؤكدان على‬ ‫مدنية الثورة وغياب املتطرفني عنها‪.‬‬ ‫الفيلم الثالث‪ ،‬يف �سل�سلة �أفالم كفرنبل‪ ،‬هو "الثورة ال�سورية يف ثالث‬ ‫دقائق" وهو متثيلية كوميدية ت�ص ّور كيف خرج ال�سوريون ال�سلميون‬ ‫للتظاهر فجوبهوا بكل الأ�سلحة الفتاكة‪ ،‬لكن العامل اعرت�ض فقط‬ ‫حني ا�ستعمل ال�سالح الكيماوي‪ .‬انتزع ال�سالح الكيماوي‪ ،‬و�ضع يف عهدة‬ ‫دولية‪ ،‬ثم ا�ست�أنف النظام القتل كاملعتاد‪.‬‬ ‫ال يخلو اختيار هذه الأفالم‪� ،‬إىل جانب "الطوفان"‪ ،‬من �إرادة القول‬ ‫ب�أن ه�ؤالء الذي يظهرون فيها‪ ،‬والذين �صنعوها‪ ،‬هم ه�ؤالء الأوالد الذين‬ ‫�شاهدناهم يف فيلم �أمرياالي‪ ،‬وقد املتكوا حريتهم و�إرادتهم ورغبتهم يف‬ ‫العي�ش بحرية‪.‬‬ ‫املخرجة ال�سينمائية هالة العبداهلل نقلت من �أجواء النقا�ش الذي‬ ‫دار مع جمهور الفيلم فقالت‪" :‬دار احلديث عن خ�صو�صية كفرنبل‬ ‫و�إنتاجها الفني و�صمودها ون�ضال املجتمع املدين‪ ،‬كذلك حول موقف‬ ‫الغرب وجموده وعدم فاعليته و�إهمال امللف ال�سوري والرتكيز على‬ ‫ال�سالح الكيماوي ون�سيان كل ما حدث قبله‪ ،‬وعن عجز الأوروبيني حتى‬ ‫عن فتح احل�صار على املناطق املج ّوعة"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و�أ�ضافت العبداهلل‪" :‬كان جمهور ًا ف�ضوليا يريد �أن يعرف‪ ،‬كانت‬ ‫�أ�سئلته معنية ب�أمور حم��ددة ودقيقة مثل ماهية القوى احلقيقية‬ ‫املتواجدة ع�سكري ًا على الأر�ض من طرف املقاومة"‪.‬‬ ‫الأف�لام �أرفقت بعر�ض جديد للوحات كفرنبل التي �سبق لها �أن‬ ‫عر�ضت يف باري�س‪ .‬وقد اختري منها �أ�سا�س ًا ما يخاطب املجتمع الدويل‪.‬‬

‫ن�صف ان�سا ٍن ال يحيى‪..‬‬

‫إن�سان ال يحيى معي‪..‬‬ ‫ون�صف � ٍ‬ ‫أر�ض‪ ،‬ذاك الن�صف بالتحديد‪ ،‬لي�س‬ ‫ون�صف � ٍ‬ ‫وطني‪..‬‬ ‫ثنائية املفاهيم التي جن�سدت‬ ‫عن‬ ‫أحتدث‬ ‫�‬ ‫ٍ‬ ‫و�سط عقولنا‪( ،‬هم ونحن)‪ ،‬ذاك القيد الذي‬ ‫خلق م��ن كهنة احل���رب‪ ،‬لنموت �أ ّذالء خلف‬ ‫حديدهم وبارودهم‪ ،‬طمع ًا بالن�صر‪َ ،‬‬ ‫جنة الغياب‬ ‫التي لن ن�صل �إليها �أبد ًا‪..‬‬ ‫فتار ًة‪..‬‬ ‫زعيم ينبح بفكره‬ ‫هو بيت ‪� /‬أر�ض ‪ُ /‬‬ ‫ق�صر ٍ‬ ‫ال��ق��ائ��د‪ ،‬وت����ار ًة ه��و االن�����ص��ي��اع امل��ي��ت ‪ /‬الأم��ر‬ ‫الع�سكري ‪ /‬القتل امل�شروع ‪� /‬إنزال الإن�سان من‬ ‫ان�سانيته‪..‬‬ ‫و�أطوار ًا �أخرى‪..‬‬ ‫فكر ٌة طعنت تفكرينا ‪ /‬جزر ٌة تن�صب �أمامنا‬ ‫مر�صو�ص من بقايا جماجمنا‬ ‫بناء‬ ‫ٌ‬ ‫نلهث خلفها ‪ٌ /‬‬ ‫‪َ /‬ج َب ٌل من دماء �أحالمنا‪ُ ،‬ي ْب َنى و�سط �آمالنا‪..‬‬ ‫� َ‬ ‫أثمة من ينت�صر على ابن ابيه‪..‬‬ ‫�أثمة من ينت�صر على ابت�سامة الطفل قرب‬ ‫�أمه‪..‬‬ ‫ه��ل م��ن ر���ض��ي ٍ��ع طعن رح��م احل�ضانة بعد‬ ‫الوالدة‪..‬‬

‫ر�ضيع مرغ بال�سم لب�أ الر�ضاعة‪..‬‬ ‫هل من ٍ‬ ‫هل من ر�ضيع قطع حبله ال�سري‪ ،‬ليملئ جوع‬ ‫ثغره‪..‬‬ ‫�أث���م���ة م���ن ي��ن��ت�����ص��ر ع��ل��ى رائ���ح���ة اخل��ب��ز‬ ‫الدم�شقي‪� ،‬أن َّ‬ ‫تع�شقت بني حجارة الأر�صفة‪،‬‬ ‫و�سط تراب هذا البلد‪..‬‬ ‫�أثمة من يطفئ بوهج نار ِه‪ ،‬ريح املطر املع�شق‬ ‫بالرتاب اجلبلي‪..‬‬ ‫� َ‬ ‫أثمة من ين�سى قهوة ال�صباح‪ ،‬وريح الهال‬ ‫عندما َت� ُأ�س ُر كل ما يف القلب من (�إن�سان)‪..‬‬ ‫فالنملة‪ ،‬ح��ت��ى ال��ن��ل��م��ة‪ ،‬تفتخر بجحر‬ ‫�أر�ضها‪..‬‬ ‫والطري ُة حتر�س بي�ضتها‪،‬‬ ‫وذاك الرحم يحر�س بكل ما ميلك من قو ٍة‪،‬‬ ‫تع�شي�ش نطفته‪..‬‬ ‫ما من مينى ذبحت ي�سراها يوما‪ً،‬‬ ‫ر�ضيع ق�ضم ا َ‬ ‫حللمة مع احلليب‪..‬‬ ‫وما من ٍ‬ ‫ب�شفة واحدة‪ ،‬وال َ‬ ‫عناق‬ ‫بلة ر�سمت‬ ‫ٍ‬ ‫ما من ُق ٍ‬ ‫يذراع واحد‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫وال ح�ضنَ من دون �أ ّم‪..‬‬ ‫وحب‪..‬‬ ‫وال حيا َة من دون ِ�س ٍلم ُ‬ ‫�أتطيق �أ ٌّم بكت و�سط �أح�شائها ولد ًا‪� ،‬أ�سقته‬

‫ماء عينيها مقيد ًة مر�آه و�سط �أحالمها‪ ،‬لرت�سم‬ ‫ذكراه يوم ًا ما‪،‬‬ ‫�أ ُتراك‪ ،‬لو �أنك َت ْق ِل ُع الذكرى من قاع رحمها‪،‬‬ ‫مر�صع ًا باملا�س �أر�ضه‪ ،‬و�أن��ت اله ٌ��ث وراء ثرو ٍة‬ ‫ومقاومة‪..‬‬ ‫فاعلم �أن "ثورة" الأم و�سط رحمها‪" ،‬ثرو ٌة"‬ ‫لن تقبل امل�ساومة‪..‬‬ ‫فلي�سقط ك��ل م��ن �أع��ل��ن احل��رب على ِ�س ِلم‬ ‫دم�شق‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رهينة للأ�سد‪..‬‬ ‫ولي�سقط كل من جعلها‬ ‫ولي�سقط خلف �سقوطه الأ�سد‪..‬‬ ‫ولي�سقط من حا�صر ال َ‬ ‫أر�ض‪ ،‬من الرقة‪ ،‬حتى‬ ‫الغوطة حتى �صدد‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ولي�سقط البارود‪،‬‬ ‫ولت�سقط الآي��دي��ول��وج��ي��ا ب����أيِّ ا�ستبدا ٍد‬ ‫كانت‪..‬‬ ‫ولت�سقط احلرية‪� ،‬أمام خ�ضوع االن�سانية‪..‬‬ ‫ولتحيى احل��ري��ة‪ ،‬ع��ل��ى ك��ل ���س�لاح وق��ي ٍ��د‬ ‫ومعتقل‪..‬‬


‫العدد ‪91‬‬

‫‪2013-11-10‬‬

‫القوى التي تدافع عن النظام ال�سوري‪ :‬البنى والت�شكيالت‬

‫جود ح�سون‬ ‫خالل عامني ون�صف منذ قيام الثورة ال�سورية‬ ‫وب���دء امل��واج��ه��ات الع�سكرية يف خمتلف مناطق‬ ‫البالد‪ ،‬غيرّ النظام ال�سوري يف �أ�سلوبية بناء القوى‬ ‫النظامية والف�صائل امل�سلحة املقاتلة معه ومواقع‬ ‫ن�شر لقطع‬ ‫متركزها وخطط انت�شارها‪ .‬فما بد�أه من ٍ‬ ‫معيّنة من اجلي�ش النظامي يف عد ٍد من املحافظات‪،‬‬ ‫ب�شكل �شبه تام مع تطورات الأحداث‪.‬‬ ‫اختلف ٍ‬ ‫ويت�ضح من جممل املعارك الكربى التي دارت‬ ‫على الأرا�ضي ال�سورية‪� ،‬أن ال��دو َر الأه��مّ بالن�سبة‬ ‫للنظام كان دور اجلي�ش العربي ال�سوري‪ ،‬باعتبار‬ ‫�أن ت�شكيالته هي الأك ُ‬ ‫�ثر ع��دد ًا والأق���وى تدريب ًا‬ ‫ً‬ ‫يغن �أبدا عن ف�صائل �أخرى‬ ‫و�سالح ًا‪� .‬إال �أن ذلك مل ِ‬ ‫رديفة للجي�ش النظامي‪ ،‬وتعمل بالتن�سيق معه ومع‬ ‫القيادة ال�سيا�سية‪� ،‬أو بدون هذا التن�سيق‪.‬‬

‫اجلي�ش النظامي‬

‫اخلارطة‪ ،‬ف�أ�صبح للقوى اجلوية والبحرية ح�ضو ٌر‬ ‫وا�ضحٌ ‪ ،‬كما باقي الت�شكيالت‪.‬‬ ‫ي�صل ت��ع��داد عنا�صر اجلي�ش النظامي بني‬ ‫��اط و���ص��ف ���ض��ب��اط و�أف�����راد ب�ين متطوعني‬ ‫���ض��ب ٍ‬ ‫مقاتل‪ ،‬موزعني‬ ‫وجمندين �إىل ح��وايل ‪� 350‬أل��ف‬ ‫ٍ‬ ‫على القوى اجلوية والدفاع اجلوي والقوى الربية‬ ‫وال��ق��وى ال��ب��ح��ري��ة‪ .‬وق��د ت��ع�� ّر���ض ق���وام اجلي�ش‬ ‫لالنخفا�ض خالل العامني الأخريين نتيجة عدة‬ ‫عوامل‪� ،‬أه ّمها االن�شقاق والفرار‪ ،‬ثم ُ‬ ‫مقتل �أعدا ٍد‬ ‫كبرية من العنا�صر �أثناء املواجهات واملعارك مع‬ ‫قوات املعار�ضة‪.‬‬ ‫و ُتق ِّدر ع ّدة م�صادر ميدانية معار�ضة �أن �أعداد‬ ‫قتلى اجلي�ش النظامي و�صلت حد ‪� 40‬ألف مقاتل‪.‬‬ ‫وتقوم القيادة الع�سكرية بالتعوي�ض عن النق�ص من‬ ‫خالل االحتفاظ باملج ّندين ومنع ت�سريحهم‪ ،‬حيث‬ ‫ت�سريح‪ ،‬مع العلم‬ ‫مل ي�صدر منذ �أكرث من عامني قرار‬ ‫ٍ‬ ‫�أن هناك ع ّدة دورات جم ّندة منذ �أك ِرث من ثالثة‬ ‫�أعوام‪ ،‬مبعنى �أن ت�سريحها ت�أخر حوايل عامني‪.‬‬ ‫ي�ستخدم اجلي�ش النظامي يف معاركه مع قوات‬ ‫املعار�ضة جممل �صنوف الأ�سلحة املوجودة لديه‪،‬‬ ‫اخلفيفة منها واملتو�سطة والثقيلة‪ .‬من البندقية‬ ‫الرو�سية كال�شينكوف‪ ،‬م���رور ًا بقذائف الهاون‬ ‫وراجمات ال�صواريخ و�صواريخ الغراد والكونكور�س‬ ‫�إىل ال�سكود اال���س�ترات��ي��ج��ي‪ .‬ه��ذا �إ���ض��اف ً��ة �إىل‬ ‫املدفعية الثقيلة والدبابات والطائرات احلربية‬ ‫من طراز ميغ و�سوخوي‪ ،‬والطريان املروحي املح ّمل‬ ‫بالرباميل املتفجرة‪ ،‬و�صو ًال �إىل ال�سالح الكيماوي‪،‬‬ ‫الذي ا�ستخدم يف ع ّدة مناطق �أهمها كان غوطتي‬ ‫دم�شق الغربية وال�شرقية يف ريف دم�شق �أواخ��ر‬ ‫�آب املا�ضي‪ .‬ويتم حالي ًا تدمري املخزون ال�سوري من‬ ‫إ�شراف دويل‪.‬‬ ‫ال�سالح الكيماوي ب� ٍ‬ ‫يتزود اجلي�ش النظامي ب�سالحه من رو�سيا‪،‬‬ ‫التي تعترب من �أ�ش ّد ال��دول ت�أييد ًا ودعم ًا للنظام‬ ‫ال�سوري‪ ،‬والتي �ص ّرحت على ل�سان كبار م�س�ؤوليها‬ ‫ب���أن معاهدات جت��ارة ال�سالح بينها وب�ين �سوريا‬ ‫"م�ستمرة"‪.‬‬

‫تنت�شر قطع وثكنات اجلي�ش النظامي‪ ،‬على‬ ‫م�ساحة �سوريا يف كافة املحافظات‪ .‬ومل يكن لهذا‬ ‫مواجهة موجة االحتجاجات يف‬ ‫االنت�شار دو ٌر يف‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫الأ�شهر الأوىل من الثورة ال�سورية‪� ،‬إذ كانت تكلف‬ ‫قطع ع�سكرية معيّنة مبواجهة املتظاهرين‪ ،‬كان‬ ‫�أهمها احلر�س اجلمهوري والفرقة الرابعة‪� .‬إال‬ ‫�أن��ه مع ت�ش ّكل اجلي�ش ال�سوري احل��ر ثم ف�صائل‬ ‫املعار�ضة امل�سلحة الأخ��رى‪� ،‬أ�صبحت جممل قطع‬ ‫اجلي�ش النظامي مك ّل ً‬ ‫فة بالعمل الع�سكري يف خمتلف‬ ‫املحافظات‪.‬‬ ‫تعمل خمتلف الت�شكيالت الع�سكرية التابعة‬ ‫مبوجب خطط انت�شا ٍر وتنظيم‬ ‫للجي�ش النظامي‬ ‫ِ‬ ‫عمليات ع�سكرية غ�ير معلنة �إع�لام��ي�� ًا‪ ،‬بحيث‬ ‫ٍ‬ ‫ي�صعب تتبّع خريطة انت�شارها با�ستثناء االعتماد‬ ‫على �شهود العيان والن�شطاء الإعالميني واملدنيني‬ ‫ال�سوريني ال��ذي��ن ي��ح��اول��ون تتبع ه��ذه العمليات‬ ‫ت�سريبات من‬ ‫والقوى امل�س�ؤولة عنها‪� ،‬أو من خالل‬ ‫ٍ‬ ‫ِقبل �أفراد يعملون على متا�س مع امل�ؤ�س�سة الع�سكرية‬ ‫ال�سورية‪.‬‬ ‫مع بداية انت�شار اجلي�ش العربي ال�سوري يف‬ ‫امل��دن والقرى ال�سورية‪ ،‬مت حتييد ع�� ّدة ت�ش ّكالت‬ ‫جي�ش الدفاع الوطني‬ ‫بعيد ًا عن املواجهة‪ ،‬وهي القوى اجلوية والدفاع‬ ‫جي�ش ال��دف��اع الوطني ه��و ميلي�شيا رديفة‬ ‫اجل����وي وال���ق���وى ال��ب��ح��ري��ة وب��ع�����ض ت�شكيالت‬ ‫ال�صواريخ‪ ،‬بحيث ّ‬ ‫مت االعتماد على ق��وى امل�شاة للجي�ش ال��ن��ظ��ام��ي‪ ،‬مت ت�أ�سي�سها م��ع مطلع عام‬ ‫واملدفعية والدبابات‪� .‬إلاّ �أن تطوّر الأح��داث قاد ‪ ،2013‬حيث ي�ضمّ مدنيّني وع�سكريني م�س ّرحني �أو‬ ‫خمتلف �صنوف الت�شكيالت للعمل الع�سكري على متقاعدين‪� ،‬ضمن ف�صائل منظمة مدعومة حكومي ًا‪،‬‬

‫يتمّ ت�سليحها بالأ�سلحة اخلفيفة واملتو�سطة لتقوم ومالحقة الن�شطاء املعار�ضني‪.‬‬ ‫مبه ّمة ن�صب احلواجز الأمنية والع�سكرية ومداهمة‬ ‫لواء �أبو الف�ضل العبا�س‬ ‫واقتحام الأحياء يف بع�ض املدن والقرى ال�سورية‪.‬‬ ‫يعترب لواء �أبو الف�ضل العبا�س من امليلي�شيات‬ ‫غالبية عنا�صر جي�ش الدفاع الوطني متف ّرغون التي تقاتل �إىل جانب النظام يف مناطق حم�� ّددة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ب�شكل كامل للعمل �ضمن كتائب امليلي�شيا‪ ،‬ويتقا�ضون �أغلبها يف ريف دم�شق‪ .‬واللواء تنظيمٌ م�س ّلح ذو طابع‬ ‫ُ‬ ‫عنا�صره عراقيون‬ ‫غالبية‬ ‫رواتب متو�سطها ‪� 15‬ألف لرية �سورية �أي حوايل ‪ 100‬ديني �إ�سالمي �شيعي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫دوالر �أمريكي �شهريا‪ ،‬بح�سب م�صادر ميدانية من من الوافدين �إىل �سوريا بعد ن�شوب حرب العراق‬ ‫مدينة الالذقية‪ ،‬التي يكرث انت�شار عنا�صرها فيها‪.‬‬ ‫ع��ام ‪ 2003‬و�أح���داث العنف الطائفي التي تلتها‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫نا�شط وم� ّؤ�س ٌ�س لتن�سيقية طرطو�س‬ ‫وينقل‬ ‫وبينهم عنا�صر ّ‬ ‫مت �إيفادهم ّ‬ ‫موخر ًا للقتال يف �سوريا‪،‬‬ ‫للثورة ال�سورية � ّأن جي�ش الدفاع الوطني هو �أهمّ‬ ‫قيادات ع�سكرية �إيرانية مدربة‪،‬‬ ‫تنظيم "ميار�س ال�سرقة وقطع الطرقات واقتحام بالإ�ضافة �إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املنازل بحجة وجود عنا�صر م�سلحة �أو عمالء فيها"‪ ،‬ح�سب ن�شطاء معار�ضني‪.‬‬ ‫اتهم اللواء بارتكاب جمزر ٍة يف منطقة الذيابية‬ ‫الفت ًا �إىل �أن غالبية املتطوعني فيه "ينتمون �إىل‬ ‫ً‬ ‫بريف دم�شق اجلنوبي‪� ،‬إ�ضافة �إىل ا�شرتاكه يف القتال‬ ‫الطائفة العلوية" التي ينتمي �إليها الأ�سد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتع ِوّ�ض قوى جي�ش الدفاع الوطني عن اجلي�ش يف �أحياء دم�شق اجلنوبية وحتديدا يف منطقة ال�ست‬ ‫َ‬ ‫مناطق ّ‬ ‫النظامي يف‬ ‫تقل فيها املواجهات الع�سكرية‪ ،‬زينب‪ ،‬التي يقول عنا�صر منه ب�أن مه ّمتهم فيها هي‬ ‫ً‬ ‫مثل ِ‬ ‫مدن وقرى ال�ساحل ال�سوري‪� ،‬إ�ضافة �إىل قرى "الدفاع عن مقام ال�سيدة زينب"‪.‬‬ ‫حيث‬ ‫وغريها‪،‬‬ ‫دم�شق‬ ‫ريف‬ ‫مدن‬ ‫وبع�ض‬ ‫الغاب‬ ‫يف �سهل‬ ‫حزب اهلل‬ ‫تتوىل هي مهام اقتحام املنازل واعتقال النا�شطني‬ ‫يعترب حزب اهلل اللبناين �أهم القوى اخلارجية‬ ‫وامل�شتبه بهم‪.‬‬ ‫التي تقاتل �إىل جانب النظام ال�سوري بو�ضوح‪.‬‬ ‫عنا�صر‬ ‫���داد‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫دقيقة‬ ‫إح�صائية‬ ‫�‬ ‫توجد‬ ‫ال‬ ‫فالتنظيم احلليف للقيادة ال�سورية تاريخي ًا مل يعلن‬ ‫جي�ش الدفاع الوطني‪� ،‬إال �أن م�صادر من حمافظة دخول عنا�صر منه �إىل �سوريا وقتالها مع النظام يف‬ ‫طرطو�س ت�ؤكد وجود �أكرث من �ستة �آالف متطوع يف‬ ‫البداية‪ ،‬بل �أعلن ذلك ر�سمي ًا على ل�سان �أمينه العام‬ ‫امليلي�شيا من طرطو�س وحدها‪.‬‬ ‫وقد �شاركت ميلي�شيا جي�ش الدفاع الوطني يف ح�سن ن�صر اهلل‪ ،‬مع احتدام اال�شتباكات يف الق�صري‬ ‫عمليات ع�سكرية كربى‪ ،‬حيث �أ�شارت جممل الدالئل بريف حم�ص �شهر حزيران املا�ضي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التدخل يف الق�صري‪ ،‬باتت ق��وات حزب‬ ‫وبعد‬ ‫و�شهود العيان والنا�شطني �إىل �أن عنا�صره م�س�ؤولون‬ ‫منطقة �سورية‪،‬‬ ‫من‬ ‫أكرث‬ ‫�‬ ‫يف‬ ‫معلن‬ ‫ب�شكل‬ ‫تقاتل‬ ‫اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫بالدرجة الأوىل عن املجازر التي حدثت بانيا�س‬ ‫ريف دم�شق وحم�ص‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ريف حلب‬ ‫والبي�ضا وعقرب وامل�ترا���س‪ ،‬والتي ات�سمت �أغلبها مثل ِ‬ ‫وخا�صة بلدتي نبّل وال��زه��راء‪ .‬وي�صف غالبية‬ ‫بالعنف والدموية ال�شديدة‪.‬‬ ‫ال�ش ّبيحة‬ ‫ن�شطاء احل��راك ال�سوري واملحللني ال�سيا�سيّني �أن‬ ‫�سواهم‬ ‫عن‬ ‫ّيحة"‬ ‫ب‬ ‫يختلف من يعرفون بـ"ال�ش‬ ‫تدخل حزب اهلل يف الأعمال امل�سلحة يف �سوريا قائمٌ‬ ‫م�صلحة �سيا�سية‪ ،‬كون النظام ال�سوري وحليفه‬ ‫من العنا�صر امل�س ّلحة املقاتلة �إىل جانب اجلي�ش على‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�صيغة‬ ‫النظامي‪ ،‬كون جمموعتهم تفتقد‬ ‫تنظيمية الإيراين �أهمّ داعمي احلزب‪ ،‬وعلى �أ�سا�س ارتباطات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وا�ضحة حاليا‪ ،‬حيث يعود تاريخ ال�شبّيحة �إىل �أواخر طائفية‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الثمانينات‪� .‬إذ عملت‬ ‫جمموعة من العنا�صر املدنيّة اجلبهة ال�شعبية لتحرير فل�سطني ‪-‬‬ ‫امل�س ّلحة بالتهريب وجت���ارة الأ�سلحة وامل��خ��درات‬ ‫القيادة العامة‬ ‫والتبغ‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل خمتلف �أنواع الب�ضائع‪ ،‬وي�شاع‬ ‫برز دور اجلبهة ال�شعبية لتحرير فل�سطني ‪-‬‬ ‫�أن ا�ستخدامهم لل�سيارات املك ّناة بالـ"ال�شبح" هو �سبب‬ ‫جانب النظام ال�سوري‬ ‫القيادة العامة يف‬ ‫ِ‬ ‫القتال �إىل ِ‬ ‫ت�سميتهم بال�شبيحة‪.‬‬ ‫عنا�صر ال�شبيحة الذين كان عملهم الأ�سا�سي مع بد ِء احلراك ال�شعبي يف خميم الريموك لالجئني‬ ‫هو التهريب عملوا مع اندالع الثورة يف �سوريا على الفل�سطينيني بدم�شق‪ ،‬حيث ع��م َ��ل م�س ّلحون من‬ ‫تنظيم حواجز وجت ّمعات م�س ّلحة‪ ،‬تقوم مب�ساندة اجلبهة على ّ‬ ‫ف�ض املظاهرات يف البداية‪ ،‬ومن ثمّ‬ ‫اجل��ي�����ش ال��ن��ظ��ام��ي‪ ،‬و"تويل �أع���م���ال ال��ق��ت��ل بعد مواجهة التنظيمات املعار�ضة امل�سلحة التي انت�شرت‬ ‫ال�سيطرة الع�سكرية" ح�سب نا�شطني من مدينتي يف املخيّمات الفل�سطينية وحولها‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫جمموعات منهم‬ ‫حم�ص وال�لاذق��ي��ة‪ ،‬حيث قامت‬ ‫ويقت�صر دور اجلبهة ال�شعبية – القيادة‬ ‫ّ‬ ‫تتبع ل�شخ�صيات مق ّربة من م�ؤ�س�سة احلكم بتول العامة على املخيّمات الفل�سطينية‪ ،‬حيث يعتمد‬ ‫مهام ت�صفية املدنيني بعد قيام اجلي�ش النظامي عليها النظام ب�شكل �أ�سا�سي يف تلك املناطق‪ ،‬كونها‬ ‫باقتحام مناطق خالل العمليات الع�سكرية‪ .‬كما ا ُتهم متتلك خرب ًة �أمنية وجغرافية فيها من جهة‪ ،‬وكونها‬ ‫ال�شبّيحة بح�سب ٍ‬ ‫جهات مدنية وع�سكرية معار�ضة من �أكرث التيارات الفل�سطينية املقربة من النظام‬ ‫بالقيام بع ّدة جم��ازر‪ ،‬يذكر منها جمزرتا احلولة‬ ‫جهة �أخرى‪.‬‬ ‫ال�سوري من ٍ‬ ‫والرتمي�سة‪.‬‬ ‫م��ن اجل��دي��ر ب��ال��ذك��ر � ّأن جممل التنظيمات‬ ‫اللجان ال�شعبية‬ ‫ين امل�سلحة وامليلي�شات التي تقاتل �إىل جانب النظام‬ ‫ت�سليح مد ّ‬ ‫ظاهرة‬ ‫كانت اللجان ال�شعبية �أول‬ ‫ٍ‬ ‫وا�ضح بعد بدء الأح��داث يف �سوريا‪ ،‬حيث بد�أت مع ال�سوري تلقى دعم ًا مبا�شر ًا وغري مبا�شر من ِقبل‬ ‫مت ت�شكيل جلان القيادة ال�سيا�سية والع�سكرية ال�سورية‪� ،‬سوا ًء‬ ‫ال�شعبي‪� ،‬إذ ّ‬ ‫انطالق احلراك ال�سلمي‬ ‫ّ‬ ‫�أحياءٍ تعمل بالتن�سيق مع امل�ؤ�س�سات الأمنية‪ ،‬مهمتها بالإمداد بال�سالح �أو كافة �أن��واع الدعم اللوج�ستي‬ ‫املعلنة كانت حماية تلك الأحياء من �أي اخرتاق الأخ����رى‪� ،‬إ���ض��اف��ة �إىل ت��ق��دمي امل��د ّرب�ين والإي��ف��اد‬ ‫م�سلح‪ .‬وقد ات�ضح �سريع ًا �أ ّنها تقوم عو�ض ًا عن ذلك اخلارجي �أحيان ًا التباع دورات ع�سكرية و�أمنية‬ ‫مبه ّمات �أمنية تتجلى يف تفتي�ش امل��ارة وال�سيارات مك ّثفة‪.‬‬


‫العدد ‪93‬‬

‫‪2013-11-10‬‬

‫جماهدو �سورية‪� ..‬أحالم الو�صول �إىل ال�سلطة‬ ‫درا�سة على حلقات ج‪2‬‬ ‫عمر كايد‬

‫حوار مع " قاعدي" مقال مهم حول تفكري ال�سلفية اجلهادية وحول دور‬ ‫القاعدة يف �سورية والفرق بني دولة اال�سالم يف العراق وال�شام وجبهة الن�صرة ‪.‬‬

‫‪� - 2‬أما ثاين اخلالفات بيننا وبني دولة العراق وال�شام‪،‬‬ ‫فهو �أن دول��ة العراق وال�شام ت�ستعجل الإع�لان عن الدولة‬ ‫الإ�سالمية وملّ��ا يحدث اال�ستقرار والتمكني‪ ،‬وبعد �أن تعلن‬ ‫الدولة ت�سعى �إىل فر�ض ال�شريعة الإ�سالمية ب�شكل عنيف‪،‬‬ ‫فتهدم املقامات وت�سوي القبور ب��الأر���ض‪ ،‬ومتنع التدخني‪،‬‬ ‫وتقيم احلدود حتى على الفتيان ال�صغار‪ ،‬وتغلق املحال حني‬ ‫ي�أتي موعد ال�صالة‪ ،‬وت�ضرب ّ‬ ‫كل من يفطر برم�ضان‪ ،‬وتن ّكل‬ ‫باملخالفني‪ ،‬الأم��ر الذي يفقدهم احلا�ضنة ال�شعبية‪�....‬أما‬ ‫نحن‪ ،‬فرنى �أن هناك �أولويات‪ ،‬والأولوية هي �إ�سقاط النظام‬ ‫حتى ت�ستقر لنا الأمور‪ ،‬وبعدها نعلن قيام الدولة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫‪ -3‬دول��ة ال��ع��راق وال�شام ت�ستهدف ب�شكل كبري �أبناء‬ ‫الطوائف الأخرى‪ ،‬فتقتل كل من هو م�سيحي �أو درزي �أو علوي‬ ‫�أو �شيعي‪ ،‬كما تقتل من ال�سنة من هو خمالف لها‪ ،‬فقد قتلت‬ ‫�أحد امل�شايخ البارزين يف ريف حلب‪ ،‬لأنه ينتقد ت�صرفاتهم‪.‬‬ ‫هذه الت�صرفات التي ن�شهدها يف بالد ال�شام ومن قبل يف بالد‬ ‫الرافدين‪ ،‬دفعت ال�شيخ �أ�سامة بن الدن ومن بعده الظواهري‬ ‫�إىل توجيه ر�سالة حملت انتقادات كبرية ل�سلوكات دولة‬ ‫العراق الإ�سالمية بقيادة �أبو م�صعب الزرقاوي‪ ،‬ودعت �إىل‬ ‫عدم قتل املخالفني لهم بالدين‪� ،‬إن مل يبادروا �إىل قتالهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬دولة العراق وال�شام ال م�شكلة عندها يف قتل املدنيني‬ ‫�أثناء تنفيذ العمليات‪ ،‬حتى لو كانوا من ال�سنة‪ ،‬وحتى لو كانت‬ ‫فوائد العملية لي�ست كبرية‪ ،‬فهم يقولون �إن املدنيني ال ّ‬ ‫يعطلون‬ ‫اجلهاد‪� .‬أما نحن فمعظم كتائبنا ترى عدم جواز تنفيذ العملية‬ ‫�إن كان �سيقتل بها مدنيون‪ ،‬كما ب ّينت لك من خالل الفيديوات‬ ‫التي عر�ضتها عليك‪ ،‬والبع�ض ي��رى �أن الأم��ر يتوقف على‬ ‫حجم العملية‪ ،‬ف�إن كانت العملية كبرية‪ ،‬وعدد املدنيني الذين‬ ‫�سيقتلون قلة فال ب�أ�س‪ ،‬لأن املنفعة �أكرب من املف�سدة‪ .‬وكذلك‬ ‫الأمر بالن�سبة �إىل التفجريات‪ ،‬ف�إن كان عدد الذين �سيقتلون‬ ‫من «الكفرة» �أك�بر من ع��دد «امل���ؤم��ن�ين»‪ ،‬فال مانع من تنفيذ‬ ‫العملية‪.‬‬ ‫‪ -5‬دول��ة العراق وال�شام ت�سري على قاعدة‪( :‬واعتدوا‬ ‫عليهم مبثل ما اعتدوا عليكم) فتفتي بتهدمي كنائ�س امل�سيحيني‬ ‫وح�سينيات ال�شيعة لأن النظام يهدم م�ساجد ال�سنة‪ ،‬وت ّربر‬ ‫الذبح لأن النظام يذبح‪ ،‬وتفتي بقتل �أوالد خمالفيهم ون�سائهم‪،‬‬ ‫لأن النظام يفعل ذلك‪ ،‬ولعلها قد جتيز ا�ستخدام الكيماوي لأن‬ ‫النظام بر�أيهم ا�ستخدمه �أكرث من مرة ‪ ...‬قلت له و�أنتم ماذا‬ ‫تعتقدون؟ قال ‪ :‬هناك بع�ض املجموعات حتمل هذه الأفكار‪...‬‬ ‫قلت له ‪ :‬لكن الكثري من العلماء ف�سروا هذه الآية بخالف ما‬ ‫تف�سرونه‪ .‬فاملق�صود بـ «اع��ت��دوا» هو رد االع��ت��داء‪ ،‬لأن��ه من‬ ‫املحال �أن ي�أمر اهلل باالعتداء ‪ ...‬ورد االعتداء ال يكون �إال‬ ‫ن�ص عليها ال�شرع‪ ،‬فال�شرع �أو�صى �أن ال نقتل‬ ‫وفق احلدود التي ّ‬ ‫�شيخ ًا وال طف ًال وال امر�أة‪ ،‬و�أو�صى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم �أن ال يحد الإن�سان �شفرته �أمام ذبيحته فكيف �إذا كان‬ ‫ب�شر ًا‪ ،‬فيجب �أن تبحث عن �أي�سر الطرق لقتله �إن قاتلك طبع ًا‪.‬‬ ‫لكن ما ن�شاهده من �أفالم عرب اليوتيوب تظهر وح�شية كربى‬ ‫تن ّفر النا�س منكم ومن الإ���س�لام‪ ...‬قال هذا مو�ضوع خاليف‬ ‫بيننا‪ ،‬لكن حني ترى بعينيك الطريقة التي يقتل بها بع�ض‬ ‫املجاهدين‪ ،‬وما يلحق بج�سده من ت�شويه‪� ،‬سيكون ر�أيك خمالف ًا‪.‬‬ ‫�س�ألته عن ر�أي��ه بالإخوان امل�سلمني‪ ،‬فقال ه���ؤالء �إخوان‬ ‫ال�شياطني‪ ،‬فهم يتعاونون مع الكفرة والأمريكيني‪ ،‬كما �أنهم غري‬ ‫�صادقني‪ ،‬وهم طالب �سلطة‪ .‬و�إن �أتيح لهم املجال ليتحالفوا‬ ‫مع النظام ويعطيهم بع�ض املكا�سب لتحالفوا معه‪ .‬الإخ��وان‬ ‫امل�سلمون حكموا م�صر‪ ،‬فماذا قدموا لنا‪ ،‬ال �شيء‪ .‬وهل �ألغوا‬ ‫املعاهدة مع �إ�سرائيل‪ ،‬بالطبع مل يفعلوا ول��ن يفعلوا لأنهم‬

‫عمالء لها‪.‬‬ ‫التغيري بر�أينا يجب �أن يتم ب�شكل جذري وثوري‪ ،‬وكل من‬ ‫يدخل يف ت�شريعات الكفرة فهو كافر‪ ،‬والإخ��وان وافقوا على‬ ‫الدخول �إىل العملية الدميوقراطية‪ ،‬و�ساهموا يف امل�شاركة‬ ‫بنظام ال يقيم �شرع اهلل‪.‬‬ ‫بيادق يف لعبة الأمم؟‬ ‫فكرت كثري ًا يف ه�ؤالء ال�شباب‪ ،‬كنت على يقني �أن فكرهم‬ ‫ال يخدم �إال �أعداءهم‪ ،‬و�أن ت�صرفاتهم ت�ش ّوه �صورة الإ�سالم‬ ‫وامل�سلمني‪ ...‬وقد حاولت يف اليوم التايل �أن �أنقل وجهة نظري‬ ‫هذه لأبي مالك‪.‬‬ ‫مل ي ُِجب �أبو مالك عن ت�سا�ؤالتي فقد مات‬ ‫�أتاين �أبو مالك عند الفجر‪� ،‬صعدنا �إىل �سطح املنزل‪ ،‬كان‬ ‫القمر ب��در ًا‪ ...‬دخلت يف النقا�ش ف��ور ًا‪ ،‬كنت �أظ��ن �أن كالمي‬ ‫�سيقلب بع�ض املوازين‪ .‬قلت له �أخ�شى �أن تكونوا حت ّولتم من‬ ‫حيث ال ت��درون �إىل �أداة يف يد ال��دول الكربى‪ ،‬وحتركاتكم‬ ‫وجهادكم ال تخدم يف نهاية املطاف �إال الأمريكيني‪ ،‬كما حدث يف‬ ‫�أفغان�ستان‪� .‬ضحك الرجل‪ ،‬وقال هل تقول هذا الكالم مازح ًا‪،‬‬ ‫اتق اهلل‪ ،‬نظر �إىل جبل قا�سيون‪،‬‬ ‫فقلت له ال !‪ ،‬فقال‪ :‬يا رجل ِ‬ ‫وقال �إن ال�شباب الذين ر�أيتهم يحملون داخل قلوبهم �إمياناً‬ ‫�أر�سخ من هذه اجلبال‪.‬‬ ‫قلت له ال �أ�شك يف ذلك‪ ،‬وما ق�صدت الت�شكيك يف �إميانكم‪،‬‬ ‫و�س�أو�ضح لك وجهة نظري‪ ،‬قال تف�ضل‬ ‫قلت له الإخال�ص وحده ال يكفي يا �أبا مالك‪ ،‬بل يجب �أن‬ ‫تكونوا على دراية واطالع بح�سابات الدول الكربى‪ ...‬وهنا‬ ‫ي�سر لكم الغرب طريق الدخول‬ ‫�أريد �أن �أ�س�ألك �س�ؤا ًال‪ :‬ملاذا ّ‬ ‫يي�سر لنا‪ ،‬بل نحن قطعنا احلدود‬ ‫�إىل �سورية؟ قال‪ :‬الغرب مل ّ‬ ‫الوعرة و�سرنا امل�سافات الطويلة حتى و�صلنا �إىل �إخواننا‪،‬‬ ‫وكدنا نقتل م��رات‪ ،‬وحدثني عن بع�ض رفاقه الذين قب�ض‬ ‫عليهم اجلي�ش الأردين على احل��دود‪� ...‬س�ألته‪ :‬ملاذا تركتم‬ ‫بالدكم؟ قال‪� :‬أتينا لنن�صر �إخواننا امل�ست�ضعفني يف �سورية‪.‬‬ ‫فقلت له يا رجل‪ ،‬ال ميكن �أن يدخل الآالف من املقاتلني عرب‬ ‫احل��دود الرتكية لو مل يكن هناك �ضوء �أخ�ضر من ال��دول‬ ‫الكربى �أمريكا وبريطانيا وفرن�سا‪ ،‬كما ح�صل �سابق ًا مع املقاتلني‬ ‫العرب الذين ق�صدوا �أفغان�ستان للقتال �ضد الرو�س‪ .‬قلت له‬ ‫�أريد �أن �أقول لك �شيئ ًا وف ّكر به‪ :‬الدول الكربى �سهلت لكم مهمة‬ ‫الدخول �إىل �سورية‪ ،‬لتتخل�ص منكم يف البالد التي تنت�شرون‬ ‫بها‪ ،‬ال �سيما بعد مقتل ال�سفري الأمريكي يف ليبيا‪ ،‬كما �أن الهدف‬

‫الآخ��ر للدول الكربى هو �إقامة ت��وازن ع�سكري مع النظام‬ ‫ال�سوري على الأر�ض‪ ،‬لأن �إقامة هذا التوازن �سي�ؤدي �إىل �إطالة‬ ‫احلرب يف بالد ال�شام‪ ،‬وبالتايل تدمري �سورية و�إخراجها من‬ ‫معادلة ال�صراع العربي ‪ -‬الإ�سرائيلي و�إنهاكها يف حرب �أهلية‪.‬‬ ‫فاملعار�ضة ال�سورية غري قادرة على ال�صمود يف وجه النظام‪،‬‬ ‫ولي�س هناك من �سبيل �سوى اال�ستعانة بـ «القاعدة‬ ‫يريد الغرب �أي�ض ًا �أن ي�سبغ على احل��رب الدائرة البعد‬ ‫الطائفي‪ ،‬ال �سيما �أن حلفاء النظام من ال�شيعة والعلويني و�أن‬ ‫معار�ضيه من ال�سنة‪� .‬أما الهدف الرابع‪ ،‬فهو الق�ضاء على �أكرب‬ ‫قدر منكم‪ ،‬ف�إن �أي ت�سوية �ستربم يف نهاية املطاف �ستكون على‬ ‫ح�سابكم و�ستدفعون �أنتم الثمن‪ ،‬لأن الطروحات التي تتقدمون‬ ‫بها ال يوافق عليها �أحد‪ ،‬حتى الإ�سالميني كالإخوان امل�سلمني‬ ‫فما بالك بالعلمانيني‪.‬‬ ‫قلت له يف النهاية �أخ�شى يا �أب��ا مالك �أن يكون هدف‬ ‫الأمريكيني هو تدمري �سورية و�إ�شاعة الفو�ضى حتى لو �سقط‬ ‫�ستوجهون بندقيتكم �إىل اجلي�ش احلر‬ ‫النظام‪ ،‬ف�أنتم بالطبع ّ‬ ‫والأك���راد والكتائب الأخ��رى �إن �سقط النظام‪ ،‬الأم��ر الذي‬ ‫�سيدفع ال�سوريني الثائرين �إىل اال�ستجارة بالغرب لإنقاذ‬ ‫البالد والتخل�ص منكم‪ ،‬وهنا يعود الأمريكيون والفرن�سيون‬ ‫والربيطانيون على ح�صان �أبي�ض ليم�سكوا بزمام اللعبة‬ ‫اال�ستخباراتية ل�سورية واملنطقة‪ .‬وت�صبح املقاي�ضات‪ ،‬ثروات‬ ‫البالد وال�سالم مع �إ�سرائيل مقابل اال�ستقرار والأمن‪.‬‬ ‫�أعتقد �أن الكثري من املجموعات التابعة للن�صرة ودولة‬ ‫العراق وال�شام خمرتقة ا�ستخباراتي ًا‪ ،‬و�سرتى يا �أبا مالك �إن‬ ‫ق ّي�ض اهلل لك �أن تعي�ش‪� ،‬أن الدولة الإ�سالمية حلم ووهم ال‬ ‫ميكن �أن تتحقق على �أيديكم يف �سورية‪ ،‬و�أن القاعدة وحلفاءها‬ ‫�سيتل ّقون �ضربة قوية وموجعة‪.‬‬ ‫قال �أنتم ال�صحافيون ح�ساباتكم دنيوية‪� ،‬أما نحن فن�ؤمن‬ ‫�أن كل ما يحدث هو بتقدير اهلل‪ .‬قال تعاىل‪ :‬وما الن�صر �إال‬ ‫من عند اهلل وق��ال �أي�ض ًا‪ :‬ومي��ك��رون وميكر اهلل واهلل خري‬ ‫املاكرين‪ ...‬قلت ما هكذا حت�سب الق�ضايا‪ ،‬فاهلل قال و�أع ّدوا‬ ‫لهم ما ا�ستطعتم من قوة‪ ،‬والإع��داد لي�س فقط ع�سكري ًا‪ ،‬بل‬ ‫يكون الإعداد بالعلم والتكنولوجيا وفهم الأولويات والتدرج‬ ‫وفهم موازين القوى العاملية وح�ساباتها‪.‬‬ ‫يف اليوم التايل‪ ،‬ودعت �أبا مالك‪ ...‬توا�صلت معه بعدها‬ ‫مرات قليلة جد ًا‪.‬‬ ‫قبل �أيام‪� ،‬أتتني ر�سالة ‪ ..‬كتب فيها‪ ...‬ا�ست�شهد �أبو مالك‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.